
تراثنا
|
صاحب
الامتیاز
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث
المدير المسؤول :
السيّد جواد
الشهرستاني
|
العدد
الثالث والرابع [١١٩ ـ ١٢٠]
|
السنة الثلاثون
|
محتـويات العـدد
* المراحل الأربعة في مدرسة التفسير الشيعي
.................................................................. مرتضى
كريمي نيا ٧
* تاريخ الحوزات
العلمية (الحوزة العلميّة في كربلاء)
............................................................. الشيخ
عدنان فرحان ٤٤
* الذكر المحفوظ
قراءة جديدة في تاريخ جمع القرآن وما روي في تحريفه (٦).
.......................................................... السيّد
علي الشهرستاني ٢٢٦
* مكتبة السادة آل
الخرسان
.................................................... أحمد
عليّ مجيد الحلّيّ النجفيّ ٣٩٥
* من ذخائر التراث :
* رسالة مختصرة في
علم الدراية للسيّد محسن الطباطبائي الحكيم قدسسره (ت ١٣٩٠ هـ)
................................................... تحقيق
: الشيخ حميد البغدادي ٤٤٣
* من أنباء التراث.
................................................................... هيـئة
التحرير ٥٠٢
*
صورة الغلاف : نموذج من مخطوطة (رسالة مختصرة في علم الدراية) للسيّد محسن الطباطبائي
الحكيم (ت ١٣٩٠ هـ) والمنشورة في هذا العدد.

المراحل الأربعة في
مدرسة التفسير الشيعي
(تمهيدٌ في تاريخ
التفسير الشيعي)
|
|
مرتضى كريمي نيا
بسم الله الرحمن
الرحيم
توطئة :
إنّ الجهد الذي بذلناه في هذه المقالة هو
عبارة عن تحقيق في مجال تاريخ التفسير الشيعي ، علماً بأنّ هذا النوع من التحقيق لا
يرمي إلى بيان صحّة أو عدم صحّة النظريّات المختلفة في علم التفسير ، وذلك مثله مثل
ما يقوم به بقية مؤرّخي سائر العلوم ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر فإنّنا نرى في بيان
تاريخ أيّ علم من العلوم أنّ يد التحقيق لا تستطيع أن تبيّن للقارىء إلاّ بعض
الجوانب المهمّة لذلك العلم عاريةً عن البحث في صحّة أو عدم
__________________
صحّة نظريّاته ، فبناءً
على هذا فإنّ الموضوع الأساسي لهذا البحث بل محور موضوعاته قد دار حول تفكيك الحقب
الأساسية الأربعة في تاريخ التفسير الشيعي ، بحيث يمكن أن يكون كلّ واحد من هذه الحقب
بمفسّريها ـ مع ما فيها من ظروف اجتماعية وعقائدية وسياسية ـ مدرسة متميّزة قائمة
بذاتها تضمّ تحت لوائها مجموعة من العلماء والمفسّرين ذوي أصول وقواعد مشتركة نسبيّاً
، حيث إنّنا نرى مفسّري كلّ مرحلة من تلك المراحل يعملون على نمط واحد تقريباً ، وإنّهم
يتّبعون في باب فهم القرآن وتفسيره مناهجاً وسنناً كلّية معهودة لديهم ويعملون وفقاً
للأساليب المتّبعة في التفسير في عصرهم.
إنّ معلوماتنا في باب تاريخ تطوّر التفسير
الشيعي وبالأخصّ في عهود الحقب الأولى قليلة جدّاً ، فبالقياس مع المطالعات في سائر
مدارس البحوث التفسيرية فإنّ عدد المؤلّفات المرتبطة بالتفسير الشيعي تبدو قليلةً جدّاً
، ويبدو هذا الأمر جليّاً في المطالعات والبحوث باللّغات الأوربية بشكل أوضح ، حيث
إنّه لم يلتفت أيّ محقّق في الغرب إلى هذا الموضوع قبل گلدتسيهر وكتابه مناهج التفسير
، ومن الطبيعي أيضاً أن گلديسهر قد خطى في هذا الطريق خطواته الأولى وفيها كثير من
النقص والاشتباه ، علماً بأنّ البحوث التفسيرية في كتاب المطالعات القرآنية
لـ : ونزبرو مع إعداده الفصل الرابع منه كانت منعطفاً في هذا المجال ، فإنّ هذا الكتاب
كان يثير بأسئلته الجديدة جدلا في الوسط العلمي ، كما كان يلفت أنظار الجميع إلى مدى
أهمّية المدوّنات التفسيرية
في القرون الأولى ، وبالرغم من كلّ ذلك لا هو ولا المؤمنون به من أتباعه ـ مثل آندرويپين
ونورمن كالدر ـ لم يكن لديهم أيّ توجّه إلى مدرسة التفسير الشيعي
، إلاّ أنّ انتقاء نماذج التفسير التي قام بها جان ونزبرو لأوّل مرّة بأسلوب ممنهج
والتي رسم معالمها في الفصل الرابع من كتابه المطالعات القرآنية
قد جعلنا في خضمّ موضوع التفسير وتاريخ تطوّره في القرون الثلاثة الأولى إلى ما قبل
تصنيف تفسير
الطبري ، ومن بعد ذلك فقد استقلّ علم التفسير إلى
جانب سائر العلوم الإسلامية استقلالا ذا أصالة تميّزه عن غيره ، فقد صُنّفت في تلك
الحقبة كتبٌ مثل التبيان
للشيخ الطوسي والكشّاف
للزمخشري ، وقد نشأت في تلك الحقبة آليّات ومناهج تفسيرية متنوّعة ومتداخلة ، بحيث
انتقى كلّ مفسّر لكتابه ما يروق له ويذهب إليه ذوقه ويحدّده ما لديه من العلم وانتمائه
المذهبي والظروف التي يعيشها زمنيّاً ومكانيّاً.
