بسـم الله الـرّحمـن الـرّحـيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيّد المرسلين، حبيبه المصطفى، وعلى أهل بيته الأئمّة الهداة، والسادة الولاة، الذين اختارهم الله حفظة لسرّه، وخزنة لعلمه، ومستودعاً لحكمته، وتراجمة لوحيه، وأركاناً لتوحيده، وشهداء على خلقه، إذ إياب الخلق إليهم، وحسابهم عليهم، وبهم ترجى الشفاعة المقبولة.

الردّ حقّ كفله الشرع والعرف، لكلّ طائفة أو فرقة، دينية أو غير دينية، عمّا تراه صحيحاً فيما تزاوله من دين تَدين به، أو عقيدة تعتقدها، أو نهج تتّبعه وتسير عليه، بما تمتلكه من حجج وبراهين وأدلة ورثتها عبر عهود زمنية من تاريخها، لتدفع بما حفظته من ذلك التراث كلّ شبهة تثار ضدّها من هنا وهناك، يثيرها أو يروّج لها أصحاب المصالح والمطامع لأهداف دنيوية، للدفاع عن حقّها المشروع.

والردّ نوعان :

ردّ هادئ يتّبع أُسلوب الحوار والنقاش في طرح الأدلّة والبراهين والحجج، لإقناع الطرف الآخر بما يحمله من آراء وتصوّرات، بهدف بناء شخصية إنسانيّة سامية، ترتقي به لينطلق نحو الكمال والسموّ.

وردّ عنيف يتبّع أُسلوب العنف والقوة، ويغلب عليه لسان الاستهزاء والسخرية، لإرغام الطرف الآخر بقبول ما يحمله من آراء وتصورات حتّى وإن كانت خاطئة.


وهذا الردّ الثاني ينتج عنه بناء شخصية متهورة تتحكم بها الأهواء، وتسيطر على حركاتها وسكناتها العصبيّة العمياء، وتحمل في داخلها البغض والكراهية للطرف الآخر.

وتاريخنا مليء بالصراعات الفكرية بشقّيه الآنفين بين الفرق والطوائف على مرّ العصور.

فما أن رحل الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الدنيا وفارق الحياة، تاركاً للأُمّة دولته الفتيّة، حتّى تعرضت هذه الاُمّة إلى انقسامات فيما بينها، ونشأ صراع سياسي في أمر مهم جدّاً، وهو أمر الخلافة، ثمّ أعقبه خلاف فقهي، لأنّ هذه الدولة الفتيّة التي أنشأها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت تحتاج إلى قيادة عالمة بجميع علوم الشريعة ـلا متأثّرة بأفكار الجاهليّة وضوابطها ومعاييرها، مقدّمة الشيخوخة على الكفاءة، والغيلة على الجهاد، و... تقودها إلى شاطئ الأمان، لترشد العبادإلى طريق الهداية والسداد، وتدافع عن مكاسبها أمام أي خطر طارئ قدتتعرّض له من الخارج.

فوقع الاختلاف فيمن يقود هذه الدولة، وما هي مؤهّلاته القياديّة، وهل يجب أن يكون شابّاً أو شيخاً، وهل أنّ ذلك بالنصّ أو الشورى؟

فكان من المفترض ـ مبدئيّاً ـ في الخليفة أن يكون ممّن دافع عن الرسول والرسالة وشارك معه غزواته وحروبه، وتحمّل ما تحمّل من أجل ترسيخ وتثبيت أركان رسالته، إلاّ أن ما حصل ـوللأسف الشديد كان غير ذلك; حيث تولّى الأمر المفضول مع وجود الفاضل، والشيخ مع وجود الشاب المجاهد الحركي الواعي، كلّ ذلك تحكيماً للمعايير التي عرفوها في الجاهلية.

فكان من الواجب على المؤمنين الرساليين من الصحابة والتابعين وعلماء الدين الوقوف أمام هذا التغيير المدروس، مقدّمين الأدلّة الدامغة،


والحجج الواضحة، والبراهين الجليّة واحدة تلو اُخرى، كي لا تضلّ الاُمّة أو تنحرف عن مسارها القويم الذي رسمه لها الله وحبيبه المصطفى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فكانت المناشدات والمناظرات قائمة بين الأقدمين من الصحابة والتابعين على قدم وساق، بين أبي بكر وعمر وأتباعهما من جهة، وبين الإمام علي عليه‌السلام وأتباعه من جهة أُخرى، ثمّ أعقبت تلك المناشدات حروباً دمويّة بين الصحابة ، قتل فيها الكثير من الموالين لعلي عليه‌السلام وخصومهم، ثمّ بعد عام السنة والجماعة اشتدّت الوطأة على أتباع الإمام علي عليه‌السلام ، فقطعوا عطاء من ثبت ولاءه لعليّ عليه‌السلام وهدم بيته، وجاءت بعدها حرب الأسماء، فكانوا يقتلون كلّ من سمّي بعليّ أو اسم أحد من ولده، وهدم داره، وقطع عطائه.

واستمرّت هذه الحروب والمنازعات ـبأنواعها بشدّة حتّى جاء العصر السلجوقي، حيث تعرّضت المراقد المقدّسة في العراق إلى النهب والسلب والتخريب لمرّات عديدة، واُحرقت الآلاف من الكتب، واُلقي الكثير منها في نهر دجلة ، وقتل وسبي الكثير من أتباع أهل البيتعليهم‌السلام.

ولم يكتف المتطرفون بهذا القدر، بل راحوا يروّجون بين الحين والآخرإلى إثارة الفتن والشبهات، من خلال نشر الكتب التي تحمل في طيّاتهاالسموم لغرض زرع الشكوك في نفوس أبناء الاُمّة، ثمّ تحريفهم عن دينهم القويم.

ففي النصف الأوّل من القرن الثالث كتب الجاحظ كتابه العثمانية هاجم فيه الشيعة، منكراً فيه الضروريات، وجاحداً فيه البديهيّات، وقد ردّه قوم من نحلته ومذهبه، وكان هدف الجاحظ إماتة الحقّ، حتّى وصفه


المسعودي في مروج الذهب بقوله : طلباً لإماتة الحقّ، ومضادّة لأهله، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون (١) .

وقد استمرّ هذا الصراع الفكري بين المسلمين في القرون التي تلته، وكان موقف الشيعة فيها هو موقف الدفاع وصدّ الهجمات.

وفي القرن السادس كتب أحدهم بدون اسم كتاباً سمّاه بعض فضائح الروافض هاجم فيه الشيعة، فردّه أحد المعاصرين له وهو نصير الدين عبد الجليل القزويني بكتاب سمّاه بعض مثالب النواصب فنقض عليه كلّ ما جاء في كتابه وفنّده، واشتهر هذا الكتاب فيما بعد بكتاب النقض.

وفي القرن السابع ألّف نصير الدين الطوسي كتاب تجريد الاعتقاد للردّ على الفخر الرازي في مسألة الوجود والعدم، كما بحث فيه مواضيع اُخرى كالإمامة وغيرها.

وفي القرن الثامن ظهر ابن تيمية إلى السطح وتحدّى كلّ المذاهب، فكفّره أشخاص من عائلته ومن أعلام عصره.

وقد اهتمّ بردّ كتب المتصوّفة والشيعة على أنّهم من المبتدعة، وكان فيما كتبه ضدّ الشيعة كتاب منهاج السنّة الطافح بالبغض للإمام علي عليه‌السلام وابتعاده عن المنهج الذي دعى إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فردّ عليه بعض معاصريه في كتاب سمّاه الإنصاف والانتصاف لأهل الحقّ من الإسراف.

وفي القرن التاسع هاجم الشيعة شخص آخر وهو يوسف بن مخزوم الأعور الواسطيّ في كتاب سمّاه الرسالة المعارضة في الردّ على الرافضة.

فردّ عليه الشيخ نجم الدين خضر بن محمّد الحبلرودي في كتاب

____________________

(١) مروج الذهب ٣ : ٢٧٣.


سمّاه التوضيح الأنور بالحجج الواردة لدفع شبهة الأعور.

وفي القرن العاشر ألّف ابن حجر الهيتمي كتابه الصواعق المحرقة، فردّ عليه القاضي نور الله التستري في كتاب سمّاه الصوارم المهرقة.

وفي القرن الحادي عشر تعرّض شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام في العراق إلى حرب إبادة جماعية، شنّها السلطان مراد الرابع العثماني بعد أن حصل على فتوى من نوح أفندي; وفيها : من قتل رافضيّاً واحداً وجبت له الجنّة!، وقد راح ضحيّة هذه الفتوى الآلاف من الموالين لعليّ عليه‌السلام ، واستمرّت هذه الحرب بين العثمانيين وشيعة العراق سبعة أشهر.

وبعدها أشعلوا نيران الفتنة لإبادة الشيعة في كلّ مكان، فأخذ السيف منهم كلّ مأخذ، وأفظعها مجزرة حلب القمعيّة; لأنّ حلب كانت شيعية منذ عهدالحمدانيين ، ولم يَنْجُ من هذه المجزرة إلاّ من لجأ إلى القرى والنواحي المجاورة للمدينة، أما الآخرون فقد ذهبوا بين قتل ونهب وسلب.

وفي القرن الثاني عشر صدر كتاب الصواقع الموبقة لنصر الله الكابلي ـالذي لم يعرف في كتب التراجم وردّ عليه الكثير من العلماء، منهم السيد مير حامد صاحب عبقات الأنوار.

وفي القرن الثالث عشر توسّعت رقعة الخلاف بين الطائفتين وخرجت من مباحث الإمامة والخلافة، إلى مباحث التوحيد والنبوّة والمعاد والخلافات الفقهيّة، فكتب المولوي عبد العزيز الدهلوي كتابه تحفه اثنا عشريّة باللّغة الفارسيّة في اثني عشر باباً.

وقد ردّ عليه الكثيرون، منهم : الشيخ جمال الدين أبو أحمد الميرزا محمّد بن عبد النبيّ بن عبد الصائغ النيسابوري الهندي في كتابه سيف الله المسلول على مخرّبي دين الرسول، والميرزا محمّد بن عناية أحمد خان


الكشميري الدهلوي في كتابه الذي سمّاه نزهة الاثني عشرية في الردّ على التحفة الاثني عشرية.

وفي القرن الرابع عشر استمرّ النهج المتشدّد من كيل التهم والأباطيل المفتراة على الطائفة الشيعيّة، فلخّص الآلوسي تحفه اثنا عشرية وترجمها للعربيّة، وردّ عليه الشيخ محمّد مهدي الخالصي بثلاث مجلدات، كما ردّ عليه شيخ الشريعة الأصفهاني، وهناك كتب اُخرى اُلّفت في هذا القرن.

وقد خرج أعلام الطائفة من موقفهم الدفاعي، فردّوا أباطيل مدرسة الخلافة وزيّفوا تمويهاتهم، فاضحين أكاذيبهم.

ولا يزال المدافعون عن الرسالة المحمديّة من العلماء الأعلام يذودون بأنفسهم وأقلامهم عن الدين الحقّ، حريصين أشدّ الحرص على بقاء دين محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائماً، لا يمسّه أحد بضرّ، لضمان بقاء الاُمّة سائرة على نهج النبيّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأئمّة الهداة عليهم‌السلام.

ومن بين أُولئك الأعلام الذين تصدّوا لردّ من يحاول تشويه الحقائق وإثارة الشكوك والشبهات بين أبناء الاُمّة، هو العلاّمة السيد حسن الصدر رحمه‌الله ، المؤلّف لهذا الكتاب القيّم الذي وقف فيه بحزم مدافعاً عن شريعة جدّه المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باُسلوب قلّ نظيره، من خلال طرح نماذج من شبهات ابن تيمية وتشكيكاته على الشيعة والصوفية، ثمّ ردّها من خلال الاستفادة من كلمات علماء الجمهور المعاصرين له، وبعض هؤلاء العلماء كانوا قد كفّروه وأخرجوه من الملّة والدين، وبذلك كشف السيّد الصدر زيفه وزيغه، وأظهر حقيقة حقده، وخباثة معدنه، وانحرافه عن الإسلام وتشويهه الحقائق، مسمّيًاكتابه بـ : البراهين الجلية في تزييف ابن تيمية.

وإليك نبذة عن حياته ومشايخه في الإجازة والمستجيزين عنه،


ومؤلّفاته، ثمّ بيان نبذة عن حياة ابن تيميّة، ومنهجنا في التحقيق.

حياة المؤلِّف :

ولد السيد حسن الصدر في مدينة الكاظميّة، يوم الجمعة ٢٩ شهر رمضان المبارك سنة ١٢٧٢ هـ في عائلة علمية عريقة، ينحدر نسبها إلى الإمام باب الحوائج موسى بن جعفر عليه‌السلام .

وقد نشأ السيد وترعرع في حجر والده المكرّم، فبذل في تربيته غاية جهده، وتفرغ لتثقيفه حتّى بلغ به درجات العلى في علوم وفنون اللسان، وما أن بلغ الخامسة عشرة من عمره حتّى أتقن الصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع، وأخذ العلوم عن أساتذة مهرة من علماء الكاظميّة، اختارهم له والده، وكان رقيباً عليه، يشدّ أزره معهم، ولا يدّخر جهداً في دعوته إلى الإمعان بالبحث.

ولمّا بلغ الثامنة عشرة من عمره خرج من سطوح الفقه والاُصول، واللّتان أخذهما عن أبيه بكلّ دقّة وإتقان.

وفي سنة ١٢٩٠ ه ارتحل السيّد إلى مدينة النجف الأشرف (١) ، فشمّر هناك عن ساعد الجدّ، فدرس علمي الحكمة والكلام على محمّد باقر الشكيّ، ثمّ أكملهما على الشيخ محمّد تقي الكلبايكانيّ والشيخ عبد النبيّ الطبرسيّ.

ولم يزل عاكفاً في النجف منشغلا في تحصيله العلمي، حتّى غادرها إلى سامراء ليكمل مراحل تحصيله على الإمام الشيرازي في عام ١٢٩٧ هـ، وقد عنى الاُستاذ بأمره، واهتمّ به غاية الاهتمام، فتوغّل مع من كان معه من

____________________

(١) مهبط العلم ومهوى أفئدة العلماء، منذ أن هاجر إليها الشيخ الطوسي رحمه‌الله .


الطلاّب في البحث والإمعان في التنقيب والتقصّي في التدقيق، واستبطان دقائق العلم، والغوص في أسراره، واستخراج بطائنه، والإحاطة بفروعه وأُصوله.

وأقام في سامراء نحواً من سبع عشرة سنة، ثمّ رجع إلى مسقط رأسه الكاظميّة بعد وفاة أُستاذه بعامين، أي عام ١٣١٤ هـ فاستأنف نشاطه فيها مع والده.

ولم يمض عليه سنتان في الكاظميّة حتّى فجع بوالده المكرّم، فكان رزؤه به عظيماً، وأبى السيد المترجم له أن يقلّده الناس في أُمور دينهم منذ توفّي أُستاذه الأكبر، فأحالهم إلى ابن عمّه السيد إسماعيل الصدر.

وبعد أن توفّي الأخير عام ١٣٣٨ هـ ، قام بأمر الاجتهاد والمرجعية، وظهرت رسالته العلميّة. فكان من أقوم موالي آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمهامهم، وأحوطهم على أحكامهم حتّى لحقهم في دار كرامتهم : فتوفّي في الحادي عشر من شهر ربيع الأوّل سنة ١٣٥٤ هـ، ودفن في صحن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام إلى جانب والده، بعد أن شيّع جثمانه الطاهر الآلاف من الناس، ومن جميع الطبقات، وحضر تشييعه الشخصيّات السياسيّة من رئيس الوزراءوسائر أعضاء الحكومة والأعيان والنواب وشيوخ العشائر، وكان في مقدمة ذلك السواد الأعظم علماء المسلمين من الطائفتين، حتّى وردوا الصحن المقدّس الطاهر للإمام الكاظم عليه‌السلام .

وقد أرخ عام وفاته الفقيه العلاّمة الشيخ مرتضى آل ياسين في أبيات من الشعر، مطلعها :

غِبتَ فلا قلبٌ خَبَت نارُهُ

كلاّ ولا عينٌ عَراهـا الوَسـنْ

إلى أن يؤرّخ فيقول :


غِبتَ ومُذ غبتَ نَعاك الهدى

أرّخْ لقد غاب الزكيُّ الحسنْ

١٣٤ ، ١٠٠٣ ، ٦٨ ، ١٣٥٤ = (١٣٥٤ هـ)

مشايخه في الرواية : وهم صنفان :

منهم : من يروي عنهم بطريق السماع والقراءة دون الإجازة، وهم كالتالي :

١ ـ المجدّد السيّد محمّد حسن الشيرازي المتوفّى سنة ١٣١٢ هـ.

٢ ـ الشيخ المحقّق الحاج ميرزا حبيب الله الرشتي صاحب كتاب بدائع الأُصول المتوفّى ١٣٠٨ هـ.

٣ ـ الشيخ الفقيه محمّد حسن بن الشيخ هاشم الكاظمي شارح كتاب الشرائع المتوفّى ١٣٠٨ هـ.

٤ ـ المولى محمّد الإيرواني النجفي المتوفّى بعد المائة الثالثة عشرة.

٥ ـ الشيخ محمّد حسن آل ياسين الكاظمي صاحب كتاب أسرار الفقاهة المتوفّى سنة ١٣٠٨ هـ.

٦ ـ والده السيد هادي المتوفّى سنة ١٣١٦ هـ.

ومنهم : من يروي عنهم بطريق الإجازة العامة، وهم كالتالي :

١ ـ المولى الفقيه الشيخ ملاّ علي بن الميرزا خليل الرازي الغروي المتوفّى سنة ١٢٩٧ هـ.

٢ ـ السيد المتبحّر مهدي القزويني الحلّي المصنّف المكثر المتوفّى سنة ثلاثمائة بعد الألف الهجرية.

٣ ـ المحقّق المتبحّر الميرزا محمّد هاشم بن زين العابدين الأصفهاني المتوفّى سنة ١٣١٨ هـ.


المستجيزون عنه :

وهم كثيرون، منهم : السيد أبو الحسن الأصفهانيّ، والشيخ محمّد حسين الأصفهانيّ صاحب الحاشية على الكفاية، والشيخ محمّد كاظم الشيرازيّ، والشيخ هادي كاشف الغطاء، والشيخ محمّد رضا آل ياسين، والحاج الشيخ علي القمّي، والسيد رضا الهنديّ، والميرزا محمّد علي الأوردباديّ، والسيد هادي الخراسانيّ، والشيخ محسن المعروف بآقا بزرك الطهرانيّ صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة، والسيد عبد الحسين آل شرف الدين، والشيخ آقا رضا الأصفهانيّ صاحب نقد فلسفة داروين، والسيد صدر الدين الصدر، والسيد أبو الحسن النقويّ، والسيد شبير حسن، وغيرهم.

مؤلّفاته :

يعدّ السيد الصدر أحد أكبر قادة الفكر الإسلامي في القرن العشرين، إذ كانت همّته عالية وغايته سامية، فقد جعل صدره موسوعة علميّة محيطة بدقائق المسائل من شتّى العلوم، حتّى تجاوزت مؤلّفاته المائة، والبعض من هذه المؤلّفات تضمّ مجلّدات كثيرة، ابتداءً من أُصول الفقه وانتهاءً بالأخلاق، فنذكر بعضاً منها بعيداً عن الإطالة :

فقد كتب في أُصول الدين :

١ ـ الدرر الموسويّة في شرح العقائد الجعفرية للشيخ الأكبر كاشف الغطاء.

٢ ـ سبيل الصالحين في السلوك وطريق العبوديّة.

٣ ـ إحياء النفوس بآداب ابن طاووس.


وفي الفقه :

١ ـ سبيل الرشاد في شرح نجاة العباد على سبيل الاستدلال.

٢ ـ تحصيل الفروع الدينيّة في فقه الإماميّة.

٣ ـ نهج السداد في حكم أراضي السواد.

٤ ـ حواشيه على : العروة الوثقى، وعلى : الغاية القصوى، وعلى : نجاة العباد، وعلى : التبصرة، وغيرها.

وفي الحديث :

١ ـ شرح : وسائل الشيعة إلى أحكام الشريعة.

٢ ـ تحيّة أهل القبور بالمأثور.

٣ ـ مجالس المؤمنين في وَفَيات الأئمّة المعصومينعليهم‌السلام.

٤ ـ تكملة أمل الآمل.

وفي علم الفهارس والتأليف والتصنيف :

١ ـ تأسيس الشيعة الكرام لعلوم الإسلام.

٢ ـ الشيعة وفنون الإسلام.

٣ ـ فصل القضا في الكتاب المشهور بفقه الرضا.

٤ ـ الإبانة عن كتب الخِزانة.

وفي الأخلاق :

١ ـ رسالة وجيزة في المراقبة.

٢ ـ رسالة في السلوك.

وفي أُصول الفقه :

١ ـ اللوامع.

٢ ـ تعليقة على : رسائل الشيخ مرتضى الأنصاري.


٣ ـ اللباب في شرح رسالة الاستصحاب.

٤ ـ رسالة في تعارض الاستصحاب.

٥ ـ التعارض والترجيح.

وفي النحو :

١ ـ خلاصة النحو.

وفي التاريخ :

١ ـ نزهة أهل الحرمين في عِمارة المشهدين (مشهد أمير المؤمنين ومشهد أبي عبد الله الحسين عليهما‌السلام).

٢ ـ وفيات الأعلام من الشيعة الكرام.

٣ ـ المطاعن، يتضمّن طعن بعض علماء الجمهور على بعض.

٤ ـ كشف الظنون عن خيانة المأمون، وغيرها.

بعد إن انتهينا من ذكر من حياة السيد الصدر علينا الإشارة إلى..

نبذة مختصرة عن حياة ابن تيمية :

هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم ابن تيمية الحرّاني مولداً، والدمشقي مدفناً، والحنبلي مذهباً، وُلد في العاشر من شهر ربيع الأوّل سنة ٦٦١ هـ في مدينة حرّان.

وفي سنة ٦٦٧ هـ انتقل مع أبيه من حرّان إلى دمشق هرباً من الغزو التتري المتتابع على حرّان، وفي عام ٦٩١ هـ قصد مكّة زائراً بيت الله الحرام، وفي عام ٦٩٨ هـ منع من الكلام بسبب عقائده الفاسدة، وآرائه المنحرفة، ومقالاته وفتاواه; ولقوله بالتجسيم، والاستواء على العرش حقيقة، والحركة والانتقال، وأنّ لله الوجه والأيدي والأعين والأرجل على


وجه الحقيقة وأمثال ذلك.

وفي عام ٧٠٥ هـ استدعي من قبل الحاكم إلى مصر، وسجن فيها سنة ونصف، ثمّ أُفرج عنه، وأقام في الاسكندرية في برج على البحر، وفي الاسكندرية ركّز حملاته على الصوفيّة، وفي هذه الفترة كان على اتّصال مع أصحابه ومحبيه في دمشق عن طريق أخيه شرف الدين، والأخير كان يكاتبهمو يكاتبوه.

ومن المفارقات العجيبة في حياته أنّ أتباعه خالفوا إرشاداته ورجعوا إلى خلفيّاتهم الدينية وقناعاتهم السابقة عن الأولياء!! فكان يلقون على جنازته مناديلهم وعمائمهم للتبرك، آخذين من ماء غسله للتبرك به، وصار مدفنه في مقابر الصوفية الذي كان يضادّهم ويخالفهم في حياته، فإنّ شرّ البلية ما يضحك.

فابن تيمية كان متطرّفًا في أفكاره، شديداً على مخالفيه، ومن طالع كتبه يقرّ بما نقوله، إذ تهجم على كثير من المسلمين، وتعرّض للصحابة والتابعين بسوء ، وهذا ما ستعرفه في مطاوي هذا الكتاب. ونحن من خلال نقلنا لأقوال علماء الجمهور سنوضّح لك الحقيقة أكثر فأكثر.

أقوال العلماء فيه :

أورد المصنّف مقتطفات من أقوال العلماء من أهل نحلته كأبي الفداء (ت ٧٣٢ هـ) وأبي حيّان الأندلسي (ت ٧٤٥ هـ) والعلائي (ت ٧٦١ هـ) واليافعي (ت ٧٦٨ هـ) والسبكي (ت ٧٧١ هـ) والحصني (ت ٨٢٩ هـ) وغيرهم... ونحن هنانشير إلى ما أعرض عن ذكره المصنّف; تتميماً للفائدة وليكون القارئ على إلمام بأقوال العلماء فيه وفي أماكن اُخرى:


قال ابن حجر (ت ٨٥٢ هـ) في الدرر الكاملة : استشعر أنّه مجتهد، فساريردُّ على صغير العلماء وكبيرهم، قديمهم وحديثهم حتى انتهى إلى عمر، فخطّأ في شيء، فبلغ الشيخ إبراهيم الرقيّ فأنكر عليه، فذهب إليه واعتذرواستغفر ، وقال في حق عليّ : أخطأ في سبعة عشر شيئاً ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب!

ثم جاء ابن حجر ليصنّف القائلين حول ابن تيمية وأقوالهم فيه، فقال : وافترق الناس فيه شيعاً : فمنهم : من نسبه إلى التجسيم... ومنهم : من ينسبه إلى الزندقة، ومنهم : من ينسبه إلى النفاق.

وقال ظفر أحمد العثماني التهانوي في قواعد الحديث : فهذا ابن تيمية نفسه متشدّد في الجرح، فقد قال الحافظ في لسان الميزان : وجدته كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر الحلي الرافضي، مصنف كتاب في فضائل عليّ رضي‌الله‌عنه .

ثمّ يقول : لكنه ردّ في ردّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر مظانّها حالة التصنيف، لأنّه كان لاتّساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره، والإنسان عائد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي رضي‌الله‌عنه(١) .

قلت ـ والكلام للتهانوي ـ : وممّا ردّه ابن تيمية من الأحاديث الجياد في كتابه منهاج السنّة حديث ردّ الشمس لعليّ رضي‌الله‌عنه ، ولما رأى الطحاويّ قد حسنه وأثبته جعل يجرح الطحاوي بلسان ذلق وكلام طلق، وأيم الله، إن درجة الطحاوي في علم الحديث فوق آلاف من مثل ابن تيمية، وأين لابن تيمية أن يكون كتراب نعليه، فمثل هؤلاء المتشدّدين لا يحتجّ بقولهم

____________________

(١) لسان الميزان ٦ : ٣١٩.


إلاّ بعد التثبّت والتأمّل. والله تعالى أعلم.

وقد نقل الشوكاني في البدر الطالع عن محمّد البخاري (ت ٨٤١ هـ) أنّه صرّح بكفر ابن تيمية، ثم صار يصرّح في مجلسه : إن من أطلق القول على ابن تيمية شيخ الإسلام فهو بهذا الإطلاق كافر.

وقال السخاوي في الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ : وقد رأيت له ـأي الذهبي ـ رسالة كتبها لابن تيمية هي لدفع نسبته لمزيد تعصّبه مفيدة.

إلى أن قال : قد رأيت ما آل أمره إليه من الحطّ عليه والهجرة والتضليل والتكفير والتكذيب بحقّ وبباطل، فقد كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منوراً مضيفاً على محياه سيما السلف، ثمّ صار مظلماً مكشوفاً عليه قتمة عند الخلائق من الناس، ودجّالا أفّاكاً كافراً عند أعدائه...

وقال صلاح الدين الصفدي (ت ٧٦٤ هـ) في الوافي بالوفيات عند ترجمته لابن تيمية : ما أظنّه رأى مثله في الحافظة والاطّلاع وأرى أن مادّته كانت من كلام ابن حزم، حتى شناعه على من خالفه.

وكان مغرىً بسبّ ابن عربي محي الدين، والعفيف التلمساني، وابن سبعين، وغيرهم من الذين ينخرطون في سلكهم.

وربّما صرّح بسبّ الغزالي وقال : هو قلاووز الفلاسفة. أو قال ذلك عن الإمام فخر الدين...

وسمعته يقول عن نجم الدين الكاتبي المعروف بـ (دَبِيران) ـبفتح الدال المهملة وكسر الباء الموحدة وهو الكاتبي صاحب التواليف البديعة في المنطق، فإذا ذكره لا يقول إلاّ (دُبَيران) بضمّ الدال وفتح الباء.

وسمعته يقول : ابن المنجس يريد ابن المطهّر الحلّي...

وقال أبو بكر الحصني (ت ٨٢٩ هـ) في دفع شبهة من شبّه وتمرد : ...


وقد بالغ جمع الأخيار من المتعبّدين وغيرهم من العلماء كأهل مكّة وغيرها أن أذكر ما وقع لهذا الرجل من الحيدة عن طريق هذه الأئمّة، ولو كان أحرفاً يسيرة، إمّا بالتصريح أو بالتلويح مشيرة، فاستخرت الله عزوجل في ذلك مدة مديدة...

ثم قلت : لا أباً لك، وتأمّلت ما حصل وحدث بسببه من الإغواء والمهالك، فلم يسعني عند ذلك أن أكتم ما عملت، وإلاّ اُلجمت بلجام من نار ومُقتُّ.

وها أنا أذكر الرجل وأشير باسمه الذي شاع وذاع واتسع به الباع وسار، بل طار في أهل القرى والأمصار، وأذكر بعض ما انطوى باطنه الخبيث عليه وما عوّل في الإفساد بالتصريح أو الإشارة إليه. ولو ذكرت كثيراً ممّا ذكره ودوّنه في كتبه المختصرات لطال جدّاً فضلا عن المبسوطات، وله مصنّفات أُخر لا يمكن أن يطّلع عليها إلاّ من تحقق أنّه على عقيدته الخبيثة، ولو عصر هو وأتباعه بالعاصرات لما فيها من الزبغ والقبائح النحسات.

قال بعض العلماء من الحنابلة في الجامع الأموي في ملأ من الناس : لو اطّلع الحصني على ما اطّلعنا عليه من كلامه لأخرجه من قبره وأحرقه، وأكّد هؤلاء أن أتعرض لبعض ما وقفت عليه...

وخلاصة الكلام : أنّ الحقّ لا يبقى مخفيّاً ومخبيّاً وراء الستار ويظهر وإن حجب ـلقرون بالتعصب والحبّ الأعمى من قبل أمثال ابن تيمية، فترى الحقّ يطفح على لسانه لا شعورياً فيقول :

وينبغي أيضاً أن يعلم أنّ كلّ ما أنكره بعض الناس عليهم يكون باطلاً، بل من أقوالهم أقوال خالفهم فيها بعض أهل السنّة ووافقهم بعض والصواب


مع من وافقهم! فمن الناس من يعدّ من بدعهم : الجهر بالبسملة ووافقهم بعض، وترك المسح على الخفين إما مطلقاً وإمّا في الحضر، والقنوت في الفجر، ومتعة الحجّ، ومنع لزوم الطلاق البدعي، وتسطيح القبور، وإسبال اليدين في الصلاة، ونحو ذلك من المسائل التي تنازع فيها علماء السنّة، وقد يكون الصواب فيها للقول الذي يوافقهم (١) .

فنحن لا نريد الإطالة في أمثال هذه البحوث، لأنّ هذا الكتاب قد خصص لهذا الغرض وإليك بعض سماته ومميزاته :

ميزات الكتاب :

امتاز كتاب البراهين الجلية بعدّة ميزات، أهمّها ما يلي :

١ ـ استخدم المؤلِّف في كتابه اُسلوب الردّ غير المباشر بالاعتماد على علماء عصر ابن تيمية، ومن أهل نحلته ـ من علماء السنّة ليكشف عن زيف وبطلان آرائه وتصوراته. إذ كفّره الكثيرون من هؤلاء الأعلام حتّى شكوه إلى السلطان، فأودعه السلطان السجن مرّتين، وفي الثالثة حبسه حتّى مات في السجن.

٢ ـ اعتماده الدقّة والتأمّل في النقل ومتابعته للمصادر، حيث كان المؤلّف يشير إلى اسم الكتاب والمجلّد والصفحة، وتاريخ ومحل الطبع، ليكون عمله وثائقياً وشاهداً على صحّة نقله وتأمّله.

نحن والكتاب :

بعد أن وقع الاختيار على هذا الكتاب من قبل اللجنة العلمية المشرفة

____________________

(١) منهاج السنّة ١ : ١٠.


على التحقيق في المؤسّسة، اعتمدنا النسختين المحفوظتين في مكتبة الشيخ كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف احديهما برقم ٣٤٩٧ وهي بخط المصنّف فجعلناها نسخة الأصل.

والاُخرى برقم ٣٤٩٦ وهي جيّدة الخط وعليها بلاغاته، فاقتصرناعليهمالكفايتهما بالمقصود، ونشير إلى هذه النسخة بالنسخة الثانية.

وقد قام بمهمّة مقابلة المخطوطتين : فضيلة الشيخ محمّد علي زينلي والأخ الماجد عبد الرضا الروازق، وبمهمّة التخريجات وتقويم النصّ معاً : أصحاب الفضيلة : الشيخ محمّد علي السالكي، والشيخ محمّد علي زينلي، والشيخ نصير مهدي نجفي، واُحيلت مهمّة المراجعة النهائيّة إلى سماحة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ علي المرواريد، والحمد لله ربّ العالمين.

مؤسسة آل البيت عليه‌السلام لإحياء التراث






بسـم الله الـرّحمـن الـرّحـيم

الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه، والظاهر لقلوبهم بحجّته، خلق الخلق من غير روية; إذ كانت الرويّات لا تليق إلاّ بذوي الضمائر، وليس بذي ضمير في نفسه، خرق علمه باطن غيب السترات، وأحاط بغموض عقائد السريرات.

وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، الأوّل لا شيء قبله، والآخر لا غاية له، لا يقع الأوهام له على صفة، ولا تعتمد القلوب منه على كيفية، ولا تناله التحيزية والتبعيض، ولا تحيط به الأبصار والقلوب، ما وحّده من كيّفه، ولا حقيقته أصاب مَن مثّله، ولا إياه عنى مَن شبّهه، ولاصَمَده من أشارَ إليه وتوهمه، كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، [فاعل] (١) لاباضطراب (٢) آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لاباستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الاُمور عرف أن لا ضدّ له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لاقرين له، ضادّ النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مقرّب بين متباعداتها، مفرّق بين متدانياتها، لا يشمل بحدّ، ولا يحسب بعدّ، وإنّما تحدّ الأدوات أنفسها، وتشير [الآلات] (٣) إلى نظائرها، منعتها «منذ» القدمة، وحمتها «قد» الأزلية، وجنبتها «لو لا»

____________________

(١) أضفناه من نهج البلاغة، الخطبة : ١٨٦.

(٢) في «ب» : لا باضطرار.

(٣) في النسختين : الأدوات، وما أثبتناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.


التكملة، بها تجلّى صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظرالعيون، لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه; إذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولا التمس التمام إذ لزمه النقصان، وإذاً لقامت آية المصنوع، [فيه] (١) ولتحول دليلا بعد أن كان مدلولا عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره. الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الاُفول، لم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً، جلّ عن اتّخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء، لا تناله الأوهام فتقدّره، ولا تتوهّمه الفطن فتصوّره، ولا تدركه الحواس فتحسّه، ولا تلمسه الأيدي فتمسّه، ولا يتغيّر بحال، ولا يتبدّل بأحوال، ولا تبليه الليالي والأيّام، ولا يغيّره الضياء والظلام، ولا يوصف بشيء من الأجزاء، ولا [بالجوارح] (٢) والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيريّة والأبعاض، ولا يقال : له حدّ ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه فتقلّه [أو تُهويه] (٣) ، أو أنّ شيئاً يحمله فيميله أو يعدّ له، ليس في الأشياء بوالج ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات، يقول ولايلفظ، يحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، ويحب ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة، يقول لما أراد كونه : كن، فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، سنّة الله في خلقه ولن تجد لسنّة الله تبديلا.

____________________

(١) أضفناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.

(٢) في النسختين : بالأحوال ، وما أثبتناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦ .

(٣) أضفناه من نهج البلاغة الخطبة : ١٨٦.


وصلّ وسلّم اللّهم على المصطفى في الظلال، المرتجى للشفاعة، المفوّض إليه دين الله، خير خلقك، وخاتم رسلك، صاحب السكينة، والمدفون بالمدينة، وعلى آله الطيّبين الطاهرين الهادين، وصحبه الناصرين الكاملين.

أَما بعد : فلمّا صحّ عندي قول سيد البشر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا ظهرت البدع وسكت العالم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» (١) بادرت إلى تسطير نبذة من البراهين الجلية، التي أقامها أئمّة الأشعرية على كفر أحمد ابن تيمية، مؤسّس مذهب الوهابية، شيخ الحشوية، لما رأيت طبع كتبه في هذه الأيام وإشاعة بدعه الكفر واستزلال العوام بها; لأن الحشو ممّا يقرب من أفهامهم ويتصوّر في أوهامهم، حتّى رأيته قد رسخ في قلوب بعضهم، وألفته نفوسهم، ومزجت البدع بلحومهم وعروقهم ودمائهم، وقد يجب على العلماء إعزاز الدين، وإغماد المبتدعين; لأنّ جهاد العلماء بالقلم واللسان وجهاد الملوك بالسيف والسنان، وكما لا يصحّ للملوك إغماد السيف عن المشركين والملحدين كذلك لا يجوز للعلماء إغماد ألسنتهم عن الزائفين والمبتدعين، وإلاّ فقد زيّف العلماء قبلي عقيدة ابن تيمية الفاسدة ونقضوا حججه الداحضة الكاسدة، وأظهروا عواثر سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته، كتقي الدين الحصني (٢) أبي بكر بن محمّد الدمشقي

____________________

(١) الدرر السنيّة لزيني دحلان : ٤٨، وانظر الكافي للكليني ١ : ٥٤ / ٢، الجامع الصغير ١ : ١١٥ / ٧٥١، وكنز العمّال ١ : ١٧٩ / ٩٠٣.

(٢) نسبة إلى الحصن من قرى حوران، فقيه شافعي من أهل الشام، تفقّه على شرف الدين الشريسي وشهاب الدين الزهري وغيرهما، من تصانيفه : شرح منهاج الطالبين للنووي، وشرح مختصر أبي شجاع، وشرح صحيح مسلم وغيرها، انظر الضوء اللامع ١١ : ٨١، الأعلام ٢ : ٦٩.


الحسني المتوفّي سنة تسع وعشرين وثمان مائة، نقض كتاب ابن تيمية الذي سماه الصراط المستقيم في ردّ أهل الجحيم الذي ذكره في كشف الظنون وقال : إنّ فيه أشياء لا ينبغي أن تذكر، كتكفيره عبد لله بن عباس على مانقله الحصنيّ (١) في كتابه للردّ عليه (٢) . فهو صراط الشيطان الرجيم.

وكالشيخ تاج الدين القاضي الحنفي أحمد بن عثمان بن التركمانيّ الحنفيّ (٣) المتوفّي بمصر سنة أربع وأربعين وسبعمائة كتب الأبحاث الجلية في مسألة ابن تيمية (٤) .

والشيخ جمال الدين أبي المعالي محمّد بن علي بن عبد الواحد (٥) المعروف بابن الزملكاني الشافعي علّق على الدرر المضئية في ردّ ابن تيمية في مسألة الطلاق، ورتّب الردّ على ثلاث فصول في حكم المسألة في إجمال دفع الاستدلال في الجواب عنه، وفرغ منه في رمضان سنة أربع وثلاثين وثمانمائة (٦) .

____________________

(١) انظر كتابه دفع شبه من شبّه وتمرّد للحصنى الدمشقي : ٦٤.

(٢) كشف الظنون ٢ : ١٠٧٨.

(٣) أبو العبّاس المارديني المعروف بابن التركماني، فقيه مجيد وأديب مفيد، ولد بالديار المصريّة سنة ٦٨١ هـ، سمع من الدمياطي وابن الصواف وغيرهما، وتوفّي بالقاهرة، من تصانيفه : شرح الجامع الكبير، وتعليقه على المحصّل، وشرح الشمسية وغيرها، انظر الوافي بالوفيّات ٧ : ١٨٢ / ٣١٢٣، معجم المؤلفين ١ : ٣٠٩.

(٤) انظر كشف الظنون ١ : ٢ و ٢ : ١٦٦١.

(٥) الأنصاري الدمشقي ثمّ المصري السماكي ، وأيضاً يعرف بابن الخطيب ، فقيه ، انتهت إليه رياسة الشافعيّة في عصره ، ولد وتعلّم بدمشق وتصدّر للتدريس والافتاء ، ولي نظر ديوان ونظر خزانة وكالت بيت المال ، ثمّ ولي القضاء في حلب فأقام سنتين ، وطلب لقضاء مصر فقصدها ، فتوفّي في الطريق ودفن بالقاهرة سنة ٧٢٧ هـ . انظر الوافي بالوفيات ٤ : ٢١٤ / ١٧٤٧ ، هدية العارفين ١ : ٦٣٥ و٢ : ١٤٦ ، الأعلام ٦ : ٢٨٤ .

(٦) انظر كشف الظنون ١ : ٧٤٤.


ذكر التاج السبكي في ترجمة ابن الزملكاني أنّه صنّف الردّ على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة (١) .

أقول : اسم الردّ على حرمة شدّ الرحال إلى قبور الأنبياء الدرّة اليتيمة كما يظهر من كشف الظنون في لفظة بحث (٢) . فتأمل.

وكالقاضي بدر الدين محمّد بن ابراهيم الشافعي المعروف بالقاضي بدرالدين بن جماعة المتوفّي سنة ٧٣٣هـ، كتب في الردّ على ابن تيميّة كتاب الردّ على المشبّه (٣) في قوله تعالى : ( الرَّحْمَـن عَلَى العَرشِ اسْتَوَى ) (٤) (٥) .

ولعلّ كتاب الملحمة على المجسّمة له أيضاً الذي ذكره النابلسي (٦) في القول الجلي قال : قد صنّف بعض الناس كتاباً في الردّ على الشيخ أحمد بن تيمية وسمّاه الملحمة على المجسمة.

وكالشيخ ابن غانم المقدسي عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن أحمد المقدسي المتوفّي سنة ستة وخمسين وثمانمائة، كتب كتاب كشف الاعتقاد في الردّ على مذهب الإلحاد، وهو صاحب الوسيلة للفظ (٧) مزيله (٨) .

وكالشيخ شهاب الدين بن جبرائيل الكلابي، كتب كتاباً في الردّ على

____________________

(١) طبقات الشافعيّة ٩ : ١٩٠ / ١٣٢٥.

(٢) كشف الظنون ١ : ٢٢٠.

(٣) انظر تاريخ الإسلام الذهبي ٤٦ : ٤٢٣، كشف الظنون ١ : ٨٣٩.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٥.

(٥) انظر تاريخ الإسلام الذهبي ٤٦ : ٤٢٣، كشف الظنون ١ : ٨٣٩.

(٦) أبو الفضل محمّد صفي الدين بن أحمد الحسيني البخاري الأصل، نزيل بلدة الخليل ثمّ نابلس الشام، من مصنّفاته القول الجلي في ترجمة ابن تيميّة، توفّي بالطاعون سنة ١٢٠٠ هـ، الأعلام للزركلي ٦ : ١٥، إيضاح المكنون ٢ : ٢٤٨.

(٧) كذا في النسختين، وفي كشف الظنون : للغلط.

(٨) كشف الظنون ٢ : ١٤٨٧ و ٢٠١٠.


رسالة ابن تيمية في حديث الجهة (١) ، أخرجها بتمامها التاج السبكي في الطبقات الكبرى في ترجمة الإمام أحمد بن يحيى بن إسماعيل الشيخ شهاب الدين بن جبرائيل المذكور في الجزء الخامس من الطبقات (٢) .

وكالإمام المجمع على إمامته واجتهاده تقي الدين السبكي كتب : دافع الشقاق في ردّ ابن تيمية في مسألة الطلاق وهو الردّ الصغير (٣) ، وله الردّ الكبير سمّاه كتاب التحقيق في مسألة التعليق (٤) ولم يره ابن تيمية، وكتب شفاء السقام أيضاً في زيارة خير الأنام (٥) ، وشنّ فيه الغارة على ابن تيمية المنكر السفر إلى الزيارة.

وكالحافظ الحجّة الشيخ محمّد سراج الدين حسن بن عيش التيمي اليماني (٦) ذكر في كتابه اليتم العجاج في أسانيد السراج : أنّ له كتاب إكمال المنّة في نقض منهاج السنّة لابن تيمية (٧) وإنّه منهاج الحشوية لا منهاج السنّة لأنّه شحنه في التشبيه والتجسيم والحشو، والتشنيع على أئمة السنّة، وكفّر فيه الأشعري وأتباعه وبدّعهم وضلّلهم، وجعلهم تارة جهمية، واُخرى من غلاة القدريّة، فهو منهاج اللجاج والاعوجاج.

أقول : وستعرف صحة ذلك في المقصد الثاني، وأنّه لا ينصر فيه إلاّ

____________________

(١) هدية العارفين ١ : ١٠٨.

(٢) طبقات الشافعيّة الكبرى ٩ : ٣٤ / ١٣٠٢.

(٣) كشف الظنون ١ : ٨٣٧.

(٤) نفس المصدر ١ : ٣٧٨.

(٥) نفس المصدر ٢ : ١٠٤٩.

(٦) الشهير بالشيخ فدا حسين، تلميذ المفتي مير محمّد عبّاس، والمجاز من المحدّث النوري سنة ١٣١٥ هـ. انظر الذريعة ٢ : ٢٨٣ / ١١٤٨.

(٧) انظر الذريعة ٢ : ٣٨٣ / ١١٤٨ و ١٥ : ٢١٢ / ١٤٠٤ و ٢١٦ / ١٦٨٩، معجم المؤلِّفين ٣ : ٢٦٨.


أسلافه الحشوية، ويكذب على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، ويزعم أنّهم يقولون بمقالته، ولو أنفق ملأ الأرض ذهباً ما استطاع أن يروّج عليهم كلمة تصدّق دعواه، وتستّر بالسلف حفظاً لرئاسته والحطام الذي يجتلبه يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم، ومذهب السلف إنّما هو التوحيد والتنزيه دون التجسيم والتشبيه.

وهذا ابن زفيل (١) أحد سيئات ابن تيمية، وبلسانه يناضل وبحجته يحتج، قد حمل العوام في قصيدته النونية على تكفير كلّ من سواه وسوى طائفته.

وقد نقضـها الإمام تقي الدين السبكي بـ : السيف الصقيل في ردّ ابن زفيل (٢) .

وشهد على ابن تيمية بالكفر البراح الصريح أبو الحسن التقي السبكي كما في الفتاوى الحديثية لابن حجر المكي، وذكر فيها أنّ عقيدته كفر عند الأكثر، وضلّله هو ووصفه بأوصاف الكافرين (٣) .

وحكى في الجوهر المنظم أنّه قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره إلى أن مات (٤) .

وقال اليافعي في مرآة الجنان : إنّ العلماء ألزموا السلطان بإعلام الخاص والعام، بأنّ من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه (٥) .

أقول : وستعرف في المقصـد الأول أسماء من ضـلّله وكفّره

____________________

(١) ابن زفيل الشهير بابن القيم، سيأتي ذكره في الخاتمة ج ٢ ص ١٨٣ فراجع.

(٢) انظر معجم ما ألّفه علماء الاُمّة الإسلاميّة ضدّ الوهّابيّة : ٢١ / ١٢٨.

(٣) الفتاوى الحديثيّة : ٨٥.

(٤) الجوهر المنظم : ٢٩ - ٣٠.

(٥) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠.


ببدعته، وهم الجمع الغفير من علماء السنّة، كالإمام تقي الدين السبكي (١) ، وابنه التاج (٢) ، والعز بن جماعة (٣) ، وابن الزملكاني، وتاج الدين بن التركمان، وأثيرالدين أبو حيان (٤) ، وابن فضـل الله الكاتب (٥) ، والشيخ صدر الدين بن الوكيل (٦) ، والشيخ صلاح الدين العلاء (٧) شيخ ابن حجر

____________________

(١) عليّ بن عبد الكافي بن عليّ بن تمّام السبكي الأنصاري الخزرجي أبو الحسن، شيخ الإسلام في عصره، وأحد الحفّاظ المفسّرين المناظرين، وهو والد التاج السبكي صاحب الطبقات، ولد في سبك وتوفّي سنة ٧٥٦ هـ، ودفن في القاهرة. انظر تذكرة الحفّاظ ٤ : ١٥١٧، الأعلام ٤ : ٣٠٢، معجم المؤلّفين ٧ : ١٢٧.

(٢) عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي الأنصاري الخزرجي، تاج الدين أبو نصر الشافعي، ولد في القاهرة وانتقل إلى دمشق مع والده فسكنها، وتوفّي بها سنة ٧٧١هـ، وكان طلق اللسان قوي الحجّة. انظر الأعلام ٤ : ١٨٤، طبقات الفقهاء ٨ : ١٢٤ / ٢٧٤٩.

(٣) عبد العزيز بن بدر الدين محمّد بن إبراهيم بن جماعة الكناني، الحمومي الأصل، الدمشقي المولد، ثمّ المصري، الحافظ، قاضي القضاة، ولد سنة ٦٩٤ هـ، ومات بمكّة بعدالمولد سنة ٧٦٧ هـ . انظر طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ٧٩ ، الأعلام ٤ : ٢٦.

(٤) محمّد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الشيخ، الحافظ، النحوي، المفسّر صاحب تفسير البحر المحيط، المتوفّي سنة ٧٤٥ هـ. انظر شذرات الذهب ٦ : ١٤٥، كشف الظنون ٢ : ١٥٣.

(٥) شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن محمّد الكرماني العمري الشافعي، المعروف بابن فضل الله الكاتب الشافعي، المتوفّي سنة ٧٤٩ هـ. انظر كشف الظنون ٢ : ١٦٦٢.

(٦) محمّد بن زين الدين مكّي بن عبد الصمد بن عطية بن أحمد الأموي المصري الشافعي، المعروف بابن المرجل وابن الوكيل، ولد سنة ٦٥٠ هـ، وتوفّي بالقاهرة سنة ٧١٦ هـ. انظر طبقات الشافعية الكبرى ٩ : ٢٥٣ / ١٣٢٩، كشف الظنون ١ : ١٠٠.

(٧) خليل بن كيكلدي العلائي الشافعي الدمشقي ثمّ القدسي، ولد سنة ٦٩٤ هـ، وكان مصاحباً للشيخ كمال الدين بن الزملكاني، الى سنة ٧٢٠ هـ، توفّي في القدس الشريف ودفن هناك سنة ٧٦١ هـ. انظر الوافي بالوفيات ١٣ : ٤١٠ / ٥٠٥، كشف الظنون ١ : ١٠٠، الأعلام ٢ : ٣٢١.


العسـقلاني، والنور البكري (١) ، وشهاب الدين النويري (٢) ، وشرف الدين الزواوي المالكي (٣) ، وشيخ الإسلام ابن جهبل (٤) ، والجلال الدواني (٥) ، والحافظ ابن حجر العسـقلاني (٦) ، وسـند المحدثين محمّد

____________________

(١) عليّ بن يعقوب بن جبرئيل بن عبد المحسن بن يحيى بن الحسن بن موسى التميمي، المفتي الزاهد نور الدين أبو الحسن البكري، المصري الشافعي، ولد سنة ٦٧٣ هـ، وتوفّي سنة ٧٢٤ هـ، وقيل : سنة ٧٢٧ هـ. انظر تاريخ الإسلام ٥٠ : ١٤٥، الوافي بالوفيات ٢٢ : ٢٠٥، كشف الظنون ١ : ٤٥٥.

(٢) شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن عبد الوهّاب بن محمّد بن عبد الدائم البكري التيمي الشافعي القرشي المعروف بالنويري، مؤلّف كتاب نهاية الإرب في فنون الأدب، ولد سنة ٦٧٧ هـ، وتوفّي سنة ٧٣٢ أو سنة ٧٣٣ هـ. انظر كشف الظنون ٢ : ١٩٨٥، الأعلام ١ : ١٦٥.

(٣) عيسى بن مسعود بن منصور بن يحيى بن يونس بن عبد الله بن أبي الحاج المنجلاتي، القاضي شرف الدين أبو الروح الحميري المالكي، ولد سنة ٦٧٤ هـ بزواوة من المغرب، وتوفّي في رجب سنة ٧٤٣ هـ. انظر الدرر الكامنة ٣ : ١٢٥ / ٣١٤٣، كشف الظنون ١ : ٥٥٨.

(٤) أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الكلابي الحلبي الشافعي، ولد سنة ٦٧٠ هـ، وتوفّي سنة ٧٣٣ هـ، صنّف في نفي الجهة ردّاً على ابن تيميّة. انظر طبقات الشافعية ٩ : ٣٤ / ١٣٠٢، هدية العارفين ١٠ : ١٠٨ و ٢ : ٢٠١.

(٥) جلال الدين محمّد بن أسعد البكري المتكلّم الحكيم، قاضي القضاة بفارس، ينتهي نسبه إلى أبي بكر، كان في أوائل أمره على مذهب العامة ثمّ صار شيعيّاً، وكتب رسالة سمّاها نور الهداية وهي مصرحة بتشيّعه، ذكره القاضي نور الله في مجالس المؤمنين في فضلاء الشيعة، توفّي سنة ٩٠٨. انظر مجالس المؤمنين ٢ : ٢٢١، روضات الجنات ٢ : ٢٣٩ / ١٨٨، كشف الظنون ١ : ١٦٠ و٢ : ١١١٧، الأعلام٢ : ١٦٧.

(٦) شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ نور الدين علي بن محمّد بن محمّد بن علي بن أحمد، الشهير بابن حجر نسبة إلى حجر الكناني العسقلاني الأصل المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية، ولد سنة ٧٧٣ هـ، وتوفّي سنة ٨٥٢ هـ. من مؤلّفاته : لسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة. انظر النجوم الزاهرة ١٥ : ٢٥٩، كشف الظنون ١ : ١٠٦، شذرات الذهب ٧ : ٢٧٠، الأعلام ١ : ١٧٨.


البرلسي (١) ، والعلامة الهيتمي أحمد ابن حجـر المكي (١) ، والعلامة عبد الحـليم الهندي (٣) ، والصـدر بن بهادرخان (٤) صاحب منتهى المقال في حديث شدّ الرحال : وغيرهم من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة.

وناهيك بضلال من شهد بضلاله هؤلاء الأعلام، والفقهاء الكرام، فتتمّ بشهادتهم الحجّة، وتنكشف بهم المحجّة، وسأتلوها عليك بألفاظهم في هدايات وعبارات ينقطع بها عذر من لا خبرة له بضلال هذا المبتدع العنيد، والشيطان المريد، حتى يكون أهل الحلّ والعقد قائمين في حقّ الله بمنع الناس من طبع كتبه، ومراجعة مصنّفاته، وترويج ضلاله، وحتى لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كلّ وعر وحزن، لأنّه مبدع ضالّ مضلّ، جاهل كذّاب، قد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه، وجهاد المبتدعين أفضل من جهاد الكافرين; لأن بدعهم تهدم الدين ويؤخذ من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ

____________________

(١) في «ب» : البرنسي. وهو الشيخ شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عيسى البرلسي (البرنسي) الفاسي المالكي المغربي، المعروف بالشيخ زروق الصوفي، ولد سنة ٨٤٦ هـ، وتوفّي في سنة ٨٩٩ هـ، من مصنّفاته : إتحاف أهل العرفان. انظر شذرات الذهب ٧ : ٣٦٣، كشف الظنون ٢ : ١٣٥٨.

(٢) شهاب الدين أحمد بن محمّد بن محمّد بن علي السعدي الأنصاري، أبو العبّاس الهيتمي المصري ثمّ المكّي، المعروف بابن حجر نسبة إلى أحد أجداده من فقهاء الشافعيّة، ولد سنة ٩٠٩ هـ، وتوفّي سنة ٩٧٣ وقيل : ٩٧٤ هـ. انظر شذرات الذهب ٨ : ٣٧٠، الأعلام ١ : ٢٣٤.

(٣) أبو الحسنات محمّد بن عبد الحي بن محمّد عبد الحليم بن محمّد أمين الأنصاري الأيّوبي الهندي الحنبلي اللكهنوي، ولد سنة ١٢٦٤ هـ... وتوفّي سنة ١٣٠٤ هـ. انظر الأعلام ٦ : ١٨٧، هدية العارفين ٢ : ٣٨٥، معجم المؤلفين ١٠ : ١٢٩.

(٤) جاء في أبجد العلوم ١ : ٧١١ : صدر الدين خان بهادر، ولي الصدارة بدهلي من جهة البرطانية حكّام الهند اليوم فاستمرّ عليها إلى الفتنة، وأخذ الحديث عن الشيخ المهاجر، وله رسالة منتهى المقال في شدّ الرحال، قال في اليانع الجني : قد تأنّق فيها.


سبّهم (١) ، للتحذير وبيان حالهم، أفضل من سبّ الكافرين، لأنّ الضرر يخشى منهم أكثر، والعامـة إلى الاغترار بهم أقرب، فينبغي إعلان حالهـم لتحذير الاُمّة من الاقتداء بهم، والميل إلى أكاذيبهم وتأويلاتهم، كما ستعرف ذلك في مقاصد هذا الكتاب.

فالمقصد الأوّل في المشهود به عليه من الكفر والضلال في كلّ عصر وزمان، وإن تلك الكبائر (٢) قد سمعها منه الثقات، ونقلوها عنه في المصنّفات والتراجم والطبقات، حتى صارت بيّنات وشهادات متواردات، لا يبقى لسامعها ريب في ضلاله وكفره، وليس لأحد أن يقول في الشهود : إنّهم إن شهدوا لي كانوا عدولاً، وإن شهدوا عليَّ كانوا فسّاقاً، وإن شهدوا بمدح من أحببته كانوا عدولاً، وإن شهدوا بذمّ من أحبه كانوا فسّاقاً، كما تقوله أتباع ابن تيمية المعاندين الذين لا يؤمنون للمؤمنين، ويتعصّبون للحشويّة المعاندين، ويظنون بعلماء السنّة المتفق على إمامتهم وثقتهم أنّ شهادتهم على ابن تيمية للحسد والهوى، وحاشا علماء الإسلام أنّهم لا ينطقون إلاّ عن تثبّت وتحقيقومزيد احتياط وتحرٍّ، سيما إن نسبوا إلى مسلم ما يقتضي كفره وردّته وضلاله وإهدار دمه.

وتكفير المسلم كفر كما قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قال الرجل لأخيه : ياكافر فقد باء بها أحدهما» (٣) .

ومع ذلك شهدوا على ابن تيمية بالكفر البراح الصريح، فليس إلاّ

____________________

(١) ورد مؤدّاه في اُصول الكافي ٢ : ٣٧٥ / ٤، الأذكار النووية : ٣٠٧ باب التبرّي من أهل البدعوالمعاصي ، الجامع الصغير ١ : ٥١٥ / ٣٣٥١.

(٢) في النسخة الثانية : الكتابة

(٣) مسند أحمد ٢ : ٤٧، البخاري ٨ : ٣٥٣ باب ٥٩٥ / ٩٨١، الكافي ٢ : ٣٦١ / ٨.


الصدق والحقّ والقيام بحقّ الله في منع الناس عن اتّباع عقيدته الزائغة، وأما من اتّبع هواه فقد أعمى الله قلبه ومن يضلل الله فلن تجد له ولياً مرشداً.

والمقصد الثاني في خروجه عن أهل السنّة والجماعة، واتّباعه غير سبيل المؤمنين، ومباينته لهم، وتكفيره لهم، والتشنيع (١) على عقيدتهم بما لا يفوه به من كان فيه رائحة من الإيمان، كلّ ذلك من لفظه في مصنفاته.

والمقصد الثالث في أنواع المكفِّرات له من لفظه في مصنّفاته، مع الدلالة على مواضعها :

النوع الأول : مخالفته في المسائل التي في اُصول الدين التي ترجع إلى تنقيص الربّ  جل جلاله كالتجسيم، والتشبيه، والتحييز، وأمثال ذلك.

النوع الثاني : ما يرجع إلى إنكار الضروري في الدين.

النوع الثالث : ما يرجع إلى تنقيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

النوع الرابع : التشنيع على كبار الصحابة المعظمين في الكتاب والسنّة.

النوع الخامس : انحرافه عن عليّ عليه‌السلام بالنصب والمبالغة في التنقيص والتشنيع عليه وعلى الأئمّة من أولاده والعترة  وأهل البيتعليهم‌السلام، بما لا يفوه به مسلم يؤمن بالله وبرسوله.

النوع السادس : في تكذيبه وإنكاره لكثير من أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فأقول وبالله جلّ جلاله التوفيق :

____________________

(١) في «ب» : التتبّع بدل : التشنيع.


المقصد الأوّل :

في شهادات الثقات بالمكفِّرات



كلام التقي السبكي في السيف الصقيل على ابن تيميّة :

هداية : فيها شهادة إمام المجتهدين تقي الدين السبكيّ على ابن تيميّة باعتقاد قيام الحوادث بذات الربّ سبحانه، وأنّه تعالى مازال فاعلا، وأنّ التسلسل ليس بمحال فيما مضى كما هو فيما سيأتي، وأنّ ابن تيميّة شقّ العصا، وشوّش عقائد المسلمين، وأغرى بينهم وتعدّى، حتّى قال : إنّ السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصية، وقال : إنّ الطلاق الثلاث لا يقع، وإنّ من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه الطلاق، ذكر تقي الدين ذلك في مقدمة كتابه السيف الصقيل في ردّ ابن زفيل عند ذكره للحشوية، قال بعد كلام طويل في التشنيع على الحشوية أسلاف ابن تيميّة ما لفظه :

ثمّ جاء في أواخر المائة السابعة رجل له فضل ذكاء واطّلاع، ولم يجد شيخاً يهديه وهو على مذهبهم، وهو جسور متجرّد لتقرير مذهبه، ويجد اُموراً بعيدة، فبجسارته يلتزمها، فقال بقيام الحوادث بذات الربّ سبحانه وتعالى (١) ، وأنّ الله سبحانه وتعالى مازال فاعلا (٢) ، وأنّ التسلسل ليس بمحال فيما مضى كما فيما سيأتي (٣) ، وشقّ العصا، وشوّش عقائد المسلمين وأغرى بينهم، ولم يقتصر على العقائد في علم الكلام حتّى تعدّى وقال : إنّ السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصية (٤) . وقال : إنّ الطلاق

____________________

(١) راجع منهاج السنّة ٢ : ٣٨٠.

(٢) راجع مجموع الفتاوى ٦ : ٢٠٠ - ٢٠١.

(٣) راجع منهاج السنّة ١ : ٤٣٨، ومجموعة الفتاوى ٨ : ٩٤، ودرء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٢١ .

(٤) راجع مجموعة الفتاوى ٢٧ : ١٠٤ - ١٠٥.


الثلاثة لا يقع (١) ، وإن من حلف بطلاق امرأته وحنث لا يقع عليه الطلاق (٢) ...

واتّفق العلماء على حبسه الحبس الطويل، فحبسه السلطان، ومنعه من الكتابة في الحبس، وأن لا يُدْخَل عليه بدوات، ومات في الحبس...

ثمّ حدّث من أصحابه من يشيع عقائده، ويعلّم مسائله، ويلقي ذلك إلى الناس سرّاً، ويكتمه جهراً، فعمّ الضرر بذلك حتّى وقفت في هذه الأيام على قصيدة نحو ستة الآف بيت يذكر فيها عقائده وعقائد غيره، ويزعم بجهله أنّ عقائده عقائد أهل الحديث، فوجدت هذه القصيدة تصنيفاً في علم الكلام الذي نهى العلماء من النظر فيه لو كان حقّاً، (كيف وهي تقرير للعقائد الباطلة وبَوح بها) (٣) ، وزيادة على ذلك وهي حمل العوام على تكفير كل من سواه وسوى طائفته، فهذه ثلاث اُمور هي مجاميع ما تضمّنه هذه القصيدة (٤) .

وقد أخرج محمّد مرتضى الزبيديّ في شرحه لكتاب قواعد العقائد، أحد كتب الإحياء، تمام كلام السبكيّ فراجعه (٥) .

____________________

(١) نفس المصدر ٣٣ : ١١ ـ ١٢.

(٢) راجع مجموعة الفتاوى ٣٣ : ٨٠ - ٨١.

(٣) بدل ما بين القوسين في النسختين : وفي تقرير للعقائد الباطلة فيه وبرع بها. والمثبت من المصدر.

(٤) السيف الصقيل في رد ابن زفيل : ١٧ ـ ١٨.

(٥) راجع إتحاف السادة المتّقين ٢ : ١٠٦.


شهادة المولوي حسن الزمان بن محمّد بن قاسم

التركماني الحيدرآبادي في كتابه المستحسن في فخر الحسن

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بسلوكه طريق المتعصّبة، والقول بحرمة زيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعدم صحة إسلام عليّ المرتضى، ونسبة عثمان إلى حبّ المال، وردّ الأحاديث النبويّة الموجودة في السنن الجياد، وإنّه ينتقص على عليّ عليه‌السلام ، وبالتدارك على ذريته الطاهرة، وأنّه ردّ عليه جماعة من أئمّة السنّة، وعدّ أسماء جملة منهم، وجملة من مجازفاته، وذكر ذلك العالم المتبحّرالمولوي صدّيق حسن حسن الزمان في كتابه القول المستحسن قال :

ومن الاُخرى من يسلك طريقة المتعصّبة، فيقول مجازفة من غير استقراء وتتبّع أقوال (١) الأفاضل : إنّ الاجتماع والسماع أعني اجتماع الحسن البصري وسماعه من عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام كليهما باطل باتّفاق الأماثل منهم اُعجوبة وقته ابن تيمية الحنبليّ ـ غفر الله له وقد قال شيخ الإسلام الإمام الحافظ أبو الفضل بن حجر العسقلانيّ في الدرر الكامنة (٢) في ترجمته بعد ما ذكر مناقبهومثالبه ، كالقول بحرمة زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ...، وعدم صحّة إسلام عليّ المرتضى كرم الله وجهه لكونه صبيّاً...، بل التدارك عليه وعلى الذريّة الطاهرة باعتراضات سخيفة مردودة...

وأمّا تصحيح إسلام المرتضى وهو صغير فقال الحافظ [ابن

____________________

(١) في المصدر : لأقوال.

(٢) انظر الدرر الكامنة ١ : ٩٣.


حجر] (١) : مستنبط من كونه أقرّ على ذلك (٢) ...

قال (٣) الشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي في تخريج أحاديث الاختيار : أوضح من هذا ما روى ابن سعد في الطبقات : حدّثنا إسماعيل ابن (٤) أبي اُويس، حدّثنا أبي، عن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعا علياً إلى الإسلام وهو ابن تسع سنين. ويقال دون ذلك ولم يعبد وثناً قط لصغره (٥) . انتهى ...

قال : فلو لم يكن الإسلام مقبولا منه لما دعاه إليه. انتهى (٦) ...

قلت : وكذا دعا شرذمة من أطفال الصحابة إلى الإسلام وقَبِلَـهُ منهم كما يظهر من كتب الأثر، وقد بايع عبد الله بن الزبير، وجعفر بن الزبير، وعبد الله ابن جعفر ، وهم أبناء سبع سنين، رواه أبو نعيم وابن عساكر، وغيرهما (٧) ...

(وللطبرانيّ بسند جيد جداً عن الإمام محمّد الباقر عليه‌السلام ) (٨) : «أنّ

____________________

(١) الزيادة من المصدر.

(٢) انظر عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة : ٢١٢.

(٤) في المصدر زيادة : تلميذه.

(٥) في الطبقات زيادة : عبد الله بن ...

(٦) عنه في عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة : ٢١٢.

(٧) معرفة الصحابة لأبي نعيم ١ : ٥١٧ / ١٤٤٨ و ٣ : ١٦٠٥ / ١٥٩١، تاريخ دمشق ٢٧ : ٢٤٨ - ٢٥٣، وراجع مستدرك الحاكم ٣ : ٥٦٦ - ٥٦٧، اُسد الغابة ١ : ٥٤٠ / ٧٥٦، سير أعلام النبلاء ٣ : ٤٥٧ تاريخ الإسلام للذهبي ٥ : ٤٢٨ - ٤٣٠.

(٨) بدل ما بين القوسين موافق لما في عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني : ٢١٢. وبدله في المصدر : وقال الزبير بن بكار، حدّثنا أحمد بن سليمان، عن، عبد العزيز الدراوردي، عن جعفر بن محمّد عن أبيه...


النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بايع الحسن، والحسين، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن جعفر وهم صغار لم يعقلوا ولم يبلغوا، ولم يبايع صغيراً إلاّ منّا» (١) انتهى (٢) ...

وإنّما المردّ في ذلك كلّه في عام الحكم إلى الفهم...

وأوضح من ذلك كلّه في صحة إسلام المرتضى صبيّاً ما في أحاديث في مقام تفضيله أنّه أوّلهم سلماً (٣) ...

ونسبة أمير المؤمنين عثمان بن عفان إلى حبّ المال...

وردّ الأحاديث الموجودة في السنن وإن كانت ضعيفة...

وذكر ابن حجر (٤) اختلاف العلماء الكرام في حقّه وقال : إنّا لا نعتقد عصمته، بل إنّا نخالفه في مسائل أصلية وفرعية (٥) ...

وقال في لسان الميزان في ترجمة ابن مطهّر الرافضي ما لفظه : وصنّف كتابه في فضائل علي رضي‌الله‌عنه فنقضه الشيخ تقي الدين بن تيميّة في كتاب كبير، وقدأشار الشيخ تقي الدين السبكي إلى ذلك في أبياته المشهورة :

وابن مطهّرلم يظهرخلافه

لابن تيمية ردّعليهواستيفاءأجوبة (٦)

____________________

(١) المعجم الكبير ٣ : ١١٥ / ٢٨٤٣، وانظر أيضاً مجمع الزوائد ٦ : ٤٠.

(٢) في المصدر بدل انتهى : وعن الزبير : أخرجه الطبراني، ومع جودة سنده لا يضرّ قول ابن كثير البداية والنهاية ٨ : ٢٢٦ : وهذا مرسل غريب.

(٣) انظر العثمانيّة للجاحظ : ٢٨٧، تاريخ الطبري ٢ : ٥٧، الكامل لابن عدي ٨ : ١١٦ / ١٨٦٥، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٠ - ٤٤، ميزان الاعتدال ١ : ٥٠٦ / ١٨٩٨.

(٤) بين الشارحتين ليس في المصدر.

(٥) الدرر الكامنة ١ : ٩١.

(٦) وهكذا في لسان الميزان طبعة الهند، وفي المصدر :

وابن المطهر لم تظهر خلائقه

داع إلى الرفض غال في تعصبه

ولابن تيمية ردّ عليه وفا

بمقصـد الرد واستيفاء أجوبة


لكنه يذكر بقية الأبيات فيما يعاتب به ابن تيميّة من العقيدة، طالعت الردّالمذكور فوجدته كما قال السبكي في الاسـتيفاء، كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحـاديث التي يوردهـا ابن المطهّر، وإن كان معظم ذلك من الموضـوعات والواهيات، لكنه ردّ في ردّه كثيراً من الأحـاديث الجياد...

إلى قوله (١) : يهم ويصل من مبالغته لتوهين كلام الرافضي أحياناً إلى تنقيص (٢) علي عليه‌السلام ، والترجمة لا تحتمل إيضاح ذلك وإيراد أمثلته (٣) ...

قلت : ومع ذلك كونه لم يذكره في اللسان كالذهبي في الميزان مع ذكر الأجلاّء فيهما من عجائب الزمان...

وقال الإمام أبو عبد الله الذهبيّ في تاريخه مع كونه من أتباعه (٤) في كثير ـكما لا يخفى بعد ذكر نحوها : فهو بشر له ذنوب وخطايا (٥) ...

وكذا ذكره الإمام اليافعي وغير واحد من الأئمّة..

وقال العلاّمة ابن حجر المكي في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرم : مَنْ [هو] (٦) ابن تيميّة حتّى ينظر إليه، أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟ (وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة، حتّى أظهروا عوار سقطاته، وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ بن جماعة : عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي

____________________

(١) في المصدر : وقوله بدل : إلى قوله.

(٢) في المصدر : تبغيض بدل : تنقيص.

(٣) انظر لسان الميزان طبعة الهند ٦ : ٣١٩ ـ ٣٢٠، وطبعة دار إحياء التراث ٧ : ٥٢٨ ـ ٥٢٩.

(٤) في المصدر : موافقيه بدل : أتباعه.

(٥) انظر كتابه المعجم المختصّ : ٢٥ / ٢٢، وفيه : خطأ بدل : خطايا.

(٦) الزيادة عن المصدر.


وأرداه، وبوّأه من قوّة الافتراء والكذب ما أعقبه الهوان، وأوجب له الحرمان؟!) (١) ...

ولقد تصدّى شيخ الإسلام، وعالم الأنام، المجمع على جلالته واجتهاده، وصلاحه وإمامته، التقي السبكي قدّس الله روحه ونوّر ضريحه للردّ عليه في تصنيف مستقلّ، أفاد فيه وأجاد وأصاب، وأوضح بباهر حججه طريق الصواب، فشكر الله مسعاه، وأدام عليه شآبيب رحمته ورضاه.

ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض السرجاء من الحنابلة، فغبر في وجوه مخدراته الحسان، التي لم يطمثهن إنس قبله ولا جان، وأتى ما دلّ على جهله، وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله...

إلى قوله : وتدارك [على الأئمّة] (٢) سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجّه الأسماع وتنفر منه الطباع (٣) ...

وهكذا ذكر العلاّمة المحدّث البرنسي في إتحاف أهل العرفان برؤية الأنبياء والملائكة والجان...

وقال العلاّمة الحافظ الشامي صاحب السيوطي في سيرته المسمّاة بسبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مشروعيّة السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمجاد، قد ألف فيها الشيخ تقي الدين السبكي، والشيخ

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في المصدر : إلى أن قال.

(٢) في النسختين : ابن تيمية. وفي الجوهر المنظم : على أئمتهم. وما أثبتناه من المصدر.

(٣) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرّفة موسوعة نقديّة ١) : ٦٦ - ٦٧.


كمال (١) الدين الزملكاني، والشيخ داوُد أبو سليمان كتاب الانتصار، وابن جماعة (٢) وغيرهم من الأئمّة، وردّوا على الشيخ تقي الدين ابن تيميّة، فإنّه أتى في ذلك بشيء منكر لا تغسله البحار (٣) ...

وممّن ردّه عليه من أئمة عصره، العلاّمة محمّد بن يوسف الزرنديّ المدني المحدّث في بغية المرتاح إلى طلب الأرباح (٤) ...

ثمّ في هذا كلّه ردّ جيّد على ما وقع للقارئ (٥) من الإشارة إلى تأويل مذهبه هذا، وحمله على محامل بعيدة من مقصوده على مراحل، (وزعمه أنّه من أولياء الله فلا حول ولا قوة إلاّ بالله) (٦) ...

وقال الشيخ العلاّمة شهاب الدّين أبو عبد الله أحمد البرنسي المالكي الشاذلي المعروف بزروق في شرح حزب البحر : فإن قلت : قد أنكر ابن تيميّة هذه الأحزاب وردها ردّاً شنيعاً فما جوابه؟...

قلنا : ابن تيميّة رجل مسلم له باب الحفظ والإتقان، مطعون عليه في عقائد الإيمان، ملموز بنقص العقل فضلا عن العرفان، وقد سئل عنه الشيخ الإمام تقي الدين السبكي فقال : هو رجل علمه أكبر من عقله (٧) ...

قلت : ومقتضى ذلك أن يعتبر بنقله لا بتصرّفه في العلم...

____________________

(١) في سبيل الهدى : جمال .

(٢) في سبيل الهدى والمصدر : ابن جملة بدل : ابن جماعة .

(٣) سبيل الهدى والرشاد ١٢ : ٣٨٤.

(٤) مخطوط، وانظر عبقات الأنوار ١٧ : ١٧١.

(٥) وهو علي بن سلطان القارئ.

(٦) مابين القوسين ليس في المصدر. والمتن موافق لما في عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة ٢١٥.

(٧) انظر شرح الزرقاني على المواهب اللدنيّة ١٢ : ١٩٥ و ٢١٥.


قلت : بل ينبغي أن لا يعتبر من نقله إلاّ بما تخلص فيه من التعصّب والتعسّف لا مطلقاً، يتّضح لك ذلك من مانقله هناك...

وقد بالغ بعض علماء الظاهر (١) فأطلق : أنّ من سمّى ابن تيميّة بشيخ الإسلام كافر، ولا يخفى ما فيه، ولذا ألّف ابن ناصر الدين الشافعي عليه كتابه الردّ الوافر، ولكني لم أقف عليه إلى الآن...

وبالجملة فالفقهاء والعرفاء ليسوا أشدّ تغليظاً (٢) على أحد من أهل العلم منهم عليه...

فثناء من أثنى عليه من العلماء فيما نقله ابن ناصر الدين (٣) في التبيان بعضه يرجع إلى علمه، وبعضه وقع من عدم الوقوف على سقمه من فضائحهوقبائحه ...

ثمّ نقل حسن الزمان قول ابن تيميّة (٤) : بأنّ إسناد الخرقة إلى علي عليه‌السلام من جهة معروف الكرخي منقطع، فتارة يقولون أنّ معروفاً صحب علي بن موسى الرضا عليه‌السلام (٥) ...

قال صديق حسن : لا يخفى ما فيه من رائحة نسبة الأصفياء والأولياء

____________________

(١) هو صلاح الدين بن سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي الحافظ، المتوفّي سنة ٧٦١هـ قال التاج السبكي في الطبقات عند ذكره : كان بينه وبين الحنابلة خصومات كثيرة. إلى أن قال : وأمّا الحديث فلم [يكن] في عصره من يدانيه فيه. إلى آخره «منه». طبقات الشافعية ١٠ : ٣٦.

(٢) في المصدر : غيظاً بدل : تغليظاً.

(٣) محمّد بن أبي بكر عبد الله بن محمّد الحافظ شمس الدين القيس الشافعي، الشهير بابن ناصر الدين الدمشقي، المولود سنة ٧٧٧ هـ والمتوفّي سنة ٨٤٢ هـ، له تصانيف منها التبيان في شرح بديعة البيان، هدية العارفين ٢ : ١٩٣، الأعلام ٦ : ٢٣٧.

(٤) في المصدر : صاحب القرّة بدل : ابن تيميّة.

(٥) منهاج السنّة ٨ : ٤٤، وقرّة العينين للدهلوي : ٢٨٩.


إلى الكذب بالتردّد، وإنّما هو ونحوه في السند من التعدد، ولكن لا طبّ للتبلّد (مع التشدّد في التمرّد والتعنّد) (١) ، ونسأل الله الصمد الودّ لأوليائه والتودّد والمدد في ذلك للتوكّد (٢) ...

ثمّ نقل قول ابن تيميّة : أنّ معروفاً لم يكن اجتمع بعليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، ولا نقل عنه ثقة أنّه اجتمع به وأخذ عنه، بل لا يعرف أنّه رآه، ولاكان معروف بوّابه، ولا أسلم على يديه فهذا كلّه كذب (٣) ...

فقال حسن الزمان : قد مضى تكذيب بعضه، ويأتي تكذيب بعضه إن شاء الله العليّ القوي...

ثمّ كذّبه بما قال الإمام اليافعي في مرآة الجنان في ترجمة الإمام معروف الكرخيّ : من موالي عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، وكان أبواه نصرانيين، فأسلماه إلى المؤدّب وهو صبيّ، فكان المؤدّب يقول له : قل : ثالث ثلاثة. فيقول معروف : بل هو الله الواحد القهّار. فضربه المعلّم يوماً على ذلك ضرباً مبرحاً، فهرب منه، وكان أبواه يقولان : ليته يرجع إلينا على أيّ دين شاء، فنوافقه عليه، ثمّ أنّه أسلم على يدي علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ورجع إلى أبويه فدقّ الباب. فقيل له : مَن بالباب؟ فقال : معروف. فقيل : على أي دين؟ فقال : على الإسلام. فأسلم أبواه (٤) ...

ثمّ قال حسن الزمان : وهذه القصّة قد أوردها كذلك الإمام القشيري (٥) ، نقلا عن شيخه الإمام المشتهر في الآفاق، القارئ صحيح

____________________

(١) ما بين القوسين ليس في المصدر، والمتن موافق لما في عبقات الأنوار.

(٢) القول المستحسن في فخر الحسن : ٣٤٧.

(٣) منهاج السنّة ٨ : ٤٤.

(٤) مرآة الجنان ١ : ٤٦٠ - ٤٦١.

(٥) انظر الرسالة القشيريّة ١ : ٤٢.


البخاري وغيره على النقدة أبي علي الدقّاق (١) ، وتبعه ابن خلكان وغيره من أهل الشأن (٢) ، وهي تكملة ما في المجمع عن الصفوة لابن الجوزي (٣) ...

وأخرج تمام ذلك، وعن ابن حجر المكي كذلك (٤) ، وكذلك عن الشعراني (٥) ، والحرّالي (٦) ، والمناوي (٧) ...

إلى أن قال : قوله : وهذا باطل باتّفاق أهل هذه الفرقة فإنّهم متّفقون على أنّ الحسن لم يجتمع بعلي (٨) ...

سبحان الله هذا بهتان عظيم! فقد تقدّم عن إمامي هذه الفرقة علي بن المدني شيخ البخاري، وأبي زرعة الرازي شيخ مسلم إنّهما قالا : إنّه رآه بالمدينة الطيبة (٩) ...

____________________

(١) الحسن بن علي بن محمّد بن إسحاق النيسابوري، تفقّه بمرو للمذهب الشافعي عند أبي بكر القفّال المروزي وغيره، توفّي سنة ٤٠٥ أو ٤٠٦ أو ٤١٢ هـ. الكامل لابن الأثير ٩ : ٣٢٦، طبقات الشافعيّة للسبكي ٤ : ٣٢٩ / ٣٨٤.

(٢) انظر وفيات الأعيان ٤ : ٤٤٥ / ٧٢٩، مسالك الأبصار وممالك الأمصار ٨ : ٤٧، شذرات الذهب ١ : ٣٦٠، غربال الزمان للحرضي اليماني : ١٨٦، جامع الأنوار للبندنيجي : ٢٥٧ / ٧٠.

(٣) انظر صفوة الصفوة ٢ : ٣١٨

(٤) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٣.

(٥) طبقات الشعراني ١ : ٧٢.

(٦) أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسين التجيبي الأندلسي، ولد بمراكش، وأخذ العربية عن ابن خروف، توفّي سنة ٦٣٧ هـ. طبقات المفسرين للسيوطي : ٦٥ / ٦٨، الأعلام للزركلي ٤ : ٢٥٦.

(٧) طبقات الصوفيّة (الكواكب الدريّة) ١ : ٧١٥ / ٢٨٣.

(٨) منهاج السنّة ٨ : ٤٥.

(٩) راجع الحاوي للفتاوي للسيوطي ٢ : ٢٧٠.


مع رواية البخاري القويّة (١) ، ورواية أبي يعلى الموصلي الصحيحة الصريحة في سماعه منه رضي‌الله‌عنه (٢) ... وغير ذلك...

ورواية الحافظ أبي نعيم الذي هو مستند ابن تيميّة ومعتمده عن الحسن ما هو صريح في كثرة سماعه منه رضي الله عنه (٣) ...

وغير ذلك ككلام الإمام الضياء في المختارة في ترجيح إثبات سماعه منه وتجريح نفيه وتصحيح حديثه عنه لذلك وإيراده هناك (٤) ...

وقد قال الحافظ الشامي في سبل الهدى والرشاد في الردّ على ابن تيميّة إنكاره إنكار المواخاة بين المهاجرين والأنصار، وخصوصاً مواخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليّ المرتضى عليه‌السلام (٥) وذكر رواية الضياء ذلك ما نصّه : وابن تيميّة (٦) يصرّح بأنّ الأحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك (٧) .

ولو تحلّى ابن تيميّة بالإنصاف، وتخلّى من التعصّب والاعتساف، لنقل اتّفاق أئمة حفّاظ الآفاق على خلاف ما جعله عليه الوفاق، وإنّما قوله هذا كردّه الأحاديث المسندة الموجودة في الكتب المعتمدة المشهورة، ونسبة الوضع والكذب إليها، كما قال في هذا الكتاب أيضاً : إنّ حديث

____________________

(١) التاريخ الصغير للبخاري ٢ : ١٨٢، عن الحسن رأى عليّاً والزبير التزماً ورأى عليّاً وعثمان التزماً.

(٢) عنه في إكمال تهذيب الكمال ٤ : ٧٨ / ١٢٨٤، وتحفة الأحوذي ٤ : ٥٧٠.

(٣) انظر حلية الأولياء ١ : ٧٦.

(٤) انظر الأحاديث المختارة ٢ : ٤١ - ٤٢.

(٥) منهاج السنّة ٤ : ٣٢.

(٦) مجموعة الفتاوى ٣٣ : ١١.

(٧) سبل الهدى والرشاد ٣ : ٣٦٨.


الموالاة قد رواه الترمذي وأحمد في مسنده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من كنت مولاه فعلي مولاه»، وأمّا الزيادة وهي قوله : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» إلى آخره فلا ريب أنّه كذب، ونقل الأثرم في سننه عن الإمام أحمد أنّ العباس سأله عن الحسين الأشقر، وأنّه حدّث بحديثين فذكر أحدهما... قال : والآخر : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» فأنكره أبو عبد الله جدّاً ولم يشكّ في أنّ هذين الحديثين كذب (١) . انتهى.

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده (٢) مع شرطه فيه وهو عدم ذكر الموضوع والمنكر، بل والشديد الضعف على رأيه، وقد قدّمنا تحقيقه في المقدّمة فتذكّر وتنبّه. وقد اعترف به صاحب القرّة، فقال في الحجّة في الطبقة الثانيّة من طبقات كتب السنّة : وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة، فإنّ الإمام أحمد جعله أصلا يعرف به الصحيح والسقيم، قال : ما ليس فيه فلا تقبلوه (٣) ...

وابنه عبد الله (٤) ، وغيرهما بطرق اُخر كثيرة صحيحة ليس فيهاالأ شقر (٥) ...

قلت : هو وإن قال البخاري : فيه نظر (٦) . وقال : عنده مناكير (٧) . وقال

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٣١٩.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٢٨١ و ٣٦٨ و ٣٧٠ و ٣٧١ و ٣٧٢ - ٣٧٣.

(٣) حجّة الله البالغة ١ : ٢٣٢.

(٤) مسند أحمد ١ : ١١٨ - ١١٩ و : ١٥٢.

(٥) انظر فضائل الصحابة للنسائي : ١٥، المستدرك للحاكم ٣ : ١١٦ و : ٣٧١، ومسند أبي يعلى ٥ : ٤٥ / ٨١٤٨، المعجم الكبير للطبراني ٢ : ٣٥٧، وانظر أيضاً منهاج السنّة ١ : ٥٠١، الهامش رقم ٢.

(٦) التاريخ الكبير ٢ : ٣٧٤ / ٢٨٦٢، التاريخ الصغير ٢ : ٢٩١.


أبوزرعة : منكر الحديث (١) . وقال العقيلي : شيعي متروك الحديث (٢) . وقال أبوحاتم والنسائي والدارقطني : ليس بقوي (٣) . وقال ابن عدي : جماعة من الضعفاء يحيلون بالروايات عليه على أنّ في حديثه بعض ما فيه (٤) ٤٤. وقال في خبر على ما في (تنزيه الشريعة عن) (٥) الميزان : والبلاء عندي فيه من الأشقر (٦) .

لكن في لسان الميزان : إنّ ابن عدي ذكر في ترجمته حديثاً عن محمّد ابن علي بن خلف العطّار عنه وقال : هو منكر الحديث والبلاء فيه عندي منه لامن حسين (٧) . انتهى...

وروى الخطيب في الكفاية عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد، قال : سمعت يحيى بن معين ذكر حسيناً الأشقر، فقال : كان من الشيعة المغلية الكبار.فقلت : وكيف حديثه؟ قال : لا بأس به. قلت : صدوق. قال : نعم كتبت عنه عن أبي كُدينَة ويعقوب القمّيّ (٨) ...

وقد احتجّ به النسائي (٩) ، ووثّقه ابن حبّان (١٠) ٠، وصحّح له الحاكم في

____________________

(١) عنه في الجرح والتعديل للرازي ٣ : ٤٩ / ٢٢٠، وتهذيب الكمال ٦ : ٣٦٨ / ١٣٠٧.

(٢) الضعفاء الكبير ١ : ٢٤٩ / ٢٩٧.

(٣) انظر الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي ٣ : ٤٩ / ٢٢٠، الضعفاء والمتروكين للنسائي : ٨٦ / ١٤٨، الضعفاء والمتروكين للدارقطني : ١١٦ / ١٩٦.

(٤) الكامل في الضعفاء ٣ : ٢٣٦.

(٥) بدل ما بين القوسين في المصدر : الضعفاء لابن الجوزي و...

(٦) انظـر تنزيـه الشـريعـة ١ : ٣٩٥ / ١٣٩، والضـعفاء والمتروكين لابن الجـوزي ١ : ٢١١ / ٨٧٥، وميـزان الاعتـدال ١ : ٥٣١ / ١٩٨٦.

(٧) لسان الميزان ٦ : ٣٥٨، ضمن ترجمة محمّد بن خلف العطّار.

(٨) الكفاية في علم الدراية : ١٣٠، وانظر أيضاً سؤالات ابن الجنيد : ٤٣٥ / ٦٧٤.

(٩و١٠) انظر السنن الكبرى للنسائي ٣ : ٢٥٣ / ٢٩١٤. والثقات لابن حبّان ٨ : ١٨٤.


المستدرك (١) ، وروى عنه الإمام أحمد (٢) في المسـند، وهو لم يكن يروي إلاّ عن ثقة (٣) ، وقد صرّح ابن تيميّة بذلك في الكتاب الذي صنّفه في الردّ على البكريّ، قال : إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث، نوعان : منهم من لم يرو إلاّ عن ثقة عنده كمالك (٤) ، وشعبة (٥) ، ويحيى بن سعيد (٦) وعبد الرحمن بن مهدي (٧) وأحمد بن حنبل (٨) ...

____________________

(١) المستدرك للحاكم ٣ : ١٣٨.

(٢) ابن حنبل بن هلال بن أسد الحافظ أبو عبد الله الشيباني المروزي الأصل البغدادي، أحد أئمة المذاهب الأربعة عند العامة، وإليه تنسب الحنابلة، وكان فقيهاً كثير الحديثوالحفظ ، توفّي سنة ٢٤١ هـ. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٣٥٤، وتاريخ بغداد ٤ : ٤١٢ / ٢٣١٧.

(٣) انظر مسند أحمد ١ : ١١١ و ٢٥١ و ٣٢٤.

(٤) مالك بن أنس بن مالك الأصبحي الحميري أبو عبد الله المدني، أحد أئمّة المذاهب الأربعة عند العامة وإليه تنسب المالكيّة، ولد بالمدينة سنة ٩٣ هـ وقيل : ٩٥ هـ، وكان ذامنزلة عند المنصور وغيره من خلفاء بني العبّاس، وقد عدّ مالك من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، توفّي بالمدينة سنة ١٧٩ هـ. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ١٩٢، التاريخ الكبير ٧ : ١٨٧ / ١٠٦٦١، المنتظم لابن الجوزي ٩ : ٤٢.

(٥) شعبة بن الحجّاج بن الورد أبو بسطام الأزدي العتكي مولاهم الواسطي، نزيل البصرةومحدّثها ، قال ابن المديني : له نحو ألفي حديث، توفّي سنة ١٦٠ هـ. انظر تاريخ بغداد ٩ : ٢٥٥ / ٤٨٣٠، الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٨.

(٦) ابن فروخ التميمي، ويقال : مولى بني تميم أبو سعد البصري الأحول القطان، مولده سنة ١٢٧ هـ، وكان أحد كبار حفاظ الحديث، عدّ من أصحاب الإمام الصادق عليه‌السلام ، وقال النجاشي : روى عن أبي عبد الله نسخة، توفّي سنة ١٩٨ هـ . انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٩٣، تاريخ بغداد ١٣٥ / ٧٤٦١.

(٧) العنبري مولاهم وقيل : مولى بني الأزد أبو سعيد البصري اللؤلؤي الحافظ، ولد سنة١٣٥ هـ ، وتوفّي سنة ١٩٨ هـ. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٢٩٧، تاريخ بغداد ١٠ : ٢٤٠ / ٥٣٦٦.

(٨) الرد على البكري (تلخيص الاستغاثة) ١ : ٧٧.


وقد كفانا ابن تيميّة بهذا الكلام مؤونة إثباته، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه، فما نقله الأثرم ـ هو القيل المقدّم (١) ـ وقد ظهر للعبد بعد تتبّع تام أنّ معظم حكايات الأثرم عن أحمد من هذا (٢) مرجوعة عنها، وممّا عليه يدلّ مسنده الذي هو معتمده عند الكلّ والله أعلم...

وكذا روى عن الأشقر الكديمي، ومحمّد بن المثنّى الزمن، وأحمد ابن عبدة ، وعبد الرحمن بن محمّد بن منصور الحارثي، وعدّة أئمة (٣) ، فكلام الأوّلين والآخرين راجع إلى شيعيّته لا روايته، فقد كذب من كذّبه...

وأمّا قول الجوزجاني (٤) : غال من الشاتمين للخيرة (٥) . فظنّ غير مقبول مخالف لقول الأئمة، وكذا جلّ جرحه لأهل الكوفة (لشدّة نصبه وانحرافه) (٦) ...

وبمعناه اتّهام أبي معمر الهذلي (٧) إيّاه بالكذب (٨) ، إلى آخر ما ذكر من

____________________

(١) تقدّم في ص : ٥٣.

(٢) أي من قبيل هذا المحكي عنه ممّا فيه تعليل ما صحّحه آخرون. «منه أي من مؤلّف المستحسن ».

(٣) انظر تهذيب الكمال ٦ : ٣٦٦ / ١٣٠٧.

(٤) إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق، أبو إسحاق السعدي، سكن دمشق، وفي معجم البلدان لياقوت للحموي عن الدارقطني : كان فيه انحراف عن علي عليه‌السلام . مات سنة ٢٥٩ هـ وقيل : ٢٥٦ هـ. تاريخ دمشق ٧ : ٢٨٨ / ٥٤٤، معجم البلدان ٢ : ١٨٣.

(٥) انظر أحوال الرجال : ٧١ / ٨٥.

(٦) بدل ما بين القوسين في المصدر : ما فيه من الانحراف والنصب...

(٧) إسماعيل بن إبراهيم بن معمّر بن الحسن الهذلي القطيعي، وقيل : مولى بني تميم، من ساكني قطيعة الربيع، وهو هروي الأصل سكن بغداد، توفّي سنة ٢٤٦ هـ بمكّة. انظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٣٥٩، وتاريخ بغداد ٦ : ٢٦٦ / ٣٢٩٩.

(٨) انظر ميزان الاعتدال ١ : ٥٣١، والكشف الحثيث : ١٤٨ / ٢٣٧.


الردّ البليغ على ابن تيميّة (١) ، وإنّما نقلناه بطوله (٢) لفائدة تظهر لك في النوع السادس من أنواع المكفّرة لابن تيميّة في المقصد الثالث من مقاصد هذا الكتاب.

[أبيات للسبكي في الطعن على ابن تيميّة] :

وحيث جرى ذكر أبيات الإمام السبكي في الطعن على ابن تيميّة في عقيدته الفاسدة فينبغي أن أذكر الأبيات، وهي شهادة اُخرى من تقي الدين السبكي بكفر ابن تيميّة على اُصول أهل السنّة والجماعة أتباع الإمام أبي الحسن الأشعري (٣) كما لا يخفى، وقد ذكرها ولده التاج قاضي القضاة في الطبقات، وذكر : أنّ والده شيخ الإسلام أنشده أبياتاً لنفسه، وقد وقف على كتاب صنّفه ابن تيميّة في الردّ على ابن المطهّر، وفيها :

ولابن تيميّة ردّ عليه (وما

بمصدق) (٤) الردّ واستيفاء اضربه

لكنّه خلط الحقّ المبين بما

يشوبه كدراً في صفو مشربه

يخالط الحشو أنّى كان فهو له

حثيث سير بشرق أو بمغربه

يرى حوادث لا مبداً لأوّلها

في الله سبحانه عمّا يظنّ به

لو كان حيّاً يرى قولي ويفهمه

رددت ما قال أقفوا أثر سبسبه

____________________

(١) القول المستحسن في فخر الحسن : ٢٣٠ ـ ٢٦٨.

(٢) ذكره من الصفحة : ٤٣ إلى هذه الصفحة : ٥٧.

(٣) عليّ بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم... من ولد أبو موسى الأشعري، بصري المولد بغدادي المنشأ والدار، أحد الأئمّة المتكلّمين، وهو إمام الأشاعرة وإليه تنسب الأشعرية ولد سنة ٢٦٠ هـ، وتوفّي سنة ٣٣٤ هـ ودفن في بغداد وطمس قبره خوفاً من أن تنبشه الحنابلة فإنّهم كانوا يعتقدون كفره ويبيحون دمه. انظر تاريخ بغداد ١١ : ٣٤٧، تاريخ أبي الفداء ٢ : ٨٩، الوافي بالوفيات ٢٠ : ١٣٧ / ٢١٢.

(٤) بدل ما بين القوسين في المصدر : وفا بمقصد


كما رددت عليه في الطلاق وفي

ترك الزيارة رداً غير مشتبه (١)

والغرض من نقل هذه الأبيات تكرار شهادة الإمام السبكي.

شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، شهد بذلك عليه جماعة من الأئمّة، منهم : العزّ بن جماعة على مانقله العلاّمة ابن حجر في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرّم، قال بعد كلام يأتي نقله ما لفظه : مَنْ ابن تيميّة حتّى ينظر إليه أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟! وهل هو إلاّ ـ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة، حتّى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعز بن جماعة (٢) عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، انتهى موضع الحاجة من كلامه (٣).

شهادة الشيخ أبي حيان النحوي في كتاب النهر :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه قال في كتاب العرش : إنّ الله سبحانهوتعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى مكاناً يتقدّمه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد عليه بذلك الشيخ أبو حيان (٤) في كتاب النهر في

____________________

(١) طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ١٧٦.

(٢) في «ب» زيادة : قال.

(٣) الجوهر المنظم : (الوهابية المتطرّفة : موسوعة نقديّة ١) : ٦٦.

(٤) أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان الأندلسي الجياني، أثيرالدين، من علماء العربية، كتب في التفسـير والحديث والتراجـم واللغـة والتاريخ، توفّي سنة ٧٤٥ هـ، انظر الوافي بالوفيات ٥ : ٢٦٧ / ٢٤٣٥، الدرر الكامنة ٤ : ١٨٥ / ٤٨١٢.


قوله سبحانه وتعالى : ( وَسعَ كُرسِيّهُ السَّمَاوَات وَالأرض ) (١) قال : قرأت في كتاب العرش لأحمد بن تيميّة ماصورته بخطّه : أنّ الله سبحانه وتعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى مكاناً يتقدّمه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

أقول : وإن لم يحضرك كتاب النهر فعليك بمراجعة كتاب كشف الظنون في كتاب العرش فإنّه نقل ذلك عن كتاب النهر أيضاً (٣) .

وقال الإمام تقي الدين السبكي : و كتاب العرش من أقبح كتبه، ولما وقف عليه الشيخ أبو حيان ما زال يلعنه حتّى مات بعد أن كان يعظّمه (٤) . نقل ذلك العلاّمة محمّد مرتضى في صفحة : ١٠٦ من الجزء الثاني من شرح كتاب الإحياء، وهو شرح قواعد العقائد من كتب الإحياء المطبوع بمصر فراجعه (٥) والعن ابن تيميّة كما لعنه الشيوخ الأئمة.

شهادة الحافظ العسقلاني في الدرر الكامنة :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه كان يسعى في الإمامة الكبرى، وهوخلاف الشرع المبين، وإفساد لجماعة المسلمين، وتشتيت لنظام المؤمنين، وشقّ للعصا بالضرورة.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عند ترجمته لابن

____________________

(١) سورة البقرة ٢ : ٢٥٥.

(٢) عنه في السيف الصقيل : ٩٤، ودفع شبه من شبّه وتمرّد للحصنى الدمشقي : ٤٧، والتوسّل بالنيي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لابن مرزوق : ١٠.

(٣) كشف الظنون ٣ : ١٤٣٨.

(٤) السيف الصقيل : ٩٤.

(٥) المطبوع باسم إتحاف السادة المتّقين ٢ : ١٠٦.


تيميّة ما لفظه (١) : ونسبه قوم إلى أنّه يسعى في الإمامة الكبرى فإنّه كان يلهج بذكر ابن تومرت (٢) ويطريه، وكان ذلك مؤكّداً لطول حبسه.

أقول : وإلى ذلك يشير الإمام تقي الدين السبكي في قوله :

في كلّ واد بليلى واله شغف

ما إن يزال به من مسّها وصب

ففي بني عامر من حبّها دنف

ولابن تيميّة من عهدها سغب (٣)

فتأمّل فأنّه يريد أنّه كان يمنّي نفسه الوصول إلى الإمامة الكبرى نظير ابن تومرت المتمهدي في اليمن، وصاحب البدع والضلال، وله شرح طويل ذكره المؤرّخون وأشار إليه التاج في الطبقات، وكرّر ذكره ابن تيميّة في كتبه، ذكره في منهاج الحشويّة قال : وممّن ادّعى أنّه المهدي ابن التومرت الذي خرج أيضاً بالمغرب وسمّى أصحابه الموحّدين، وكان يقال له في خطبهم : الإمام المعصوم والمهدي المعلوم الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، وهذا ادّعى أنّه من ولد الحسن دون الحسين، فإنّه لم يكن رافضياً، وكان له من الخبرة بالحديث ما ادّعى به دعوى تطابق الحديث، وقد علم بالاضطرار أنّه ليس هو الذي ذكره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . انتهى (٤) .

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) محمّد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري، أبو عبد الله، الملقّب بالمهدي، ويقال : مهدي الموحّدين، صاحب الدعوة المهدويّة في المغرب، وواضع اُسس الدولة المؤمنيّة الكوميّة، وهو من قبيلة هرغة، رحل إلى المشرق طالباً للعلم سنة٥٠٠ هـ، فانتهى إلى العراق وأخذ عن الغزالي، توفّي سنة ٥٢٣ أو ٥٢٤ هـ. راجع سير أعلام النبلاء ١٩ : ٥٣٩ / ٣١٨، الوافي بالوفيات ٣ : ٣٢٣ / ١٣٨٢، الأعلام للزركلي٦ : ٢٢٨.

(٣) طبقات الشافعيّة الكبرى ١٠ : ١٧٩.

(٤) منهاج السنّة ٨ : ٢٥٨ - ٢٥٩.


والجنس يميل إلى الجنس، وبالجملة فابن تيميّة كان من الذين يسعون في الأرض الفساد، كلّ ذلك من حرصه على حبّ الرياسة وحبّ الدنيا، لكنه بحمد الله تعالى مخذول منكوب أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه كما شهد عليه بذلك الأئمّة الأعلام عامله الله بعدله.

