
تراثنا
العدد
الثاني [١٤٢]
|
صاحب
الامتیاز
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث
المدير المسؤول :
السيّد جواد الشهرستاني
السنـة السادسة
والثلاثون
|
محتـويات العـدد
* توجيه دلالات التعبير عند البحراني في شرحه على نهج
البلاغة.
........................... د.
هاشم جعفر حسين والأستاذ أحمد راضي جبر ٧
* تاريخ الحوزات العلمية والمدارس الدينية عند الشيعة الإمامية
(١).
............................................ الشيخ عدنان فرحان القاسم ٤١
* (الفَوائِدُ
الحِسانُ الغَرائِبُ) روايةُ (ابنِ الجندي) (٣٠٥ ـ ٣٩٦هـ) (٤).
.............................................. الشيخ أمين حسين پوري ٨٤
ربيع
الآخر ـ جمادى الآخر
|
١٤٤١ هـ
|
* المنهج الموسوعي في الفقه الإمامي (الحدائق والجواهر أنموذجاً) (٤).
............................................... الشيخ مهدي البرهاني ١٢٤
* من ذخائر التراث :
* حاشية
الميرزا أبي طالب الإصفهاني على شرح سَعْد التفتازاني لتصريف الزنجاني.
............................................ تحقيق : محسن خدايوندي ١٧١
* من أنباء
التراث.
....................................................... هيـئة التحرير ٣٠٦
* صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (حاشية الميرزا أبي
طالب الإصفهاني على شرح سَعْد التفتازاني لتصريف الزنجاني) والمنشورة في هذا العدد.

توجيه دلالات التعبير عند البحراني
في شرحه على نهج البلاغة
|
|
|
د. هاشم جعفر حسين الموسوي
الأستاذ أحمد راضي جبر
|
بسم الله الرحمن الرحيم
توطئة :
الحمد لله ربّ
العالمين ، الذي خلق فسوّى ، وقدّر فهدى ، أحمده حمداً كثيراً ، يوازي نعمه ، الحمد
لله كما هو أهله. والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين ، وأفضل من نطق بالضاد
، محمّد بن عبد الله ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين ، مصابيح الدُّجى ، وسفن النجاة
، اللهمَّ صلّ عليهم صلاة باقية دائمة بدوام ملكك.
أمّا بعدُ ...
فلا يخفى على أحد منزلة نهج
البلاغة ، إذ وصف
بأنّه دون كلام الخالق ، وفوق كلام المخلوقين ، هذا الكتاب الذي جمعه الشريف الرضي
، وهو
عبارة عن خطب الإمام عليهالسلام ورسائله وكتبه وحكمه ، مقسَّمةً على ثلاثة أقسام ، هي :
١
ـ الخطب ، واختار منها
٢٤٢ خطبة.
٢
ـ الكتب والرسائل ، واختار منها ٧٨ كتاباً ، منها الطويل ومنها القصير.
٣
ـ الحكم أو قصار الكلم ، واختار منها ٤٩٨ عبارة أو كلمة قصيرة.
وقد سمّاه نهج البلاغة ، وهو اسم يدلّ على مسمّاه ، يقول محمّد عبده (١٣٢١هـ)
: «ولا أعلم اسماً أليق بالدلالة على معناه منه ، وليس في وسعي أن أصف هذا الكتاب
بأزيد ممّا دلّ عليه اسمه ، ولا أن آتي بشيء في بيان مزيّته فوق ما أتى به صاحب
الاختيار». وقد شرح النهج أكابر العلماء ، فقد شحذ الشريف الرضيّ
بجمعه مادّة نهج
البلاغة هممهم ، وبرى
أقلامهم ، بعد أن سبقهم للتعليق على بعض الخطب ، فأقبلوا على النهج يشرحون متنه ، وينهلون
من معارفه ، ثمّ تتابعت حركة التأليف هذه عبر القرون ، حتّى فاقت شروح النهج مائتي
شرح ، قسم منها عربي ، والقسم الآخر بلغات أخر ، على أنّ تلك الشروح لم يصل إلينا
منها إلاّ القليل ، إذ عَدَت عليها عوادي الزمن ، وما وصل منها أغلبه مخطوط ، وأقلّه
مطبوع ، ومن شاء أن يطّلع على ذلك فليراجع كتاب مصادر نهج
البلاغة للسيّد عبد
الزهراء الخطيب ، فقد جمع فيه معظم ما ألّف في نهج البلاغة.
ومن أشهر
الشروح المطبوعة شرح نهج
البلاغة لكمال الدين
ميثم بن علي ابن ميثم بن المعلّى ، أبي الفضل البحراني(ت٦٧٩هـ) ، من علماء البحرين
الأجلاّء ،
__________________
ولد فيها سنة (٦٣٦هـ) ، وتوفّي فيها
رحمهالله
سنة (٦٧٩هـ) ظهر شأنه في بلاده ، وعلا صيته فوصل إلى مسمع علماء
العراق ، فكاتبه علماء النجف والحلّة ، يعتبون عليه لعدم زيارته لهم ، واعتزاله
الناس ؛ لانشغاله بالتأليف والتحقيق ، فارتحل إلى العراق ، وألّف الكثير من الكتب
النافعة في مجالات متنوّعة من العلوم الشرعية والفقهية والعرفانية واللغوية
والأدبية ، فكان ما ترك موسوعة علمية ثرة يستحقّ عليها الثناء
العاطر وتستوجب منّا التنقيب عنها ودراستها. وقد وقع الاختيار من زاد البحراني
العلمي النافع على شرحه الكبير لنهج
البلاغة ، فاستعنّا
بالله لدراسة توجيه البحراني لدلالات التعبير في نصوص النهج ، وكان من دواعي هذه الدراسة :
١ ـ كثرة
المادّة النحوية المبثوثة في صفحات هذا الشرح الذي يقع في سبعة أجزاء في طبعة ، وخمسة
أجزاء في أخرى.
٢ ـ أنّ للشارح
البحراني مشاركة واسعة في هذه المادّة النحوية التي ضمّت أقوال الشارحين السابقين
عليه وآراءهم ، ثمّ إنّه وجّه هذه المادّة وجهة دلالية تكشف عن دلالات متعدّدة
للنصّ ، بحسب السياقين الداخلي والخارجي.
٣ ـ أنّ شرح
البحراني من أقدم شروح نهج
البلاغة التي وصلت
إلينا.
__________________
٤ ـ منزلة
الشارح البحراني بين العلماء ، إذ هو قمّة بين جبلين شامخين ، فهو من جهة تلميذ
شيخ الطائفة نصير الدين الطوسي (٦٧٢ هـ) ، وتلمّذ على البحراني الحسن بن يوسف بن
علي بن المُطَهَّر الأسدي المعروف بالعلاّمة الحلّي ، وبابن المطهّر (٧٢٦هـ).
أمّا عن النهج
الذي انتهجه الشارح في شرحه ، فكان يبدأ بذكر قول الإمام
عليهالسلام
وكثيراً ما كان
يُقَسِّم الخطبة الواحدة أقساماً بحسب وحدة الموضوع ، ومن ثَمَّ يبدأ بتوضيح بعض
الكلمات غير واضحة المعنى ، دون أن يشير إلى أصحاب المعاجم. وبعد ذلك يبدأ بذكر
المعنى العامّ للخطبة ، مع ذكر مناسبة الخطبة ، وأخيراً شرح الخطبة ، جملةً جملةً.
والناظر في هذا الشرح يجد فيه صبغةً عرفانية وفلسفية ، وهو ما عُرِف به هذا الشارح
، فهو من العلماء العرفانيّين والمتكلّمين ، وقد ضمَّنَ معرفته الفلسفية شرحه هذا
، ممّا يجد معه الباحث مشقّةً كبيرةً في تفسير عبارات الشرح التي يكتنفها الغموض.
ثمّ إنَّه لجأ إلى التلخيص الشديد ، ولاسيّما في مقدّمته البلاغية التي قدَّم بها
للشرح التي جاوزت مائة وخمسين صفحة ، والتي يلفّها الكثير من المصطلحات الأصولية
والفلسفية الصعبة ، ممّا زاد في صعوبة فهم الكثير من عباراته ، وآرائه.
وشرح نهج
البلاغة للبحراني شرح
كبير يقع في خمسة أجزاء بطبعة إيران ، وقد تجمّعت من استقرائه مادّة نحوية دلالية
كثيرة لا تسع هذه الصفحات
__________________
تفاصيلها وسنقتصر منها على أمثلة تشتمل على توجيه البحراني لدلالات التعبير
في نصوص النهج العلوي في مباحث ثلاثة :
أوّلها : توجيه الدلالة الإعرابية. وثانيها : توجيه الدلالة التركيبية. وثالثها : توجيه دلالة الأدوات.
أمّا النهج
الذي سرنا عليه في دراسة هذا الموضوع ، والوصول إلى النتائج المتوخّاة منه ، فيمكن
إجماله بالآتي :
استقراء
المادّة النحوية المبثوثة في هذا الشرح ، والملاحظ فيها أنّ البحراني لم يلتزم
منهجاً واحداً في عرضها.
وصف هذه
المادّة التي وردت عند البحراني ، وموازنتها بما ورد عند الشرّاح السابقين له
واللاحقين.
تحليل هذه
المادّة ، ومناقشة ما ورد فيها من أقوال ، ومحاولة استنباط حكم ما ، بما يترجّح من
قرائن متنوّعة.
المبحث الأوّل : توجيه الدلالة الإعرابية :
حفل شرح نهج
البلاغة للبحراني
بآراء عديدة في الإعراب والوظيفة التي يؤدّيها هذا الإعراب ، فلم يقف البحراني عند
حدِّ الإعراب اللفظي ، وإنّما بحث في الوظيفة التي تؤدّيها الحركة الإعرابية في
المعنى ، فنجده يرجّح رواية على رواية تبعاً للمعنى المتحصّل من هذه الحركة أو تلك
، ونجده كذلك في شرحه يجتهد في أحيان كثيرة ، لبيان دلالات أحوال الإعراب من نصب ،
ورفع ، وجرّ ، إمّا
برأي ينفرد به ، أو بترجيح مِنْ بين أقوال شرّاح النهج ، أو بزيادة استدلال على رأي مَن تابعهم من الشرّاح ، ومن
أمثلة ذلك :
١ ـ قال
عليهالسلام
في ذمّ أتباع
إبليس : «دَلَفَ بِجُنُودِهِ نَحْوَكُمْ ، فَأَقْحَمُوكُمْ وَلَجَاتِ الذُّلِّ ، وَأَحَلُّوكُمْ
وَرَطَاتِ القَتْلِ ، وأَوْطَؤوكُمْ إِثْخَانَ الجِرَاحَةِ ، طَعْناً فِي
عُيُونِكُمْ ، وحَزّاً فِي حُلُوقِكُمْ ، ودَقّاً لِمَنَاخِرِكُمْ ، وقَصْداً
لِمَقَاتِلِكُمْ ، وسَوْقاً بِخَزَائِمِ اَلْقَهْرِ إِلَى النَّارِ المُعَدَّةِ
لَكُمْ».
وقد عرض
البحراني في شرحه قول الإمام عليهالسلام هذا للتوجيهات النحوية التي ذكرها الشرّاح قبله في توجيه
نصب (إثخان) ، ونصب المصادر الخمسة (طعناً وحزّاً ودقّاً وقصداً وسوقاً) فقال : «وانتصبَ
(إثخان الجراحة) على أنَّه مفعول ثان لـ : (أوطؤوكم). قال بعض الشارحين : انتصب
(طعناً وحزّاً ودقّاً وقصداً وسوقاً) على المصادر عن أفعالها المقدّرة ، ومَن روى
(لإثخان الجراحة) ـ بوجود اللام ـ فيحتمل أن يجعل (طعناً) مفعولاً ثانياً لـ : (أوطؤوكم)
ويكون اللام في (الإثخان) لامَ الغرض ، أي : أوطؤوكم طعناً وحزّاً ودقّاً ليثخنوا
الجراحة فيكم ، قال : ويكون (قصداً وسوقاً) خالصين للمصدرية ، لبُعدِهما عن
المفعول به ، والأظهرُ هو الوجهُ الأوّل ، أعني : كون كلّ منها مصدراً لفعله». ونلحظ من نصّ البحراني توجيهات نحوية مختلفة لم ينسبها
إلى أصحابها ، ومحاولة منه لاستظهار وجه من هذه الوجوه وترجيحه ، ويمكن تفصيل هذه
الآراء ونسبتها إلى مَن قالها على النحو
__________________
الآتي :
في نصب (إثخان)
ذهب الراوندي إلى أنّه منصوب بنزع الخافض ، والأصل : «أوطؤوكم لإثخان الجراحة ، أو
: بإثخان الجراحة» ، فنزع حرف الخفض الذي يفيد السبب ـ أو الغرض بتعبير البحراني ـ
ونصب المجرور توسّعاً ، واحتجّ لذلك بدليل نقلي هو أنّ (إثخان) قد رُوِي مجروراً
باللام أيضاً ، وهذا يعضد أنّه في رواية النصب إنّما نُصِب بنزع الخافض ، واستدلّ
أيضاً بأنّ المعنى يتطلّب حرف الجرّ السببي ، ذلك أنّ وطأهم إنّما يتمّ بإثخان
الشيطان لهم.
ويبدو من نصّ
البحراني أنّه لم يوافق الراوندي في نصب (إثخان) بنزع الخافض ، بل ذهب إلى أنّه
منصوب على أنَّه مفعول ثان لـ : (أوطؤوكم) ، وعليه يكون الضمير المتّصل (الكاف في
أوطؤوكم) هو المفعول الأوّل ، ويكون معنى إيطاء الشيطان ببني آدم هو إلقاؤه إيّاهم
فيه ، وتوريطهم وحمله لهم عليه ، أي : جعلكم الشيطان وجنوده واطئين للإثخان.
على حين أنكر
التستري هذا الرأي مستدلاًّ بأنّ هذا المعنى لا يوائم معنى ذمِّهم ولذا قال في
إنكار هذا الرأي : «إنّه لا معنى للكلام ، فإذا كانوا واطئين للإثخان ، أىُّ نقص في
ذلك حتّى يكون من قبيل فأقحموكم ولجات الذلّ وأحلّوكم ورطات القتل».
ويبدو أنّ حبيب
الله الخوئي قد التفت إلى ما في هذا الرأي من إشكال
__________________
فقَلَب الإعراب بأنْ جَعَلَ (إثخان) المفعول الأوّل ، والضمير المتّصل
(الكاف) المفعول الثاني ، أي : جعلوا إثخان الجراحة واطئاً لهم ، لا أنَّهم واطئون
له.
والبحث يركن
إلى هذا التوجيه في نصب (إثخان) ، ذلك أنّ الفعل (أوطأ) إن رُدَّ إلى المجرّد
اتّضح المعنى جليّاً ، فيكون (إثخان) فاعلاً و (الناس) مفعولاً به ، والتقدير : (وَطِئَ
إثخانُ الجراحة الناس) ، ومع زيادة الهمزة يكون التقدير : أوطأ الشيطان إثخانَ
الجراحة الناس ، و (الإثخان) فيه مفعول أوّل لا مفعول ثان.
في نصْب
المصادر الخمسة (طعناً وحزّاً ودقّاً وقصداً وسوقاً)
رجّح البحراني
أنّها منصوبة على المصدرية ، وأنّ أفعالَها محذوفة يدلُّ عليها السياقُ ، أي : طعنوكم
في عيونكم طعناً ، وحزّوا حلوقكم حزّاً ، ودقّوا مناخركم دقّاً ، وقصدوا مقاتلكم
قصداً ، وساقوكم بخزائم القهر سوقاً إلى النار المعدّة لكم ، واستدلّ على ذلك بأنّ
هذه المصادر كلّها وردت في سياق واحد ، لمعنى واحد هو الذمُّ.
ولم ينسب
البحراني هذا الرأي إلى قائله ، واكتفى بعبارة : «وقال بعض الشارحين» ، ومِن
تتبّعِ آراء مَن سبقه اتّضح أنّ هذا الرأي لابن أبي الحديد. في حين فرّق حبيب الله الخوئي بين هذه المصادر في
الإعراب ، فذهب إلى أنّ (طعناً ،
__________________
وحزّاً ، ودقّاً) مبدلات من (إثخان الجراحة) لقرب المعنى بينهما ، فـ : (طعن
العيون ، وحزّ الحلوق ، ودقّ المناخر) بمعنى (إثخان الجراحة) قطعاً ، وأنّ (قصداً
، وسوقاً) منصوبان على المفعولية المطلقة ، وعاملاهما محذوفان بتقدير : قصدوا
إليكم قصداً ، وساقوكم سوقاً.
وأغرب التستري
في توجيه نصب هذه المصادر ، ولم يتقبّلْ ما ذكره السابقون له ، واستظهر ثلاثة أوجه
لنصبها ، هي :
الأوّل : أنّها منصوبة على الحال المؤوّلة باسم الفاعل ، والتقدير
: طاعنين في عيونكم ، وحازّين حلوقكم ، وداقّين مناخركم ، وقاصدين لمقاتلكم ، وسائقيكم
بخزائم القهر ، وهو بهذا موافق لرأي النحويّين في جواز مجيء الحال مصدراً على خلاف
الأصل مؤوَّلاً باسم مشتقّ ، إذ قال سيبويه : «وذلك قولك : قتلتُه صبراً ، ولقيتُه
فجاءةً ومفاجأةً ، وكلّمْتُه مشافهةً ، وليس كلّ مصدر إنْ كان في القياس مثل ما
مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع ، لأنّ المصدر ها هنا في موضع فاعل إذا كان
حالاً». والأصل في الحال أن يكون وصفاً ، لأنّه يتضمّن الحدث وفاعل الحدث ، أمَّا
المصدر فيتضمّن الحدث فقط من دون فاعله ، لذا لا يكون وصفاً لصاحبه.
__________________
الثاني : أنّها تعرب مفاعيل لأجلها ، وعواملها (أوطؤوكم ، وأحلّوكم
، وأقحموكم).
الثالث : أنّها تعرب تمييزات.
ونلحظ أنّ
التستري لم يفصِّل في ما جوّزه من آراء ومناسبتها لمعنى كلام الإمام
عليهالسلام
، ولعلّ مردّ
ذلك إلى ما في كلامه من بُعد التأويل ، فقوله : إنّ المصادر هنا منصوبة على الحال
بتأويل اسم الفاعل فيه الدلالة على الوصف العارض ، وهو ممّا لا يناسب مقام كلام
أمير المؤمنين هنا ، وأمّا نصب هذه المصادر على أنّها أعذار لما قبلها فيردُّه
أنّها نتائج للوطء لا أسباب له ، ويُردّ كون هذه المصادر تمييزات أنّها ليست جامدة.
ويمكن القول : إنّ
ما ذهب إليه ابن أبي الحديد والبحراني من أنّ هذه المصادر منصوبة على المفعولية
المطلقة ، وأنّ أفعالَها محذوفات وجوباً يدلّ عليها السياق ، أي : فعلوا بكم هذه
الأفعال فطعنوكم في عيونكم طعناً ، وحزُّوا حلوقكم حزّاً ، وكذا بقية المصادر ، هو
الرأي الجدير بالقبول ، ذلك أنّ المعنى يتطلّب التوكيد هنا ، وهذه المصادر دالّة
على التوكيد مطلقاً ، فضلاً عن أنّ التعبير (أوطوؤكم إثخان الجراحة) تعبير مجمل
تفصيله هذه المصادر الخمسة التي تُبيِّن أنواعاً في إثخان الجراحة توافق الإثخان
معنًى وإعراباً.
٢ ـ في قوله
عليهالسلام
يحثُّ الناسَ
على التقوى : «عِبَادَ اَللَّهِ ، اللَّهَ اللَّهَ فِي أَعَزِّ الأَنْفُسِ
عَلَيْكُمْ ، وَأَحَبِّهَا إِلَيْكُمْ ، فَإِنَّ اَللَّهَ قَدْ أَوْضَحَ لَكُمْ
سَبِيلَ الحَقِّ ، وأَنَارَ طُرُقَهُ ،
فَشِقْوَةٌ لاَزِمَةٌ ، أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ ، فَتَزَوَّدُوا فِي
أَيَّامِ الفَنَاءِ لأيَّامِ البَقَاءِ».
وقف البحراني
عند إعراب (شقوة ، وسعادة) وما يحتملانه من دلالة تناسب السياق فوجّههما على
أنّهما خبر لمبتدأ محذوف ، تقديره : فغايتكم ، ورأى أنّ في ذلك تنبيهاً على غايتَي
سبيل الحقّ ، وسبيل الباطل ، قال : «نبّه على غايتَي سبيلِ الحقِّ وسبيلِ الباطلِ
بشِقْوَة لازمة وسعادة دائمة» ، ويُفْهَمُ من توجيهِهِ هذا أنّ الجملةَ هنا جملة
اسمية دالّةٌ على ثبات الشقوة أو ثبات السعادة ، لأنَّ الجملةَ الاسمية دالّةٌ على
الثبات ، فضلاً عن نعتها بـ : (لازمة) و (دائمة) فظهر من تقديره أنّه قسّم الجزاء
قسمين : إمّا العذاب أبداً ، أو النعيم أبداً ، وقد تابعه في رأيه هذا أكثر
الشرّاح المتأخّرين.
ولم يخالف هذا
الرأي إلاّ حبيب الله الخوئي والتستري ، أمّا الخوئي فذهب إلى أنّ (شقوة ، وسعادة)
مبتدآن محذوفا الخبر ، ولا يضرّ تنكيرهما ، لكونهما نكرة موصوفة ، والتقدير : «فشقوةٌ
لازمةٌ لِمَنْ نكبَ عنها ، أو سعادةٌ دائمةٌ لمَنْ سلكها» ، ثمّ جوّز «أن يكونا فاعلين لفعل محذوف».
وأمّا التستري
فأنكر رأي الخوئي ، الذي جوّز فيه رفع (شقوة وسعادة) على
__________________
أنّهما فاعلان لفعل محذوف ، واستدلّ التستري بأنّ الفعل لا يقدّر إلاّ بعد
(إنْ وإذا) الشرطيّتين ، كما هو معلوم من مذهب البصريّين. وخلُص التستري إلى أنّ (شقوة ، وسعادة) كليهما يحتمل
الرفع على أنّه مبتدأ ، فيقدّر له خبر ، أو خبر يقدّر له مبتدأ ، وقرن ذلك بإعراب
قوله تعالى : (فَصَبْرٌ جَمِيْلٌ). فـ : (صبر) خبر أو مبتدأ ، لكونه موصوفاً ، أي : فأمري
صبري جميلٌ ، أو فصبرٌ جميلٌ أمثل ، والصبر الجميل : الذي لا شكوى فيه إلى الخلق. ولنا أن نناقش هذه الأقوال في الأمور الآتية :
إنّ ردّ
التستري على حبيب الله الخوئي لا يستقيم على إطلاقه ، لأنّ حذف الفعل مع (إنْ ، وإذا)
الشرطيّتين إنّما يكون في حال الحذف الواجب ، والخوئي لم يحدّد هنا أنّ الحذفَ
حذفٌ واجب ، إذ يجوز حذف الفعل إذا دلّ عليه دليل.
لمّا كان كلام
الإمام عليهالسلام
أكثره مقتبس من
معاني النصوص القرآنية ، كان الاحتمال الأقرب للحذف هو حذف الخبر ، والتقدير : فشقوة
لازمة لأنفسكم ، أو سعادة دائمة لها ، بدلالة قوله تعالى(يَوْمَ
يَأْتِ لاَ تَكَلَّمٌ نَفْسٌ إلاّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيْدٌ) مع إرادة القول بمنع الحذف وتقديره يمكن الاستدلال بأنّ
(شقوة لازمة) مبتدأ نكرة موصوفة مكتف عن الخبر ، لردفه بمبتدأ ثان موصوف
__________________
(سعادة دائمة) فقام كلٌّ منهما مقام الخبر عن الثاني ، فتمّ الكلام بهما من
دون تقدير أو حذف.
٣ ـ في قوله
عليهالسلام
يصف الدنيا : «أَلاَ
وَإِنَّ اليَوْمَ المِضْمَارَ ، وغَداً السِّبَاقَ ، السَّبَقَةُ اَلْجَنَّةُ ، والغَايَةُ
النَّارُ».
نقل الشرّاح
أنّ (المضمار ، والسباق) فيهما روايتان : الرفع على أنّهما خبران لـ : (إنّ) و (اليوم
وغداً) اسماها ، ورجّحه الراوندي ، فقال : «الأحسن أن يجعلَ (اليوم) اسماً صريحاً
، ويكونُ اسمَ (إنّ) ويُرْفَعُ المضمارُ على أنَّه خبرُ (إنّ) وعلى هذا إعراب
(وغداً السباق)» ، واختار ابنُ أبي الحديدِ نَصْبَ (المضمار والسباق)
على أنّهما اسما (إنّ) ، فيكون الظرفانِ خبرينِ ، وموضعُهما الرفعُ ، لأنّ «ظرفَ
الزّمان يجوزُ أنْ يكونَ خبراً عن الحدثِ».
أمّا البحراني
فجوّز الإعرابين دونما اختيار لأحدهما ، وأشار إلى اختلاف المعنى بين رفعِ
(المضمار والسباق) ونصبهما ، فَفَهِم من رأي الراوندي الذي اختار رفعَهما أنَّه
جَعَلَ (اليوم ، وغداً) اسمينِ صريحينِ ، فاليوم كنايةٌ عن أيّام الإنسان الباقية
من عمره ، وقد خَرَج عنِ الظرفية المبهمةِ إلى المعرفةِ ، والأمرُ كذلك في (غداً)
التي هي كنايةٌ عمّا بعدَ الموت ، أي : يوم الحساب ، فصلُح مجيءُ الظرفين في موضعِ
الابتداءِ ، قالَ : «وليس (اليوم) هنا دالاًّ على الظرفية ، وإنَّما قُصِد
__________________
به حياةُ الإنسانِ ، فَخَرَجَ الظرفُ من ظرفيّتِه إلى الاسمية فصار (اليوم)
اسمَ (إنّ) و (المضمارُ) خبرَها».
وأمّا نصب
الاسمين على ما اختاره المعتزلي ، فرأى البحراني أنّ فيه إشكالاً في (إنّ اليوم
المضمار) قال : «اليوم زمان ، والمضمار زمان ، فكيف يُخبَر عن المضمار باليوم؟
فيستلزم وقوعَ زمان في زمان آخر ويكون أحدهما محتاجاً إلى زمان آخرَ وذلك محالٌ». ويُفهَم من كلامِه أنّ الإشكالَ واقع في أنّ كلاًّ من
المبتدأ والخبر زمانٌ ، فالمضمار اسمٌ يُطْلَقُ على الوقتِ أي : «الأيّام التي
تُضَمَّرُ فيها الخيلُ للسباقِ أَو للركضِ إِلى العَدُوِّ ، وتَضْميرُها أَن
تُشَدَّ عليها سُروجُها وتُجَلَّل بالأَجِلَّة ، حتّى تَعْرقَ تحتها فيذهب
رَهَلُها ، ويشتدّ لحمُها ، ويُحْمَل عليها غِلمانٌ خِفافٌ يُجْرُونها ، ولا
يَعْنُفونَ بها» ، ويقدّر هذا الوقت بأربعين ليلة. وقد استعار الإمام
عليهالسلام
المضمار هنا
إلى حياة الإنسان لما بينهما من تشابه ، فالإنسان يستعدّ بالتقوى والأعمال الصالحة
ليكون من السابقين إلى لقاء الله تعالى ، كما يستعدُّ الفرسُ للسباقِ بالتضميرِ
وهو التسمينُ ثمّ القوت. وأمّا اليوم فزمانٌ معلوم ، فلا يصحُّ بعد الإخبار
بوقوع الزمانِ في الزمان ، لأنَّه يلزم منه أنّ الزمانَ
__________________
سيكون محتاجاً إلى زمان آخرَ ، وهذا محالٌ. ثمّ أجاب البحراني عن هذا الإشكال بأنّ المضمار ليس
اسماً لمجرّد الزمان ، بل هو زمانٌ مُشْتَمِلٌ على حَدَث هو التضميرُ ونحوه : «إنّ
مُصْطَبَحَ القومِ اليومَ ... فيصحُّ الإخبارُ عن هكذا زمان إذا قُيِّدتْ بِوَصْف
، واشتملتْ على أحْداث يَتَخَصَّصُ بها». والمضمارُ لمّا كان عبارة عن الزمان الذي تضمر فيه
الخيل ، وهو زمانٌ مخصوص لتقيِّدِه بوصف مخصوص صحّ الإخبارُ عنْه باليومِ.
وأمّا (وغداً
السباق) ، فجوّز البحراني فيه نصب (السباق) على أنّه اسم (إنّ) ، و (غداً) في موضع
الخبر ، ومَنَعَ رَفْعَ (السباق) ، لأنّه لو كان خبراً لكان (غداً) اسمَه ، فيكونُ
هو المبتدأ في الأصل ، و (السباق) خبره ، وهذا لا يجوز ، لأنّ السباقَ ليس محمولاً
على (غداً) ، إذ لو كان محمولاً عليه لكان الحمل بمعنى (هو) نحو : (الإنسان
الضحّاك ، أي : هو الضحّاكُ) ، أو الحَمْل بمعنى (ذو) كقولنا : (الجسم الأبيض ، أي
: ذو بياض) ، ولا واحد من المعنيين بحاصل في (غداً السباق) ، لذا مَنَع أن يكونَ
السباقُ خبرَ (إنّ) قال : «وهو ظاهرُ الفسادِ ، لأنّ الحكمَ بِشَيء على شيء ، إمّا
بمعنى أنّه هو هو ، كما يُقال : الإنسانُ هو الضحّاكُ ، أو على أنّ المحكومَ عليه
هو المحكومُ به ، كما يُقال : الجسمُ الأبيض أي : ذو بياض ، فيمتنع أن يكون خبر
(إن)» ، ويستدرك البحراني على ذلك مُجَوِّزاً رفعَ (السباق) «على تقديرِ
__________________
حذفِ المضافِ ، وإقامةِ المضافِ إليه مقامَه ، أي : وغداً وقتُ السِّباقِ». ويبدو أنّ وجهَ النصبِ في (المضمار والسباق) أولى ، لسببين
:
أوّلهما : ورود
الرواية الصريحة بالنصب ، وهي رواية الشريفِ الرضي التي تُسَمّى بالنسخة الخطّية ،
أو النسخة الأمِّ.
والسبب الآخر :
التكلّف الظاهر في رفع الاسمين ، فإنّ ما تأوّله الشرّاحُ في (اليوم ، وغداً) من
معنى الاسمِ الصريح ، وإلغاء الظرفية منهما ، فيه من التكلُّف ما لا يخفى ، ولأنّه
مع الإبقاء على (اليوم ، وغداً) ظرفين مُبْهَمين لا يصِحُّ رفعُ (المضمار والسباق)
، لأنّ المضمار ليس عين (اليوم) ، ولا (السباق) عين (غداً) ، ذلك أنّ المضمارَ ليس
اسماً مجرّداً للزمانِ ، بل هو زمانٌ مشتمل على حَدَث هو التضميرُ ، فهو زمانٌ
مخصوصٌ.
المبحث الثاني : الدلالة التركيبية :
حفل شرح
البحراني بذكر الكثير من هذه العلاقات بين مفردات التركيب ، وما تؤدّيه من معنًى ،
كالتعريف والتنكير ، والإضمار ، والإضافة ، وغير ذلك ، وسيعرض البحث لأمثلة منها :
١ ـ في قوله
عليهالسلام
: «ولولا ما
نهى اللّهُ عنه مِنْ تَزْكِيَةِ المَرْءِ نَفْسَهُ ، لَذَكَرَ ذاكِرٌ
__________________
فضائلَ جَمَّةً تَعْرِفُها قُلُوبُ المؤمنينَ ، ولا تَمُجُّها آذانُ
السَّامِعِينَ». ذهب البحراني إلى أنّ التنكير لـ : (ذاكر) فيه الدلالة
على تزكية نفس الإمام عليهالسلام
، إذ هو
المقصود بـ : (ذاكر) في النصّ ، قال : «والذاكرُ يعني نفسه ، وإنَّما نَكَّرَهُ
ولم يأت ِ بالألف واللام ، ولم ينسبْه إلى نَفْسِه ، لأنّ في ذلك تصريحاً للدلالة
على تزكية نفسه» وهذه الدلالة للتنكير ممّا انفرد بها البحراني ، إذ لم
يُشِر الشرّاح قبله إلى هذا المعنى ، وتابعه في الإشارة إلى دلالة التنكير هذه حبيب الله
الخوئي قال : «وأَرادَ مِنْ قَوْلِه : (لَذَكَرَ ذاكِرٌ) نَفْسَهُ الشريفةَ ، ثُمَّ
وَصَفَ الفضائلَ بأنّها بلغت في الشهْرَةِ والوُضُوحِ مَبْلَغاً تَعْرِفُها قلوبُ
المؤمنينَ» ، وقدْ علّل الإمامُ
عليهالسلام
عدم ذكر فضائله
، بأنّ اللهَ تعالى نهى عن هذا الشيء ، قال تعالى : (فَلاَ تُزَكّوا
أنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتّقَى).
٢ ـ ومن أمثلة
ذلك ما في قول الإمام عليهالسلام
في طلحة
والزبير : «وأنّ مَعِي لَبَصِيرَتي مَا لَبَّستُ ، وَلاَ لُبِّسَ عَليَّ ، وأنّها
لَلفئةُ الباغيةُ فيها الحَمَأُ والحُمَةُ».
ذكر البحراني
دلالة (أل) التعريف الداخلة على (الفئة الباغية) هي (أل) العهدية ، ذلك أنّ الإمام
عليهالسلام
«كانَ عِنْدَه
علمٌ مِنَ الرسولِ(صلى الله عليه وآله) أنَّه سَتَبْغِي عليه فئة من
__________________
غير تعيين ، فلمّا خَرَجَتْ هذه الفئةُ عَلِمَها بأمَاراتِها» ، وتابعه في رأيه هذا حبيب الله الخوئي يقول : «إنّ هذه
الفئة للفئة التي أخبرني رسول الله ببغيها وخروجها عليَّ» ، أي : إنَّ (أل) هنا للعهد ، فالإمام
عليهالسلام
يعرف هذه الفئة
بصفات معيّنة وضّحَها له النبي(صلى الله عليه وآله). وتابعهما في ذلك أيضاً
التستري ، مستدلاًّ بأنّ الإمام عليهالسلام كان يعلم تفاصيل تلك الفئة الباغية ، وهي معهودة عنده
مسبقاً بالحضور العلمي ، واستظهاراً من كلام الله تعالى ، قال التستري : «إنّ قوله
عليهالسلام
إشارة إلى قوله
تعالى : (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا
عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ الله
فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ الله يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ).
٣ ـ قال
عليهالسلام
عند خروجه
لقتال أهل البصرة : «أَمَا واَللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا ، حتّى وَلَّتْ
بِحَذَافِيرِهَا ، مَا عَجَزْتُ ولاَ جَبُنْتُ ، وإِنَّ مَسِيرِي هَذَا
لِمِثْلِهَا ، فَلأنْقُبَنَّ اَلْبَاطِلَ حتّى يَخْرُجَ اَلْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ ،
مَا لِي ولِقُرَيْش واَللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ ، ولأُقَاتِلَنَّهُمْ
مَفْتُونِينَ». وقد أرجع البحراني الضمير المنصوب في قول الإمام
(ساقتها) على غير مذكور ، فلم يجر ذِكْرٌ صريحٌ لمدلولِه ، وإنَّما يُتَحَصَّلُ
ذلك المدلول من فَهْمِ المخاطَبِ ، وتقدير المدلول هو (كتائب الحرب) ، لأنّه
المفهوم
__________________
من السياق ، قال : «الضميرُ في (ساقتها) لكتائب الحرب ، وإنْ لم يَجْر لها
ذكر صريح ، بل ما يحصل من معنى الذكر وهو الناس ، فكأنّه قال : فَسَاقَ الناسَ وهم
يومئذ كتائب عليه ، فكنتُ في ساقتها ، حتّى تولّت تلك الكتائب بأسرها ، لم يبقَ
مَن يغالبه» والساقة ، جمع سائق ، كما أنّ القادة جمع قائد ، ويصوّر
لنا الإمام عليهالسلام
مكانه في ساحة
الحرب ، وكيف كان يطرد الكافرين من ساحة القتال ، حتّى يكونَ في آخرهم ، «لأنّ
السائق إنّما يكون في آخر الركب أو الجيش».
واختلف شرّاح
النهج في إرجاع هذا الضمير ، فاحتمل الراوندي أمرين فيه : أنْ يرجع إلى الحرب ، أو
إلى الدعوة المحمّدية المباركة. على حين أرجعه محمّد جواد مغنية إلى الناس في زمن
النبي(صلى الله عليه وآله) ، فهو عليهالسلام قد ساقهم حتّى بلغوا منازل العزّة والكرامة ، قال : «الضميرُ
في ساقَتِها ، وتولَّت بِحَذافِيرِها يعودُ إلى الناسِ الذين ساقَهُمُ النبي ، حتّى
بلغَ بهم منازلَ العِزَّةِ والكرامة ، ويريد الإمامُ أنَّه قد ساهم في ذلك».
أمّا الخوئي
فتابع البحراني في أنّ الضميرَ راجعٌ إلى كتائبِ الحَرْب ، لأنّه عليهالسلام إنّما خطب هذه الخطبة وهو في طريقه إلى حرب أهل الجمل ، فأراد
أنْ يُذَكِّرَ الناس أنّه قاتل المشركين في أوّل الدعوة الإسلامية ، حتّى أسلموا ،
وكيف
__________________
أنَّه هزمهم وساق كتائبهم إلى الهزيمة ، فهو المناسب لكلامه
عليهالسلام
لمناسبة الخطبة.
أمّا ما ذهب إليه الراوندي من عَود هذا الضمير على الدعوة النبوية فبعيد ، إذ لم
تكن البعثة لتوصف بوصف الساقة ، فهذا التعبير إنّما يعبَّر به عن الحرب ، أو الركب
، ثمّ إنّه لم يوضِّحْ ما معنى قول الإمام : «حتّى ولّت بحذافيرها»؟ هل المقصود
منه أنّ الضمير يعودُ على الدعوة النبوية وأنّها قد انتهت بأجمعها؟! أمّا قول
محمّد جواد مغنية بأنّه يرجع إلى الناس فبعيدٌ أيضاً ، لأنّه لو كان هكذا لقال : لفي
ساقتهم ، بضمير الجمع المذكّر ، كما في قوله
عليهالسلام
في الخطبة
نفسها قبل محلّ الشاهد : «فَسَاقَ اَلنَّاسَ حتّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ ، وبَلَّغَهُمْ
مَنْجَاتَهُمْ ، فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ واطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ».
المبحث الثالث : دلالة الأدوات :
عُنِيَ
البحراني في شرحه بدلالة الأدوات ، وبيان الفروق الدلالية لكلّ أداة منها ، وترجيح
أحد هذه الوجوه على الأخرى تبعاً للسياق ، ومن أمثلة ذلك :
١ ـ قول الإمام
عليهالسلام
في شجاعته
وفضله : «أَنَا وَضَعْتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ العَرَبِ ، وكَسَرْتُ
نَوَاجِمَ قُرُونِ رَبِيعَةَ ومُضَرَ ، وقَدْ عَلِمْتُمْ مَوْضِعِي مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ(صلى الله عليه وآله) بِالْقَرَابَةِ اَلْقَرِيبَةِ ، والْمَنْزِلَةِ
الخَصِيصَةِ». إذ ذكر البحراني أنّ الباء في قوله «بكلاكل العرب»
للإلصاق ، والتقدير : «ألصقتُ بِهُمُ الوَضْعَ والإهانَةَ». ويُفهَم
__________________
من الدلالة التي ذكرها للباء هنا ، والمعنى الذي آل إليه النصّ عنده ، أنّ
(في) في قوله عليهالسلام
: (في
الصِّغَرِ) زائدة ، لكي يستقيم تأويل المعنى على تقدير : ألصقتُ الصِّغَرَ (وهو
الهوان والذلّ) بأكابر العرب وساداتهم الذين قتلهم الإمام في صدر الإسلام ، وفي
الجَمَلِ وفي صِفِّين. والكَلْكَلُ هو الصدْرُ ، والمعنى على الاستعارة ، والجامع
للاستعارة كونهم سبب قوّة العرب ، وهم المحرِّضون على الحرب ، وبهم تُنتَهَضُ ، كما
أنّ الكلكل للجمل سببٌ لنهوضه وقيامه وقوَّتهِ. على حين ذهب ابن أبي الحديد وحبيب الله الخوئي إلى أنّ
(الباء) في (بكلاكل العرب) زائدة ، والتقدير : أنِّي أذللتُهم وصرعتهم إلى الأرض. والذي حملهما على زيادة الباء أنّ الفعلَ (وضع) متعدّ
بنفسه إلى مفعولِهِ ، ولمّا كانت الزيادة تعني خلوَّ الحرف من الدلالة ذهب هذان
الشارحان وغيرهما إلى القول بأنّ زيادة الباء هنا للتوكيد.
ويبدو أنّ رأيَ
البحراني في أنّ الباء هنا للإلصاق أصوب ، وأنّ القولَ بزيادتها غير مقبول ، لأنّ
فيه فوتَ المعنى الدلالي لتعدِّي الفعل (وضع) إلى مفعوله بواسطة حرف الجرّ (الباء)
، ذلك أنّ الفعل (وضع) إذا تعدّى إلى مفعوله بنفسه دلّ على الوضع بصورة مطلقة ، فإنْ
تعدّى إلى مفعوله بالباء دلّ على تحديد جهة الوضع ، لغرض يتطلّبه مراد المتكلّم في
نصِّه ، فالوضع إنّما كان لصدور
__________________
العرب وأعيانِهم المُبَرَّزين الذين نال منهم الإمام
عليهالسلام
في جهاده لنصرة
الإسلام. ولكنّ البحث لا يرى القول بزيادة (في) مثلما يُفهَم من المعنى الذي شرح
به البحراني كلام الإمام عليهالسلام ، وإنّما حرف الجرِّ هنا أفاد معناه الأصلي وهو الظرفية
، والكلام على التقديم والتأخير ، أي : وضعْتُ بكلاكل العربِ في الصّغَر ، وإنّما
قُدِّمَ (في الصغر) للعناية.
٢ ـ قول الإمام
عليهالسلام
يحمدُ اللهَ : «الذِي
عَظُمَ حِلْمُه فَعَفا ، وعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى ، وعَلِمَ مَا يَمْضِي ومَا
مَضَى ، مُبْتَدِع الخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ ، ومُنْشِئهمْ بِحُكْمِهِ بِلا
اقْتِدَاء ، ولا تَعْلِيم ، ولا احْتِذَاء لِمِثَالِ صَانِع حَكِيم». بيّن البحراني فيه دلالة الباء في قوله (بعلمه) فإنّه
(عزَّ وجلَّ) قد ابتدع الخلائق بسبب علمه ، لأنّ «العلمَ هنا سببٌ لِما ابْتَدَعَ
مِنْ خِلْقِه» ، وعرض البحراني إشكالاً ترتَّب على هذه الدلالة ، فإنّ
«العلمَ تابع للمعلوم ، والتابع يمتنع أنْ يكون سبباً» ولحلِّ هذا الإشكال يقتضي تغيُّر معنى الباء من السببية
إلى الاستصحاب والتقدير على هذا : أنّ الله ابتدع الخلائق مصاحباً
علمه. وقدْ ردَّ البحراني على هذا الإشكال بأنَّه : «إذا حقّقْنا القول وقُلنا : إنّه
لا صفة له تعالى تزيد على ذاتِه ، وكانت ذاتُه وعلمُه ، وقدرتُه وإرادتُه شيئاً
واحداً ، وإنّما تختلف بحسب اعتبارات تُحْدِثُها عقولُنا الضعيفة
__________________
بالقياس إلى مخلوقاته لم يبقَ تفاوت في أنّ تستند المخلوقاتُ إلى ذاتِه أو
إلى علمِه ، أو إلى قدرتِه أو غيرها» واحتمل احتمالاً آخر لتوجيه دلالة الباء هنا بأنّ الإبداع
ليس الخَلْقَ وإنَّما يجري مجرى التعجُّب ، لأنّ «الإبداعَ إحكامُ الأشياء
وإتقانها ، بحيث يكون محلّ التعجّب يقال : هذا فعلٌ بديع ، ومنظرٌ بديع أي : مُعْجِبٌ
حسنٌ فالظاهر أنّ ذلك منسوب إلى العلم ، ولذلك يستدلُّ بإحكام الفعلِ وإتقانه على
علمِ فاعله». على حين ذهب ابن أبي الحديد إلى أنّ الباء ليست
للسببية ، فليس العلمُ سبباً في الإبداع ، كما تقول : «هوى الحَجَرُ بثقلِه ، بَلِ
المُرادُ : أَبْدَعَ الخَلْقَ عالمٌ ، كما تقول : خَرَجَ زَيْدٌ بِسِلاحِه ، أي : خَرَجَ
مُتَسَلِّحاً ، فموضعُ الجارِّ والمجرورِ على هذا نَصْبٌ بالحاليةِ».
٣ ـ قول الإمام
عليهالسلام
: «وقَرِيبٌ
مَا يُطْرَحُ الحِجَابُ ، ولَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ ، وأُسْمِعْتُمْ
إِنْ سَمِعْتُمْ ، وهُدِيتُمْ إِنِ اِهْتَدَيْتُمْ» ، ذهب البحراني إلى أنّ (ما) مصدرية ، والتقدير : وقريبٌ
طرحُ الحجاب ، ويكون المصدر في محلّ رفع مبتدأ وقريب خبره ، وتابعه
في هذا محمّد جواد مغنية ، وروى التستري نصَّ الخطبة بالنصب (قريباً) ، ونصب
(قريباً) على أنَّه صفة نائبة عن المفعول المطلق ،
__________________
بتقدير : (ويطرح الحجاب قريباً ما) أي : (طرحاً قريباً) و (ما) على هذا
التأويل زائدة لتوكيد القرب. ويبدو أنّ توجيه (ما) على أنَّها مصدرية ـ كما ذهب
إليه البحراني ـ أولى بالقبول من القول بأنّها زائدة ـ كما ذهب إليه التستري ـ
وذلك لما يأتي :
إنّ الجملة
بتقدير (ويطرح الحجاب قريباً) تفقد مزيةَ تقديم الخبر على المبتدأ ، وهو معنى
مقصود ، لما فيه من العناية بالقرب ، بمعنى أنّ الموت الذي تستبعدونه قريبٌ جدّاً
منكم ، ولما فيه من معنى التهديد برفع عذر تقصيرهم عن الطاعة ببعد الأمل.
إنّه على تقدير
التستري تتحوّل الجملة من الاسمية إلى الفعلية ، فتفقد الاسمية بذلك دلالاتها على
الثبات والتوكيد ، وهو مطلب مرادٌ هنا.
٤ ـ وفي قوله
عليهالسلام
: «والهِجْرَةُ
قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا الأَوَّلِ ، مَا كَانَ لِلَّهِ فِي أَهْلِ الأرْضِ
حَاجَةٌ ، مِنْ مُسْتَسِرِّ الأمَّةِ ، ومُعْلِنِهَا» ، ذكر البحراني قولي الراوندي وابن أبي الحديد في (ما)
من قوله عليهالسلام
: (ما كان لله)
، إذ ذهب الراوندي إلى أنّ (ما) نافية ، والتقدير : «لم يكنِ لله في أهل الأرض ، ممَّن
أسرَّ دينه أو أعلنه وأظهره ، حاجةٌ» ، وقد ردّ ابن أبي الحديد هذا الرأي بقوله : «وهذا ليس
بصحيح ، لأنّه
__________________
إدخالُ كلام مُنْقَطِع بين كلامَين ، متّصل أحدهما بالآخرِ» ، ويُفهم من قوله أنّه رجّح المصدريةَ «وهذه الهجرة
التي يشير إليها أمير المؤمنين عليهالسلام ليست تلك الهجرة ، بل هي الهجرةُ إلى الإمامِ ، قال : إنَّها
قائمةٌ على حدِّها الأوَّلِ ما دام التكليفُ باقياً ، وهو معنى قوله : ما كان للهِ
تعالى في أهلِ الأرْضِ حاجةٌ». وبعد أنْ عرض البحراني لهذين الرأيين رجّح قول
الراوندي بعلّة مقبولة بقوله : «إنّه غير بعيد أن تكون نافية مع اتّصال الكلام بما
قبله ، ووجهه أنّه لمّا رغَّب الناس في طلب الدين والعبادة ، فكأنّه أرادَ أن
يرفعَ حكم الوهم بما عساه يحكم به عند تكرار طلب الله الدين والعبادة من حاجة
تعالى إليها من خلقه ، حيث كرّر طلبه منهم بتواتر الرسل والأوامر الشرعية ، ويصير
معنى الكلام أنّ الهجرة باقية على حدِّها الأوّل في صدقها على المسافرين لطلب
الدين ، فينبغي للناس أن يهاجروا في طلبه إلى أئمّة الحقِّ» ، ففي هذا تذكير للناس المدعوّين إلى عبادة الحقّ
سبحانه أنّه ليس له حاجة في عبادتهم ودينهم ، وإنّما أهل المصلحة هم المدعوّون
لعبادته تعالى.
٥ ـ وفي قول
الإمام يوصي ولده الحسن عليهماالسلام : «وتَلاَفِيكَ مَا فَرَطَ مِنْ صَمْتِكَ أَيْسَرُ مِنْ
إِدْرَاكِكَ مَا فَاتَ مِنْ مَنْطِقِكَ ، وحِفْظُ مَا فِي الوِعَاءِ بِشَدِّ
الوِكَاءِ ، وحِفْظُ مَا فِي يَدَيْكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ طَلَبِ مَا فِي يَدَيْ
غَيْرِكَ» ، احتمل البحراني في (مِن)
__________________
دلالتين في قوله عليهالسلام (من منطقِك) بحسب مراد المتكلّم من لفظ (منطقك) ، فإمّا
«أنْ يُريدَ بِهِ المصدرَ فيكون (مِنْ) لبيانِ الجِنْسِ ، أو محلَّ النُّطْقِ ، فيكون
لابتداءِ الغايةِ». ويبدو أنّ دلالة بيان الجنس لـ : (مِن) هنا أوضحُ من
ابتداء الغاية ، فإنّ المرادَ بالمنطق هنا (النطق) بقرينة مقابلته بلفظ (الصمت)
قبله.
٦ ـ قال الإمام
عليهالسلام
: «وانْتَفِعُوا
بِالذِّكْرِ ، والمَوَاعِظِ ، فَكَأَنْ قَدْ عَلِقَتْكُمْ مَخَالِبُ المَنِيَّةِ ،
وانْقَطَعَتْ مِنْكُمْ عَلاَئِقُ الأمْنِيَّةِ ، ودَهِمَتْكُمْ مُفْظِعَاتُ
الأُمُور» ، فاحتمل البحراني في (كأنْ) احتمالين ، قال : إنّها
«مخفّفة من الثقيلة من (كأنَّ) واسمها ضمير شأن ، ويحتمل أن يكونَ (أن) الناصبة
للفعل دخلت عليه كافُ التشبيه» ، والاحتمال الثاني مردودٌ ، فـ : (كأنَّ) إذا خُفّفَت
، صار اسمها ضمير شأن ، وخبرها الجملة الاسمية التي تليها ، وإذا تلتها جملة فعلية
، فالأحسن أن تُصدّرَ بـ : (لم) أو (قد). وقد صُدِّرَت في نصِّ الإمام
عليهالسلام
بـ : (قد) ، فأفاد
تركيب الكلام (كأنْ قد علِقْتُم) التشبيه المؤكّد ، مع تقريب دلالة الحدث فيه إلى
زمان حال المخاطبين ، فكأنَّهم في زمان الخطاب ، قد عاينوا صورة المنيّة البشعة ، فعلقوا
في مخالبها فافترستهم ، وانقطع رجاؤهم. وذهب حبيب الله الخوئي إلى أنّها المخفّفة
من الثقيلة ، وقد ألغيت عن العمل ، وهو مردودٌ من حيث الصنعة النحوية ، لما تقدّم من قول
النحاة : إنَّه إذا خُفّفت (أنّ) المفتوحة ، بقيت على ما كان لها من العمل ،
__________________
وقدِّرَ لها اسمٌ يُسمَّى (ضمير الشأن) ، ولزم أن يكونَ خبرها جملةً اسمية
أو فعلية. على أنّ البحث لا يرى بأساً في ما قاله حبيب الله
الخوئي ، إنْ كان قد قصد بحُكمِه على (أن) المخفّفة هنا الوصف للحكم للنحوي ، لا
التكلُّف في استنباطه ، والإغراق في التأويل لأجل تثبيته ، فالنحاة إنّما أرادوا
التفريق بين (إنّ ، وأنّ) في حال تخفيفهما ، فأقرُّوا أنّ (إنَّ) إذا خُفّفت
أُهمِلَت ، ورجعتْ الجملة إلى أصلها من المبتدأ والخبر ، ولَزِم الخبر لام التوكيد
للفرق بينها وبين (إن النافية) كقولنا : (إنْ محمدٌ لناجحٌ). ثمّ إنّهم لمّا أرادوا أن يفرِّقوا حكم (إن) المكسورة
المخفّفة عن المفتوحة ، اخترعوا لأجل هذا ما سمَّوه ضمير الشأن اسماً لـ : (أن)
المخفّفة ، فاضطرُّوا أنْ يؤولوا ما بعدها (وهو المبتدأ والخبر) في الأصل إلى جملة
اسمية في محلّ رفع خبر (أن) المخفّفة ، ولو أنّهم مالوا إلى الوصف ، لقرَّروا
حكماً واحداً للأداتين ، وهو إهمال العمل في كليهما ، وفي ذلك تيسير الأحكام
النحوية على طالبيها ما لا يخفى.
٧ ـ وفي قول
الإمام عليهالسلام
في مصقلة بن
هبيرة الشيباني وكان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين
عليهالسلام
، وأعتقهم ، فلمّا
طالبه بالمال خاس به هرب إلى الشام : «قَبَّحَ اللَّهُ مَصْقَلَةَ ، فَعَلَ فِعْلَ
السادَاتِ ، وفَرَّ فِرَارَ العَبِيدِ ، فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حتّى أَسْكَتَهُ
، ولاَ صَدَّقَ وَاصِفَهُ حتّى بَكَّتَهُ».
احتمل البحراني
في (حتّى) في الموضعين احتمالين ، الأوّل : أنْ تكون
__________________
(حتّى) بمعنى لام التعليل ، قال : «أن يكونَ (حتّى) بمعنى (اللامِ) ، أي : إنَّه
لم يُنْطِقْ مادحَه حتّى يَقْصِدَ إسكاتَه بهَرَبِه ، فإنّ إسكاتَ المادحِ لا
يُتَصَوَّرُ قصدُهُ لو قُصِدَ إلاّ بعد إنطاقِه ، وهو لم يُتمِّمْ فعلَهُ الذي
يَطْلُبُ به إنطاقَ مادحِه بمدحِهِ مِنَ الكَرَمِ والحميَّةِ والرقَّةِ ونحوِها ، فكأنَّه
قَصَدَ إسكاتَ مادحِه بهروبِه ، فأزوى عليه ذلك ، وقال : إنَّه لم يُنْطِقْهُ
بِمدحِه ، فكيفَ يَقْصِدُ إسكاتَه بهروبِه ، وإنْ كانَ العاقلُ لا يُتَصَوَّرُ
مِنْهُ قَصْدُ إسكاتِ مادحِه عَنْ مَدْحِهِ إلاّ أنّ لاختيارِه الهروبَ المستلزمَ
لإسكاتِ المادحِ ، صارَ كالقاصدِ له فَنُسِبَ إليه» ، ومعنى ذلك : أنّ البحراني أخرج (حتّى) على العطف
الدالّ على التعليل والبيان ، وهو متحقِّقٌ بالفاء العاطفة. والاحتمال الآخر : يُفهم منه العطفُ فقد «جمع بين غايتين متنافيتين : إنطاقه
لمادحه بفداء الأسرى ، مع إسكاته بهربه قبل تمام إنطاقه ، وهو وصفٌ له بسرعة
إلحاقه لفضيلته برذيلته ، حتّى كأنَّه قَصَدَ الجمْعَ بينهما ، وهو كما تقول في
وصف سرعة تفرُّق الأحبابِ عن اجتماعهم : ما اجتمعوا حتّى تفرّقوا ، أي : لسرعة
افتراقِهم ، كأنّ الدهرَ قد جَمَعَ لهم بين الاجتماع والافتراق» ، ويُفهَم من كلامه هذا أنّ (حتّى) بمعنى الواو العاطفة
، وتابعه في ذلك علي أنصاريان. ووجّه (حتّى) الثانية في (ولا صدَّق واصفه حتّى بكّته)
التوجيه نفسه. ووجّه محمّد جواد مغنية دلالة (حتّى) على العطف مع اختلاف الفعلين
(نطق ، وأسكت) و (صدَّق ، وبكَّت) بأنّ هذا الاختلاف مرادٌ ، لاختلاف الغايتين
المقصودتين في هذا
__________________
الموضع ، فهذا الرجل لم يفعل الخير حتّى صرَّح بحبّه للشرِّ ، وفي ذلك
الدلالة على أنّه يحمل الأفعال المتناقضة في نفسه ، فجاءت (حتّى) لتعبِّرَ عن
تباين أفعال هذا الرجل ، وتترك للسامع تصوّر قبح نفسه ، قال مغنية : «ما قال : ما أحسنَ مصقلة في عتق الأسرى
، حتّى ارتفع صوتٌ ، يقول : قبَّحه الله من لصّ محتال».
الخلاصة :
أسفرت دراسة شرح نهج
البلاغة للبحراني ـ
ذلك العالم الجليل الذي برع في معارف شتّى ، فضلاً عن تخصّصه في علم الفقه ـ عن
نتائج متعدّدة ، منها :
١ ـ إنّ شرح
البحراني يحتلّ مكان الصدارة من شروح النهج ، لوثاقته من جهة ودليل ذلك يتّضح في اعتماد الشرّاح
اللاحقين نسخة البحراني في توثيق نصوص النهج ، وفي ترجيح آرائهم ، بناءً على
الروايات التي نقلها البحراني في نسخته التي أطلقوا عليها نسخة ابن ميثم.
وأنّ هذا الشرح
له الصدارة أيضاً ، لدقّة البحراني في استنباط الأحكام النحوية ، وما يتبع ذلك من
دلالات حظيت بالقبول عند الشرّاح المتأخّرين.
٢ ـ عُنِيَ
البحراني في شرح
النهج بدلالة
الألفاظ والتراكيب والأدوات ، فبرز الجانب الدلالي عنده بمستوياته المتعدّدة ، وكثرت
مباحثه كثرةً بالغةً ، ولمّا اختصّت دراستي بالمستوى النحوي من هذه المباحث ، تبيَّن
أنّ البحراني لم يكن
__________________
معنيّاً في شرحه بفلسفة النحو ، وإقرار القواعد ، بل انصرفت همّته لبيان
الدلالة النحوية في النصوص التي عرض لها ، فكان يقرن الإعراب بدلالته ، والتراكيب
بمعانيها.
٣ ـ ومن الجدير
بالذكر أيضاً أنّ البحراني قد انفرد بتوجيهات نحوية ومعان دلالية عن بقية الشرّاح
، يتّضح ذلك في الآتي :
أ ـ استطاع
البحراني في دلالة النصب أنْ يستنبطَ دلالات بحسب تعدّد روايات النهج ، واختلاف المعنى المترتّب على ذلك ، ففي قول الإمام
عليهالسلام
: «وَأَوْطَؤُوْكُمْ
إثْخانَ الجِراحَةِ» ، ذهب البحراني إلى أنّ (إثخان) مفعول ثان للفعل ، وترتّب على
ذلك أنّ معنى إيطاء الشيطان ببني آدم توريطهم وحمله لهم عليه ، أي : جعلكم الشيطان
وجنوده واطئين للإثخان.
ب ـ وفي دلالة
الأسماء المرفوعة كان للبحراني توجيهات نحوية انماز بها عن الشرّاح الآخرين ، منها
القول بالجملة الناقصة وإنْ لم يسمِّها ، إذ ذهب إلى رفع (شقوة) في قول الإمام
عليهالسلام
: فَشِقْوَةٌ
لاَزِمَةٌ ، أَوْ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ. على أنّه مبتدأ نكرة موصوفة مكتف عن الخبر
، لردفه بمبتدأ ثان موصوف (سعادة دائمة) فقام كلّ منهما مقام الخبر عن الثاني ، فتمَّ
الكلام بهما من دون تقدير أو حذف.