__________________
لقد طوى التفسير الشيعي
تأريخيّاً مراحل عديدة من مراحل تطوّره مثله مثل سائر العلوم الأخرى ، وأنّ وجود بعض
الخصوصيّات في التفاسير الشيعية ومؤلّفيها صارت سبباً لتميّزها عن نظائرها من التفاسير
السنّية والمعتزلية ، إلاّ أنّ هذه التفاسير كذلك لم تكن على سبك ونسق واحد عبر
القرون المتمادية التي مرّت على تطوّر التفسير الشيعي ، حيث أنّ هناك العديد من العوامل
التي ساهمت في إيجاد هذا الاختلاف في المنهجية وحتّى في محتوى التفسير على مدى ثلاثة
عشر قرن الماضية ، إنّ الجوّ السياسي والاجتماعي لعصر المفسّر ، وانشداد المفسّر ورغبته
لنوع من أنواع العلوم ، والعلاقة بين الأستاذ والتلميذ والتي كان لها الأثر الكبير
على المفسّر ، وتوفّر المصادر السنّية والمذاهب الأخرى أو عدم توفّرها ، جميعها عوامل
ساهمت في رسم معالم الإختلاف فيما بين التفاسير الشيعية ، ولابدّ لنا من الإشارة هنا
إلى موضوعين أساسيّين لهما مدخلية في البين أحدهما : معرفة المفسّر للمتن والآخر :
المخاطب من قبل ذلك التفسير في كلِّ حقبة ، بناءً على هذا لابدّ من القول أنّ الفارق
بين المفسّرين وتفاسيرهم في كلّ حقبة أو مرحلة له صلة مباشرة بما يفهمه المفسّر من
المتن ومدى معرفته به ، هذا من جانب ، ومن
__________________
جانب آخر فإنّه يرتبط
بالمخاطبين الذين كان يخاطبهم كلّ مفسّر أو من يفترضهم المفسّرون كمخاطبين لهم حين
تأليفهم لهذه التفاسير.
فإنّ كلّ واحد من هذه العوامل سواء كان تمام
العلّة أو جزءاً منها يمكن أن يكون سبباً في التباين بين منهجيّات التفسير الشيعي لمفسّري
الشيعة.
ولابدّ هنا من الإشارة إلى مسألة مهمّة جعلتنا
نعاني من خلأ في هذا المجال ألا وهي هذا : إنّ ما نعانيه نحن ـ مؤرّخو تاريخ التفسير
ـ هو البعد الزمني عن عصر المفسّرين ، بحيث جعلنا ذلك عاجزين عن الوصول إلى جميع الأسباب
الظاهرية والباطنية المحيطة بالمفسّر والتي أدّت إلى تبلور منهجيّته وأسلوبه في التفسير
، فإنّ كلّ ما حصلنا عليه من بعد هذه القرون هي مجرّد تخمينات متّفق عليها تقريباً
تؤيّدها شواهد من هنا وهناك ، إذن يمكن أن تفاجئنا في كلِّ لحظة شواهد تكون دليلاً
على نقض جميع ما بيّناه من خصائص تبيّن منهجية المفسّر في تفسيره.
إنّ التفسير عند الشيعة كسائر العلوم الأخرى
له معالمه وأسسه المختصّة به ، وإنّ الظروف التي عاشها مفسّروا الشيعة في غضون هذه
القرون المتمادية لم تكن ظروفاًعلى وتيرة واحدة من حيث الزمان والمكان والخصائص ،
وبالإضافة إلى التأثير العامّ الحاكم في كلّ زمان فإنّ توجّهات كل مفسّر وميوله
الخاصّة لعبت دوراً في رسم معالم تفسيره وميّزته عن غيره من التفاسير ، فإنّ ميوله
نحو الغلوّ أو الاعتدال في حقّ الأئمّة عليهمالسلام
، ورأيه الأخباري أو الأصولي
اتّجاه الآيات والروايات
، والالتزام المحض بنقل الروايات حتّى الضعيف منها ، والاعتماد على المباني العقلية
والآراء الكلامية والأدبية و... كلّها عوامل تساهم في رسم معالم كلِّ تفسير.