[شهادة سلطان عصر ابن تيميّة عليه بفضاحات أقواله] :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بانعقاد إجماع العلماء الأعلام على خلافه، وبأنّه صرّح هو وأتباعه في حقّ الله بالحرف والصوت والتجسيم، شهد عليه بذلك سلطان عصره الملك العادل فيما كتبه في إعلام الناس بفضاحات أقواله وفساد عقيدته، وهو منشور طويل أخرجه العلاّمة المفتي صدر الدين بهادر خان الهندي في كتابه منتهى المقال في حديث شدّ الرحال، ذكره بطوله، وفيه ما لفظه :

وكان الشقي ابن تيميّة في هذه المدّة قد بسط لسان قلمه، ومدّ عنان كلمه، وتحدّث في مسائل القرآن والصفات، ونصّ في كلامه على اُمور منكرات، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما يمجّه السلف الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام، وانعقد على خلافه إجماع العلماء الأعلام ، واشتهر من فتواه في البلاد ما أسخف به عقول العوام، وخالف في ذلك علماء عصره وفقهاء شامه ومصره، وبعث رسائله إلى كلّ مكان، وسمّى كتبه أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ولمّا اتّصل بنا ذلك، وما سلكه من المسالك، وما أظهره من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنّه استخفّ قومه وأطاعوه، حتّى اتّصل بنا أنّهم صرحوا في حقّ الله بالحرف والصوت والتجسيم، فقمنا في حقّ الله تعالى مشفقين من هذا النبأ


العظيم. إلى آخره (١) .

شهادة الشيخ شهاب الدين بن جبرائيل الكلابيّ :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بالتجسيم والتشبيه والابتداع والكذب على السلف، وأنّه صرّح أنّ الله تعالى في العلو لا في السفل، وأنّ الإشارة الحسيّة جائزة إليه، وأنّه فوق العرش حقيقة، شهد عليه بذلك كلّه الشيخ الإمام العلاّمة أحمد بن يحيى بن إسماعيل المعروف بالشيخ شهاب الدين ابن جبرائيل الكلابي في رسالة الردّ على ابن تيميّة في خبر الجهة، وقد أخرجها قاضي القضاة الإمام التاج السبكي بتمامها في الطبقات الكبرى عند ترجمته، وهي رسالة مبسوطة في غاية الجودة، رأيتها من أوّلها إلى آخرها، ووجدت نصوصه وشهادته على ابن تيميّة بكلّ ذلك وقال :

قال ـ يعني ابن تيميّة إنّه فوق العرش حقيقة وقال : والمعنى أنّ الله في العلو لا في السفل (٢) .

وقال شهاب الدين : لازال يكذب على السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار، ويزعم أنّهم يقولون بمقالته ولو أنفق ملأ الأرض ذهباً ما استطاع أن يروّج عليهم كلمة تصدّق دعواه (٣) .

إلى أن قال : ومذهب السلف إنّما التوحيد والتنزيه دون التجسيم

____________________

(١) ذكر المنشور بطوله النويري في نهاية الأرب ٣٢ : ١١٢، والحصني الدمشقي في دفع الشبه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٦٠..

(٢) مجموعة الفتاوى ٥ : ١٠٦.

(٣) طبقات الشافعيّة الكبرى ٩ : ٣٤ - ٣٥ / ١٣٠٢، والرسالة مطبوعة أيضاً مع مجموعة من رسائل في رد ابن تيميّة باسم التوفيق الربّاني : ١٦٢.


والتشبيه، والمبتدعة تزعم أنّها على مذهب السلف (١) . إلى آخره.

أقول : جميع المجسّـمة اتّفقـوا على أنّه تعالى في جهـة، وأصحـاب أبي عبد الله بن كرّام (٢) ـ المعروف الذي تنسب إليه الكراميّة الذي كفّره الدارمي (٣) على ما نقله التاج السبكي (٤) ـ اختلفوا :

فقال محمّد بن الهيصم (٥) : إنّه تعالى في جهة العرش فوق العرش لانهاية لها، والبعد بينه وبين الأرض أيضاً غير متناه. وقال أصحابه : البعد متناه.

وكلّهم نفوا عنه خمساً من الجهات وأثبتوا له التحت الذي هو مكان غيره.

وباقي أصحاب ابن الهيصم قالوا : بكونه على العرش. كما قال سائر المجسّمة ومنهم ابن تيميّة (٦) ، وبعضهم قالوا بكونه على صورة وقالوا

____________________

(١) طبقات الشافعيّة الكبرى ٩ : ٣٦، التوفيق الربّاني : ١٦٢.

(٢) محمّد بن كرّام بن عراق بن حزابة السجستاني الضال المجسّم، شيخ الطائفة المعروفة بالكرّامية، ولد بسجستان، ثمّ دخل بلاد خراسان، وجاور بمكّة سنتين، فرجع إلى نيسابور، ولمّا شاعت بدعه حبسه الظاهر بن عبد الله، ولمّا أطلقه سار إلى بيت المقدّس ومات فيها سنة ٢٥٥ هـ. انظر الملل والنحل ١ : ١٥٩، الأنساب للسمعاني ٤ : ٥٩٨ / ٨٩١٠، الاعلام للزركلي ٧ : ١٤.

(٣) أبو محمّد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد التميمي السمرقندي الدارمي ـ بكسر الراء ـ نسبة إلى دارم بن حنظلة بن زيد مناة بن تميم، أحدبطونه ، ولد سنة ١٨١ هـ وتوفّي سنة ٢٥٥ أو ٢٥٦ هـ. انظر تاريخ بغداد ١٠ : ٢٩ / ١٥٤٨، الوافي بالوفيات ١٧ : ٢٤٢ / ٢٢٤.

(٤) انظر طبقات الشافعية الكبرى ٢ : ٣٠٤.

(٥) أبو عبد الله شيخ الكرّامية وعالمهم في وقته، وهو الذي ناظره ابن فوزك بمجلس محمود بن سبكتين، وليس للكرّاميّة مثله في الكلام والنظر، كان رأس طائفته، ذكره الذهبي في الحوادث الواقعة بعد سنة ٤٠٠ هـ. انظر تاريخ الإسلام للذهبي ٢٨ : ٢٣١، الوافي بالوفيات ٥ : ١٧١ / ٢٢٠٩.

(٦) انظر منهاج السنة ٣ : ٣٤٨ و ٨ : ٣٧٨، مجموعة الفتاوى ٢ : ١٦٧ و ٣ : ٣٣.


 بمجيئه وذهابه (١) .

شهادة التاج السبكي في الطبقات الكبرى :

هداية : فيها شهادة شيخ الإسلام علم الأعلام حجّة الحفّاظ والمفسرين سيف النظّار والمتكلّمين ناصر السنّة مؤيد الملّة تاج الدين أبي نصر عبد الوهاب ابن تقي الدين السبكي، على ابن تيميّة : بأنّه أوقع أصحابه في دكاك من النار، ذكر ذلك في ترجمة المزي (٢) من الطبقات، قال مالفظه :

واعلم أنّ هذه الرفقة : المزي والذهبي والبرزالي (٣) وكثير من أتباعهم أضرّ بهم أبو العباس ابن تيميّة إضراراً بيّناً، وحمّلهم من عظائم الاُمور أمراً ليس هيّناً ، وجرّهم إلى ما كان التباعد عنه أولى بهم، وأوقفهم في دكاك من النار (٤) ، انتهى.

فتأمّل ما يعنيه بعظائم الاُمور، أتراه يريد غير الحشو والجرّ إلى عقيدته الزائغة؟!

____________________

(١) انظر تلخيص المحصل للطوسي : ٢٦٣، والملل والنحل للشهرستاني ١ : ١٥٩، المحصّل للرازي : ٣٦٣، شرح المواقف ٨ : ٢٥.

(٢) يوسف بن الزكي عبد الرحمن بن يوسف بن علي بن عبد الملك بن علي بن أبي الزهر الكلبي القضاعي الدمشقي، الشيخ جمال الدين أبو الحجّاج المزّي، شيخ تاج الدين السبكي، حافظ ومحدّث الشام ومصر ناقد الأسانيد، توفّي سنة ٧٤٢ هـ، انظر طبقات الشافعيّة الكبرى ١٠ : ٣٩٥ / ١٤١٧.

(٣) محدّث الشام زكي الدين أبو عبد الله أبي يداس البرزالي الإشبيلي، ولد تقريباً سنة ٦٦٥ هـ، وقدم للحج سنة ٧٠٢ هـ، أخذ العلم من جمع كثير في بلاد مختلفة، توفّي سنة ٧٣٩ هـ بحماة في سن الكهولة. انظر تذكرة الحفّاظ ٤ : ١٤٢٣، الدرر الكامنة ٣ : ١٤٣، الاعلام للزركلي ٥ : ١٨٢.

(٤) طبقات الشافعيّة الكبرى ١٠ : ٤٠٠.


فتدبّر الشهادات الآتية في الهداية الآتية بعد هذه بلا فصل حتّى تعرف ما جرّهم إليه، عامله الله بعدله.

شهادة الحافظ الشيخ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بالتجسيم وبالتحيّز في ذات الله تعالى لقوله : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة، وأنّه مستو على العرش بذاته، وبالزندقة لمنعه الاستغاثة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّه تنقيص ومنع من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالنفاق للتشنيعات في علي رضي‌الله‌عنه «ولا يبغض علياً إلاّ منافق» (١) بنصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد عليه بذلك الإمام الحافظ أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في أعيان أهل المائة الثامنة، رتبها على الحروف، قال في ترجمة ابن تيميّة :

وكان يتكلّم على المنبر على طريقة المفسّرين مع الفقه والحديث، فيورد في ساعة من الكتاب والسنّة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدّة مجالس، كأن هذه العلوم بين عينيه فيأخذ منها ما يشاء ويذر، ومن ثمّ نسب أصحابه إلى الغلو فيه، واقتضى له ذلك العجب بنفسه، حتّى زهى على أبناء جنسه، واستشعر أنّه مجتهد، فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم، حتّى انتهى إلى عمر فخطّأه في شيء، فبلغ ذلك الشيخ إبراهيم الرقّي فانكر عليه، فذهب إليه واعتذر واستغفر...

وقال في حق عليّ : أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ

____________________

(١) تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٨٥ / ٨٨١٧ ، كنز الفوائد ٢ : ٨٣ ، وانظر المعجم الكبير للطبراني ٢٣ : ٣٧٥ ، كنز العمّال ١١ : ٦٢٢ .


الكتاب منها : اعتداد المتوفّي عنها زوجها أطول الأجلين...

وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتّى أنّه سبّ الغزالي، فقام عليه قوم كادوا يقتلونه...

ولمّا قام غازان بجيوش التتار إلى الشام، خرج إليه وكلّمه بكلام قوي فهمّ بقتله، ثمّ نجا، واشتهر أمره من يومئذ...

واتّفق أنّ الشيخ نصر المنبجي كان قد تقدم في الدولة; لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، فبلغه أنّ ابن تيميّة يقع في ابن العربي لأنّه كان يعتقد أنّه مستقيم، وأنّ الذي ينسب إليه من الإلحاد والاتّحاد من قصور فهم من ينكر عليه، فأرسل منكراً عليه، وكتب إليه كتاباً طويلا، ونسبه هو وأصحابه إلى الاتّحاد الذي هو حقيقة الإلحاد، فعظم ذلك عليهم، وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد وقعت منه في مواعظه وفتاويه، فذكروا أنّه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا. فنسب إلى التجسيم، وردّه على من توسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو استغاث، فأشخص من دمشق في رمضان سنة خمس وسبعمائة، فجرى عليه ما جرى... وافترق الناس فيه شيعاً، فمنهم من نسبه إلى التجسيم; لما ذكره في العقيدة الحمويّة والواسطيّة وغيرهما، من ذلك قوله : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وأنّه مستو على العرش بذاته، فقيل له : يلزم من ذلك التحيّز والانقسام. فقال : إنّا لا نسلّم أنّ التحيّز من خواص الأجسام. فاُلْزِمَ بأنّه يقول بالتحيّز في ذات الله...

ومنهم من نسبه إلى الزندقة; لقوله : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستغاث به، وأنّ ذلك تنقيص، ومنع من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان أشدّ الناس عليه في ذلك النور البكري، فإنّه لما عقد له المجلس بسبب ذلك قال بعض


الحاضرين : يعزر. فقال البكري : لا معنى لهذا القول فإنّه إن كان تنقيصاً يقتل، وإن لم يكن تنقيصاً لا يعزر.

ومنهم من نسبه إلى النفاق لقوله في عليّ عليه‌السلام ما تقدّم، ولقوله : إنّه كان مخذولاً حيث ما توجّه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله : إنّه كان يحبّ الرئاسة، وإنّ عثمان كان يحبّ المال، ولقوله : أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول، وعليّ عليه‌السلام أسلم صبياًوالصبي لا يصحّ إسلامه على قول، ولكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل( وما نسبه من الثناء على قصّة) (١) أبي العاص بن الربيع، وما يؤخذ من مفهومها ، فإنّه شنّع في ذلك فألزموه بالنفاق; لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضك إلاّمنافق» (٢) .

ونسبه قوم إلى أنّه يسعى في الإمامة الكبرى، فإنّه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويُطْريه فكان ذلك مؤكّداً لطول سجنه، وله وقائع شهيرة، وكان إذا حوقق واُلزم يقول : لم أرد هذا إنّما أردت كذا، فيذكر احتمالاً بعيداً (٣) . انتهى موضع الحاجة من كلام الحافظ العسقلانيّ.

شهادة العلائي صلاح الدين :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأن من أطلق عليه شيخ الإسلام فهوكافر ، شهد عليه بذلك العلاء البخاري، وصرّح به في مجلسه، كما نقله

____________________

(١) بدل ما بين القوسين في المصدر : ومات وما نسبها (نسيها) من الثناء على... وقصّة.

(٢) مسـند أحمد ١ : ٩٥، صحيح مسلم ١ : ٨٦ / ١٣١، سنن ابن ماجة ١ : ٤٢، سنن النسائي ٨ : ١١٧، كتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم : ٥٨٤ / ١٣٢٥، مصنّف ابن أبي شيبة ٦ : ٣٦٨ الباب ١٨، كنز العمّال ١١ : ٦٢٢ / ٣٣٠٢٨.

(٣) الدرر الكامنة ١ : ٩٢.


جماعة منهم : صاحب كشف الظنون في موضعين من كتابه :

أحدهما : عند ذكره كتاب الردّ الوافر على من زعم أنّ من أطلق على ابن تيميّة شيخ الإسلام كافر، في باب حرف الراء (١) .

والموضع الثاني : في باب الباء في لفظ بحث، قال : وبالغ العلاء حتّى صرّح بكفر من أطلق عليه شيخ الإسلام (٢) ، انتهى.

أقول : ليس مبالغة بل هو الصواب الحقّ الموافق للقواعد الشرعيّة، لكن لم يلتفتوا إلى مراد العلاء، فإنّ العلاء أجلّ من ذلك، ولا يجازف في القول، بل الْتَفَتَ إلى فرع لم يلتفت إليه أحد قبله، فإنّ من أطلق على ابن تيميّة الزائغ العقيدة شيخ الإسلام على الحقيقة، لا يريد إلاّ إظهار صحة عقيدته وتقويته في بدعته وكفره، فهو شريكه في العقيدة حينئذ فهو كافر; لأنّه أثبت كفره وكفر من اعتقد صحة عقيدته; لما فيها من التشبيه والتجسيم القبيح، وتنقيص الأنبياء والأولياء، والنصب لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإثبات قدم نوع العالم، وقدم جنس العرش، وإثبات حوادث لا نهاية لها في ذات الربّ، وأمثال ذلك ممّا هو كفر عند المسلمين، وفتوى العلاء هي الفتوى الحقّ والقول الصدق رغماً على أنف كلّ حشوي مجسّم. والحمد لله ربّ العالمين.

وهذا العلائي هو الإمام صلاح الدين العلائي شيخ شيوخ الحافظ ابن حجر العسقلانيّ.

شهادة الحصني :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة الناصب أنّه كفّر عبد الله بن عبّاس

____________________

(١) كشف الظنون ١ : ٨٣٨.

(٢) نفس المصدر ١ : ٢٢٠.


في كتابه المسمّى صراط المستقيم، شهد عليه بذلك تقي الدين الحصني أبوبكر ابن محمّد الدمشقي الحسيني المتوفّي سنة تسع وعشرين وثمانمائة، نقل ذلك في كتاب الردّ على صراط ابن تيميّة، ونقل ذلك الملاّ چلبي في كشف الظنون عند ذكر صراط المستقيم، قال : فيه أشياء لا ينبغي أن تذكر، كتكفيره عبد الله بن عبّاس على ما نقله الحصني في كتابه للردّ عليه (١) .

أقول : قد باء ابن تيميّة بالكفر، لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قال المسلم لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما» (٢) فإنّا نقطع بإيمان ابن عبّاس حبر الاُمّة، فيكون الذي باء بالكفر عدوّه ابن تيميّة عامله الله بعدله.

شهادة الشيخ نصر الله بن المنبجي :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بهتك الأستار والأعراض وسبّ الأوصاف والذوات، وأنّه لم يقنع بسبّ الأحياء حتّى حكم بتكفير الأموات، وأنّه ذكر عمر على المنبر فقال : إنّ عمر له غلطات وبليّات وأي بليّات، وأنّه قال : إنّ علياً عليه‌السلام أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان، وأنّه أفرط في الغي، ووصل أذاه إلى كلّ ميّت وحي، شهد عليه بذلك شيخ عصره الإمام العارف الشيخ نصر المنبجي في كتاب كتبه إليه سنة خمس وسبعمائة، لمّا بلغه أنّ ابن تيميّة يقع في الشيخ العارف ابن العربي، كما يظهر من كلام الحافظ ابن حجر العسقلانيّ في الدرر الكامنة في ترجمته لابن تيميّة (٣) ، وقد نقلته آنفاً، وقد نقل ألفاظ الكتاب المذكور العلاّمة ابن

____________________

(١) كشف الظنون ٢ : ١٠٧٨.

(٢) الموطأ ٢ : ٩٨٤، البخاري ٨ : ٣٥٣، مسند أحمد ٢ : ٤٧، ١١٢، ١٤٢، صحيح مسلم ١ : ٧٩، سنن الترمذي ٤ : ١٣٢ / ٢٧٧٤.

(٣) الدرر الكامنة ١ : ٩٢.


حجر المكي في الفتاوى الحديثيّة، لكنّه لم يسمّ الشيخ نصر المنبجي بل أجمله، وقال : وقد كتب إليه بعض أعلام أهل عصره علماً ومعرفة سنة خمس وسبعمائة : من فلان إلى الشيخ الكبير العالم إمام أهل عصره بزعمه :

أمّا بعد فإنّا أحببناك في الله زماناً، وأعرضنا عمّا يقال فيك إعراض الفضل إحساناً، إلى أن ظهر لنا خلاف موجبات المحبّة بحكم ما يقتضيه العقل والحسّ، وهل يشكّ في الليل عاقل إذا غربت الشمس؟! وإنّك أظهرت أنّك قائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والله أعلم بقصدك ونيّتك، ولكن الإخلاص مع العمل ينتج ظهور القبول، وما رأينا آل أمرك إلاّ إلى هتك الأستار والأعراض، باتباع من لا يوثق بقوله من أهل الأهواء والأغراض، فهو سائر زمانه يسبّ الأوصاف والذوات، ولم يقنع بسبّ الأحياء حتّى حكم بتكفير الأموات، ولم يكفه التعرّض على من تأخّر من صالحي السلف، حتّى تعدّى إلى الصدر الأوّل ومن له أعلى المراتب في الفضل، فياويحَ من هؤلاء خصماؤه يوم القيامة، وهيهات أن لا يناله غضب، وأنّى له بالسلامة...

وكنت ممّن سمعته وهو على منبر جامع الجبل بالصالحيّة وقد ذكر عمربن الخطّاب (رض) فقال : إنّ عمر له غلطات وبليّات وأي بليّات!...

وأخبرني عنه أنّه ذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام في مجلس آخر فقال : إنّ علياً عليه‌السلام أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان، فياليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ عليّ بزعمك كرّم الله وجهه وعمر بن الخطّاب؟!...

والآن قد بلغ هذا الحال إلى منتهاه، والأمر إلى مقتضاه، ولا ينبغي إلاّ القيام في أمرك ودفع شرّك، لأنّك قد أفرطت في الغي، ووصل أذاك إلى


كلّ ميّتوحيّ ، تلزمني من الغيرة شرعاً لله ولرسوله، ويلزم ذلك جميع المؤمنينوسائر عباد الله المسلمين، بحكم ما يقوله العلماء، وهم أهل الشرعوأرباب السيف، الذين بهم الوصل والقطع إلى أن يحصل منك الكفّ عن أعراض الصالحين رضي الله عنهم أجمعين (١) . انتهى.

أقول : وهذا الشيخ المنبجي كان قد تقدّم في الدولة لاعتقاد بيبرس الجاشنكير فيه، وذكر ابن الصبّاغ المالكي المكّي في الفصول المهمّة وكان من معاصريه : أنّه كان من الثقات الخيّرين (٢) . وقام في أمر ابن تيميّة نعم القياموجمع العلماء وحكموا عليه فأُشخِصَ من دمشق الشام، وخذله الله بسبب الشيخ نصر المنبجي صاحب مشارف الصناعة.

شهادة اليافعي في مرآة الجنان :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بعقيدته بالجهة، وما نقل عنه فيها من الأقوال الباطلة، وغير ذلك من العقائد الباطلة، ممّا هو معروف في مذهبه، وأنّه ادّعى عليه العلماء بمصر أنّه يقول : إنّ ( الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (٣) حقيقة، وأنّه تعالى يتكلّم بحرف وصوت، وأنّه نودي بدمشق وغيرها من بلاد الإسلام من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه، شهد عليه بذلك كلّه الإمام اليافعي (٤) في مرآة الجنان وعبرة اليقظان

____________________

(١) الفتاوي الحديثيّة لابن حجر المكّي : ٨٦ - ٨٧.

(٢) الفصول المهمّة : ١٩٦. وفيه : الحبرين بدل : الخيّرين.

(٣) سورة طه ٢٠ : ٥.

(٤) أبو محمّد عبد الله بن أسعد بن علي بن سليمان الشافعي اليمني ثمّ المكّي، كان مولده بمدينة عدن ثمّ جاور بمكّة، له تآليف كثيرة في اُصول الدين والتصوّف والتاريخ، وأشهر كتبه مرآة الجنان، وله كلام في ذمّ ابن تيميّة، توفّي سنة ٧٦٨ هـ. ذيل طبقات الحفّاظ ١٥٢، الأعلام للزركلي ٤ : ٧٢، الكنى والألقاب ٣ : ٢٤٤.


في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسـان، قال عند ذكره لعقـائد ابن تيميّة الفاسدة ما لفظه :

وكذلك عقيدته في الجهة، وما نقل عنه فيها من الأقوال الباطلة، وغير ذلك ممّا هو معروف في مذهبه (١) .

وذكر عند ذكر فتنة ابن تيميّة ما هذا صورته :

وكان الذي ادّعى به عليه بمصر أنّه يقول : إنّ ( الرَّحْمَـنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) (٢) حقيقة وإنّه يتكلّم بحرف وصوت، ثمّ نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه (٣) . إلى آخره.

وله كلام طويل في ابن تيميّة فيه شناعات وكان الغرض نقل الضلالات.

شهادة ابن بطوطة في الرحلة :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأنّه كان في عقله شيء، وتكلّم على المنبر بالشام بأمر أنكره الفقهاء ورفعوه إلى سلطان عصره، وعُقِدَ له مجلس عدّدوا عليه ما أنكروه على ابن تيميّة وأحضروا العقود بذلك، فأمر السلطان بحبسه، ثمّ تعرّضت اُمّه للسلطان فأمر بإطلاقه، ثمّ وقع منه مثل ذلك ثانية فسجن ثانية، وأنّه حضره يوم الجمعة وهو يعظ على منبر الجامع فقال : إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر، وأنّه كتب عقداً شرعياً على ابن تيميّة باُمور منكرة، منها : أنّ المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلاّ طلقة واحدة. ومنها : المسافر الذي

____________________

(١) مرآة الجنان ٤ : ٢٧٤.

(٢) سورة طه ٢٠ : ٥.

(٣) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠.


ينوي بسفره زيارة القبر الشريف النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يقصر، وسوى ذلك ممّا يشبهه، وبعث العقد إلى الملك الناصر بمصر فأمر بسجن ابن تيميّة بالقلعة فسجن بها حتّى مات في السجن، شهد عليه بكلّ ذلك معاصره الشيخ الفقيه العالم الثقة النبيه الناسك الأبرّ، وفد الله المعتبر شرف الدين، المعتمد في سياحته على ربّ العالمين أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن محمّد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة، قال في رحلته في صفحة ٦٨ من الجزء الأوّل المطبوعة بمصر في المطبعة الخيريّة ما لفظه :

حكاية : وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيميّة، كبير الشام، يتكلّم في الفنون إلاّ أنّ في عقله شيئاً، وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر، وتكلّم مرّة بأمر أنكره الفقهاء، ورفعوه إلى الملك الناصر، فأمر بإشخاصه إلى القاهرة، وجمع القضاة والفقهاء بمجلس الملك الناصر (١) ، وتكلّم شرف الدين الزواوي المالكي، وقال : إنّ هذا الرجل قال كذا كذا، وعدّد ما أنكر على ابن تيميّة، وأحضر العقود بذلك ووضعها بين يدي قاضي القضاة، وقال قاضي القضاة لابن تيميّة : ما تقول. قال : لا إله إلاّ الله. فأعاد عليه فأجاب بمثل قوله، فأمر الملك الناصر بسجنه فسجن أعواماً، وصنّف في السجن كتاباً في تفسير القرآن سمّاه بالبحر المحيط في نحو أربعين مجلداً، ثمّ أنّ اُمّه تعرّضت للملك الناصر وشكت إليه فأمر بإطلاقه، إلى أن وقع منه مثل ذلك ثانية، وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه أن قال : إنّ الله ينزل إلى سماء

____________________

(١) الملك الناصر هو محمّد بن تلاوون سلطان تلك البلاد حينئذ. «منه».


الدنياكنزولي هذا. ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلّم به، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته، وظهر على رأسه شاشية حرير، فأنكروا عليه لباسها، واحتملوه إلى دار عز الدين مسلم قاضي الحنابلة، فأمر بسجنه وعزّروه بعد ذلك، فأنكر فقهاء المالكيّة والشافعيّة ما كان من تعزيره، ورفعوا الأمر إلى ملك الاُمراء سيف الدين تنكيز وكان من خيار الاُمراء وصلحائهم، فكتب إلى الملك الناصر بذلك، وكتب عقداً شرعيّاً على ابن تيميّة باُمور منكرة، منها : أنّ المطلّق بالثلاث في كلمة واحدة لا تلزمه إلاّ طلقة واحدة. ومنها : المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف زاده الله طيباً لا يقصر الصلاة، وسوى ذلك ممّا يشبهه. وبعث العقد إلى الملك الناصر، فأمر بسجن ابن تيميّة بالقلعة، فسجن بها حتّى مات في السجن (١) . انتهى بلفظه.

ونقل الحافظ ابن حجر العسـقلاني في الدرر الكامنة أيضـاً : أنّ ابن تيميّة ذكر حديث النزول ونزل عن المنبر درجتين وقال : كنزولي هذا. فنسب إلى التجسيم (٢) . فتدبّر وراجع التنبيه الرابع المتقدّم حتّى لا يبقى لك شكّ في كفر هذا المبدع الضال المضلّ.

[شهادة ابن القيم في كتاب زاد المعاد] :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بالتجسيم والتشبيه، وقال ابن القيّم

____________________

(١) رحلة ابن بطوطة ١ : ٣١٦ - ٣١٧.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.


في كتاب زاد المعاد في هدى خير العباد في فضل ملابسه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وكان إذا اعتمّ أرخى عمامته بين كتفيه كما رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن حريث، قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر وعليه عمامة سوداء قد أرخى طرفيها بين كتفيه (١) ...

ثم قال ابن القيّم ما لفظه : وكان شيخنا أبو العبّاس أحمد بن تيميّة يذكر في سبب الذؤابة شيئاً بديعاً، وهو أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما اتّخذها صبيحة المنام الذي رآه في المدينة لمّا رآى ربّ العزّة تبارك وتعالى فقال : «يا محمّد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : لا أدري. فوضع يده بين كتفي فعلمت ما بين السماء والأرض....» الحديث وهو في الترمذي (٢) ، وسئل عنه البخاري فقال : صحيح (٣) ...

قال : فمن تلك الحال أرخى الذؤابة بين كتفيه، وهذا من العلم الذي ينكره ألسنة الجهّال وقلوبهم، ولم أر هذه الفائدة في إثبات الذؤابة لغيره (٤) . انتهى، فراجع صفحة ٣٥ من الجزء الأوّل المطبوع في مصر في هذه الأيّام.

[شهادة الحافظ الشامي صاحب السيوطي] :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بحرمة السفر للزيارة، وبأنّه أتى بما لا يغسله البحار، وأنّه أنكر الأحاديث الموجودة في السنن والمسانيد،

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ٩٩٠ / ٤٥٣.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٤٤ - ٤٧ / ٣٢٨٦ - ٣٢٨٨.

(٣) انظر المستدرك على مجموع فتاوى ابن تيميّة ٣ : ٦٧.

(٤) زاد المعاد ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦.


شهد عليه بذلك الحافظ [الحافظ الشامي (١) صاحب] (٢) جلال الدين السيوطي (٣) في كتاب السيرة المسمّاة سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال :

مشروعيّة السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمجاد، قد ألّـف فيها الشـيخ تقي الدين السبكي، والشيخ كمال الدين بن الزملكاني، والشيخ داوُد أبوسليمان كتاب الانتصار ، وابن جماعة، وغيرهم من الأئمّة، وردوا على الشيخ تقي الدين بن تيميّة، فإنّه أتى في ذلك بشيء منكر لا يغسله البحار (٤) .

(وممّن ردّه عليه من أئمّة عصره العلاّمة محمّد بن يوسف الزرندي المدني المحدّث في بغية المرتاح إلى طلب الأرباح. انتهى) (٥) .

أقول : وقال في موضع آخر في الردّ على ابن تيميّة إنكاره المواخاة بين المهاجرين والأنصار، وخصوصاً مواخاة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي المرتضى عليه‌السلام ، وذكر رواية الضياء (٦) في المختارة ذلك ما نصّه : وابن تيميّة

____________________

(١) شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن علي الصالحي الشامي، محدّث، عالم بالتاريخ ، ولد في صالحيّة دمشق، وسكن البرقوقيّة بصحراء القاهرة إلى أن توفّي سنة ٩٤٢ هـ، من تصانيفه : سبيل الهدى والرشاد، والآيات الباهرة، وإتحاف الراغب. انظر الأعلام للزركلي ٧ : ١٥٥.

(٢) الزيادة من عبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة : ٢٩٠.

(٣) عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد جلال الدين أبو الفضل السيوطي، فقيه شافعي، مفسّر، محدّث، مؤرّخ، أديب، مصنّف مكثر، ولد سنة ٨٤٩ هـ، وتوفّي سنة ٩١١ هـ. انظر الاعلام للزركلي ٣ : ٣٠١.

(٤) سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ١٢ : ٣٨٤.

(٥) انظر القول المستحسن : ٢٣٣، وعبقات الأنوار ١٦ : ٢١٥ القسم الثاني.

(٦) محدّث الشام ضياء الدين أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد المقدسي الدمشقي، الحنبلي، له مصنّفات منها كتابه الأحاديث المختارة، توفّي سنة ٦٤٣ هـ. تذكرة الحفّاظ ٤ : ١٤٠٥ / ١١٢٩.


يصرّح بأنّ الأحاديث المختارة أصحّ وأقوى من أحاديث المستدرك (١) .

ولو تحلّى ابن تيميّة بالإنصاف وتخلّى من التعصّب والاعتساف لنقل اتّفاق أئمّة حفّاظ الآفاق على خلاف ما جعل عليه الوفاق، وإنّما قوله هذا كردّه الأحاديث المسندة الموجودة في الكتب المعتمدة المشهورة، ونسبة الوضع والكذب إليها كما قال في هذا الكتاب يعني منهاج السنّة أيضاً : إنّ حديث الموالاة قد رواه الترمذي (٢) ، وأحمد في مسنده عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من كنت مولاه فعليّ مولاه» (٣) ، وأمّا الزيادة وهي قوله : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» إلى آخـره فلا ريب أنّه كذب، ونقل الأثرم في سننه عن الإمام أحمد : إنّ العبّاس سأله عن حسين الأشقر، وأنّه حدّث بحديثين فذكر أحدهما قال والآخر : «اللّهم وال من والاه وعاد من عاداه» فأنكره أبو عبد الله جدّاً، ولم يشكّ في أنّ هذين الحديثين كذب (٤) . انتهى.

وقد رواه الإمام أحمد في مسنده (٥) مع شرطه فيه، وهو عدم ذكر الموضوع والمنكر بل والشديد الضعف على رأيه (٦) .

أقول : حسين الأشقر قد احتجّ به النسائي (٧) ، ووثّقه ابن حبّان (٨) ،

____________________

(١) سبل الهدى والرشاد ٣ : ٣٦٨، وانظر القول المستحسن : ٢٦٦، وعبقات الأنوار الجزء ١٦القسم الثاني الصفحة : ٢٣٤.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٢٩٧ / ٣٧٩٧.

(٣) مسند أحمد ١ : ٨٤، ١١٨، ١١٩، ١٥٢، ٣٣١...

(٤) منهاج السنّة ٧ : ٣١٩.

(٥) مسند أحمد ١ : ١١٨، ١١٩، ١٥٢، ٣٣١، و ٤ : ٢٨١....

(٦) انظر القول المستحسن : ٢٦٦ - ٢٦٧، وعبقات الأنوار الجزء ١٦ القسم الثاني الصفحة : ٢٣٤.

(٧) انظر السنن الكبرى ٣ : ٢٥٣ / ٢٩١٤.

(٨) كتاب الثقات لابن حبّان ٨ : ١٨٤.


وصحّح له الحاكم في المستدرك (١) ، وروى عنه الإمام أحمد في المسند (٢) ، وهو لم يكن يروي إلاّ عن ثقة، وقد صرّح ابن تيميّة بذلك في كتاب الردّ على البكري، قال : إنّ العالمين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان : منهم مَن لم يرو إلاّ عن ثقة عنده، كمالك وشعبة ويحيى ابن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل (٣) .

فقد كفانا ابن تيميّة بهذا الكلام مؤونة إثباته، وحينئذ لا يبقى له مطعن فيه، فما نقله الأثرم، فهو ممّا رجع عنه أحمد إن صحّ النقل، وإلاّ فالعيان يغني عن الخبر، فابن تيميّة راو لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كلّ حال.

[شهادة أبي الفداء في تاريخه] :

هداية : فيها شهادة بالتجسيم على ابن تيميّة، قال أبو الفداء (٤) في تاريخه في صفحة ٥٤ من الجزء الرابع من أوّل طبعة ما لفظه : وفيها يعني سنة خمسوسبعمائة اُستدعي تقي الدين أحمد بن تيميّة من دمشق إلى مصر، وعقد له مجلس، وأمسك وأودع الاعتقال بسبب عقيدته، فإنّه كان يقول بالتجسيم على ما هو منسوب إلى ابن حنبل. انتهى (٥) .

____________________

(١) المستدرك للحاكم ٣ : ١٣٨.

(٢) مسند أحمد ١ : ١١١، ٢٥١، ٣٢٤.

(٣) انظر الرد على البكري (تلخيص الاستغاثة) ١ : ٧٧.

(٤) الملك المؤيّد إسماعيل بن علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شاذي، صاحب حماة، مؤرّخ، جغرافي، رحل إلى مصر واتّصل بالملك الناصر فأحبّه وأقامه سـلطاناً على حماة، توفّي سـنة ٧٣٢ ه ، انظر الأعلام للزركلي ١ : ٣١٩.

(٥) تاريخ أبي الفداء ٢ : ٣٩٢.


شهادة الشيخ محمّد البرنسي في إتحاف أهل العرفان :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بإدعائه حرمة السفر لزيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ الصلاة لا تقصر فيه بعصيان المسافر به، وبادّعائه الجهة والتجسيم، ونسبة من لم يعتقدهما إلى الضلالة والتأثيم، وأنّه خالف الأئمّة في مسائل كثيرة، واستدرك على الخلفاء الراشدين حتّى سقط من أعين علماء الاُمّة، وصار مثلة بين العوام فضلا عن الأئمّة، وأنّه تعقّب العلماء كلماته الفاسدة، وزيّفوا حججه الداحضة الكاسدة، وأظهروا عوار سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته، شهد عليه بذلك الشيخ الإمام، الحبر الهمام، سند المحدّثين، الشيخ محمّد البرنسي في كتابه إتحاف أهل العرفان برؤيّة الأنبياء والملائكة والجان، قال ما لفظه :

وقد تجاسر ابن تيميّة الحنبلي ـ عامله الله تعالى بعدله ـ وادّعى أنّ السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام، وإنّ الصلاة لا تقصر فيه لعصيان المسافر به، وأطال في ذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر منه الطباع، وقد عاد شؤم كلامه عليه حتّى تجاوز الجناب الأقدس المستحق لكلّ كمال أنفس (١) ، وخرق سياج الكبرياء والجلال، وحاول إثبات ما ينافي العظمة والكمال، بإدّعائه الجهة والتجسيم، ونسبة من لم يعتقدهما إلى الضلالة والتأثيم، وأظهر هذا الأمر على المنابر، وشاع وذاع ذكره بين الأكابر والأصاغر، وخالف الأئمّة المجتهدين في مسائل كثيرة، واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة، فسقط من أعين علماء الاُمّة، وصار مثلة بين العوام فضلا عن الأئمّة، وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة، وزيّفوا

____________________

(١) في نسخة الأصل : النفس بدل : أنفس.


حججه الداحضة الكاسدة، وأظهروا عوار سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته (١) . إلى آخره.

ونقل هذا أيضاً المفتي صدر الدين في رسالته المسمّاة بمنتهى المقال في حديث شدّ الرحال، ونقله عنه أيضاً المولوي الفاضل السيد حامد حسين الشيعي في استقصاء الإفحام في الجزء الأوّل في صفحة ٦١، ونقل المنشورالسلطاني (٢) المتقدّم عن منتهى المقال في حديث شدّ الرحال وهو من معاصريه، ونقل ما تقدّم عن ابن حجر في الدرر الكامنة أيضاً (٣) فراجعه فإنّه المطبوع في مطبعة مجمع البحرين لوديانه.

شهادة صدر الدين الهندي في منتهى المقال :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بالفسق، والسفه، والحماقة، والعناد، والكفر، والضلال، والإلحاد، شهد عليه بذلك الإمام المفتي محمّد صدر الدين بهادر خان الهندي في كتاب منتهى المقال في شرح حديث شدّ الرحال، أوّله : الحمد لله الذي جعل البيت أمناً ومثابة للناس أجمعين، وجعله هدى ومباركاً للعالمين . وقد قرظ عليه جماعة من علماء السنّة منهم المولوي فضل حق والمولوي سعد الله (٤) .

شهادة المحقّق الدواني في شرح العقيدة العضدية :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأنّه أثبت لله تعالى الجهة والمكان،

____________________

(١) انظر استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٢) انظر استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٣. ونهاية الأرب للنويري ٣٢ : ١١٢.

(٣) راجع ص : ٥٩ ـ ٦٠.

(٤) انظر استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١١.


وضلّل النافين، وبالغ في القدح في نفيها، وأنّه قال بقدم جنس العرش، شهد عليه بذلك الجلال الدواني في شرحه للعقيدة العضديّة، قال ما لفظه :

ولابن تيميّة أبي العبّاس أحمد وأصحابه ميل عظيم إلى إثبات الجهة، ومبالغة في القدح في نفيها، ورأيت في بعض تصانيفه أنّه لا فرق عند بديهة العقل بين أن يقال : «هو معدوم»، أو يقال : «طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده»، ونسب النافين إلى التضليل، هذا مع علو كعبه في العلوم النقليّة والعقليّة، كما يشهد به من تتبّع تصانيفه (١) . انتهى.

وقال عند ذكره للقدم الجنسي للعالم ما لفظه : وقد قال به بعض المحدّثين المتأخّرين، وقد رأيت في بعض تصانيف ابن تيميّة القول به في العرش (٢) . انتهى.

شهادة المولوي عبد الحليم في حل المعاقد :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة باثبات الجهة والجسم لله تعالى، وأنّه ذو مكان، وأنّ مكانه العرش، وأنّه قال بأزليّة جنس العرش وقدمه، وتعـاقـب أشخاصـه الغير المتناهيـة، وانتقـاص عثمان وعليّ عليه‌السلام وأهل البيت عليهم‌السلام بما لايفوه به مؤمن، شهد عليه بذلك العلاّمة المولوي عبدالحليم في كتابه حلّ المعاقد على شرح الدوّاني للعقائد العضديّة، قال :

كان تقي الدين ابن تيميّة حنبلياً، لكنّه تجاوز عن الحدّ، وحاول إثبات ماينافي عظمة الحقّ تعالى وجلاله، فأثبت له الجهة والجسم، وله هفوات اُخر، كما يقول : إنّ أمير المؤمنين سيدنا عثمان (رض) كان يحبّ

____________________

(١) انظر التعليقات على شرح العقائد العضدية : ٩٤.

(٢) نفس المصدر : ٤٧.


المال، وإنّ أمير المؤمنين سيدنا علي عليه‌السلام ما صحّ إيمانه فإنّه آمن حال صباه. وتفوّه في أهل بيت النبيّ صلّى الله عليه وعليهم بما لا يتفوّه به المؤمن المحقّ، وقد وردّ الأحاديث الصحاح في مناقبهم في الصحاح، وانعقد مجلس في قلعة جبل بالصالحيّة وحضر العلماء الأعلام والفقهاء العظام، ورئيسهم كان قاضي القضاة زين الدين المالكي، وحضر ابن تيميّة فبعد القيل والقال بهت ابن تيميّة، وحكم قاضي القضاة بحبسه، وكان ذلك في سنة سبعمائة وخمس من الهجرة...

ثمّ نودي بدمشق وغيره من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه، كذا في مرآة الجنان (١) للإمام أبي عبد الله اليافعي، ثم تاب وتخلّص من السجن سنة سبعمائة وسبع من الهجرة. وقال : إنّي أشعري. ثم نكث عهده وأظهر مكنونه ومرموزه، فحبس حبساً شديداً مرةً ثانية، ثمّ تاب وتخلّص من السجن وأقام في الشام، وله هناك واقعات كتبت في التواريخ...

وردّ أقاويله وبيّن أحواله الشيخ ابن حجر في المجلّد الأوّل من الدرر الكامنة (٢) ، والذهبي في تاريخه (٣) ، وهما من المحقّقين...

هذا كلام وقع في البين، والمراد أن ابن تيميّة لمّا كان قائلا بكونه تعالى جسماً قال بإنّه ذو مكان، فإنّ كلّ جسم لا بدّ له من مكان على ما ثبت، ولما ورد في القرآن المجيد : ( الرّحمَن عَلَى العَرشِ اسْتَوَى ) (٤) قال : إنّ العرش مكانه. ولمّا كان الواجب أزلياً عنده، وأجزاء العالم حادث

____________________

(١) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠ و ٢٧٨.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٨٨ - ٩٦.

(٣) تاريخ الاسلام ٥٢ : ٦١.

(٤) سورة طه ٢٠ : ٥.


عنده، فاضطر إلى القول بأزليّة جنس العرش وقدمه وتعاقب أشخاصه الغير المتناهية، فمطلق التمكّن له تعالى أزلي بزعمه، والتمكّنات المخصوصة حوادث عنده، كما ذهب المتكلّمون إلى حدوث المتعلّقات (١) . انتهى (٢) .

شهادة الشيخ شهاب الدين الكلابي :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة : أن مقالة الشافعيّة والحنفيّة والمالكيّة ـفي نفي الجهة ـ يلزمها أن يكون ترك الناس بلا كتاب ولا سنّة أهدى لهم. شهدعليه بذلك الشيخ شهاب الدين الكلابي في رسالة ردّ ابن تيميّة، ثمّ قال : أَفتُراهم يكفّرونك بذلك أم لا؟ ثمّ جعلت أنّ مقتضى كلام المتكلمين أنّ الله تعالى ورسوله وسلف الاُمّة تركوا العقيدة حتّى بيّنها هؤلاء (٣) .

إلى أن قال : فإنّه يعني ابن تيميّة إنّما تلقَّف ما نزع به في مخالفة الجماعة، وأساء القول على المسألة من حثالة الملاحدة الطاعنين في القرآن، وسنبيّن ضلالهم، ويُعلَم إذ ذاك من هو من فراخ الفلاسفة واليهود، ثمّ لو استحيى الغافل لعرف مقدار علماء الاُمّة رحمهم‌الله تعالى، ثمّ هل رأى من ردّعلى الفلاسـفة واليهود والروم والفرس غير هؤلاء الذين جـعلهم فراخهم (٤) ، إلى آخره.

فتأمّل كيف يشنّع على علماء الاُمّة، وله الفضائح في هذه الرسالة في مسألة الجهة.

____________________

(١) في المصدر : التعلّقات بدل : المتعلّقات.

(٢) حلّ المعاقد : ٨٠ - ٨١.

(٣) التوفيق الربّاني الرسالة الخامسة : ١٨٥، طبقات الشافعية ٩ : ٦٩.

(٤) التوفيق الربّاني الرسالة الخامسة : ١٨٦، طبقات الشافعية ٩ : ٦٩ - ٧٠.


شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأنّه عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداءالخزي وأرداه، وبأنّه ذو ملكة في الافتراء والكذب، وأنّه خالف إجماع العلماء في مسائل كثيرة، واعترض حتّى على الخلفاء بأشياء سخيفة، وقال بالجهة والجسميّة، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخّرين، وأنّ أهل عصره من العلماء حكموا بقتله أو حبسه، شهد عليه بذلك الشيخ الإمام العلاّمة ابن حجر المكّي في الجوهر المنظم في زيارة القبر المكرّم ، قال ما لفظه :

فإن قلت : كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعيّة الزيارة والسفر إليها وطلبها وابن تيميّة من متأخري الحنابلة منكر لمشروعيّة ذلك كلّه كما رآه السبكي من خطّه، وأطال ـ يعني ابن تيميّة ـ في الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر إليها إجماعاً، وأنّه لايقصّر فيه الصلاة، وإنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه (١) .

قلت : مَن ابن تيميّة حتّى ينظر إليه، أو يعوّل في شيء من أُمور الدين عليه؟! وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته

____________________

(١) وهو محمّد بن أبي بكر بن أيّوب شمس الدين ابن قيم الجوزيّة الحنبلي. قال الذهبي : حبس مرّة لإنكاره شدّ الرحال لزيارة قبر الخليل، وكان ملازماً لابن تيميّة من سنة ٧١٢ إلى أن مات سنة ٧٢٧ هـ، وهو الذي هذّب كتب ابن تيميّة وأشاع علمه. توفّي سنة ٧٥١ هـ. البداية والنهاية لابن كثير ١٤ : ٢٣٠، الدرر الكامنة ٣ : ٢٤٣ / ٣٧٠٠، شذرات الذهب ٦ : ١٦٨.


الفاسدة وحججه الكاسدة، حتّى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ ابن جماعة عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه، برز له من قوّة الكذب والافتراء ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان...

ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وأمانته التقي السبكي ـ قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ـ للردّ عليه في تصنيف مستقلّ، أفاد فيه وأجاد، فأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الصواب، فشكر الله مسعاه وأقام عليه شآبيب رحمته ورضاه...

ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض السرجاء (١) من الحنابلة (٢) ، فغبر في وجوه مخدّراته الحسان، التي لم يطمثهنّ إنس قبله ولا جان، وأتى بمادلّ على جهله، وأظهر عوار غباوته وعدم فضله، فليته إذ جهل استحيى من ربّه ، وعساه إذا فرّط وأفرط رجع إلى لبّه، لكن إذا غلبت الشقاوة استحكمت الغباوة فعياذاً بك اللّهم من ذلك، وضراعة إليك من أن تديم لنا سلوك أعظم المسالك...

هذا ما وقع من ابن تيميّة ممّا ذكر، وإن كان عثرة لا تقال أبداً، ومعصيّة يستمرّ عليه شؤمها دواماً وسرمداً، ليس بعجب فإنّه سولّت له نفسهوهواه وشيطانه أنّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما دَرَى المحروم أنّه أتى بأقبح المعائب; إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة،

____________________

(١) في المصدر : السذّج بدل : السرجاء. وما في المتن موافق لنسخة العبقات.

(٢) وهو ابن عبد الهادي الحنبلي المتوفّي سنة ٧٤٤ هـ، وقد ترجمه ابن رجب في طبقات الحنابلة، واسم الردّ : الصارم المنكي في الردّ على السبكي، وقد ردّه جماعة منهم : ابن علان في كتابه : المبرد المبكي في ردّ الصارم المبكي، والبرهان السمنودي في نصرة الإمام السبكي بردّ الصارم المنكي، وابن حجر في : الإثارة بطرق حديث الزيارة.


وتدارك على أئمّتهم ـسيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتى من نحو هذه الخرافات بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، حتّى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزّه عن كلّ نقص، والمستحقّ لكلّ كمال أنفس، فنسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهر للعامّة على المنابر، من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخرين، حتّى قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، وخمدت تلك البدع فزالت تلك الظلمات، ثمّ انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً، بل ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (١) . انتهى. وهو الكلام الفحل والقول الجزل.

شهادة ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة، بالتبديع، والضلال، والإضلال، والجهل، والغلو، وسوء العقيدة، حتّى في أكابر الصحابة، والتشنيع عليهم بالعظائم، ثمّ على من بعدهم من الأعاظم إلى عصره، وأنّه بدّع كثيراً منهم، وأنّه لذا (٢) تمالأ عليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه، وكفّره كثير منهم، وأنّه خرق الإجماع في مسائل كثيرة في الاُصول والفروع...

فمن الأوّل : خلافه في مسألة الحسن والقبح والتزم بكلّ ما يرد عليها، وأنّ مخالف الإجماع لايفسّق ولا يكفّر، وأنّ الله تعالى محل

____________________

(١) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة ١) : ٦٦ - ٦٧ .

(٢) كذا في النسختين والأنسب كما في بعض المصادر : حتّى تمالأ بدل : وأنّه لذا تمالأ.


للحوادث، وأنّه مركّب تفتقر ذاته افتقار الكلّ إلى الجزء، وأنّ القرآن محدث في ذاته تعالى، وأنّ العالم قديم بالنوع، وأنّه قال بالجهة والجسميّة والانتقال، وأنّه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر، وأنّ النار الكبرى تفنى، وأنّ الأنبياء غير معصومين، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا جاه له ولا يشدّ الرحال إلى زيارته، ومن سافر للزيارة عصى، وحرم عليه السفر، ووجب عليه التمام في الصلاة، وحرم عليه القصر بها، وأنّ التوراة والإنجيل لم تبدّل ألفاظهما بل معانيهما، وخرق الإجماع في جملة من مسائل الفروع يأتي ذكرها، شهد عليه بكلّ ذلك أعلم علماء مكّة المعظّمة في زمانه أحمد بن حجر المكّي في الفتاوى الحديثيّة المطبوعة بالمطبعة الميمنية بمصر المحميّة لمّا سئل عن ابن تيميّة..

وصورة السؤال : لابن تيميّة اعتراض على متأخّري الصوفيّة، وله خوارق في الفقه والاُصول فما محصّل ذلك؟

فأجاب بما هذا صورته : أنّ ابن تيميّة عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه، وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العزّبن جماعة، وأهل عصرهم، وغيرهم من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة، ولم يقصر اعتراضه على متأخرّي الصوفيّة، بل اعترض على مثل عمر بن الخطّاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ كما سيأتي...

والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كلّ وعر وحزن، ويعتقدفيه أنّه مبدع ضالّ ومضلّ جاهل غال، عامله الله بعدله، وأجارنا من


مثل طريقته وعقيدته وفعله آمين. وحاصل ما اُشير إليه في السؤال أنّه قال في بعض كلامه (١) . وذكر كلام ابن تيميّة في الطعن على بعض مشايخ الصوفيّة.

ثمّ قال ابن حجر : وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتّى في أكابر الصحابة ومن بعدهم إلى أهل عصره، وربّما أدّاه اعتقاده ذلك إلى تبديع كثير منهم، ومن جملة من تتبّعه الوليّ القطب العارف أبو الحسن الشاذلي (٢) ـ نفعنا الله بعلومه ومعارفه ـ في حزبه الكبير، وحزب البحر، وقطعة من كلامه، كما تتبّع ابن عربي (٣) وابن الفارض (٤) وابن سبعين (٥) ، وتتبّع أيضاً الحلاّج حسين بن منصور (٦) ، ولا زال يتتبّع الأكابر حتّى تمالأ عليه أهل

____________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٦.

(٢) الشيخ نور الدين علي بن عبد الله بن عبد الحميد المغربي الشاذلي اليمني، المتوفّي سنة ٦٥٦ هـ، صوفي، فقيه، ناظم، شاعر، تنسب إليه الطريقية الشاذليّة. انظر الوافي بالوفيات ٢١ : ١٤١، الأعلام للزركلي ٣ : ١٥١ و ٤ : ٣٠٤.

(٣) محمّد بن علي بن محمّد الحاتمي الطائي الاندلسي المكي الشامي، الملقّب بمحي الدين، صوفي، متكلّم، فقيه، مفسّر، شاعر، طاف البلاد وأقام بمكّة وصنّف فيها كتاب الفتوحات المكّيّة، توفّي سنة ٦٣٨ هـ وقبره بصالحيّة دمشق. انظر البداية والنهاية ١٣ : ١٥٨، الأعلام للزركلي ٧ : ١٨٩.

(٤) شرف الدين أبو القاسم عمر بن علي بن مرشد بن علي الحموي الأصل المصري المولد، أشعر المتصوفين، يلقّب بسلطان العاشقين، توفّي سنة ٦٣٢ هـ. انظر البداية والنهاية ١٣ : ١٤٦، الأعلام للزركلي ٥ : ٥٥.

(٥) الشيخ قطب الدين أبو محمّد عبد الحقّ بن إبراهيم بن محمّد بن نصر بن سبعين الاشبيلي المرسي الرقوطي، ولد سنة ٦١٤ هـ، وكان من زهّاد الفلاسفة ومشهوراً بالتصوّف، توفّي سنة ٦٦٩ هـ. انظر البداية النهاية ١٣ : ٢٦١، الأعلام للزركلي ٣ : ٧٧ و ٢٨٠.

(٦) كنيته : أبو مغيث. وقيل : أبو عبد الله، وكان جدّه مجوسياً اسمه محمي من أهل بيضاء فارس، نشأ الحسين بواسط وقدم بغداد، فخالط الصوفيّة وصحب من


عصره ففسّقوه وبدّعوه، بل كفَّره كثير منهم، وقد كتب إليه بعض أعلام (١) عصره علماً ومعرفة (٢) . وذكر كتاب الشيخ نصر المنبجيّ المتقدّم ذكره (٣) .

ثمّ قال ابن حجر : واعلم أنّه خالف الناس في مسائل نبّه عليها التاج السبكي وغيره، فمّما خرق فيه الإجماع قوله في : «علَيَّ الطلاق» إنّه لا يقع عليه بل عليه كفّارة يمين، ولم يقل بالكفارة أحد من المسلمين قبله (٤) . وذكر جملة من المسائل التي خالف فيها ابن تيميّة.

ثمّ قال ابن حجر : مسألة الحسن والقبح التزم كلّ ما يرد عليها، وإنّ مخالف الإجماع لا يكفَّر ولا يفسَّق، وإنّ ربّنا ـ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً ـ محلّ الحوادث تعالى الله عن ذلك وتقدّس، وإنّه مركّب تفتقر ذاته افتقار الكلّ للجزء تعالى عن ذلك وتقدّس، وإنّ القرآن محدث في ذات الله تعالى عن ذلك، وإنّ العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوقاً دائماً، فجعله موجباً بالذات لا فاعلا بالاختيار تعالى الله عن ذلك، وقوله بالجسميّة والجهة والانتقال، وإنّه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر تعالى الله عن هذا الافتراء الشنيع القبيح، والكفر البراح الصريح، خذل متّبعه وشتّت شمل معتقده، وقال : إنّ النار تفنى، والأنبياء غير معصومين، وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا جاه له ولا يتوسّل به، وإنّ إنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصية لا تقصر الصلاة فيه، وسيحرم ذلك

____________________

مشيختهم الجنيد بن محمّد وأبا الحسين النوري وعمرو المكّي، قتل : سنة ٣٠٩ هـ. انظر تاريخ بغداد ٨ : ١١٢ / ٤٢٣٢، الكنى والألقاب ٢ : ١٦٤.

(١) في المصدر : أجلاء بدل : أعلام.

(٢) الفتاوى الحديثيّة : ٨٦.

(٣) راجع الصفحة : ٧٠.

(٤) الفتاوى الحديثيّة : ٨٧.


يوم الحاجة الماسّة إلى شفاعته، وإنّ التوراة والإنجيل لم تبدّل ألفاظهما وإنّما بدّلت معانيهما.

وقال بعضهم : ومن نظر إلى كتبه لم ينسب إليه أكثر هذه المسائل غير أنّه قائل بالجهة، وله في إثباتها جزء، ويلزم أهل هذا المذهب الجسميّة والمحاذاة والاستقرار، فلعلّه في بعض الأحيان كان يصرّح بتلك اللوازم فنسب إليه، سيما ومن نسب إليه ذلك من أئمّة الإسلام المتّفق على جلالته وإمامته وديانته، وأنّه الثقة العدل المرتضى، المحقّق المدقّق، فلايقول شيئاً إلاّ عن تثبّت وتحقيق ومزيد احتياط وتَحَرٍّ، سيّما إن نسب إلى مسلم ما يقتضي كفره وردّته وضلاله وإهدار دمه فإن صحّ عنه مكفّر أو مبدع يعامله الله بعدله وإلاّ يغفر لنا وله (١) . انتهى.

[شهادة صديق حسن خان في الانتقاد الرجيح] :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه من أكبرهم إثباتاً للجهة في حقّ الله، وأنّه صنّف كتاب العرش، وذكر نزاعهم في الاستواء على العرش هل هو بفعل منفصل عنه يفعله بالعرش كتقريبه إليه، أو فعل يقوم بذاته، واختار أنّه فعل يقوم بذاته تعالى، وأنّه صنّف كتاب النزول وذكر أنّه فعل يقوم بذات الربّ لا أنّه منفصل عن الربّ في الخلق، شهد عليه بذلك أشدّ الناس تقليداً له في كتابه الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح صديق حسن خان (٢) .

____________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٧.

(٢) انظر الانتقاد الرجيح في شرح الاعتقاد الصحيح : ٦٠ - ٦٣ و٦٨.


شهادة ابن حجر في أشرف الوسائل :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة وعلى ابن القيم بإثباتهما الجهة والجسميّة لله تعالى، وإنهما كفر عند الأكثرين، وأنّ لهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ عنه الآذان، ويقضى عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان، شهد عليهما بذلك العلاّمة ابن حجر المكّي في كتاب أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل عند ذكر إرخاء العمامة على الكتفين ما هذا صورته بلفظه :

قال ابن القيم عن شيخه ابن تيميّة : إنّه ذكر شيئاً بديعاً، وهو أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا رأى ربّه واضعاً يده بين كتفيه أكرم ذلك الموضع بالعذبة (١) . قال العراقي : ولم نجد لذلك أصلا.

أقول : بل هذا من قبيح رأيهما وضلالهما، إذ هو مبني على ماذهبا إليهوأطالا في الاستدلال عليه والحطّ على أهل السنّة في نفيهم له، وهو إثبات الجهة والجسميّة لله، تعالى عما يقول الظالمون والجاهلون علواً كبيراً، ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ عنه الآذان، ويقضي عليه بالزور والكذب والضلال والبهتان، قبّحهما الله وقبّح من قال بقولهما، والإمام أحمد وأجلاّء مذهبه مبرّؤن عن هذه الوصمة القبيحة، كيف وهي كفر عند كثيرين (٢) ؟!. انتهى.

شهادة ابن حجر في الفتاوى الفقهيّة :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأنّه منع من إهداء ثواب القراءة

____________________

(١) زاد المعاد ١ : ١٣٥ - ١٣٦.

(٢) أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل : ١٧٢ - ١٧٣.


للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شهد عليه بذلك العلاّمة ابن حجر الهيتميّ المكّيّ في الفتاوي الفقهيّة، وأنّه علّل المنع بأنّ جنابه لا يتجرأ عليه إلاّ بما أذن فيه وهو الصلاة عليهوسؤال الوسيلة له قال :

وبالغ السبكي وغيره في الردّ عليه بأنّ مثل ذلك لا يحتاج لإذن خاص ألاَ ترى أنّ ابن عمر (١) كان يعتمر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد موته من غير وصيّة، وحجّ ابن الموفّـق (٢) ـ وهو في طبقة الجـنيد (٣) ـ عنه سبعين حجّـة، وخـتم ابن السراج (٤) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من عشرة الآف ختمة، وضحّى عنه مثل ذلك (٥) . إلى آخره.

وسيرة المسلمين إلى اليوم إهداء ثواب القراءة له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ختم القرآن حتّى في مجالس الختم، وأدخلوا ذلك في دعاء الختمة ويقرؤن على الناس ، ولا أعرف أقوى من هذه السيرة، لكن كلّ ما ذكر لا يقطع ابن

____________________

(١) عبد الله بن عمر بن الخطّاب القرشيّ العَدَويّ، يكنّى أبا عبد الرحمن، واختلف في وفاته وولادته ومقدار عمره على عدّة أقوال منها : أنّه ولد سنة ٣ من المبعث ومات سنة ٧٣ هـ. اُسد الغابة ٣ : ٣٣٦ / ٣٠٨٢، الإصابة ٢ : ٣٤٧ / ٤٨٣٤.

(٢) علي بن الموفّق أبو حفص النيسابوري، أحد مشايخ الطريق، ذكروا له أحوال ومقامات، توفّي سنة ٢٦٥ هـ. تاريخ الاسلام ٢٠ : ١٣٩، الوافي بالوفيات ٢٢ : ١٦٥.

(٣) هو ابن محمّد بن الجنيد، أبو القاسم الخزّاز، ويقال : القواريري. وقيل : كان أبوه قواريريّاً، وأصله من نهاوند إلاّ أنّ مولده ومنشأه ببغداد، سمع بها الحديث ولقى العلماء، وصحب جماعة من الصوفيين منهم المحاسبي والسرسقطيّ، توفّي سنة ٢٩٨هـ. البداية والنهاية ١١ : ١٢١، طبقات الصوفيّة ١ : القسم الثاني ٥٧٠ / ٢٤٠.

(٤) محمّد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله، أبو العبّاس السرّاج النيسابوري، مولى ثقيف، قدم بغداد وأقام بها دهراً طويلا، ثمّ رجع إلى نيسـابور واستقرّ بها إلى أن مات سنة ٣١١ أو ٣١٣ هـ. تاريخ بغداد ١ : ٢٤٨ / ٧٣٠، البداية والنهاية ١١ : ١٦٤.

(٥) عنه في ردّ المحتار (حاشية ابن عابدين ٣) : ١٥٣.


تيميّة ؛ لأنّ حقيقة ما في نفسه في وجه تحريم إهداء الثواب ونحوه هو لزوم الشرك ومنافاته للتوحيد بزعمه، لكنّه يتستّر بهذه الوجهة الركيكة بأنّ جنابه لا يتجرّأ عليه، وكذا تحريمه لزيارة قبور الأنبياء والأولياء والاستغاثة بهم، كلّه عنده شرك، وقد باح بذلك محمّد بن عبد الوهّاب مروّج عقيدة ابن تيميّة، وكفَّر المسلمين بذلك حتّى منع من كثرة الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأحرق كتاب دلائل الخيرات وكلّ كتب الدعاء والزيارات.

ونقل ابن زيني دحلان (١) عن بعض أصحابه إنّه يقول : محمّد ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّمايكون طارشاً وقد مات والإمام الحي أفضل منه!!! يعني ابن عبد الوهاب، نعوذ بالله من هذه الكفريّات الصريحة في الاستنقاص لحضرة الرسالة (٢) .

شهادة أبي العبّاس بن فضل الله في مسالك الأبصار :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بسدّه باب الوسيلة بإنكاره السفر لمجرد الزيارة، وإنّه قطع رحم الرسالة، وخالف ما انعقد عليه الإجماع على الطلاق وأنّه سدّ باب الذريعة، شهد عليه الإمام أبو العبّاس أحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار (٣) ، وقد تقدّم كلامه في التنبيه السابع بلفظه فراجعه.

____________________

(١) أحمد بن زيني دحلان المكّي الشافعي، فقيه مؤرّخ مشارك في أنواع من العلوم، مفتي الشافعيّة بمكّة، ولد بها وتوفّي بالمدينة سنة ١٣٠٤ هـ، له ردّ على ابن تيميّة. هدية العارفين ١ : ١٩١، الأعلام للزركلي ١ : ١٢٩، معجم المؤلفين ١٢ : ٢٢٩.

(٢) راجع الدرر السنيّة (الوهابيّة المتطرّفة ١) : ٣١٤، خلاصة الكلام في بيان اُمراء البلد الحرام (تاريخ زيني الدين دحلان) : ٣٠٣.

(٣) مسالك الأبصار في ممالك الأمصار ٥ : ٧٤٢ - ٧٤٦.


شهادة نور الدين البكري ـ على ما نقله عنه ابن حجر وابن جماعة ـ

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بتنقيص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحقاق القتل بذلك، شهد عليه بذلك الشيخ الإمام نور الدين أبو الحسن علي بن يعقوب بن جبرائيل بن عبد المحسن البكري المصري الشافعي، لما رحل ابن تيميّة إلى مصر قام عليه النور البكري وأنكر ما يقول، وآذاه; على ما نقله ابن جماعة في طبقات فقهاء الشافعيّة.

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عند ترجمته لابن تيميّة ما لفظه : ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستغاث به، وإنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان أشدّ الناس عليه في ذلك النور البكري، فإنّه لمّا عقد له المجلس بسبب ذلك قال بعض الحاضرين : يعزّر. فقال البكري : لا معنى لهذا القول فإنّه إن كان تنقيصاً يقتل وإن لم يكن تنقيصاً لا يعزّر، إلى آخر ما تقدّم في نقل الدرر الكامنة (١) .

شهادة صدر الدين بن بهادر خان في منتهى المقال :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة الناصب بالتشنيع القبيح على علي عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام بأنّهما ردّا أمر الله، وسخطا حكمه، وكرها ما رضي الله، شهد عليه بذلك الإمام صدر الدين بهادر خان مفتي الهند في كتابه منتهى المقال في شرح حديث شدّ الرحال، قال ما لفظه:

ودر ردّ روافض كبير در مقامات كثيرة چه قدر زبان طعن وتشنيع در حقّ أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كشوده، قال : أبو بكر وعمر وليا الأمر، والله

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.


قد أمر بطاعة اُولي الأمر، وطاعة ولي الأمر طاعة الله، ومعصيته معصيّة الله، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه، وعلي عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام ردّا أمر الله، وسخطا حكمه، وكرها ما رضي الله; لأنّ الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر طاعته، ومن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله، والله يسخط بمعصيته، ومعصيّة ولي الأمر معصيته، فمن اتّبع معصية ولي الأمر فقد اتّبع ما سخط الله وكره رضوانه (١) . انتهى.

وهذا التشنيع كفر بإجماع الأئمّة الأربع كما في خلاصة الكلام للمفتي أحمد ابن زيني دحلان (٢) ، فراجع التنبيه الخامس أيضاً.

شهادة أبي بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين العلوي (٣) :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأنّه جعل علياً عليه‌السلام مضرباً للأمثال في الخطأ والميل إلى الدنيا وارتكاب الهفوات، وأنّه لم ترد في حقّ علي عليه‌السلام فضيلة تخصّه من بين الصحابة أصلا.

شهد عليه بذلك العلاّمة السيد أبو بكر عبد الرحمن بن شهاب الدين العلوي الحسيني الحضرمي الاُستاذ بمدرسة دار العلوم في حيدر آباد دكن بالهند أطال الله بقاءه، في كتابه وجوب الحميّة عن مضار الرقية في صفحة ١١ قال : إلاّ ما يدّعيه ابن تيميّة من تكذيب غالـب الأحاديث الواردة في فضل علي عليه‌السلام ، وابن تيميّة غير مؤتمن في هذا الباب; لأنّه التزم الردّ على الشيعة بما استطاع من قول وتكذيب وتكفير وتفسيق، حتّى جعل

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٢٥٦.

(٢) خلاصة الكلام : ٣٠٣.

(٣) الحسيني الحضرمي الشافعي، من آل السقّاف، ولد سنة ١٢٦٢ هـ وتوفّي سنة ١٣٤١ هـ. هدية العارفين ١ : ٢٤١، الذريعة ٢ : ٢٣٤ و ٣ : ٤٦٧ و٧ : ٩٣ / ٤٧٧.


عليّاًكرّم الله وجهه مضرباً للأمثال في الخطأ والميل إلى الدنيا وارتكاب الهفوات، وحتّى قال : إنّه لم يرد في حقّ عليّ عليه‌السلام فضيلة تخصّه من بين الصحابة أصلا، وإنّ الأحاديث الصحاح في فضله يعني المشارك فيه لم تبلغ العشرة، وإن كلّ ما ذكره الشيعة لعلي من الفضل فالثلاثة الخلفاء أولى به منه، وإنّ ما ادّعاه الشيعة من نقص في أحد الثلاثة فعليّ أولى بذلك النقص منه، كلّ هذا مذكور في كتابه الذي سمّاه منهاج السنّة. انتهى كلام السيد بحروفه .

وأنت خبير بأنّ كلام ابن تيميّة المذكور مخالف لنصّ الكتاب المجيد، كآية الطهارة (١) ،وآية المباهلة (٢) ،ولمتواترات الحديث،كحديث الطير المشوي (٣) ، وحديث المنزلة (٤) ، وحديث الولاية (٥) ، وحديث الغدير (٦) ، وغير

____________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٢) سورة آل عمران ٣ : ٦١.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٣٠٠ الباب ٨٥ / ٣٨٠٤، المعجم الكبير للطبراني ١ : ٢٥٣ / ٧٣٠ و ٧ : ٨٢ / ٦٤٣٧ و ١٠ : ٢٨٢ / ١٠٦٦٧، المستدرك للحاكم ٣ : ١٣٠، كنز العمال ١٣ : ١٦٦ / ٣٦٥٠٥.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٠، ١٧٣، ١٧٥، ١٧٧، ١٨٥، ٣٣١ و ٣ : ٣٣٨، صحيح البخاري ٥ : ٨١ الباب ٣٩ / ٢٢٥ و ٣٠٩ الباب ١٩٥ / ٨٥٧، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٢٤٠٤، سنن ابن ماجه ١ : ٤٣ / ١١٥، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٤ / ٣٨١٣، السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ٤٠.

(٥) انظر مسند أحمد بن حنبل ٤ : ١٦٥، سنن الترمذي ٥ : ٣٩٦ / ٣٧٩٦، المصنّف لابن شيبة ٦ : ٣٧٥ / ٣٢١١٢، الجامع الصغير ٢ : ١٧٧ / ٥٥٩٥، شواهد التنزيل ١ : ٢٤٠ / ٣٢٤ - ٣٢٧، كنز العمال ١١ : ٦٠٣ / ٣٢٩١٣ و ١٣ : ١٤٢ / ٣٦٤٤٤.

(٦) انظر مسند أحمد ١ : ٨٤، ١١٨، ١١٩، ١٥٢، ٣٣١ و ٤ : ٢٨١، ٣٧٠ و٥ : ٣٤٧، ٣٦٦، ٣٧٠، ٤١٩، سنن ابن ماجه ١ : ٤٥، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٧ / ٣٧٩٧، فضائل الصحابة للنسائي : ١٤، المستدرك للحاكم ٣ : ١٠٩، ١١٦، ١٣٤، ٣٧١، ٥٣٣.


ذلك ممّا اختصّ به (١) ، ومادلّ على نزاهته وطهارته عن حبّ الدنيا الذي هو رأس كل خطيئة (٢) ، وأعلميّة علي عليه‌السلام (٣) ، وأسبقيّته إلى الإسلام (٤) ، جاءت بها جياد الأحاديث وحسانها، وقال بها من قال ممّن لم يركب سفن التعصّب والتحامل على أهل البيت الطاهر عليهم‌السلام ، ونصّ السيد المذكور على نصب ابن تيميّة في مواضع من كتابه المذكور منها في آخر صفحة ٢٨ وفي صفحة ٦٩.

[أيضاً شهادة أبي بكر بن عبد الرحمن المتقدّم] :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بأنّه رمز في مواضع وأبان في اُخرى بتكفير طوائف من أهل البيت الطاهر، شهد عليه بذلك السيد العلاّمة

____________________

(١) كحديث خاصف النعل مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٣٣، ٨٢، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٨ / ٣٧٩٩، المستدرك للحاكم ٢ : ١٣٨ و ٣ : ١٢٣ و ٤ : ٢٩٨، سنن النسائي ٥ : ١٢٨ / ٨٤٥٧، مسند أبي يعلى ٢ : ٣٤١ / ١٠٨٦، شرح معاني الآثار لابن سلمة ٤ : ٣٥٩، صحيح ابن حبان ١٥ : ٣٨٥، معجم الأوسط الطبراني ٤ : ٥١٤ / ٣٨٧٤، تاريخ بغداد ١ : ١٤٤ / ١ و ٨ : ٤٣٣، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٧٧ و٣ : ٢٠٧ و ٦ : ٢١٨ و ٩ : ١٦٧ و ١٨ : ٢٤، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٤٤، وغير ذلك من الأحاديث المختصة به صلوات الله عليه الواردة في فضائله ومناقبه.

(٢) انظر مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٩٣ المصباح المضيء لابن الجوزي ١ : ٣٦٠، بحار الأنوار ٤٠ : ٣٢٠ / ٤، المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء ٧ : ٣٢٩، إحقاق الحقّ ٣٢ : ٢٦٢.

(٣) انظر مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٢٨ - ٥٧، الكامل لابن عدي ٥ : ١٦١ / ٩٥٠، تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٧٨ - ٣٨٥، أمالي الصدوق : ٢١ / ١، الغدير ٣ : ٩٥ و٧ : ١٨٢، كنز العمال ١١ : ٦١٤ /   ٣٢٩٧٧ - ٣٢٩٨٣، المناقب للخوارزمي : ٨٢، الفصول المهمة ٢ : ١١٦٣، ينابيع المودة ٢ : ٧٠ / ٦، الفردوس ١ : ٣٧٠ / ١٤٩١.

(٤) انظر مناقب ابن شهرآشوب ٢ : ٤ - ١٣، إحقاق الحق ٢٠ : ٢٦٥.


أبو بكر ابن عبد الرحمن المتقدّم، ذكره في كتابه وجوب الحمية المذكور آنفاً قال :

وابن تيميّة وأشباهه يسبّون الشيعة، والرافضة كما في كتابه الذي سمّاه منهاج السنّة، حتى رمز في مواضع وأبان في اُخرى بتكفير طوائف من أهل البيت الطاهر المتمذهبين بمذهب الشيعة، ذكر ذلك في الصفحة العاشرة من كتابه المطبوع بمطبعة الإمام في سنغافورا سنة ١٣٢٨.

شهادة السيد أبي بكر في كتابه وجوب الحمية :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بتكذيب أحاديث صحاح وحسان وجياد وردت في فضل علي عليه‌السلام وأهل بيته، شهد عليه بذلك صاحب وجوب الحمية السيد أبو بكر المتقدّم، ذكره زاد الله في شرفه قال في صفحة ٣٩ : فقول ابن تيميّة : إنّ أكثر الخطب التي في نهج البلاغة كذب على علي رضي‌الله‌عنه (١) ، هو الكذب بعينه :

ماذا يضرّ الشمس وهي منيرة

أن لا يرى الخفاش ساطع نورها

ولا يُستغرب من ابن تيميّة تكذيبه، فإنّه قد كذّب أحاديث صحاحاً وحساناً وجياداً وردت في فضل عليّ ـ كرّم الله وجهه ـ وأهل بيته، وتراه يحطب ليلا ويستدلّ بالضعاف وبالمقالات التي هي أشبه بالاسمار على فضائل غيره، وخدش مقامه الرفيع المنيع، يعرف صحّة ما قلناه كلّ من طالع كتابه الذي سمّاه منهاج السنّة، فيا للأسف لعالم متضلّع من علماء الإسلام يتّخذ التكذيب سلاحاً يدرأ به شبهات مقلّديه، ويستر به هفوات سابقيه، ويخرجه التعصب والهوى إلى مثل هذه التهورات المخيفة، وبماذا

____________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٥٥.


عرف أنّ علياً كرّم الله وجهه أجلّ وأعلا قدراً من أن يتكلّم بهذا الكلام يعني ما في نهج البلاغة، فهل في ذلك الكلام ما يخالف كتاب الله أو حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يجلّ قدر علي عليه‌السلام عن التكلّم به، فكأنّه يريد أن لا يتكلّم علي عليه‌السلام إلاّ بما يوافق مذهبه ويلائم مشربه، والشريف الرضي رضي‌الله‌عنه أرفع مقاماً من أن يكذب على جدّه المرتضى عليه‌السلام ...

إلى أن قال : ودونك ما قاله خاتمة المحقّقين ونابغة المتأخّرين الاستاذ الإمام الشيخ محمّد عبده (١) مفتي الديار المصريّة في ديباجة شرحه على نهج البلاغة حتّى تعرف به الفرق بين أهل الأهواء وأهل التقوى، ويظهر لك قول أيّ الشيخين أصحّ وأقوى (٢) ، ثمّ نقل كلام الشيخ محمّد عبده بتمامه فراجع.

شهادة السيد أبي بكر في كتابه وجوب الحمية :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة أنّه ينسب الكثير من أهل بيت النبوّة إلى الكفر، شهد عليه بذلك السيّد الشريف العلاّمة أبو بكر في كتابه وجوب الحمية عن مضار الرقية في صفحة ٦٨ من أوّل طبعه، ومنها نقلا عن ابن تيميّة : وقد نزّه الله المؤمنين من أهل البيت الطاهر وغيرهم من ذلك أي من التقيّة. وهذا يدلّ بمفهوم الصفة أنّ من أهل البيت الطاهر كفاراً وهم

____________________

(١) ابن حسن خير الله، من آل التركماني، فقيه، مفسر، متكلّم، أديب لغوي، كاتب، سياسي، ولد في شنيرا بمصر ونشأ بها، وتعلّم بالجامع الأحمدي ثمّ بالأزهر، تولى تحرير الوقايع المصرية سافر إلى باريس وأصدر مع جمال الدين الأفغاني جريدة العروة الوثقى، وعاد إلى بيروت ثم مصر، وتولى منصب القضاء فيها، وكان مفتياً للديار المصرية، توفّي سنة ١٣٢٣ هـ. من تصانيفه : تفسير القرآن لم يتمه، شرح نهج البلاغة. الأعلام للزركلي ٦ : ٢٥٢، معجم المؤلِّفين ١٠ : ٢٧٢.

(٢) وجوب الحمية عن مضار الرقية : ٣٩.


القائلون بالتقيّة، ومفهوم الصفة حجّة عند الشافعي والجمهور. نعوذ بالله من الخذلان، هذا ابن تيميّة حرّاني شامي ينسب الكثير من أهل بيت النبوّة إلى الكفر (١) ، انتهى بحروفه.

وكان أهل حرّان حين اُزيل لعن أمير المؤمنين عن المنابر في أيّام الجمع امتنعوا من إزالته، وقالوا : لا صلاة إلاّ بلعن أبي تراب، ولما استوثق الأمر لأبي العبّاس السفّاح وفد إليه عشرة من اُمراء أهل الشام، فحلفوا [له]بالله وبطلاق نسائهم وبأيمان البيعة بأنّهم لا يعلمون إلى أن قتل مروان أنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهلا ولا قرابة إلاّ بني اُميّة (٢) .

قلت : وابن تيميّة حرّاني شاميّ فلا عجب حينئذ.

شهادة العلاّمة محمّد بخيت المصريّ في كتاب تطهير الفؤاد :

هداية : فيها شهادة على ابن تيميّة بالتبديع ومخالفة إجماع المسلمين والكتاب والسنّة الصريحة، شهد عليه بذلك المحقّق العلاّمة محمّد بخيت المصري واحد علماء الأزهر في كتابه تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد الذي هو كالمقدمة لشفاء السقام وقد طبع معه بالمطبعة الأميريّة ببولاق سنة ١٣١٩.

قال : ومن الفريق الثاني الذي طمس الله على قلبه وطبع عليه : أهل البدع في العقائد والأعمال الذين خالفوا الكتاب والسنّة والإجماع فضلّوا وأضلّوا كثيراً، قاتلهم الله أنّى يؤفكون، ومأواهم جهنّم وساءت مصيراً، وقد ابتلي المسلمون بكثير من هذه الفرقة سلفاً وخلفاً، فكانوا وصمة وثلمة في المسلمين، وعضواً فاسداً يجب قطعه حتّى لا يعدي الباقي، فهو

____________________

(١) وجوب الحمية عن مضار الرقية : ٦٨ .

(٢) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ١٢٢، ١٥٩.


المجذوم الذي يجب الفرار منه...

ومنهم : ابن تيميّة الذي ألّف كتابه المسمّى بالواسطة وغيره، فقد ابتدع ماخرق به إجماع المسلمين، وخالف الكتاب والسنّة الصريحة والسلف الصالح، واسترسل مع عقله الفاسد وأضلّه الله على علم، فكان إلهه هواه ظنّاً منه أنّ ما قاله حقّ، وما هو بالحقّ وإنّما هو منكر من القول وزور، إلى آخره (١) .

في أنواع المشهود به على ابن تيميّة المكفِّرة

أقول : فتحصّل من هذه الهدايات أنواع من الشهادات بالمكفِّرات :

النوع الأوّل : من المشهود به عليه في حقّ الله تعالى عقيدته في الجهة، وما نقل عنه فيها من الأقوال الباطلة كما عرفته من اليافعي في مرآة الجنان (٢) ..

وادّعائه الجهة والتجسيم، ونسبته من لم يعتقدهما إلى الضلال والتأثيم على ماعرفته من نقل سند المحدّثين في إتحاف أهل العرفان (٣) ..

وذهاب ابن القيم وشيخه ابن تيميّة إلى إثبات الجهة والجسميّة لله، تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً، كما عرفته من ابن حجر في شرح الشمائل (٤) ..

وأنّه خرق سباح عظمته وكبرياء جلاله بما ظهر للعامّة على المنابر من دعوى الجهة والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين

____________________

(١) تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد : ٩ - ١٢.

(٢) راجع ص : ٧١ - ٧٢.

(٣) راجع ص : ٧٩.

(٤) راجع ص : ٩١، أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل : ١٧٢ - ١٧٣.


والمتأخّرين، كما عرفت نصّ ابن حجر في الجوهر المنظم (١) ..

وأنّه استخفّ قومه فأطاعوه حتّى اتّصل بنا أنّهم صرّحوا في حقّ الله بالحرف والصوت والتجسيم، كما تقدّم نصّ الشيخ نصر المنبجي (٢) عليه فيما كتبه إليه، وقد نقل هذا الكتاب النويري والبكري في تاريخيهما وابن حجر الهيتمي في الفتاوى الحديثيّة غير أنّه لم يسم الكاتب (٣) ..

وأنّ لابن تيميّة وأصحابه ميل عظيم إلى إثبات الجهة، ومبالغة في القدح في نفيها، كما عرفت نصّ الجلال الدواني عليه بذلك في شرحه للعقائد العضديّة (٤) ..

وأنّه تجاوز عن الحدّ وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحقّ تعالى وجلاله فأثبت له الجهة والجسم، كما عرفت نصّ العلاّمة عبد الحليم عليه في حلّ المعاقد (٥) ..

وأنّه من ذلك قوله : أنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وأنّه مستو على العرش بذاته، وأنّه قيل لابن تيميّة يلزم من ذلك التحيّز والانقسام فقال : إنّا لا نسلّم أنّ التحيّز والانقسام من خواص الأجسام فالزم بأنّه يقول بالتحيّز في ذات الله، كما تقدّم نصّ ابن حجر العسقلانيّ عليه في الدرر الكامنة في علماء المائة الثامنة (٦) ..

وأنّه قال بقيام الحوادث بذات الربّ سبحانه وتعالى، وأنّ الله سبحانه

____________________

(١) راجع ص : ٨٤ ، الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة ١) : ٦٧.

(٢) راجع ص : ٦٩ - ٧٠.

(٣) راجع ص : ٨٦.

(٤) راجع ص : ٨٠.

(٥) راجع ص : ٨١.

(٦) الدرر الكامنة ١ : ٩٣. راجع ص : ٩٤.


وتعالى ما زال فاعلا كما تقدّم نصّ الإمام تقي الدين السبكي عليه في السيف الصقيل (١) ، وحكاه كما تقدّم عنه في الفتاوى الحديثيّة مع زيادة أنّه يقول : إنّ الله مركّب تفتقر ذاته افتقار الكلّ للجزء، وأنّ القرآن محدث في ذات الربّ، وأنّه قال بالجسميّة والافتقار، وأنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر، وأنّه ذكر حديث النزول ونزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا، فنسب إلى التجسيم كما تقدّم نقله من نصّ الحافظ في الدرر الكامنة (٢) ، وسماع محمّد بن بطوطة ذلك منه في مسجد الصالحيّة وتقدّم نقله من رحلته (٣) .

النوع الثاني : من المشهود به على ابن تيميّة في الهدايات المتقدّمة التزامه مسألة الحسن والقبح وكلّ مايرد عليها، وإنّ مخالف الإجماع لا يكفّر ولا يفسّق، وأنّ العالم قديم بالنوع، ولم يزل مع الله مخلوقاً دائماً، فجعله موجباًبالذات لا فاعلا بالاختيار، وأنّه قال : إنّ التوراة والإنجيل لم تبدّل ألفاظهما وإنّما بدّلت معانيهما، وأنّ النار تفني كما نقل كلّ ذلك عن ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة (٤) ، وقال ابن تيميّة بقدم جنس العرش، كما نقله عنه فيما تقدّم المحقّق الدواني في شرح العقائد العضدية (٥) ، ونقله كما تقدّم عبد الحليم في حلّ المعاقد (٦) ، وأنّه قال : إنّ التسلسل فيما

____________________

(١) راجع ص : ٤١، السيف الصقيل : ١٧.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٣. راجع ص : ٩٤.

(٣) راجع ص : ٧٢.

(٤) راجع ص : ٨٦ - ٩٠.

(٥) راجع ص : ٨١.

(٦) راجع ص : ٨٢ - ٨٣.


مضى ليس بمحال كما هو فيما سيأتي، تقدّم نقله في السيف الصقيل (١) .

النوع الثالث : من المشهود به عليه تنقيص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مثل أنّ الأنبياء غير معصومين، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا جاه له ولا يتوسّل به، وأنّ إنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصية لا تقصر الصلاة فيه كما تقدّم في شهادة ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة (٢) ، وقال في الجوهر المنظم : بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً، وأنّه لا تقصّر فيه الصلاة (٣) ، وكذلك تقدّم نقل تقي الدين السبكي في السيف الصقيل عنه أنّه قال : إنّ السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصية (٤) .

وقال سند المحدّثين فيما تقدّم نقله في إتحاف أهل العرفان : وقد تجاسر ابن تيميّة الحنبلي عامله الله تعالى بعدله وادّعى أنّ السفر لزيارة قبرالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام، وأن الصلاة لا تقصر فيه لعصيان المسافر به إلى آخره (٥) .

ومنهم من نسبه إلى الزندقة لقوله : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستغاث به، وأنّ ذلك تنقيص ومنع من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما تقدّم في شهادة الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة (٦) ، وشهد عليه نحو ذلك الإمام تقي الدين السبكي في شفاء السقام (٧) ، وابن بطوطة في الرحلة كما

____________________

(١) راجع ص : ٤١.

(٢) راجع ص : ٨٩ ـ ٩٠.

(٣) راجع ص : ٨٤.

(٤) راجع ص : ٤١.

(٥) راجع ص : ٧٩.

(٦) راجع ص : ٦٦ - ٦٧.

(٧) شفاء السقام : ٢٥٠.


تقدّم (١) .

النوع الرابع : من المشهود به عليه تنقيص كبار الصحابة والتشنيع عليهم ورميهم بالعظائم، كما تقدّم في شهادة العلاّمة عبد الحليم في حلّ المعاقد في قوله : وله هفوات اُخر كما يقول : أنّ أمير المومينن سيدنا عثمان (رض) كان يحبّ المال، وأنّ أمير المؤمنين سيدنا علي عليه‌السلام ما صحّ إيمانه فإنّه آمن في حال صباه، انتهى (٢) .

وقد تقدّم في شهادة ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة حطّه على عمر، وأنّه قد سمعه بعض أجلاّء عصره علماً ومعرفة وهو على منبر جامع الجبل بالصالحيّة وقد ذكر عمر بن الخطّاب (رض) فقال : إنّ عمر له غلطات وبليّات وأي بليات، انتهى (٣) . وتقدّم أيضاً في شهادة الشيخ نصر المنبجي أنّه سمع ذلك منه مشافهة على المنبر (٤) .

وتقدّم في شهادة الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة قوله : حتّى زها على أبناء جنسه واستشعر أنّه مجتهد فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم حتّى انتهى إلى عمر فخطّأه في شيء، وأنّه قال في حقّ عليّ أخطأ في سبعة عشر شيئاً..

ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب منها اعتداد المتوفّي عنها زوجها أطول الأجلين، وأنّه نسبوه إلى النفاق لقوله في عليّ ما تقدّم، ولقوله : إنّه كان مخذولا حيث ما توجّه، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله : إنّه كان يحبّ الرئاسة، وإنّ عثمان كان يحبّ المال.

____________________

(١) راجع ص : ٧٢ - ٧٣.

(٢) راجع ص : ٨١ - ٨٢.

(٣) راجع ص : ٨٧.

(٤) راجع ص : ٧٠.


ولقوله : أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعلي أسلم صبياً والصبي لايصحّ إسلامه على قول، ولكلامه في قصّة خطبة بنت أبي جهل وما نسبه من الثناء ، وقصّة أبي العاص ابن الربيع وما يؤخذ من مفهومها فإنّه شنّع في ذلك على عليّ، فألزموه بالنّفاق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضك إلاّ منافق» انتهى (١) .

وتقدّم في شهادة سند المحدّثين في إتحاف أهل العرفان أنّه استدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة فسقط من أعين علماء الاُمّة انتهى (٢) .

وتقدّم في شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم قوله : وتدارك على أئمّتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة (٣) .

وفي الفتاوى الحديثيّة قوله : وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتّى في أكابر الصحابة (٤) .

النوع الخامس : من المشهود به عليه حطّه من أهل بيت النبيّ عليهم‌السلام والأئمّة منهم وعليّ عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام والأئمّة الاثني عشر عليهم‌السلام ، كما تقدّم في شهادة عبد الحليم في حلّ المعاقد : له هفوات اُخر كما كان يقول : إنّ أمير المؤمنين سيدنا علي عليه‌السلام ما صحّ إيمانه فإنّه آمن في حال صباه، وتفوّه في أهل بيت النبيّ صلىّ الله عليه وعليهم وسلّم ما لا يتفوّه به المؤمن المحقّ، وقد وردت الأحاديث الصحاح في مناقبهم في الصحاح انتهى (٥) .

وتقدّم في النوع الرابع ما تفوّه به في حقّ عليّ عليه‌السلام بشهادة الحافظ ابن

____________________

(١) راجع ص : ٦٧.

(٢) راجع ص : ٨٤.

(٣) راجع ص : ٨٦، الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة ١) : ٦٧.

(٤) راجع ص : ٨٨.

(٥) راجع ص : ٨١ ـ ٨٢.


حجر في الدرر الكامنة (١) .

وتقدّم في شهادة صدر الدين بن بهادر خان في منتهى المقال من أنّه أكثر من الطعن والتشنيع على أهل البيت في ردّه الكبير يعني منهاج السنّة، وأنّه قال : إنّ علياً وفاطمة ردّا أمر الله، وسخطا حكمه، وكرها ما رضي الله (٢) ، إلى آخر ما تقدّم.

أقول : وستعرف في النوع الثامن من الأنواع المكفِّرة له بلفظه وحروفه في مصنّفاته، وما في الفصول بعده ما يشرفك على اليقين بنصبه وبغضه لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما لا مزيد عليه عامله الله بعدله.

النوع السادس : من المشهود به عليه تكفيره كلّ من سواه وسوى أتباعه، وقد تقدّم في شهادة الشيخ نصر المنبجي قوله : فهو سائر زمانه يسبّ الأوصاف والذوات، ولم يقنع بسبّ الأحياء حتّى حكم بتكفير الأموات، ولم يكفه التعرّض على من تأخّر من صالحي السلف حتّى تعدّى إلى الصدر الأوّل ومن له أعلى الرتب في الفضل، انتهى (٣) .

وتقدّم في شهادة سند المحدّثين في إتحاف أهل العرفان أنّه نسب من لم يعتقد الجهة والتجسيم إلى الضلال والتأثيم (٤) ، وفي شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم بعد حكايتة عقيدته الفاسدة وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخّرين (٥).

وتقدّم أيضاً في شهادة الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة قوله :

____________________

(١) راجع ص : ٦٥ - ٦٦.

(٢) راجع ص : ٩٤ - ٩٥.

(٣) راجع ص : ٦٩.

(٤) راجع ص : ٧٩.

(٥) راجع ص : ٨٤.


فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم وقديمهم وحديثهم، وأنّه لتعصّبه كان يقع في الأشاعرة حتّى أنّه سبّ الغزالي (١) .

أقول : وستعرف في المقصد الثاني أنّه كفّره وكلّ الأشاعرة وأتباع المذاهب الأربعة.

وتقدّم في شهادة المحقّق الدواني في شرح العقيدة العضديّة أنّه ضلّل جميع أهل السنّة النافين للجهة (٢) .

النوع السابع : من المشهود به عليه فيما تقدّم شهادة ابن حجر في الفتاوي الحديثيّة ما تقدّم من أنّه عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه، وأنّه بذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله، وأنّه من أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفق على إمامته وجلاله وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العزّ ابن جماعة وأهل عصرهم من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة.

وشهد عليه السبكي بالكفر البراح الصريح وأنّ حاصل ما يقول ابن حجر فيه : إنّه لا يقام لكلامه وزن بل يرمى في كلّ وعر وحزن، ويعتقد فيه أنّه مبتدع ضال ومضل جاهل غال عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله، وأنّه لا زال يتتبّع الأكابر حتّى تمالأعليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه بل كفّره كثير منهم (٣).

وتقدّم أنّه قال في أشرف الوسائل في شرح الشمائل بعد نقله عن ابن القيّم وابن تيميّة إثبات الجهة والجسميّة، قال : تعالى الله عما يقول

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) راجع ص : ٨٠ - ٨١.

(٣) راجع ص : ٨٩ - ٩٠.


الظالمونوالجاحدون علوّاً كبيراً.

قال : ولهما في هذا المقام من القبائح وسوء الاعتقاد ما يصمّ عنه الآذان ويقضي عليه الزور والكذب والضلال والبهتان، فقبّحهما الله وقبّح من قال بقولهما (١) .

وتقدّم ما قاله ابن حجر أيضاً في الجوهر المنظم : مَن ابن تيميّة حتّى ينظر إليه أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟! وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمّة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتّى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ بن جماعة : عبد أضلّه الله وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه، انتهى (٢) .

وتقدم في شهادة الإمام اليافعي في مرآة الجنان قوله : ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه (٣) .

وتقدّم في شهادة سند المحدّثين البرنسي في إتحاف أهل العرفان ما لفظه : وقد عاد شؤم كلامه عليه حتّى تجاوز الجناب الأقدس..

إلى أن قال : فسقط من أعين علماء الاُمّة وصار مثلة بين العوام فضلا عن الأئمّة وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة وأظهروا عوار سقطاته وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته، انتهى (٤).

وتقدّم في شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم قوله : حتّى قام عليه علماء عصره وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره فحبسه إلى أن مات (٥) .

____________________

(١ ) راجع ص : ٩١.

(٢) راجع ص : ٨٤ - ٨٥.

(٣) راجع ص : ٧١ - ٧٢.

(٤) راجع ص : ٨٩.

(٥) راجع ص : ٨٦.


وما تقدّم في شهادة تقي الدين السبكي في السيف الصقيل أنّه شقّ العصا وشوّش عقائد المسلمين وأغرى بينهم، واتّفق العلماء على حبسه الحبس الطويل، فحبسه السلطان ومنعه من الكتابة في الحبس، وأن لايدخل عليه بدواة ومات في الحبس (١) . انتهى.

وتقدّم في شهادة الحافظ العسقلاني في الدرر الكامنة أنّ علماء عصره منهم من حكم عليه بالقول بالتحيّز والتجسيم، ومنهم من حكم عليه بالزندقة، ومنهم من حكم عليه بالنفاق، وأنّ الحكم عليه بالزندقة من جهة منعه الاستغاثة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالنفاق لبغضه لعلي بن أبي طالب عليه‌السلام (٢) .

النوع الثامن : من المشهود به عليه اتّصافه بالزور والكذب والبهتان كما تقدّم في شهادة ابن حجر في أشرف الوسائل (٣) .

وتقدّم شهادته في الجوهر المنظم بما هذا لفظه : وبرز له من قوّة الافتراءوالكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان، وأنّه زعم أنّ جميع الأحاديث الواردة في زيارة القبر المكرّم موضوعة (٤) ، ونسب حديثاً إلى الصحيحين ـلايوجد فيهما ذكر في معارضته حديث المنزلة في حقّ عليّ عليه‌السلام.

قال في منهاج السنّة : ألا ترى إلى ما ثبت في الصحيحين من قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الأسارى لمّا استشار أبا بكر فأشار بالفداء واستشار عمر فأشار بالقتل قال : «سأُخبركم عن صاحبيكم مثلك يا أبا بكر مثل

____________________

(١) راجع ص : ٤١ - ٤٢.

(٢) راجع ص : ٦٦ - ٦٧.

(٣) راجع ص : ٩١.

(٤) راجع ص : ٨٥.


إبراهيم» (١) إلى آخر ما ذكره عند ذكر الشيخ ابن المطهّر حديث : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى» (٢) ليعارضه بهذا الحديث المكذوب فإنّه لا وجود له في الصحيحين، وإنّما نسبه إلى الصحيحين ليروّج علمه على عوام الناس كما هي عادته ولا يستحيي من الفضيحة، ذكر ذلك أبو ناصر حامد بن محمّد في العبقات (٣) ، انتهى.

وقال تقي الدين السبكي في أوّل شفاء السقام : وضمنت هذا الكتاب الردّ على من زعم أنّ أحاديث الزيارة كلّها موضوعة، وأنّ السفر إليها بدعة غير مشروعة. انتهى (٤) .

وشهد عليه بالكذب الحافظ بن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة في ترجمته للشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي قال : وله كتاب في الإمامة ردّ عليه ابن تيميّة بالكتاب المشهور المسمّى بالردّ على الرافضي، وقد أطنب فيه وأسهب وأجاد في الردّ إلاّ أنّه تحامل في مواضع عديدة، وردّ أحاديث موجودة وإن كانت ضعيفة بأنّها مختلقة (٥) ، انتهى.

فقوله : مختلقة كذب وافتراء بشهادة مثل الحافظ ابن حجر أعلم أهل

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٨٨.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٩ و ٣ : ٣٢ و ٦ : ٣٦٩، ٤٣٨، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣١ - ٣٢ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٥ و ١٢١، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٤ /  ٣٨١٣ - ٣٨١٤، فضائل الصحابة النسائي : ١٣، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٢٩، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٦٩ / ٣٢٠٦٥-٣٢٠٦٦، المعيار والموازنة : ٢١٩، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٩-١١١.

(٣) انظر عبقات الأنوار ١١ : ١٧٠.

(٤) شفاء السقام في زيارة خير الأنام : ٢.

(٥) الدرر الكامنة ٢ : ٤٠ / ١٦١٩.


زمانه بالحديث، كما يعلم من فتح الباري شرحه لصحيح البخاري.

أقول : فالروايات عنه بهذه الأنواع المكفرات متواترات بشهادة عدول الثقات، فهي حجّة قويّة على القواعد الشرعيّة، فلا يبقى لمؤمن يؤمن للمؤمنين ولا يتعصّب للمعاندين ريب في كفر هذا المبتدع المنافق والزنديق المشبّه بعد حكم العلماء عليه بذلك، كما في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (١) .

وإذا كانت هذه الروايات بالمكفرات عنه متواترة في تصانيفه متضافرة صحّ لكلّ مسلم نسبتها إليه على البتّ، فلا وقع لتعجّب بعض القاصرين من أتباعه المعاصرين من العلاّمة ابن حجر كيف نسب إلى ابن تيمية هذه الأقوال في الفتاوى الحديثية من غير إسناد حتّى اتّهمه بالكذب قال : وقد قالوا لولا الاسناد لقال من شاء ما شاء.

أقول : وقد عرفت أنّه لم يتفرّد بذلك النقل عنه بل نقله عن ابن تيميّة الجمّ الغفير من أعلام علماء الإسلام، وفي العيان ما يغني عن الخبر، ففي مصنّفاته التي طبعت الكفاية في الشهادة على صدق تلك الشهادات، وتحقّق كل مانسبوه إليه من الكفر والضلال، فراجع ما أخرجته من لفظه بحروفه في المقصد الأوّل والمقصد الثاني مع الدلالة على مواضعها من مصنّفاته.

____________________

(١) نفس المصدر ١ : ٩٣.


المقصــد الثاني

في خروج ابن تيمية عن أهل السنّة

والجماعة، وتضليله لهمّ وتبديعهم، وتكفير

 أئمّتهم، وتجهيلهم، ورميهم بالعظائم بما لا يفوه

به مسلم في حقّهم



وهذه الأقوال في حقّ أئمّة الإسلام من الكفر المخالف لدين الإسلام باتّفاق أئمّة السنّة، ومن قال منها شيئاً فإنّه يستتاب منه كما يستتاب نظراؤه ممّن يتكلّم بالكفر كاسـتتابة المرتد إن كان مظهـراً لذلك وإلاّ كان داخلا في مقالات أهل الزندقة والنفاق كأتباع ابن تيميّة اليوم المتستّرين بالسنّة وهم من أعدائهم.

وقبل الشروع في المقصود لابدّ من بيان أن المراد بأهل السنّة والجماعة الأشاعرة والماتريدية.

قال الخيالي (١)  في حاشيته على شرح العقائد : الأشاعرة هم أهل السنّة والجماعة، هذا هو المشهور في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار، وفي ديار ما وراء النهر يطلق ذلك على الماتريدية أصحاب الإمام أبي منصور (٢) ، إلى آخره (٣) .

وقال الكستلي (٤) في حاشيته عليه : المشهور من أهل السنّة في ديار خراسان والعراق والشام وأكثر الأقطار : هم الأشاعرة أصحاب أبي الحسن الأشعري، أوّل من خالف أبا علي الجبائي ورجع عن مذهبه إلى السنّة أي

____________________

(١) أحمد بن موسى بن شمس الدين الشهير بالخيالي كان متكلماً، فقيهاً، قرأ على أبيه مباني العلوم، له كتب منها حاشية على شرح السعد التفتازاني على عقائد النسفية. توفّي في سنة ٨٦٠ أو ٨٦١ هـ. كشف الظنون ١ : ٢٢١، الأعلام للزركلي ١ : ٢٦٢.