ج ـ في دلالة
تعاقب الحركات ، أشار البحراني إلى اختلاف المعنى بين رفع «المضمار ، والسباق»
ونصبه ، بحسب الروايتين اللتين نقلهما في نصِّ خطبة الإمام
عليهالسلام
: «أَلاَ
وَإِنَّ الْيَوْمَ المِضْمَارَ ، وغَداً السِّبَاقَ» ، وردَّ على ابن أبي الحديد
المعتزلي رأيه في ترجيح نصب الاسمين ، مستدلاًّ بقرائن معنوية تدفع رأي
المعتزلي ، وقد ذُكِرَت المسألة مفصّلة في متن البحث.
٤ ـ عُنِيَ
البحراني كثيراً بدلالة التراكيب النحوية ، وكشف تحليله لنصوص النهج عن فهم عميق
مفاده : أنّ الدلالةَ النحوية التركيبية المختارة إنّما تتبع المناسبة بين اختيار
المفردات ضمن تراكيبها ، أي : المناسبة بين اللفظ والمعنى ، وقد أفاد البحراني من
الوظائف الإعرابية ما يكشف عن الدلالات التركيبية في النصّ ، من تعريف وتنكير ، أو
تقديم وتأخير ، أوحذف وذكر ، أو إضافة ، أو عود ضمير ، ومن أمثلة ذلك ماذكره
البحراني من دلالة التنكير في قول الإمام
عليهالسلام
: «لَذَكَرَ
ذَاكِرٌ» ، وأنّ السببَ في هذا التنكير ، أنّ فيه تصريحاً للدلالة على تزكية نفسه
عليهالسلام
، وفيه تنفيذ
لأمر الله تعالى بعدم تزكية النفس.
٥ ـ حرص
البحراني في دلالة حروف المعاني على بيان أهمّ الدلالات التي خرجت إليها هذه
الحروف ، وانماز من بقية الشرّاح بتلمّس دلالة دقيقة لبعض الحروف في نصوصها ، من
ذلك قوله : إنّ (الباء) في قول الإمام
عليهالسلام
: «أَنَا
وَضَعْتُ فِي الصِّغَرِ بِكَلاَكِلِ العَرَبِ» للإلصاق ، والمعنى (ألصقتُ بهم
الوضعَ والإهانة) وهو رأي انفرد به البحراني عن بقية الشرّاح.
٦ ـ كان للبحث
ردود على طائفة من آراء البحراني في شرحه ، بيّنها في أثناء عرض الأمثلة التي
درسها في متن البحث.
المصادر
١
ـ القرآن الكريم.
٢
ـ الأصول في النحو : ابن السرّاج (أبو بكر محمّد بن سهل ت ٣١٦هـ) ، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي
، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، ط ٣ ، ١٩٩٦ م.
٣
ـ إعراب القرآن : النحّاس (أبو جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل ت ٣٣٨هـ) ، تحقيق د. زهير غازي
زاهد ، عالم الكتب ومكتبة النهضة العربية ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٨٥ م.
٤
ـ أعيان الشيعة : محسن الأمين العاملي(ت ١٣٧١هـ) دار التعارف ، بيروت ، (د. ت).
٥
ـ الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويّين البصريّين والكوفيّين : أبو البركات الأنباري ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد
الحميد ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، ط٤ ، ١٩٦١م.
٦
ـ أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين : البلادي (علي بن حسن ت ١٣٤٠ هـ) ، مطبعة النعمان ، النجف
الأشرف ، ١٣٧٧هـ.
٧
ـ بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة : التستري (محمّد تقي بن كاظم ت ١٤١٥هـ) ، منشورات مكتبة
الصدر ، طهران ، (د. ت).
٨
ـ تأسيس الشيعة : حسن الصدر (ت ١٣٥٤هـ) شركة النشر والطباعة العراقية المحدودة ، العراق ، (د.
ت).
٩
ـ تاج العروس من جواهر القاموس : الزَّبيدي (السيّد محمّد مرتضى الحسيني ت ١٢٠٥ هـ) ، تحقيق
عبد الستّار أحمد فرّاج ، مطبعة حكومة الكويت ، ١٩٦٥م.
١٠
ـ التبيان في إعراب القرآن : أبو البقاء العكبري (عبد الله بن الحسين ت ٦١٦هـ) ، تحقيق
علي محمّد البجاوي ، دار الشام للتراث ، بيروت (د. ت).
١١
ـ توضيح نهج البلاغة : الشيرازي (السيّد محمّد بن المهدي ت٢٠٠٠م) ، طبعة قم ، ١٤١٠هـ.
١٢
ـ حدائق الحقائق في فسر دقائق أفصح الخلائق : الكيدري (أبو الحسين محمّد بن
الحسين ت ق ٦ هـ) ، تحقيق عزيز الله العطاردي ، طهران ١٣٧٥ هـ.
١٣
ـ الدرّة النجفية : الخوئي (إبراهيم بن الحسين ت ١٣٢٥هـ) طبعة تبريز ١٢٩٣هـ.
١٤
ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات : الخوانساري (محمّد باقر ت ١٣١٣هـ) ، مكتبة إسماعيليان ، قم
، ١٣٩٢هـ.
١٥
ـ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك : ابن عقيل (عبد الله بن عقيل ت٧٦٩هـ) ، تحقيق محمّد محيي
الدين عبد الحميد ، مكتبة دار التراث ، القاهرة ، ط ٢٠ ، ١٩٨٠م.
١٦
ـ شرح الرضي على الكافية : الرضي الاسترابادي (رضي الدين محمّد بن الحسن ت ٦٨٦هـ) ،
تحقيق وتعليق د. يوسف حسن عمر ، منشورات جامعة قار يونس ، بنغازي ، ط ٢ ، ١٩٩٦م.
١٧
ـ شرح نهج البلاغة : ابن أبي الحديد المعتزلي (عزّ الدين عبد الحميد بن محمّد ت ٦٥٦هـ) تحقيق
محمّد أبو الفضل إبراهيم ، مؤسّسة إسماعيليان ، طبعة قم ، (د. ت).
١٨
ـ شرح نهج البلاغة : محمّد أبو الفضل إبراهيم ، بيروت ، ١٤١٦هـ ـ.
١٩
ـ شرح نهج البلاغة : محمّد عبده ، تحقيق محمّد محيي الدين عبد الحميد ، مصر ، (د. ت).
٢٠
ـ شرح نهج البلاغة : ميثم البحراني ، مطبعة أنوار الهدى ، طبعة قم ، ط ١ ، ١٤٢٧هـ.
٢١
ـ شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار للعلاّمة المجلسي : علي أنصاريان ومرتضى حاج عليّ ، طهران ، ١٤٥٨هـ.
٢٢
ـ طبقات أعلام الشيعة في القرن السابع المعروف بـ : (الأنوار الساطعة في المائة السابعة) : آقا بزرك
الطهراني ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، ١٤٣٠هـ.
٢٣
ـ في ظلال نهج البلاغة ـ محاولة لفهم جديد : محمّد جواد مغنية ، دار العلم للملايين ، بيروت ، ط ٢ ، ١٩٧٨م.
٢٤
ـ القاموس المحيط : الفيروزآبادي (مجد الدين محمّد بن يعقوب ت ٨١٧هـ) ، دار الجيل ، بيروت ، ١٩٥٢
م.
٢٥
ـ كتاب سيبويه : سيبويه (أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر ت ١٨٠هـ) ، تحقيق وشرح : عبد السلام
محمّد هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، ط ٣ ، ١٩٨٨ م.
٢٦
ـ الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل : الزمخشري (جار الله أبو القاسم محمود بن عمر ت ٥٣٨ هـ) ،
دار الكتاب العربي ، بيروت ، ١٩٤٧م.
٢٧
ـ الكنى والألقاب : عبّاس القمّي (ت١٣٥٩هـ) تقديم محمّدهادي الأميني ، النجف ، ١٩٧٠م.
٢٨
ـ لؤلؤة البحرين : البحراني (يوسف بن أحمد ت ١١٨٦هـ) ، مؤسّسة آل البيت
عليهمالسلام
، طبعة قم ، (د.
ت).
٢٩
ـ لسان العرب : ابن منظور (جمال الدين محمّد بن مكرم ت٧١١هـ) ، تحقيق عبد الله علي الكبير
ومحمّد أحمد حسب الله وهاشم محمّد الشاذلي ، دار المعارف ، القاهرة ، (د. ت).
٣٠
ـ مصادر نهج البلاغة وأسانيده : عبد الزهراء الخطيب الحسيني ، مطبعة القضاء في النجف
الأشرف ، ط ١ ، ١٩٦٦م.
٣١
ـ معاني القرآن وإعرابه : الزجّاج (أبو إسحاق إبراهيم بن السرّي ت ٣١١هـ) ، شرح
وتحقيق : عبد الجليل عبده شلبي ، عالم الكتب ، بيروت ، ط ١ ، ١٩٨٨م.
٣٢
ـ معجم رجال الحديث : السيّد أبو القاسم الخوئي (ت ١٤١٣هـ) ، مطبعة الآداب ، النجف الأشرف ، ط١ ،
(د.ت).
٣٣
ـ المقتضب : المبرّد (أبو العبّاس محمّد بن يزيد ت ٢٨٥هـ) ، تحقيق : محمّد عبد الخالق
عضيمة ، القاهرة ، ط ٣ ، ١٩٩٤ م.
٣٤
ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : الخوئي (حبيب الله بن السيّد محمّد الموسوي ت١٣٢٤هـ)
تصحيح : إبراهيم الميانجي ، منشورات المكتبة الإسلامية طهران ط٤ (د. ت).
٣٥
ـ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : الراوندي (قطب الدين سعيد بن هبة الله ت ٥٧٣هـ) ، تحقيق
: عبد اللطيف الكوهكمري ، عنيت بطبعه مكتبة المرعشي ، قم ، ١٤٠٦هـ.
٣٦
ـ نهج البلاغة : تحقيق : د. صبحي الصالح ، مطبعة وفا ، إيران ، قم ، ١٤٢٩هـ.
تاريخ الحوزات
العلمية
والمدارس الدينية
عند الشيعة الإمامية
(تاريخ الحوزة
العلمية في إصفهان)
(١)
|
|
الشيخ عدنان فرحان القاسم
بسم الله الرحمن الرحيم
* من معطيات حوزة إصفهان العلمية :
للحوزة العلمية
في إصفهان ـ وعبر مسيرها التاريخي التكاملي الطويل ـ كثير من المعطيات والمنجزات
الخلاّقة ؛ ولها إسهام في مختلف العلوم والمعارف الدينية ؛ حيث توزّعت حلقات
الدروس فيها ، وتنوّعت لتشمل حلقات الدروس الفقهية ، والأصولية ، ودروس الحديث
وعلومه ، كما كان للدروس العقلية والفلسفية مكانها البارز وحضورها الفاعل في
التدريس والتدوين ، بالإضافة إلى العلوم الأخرى كعلم النجوم والرياضيّات ، وعلوم
اللغة العربية وآدابها ؛ وغيرها من العلوم والمعارف التي برع فيها جملة من كبار
العلماء والفقهاء والحكماء والفلاسفة ممّن تخرّجوا من هذه الحوزة المعطاءة.
ولا يمكن لنا أن نستوعب كلّ التفاصيل المتعلّقة بالعلوم والمعارف التي
ترسّخت في الحوزة العلمية الإصفهانية ؛ ومن برع فيها من أعلام مدرستها العلمية ؛
ولكن سوف نتوقّف وقفة مختصرة عند أهمّ المدارس العلمية في هذه الحوزة المباركة
والتي منها :
أوّلاً
: المدرسة الفقهية والأصولية.
ثانياً
: المدرسة العقلية والفلسفية.
ثالثاً
: مدرسة الحديث وعلومه.
بالإضافة إلى
الإشارات المقتضبة لبعض العلوم الأخرى التي برع فيها علماء وفضلاء حوزة إصفهان
العلمية.
أوّلا ـ المدرسة الفقهية والأصولية وأعلامها في حوزة إصفهان العلمية :
تعدّ المدرسة
الفقهية في حوزة إصفهان العلمية في مصافّ مدارس الفقه الشيعي الإمامي ، من حيث
كثرة فقهائها الذين يشار إليهم بالبنان ، ووفرة نتاجها الفقهي ، وسعة وعمق وجدّة
الابتكارات الفقهية التي جادت بها أقلام فقهائها ومجتهديها.
ويمكن أن نؤرّخ
لتاريخ الفقه ودوره التكاملي في حوزة إصفهان العلمية من المحقّق الكركي (ت ٩٤٠ هـ)
والتي تبدأ في المقطع الصفوي من تاريخ حوزة إصفهان ؛ إذ لم يكن للدولة الصفوية عند تأسيسها دستور فقهي تستند عليه
__________________
سوى كتاب قواعد
الأحكام للعلاّمة
الحلّي (٧٢٦ هـ) «حتّى كان ـ كتاب القواعد ـ بعد ظهور الدولة الصفوية في إيران دستور البلاد ، والمنهل
القانوني الذي يعتمد عليه الحكّام آنذاك».
ومن المحقّق
الكركي سوف ننطلق لاستعراض معالم المدرسة الفقهية في حوزة إصفهان ؛ ونواصل من خلال
الفقهاء الأعلام الذين واصلوا الطريق والمنهج الفقهي الذي سلكه المحقّق الكركي ، أو
ممّن كان لهم منهج خاصّ في الاجتهاد والاستنباط الفقهي.
١ ـ المحقّق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي (ت ٩٤٠ هـ) :
توجد هناك عدّة
محطّات مهمّة في مسيرته الذاتية والعلمية ومن أهمّ مؤلّفاته كتابه الشهير الموسوم بـ : جامع المقاصد في شرح
القواعد والذي يعدّ من
الموسوعات الفقهية القيّمة ، «واعتمد عليه الفقهاء في أبحاثهم ومؤلّفاتهم ، بل
ادّعي أنّه يكفي للمجتهد في استنباطه للأحكام أن يكون عنده كتاب جامع المقاصد ..».
لقد كان للمنهج
الفقهي الاستنباطي الذي انتهجه هذا المحقّق الكبير دورهُ المؤثّر في فقه الدولة
الصفوية ، والتي امتدّت لأكثر من قرنين من الزمن (٩٠٧ ـ
__________________
١١٣٥ هـ) ؛ لما تميّز به هذا المنهج من قوّة في الاستدلال ، واستعراض
الأدلّة ومناقشتها ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، تميّز فقه المحقّق الكركي في البحث
في فقه الدولة الإسلامية والتي لم يُعِر لها الفقهاء السابقون أيّ أهمّية تذكر ، كحدود
اختيارات الفقيه ، وصلاة الجمعة ، والخراج ، والمقاسمة .. وذلك لاحتياج الدولة
الشيعية الحاكمة في إيران خلال تلك الفترة ، ولابتلاء الناس بهذه المسائل ، وقد
بحثها المحقّق الكركي مفصّلاً في جامع المقاصد وتعليقات وحواشي الإرشاد وفوائد الشرائع ...
وله أيضاً : الرسالة الخراجية
قاطعة اللجاج ورسالة في صلاة الجهة.
٢ ـ الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (ت ٩٨٤ هـ) :
وهو والد الشيخ
البهائي وتسنّم منصب شيخ الإسلام في الدولة الصفوية ، ومن أجلّ تلامذة الشهيد
الثاني والمجاز من قبله ، وله تصانيف فقهية منها : العقد الطهماسبي ورسائل فقهية في صلاة
الجمعة وغيرها ، بالإضافة
إلى حاشية
الإرشاد.
٣ ـ الشيخ عبد العالي بن علي بن عبد العالي الكركي (ت ٩٩٣ هـ) :
وهو ابن
المحقّق الكركي ، والمتأثّر بمنهجه الفقهي ، والراوي عنه وعن غيره من معاصريه ، وله
من المؤلّفات الفقهية : حاشية
المختصر النافع والنظامية ورسالة في البلوغ وحدّه واللمعة في عدم عينية ـ صلاة ـ
الجمعة ورسالة في
__________________
القبلة.
٤ ـ الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين العاملي (ت ١٠٣٠ هـ) :
تتلمذ على
والده وعلى الشيخ عبد العالي الكركي ، وغيرهم ، وتسنّم منصب مشيخة الإسلام في
الدولة الصفوية ، وله آثار علمية كثيرة ، أوصلها بعض المحقّقين إلى أكثر من مؤلّفاً ، في مختلف العلوم والمعارف ، منها في الفقه : الجامع العبّاسي في
الفقه ورسائل فقهية
كثيرة منها : رسالة
في صلاة الجمعة ، والمواريث ، والصوم ، والحج ، والزكاة ، والصلاة ...
٥ ـ السيّد ميرداماد (ت ١٠٤٠ هـ) :
وهو محمّد بن
باقر بن شمس الدين محمّد الإسترآبادي الشهير بالميرداماد ، والده صهر المحقّق
الكركي فاشتهر بشهرة والده (داماد) وتعني الصهر ، وتلقّب بأُستاذ البشر ، وهو
معاصر للشيخ البهائي ، ويروي عن خاله عبد العالي بن المحقّق الكركي ، وعن الحسين
بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي .. وله تصانيف فقهية كثيرة منها : أجوبة المسائل ، وخطب
الجمعة والأعياد ، وشارع النجاة وعيون المسائل وضوابط الرضاع وغيرها ، وسوف تأتي الإشارة إلى مؤلّفاته الأخرى ضمن أسماء
الحكماء والفلاسفة في مدرسة إصفهان الفلسفية.
__________________
٦ ـ الشيخ حسين بن رفيع الدين محمّد المرعشي (ت ١٠٦٤ هـ) :
وهو الشهير بـ
: (سلطان العلماء) ، زوّجه الشاه عبّاس الأوّل بنته في حياة والده واستوزره ، فكان
هو وزيراً ، ووالده رفيع الدين صدراً في عصر واحد ، وهو من تلاميذ المحقّق حسين
الخوانساري ، وله من الآثار الفقهية : حاشية المعالم وحاشية اللمعة ورسائل أخرى.
٧ ـ حسين الخوانساري ابن جمال الدين محمّد الإصفهاني (ت ١٠٩٨ هـ) :
قال عنه الحرّ
العاملي : «فاضل عالم حكيم متكلّم محقّق مدقّق ثقة .. علاّمة العلماء فريد عصره ، له
مؤلّفات منها : شرح
الدروس حسن لم يتمّ».
ويعدّ كتابه
الفقهي الموسوم بـ : مشارق
الشموس في شرح الدروس من أجلّ الكتب والمتون الفقهية ، إلاّ أنّه لم يتمّ منه إلاّ كتاب الطهارة
شرحاً لكتاب الشهيد الأوّل (ت ٧٨٦ هـ) ، قال في جامع الرواة واصفاً الكتاب : «إنّه في غاية البسط وكمال الدقّة ..»
وقال الطهراني في الذريعة : «وهو لم يتمّ ، ولو تمّ لتمّ به الفقه والحديث».
وللسيّد الشهيد
محمّد باقر الصدر تقييم رائع لكتاب الخوانساري مشارق الشموس يقول فيه : «وجاء .. المحقّق الجليل السيّد حسين
الخوانساري ، وكان
__________________
على قدر كبير من النبوغ والدقّة ، فأمدّ الفكر الأصولي بقوّة جديدة ؛ كما
يبدو من أفكاره الأصولية في كتابه الفقهي مشارق الشموس في شرح الدروس ونتيجة لمرانه العظيم في التفكير الفلسفي انعكس اللون
الفلسفي على الفكر العلمي والأصولي بصورة لم يسبق لها نظير ..».
وللمحقّق
الخوانساري آثار فقهية أخرى مشتملة على رسالة في الخمس ، وأجوبة لمسائل فقهية
وغيرها».
٨ ـ جمال الدين محمّد بن الحسين الخوانساري (ت ١١٢٥ هـ) ، ويعرف بـ : (جمال
المحقّقين) :
قال الطهراني
في ترجمته : «والمترجم له وأخوه الأصغر منه رضي الدين بن الحسين كانا ابني أخت
المحقّق السبزواري (ت ١٠٩٠ هـ) ، تلمّذ المترجم له على خاله هذا وعلى والده الحسين
الخوانساري .. وله مثل والده تصانيف كثيرة إلاّ أنّ مصنّفاته النقلية أكثر من
والده ، وتصانيف والده العقلية أكثر من الولد .. منها : حاشية على تهذيب
الأحكام ومن لا يحضره الفقيه وشرح اللمعة والشرائع ...».
٩ ـ محمّد بن الحسن الإصفهاني ، الشهير بالفاضل الهندي (ت ١١٣٧ هـ) :
«وكان من
الشخصيّات العلمية البارزة في العهد الصفوي الأخير ، ويعدّ في
__________________
عداد الفقهاء العظام لمذهب الإمامية في تلك الحقبة الزمنية ، وبتأليفه كتاب
كشف
اللثام عن قواعد الأحكام رسّخ موقفه كفقيه بارز في تاريخ الاجتهاد عند الشيعة».
وعرف بالفاضل
الهندي : «لأنّه سافر مع والده وهو صغير السنّ إلى الهند فاشتهر بـ : (الفاضل
الهندي). درس عند والده المولى تاج الدين حسن الإصفهاني ، وتنصّ بعض المراجع أنّه
كان من تلامذة العلاّمة المجلسي».
وناقش بعض
المحقّقين في تلمذة الفاضل الهندي عند المجلسي فقال : «.. لايمكن عدّ الفاضل من
تلامذة المدرسة الفكرية للعلاّمة المجلسي ، لأنّ العلاّمة المجلسي محدّث وأخباري
معتدل المسلك ، والحال أنّ الفاضل فقيه أصولي على طريقة المدرسة الفقهية الأصولية
للمحقّق الكركي ..».
ومهما يكن من
أمر أساتذة الفاضل الهندي ؛ فهو عَلَم من أعلام المذهب ، ومرجع كبير من مراجع
الدين ، وعرّفه الجزائري بعنوان : (المفتي بإصبهان) وقد انثال عليه الناس للاستفادة منه ، والارتواء من
نمير علمه ، ممّا منعه من إكمال كتابه الفقهي الموسوعي كشف اللثام عند أواخر كتاب الصلاة حيث قال :
«لانثيال الناس
عليَّ للاستفتاء من جميع ممالك الإسلام».
__________________
ويعدّ كتابه
الموسوعي الفقهي الذي اشتهر بـ : كشف اللثام ـ والذي هو بمثابة التتميم لكتاب المحقّق الكركي جامع المقاصد حيث ابتدأ الفاضل من حيث انتهى الكركي ـ من أهمّ
الموسوعات الفقهية ؛ واحتلّ موقعاً مهمّاً في تخريج طلبة الفقه الاجتهادي ؛ وحينما
انبرى صاحب الجواهر وصاحب رياض المسائل لكتابة موسوعتيهما الفقهية جواهر الكلام ، ورياض
المسائل اعتبرا كشف اللثام آخر أثر فقهي موسوعي مكتوب بطريقة علمية عالية ، واستفادا
منه في تدوين دورتيهما في الفقه فوائد جمّة.
وللفاضل الهندي
، آثار علمية وفقهية أخرى منها : «المناهج السوية في شرح الروضة البهية ، وهو في عدّة مجلّدات لم يطبع بعد. ومنها : الزهرة في مناسك
الحجّ والعمرة بالإضافة إلى كتب ورسائل فقهية وأصولية أخرى».
١٠ ـ عبد الله المشتهر بـ : التستري الإصفهاني ، عزّ الدين بن الحسين (ت
١٠٢١ هـ) :
يقول الشيخ
الطهراني : «كان من أهل شوشتر ، وارتحل إلى إصفهان وأقام بها زماناً ، ثمّ توجّه
إلى مشهد خراسان .. وهو أوّل من نشر الحديث والفقه الأخباري بإصفهان .. له شرح على
القواعد موسوم بـ : جامع الفوائد في سبع
__________________
مجلّدات وهو تتميم لجامع
المقاصد للكركي».
١١ ـ محمّد باقر السبزواري بن محمّد مؤمن (١٠٩٠ هـ) :
وصفه صاحب
السلافة : بأنّه من المجتهدين المتبحّرين في علوم الدين .. قرأ في إصفهان على
علمائها .. وله الرواية عن محمّد تقي المجلسي .. ومن تصانيفه : الكفاية والذخيرة
والمناسك والخلافية في العبادات.
١٢ ـ الملاّ محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود المشتهر بالفيض الكاشاني
(ت ١٠٩٠ هـ) :
وهو المحدّث
والأخباري والحكيم والفقيه ، من أسرة علمية عرفت بالعلم والفضل والفقاهة ، «عدّه
العلاّمة المجلسي محمّد باقر في أواخر البحار من جملة مشايخ إجازاته الكبار».
يحكي عن السيّد
الجزائري قوله : «كان أستاذنا المحقّق المولى محمّد محسن الكاشاني .. نشوؤه في
بلدة قم ، فسمع بقدوم السيّد الأجلّ .. ماجد البحراني إلى شيراز فأراد الارتحال
إليه لأخذ العلم منه .. فسافر إلى شيراز ، وأخذ العلوم الشرعية عنه ، وقرأ العلوم
العقلية على الحكيم الفيلسوف المولى صدر الدين الشيرازي».
__________________
وللفيض
الكاشاني مؤلّفات وتصانيف وآثار علمية كثيرة. تنوّعت موضوعاتها ما بين التفسير ، والعقائد ، والحديث
، والأخلاق ، ومن أهمّ كتبه الفقهية :
أ ـ (معتصم
الشيعة في أحكام الشريعة) : وهو مشتمل على أمّهات المسائل الفقهية الفرعيّة ...
ب ـ (مفاتيح
الشرايع) : قال عنه : «تمّ جميع مطالبه التي هي أبواب الفقه كلّها مع مسائل مهمّة
أخرى فقهية لم يذكرها الفقهاء ، أو أكثرهم ..».
قال صاحب الروضات : «أقول : وكتابه هذا من أجمل كتب الفقه بياناً ، وأوضحها
دليلاً وبرهانا ، وأفصحها عن موارد الإجماعات ..».
ج ـ (النخبة) :
واشتملت على خلاصة أبواب الفقه.
هذا وقد اشتهر
المولى الفيض بكتابين مهمّين ، وهما :
د ـ (الوافي) :
جمع فيه الكتب الأربعة مع شرح أحاديثها المشكلة.
هـ ـ (المحجّة
البيضاء في إحياء كتاب الإحياء) ؛ وهو تهذيب لكتاب إحياء علوم الدين من مصنّفات أبي حامد الغزالي.
__________________
وهكذا سارت
حركة الفقه والمدرسة الفقهية في حوزة إصفهان العلمية من خلال فقهاء كبار ، شكّلوا
حلقات تكاملية متواصلة ، لمسيرة الفقه والاجتهاد في هذه الحوزة المباركة ، ولا
يمكن لنا استيعاب كلّ الفقهاء والمجتهدين ممّن ينتسب إلى مدرسة إصفهان ؛ ولذا
نكتفي بهذا المقدار منهم.
* من مميّزات المدرسة الفقهية في حوزة إصفهان :
لقد امتازت
المدرسة الفقهية في حوزة إصفهان عن المدارس الفقهية الأخرى بجملة من الامتيازات
المهمّة ، ومن أهمّها :
١ ـ تعدّد مناهج الاجتهاد وتنوّعها :
لقد أسّس
المحقّق الكركي منهجاً فقهياً خاصّاً ، تتجلّى خطوطه العامّة من خلال موسوعته
الفقهية جامع
المقاصد ، وواصل طريقه
فقهاء كبار لتنتهي سلسلتها عند الفاضل الهندي في كتابه القيّم كشف اللثام.
ثمّ جاءت
الحركة الفقهية المتأثّرة بمنهج المقدّس الأردبيلي ، والكوكبة المخلصة من أعلام
تلامذته والمتأثّرين بمسلكه الفقهي ، وكان منهم في إصفهان العلاّمة عبد الله
الشوشتري (ت ١٠٢١ هـ) ، والمحقّق السبزواري (ت ١٠٩٠ هـ) ، ثمّ جاء المنهج الأخباري
؛ والذي تمثّل بالفيض الكاشاني والمجلسيّين.
فنجد تعدّد
المناهج الفقهية في حوزة إصفهان العلمية وهي :
أ ـ منهج
المحقّق الكركي ، ومن تبعه من فقهاء عصره ، وامتداد ذلك
إلى الفاضل الهندي ، والذي تمثّل في موسوعتي الفقه الاجتهادي جامع المقاصد وكشف
اللثام ؛ حيث يكمل أحدهما الآخر ، «ثمّ استمرّ هذا المنهج بعد ظهور
صاحب الجواهر ، وصاحب رياض المسائل ، وإن كان للوحيد البهبهاني في هذه الفاصلة الزمنية دور
مهمٌّ وأساسي في إحياء الفكر الاجتهادي».
ب ـ منهج
المقدّس الأردبيلي ، ومن تأثّر به من طلاّبه ومريديه ، ويمثّل هذا المنهج مرحلة
الاتجاه العقلي في الاستنباط ؛ وهي مرحلة مهمّة من مراحل الفقه الاجتهادي عند
الإمامية ، تأثّر بها النوابغ من تلامذته ، ومن حذا حذوهم ، ووجد طريقه إلى حوزة إصفهان العلمية من خلال من تأثّر
بهذا المنهج العقلي ، كالمحقّق الفقيه حسين الخوانساري صاحب الكتاب الفقهي مشارق الشموس ، وولده الفقيه جمال الخوانساري صاحب الحاشية على اللمعة.
ج ـ المنهج
الأخباري ، وهو مسلك فقهي يعتمد في الغالب على الأخبار والروايات وشروحها ، وتمثّل
هذا المسلك في بعض كتابات الفيض الكاشاني صاحب كتاب النخبة ، والمعتصم ، رغم أنّه «قد وافق المنهج الاجتهادي عند المقدّس
الأردبيلي ـ إلاّ أنّه كان أخباريَّ المسلك ـ وسار على هذا المنهج في فقهه
__________________
الأخباري».
كذلك نجد هذا
المنهج الأخباري في كتابات المجلسي الأوّل ، والمجلسي الثاني ، والذي اتّخذ طريقاً
وسطاً بين الأخبارية والأصولية ، كما يقول هو في بعض كتاباته ، إلاّ أنّ النزعة الأخبارية هي الأبرز في فقهه.
هذه هي خلاصة
المدرسة الفقهية في حوزة إصفهان العلمية في مسالكها ومناهجها المتعدّدة ؛ وكان من
معطياتها آثار فقهية لفقهاء كبار ، تعدّدت مناهجهم ومسالكهم في الاستنباط والفقه
الاجتهادي.
واستمرّت هذه
المدرسة في عطائها الفقهي الاجتهادي ، وبرز فيها فقهاء كبار رفدوا الفكر الفقهي من
بنان أفكارهم ، وخلّفوا آثاراً فقهية وأصولية مهمّة.
٢ ـ التنظير لفقه الدولة الإسلامية :
لم يكن لفقه
الدولة الإسلامية وأحكامها حضور بارز في المؤلّفات الفقهية التي سبقت عصر المحقّق
الكركي ، وذلك لظروف سياسية قاهرة أدّت إلى تنحّي مذهب أهل البيت
عليهمالسلام
عن الساحة
السياسية ، فانحسرت الأبحاث الفقهية المتعلّقة بفقه تشريعات الدولة الإسلامية ، أو
تناثره ضمن أبواب فقهية متعدّدة.
وبعد قرون من
الزمن برزت إلى الوجود الدولة الصفوية ، وأخذت هذه
__________________
الدولة بفقه أهل البيت عليهمالسلام ، وتصدّى المحقّق الكركي لمهمّة الإشراف على الدولة
الصفوية وإدارة شؤونها ، وخاصّة في عهد الشاه الصفوي طهماسب الذي «جعل أمور
المملكة بيده ، وكتب كتاباً إلى جميع الممالك بامتثال ما يأمر به الشيخ ـ الكركي ـ
وإنّ أصل الملك إنّما هو له ، لأنّه نائب الإمام
عليهالسلام
، فكان الشيخ
يكتب إلى جميع البلدان كتاباً بدستور العمل في الخراج ، وما ينبغي تدبيره في
الأمور الشرعية».
ولهذا تميّز
فقه المحقّق الكركي بمعالجة أمور فقهية لها أولويّتها ، وأهمّيتها في الدولة
الإسلامية ، كحدود اختيارات الفقيه ، وصلاة الجمعة ، والخراج ، والمقاسمة.
وتجلّت هذه
البحوث في موسوعته الفقهية جامع
المقاصد ، وفي مجموعة
كبيرة من رسائله الفقهية ، والتي حوتها مجلّدات كثيرة.
وكانت حركة
المحقّق الكركي العلمية عاملاً مُحَفِّزاً للفقهاء نحو الاهتمام بقضايا فقه
الدّولة ، والبحث عن الأحكام المتعلّقة بها ومناقشتها وتنقيحها ، وتجلّى هذا
النشاط في تأليف مجموعة من الرسائل الفقهية المرتبطة بقضايا الدولة ، كالخراج
وصلاة الجمعة ، وحدود ولاية الفقيه ...
__________________
٣ ـ تطوّر وعمق الفقه الاجتهادي الاستدلالي في حوزة إصفهان :
لقد سار الفقه
الشيعي الإمامي في حركة تكاملية عبر تاريخه الطويل ؛ وبواسطة فطاحل الفقهاء ؛ حتّى
انتهى إلى المحقّق الثاني علي بن الحسين الكركي (ت ٩٤٠ هـ) في القرن العاشر الهجري
، ومنه إلى الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الإصفهاني المعروف بـ : (الفاضل
الهندي) (ت ١١٣٧ هـ).
ويتوسّط زمن
هذين العلَمين مجموعة كبيرة من الفقهاء ، وضمن حلقات متناسقة متّصلة ساهم كلّ واحد
منهم بدوره في تطوير وتجذير وتعميق الفقه الاجتهادي الاستدلالي عند الشيعة
الإمامية ، وفي حوزة إصفهان العلمية تحديداً.
ويعدّ كتاب جامع المقاصد ، والذي شرح فيه الكركي كتاب قواعد العلاّمة الحلّي ، من أمّهات الكتب الفقهية المرجعية في
الفقه الاستدلالي ، وذلك لقوّة استدلاله ، وعمق مبانيه العلمية ، فقد كان يناقش
آراء السابقين بمتانة ، بعد ذكر دلائلهم وبراهينهم ، ثمّ يفنّدها بأُسلوب أجود
وأمتن.
كما وإنّ كتاب كشف اللثام ، والذي شرح فيه الفاضل الهندي كتاب القواعد للعلاّمة أيضاً ، والذي يعدّ متمّماً لكتاب جامع المقاصد حيث بدأ من حيث انتهى الكركي ، هو الآخر من أمتن وأقوى
المتون الفقهية الاستدلالية «حيث بذل فيه
__________________
مساع كثيرة ، وجهوداً متواصلة من أجل رفع مستوى الاستدلال الفقهي».
ولهذا نجد
اعتماد كبار العلماء على آراء هذين العلَمين (الكركي ، والفاضل الهندي) وعلى
كتابيهما جامع
المقاصد ، وكشف اللثام ، فقد نقل عن صاحب الجواهر قوله : «من كان عنده جامع المقاصد ، والوسائل ، والجواهر ، فلا يحتاج إلى كتاب للخروج عن عهدة الفحص الواجب على
الفقيه في آحاد المسائل الشرعية».
وينقل الشيخ
القمّي عن أستاذه المحدّث النوري قوله : «وكان للشيخ الفقيه صاحب الجواهر اعتماد عجيب فيه ـ أي : كشف اللثام ـ وفي فقه مؤلّفه ، وكان
لا يكتب من الجواهر شيئاً لو لم يحضره كشف اللثام ، حدّثني بذلك الشيخ الأستاذ عبد الحسين (الطهراني) قال
: وكان يقول : لو لم يكن الفاضل في إيران ما ظننت أنّ الفقه صار إليه ..».
ومن يراجع كتاب
جواهر
الكلام ، ورياض المسائل يجد سعة استفادة هذين العَلَمَين ، من هذين الكتابين جامع المقاصد ، وكشف
اللثام.
ولم يقتصر أمر
الاستفادة من هذين الكتابين على هذين العلَمين ، بل إنّ من تأخّر عنهما زمنياً
كالشيخ الأعظم الأنصاري قد استفاد من هذين الكتابين وخاصّة
__________________
كتاب كشف
اللثام ، كما هو واضح
في كتابه الشهير المكاسب.
وقد جاء في
هامش الأصل من كتاب خاتمة
المستدرك للنوري : «وكان
شيخنا المحقّق الأنصاري كثير الاعتماد عليه ـ أي : الفاضل الهندي ـ وعلى كتابه كشف اللثام ، وكان يقول : ليس فيه لفظة (عن) إلاّ قليلاً ، ولم
ينقل إلاّ ما وجده بنفسه ، وكان يأمر بقراءة عبارة كشف اللثام له ؛ لمطالعة نفسه للتدريس ، لضعف بصره عن المطالعة في
هذه الأوراق سنين عديدة».
هذه هي أهمّ
معالم المدرسة الفقهية في حوزة إصفهان العلمية والتي بدأت في القرن العاشر
بالمحقّق الكركي ، وانتهت ضمن سلسلة ذهبية بالفاضل الهندي ، ثمّ واصلت طريقها
التكاملي عبر أساطين الفقهاء من مدرسة أهل البيت
عليهمالسلام
في حوزتي
كربلاء والنجف الأشرف ، من أمثال الشيخ الوحيد البهبهاني ، وصاحب الرياض ، وكاشف الغطاء ، وبحر العلوم ، وصاحب الجواهر ، والشيخ الأنصاري ، وغيرهم من الفقهاء.
ثانياً : المدرسة الفلسفية في حوزة إصفهان :
تعدّ المدرسة
الفلسفية في إصفهان وما جاورها من المدن الإيرانية ؛ من أهمّ المدارس الفلسفية في
مشرق الأرض ، حيث شهد الدرس الفلسفي حضوراً مكثّفاً ؛ برز فيها فلاسفة وحكماء كبار
، كان لهم الدور الكبير في نموّ وتجذير ،
__________________
وتعميق المباحث الفلسفية والعقلية.
وقد ظهرَ في
إصفهان وحوزتها العلمية ـ وعلى مرور الزمن ـ شخصيّات لامعة في سماء الحكمة
والفلسفة ؛ وكانت إصفهان وأجواؤها الساحرة عامل جذب لهم ؛ يقول صاحب الأعلاق النفيسة وهو يصف مدينة إصفهان : «وأمّا هواؤها فهواءٌ ؛ قد أجمع
على طيبه كلُّ من وردها من الحكماء والفلاسفة والأطبّاء».
ونُذكِّر بما
نقلناه سابقاً عن الحموي في معجمه
حيث قال : «وقد
خرج من أصبهان من العلماء والأئمّة في كلّ فنّ ما لم يخرج من مدينة من المدن ..
ومن نسب إلى إصفهان من العلماء لا يحصون إلاّ أَنّني أذكر من أعيان أئمّتهم جماعة
غلبت على نسبهم ، فلا يعرفون إلاّ بالإصبهاني ..».
هذا وقد شهدت
مدينة شيراز ومن بعدها إصفهان حضور مدرسة فلسفية كبيرة زاهية بفلسفتها وفلاسفتها ،
ولها امتدادها التاريخي من عصر الشيخ الرئيس أبي علي بن سينا في عصر الدولة
السامانية إلى عصر الفلاسفة في الدولة الصفوية وما بعدها.
من خصائص المدرسة الفلسفية في حوزة إصفهان :
تميّزت المدرسة
الفلسفية في حوزة إصفهان بخصائص قد لا نجد لها مثيلاً في المدارس الفلسفية الأخرى
، والتي ظهرت في أماكن أخرى من العالم
__________________
الإسلامي ؛ ومن أهمّ هذه الخصائص :
١ ـ انسجامها مع القرآن وحديث أهل البيت
عليهمالسلام :
«إنّها تعدّ
مظهراً لنوع من الفكر الذي يقترب كثيراً وينسجم مع أحاديث أهل البيت
عليهمالسلام
؛ والمفكّرون
الكبار الذين ترعرعوا في أحضان هذه المدرسة الفكرية ، كانوا على معرفة كاملة
بأحاديث الأئمّة المعصومين عليهمالسلام ورواياتهم ، فضلاً عن وقوفهم على القرآن الكريم
وتفاسيره».
وعندما نستعرض
حياة بعض هؤلاء الفلاسفة الكبار نجد من بين آثارهم شروحاً للأحاديث ، واهتماماً
بعلوم الحديث وعلم الفقه وعملية الاستنباط ، كذلك نجد للقرآن الكريم وعلومه
وتفسيره حضوراً واضحاً من بين هذه الآثار والمؤلّفات.
٢ ـ الإبداع والابتكار :
ومن خصائصها
أيضاً ، أنّها مدرسة إبداعية ، ترشّح عن أقلام فلاسفتها كثير من النظريات الفلسفية
، وظهر فيها فلاسفة كبار ممّن كان لهم دور كبير في الإبداع والابتكار ؛ ومنهجة
الأفكار الفلسفية بصورة جديدة ، وتجلّى هذا الجانب الإبداعي عند ابن سينا ، والداماد
، وصدر الدّين الشيرازي وغيرهم من كبار فلاسفة مدرسة إصفهان ، كما هو واضح في
آثارهم الفلسفية.
وهاتان الخصوصيّتان
تفنّد الحكم الجائر الذي أطلقه بعض من كتب في
__________________
تاريخ الفلسفة ؛ حيث كتب تحت عنوان : الفلسفة في الإسلام ما نصّه : «وظلّت الفلسفة الإسلامية على الدوام فلسفة
انتخابية (Ekletizismus)
عمادُها الاقتباس ممّا ترجم من كتب الإغريق ؛ ومجرى تاريخها أدنى أن يكون فهماً
وتشرُّباً لمعارف السابقين ، لا ابتكاراً ؛ ولم تتميّز تميّزاً يُذكر عن الفلسفة
التي سبقتها ، لا بافتتاح مشكلات جديدة ، ولا هي استقلّت بجديد فيما حاولته من
معالجة المسائل القديمة ، فلا نجد لها في عالم الفكر خطوات جديدة تستحقّ أن
نسجّلها لها».
وقد علّق معرّف
الكتاب على هذا الرأي بقوله : «هذا حكم لا أساس له .. وناشئة عن نظرة سطحية
للفلسفة الإسلامية .. فقد أثار كلّ من متكلّمي الإسلام وفلاسفته مشكلات ، ووصلوا
إلى حلول ، وكوّنوا مفهومات لم يعرفها اليونان ، وبحثوا المسائل تفصيلاً يضمن لهم
الاستقلال».
٣ ـ إنّها تمثّل الحكمة المعنوية للتشيّع :
وهنالك خصوصية
ثالثة للمدرسة الفلسفية في إصفهان ترشّحت من الخصوصيّتين السابقتين ، لابدّ من
الإشارة إليها باقتضاب وتتلخّص في : أنّ المدرسة الفلسفية في إصفهان ؛ ونتيجة
لقربها من أحاديث الأئمّة من أهل البيت
عليهمالسلام
ومزيد اهتمامهم
وتأمّلهم في كلماتهم عليهمالسلام
، كانت سبباً
في «خلق أجواء أخرى للأفكار والقيم الفلسفية ساعدت على أن يكون الأسلوب الفكري ، غير
ذلك الذي كان من قبل ، وحدث تحوّل فكري في هذه الأجواء الجديدة بحيث
__________________
يمكن النظر إليه كحكمة معنوية للتشيّع ، وانصبّ الاهتمام في هذه الحكمة على
أحوال الإنسان ومقاماته الباطنية ، ممّا ساعد على اكتساب الكثير من التجارب
المعنوية ، كما نجم عن الاهتمام بباطن الإنسان ، اختلاط الأفكار العرفانية
بالأفكار الفلسفية ، الأمر الذي أدّى إلى حدوث تقارب بين ابن سينا وابن عربي ؛
والمفكّرون الذين انطلقوا في طريق حكمة التشيّع المعنوية هم الذين أوجدوا المدرسة
الفلسفية الإصفهانية .. فما حدث في المدرسة الإصفهانية لم يكن التقاطاً وتوفيقاً».
وممّا يؤسف له
حقّاً : «إنّ الحكمة المعنوية للتشيّع في المدرسة الفلسفية بإصفهان ، حركة فكرية
غير معروفة لكثير من أبناء العالم ، فالمستشرقون الغربيّون قد درسوا الثقافة
الإسلامية على شتّى المستويات وفي جميع الأبعاد ، إلاّ أنّهم جهلوا أو تجاهلوا
الحكمة المعنوية للتشيّع ، ولم تستوعب بحوثهم ودراساتهم قضايا هذا التيّار الفكري».
ومهما يكن من
أمر : فإنّ المدرسة الفلسفية في إصفهان مدرسة عريقة في أفكارها ولها متبنّياتها
وتيّاراتها الفكرية.
كما أنّ للمدرسة
الفلسفية في حوزة إصفهان تفرّداً وخصائص تميّزها عن المدارس الفلسفية الأخرى ، وقد
لا يشاركها في تلك الخصائص أيّ من المدارس الفلسفية في العالم.
__________________
٤ ـ الجمع بين المعقول والمنقول :
فمن خصائص
فلاسفة حوزة إصفهان ؛ أنّهم قد جمعوا بين علمي المنقول والمعقول ، فكانوا فقهاء
فلاسفة ، وفلاسفة فقهاء.
يقول السيّد
الأستاذ جلال الدين الآشتياني في مقدّمة كتابه القيّم منتخباتى از آثار
حكماى إلهى إيران ما ترجمته : «واحدة من الأدوار التاريخية المهمّة لعلم الفلسفة والحكمة
الإلهية ، دورة العصر الصفوي ؛ حيث وصلت حوزة إصفهان العلمية إلى مرتبة من
الارتقاء والتكامل قد لا نجد لها مثيلاً في الأدوار السابقة ، وتفوّقت هذه الحوزة
بلحاظ جامعيّتها وشموليّتها على الحوزات السابقة عليها ، في بخارى ، وهرات
ونيشابور ، وكان يدرّس فيها العلوم المختلفة من المعقول والمنقول الرياضية ، والعلوم
الذوقية ... كلّ هذا شاهد ودليل على تفوّقها على الحوزات الأخرى.
وكان لعلم
الحكمة والفلسفة في هذه الدورة ؛ المقام والرتبة الخاصّة ، وكان أكثر فقهاء وعلماء
المنقول في هذا العصر ، من المدرّسين الكبار للفلسفة والحكمة الإلهية ، كالفيض
الكاشاني صاحب تفسير
الصافي ، والمحقّق
السبـزواري محمّد باقر ، صاحب الذخيرة
والكفاية في الفقه وله حواش وتعليقات على كتاب الشفاء للشيخ الرئيس ، وشرح الإشارات للخواجه ، كذلك أستاذ الكلّ في الكُلّ آقا سيّد حسين
الخوانساري مؤلّف كتاب مشارق
الشموس ، وله أيضاً
حواش وتعليقات على كتاب الشفاء
والإشارات وحكمة العين ، وشرح
التجريد للقوشجي ، وكذلك
السيّد رفيعا النائيني ، له شرح
الكافي ومؤلّف رسالة
التشكيك
في المعاني والمفاهيم ، وكذلك الفاضل الهندي ، السيّد محمّد الإصفهاني المعروف بـ : كاشف اللثام فهو فقيه وأصولي ومؤلّف كتاب تلخيص الشفاء وشرح على مشكلات هذا الكتاب ، الذي كتبه وهو لم يبلغ
العشرين من العمر.
والذي يبدو في
هذا العصر ـ عصر الدولة الصفوية ـ أنَّ منهج الجمع بين علمي المعقول والمنقول كان
له أهمّية كبيرة ، وإن وجد فقيه ليس له باع في علْمَي الفلسفة والحكمة ، فلا يعار
له أيّ أهمّية».
هذه هي أهمّ
خصائص المدرسة الفلسفية في حوزة إصفهان العلمية.
* من فلاسفة وحكماء حوزة إصفهان :
وفيما يلي نبذة
مختصرة لأهمّ العلماء والفلاسفة الذين برزوا في الحوزة العلمية في إصفهان ، وشيراز
باعتبارها المعين الذي نهل منه علماء إصفهان منذ بدايات القرن العاشر الهجري وما
بعدها ، وسوف نشير ضمن ترجمتهم إلى أهمّ أفكارهم الفلسفية ، ومؤلّفاتهم وآثارهم
الفلسفية.
١ ـ ابن سينا؛ الحسين بن عبد الله بن سينا ، أبو علي (ت ٤٢٧ هـ) :
وهو شَرَف
المُلك ، الفيلسوف الرئيس ، صاحب التصانيف في الطبّ والمنطق والطبيعيات والإلهيات.
أصله من بلخ ، ومولده في إحدى قرى بخارى ،
__________________
نشأ وتعلّم في بخارى ، وطاف البلاد ، وناظر العلماء ، واتّسعت شهرته ، وتقلّد
الوزارة في همدان ، وثار عليه عسكرها ونهبوا بيته ، فتوارى ثمّ صار إلى إصفهان
وصنّف بها أكثر كتبه .. صنَّف نحو مائة كتاب ، بين مطوّل ومختصر ، ونظم الشعر
الفلسفي الجيّد .. وأشهر كتبه القانون
في الطبّ كتاب كبير في
الطبّ ، بقي معوّلاً عليه في علم الطبّ وعمله ستّة قرون ، وترجمه الأفرنج إلى
لغتهم ، وكانوا يتعلّمونه في مدارسهم ، وطبعوه بالعربية في روما ، وهم يسمّون ابن
سينا (Avicenne)
وله عندهم مكانة رفيعة. ومن تصانيفه المعاد ، ورسالة
في الحكمة ، والشفاء في الحكمة أربعة أجزاء ، وأسرار الحكمة المشرقية ثلاث مجلّدات ، وأرجوزة في المنطق ، والإشارات في
الفلسفة ، ورسالة في
الفلسفة ، وأشهر شعره عينيّته التي مطلعها : (هبطت إليك من المحلّ الأرفع) وقد
شرحها كثيرون ..».
ولا نريد أن
نسترسل كثيراً في بيان سيرة هذا الفيلسوف المشّائي ، والطبيب الإيراني ، فالمعلومات
عن سيرته وافية جدّاً ؛ فقد دوّن سيرته بنفسه ، ودوّنها أيضاً أحد تلامذته.
وأمّا عن دوره
في إرساء المدرسة الفلسفية في العالم الإسلامي : فممّا لا شكّ فيه : «إنّ فلسفة
ابن سينا بشكل عامّ ـ سيّما في بعض مبادئها ـ قد تركت تأثيراً عظيماً وراسخاً على
الفكر الفلسفي الإسلامي من بعده .. وهذا النظام الفلسفي ـ عند ابن سينا ـ خليط من
أهمّ العناصر الأساسية في الفلسفة المشّائية والأرسطية ،
__________________
وبعض العناصر المحدّدة للنظرة الأفلاطونية الحديثة العالمية ، وفي صلتها مع
النظرة الدينية الإسلامية العالية .. وأسمى ابن سينا النظام الفلسفي الجديد الذي
كان ينشده بـ : (الحكمة أو الفلسفة المشرقية).
ويمكن تقسيم
النظام الفلسفي عند ابن سينا إلى (٤) أقسام : علم الوجود ومعرفة الله (الإلهيّات) ، وعلم الكونيّات
، وعلم النفس ونظرية المعرفة ، والنزعة العرفانية». ولا يمكننا استيعاب أبحاث هذه الأقسام الأربعة في
النظام الفلسفي الذي أرساه ابن سينا ، ونقل النصوص من تراثه الفلسفي ، وإنّما نشير إلى أنّ هذا الفيلسوف الكبير قد ترك
بصماته الواضحة على الدرس الفلسفي في الحوزات العلمية عامّة ، وفلاسفة وحكماء
إيران ، وحوزة إصفهان خاصّة ، فنجد الكثير من هؤلاء قد كتب الحواشي والتعليقات على
الكتب الفلسفية للشيخ الرئيس ، وبعضهم تبنّى النظام الفلسفي الذي ابتدعه ودرّس هذا
النظام وشرحه.
يقول أحد
الباحثين : «لم يخطئ كبد الحقيقة أولئك الذين ينظرون إلى ابن سينا كأحد أعظم
فلاسفة العالم طوال التاريخ ، وتكشف أفكاره الراقية وآثاره القيّمة عن أنّه كان
يتميّز بنبوغ خاصّ .. ولا شكّ في أنّه وعلى غرار سلفه الفارابي ، قد لعب دوراً
أساسياً في الجمع بين الفلسفة والدين ، واستطاع عن هذا الطريق أن يخلق تيّاراً
فكرياً عظيماً عُرِف باسم الفلسفة الإسلامية».
__________________
٢ ـ الشيخ البهائي ، محمّد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي (ت ١٠٣١
هـ) :
وقد مرّ بنا
الحديث عن هذا العلم كمهاجر عاملي ، وكفقيه وأصولي في ثنايا مجلّدين من هذه
الموسوعة ، وذكرنا هناك بعض التفاصيل المهمّة عن سيرته العلمية وتراثه في الفقه
والأصول ، وتسنّمه لمشيخة الإسلام ، وسياحته في الأرض ...
وهنا نذكره
بصفته حكيماً وفيلسوفاً ورياضياً ؛ بل هو أستاذ الفلاسفة والحكماء والرياضيّين في
عصره ، ولا زالت آثاره في الفلسفة والحكمة والرياضيّات والفلك شاهدة على ذلك.
«وقد ظلّت
آثاره في الهندسة والفلك والرياضيّات وسواها زمناً طويلاً من بعده ، وحتّى الآن
مرجعاً لكثير من علماء المشرق ، كما أنّها كانت منبعاً يستقي منه طلاّب المدارس
والجامعات ، كما أنّ آثاره في الفلسفة والكلام والفقه والحديث .. لا تقلّ شأناً
وأهمّية عن آثاره في الفلك والرياضيّات ، على أنّ شهرته في هذه العلوم الأخيرة
غلبت عليه ..».
ومن آثار الشيخ
البهائي العقلية : بحر
الحساب ، وخلاصة الحساب ، ورسالة تحقيق جهة القبلة ، وتشريح الأفلاك .. وغيرها الكثير من المؤلّفات.
__________________
تتلمذ على
والده الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي (ت ٩٧٤ هـ) والمولى عبد الله اليزدي (ت ٩٨١
هـ) وغيرهما.
وتخرّج من محضر
درسه تلاميذ كُثُر ، كانوا من أعلام عصرهم منهم :
أ ـ الشيخ جواد
بن سعد البغدادي الكاظمي المعروف بالفاضل الجواد الكاظمي ، درس على البهائي في
إصفهان ، حتّى أصبح من اللامعين في المعقول والمنقول ، والرياضيّات ، وقد شرح بعض
كتب أستاذه البهائي مثل خلاصة الحساب
، وزبدة الأصول.
ب ـ الملاّ
محسن الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ) وهو من الفلاسفة المعروفين.
ج ـ الملاّ صدر
الدين الشيرازي الشهير بصدر المتألّهين والملاّ صدرا (ت ١٠٥١ هـ).
٣ ـ الميرداماد ، محمّد باقر بن شمس الدين محمّد الحسيني الإسترآبادي
المعروف بـ : (الداماد) (ت ١٠٤١ هـ) :
يعدّ
الميرداماد من أئمّة الحكمة والفلسفة والكلام والفقه والحديث ، وآثاره العلمية
تدلّ على طول باعه في مختلف العلوم والمعارف ، وكلّ من ترجم له نصّ على شخصيّته
العلمية الجامعة ؛ فقد ذكر الحرّ العاملي بقوله : «عالم فاضل جليل القدر ، حكيم
متكلّم ، ماهر في العقليّات ... وكان شاعراً بالفارسية والعربية
مُجيداً».
ووصفه صاحب الروضات بقوله : «المتكلّم الحكيم ، من أجلاّء علماء المعقول ، وكان
إماماً في فنون الحكمة والأدب .. ماهر في العقليّات».
وقد عدّه
المستشرق الألماني هنري كوربان في كتابه القيّم : تاريخ الفلسفة الإسلامية على رأس الحقبة الرابعة من حقب الفكر الشيعي بحسب
تقسيمه لهذه الحقب ، والتي تبدأ من عصر الأئمّة
عليهمالسلام
ثمّ عصر الغيبة
، ثمّ حقبة نصير الدين الطوسي ، ثمّ الدولة الصفوية حيث قال : «أمّا الحقبة
الرابعة ، التي أشرنا إليها على أنّها حقبة النهضة الصفوية ، ونشوء مدرسة إصفهان
مع الميرداماد (١٠٤١ هـ) ، والملاّ صدرا الشيرازي (١٠٥٠ هـ) ، وتلاميذهما وتلاميذ
تلاميذهما (كأحمد العلوي ، ومحسن الفيض ، وعبد الرزّاق اللاهيجي ، وقاضي سعيد
القمّي ، الخ ..) فهي ظاهرة لا نظير لها في مكان آخر من العالم الإسلامي ، حيث
يعتبر أنّ باب الفلسفة قد أغلق منذ أيّام ابن رشد ، لقد تحقّق هؤلاء المفكّرون
الكبار ، في هذه الحقبة ، من أنّ الكنز الدفين للوجدان الشيعي ، يكمن في تلك
الوحدة المتلاحمة بين الوحي النبوي ، من جهة ، والفكر الفلسفي الذي يوغل في الغوص
على المعاني الباطنية الكامنة في هذا الوحي ، من جهة أخرى ...».
عُرف
الميرداماد بـ : (المعلّم الثالث) أي : بعد أرسطو والفارابي ، وتتلمذ
__________________
عليه مجموعة من كبار الفلاسفة على رأسهم الفيلسوف صدر المتألّهين ، وعبد
الرزّاق اللاهيجي ، والملاّ محسن الفيض الكاشاني ، وترك آثاراً فلسفية مهمّة منها
:
القبسات
، وتقويم الإيمان والرواشح السماوية.
٤ ـ الأمير أبو القاسم الحسيني الموسوي الفندرسكي (ت ١٠٥٠ هـ) :
وهو من أكابر
حكماء الشيعة وفضلائهم ، وقد وصفوه بأنّه : «كان حكيماً فاضلاً فيلسوفاً صوفياً ، ماهراً
في العلوم العقلية والرياضية .. عاش في عصر الشاه عبّاس الصفوي الأوّل ، وكان موضع
احترام الصفويّين وتقديرهم ، وتوفّي في إصبهان عن ثمانين سنة».
درّس في إصفهان
العلوم العقلية والنقلية فترة من الزمن ، وتخرّج من محضر درسه نخبة من أعلام عصره
منهم : السيّد حسين الخوانساري ، والمحقّق السبزواري ، والملاّ محمّد باقر صاحب
الذخيرة ، والشيخ رجب علي التبريزي .. وغيرهم .. وكان في مبانيه الفلسفية على
قواعد المدرسة المشّائية ، وكان يدرّس كتب الشيخ الرئيس أبي علي بن سينا .. وله من
الآثار الفلسفية : رسالة
في الحركة ، والرسالة الصناعية ، وأجوبة السيّد مظفّر الكاشاني في نفي التشكيك في
الذاتيات.
__________________
٥ ـ الملاّ صدر الدين محمّد بن إبراهيم بن يحيى المعروف بـ : (الملاّ صدرا)
وصدر المتألّهين (ت ١٠٥٠ هـ) :
وصفه صاحب السلافة بقوله : «كان عالم أهل زمانه في الحكمة متقناً بجميع
الفنون».
كما وصف أيضاً
: «بأنّه المدرّس الأوّل للفلسفة الإلهية في القرون الثلاثة الأخيرة في البلاد
الإسلامية الإمامية ، والوارث الأخير للفلسفة اليونانية والإسلامية ، والشارح لهما
، والمفسّر لأسرارهما».
وقد توقّفنا
عند محطّات من حياة هذا الفيلسوف العظيم في ثنايا حديثنا عن تاريخ الحوزة العلمية
في قم ولا نكرّر ما ذكرناه سابقاً.
درس في شيراز ،
ثمّ انتقل إلى إصفهان ، ودرس عند الشيخ البهائي ، ثمّ انقطع إلى فيلسوف عصره
(السيّد الداماد) ، ويظهر من بعض كتبه أنّه كان متأثّراً إلى حدٍّ كبير بشخصية
أستاذه (الداماد) ، فهو يقول عنه في شرح أوّل حديث من شرحه على أصول الكافي : «سيّدي وسندي ، وأستاذي واستنادي في العلوم الدينية
والعلوم الإلهية والمعارف الحقيقية ، والأصول اليقينية ..».