وقد حاولت في هذه المقالة أن أتناول تقسيماً
كلّياً لتاريخ التفسير الشيعيِّ لكي أبيّن من خلاله التحوّل الإجمالي في مجال التفسير
، ليستطيع القارىء أن يرسم صورة لكلِّ تفسير من تفاسير الشيعة وأن يرسم صورةً
إجمالية للخصائص الكلّية لذلك التفسير والظروف التي أثّرت في تحديد معالمه ليميّز بينه
وبين سائر التفاسير الشيعية المعروفة سواء القديمة منها أو المعاصرة.
وبالجملة
ومن خلال كلِّ ذلك نستطيع أن نقسّم تاريخ تدوين التفسير الشيعيِّ إلى أربعة مراحل أساسية
، وذلك لاختلاف خصائص كلّ مرحلة عن المراحل الأخرى ، حتّى يمكننا أن نسمّيها بالمراحل
المختلفة
، ويمكن تلخيصها كما يلي :
أ
ـ التفاسير التي دوّنت قبل الشيخ الطوسي وهي
من مفسّرين مثل : أبو حمزة الثمالي ، الحبري ، السيّاري ، فرات الكوفي ، عليّ بن إبراهيم
القمّي ، العيّاشي ، ابن ماهيار ، والنعماني.
__________________
ب
ـ مدرسة الشيخ الطوسي التفسيرية أو مدرسة
آل بويه التفسيرية ، وقد دوّنت فيها تفاسير مثل : التبيان
للشيخ الطوسي (٣٨٥ ـ ٤٦٠هـ) ، مجمع
البيان للشيخ الطبرسي (ت ٥٤٨هـ) ، روض الجنان
لأبي الفتوح الرازي (من أعلام القرن السادس) ، متشابه القرآن ومختلفه
لابن شهرآشوب (٤٨٩ ـ ٥٨٨هـ) ، فقه
القرآن لقطب الدين الراوندي (من أعلام القرن السادس)
، نهج
البيان لمحمّد بن الحسن الشيباني (ت ٦٤٠هـ)
، وكنز
العرفان في فقه القرآن للفاضل المقداد (ت ٨٢٦هـ)
.
ج ـ تفاسير العصر الصفوي ، أو تفاسير الأخباريّين
، وفيها تفاسير مثل : تأويل
الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة
للسيّد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي النجفي (ت ٩٤٠هـ) ، البرهان في تفسير القرآن
للسيّد هاشم البحراني (ت ١١٠٧ هـ) ، الصافي والأصفى
للمولى محسن فيض الكاشاني (ت ١٠٩١هـ) ، نور الثقلين
للعروسي الهويزي ، مرآة
نور الأنوار ومشكاة الأسرار
لأبي الحسن العاملي (المتوفّى أواخر العقد ١١٤٠هـ)
، كنز
الدقائق
__________________
للميرزا محمّد المشهدي
(المتوفّى حدود سنة ١١٢٥هـ)
، الأمان
من النيران للميرزا عبدالله أفندي
(١٠٦٦ ـ ١١٣٠هـ) ، وتفسير المولى صالح بن آقا محمّد البرغاني القزويني (المتوفّى حدود
سنة ١٢٧١هـ) تحت عنوان تفسير
البرغاني أو مفتاح الجنان في حلّ رموز القرآن
، تحقيق عبدالحسين شهيدي صالحي.
د ـ التفاسير المعاصرة والتي جاءت بأسلوب
جديد مثل : آلاء
الرحمن للبلاغي ، الميزان في تفسير القرآن
للطباطبائي ، پرتوي
از قرآن للطالقاني ، تفسير نمونة أو التفسير
الأمثل لمكارم الشيرازي ، الفرقان في تفسير القرآن
بالقرآن والسنّة لصادقي الطهراني ، ومن
وحي القرآن للسيّد محمّد حسين فضل الله.
كلّ واحد من هذه المراحل الأربعة لها خصوصيّاتها
الخاصّة بها ، إلاّ أنّ
__________________
هناك بعض التشابهات الكلّية
بين المرحلتين الأولى والثالثة وكذلك بين المرحلة الثانية والرابعة ، علماً بأنّ المراحل
الأربعة المشار إليها آنفاً ليس لها حدوداً منطقية محسوبة ، فنرى بعض المفسّرين في
المرحلة الثانية وذلك في الفترة الممتدّة ما بين القرن الخامس إلى القرن التاسع الهجري
انفردوا في فهم وتفسير القرآن من دون التأثّر بالجوّ العلمي لمدرسة الشيخ الطوسي وذلك
مثل سائر المفسّرين قبل الشيخ الطوسي ، كما يمكن العثور على موارد مشابهة في
المراحل الأخرى أيضاً ، فعلى سبيل المثال فإنّ كتاب فصل الخطاب في تحريف كتاب ربّ الأرباب
للنوري الطبرسي (١٢٥٤ ـ ١٣٢٠هـ) والذي صنّفه في النجف الأشرف في أواخر القرن الثالث
عشر الهجري نرى مؤلّفه اتّخذ أسلوب الإخباريّين في العهد الصفوي منهجاً له في تفسيره
، فلذلك وخلافاً للمفسّرين المعاصرين نرى أنّ تفسيره لا يحتوي على تساؤلات تفسيرية
جديدة أو تبلور نظرية ما في مصنّفه
، وبالرغم من أنّ محمّد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بـ : ملاّ صدرا (٩٧٩ ـ ١٠٥٠هـ)
عاصر الأخباريّين في
__________________
العهد الصفوي إلاّ أنّنا
لا نستطيع أنْ نصنّف تفسيره من ضمن تفاسير الأخباريّين في العهد الصفوي ، ولا يمكن
أن تنطبق عليه الخصائص التفسيرية لتلك الحقبة ، وذلك لآرائه الفلسفية المتميّزة في
تفسير صدر المتألّهين.