(٢) محمّد بن محمّد بن محمود أبو منصور الماتريدي الحنفي، من أئمّة علماء الكلام، نسبته إلى ماتريد محلة في سمرقند، له مصنّفات منها تأويلات أهل السنّة، توفّي سنة ٣٣٣ هـ. الأعلام للزركلي ٧ : ١٩، الجواهر المضيئة ٢ : ١٣٠.

(٣) حاشية الخيالي على العقائد النسفيّة (مخطوط)، إتحاف السادة المتقين ٢ : ٦.

(٤) مصلح الدين مصطفى بن محمّد القسطلاني الحنفي، القاضي بعسكر روم إيلى، المعروف بكستلي، له تعليقات على التلويح في الاُصول، وحاشيتان على شرح العقائد للنسفي، توفي سنة ٩٠١ هـ. البدر الطالع ٢ : ٣٠٨، شذرات الذهب ٨ : ١١.


طريقة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والجماعة أي طريقة الصحابة رضي الله عنهم. وفي ديار ما وراء النهر : الماتريدية أصحاب أبي منصور الماتريدي تلميذ أبي نصر العباسي تلميذ أبي بكر الجوزجاني صاحب أبي سليمان الجوزجاني صاحب محمّد بن الحسن صاحب الإمام أبي حنيفة، إلى آخره (١) .

وقال السيد المرتضى الزبيدي علاّمة عصره (٢) في شرح الإحياء : وليعلم أنّ كلاًّ من الإمامين أبي الحسن وأبي منصور ـ رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسـلام خيراً لم يبدعا من عندهما رأياً، ولم يشـتقّا مذهباً إنّما هما مقرّران لمذهب السلف، مناضلان عما كانت عليه أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأحدهما قام بنصرة نصوص مذهب الشافعي وما دلّت عليه، والثاني بنصرة نصوص مذهب أبي حنيفة وما دلّت عليه.

إلى أن قال : فالانتساب إليهما إنّما هو باعتبار أن كلاًّ منها عقد على طريق السلف نطاقاً، وتمسك وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدى به في تلك المسالك والدلائل يسمّى أشعريّاً وماتريديّاً (٣) .

وذكر العزّ بن عبد السلام (٤) : إنّ عقيدة الأشعري أجمع عليها الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة وفضلاء الحنابلة، ووافقه على ذلك من أهل عصره شيخ

____________________

(١) عنه في إتحاف السادة المتّقين ٢ : ٦.

(٢) أبو الفيض محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي، اليمني ثمّ المصري الحنفي، ولد في الهند سنة ١١٤٥ هـ، كثير التصانيف من مؤلَّفاته : تاج العروس، وإتحاف السادة المتقين، توفّي بالطاعون بمصر سنة ١٢٠٥. الغدير ١ : ١٧٥، الأعلام للزركلي ٧ : ٧٠، معجم المؤلّفين ١١ : ٢٨٢.

(٣) إتحاف السادة المتقين ٢ : ٧.

(٤) عز الدين بن عبد السلام أبو محمّد السلمي الدمشقي الشافعي، شيخ المذهب انتهت إليه رئاسة الشافعية، ولي الخطابة بدمشق، وله تصانيف، توفّي سنة ٦٦٠ وقيل : ٦٥٩ هـ. تاريخ الإسلام ٤٦ : ٧٣، الأعلام للزركلي ٣ : ١١٠، ٣٥٤ و ٤ : ٢١.


المالكيّة في زمانه أبو عمرو بن الحاجب (١) وشيخ الحنفيّة جمال الدين الحصيريّ (٢) ، وأقرّه على ذلك التقي السبكي فيما نقله ولده التاج (٣) .

وقال عبد الله الميَورقي : أهل السنّة من المالكيّة والشافعيّة وأكثر الحنفيّة بلسان أبي الحسن الأشعري يناضلون وبحجّته يحتجّون.

ثمّ قال : ولم يكن أبو الحسن أوّل متكلّم بلسان أهل السنّة، إنّما جرى على سنن غيره أو على نصرة مذهب معروف فزاد المذهب حجّةً وبياناً، ولم يبتدع مقالة اخترعها ولا مذهباً انفرد به، ألا ترى أنّ مذهب أهل المدينة نسب إلى مالك، ومن كان على مذهب أهل المدينة يقال له : مالكيّ، ومالك إنّما جرى على سنن من كان قبله وكان كثير الاتّباع لهم إلاّ أنّه لمّا زاد المذهب بياناً وبسطاً عُزي إليه، كذلك أبو الحسن الأشعري لا فرق، ليس له في مذهب السلف أكثر من بسطه وشرحه وتواليفه في نصرته، إلى آخره (٤) .

____________________

(١) أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدواني ثمّ المصري، الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب، الملقب بجمال الدين، اشتغل بالقاهرة في صغره بالقرآن الكريم ثمّ بالفقه على مذهب الإمام مالك، ثمّ بالعربية والقراءات، وبرع بها وأتقنها غاية الإتقان، ثمّ انتقل إلى دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية، وصنّف مختصراً في مذهبه، ومقدمة وجيزة في النحو، توفّي سنة ٦٤٦ هـ. وفيات الأعيان ٣ : ٢١٧ / ٤١٣ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٤٧ : ٣١٩.

(٢) الحنفي أبو المحامد محمود بن أحمد العلامة، شيخ الحنفية بدمشق ومدرس النورية، أصله من حصير من قرى بخارى، انتهت إليه رياسة الحنفية، توفّي سنة ٦١١ أو ٦٣٦ هـ. البداية والنهاية ١٣ : ١٥٤، سير أعلام النبلاء ٢١ : ٢٣٢ و ٢٣ : ٣٩.

(٣) طبقات الشافعية الكبرى ٣ : ٣٦٦، إتحاف السادة المتقين ٢ : ٧.

(٤) عنه في طبقات الشافعية الكبرى ٣ : ٣٦٦ - ٣٦٧، إتحاف السادة المتقين ٢ : ٧.


إذا تقرر هذا فاجلس واستمع لما يقول ابن تيميّة الحشوي : وهو فصـول :

الفصل الأوّل : في كلماته على أهل السنّة في كتابه منهاج الحشويّة. قال في الجزء الأوّل المطبوع بمصر من منهاج الحشويّة الذي سمّاه منهاج السنّة في صفحة ٢١٤ : لزمه أن يكون أفعال العباد فعلا لله لا لعباده كما يقول الأشعري ومن وافقه من أصحاب الأئمّة الأربعة وغيرهم الذين يقولون : إنّ الخلق هو المخلوق، وإنّ أفعال العباد خلق لله، فتكون هي مفعولاً لله كما أنّها خلقه وهي مخلوقة، وهذا الذي ينكره جمهور العقلاء ويقولون : إنّه مكابرة للحسّ ومخالفة للشرع والعقل، وأمّا جمهور أهل السنّة فيقولون : إنّ فعل العبد فعل له حقيقة، إلى آخر كلامه (١) .

فأخرج أهل السنّة عنها، وحكم عليهم بمخالفة الشرع والعقل، وحصرأهل السنّة بالحشويّة كما ترى.

وقال في صفحة ٢٦٦ من هذا الجزء ما لفظه : ولكن هذا القول الذي حكاه يعني : أنّ الله يفعل القبائح، وأنّ جميع أنواع المعاصي والكفر وأنواع الفساد واقعة بقضاء الله وقدره، وأنّ العبد لا تأثير له في ذلك ـهو قول بعض المثبتة للقدر كالأشعريّ ومن وافقه من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، حيث لا يثبتون في المخلوقات قوى الطبائع ويقولون : إنّ الله فعل عندها لا بها، ويقولون : إنّ قدرة العبد لا تأثير لها في الفعل، وأبلغ من ذلك قول الأشعري : إنّ الله فاعل فعل العبد، وإنّ عمل

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٢٩٧ - ٢٩٨.


العبد ليس فعلا للعبد بل كسب له وإنّما هو فعل الله فقط، وجمهور الناس من أهل السنّة من جميع الطوائف على خلاف ذلك، وإنّ العبد فاعل لفعله حقيقة، والله تعالى أعلم.

ثمّ قال : وأمّا ما نقله من نفي الغرض الذي هو الحكمة وكون الله لايفعل لمصلحـة العباد، فقد قدّمنا أنّ هذا قول قليل منهم كالأشعريّ وطائفة توافقه في موضع ويتناقضون في قولهم في موضع آخر.

إلى أن قال : وأمّا قوله : وإنّه تعالى يريد المعاصي من الكافر ولا يريد منه الطاعة، فهذا قول طائفة منهم وهم الذين يوافقون القدريّة فيجعلون المشيئة والإرادة والمحبّة والرضا نوعاً واحداً، ويجعلون المحبّة والرضا والغضب بمعنى الإرادة، كما يقول ذلك الأشعري في المشهور عنه وأكثر أصحابه وطائفة ممن يوافقهم من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد.

إلى أن قال : وكثير من متأخري المثبتين [للقدر] (١) ممّن اتّبع أبا الحسن من المصنّفين في أصول الفقه وغيره من أصحاب مالك والشافعي وأحمد فقالوا : إنّ الله يأمر بما لا يريد، كالكفر والفسوق والعصيان (٢) ، إلى آخر كلامه وتشنيعاته.

وقال في صفحة ٢٧٠ : كما يقول ذلك ما يقوله جهم (٣) وأتباعه

____________________

(١) عن المصدر.

(٢) منهاج السنّة ٣ : ١٣ - ١٨.

(٣) جهم بن صفوان السمرقندي، أبو محرز، من موالي بني راسب، رأس الجهمية، كان من الجبرية التي لا تثبت للعبد فعلاً ولا قدرة، وكان ينكر الصفات وينزه الباري عنها، وزعم أنّ علم الله حادث، وقال بحدوث كلامه تعالى، ظهرت بدعته بترمذ،


والأشعري ومن وافقه، وليس قول هؤلاء قول أئمّة السنّة ولا جمهورهم، بل أصل هذا القول هو قول جهم بن صفوان (١) ، إلى آخره.

وفي صفحة ٢٧٢ : جعل الأشعريّة جبريّة لإنكارهم الحكمة في أفعال الله (٢) .

وفي صفحة ٢٧٣ : حطّ على الأشعري وأنّ القول بأنّ الله لم يخلق في العبد قدرة على الإيمان هو قول الأشعريّ (٣) .

وقال في صفحة ٣ من الجزء الثاني بضلال النسّاك والصوفيّة والفقراء والعامّة والجند والفقهاء وغيرهم لاحتجاجهم بالقدر (٤) .

وفي صفحة ٧ : صرّح بأنّ الأشاعرة من الجبريّة وأنّهم أتباع الجهم (٥) .

وفي صفحة ٨ : صرح بأنّهم المجبّرة الغلاة وأنّهم شرّ من المعتزلة والشيعة وأنّهم شرّ من اليهود والنصارى وأنّهم يشبهون المشركين المكذبين للرسل (٦) .

وفي صفحة ٩ : صرّح أنّهم قدريّة خصماء الله وأنّ الآثار المرويّة في ذمّ القدريّة تتناول هولاء. ثمّ قال : وهولاء شرّ الطوائف (٧) .

وقال في صفحة ١١ : إنّ تجويز تعذيب الأنبياء وإثابة الشياطين... فلا

____________________

قتله سلم بن أحوز المازني بمرو سنة ١٢٨. راجع الملل والنحل ١ : ١١٣، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٦ / ٨، الأعلام للزركلى ٢ : ١٤١.

(١) منهاج السنّة ٣ : ٣١.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٤.

(٣) نفس المصدر سالم ٣ : ٤٠.

(٤) نفس المصدر ٣ : ٥٨.

(٥) نفس المصدر ٣ : ٧٥ - ٧٦.

(٦) نفس المصدر ٣ : ٧٦ - ٧٧.

(٧) نفس المصدر ٣ : ٨١ - ٨٢.


ريب أنّ هذا قول هؤلاء ـ يعني الأشاعرة ـ وهم لا يصرّحون بذلك; لأنّهم قالوا : يفعل لا لحكمة فيلزمهم تجويز وقوع ذلك منه، وأنّه لو فعل ذلك لم يكن ظالماً. قال : لكن أكثر أهل السنّة لا يقولون بذلك بل عندهم أنّ الله منزّه عن ذلك ومقدّس عنه (١) .

وقال في صفحة ١٣ : ونحن ليس مقصودنا نصر قول من يقول : إنّه يفعل لا لحكمة يعني الأشعري بل هذا القول مرجوح عندنا، وصدّق ابن مطهّر في تشنيعه بأنّ القائل بأنّ الله فاعل لفعل العبد يلزمه القول بأنّ الله فاعل للقبيح، وإذا كان فاعلا للقبيح جاز أن يصدق الكذّاب (٢) .

وعرّض بالأشاعرة في صفحة ١٤ وإنّ قولهم : بأنّ الله لا يفعل شيئاً لحكمة ولا لسبب خلاف الحقّ وأنّ هذا وافقهم عليه جهم (٣) .

وفي صفحة ١٥ : التصريح بأنّ لزوم التكليف بما لا يطاق لتكليف الكافر بالإجماع يلزم الأشاعرة القائلين بأنّ القدرة لا تكون إلاّ مع الفعل (٤) .

وقال في آخر صفحة ١٦ : وغلاة المثبتة أنّهم سلبوا العبد قدرته، قال : وأشدّ الطوائف قرباً من هؤلاء هو الأشعري ومن وافقه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، قال : وقد قلنا غير مرّة نحن لا ننكر أن يكون بعض أهل السنّة من يقول الخطأ (٥) .

ثم في صفحة ١٧ قال : ولكن هذه الشناعات لزمت من لا يفرق بين

____________________

(١) منهاج السنّة ٣ : ٨٩ - ٩٠.

(٢) نفس المصدر ٣ : ٩٦ - ٩٨.

(٣) نفس المصدر ٣ : ٩٨.

(٤) نفس المصدر ٣ : ١٠٣.

(٥) نفس المصدر ٣ : ١٠٩ - ١١٠.


فعل الرّب ومفعوله ويقول مع ذلك : إنّ أفعال العباد فعل الله كما يقول ذلك الجهم بن صفوان وموافقوه والأشعري وأتباعه ومن وافقهم من أتباع الأئمّة، ولهذا ضاق لهؤلاء البحث في هذا الموضع (١) .

وقال في صفحة ٢١ : وكذلك قول من وافق القدرية من أهل الإثبات على أنّ الربّ تعالى لا تقوم به الأفعال، وقال : إنّ الفعل هو المفعول والخلق هو المخلوق كما يقوله الأشعري ومن وافقه فإنّه يلزمه في فعل الذمّ ما لزم القدريّة، ولهذا عامّة شناعات هذا القدري الرافضي هي على هؤلاء (٢) .

وقال في صفحة ٢٩ : أنّ الحبّ والرضا هو الإرادة عند كثير من أهل النظر من المعتزلة والأشعريّة ومن تبعهم من الفقهاء أصحاب أحمد والشافعي وغيرهما، ويجعلونها جنساً واحداً (٣).

إلى أن قال : وهذا القول أي جعل المحبّة والرضا هو المشيّة العامة في الحقيقة هو من أقوال الخارجين عن ملّة إبراهيم من المنكرين لكون الله هو المعبود دون ما سواه (٤) .

أقول : فالأشاعرة عند ابن تيميّة خارجين عن ملّة إبراهيم; لأنّه نصّ على أنّهم جعلوا المحبّة والرضا هو المشية.

وفي صفحة ٣١ قال مشنّعاً : فعندهم هو مريد لكلّ ما خلق وإن كان كفراً، ولم يرد ما لم يخلق وإن كان إيماناً (٥) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٣ : ١١٢.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٢٧ - ١٢٨.

(٣) نفس المصدر ٣ : ١٥٨.

(٤) نفس المصدر ٣ : ١٦٥.

(٥) نفس المصدر ٣ : ١٦٩.


وفي صفحة ٣٤ قال : وقسم قالوا بل المحبّة والرضا هي الإرادة وهي المشيّة، فهو يأمر بما لم يرده ولم يحبه ولم يرضه، وما وقع من الكفر والفسوق عند هؤلاء يحبّه ويرضاه كما أراده وشاءه، قال : وهذا قول الأشعري وأكثر أصحابه (١) .

وفي آخر صفحة ٤١ : فالذين جعلوا العبد كاسباً غير فاعل من أتباع الجهم بن صفوان وحسين النجار (٢) كأبي الحسن وغيره كلامهم متناقض، إلى آخر ما قال (٣) .

والغرض أنّه جعل إمام السنّة الأشعري من أتباع جهم بل جعله بعد أسطر من شيعة الجهم.

وفي صفحة ٤٧ ذكر : أنّ المحتجّين بالقدر على المعاصي إذا طردوا قولهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى وهم شرّ من المكذبين بالقدر (٤) .

وفي صفحة ٤٨ ذكر : انّ القول بأنّ أفعال العبد ليست فعلا له ولا لقدرته تأثير يرد عليه مخالفة المعقول والمنقول (٥) .

وصرّح في ٥٢ : بأنّ الأشعري يقول : لا تأثير لها (٦) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٣ : ١٨١.

(٢) أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن عبد الله بن النجار الرازي، رأس الفرقة النجارية من المعتزلة ، وهو من متكلمي المجبّرة، وكان حائكاً في طراز العباس بن محمّد الهاشمي، وله مع النظام مجالس ومناظرات وهذه هي سبب فوته، توفّي نحو سنة ٢٢٠ أو ٢٣٠ هـ. راجع فهرست ابن النديم : ٢٥٤، الملل والنحل ١ : ١١٦، طرائف المقال ٢ : ٢٤٠ / ٧٣، الأعلام للزركلي ٢ : ٢٧٦.

(٣) منهاج السنّة ٣ : ٢٠٩.

(٤) نفس المصدر ٣ : ٢٣١.

(٥) نفس المصدر ٣ : ٢٣٥.

(٦) نفس المصدر ٣ : ٢٥٢.


وذكر في ٥٤ : انّ جمهور أهل السنّة قائلون بذلك أي بأنّ لها تأثير، وإنّما نازع في ذلك الأشعري (١) .

وفي صفحة ٥٦ قال : حتّى غلاة المثبتين للقدر كالأشعري (٢) . فجعله من الغلاة، وقد تقدّم في صفحة ٨ من الجزء الأوّل ما قاله في شأن الغلاة في القدر (٣) ، فتدبّر وخذ بمجاميع كلامه.

وفي صفحة ٧٦ صرّح بأنّ الأشعريّة متناقضين في إثبات الرؤية ونفي الجهة (٤) .

وفي صفحة ٧٧ صرّح بأنّ الأشعرية ومن وافقهم من أتباع الشافعي ومالك وأحمد يقولون بجواز أُمور ممتنعة في العادة في الرؤية (٥) .

وفي صفحة ٨٠ صرّح بأنّ القائلين بامتناع حوادث لا أوّل لها أهل بدعة وضلال (٦) .

أقول : كلّ أهل السنّة يقولون بامتناع ذلك.

وفي صفحة ٩٦ حطّ من أبي حنيفة وأنّه بعيد عن التمسّك بالسنّة وأنّ التشنيع الذي ذكره ابن المطهر يخصّ أبا حنيفة دون غيره (٧) .

وفي صفحة ٩٧ : قبول تلك التشنيعات على أبي حنيفة (٨) ، وهي

____________________

(١) منهاج السنّة ٣ : ٢٥٧.

(٢) نفس المصدر ٣ : ٢٦٧.

(٣) نفس المصدر ٣ : ٧٦ - ٧٧.

(٤) نفس المصدر ٣ : ٣٤٧ - ٣٤٨.

(٥) نفس المصدر ٣ : ٣٥٠.

(٦) نفس المصدر ٣ : ٣٦١.

(٧) نفس المصدر ٣ : ٤٣٢.

(٨) نفس المصدر ٣ : ٤٣٤.


مذكورة في صفحة ٩٢ وصفحة ٩٣ فراجعهما (١) .

وذكر في الجزء الثالث في صفحة ٢٣ وصرّح بأنّ أهل علم الكلام ابتدعوا اُصولا زعموا أنّه لا يمكن تصديق الرسول إلاّ بها، قال : هم أهل البدع عند السلف، والأئمّة وجمهور العلماء يعلمون أنّ اُصولهم بدعة في الشريعة، وحكم بأنّها مبتدعة في الشرع وباطلة في العقل، وأنّها تناقض ماجاء به الرسول (٢) ، وذكر إنّ منها قولهم بنفي حوادث لا أوّل لها، فراجعه فإنّه كفّر كلّ أهل السنّة لأنّهم مطبقون على نفي الحوادث لا أوّل لها وهو يثبتها، وهو كافر حينئذ عندهم بهذا الإثبات. ثم أكثر من التشنيع على أهل السنّة في هذه الصفحة بما يُقضى عليه بالكفر.

وفي آخر الصفحة ذكر عن الأشعري ومن وافقه من أتباع الفقهاء الأربع والصوفيّة وغيرهم : إنّ الله إذا نعّم فرعون وأبا جهل وأمثالهما ممّن كفر به وعصاه، وعذّب موسى ومحمّداً ممّن آمن به وأطاعه فهو مثل العكس، الجميع بالنسبة إليه سواء (٣) ، إلى آخر شناعاته حتّى جعلهم جبريّة في آخر صفحة ٢٥ قال : فعلم أنّ من الأفعال ما نزّه سبحانه نفسه عنه والجبريّة عندهم لا ينزه عن فعل من الأفعال (٤) .

وقال في صفحة ٢٦ : وعند هؤلاء لو حكم بحكم الجاهليّة لكان حسناً، وليس في نفس الأمر حكم حسن وحكم غير حسن بل الجميع سواء (٥) ، إلى آخر شناعاته.

____________________

(١) منهاج السنّة ٣ : ٤١٢ - ٤٣١.

(٢) نفس المصدر ٥ : ٩٤ - ٩٥.

(٣) نفس المصدر ٥ : ٩٧.

(٤) نفس المصدر ٥ : ١٠٥.

(٥) نفس المصدر ٥ : ١٠٧.


وفي صفحة ٣٢ قال : فالاُمور المشتركة بين الاُمّة لا يحكم فيها إلاّ الكتاب والسنّة، ليس لأحد أن يُلزم الناس بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولاملك، ومن اعتقد أنّه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنّة فهو كافر (١).

أقول : يعرض بإلزام الناس تقليد أحد الأئمّة الأربعة، وبالقضاة الذين يحكمون تقليداً بفتوى واحد من هؤلاء، فهو في الحقيقة يكفّر كلّ أهل السنّة اليوم، فتدبّره.

وفي صفحة ٤٢ قال بعد كلام : ولهذا كان في مبتدعة أهل الكلام شبه من اليهود، وفي مبتدعة أهل التعبّد ـ أي الصوفيّة ـ شبه من النصارى، فآخر اُولئك ـ يعني علماء الكلام ـ الشكّ والريب، وآخر هؤلاء الشطح والدعاوي الكاذبة (٢) .

وفي صفحة ٦٦ صرّح بتشبيه أهل السنّة والجماعة باليهود والنصارى في الاختلاف في المسائل الاُصوليّة والفرعيّة فراجعه، ثمّ صرّح بأنّ أصحاب عالم من العلماء فإنّهم قد يجتمعون على خطأ، بل كلّ قول قالوه ولم يقله غيرهم من الأئمّة لا يكون إلاّ خطأ (٣) .

أقول : فجوّز اجتماع كلّ من الأئمّة الأربعة مع أصحابهم على الخطأ، وكلّ قول قاله واحد من الأئمّة الأربعة لم يوافقه عليه غيره من الأئمّة فهو خطأ.

أقول : فكلّ ما انفرد به في الاُصول والفروع ابن تيميّة هو خطأ

____________________

(١) منهاج السنّة ٥ : ١٣٢.

(٢) نفس المصدر ٥ : ١٧٠.

(٣) نفس المصدر ٥ : ٢٦٢.


بإقراره.

وفي صفحة ٦٨ : حطّ على جميع الفرق الإسلاميّة حتّى أهل السنّة والجماعة، وصرّح بأسماء جماعة من أهل السنّة والجماعة، وعمّ القول بأنّهم ليسوا يعرفون الحقّ، وضلّل الكلّ وجعلهم أهل الضلال ولم يستثنِ إلاّ الحشويّة (١) .

وفي صفحة ٧٠ : ذمّ جماعة من أهل السنّة من الكراميّة (٢) ، والأشعريّة (٣) ،والسالميّة (٤) ، وأهل المذاهب الأربع.

وفي آخر الصفحة حطّ على إمام السنّة أبي الحسن الأشعريّ وأنّه لم يكن يعرف المذهب الحقّ، ولم يذكره في كتاب مقالاته لعدم علمه به، وكذا كلّ علماء علم الكلام حكم عليهم بعدم معرفة المذهب الحقّ، فيكون حاصل كلامه : أنّ الكلّ على خلاف المذهب الحقّ، وليس على المذهب

____________________

(١) منهاج السنّة ٥ : ٢٦٨ - ٢٧١.

(٢) أتباع محمّد بن كرام بن عراق بن خزابة، أبو عبد الله، السجزي، كان من سجستان نفي عنها، كان يقول : بأنّ الله مستقر على العرش، وأنّه جوهر، جاور بمكة، وورد نيسابور، فحبسه محمّد بن ظاهر، وخرج منها سنة ٢٥١ هـ إلى القدس فمات فيها سنة ٢٥٥ هـ، وهو يقول : إنّ الإيمان بالقول كاف، وإن لم يكن معه معرفة بالقلب. راجع الملل والنحل ١ : ١٥٩، سير أعلام النبلاء ١١ : ٥٢٣ / ١٤٦، الأعلام ٧ : ١٤.

(٣) الأشعرية ينتمون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري، وهو تلميذ أبي علي الجبائي الذي هو أحد مشايخ المعتزلة، وهي جماعة الصفاتية الذين يثبتون لله تعالى الصفات الأزلية : كالعلم والقدرة والحياة وغيرها. راجع الملل والنحل ١ : ١٢٧، سير أعلام النبلاء ١٧ : ٦٥١، إيضاح المكنون ١ : ٥٦٢.

(٤) أتباع عبد الله محمّد بن أحمد بن سالم البصري، صاحب سهل بن عبد الله التستري، سلك مسلك أُستاذه سهل، له أصحاب ينتسبون إليه ويسمون السالميّة، مات وقد قارب التسعين سنة ٣٦٠ هـ، وهم من المشبّهة. راجع حلية الأولياء ١٠ : ٣٧٨ / ٦٥٢، سير أعلام النبلاء ١٦ : ٢٧٢ / ١٩٣، طبقات الصوفية ٤ : ٥٧٢ / ٥٥٢.


الحقّ إلاّ هو وأتباعه (١) ، فراجع كلامه وتدبّر.

وفي صفحة ٧١ ذكر أنّ الإمام الأشعري لم يعرف غير طريقة ابن كلاب وهو عيال عليه ولم يعرف غيرها، وأنّه لم يكن خبيراً بالسنّة والحديث وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم، ولا بتفسير السلف للقرآن، وفي آخر هذه الصفحة ضلّل من سواه وبدّعهم جميعاً (٢) .

وفي صفحة ٨٢ : حطّ على الجهميّة والأشاعرة في المحبّة (٣) .

وفي صفحـة ٨٤ : شبّه الجهميّة والأشعريّة باليهـود والصـوفيّة بالنصـارى (٤) .

وفي صفحة ١٠٥ صرّح بأنّ القول بأنّ القرآن قديم بدعة (٥) .

وفي صفحة ١٠٧ صرّح بيهوديّة كلّ علماء الكلام ونصرانيّة علماء العرفان (٦) .

وفي صفحة ٢٠٨ نصّ أنّ كتب الكلام وكتب المقالات ليس فيها ما بعث الله به رسوله لأنّهم لا يعرفون ذلك (٧) .

أقول : تأمّل وتدبّر في هذا الكلام فإنّه صريح في أنّ كلّ هؤلاء الأعلام من علماء الإسلام وأئمّة السنّة كالأشعري وغيره كلّهم على خلاف ما بعث الله به رسوله، وإنّهم في جهل مركّب، وليس على ما بعث الله به

____________________

(١) منهاج السنّة ٥ : ٢٧٥ - ٢٧٦.

(٢) نفس المصدر ٥ : ٢٧٧ - ٢٨٢.

(٣) نفس المصدر ٥ : ٣٢٤.

(٤) نفس المصدر ٥ : ٣٢٩.

(٥) نفس المصدر ٥ : ٤٢٠.

(٦) نفس المصدر ٥ : ٤٢٨.

(٧) نفس المصدر ٦ : ٣٠٣.


رسوله إلاّ ابن تيميّة.

وفي صفحة ٢٥١ جعل أهل السنّة هم القدريّة المجبّرة وأنّهم جهميّة (١) .

الفصل الثاني : اعلم أنّ في هامش هذا الكتاب منهاج السنّة الكتاب المسمّى ببيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، ونحن ننقل تشنيعات ابن تيميّة على أهل السنّة فيه على ترتيب أجزاء منهاج الحشويّة المذكور، فنقول :

في الجزء الأوّل في صفحة ٦ قال : وهؤلاء أهل التضليل والتجهيل الذين حقيقة قولهم إنّ الأنبياء وأتباع الأنبياء جاهلون ضالون لا يعرفون ماأراد الله بما وصف به نفسه من الآيات وأقوال الأنبياء، انتهى (٢) .

وذكر في آخر هامش صفحة ١١ تضليل عامّة علماء الإسلام من قوله : ولما كان ما يقوله كثير من الناس إلى آخره (٣) .

وفي هامش صفحة ١٤ صرّح بأنّهم ضلّوا ضلالا مبيناً (٤) .

وفي هامش صفحة ٣٣ جعل طائفة من أهل السنّة غلاة جبريّة أشعريّة (٥) .

وفي هامش ٣٤ قال : القول بتكليف ما لا يطاق من البدع (٦) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٣٩٧.

(٢) درء تعارض العقل والنقل ١ : ١٥.

(٣) نفس المصدر ١ : ٢٤.

(٤) نفس المصدر ١ : ٢٨.

(٥) نفس المصدر ١ : ٦٣.

(٦) نفس المصدر ١ : ٦٥.


وفي هامش ٤٠ حطّ على علماء الإسلام أهل الكلام (١) .

وفي هامش ٤١ تسوية أهل السنّة بالرافضة والجهميّة أهل الأهواء (٢) .

وفي هامش ٨٦ تغليط كلّ طوائف علماء الإسلام أجمع من أتباع رؤوس المقالات التي ذهب إليها من ذهب من أهل القبلة (٣) .

وفي هامش ٩٢ انّ غير أصحابه لا يعرفون الحقّ بل هم في شكّ وتحيّر وضلال وشهوات وغيّ (٤) .

وفي هامش ١١٨ قال ما لفظه : فتبيّن أنّ قول أهل التفويض الذين يزعمون أنّهم متّبعون للسنّة والسلف من شرّ أقوال أهل البدع والإلحاد (٥) .

أقول : ابن تيميّة لا يرضى إلاّ بإثبات المعنى، وأنّه له يد ووجه حقيقة، وهكذا سائر ما يسمّيه صفات جزئيّة، كما صرّح بذلك في مواضع في كتبه وستعرفه في المقصد الثالث بحروفه.

وفي هامش صفحة ١٣٤ صرّح بأنّ أبي الحسن الأشعري وأتباعه لم يعرفوا حقيقة التوحيد الذي بعث الله به رسوله (٦) .

وفي هامش ١٤٢ كفّر جميع من نفى الجهة والصفات الجزئيّة (٧) .

وفي هامش ١٦٣ صرّح بتبديع الأشعري في قوله بحدوث الحروف قال : وهو عين الابتداع (٨) .

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٧٣ - ٧٤.

(٢) نفس المصدر ١ : ٧٨.

(٣) نفس المصدر ١ : ١٥٣.

(٤) نفس المصدر ١ : ١٦٤ - ١٦٥.

(٥) نفس المصدر ١ : ٢٠٥.

(٦) نفس المصدر ١ : ٢٢٦.

(٧) نفس المصدر ١ : ٢٣٩.

(٨) نفس المصدر ١ : ٣١٧.


وفي هامش ٢٠٩ جعل الأشعري من الكلاّبيّة (١) هو وأتباعه (٢) .

وفي هامش ٢٣١ حطّ على من نفى قيام الحوادث بالربّ، وأخذ في التشنيع إلى هامش ٢٣٢ (٣) انتهى.

أمّا ما في هامش الجزء الثاني :

ففي هامش ٨ رمى أهل السنّة بالتبديع والإلحاد والجهميّة (٤) .

وفي هامش ٩ نصّ على أنّ طريقة الأشعري تقلّدها من ابن كلاب (٥) .

وفي هامش ٤١ حطّ على الكلابيّة والأشعريّة في نفي الحرف والصوت (٦) .

وفي هامش ٤٩ نقل من يتبرء من الأشعري (٧) .

وفي هامش صفحة ٥٠ ذكر مخالفة الأشعري وابن كلاب جميع علماء الإسلام في الكلام القديم (٨) .

وفي هامش صفحة ١٥٨ جهّل علماء السنّة أتباع الأئمّة الأربعة ورماهم بالعظائم (٩) .

____________________

(١) أتباع عبد الله بن سعيد بن محمّد بن كُلاّب بضمّ الكاف وتشديد اللاّم القطّان البصري، أحد المتكلّمين في أيام المأمون، كان يقول : إنّ كلام الله هو الله. على طريقة مشي الأشعري، له من الكتب : كتاب الصفات، خلق الأفعال، الردّ على المعتزلة. راجع الفهرست لابن النديم : ٢٥٥، لسان الميزان ٣ : ٢٩.

(٢) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٣٩.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٦٢ - ٣٦٥.

(٤) نفس المصدر ٢ : ١٤ - ١٥.

(٥) نفس المصدر ٢ : ١٦.

(٦) نفس المصدر ٢ : ٣٧ - ٤١.

(٧) نفس المصدر ٢ : ٩٦.

(٨) نفس المصدر ٢ : ٩٨.

(٩) نفس المصدر ٢ : ٣٠٧ - ٣٠٨.


وفي هامش صفحة ١٦٢ ادّعى أنّ السلف والأئمّة قولهم غير قول الأشعريّة وغيرهم بل لا يعرفه الأشعري وغيره (١) .

وأمّا ما على الجزء الثالث :

ففي صفحة ١٩٩ حطّ على كلّ علماء الإسلام أهل الكلام والعبّاد (٢) .

وفي هامش صفحة ٢٠٤ ذكر أنّ قول الإيمان مجرّد المعرفة قاله الأشعري، وهو كفر عند وكيع وأحمد بن حنبل، فالأشعري كافر عند أحمد ووكيع (٣) .

وأمّا ما على الجزء الرابع :

ففي هامش صفحة ٦٠ تبديع من نفى قيام الحوادث بذات الربّ، وقال بأنّ الكلام معنى واحد قديم (٤) .

أقول : فهو تبديع لكلّ أهل السنّة والجماعة.

وفي هامش ٢٧٠ ذكر أنّ علماء الكلام لا يعرفون القول الصواب الذي هو قول السلف (٥) .

الفصل الثالث : فيما ذكره في كتاب جواب أهل الإيمان في تفاضل آي القرآن المطبوع بمطبعة التقدّم بشارع محمّد علي بمصر :

فإنّه في صفحة ٣٩ شنّع على علماء السنّة الأشعريّة وغيرهم في مسألة الإرادة ونفيهم الإرادة الأمرية من صفحة ٣٩ إلى صفحة ٤٠ بما لا يفوه به

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٢ : ٣١٤ - ٣١٥.

(٢) نفس المصدر ٣ : ٢٦٤.

(٣) نفس المصدر ٣ : ٢٧٤ - ٢٧٥.

(٤) نفس المصدر ٤ : ٢٥.

(٥) نفس المصدر ٤ : ٢٩١.


مسلم (١) .

وفي صفحة ٤٣ شنّع على الأشعريّة في عقيدتهم في القرآن (٢) .

في صفحة ٤٩ كفّر كلّ من أنكر التفاضل في آي القرآن، فهو يكفّر كلّ أهل السنّة فإن ابن المرابط (٣) كفّر من قال بتفاضل الكتاب (٤) .

وفي صفحة ٥١ حطّ على الأشعريّة أيضاً بأنّهم جعلوا القرآن عضين لأنّهم نفوا التفاضل وقالوا إنّه معنى واحد (٥) .

وفي صفحة ٥٢ كفّر من قال لفظ القرآن مخلوق وهم الأشعريّة (٦) .

وفي صفحة ٥٤ شنّع في أوّلها على الأشعريّة بإنكارهم أنّ الله يتكلم بمشيئته وقدرته، وفي هذه الصفحة شنّع أيضاً أنّ الأشعريّة يعتقدون أنّ الكلام قديم العين (٧) .

وفي صفحة ٥٥ شنّع بأنّهم يقولون : لم يزل الله ولا يزال يقول : ( يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ ) (٨) (٩) .

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٣٨ - ٤٢.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٤٤.

(٣) هو عيسى بن محمّد بن فتوح بن فرج الاُستاد أبو الأصبغ الهاشمي الأندلسي، المقرئ المعروف بابن المرابط. نزل بلنسيه، أخذ القراءات عن أبي زيد الوراق وأبي عبد الله بن ثابت وغيرهما، وتصدر للإقراء، أخذ عنه القراءات أبو عبد الله الحباب، وحدث عنه أبو عمر بن عباد وابنه محمّد. توفّي سنة ٤٠٣ هـ، له كتاب التقريب في القراءات. تاريخ الإسلام ٣٨ : ٩٤، معجم المؤلفين ٨ : ٣٣.

(٤) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٤٥.

(٥) نفس المصدر ١٧ : ٤٦.

(٦) نفس المصدر ١٧ : ٤٨.

(٧) نفس المصدر ١٧ : ٥٠.

(٨) سورة البقرة ٢ : ٣٥.

(٩) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٥٠.


ثمّ ذكر أنّ أوّل من أحدث عقيدة الأشعري في الكلام هو ابن كُلاّب وأحدث قوله بالكلام النفسي (١) .

وفي صفحة ٦٠ قال : وبعض الناس يظنّ أنّ قوله : «هو الخلاّق» إشارة إلى أنّه خالق أفعال العباد فلا ينبغي التشديد في الإنكار عليهم بل يصفح عنهم الصفح الجميل لأجل القدر. قال : وهذا من أعظم الجهل. قال : ولم يعذر الله أحداً [قطّ] بالقدر (٢) .

وفي صفحة ٦٢ أكثر من الحطّ على أهل السنّة بنفيهم الحكمة في الخلق (٣) .

وفي صفحة ٦٣ نصّ أنّ الأشعري قلَّد الجهم في أنّ المحبّة هي الإرادة (٤) .

وفي صفحة ٩٤ ذكر عقيدة أهل السنّة في الكلام القديم، قال مالفظه : جمهور العقلاء يقولون : إنّ مجرد تصوّره كاف في العلم بفساده (٥) .

وفي صفحة ١٠٠ جعل قول أهل السنّة والجماعة بالقرآن تنافي الفطرة والشرعة، وتستلزم بطلان ما يقولونه الفطرة والشرعة (٦) .

وفي صفحة ١٠١ شنّع على أهل السنّة حيث قالوا باتّحاد الإرادة، قال : وإنّ الذين قالوا يريد جميع المرادات بإرادة واحدة إنّما أخذوه عن ابن كُلاّب، وجمهور العقلاء قالوا : هذا معلوم الفساد بالضرورة، حتّى أنّ

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٥٠.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٥٦.

(٣) نفس المصدر ١٧ : ٥٨.

(٤) نفس المصدر ١٧ : ٥٩.

(٥) نفس المصدر ١٧ : ٨٣.

(٦) نفس المصدر ١٧ : ٨٩.


من فضلاء النظّار من ينكر أن يذهب إلى هذا عاقل من الناس (١) .

ثمّ أخذ يشنّع أيضاً حيث جعلوا الإرادة عين الرحمة وهي عين الغضب.

وفي صفحة ١٠٤ قال : والمقصود أنّ الأشعري وغيره من الصفاتيّة الذين سلكوا مسلك ابن كُلاّب إذا قال أحدهم في الصفات : إنّها متماثلة، فإنّ هذا لا يقوله عاقل (٢) .

ثمّ ذكر عقيدة الأشعري في الكلام وشنّع عليه.

وفي صفحة ١٠٥ صرّح أنّ كلام الأشعري في الكلام خارج عن أهل السنّة (٣).

وفي صفحة ١٠٧ صرّح بإنّ الذين قالوا : إنّ كلام الله غير مخلوق كلّ أقوالهم خارجة عن قول السلف ولا يعرفون أنّ في الإسلام من قال سوى ذلك، ويصنف أحدهم كتاباً كبيراً في مقالات الإسلاميّين وفي الملل والنحل، ويذكر عامّة الأقوال المبتدعة في هذا الباب، والقول المأثور عن السلف والأئمّة لا يعرفه ولا ينقله (٤) .

وفي صفحة ١٠٨ رمى الأشعري بالقرمطة لتأويله «أعظم» بمعنى «عظيم» (٥) .

وفي صفحة ١١٠ التبديع والتضليل والتكفير والتجهيل لكلّ الأشعريّة

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٨٩.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٩١.

(٣) نفس المصدر ١٧ : ٩٢.

(٤) نفس المصدر ١٧ : ٩٣.

(٥) نفس المصدر ١٧ : ٩٤.


أهل السنّة (١) .

وفي صفحة ١١٣ بدّع الأشاعرة وضلّلهم لإنكارهم الحكمة (٢) .

وفي صفحة ١١٤ ذكر أنّ قول الأشاعرة مأخوذ من جهم المنكر للحكمة (٣) .

وفي صفحة ١١٧ شنّع على الأشاعرة لقولهم : إنّ الأمر والنهي لا عن حكمة (٤) .

أقول : كلّ هذا الكتاب في الشناعات على أهل السنّة من كلّ وجه، وأحقّ أسمائه أن يقال : تشنيعات الحشويّة على الأشعريّة.

الفصل الرابع : فيما ذكره في كتاب تفسير : ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد ) المطبوع الطبعة الاُولى في سنة ١٣٢٣ بالمطبعة الحسينيّة المصريّة (٥) .

ففي صفحة ١٢ غلّط مسلم بن الحجّاج (٦) صاحب الصحيح (٧) .

وفي صفحة ١٧ ذكر أنّ كتب المصنّفين من علماء السنّة خالية عن

____________________

(١) مجموعة الفتوى ١٧ : ٩٥.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٩٧، ٩٩.

(٣) نفس المصدر ١٧ : ٩٩.

(٤) نفس المصدر ١٧ : ١٠٢.

(٥) لم نحصل على الطبعة المذكورة وحصلنا على طبعة دار الطباعة المحمّديّة بالقاهرة بتصحيح طه يوسف شاهين فخرّجنا منها تتميماً للفائدة.

(٦) ابن مسلم، أبو الحسين القشيري النيسابوري. أحد الأئمّة من حفّاظ الحديث، وهو صاحب المسند الصحيح، رحل إلى العراق والحجاز والشام ومصر، وسمع من يحيى ابن يحيى وكثير، توفّي سنة ٢٦١ هـ. راجع تاريخ بغداد ١٣ : ١٠١ / ٧٠٨٩، تاريخ دمشق ٥٨ : ٨٥ / ٧٤١٧، تذكرة الحفاظ ٢ : ٥٨٨ / ٩٦١٣.

(٧) انظر تفسير سورة الإخلاص : ٢٧، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٣٦.


القول الحقّ (١) .

وفي ٤٥ تبديع علماء السنّة أهل علم الكلام (٢) .

وفي ٦٢ شنّع على الأشعري إمام السنّة، قال : وأمّا من قال : إنّ كلّ موجود يجوز رؤيته أو يجوز أنّ يحسّ بسائر الحواس الخمس كما يقوله الأشعري وموافقوه كالقاضي أبي يعلى (٣) وأبي المعالي (٤) وغيرهما، فهذه الطريقة مردودة عند جماهير العقلاء، بل يقولون : فسادها معلوم بالضرورة (٥) .

وفي صفحة ٧٠ قال - لا سامحه الله وعامله بعدله ما لفظه : وثمّ طائفة ثالثة كثرت في المتأخّرين المنتسبين إلى السنّة يقولون ما يتضمّن إنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يعرف معاني ما اُنزل عليه من القرآن كآيات الصفات،

____________________

(١) انظر تفسير سورة الإخلاص : ٣٤، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٣٧.

(٢) انظر تفسير سورة الإخلاص : ٧٩، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٧٣.

(٣) محمّد بن الحسين بن محمّد بن خلف بن أحمد القاضي يعرف بابن الفرّاء الفقيه الحنبلي. قال ابن عساكر : سمعت أبا غالب بن علي بن البناء الحنبلي يقول : لمّا مات أبو يعلى ذهبت مع أبي إلى داره فلقينا أبا محمّد التميمي فقال لي : إلى أين؟ فقال أبي : مات القاضي أبو يعلى. فقال أبو محمّد : لا رحمه الله، فقد بال في الحنابلة البولة الكبيرة التي لا تغسل إلى يوم القيامة، يعني المقالة في التشبيه. تاريخ دمشق ٥٢ : ٣٥٣، تاريخ الإسلام للذهبي ٣٠ : ٤٥٣، الوافي بالوفيات ٣ : ٧ / ٨٦٣.

(٤) الجويني، عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله، الملقّب بإمام الحرمين، أحد أبرز علماء الشافعية، ولد في جوين سنة عشرة وأربعمائة وتفقّه على أبيه أبي محمّد الجويني، فلمّا مات أبوه سنة ٤٣٨ هـ درّس مكانه. ورحل إلى بغداد ثمّ خرج إلى الحجاز فجاور بمكة والمدينة أربع سنين يدرّس ويفتي. ثمّ رجع إلى نيسابور، فبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظامية، فتولى الخطابة والتدريس والوعظ قريباً من ثلاثين سنة. وقد انتهت إليه رئاسة المذهب، توفّي سنة ٤٧٨ هـ. وله من الكتب : أُصول الدين، البرهان في أُصول الفقه، الإرشاد وغيرها. تاريخ نيسابور : ٥٠٧، ١٠٩، طبقات الشافعية ٥ : ١٦٥ / ٤٧٥، البداية والنهاية ١٢ : ١٤١.

(٥) تفسير سورة الإخلاص : ٩٦، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٨٥.


بل لازم قولهم أيضاً أنّه كان يتكلم بأحاديث الصفات ولا يعرف معناها، وهؤلاء مساكين، إلى آخر كلامه (١) .

وفي صفحة ١٠٦ بدّع أهل التأويل وشبّههم بالكفّار (٢) ، وكرّر ذلك إلى صفحة ١٠٨ ثمّ أخذ في ذمّ التأويل إلى آخر صفحة ١٠٩ (٣) .

وفي صفحة ١١١ ذكر ضلال أهل الكلام وسائر أهل السنّة (٤) .

وفي صفحة ١١٧ رمى أهل السنّة من العرفاء وغيرهم بالتبديع والضلال والشرك فراجعه (٥) .

وفي صفحة ١٣٣ قال : وغلط كثير من الفقهاء (٦) .

الفصل الخامس : فيما ذكره المحروم في رسائله المطبوعة بالمطبعة العامّة بمصر سنّة ١٣٢٢ في الجزء الأوّل من مجموع الرسائل الكبرى قال في رسالة الفرقان وهي أوّل الرسائل من الجزء الأوّل ونحيل على صفحاته :

ففي صفحة ١٠٨ ذكر أنّ الأشعري من الواقفة في الوعيد (٧) .

وفي صفحة ١١٨ ضلّل جميع علماء الإسلام القائلين بعدم قيام الحوادث بذات الربّ (٨) .

وفي صفحة ١٢٩ جعل كلّ طرق التوحيد التي سلكوها علماء السنّة

____________________

(١) تفسير سورة الاخلاص : ١٠٨، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٩٤.

(٢) نفس المصدر : ١٤٣، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٢٢.

(٣) نفس المصدر : ١٤٤ - ١٤٦، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٢٣ - ٢٢٤.

(٤) نفس المصدر : ١٤٣ - ١٤٦، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٢٤.

(٥) نفس المصدر : ١٧٢ - ١٧٦، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٤٥ - ٢٤٨.

(٦) نفس المصدر : ١٩٤ - ١٩٥، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٦٣.

(٧) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٧٦.

(٨) نفس المصدر ١٣ : ٨٥.


بدعة ليس فيها علم أصلاً (١) .

وفي صفحة ١٣٠ ذكر أنّ طرق إثبات التنزيه عن النقائص بنفي الجسميّة مخالفة للشرع والعقل، وأنّها مخالفة لما بعث الله به رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولما فطر عليه عباده، وأنّ أهلها من جنس الذين قالوا : ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أوْ نَعْقِلْ مَا كُنَّا فِي أصْحَابِ السَّعِير ) (٢) . وفي هذه الصفحة قبل أسطر قال : كما فعل ذلك القاضي أبو بكر في هداية المسترشدين (٣) وغيره (٤).

وفي صفحة ١٣١ ذكر أن المنكر لتكلم الله بصوت وحرف جاحد للخالق قال : فلا يبقى عندهم ربّ ولا مرسل (٥) .

أقول : وأنت تعلم أنّ كلّ أهل السنّة والجماعة تنكر تكلّم الله بصوت وحرف.

وفي صفحة ١٣٤ صرّح بأن من لم يقل : إنّ الربّ فوق السماوات فهو وافق فرعون في جحده (٦) .

وفي ١٦٠ حطّ على علماء الكلام وبدّعهم وذكر أنّهم أعرضوا عن السنّة (٧) .

____________________

(١) مجموعة الفتوى ١٣ : ٨٩ - ٩٠.

(٢) سورة الملك ٦٧ : ١٠.

(٣) هداية المسترشدين لمحمد بن الطيب بن محمّد أبي بكر القاضي، المعروف بابن الباقلاني، المتكلم على مذهب الأشعري من أهل البصرة، سكن بغداد وتوفّي بها سنة ٤٠٣ هـ. تاريخ بغداد ٥ : ٣٧٩ / ٢٩٠٦، وفيات الأعيان ٤ : ٩٨، ٦٠٨، كشف الظنون ٢ : ٢٠٤٢، هدية العارفين ٢ : ٥٩.

(٤) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٩١.

(٥) نفس المصدر ١٣ : ٩١ - ٩٢.

(٦) نفس المصدر ١٣ : ٩٤.

(٧) نفس المصدر ١٣ : ١١١.


وفي صفحة ١٦١ ذكر أنّ علماء العربيّة بمنزلة شعراء الجاهليّة من حطب النار (١) .

وفي صفحة ١٧٥ جعل الأشاعرة من جنس المشركين (٢) .

وفي صفحة ١٧٨ ذكر أنّ جهم وأتباعه رؤوس المجبّرة والأشعريّة وافقوهم في الجبر، لكن نازعوهم نزاعاً لطيفاً في إثبات الكسب والقدرة عليه (٣) ، انتهى ما في رسالة الفرقان.

وبعدها رسالة معارج الوصول ففي صفحة ١٨٣ شنّع على علماء الإسلام أهل علم الكلام وعلى الأشاعرة، وفي الصفحة المذكورة حطّ على أهل علم الكلام والحديث والفقه والصوفيّة وغيرهم (٤) .

وفي صفحة ١٨٥ ذكر أنّ الأشاعرة أضلّ بطرقهم من سائر الناس (٥) .

وفي صفحة ٢٠٤ صرّح بأنّ كثيراً من أهل الكلام والتصوّف لا يؤمن بحقيقة النبوّة والرسالة (٦) .

وفي صفحة ٢٠٨ صرّح بأنّ كثيراً من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة (٧) .

وفي صفحة ٢١٥ شنّع على الحنفيّة بعدم المعرفة بالكتاب والسنّة (٨) .

وفي رسالة الوصية الكبرى إلى أتباعه التي ذكر في خطبتها : أنّ

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١١٢.

(٢) نفس المصدر ١٣ : ١١٧.

(٣) نفس المصدر ١٣ : ١٢٢.

(٤) نفس المصدر ١٩ : ٨٧.

(٥) نفس المصدر ١٩ : ٨٨.

(٦) نفس المصدر ١٩ : ١٠٢.

(٧) نفس المصدر ١٩ : ١٠٤.

(٨) نفس المصدر١٩ : ١٠٨.


أتباعه جنّبهم الله طريق أهل الضلال والاعوجاج الخارجين عمّا بعث الله به رسوله من الشريعة والمنهاج (١) .

وصرّح في مواضع من مصنّفاته : أنّ الأشعريّة وغيرهم من علماء السنّة لم يعرفوا ما بعث الله به رسوله من الشريعة كما تقدّم نقله مكرّراً (٢) .

وفي صفحة ٢٧١ من الجزء الأوّل من مجموعة الرسائل الكبرى صرّح : بأنّ الذين يجعلون العبد ليس له مشيئة ولا قدرة ولا عمل هم المفسدون لدين الله وهم بمنزلة المشركين (٣) ، يعني الأشاعرة، فتأمّل.

وفي صفحة ٢٧٤ شنّع على المتأخّرين من الاُمّة بعدم إحكامهم معرفة الكتاب والسنّة، ولا ما يتميز به بين صحيح الحديث وسقيمه، ولا ما ينتج من المقائيس وعقيمها (٤) ، إلى آخر ما رماهم به من الكبائر، فتأمّل، وخذ بمجاميع كلامه حتّى تعرف من عين.

وفي صفحة ٢٧٨ ذكر أنّ من أهل السنّة في هذا الزمان من مرق من الدين بأسباب ذكرها تنطبق على علماء السنّة إلاّ أتباعه السلفيّة (٥) .

وفي صفحة ٢٧٩ قال : إنّي أذكر جوامع من أُصول الباطل التي ابتدعها طوائف ممن ينتسب إلى السنّة وقد مرق منها وصار من أكابر الظالمين (٦) .

وذكر في رسالة الإرادة في صفحة ٣٣٣ التشنيع على الأشعريّة في مسألة الإرادة بكلام قبيح، وذكر أنّهم خالفوا جمهور المسلمين وغيرهم

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ٣ : ٢٢٦.

(٢) نفس المصدر ٩ : ١٤٨ و ١٨ : ١٢٨.

(٣) نفس المصدر ٣ : ٢٣٢.

(٤) نفس المصدر ٣ : ٢٣٤.

(٥) نفس المصدر ٣ : ٢٣٧.

(٦) نفس المصدر ٣ : ٢٣٨.


والأئمّة الأربعة وغيرهم من السلف (١) .

وفي صفحة ٣٣٥ زاد التشنيع على الأشاعرة حتّى وصفهم بالإلحاد، وقال : صاروا من جنس المشركين حيث احتجّوا بالقدر (٢) ، فراجع ما بعده إلى صفحة ٣٥١ .

وفي صفحة ٣٥٢ ذكر عقيدة الأشاعرة في أفعال العباد وقال : إنّهم جبريّة (٣) .

وفي صفحة ٣٥٨ شنّع على الأشاعرة بأنهم جعلوا ما يفعله العبد من القبيح فعلا لله ربّ العالمين دون العبد، وأنّهم أثبتوا كسباً لا حقيقة له، إلى آخر تشنيعه (٤).

وفي صفحة ٣٦٨ ذكر أنّ الأشعريّة قد جحدوا ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم (٥) .

وفي صفحة ٤٠٠ في العقيدة الواسطيّة ذكر أنّ العباد فاعلون حقيقة، وأنّ هذه الدرجة من المقدرة يكذب بها عامّة القدريّة الذين سمّاهم النبيّ: «مجوس هذه الاُمّة» (٦).

ثمّ قال : ويغلوا فيها قوم من أهل الإثبات حتّى يسلبوا العبد قدرته

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ٨ : ٦١.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٦٢.

(٣) نفس المصدر ٨ : ٧٢.

(٤) نفس المصدر ٨ : ٨٠.

(٥) نفس المصدر ٨ : ٨٥.

(٦) سنن ابن ماجة ١ : ٣٥ / ٩٢، سنن أبي داوُد السجستاني ٤ : ٢٢٢ / ٤٦٩١، المستدرك للحاكم ١ : ٨٥، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ٢٠٣، تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : ٧٧، كتاب السنّة لابن أبي عاصم : ١٤٤.


واختياره، ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها (١) ، فتدبّره.

وفي صفحة ٤١٧ في العقيدة الحمويّة أكثر من الحطّ والتشنيع على المتكلّمين من علماء السنّة (٢) .

وفي صفحة ٤٢١ أتى بالطامة الكبرى والداهيّة الدهياء بعد زعمه دلالة خبر جابر على صحّة الإشارة الحسيّة بالأصابع إلى الله تعالى، وأطال في التشنيع على علماء السنّة النافين لجواز الإشارة الحسيّة (٣) .

وحاصل كلامه : إنّ مقالة النافين للإشارة الحسيّة من المالكيّة والشافعيّة والحنفيّة يلزمها أن يكون ترك الناس بلا كتاب ولا سنّة أهدى لهم (٤) .

ثمّ ذكر : أنّ مقتضى كلام المتكلِّمين أنّ الله تعالى ورسوله وسلف الاُمّة تركوا العقيدة حتّى يبيّنها هؤلاء (٥) .

ثمّ قال عن المتكلِّمين : إنّهم يقولون : ما يكون على وفق قياس العقول فقولوه وإلاّ فانفوه، فراجع عين لفظه في العقيدة الحمويّة الكبرى في صفحة ٤٢١ من الجزء الأوّل من مجموعة الرسائل الكبرى المذكورة (٦) .

وقد كفّره بهذا الكلام الشيخ شهاب الدين بن جبرئيل الكلابي في الكتاب الذي صنّفه في ردّ ابن تيميّة في قوله بالجهة، وقد أخرج التاج

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ٣ : ٩٩.

(٢) نفس المصدر ٥ : ١١ - ١٢.

(٣) نفس المصدر ٥ : ١٤.

(٤) نفس المصدر ٥ : ١٤.

(٥) نفس المصدر ٥ : ١٤.

(٦) نفس المصدر ٥ : ١٤ - ١٥.


السبكي تمام ذلك الردّ في ترجمة الشيخ شهاب الدين المذكور في الطبقات الكبرى في الجزء الخامس في صفحة ١٨١ من المطبوع بمصر في هذه الأيام (١) ، فراجعه فإنّه قد أحسن الردّ على هذا الحشوي ونصر السنّة وعلماء الملّة، جزاه الله خير جزاء الناصرين لأهل السنّة.

وفي صفحة ٤٢٣ زاد ابن تيميّة في الطنبور نغمة أُخرى قال ما لفظه : ثمّ عامّة هذه التسليمات (٢) التي يسمّونها دلائل إنّما تقلّدوا أكثرها من طاغوت من طواغيت المشركين والصابئين أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم مثل فلان وفلان، إلى آخره (٣) .

أقول : قد صرّح بأسمائهم في رسالته في إثبات الجهة والإشارة الحسيّة ـتعالى الله عن ذلك فإنّه ذكر فيها : أنّ هذه المقالة يعني تأويل ما يظهر منه التجسيم والتشبيه مأخوذة من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين، قال : فإنّ أوّل من حفظ عنه هذه المقالة الجعد بن درهم (٤) ، وأخذها عنه جهم بن صفوان وأظهرها، فنسبت مقالة الجهمية إليه، والجعد أخذها عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان من طالوت بن اُخت لبيد بن

____________________

(١) وفي طبقات الشافعيّة الكبرى تحقيق عبد الفتاح الحلو ٩ : ٣٤ / ١٣٠٢.

(٢) في المصدر : الشبهات بدل : التسليمات.

(٣) مجموعة الفتاوى ٥ : ١٦.

(٤) هو أوّل من قال بخلق القرآن، مبتدع ضالّ زعم أنّ الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلّم موسى فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، أصله من خراسان له أخبار في الزندقة، جعل في قارورة ماءً وتراباً فاستحال دوداً وهواماً فقال لأصحابه : أنا خلقت ذلك. فبلغ ذلك مولانا الصادق صلوات الله عليه فقال : «ليقل كم هي؟ وكم الذكران منه والاُناث إن كان خلقه؟ وكم وزن كلّ واحد منهنّ؟» فانقطع. قتل في سنة ١٢٤هـ. الكامل لابن الأثير ٥ : ٢٦٣، تاريخ الإسلام ٤ : ٢٣٨، الوافي بالوفيات ١١ : ٨٦ / ١٤٤، الأعلام ٢ : ١٢٠.


الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد اليهودي الذي سحر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، انتهى.

فارجع إلى كلام الشيخ شهاب الدين بن جبرئيل في رسالة الردّ بعد نقله لهذا الكذب البراح (٢) .

الفصل السادس : فيما في الجزء الثاني من مجموعة الرسائل لابن تيميّة المطبوع مع الجزء الأوّل المتقدّم ذكره.

ففي رسالة القضاء والقدر منه في صفحة ٨٤ قال : والله قد أثبت للعبد مشيئة وفعلاً (٣) . قال هذا بعد ما ذكر في صفحة ٨٠ : المحتجّين بالقدر إذا اصرّواعلى هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى (٤) .

ثمّ فيه رسالة الاحتجاج بالقدر ذكر فيها في صفحة ٩٠ أنّ الرازي كان جبرياً محضاً (٥).

وفي صفحة ٩٢ وصف الأشعري وأتباعه بغلاة الجبريّة قال : وكثير من الفقهاء أتباع الأئمّة الأربع ومن أهل الحديث والصوفيّة من غلاة الجهميّة

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ٥ : ١٧. قد ورد في بعض أخبارنا ـوفاقاً لروايات العامة وقوع السحر على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه سحره لبيد بن أعصم اليهودي، وقد أنكره جملة من أصحابنا كالشيخ في الخلاف والعلاّمة في المنتهى. قال في البحار : المشهور بين الإمامية عدم تأثير السحر في الأنبياء والأئمّة، وأوّلوا بعض الأخبار الواردة في ذلك، وطرحوا بعضها. قال المحقق البحراني في الحدائق : والأخبار الواردة من طرقنا في حقّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع ضعفها وشذوذها يمكن حملها على التقية لاتّفاق العامّة على جواز ذلك. بحار الأنوار ١٨ : ٧٠، الحدائق الناضرة ١٨ : ١٧٨ - ١٨١.

(٢) راجع طبقات الشافعية الكبرى ٩ : ٥٠.

(٣) مجموعة الفتاوى ٨ : ١٦١.

(٤) نفس المصدر ٥ : ١٥٨.

(٥) نفس المصدر ٨ : ١٨٥.


الجبريّة في القدر وإن كانوا في الصفات يكفّرون الجهميّة نفاة الصفات لكن هنا سلكوا مسلك جهم، يعني أنكروا الحسن والقبح (١) ، إلى آخر كلامه الشنيع.

وفي صفحة ١١٨ قال : وقالت الجهميّة وأتباعها من الأشعريّة وأمثالهم (٢) . وأطال في التشنيعات.

إلى أن قال : وأنّهم قالوا : كلّ ما في الوجود من كفر وفسوق وعصيان فإنّ الله راض به محبّ له كما هو مريد له (٣) .

وفي صفحة ١١٩ قال : وحقيقة قولهم : إنّ الله لا يحبّ الإيمان ولا يرضاه من الكفّار (٤) .

إلى أن قال : وعندهم أنّ الله يحبّ ما وجد من الكفر والفسوق والعصيان، ولا يحبّ ما لم يوجـد من الإيمان والطاعة كما أراد هذا دون هذا (٥) .

وفي صفحة ١٢٠ شنّع على الأشاعرة بقولهم : إنّ الإرادة واحدة تتعلّق بكلّ حادث (٦).

قال : فلم يبق عندهم يعني الأشاعرة فرق بين جميع الحوادث في الحسن والقبح (٧) .

إلى أن قال : ولهذا يجوز عندهم أن يأمر الله بكلّ شيء حتّى الكفر والفسوق والعصيان، وينهى عن كلّ شيء حتّى عن الإيمان والتوحيد،

____________________

(١و٢) نفس المصدر ٨ : ٢٠٤.

(٣و٤) نفس المصدر ٨ : ٢٠٥.

(٥) نفس المصدر ٨ : ٢٠٥.

(٦و٧) نفس المصدر ٨ : ٢٠٦.


ويجوز نسخ كلّ ما أمر به بكلّ ما نهى عنه، ولم يبق عندهم في الوجود خير ولا شرّ ولا حسن ولا قبح إلاّ بهذا الاعتبار فما في الوجـود ضرّ ولا نفـع (١) ، إلى آخره.

وفي صفحة ١٢١ قال : ومنهم من يضعف عنده الوعد والوعيد إمّا لقوله بالإرجاء (٢) ..

إلى أن قال : وهذا حال كثير من أهل الكلام والرأي الذين يرون رأي الجهم والأشعري ونحوهما في القدر (٣) .

وفي آخر صفحة ١٣٢ قال : فإنكار الرؤية والمحبّة والكلام أيضاً معروف من كلام الجهميّة والمعتزلة ومن وافقهـم، والأشعريّة يوافقونهـم على نفي المحبّة ويخالفونهـم في إثبات الرؤية، ولكن الرؤية التي يثبتونهـا لاحقيقة لها (٤) ، انتهى. والغرض هذه العبارة الأخيرة.

وفي صفحة ١٤١ صرّح المحروم بنفي إيمان الأشعريّة قال : فمن لم يستحسن الحسن المأمور به ولم يستقبح السيّيء المنهي عنه لم يكن معه من الإيمان شيء (٥) ، انتهى. فاعرف هذا.

وفي صفحة ٣٤٧ في رسالة رفع الحنفي يديه : فمن يتعصّب لواحد معيّن غير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كمن يتعصّب لمالك أو الشافعي أو أحمد أو أبي حنيفة، ويرى أنّ قول هذا المعيّن هو الصواب الذي ينبغي إتّباعه دون قول الإمام الذي خالفه، فمن فعل هذا كان جاهلا ضالاًّ، بل قد يكون كافراً  (٦) ،

____________________

(١و٢) مجموعة الفتاوى ٨ : ٢٠٦.

(٣) نفس المصدر ٨ : ٢٠٧.

(٤) نفس المصدر ٨ : ٢١٣ - ٢١٤.

(٥) نفس المصدر ٨ : ٢١٩.

(٦) نفس المصدر ٢٢ : ١٥٠.


إلى آخر كلامه.

وفي صفحة ٣٥٢ ذكر أنّ أتباع الأئمّة الأربع المتعصّبين لإمامهم يخرجون بذلك عن الدين، وأنّهم يتمسّكون بنقل غير مصدَّق عن قائل غير معصوم. قال : ويَدَعون النقل المصدّق عن القائل المعصوم (١) ، إلى آخر كلامه، فتدبّر.

الفصل السابع : فيما ذكره في العرفاء وعلماء الحقيقة ومشايخ الطريقة وأهل الكشف والعيان من الصوفية، فإنّه ضلّلهم، وبدّعهم، وكفّرهم، ورماهم بالشرك والإلحاد، وسوّاهم بالنصارى وعبدة الأوثان، وأذكر كلامه في مصنّفاته على ترتيب ما ذكرته في الفصول السابقة على هذا الفصل، فأوّل ما أذكره ما وجدته في كتابه منهاج الحشوية :

ففي الجزء الأوّل منه ذكر في صفحة ١٣٢ ما لفظه : فإن قيل : ما وصفت به الرافضة من الغلو والشرك والبدع موجودٌ كثيرٌ منه في كثير من المنتسبين إلى السنّة، فإنّ في كثير [منهم] غلوّاً في مشايخهم، وإشراكاً بهم، وابتداعاً لعبادات غير مشروعة، وكثير منهم يقصد قبر من يحسن الظنّ به إمّا ليسأله حاجاته، وإمّا ليسأل الله تعالى به، وإمّا لظنّه أنّ الدعاء عند قبره أجوب منه في المساجد، وفيهم من يفضّل زيارة قبور شيوخهم على الحجّ، ومنهم من يجد عند قبر من يعظّمه من الرقّة والخشوع ما لا يجده في المساجد والبيوت، وغير ذلك ممّا يوجد في الشيعة، ويروون أحاديث مكذوبة من جنس أكاذيب الرافضة (٢) ..

____________________

(١) مجموعة الفتوى ٢٢ : ١٥٤.

(٢) منهاج السنّة ١ : ٤٨٢ - ٤٨٣.


إلى أن قال : وقد يستغيث الشخص بواحد منهم فيتمثّل له الشيطان في صورته إمّا حيّاً وإمّا ميّتاً، وربّما قضى حاجته أو قضى بعض حاجته كما يجري نحو ذلك للنصارى مع شيوخهم، ولعُبّاد الأصنام من العرب والهند والترك وغيرهم. قيل : هذا كلّه ممّا نهى الله عنه ورسوله، وكلّ مانهى الله عنه ورسوله فهو مذموم منهي عنه سواء كان فاعله منتسباً إلى السنّة أو إلى الشيعة، إلى آخر كلامه (١) .

أقول : وسيأتي منه ترتب كلّ هذه الاُمور على من قصد قبر نبي حتّى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو قبر إبراهيم الخليل أيضاً، وكلّ ما ذكره خلاف ما عليه جميع أهل الإسلام.

وفي صفحة ١٣٣ من الجزء الأول أيضاً ما لفظه : أظهر ما يوجد الغلو في طائفتين : في النصارى والرافضة، ويوجد أيضاً في طائفة ثالثة من أهل النسك والزهد والعبادة الذين يغلون في شيوخهم ويشركون بهم، انتهى (٢) .

وفي صفحة ١٤٧ قال : كالذي يحيل بعض العامّة على أولياء الله رجالِ الغيب، ولا رجال الغيب عنده إلاّ أهل الكذب والمكر الذين يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدّون عن سبيل الله، أو الجنّ، أو الشياطين الذين يحصل بهم لبعض الناس أحوال شيطانيّة، انتهى (٣) .

وفي صفحة ٢٢٩ قال : فإنّ هذا يعني دعوى الشيعة أنّ النبيّ لايسهو، لاأعلم أحـداً يوافقهـم عليه، اللّهم إلاّ أن يكون من غلاة جهّال النسّاك، فإنّ بينهم وبين الرافضة قدراً مشتركاً في الغلو وفي الجهل والانقياد لما

____________________

(١) منهاج السنّة ١ : ٤٨٣.

(٢) نفس المصدر ١ : ٤٨٦.

(٣) نفس المصدر ١ : ٥٥٢.


لايعلم صحته، والطائفتان تُشبهان النصارى في ذلك (١) .

وذكر في الجزء الثاني في صفحة ٣١ ما لفظه : وأمّا الذين أثبتوا أنّه محبوب، وأنّ محبّته لغيره بمعنى مشيئته، فهؤلاء ظنّوا أنّ كلّ ما خلقه فقد أحبّه، وهؤلاء قد يخرجون إلى مذهب الإباحة فيقولون : إنّه يحبّ الكفر والفسوق والعصيان ويرضى ذلك، وإنّ العارف إذا شهد هذا المقام لم يستحسن حسنة ولن يستقبح سيّئة لشهوده القيومية العامّة، وخلق الربّ لكلّ شيء، وقد وقع في هذا طائفة من الشيوخ الغالطين من شيوخ الصوفيّة والنظّار، وهو غلط عظيم (٢) .

وفي صفحة ٨٥ قال : وهو من جنس الهدى والإيمان الذي يُدَّعى برجال الغيب بجبل لبنان وغيره من الجبال مثل جبل قاسيون بدمشق ومغارة الدمّ وجبل الفتح بمصر، ونحو ذلك من الجبال والغيران، فإنّ هذه المواضع يسكنها الجن ويكون بها الشياطين، ويتراءون أحياناً لبعض الناس، ويغيبون عن الأبصار في أكثر الأوقات، فيظنّ الجهال أنّهم رجال من الإنس، وإنّما هم رجال من الجنّ كما قال تعالى : ( وأنّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَال مِنَ الجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقَاً ) (٣) وهؤلاء يؤمن بهم وبمن ينتحلهم من المشايخ طوائف ضالون (٤) .

وفي صفحة ٨٩ ولم يحصل منفعة لا في الدين ولا في الدنيا مثل كثير من النساك الذين يشترطون في الشيخ أن يعلم اُموراً لا يكاد يعلمها أحد

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٤٥٣.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٦٧.

(٣) سورة الجنّ ٧٢ : ٦.

(٤) منهاج السنّة ٣ : ٣٧٩.


من البشر، فيصفون الشيخ بصفات من جنس صفات المعصوم عند الإماميّة، فمنتهى هؤلاء اتّباع شيخ ظالم أو جاهل واتّباع هؤلاء لمتولٍّ ظالم جاهل.

إلى أن قال : وهكذا مَن غلا في الزهد والورع حتّى خرج عن حد العدل الشرعي ينتهي أمره إلى الرغبة الفاسدة وانتهاك المحارم كما قد رُؤي ذلك وجُرّب، انتهى (١) .

ولا مثل الحطّ في مشايخ الحقيقة مشايخ الإسلام، فإنّه صريحاً نفى أن يكون وجد في الدنيا شيخاً بالصفة التي ذكروها، وإن كلّ من اعتقدوا فيه أنّه شيخ فهو شيخ ظالم أو جاهل فتدبّر حقيقة ابن تيميّة يا من له غيرة الطريقة.

وفي صفحة ١٠٩ قال : وإنّما هم ـيعني الشيعة في انتسابهم إلى اُولئك الأئمّة بمنزلة أتباع كثير من أتباع شيوخهم الذين ينتسبون إلى شيخ قد مات من مدّة ولم يدروا بماذا أمر ولا عمّاذا نهى، بل لهم أتباع يأكلون أموالهم بالباطل، ويصدّون عن سبيل الله، يأمرونهم بالغلو في ذلك الشيخ وفي خلفائه، وأن يتخذوهم أرباباً، إلى آخر تشنيعاته (٢) .

وفي صفحة ١١٠ وكان ينبغي أن يكون الشيوخ الكذّابون الذين يضمنون لمريدهم الجنّة، وأنّ لهم في الآخرة كذا وكذا، وأنّ كلّ من أحبّهم دخل الجنّة، وأنّ من أعطاهم المال أعطوه الحال الذي يقربه إلى ذي الجلال، أولى من اتّباع ذوي العلم والصدق والعدل، إلى آخره (٣) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٣ : ٤٠٠.

(٢) نفس المصدر ٣ : ٤٨٩.

(٣) نفس المصدر ٣ : ٤٩٤.


وفي صفحة ١٩١ قال : وكذلك شيوخ الزهد إذا أراد الرجل أن يقدح في بعض الشيوخ ويعظّم آخر وذلك أولى بالتعظيم وأبعد عن القدح، كمن يفضّل أبا يزيد (١) ، والشبلي (٢) وغيرهما ـممن يُحكى عنه نوع من الشطح على مثل الجنيد (٣) وسهل بن عبد الله التستري (٤) وغيرهما ممن هو أولى بالاستقامة وأعظم قدراً، وذلك لأنّ هؤلاء من جهلهم يجعلون مجرّد الدعوى العظيمة موجبة لتفضيل المدعي، ولا يعلمون أنّ تلك غايتها أن

____________________

(١) طيفور بن عيسى بن آدم بن علي البسطامي، أبو يزيد الصوفي المشهور، كان مجوسياً ثمّ أسلم، وله أخوان صفويان أيضاً، آدم وعلي، وكان أبو يزيد أجلّهم، توفّي ـ على ما قاله الذهبي ـ في حدود الثلاثمائة، وقال ابن خلّكان : توفّي سنة ٢٦١هـ ولعلّه وفاة البسطامي الأكبر دون الأصغر. الرسالة القشيرية ١ : ١٠٠، وفيات الأعيان ٢ : ٤٣٦ / ٣١٢، تاريخ الإسلام ٢٠ : ٧٣، طبقات الصوفية ١ : ٦٥١ / ٢٥٧.

(٢) أبو بكر الشبلي، الصوفي المشهور، صاحب الأحوال. اسمه دلف بن جحدر، وقيل : جعفر بن يونس، وقيل : جعفر بن دلف، أصله من اشبلية، وهي قرية من بلاد أشروسنة من خراسان، حضر الشبلي مجلس بعض الصوفيين فتاب ثمّ صحب الجنيد. وكان فقيهاً عارفاً بمذهب مالك، توفّي ببغداد سنة ٣٣٤ هـ. حلية الأولياء ١ : ٣٦٦ / ٦٤٦، معجم البلدان ٣ : ٣٢٢، الرسالة القشيرية : ٢٥ - ٢٦.

(٣) أبو القاسم بن محمّد بن الجنيد الخزاز القواريري الصوفي المشهور، أصله من نهاوندومولده ومنشؤه العراق، وكان شيخ وقته وفريد عصره، تفقه على أبي ثور، توفّي سنة ٢٩٨ هـ ودفن عند قبر خاله سرى السقطي. الفهرست لابن النديم : ٢٦٤، حلية الأولياء ١٠ : ٢٥٥ / ٥٧١، وفيات الأعيان ١ : ٣٤٦ / ١٤٤، طبقات الصوفيّة القسم الثاني : ٥٧١ / ٢٤٠.

(٤) ابن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري أبو محمّد، صوفي مشهور، صحب خاله محمّد بن سوار، ولقي في الحجّ ذا النون المصري وصحبه، سكن البصرة زماناً وعبادان مدّة، توفّي سنة ٢٨٣ هـ. وقيل : ٢٧٣. الفهرست لابن النديم : ٢٦٣، حلية الأولياء ١٠ : ١٨٦ / ٥٤٦، الوافي بالوفيات ١٦ : ١٦ / ١٩، العبر ١ : ٤٠٧، طبقات الصوفية القسم الثاني : ٦٣٣ / ٢٥٤، طبقات الشعراني ١ : ٧٧.


تكون من الخطأ المغفور لا من السعي المشكور، وكلّ من لم يسلك سبيل العلم والعدل أصابه مثل هذا التناقض (١) .

وفي الجزء الثالث منه في صفحة ٨٣ فإن كان من الصوفيّة الذين يجعلون الكمال في فناء العبد عن حظوظه، دخلوا في مقام الفناء في توحيد الربوبيّة الذين يقولون فيه : العارف لا يستحسن حسنة ولا يستقبح سيئة، ويجعلون هذا غاية العرفان، فيبقى عندهم لا فرق بين أولياء الله وأعدائه، ولا بين الإيمان والكفر به، ولا بين حمده والثناء عليه وعبادته وبين سبّه وشتمه وجعله ثالث ثلاثة، ولا بين رسول الله وبين أبي جهل، ولا بين موسى وفرعون (٢) .

إلى أن قال : وإن كان من المرجئة (٣) الذين إيمانهم بالوعيد ضعيف، استرسلت نفسه في المحرّمات وترك الواجبات حتّى يكون من شرّ الخلق.

إلى أن قال : وهؤلاء يدعون محبّة الله في الابتداء، ويعظّمون أمر محبّته، ويستحبّون السماع بالغناء والدفوف والشبابات، ويرونه قربة، لأنّ ذلك بزعمهم يحرّك محبّة الله في قلوبهم، وإذا حقّق أمرهم وجدت محبتهم تشبه محبّة المشركين لا محبّة الموحدين.

إلى أن قال : وهؤلاء لا يحقّقون متابعة الرسول ولا الجهاد في سبيل الله بل كثير منهم، أو أكثرهم يكرهون متابعة الرسول، وهم من أبعد الناس

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٣٤٢.

(٢) نفس المصدر ٥ : ٣٢٥ - ٣٢٦.

(٣) مأخوذ من الإرجاء بمعنى التأخير، وهم فرقة يقولون : إنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وقالوا : إنّ الله أرجى تعذيبهم عن المعاصي، وهم الذين قالوا : الإيمان قول بلا عمل; لأنّهم يقدمون القول ويؤخرون العمل. المقالات والفرق : ٥ - ٦ و١٣١ ، الملل والنحل ١ : ٢٢٢.


عن الجهاد في سبيل الله، بل يعاونون أعداءه ويدعون محبته، لأنّ محبتهم من جنس محبّة المشركين قال الله فيهم : ( وَمَا كَانَ صَلاتهم عِندَ البَيتِ إلاّ مُكَاءً وَتَصدِيَة ) (١) ولهذا يحبّون القصائد أعظم ممّا يحبّون سماع القرآن، ويجتهدون في دعاء مشايخهم والاستغاثة بهم عند قبورهم وفي حياتهم في مغيبهم أعظم ممّا يجتهدون في دعاء الله والاستغاثة به في المساجد والبيوت، وهذا كلّه من فعل الشرك ليس من فعل المخلصين لله دينهم (٢) .

وفي ٨٤ شبّه الجهميّة والأشعريّة باليهود، والصوفيّة بالنصارى وأكثر التشنيع عليهم.

إلى أن قال : وكثير من هؤلاء يظنّ أنّه يصل برياضته واجتهاده في العبادة وتصفيّة نفسه إلى ما وصلت إليه الأنبياء من غير اتّباع لطريقتهم، وفيهم طوائف يظنّون أنّهم صاروا أفضل من الأنبياء، وأنّ الولي الذي يظنّون هم أنّه الولي أفضل من الأنبياء، وفيهم من يقول : إنّ الأنبياء والرسل إنّما يأخذون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، ويدّعي في نفسه أنّه خاتم الأولياء، ويكون ذلك العلم هو حقيقة قول فرعون، إلى آخره (٣) .

والذي في أوّل صفحة ٨٤ قال : وهؤلاء أي الصوفيّة فيهم شَبَهٌ من النصارى، وفيهم شرك من جنس شرك النصارى (٤) .

وفي صفحة ٨٥ ما لفظه : وكذلك في جنس المبتدعة الخارجين عن الكتاب والسنّة من أهل التعبّد والتصوّف، منهم طوائف من الغلاة يدعون

____________________

(١) سورة الأنفال ٨ : ٣٥ .

(٢) منهاج السنّة ٥ : ٣٢٥ - ٣٢٩.

(٣) نفس المصدر ٥ : ٣٣٢ - ٣٣٣.

(٤) نفس المصدر ٥ : ٣٢٩.


الإلهية ودعوى ما هو فوق النبوّة (١) .

وفي صفحة ١٠٧ ما لفظه : أمّا الطريقان المبتدعان :

فأحدهما : طريق أهل الكلام البِدعيّ والرأي البِدعيّ، فإنّ هذا فيه باطل كثير، وكثير من أهله يفرّطون فيما أمر الله به ورسوله من الأعمال، فيبقى هؤلاء في فساد علم وفساد عمل، وهؤلاء منحرفون إلى اليهوديّة الباطلة.

والثاني طريق أهل الرياضة والتصوّف والعبادة البِدعيّة، وهؤلاء منحرفون إلى النصرانيّة الباطلة، فإنّ هؤلاء يقولون : إذا صفّى الإنسان نفسه على الوجه الذي يذكرونه فاضت عليه العلوم بلا تعلم، وكثير من هؤلاء تكون عبادته مبتدعة بل مخالفة لما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

إلى أن قال : وكثير من أهل النظر يزعمون أنّه بمجرّد النظر يحصل العلم بلا عبادة ولا دين ولا تزكية للنفس، وكثير من أهل الإرادة يزعمون أنّ طريقة الرياضة بمجرّدها تحصل المعارف بلا تعلم ولا نظر ولا تدبّر للقرآن والحديث، وكلا الفريقين غالط (٢) .

وفي الجزء الرابع في صفحة ١١٦ حطّ على العرفاء ونسبهم إلى أعظم الكفر والكذب، وذكر أنّ لهم أحوالا شيطانيّة، وأنّ الشياطين الذين يغترّون بهم (٣) قد تخبرهم ببعض الغائبات، وتفعل بعض أغراضهم، وتقضي حوائجهم، ويظنّ كثير من الناس أنّهم بذلك أولياء [الله] وإنّما هم من

____________________

(١) منهاج السنّة ٥ : ٣٣٤.

(٢) نفس المصدر ٥ : ٤٢٨ - ٤٢٩.

(٣) في المصدر : والشياطين التي تقترن بهم...


أولياء الشياطين، انتهى (١) . فهل هذا إلاّ عدوّ الإسلام.

وفي صفحة ١٥٧ قال : ولم يكن أحد منهم أي الصحابة والتابعين يجعل شيخه ربّاً يستغيث به، كالإله الذي يسأله ويرغب إليه ويعبده ويتوكّل عليه ويستغيث به حيّاً وميّتاً، ولا كالنبيّ الذي تجب طاعته في كلّ ما أمر فالحلال ما حلّله والحرام ما حرّمه، فإنّ هذا ونحوه دين النصارى، إلى آخره (٢) .

وفي صفحة ١٦٠ قال ما لفظه : وكذلك طائفة من العامّة والنسّاك يعتقدون في بعض الشيوخ نوعاً من الإلهية أو النبوّة، أو أنّهم أفضل من الأنبياء، ويجعلون خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وكذلك طائفة من هؤلا يجعلون الأولياء أفضل من الأنبياء، ويعتقد ابن عربي ونحوه أنّ خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء، وأنّه هو خاتم الأولياء (٣) .

قال : فهذه الأقوال ونحوها هي من الكفر المخالف لدين الإسلام بإتّفاق أهل الإسلام (٤) .

وفي صفحة ١٩٧ حطّ على أهل المكاشفات بما لا يفوه به مسلم فراجعه فإنّه طويل (٥) .

وفي ٢١٢ حطّ على غير واحد من مشايخ زمانه ونسبهم إلى دعوى المهدويّة.

وفي صفحة ٢١٢ أيضاً أنكر القطب والغوث والخضر، وحطّ على

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٤٣٢ - ٤٣٣.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٤٨.

(٣) انظر الفتوحات المكية ١ : ٣١٨.

(٤) منهاج السنّة ٨ : ٥٩.

(٥) نفس المصدر ٨ : ٢٠٦.


من يدّعي ذلك وكذلك، أنكر رجال الغيب وشبّههم بالشياطين فراجع (١) .

وذكر في كتابه المسمّى بالفرقان بين الحقّ والباطل في آخره وختم به الرسالة، قال : وهم في ذلك بمنزلة ما يعظّمه العبّاد والزهّاد والفقراء والصوفيّة من الخوارق الشيطانيّة، ويفضّلونها على العبادات الشرعيّة والعبادات الشرعيّة هي التي معهم من الإسلام، وتلك كلّها باطلة وإن كانت أعظم عندهم من العبادات حتّى يقولوا : نهاية الصوفي ابتداء الفقيه ونهاية الفقيه ابتداء المُوَلّه..

وكذلك صاحب منازل السائرين (٢) يذكر في كلّ باب ثلاث درجات :

فالاُولى وهي أهونها عندهم توافق الشرع في الظاهر.

والثانية قد توافق الشرع وقد لا توافقه.

والثالثة في الأغلب تخالف لا سيّما في التوحيد والفناء والرجاء ونحو ذلك.

وهذا الذي ابتدعوه هو أعظم عندهم ممّا وافقوا فيه الرُسُل، وكثير من العبّاد يفضّل نوافله على أداء الفرائض وهذا كثير (٣) ، انتهى.

وحاصل كتابه الفرقان إبطال أصول أهل السنّة والجماعة من المتكلّمين والصوفيّة.

ومن تشنيعاته الكذبيّة ما ذكره في رسالة زيارة بيت المقدّس وهي من جملة الجزء الثاني من مجموعة الرسائل الكبرى المطبوعة بمصر.

____________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٥٩ - ٢٦١.

(٢) هو كتاب في الأخلاق العملي وبيان منازل السير والسلوك، صنّفها الشيخ عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي الصوفي، المتوفّى سنة ٤٨١ هـ. كشف الظنون ٢ : ٥٠٣ / ٢٦٠، هدية العارفين ١ : ٤٥٢.

(٣) رسالة الفرقان بين الحقّ والباطل ١ : ١٠٦، مجموعة الفتاوى ٣ : ٢٢٩.


قال في صفحة ٦٢ : إنّ بعسقلان كثيراً من الجن وهم رجال الغيب الذين يُرَوْن أحياناً.

إلى أن قال : وكذلك الذين يرون الخضر أحياناً هو جنّي رآه، وقد رآه غير واحد ممّن أعرفه وقال : إنّني الخضر. وكان ذلك جنّيّاً لبّس على المسلمين الذين رأوه، وذكر موت الخضر (١) .

وفي صفحة ٦٣ صرّح بأنّ الشيطان يتمثّل لأحدهم في صورة النبيّ (٢) ويقول : أنا الخضر وإنّما هو شيطان، قال : ومن هؤلاء مَن تحمله الشياطين فتطير به في الهواء إلى مكان بعيد، ومنهم مَن تحمله إلى عرفة..

إلى أن قال : ثمّ يحملونه إلى بلده، وهذا من تلعّب الشياطين بكثير من الناس (٣).

وفي رسالة الاحتجاج بالقدر المطبوعة أيضاً في الجزء الثاني المذكور ذكر في صفحة ١٢٦ تشنيعات قبيحة على الصوفيّة، ثمّ قال :

____________________

(١) مجموع الفتاوى ٢٧ : ١٨.

(٢) وهذا مخالف لما ورد في أخبار كثيرة وبألفاظ مختلفة دالّة على عدم تمثّل الشيطان في المنام بصورة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام:

منها : « من رأني في المنام وكأنّما رأني في اليقظة ، ولا يتمثّل الشيطان بي » .

ومنها : « من رآني في المنام فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثّل بي » .

ومنها : « من رآني في النوم فقد رآني فإنّه لا ينبغي للشيطان أن يتمثّل في صورتي » . وفي رواية : « أن يتشبه بي » .

ومنها : « من رآني فقد رأى الحقّ فإنّ الشيطان لا يتراءى بي » .

راجع مسند أحمد ١ : ٢٧٩ ، ٣٧٥ ، ٤٤٠ و ٢ : ٢٣٢ ، ٢٦٤ ، ٣٤٢ ، ٤٧٢ و ٥ : ٣٠٦ ، صحيح البخاري ٩ : ٦٥٣ / ١٨٢٧ ، صحيح مسلم ٤ : ١٧٧٥ / ٢٢٦٦ ، سنن الدارمي ٢ : ١٢٤ ، بحار الأنوار ٥٨ : ٢٣٤ الباب ٤٥ .

(٣) مجموع الفتاوى ٢٧ : ١٩.


ويجوّزون قتال الأنبياء وقتلهم..

إلى أن قال : وتخاطبهم الشياطين بأمر ونهي وكشف يظنّونه من جهة الله.

ثمّ ذكر شنائع أيضاً إلى أن قال : فهذا كلّه من تفريع أصل الجهميّة الغلاة في الجبر في القدر فراجعه إلى صفحة ١٢٨ (١) .

أقول : مَن أخبر ابن تيميّة أنّ هذه المكاشفات من قبل الشياطين لا من جهة الله فإن لم يكن تعمّد الكذب بذلك فلعلّ شيطاناً أخبره أنّ هذه المكاشفات للأولياء من قبل الشياطين; حتّى يتلعّب به، ويستعين به على معاداة أولياء الله، نعوذ بالله.

الفصل الثامن : في ذكر تشنيعه وتنقيصه وتكفيره ناساً بأسمائهم من علماء الإسـلام وكبار أهل السنّة والجماعة ممّا هو مثل الذي ذكره في عمومهم.

ففي منهاج الحشويّة في الجزء الأوّل منه ذكر في صفحة ١٣٧ التصريح بإلحاد الشيخ محي الدين بن عربي (٢) صاحب الفتوحات (٣) .

وفي صفحة ٢٦٠ منه قال ما لفظه : وأهل الوحدة القائلون بوحدة

____________________

(١) مجموع الفتاوى ٨ : ٣٤٩.

(٢) أبو بكر محمّد بن علي بن محمّد أحمد الطائي المرسي الحاتِمي والأندلسيّ، ويعرف بابن العربي، صاحب كتاب فصوص الحكم، والفتوحات المكّيّة وغيرهما، توفّي سنة ٦٣٨ هـ. سير أعلام النبلاء ٢٣ : ٤٨ / ٣٤، الوافي بالوفيات ٤ : ١٧٣ / ١٧١٣، البداية والنهاية ١٣ : ١٥٨، طبقات الصوفية للمنارى ٢ : ٥١٣ / ٥٥٥.

(٣) منهاج السنّة ١ : ٥٠٩.


الوجود كأصحاب ابن عربي وابن سبعين (١) وابن فارض (٢) يدّعون أنّهم يشاهدون الله دائماً، فإنّ عندهم مشاهدته في الدنيا والآخرة على وجه واحد (٣) .

وفي صفحة ٨٥ من الجزء الثالث منه ذكر ما لفظه : وكذلك في جنس المبتدعة الخارجين عن الكتاب والسنّة من أهل التعبّد والتصوّف، منهم طوائف من الغلاة يدّعون الإلهيّة، ودعوى ما هو فوق النبوّة، وإن كان متفلسفاً يُجَوِّز وجود نبي بعد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كالسهروردي (٤) المقتول في

____________________

(١) عبد الحقّ بن إبراهيم بن نصر بن فتح بن سبعين، قطب الدين، أبو محمّد الأشبيلي المرسي، الرقوطي الأصل، الصوفي المشهور، من زهّاد الفلاسفة، ومن القائلين بوحدة الوجود. درس العربية والآداب في الأندلس، وانتقل إلى سبتة، وحجّ واشتهر أمره، مات بمكّة سنة ٦٦٩ هـ، كفّره كثير من الناس، ويعرف أتباعه بالسبعينيّة. العبر ٣ : ٣٢٠، تاريخ الإسلام للذهبي ٤٩ : ٢٨٣ / ٣١٣، البداية والنهاية ١٣ : ٢٦١.

(٢) أبو حفص وأبو القاسم عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، المعروف بابن الفارض شرف الدين، قال الذهبي : كان سيّد شعراء عصره وشيخ الاتّحاديّة، حدث عن ابن عساكر، له ديوان شعر، توفّي سنة ٦٣٢ هـ. وفيات الأعيان ٣ : ٣٨٩٨ / ٥٠٠، طبقات الصوفية ٢ : ٤٩٥ / ٥٤٤.

(٣) منهاج السنّة ٢ : ٦٢٦.

(٤) أبو الفتوح يحيى بن حَنبش بن أميرك، الملقّب بشهاب الدين السهروردي، والمشهور بشيخ الإشراق، وقيل : اسمه أحمد، وقيل : كنيته اسمه، وهو أبو الفتوح، وقيل : اسمه عمر، كان من علماء عصره، قرأ الحكمة وأُصول الفقه على الشيخ مجدالدين الجيلي بمدينة مراغة، وبرع في زمانه في العلوم الحكميّة والفلسفيّة والاُصول الفقهيّة وغيرها، وكان مفرط الذكاء، فصيح العبارة، قتل في حلب أواخر سنة ٥٨٦هـ، والصحيح أنّه قتل فى سنة ٥٨٧ هـ، له مصنّفات منها : التنقيحات في أُصول الفقه، وكتاب التلويحات، كتاب الهياكل، وكتاب حكمة الإشراق. وفيات الأعيان ٥ : ٢٢٥ / ٨١٣، طبقات الصوفية ٢ : ٣١٠ / ٤٥٠، الأعلام ٨ : ١٤٠.


الزندقة وابن سبعين وغيرهما صاروا يطلبون النبوّة.

إلى أن قال : ومن هؤلاء مَن يقول بالحلول والاتّحاد، وهم في الحلول والاتّحاد نوعان :

نوع يقول بالحلول والاتّحاد العالم المطلق كابن عربي وأمثاله، ويقولون في النبوّة : أنّ الولاية أعظم منها، كما قال ابن عربي : مقام النبوّة في برزخ فويق الرسول دون الولي (١) ، إلى آخر ما ذكر (٢) .

ثمّ في الجزء الرابع في صفحة ١٤٨ قال : وقد يجعلون قوى النفس التي تقتضي فعل الخير هي الملائكة، وقواها التي تقتضي الشرّ هي الشياطين، وأن الملائكة التي تنزل على الرسل والكلام الذي سمعه موسى ابن عمران عليه‌السلام إنّما هو في نفوس الأنبياء، ليس في الخارج، بمنزلة ما يراه النائم، وما يحصل لكثير من الممرورين وأصحاب الرياضة حيث يتخيّل في نفسه أشكالا نورانيّة، ويسمع في نفسه أصواتاً، فتلك هي عندهم ملائكة الله، وذلك هو كلام الله، ليس له كلام منفصل، ولهذا يدّعي أحدهم أنّ الله كلّمه كما كلّم موسى بن عمران أو أعظم ممّا كلّم موسى; لأنّ موسى كُلِّم عندهم بحروف وأصوات في نفسه وهم يُكلَّمون بالمعاني المجرّدة العقليّة، وصاحب مشكاة الأنوار (٣) والكتب المضنون بها على غير أهلها وقع في كلامه قطعة من هذا النمط، وقد كفّرهم بذلك في مواضع اُخر ورجع عن ذلك واستقر أمره على مطالعة البخاري ومسلم وغيرهما، ومن

____________________

(١) انظر تفسير ابن عربي ١ : ١٧١، شرح فصوص الحكم للقيصري : ١٤٨.

(٢) منهاج السنّة ٥ : ٣٣٤.

(٣) وهو أبو حامد الغزالي المتوفّي سنة ٥٠٥ هـ .


هنا سلك صاحب خلع النعلين ابن قسي (١) وأمثاله، وكذلك ابن عربي صاحب فصوص الحكم والفتوحات المكيّة، إلى آخر كلامه (٢) .

وفي آخر هذه الصفحة نسب إلى السهروردي إنّه كان يطلب أن يصير نبياً (٣).

وفي الصفحة التي بعدها وهي صفحة ١٥٠ نسب إليه أنّه عظّم أمر الأنوار، وقرّب دين المجوس الأوّل وهي نسخة الباطنيّة الإسماعليّة (٤) ، وكان له يد في السحر والسيميّات فقتله المسلمون على الزندقة بحلب في زمن صلاح الدين، وكذلك ابن سبعين الذي جاء من المغرب إلى مكّة،

____________________

(١) أبو القاسم أحمد بن قسي الأندلسي ، مصنّف خلع النعلين في الوصول إلى حضرة الجمعين ، شرحه الشيخ محيي الدين بن عربي المتوفّي سنة ٦٣٨ هـ ، وذكر أنّ المؤلّف كان من أهل الأدب والفضل متضلِّع في اللّغة . قال الذهبي : . . . كان أوّل أمره يدعي الولاية ، وكان ذا حيلة وشعبذة ، ومعرفة بالبلاغة . . . كان سيّيء الاعتقاد فلسفي التصوّف ، مبتدعاً ، أراد الثورة فظفر به عبد المؤمن وسجنه ، سمّي أصحابه بالمرابطين ، توفّي سنة ٥٤٥ هـ ، وقيل : حدود ٥٦٠ هـ . سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٣١٦ / ٢١٠ ، تاريخ الإسـلام للذهبي ٣٨ : ٣٣٧ ، الوافي بالوفيـات ٧ : ٢٩٧ / ٣٢٨٢ .

(٢) منهاج السنّة ٨ : ٢١.

(٣) نفس المصدر ٨ : ٢٤.

(٤) الإسماعيلية فرقة تنسب إلى إسماعيل أكبر أولاد الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام ، لاعتقادهم أنّ الإمامة فيه، وقيل : نسبة إلى ولده محمّد بن إسماعيل، وهي أيضاً اسم لجميع الفرق التي قالت بإمامتة، كالقرامطة والتعليمية والدروز في الشام والحشّاشون أتباع الحسن الصباح والسبعية وغيرها. ومحمّد بن إسماعيل عندهم الإمام السابع ولذا سميت أيضاً بالسبعية; لتميزها عن الاثني عشرية، وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنّما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأنّ لكلّ ظاهر باطناً، ولكلّ تنزيل تأويلاً. المقالات والفرق : ٨١، ٢١٣، فرق الشيعة : ٦٩،الملل والنحل ١ : ٣٣٠، المواقف للايجي ٣ : ٦٧٥، تاريخ الإسلام ٢٠ : ٢٣٢، ٢٣٣، ٢٣٦، الوافي بالوفيات ٩ : ٦٢ / ٣.


وكان يطلب أن يصير نبيّاً، وجدّد غار حرّاء الذي نزل فيه الوحي على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابتداء، وحكي عنه (١) أنّه كان يقول : لقد ذَرِب ابن آمنة حيث قال : «لا نبي بعدي» (٢) ، وكان بارعاً في الفلسفة وفي تصوّف المتفلسفة (٣) وما يتعلّـق بذلك، وهـو وابن عربي وأمثالهمـا كالصـدر القونوي (٤) ، وابن الفارض، والتلمساني (٥) ، منتهى أمرهم القول بوحدة الوجود [وأنّ الوجود] (٦) الواجب القديم الخالق هو الوجود الممكن المُحدَث المخلوق،

____________________

(١) انظر : تاريخ الإسلام للذهبي ٤٩ : ٢٨٣.

(٢) مسند أحمد ١ : ١٨٤ و ٢ : ٢٩٧ و ٣ : ٣٢ و ٥ : ٢٧٨، ٣٩٦، صحيح البخاري ٤ : ٦٣٤ / ١٦٠٤، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣١ - ٣٢.

(٣) في نسخة : التصوّف الفلسفي.

(٤) صدر الدين أبو عبد الله محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يوسف بن علي القونوي الرومي الصوفي على مذهب أهل الوحدة. شيخ الاتّحاد بقونية، صحب ابن العربي، وقرأ كتاب جامع الاُصول على شرف الدين يعقوب الهذياني، ورواه عنه الشيخ قطب الدين الشيرازي، له مصنّفات في السلوك، فمن ذلك النفحات وتحفة الشكور وتجليّات وتفسير سورة الفاتحة، له مراسلات مع الخواجه نصير الدين الطوسي المسمّى بالمفارضات، توفّي سنة ٦٧٣ أو ٦٧٢ أو ٦٧١ هـ. الوافي بالوفيات ٢ : ٢٠٠ / ٥٧٢١، طبقات الشافعية للسبكي ٨ : ٤٥ / ١٠٦٩، الطبقات الكبرى للشعراني ١ : ٢٠٣، الأعلام للزركلي ٦ : ٣٠.

(٥) أبو الربيع سليمان بن علي، المنطقي الأديب المتقن في علوم النحو والأدب والفقه والاُصول، عفيف الدين التلمساني، كان كوميّ الأصل ـمن قبيلة كومة تنقّل في بلاد الروم، وسكن دمشق فباشر فيها بعض الأعمال، وكان يدّعي العرفان ويتصوّف ويتكلّم على اصطلاح القوم، يتّبع طريقة ابن العربي في أقواله وأفعاله، ونسبه جماعة إلى رقة الدين والميل إلى مذهب النصيرية. له من التصانيف : شرح أسماء الحسنى، وشرح منازل السائرين، وشرح الفصوص، وله ديوان مشهور. توفّي في دمشق سنة ٦٩٠ هـ ودفن بمقابر الصوفية. تاريخ الإسلام للذهبي ٥ : ٤٠٦، الوافي بالوفيات ١٥ : ٤٠٨ / ٥٥٧، الأعلام٣ : ١٣٠، طبقات الصوفية ٢ : ٤٢٠ / ٥١٢.

(٦) ما بين المعقوفين من المصدر.


ما ثَمَّ لا غير ولا سوى. إلى آخر تشنيعاته وكذبه وافترائه، وله في هذه الصفحة حماسات في فهم كلام الشيخ محي الدين ابن عربي (١) .

وفي صفحة ١٦٠ ذكر أنّ ابن عربي يعتقد أنّ خاتم الأنبياء يستفيد من خاتم الأولياء، وأنّه هو خاتم الأولياء (٢) .

ثمّ قال : فهذه الأقوال ونحوها هى الكفر المخالف لدين الإسلام باتّفاق أهل الإسلام، إلى آخره.

وفي كتابه المسمّى ببيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول المطبوع في هامش منهاجه.