وكان له تلامذة
بارزون في الفكر والفلسفة ، قادوا الحركة الفلسفية في
__________________
عصرهم وأشهرهم صهراه : الحكيم المحدّث المعروف بملاّ محسن الفيض الكاشاني ،
والحكيم عبد الرزّاق اللاهيجي المعروف بـ : (الفيّاض) صاحب شوارق الإلهام.
ترك آثاراً
علمية مهمّة في الفلسفة والحكمة الإشراقية من أهمّها :
أ ـ الأسفار
الأربعة ، وهو من أشهر كتبه وأوسعها انتشاراً.
ب ـ المبدأ
والمعاد.
ج ـ الشواهد
الربوبية.
د ـ المشاعر.
هـ ـ الحكمة
العرشية.
و ـ شرح
إلهيّات الشفاء .. وغيرها من الكتب الفلسفية.
كما وله رسالة
على كتاب أستاذه الداماد الرواشح
السماوية ، وشرح على أصول الكافي لم يتمّه ، وتفسير للقرآن الكريم غير كامل.
له ترجمة واسعة
في كتاب التراجم
والسير.
٦ ـ الملاّ الشيخ رجب علي تبريزي الإصفهاني (ت ١٠٨٠ هـ) :
يقول صاحب رياض العلماء : «كان يسكن إصفهان ، زاهد فاضل حكيم ماهر صوفي .. وكان
معظّماً عند الشاه عبّاس الثاني الصفوي .. وله آراء ومقالات في المسائل الحكمية ، كالقول
بالاشتراك اللفظي في الوجود وسائر صفات الله
__________________
تعالى ، وهو من تلامذة الحكيم مير أبو القاسم الفندرسكي الإسترآبادي (ت
١٠٥٠ هـ)».
وله تلامذة
فضلاء في العلوم المنطقية والطبيعية والإلهية خاصّة .. قرأ عليه المولى محمّد
التنكابني الجيلاني ، والحكيم محمّد حسين وأخوه الحكيم محمّد سعيد القمّيان ، والسيّد
أمير قوام الدين محمّد الإصفهاني ، ومولى محمّد شفيع الإصفهاني.
له رسالة
فارسية في تحقيق القول بالاشتراك اللفظي في وجوده وصفاته تعالى ، وله رسالة في إثبات الواجب ، بالإضافة إلى تقريرات
درسه بقلم پيرزاده وبإرشاد مباشر منه بعنوان : المعارف الإلهية ، وقد نقل الآشتياني في كتابه كلّ رسالة الواجب ، بالإضافة
إلى بعض المقاطع من التقريرات.
٧ ـ الملاّ عبد الرزاق اللاهيجي القمّي (ت ١٠٧٢ هـ) :
وهو من أبرز
تلامذة المولى صدر الدين الشيرازي وزوج لابنته ، مثل المولى محسن الفيض الكاشاني ،
وكان مدرّساً في مدرسة السيّدة معصومة في قم المباركة إلى حين وفاته.
ولا تسعفنا
المصادر بشيء من التفصيل عن حياته ، وأين أخذ العلم من
__________________
أستاذه الملاّ صدرا في إصفهان أم في قم؟ وقد ذكرناه سابقاً ضمن حوزة قم
العلمية.
٨ ـ الملاّ حسين بن جمال الدين محمّد حسين الخوانساري (١٠٩٨هـ) :
وهو من
المشاهير بالفقه والأصول ، والحكمة والفلسفة ، وعلم الكلام ، وصفه من ترجم له بـ :
(أستاد الحكماء والمتكلّمين) تتلمذ عند المجلسي الأوّل الملاّ محمّد تقي ، ودرس
المعقول والحكمة عند الميرفندرسكي ، والآخوند ملاّ حيدر الخوانساري.
تحدّثنا عنه
فيما سبق ؛ كفقيه وأصولي ، ومن أكابر علماء إصفهان في الفقه والأصول ، الذي قامت
شهرته الفقهية والأصولية من خلال كتابه الفقهي مشارق الشموس في شرح كتاب الدروس للشهيد الأوّل محمّد بن مكّي العاملي (ت ٧٨٦ هـ).
وله آثار
فلسفية كثيرة لا تقلّ شأناً عن كتابه الفقهي مشارق الشموس ، يقول الآشتياني : «واحدة من أهمّ الآثار الفلسفية
للسيّد حسين ، تعليقاته على كتاب الشفاء للشيخ الرئيس ابن سينا ، وهي من الحواشي المهمّة على
كتاب الشفاء ..
وتدلّ على
إحاطته بالفلسفة المشّائية ، وتبرز عمق نظراته في العلوم العقلية».
تتلمذ على يده
نخبة من علماء المعقول والمنقول منهم : ولده جمال الدين
__________________
الخوانساري ، والرضي الخوانساري ، والملاّ أولياء ، والمدقّق الشيرواني ، والسيّد
أحمد الخوانساري .. وغيرهم.
٩ ـ المولى شمسا الجيلاني الإصفهاني :
له ترجمة
مقتضبة في أعيان
الشيعة جاء فيها : «عالم
فاضل ، له فصول
الأصول حواشي على معالم الأصول ، ذكره في الرياض ، وهو أحد العلماء الأجلاّء الذين كتبوا التذكارات لميرزا محمّد ، مقيم خازن دار الكتب للشاه عبّاس الصفوي
الأوّل ، وهم نيف وثلاثون عالماً جليلاً ..».
ذكره الآشتياني
في منتخباته ، ونقل عنه مجموعة من الرسائل الكلامية والفلسفية ، وممّا
جاء في ترجمته : «هذا العالم المتألّه ، والحكيم الزاهد المتورّع ـ أطاب الله ثراه
ـ واحد من أشهر تلامذة سيّد الحكماء والمجتهدين المير محمّد باقر الداماد الحسيني
الإسترآبادي ، حيث حضر سنوات متمادية عند أستاذه ونهل من فيض علمه ، وسلك مسلك
أستاذه في الفلسفة والحكمة الإلهية على الطريقة المشّائية .. كان كثير السفر ، فساح
في بلدان كثيرة ، وأقام فترة من الزمن في مكّة والمدينة متفرّغاً للعبادة.
حظي باحترام
وتكريم علماء ومفكّري زمانه ، وأثنى عليه المولى صدر المتألّهين في مقدّمة أجوبة
مسائله حيث قال : «عالم عصره وصفوة دهره ، المولى
__________________
الأعظم شمسا فلك الإيقان ، كاشفاً بقلبه رموز البيان ، عارجاً بسرِّه إلى
درجة الجنان ..».
ويضيف
الآشتياني : «ليس لدينا معلومات كافية عن وفاة هذا العلم ، ولا عن حلقة درسه ، ولا
عن طلاّبه ومريديه .. وكلّ ما بأيدينا منه
بعض آثاره العلمية والتي تبيّن عقائده الفلسفية وأفكاره ووجهات نظره ، وقد اطّلعت
على (١٦) رسالة في الفلسفة
والحكمة للملاّ شمسا ، وطالعت بعضها وأنقل منتخبات من بعض منها».
١٠ ـ السيّد أحمد العلوي العاملي الإصفهاني (كان حيّاً سنة ١٠٤٩ هـ) :
وهو من تلامذة
(ثالث المعلّمين) المحقّق الداماد مير محمّد باقر الإسترآبادي ، الفيلسوف المشّائي
والشارح لأفكار شيخ الإشراق الحكمية.
وللسيّد أحمد
العلوي آثار في الفلسفة والتفسير والأخلاق وباللغتين العربية والفارسية ، وله
حاشية مهمّة على كتاب الشفاء لابن سينا ، في قسم الإلهيّات ، وهي حاشية مفصّلة تدلّ
على اطّلاعه الواسع على أفكار الشيخ الرئيس وتلامذته وكذلك إحاطته الكاملة بآثار
شيخ الإشراق وشرّاح آثارها ، وكذلك معرفته بأفكار الخفري والدواني والمير صدر
دشتكي .. وقد تأثّر كثيراً بأفكار أستاذه الداماد ، وكغيره من المحقّقين
المتأخّرين عن الميرداماد كان يعتقد بأنّ الداماد من أكابر
__________________
فلاسفة الإسلام ...
لم أجد له
ترجمة في أمل
الآمل ، ولعلّه هو
الذي ذكره السيّد عبد الله بن نور الدين بن نعمة الله الجزائري في ذيل إجازته
الكبيرة فقال : «عالم ، فاضل ، ورع ، من أهل بيت الفضل ، كان من شركاء درس والدي
بإصبهان عند الأمير محمّد باقر ، والأمير محمّد صالح .. ثمّ انتقل إلى المشهد
الرضوي ...».
١١ ـ الملاّ محسن الفيض الكاشاني (ت ١٠٠٦ هـ) :
قال في أمل الآمل : «المولى الجليل محمّد بن مرتضى المدعوّ بمحسن
الكاشاني ، كان فاضلاً ، عالماً حكيماً متكلّماً ، محدّثاً فقيهاً محقّقاً ، شاعراً
أديباً ، حسن التصانيف ، من المعاصرين ..».
وقد ذكرناه
سابقاً ضمن تاريخ حوزة قم العلمية ، وذكرنا هناك بأنّ : الذي يبدو من خلال ترجمة
الفيض الكاشاني في لؤلؤة
البحرين للشيخ يوسف
البحراني نقلاً عن السيّد الجزائري أنّه : «كان نشوؤه في بلدة قم ، وفيها تعلّم في
مراحله الأولى ، ثمّ سافر إلى شيراز ، وأخذ العلوم عن السيّد ماجد البحراني ، وقرأ
العلوم العقلية على الحكيم الفيلسوف صدر الدين الشيرازي وتزوّج ابنته».
ورجّح صاحب
كتاب تاريخ
قم أن يكون الشيخ
الفيض الكاشاني مع عديله
__________________
اللاهيجي قد درسا قسماً من دروسهما عند الملاّ صدرا في مدينة قم.
وليس لدينا ما
يؤيّد حضور الفيض الكاشاني إلى إصفهان ، بل إنّه امتنع من الحضور إلى إصفهان وقبول
منصب مشيخة الإسلام ، بعد أن كتب له الشاه سليمان الصفوي رسالة ، وعرض عليه منصب
شيخوخة الإسلام فلم يقبله ، وإنّما ذكرناه هنا لأنّه من بلدة كاشان ، والتي كانت
تابعة إدارياً وجغرافيّاً لإصفهان ، ولتلمذّه في شيراز المجاورة لإصفهان وحمله
إجازة الرواية عن علمائها.
وممّا لا شكّ
فيه أنّ الفيض الكاشاني من كبار أساتذة العلوم العقلية والنقلية وبرع في الفلسفة
والحكمة المشّائية والإشراقية ، والعرفان والتصوّف ، والفقه والحديث والتفسير وعلم
الأخلاق ، وله تصانيف كثيرة يقرب من المائتين ..».
١٢ ـ قوام الدّين حكيم محمّد الرازي :
العالم الكبير
قوام الدين الرازي الطهراني ، واحد من أعاظم الحوزة العلمية في إصفهان ومدرستها
الفلسفية ، ومن كبار المدرّسين لدروس الحكمة في العهد الصفوي ، حضر ولفترة طويلة
في محضر درس الحكيم العالم رجب علي التبريزي (ت ١٠٨٠ هـ) وتأثّر بمدرسته الفلسفية
، وكان يدرّس آثار الشيخ الرئيس ابن سينا ، وكان في فلسفته على طريقة الحكمة
المشّائية. ومن آثاره كتاب المعارف
الإلهية ، وله حواش
مختصرة على كتاب الشفاء لابن سينا ، تدلّ على
__________________
تجرّده وموضوعيته وعمق نظره.
١٣ ـ محمّد رفيع پيرزاده :
وهو من أشهر
تلامذة الآخوند ملاّ رجب علي التبريزي الإصفهاني ، كان من أساتذة الفلسفة في حياة
أستاذه وبعد وفاته ، وكان يدرّس الحكمة والفلسفة على طريقة أستاذه ، الذي كان
بدوره يدرّس الشفاء
والإشارات وكتب الحكمة
المشّائية ، وكانت له عناية خاصّة بأفكار وأقوال الفلاسفة والحكماء قبل الإسلام.
لقد كان
پيرزاده من المقرّبين لأُستاذه ومن المقرّرين لدروسه الفلسفية ، والحكمية والتي
عرفت بـ : (المعارف الإلهية).
١٤ ـ المولى محمّد باقر السبزواري (ت ١٠٩٠ هـ) :
وهو من كبار
علماء الشيعة في العصر الصفوي ؛ فقيه وأصولي معروف وله كتابان فقهيان عرف بهما : الذخيرة ، والكفاية فيقال : صاحب الذخيرة أو صاحب كفاية الأحكام ؛ وله من الآثار حواش على كتاب الشفاء في الحكمة والفلسفة ، تدلّ على إحاطته العميقة بالمباحث
الفلسفية المشّائية ، كذلك اطّلاعه الواسع على أفكار وعقائد التابعين لأفكار الشيخ
الرئيس ابن سينا من أمثال : الدواني ، والدشتكي ، والخفري والفخري ، وغيرهم. ويعدّ السبزواري من تلامذة الفندرسكي في الفلسفة.
__________________
وقد مرّ بنا
سابقاً ترجمته ضمن المدرسة الفقهية لحوزة إصفهان ؛ حيث تتلمذ في العلوم النقلية
على المولى محمّد تقي المجلسي ، والشيخ البهائي ، والملاّ حسين علي الشوشتري ، وكان
معاصراً للسيّد حسين الخوانساري ، والفيض الكاشاني ، وغيرهم.
١٥ ـ القاضي سعيد القمّي (ت ١١٠٣ هـ) :
قال الخوانساري
في الروضات : «القاضي سعيد محمّد بن محمّد مفيد القمّي ، هو المولى
الفاضل ، الحكيم العارف ، المتشرّع الأديب الكامل ، المحقّق .. وكان من أعظم فضلاء
الحكمة والأدب والحديث والتأويل .. وإليه انتهى منصب القضاوة [كذا] في بلدة قم
المحروسة المقدّسة ، وفيه دلالة على نهاية تسلّطه أيضاً في الشرعيّات ..».
وهو من أفاضل
الحكماء والعرفاء في عصر الدولة الصفوية ، ويستشفّ من مطاوي ترجمته أنّه درس على
ثلاثة من كبار فلسفة عصره وهم :
أ ـ الشيخ رجب
علي التبريزي الإصفهاني.
ب ـ الملاّ عبد
الرزاق اللاهيجي.
ج ـ الملاّ
محسن الفيض الكاشاني.
وهذا يعني أنّ
القاضي سعيداً ، تلميذ تلميذي صدر المتألّهين ، ويتّصل بواسطتهما ببحر أفكاره ، إلاّ
أنّه كان تأثّره بالشيخ رجب علي التبريزي أكبر من
__________________
تأثّره بأُستاذيه الآخرين الفيّاض اللاهيجي ، والفيض الكاشاني.
والقاضي سعيد
وإن كان يعدّ من المقرّرين للمقاصد الفلسفية ، وفي عداد الشرّاح والتابعين لأفكار
الملاّ صدرا ، إلاّ أنّه ينفرد بأفكار فلسفية يخالف فيها الملاّ صدرا ونظريّته في
الحركة الجوهرية والاشتراك المعنوي ...
وللقاضي سعيد
آثار علمية مهمّة ، منها : شرح
توحيد الصدوق وشرح الأربعين وحاشية على شرح الإشارات وكليد بهشت بالفارسية ، وكتاب الأربعينيّات لكشف الأنوار القدسيّات ، وقد جمع فيه أربعين رسالة ، ينفتح منها أربعون باباً
من أبواب المعارف والتحقيقات.
١٦ ـ محمّد السراب بن عبد الفتّاح التنكابني (ت ١١٢٤ هـ) :
الفقيه
الفيلسوف الأديب ، كان في الفقه تلميذ المحقّق السبزواري ، وفي الفلسفة كان يعدّ
من المدرسة المعتدلة الملتئمة نسبياً مع الحكومة ، مدرسة رجب علي التبريزي ، المعارض
للمدرسة الصدرائية الحادّة ، ولذلك نرى العلاّمة النوري في الفيض القدسي يعدّه السادس والعشرين من تلاميذ المجلسي ؛ أي : إنّه كان من أركان جامعة إصفهان بزعامة معاصره المجلسي ، وله تصانيف
كثيرة منها : سفينة
النجاة في الكلام ، وضياء القلوب في الإمامة ، وأصول الدين وإثبات
__________________
الواجب.
١٧ ـ محمّد نعيما الطالقاني :
وهو العالم
المحقّق مؤلّف رسالة أصل
الأصول ، ومنهج
الرشاد بالإضافة إلى
تعليقاته وحواشيه المفصّلة على كتاب شرح الإشارات ، ورسائله المفصّلة في الجبر والتفويض ، وشرحه وتعليقه
على بعض أحاديث أصول
الكافي.
عاصر هذا
المحقّق الفاضل أواخر الدولة الصفوية وفي عصر الشاه حسين الصفوي ، وشاهد مأساة
فتنة الأفغان وسقوط عاصمة الدولة الصفوية إصفهان ، حيث خرج هارباً منها إلى مدينة
قم ، يقول في مقدّمة رسالته أصل
الأصول : «.. هذا مع
تشتُّت الحال وتوزّع البال .. حين جرّد الزمان على أهاليه سيف العدوان وذلك بغلبة
عساكر الأفغان على بلدة إصفهان ، وإهلاك من كان فيها من معظم المتوطّنين والسكّان
.. وفراري منها إلى بلدة ـ قم ـ بلدة أمن وأمان ـ حماها الله تعالى ـ من طوارق
الحدثان وآفات الأفغان ؛ واغترابي فيها وبعدي عن الأهل والأوطان ..».
لا توجد له
ترجمة مفصّلة في كتب التراجم ، فلا نعرف شيئاً عن أساتذته ، ولا عن تلامذته ، وإن
احتمل بعضهم تتلمذه على الأردستاني والفاضل الهندي.
__________________
١٨ ـ بهاء الدين محمّد الإصفهاني الشهير بـ : (الفاضل الهندي) (ت ١١٣٧ هـ)
:
وهو الفقيه
الشهير ، صاحب كتاب كشف
اللثام ، والذي
تحدّثنا عنه سابقاً كفقيه كبير ؛ اعتنى بأقواله وآرائه الفقهية أكابر فقهاء الشيعة
، من أمثال صاحب الرياض
، وكاشف الغطاء
، وصاحب الجواهر.
ولم تقتصر
إبداعات هذا العلَم على ميدان الفقه والفقاهة ، بل تعدّى ذلك إلى ميدان الحكمة
والفلسفة والكلام .. وخلَّف لنا آثاراً علمية تمثّلت في تلخيص كتاب الشفاء لابن
سينا ، حيث حذف مكرّرات هذا الكتاب ، وبيّن مطالبه بأجمل العبارات ، وحلَّ الكثير
من مشكلات هذا الكتاب ، وعنون كتابه بـ : (عون إخوان الصفا على فهم كتاب الشفاء).
بالإضافة إلى
تعليقات على شرح
المواقف للسيّد الشريف
، وحواش على شرح
الهداية للميبدي ، وكتاب
الزبدة في العقائد .. وغيرها من الآثار الحكمية والفلسفية والكلامية ، والتي
تتجلّى فيها براعته وجامعيته للعلوم العقلية ، بالإضافة إلى العلوم النقلية ، والتي
كان له قدم السبق فيها.
وللبحث صلة ...
__________________
(الفَوائِدُ الحِسانُ الغَرائِبُ)
روايةُ الشيخِ الجَليلِ الأَقدمِ محدِّثِ الشيعَةِ في عَصرِهِ
أَبِي الحَسَنِ أَحمَدَ بنِ محمَّدِ بنِ عِمرانَ البَغدادِي
المعروفِ بـ : (ابنِ الجندي)
(٣٠٥ ـ ٣٩٦هـ)
(٤)
|
|
الشيخ أمين حسين پوري
بسم الله الرحمن الرحیم
لقد تناولنا في
الأعداد السابقة دراسة عن شخصية ابن الجندي ومكانته العلمية وأقوال العلماء فيه ، وأضواء
على وثاقته ومشايخه ونستأنف البحث هنا.
٩ ـ هناك عدد
من الرواة صرّح أصحاب التراجم بسماع ابن الجندي منهم ولكن لم نجد من خلال
استقرائنا حديثاً رواه ابن الجندي عنهم وهم كالتالي :
أ ـ إبراهيم بن
دبيس بن أحمد الحدّاد :
ذكر الخطيب
جماعة من شيوخه وتلامذته ووثّقه (تاريخ بغداد ٦ / ٧٠).
ب ـ الحسن بن
الحسين بن محمّد أبو علي التميمي :
قال عنه الخطيب
: «من أهل الكوفة. ذكر أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بن عمران بن
الجندي : أَنَّهُ قدم عليهم بغداد فِي سنة نيف وعشرين وثلاثمائة ، وحدّثهم
عَنْ مُحَمَّد بن تسنيم» (تاريخ
بغداد ٧ / ٣٠٩) ولم
نعرف عنه أكثر من هذا لحدّ الآن.
ت ـ الْحَسَن
بن مُحَمَّدِ بن سعدان بن عُبَيْد اللَّهِ ، أَبُو عَلِي العرزمي الكوفي :
قال عنه الخطيب
: «قدم بَغْدَاد وحدّث بِهَا .. روى عنه علي بن عمر الحريري ، وأبو حفص الكتاني ، وأحمد
بن محمّد بن عمران بن الجندي ، وأبو القاسم بن الثلاّج ، في آخرين». (تاريخ بغداد ٧ / ٤٣٠).
ث ـ الحسين بن
علي بن أحمد أبو بكر الزيّات (م بعد ٣٥٠ ق) :
قال عنه الخطيب
: «كان صدوقاً» وذكر ابن الجندي في جملة تلامذته (تاريخ بغداد ٨ / ٧٢).
ج ـ زكريّا بن
حبيش أبوالقاسم البندار :
لم نجد من ذكره
إلاّ الخطيب حيث قال : «حدّث عَنْ عَبَّاس الدوري. وَمحمّد بْن عُبَيْد اللَّهِ
المنادي. روى عنه أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن عمران بن الجندي». (تاريخ بغداد ٨ / ٤٦٥).
ح ـ ظفر بن
محمّد بن خالد أبو نصر السرّاج (راجع تاريخ بغداد ٩ / ٣٧٤).
خ ـ عبد الرحمن
بن محمّد بن خسرماه أبو سعيد القزويني (م بعد ٣٣٩ ق) (راجع : تاريخ بغداد ١٠ / ٢٨٩).
د ـ غانم بن
محمّد الورّاق (راجع : تاريخ
بغداد ١٢ / ٣٢٨).
ذ ـ غريب بن
عبد الله الخادم المعتضدي :
قال الخطيب : «حدّث
عن جعفر بن محمّد الفريابي. روى عنه أحمد بن محمّد بن عمران الجندي. وذكر أنّه سمع
منه في دار الخلافة ـ باب بيت المال ـ
في سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة» (تاريخ بغداد ١٢ / ٣٢٨).
ر ـ ميسور بن
محمّد بن ميسور التكريتي : (راجع تاريخ بغداد ١٣ / ٢٧٤ وفيه «أنّه سمع منه بعكبرا»).
ز ـ نصر بن
محمّد بن عبد العزيز أبو القاسم الدلاّل المعروف بـ : (الباقرحي) (م ٣٣٤ ق).
تلامذته ومن روى عن ابن الجندي :
١ ـ أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمود أبو بكر الثقفي الأصبهاني (م ٤١٦ ق)
:
كان من مشايخ
أبي بكر البيهقي وقد روى عنه في السنن
الكبرى (راجع كنموذج
: السنن
الكبرى للبيهقي ٣ /
٢٩٢) قال عنه الخطيب : «نيسابوري. ولد بها ... ثمّ قدم علينا في سنة ثلاث عشرة
وأربعمائة ، فكتبنا عنه وكان صدوقاً شديداً جميل الطريقة» (تاريخ بغداد ٤ / ٢٤١) وتجد روايته عن ابن الجندي في (السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٢٩٢). تصحّف اسمه في الطبعة التي اعتمدناها
إلى : (أحمد ابن إبراهيم بن محمّد) وهو خطأ.
٢ ـ أحمد بن عبد الواحد بن محمّد أبو يعلى الوكيل (٣٨١ ـ ٤٣٨ ق) :
من مشايخ
الخطيب. قال عنه : «كتبت عنه وكان صدوقاً» (تاريخ بغداد ٥ / ٢٥) وراجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ٥ / ٤١٥ ، ١٢ / ٢٥؛ ١٣ / ٢٠٨).
__________________
٣ ـ أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نصر البخاري المعروف بـ : (الثابتي) (م
٤٤٧ ق) :
قال عنه الخطيب
: «قدم بغداد وهو حدث .. ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الأسفراييني ولم يزل
قاطناً ببغداد إلى آخر عمره يدرس الفقه ، ويفتي ، له حلقة في جامع المنصور. وحدّث
شيئاً يسيراً .. كتبت عنه وكان ليّناً في الرواية ...» (تاريخ بغداد ٤ / ٤٦٣) ولاحظ روايته عن ابن الجندي في (تلخيص المتشابه في
الرسم ١ / ٣٩٦).
٤ ـ أحمد بن عبد الله بن عمر أبو الفضل :
لم نجد عنه
شيئاً راجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ مدينة دمشق ٦٤ / ٢٨٢).
٥ ـ أحمد بن محمّد بن أحمد أبو الحسن المعروف بالعتيقي (٣٦٧ ـ ٤٤١ق) :
من مشايخ
الخطيب ويعبّر عنه الخطيب كثيراً بـ : (أحمد بن أبي جعفر القطيعي) أو (ابن أبي
جعفر) (راجع : الأنساب ٤٦٥ ـ ٤٦٦). وقال عنه : «روياني الأصل. ولد ببغداد.
وبُكّر به في سماع الحديث .. سمعت أبا القاسم الأزهري ذكر أبا الحسن العتيقي فأثنى
عليه خيراً ووثّقه» (تاريخ
بغداد ٥ / ١٤٣) وهو
الذي قال عن شيخنا ابن الجندي أنّه «كان يرمى بالتشيّع وكانت له أصول حسان» (تاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢) ومهما يكن فقد روى العتيقي عن شيخنا في
المصادر التالية : (تاريخ
بغداد ١٠ / ٤٠٤؛ ١٤
/ ١٩؛ الطيوريّات ١ / ٥٩ ، ٢ / ٣٤٣ ، ٣٤٤).
٦ ـ أحمد بن محمّد بن أحمد أبو الحسين البزّاز المعروف بابن النّقور (٣٨١ ـ
٤٧٠ق) :
من مشايخ
الخطيب. قال عنه : «كتبت عنه وكان صدوقاً» (تاريخ بغداد ٥ / ١٤٦) راجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ مدينة دمشق ١ / ٣٨٤؛ ٨ / ٦١؛ ١٠ / ١٨ ، ١٤ / ١٩٦؛ ١٥ / ٢١٥ ، ٢١٨ ،
٢٢٠ ، ١٩ / ٤١١).
٧ ـ أحمد بن محمّد بن أحمد أبو نصر السلمي الغزّال ويعرف بـ : (ابن
الوتّار) (م ٤٢٩ق) :
من مشايخ
الخطيب. قال عنه : «سمع [ابن الوتّار] محمّد بن المظفّر ، وأبا بكر بن شاذان ، وأبا
المفضّل الشّيباني ، وأبا الحسن بن الجندي ، وغيرهم. كتبت عنه ولم يكن ممّن يعتمد
عليه في الرواية ، ولا أعلم سمع منه غيري ، وكان يتشيّع» (تاريخ بغداد ٥ / ١٤١) ولاحظ روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ٤ / ٣٢٧؛ ٥ / ٥٤؛ ١٢ / ٣٨٥ و٤٨٦؛ ١٣ / ٤٦٤؛ ٨ / ٣٢٩).
٨ ـ أحمد بن مطرّف بن سوار أبو الحسن القاضي البستي :
عنونه الخطيب
ولكن لم يفدنا بمعلومات كثيرة حوله سوى تسمية بعض شيوخه وأساتذته وأنّه حدّث
بسامرّاء وسمع منه بعض تلامذته سنة (٣٢٧ ق) (تاريخ بغداد ٥ / ٣٨٠) كما صرّح ابن عساكر بتحديثه بدمشق (تاريخ دمشق ٦ / ١٦).
هذا وقد أرّخ
الذهبي وفاته ما بين سنتي (٣٢١ و٣٣٠ ق) (تاريخ الإسلام ٧ / ٦٠٠) وحتّى لو لم نجزم
بهذا التحديد لوفاته فبإمكاننا القول إنّه مات في النصف
الأوّل من القرن الرابع دونما شكّ ولا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار
روايته عن أحمد بن عبيد النرسي (تاريخ
دمشق ٦ / ١٦) الذي
توفّي سنة (٢٧٩ / ٢٨٠ق).
وعلى ضوء هذه
المعلومات فيبدو من المستغرب رواية البستي عن ابن الجندي المتأخّر طبقةً عن البستي
بشكل ملحوظ ولكن ممّا يساعد على تبديد الاستغراب الأخذ في الحسبان أنّ ابن بطّة
العُكبَري هو الذي روى عن شيخه أحمد بن مطرّف عن ابن الجندي (الإبانة لابن بطّة ٢ / ٤٥٨) وابن بطّة هو من أقران ابن الجندي
حيث ولد سنة (٣٠٤ ق) وتوفّي سنة (٣٨٧ ق).
وبعد هذا وذاك
فبإمكاننا أن نعتبر رواية البستي عن ابن الجندي من رواية الأكابر عن الأصاغر وهذا
القسم من رواية الحديث وإن لم نعتبره قاعدة أوّلية مطّردة إلاّ أنّـه طالما عرفه
المحدّثون وتحدّثوا عن نماذجها من الرواة الذين تمثّل ذلك في أسانديهم (راجع
كنموذج : تدريب
الراوي ٢ / ٧١٢ ـ ٧١٥)
وأفردوا لهذا الموضوع عدداً من التصانيف (راجع مثلاً : ما رواه الأكابر عن
مالك لمحمّد بن مخلد
، تحقيق عوّاد الخلف ، بيروت ، مؤسّسة الريان ، ١٤١٦ق) و (الجزء الأوّل ممّا رواه الأكابر عن
الأصاغر من المحدّثين من الأفراد ، جمع الحافظ أبي بكر محمّد ابن محمّد الباغندي ، تحقيق
: خالد بن محمّد باسمح ، دار التوحيد ، ١٤٢٨ ق وغيرهما من الدراسات).
٩ ـ إسماعيل بن علي بن الحسين أبو سعد السمّان الحافظ الرازي (م ٤٤٥ ق) :
قال عنه
السمعاني : «من أهل الري ، كان حافظاً رحّالاً ، سافر إلى العراق
والحجاز و .. وانصرف إلى الري .. وكان شيخ المعتزلة بها في عصره» (الأنساب ٧ / ٢١٠) وأورد له ابن عساكر ترجمة ضافية فنقل عن بعضهم
: «كان من الحفّاظ الكبار ، كان فيه زهد وورع ، وكان يذهب إلى الاعتزال» (تاريخ مدينة دمشق ٩ / ٢١ ـ ٢٢) الظاهر أنّ العامّة لم يأخذوا عليه إلاّ
مذهبه في الاعتزال كما نقل السمعاني عن بعضهم أنّه «قدري خبيث» في حين أقرّ بأنّه
: «شيخ ثقة في الرواية حافظ يفهم» (الأنساب ٧ / ٢١٠).
وعلى كلّ تجد
روايته عن ابن الجندي في (تاريخ
مدينة دمشق ٩ / ٢٢).
١٠ ـ باي بن جعفر بن باي أبو منصور الجيلي الفقيه (م ٤٥٢ ق) :
قال عنه الخطيب
: «سكن بغداد ودرس فقه الشافعي على أبي حامد الأسفراييني. وسمع من أبي الحسن بن
الجندي ، و ... وكان ثقة. ولي القضاء بباب الطّاق» (تاريخ بغداد ٧ / ١٤٢).
لاحظ روايته عن
ابن الجندي في (تاريخ
بغداد ٢ / ٣٢٧؛ ٤ /
١٠٨ ، ١١٢ ، ١١٣؛ ١٠ / ١٨٢ ، ١٨٨).
١١ ـ الحسن بن علي بن محمّد أبو محمّد الجوهري (٣٦٣ ـ ٤٥٤ق) :
قال عنه الخطيب
: «كتبنا عنه وكان ثقة أميناً كثير السماع» (تاريخ بغداد ٧ / ٤٠٤) وقال الذهبي : «الشيخ الإمام المحدّث الصدوق
مسنِد الآفاق ... وكان من بحور الرواية» (سير أعلام النبلاء ١٨ / ٦٨ ـ ٦٩). راجع روايته عن ابن الجندي في (مشيخة المحدّثين
البغدادية ١ / ٧٥ رقم ٥٩؛ الأمالي
الخميسية ٢ / ١٢٦).
١٢ ـ الحسن بن محمّد بن الحسن بن علي أبو محمّد الخلاّل (٣٥٢ ـ ٤٣٩ق) :
هو من أبرز
أساتذة الخطيب وممّن عوّل عليه في غالبيّة كتبه وروى بتوسّطه مئات الروايات في
شتّى المواضيع من التاريخ وتراجم الرواة والحديث و .... اللاّفت أنّ الخطيب روى
بتوسّط الخلاّل كمّاً هائلاً من الروايات عن ابن الجندي في كثير من كتبه وعلى ضوء
ذلك فباستطاعتنا أن نعتبر الخلاّل من أبرز تلامذة الشيخ ابن الجندي وأكثرهم رواية
عنه ، ومن ثمّ فنحن في غنى عن الإكثار من ذكر نماذج لرواية الخلاّل عن ابن الجندي
وعليه فنركّز هنا على بعض كتب الخطيب فحسب ونذكر نماذج قليلة من روايته عن الخلاّل
عن ابن الجندي :
(تاريخ بغداد ٢ / ٣٢٧ ، ٣٩١؛ ٣ / ١٤ ، ٣٥٥؛ ٤ / ١٠١ ، ١٠٧ ، ٢٨٨؛ ٦ /
٣٥؛ ١٠ / ٥٢ ، ٥٨ ، ١٨٤ ، ١٨٦ ، ١٨٨).
١٣ ـ الحسين بن علي بن محمّد ، أبو طالب بن عزور :
قال الشيخ
الطوسي رحمهالله
في رجاله بعد ذكر عنوان ابن الجندي : «روى عنه ابن عزور» (رجال الطوسي / ٤١٧ رقم ٦٠٢٥) وقال في الفهرست بعد أن ذكر ابن الجندي وأسماء كتبه : «أخبرنا بجميع
(كتبه ورواياته) أبو طالب ابن غرور عنه». (فهرست كتب الشيعة / ٧٧ رقم ٩٨ ـ و (ابن غرور) تصحيف عن (ابن عزور).
هذا وقد استوعب
المحقّق السيّد عبد العزيز الطباطبائي
رحمهالله
ـ مشكوراً ـ
كافّة المعلومات حوله المستقاة ممّا بأيدينا من المصادر الشيعية والعامّية فلا
مبرّر لتكرار ما أفاده. لم نجد في الوسط السنّي من تعرّض له إلاّ الصفدي في الوافي
بالوفيات حيث قال : «الحسين بن علي بن محمّد بن عزور ، أبو طالب
الأنماطي. روى عنه أبو شجاع الذّهلي وغيره» ثمّ ذكر أبياتاً له ثمّ قال : «قلت : شعر
جيّد في التوسّط ، وهو من تاجر كثير ، وكان شعره كثيراً إلى الغاية. وقد اختار منه
مهيار في كتاب : الصفوة». (الوافي
بالوفيات ١٢ / ٤٥٦)
علماً بأنّ هذه المعلومات التي وافانا بها الصفدي لم نجدها عند أصحابنا ومهما يكن
فأبو طالب بن عزور كان ممّن له حظّ من الحديث والرواية وإلى جانب ذلك كانت له يدٌ
في الأدب والشعر.
أمّا عن مذهبه
فمن المحتمل قويّاً أنّه من أصحابنا الإمامية وذلك استناداً إلى أنّ الشيخ يذكره
في عداد مشايخه إلى جانب بعض الأعلام من أصحابنا مثل الحسين بن عبيد الله وأحمد بن
عبدون وأبي علي الحسن بن أشناس وروى عنه كمّاً هائلاً من مرويّات أبي المفضّل
الشيباني (الأمالي للطوسي / ٤٤٥ رقم ٩٩٥ ـ ٦٤٢ رقم ١٣٣٥) وهو أمر مدهش
حقّاً.
كما يروي الشيخ
الطوسي بتوسّطه عن أبي غالب الزراري (رجال الطوسي / ٤١٠ رقم ٥٩٥٣) وجعفر بن محمّد بن قولويه (رجال الطوسي / ٤١٨ رقم ٦٠٣٨) وأحمد بن إبراهيم أبي رافع الصميري (رجال الطوسي / ٤١١ رقم ٥٩٦٠) إذن فهو من المختصّين بالوسط الشيعي
المهتمّين بالرواية عن بعض فطاحل الشيعة فمن المستغرب جدّاً أن يعمد أحد من
العامّة إلى مثل جعفر بن قولويه ـ وهو من أبرز أعلام الإمامية ومن البعيدين عن
الجوّ السنّي من ناحية المنهج الاعتقادي ـ فيروي عنه.
على كلّ فهو من
مشايخ الشيخ الطوسي وقد وقع في طريق الشيخ إلى رواية
كتب بعض الرواة كما روى الشيخ بتوسّطه في كتابه الأمالي (راجع : فهرست كتب الشيعة مقدّمة المحقّق : ٧٥ ـ ٧٦).
١٤ ـ الحسين بن محمّد بن الحسن بن علي أبو عبد الله المؤدّب (م ٤٣٠ ق) :
هو أخو أبي
محمّد الخلاّل السابق ذكره. كان من مشايخ الخطيب وقال عنه : «سافر إلى بلاد خراسان
، وما وراء النهر .. كتبنا عنه وكان لا بأس به» (تاريخ بغداد ٨ / ١٠٨) راجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ٦ / ١٥).
١٥ ـ الخليل بن عبد الله بن أحمد أبو يعلى الخليلي الحافظ القزويني (م
٤٤٦ق) :
قال عنه الذهبي
: «القَاضِي ، العَلاَّمَةُ ، الحَافِظُ .. وَطَالَ عُمُرُهُ ، وَعَلاَ إِسْنَادُه
.. وَكَانَ ثِقَةً ، حَافِظاً ، عَارِفاً بِالرِّجَالِ وَالعِلَلِ ، كَبِيرَ
الشَّأْنِ» (سير
أعلام النبلاء ١٧ / ٦٦٦) وقد طبع في الآوانة الأخيرة كتابه : (فوائد أبي يعلى
الخليلي) «وروى فيه عن
ابن الجندي (راجع : فوائد
أبي يعلى / ٣٥) وفيه : «أنبأ
أبو الحسن أحمد بن محمّد ابن عمران بن الجندي ببغداد سنة ثمان وثمانين ...».
١٦ ـ دجي بن عبد الله أبو الحسن الخادم الأسود (م ٤١٣ ق) :
كان مولى
الخليفة العبّاسي الطائع لله (م ٣٩٣ ق) قال الخطيب : «كان قريباً منه (الخليفة)
خصّيصاً به ويسفر بينه وبين الملوك ... كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً» ثمّ روى من
طريقه عن ابن الجندي حديثاً (تاريخ
بغداد ٨ / ٣٨٧).
١٧ ـ سعيد بن محمّد بن أحمد أبو عثمان البحيري (م ٤٥١ق) :
كان من مشايخ
الصوفية. (المختصر
من كتاب السياق لتاريخ نيسابور : ٨٩). قال عنه السمعاني : «كان شيخاً جليلاً ثقة
صدوقاً من بيت التزكية ، رحل إلى العراق والحجاز وأدرك الأسانيد العالية وعَمّر
العمر الطويل حتّى حدّث بالكثير وأملى ...» (الأنساب ٢ / ١٠٦) وعلى كلّ فقد أخذ عن ابن الجندي ببغداد وإليك
مواضع ذلك : (تاريخ
مدينة دمشق ٦ / ٢٢٣ ، ٦١ / ٢٠٠).
١٨ ـ عبد الباقي بن محمّد بن غالب أبو منصور المحتسب المعروف بـ : (ابن
العطّار) (٣٨٤ ـ ٤٧١ق) :
قال عنه الخطيب
: «كتبت عنه وكان صدوقاً» (تاريخ
بغداد ١١ / ٩٢).
كما مدحه
ووثّقه الذهبي في (سير
أعلام النبلاء ١٨ / ٤٠٠) ومهما يكن فلاحظ روايته عن ابن الجندي في المصادر التالية (تاريخ مدينة دمشق ٤ / ١٦٦ ، ١٨٢؛ ٨ / ٧٧؛ ١٤ / ١٢٥؛ ١٥ / ٥٥ ، ٢٢٥؛ ١٩ /
٤١٨؛ ٢٨ / ١٧٥؛ ٢٩ / ١٨٩؛ ٣٠ / ١٦٦ ، ١٧٠ ، ١٩٣ ، ١٩٩؛ ٣٣ / ١٢٦؛ ٣٩ / ١٥١ ، ٥٣٣؛
٤٤ / ٣١ و ...).
١٩ ـ عبد العزيز بن علي بن أحمد أبو القاسم الخيّاط الأزجي (٣٥٦ ـ ٤٤٤ ق) :
من مشايخ
الخطيب. قال عنه : «كتبنا عنه وكان صدوقاً كثير الكتاب» (تاريخ بغداد ١٠ / ٤٦٨) راجع رواية الخطيب عنه عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ١٤ / ٤٣٤).
٢٠ ـ عبد الله بن الحسن بن محمّد أبو القاسم الخلاّل (٣٨٥ ـ ٤٧٠ ق) :
هو الراوي
الأوّل للفوائد. قال عنه الخطيب البغدادي في (تاريخ بغداد ٩ / ٤٤٦) : «سمع أبا طاهر المخلص ، وأحمد بن محمّد بن
عمران بن الجندي ، وأبا القاسم بن الصيدلاني. كتبت عنه ، وكان صدوقاً» ونقل الذهبي
عن السمعاني قوله : «كَانَ صَالِحاً صدوقاً ، صَحِيْح السَّمَاع ، بكَّر بِهِ
أَبُوْهُ ، وَسَمَّعَهُ ، وَعَمَّر حَتَّى نُقل عَنْهُ الكَثِيْرُ» (سير أعلام النبلاء ١٨ / ٣٦٨) وهو شيخ عدد من أعيان أهل السنّة ومنهم الخطيب
البغدادي وهناك نقطة طريفة وهي : أنّ عبد الله بن الحسن الخلاّل روى عن شيخ آخر له
وهو أبي حفص عمر بن إبراهيم الكتّاني (م ٣٩٠ ق) عدّة روايات منها ما رواه الخطيب
عن الخلاّل عن الكتّاني في تاريخ
بغداد (انظر تاريخ بغداد ٤ / ٣٩٦) ومنها ما رواه ابن عساكر عن شيوخه عن الخلاّل
عن الكتّاني (تاريخ
مدينة دمشق ١٢ / ٢٠١؛ ٥٣ / ٢٩؛ ومعجم
الشيوخ لابن عساكر ١ /
٥٠٣) ولم يطعن أحدٌ منهم في رواية الخلاّل عن الكتّاني على الرغم من أنّه صرّح
بروايته عن الكتّاني في طفولته حين كان ابن أربع سنين وذلك فيما روى عنه تلميذه
أبو بكر المعروف بقاضي المارستان (م ٥٣٥ ق) في كتابه أنّه قال : «أخبرنا أبو
القاسم عبد الله بن أبي محمّد الحسن بن محمّد بن الحسن الخلاّل المحدّث قراءة عليه
وأنا أسمع قال حدّثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن كثير المقرئ الكتّاني إملاء في
يوم الجمعة في جامع المنصور قبل الصلاة لليلة بقيت من شوّال من سنة تسع وثمانين
وثلاثمائة قال ...» (مشيخة
قاضي المارستان ٢ / ٦٩٤).
والطريف أنّ
السنة التي سمع الخلاّل فيها من شيخه الكتّاني هي نفس السنة
التي روى فيها الفوائد عن أبي الحسن ابن الجندي وهي سنة (٣٨٩ ق). وعلى أيّة
حال فراجع رواية الخلاّل عن ابن الجندي ـ علاوة على رواية الفوائد ـ في : (تاريخ بغداد ٧ / ٣٩ وبغية الطلب ٥ / ٢٠٧٤).
٢١ ـ عبيد الله بن أحمد بن عثمان أبو القاسم الأزهري (٣٥٥ ـ ٤٣٥ق) :
من مشايخ
الخطيب الذين اعتمد عليهم في كتبه كثيراً قال عنه الخطيب : «كان أحد المكثرين من
الحديث كتابة وسماعاً ، ومن المعنيّين به ، والجامعين له ، مع صدق أمانة ، وصحّة
واستقامة ، وسلامة مذهب ، وحسن معتقد ودوام درس للقرآن. وسمعنا منه المصنّفات
الكبار ، والكتب الطوال» (تاريخ
بغداد ١٠ / ٣٨٤).
راجع : رواية الخطيب عن الأزهري عن ابن الجندي في : (تاريخ بغداد ١٢ / ٢٧٦؛ ١٣ / ٢٣٦ ، تلخيص المتشابه في الرسم ٢ / ٧٢٤ ، الكفاية في علم الرواية / ٣٥٦).
٢٢ ـ عبيدالله بن أحمد بن علي أبو الفضل الصيرفي (٣٧٠ ـ ٤٥١ق) :
من أساتذة
الخطيب. قال عنه : «كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً وكان من حفّاظ القرآن ومن العارفين
باختلاف القراءات» (تاريخ
بغداد ١٠ / ٣٨٧)
لاحظ روايته عن ابن الجندي في (تاريخ
بغداد ٣ / ٤٣١؛ ٤ /
١٥ ، ١٧٤ ، ٤٤٩؛ ٥ / ١٧٥؛ ١١ / ٤١٠؛ تاريخ دمشق ١٠ / ٣٥١؛ الجامع لأخلاق الراوي ١ / ٢٧٩).
٢٣ ـ علي بن الحسين بن موسى السيّد المرتضى علم الهدى أبو القاسم الموسوي
(٣٥٥ ـ ٤٣٦ق) :
من أعاظم علماء
الإمامية وفضله يجلّ عن أن يصفه مثلي فهو كما قال سيّدنا بحر العلوم : «سيّد علماء
الأمّة وأفضل الناس حاشا الأئمّة عليهمالسلام» (الفوائد
الرجالية ٣ / ٨٨) ترجم له الخطيب البغدادي وقال : «كتبت عنه» ومن
الطريف أن ترجمته لم تبلغ ٧ أسطر!! وقد بخسه حقّه كما هو دأبه بالنسبة إلى رواة
الشيعة وعلمائهم (تاريخ
بغداد ١١ / ٤٠١)
وروى السيّد المرتضى عن ابن الجندي ـ نفس المصدر ـ حديثاً وكفى شرفاً وفخراً
لشيخنا ابن الجندي أن يروي عنه سيّدنا المرتضى ولو رواية واحدة.
٢٤ ـ علي بن طلحة بن محمّد أبو الحسن المقرئ المعروف بـ : (ابن البصري) :
قال عنه الخطيب
: «إمام مسجد ابن رغبان ... كتبنا عنه ولم يكن به بأس» (تاريخ بغداد ١ / ٤٤١) راجع ما نقل عن ابن الجندي في البخلاء للخطيب
: ١١٠).
٢٥ ـ القاسم بن سعيد :
من مشايخ
الصوفي الشهير شيخ الإسلام أبي إسماعيل عبد الله بن محمّد الأنصاري الهروي (٣٩٦ ـ
٤٨١ ق) صاحب منازل
السائرين وغيره من
الكتب. روى الهروي بتوسّط القاسم عن ابن الجندي (راجع : ذمّ الكلام وأهله ١ / ١٣٤ ، ١٤٦ ، ١٤٨ وفيه أنّه حدّثه ببغداد؛ ٢ / ٦٠)
ولكن لم نجد شيئاً عن ترجمة القاسم.
٢٦ ـ محمّد بن إبراهيم بن علي أبو نصر الهاروني الجرجاني :
أحد مشايخ
الحديث ممّن سمع بقزوين من بعض مشايخ العامّة (التدوين في أخبار قزوين ٤ / ١٦٨) وقد عبّر عنه في بعض الأسانيد بـ : «الشيخ
الفقيه» (نفس
المصدر ١ / ١٥٧) ولم
أجد من خصّه بترجمة مستقلّة ولم تتّضح وثاقته من خلال ما بأيدينا من المصادر. هذا
وقد عبّر عنه في بعض الأسانيد بـ : (الهروي)
(مجلس
من أمالي أبي الفتح المقدسي ٢ / ٥)؛ ومن المحتمل أن يكون (الهروي) أو (الهاروني)
مصحَّفاً عن الآخر. وعلى كلّ فراجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ دمشق ٤ / ٣٨١).
٢٧ ـ محمّد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان أبو الحسن القمّي (ق٤ ـ ٥ هـ)
:
كان من أعلام
الإمامية وثقاتهم في القرنين الرابع والخامس وهو صاحب كتاب : مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين
والأئمّة عليهمالسلام
المطبوع والذي
اهتمّ به عدد من أعلام أهل السنّة أيضاً فضلاً عن الشيعة.
هذا وقد روى
ابن شاذان عن الشيخ ابن الجندي في كتابه : مائة منقبة أربعة مناقب.
٢٨ ـ محمّد بن أحمد بن عيسى أبو الفضل السعدي القاضي البغدادي (م ٤٤١ ق) :
تطرّق ابن
عساكر إلى شيوخه وتلامذته بالتفصيل ونصّ على سماعه ببغداد
__________________
عن ابن الجندي كما نقل عن بعض علماء العامّة أنّه قال عن أبي الفضل السعدي
: «بيتهم بيت القضاء والتقدمة ، وكان من المرضيّين ، يملي بمصر يحدّث ، وقد كان
أبوه مالكي المذهب ، فأمّا هو فمن تلامذة أبي حامد الأسفرايني ، شافعي ...» (تاريخ مدينة دمشق ٥١ / ٩٩ ـ ١٠٠) وعلى كلّ فقد روى أبوالفضل السعدي الجزء
الثاني من فوائد ابن الجندي عنه (مشيخة الشيخ الأجلّ أبي عبد الله محمّد
الرازي : ٢٠٣).
٢٩ ـ محمّد بن أحمد بن محمّد بن علي أبو الحسين بن الآبنوسي (٣٨١ ـ ٤٥٧ق) :
من مشايخ
الخطيب. قال عنه : «كتبت عنه وكان سماعه صحيحاً». (تاريخ بغداد ١ / ٣٧٣).
كما وصفه
الذهبي بـ : «الشيخ الثقة» (سير
أعلام النبلاء ١٨ / ٨٥). راجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ مدينة دمشق ٣٣ / ٢٧٨؛ ٣٤ / ٢٠٩؛ ٤٤ / ١٠٥).
٣٠ ـ محمّد بن أحمد بن موسى أبو عبد الله الواعظ الشيرازي (م ٤٣٩ ق) :
قال عنه الخطيب
: «قدم بغداد وأقام بها مدّة يتكلّم على الناس بلسان الوعظ ، يشير إلى طريقة الزهد
ويلبس المرقعة ، ويظهر عزوف النفس عن طلب الدّنيا. فافتتن الناس به .. ثمّ إنّه
قبل ما كان يوصل به بعد امتناع شديد كان يظهره من قبل ، وحصل له ببغداد مال كثير.
ونزع المرقعة ولبس الثياب الناعمة الفاخرة.
وجرت له أقاصيص وصار له تبع وأصحاب ...» (تاريخ بغداد ١ / ٣٧٦ ـ ٣٧٧) راجع رواية الخطيب عنه عن ابن الجندي في
(شرف
أصحاب الحديث / ١٠٠).
٣١ ـ محمّد بن عبد الباقي بن الحسين أبو بكر الأنصاري (٣٦٧ ـ ٤٤٨ق) :
من أساتذة
الخطيب وقال عنه : «من ولد سعد بن عبادة الخزرجي. حدّث عن أبي الحسن بن الجندي ، وكان
يذكر أنّه سمع من ابن شاهين. كتبت عنه وكان صدوقاً» (تاريخ بغداد ٣ / ١٩٩). لاحظ روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ٣ / ١٩٩).
٣٢ ـ محمّد بن عبد العزيز بن جعفر البرذعي (٣٥٨ ـ ٤٢٣ق) :
قال عنه الخطيب
: «كتبت عنه وكان فيه نظر ، مع أنّه لم يخرج عنه من الحديث كبير شيء» (تاريخ بغداد ٣ / ١٥٦) لاحظ روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ٤ / ٨٠؛ ١٤ / ٣١٣؛ طبقات الشافعية الكبرى ١ / ١٢؛ الجامع لأخلاق الراوي ١ / ٢٦٤ و٢٥٥؛ اقتضاء العلم العمل : ٣٥؛ الكفاية في علم الرواية : ٢٤٢).
٣٣ ـ محمّد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن الشريف أبو عبد الله العلوي
الكوفي (٣٦٧ ـ ٤٤٥ ق) :
قال عنه الذهبي
: «الإِمَامُ ، المُحَدِّثُ ، الثِّقَةُ ، العَالِمُ ، الفَقِيْهُ ، مُسْنِدُ
الكُوْفَةِ» ونقل عن بعضهم قوله : «وَكَانَ حَافِظاً ، خَرَّجَ عَنْهُ الحَافِظُ
الصُّوْرِي ، وَأَفَاد عَنْهُ ، وَكَانَ يَفتَخِرُ بِهِ» (سير أعلام النبلاء ١٧ / ٦٣٦ ـ ٦٣٧) وهو من كبار فقهاء الزيدية في عصره وقد
طبع بعض كتبه لحدّ الآن أضخمها كتاب : الجامع الكافي في فقه
الزيدية في ٧ مجلّدات وقد صدر بتحقيق عبد الله بن حمّود العزّي
عن مؤسّسة المصطفى الثقافية في اليمن في سنة (١٤٣٥ ق). (انظر مصادر ترجمته في : أعلام المؤلّفين
الزيدية / ٩٤٥ ـ ٩٤٧)
وعلى كلّ فلاحظ روايته عن ابن الجندي في : (الأمالي الخميسية ١ / ٨٦ و٢٦٨؛ تاريخ مدينة دمشق ٦٤ / ٢٢٧).
٣٤ ـ محمّد بن علي بن الفتح أبو طالب الحربي المعروف بـ : (ابن العُشاري)
(٣٦٦ ـ ٤٥١ ق) :
قال عنه الخطيب
: «كتبت عنه وكان ثقة ديّناً صالحاً» (تاريخ بغداد ٣ / ٣٢٢) وذكره صاحب طبقات الحنابلة قائلاً : «كان العشاري من الزهّاد ... وله كرامات
كثيرة» (طبقات
الحنابلة ٢ / ١٩٢) راجع
روايته عن ابن الجندي في (التدوين
في أخبار قزوين ١ / ٢٦٠ ، الأمالي
الإثنينية / ٤٦٤).
٣٥ ـ محمّد بن علي بن محمّد بن مخلد أبو الحسين الورّاق (م ٤٢٢ ق) :
قال عنه الخطيب
: «وكان صدوقاً كثير الكتاب ، ولم يحدّث إلاّ بشيء يسير. كتبت عنه» (تاريخ بغداد ٣ / ٣٠٩). لاحظ روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ١ / ٦٩ ، ٨٦ ، ١٣٠ ، ١٤٧؛ ٢ / ٣١٢؛ ٣ / ١٧؛ ٤ / ١٥٣؛ ٦
/ ٥ ، ٣٥٠؛ ١٠ / ٢٩٠؛ ١٣ / ٢٩٩؛ ١٤ / ٣١٣).
٣٦ ـ محمّد بن علي بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرّة ، أبو الفرج القنائي ، الكاتب
:
قال عنه
النجاشي : «كان ثقة ، وسمع كثيراً ، وكتب كثيراً ، وكان يورّق
لأصحابنا ، ومعنا في المجالس. له كتب ، منها : [كتاب] عمل يوم الجمعة ، كتاب عمل الشهور ، كتاب معجم رجال أبي المفضّل ، كتاب التهجّد. أخبرني وأجازني جميع كتبه». راجع روايته عن ابن الجندي في (جمال الأسبوع : ٣٦٦).
٣٧ ـ محمّد بن محمّد بن عبد الله أبو الحسن القاضي البيضاوي (٣٩٢ ـ ٤٦٨ق) :
قال عنه الخطيب
: «حدّث عن أبي الحسن بن الجندي ، وإسماعيل بن الحسن الصرصري. كتبت عنه وكان
صدوقاً .. وولي القضاء بربع الكرخ ، وكان فقيهاً على مذهب الشافعي» (تاريخ بغداد ٣ / ٤٥٩) وراجع روايته عن ابن الجندي في (تاريخ بغداد ٣ / ٤٥٩؛ ذيل تاريخ بغداد لابن النجّار ٣ / ٧٨؛ مشيخة قاضي المارستان ٢ / ٧٤٨ و٧٤٢).
٣٨ ـ محمّد بن محمّد بن محمّد بن الحسين بن علي أبو الموفّق النيسابوري
(م٤٢٩هـ) :
ترجم له الخطيب
وقال : «قدم بغداد بعد سنة تسعين وثلاثمائة ، فكتب عنه جماعة من شيوخها. ثمّ خرج
إلى الشام فسمع بدمشق من أخي تبوك ، وكتب بصيدا عن أبي الحسين بن جميع ، وبمصر عن
عبد الغني بن سعيد ، وأبي محمّد ابن النحّاس ، وغيرهما. ورجع إلى بغداد فأقام بها
مدّة وحدّث وعلّقت عنه شيئاً يسيراً ، وخرج من بغداد إلى نيسابور في سنة إحدى
وعشرين وأربعمائة». راجع
__________________
روايته عن ابن الجندي في (تاريخ مدينة دمشق ٥٥ / ١٩٥).
٣٩ ـ محمّد بن مهران بن أحمد أبو عبد الله الخوئي (م بعد ٤٤٢ ق) :
قال عنه
الرافعي : «كبير مشهور كان يلقّب بشيخ الإسلام» وذكر وروده قزوين وتحديثه بها في
سنة (٤٤٢ ق) كما صرّح بأنّه كان سمع من ابن الجندي (التدوين ٢ / ٩٤) وأشار ابن عساكر إلى تحديثه بأصبهان ودمشق في
نفس السنة (تاريخ
مدينة دمشق ٥٦ / ٩٧) وانظر روايته عن ابن الجندي في (التدوين في أخبار قزوين ٢ / ٢٧٧؛ إتحاف الزائر وإطراف المقيم : ٤٢).
٤٠ ـ منصور بن محمّد بن عبد الله أبو الفتح الأصبهاني المعروف بـ : (ابن
المقدّر) (م ٤٤٢ ق) :
قال عنه الخطيب
: «سكن بغداد وحدّث بها ... كتبت عنه وكان معتزليّاً داعية خبيث المذهب يزري على
أصحاب الحديث ويستهزئ بالآثار» (تاريخ
بغداد ١٣ / ٨٧)
وتصطبغ عبارة الخطيب ـ كما ترى ـ بشيء من العصبية والحمية الجاهلية لصالح أهل
الحديث وإلاّ فنجد غيره قد أنصف الرجل فهذا الحموي قال عن ابن المقدّر : «كان
نحويّاً أديباً متكلّماً كثير الرواية حريصاً على العلم ، قدم بغداد استوطنها وقرأ
بها العربية ، وصحب الصاحب ابن عبّاد ، وكان معتزليّاً متظاهراً بالاعتزال ، وصنّف
كتاب ذمّ
الأشاعرة» (معجم الأدباء ٦ / ٢٧٢٧ وانظر نحوه ما قال عنه القفطي في إنباه الرواة ٤ / ١٥٧) وعلى كلّ فلاحظ رواية (ابن المقدّر) عن ابن
الجندي في (الأمالي
الإثنينية / ٤٤١ و٥٢١؛ الأمالي الخميسية ٢ / ٥٣٤).