خصائص المراحل المختلفة
للتفسير الشيعي:
المرحلة الأولى :
لقد ألّفت تفاسير هذه المرحلة في جوٍّ من
الانغلاق وكأنّها قد اعتمدت في أسلوبها المخاطب الشيعي دون غيره ، حيث تشكّلت أصل هيكليّة
هذه التفاسير من روايات أئمّة الشيعة عليهمالسلام
فقط ، وإنّ المفسّرين الشيعة اتّخذوا طريقة الانتقاء حيث اعتمدوا تفسير بعض الآيات
في تفاسيرهم دون غيرها ، ولم يعتن مفسّروا هذه التفاسير بردود فعل المخالفين أبداً
، فقد رووا بكلّ جرأة روايات تحريف القرآن والروايات التي تشير الى ذمّ الخلفاء والصحابة
، ولم يُبدوا رغبة في الدخول في المباحث الكلامية والعقلية التي شاعت في المجتمع الإسلامي
منذ القرن الثاني الهجري ، ولم يعتنوا بالجانب الأدبي من ذكر اختلاف القراءات ودقائق
الإعراب والاشتقاقات والمباحث اللغوية والاستشهاد بالشعر الجاهلي.
من الناحية الزمنية فإنّ مفسّري هذه الحقبة
مثل السياري ، علي بن إبراهيم القمّي ، وفرات الكوفي ، والعيّاشي ، والحبري كانوا من
أعلام النصف الثاني من القرن الثالث ، أي إنّهم عاصروا مرحلة التكامل النهائي للتفسير
الروائي عند أهل السنّة ، وعاصروا أعلاماً مثل الطبري وابن أبي حاتم.
إنّ التفاسير المدوّنة والمصنّفة منذ بداية
القرن الثالث الهجري هي تفاسير أدبية ولغوية للقرآن مثل مجاز القرآن
لأبي عبيدة ومعاني
القرآن للكسائي ومعاني القرآن
للفرّاء وتأويل
مشكل القرآن لابن قتيبة ، إلاّ أنّ
أولى التفاسير الروائية الشيعية لم تعتن بالمدوّنات التفسيرية لأهل السنّة التي كثيراً
ما كانت تهتمّ بالجانب الأدبيّ والنحويّ واللغويّ
، وإنّ الرعيل الأوّل من المفسّرين الشيعة صبّوا جلّ اهتمامهم في قبال أهل السنّة في
باب التفسير الروائي وذلك فيما يخصّ موارد الاختلاف بينهم.
إنّ المفسّرين الشيعة كانوا يحرصون كلّ الحرص
على جمع التراث التفسيري ـ الواقعي أو المنتسب ـ للأئمّة عليهمالسلام وذلك في القرون التي
اشتدّت فيها المناظرات الكلامية بين الشيعة والسنّة ، ولم يقطن مؤلّفوا هذه
التفاسير في بلاد أهل السنّة بل كان يقطن أغلبهم في مناطق شيعية مثل قم والكوفة
وخراسان.