قال في صفحة ٤ من هامش الجزء الأوّل : كما يفضّل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء في زعمه على الأنبياء، وكما يفضل الفارابي (٣) ومبشر ابن فاتك (٤) وغيرهما الفيلسوف على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا الذين يقولون : إنّ

____________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ٢٥.

(٢) منهاج السنّة ٨ : ٥٩.

(٣) الشيخ أبو نصر محمّد بن محمّد بن طرخان بن اوزلغ التركي، المشهور بالمعلم الثاني، أحد الأذكياء صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى. كان من الفلاسفة المعروفين، وقالوا : لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه، تركي الأصل، ولد في فاراب، وانتقل إلى بغداد، ورحل إلى مصر وشام واتّصل بسيف الدولة بن حمدان، توفّي بدمشق سنة ٣٣٩ هـ، كان يحسن اليونانية وأكثر اللغات الشرقية المعروفة في عصره، ويقال : إنّ الآلة المعروفة بالقانون من وضعه. الفهرست لابن النديم : ٣٦٨، سير أعلام النبلاء ١٥ : ٤١٦ / ٣٣١، الوافي بالوفيّات ١ : ١٠٦ / ١١، الكنى والألقاب ٣ : ٢، الأعلام للزركلي ٧ : ٢٠.

(٤) أبو الوفاء مبشر بن فاتك الآمري ، المعروف بالأمير محمود الدولة ، من أعيان أُمراء مصر ، أصله من دمشق توطّن مصر إلى أن مات بها سنة ٤٨٠ هـ . اشتغل في الهيئة والعلوم الرياضية الحكمية وصناعة الطب والأخبار والتواريخ ، وكان ممن


النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعلم ذلك فقد يقولون : إنّ النبيّ أفضل من الفيلسوف، قال : وابن سينا وأمثاله من هؤلاء، وهذا في الجملة قول المتفلسفة والباطنيّة كالملاحدة الإسماعليّة وأصحاب رسائل أخوان الصفا (١) ، والفارابي، وابن سينا، والسهروردي المقتول، وابن رشد الحفيد (٢) ، وملاحدة الصوفيّة الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنّة كابن عربي، وابن سبعين، وابن الطفيل صاحب رسالة حي بن يقظان (٣) ، وخلق

____________________

اجتمع به من العلماء وأخذ عنه كثيراً أبو علي الحسن بن الهيثم وأبو الحسن المعروف بالآمدي وغيرهما ، له مصنّفات منها : التنبيه والتبيين لمصالح الدنيا والدين ، مختار الحكم ومحاسن الكلم . عيون الأنباء في طبقات الأطباء لابن أبي أصيبعة : ٥٦٠ ، الوافي بالوفيات ١٥ : ، معجم الاُدباء ١٧ : ٧٧ / ٢٤ ، الأعلام للزركلي ٥ : ٢٧٣ .

(١) مجموعة في إحدى وخمسـين رسالة من تأليف جماعة كان موطنها البصـرة ولم يعرف أشخاصهم، وذكر أبو حيّان أسماء خمسة ينتمون إليهم، وذهب البعض إلى أنّ مؤلّفه هو السيد أحمد بن عبد الله بن محمّد المكتوم بن إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام المتوفّي سنة ٢١٥ هـ. كشف الظنون ١ : ٩٠٢، أعيان الشيعة ٣ : ٢٢٦، معجم المطبوعات العربية ١ : ٤٠٩، الأعلام للزركلي ١ : ١٥٥ و ٣ : ٥٩، الذريعة ١ : ٣٨٣ / ١٩٨١ و٨ : ٩ / ١.

(٢) محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد أبو الوليد القرطبي حفيد ابن رشد، الفقيه شيخ المالكية، عرض الموطأ على والده، وأخذ الطبّ عن أبي مروان بن جُرَّبُول، ودرس الفقه حتى برع، وأقبل على علم الكلام والفلسفة وعلوم الأوائل حتى صار يضرب به المثل، له مصنّفات كثيرة، توفّي سنة ٥٩٥ هـ . سير أعلام النبلاء ٢١ : ٣٠٧ / ١٦٤، الوافي بالوفيات ٢ : ١١٤ / ٤٥٠، الأعلام للزركلي ٥ : ٣١٦.

(٣) محمّد بن عبد الملك بن محمّد بن محمّد بن طفيل القيسي أبو بكر، أو أبوجعفر، حكيم طبيب، رياضي، شاعر، ولد في وادى آش، وتعلم الطب في غرناطة، وخدم حاكمها، ثمّ أصبح طبيباً للسلطان أبي يعقوب يوسف بالأندلس، قرأ على جماعة من أهلها منهم أبو بكر بن الصائغ المعروف بابن باجة، وكان بينه


كثير غير هؤلاء (١) .

وفي هامش صحفة ١٠ قال : وهذا الأصل نقيض الأصل الذي ذكره طائفة من الملحدين، كما ذكره الرازي (٢) في أَوّل كتابه نهاية العقول (٣) .

وفي صفحة ١٧٥ قال ما لفظه : وأمّا ملاحدة المتصوّفة كابن عربي الطائي، وصاحبه الصدر القونوي، وابن سبعين، وابن فارض وأمثالهم (٤) ، إلى آخر كلامه.

وفي هامش صفحة ١٩٥ قال : إذ صاحـب مشكاة الأنوار يعني أباحامدالغزالي (٥) : بنى كلامه على اُصول هؤلاء الملاحدة، وجعل ما

____________________

وبين ابن رشد مباحث ومراجعات، وكان متمكناً على الحكمة حريصاً على الجمع بين الشريعة والفلسفة من آثاره رسالة حي بن يقظان في أسرار الحكمة المشرقية، توفّي بمراكش سنة ٥٨١ هـ. وفيات الأعيان لابن خلّكان ٥ : ٤٩١ ذيل الترجمة : ٨٤٥، عيون الأنباء في طبقات الأطباء : ٥٣٥، الأعلام ٦ : ٢٤٩، معجم المؤلفين ١٠ : ٢٥٩.

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٩ - ١٢.

(٢) محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين بن علي القرشي التميمي البكري، أبو عبد الله المعروف بالفخر الرازي، الإمام المفسِّر، أحد فقهاء الشافعية المشاهير، أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل، أصله من طبرستان ومولده في الري وإليها نسب، ويقال له : ابن خطيب الري، رحل إلى خوارزم وما وراء النهر وخراسان، وتوفّي في هرات سنة ٦٠٦ هـ، كان مبدأ اشتغاله على والده ثمّ على الكمال السماني، أقبل الناس على كتبه في حياته يتدارسونها، وكان يحسن الفارسية، من تصانيفه تفسير مفاتيح الغيب المعروف بالتفسير الكبير. الوافي بالوفيات ٤ : ٢٤٨ / ١٧٨٧، طبقات الشافعية الكبرى ٨ : ٨١ / ١٠٨٩، الأعلام للزركلي ٦ : ٣١٣.

(٣) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٢١.

(٤) نفس المصدر ١ : ٢٩٠.

(٥) زين الدين محمّد بن محمّد بن محمّد بن أحمد أبو حامد الغزالي الطوسي الشافعي، تفقّه ببلده أوّلاً، ثمّ تحول إلى نيسابور مع جماعة من الطلبة، فلازم إمام


يفيض على النفوس من المعارف من جنس خطاب الله عزّوجلّ لموسى بن عمران عليه‌السلام ، كما تقوله القرامطة الباطنيّة ونحوهم من المتفلسفة، وجعل خلع النعلين الذي خوطب به موسى صلوات الله وسلامه عليه إشارة إلى ترك الدنيا والآخرة قال : وهو من جنس قول مَن يقول : إنّ النبوّة مكتسبة، ولهذا كان أكابرهؤلاء يطمعون في النبوّة، فكان السهروردي المقتول يقول : لا أموت حتّى يقال لي : قم فأنذر..

وكان ابن سبعين يقول : لقد ذرب ابن آمنة حيث قال : «لا نبي بعدي»، ولما جعل خلع النعلين إشارة إلى ذلك، أخذ ذلك ابن قسي ونحوه ووضع كتابه في خلع النعلين واقتباس النور من موضع القدمين من مثل هذا الكلام، ومن هنا دخل أهل الإلحاد من أهل الحلول والوحدة والاتّحاد، حتّى آل أمرهم إلى أن جعلوا وجود المخلوقات عين وجود الخالق سبحانه وتعالى، كما فعل صاحب الفصوص ابن عربي، وابن سبعين، وأمثالهما من الملاحدة المنتسبين إلى التصوّف والتحقيق (١) ، انتهى.

وفي كتابه جواب أهل العلم والإيمان كفّر ابن المرابط وغيره ممّن يقول بنفي التفاضل في كلام الله، وهم كلّ أهل السنّة والجماعة

____________________

الحرمين فبرع في الفقه في مدّة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عين المناظرين، أصله من غزالة وهي قرية من أعمال طوس وقيل : كان والده يغزل الصوف ويبيعه في دكانه، رحل إلى بغداد ودمشق والحجاز ومصر وبيت المقدس والاسكندرية، وعاد إلى وطنه، كان فيلسوفاً متصوّفاً، له آثار كثيرة في الفقه والاُصول والأخلاق وغيرها، توفّي سنة ٥٠٥ هـبطابران قصبة في طوس. تاريخ دمشق ٥٥ : ٢٠٠، سير أعلام النبلاء ١٩ : ٣٢٣ / ٢٠٤، الأعلام للزركلي ٧ : ٢٢.

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٣١٧ - ٣١٨.


الأشعريّة (١) .

وفي صحفة ٧٧ حطّ على أبي حامد الغزالي وشنّع عليه وجهّله فراجع (٢) .

وفي كتابه تفسير سورة الإخلاص ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) المطبوع بمصر ذكر في صفحة ٤٠ ما لفظه : وهؤلاء إذا حقّقت ما يقوله مَنْ هو أقربهم إلى الإسلام -كابن رشد الحفيد ـ وجدت غايته أن يكون الربّ شرطاً في وجود العالم لا فاعلاً له، وكذلك من سلك مسلكهم من المدّعين للتحقيق من ملاحدة الصوفيّة، كابن عربي وابن سبعين حقيقة قولهم : إنّ هذا العالم موجود واجب أزلي ليس له صانع غير نفسه، وهم يقولون : الوجود واحد، وحقيقة قولهم : إنّه ليس في الوجود خالق خلق موجوداً آخر، وكلامهم في المعاد والنبوات شرّ من كلام اليهود والنصارى وعبّاد الأصنام (٣) .

وفي صفحة ٧٢ منه طعن على الغزالي أبي حامد في النقل (٤) .

وفي صفحة ٨١ غلّط أحمد بن حنبل في المتشابه (٥) .

وفي رسالته التي سمّاها الفرقان في صفحة ١٤٠ شنّع بالتشنيع القبيح على الإمام الرازي، وكذلك في صفحة ١٤١ (٦) .

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٤٥.

(٢) نفس المصدر ١٧ : ٦٥ - ٦٦.

(٣) تفسير سورة الإخلاص تحقيق محمّد خفاجي : ٦٦، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٦٣.

(٤) نفس المصدر : ١٠٧، مجموعة الفتاوى ١٧ : ١٩٤.

(٥) نفس المصدر : ١٢٤، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٠٧.

(٦) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٩٧ - ٩٨.


وفي صفحة ١٤٥ حطّ على ابن سبعين، والصدر القونوي، وتلميذه ابن عربي، والبلياني (١) ، والتلمساني، وذكر كفريّات وحكاها عن التلمساني (٢) .

وفي صفحة ١٥٦ حطّ على أبي يزيد ونحوه (٣) .

وفي صفحة ١٦٩ حطّ على الشيخ محمّد بن السكران الصوفي (٤) .

وفي صفحة ١٧٣ شنّع على الشيخ عثمان شيخ زاوية دير ناعس (٥) وعلى أتباعه بالقبيح (٦) .

وفي صفحة ١٧٣ حطّ على الشيخ محمّد الخالدي، قال : نسبةً إلى شيطان كان يقربه يقال له : الشيخ خالد، وهم يقولون : إنّه من الإنس من رجال الغيب (٧) .

____________________

(١) هو أوحد الدين أبو عبد الله بن ضياء الدين ـ إمام الدين ـ مسعود بن محمّد بن علي ابن أحمد بن عمر بن إسماعيل بن علي الدقّاق، الصوفي، عارف بعلم الرمل شاعر، المذكور في النفحات، وإليه ينسب حفيده الأوحدي البلياني، من مصنّفاته رياض الطالبين أو رياض الصالحين، مفتاح الكور جهات الرمل، توفّي سنة ٦٨٦ هـ. نفحات الاُنس : ٢٩١ / ٣٢٥، هدية العارفين ١ : ٤٦٣، معجم المؤلفين ٦ : ١٥٠.

(٢) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٠٠ - ١٠١.

(٣) نفس المصدر ١٣ : ١٠٧.

(٤) نفس المصدر ١٣ : ١١٧.

(٥) عثمان بن محمد بن عبد الحميد ، التنوخي ، البعلبكي ، العدوي ، شيخ دير ناعس ، ويعد عند الصوفية كبير القدر وصاحب أحوال وكرامات وعبادات ومجاهدات ، وكان من أهل البرّ . توفّي سنة ٦٥١ أو ٦٥٠ هـ . تاريخ الإسلام للذهبي ٤٨ : ١٠٢ / ٢٧١ ، الوافي بالوفيات ١٩ : ٣٣٣ / ٣ ، عيون التواريخ لابن شاكر ٢٠ : ٧٢ .

(٦) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١١٨.

(٧) نفس المصدر ١٣ : ١١٩.


وفي صفحة ١٧٥ سبّ اليونسيّة (١) ، والأحمديّة (٢) ، وجعلهم خنازير (٣) .

أقول : حكى التاج السبكي في الطبقات الكبرى عن أبي تراب : أنّ مَن لم يؤمن بكرامات الصوفيّة فقد كفر. قال التاج : إنّ الكرامات حقّ وقول أبي تراب : من لم يؤمن بها فقد كفر، بالغ في الحطّ على منكرها، وقد يؤوّل لفظة الكفر في كلامه ويحمل على أنّه لم يَعْنِ الكفر المخرِج عن الملّة ولكنّه كفر دون كفر، قال : وإنّي لأعجب أشدّ العجب من منكرها وأخشى عليه مقت الله (٤) ، انتهى.

وقد عرفت تشنيعات ابن تيميّة على كبار الصوفيّة.

وفي صفحة ١٧٨ قال : وهذه هي الاُصول العقليّة التي يعتمدون عليها هم ومن يوافقهم كالقاضي أبي يعلى وأبي المعالي، وأبي الوليد الباجي (٥)

____________________

(١) فرقة من المرجئة، ينتمون إلى يونس النمريّ وكان يزعم أنّ الإيمان هو المعرفة بالله عزّ وجلّ، والخضوع له، وهو ترك الاستكبار عليه، والمحبّة له، فمن اجتمعت فيه هذه الخلال فهو مؤمن. وزعم أنّ إبليس كان عارفاً بالله عزّوجلّ غير أنّه كفر باستكباره عليه. الملل والنحل ١ : ٣١٥، الأنساب للسمعاني ٥ : ٦٢٩ ذيل ترجمة ١١٥٠٦، شرح المواقف للجرجاني ٨ : ٣٨٧، الوافي بالوفيات ٢٩ : ١٨٣ / ٢١٩.

(٢) فرقة تُنسب إلى علي بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعي المغربي أبو العباس مؤسس الطريقة الرفاعية، شافعيّ المذهب، انضمّ إليه خلق من الفقراء وأحسنوا فيه الاعتقاد ويقال لهم : الأحمدية والبطائحية ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيات حية، والنزول إلى التنانير وهي تتضرم، ذكرها ابن بطوطة في رحلته، توفّي سنة ٥٧٨ هـ. الوافي بالوفيات ٧ : ٢١٩ / ٣١٧٧، النجوم الظاهرة ٦ : ٨٤، طبقات الشافعية للأسنوي ١ : ٢٩٠ / ٥٤٤، الكنى والألقاب ٢ : ٢٤٨. رحلة ابن بطوطة ٢ : ١٠.

(٣) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٢٠.

(٤) الطبقات الكبرى ٢ : ٣١٥.

(٥) سلمان بن خلف بن سعد بن أيوب التجبيبي، الاُندلسي الباجي، المالكي، الفقيه الاُصولي المتكلم المفسّر الأديب الشاعر، رحل إلى بلاد المشرق فسمع هناك


تبعاً للقاضي أبي بكر وأمثاله، وهو وأتباعه يناقضون عبد الجبار (١) وأمثاله، كما ناقض الأشعري وأمثاله أبا علي (٢) وأبا القاسم (٣) ، وكلّ الاُصول العقليّة

____________________

الكثير، واجتمع بأئمّة ذلك الوقت كالقاضي أبي الطيب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي، وجاور بمكّة مع الشيخ أبي ذرّ الهرويّ، وأقام ببغداد وبالموصل عند أبي جعفر السمناني قاضياً، وسمع الخطّيب البغدادي وسمع منه الخطيب أيضاً، ثمّ رجع إلى بلده بعد ثلاث عشرة سنة وتولّى القضاء هناك، قال ابن خلّكان : له مصنّفات عديدة توفّي سنة ٤٧٤ هـ. تاريخ دمشق ٢٢ : ٢٢٤ / ٢٦٦٠، وفيات الأعيان ٢ : ٣٤٠ / ٢٧٥، معجم الأدباء ١١ : ٢٤٦ / ٧٩،الوافي بالوفيات ١٥ : ٣٧٢ / ٥٢٠، الأعلام للزركلي ٣ : ١٢٥.

(١) ابن أحمد عبد الجبار بن أحمد بن خليل، العلاّمة المتكلّم، شيخ المعتزلة في عصره، أبو الحسن الهمداني الأسد آبادي، من كبار فقهاء الشافعية، الملقّب بقاضي القضاة ولا يطلق المعتزلة هذا اللقب على غيره، قرأ على أبي إسحاق بن عياش، ثمّ رحل إلى بغداد وقرأ على الشيخ أبي عبد الله البصري، وسمع من علي بن إبراهيم بن سلمة القطان وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وحدث عنه القاضيان الحسن بن علي الصيمري وأبو القاسم التنوخي وغيرهما، توفّي سنة ٤١٥ أو ٤١٤ هـ. تاريخ بغداد ١١ : ١١٣ / ٥٨٠٦، الأنساب للسمعاني ١ : ١٤١ / ٣٢٨، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٥ : ٩٧ / ٤٤٣، الأعلام ٣ : ٢٧٣.

(٢) أبو علي الجبائي محمّد بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان، المعروف بالجبائي، أحد أئمة المعتزلة، كان إماماً في علم الكلام ورأساً في الفلسفة، وأخذ هذا العلم عن أبي يوسف يعقوب عبد الله الشمام البصري رأس المعتزلة بالبصرة، وله مذهب في الاعتزال ومقالات مشهورة، وعنه أخذ الشيخ أبو الحسن الأشعري علم الكلام، وله معه مناظرة أرختها العلماء، توفّي سنة ٣٠٣ هـ، له مصنفات. الفهرست لابن النديم : ٥١، الأنساب للسمعاني ٢ : ٣٦ / ١٩٤٦، الوافي بالوفيات ٤ : ٧٤ / ١٥٣، طبقات الشافعية للسبكي ٢ : ٢٥٠، الغدير ٧ : ٨٢.

(٣) عبد الله بن أحمد بن محمود، أبو القاسم الكعبي البلخي، رأس المعتزلة ورئيسهم في زمانه وداعيتهم، صنف في الكلام كتباً كثيرة، وأقام ببغداد مدّة طويلة وانتشرت بها كتبه، ثمّ عاد إلى بلخ فأقام بها إلى حين وفاته. والكعبي نسبة إلى بني كعب،


التي ابتدعها هؤلاء وهؤلاء باطلة في العقل والشرع، انتهى (١) .

فصار حاصله إبطال اُصول كلّ فرق أهل السنّة، فالرجل خارج عنهم، والخارج عنهم ليس من أهل السنّة.

وفي رسالة معارج الوصول المطبوعة أيضاً في الجزء الأوّل من مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيميّة في صفحة ١٨٠ وهي أوّل صفحات معارج الوصول ذكر شنايع على الفارابي، وأمثاله مثل بشر بن فاتك، ثمّ على ابن سينا ثمّ على علماء الكلام، ثمّ على علماء المكاشفة، وفي الصفحة التي بعدها شنّع على أبي حامد الغزالي، ثمّ على ابن سينا، ثمّ على ابن رشد الحفيد (٢) .

أقول : فمحصول هذه الفصول من كلامه أنّه عدوّ الإسلام، وكذا كتب إليه الشيخ الإمام نصر المنبجي في طي كلامه المتقدّم نقله في الشهادات، قال : فهو سائر زمانه يسبّ الأوصاف والذوات، ولم يقنع بسبّ الأحياء حتّى حكم بتكفير الأموات، ولم يكفه التعرّض على من تأخّر من صالحي السلف حتّى تعدّى إلى الصدر الأوّل ومن له أعلى المراتب في الفضل، فياويح مَن هؤلاء خصماؤه يوم القيامة، وهيهات أن لا يناله غضب وأنّى له السلامة، إلى آخر ما تقدّم (٣) .

وقال ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة بعد نقله لكلام ابن تيميّة في

____________________

والبلخي منسوب إلى بلخ إحدى مدن خراسان. تنسب إليه الطائفة الكعبية منهم توفّي سنة ٣١٧ أو ٣١٩ هـ. سير أعلام النبلاء ١٤ : ٣١٣ / ٢٠٤، الوافي بالوفيات ١٧ : ٢٥ / ٢١، الأعلام للزركلي ٤ : ٦٥.

(١) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٢٢ - ١٢٣.

(٢) نفس المصدر ١٩ : ٨٥ - ٨٦.

(٣) تقدّم في المقصد الأول في الشهادات في ص : ٧٠ - ٧١.


الطعن على بعض علماء الصوفيّة ما لفظه : وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتّى في أكابر الصحابة ومن بعدهم إلى أهل عصره، وربّما أدّاه اعتقاده ذلك إلى تبديع كثير منهم.

إلى أن قال : ولا زال يتتبع الأكابر حتّى تمالأ عليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه بل كفّره كثير منهم، إلى آخر ما تقدّم (١) .

وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني في ترجمته لابن تيميّة : فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم وقديمهم وحديثهم (٢) .

ثم قال : وكان لتعصّبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة حتّى أنّه سبّ الغزالي، إلى آخر كلامه المتقدّم في المقصد الأوّل (٣) .

وقال ابن حجر المكّي في الجوهر المنظم بعد حكايته عقيدة ابن تيميّة الفاسدة ما لفظه : وضلّل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخّرين (٤) .

وقال الشيخ محمّد البرنسي : إنّ ابن تيميّة نسب من لم يعتقد الجهةوالتجسيم إلى الضلال والتأثيم (٥) .

أقول : ولهذا قام عليه علماء عصره القائمين في حقّ الله وكفّروه ببدعهومنعوا الناس من عقيدته الزائغة.

وممّن ناظره الشيخ الإمام صدر الدين بن المرحل (٦) ، قال التاج

____________________

(١) راجع ص : ٨٧ - ٨٨، الفتاوى الحديثيّة : ٨٤.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٢.

(٣) راجع مقدمة المؤلف ص : ٦٦، والدرر الكامنة ١ : ٩٢ - ٩٣.

(٤) تقدم في ص : ٨٤.

(٥) تقدّم في المقصد الأوّل فى ص : ٧٩.

(٦) أبو عبد الله محمّد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ صدر الدين، المعروف


السبكي في ترجمته : وله مع ابن تيميّة المناظرات الحسنة، وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيميّة (١) ، انتهى.

ومنهم أيضـاً : الشيخ نصـر المنبجي كان قد تقدم في الدولـة لاعتقاد بيرس الجاشنكه فيه، فبلغه أن ابن تيميّة يقع في ابن عربي، فأرسل منكراً عليه، وكتب إليه كتاباً طويلا تقدّم ذكره في الشهادات (٢) .

وممّن ناظره أيضاً : النور البكري على ما حكاه ابن جماعة في طبقات الشافعيّة ، وذلك لما رحل ابن تيميّة إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه، إلى آخر ماذكره ابن جماعة (٣) .

وذكر ابن حجر في الدرر الكامنة في أثناء ترجمة ابن تيميّة ما لفظه : وكان أشدّ الناس عليه في ذلك النور البكري، فإنّه لمّا عقد له المجلس بسبب ذلك يعني منعه من السفر لزيارة القبر المكرّم، قال بعض الحاضرين : يعزّر. فقال البكري : لا معنى لهذا القول، فإنّه إن كان تنقيصاً

____________________

بابن المرحّل وبابن الوكيل، تفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي، وسمع الحديث من القاسم الإربلي. كان بارعاً في مذهبه، يضرب المثل باسمه، فارساً في البحث، وكان جامعاً للعلوم الشرعية والعقلية، واللغوية، فصيحاً، شاعراً، توفّي سنة ٧١٦ هـ. طبقات الشافعية للأسنوي ٢ : ٢٥٤ / ١١٤٣، الوافي بالوفيات ٤ : ٣٦٤ / ١٨٠٢، الدرر الكامنة ٤ : ٧٢ / ٤٢٩٨.

(١) طبقات الشافعيّة الكبرى ٩ : ٢٥٣ / ١٣٢٩.

(٢) تقدّم في مقدمة المؤلف في ص : ٧١.

(٣) محمّد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن علي بن جماعة بن حازم بن سخر، قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله الكناني الحموي الشافعي، حاكم الإقليمين مصر وشام، محدّث فقيه، سمع الحديث واشتغل بالعلم فحصل على فنون متعددة وتقدّم أقرانه، كان مناظراً متفنناً مفسّراً خطيباً ورعاً، توفّي بمصر سنة ٧٣٣ هـ. الوافي بالوفيات ٢ : ١٨ - ٢٠ / ٢٦٨، طبقات الشافعية للسبكي ٩ : ١٣٩ / ١٣١١، الدرر الكامنة ٣ : ١٧١ / ٣٣٧٩، شذرات الذهب ٦ : ١٠٥.


يقتل، وإن لم يكن تنقيصـاً لا يعزّر، وقـد تقـدّم تمـام الكلام في الشـهادات (١) .

ومنهم : الإمام العلاّمة قاضي القضاة شيخ الإسلام إمام المجتهدين سيف المناظرين تقي الدين أبو الحسن عليّ بن عبد الكافي السبكي، قال ابن فضل الله العمري في كتابه مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار في أثناء ثنائه على التقي السبكي : قام حين خلّط على ابن تيميّة الأمر، وسوّل له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، وأنكر شدّ الرحال لمجردّ الزيارة، وقطع رحمها، وما برح الإمام السبكي يدلج ويسير حتّى نصر صاحب ذلك الحمى الذي لا ينتهك نصراً مؤزّراً، وكشف من خبء الضمائر في الصدر عنه صدراً موغراً، فأمسك ما تماسك من باقي العُرى، وحصّل أجراً في الدنيا وفي الآخرة يرى، حتّى سهّل السبيل إلى زيارة صاحب القبر عليه الصلاة والسلام، وقد كادت تزوّر عنه [قسراً] (٢) صدور الركائب، وتجرّ قهراً أعنّة القلوب وهي لوائب، بتلك الشبه التي كادت شرارتها تعلق بحداد الأوهام، وتمدّ غيهب صداها صدأ على مزايا الأفهام ، وهيهات كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أيخفيه الإبهام ، أو تذاد المطى عنه وهي تتراشق إليه كالسهام، ولولاه عليه‌السلام لما عرف تفضيل ذلك المسجد، ولا يمّم إلى ذلك المحل مؤمل (٣) المغير ولاالمنجد ، ولولاه لما قدّس الوادي، ولا اُسّس على التقوى مسجد في ذلك النادي ، وكذلك قبلها، شكر الله له، قام في لزوم ما انعقد عليه

____________________

(١) راجع ص : ٦٥ ـ ٦٦، الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) عن المصـدر.

(٣) في المصدر : تأميل بدل : مؤمل.


الإجماع، وبعد الظهور بمخالفته الأطماع..

ومنع في مسألة الطلاق أن تجري في الكفّارة مجرى اليمين، وأن يجلى في صورة إن حقّقت لا بيمين (١) ، خوفاً على محفوظ الأنساب ومحفوظ الأحساب، لمّا كانت تؤدى إليه هذه العظيمة، وتستولي عليه هذه المصيبة العميمة..

وصنّف في الردّ على هاتين المسألتين كتابيه، بل جرّد سيفه، وأرهف دبابه (٢) ، وردّ القِرن وهو ألد خصيم، وشدّ عليه وهو يشدّ على غير هزيم، وقابله وهو العثير الذي يغشي الأبصار (٣) ، وقاتله وكم جَهِد جهد (٤) ما يثبت البطل لعليٍّ وفي يديه ذو الفقار.

وتطاعنا وتواقفت خيلاهما

وكلاهما بطل اللّقاء مقنّع (٥)

وما زال حتّى تقطّرت الصفاح، وتقصّرت (٦) الرماح، وتخفيت (٧) الكلم الأدلّة، وجفّ القلم حتّى لم يبق فيه بلّة، وانجلت غياهب ذلك الغين، وتبرق فيه صفحات الحقّ السوي والحظّ السعيد النبوي والنصر المحمدي إلاّ أنّه بالفتوح العلوي يجاهد، أيّد صاحب الشريعة وآزره، وردّ على من سدّ باب الذريعة وخذل ناصره، وأمضى يسابق إليه مرمى طرفه،

____________________

(١) حكاه عنه التاج السبكي في طبقات الشافعية الكبرى ١٠ : ١٤٩ - ١٥٠. وفي المصدر : وأن تجلى في صورة إن حقّقت لا تبين.

(٢) في المصدر : ذبابيه.

(٣) هكذا في نسخة من المصدر وفي المطبوع : وهو الشمس التي تعشي الأبصار.

(٤) ليست في المصدر.

(٥) البيت لأبي ذؤيب الهذلي انظر أشعار الهذليين ١ : ٣٨، وفيه :

فتنازلا وتواقفت خيلاهما

وكلاهما بطل اللّقاء مقنّع

(٦) في المصدر : تقصّفت .

(٧) في المصدر : تحيّفت.


جواد جرى على اعراقه، وجاء على أثر سباقه، إلى آخر كلامه. وقد أخرجه بتمامه التاج في الطبقات الكبرى (١) .

ومنهم : قاضي القضاة كمال الدين ابن الزملكاني الإمام المناظر، وله مع ابن تيميّة أبحاث، ذكر صاحب كشف الظنون بحث ابن تيميّة وابن الزملكاني في مسألة الطلاق وفي شدّ الرحال إلى قبور الأنبياء، قال : فصنّفوافيه ، منها : الأبحاث الجليّة، وكتاب الدرّة اليتيمة، قال : وبالغ العلاء في ردّه حتّى صرّح بكفر من أطلق عليه شيخ الإسلام، انتهى (٢) .

وقد تقدّم في المقصد الأوّل حقيقة المراد، وأنّه لا مبالغة في ذلك عند أهل السداد.

وقال اليافعي في ما تقدّم نقله : ثم نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيميّة حلّ ماله ودمه (٣) .

وقال الشيخ البرنسي في إتحاف أهل العرفان بعد كلام تقدّم نقله في الشهادات : فسقط ابن تيميّة من أعين علماء الاُمّة، وصار مثلة بين العوام فضلا عن الأئمّة، وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة، وأظهروا عوار سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته (٤) .

وقال ابن حجر في الجوهر المنظم : حتّى قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات، وخمدت تلك

____________________

(١) الطبقات الكبرى ١٠ : ١٤٩ - ١٥١، وانظر أيضاً مسالك الأبصار في أخبار ملوك الأمصار ٥ : ٧٤٣.

(٢) كشف الظنون ١ : ٢٢٠.

(٣) مرآة الجنان ٤ : ٢٤٠ وقد تقدّم في ص : ٧١.

(٤) راجع ص : ٧٩.


البدع فزالت تلك الظلمات، إلى آخر ما تقدّم (١) .

وتقدّم أنّه قال : تمالأ عليه أهل عصره ففسّقوه وبدّعوه بل كفّره كثير منه (٢) ، انتهى.

____________________

(١و٢) راجع ص : ٨٦.


المقصد الثالث

في أنواع المكفّرات لابن تيميّة في اُصول

الدين وفروعه وهي تسعة أنواع



النوع الأوّل : مخالفته في المسائل التى هي من اُصول الدين التي ترجع إلى تنقيص الربّ جل جلاله كالتشبيه والتجسيم وأمثال ذلك، وقبل الشروع في شرحها ونقلها من لفظه بحروفه من مصنّفاته لا بدّ من تقديم مقدّمة :

فاعلم أوّلاً : أنّ مَن أنكر أمراً متواتراً من الشرع، معلوماً من الدين بالضرورة، وكذا مَن اعتقد عكسه، فهو كافر بالاتّفاق..

وكذا مَن خالف المسائل العقليّة التي يعلم بها صدق الرسول، فإنّ العلم بصدق الرسول مبني على مسائل معيّنة في علم الكلام، فإذا أخطأ فيها وخالف ما عليه أئمّة السنّة والجماعة لم يكن عالماً بصدق الرسول فيكون كافراً.

مثال ذلك : أنّه لا يعلم صدق الرسول إلاّ بأن يعلم أنّ العالم حادث، ولا يعلم ذلك إلاّ بأن يعلم أنّ الأجسام محدثة، ولا يعلم ذلك إلاّ بالعلم بأنّها لا تنفك من الحوادث إمّا الأعراض مطلقاً وإمّا الألوان وإمّا الحركات، ولا يعلم حدوثها حتّى يعلم امتناع حوادث لا أوّل لها، ولا يعلم أنّه صادق حتّى يعلم أنّ الله غني، ولا يعلم غناه حتّى يعلم أنّه ليس بجسم ونحو ذلك ممّا هو اُصول لتصديق الرسول، فمن خالف في هذه المسائل التي يعلم بها صدق الرسول فهو كافر عند أهل السنّة الأشعريّة والماتريديّة..

ومن هنا قال الغزالي : الكفر : تكذيب الرسول في شيء ممّا جاء به ضرورة... فالأشعري يكفّر الحنبلي بإثباته الفوق واليد والاستواء; لأنّ ذلك تكذيب : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ) (١) نقله شهاب الدين الكازرونيّ في رسالته

____________________

(١) سورة الشورى ٤٢ : ١١.


إثبات العلم بالجزئيّات عن الغزالي (١) .

وقال المحسن الكشميري (٢) في المواهب العليّة : والأشعري يكفّر الحنبلي لأنّه شبّه وكذّب الرسول في : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ ).

وصرّح النووي بكفرهم في شرح المهذب، والسيوطي في تدريب الراوي عند قول النووي : ومن كفر ببدعته (٣) . قال السيوطي : كالمجسم ومنكر علم الجزئيّات (٤) .

وقال ابن تيميّة في منهاج السنّة في الجزء الأوّل منه في صفحة ١٤١ : إنّ أصحاب الأئمّة الأربع كأصحاب أحمد والشافعي ومالك يكفّرون كلّ مَن يقول بمقالات الحشويّة (٥) .

وقال في رسالة المدنية : أهل السنّة من أصحابنا وغيرهم يكفّرون المشبّهة والمجسّمة (٦).

وقال في منهاج السنّة في الجزء الثالث في صفحة ستين : وأمّا مسائل العقائد فكثير من الناس كفّروا المخطّئين فيها.

إلى أن قال : ووقع ذلك في كثير من أتباع الأئمّة كبعض أصحاب

____________________

(١) مجموعة رسائل الغزالي : ٢٤٠، وحكاه الميلاني عن الكازروني في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ٢ : ٢٩٠.

(٢) محمّد محسن الحنفي، المشهور بكشو، من علماء الهند، له تحقيقات وتعليقات على هداية الفقه والمطول وغيرها من الكتب الدراسية، أخذ العلوم على محمّد أمين الكشميري والطريقة على الشيخ نازك، من مؤلّفاته المواهب العلّية حاشية على العقائد العضدية ونجاة المؤمنين، توفّي سنة ١١١٩ هـ نزهة الخواطر ٦ : ٣٤٧ / ٦٥٤.

(٣) شرح المهذب المجموع ٤ : ٢٥٣.

(٤) تدريب الراوي ١ : ٣٢٤، التقريب في شرح التدريب : ١٣.

(٥) منهاج السنّة ٢ : ٥٢١.

(٦) مجموعة الفتاوى ٦ : ٢١٤.


مالك والشافعي وأحمد وغيرهم (١) .

وقال ابن القشيري (٢) : إنّ هؤلاء الذين يمنعون عن التأويل معتقدون حقيقة التشبيه غير أنّهم يدلّسون ويقولون : له يد لا كالأيدي، وقدم لا كالأقدام، واستواء بالذات لا كما نعقل فيما بيننا، إلى آخر كلامه (٣) .

وقال اليافعي في مرآة الجنان في ترجمة ابن مندة (٤) ما لفظه : فأمّا إذا اعتقد الحركة والنزول والجارحة فصريح في التجسيم (٥) . انتهى.

وستعرف نصوص ابن تيميّة بـ : اعتقاد الحركة، والنزول، والجارحة، وقيام الحوادث بذات الربّ، وبقدم نوع العالم، ويقول بالتركيب والتشبيهوالتجسيم والجهة على أقبح الوجوه التي قالها أسلافه الحشويّة، فيكون من أوضح مصاديق من يكفّره الأشعريّة، وأصحاب الأئمّة الأربع، وليس أهل السنّة والجماعة إلاّ هم، كما نصّ عليه العزّ بن عبد السلام في عقيدته وغيره، وقد تقدّم في أوّل المقصد الثاني ما يدل على ذلك (٦)..

____________________

(١) منهاج السنّة ٥ : ٢٣٩.

(٢) أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام شيخ الصوفية أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري النيسابوري، المفسر العلاّمة، النحوي المتكلم، وكان أحد الأذكياء، لازم إمام الحرمين، توفّي سنة ٥١٤ هـ. سير أعلام النبلاء ١٩ : ٤٢٤ / ٢٤٧، طبقات الشافعية الكبرى ٧ : ١٥٩ / ٨٧٠، إيضاح المكون ٢ : ٦٠٦.

(٣) حكاه الزبيدي في اتحاف المتقين عن التذكرة الشرقيّة للقشيري ٢ : ١١١.

(٤) أبو القاسم عبد الرحمن بن محمّد بن إسحاق بن محمّد بن يحى بن منده العبدي الأصبهاني، صاحب التصانيف، حدث عن أبيه، فأكثر وارتحل إلى بغداد فسمع بها من كثير، توفّي سنة ٤٧٠ هـ. قال الذهبي : فيه تسنن مفرط، أوقع بعض العلماء في الكلام في معتقده، وتوهّموا فيه التجسيم، وهو بريء منه. وكان يذهب إلى الجهر بالبسملة في الصلاة. سير أعلام النبلاء ١٨ : ٣٤٩، الأعلام للزركلي ٣ : ٣٢٧.

(٥) مرآة الجنان ٣ : ١٠٠.

(٦) راجع ص : ١١٥ و بعدها.


وإنّا لا نريد إثبات كفر ابن تيميّة على اُصول الحشويّة، بل نريد كفره على اُصول أهل السنّة والجماعة، ومن المعلوم أنّ أهل السنّة بلسان إمامهم أبي الحسن الأشعري يناضلون وبحججه يحتجّون.

وكذا قال ابن حجر : إنّ عقيدة ابن تيميّة كفر عند الأكثرين (١) .

فلا ينفعه نفي التشبيه والتكيف والتجسيم، مع إثباته جميع معانيه الصريحة في النقص في ذات الربّ بعبارات شتّى وبيانات متكرّرة كما ستعرف، فهو كالمقرّ بالتجسيم المنكر له، فيؤخذ بإقراره ولا ينفعه إنكاره، وقد مات عليه وعلى سائر عقائده الفاسدة على ما نقله الحافظ الذهبي في المعجم المختصّ بالشيوخ.

قال في ترجمة ابن تيميّة : قد سجن غير مرّة ليفتر عن خصومه، ويقصر عن بسط لسانه وقلمه، وهو لا يرجع ولا يلوى على ناصح إلى أن توفّي معتقلا بقلعة دمشق (٢) . انتهى.

فإذا عرفت ذلك فأنا أنقل لك من مصـنّفاته المطبوعة بمصر كـ : منهاج السنّة، وكتاب بيان موافقة المعقول لصحيح المنقول المطبوع بهامشمنهاج السنّة (٣) ، وكتاب جواب أهل العلم، وكتاب الجوامع في السياسة الشرعيّة، والمجموعة الكبرى في رسائل ابن تيميّة وهي اثنتان وثلاثون رسالة، ورسالة المدينة المطبوع مع كتاب ابن القيّم الجيوش الإسلاميّة من طبع الهند، ورسالة في إثبات الجهة له التي ردّها أحمد بن يحيى بن إسماعيل بن جبرائيل وهي في طي الجزء الخامس من الطبقات

____________________

(١) أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل لابن حجر : ١٧٣.

(٢) المعجم المختصّ بالشيوخ : ٢٦ / ٢٢.

(٣) قد طبع بعنوان دَرء تعارض العقل والنقل في السعودية.


الكبرى (١) للتاج السبكي المطبوعة بمصر في ترجمة أحمد بن يحيى المذكور، وكتابه في تفسير سورة الإخلاص : ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ )، وإن حضرني غير هذا من مصنّفاته وكان فيها شيء من ذلك ذكرته.

وقد تقدّم في المقصد الأوّل شهادة الثقات على ابن تيميّة بأنواع المكفّرات (٢) :

ومنها : الشهادة عليه بالنوع الأوّل الذي يرجع إلى تنقيص الربّ جلّ جلاله، كعقيدته في الجهة، وما له فيها من الأقوال الباطلة كما في مرآة الجنان لليافعي (٣) .

وادّعائه الجهة والتجسيم، ونسبة من لم يعتقدها إلى الضلال والتأثيم كما في إتحاف أهل العرفان لسند المحدّثين محمّد البرنسي (٤) .

وذهابه وابن القيّم إلى إثبات الجهة والجسميّة لله، تعالى عمّا يقول الظالمون والجاحدون علوّاً كبيراً، كما في شرح الشمائل لابن حجر المكّي (٥) .

وخرق سباح عظمته وكبرياء جلاله بما أظهر للعامّة على المنابر من دعوى : الجهة، والتجسيم، وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخرين، كما في الجوهر المنظم لابن حجر المكّي (٦) .

واستخفّ قومه فأطاعوه حتّى اتّصل بنا أنّه صرّح في حقّ الله بـ :

____________________

(١) طبقات الشافعية الكبرى ٩ : ٣٤ .

(٢) راجع ص : ٤١ وما بعدها.

(٣) مرآة الجنان ٤ : ٢٧٨.

(٤) عنه في استخراج المرام للسيد الميلاني ١ : ٢١٢.

(٥) أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل لابن حجر : ١٧٣.

(٦) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرّفة ١) : ٦٧.


الحرف، والصوت، والتجسيم، كما في المنشور السلطاني (١) المروي في تاريخ النويري وكتاب منتهى المقال في حديث شدّ الرحال لصدر الدين بهادر خان الهندي (٢) .

ولابن تيميّة واتباعه ميل عظيم إلى إثبات الجهة، ومبالغة في القدح في نفيها كما في شرح العقائد العضدية للمحقّق الدواني (٣) .

وتجاوز ابن تيميّة عن الحدّ وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحقّ تعالى جلّ جلاله فأثبت له : الجهة، والجسم، كما في حلّ المعاقد للمولوي عبدالحليم (٤) .

ومن ذلك قوله : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وإنّه مستو على العرش بذاته، كما في الدرر الكامنة للحافظ العلاّمة ابن حجر العسقلاني، قال بعد نقله ذلك : فقيل له : يلزم من ذلك التحيّز والانقسام. فقال : أنا لا اُسلّم أنّ التحيّز والانقسام من خواص الأجسام. قال : فاُلزم بأنّه يقول بالتحيّز في ذات الله (٥) . انتهى موضع الحاجة.

وقال بقيام الحوادث بذات الربّI، وأنّ الله سبحانه وتعالى ما زال فاعلا، والتسلسل في الماضي جائز كما في المستقبل، كما في السيف الصقيل للتقي السبكي (٦) والفتاوي الحديثيّة لابن حجر المكّي (٧) ..

____________________

(١و٢) نهاية الإرب في فنون الأدب ٣٢ : ٨٢.

(٣) التعليقات على شرح العقائد العضدية : ٩٤.

(٤) حل المعاقد : ٨٠.

(٥) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٦) السيف الصقيل : ١٧.

(٧) الفتاوى الحديثية : ٨٥.


وحكى فيها أيضاً عنه أنّه يقول : إنّ الله مركّب تفتقر ذاته افتقار الكلّ للجزء، وإنّ القرآن محدث في ذات الربّ، وأنّه قال بالجهة والجسميّة والانتقال، وأنّه بقدر العرش لا أقل ولا أكثر (١) .

وحكى الحافظ العلاّمة في الدرر الكامنة عن ابن تيميّة أنّه ذكر حديث النزول وهو على المنبر، ونزل عن المنبر درجتين، فقال : كنزولي هذا. قال : نسب إلى التجسيم (٢) .

أقول : وذكر ابن بطوطة في رحلته أنّه حضر وعظ ابن تيميّة في المسجد في الشام يوم الجمعة، قال : فذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجة فقال : كنزولي هذا. فأنكر عليه بعض من حضر وسمّاه ابن بطوطة (٣) ، وسيأتي تمام لفظه عند نقل ألفاظ الشهادات.

وقال : إنّ العالم قديم بالنوع، ولم يزل مع الله مخلوقاً دائماً، فجعله موجباً بالذات لا فاعلاً بالاختيار، كما في الفتاوي الحديثيّة لابن حجر (٤) .

وقال : بقدم جنس العرش كما في شرح العقائد العضدية للجلال الدواني وحل المعاقد لعبد الحليم (٥) .

واعتقد مسألة الحسـن والقبح والتزم كلّ ما يرد عليهما كما في الفتاوى الحديثيّة (٦) .

هذا المشهود به عليه، وأمّا نصوصه المطابقة لذلك [ما نذكرها] في

____________________

(١) الفتاوى الحديثية : ٨٥.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٣) رحلة ابن بطوطة ١ : ٧٢.

(٤) الفتاوى الحديثية : ٨٥.

(٥) حلّ المعاقد : ٨٠.

(٦) الفتاوى الحديثية : ٨٥.


فصـول :

الفصل الأوّل : في كلامه في إثبات الجهة وردّه، فإنّ دعواه ثبوت الجهةوالفوق دون السفل، وأنّه تعالى مستو على العرش بذاته.

قال : وإنّه في السماء حقيقة، وعلى السماء حقيقة، وفي العرش حقيقة، وعلى العرش حقيقة. كلّ هذا في رسالته في إثبات الجهة (١) .

وقد ردّها الشيخ شهاب الدين بن جبرئيل الكلابي، وهي بتمامها في ترجمته في الجزء الخامس من طبقات الكبرى للتاج السبكي (٢) .

وقال ابن تيميّة في الرسالة المذكورة : إنّه فوق العرش، وإنّه فوق السماء (٣) .

وقال في آخر كلامه : إنّه فوق العرش حقيقة. وقال ذلك في أثناء كلامهونقله في موضع منها عن السلف (٤) .

وقال : لم أجد أحداً منهم قال : إنّه ليس في غير السماء، ولا إنّه ليس على العرش، ولا إنّه في كلّ مكان، ولا إنّ جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا إنّه لا داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل (٥) .

ثمّ قال بعد كلام : وذلك أنّ الله تعالى معنا حقيقة فوق العرش حقيقة، فقد أخبر الله تعالى أنّه فوق العرش، ويعلم كلّ شيء، وهو معنا

____________________

(١) انظر الرسالة الحموية مجموعة الفتاوى الجزء الخامس، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٩ : ٦١، والتوفيق الربّاني : ١٨٠ - ١٩٠.

(٢) طبقات الشافعية الكبرى ٩ : ٣٥.

(٣) مجموعة الفتاوى ٥ : ١٢.

(٤) نفس المصدر ٥ : ٦٨ - ٦٩.

(٥) نفس المصدر ٥ : ١٥.


أينما كنّا، وهذا معنى قول السلف : إنّه معهم بعلمه. قال : وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته. قال : ويقول أبو الصبي الذي فوق السقف : لا تخف أنا معك تنبيهاً على المعيّة الموجبة بحكم الحال [دفع المكروه] (١) .

وقال في موضع آخر من الرسالة : مَن عَلِمَ أنّ المعيّة تضاف إلى كلّ نوع من أنواع المخلوقات كإضافة الربوبيّة مثلا، وأنّ الاستواء على العرش ليس إلاّ العرش، وأنّ الله يوصف بالعلو والفوقيّة الحقيقيّة، ولا يوصف بالسفول ولا بالتحتيّة قطّ، لا حقيقةً ولا مجازاً، عَلِمَ أنّ القرآن على ما هو عليه من غير تحريف (٢) .

ثمّ قال : بل عند المسلمين أنّ الله في السماء، وهو على العرش واحد; إذ السماء إنّما يراد بها العلو، فالمعنى : الله في العلو لا في السفل (٣) .

واستدلّ على جواز الإشارة الحسيّة إليه تعالى بالأصابع ونحوها بما صـحّ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خطبة عرفات جعل يقول : «ألا هل بلّغت» فيقولون : نعم.فيرفع إصبعه إلى السماء وينكثها إليهم ويقول : «اللّهم اشهد» غير مرّة (٤) (٥) .انتهى موضع الحاجة، وخُذ بمجامع كلامه حتّى تعرف صدق الشهادات عليه بأنّه اعتقد الجهة فوق سماواته على عرشه.

وقال في الجزء الأوّل من منهاج السنّة في صفحة ١٨٣ عند قوله :

____________________

(١) أضفناه من المصدر، انظر مجموعة الفتاوى ٥ : ٦٨ - ٦٩.

(٢) مجموعة الفتاوى ٥ : ٧٠.

(٣) مجموعة الفتاوى ٥ : ٦٨ - ٧٠، الفتوى الحموية الكبرى : ٥٢١ - ٥٢٦.

(٤) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٧٦ و ٥ : ٣٧، صحيح البخاري ٣ : ٦ باب ٣، صحيح مسلم ٣ : ١٣٠٥ / ١٦٧٩، الكافي للكليني ٧ : ٢٧٣ / ١٢، دعائم الإسلام ٢ : ٤٨٤ / ١٧٢٩، سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٧ / ٣٩٣١.

(٥) مجموعة الفتاوى ٥ : ١٤، الفتوى الحموية الكبرى : ٢٢١.


وكذا قوله يعني ـ ابن المطهّر : ولا في مكان (١) ما لفظه : وإذا قال القائل : هو سبحانه فوق سماواته على عرشه، بائن من خلقه، فهذا المعنى حقّ سواء سمّيت ذلك مكاناً أو لم تسمّه (١) .

وقال في صفحة ٢١٧ من الجزء الأوّل عند قول ابن المطهّر : لأنّه ليس في جهة ما لفظه : وإن اُريد بالجهة أمر عدمي وهو ما فوق العالم فليس هنا إلاّ الله وحده، فإذا قيل : إنّه في جهة كان معنى الكلام أنّه هناك فوق العالم حيث انتهت المخلوقات، فهو فوق الجميع عال عليه (٢) .

وقال في صفحة ٢٢١ : ويقال لهذا المنكر.

إلى أن قال : وإن أردت بالجهة أمراً عدميّاً كانت المقدّمة الثانية ممنوعة، فلا نسلّم أنّه ليس بجهة بهذا التفسير (٣) .

وقال في صفحة ٢٥٠ عند الكلام في لفظ الجهة ما لفظه : فإنّ مسمّى لفظ الجهة يراد به أمر وجودي كالفلك الأعلى، ويراد به أمر عدمي كما وراء العالم، فإذا اُريد الثاني صحّ أن يقال : كلّ جسم في جهة، وإذا اُريد الأوّل امتنع أن يكون كلّ جسم في جسم آخر، فمن قال : الباري في جهة وأراد بالجهة أمراً موجوداً فكلّ ما سواه مخلوق له في جهة بهذا التفسير فهو مخطئ، وإن أراد بالجهة أمراً عدميّاً وهو ما فوق العالم وقال : أنّ الله فوق العالم فقد أصاب، وليس فوق العالم موجود غيره (٤) .

وقال في صفحة ٢٦٢ عند قول ابن المطهّر المصنّف : وقالت

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ١٤٥.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٣٢٣.

(٣) نفس المصدر ٢ : ٣٤٩.

(٤) نفس المصدر ٢ : ٥٥٨.


الكراميّة : إنّ الله في جهة الفوق : نعم قد يقولون هو في جهة يعنون بذلك أنّه فوق.

إلى أن قال : وأنت لم تذكر حجّة على بطلانه، فمن شنّع على مذهبهم فلابدّ أن يشير إلى بطلانه، وجمهور الخلق على أنّ الله فوق العالم وإن كان أحدهم لا يلفظ بلفظ الجهة، فهم يعتقدون بقلوبهم ويقولون بألسنتهم : ربهم فوق، ويقولون : هذا أمر فطروا عليه وجبلوا عليه.

إلى أن قال : وقد قدّمنا فيما مضى : أنّ لفظ الجهة (١) يراد به أمر موجودوأمر معدوم، فمن قال : إنّه فوق العالم كلّه لم يقل إنّه في جهة موجودة إلاّ أن يراد بالجهة العرش، ويراد بكونه فيها أنّه عليها، كما قيل في قوله : إنّه في السماء. أي على السماء، وعلى هذا التقدير، فإذا كان فوق الموجودات كلّها وهو غنيّ عنها لم يكن عنده جهة وجوديّة يكون فيها، فضلا عن أن يحتاج إليها، وإن اُريد بالجهة ما فوق العالم فذاك ليس بشيء، ولا هو أمر وجودي حتّى يقال : إنّه يحتاج إليه أو غير محتاج إليه (٢) .

وقال في العقيدة الواسطيّة : إنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه على خلقه ، وهو معهـم اين ما كانوا بعلمـه، وليس معنى قوله تعالى : ( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ) (٣) أنّه [مختلط] (٤) بالخلق، بل القمر آية من آياته من أصغرمخلوقاته ، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر أينما

____________________

(١) في الأصل : لفظه بدل : لفظ الجهة، والمثبت عن النسخة الثانية الموافقة للمصدر.

(٢) منهاج السنّة ٢ : ٦٤٢ - ٦٤٨.

(٣) سورة الحديد ٥٧ : ٤.

(٤) ما بین المعقوفین عن المصدر.


كان (١) . إلى آخره.

أقول : فقوله : إلاّ أن يراد بالجهة العرش ويراد بكونه فيها أنّه عليها نصّ في إثبات كونه تعالى في جهة معيّنة خاصّة اسمها العرش.

وهب أنّه أراد بالجهة ما فوق العالم والمكان إن لم يكن وجودياً كان كونه في المكان أزلا غير منكر على تقدير إمكان تحيّزه، ولو كان متحيّزاً لم يكن منفكاً عن الأكوان، فيلزم حدوثه.

وبالجملة أنّ الكائن في الجهة قابل للقسمة والأشكال وغير منفك من الأكوان الأربعة وهي : الاجتماع، والافتراق، والحركة، والسكون، وكلّ ذلك محال في حقّ واجب الوجوب، وهذا هو البرهان المخرس (٢) لكلّ إنسان على نفي الجهة إلاّ المحروم ابن تيميّة فإنّه لما قال : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله، وأنّه مستو على عرشه بذاته. قيل له : يلزم من ذلك التحيّز والانقسام. فقال : أنا لا اُسلّم أنّ التحيّز والانقسام من خواص الأجسام. على ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة في ترجمته، قال : فالزم بأنّه يقول بالتحيّز في ذات الله (٣).

الفصل الثاني : في إثبات الجسميّة لله تعالى.

قال في صفحة ١٨٠ من الجزء الأوّل من منهاج السنّة ما لفظه : وقد يرادبالجسم ما يشار إليه، أو ما يُرى، أو ما تقوم به الصفات، والله تعالى يُرى في الآخرة، وتقوم به الصفات، ويشير إليه الناس عند الدعاء بأيديهم

____________________

(١) العقيدة الواسطية : ٨٣، مجموعة الفتاوى ٣ : ٩٥.

(٢) في نسخة : المحترس بدل : المخرس.

(٣) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.


ووجوههم وأعينهم، فإن أراد القائل بقوله : «ليس بجسم» هذا المعنى قيل له : هذا المعنى الذي قصدت نفيه بهذا اللفظ معنى ثابت بصحيح المنقول وصريح المعقول، وأنت لم تقم دليلا على نفيه (١) . انتهى.

وقوله : أو ما تقوم به الصفات، يريد بالصفات ما يعمّ اليد والقدم والساق والوجه والعين والإصبع والركوب والنزول والاتكاء والاستلقاء والاستواء، فإنّها عنده كلّها أيضاً صفات جزئيّة ذاتية حقيقيّة لله، فإنّه صنّف رسالة في إثبات ذلك، وهي الرسالة المدنية في تحقيق المجاز والحقيقة في الصفات، وهي المطبوعة مع الجيوش الإسلاميّة لابن القيّم بالهند في مطبع القرآن والسنّة الواقع في بلدة أمرتسر.

قال : إنّ هذه الصفات إنّما هي صفات الله سبحانه على ما يليق بجلاله، نسبتها إلى ذاته كنسبة صفات كلّ شيء إلى ذاته، فيعلم أنّ العلم صفة ذاتيّة للموصوف ولها خصائص وكذلك الوجه، ولا يقال : إنّه مستغن عن هذه الصفات لأنّ هذه الصفات واجبة لذاته والإله المعبود هو المستحق لجميع هذه الصفات (٢) .

وقال فيها في المقام الرابع ما لفظه : قلت له : أنا أذكر لك من الأدلّة الكلّية القاطعة الظاهرة ما يبيّن لك أنّ لله يَدَينِ حقيقةً، فمن ذلك تفضيلهُ لآدم يستوجب سجود الملائكة وامتناعهم عن التكبر عليه، فلو كان المراد أنّه خلقه بقدرته أو بنعمته أو مجرّد إضافة خلقه إليه لشاركه في ذلك إبليس وجميع المخلوقات (٣) ... إلى آخر كلامه.

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ١٣٥.

(٢) مجموعة الفتاوى ٦ : ٢١٤.

(٣) نفس المصدر ٦ : ٢٢١ - ٢٢٢.


وجعل الكلام في اليد اُنموذجاً يحتذي عليه في جميع الصفات التي يسميّها الصفات الخبريّة (١) ، وقال قبل هذا ما لفظه : من قال : إنّ الظاهر غير مراد، بمعنى أنّ صفات المخلوقين غير مرادة. قلنا له : أصبت في المعنى لكن أخطأت في اللفظ، وأوهمت البدعة، وجعلت للجهميّة طريقاً إلى غرضهم، وكان يُمكنك أن تقول : تُمَرُّ كما جاءت على ظاهرها (٢).

قال الشيخ شهاب الدين بن جبرئيل الكلابي في رسالة ردّ ابن تيميّة في إثبات الجهة ما لفظه : فنقول له : ما تقول فيما ورد من ذكر العيون بصفة الجمع، وذكر الجنب، وذكر الساق الواحدة، وذكر الأيدي، فإن أخذنا بظاهر هذا يلزمنا إثبات شخص له وجه واحد، وعيون كثيرة، وله جنب واحد عليه أيد كثيرة، وله ساق واحد، وأي شخص يكون في الدنيا أبشع من هذا (٣) . انتهى.

فظهر صدق الشهادة عليه بالجسميّة، وأنّه يقول : إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقيّة لله تعالى، وإن كان ابن حجر العسقلاني نقلها عن عقيدته الواسطيّة (٤) والحمويّة (٥) .

الفصل الثالث : في عبارته الدالّة على اعتقاده التركيب في الله، وأنّه يفتقر إلى أجزائه.

قال في منهاج السنّة في الجزء الأوّل في صفحة ٢٤٥ : وقوله [یعنی

____________________

(١) في نسخة : الجزئية بدل : الخبرية.

(٢) مجموعة الفتاوى ٦ : ٢١٥.

(٣) راجع الطبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٩ : ٦٦.

(٤) مجموعة الفتاوى ٥ : ١٠٣، وراجع الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٥) العقيدة الحموية الكبرى (مجموعة الرسائل ٥) : ٦٨، عنه في الدرر الكامنة ١ : ٩٣.


ابن المطهر] : «إذا كانت له ذات وصفات كان مركّباً، والمركّب مفتقر إلى أجزاؤه وأجزاؤه غيره» فلفظ «الغير» مجمل (١) ...

إلى أن قـال : ويراد به التلازم، بمعنى أنّه لا يوجد أحـدهما إلاّ مع الآخـر وإن لم يكن أحـدهما مؤثّراً في الآخـر، كالاُمـور المتضـايفة مثل الاُبوّة والبنوّة (٢) .

وقوله : «والمركّب مفتقر إلى أجزائه» فمعلوم أن افتقار المجموع إلى أبعاضه ليس بمعنى أنّ أبعاضه فَعَلَتْه أو وُجِدَتْ دونه وأثَّرَت فيه، بل المعنى أنّه لا يوجد إلاّ بوجود المجموع، ومعلوم أنّ الشيء لا يوجد إلاّ بوجود نفسه، وإذا قيل هو مفتقر إلى نفسه بهذا المعنى لم يكن ممتنعاً، بل هذا هو الحقّ (٣) .

إلى أن قال : فإذا قيل : مثلا العشرة مفتقر إلى العشرة لم يكن في هذا افتقار لها إلى غيرها، وإذا قيل هي مفتقرة إلى الواحد الذي هو جزؤها لم يكن افتقارها إلى بعضها أعظم من افتقارها إلى المجموع التي هي هو (٤) . انتهى.

وقال في صفحة ١٩٠ ما لفظه : وإن قيل : إنّ فيه معان متعدّدة، فواجب الوجود هو مجموع تلك الاُمور المتلازمة; إذ يمتنع وجود شيء منها دون شيء، وحينئذ فلو افتقر شيء من ذلك المجموع إلى أمر منفصل لم يكن واجب الوجود، فهو سبحانه مستلزم لحياته وعلمه وقدرته وسائر

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٥٤٢.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٥٤٣.

(٣) نفس المصدر ٢ : ٥٤٣ - ٥٤٤.

(٤) نفس المصدر ٢ : ٥٤٤.


صفات كماله، وهذا هو الوجـود الواجـب بنفسه، وهذه الصفات لازمـة لذاته، وذاته مستلزمة لها، وهي داخلة في مسمّى اسم نفسه وفي سائر أسمائه تعالى، فإذا كان واجباً بنفسه وهي داخلة في مسمّى اسم نفسه لم يكن موجـوداً إلاّ بها، فلا يكون مفتقراً فيها إلى شيء مباين له أصـلا (١) .انتهى.

ومن الصفات الواجبة الذاتيّة عند ابن تيميّة ما عرفت في آخر الفصل المتقدّم : اليد، والوجه، والعين، والإصبع، والقدم، والساق، والركوب، والنزول، والاتكاء، والاستلقاء. فهو عنده مركب من مجموع ذلك، مفتقر إلى كلّ ذلك افتقار الكلّ إلى أجزائه، فقد ثبت التركيب الذي نسبه ابن حجر إليه (٢) .

و«الافتقار» الذي عزاه إليه بلفظ ابن تيميّة قرّت عين المعاصر القاصر، حيث اتّهم ابن حجر وتعجب أنّه كيف ينسب هذه الأقوال إلى ابن تيميّة في الفتاوي الحديثيّة من غير إسناد أو نقل عنه (٣) .

الفصل الرابع : في عباراته الدالّة على قوله بقيام الحوادث في ذات الربّ سبحانه وتعالى، وأنّه لم يزل فاعلا، وأنّ التسلسل فيما مضى غير باطل، وأنّ نوع العالم قديم، صرّح بذلك في منهاجه في مواضع عديدة من الجزء الأوّل :

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ١٧٠.

(٢) الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي : ٨٥.

(٣) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٣٨٩، والكتاب من تأليف نعمان محمود بن عبد الله، أبي البركات خير الدين الآلوسي، المتوفّى سنة ١٣١٧ هـ.


منها : ما ذكره في آخر صفحة ٢٢٣ قال ما لفظه : ثمّ القائلون بقيام فعله به :

منهم مَن يقول : فعله قديم والمفعول متأخّر، كما أنّ إرادته قديمة والمراد متأخّر، كما يقول ذلك من يقوله من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وغيرهم.

ومنهم مَن يقول : بل هو حادث النوع، كما يقول ذلك من يقوله من الشيعة والمرجئة والكراميّة.

ومنهم مَن يقول : [هو يقع] (١) بمشيته وقدرته شيئاً فشيئاً لكنّه لم يزل متّصفاً به، فهو حادث الآحاد قديم النوع، كما يقول ذلك من يقوله من أئمّة أصحاب الحديث وغيرهم من أصحاب الشافعي وأحمد وسائر الطوائف إلى آخره (٢) . فهو ممّن يقول بالقول الأخير.

ومنها : ماذكره في صفحة ٥٧ قال : إذ غاية ما يقولونه إنّما هو إثبات قدم نوع الفعل لا عينه، فإنّ جميع ما يحتجّ به القائلون بقدم العالم لم يدلّ على قدم شيء بعينه من العالم، بل إذا قالوا : اعتبار أسباب الفعل وهو الفاعل والغاية والمادة والصورة يدلّ على قدم الفعل، فإنّما يدلّ ذلك إن دلّ على قدم نوعه لا عينه، وقدم نوعه ممكن مع القول بموجب سائر الأدلّة (٣) . إلى آخر كلامه.

فصرّح بإمكان قدم نوع العالم، وهو الكفر المجمع عليه.

ومنها : قوله في صفحة ٥٨ ما لفظه : وإذا قيل : إنّ الفاعل لم يزل فاعلا

____________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) منهاج السنّة ٢ : ٣٧٩.

(٣) نفس المصدر ١ : ٢٢١.


كان المعقول منه أنّه لم يزل يحدث شيئاً بعد شيء (١) . إلى آخره.

ومنها : قوله في آخر صفحة ٥٩ ما لفظه : وإنّما الأزلي هو النوع القديم الذي يوجد شيئاً فشيئاً (٢) . إلى آخره.

ومنها : بعد فراغه من تاريخ الملاحدة من المتفلسفة وغيرهم قال في صفحة ٩٢ ما لفظه : وكلّ من تدبّر هذه الاُمور تبيّن له أنّه سبحانه خلق كلّ شيء من الأعيان وصفاتها وأفعالها بأفعاله الاختياريّة القائمة بنفسه.

إلى أن قال : وهذا ممّا يبيّن حدوث كلّ ما سواه، وأنّه ليس علّة أزليّة لمعلول قديم مع أنّه دائم الفاعليّة، ولا يلزم من دوام كونه فاعلا أن يكون معه مفعول معيّن قديم (٣) ، إلى آخره. فتأمّل قوله : معيّن.

ومنها : عند قول المصنّف : «إنّهم ـيعني الإماميّة اعتقدوا أنّ الله تعالى هو المخصوص بالأزليّة والقدم» (٤) قال ما لفظه : فالسلف والأئمّة وجمهور المثبتة يخالفونكم جميعاً ويقولون : إنّه يقوم بذاته أفعاله سبحانه وتعالى.

إلى أن قال : وأمّا التسلسل فمن الناس من لم يلتزمه.

وقال : كما إنّه يجوز عندكم (٥) حوادث منفصلة لا ابتداء لها، فكذلك يجوز قيام حوادث بذاته لا مبتدأ لها، وهذا قول كثير من الكراميّة والمرجئة والهشاميّة وغيرهم.

____________________

(١) منهاج السنّة ١ : ٢٢٤.

(٢) نفس المصدر ١ : ٢٢٨.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٣٦.

(٤) منهاج الكرامة : ٤١.

(٥) أي نفاة الصفات «منه».


ومنهم من قال : بل التسلسل جائز في الآثار دون المؤثّرات، والتزم أنّه يقوم بذاته ما لا يتناهى شيئاً بعد شيء، ويقول : إنّه لم يزل متكلّماً بمشيئة ولا نهاية لكلماته، وهذا قول أئمّة الحديث وكثير من النظار، والكلام على قيام الاُمور الاختياريّة بذاته مبسوط في موضع آخر (١) . انتهى.

وقد كذب على أئمّة الحديث وغيرهم، لم يقل ذلك إلاّ هو فقط، لكن دأبه أنّه إذا اختار شيئاً نسبه إلى أئمّة الحديث، هذا. وهو الذي عناه تقي الدين السبكي بقوله :

يرى حوادث لا مبدأ لأوّلها

في الله سبحانه عمّا يظنّ به

ومنها : في صفحة ١٠٧ قال ما لفظه : من المعلوم بالضرورة أنّ إحداث مفعول بعد مفعول لا إلى نهاية أكمل من أن لا يفعل إلاّ مفعولا واحداً لازماً لذاته إن قدّر ذلك ممكناً، وإذا كان ذلك أكمل فهو ممكن; لأنّ التقدير أنّ الذات يمكنها أن تفعل شيئاً بعد شيء، بل يجب ذلك لها، وإن كان هذا ممكناً ـ بل هو واجب لها ـ وجب اتّصافه به دون نقيضه الذي هو أنقص منه، وليس في هذا تعطيل عن الفعل، بل هو اتّصاف بالفعل على أكمل الوجوه (٢) ، انتهى.

فأوجب على الله حدوث الحوادث على الدوام بقاعدة الكمال الواجب له وأنّه ما زال فاعلا.

ومنها : وهو أصرحها قال في صفحة ٣٦ ما لفظه : وأمّا تسلسل الحوادث في الماضي ففيه أيضاً قولان لأهل الإسلام من أهل الحديث والكلام وغيرهم، فمن يقول : إنّ الله لم يزل متكلّماً إذا شاء، ولم يزل

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ١٢٦ - ١٢٩.

(٢) نفس المصدر ١ : ٣٨٤.


يفعل أفعالا تقوم بنفسه وقدرته ومشيته شيئاً بعد شيء، يقول : إنّه لم يزل يتكلّم بمشيته أو يفعل بمشيته شيئاً بعد شيء.

إلى أن قال : وعمدة حجّة الفلاسفة على قدم العالم هو قولهم : يمتنع حدوث الحوادث بلا سبب حادث. فيمتنع تقدير ذات معطّلة عن الفعل لم تفعل ثمّ فعلت من غير حدوث سبب، وهذا القول لا يدلّ على قدم شيء بعينه من العالم لا الأفلاك ولا غيرها، إنّما يدلّ على أنّه لم يزل فعالا، وإذا قدر أنّه تعالى فعال لأفعال تقوم بنفسه أو مفعولات حادثة شيئاً بعد شيء، كان ذلك وفاء بموجب هذه الحجّة، مع القول بأنّ كلّ ما سوى الله محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن كما أخبرت الرسل أنّ الله خالق كلّ شيء، وإن كان النوع لم يزل متجدّداً كما في الحوادث المستقبلة كلّ منها حادث مخلوق، وهي لا تزال تحدث شيئاً بعد شيء، إلى آخر كلامه (١) .

وهذا هو الكفر البراح الصريح، وهو معنى :

يرى حوادث لا مبدأ لأوّلها

في الله سبحانه عمّا يظنّ به

وهو ما نسبه إليه في السيف الصقيل (٢) ، ونقله ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثيّة (٣) .

قال ابن حجر الهيتمي المكّي في كتاب قواطع الإسلام : ومنها القول الذي هو كفر سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء، فمن ذلك اعتقاد قدم العالم (٤) . انتهى.

____________________

(١) منهاج السنّة ١ : ١٤٩.

(٢) السيف الصقيل في رد ابن زفيل : ٥٩.

(٣) الفتاوى الحديثية : ٨٤.

(٤) الإعلام بقواطع الإسلام ١ : ٨٠.


وقال بعد ذلك أيضاً : واعتقاد قدم العالم أو بعض أجزائه كفر كما صرّحوا به (١) . انتهى.

فصحّت شهادتهم بلا ارتياب.

ومنها : في آخر صفحة ٦٠ قال : وهذا التقدير الذي نريد أن نتكلّم عليه هـو تقدير إمكان دوام الحوادث وتسلسـلها وإمكان حـوادث لا أوّل لهـا.

إلى أن قال : والمراد هنا الجواز الخارجي لا مجرد الجواز الذهني الذي هو عدم العلم بالامتناع (٢) .

إلى أن قال في وسط صفحة ٨١ : وعلى هذا التقدير فليس فيه إلاّ دوام الحوادث وتسلسلها، وهذا هو التقدير الذي تكلّمنا عليه، ويلزم أن يقوم بذات الفاعل مايريده ويقدر عليه، وهذا هو قول أئمّة الحديث (٣) .

إلى أن قال في صفحة ٨٢ : ولكن من لم يقل بذلك يظهر بينه وبين أئمّة طوائف أهل الملل وغيرها من النزاع والخصومات والمكابرات ما أغنى الله عنه من لم يشركه في ذلك، وتتكافأ عنده الأدلّة، ويبقى في أنواع الحيرة والشكّ والاضطراب، قد عافى الله منها من هداه وبيّن له الحقّ، إلى آخر كلامه (٤) .

فهو يحمد الله على مشاركة الكفّار في القول بقدم العالم نعوذ بالله من الضلال.

____________________

(١) نفس المصدر ١ : ١٥٦ .

(٢) منهاج السنّة ١ : ٢٣٢.

(٣) نفس المصدر ١ : ٢٩٨.

(٤) نفس المصدر ١ : ٢٩٨.


الفصل الخامس : في دعواه أنّ القرآن محدث في ذات الله سبحانهوتعالى ، وأنّه يتكلّم بصوت، ذكر ذلك في هامش صفحة ٢٠ من الجزء الثاني ما لفظه : وهذا الصوت الذي تكلّم الله به ليس هو الصوت المسموع من العبد، بل ذلك صوته كما هو معلوم لعامّة الناس، وقد نصّ على ذلك الأئمّة أحمد وغيره، فالكلام المسموع منه هو كلام الله لا كلام غيره. إلى آخره (١) .

وفي صفحة ٢٢١ عند قول المصنّف : فإنّ أمره ونهيه وإخباره حادث لاستحالة أمر معدوم (٢) ، فذكر ابن تيميّة أنّ هذه مسألة كلام الله والناس فيها مضطربون قد بلغوا إلى سبعة (٣) أقوال، وذكر أنّ الثاني قول الأشعرية وابن كلاب وغيرهم، والخامس والسادس قول الشيعة وغيرهم.

إلى أن قال ما لفظه : سابعها : قول من يقول إنّه لم يزل متكلّماً إذا شاء بكلام يقوم به، وهو متكلّم بصـوت يُسمع، وأنّ نوع الكلام قديم وإن لم يجعل نفس الصوت المعيّن قديماً، وهذا هو المأثور عن أئمّة الحديث والسنّة. إلى آخره (٤) .

وقال في هامش الجزء الثاني في الصفحة العاشرة ما هذا لفظه : وأمّا مسألة قيام الأفعال الاختياريّة به فإنّ ابن كُلاّب والأشعري وغيرهما ينفونها، وعلى ذلك بنوا قولهم في مسألة القرآن، وبسبب ذلك وغيره تكلّم الناس

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٢ : ٤٠.

(٢) منهاج الكرامة : ٤٢.

(٣) كذا في النسختين، وفي المصدر : تسعة بدل : سبعة.

(٤) منهاج السنّة ٢ : ٣٥٨.


فيهم، وهذا الباب ممّا هو معروف في كتب أهل العلم، ونسبوهم إلى البدعة، وبقايا بعض الاعتزال فيهم (١) .

وقال في آخر صفحة ٨٥ من الجزء الأوّل ما لفظه : وأنّ كلامه قديم، بمعنى أنّه قديم النوع لم يزل الله متكلّماً بمشيته، كما قاله السلف والأئمّة، والذين قالوا : إنّه قديم العين افترقوا على حزبين :

حزب قالوا : يمتنع أن يكون القديم هو الحرف والأصوات; لامتناع البقاء عليها، وكونها توجد شيئاً بعد شيء لأنّ المسبوق بغيره لا يكون قديماً، فالقديم هو المعني، ويمتنع وجود معان لا نهاية لها في آن واحد، والتخصيص بعدد دون عدد لا موجب له، فالقديم معنى واحد، هو الأمر بكلّ مأمور، والخبر عن كلّ مخبر، وهو معنى التوراة والإنجيل والقرآن، وهو آية الكرسي، وآية الدَّين، و( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) و( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ )، وأنكروا أن يكون الكلام العربي كلام الله.

والحزب الثاني قالوا : بل الحروف والأصوات قديمة أزليّة الأعيان (٢) .

إلى أن قال : والمقصود أنّ هذه الطريق الكلاميّة التي ابتدعها الجهميّة والمعتزلة، وأنكرها سلف الاُمّة وأئمّتها، صارت عند كثير من النظار والمتأخّرين هي دين الإسلام، ويعتقدون أنّ من خالفها فقد خالف دين الإسلام. إلى آخره (٣) .

فابن تيميّة عند أهل السنّة مخالف لدين الإسلام باعترافه.

____________________

(١) دَرء تعارض العقل والنقل ٢ : ١٨.

(٢) انظر الملل والنحل ١ : ١٥٤، وشرح العقيدة الطحاوية : ١٧٣.

(٣) منهاج السنّة ١ : ٣١٥.


ثمّ تأمّل هل هذا الذي اعتقده ابن تيميّة هو المأثور عن أئمّة الحديث والسنّة ؟ أم هو شيء لا يعرفه أحد منهم ولم يفه به إلاّ ابن تيميّة وأتباعه الحشويّة؟ فهو الكاذب على أئمّة الحديث والسنّة دائماً، وهذا الكذب لم يزل قائماً بذاته وليس أمراً منفصلا عنه يفعله شيئاً فشيئاً، غير أن أشخاصه ونوعه محدث بحدوث ذاته، عامله الله بعدله.

الفصل السادس : في عبارته الدالّة على ترجيحه أنّ الله تعالى بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر.

قال في صفحة ٢٦٠ عند قول المصنّف في الطعن على المشبّهة : إنّهم قالوا : إنّه تعالى يفضل عنه من العرش من كلّ جانب أربع أصابع (١) ما لفظه : فهذا لا أعرف له قائلا ولا ناقلا، ولكن روي في حديث عبد الله بن خليفة : أنّه ما يفضل من العرش أربع أصابع (٢) ، يروى بالنفي ويروى بالإثبات، والحديث قد طعن فيه غير واحد من المحدّثين كالإسماعيلي (٣)

____________________

(١) منهاج الكرامة : ٤٤، وانظر الكامل لابن الأثير ٨ : ٣٠٨، شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ٣ : ٢٢٦، الملل والنحل الشهرستاني ١ : ١٥٣ - ١٥٤.

(٢) جامع البيان في تفسير القرآن ٣ : ٨، مجمع الزوائد ١٠ : ١٥٩.

(٣) الحافظ الرحالة محمد بن مهران النيسابوري، المعروف بالإسماعيلي الجرجاني كبير الشافعية بناحيته، سمع الحديث من إسحاق بن راهويه وجمع كثير، حدث عنه رفيقه إبراهيم بن أبي طالب وأبو العباس السرّاج وغيرهما. قال الحاكم : هو أحد أركان الحديث بنيسابور كثرة ورحلة واشتهاراً. توفي سنة ٢٩٥ هـ. الأنساب ١ : ١٥٨، سير أعلام النبلاء ١٤ : ١١٧ / ٦٠، لسان الميزان ٥ : ٨١ / ٢٦٨، شذرات الذهب ٢ : ٢٢١.


وابن الجوزي (١) ، ومن الناس من ذكر له شواهد وقوّاه (٢) .

ولفظ النفي لا يرد عليه شيء، فإنّ مثل هذا اللفظ يرد لعموم النفي كقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما في السماء موضع أربع أصابع إلاّ وملك قائم أوقاعد أو راكع أو ساجد (٣) أي ما فيها موضع، ومنه قول العرب : ما في السماء قدر كفّ سحاباً (٤) وذلك لأنّ الكفّ يقدر به الممسوحات كما يقدر بالذراع، وأصغر الممسوحات التي يقدّر به الإنسان من أعضـائه الكفّ فصـار مثلا لأقلّ شيء.

قال : فإذا قيل : إنّه ما يفضل من العرش أربع أصابع، كان المعـنى : مايفضل منه شيء. إلى آخر كلامه (٥) .

فإنّ قوله : «ولفظ النفي لا يرد عليه شيء» وإبرامه في تقريبه إلى أن

____________________

(١) الشيخ جمال الدين، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمّد بن علي القرشي التيمي الحنبلي. وكان من كبار الوعّاظ ببغداد، فقيها، عالماً بالتاريخ والحديث، واسع الاطلاع، كثير التصانيف. وعن الدبيشي : إليه انتهت معرفة الحديث وعلومه. قال ابن خلّكان : علامة عصره، وإمام وقته في الحديث وصناعة الوعظ، توفّي ببغداد سنة ٥٩٧ هـ. وممّا أنشده في مجالس وعظه :

أهوى علياً وإيماني محبّته

كم مشرك دمه من سيفه وكفا

إن كنتَ ويحك لم تسمع فضائله

فاسمع مناقبه من (هل أتى) وكفى

وفيات الأعيان ٣ : ١١٦ / ٣٧٠، الكامل في التاريخ ١٢ : ١٧١، سير أعلام النبلاء ٢١ : ٣٦٥ / ١٩٢، تذكرة الحفاظ ٤ : ١٣٤٢ / ١٠٩٨، روضات الجنّات ٥ : ٣٥ / ٤٣٥، الأعلام للزركلي ٣ : ٣١٦، معجم المؤلِّفين ٥ : ١٥٧.

(٢) انظر الملل والنحل ١ : ١٤٩ - ١٥٤.

(٣) المصنّف لعبد الرزاق ٩ : ١٩١ / ١٧٩٣٤، الدرّ المنثور ١ : ٣٢٨، جامع البيان ٢٣ : ٦٩، نهاية الأرب للنويري ١ : ٣٦.

(٤) شرح ابن عقيل ٢ : ٢٨٩ ، وفيه : ما في السماء قدرُ راحة سحاباً .

(٥) منهاج السنّة ٢ : ٦٣٠.


قال : «كان المعنى ما يفضل منه شيء» يعطي أنّه يرى ذلك، وهو عبارة اُخرى عمّا نسب إليه من أنّه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر; لأنّه نصّ «أنّه لا يفضل منه شيء» وهو معنى بقدر العرش لا يفضل منه شيء يكون به أكبر ولا ينقص منه بحيث يكون أصغر..

فهو كما قال ابن حجر (١) لا كما قال المعاصر القاصر : إنّه ليس كما قال، بل هو عن ذلك بمعزل وبعيد عنه بألف ألف منزل، وصرّح بكذب ما عزي إليه، بل قال : وكذلك شهادات العلماء حاكمة باختلاف ما زوّر ابن حجر عليه (٢) .

وقد عرفت صدق الرجل، وأنّه لم يزوّر كلمة واحدة، غير أنّ المعاصر قاصر لا خبرة له بالكلمات والشهادات التي عرفت، ولا بالنصوص من لفظ ابن تيميّة التي سمعت.

وأقبح من ذلك أنّه يستدلّ على براءة ابن تيميّة بأقوال أتباعه وشركائه في الضلال، وبنفيه للتشبيه والتكيف والتجسيم مع إثباته معانيها بعبارات شتّى وبيانات متكرّرة، فهو كالمقرّ بالتشبيه المنكر له، فيؤخـذ بإقراره ولاينفعه إنكاره.

قولك : إنّ العزّ بن عبد السلام وغيره صحّحوا أنّ المجسّم لا يكفّر (٣) .

قلت : راجع التنبيه الرابع من هذه البراهين الجليّة تعرف ضعف ما

____________________

(١) في الفتاوى الحديثية : ٨٥.

(٢) جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٣٨٨ - ٣٨٩.

(٣) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٣٨٨.


قلت (١) ، ما هكذا يا سعد توردُ الإبل (٢) . العلماء الأئمّة أتقى من أن يفوهوا بالباطل وينسبون إلى ابن تيميّة ما لم يقله وما هو عنه بمعزل «لكن حبّك الشيء يعمي ويصمّ» (٣) .

الفصل السابع : في إثباته الحركة والانتقال للربّ.

قال في كتاب بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول المطبوع بهامش منهاج السنّة في صفحة ٢٢٤ من الجزء الأوّل ما لفظه : وقول طوائف من أهل السنّة والحديث الذين يقولون : إنّ الحركة من لوازم الحياة، وكلّ حيّ متحرّك، والذين يقولون : إنّه لم يزل متكلّماً إذا شاء. إلى آخره (٤) .

وقال في هامش أوّل الجزء الثاني ما لفظه : معلوم بالسمع اتّصاف الله تعالى بالأفعال الاختياريّة القائمة كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض، والطىّ، والإتيان، والمجيء، والنزول، ونحو ذلك (٥) .

وقد تقدّم أيضاً شهادة ابن بطوطة أنّه رآه بعينه نزل درجة من درج المنبر وقال : ينزل الله كنزولي هذا (٦) .

____________________

(١) راجع ص : ٥٨.

(٢) عجز بيت لمالك بن مناة تمثلت به العرب وتمثل به أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضاً، يضرب لمن قصّر في الأمر، والبيت :

أوردها سعد وسعد مشتمل

ما هكذا يا سعد تورد الإبل

انظر مجمع الأمثال ٢ : ٣٦٤ / ٤٣٦٢، تاج العروس (سعد).

(٣) في جمهرة الأمثال ١ : ٣٥٦ / ٥٣٦ : قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٤) دَرء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٦١.

(٥) نفس المصدر ٢ : ٣.

(٦) راجع ص : ٧٢.


وفي الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني أنّه ذكر حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا فنسب إلى التجسيم (١) .

والموجود في منهاجه في (صفحة ٢٦٢) من الجزء الأوّل ما لفظه : وأمّا حديث النزول إلى سماء الدنيا كلّ ليلة، فهي الأحاديث المعروفة الثابتة عندأهل العلم بالحديث، وكذلك حديث دنوّه عشيّة عرفه رواه مسلم في صحيحه، وأمّا النزول ليلة النصف من شعبان ففيه حديث اختلف في إسناده (٢) .

ثمّ إنّ جمهور أهل السنّة يقولون : إنّه ينزل ولا يخلوا منه العرش، كما نقل مثل ذلك عن إسحاق بن راهويه (٣) ، وحمّاد بن زيد (٤) ، وغيرهما، ونقلوه عن أحمد بن حنبل في رسالته إلى أبي مسدّد (٥) ، وهم متفقون على

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣ / ٤٠٩.

(٢) منهاج السنّة ٢ : ٦٣٧، وانظر صحيح مسلم ٢ : ٩٨٢ / ٤٣٦، وسنن ابن ماجة ١ : ٤٤٤، وفضائل الأوقات للبيهقي : ١١٨.

(٣) إسحاق بن إبراهيم بن مخلّد بن إبراهيم المروزي، المعروف بابن راهويه (أبويعقوب) محدّث، فقيه، رحل إلى الحجاز والعراق، وروى عنه يحيى بن آدم، ومن أقرانه أحمد بن حنبل. له : المسند، وكتاب التفسير، توفّي سنة ٢٣٧ أو ٢٣٨ هـ.

سير أعلام النبلاء ١١ : ٣٥٨ / ٧٩، طبقات الشافعية الكبرى ٢ : ٨٣ / ١٩، معجم المؤلِّفين ٢ : ٢٢٨.

(٤) ابن درهم أبو إسماعيل الأزدي (الأزرق) مولى آل جرير بن حازم الجهضمي البصري، الأزرق الضرير، أحد الأعلام، العلاّمة الحافظ، محدّث الوقت، أصله من سجستان، كان عثمانياً، سمع من أنس بن سيرين وعمرو بن دينار وغيرهما، روى عنه سفيان، وشعبة وغيرهما، مات سنة ١٧٩ هـ. ذكر الذهبي كلمات العلماء في مدحه فراجع. الطبقات لابن سعد ٧ : ٢٨٦، التاريخ الكبير للبخاري ٣ : ٢٧ / ٢٩٩٤، سير أعلام النبلاء ٧ : ٤٥٦ / ١٦٥، الأعلام للزركلي ٢ : ٢٧١.

(٥) انظر طبقات الحنابلة لأبي يعلى ٢ : ٤٢٥ / ٤٩٤.


أنّ الله ليس كمثله شيء، وأنّه لا يُعلم كيف ينزل، ولا تمثل صفاته بصفات خلقه.

وقد تنازعوا في النزول هل هو فعل منفصل عن الربّ في المخلوق أو فعل يقوم به، على قولين معروفين لأهل السنّة من أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم من أهل الحديث والتصوّف..

وكذلك تنازعهم في الاستواء على العرش هل هو بفعل منفصل عنه يفعله بالعرش كتقريبه إليه، أو فعل يقوم بذاته على قولين :

والأوّل : قول ابن كُلاّب، والأشعري، والقاضي أبي يعلى، وأبي الحسن التميمي (١) ، وأهل بيته (٢) ، وأبي سليمان الخطّابي (٣) ، وأبي بكر

____________________

(١) عبد العزيز بن الحارث الحنبلي، من رؤساء الحنابلة وأكابر البغاددة، وأحد فقهائهم، له كلام في مسائل الخلاف، مولده سنة ٣١٧ هـ، حدّث عن نفطويه النحوي وغيره، وحدّث عنه بشر بن عبد الله الرومي وغيره. توفّي سنة ٣٧١ هـ. تاريخ بغداد ١٠ : ٤٦١ / ٥٦٣٢، طبقات الحنابلة ٢ : ١٢١ / ٦١٦، الوافي بالوفيات ١٨ : ٤٧٠ / ٤٩٥.

(٢) أي التميميّون.

(٣) حمد وقيل : أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن الخطّاب، الخطّابي كان فقيهاً أديباً محدّثاً، له التصانيف البديعة، منها : غريب الحديث، سمع بالعراق أبا علي الصفّار وغيره ، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله بن البيّع النيسابوري وغيره، وكان يشبّه في عصره بأبي عبيد القاسم بن سلام علماً وأدباً وزهداً وتدريساً وتأليفاً، وكانت وفاته في سنة ٣٨٨ هـ وقيل فى تاريخ فوته غير ذلك. يتيمة الدهر ٤ : ٣٨٣ / ٦٦، معجم الاُدباء ٤ : ٢٤٦ / ٥٨، وفيات الأعيان لابن خلّكان ٢ : ١٨٤ / ٢٠٧، طبقات الشافعية للأسنوي ١ : ٢٢٣ / ٤٢٠، الأنساب السمعاني ٢ : ٤٣٥ / ٣٥٦٧، هدية العارفين ١ : ٦٨.


البيهقي (١) ، وابن الزاغوني (٢) ، وابن عقيل (٣) ، وغيرهم ممّن يقول : إنّه لا يقوم بذاته ما يتعلّق بمشيته وقدرته.

والثاني : قـول أئمّـة أهل الحـديث وجمهورهـم، كابن المبـارك (٤) ،

____________________

(١) أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى، البيهقي الخسروجردي، الفقيه الشافعي الحافظ الكبير المشهور، واحد زمانه، وفرد أقرانه في الفنون، من كبار أصحاب الحاكم أبي عبد الله ابن البيّع في الحديث، ثمّ الزائد عليه في أنواع العلوم، أخذ الفقه عن أبي الفتح ناصر بن محمّد العمري المروزي، غلب عليه الحديث واشتهر به، ورحل في طلبه إلى العراق والجبال والحجاز، وسمع بخراسان من علماء عصره، وهو أوّل من جمع نصوص الإمام الشافعي، ومن مشهور مصنّفاته السنن الكبرى والسنن الصغرى، توفّي سنة ٤٥٨ هـ. وفيات الأعيان ١ : ٦٩ / ٢٨، طبقات الشافعية للسبكي ٤ : ٨ / ٢٥٠، طبقات الشافعية للأسنوي ١ : ٩٨ / ١٧٢.

(٢) أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن عبيد الله بن سهل بن الزغواني البغدادي، صاحب التصانيف، كان واعظاً من أعيان الحنابلة، قال ابن الجوزي : صحبته زماناً وسمعت منه وعلقت عنه العلم والوعظ، توفّي سنة ٥٢٧ أو ٥٢٦ هـ. مشيخة ابن الجوزي : ٧٩ ـ ٨١، سير أعلام النبلاء ١٩ : ٦٠٥ / ٣٥٤، الأعلام للزركلي ٣ : ٤٠ و ٣١٠.

(٣) أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمّد البغدادي الظفري، شيخ الحنابلة، صحب العلماء من عدّة مذاهب وأخذ عنهم فبرز في فنون متعدّدة، تفقه على القاضي أبي يعلى بن الفراء الحنبلي وغيره، وقرأ الاصول والخلاف على ابن الصبّاغ الشافعي، وأخذ الكلام عن أبي علي بن الوليد، والمناظرة عن أبي اسحاق الشيرازي الشافعي، سمع منه ابن المغازلي وغيره، وصنّف بالفقه والاُصول وغيرهما، توفّي سنة ٥١٣ هـ سير أعلام النبلاء ١٩ : ٤٤٣ / ٢٥٩، طبقات الحنابلة ٢ : ٢٢٢ / ٧٠٥.

(٤) عبد الله بن مبارك بن واضح الحنظلي بالولاء، أبو عبد الرحمن المروزي، كان خوارزمي الاُمّ وتركي الأب، تفقه على سفيان الثوري ومالك بن أنس، وعن الذهبي : تفقّه بأبي حنيفة، روى عن الربيع بن الأنس الخراساني وجمع، روى عنه معمّر، والثوري، وأبو إسحاق الفزارى وغيرهم. وكان محدّثاً فقيهاً شاعراً، وقد أكثر من الترحال والتطواف في طلب العلم والغزو والحج والتجارة، توفّي سنة ١٨١ أو ١٨٢ هـ.


وحمّـاد بن زيد، والأوزاعـي (١) ، والبخـاريّ (٢) ، وحـرب الكرمـانيّ (٣) ، وابن خزيمة (٤) ، ويحيى بن عمّار السجستانيّ (٥) ، وعثمان بن السعيد

____________________

طبقات ابن سعد ٧ : ٣٧٢، فهرست ابن النديم : ٣١٩، حلية الأولياء ٨ : ١٦٢ / ٣٩٧، الوافي بالوفيات ١٧ : ٤١٩ / ٣٥٩.

(١) عبد الرحمن بن عمرو بن محمّد، أبو عمرو الأوزاعي، والأوزاع بطن من ذي الكلاع من اليمن، وقيل : بطن من همدان واسمه مرثد بن زيد، وقيل : الأوزاع قرية بدمشق إمام أهل الشام، وكان يسكن بيروت.

انظر : طبقات الكبرى لابن سعد ٧ : ٤٨٨، التاريخ الكبير ٥ : ١٩٨ / ٧١٠٤، المعارف : ٢٧٨، المعرفة والتاريخ ٢ : ٣٩، الجرح والتعديل ١ : ١٨٤، الفهرست لابن النديم : ٣١٨، حلية الأولياء ٦ : ١٣٥ / ٣٥٤، سير أعلام النبلاء ٧ : ١٠٧ / ٤٨، وفيات الأعيان ٣ : ١٠٦ / ٣٦١، طبقاتب الفقهاء للشيرازي : ٧٦ ح كتاب تذكرة الحفاظ ١ : ١٧٨ / ١٧٧، البداية والنهاية ١٠ : ١٢٠، شذرات الذهب ١ : ٢٤١، طبقات الفقهاء ٢ : ٣٠٣ / ٤٩٠.

(٢) أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي البخاري، من علماء المحدثين، المتوفى سنة ٢٥٦ هـ صاحب الصحيح والتاريخ. الفهرست لابن النديم : ٤٣٢، تاريخ دمشق ٥٢ : ٤٩، الكامل في التاريخ ٧ : ٢٤٠، البداية والنهاية ١١ : ٢٧.

(٣) أبو محمّد حرب بن إسماعيل بن خلف الحنظلي الكرماني، الفقيه الحافظ تلميذ أحمد بن حنبل، رحل وطلب العلم. قال الخلال : كان رجلاً جليلاً حثّني المروزي على الخروج إليه. سمع أبا الوليد الطيالسي والحميدي وغيرهما. أخذ عنه أبو حاتم الرازي مع تقدّمه وعبد الله بن إسحاق النهاوندي. توفّي سنة ٢٨٠ هـ. طبقات الحنابلة ١ : ١٣٦ / ١٨٩، سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٤٤ / ١٢٧، شذرات الذهب ٢ : ١٧٦.

(٤) محمّد بن إسحاق بن خزيمة السلميّ، أبو بكر النيسابوريّ، الشافعي. ولد بنيسابور سنة ٢٢٣ هـ، ورحل في طلب العلم إلى العراق والشام والجزيرة ومصر. وكان فقيهاً مجتهداً حافظاً مصنفاً. حدّث عن إسحاق بن راهوية وأبي سعيد الأشجّ وجمع. وحدّث عنه أبو حاتم البستي والبخاري وخلق كثير. قال الحاكم : ومصنّفاته تزيد على مائة وأربعين كتاباً سوى المسائل. توفّي سنة ٣١١ هـ. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي ٣ : ١٠٩ / ١١٩، الوافي بالوفيات ٢ : ١٩٦ / ٥٦٥، الأعلام للزركلي ٦ : ٢٩.

(٥) أبو زكريا الشيباني النيهي السجستاني، الإمام المحدث والواعظ، شيخ سجستان،


الدارمي (١) ، وابن حامد (٢) ، وأبي بكر عبد العزيز (٣) ، وأبي عبد الله بن مندة، وإسماعيل الأنصاري (٤) ، وغيرهم. إلى آخره (٥) .

أقول : مذهب ابن تيميّة في النزول مذهب أئمّة أهل الحديث، فيكون النزول فعلا يقوم بالربّ غير منفصل عنه قائماً بذاته، كما هو مسلكه

____________________

نزيل هراة، كان فصيحاً مفوّهاً، حسن الموعظة، رأساً في السير، أكمل التفسير على المنبر في سنة ٣٩٢، توفّي بهراة سنة ٤٢٢ هـ. سير أعلام النبلاء ١٧ : ٤٨١ / ٣١٨، تاريخ الإسلام الذهبي ٢٩ : ٩٧، شذرات الذهب ٣ : ٢٢٦.

(١) السجستاني محدث هراة وأحد الأعلام، رحل وطوف ولقي الكبار، وأخذ علم الحديث عن أبن حنبل وابن المديني وإسحاق بن راهويه وابن معين وأخذ الأدب عن ابن الأعرابي، والفقه عن البويطي وتقدّم في هذه العلوم، وله الردّ على الجهمية والرد على بشر المريسي، توفّي سنة ٢٨٠ أو ٢٨٢ هـ كما أرخه الحاكم. الوافي بالوفيات ١٩ : ٣٢٠ البداية والنهاية ١١ : ٧٥، شذرات الذهب ٢ : ١٧٦.

(٢) أبو عبد الله، الحسن بن حامد البغدادي الوراق، شيخ الحنابلة، مصنّف كتاب الجامع في عشرين مجلّداً فى اختلاف الفقهاء. كان مدرس أصحاب أحمد وفقيههم في زمانه، روى عن أبي بكر النجار وأبي بكر الشافعي، وروى عنه أبو علي الأهوازي وغيره. توفّي سنة ٤٠٣ هـ. طبقات الحنابلة ٢ : ١٧١ / ٦٣٨، سير أعلام النبلاء ١٧ : ٢٠٣ / ١١٦، الوافي بالوفيات ١١ : ٤١٥ / ٥٩٤، الأعلام ٢ : ٢٠١.

(٣) ابن جعفر بن أحمد الحنبلي، صاحب الخلاّل أو المعروف بغلام الخلاّل، وشيخ الحنابلة، وعالمهم المشهور، وصاحب التصانيف. روى عن موسى بن هارون وغيره، وحدّث عنه أحمد بن الجنيد الخطيبي، توفّي سنة ٣٦٣ هـ. العبر للذهبي ٢ : ١١٦، البداية والنهاية ١١ : ٢٩٨، شذرات الذهب ٣ : ٤٥.

(٤) عبد الله بن محمّد بن علي بن محمّد الأنصاري أبو إسماعيل الأنصاري الهروي الفقيه، الحافظ العارف من ولد صاحب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبي أيوب الأنصاري، صوفي، كان عالماً في التفسير والحديث والسيرة والعربية والتاريخ والأنساب، ومن مصنّفاته منازل السائرين الذي مرّت الإشارة إليه في الصفحة : ١٥٩، توفّي سنة ٤٨١ هـ. سير أعلام النبلاء ١٨ : ٥٠٣ / ٢٦٠، طبقات المفسرين للسيوطي : ٤٦ / ٤٥، الذيل على طبقات الحنابلة ٣ : ٤٢ / ٢٧، طبقات الصوفية ٢ : ١٨٤ / ٣٨٩.

(٥) منهاج السنّة ٢ : ٦٣٨ - ٦٤٠.


في كلّ الصفات الجزئيّة، فيكون مراده من قوله : كنزولي هذا كما رواه ابن بطوطة في رحلته عن مشاهدة من ابن تيميّة حين حضر الجمعة معه في المسجد في الشام، وصعد ابن تيميّة المنبر وذكر حديث النزول ونزل عن المنبر درجة (١) ، ورآه من روى عنه ابن حجر في الدرر الكامنة أيضاً أنّه نزل عن المنبر درجتين وقال : كنزولي هذا (٢) ، بيان أنّ النزول ليس فعلا منفصلا عن الربّ بل هو قائم به مثل قيام فعله به في نزوله عن المنبر.

لكن من المعلوم بالضرورة أنّ هذا الذي نسبه إلى أئمّة أهل الحديث وجمهورهم إن كان مراده بهم غير الحشويّة من أهل الحديث والسنّة فهم بُراء منه وكذب محض عليهم، ولا يوجد نقله عن أحد من أهل السنّة والجماعة غير الحشويّة.

قال الإمام البيهقي في كتاب الأسماء والصفات : وقد [زلّ] (٣) بعض شيوخ أهل الحديث ممّن يرجع إلى معرفته بالحديث والرجال، فحاد عن هذه الطريقة حين روى حديث النزول، ثمّ أقبل على نفسه فقال : إن قال قائل : كيف ينزل ربّنا إلى السماء؟ قيل له : ينزل كيف يشاء. فإن قال : هل يتحرّك إذا نزل؟ فيقال : إن شاء تحرّك وإن شاء لم يتحرّك. وهذا خطأ فاحش عظيم، والله لا يوصف بالحركة; لأنّ الحركة والسكون يتعاقبان في محل واحد، وإنّما يجوز أن يوصف بالحركة من يجوز أن يوصف بالسكون، وكلاهما من أعراض الحدوث وأوصاف المخلوقين، والله تبارك

____________________

(١) رحلة ابن بطوطة ١ : ٣١٧.

(٢) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٣) في النسختين : نزل والمثبت عن المصدر.


وتعالى متعال عنهما، ليس كمثله شيء (١) ، انتهى.

هذا ما عليه أئمّة أهل الحديث من أسلاف ابن تيميّة، وعليه أئمّة أهل الحديث من أهل السنّة والجماعة، لكن ابن تيميّة قد انتهى في قوّة الافتراء والكذب على أهل السنّة والجماعة، كيف ومن كان له مسكة من العقل لا يقول بمقالة هؤلاء الحشويّة، وأنّ النزول والاستواء صفة ذاتيّة كالعلم والقدرة، بل هو وأتباعه من الحشويّة كثيراً ما يدلّسون ويكذّبون على السلف وينسبون مقالتهم الزائغة إلى السلف ترويجاً للباطل ـ ومَن مِنَ العوام يعرف أنّه كذب ـ وتكثيراً للقائل بهذا الباطل، وأنّه تمويه ضمنه ابن تيميّة، تكيف وتشبيه ودعاء إلى الجهل.