٤١ ـ هبة الله بن الحسن بن منصور أبو القاسم الطبري اللالكائي (م ٤١٨ ق) :
من مشايخ
الخطيب. قال عنه : «قدم بغداد فاستوطنها ودرس فقه الشّافعي على أبي حامد
الأسفراييني ...كتبنا عنه وكان يفهم ويحفظ. وصنّف كتاباً في السنن ، وكتاباً في
معرفة أسماء من في الصحيحين وكتاباً في شرح السنّة ، وغير ذلك. وعاجلته المنيّة فلم ينشر عنه كثير شيء من
الحديث» (تاريخ
بغداد ١٤ / ٧١) وقال
عنه الذهبي : «الإمام الحافظ المُجَوِّد المُفتي ... مفيد بغداد في وقته» (سير أعلام النبلاء ١٧ / ٤١٩) له كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنّة والجماعة المطبوع وقد روى فيه عن شيخه ابن الجندي كثيراً. لاحظ
رواية اللالكائي عن ابن الجندي في المصادر التالية : (تاريخ بغداد ١٠ / ٢١١؛ ١٣ / ٧٤؛ ١٤ / ٣٩٣؛ شرح أصول اعتقاد أهل
السنّة ٢ / ٢٣٧؛ ٣ /
٥٢٧ و٥٤٣؛ ٨ / ١٤٣٩ و١٤٧٠؛ ٣ / ٥٨١ ، ٥٨٣؛ ٤ / ٧٢٢؛ ٦ / ١٢٥٦؛ ٧ / ١٣٢٠ و١٤٢٣؛ ٨ /
١٤٥٢؛ تاريخ
مدينة دمشق ٣٨ / ١٤١؛ ٤٣ / ٢١٨).
ملاحظات حول تلامذة الشيخ ابن الجندي :
أ) هناك عدد من
الرواة صرّح أصحاب التراجم بسماعهم من ابن الجندي ولم نعثر على رواية منهم عن ابن
الجندي في طيّات المصادر وهم كالتالي :
١ ـ أبو ثابت القاضي :
صرّح السمعاني
بروايته عن ابن الجندي والظاهر أنّه أبو ثابت محمّد بن
__________________
أحمد البخاري القاضي الذي عنونه صاحب : (الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية ٣ / ٧٦) ولكن لم يفدنا بمعلومات عنه. واستفدنا كونه من
طبقة تلامذة ابن الجندي من إسناد ورد في : (تاريخ نيسابور : ١٤٠).
٢ ـ أبو الفتح السالار :
ذكره السمعاني
بهذا العنوان في عداد من روى عن ابن الجندي ولكن لم نتمكّن من تحديد هويّته.
٣ ـ أحمد بن سليمان بن علي أبوبكر المقرئ الواسطي (٣٦٢ ـ ٤٣٢ ق) :
من مشايخ
الخطيب. ترجم له فقال : «قدم بغداد في حداثته ، فسمع من ... وأحمد بن محمّد بن
عمران بن الجندي» (تاريخ
بغداد ٤ / ٤٠٢).
٤ ـ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللّهِ أَبُو مَسْعُوْد البَجَلِي ،
الرَّازِيُّ ، ثُمَّ النيْسَابُوْرِي (٣٦٢ ـ٤٤٩هـ).
قال عنه الذهبي
: «الإِمَامُ الحَافِظُ ، المُحَدِّثُ ، المُسْنِدُ ، بَقِيَّةُ المَشَايِخِ ..
طلب هَذَا الشَّأْن ، وَبَرَّزَ فِيْهِ عَلَى الأَقرَان ... وَكَانَ يُسَافر فِي
التجَارَة كَثِيْراً ، كَثِيْرَ الأُصُوْل ، عَارِفاً بِالحَدِيْثِ ، جَيِّدَ
الْفَهم ، وَثَّقَهُ جَمَاعَة».
صرّح السمعاني
في ترجمته لابن الجندي بسماع أبي مسعود منه ثمّ نقل عنه أنّه قال : «لم يقرأ لنا ـ
يعني أبا الحسن بن الجندي ـ تاريخ أبي معشر
__________________
مجّاناً ...» وقد سبق الحديث عنه بالتفصيل في مبحث وثاقة الشيخ ابن
الجندي.
٥ ـ الحسين بن علي بن محمّد أبو عبد الله القاضي الصيمري (٣٥١ ـ ٤٣٦ ق) :
صرّح ابن عساكر
بسماعه من ابن الجندي (تاريخ
مدينة دمشق ١٤ / ٢٦٤).
٦ ـ عبد الصمد بن الحسن بن محمّد أبوالقاسم الحافظ الشيرازي :
قال عنه
السمعاني : «كان حافظاً يعرف الحديث ويفهمه» وصرّح بسماعه ببغداد من ابن الجندي (الأنساب ٨ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣).
ب) قال أبو
الفرج ابن الجوزي في كتابه : ذمّ
الهوى : «أَخْبَرَنَا
ابن نَاصِر قَالَ أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بن عَلِيِّ بن سَوَّار قَالَ أَنْبَأَنَا
أَحْمَدُ بن مُحَمَّد الجندي قَالَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن سُلَيْمَانَ
قَالَ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بن شَبِيب قَالَ ...» ذمّ الهوى : ٢١٠) الملاحظ على هذا الإسناد أنّ أحمد بن علي بن
سوّار الذي يروي عنه ابن ناصر هو أبو طاهر أحمد ابن علي بن عبيد الله بن عمر بن
سوّار (راجع : ذمّ
الهوى : ٤٢٤) الذي
ولد سنة (٤١٢ هـ) وتوفّي سنة (٤٩٦ هـ) (راجع ترجمته في تاريخ الإسلام ١٠ / ٧٧٥) وعليه فليس بإمكانه أن يروي عن شيخنا ابن
الجندي المتوفّى سنة (٣٩٦ ق) ومن ثمّ فهذا الإسناد وإن كان ظاهره الاتّصال إلاّ
أنّه مُعَلٌّ بالإرسال الخفي جزماً ومن ثمّ فلم نعتبر أحمد بن علي بن سوّار من
تلامذة الشيخ ابن الجندي.
__________________
محطّات في حياة الشيخ ابن الجندي :
نستعرض فيما
يلي مواقف من حياة شيخنا ونشاطاته العلمية مما حدّدت لنا المصادر تاريخها :
سنة
٣٠٥ ق : الولادة (تاريخ بغداد ٥ / ٢٨٢).
سنة
٣١٣ ق : أوّل سماعه
(تاريخ
بغداد ٥ / ٢٨٢ ولم
يذكر الخطيب الشيخ الذي سمع ابن الجندي عنه) وقدم عليه في هذه السنة علي بن أحمد
بن عمرو الكوفي فسمع ابن الجندي منه (تاريخ بغداد ١١ / ٣١٩).
سنة
٣١٥ ق : سماعه من
يحيى بن محمّد بن صاعد (التدوين
في أخبار قزوين ٢ / ٢٧٧).
سنة٣٢٠
ق : سماعه من
رائع بن عبد اللّه المقدسي في مجلس أبي عبيد المحاملي (تاريخ بغداد ٨ / ٤٣٧). ولقاؤه بشيخه : (أحمد بن عثمان بن ليث
الخفري) (تاريخ
بغداد ٥ / ٥٤) وقدم
عليه حاجّاً في هذه السنة وهب بن حميل ابن الفضل الآرينجي فسمع منه ابن الجندي. (تاريخ بغداد ١٣ / ٤٦٤).
سنة
٣٢٣ ق : سماعه من
غريب بن عبد الله الخادم المعتضدي في دار الخلافة باب بيت المال.
سنة
٣٢٥ ق : سماعه من وريزة
بن محمّد بن وريزة بالبصرة (رجال
النجاشي / ٤٣٢ رقم
١١٦٣).
سنة نيف وعشرين
وثلاثمائة : قدم شيخه الحسن بن الحسين بن محمّد التميمي عليه بغداد وحدّثه عن
محمّد بن تسنيم (تاريخ
بغداد ٧ / ٣٠٩).
__________________
سنة
٣٨٨ ق : قراءة الحسن بن
محمّد الخلاّل علي ابن الجندي خطبة الإمام أمير المومنين علي
عليهالسلام
المونقة
الخالية من حرف (الألف) بإسناد ابن الجندي إلى الإمام
عليهالسلام
في يوم الخميس
لثمان بقين من ذي الحجّة (كنز
العمّال ١٦ / ٢٠٨).
وفي
نفس السنة : سمع منه أَبُو يَعْلَى الْخَلِيلُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن أَحْمَدَ
الْخَلِيلِي الْحَافِظُ بِبَغْدَادَ (فوائد أبي يعلى الخليلي : ٣٥).
سنة
٣٨٩ ق : سماع عبد الله
بن الحسن بن محمّد الخلال من ابن الجندي الفوائد الحسان الغرائب بقراءة والده عليه في شهر شوّال (راجع : نصّ الفوائد ، حديث رقم ١).
سنة
٣٩٤ ق : قرأ
أبوالحسين أحمد بن محمّد بن النفور على ابن الجندي في شوّال هذه السنة الجزء
الثاني من حديث أبي سلمة حمّاد بن سلمة بن دينار ، جمع أبي القاسم البغوي ورواية
ابن الجندي عن البغوي (مجموعة
فيها مصنّفات أبي الحسن ابن الحمّامي وأجزاء حديثية أخرى : ٣٣٦).
سنة
٣٩٦ ق : انتقل إلى
جوار الله تعالى في جمادى الآخرة.
رحلات الشيخ ابن الجندي إلى مدن العراق الأخرى :
هناك معلومات
نلتقي بها من خلال التتبّع في أسانيد روايات الشيخ ابن الجندي ممّا يكشف عن رحلته
إلى المدن المذكورة أدناه وأخذه الرواية عن الشيوخ بها وهي :
١
ـ البصرة : سمع فيها من أبي روق أحمد بن محمّد الهزّاني (تاريخ مدينة دمشق ٨ / ٦١) ووريزة بن محمّد بن وريزة (رجال النجاشي / ٤٣٢ رقم ١١٦٣) محمّد بن صالح البصري (الجامع لأخلاق الراوي ٢ / ٦٩) وإبراهيم بن جعفر التستري (مشيخة قاضي المارستان
٢ / ٧٤٣) وعلي
بن عبد الله بن الفضل بن الأسود (السنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٢٩٢) كما سمع فيها من الحسين بن منصور
الحلاّج أبياتاً له (تاريخ
بغداد ٨ / ١١٥).
٢
ـ عُكبَرا : سمع بها من ميسور بن محمّد بن ميسور التكريتي (تاريخ بغداد ١٣ / ٢٧٤).
٣
ـ هيت : سمع فيها من سليمان بن عبد الله الفزاري الدمشقي (من فضائل سورة
الإخلاص : ٩١).
لمحة خاطفة عن كيفية التعبير عن الشيخ ابن الجندي في المصادر :
قرأنا فيما سبق
نسب الشيخ ابن الجندي الذي ذكره الخطيب والذي ينتهي إلى جدّه الثامن وهو (حريش)
ونظراً إلى طول هذا النسب فقد اختصره المترجمون والرواة بتعابير منوّعة وأهمّها ما
يلي :
١ ـ أحمد بن
محمّد بن عمران : وهو الغالب في التعبير عن شيخنا ونماذجه كثيرة.
__________________
٢ ـ أحمد بن
محمّد الجندي : (راجع كنماذج : رجال
النجاشي / ٤٩ رقم ١٠٥ ،
١٢٩ رقم ٣٣٢ و ...).
ملحوظة : قال النجاشي في معرض ذكر الطريق إلى كتاب عبد الله بن
مسكان : «أخبرنا أحمد بن محمّد المستنشق قال : حدّثنا أبو علي بن همّام قال : حدّثنا
...» (رجال النجاشي : ٢١٥) وهناك تساؤل عمّا إذا كان المراد بـ : (المستنشق) هو
ابن الجندي أو غيره والراجح عندنا هو أنّ المراد به ابن الجندي حيث لم نجد بعد
التتبّع في رجال
النجاشي من يروي
النجاشي بتوسّطه عن أبي علي بن همّام ويكون مسمّى بـ : (أحمد بن محمّد) غير ابن
الجندي ولكن على هذا الافتراض فقد يكون غريباً إلى حدّ ما بحيث لم نجد تلقيب ابن
الجندي بـ : (المستنشق) لا في موضع آخر من رجال النجاشي ولا في غيره من المصادر. (راجع للمزيد أيضاً : مشيخة النجاشي : ١٩٦ ـ ١٩٧).
٣ ـ أحمد بن
محمّد بن الجندي (رجال
النجاشي : ٧٥ رقم ١٨٠
، تاريخ
مدينة دمشق ١٥ / ٢١٨ ومواضع كثيرة أخرى).
٤ ـ أبو الحسن
بن الجندي (رجال
النجاشي : ١٤٨ رقم ٣٨٤
، ١٥٦ رقم ٤١٠ و ...).
٥ ـ أحمد بن
محمّد بن عمران الجندي (رجال
النجاشي : ١٩٩ رقم ٥٢٨
، ص ٤٢٩ رقم ١١٥٢و ...).
٦ ـ أحمد بن
محمّد بن عمران الكاتب : (تاريخ
بغداد ٣ / ٣٥٥ ، ٤٥٩؛
٧ / ٣٩ و٤٥٧ و ...).
٧ ـ أحمد بن
محمّد بن عروة : وعروة هو جدّه الثالث (راجع التعبير عنه بهذا العنوان في شرح أصول اعتقاد أهل
السنّة ٢ / ٢٣٤ ، ٣٦٣؛
٥ / ١٠٢٨؛ ٨ / ١٤٧٢ ، تاريخ
مدينة دمشق ٤٨ / ٤٤ و ...).
٨ ـ أحمد بن
محمّد بن عروة بن الجرّاح (تاريخ
بغداد ١ / ٨٧).
٩ ـ أحمد بن
محمّد بن عروة الكاتب (ذيل تاريخ
بغداد ٣ / ٢٢٧).
١٠ ـ أحمد بن
محمّد بن عروة الدارمي (شرح
أصول اعتقاد أهل السنّة ٤ / ٧٢٩).
لم نجد تلقيبه
بـ : (الدارِمي) إلاّ عند اللالكائي في موضع واحد وقال السمعاني : «وهذه النسبة
إلى بني دارِم وهو دارم بن مالك بن حنظلة بن زيد مناة ابن تميم» (الأنساب ٥ / ٢٧٨).
وقد سبق وأن
قرأنا تلقيب الخطيب له بـ : (النهشلي) و (نَهشَل) هو ابن دارم ابن مالك (جمهرة النسب : ١٩٥) إذن فيصحّ تلقيبه بـ : (النهشلي) و (الدارمي)
على حدّ سواء.
١١ ـ أحمد بن
محمّد بن الجرّاح (رجال
النجاشي : ٢٤٩ رقم ٦٥٤
، ص٢٧١ رقم ، ٧١٩ ، ص ٣٩٨ رقم ٨٤٨؛ مائة منقبة : ٢٢ : المنقبة الرابعة).
ملحوظة : هناك من بين رواة أهل السنّة عدد آخر ممّن يسمّون بـ
: (أحمد ابن محمّد بن الجرّاح) وهم كالتالي :
ألف) أحمد بن
محمّد بن الجرّاح أبو عبد الله الضرّاب (م ٣٢٤ ق) : كان من العامّة وقد ترجم له
الخطيب (تاريخ
بغداد ٥١٧٥ ـ ١٧٦)
ومن الطريف أنّه نقل
بإسناده عن ابن الجندي تاريخاً لوفاة الضرّاب (نفس المصدر) ومهما يكن فإنّ
أبا عبد الله الضرّاب هو من طبقة مشايخ ابن الجندي حيث يروي عنه اللالكائي في (شرح
أصول اعتقاد أهل السنّة ٨ / ١٥٠٩) بواسطة واحدة كما يروي الخطيب عن الضرّاب هذا
بواسطتين (تاريخ
بغداد ٥ / ١٧٥ و٧ /
٤٢٠).
ب) أحمد بن
محمّد بن الجرّاح أبو بكر الخزّاز : ترجم له القفطي (م ٦٤٦ ق) فقال : «صاحب أبي
بكر الأنباري ، وكان يروي أكثر تصانيفه ورواياته عنه. قال هلال بن المحسّن : سمعت
منه. توفّي فى يوم الجمعة الرابع عشر من جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين
وثلاثمائة». (إنباه
الرواة ١ / ١٦٩)
علماً بأنّ الخطيب يروي بتوسّط شيخه هلال بن المحسّن ـ الذي لقّبه بـ : (الكاتب) ـ
عن أبي بكر الخزّاز عدداً لا بأس به من النقولات (تاريخ بغداد ٦ / ٣٢٨؛ ١٠ / ٤٤؛ ١١ / ٤٠٧؛ ١٢ / ١٠٣ و ...).
ونظراً إلى هذه
المعلومات فإنّه من طبقة ابن الجندي ولكن بإمكاننا التمييز بينهما من خلال الفرق
بين كنيتيهما ولقبيهما ولاسيّما الإمعان في شيوخهما وتلامذتهما حيث لم نجد فيما
بأيدينا من المصادر من يروي عن الخزّاز غير هلال بن المحسّن (راجع ترجمته في تاريخ بغداد ١٤ / ٧٧) نعم هناك رواية واحدة فحسب رواها ابن عساكر
بإسناده عن أبي محمّد عبد الله بن مكّي بن أيّوب الشافعي عن الخزّاز (تاريخ دمشق ٢٩ / ٢١٢).
ج) أحمد بن
محمّد بن الجرّاح أبو عمّار : لم نعثر على شيء حول ترجمته. ووجدنا إسمه في سندين
من أسانيد كتاب حلية
الأولياء لأبي نعيم
الأصبهاني (م
٤٣٠ ق) حيث روى عنه بواسطتين (حلية الأولياء ٤ / ١١٩ و٢٦٣) فهو أقدم من ابن الجندي بما لا يقلّ عن
طبقة.
د) أحمد بن
محمّد بن الجرّاح أبو العبّاس : يروي عنه ابن الجوزي (م ٥٩٧ ق) بواسطتين (المنتظم ٩ / ٩٩) مصرّحاً بكنيته فهو من طبقة تلامذة ابن الجندي
فلا مجال لتوهّم اشتراكه مع ابن الجندي؛ خاصّة إذا أخذنا في الاعتبار اختلاف
كنيتيهما.
هؤلاء هم أهمّ
المسمّين بـ : (أحمد بن محمّد بن الجرّاح) وإنّ الأكثر حضوراً في الأسانيد ـ من
بين هؤلاء الأربعة ـ هما الراويان الأوّلان؛ أمّا الأخيران فمغموران ولم يحفل بهما
أصحاب التراجم. وقد يكون هناك ـ بهذا العنوان ـ رجال آخرون خاملو الذكر نعثر عليهم
بين الفينة والأخرى ولكن الذي يهوّن الخطب هو أنّا لم نعثر على موضع استعمل فيه
عنوان (أحمد بن محمّد بن الجرّاح) بشكل مطلق إلاّ وجدنا عنده قرينة واضحة محدّدة
تكشف الستار عن المراد وتزيل الإبهام والاشتراك.
١٢ ـ أحمد بن
محمّد بن عمران الورّاق : وجدنا تلقيبه بـ : (الورّاق) في موضع واحد فحسب وهو كتاب
: (الطيوريّات ٢ / ٣٤٣).
أمّا عن المراد
من الورّاق فهناك عددٌ من الدراسات المعاصرة عنيت بالورّاقة والتعريف بها
وبالورّاقين ومسيرتهم طيلة القرون ولعلّ أتقنها ما كتبه الأستاذ حبيب زيّات تحت
عنوان : الورّاقة
والورّاقون في الإسلام وقد أشبع الموضوع بحثاً ودراسة وتاريخاً (طبع في بيروت ، المطبعة
الكاثوليكية ، ١٩٤٧ م)
كما أنّ هناك دراسة لـ : (كوركيس عوّاد) قد وضعنا مؤلّفها في صورة موجزة عن
الورّاقة وعمل الورّاقين بعد أن استعرض وجهات نظر عدد من المؤرّخين لينتهي إلى
الحصيلة النهائية قائلاً : «فالورّاقة بمعناها الشامل ، كانت تقوم في العصور
الإسلامية ، على أمور أربعة : الأوّل : النسخ ، وما يتبعه من تزويق وتصوير وتذهيب.
الثاني : بيع الورق وسائر أدوات الكتابة كالأقلام والحبر وغير ذلك. الثالث : تجليد
الكتب. الرابع : بيع الكتب» (خزائن
الكتب القديمة في العراق منذ أقدم العصور : ٨ ـ ٩) هذا وقد تعرّض الأستاذ زيّات لأصناف الورّاقين
فمنهم : (الورّاقون المحدّثون) و (الورّاقون الرواة والأخباريّون) و (الورّاقون
العلماء النحاة والأدباء) وغيرهم (راجع : الورّاقة والورّاقون في الإسلام : ١٧ وما بعدها).
وبعد سبر في
البحث والتنقيب يبدو لي أنّ سبب تلقيبه بـ : (الورّاق) هو أنّ الشيخ ابن الجندي ـ
كما اتّضح معنا لحدّ الآن ـ كان من أبرز المعنيّين برواية الأجزاء والنسخ الحديثية
، كما سجّلت لنا المصادر روايته لمسند عائشة ليحيى بن محمّد بن صاعد (المعجم المفهرس : ١٤٨) و (حديث حمّاد بن سلمة) لأبي القاسم البغوي
(المصدر نفسه : ٢٦٩) و (الجزء الثالث من حديث أبي روق الهزّاني) (المصدر نفسه : ٢٨٨)
و ... وهو أمر يرتبط بنسخ الأجزاء الحديثية وجعلها في متناول أيدي العلماء وهذا
بدوره يستدعي أن يكون الورّاق المحدّث متضلّعاً بأساليب رواية الحديث وأساسيّاتها
ومتطلّباتها كي يتمكّن من إلقاء دلوه بين دلاء المحدّثين ويقع ما يرويه موضع
القبول منهم وهذا هو بالتحديد ما نجده بشأن الشيخ ابن الجندي حيث اعترف أحمد بن
محمّد العتيقي ـ وهو من مشايخ
العامّة ذوي الخبرة والإلمام بالحديث ـ لشيخنا بأنّه : «كانت له أصول حسان»
(تاريخ
بغداد ٥ / ٢٨٢).
وعلى ضوء ما
مرّ فإنّ شيخنا لم يكن ورّاقاً فقط يكتب وينسخ ولا تعنيه آداب الرواية والتحديث
وإلاّ فلم يكن يروي عنه العامّة هذا الكمّ الهائل من النقولات والروايات ولم يأخذ
عنه تلامذته الذين كان غالبيّتهم من الحفّاظ المكثرين في الوسط السنّي وكانوا
يسقطونه من الحساب بالكامل.
١٣ ـ أحمد بن
محمّد بن عمران الأخباري :
(راجع تلقيبه
بـ : (الأخباري) في الأمالي
الخميسية ١ / ٨٦ و٢٦٨ والسنن الكبرى للبيهقي ٣ / ٢٩٢).
وقال السمعاني
عن مصطلح (الأخباري) في القرون الأولى : «هذه النسبة إلى الأخبار ويقال لمن يروي
الحكايات والقصص والنوادر : الأخباري» (الأنساب ١ / ١٣٠) وقد كثرت نقولات ابن الجندي بشأن حياة الرواة
وتراجمهم ووفياتهم وما إلى ذلك حتّى لتعدّ طابعاً متميّزاً لما خلّفه من التراث
ويبدو أنّ هذا أحد الأسباب في تلقيبه بهذا اللقب.
١٤ ـ أَحْمَدُ
بن مُحَمَّدِ بن مُوسَى الجندي.
١٥ ـ أَحْمَدُ
بن مُحَمَّدِ بن مُوسَى بن عُرْوَة (مائة منقبة / ١٦٤ : المنقبة التاسعة والثمانون).
١٦ ـ أحمد بن
الجرّاح (مائة
منقبة / ١٦٨ : المنقبة
الثالثة والتسعون).
__________________
نظرة عابرة على مواضيع مرويّات الشيخ ابن الجندي :
بإمكان القارئ
الكريم أن يستشفّ ممّا قدّمناه لحدّ الآن من معلومات ، المواضيع التي تتمحور حولها
روايات ابن الجندي فهو محدّث بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى فقد عني برواية السنّة
النبوية بما لها من المواضيع المنوّعة وقد تمثّل هذا القسم من جهوده في مصادر
العامّة حيث رووا عنه العشرات من الأحاديث. أمّا في الوسط الشيعي فدوره الإبرز
يتجلّى في رواية الكتب التي وقع في طريقها وكان حلقة وصل بين الشيخ النجاشي وبين
مؤلّفي تلك الكتب ولا يخفى ما في هذه الوساطة من الأهمّية لأنّ الباحث لا يمكنه
التأكّد من صحّة نسبة الكتاب إلى مؤلّفه إلاّ عبر توثيق طريقه إليه كما أشبعنا
القول فيه عند الحديث عن وثاقة الشيخ ابن الجندي فراجع.
أمّا بالنسبة
لمجالات أخرى فيضعنا استعراض ما يرويه في صورة واضحة عن مشاركته في حقول مختلفة
كتراجم الرواة ووفياتهم ـ كما ألمحنا إلى ذلك آنفاً ـ وأقوالهم وآراء المحدّثين
وحتّى لمحات من تاريخ القرن الرابع فعلى سبيل المثال قال صاحب تاريخ مختصر الدول : «وقال أبو الحسن بن الجندي : إنّه رأى الحلاّج وشاهد
من شعابيذه أشياء منها تصويره بين يديه بستاناً فيه زروع وماء» (تاريخ مختصر الدول ١ / ١٥٦ ـ ١٥٧).
إذن فنجد في
شيخنا ابن الجندي محدّثاً ثقة موسوعىَّ الثقافة ملمّاً بالاتّجاهات الفكرية
المختلفة وفي الوقت نفسه لا تفوته آداب الرواية ولا تعوزه معايير التحديث وهذا ـ
أي تمسّكه بضوابط التحديث التي يجب أن يلتزم بها
المحدّث ـ هو أحد الأسباب التي أهّلته لتعويل أمثال الشيخ النجاشي ـ من
الشيعة ـ وتعويل جماعة من أبرز محدّثي العامّة عليه.
ويأتي في
السياق ذاته إفادة الخطيب في كتبه ـ بشكل مدهش ـ من نقولات ابن الجندي ورواياته
والتي يبلغ عددها العشرات ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إنّ الشيخ ابن الجندي هو أحد
أهمّ موارد الخطيب في كتبه عامّة وفي تاريخه بشكل خاصّ.
ولكن على الرغم
من ذلك فهناك مشكلة يواجهها الباحث عند استعراض المضامين التي رواها ابن الجندي
وهي تتمثّل في أنّ عدداً من هذه الروايات لا تنسجم مع المبادئ العقدية والكلامية
للإماميّة ممّا نستبعد أن يرويها أصحابنا عادة؛ فمثلاً : هناك روايات عن ابن
الجندي بإسناده الذي ينتهي إلى النبي(صلى الله عليه وآله)تتضمّن إطراء الخلفاء
الثلاثة والثناء عليهم (راجع : تاريخ
بغداد ٣ / ١٩٩؛ تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ١٦٦ ، ١٩٣ ، ٣٩ / ٥٣٣) وفيه : «أبو الحسن أحمد بن
محمّد ابن عمران بن الحسن» والظاهر أنّ لفظة (بن الحسن) مزيدة خطأ؛ (شرح أصول اعتقاد أهل
السنّة ٧ / ١٣٢٠)
وفيه التحذير من سبّ الصحابة وظاهره مدحهم كافّة؛ (شرح أصول اعتقاد أهل السنّة ٨ / ١٤٧٢) وفيه : مدح عمر بن عبد العزيز باعتباره خامس
الخلفاء المهديّين إلى جانب الثلاثة وأمير المؤمنين
عليهالسلام
؛ (تاريخ بغداد ١٣ / ٤٦٤) فيه : «قال علي ـ وهو عند رأس عمر ، وهو طعين
ـ : هذا أحبّ الأمّة إليّ أن ألقى اللّه بمثل صحيفته». وهو غريب جدّاً؛ (تاريخ مدينة دمشق ٣٠ / ٢٦٨) وفيه : «لمّا ثقل رسول اللّه صلّى اللّه عليه
وسلّم قال لعبد الرّحمن بن أبي بكر : (ائتني
بكتف حتّى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه بعدي) ...» وهو غريب أيضاً ،
(٣١ / ١٠٧) وفيه مدح الثاني وابنه عبد الله على لسان حذيفة بن اليمان ولم يسنده
إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ، (٤٤ / ٣١ ، ١٠٥).
كما أنّ هناك
رواية عنه تتناقض مع ما أطبقت عليه كلمة الإمامية جمعاء حيث نقل الخطيب بإسناده
عنه قال : «قال : نا إسماعيل الصّفّار قال نا المبرّد عن محمّد بن حبيب قال : أوّل
من حوّل من قبر إلى قبر أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، حوّله ابنه الحسن» (تاريخ بغداد ١ / ١٤٧) أي : نقل الإمام الحسن الجثمان الطاهر للإمام
أمير المؤمنين إلى المدينة (راجع نفس المصدر) وهو يعارض ما هو من واضحات التاريخ
الشيعي.
وربّما يقف
الباحث أمام هذه الروايات ـ وإن كانت قليلة تعدّ بالأصابع ـ حائراً ومتسائلاً عن
المبرّر الأساس لنقل مثل هذه المضامين من قبل شيخنا ابن الجندي حيث لا نتصوّر
بشأنه ـ كواحد من أبرز مشايخ الشيعة في عصره ـ الاقتناع بشيء من هذه المضامين
إطلاقاً.
ولا نريد هنا
التوسّع في ذكر المحتملات لتبرير صنيع كهذا ما دمنا تعوزنا المعطيات التاريخيّة
اللازمة للإدلاء بالرأي الراجح السديد في المسألة ولكن القدر الذي نجزم به أنّ مثل
هذه الروايات لا تمثّل الجانب العقدي لشيخنا. أمّا عن السبب في نقلها فيبدو لي أنّ
هذه الروايات إنّما نقلها شيخنا عن الأجزاء الحديثية والنُسخ التي رواها عن مشايخه
الذين كانت الأكثرية الساحقة منهم من العامّة وقد مثّلت هذه الروايات معتقدات تلكم
الشيوخ ولا يلزم من رواية الجزء الحديثي
تَقَبُّلُ الراوي والمحدّث لجميع مضامينها.
أضف إلى ذلك
أنّ تتبّع سيرة شيخنا العلمية توضّح أنّ منهجه في رواية الأحاديث والنسخ لم يكن
منصبّاً على الاقتصار على نقل ما يتقبّله ويصحِّحه فحسب كمّا أنّه لم يدأب على
دراسة سند الرواية ولم يكن بصدد تقويم جميع ما يرويه ولا مغمز من وراء ذلك يلحق
بشيخنا فكثيراً ما لا يرمي المحدّث إلى نقل الروايات الصحاح فحسب وإنّما تهمّه
رواية ما سمعه من مشايخه من الأحاديث والأجزاء الحديثية والنسخ ونماذج هذا المنهج
كثيرة حتّى في الحقل الشيعي.
ولأجل هذا وذاك
فقد تسرّب مثل هذه المضامين إلى روايات شيخنا وهي قليلة العدد ونسبتها إلى الكمّ
الهائل من روايات ابن الجندي ضئيلة جدّاً.
ما تَبَقّى من تراث ابن الجندي :
هناك الكثير من
الكتب التي ذكر الشيخ النجاشي طريقه إليها ممّا يبتدئ بشيخه ابن الجندي وقد أسلفنا
نماذجها في ثنايا الأبحاث السابقة. أمّا بالنسبة لكتب الشيخ ابن الجندي نفسه ، فلم
نجد عنها في ما بأيدينا من المصادر المطبوعة عيناً ولا أثراً ، إلاّ هذه المخطوطة
التي نحن بصددها وهي : الفوائد
الحسان الغرائب.
التعريف بـ : (الفوائد الحسان الغرائب) ومخطوطها :
ينبغي لنا ـ
وقبل أن نخوض غمار الحديث عن هذه الفوائد ـ التنبيه على أنّ عنوان (الفوائد الحسان) أو (الفوائد) بشكل عامّ أو ما يضاهيهما قد شاع
استخدامه لتسمية مجموعة من الروايات التي لا تتمحور حول موضوع واحد من
نماذجها.
الفوائد
الحسان لأحمد بن كامل
(تاريخ
التراث العربي قسم٣ ج١ / ٢٥٨).
من الفوائد المنتقاة
الحسان العوالي لأبي عمرو عثمان بن محمّد المصري (نشرته : مكتبة ابن تيميّة بالقاهرة سنة
١٤١٨ق).
الفوائد
الحسان لأبي حامد
محمّد بن هارون الحضرمي (إيضاح
المكنون ٢ / ٢٠٥).
الفوائد لأبي الحسن علي بن الحسين الشافعي الخِلَعي (الأعلام للزركلي ٤ / ٢٧٣).
و ...
وهذه الفوائد
تنضوي تحت عنوان أعمّ هو : (الأجزاء الحديثية) ومن ثمّ فلا بأس بأن نلمّ إلمامة
عجلى بموضوع الجزء الحديثي فأقول :
قد عرّف
الدكتور نور الدين عتر مصطلح الجزء قائلاً : «الجزء : في اصطلاح المحدّثين : هو
تأليف يجمع الأحاديث المرويّة عن رجل واحد سواء كان ذلك الرجل من طبقة الصحابة أو
من بعدهم : كجزء حديث أبي بكر وجزء حديث مالك .. ويتفاوت حجم الأجزاء من بضع أوراق
إلى العشرات ، والغالب أن تكون صغيرة ، وتمتاز بأنّها تبرز علم الأئمّة ، لما أنّ
إفراد الموضوع الجزئي بالبحث يتطلّب استقصاءً وعمقاً» (منهج النقد في علوم
الحديث : ٢٠٩).
أمّا عن عنوان
(الفوائد) فهناك باحثون حاول كلّ منهم أن يعرّف هذا
العنوان من وجهة نظره (للتفصيل عن هذه التعاريف راجع : المهروانيّات : ١ / ١٠٦ ـ ١١٥) وليس في التعرّض لهذه التعريفات كثير
جدوى والمتحصّل من تعاريفهم ـ برأيي ـ أنّ معنى الفوائد لا يختلف كثيراً عن مصطلح
: (الجزء الحديثي).
المخطوطة المعتمدة :
عثرنا على هذه
المخطوطة وهي المخطوطة الوحيدة لكتاب الفوائد عبر بعض المواقع على الإنترنت ثمّ قمنا ـ لتحقّق صحّة
النسخة وأصالتها ـ بالمقارنة بينها وبين المعلومات التي أفادها المفهرسون للتراث
فجزمنا بأنّها نفس النسخة التي وصفها الباحثون وإليك سرداً لأقوالهم :
١ ـ قال
الزركلي «له (الفوائد
الحسان الغرائب ـ خ) في الظاهرية. ثماني ورقات» (الأعلام ١ / ٢١٠).
٢ ـ قال سزگين
: «الفوائد
الحسان الغرائب : الظاهرية ، عامّ ، ٤٥١٧ (من ورقة ١ ـ ٩)» (تاريخ التراث العربي القسم ١ ، ج ١ ص ٤٤٢).
٣ ـ أشار
الدكتور سعود بن عيد اليربوعي محقّق كتاب المهروانيّات في مقدّمته إلى هذه الفوائد فقال : «مادّته من الأحاديث ، والآثار ، والأشعار» ثمّ
أشار في الهامش إلى مخطوطها فقال : «توجد نسخة تامّة من الكتاب بمكتبة الأسد : (٤٥١٧)
، وعنها صورة بالجامعة الإسلاميّة : ١٥٦٤ (١٢٦ب ـ ١٣٦أ) ، ١٠٠٨ (١١٧ب ١٢٦ب) ، (٤٥٨٧
ف) في : عشر لوحات ، في كلّ صحيفة منها تسعة عشر سطراً ، بخطّ مشرقي ، كتبه : محمَّد
بن عبد الغني المقدسي ، سنة : ثلاث وتسعين
وخمسمائة. وهي نسخة مقابلة عليها تصحيحات ، وسماعات ، وإجازة لابن عبد
الهادي». (المهروانيّات ١ / ١٨٦).
والسماعات التي
أشار إليها سوف نذكرها بنصّها بعد نصّ الفوائد في قسم مفرد.
٤ ـ وأخيراً
فقد أشار محمّد ناصر الدين الألباني إلى هذه الفوائد ونقل عن هذه النسخة بالضبط ممّا يعني أنّها كانت في
متناول يده فقال : «قال أبو الحسن أحمد بن محمّد بن عمران المعروف بـ : (ابن
الجندي) في الفوائد
الحسان الغرائب : حدّثنا علي بن محمّد بن عبيد : أخبرنا عيسى بن جعفر الورّاق قال : أنبأنا
عفّان ، قال : أنبأنا شعبة وحمّاد ، أو قال : شعبة وحمّاد حدّثانا عن عطاء بن
السائب» (سلسلة
الأحاديث الضعيفة والموضوعة ٢ / ٣٣٤) وهذا الحديث هو بعينه موجود في مخطوطتنا.
وعلى كلّ فلا
ريب أنّ المواصفات التي ذكرها هؤلاء الباحثون تنطبق بالكامل على المخطوطة الوحيدة
التي بأيدينا إذن فلا وجه للإسهاب في الحديث عن صحّة نسبة المخطوطة التي بأيدينا.
مواصفات المخطوطة :
تقع المخطوطة
في ١٠ أوراق ، وعلى الورقة الأولى سماعين لـ : (يوسف بن حسن بن عبد الهادي) كما
أنّ على الورقة العاشرة سماعات أوّلها سماع (إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي على
عبد الله بن الحسن بن محمّد بن
الخلاّل في صفر سنة ٤٦٩ هـ) كما أنّ عليها أيضاً سماعات أخرى لـ : (محمّد
بن عبد الغني المقدسي) و (يوسف بن عبدالرحمن المزّي) وغيرهما وسننقل هذه السماعات
بنصوصها بعد نصّ الفوائد. هذا وقد طُمس جانب من أعلى الصفحة الأخيرة من الورقة
العاشرة من المخطوطة.
وكانت تحتفظ
بها أوّلاً المكتبة الظاهرية بدمشق ، ضمن قسم العامّ ، برقم ٤٥١٧ ثمّ انتقلت إلى
مكتبة الأسد كما أشار إليه اليربوعي.
وقد رمزنا
لنسختنا هذه بـ : (ن).
هذا وقد قام
المشرفون على موقع : (إسلام
ويب) على قراءة
المخطوطة ونشروا نصّها على الإنترنت ولكن وجدنا العديد من الأخطاء والتصحيفات في
نصّهم ، كما أنّهم قد أسقطوا بعض الآثار والحكايات عن أحوال بعض الرواة والمشايخ
ولعلّ ذلك لأجل أنّها لم ترتبط بالحديث النبوي وسنشير إلى كلّ من هذه الأخطاء
والمحذوفات في هامش النصّ المحقّق. وقد رمزنا للنصّ المنشور على هذا الموقع بـ : (وب).
وللبحث صلة ...
المنهج الموسوعي في
الفقه الإمامي
(الحدائق والجواهر
أنموذجاً)
(٤)
|
|
الشيخ مهدي البرهاني
بسم الله الرحمن الرحيم
تناولنا في
الأعداد السابقة المناهج الموسوعية الفقهية في المدرسة الإمامية ونبذة عن كتاب
الحدائق ومؤلّفه وكتاب الجواهر ومؤلّفه ومعالم المدرسة الأخبارية وتطبيقات المنهج
الموسوعي عند صاحب الحدائق والمعطيات الفقهية لتلك التطبيقات ونستأنف البحث هنا.
٤ ـ استنباط رأيه في المسألة في ذوق منهجه الأخباري ممّا يعرضه من الأخبار
والآيات المفسَّرة بها دون غيرهما ممّا يعتمده الأصوليّون من أدلّة :
كثيراً ما كان
يختلف المصنّف مع العديد من الفقهاء الأصوليّين الذين يورد آراءهم الفقهية
بأدلّتها التفصيلية ، وكثيراً ما كان يناقش آراءهم ومستنداتهم وأدلّتهم تلك في
كثير من المسائل المطروحة في الكتاب ، إلاّ أنّ اللافت في الأمر أنّ مناقشاته تلك
قد اتّسمت بالموضوعية والاعتدال من دون أن يجرّه الاختلاف المذكور إلى التشنيع
عليهم أو المساس بأشخاصهم أو الوقيعة فيهم ، نعم كان لا
يجامل ولا يتردّد في بيان رأيه في المسألة في ضوء ما يعرضه من الأخبار
والآيات القرانية المفسَّرة بها والعمومات القطعية والقواعد الكلّية والأصول
العملية المستفادة منهما دون غيرهما ممّا يعتمده الأصوليّون من الأدلّة ، وهذا ما
كان يقوم به في كلّ مسألة فقهية يتطرّق لبحثها في الكتاب ، وتُعدّ هذه العملية في
الواقع صلب الممارسة الفقهية في كتاب الحدائق.
وممّا لاشبهة
فيه أنّ استنباط رأيه في المسائل المتفرّقة كان يستند إلى ضوابط معيّنة وأمور
كلّية تستند لمقوّمات وقواعد عامّة يمكن تلخيصها في مجموعة من الأمور ، وهي :
الأمر
الأوّل : تصحيح جميع
الأخبار الواردة في المسألة والمنقولة من الأصول المعتمدة عنده من دون فرق بين ما
اصطلح عليها عند الأصوليّين بالصحيح أوغيره ، وذلك بالطبع وفقاً لمنهجه الأخباري
الذي بيَّنه في مقدّمات كتابه القائم على أساس الاعتقاد بصحّة جميع الأخبار
الواردة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام المأخوذة عن الأصول الأربعمائة المعتمدة عند الشيعة
والمودعة في كتب الحديث سواء الأربعة المعروفة أم غيرها من مصادر الحديث المعروفة
عندهم وبغضّ النظر عن أسانيدها ، وتفسير الاختلاف والتعارض الحاصل فيما بينها في
عديد من الموارد بصدور قسم منها عن الأئمّة على أساس التقية ـ وإن لم يوجد به قائل
من العامّة ـ وليس لأنّها موضوعة أو مدخول فيها من قبل الرواة ، وإنّ هذا هو
المنهج الذي سار عليه قدماء علماء الإمامية وبقي كذلك حتّى مجيء العلاّمة الحلّي
وأستاذه ابن طاووس في القرن السابع الهجري اللذَين استحدثا
تنويع الأخبار إلى الصحيح والحسن والموثّق والضعيف.
الأمر
الثاني : تحقيق نصوص
الأخبار وتصحيح ما وقع فيها من سقط أو تحريف أو تقطيع أو تصحيف أو نقل بالمعنى أو
إضافة ليست منها ونحو ذلك يُعدّ من علل الحديث وآفاته ، وهذه الخطوة لها أثرها
المهمّ في تقريب وتوجيه دلالة النصوص وما يستفاد منها من نكات وإشارات قد تُغيِّر
ظاهر ما يبدو من دلالتها وتؤثِّر في ما يستفاد من معانيها.
ومن أمثلة ما
وقع لمصنّفي كتب الحديث من إدخال كلامهم وإضافته في الروايات فيُحسب أنّه جزء منها
ما أشار إليه المؤلّف في كتاب الصلاة مسألة لبس الرجل القَمِل للحرير ، قال :
«وقال الصدوق
في الفقيه : ولم يُطلِق النبي لبس الحرير لأحد من الرجال إلاّ
لعبد الرحمن بن عوف وذلك أنّه كان رجلاً قَمِلاً ، وتوهّم صاحب الذخيرة أنّ هذه العبارة من تتمّة خبر أبي الجارود المتقدّم
فذكرها في الذخيرة في ذيل الخبر المذكور ، وهوسهو محض ، بل الظاهر أنّها
من كلام الصدوق الذي يداخل به الأخبار فيقع فيه الاشتباه ، ولهذا لم يذكرها
المحدّثان في الوافي
والوسائل».
الأمر
الثالث : التدقيق في
اختلاف الأخبار ودراسة المحاولات التي ذكرها الفقهاء للجمع والتوفيق في ما بينها
وعلاج تعارضها بترجيح بعضها على بعض بأحد المرجّحات المقبولة عنده ، وعند التساوي
ردّ علمها إلى أهلها ثمّ الاحتياط
__________________
والتوقّف في المسألة ، وتكتسب هذه العملية أهمّية خاصّة في منهج المؤلّف
الفقهي لما فرضه هذا المنهج من اتّساع دائرة معالجة تعارض الأخبار وشمولها لكلّ ما
عدّه فقهاء المنهج الأصولي حسب اصطلاحهم ضعيفاً وأقصوه عن مجال المعارضة ، وبذلك
اتّسع مجال الاختلاف والتعارض فيما بينها الأمر الذي اقتضى من المؤلّف جهداً أكبر
في النظر فيه ومعالجته ، وبالتالي أخذ من كتابه حيّزاً أوسع لبحثه.
الأمر
الرابع : الاستدلال
بالعمومات القطعية عند عدم ورورد ما يصلح لتخصيصها ، والمقصود بهذه العمومات
الأدلّة العامّة المستفادة من آيات القرآن الكريم والأخبار الواردة عن الأئمّة
المعصومين دون ما بناه الأصوليّون أو تبنّوه منها على التعليلات والتخريجات
العقلية ، وهي من قبيل أصل الطهارة وأصل الحلّية والاستصحاب وقاعدة التجاوز
وعمومات دفع الضرر وحلّية المحرّمات ونحو ذلك ممّا أشار إليه في المقدّمة الحادية
عشرة من مقدّمات الحدائق ، ومثال الأخير كالذي ذكره في مسألة جواز أكل المحرِم
للصيد في حال الضرورة ، قال :
«ويدلّ عليه
جملة من العمومات الدالّة على وجوب دفع الضرر عن النفس من الكتاب والسنّة وتحليل
المحرّمات في مقام الضرورة ، وخصوص جملة من الروايات الدالّة على أنّه يأكل الصيد
ويفدي».
__________________
الأمر
الخامس : العمل
بالقواعد الكلّية المستفادة من جزئيّات الأحكام بموجب تنقيح المناط القطعي ، والمقصود
من تلك القواعد تلك التي تستفاد من جزئيّات الأحكام في الموارد المتفرّقة نظراً
إلى اشتراك جميعها في علّة الحكم ، وهذا هو حال غالب القواعد الفقهية فإنّها تكون
مستنبطة من موارد جزئية ، وقد أشار المصنّف إلى جملة منها في مقدّمة الحدائق ، وكذا في مواضع أُخر منه ، من ذلك ما جاء في بحث ميتة
غير الآدمي ممّا له نفس سائلة قائلاً :
«ولايخفى على
من أعطى النظر حقّه أنّ أكثر الأحكام الشرعية التي صارت بين الأصحاب قواعد كلّية
إنّما حصلت من تتبّع جزئيّات الأحكام وضمّ بعضها إلى بعض كالقواعد النحوية المبنية
على تتبّع كلام العرب ، وإلاّ فوجود الأحكام بقواعد مسوّرة بسور الكلّية لايكاد
يوجد إلاّ نادراً».
الأمر
السادس : العمل
بأصالة البراءة في ما تعمّ به البلوى من الأحكام ، بمعنى البناء على براءة الذمّة
من التكليف في الوقائع التي تعمّ بها البلوى لكن بشرط البحث عن الدليل على الحكم
في مضانّه المعهودة واليأس من العثور عليه ، ومن أمثلة ذلك ما ذكره بخصوص مسألة
عدم بطلان الصلاة في المسجد لمن أخلّ بشرط إزالة النجاسة عنه ، قائلاً :
«... والحقّ أن
يقال : إنّ الأحكام الشرعية توقيفية من الشارع ، فلو كان لهذه المسألة أصل مع عموم
البلوى بها لخرج عنهم عليهمالسلام
ما يدلّ عليها
أو يشير إليها ،
__________________
وحيث لم يخرج فيها شيء سقط التكليف بها ، إذ لا تكليف إلاّ بعد البيان
ولامؤاخذة إلاّ بعد إقامة البرهان ، وهذا يرجع إلى ما قدّمنا ذكره في غير موضع وبه
صرّح المحدّث الأمين الإسترآبادي من الاستدلال بالبراءة الأصلية والعمل بها فيما
يعمّ به البلوى من الأحكام».
الأمر
السابع : الأخذ بالأصول
والقواعد العملية المستفادة من النصوص الشرعية ، ويُقصد بها الأصول والقواعد التي
تعيِّن الوظيفة العملية عند الشكّ والتي دلّت عليها النصوص الشرعية ، من قبيل
أصالة الطهارة في كلّ ما لايعلم بنجاسته ، وأصالة الحلّ في كلّ ما لاتعلم حرمته ، وقاعدة
التجاوز الواردة في أفعال الصلاة المستفادة من النصوص وكلام الفقهاء والتي تنصّ
أنّه متى شكّ المصلّي في شيء من أفعال الصلاة وقد دخل في غيره فلا يلتفت.
ومن أمثلة
الاستدلال بأصالة الطهارة في كلّ ما لايعلم بنجاسته ما ذكره بعد تعرّضه للبحث في
حكم الظنّ بملاقاة النجاسة ، قال : «قد عرفت ممّا تقدّم أنّ الأصل الطهارة في كلّ
شيء حتّى يقوم الدليل الشرعي على النجاسة ولايكفي مجرّد الظنّ ، وهذا الأصل وإن لم
يَرِد بقاعدة كلّية في ما سوى الماء إلاّ ما يتناقله الفقهاء في كتب الاستدلال من
قوله عليهالسلام
: «كلّ شيء
طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» مع عدم وجوده في كتب الأخبار فيما أعلم ، إلاّ أنّ هذه
مستفادة من جملة من الأخبار
__________________
بضمّ بعضها إلى بعض ، بل ظاهرة من بعضها أيضاً».
الأمر
الثامن : التوقّف في
حكم المسألة والاحتياط فيها عند خلوّها من الدليل النقلي الواضح خصوصاً أو عموماً
وعدم إمكان جريان الأصل المؤمِّن ـ أعني البراءة ـ فيها ، وقد التزم بذلك بناءً
على ما توجبه عنده قاعدة تثليث الأحكام إلى حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك
من التزام جادّة الاحتياط في كلّ ما لم يرد فيه توقيف شرعيّ من موارد الشبهة ، ولا
شكّ في أنّ ذلك يشكّل مبدءاً من المبادئ الأساسية في مذهبه الأخباري ، وقد وضّحه
في المقدّمتين الثالثة والرابعة من مقدّمات كتابه وتقدّم تطبيقه في مسألة الجمع في
نكاح الفاطميّتين ، وكذا ما ذكره في مقام تحديد ضابط الفعل الكثير المبطل
للصلاة ردّاً على العلاّمة الحلّي الذي أرجع في مثل ذلك ممّا لم يُنصّ عليه إلى
العرف ، قال :
«وأمّا قول
العلاّمة في ما قدّمناه من كلامه أنّ عادة الشرع ردّ الناس في ما لم ينصّ عليه إلى
عرفهم فهو ممنوع أشدّ المنع ، بل المعلوم من الأخبار على وجه لا يعتريه غشاوة
الإنكار عند من جاس خلال الديار عند فقد النصّ إنّما هو الوقوف والتثبّت والأخذ
بالاحتياط ، وقد تقدّمت في ذلك الأخبار».
٥ ـ الإشارة إلى بعض المعطيات الأخرى المستفادة من بعض التطبيقات المتفرّقة
:
والمستفاد من
طرحه لبعض المسائل المطروحة في الكتاب ـ مضافاً لما مرّ
__________________
من خصائص تقدّمت الإشارة إليها في الأمثلة السابقة ـ ما يلي :
الأمر
الأوّل : طرح عنوان
بعض البحوث الفقهية على شكل سؤال استفهامي لا تقريري كما تقدّم من مسألة نكاح
الفاطميّتين ، حيث جاءت صياغة المسألة : «هل يجوز الجمع بين اثنتين من ولد فاطمة
عليهاالسلام
أو لا» ، وهذا الأسلوب أحياناً يكون أبلغ وأنجع في طرح موضوع
البحث من أن يكون طرحه بنحو مجرّد العنوان كما لايخفى ، وقد اتّبع المصنّف هذا
الأسلوب في كثير من مسائل بحوثه ، من ذلك ما جاء في تنبيهات حكم ماء الحمّام ، حيث
صاغ البحث بسؤال استفهامي : «هل يشترط بناء على القول بكرِّيّة المادّة بلوغ
المادّة وحدها كرّاً ... أو يكفي بلوغ المجموع منها وممّا في الحياض كرّاً» ، وأيضاً ما ذكره في الفائدة الحادية عشرة من حكم الماء
المستعمل في الحدث الأكبر ، قائلاً : «هل يختصّ البحث في هذه المسألة والخلاف فيها
بما كان قليلاً فقط أو يشمل الكثير أيضاً».
الأمر
الثاني : الإشارة إلى
تحديد بداية تاريخ طرح المسألة فقهيّاً وذكر العصر الذي تمّ طرحها فيه ومن ابتدأ
بالتطرّق إلى ذكرها من الفقهاء كما في المسألة المشار إليها آنفاً ـ أعني حرمة
الجمع بين الفاطميّتين في النكاح ـ من قوله : «لم يحدث فيها كلام إلاّ في هذه
الأعصار الأخيرة وإلاّ فكلام المتقدّمين من
__________________
أصحابنا رضوان الله عليهم والمتأخّرين خال من ذكرها والتعرّض لها». والإشارة إلى هذا الأمر له ميّزاته ، منها أنّه يعطي
للباحث رؤية واضحة في هذا المجال تسهّل عليه تتبّع الآراء والأقوال فيها ، وذلك
بالرجوع إلى زمان تصنيفها وترك المصادر السابقة على ذلك زماناً ومصدراً.
بل في بعض
الأحيان يكون المصنّف هو أوّل من يبدأ تفريعاً على بعض المسائل الفقهية مستنبطاً
لحكمها من الأخبار من دون أن يسبقه إلى ذلك سابق ، وهذه تعتبر ميزة مهمّة في
الكتاب مضافاً لما يمتاز به من أمور كثيرة ، ومثال ذلك ما ذكره تفريعاً على مسألة
حكم إرضاع الأمّ ، حيث قال : «ظاهر بعض الأخبار استحباب الإرضاع من الثديين معاً ،
وهذا الحكم لم يتعرّض له أحد من الأصحاب فيما أعلم».
الأمر
الثالث : إنّه أسند
الحكم الذي استنبطه في المسألة المذكورة ـ وهو حرمة الجمع في النكاح بين فاطميّتين
ـ إلى كبار أعلام الفقه وأئمّة الحديث أمثال الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي وإن لم
يكونوا قد صرّحوا بذلك أو نصّوا عليه صراحة في أىّ من مصنّفاتهم الفقهية أو
الحديثية ، وذلك استناداً لما فهمه من طريقة سردهم للرواية المثبِتة للحرمة
بالكيفية التي نقلوها في مجاميعهم الحديثية ، ولِمَا كانوا قد صرّحوا هم به في
كيفية تصنيفهم لتلك المجاميع الحديثية ونقلهم للروايات المودعة فيها ، ممّا يعني
إلمامه الكامل بتلك المجاميع المؤلّفة
__________________
وبكيفية تأليفها وبمنهجية أصحابها في سردهم لتلك الأخبار في مصنّفاتهم تلك
وكيفية فهمهم الفقهي منها ومن ثمّ استنباط رأيهم طبقاً لكلّ ذلك.
الأمر
الرابع : الإشارة إلى
مسلك أصحابه ـ من الأخباريّين ـ من التوقّف والاحتياط عند خلوّ الواقعة من الدليل
النقلي الواضح الدلالة على الحكم ، وقد التزم بذلك بناءً على ما توجبه عندهم قاعدة
تثليث الأحكام إلى حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك ، ولا شكّ في أنّ هذا
الأمر يشكّل مبدءاً من المبادئ الأساسية في المذهب الأخباري ، وقد جرّه ذلك ـ كما
سائر الأخباريّين ـ إلى التوقّف والاحتياط في الكثير من المسائل الفقهية المشكوكة
الحرمة ، وقد أشار لهذا المعنى في بعض مقدّمات الكتاب كما تقدّم.
__________________
الفصل الثالث
المنهج الموسوعي عند صاحب الجواهر
المبحث الأوّل
معالم المدرسة الأصولية
|
|
تمهيد :
تأريخ تأسيس المدرسة الأصولية الإمامية ومراحل تكاملها حتّى عصر صاحب الجواهر :
إنّ أهمّ ما
شَغل علماء الإمامية في عصر الغيبة وانتهاء عصر النصّ هو البحث عن الدليل عند
استنباط الحكم الشرعي ، وذلك نظراً لوقوع الحوادث والمستجدّات التي تتطلّب بذل
المزيد من الجهد واستنباط الأحكام الشرعية المتكفّلة لها أو على الأقلّ تحديد
الوظيفة العملية للمكلّفين تجاهها ، ولكن البحث عن الدليل واستنباط الحكم منه لم
يكن من القضايا الميسورة التي يستطيع المستنبِط إنشاء نظرية متكاملة بمفرده وبمعزل
عن التظافر العلمي الجماعي في النقد والتنقيح والإضافة والتجديد ، وبالفعل هكذا
كان ، فقد تظافرت جهود فقهاء أهل البيت
عليهمالسلام
لفترة قرون
كاملة أثمرت خلالها من إنشاء نظرية أصولية في غاية المتانة في علم القواعد
الممهّدة لاستنباط الحكم الشرعي.
وقد كان محور
المشكلة التي واجهت الفقهاء في العصر المشار إليه هو
__________________
الحجّية في نطاقها العامّ بما فيها حجّية ظواهر الكتاب الكريم وحجّية خبر
الواحد الناقل لقول المعصوم وحجّية الإجماع وأيضاً حجّية العقل أو ما يسمّى
بالدليل العقلي ، فكان موضوع علم الأصول دائماً ومنذ عصر التأسيس هو البحث عن
الأدلّة المشتركة في الاستدلال الفقهي ، ولهذا السبب بدت الحاجة إلى علم الأصول
الذي عُرِّف بأنّه العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط الشرعي ، ولاشكّ أنّ البحث في دليلية تلك الأدلّة كان قد تطوّر
بشكل كبير على مرّ العصور ووصل إلى ماوصل إليه من القمّة في التفكير الأصولي عند
الإمامية ، إذ يبدو أنّ بحوث الأصول حتّى حين وصلت إلى مستوىً يؤهّلها للاستقلال
بقيت تتذبذب بين علم الفقه وعلم أصول الدين حتّى أنّها كانت أحياناً تُخلَط ببحوث
أصول الدين والكلام.
وفي هذا المجال
ذكر المحقّق السيّد زهير الأعرجي في دراسة له عن المدارس الأصولية : إنّ المدارس
الأصولية عند الإمامية رُتّبت على أساس التاريخ الزمني المحدّد بقرن كامل لكلّ
مدرسة أصولية ، وعدّد في دراسته تلك إحدى عشرة مدرسة على طول السنين الألف الماضية
من عمر التشيّع ، مبتدئاً بذكر مدرسة القرن الخامس الهجري لأنّه لم تكتشف ـ كما
ذكر ـ نظرية إمامية في أصول الفقه قبل هذا التاريخ.
__________________
وبالفعل فإنّه
لم تكن هناك معالم واضحة ومدرسة متكاملة للإمامية تتكفّل بيان أصول وأركان وقواعد
هذا الفنّ بنحو مستقلٍّ ، وإلاّ فممّا لا شكّ فيه وكما يقول الشهيد الصدر
قدسسره
: «إنّ بذرة
التفكير الأصولي وُجدت لدى فقهاء أصحاب الأئمّة منذ أيّام الصادِقَين
عليهماالسلام
على مستوى
تفكيرهم الفقهي ، ومن الشواهد التاريخية على ذلك ما ترويه كتب الحديث من أسئلة
ترتبط بجملة من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط وجَّهها عدد من الرواة إلى
الإمام الصادق وغيره من الأئمّة وتلقّوا جوابها منهم».
وهذا الكلام
منه قدّس سرّه يشير بوضوح إلى أنّه كانت هناك أفكار أصولية لكنّها متناثرة هنا
وهناك ولم تنهض إلى مستوى النظرية إلاّ في زمان متأخّر عن ذلك العصر ، أعني عصر
الشيخ المفيد المتوفّى سنة (٤١٣هـ).