__________________
المرحلة الثانية :
ومن ثمّ ابتدأت المرحلة الثانية للتفسير
الشيعي تزامناً مع تأليف التبيان
في تفسير القرآن للشيخ الطوسي (٣٨٥ ـ
٤٦٠ هـ) ، وقد صنّف هذا التفسير في جوٍّ من المعترك الفكري لحاضر بغداد العلميِّ في
القرن الخامس الهجري ، حيث ضمّت هذه المدينة إليها جموعاً من علماء الشيعة ومتكلّمي
المعتزلة وفقهاء ومفسّري أهل السنّة ، وذلك قبل قرن تقريباً من تأليف هذا التفسير ،
وقد ألّف قبل الشيخ الطوسي بفترة قصيرة كلّ من العالمين والأديبين الشيعيّين
الشريف الرضيّ (٣٥٩ ـ ٤٠٦ هـ) وأبو القاسم الوزير المغربي (٣٠٧ ـ ٤١٨هـ) في بغداد تفسيرين
لم ينتحيا فيهما المنحى الروائي بل اعتمدا في تفسيرهما الأسلوبين الكلامي والأدبي ،
فإنّ حقائق
التأويل للشريف الرضيّ ـ حيث لم تصل إلينا منه نسخةٌ
كاملةٌ ـ فإنّه يختلف اختلافاً كبيراً مع سائر التفاسير الروائية التي أُلّفت قبل عهد
الشيخ الطوسي ، وكثيراً ما أهتمّ بالمواضيع الأدبية والكلامية في تفسير القرآن ، وله
شبه كبير بكتاب التبيان
للشيخ الطوسي من هذه الناحية ، ولكن ولأسباب لم يعدّ هذا التفسير أنموذجاً للمفسّرين
فيما بعد في تدوين تفاسيرهم ، فإذا استثنينا المفسّرين الأخباريّين في العهد الصفوي
فإنّ عامّة المفسّرين الشيعة اتّبعوا في تفاسيرهم طريقة التبيان
نموذجاً لهم وذلك إمّا بشكل مباشر أو بواسطة مجمع البيان
للطبرسي ، حيث يمكننا هنا الإشارة إلى بعض الأدلّة التي تؤيّد هذا المعنى في هذا المضمار
:
أوّلا
: إنّ مقام الشيخ الطوسي ومنزلته العملية
بين علماء الشيعة سواء
في أيّام حياته وما بعدها
كانت أقوى بكثير من مقام ومنزلة الشريف الرضيّ علميّاً ، حيث إنّ الشيخ الطوسي يعدّ
أكبر فقيه ومحدّث ورجاليٍّ شيعيٍّ على مدى القرون الوسطى الهجرية ، في حين أنّ الشريف
الرضيّ كان أكثر ما يعرف بأسلوبه الأدبيِّ.
إنّ تطوّر المنهج التفسيريِّ الشيعيِّ كان
بحاجة ماسّة إلى شخصيّة مثل الشيخ الطوسي ، حيث احتلّ اسمه على مدى القرون الوسطى الهجرية
مقام الصدارة بين الفقهاء والمحدّثين والرجاليّين.
والأمر
الآخر هو أنّ الشريف الرضي لم يعتمد في تفسيره
قط المواضيع التفسيرية الشيعية المؤلّفة قبل عهد الشيخ الطوسي ، في حين نراه
كثيراً ما كان يعتمد على الآراء الأدبية والأقوال الكلامية للمعتزلة آنذاك ، وبعبارة
أخرى فإنّه على العكس من الشيخ الطوسي إذ لم ينتهج الاعتدال والوسطية في تفسيره بل
أوجد تغييراً جذريّاً في التفسير الشيعيّ.
بغضّ النظر عن تفسير الشريف الرضي فإنّ هناك
تفسيراً آخر لأبي القاسم الحسين بن علي المعروف بالوزير المغربي تحت عنوان المصابيح في تفسير القرآن
، وعلى الرغم من أنّه ألّف قبل عهد الشيخ الطوسي وأنّ الشيخ الطوسي كان قد اعتمده في
تفسيره
التبيان إلاّ أنّه لم يكن أنموذجاً للمفسّرين
فيما بعد وذلك لكثرة توجّه الوزير المغربي إلى الجانب اللغوي والأدبي في تفسيره .
__________________
لقد ألّف الشيخ الطوسي أوّل تفسير كامل للقرآن
من بين علماء الشيعة ، وقد قلّل في تفسيره من حجم الروايات المنقولة عن أئمّة الشيعة عليهمالسلام إلى حدٍّ ملفت للنظر
، وخاصّة الروايات الدالّة على تحريف القرآن أو مذمّة الخلفاء فقد حذفها بأسرها من
تفسيره ، وإضافة إلى ذلك فإنّه كثيراً ما نقل من تفسير الطبري
روايات الصحابة والتابعين ، كما زخر تفسيره بالآراء الكلامية للمعتزلة
وتطرّق إلى ردّها أو تأييدها ، وقد ضمّ كتابه كمّاً هائلا من المباحث الأدبية كالإعراب
والاشتقاق واللغة والقراءات والشعر الجاهلي
، فيمكننا أن نقول : إنّ هذه المنهجية هي عبارة عن فكرة جامعة في تفسير القرآن اشتملت
__________________
على : نقل الروايات ،
أسباب النزول ، المواضيع الأدبية ، والأبحاث الكلامية ، و...
، وقد استمرّت هذه المنهجية تقريباً في جميع التفاسير التي اتخذته إنموذجاً لها ، ولم
يحصل بها إلاّ بعض التغييرات ، وعلى سبيل المثال فإنّ أبا الفتوح الرازي والطبرسي قد
اتّبعا أسلوب التبيان
إلاّ أنّهما كثيراً ما استفادا من الروايات السنّية في تفسيرهما ، فقد جاء أبو الفتوح
بعدد ملفت للنظر من القصص والروايات السنّية التي أخذها من مصادر جديدة مثل الكشف والبيان
للثعلبي ، ونرى أنّ الطبرسي قد أضاف في تفسيره بعض من روايات أئمّة الشيعة عليهمالسلام ، كما بوّب المباحث الأدبية
المشتملة على الصرف ، الاشتقاق ، الإعراب ، القراءات وأمثالها تبويباً منظّماً وموضوعيّاً
، وتارة ينقل بعض المواضيع من بعض المعتزلة ممّن غضّ عنهم الطوسي طرفه عمداً ، فعلى
سبيل المثال انظر مجمع
البيان ٢ / ٨٤٠ و ٣ / ١٠٤ و ٦ / ٤٧٦ و ١٠ / ٦٠٣
.