وقال في صفحة ٢٤٩ : فإذا سمّي العدم الذي فوق العالم حيزاً وقال : يمتنع أن يكون تعالى فوق العالم; لئلاّ يكون متحيّزاً، فهذا معنى باطل لأنّه ليس هناك موجود غيره حتّى يكون فيه (٢) ، انتهى.

أقول : لكنّه لا ينفكّ حينئذ عن الأكوان التي منها الحركة والسكون، ويكون قابلا للقسمة والأشكال، وكلّ ذلك محال في حقّ الواجب.

وأصرح من ذلك ما ذكره في كتاب بيان موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول في هامش صفحة ٢٢٤ من الجزء الأوّل من منهاج السنّة المطبوع مالفظه : وقول طوائف من أهل السنّة والحديث كالذين يقولون : إنّ الحركة من لوازم الحياة وكلّ حيّ متحرّك (٣) . إلى آخره.

وقال في هامش الصفحة الرابعة من الجزء الثاني ما لفظه : وكان الناس

____________________

(١) الأسماء والصفات : ٤٥٤ - ٤٥٥.

(٢) منهاج السنّة ٢ : ٥٥٦.

(٣) دَرء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٦١.


قبل أبي محمّد بن كلاّب صنفين : فأهـل السنّة والجماعة يثبتـون ما يقـوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، والجهميّة من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا. فأثبت ابن كلاّب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلّق بمشيته وقدرته من الأفعال وغيرها، ووافقه على ذلك أبو العبّاس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري، وغيرهما.

إلى أن قال : وأئمّة السنّة والحديث على إثبات النوعين.

قال : بل صرّح هؤلاء بلفظ الحركة، وأنّ ذلك هو مذهب أئمّة السنّة والحديث من المتقدّمين والمتأخّرين (١) .

أقول : يعني المتقدّمين من الحشويّة (٢) والمتأخّرين منهم.

تصريحه بأنّ الربّ لا يخلو عن نوع الحوادث :

وقال المحروم في هامش الصفحة السادسة من الجزء الرابع من منهاج السنّة ما لفظه : وإذا عرضنا على العقل الصريح ذاتاً لا فعل لها ولا حركة ولا تقدر أن تصعد ولا تنزل ولا تأتي ولا تجيء ولا تقرب ولا تقبض ولا تطوي ولا تحدث شيئاً بفعل يقوم بها، وذاتاً تقدر على هذه الأفعال وتحدث الأشياء بفعل لها، كانت هذه الذات أكمل، فإنّ تلك كالجمادات أو الحي الزَمِن المجدّع، والحي أكمل من الجماد، والحي القادر على العمل

____________________

(١) دَرء تعارض العقل والنقل ٢ : ٦ - ٧.

(٢) سُمّيت حشويّة; لأنّهم يحشّون الأحاديث الّتي لا أصل لها في الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أي يدخلونها فيها وليست منها، وجميع الحشويّة يقولون بالجبر والتشبيه، وقال قوم منهم : قد كان محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كافراً قبل البعثة لقوله تعالى : ( وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى )، وأنّ الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر، وأنّهم أجازوا على ربّهم الملامسة والمصافحة، وأنّ المسلمين المخلصين يعانقونه في الدنيا والآخرة... انظر إحقاق الحقّ ١ : ١٧٥، المقالات والفرق : ١٣٦.


أكمل من العاجز عنه (١) . إلى آخر كلامه الشنيع الصريح في التجسيم والتشبيه.

وقال في هامش صفحة ١٣٣ من الجزء الرابع ما لفظه : فنحن نقول : إنّ كلّ قائم بنفسه لا يخلو عن الحركة والسكون، فإنّه إمّا أن يكون منتقلا أو لا يكون منتقلا، فإن كان منتقلا فهو متحرّك وإلاّ فهو ساكن.

فإن قلت : ثبوت الانتقال وسلبه فرع قبوله.

قيل لك : هذا التقسيم معلوم بالضرورة في كلّ قائم بنفسه، كما ذكرت أنّه معلوم بالضرورة في كلّ ما سمّيته متحيّزاً، وحيّزه عدم محض، فإنّه إذا لم يكن إلاّ الانتقال وعدم الانتقال، فالانتقال هو الحركة وعدمه هو السكون.

وإذا قلت : هذان متقابلان تقابل العدم والملكة فلا بدّ من ثبوت القبول.

كان الجواب من وجوه :

أحدها : أن يقال لك مثل هذا فيما سمّيته متحيّزاً.

الثاني : أن يقال : هذا اصطلاح اصطلحته وإلاّ فكلّ ما ليس بمتحرّك وهو قائم بنفسه فهو ساكن، كما أنّه كلّ ما ليس بحىّ هو ميّت.

الثالث : أن يقال : هب أنّ الأمر كذلك، ولكن إذا اعتبرنا الموجودات فما يقبل الحركة أكمل ممّا لا يقبلها، فإذا كان عدم الحركة عمّا من شأنه أن يقبلها صفة نقص فكونه لا يقبل الحركة أعظم نقصاً، كما ذكرنا مثل ذلك في الصفات.

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٤ : ٨.


ونقول : رابعاً : الحركة الاختياريّة للشيء كمال له كالحياة ونحوها، فإذاقدّرنا ذاتين أحدهما تتحرّك باختيارها والآخر لا تتحرّك أصلا كانت الاُولى أكمل .

ويقول الخصم : رابعاً قوله : لم لا يجوز أن يكون متحرّكاً؟ قولك : الحركة حادثة.

قلت : حادثة النوع أو الشخص؟ الأوّل ممنوع والثاني مسلّم.

قولك : ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. إن اُريد به ما لا يخلو عن نوعها فممنوع، والثاني لا يضرّ وأنت لم تذكر حجّة على حدوث نوع الحركة إلاّ حجّة واحدة وهو قولك : الحادث لا يكون أزليّاً وهي ضعيفة (١) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه.

وحاصله : إثبات الحركة والسكون للربّ، وأنّ الحركة قديمة النوع حادثة الشخص، وأنّ الربّ لا يخلو عن نوع الحوادث فهو محل لنوعها، وكلّ هذه الكلمات كفر وتجسيم بالضرورة الإسلاميّة.

وصرّح بعد هذا الكلام بإثبات الحيَّز للربّ تعالى، قال ما لفظه : فليس اختصاصه بحيِّز معيّن من لوازم ذاته بل هو باختياره، وإذا كان يختصّ بعض الأحياز بما شاء من مخلوقاته فتصرفه بنفسه أعظم من تصرفه لمخلوقاته (٢) . إلى آخر كلامه القبيح والكفر البراح الصريح.

تصريحه بالجسميّة

وقد صرّح بالجسميّة الحقيقيّة في هامش صفحة ١٦٥ قال : ليس هو

____________________

(١) انظر درء تعارض العقل والنقل ٤ : ١٥٨ - ١٦٠.

(٢) نفس المصدر ٤ : ١٦١.


مثل كلّ جسم من الأجسام فيما يجب ويجوز ويمتنع، ولكن شاركها في مسمّى الجسمية، كما إذا قيل : هو حيّ وغيره حي شاركه في مسمّى الحي، وكذلك شارك غيره في مسمّى العالم والقادر والموجود والذات والحقيقة، فماكان من لوازم القدر المشترك ثبت لهما، وما اختصّ بأحدهما لم يثبت للآخر (١) .

وأنت خبير بأنّ هذا عين التشبيه بالضرورة، فإنّ العبد لا يشارك الربّ في ا لعلم والقدرة والحياة والحقيقة ولا غير ذلك، ولا بينهما قدر مشترك بالضرورة، ولكن المحروم مشبّه مبدع.

في تصريحه بـ :

افتقار الربّ افتقار المركّب إلى أجزائه تعالى الله

وقد صرّح بصحة افتقار الربّ وتركبه من أجزائه، قال في آخر هامش صفحة ١٧٢ من الجزء الرابع : وإذا قيل : هو مفتقر إلى صفاته اللازمة، أو جزئه، أو لوازم ذاته، أو نحو ذلك كان حقيقة ذلك أنّه لا يكون موجوداً إلاّ بصفات الكمال، وأنّه يمتنع وجوده دون صفات الكمال التي هي من لوازم ذاته، وهذا حقّ (٢) . إلى آخره.

وقال في هامش صفحة ١٨٩ من هذا الجزء الرابع : فإن قيل : نعني بالافتقار أنّه لا يوجد هذا إلاّ مع هذا. قيل : ولم قلتم : إنّ مثل هذا ممتنع على الواجب بنفسه (٣) ؟.

إلى أن قال في هامش صفحة ١٩٠ : الوجه الرابع أن يقال : قول

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٤ : ١٩٦.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٢٠٤.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٢٢١.


القائل : إن المركّب مفتقر إلى كلّ واحد من تلك الأجزاء، أتعني بالمركّب تلك الأجزاء، أو تعني به اجتماعها، أو الأمرين، أو شيئاً رابعاً؟ فإن عنيت الأوّل كان المعنى أنّ تلك الأجزاء مفتقرة إلى تلك الأجزاء، وكان حاصله : أنّ الشيء المركّب مفتقر إلى المركّب، وأنّ الشيء مفتقر إلى نفسه، وأنّ الواجب بنفسه مفتقر إلى الواجب بنفسه، ومعلوم أنّ الواجب بنفسه لا يكون مستغنياً عن نفسه بل وجوبه بنفسه يستلزم أنّ نفسه لا تستغني عن نفسه، فما ذكرتموه من الافتقار هو تحقيق لكونه واجباً بنفسه لا مانع لكونه واجباً بنفسه (١) . إلى آخره.

تصريحه بـ :

افتقاره تعالى افتقار المشروط إلى شرطه تعالى

وقال في هامش صفحة ١٦٩ من الجزء الأوّل ما لفظه : ولفظ الافتقار هنا إن اُريد به افتقار المشروط إلى شرطه فهذا هو تلازم من الجانبين، وليس ذلك ممتنعاً، والواجب بنفسه يمتنع أن يكون مفتقراً إلى ما هو خارج عن نفسه، فأمّا ما كان صفة لازمة لذاته وهو داخل في مسمّى اسمه، فقول القائل : إنّه مفتقر إليها كقوله : إنّه مفتقر إلى نفسه...

قال : ولا تكون نفسه إلاّ بما هو داخل في مسمّى اسمها، وهذا حقّ (٢) . انتهى موضع الحاجة من كلامه.

تصريحه بـ :

إثبات التشبيه والتجسيم القبيح

وصرّح بالتجسيم القبيح في هامش الجزء الأوّل في صفحة ٧٠ قال ما

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٤ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

(٢) نفس المصدر ١ : ٢٨٢.


لفظه : فإن مَن نفى شيئاً من الصفات لكون إثباتها تجسيماً وتشبيهاً يقول له المثبت : قولي فيما أثبته من الصفات والأسماء كقولك فيما أثبته من ذلك، فإن تنازعا في الصفات الخبرية أو العلوّ أو الرؤية أو نحو ذلك وقال له : هذا يستلزم التجسيم والتشبيه; لأنّه لا يعقل ما هو كذلك إلاّ الجسم، قال له المثبت : لا يعقل ما له حياة وعلم وقدرة وسمع وبصر وكلام وإرادة إلاّ ما هو جسم (١) . إلى آخره.

تصريحه بالجهة هو وإمامه أحمد :

وصرّح بالجهة، وأنّه تعالى على العرش باين عن السفل، وأنّه مع الخلق بعلمه لا بذاته، وأنّ هذا مذهب إمامه أحمد، قال في هامش صفحة ١٤١ من الجزء الأوّل : كالإمام أحمد في ردّه على الجهميّة، لما بين دلالة القرآن على علوّه واستوائه على عرشه، وأنّه مع ذلك عالم بكلّ شيء، كما دلّ على ذلك قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـوَتِ وَالارْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الارْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (٢) فبيّن أنّ المراد بذكر المعيّة أنّه عالم بهم، كما افتتح الآية بالعلم وختمها بالعلم، وأنّه بيّن سبحانه أنّه مع علوّه على العرش، يعلم ما الخلق عاملون، كما في حديث عبّاس بن عبد المطلّب الذي رواه أبو داوُد وغيره عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال فيه : «والله فوق عرشه وهو يعلم ما أنتم عليه» (٣) فبيّن

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) سورة الحديد ٥٧ : ٤.

(٣) انظر درء التعارض ١ : ٢٣٧ الهامش رقم ٢، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٣١ / ٤٧٢٣، ضعفاء


الإمام الأحمد إمكان ذلك بالاعتبار العقلي، وضرب مثلين ولله المثل الأعلى، فقال : لو أنّ رجلا في يده قوارير فيها ماء صاف لكان بصره قد أحاط بما فيها مع مباينته له، فالله وله المثل الأعلى قد أحاط بصره بخلقه وهو مستو على عرشه، وكذلك : لو أنّ رجلا بنى داراً لكان مع خروجه عنها يعلم ما فيها، فالله خلق العالم بعلمه مع علوّه، عليه كما قال تعالى : ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (١) (٢) انتهى.

تصريحه بـ :

قيام الحوادث بذات الربّ تعالى..

وأنّه لم يزل فاعلا..

وأنّ التسلسل في الماضي صحيح..

وأنّ جنس الفعل قديم لم يزل

وصرّح بقيام الحوادث بذات الواجب سبحانه وتعالى، قال في هامش صفحة ٢٣٠ ما لفظه : وأمّا اُمور قائمة بذات الله تعالى كما يقول أهل الحديث وأهل الإثبات الذين يقولون : لم يزل متكلّماً إذا شاء فعّالا لما يشاء (٣) . انتهى.

وقال في هامش ٢٧٦ وهي آخر صفحات الجزء الأوّل ما لفظه : ولكن ذاته تستلزم ما يقوم بها من الأفعال شيئاً بعد شيء (٤) .

____________________

العقيلي ٢ : ٢٨٤ / ٨٥٢، المستدرك للحاكم ٢ : ٣٧٨، ٤١٢، ٥٠١، تفسير السمعاني ٦ : ٣٨ ذيل قوله تعالى : ( ويحمل عرش ربّك... )، البداية والنهاية ١ : ٣٢، ٣٣.

(١) سورة الملك ٦٧ : ١٤.

(٢) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٢٣٧ - ٢٣٨.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٧٠.

(٤) نفس المصدر ١ : ٤٠٦.


وقال قبل ذلك في هامش صفحة ٢١٤ من الجزء الأوّل قال : فإذا قيل : هو نفسه كاف في إبداع ما ابتدعه لا يتوقّف فعله على شرط. قيل : نعم كلّ ما يفعله لا يتوقّف على غيره، بل فعله لكلّ مفعول حادث يتوقّف على فعل يقوم بذاته يكون المفعول عقيبه، وذلك الفعل أيضاً مشروط بأثر حادث قبله (١) . انتهى.

وقال في هامش صفحة ٢٢٠ من الجزء الأوّل أيضاً ما لفظه : وإن كان ـيعني التأثير وجودياً، فإمّا أن يكون قائماً بذات المؤثّر، أو بغيره، فإن كان قائماً بذاته لزم جواز قيام الاُمور الوجوديّة بواجب الوجود، وهذا قول مثبتة الصفات، وعلى هذا التقدير فالتسلسل في الآثار والشروط إن كان ممكناً بطلت هذه الحجّة، وأمكن تسلسل التأثيرات القائمة بالقديم (٢) .

إلى أن صرّح : بأنّ التأثير لم يزل في شيء بعد شيء (٣) .

قال : وحينئذ فيكون تسلسل التأثيرات ممكناً (٤) .

بل قال في هامش صفحة ٢٢٧ : بل يلزم منه التسلسل المتعاقب في الآثار، وهو أن يكون قبل ذلك الحادث حادث وقبل ذلك الحادث حادث، وهذا جائز عندهم وعند أئمّة المسلمين، وعلى هذا فيجوز أن يكون كلّ ما في العالم حادثاً مع التزام هذا التسلسل الذي يجوّزونه (٥) .

وقال أيضاً في هامش صفحة ٢٢٩ : فإذا قال القائل : لو حدث سبب

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٤٦.

(٢) نفس المصدر ١ : ٣٥٥ - ٣٥٦.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٥٩.

(٤) نفس المصدر ١ : ٣٥٩.

(٥) نفس المصدر ١ : ٣٦٥.


يوجب ترجيح جنس الفعل للزم هذا التسلسل، فهو صادق، ولكن هذا يفيد أنّه لا يحدث ترجيح يوجب ترجيح الفعل، بل لا يزال جنس الفعل موجوداً، فهذا يسلمه لهم أئمّة المسلمين (١) .

قال : فإنّه إذا كان جنس الفعل لم يزل لزم أنّه لا تزال المفعولات يحدث شيئاً بعد شيء (٢) . إلى آخره.

تصريحه بأنّ صفات الربّ متنوّعة متغايرة :

فصـل : ذكر في هامش صفحة ٢٣٩ من الجزء الأوّل : أنّ نفس الفاعل موصوف بصفات متنوّعة وأفعال متنوعة، وله تعالى شؤون وأحوال، كلّ يوم هو في شأن، فإنّه يكون تنوّع المفعولات وحدوث الحادثات لتنوع أحوال الفاعل، وأنّه يحدث من أمره ما شاء (٣) .

أقول : قد كفر في قوله بتنوع صفات الله تعالى، فإنّ تعدّد أنواعها يوجب القول بالغيريّة بينها وتعدّد حقايقها واثنينيتها، وهو كفر عند علماء السنّة والجماعة، كما صرّح به جماعة منهم :

قال الشيخ أبو الشكور محمّد بن عبد الله السايلي (٤) في التمهيد : وصفاته كلّها واحدة في الحقيقة، حتّى أنّه لو قال : إنّ قدرة الله تعالى وحياته شيئان أو غيران أو اثنان يصير كافراً، فنقول : إنّ الحياة صفة الله تعالى، والقدرة صفة الله، والقدرة ليست هي الحياة، ولا هي غير الحياة، وكذلك في سائر الصفات، كلّ صفة مع صفة اُخرى، نقول : لا هي هي ولا هي

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ١ : ٣٦٨.

(٢) نفس المصدر ١ : ٣٦٩.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٨٤.

(٤) في كشف الظنون ١ : ٤٨٤ : محمّد بن عبد السيد بن شعيب الكشّي السالمي الحنفي.


غيرهـا كما في الصفة والذات; لأنّ صفاته ليست من المعدودات، فنقول : إنّ الله تعالى يوجد بصفاته، وهذا هو المذهب عند أهل السنّة والجماعة (١) . انتهى.

وقال الشيخ حافظ الدين النسفي (٢) في الفتاوي : صفات الله لا تدخل تحت العدد، فلو قال : الحياة والقدرة شيئان، أو عددان، أو اثنان، أو غيران يصير كافراً، وإنّما تعددها باعتبار الأسماء والتأثير (٣) . انتهى.

أقول : فكيف بمن جعلها أنواعاً؟! والأنواع لا تكون إلاّ متغايرة.

قال المرجاني (٤) في حاشيته المتعلّقة بشرح الدواني على العقائد العضديّة : وقال بعضهم : من صار إلى إثبات الذات ولن يثبت الصفات كان جاهلا مبتدعاً، ومن صار إلى إثبات صفات مغايرة للذات حقّ المغايرة فهو ثنوي كافر، ومع كفره جاهل (٥) .

قال : وقال أيضاً : ذواتنا ناقصة وإنّما يكمّلها الصفات، وأمّا ذات الله سبحانه فهي كاملة لا تحتاج في شيء إلى شيء; إذ كلّ ما يحتاج في

____________________

(١) التمهيد في بيان التوحيد (تمهيد أبي الشكور السالمي) : ٦٠.

(٢) عبد الله بن أحمد النسفي، أبو البركات، فقيه حنفي مفسّر، اُصولي، متكلّم، من أهل آيذج ، من تصانيفه : عمدة العقائد في الكلام وشرحها وسماها الاعتماد، مدارك التنزيل وحقائق التأويل وغيرها، توفّي سنة ٧١٠ هـ، وقيل : ٧٠١. الجواهر المضيّة ١ : ٢٧٠ / ٧١٩، الدرر الكامنة ٢ : ١٥١ / ٢١١٩، الأعلام للزركلي ٤ : ٦٧.

(٣) انظر التمهيد في بيان التوحيد لأبي الشكور : ٦٠.

(٤) شهاب الدين بن بهاء الدين بن سبحان بن عبد الكريم المرجاني، ثمّ القزاني الحنفي، مؤرّخ، وكان عالم عصره في بلاده ومجاهراً بالاجتهاد، تخرّج على يديه كثير من العلماء. من مصنّفاته عذب الفرات في حاشية الجلال، توفّي سنة ١٣٠٦ هـ. هدية العارفين ١ : ٤١٨، الأعلام للزركلي ٣ : ١٧٨.

(٥) انظر الدرّة الفاخرة للجامي وحواشية : ١٤ و ٨٩ و ١٦٩.


شيء إلى شيء فهو ناقص، والنقصان لا يليق بالواجب تعالى، فذاته كافية للكلّ في الكلّ، فهي بالنسبة إلى المعلومات علم، وبالنسبة إلى المقدورات قدرة، وبالنسبة إلى المرادات إرادة، وهي واحدة ليس فيها اثنينيّة بوجه من الوجوه (١) . انتهى.

أقول : فلاحظ الفصل الثالث حتّى تعرف توحيد ابن تيميّة، فإنا ذكرنا هناك عباراته الدالّة على قوله بالتركيب والافتقار في الربّ (٢) .

ونزيدك أنّه قال في هامش صفحة ٢٢١ من الجزء الثاني ما لفظه : ثمّ إذا قيل : الذات هي المركّبة من الصفات الذاتيّة، والصفات الذاتيّة ما لا تتصوّر الذات إلاّ بها، لم تعرف الذات إلاّ بالصفات الذاتيّة، ولا الصفات الذاتيّة إلاّ بالذات (٣) . انتهى.

وقال في هامش صفحة ٨ من الجزء الثالث : ويدخل فيه ـأي في قول الخصم كلّ مركّب مفتقر إلى غيره الموصوف بصفات لازمة له، وهذا هو الذي أراده هنا، فيقال له حينئذ : يكون المراد أنّ كلّ ما كان له صفات لازمة له فلا بدّ في ثبوته من الصفة اللازمة له وهذا حقّ، وهب أنّك سمّيت هذا تركيباً فليس ذلك ممتنعاً في واجب الوجود بل هو الحقّ الذي لا يمكن نقيضه. قولك : «المركّب مفتقر إلى غيره» معناه أنّ الموصوف بصفة لازمة له لا يكون موجوداً بدون صفته اللازمة له، لكن سميته مركّباً، وسميت صفته اللازمة له جزءاً وغيراً، وسميت استلزامه إيّاه افتقاراً (٤) . انتهى.

____________________

(١) انظر الدرّة الفاخرة للجامي وحواشية : ١٤ و ٨٩ و ١٦٩.

(٢) راجع ص ١٩٤.

(٣) درء تعارض العقل والنقل ٢ : ٣٧٥.

(٤) نفس المصدر ٣ : ١٦ - ١٧.


أقول : هذه الكلمات من ابن تيميّة نصّ في أنّ الذات تحتاج في شيء إلى شيء أقصاه ليس خارجاً عنه بل هو صفة لازمة قائمة به، وقد عرفت أنّ ذاته كافية للكلّ في الكلّ لا أنّها ذات صفات مغايرة متنوعة بأنواع مختلفة كما نصّ عليه هذا المحروم، ولا نعني في معنى الكثرة المنفي عن الله إلاّ الذي أثبته هذا المحروم في الربّ، والمذهب أنّها واحدة ليس فيها اثنينيّه بوجه من الوجوه.

والأحسن أن نفهرس كلّ ما حضرنا من كلامه الفاسد فنقول :

ففي الجزء الأوّل من منهاج السنّة :

صرّح بإثبات الجهة في صفحة ٢٥٠ وفي صفحة ٢٦٤.

وصرّح بقبول الحقّ تعالى للإشارة الحسيّة في صفحة ١٨٠.

وصرّح بالتحيّز في ذات الباري، وأنّه في العدم الذي فوق العالم في صفحة ٢٤٩.

وقد صرّح بالتركيب في ذات الربّ والتشبيه في صفحة ٢٤٦.

ومثّله تعالى بالنخلة في صفحة ٢٣٤.

وصرّح بافتقاره تعالى في صفحة ٢٣٥.

وقوله بالافتقار والتركيب حقيقة في صفحة ٢٣٦.

وادّعى تركيب الواحد تعالى في صفحة ١٨٨.

وقال بتعدّد القديم والواجب مثل النصارى في صفحة ١٧٩.

وأقرّ بصحة القول بتعدّد القدماء في صفحة ٢٣٦.

وصرّح بإثبات الألفاظ والمعاني معاً في الصفات الواردة كاليد والوجه في صفحة ٢٤٩.


وحطّ من نفاة الصفات الجزئيّة (١) كاليد وكفرهم في صفحة ٢٥١.

وأثبت اليد والوجه والاستواء في صفحة ٢٥٥.

وتكلّم في النزول والاستواء في صفحة ٢٦٢.

والتزم مسألة الحسن والقبح في صفحة ١٢٤ وفي صفحة ٢٤٩.

فشنّع على الأشعريّة بأنّهم من أتباع الجهم في صفحة ٢٧٠.

وشنّع عليهم في مسألة القدر في صفحة ٢٧١.

وصرّح أنّ من أنكر أنّ أفعاله تعالى لحكمة فهو جبري في صفحة ٢٧٢.

وحطّ من الأشاعرة في أنّ الله لم يخلق في العبد قدرة على الإيمان في صفحة ٢٧٣.

وصرّح بأنّ الأشاعرة في مسألة القدر جبريّة جهميّة في صفحة ٢٦٦.

وفي الجزء الثاني :

صرّح بأنّ الأشاعرة من الجبريّة وأنّهم أتباع الجهم في صفحة ٧.

وأنّهم المجبّرة الغلاة مع الحطّ الشنيع على علماء السنّة، وأنّهم شرّ من المعتزلة والشيعة، وأنّهم يشبهون المشركين المكذبين للرسل، وأنّهم شرّ من اليهود والنصارى في صفحة ٨ وفي صفحة ٥٦.

قال : غلاة المثبتين للقدر كالأشعري، وأنّهم قدرية خصماء الله، وأنّ الآثار المرويّة في ذمّ القدريّة تتناولهم، وأنّهم شرّ الطوائف في صفحة ٩.

وألزم الأشعريّة بكلّ ما أورده ابن المطهّر من الشنايع لاحتجاجهم بالقدرفي صفحة ١٠.

وصرّح بأن منشأ ضلال النساك والصوفيّة والفقراء والعامّة والجند

____________________

(١) كذا في النسختين وبعض نسخ المنهاج، وفي بعضها الآخر : الخبرية، كما أشار إليه محمّد رشاد سالم محقّق منهاج السنّة ٢ : ٥٩٨، في الهامش رقم ٥.


والفقهاء وغيرهم احتجاجهم بالقدر في صفحة ٣.

وصرّح بأنّ المحتّج بالقدر متبع لهواه بغير علم قال : ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من الله في صفحة ٥.

وصرّح بأنّ تجويز تعذيب الأنبياء قول هؤلاء يعني الأشاعرة في صفحة ١١.

وصرّح بأنّ قول الأشاعرة أنّه تعالى لا يفعل لغرض مرجوح، ويتوجّه عليهم كلّ ما أورد ابن المطهّر في صفحة ١٢ و١٣.

وذكر بأنّ القائل : بأنّ الله فاعل لفعل العبد يلزمه أنّ الله فاعل للقبيح، وإذا كان فاعلا للقبيح جاز أن يصدّق الكذّاب، وهذا يلحق الأشاعرة لأنّه قولهم في صفحة ١٣.

وصرّح بأنّ قولهم : بأنّ الله لا يفعل شيئاً لحكمة ولا لسبب خلاف الحقّ في صفحة ١٤.

وصرّح بأنّ لزوم التكليف بما لا يطاق كتكليف الكافر بالإيمان يلزم الأشاعرة القائلين : بأنّ القدرة لا تكون إلاّ مع الفعل في صفحة ١٥.

وشنّع على الأشاعرة وحكم عليهم بالغلط والخطأ في مسألة أفعال العباد في صفحة ١٦.

وصرّح بأنّ شناعات المصنّف إنّما تلحق الأشاعرة ومن وافقهم من أتباع الأئمّة وجهم وأتباعه في صفحة ١٧.

وصرّح بأنّه تعالى لم يزل فاعلا لأفعال تقوم بنفسه، وأنّ الأشاعرة وافقوا القدريّة (١) في أنّ الربّ لا تقوم به الأفعال، وقالوا : أنّ الفعل هو

____________________

(١) القدرية : هم المنسوبون إلى القدر، ويزعمون أنّ كلّ عبد خالق فعله ولا يرون


المفعول والخلـق هو المخلـوق، وأنّه يلزمهـم في فعل الذمّ ما لزم القـدريّة، وأنّ عامّـة شـناعات هذا القـدري الرافضـي هي على هؤلاء وهـؤلاء في صفحـة ٢١.

وذكر أنّ الحبّ والرضا هو الإرادة عند كثير من أهل النظر من المعتزلة (١) والأشعريّة (٢) ومن تبعهم من الفقهاء أصحاب أحمد والشافعي وغيرهما، ويجعلونها جنساً واحداً، وهذا القول في الحقيقة من أقوال الخارجين عن ملّة إبراهيم من المنكرين لكون الله هو المعبود دون ما سواه في صفحة ٢٩ وصفحة ٣٠.

وذكر أنّ الله عند الأشاعرة مريد لكل ما خلق وإن كان كفراً، ولم يُرد ما لم يخلق وإن كان إيماناً في صفحة ٣١.

____________________

المعاصي والكفر بتقدير الله ومشيّته، وليس لله في أفعال العبد قضاء ولا قدر، ويطلق القدرية على المجبرة والمفوّضة المنكرين لقضاء الله وقدره كما قاله العلاّمة المجلسي. وقال في موضع آخر : إنّ لفظ القدري يطلق في أخبارنا على الجبري وعلى التفويضي ... وقد أحال كل من الفريقين ما ورد في ذلك على الآخر. قال شارح المقاصد : لا خلاف في ذمّ القدريّة، وقد ورد في صحاح الأحاديث لعن القدريّة على لسان سبعين نبياً. وفيه القدريّة هم المعتزلة لإسناد أفعالهم إلى قدرتهم. وفي الحديث : «لا يدخل الجنّة قدري» وهو الذي يقول : لا يكون ما شاء الله ويكون ماشاء إبليس. وروى عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة». انظر الملل والنحل ١ : ١١٢، بحار الأنوار ٢ : ٣٠٣ ذيل حديث ٤٠ و ٥ : ٥، الفرق بين الفرق : ١٤.

(١) المعتزلة عند المشهور أصحاب واصل بن عطاء الغزّال المتوفّى سنة ١٣١ هـ اعتزل عن مجلس الحسن البصري وانضمّ إليه عمرو بن عبيد ، فطردهما الحسن عن مجلسه فسمّوا المعتزلة . وفي وجه التسمية أقوال أُخر ، راجع : المقالات والفرق : ٤ ، ١٣٨ ، الملل والنحل ١ : ٥٧ .

(٢) راجع ص : ١٢٢.


والتزم مسألة الحسن والقبح وفروعها في صفحة ٣٣.

وصرّح بأنّ الأشاعرة مذهبهـم أنّه يأمر بما لم يُرده ولم يحبّه ولم يرضه، وأنّ ما وقع من الكفر والفسـوق يحبّه ويرضـاه كما أراده وشـاءه في صفحة٣٤.

وصرّح بأنّ من نفى قيام الحوادث بذات الربّ لا بدّ أن يقول أقوالاً متناقضة فاسدة في صفحة ٣٨.

وصرّح بأنّ القول بالكسب وأنّ العبد كاسبٌ غير فاعل من أتباع الجهم ابن صفوان، يعني بذلك الشيخ أبا الحسـن الأشعري في صفحة ٤٢.

ونصّ أنّ المحتجّين بالقدر على المعاصي إذا طردوا قولهم كانوا أكفر من اليهود والنصارى وهم شرّ من المكذبين بالقدر في صفحة ٤٧.

وصرّح بأنّ المثبتين للرؤية النافين للجهة كلامهم معلوم الفساد بالضرورة يلزمهم ما ذكره المصنّف في صفحة ٧٥.

وذكر أيضاً أنّ الأشعريّة مناقضين في إثبات الرؤية ونفي الجهة في صفحة ٧٦.

وفي الجزء الثالث :

حطّ على الأشاعرة بأنّهم جبرية في صفحة ٢٥.

والتزم بالحسن والقبح ورد على الأشاعرة في إنكارهم ذلك في صفحة٢٦.

والتزم فروع مسألة الحسن والقبح في صفحة ٢٧.

وقال : من فروعها مسألة العدل وأثبته في صفحة ٣١.

وذكر بعض فروع الحسن والقبح وحطّ من الجهمية والأشاعرة في صفحة ٨٢.


وصرّح بأنّ الله يتكلّم بحرف وصوت في صفحة ١٠٦.

وذكر بأنّ القول بأنّ القرآن قديم بدعة في صفحة ١٠٥.

وجعل الأشاعرة هم القدريّة المجبّرة الجهميّة في صفحة ٢٥١.

وفي كتاب بيان موافقة المعقول لصحيح المنقول المطبوع بهامش المنهاج (١) فنذكر ما نصّ فيه من هـذا النوع من المكفّـرات على ترتيب أجزاء المنهاج :

ففي هامش الجزء الأوّل :

صرّح بالتشبيه والتجسيم في هامش صفحة ٧٠.

وأثبت الجهة وأنّه فوق العرش بذاته تعالى ونقله عن إمامه أحمد في هامش صفحة ١٤١.

وصرّح بافتقار الواجب تعالى في هامش صفحة ١٦٩.

وكفّر جميع مَن نفى الجهة والصفات الجزئيّة في هامش صفحة ١٤٦.

وصرّح بقيام الحوادث بذات الله في هامش صفحة ٢١٤ وصفحة ٢٢٠.

وأنّه تعالى لم يزل فاعلا في هامش صفحة ٢٢٢.

وأنّ التسلسل في الماضي جائز في هامش صفحة ٢٢٣.

وأثبت الحركة لله تعالى في هامش صفحة ٢٢٤.

وصرّح بقدم جنس العالم وصحة التسلسل في الآثار في هامش

____________________

(١) ويسمّى بـ : درء تعارض العقل والنقل وقد طبع على انفصال تحقيق محمّد رشاد سالم كما مرّ.


صفحة ٢٢٧.

وأنّه تعالى لم يزل فاعلا وبدوام فاعليته وقدم جنس أجزاء الزمان في هامش صفحة ٢٢٨.

وبقيام الاُمور الحادثة بذات الربّ في هامش صفحة ٢٣٠.

وحطّ على نفاة قيام الأفعال بذات الربّ في هامش صفحة ٢٣١.

وصرّح بأنّه تعالى موصوف بصفات متنوّعة وبأفعال متنوّعة في هامش صفحة ٢٣٩.

وصرّح أيضاً بقيام الحوادث بذات الربّ في هامش صفحة ٢٧٦.

وفي هامش الجزء الثاني :

حطّ من الأشاعرة بنفيهم لقيام الحوادث بذات الربّ في هامش صفحة١٠.

ونصّ بأنّ الله يتكلّم بصوت في هامش صفحة ٢١.

وذكر أنّ جنس كلام الله قديم قائم بذاته في هامش صفحة ٣٧.

وحطّ من الكلابيّة والأشعريّة في نفيهم الحرف والصوت في كلام الله في هامش صفحة ٤١.

وصرّح بقدم نوع الحوادث في هامش صفحة ٧٧.

وقال بتركيب ذات الباري من الصفات في هامش صفحة ٢٢١.

وفي هامش الجزء الثالث :

صرّح بتركيب واجب الوجود وافتقاره إلى أجزائه وصفاته في هامش صفحة ٨.

وصرّح بتعدد الواجب وتعدد القديم في هامش صفحة ٩.

وصرّح بقدم جنس الحوادث في هامش صفحة ٤٥.


وفي هامش الجزء الرابع :

استدلّ على حركة الربّ وصعوده ونزوله في هامش صفحة ٦.

وبدّع من نفى قيام الحوادث بذات الربّ، وقال : بأنّ الكلام معنى واحد قائم بذات الربّ قديم في هامش صفحة ٦٠.

وأيضاً صرّح بقدم نوع الحوادث وأزليتها في هامش صفحة ٦٤.

وأثبت اليد الحقيقيّة لله لقوله لآدم : خلقتك بيدي في هامش صفحة ٥١.

وقال بالتشبيه والتجسيم القبيح في هامش صفحة ١٢٤.

وأثبت الإشارة الحسيّة إليه تعالى في هامش صفحة ١٢٨.

وأثبت الحركة والسكون لذات الربّ، وأنّ الحركة قديمة النوع حادثة الشخص في هامش صفحة ١٣٣.

وصرّح بأنّ الربّ لا يخلو عن نوع الحوادث في هامش صفحة ١٣٥.

وذكر بأنّ حيّز الربّ باختياره في هامش صفحة ١٣٥.

وأثبت الشبيه لله تعالى في هامش صفحة ١٤٠.

وأثبت الجسميّة لله في قوله : ولكن يشاركها في مسمّى الجسميّة في هامش صفحة ١٦٥.

وقال بافتقاره إلى أجزائه في آخر هامش صفحة ١٧٢.

وذكر أنّه جسـم فوق العرش في هامش صفحة ١٧٩، وهامش صفحة ١٨٢.

وأثبت الافتقار والتركيب في هامش صفحة ١٨٩ وفي هامش صفحة ١٩٠.

وفي كتاب جواب أهل الإيمان شنّع على علماء الاُمّة الأشعرية


وغيرهم في مسألة الإرادة ونفيهم الإرادة الأمريّة في صفحة ٣٩إلى آخر صفحة٤٠.

وشنّع على الأشعريّة في قولهم في القرآن بالكلام القديم في صفحة ٤٣.

وحطّ على منكر الحكمة في الخلق في صفحة ٦٢.

وذكر أنّ الأشعري قلّد الجهم في أنّ المحبّة هي الإرادة في صفحة ٩٤.

وأيضاً شنّع على الأشعريّة في قولهم باتّحاد الإرادة ثمّ هي عين الرحمة، والرحمة عين الغضب في صفحة ١٠١.

وشنّع على الأشعريّة في قولهم بالإرادة وذكر لهم آية الكفر في صفحة١١١.

وأثبت الحكم والأسباب في أفعال الله في صفحة ١٠٢.

ثمّ بدّع الأشعريّة وضلّلهم في إنكارهم للحكمة، وأنّ أصل قولهم هذا مأخوذ من الجهم المنكر للحكمة في صفحة ١١٤.

وبالغ في الإنكار على الأشعري في قوله : أنّ الأمر والنّهي لا عن حكمة في صفحة ١١٧.

والتزم مسألة الحسن والقبح بجميع لوازمها في صفحة ١٢٧.

وفي الجزء الأوّل من مجموع الرسائل الكبرى المطبوع بمصر ذكر في رسالة الفرقان :

مسألة الحسن والقبح والتزم بها في صفحة ١٠٧.

وضلّل علماء المسلمين القائلين بعدم قيام الحوادث بذات الربّ في صفحة ١١٨.

وذكر أنّ القول بأنّ ما لم يخل من الحوادث حادث، هو باطل عقلا


وشرعاً في صفحة ١٢١.

وقال : فقد يثبت جسم قديم أزلي موجود بنفسه في صفحة ١٢٩.

وصرّح بأنّ طريق إثبات التنزيه عن النقائص بنفي الجسميّة مخالف للشرع والعقل ولما بعث به رسوله ولما فطر عليه عباده، وأنّ أهلها من جنس الذين قالوا : ( لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِى أَصْحَـبِ السَّعِيرِ) (١) وذكر قبل أسطر ما لفظه : كما فعل ذلك القاضي أبو بكر في هداية المسترشدين وغيره يعني الأشاعرة في صفحة ١٣٠.

وصرّح بأنّ المنكر لتكلّم الله بصوت وحرف جاحد للخالق، وقال : وعمدتهم في النفي نفي الجسميّة، وفي نفيه كلامه وتكليمه لموسى على أنّه لاتحلّه الحوادث فلا يبقى عندهم ربّ ولا رسول في صفحة ١٣١.

وصرّح بأنّ الربّ فوق العالم، وأنّ من لم يقل إنّه فوق السماوات فهو وافق فرعون في جحده إلى آخره في صفحة ١٣٤.

ونسب إلى أئمّة السنّة بأنّ الله يحدّ، وأنّه فوق سماواته على عرشه بائن عن خلقه، وسمّى جماعة من العلماء في صفحة ١٤٤.

وذكر أنّ الجهم وأتباعه هم رؤوس المجبّرة والأشعريّة وافقهم في الجبر لكن نازعوهم نزاعاً لطيفاً في إثبات الكسب والقدرة عليه في صفحة ١٧٨.

وصرّح بأنّ القدريّة المجبّرة من جنس المشركين في صفحة ١٧٨.

أيضاً وذكر في معارج الوصول : أنّ إنكار أنّ ذات الله فوق العرش بدعة في صفحة ١٨٤.

____________________

(١) سورة الملك ٦٧ : ١٠.


وذكر في رسالة التبيان : أنّ القرآن هو الذي تكلّم به لخلقه في صفحة ٢١٩.

واعتقد في رسالة التبيان أنّ النزول والإتيان والمجيء فعل قائـم بذات الله غير منفصل عنه، قال : وطائفة من أهل الكلام منهم أبو الحسن الأشعري ومن اتّبعه من أصحاب مالك والشافعي جعلوا النزول والإتيان والمجيء حدثاً يحدثه منفصلا عنه، وشنّع عليهم بذلك في صفحة ٢٢١.

وذكر في رسالة الوصية الكبرى بأنّ الله يتكلّم بصوت، بل صرّح في آخر الصفحة بأنّ من قال : إنّ الله لا يتكلّم بحرف ولا صوت إنّه مبدع منكر للسنّة في صفحة ٢٩٤.

وفي رسالة الإرادة التزم مسألة الحسن والقبح العقلي في صفحة ٣٢٦.

وشنّع على الأشعريّة في مسألة الإرادة بكلام قبيح في صفحة ٣٣٣.

ووصفهم بالإلحاد وأنّهم صاروا من جنس المشركين حيث احتجّوا بالقدر، وأطال التشنيعات من صفحة ٣٣٥ إلى صفحة ٣٥١.

وصرّح بأنّ العبد فاعل حقيقة وله مشيئة وقدرة في صفحة ٣٥١.

وذكر عقيدة الأشعريّة في أفعال العباد، وقال : إنّهم جبريّة، وأخذ في الردّ عليهم في صفحة ٣٥٢.

وشنّع على الأشعريّة بأنّهم جعلوا ما يفعله العبد من القبيح فعلا لله ربّ العالمين دون العبد، وأنّهم أثبتوا كسباً لا حقيقة له في صفحة ٣٦٠.

وصرّح بأنّ الأشعريّة قد جحدوا ما في خلق الله وشرعه من الأسباب والحكم إلى آخره في صفحة ٣٦٨.


ونسب إلى السلف والأئمّة أنّه سبحانه لم يزل يقوم به ما يتعلّق بمشيته من الأفعال وغيرها في صفحة ٣٨١.

وصرّح بأنّ نوع الفعل قديم وإن كانت آحاده حادثة، وبصحة التسلسل في الماضي في صفحة ٣٨١.

وفي العقيدة الواسطيّة صرّح بأنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه، عليّ على خلقه مثل القمر موضوع في السماء وهو مع المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه، ثمّ قال : وكلّ هذا الكلام الذي ذكره الله من أنّه فوق العرش وأنّه معنا حقّ على الحقيقة لا يحتاج إلى تحريف إلى آخره في صفحة ٤٠٠.

وصرّح بأنّ القرآن كلام الله حقيقة، ولا يجوز إطلاق القول بأنّه حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة في صفحة ٣٩٦.

وصرّح بأنّ العباد فاعلون حقيقة، وأن هذه الدرجة من القدَرَ يكذّبها عامة القدريّة الذين سمّاهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «مجوس هذه الاُمّة» (١) ، ويغلوا فيها قوم من أهل الإثبات حتّى سلبوا العبد قدرته واختياره ويخرجون عن أفعال الله وأحكامه حكمها ومصالحها في صفحة ٣٩٦.

وصرّح بأنّ الله يرى بالعين والبصر الحسيّ كما يرى الشمس والقمر في صفحة ٣٩٦.

وفي العقيدة الحمويّة قال : ولم يقل أحد أنّه لا تجوز الإشارة الحسيّة

____________________

(١) التوحيد للصدوق : ٣٨٢ / ٢٩، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٢٢ / ٤٦٩١- ٤٦٩٣، مسند أحمد ٢ : ٨٦ و ٥ : ٤٠٧ باختلاف يسير.


إليه بالأصابع ونحوها في صفحة ٤٢١.

وقال : إنّه فوق العرش، وإنّه فوق السماء في صفحة ٤١٨.

وذكر أنّه لم يقل أحد منهم قطّ إنّ الله ليس في السماء، ولا أنّه ليس على العرش، ولا أنّه في كلّ مكان، ولا أنّ جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء في صفحة٤٢٠ .

وصرّح بما لفظه وهو فوق العرش حقيقة، وقال أيضاً : وهو فوق عرشه حقيقة في صفحة ٤٥٦.

ومثل الله تعالى بأقبح الأمثلة فراجعه، فإنّه صريح في التجسيم في صفحة٤٥٩ .

وصرّح بأنّ الله له يد حقيقة، وذكر معنى الظاهر من اللفظ، وأنّ الله فوق العرش حقيقة.

وفي الجزء الثاني من مجموع الرسائل الكبير رسالة الإكليل صرّح فيها بأنّ الله فوق العرش حقيقة، وأنّ ذاته فوق العرش، وأنّ معنى الاستواء معلوم وليست الآية من المتشابه في صفحة ٣٢.

وقال في رسالة القضاء والقدر : المحتجّين بالقدر إذا صبروا على هذا الاعتقاد كانوا أكفر من اليهود والنصارى في صفحة ٨٠.

قال : والله قد أثبت للعبد مشيئة وفعلا في صفحة ٨٤.

والتزم القول بالحسن والقبح، قال : بمعنى كون الفعل سبباً للذمّ والعقاب بحكم العقل في صفحة ٩٢.

ووصف الأشعريّة المنكرين للحسن والقبح المذكور بأنّهم الغلاة الجبريّة، ثم قال : وكثير من الفقهاء أتباع الأئمّة الأربع ومن أهل الحديث والصوفيّة من غلاة الجهميّة الجبرية في القدر إلى آخره في صفحة ١١٧.


قال : وقالت الجهميّة ومن اتّبعها من الأشاعرة وأمثالهم، إلى أن قال : وإنّهم قالوا : إنّ كلّ ما في الوجود من كفر وفسوق وعصيان فإنّ الله راض به محبّ له كما هو مريد له في صفحة ١١٨.

قال : وحقيقة قولهم : إنّ الله لا يحبّ الإيمان ولا يرضاه من الكفّار، إلى أن قال : وعندهم أنّ الله يحبّ ما وجد من الكفر والفسوق والعصيان ولا يحبّ ما لم يوجد من الإيمان والطاعة كما أراد هذا دون هذا في صفحة ١١٩.

وشنّع على الأشعريّة بقولهم : إنّ الارادة واحدة تتعلّق بكلّ حادث، قال : فلم يبق عنده فرق بين جميع الحوادث في الحسن والقبح، قال : ولهذا يجوز عندهم أن يأمر الله بكلّ شيء حتّى الكفر والفسوق والعصيان، وينهى عن كلّ شيء حتّى عن الإيمان والتوحيد، ويجوز نسخ كلّ ما أمر به بكلّ ما نهى عنه، ولم يبق عنده في الوجود خير ولا شرّ ولا حسن ولا قبح إلاّ بهذا الاعتبار، فما في الوجود ضرّ ولا نفع إلى آخره في صفحة ١٢٠ وصفحة ١٢١.

ونفى عنهم الإيمان بالكليّة قال : فمن لم يستحسن الحسن المأمور به ولم يستقبح الشيء المنهي عنه لم يكن معه من الإيمان شيء في صفحة ١٤١.

وفي رسالة خبر الجهة التي ردّها أحمد بن يحيى بن إسماعيل وهو الشيخ شهاب الدين بن جبرئيل الكلابي، وأخرج الرسالة بتمامها التاج السبكي في ترجمة صاحبها في الطبقات الكبرى في الجزء الخامس منها المطبوعة في هذه الأيّام بمصر (١) ..

____________________

(١) انظر طبقات الشافعية الكبرى تحقيق عبد الفتّاح الحلو ومحمود الطناحي ٩ : ٣٥.


ادّعى المعرفة، وذمّ في أوّلها أئمّة الأعلام على اعترافهم بالعجز عن إدراكه سبحانه وتعالى، وذكر أنّ ابن الحيض قد عرف الله القديم على ما هو عليه.

ثمّ ذكر أنّ نفي الجهة مذهب السنّة هو مذهب فراخ الفلاسفة وأتباع اليونان واليهود.

وذكر في أوّل كلامه وآخره أنّه فوق العرش حقيقة ونسبه أيضاً إلى السلف.

ثمّ ذكر أنّ عقيدة السنّة الذين خالفوه في مسألة التحيّز والجهة متلقاة من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وصرّح بما لفظه أنّ الله تعالى معنا حقيقة فوق العرش حقيقة.

إلى أن قال : فقد أخبر الله تعالى أنّه فوق العرش ويعلم كلّ شيء، قال : وهو معهم بعلمه، وهذا ظاهر الخطاب وحقيقته.

ثمّ قال : مَن علم أن المعية تضاف إلى كلّ نوع من أنواع المخلوقات كإضافة الربوبيّة مثلا، وأنّ الاستواء على العرش ليس إلاّ العرش، وأنّ الله تعالى يوصف بالعلو والفوقيّة الحقيقيّة ولا يوصف بالسفل ولا بالتحتيّة قطّ لا حقيقةً ولا مجازاً، علم أنّ القرآن على ما هو عليه من غير تحريف.

ثمّ قال : بل عند المسلمين أنّ الله في السماء وهو على العرش واحد; إذ السماء إنّما يراد بها العلوّ، فالمعنى الله في العلوّ لا في السفل.

وصرّح بجواز الإشارة الحسيّة إليه تعالى بالأصابع ونحوها، فراجع الرسالة فإنّ فيها الفضائح.

هذه عباراته ونصوصه المطابقة للمشهود به عليه من النوع الأوّل.


النوع الثاني : من أنواع المكفّرات التي اعتقدها ابن تيميّة :

قوله بتفاضل كلام الله وتفاضل صفاته، ولا يصحّ التفاضل إلاّ في المخلوقات، واعتقد تنوّع صفات الله وتكثّر معناها، وأنّ النار الكبرى تفنى، وأنّ التوراة والإنجيل لم تبدّل ألفاظها وإنّما بدّلت معانيها، وأنّ مخالف الإجماع لا يكفر ولا يفسّق كما في الفتاوى الحديثيّة لابن حجر (١) .

وقد تقدّم أنّ من أنكر أمراً متواتراً معلوماً من الدين بالضرورة وكذا من اعتقد عكسه فهو كافر عند أئمّة أهل السنّة والجماعة، فابن تيميّة كافر عند أئمّة السنّة.

أقول : صرّح بتفاضل كلام الله وتفاضل صفاته في مواضع من كتاب جواب أهل العلم والإيمان :

منها في صفحة ٥٦وأصرّ على ذلك مع أنّه نقل هو عن أبي عبد الله بن المرابط الحكم على قائله بالكفر (٢) .

ونقل عن أبي عبد الله بن الدراح أنّه قال : أجمع أهل السنّة على أنّ ما ورد في الشرع ممّا ظاهره المفاضلة بين آي القرآن وسوره ليس المراد به تفضيل ذوات بعضها على بعض، إذ هو كلّه كلام الله وصفة من صفاته بل كلّه لله فاضل كسائر صفاته الواجب لها نعت الكمال (٣) . انتهى.

فلم يعبأ بالحكم بالكفر ولا بمخالفة الإجماع.

____________________

(١) الفتاوى الحديثية : ٨٥،

(٢) مجموعة الفتاوى ١٧ : ٤٥ - ٤٦.

(٣) نفس المصدر ١٧ : ٤٣ - ٤٤.


وصرّح بتعدّد الواجب وتعدّد القديم في مسمّى الربّ في صفحة ٩ من هامش الجزء الثالث من منهاج السنّة (١) .

وفي هامش صفحة ٨ صرّح بتركيب واجب الوجود وافتقاره إلى صفاته (٢) .

وصرّح بتركيب الذات من الصفات في هامش صفحة ٢٢١ من الجزء الثاني من المنهاج (٣) .

وصرّح بأنّ ذات الربّ موصوفة بصفات متنوّعة مختلفة (٤) في هامش الجزء الأوّل في صفحة ٢٣٩.

أقول : صفات الله عند أهل السنّة والجماعة ليست من المعدودات، فمن قال : إنّ قدرة الله وحياته غيران أو شيئان أو اثنان يصير كافراً، كما نصّ عليه الشيخ أبو الشكور (٥) في التمهيد، ونصّ أيضاً حافظ الدين النسفي في الفتاوى بأنّه لو قال : الحياة والقدرة شيئان أو عددان أو اثنان أو غيران يصير كافراً (٦) . انتهى.

فكيف بمن جعلها أنواعاً متكثّرة مختلفة فلا ريب في كفره؟!

وأمّا قوله بفناء النار، فقد حكاه عنه ابن حجـر في الفتاوى الحديثيّة (٧) ، وتلميذه ابن القيّم في حـادي الأرواح، وفي شفاء العليل،

____________________

(١) درء تعارض العقل والنقل ٣ : ١٨.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٦.

(٣) نفس المصدر ٢ : ٣٧٥.

(٤) نفس المصدر ١ : ٣٨٤.

(٥) الشيخ أبو الشكور هو محمّد بن عبد الله السائلي. «منه».

(٦) راجع ص : ٢٢٣ و٢٢٤، والتمهيد في بيان التوحيد (تمهيد أبي الشكور السالمي) : ٦٠.

(٧) الفتاوى الحديثيّة : ٨٥.


وذكـر في الأخـير أنّ لابن تيمـيّة فيهـا مصـنّفاً مشـهوراً ذكـر ذلك فـي صـفحة٢٦٤ (١) .

وقال السفاريني (٢) في شرح قصيدته : إنّ لشيخ الإسلام أيضاً ميلا إلى هذا القول (٣) .

ورأيته يذكر في هامش صفحة ١٣٥ من الجزء الرابع من منهاج السنّة : أنّ الحركات في الجنّة تفنى ونوعها باق (٤) .

وأمّا ما نقل عنه في التوراة والإنجيل فهو صريح كلامه في رسالة الفرقان وهي أوّل رسائل الجزء الأوّل من مجموع الرسائل الكبرى.

قال في صفحة ١٨٠ : إنّ في الأرض نسخاً صحيحة من التوراة والإنجيل لم يحرّف وبقيت إلى عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . إلى آخره (٥) .

وهذا نصّ منه صريح فقول المعاصر القاصر : فالعزو غير صحيح كما لايخفى، فليتدبّر (٦) . جهل منه وعدم تدبّر.

وأمّا حكاية تجويزه مخالفة الإجماع فصريح كلامه في مواضع من

____________________

(١) انظر حادي الأرواح ٢ : ٧٣٢ إلى آخر الفصل ٦٧، شفاء العليل ٢ : ٢٤٥، درء تعارض العقل والنقل ٢ : ٣٥٧.

(٢) أبو العون، شمس الدين، محمّد بن أحمد بن سالم بن سليمان، المعروف بابن السفاريني، النابلسي، الحنبلي، ولد في سفارين من قرى نابلس، ورحل إلى دمشق فأخذ عن علمائها وعاد إلى نابلس فدرس وأفتى، توفّي فيها سنة ١١٨٨ هـ، له تآليف عديدة. إيضاح المكنون ١ : ٢٩، الأعلام للزركلي ٦ : ١٤.

(٣) لوامـع الأنوار البهيّـة للسـفاريني ٢ : ٢٣٥، وانظر جلاء العينين في محاكمـة الأحمدين : ٤٨٣.

(٤) درء تعارض العقل والنقل ٤ : ١٦٠.

(٥) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٥٨.

(٦) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٦٠٠.


مصنّفاته.

ذكر في رسالة الفرقان الصحابة والتابعين لهم، وقال : معرفة إجماعهم ونزاعهم في العلم والدين خير وأنفع من معرفة ما يذكر من إجماع غيرهم ونزاعهم، وذلك أنّ إجماعهم لا يكون إلاّ معصوماً (١) .

ثمّ قال : وأمّا المتأخّرون عنهم الذين لم يتحرّوا متابعتهم وسلوك سبيلهم ولا لهم خبرة بأقوالهم وبأفعالهم، بل هم في كثير ممّا يتكلّمون به في العلم ويعملون به ولا يعرفون طريق الصحابة والتابعين في ذلك من أهل الكلام والرأي والزهد والتصوّف، فهؤلاء تجد عمدتهم في كثير من الاُمور المهمّة في الدين إنّما هو عمّا يظنّونه من الإجماع، وهم لا يعرفون في ذلك أقوال السلف ألبتّة، أو عرفوا بعضها ولم يعرفوا سائرها، فتارة يحلّون الإجماع ولا يعلمون إلاّ قولهم وقول من ينازعهم من طوائف المتأخّرين طائفة أو طائفتين أو ثلاث، وتارة عرفوا أقوال بعض السلف، والأوّل كثير في مسائل اُصول الدين وفروعه.

كما تجد كتب أهل الكلام مشحونة بذلك، يحلّون إجماعاً ونزاعاً، ولا يعرفون ما قال السلف في ذلك ألبتّة، بل قد يكون قول السلف خارجاً عن أقوالهم.

كما تجد ذلك في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته، مثل : مسألة القرآن، والرؤية، والقدر، وغير ذلك، وهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع، فإنّه لو أمكن العلم بإجماع المسلمين لم يكن هؤلاء من أهل العلم به; لعدم علمهم بأقوال السلف، فكيف إذا كان المسلمون يتعذّر القطع بإجماعهم في مسائل النزاع، بخلاف السلف فإنّه

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١٣ : ١٧.


يمكن العلم بإجماعهم كثيراً.

وإذا ذكروا نزاع المتأخّرين لم يكن بمجرّد ذلك أن يجعل هذه من مسائل الاجتهاد التي يكون كلّ قول من تلك الأقوال سائغاً لم يخالف إجماعاً; لأنّ كثيراً من اُصول المتأخّرين محدث مبتدع في الإسلام مسبوق بإجماع السلف على خلافه، والنزاع الحادث بعد إجماع السلف خطأ قطعاً، إلى آخره في صفحة ١٧و١٨ من الجزء الأوّل من مجموعة الرسائل الكبرى (١) .

فتدبّره كيف حكم بأنّ أقوال علماء الإسلام كلّها في مسائل أقوال الله وأفعاله وصفاته خارجة عن أقوال الصحابة والتابعين، وأنّهم إذا ذكروا إجماع المسلمين لم يكن لهم علم بهذا الإجماع؟!

بل صرّح في الجزء الثالث من منهاج السنّة بأنّ كتب الكلام والمقالات ليس فيها ما بعث الله به رسوله لأنّهم لا يعرفون ذلك في صفحة ٢٠٨ (٢) .

وصرّح في صفحة ٧٠ أنّ كلّ طوائف العلماء لا يعرفون الحقّ حتّى الأشعري (٣).

وفي صفحة ٧١رماه بقلّة العلم والمعرفة، وضلّل كلّ طوائف علماء الإسلام إلاّ من كان على عقيدته. أَبعد هذا يعبأ بمخالفة إجماعهم (٤) ؟!

والمعاصر القاصر لم يفهم مراد العلاّمة ابن حجر من حكايته عنه أنّ مخالف الإجماع لا يكفّر ولا يفسق وصار المعاصر القاصر يورد من كلام

____________________

(١) مجموعة الفتاوي (الطبعة الحديثة) ١٣ : ١٧.

(٢) منهاج السنّة ٦ : ٣٠٣.

(٣) نفس المصدر ٥ : ٢٨٠.

(٤) نفس المصدر ٥ : ٢٨٢.


ابن تيميّة ما يدلّ على قوله بحجّية إجماع الاُمّة لأنّها لا تجتمع على ضلالة (١) .

فتدبّر ما نقلناه من لفظ حتّى تعرف صحّة النقل، ومخالفة ابن تيميّة لكلّ علماء الإسلام في مسائل اُصول الدين، وخروجه عن عقيدة علماء الدين وعامة اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحقيقة.

النوع الثالث : من المكفّرات لابن تيميّة ما يرجع إلى تنقيص الأنبياء مثل قوله إنّ الأنبياء غير معصومين، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا جاه له ولا يتوسل به، وإنشاء السفر إليه بسبب الزيارة معصيّة لا تقصر الصلاة فيه، حكاه ابن حجر في الفتاوى الحديثيّة (٢) .

وقال في الجوهر المنظم : بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً، وإنّه لا تقصر فيه الصلاة، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة (٣) . انتهى موضع الحاجة.

وقال سند المحدّثين البرنسي في إتحاف أهل العرفان : وقد تجاسر ابن تيميّة الحنبلي ـ عامله الله تعالى بعدله وادّعى أنّ السفر لزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرام، وأنّ الصلاة لا تقصر فيه لعصيان المسافر به (٤) . إلى آخره.

وقال الإمام تقي الدين السبكي في السيف الصقيل : ولم يقتصر على العقائد في علم الكلام حتّى تعدّى وقال : إنّ السفر لزيارة النبيّ معصية (٥) .

____________________

(١) انظر جلاء العينين في محاكمة الأحمدين : ٢٩٧ - ٢٩٨.

(٢) الفتاوى الحديثية : ٨٥.

(٣) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نقديّة ١) : ٦٦.

(٤) عنه في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٥) السيف الصقيل ردّ ابن زفيل : ١٨.


إلى آخره.

وقال العلاّمة الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة عند ترجمته لابن تيميّة : ومنهم يعني العلماء في عصره من نسبه إلى الزندقة لقوله : إنّ النبيّ لا يستغاث به، وأنّ ذلك تنقيص ومنع من تعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) . إلى آخره .

وقال ابن بطوطة في رحلته وهو من معاصري ابن تيميّة في طي ما سيأتي نقله تماماً : وكتب عقداً شرعياً على ابن تيميّة باُمور منكرة.

إلى أن قال : ومنها : المسافر الذي ينوي بسفره زيارة القبر الشريف ـزاده الله طيباً لا يقصر الصلاة (٢) . إلى آخره.

وقال الإمام أبو العبّاس أحمد بن يحيى المعروف بابن فضل الله العمري في كتاب مسالك الأبصار في طي ترجمته لتقي الدين السبكي قال : وسدّ ـيعني ابن تيميّة باب الوسيلة بإنكاره السفر لمجرّد الزيارة، وأنّه قطع رحم الرسالة، وخالف ما انعقد عليه الإجماع على الإطلاق، وسدّ باب الذريعة (٣) . إلى آخر ما يأتي نقله في التنبيه.

هذا المشهود به على ابن تيميّة، وأمّا نصوصه المطابقة لذلك فكثيرة في مصنّفاته (٤) .

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) رحلة ابن بطوطة ١ : ٣١٧.

(٣) مسالك الأبصار ٥ : ٧٤٦.

(٤) قال الجلال السيوطي في الخصائص الكبرى في صفحة ٢٠٢ من الجزء الثاني المطبوع بالهند في حيدر آباد قال الماوردي في تفسيره : قال ابن أبي هريرة : كان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يجوز عليه الخطأ ويجوز على غيره من الأنبياء لأنّه خاتم النبيين فليس


أمّا قوله بعدم عصمة الأنبياء من الذنوب والخطأ فصريح في صفحة ٢٢٦ وصفحة ٢٢٨ من الجزء الأوّل من منهاج السنّة (١) .

ونسب إليهم الظلم في صفحة ٢١٩ من الجزء الرابع من منهاج السنّة عند ذكره للوجه السادس من وجوه الجواب عن دعوى أن عهد الإمامة لا يصل إلى الظالم لقوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّــلِمِينَ ) (٢) (٣) .

قال : السادس : أنّه قال لموسى : ( إِنِّى لاَ يَخَافُ لَدَىَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلاَّ مَن ظَـلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنَا بَعْدَ سُوء فَإِنِّى غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٤) (٥) .

فحمل الاستثناء على المتّصل.

وحكم على بعضهم بالظلم (٦) . وقد قال الله : ( وَالْكَـفِرُونَ هُمُ الظَّــلِمُونَ ) (٧) .

ثمّ قال في هذه الصفحة : ونصوص الكتاب صريحة في أنّ كلّ بني آدم لابدّ أن يتوب، وهذه المسألة متعلّقة بمسألة العصمة هل الأنبياء معصومون من الذنوب، أم لا فيحتاجون إلى التوبة، والكلام فيها مبسوط قد تقدّم (٨) . انتهى.

____________________

بعده من يستدرك خطأه بخلافهم فذلك عصمة الله تعالى منه. وقال الإمام الحقّ : إنّه لا يخطئ اجتهاده. انتهى ما في الخصائص. «منه عفي عنه».

(١) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٤ - ٣٩٩.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) منهاج الكرامة : ٢٢٠.

(٤) سورة النمل ٢٧ : ١١.

(٥و٦) منهاج السنّة ٨ : ٢٨٧.

(٧) سورة البقرة ٢ : ٢٥٤.

(٨) منهاج السنّة ٨ : ٢٨٧.


أقول : هناك أثبت الذنوب للأنبياء (١) .

قال : والذنوب إنّما تضرّ أصحابها إذا لم يتوبوا منها، والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون إنّهم معصومون من الإقرار عليها، وحينئذ فما وصفوهم إلاّ بما فيه كمالهم فإنّ الأعمال بالخواتيم، مع أنّ القرآن والحديث وإجماع السلف معهم (٢) .

إلى أن قال : وأمّا قوله : إنّ هذا ينفي الوثوق ويوجب التنفير (٣) ، فليس هذا بصحيح فيما قبل النبوّة ولا فيما يقع خطأ، ولكن غايته أن يقال : هذا موجود فيما يعدّ من الذنوب فيقال : إذا اعترف الرجل الجليل القدر بما هو عليه من الحاجة إلى توبته واستغفاره ومغفرة الله له ورحمته دلّ ذلك على صدقه وتواضعه وعبوديته لله (٤) .

إلى أن استدلّ بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللّهم اغفر لي هزلي وجدّي وخطأي وعمدي» (٥).

أقول : ولم يفهم المراد من ما ورد في الكتاب والسنّة ولا ما روي في المناجاة، قد أضلّه الله وأعماه فراجع صفحة ٢٢٦ و صفحة ٢٢٨ من الجزء الأوّل من منهاج الحشويّة فإنّه أوجب أن يصدر من الأنبياء المعصية حتّى يتوبوا فينالوا محبّة الله (٦) .

ثمّ قال : ومن اعتقد أنّ كلّ من لم يكفر ولم يذنب أفضل من كلّ مَن

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٤ - ٣٩٩.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٤٠٠ - ٤٠١.

(٣) انظر منهاج الكرامة : ٤٢.

(٤) منهاج السنّة ٢ : ٤٠٣.

(٥) صحيح البخاري ٨ : ٤٤٨ / ١٢٦٦، منهاج السنّة ٢ : ٤٠٥.

(٦) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٧.


آمن بعد كفره أو تاب بعد ذنب فهو مخالف لما علم بالاضطرار (١) .

وشكّك في معراج النبيّ في صفحة ١٦٠ من الجزء الرابع من منهاج السنّة وهو كفر من دين الإسلام. إلى آخره (٢) .

وأمّا منعه من التوسّل والاستغاثة برسول الله وغيره من الأنبياء والأولياء فنصوصه بذلك في أكثر مصنّفاته.

قال في رسالة مناسك الحج المطبوعة في آخر الجزء الثاني من مجموع رسائله الكبير ما لفظه : وقد قال تعالى : ( يَـأَيُّهَا النَّبِىُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٣) أي الله وحده حسبك وحسب المؤمنين الذين اتّبعوك، ومن قال : إنّ الله والمؤمنين حسبك فقد ضلّ، بل قوله من جنس الكفر، فإنّ الله وحده هو حسب كلّ مؤمن به (٤) .

وقال قبل ذلك : وكذلك من يقصد بقعة لأجل الطلب من مخلوق هي منسوبة إليه، كالقبر والمقام، أو لأجل الاستعاذة به ونحو ذلك، فهذا شرك وبدعة، كما تفعله النصارى ومن أشبههم من مبتدعة هذه الاُمّة حيث يجعلون الحجّ والصلاة من جنس ما يفعلونه من الشرك والبدع . إلى آخره (٥) .

مع أنّ هذا المحروم هو نقل عن العلماء في رسالة الاستغاثة وهي آخر ما في الجزء الأوّل من مجموع الرسائل الكبير ما لفظه : قال العلماء المصنّفون في أسماء الله تعالى : يجب على كلّ مكلّف أن يعلم أنّ لا غياث

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٣٩٨.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٥٨.

(٣) سورة الأنفال ٨ : ٦٤.

(٤) مجموعة الفتاوى ٢٦ : ٨٧.

(٥) نفس المصدر ٢٦ : ٨٥.


ولا مغيث على الإطلاق إلاّ الله، وأنّ كلّ غوث فمن عنده وإن كان جعل ذلك على يدي غيره، فالحقيقة له سبحانه وتعالى ولغيره مجاز (١) ، انتهى.

فإذا كان سبحانه جعل ذلك على يدي نبي أو ولي فالحقيقة له فما لهذا المحروم يجعله شركاً، حتّى ذكر في وصيّته الكبرى : أنّ من قال : يا سيدي فلان أجرني ، أو توكّلت عليك وأنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال فهو شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلاّ قتل، فإنّ الله إنّما أرسل الرسول وأنزل الكتب لتعبد الله وحده لا شريك له ولا تجعل مع الله إلهاً آخر (٢) ، انتهى.

أترى أنّ مسلماً يعتقد أنّ رسول الله خرج عن كونه رسول الله وصار مغيثاً على الإطلاق بذاته لذاته، كلاّ بل كلّ مستغيث به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستغيث به لأنّه رسول الله وحبيب الله وولي الله ومحبوب الله، فالحقيقة لله والرسول في ذلك معنى حرفي لا معنى اسمي، فحجّة المتوسّل بالنبيّ والولي ما هو مرتكز في ذهن المسلم وتعليله لأنّه رسول الله وولي الله ومحبوب الله والوجيه عند الله، فهذه المعاني محفوظة في ذهن كلّ مسـلم، ومع حفظها لايكون الرسول والولي هو القادر بالذات، بل كلّه من الله عند كلّ مستغيث به ومتوسّل به، فكلّ كلمات هذا المبدع الحشوي سفسطة وزندقة وتنقيص للرسول والأولياء.

حتّى إنّه في صفحة ٥٥من الجزء الرابع من منهاج الحشويّة الذي سمّاه منهاج السنّة قال بتكفير من قال : حسبي الله ورسوله، أو أرغب إلى

____________________

(١) مجموعة الفتاوى ١ : ٨٤.

(٢) نفس المصدر ٣ : ٢٤٤ - ٢٤٥.


الله ورسوله (١) .

وفسّر الشفاعة في كتاب جواب أهل العلم في صفحة ٦٩بأقبح الوجوه المستلزمة لنفي التوسل، قال ما لفظه : كلّ من شفع إليه شافع بلا إذنه، فقبل شـفاعته كان منفعلا عن ذلك الشافـع، فقد اثّرت شـفاعته فيه فصيّرته فاعلا بعد أن لم يكن، وكان ذلك الشافع شريكاً للمشفوع إليه في ذلك الأمر المطلوب بالشفاعة إذ كانت بدون إذنه (٢) . إلى آخره.

ألا قائل لهذا المحروم : إذا كان الشافع عبده ورسوله كيف يصير بشفاعته عند ربّه شريكاً له تعالى في ذلك الأمر؟! بل هو حبيبه والله يحبّ سؤال حبيبه، فلا يعقل أن لا يكون الله يحبّ شفاعة حبيبه، والمستشفع إنّما سأله الشفاعة لأنّه حبيب الله ورسوله المقرّب عنده، فالاستشفاع برسول الله وولي الله وشفاعة رسول الله وولي الله عند الله من حقيقة التوحيد لله سبحانه، وأن مسؤول إلاّ هو ولا قادر إلاّ هو، فكلّ ذلك توحيد وعبوديّة لا شرك ولا بدعة.

وقد أخرج الجلال السيوطي في الجزء الثاني من كتابه الخصائص الكبرى في باب اختصاصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجواز أن يقسم على الله به أحاديث يدلّ على ذلك، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو علّم ضريراً أن يقول : «اللّهمّ إنّي أسألك وأتوجّه إليك بنبيّك محمّد نبيّ الرحمة، يا محمّد إنّي أتوجّه بك إلى ربّي في حاجتي هذه فيقضيها لي، اللّهم شفعّه فيّ» (٣) ففعل الرجل فقام

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٢٠١ - ٢٠٦.

(٢) مجموعة الفتاوي ١٧ : ٦٣.

(٣) مسند أحمد ٤ : ١٣٨، سنن الكبرى النسائي ٦ : ١٦٩، المعجم الكبير للطبراني ٩ : ٣١ / ٨٣١١، المعجم الصغير ١ : ١٨٣، كتاب الدعاء : ٣٢٠ / ١٠٥٠ المستدرك للحاكم ١ : ٥١٩، تاريخ الإسلام الذهبي ١ : ٣٦٤، مجمع الزوائد ٢ : ٢٧٩.


بصيراً في حديث صحيح الإسناد (١) . فراجعه.

لكن الله أعمى قلب ابن تيميّة وأصمّه حتّى ضلّل علماء الإسلام في مسألة التوسّل بالنبي وزيارة القبر الشريف في كتابه تفسير سورة التوحيد.

قال في صفحة ١١٧ : وهكذا يحسب كثير من أهل البدع والضلال والشرك المنتسبين إلى هذه الاُمّة، فإنّ أحدهم يدعوا ويستغيث بشيخه الذي يعظّمه وهو ميّت، أو يستغيث به عند قبره ويسأله وقد ينذر له نذراً ونحو ذلك (٢) . إلى آخر كلامه فراجعه فإنّ فيه الفضائح والشناعات.

وقال المحروم في آخر رسالة الاستغاثة : لا يعرف عن أحد من أئمّة المسلمين أنّه جوّز مطلق الاستغاثة بغير الله ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله (٣) . انتهى.

قد كذب على العلماء فإنّهم ينكرون عليه منعه من الاستغاثة برسول الله حتّى حكموا على ابن تيميّة بالزندقة، كما حكاه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة، وقد تقدمت عبارته (٤) ويأتي تمامها في الشـهادات ومخالفتها لصريح الروايات الصحاح عن سيّد الأنبياء كما في شفاء السقام (٥) وخلاصة الكلام (٦) .

ومن ذلك قوله في في صفحة ١٢٤ من تفسير سورة التوحيد ما لفظه : وأمّا زيارة قبور الأنبياء والصالحين لأجل طلب الحاجات منهم، أو دعائهم

____________________

(١) الخصائص الكبرى ٢ : ٢٩٩.

(٢) انظر تفسير سورة الإخلاص : ١٧٢، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٣) مجموعة الفتاوى ١ : ٨٦.

(٤) تقدّم فى ص : ٦٥، وراجع الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٥) شفاء السقام من الصفحة ٢ إلى الصفحة ٤٠ فيها خمسة عشر حديثاً.

(٦) خلاصة الكلام : ٣١٤ ....


والأقسام بهم على الله، أو ظنّ أنّ الدعاء أو الصلاة عند قبورهم أفضل منه في المساجد والبيوت، فهذا ضلال وشرك وبدعة باتّفاق المسلمين (١) .

وصرّح في صفحة ١٢١ : بأنّ آثار الأنبياء التي بالشام وبيت المقدّس ودمشق مثل الآثار الثلاثة التي بجبل قاسيون في غربيّه الربوة المضافة إلى عيسى عليه‌السلام ، وفي شرقيّه المقام المضاف إلى الخليل عليه‌السلام ، وفي وسطه وأعلاه مغارة الدّم المضافة إلى هابيل لما قتله قابيل.

قال : فهذه البقاع وأمثالها لم يكن السابقون الأوّلون يقصدونها ولا يزورونها ولا يرجون منها بركة، فإنّها محلّ الشرك ولهذا توجد فيها الشياطين كثيراً وقد رآهم غير واحد على صورة الإنس ويقولون لهم : رجال الغيب (٢) . إلى آخره.

وقال في صفحة ١٣٧ : المفسدة وهي اتّخاذ آثار الأنبياء مساجد وهي التي تسمّى المشاهد، وما اُحدث في الإسلام من المساجد والمشاهد على القبور والآثار فهي من البدع المحدثة في الإسلام من فعل من لم يعرف شريعة الإسلام، وما بعث الله به محمّداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كمال التوحيد وإخلاص الدين وسدّ أبواب الشرك التي يفتحها الشيطان لبني آدم (٣) . إلى آخره.

إلى أن قال في آخر صفحة ١٣٨ : وعُمّار المشاهد يخافون غير الله ويرجون غيره ويدعون غيره، وهو سبحانه لم يقل : إنّما يعمر مشاهد الله، فإنّ المشاهد ليست بيوت الله إنّما هي بيوت الشرك (٤) . إلى آخره.

____________________

(١) تفسير سورة الإخلاص : ١٨٢، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٥٣.

(٢) تفسير سورة الإخلاص : ١٧٨، مجموعة الفتاوى ١٧ : .٢٥.

(٣) تفسير سورة الإخلاص : ٢٠٠، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٦٧.

(٤) تفسير سورة الإخلاص : ٢٠١، مجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٦٩.


أقول : قال جلال الدين السيوطي في كتابه الخصائص الكبرى في صفحة ٢٠٣ من الجزء الثاني المطبوع بحيدر آباد الهند ما لفظه بحروفه : قال العلماء : محل الخلاف في التفضيل بين مكّة والمدينة في غير قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمّا هو فأفضل من الكعبة، بل ذكر ابن عقيل الحنبلي أنّه أفضل من العرش (١) . انتهى.

فقول ابن تيميّة : إنّما هي بيوت الشرك» تنقيص في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنقيص من مشهده الشريف بالضرورة، وتعظيم مشهد رسول الله ومشاهد الأنبياء وآثارهم من تعظيم شعائر الله فإنّها من تقوى القلوب، والمنع من تعظيمها، ووصفها بـ : بيوت الشرك وبيوت الشياطين من أقبح الكفر والتنقيص لأنبياء الله.

وقد ذكر المحروم في منهاج السنّة في الجزء الأوّل منه في صفحة ١٣١ وصفحة ١٣٣ نحو هذه الكفريات والخرافات فراجعه وتدبّر (٢) .

وقال في رسالة مناسك الحجّ : والزيارة البدعة أن يكون مقصود الزائر يطلب حوائجه من ذلك الميت، أو يقصد الدعاء عند قبره، أو يقصد الدعاء به (٣) .

وقال في الوصيّة الكبرى في صفحة ٢٩١ من الجزء الأوّل من مجموع رسائله الكبير ما لفظه : إنّ من أكبر أسباب عبادة الأوثان كان التعظيم للقبور بالعبادة ونحوها، قال الله تعالى في كتابه : ( وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ

____________________

(١) انظر الخصائص الكبرى (طبعة دار الكتب العلمية بيروت) ٢ : ٢٠٣.

(٢) منهاج السنّة ١ : ٤٧٤ - ٤٨٦.

(٣) مجموعة الفتاوي ٢٦ : ٨٢.


ءَالِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ) (١) .

قال : ولهذا اتّفق العلماء على أنّ مَن سلّم على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند قبره أنّه لا يتمسّح بحجرته ولا يقبّلها; لأنّ التقبيل والاستلام إنّما يكون لأركان بيت الله الحرام، فلا يشبّه بيت المخلوق ببيت الخالق (٢) . انتهى. فتدبّر.

وأمّا نصّه على حرمة السفر لزيارة رسول الله وسائر الأنبياء والأولياء ففي أكثر مصنّفاته :

قال في رسالته في مناسك الحجّ وقد طبعت في آخر مجموع الرسائل الكبير له ما لفظه : لا يسافر أحد ليقف بغير عرفات، ولا يسافر للوقوف بالمسجد الأقصى، ولا للوقوف عند قبر أحد لا من الأنبياء ولا من المشايخ ولا غيرهم باتّفاق المسلمين، بل أظهر قولي العلماء : إنّه لا يسافر أحد لزيارة قبر من القبور (٣) .

إلى أن قال : ولهذا كان أئمّة العلماء يعدّون من جملة البدع المنكرة السفر لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، وهذا في أصحّ القولين غير مشروع، حتّى صرّح بعض من قال ذلك : إنّ من سافر هذا السفر لا يقصر الصلاة لأنّه سفر معصية، وكذلك من يقصد بقعة لأجل الطلب من مخلوق وهي منسوبة إليه كالقبر والمقام، أو لأجل الاسـتعاذة به ونحو ذلك، فهذا شـرك وبدعة كما تفعله النصارى ومن أشبههم من مبتدعة هذه الاُمّة (٤) . إلى آخره.

____________________

(١) سورة نوح ٧١ : ٢٣.

(٢) مجموعة الفتاوى ٣ : ٢٤٧. وللاطّلاع أكثر راجع الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نفدبّة ١) : ١٥٨ - ١٦٢.

(٣) مجموعة الفتاوى ٢٦ : ٨٣.

(٤) نفس المصدر ٢٦ : ٨٥.


وقال في رسالة زيارة بيت المقدّس في صفحة ٥٥من الجزء الثاني من مجموع رسائله الكبير المطبوع بمصر ما لفظه : ولو نذر السفر إلى قبر الخليل عليه‌السلام ، أو قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو إلى الطور الذي كلّم الله عليه موسى عليه‌السلام ، أو إلى جبل حراء الذي كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتعبّد فيه وجاءه الوحي فيه، أو الغار المذكور في القرآن، أو غير ذلك من المقابر والمقامات والمشاهد المضافة إلى بعض الأنبياء والمشايخ، أو إلى بعض المغارات، أو الجبال لم يجب الوفاء بهذا النذر باتّفاق الأئمّة الأربعة، فإنّ السفر إلى هذه المواضع منهي عنه; لنهي النبيّ : «لا تشدّ الرحال إلاّ...» (١) . إلى آخره (٢) .

وقال في تفسير سورة الإخلاص في صفحة ١٢١ : ولا تشدّ الصحابة الرحال لا إليه ـأي قبر الخليل ولا إلى غيره من المقابر (٣) ، إلى آخره.

وقد جمع الإمام تقي الدين السبكي جملة من نصوصه وفتاويه بالحرمة وزيّفها في شفاء السقام (٤) .

النوع الرابع من المكفّرات : التشنيع على بعض الصحابة من الخلفاء، والاستدراك عليهم بالاعتراضات، ورميهم بالعظائم.

قال ابن حجر في الجوهر المنظم بعد كلام يأتي : وتدارك على أئمّتهم سيما الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة شهيرة (٥) .

وقال في الفتاوي الحديثيّة بعد نقل عقيدته الفاسدة ما هذا لفظه :

____________________

(١) صحيح مسلم ٢ : ١٠١٤.

(٢) مجموعة الفتاوى ٢٧ : ٨ - ٩.

(٣) تفسير سورة الإخلاص : ١٧٧. ومجموعة الفتاوى ١٧ : ٢٥٠.

(٤) شفاء السقام في زيارة خير الأنام : ١٣٨ - ١٦٠.

(٥) الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نقدية ١) : ٦٧.


وهو يناسب ما كان عليه من سوء الاعتقاد حتّى في أكابر الصحابة (١) .

وقال البرنسي في إتحاف أهل العرفان : واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة (٢) .

وقال العلاّمـة ابن حجـر العسـقلاني في الدرر الكامنة : فصـار يردّ على صغير العلمـاء وكبيرهـم قديمهـم وحديثهـم حتّى انتهى إلى عمـر فخطّـأَه (٣) .

قال : وقال في حقّ عليّ : أخطأ في سبعة عشر شيئاً، ثمّ خالف فيها نصّ الكتاب ، منها : اعتداد المتوفى عنها زوجها أطول الأجلين (٤) .

إلى أن قال : ومنهم من ينسبه إلى النفاق; لقوله في علىّ ما تقدّم، ولقوله : إنّه كان مخذولاً حيث ما توجه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرئاسة لا للديانة، ولقوله : إنّه كان يحب الرئاسة، وإنّ عثمان كان يحبّ المال، ولقوله : أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعليّ أسلم صبيّاً والصبي لا يصحّ اسلامه على قول، ولكلامه في قصّة أبي العاص بن الربيع وما يؤخذ من مفهومها، فإنّه شنّع في ذلك على عليّ فالزموه بالنفاق لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضك إلاّ منافق» (٥) انتهى موضع الحاجة (٦) .

وأمّا حطّه على عمر فقد سمعه بعض أجلاّء عصره علماً ومعرفةً وهو

____________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٤ و ٨٦.

(٢) عنه في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٣) الدرر الكامنة ١ : ٩٢.

(٤) نفس المصدر ١ : ٩٣.

(٥) مسند أحمد ١ : ٩٥ و ١٢٨، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٦ / ٣٨١٩، سنن النسائي ٨ : ١١٧، معجم الأوسط الطبراني ٣ : ٨٩ / ٢١٧٧.

(٦) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.


على جامع الجبل بالصالحيّة وقد ذكر عمر بن الخطّاب فقال : إنّ عمر له غلطات وبليّات وأي بليّات، حكاه في الفتاوي الحديثيّة (١) .

وقال البرنسي في إتحاف أهل العرفان : واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة فسقط من أعين علماء الاُمّة (٢) .

وقال عبد الحليم في حلّ المعاقد : وله هفوات اُخر، كما يقول : إنّ أمبر المؤمنين سيدنا عثمان رضي‌الله‌عنه كان يحبّ المال، وأنّ أمير المؤمنين سيدنا علي رضي‌الله‌عنه ما صحّ إيمانه فإنّه آمن في حال صباه (٣) . انتهى.

أقول : هذا المشهود به عليه.

وأمّا نصوصه المطابقة لذلك فهي فوق حدّ الإحصاء :

قال في معارج الوصول المطبوع في الجزء الأوّل من مجموع رسائله الكبير قال في صفحة ٢٠٨ ما لفظه : وكثير من مجتهدي السلف والخلف قد قالوا وفعلوا ما هو بدعة ولم يعلموا أنّه بدعة; إمّا لأحاديث ضعيفة ظنّوها صحيحة، وإمّا لآيات فهموا منها ما لم يرد منها، وإمّا لرأي رأوه وفي المسألة نصوص لم تبلغهم (٤) . انتهى.

قال في منهاج السنّة : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبا بكر يضرب عبده وهو محرم فقال : «انظروا ما يفعل المحرم» (٥) . قال : ومثل هذا كثير (٦) .

____________________

(١) الفتاوى الحديثيّة : ٨٧.

(٢) عنه في استخراج المرام من استقصاء الإفحام ١ : ٢١٢.

(٣) حلّ المعاقد : ٨٠ - ٨١.

(٤) مجموعة الفتاوى ١٩ : ١٠٤.

(٥) انظر مسند أحمد ٦ : ٣٤٤، سنن أبي داوُد ٢ : ٢٢٣، سنن ابن ماجة ٢ : ٩٧٨، المستدرك للحاكم ١ : ٤٥٤.

(٦) منهاج السنّة ٦ : ٢٦١.


وقال في صفحة ٢١٤ من الجزء الثالث من منهاج السنّة : وكان النّاس ينفرون عن عمر لغلظته وشدّته أعظم من نفورهم عن عليّ حتّى كره بعضهم تولية أبي بكر له وراجعوه (١) . انتهى موضع الحاجة منه.

وقال في صفحة ١٣٥ من الجزء الثالث : وأمّا عمر فاشتبه عليه هل كان قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من شدّة المرض أو كان من أقواله المعروفة، والمرض جائز على الأنبياء، ولهذا قال : ما له أهجر. فشكّ في ذلك ولم يجزم بأنّه هجر، والشكّ جائز على عمر (٢) . انتهى إلى آخر كلامه، فتدبّر حقيقة قوله.

وقال في صفحة ١٥٤ من الجزء الثاني من منهاج السنّة ما لفظه : وعمر بن الخطّاب أقلّ خطأً من عليّ عليه‌السلام ، وقد جمع العلماء مسائل الفقه التي ضعف فيها قول أحدهما، فوجد الضعف في قول علي رضي‌الله‌عنه أكثر، مثل إفتائه بأنّ المتوفّي عنها زوجها تعتدّ أبعد الأجلين (٣) ، مع أنّ سنّة رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثابتة عنه الموافقة لكتاب الله تقتضي أنّها تحل بوضـع الحمل، وبذلك أفتى عمر وابن مسعود، ومثل إفتائه بأنّ المفوّضة يسقط مهرها بالموت (٤) .

إلى أن قال : وقد وجـد من أقوال علي عليه‌السلام المتناقضة في مسائل الطلاق واُم ولد والفرائض وغير ذلك أكثر ممّا وجد من أقوال عمر المتناقضة. انتهى (٥) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٣٢١.

(٢) نفس المصدر ٦ : ٢٤.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٤٦٤، جواهر الكلام ٣٣ : ٤٦٠، المجموع للنووي ١٨ : ١٤٩.

(٤) رياض المسائل ١٢ : ٢٣، جواهر الكلام ٣٢ : ٩١، المجموع للنووي ١٦ : ٣٧٣.

(٥) منهاج السنّة ٤ : ١٨٣.


فأثبت لهما رضي الله عنهما الأقوال المتناقضة صريحاً.

وقال في رسالة الفرقان في صفحة ٨٤وصفحة ٨٥ : وعمر لمّا كان يعتقد أنّ النبيّ لم يمت ولكن ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى (١) ، وأنّه لايموت حتّى يموت أصحابه، لم يكن هذا قادحاً في إيمانه، وإنّما كان غلطاً ورجع عنه (٢) .انتهى .

أقول : وإلى هذا وأمثاله أشار ابن تيميّة بقوله : إنّ عمر له غلطات وبليّات وأي بليّات على ما نقله الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة في ترجمة ابن تيميّة (٣) .

وقال في صفحة ٤٨من رسالة الفرقان : فصل : وكلّ من خالف ما جاء به الرسول لم يكن عنده علم بذلك ولا عدل بل لا يكون عنده إلاّ جهل وظلم.

إلى أن قال : فكلّ ما خالف حكم الله ورسوله فإمّا شرع منسوخ وإمّا شرع مبدّل.

قال : لكن هذا وهذا قد يقعان في خفي الاُمور ودقيقها.

قال : كما وقع مثل ذلك من بعض الصحابة في مسائل الطلاق والفرائض ونحو ذلك (٤) . انتهى.

أقول : يريد «في مسائل الطلاق» عمر; لحديث أبي الصهباء (٥) .

____________________

(١) فى الملل والنحل ١ : ١٥ : قال عمر بن الخطّاب : من قال إنّ محمّداً مات قتلته بسيفي هذا، وإنّما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم عليه‌السلام .

(٢) مجموعة الفتاوى ١٣ : ٦١.

(٣) انظر الدرر الكامنة ١ : ٩٢ لم نعثر فيه على نص العبارة وتقدّم في الصفحة : ٢٥٧ ذيل رقم ٣ عن الفتاوى الحديثية.

(٤) انظر مجوعة الفتاوى ١٣ : ٣٨.

(٥) صحيح مسلم ٢ : ١٠٩٩ / ١٦ و ١٧، وسنن أبي داوُد ٢ : ٢٦١ / ٢١٩٩ و ٢٢٠٠.


وقال في صفحة ١٢٧ من الجزء الثالث من منهاج السنّة ما لفظه : وقد جمع الناس الأقضية والفتاوي المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، فوجدوا أصوبها وأدلّها على علم صاحبها اُمور أبي بكر، ثمّ عمر، ولهذا كان مايوجد من الاُمور التي وجد نصّ يخالفهما عن عمر أقلّ ممّا وجد عن علي، وأمّا أبو بكر فلا يكاد يوجد نصّ يخالفه (١) . انتهى.

فأثبت مخالفة النصّ لعمر وعلي وعثمان بل ولأبي بكر في غير هذا الكتاب، فإنّه ذكر أنّ أبا بكر أمر بتحريق اللوطي والنصّ أن يقتل (٢) في صفحة٤٦ من كتاب السياسة الشرعيّة (٣) المطبوع بمصر.

وفي صفحة ٢٠ ذكر أنّ عمر شاطر من عماله من كان له فضل ودين لايتهم بخيانة (٤) .

وقال في صفحة ٢٢أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقدّم ذوي الحاجات، كما قدّمهم في مال بني النضير، وقال عمر بن الخطّاب : ليس أحد أحقّ بهذا المال من أحد إنّما هو : الرجل وسابقته، والرجل وغناؤه، والرجل وبلاؤه، والرجل فحاجته، فجعلهم عمر أربعة أقسام (٥) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٥ : ٥٠٨.

(٢) المغني لابن قدامة ١٠ : ١٥٦، تفسير القرطبي ٧ : ٢٤٤، أحكام القرآن لابن العربي ٣ : ٥١٥، ملحقات إحقاق الحق للسيد المرعشي ١٧ : ٤٤٦.

(٣) السياسة الشرعية : ٩٠، ومجموعة الفتاوى ٢٨ : ١٨٥.

(٤) السياسة الشرعية : ٤٠، ومجموعة الفتاوى ٢٨ : ١٥٧، وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٣٠٧ و ٢٨٢، تاريخ الخلفاء السيوطي : ١٤١.

(٥) السياسة الشرعية : ٤٥، ومجموعة الفتاوى ٢٨ : ١٦٠، وانظر الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢٨٢، السنن الكبرى للبيهقي ٨ : ٣١٢، تفسير السمرقندي ٣ : ٣٤٤.، تفسير أبي السعود ٨ : ٢٢٩، تفسير القمي ٢ : ٣٦٠، مجمع البيان ٥ : ٢٦٢.


وفي صفحة ٤٧ قال : وقد كان عمر لمّا كثر الشرب زاد فيه النفي وحلق الرأس مبالغة في الزجر عنه (١) . فتأمّل.

وقال في صفحة ٦٤ : وقد قال عمر بن الخطّاب : احترسوا من الناس بسوء الظنّ (٢) ، فهذا أمر عمر، مع أنّه لا يجوز عقوبة الحاكم بسوء الظنّ (٣) .

وفي صفحة ٨ قال : وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذكر عنه أنّه كان له فيها هوى فلم يعزله أبو بكر من أجلها بل عتّبه عليها (٤) . يعني : خالد بن الوليد.

وذكر في صفحة ٢١٧ من الجزء الرابع من منهاج السنّة أنّ قول علي في خمس وعشرين [خمس] (٥) شياه خلاف النصوص المتواترة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) .

ثمّ قال : وقول عليّ في الجـدّ لم يقل به أحـد من العلماء إلاّ ابن أبي ليلى (٧) .

ثمّ قال : وقد جمع الشافعي ومحمّد بن نصر المروزي (٨) كتاباً كبيراً

____________________

(١) السياسة الشرعية : ٩٢، ومجموعة الفتاوى ٢٨ : ١٨٦، وانظر الطبقات الكبرى ٣ : ٢٩٩، مسند أحمد ١ : ٤٢، تاريخ الطبري ٣ : ٢٧٩.

(٢) المعجم الأوسط للطبراني ١ : ٣٥٥ / ٦٠٢، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ١٢٩، مجمع الزوائد للهيثمي ٨ : ٨٩، وقد ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٣) السياسة الشرعية : ١٢٢، مجموعة الفتاوى ٢٨ : ٢٠٥.

(٤) السياسة الشرعية : ١٨، ومجموعة الفتاوى ٢٨ : ١٤٤، وانظر فوات الوفيات ٣ : ٢٣٤، وفيات الأعيان ٥ : ٩ - ١٥، الكامل لابن الأثير ٢ : ٣٥٨.

(٥) الزيادة من المصدر.

(٦) الاُمّ ٧ : ١٧٠، السنن الكبرى للبيهقي ٤ : ٩٢، المصنّف لابن أبي شيبة ٢ : ٣٥٩ / ٩٨٨٩.

(٧) انظر المغني لابن قدامة ٧ : ٦٥ - ٦٨ / ٤٨٦٧، الاُم للشافعي ٧ : ١٧٩.

(٨) أبو عبد الله المروزي أحد فقهاء العامّة المشهورين، صاحب التصانيف الكثيرة، ولد


فيما لم يأخذ به المسلمون من قول عليّ (١) ; لكون قول غيره من الصحابة أتبع للكتاب والسنّة، وكان المرجوح من قوله أكثر من المرجوح من قول أبي بكر وعمر وعثمان (٢) . انتهى موضع الحاجة.

النوع الخامس : من الأنواع المكفّرة لأحمد بن تيميّة ورميه له انحرافه من عليّ عليه‌السلام ، وقد صحّ عن ابن عبّاس أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «عليّ باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً».

أخرجه الدارقطني في الإفراد (٣) .

ورواه العلاّمة ابن حجر في الصواعق، وهو الحديث الرابع والثلاثون من الأربعين حديث التي رواها في فضل عليّ عليه‌السلام (٤) .

ورواه مجدّد دين السنّة في المائة التاسعة العلاّمة جلال الدين السيوطي في الجامع الصغير (٥) الذي نصّ في أوّله على ما هذا لفظه : وبالغت في تحرير التخريج، فتركت القشر وأخذت اللباب، وصنته عمّا تفرد به وضّاع أو كذّاب، ففاق بذلك الكتب المؤلّفة في هذا النوع كالفائق والشهاب (٦) .

____________________

ببغداد، ونشأ بنيسابور، واستوطن سمرقند، توفّي سنة ٢٩٤ هـ. تاريخ بغداد ٣ : ٣١٥، سير أعلام النبلاء ١٤ : ٣٣ / ١٣، الوافي بالوفيات ٥ : ١١١ / ٢١٢.

(١) انظر : الأم للشافعي ٧ : ١٦٣ ـ ١٩٠.

(٢) منهاج السنّة ٨ : ٢٨١.

(٣) انظر الافراد ٣ : ٢٩٣.

(٤) الصواعق المحرقة ٢ : ٣٦٦ مؤسّسة الرسالة.

(٥) الجامع الصغير : ٢ : ١٧٧ / ٥٥٩٢.

(٦) الجامع الصغير ١ : ٥، وقال المناوي في فيض القدير ١ : ٢٢ : الشهاب - بكسر


وأخرج الديلمي عن ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليّ باب حطّة فمن دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً» (١) .

ورواه البدخشاني (٢) في مفتاح النجاة (٣) .

أمّا إثبات الصغرى على ابن تيميّة وخروجه عن باب حطّة بنصّ ابن تيميّة على موجب ذلك، فإنّه شنّع على عليّ بالخطأ في مسائل كثيرة، ونسبه إلى الجهل فيها، وإلى مخالفة النصّ، وإلى عدم اتّباع السنّة، وإلى مخالفة النصّ المتواتر، وخطّأه في حروبه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفّين والجمل، وأنّه قتل المسلمين على الولاية والرئاسة لا الديانة، وشنّع عليه بفساد الرأي في خلافته، وبحبّ الرئاسة، وأنّ خلافته لم يحصل للمسلمين فيها إلاّ الشرّ والفتنة في دينهم ودنياهم، وأنّه كان آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة، وأنّه احتجّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقدر والجبر، وأنّ في إيمانه قولان لأنّه آمن حال صباه، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذمّ مصاهرته، وأنّه ردّ أمر الله وكره ما رضي به الله وسخط حكم الله، وأنّه صدر منه ذنوب اقتضت أن

____________________

أوّله - للقاضي أبي عبد الله محمّد بن سلامة القضاعي المصري... وقال أيضاً : والظاهر أنّ مراده بالفائق الفائق في اللفظ الرائق تأليف ابن غنام.

(١) فردوس الأخبار ٣ : ٦٤ / ٤١٧٩.

(٢) الحافظ العلاّمة الميرزا محمّد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي، من أكابر علماء العامة في القرن الثانى عشر، كان حيّاً سنة ١١٢٦ هـ. انظر الغدير ١ : ١٤٣، خلاصة عبقات الأنوار ١ : ٢٧، حديث الثقلين نجم الدين العسكري : ١٢٤، وفيه المتوفى سنة ١٢٠٠ هـ، مجلّة تراثنا ٢٦ : ١٧.

(٣) عنه في نفحات الأزهار ١٠ : ٢٩٥، وانظر المعجم الصغير للطبراني ١ : ١٤٠، ميزان الاعتدال ١ : ٥٣٢ / ١٩٨٦، كنز العمال ١١ : ٦٠٣ / ٣٢٩١٠، ينابيع المودّة ٢ : ٩٦ / ٢٣٢.


يكفّره بها الخوارج، وذكر خلافته وذمّها، وشنّع عليه بخروجه عن المدينة وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ المدينة تنفى خَبَثها» (١) ، وأنّه استحلّ دماء المسلمين وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رئاسته وقد قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (٢) ، وقال : «لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» (٣) ، وذكر أنّه كان مخذولا لأنّ قتاله لم يكن لله، إلى غير ذلك ممّا ستقف عليه تفصيلا.

فقد قال في الجزء الرابع من منهاجـه الذي سمّاه منهاج السنّة في صفحة ٢١٨ ما لفظه : وأمّا إسـلام عليّ فهل يكون مخرجـاً من الكفر؟ على قولين مشهورين ، ومذهب الشـافعي (٤) أنّ إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر (٥) .

أقول : أوّلا : إنّ ذكر عليّ والأئمة من ولده : بالمكروه أذيّة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومؤذيه كافر بالاتّفاق، والكافر يقتل.

____________________

(١) مسند أحمد ٣ : ٣٠٦، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٢٣٨ / ١٧١٤، أُصول السرخسي ١ : ٣١٤، القواعد والفوائد للشهيد الأول ٢ : ١٢٠، فتح الباري ١ : ٢٦٩.

(٢) مسند أحمد ١ : ٣٨٥، صحيح البخاري ١ : ٨٧ / ٤٧ الباب ٣٧، سنن ابن ماجة ١ : ٢٧ / ٦٩ و ٢ : ١٢٩٩ / ٣٩٣٩، سنن الترمذي ٣ : ٢٣٨ / ٢٠٤٩، سنن النسائي ٧ : ١٢١.

(٣) سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٠٠ / ٣٩٤٢، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٢١ / ٤٦٨٦، سنن الترمذي ٣ : ٣٢٩ / ٢٢٨٩.

(٤) شرح السير الكبير للسرخسي ١ : ٢٠٢، تفسير الرازي ١١ : ٤، كشف المراد للعلاّمة الحلّي : ٣٨٨. مجموع النووي ١٩ : ٢٢٣، الشرح الكبير لابن قدامة ١٠ : ٨٣.

(٥) منهاج السنّة ٨ : ٢٨٦.


قال العلاّمة الأجهوري (١) نقلا عن التلمساني (٢) في حاشيته على الشفا في الفصل السادس والعشرين من أبواب المعجزات : إنّ أبا طالب حمى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله وفعله، وفي ذكره بالمكروه أذيّة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومؤذيه كافر، والكافر يقتل، وكذا القول في أبويه صلوات الله عليهم (٣) .