وإليك اختصار
لما ذُكر من تلك المدارس حتّى القرن الثالث عشر الهجري (زمان الشيخ صاحب الجواهر) ، كي يتبيّن طبقاً لهذه الدراسة الترابط بين الأفكار
الأصولية التي تطوّرت تدريجاً على مدى المئات من السنين.
المدارس الأصولية من القرن الخامس وحتّى القرن الثالث عشر الهجري (زمان
صاحب الجواهر) :
أوّلاً : مدرسة القرن الخامس الهجري :
وأركان هذه
المدرسة أربعة فقهاء عظام صنّفوا أربعة كتب مستقلّة في
__________________
أصول الفقه ، وهم :
الشيخ المفيد
(ت٤١٣هـ) وكتابه المختصر باسم : التذكرة
في أصول الفقه والسيّد المرتضى (ت٤٣٦هـ) وكتابه : الذريعة إلى أصول الشريعة والشيخ الكراجكي (ت٤٤٩هـ) وكتابه : كنز الفوائد والشيخ الطوسي (ت٤٦٠هـ) وكتابه : عُدّة الأصول.
وتتميّز هذه
المدرسة بعرض ضبابي غير واضح لمطالب علم الأصول ، وأيضاً وجود خلط فيها بين علم
أصول الدين وعلم أصول الفقه بالرغم من الاستقلالية النسبية التي حصل عليها علم
الأصول ، نعم واصلت مدرسة القرن الخامس تطوّرها الأصولي ووصلت إلى درجة من الرقي
في أبحاثها حينما انتقل شيخ الطائفة الطوسي إلى النجف الأشرف وكتب هناك عُدّة
الأصول الذي يعتبر من أوائل الكتب التي تخلّصت من عقدة الخلط بين علمي الكلام
والأصول وميّزت البحوث الأصولية عن الفقهية على أساس الفرق بين الأدلّة الإجمالية
والأدلّة التفصيلية.
ثانياً : مدرسة القرن السادس الهجري :
ويقف على رأسها
فقيهان جليلان هما : ابن زهرة حمزة بن علي الحلبي (ت٥٨٥هـ) وابن إدريس محمّد بن
منصور الحلّي (ت٥٩٨هـ) ، وأهمّ مؤلّفات ابن زهرة : غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع حيث قام فيه بدراسة مستقلّة لعلم الأصول ، وأهمّ
مؤلّفات ابن إدريس كتابه الفقهي المعروف : السرائر فقد ابتدأه
__________________
بإعلان إيمانه بحجّية العقل بالإضافة ـ بالطبع ـ إلى النصوص الشرعية ، وعلى
نحو المثال لما تضمّنه هذا الكتاب من مباحث أصولية يذكر الشهيد الصدر أنّ ابن
إدريس في كتابه السرائر أبرز في استنباطه لأحكام المياه ثلاث قواعد أصولية وربط
بحثه الفقهي بها.
ثالثاً : مدرسة القرن السابع الهجري :
وهي المدرسة
التي ازدهرت في الحلّة وامتدّت مع مدارس القرن الثامن والتاسع الهجري إلى أكثر من
ثلاثة قرون ونصف ، ابتدأت نظريّاً من ابن إدريس (ت٥٩٨هـ) واضمحلّت في النصف الأخير
من القرن العاشر الهجري ، وأهمّ أقطاب هذه المدرسة هو المحقّق جعفر بن الحسن
الحلّي (ت٦٧٦هـ) الذي كتب في علم الأصول كتابين هما : نهج الوصول إلى معرفة
علم الأصول ومعارج الأصول.
رابعاً : مدرسة القرن الثامن الهجري :
ومن أعمدة هذه
المدرسة العلاّمة الحلّي الحسن بن يوسف (ت٧٢٦هـ) وولده فخر المحقّقين محمّد بن
الحسن (ت٧٧١هـ) والشهيد الأوّل محمّد بن مكّي الجزيني (ت٧٨٦هـ) ، وقد كتب العلاّمة
أكثر من كتاب في أصول الفقه ، منها : تهذيب الوصول إلى علم الأصول ونهاية
الوصول إلى علم الأصول وغيرهما ، كما أنّ لفخر المحقّقين كتابين في الأصول هما : غاية السؤول في شرح
تهذيب الأصول وشرح المبادئ أمّا الشهيد الأوّل فله مضافاً لـ : ذكرى الشيعة كتاب : القواعد
والفوائد في الفقه والأصول والعربية.
__________________
وقد بلغ علم
الأصول في هذه المرحلة درجة أعلى في الدقّة والعمق من أيّ وقت مضى ، ففي كتاب القواعد والفوائد ضمّن المصنّف كتابه ما يقرب من ثلاثمائة وثلاثين قاعدة
أصولية وفقهية ونحوية ، إضافةً إلى فوائد تقرب من مائة فائدة والكثير من التنبيهات
التي يغلب عليها الطابع الفقهي الاستدلالي.
خامساً : مدرسة القرن التاسع الهجري :
ولم يظفر هذا
القرن إلاّ بفقيه واحد من فقهاء مدرسة الحلّة ، وهو المقداد بن عبد الله السيوري
الحلّي (ت٨٢٦هـ) الذي كتب شرح
مبادئ الوصول لعلم الأصول للعلاّمة وسمّاه : نهاية المأمول وكذا له : نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية وأيضاً التنقيح الرائع في شرح المختصر النافع
وكنز العرفان في فقه القرآن.
سادساً : مدرسة القرن العاشر الهجري :
وعلى رأس هذه
المدرسة الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي (ت٩٦٥هـ) الذي كان ملمّاً بأفكار
المدارس الفقهية والأصولية ، وله كتاب : تمهيد القواعد الأصولية والعربية يتناول فيه مائة قاعدة أصولية وما يتفرّع عليها من
الأحكام.
وبانتهاء القرن
العاشر ينتهي دور مدرسة الحلّة في الفقه والأصول وتنتقل الحوزة العلمية الشيعية
مجدّداً إلى النجف الأشرف.
سابعاً : مدرسة القرن الحادي عشر الهجري :
ومن أعمدتها
ابن الشهيد الثاني الشيخ حسن بن زين الدين العاملي (ت
١٠١١هـ) وكتابه المعروف : معالم الدين وملاذ المجتهدين الذي ألّفه حين إقامته في النجف ، وكذا الشيخ بهاء
الدين العاملي المعروف بالشيخ البهائي (ت١٠٣١هـ) وكتابه : زبدة الأصول.
ويُعدّ كتاب معالم الدين نقلة نوعية في منهجة علم الأصول ، فإنّه مضافاً إلى
دقّته في التعبير يحمل عمقاً جديداً في نظرية الاستدلال ، ولعلّ المنهجية لهذا
السِّفْر الأصولي القيّم قد فتحت الأبواب لفهم أعمق لمباني الاستدلال الفقهي عند
الطائفة وأشعرت الجميع بالحاجة إلى تكثيف الجهود من أجل إثراء علم الأصول بالقواعد
العقلية التي لاتبعد كثيراً عن القواعد الشرعية.
ولاشكّ أنّ هذا
القرن أنتج فقهاء كتبوا ودوّنوا في علم الأصول ، منهم : عبد الله التوني (ت١٠٧١هـ)
وكتابه : الوافية
في الأصول ومحمّد بن
الحسن الشيرواني (ت١٠٩٨هـ) الذي كتب حاشية على المعالم في الأصول ، وقد مدّت هذه المؤلّفات الأصولية روحاً
جديدة في الفكر الأصولي خصوصاً وأنّ القرن التالي وهو الثاني عشر الهجري كان قمّة
نشاط الحركة الأخبارية التي حاولت تقويض مباني علم الأصول في الصميم.
ثامناً : مدرسة القرن الثاني عشر الهجري :
وقد شهد هذا
القرن ركوداً في النشاط الأصولي بسبب التأثيرات الفكرية التي تركتها الحركة
الأخبارية على مجمل النشاط العلمي للطائفة ، وكان هناك مؤلَّفان في الأصول في هذا
القرن ، وهما : حاشية
شرح المختصر للعضدي تأليف آقا جمال الخوانساري (ت١١٢٥هـ) ، وشرح الوافية للسيّد صدر الدين بن محمّد
باقر الرضوي القمّي (ت١١٧٠هـ).
تاسعاً : مدرسة القرن الثالث عشر الهجري :
ويُعدّ هذا
القرن من أنشط الحقبات الزمنية في تاريخ علم الأصول ، فقد زهر من بين ثناياه
فقيهان من أعظم فقهاء الإمامية ، وهما : الوحيد الببهباني (ت١٢٠٦هـ) في كربلاء ، والشيخ
مرتضى الأنصاري (ت١٢٨١هـ) في النجف ، وقد احتلّت النجف في تلك الفترة وبالأخصّ في
الربع الأوّل من هذا القرن موقعها القيادي والعلمي والفقهي من جديد.
الوحيد البهبهاني والفوائد الحائرية :
استطاع الوحيد
البهبهاني في مدينة كربلاء التصدّي لأفكار الحركة الأخبارية منذ أن رفع رايتها
محمّد أمين بن محمّد شريف الإسترآبادي بعد أن دامت ما يقرب القرنين ، خصوصاً وأنّ
تسلّحه بالعلوم العقلية كان قد أعدَّه للدخول في صراع مكشوف مع رموز تلك الحركة في
ذلك الوقت من أمثال الشيخ يوسف البحراني ، ومنذ ذلك الوقت بدأ النشاط الأخباري
بالفتور ولم يبقَ من معالمه شيء.
جاء في المعالم الجديدة : «وقد قُدِّر للاتّجاه الأخباري في القرن الثاني
__________________
عشر أن يتّخذ من كربلاء نقطة ارتكاز له ، وبهذا عاصر ولادة مدرسة جديدة في
الفقه والأصول نشأت في كربلاء أيضاً على يد رائدها المجدّد الكبير محمّد باقر
البهبهاني ، وقد نصّبت هذه المدرسة الجديدة نفسها لمقاومة الحركة الأخبارية
والانتصار لعلم الأصول حتّى تضاءل الاتّجاه الأخباري ومُني بالهزيمة».
الشيخ الأنصاري وفرائد الأصول :
ثمّ قام أحد
أبرز التلامذة عند طلاّب الوحيد وهو الشيخ مرتضى الأنصاري في مواصلة منهج أستاذ
أساتذته الشيخ الوحيد بإزالة ما بقي من تلك الرواسب في الأذهان في كتابه فرائد الأصول بعد استيعاب كامل للحجج العقلية والشرعية ، وذلك من
خلال طرح منهجية جديدة تماماً في علم الأصول كان محورها الأدلّة والحجج العقلية
والشرعية ، فتناول من خلالها مباحث القطع والظنّ والشكّ والبراءة والاشتغال
والاستصحاب والتعادل والتراجيح بدقّة متناهية بالتهذيب والتنقيح.
الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر :
لا شكّ أنّ
القرن الثالث عشر أفرز إضافة إلى الشيخين البهبهاني والأنصاري حشداً كبيراً من
علماء الفقه والأصول ، وقد استعادت مدينة النجف بهم رونقها العلمي ، فأصبحت مرّةً
أخرى محطّ أنظار العالم الشيعي وقِبلة الفكر الفقهي
__________________
والأصولي ، ومن أبرز أولاء الأعاظم ـ بعد مثل السيّد مهدي بحر العلوم
(ت١٢١٢هـ) والشيخ جعفر الكبير (ت١٢٢٧هـ) والميرزا القمّي (ت١٢٣١هـ) ـ الشيخ محمّد
حسن النجفي (ت١٢٦٦هـ) وموسوعته الفقهية الاستدلالية جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، تلك الموسوعة المبتنية على دعائم وقوانين المدرسة
الأصولية وقواعد الاستنباط المرتكزة عليها أدلّة ومنهجية واستنتاجاً ، إذ يُعدّ
صاحب الجواهر
من النوابغ
الذين تخرّجوا على كبار تلاميذ الوحيد البهبهاني ومدرسته الاستنباطية ـ وتقدّم في
ترجمته أنّه كان قد ألّف كتاباً في الأصول إلاّ أنّه تلف ولم تسنح له الفرصة في
إعادة كتابته ـ وبذلك يعتبر الشيخ محمّد حسن النجفي في منهجية كتابه هذا من أكابر
الفقهاء الأصوليّين لأكبر مصنَّف فقهي استدلالي في القرن الهجري الثالث بعد العشرة.
محاور الخلاف بين المدرسة الأصولية والأخبارية :
انحصر الخلاف
بين الأصوليّين والأخباريّين في دائرة الأحكام الشرعية الفرعية ولم يمتدّ إلى شيء
من كلّيات العقائد وأصول الدين ، بل إنّ الفريقين لم يختلفا حتّى في تفاصيل
العقيدة وجزئيّاتها ، لاعتمادهما معاً في جميع ذلك على ما ورد عن أئمّة أهل البيت
عليهمالسلام
، بل لم يكن
بين علماء الشيعة إلى زمان المحدّث الإسترآبادي وظهور حركته الأخبارية منهجان
متقابلان باسم المنهج الأخباري والمنهج الأصولي حتّى يكون لكلّ منهج مبادئ مستقلّة
تتناقض ومبادئ المنهج الآخر ، بل الجميع على خطٍّ واحد وإنّما الاختلاف في لون
الخدمة وكيفية الأداء
كما عبّر الشيخ السبحاني.
يقول الشيخ
البحراني : «إنّ العصر الأوّل كان مملوءاً من المجتهدين والمحدّثين مع أنّه لم
يرتفع بينهم مثل هذا الخلاف ولم يطعن أحد منهم على الآخر بالاتّصاف بهذه الأوصاف
وإن ناقش بعضهم بعضاً في جزئيّات المسائل».
ولكن مع ذلك قد
كثرت الأسئلة عن الفرق بين المجتهدين والأخباريّين ، وقد أكثر المسؤولون من ذكر
وجوه الفرق في ذلك ، ولعلّ أسبقهم إلى ذلك ـ كما أفاد الدكتور العطية ـ الحرّ العاملي
(ت١١٠٤هـ) في كتابه الفوائد
الطوسية ، حيث أحصى في
الفائدة الثانية والتسعين ثلاثاً وعشرين مسألة خلافية ردّاً على من زعم أنّ الخلاف
بينهما لفظي ، وأنهى من بعده الشيخ عبد الله بن صالح السماهيجي
(ت١١٣٥هـ) في كتابه منية
الممارسين الفروق إلى
أربعين فرقاً أوجزها الخوانساري في روضات الجنّات في ثلاثين ، قائلاً : «إنّها ترجع إليها جميع الأمور
التي ذكرها السماهيجي» ، وأوجزها أيضاً المحدّث البحراني في الدرر النجفية في ثمانية فروق ، وقال : «إنّ ما ذكره شيخنا الصالح
المتقدّم ذكره من الفروق وأطال به من الشقوق كثير منه ، بل أكثره تطويل بغير طائل
وترديد لايرجع إلى
__________________
حاصل».
أمّا
الأصوليّون فقد أوجز الوحيد البهبهاني القول بأنّها تتمثّل في فرق واحد ، قال قدّس
سرّه : «إنّ مناط الفروق بين الأخباري والمجتهد هو نفس الاجتهاد : أي العمل بالظنّ
، فمن اعترف بالعمل به فهو مجتهد ، ومن ادّعى عدمه بل كون عمله على العلم واليقين
فهو أخباري ، ولذا لايُجوّز الأخباري تقليد غير المعصوم».
المسائل الأساسية التي اختلفت فيها المدرسة الأخبارية والأصولية :
وقد جمعت
المسائل الأساسية التي اختلفت فيها المدرستان بما يلي :
أوّلاً : في الوقت الذي يرى أصحاب المدرسة الأخبارية بقطعية
صدور كلّ ما ورد في الكتب الحديثية الأربعة من الروايات كما تقدّم الذكر في معالم
المدرسة الأخبارية فإنّ لدى الأصوليّين رأي آخر بهذا الشأن ، إذ أنّهم لا يرون
صحّة كلّ ما روي فيها ، بل يقسّمون الحديث إلى الأقسام الأربعة المشهورة بينهم : الصحيح
والحسن والموثّق والضعيف ، ويأخذون بالثلاثة الأوَل دون الأخير ، بلا فرق في ذلك
بين المودَع من الأحاديث في الكتب الأربعة أو غيرها من كتب الحديث والرواية.
__________________
ثانياً : إنّ الأصوليّين يذهبون إلى صحّة إجراء البراءة في
الشبهات الحكمية الوجوبية والتحريمية استناداً إلى العقل والأدلّة النقلية ، وهذا
بخلاف الأخباريّين القائلين بعدم جريانها في الشبهات الحكمية التحريمية.
ثالثاً : نفي الأخباريّين الاحتجاج بالكتاب الكريم على ما
بُيّن في مدرستهم ، وهذا بخلاف ماترتئيه المدرسة الأصولية القائلة بحجّية ظواهر
الكتاب الكريم في الأحكام الشرعية ، حتّى صنّف جملة منهم كما يقول صاحب الحدائق كتباً في الآيات المتعلّقة بالأحكام الفقهية وهي
خمسمائة آية.
رابعاً : نفي حجّية الإجماع على ماهو المعروف بين الأخباريّين
، أمّا الأصوليّون فيتمسّكون به إذا كان من الإجماع المحصّل الكاشف عن رأي المعصوم
، وبحكمه إن كان منقولاً بنحو التواتر.
خامساً : نفي حجّية حكم العقل على ما تقدّم في مدرسة
الأخباريّين ، أمّا عند الأصوليّين فيرون الحجّية الكاملة للعقل واعتبروه دليلا من
أدلّة الحكم الشرعي ، لكن ضمن ضوابط معيّنة ومحدّدة أوضحوها في كتبهم الفقهية
والأصولية.
__________________
وتجدر الإشارة
إلى أنّ فكرة الدليل العقلي لم تكن قد تحدّدت وتجلّت عند الأصوليّين وقت بروز
المدرسة الأخبارية كما أصبح عليه حالها بعد ذلك في بحوث المدرسة الأصولية الحديثة
التي عرّفت المراد منه بأنّه كلّ حكم للعقل يوجب القطع بالحكم الشرعي أو كلّ قضية
عقلية يتوصّل بها إلى العلم القطعي بالحكم الشرعي ، وقد لفت النظر إلى هذه الظاهرة
الشيخ المظفّر في كتابه أصول
الفقه عند قيامه
بتحديد ماهو المقصود بالدليل العقلي ، حيث قال : «وأوّل من وجدته من الأصوليّين
يصرّح بالدليل العقلي الشيخ ابن إدريس المتوفّى (٥٩٨هـ) ، فقال في السرائر : فإذا
فقدت الثلاثة ـ يعني الكتاب والسنّة والإجماع ـ فالمعتمد عند المحقّقين التمسّك
بدليل العقل فيها ...».
المبحث الثاني
تطبيقات المنهج الموسوعي عند صاحب الجواهر
تمهيد :
تقدّم أنّ
القرن الثالث عشر الهجري كان من أنشط الحقبات الزمنية التي شهدها علم الأصول بعد
ركود وخمول بسبب التأثيرات الفكرية التي تركتها الحركة الأخبارية على مجمل معالم
النشاط الاستنباطي للطائفة ، وبالفعل فقد شهد هذا القرن حركة علمية واسعة في
كربلاء مبتدئة بالمجدّد الكبير العلاّمة محمّد باقر المعروف بالوحيد البهبهاني
(ت١٢٠٦هـ) وبلغت غاية ازدهارها في النجف
__________________
الأشرف زمان الشيخ محمّد حسن النجفي صاحب الجواهر ، وقد شهد عصره وما بعده وجود كبار الفقهاء وفطاحل
العلماء الأصوليّين أمثال الشيخ مرتضى الأنصاري (ت١٢٨١هـ) وكتابه الفريد فرائد الأصول والذي كان قد وصل إلى الزعامة الدينية بعهد من الشيخ
صاحب الجواهر
نفسه.
وقد جاء في بعض
المصادر ما معناه أنّ الحركة العلمية التي قادها رائد الفكر والتحقيق المحقّق
البهبهاني خلّفت وراءها أجيالاً من العلماء الفطاحل وتراثاً علميّاً ضخماً في
مجالي الفقه والأصول ، وإنّ ثلّة من تلامذته ألَّفوا موسوعات فقهية وأصولية دحضوا
بها حجج الأخباريّين ومهّدوا الطريق لظهور حركة علمية جديدة تتمتّع بالاستضاءة من
التراث العلمي الذي خلّفه المحقّق البهبهاني وتلامذته مع إبداع أسلوب جديد في
الأصول والفقه ، ورائد هذه الحركة الجديدة هو الشيخ المدقّق مرتضى بن محمّد أمين
المعروف بالأنصاري الذي انتُخب مرجعاً للشيعة بعهد وإيصاء من الشيخ محمّد حسن
النجفي صاحب الجواهر
حين لبَّى نداء
ربّه عام (١٢٦٦هـ).
وقد نتج عن ذلك
نشوء مدرسة أصولية متكاملة الصفوف ومستكملة المراحل ومستجمعة الملامح في أدلّتها
وحججها العقلية كما الشرعية ، متناولة بدقّة متناهية بالتهذيب والتنقيح أمّهات
مباحث الاستنباط الأصولية ، كمباحث القطع والظنّ والشكّ وبحوث البراءة والاشتغال
وأيضاً مسائل التعادل والتراجيح.
ولئن عُدَّ
كتاب الحدائق أكبر مصنّف فقهي استنباطي على المذاق الأخباري
__________________
فإنّ كتاب الجواهر
بالتأكيد لهو
الأكبر والأوسع والأضخم تأليفاً ومصنَّفاً ليس على طريقة المدرسة الأصولية فحسب بل
على مستوى الطائفة كلّ الطائفة ، لكنّه بالتأكيد حاو لمباني المدرسة الأصولية
الاجتهادية وبكلّ أبعادها العلمية ، والكتاب وإن عُدَّ في كتب الشروح ومن ضمن
مصنّفاتها ـ باعتباره شرحاً وتفسيراً وبياناً لكتاب شرائع الإسلام للمحقّق الحلّي
من فقهاء القرن السابع الهجري وأحد أشهر علماء الإمامية ـ لكنّه يختلف عنها
بخصوصيّاته الفريدة والنادرة ، وقد كان تصدّى لشرح الكتاب المذكور عدد كبير من
الفقهاء وفيهم من يُشار إليه بالبنان ، أمثال الشهيد الثاني زين الدين بن علي
العاملي (ت٩٦٥هـ) والسيّد محمّد بن علي العاملي (ت١٠٠٩هـ) ، لكن يمكن القول أنّه لم يوفّق أحد من هؤلاء كما وفّق
الشيخ النجفي في شرحه المسمَّى بـ : جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ، إن كان من حيث إسهابه في الشرح ، أو من حيث
الخصوصيّات الأخرى التي تفرّد بها هذا المصنَّف الفخم.
منهج الشيخ محمّد حسن النجفي في كتابه جواهر الكلام :
وكما تقدّم في
المبحث الثاني من الفصل الثاني لهذه المقالة فإنّ المقصود
__________________
من هذا العنوان
هو الخطوات المتّبعة للمؤلّف في بحث مسائل كتابه ، وأنّه ولأجل معرفة منهجية أيّ
مصنِّف فإنّه لابدّ من إيراد بعض الأمثلة والتطبيقات والنصوص من ذلك الكتاب كي
يُتوصّل من خلالها لبعض المعطيات الفقهية المستفادة ، وهذا ما سأتبعه أيضاً
بالنسبة لمعرفة منهجية صاحب الجواهر
في الجواهر ، حيث سأذكر لأجل ذلك بعض التطبيقات والأمثلة الجزئية
من كتابه بما يتناسب وحجم هذه المقالة ، وليكن ذلك ضمن مطالب ثلاثة :
المطلب الأوّل : حكم الماء القليل الراكد غير البئر من حيث انفعاله
بالنجاسة :
جاء في كتاب جواهر الكلام تعليقاً على قول المحقّق نجم الدين في بحث الماء المطلق
وتحديداً عند التعرّض لحكم الماء المحقون : «وأمّا المحقون فما كان منه دون الكرّ
فإنّه ينجس بملاقاة النجاسة» ما نصّه :
«والمتنجّس وإن
لم يتغيّر أحد أوصافه ، للنصوص المستفيضة بل المتواترة وفيها الصحيح وغيره
وستسمعها ، وللإجماع محصّلاً ومنقولاً ، نصّاً وظاهراً ... وقد وقعت حكاية الإجماع
للأساطين من علمائنا كما عن المرتضى
رحمهالله
في الناصريّات ، والشيخ في الخلاف والاستبصار ، وابن زهرة في الغنية ، وفي المختلف مستثنياً ابن أبي عقيل ، ومثله في المدارك ، وعن المهذّب (شرح النافع) : الإجماع ، وندر ابن أبي عقيل. وربّما استدلّ أيضاً
بما وقع من نقل الإجماع على نجاسة سؤر اليهودي والنصراني ، والإجماع على غَسل إناء
الولوغ ثلاثاً ،
والإجماع على تحديد الكرّ بالأرطال على ما دلّت عليه مرسلة ابن أبي عمير
...».
ثمّ بعد ما
يبيّن بعض التأمّلات في دلالة بعض تلك الإجماعات على حكم المسألة ـ أعني انفعال
الماء القليل بملاقاة النجس أو المتنجّس ـ يتطرّق إلى ذكر المصدر الثاني للحكم ألا
وهو السنّة الشريفة قائلاً :
«والسنّة ، منها
الصحيح في
التهذيب والكافي وعن الاستبصار كذلك وعن الصدوق مرسلاً عن محمّد بن مسلم عن أبي
عبدالله عليهالسلام
ـ وسُئل عن
الماء الذي تبول فيه الدوابّ وتلِغ فيه الكلاب ويَغتسل فيه الجُنب ـ قال : (إذا
كان الماء قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء) ورواه الشيخ في الصحيح ـ كما قيل ـ والكليني في
الحسن بإبراهيم بن هاشم كذلك عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله
عليهالسلام
قال : (إذا كان
الماء قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء)».
وبعد تقريرِ
دلالة هذه الرواية على الحكم الذي ذهب إليه تبعاً للماتن وذِكرِه بعض ما يرتبط
بمباحث المفاهيم وإثبات حجّيته بدليل الفهم العرفي الحاكم بذلك ، يورد روايات
عديدة تزيد على الأربعين رواية ، واصفاً كلّ واحدة منها وصفاً حديثيّاً من صحّة أو
حسن أو قوّة أو إضمار أو موثّقية أو يوردها خالية عن أحد هذه الأوصاف ، ويرويها من
عدّة مصادر حديثية كالكتب الأربعة وغيرها من كتب الحديث مثل بصائر الدرجات والفقه
الرضوي وقرب الإسناد ومسائل
__________________
علي
بن جعفر ونوادر الراوندي ، وهي تدلّ بمجموعها ـ منطوقاً أو مفهوماً ، صراحة أو
ظهوراً ، إشعاراً أو إيماءً ـ على حكم المسألة المذكورة ، أعني انفعال الماء
القليل بمجرّد الملاقاة للنجس أو المتنجّس.
ثمّ يتطرّق لما
يمكن أن يُستدلّ به للحكم من نصوص وردت في موارد متفرّقة ، مقرّراً حكم النجاسة
لهذا الماء بإصابته مطلق النجس أو المتنجّس من دون تخصيص لصنف أو نوع أو حالة ، وهي
:
١ ـ ما ورد في
البئر وأنّه واسع لايفسده شيء لأنّ له مادّة.
٢ ـ ما ورد من
نهي النائم أن يُدخِل يده في الإناء قبل الغسل لأنّه لا يدري بها أين باتت.
٣ ـ ما جاء من
النهي عن الاغتسال في غُسالة الحمّام لما فيها من غسالة الناصب وغيره وأنّه أنجس من
الكلب.
٤ ـ أخبار
الإنائين المشتبهين.
٥ ـ أخبار
النهي عن سؤر الحائض مع التهمة.
٦ ـ خبر العيص
بن القاسم المروي في ماء الغُسالة فيمن أصابته قطرة من طست فيه وضوء فإنّه
عليهالسلام
أمره بالغسل من
ذلك.
٧ ـ خبر عبد
الله بن سنان لتضمّنه النهي عن الوضوء فيما يغسل به الثوب ويغتسل به من الجنابة
لعدم القائل بالفصل.
مضيفاً إلى ذلك
قوله :
«... إلى غير
ذلك من الأخبار الدالّة والمؤيّدة وهي كثيرة جدّاً ، وهي وإن
ناقشنا في دلالة المفهوم منها على العموم لكنّه يستفاد منها بعد التأمّل في
أسئلتها قاعدة وهي نجاسة القليل بالملاقاة للنجس أو المتنجّس كما لا يخفى على من
لاحظها مع التأمّل ، وذلك لاشتمالها على نجاسة القليل بولوغ الكلب وملاقاة الدم
وبدخول الدجاجة وشبهها واطئة للعذرة وشرب الخنزير ...».
ثمّ بعد ذلك
تطرّق لذكر ما يمكن أن يكون دليلا للقول الآخر المنسوب لابن أبي عقيل القائل بعدم
تنجّس القليل إلاّ بالتغيّر ، ويستقصي تلك الأدلّة بالتالي :
١ ـ الأصول
العملية المؤمِّنة من التكليف ، وهي أصل البراءة وأصل الطهارة واستصحاب بقاء
الطهارة في الماء نفسه وفي الملاقي له.
٢ ـ الآيات
القرآنية الشريفة ، وهي قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِن
السّماءِ مَاءً طَهُوْراً) وقوله عزّوجلّ : (وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُم مِن السّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)وقوله جلّ من قائل : (فَلَمْ تَجِدُوا
مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيْدَاً طَيِّبَاً).
٣ ـ الأخبار
والروايات التي يمكن استفادة هذا الحكم منها ، قائلا : «والأخبار منها المستفيض عن
الصادق عليهالسلام
أنّه قال : (الماء
كلّه طاهر حتّى تعلم أنّه قذر) ومنها عن الصادق
عليهالسلام
أيضاً : (إنّ
الماء طاهر لا ينجِّسه إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه
__________________
أو رائحته) وعن ابن أبي عقيل أنّه ادّعى تواتره».
ثمّ يذكر
تأييداً لهذا القول أكثر من ثلاثين رواية فيها الصحيح والمصحّح والمرسل والمستفيض
والحسن والموثّق من كتب حديثية وفقهية أيضاً ، كالذي رواه عن كتاب مختلف الشيعة
مرسلاً عن الباقر عليهالسلام
أنّه سئل عن
القِربة والجرّة من الماء يسقط فيها فأرة وجُرذ أو غيره فيموتون فيها ، فقال : «إذا
غلب رائحته على طعم الماء أو لونه فأرقه ، وإن لم يغلب عليه فاشرب منه وتوضّأ».
وبعد ذلك يشرع
في مناقشة جميع الأدلّة المذكورة واحداً بعد آخر مناقشة دلالية أو سندية أو هما
معاً.
أمّا الأصول
المؤمِّنة من التكليف فلقصورها في الدلالة أوّلاً ، ولمعارضتها بما يخالفها من
الأصول المثبتة له ثانياً ، ومع التسليم فأيضاً تسقط عن الحجّية لعدم مقاومتها
للإجماعات الثابتة تحصيلاً ونقلاً والأخبار الكثيرة التي كادت تكون متواترة ـ إن
لم تكن ـ الواردة على خلافها.
والكلام نفسه
يأتي بالنسبة إلى الآيات المذكورة ، حيث القصور في الدلالة ، والتعارض بين المأثور
في تفسيرها ، إذ أنّ ما ذكر في تفسيرها من عدم انفعال الماء المذكور بمجرّد
الملاقاة معارض بغيره.
وأمّا الأخبار
فبعد ما يردّ مجموعها بعدّة أمور ـ وهي : قصور دلالة البعض ، وضعف سند البعض الآخر
، والضعف والقصور في قسم ثالث منها ، مع عدم وجود الجابر لضعفها ، بل وجود الموهن
، وهو : إعراض الأصحاب عنها ،
__________________
والإجماع على خلافها ، وموافقة مضمونها للعامّة ـ يبدأ بتضعيفها واحد بعد
آخر بما في ذلك التي ادّعى ابن أبي عقيل تواترها قائلاً :
«أمّا الرواية
التي ادّعى ابن أبي عقيل تواترها فهي مع أنّا لم نقف عليها بعد التتبّع التامّ في
شيء من كتب الأخبار ، وكيف يُقبل منه هذا النقل مع تبيّن خلافه بما سمعت من
الأخبار الكثيرة الصحيحة؟! بل ربّما نقل عن بعضهم أنّه عثر على ثلاثمائة خبر
تقريباً تدلّ على النجاسة ، مع ما عرفت من اشتهار العمل بين قدماء الصحابة
القريبين إلى عهد الأئمّة عليهمالسلام ومتأخّريهم ...».
وبعد ذلك يبيّن
المصنّف خلاصة المسألة ونتيجة البحث وكيفية معالجة ما يبدو من التنافي بين
الكَمّين من الروايات الواردة ، استناداً لما تمليه عليه صناعة الاستنباط الأصولي
وضوابط قوانين معالجة التنافي والتعارض ، وذلك باختيار الطائفة الأولى المثبتة
للانفعال والتنجّس ، والسبب الذي أشار إليه ونصّ عليه هو كما يلي : تفوّقها
الكَمّي باعتبارها الأكثر عدداً ، تميّزها الكيفي باعتبارها الأظهر دلالة ، نيلها
لعدّة امتيازات تمنحها الاعتبار والتقدّم على تلك الطائفة الأخرى وبالتالي طرح
مفادها وعدم الأخذ بمضامينها ، كلّ ذلك يبيّنه بخلاصة كلام وإيجاز بيان قائلاً :
«والحاصل : هذه
الأخبار ـ أي النافية للنجاسة مع عدم التغير ـ لو كانت صحيحة صريحة في المطلوب لما
صلحت للمعارضة لما ذكرنا لكثرتها ـ أي كثرة الأخبار المثبتة للنجاسة مطلقاً ـ
وإعراض الأصحاب عمّا يخالفها ، والإجماعات
__________________
على مضمونها ، فكيف وهي كما عرفت من الضعف في سندها والقصور في دلالة
الكثير منها مع موافقتها لكثير من العامّة كما نُقل ذلك عنهم».
ثمّ في آخر
المطاف هاجم المحدّث الكاشاني الذي انفرد وتفرّد باختيار القول المنسوب لابن أبي
عقيل ، مُؤوّلاً لتلك الأخبار الدالّة على النجاسة على كثرتها وأظهريّتها على بعض
المحامل البعيدة عن فهم العرف وأساليب الكلام ـ كحمل الأوامر فيها بالتطهير على
الاستحباب ، وحمل النواهي بالاجتناب على الكراهة ، أو الإبقاء على ظاهرها في
التحريم إلاّ أنّه عن خصوص الوضوء أو الغسل بذلك الماء ، ونحو ذلك ـ قائلاً :
«وما ذكره ـ أي
الكاشاني ـ من الجمع بين الأخبار ممّا لايلتفت إليه ، ومنصبية الإمامة أجلّ من أن
يكون جميع هذا الوارد منها محمولاً على بيان ما ليس محتاجاً إليه في بيانها لكونها
من الأمور الحسّية ، ولا أظنّك تحتاج إلى بيان فساد ما جمع به بين الأخبار ، فإنّه
مع عدم تأتّيه في بعضها كاد أن يكون خارقاً للإجماع من التفصيل بين الاختيار
والاضطرار واستحباب التنزّه ونحو ذلك».
وأخيراً يبيّن
المصنّف سبب إطالة بحثه في هذه المسألة وإن كانت لاتحتاج بنظره إلى هذا التطويل ، بأنّه
تبع في ذلك جملة من الأعلام والذي أثار حفيظتهم لذلك مخالفة الكاشاني فيها وفهمه
غير الصائب للنصوص ، ممجِّداً بأستاذه السيّد مهدي بحر العلوم الذي بيّن الحكم
وأظهره برسالة شافية وافية ، بقوله :
__________________
«وكأنّ هذه
المسألة من البديهيّات التي لاينبغي إطالة الكلام فيها ، لكن تبعنا في ذلك أثر
جملة من علمائنا الأبرار ، فإنّهم قد أطالوا في ذلك ، سيّما جناب سيّدنا المهدي
والمُهدى ، فإنّه قد كتب في ذلك رسالة ، ولَعمري أنّها قد تجاوزت الغاية والنهاية
، وكان الذي دعاهم إلى ذلك خلاف الكاشاني وتمزيقه جملة من الأخبار الدالّة على
المقام ، فكان الباعث على جمعها من سائر الأبواب».
المطلب الثاني : حكم صلاة الجمعة زمن الغيبة :
أدلّة القائلين بعدم الوجوب :
جاء في كتاب جواهر الكلام مسألة صلاة الجمعة زمن غيبة الإمام
عليهالسلام
وتحديداً عند
تطرّق المحقّق لبيان شرائط وجوب هذه الصلاة بقوله : «ثمّ الجمعة لا تجب إلاّ بشروط
: الأوّل السلطان العادل ، أو من نصّبه» ما نصّه :
«فبدونهما تسقط
عيناً أو مشروعية ـ على اختلاف القولين المشتَرِكين في عدم وجوب عقدها حينئذ عيناً
ـ بلا خلاف أجده بين الأساطين من علماء المؤمنين بل المسلمين ـ عدا الشافعي فلم
يعتبرهما ـ بل هو من ضروريّات فقه الإمامية إن لم يكن مذهبهم ، بل يعرفه المخالف
لهم منهم فضلاً عن المؤالف».
ثمّ نقل فتاوى
الفقهاء ودعواهم الإجماع مع ذكر أسامي كتبهم المنقول عنها تلك الفتاوى والإجماعات
حكاية أو بالرجوع إليها مباشرة تؤيّد ـ كما قال ـ ظاهراً
__________________
بل صراحة نفي الوجوب العيني بدون توفّر الشرطين المذكورين ، أي : السلطان
أو من نصبه ، مبتدئاً بما نقله عن الشيخ الطوسي في كتبه الفقهية كالخلاف والمبسوط
والنهاية ، منتهياً بما
نقله عن الوحيد البهبهاني في كتابه المصابيح وعن أستاذه الشيخ جعفر في كشف الغطاء ، مروراً بالسيّد ابن زهرة وابن إدريس والمحقّق
والعلاّمة في كثير من كتبه وكذا ما عن التنقيح وكنز العرفان للفاضل السيوري والروضة كما الروض للشهيد الثاني وغيرهم في غيرها من المصادر الفقهية ، قائلاً
:
«وكيف كان فلا
ريب في الإجماع المزبور ، بل يمكن تحصيله من تتبّع نقلته فضلاً عن الفتاوى
المجرّدة عنه ، كما أنّه يمكن تحصيل نتيجته مع قطع النظر عنه من عدّة أمور».
ويسرد في هذا
الصدد جملة من تلك الأمور التي أشار إليها :
منها : سيرة المتشرّعة وأصحاب الأئمّة والتي أشار إليها
أساطين المذهب ووافقتها فتاواهم وإجماعاتهم واعترف بها المخالف ولم يسعه إنكارها
مع شدّة حرصه على إنكار أدلّة الشرطية وبعد تنقيحها وإيراد ما يشهد عليها ويقرب
دلالتها قال :
«فمن الغريب
بعد ذلك كلّه مناقشة الشهيد وأتباعه في دلالة الفعل المزبور بعد تسليمه على
الشرطية ، وكأنّه فرّ من قبح إنكار كون فعلهم يوجب التعيين إلى ما هو أقبح منه ، وأقبح
منهما دعوى شرطيّته في حال الظهور بحيث يسقط الفرض عمّن لم يتمكّن منه وعدمها في
حال الغيبة فتجب وإن لم يتمكّن من الشرط كما
__________________
هو واضح ، وأقبح من الجميع ما وقع منهم من أنّ هذا التعيين منهم
عليهمالسلام
إنّما كان لرفع
التنازع والتنافس والتخاصم خصوصاً مع التوظيف لأهلها ولنحو ذلك من المفاسد
المترتّبة على عدم التعيين ، ولو تأمّلوا لوجدوا أنّ ذلك دليل الشرطية ، ضرورة أنّ
هذا وشبهه من أعظم ما يحتاج الناس فيه إلى الإمام ، بل قد يخشى من الشكّ فيه الشكّ
في الإمام والعياذ بالله».
ومنها : ما دلّ على أنّ الجمعة من مناصب الإمامة كالقضاء
والحدود ، كقوله عليهالسلام
في دعائم الإسلام : «روينا عن علي أنّه قال : لا يصلح الحكم ولا الحدود
ولا الجمعة إلاّ للإمام أو من يقيمه الإمام» مُورِداً لذلك بعض الشواهد الأخرى من
الروايات ، مُستشهِداً بما جاء في الصحيفة السجّادية في دعاء يوم الجمعة وثاني
العيدين في عدّة مواضع منه.
ومنها : ما يفهم من النصوص الواردة في كيفية الصلاة ظهر يوم
الجمعة وأنّها مع الإمام ركعتان ومن دونه أربع ركعات ، كموثّق سماعة قال : «سألت
أبا عبد الله عن الصلاة يوم الجمعة ، فقال : أمّا مع الإمام فركعتان وأمّا من
يصلّي وحده فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة» من كون المراد من الإمام المذكور فيها
هو إمام الأصل أو منصوبه لذلك وليس إمام الجماعة في الصلاة اليومية ، مستشهداً
لذلك بما يظهر من بعض الشواهد الأخرى.
__________________
ومنها : النصوص المستفيضة الدالّة على سقوط الجمعة على من
بعُد عنها بفرسخين أو مَن إن صلّى الغداة عند أهله لم يدركها ، قائلاً : «ضرورة
ظهورها في أنّ للجمعة محلاًّ مخصوصاً معيّناً يجب السعي إليه على من كان دون هذه
المسافة ويسقط عمّن لم يكن كذلك ، كالسقوط عن الأعمى والامرأة ونحوهم ، سواء
تمكّنوا من عقد جمعة لهم أو لا ، فإطلاق السقوط المزبور مناف للعينية قطعاً».
ثمّ يأخذ
بالكلام لتأييد ما استنتجه من هذه النصوص التي تذكر التحديد للحضور من شواهد
ومؤيّدات متفرّقة وردّ ما يمكن أو يحتمل أن يخالف هذا الفهم ببيان مطوّل ومسهب
ومفصّل ، ويتطرّق في هذا الصدد أيضاً لذكر الآية الشريفة ويردّ ما يحتمل أن يستفاد
منها الوجوب العيني.
أدلّة القائلين بالوجوب العيني :
ثمّ بعد ذلك
يتطرّق لذكر ما يمكن أن يكون دليلا للقول الآخر وهو الوجوب العيني زمن الغيبة ، وبالإمكان
تلخيص تلك الأدلّة بالأمور التالية :
أوّلاً : إطلاق الآية الشريفة.
ثانياً : تواتر الأخبار الواردة في المسألة.
ثالثاً : الإجماع المدّعى.
رابعاً : كونه الظاهر من أكثر الفقهاء.
خامساً : الاستصحاب للوجوب العيني الثابت زمان الحضور.
__________________
سادساً : أصالة الجواز التي يمكن أن يستفاد منها الوجوب.
قائلاً : «وقد
ظهر لك من ذلك كلّه بطلان العمدة في شبهة العينية ، إذ هي بعد الآية إطلاق صحيح
محمّد بن مسلم وزرارة : (إنّ الله عزّ وجلّ فرض في كلّ سبعة أيّام خمسة وثلاثين
صلاة منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلاّ خمسة) ... الحديث».
ثمّ يذكر خمس
عشرة رواية عن النبي وأهل بيته مسانيد ومراسيل ممّا ادّعي دلالته خصوصاً أو عموماً
على ذلك قائلاً :
«ونحو ذلك من
النصوص المسطورة في محالّها التي هي بين ضعيف لاجابر له وبين مطلق قد عرفت الحال
فيه ... وربّما كان المراد منها التعريض بالمانعين من إقامتها مع تمكّنهم من الشرط
لأنّ الإمام بين أظهرهم وقد أعرضوا عنه وقصّروا يده ، وزرارة الذي هو العمدة في
رواية هذه المطلقات هو الذي حثّه أبو عبد الله على فعلها المشعر بأنّه كان
مستمرّاً على الترك كما عرفته سابقاً».
ثمّ يستمرّ
بذكر التوجيهات والمحامل إلى أن يقول :
«ومن مضحكات
المقام دعوى بعض المحدّثين تواتر النصوص بالوجوب العيني وأنّها تبلغ مائتي رواية ،
وقد تصدّى والد المجلسي إلى جمعها في رسالة مستقلّة قد أجاد في ترتيبها ، لكنّ
العمدة من نصوصها ما أشرنا إليها ، وكثير منها لا دلالة فيها على ذلك بوجه من
الوجوه ، نعم قد اشتملت على لفظ الجمعة وعلى
__________________
بيان كيفيّتها كما لايخفى على من لاحظها ، وأغرب من ذلك دعوى بعض مصنّفي
الرسائل في المسألة كالكاشاني وغيره الإجماع على الواجب العيني ، مع أنّ معتمدهم
في هذا الخلاف ثاني الشهيدين في رسالته في المسألة التي قد يظنّ صدورها منه في حال
صغره ، لما فيها من الجرأة التي ليست من عادته على أساطين المذهب وكفلاء أيتام آل
محمّد وحفّاظ الشريعة ، ونسأل الله أن يتجاوز له عمّا وقع فيها ، فإنّه قد بذل
جهده في تصفّح عبارات الأصحاب فما وجد إلاّ ظاهر مقنعة المفيد وكتاب الأشراف له وأبي الفتح الكراجكي وأبي الصلاح ، وربّما نسب أيضاً
إلى الشيخ في الخلاف
والنهاية والتهذيب وإلى الصدوق في المقنع والأمالي وإلى الشيخ عماد الدين الطبرسي ، وبذلك نسبوه
إلى أكثر المتقدّمين وإلى إجماع الأصحاب».
ثمّ يأخذ في
ردّ هذه النسبة للعلماء المذكورين بعدم صراحتها في ذلك ، بل إثبات خلافها كما يظهر
من بعض كلماتهم في أماكن أخرى ، قائلاً :
«وكفى بهذا
المذهب شناعة احتياج أصحابه في تصحيحه إلى دعوى التواتر تارةً وأخرى إلى الإجماع ،
وقد بان لك بحمد الله فسادهما معاً. وأوضح منهما فساداً الاستدلال بالاستصحاب ، أي
: وجوب الجمعة حال حضور الإمام أو نائبه ثابت بإجماع المسلمين فيستصحب إلى زمن
الغيبة ... وأوضح من ذلك فساداً ما في رسالة ثاني الشهيدين من الاستدلال له بأصالة
الجواز ، قال : فإنّا لم نجد على التحريم دليلا صالحاً كما سنبيّنه ، والأصل جواز
هذا الفعل بالمعنى الأعمّ المقابل
__________________
للتحريم الشامل لما عدا الحرام من الأقسام الخمسة ...».
وبعد ردّه على
هذين الأصلين يبدأ المصنّف وبقوّة بمهاجمة بعض الفقهاء المحدّثين بقوله :
«ولقد وقفت على
جملة من الرسائل المصنّفة في المسألة نسجوا فيها على منوال هذه الرسالة ، وقد
أكثروا فيها من السبّ والشتم ، خصوصاً رسالة الكاشاني التي سمّاها بالشهاب الثاقب ورجوم
الشياطين ، ولولا أنّه
آية في كتاب الله لقابلناه بمثله ، لكن لايبعد أن تكون هذه الرسالة وما شابهها من
كتب الضلال التي يجب إتلافها ، اللهمّ إلاّ أن يُرجِّح بقاءها أنّها أشنع شيء على
مصنّفيها ، لما فيها من مخالفة الواقع في النقل وغيره ، بل فيها ما يدلّ على أنّهم
ليسوا من أهل العلم كي يعتدّ بكلامهم ويعتنى بشأنهم».
المطلب الثالث : ولاية الأب والجدّ على تزويج البنت البكر الرشيدة :
ومن الأمثلة
التطبيقية الأخرى التي يحسن الإشارة إليها مسألة ولاية كلّ من الأب والجدّ على
تزويج البنت البكر الرشيدة ، فقد استظهر في الشرائع من الروايات في حكم هذه المسألة سقوط الولاية عنها
وثبوتها لنفسها في إجراء عقد النكاح سواء أفي الدائم منه أم المنقطع ، وأنّه لو
زوّجها الأب أو الجدّ لم يمضِ عقده إلاّ برضاها ، ثمّ جاء تعليق صاحب الجواهر على المسألة بقوله :
__________________
«إنّ المشهور
نقلاً وتحصيلاً بين القدماء والمتأخّرين سقوط الولاية عنها ، بل عن المرتضى في الانتصار والناصريّات الإجماع عليه ، للأصل الذي لا ينافيه ثبوت الولاية حال
النقص في الصغر ، ضرورة تغيّر الموضوع ، ولذا انتفت الولاية عنها في غير النكاح ، حتّى
التصرّف ببدنها بعلاج ونحوه».
ثمّ استشهد
للحكم الذي أفاده بظواهر الآيات الواردة في ذوات عدّة الوفاة بل وغيرها المثبتة
لاستقلالهنّ في أمر التزويج ، مردفاً ذلك بقوله في حكم من هي محلّ البحث : «...
وغير ذلك ممّا ظاهره استقلالها بالولاية ولو لبعض أفراد البحث ، وهو من تزوّجت
ووُطِئت دبراً ، ويتمّ بعدم القول بالفصل».
ثمّ وكعادته في
بحوث مسائل الكتاب استعرض لذكر الروايات الواردة في الباب والتي استنتج منها الحكم
المذكور ، أعني استقلال البكر الرشيدة في أمر النكاح بقسميه الدائم والمنقطع ولو بضميمة
عدم القول بالفصل ، وأنّه ليس للأب إجبارها على ذلك ، وأورد في هذا السياق اثنتي
عشرة رواية بما فيها الصحاح والحسان وغيرهما من طرقنا أو طرق غيرنا كالمروي عن ابن
عبّاس عن النبي(صلى الله عليه وآله) : «الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها والبكر
تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» شارحاً لمضامينها ، مقرّباً لدلالاتها ، ناقضاً
لما يمكن أن يوهن في دليليّتها ، مستنداً إليها معتمداً عليها في استنباطه الحكم
المذكور ، منها تلك المروية عن محمّد بن مسلم قال : «سألته عن الجارية يتمتّع فيها
الرجل؟ قال : نعم إلاّ أن تكون صبيّة
__________________
تُخدَع ، قال : قلت : أصلحك الله فكم الحدّ الذي إذا بلغته لم تخدع؟ قال : بنت
عشر سنين» نافياً لما قد يُتوهّم معارضته لها من بعض صحاح النصوص ، وذلك بحمله على
بعض الوجوه التي أشار إليها بقوله :
«ولا يعارض ذلك
صحيح أبي مريم عن الصادق عليهالسلام : (العذراء التي لها أب لا تتزوّج متعة إلاّ بإذن أبيها)
بعد قصوره عن المعارضة من وجوه ، فلا بأس بحمله على الكراهة أو الحرمة من جهة
العوارض الأخر كما أومأ إليه الصادق
عليهالسلام
في خبر ابن
البختري عنه : (الرجل يتزوّج البكر متعة؟ قال : يكره للعيب على أهلها) وسأل أبو
الحسن الأيادي الحسين بن روح : (لمَ كره المتعة بالبكر؟ فقال : قال النبي(صلى الله
عليه وآله) : الحياء من الإيمان ، والشروط بينك وبينها ، فإذا حملتها على أن تنعم فقد خرجت عن الحياء وزال الإيمان ، فقال : فإن فعل ذلك
فهو زان؟ قال : لا) فحينئذ يتمّ الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب بعد اتمامها
بعدم القول بالفصل ...».
وبعد أن قرّر
رأيه في المسألة وأبانه وهو استقلالها في أمر الزواج ـ موافقاً في ذلك لما استظهره
المحقّق من ظهور الأخبار ـ للأدلّة التي أوردها ، والتي يمكن تلخيصها بـ :
١ ـ شهرة
المتقدّمين والمتأخّرين بقسميها المنقولة والمحصّلة.
__________________
٢ ـ الإجماع
المحكي عن المرتضى في الانتصار
والناصريات.
٣ ـ كون الحكم
هو مقتضى الأصل الجاري في مثل هذه المسألة.
٤ ـ الآيات
والروايات الواردة وتعميمها لكلّ حالات المسألة بضميمة عدم القول بالفصل.
ثمّ يتعرّض بعد
ذلك لذكر القول الثاني في المسألة المبحوثة القائل بسقوط الولاية عنها في المنقطع
فبإمكانها مباشرة إجرائه ، وإثباتها عليها في الدائم فلا يجوز من دون إذن الولي ، ناسباً
إيّاه للمحكي عن الشيخ في كتبه الحديثية ، حيث ذكره في كتابي التهذيب والاستبصار في مقام علاجه بين الأخبار الواردة في حكم الباب ، مشكّكاً
أن يكون هو بالفعل فتوى الشيخ ومختاره ، باعتبار أنّ ما يذكره في هذين الكتابين
الحديثيّين لا يعبّر عن آرائه الفقهية ، مضيفاً على ذلك إلى أنّه جمع تأباه ظواهر
الأخبار والاعتبارات الشرعية.
قال تتمّة
لعبارته السابقة : «... إلاّ أنّ من المحكي عن جمع الشيخ في كتابَي الأخبار ـ
اللذين لم يُعدّا للفتوى ـ بسقوط الولاية عنها في المنقطع دون الدائم ، على أنّه
جمع يأباه ظاهر جميع الأخبار ، بل والاعتبار ، ضرورة أولوية الدائم في ذلك منه ، باعتبار
ما فيه من العار والغضاضة واحتمال الحبل».
وبعد ذلك
مباشرة يتطرّق إلى ذكر القول الثالث المحكي عن بعضهم والذي يعاكس القول الثاني
تماماً ، بمعنى إثبات الإذن لها في الدائم فيجوز لها إجراؤه دون المنقطع المحتاج
لإذن الولي ، ثمّ يردّه بمثل ما ردّ به سابقه ، مضيفاً على ذلك
__________________
نفيه العثور على من صرّح به من الفقهاء ، قائلاً : «ومن هنا يُحكى عن بعضهم
أنّه عكس فأثبت الولاية في المنقطع دون الدائم وإن كنّا لم نعرف قائله ، كما أنّا
لم نعرف وجهاً يُعتدّ به له ولسابقه سوى اعتبار لا يصلح كونه مَدركاً لحكم شرعي ، بل
ولعلّ الاعتبار يشهد بسقوط الولاية رأساً ، ضرورة تحقّق الظلم في جبر العاقل
الكامل على ما يكرهه وهو يستغيث ولا يغاث ، بل ربّما أدّى إلى فساد عظيم وقتل وزنا
وهروب إلى الغير ، وبذلك مع الأصل تتمّ دلالة الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ...
فلا ينبغي التأمّل في ضعف القولين المزبورين ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافهما».
ثمّ بعد ذلك
يتعرّض ـ تبعاً للشرائع ـ لنقل القول الرابع وهو آخر الأقوال الفقهية المذكورة
والمأثورة في محلّ البحث ، ويتلخّص هذا القول بسلب الولاية عنها في أمر التزويج
مطلقاً واستقلال الولي بذلك ، وهذا القول وإن نُسب إلى الشيخ ـ أيضاً ـ وإلى جماعة
آخرين منهم الصدوق بل مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين على ما حكي عنهم ، لكنّه مع
ذلك لم يبلغ إلى مرتبة الشهرة والاشتهار والمعروفية بين الفقهاء ، بل قد حكي أنّ
الشيخ في أواخر فتاواه قد عدل وتراجع عنه. قال : «وأمّا القول الرابع الذي أشار
إليه المصنّف بقوله : (ومنهم من أسقط أمرها معهما فيهما) فهو وإن ذهب إليه الصدوق
والشيخ وجماعة على ما قيل ـ بل مال إليه بعض متأخّري المتأخّرين ـ للأصل والأخبار
الكثيرة إلاّ أنّه لم يبلغ حدّ الشهرة ، بل في محكي السرائر أنّ الشيخ حكم بسقوط الولاية مع غيبتهما عنها
__________________
وإن كانا على
مسافة قريبة ، بل فيه أيضاً أنّه قد رجع عن هذا المذهب بالكلّية في كتاب التبيان الذي صنّفه بعد كتبه جميعها واستحكام علمه وسبره
للأشياء ووقوفه عليها وتحقيقه لها».
ثمّ وبعد أن
نفى اشتهاره قولاً بين الفقهاء ورجوع البعض عنه بعد أن كان قال به يأخذ بردّ ما
يمكن أن يكون دليلا ومؤيّداً له ، وهو :
١ ـ دليل
الاستصحاب ، أي استصحاب ثبوت الولاية عليها الثابتة قطعاً حين الصغر. وردّه بالجزم
بانتفائها بعد الصغر لتغيّر الموضوع كما تقدّم الذكر.
٢ ـ الأخبار
والنصوص الواردة.
وردّها بأمور ،
وهي : قصور أسانيدها ولا جابر ، مخالفتها لظواهر الكتاب الكريم ، موافقتها لمذهب
فقهاء العامّة ، القصور في دلالتها.
قال : «والأصل
لا ريب في انقطاعه كما عرفت ، خصوصاً بعد اعتراف الخصم بالسقوط مع الغيبة والجنون
ونحوهما من العوارض التي لا تسقط معها الولاية في حال الصغر بل تنتقل إلى وليّه ، فلا
إشكال في انقطاع الولاية السابقة التي كانت من حيث الصغر فلا وجه لاستصحابها كما
هو واضح ، وأمّا النصوص فجميعها أو أكثرها قاصر السند ولا جابر ، مخالفة لظاهر
الكتاب ، موافقة لمذهب مالك وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وإسحاق والقاسم بن محمّد
وسليمان بن يسار ونحوهم من كبار العامّة ، غير صريحة في المخالفة باعتبار احتمالها
الأبكار التي لم يحصل لهنّ رشد في أمر النكاح وإن بلغن بالعدد ورشدن في حفظ المال
،
__________________
أو النهي كراهة عن الاستبداد وعدم الطاعة والانقياد ، خصوصاً الأب الذي هو
غالباً أنظر لها وأعرف بالأمور منها وأرعى لما يصلحها ، وهو المتكلّف بأمورها
وبالخصومة مع زوجها لو حدث بينهما نزاع وشقاق ، فالذي يليق بها إيكال أمرها إليه
كما هو الغالب والمعتاد في الأبكار من تبعيّة رضاهنّ لرضا الوالد ولو بالسكوت عند
نقله ، ولذا لايستأمرها ، خصوصاً بعد أن كان إذنها صماتها».
ثمّ بعد ذلك
يورد مجموعة من الروايات يؤيّد بمضامينها هذا الفهم الفقهي الذي استنبطه من تلك
النصوص ، كي يكون ذلك وجهاً للجمع بين الروايات ، ومن باب تفسير السنّة بالسنّة
نفسها.
ثمّ وبعد أن
أثبت رأيه الفقهي في المسألة والذي هو القول الأوّل من تلك الأقوال الأربعة
والموافق لما ذهب إليه ماتن الشرائع بل هو المشهور بين الفقهاء ـ بل حكي عليه الإجماع من
البعض ـ مستدلاًّ له بالآيات والروايات ، وأنّه يثبت لهذه البنت الولاية في تزويج
نفسها مطلقاً إن كان في دائم النكاح أو منقطعه ، يلخّص كلامه بعبارة واضحة وموجزة
تعبّر عن مدى بتّه بالأمر غير شاكّ أو متردّد فيه بقوله : «فلا ينبغي لمن له أدنى
معرفة بمذاق الفقه وممارسته في خطاباتهم التوقّف في هذه المسألة».
بيد أنّه ومع
كلّ ذلك يستدرك لبيان بعض ما ينبغي للبكر مراعاته في أمر زواجها ، ممّا يمكن أن
يعدّ ذلك في حقل المستحبّات الشرعية أو بعبارة أدقّ بما
__________________
يمكن أن يسمّى بالأخلاق والآداب والشؤون العرفية والاجتماعية التي يقرّها
الإسلام ويأخذها في بعض الحالات من بعض المكلّفين بنظر الاعتبار كما يظهر من بعض
النصوص ، فيضفي عليها عنوان المستحبّات والمندوبات أو الأخلاق والآداب ، بل
وأحياناً قد يُبغض ويَكره عدم مراعاة مثل تلكم الأمور والتقيّد بها فيما لو كانت
من الأهمّية بمكان كما في أمر النكاح والتزويج خصوصاً لو أريد من البنت الباكر ، بل
قد يصل الأمر لأكثر من ذلك كما إذا طرأت بعض العناوين الأخرى للفعل ، فيحظر حينئذ
الإتيان به ويحرم فعله.