إنّ المرحلة الثانية في تدوين التفسير الشيعي
هي من أهمّ مراحل تاريخ
__________________
التفسير الشيعي ، حيث
تبدوا معالمها واضحةً اليوم في التفاسير الشيعية المعاصرة وإن تضاءل أمرها في العهد
الصفوي.
ويمكننا أن نعدّ تفسير المواهب العلية
ـ لملاّ حسين واعظ كاشفي المتوفّى سنة ٩١٠ هـ ـ نهاية لهذه المرحلة.
أمّا بعد ذلك فإنّنا نرى أيضاً في العهد
الصفوي بين الفينة والأخرى ظهرت بعض آثار تلك المرحلة على بعض التفاسير وذلك في تفسيري
منهج
الصادقين وخلاصة منهج الصادقين
وهما للمولى فتح الله الكاشاني (ت سنة ٩٩٨هـ) وليس من الجزاف إذا قلنا إنّ الشهيد الثاني
(٩١١ ـ ٩٦٥هـ) كان أكثر ميولاً إلى المدرسة التفسيرية للشيخ الطوسي منه إلى المدرسة
التفسيرية الروائية في العهد الصفوي ، هذا وإنّ الشهيد الثاني هو الشيخ زين الدين بن
نور الدين علي بن أحمد ولد في جبل عامل وتلمّذ على يد كبار الفقهاء والمحدّثين من المذهب
الحنبلي والمالكي والشافعي والحنفي ويُعدّ من كبار فقهاء الشيعة البارزين بالرغم من
أنّه لم يترك في مجال التفسير سوى بعض الرسائل التفسيرية المختصرة ولكن ومن خلال هذه
الرسائل المختصرة وبقيّة آثاره الفقهية نفهم من أسلوبه أنّه كان أقرب إلى مفسّري مدرسة
الشيخ الطوسي
، علماً بأنّ الشهيد الثاني كان قد تعلّم مختلف القراءات القرآنية عند أئمّة القراءات
المعروفين في زمانه في دمشق والقاهرة وحظر درس التفسير عند أبرز أساتذة أهل السنّة
في زمانه مثل : أبو الحسن البكري وناصر
__________________
الدين الملقاني الذي تعلّم
منه تفسير البيضاوي .
المرحلة الثالثة :
إنّ المرحلة الثالثة في تاريخ التفسير الشيعي
ابتدأت تزامناً مع الدولة الصفوية وقد استمرّت إلى حدود قرنين من بعد أفولها.
لقد ازداد في هذه المرحلة توجّه العلماء
الشيعة إلى نقل روايات الأئمّة عليهمالسلام
وذلك للحريّة النسبية التي عاشها علماؤنا في إيران والبحرين وغيرهما من البلاد ، فقد
سعى الكثير من علماء ومفسّري الشيعة في هذه المرحلة إلى جمع كلّ ما نقل عن الأئمّة عليهمالسلام من الروايات التفسيرية
وبذلك عاد إلى التفسير الشيعي عدد هائل من الروايات التفسيرية المحذوفة في حقبة
الشيخ الطوسي .
__________________
إنّ المجاميع الروائية في مجال التفسير مثل
بحار
الأنوار ، تفسير الصافي ، تفسير الأصفى ، البرهان في تفسير القرآن ، نور الثقلين
وأمثالها لم تأخذ مباشرة من التبيان
للشيخ الطوسي بالرغم من أنّ أصحابها كانوا يعرفون هذا الكتاب جيّداً وحتّى أنّهم أخذوا
الروايات من سائر مؤلّفات الشيخ الطوسي ولم يأخذوا من التبيان
شيئاً ، ولكن عوضاً عن ذلك كانوا يدأبون في نقل الروايات عن مجمع البيان
للطبرسي
، وإنّ ما يلفت النظر هو أنّ بعض
__________________
الروايات المنقولة من
مصادر سنّية جاءت في عداد الروايات الشيعية في هذه المجامع التفسيرية وهي روايات نقلت
لأوّل مرّة عن طريق الشيخ الطوسي إلى التفسير الشيعي ومن ثمّ إلى مجمع البيان
للطبرسي.
ويبدو بوضوح أنّ هذه المرحلة خضعت للهيمنة
الصفوية وتأثّرت بشيوع المذهب الأخباري آنذاك.