وقال التلمساني في حاشيته على الشفا عند ذكر أبي طالب عليه‌السلام : قيل : إنّه أسلم، والأكثر أنّه لم يسلم، ولا ينبغي ذكره إلاّ في حماية النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه حماه ونصره بقوله وفعله، وفي ذكره بالمكروه أذيّة له، ومؤذيه كافر، والكافر يقتل (٤) .

وروى الطبراني والبيهقي : أنّ بنت أبي لهب ـواسمها سبيعة وقيل : درّة قدمت المدينة مسلمة مهاجرة، فقال عمر : لا تغني عنك هجرتك أنت بنت حطب النار. فتأذّت من ذلك فذكرته للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاشتدّ غضبه، ثمّ قام على المنبر فقال : «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي، مَن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عزّوجلّ» (٥) .

____________________

(١) عطيّة بن عطيّة البرهاني القاهري المصري الضرير، من كبار الشافعيّة : ولد بأجهور الورد من قرى مصر، قدم القاهرة وأخذ من علمائها، ثمّ تصدّى للتدريس والتأليف، توفّي سنة ١١٩٠ هـ. الأعلام للزركلي ٤ : ٢٣٨، معجم المؤلّفين ٦ : ٢٨٧.

(٢) أبو العبّاس أحمد بن محمّد، المعروف بالمقرئ التلمساني، ولد ونشأ بالمغرب، وانتقل إلى فاس ثمّ إلى القاهرة، وتنقل في الديار المصريّة والشاميّة والحجازيّة، ومن مؤلّفاته نفح الطيب في غصن الاُندلس الرطيب، توفّي في مصر سنة ١٠٤٠ هـ. الأعلام للزركلي ١ : ٢٣٧.

(٣و٤) انظر أسنى المطالب في نجاة أبي طالب عليه‌السلام لزيني دحلان : ١١٢، وملحقات إحقاق الحق للمرعشي رحمه‌الله ٢٩ : ٦١١.

(٥) المعجم الكبير ٢٤ : ٢٥٨ / ٦٦٠، أُسد الغابة ٧ : ١٣٩ / ٦٩٨٢، ذخائر العقبى : ١٧، نظم درر السمطين للزرندي : ٢٣٣، وانظر ملحقات إحقاق الحقّ ٢٤ : ٣٢٤.


وفي الصواعق المحرقة لابن حجر : «من آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله» (١) .

وأي أذيّة أعظم من تنقيصات ابن تيميُّة الناصب العداوة لعليّ والأئمّة من ولده؟! يرمي عليّاً بكلّ عظيمة، ويستنقص الأئمّة من أولاده، كما تقدّم ويأتي تفصيلا نصّ لفظه في التنقيص بكلّ واحد واحد منهم عليهم السلام إن شاء الله تعالى، فهو من أشدّ الناس إيذاءً لرسول الله صلّى الله عليه وعلى آله الطاهرين.

أقول ثانياً : قوله : وأمّا إسلام عليّ فهل يكون مخرجاً له من الكفر؟ على قولين ، إلى آخره.

نصّ في شكّ في إيمان عليّ، أو ترجيح لعدم إيمانه بقرينة ما نقله عن الشافعيّ في إسلام الصبي، وعلى أي حال فهو ردّ للمعوّل عليه ضرورة من قول الله في القرآن (٢) ورسوله من إيمان علي وطهارته (٣) .

وأيضاً وهو تنقيص من عليّ وتنقيصه كفر بإجماع المذاهب الأربعة.

وأيضاً هو إيذاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ; لأنّ تنقيص أهل بيته إيذاء له (٤) .

وأيضاً وهو سبّ من عليّ وقد صحّ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سبّك فقد

____________________

(١) الصواعق المحرقة : ٢٠٣، وانظر أيضاً تاريخ البخاري ٦ : ١٣٢ / ٨٥٥٣، المعيار والموازنة : ٢٢٤، الجوهرة في نسب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ٢ : ١٥، تاريخ دمشق ٤٢ : ٢٠٤.

(٢) كآية الولاية المائدة : ٥٥، وآية التبليغ المائدة : ٦٧، وآية التطهير الأحزاب : ٣٣. وغيرها.

(٣) مسند أحمد ١ : ١١١، تاريخ الطبري ٢ : ٣١٩ / ٣٢١، شرح النهج لابن أبي الحديد ١٣ : ٢١٠، شرح معاني الأخبار لأحمد بن محمّد بن سلمة ٤ : ٣٨٧ حديث المنزلة، صحيح البخاري ٥ : ٨١ / ٢٢٥، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ / ٣٢، مستدرك الحاكم ٣ : ٣٣٧، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ٤٣ - ٤٤.

(٤) مسند أحمد ٦ : ٣٢٣، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢١، ذخائر العقبى : ٦٦، الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ٢ : ١١٧٩، الصواعق المحرقة ١ : ١٤٩.


سبّني» (١) رواه الصدّيق عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكلّ هذه العناوين فيها آيات قرآنيّة وروايات في الصحاح بيّنة يشهد بكفر صاحبيها.

وأنا أسرد عليك تنقيصات هذا المحروم من عليّ رضي‌الله‌عنه حتّى ينتهي نصبه ونفاقه عندك إلى البداهة :

قال في صفحة ١٤٤ من الجزء الأوّل من منهاج السنّة : أمّا تصويب القتال فليس هو قول أئمّة السنّة، بل هم يقولون : إنّ تركه كان أولى (٢) ، وطائفة رابعة تجعل عليّاً هو الإمام (٣) ، وكان مجتهداً مصيباً في القتال، ومَن قاتله كانوا مجتهدين مخطئين، وهذا قول كثير من أهل الكلام والرأي من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم (٤) .

إلى أن قال : والمقصود أنّ الخلاف في خلافة عليّ وحروبه كثيرة مشتهرة بين الخلف والسلف (٥) .

إلى أن قال : وخلافة عليّ لم يقاتل فيها كافر ولا فتح مصر، وإنّما

____________________

(١) مسند أحمد ٦ : ٣٢٣ ، محمّد بن سليمان الكوفي في مناقب أمير المؤمنين ٢ : ٥٩٨ / ١١٠١ ، مناقب ابن المغازلي : ٣٩٤ / ٤٤٧ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٣٣ ، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٠ ، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ٩٩ ، جزء الحميري على محمّد الجميري : ٢٨ ، نظم درر السمطين : ١٠٥ ، الجامع الصغير ٢ : ٦٠٨ / ٨٧٣٦ ، كنز العمال ١١ : ٥٧٣ .

(٢و٣) فرق الشيعة : ٥، المقالات والفرق : ٤، المغني للقاضي عبد الجبار : ٣٠ الإمامة القسم الثاني : ٧٣ ـ ٧٩، الجمل (مصنّفات المفيد ١) : ٥٤، الفصل في الملل والأهواء ٣ : ٧٨، مناقب ابن شهرآشوب ٣ : ٢١٦، بحار الأنوار ٣٢ : ٣٢٠ / ٢٩٢، فتح الباري ١ : ٤٣١ فراجع أنّه عليه‌السلام كان مصيباً في حروبه.

(٤) منهاج السنّة ١ : ٥٣٨ - ٥٣٩.

(٥) نفس المصدر ١ : ٥٤٥.


كان السيف بين أهل القبلة (١) . انتهى.

وهذا طعن في عليّ، والطعن فيه يوجب الكفر كما في كتاب الصحائف في علم الكلام (٢) في الفصل الثالث لشمس الدين محمّد السمرقندي، ومن شروحه المعارف في شرح الصحائف.

هذا هو الكفر البراح الصريح من ابن تيميّة :

وقال في صفحة ١٦٥ من هذا الجزء أيضاً قال ما لفظه : ولو مثّل ممثّل طلب عليّ والحسين الأمر بطلب الإسماعيليّة كالحاكم (٣) وأمثاله، وقال : إنّ عليّاًوالحسين كانا ظالمين طالبين للرئاسة بغير حقّ بمنزلة الحاكم وأمثاله من ملوك بني عبيد أما كان يكون ظالماً (٤) ؟ إلى آخره.

وقال في صفحة ١٤٥ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : وصاهر نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببناته الثلاثة لبني اُميّة، فزوّج أكبر بناته زينب بأبي العاص بن الربيع ابن أُمية بن عبد شمس وحمد صهره لما أراد عليّ أن يتزوّج ابنة أبي جهل، فذكر صهراً له من بني اُميّة بن عبد شمس فأثنى عليه في مصاهرته، وقال :

____________________

(١) منهاج السنّة ١ : ٥٤٦.

(٢) الصحائف الإلهيّة : ٤٩٤.

(٣) الحاكم : هو أبو علي المنصور، الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله نزار بن المعزّ بالله معدّ ابن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله محمّد بن المهديّ عبيدالله، العُبيدي الفاطمي المغربي الأصل، الثالث من خلفاء مصر من بنى عبيد، مولده سنة ٣٧٥ هـ. وهم المسمّون بدولة العبيديون أو الفاطميون بمصر، وأنكر بعضهم هذه النسبة وقال ابن خلدون في تاريخه ٤ : ٣٧ : ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب. انظر الكامل في التاريخ ٩ : ٣١٤، النجوم الزاهرة ٤ : ١٧٧، تاريخ أبي الفداء ١ : ٤٧٥ سنة ٣٨٦ هـ

(٤) منهاج السنّة ٢ : ٦٧ - ٦٨.


«حدّثني فصدق ووعدني فوفى لي» (١) انتهى (٢) .

فتدبّر ما يؤخذ من مفهوم هذا الكلام، وكرّر هذه القصّة في مواضع من كتبه لمحض الانتقاص من عليّ (٣) .

قال في صفحة ١٨٥ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : فإنّ عليّاً لما خطب ابنة أبي جهل على فاطمة عليها‌السلام وقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فقال : «إنّ بني المغيرة استأذنوني أن ينكحوا عليّاً ابنتهم، وإنّي لا آذن ثمّ لا آذن ثمّ لا آذن، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ويتزوّج ابنتهم، فإنّ فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» (٤) فلا يظنّ بعلي رضي‌الله‌عنه أنّه ترك الخطبة في الظاهر فقط بل تركها بقلبه وتاب بقلبه عمّا كان طلبه وسعى فيه (٥) . انتهى. فتأمّل.

وقال في صفحة ١٩٤ من الجزء الثالث من منهاج السنّة ما لفظه : ولمّا خطب بنت أبي جهل قال : «إنّ بني المغيرة استأذنوني في أن يزوّجوا ابنتهم عليّاً، وإنّي لا آذن ثمّ لا آذن ثم لا آذن إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ويتزوّج ابنتهم، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد» (٦) . انتهى.

وقال في صفحة ١٧٠ من الجزء الثاني من منهاج السنّة ما لفظه : كما

____________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٨٧ ب ٤٦ و ٧ : ٧٢ ب ١١٠ / ١٥٩، صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٣ / ٩٥.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ١٤٥.

(٣) نفس المصدر ٤ : ١٤٥، ٢٤٢، ٢٥٠، و٦ : ٢٨ - ٢٩، و٨ : ٢٣٥، ٢٤٦.

(٤) صحيح البخاري ٧ : ٧٢ ب ١١٠ / ١٥٩، صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٢ / ٩٣.

(٥) منهاج السنّة ٤ : ٣١٥.

(٦) نفس المصدر ٦ : ٢٦١.


في حديث خطبة عليّ لابنة أبي جهل لما قام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيباً فقال : «إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب، وأنّي لا آذن ثمّ لا آذن، إنّما فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها، إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي وينكح ابنتهم».

وفي رواية : «إنّي أخاف أن تفتتن في دينها» (١) .

ثمّ ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليه مصاهرته إيّاه فقال : «حدّثني فصدّقني ووعدني فوفى لي، وأنّي لست أحلّ حراماً ولا اُحرّم حلالا، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدوّ الله عند رجل واحد أبداً».

ثمّ قال : والسبب داخل في اللفظ قطعاً... وقد قال في الحديث : «يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها» ومعلوم قطعاً أنّ خطبة ابنة أبي جهل عليها رابها وآذاها والنبيّ رابه ذلك وآذاه، فإن كان هذا وعيداً لاحقاً بفاعله لزم أن يلحق هذا الوعيد عليّ بن أبي طالب (٢) . إلى آخر ما ذكره.

وقال في صفحة ٢٠٨ من الجزء الرابع من منهاج السنّة ما لفظه : وأمّا مصاهرة عليّ... قد شركه في ذلك أبو العاص بن الربيع زوّجه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكبر بناته زينب وحمد مصاهرته، وأراد أن يتشبّه به عليّ في حكم المصاهرة لمّا أراد عليّ أن يتزوّج بنت أبي جهل، فذكر صهره هذا قال : «وحدّثني فصدّقنيووعدني فوفا لي» (٣) . انتهى.

فليتأمّل المسلم المنصف مراد ابن تيميّة من هذا الكلام هل هو إلاّ التنقيص والتشنيع على عليّ رضي‌الله‌عنه .

____________________

(١) صحيح مسلم ٤ : ١٩٠٤ / ٩٥.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٢٥١ - ٢٥٢.

(٣) نفس المصدر ٨ : ٢٤٦.


وقال عامله الله بعدله أيضاً في صفحة ١٦٨ من الجزء الثاني من منهاج السنّة ما لفظه : بل لو قال القائل : إنّه لا يعرف من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّه عتب على عثمان في شيء وقد عتب على عليّ في غير موضع لما أبعد، فإنّه لمّا أراد أن يتزوّج بنت أبي جهل اشتكته فاطمة لأبيها وقالت : «إنّ الناس يقولون : إنّك لا تغضب لبناتك» فقام خطيباً وقال : «إنّ بني المغيرة استأذنوني أن يزوّجوا بنتهم علي بن أبي طالب، وإنّى لا آذن ثمّ لا آذن ثمّ لاآذن إلاّ أن يريد ابن أبي طالب أن يطلّق ابنتي ويتزوّج ابنتهم، فإنّما فاطمة بضعة منّي يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها»، ثمّ ذكر صهراً له من بني عبدشمس فقال : «حدثني فصدّقني ووعدني فوفى لي» وهو حديث ثابت صحيح أخرجاه في الصحيحين (١) .

وكذلك لمّا طرقه وفاطمة ليلا فقال : «ألا تصليان؟ فقال له : إنّما أنفسنا بيد الله إن شاء أن يبعثنا بعثنا. فانطلق وهو يضرب فخذه ويقول : ( وَكَانَ الانسَانُ أَكْثَرَ شَىْء جَدَلاً ) (٢) » (٣) .

وأمّا الفتاوى : فقد أفتى أنّ المتوفّي عنها زوجها وهي حامل تعتد أبعد الأجلين، وهذه الفتيا كان قد أفتى بها أبو السنابل بعكك على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كذب أبو السـنابل» (٤) وأمثال ذلك كثير (٥) . انتهى بلفظه.

وفيه مواضع لصحة الحكم عليه : بالنفاق، والنصب، والعداوة القلبيّة

____________________

(١) راجع الصفحة : ٢٧١ الهامش : ١.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ٥٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ٤٩٣ / ١٠٥١، صحيح مسلم ١ : ٥٣ / ٧٧٥.

(٤) الاُم للشافعي ٥ : ٢٢٤، المسند للشافعي : ٢٤٤، مسند أحمد ١ : ٤٤٧.

(٥) منهاج السنّة ٤ : ٢٤٢ - ٢٤٥.


لعليّ، ولا يمكن صدور مثل هذه البيانات ممّن يواد عليّاً ويحبّه لولا يبغضه كما هو ظاهر..

مع أنّ قصة خطبته بنت أبي جهل موضوعة لا أصل لها; لانحصار النسبة بالمسور بن مخرمة، وقد نصّ العلماء كابن عبد البرّ في الاستيعاب (١) وغيره (٢) ممّن كتب في أحوال الصحابة أنّ المسور بن مخرمة ولد بمكّة بعد الهجرة بسنتين، وقدم به أبوه المدينة عقيب ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة، وقبض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسور بن ثمان سنين، فيكون قد سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر حكاية القصّة وغضبه، وما نقله بطوله في حال كونه صبياً.

ومثل هذا لا يعتمد عليه عند العقلاء بحيث يترتب عليه ما رتّب ابن تيميّة..

على أنّ المسور المتهم في روايته; لأنّه كان منحرفاً عن عليّ، قال في الاستيعاب : وكان الخوارج تعظّمه وتبجّل رأيه (٣) .

أقول : ولا يمكن ذلك منهم إلاّ لمن علموا منه تمام البغض لعليّ، وكان كذلك، فإنّه سكن لذلك الشام كما نصّ عليه الذهبي وغيره (٤) ، ومعلوم حال بني أُميّة بالنسـبة إلى عليّ، فلا مانع للمسور بن مخرمة أن يضع ما ينقّص في عليّ ، كما لا يخفى على المنصف المتدبّر.

____________________

(١) الاستيعاب ٣ : ٤١٦.

(٢) الجرح والتعديل للرازي ٨ : ٢٩٧ / ١٣٦٦ ، تاريخ دمشق ٥٨ : ١٥٨ / ٧٤٣٦ ، اُسد الغابة ٥ : ١٧٠ / ٤٩٢٦ ، تاريخ الإسلام للذهبي ٥ : ٢٤٤ .

(٣) انظر الاستيعاب ٣ : ٤١٧، وسير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩١ / ٦٠.

(٤) انظر تاريخ الإسلام ٥ : ٢٤٢، وسير أعلام النبلاء ٣ : ٣٩٠ / ٦٠. طبقات ابن سعد تحقيق عليّ محمّد عمير ٦ : ٥٢١ / ١٣٨١، تاريخ دمشق ٥٨ : ١٩٥ / ٧٤٣٦.


(والمتأمّل في حديث البخاري حكاية خطبة بنت أبي جهل يعرف أنّها من أكاذيب الفضيحة والافتراءات الصريحة لا يصدّق بها إلاّ الناصب المعادي لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة عليهما‌السلام ، فإنّ الذي نسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه صعد المنبر وبين أرجحيّة أبي العاص وأفضليته على عليّ، وهو لا يزال في المواطن في الحضر والسفر ينوّه باسم عليّ ويفضّله ويميّزه عن غيره، ويجعله مرّة في المباهلة نفسه (١) ، واُخرى بمنزلة هارون من موسى (٢) ، وتارة يجعله مولى كلّ مؤمن ومؤمنة (٣) ، ومَن كان يقول ذلك وأمثال ذلك ممّا لا يحصى، لا يصعد المنبر ويذمّه ويشنّع عليه بما يلزمه التناقض في القول، كلاّ ثمّ كلاّ حاشا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ذلك، وحاشا أميرالمؤمنين من مثل ذلك، وحاشا فاطمة من التفوّه بكلمات الجاهليّة فإنّها المطهَّرة الزكيّة، لكن بني أُميّة شوّقوا المسور بن مخرمة فزملهم إلى وضع ذلك ونحوه كما هي عادتهم المستمرّة، يعرفها المتضلّع في التواريخ، من فذلكاتهم ذكر الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه‌السلام في الرواية عن المسور حتّى يكون من أوضح التجري على تدليس الباطل، ولا غرابة ممّن طبع على الخيانة والكذب والعداوة لعليّ وولده، فالحَكَم الله يوم فصل القضاء والزعيم محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) (٤) .

____________________

(١) الآية ٩١ من سورة آل عمران، وانظر صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٣ / ٦١، شواهد التنزيل ١ : ١٤١، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ٣١٨ / ٢٦٢.

(٢) مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : ٢٧ / ٤٠ - ٥٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٦٩ / ٣٢٠٦٩.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٢٩٦ / ٣٧٩٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٦٩ / ٣٢٠١١٢ - ٣٢٠٦٩، المناقب للخوارزمي : ٢٦٤ / ٢٤٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في النسخة الاُولى.


وكذلك ابن تيميّة فلقد غلبت عليه الشاميّة حتّى قال في صفحة ١٦٣ من لجزء الأوّل من منهاج السنّة ما لفظه : فإن جاز للرافضي أن يقول : إنّ هذا كان طالباً للمال والرئاسة. أمكن للناصبي أن يقول : كان عليّ ظالماً طالباً للمال والرئاسة، قاتل على الولاية حتّى قتل المسلمين بعضهم بعضاً، ولم يقاتل كافراً، ولم يحصل للمسلمين في مدّة ولايته إلاّ شرّ وفتنة في دينهم ودنياهم (١) . انتهى.

الخلاف في خلافته عليه‌السلام وذمّها :

وقال في صفحة ١٤٨ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : ومن المعلوم أنّ الخلفاء الثلاثة اتّفق عليهم المسلمون، وكان السيف في زمانهم مسلولاً على الكفّار مكفوفاً عن أهل الإسلام، وأمّا عليّ فلم يتّفق المسلمون على مبايعته، بل وقعت الفتنة تلك المدّة وكان السيف في تلك المدّة مكفوفاً عن الكفّار مسلولا على أهل الإسلام (٢) ، انتهى.

في أنّ علياً وفاطمة ردّا أمر الله وسخطا حكمه وكرها ما رضى الله :

وقال في صفحة ١٧٢ من الجزء الثاني أيضاً ما لفظه : أبو بكر وعمر وليا الأمر، والله قد أمر بطاعة ولي الأمـر، وطاعة ولي الأمـر طاعة الله ومعصيته معصية الله، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه (٣) .

ثمّ أخذ يشنّع على عليّ وفاطمة رضي الله عنهما : بأنّهما ردّا أمر الله،

____________________

(١) منهاج السنة ٢ : ٦٠.

(٢) نفس المصدر ٤ : ١٦١.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٢٥٦.


وكرها ما رضى الله، لأنّ الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر، فمن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله، والله يسخط لمعصيته، ومعصية ولي الأمر معصيته، فمن اتّبع معصية ولي الأمر فقد اتّبع ما أسخط الله وكره رضوانه (١) . إلى آخره.

أقول : بل كان لهم من الشبهات والتأويلات ما يمنع علمهم بوجوب متابعة أبي بكر، فكيف جاز لابن تيميّة التشنيع عليهما بذلك؟! وقد حكى هذا الكلام الشيخ صدر الدين بن بهادر خان في كتاب منتهى المقال في شرح حديث شدّ الرحال عن ابن تيميّة من كتابه المذكور، وحكم عليه بالتشنيع في حقّ أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وسيأتي نقل عبارته في الشهادات إن شاءالله.

التشنيع بخروجه عن المدينة :

وقال في صفحـة ١٨٦ من الجـزء الثاني : [لو قال قائل] (٢) : إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ المدينة تنفي خبثَها وينصع طيبُها» (٣) ، وقال : «لا يخرج أحد من المدينة رغبة عنها إلاّ أبدلها الله خيراً منه» أخرجه في الموطّأ (٤) ، وقال : إنّ علياً خرج منها ولم يُقِم بها كما أقام الخلفاء قبله، ولهذا لم تجتمع عليه الكلمة.

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٢٥٦ - ٢٥٧.

(٢) الزيادة من المصدر

(٣) انظر صحيح البخاري ٣ : ٥٩ الباب ٨٥ الحديث ١٤٢، صحيح مسلم ٢ : ١٠٠٦ / ١٣٨٣، المصنّف لعبد الرزاق ٩ : ١١٨ / ١٧١٦٤.

(٤) الموطأ ٢ : ٨٨٧ / ٦، مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٨٥، المصنّف لعبد الرزاق ٩ : ١١٨، المستدرك للحاكم ٤ : ٤٥٤.


لكان الجواب : أنّ المجتهد إذا كان دون عليّ لم يتناوله الوعيد فعليّ أولى أن لا يتناوله الوعيد لاجتهاده، وبهذا يجاب عن خروج عائشة، وإذا كان المجتهد مُخطئاً فالخطأ مغفور بالكتاب والسنّة (١) . انتهى، فتأمّل.

رميه بالمقاتلة للرئاسة، مخالفته للرسول في ذلك، فهو كافر :

وأظهر تمام مكنونه ونصبه في صفحة ٢٣٣ من هذا الجزء الثاني قال ما لفظه : ثمّ يقال لهؤلاء الرافضة : لو قالت لكم الناصبة : عليّ قد استحلّ دماء المسلمين وقاتلهم بغير أمر الله ورسوله على رئاسة وقد قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (٢) وقال : «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض» (٣) فيكون عليّ كافراً لذلك، لم تكن حجتكم أقوى من حجّتهم، لأنّ الأحاديث التي احتجّوا بها صحيحة (٤) . انتهى.

فهل يبقى لمسلم شكّ في نصب ابن تيميّة ونفاقه؟! لا والله لا يفوه بهذامن كان له أدنى مَوَدَّة لعليّ المشهود له بالطهارة في القرآن (٥) ، وأنّه نفس رسول الله في آية المباهلة (٦) ، وأنّه من رسول الله ورسول الله

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٣٢٠ - ٣٢١.

(٢) صحيح البخاري ١ : ٨٧ الباب ٣٧ الحديث ٤٧، صحيح مسلم ١ : ٨١ / ١١٦.

(٣) سنن النسائي ٧ : ١٢٧، مسند أحمد بن حنبل ١ : ٢٣٠ و ٢ : ٨٥.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٤٩٩ - ٥٠٠.

(٥) الآية ٣٣ من سورة الأحزاب، وانظر مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣١ و ٣ : ٢٥٩ و٤ : ١٠٧ و٦ : ٢٩٢، صحيح مسلم ٤ : ١٨٨٣ / ٢٤٢٤، سنن الترمذي ٥ : ٣٠ / ٣٢٥٨، المستدرك للحاكم ٢ : ٤١٦ و٣ : ١٣٣ - ١٤٧، ١٥٨، السنن الكبرى للبيهقي ٢ : ١٤٩، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٢٧٤، مصنّف ابن أبي شيبة ٦ : ٣٧٣ / ٣٢٠٩٣ - ٣٢٠٩٤ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١١٣ الأحاديث ٨٤٠٩، ٨٤٥٣، ٨٤٥٤، ٨٤٥٩.

(٦) سورة آل عمران ٣ : ٦١، راجع تفسير الطبري ٣ : ٢١٢ - ٢١٣، مناقب أبن


منه (١) ، وأنّه منه بمنزلة هارون من موسى (٢) وأنّه يحبّه الله ورسوله في حديث سعد يوم خيبر (٣) ، لكن كلمات ابن تيميّة فيه وفي أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا يؤيّد ما قيل : إنّ أصل هؤلاء البيت بني تيميّة كانوا من الخوارج، والله العالم بسرائر عباده.

____________________

المغازلي : ٢٦٣ / ٣١٠، شواهد التنزيل ١ : ١٢٠ / ١٦٨، ١٧٦، الكشاف للزمخشري ١ : ٣٦٨، كشف الغمّة ١ : ٣١٤، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لمحمد ابن طلحة الشافعي : ٣٧، تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبين : ٣١، تاريخ الإسلام للذهبي ٣ : ٦٢٧، تفسير ابن أبي حاتم الرازي ٢ : ٦٦٧.

(١) مسند أبي يعلى ١ : ٢٩٣، صحيح ابن حبّان ١٥ : ٣٧٤ / ٦٩٢٩، الآحاد والمثاني ٣ : ١٨٣ و٤ : ٢٧٩ / ٢٢٩٨، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٦ / ٣٧٩٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٣٦٨ / ٣٢٠٦٢، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ٨١٤٦ - ٨١٤٧، مسند أبي داوُد الطيالسي : ١١١، سنن ابن ماجة ١ : ٤٤ / ١١٩، مسند أحمد بن حنبل ٤ : ١٦٤، ٤٣٧ و ٥ : ٣٥٦.

(٢) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧٠، ١٧٣، ١٧٥، ١٧٩، ١٨٢، ١٨٤، ٣٣١ و٣ : ٣٢، ٣٣٨ و٦ : ٣٦٩، ٤٣٨، صحيح البخاري ٥ : ٨١ / ٢٢٦، ٦ : ٣٠٩ / ٨٥٧، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧ / ٢٤٠٤، سنن ابن ماجة ١ : ٤٣ / ١١٥، ١٢١، سنن الترمذي ٥ : ٣٠٢ / ٣٨٠٨، ٣٨١٣، المستدرك للحاكم ٢ : ٣٣٧ و٣ : ١٠٩، ١٣٣، السنن الكبرى للبيهقي ٩ : ٤٠، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٢٨، المصنّف لعبد الرزاق ٥ : ١٦٧ / ٩٧٤٥ و ١١ : ١٠٣ / ٢٠٣٩٠، المعيار والموازنة للاسكافي : ٧٠.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٣٣ و ٤ : ٥٢ و ٥ : ٣٥٣، صحيح البخاري ٥ : ٢٤٥، التاريخ الكبير للبخاري ٢ : ١٠٠ / ١٨٨١، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ الباب ٤ الأحاديث ٣٢، ٣٣، ٣٤، ٣٥، الثقات لابن حبّان ٢ : ٢٦٧ فضائل الصحابة للنسائي : ١٦، السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٣٦٢، المصنّف لعبد الرزاق ٥ : ١١٨ / ٩٦٣٧ و ١١ : ١٠٣ / ٢٠٣٩٥، مصنّف ابن أبي شيبة ٧ : ٣٩٣، ٣٦٨٦٨، كتاب السنة لابن أبي عاصم : ٥٨٩، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ٤٦ : ٨١٥١ و ٨٤٠٦، ٨٤٠٧، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ٥٩، المعجم للطبراني ٧ : ٣١ / ٦٢٨٧، ٦٢٨٧، ٦٣٠٤، مجمع الزوائد ٦ : ١٥٠، كنز العمال ١٠ : ٤٦٧ / ٣٠١٢٦.


حاصله أنّه كان مخذولا لأنّه لم يكن لله ورسوله :

وقال في صفحة ٢٣٤ : فلو كان محاربته محاربة للرسول لكان المنتصر في آخر الأمر هو، ولم يكن الأمر كذلك، بل كان في آخر الأمر يطلب مسالمة معاوية ومهادنته وأن يكفّ عنه، كما كان يطلب معاوية ذلك منه أوّل الأمر، فعلم أنّ ذلك القتال وإن كان واقعاً باجتهاد فليس هو من القتال الذي يكون محارب أصحابه محارباً لله ورسوله (١) . انتهى.

أقول : ما أصـدق قول العلاّمـة ابن حجـر في الجوهر المنظم في ابن تيميّة : من أنّه برز له من قـوة الافتراء والكذب ما أعقبه الهـوان، وأوجـب له الحرمان (٢) .

قد كان عليّ المنتصر في كلّ حروبه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالضرورة والتواتر، انتصر يوم البصرة، ويوم حرب الخوارج، ويوم صفين حتّى لاذ معاوية بالمصاحف، وقد أفردوا الكتب في أخبار تلك الحروب، وأنّه يوم قُتِلَ كان قد عسكر بالنخيلة بمائة ألف من المسلمين يريد الرجعة إلى صفين فعمّمه ابن ملجم المرادي (٣) .

وقد أخرج شيوخ الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برواية الصحابة من طرق كثيرة يعرفها الممارس : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين (٤) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٠٤ - ٥٠٥.

(٢) انظر الجوهر المنظم (الوهابية المتطرفة موسوعة نقدية ١) : ٦٦.

(٣) الكامل في التاريخ ٣ : ٤٠٤.

(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ١٣٩، تاريخ بغداد ٨ : ٣٣٦ / ٤٤٤٦ و ١٣ : ١٨٧ / ٧١٦٥،


يا سبحان الله أليس حديث عمّار : «تقتلك الفئة الباغية» (١) في الصحيح من الحديث؟!

وقد روت الأئمّة : «عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيثما دار» (٢) .

لكن ابن تيميّة يكذب بالدين، ولا يؤمن للمؤمنين، بل ينصر

____________________

المناقب للخوارزمي : ١٩٠ / ٢٢٤ - ٢٢٦، مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ٢ : ٣٣٧ / ٨١٢، ٨١٦، شرح الأخبار للقاضي نعمان ١ : ٣٣٩ / ٣٠٨، المسترشد للطبري : ٣٦٩، المعيار والموازنة للاسكافي : ١١٩، ٣٢٢ / ١١٩، كتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم : ٤٢٥ / ٩٠٧، المعجم الأوسط للطبراني ٩ : ١٩٨ / ٨٤٢٨، والمعجم الكبير ١٠ : ٩١ /  ١٠٠٥٣- ١٠٠٥٤ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٧ : ٤٨، الكامل لابن عدي ٢ : ٢١٩، علل الدار قطني ٥ : ١٤٨ / ٧٨٠، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٦٨، ٤٧١، الموضوعات لابن الجوزي ٢ : ١٢، أُسد الغابة ٤ : ١٠٨، أنساب الأشراف للبلاذري : ١٣٨، مناقب ابن مردويه : ١٦٠، مجمع الزوائد ٦ : ٢٣٥ و ٧ : ٢٣٨، كنز العمال ١١ : ٢٩٢ / ٣١٥٥٢ و ١٣ : ١١٣ / ٣٦٣٦٧.

(١) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ١٦١ و ٣ : ٥ و ٥ : ٣٠٦ و ٦ : ٣٠٠، صحيح مسلم ٤ : ٢٢٣٦ / ٢٩١٦، سنن الترمذي ٥ : ٣٣٣ / ٣٨٨٨، فضائل الصحابة للنسائي : ٥١، المستدرك للحاكم ٢ : ١٤٨ و ٣ : ٣٨٦، ٣٩١، فتح الباري لابن حجر ١ : ٤٣١، مسند أبي داوُد الطيالسي : ٩٠ / ٦٤٩، المعيار والموازنة للاسكافي : ٩٦ ، مسند ابن الجعد : ١٨٢، مسند ابن راهويه ٤ : ١٤٦، الآحاد والمثاني ٣ : ٤٣٦ / ١٨٧٠، مسند أبي يعلى ٣ : ٢٠٩ / ١٦٤٥، المعجم الأوسط للطبراني ٨ : ٢٥٩ / ٧٥٢٢، المعجم الكبير للطبراني ١ : ٣٢٠ / ٩٥٤.

(٢) المعيار والموازنة للاسكافي : ٣٥، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٧ / ٣٧٩٨، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٤، تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١، ربيع الأبرار ١ : ٥٢٨، المناقب للخوارزمي : ١٠٤ / ١٠٧، شرح الأخبار للقاضي نعمان ٢ : ٦٠، الفصول المختارة : ٩٧، ٣٢١، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٢٩٧ و ١٨ : ٧٢، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٤٩، مناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه : ١١٣ - ١١٤، الإمامة والسياسة لابن قتيبة ١ : ٩٨، فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة : ١٦٨، مجمع الزوائد ٧ : ٢٣٥.


المنافقين، ويلدّ في خصام الطاهرين، وأصحاب سيد المرسلين، ولا يرعى فيهم إلاًّ ولا ذمّةً.

هذا أصرح في بيانه أنّه كان مخذولا :

حتّى قال في صفحة ١٢١ ما لفظه : قاتل عليها حتّى غلب وسفكت الدماء بسبب المنازعة التي بينه وبين منازعه، ولم يحصل بالقتال لا مصلحة الدين ولا مصلحة الدنيا، ولا قوتل في خلافته كافر ولا فرح مسلم (١) . انتهى.

في أنّه لم يُؤخذ عنه العلم :

ومن نصبه قوله في صفحة ١٥٧ من الجزء الرابع من منهاج السنّة : وكلّ من الصحابة الذين سكنوا الأمصار أخذ عنه الناس الإيمان والدين، وأكثر المسلمين بالمشرق والمغرب لم يأخذوا عن عليّ شيئاً، فإنّه كان ساكناً بالمدينة وأهل المدينة لم يكونوا يحتاجون إليه، ولما ذهب إلى الكوفة كان أهل الكوفة قبل أن يأتيهم قد أخذوا الدين عن سعد بن أبي الوقّاص، وابن مسعود، وحذيفة، وعمّار، وأبي موسى، وغيرهم (٢) . إلى آخر كلامه الممحّض في النصب والتشنيع والتنقيص.

وفي مناقب أحمد بن حنبل أخرج : أنّ عمر بن الخطّاب إذا أشكل عليه شيء أخذ من عليّ رضي‌الله‌عنه (٣) .

____________________

(١) منهاج السنّة ٧ : ٤٥٤.

(٢) نفس المصدر ٨ : ٤٩ - ٥٠.

(٣) مناقب أحمد بن حنبل حكاه عنه محبّ الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٦٢، ذخائر العقبى : ٨٩، ينابيع المودّة للقندوزي ٢ : ١٧٢، الغدير ٣ : ٩٨.


وعن سعيد بن المسيب : كان عمر يتعوّذ من معضلة ليس لها أبو الحسن. أخرجه أحمد وأبو عمرو (١) .

تكلّمه في إيمان عليّ :

وأنقل هنا من كلامه في عليّ ما لم أذكره هناك وإن تقدّم نقل مثله.

قال في صفحة ٤٢من الجزء الرابع من منهاج السنّة ما لفظه : الناس متنازعون في أوّل من أسلم، فقيل (٢) : أبو بكر أوّل من أسلم، فهو أسبق إسلاماً من عليّ. وقيل (٣) : إنّ عليّاً أسلم قبله، لكن عليّ كان صغيراً، وإسلام الصبي فيه نزاع بين العلماء، ولا نزاع في أنّ إسلام أبي بكر أكمل وأنفع، فيكون هو أكمل سبقاً بالاتّفاق، وأسبق على الإطلاق على القول الآخر، فكيف يقال : عليّ أسبق منه بلا حجّة تدل على ذلك (٤) . انتهى.

ومن هنا حكم عليه علماء عصره بالنصب والنفاق، كما حكاه

____________________

(١) مناقب أحمد بن حنبل حكاه عنه محبّ الطبري في الرياض النضرة ٣ : ١٦١، ذخائر العقبى : ٩٢، الاستيعاب (هامش الإصابة ٣) : ٣٩، تذكرة الخواص : ١٣٤، السنن الكبرى للنسائي ٤ : ٣٢٣ / ٣٤٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ٢ : ٣٣٩، كنز العمّال ١٠ : ٣٠٠ / ٢٩٥٠٩، أُسد الغابة ٤ : ٩٦، تهذيب الكمال ٢٠ : ٤٨٥، الإصابة ٣ : ٤٩٥، تهذيب التهذيب ٧ : ٢٩٦، الوافي بالوفيات ٢١ : ١٧٩، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ١٦٣، نهج الإيمان لابن جبر : ٢٨٣، الفصول المهمّة ١ : ١٩٩، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي عليه‌السلام ١ : ١٩٥، الغدير ٣ : ٩٨.

(٢) انظر الاستيعاب (هامش الإصابة ٣) : ٢٧، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٢٣، الرياض النضرة ١ : ٨٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ١٧١.

(٣) انظر : الاستيعاب (الإصابة ٣ : ٢٧)، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٤ : ١٢٤١١٦، المناقب لابن المغازلي : ١٣ ـ ١٦، المناقب للخوارزمي : ٥٢ ـ ٥٩، الرياض النضرة ٣ : ١١١ ـ ١١٣، الطبقات الكبرى لابن سعد ٣ : ٢١، تاريخ مدينة دمشق : ٤٢ من أوّله.

(٤) منهاج السنّة ٧ : ١٥٥.


العسقلاني في الدرر الكامنة وغيره (١) .

وقال في صفحة ٦٥من هذا الجزء بعد أن ذكر تنازع أبي بكر وعمر فيمن يولي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني تميم حتّى ارتفعت أصواتهما (٢) ما لفظه : وليس تأذي النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك بأكثر من تأذيه في قصّة فاطمة عليها‌السلام ، وقد قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ ) (٣) وقد أنزل الله تعالى في عليّ : ( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلَوةَ وَأَنتُمْ سُكَـرَى حَتَّى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ) (٤) لمّا صلّى فقرأ وخلط (٥) . وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» لمّا قال له ولفاطمة : «ألا تصليان؟ فقالا : إنّما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى» (٦) . انتهى. فتأمّل وتدبّر.

في ذمّ رأيه :

وقال في صفحة ١١٧ من الجزء الثالث من منهاج السنّة ما لفظه : وكانت رعيّته كثيرة المعصية له، وكانوا يشيرون عليه بالرأي الذي يخالفهم فيه ثمّ يتبيّن له أنّ الصواب كان معهم، كما أشار عليه الحسن باُمور، مثل

____________________

(١) الدرر الكامنة ١ : ٩٣.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ٢٩٠ / ٨١٢، سنن الترمذي ٥ : ٦٣ / ٣٣١٩ فيه آية ( لا ترفعوا أصواتكم فوق..) سورة الحجرات ٤٩ : ٢.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٣.

(٤) سورة النساء ٤ : ٤٣.

(٥) مسند أحمد بن حنبل ١ : ٧٧، ١١٢، صحيح البخاري ٢ : ٤٩٣ الباب ٧٢١ الحديث ١٠٥١، صحيح مسلم ١ : ٥٣٧ الباب ٢٨ الحديث ٧٧٥، ذكر ابن تيمية هذه الفرية في ثلاث مرّات، وفي دلائل الصدق : وقد استنهضت ابن تيمية حمية النصب لمعارضة الأخبارـ التي وردت في فضائل الإمام علي عليه‌السلام فمخض زبد الباطل وروى ما افتراه بعض أسلافه من النواصب.

(٦) منهاج السنّة ٧ : ٢٣٧ - ٢٣٨.


أن لا يخرج من المدينة دون المبايعة، وأن لا يخرج إلى الكوفة، وأن لا يقاتل بصفين، وأشار عليه أن لا يعزل معاوية، وغير ذلك من الاُمور (١) . انتهى.

وكلّه كذب وافتراء لا أصل له ولا أثر له في شيء من كتب شيوخ الحديث والمؤرّخين، ماله لم يسند ذلك؟! لكنّه كما قالت العلماء : له قوة على الافتراء والكذب، وقد أخزاه الله بمعاداته لأهل البيت.

في أنّ مقاتلته على الولاية والرئاسة :

انظر إلى ما قال في صفحة ١٢٩ من هذا الجزء قال : وشبهة قتلة عثمان أضعف بكثير من شبهة قتلة عليّ والحسين، فإنّ عثمان لم يقتل مسلماً، ولا قاتل أحداً على ولايته، ولم يطلب قتال أحد على ولايته أصلا، فإن وجب أن يقال : من قتل خلقاً من المسلمين على ولايته معصوم الدم، وأنّه مجتهد فيما فعله فلأن يقال : عثمان معصوم الدمّ وإنّه مجتهد فيما فعله من الأموال والولاية بطريق الأولى والأحرى (٢) . انتهى.

فتأمّل ما حكم به على عليّ والحسين رضي الله عنهما.

نسبته بالجهل وعدم المعرفة بالحقّ واحتجاجه بشبهة الجبر :

وقال في صفحة ١٣٦ : وكذلك (٣) قضى عليّ رضي‌الله‌عنه في المفوّضة بإن مهرها يسقط بالموت (٤) مع قضاء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بروع بنت واشق بأنّ لها

____________________

(١) نفس المصدر ٥ : ٤٦٥ - ٤٦٦.

(٢) نفس المصدر ٥ : ٥١٧.

(٣) يعني أنّه كان عاجزاً عن معرفة الحقّ في نفس الأمر فهو معذور. «منه».

(٤) انظر الخلاف للشيخ الطوسي ٤ : ٣٧٨، المبسوط للسرخسي ٥ : ٦٢.


مهرنسائها (١) ، وكذلك طلبه نكاح بنت أبي جهل حتّى غضب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرجع عن ذلك، وقوله لمّا ندبه وفاطمة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الصلاة بالليل فاحتجّ بالقدر لما قال : «ألا تصليان؟ فقال عليّ : إنّما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا»، فولّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يضرب فخذه ويقول : «وكان الإنسان أكثر شيء جدلا» وأمثال هذا لم يقدح في عليّ لكونه مجتهداً ثمّ رجع إلى ما تبيّن له من الحقّ (٢) . انتهى. فتدبّر.

نسبة الظلم إلى عليّ والحسين عليهما‌السلام :

وقال في صفحة ١٣٧ من هذا الجزء ما لفظه : ولو قال قائل : إنّ عليّاً ظلم أهل صفّين والخوارج (٣) حتّى دعوا عليه بما فعله ابن ملجم، لم يكن هذا أبعد عن المعقول من هذا، وكذلك لو قال : إنّ آل أبي سفيان بن حرب دعوا على الحسين بما فُعِل به (٤) . انتهى موضع الحاجة من كلامه فتدبّر حتّى تعرف نصب الرجل.

____________________

(١) الأم للشافعي ٥ : ٦٨ و ٧ : ٩، مسند أحمد ٤ : ٢٧٩، سنن الدارمي ٢ : ١٥٥.

(٢) منهاج السنّة ٦ : ٢٨ - ٢٩.

(٣) بل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بقتالهم، انظر مناقب الإمام أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ٢ : ٣٣٩، المعجم الكبير للطبراني ٤ : ١٧٢ / ٤٩، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٨ : ٢١ و ١٤ : ١٥، ضعفاء العقيلي ٢ : ٥١، الكامل لابن عدي ٢ : ١٤٦، تاريخ دمشق ١٦ : ٥٣ و ٤٢ : ٤٦٨، سير أعلام النبلاء ٢ : ٤١٠، البداية والنهاية ٧ : ٢٩٢ - ٢٩٣، تاريخ الإسلام للذهبي ١١ : ١١٩، فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة : ١٦٨، تنبيه الغافلين لابن كرامة : ١٣٢، بشارة المصطفى للطبري : ١٣٨، المناقب للخوارزمي : ١٩٤، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة : ١٣٩، مجمع الزوائد ٦ : ٢٣٥، كنز العمّال للمتقي الهندي ١١ : ٢٩٢ / ٣١٥٥٣، ٣٥٢ / ٣١٧٢١ و ١٣ : ١١٠ / ٣٦٣٦١،

(٤) منهاج السنّة ٦ : ٣٢.


جهله بالسنّة النبويّة :

وقال في آخر صفحة ١٣٩ من هذا الجزء : وعليّ رضي‌الله‌عنه قد خفي عليه من سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضعاف ذلك ومنها ما مات ولم يعرفه (١) . انتهى.

أقول : وعرفه ابن تيميّة ولم يعرفه مَن ربّاه رسول الله وهو صبي ولم يفارقه حتّى مات، وعلّمه القرآن; وفيه تبيان كلّ شيء.

نسبة الفساد في الرأي إلى عليّ عليه‌السلام في حرب صفّين :

وابن تيميّة يقول في صفحة ١٤٠ من هذا الجزء : إنّ القتال يوم الجملوصفّين أفضى إلى أنواع من الفساد ما كان عليّ يظنّ أنّ الأمر يبلغ إلى ما بلغ، ولو علم ذلك لما فعل ما فعل كما أخبر عن نفسه (٢) . انتهى (٣) .

هل هذا إلاّ الإلحاد وقول الزور والافتراء؟!

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٤٣.

(٢) في الفصول المختارة (من العيون والمحاسن) للسيّد المرتضى رضي‌الله‌عنه : ١٧١ - ١٧٥ : وأصل هذه الشبهات من النظام على ما حكاه تلميذه الجاحظ الناصبي العثماني المعتزلي. قال الذهبي : النظام شيخ المعتزلة، أبو إسحاق إبراهيم بن سيار مولى آل حارث بن عباد الضبعي البصري المتكلّم.. إلى أن قال : ولم يكن النظام ممّن نفعه العلم والفهم، وقد كفّره جماعة. وقال بعضهم : كان النظام على دين البراهمة المنكرين للنبوّة والبعث ويخفي ذلك. توفّي سنة بضع وعشرين ومائتين، وقيل : ثلاثين تقريباً. انظر سير أعلام النبلاء ١٠ : ٥٤١ / ١٧٢، تاريخ بغداد ٦ : ٩٧ / ٣١٣١.

(٣) منهاج السنّة ٦ : ٤٤.


تغليط عليّ في محاربته :

ثمّ لم يتمالك حتّى أظهر مكنون سريرته ونصبه قال في آخر هذه الصفحة : فلو قال قائل : قتال المسلمين هو عقوبة لهم، فلا يعاقبون حتّى يعلموا الإيجاب والتحريم، وأصحاب معاوية الذين قتلهم عليّ لم يكونوا يعلمون أنّ لهم ذنباً، فلم يجز لعليّ قتالهم على ما لا يعلمون أنّه ذنب، وإن كانوا مذنبين فإنّ غاية ما يقال لهم : إنّهم تركوا الطاعة الواجبة، لكن كثير منهم أو أكثرهم لم يكونوا يعلمون أنّه يجب عليهم طاعة عليّ ومتابعته، بل كان لهم من الشبهات والتأويلات ما يمنع علمهم بالوجوب، فكيف جاز قتال من لم يعلم أنّه ترك واجباً أو فعل محرماً (١) .

التصريح بفساد رأيه وذمّه :

ثمّ قال في صفحة ١٥٦ من هذا الجزء ما لفظه : وكان رأي عليّ في دماء أهل القبلة ونحوه من الاُمور العظائم (٢) .

إلى أن قال : فلا رأي أعظم ذمّاً من رأي اُريق به دم اُلوف مؤلّفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا دنياهم، بل نقص الخير عمّا كان، وزاد الشرّ على ما كان (٣) . انتهى.

وكلّ مسلم يؤمن بالحقّ يعلم بضرورة الإسلام أنّه لا يطعن على عليّ بهذا الطعن إلاّ منافق زنديق ملحد عدوّ للإسلام، يتوسّل بالطعن على عليّ إلى الطعن في رسول الله الذي قال في عليّ ما قال، ممّا صحّ في

____________________

(١) منهاج السنّة ٦ : ٤٧.

(٢) نفس المصدر ٦ : ١١١.

(٣) نفس المصدر ٦ : ١١٢ - ١١٣.


الصحيحين وغيرهما من الصحاح الدّالة على أنّه انموذج رسول الله وشبيهه في العلم والعمل، لكن ابن تيميّة وأمثاله من الحشويّة من أجهل الناس وأضلّهم، فيهم نوع من ضلال الملاحدة، ونوع من خبث الخوارج، وليس في الطوائف المنتسبة إلى القبلة أعظم إفتراء للكذب على الله ورسوله وتكذيباً بالحقّ من المنتمين إلى الحشو، ولهذا لا يوجد التشبيه والتجسيم والإلحـاد أكثر ممّا يوجد فيهم، ومنهـم ابن تيميّة كفّر جميع المسـلمين ولم يستثنِ إلاّ مَن كان على عقيدته الفاسدة، وصار يعادي خيار عباد الله الصالحين، ويوالي الخوارج المارقين من الدين، فشقّ العصا، وشوّش عقائد الناس، وأفسد في الأرض، كما شهد عليه بذلك علماء عصره وقضاة مصره، وقد تقدّمت شهاداتهم بكفره وضلاله بعباراتهم المفصّلة في هدايات.

نفي اختصاصه عليه‌السلام بعلم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذب الكتب المنسوبة إليه :

وحمله نصبه إلى نفي أن يكون عند عليّ علم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّه به :

قال في صفحة ١٧٨ : والكتب المنسوبة إلى عليّ أو غيره من أهل البيت في الأخبار بالمستقبلات كلّها كذب مثل كتاب الجفر والبطاقة وغير ذلك، وكذلك ما يضاف إليه من أنّه كان عنده علم من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خصّه به دون غيره من الصحابة (١) . انتهى.

أقول : في سنن النسائي عن عبد الله بن نجي عن أبيه قال : قال عليّ : «كانت لي منزلة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تكن لأحد من الخلائق، فكنت آتيه كلّ سحر أقول : السلام عليك يا نبي الله، فإن تنحنح انصرفت

____________________

(١) منهاج السنّة ٨ : ١٣٦.


إلى أهلي وإلاّ دخلت عليه» (١) .

«وكان لي مدخلان : مدخل بالليل، ومدخل بالنّهار» (٢) .

أقول : فكيف لا يكون لمثله علم من النبيّ خصّه به دون غيره؟! لكن ابن تيميّة ينكر الضروريّات.

وقد أخرج الديلمي : «أعلم اُمّتي من بعدي علي بن أبي طالب» (٣) .

وأخرج الترمذي : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها» (٤) .

وأخرج الديلمي والطبراني : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (٥) .

وأخرج الديلمي : «صاحب سرّي علي بن أبي طالب» (٦) .

وأخرج ابن عدي : «عليّ عيبة علمي» (٧) .

وأخرج الديلمي : «مثل عليّ في الناس مثل ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) في القرآن» (٨) .

قال ابن طلحة الحلبي الشافعي في الدر المنظم ما لفظه : وقال ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه : اُعطي الإمام علي رضي‌الله‌عنه تسعة أعشار العلم، وأنّه لأعلمهم بالعشر الباقي (٩) .

وقال أيضاً : أخذ بيدي الإمام عليّ ليلة مقمرة، فخرج بي إلى البقيع

____________________

(١) سنن النسائي ٣ : ١٧ / ١٢١٢.

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٧ / ١٢١١.

(٣) نفس المصدر ١ : ٣٧٠ / ١٤٩١.

(٤) سنن الترمذي ٥ : ٣٠١ / ٣٨٠٧.

(٥) الفردوس بمأثور الخطاب ١ : ٤٤ / ١٠٦، المعجم الكبير ١١ : ٥٥ / ١١٠٦١.

(٦) الفردوس بمأثور الخطاب ٢ : ٤٠٣ / ٣٧٩٣.

(٧) الكامل ٥ : ١٦١ / ٩٥٠.

(٨) الفردوس بمأثور الخطاب ٤ : ١٣٤ / ٦٤١٧.

(٩) طبقات الفقهاء لأبي اسحاق الشيرازي الشافعي : ٤٢، ينابيع المودّة ١ : ٢١٣ / ١٨.


بعد العشاء، فقال : «اقرأ يا عبد الله» فقرأت : بسم الله الرحمن الرحيم، فتكلّم لي في أسرار الباء إلى بزوغ الفجر (١) . انتهى.

وقال محمّد بن عليّ الحكيم الترمذي في شرح الرسالة الموسومة بالفتح المبين : قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو إمام المفسّرين، العلم عشرة أجزاء، لعلي تسعة أجزاء وللناس العشر الباقي، وهو أعلمهم به (٢) .

وقال أيضاً : يشرح لنا علي رضي‌الله‌عنه نقطة الباء من بسم الله الرحمن الرحيم ليلة، فانفلق عمود الصبح وهو بعد لم يفرغ، فرأيت نفسي في جنبه كالفوارة في البحر المثعنجر (٣) . إلى آخره.

ويشـهد لذلك ما أسـنده الترمذي والحمويني عن سـويد بن غفلـة، [عن] الصناعيّ (٤) ، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعلي بابها» (٥) .

وكذلك رواه الحمويني بسنده عن سلمة بن كهيل، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا دار الحكمة وعليّ بابها» (٦) .

وأسنده ابن المغازلي عن مجاهد، عن ابن عبّاس، وعن سلمة بن كهيل، عن علي رضي‌الله‌عنه قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا دار الحكمة وعليّ

____________________

(١) عنه في ينابيع المودّة ١ : ٢١٤ / ١٩ الباب ١٤.

(٢) نفس المصدر ١ : ٢١٦ / ٢٨ الباب ١٤.

(٣) عنه في ينابيع المودّة ١ : ٢١٦ / ٢٨ الباب ١٤، وانظر النهاية لابن الأثير ١ : ٢١٢، لسان العرب (ثعجر)، تاج العروس (ثعجر)، والمُثْعَنْجَر : أكثر موضع في البحر ماءً.

(٤) في المصدرين : الصُنابحيّ.

(٥) سنن الترمذيّ ٥ : ٣٠١ / ٣٨٠٧، فرائد السمطين ١ : ٩٩ / ٦٨.

(٦) انظر فرائد السمطين ١ : ٩٩ / ٦٨، وينابيع المودّة ١ : ٢١٨ / ٣٢ الباب ١٤.


بابها» (١) .

وروى أحمد في مسنده، وموفق بن أحمد في المناقب بسنديهما، عن سعيد بن المسيّب قال : لم يكن أحد من الصحابة يقول : «سلوني» إلاّ عليّ ابن ابي طالب (٢) .

وقال عن الأصبغ بن نباته قال : سمعت أمير المؤمنين يقول : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّمني ألف باب، وكلّ باب منها يفتح ألف باب، فذلك ألف ألف باب، حتّى علمت ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، وعلمت علم المنايا والبلايا، وفصل الخطاب» (٣) .

وأيضاً قال الإمام زين العابدين، والإمام الباقر، والإمام جعفر الصادق عليه‌السلام : «علّم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً عليه‌السلام ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب» (٤) ، انتهى.

فيه : ندامته عليه‌السلام على المحاربة :

وممّا يشهد بنصب ابن تيميّة أنّه صحّح قول ابن حزم : إنّ عامّة ما روي في فضائل عليّ موضوع كذب (٥) .

وصحّح ما وضعه أعداؤه الخوارج وبنو اُميّة في مثالبه، وصار يستدلّ بالموضوع على نفي الثابت بالصحاح المستفيضة :

قال في صفحة ١٨من الجزء الرابع من منهاج السنّة : وممّا يبيّن أنّ

____________________

(١) المناقب للمغازلي : ٨٧ / ١٢٨ - ١٢٩، وانظر الشريعة للآجري ٤ : ٢٠٦٨ / ١٥٤٩، جزء ألف دينار : ٣٣٣ / ٢١٦.

(٢) فضائل الصحابة لابن حنبل ٢ : ٦٤٦ / ١٠٩٨، المناقب للخوارزمي : ٩٠ / ٨٣.

(٣) انظر نفس المصدر ١ : ٢٣١ / ٧٠ الباب ١٤.

(٤) انظر ينابيع المودّة ١ : ٢٣١ / ٧١ الباب ١٤.

(٥) انظر منهاج السنّة ٧ : ٣٢٠.


عليّاً لم يكن يعلم المستقبل أنّه ندم على أشياء ممّا فعلها، وكان يقول :

لقـد عجزت عجـزة لا أعتـذر

سـوف أكيس بعدهـا واسـتمر

وأجمع الرأي الشتيت المنتشـر (١)

وكان يقول ليالى صفين : «يا حسن يا حسن ما أظنّ أبوك أن يبلغ الأمر هذا. لله دَرُّ مقام قامه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر، إن كان برّاً إنّ أجره لعظيمو إن كان إثماً إنّ خطره ليسير» وهذا رواه المصنّفون (٢) . انتهى.

إن كنت تعتمد على ما رواه المصنّفون فما لك لا تعتمد على ما روته أئمّة الحديث في مجاميعها وصحّحه بأنّ النبيّ أمر أمير المؤمنين كرّم الله وجهه بحرب الجمل وحرب صفّين وحرب الخوارج (٣) ، وأنّه يقاتلهم على تأويل القرآن كما قاتلهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تنزيله (٤) .

وقد عقد الجلال السيوطي في الخصائص الكبرى في صفحة ١٣٦ من الجزء الثاني المطبوع في حيدر آباد الهند (٥) باباً جمع فيه ما رووه في ذلك، وسيأتي منّا ذكره عند ذكرنا للروايات النبويّة التي كذّبها ابن تيميّة وهي صحيحة مرويّة .

وممّا يدلّ على أنّ أمير المؤمنين عليّاً كان يعلم حال كلّ محارب له

____________________

(١) الفتنة ووقعة الجمل للضبي : ٩٦، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٧٥.

(٢) منهاج السنّة ٨ : ١٤٥.

(٣) تقدمت مصادره في ص ٢٨٠.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٣١ و ٣٣، خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ٤٠، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٣، المصنف ابن أبي شيبة ٦ : ٣٧٠ / ٣٢٠٧٣، صحيح ابن حبان ١٥ : ٣٨٥ / ٦٩٣٧، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ١٥٤ / ٨٥٤٠ - ٨٥٤١.

(٥) وفي الخصائص الكبرى ـ المطبوع في بيروت دار الكتب العلمية ـ ٢ : ٢٠٨.


ومخالف عليه وما يؤل إليه أمرهم : مارواه شيخ المحدّثين مسلم بن الحجّاج، ذكر في صحيحه في باب تأويل سورة غافر ـأعني : ( حـم تَنزِيلُ الْكِتَـبِ ) مالفظه : وقد روى بعضهم عن ابن عبّاس أنّه قال : كان علي عليه‌السلام يعرف بها الفتن (١) ، قال : وأراه ذكر في هذا الحـديث : وكلّ جماعة كانت في الأرض أو تكون في الأرض، ومن كلّ فرقة كانت أو تكون في الأرض.

قال : قد روي عن عليّ عليه‌السلام أنّه قال على المنبر : «سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني عن كتاب الله، وما من آية إلاّ وأعلم حيث اُنزلت، بحضيض جبل أو سهل، وسلوني عن الفتن فما فتنة إلاّ وقد علمت كبشها ومن يقتل فيها» (٢) . وقال : قد روي عنه من نحو هذا كثير (٣) ، انتهى.

وقال الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة ما لفظه : أبوليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ستكون من بعدي فتنة،فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل

____________________

(١) انظر غرائب التفسير للكرماني ٢ : ١٠٤٧، والعمدة لابن بطريق : ٣٣٦، والطرائف لابن طاوس : ٧٣ / ٨٩. وفي الكشف والبيان ـ تفسير الثعلبي - ٢٣ : ٣٢٨ في تفسير ( حم * عسق ) قال : وذكر عن ابن عباس... إلى أنّ قال : إنّ عليّا عليه‌السلام إنّما كان يعلم الفتن بهما، يعني السين والقاف.

(٢) انظر العمدة لابن بطريق : ٢٦٤ / ٤١٦، الطرائف لابن طاوس : ٧٢ / ٨٩، غاية المرام ٥ : ٢٣٨ الباب ٣٦ الحديث ١، ينابيع المودّة ١ : ٢٢٤ / ٤٩، الغدير ٦ : ١٩٢، إحقاق الحق ٤ : ٢٣١ - ٢٢٣.

(٣) انظر فضائل الصحابة لابن حنبل ٢ : ٦٤٦ / ١٠٩٨، فضائل أمير المؤمنين : ٢٦١ / ٢٢٠، نهج البلاغة ٢ : ١٢٩، والمعيار والموازنة : ٨٢، والغارات للثقفي ١ : ٧، والمستدرك للحاكم ٢ : ٣٥٢ و ٤٦٦، كنز العمّال ١٣ : ١٦٥ و ١٤ : ٦١٢ / ٣٩٧٠.


من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الاُمّة، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين» (١) .

أقول : أبعد هذا تصلـح لابن تيميّـة الاعتراضـات على مثـل عليّ العالم بكلّ أموره، أو ينسب إليه الشكّ في قتاله، أو الندم على عمله، كلاّ ياابن تيميّة، فإنّه شبيه هارون العليم (٢) ، وأقضى أصحاب رسول الله (٣) ، ومثلك يا بن تيميّة لا يعترض عليه، مع أنّك في الوصيّة الكبرى بعد سردك لما جاء عن النبيّ في الخوارج من الأمر بقتلهم قلت : وهكذا كلّ من فارق جماعة المسلمين وخرج عن سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشريعته من أهل الأهواء المضلّة والبدع المخالفة (٤) .

فيكون مقاتل ولي الأمر منهم كما ذكرت : أنّ المسلمين الذين قتلوا الروافض قتلوهم بأمر الله ورسوله المستفاد من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الخوارج، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار» (٥) .

وقلت أنت في صفحة ٢١٠ و٢١١ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : قدرواه مسلم في صحيحه من غير وجه، ورواه البخاري لكن في كثير من النسخ لم يذكره تامّاً .... ولكن لا يختلف أهل العلم بالحديث أنّ هذه

____________________

(١) الإصابة ٦ : ٢٣٢ / ١٠٤٧١.

(٢و٣) راجع المناقب للخوارزمي : ٨٢، كفاية الطالب : ٢٣٢، فرائد السمطين ١ : ٩٧، ينابيع المودّة ١ : ١٤ / ٢٧ -  ٢٨، و ٢ : ٧٠ / ٦ و ص ٢٣٩ و ٦٦٩ و ٣٠١ / ٨٥٩، «وأقضى أصحاب رسول الله» راجع ينابيع المودّة ١ : ..٢٢٥ و ٤ : ٦٥.

(٤) مجموعة الفتاوي ٣ : ٢٣٧، تقدّمت مصادر الخبر في الصفحة ٢٧٨ - ٢٧٩.

(٥) مجوعة الفتاوي ٣ : ٢٣٦ - ٢٣٧، تقدمت مصادر الخبر فى الصفحة ٢٧٩، وراجع البخاري ٤ : ٤١٥ الباب ٦٦٠ الحديث ١٠٠٥ و ١ : ٢٥٣ الباب ٣٠٤ الحديث ٤٢٨، والمستدرك للحاكم ٢ : ١٤٩.


الزيادة هي في الحديث (١) .

ثمّ قلت : والحديث ثابت صحيح عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند أهل العلم بالحديثوالذين قتلوه هم الذين باشروا قتله، والحديث اُطلق فيه لفظ البغي لم يقيّده بمفعول كما قال تعالى : ( لاَيَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً ) (٢) ولفظ البغي إذا اُطلق فهو الظلم كما قال الله تعالى : ( فَإِن بَغَتْ إِحْدَلـهُمَا عَلَى الاخْرَى فَقَـتِلُواْ الَّتِى تَبْغِى ) (٣) . إلى آخره (٤) .

فالفئة التي تدعوا إليها عمّار هي أهل الجنّة، والفئة التي تحارب عمّاراً وتقتله هي الفئة الباغية، وهي من أهل النار، وبلا خلاف بين الاُمّة ـحتّى من ابن تيميّة إنّ معاوية وحزبه قتلة عمّار بصفيّن، وعمّار كان من فئة علي رضي‌الله‌عنه فكان قتاله لهم بأمر الله ورسوله المستفاد من أمره بقتال الخوارج كما قلت يا ابن تيميّة بتنقيح هذا المناط في قتل المسلمين للروافض في رسالة الوصية الكبرى (٥) ، فإذا كان كذلك فلماذا تنكر أن يكون حرب صفيّن بأمر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أنكرته في صفحة ٢٢٨ من الجزء الثاني من منهاج السنّة (٦) ، وصرت تخطّأه، فكلّ من يُخَطِّئ عليّاً في ذلك ويعترض عليه يكون رادّاً على الله ورسوله كما لو كان يعترض على عليّ في قتال الخوارج.

وأيضاً أقول : إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قد ولي الأمر، وقد

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٤١٤ - ٤١٥.

(٢) سورة الكهف ١٨ : ١٠٨.

(٣) سورة الحجرات ٤٩ : ٩.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٤١٨.

(٥) مجوعة الفتاوى ٣ : ٢٣٦ - ٢٣٧.

(٦) منهاج السنّة ٤ : ٤٨٥.


اعترفت في صفحة ٢١٠ من الجزء الثاني من منهاج السنّة بوجوب طاعته، وبصحّة خلافته، حيث نقلت ورويت الأحاديث الصحاح عن الصحاح المتّفق على صحّتها بوجوب طاعة الوالي، ثمّ قلت بلا فصل : وعليّ رضي‌الله‌عنه كان قد بايعه أهل الكوفة بالمدينة ولم يكن في وقته أحقّ منه بالخلافة، وهو خليفة راشد تجب طاعته (١) . انتهى.

فإذا كان عليّ ولي الأمر، والله سبحانه قد أمر بطاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر طاعة الله ومعصيته معصية الله، فمن سخط أمره وحكمه فقد سخط أمر الله وحكمه، وابن تيميّة ردّ أمر الله وسخط حكمه وكره ما رضي الله باعتراضه على أمر أمير المؤمنين بمقاتلة معاوية وحزبه وأهل الجمل في البصرة، وخطّأه في ذلك بأقبح الوجوه كما عرفت، لأنّ الله يرضيه طاعته وطاعة ولي الأمر، فمن كره طاعة ولي الأمر فقد كره رضوان الله، والله يسخط لمعصيته، ومعصية ولي الأمر معصيته، فقد أتبع ما أسخط الله وكره رضوانه.

وأيضاً أقول : إنّ ابن تيميّة كفر في منهاج السنّة بما آمن به في رسالة الوصية الكبرى، قال فيها : نؤمن بالإمساك عمّا شجر بينهم ونعلم أنّ بعض المنقول في ذلك كذب وهم كانوا مجتهدين (٢) . إلى آخره.

وصار يشنّع على أمير المؤمنين ويرميه بالعظائم، وقتل النفوس المحترمة، وسفك دماء المسلمين، ويضرب له الأمثال، ويصدق عليه قول كلّ قائل وكلّ مصنّف، ويرمي كلّ ما رووا علماء الإسلام وشيوخ الحديث في مناقبهوفضائله بالوضع والكذب حتّى شكّك في إيمانه وإسلامه،

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٤١٣.

(٢) مجموعة الفتاوى ٣ : ٢٥٠.


وخطّأه في اجتهاده وفتاويه، بل نسبه إلى مخالفة النصّ في الكتاب والسنّة، وإلى الاحتجاج على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقدر والجبر، وكفّر المحتج بالقدر في مواضع من كتبه كما عرفتها في المقصد الثاني مفصّلا، كما قد تقدّمت نصوصه بكلّ ذلك مع الدلالة على مواضعها من كتابه، وقد فهم منه العلماء النفاق في عليّ وبغضه له، وحكموا عليه بذلك لقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضك إلاّ منافق» (١) كما حكى كلّ ذلك مَن عرفت كابن حجر العسقلاني وغيره (٢) .

في محاماته ونصرته لأعداء آل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

فصـل : وزاد ابن تيمية في الطنبور نغمات، وصار يحامي عن أعداء أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويبرئهم من ظلمهم وأذيتهم وقتلهم وتشريدهم وسبي نسائهم وحمل رؤوسهم إلى الشام.

قال في صفحة ٢٤٩ وما بعدها من الجزء الثاني من منهاج السنّة، وفي صفحة ١٧٩ من الجزء الرابع منه : أنّ يزيد لم يأمر بقتل الحسين، ولا كان له غرض في ذلك (٣) .

وقال : وأمّا ما ذكروه من سبي نسائه والدوران بهم في البلدان وحملهم على الجمال بغير أقتاب فهذا كذب وباطل، ما سبى المسلمون ولله الحمدهاشميّة قطّ، ولا استحلّت اُمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبي بني هاشم قطّ، ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيراً (٤) .

____________________

(١) انظر صحيح مسلم ١ : ٨٦ / ١٣١ الباب ٣٣ ، سنن الترمذي ٥ : ٢٩٨ / ٣٨٠٠ .

(٢) انظر الدرر الكامنة ١ : ٩٣، وابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثيّة : ٨٤ - ٨٥.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥٥٧ و ٨ : ١٤١.

(٤) نفس المصدر ٤ : ٥٥٨.


قال : وبالجملة فما يعرف في الإسلام أنّ المسلمين سبوا امرأة يعرفون أنّها هاشميّة، ولا سبي عيال الحسين، بل لمّا دخلوا دار يزيد قامت النياحة في بيته وأكرمهم (١) .

قال : ولا طيف برأس الحسين، وهذه الحوادث فيها من الكذب ما ليس هذا موضع بسطه (٢) .

ثمّ أخذ يكذب الآيات التي حدثت بسبب قتل الحسين عليه‌السلام .

قال : إنّ كثيراً ممّا روي في ذلك كذب، مثل كون السماء أمطرت دماً فإنّ هذا ما وقع قطّ في قتل أحد، ومثل كون الحمرة ظهرت في السماء يوم قتل الحسين ولم تظهر قبل ذلك فإنّ هذا من الترّهات (٣) .

قال : وكذلك قول القائل : أنّه ما رفع حجر في الدنيا إلاّ وجد تحته دم عبيط هو أيضاً كذب بيّن (٤) . انتهى.

وقال في آخر صفحة ٢٥١ من هذا الجزء : إنّ القول في لعنة يزيد كالقول في لعنة أمثاله من الملوك الخلفاء وغيرهم، ويزيد خير من غيره (٥) .

وقال في صفحة ما بعدها : فالذي يجوّز لعنة يزيد وأمثاله يحتاج [إلى شيئين] (٦) : إلى ثبوت أنّه كان من الفسّاق الظالمين الذين تباح لعنتهم، وأنّه مات مصرّاً على ذلك. والثانية : أنّ لعنة المعيّن من هؤلاء جائزة، والمنازع

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٥٩.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٥٥٩.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٥٦٠.

(٤) نفس المصدر ٤ : ٥٦٠.

(٥) نفس المصدر ٤ : ٥٦٧.

(٦) الزيادة عن المصدر.


يطعن في المقدّمتين لا سيّما الاُولى (١) .

قال : وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أوّل جيش يغزو القسطنطينيّة مغفور لهم» (٢) وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد (٣) . إلى آخر كلامه حشره الله مع يزيد.

أقول : وأنا أورد في إثبات ما أنكره ابن تيميّة رواية مَن يحتجّ ابن تيميّة بكلامهم في سائر المقامات ويعترف بإمامتهم في الدراية.

قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي : ليس العجب إلاّ من ضرب يزيد ثنايا الحسين بالقضيب، وحمل آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الجمال (٤)[أي] (٥) موثوقين بالحبال والنساء مكشفات الوجوه والرؤوس، وذكر أشياء من قبيح فعل يزيد، حكاه ابن حجر في الصواعق، وأيّده بأنّ يزيد بالغ في رفعه ابن زياد حتّى أدخله على نسائه لمّا دخل عليه بعد قتل الحسين، ذكر ذلك في صفحة ١١٩ من النسخة المطبوعة بالمطبعة الميمنيّة بمصر (٦) .

وحكى عن ولد يزيد أنّه صعد المنبر بعد موت يزيد فقال : إنّ هذه الخلافة حبل الله، وأنّ جدّي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحقّ به منه

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٧١.

(٢) لم نعثر عليه في صحيح البخاري، نعم قال محمّد رشاد سالم محقّق المنهاج في الهامش ١ من المجلد ٤ الصفحة ٥٧٢ : لم أجد الحديث بهذا اللفظ، ولكن وجدت عن عبادة بن الصامت الحديث في البخاري : أوّل جيش من اُمتّي يغزون البحر... فراجع.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥٧١ - ٥٧٢.

(٤) انظر تذكرة الخواص : ٢٦٠.

(٥)) الزيادة من الصواعق .

(٦) انظر الصواعق المحرقة تحقيق عبد الرحمن التركي وكامل الخرّاط ٢ : ٥٨٠، وتذكرة الخواص : ٢٦٠.


علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وركب بكم ما تعلمون حتّى أتته منيّته فصار في قبره رهيناً بذنوبه، ثمّ قلّد أبي الأمر وكان غير أهل له، ونازع ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقصف عمره وانبتر عقبه وصار في قبره رهيناً بذنوبه. ثمّ بكى وقال : إنّ من أعظم الاُمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبئس منقلبه، وقد قتل عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأباح الخمر، وخرّب الكعبة، ولم أذق حلاوة الخلافة فلا أتقلّد مرارتها (١) . إلى آخره.

والغرض من نقل هذا شهادته على أبيه أنّه قتل الحسين رضي‌الله‌عنه ، ذكر ذلك ابن حجر في صفحة ١٣٤ من الصواعق (٢) .

وقال الشيخ الإمام يوسف سبط الشيخ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب تذكرة خواص الاُمّة ما لفظه : وأمّا المشهور عن يزيد في جميع الروايات : أنّه لمّا أحضر الرأس بين يديه جمع أهل الشام وجعل ينكت عليه بالخيزران وينشد أبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

وقعة الخزرج من وقع الأسل

قد قتلنا القرن من ساداتهم

وعدلنا قتل بدر فاعتدل (٣)

حتّى حكى القاضي أبو يعلى عن أحمد بن حنبل في كتاب الوجهين والروايتين أنّه قال : إن صحّ ذلك عن يزيد فقد فسق (٤) .

قال الشعبي وزاد فيها يزيد فقال :

____________________

(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٥٤، جواهر المطالب لابن الدمشقي ٢ : ٢٦١، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٤١، ينابيع المودّة ٣ : ٦٣.

(٢) انظر الصواعق المحرقة تحقيق عبد الرحمن التركي وكامل الخرّاط ٢ : ٦٤١.

(٣) طبقات الشعراء للجمحي : ٥٨، الحماسة البصريّة ١ : ١٠٠ ـ ١٠١ / ٢١٣.

(٤) انظر الوجهين والروايتين (الديانات) : ١٠٦، الهامش : ٥.


لعبت هاشـم بالملك فلا

خبر جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم انتقم

من بني أحمد ما كان فعل (١)

قال مجاهد : نافق (٢) .

وقال الزهريّ : لمّا جاءت الرؤوس كان يزيد في منظره على جيرون فأنشد لنفسه :

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت

تلك الشموس على ربى جيرون

نعب الغراب فقلت : صح أو لاتصح

فلقد قضيت من الغريم ديوني (٣)

وذكر ابن أبي الدنيا : إنّه لمّا نكت بالقضيب ثناياه أنشد لحصين بن الحمام المرّي :

صبرنا وكان الصبر منّا سجيّة

بأسيافنا تفريق هاماً ومعصما

نفلّق هاماً من رؤوس أحبّة

إلينا وهم كانوا أعقّ وأظلما (٤)

قال مجاهد : فوالله لم يبق في الناس أحد إلاّ سبّه وعابه وتركه.

قال ابن أبي الدنيا : وكان عنده أبو برزة الأسلمي فقال له : يا يزيد ارفع قضيبك فوالله لطال ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقبّل ثناياه.

قال : وكان عليّ بن الحسين والنساء موثّقين في الحبال، فناداه علي

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٣٥، وانظر تاريخ الطبري ٨ : ١٨٧، مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ١٥٩، والفتوح لابن أعثم ٥ : ١٢٩.

(٢) المنتظم لابن الجوزي ٥ : ٣٤٣، البداية والنهاية لابن كثير ٨ : ٢٠٠.

(٣) انظر مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ١٥٩.

(٤) شرح اختيارات المفضل ١ : ٣٢٥، وفيه :

صبرنا وكان الصبر منّا سجيّة

بأسيافنا يقطعن كفاً ومعصما

يفلّق هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

وانظر مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ١٦٠.


ابن الحسين : «يا يزيد ما ظنّك برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو رآنا موثّقين في الحبال، عرايا على أقتاب الجمال» فلم يبق في القوم إلاّ من بكى (١) .

قال : وروى ابن أبي الدنيا عن الحسن البصري قال : ضرب يزيد رأس الحسين ومكاناً كان يقبّله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) .

قال : وقال الشعبي : لمّا دخل نساء الحسين على نساء يزيد قلن : واحسيناه. فسمعهنّ يزيد فقال :

يا صيحة تحمد من صوائح

ما أهون الموت على النوائح (٣)

قال : وذكر ابن جرير في تاريخه : إنّ يزيد لمّا جيء برأس الحسين سُرّ أوّلا ثمّ ندم على قتله (٤) .

قال : وكتب يزيد بن معاوية إلى ابن عبّاس وذكر كتاب يزيد وجواب ابن عبّاس، وذكر فيما كتب ابن عباس ما لفظه : تسألني نصرتك ومودّتك وقد قتلت ابن عمّي وأهل رسول الله مصابيح الهدى ونجوم الدجى، غادرتهم جنودك بأمرك صرعى في صعيد واحد قتلى، أنسيت إنفاذ أعوانك إلى حرم الله لقتل الحسين، فما زلت وراءه تخيفه حتّى أشخصته إلى العراق عداوة منك لله ورسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

إلى أن قال : يا يزيد ومن أعظم الشماتة حملك بنات رسول الله وأطفاله وحرمه من العراق إلى الشام اُسارى مجلوبين مسلوبين. إلى آخر

____________________

(١و٢) الردّ على المتعصب العنيد : ٥٩.

(٣) تذكرة الخواص : ٢٣٨، وانظر أنساب الأشراف ٣ : ٤١٩.

(٤) تذكرة الخواص : ٢٣٥ - ٢٣٨، مرآة الزمان في تواريخ الأعيان ٨ : ١٥٨ - ١٦٠، تاريخ الطبري ٤ : ٣٥٢ - ٣٥٦.


الكتاب.

قال الواقدي : فلمّا قرأ يزيد كتابه أخذته العزّة بالإثم وهمّ بقتل ابن عبّاس فشغله عنه أمر ابن الزبير، ثمّ أخذه الله بعد ذلك بيسير أخذاً عزيزاً. وقد روى الكتاب الواقدي وهشام وابن إسحاق وغيرهم (١) .

أقول : هؤلاء أئمّة الأخبار وشيوخ الحفاظ في الإسلام.

وقد أخرج سبط ابن الجوزي كلامهم من مصنّفاتهم ولا يعتبر في التواتر بأكثر من ذلك، فليعلم أنّ إنكار ابن تيميّة ليس إلاّ لفرط حبّ الاُمويّة، وغلبة النصب للذريّة العلويّة (٢) .

وأمّا إنكاره ظهور الحمرة في السماء وما يشبه ذلك بسبب قتل الحسين فهو كذلك من النصب وشدّة العداوة.

فقد أخرج البيهقي وأبو نعيم عن بصيرة الأزديّة قالت : لمّا قتل الحسين مطرت السماء دماً، فأصبحنا وحبابنا وجرارنا وكلّ شيء لنا ملآن دماً (٣) .

وأخرج البيهقي وأبو نعيم عن الزهري قال : بلغني أنّه يوم قتل الحسين لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم عبيط (٤) .

____________________

(١) حكاه عنهم في تذكرة الخواص : ٢٤٨، وانظر تاريخ اليعقوبي ٢ : ٢٤٨، والمعجم الكبير للطبراني ١٠ : ٢٤١ / ١٠٥٩٠، وأخبار الدولة العبّاسية تحقيق عبد العزيز الدوري وعبد الجبار المطلبي : ٨٦، الكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ : ١٢٧ - ١٢٨.

(٢) راجع مرآة الزمان ٨ : ١١٦ - ١٣٠، وتذكرة الخواص : ٢٤٠ - ٢٤٧ وكلاهما لسبط ابن الجوزي ، والمنتظم ٥ : ٣٣٥ - ٣٤٩، والتبصرة ٢ : ١١ - ١٨، وكتاب الرد على المتعصب العنيد المانع من ذم يزيد وهذه لأبي فرج ابن الجوزي.

(٣) دلائل النبوّة للبيهقي ٦ : ٤٧١، وانظر الصواعق المحرقة ٢ : ٥٦٨.

(٤) دلائل النبوّة للبيهقي ٦ : ٤٧١، المعجم الكبير للطبرانيّ ٣ : ١١٣ / ٢٨٣٤.


وأخرج البيهقي عن أمّ حبّان قالت : يوم قتل الحسين عليه‌السلام أظلمت علينا ثلاثاً، ولم يمسّ منا أحد من زعفرانهم شيئاً ويجعله على وجهه إلاّ احترق، ولم يقلب حجر بيت المقدس إلاّ وجد تحته دم عبيط (١) .

وأخرج البيهقي عن علي بن مسهر، قال : حدّثني جدّتي قالت : كنت أيام قتل الحسين جارية شابّة، فكانت السماء أيّاماً تبكي له (٢) .

ذكر كلّ ذلك في رسالة سرّ الشهادتين الملاّ عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة (٣) .

وجمع الجلال السيوطي جملة من الروايات في كل ذلك في كتابه الخصائص الكبرى في الجزء الثاني في باب إخباره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقتل الحسين، وقدطبع كتاب الخصـائص في حيدر آباد دكن من بلاد الهند، والباب المذكورفي صفحة ١٢٥ من الجزء الثاني (٤) ، فراجعه حتّى تعرف نصب ابن تيميّة في إنكاره.

قال سبط بن الجوزي في كتاب تذكرة أعلام الاُمّة ما لفظـه : ذكر ابن سعد في الطبقات : إنّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل أن يقتل الحسين. قال جدّي أبو الفرج في كتاب التبصرة : لمّا كان الغضبان يحمرّ وجهه عند الغضب فليستدلّ بذلك على غضبه، وأنّه أمارة السخط، والحق سبحانه ليس بجسم فأظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الاُفق، وذلك

____________________

(١) انظر الخصائص الكبرى للسيوطيّ ٢ : ١٩٣ و ٢١٤.

(٢) دلائل النبوّة ٦ : ٤٧٢.

(٣) سرّ الشهادتين : ٣٣ - ٣٤.

(٤) وفي الخصائص نشر دار الكتب العلمية بيروت ـ سنة ١٤٠٥ هـ ـ ٢ : ٢١٢.


دليل على عظم الجناية (١) .

إلى أن قال : وقال ابن سيرين : لمّا قتل الحسين أظلمت الدنيا ثلاثة أيام ثمّ ظهرت الحمرة (٢) .

قال الشبراوي في كتابه الاتحاف : ولعلّ المراد شدّة الحمرة فلا ينافي الأحاديث التي علّقت دخول وقت العشاء بمغيب الشفق الأحمر (٣) . انتهى.

يريد دفع ما أورده ابن تيميّة (٤) .

وأيضاً الحمرة الحادثة لا تختصّ بالحمرة في الشفق فقد يظهر في غيره، ولم يكن ذلك قبل قتل الحسين، لكن الذين في قلوبهم مرض يبتغون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله.

ثمّ إنّ سبط بن الجوزي أسند عن هلال بن ذكوان قال : لمّا قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاث كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس. قال هلال بن ذكوان : وخرجنا في سفر فمطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم (٥).

قال سبط بن الجوزي بعد روايته ذلك : وقال ابن سعد : ما رفع حجر في الدنيا إلاّ وتحته دم عبيط، ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدّة حتّى تقطّعت.

____________________

(١) التبصرة ٢ : ١٥، وانظر تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦، ومرآة الزمان في تواريخ الأعيان ٨ : ١٧١ - ١٧٢.

(٢) تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٣) الاتحاف بحبّ الأشراف : ٤٢.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٥٦٠.

(٥) تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦، وانظر التبصرة لجدّ ابن الجوزي ٢ : ١٤.


وقال السدي : لمّا قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها (١) . انتهى ما أردنا نقله من كتاب سبط بن الجوزي، وكلّ من نقل عنه نصّ ابن تيميّة على اعتبار نقله من مصنّفاته مكرّراً.

وذكر في جمع الفوائد ما لفظه : الزهري : ما رفع بالشام حجر إلاّ (وجد تحته دم عبيط) (٢) . ولم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط (٣) .

أبو قبيل : لمّا قتل الحسين انكسفت الشمس حتّى بدت الكواكب (٤) ، انتهى.

وفي المشكاة ما لفظه : ولمّا بعثوا برأسه الشريف إلى يزيد الظالم، فنزلوا أوّل مرحلة، فجعلوا يشربون النبيذ، فبيناهم إذ خرجت يد من الحائط معها قلم من حديد فكتبت سطراً بدم :

أترجوا اُمّة قتلت حسيناً

شفاعة جدّه يوم الحساب (٥)

فهربوا وتركوا الرأس الشريف، أخرجه منصور بن عمّار (٦) .

قال : وذكر أبو نعيم الحافظ في كتابه دلائل النبوّة عن نضرة الأزديّة أنّها قالت : لمّا قتل الحسين أمطرت السماء دماً، فأصبحنا فإذا رحالنا

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٤٥ - ٢٤٦.

(٢) بدل ما بين القوسين في المصدر : إلاّ عن دم. وفي رواية :

(٣) جمع الفوائد ٣ : ٥٣٥ / ٨٧٩٩ و ٨٨٠٠، وانظر السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ٣٣٧، المعجم الكبير ٣ : ١١٣ / ٢٨٣٤ و ١١٤ / ٢٨٣٨، ينابيع المودّة ٣ : ١٧ / ٢٣.

(٤) جمع الفوائد ٣ : ٥٣٥ / ٨٨٠١، وانظر ينابيع المودّة ٣ : ١٧ / ٢٣.

(٥) في نسخة زاد هذا البيت وكتب عليه زائد :

فلا والله ليس لهم شفيع

وهم يوم القيامة في العذاب

(٦) انظر المعجم الكبير للطبراني ٣ : ١٢٣ / ٢٨٧٣، تاريخ دمشق ١٤ : ٢٤٣ - ٢٤٤، تهذيب الكمال ٦ : ٤٤٣، الصواعق المحرقة ٢ : ٥٦٨، ينابيع المودّة ٣ : ١٤ / ١٧.


وجرارنا مملوءة دماً (١) .

وفي أحاديث غيرها : أنّ السماء اسـودّت حتّى رُئيت النجـوم نهاراً، ولم يرفع حجر إلاّ وجد تحته دم عبيط (٢) . انتهى موضع الحاجة.

وقال ابن الصبّاغ المالكي المكّي في كتابه الفصول المهمّة : ثمّ إنّهم دخلوا بالرأس فوضعوه بين يدي يزيد، وكان في يده قضيب، فجعل ينكت به في ثغره ثمّ قال : ما أنا وهذا إلاّ كما قال الحصين :

أبوا قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضب في أيماننا تقطر الدما

نفلِّق هاماً من رؤوس أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

فقال أبو برزة كان حاضراً : أتنكت يا يزيد بقضيبك في ثغر الحسين؟! أماأ نّه لقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرشفه (٣) .

قال : ثمّ إنّه أدخل نساء الحسين والرأس بين يديه (٤) . إلى آخر ما ذكره. وقال قبل نقله هذا : ثمّ إنّ القوم ساقوا الحريم والأطفال كما تساق الأسارى حتّى أتوا الكوفة، قال : فلمّا دخلوا على عبيد الله بن زياد أرسل بهم ابن زياد وبرأس الحسين صبيحتهم إلى الشام إلى يزيد بن معاوية مع شخص يقال له : زجر بن قيس ومعهم جماعة هو مقدّمهم، وأرسل بالنساء والصبيان على أقتاب الجمال عرايا حفايا مسلّبات ومعهم علي بن الحسين،

____________________

(١) انظر الثقات لابن حبّان ٥ : ٤٨٧، دلائل النبوة للبيهقي : ٤٧١، ذخائر العقبى : ١٥٥، تهذيب الكمال ٦ : ٤٣٣، وينابيع المودّة ٣ : ١٥ / ١٨.

(٢) انظر الصواعق المحرقة ٢ : ٥٦٨، المواهب اللدنيّة ٣ : ٥٦٩، ينابيع المودّة ٣ : ١٥ / ١٩.

(٣) الفصول المهمّة : ١٩٤، وانظر الكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ : ٨٥، نهاية الأرب للنويري ٢٠ : ٤٦٨.

(٤) الفصول المهمّة : ١٩٤، وانظر الكامل في التاريخ لابن الأثير ٤ : ٨٥، نهاية الأرب للنويري ٢٠ : ٤٦٨.


وقد جعل ابن زياد الغلّ في يديه وفي عنقه ورجليه، ولم يزالوا سائرين بهم على تلك الحالة إلى أن وصلوا إلى الشام (١) . انتهى موضع الحاجة.

وقال أبو الفرج الأصفهاني المرواني بعد ذكر مقتل الحسين ما لفظه : وحمل أهله أسرى (٢) .

وذكر أسماءهم، ثمّ قال : لمّا اُدخلوا على يزيد ـ لعنه الله أقبل قاتل الحسين بن عليّ يقول :

أوفر ركابي فضّة أو ذهبا

فقد قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس اُمّاً وأبا

وخيرهـم إذ ينسـبون نسبا

ووضع الرأس بين يدي يزيد لعنه الله في طست، فجعل ينكته على ثنييه بالقضيب ويقول :

نفلِّق هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما

انتهى (٣) .

قال الشبراوي في كتابه الاتحاف : ومن عجائب الدهر الشنيعة وحوادثه الفظيعة أن يحمل آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أقتاب الجمال موثّقين بالحبال والنساء مكشّفات الوجوه والرؤوس من العراق إلى أن دخلوا دمشق الشام، فاُقيموا على درج الجامع حيث يقام الأسارى والسبي، والأمر كلّه لله لا حول ولا قوة إلاّ به .

ثمّ قال : قال أبو الفضل : وبعد أن وصل الرأس الشريف إلى دمشق، وضعت في طست بين يدي يزيد، وصار يضرب ثناياه الشريفة بقضيب،

____________________

(١) الفصول المهمّة : ١٩٣.

(٢) مقاتل الطالبيّين : ١١٩.

(٣) نفس المصدر : ١١٩، وانظر مروج الذهب ٣ : ٦١.


ثم أمر بصلبه فصلب ثلاثة أيام بدمشق، وشكر لابن زياد صنيعه، وبالغ في أكرامه ورفعه حتّى صار يدخل على نسائه، ثمّ ترك الرأس الشريف بعد صلبه في خزانة السلاح، فلم يزل هناك حتّى ولي سليمان بن عبد الملك، فبعث إليه فجييء به وقد نحل وبقي عظماً أبيض، فجعله في سفط وطيب وجعل عليه كفناً وصلّى عليه ودفنه في مقابر المسلمين بدمشق (١) .

قال : ولمّا دخلت التيموريّة إلى الشام سألوا عن موضع الرأس فنبشوه وأخذوه، والله أعلم (٢) .

أقول : فلينصف المؤمن المحقّ أنّ هؤلاء الرواة الأعاظم شيوخ الأخبار وأهل العلم بالآثار كلّهم يكذبون؟! أو كلّ ما قالوه موضوع كذب؟! أو ابن تيميّة الكذوب الذي يعاند في النصب ولا يؤمن للمؤمنين وينتصر للمنافقين أعداء أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!.

كلام المحقّق التفتازاني في شرح المقاصد

فيمن حارب عليّاً والحسين عليهما الرحمة والرضوان

هذا العلاّمة سعد الدين اُستاذ المحقّقين (٣) في عقائد المسلمين يقول في شرح المقاصـد الذي عليه معوّل علماء أهل السنّة وإليه مرجعهم ما لفظه بحروفه : ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشـاجرات على

____________________

(١و٢) الاتحاف بحبّ الأشراف : ٦٩ - ٧٠.

(٣) مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانيّ، ولد بتفتازان قرية بنواحي نسا وراء الجبل من خراسان سنة ٧١٢ أو ٧٢٢ هـ ، برع بالعربية والبيان والمنطق وبالفقه والاُصول والتفسير والكلام وصنّف في أكثر العلوم، من مصنّفاته : المطول في البلاغة، تهذيب المنطق، وغيرهما، توفّي بسمرقند سنة ٧٩٢ وقيل : ٧٩١ أو ٧٩٣ هـ. انظر الدرر الكامنة ٤ : ٢١٤ / ٤٩٣٣، الأعلام للزركلي ٧ : ٢١٩.


الوجه المسـطور في كتب التواريخ، والمذكور على ألسنة الثقات، يدلّ بظاهـره على أنّ بعضهم قد حاد عن طريق الحقّ، وبلغ حدّ الظلم والفسق، وكان الباعث له الحقد والعناد والحسد واللداد، وطلب الملك والرئاسة، والميل إلى اللذاتوالشهوات ; إذ ليس كلّ صحابي معصوماً، ولا كلّ من لقى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالخير موصوفاً، إلاّ أن العلماء لحسن ظنّهم بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذكروا لهامحامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلى أنّهم محفوظون عمّا يوجب التضليل والتفسيق ; صوناً لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حقّ كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، والمبشّرين بالثواب في دار القرار.

وأمّا ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء، إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهدّ منه الجبالوتنشقّ الصخور، ويبقى سوء عمله على كرّ الشهور ومرّ الدهور، فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى، ولعذاب الآخرة أشدّ وأبقى.

فإن قيل : فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد (١) مع علمهم بأنّه يستحق ما يربو على ذلك ويزيد.

قلنا : تحامياً عن أن يرتقى إلى الأعلى فأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم، فرأى المعتنون بأمر الدين

____________________

(١) كعبد المغيث بن زهير الحربي، فقد كتب كتاباً يمنع من لعن يزيد، وقد ردّه أبوالفرج بن الجوزي بكتاب أسماه : الرد على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد. انظر الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب ١ : ٢٩٩.


إلجام العوام بالكلّية طريقاً إلى الاقتصاد في الاعتقاد، وبحيث لا تزل الأقدام عن السواء، ولا تضلّ الأفهام بالأهواء، وإلاّ فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق؟ وكيف لا يقع عليهما الاتّفاق (١) ؟، إلى آخر كلامه.

وهو الكلام الحقّ، لكن ابن تيميّة أنكر ما تكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، بغضاً منه وعداوة لآل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونفى عن يزيد قتل الحسين، وسبي نسائه، ونكت الرأس الشريف، وكلّ قبائح أفعاله مع نصّ جمهور أهل السنّة بإثبات ذلك (٢) .

[كلام المتلخص بكشفي تلميذ الدهلوي] :

قال العلاّمة شاه سلامة الله (٣) في تحرير الشهادتين ما لفظه : فلا ريب في أنّ يزيد هو الآمر بقتل الحسين والراضي به والمستبشر بذلك، وعلى ذلك عقيدة جمهور أهل السنّة والجماعة، كما في الكتب المعتمدة مثل : مفتاح النجاة للميرزا محمّد بدخشي (٤) ، ومناقب السادات لملك العلماء

____________________

(١) شرح المقاصد ٥ : ٣١٠ - ٣١١.

(٢) راجع ما مرّ في الصفحات : ٢٩٨.

(٣) في هامش النسختين : المتلخّص بكشفي تلميذ الملاّ عبد العزيز الدهلوي صاحب التحفة الإثنى عشريّة، الحنفي القارئ، حرّر رسالة اُستاذه ملاّ عبد العزيز المسمّاة بسرّ الشهادتين شهادة الحسن والحسين عليهما‌السلام.

(٤) الشيخ العالم المحدّث الميرزا محمّد بن رستم بن قباد الحارثي البدخشانيّ، أحد الرجال المشهورين في الحديث والرجال. مؤلّف مفتاح الفلاح في مناقب آل العبا، ونزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار، توفّي سنة ١٢٠٠ هـ، وفي خلاصة العبقات كان حيّاً سنة ١٢٢٦ هـ. راجع نزهة الخواطر ٦ : ٢٥٩، الغدير ١ : ١٤٣ / ٣٢٣.


القاضي شهاب الدين الدولة آبادي (١) ، وشرح العقائد النسفي لسعد الدين التفتازاني، وتكميل الإيمان للشيخ المحدّث عبد الحقّ الدهلوي (٢) ، وغير ذلك من الكتب المعتمدة التي ذكروا فيها ذلك بالشواهد والدلائل، ولهذا ثبت لعن هذا الملعون بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة، وهو مختار راقم هذه الحروف، ومختار اُستاذه، وأنّ يزيد كان راضياً ومستبشراً، وهو الآمر بقتل الحسين فاستحق اللعنة الأبديّة والوبال والنكال السرمدي، ولو تأمّل المتأمّل في حاله لحكم بقصور الاقتصار على مجرد لعنه كما أفاده اُستاد البريّة صاحب التحفة الإثنى عشريّة في رسالة حسن العقيدة في الحاشية على كلمة : «عليه ما يستحقّه» فإنّه علّق عليها ما لفظه : إنّها كناية عن اللعن والكناية أبلغ من التصريح.

قال : والحقّ إنّ الاكتفاء باللعنة في حقّ يزيد من القصور، لأنّ ذلك جزاء قتل مطلق المؤمن شرعاً قال الله تعالى : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) (٣) وليزيد زيادات على القتل وخصوصيّات لا تعدّ، فله زيادات

____________________

(١) ملك العلماء، أحمد بن شمس الدين بن عمر الزوالي الدولة آباديّ، الهندي، الحنفي، شهاب الدين، مفسّر، نحوي، عارف بالبلاغة، تولّى القضاء، من مؤلّفاته : البحر الموّاج والسراج الوهّاج في تفسير القرآن، أسباب الفقر والغناء، وغيرهما، توفّي سنة ٨٤٨ هـ. انظر نزهة الخواطر ٣ : ١٩، الأعلام للزركلي ١ : ١٧٨.

(٢) عبد الحقّ بن سيف الدين بن سعد الله الدهلويّ ثمّ البخاريّ، الحنفيّ، الملقّب بحقّي القاضي، أبو محمّد، محدّث، صوفي مشارك في بعض العلوم، من تصانيفه الكثيرة : زبدة الآثار في أخبار قطب الأخيار، جذاب القلوب إلى ديار المحبوب في أحوال المدينة المنوّرة ، وغيرهما، توفّي سنة ١٠٥١ أو ١٠٥٢ هـ . انظر أبجد العلوم ٣ : ١٨٢، كشف الظنون ١ : ٥٨١، معجم المؤلّفين ٥ : ٩١.

(٣) سورة النساء ٤ : ٩٣.


 على اللعنة لا يعلم حدّها وحدودها إلاّ الله (١) . انتهى.

أقول : فثبت من مجموع ما نقلناه أنّه كان من الظالمين الذين تباح لعنتهم بالعين، وأنّه مات مصرّاً على ذلك.

وأمّا قول ابن تيميّة : إنّه من جملة المغفور لهم لأنّه قد ثبت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أوّل جيش يغزو القسطنطنيّة مغفور لهم» (٢) وأوّل جيش غزاها كان أميرهم يزيد (٣) .

فالجواب : بأنّ دخوله فيهم لو سلّم لا يمنع من خروجه منهم بدليل خاص مثل : إنشاده أبيات ابن الزبعرى وما زاده الصريح بالكفر، وأمره بقتل الحسين وخذلانه، وضربه بالقضيب ثنايا الحسين، وحمله آل الرسول سبايا على أقتاب الجمال الثابت بالتواتر.

قال السعد التفتازاني في شرح العقيدة : والحقّ أنّ رضا يزيد بقتل الحسين رضي‌الله‌عنه واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ممّا تواتر معناه وإن كان تفاصيله آحاداً، فنحن لا نتوقّف في شأنه بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه (٤) . انتهى.

وقوله : «بل في إيمانه» أي بل لا نتوقّف في عدم إيمانه بقرينة ما بعده وما قبله.

وقال قبل هذا : واتّفقوا على جواز اللعن على من قتله أو أمر به أو أجازه أو رضي به (٥) .

____________________

(١) تحرير الشهادتين مخطوط.

(٢) تقدّم مصدره في ص : ٣٠٠.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥٧٢.

(٤) شرح العقائد النسفية : ١٠٣.

(٥) نفس المصدر : ١٠٣.


وقال السيد السمهودي (١) في جواهر العقدين : اتّفق العلماء على جواز لعن من قتل الحسين أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به (٢) .

أقول : فإذا ثبت بالتواتر أمر يزيد بقتل الحسين ورضاه به وسروره بقتله ثبت جواز لعنه بالإجماع وكفره عند جمهور أهل السنّة والجماعة.

قال الإمام ابن الجوزي : سألني سائل عن يزيد بن معاوية؟ فقلت : يكفيه ما به. فقال لي : أتجوّز لعنه؟ فقلت : قد أجازها العلماء المتورّعون (٣) منهم أحمد بن حنبل، فإنّه ذكر في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة (٤) .

ثمّ روى ابن الجوزي عن القاضي أبي يعلى بإسناده إلى صالح بن أحمد ابن حنبل قال : قلت لأبي : إنّ قوماً ينسبونا إلى موالاة يزيد؟ فقال : يا بني وهل يوالي يزيد أحد يؤمن بالله؟! فقلت : ولم لا تلعنه؟ فقال : يا بني رأيتني لعنت شيئاً؟ يا بني ولم لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه؟! فقلت : وأين لعن يزيد في كتابه؟ فقال : في قوله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ )إلى قوله : ( أَبْصَـرَهُمْ ) (٥) وهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين رضي‌الله‌عنه وقد قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

____________________

(١) علي بن عبد الله بن أحمد الحسيني الشافعي، نور الدين أبو الحسن، ويعرف بالشريف السمهودي، مؤرّخ المدينة ومفتيها، ولد بسمهود بصعيد مصر، ونشأ بالقاهرة، واستوطن المدينة وتوفّي بها سنة ٩١١ هـ ودفن بالبقيع عند قبر الإمام مالك، من مصنّفاته : وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، وجواهر العقدين، وغيرهما. انظر الأعلام للزركلي ٤ : ٤٠٧، معجم المؤلّفين ٧ : ١٢٩، نفحات الأزهار ٨ : ٣٤٢.