جاء في الكتاب
ما نصّه :
«نعم يستحبّ
لها إيثار اختيار وليّها على اختيارها ، بل يكره لها الاستبداد ، كما أنّه يكره
لمن يريد نكاحها فعله بدون إذن وليّها ، بل ربّما يحرم بالعوارض ، بل ينبغي مراعاة
الوالدة أيضاً ، بل يستحبّ لها إلقاء أمرها إلى أخيها مع عدمهما ، لأنّه بمنزلتهما
في الشفقة والتضرّر بما يلحقها من العار والضرر وفي الخبرة والبصيرة ، ولدخوله
فيمن بيده عقدة النكاح في بعض الأخبار السابقة ، بل الذي ينبغي أن تخلد إلى أكبر
الأخوة إن لم يترجّح عليه غيره بالخبرة والبصيرة والشفقة وكمال العقل والصلاح ، لأنّه
بمنزلة الأب كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا
عليهالسلام» .
وللبحث صلة ...
__________________
من ذخائر الترّاث
الحاشية على شرح سَعْد التفتازاني
لتصريف الزنجاني
الماتن
عزّ الدين أبو المعالي عبدالوهّاب بن إبراهيم الزنجاني
كان حيّاً سنة ٦٥٩ هـ / ١٢٦١ م
الشارح
سَعْد الدين أبو سعيد مسعود بن عمر التفتازاني
المتوفّى سنة ٧٩٢هـ / ١٣٩٠م
المحشِّي
الحاج الميرزا أبو طالب الإصفهاني
المتوفّى سنة ١٢٣٧هـ / ١٨٢٢م
تحقيق
محسن خدايوندي
مقـدّمة التحقيـق
بسم الله الرحمن الرحيم
حياة المحشِّي :
لا نعرف شيئاً
عن حياته غير أنّه وُلد بإصفهان وعاش في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للهجرة وكان
يدعى بـ : (أبي طالب). تتلمذ في كربلاء على يد السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي
(ت ١٢٣١ هـ) من أبرز فقهاء الإمامية آنذاك ، وعلى غيره من العلماء. قد اهتمّ
بالتعليق والتحشية على الكتب الأدبية التي كانت متداولة آنئذ بين الطلاّب ، مثل البهجة المرضية في
شرح الألفية وشرح التصريف.
__________________
الميرزا أبو
طالب كان يعيش في زمن الحكومة القاجارية ، تحديداً في عهد السلطان آقا محمّد خان ،
مؤسّس الدولة القاجارية في إيران (ت ١٢١١هـ) ، والسلطان فتح علي شاه ، ثاني سلاطين
السلالة القاجارية (ت ١٢٥٠هـ). وقد بذلنا جهودنا للحصول على ترجمة وافية له؛ ومع
الأسف لم نعثر على اسم هذا الفاضل وتاريخ مولده سوى أنّه كان يدعى بـ : (أبي طالب)
حيث صرّح به في حاشيته
على البهجة المرضية في شرح الألفية :
«فيقول الراجي
ربَّه الواهب ، العبدُ المدعوُّ بـ : أبي طالب».
وأيضاً في حاشيته على شرح
التصريف :
«فيقول الطالب
للقاءِ ربِّه الواهب ، العبدُ المدعوُّ بـ : أبي طالب».
وأنّ مولده
بإصفهان ، حيث قال :
«واصبهان
عَلَمٌ لبلدة في إيران. هي موطننا ومحلّ إقامتنا ...».
ما قيل فيه :
أوّل من ترجم
لأبي طالب الإصفهاني ـ فيما أعلم ـ هو السيّد حسن الصدر الكاظمي (ت ١٣٥٤هـ) في
تكملته على أمل
الآمل ، حيث قال :
«الحاج ميرزا
أبو طالب : صاحب الحاشية
على شرح السيوطي على ألفية
__________________
ابن
مالك في النحو. فرغ
منها في سلخ جُمادى الآخرة عام ثلاث وعشرين ومائتين بعد الألف. عالم ، فاضل ، بارع
، ماهر بالأدب ، متكلّم ، فقيه ، لغوي ، نحوي ، مفسِّر ، محدِّث ، من أجلاّء
تلامذة السيّد صاحب الرياض. وله مصنّفات كثيرة لايحضرني تفصيلها ولاتفصيل أحواله».
وقد ترجم له
الشيخ عبّاس القمّي (ت ١٣٥٩هـ) نقلا من كلام السيّد الصدر ، بدون ذكر المرجع :
«الميرزا أبو
طالب : صاحب الحاشية
على شرح السيوطي على ألفية ابن مالك. عالم ، فاضل ، بارع ، ماهر ، أديب ، متكلّم ، فقيه ، لغوي
، نحوي ، مفسِّر ، محدِّث ، من أجلاّء تلامذة السيّد صاحب الرياض. له مصنّفات ، فرغ من الحاشية (سنة ١٢٢٣ هـ)» .
وكذلك ذكر له
السيّد محسن الأمين العامِلي (ت ١٣٧١هـ) ترجمته نقلا عن السيّد حسن الصدر بدون أيّ
تصريح بذكر المرجع.
ومع كلّ هذا ، فقد
فصّل في ترجمته الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩هـ) أكثر ممّا تقدّم حيث حدّد
تاريخ وفاة المحشّي وكيفيتها ولقبه (الإصفهاني) في كتابه المسمّى بـ : الذريعة إلى تصانيف
الشيعة :
«الحاشية عليها
[أي : البهجة
المرضية في شرح الألفية] للميرزا أبي طالب الإصفهاني. الفاضل الأديب ، المتوفّى في طريق الحجّ سنة
(١٢٣٧ هـ). فرغ من
__________________
التأليف في آخر (ج ٢ ـ ١٢٢٣ هـ). وطبعت مكرّراً ، منها في (١٢٩٧)».
ثمّ ذكر في طبقات أعلام الشيعة عن كيفيّة اطّلاعه على تاريخ وفاة الإصفهاني :
«الميرزا أبو
طالب (... ـ ١٢٣٧ هـ) : من العلماء الأجلاّء الأدباء. تلمّذ [كذا] على السيّد علي
مؤلّف الرياض. له حاشية
البهجة المرضية في شرح الألفية ، فرغ منها سلخ (ج ٢ ـ ١٢٢٣). وله تصانيف أخر؛ ذكره في التكملة. وتوفّي في طريق الحجّ (١٢٣٧) ، كما أرّخه معاصره
السيّد حسن الموسوي الإصفهاني. فقد استنسخ حاشيته المذكورة في (١٢٣٩) وكتب على
ظهرها تاريخ وفاة المؤلّف أنّه قبل ذلك بسنتين. والنسخة بإصفهان عند حفيد كاتبها
السيّد مصلح الدين بن محمّد تقي المعروف بالمهدوي».
وأورد كلّ من
الميرزا محمّد علي المدرّس (ت ١٣٧٣هـ) والميرزا محمّد علي المعلّم الحبيب آبادي (ت
١٣٩٦هـ) ترجمته آخذاً من المراجع التي ذكرت ، بدون أيّ إضافة وزيادة.
وفي النهاية
ذكر السيّد مصلح الدين المهدوي (ت ١٤١٦ هـ) أنّ الإصفهاني كان قد اشتغل بتدريس
العلوم العربية في إصفهان وكان ساكناً بمحلّة (خواجُوي).
__________________
الظاهر من
التراجم أنّ الإصفهاني قضى عمره في إصفهان ولم يسافر لبلد آخر؛ والغالب على الظنّ
أنّه سافر في أوان شبابه إلى كربلاء وتتلمذ على السيّد علي الطباطبائي وأتمّ
دراسته في العراق على أشهر علماء عصره ولأسباب لا نعرفها على وجه الدقّة ، رجع إلى
موطنه إصفهان على أنّه كان من أجلاّء تلامذة السيّد علي الطباطبائي ، ولعلّ سبب
رجوعه هو لما كان يراه من خدمة علوم الدين وتسلّطه على اللغة العربية حتّى يأخذ
طلاّب العلم ما لديه من العلوم. وبما أنّ لقب (الحاجّ) يطلق عرفاً على من أدّى
فريضة الحجّ ، فيحتمل سفره إلى مكة. هذا ، ولم تمدّنا كتب التراجم ـ التي ترجمت
للإصفهاني ـ بأكثر من هذا.
ولادته :
لم يذكر
المترجمون شيئاً عن سنة ولادة الإصفهاني وعلى ما يبدو من القرائن المذكورة في كتب
التراجم يمكن أن نخمّن أنّه ولد أواخر الثمانينات أو أوائل التسعينات من القرن
الثاني عشر الهجري.
عائلته :
ما بين أيدينا
من التراجم لم تذكر شيئاً عن عائلة الإصفهاني ، سوى أنّ محمّد حسن خان اعتماد
السلطنة وزير المطبوعات والترجمة في العصر الناصري
__________________
يقول : إنّ أحفاد الميرزا أبي طالب هاجروا من إصفهان مع السيّد زين
العابدين الخاتون آبادي (ت ١٣٢١هـ) ـ إمام جمعة طهران ـ في عصر السلطان ناصر
الدين شاه القاجاري ، ويذكر أنّ الميرزا محمّد حسين الإصفهاني الملقّب بـ : (معتمد
الشريعة) كان من أحفاد أبي طالب. عدّه محمّد حسن خان من علماء العصر الناصري. ويقول عنه آقا بزرك الطهراني : «عالم فاضل كامل».
الميرزا محمّد
حسين كان من كتّاب ومُحرِّري السيّد زين العابدين الخاتون آبادي. كان حاذقاً في
فنّ الصكوك والسِّجِلاّت ، وفي غالب الأوقات كان يخطب في المسجد السُّلطاني بطهران من جانب إمام الجمعة. والظاهر أنّ الميرزا محمّد
حسين توفّي بعد سنة (١٣١٣هـ) في طهران؛ لأنّ الشيخ آقا بزرك الطِّهراني يقول : «لمّا
هاجرتُ إلى العراق في (١٣١٣) كان حيّاً. رأيته كِراراً في منزل إمام الجمعة.
وتوفّي بعد ذلك».
__________________
لم يوجد غير
هذا في التراجم.
وفاته :
في تحديد سنة
وفاته قولان :
الأوّل : ما ورد في الذريعة بأنّ وفاته وقعت في (سنة ١٢٣٨هـ) ثمّ ورد في تصحيح
أغلاط الكتاب بأنّ الصحيح (سنة ١٢٣٧هـ) ومن هنا وقع في الخطأ بعض المترجمين
كالميرزا محمّد علي المدرّس حيث ذكر وفاته (١٢٣٨هـ)وكذا الميرزا محمّد علي المعلّم الحبيب آبادي.
الثاني : أنّه توفّي (سنة ١٢٣٧ هـ). وهذا التاريخ صحيح ، لكن
لم تذكر كتب التراجم شيئاً عن مكان وفاته واكتفت بذكر أنّه توفّي بطريق الحجّ.
شيوخه :
تتلمذ على يد
السيّد علي بن محمّد علي الطباطبائي؛ وهذا جلّ ما استطعنا الحصول عليه من كتب
التراجم.
__________________
تلامذته :
نستنتج من خلال
استعراضنا لحاشيته على البهجة
المرضية وشرح التصريف للتفتازني ، أنّه كانت له حلقة درس وعنده تلاميذ وقد أفادهم ، والمفروض
أنّه قد تخرّج على يده أُناس كثيرون في إصفهان ، غير أنّا لانعرف الذين استفادوا
عنه وحضروا عليه؛ حيث لم تذكر لنا كتب التراجم شيئاً من ذلك وأغفلت الحديث عن
تلامذته.
مؤلّفاته :
من خلال
تحقيقنا على هذه الحاشية وتفحّص الفهارس ، وجدنا مؤلّفاته على الترتيب التالي :
١ ـ الحاشية
على البَهْجة المرضية في شرح الألفية : هي تعدّ من إحدى عشرات الحواشي التي كتبت على شرح السيوطي للألفية. كتبها في سلخ جُمادى الآخرة سنة (١٢٢٣هـ) حيث صرّح
بذلك في نهاية الحاشية. توجد نسخة منها بخطّ السيّد محمّد حسن بن محمّد تقي
الموسوي الإصفهاني ، كتبها في سنة
__________________
(١٢٣٩هـ) من نسخة المؤلّف وأورد الكاتب في نهاية النسخة بأنّ :
«وقد فاز إلى
رحمة الله الغنيّ مصنّفه قبل ذلك بسنتين [يعني ١٢٣٧هـ ق] في طريق مكّة رحمة الله
عليه».
وهذا مرجع وحيد
في تعيين وفاة المحشِّي أخذه الشيخ آقا بزرك الطِّهراني في طبقات أعلام الشيعة
والذَّريعة.
٢ ـ الحاشية
على شرح سَعْد التَّفتازاني لتصريف الزَّنجاني ـ وهي التي قمنا بتحقيقها ـ لعلّ
كتابتها وقعت في سنة (١٢٣٧ هـ) ، وسيجيء الحديث عنها.
٣ ـ رسالة في
التَّعدية واللُّزُوم : هي ما وعد به المؤلّف في الحاشيتين المذكورتين ولكن أكبر
الظنّ أنّه لم يمهله الأجل في طريق الحجّ.
٤ ـ رسالة في
الصرف : ذكر السيّد مصلح الدين المهدوي عن مخطوطة في علم الصرف بالفارسية في مكتبة
جامع گوهرشاد بالرقم (١ / ٦٠٠) وظنّ أنّ مؤلّفها هو الميرزا أبو طالب الإصفهاني
صاحب الحاشية
على البهجة المرضية.
هذا ما وصلت
إليه يد البحث.
تصريف الزَّنجاني :
إنّ أحد النصوص
القيّمة والجديرة بالاهتمام في علم الصَّرف ، هو كتاب التصريف لعزّ الدّين أبي المعالي عبد الوهّاب بن إبراهيم بن عبد
الوهّاب الزَّنجاني الشافعي ، المعروف بـ : (العِزّي).
__________________
وقد ألّف
الزَّنجاني كتابه المسمّى بـ : التصريف في أواسط القرن السابع الهجري ، ويعدّ هذا الكتاب الأثر الوحيد له في علم الصرف ، حيث
اهتمّ المؤلّف في هذه الرسالة المختصرة ببيان اشتقاق صيغ الأفعال بعضِها من بعض
وإسناد الأفعال إلى الضمائر. وقد اعتنى العلماء قديماً وحديثاً بهذا الكتاب وكتبوا
عليه الشروح والحواشي ، ومن أشهرها :
__________________
شرح سَعْد التَّفتازاني لتصريف الزَّنجاني :
سَعْد الدين
أبو سعيد مسعود بن عمر بن عبد الله التَّفتازاني. ولد سنة (٧٢٢هـ). برع في مختلف العلوم وفاق أقرانه؛
بحيث كتب شرحه على تصريف
الزّنجاني وهو في
السادسة عشرة من عمره ، وهو أوّل تصنيف له كما ذكر في الخطبة ، وقد فرغ منه بقرية (فَرْيومَد / فَرُومَد) في (شهر
شعبان سنة ٧٣٨ هـ). يعدّ هذا الشرح ـ مع أنّه مؤلَّف متوسط الحجم ـ من
أهمّ الشروح التي ظهرت لكتاب التصريف. قد صدر هذا الشرح مطبوعاً محقّقاً لأكثر من دار من دور
النشر ، بحيث أعيدت طباعته مرّات عديدة.
__________________
منزلة هذا الشرح من بين شروح التصريف :
يقول القنوجي :
«وعلى مختصره [أي : الزَّنجاني] في التصريف شروح مفيدة مشهورة عند أبناء الزمان ، أفضلها
وأحسنها : شرحا السعد التفتازاني ، والسيّد الشريف الجرجاني رحمهما الله تعالى».
الحواشي على شرح سَعْد التَّفتازاني لتصريف الزَّنجاني :
إتماماً
للفائدة نشير إلى بعض الشروح والحواشي لشرح السعد التفتازاني على الترتيب الزمني :
١ ـ شرح تصريف
التفتازاني : لسَعْد الدين سَعْد الله البَردَعيالمحمودي ، وتوجد نسخة منه في مكتبة (ملك) بطهران ، تحت الرقم
١٥٨٩. لم يطبع.
٢ ـ حاشية على
شرح السعد التفتازاني لتصريف الزَّنجاني : لسراج الدّين
__________________
محمّد بن عمر الحَلَبي (ت ٨٥٠ هـ). لم تطبع.
٣ ـ حاشية على
شرح التَّفتازاني على العِزّي : لمصلح الدين مصطفى بن يوسف بن صالح البُرُوسَوي ، المعروف
بـ : (خواهر زاده) (ت ٨٩٣ هـ). لم تطبع.
٤ ـ الترصيف
(حاشية على شرح التصريف للسَّعْد التفتازاني) : لعبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت ٩١١ هـ). منه نسخة
في مكتبة برلين (ألمانيا) بالرقم غ ١٦٦٤. لم يطبع.
٥ ـ حاشية
محمّد بن قاسم بن محمّد الغَزِّي المعروف بـ : (ابن قاسم الغزّي) (ت ٩١٨هـ). لم تطبع.
٦ ـ خلاصة
التعريف بدقائق شرح التصريف : للشيخ ناصرالدّين محمّد بن حسن اللقاني (ت ٩٥٨هـ)
كتب هذا الشرح في سنة (٩٢٤هـ). لم يطبع.
٧ ـ شرح كمال
الدّين إبراهيم بن يحيى ، المشهور بـ : (دَدَه خليفة) وبـ : (قَرَه دده) (ت ٩٧٣
هـ). طبع بمصر في مطبعة بولاق (سنة ١٢٥٥ هـ).
__________________
٨ ـ حاشية لعبد
الحكيم بن محمّد السِّيالكوتي ، المتوفّى بعد سنة (١٠٤٩هـ). لم تطبع.
٩ ـ حاشية
الميرزا أبي طالب الإصفهاني (ت ١٢٣٧ هـ) (وهي التي أمام ناظريك).
١٠ ـ تدريج
الأداني إلى قِراءة شرح السَّعْد التَّفتازاني على تصريف الزَّنجاني : لعبد الحقّ بن عبد المانّ الجاوي (ت ١٣٢٤هـ). طُبع.
توثيق نسبة الحاشية لمحشِّيها :
الأوّل : نسبت هذه الحاشية في فهرس النسخ الخطّية لمكتبة آية الله الكلبايكاني في
قم لأبي طالب الإصفهاني.
الثاني : أورد المحشي اسمه في المقدّمة هكذا : «فيقول الطالب
للقاءِ ربِّه الواهب ، العبد المدعو بـ : أبي طالب». وهذا يشبه ما ورد في مقدّمة الحاشية على البهجة
المرضية : «وبعد فيقول
الراجي ربَّه الواهب ، العبدُ المدعوُّ بـ : أبي طالب».
الثالث : أنّه
أحال في حاشيته هذه عند ذكر مسألة على حاشية شرح السيوطي :
__________________
«قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على حدث هو قبول مفعول فعله المجرّد الأثر الصادر عن
فاعله ، فيصير بهذا أنقص من مجرّده بمفعول واحد إذا كان متعدياً ، وإذا كان لازماً
فالفرق بينه وبين مجرّده دقيق تطلب في حواشينا على السيوطي».
الرابع : ممّا يؤكّد صحّة نسبة هذه الحاشية لأبي طالب
الإصفهاني أسلوبه المميّز من حيث المناقشة والاستدلال. وهذا من أهمّ الدلالات على
صحّة نسبتها إليه. منهج المحشِّي واضح لمن تأمّله فأهمّه غلبة الاختصار والإغلاق
في الكتابة. وأحياناً نشاهد تشابه بعض العبارات في الحاشيتين ، على سبيل المثال
جاء في هذه الحاشية : «والمبالغة موضوعة للأفراد في الكيف ، والتكثير موضوع
للأفراد في الكمّ».
وفي حاشية البهجة : «اعلم أنّ المبالغة ازدياد بحسب الكيف ، والكثْرة
ازدياد بحسب الكمّ. وقد يستعمل كلّ منهما بمعنى الآخر».
وبيّن نيّته في
الحاشيتين عن تآليفه في المستقبل ، مثلاً في هذه الحاشية يقول :
«ومباحث
التعدية واللزوم وكيفية تعلّق حروف الجرّ بمتعلّقاتها ممّا لا يصدر حقّ تحقيقها عن
أحد إلى الآن ، وفّقني الله تعالى لأن أصنّف رسالة بمنّه في
__________________
ذلك».
وفي حاشية البهجة يقول : «اعلم أنّ بيان معاني حروف الجرّ وتعيين
متعلّقاتها من مهمّات هذا الفنّ لم أرَ أحداً تَعَرَّضَ لتحقيقها حقَّ التحقيق؛
ونحن نشير إليه ههنا على سبيل الإجمال ونسأل الله أن يوفّقنا لوضع رسالة منفردة
نفصّل فيها هذا التحقيق مع سائر تحقيقات لأبواب هذا الفنّ ممّا ننفرد به».
اعتماداً على
هذه القرائن نسطيع أن نقول إنّ هذه الحاشية للميرزا أبي طالب الإصفهاني صاحب الحاشية على البهجة
المرضية.
اسم الحاشية وعنوانها :
الظاهر أنّ
الإصفهاني ليس لديه اهتمام بتسمية تآليفه. حيث لم يضع لهذه الحاشية اسماً ، كما لم يضع أيضاً لحاشيته السابقة اسماً ، على الرغم من أنّها يمكن أن تكون أوّل
تأليفه. ومهما كان فإني لم أجد في النسخة اسماً لهذه الحاشية ، لكن كُتبت في أوّل النسخة ثلاثة أسطر بالفارسية بخطّ
خفيف :
«حاشيه بر شرح تصريف
مع حاشيه أبو طالب اصفهاني بر سيوطي بكا». (كذا).
__________________
وأخيراً قد
اخترت اسم هذه الحاشية : الحاشية
على شرح سَعْد التَّفتازاني لتصريف الزَّنجاني؛ لقول المحشّي في مقدّمتها :
«لمّا دعاني
بعضُ إخواني أن أملي لشرح تصريف
الزَّنجاني ، المصنَّفِ لسَعْد التَّفتازاني ...».
تاريخ تأليف الحاشية :
بما أنّ هذه
النسخة ناقصة الآخر ، فليس فيها تاريخ الكتابة ولا اسم الكاتب. كذلك لم يشر
الإصفهاني إلى زمن التأليف في خلال الأوراق ، ولم أقف في التراجم على مَن نصّ لوقت
تأليفه هذه الحاشية ، حيث لم يذكر أحدٌ وجود هذه الحاشية ، فضلاً عن تاريخ تأليفها ، فالشيء الوحيد الذي نستطيع
أن نقوله هو أنّ الإصفهاني ألّفها بعد تأليف حاشيته على البهجة المرضية؛ حيث أحال في هذه الحاشية على حاشية البهجة المرضية عند بيان مجي (تَفَعَّلَ) لمطاوعة (فَعَلَ)؛ بقوله :
«أي : قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على حدث هو قبول مفعول فعله المجرّد الأثر الصادر عن
فاعله ، فيصير بهذا أنقص من مجرّده بمفعول واحد إذا
__________________
كان متعدّياً ، وإذا كان لازماً فالفرق بينه وبين مجرّده دقيق تطلب في
حواشينا على السيوطي».
وبما أنّنا
نعلم أنّ تاريخ تأليف حاشية
الإصفهاني على البهجة المرضية كان سنة (١٢٢٣هـ) ووفاته وقع في سنة (١٢٣٧ هـ) فالنصّ المذكور يدلّنا على
أنّ زمان تأليف هذه الحاشية كان بعد سنة (١٢٢٣هـ) وقبل سنة (١٢٣٧هـ).
منهج التحقيق ووصف النسخة التي اعتمدت عليها :
من المؤسف لم
تكن بأيدينا إلاّ نسخة واحدة من هذه الحاشية ولم أوفّق في العثور على نسخة أخرى مع التفحّص في فهارس
المخطوطات والمصوّرات من هنا وهناك؛ لذلك اعتمدت على نسخة فريدة.
وصف هذه المخطوطة على النحو التالي :
هي محفوظة في
خزانة مكتبة الكلبايكاني بقم تحت الرقم (١ / ١٨١٢ ـ
__________________
١٢٢ / ١٠). كتبت بخطّ نسخ جيّد وخطّها واضح مقروء إلاّ أنّها كثيرة الأخطاء
والأغلاط. على جلد تيماج أسود ، قياسها ١٥ × ٢١. شاملة للرسالتين : الأولى : حاشية
على البهجة
المرضية. والثانية : حاشية
على شرح
التصريف ، كلتاهما
للميرزا أبي طالب الإصفهاني. كلتا الرسالتين ناقصة الآخر ، وتبتدأ النسخة بحاشية البهجة إلى قول الشارح السيوطي في مبحث كان وأخواتها :
«المرء مجزي
بعمله إن خيراً فخير».
وفي شرح هذه
الفقرة ، تتوقّف الجملة على «و الأخيران متوسّطان» وبعد ذلك تبدأ حاشية شرح التصريف. عدد صفحات حاشية شرح التصريف (٣٢) صفحة ، ويختلف سطورها وعدد كلماتها حسب بعض الصفحات. مكتوب
على عطف النسخة :
(حاشيه
اصفهاني بر سيوطي).
النسخة عريّة
من أيّ تعليقات في الحواشي. وكتب بالفارسية على ظهر الورقة الأولى من النسخة :
«از حضرت امام
زين العابدين نقل است هر كه اين دعاء در پشت كتاب خود نويسد هر چه بشنود فرا گيرد
: بسم الله الرحمن الرحيم لهم دار السلام عند ربّهم هو وليهم بما كانو [ا] يعملون».
وتحته ، كُتب
عنوان الحاشية بخطّ خفيف :
__________________
(حاشيه بر شرح تصريف
مع حاشيه أبو طالب اصفهاني بر سيوطي بكاء). (كذا).
لا تخفى صعوبة
التحقيق على مخطوطة وحيدة لا سيّما إذا كانت كثيرة الخطأ؛ لهذا اعتمدت في التعليق
على المواضع المشكلة من النصّ على أمّهات كتب الصرف ، خاصّةً حواشي شرح التصريف. وأيضاً ذيّلت في تحقيقي هذا متن شرح التَّفتازاني اعتماداً على نسخة مطبوعة بإشراف محمّد محيي الدّين عبد
الحميد طبعة القاهرة في سنة (١٣٥٣ هـ) وهي تحتوي على صفحة.
كما أشرت آنفاً
أنّ النسخة كثيرة الأغلاط ورسم بعض الحروف على غير المألوف في قواعد الرسم وربّما
كان من عجلة الناسخ أو عدم دقّته.
فبذلت وسعي في
إخراج النصّ وحاولت نفض الغبار عن واحد من الحواشي المدوّنة في علم التصريف
المغيّبة في دور المخطوطات ليأخذ مكانه اللائق به وبصاحبه.
سرت على النحو
التالي في تحقيق الحاشية :
١ ـ طَبع هذه الحاشية حسب قواعد الكتابة الحديثة.
٢ ـ إبدال بعض
الكلمات على حسب القياس الصرفي ، كـ : (نقائص) بدل (نقايص).
٣ ـ وضع نصّ شرح التفتازاني بالتعليقات في أسفل النصّ بخطّ أسود
__________________
وواضح. وأشرت في الحواشي إلى الاختلاف بين نصّ شرح السعد في المخطوطة ونصِّه باعتناء محمّد محيي الدين عبد
الحميد.
٤ ـ ذُكر بعض
التشابهات بين نصّ هذه الحاشية
وحاشية البهجة المرضية بالتعليقات اعتماداً على النسخة المحفوظة في مكتبة مجلس الشورى الإسلامي
تحت الرقم (٢٠٧٠٩٩) ، كتبت لسنة (١٢٦٢ هـ. ق).
٥ ـ إبدال بعض
الكلمات المشكلة بما ظُنّ أنّه الصواب ووضع علامة (؟) تلميحاً لذلك.
٦ ـ اقتصر
الناسخ على الرمز في بعض الألفاظ ، فأبدلت هذه الرموز بأصلها ، كـ : (مط) بمعنى
(مطلقاً).
٧ ـ تمييز
الآيات القرآنية بوضعها ضمن قوسين مزهرين وتخريجها.
٨ ـ وضع
الحاصرتين ، هكذا : [] في بعض المواضع من المتن؛ مساعداً لفهم ألفاظه.
٩ ـ تخريج
الأشعار الواردة وذكر أهمّ المراجع التي وردت فيها.
١٠ ـ ترجمة
الأعلام بشكل مختصر مع ذكر أهمّ المراجع.
١١ ـ التعليق
على بعض المواضع من الحاشية ممّا رأيت بأنّ التعليق عليها أو التعقيب عليها أمر
ضروري.
١٢ ـ ألحقت
بالخاتمة ، فهرساً لمصادر التحقيق.
و أخيراً :
هذا ، وبعد
مُضيّ مائتين وأربع سنوات من وفاة المحشّي طبعت رسالته
هذه لأوّل مرّة
، عسى أن يكون هذا الجهد مفيداً لطلبة العلوم المكترثين بدراسة اللغة العربية
الذين وهبوا أنفسهم لخدمة التراث الإسلامي.
أتوجّه بخالص
الشكر وفائق الاحترام لمجلّة تراثنا.
بيده إنجاح كلّ
مأمول


بسم الله الرحمن الرحيم
الحاشية على شرح سعد التفتازاني
لتصريف الزنجاني
[المقدّمة]
الحمد لمن
تجرَّد عن الإعلال والتصريف ، والشكر لمن تقدَّس عن النُّقصان والتضعيف. والصلاة
على نبيه الأجوف من النواقص ، وعلى وليّه السالم عن النقائص ، والسلام على آلهما
اللفيف المقرون بأحسن الخصائص.
فيقول الطالب
للقاءِ ربِّه الواهب ، العبدُ المدعوُّ بـ : (أبي طالب) : لمّا دعاني بعضُ إخواني أن أملي لشرح تصريف
الزَّنجاني ، المصنَّفِ لسَعْد
__________________
التَّفتازاني؛ بَياناً لمُشكلاته ، وتِبياناً لمُعضِلاته ، وإيضاحاً
لخَفيّاته المستورة مفتاحاً لخَبيئاته المسطورة ، فأجبتُه مع تفرُّق البال وتكثُّر
الاشتغال ، متوسِّلاً إلى اللّه ومتوكِّلاً على اللّه.
(إنّ أروى زَهْر) :
أقول : أراد ـ
لورود حديث الابتداء ووجوبِ الاتّباع والاقتداء ـ أن ابتدأ كنايةً بعد البَسْملة بحمد اللّه
تعالى فمَدَحَ حمد اللّه تعالى؛ لأنّ مَدح الحمد من أفراد الحمد.
وحاصل ما أراد
إفادته : أنّ خير الألفاظ لفظ (حمد اللّه) ، وخيرَ المعاني معنى (حمد الله) ، وخيرَ
النُّقُوش نقش (حمد الله) ، فعَبَّرَ عن الأوّل بقوله : (إنّ
__________________
أروى) إلى قوله : (من الأكمام) ، وعن الثاني بقوله : (وأبهى حِبَر تُحاك
ببنان البيان) ، وعن الثالث [بقوله] : (وأبهى حِبَر تُحاك بأسنان الأقلام).
أمّا بيان قوله
الأوّل على ما ذكرنا :
فاعلم أنّ
(أروى) اسمُ تفضيل من (الرّيّ) وهو بالفارسية : سيراب شدن. و (زَهْر) ـ بفتح الزاء
المعجم وسكون الهاء ـ بالفارسية : شِكوفه ، ولا يبعد أن يقرأ بضمّ الأوّل وفتحِ الثاني؛ على أن يكون جمعاً للزَّهْر
بالفتح والسكون. (الرِّياض) جمع (رَوضة) وهي بالفارسية : باغ. و (الأكمام)
جمع (كمّ) ـ بكسر الكاف وتشديد الميم ـ وهو : الغِلاف.
ثمّ اعلم أنّ
(الزَّهْر) استعارةٌ مصرَّحةٌ عن (الألفاظ) ، وذكر (أروى) و (الرِّياض) و (الأكمام)
ترشيحٌ لها ، و (أروى) تبعيةٌ أيضاً ، و (الكلام) تجريدٌ.
__________________
والمراد : أنّ
أحسنَ لفظ ـ والألفاظِ يظهر في مسافة هي بين الحسّ المشترك إلى مخارج الفم التي هي محلُّ الكلام ويخرج من تلك
المخارج ـ فهو لفظ (حمد اللّه).
فإن قلت : هذه
المسافة روضةٌ واحدةٌ فلمَ ذكرها جمعاً؟
قلت : الجمعية
مبنية :
إمّا على تعدّد
تلك المسافة بتعدّد الأشخاص.
وإمّا على
تعدّدها في شخص واحد بتعدّد الأزمان.
وإمّا على
تعدّدها باعتبار تعدّد الحيثيّات؛ فإنّ هذه المسافة في شخص معيّن باعتبار أنّها
محلٌّ لألفاظ علم الصرف روضةٌ ، وباعتبار أنّها محلٌّ لمسائل النحو روضةٌ أُخرى ، وعلى
هذا القياس. وكذا الوجه في جمعية (الأكمام).
وأمّا بيان
قولَيه الأخيرين :
فاعلم أنّ
(أبهى) اسمُ تفضيل من (البَهاء) وهو : الضِّياء. و (الحِبْر) ـ بكسر
__________________
الحاء المهملة وسكون الباء الموحَّدة ـ ثوبٌ يمني. ولايبعد أن يقرأ بفتح الباء؛ جمعاً على قياس ما تقدّم. و (تُحاك) مجهولٌ من (الحِياكة) وهي بالفارسية : بافتن.
و (البَنان) ـ بالباء والنون ـ بالفارسية : سرانگشت. و (البَيان) مصدرُ (بَيّنَ) بمعنى إظهار الطلب. و (الأسنان) جمع (السِّنّ) ـ بكسر السين المهملة
وتشديد [النون] ـ وهي بالفارسية : نيش.
ثمّ اعلم أنّ
(الحبر) استعارة مصرَّحة عن (المعاني) أو (النقوش) ، والبواقي على قياس ما تقدّم.
__________________
ولك : أن تحمل
الأقوال الثلاثة على الاستعارة بالكناية في (الكلام) و (البيان) و (الأقلام)
باعتبار تشبيهها بـ : (الشَّجَر) و (الحِياكة) و (الأيدي) ، والتجريديةِ في
(الأسنان) ، والتخييليةِ في (الرياض) و (البنان) ، وفي (الحياكة) للأقلام ، والترشيحِ
في البواقي.
وأن تحمل كلاًّ منها على الاستعارة التمثيلية.
لكن لا يخلو
هذان الحملان عن شيء يظهر بالتأمّل.
واعلم أنّ أصل
قوله (أروى زَهْر) : (زَهْرٌ أروى من جميع الأزهار). تقدّم الوصف وأضيف إلى الموصوف وحُذف المفضَّل عليه؛
اختصاراً. وكذا قوله : (وأبهى حِبَر) وأمثاله ممّا وقع في العبارات.
__________________
(حمدُ اللّه سبحانَه اه) :
خبر (إنّ). و (سبحانَه)
في الأصل : (سَبَّحْتُ سبحانَه) فحُذف الفعل وأُقيم المصدر مُقامه. و (التواتُر)
بالفارسية : پي در پي درآمدن. و (النَّعماء) جنس النَّعْمة ـ بفتح النون ـ أي : الإنعام
، أو بكسرها بمعنى : ما ينْعَم به؛ والأوّل أحسن. و (الزاهرة) ـ بالزاء المعجمة الغير
المؤلَّفة ـ أي : الغير المكدَّرة بالمنّة؛ فإنّ منّة اللّه تعالى لمّا كانت في
موقعها لم تُكدِّر نعمتَه تعالى. وبالمعجمة المؤلَّفة : مقابل الخفية. وهي صفةٌ
كاشفةٌ للنَّعْماء إن كان وضعه للنِّعَم الظاهرة فقط ، مخصِّصةٌ إن كان وضعه لأعمّ
منه ومن الباطنة. وفائدة تخصيصها بها أن لايصير مقابلة الآلاء بها من
جَعْل قسم الشيء قسيماً له؛ فإنّ الآلاء جمع (الى) ـ بفتح الهمزة وكسرها وضمّها
ثمّ اللام ثمّ الألف ـ وهي النعمة الباطنة. المراد بالظاهرة والباطنة : إمّا
ما يدرك بالحواسّ الظاهرة والباطنة ، أو ما يدرك أوّلاً وثانياً ، أو ما يدرك وما
لايدرك. و (الترادُف) في الأصل : ركوب شخص عقبَ آخَر بلا مُهْلة على مَركب واحد في
زمان واحد ، ثمّ استعير لمجيء شيء عقب آخَر بلا مهلة. والمراد به
__________________
ههنا : الآلاء المتكثّرة المتتالية والمتظاهرة الجائية كلٌّ على ظَهر أُخرى
، أو القوية ، أو كثيرة الظهور ولو بعد الفكر. وعلى المعنى الأخير لابدّ من حمل
الباطنة على أحد الأوّلين.
(ثمّ الصلاة) :
المناسب أن
يجعل فاعل الصلاة ـ وهو فاعل الحمد بعينه ـ مختصّاً بالخلق أو بالشارح. وإرادة العموم في الصلاة وإن كانت أنسب بمقام المبالغة المطلوبة ههنا إلاّ أنّه
يستلزم استعمالَ اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي معاً؛ لأنّ الصلاة من اللّه هو
الرحمة مجازاً ومن غيره طلبها حقيقةً ، وجوازه غير معلوم على ما بُيّن في موضعه و (الجَراثيم) جمع (جُرْثُومة) وهي : القبيلة ، والمراد من أشرفهم : إمّا الإنس أو العرب أو القريش
أو بنوهاشم أو الأنبياء. و (الأنام) : الخلائق. و (أئمّة) جمع (إمام) ـ بكسر الهمزة ـ بمعنى : پيشوا ،
وأمّا
__________________
بفتحها فهو بالفارسية : پيشرو. و (الأعلام) جمع (عَلَم) ـ بفتحتين ـ وهو : الراية ، والمراد بها : العلامة. ولفظ (الأئمّة) في بعض النسخ
بالألف واللام فاعلاً وصف له ، أي : أئمّةٌ هم علامات طريق الهُدى. وفي بعضها
بالإضافة كـ : أزِمّة ، فالمراد بـ : (الأعلام) : العلماء ، فكون الأئمّة أئمّةً
لغير العلماء يعلم بالأولوية. و (أزِمّة) كـ : (أئمّة) وزناً جمع (زِمام) وهو بالفارسية : مِهار ، يعني كما أنّ
الأشياء تُجلب بزمامها ، كذلك الإسلام تجلب لواسطة الأئمّة
عليهمالسلام. فـ : (أزِمّة الإسلام) استعارة مكنية وتخييلية.
(أمّا بعدُ) :
أصله : مَهْما
يكنْ مِن شيء ، أي : كلّما وقع عن الشيء ممّا صدق عليه
__________________
الشيء بعد الحمد والصلاة فهو قوله : (يقول) ، أو كلّما وقع ممّا صدق عليه الشيء بعدهما سواء كان مانعاً لقوله أو
مقتضياً له أو غير ذلك فـ : (يقول). فالمراد على الأوّل أنّ قوله : (يقول) متّصلٌ
بآخر الحمد والصلاة لاينفصل عنه بشيء. على الثاني أنّ قوله : (يقول) يصدُر منه بعد
الحمد والصلاة لامَحالةَ من غير اشتراطِ شرط ، فحُذف فعل الشرط مع بعض ما يتعلّق
به.
وقيل : (أصله
ما زيد عليه مثله للتوكيد ثمّ فُعِل به على قياس ما ذُكر).
وقيل : (كلمةٌ
برأسها أُقيمت مُقام اسم الشرط وفعلِه) وهو الحقّ.
(الفقيرُ
إلى اللّه الغنيّ) :
هذا ناظرٌ إلى
قوله تعالى : (وَاللّهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ
الفُقَراءُ).
(بَيّض
اللّه إلخ) :
هذه جملة
معترضة دعائية. و (الغُرَّة) بضمّ الغين المعجمة وتشديد الراء المهملة ، والمراد
بها ههنا : الجَبهة البيضاء للفَرَس أو بياضُ جبهة الفَرَس.
__________________
و (أوْرَقَ) أي : صار ذا ورق ، والمعنى : صار أغصانُ آمالِه ذا ورق بسبب التبييض أو بسبب من الله تعالى ، ويحتمل أن يكون بمعنى : جَعَلَها
ذاتَ ورق. و (الأغصان) جمع (غُصْن) ـ بضمّ الغين المعجمة وسكون
الصاد المهملة ـ وهو بالفارسية : شاخِ درخت.
و (الأحوال) و
(الآمال) استعارةٌ بالكناية باعتبار تشبيههما بـ : (الأفراس) و (الأشجار) ، و (الغرّة) و (الأغصان)
تخييلية ، و (بَيّضَ) و (أوْرَقَ) ترشيحية تخييلية.
فإن قلت : تبييض الغرّة ـ وهي البياض أو المستلزمُ له ـ طلب الحاصل.
قلت : هذا
مبنيّ إمّا على القول بتجريد الغرّة عن البياض ، أو على كون المراد بقاءَ بياضها ،
أو على طلب زيادة البياض فيها كما مقتضى باب التفعيل ، أو على كون المعنى : أوجد اللّه الغرّة المتخيّلة في
الخارج مُبقِياً إيّاها على بياضها ، أو على كونها من المجاز بالمُشارَفة ، نحو : (مَنْ قَتَلَ قَتِيلاً).
__________________
(قُدْوة) :
المراد به : مَن
يقتدى به.
(عِزّة الملّة) :
بكسر العين
المهملة وتشديد الزاء المعجمة ، المراد به : ما به عزّة الملّة الدّين ، أو : العزيز
بتقدير مضاف ، أي : عزيز أهل الملّة والدِّين. و (الدِّين) يختصّ بالحقّ و (الملّة)
أعمُّ منه ومن الباطل.
وقد غلِط من
قرأ (الغُرّ) ـ بضمّ الغين المعجمة وتشديد الراء المهملة ـ وأراد به
الغُرَّة؛ إذ الغُرّ جمعٌ ولا يحمل على الواحد.
(ينطوي) :
أي : يشتمل. وكذا قوله : (يحتوي).
__________________
(يذَلِّل من اللّفظ
صِعابَه) :
الظرف متعلّق
بقوله : (يذَلِّل) باعتبار تضمينه لمعنى الإخراج؛ فإنّ تذليل الشيء إخراج العِزّة
منه واللام فيه عوض عن الضمير والمضافِ إليه ، وهذا الضمير مع ما يضاف إليه (الصعاب) ، عائدٌ إلى
(المختصَر).
شبّه (لفظ
الكتاب) بـ : (الشيء المشتمل على العزّة والذِّلّة) فهو استعارة مكنية ، وإثبات
(الصعاب) ـ الكناية عن أفراد العزّة ـ له تخييلية ، وقوله : (يذَلِّل) ترشيح لها. ويحتمل أنّه شبّه (الصعاب) بـ : (أفراد
العزّة) فهي استعارة مكنية ، وقوله : (يذَلِّل) تخييلية ، و (اللفظ) تجريدية.
ثمّ المراد بـ
: (تذليل الصعاب من اللفظ) : إمّا حلُّ عُقَده وهو الظاهر ، أو تعيين مشكلاته
وتمييزه عن غيره بحيث لا تشتبه مشكلاته بواضحاته.
(ويكشف عن وجه المعاني
نقابَه) :
شبّه (المعاني)
بـ : (الصوَر الحسنة) فهو استعارة بالكناية ، وإثبات (الوجه)
__________________
له تخييلية ، وقوله : (يكشف نقابَه) ترشيح لها. ويحتمل أنّه شبّه
(ألفاظ الكتاب) بـ : (النِّقاب) ، و (النِّقاب) استعارة مصرَّحة ، [و] (الكشف) و (الوجه)
ترشيح ، و (المعاني) تجريد.
(ويستكشف مكنونَ
غوامضه) :
المراد
بالاستكشاف ههنا : مبالغة في الكشف لا طلبُه و (المكنون) : المستور ، وإضافته إلى (الغوامض) من قبيل الإضافة في : (سلطان
السلاطين) (شمس الشموس) ، فالمراد به : أغمض الغوامض. ويحتمل أن يراد به الغامض الذي خَفِيَ غُموضه على
الأذهان بحيث تعرّفه واضحاً غير مشكل. ويحتمل أن يكون من إضافة الصفة إلى الموصوف ، وفيه أنّه يجب أن يقال على هذا : (مكنونة غوامضه) أو
(مكنونات غوامضه) ، ويمكن أن يعتذر عنه بأنّ وجوب مطابقة الوصف لموصوفه ما دام
كونه وصفاً اصطلاحياً لا مطلقاً.
وأصل (الغامض)
بمعنى : (المُغْلَق) ثمّ استعير لما عَسُرَ فهمُه.
(ويستخرج سرَّ حُلوِه
وحامِضِه) :
شبّه (واضحات
المختصر) بـ : (الحلو) في الالتذاذ به أوّلاً والاستمرار عنه
__________________
آخَر ، أو (خفياته) بـ : (الحامض) في عكس ذلك.
والمراد بـ : (السرّ)
: ما فيهما من الدقائق ، على أن يكون المراد بـ : (الحلو) : الواضح في بادئ النظر.
أو المراد : السرّ
في إيراد الحلو حلواً والحامض حامضاً.
أو المراد : تمييز كلّ منهما عن الآخر بحيث لايشتبه على الأذهان.
ويحتمل أن أراد
بـ : (الحلو) و (الحامض) : الطعم مركباً منهما وهو المَزّ ، أراد بحلوه وحامضه
مجموعَ المختصر أو بعضَه ، فشبّه على هذا (مختصَرَه) بـ : (المزّ) في التوسّط بين
الأمرين. والمراد بـ : (السرّ) : أحد المعنيين الأوّلين ، أو : تمييز المختصر بحيث لايشتبه بعضه بالحلو والحامض وبعضه
بالحامض الخالص.
(مُضِيفاً) :
حالٌ من فاعل
(الشرح) لا من مفعول (سَنَحَ).
(عَثُرَ) :
هذا على وزن
(شَرُفَ) ، بمعنى : اطَّلَعَ.
__________________
(والفاتر) :
الهَيِّن.
(بعون الملك القادر) :
الظرف متعلّق
بمقدّر ، أي : متمسِّكاً ، أو متلبِّساً ، أو بقوله : (عَثُرَ) ، أو (مُضِيفاً) ، أو
(أشرحه). والأقرب فالأقرب ، أقرب لفظاً ومعنى.
(على عَثْرة) :
بفتح العين
المهملة وسكون الثاء المثلّثة ، من العِثار وهو بالفارسية : لغزش.
(أن يدرأ بالحسنة
السيئةَ) :
اقتباسٌ من
قوله تعالى في سورة الرعد : (وَيدْرَؤُنَ
بِالحَسَنَةِ السَّيئَةَ). والدَّرْء : الدَّفْع. والتاء في (الحسنة) و (السيئة) إمّا للمبالغة كـ : (الناقلة) ،
أو للتأنيث بناءً على أن يكونا وصفين للخصال والأفعال ونحوهما. والمراد بـ : (السيئة) ههنا : (الخطأ الواقع في ألفاظ
الشرح ومعانيها في الواقع). وأمّا المراد بـ : (الحسنة) :
فـ : (الصواب
الواقع فيها) إن كان المعنى بالنظر إلى (الحسنة).
و (الخصلة
الحسنة) لو كان المعنى لواسطة الخصلة الحسنة الثابتة للمطَّلع هي إخفاء العيوب على
الناس.
__________________
أو (الإزالة
الحسنة) لو كان المعنى بالإزالة التي لم يبق أثر من السيئة بواسطتها.
فالمراد
بالدَّرء على الأوّلين : الإغماض ، وعلى الأخير : الإصلاح بالوجيه الحسن. ويحتمل
أن يريد بـ : (الحسنة) : المعاني الصحيحة الحاصلة بعد التأمّل ، وبـ : (السيئة) : المعاني
الباطلة الحاصلة في بادئ النظر ، لكن هذا لايلائم تعليله لذلك.
(فإنّه اه) :
عَلَّلَ رجاءَه
بأمرين :
الأوّل : إنّ
هذا الشرح أوّلُ تصنيف صدر منه ، فلا عيب في العيب الواقع فيه إلاّ يسيراً غير
قابل للشفيع؛ فإنّ ذنب العامل كالعامل.
الثاني : في
عدم قرائته من هذا العلم إلاّ هذا الكتاب ، فلا اعتراض في الاعتراض الوارد إلاّ
قليلاً غير قابل للتنقيح؛ فإنّ ذنب العالم كالعالم.
فالتعليل
الأوّل باعتبار قلّة العمل والثاني باعتبار قلّة العلم.
و (الإفراغ)
بالفاء والغين المعجمة : التَّخْلية. شبّه (شرح المصنّف) بـ : (الذَّهَب المُذاب) فالضمير
المنصوب استعارة مكنية ، وإثبات (الإفراغ) تخييلية ،
__________________
(القالَب) ـ بمعنى : ما يقلَب فيه ـ ترشيحٌ ، و (الترتيب) تجريدٌ ، أو كذا (الترصيف) الذي هو ضمّ
شيء بشيء. والباعث على ذكر (الترصيف) ، اشتمالُ كلامه على لطف بديعيّ باعتبار
تقابله بـ : (التصريف) ، كتقابل (المُختصَر) بـ : (المُنحصِر).
(الزُّلْفى) :
وهو : القُرْب
، أي : المطلوب القرب إليه لا إلى غيره؛ أو : الرجوع ، فيكون حصرُ الرجوع إليه
تعليلاً للحصر المستفاد من تقديم الظرف السابق.
(فها أنا) :
لفظ (ها)
لتنبيه المخاطب. ويدخل على أسماء الإشارة والمضمرات؛ لإبهامهما في
الجملة ، سيّما في كلّ منهما عند الانتقال من نوع الكلام إلى نوع الآخر ، كالانتقال
من الدِّيباجة إلى المقصود؛ فإنّهما في مثل هذا الموضع أحوج إلى التنبيه.
__________________
(لمّا كان من الواجب) :
ذكر الحاجة إلى
التعريف والغاية دون الموضوع إشارةٌ إلى أنّ الحاجة إليهما أشدُّ من الحاجة إليه.
(لأنّه هو السبب) :
الضمير الأوّل
للشأن والثاني للغاية ، وتذكيره باعتبار تذكير الخبر.
(بدأ المصنِّف) :
فإن قلت : على
ما ذكره الشارح ، وجب على المصنِّف أن يبدأ بتعريف علم التصريف الذي هو : (علمٌ
بأحوال الأبنية صحةً واعتلالاً) ، لا بتعريف التصريف بمعنى الاشتقاق الذي هو جزءٌ
من العلم.
__________________
قلت : لمّا كان
مقصود الأهمّ في هذا الكتاب ذكر مسائل الاشتقاق وأمّا غيرها فمذكور بالتبع ، فلا
إشارة إلى هذا ففعل ذلك.
والمراد بقوله
(بدأ المصنّف) : أراد الابتداء ، كما في قوله تعالى : (إذَا قُمْتُمْ إلى
الصَّلوةِ فَاغْسِلُوا) فلا يرد عليه أنّ زمان الحال وهو قوله : (متعرِّضاً)
مقدّمٌ على زمان عامله ، وهذا غريب. وقد يقال : (المراد بتعريف التصريف تعريفه
بكلّ من المعنى اللغوي والعرفي فلا يرد ذلك) ، وفيه تعسُّف.
(إشعاراً) :
علّةٌ لقوله : (متعرِّضاً).
فإن قلت : فعلى
هذا ينبغي أن يؤخّر المعنى اللغوي عن المعنى العرفي؛ لأنّ ذكره بالتبع.
قلت : وجه
تقديمه عليه بالزمان وبالطبع؛ لتقدّم العام على الخاص.
(بالخطاب العامّ) :
الخطاب العامّ
هو أن يقصِد المتكلّم الخطاب إلى كلّ مَن يصلح للخطاب
__________________
حاضراً عنده أم لا ، موجوداً في زمان الخطاب أو بعده وقد استشكله بعضُ أصحاب الأصول ، وههنا ليس موضع تحقيقه.
(من
الصَّرف الخ) :
أي : مأخوذ منه.
(للمبالغة
والتكثير) :
لا لسائر معاني
التفعيل. وفيه إشارة إلى أنّ تعريف (التصريف) يغني عن تعريف (الصرف)؛ فإنّ
(التصريف) هو (الصرف) من حيث المعنى إلاّ أنّ فيه مبالغة ليست في (الصرف).
و (المبالغة)
موضوعة للأفراد في الكيف ، و (التكثير) موضوع للأفراد في
__________________
الكمّ.
(وهو
ما وضعه له إلخ) :
الموصول عبارة
عن (المعنى) ، والضمير الأوّل للتصريف والثاني للموصول. و (واضع) فاعل الفعل.
(واللغة
: هي الألفاظ الموضوعة) :
هذا معناها الاصطلاحي ، وأمّا معناها اللغوي فهو ما أشار إليه بقوله : (مِن لَغِي) ، يعني
أنّها في اللغة مصدرٌ بمعنى (التلفُّظ).
(مِن
لَغِيَ) :
أي : مأخوذٌ
ومشتقٌّ منه.
فإن قلت : لعلّ
قوله : (مِن لَغِي) مبنىٌّ على مذهب الكوفيين القائلين
__________________
بأنّ المصدر مشتقٌّ من الفعل ، وإلاّ فالبصريون قائلون بعكس ذلك.
قلت : قد يطلق
(الاشتقاق) على التناسب بين اللفظين في الحروف والمعنى من غير ملاحظةِ كون أحدهما
أصلاً والآخَر فرعاً ، فمرجِّح تسمية أحدهما أصلاً حينئذ هو كونه أقرب عند المخاطب
من حيث المعنى فقس الآخر عليه ، فيجوز أن يصير الأصل في موضع؛ فرعاً في موضع آخَر
، بواسطة كونه أقرب في الأوّل دون الثاني.
فأصل (اللغة)
بمعنى (التلفُّظ) ثمّ جُعل بمعنى (المتلفَّظ به) ثمّ نقل إلى المتلفّظ الموضوع
للمعنى. والظاهر أنّها اسم جنس يطلق على القليل والكثير لا اسمُ جمع كما يشعر به
قولُه : (و هي الألفاظ الموضوعة).
(إذا
لَهِجَ بالكلام) :
أي : مِن لَغِي
القولُ إذا لَهِجَ بالكلام.
(والهاء)
:
تسميته هذا
التاء هاءاً باعتبار ما يؤول إليه في الوقف.
(وجمعه
لُغى) :
هذا يدلّ على
أنّ وزن كلّ من (اللُّغة) و (البُرَة) في الأصل : (فُعْلَة) ، كـ :
__________________
(قُرْبَة) والتاء ثابتةٌ فيهما قبل حذف اللام وليست لمحض التعويض؛ فإنّ ما
جمع بـ : (فُعَل) هو (فُعْلَة). اللهمّ إلاّ أن يعمّ (فُعْلَة) بين التحقيقية كـ : (قُرْبَة)
التقديرية كـ : (اللُّغَة) و (البُرَة) حلقةُ أنفِ البعير.
(وهي
العلم الحاصل) :
المراد بـ : (العلم)
: المَلَكة الحاصلة ، لا استحضار المسائل.
(وهي
العلم الحاصل اه) :
هذا معناها في
الاصطلاح ، وأمّا في اللغة فبمعنى (الصنْع). و (التمرّن) : الممارسة والمُداومة. وإذا كان
(الصناعة) بهذا المعنى فقوله (وفي الصناعة)
__________________
بتقدير قولنا : (و في اصطلاح أهل هذه الصناعة). وقد أشار الشارح إلى هذا؛
حيث قال : (معنى التصريف في الاصطلاح).
(والمراد
ههنا صِناعة التصريف) :
إشارةٌ إلى أنّ
اللام في (الصناعة) للعهد عوضاً عن المضاف إليه.
(الأصل
الواحد) :
قيّد بـ : (الواحد)؛
احترازاً عن قول مَن يقول بأصول متعدّدة ويجعل كلاًّ من الصيغ أصلاً برأسه وقيل : (المراد
بالواحد ، الواحد من حيث المفهوم وهذا إشارة إلى المصدر واحترازٌ عن الفعل؛ فإنّ
مفهومه واحد ومفهوم الفعل متعدّد ووجه اختيار هذه العبارة على المصدر مع كونه أحذر؛ هو
الإشارة إلى علّة أصالته للفعل بأنّ الواحد قبل التعدُّد). وفيه نظر؛ لأنّ مفهوم المصدر هو الحدث مع نسبته إلى
فاعل ما ، وبدلالته على النسبة يمتاز عن اسم المصدر؛ فإنّه يدلّ على الحدث
__________________
فقط ، وأمّا وجه الاختيار فهو ما سيذكره الشارح.
(إلى
أمثلة) :
(الأمثلة) جمع
(المِثال) ، والفرق بينه وبين (المِثل) ـ بسكون ـ أنّ (المثل) لِما يتّحد بالشيء
في الذات ، و (المثال) لما يتّحد معه في بعض الصفات ، ولهذا قالوا : (إنّ اللّه مثالاً) و (لَيسَ كمِثلِهِ شَيءٌ). وإنّما قيل للأبنية : (المثال) إمّا لأنّها أمثلة
لموازينها في الوزن ، وإمّا لأنّها أمثلة لما يمثل بها ، وإمّا لمساواتها مع ما
يوازنها من الموزونات في الوزن. فالمثال بمعنى المُماثل ، أي : اللفظ المُماثل.
(أي
: أبنية وصيغ) :
المراد بـ : (الأبنية)
و (الصيغ) : الألفاظ المبنيّة والمصُوغة ، على أن يكون المصدرين بمعنى اسم المفعول المطلق على الموصوف الخاصّ. شبّه
(الألفاظ) بـ : (العِمارات المبنيّة) في اجتماع المتفرّقات ، وبـ : (الفلز المذاب
المُفْرَغة في القالَب) في التشكّل بشكل خاصّ ، فاستعير لفظ المشبّه به
__________________
للمشبّه وفي هذا التفسير إشارة إلى أنّ (الأمثلة) ليست جمعاً للمَثَل ـ
بالتحريك ـ مستعمل في نحو قوله : (نَقَضَتْ غَزْلَها).
(باعتبار
الحركات والسكنات) :
متعلّق
بالاختلاف المفهوم من (الكلم) ، والتقدير : وهي الكلم المختلفة فقط باعتبار. وقيل
: (التقدير : وهي الكلم الحاصلة باعتبار الحركات والسكنات ، كـ : ضَرَبَ من الضَّرب).
والتفصيل أنّ
الاختلاف المقصود في الاشتقاق يحصل بأحد من خمسة
__________________
عشر أمراً؛ لأنّه إمّا باختلاف الحركة ، أو السكون ، أو بزيادة الحرف
الزائد ، أو بنقصانه ، أو باثنين منها ، أو بالثلاثة ، أو بالأربعة؛ وأمّا التعدّد
الحاصل بغير ما ذُكر ، فليس ممّا نحن فيه؛ نعم قد يحصل التعدّد والاختلاف في غير
الاشتقاق الصغير باختلاف ترتيب الحروف الأصلية ، كـ : جَبَذَ من الجَذْب؛ أو
بتبديل الحرف الأصليّ ، نحو : (نَعَقَ) من (النَّهْق) إلاّ أنّ المقصود ههنا
التعدّد والمقصود في الاشتقاق وهذان القسمان ليسا منه وعليك باستخراج الأمثلة الخمسة عشر.
إذا عرفت هذا فنقول عبارة الشارح قاصرة عن إفادة الأقسام المذكورة؛ لعدم شمولها
لما نقص عنه الحرف مطلقاً ولما اختلف فيه حركة وسكون مطلقاً. ولو قال : (باعتبار
الحركة والسكون وزيادة الحرف الزائد ونقصانه) ، لكان أحذر واشتمل.