لقد كان جلّ اهتمام المفسرّين الأخباريّين
الشيعة في تفسير القرآن الكريم هو الآيات التي نزلت في شأن أهل البيت عليهمالسلام وأتباعهم وفي ذمّ
أعدائهم ، وإنّ أهمّ ما استند إليه هؤلاء المفسّرون هو الروايات الواردة عن
الأئمّة عليهمالسلام
والتي يستشفّ منها أنّ ثلث القرآن أو نصفه نزل في شأن أهل البيت عليهمالسلام ، وقد ذكر الفيض الكاشاني
(١٠٠٧ ـ ١٠٩١هـ) نماذج من هذه الروايات في بداية تفسيره الصافي
ثمّ شرع في شرح غوامضها وكشف أسراراها
، وهناك مفسّرٌ آخر في نفس هذه الحقبة وهو السيّد شرف الدين
__________________
علي الحسيني الأسترآبادي
الغروي (ت ٩٤٠هـ) أشار كذلك إلى هذا الأمر في بادىء كتابه المعنون بـ : تأويل الآيات الظاهرة
في فضائل العترة الطاهرة
قائلا : «بما أنّي رأيت أنّ بعض التفاسير والتأويلات القرآنية المحتوية على مدح أهل
البيت عليهمالسلام
وأتباعهم وذمّ أعدائهم متفرّقة في كثير من الكتب التفسيرية والروائية وبعيدة عن متناول
طالبيها لذلك بذلت جهدي في لمِّ شتاتها وجمعها في مكان واحد يسهل على طالبيها الوصول
إليها» .
فمن الطبيعي من وجهة نظر المفسّرين الأخباريّين
الشيعة في الحقبة الصفوية أنّه لا الطريقة التفسيريّة الشيعية السائدة حتّى زمانهم
والمعروفة بحقبة الشيخ الطوسي ولا الطريقة التفسيريّة لأهل السنّة يمكن لهما أن يكونا
أنموذجاً تفسيريّاً صحيحاً على ما يرونه من طريقتهم ، فإنّ مثل هذا الرأي في تفسير
القرآن ليس له نظير إلاّ في القرون الإسلامية الأولى وذلك عند بعض أصحاب الأئمّة عليهمالسلام ، أو في الحقبة التفسيريّة
الأولى أي ما قبل حقبة الشيخ الطوسي ، ففي زمن الأئمّة عليهمالسلام أو بعدهم نرى بعض التأليفات
التفسيريّة التي قصد مؤلّفوها جمع وتفسير الآيات القرآنية التي نزلت في شأن أهل
البيت عليهمالسلام
فقط لا غير.
__________________
إنّ أحد المباني والثوابت الأساسية للأخباريّين
هي أنّ المخاطب الأصلي والأساسي للقرآن هم أهل البيت عليهمالسلام
، وهم فقط الرهط الذين يدركون معنى الآية وما المراد منها ، فمن هذا المنطلق كثيراً
ما استند هؤلاء على الرواية الشيعية المعروفة «إنّما يعرف القرآن من خوطب به» ، وبناءً
على الاستدلال الأخباري بهذه الرواية فإنّه لا أحد يستطيع أن يفسّر القرآن غير الأئمّة عليهمالسلام ، فمن هذا المنطلق فإنّ
مبناهم الأصلي في تفسير القرآن هو عرض التفسير الصحيح الذي يعتمد على روايات أهل البيت عليهمالسلام.
إنّ من بين أهمّ الأمور التي كانت تقلق المفسّرين
في تلك الحقبة هو شعورهم بأنّه بالرغم من وجود العدد الهائل من الروايات الواردة عن
أهل البيت عليهمالسلام
في مجال تفسير الآيات القرآنية إلاّ أنّ تفاسير أهل السنّة كانت بعيدة كلّ البعد عن
مثل تلك الروايات ، وممّا يزيد في الطين بلّة إنّ التفاسير الشيعية المعروفة في ذلك
الزمان ـ التبيان
، روض الجنان ، مجمع البيان و...
ـ أخذت تنحى منحى نحو اتّخاذ الأسلوب السنّي في التفسير حتّى أنّها كانت تخلو من
روايات الأئمّة عليهمالسلام
وتعتمد على أقوال الصحابة والتابعين وآراء
__________________
متكلّمي المعتزلة في تفاسيرهم.
إنّ كلام الفيض الكاشاني في مقدّمة تفسيره
الصافي
لهو خير دليل على وجود الخلأ وشعور العلماء آنذاك بالحاجة الماسّة لمثل هذا الأسلوب
من التفسير حيث قال : «وبالجملة لم نر إلى الآن مع كثرتهم وكثرة تفاسيرهم من أتى بتصنيف
تفسير مهذّب صاف واف كاف شاف يشفي العليل ويروي الغليل ، يكون منزّهاً عن آراء العوام
مستنبطاً من أحاديث أهل البيت عليهمالسلام»
، كذلك انتقد الفيض الكاشاني صراحة المفسّرين السلف وذلك لاعتمادهم على تفسير الصحابة
والتابعين مثل أبي هريرة ، أنس بن مالك ، ابن عمر وحتّى الصحابة من أمثال ابن مسعود
وابن عبّاس ، وكان يعتقد أنّ التفسير الصحيح هو محض التفسير المستند إلى روايات أهل
البيت عليهمالسلام
، وبهذا نراه قد أطلق اسم الصافي على أحد تفاسيره وذلك بمعنى «المنزّه من شوائب آراء
أهل السنّة» على حدّ قوله (الصافي ١/١٤).