(٢) جواهر العقدين (مخطوطة مجلس الشورى) الورقة ١١٢.

(٣) في المصدر : الورعون.

(٤) انظر الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد : ١٣، وتذكرة الخواص : ٢٥٧.

(٥) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٤٧ : ٢٢ - ٢٣.


لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ) (١) وأي أذى أشدّ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قتل الحسين الذي هو لهولبنته البتول قرّة عين (٢) ؟!.

وفي رواية : لمّا سأله صالح فقال : يا بني ما أقول في رجل لعنه الله في كتابه العزيز في الرعد، والقتال، والأحزاب :

قال الله تعالى : ( وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِى أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى الاْرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ) (٣) وأي قطيعة أفضح من قطيعته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ابن بنته الزهراء.

وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاَْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٤) .

وقال الله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى الاَْرْضِ وَتُقَطِّعُواْ أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَـلـِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَـرَهُمْ ) (٥) .

وقال ابن الجوزي : قد صنّف القاضي أبو يعلى كتاباً ذكر فيه من يستحقّ اللعنة، وذكر منهم يزيد (٦) .

ثمّ أورد حديث : «من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة

____________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٢) انظر الردّ على المتعصب العنيد : ٤٠ - ٤١، تذكرة الخواص : ٢٥٧ - ٢٥٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٣٥.

(٣) سورة الرعد ١٣ : ٢٥.

(٤) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٥) سورة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ٤٧ : ٢٢ - ٢٣.

(٦) انظر الردّ على المتعصب العنيدالمانع من ذمّ يزيد : ٤١، تذكرة الخواص : ٢٥٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٣٥.


الله والملائكة والناس أجمعين» (١) ولا خلاف أنّ يزيد غزا المدينة بجيش مسلم بن عقبة وأخاف أهلها (٢) .

قال السيد السمهودي بعد هذا : قلت : حصل من ذلك الجيش من القتل والسبي والفساد وإخافة أهل المدينة ما هو مشهور معلوم، ولم يرض مسلم بن عقبة إلاّ يبايعوه ليزيد على أنّهم خول له إن شاء باع وإن شاء أعتق (٣) . فقال بعضهم (٤) : البيعة على كتاب الله وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضرب عنقه، وقتل بقاياالصحابة وأبناءهم، ثمّ انصرف جيشه هذا إلى مكّة المشرّفة لقتال ابن الزبير، فوقع منهم رمي الكعبة بالمنجنيق، وإحراقها بالنار، فلا شيء أعظم من هذه العظائم التي وقعت، وهي مصداق ما رواه أبو يعلى من حديث أبي عبيدة رفعه : «لا يزال اُمراء اُمّتي قائمين بالقسط حتّى يتسلّمه رجل من بني اُميّة يقال له : يزيد» (٥) . ورواه غير أبي يعلى بدون تسمية يزيد (٦) ; لأنّهم كانوا يخافون من تسميته.

ولهذا روى ابن أبي شيبة (٧) وغيره (٨) عن أبي هريرة أنّه قال : اللهم لا

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ٤ : ٥٥.

(٢) انظر الردّ على المتعصب العنيد المانع من ذمّ يزيد : ٤١، تذكرة الخواص : ٢٥٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٦٣٥.

(٣) راجع مرآة الزمان لابن الجوزي ٨ : ٢٠٧.

(٤) وهو سعيد بن المسيب كما في مرآة الزمان ٨ : ٢١٦.

(٥) مسند أبي يعلى ١ : ٣٥٩ / ٨٦٧ – ٨٦٨ ، بتفاوت يسير.

(٦) الفتن لنعيم بن حمّاد : ١٩٠ / ٧٨٢، بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث : ١٩٤ / ٦١٥، مجمع الزوائد ٥ : ٢٤١، كنز العمّال ١١ : ١٦٨ / ٣١٠٦٩ - ٣١٠٧٠.

(٧) عنه في فتح الباري ١٣ : ٨.

(٨) الأنساب للسمعاني ٢ : ٥٦٩ / ٤٠٤٠، تاريخ دمشق ٥٩ : ٢١٧، سير أعلام النبلاء ٢ : ٦٢٦.


تدركني سنة ستّين، ولا إمرة الصبيان، وكانت ولاية يزيد فيها (١) . انتهى.

أقول : فأين يقع بعد هذه العظائم حديث غزو الروم، فيزيد ليس من أهل المغفرة حتّى يدخل في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «مغفور لهم» (٢) .

ولو كابر مكابر فنقول : قد صحّ قوله : «لعن الله من أخاف مدينتي» (٣) والآخر ينسخ الأوّل.

وقد قال سبط بن الجوزي ما لفظه : وأمّا قوله عليه‌السلام : «أوّل جيش يغزوا القسطنطنية» فإنّما يعني أبا أيوب الأنصاري لأنّه كان فيهم، ولا خلاف أنّ يزيدأخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحها، (وتسمي وقعة الحرّة) (٤) .

وذكر ما ذكر أحمد في مسنده بإسناده عن السائب بن خلاّد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أخاف أهل المدينة ظلماً أخافه الله وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا» (٥) .

وقال البخاري : حدّثنا حسين بن حريث، أخبرنا أبو الفضل، عن جعيد، عن عائشة قالت : سمعت سعداً يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

____________________

(١) جواهر العقدين (مخطوطة مجلس الشورى) الورقة ١١٢.

(٢) راجع ص : ٣٠٠.

(٣) ورد بهذا المضمون في مسند أحمد ٤ : ٥٦ ، المصنّف لعبد الرزاق ٩ : ٢٦٣ ، تاريخ دمشق ٥٨ : ١٠٩ ، الإمامة والسياسة لابن قتيبة بتحقيق الزيني ١ : ١٨٣ ، وبتحقيق الشيري ١ : ٢٣٦ .

(٤) انظر تذكرة الخواص الهامش (٣) من الصفحة : ٢٥٨، وما بين القوسين ليس في المصدر.

(٥) مسند أحمد ٤ : ٥٥ - ٥٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٤٠٩ / ٣٢٤١٧، المعجم الكبير للطبراني ٧ : ١٤٣، السنن الكبرى للنسائي ٢ : ٤٨٣ / ٤٢٦٥ - ٤٢٦٦.


يقول : «لايكيد أحد أهل المدينة إلاّ انماع كما ينماع الملح في الماء» (١) .

وأخرجه مسلم أيضاً بمعناه وفيه : «لا يريد أهل المدينة أحد بسوء إلاّ أذابه الله في النار ذوب الرصاص» (٢) .

ولا خلاف أنّ يزيد أخاف أهل المدينة وسبى أهلها ونهبها وأباحـها وتسمّى وقعة الحرة، وسببه ما رواه الواقدي (٣) ، وابن إسحاق (٤) ، وهشام ابن محمّد (٥) . وذكر القصّة.

ثمّ ذكر أشعاره الدالّة على فساد عقيدته، واستدلال جدّه على جواز لعنة يزيد ببعض ما تقدّم.

ثمّ قال : ولمّا لعنه جدّي أبو الفرج على المنبر ببغداد بحضرة الإمام الناصر وأكابر العلماء قام جماعة من الجفاة من مجلسه فذهبوا، فقال جدّي : ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود.

____________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٥٦ / ١٣٦.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ١٠٠٧ / ١٣٨٦.

(٣) محمّد بن عمر بن واقد، الأسلمي بالولاء، أبو عبد الله الواقدي، القاضي ببغداد، من قدماء المؤرّخين، صاحب التصانيف، سمع من صغار التابعين فمن بعدهم بالحجاز والشام وبغداد، توفّي سنة ٢٠٧ وقيل : ٢٠٩ هـ. انظر سير أعلام النبلاء ٩ : ٤٥٤ / ١٧٢، الأعلام للزركلي ٦ : ٣١٠٠.

(٤) محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي ولاءً، أبو بكر، وقيل : أبو عبد الله المدني، صاحب السيرة، وكان عالماً، ذكياً، حافظاً، أخبارياً، نسّابة، ثبتاً في الحديث عند الأكثر، ولد بالمدينة سنة ٨٠ هـ، وتوفّي ببغداد سنة ١٥١ وقيل : ١٥٢ هـ. الطبقات الكبرى ٧ : ٣٢١٢، تهذيب الكمال ٢٤ : ٤٢٥.

(٥) أبو المنذر هشام بن محمّد بن السائب بن بشر بن زيد بن عمرو بن الحارث الكلبيّ الكوفي، المعروف بابن الكلبي، محدّث، إمامي، جليل القدر، حسن الحديث، مؤرّخ، نسّابة، عالم بأخبار العرب وأيامها وسيرهم، وكان حافظاً مفسّراً مؤلّفاً، توفّي سنة ٢٠٦ هـ. انظر رجال النجاشي : ٤٣٤ / ١١٦٦، تاريخ بغداد ١٤ : ٤٥ / ٧٣٨٦، نقد الرجال ٥ : ٥٢ / ٥٧١٢.


قال : وحكى لي بعض أشياخنا عن ذلك اليوم أنّ جماعة سألوا جدّي عن يزيد؟ فقال : ما تقولون في رجل ولي ثلاث سنين، في السنة الاُولى قتل الحسين ، والثانية أخاف المدينة وأباحها، والثالثة رمى الكعبة بالمجانيق وهدمها؟ فقالوا : نلعن؟ فقال : فالعنوه (١) . انتهى موضع الحاجة من كلامه.

ولو أردنا جمع كلمات العلماء في كفره ولعنه لأطال بنا المقام، وفيما ذكرنا كفاية لمن أنصف وتدبّر.

فصـل :

في تنقيصه وتشنيعه في الأئمّة من أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو كفر بإجماع الأئمّة الأربعة، لأنّه إنكار لأمر متواتر من الشرع، معلوم من الدين بالضرورة، أعني وجـوب تعظيمهم ومودّتهم، وقد اعتقد ابن تيميّة عكس ما تواتر من الشرع المعلوم من الدين بالضرورة، فنقّص وشنّع وبالغ في الحطّ من أهل البيت الطاهرين، فمن تنقيصاته في الأئمّة الاثنى عشر من أهل البيتعليهم‌السلام:

ما ذكره في صفحة ٢٣٠ من الجزء الأوّل من منهاجه من نفي تميزهم في شيء من العلم، ولا لهم فيه وراثة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل لهم حكم أمثالهم من أهل زمانهم، قال : وأمّا الحسن والحسين فمات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهما صغيران في سنّ التمييز، فروايتهما عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قليلة، وأمّا سائر الاثنى عشر فلم يدركوا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقول [القائل] (٢) : إنّهم نقلوا عن جدّهم. إن أراد بذلك أنّه اُوحي إليهم ما قال جدّهم فهذه نبوّة كما كان

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٥٨ ـ ٢٦١، وانظر الردّ على المتعصّب العنيد المانع من ذم يزيد.

(٢) في النسختين : البتي، والمثبت من المصدر.


يوحى إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما قاله غيره من الأنبياء، وإنّ أراد أنّهم سمعوا ذلك من غيرهم فيمكن أن يسمع من ذلك الغير الذي سمعوه منهم سواء كان ذلك من بني هاشم أو غيرهم، فأي مزيّة لهم في النقل عن جدّهم (١) .

إلى أن قال : بل في غيرهم من هو أعلم بالسنّة من أكثرهم. قال : فالزهري أعلم بأحاديث النبيّ وأحواله وأقواله باتّفاق أهل العلم من أبي جعفر محمّد بن عليّ وكان معاصراً له، وأمّا موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمّد بن عليّ، فلا يستريب من له من العلم نصيب أنّ مالك بن أنس، وحمّادبن زيد ، وحمّاد بن سلمة، والليث بن سعد، والأوزاعي، ويحيى بن سعيد، ووكيع ابن الجرّاح، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه وأمثالهم، أعلم بأحاديث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هؤلاء.

إلى أن قال في آخر الصفحة : ويقال ثانياً : متى يثبت النقل عن أحد هؤلاء كان غايته أن يكون كما لو سمع منه وحينئذ فله حكم أمثاله (٢) .

أقول : الإنصاف في المقام ما قاله الإمام الحافظ المحقّق المجمع على فضله وعلمه أحمد بن حجر العسقلاني قال في كتابه فتح الباري في شرح صحيح البخاري في شرحه لحديث أبي هريرة قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنهما تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كخ كخ أما شعرت إنّا لا نأكل الصدقة» (٣) الخبر ما معناه.

____________________

(١) منهاج السنّة ٢ : ٤٥٩.

(٢) نفس المصدر ٢ : ٤٥٩ - ٤٦٠.

(٣) البخاري ٢ : ٦٢٨ / ١٣٩٤، سنن الدارمي ١ : ٣٨٧، سنن النسائي ٥ : ١٥٤ / ٨٦٤٥، السنن الكبرى للبيهقي ٧ : ٢٩، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ٢٧٠ / ٦٢٢٦.


فإن قيل : لم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن : «أما شعرت» والحسن بن علي كان في ذلك الوقت رضيعاً لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كخ كخ» فإنّه لا يقال ذلك إلاّ للرضيع؟

قلنا : لأنّ الحسن لم يكن كغيره، فإنّه في هذا السنّ كان يطالع اللّوح، إذعلومهم لدنيّة وُهِبُوها، ولم تكن من العلوم الكسبيّة التي تتوقّف على الكسب والبلوغ إلى حدّ يمكن فيه الكسب (١) . انتهى.

أقول : ويشهد له ما أخرجه الطبراني في معجمه، والسيوطي في جمع الجوامع، وعليّ المتقي في كنز العمّال، والسيّد علي بن شهاب الدين الهمداني في مودة القربى وروضة الفردوس، والمحبّ الطبري في ذخائر العقبى، وغيرهم : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من سرّه أن يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي فليوالِ عليّاً من بعدي، وليوالِ وليّه، وليقتد بإهل بيتي من بعدي، فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذّبين بفضلهم من اُمّتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي» (٢) .

والأئمّة الاثنا عشر هم القدر المتيقّن من أهل بيته، المخصوصين الذين فضّلوا كتاباً وسنّةً بفضائل خاصّة شهيرة.

إنّ التدبّر فيما جاء من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الأئمّة الاثنى عشر عموماً وخصوصاً كيفاً وكمّاً صريحاً وإشارةً، يدلّ على أنّ علمهم لدنّي

____________________

(١) انظر فتح الباري ٣ : ٢٧٦ - ٢٧٧، ملحقات إحقاق الحقّ ٢ : ٣١٢.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٥ : ١٩٤ / ٥٠٦١، جمع الجوامع (جامع الأحاديث) ٩ : ٣١٣ / ٢٧٧١، حلية الأولياء ١ : ٨٦، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٩ : ١٧٠، تاريخ دمشق ٤٢ : ٤٢ : ٢٤، كنز العمال ١٢ : ١٠٣ / ٣٤١٩٨، ينابيع المودّة ١ : ٣٧٩ / ٢، المستدرك للحاكم ٣ : ١٢٨، مجمع الزوائد ٩ : ١٠٨، التدوين في أخبار قزوين ٢ : ٤٨٥.


موهوب من الله، وأنّهم أوعية الأسرار النبويّة والحكم الإلهيّة بإرادة ربّانيّه، كما طهّرهم تطهيراً، ولذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض، بل يفهم من حديث الثقلين وجود من يكون أهلا للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمان إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه التمسّك بهم كالقرآن.

ويؤيده حديث : «في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألاوإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّوجلّ فانظروا من توفدون». أخرجه الملاّ في الوسيلة أعني وسيلة المتعبّدين (١) لعمر بن محمّد بن خضر الأردبيلي (٢) المعروف بالملاّ.

والذي يدلّ على أنّ علومهم لدنيّة إلهاميّة من الله بواسطة ملك الإلهام أو النكت في القلب أو الكشف والشهود، فجملة أحاديث صحيحة :

منها : ما دلّ على أنّهم معصومون، أخرج إبراهيم بن محمّد الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين بإسناده عن الأصبغ بن نباته (٣) ، عن

____________________

(١) وسيلة المتعبّدين (مخطوط)، وحكاه عنه محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى : ٤٩، وانظر شرف المصطفى للخركوشي ٥ : ٣١٧ / ٢٢٦٦، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١، جواهر العقدين ٢ : ٩١، ينابيع المودّة ٢ : ١١٤. ملحقات إحقاق الحقّ ١٨ : ٤٤٧ و٢٤ : ٢٤٠، الفصول المهمّة للسيد شرف الدين : ١٨٧، نفحات الأزهار ١٩ : ١٨٧.

(٢) أو الإربلي، أبو حفص معين الدين الموصليّ، نزيل دمشق، كان صالحاً، زاهداً، عالماً، صوفياً، توفي سنة ٥٧٠ هـ، وقيل غير ذلك. انظر المنتظم ١٠ : ٢٤٩، الأعلام للزركلي ٥ : ٦٠.

(٣) الأصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع بن دارم،


ابن عبّاس رفعه، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطّهرون معصومون» (١) .

ومنها : ما أخرجه أخطب الخطباء موفق بن أحمد الخوارزمي الحنفي في كتاب المناقب بإسناده عن أبي إسحاق، عن الحارث وسعيد بن بشير، عن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا واردكم على الحوض، وأنت يا عليّ الساقي، والحسن الذائد، والحسين الآمر، وعلي ابن الحسين الفارض (٢) ، ومحمّد بن عليّ الناشر، وجعفر بن محمّد السائق، وموسى بن جعفر محصي المؤمنين والمبغضين وقامع المنافقين، وعليّ بن موسى مزيّن المؤمنين، ومحمّد بن عليّ منزل أهل الجنّة في درجاتهم، وعليّ بن محمّد خطيب شيعته ومزوّجهم الحور العين، والحسن ابن علي سراج أهل الجنّة يستضيئون به، والمهدي شفيعهم يوم القيامة حيث لا يأذن الله إلاّ لمن يشاء ويرضى» (٣) .

____________________

التميمي، الحنظلي، الدارمي، المجاشعي، أبو القاسم الكوفي. من المتقدّمين من سلفنا الصالح، كان من خاصّة أميرالمؤمنين عليه‌السلام وذخائره ممّن قد بايعه على الموت، ومن شرطة الخميس، وكان شيخاً ناسكاً عابداً شجاعاً من فرسان أهل العراق. ووثّقه من علماء العامّة العجلي، وضعّفه كثير منهم، قال ابن حبّان : فتن بحبّ علي عليه‌السلام فأتى بالطامّات، فاستحقّ الترك. له في الفقه والتفسير والحكم روايات كثيرة أكثرها عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام . رجال النجاشي : ٨ / ٥، معالم العلماء ١ : ٢٦٦ / ١٣٩، ميزان الاعتدال ١ : ٢٧ / ١٠١٤.

(١) فرائد السمطين ٢ : ١٣٣ / ٤٣٠ و ٢ : ٣١٣ / ٥٦٣، وراجع كمال الدين للشيخ الصدوق رحمه‌الله : ٢٨٠ / ٢٩، كفاية الأثر للخزاز : ١٩، ينابيع المؤدّة ٢ : ٣١٦ و٣ : ٢٩١، ملحقات إحقاق الحق ١٣ : ٦٠ و ٢٢ : ١٢ و ٢٤ : ٥١٥.

(٢) كذا في النسختين، وفي المصدر : الفارط.

(٣) لم نعثر عليه في كتابه المناقب، وهو موجود في كتابه مقتل الحسين ١ : ٩٤،


ومنها : أخبار الأمان الدالّة على أنّ أهل بيته أمان للاُمّة من جهة دينهم، وهم الملجأ والملاذ، وإليهم يرجع في الاختلاف، أخرجها أبو عمر مسدّد وابن أبي شيبة، وأبو يعلى في مسانيدهم (١) ، والطبراني (٢) بإسنادهم عن إياس بن سلمة، عن أبيه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من اُمّتي» (٣) .

وأخرج الحاكم في المستدرك بإسناده عن ابن عبّاس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب ابليس» وصحّحه وقال : صحيح الإسناد (٤) .

وأخرج أحمد في المناقب بإسناده عن علي رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء فإذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (٥) .

____________________

ومائة منقبة (المنقبة الخامسة) : ٢٢ - ٢٤، الطرائف للسيد ابن طاوس : ١٧٤ / ٢٧١، الصراط المستقيم للنباطي ٢ : ١٥٠، وبحار الأنوار ٣٦ : ٢٧٠.

(١) عنهم في المطالب العالية لابن حجر ١٦ : ٢١٥ - ٢١٧ / ٣٩٧٢، وجمع الجوامع للسيوطي ٤ : ١٩٩ / ١٢٠٤٠، وكنز العمّال ١٢ : ٩٢ / ٣٤١٥٥ و ١٠١ / ٣٤١٢٢.

(٢) المعجم الكبير للطبراني ٧ : ٢٢ / ٦٢٦٠.

(٣) وانظر أيضاً فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢ : ٦٧١ / ١١٤٥، مسند الروياني ٢ : ٢٥٣ / ١١٥٢ و ١١٦٤، معجم ابن الأعرابي ٣ : ٩٧٧ / ٢٠٧٩، المعرفة والتاريخ للفسوي١ : ٥٣٨، ذخائر العقبى : ٢٧، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٨٨ فرائد السمطين ٢ : ٢٥٣ / ٥٢٢، نظم درر السمطين : ٢٩٢، سبل الهدى والرشاد ١١ : ٦ ـ ٧.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٩، وراجع كنز العمّال ١٢ : ١٠١ / ٣٤١٨٩.

(٥) فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : ٢٩٦ - ٢٩٨ / ٢٦٧، فضائل الصحابة ٢ : ٦٧١ / ١١٤٥، وعنه في ذخائر العقبى : ٢٧.


أقول : وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وأهل بيتي أمان لاُمّتي من الاختلاف» صريح في أنّ الحقّ والعلم عندهم، والمتيّقن منهم الأئمّة الاثنا عشر.

وقال السيد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي في رشفة الصادي : روى السلف رضي الله عنهم : أنّ من أطلق لسانه في الذريّة العلويّة لا يموت إلاّ مرتدّاً عن الإسلام إن لم يتب توبة مثمرة للندم والإقلاع والعزم على أن لا يعود، مع استيفاء التعزير الشرعي من السباب، والاستحلال من الشريف الذي سبّه، وواجب على ولاة المسلمين أن يشدّدوا في التنكيل والتهديد على من فعل ذلك، لمخالفته للقرآن وعناده للسنّة، وقد شوهد كثير من المبتلين بسبّ الذريّة لم يلبثوا إلاّ قليلا حتّى عجّل الله العقوبة عليهم بالمصائب العظام ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون.

قال : وفي فتاوى العلاّمة سالم باصهي الحضرمي رحمه‌الله : مسألة : ما حكم من ثلب ذريّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟

حاصل ما أجاب به : أنّه قدم على ما يسخط الله عليه ويمقته به، لأنّ الإيمان منوط بحبّهم والنفاق مربوط ببغضهم. وأطال إلى أن قال : فيجب على الوالي استتابته وتعزيره، فإن لم يتب مستحلاّ لذلك قتل واُغرِيَ بجيفته الكلاب (١) ، انتهى.

وقال : أمّا من ابتلاه الله بسبّ الأشراف والحطّ عليهم وانتقاص أعراضهم والعياذ بالله فهو الواقف على شفا جرف من العناد والمراغمة لله ولرسوله، جدير أن ينهار به في نار جهنّم وقد انتهك حرمة من حرمات الله والرسول وارتكب مرتبة من كبائر الذنوب، فعن الحسين بن علي رضي‌الله‌عنه قال :

____________________

(١) عنه في رشفة الصادي : ١١٢.


قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سبّ أهل بيتي فأنا بريء منه والإسلام» (١) .

قال بعضهم : هذا الحديث أيضاً مصرّح بكفر من سبّ شريفاً والعياذ بالله تعالى، وإذا كانت اللعنة وهي الطرد عن رحمة الله تعالى واقعة من الله ورسوله ومن كلّ نبي على من استحلّ منهم ما حرّم الله تعالى كما في حديث عائشة فلا يبعد كفر السابّ لهم لا سيما إن كان السبّ مقروناً باستخفاف بمقام الشرف أو استحلال لذلك (٢) ، انتهى.

أقول : حديث عايشة الذي أشار إليه ما رواه الطبراني في الكبير وابن حبّان في صحيحه والحاكم وقالا : صحيح عن عائشة : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ستّة لعنهم الله وكلّ نبي مجاب» وعدّ منهم : «المستحل من عترتي ماحرّم الله» (٣) .

وعن عليّ كرّم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آذاني في عترتي فعليه لعنة الله» أخرجه الجعابي في الطالبيين (٤) .

وفي روض الأخيار عن عليّ كرّم الله وجهه مرفوعاً : «الويل لظالم

____________________

(١) رشفة الصادي : ١١٢، والحديث في ينابيع المودّة ٢ : ٣٧٨ / ٧٤، نقلاً عن الجعابي في الطالبيين، والجعابي : هو محمّد بن عمر بن سعد بن سالم بن البراء بن سبرة بن سيّار أبو بكر التميمي، قاض الموصل، يعرف بابن الجعابي، المولود سنة ٢٨٤ هـ المتوفّي سنة ٣٥٥ هـ كان هو وأبوه من مشايخ الشيخ المفيد رحمه‌الله ، كان من حفاظ الحديث، وأجلاء أهل العلم. رجال النجاشي : ٣٩٤ / ١٠٥٥، سير أعلام النبلاء ١٦ : ٨٨ / ٦٩.

(٢) حكاه في رشفة الصادي : ١١١ - ١١٢. وانظر ملحقات إحقاق الحقّ ٩ : ٦٧٣.

(٣) المعجم الكبير ٣ : ١٢٦ / ٢٨٨٣، صحيح ابن حبّان ٣ : ٦٠ / ٥٧٤٩، المستدرك للحاكم ١ : ٣٦ و ٢ : ٥٢٥ و ٤ : ٩٠.

(٤) عنه في جواهر العقدين ٢ : ٢٥٨، ورشفة الصادي : ١٠٧، وينابيع المودّة ٢ : ٣٧٧ / ٧٠.


أهل بيتي عذابهم مع المنافقين في الدرك الأسفل» (١) .

وعن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يافاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك» (٢) .

قال السيد السمهودي في [جواهر العقدين] (٣) بعد ايراده هذا الحديث : فمن آذى شخصاً من أولاد فاطمة أو أبغضه فقد جعل نفسه عرضة لهذا الخطر العظيم، وبضدّه من تعرّض لمرضاتها في حبّهم وإكرامهم، كما يؤخذ ممّاتقدّم (٤) ، انتهى.

وقال السهيلي (٥) : هذا الحديث يدلّ على أنّ من سبّها كفر، ومن صلّى عليها فقد صلّى على أبيها، واستنبط أنّ أولادها مثلها لأنّهم بضعة منها وفكّ الفرع من أصله هو فكّ الشيء من نفسه وهو غير ممكن ومحال باعتبار أنّ ذلك الفرع هو الشخص المعمول من مادة ذلك الأصل ونتيجته المتولد منه (٦) ، انتهى كلام السهيلي.

وقال السيّد أبو بكر بن شهاب الدين العلوي : قال بعض العلماء :

____________________

(١) روض الأخيار : ٣٩٤، ربيع الأبرار ٣ : ٣١٦.

(٢) ذخائر العقبى : ٤٩، المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٥٣ - ١٥٤، مجمع الزوائد ٩ : ٢٠٣، الآحاد والمثاني ٥ : ٣٦٣ / ٢٩٥٩، المعجم الكبير للطبراني ١ : ١٠٨ / ١٨٢ و ٢٢ : ٤٠١ / ١٠٠١، اُسد الغابة ٥ : ٥٢٢، كنز العمّال ٢ : ٦٣ / ٣١٢٥ و١٣ : ٦٧٤ / ٣٧٧٢٥، جواهر العقدين ٢ : ٢٦٥، رشفة الصادي : ١٠٩.

(٣) بدل ما بين المعقوفتين : فرائد السمطين، وهو سهو.

(٤) جواهر العقدين ٢ : ٢٦٥، وعنه في رشفة الصادي : ١١٠.

(٥) أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعميّ السهيليّ، حافظ، أديب، عالم بالتفسير والسير، ومن مصنّفاته : الروض الاُنف، ونتائج الفكر، وغيرهما، ولد في سهيل من أعمال مالقة سنة ٥٠٨ هـ وتوفّي سنة ٥٨١ هـ. تذكرة الحفاظ ٤ : ١٣٤٨ / ١٠٩٩، كشف الظنون ١ : ٤٢١، الأعلام للزركلي ٣ : ٣١٣.

(٦) انظر الروض الاُنف ٣ : ٤٤٠، ورشفة الصادي : ١١٠.


يدخل في هذا الوعيد من آذاهم ولو بمباح يجوز للإنسان فعله. واحتج لذلك : بأنّ أذاهم أذى فاطمة وأبيها، وأذيته عليه‌السلام ولو بالمباح محظورة قطعاً.

قال : ومال إلى قول هذا البعض كثير من العلماء (١) ، انتهى.

أقول : فكيف بمن آذى خواصّ أولادها وخاصّة ذريّتها والأئمّة العلماء من أولادها كما عرفت من ابن تيميّة لعنه الله، أو تقول : هذه التنقيصات لاتؤذيهم، وتكابر الضرورة والوجدان، فقد والله تأذّى كلّ الأنبياء والمرسلين، والملائكة المقرّبين، والأولياء والصالحين من تشنيعاته وتنقيصاته من أهل البيت الطاهرين عليّ وفاطمة وأولادهم، فإنّه لم يرع فيهم إلاًّ ولا ذمّةً، فابن تيميّة مصداق الوعيد في حديث أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه(٢) قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والذي نفسي بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أدخله الله النار» أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم (٣) .

وما عن جابر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يحبّنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي» (٤) أخرجه الملاّ (٥) .

____________________

(١) رشفة الصادي : ١١١ - ١١٢.

(٢) سعد بن مالك بن سنان الخزرجيّ الأنصاري، من الصحابة شهد مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر غزواته، روى عنه كثير من الصحابة، توفّي يوم الجمعة سنة ٧٤ هـ ودفن بالبقيع. رجال الطوسي : ٦٥ / ٥٨٧، تهذيب الكمال ١٠ : ٢٩٤ / ٢٢٢٤.

(٣) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٥٠ و ٤ : ٣٥٢، وراجع صحيح ابن حبّان ١٥ : ٤٣٥ / ٦٩٧٨، جزء بن الحسين بن رشيق : ٨٧ - ٨٨ / ٨٥، المناقب لمحمّد بن سليمان الكوفي ٢ : ١٢٠ / ٦٠٧، كشف الأستار عن زوائد البزّار ٤ : ١٢٢ / ٣٣٤٨، كنز العمّال ١٢ : ١٠٤ / ٣٤٢٠٤، .

(٤) شرف المصطفى للخركوشي ٥ : ٣٣٣ / ٢٢٤٨، ذخائر العقبى : ٢٨، ينابيع المودّة ٢ : ١١٦ / ٣٣٠، وأخرجه الخزاز في الكفاية : ١١٠.

(٥) وسيلة المتعبّدين (مخطوط).


وقال عليه‌السلام : «من أبغض أهل البيت فهو منافق» (١) أخرجه الديلمي (٢) .

وعنه عليه الصلاة والسلام أنّه قال : «لو أنّ رجلا صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام، ثم لقى الله وهو مبغض لأهل بيت محمّد دخل النار» (٣) . «صفن» : من الصُفُون وهو جمع القدمين.

وروى الحاكم بإسناده عن أبي هريرة : إنّ سبيعة بنت أبي لهب رضي الله عنها جاءت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إنّ الناس يقولون : إنّي ابنة حطب النار. فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مغضب شديد الغضب فقال : «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي، ألا من آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله» (٤) .

قال : وعن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله سيحرّم الجنّة على من ظلم أهل بيتي أو قاتلهم أو أعان عليهم أو سبّهم» (٥) أخرجه علي بن موسى الرضا.

____________________

(١) فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأحمد بن حنبل : ٢٨٣ / ٢٤٨، ذخائر العقبى : ٢٨، ينابيع المودّة ٢ : ١١٦ / ٣٢٩.

(٢) عنه في الجامع الكبير للسيوطي، وانظر فضائل الصحابة ٢ : ٦٦١ / ١١٢٦، ذخائر العقبى : ١٨، شرف المصطفى ٥ : ٣٣٣ / ٢٢٨٦، الصواعق المحرقة ٢ : ٥٠٣ و ٦٨٧.

(٣) أخبار مكّة للفاكهي ١ : ٤٧٠ / ١٠٣٨، المعجم الكبير للطبراني ١١ : ١٤٢، المستدرك للحاكم ٣ : ١٤٨ - ١٤٩، مجمع الزوائد ٩ : ١٧١، كنز العمّال ١٢ : ٤٢، شواهد التنزيل ١ : ٥٥١.

(٤) لم نعثر عليه في المستدرك، وقد تقدّم في الصفحة : ٢٦٥ أنّ المصنّف رواه عن الطبراني والبيهقي، انظر المعجم الكبير ٢٩ : ٢٥٨ / ٦٦٠، شرف المصطفى٥ : ٣٥٧ - ٣٥٨ / ٢٣١٢، اُسد الغابة ٧ : ١٣٩ / ٦٩٨٢، ذخائر العقبى : ١٧.

(٥) مسند زيد بن علي : ٤٦٣ ، ذخائر العقبى : ٣٠ ، مسند الرضا لداوُد بن سليمان :


وعنه رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله وغضب رسوله وغضب ملائكته على من أهرق دم نبي أو آذاه في عترته» (١) أخرجه علي بن موسى الرضا.

أقول : وقد ذكر القاضي عياض في الشفا فتوى أبي المطرف الشعبي في رجل أنكر تحليف امرأة بالليل وقال : لوكانت بنت أبي بكر الصديق ماحُلِّفَت إلاّ بالنهار، وصوّب قوله بعض المتّسمين بالفقه، فقال أبو المطرف : ذكر هذا لابْنَةِ أبي بكر فى مثل هذا يوجب عليه الضرب الشديد والسجن الطويل، والفقيه الذي صوّب قوله هو أحق باسم الفسق من اسم الفقه، فيتقدم إليه في ذلك ويُزْجَر ولا تقبل فتواه ولا شهادته، وهي جرحة ثابتة فيه، ويبغض في الله (٢) ، انتهى.

قال الشريف أبو بكر في رشفة الصادي بعد حكايته ذلك : فليتأمّل المتحرّج لدينه بعين بصيرته ما أفتى به هذا الإمام الجليل القدر، ونقله عنه الإمام الآخر مصوّباً له على ذكر بنت أبي بكر بما يومئ إلى الاستخفاف بشأنها بأنّه يستوجب الضرب الشديد والسجن الطويل، وبأنّ الفقيه الموصوب قوله فاسق ساقط الشهادة، ولا ريب في أنّ النكير والشنعة على المعرّض بمثل ذلك على أحد الذريّة الطاهرة أكبر وألزم، والمقت والعقوبة عليه أشدّ وأعظم، فالاسترسال في مثل هذه الأقوال ممّا يؤدّي بصاحبه إلى سوء الحال وخيبة المال، أعاذنا الله والمسلمين من ذلك الحظر المهول،

____________________

١٤٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٣٣ / ٦٥ ، أمالي الطوسي : ١٦٥ / ٢٨٣ ، تفسير القرطبي ١٦ : ١٦ ( آية المودّة ) ، رشفة الصادي : ١٠٧ .

(١) أمالي الصدوق : ٣٧٧ / ٧، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦ / ١١، ذخائر العقبى : ٤٩، كنز العمّال ٤ : ٥٢٩ ـ ٥٣٠ و ١٢ : ٩٣ / ٣٤١٤٣، رشفة الصادي : ١٠٧.

(٢) الشفا بتعريف حقوق المصطفى : ٤٤٤، ونسيم الرياض فى شرح الشفا ٦ : ٤٤٢.


وعصمنا من إساءة الأدب على سلالة الرسول الأمين (١) ، انتهى.

أقول : وعن أبي سعيد الخدري رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ لله عزّوجلّ ثلاث حرمات، فمن حفظهن حفظ الله دينه ودنياه ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له دنياه ولا آخرته» قال : قلت : وما هنّ؟ قال : «حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي» أخرجه الطبراني في الكبير (٢) .

وابن تيميّة أفسد عقائد الناس، وشقّ العصا، فلم يحفظ حرمة الإسلام، وحرّم السفر للزيارة، وحرم الاستغاثة به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يحفظ حرمته عليه‌السلام ، وشنّع على أهل بيته، وحطّ منهم، ورماهم بالعظائم كما تقدّم نقله، فلم يحفظ رحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولهذا لم يحفظ الله له ديناً، بل أضلّه وأعماه وخذله وأغواه كما نصّ عليه علماء عصره (٣) ، ولا حفظ له ديناً بل خذله ونكبه حتّى صار يضرب به المثل، ونكب وحبس مرّات حتّى مات في الحبس، بعد ما كفّره علماء عصره بالكفر البراح الصريح، كما حكاه ابن حجر المكّي في الفتاوي الحديثيّة (٤) ، وكلّ هذا من سوء عمله ( وَمَن كَانَ فِى هَـذِهِى أَعْمَى فَهُوَ فِى الاخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) (٥) .

وذهبت بابن تيميّة الأباطيل، ولم يلتفـت إلى قول رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ياأيّها الناس إنّ الشرف والفضل والمنزلة والولاية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريّته فلاتذهبن بكم الأباطيل» أخرجه ابن حبّان في الكبير من حديث

____________________

(١) رشفة الصادي : ١١٧ - ١١٨.

(٢) المعجم الكبير ٣ : ١٢٦ / ٢٨٨١، المعجم الأوسط ١ : ١٦٢ / ٢٠٥، مجمع الزوائد ١ : ٨٨ و٩ : ١٦٨، نظم درر السمطين : ٢٩٩.

(٣) راجع ص : ٨٤ وما بعدها.

(٤) الفتاوى الحديثيّة : ٨٧.

(٥) سورة الإسراء ١٧ : ٧٢.


حذيفة رضي‌الله‌عنه من أثناء حديث طويل (١) .

وأخرج الحاكم عن أبي هريرة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «خيركم خير لأهلي من بعدي» (٢) .

وابن تيميّة شرّهم لأهله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده، فإنّي لم أقف إلى اليوم على رجل من علماء أهل القبلة يحطّ من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ابن تيميّة حتّى الخوارج والنواصب.

وصحّ عن ابن عبّاس في قوله تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَــلِحًا ) (٣) أنّه قال : حفظا بصلاح أبيهما وما ذكر عنهما صلاحاً (٤) .

وروي أنّه كان بينهما سبعة (٥) أو تسعة أباء (٦) .

فكيف لا يحفظ ابن تيميّة العترة الطاهرة أولاد رسول الله به مع قلّة الوسائط بينهم وبينه!!

ولذا قال جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه : «احفظوا فينا ما حفظه العبد الصالح في اليتيمين ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَــلِحًا ) » (٧) أخرجه عبد العزيز ابن الأخضر في

____________________

(١) حكاه عنه في جواهر العقدين ٢ : ٢٨٤، وانظر ينابيع المودّة ٢ : ٣٨٠ / ٨١، الصواعق المحرقة ٢ : ٥١٢، نظم درر السمطين للزرندي ٢٠٧ - ٢٠٨، تاريخ دمشق ١٤ : ١٧٣.

(٢) المستدرك للحاكم ٣ : ٣١١، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٤، السنّة لأبي عاصم : ٦٠٢، مسند أبي يعلى ١٠ : ٣٣٠ / ٥٩٢٤، تاريخ بغداد ٧ : ٢٧٧ / ٣٧٦٥، كنز العمّال ١٢ : ٩٤ / ٣٤١٤٦.

(٣) سورة الكهف ١٨ : ٨٢.

(٤) كتاب الزهد والرقاق لابن المبارك : ١٢٩ / ٣٣٢، مسند الحميدي ١ : ١٨٤ / ٣٧٢، جامع البيان للطبريّ ١٦ : ٥، المستدرك للحاكم ٢ : ٣٦٩، التدوين في أخبار قزوين ٢ : ١٥٨، مجمع البيان ٦ : ٤٣٢.

(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢١ : ١٦٢، مجمع البيان للطبرسي ٦ : ٣٧٧.

(٦و٧) انظر الصواعق المحرقة ٢ : ٥٠٨، رشفة الصادي : ١٥٣.


معالم العترة (١) .

وقال عليّ بن الحسين رضي‌الله‌عنه في أثناء حديث : «أنّ الله عزّوجلّ ذكر أقواماً بآبائهم فحفظ الأبناء للآباء قال الله تعالى : ( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَــلِحًا ) ولقد حدّثني أبي عن آبائه : إنّه كان التاسع من ولده ونحن عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم احفظوها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أخرجه الزرندي ونقله عنه السمهودي (٢) .

فويل لابن تيميّة المتجرّي على تدليس الباطل والمطبوع على الخيانة والكذب في حقّ أهل بيت النبيّ، والمشنّع عليهم، والمنقّص لهم، والمخطِّئ لعلمائهم الراسخين في العلم والوارثين له من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما عرفت.

وهذا الإمام الفخر الرازي يقول : إنّ تخطئات الإمام الشافعي إيذاء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأنّه قرشيّ. قال في رسالته الموضوعة في ترجيح الشافعي على غيره من المجتهدين : الحجة السادسة : القول بإنّ قول الشافعي خطأ في مسـألة كذا إهانة للشافعي القرشي، وإهانة القرشي غير جائزة، فوجب أن لا يكون القطع بخطائه في شيء من المسائل.

إنّما قلنا : إنّ تخطئته إهانة; لأنّ اختيار الخطأ إن كان للجهل فنسبة الإنسان إلى الجهل إهانة، وإن كان مع العلم كانت مخالفة الحقّ مع العلم بكونه حقّاً من أعظم أنواع المعاصي، وكانت نسبة الإنسان اليه إهانة له.

وإنّما قلنا : إنّ إهانة القرشي غير جائزة; لما روى الحافظ بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص أنّه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من يريد هوان

____________________

(١) الشيخ الحافظ أبو محمّد عبد العزيز بن محمود المبارك البزار البغدادي الحنبليّ، المحدّث المكثر المصنّف، له كتب، منها معالم العترة النبويّة، توفّي سنة ٦١١ هـ. البدايةوالنهاية ١٣ : ٧٠. كشف الظنون ٢ : ١٧٢٦، الكنى والألقاب ١ : ١٩٩ ـ ٢٠٠.

(٢) معارج الاُصول : ١١٥، وانظر جواهر العقدين ٢ : ٢٦٦، ورشفة الصادي : ١٥٣.


قريش أهانه الله» (١) .

وروى أيضاً بإسناده عن أبي هريرة : أنّ سبيعة بنت أبي لهب جاءت إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يارسول الله إنّ الناس يصيحون بي ويقولون : إنّك ابنة حمّالة حطب النار. فقام عليه‌السلام وهو مغضب شديد الغضب فقال : «ما بال أقوام يؤذونني في قرابتي، ألا من آذى قرابتي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله » (٢) ومن آذى الله كان ملعوناً لقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ ) (٣) فإذن ظهر وجه الاستدلال ظهوراً لايرتاب فيه عاقل.

وكان الحاكم أبو عبد الله الحافظ يقول : يجب على الرجل أن يحذر من معاندة الشافعي وبغضه وعداوته لئلاّ يدخل تحت هذا الوعيد (٤) انتهى.

فكيف بمن يخطّئ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في مسائل كثيرة، وينسبه إلى الجهل بالنصّ، وعدم اتّباع السنّة، وإلى مخالفة النصّ المتواتر، ويخطّئه في حروبه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صفّين والجمل، ويشنّع عليه بفسادالرأي في الخلافة، وبحبّ الرئاسة، وأنّه قتل المسلمين على الولاية والرئاسة لا للديانة، وأنّ خلافته لم يحصل للمسلمين فيها إلاّ الشرّ والفتنة في دينهم ودنياهم ، وأنّه آذى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمة في

____________________

(١) مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٧١ و ١٨٣، سنن الترمذي ٥ : ٣٧٣ / ٣٩٩٦، المصنّف لابن أبي شيبة ٦ : ٤٠٦ / ٣٢٣٨٢، مسند أبي يعلى ١ : ٣٢٧ / ٧٧١، المعجم الأوسط للطبراني ٤ : ١٣٤ / ٣٢٢٤.

(٢) ذخائر العقبى : ١٧، اُسد الغابة ٧ : ١٣٩ / ٦٩٨٢، الإصابة ٧ : ١٠٢ / ١١١٤٢.

(٣) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٤) مناقب الشافعي للرازي : ٣٨٤ - ٣٨٥.


الخطبة لبنت أبي جهل، وأنّ في إيمانه قولين لأنّه آمن في حال صباه، وأنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذمّ مصاهرته، وأنّ إثبات إيمانه وعدالته موقوف على إثباتهما للشيخين، وأنّه وفاطمة كرها ما رضي الله وردّا أمر الله وسخطا حكمه، وقال : صدرت منه ذنوب اقتضت أن يكفّره بها الخوارج، ذكر ذلك في صفحة ١٢٠ من الجزء الثاني من منهاج السنّة (١) .

وفي صفحة ١١٨ منه أنكر أن يكون المراد بالقربى في الآية ذوي قربى النبيّ ، ونفى وجوب المودّة لهم بالآية، وغلّط المستدلّ بالآية على ذلك (٢) ، وحتّى نفى طهارة أهل البيت في صفحة ١١٧ من هذا الجزء، وأنّ المراد بالآية أمرهم بالطهارة لا إخبارهم بوقوعها (٣) .

كلّ ذلك بغضاً وعداوةً لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموجب لإنكار ما علم ضرورة من الدين في حقّهم، فيكون ابن تيميّة كافراً بإجماع المسلمين المحقّين.

[كلام فريد الدين نيسابوري المعروف بعطار(٤) ] :

قال ابن حجر في الصواعق : قال الشيخ الجليل فريد الدين أحمد بن محمّد النيسابوري رحمه‌الله : من آمن بمحمّد ولم يؤمن بأهل بيته فليس بمؤمن،

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٣٦ - ٣٧.

(٢) نفس المصدر ٤ : ٢٥ - ٢٦.

(٣) نفس المصدر ٤ : ٢١.

(٤) كان كأبيه طبيباً عطاراً أي صيدلياً، وكان أيضاً من كبار مشايخ الصوفيين، ولد في كدكن من قرى نيشابور سنة ٥١٣ أو ٥٣٧ هـ، وقتل بيد المغول سنة ٦٢٧ هـ، وقبره معروف في نيشابور، من مصنّفاته : تذكرة الأولياء، ومنطق الطير، وغيرهما. انظر الأنوار الساطعة في المائة السابعة (طبقات أعلام الشيعة) : ١٤٧.


أجمع العلماء والعرفاء على ذلك ولم ينكره أحد (١) ، انتهى.

[كلام شاه سلامة الله] :

وقال شاه سلامة الله في كتابه معركة الآراء : ومحبت باعترت رسول فرض عين وجزء ايمان است نزد أهل سنّت، واستخفاف واسائه أدب نسبت باين عتبات عاليات كفر صريح است وكمال خسران، انتهى.

وقال في كتاب إيضاح لطافة المقال بوجوب التعزير لمريد خلاف الأدب مع أهل بيت النبيّ، قال : بل يكفر هذا الشرّير بإساءة الأدب معهم، ونعتقد أنّ حبّهم يساوي حبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ مبغضهم كافر سيّيء الخاتمة.

وقال أيضاً في إيضاح لطافة المقال ما لفظه : وملك العلماء شهاب الدين ابن عمر دولت آبادي در رساله مناقب السادات ميفرمايد : في الذين هم حجّة الله على الورى فيهم نزلت : ( هَلْ أَتَى ) و : ( قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) (٢) وعليه قول الشاعر (٣) :

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

وقال : يقول : مودّة القربى قد وجبت على المؤمن السنّي بالنصّ الصريح، (وقد ثبت أنّ من لم يقبل وينقاد إلى ذلك) (٤) فليس بمؤمن

____________________

(١) لم نعثر على القول في الصواعق، نعم نسبه الدهلوي في كتابه التحفة الاثنا عشرية : ٥٦٤ الباب الحادي عشر إلى فريد الدين العطار. وانظر تشييد المطاعن ٤ : ٣٥٩.

(٢) سورة الشـورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) الفرزدق، من قصيدته المعروفة المعروفة التي يمدح بها الإمام علي بن الحسين السجّاد عليه‌السلام ، ديوانه : ٢٠٣ -٢٠٥.

(٤) بدل ما بين القوسين في القول الصراح : ٤٩ : ومن لم يقبل ولم يتبع.


موحّد بل كافرملحد ملعون مرتد (١) ، انتهى.

وقال أيضاً في الإيضاح : ومنها ما ذكره ملك العلماء شهاب الدين بن عمر الدولة آبادي في رسالته مناقب السادات : لو أنّ إنساناً آمن بجميع شرائع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدّق بها وأهان علوياً أو صغّره بأن قال : عليوي أو صغّر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذلك كفر، نعوذ بالله منه. ونقل أيضاً ذلك عن مصابيح الدين (٢) .

وفي رسالة مولانا صدر الدين ورسالة مولانا ضياء الدين البرني (٣) : أنّ العلماء أفتوا أنّ إهانة أولاد الرسول وإيذائهم كفر وكفرى، انتهى.

وقد سمعت تنقيصات ابن تيميّة وإهاناته لأولاد الرسول ولعليّ ابن عمّ الرسول لا يألوهم خبالاً ولا يترك شرّاً يقدر عليه إلاّ فعله بهم، فهو من شرار الزائغين الذين ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون ) (٤) .

في أنّ أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم المرجع في الدين في كلّ زمان :

مع أنّ علماء السنّة رووا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حديث : «في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله،

____________________

(١) انظر تشييد المطاعن ٤ : ٣٧٤.

(٢) انظر تشييد المطاعن ٤ : ٣٧٥، وعبقات الأنوار ١٧ : ٢١٦.

(٣) ضياء الدين بن مؤيد الملك بن بارسك برلانس البرني الهندي، صوفي، من مشاهير الفضلاء ومن خلفاء سلطان المشايخ نظام الدين، توفّي بدلهي سنة ٧٢٦ هـ، من مصنّفاته : ثناى محمّدي، ومآثر السادات، وتاريخ فيروز شاهي، وغيرها. انظر كلمات الصادقين : ٨٧ - ٨٨، نزهة الخواطر ٢ : ١١ / ١٢١.

(٤) سورة التوبة ٩ : ٣٢.


فانظروا من توفدون » أخرجه الملاّ (١) .

وفي الرشفة عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري قال : جلست إلى الأصبغ ابن نباته فقال : ألا أقرؤك ما أملاه عَلَيَّ عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه، فأخرج صحيفة فيها مكتوب : «هذا ما أوصى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل بيته واُمّته، وأوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته، وأوصى اُمّته بلزوم أهل بيته، وأنّ أهل بيته يأخذون بحجزة نبيّهم، وأنّ شيعتهم يأخذون بحجزتهم يوم القيامة، وأنّهم لم يدخلوكم باب ضلالة، ولم يخرجوكم عن باب هدىً» (٢) .

قال الشريف أبو بكر شهاب الدين العلوي في الرشفة : قال العلماء : والذين وقع الحثّ على التمسّك بهم من أهل البيت النبوي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعترة الطاهرة هم العلماء بكتاب الله عزّوجلّ، منهم إذ لا يحثّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على التمسّك إلاّ بهم، وهم الذين لا يقع بينهم وبين الكتاب افتراق حتّى يردوا الحوض (٣) ، ولهذاقال : «لا تقدموهما فتهلكوا ولا تقصروا عنهما فتهلكوا» (٤) ..

واختصّوا بمزيد الحثّ على غيرهم من العلماء كما تضمنته الأحاديث السابقة، وذلك مستلزم لوجود من يكون أهلا للتمسّك به منهم في كلّ زمان وجدوا فيه إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحثّ إلى التمسّك به، كما أنّ

____________________

(١) وسيلة المتعبّدين (مخطوط)، ذخائر العقبى : ٢٧، جواهر العقدين ٢ : ٩١، ينابيع المودّة ٢ : ١١٣ / ٣١٨.

(٢) رشفة الصادي : ١٢٢، نظم درر السمطين : ٢٤٠، جواهر العقدين ٢ : ٩٠، ملحقات إحقاق الحقّ ١٨ : ٥٠٤.

(٣) انظر جواهر العقدين ٢ : ٧٢ - ٨٩.

(٤) المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٦٦ / ٢٦٨١ و ٥ : ١٦٦ - ١٦٧ / ٤٩٧١، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٤، جامع الأحاديث ٣ : ٢٤١ - ٢٤٢ / ٨٣٩٦.


الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً للاُمّة كما سيأتي، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض.

بل ذهب بعض العلماء إلى أنّ المجدّد الذي يبعث على رأس كلّ مائة سنة لا يكون إلاّ من أهل البيت، مستدلاّ بحديث أحمد بن حنبل الآتي.

وقد ذكر ذلك الجلال السيوطي(قدس سره) في منظومة له ذكر فيها المجدّدين (١) قال :

وأن يكون في حديث قد روي

من أهل بيت المصطفى وهو قوي

والحديث المذكور هو ما أخرجه ابن عساكر من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل رضي الله عنهما قال : سمعت أبي يقول : رويت عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «يقيّض الله في رأس كلّ مائة سنة رجلا من أهل بيتي يعلّم اُمّتي الدين» (٢) .

وأخرج أبو سعيد (٣) الهروي من طريق حميد بن زنجويه قال : سمعت أحمد بن حنبل يقول : يروى في الحديث عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ الله يمنّ على أهل دينه في رأس كلّ مائة سنة برجل من أهـل بيتي يبيّن لهم أمر دينهم» (٤) .

قال الحافظ جلال الدين المذكور : وأقول : إنّ الرواية المقيّدة بقوله : «من أهل بيتي» وإن كانت غير معروفة السند، فإنّ أحمد أوردها بغير إسناد، ولم يوقف على إسنادها في شيء من الكتب ولا الأحاديث، إلاّ أنّها

____________________

(١) التي أوردها المحبّي في خلاصة الأثر ٣ : ٣٤٥ .

(٢) تاريخ دمشق ٥١ : ٣٣٩.

(٣) وكذا في رشفة الصادي وفي المصادر : إسماعيل بدل : سعيد.

(٤) ذم الكلام للهروي ٤ : ٢٦٦ / ١١٠٨، حلية الأولياء ٩ : ٩٧، توالي التأسيس لابن حجر : ٤٨، عون المعبود ١١ : ٣٠٠ - ٣٠٨، ملحقات إحقاق الحقّ ٢٩ : ٢٥٩.


في غاية الظهور من حيث المعنى، فإنّ القائم في هذا المنصب الشريف جدير بأن يكون من أهل البيت النبوي، وهو نظير قول من اشترط في القطب أن يكون من أهل البيت عليهم‌السلام..

إلاّ أنّ القطب من شأنه غالباً الخفاء وعدم الظهور، فإذا لم يوجد في الظاهر من أهل البيت من يصلح للاتّصاف حمل على أنّه قام بذلك رجل منهم في الباطن..

وأمّا القائم بتجديد الدين فلابدّ أن يكون ظاهراً حتّى يسير علمه في الآفاق وينتشر في الأقطار، ولا يمكن أن يقال في المئات السابقة : لعلّ رجلا من أهل البيت قام بذلك في الباطن، لأنّ ذلك غير مقصـود الحديث.

والحاصل : أن الأوجه من حيث المعنى أنّ المناصب الثلاثة لا يقوم بها إلاّ رجل من أهل البيت :

منصب الخلافة الظاهرة وهي القيام بأمر الإمام.

ومنصب الخلافة الباطنيّة وهي القطبيّة.

ومنصب تجديد الدين على رأس كلّ مائة سنة.

ولكن يبقى النظر في تحرير المراد بأهل البيت، فإن أراد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله : «رجل من أهل بيتي» أي من قريش كما هو المراد بالخلافة الظاهرة اتّسع الأمروسهل ، إلى آخر كلام الجلال السيوطي (١) .

في أنّه لا يشترط في الإمام التسلّط والغلبة الفعليّة :

أقول : لا داعية إلى الخروج عن ظاهر المراد بـ «أهل بيتي» فإنّه كالنصّ في العترة الطاهرة وهم الأئمّة بالاستحقاق، ولا يشترط في الإمام

____________________

(١) رشفة الصادي : ١٢٤ - ١٢٦.


التسلّط الفعلي، قال الشيخ أبو شكور الحنفي في كتاب التمهيد في بيان التوحيد ما لفظه :

قال بعض الناس : بأنّ الإمام إذا لم يكن مطاعاً فإنّه لا يكون إماماً لأنّه إذالم يكن له القهر والغلبة فلا يكون إماماً (١) .

قلنا : ليس كذلك، لأنّ طاعة الإمام فرض على الناس، فإن لم يكن القهرفذلك يكون من تمرّد الناس، وهو لا يعزله عن الإمامة، فلو لم يطع (٢) الإمام فالعصيان حصل منهم، وعصيانهم لا يضرّ بالإمامة، ألا ترى أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان مطاعاً في أوّل الإسلام، وما كان له القهر على أعدائه من طريق العادة، والكفرة قد تمرّدوا عن أمره ودينه (٣) ، وقد كان هذا لا يضرّه ولا يعزله عن النبوّة، وكذلك الإمام لأنّ الإمام خليفة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لامحالة، وكذلك عليّ ما كان مطاعاً من جميع المسلمين ومع ذلك ما كان معزولا، فصحّ ما قلنا : ولو أنّ الناس كلّهم ارتدّوا عن الإسلام والعياذ بالله تعالى فإنّ الإمام لا ينعزل من الإمامة فكذلك في العصيان (٤) ، انتهى.

ومن هنا يظهر انطباق أحاديث : «الأئمّة بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش» المخرجة في الصحيحين (٥) وغيرهما (٦) على الأئمّة الاثنى عشر من

____________________

(١) انظر شرح بدء الأمالي للرازي : ٢٦٠، واُصول الدين للغزنوي : ٢٨١ / ١٦٣.

(٢) في المصدر : يطيعوا .

(٣) في المصدر : تمرّدوا عن إمداده ونصرة دينه.

(٤) التمهيد في بيان التوحيد : ١٨٦ - ١٨٧، وفي العبارة تقديم تأخير فراجع.

(٥) صحيح البخاري ٩ : ٧٢٩ / ٢٠٣٤، صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ / ١٨٢١ - ١٨٢٢.

(٦) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٨٧، ٩٠، ٩٣، ٩٧، سنن أبي داوُد ٤ : ١٠٦ / ٤٢٧٩، سنن الترمذي ٣ : ٣٤٠ / ٢٣٢٣.


أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وينافي أنّ الإمرة الظاهريّة والخلافة الاختياريّة من المسلمين للخلفاء، فإنّ ذلك غير الإمامة الخاصّة الإلهيّة المختصّة بأهل البيت، لكن بني اُميّة وأمثالهم من أعداء أهل البيت تهاونوا بأهل البيت كما تهاونوا بنوإسرائيل بأنبيائهم فقتلوهم وأبادوهم.

تنقيصه من الإمام زين العابدين بن الحسين عليهما‌السلام :

فصل : وبالغ ابن تيميّة في الاستقصاء على آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذهاب حرمة العترة، والتنقيص منهم، حتّى أنكر تسمية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليّ ابن الحسين بن عليّ بن أبي طالب سيّد العابدين.

قال في صفحة ١٢٣ من الجزء الثاني من منهاج السنّة ما لفظه : وكذلك ماذكره من تسمية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له سيّد العابدين هو شيء لا أصل له ولم يروه أحد من أهل العلم والدين (١) ، انتهى.

مع أنّ جماعة من علماء السنّة رووا (٢) ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلزم أن لا يكونوا من أهل العلم والدين، وإذا لم يكونوا علماء أهل السنّة من أهل العلم والدين فمن يكون من علماء الدين من الحشويّة وابن تيميّة المشبّهوالمنقّص لله ورسوله وآل رسوله ولأوليائه والمكذّب لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

قال جمال الدين يوسف بن الجوزي في تذكرة خواص الاُمّة : فصل في ذكر علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وهو أبو الأئمّة، وكنيته

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٠.

(٢) مضافاً إلى ما سيأتي، ما رواه الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ٤١ : ٣٧ و٥٤ : ٢٧٦، والحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ٩ : ١١٥.


أبوالحسن، ويلقّب بزين العابدين، وسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد العابدين لما نذكره في سيرة ولده محمّد عليه‌السلام (١) ، إلى آخره.

أقول : قال سبط بن الجوزي في فصل سيرة الإمام محمّد الباقر ما لفظه : وذكر المدايني عن جابر بن عبد الله أنّه أتى أبا جعفر محمّد بن عليّ إلى الكتابوهو صغير، فقال له : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سلّم عليك. فقيل لجابر : وكيف هذا ؟ فقال : كنت جالساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسين في حجره وهويداعبه فقال : «يا جابر يولد له مولود اسمه عليّ إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام» (٢) .

ومثله ما رواه محمّد بن طلحة الشافعي في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول في الباب الخامس قال : ونقل عن أبي الزبير محمّد بن أسلم (٣) المكّي أنّه قال : كنّا عند جابر بن عبد الله، فأتاه عليّ بن الحسين ومعه ابنه محمّد وهو صبيّ، فقال عليّ لابنه محمّد : «قبّل رأس عمّك» فدنا محمّد من جابر فقبّل رأسه، فقال جابر : من هذا؟ وكان قد كفّ بصره فقال له عليّ : «هذا ابني محمّد» فضمّه جابر إليه وقال : يا محمّد، محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ عليك السلام، فقال لجابر : «كيف ذلك يا أبا عبد الله؟» فقال : كنت مع رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والحسـين في حجـره وهـو يلاعبه، فقال : «يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له : عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ليقم سيّد العابدين. فيقوم عليّ بن الحسين، ويولد لعليّ ابن

____________________

(١) تذكرة الخواص : ٢٩١.

(٢) نفس المصدر : ٣٠٣.

(٣) في المصدر : مسلم بدل : أسلم.


يقال له : محمّد، يا جابر إن رأيته فاقرأه منّي السلام» (١) الحديث.

وأخرجه الشيخ مؤمن في نور الأبصار (٢) ، والعلاّمة ابن حجر المكّي في الصواعق (٣) من طريق ابن المدايني أيضاً.

وبالجملة الحديث بذلك مشهور لا ينكره إلاّ منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة كابن تيميّة وأمثاله.

إنكاره صلاة ألف ركعة في اليوم والليلة للسجّاد عليه‌السلام :

وأنكر أيضاً ابن تيميّة حديث صلاة علي بن الحسين في كلّ يوم وليلة ألف ركعة بغضاً وعداوةً لأولاد رسول الله.

قال في الصفحة المذكورة ما لفظه : وأمّا ماذكره من قيام ألف ركعة فقد تقدّم أنّ هذا لا يمكن إلاّ على وجه مكروه في الشريعة، أو لا يمكن بحال، فلا يصحّ ذكر مثل هذا في المناقب (٤) ، انتهى.

ألا قائل لابن تيميّة : أنت يا لكع تُعلّم زين العابدين ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم الشريعة، وقد ذكر ذلك عنه الثقاة وأئمّة الحديث مثل الشعراني في الطبقات الكبرى (٥) ، وابن حجر في الصواعق (٦) ، وابن طلحة (٧) ، والشبراوي في الإتحاف (٨) .

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهم‌السلام: ٤٣١.

(٢) نور الأبصار للشبلنجي : ١٥٧.

(٣) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٦.

(٤) منهاج السنّة ٤ : ٥٠.

(٥) الطبقات الكبرى للشعراني ١ : ٣٢.

(٦) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٢، وانظر ينابيع المودّة ٣ : ١٠٥.

(٧) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهم‌السلام: ٤٢٠.

(٨) الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٣٦.


وحكى الشيخ الحافظ المحدّث نور الدين عليّ بن محمّد بن الصبّاغ المالكي : روي من طريق أبي حمزة الثمالي أنّه قال : كان عليّ بن الحسين يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة (١) . وحكى ذلك غيرهم من علماء السنّة والشيعة (٢) ، وأي شيء ينفي إمكان ذلك ممّن لقّب بزين العابدين بإجماع المسلمين.

قال الإمام مالك : سمّي زين العابدين عليه‌السلام لكثرة عبادته. كما حكاه في نورالأبصار (٣) .

وهو ابن الحسين بن رسول الله غير أنّ شدّة عداوة ابن تيميّة لآل الرسول يمنعه من أن يتصوّر ذلك، نعوذ بالله من النصب والعمى والعداوة لآل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

كلامه في الإمام الباقر عليه‌السلام :

فصل : وكذا أظهر نصبه وعداوته ابن تيميّة في حقّ الإمام الباقر عليه‌السلام .

قال في الصفحة المذكورة : وأمّا كونه أعلم أهل زمانه فهذا يحتاج إلى دليل، والزهريّ من أقرانه وهو عند الناس أعلم منه، ونقل تسميته بالباقر

____________________

(١) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٢٠١.

(٢) تاريخ دمشق ٤١ : ٣٧٨، تهذيب الكمال للمزي ٢٠ : ٣٩٠، سير أعلام النبلاء ٤ : ٣٩٢، تهذيب التهذيب ٧ : ٣٠٦، البداية والنهاية ٩ : ١١٤، كشف الغمّة للاربلي ٢ : ٩٢، جواهر المطالب في مناقب الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام ٢ : ٢٧٥، ينابيع المودّة ٣ : ١٠٥.

(٣) نور الأبصار : ١٥٣.


عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) لا أصل له عند أهل العلم، بل هو من الأحاديث الموضوعة، وكذلك حديث تبليغ جابر له السلام (٢) هو من الموضوعات عند أهل العلم بالحديث (٣) ، انتهى.

أقول : أمّا طلبه الدليل على أنّ الإمام محمّد بن علي كان أعلم زمانه فهو نصّ في نصب ابن تيميّة، لأنّه لا يمكن أن يقال إنّه لم يطّلع على نصوص علماء الاُمّة على ذلك في كلّ كتاب ذكر فيه مناقب أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال سبط بن الجوزي في كتاب التذكرة في الفصل الذي ذكر فيه محمّد الباقر ما لفظه بحروفه : وقال ابن سعد : محمّد من الطبقة الثالثة من التابعين من أهل المدينة، كان عالماً عابداً ثقةً، روى عنه الأئمّة أبو حنيفة وغيره، قال أبو يوسف : قلت لأبي حنيفة : لقيت محمّد بن علي الباقر؟ فقال : نعم، وسألته يوماً فقلت له : أراد الله المعاصي؟ فقال : أفيعصى قهراً! قال أبوحنيفة : فما رأيت جواباً أفحم منه.

وقال عطاء (٤) : مـا رأيت العلماء عند أحـد أصـغر علمـاً منهـم عند أبي

____________________

(١) انظر سرّ السلسة العلويّة لأبي نصر البخاري : ٣٢، الفصول المهمّة : ٢١١، المختار من المناقب الأخيار لابن أثير الجزري : ٣٠، عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١٢، وفيه : قال زيد بن علي جواب هشام : وسمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «باقراً»، الصواعق المحرقة : ١٢٠، نور الأبصار : ١٥٧.

(٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٢٠، تاريخ دمشق ٥٤ : ٢٧٦، معارج الاُصول للزرندي : ١٢١ - ١٢٢، عيون الأخبار لابن قتيبة ١ : ٣١٢، ملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ١٣ و ١٥٤.

(٣) منهاج السنّة ٤ : ٥١.

(٤) ابن أبي رباح، أبو محمّد القرشي، مولى آل خثيم، تابعي، مفتي مكّة، من مولدي الجَنَد بلدة مشهورة في اليمن، ولد في خلافة عثمان، حدّث عن اُمّ سلمة وعائشة


جعفر، لقد رأيت الحَكَم عنده كأنّه عصفور مغلوب. ويعني بالحَكَم الحَكَم ابن عتيبة (١) ، وكان عالماً نبيلا جليلا في زمانه (٢) ، انتهى.

ولا نعني بأعلم أهل زمانه إلاّ من كانت العلماء عنده كعصفور مغلوب، وهل أحد سمّي بالباقر سواه؟!

قال الإمام الشعراني في الطبقات (٣) : قال النووي : سمّي بالباقر لأنّه بقرالعلم ـأي شقّه فعرف أصله وعرف خفيّه (٤) .

وقال الجوهري في الصحاح : التبقّر : التوسّع في العلم، قال : وكان يقال لمحمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : الباقر; لتبقّره في العلم (٥) ، انتهى.

وقال محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول في الباب الخامس الذي عقده لمحمّد الباقر ما لفظه بحروفه : هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، ومتفوّق دَرِّه وراضعه، ومنمّق دُرّه وراصعه، صفا قلبه، وزكا علمه، وطهرت نفسه، وشرفت أخلاقه، وعمرت بطاعة الله أوقاته، ورسخت في مقام التقوى قدمه، وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء ، فالمناقب تنبو إليه، والصفات تشرف به (٦) ، انتهى.

____________________

وابن عبّاس وأبي هريرة وغيرهم، أخذ عنه أبو حنيفة، وروى له البخاري وغيره، توفّي سنة ١١٤ هـ على المشهور. ميزان الاعتدال ٣ : ٧٠ / ٥٦٤٠.

(١) أبو أحمد الكندي مولاهم الكوفي، وقيل : أبو عمرو، وقيل : أبو عبد الله، عالم أهل الكوفة ، توفّي سنة ١١٥، وقيل : ١١٣ هـ. سير أعلام النبلاء ٥ : ٢٠٨ / ٨٣.

(٢) تذكرة الخواص : ٣٠٢، وانظر طبقات ابن سعد ٥ : ٣٢٣ - ٣٢٤، تاريخ دمشق ٥٤ : ٢٧٨، البداية والنهاية ٩ : ٣٢٢، مطالب السؤول : ٤٢٩، حلية الأولياء ٣ : ١٨٦.

(٣) انظر الطبقات الكبرى ١ : ٣٢ / ٣٨، وقد حكاه عن الثوري.

(٤) شرح مسلم للنووي ١ : ١٠٢.

(٥) الصحاح ٢ : ٥٩٤.

(٦) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٤٢٤.


في قدح الزهري المتكلّم فيه :

فكيف يفضّل ابن تيميّة الزهري عليه، والزهري قد صحب الاُمراء لقلّة الديانة كما في كتاب تحصيل الكمال لعبد الحقّ.

وقال الذهبي في الجزء الأوّل الذي صنّفه في الرواة الثقات : وكذا تكلّم في الزهري لكونه خضّب بالسواد، ولبس زي الجند، وخدم هشام ابن عبدالملك (١) .

قال ابن الجوزي في كتابه تبليس إبليس : ومن تلبيس إبليس على الفقهاء : مخالطتهم للاُمراء والسلاطين ومداهنتهم، وترك الإنكار عليهم مع القدرة على ذلك، وربّما رخّصوا لهم ما لا رخصة فيه لينالوا من دنياهم فيقع بذلك الفساد لثلاثة :

الأوّل : الأمير فيقول : لو لا أنّي على صواب لأنكر علي الفقيه، وكيف لاأكون مصيباً وهو يأكل من مالي.

الثاني : العامي فإنّه يقول : لا بأس بهذا الأمير ولا بماله فإنّ فلاناً الفقيه لايبرح (٢) عنده.

والثالث : الفقيه يفسد دينه بذلك (٣) . انتهى.

وقال الإمام الشعراني في الطبقات الكبرى : وكان يقول يعني جعفر ابن محمّد الصادق : «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يأتوا أبواب السلاطين» (٤) .

فلينصف المؤمن المحقّ أنّه هل يقاس من هو مصداق هذه الآفات

____________________

(١) الرواة الثقاة : ٢٦.

(٢) في النسختين : الا يزال، وما أثبتناه من المصدر.

(٣) تلبيس إبليس : ١١٨.

(٤) الطبقات الكبرى المسمّى بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار ١ : ٣٣.


وصاحب هذه النقائص في العلم والعمل بالإمام الباقر عليه‌السلام المجمع على علمه وورعه وطهارته من كلّ الأدناس؟!

والزهريّ في مخالطته للسلاطين ملزوم لا محالة بما ذكره ابن الجوزي وبما ذكره أبو حامد الغزالي في الإحياء في علامات علماء الآخرة، قال : ومنها : أن يكون منقبضاً عن السلاطين فلا يدخل عليهم البتة ما دام يجد إلى الفرارعنهم سبيلا، بل ينبغي أن يحترز من مخالطتهم وإن جاؤوا إليه، فإنّ الدنياحلوة خضرة وزمامها بأيدي السلاطين، والمخالطة لهم لا يخلو عن تكلّف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم مع أنّهم ظلمة، ويجب على كلّ متديّن الإنكار عليهم وتضييق صدورهم بإظهار ظلمهم وتقبيح فعلهم، فالداخل عليهم إمّا أن يلتفت إلى تجمّلهم فيزدري نعمة الله عليه، أو يسكت عن الإنكار فيكون مداهناً لهم، أو يتكلّف في كلامه لمرضاتهم وتحسين أحوالهم وذلك هو البهت الصريح، أو يطمع في أن ينال من دنياهموذلك هو السحت.

إلى أن قال : وعلى الجملة فمخالطتهم مفتاح لشرور عدّة، وحكي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أتى السلطان افتتن» (١) .

قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سـلم، ولكن من رضي وتابع أبعده الله تعالى» قيل : أفلا نقاتلهم؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ما صلّوا» (٢) .

____________________

(١) مسند أحمد ١ : ٣٥٧ و ٢ : ٣٧١ و ٤٤٠، سنن أبي داوُد ٣ : ١١١ / ٢٨٥٩، سنن الترمذي ٣ : ٣٥٧ / ٢٣٥٧، سنن النسائي ٧ : ١٩٦، السنن الكبرى للبيهقي ١٠ : ١٠١.

(٢) مسند إسحاق بن راهوية ٤ : ١٢٨ / ١٨٩٤، مسند أحمد ٦ : ٢٩٥، سنن أبي داوُد ٤ : ٢٤٢ / ٤٧٦٠، السنن الكبرى ٣ : ٣٦٧، المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٣٠ / ٣٧٧٣٢.


وقال سفيان : في جهنّم واد لا يسكنه إلاّ القرّاء الزائرون للملوك (١) .

وقال حذيفة رضي‌الله‌عنه : إيّاكم ومواقف الفتن. قيل : وما هي؟ قال : أبواب الاُمراء يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ويقول له ما ليس فيه (٢) .

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «العلمـاء اُمناء الرسـل على عباد الله تعالى مـا لم يخالطـوا السلطان فإذا فعلـوا ذلك فقـد خانوا الرسـول فاحذروهـم واعتزلوهـم» (٣) رواه أنس.

وقيل للأعمش (٤) : قد أحـييت العلـم لكثرة من يأخـذه عنك. فقـال : لاتعجلوا ثلث يموتون قبل الإدراك، وثلث يلزمون أبواب السلاطين فهم شرّالخلق ، والثلث الباقي لا يفلح منهم إلاّ القليل.

ولذلك قال سعيد بن المسيب : إذا رأيتم العالم يغشى الاُمراء فاحترزوا منه فإنّه لصّ (٥).

وقال الأوزاعي : ما من شيء أبغض إلى الله عزّوجلّ من عالم يزور

____________________

(١) جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البرّ ١ : ٦٣٦ / ١٠٩٧، التخويف من النار لابن رجب : ١١٩، تفسير الكشّاف ٢ : ٤٣٤، تفسير النسفي ١ : ٥٨٩، تفسير البحر المحيط ٥ : ٢٦٩.

(٢) المصنّف لعبد الرزّاق ١١ : ١٤٣ / ٢٠٦٤٣، حلية الأولياء لأبي نعيم ١ : ٢٧٧، التمهيد لابن عبد البرّ ٥ : ٨٧، شعب الإيمان للبيهقي ٧ : ٤٩ / ٩٧١٣.

(٣) تنبيه الغافلين للسمرقندي : ٥٢٤، الأمالي الخمسيّة للشجري : ٩٠ / ٣٤٠، الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٢٦٣، الجامع الصغير للسيوطي ٢ : ١٩٠ / ٥٧٠١، كنز العمّال ١٠ : ١٨٣ / ٢٨٩٥٢ و ٢٤٠ / ٢٩٠٨٣، فيض القدير ٤ : ٣٨٢.

(٤) أبو محمّد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي، أصله من بلاد الري، رأى أنس بن مالك. كان ثقة عالماً فاضلاً، وكان يقارب بالزهري في الحجاز، توفّي سنة ١٤٨ هـ. الكامل في التاريخ ٥ : ٥٨٩.

(٥) الآداب الشرعية لابن مفلح المقدسي ٣ : ٤٥٩.


عاملا (١) .

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شرار العلماء الذين يأتون الاُمراء وخيار الاُمراء الذين يأتون العلماء» (٢) .

وقال مكحول الدمشقي (٣) : من تعلّم القرآن وتفقّه في الدين ثمّ صحب السلطان تملّقاً إليه وطمعاً لما في يديه خاض في بحر من نار جهنّم بعدد خطاه (٤) .

قال سمنون (٥) : ما أسمج بالعالم أن يؤتى إلى مجلسه فلا يوجد فيسأل عنه فيقال : هو عند الأمير (٦) . قال : وكنت أسمع أنّه يقال : إذا رأيتم العالم يحبّ الدنيا فاتّهموه على دينكم حتّى جربت ذلك إذ ما دخلت قطّ على السلطان إلاّ وحاسبت نفسي بعد الخروج فأرى عليه الدرك.

ثمّ قال : وعلماء زماننا هذا شرّ من علماء بني إسرائيل، يخبرون السلطان بالرخص، وبما يوافق هواه، ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته

____________________

(١) أخبار الشيوخ وأخلاقهم لأبي بكر المروذي : ١٢٨ / ١٩٩، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار للزمخشري ٤ : ٧٧ / ٣٥٦.

(٢) تذكرة الموضوعات للفتني : ٢٤، الفوائد المجموعة للشوكاني ١ : ٢٨٨ / ٦٠، كشف الخفاء للعجلوني ٢ : ٣٢١.

(٣) الشامي أبو عبد الله الدمشقي، كان عبداً لسعيد بن العاص فوهبه لامرأة من قريش فأعتقته، روى عن أنس بن مالك وغيره، توفّي سنة ١١٣ هـ. طبقات ابن سعد ٧ : ٤٥٣،تاريخ دمشق ٦٠ : ٢٠١.

(٤) تنبيه الغافلين للسمرقندي : ٥٢٥.

(٥) سمنون بن حمزة الصوفي أبو الحسن الخواص، سكن بغداد، وكان من كبار مشايخ العراق، صحب سريّا السقطي وغيره، مات سنة ٢٩٨ هـ وقيل : مات نحو ٢٩٠ هـ. تاريخ بغداد ٩ : ٢٣٤ / ٤٨٠٩، طبقات الصوفيّة للسلمي : ١٥٨ / ٢٨.

(٦) ربيع الأبرار للزمخشري ٤ : ٧٧ / ٣٥٧، وفيه : سحنون، بدل : سمنون.


لاستثقلهم، وكره دخولهم عليه وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم.

وقال أبو ذرّ لسلمة : يا سلمة لا تغش أبواب السلاطين، فإنّك لا تصيب من دنياهم شيئاً إلاّ أصابوا من دينك أفضل منه (١) .

وهذه فتنة عظيمة للعلماء، وذريعة صعبة للشيطان عليهم، لا سيما من له لهجة مقبولة وكلام حلو، إذ لا يزال الشيطان يلقي إليه : إن في وعظك لهم ودخولك عليهم ما يزجرهم عن الظلم ويقيم شعار الشرع، إلى أن يخيّل إليه إنّ الدخول عليهم من الدين، ثمّ إذا دخل لم يلبث أن يتلطّف في الكلام ويداهن ويخوض في الثناء والإطراء وفيه هلاك الدين.

إلى أن قال : ولم يزل السلف العلماء مثل : الحسن، والثوري، وابن المبارك، والفضيل، وإبراهيم بن أدهم، ويوسف بن أسباط يتكّلمون في علماء الدنيا من أهل مكّة والشام إمّا لميلهم إلى الدنيا أو لمخالطتهم السلاطين، انتهى كلام الغزالي ملخّصاً (٢) .

فإذا كان حال الزهري وأمثاله هذا من المخالطين للسلاطين هذا، وفي الحديث من المدلِّسين فيه كما نصّ عليه الذهبي في الميزان (٣) ، ولم يقبل مراسيله الإمام الشافعي وقال : وإرسال الزهري ليس بشيء وذلك إنّا وجدناه يروي عن سليمان بن أرقم (٤) . حكى ذلك إمام الصناعة ومقدم الجماعة البخاري محمّد بن إسماعيل، قال : أهدر الإمام المطلبي مرسلات الزهري

____________________

(١) انظر المصنّف لابن أبي شيبة ٧ : ٥٢٨ / ٣٧٧٢١، وبدائع السلك لابن الأزرق الاُندلسي : ١١٠.

(٢) إحياء علوم الدين ١ : ٦٨ - ٦٩.

(٣) ميزان الاعتدال ٤ : ٤٠ / ٨١٧١.

(٤) أبو معاذ البصري، مولى الأنصار أو قريش متروك ليس بثقة انظر التاريخ الكبير للبخاري ٤ : ٢١ / ٤٦٥٠، الكفاية للخطيب البغدادي : ٤٢٥، وتاريخ دمشق ٥٥ : ٣٦٨.


ونقل كلام الشافعي فراجع الطبقات السبكي الكبرى في الجزء الأوّل في صفحة ١٠ المطبوعة بمصر (١) .

فكيف يصحّ من ابن تيميّة تفضيله على باقر العلم وجامعه والعامل به وحامله ومن انحصر واختصّ بلقب باقر العلم ولم يشاركه أحد في هذا اللقب ولم ينكره عليه أحد.

بل قال العلاّمة ابن حجر في الصواعق في صفحة ١٢٠ من النسخة المطبوعة بالمطبعة الميمنيّة سنة ١٣١٢ ما لفظه بحروفه : أبو جعفر محمّد الباقرسمّي بذلك من بقر الأرض أي شقّها وأثار مخبئاتها ومكامنها. فلذلك هوأظهر من مخبئات كنوز المعارف وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ما لايخفى على منطمس البصيرة أو فاسد الطويّة والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه (٢) : هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه، وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا يحتملها هذه العجالة، وكفا شرفاً أنّ ابن المدائني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك. فقيل : وكيف ذالك؟ قال : كنت... إلى آخر الحديث (٣) ، انتهى.

قال الذهبي في الميزان : محمّد بن مسلم الزهري الحافظ الحجّة، كان يدلّس في النادر (٤) ، انتهى.

____________________

(١) الطبقات الشافعيّة الكبرى ـ تحقيق عبد الفتّاح الحلو ومحمود محمّد الطناحي ـ ١ : ٢٠، وانظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٣٩.

(٢) القائل هو ابن طلحة الشافعي المتوفّي سنة ٦٥٢ هـ في مطالب السؤول : ٤٢٥.

(٣) الصواعق المحرقة ـ مطبعة الرسالة ـ ٢ : ٥٨٦.

(٤) ميزان الاعتدال ٤ : ١٤٠ / ١٨٧١.


فإذا كان في مخالطة الاُمراء بحيث لبس لباس الجند، وفي الحديث يدلّس، وأئمّة الحديث تتّهمه ولا تقبل مراسيله، فمثله لا يقاس بعالم آل محمّد.

وكأنّ ابن حجر رأى كلام ابن تيميّة حتّى قال : إلاّ على منطمس البصيرة، أو فاسد الطويّة والسريرة (١) .

فإنّ أحداً من علماء الإسلام لم ينكر فضل علم الباقر وتفرّده بهذا الوصف إلاّ ابن تيميّة، فإنّه أنكر أن يكون الباقر أفضل من الزهري، بل نقل مايعطي الإجماع على إنّ الزهري أعلم من الباقر، والزهري من أقرانه وهو عندالناس أعلم منه (٢) .

وهذا كذب ظاهر وافتراء صريح على الناس، ما فاه مسلم من علماء السنّة والجماعة بأنّ الزهري أعلم من الباقر، وإنّما هذا من افتراء ابن تيميّة، فإنّ العلماء شهدوا عليه بأنّ له ملكة في شدّة الكذب والافتراء كما صرّح بذلك ابن حجر في الفتاوي الحديثيّة (٣) .

وأمّا تكذيب حديث تبليغ جابر للباقر السلام فقد عرفت كثرة طرقه واستفاضة روايته في الفصل المتقدّم وفي المقام. (٤)

حديث تسميته عليه‌السلام بالباقر :

وأمّا حديث تسميّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له بالباقر، فقد روى جماعة من العلماء المشهود بمحدِّثيّتهم وحفظهم ما يدلّ على ذلك :

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٨٥.

(٢) راجع الصفحة : ٣٤٦.

(٣) الفتاوى الحديثيّة : ٨٥ - ٨٦.

(٤) راجع الصفحة : ٣٤٤ - ٣٤٦.


منهم : الشيخ المحدّث نور الدين علي بن محمّد المعروف بابن الصبّاغ المالكيّ المكّيّ قال رضي‌الله‌عنه في الفصل الخامس مالفظه بحروفه : وله ثلاثة ألقاب : الباقر، والشاكر، والهاديّ.

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا جابر يوشك أن تلتحق بولد لي من ولد الحسين اسمه كاسمي يبقر العلم بقراً ـأي يفجّره تفجيراً فإذا رأيته فاقرأه عنّي السلام» قال جابر : فأخّر الله تعالى مدّتي حتّى رأيت الباقر فأقرأته السلام عن جدّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) .

ومنهم : ما حكاه السيّد الشريف النسّابة محمّد بن عبد الله بن محمّد سراج الدين بن السيّد عبد الله الرفاعيّ المخزوميّ (٢) نقيب البصرة في كتابه صحاح الأخبار ما هذا لفظه بحروفه : ذكر السيّد عميد الدين بن علي الحسيني في مشجره عند خطّ سيدنا الإمام محمّد الباقر ما هو برمّته : كنيته أبو جعفر باقر العلم عند الخاصّ والعام، ولقد لقّبه بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال لجابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي‌الله‌عنه : «يوشك أن تبقى حتّى تلقى ولداً لي من الحسين يقال له : محمّد يبقر العلم بقراً، فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام» (٣) . انتهى.

أقول : فهذا هو السبب في تسمية الناس له بالباقر واشتهاره بهذا اللقب.

نعم قد أخرج جمال الدين المحدّث (٤) في كتابه روضة الأحباب عن

____________________

(١) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٢١١.

(٢) شيخ الإسلام في زمانه، يتّصل نسبه إلى الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ، ولد بواسط سنة ٧٩٣ هـ وتوفّي سنة ٨٨٥ هـ. الأعلام للزركلي ٦ : ٢٣٨.

(٣) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار : ٤٠ - ٤١.

(٤) عطاء الله بن فضل الله الشيرازيّ النيسابوري، المعروف بالمحدّث، عالم، فاضل


جابر بن يزيد الجعفي قال : سمعت من جابر بن عبد الله الأنصاريّ رضي‌الله‌عنه أنّه يقول : لمّا أنزل الله تعالى على رسوله : ( يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِى الامْرِ مِنكُمْ ) (١) قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله، فمن أصحاب الأمر الذين قرن الله سبحانه طاعتهم بطاعتك؟ فقال رسول الله : «هم خلفائي من بعدي : أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقروستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ حجّة الله في أرضه وبقيته في عباده محمّد بن الحسن بن عليّ، ذلك الذي يفتح الله عزّوجلّ على يديه مشارق الأرضومغاربها، وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يبيت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان». قال جابر : فقلت : يارسول الله أينتفع شيعته منه في غيبته؟ فقال : «أي والذي بعثني بالنبوّة، إنّهم يستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذه أسرار الله المكنونة فاكتمها إلاّ عن أهلها» (٢) .

أقول : وهذا المحدّث الراوي لهذا الحديث من المشايخ الكبار، ومن

____________________

مؤرّخ، وكان مقبولاً لدى المؤرّخين، فقد نقل عنه الملا علي القارئ في شرح أحاديث المشكاة، وله أيضاً من الكتب الأربعين في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام ، توفّي سنة ٩٢٦ هـ. كشف الظنون ١ : ٩٢٢.

(١) سورة النسـاء ٤ : ٥٩.

(٢) عنه في النجم الثاقب للمحدّث النوري : ٤٨. وانظر كمال الدين للشيخ الصدوق ١ : ٢٥٣.


أكابر المحدّثين، وقد وصفه بذلك الملاّ علي القارئ في المرقاة شرح المشكاة، وصاحب منتهى الكلام، واعتمدا كتابه وما فيه، وكذا الملاّ يعقوب (١) في [البحر الجاري، وعبد الحقّ الدهلوي] (٢) في مدارج النبوّة ورجال المشكاة، وشاه ولي الله والد صاحب التحفة، والملاّ عبد العزيز الدهلوي في إزالة الخفاء، نقلوا عن روضة الأحباب، واعتمدوها، واحتجّوا بما روي فيها، وإنّما رمى ابن تيميّة الحديث بالوضع لعدم فهمه فقهه ومعناه، وستعرف أنّه على اُصول السنّة، وأنّهم الأئمّة والأقطاب وولاة الولاية لا غيرهم عند ردّنا على ما سنذكره من كلام ابن تيميّة في المهدي المنتظر محمّد بن الحسن العسكري.

رواية اُخرى :

وأيضاً رأيت في ينابيع المودّة تأليف الشيخ سليمان الحسيني البلخي القندوزي الحلبي النقشبندي رحمه‌الله رواية طويلة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها تلقيب الإمام محمّد بن عليّ الباقر بالباقر، ذكرها في الباب السادس والسبعين، قال ما لفظه بحروفه : وفي المناقب عن واثلة بن الأصقع بن قرخاب (٣) ، عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال : دخل جندل بن جنادة بن جبير اليهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبرني عمّا ليس

____________________

(١) أبو يوسف يعقوب البناني اللاهوري، ولد ونشأ بلاهور، وقرأ على أساتذتها، ولي مدرسة الشاهجهانيّة، من مصنّفاته : الخير الجاري شرح للبخاري، وغيره، توفّي سنة ١٠٩٨ هـ. نزهة الخواطر ٥ : ٤٣٩.

(٢) الزيادة لابدّ منها; لأن المدارج والرجال للدهلوي. انظر عبقات الأنوار ١ : ٣٢٥.

(٣) كذا في النسختين، وفي الينابيع : الأسقع بدل : الأصقع. والمعروف : واثلة بن الأسقع أبو قرصافة، من أهل الصفّة. انظر سير أعلام النبلاء ٥ : ٣٧٩ / ٥٧.


لله، وعمّا ليس عند الله، وعمّا لا يعلمه الله؟

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمّا ما ليس لله فليس لله شريك، وأمّا ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد، وأمّا ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : إن عزيراً ابن الله، والله لا يعلم أنّه له ولد، بل يعلم أنّه مخلوقه وعبده».

فقال : أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّك رسول الله حقّاً وصدقاً، ثمّ قال : إنّي رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه‌السلام فقال : «يا جندل أسلم على يد محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء، واستمسك أوصياءه من بعده» فقلت : أسلم، فلله الحمد أسلمت وهداني بك، ثمّ قال : أخبرني يا رسول الله مَنْ أوصيائك من بعدك لأتمسّك بهم؟

قال : «أوصيائي الاثنا عشر».

قال جندل : هكذا وجدناهم في التوراة، وقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمّهم لي؟

فقال : «أوّلهم سيد الأوصياء أبو الأئمّة عليّ، ثمّ ابناه الحسن والحسين فاستمسـك بهم ولا يغرّنّك جهل الجاهلين، فإذا ولد عليّ بن الحسـين زين العابدين يقضي الله عليك ويكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن تشربه».

فقال جندل : وجدنا في التوراة وفي كتب الأنبياء : إيليا وشبّر وشبيراً فهذه اسم (١) عليّ والحسن والحسين، فمن بعد الحسين وما أساميهم؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا انقضت مدّة الحسين فالإمام ابنه عليّ ويلقّب بزين

____________________

(١) كذا، والصحيح : أسماء.


العابدين، فبعده ابنه محمّد يلقّب بالباقر، فبعده ابنه جعفر يدعى بالصادق، فبعده ابنه موسى يدعى بالكاظم، فبعده ابنه عليّ يدعى بالرضا، فبعده ابنه محمّد يدعى بالتقي والزكي، وبعده ابنه علي يدعى بالنقي الهادي فبعده ابنه الحسن يدعى بالعسكري، فبعده ابنه محمّد يدعى بالمهدي والقائم والحجّة» الحديث، وهو طويل فراجع صفحة ٤٤٢ من ينابيع المودّة المطبوع بالاستانة (١) .

كلام سراج الدين في صحاح الأخبار في إمامة الأئمّةعليهم‌السلام:

قال الشريف سراج الدين بن السيد عبد الله الرفاعي في كتابه صحاح الأخبار المطبوع بمطبعة نخبة الأخبار بمبئي في صفحة ٤٩ما لفظه : وقد عنى أهل البيتعليهم‌السلام في أفرادهم المكرّمين وأئمّتهم الطاهرين إمامة معنويّة، لا كما عناها الرافضة، وهي الإمامة التي عناها جحاجحة الصوفيّة، وسمّوها بالقطبيّة الكبرى والغوثيّة العظمى والإمامة الجامعة، وقالوا لصاحب مرتبتها : الغوث، وقطب الأقطاب، والإمام الجامع، والإنسان الكامل، وأطبق جماهير الصوفيّة سلفاً وخلفاً أنّ الغوث بهذه الإمامة لا يكون من غير أهل البيت النبويّ أبداً، وقالوا : إنّ أهل البيت النبويّ لمّا فاتتهم إمامة الأشباح التي هي خلافة الظاهرة عوّضهم الله سبحانه تعالى ما هو خير منها وذلك إمامة الأرواح، فافهم.

وهذا أعني القطب الغوث يتصرّف في ذرّات الأكوان، وصاحب خلافة الظاهر ذرّة منها.

____________________

(١) ينابيع المودّة ٣ : ٢٨٣، وانظر كفاية الأثر للخزاز القمّي : ١٠٨، وغاية المرام للبحراني ٤ : ١٢٠.


وروى العارفون من سلف أهل البيت : أنّ الإمام الحسين عليه‌السلام لما انكشف له سرّه تدلى الخلافة الروحيّة التي هي الغوثيّة والإمامة الجامعة فيه وفي بنيه على الغالب استبشر بذلك، وباع في الله نفسـه لنيل هذه النعمة المقدّسـة، فمنّ الله عليه بأن جعل في بيته كبكبة الإمامة، وختم ببنيه هـذا الشأن على أنّ الحجّة المنتظر الإمام المهدي عليه‌السلام من ذريته الطاهرة وعصابته الزاهرة (١) ، انتهى.

فاغتنم وكن من الشاكرين ولا تكن كابن تيميّة من الشاكّين المعاندين لأهل بيت النبيّ الطاهرين.

[كلامه في الإمام الصادق عليه‌السلام ] :

فصل : ومن نصب ابن تيميّة تنقيصه من الإمام الصادق جعفر بن محمّد رضي‌الله‌عنه.

قال ابن تيميّة في صفحة ١٢٤ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : وأمّا قوله : هو الذي نشر فقه الإماميّة والمعارف الحقيقيّة والعقائد اليقينيّة، فهذا كلام يستلزم أحد أمرين : إمّا أنّه ابتدع في العلم ما لم يكن يعلمه ممّن قبله، وإمّاأن يكون الذي قبله قصّر في ما يجب من نشر العلم، وهل يشكّ عاقل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن لاُمّته المعارف الحقيقيّة اليقينيّة أكمل بيان، وأنّ أصحابه تلقّواعنه ذلك و بلّغوه إلى المسلمين، وهذا يقتضي القدح إمّا فيه وإمّا فيهم (٢) ، إلى آخر كلامه الفاسد الظاهر في النصب والعداوة، وإلاّ فكلّ مسلم يعلم أنّ علم جعفر بن محمّد كلّه عن آبائه عن رسول الله، فهو أحد

____________________

(١) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار : ٤٨ - ٤٩.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٥٣.


أبواب علم رسول الله، وهم أولى برسول الله وعلمه من غيرهم، وهم الذين قرنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالقرآن، وأنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليه الحوض، وفي القرآن تبيان كلّ شيء، وقد علّمهم علم ذلك، وأمر الاُمّة بالتمسّك بهما، وأنّ التمسّك بهما يرفع الضلالة (١) ، فمن يكون مثلهم؟؟

كلام أبي حنيفة النعمان :

قال في تهذيب الكمال في أسماء الرجال في ترجمة الإمام جعفر ابن محمّد الصادق بعد ما عدّ من روى عنه وثناء الأئمّة عليه ما لفظه بحروفه : وعن أبي حنيفة قال : ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد، ولمّا رأيته دخلني منه الهيبة ما لم يدخلني لأبي جعفر المنصور (٢) .

وفي الجزء الأوّل من جامع مسانيد أبي حنيفة لقاضي القضاة محمّد ابن محمود بن مسلم الخوارزمي، المتوفّي سنة خمس وخمسين وستمائة، في صفحة ٢٢٢ من النسخة المطبوعة بحيدر آباد الدكن سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة بعد الألف : أنّ أبا حنيفة قال : جعفر بن محمّد أفقه من رأيت، ولقد بعث إليّ أبو جعفر المنصور : أنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيّئ له مسائل شداداً، فلخّصت أربعين مسألة، فبعثت بها إلى المنصور بالحيرة، ثمّ أبرد إليّ فوافيته على سريره وجعفر بن محمّد عن يمينه، فتداخلني من جعفر هيبة لم أجدها من المنصور، فأجلسني، ثمّ التفت إلى جعفر قائلا : ياأبا عبد الله هذا أبو حنيفة، فقال : «نعم أعرفه» ثمّ قال المنصور : سله ما بدا لك يا أبا حنيفة، فجعلت أسأله ويجيب الإجابة

____________________

(١) راجع إلى جميع ما أشار إليه في ملحقات إحقاق الحقّ للسيد المرعشي ٩ : ٣٥٩ و٣٦٤ و٢٠ : ٤٠٤ و٢٤ : ٢٠٦.

(٢) تهذيب الكمال ٥ : ٧٩ / ٩٥٠.


الحسنة ويفحم، حتّى أجاب عن أربعين مسألة، فرأيته أعلم الناس باختلاف الفقهاء، فلذلك أحكم أنّه أفقه من رأيت. أخرجه الحافظ طلحة ابن محمّد في مسنده، عن أبي العبّاس أحمد بن محمّد بن سعيد، عن جعفر بن محمّد بن الحسين الحازمي، عن أبي نجيح إبراهيم بن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن زياد، عن أبي حنيفة، إلى آخره (١) .

فإذا كان الإمام الأعظم أبو حنيفة يشهد أنّه أفقه ممّن رآهم وقد رأى جماعة لا يخفى فضلهم وإمامتهم في الاُمّة، فلماذا ينكر ابن تيميّة أن يكون عند جعفر من العلم ما لم يكن عند غيره، والإمامة الجامعة له لا لغيره، فهو صاحب الحقائق والدقائق، والعلم اليقين، وعين اليقين والحقّ اليقين، وقطب الأقطاب، والغوث الأعظم، على رغم كلّ ناصب معاند للأشراف الأطهار وللعترة الأبرار المرشدة الهادية من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قال ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة : كان جعفر الصادق من بين إخوته خليفة أبيه، ووصيّه، والقائم بالإمامة من بعده.

إلى أن قال : قد نقل الناس عنه من [العلوم] (٢) ما سارت به الركبان، وانتشرصيته وذكره في جميع البلدان، ولم ينقل العلماء عن أحد من أهل بيته ما نقل عنه من الحديث (٣) ، إلى آخر كلامه الحسن.

كلام الشريف سراج الدين الرفاعي في صحاح الأخبار :

وقال الشريف الكبير محمّد سراج الدين الرفاعي في كتابه صحاح

____________________

(١) جامع مسانيد أبي حنيفة ـ دار الكتب العلميّة ـ ١ : ٢٢٢ ـ ٢٢٣، وانظر سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٥٧ / ١١٧، ملحقات إحقاق الحقّ للسيّد المرعشي ١٢ : ٢٠٧ - ٢٠٩ و١٩ : ٥١٤.

(٢) في النسختين : العلم.

(٣) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم‌السلام: ٢٢٢.


الأخبار المتقدّم ذكره (١) عند ذكره للإمام جعفر الصادق ما هذا لفظه : وقد نقل عنه الناس على اختلاف مذاهبهم ودياناتهم من العلوم ما سارت به الركبانوانتشر ذكره في البلدان، وقد جمع أسماء الرواة عنه فكانوا أربعة آلاف رجل ، إلى آخره كلامه (٢).

أقول : قد جمع أسماء من روى عنه جماعة منهم أحمد بن عقدة، وذكرهم أربعة آلاف، وأخرج لكلّ واحد منهم حديثاً أسنده عنه (٣) .

كلام أبي عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفيّة :

وقال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي (٤) في طبقات المشايخ الصوفيّة : جعفر الصادق فاق جميع أقرانه من أهل البيت، وهو ذو علم غزير في الدين، وزهد بالغ في الدنيا، وورع تام عن الشهوات، وأدب كامل في الحكمة.

وقال رضي‌الله‌عنه : من غرق في بحر المعرفة لم يقف في شطّ، ومن ترقى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حطّ، ومن آنس بالله توحّش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس (٥) .

وقال في قوله تعالى : ( قل هو الله أحد ) : «إنّ الحقائق مصونة عن

____________________

(١) في ص : ٣٦٠.

(٢) صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار : ٤٣.

(٣) راجع الذريعة للطهراني ١٠ : ٨٦ - ٨٧ / ١٦١.

(٤) محمّد بن الحسين بن محمّد بن موسى السلمي النيسابوري، روى عن الأصمّ، وروى عنه مشايخ البغداديين كالأزهري والبيهقي، توفّي سنة ٤١٢ هـ. الكامل في التاريخ ٩ : ٣٢٦، البداية والنهاية ١٢ : ١٤.

(٥) حكاه عنه في ينابيع المودّة ٣ : ١٦٠.


أن يبلغها وهم أو فهم، وإظهار ذلك بالحروف ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد» (١) انتهى (٢) .

كلام ابن حجر :

وذكره ابن حجر في الصواعق وقال : ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان، وروى عنه الأئمّة الأكابر (٣) . وذكرهم وذكر جملة من مكاشفاته وعلومه الغيبيّة فراجع صفحة ١٢٠ من المطبوع بمصر بالمطبعة الميمنيّة.

كلام ابن قتيبة :

وقال ابن قتيبة في كتاب أدب الكاتب : وكتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق بن محمّد الباقر رضي الله عنهما، فيه كلّ ما يحتاجون إلى علمه إلى يوم القيامة، وإلى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعرّي بقوله :

لقد عجبوا لآل البيت لمّا

آتاهم علمهم في جلد جفر

ومرآة المنجّم وهي صغرى

تريه كلّ عامرة وقفر (٤)

والجفر : من أولاد المعز ما بلغ أربعة أشهر وانفصل عن اُمّه، انتهى (٥) .

____________________

(١) حقائق التفسير المعروف بتفسير السلمي ٢ : ٤٣١.

(٢) انظر الملل والنحل للشهرستاني ١ : ٢٧٢، فصل الخطاب لخواجة بارسا (مخطوط) الورقة ١٩٧، ينابيع المودّة ٣ : ١٦٠، وملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ٢٢٧.