ثمّ اعلم أنّ
تلك الأقسام هي أقلّ ما يرتقى إليه ويمكن ارتقاؤها إلى أكثر من ذلك بأن يقال : كلٌّ
من الأربعة إمّا في الأوّل أو في الوسط أو في الآخر.اختلاف الحركة إمّا بحركة
أُخرى أو بالسكون إلى غير ذلك من الاحتمالات لكنّ أكثر [ها] غير متحقّق الوقوع.
(وتقديم
بعض الحروف) :
المراد بـ : (الحروف)
: (الحروف الزائدة) ، وبقوله (على بعض) : الأصلية؛ أو بالعكس. وكذا في قوله : (و
تأخيرِه عنه).
(وتأخيرِه
عنه) :
قيل : (هذا
تصريح لما عُلم ضمناً؛ إذ قوله : تقديم بعض الحروف على
__________________
بعض ، مستلزمٌ لذلك). أقول هذا القائل جَعَلَ المفعول الأوّل للتأخير عينَ
ما جعله مفعولاً ثانياً للتقديم ، والمفعولَ الثاني له عين ما جعله مفعولاً أوّلاً
للتقديم من حيث المعنى.
(وحَوَّلَ
أيضاً يتعدّى) :
عطفٌ على قوله
: (فتَحَوَّلَ) يعني أنّ (حَوَّلَ) قد يجي بمعنى (تَحَوَّلَ) ، كـ : (قَدَّمَ)
بمعنى (تَقَدَّمَ) فكما يقال : حوَّلتُه فتَحَوَّلَ ، يقال : حوَّلتُه فحَوَّلَ
أيضاً. وقوله : (بنفسه يتعدّى اه) جملة مستأنفة ، أو حال عن الجملة السابقة
باعتبار كونها مفعولاً للقول المقدّر. وعلى التقديرين يكون في موضع التعليل؛ لمجيء
(حوَّلَ) للمطاوعة ، كـ : (تحوَّلَ). ويحتمل أن يكون قوله : (بنفسه) متعلّقاً
بقوله : (حوَّلَ) والمعنى : حوَّلتُه فتحوَّل بتحويلي ، وحوّل بنفسه أيضاً ، أي : تحوَّل
بي وبنفسه معاً ، ويكون جملة (يتعدّى اه) كما ذكر ، لكنّه بعيد. ومن أراد أن يجعل
(حوّل) مبتدأ وجملة (بنفسه يتعدّى) خبره ، والجملة عطفاً على الجملة
السابقة فقد
__________________
أَشكل عليه لفظُ (أيضاً) وارتكب لرفعه توجيهات ركيكة [لا] تستحقّ الذكر.
(والاسم
منه) :
أي : اسم
المصدر منه ، واسم المصدر : (ما دلّ على الحدث من غير ملاحظة صدوره على الفاعل
ووقوعه على المفعول) ، فمعناه من الضَّرْب بالفارسية : كُتَك ، ومن القَتْل
: كُشندگي ، ومن الحِوَل : گردِش ، وأمثال ذلك ، كما أشرنا إليه آنفاً.
(الحِوَل)
:
بكسر الأوّل
وفتح الثاني ، وأمّا بفتح الأوّل وسكون الثاني فمصدرٌ.
(يشتمل
على العِلَل الأربع) :
المعلول
المجرَّد الصادر عن الفاعل الموجب لابدّ له من علّة فاعلية فقط ، وعن المختارِ
لابدّ له معها من العلّة الغائية. والمادِّي الصادر عن الموجب [لابدّ] له من
العلّة الفاعلية المادّية والصورية ، وعن المختارِ لابدّ له من العلل الأربع.
__________________
والمادّة والصورة داخلتان في المعلول بخلاف الفاعل والغاية. والعلل الأربع التي يشملها التعريف المذكور ، العللُ
لمصداق المعرَّف لا لمفهومه.
(قيل
: التحويل هي الصورة) :
نسبه إلى القيل؛ إذ الصورة هي الهيئة الحاصلة من التحويل لا نفس
التحويل ، وإلاّ لكان المعرَّف المركب نفس صورته فقط. فالصواب أن يقال : إنّ
التحويل يدلّ على الصورة أيضاً بالالتزام كالفاعل. فعلى هذا يكون المراد بـ : (الاشتمال)
: الانتقال في الجملة صريحاً على بعض ، وضمناً على بعض آخَر. وأحسن التعريفات ما يشتمل على
العلل الأربع للمعرَّف؛ فقوله : (ثمّ التعريف اه) إشارةٌ إلى هذا.
(لكنّه
في التحقيق اه) :
لأنّ الواضع هو
المخترع لذلك والباقون سلكوا سبيله.
__________________
(لأنّه
هو الذي حوّل) :
أي : اخترع
التحويل.
(ولم
يجعل كلاًّ من الأمثلة) :
أي : لم يحكم
بجعل كلّ واحد منها صيغةً برأسها كما جعلوا كلاًّ من لفظ (زيد) و (عمرو) و (بكر) مثلاً صيغةً برأسها بدون اشتقاق.
(أدخلُ
في المناسبة) :
لاتّحاد حقيقة
معانيها ومادّة ألفاظها فالأولى أن يجعل كلاًّ منها متولّداً عن الآخر.
(وأقربُ
إلى الضَّبط) :
إذ لو لم يكن
ذلك لاحتَجنا لكلّ لفظ من ذلك المشتقّات إلى سماعه (سماع) معناه من العرب فعسُر
الضبط. وأمّا إذا كان كذلك ، فلا؛ لأنّا إذا سمعنا لفظ المصدر ومعناه ، نفهم منه
ألفاظ البواقي ومعانيها بالقياس ، فتأمّل.
(ليصحَّ
على المذهبَين) :
__________________
قيل : (لايشْمَلُ
هذه العبارةُ المذهبين؛ لأنّ مفهوم الفعل متعدِّد). أقول قد عرفتَ معنى الوحدة التي أراد من ذلك ، فلا يرد هذا
الإيراد.
(فإنّ
الكوفيين) :
لمّا فُهم من
قوله : (على المذهبين) أنّ للمذهب المشهور ، أي : مذهب البصريّين ، مخالفاً وكان غيرَ مشهور بل ربما لم يسمعه المبتدئ؛ عَلَّلَ
ثبوت المخالف بقوله : (فإنّ الكوفيّين اه).
(كما
أنّ اه) :
الأولى أن يقال
: كما أنّ الأب قد يتَعَلَّم من ابنه مع أنّه غير مأخوذ وحاصل من الإبن ، لكنّه
لمّا أراد التمثيل بالأمثلة والصيغ ، مثَّل بما ذكر.
(وتأخير
الفعل اه) :
كأنّه قدّر أنّ
قائلاً من قِبَل الكوفيّين سأل عن البصريّين : أنّ الفعل لو كان مؤخَّراً عن ذات
المصدر ـ كما زعمتُم ـ لكان مؤخَّراً عن إعلاله أيضاً؛ إذ ذاته ملزوم للإعلال ، فكيف
يمكن أن يكون إعلال المصدر مؤخَّراً عن إعلال الفعل؟ فأجاب بأنّ تأخير الفعل عن
نفس المصدر لاينافي كون إعلال المصدر مؤخَّراً عن إعلاله؛ لأنّ إعلال المصدر غير
لازم لذاته بل يجوز أن يوجد المصدر بلا إعلال ثمّ
__________________
أوجد منه الفعل وأعلّ ، ثمّ أعلّ المصدر؛ تبعاً لإعلاله.
(فتأمّل)
:
إشارةٌ إلى ما
ذكرنا من التعليل للجواب. ويحتمل أن يكون إشارة إلى ضعف الجواب بأنّ المصدر
المُعَلّ لم يستعمل إلاّ مُعَلاًّ فيكون إعلاله لازماً لذاته فلم يرتفع السؤال
بهذا الجواب. ويمكن أن يقال : المراد بالتقدُّم والتأخُّر في الاشتقاق والإعلال ، ما
وقع في الذهن بحسب الملاحظة لا ما وقع في الخارج ، فزال الضعف المذكور. ويدلّ على
هذا ، حكمهم بأنّ عدم إعلال المصدر فرعٌ لعدم إعلال الفعل أيضاً.
(المصدر
المجرَّد) :
في بعض النسخ
لفظ (المصدر) بالإضافة ، والمعنى : (مصدر الفعل الذي هو المجرَّد) وإن كان نفس
المصدر مزيداً فيه ، وفي بعضها باللام ، والمعنى :
__________________
(المصدر المجرَّد فعلُه) ، أو : (المصدر المجرَّد إصطلاحاً) فلايخرج منه
المصادر المشتملة على الزيادة ، كـ : (غُفران).
(فإن
قلت) :
منشأ هذا السؤال توهّم كون المصدر أصلاً لجميع المشتقّات بلا
واسطة. وحاصل الجواب : أنّه أصل لها مطلقاً.
(فهذا
أقرب) :
أي : أقرب من
التعليل الأوّل؛ لابتنائه إمّا على كون المصنّف شاكّاً بين المذهبين ، أو مفيد لما
هو الحقّ عنده على نحو الإبهام من غير فائدة ظاهرة مع عدم شمول الأصل الواحد لمطلق
المشتقّ منه. اللهمّ إلاّ أن يراد بالمصدر المعبَّر عنه بـ : (الأصل الواحد) : المصدر
بالمعنى الأعمّ ، لكن لو صحّ هذا ، لوَرَدَ عليه أنّه ينبغي أن يقول في أوّل الأمر
بلفظ المصدر وأراد به المعنى الأعمّ. هذا ولايبعد أن يكون وجه الاختيار هو الإشارة
على المذهبين والتعميم المذكور معاً.
(فهذا
أوان) :
__________________
الأوان ، وجمعه آوِنة.
(ثمّ
الفعل) :
الجملة عطفٌ
على جملة (أنّ) ، فيكون لفظ (الفعل) منصوباً ، أو على (أنّ) مع جملتها فيكون
مرفوعاً. ولايصحّ عطفها على جملة (اعلم) ؛ لامتناع عطف الإخبار على الإنشاء على
المشهور. وإنّما عطف بـ : (ثمّ) دون (الواو) ؛ إشارةً إلى أنّ
الحقيق بعد تعريف التصريف هو بيان انقسام الكلمة إلى أقسامها الثلاثة ثمّ بيان
انقسام الفعل الذي هو قسمٌ منها.
__________________
(وأمّا
بالفتح) :
في الصحاح : (الفَعْل
بالفتح مصدرُ فَعَلَ ، وبالكسر اسمٌ) انتهى.
(عن
قبول ما يتطرَّق) :
متعلّق بقوله :
(الضَّعْف) على تضمين معنى العجز ، أو بمقدّر حال عن (الضَّعْف) ، أي : ناشياً عن
قبول.
(حَطّاً)
:
أيُّ : انحطاطاً.
وخسّةً ، أو حطّ الواضع لرتبته ، أو المعنى إفهاماً لحطّها وخسّتها. والمفعول له
حصوليّ أو تحصيليّ.
(والفاعل)
:
أي : فاعل ما.
ودلالته عليه بواسطة دلالته على النسبة الدالّة عليه.
(هذا
تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره) :
__________________
قيل : (أو
تقسيم الشيء إلى غيره وإلى نفسه).
(لأنّ
مورد القسمة فعل) :
(المَوْرِد)
بفتح الميم اسم مكان ، فمورد القِسمة بمعنى المَقْسَم. وهذا الإيراد شبهةٌ يمكن أن يورد على كلّ تقسيم ولا
اختصاصَ له بتقسيم المصنّف.
(وكلُّ
فعل اه) :
فإن قيل : هذه
المقدّمة باطلة؛ لأنّها تستلزم تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره بعين ما ذكره
المعترض ، وببطلانها يبطل الاعتراض وتصير التقسيم سالماً منه.
قلت : كلام
المعترض قياس جدليّ لا برهان ، فله أن يقول : (عندي كلّ تقسيم باطل ، فعندكم إن
كان كذلك فقد اعترفتم ببطلان تقسيمكم ، وإن كان بعض التقاسيم صحيحاً فصحّته
مستلزمة لتقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره فيلزم أن يكون باطلاً أيضاً).
(لأنّا
نقول) :
بناء هذا
الكلام إلى قوله : (والتحقيق) على بيان إثبات المطلوب المستلزم لبطلان دليل
المعترض من غير تعرّض؛ لأنّ فساد دليل المعترض من أيّ
__________________
وجه ، بناء قوله : (والتحقيق) على بيان وجه فساد دليل المعترض أوّلاً
وبالذات ، وعلى بيان إثبات المطلوب ثانياً وبالعرض.
(والتحقيق)
:
حاصله : أنّ
الأوسط في القياس غير مكرّر؛ لأنّ المراد منه في الصغرى المفهوم وفي الكبرى المصداق ، فلا يلزم النتيجة.
أقول : فيه نظر؛
لأنّ المعبَّر في تكرار الأوسط اتّحاده في المقدّمتين مفهوماً ومصداقاً ، لا من
حيث الإرادة وإلاّ لزم :
أن يكون الشكل
الأوّل والرابع بجميع ضروبهما عقيمين؛ لأنّ المراد من الموضوع في كلّ قضية هو
المصداق ومن المحمول المفهوم ، كما تُقُرّر في محلّه.
ولزم أن يكون
كبرى قياس المعترض باطلة؛ لأنّ المراد من (الفعل) فيها إنّما هو المصداق؛ لما
ذكرنا ، فينبغي أن يتفرّع عدم لزوم النتيجة على بطلان الكبرى الذي هو أشدّ فساداً
من عدم تكرار الأوسط.
__________________
وأنا أقول : قياس المعترض منتج بلا شبهة ، وليس وجه فساده
عدم لزوم النتيجة ، بل خبطٌ وقع له حيث خَلَطَ المفهوم المردَّد الذي هو النتيجة
بالمفهوم المعيّن؛ فإنّ النتيجة مفهوم مردَّد ذهني لايتحقّق في الخارج إلاّ بعد اتّحاده
، والمعترض خلط الأوّل بالثاني ، حيث قال : (و أياً ما كان اه).
ثمّ لا يخفى
عليك أنّ المفهوم المردّد المذكور أخصّ من (مطلق الفعل)الذي ذكره الشارح أنّه المراد من المقسم؛ لاعتبار
الأقسام على نحو الإبهام في هذا دون ذلك ، لكنّه أعمّ ممّا خلط المعترض به من
الأقسام. نعم يصحّ التقسيم على حمل المقسم على كلّ من المعنيين لكنّ نتيجة قياس
المعترض إنّما هو المفهوم المردَّد لا المطلق ، فافهم فإنّه دقيق.
(أي
: من الثلاثي والرباعي) :
التفسير إشارة
إلى أنّ المراد : نفس الثلاثيّ والرباعيّ لا من حيث أنّه ذو ثلاثة أحرف أو أربعة
أحرف كما هو مقتضى إيراد الضمير دون اسم الإشارة لما ذكرنا آنفاً ، وإلاّ لزم أن
يكون مخصوصين بالمجرّد ويكون تقسيمهما إلى المجرّد
__________________
والمزيد فيه تقسيماً للشيء إلى نفسه وإلى غيره.
(إمّا
أن يكون باقياً) :
أي : ليس
زائداً على حروفه الأصلية ، سواء كان ناقصاً عنها أم لا ، فلايخرج نحو : (قُلْ) و
(بِعْ) من المجرّد.
(فالأوّل
هو : المجرّد) :
فيه نظر؛ إذ
يلزم على هذا التعليل أن يكون المجرّد منحصراً بصيغة واحدة ، نحو : (ضَرَبَ).
وأجيب بأنّ المراد بـ : (الإبقاء على الحروف الأصلية) : عدمُ انضمام حرف مغيّر
بجوهر معنى مصدره ، وإلاّ أقول مرادهم بـ : (المجرّد) : المجرّد في الجملة ، أي : في
بعض الصيغ. وبـ : (المزيد فيه) : المزيد فيه في جميع الصيغ ، فيكون المراد من قوله
(باقياً على حروفه الأصلية) : الباقي في الجملة ، فلا إشكال.
(أي
: من هذه الأربعة) :
التفسير لما
تقدّم ولئلاّ يتوهّم أنّ الضمير مثنّى عائدٌ إلى المجرّد والمزيد فيه
فإن قلت : لم
لايجوز أن يكون الضمير مثنّى عائداً إلى المذكورَين؟
قلت : لأنّه لو
كان كذلك لم يلزم انقسامُ كلّ من الثلاثيّ والرباعيّ إلى السالم
__________________
و غيره؛ إذ لم ينقسم أحدهما إلى القسمين دون الآخر؛ لصدق أنّ كلَّ واحد من
المجرّد والمزيد فيه إمّا سالم أو غير سالم ، مع احتمال أنّ الضمير وجد بلفظ
المؤنّث في نسخة الأصل.
(فسالمٌ)
:
ويرادفه
(الصحيح). وقد يطلق (الصحيح) على السالم من حروف العلّة مطلقاً ،
فيكون أعمّ من السالم.
(ونعني
بالسالم) :
لمّا لم يكن في
المقصود من (الثلاثيّ) و (الرباعيّ) و (المجرّد) و (المزيد) فيه خفاء بخلاف (السالم) وغيره ، صرّح بالمقصود من (السالم)
ليزول الخفاء عنهما.
__________________
(في
صِناعة التّصريف) :
أي : لا في
اللغة؛ فإنّ السالم في اللغة بمعنى (الخالي) مطلقاً ، كما في قوله فقط
(سَلِمَتْ)؛ فإنّه بمعنى : خَلَتْ. وعلى هذا لايلزم مِن أخذ قوله : (سَلِمَتْ) في
تعريف السالم ، تعريف الشيء بالمجهول.
(وهي
... الألف) :
أي : الألف
المنقلبة عن الواو والياء؛ فإنّ مطلق الألف ليس حرفَ علّة كما صرّحوا به.
(ليُخرِجَ
به اه) :
__________________
الأحسن في
العبارة أن يقول : (ليُخرِجَ عنه نحوَ : كلْ ومُرْ وقُلْ وبِعْ ومَسْتُ وظَلْتُ
بحذف أحد حرفَي التضعيف؛ فإنّها غير سالمة لوجود الهمزة وحرف العلّة والتضعيف فيها
في الأصل ، وليُدخِلَ) إلى آخر ما ذكره.
(وكذا
ما أُبدِلَ أحدُ حروفه) :
هذا كـ : (فَلْيٌ)
إن قلنا أنّ أصله : (فَلْذٌ).
(عن
التغييرات الكثيرة) :
احترازٌ عن
(التغييرات القليلة) إذ هي تجري في السالم أيضاً.
(وأشار
بقوله اه) :
جعل الشارح
قولَ المصنّف : (تُقابَل) تفسيرَ (الحروف الأصلية) ، وعلى هذا يحدث الإشكال في
كلام المصنّف من وجهين :
الأوّل : إنّ تعريف الحروف الأصلية غير مانع؛ لدخول الزائد في
نحو : (جَلْبَبَ) و (فَرَّحَ) و (اِعْشَوشَبَ) ، ممّا عبّر عنه بالعين أو اللام في
التعريف.
__________________
الثاني : تعريف السالم غير جامع؛ لخروج أمثال تلك الأمثلة عنه.
والشارح قد أعرف
بورود بعض هذين الأمرين وأنكر بعضاً آخر حيث حكم أن التقييد بالأصلية؛
ليدخل في السالم نحو : (أكرَمَ) و (اِعْشَوْشَبَ) (اِحْمارَّ) ، غافلاً عن أنّها
يخرج عن السالم بسبب تفسيره الحروفَ الأصلية بما ذكر. اللهمّ إلاّ أن يقال مراده
أنّ دخول هذه الأمثلة في تعريف السا [لم] بقيد الحروف بالأصلية بالمعنى الذي لها
في الواقع لا بالتفسير الذي ذكره المصنّف.
وأنا أقول ليس
قوله : (تقابل) لتفسير (الأصلية) بل هو وصف مخصِّصٌ آخر للحروف كـ : (الأصلية) فإنّ المراد بـ : (الأصلية) : ما يقابل (المزيدة).
ولمّا كان هذا شاملاً لحروف ثلاث قبل الاعتلال وبعده ، خصّصه بقوله : (تقابل اه)
بالثابت قبل الإعلال؛ لأنّه المراد ههنا. فبقيد (الأصلية) خرج نحو : (وَعَدَ) و (قالَ)
و (رمى). ودخل نحو : (اِعْشَوْشَبَ) و (اِحْمَرَّ) و (جَلْبَبَ). وبقيد (التقابل)
خرج نحو : (قُلْ) و (بِعْ) وما أبدل حرفه العلّة بحرف الصحيح بحرف العلّة ، فلا
إشكال في كلام المصنّف.
(لأنّه
أعم) :
يعني لمّا
أرادوا أن يوضعوا ميزاناً يشترك بين جميع الموزونات ، اختاروا
__________________
لأجزائه حروفاً يحصل من تركيبها معنى يشترك بين أكثر الموزونات الواقعة.
(لخفّته)
:
أي : بالنسبة
إلى (جعل) فإنّ التلفّظ بالفاء أسهل من التلفّظ بالجيم.
(وفي
بعض اه) :
هذه النسخة غير
ملائمة من وجوه :
الأوّل : ما
ذكره الشيخ من المنافات.
__________________
الثاني : عدم
اختصاص الأبواب الستّة بالسالم.
الثالث : عدم
ذكر الأقسام الأربعة الأخر في الكتاب؛ إذ على تقدير هذا القيد يكون المقصود ذكر
الأقسام الثمانية والمذكور أربعة أقسام منها.
(لما
سنذكره) :
وهو ما ذكره في
مبحث المبنيّ للفاعل من الماضي بقوله : (أمّا الحركة) ، أي : أمّا بناء الماضي على
الحركة [فـ] لمشابهته الاسمَ مشابهةً ما في وقوعه موقعه ، نحو : (ضَرَبَ
زيدٌ) و (زيدٌ ضارِبٌ) ، وأمّا الفتح فلخفّته فقوله : (لما سنذكره) تعليل لاختيار الفتح من بين السكون والحركات لا لاختيار من بين
الحركات فقط حتّى يرد عليه : أنّه لو قال بدل قوله (لما سنذكر [ه]) : (لخفّته) ، لكان أنفَد وأخصَر.
(لضرب
من الخفّة) :
وذلك لثِقَل
حرف الحلق.
__________________
(ويجيء) :
في بعض النسخ :
(وقد يجيء) بلفظ (قد) ، وعلى هذه النسخة لو جعل الفعل مع (قد) بمنزلة الجزاء للشرط
لم يتوهّم ورود النقص بـ : (دَخَلَ) وأمثاله أصلاً.
(ليقاوِمَ
حرفُ الحلق فتحةَ العين) :
(حرف الحلق)
فاعل (يقاوم) و (فتحة العين) مفعوله ، وحاصل التعليل :
__________________
إنّ اشتراط الفتحة بحرف الحلق للتقوية. وقد يتوهّم من ظاهر معنى (المقاومة)
أنّ التركيب على عكس ذلك ، وحاصل التعليل أنّ الاشتراط المذكور للتخفيف. وفيه
نظر؛ لأنّ هذا إنّما يصحّ لو كان حرف الحلق مشروطاً بالفتحة لا بالعكس كما فيما
نحن فيه.
(ثمّ
استَشْعَرَ) :
أي : تذكّر.
(فلا
يرد نقضاً) :
__________________
أي : ناقضاً
للقاعدة المرتَّبة. و (النقض) مخالفةُ جزئيّ الكلية في حكمه الشامل لجميع جزئياته.
(ولهذا
لم يذكر) :
أي : لعدم كونه
من حروف الحلق ، أو لعدم إمكان وجود الفتح لسببه ، أو لكليهما معاً. وقوله : (إذ
هي) مع إيراد اسم الإشارة بلفظ القريب يؤيّد الثاني.
(وأمّا
فَضِلَ يفْضُلُ اه) :
__________________
الاحتمالات
العقلية للأبواب الثلاثي المجرّد التسعة. حاصله من ضرب حركات عين الماضي في حركات
عين المستقبل. ستّةٌ منها هي المذكورة في الكتاب ، وأمّا الثلاثة الباقية :
فالأوّل من
(فَعِلَ) بالكسر وهو : فَعِلَ يفْعُلُ بالضمّ.
والثاني
والثالث من (فَعُلَ) بالضمّ ، وهما : فَعُلَ يفْعلُ بالفتح أو الكسر.
وقد جاء
الأوّلان ، مثل : (نَعِمَ ينْعُمُ) و (كُدْتَ ـ بضمّ الكاف ـ تَكادُ) ، وأمثالها.
ولم يذكرهما المصنّف؛ لكونهما محمولين على التداخل. ولم يذكر
__________________
الثالث؛ لعدم كونه مسموعاً وليس كذلك.
(موضوع
للصفات اللازمة) :
أي : غير
المنفكّة من موصوفها غالباً. والمراد بـ : (الصفات اللازمة) (أفعال الطبائع)
شيءٌ واحد ، إلاّ أنّه عبّر عنها بالأُولى عند تعليل كون هذا الباب مضموم العين في
الماضي والمضارع ، وعبّر عنها بالثانية عند تعليل كون هذا الباب لازماً دائماً؛
لأنّ الضمّ في الماضي والمضارع بالاعتبار الأوّل ، واللزوم بالاعتبار الثاني.
(للتناسب)
:
لأنّ انضمام
الشفتين مستلزم للزومها.
(والأصل
: رَحُبَتْ بك الدّارُ) :
هذا إمّا في موقع التعليل المشذوذ ، فالشذوذ في حذف الباء حقيقةً.
__________________
ويحتمل أن يكون جواباً آخر عن السؤال المقدّر المجاب بقوله : (وشذّ).
(ويلحَقُ
به) :
لابدّ فيما بين
الملحق والملحق به من أمر مشترك بينهما وأمر مختصّ بكلّ منهما :
أمّا الأوّل : فهو
اتّحادهما في المصدر من حيث السكنات وأنواع الحركات ، وإن كان المعبّر به في
كلّ منهما غير المعبّر به في الآخر؛ ولهذا لم يحكم بإلحاق (أكرَمَ) و (فَرَّحَ) و
(قاتَلَ) بـ : (دَحْرَجَ). وحُكم بإلحاق (تَفَعَّلَ) و (تَفاعَلَ) بـ : (تَدَحْرَجَ).
__________________
وأمّا الثاني :
فهو كون أصول الملحق به أزيد وأصول الملحق أنقص.
(ودليل
الإلحاق) :
أي : ما يدلّهم
وهداهم إلى أنّ هذا يلحق بذاك ، وليس باباً برأسه هو مشاهدتهم اتّحاد مصدره معه
فيما ذكرنا.
(لئلاّ
يلزم اه) :
تعليل الحصر
المستفاد من السكوت في معرض البيان ، أي : (لأنّ الزائد فيه إمّا واحد أو اثنان أو
ثلاثة ، لا غير).
(سألتُمُونِيها)
:
قد رُكّب من
هذه الحروف كلاماتٌ : (سألتُمُونِيها) و (يا أَوْسُ هَلْ نِمْتَ)
و (لم يأتِنا
سَهْوٌ) و (هُم يتَسائَلُونَ) و (ما سَأَلْتَ يهُونُ) و (التمسنا هَواي)
و (هَوِيتُ
السِّمانَ) و (أمانٌ وتَسهيلٌ).
__________________
وههنا أقوال
مليحة يناسب ذكرها في هذا المقام :
منها : ما حُكي
أنّ المُبَرَّد سأل المازِني عن (حروف الزيادة) فأنشد المازني هذا البيت :
هَوِيتُ
السِّمانَ فَشَيبْنَنِي
|
|
وَقَد كنْتُ
قِدْماً هَوِيتُ السِّمانَا
|
فقال المبرِّد
: أنا سألتُك عن حروف الزيادة وأنت تُنْشِدني الشعر؟! فقال المازني : إنّي
أجَبْتُك مرّتين.
__________________
ومنها : ما
أشار به الشاعر إلى (حروف الزيادة) وقال :
سَألتُ
الحروفَ الزائداتِ عن اسمها
|
|
فقال ولم
يبخَلْ : أمانٌ وتسهيل
|
ومنها : ما
حُكي أنّ تلميذاً سأل شيخه عن (حروف الزيادة) ، فقال الشيخ : (سألتُمونيها). فظنّ
التلميذ أنّه أحاله على ما أجابهم به من قبل. فقال : ما سألناك إلاّ هذه
الكرّة. فقال الشيخ : (اليوم تَنساه). فقال : والله لا أنساه. فقال الشيخ : يا
أحمقُ! قد أجَبْتُك مرّتين وما فهمتَ!
(بزيادة
الهمزة) :
__________________
بَيّنَ الزيادة
في كلّ باب مفصَّلاً توضيحاً لمطابقة الجزئيات ، فكلّياتها التي هي الأقسام
الثلاثة. وكذا ما ذكره في أبواب المزيدة للرباعيّ إلاّ أنّه ترك هناك ذِكر كونها
على قسمين؛ لوضوح ذلك.
(ولصيرورة
الشيء منسوباً إلى ما اشتُقَّ منه الفعلُ) :
أي : قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على أنّها منسوبة إلى ما يتحمّل فاعلاً له ، نحو : (أغَدَّ
البعيرُ) فإنّه مشتقّ من الغُدّة ، وهو بالفارسية : پينه؛ ليدلّ
على أنّها منسوبة إلى البعير. والأولى أن يقول : (منسوباً إليه ما اشتقّ منه
الفعل)؛ لأنّ (المنسوب) كثيراً ما يطلق على الوصف ، كـ : (الغدّة) و (المنسوب
إليه) على الذات ، كـ : (البعير). لكنّه جرى على أنّ (النسبة) أمر بين الشيئين
يمكن أن يطلق على كلّ منهما المنسوب والمنسوب إليه باعتبارين. ولايبعد أن يحمل
عبارته على القلب فيؤوّل على ما ذكرنا.
ولم يقل : (منسوباً
إلى المصدر) لعدم لزوم ذلك؛ فإنّ الاشتقاق على
__________________
ضربين :
تحقيقيّ : وهو
ما يؤُول إلى المصدر المجرّد ، كاشتقاق ما يشتقّ من (الضَّرْب) و
(القَتْل) ونحوهما.
وجعليّ : وهو
ما يؤُول إلى اسم عين باعتبارِ وصف من أوصافه ، كاشتقاق (تَمَرَ)
و (لَبَنَ) و (بَقَلَ) أفعالاً ، و (تامِر) و (لابِن) و (باقِل) من التَّمْر
واللَّبَن والبَقْل. وكذا اشتقاق (أغَدَّ) و (جَلْبَبَ) و (جَوْرَبَ) ونحو ذلك.
وقد نُسِب إلى مولانا ومقتدانا وأوّل إمامنا ووارث نبيّنا عليّ عليه وعلى آله
السلام أنّه قال : (ما تسبت سَمّكتُ قطّ ، وما تربع لبّنتُ قطّ ، وما تعمّم قعدتُ
قطّ ، وما تسرول قمتُ قطّ). أي : ما وقع يوم سبت أربعاً أكلتُ السمكة وشرِبتُ
اللّبن ، وما صدر منّي لُبْس عِمامة وسَراويل في حال القعود والقيام.
والقسم الثاني
من الاشتقاق ، قياسيٌّ.
(ومنه
أصْبَحنا وأمْسَينا) :
غيرَ سياق
العطف بقوله : (و منه) إشارةً إلى أنّ المعتبر في هذين المثالين نسبة الظرفية
والمظروفية وأنّ المشتق منه محلّ للفاعل بخلاف المثال السابق ،
__________________
لكنّهما يشاركان في مطلق النسبة ، وإلى هذا أشار بقوله : (لأنّه بمنزلة صِرنا ذوي صَباح).
(ولوجود
الشيء على صفة) :
يعني قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على وجدان فاعله مفعولَه حاصلاً على معناها ، نحو : (أحمَدْتُه)
، أي : (وَجَدْتُه محموداً). ومعناه مغايرٌ لمعنى قوله : (حَمَدْتُه) لاحتماله
وجده محموداً بحمد غير المتكلّم مثلاً ، ولعدم لزوم كون محموديته في الزمان
الماضي ، ولأنّه إخبار بالعلم بمحموديته أوّلاً وبالذات ، وبمحموديته ثانياً وبالعرض
بخلاف (حَمَدْتُه). فعلى ما قرّرنا أراد بـ : (الوجود) : الوِجدان.
(وللسلب)
:
يعني تنقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على سلب معناها عن مفعوله ، نحو : (أعجمتُ الكتاب) ، أي : (أزَلتُ عُجمتَه) ، أي : لَفظْتُه.
(وللتعريض
للأمر) :
يعني قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على أنّ فاعله أبرز مفعوله للغير؛
__________________
كي يعرض عليه معناها ، نحو : (أباع الجارية) ، أي : أظهرها للنّاس ليقع عليها البيع.
(لأنّ
الزيادة بالآخر أولى) :
قيل عليه : (إنّه
مستلزم للحكم بزيادة الحرف أو الحركة معاً). وردّ بأنّ حركة العين قد نقلت إلى هذا الحرف.
(وهو
للتكثير في الفعل) :
اعلم أنّ تكثير
الفعل لايستلزم تكثيرَ الفاعل والمفعول ، وتكثيرهما في الغالب يستلزم تكثيرَه وقد لايستلزم ، كما إذا كسر قومٌ كوزاً بضربهم خشباً
__________________
واحداً دفعةً عليه فالتكثير إذ اختصّ بالفعل سمّي بتكثير الفعل ، وإذ
اشترك بين الفعل والفاعل أو الفعل والمفعول أو اختصّ بأحد الأخيرين سمّي بتكثير
الفاعل أو المفعول. وكلّ من تكثير الفاعل والمفعول غير مستلزم للآخر. والحاجة إلى
تغيير الفعل من المجرّد إلى المزيد فيه للدلالة على تكثير الفاعل أو المفعول ، إنّما
هو فيما إذا كان تكثريهما مستلزماً لتكثيره. وأمّا إذا لم يكن كذلك فيدلّ على تكثيرهما بنقل
صيغتهما من الإفراد إلى الجمع فقط. وإنّما سمّي التكثير المشترك بتكثير الفاعل أو
المفعول لعروضه عليهما أوّلاً وبالذات ، وعلى الفعل ثانياً وبالعرض.
(إلى
أصل الفعل) :
إن كان المراد
بـ : (الفعل) : الحدث ، أي : المصدر؛ فالإضافة بيانية. وإن كان المراد [بـ : (الفعل)]
: المعنى المصطلح ، فالمراد بـ : (الأصل) : المصدر؛ والإضافة لامية. وتوجيه النسبة كما مرّ.
(ومَن
قال اه) :
__________________
للمفاعلة أربعة
مصادر ، اثنان منها شائعان وهما ما ذكره المصنّف. والثالث : (فِيعال) بالياء وهو
على لغةِ مَن قال في مصدر التفعيل : (فِعّال) بالتشديد. والرابع : (فِعّال) بالكسر
والتشديد ، نحو : (مِرّاء). ولم يتعرّض لهما المصنّف لعدم شيوعهما.
(تأسيسُه) :
أي : أصله في
الوضع.
(يفعل
أحدُهما اه) :
أي : يكون كلّ
منهما فاعلاً ومفعولاً للآخر لكن اعتُبر في اللفظ فاعلية أحدهما ومفعولية الآخر. ووجه تعبير واحد معين للفاعلية والآخر للمفعولية إمّا
غلبته في أخذ الوصفين حقيقةً ، أو ادّعاءاً ، أو سبقةً فيه ، أو نحو ذلك.
(بمعنى
فَعَّلَ) :
أي : بمعناه المستعمل
هو فيه غالباً وهو التكثير ، وكذا قوله : (بمعنى
__________________
أفْعَلَ).
(نحو
: عافاك الله) :
فإنّ العفو
لازم بنفسه وصار بنقله إلى المفاعلة متعدّياً.
(وهو
لمطاوعة فَعَلَ) :
أي : قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على حدث هو قبول مفعول فعله المجرّد الأثر الصادر عن
فاعله ، فيصير بهذا أنقص من مجرّده بمفعول واحد إذا
__________________
كان متعدّياً ، وإذا كان لازماً فالفرق بينه وبين مجرّده دقيق تطلب في حواشينا على السيوطي.
(وللتكلُّف)
:
أي : وقد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على حمل فاعله معناها بالمشقّة ، نحو : (تَحَلَّمَ) ،
أي : حَمَلَ الحِلْمَ بالمشقّة.
(ولاتّخاذ
الفاعلِ اه) :
أي : قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ ليدلّ على أنّ فاعله جعل مفعوله مصداقاً لها ، نحو : (توسّدتُه) فإنّه مشتق من (الوِسادة) وهي
بالفارسية : (بالِش)
__________________
للدلالة على أنّ فاعله جعل مفعوله وِسادةً.
(وللدلالة) :
أي : قد ينقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ لتدلّ على أنّ فاعله باعد مصداقَها ، نحو : (تَهَجَّدَ)
فإنّه مشتقّ من الهُجُود وهو بالفارسية : (لبس) (كذا) ليدلّ على أنّ فاعله باعده ، وهذا كناية من الاستيقاظ
في الليل. وهذا المعنى نظر للسَّلب فيما سبق ، فقوله (أي : جانَبَ الهُجُود) معناه : (باعَدَ).
(للدلالة
على حصول الفعل) :
لو قال : (ولتكرير
الفعل) لكان أخصر.
(وعلى
هذا القياس) :
__________________
أي : قياس كون التفاعل ذا مفعولين إذا كان المفاعلة ذات
ثلاثة مفاعيل ، أو قياس ما لم يذكر من الأمثلة على ما ذُكر.
(وللطلب)
:
أي : لطلب
الفاعل من الغير أن يثبت له أصل الفعل.
(وذلك
لأنّ اه) :
تعليلٌ لقصور
(تَفاعَلَ) من (فاعَلَ) بمفعول واحد ، وإشارةٌ إلى فرق ما يدلّ عليه البابان من
المشاركة. وتوضيح ذلك أنّ كلاًّ من المتعدّد المذكور بين البابين فاعِلٌ ومفعولٌ
للآخر إلاّ أنّ المعتبر في (المفاعلة) فاعلية أحدهما ومفعولية الآخر كما ذكرنا ، وفي
(التفاعُل) فاعليتهما فقط ، وإذا اعتبر في (التفاعُل) فاعلية ما اعتبر في
(المفاعلة) فاعلية ومفعولية كما ذكرنا ، صار (التفاعُل) أنقص من (المفاعلة) بمفعول
واحد. وليعلم أنّ الأولى أن يبنى (التفاعُل) للمشاركين إذا لم يرجّح فاعلية أحدهما
على الآخر كما ذكرنا.
ثمّ اعلم أنّ
الشركة لازمة لبعض المعاني ، كـ : (الشركة) و (الصف) دون بعض ، كـ : (الضَّرْب) و
(الإكرام).
__________________
(وللتكلُّف) :
الأولى أن
يعبّر عنه ههنا بـ : (النسبة) كما عبّر به بعض المحقّقين. المشقّة في نسبة الجهل إلى النفس إمّا باعتبار كونه
خلاف الواقع ، أو لكونه قبيحاً عقلاً وشرعاً.
(والفرق)
:
حاصله : أنّ
النسبة في (التفعُّل) مطابقة للواقع ، وفي (التفاعُل) مخالفة له ولا يسعى لوجوده
له ولايحصل له.
(يطلب
وجودَ الحِلْم) :
أي : يسعى
لوجوده له ، يعني أنّ أصل الفعل لايحصل في الفاعل بسهولة ومن غير مشقّة في التكلُّف
في البابين إلاّ أنّ الفاعل في باب (التفعُّل) يسعى لوجود أصل الفعل لنفسه ويتحمّل
المشقّة في ذلك ويحصل له بمشقّة ، وأمّا في باب (التفاعُل) فلا يسعى الفاعل لذلك
ولايحصل له في الحقيقة بل إنّما أظهر وجودَه له.
(ولهذا
لا يكون اه) :
__________________
لا يخفى عليك
أنّ هذا التعليل ليس بصحيح إلاّ أن يكون مراده بقوله (و هو لمطاوعة فَعَلَ) : أنّه
لايستعمل إلاّ في مطاوعة فَعَلَ المتعدّي إلى واحد ، يعني لايستعمل في غير
المطاوعة ، ولا في مطاوعة غير فَعَلَ ، ولا في مطاوعة فَعَلَ المتعدّي إلى أكثر من
واحد. ويكون وجهه عدم سماعه لغير ذلك. وممّا يدلّ على إرادة الحصر المذكور قوله : (و مجيئه
لمطاوعة أفْعَلَ اه) ، وقوله : (لمّا خصّوه بالمطاوعة).
(ولا
يبنى إلاّ ممّا فيه عِلاج وتأثير) :
(التأثير)
عبارة عن (التغيير) ، وهي على ثلاثة أقسام :
__________________
الأوّل : أن
يكون تغييراً في وجود الشيء إلى العدم ، نحو : (اِنْعَدَمَ).
الثاني : أن
يكون تأثيراً في وصف نفس الشيء فقط ، نحو : (اِنْعَلَمَ).
الثالث : التأثير
في وصف جسم الشيء ، أي سواء كان له نفس أم لا ، وسواء غيّر وصف نفسه على
فرض كونه ذا نفس أم لا ، نحو : (اِنْكسَرَ).
والمراد بـ : (العِلاج)
هو القسم الأخير وهو أظهر الأقسام ، أمّا من القسم الثاني فقط فظاهر ، وأمّا من
القسم الأوّل فلأنّ التغيير في وصف الشيء مع بقاء موضوعه يبقى في ذكر الناس بالنظر
إلى موضوعه وملاحظتهم إياه بخلاف التغيير في وجود الشيء إلى عدمه؛ فإنّ ملاحظة
الشيء بالنظر يحصل إلى وصفه الخارجي غالباً وحيث عُدم في الخارج عُدم النظر إليه
وصار منسيّاً في الغالب. فعلى ما ذكرنا فيكون المراد بقوله (وتأثير) : تأثير
جسماني.
(لايقال
: اِنْكرَمَ واِنْعَدَمَ) :
لأنّ الأوّل من
القسم الثاني ، والثاني من القسم الأوّل. فما وقع في التصريف من لفظ (الانعدام)
وما يشتقّ منه فهو من المتحدّثات.
__________________
(تقويةً
اه) :
يعني لمّا
خصّوه بالمطاوعة ألزموا أن يكون مخصوصاً بأكمل أفراد المطاوعات وأظهرها؛ تحصيل ما
لا أعمّ منه؛ تلافياً لما خرج عنه من غير المطاوعات. والحاصل أنّه يزيد ليصير سبباً لنقص آخر في أفراده فلا فائدة فيها. قلت : هذا
النقص أقلّ من النقص الأوّل فإذا صارت تلك التقوية جِبارة للنقص الأوّل وباعثة على
النقص الثاني فرجّح الأكثر وأوجد فينتقل على الفائدة فهي مثل ارتكاب أقلّ الصحيحين.
(وللاتّخاذ) :
أي : ليدلّ على
أنّ ما جعل (افتعل) أخذه ، فبين هذا الاتّخاذ والاتّخاذ
__________________
في باب التفعُّل فرقٌ ، فلا تغفل عنه.
(ولزيادة
المبالغة) :
إضافة
(الزيادة) إلى (المبالغة) بيانية. ولايبعد أن يكون لامية باعتبار حصول أصل
المبالغة من زيادة حرف واحدة ، فبزيادة الحرفين يحصل زيادة المبالغة. ويدلّ قوله :
(و اِضْطَرَبَ) عقيب قوله : (بالَغَ) على كونها لامية.
(واضْطَرَبَ
في الكسب) :
أي : سارع
كالمضطرب.
(ويكون
بمعنى فَعَلَ) :
فإن قلت : إن
أراد أنّه بمعنى (فَعَلَ مع إفادة المبالغة) فهو داخلة تحت قوله :
__________________
(ولزيادة المبالغة) فلا فائدة لذكره على حده ، وإن أراد أنّه بمعنى (فَعَلَ
من غير إفادة المبالغة) فهذا ينافي قوله : (إنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة
المعاني).
قلت : المراد
هو الثاني. والدلالة المذكورة فيها إذا قصد من المباني المزيدة معانيها الحقيقة ، وأمّا
إذا أريد منها المعنى المجازي كما فيما نحن فيه ، فلا؛ إذاستعمال المزيد بمعنى المجرّد مجازٌ.
فإن قلت : إذا
أراد الشيخ بيان المعاني لأبواب المزيدة الحقيقة والمجازية فلمَ اكتفى في بعض الأبواب
بالمعنى الحقيقة ، وفي بعضها بها وببعض المعاني المجازية؛ فإنّ معانيها المجازية
كثيرة؟
قلت : لأنّه
أراد بيان المعاني المجازية الواردة عن العرب من استعمال بعض الأبواب في بعض آخر
لا بيان معاني المجازية مطلقاً ولهذا اكتفى بما ذكره.
([وهو
للمبالغة])
:
واعلم أنّهم
قالوا إنّ كلاًّ من الأبواب المزيدة موضوعة للمبالغة فبعضها
__________________
موضوعة لها فقط كالافعلال والافعيلال ، وبعضها موضوعة لها مع غيرها كبعض
الأبواب الأُخَر ، فالمبالغة لاتنقل عنها كلِّها بحسب الوضع.
(وهو
لطلب الفعل) :
إذا عُدّي ما
كان للطلب بحرف أو ظرف ، عُدّي كل من الطلب وأصل الفعل إليه ، فيحتمل تعلُّق ذلك
الفعل بكلّ منهما والتعيين محتاج إلى القرينة ، نحو : (استخرجتُ زيداً عن القوم)
و (استعنتُه يوم الجمعة).
(نحو
: اِسْتَخْرَجْتُه) :
أي : سَعَيتُ
في خروجه ، أو أمرتُ ، أو سألتُ ، أو التمستُ أن يخرج.
(ولإصابة
الشيء على صفة) :
بيان ذلك قد
مرّ في قوله : (أحمدتُه) فارجع إليه ولا تلتفت إلى فريق بينهما.
(وللتحوُّل)
:
أي : قد تنقل
الكلمة إلى هذا الباب؛ ليدلّ على ما يجعل فاعله انقلب عن
__________________
حاله وصار نفس مصداق هذه الكلمة فنحو : (استحجر الطِّينُ) معناه كما أشار
إليه الشارح أنّ الطِّين انقلب عن كونه طِيناً وصار حَجَراً. فالمتحوَّل إليه هو
المشتقّ منه المتحوَّل إمّا على سبيل الحقيقة ، نحو : (استغنى الفقيرُ) ، أو على
سبيل التشبيه ، نحو : (استَنْوَقَ الجَمَلُ) ، أي : صار الجَمَل كالناقة. ونحو : (استحجر
الطِّينُ) يحتملهما.
(ووقع
على القفا) :
وكأنّه احترازٌ
عمّن نام جالساً؛ فإنّ النوم على هذه الهيئة لا يسمّى اسلنقاءاً.
(فلا
وجه لنظمهما) :
__________________
أقول : وجهه
اعتبار كونهما من مزيد الثلاثي.
(لأنّه
يجب) :
أقول : فيه نظر؛
لأنّ المماثلة لازمة مع أصله ولا شك أنّ الأصل يعلّ ويدغم عند وجود شرائطهما فيه فوجب أن يكون الملحق أيضاً كذلك وإلاّ لبطل الإلحاق
والحاصل : أنّ الملحق به ليس هو الصحيح من الأبواب المذكورة فقط بل أعمّ ، فافهم.
__________________
(والفرق
اه) :
هذا جواب عن
سؤال مقدّر ، تقديره : أنّ الملحق لو وجب أن يكون كالملحق به لفظاً فما الفرق
بينهما؟ ومن أين يعلم أنّ أيهما هو الملحق وأيهما هو الملحق به؟ فأجاب بقوله : (و
الفرق اه).
([تنبيه])
:
أي : هذا
مُنبِّه و (التنبيه) يستعمل في صدر مسألة ذُكر موضوعها سابقاً لحكم آخر ، كما فيما نحن فيه؛ فإنّ (الفعل) قد ذُكر سابقاً
محكوماً عليه بقسمته
__________________
إلى الثلاثيّ وغيره ، وههنا يذكر محكوماً عليه بقسمته إلى المتعدّي اللازم.
(فالدّور
مدفوع اه) :
هذا تفريع على
قوله : (أي : يتجاوز) أو على قوله : (فإنّ الفعل الذي هو ضَرَبَ قد جاوز الفاعل
إلى زيد) أو على كلا القولين. ثمّ لايخفى عليك أنّ (المتعدّي) في هذا التعريف
مجاز توقّف معرفته على معرفة قوله : (يتعدّى) لكونها جزء معرّف؛ لمعرفته المتعدّي
، لكن ليس معرفة قوله : (يتعدّى) موقوفة على معرفة المتعدّي؛ لجواز حصولها
بالسَّماع. نعم الجهل بالمتعدّي يستلزم الجهل بقوله : (يتعدّى) فيلزم تعريف الشيء بالمجهول لا
الدَّور. وما أجاب به عنه إنّما هو الجواب عمّا ذكرنا لا عن الدَّور.
(بأنّ
المراد بقوله اه) :
يعني بذلك ـ
وبما هو الظنّ البيّن ـ من أنّ المراد بـ : (المتعدّي) هو المتعدّي الاصطلاحي. ولم
يتعرّض الجزء الثاني؛ لظهوره ، فلايرد عليه أنّ الحكم بكون قوله : (يتعدّى)
بالمعنى اللغوي غير كاف في دفع الدَّور؛ لاحتمال أن يكون المراد بـ : (المتعدّي)
أيضاً معناه اللغوي.
__________________
(ولا
يُعترض) :
يمكن أن يجاب
عن هذا الاعتراض بوجوه :
الأوّل : أنّ
المراد بـ : (المتعدّي) : ما يتجاوز بالفعل ، أو بالقوّة القرينة أي : (؟).
(ولا
يُعترض اه) :
اعترض عن هذا
التعريف بأنّه :
غير مانع؛
لشموله للمتعدّي بحرف الجرّ واللازم المتعدّي بالهمزة والتضعيف.
وغير جامع؛
لخروج المنفيّ المتعدّي عنه.
والجواب عن
الأوّل : أنّ المراد بقوله (يتعدّى) : يتعدّى بنفسه ، كما هو المتبادر والمشمولات المذكورة متعدّيات بالغير.
فإن قلت : المراد
بالمعرَّف هو المتعدّي مطلقاً ، سواء كان متعدّياً بنفسه أو بغيره؛ إذ المراد به
ما يشمل نحو : (أَكرَمَ) و (فَرّحَ) قطعاً ما وهما متعدّيان بالغير ، فلا بأس
لشمول التعريف للمتعدّي بالحرف.
قلت : الفعل
على ثلاثة أقسام :
الأوّل : المتعدّي
بنفسه ، وإليه أشار بتعريف المتعدّي مع المثال.
__________________
والثاني : اللازم
بنفسه فقط ، وإليه أشار بقوله : (و تعديته).
فلو كان الثالث
داخلاً في الأوّل ينبغي أن يذكر عقيبه.
وأيضاً
(المتعدّي) إذا أطلق ، أُريد فيه ما هو المتبادر من معانيه ، أي : المتعدّي [بنفسه].
وأيضاً لو أراد
المعنى الأعمّ ينبغي أن يمثّل القسمين مع أنّه لم يمثّل إلاّ للمتعدّي بنفسه فقط.
وأمّا نحو : (فَرَّحَ) و (أَكرَمَ) فمن المتعدّي بنفسه ، وإنّما المتعدّي بغيره هو
المجرّد منهما المنقول إلى بابيهما ، فافهم.
والجواب عن
الثاني بوجوه :
الأوّل : أنّ
المراد بـ : (المتعدّي) في هذا التعريف : (ما قد يتجاوز إلى المفعول به من غير حدوث
يعتبر في أصل معنى الفعل) ، لا : (ما يتجاوز دائماً) ولا : (ما يتجاوز ما دام
متجاوزاً). ونحو : (ما ضَرَبْتُ) وإن لم يتجاوز حال كونه مدخولاً للنفي إلاّ أنّه
يتجاوز إذا حذف عنه حرف النفي ، كما في نحو : (ضَرَبْتُ زيداً) فالتعريف صادق عليه
وإنّما قلنا : (من غير حدوث يعتبر في أصل معنى الفعل) احترازاً عن نحو : (ذَهَبْتُ)
فإنّه قد يتجاوز ، وهذا فيما إذا قيل : (ذَهَبْتُ بزيد) أو (أَذْهَبْتُه) إلاّ
أنّه محدوث بغير في أصل معنى الفعل.
الثاني : أنّ
المراد بـ : (التجاوز) : أعمّ من تجاوز وجود الفعل ، كما في : (ضربتُ زيداً) أو
تجاوز عدمه ، كما في : (ما ضربتُ زيداً) إلاّ أنّ تجاوز العدم
__________________
بمحض الاعتبار.
الثالث : أنّ
المراد بـ : (المتعدّي) : (ما تجاوز ، سواء بقي على التجاوز أم لا). ولا شك أنّ
(ما ضربتُ) أصله : (ضربتُ) وقد تجاوز ثمّ أزيل تجاوزُه بدخول حرف النفي عليه.
الرابع : أنّ
المراد بـ : (المتعدّي) : (ما تصدر منه التجاوز ، سواء كان هذا التجاوز مقصوداً أم
لا). ولا شك أنّ (ضربتُ زيداً) المشتمل على التجاوز مقصود في (ما ضربتُ) لانّه نفي
إثبات لا نفي محض إلاّ أنّه ليس بمقصود [منه]. نظيره ما إذا قلنا : (عرفتُ العَمى)
فإنّ البصر مقصود في العَمى وليس بمقصود منه.
(وإن
أُريد لفظُ الفاعل والمفعول اه) :
لهذا الكلام
احتمالات :
الأوّل : أنّ
من عرّف المتعدّي بهذا التعريف إن أراد معنى الفاعل أو المفعول ، أي : تجاوُز معنى
الفعل من معنى الفاعل إلى معنى المفعول ، فالجواب ما ذكرنا. وإن أراد لفظها ، أي :
تجاوُز عمل لفظ الفعل من لفظ الفاعل إلى لفظ المفعول ، فالاعتراض مدفوع بلا خفاء؛
لتحقّق تجاوز عمل لفظ الفعل من الفاعل إلى المفعول به في : (ما ضربتُ).
__________________
الثاني : إنّ
المعترض إن أراد أنّ المتعدّي لابدّ أن يتجاوز بحسب المعنى عن الفاعل إلى المفعول
ولا تجاوُز في نحو : (ما ضربتُ زيداً) ، فالجواب ما ذكرنا. وإن أراد أنّه لابدّ أن
يتجاوز عمله بحسب اللفظ منه إليه ولا تجاوز في ذلك ، فهذا مدفوع بلا خفاء؛ لظهور
التجاوز بحسب العمل في ذلك.
الثالث : أنّه
لو أريد في المتعدّي غير ما عرّف ههنا وعرّف بأنّه ما يكون له فاعل ومفعول ، فهذا
الاعتراض مدفوع عنه بلا خفاء؛ لوجود الفاعل والمفعول في نحو : (ما ضربتُ).
(وذلك
عند تساوي الاستعمالين) :
أي : تساويهما
بحسب المعنى والعدد؛ إذ لو لم يتساويا بحسب المعنى ، لم يكن ههنا فعل واحد إلاّ
بحسب اللفظ بل فعلان بحسب المعنى ، وهو خلاف المفروض. ولو لم يتساويا في العدد ، فإن
كان تعديته بنفسه أكثر ، حكم بزيادة حرف الجرّ جرّاً فيما عُدّي به ، وإن كان تعديته بالحرف أكثر ، حكم بكون
__________________
المفعول المنصوب منصوباً بنزع الخافض فيما عُدّي بنفسه.
(خاصّةً
بشيئين) :
إن قُرء قوله :
(و تُعَدِّي) بصيغة الفعل ، فلفظ (خاصّة) :
إمّا على وزن
(الكافية) و (العافية) مصدر لمقدّر والتقدير : (تخصّ أنت التعدية بالأمرين
بالثلاثيّ المجرّد) فالجملة حال عن فاعل (تُعَدِّيه) ، أو مصدر بمعنى الفاعل حال عن المذكور كما ذكر ، أو
بمعنى المفعول على أن يكون حالاً عن (الثلاثيّ المجرّد) بحال المتعلَّق ، أو بحال
الموصوف بمعنى بالقول ، أو بالقلب على أن يكون المستتر عائداً إلى (الثلاثيّ المجرّد) ، أو وصفاً لمصدر محذوف ، أي : تعدية مخصوصة ، أو على وزن (النافلة) اسم فاعل وتاءه
__________________
للمبالغة وذلك كونه مصدراً بمعنى الفاعل.
وإن قُرء
مصدراً ، فلفظ (خاصّة) :
محتملة
للاحتمالات المذكورة مع احتمال آخر هو كونه خبراً من قوله : (تعديته) وعلى هذا
يكون قوله : (بشيئين) صلة لقوله : (خاصّة). و (خاصّة) إمّا بمعنى (متفرّدة) ، أو
مبنى الكلام على القلب ، وإمّا على الاحتمالات السابقة فقوله : (الشيئين) صلة
التعدية. وقوله : (بتضعيف) بدل منه ثمّ بعض الاحتمالات الجارية على القراءة الأولى
إذا أجري على القراءة الثانية ، يكون بأدنى تفاوة مع القراءة الأولى نتفطّن لذلك ،
ولا تغفله.
([أي
: بنقله إلى باب الإفعال])
:
احترازٌ عن نقله إلى الأبواب المبدوّة بهمزة الوصل.
(لتَجُرَّ
معاني الأفعال) :
ههنا بحثان :
الأوّل : أنّه
لمَ جُرَّ معاني الأفعال إلى الأسماء دون العكس؟
والجواب أنّ
معاني الأفعال صفات وفروع لمعاني الأسماء ومحتاجة إليها في التحقّق ومقصودة لها لا
لأنفسها فتنبغي أن تَجُرَّ تلك المعاني إلى معاني الأسماء لا بالعكس. نعم ، إذا
كان الجرّ جرّ اللفظ إلى اللفظ ينبغي أن يكون الأمر
__________________
بالعكس؛ لأنّ لفظ الأسماء معمولة للفظ الأفعال.
الثاني : أنّ
الجارّ لمَ دخل على المجرور إليه دون المجرور مع أنّ الظنّ أن يكون الأمر بالعكس؛
فإنّ حرف الجرّ واسطة لذلك وحقّ الواسطة أن يذهب إلى المجرور ويأخذه ويذهب معه إلى
المجرور إليه وأيضاً حروف الجرّ قد يغير معنى الفعل كما سيأتي ، والمؤثِّر ينبغي
أن يدخل على المتأثِّر؟
والجواب : إنّ
الواسطة لمّا كان في الخارج بين الأمرين ، ناسب أن يكون في اللفظ أيضاً كذلك ، وكونها
بين الأمرين ههنا لايحصل إلاّ بدخولها على الاسم؛ فإنّ لفظ الفعل متقدّم عن لفظ
الاسم بحسب الرتبة اللفظية ، فإذا دخلت الواسطة على الاسم دخلت بينهما ، فافهم.
(ولا
يغَيّرُ شيء اه) :
__________________
بل يدلّ على
نسبة من نسب الفعل وجهة من جهاته.
(مصاحبةُ
الفاعل) :
يعني أنّ معنى
قولنا (ذَهَبْتُ بزيد) بالفارسية على مذهبه : (بردم من زيد را).
(بمعنى
مع اه) :
أي : مقيّدة
لمعنى (مع) بإلزام كما عرفت ، وذلك كما يقال : (إنّ) بمعنى (أَكدْتُ) مثلاً ، أي :
يفيد هذا المعنى بالالتزام؛ لا أنّه مقيدة له بالمطابقة؛ إذ لو كان بمعنى (مع)
مطابقة لكان معنى المثال المذكور بالفارسية : (رفتم من با زيد). والباء بهذا المعنى لا يغيّر معنى الفعل كما ترى ، ولا يصحّ قوله : (والذي
يغَيرُ الباءُ معناه : يجب [فيه] عند المبرِّد).
(قال
سيبويه اه)
:
__________________
يعني المثال
المذكور بالفارسية على مذهبه : (روانه كردم زيد را). وهذا المعنى أعمّ من المعنى
السابق؛ لعدم دلالته على المصاحبة ولا على عدمها.
(ولا
حصر اه) :
أي : لا ينحصر
تعدية الفعل الواحد بحرف الجرّ في حرف واحد عن حروف الجرّ. فقوله : (فعلاً واحداً)
مفعول لـ : (لتعدية) والمحصور فيه محذوف و (التعدية) عبارة عن المحصور.