(٣) الصواعق المحرقة ـ نشر مؤسّسة الرسالة ـ ٢ : ٥٨٦.

(٤) لزوم ما لا يلزم ٢ : ٧٤٨، وفيه : مسك بدل : جلد.

(٥) عنه في حياة الحيوان للدميري ١ : ١٧٩، وينابيع المودّة ٣ : ٣٥٩. وانظر أدب الكاتب : ١٢٩، وتأويل مختلف الحديث : ٦٨،


وابن تيميّة يعترف بإمامة ابن قتيبة ويعتمد نقله.

وقد نصّ الإمام عليّ بن موسى الرضا على الجفر والجامعة في كتابته على العهد لمّا ولاّه المأمون ولاية العهد فكتب : «والجفر والجامعة يخبران أنّ هذا الأمر لا يتمّ» كما حكاه أئمّة التواريخ جميعاً (١) .

وقال ابن الصبّاغ في الفصول المهمّة والشبلنجي في نور الأبصار : وكان جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه مجاب الدعوة، إذا سأل الله شيئاً لا يتمّ قوله إلاّ وهو بين يديه (٢) .

ثمّ ذكروا له الكرامات الباهرة، والكلمات الزاهرة التي لا ينطق بها إلاّ الشارب من الينبوع النبوي، والحاوي بين جنبيه العلم اللاهوتي، فراجع حتّى تعرف نصب ابن تيميّة الحشوي المشبّه.

[كلامه في الإمام الكاظم عليه‌السلام ] :

فصل وأمّا تنقيص ابن تيميّة من الإمام موسى بن جعفر فمن وجوه :

منها : قوله في الصفحة المتقدّم ذكرها ما لفظه : وليس له كثير رواية، روى عن أبيه جعفر، وروى عنه أخوه عليّ، وروى له الترمذيّ وابن ماجة (٣) ، انتهى.

مع أنّ الأئمّة ذكروا له المسند وهو ألف حديث أسنده عن أبائه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

____________________

(١) الفخري في الآداب السلطانيّة للطقطقي : ٢١٥، المواقف للقاضي عضد الدين ٢ : ٦٠، ينابيع المودّة ٣ : ٢٠٤.

(٢) الفصول المهمّة : ٢٢٦ - ٢٢٧، نور الأبصار : ١٦١، إسعاف الراغبين ـ المطبوع في هامش نور الأبصار ـ : ٢٤٨، وانظر إحقاق الحقّ ١٢ : ٢٦٠.

(٣) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٥٦.


قال صاحب كشف الظنون ما لفظه : مسند الإمام موسى بن جعفر الكاظم رواه أبو نعيم الأصفهانيّ، وروى عنه المسند موسى بن إبراهيم (١) ، انتهى (٢) .

أقول : وهو المعروف اليوم بكتاب الجعفريات ، وأيضاً لأخيه عليّ ابن جعفر كتاب معروف رواه عن أخيه موسى بن جعفر (٣) ، والكتابان المسند وكتاب عليّ بن جعفر من الكتب المتواترة عند الشيعة.

كلام صاحب فصل الخطاب :

وقال السيد الكامل المحدّث محمّد خواجه پارسائي البخاري (٤) أسبق خلفاء خواجه محمّد البخاري شاه نقشبند (٥) في كتابه فصل الخطاب عند ذكره للإمام موسى بن جعفر : قال جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه : «هؤلاء أولادي وهذا

____________________

(١) مسند الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام مجموعة من الروايات المسندة المرفوعة إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسندها الإمام الكاظم عليه‌السلام بطريق آبائه عليهم‌السلام إليه، رواها عنه موسى بن إبراهيم أبو عمران المروزي البغدادي معلّم ولد السندي، سمعها من الإمام عند ماكان سجيناً في سجن هارون العبّاسي. الفهرست للشيخ الطوسي : ٤٥٤ / ٧٢٢

(٢) كشف الظنون ٢ : ١٦٨٢.

(٣) المعروف بكتاب مسائل علي بن جعفر، ذكر الشيخ الطوسي علي بن جعفرفي أصحاب الإمام الكاظم عليه‌السلام فقال : أخوه، له كتاب ما سأله عنه. رجال الشيخ الطوسي : ٣٣٩ / ٥.

(٤) محمّد بن محمّد بن محمود بن محمّد، شمس الدين الجعفري البخاري، فقيه حنفي مفسّر ، من أهل بخارى، جاور بمكّة ومات بها أو بالمدينة سنة ٨٢٢ هـ. الضوء اللامع ١٠ : ٢٠ / ١٥٧، الأعلام للزركلي ٧ : ٤٤.

(٥) محمّد بن محمّد بهاء الدين المعروف بشاه نقشبند البخاري، مؤسّس الطريقة النقشبنديّة المنتشرة في تركيا وسوريا وآسية الوسطى، توفّي سنة ٧٩١ هـ. طبقات الصوفيّة ٤ : ٢٣٩ / ١٩٤، كشف الظنون ١ : ٤٨٨ و ٨٨٢.


سيّدهم» وأشار إلى ابنه الكاظم (١) .

وقال أيضاً : «هو باب من أبواب الله تعالى يخرج الله تبارك وتعالى منه غوث هذه الاُمّة ونور الملّة وخير مولود ناشئ» (٢) .

وروى المأمون عن أبيه الرشيد أنّه قال لبنيه في حقّ موسى الكاظم : هذا إمام الناس، وحجّة الله على خلقه، وخليفته على عباده... أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر، وأنه والله لأحقّ بمقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منّي ومن الخلق جميعاً، ووالله لو نازعني في هذا الأمر لآخذن بالذي فيه عيناه فإنّ الملك عقيم.

وقال الرشيد للمأمون : يا بني هذا وارث علم النبيين، هذا موسى بن جعفر، إن أردت العلم الصحيح تجد عند هذا. قال المأمون : من حينئذ انغرس في قلبي حبّه. انتهى ما في فصل الخطاب (٣) بلفظه بحروفه، وأخرجه في ينابيع المودّة القندوزي (٤) فراجع.

وقال الشيخ المحدّث نور الدين بن الصبّاغ المالكي : قال بعض أهل العلم : الكاظم هو الإمام الكبير القدر الأوجه، الحجّة الحبر، الساهر ليله قائماً، القاطع نهاره صائماً، المسمّى لفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين كاظماً، وهو المعروف عند أهل العراق بباب الحوائج إلى الله، وذلك لنجح حوائج المتوسّلين به (٥) ، انتهى.

____________________

(١) الإمامة والتبصرة : ٢١٥ / ٦٨، الكافي ١ : ٣١٣ / ١٤، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٩ / ٩.

(٢) الإمامة والتبصرة : ٢١٦، الكافي ١ : ٣١٤، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٧٤ ب ٧ ح ١١.

(٣) فصل الخطاب (مخطوط) الوقة : ١٩٨.

(٤) ينابيع المودّة ٣ : ١٦٥.

(٥) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة : ٢٣١.


أقول : بعض أهل العلم هو الإمام محمّد بن طلحة الشافعي رأيته ذكر ذلك في أوّل الباب السابع من كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (١) ، وهذان الشيخان من أئمّة علماء السنّة.

كلام ابن حجـر :

وقال العلاّمة ابن حجر في الصواعق في صفحة ١٢١ من المطبوع بالمطبعة الميمنيّة ما هذا لفظه : موسى الكاظم وهو وارث أبيه علماً ومعرفةً وكمالا وفضلا، سمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله، وكان أعبد أهل زمانه (٢) .

فلماذا ينقص من شأنه ابن تيميّة ولا يساويه بسائر أهل عصره من الرواة، وهو باب الله وغوث الاُمّة وسيّد الأئمّة!!.

ومنها : تكذيب ابن تيميّة الحكاية المشهورة عن شقيق البلخي (٣) مع الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام .

قال ابن تيميّة في صفحة ١٢٥ من الجزء الثاني من منهاج السنّة قال : إنّها كذب، فإنّ هذه الحكاية تخالف المعروف من حال موسى بن جعفر، وموسى كان مقيماً بالمدينة بعد موت أبيه جعفر سنة ثمان وأربعين، ولم يكن قد جاء إذ ذاك إلى العراق حتّى يكون بالقادسيّة، ولم يكن أيضاً ممّن ينزل منفرداً على هذه الحالة لشهرته وكثرة من يغشاه وإجلال الناس له وهو

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٤٤٧.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٠، ينابيع المودّة ٣ : ١١٧ / ٦٣.

(٣) أبو علي شقيق بن إبراهيم بن علي الأزديّ البلخيّ، من مشايخ خراسان أخذ عن إبراهيم بن أدهم واستاذ حاتم الأصمّ، توفّي سنة ١٩٤ هـ حلية الأولياء ٨ : ٥٨ / ٢٩٥.


معروف ومتّهم أيضاً بالملك، ولذلك أخذه المهدي ثمّ الرشيد إلى بغداد، انتهى (١) .

وكل هذه التعسّفات لمحض العناد وإنكار فضل الإمام موسى بن جعفر، وإلاّ فقد حكى العلماء في مصنّفات السير والتواريخ والمناقب مجيء الإمام موسى بن جعفر إلى العراق أيّام المنصور الدوانيقي أبي المهدي.

قال ابن شهر آشوب في كتاب المناقب في الباب المتعلّق بالإمام موسى ابن جعفر عليهما‌السلام ما لفظه بحروفه : إنّ المنصور تقدّم إلى موسى بن جعفر بالجلوس للتهنئة في يوم النيروز وقبض ما يحمل إليه، فقال الإمام موسى : «إنّي قد فتشت الأخبار عن جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أجد لهذا العيد خبراً، وأنّه سنّة للفرس، ومحاها الإسلام، ومعاذ الله أن نحيي ما محاه الإسلام» فقال المنصور : إنّما نفعل هذا سياسة للجند، فسألتك بالله العظيم إلاّ جلسـت. ودخلت عليه الملوك والاُمراء والأجناد يهنئونه ويحملون إليه الهدايا والتحف، وعلى رأسه خادم المنصور يحصي ما يحمل، فدخل في آخر الناس رجل شيخ كبير السنّ فقال له : يا ابن بنت رسول الله إنّني رجل صعلوك لا مال لي أتحفك ولكن أتحفك بثلاثة أبيات قالها جدّي في جدّك الحسين بن علي عليه‌السلام :

عجبت لمصقول علاك فرنده

يوم الهياج وقد علاك غبار

ولا سهم نفذتك دون حرائر

يدعون جدّك والدموع غزار

إلاّ تغضغضت السهام وعاقها

عن جسمك الإجلال والإكبار

قال عليه‌السلام : «قبلت هديتك أجلس بارك الله فيك» ورفع رأسه إلى

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٥٧.


الخادم وقال : «امض إلى أمير المؤمنين وعرفه بهذا المال وما يصنع به» فمضى الخادم وعاد وهو يقول : كلّه هبة منّي له يفعل به ما أراد. فقال موسى للشيخ : «اقبض جميع هذا المال فهو هبة منّي لك» (١) .

أقول : لكنّني لم أقف على ما يدلّ أنّ المنصور كان طلبه إلى الحيرة بعد وفاة أبيه الصادق، أو أنّه هو جاءه.

ويشهد أن حديث شقيق كان في هذه السفرة للكاظم قول شقيق : فنظرت إلى فتى حسن الوجه، كما في رواية ابن طلحة (٢) ، أو : شاب حسن الوجه، كما في رواية سبط بن الجوزي (٣) ، لأنّ تولده سنة ثمان وعشرين ومائة، فيكون عمره سنة تسع وأربعين أحداً وعشرين سنة.

وأيضاً فإنّ الذين رووا هذا الحديث عن شقيق من شيوخ الحديث وهم أعرف من ابن تيميّة بالتواريخ.

أسماء الحفّاظ وأئمّة الحديث الذين رووا قصّة شقيق البلخي :

قال سبط بن الجوزي في التذكرة عند روايته ذلك : أخبرنا أبو محمّد البزّاز، أنبأنا أبو الفضل بن ناصر، أنبأنا محمّد بن عبد الملك والمبارك بن عبدالجبّار الصرفي قالا : أنبأنا عبد الله بن أحمد بن عثمان، أنبأنا محمّد بن عبدالرحمن الشيبانيّ : أنّ عليّ بن محمّد بن الزبير البجلي حدّثهم قال : أنبأنا هشام بن حاتم الأصمّ، عن أبيه قال : حدّثني شقيق البلخي... إلى آخره (٤) .

____________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ٣١٨.

(٢) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ٤٤٨.

(٣) تذكرة الخواص : ٣١٢ - ٣١٣.

(٤) نفس المصدر : ٣١٢.


ورواه محمّد بن طلحة الشافعيّ عن هشام بن حاتم، عن أبيه حاتم الأصمّ، عن شقيق (١) .

وقال العلاّمة ابن حجر في الصواعق : ومن بديع كراماته ما حكاه ابن الجوزي والرامهرمزي وغيرهما عن شقيق البلخي. وذكر القصّة (٢) .

ورواه الإمام نور الدين بن الصبّاغ المالكي من طريق هشام بن حاتم الأصمّ ثمّ قال ما لفظه بحروفه : وهذه الحكاية رواها جماعة من أهل التأليف، رواها ابن الجوزي في كتابه مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن (٣) ، ورواها الحافظ عبد العزيز بن الخضر الجنابذي البغدادي الحنبلي (٤) في كتابه معالم العترة النبويّة ومعارف أهل بيت الفاطميّة، ورواها الرامهرمزي قاضي القضاة (٥) في كرامات الأولياء (٦) ، انتهى.

____________________

(١) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ٤٤٩ - ٤٥٠.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩١.

(٣) مثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ٢ : ١٦٦ / ٣٦٤.

(٤) المحدّث الحافظ أبو محمّد عبد العزيز بن نصر بن المبارك الجنابذيّ، المعروف بـ : ابن الأخضر، وجنابذ ناحية بنيسابور، ولد سنة ٥٢٤ هـ وتوفّي سنة ٦١١ هـ . سير أعلام النبلاء ٣١ : ٢٦.

(٥) الحسن بن عبد الرحمن بن خلاّد الرامهرمزيّ الفارسيّ، أبو محمّد، محدّث العجم في زمانه، من اُدباء القضاة، اتّصل بالوزير المهلّبي، له : أمثال الحديث، والمحدّث الفاصل بين الراوي والواعي وغيرهما، توفّي نحو ٣٦٠ هـ. الأعلام للزركلي ٢ : ١٩٤.

(٦) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة : ٢٣٣ - ٢٣٤، وراجع أيضاً تذكرة الخواص : ٣١٢ - ٣١٣، صفوة الصفوة ٢ : ١٨٥، مفتاح النجاة للبدخشي : ١٧٢، إسعاف الراغبين (هامش نور الأبصار) : ٢٤٧، الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٤٩، ملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ٣١٤ و ١٩ : ٥٤٥.


فهل يبقى للمؤمن المنصف ريب في صحّة الحكاية بعد رواية هؤلاء المشايخ الفقهاء الحفّاظ الأئمّة في فنون الحديث إلاّ أن يكون في قلبه مرض النفاق والبغض لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ هذا الحشويّ اعتمد في عقيدته في الحشو والتشبيه أحاديث لم يعتمدها واحد من مثل هؤلاء الأعاظـم المحدّثين، والحمد لله الذي أخزاه وحرمه محبّة العترة ومودّة القربى الطاهرين من آل خير المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبعد ما بينّاه من مجيئه عليه‌السلام إلى العراق أيّام المنصور ورواية الحفّاظ لتلك الكرامة بالإسناد والاستفاضة، تعرف باقي ما ذكره ابن تيميّة ممّا تضحك منه الثكلى، فإنّ الأولياء إذا أرادوا العزلة في السفر إلى بيت الله قدروا عليه بكلّ وجه كما هو المنقول عن آباء موسى بن جعفر كالإمام زين العابدين (١) بل والحسن بن أمير المؤمنين (٢) ، كما يظهر لمن راجع السير والتواريخ، على أنّ تاريخ القصّة سنة تسع وأربعين ومائة بعد موت أبيه بسنة في أيّام المنصور، فإنّه عاش إلى آخر سنة ثمان وخمسين ومائة، فأين الاتّهام بالملك ما أحمقك! إنّما ذلك في أيّام المهدي والرشيد لا في سطوة المنصور وشوكته، فإنّ الإمام موسى كان ابن أحد وعشرين سنة يوم كانت قصته مع شقيق كما عرفت فلا مجال للاتّهام بالملك أيام المنصور، لكن لايعرف ابن تيميّة قبح العثرة; لأنّ الله أصمّه وأعماه وأضلّه وجعله مثلا بين العوام.

____________________

(١و٢) انظر المناقب لابن شهر آشوب ٤ : ١٣٧، وتاريخ دمشق ١٣ : ٢٤٢، وحلية الأولياء ٢ : ٣٧، ذخائر العقبى : ١٤٧، صفوة الصفوة ١ : ٣٢٠، تذكرة الخواص : ١٧٥، البداية والنهاية ٨ : ٤٠.


انكار ابن تيميّة توبة بشر الحافي

على يد الإمام موسى بن جعفر عليهما‌السلام والجواب عنها

ومنها : وهي أشنعها على ابن تيميّة قوله في الصفحة المذكورة بعد الذي نقلناه ما لفظه : وأمّا قوله يعني ابن المطهّر تاب على يده بشر الحافي (١) فمن أكاذيب من لا يعرف حاله وحال بشر، فإنّ موسى بن جعفر لما قدم به الرشيد إلى العراق حبسه، فلم يكن ممّن يجتاز على دار بشر وأمثاله من العامّة (٢) ، انتهى.

يا محروم! قد جاء الإمام موسى بن جعفر إلى بغداد في أيّام المهدي مرّتين، وجاء في أيام الرشيد كذلك، ولم يكن يحبس بحيث لا يخرج إلاّ في المرّة الأخيرة (٣) ، روى الشريف المرتضى الموسوي في الغرر والديلمي في أعلام الدين عن أبي عبد الله (٤) ، بإسناده عن أيوب الهاشمي أنّه حضر باب الرشيد رجل يقال له : نفيع الأنصاري، وحضر موسى بن جعفر على حمار له، فتلقّاه الحاجب بالإكرام وعجّل له بالإذن، فسأل نفيع عبد العزيز ابن عمر : من هذا الشيخ؟ قال : شيخ آل أبي طالب، شيخ آل محمّد، هذا موسى بن جعفر. قال : ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل

____________________

(١) بشر بن حارث المروزيّ الحافي ، أبو نصر ، عارف زاهد ، كان من أبناء خراسان من أهل مرو وانتقل إلى بغداد ، وكان من المنغمسين في الملاهي والملذّات فتاب على يد الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه‌السلام ، توفّي في بغداد سنة ٢٢٧ هـ . موسوعة مؤلّفي الإماميّة ١ : ١٨٩ .

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٥٧.

(٣) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ٦ : ٨٥.

(٤) في المصدر : أبو عبيد الله المرزباني.


يقدر أن يزيلهم عن السرير، أما إن خرج لأسوأنّه. فقال له عبد العزيز : لا تفعل، فإنّ هؤلاء أهل بيت قلّ ما تعرّض لهم أحد في الخطاب إلاّ وسموه في الجواب سمة يبقى عارها عليه مدى الدهر. قال : وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال : من أنت يا هذا؟ قال : «يا هذا إن تريد النسب أنا ابن محمّد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين وعليك ـ إن كنت منهم الحجّ إليه، وان كنت تريد المفاخرة والله ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفائهم حتّى قالوا : يا محمّد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش، وإن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول : اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد فنحن آل محمّد، خلّ عن الحمار» فخلّى عنه ويده ترعد وانصرف مخزيّاً، فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك (١) .

وشاهد آخر : روى أبو عمرو الكشّي في تاريخ الرواة قال ما هذا لفظه : وجدت بخطّ محمّد بن الحسن بن بندار، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد ابن سالم قال : لمّا حمل سيدي موسى بن جعفر إلى هارون جاء إليه هشام ابن إبراهيم العبّاسي فقال له : يا سيدي قد كتب لي صك إلى الفضل ابن يونس فأسألك أن تسأله أن يروج أمري. قال : فركب إليه أبو الحسن موسى، فدخل عليه حاجبه فقال : يا سيدي أبو الحسن موسى بالباب، فقال : فإن كنت صادقاً فأنت حرّ ولك كذا وكذا، فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتّى خرج إليه، فوقع على قدميه يقبّلهما، ثمّ سأله أن يدخل،

____________________

(١) غرر الفوائد ودرر القلائد المعروف بـ : أمالي المرتضى ١ : ٢٧٥، أعلام الدين في صفات المؤمنين : ٣٠٥.


فدخل فقال له : «اقض حاجة هشام بن إبراهيم» فقضاها، ثمّ قال : يا سيدي قد حضر الغدا فتكرمني أن تتغدى. فقال : «هات المائدة» وعليها البوارد فأجال يده في البارد ثمّ قال : «البارد تجال اليد فيه» فلمّا رفع البارد جاء بالحار فقال أبو الحسن : «الحار حمى» (١) .

أقول : ولو أردنا استقصاء ما يدل على أنّه عليه‌السلام كان في بعض تلك الأيّام غير محبوس لطال المقام، مثل ما في كتاب العيون لأبي جعفر محمّد ابن عليّ بن موسى القمي، عن الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن محمّد ابن الحسين المدني، عن عبدالله بن الفضل، عن أبيه الفضل قال : كنت أحجب للرشيد فأقبل علي يوماً غضباناً وبيده سيف يقلّبه، فقال : يا فضل بقرابتي من رسول الله لئن لم تأتني بابن عمّي لأخذت الذي فيه عيناك. فقلت : بمن أجيئك؟ فقال : هذا الحجازي. قلت : وأي الحجازيين؟ قال : موسى بن جعفر، إلى أن قال : ومضيت إلى منزل أبي إبراهيم موسى بن جعفر، فأتيت إلى خربة فيها كوخ من جرايد النخل، فإذا أنا بغلام أسود، فقلت له : استأذن لي على مولاك يرحمك الله، فقال لي : لج ليس له حاجب ولا بوّاب، فولجت إليه فإذا أنا بغلام أسود بيده مقصّ يأخذ اللحم من جبينه وعرنين أنفه من كثرة سجوده، إلى آخر الحديث، وهو حديث طويل فراجعه (٢) .

بل في جملة من التواريخ أن في بعض إتيانه إلى بغداد كان معه بعض نسائه وبعض ولده، وأنّه لمّا رجع أبو الحسن موسى من بغداد ومضى يريد المدينة ماتت له ابنة بـ (فيد) (٣) ، فدفنها، وأمر بعض مواليه أن يجصص

____________________

(١) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) ٢ : ٧٩٠ / ٩٥٦.

(٢) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٦٢ - ٦٣ / ٥.

(٣) فيد : بليدة في نصف طريق مكّة من الكوفة عامرة. معجم البلدان ٤ : ٢٨٢.


قبرها، ويكتب على لوح اسمها ويجعله في القبر (١) .

في تنقيص ابن تيميّة من الإمام عليّ الرضا عليه‌السلام :

فصل : في تنقيص ابن تيميّة من الإمام عليّ بن موسى الرضا رضي الله تعالى عنهما.

منها : ما في صفحة ١٢٥ من الجزء الثاني من منهاج السنّة : أمّا قوله : كان أزهد الناس وأعلمهم فدعوى مجرّدة بلا دليل، فكلّ من غلا في شخص أمكنه أن يدّعي له هذه الدعوى، كيف والناس يعلمون أنّه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه كالشافعي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد ابن حنبل، وأشهب بن عبد العزيز، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، وأمثال هؤلاء، هذا ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئاً، ولا روى له حديثاً في كتب السنّة، وإنّما يروي له أبو الصلت الهروي وأمثاله نسخاً عن آبائه فيها من الأكاذيب ما نزّه الله عنه الصادقين منهم (٢) ، انتهى.

أقول : أوّلا ستعرف أنّ كلّ هذا النفي كذب وعناد، وأئمّة السنّة ذكروا ما ذكره ابن المطهّر في الإمام الرضا، فلا نشكّ أن كلام ابن تيميّة هذا في الإمام عليّ الرضا إيذاء لرسول الله الذي قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من آذى شعرة منّي فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى» أخرجه السيوطي في الجامع الصغير وذكر أنّ ابن عساكر رواه عن عليّ (٣) ، لكن ابن تيميّة من ذرية الخوارج،

____________________

(١) الكافي ٣ : ٢٠٢ / ٣، وانظر تاريخ بغداد ١٣ : ٢٧ / ٦٩٨٧، مروج الذهب ٣ : ٣٤٦.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٦٠ - ٦١.

(٣) الجامع الصغير ٢ : ٥٤٧ / ٨٢٦٧، تاريخ دمشق ٥٤ : ٣٨ / ٦٧٨٨.


وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الودّ يتوارث والبغض يتوارث» رواه الطبراني في الكبير والحاكم عن عفير (١) .

وأخرج أبو سعيد (٢) والملاّ (٣) في سيرته عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «استوصوا بأهل بيتي خيراً، فإنّي اُخاصمكم عنهم غداً، ومن أكن خصمه أخصمه، ومن أخصمه دخل النار» (٤) وهذا ابن تيميّة كما ترى لا يصبر على سماع فضيلة لأهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما أنكره ابن تيميّة من فضل الإمام الرضا عليه‌السلام ثابت بلا ريب، وأنا أنقل ما قاله الأئمّة الأعلام من علماء الإسلام.

قال السيّد الكامل المحدّث محمّد خواجه پارسائي البخاري أسبق خلفاء خواجه محمّد البخاري شاه نقشبند(قدس سرهما) في كتابه فصل الخطاب قالت أُمّ الإمام عليّ بن موسى الرضا : لمّا حملت بابني عليّ الرضا لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتحميداً وتهليلا من بطني، فلمّا وضعته وقع إلى الأرض واضعاً يده على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء

____________________

(١) المعجم الكبير ١٧ : ١٨٩ / ٥٠٧، المستدرك للحاكم ٤ : ١٧٩.

(٢) عبد الملك بن محمّد بن إبراهيم الخركوشي النيشابوري الواعظ، وخركوش سكّة بنيشابور، سمع بدمشق وببغداد ومكّة، روى عنه الحاكم ومدحه، توفّي سنة ٤٠٦ أو ٤٠٧ هـ، له كتاب شرف المصطفى وغيره. سير أعلام النبلاء ١٧ : ٢٥٦ / ١٥٣.

(٣) عمر بن محمّد بن خضر الإربلي الموصلي، أبو حفص معين الدين، المعروف بالملاّ; لأنّه كان يملأ تنانير الآجر ويأخذ الاُجرة، شيخ الموصل، له أخبار مع نورالدين محمود بن زنگي، صنّف كتاب وسيلة المتعبّدين في سيرة سيد المرسلين، توفّي سنة ٥٧٠ أو ٥٧٨ هـ. الأعلام للزركلي ٥ : ٦٠ - ٦١.

(٤) شرف المصطفى ١ : ٢٩٩ / ٢٢٤٦، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى : ٢٨، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١ و ٦٥٧، ينابيع الموددّة ٢ : ١١٥، ٣٢٤.


محرّكاً شفتيه كأنّه يناجي ربّه، فدخل أبوه فقال لي : «هنيئاً لك كرامة ربّك عزّوجلّ» فناولته إيّاه، فأذّن في اُذنه اليمنى وأقام في اُذنه اليسرى، فحنّكه بماء الفرات.

ثمّ قال المحدّث البخاري : وعن موسى الكاظم أنّه قال : «رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين عليّ رضي‌الله‌عنه معه، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا موسى ابنك ينظر بنور الله عزّوجلّ، وينطق بالحكمة، يصيب ولا يخطئ، يعلم ولا يجهل، قدمُلِئ وحكماً» (١) .

وقد نقل ذلك حافظ عصره عبد الحقّ الدهلوي في رسالة أحوال الأئمّة الأطهار، والمولوي مبين الكهنوي في وسيلة النجاة، والمولوي ولي الله اللكهنوي في مرآة المؤمنين، ورشيد الدين في الإيضاح، والجامي في شواهد النبوّة (٢) .

ثمّ حكى في فصل الخطاب : إنّه عرض المأمون عليه الخلافة فأبى، قال : وجرت في ذلك مخاطبات كثيرة، وألحّ عليه المأمون مرّة بعد أُخرى، وفي كلّها يأبى، وقال : «بالعبوديّة لله أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى» وكلّما ألحّ عليه يقول : «اللهمّ لا عهد إلاّ عهدك، ولا ولاية إلاّمن قبلك، فوفقني لإقامة دينك وإحياء سنّة نبيّك، فإنّك نعم المولى ونعم النصير»...

فقال المأمون : إن لم تقبل الخلافة فكن وليّ عهدي، فأبى أيضاً

____________________

(١) فصل الخطاب (مخطوط) الورقة : ١٩٩، وعنه في ينابيع المودّة ٣ : ١٦٦، وانظر اُصول الكافي ١ : ٢١ / ٩، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٣٢، الإمامة والتبصرة : ٢١٥ / ٦٨، ملحقات إحقاق الحقّ ١٢ : ٣٥١.

(٢) شواهد النبوة : ٢٥٨، وانظر إحقاق الحقّ ١٢ : ٣٥١ - ٣٥٢.


وقال : «لقد حدّثني أبي، عن آبائه، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّي أخرج من الدنيا قبلك مظلوماً تبكي عليَّ ملائكة السماء والأرض، وأُدفن في أرض الغربة»...

ثمّ ألحّ المأمون إلحاحاً كثيراً فقبل ولاية العهد وهو باك حزين، على شرط أن لا ينصب أحداً معزولا ولا يعزل أحداً منصوباً، فرضى المأمون ذلك الشرط، وجعله ولي عهده، قال : ونظر المأمون إلى أولاد العبّاس وهم ثلاثة وثلاثين ألفاً من كبير وصغير، ونظر إلى أولاد عليّ رضي‌الله‌عنه فلم يجد أحداً أحقّ بالخلافة من عليّ الرضا رضي‌الله‌عنه(١) .

أقول : ولهذا كتب في العهد بيده : ولم أزل منذ افضت إلى الخلافة أنظر فيمن اُقلّده أمرها، واجتهد فيم اُوليه عهدها، فلم أجد من يصلح لها إلاّ أباالحسن علي بن موسى الرضا، لمّا رأيت من فضله البارع، وعلمه النافع، وورعه الباطن والظاهر، وتخليته عن الدنيا وأهلها، وميله إلى الآخرة وإيثاره لها، وقد تحقّق عندي وتيقّنت فيه ما الأخبار عليه متواطئة والألسن متّفقة، فعقدت له العهد واثقاً بخيرة الله في ذلك، نظراً للمسلمين، وإيثاراً لإقامة شعائر الدين، وطلب النجاة يوم يقوم الناس لربّ العالمين، وكتب عبد الله بخطّه لسبع خلون من شهر رمضان ٢٠١، وقد بايع أهل بيتي وخاصّتي وولدي وأهلي وجندي وعبيدي، اللهمّ صلِّ على سيدنا محمّد وآله، والسلام (٢) .

أقول : فإذا كان رسـول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لموسى بن جعفر في المنـام :

____________________

(١) فصل الخطاب (مخطوط) الورقة : ١٩٩، وانظر عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٣٨ / ٣، وينابيع المودّة ٣ : ١٦٧.

(٢) تذكرة الخواص : ٣١٧.


«يا موسى ابنك ينظر بنور الله عزّوجلّ، وينطق بالحكمة يصيب ولا يخطئ، يعلمولا يجهل، قد مُلِئ وحكماً»، والمأمون يقول : وتيقّنت فيه ما الأخبار عليه متواطئة والألسن عليه متّفقة، وما شرحه من زهده وعلمه، كيف لا يكون أزهد الناس وأعلمهم، ومن يقاس به بعد ذلك؟!

وقد ذكر ابن الأثير أنّه المجدّد في رأس المأتين (١) .

وقال ابن الصبّاغ في الفصل الثامن ما لفظه : وقال الشيخ كمال الدين ابن طلحة : قد تقدّم القول في أمير المؤمنين عليّ وفي زين العابدين عليّ وجاء هذاعلي الرضا ثالثهما، ومن أمعن النظر والفكر وجده في الحقيقة وارثهما، فيحكم كونه ثالث العليّين، نما إيمانه، وعلا شأنه، وارتفع مكانه، واتّسع إمكانه، وكثر أعوانه، وظهر برهانه (٢) ، إلى آخره.

وقد وجدت هذا اللفظ أنا أيضاً في كتاب مطالب السؤول لمحمّد ابن طلحة في الباب الثامن منه (٣) ، فإذا كان الرضا ثالث العليّين عند أهل التفكّر كيف يكون دعوى أنّه أزهد أهل زمانه وأعلمهم غلوّاً فيه؟!

وذكر في الفصـول المهمّة جملة من مناقبه، ثمّ قال : قال إبراهيم بن العبّاس (٤) : ما رأيت الرضا سئل عن شيء إلاّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره، وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء فيجيبه الجواب الشافي، وكان قليل النوم، كثير الصوم، لا يفوته صوم

____________________

(١) جامع الاُصول في أحاديث الرسول ١٢ : ٢٢١.

(٢) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم‌السلام: ٢٤٣.

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عليهم‌السلام: ٤٥٥.

(٤) الصولي، أبو إسحاق الكاتب، كاتب العراق في عصره، أصله من خراسان، نشأ في بغدادفتأدّب ، وقرّبه الخلفاء فكان كاتباً للمعتصم والواثق والمتوكّل، توفّي سنة ٢٤٣ هـ. أعيان الشيعة ١ : ١٦٨، الأعلام للزركلي ١ : ٤٥.


ثلاث أيّام من كلّ شهر ويقول : «ذلك صيام الدهر» (١) ، وكان كثير المعروف والصدقة سرّاً، وأكثر ما يكون منه ذلك في الليالي المظلمة، وكان جلوسه في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح (٢) .

أقول : هذه شهادة صريحة بأنّ الرضا كان أعلم أهل زمانه وأزهدهم رغماًعلى أنف ابن تيميّة، ومنه يعلم كذبه في قوله : والناس يعلمون أنّه كان في زمانه من هو أعلم منه وأزهد منه.

وقال الشيخ الشبراوي في الإتحاف : ويقال إنّ عليّاً الرضا أعتق ألف مملوك، وكان صاحب وضوء، وصلّى ليله كلّه يتوضّأ ويصلّي ويرقد، ثمّ يقوم فيتوضأ ويصلّي ويرقد وهكذا إلى الصباح.

إلى أن قال : كراماته أكثر من تحصر وأشهر من أن تذكر (٣) . ثمّ ذكر جملة منها مسندة، وفيها الأخبار بجملة من المغيّبات التي وقعت بعد ذلك، فراجعه حتّى تعرف نصب ابن تيميّة المخذول.

وأمّا قوله : ولم يأخذ عنه أحد من أهل العلم بالحديث شيئاً ولا روي له حديثاً في كتب السنّة وإنّما يروي له أبو الصلت الهروي (٤) ، إلى آخره.

أقول : فهذا من أقبح الكذب وأشنع النصب وإنكار للمعلوم بالضرورة.

____________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ١٨٢ - ١٨٣ / ٧.

(٢) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة عليهم‌السلام: ٢٥١.

(٣) الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٥٥ - ١٥٦.

(٤) عبد السلام بن صالح بن سليمان الهروي، مولى قريش، العالم العابد له فضل وجلالة، روى عن الإمام علي الرضا عليه‌السلام ، ومالك، وحمّاد بن زيد، وروى عنه أحمد بن سيار، ومحمّد بن رافع، توفّي سنة ٢٣٦ هـ. سير أعلام النبلاء ١١ : ٤٤٦ / ١٠٣.


قال محقّق علماء السنّة لسان صاحب التحفة الاثنى عشرية عديم العديل والقرين عندهم المولوي محمّد رشيد الدين (١) صاحب كتاب الشوكة العمريّة في كتابه الإيضاح في طي كلام له ما ترجمته : هذه أكثر أهل السنّة روواعن الإمام الرضا، كما أنّ صاحب مفتاح النجاة ذكر في ترجمته إنّه روى عن إسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وعبد الله بن عياش القزويني، وداوُد ابن سليمان، وأحمد بن حرب، ومحمّد بن أسلم، وخلق غيرهم، وروى له ابن ماجة (٢) .

ثمّ قال رشيد الدين : واستفاد من الإمام الرضا أعاظم الصوفية من السنّة مثل : شقيق البلخي، ومعروف الكرخي.

ثمّ قال : وكتب تفسير أهل السنّة مثل التفسير الكبير الذي هو ألف جزء تفسير الشاهي (٣) وغيرها مملوّة من الروايات عنه، وهذا لا يكون إلاّ أن يكون الرضا من أئمّة السنّة لا الشيعة (٤) ، انتهى.

وقال سبط بن الجوزي في التذكرة : قال الواقدي : سمع عليّ الرضا عليه‌السلام الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم، وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة، وهو من الطبقة الثامنة من التابعين من أهل المدينة.

____________________

(١) الدهلوي المتوفّي سنة ١٢٤٣ هـ، ترجمه صاحب نزهة الخواطر وأثنى عليه، له : إيضاح لطافة المقال. نزهة الخواطر ٧ : ١٨٠ / ٣١٥.

(٢) انظر سير أعلام النبلاء ٩ : ٣٨٩ / ١٢٥.

(٣) لمحمّد بن صفي الدين جعفر، المعروف بمحبوب العالم وأبيه المعروف ببدر العالم. الغدير ١ : ١٤٠ / ٣١٦.

(٤) انظر عبقات الأنوار ٩ : ٢٠٩ و ١١ : ٨٣٩ و ١٦ : ٣٥٢ القسم الأول، نفحات الأزهار ١٠ : ١٥٩.


وذكر عبد الله بن أحمد المقدسي (١) في كتابه أنساب القرشيين نسخة يرويها عليّ بن موسى الرضا، عن أبيه موسى، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمّد، عن أبيه عليّ، عن أبيه الحسين عن أبيه عليّ عليه‌السلام إسناد لو قرئ على مجنون برئ (٢) ، انتهى موضع الحاجة من كلام التذكرة (٣) .

وقال الإمام أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوري في كتابه تاريخ (٤) نيسابور الذي ذكر فيه من ورد خراسان من الصحابة والتابعين، ومن استوطنها، واستقصى ذكرهم، ثمّ أتباع التابعين، ثم القرن الثالث والرابع،جعل كلّ طبقة منهم إلى ستّ طبقات، ورتّب قرن كلّ عصر على حدة على الحروف، فذكر الإمام الرضا عليّ بن موسى، وأنّه لمّا دخل نيسابوركان في قبّة مستورة على بغلة شهباء، وقد شقّ بها السوق، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة (٥) [وابن أسلم]الطوسي (٦) ومعهما من أهل العلموالحديث ما لا يحصى، فقالا : يا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمّة

____________________

(١) عبد الله بن أحمد بن محمّد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي، موفق الدين أبومحمّد، ولد بجماعيل من قرى نابلس بفلسطين، رحل إلى دمشق وبغداد، توفّي سنة ٦٢٠ هـ. سير أعلام النبلاء ٢٢ : ١٦٥ / ١١٢، شذرات الذهب ٥ : ٨٨.

(٢) التبيين في أنساب القرشيين : ١١٠ - ١١١.

(٣) تذكرة الخواص : ٣١٥.

(٤) في النسختين : تواريخ والمثبت من المصادر.

(٥) عبد الله بن عبد الكريم بن يزيد بن فروخ المخزومي بالولاء الرازي، من حفّاظ الحديث، الأئمّة، من أهل الري زار بغداد وحدّث بها، توفّي بالري سنة ٢٦٤ هـ. الأعلام للزركلي ٤ : ١٩٤.

(٦) وفي النسختين : أبو مسلم والمثبت من المصادر. وهو أبو الحسن محمّد بن أسلم ابن يزيد الكندي مولاهم الطوسي، من الحفّاظ والمحدّثين المشهورين، اشتهر بالصلاح، ونعته الذهبي بشيخ المشرق، له المسند وغيره، توفّي سنة ٢٤٢ هـ. حلية الأولياء ٩ : ٢٣٨ / ٤٤٧، الأعلام للزركلي ٦ : ٣٤.


بحقّ آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلاّ ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك نذكرك به، فاستوقف غلمانه، وأمر بكشف المظلّة، وأقرّ عيون الخلائق برؤيته وطلعته، وإذا له ذؤابتان معلّقتان على عاتقه ، والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصارخ ومتمرّغ في التراب ومقبل حافر بغلته، وعَلا الضجيج، فصاحت الأئمّة الأعلام : معاشرالناس انصتوا واسمعوا ما ينفعكم، ولا تؤذونا بصراخكم، وكان المستملي أبا زرعة ومحمّد بن أسلم الطوسي، فقال عليّ الرضارضي‌الله‌عنه: «حدّثني أبي موسى الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمّد الباقر، عن أبيه عليّ زين العابدين ، عن أبيه شهيد كربلاء، عن أبيه عليّ المرتضى قال : حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : حدّثني جبرائيل عليه‌السلام قال : حدّثني ربّ العزّة سبحانه وتعالى، قال : كلمة لا إله إلاّ الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي»، ثمّ أرخى الستر على المظلّة وسار، قال : فعدّ أهل المحابر وأهل الدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا على عشرين ألف (١) .

قال أحمدرضي‌الله‌عنه: لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق من جنونه (٢) .

أقول : ومع ذلك لم يفق ابن تيميّة من جنونه، نعوذ بالله من سوء العقيدة وملكة الكذب، ألا تراه كيف أنكر أن يكون رووا له حديثاً واحداً في السنن مع أنّه يرى أن ابن ماجة (٣) روى له وغيره في مجاميعهم

____________________

(١) حكاه عنه في كشف الغمّة ٢ : ٣٠٨، والصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٤. وفيض القدير للمناوي ٤ : ٤٨٩، أخبار الدول للقرماني ١ : ٣٤٤.

(٢) عنه في نزهة المجالس للصفوري ١ : ٢٥، والصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٥، أمالي المفيد : ٢٧٥ / ٢، وانظر حلية الأولياء ٣ : ١٩٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٢٥ / ٦٥.


وتفاسيرهم كما عرفت (١) .

وحصر الراوي عنه بأبي الصلت مع أنّهم الجلّة من أئمّة الفقه والحديث كما عرفت أسماءهم عن مفتاح النجاة وحتّى كرّر ذلك، قال في الصفحة المذكورة : وأمّا قوله : أخذ عنه الفقهاء المشهورون كثيرهم، فهذا من أظهر الكذب. هؤلاء فقهاء الجمهور المشهورون لم يأخذوا عنه ما هو معروف، وإن أخذ عنه بعض من لا يعرف من فقهاء الجمهور فهذا لا ينكر، فإنّ طلبة الفقهاء قد يأخذون من المتوسّطين في العلم ومن هم دون المتوسّطين (٢) ، انتهى.

أقول : قد عرفت نصّ العلماء بأنّه أخذ عنه : إسحاق بن راهويه، ويحيى بن يحيى، وعبد الله بن عيّاش القزوينيّ، وداوُد بن سليمان، وأحمد بن حرب، ومحمّد بن أسلم وخلق غيرهم، فإنّ الخبير بإحوال الفقهاء يعلم أنّ هؤلاء أئمّة الفقه وأعلام علماء الإسلام في الحلال والحرام ولكن ابن تيميّة يريد إظهار القوّة في الردّ والمناظرة عند سواد الناس والعامة، وأنّه ردّ كتاب ابن المطهّر وكذّبه في نقله، لم يتصوّر أنّه وقع في الأثناء في ورطة عظيمة عند أهل المعرفة والخبرة، وأنّه فضح نفسه حيث كذّب مناقب أهل البيت وأنكر فضلهم وتقدّمهم على غيرهم، والتزم في مقام الردّ على ابن المطهّر أن ينقّص من العترة ويرميهم بالعظائم، والتزم الاستقصاء عليهم من كلّ ما يمكن أن يكون كرامة أو فضيلة بين تكذيب

____________________

(١) راجع حقائق التفسير (تفسير السلمي) ١ : ٣٣، ٣٩٤، ٤٣٣ و ٢ : ١٢، ٢٠، ٢٣، ٥٢، ٨٥... تفسير الكشف والبيان (تفسير الثعلبي) ١ : ١٠٦، ١٤٠ و ٥ : ٢١٣ و٨ : ٣١١، ٣١٢ و٩ : ١٧٢ و ١٠ : ١٠، ٢٢٥...

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٦٠ - ٦١.


وتأويل، حتّى صار أشنع المشنّعين على آل رسول الله، نعوذ بالله من التعصّب والعناد والكفر واللجاج والمحادّة لرسول الله في أهل بيته، حتّى أنكر أن يكون لأولاد رسول الله خصوصيّة من جهة الذريّة.

قال في صفحة ١٢٦ من الجزء الثاني ما لفظه : والكلام الذي ذكره ـيعني أبو نؤاس كلام فاسد فإنّه قال :

قلت : لا أستطيع مدح إمام

كان جبريل خادماً لأبيه (١)

ومن المعلـوم أنّ هذا الوصـف مشترك بين من كان من ذريّة عليّ ومن لم يكن ، لأنّ كون الرجل من ذريّة الأنبياء قدر مشترك بين الناس، فإنّ الناس كلّهم من ذريّة نوح عليه‌السلام ومن ذريّة آدم عليه‌السلام ، وبنو إسرائيل يهوديهم وغيريهوديهم من ذريّة إبراهيم وإسحاق ويعقوب (٢) .

فتأمّل أيّها المنصـف المسلم كيف ينكر الضروري والمتواتر من الكتاب والسـنّة، ولا يعبأ بإظهار هذه الكفريات، ولو كان كما قال فلماذا قال الله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) ، ولماذا أوجب مودّتهم في قوله سبحانه : ( قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) (٤) ، ولماذا أوجب الصـلاة عليهـم في الصلوات (٥) ، ولماذا جعلهم شركاء القرآن في حديث

____________________

(١) ملحق الأغاني لابن منظور : ٢٩٣.

(٢) منهاج السنّة ٤ : ٦٥.

(٣) سورة الأحـزاب ٣٣ : ٣٣.

(٤) سورة الشـورى ٤٢ : ٢٣.

(٥) مسند أحمد ١ : ١٦٢ و ١٩٩، صحيح البخاري ٨ : ٤٣٤ / ١٢٢٦، سنن النسائي ٣ : ٤٨، السنن الكبرى للنسائي ١ : ٣٨٣، ٤ : ٣٩٦، المعجم الكبير للطبراني


الثقلين (١) ، ولماذا جعلهم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها هلك وغرق (٢) ، ولماذا جعلهم أماناً لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء (٣) ، إلى غير ذلك ممّا هو مروي في حقّ آل رسول الله في المجاميع والمسانيد والمناقب والسنن، بل أفرد منه في التصنيف كثير لا يحصى، فابن تيميّة في هذا الكلام خالف الكتاب والسنّة المعلومة والإجماع والقياس كما هو ظاهر لكلّ مسلم.

وأيضاً فقد كثر قول رسول الله : «أنا ابن إبراهيم خليل الله» و «أنا ابن إسماعيل ذبيح الله» (٤) في مواضع لا تحصى ولا تستقصى كما لا يخفى على الخبير المحدّث، لكن ابن تيميّة من شدّة نصبه وعداوته لآل رسول الله لايدري ما يقول، حتّى يذكر في مثل المقام الذي هو في مدح الإمام الرضا ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل اليهود أبناء إبراهيم وغير اليهود، والمنصف يعلم أنّ هذا التلفظ في مثل المقام تنقيص شنيع يلزم صاحبه الكفر على كلّ حال.

____________________

١٩ : ١١٦، المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١٤٨، وانظر نسيم الرياض (شرح الشفاء للقاضي عياض ) ٥ : ٣ و ٨ و ٢٣.

(١) مسند أحمد ٣ : ١٤ و ٥ : ١٨١ - ١٨٢، سنن الترمذي ٥ : ٣٢٩، المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ : ١١٠ و ١٤٨، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٢.

(٢) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٢ : ٣٤٣ و ٣ : ١٥٠، وقال : هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨.

(٣) مسند أبي يعلى الموصلي ٦ : ٢٢٠ / ٧٥٣٩، المعجم الكبير ٧ : ٢٢ / ٦٢٦٠، المستدرك على الصحيحين للحاكم ٢ : ٤٤٨ و ٣ : ١٤٩، تاريخ دمشق ٤٠ : ٢٠، كنز العمّال ١٢ : ٩٦ / ٣٤١٥٥، نظم درر السمطين للزرندي : ٢٩٢.

(٤) انظر المستدرك للحاكم ٢ : ٥٥٩، وفيه : «أنا ابن الذبيحين»، وعيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٦٨، وقصص الأنبياء لابن كثير : ١٦١.


كما أنّه في أوّل هذه الصفحة كذّب حديث : «فاطمة أحصنت فرجها فحرّمها الله وذريتها على النار» (١) ، قال : هو كذب باتّفاق أهل المعرفة بالحديث، ويظهر كذبه لغير أهل الحديث أيضاً، فإنّ سارة أحصنت فرجها ولم يحرّم الله جميع ذريّتها على النار إلى آخر سفسطته عامله الله بعدله.

مع أنّ الحديث روته الحفّاظ المهرة في الحديث، أخرجـه البزاز (٢) ، وأبويعلى (٣) ، والعقيلي (٤) ، والطبراني (٥) ، وابن شاهين (٦) ، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: «إنّ فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريّتها على النار»، وأخرجه الجلال السيوطي في إحياء الميت في الحديث الثامن والثلاثين، وذكر من خرّجه كما ذكرنا فراجع (٧) ، فكيف يكون كذباً باتّفاق أهل المعرفة بالحديث يا معاند بل يا ملحد؟!

والمتدبّر في الحديث يعرف أنّ فيه إشارة إلى ما قاله تعالى في حقّ مريم عليها‌السلام قال سبحانه وتعالى : ( وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَنَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا ) (٨) وظاهر موضع الفاء في «فنفخنا» أنّه للتفريع فكأن

____________________

(١) فضائل فاطمة عليها‌السلام للحاكم : ٥٩ / ٥٢، تاريخ بغداد ٣ : ٥٤ / ٩٩٧، تاريخ دمشق ١٤ : ١٧٤، المجروحين لابن حبّان ٢ : ٨٨، الموضوعات لابن الجوزي ١ : ٤٢٢، ميزان الاعتدال ٣ : ٢١٧ / ٦١٨٣، ينابيع المودّة ٢ : ٩٠ / ١٩٢.

(٢) في مسنده البحر الزخّار ٥ : ٢٢٣ / ١٨٢٩.

(٣) عنه في المطالب العالية ١٦ : ١٨٠ / ٣٩٥٩، كنز العمّال ١٢ : ١٠٨ / ٣٤٢٢٠.

(٤) ضعفاء العقيلي ٣ : ١٨٤ / ١١٧٩.

(٥) المعجم الكبير ٢٢ : ٤٠٦ / ١٠١٨.

(٦) فضائل فاطمة عليها‌السلام : ٢٣ - ٢٦ / ١٠ و ١١ و ١٢.

(٧) إحياء الميّت بفضائل أهل البيتعليهم‌السلام (الإتحاف بحبّ الأشراف) : ٢٥٧، الجامع الصغير ١ : ٣٥٢ / ٢٣٠٩.

(٨) سورة التحريم ٦٦ : ١٢.


رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : فكما أنّ مريم أحصنت فرجها فنفخ الله فيها من روحه ورزقها عيسى جزاء إحصانها، كذلك فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريّتها على النار، ألا تراه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جاء أيضاً بالفاء، فما يورد ابن تيميّة من النقض بسارةوغيرها نقض على الله وعلى رسوله، فما يكون جوابه عن آية مريم فهوالجواب عن حديث فاطمة لكن الله أعماه وأصمّه ( فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الابْصَـرُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ )(١) ونعوذ بالله من العمى.

في تنقيص ابن تيميّة من الإمام الجواد بن الرضا عليهما‌السلام :

فصل : ونقص من الإمام الجواد محمّد بن علي الرضا، وأنكر من فضله ما هو أظهر من الشمس، واستدرك عليه بما فضح به نفسه وأظهر به نصبه وعداوته لأهل البيت، فها أنا ذاكر ما ذكره فليتأمّل المنصف ويحكم فيما بينه وبين ربّه.

قال في صفحة ١٢٧ من الجزء الثاني من منهاج الحشوية الذي سمّاه منهاج السنّة : فصل قال الرافضي : وكان محمّد بن عليّ الجواد على منهاج أبيه في العلم والجود والتقى، ولمّا مات أبوه الرضا شغف بحبّه المأمون لكثرة علمه ودينه ووفور عقله مع صغر سنّه، وأراد أن يزوّجه ابنته اُم الفضل، وكان قد زوّج أباه ابنته اُم حبيبه، فعظم ذلك على العبّاسيّين واستنكروه وخافوا أن يخرج الأمر منهم، وأن يبايعه كما بايع أباه، فاجتمع الأدنون منه وسألوه ترك ذلك، وقالوا : إنّه صغير السنّ لا علم عنده. فقال : أنا أعرف به منكم فإن شئتم فامتحنوه. فرضوا بذلك وجعلوا للقاضي يحيى

____________________

(١) سورة الحجّ ٢٢ : ٤٦.


ابن أكثم مالا كثيراً على امتحانه في مسألة يعجز فيها، فتواعدوا إلى يوم، وأحضره المأمون، وحضر القاضي وجماعة العبّاسيين، فقال القاضي : أسألك عن شيء؟ فقال : «سل» فقال : ما تقول في محرم قتل صيداً؟ فقال له : «قتله في حلّ أو حرم، عالماً أو جاهلا، مبتدئاً بقتله أم عائداً، من صغار الصيد أو من كبارها، عبداً كان المحرم أم حرّاً، صغيراً كان أم كبيراً، من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها» فتحيّر يحيى بن أكثم وبان العجز فيوجهه حتّى عرف جماعة أهل المجلس أمره، فقال المأمون لأهل بيته : عرفتم الآن ما كنتم تنكرونه. ثمّ أقبل على الإمام فقال : أتخطب؟ فقال : «نعم» فقال : أخطب لنفسك خطبة النكاح، فخطب وعقد على خمسمائة درهم جياد مهر فاطمة عليها‌السلام ، ثمّ تزوّج بها (١) .

والجواب : أن يقال : محمّد بن عليّ الجواد كان من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء والسـؤدد ولهذا سمّي الجـواد، ومات وهـو شاب ابن خمسوعشرين سنة، ولد سنة خمس وتسعين ومائة ومات سنة عشرين أو سنة تسعة عشر، وكان المأمون زوّجه بابنته، وكان يرسل إليه في السنة ألف ألف درهم، واستقدمه المعتضد إلى بغداد ومات بها رضي‌الله‌عنه ، وأما ما ذكره فإنّه من نمط ما قبله، فإنّ الرافضة ليس لهم عقل صريح ولا نقل صحيح.

قال : فإنّ هذه الحكاية التي حكاهما عن يحيى بن أكثم من الأكاذيب التي لا يفرح بها إلاّ جاهل، ويحيى بن أكثم أفقه وأعلم وأفضل من أن يطلب تعجيزشخص بأن يسأله عن محرم قتل صيداً، فإنّ صغار الفقهاء

____________________

(١) تفسير القمّي ١ : ١٨٢، الإرشاد للمفيد ٢ : ٢٨٠ - ٢٨٣، الاختصاص : ٩٩، تحف العقول : ٤٥١، روضة الواعظين : ٢٣٩، دلائل الإمامة للطبري : ٣٩١، إعلام الورى بأعلام الهدى للطبرسي ٢ : ١٠٣، كشف الغمّة للإربلي ٢ : ٣٥٣ ـ ٣٥٦.


يعلمون حكم هذه المسألة، فليست من دقائق العلم ولا غرائبه، ولا ممّا يختصّ به المبرزون في العلم (١) .

أقول : قوله : «واستقدمه المعتضد إلى بغداد» مغلط باتّفاق أهل العلم إنّمااستقدمه المعتصم بن هارون (٢) .

وأمّا قوله : «فإنّه من نمط ما قبله» فلم يذكر ابن المطهّر إلاّ ما ذكره الأئمّة في الحديث، فقد أخرجوا القصّة بالأسانيد الصحيحة :

منهم : الشيخ حجّة الدين أبو إبراهيم محمّد بن محمّد بن ظفر الصقليّ المالكي (٣) المتوفّي بحماة سنة ٥٦٥ في كتابه أنباء نجباء الأبناء عن الريّان بن شبيب خال المعتصم بطولها، وقد طبع كتاب أنباء نجباء الأبناء المذكور فارجع إلى آخر صفحة ٥٨ (٤) .

وكتب أهل السنّة مملوءة بمناقب أبي جعفر محمّد بن عليّ الجواد عليه‌السلام ، ذكرها أهل الحديث والتواريخ.

قال سبط بن الجوزي في الفصل الذي عقده لترجمة الإمام الجواد ما لفظه بحروفه : وكان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود (٥) .

وقال ابن حجر في الصواعق : فلم يزل المأمون مشفقاً به لما ظهر له

____________________

(١) منهاج السنّة ٤ : ٦٦ - ٦٩.

(٢) الإرشاد للمفيد ٢ : ٢٨٩، وفيات الأعيان ٤ : ٣٠ / ٥٦١، تاريخ بغداد ٣ : ٥٤ / ٩٩٧، مرآة الجنان ٢ : ٨٠ - ٨١، شذرات الذهب ٢ : ٤٨، الأعلام ٦ : ٢٧١.

(٣) شمس الدين محمّد بن عبد الله بن محمّد بن ظفر الصقليّ المكيّ، المنعوت بحجّة الدين، أحد الاُدباء الفضلاء، تنقّل في البلاد، ولد سنة ٤٩٧ هـ وتوفّي سنة ٥٦٥ هـ. وفيات الأعيان لابن خلكان ٤ : ١٩٣ / ٦٦٢.

(٤) أنباء نجباء الأبناء : ٥٨ - ٦٠.

(٥) تذكرة الخواص : ٣٢١.


من فضله وعلمه وكمال عظمته وظهور برهانه مع صغر سنّه (١) .

وقال المحدّث الشيخ ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمّة : وأحسن إليه يعني المأمون وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه، ولم يزل مشفقاً به لما ظهر له من بركاته ومكاشفاته وكراماته، إلى آخر كلامه (٢) .

وقال الفاضل الشبراوي في الإتحاف عند ذكره للإمام الجواد ما لفظه : وكراماته رضي‌الله‌عنه كثيرة، ومناقبه شهيرة.

وذكر له منقبة عجيبة مع المأمون قال : وقال المأمون : أنت ابن الرضا حقّاً ومن بيت المصطفى صدقاً، وأخذه معه، وأحسن إليه، وقرّبه وبالغ في إكرامه وإجلاله وإعظامه، ولم يزل مقبلا عليه لما ظهر له أيضاً بعد ذلك من بركاته ومكاشفاته وكراماته، إلى آخره (٣) .

وقال مؤمن الشبلنجي في كتابه نور الأبصار : وقرّبه المأمون، وبالغ في إكرامه، ولم يزل مشغوفاً به لما ظهر له بعد ذلك من فضله وعلمه وكمال عقله وظهور برهانه مع صغر سنّه (٤) .

أقول : هل قال ابن المطهّر غير بعض هذا.

وأمّا قوله : فإن هذه الحكاية التي حكاها عن يحيى بن أكثم من الأكاذيب...

فقد أخرج ابن الصبّاغ في الفصول المهمّة، وابن حجر في الصواعق، والشبراوي في الإتحاف، والشبلنجي في نور الأبصار،

____________________

(١) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٧.

(٢) الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة : ٢٦٧.

(٣) الإتحاف بحبّ الأشراف : .١٧ - ١٧٦.

(٤) نور الأبصار في مناقب آل النبيّ المختار عليهم‌السلام : ١٧٧.


وغيرهم (١) ، ما يشهد بصحّتها ووقوعها، قالوا جميعاً واللفظ لابن حجر : وعزم المأمون على تزويجه بابنته اُم الفضل وصمّم على ذلك، فمنعه العبّاسيون من ذلك خوفاً من أنّه يعهد إليه كما عهد إلى أبيه، فلمّا ذكرهم أنّه إنّما اختاره لتميزه على كافة أهل الفضل علماً ومعرفةً وحلماً مع صغر سنّه، فنازعوا في اتّصاف محمّد بذلك، ثمّ تواعدوا على أن يرسلوا إليه من يختبره، فأرسلوا إليه يحيى بن أكثم ووعدوه بشيء كثير إن قطع لهم محمّداً، فحضروا للخليفة ومعهم ابن أكثم وخواص الدولة، فأمر المأمون بفرش حسن لمحمّد فجلس عليه، فسأله يحيى مسائل أجابه عنها بأحسن جواب وأوضحه، فقال له الخليفة : أحسنت يا أبا جعفر، فإن أردت أن تسأل يحيى ولو مسألة واحدة، فقال له : «ما تقول في رجل نظر إلى امرأة أوّل النهار حراماً، ثمّ حلّت له ارتفاعه، ثم حرمت عليه عند الظهر، ثمّ حلّت له عند العصر، ثمّ حرمت عليه عند المغرب، ثمّ حلّت له العشاء، ثمّ حرمت عليه نصف الليل، ثمّ حلت له الفجر؟» فقال يحيى : لا أدري. فقال محمّد : «هي أمة نظرها أجنبي بشهوة وهي حرام، ثمّ اشتراها ارتفاع النهار، فأعتقها الظهر، وتزوّجها العصر، وظاهرها منها المغرب، وكفّر العشاء، وطلّقها رجعيّاً نصف الليل، وراجعها الفجر»..

فعند ذلك قال المأمون للعبّاسيين : قد عرفتم ما كنتم تنكرون، ثمّ زوّجه في ذلك المجلس بنته اُم الفضل (٢) .

أقول : قد اختصرها الحافظ ابن حجر، وما ذكره غيره ممّن ذكرناه

____________________

(١) الفصول المهمّة : ٢٦٧ ـ ٢٧٠، الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٧١ - ١٧٤، نور الأبصار : ١٧٧ - ١٧٨ ، ينابيع المودّة ٣ : ١٢٤ ـ ١٢٧، ملحقات إحقاق الحقّ ١٩ : ٥٨٦.

(٢) الصواعق المحرقة ٢ : ٥٩٧ - ٥٩٨.


أطول، فيه تفصيل خطبة النكاح، وما صنعه المأمون في ذلك اليوم، وكذلك ممّا كان مسألة ابن أكثم من الجواد عليه‌السلام ، وما أجابه به.

قال الشيخ شمس الدين محمّد بن محمّد بن ظفر الصقلي في كتاب أنباء نجباء الأبناء - بعد ما ذكر جملة من الأحاديث في فضل الحسن والحسين عليهما‌السلام قال ما لفطه : وهذا صبح لا يحجب فلقه، وسابح لا يستوعب طلقه، ولا معد بالسيادة عن رضيعي ثدي التقى، وربيبي حجر الهدى، وكلّ فضيلة فإلى أرومتها انتسابها، وعن جرثومتها عرضها واحتسابها، ولو وقفت كتابي هذا على ربوع نجابتهما ما تلبثت بها إلاّ يسيراً حتّى يسقط حسيراً، كماأ نّي لو وكلته بتسمية نجباء المقدّسين بولادتهما المقتبسين من سيادتهما من غير إلمام بذكر مناقبهم التي كثرت نجوم الرقيع وعرقد البقيع لم أقض في ذلك نحباً ، بل لم يأت على بعضه إلاّ سحباً.

ألا تسمع ما روي عن الريّان بن شبيب خال المعتصم أنّه قال : لمّا عزم المأمون على أن يزوّج ابنته اُم الفضل أبا جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام اجتمع إليه أهله، فقالوا له : يا أمير المؤمنين أما كان في أهلك من تعدل عليه في كريمتك عن هذا الغلام الطالبيّ؟

فقال المأمون : هو بها أولى ولست أصغي إلى لوم لائم فيه.

فقالوا : يا أمير المؤمنين إنّه غلام غر، فلو أخّرت نكاحه حتّى يتفقّه في الدين ويستبصر في الأدب.

فقال : إنّه أفقه منكم، وأعلم بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأرسخ بالنظر في الحلال والحرام، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، والظاهر والباطن، والعام والخاص، فاسألوه لتعلموا حقيقة رأيي فيه.


فخرجوا من عنده فقصدوا يحيى بن أكثم فأخبروه الخبر وسألوه أن يتولى مسألته ويحرص على إفحامه. قال لهم يحيى : لقد اختلفتم لغير مهم وماأمر صبي لعلّه أن لا يتجاوز سنّه عشر سنين؟

فقالوا له : إنّ أمره لعظيم عند أمير المؤمنين.

فقال لهم : سترون.

فلمّااجتمعوا للتزويج وحضر أبو جعفر عليه‌السلام قال العبّاسيون للمأمون : يا أميرالمؤمنين هذا القاضي يسأل أبا جعفر إن أردت.

قال : اسـأله.

فقال يحيى : ما تقول يا أبا جعفر في محرم قتل صيداً؟

قال أبو جعفر : «في حلّ أم حرام؟ عالماً أو جاهلا؟ عمداً أو خطأً؟ أكان عبداً أم حرّاً؟ أو صغيراً أو كبيراً؟ أكان الصيد طائراً أو وحشيّاً؟ أمن صغارالصيد أم كبارها؟ أبليل في مأواها أم في نهار بمسرحها؟ أمحرماً بالحجّ أم بالعمرة؟». فانقطع يحيى.

فقال المأمون أتخطب يا أبا جعفر؟

قال : «نعم يا أمير المؤمنين».

فقال المأمون : الحمد لله إقراراً بنعمته، ولا إله إلاّ الله إخلاصاً لعظمته، وصلّى الله على محمّد وعلى آله عند ذكره، أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام وقال : ( وَأَنكِحُواْ الايَـمَى مِنكُمْ ) (١) الآية، ثمّ إنّ محمّد بن علي خطب اُم الفضل بنت عبد الله، وبذل

____________________

(١) سورة النور ٢٤ : ٣٢ .


لها من الصداق خمسمائة درهم، وقد زوّجته فهل قبلت يا أبا جعفر؟ فقال : «نعم قبلت هذا التزويج بهذا الصداق». ثمّ إنّ المأمون حضر وأولم، وحضر الناس على مراتبهم .

قال الريّان : فبينما نحن كذلك إذ سمعنا كلاماً كأنّه كلام الملاحين في عملهم، فإذا الخدم يجرّون سفينة من فضّة فيها عانية قد ملأتها نسائج من إبريسم مكان الفلوس، فخضبوا بالغالية لحى الخاصّة، ثمّ مدّوها إلى دار العامة وطيّبوها، فلمّا تفرّقوا قال المأمون لأبي جعفر عليه‌السلام : بيّن لنا الفتيا في التقسيم الذي قسّمته.

قال : «نعم، إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ، والصيد من ذوات الطير من كبارها فعليه جمل قد فطم وليس عليه قيمته; لأنّه ليس في الحرم، وإذا قتله فى الحرم فعليه الجمل وقيمته; لأنه في الحرم، وإن كان من الوحش فعليه في حمار الوحش بدنة، وكذلك في النعامة، فإن لم يقدر فإطعام ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم ثمانية عشر يوماً، وإن كان بقرة فعليه بقرة، فإن لم يقدر فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر فليصم تسعة أيّام، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين، فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيّام، فإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة واجباً عليه، وإن كان في حجٍّ نحره بمنى، وإن كان في عمرة نحره بمكة وتصدّق بمثل ثمنه ليتضاعف عليه الجزاء، وكذلك إذا أصاب أرنباً أو ثعلباً فعليه شاة، ويتصدّق إذا قتل الحمامة بعد الشاة بدرهم أو يشتري به طعاماً للحمام الحرميّة، وفي الفرخ نصف درهم، وفي البيضة ربع درهم، وكلّ ما أتى به العبد فكفّارته على سيده مثل ما يلزم السيّد، وكلّ ما أتى به الصغير الغير بالغ فلا شيء عليه، فإن كان ممّن عاد فينتقم الله منه ليس عليه


كفّارة والنقمة بالآخرة، وإن دلّ على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء، وإذا أصابه في وكره أو مأواه ليلا خطأً فلا شيء عليه إلاّ أن يتصدّق، فإن تصيّد في ليل أو نهار فعليه الفداء بمنى حيث ينحر الناس، والمحرم بالعمرة ينحره بمكّة».

فأمر المأمون بأن يكتب ذلك كلّه عنده، ثمّ قرأه عليهم وقال لهم : هل فيكم من يجيب بمثل هذا؟ فاعترفوا بفضله فقالوا : أمير المؤمنين أعلم ومن أقرّالله به هديه عين مصطفاه فقد بلغ من السؤدد منتهاه، مع أنّه قد بلغ من السيادة ممّا لا يمكن عليه زيادة، وأين موقع الإطناب في هذا الباب من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة إلاّ ابني الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا عليهما‌السلام» (١) فهذه النجابة المؤيّدة والسيادة المؤبّدة، انتهى ما في كتاب أنباء نجباء الأبناء لابن ظفر الصقلي المكّي (٢) .

وذكره في الإرشاد لمّا ذكر القصّة قال : فقال يحيى بن أكثم للمأمون : أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمون : استأذنه في ذلك. فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال : أتأذن لي - جعلت فداك في مسألة؟ قال له أبو جعفر عليه‌السلام : «سل إن شئت». قال يحيى : ما تقول ـجعلني الله فداك في محرم قتل صيداً؟

فقال له أبو جعفر : «قتله في حلّ أو حرم؟ عالماً كان المحرم أم

____________________

(١) خصائص أمير المؤمنين للنسائي : ١٢٣، وفضائل الصحابة للنسائي : ٢٠، السنن الكبرى للنسائي ٥ : ٥٠ / ٨١٧٩ و١٤٥ / ٨٥٢٨، صحيح ابن حبّان ١٥ : ٤١٢، المعجم الكبير للطبراني ٣ : ٣٨ / ٢٦١٠، ذخائر العقبى : ١٣٩، المستدرك للحاكم ٣ : ١٦٦، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٢، تاريخ دمشق ٦٤ : ١٩١ / ١٣١٠٧ - ١٣١١١.

(٢) أنباء نجباء الأبناء للصقلي : ٥٨ - ٦٢.


جاهلا؟ قتله عمداً أو خطأً؟ حّراً كان المحرم أم عبداً؟ صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أم معيداً؟ من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها؟ من صغار الصيد كان أم من كبارها؟ مصرّاً على ما فعل أو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أم نهاراً؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أو بالحجّ كان محرماً؟» فتحيّر ابن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع...

إلى أن قال المأمون لأبي جعفر : إن رأيت أن تذكر الفقه فيما فصّلته من وجوه قتل المحرم الصيد; لنعلمه ونستفيده.

فقال أبو جعفر عليه‌السلام : «نعم، إنّ المحرم إذا قتل صيداً في الحلّ وكان الصيدمن ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة، فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً، فإذا قتل فرخاً في الحلّ فعليه حمل قد فطم من اللبن، وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ، وإن كان من الوحوش وكان حمار وحش فعليه بقرة، وإن كان نعامة فعليه بدنة، وإن كان ظبياً فعليه شاة، فإن قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة، وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحجّ نحره بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكّة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء، وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطأ، والكفّارة على الحرّ في نفسه وعلى السيّد في عبده، والصغير لا كفّارة عليه، وهي على الكبير واجبة، والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الآخرة».

فقال المأمون : أحسنت يا أبا جعفر أحسن الله إليك، فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك. فقال أبو جعفر ليحيى : «أسألك؟» قال : ذلك إليك جعلت فداك، فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلاّ استفدته


منك. فقال له أبو جعفر : «أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة» إلى آخر ما تقدّم ذكره (١) .

وقد أشار ابن الجوزي إلى هذا الحديث وطوله (٢) ، وقد أخذ ابن المطّهر موضع السؤال والتقسيم، فكيف يكون هذا الحديث الشريف الذي روته العلماء واعتمده الفضلاء، وهو من أكبر ما يدلّ على أنّ علم محمّد الجواد من علم آبائه وأجداده الذي لا ينزف من الأكاذيب التي لا يفرح بها إلاّ جاهل، وقد فرح به العلماء وذكروه في مناقبه، وفرح به المأمون وهو من أهل الفضل، وفرح به ابن أكثم وهو قاضي المسلين؟! لكن ابن تيميّة لشدّة بغضه لأهل البيت عليهم‌السلام وحبّه الجاه والرئاسة يعمي على العامة، ولا يعبأ بالفضيحة عندالعلماء ، فإنّ كلّ من عرف العلم عرف أنّ هذا المجلس والسؤال والجواب ممّن عمره سبع سنين (٣) أو تسع (٤) أو أحد عشر سنة (٥) على اختلاف الروايات من أعظم الكرامات بحيث لو كان هذا مقروناً بدعوى الإمامة لكان برهاناً قاطعاً.

والعجب بعد هذا من ابن تيميّة حيث قال : ويحيى بن أكثم أفقه وأعلموأفضل من أن يطلب تعجيز شخص بأن يسأله عن محرم قتل صيداً (٦) ،إلى آخره .

ولم يلتفت ابن تيميّة إلى أنّ هذا السؤال من ابن أكثم كان مقدّمة

____________________

(١) الإرشاد للشيخ المفيد ٢ : ٢٨٣، وانظر من ص : ٢٧٨ إلى ص : ٢٧٩.

(٢) تذكرة الخواص : ٣٢١.

(٣) الإرشاد للشيخ المفيد ٢ : ٢٧١.

(٤) الفصول المهمّة : ٢٦٦، الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٦٩، ينابيع المودّة ٣ : ١٢٤.

(٥) ذكره الشيخ البهائي في مفتاح الفلاح : ٤٨٦، وفيه قول آخر : عشر سنين.

(٦) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٦٩.


للسؤال عن بعض وجوه قتل المحرم الصيد التي هي من دقائق الفقه، فسبقه الإمام الجواد إلى التقسيم والتفصيل; ليعلم غزارة علمه وطول باعه، لأنّ كلّ من فصّل هذا التفصيل لا بدّ أن يعلم فقه ما فصّله بالضرورة، إلاّ أن يكون يحفظ تقسيماً لغيره لا غير، وهذا لا يمكن في المقام المعقود للامتحان لأنّه ربّما سأله عن حكم الأقسام، فإذا علم أنّه لا يدري علم أنّ تقسيمه أيضاً ليس له ولذا سأل الجواد عن الفقه فيما فصّله من وجوه قتل المحرم الصيد ففصّله.

قول ابن تيميّة : صغار الفقهاء يعلمون حكم هذه المسألة، مكابرة محضة، أو جهل بوجه الكلام ومساق المحاورة.

ثمّ قوله : ثمّ مجرد ما ذكره ليس فيه إلاّ تقسيم أحوال القائل ليس فيه بيان حكم هذه الأقسام، ومجرد التقسيم لا يقتضي العلم بأحكام الأقسام وإنّما يدلّ إن دلّ على حسن السؤال، وليس كلّ من سأل أحسن أن يجيب.

قد عرفت أنّه قد أجاب بما هو الصواب، وأبهر عقول أهل الفضل والكمال على رغم أنف ابن تيميّة.

ثمّ فضح ابن تيميّة نفسه وأظهر جهله وعدم خبرته بقوله بعد ذلك : ثمّ إن كان ذكر الأقسام الممكنة واجباً فلم يستوف الأقسام، وإن لم يكن واجباً فلا حاجة إلى ذكر بعضها، فإنّ من جملة الأقسام أن يقال : متعمّداً كان أو مخطئاً.

إلى أن قال : كان ينبغي أن يسأل : أَقتله وهو ذاكر لإحرامه أو ناس؟ قال : ويسأله هل قتله لكونه صال عليه أو لكونه اضطرّ إلى مخمصة؟ أو قتله غيّاً أو ظلماً بلا سبب (١) ؟.

____________________

(١) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٧١ - ٧٢.


لما عرفت أن المروي ذكر ذلك كلّه وحكمه بما لامزيد عليه، وأظنّه أسقط ذلك حتّى يظهر عند العوام فضله، وإلاّ كيف يحتمل المطلع على حال ابن تيميّة أنّه لا يدري هذا الحديث ولا من رواه ولا كيفيّة الحال فيه، فإن كان لا يدري فهو الذي قلت : من أنّ الله شاء فضيحته بالجهل، وإن كان يدري ومع ذلك يتجاهـل حتّى يظهر للعامّة نصـبه وعداوته للإمام الجواد ابن الرضا وهو الأظهر من سيرته، فقد كشف الله الحال وأظهر الكمال.

وأمّا قوله : وأيضاً فإنّ في هذه التقاسيم ما يبين جهل السائل وقد نزّه الله من يكون إماماً معصوماً عن هذا الجهل وهو قوله : «أفي حلّ قتله أم في حرم»، فإنّ المحرم إذا قتل الصيد وجب عليه الجزاء سواء كان في الحلّ أم في الحرم باتّفاق المسلمين، والصيد الحرمي يحرم قتله على المحلّ والمحرم، فإذا كان محرماً وقتل صيداً حرميّاً تؤكّدت الحرمة ولكن الجزاء واحد (١).

أقول : لا يخفى على كلّ من له خبرة بلسان العرب ومحاورات الناس أنّ كلام ابن تيميّة تشنيع وتنقيص وتبكيت على الإمام الجواد، وهو كفر باتّفاق المذاهب الأربعة كما عرفت، لأنّه ردّ على الله ورسوله في آل رسول الله، وقد عرفت وجه التقسيم في قتله في الحلّ أم الحرم في كلام الجواد، وأنّه إذا قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفاً هدياً بالغ الكعبة عند أهل البيت، والحكم باتّحاد الجزاء وعدم التضاعف فيما إذا كان القتل في الحرم ليس ممّا يقال في قبال محمّد بن علي الجواد عالم أهل البيت،

____________________

(١) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٧٢.


وقد عرفت أنّه كان يجلس في المدينة في المسجد ويفتي الناس فلا اعتراض عليه في فتواه، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاُمّته في أهل بيته في حديث طويل : «ولا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم»، أخرجه الطبراني في حديث الثقلين (١) .

وأخرج الملاّ حديث : «في كلّ خلف من اُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله فانظروا من توفدون» (٢) .

وفي حديث أبي هريرة الطويل الذي رواه السيوطي في الخصائص عن أبي نعيم ما لفظه : قال يعني موسى بن عمران عليه‌السلام : «يا ربّ أنّي أجد في الألواح اُمّة يؤتون العلم الأوّل والعلم الآخر فيقتلون قرون الضلالة والمسيح الدجّال فاجعلها اُمّتي» قال : «تلك اُمّة أحمد» الحديث (٣) ، والمراد بقرينة الحديث السابق وذكر الدجّال آل محمّدعليهم‌السلام.

وأقول : إذا لم يكن الجواد في عصره من العدول من أهل بيته الذين ينفون ما ذكر عن الدين وممّن يؤتى العلم الأوّل والعلم الآخر، فمَن؟! فإنّه صاحب ذلك المقام، وصاحب الإمامة العظمى، والقطبيّة الكبرى، والمجدّد في رأس تلك المائة كما في حديث أحمد بن حنبل المتقدّم ذكره (٤) ، لكن ابن تيميّة قد طبع الله على قلبه، وأصمّه وأعماه وأضلّه وأغواه عن كلّ هذه المعارف، لا يعرف منهم إلاّ التشنيع على آل الرسول، وقلب كلّ مكرمة

____________________

(١) المعجم الكبير للطبراني ٥ : ١٦٧ / ٤٩٧١، وانظر مجمع الزوائد ٩ : ١٦٤.

(٢) عنه في ذخائر العقبى : ٢٧، شرف المصطفى ٥ : ٣١٧ / ٢٢٦٦، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٤١، رشفة الصادي : ١٢٣، ينابيع المودّة ٢ : ١١٣ / ٣١٨.

(٣) الخصائص الكبرى ١ : ٢١، الدرّ المنثور ٣ : ١٢٤.

(٤) تقدّم في ص : ٣٤٠.


ومنقبة منقصة، نعوذ بالله من سوء المنقلب عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القيامة، وقد عاند أولاده، ولم يرع فيهم إلاًّ ولا ذمّةً، بل اجتهد في الاستقصاء والحطّ والتنقيص منهم، حتّى دخل في خطر الوعيد الوارد في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (١) وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٢) وحتّى يحصل التأسي بجدّهم الأكبر وبسائر النبيين الذين قال سبحانه في حقّهم : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ) (٣) .

في تنقيص ابن تيميّة من الإمام الهادي علي العسكري عليه‌السلام :

فصل : وكذلك نقص عن الإمام أبي الحسن عليّ بن محمّد الهادي العسكري رضي‌الله‌عنه في صفحة ١٣٠ من الجزء الثاني من منهاج الحشويّة، فإنّه ذكر في جواب الفتيا التي حكاها ابن المطهّر عن الإمام الهادي : أنّ المتوكّل نذر أن يتصدّق بدراهم كثيرة، فأمره الإمام عليّ بن محمّد أن يتصدّق بثلاثة وثمانين درهماً ; لقوله تعالى : ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِى مَوَاطِنَ كَثِيرَة ) (٤) وأنّ المواطن كانت هذه الجملة : سبعاً وعشرين غزوة وستاً وخمسين سريّة (٥) ، مالفظه : فهذه الحكاية تحكى عن عليّ بن موسى مع المأمون، وهي دائرة بين أمرين : إمّا أن تكون كذباً، وإمّا أن تكون جهلا ممّن أفتى بذلك (٦) ، إلى

____________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٥٧.

(٢) سورة التوبة ٩ : ٦١.

(٣) سورة الفرقان ٢٥ : ٣١.

(٤) سورة التوبة ٩ : ٢٥.

(٥) تذكرة الخواص : ٣٢٢، شرح مسلم للنووي ١٢ : ١٩٦، مناقب آل أبي طالب ٤ : ٤٠٢.

(٦) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٨١.


آخرخرافاته .

الإجماعات والفتاوي في كفر من أساء الأدب على أهل البيت عليهم‌السلام:

ولا ريب أنّ نسبة الجهل إلى أئمّة أهل البيتعليهم‌السلامإهانة وتنقيص لهم، وهو كفر بالاتّفاق من الأئمّة الأربعة كما في جلاء الظلام للسيّد العلاّمة علوي ابن الحدّاد المدني (١) ، وكذلك المولوي شاه سلامة الله الهندي الحنفي في كتابه معركة الآراء وقال : واستخفاف واسائه أدب نسبت بعترت رسول كفر صريح است وكمال خسران، انتهى.

وقال المولوي رشيد الدين أعلم أهل عصره من الحنفيّة في كتابه إيضاح لطائفة المقال : يجب تعزير مريد خلاف الأدب مع أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل يكفّر هذا الشرّير بإساءة الأدب معهم، انتهى.

وقال ملك العلماء شهاب الدين بن عمر الدولت آبادي في رسالة مناقب السادات : هم حجّة الله على الورى، فيهم نزلت : ( هَلْ أَتَى ) و ( قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى ) (٢) ، وعليه قول الشاعر (٣) :

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

قال : وقد ثبت أنّ من لم يقبل وينقاد إلى مودّتهم فليس بمؤمن موحّد بل كافر بالنصّ الصريح وملحد ملعون مرتدّ، انتهى ملخّصاً.

____________________

(١) انظر مصباح الأنام وجلاء الظلام : ٦٥ - ٦٦.

(٢) سورة الشورى ٤٢ : ٢٣.

(٣) وهو الفرزدق، والبيت من قصيدته المعروفة التي مدح بها الإمام السجاد عليه‌السلام ، ديوانه : ٢٠٣.


ثمّ قال ملك العلماء المذكور : لو أنّ إنساناً آمن بجميع شرائع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصدّق بها وأهان علوياً أو صغّره بأن قال : عليوي أو صغّر النبيّ، ذلك كفر نعوذ بالله منه، نقل ذلك أيضاً عن مصابيح الدين (١) ، انتهى.

وفي رسالة مولانا صدر الدين الحنفي ورسالة مولانا ضياء الدين البرني : أنّ العلماء أفتوا أنّ إهانة أولاد الرسول وإيذاءهم كفر ومكفر (٢) ، انتهى.

ثمّ كذّب حكاية هجوم الأتراك عليه بأمر المتوكّل ليلا على غفلة، فوجدوه في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر وهو مستقبل القبلة ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، فحمل إلى المتوكّل على هذه الهيئة (٣) .

مع أنّ هذه القصّة قد حكاها كبار علماء التاريخ غير المسعودي (٤) الذي قدحه ابن تيميّة كأبي الفداء في مختصر أخبار البشر في حوادث سنة أربع وخمسين ومأتين (٥) ، وغيره من أهل السنّة والعلم والاتّفاق (٦) ، فما هذا العناد من ابن تيميّة؟!

وقد تقدّمت تنقيصات ابن تيميّة وتشنيعاته وإهاناته لعليّ والأئمّة

____________________

(١) انظر عبقات الأنوار ١٧ : ٢١٦ و ٢١٧، وتشييد المطاعن ٤ : ٣٧٥.

(٢) عنه في عبقات الأنوار ١٧ : ٢١٦.

(٣) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٧٨.

(٤) مروج الذهب ٤ : ١٠ - ١١.

(٥) المختصر في أخبار البشر ١ : ٣٦٠.

(٦) انظر وفيات الأعيان ٣ : ٢٣٨ / ٤٢٤، تاريخ الإسلام ١٨ : ١٩٩، الوافي بالوفيات ٢٢ : ٤٨، البداية والنهاية ١١ : ١٧، تذكرة الخواص : ٣٢٣، نور الأبصار : ١٨٢.


من ولده، بألفاظه ونصوصه لا يألوهم خبالا، ولا يترك شرّاً يقدر عليه إلاّ فعله بهم، فهو من شرار الزائغين على اُصول المسلمين، انظر إلى كذبه وافترائه عليهم في صفحة ١٢٤ من الجزء الثاني من منهاج الحشويّة قال : وأمّا من بعد موسى فلم يوجد عنهم من العلم ما يذكر به أخبارهم في كتب المشهورين وتواريخهم.

إلى أن قال : وليس لهم رواية في الكتب الاُمّهات من الحديث ولا فتاوى في الكتب المعروفة، التي ينقل فيها فتاوى السلف، ولا لهم تفسير ولا غيره، ولا لهم أقوال معروفة (١) ، إلى آخره.

أقول : يريد بمن بعد موسى الكاظم الإمام عليّ الرضا، وابنه الإمام محمّدالجواد ، وابنه الإمام علي الهادي، وابنه الإمام الحسن الخالص العسكري، فأنّهم بقيّة الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت، وأنت قد عرفت فيما تقدّم ما يوضح لك كذب ابن تيميّة بالنسبة إلى الإمام علي الرضا وابنه الإمام محمّد الجواد رضي الله عنهما، وما قد ذكر من أخبارهم في الكتب المشهورةوالتواريخ المأثورة ممّا صنّف في المناقب والحديث والتواريخ وغيره، والذي يحضرني من ذلك أكثر من ثمانين كتاب، وكذلك قد عرفت كلام رشيد الدين في الإيضاح، وأنّ أكثر أهل السنّة رووا عن الرضا، وما ذكره صاحب مفتاح النجاة، وهو عين ما في تهذيب الكمال في عدد من روى عن الرضا من كبار أئمّة الحديث والفقه (٢) ، وأنّه روى له ابن ماجة، إلى آخر ما تقدّم (٣) .

____________________

(١) منهاج السنّة النبويّة ٤ : ٥٦.

(٢) تهذيب الكمال ١٨ : ٨١ و ٢١ : ١٥٣.

(٣) راجع ص : ٣٨٣.



فهرس الموضوعات

مقدمة التحقيق.................................................................. ٥

نبذة عن هجمات الخصوم والردّ عليها............................................... ٥

حياة المؤلف................................................................... ١١

مشايخه في الرواية............................................................... ١٣

المستجيزون عنه................................................................ ١٤

مؤلّفاته........................................................................ ١٤

نبذة مختصرة عن حياة ابن تيمية.................................................. ١٦

ميزات الكتاب................................................................. ٢١

نحن والكتاب.................................................................. ٢١

نماذج من النسخ الخطّيّة.......................................................... ٢٣

مقدّمة المصنّف................................................................. ٢٧

المقصد الأوّل : في شهادات الثقات بالمكفّرات...................................... ٣٩

كلام التقي السبكي في السيف الصقيل على ابن تيميّة.............................. ٤١

شهادة المولوي حسن الزمان الحيدرآبادي في كتابه المستحسن......................... ٣٤

أبيات للسبكي في الطعن على ابن تيميّة........................................... ٥٧

شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم................................................. ٥٨

شهادة الشيخ أبي حيان النحوي في كتاب النهر..................................... ٨٥

شهادة الحافظ العسقلاني في الدرر الكامنة......................................... ٥٩

شهادة سلطان عصر ابن تيميّة عليه بفضاحات أقواله............................... ٦١

شهادة الشيخ شهاب الدين بن جبرائيل الكلابيّ.................................... ٦٢

شهادة التاج السبكي في الطبقات الكبرى.......................................... ٦٤


شهادة الحافظ الشيخ ابن حجر العسقلاني في الدرر الكامنة.......................... ٦٥

شهادة العلائي صلاح الدين..................................................... ٦٧

شهادة الحصني................................................................. ٦٨

شهادة الشيخ نصر الله بن المنبجي................................................ ٦٩

شهادة اليافعي في كتابه مرآة الجنان................................................ ٧١

شهادة ابن بطوطة في الرحلة...................................................... ٧٢

شهادة ابن القيم في كتاب زاد المعاد............................................... ٧٤

شهادة الحافظ الشامي صاحب السيوطي.......................................... ٧٥

شهادة أبي الفداء في تاريخه....................................................... ٧٨

شهادة الشيخ محمّد البرنسي في كتابه إتحاف أهل العرفان............................ ٧٩

شهادة صدر الدين الهندي في كتابه منتهى المقال.................................... ٨٠

شهادة المحقّق الدواني في شرح العقيدة العضدية...................................... ٨٠

شهادة المولوي عبد الحليم في كتابه حل المعاقد...................................... ٨١

شهادة الشيخ شهاب الدين الكلابي............................................... ٨٣

شهادة ابن حجر في الجوهر المنظم................................................. ٨٤

شهادة ابن حجر في كتابه الفتاوى الحديثيّة......................................... ٨٦

شهادة صديق حسن خان في كتابه الانتقاد الرجيح.................................. ٩٠

شهادة ابن حجر في كتابه أشرف الوسائل.......................................... ٩١

شهادة ابن حجر في كتابه الفتاوى الفقهيّة.......................................... ٩١

شهادة أبي العبّاس بن فضل الله في كتابه مسالك الأبصار............................ ٩٣

شهادة نور الدين البكري........................................................ ٩٤

شهادة صدر الدين بن بهادر خان في كتابه منتهى المقال.............................. ٩٤

شهادة أبي بكر بن عبد الرحمن بن شهاب الدين العلوي.............................. ٩٥


أيضاً شهادة أبي بكر بن عبد الرحمن.............................................. ٩٧

شهادة السيد أبي بكر في كتابه وجوب الحمية....................................... ٩٨

شهادة اُخرى للسيد............................................................. ٩٩

شهادة العلاّمة محمّد بخيت المصريّ في كتابه تطهير الفؤاد........................... ١٠٠

في أنواع المشهود به على ابن تيميّة المكفرة........................................ ١٠١

النوع الأوّل : عقيدته في الجهة.................................................. ١٠١

النوع الثاني : التزامه مسألة الحسن والقبح وكلّ مايرد عليها.......................... ١٠٣

النوع الثالث : من المشهود به عليه تنقيص الأنبياءعليهم‌السلام........................... ١٠٤

النوع الرابع : من المشهود به عليه تنقيص كبار الصحابة............................ ١٠٥

النوع الخامس : من المشهود به عليه حطّه من أهل بيت النبيّ عليهم‌السلام.................. ١٠٦

النوع السادس : من المشهود به عليه تكفيره كلّ من سواه وسوى أتباعه............... ١٠٧

النوع السابع : من المشهود به عليه من أنّه عبد خذله الله وأضلّه..................... ١٠٨

النوع الثامن : من المشهود به عليه اتّصافه بالزور والكذب والبهتان................... ١١٠

المقصد الثاني : في خروج ابن تيميّة عن أهل السنّة والجماعة........................ ١١٣

الفصل الأوّل : من كتابه منهاج الحشويّة......................................... ١١٨

الفصل الثاني : من كتابه بيان موافقة صريح المعقول للمنقول........................ ١٢٩

الفصل الثالث : من كتاب جواب أهل الإيمان.................................... ١٣٢

الفصل الرابع : من كتاب تفسير ( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَد )............................ ١٣٦

الفصل الخامس : من رسائله.................................................... ١٣٨

الفصل السادس : من الجزء الثاني من مجموعة الرسائل لابن تيميّة.................... ١٤٥

الفصل السابع : فيما ذكره في العرفاء وعلماء الحقيقة........................... …١٤٨

الفصل الثامن : في ذكر تشنيعه وتنقيصه وتكفيره ناساً بأسمائهم..................... ١٥٩

المقصد الثالث : في أنواع المكفّرات لابن تيمية في اُصول الدين وفروعه............... ١٧٩


ما ذكره ابن بطوطة في رحلته عن ابن تيميّة.................................... …١٨٧

الفصل الأوّل : كلام ابن تيميّة في إثبات الجهة وردّه............................... ١٨٨

الفصل الثاني : وكلامه في إثبات الجسميّة لله تعالى عن ذلك........................ ١٩٢

الفصل الثالث : عبارت ابن تيميّة الدالّة على اعتقاده التركيب في الله جلّ جلاله...... ١٩٤

الفصل الرابع : وعباراته الدالّة على قوله : بقيام الحوادث في ذات الربّ............... ١٩٦

الفصل الخامس : في دعوى ابن تيميّة أنّ القرآن محدث في ذاته تعالى................. ٢٠٢

الفصل السادس : وعبارته الدالّة على ترجيحه أنّ الله تعالى بقدر العرش.............. ٢٠٤

الفصل السابع : ادّعاء ابن تيميّة الحركة والانتقال للربّ............................. ٢٠٧

تصريح ابن تيميّة بأنّ الربّ لا يخلو عن نوع الحوادث............................... ٢١٥

وتصريحه بالجسميّة............................................................ ٢١٧

وتصريحه بافتقار الربّ افتقار المركّب إلى أجزائه تعالى عن ذلك...................... ٢١٨

وتصريحه بافتقاره تعالى افتقار المشروط إلى شرطه تعالى عن ذلك..................... ٢١٩

وتصريحه بإثبات التشبيه والتجسيم القبيح........................................ ٢١٩

وتصريحه بالجهة هو وإمامه أحمد................................................ ٢٢٠

تصريحه بقيام الحوادث بذات الربّ تعالى وأنّه لم يزل فاعلا....................... …٢٢١

ادّعاء ابن تيميّة بأنّ التسلسل في الماضي صحيح.................................. ٢٢١

وادّعائه بأنّ جنس الفعل قديم لم يزل............................................. ٢٢١

تصريح ابن تيميّة بأنّ صفات الربّ متنوّعة متغايرة................................. ٢٢٣

فهرس كلام ابن تيميّة الفاسد في منهاج السنّة..................................... ٢٢٦

في الجزء الأوّل................................................................ ٢٢٦

وفي الجزء الثاني................................................................ ٢٢٧

وفي الجزء الثالث.............................................................. ٢٣٠


فهرس كلام ابن تيميّة الفاسد في كتاب موافقة المعقول لصحيح المنقول المطبوع

بهامش المنهاج................................................................ ٢٣١

هامش الجزء الأوّل............................................................ ٢٣١

هامش الجزء الثاني............................................................. ٢٣٢

هامش الجزء الثالث........................................................... ٢٣٢

هامش الجزء الرابع............................................................. ٢٣٣

كلام ابن تيميّة في كتاب جواب أهل الإيمان...................................... ٢٣٣

جواب أهل الإيمان............................................................ ٢٣٣

كلام ابن تيميّة في مجموع الرسائل الكبرى........................................ ٢٣٤

كلام ابن تيميّة في معارج الوصول وفي كتب اُخرى................................. ٢٣٥

النوع الثاني : من أنواع المكفّرات التي اعتقدها ابن تيميّة............................ ٢٤١

كلام ابن تيميّة بتفاضل كلام الله وتفاضل صفاته.................................. ٢٤١

في النبوّة :

النوع الثالث : من المكفّرات لابن تيميّة ما يرجع إلى تنقيص الأنبياء عليهم‌السلام............ ٢٤٦

النوع الرابع : من المكفّرات لابن تيميّة التشنيع على بعض الصحابة من الخلفاء........ ٢٥٧

في الإمامة :

النوع الخامس : من الأنواع المكفّرة لابن تيميّة انحرافه عن الإمام علي عليه‌السلام............ ٢٦٤

رميه للإمام علي عليه‌السلام وهذا الكفر البراح الصريح من ابن تيميّة...................... ٢٧٠

وذكره للخلاف في خلافته عليه‌السلام وذمّها.......................................... ٢٧٦

قول ابن تيميّة : إنّ علياً وفاطمة عليهما‌السلام ردّا أمر الله وسخطا حكمه وكرها ما

رضى الله..................................................................... ٢٧٦

وتشنيعه على الإمام بخروجه عن المدينة........................................... ٢٧٧

رمي ابن تيميّة الإمام علي عليه‌السلام بالمقاتلة للرئاسة ومخالفته للرسول في ذلك............. ٢٧٨


رميه للإمام علي عليه‌السلام بأنّ خروجه لم يكن لله ورسوله............................... ٢٨٠

رميه للإمام أنّه كان مخذولا..................................................... ٢٨٢

رميه للإمام أنّه لم يُؤخذ عنه العلم................................................ ٢٨٢

تكلّمه في إيمانه............................................................... ٢٨٣

ذمّ ابن تيميّة لرأي الإمام....................................................... ٢٨٤

ادّعاء ابن تيميّة أنّ مقاتلته للولاية والرئاسة........................................ ٢٨٥

احتجاجه بشبهة الجبر......................................................... ٢٨٥

نسبة ابن تيميّة الظلم إلى الإمام علي والحسين عليهما‌السلام ............................. ٢٨٦

نسبة ابن تيميّة الجهل بالسنّة النبوية للائمّة....................................... ٢٨٧

نسبة ابن تيميّة الفساد في الرأي في حرب صفّين.................................. ٢٨٧

تغليط ابن تيميّة الإمام في حروبه................................................ ٢٨٨

تصريح ابن تيميّة بفساد رأي الإمام.............................................. ٢٨٨

نفي ابن تيميّة اختصاص الإمام بعلم من النبيّ وتكذيب الكتب المنسوبة إليه.......... ٢٨٩

ادّعاء ابن تيميّة ندامته الإمام على المحاربة......................................... ٢٩٢

محاماة ابن تيميّة ونصرته لأعداء آل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليزيد بن معاوية................ ٢٩٨

رد المصنّف دفاعه عن يزيد..................................................... ٣٠٠

كلام أبي الفرج بن الجوزي حول يزيد............................................ ٣٠٠

كلام سبط بن الجوزي حول يزيد................................................ ٣٠٤

الحوادث الحاصلة بعد وقعة كربلاء من الحمرة المشرقية............................... ٣٠٥

ما أنشده يزيد بن معاوية عند وصول سبايا واقعة كربلاء إلى الشام................... ٣٠٨

كلام الشبراوي حول واقعة كربلاء............................................... ٣٠٩

كلام المحقّق التفتازاني فيمن حارب عليّاً والحسين عليهما الرحمة والرضوان.............. ٣١٠

كلام المتلخص بكشفي تلميذ الدهلوي حول يزيد................................. ٣١٢


فصـل : في تنقيصه أئمّة الحق............................................... …٣٢٠

في ردّ تنقيصاته بما ذكره العلماء................................................. ٣٢٠

ما ذكره أحمد بن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري............................. ٣٢١

ما أورده الطبراني والملاّ علي القاري............................................... ٣٢٢

ما يدل على أنّ علوم الأئمّة لدنيّة............................................... ٣٢٣

وأنهم معصومون............................................................... ٣٢٣

ما ورد في الأئمّة من أنّهم أمان لأهل الأرض...................................... ٣٢٥

كلام العلاّمة سالم الحضرمي في مَن ثلب الذريّة الطاهرة............................. ٣٢٦

ما ورد عن عائشة : انّ رسول الله لعن ستة، منهم : المستحل لعترتي.................. ٣٢٧

ما ورد من الويل لظالم أهل البيت عليهم‌السلام.......................................... ٣٢٧

في أن ابن تيميّة أفسد عقائد الناس وشقّ العصا ولم يحفظ حرمة الإسلام.............. ٣٣٢

ما ورد فيمن أراد الخير لأهل البيت، ومن أراد الشرّ لهم، وأنّ ابن تيميّة أراد

الشر........................................................................ ٣٣٣

كلام فريد الدين النيسابوري الشاعر المعروف بعطّار............................... ٣٣٦

كلام شاه سلامة الله.......................................................... ٣٣٧

في أنّ أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم المرجع في الدين في كلّ زمان....................... ٣٣٨

لا يشترط في الإمام التسلّط والغلبة الفعليّة........................................ ٣٤١

تنقيصه من الإمام زين العابدين بن الحسين عليهما‌السلام ................................ ٣٤٣

فصل : بالغ ابن تيميّة في الاستقصاء على آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم........................ ٣٤٣

إنكاره صلاة ألف ركعة في اليوم والليلة للإمام للسجّاد عليه‌السلام........................ ٣٤٥

كلامه في الإمام الباقر عليه‌السلام.................................................... ٣٤٦

في قدح الزهري المتكلّم فيه..................................................... ٣٤٩

حديث تسمية الإمام محمّد بن علي بالباقر عليهما‌السلام ................................ ٣٥٥


رواية اُخرى................................................................... ٣٥٨

كلام سراج الدين في كتابه صحاح الأخبار في إمامة الأئمّة عليهم‌السلام................ …٣٦٠

كلام ابن تيميّة في الإمام الصادق عليه‌السلام.......................................... ٣٦١

كلام أبي حنيفة النعمان حول الإمام الصادق عليه‌السلام................................ ٣٦٢

كلام الشريف سراج الدين الرفاعي في كتابه صحاح الأخبار........................ ٣٦٣

كلام أبي عبد الرحمن السلمي في كتابه طبقات الصوفيّة............................ ٣٦٤

كلام ابن حجر............................................................... ٣٦٥

كلام ابن قتيبة............................................................... ٣٦٥

كلامه في الإمام الكاظم عليه‌السلام.................................................. ٣٦٦

كلام صاحب كتاب فصل الخطاب............................................. ٣٦٧

كلام ابن حجر............................................................... ٣٦٩

أسماء الحفّاظ وأئمّة الحديث الذين رووا قصّة شقيق البلخي.......................... ٣٧١

انكار ابن تيميّة توبة بشر الحافي على يد الإمام الكاظم عليه‌السلام والجواب عنها........... ٣٧٤

في تنقيص ابن تيميّة من الإمام عليّ الرضا عليه‌السلام................................... ٣٧٧

في تنقيص ابن تيميّة الإمام الجواد بن الرضا عليهما‌السلام ................................ ٣٩٠

في تنقيص ابن تيميّة من الإمام الهادي علي العسكري عليه‌السلام......................... ٤٠٤

إجماعات العلماء وفتاويهم في كفر من أساء الأدب مع أهل البيت عليهم‌السلام............. ٤٠٥

فهرست الموضوعات........................................................... ٤٠٩

البراهين الجليّة - ١

المؤلف: السيّد حسن الصدر
الصفحات: 416
ISBN: 978-964-319-628-8