(بل
يجوز أن يجتمع) :
وذلك لأنّ كلّ
حرف من حروف الجرّ بكلّ معنى من معانيه تدلّ على نوع نسبة بين متعلّقه وشيء آخر ، مثلاً
(الباء) للإلصاقية يدلّ على إلصاق بين متعلّقها وما بعدها ، و (باء السببية) تدلّ
على سببية بينه وبينه ، و (على) تدلّ على استعلاء بينه وبينه ، وهكذا في
البواقي. وكلّ فعل يصلح أن يقع طرفاً لكلّ نسبة من تلك النسب فيمكن أن يتعدّى بكلّ
حرف من تلك الحروف في ضمن أيّ معنى من
__________________
معانيه ولا أستثني من ذلك إلاّ فرداً نادراً من الأفعال لايصلح لأن يكون طرفاً لبعض من تلك
النسب؛ فإنّه لا يتعدّى بحرف يدلّ على تلك النسبة لكن جواز تعدية كلّ فعل إلى كلّ
حرف بأيّ معنى من معانيه لايستلزم وقوعها؛ إذ وقوعها موقوف على إرادة المتكلّم ، فكلّ
تعدية أرادها المتكلّم أوقعها وكلَّما لم يردها لم يوقعها ، وهذا لا يدلّ على عدم
جواز ذلك.
ومباحث التعدية
واللزوم وكيفية تعلّق حروف الجرّ بمتعلّقاتها ممّا لا يصدر حقّ تحقيقها عن أحد إلى
الآن ، وفّقني الله تعالى لأن أصنّف رسالة بمنّه في ذلك.
(إلاّ
إذا كان بمعنى واحد) :
فإنّه غير جائز
إلاّ بالعطف بل بالتوابع ، اصطلاحاً؛ فإنّه جائز.
وليعلم أنّ
مروراً واحداً إذا تعلّق بزيد وعمرو فالعبارة اللايقة أن يقال :
__________________
(مررتُ بزيد وعمرو) من غير تكرار الحرف على المعطوف ، وإذا تعلّق بكلّ مرور
على حده فالعبارة اللايقة أن يقال : (مررتُ بزيد وبعمرو) بتكراره عليه.
(إلى
بعض الأبواب المنشعبة) :
قيّد بالبعض؛
إذ نَقل ما يدلّ على اللون والعيب إلى بابي الافعلال والافعيلال قياسيّ.
(كذا
قال بعض المحقّقين) :
أي : مِن قوله
: (و لايغَيَّرُ) إلى هنا ، كلام بعض المحقّقين وهو الشيخ الرَّضي.
__________________
(والحقّ
أنّه لابدّ في المتعدِّي) :
(المتعدِّي)
يطلق على معان :
الأوّل : ما
قيّد بمتعلّق مطلقاً ، سواء كان مفعولاً أو لا ، وسواء كان بواسطة ...
__________________
المصادر
١
ـ ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة : الزبيدي ، عبد اللطيف بن أبي بكر ، تحقيق : طارق الجنابي
، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة (١٤٢٨هـ).
٢
ـ أبجد العلوم : القنّوجي ، صدِّيق بن حسن ، تحقيق : عبد الجبّار زكار ، منشورات وزارة
الثقافة والإرشاد القومي ، دمشق ، سنة (١٩٧٨م).
٣
ـ إحراز السَّعْد بإنجاز الوَعْد بمسائل أمّا بعد : الجوهري ، إسماعيل بن غُنَيم ، تحقيق : أبو عبد الله
الداني بن مُنير آل زَهوي ، المكتبة العصرية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة
(١٤٣٢هـ).
٤
ـ ارتشاف الضَّرَب من لسان العرب : أبو حيّان ، محمّد بن يوسف ، تحقيق : رجب عثمان محمّد ، مكتبة
الخانجي ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٨هـ).
٥
ـ إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل : الألباني ، محمّد ناصر الدّين ، بإشراف محمّد زهير
الشاويش ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٩٩هـ).
٦
ـ الإشارات والتنبيهات : ابن سينا ، حسين بن عبد الله ، تحقيق : سليمان دنيا ، دار
المعارف ، مصر.
٧
ـ الأشباه والنظائر في النحو : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تحقيق : فايز ترحيني
، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة (١٤١٧هـ).
٨
ـ أصول الفقه : المظفَّر ، محمّدرضا ، دار الفكر ، طهران ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٨٣ هـ.ش).
٩
ـ أعلام إصفهان : المهدوي ، مصلح الدين ، تحقيق : غلام رضا نصر اللهي ، إصفهان ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٣٨٦هـ. ش).
١٠
ـ الأعلام (قاموس تراجم لأشهر الرّجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين)
: الزركلي ، خير
الدّين ، دار العلم للملايين ، بيروت ، الطبعة السابعة عشرة ، سنة (٢٠٠٧م).
١١
ـ أعيان الشيعة : العامِلي ، محسن الأمين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، الطبعة الأولى ،
سنة (١٤٠٣هـ).
١٢
ـ الأغاني : أبو الفرج ، عليّ بن حسين ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، سنة
(١٣٨٣هـ).
١٣
ـ اكتفاء القنوع بما هو مطبوع من أشهر التآليف العربية في المطابع الشرقية
والغربية : فنديك ، إدوارد ، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ، الطبعة
الثانية ، سنة (١٤٠٩هـ).
١٤
ـ الاقتضاب في شرح أدب الكتّاب : البَطَلْيوسي ، عبد الله بن محمّد ، بإشراف عبد الله
أفندي البستاني ، المطبعة الأدبية ، بيروت ، سنة (١٩٠١م.).
١٥
ـ الألقاب الإسلامية في التاريخ والوثائق والآثار.
١٦
ـ الألقاب والوظائف العثمانية (دراسة في تطوّر الألقاب والوظائف منذ الفتح
العثماني
لمصر حتّى إلغاء الخلافة العثمانية من خلال الآثار والوثائق والمخطوطات) : بركات ، مصطفى ، دار غريب ، القاهرة ، سنة (٢٠٠٠ م).
١٧
ـ إنباه الرواة على أنباه النحاة : القِفْطي ، علي بن يوسف ، تحقيق : محمّد أبو الفضل
إبراهيم ، المكتبة العصرية ، بيروت ، سنة (١٤٣٠هـ).
١٨
ـ الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويّين البصريّين والكوفيّين : ابن الأنباري ، عبد الرحمن بن محمّد ، تحقيق : محمّد
محيي الدّين عبد الحميد ، مؤسّسة دار الحجّة ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢٨هـ).
١٩
ـ إيضاح النّجاح [في] شرح مراح الأرواح : الخوشابي ، مهدي ، بإشراف السيّد محمّد عبد المتين منيجر
، مطبعة المجتبائي ، دهلي ، سنة (١٣٤٦هـ).
٢٠
ـ البحر المحيط : أبو حيّان ، محمّد بن يوسف ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة
(١٤٠٣ هـ).
٢١
ـ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز : الفيروزآبادي ، محمّد بن يعقوب ، تحقيق : محمّد علي
النجّار ، الطبعة الثانية ، مصر ، سنة (١٤٠٦هـ).
٢٢
ـ بغية الوعاة في طبقات اللغويّين والنحاة : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تحقيق : محمّد أبو
الفضل إبراهيم ، المكتبة العصرية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢٧ هـ).
٢٣
ـ البلاغة الواضحة : الجازم ، علي ، وأمين ، مصطفى ، دار المعارف ، مصر ، الطبعة الحادية
والعشرون ، سنة (١٣٨٩ هـ).
٢٤
ـ البهجة المرضية في شرح الألفية : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، دار الهجرة ، قم ، الطبعة
الرابعة ، سنة (١٤٢٧هـ).
٢٥
ـ تاج العروس من جواهر القاموس : الزَّبِيدي ، محمّد مرتضى ، تحقيق : عبد الستّار أحمد
فرّاج ، مطبعة حكومة الكويت ، سنة (١٣٨٥هـ).
٢٦
ـ تاريخ الأدب العربي : بروكلمان ، كارل ، ترجمة : رمضان عبد التوّاب ، دار
الكتاب الإسلامي ، قم.
٢٧
ـ تاريخ مغول : إقبال ، عبّاس ، نشر : أمير كبير ، الطبعة الثالثة ، سنة (١٣٤٧ هـ.ش).
٢٨
ـ التحفة السنية بأسماء البلاد المصرية : ابن الجيعان ، يحيى بن المقر ، مكتبة الكلّيات الأزهرية
، القاهرة ، سنة (١٩٧٤ م).
٢٩
ـ تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد : ابن مالك ، محمّد بن عبد الله ، تحقيق : محمّد كامل
بركات ، دار الكاتب العربي ، القاهرة ، سنة (١٣٨٧هـ).
٣٠
ـ تصريف الأشنوي مع حاشية علي القزلجي ابن القره داغي : الأُشنوي ، عليّ بن حامد ، مطبعة عبد الحميد أحمد حنفي ،
القاهرة.
٣١
ـ التصريف الملوكي : ابن جنّي ، عثمان بن جنّي ، تصحيح : محمّد سعيد بن مصطفى النعسان الحموي ، مطبعة
شركة التمدّن الصناعية ، القاهرة ، الطبعة الأولى.
٣٢
ـ تعليق ابن قاسم الغَزِّي على شرح التصريف للعِزِّي : الغَزِّي ، محمّد بن قاسم ، خ بمكتبة مكّة المكرّمة ، الرقم
: ٢٨ علوم العربية.
٣٣
ـ تعليقة البارفروشي على شرح التصريف : البارفروشي ، محمّد حسن بن صفر علي ، طبعة حجرية ، سنة
(١٣١٢هـ).
٣٤
ـ التَّفتازاني وآراؤه البلاغية : القالش ، ضياء الدّين ، دار النوادر ، الطبعة الأولى ، سنة
(١٤٣١هـ).
٣٥
ـ تفسير البيضاوي : البيضاوي ، عبد الله بن عمر ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٤١٠هـ).
٣٦
ـ تكملة أمل الآمل : الصدر ، حسن ، تحقيق : حسين علي محفوظ وعبد الكريم الدبّاغ وعدنان
الدَّبّاغ ، دار المؤرّخ العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢٩هـ).
٣٧
ـ تلخيص مجمع الآداب في معجم الألقاب : ابن الفُوَطي ، عبدالرزّاق بن أحمد ، تحقيق : مصطفى جواد
، دمشق ، سنة (١٩٦٢ ـ ١٩٦٧ م).
٣٨
ـ تهذيب اللغة : الأزهري ، محمّد بن أحمد ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، الدّار
المصرية ، سنة (١٣٨٤هـ).
٣٩
ـ جامع الشروح والحواشي (معجم شامل لأسماء الكتب المشروحة في التراث الإسلامي
وبيان شروحها) : الحبشي ، عبد الله محمّد ، المجمع الثقافي ، أبو ظبي ، سنة (٢٠٠٠ م).
٤٠
ـ جامع العلوم في اصطلاحات الفنون (دستور العلماء) : القاضي نكري ، عبد النبي ابن عبد الرسول ، مؤسّسة
الأعلمي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة (١٣٩٥هـ).
٤١
ـ جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده) : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تخريج : خالد عبد الفتّاح
شبل ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة (١٤٢١ هـ).
٤٢
ـ الجنى الداني في حروف المعاني : المرادي ، الحسن بن قاسم ، تحقيق : فخر الدّين قباوة
ومحمّد نديم فاضل ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٣هـ).
٤٣
ـ چهل سال تاريخ إيران : اعتماد السلطنة ، محمّد حسن بن علي ، بإشراف : ايرج
افشار ، نشر : أساطير ، طهران ، سنة (١٣٧٤هـ.ش).
٤٤
ـ حاشية ابن جماعة على شرح الشافية للجاربردي (ضمن مجموعة الشافية من علمي الصرف
والخطّ) : ابن جماعة ، محمّد بن أبي بكر ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، سنة
(١٤٠٤هـ).
٤٥
ـ حاشية دده جونكي على شرح سعد الدين التفتازاني على التصريف العزّي : دده جونكي ، إبراهيم بن يحيى ، المطبعة العامرة ، استانبول
، سنة (١٢٨٨هـ).
٤٦
ـ حاشية الدسوقي على شرح مختصر السعد على التلخيص : الدسوقي ، محمّد بن محمّد ، تصحيح : محمّد قطة العدوي ، المطبعة
العامرة ، بولا.
٤٧
ـ حاشية سعد الله البردعي على شرح التصريف : البردعي ، سعد الله ، خ بمكتبة ملك ، طهران ، تحت رقم
١٥٨٩.
٤٨
ـ حاشية شرح التصريف : الحلبي ، محمّد بن عمر ، خ بمكتبة مدرسة البروجردي ، كرمانشاه ، تحت رقم ٩٥
، وميكروفيلم ١٧٨٢.
٤٩
ـ حاشية الشريف الجرجاني على تصريف الزنجاني : الجرجاني ، علي بن محمّد ، نشر : أحمد جودت وشركاه ، سنة
(١٣١٧هـ).
٥٠
ـ حاشية الشريف الجرجاني على الكشّاف : الجرجاني ، علي بن محمّد ، مطبعة دار المعارف ، بيروت.
٥١
ـ حاشية الميرزا أبي طالب الإصفهاني على البهجة المرضية : أبو طالب الإصفهاني ، طبعة حجرية ، سنة (١٢٨٢هـ).
٥٢
ـ حاشية الناصر اللقاني على شرح التصريف : اللَّقاني ، محمّد ناصر الدّين ، خ بمكتبة جامعة الرياض.
٥٣
ـ حُسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تحقيق : مجدي فتحي
السيّد وياسري عبد اللقاني ، المكتبة التوفيقية ، القاهرة.
٥٤
ـ خِزانة الأدب ولبّ لُباب لسان العرب : البغداديّ ، عبد القادر بن عمر ، تحقيق : عبد السلام
محمّد هارون ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، سنة (١٤٠٩ هـ).
٥٥
ـ خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر : المحبّي ، محمّد أمين بن فضل الله ، المطبعة الوهبية ، مصر
، سنة (١٢٨٤ هـ).
٥٦
ـ دايره معارف تَشيُّع : لجنة من الأساتذة ، طهران.
٥٧
ـ دانشمندان وبزرگان اصفهان : المهدوي ، مصلح الدين ، تحقيق : رحيم قاسمي ومحمّد رضا
نيلفروشان ، نشر گلدسته ، إصفهان ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٨٣هـ.ش).
٥٨
ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة : العسقلاني ، أحمد بن حجر ، تحقيق : محمّد سيّد جاد الحقّ
، دار الكتب الحديثة.
٥٩
ـ ديوان الأدب : الفارابي ، إسحاق بن إبراهيم ، تحقيق : أحمد مختار عمر ، مجمع اللغة
العربية ، القاهرة ، سنة (١٣٩٤هـ).
٦٠
ـ الذَّريعة إلى تصانيف الشيعة : الطهراني ، محمّد محسن ، دار الأضواء ، بيروت.
٦١
ـ الروض الأُنُف في تفسير السِّيرة النبوية لابن هشام : السُّهيلي ، عبد الرحمن بن عبد الله ، تحقيق : مجدي بن
منصور بن سيّد الشوري ، دار الكتب العلمية ، بيروت.
٦٢
ـ ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية واللقب : المدرّس ، محمّد علي ، مكتبة خيام ، الطبعة الثالثة.
٦٣
ـ السَّعْدية (المحشَّى) : التفتازاني ، مسعود بن عمر ، مهاباد ، سنة (١٣٥٥هـ).
٦٤
ـ سنن ابن ماجة : القزويني ، محمّد بن يزيد ، تحقيق : الشيخ خليل مأمون شيحاً ، دار المعرفة
، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٩ هـ).
٦٥
ـ سنن أبي داود : السِّجِستاني ، سليمان بن الأشعث ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ومحمّد كامل قره
بللي ، دار الرسالة العالمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٣٠هـ).
٦٦
ـ الشافية في علم التصريف : ابن الحاجب ، عثمان بن عمر ، تحقيق : درويش الجويدي ، المكتبة
العصرية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢٩هـ).
٦٧
ـ شذا العرف في فنّ الصرف : الحملاوي ، أحمد ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، القاهرة
، الطبعة السادسة عشرة ، سنة (١٣٩٥هـ).
٦٨
ـ شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ابن العماد ، عبد الحيّ بن أحمد ، تحقيق : محمود
الأرناؤوط ، دار ابن كثير ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٠٦هـ).
٦٩
ـ شرح التصريف العزّي : التفتازاني ، مسعود بن عمر ، تحقيق : محمّد محيي الدّين
عبد الحميد ، مطبعة الاستقامة ، القاهرة ، سنة (١٣٥٣هـ).
٧٠
ـ شرح جمل الزجّاجي : ابن عصفور ، علي بن مؤمن ، تحقيق : صاحب أبي نجاح.
٧١
ـ شرح شافية ابن الحاجب : الإسترآبادي ، محمّد بن الحسن ، تحقيق : محمّد نور الحسن
ومحمّد الزفزاف ومحمّد محيي الدّين عبد الحميد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة
(١٣٩٥هـ).
٧٢
ـ شرح شافية ابن الحاجب : الخضر اليزدي ، تحقيق : حسن أحمد العثمان ، ذوي القربى ،
قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٣٣هـ).
٧٣
ـ شرح شافية ابن الحاجب : معين الدّين الفسوي ، محمّد بن محمّد ، تحقيق : سعدي
محمودي هوراماني ، نشر إحسان ، طهران ، الطبعة الثانية ، سنة (١٣٨٦هـ).
٧٤
ـ شرح شافية ابن الحاجب لنظام الدين : النيسابوري ، الحسن بن محمّد ، إعداد ثريّا مصطفى محمّد
عقاب ، جامعة أمّ القرى ، مكّة ، كلية اللغة العربية ، سنة (١٤١٢هـ).
٧٥
ـ شرح شافية ابن الحاجب ، مطبوع على هامش شرح الشافية لنقره كار : عصام الدين ، إبراهيم بن محمّد ، مطبعة أحمد كامل ، استانبول
، الطبعة الثانية.
٧٦
ـ شرح الشافية للجاربردي : الجاربردي ، أحمد بن الحسن ، دراسة وتحقيق : نبيل أبو
عمشة ، دار الكتب الوطنية ، أبو ظبي ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٣٥هـ).
٧٧
ـ شرح عقود الجُمان في علمَي المعاني والبيان : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تحقيق : محمّد عثمان
، المكتبة الأزهرية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٣٢هـ).
٧٨
ـ شرح الكافية الإسترآبادي ، محمّد بن الحسن ، تصحيح وتعليق : يوسف حسن عمر ، مؤسّسة الصادق ، طهران.
٧٩
ـ شرح الكافية : عصام الدّين ، إبراهيم بن محمّد ، خ بمكتبة مجلس الشورى الإسلامي ، طهران.
٨٠
ـ شرح الكافية الشافية : ابن مالك ، محمّد بن عبد الله ، تحقيق : أحمد بن يوسف
القادري ، دار صادر ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة (٢٠١٠ م).
٨١
ـ شرح مغني اللبيب ، المسمّى بـ : شرح المزج : الدماميني ، محمّد بن أبي بكر ، دراسة
وتحقيق : عبد الحافظ حسن مصطفى العسيلي ، مكتبة الآداب ، القاهرة ، الطبعة الأولى
، سنة (١٤٢٩هـ).
٨٢
ـ شرح المفصّل : ابن يعيش ، يعيش بن علي ، دار صادر ، بيروت.
٨٣
ـ شرح المقاصد : التفتازاني ، مسعود بن عمر ، تحقيق : عبد الرحمن عميرة ، منشورات الشريف
الرضي ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٧٠هـ.ش).
٨٤
ـ شرح المقدّمة الأدبية لشرح المرزوقي على ديوان الحماسة لأبي تمّام : ابن عاشور ، محمّد الطاهر ، تحقيق : ياسر بن خالد
المُطَيري ، مكتبة دار المنهاج ، الرياض ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٣١هـ).
٨٥
ـ شرح الملوكي في التصريف : ابن يعيش ، يعيش بن علي ، تحقيق : فخر الدّين قباوة ، المكتبة
العربية ، حلب ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٩٣هـ).
٨٦
ـ شرح المواهب اللَّدُنِّية بالمِنَح المحمّدية : زُرقاني ، محمّد بن عبد الباقي ، تحقيق : محمّد عبد
العزيز الخالدي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٧هـ).
٨٧
ـ شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام : اللاهيجي ، عبدالرزّاق بن علي ، تحقيق : أكبر أسد علي
زاده ، مؤسّسة الإمام الصادق عليهالسلام ، قم ، الطبعة الثالثة ، سنة (١٤٣٣هـ).
٨٨
ـ الصحاح : الجوهري ، إسماعيل بن حمّاد ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطّار ، دار العلم
للملايين ، بيروت ، الطبعة الرابعة ، سنة (١٤٠٧هـ).
٨٩
ـ الصرف والتصريف وتداخل المصطلح : خالد بن عبد الكريم ، مجلّة جامعة الملك سعود ، الرياض ،
المجلّد العشرون ، سنة (٢٠٠٨ م).
٩٠
ـ ضبط النصّ والتعليق عليه : عوّاد معروف ، بشّار ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، سنة
(١٤٠٢هـ).
٩١
ـ الضوء اللامع لأهل القرن التاسع : السَّخاوي ، محمّد بن عبد الرحمن ، دار الجيل ، بيروت.
٩٢
ـ طبقات أعلام الشيعة (نقباء البشر في القرن الرابع عشر) : الطهراني ، محمّد محسن ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
٩٣
ـ طبقات الشافعية الكبرى : السبكي ، عبد الوهّاب بن علي ، تحقيق : محمود محمّد
الطنّاحي وعبد الفتّاح محمّد الحلو ، القاهرة ، الطبعة الثالثة ، سنة (١٤٢٢هـ).
٩٤
ـ العِقد المنظوم في ذكر أفاضل الرُّوم (ذيل الشقائق النعمانية في علماء الدولة
العثمانية) : طاشْكبْري زاده ، أحمد بن مصطفى ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، سنة
(١٣٩٥هـ).
٩٥
ـ علماي عهد ناصر الدين شاه قاجار (باب دهم المآثر والآثار) : اعتماد السلطنة ، محمّد حسن بن علي ، تحقيق : ناصر الدين
أنصاري ، مؤسّسة كتاب شناسي شيعة ، قم ، سنة (١٣٩٥هـ.ش).
٩٦
ـ علم الدلالة عند العرب ، (فخر الدين الرازي نموذجاً) : محسب ، محيي الدين ، دار الكتاب الجديد المتّحدة ، بيروت
، سنة (٢٠٠٨ م).
٩٧
ـ علوم العربية (علم الصرف) : الحسيني الطهراني ، السيّد هاشم ، المطبعة : علاّمة
طباطبائي ، طهران ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٠٩هـ).
٩٨
ـ العين : الفراهيدي ، الخليل بن أحمد ، تحقيق : مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ، دار
الهجرة ، قم ، الطبعة الثانية ، سنة (١٤٠٩هـ).
٩٩
ـ فتح الخبير اللطيف على متن الترصيف في علم التصريف : البيجوري ، إبراهيم ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة
، سنة ١٣٥٩ هـ. ق.
١٠٠
ـ فقه اللغة وسرّ العربية : الثعالبي ، عبد الملك بن محمّد ، تحقيق : ياسين الأيّوبي
، المكتبة العصرية ، بيروت ، سنة (١٤٣١هـ).
١٠١
ـ الفوائد الضيائية : الجامي ، عبد الرحمن بن أحمد ، تحقيق : أُسامة طه الرفاعي ، دار الآفاق
العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢٣هـ).
١٠٢
ـ فهرستگان نسخه هاي خطّي ايران (فنخا) : درايتي ، مصطفى ، منظّمة الوثائق والمكتبة الوطنية
الإيرانية ، طهران ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٩٠هـ.ش).
١٠٣
ـ فهرست مكتبة مدرسة سپهسالار ، طهران.
١٠٤
ـ فهرست مكتبة مسجد گوهرشاد ، مشهد.
١٠٥
ـ فهرست نسخه هاي خطّي كتابخانه آية الله العظمى گلپايگاني : عرب زاده ، أبو الفضل ، دار القرآن الكريم ، قم ، سنة
(١٣٧٨هـ. ش).
١٠٦
ـ فهرس الظاهرية (قسم النحو) : مطبوعات مجمع اللغة العربية ، دمشق ، سنة (١٣٩٣هـ).
١٠٧
ـ القاموس المحيط : الفيروزآبادي ، محمّد بن يعقوب ، دار الجيل ، بيروت.
١٠٨
ـ قبر الإمام السيوطي وتحقيق موضعه : تيمور ، أحمد ، المطبعة السلفية ، القاهرة ، سنة
(١٣٤٦هـ).
١٠٩
ـ القوانين المحكمة في الأصول المتقنة : الميرزا القمّي ، أبو القاسم بن محمّد حسن ، المكتبة
العلمية الإسلامية ، قم ، سنة (١٣٧٨هـ).
١١٠
ـ الكافي في التصريف : أطفيش ، محمّد بن يوسف ، تحقيق ودراسة : عائشة يطو ، مطبعة عُمان ، مسقط ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٤٣٣هـ).
١١١
ـ الكتاب : سيبويه ، عمرو بن عثمان ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، عالم الكتب ، بيروت.
١١٢
ـ كتاب أبنية الأسماء والأفعال والمصادر : ابن القطّاع ، علي بن جعفر ، تحقيق : أحمد محمّد عبد
الدايم ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ، سنة (١٩٩٩م).
١١٣
ـ كتاب الأفعال : ابن القُوطِية ، محمّد بن عمر ، تحقيق : علي فودَه ، مكتبة الخانجي ، القاهرة
، الطبعة الثانية ، سنة (١٩٩٣م).
١١٤
ـ كتاب التحدّث بنعمة الله : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تحقيق : إلزابث ماري
سارتين ، المطبعة العربية الحديثة.
١١٥
ـ (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة) : الطهراني ، محمّد محسن ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.
١١٦
ـ كشّاف اصطلاحات الفنون : التهانوي ، محمّد علي بن علي ، تحقيق : المولوي محمّد
وجيه والمولوي عبد الحقّ والمولوي غلام قادر ، دار قهرمان ، استانبول ، سنة
(١٤٠٤هـ).
١١٧
ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون : حاجي خليفة ، مصطفى بن عبد الله ، تصحيح : محمّد شرف
الدين يالتقايا ورفعت بيلگة ، المكتبة الإسلامية ، طهران ، الطبعة الثالثة ، سنة
(١٣٨٧هـ).
١١٨
ـ كشف الوافية في شرح الكافية : الحلبي ، محمّد بن عمر ، إعداد : سعيدة عبّاس عبد القادر
شهاب ، جامعة أمّ القرى ، مكّة ، سنة (١٤٠٨هـ).
١١٩
ـ كفاية الأصول : الخراساني ، محمّد كاظم بن حسين ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، قم ، الطبعة
الثالثة ، سنة (١٤١٥هـ).
١٢٠
ـ الكلّيات (معجم في المصطلحات والفروق اللغوية) : العُكبري ، أيّوب بن موسى ، تحقيق : عدنان درويش ومحمّد
المَصْري ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة (١٤٣٢هـ).
١٢١
ـ كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال : الهندي ، علي بن حسام الدّين ، مكتبة التراث الإسلامي ، حلب.
١٢٢
ـ الكنى والألقاب : القمّي ، عبّاس ، مكتبة الصدر ، طهران ، الطبعة الخامسة ، سنة (١٣٦٨هـ).
١٢٣
ـ الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة : الغَزِّي ، محمّد بن محمّد ، بإشراف خليل المنصور ، دار
الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٨هـ).
١٢٤
ـ اللُّباب في تهذيب الأنساب : ابن الأثير ، علي بن محمّد ، دار صادر ، بيروت ، (سنة
١٤٠٠هـ).
١٢٥
ـ لُبّ اللُّباب في تحرير الأنساب : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، مكتبة المثنّى ، بغداد.
١٢٦
ـ لسان العرب : ابن منظور ، محمّد بن مكرَّم ، تحقيق : علي شيري ، دار إحياء التراث العربي
، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٠٨هـ).
١٢٧
ـ ليس في كلام العرب : ابن خالَويه ، الحسن بن أحمد ، تحقيق : أحمد عبد الغفور عطّار ، مكّة
المكرّمة ، الطبعة الثانية ، سنة (١٣٩٩هـ).
١٢٨
ـ المآثر والآثار : اعتماد السلطنة ، محمّد حسن بن علي ، مكتبة السنايي ، طهران.
١٢٩
ـ مجلّة العلوم الإنسانية الدولية.
١٣٠
ـ مجلّة الهداية الإسلامية.
١٣١
ـ مجمع البحرين : الطُّريحي ، فخرالدّين بن محمّد علي ، تحقيق : أحمد علي الحسيني ، دار
الإحياء للكتب الإسلامية ، النجف.
١٣٢
ـ المحكم والمحيط الأعظم : ابن سِيدة ، علي بن إسماعيل ، تحقيق : عبد الحميد هنداوي
، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢١هـ).
١٣٣
ـ مخارج الحروف : ابن سينا ، حسين بن عبد الله ، تحقيق : پرويز ناتل خانلري ، نشر : بنياد
فرهنگ إيران ، طهران ، سنة (١٣٤٨هـ. ش).
١٣٤
ـ مِراح الأرواح : ابن مسعود ، أحمد بن علي ، تحقيق : محسن خدايوندي ، نشر آيت اشراق ، قم ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٣٩٤هـ. ش).
١٣٥
ـ المزهر في علوم اللغة وأنواعها : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، تحقيق : محمّد أحمد
جاد المولى ومحمّد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمّد البجاوي ، دار إحياء الكتب
العربية ، القاهرة.
١٣٦
ـ المسند : أحمد بن حنبل ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط وعادل مرشد سعيد اللحام وأحمد برهوم
، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢١ هـ).
١٣٧
ـ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي : الفَيومي ، أحمد بن محمّد ، دار الكتب العلمية ، بيروت ،
الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٤هـ).
١٣٨
ـ المطوّل في شرح تلخيص المفتاح : التفتازاني ، مسعود بن عمر ، تحقيق : سعيد عرفانيان ، دار
الهجرة ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٣٩١هـ. ش).
١٣٩
ـ معارج الأصول : الحلّي ، جعفر بن حسن ، تحقيق : محمّد حسين الرضوي ، مؤسّسة آل البيت
عليهمالسلام
لإحياء التراث
، قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٠٣هـ).
١٤٠
ـ مَعالم الدين ومَلاذ المجتهدين : أبو منصور ، الحسن بن زين الدّين ، تحقيق : عبد الحسين
محمّد علي البقّال ، نشر لقمان ، قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٤هـ).
١٤١
ـ معجم البلدان : الحَمَوي ، ياقوت بن عبد الله ، دار صادر ، بيروت ، سنة (١٣٩٧هـ).
١٤٢
ـ معجم التعريفات : الجرجاني ، علي بن محمّد ، تحقيق : محمّد صدّيق المِنشاوي ، دار الفضيلة ، القاهرة.
١٤٣
ـ المعجم الكبير : الطبراني ، سليمان بن أحمد ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مطبعة
الأمّة ، بغداد ، الطبعة الأولى.
١٤٤
ـ معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب : مَجدي وَهبة وكامل المهندس ، كامل ، مكتبة لبنان ، بيروت.
١٤٥
ـ معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة : سَركيس ، يوسف بن إلان ، مكتبة آية الله العظمى المرعشي
النجفي ، قم ، سنة (١٤١٩هـ).
١٤٦
ـ المعجم المفصّل في الجموع : بديع يعقوب ، إميل ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٤٢٥هـ).
١٤٧
ـ معجم المؤلّفين (تراجم مصنِّفي الكتب العربية) : كحّالة ، عمر رضا ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت.
١٤٨
ـ معيار العلم في المنطق : الغزالي ، محمّد بن محمّد ، شرح : أحمد شمس الدّين ، دار
الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الثانية سنة (١٤٣٤هـ).
١٤٩
ـ المُغْرِب في ترتيب المغرب : المطرِّزي ، ناصر بن عبد السيّد ، دار الكتب العربي ، بيروت.
١٥٠
ـ مغني اللبيب عن كتب الأعاريب : ابن هشام ، عبد الله بن يوسف ، تحقيق : عبد اللطيف محمّد
الخطيب ، الكويت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤٢١هـ).
١٥١
ـ مفتاح العلوم : السكاكي ، يوسف بن محمّد ، تحقيق : محمّد كامل بن محمّد الأسيوطي الأزهري ،
دار الكتب العلمية ، بيروت ، سنة (١٣٤٨هـ).
١٥٢
ـ مقاييس اللغة : ابن فارس ، أحمد بن فارس ، تحقيق : عبد السلام محمّد هارون ، مكتب الإعلام
الإسلامي ، سنة (١٤٠٤هـ).
١٥٣
ـ المقتضب : المبرِّد ، محمّد بن يزيد ، تحقيق : محمّد عبد الخالق عضيمة ، القاهرة ، سنة
(١٤١٥هـ).
١٥٤
ـ مقدّمة في أصول التصريف : ابن بابشاذ ، طاهر بن أحمد ، تحقيق : حسين علي السعدي
ورشيد عبد الرحمن العبيدي ، سلسلة إحياء التراث الإسلامي ، بغداد ، سنة (١٤٢٧هـ).
١٥٥
ـ المقرِّب : ابن عصفور ، علي بن مؤمن ، تحقيق : أحمد عبد الستّار الجواري وعبد الله
الجواري ، مطبعة العاني ، بغداد.
١٥٦
ـ مكارم الآثار (در احوال رجال دو قرن ١٣ و ١٤ هجري) : الحبيب آبادي ، محمّد علي ، انتشارات كمال ، اصفهان.
١٥٧
ـ الممتع الكبير في التصريف : ابن عصفور ، علي بن مؤمن ، تحقيق : فخر الدّين قباوة ، مكتبة
لبنان ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (١٩٩٦هـ).
١٥٨
ـ المناهج الكافية في شرح الشافية (ضمن مجموعة الشافية من علمي الصرف والخطّ) : الأنصاري ، محمّد بن أحمد ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة
الثالثة ، سنة (١٤٠٤هـ).
١٥٩
ـ منتخب اللغات : الرشيدي ، عبد الرشيد بن عبد الغفور ، مكتبة الإسلامية ، طهران.
١٦٠
ـ منتهى الأرب في لغة العرب : عبد الرحيم بن عبد الكريم ، المكتبة الإسلامية ، طهران ،
سنة (١٣٧٧هـ).
١٦١
ـ منتهى المقال في أحوال الرجال : أبو علي ، محمّد بن إسماعيل ، تحقيق : مؤسّسة آل البيت
عليهمالسلام
لإحياء التراث
، قم ، الطبعة الأولى ، سنة (١٤١٦هـ).
١٦٢
ـ المنصف : ابن جنّي ، عثمان بن جنّي ، تحقيق : إبراهيم مصطفى وعبدالله أمين ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٣٧٣هـ).
١٦٣
ـ منطق المشرقيّين والقصيدة المزدوجة في المنطق : ابن سينا ، حسين بن عبد الله ، مكتبة آية الله العظمى
المرعشي النجفي ، قم ، الطبعة الثانية ، سنة (١٤٠٥ هـ).
١٦٤
ـ موسوعة أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين : بإشراف المنجي بوسنينة ، دار الجيل ، بيروت ، الطبعة
الأولى ، سنة (١٤٢٧هـ).
١٦٥
ـ الموطّأ ، (رواية أبي مصعَب الزُّهْري المدني) : مالك بن أنس ، تحقيق : بشّار عوّاد معروف ومحمود محمّد
خليل ، مؤسّسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الثانية ، سنة (١٤١٨هـ).
١٦٦
ـ نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار : العيني ، محمود بن أحمد ، تحقيق : أبو تميم ياسر بن
إبراهيم ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، دولة قطر ، سنة (١٤٢٨هـ).
١٦٧
ـ نفح الطِّيب من غُصُن الأندلس الرطيب : المَقَرِّي ، أحمد بن محمّد ، تحقيق : إحسان عبّاس ، دار
صادر ، بيروت ، سنة (١٣٨٨ هـ).
١٦٨
ـ النُّور السافِر عن أخبار القرن العاشر : العَيدَرُوس ، عبدالقادر بن شيخ ، تحقيق : أحمد حالُو
ومحمود الأرناؤوط وأكرم البوشي ، دار صادر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، سنة (٢٠٠١م).
١٦٩
ـ هديّة العارفين في أسماء المؤلّفين (آثار المصنّفين) : البغدادي ، اسماعيل بن محمّد ، وكالة المعارف ، استانبول
، سنة (١٩٥١ م).
١٧٠
ـ همع الهوامع شرح جمع الجوامع : السيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر ، دار المعرفة ، بيروت
، بإشراف السيّد محمّد بدر الدّين النعساني.
من أنبـاء التـراث
هيئة التحرير
كتب صدرت محقّقة
* شرح حديث (حُبّنا أهل البيت يُكَفِّرُ الذُّنوب).
تأليف : الشيخ علي بن عبد الله الستري البحراني (ت
١٣١٩ هـ).
كتاب روائي ، بادر فيه المصنّف إلى شرح الحديث الشريف
الوارد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «حبّنا أهل البيت يكفّر الذنوب ، ويضاعف
الحسنات ، وأنّ الله تعالى يتحمّل عن مُحبّينا أهل البيت ما عليهم من مظالم
العباد ، إلاّ ما كان منهم فيها على إصرار ، وظلم المؤمنين ، فيقول للسيِّئات : كوني
حسنات» وقد جاء هذا الشرح في الجواب على سؤال وجّه إليه
|
|
فشرحه مبيّناً فيه أمور الاعتقاد مشبّعاً بروايات
أُخرى عن المعصومين عليهمالسلام.
وقد ذكر المحقّق في مقدّمة الكتاب طائفة من الأحاديث
في تعريف محبّتهم عليهمالسلام وأهمّيتها وثوابها وعقاب من تركها.
تحقيق : مشتاق صالح المظفّر.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٤٤.
نشر : قسم الشؤون الفكرية والثقافية للعتبة الحسينية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* المجموعة (القصائد والرسائل).
تأليف : السيّد محمّد رضا فضل الله (ت ١٣٣٦هـ).
|
كتاب أدبي تناول المؤلّف فيه رسائله الأدبية وأهمّ
قصائده الشعرية ممّا جادت بها قريحته من الشعر وعلى مختلف بحوره ، عرض من خلالها
أفكاره النهضوية والإصلاحية في جبل عامل والنجف الأشرف مبيّناً فيها أدواره في
كافّة الميادين.
اشتمل الكتاب على تقديم الدكتور حسن فضل الله بدراسة
عن تاريخ جبل عامل ومقدّمة المحقّق ذكر فيها ترجمة المصنّف السيّد بأقلام
العلماء والشعراء ، باب القصائد ، باب الرسائل.
تحقيق : معروف محمّد تقي فضل الله.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٣٥٢.
نشر : دار المحجّة البيضاء ـ بيروت ـ لبنان.
* التبيان في تفسير غريب القرآن ج(١ ـ ٢).
تأليف : السيّد محمّد علي بن محمّد
|
|
حسين الشهرستاني (ت ١٣٤٤ هـ).
كتاب في علم تفسير القرآن ، يتبنّى البحث عن (غريب
القرآن) ، وهو الاصطلاح الذي سرى في أبحاث علوم القرآن تنقيباً عن أصالة بعض
الألفاظ كونها عربية أم أعجمية ، ذكر المحقّق في مقدّمة الكتاب دراسة مختصرة
عمّا جاء في هذا المضمار من إثبات عربية ألفاظ القرآن الكريم ، مشيراً بذلك إلى
ما جاء في جواب ابن عبّاس على أسئلة نافع بن الأزرق مستدلاًّ بشواهد شعرية في
إثبات أنّه بيان عربي مبين ، كما أشار المحقّق إلى ما توالت بعد ذلك من تأليفات
في غريب القرآن ، مع ترجمة المؤلّف ومنهجه في الكتاب ومنهج التحقيق ، وقد رتّبت
فصول الكتاب على ترتيب حروف الهجاء.
تحقيق : د. عادل عبد الجبّار ثامر الشاطي.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ١٥٢٦ للجزئين.
|
نشر : دار القرآن الكريم في العتبة الحسينية ـ كربلاء
المقدّسة ـ العراق.
* معارج العُلا في مناقب المرتضى ج(١ ـ ٢).
تأليف : الشيخ محمّد صدر العالم العمري الدهلوي الصوفي
(من أعلام القرن الثاني عشر الهجري).
كتاب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، يعدّ مؤلّفه من أعلام علماء الصوفية ، وهذا يدلّ على
اهتمام علماء سائر الطوائف من المسلمين بجمع فضائل سيّد الموحّدين وتدوينها رغم العهود
المظلمة التي حالت دون ذكر مناقبه إلى أسماع وأفهام الأمّة ، ومثل هذه المصنّفات
ما تكون أبلغ في الحجاج وأمنع للّجاج.
اشتمل الكتاب على مقدّمة التحقيق بدراسة مختصرة عن
مدرسة التصوّف وترجمة المصنّف وصور للمخطوطة المعتمدة في التحقيق ، ومقدّمة
المؤلّف
|
|
في ذكر نسب الإمام
عليهالسلام
وإسلامه
وهجرته عليهالسلام وغيرها. وقد رتّبت فصول الكتاب من المعراج الأوّل إلى
المعراج الحادي عشر.
تحقيق : السيّد نبيل الحسني.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٣٥٢ ، ٢٩٦.
نشر : مؤسّسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* الكلمة الشافية في حكم ما كان بين الإمام علي ومعاوية.
تأليف : محمّد بن محمّد بن إسماعيل المنصور الزيدي
اليمني.
كتاب هو رسالة في مناقب وفضائل سيّد الموحّدين أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب
عليهالسلام
، وهو شرح
لقصيدة قالها في فضل علي
عليهالسلام
ومناقبه ، وقد
قالها في الردِّ على من قال بتعديل الصحابة مطلقاً وتولّيهم مطلقاً ، معتمداً في
شرح الأبيات
|
على الصحاح الستّة والمسانيد الحديثية والسّيَر وكتب
التاريخ ، مرجّحاً الاستغناء بما صحّحوه فيها عن الاستشهاد بشيء ممّا في كتب فرق
طوائف الشيعة.
وقد اشتمل الكتاب على مقدّمة التحقيق وترجمة المؤلّف
وصورة النسخة الخطّية المعتمدة في التحقيق.
تحقيق : د. سعد الحدّاد.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ١١٩.
نشر : مؤسّسة علوم نهج البلاغة للعتبة الحسينية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* تاريخ أهل البيت عليهمالسلام.
تأليف : المحدّث نصر بن علي الجهضمي (ت ٢٥٠ هـ).
هو مختصر من تاريخ المعصومين الأربعة عشر عليهمالسلام ، اشتمل على ذكر تواريخ مواليدهم ووفياتهم وأعمارهم
وكناهم وألقابهم وأولادهم وأبوابهم
|
|
المعتمدين عندهم
عليهمالسلام
، وهو
التاريخ المروي عن الأئمّة : الباقر والصادق والرضا والعسكري عليهمالسلام ، رواه المحدّث نصر بن علي الجهضمي واستدرك عليه عدّة
من الرواة ، كما احتوى الكتاب على مقدّمات الكتاب ومنهج التحقيق والنسخة المعتمد
عليها و ....
تحقيق : السيّد محمّد رضا الجلالي.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٢٢٨.
نشر : دار زين العابدين لإحياء تراث المعصومين عليهمالسلام
قم ـ إيران.
كتب صدرت حديثاً
* الروض الزينبي المطهّر في شرح أصول فقه المظفّر ج (٣ ـ ٤).
تأليف : السيّد طعّان خليل العاملي.
كتاب أصولي وشرح لكتاب أصول فقه المظفّر في أربعة
أجزاء صدر منه
|
جزءان الأوّل والثاني وتلاهما الجزءان الثالث والرابع
تتبّع فيه المؤلّف كلّ شاردة وواردة في كلمات المصنّف ، فأزاح الستار عن
إشاراتها ، وبيّن دقائقها ونكاتها ، وما فيها وما يلاحظ عليها. وأضاف إليه موارد
وأقوالا من الكتب الأخرى ليكون جامعاً للمطالب المهمّة وهو من ثمرات تدريسه لهذا
الكتاب في مدرسة أمير المؤمنين
عليهالسلام
التابعة
لأستاذه المرجع الديني سماحة الشيخ الوحيد الخراساني : بجوار عقيلة بني هاشم
السيّدة زينب عليهاالسلام.
واشتمل الجزء الثالث على : أنوار طه (صلى الله عليه
وآله) ، هي زينب ، الباب الرابع : المفاهيم ، الباب الخامس : العامّ والخاصّ.
اشتمل الجزء الرابع على : الباب السادس : المطلق
والمقيّد ، الباب السابع : المجمل والمبيّن.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٣٩٩ و٤٢٦.
نشر : دار الكوكب ـ بيروت ـ لبنان.
|
|
* نخبة من أدباء كربلاء.
تأليف : نور الدين الشاهرودي.
يأتي الكتاب في عداد كتب التراجم وهو كتاب أدبي من
سلسلة إصدارات كربلاء أقبل المؤلّف فيه على إعداد ترجمة وافية لنخبة طيّبة من
أدباء مدينة كربلاء المقدّسة من القدماء والمعاصرين مع التعريف بنتاجاتهم
الأدبية المتنوّعة شعراً ونثراً ، فضلا عن بعض المقالات الحسينية التي جاد بها
بعض الأدباء والمثقّفين من أبناء مدينة كربلاء المقدّسة.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٢٠٠ صفحة.
نشر : مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة
الحسينية ـ كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* دراسات وبحوث في زيارة الأربعين.
تأليف : مجموعة من الباحثين.
|
والكتاب هو من ضمن سلسلة إصدارات موسوعة زيارة
الأربعين وهو يحمل بين طيّاته معلومات ذات قيمة علمية وتاريخية وتراثية ومعنوية
وسلوكية في زيارة الأربعين المباركة.
وأهمّ ما جاء في الكتاب هو ديناميكية تفاعل (الذات
والآخر) في مجتمع الأربعين وعلاقتها بالتصوّرات المستقبلية ، والعشرون من صفر
عاصفة التاريخ الدائمة في أشعار سبايا أهل البيت
عليهمالسلام
، وأثر
الأبعاد الإيجابية في مسيرة الأربعين على تغيّرات السلوك الإنساني للزائر
الحسيني ، كما وصف زيارة الأربعين خطابياً فضلا عن الدور الأمني لقوّات الحشد
الشعبي المقدّس في حفظ أمن الزائرين الكرام وأخيراً بيّن الكتاب ثنائية السلام
والأمن في زيارة الأربعين.
الحجم : وزيري.
نشر : مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة
الحسينية ـ كربلاء
|
|
المقدّسة ـ العراق.
* السيرة النبوية في الدراسات الاستشراقية (رؤية وتحليل).
تأليف : د. حسن عيسى الحكيم.
يتحدّث فيه عن تاريخ الإسلام وعقائده وعلومه في البحوث
القرآنية والسيرة النبوية الشريفة ، كما يكشف الكاتب النقاب عن الدراسات
الاستشراقية والنتاجات الفكرية للمستشرقين ويحلّلها تحليلا علمياً منطقياً
موضحاً رأيه في كلّ جزء منها بصورة علمية متميّزة وجريئة.
يتكوّن الكتاب من ثلاث فصول : تضمّن الفصل الأوّل
النتاج الاستشراقي للسيرة النبوية ، فيما استعرض الفصل الثاني الدراسات
الاستشراقية في ميزان الرؤية النقدية والتاريخية ، وتحدّث الفصل الثالث عن نماذج
المستشرقين في كتب السيرة النبوية في الدراسات أهمّها (الأمريكية ـ البريطانية ـ
الفرنسية ـ
|
الإيطالية ـ الرومانية ـ البولندية ـ الهولندية).
الحجم : وزيري.
نشر : مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة
الحسينية ـ كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* محاضرة في العقيدة.
تأليف : السيّد محمّد باقر السيستاني.
كتاب في عقيدة التوحيد الإلهي وهو تقرير لمحاضرة
السيّد محمّد باقر السيستاني التي ألقاها على الطلبة الجامعيّين ، انتظم البحث
في محورين : الأوّل مذاكرة حول الإيمان والإلحاد تحثّ على التأمّل والتدبّر إلى
أدلّة إثبات الصانع في دليلين : برهان النظم وبرهان الحدوث كما طرح ثلاثة أسئلة مجيباً
عنها : ما هو سبب غياب الدلالة على الصانع عن ذهن الإنسان؟
ما هو أثر اكتشاف العوامل الطبيعية على الإذعان
بالصانع؟
|
|
كيف يكتسب الإنسان الوعي اللازم ويثق به؟
والمحور الثاني في : نصائح وتذكيرات عامّة في شأن
المسيرة الصحيحة في هذه الحياة.
نشر : دار البذرة ـ النجف الأشرف ـ العراق.
* موسوعة المزارات ج (١ ـ ٦).
تأليف : الأمانة العامّة للمزارات الشيعية.
موسوعة عن المزارات الشريفة في العراق اعتنت بها
الأمانة العامّة للمزارات الشيعية.
صدرت الدفعة الأولى من هذه الموسوعة بستّة مجلّدات
تتضمّن مزارات محافظة بابل المدرجة من أصل أربعين مجلّداً حول المزارات الشيعية
الشريفة ، وهي موسوعة متخصّصة بقلم مجموعة من الباحثين والتي تعتبر مرجعاً
للتعريف بثقافة العراق الدينية والفكرية
|
والاجتماعية المرتبطة بالمزارات الدينية المنتشرة في
العراق.
الحجم : وزيري.
نشر : الأمانة العامّة للمزارات الشيعية ـ العراق.
* التكفير في ضوء الفقه الشيعي.
تأليف : الشيخ محمّد رضا الأنصاري.
جمع المؤلّف تقريراته لمحاضرات أستاذه المرجع الديني
الشيخ الوحيد الخراساني حيث يمثّل كلام سماحته رأي الشيعة واعتقادهم في التكفير
والتفسيق وحكم المغالطين للإمامية ، أعرب المؤلّف عن مفادها بالحقائق التالية :
الشيعة الإمامية لا تكفّر أحداً من المسلمين ، تعتقد
بإسلام كلّ من شهد الشهادتين على اختلاف المذاهب الأصولية والفقهية عدا النواصب
، تعتقد بحرمة دماء جميع المسلمين وعرضهم ومالهم وطهارة جسمهم ، وحلّية ذبيحتهم
، وجواز مناكحتهم وتوريثهم ،
|
|
تجب مراعاة الضوابط الشرعية وقواعدها عند الشيعة في
تعاملهم مع المخالف وإن لم يراعها ، يجب الدفاع عن عموم المسلمين سنّة وشيعة.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٢٣٠.
نشر دار التفسير ، قم ـ إيران. ومكتبة المهذّب ، النجف
الأشرف ـ العراق.
* المبادئ العامّة لعلم مصطلح الحديث المقارن.
تأليف : د. علي خضيّر حجّي.
كتاب في علم الحديث من موسوعة الدراسات الحديثية
الجامعية وهو عبارة عن محاضرات ألقاها المؤلّف في كلّية الفقه والكليّات الرسمية
الأهلية جمعها تلامذته من طلبة العلوم وهي مستقاة من أفكار أستاذه حجّة الإسلام
والمسلمين السيّد محمّد صادق الخرسان وقد حضر عنده الدراية والرجال مدّة عشر
سنوات. مستحدثاً مناهج جديدة وهي :
(علم مصطلح الحديث) و (علم
|
الرواية) و (مناهج المحدّثين) و (علم الرجال) و (أحاديث
الأحكام) و (نقد متن الحديث) و (الحديث التحليلي) و (علل وأسانيد) و (مدارس
حديثية) واضعاً مفردات لهذه المقرّرات أعطاها فرقاً بين هذه العلوم.
اشتمل الكتاب على مقدّمة بيّن فيها المؤلّف منهجيّته
في الكتاب ، واثنين وعشرين فصلا منها :
أهمّية الحديث الشريف والحاجة إليه ، التأصيل المعرفي
لعلم الدراية ، مصطلحات أساسية في علم الحديث ، الخبر المتواتر ، الخبر الواحد ،
و ...
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٥٣٩.
نشر : مطبعة دار الأمير ـ النجف الأشرف ـ العراق.
* علوم القرآن الكريم في مخطوطات السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني.
تأليف : الشيخ عماد الكاظمي.
إنّ هذا الإصدار تلاقى مع طموح
|
|
ومسعى مركز تراث كربلاء في الاهتمام بالدراسات
القرآنية لعلماء مدينة كربلاء المقدّسة وجهودهم المبذولة وبالأخصّ المخطوطات
المحقّقة التي تعطي أهمّية مضافة لحقل الدراسات القرآنية والتي خصّص لها المركز
(سلسلة تراثيّات قرآنية).
ويعدّ هذا الكتاب من التراث الفكري لمدينة كربلاء
المقدّسة.
اشتمل الكتاب على بابين ، الباب الأوّل على أربعة فصول
في : صيانة القرآن من التحريف ، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، المحكم
والمتشابه في القرآن الكريم ، الإعجاز البلاغي في القرآن الكريم.
والباب الثاني على أربعة فصول أيضاً في : صيانة القرآن
من التحريف ، الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ، المحكم
والمتشابه في القرآن الكريم ، الإعجاز البلاغي في
القرآن الكريم.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٥٤٧.
|
نشر : مركز تراث كربلاء التابع لقسم شؤون المعارف
الإسلامية والإنسانية ـ العراق.
* مناهج المحدّثين.
تأليف : د. علي خضير حجّي.
مجموعة من المحاضرات ألقاها المؤلّف على طلبة العلوم
في مادّة (مناهج المحدّثين) لقسمي (علوم القرآن الكريم والحديث الشريف) و (الفقه
وأصوله) في جامعة الكوفة ، وتأتي هذه المحاضرات ضمن (موسوعة الدراسات الحديثية الجامعية)
وقد استوحاها من دروس أستاذه حجّة الإسلام والمسلمين السيّد محمّد صادق الخرسان
عند تناوله للمحدّثين واستعراض كتبهم من الفريقين بعرض مقارن مضيفاً إليها
التأكّد من نسبة الكتب إلى مؤلّفيها ، والوثوق من مصادر الكتب والطرق اليها.
وهذا هو القسم الأوّل اشتمل الكتاب على سبعة عشر فصلا منها : التعريف بكيفيّة
وصول
|
|
المدوّنات إلينا ، بيان مناهج المحدّثين أنواعها
والتعريف بها ، الشيخ الكليني ومنهجه في كتاب الكافي ، الشيخ الصدوق ومنهجه في
من لا يحضره الفقيه ، الشيخ الطوسي ومنهجه في تهذيب الأحكام والاستبصار ، البخاري
ومنهجه في الجامع الصحيح ، مسلم ومنهجه في الصحيح و ... إلخ.
الحجم وزيري.
عدد الصفحات : ٣٠٩.
نشر : مطبعة الأمير ـ إيران.
* موسوعة أصول الفقه المقارن ج.
إعداد : مجمع التقريب بين المذاهب.
موسوعة احتوت على أمّهات البحوث الأصولية مرتّبة
ترتيباً ألفبائياً جاء فيها شرح هذه البحوث بصورة مبسّطة بعيداً عن التعقيد في
المباحث الأصولية ، مقارنة بين المذاهب الإسلامية الكبرى مزاوجة بين الأصول
|
القديمة والأصول الحديثة تسعى هذه الموسوعة إلى وضع
كلّ من الآراء والأقوال إلى جانب بعضها البعض في أحدث شكل من التبويب والتدوين
لغرض تسهيل رجوع الباحثين إليها. وقد صدر الجزء الرابع من هذه الموسوعة.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٤٥٠.
نشر : المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب ـ إيران.
* الحديث المضمر وحجّيته في الفقه الإسلامي.
تأليف : الشيخ علي غانم الشويلي.
يعدّ الحديث المضمر من المصطلحات الخاصّة بالشيعة ولم
ينَل شهرة عند المحدّثين من أهل السنّة.
وقد بيّن المؤلّف معناه اللغوي والاصطلاحي اشتمل
الكتاب على ثلاثة فصول في : تعريف الحديث المضمر ، بيان عوامل الإضمار وأسبابه ،
حجّية
|
|
الحديث المضمر وخاتمة. وقد قدّم له المرحوم الشيخ باقر
شريف القرشي.
عدد الصفحات : ٥٠.
نشر : منشورات دار الحسين
عليهالسلام
ـ العراق.
* التأصيل والتجديد في مدرسة الحلّة.
تأليف : د. جابر كاظم الملاّ.
يأتي هذا الكتاب في عداد الكتب التي تناولت مدرسة
الحلّة الفيحاء بدراسة علمية لمدارسها وأعلامها لكن تميّز هذا الكتاب في البحث
عن تكامل مدرسة الحلّة علميّاً ليبيّن الجهد الجماعي بدراسة ترصد الآراء
والأفكار ـ الفقهية والأصولية ـ منذ مرحلة النشوء وانتهاء بمرحلة الأفول على مدى
ثلاثة قرون.
اشتمل الكتاب على خمسة فصول في مدرسة الحلّة الفقهية
أدوارها وأركانها ، مظاهر التأصيل والتجديد في
|
مجال الفقه ، تناول مظاهر التأصيل والتجديد في مجال
أصول الفقه ، تناول التأصيل والتجديد للحركة النقدية في الفقه الإمامي ، تناول
مظاهر التأصيل والتجديد في الحديث والرجال.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٤٤٨.
نشر : مركز تراث الحلّة التابع للعتبة العباسية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
* فقه علامات الظهور.
تأليف : الشيخ محمّد السند.
تناول المؤلّف روايات الظهور بدراسة علمية مفصّلة يدحض
بها المزاعم والشبهات القائمة من قبل أدعياء ينتحلون شخصيّات الظهور وقد قامت
الضروة في روايات أهل البيت
عليهمالسلام
على نفي
النيابة الخاصّة والسفارة في الغيبة الكبرى للإمام المهدي عليهالسلام وكذلك في تسالم وإجماع علماء الإمامية.
الحجم : وزيري.
|
|
عدد الصفحات : ٣٧٥.
نشر : مؤسّسة الرافد للمطبوعات ، قم ـ إيران.
* حماية الجنين في الشريعة والقانون.
تأليف : الشيخ علي الشيخ إبراهيم آل مبارك (ت ١٤٣٧هـ).
كتاب في الشريعة والقانون.
يهدف هذا البحث إلى دراسة الحمايات الثلاث عن الجنين ،
وهي الحماية المادّية من كلا جانبيها المعنوي كالنسب والمادّي كالنفقات والميراث
، والحماية الجنائية التي تعني حمايته عن الاعتداء عليه بالإجهاض ، والحماية الإجرائية
التي تتّخذ أثناء إجراءات العقوبة على الأمّ ، مقارنين بين آراء المذاهب
الإسلامية ، وبينها وبين أحكام القوانين الوضعية.
اشتمل الكتاب على مباحث خمسة في : ماهيّة الجنين ، مراحل
تكوين
|
الجنين ، مدّة الحمل ، التحديد القانوني لبداية الحمل
ونهايته ، شخصيّة الجنين.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٤٥٩.
نشر : مكتبة آل مبارك ـ البحرين.
* تاريخ الفقه الإمامي من النشوء إلى القرن الثامن الهجري.
تأليف : الشيخ مرتضى جواد المدوّح.
دراسة دار البحث فيها حول الفقه الإمامي من البداية
إلى القرن الثامن الهجري ، وكيفية نشوء الفقه الإمامي وتاريخ تأسيسه والمراحل
التي مرّ بها منذ تكوّنه إلى القرن الثامن الهجري ، والسؤال الذي يدور حوله
الكتاب هو
|
|
تحديد مراحل الفقه الإمامي وتطوّراته وتكامله والبحث
في خصائصها. ومن هم أبرز علماء تلك المرحلة وآثارهم العلمية الفقهية في مجال
تطوّر الفقه الإمامي.
واشتمل الكتاب على مقدّمة اللجنة العلمية ، امتيازات
الفقه الإمامي ، وعلى أربعة فصول في : مرحلة صدور البيان الشرعي ، المرحلة
التأسيسية للفقه الإمامي ، مرحلة الانطلاق ، مرحلة الاستقلال والرشد للفقه
الإمامي.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٢٧٢.
نشر : العتبة الحسينية قسم الشؤون الفكرية والثقافية ـ
كربلاء المقدّسة ـ العراق.
|
|