فعلى هذا فإنّ الطريقة المتّبعة للتفاسير
في تلك الحقبة هي مراجعة أقدم المتون الروائية والتفسيرية الشيعية وجمع روايات الأئمّة عليهمالسلام والواردة في
__________________
تفسير الآيات على ترتيب
المصحف ، حتّى أنّ بعض هذه التفاسير عمدت إلى جمع واستقصاء جميع الروايات من دون الالتفات
إلى ضعف سندها أو محتواها وذلك مثل العروسي الهويزي في أوّل تفسير نور الثقلين
وأنّ البعض الآخر مثل الفيض الكاشاني فقد صحّح كلّ ما دوّنه في تفاسيره (الأصفى
: ٢ ، الصافي
١ / ١١ ـ ١٤).
إنّ الميرزا حسين النوري الطبرسي (١٢٥٤ ـ
١٣٢٠هـ) الذي يعدّ من أكبر محدّثي الحقبة المتأخّرة يعتبر من أبرز الشخصيّات تطرّفاً
في تدوين الأخبار الواردة في تحريف القرآن ، فإنّه كان يسعى في إثبات تحريف القرآن
الكريم في كتابه فصل
الخطاب في إثبات تحريف كتاب ربّ الأرباب
(النجف ١٢٩٢هـ) من خلال جمعه للأخبار والشواهد والأدلّة الواردة في إثبات تحريف القرآن
خصوصاً القديمة منها والتي تناولتها المصادر الشيعية القديمة ، فإنّ أسلوب كلامه وأدلّته
تبيّن على ما يبدو أنّه كان يخاطب الشيعة فقط ولم يقصد غيرهم قطّ.
المرحلة الرابعة :
يمكننا أن نطلق على هذه الحقبة التفسيرية
اسم تفاسير القرن العشرين
__________________
الميلادي أو الزمن المعاصر
أو تفاسير القرن الرابع عشر الهجري.
إنّ انفتاح الشيعة على العالم الجديد من
جهة ، والتقارب الذي حصل مع أبناء السنّة من جهة أخرى ، مضافاً إلى العهد الجديد في
المسائل الحقوقية والعلمية والاجتماعية والسياسية كلّ ذلك أجبر المفسّرين المعاصرين
إلى تغيير أسلوبهم في التفسير ، فكلّما طوى المفسّرون شوطاً وابتعدوا عمّا سلف من قبلهم
من مراحل التفسير وواجهوا أسئلة جديدةً واستخدموا آليّات متنوّعة فإنّ مدوّناتهم التفسيرية
أصبحت تختلف اختلافاً كبيراً عمّا دوّن قبل القرن الرابع عشر الهجري
، إلاّ أنّ هناك عنصرين أساسيّين بقيا جزءً من الموروث
__________________
من المراحل التفسيرية
السابقة وأصبحا من الثوابت في التفاسير المعاصرة :
الأوّل
: اتّباع الطريقة الكلاسيكية للتفسير التي
بدت معالمها واضحة في تفاسير مثل التبيان ومجمع البيان
، أي الاهتمام بالعلوم اللغوية والنحوية والكلامية والفقهية وأمثالها.
والثاني
: الاستفادة من هيكلية التفسير الروائي ،
وإن كان الاستفادة من الروايات لم يبلغ من الكثرة إلى حدّ ما بلغت إليه التفاسير الأخبارية
في الحقبة الصفوية ، حيث سلكت في ذلك طريق الاعتدال مثلها مثل تفسير مجمع البيان.
فعلى هذا يمكننا أن نقول : إنّ الهيكلية
الأساسية لتفاسير القرن العشرين الجديدة عادت مرّة أخرى لتسلك طريقة الشيخ الطوسي في
التفسير ، حتّى أنّنا اليوم لا نجد أحداً من المفسّرين المعاصرين من يهتمّ بجمع الروايات
التفسيرية دون التعرّض لها بالنقد والتحليل.
إنّ آليّات المفسّرين والأسئلة التي يتلقّاها
المفسّرون في الزمن المعاصر متعدّدة ومتكيّفة بكيفيّات مختلفة متناسبة مع الظرف الزماني
والمكاني للمفسّر.
__________________
لقد فقدت في هذه الحقبة بعض الأمور أهمّيّتها
بشكل كلّي تقريباً وذلك مثل التوجّه إلى اختلاف القراءات سوى ما ورد منها في بعض
الاستنباطات الفقهية.
إنّ مفسّراً كآية الله السيّد أبي القاسم
الخوئي رحمهالله
في تأليفه لكتاب البيان
في تفسير القرآن (النجف ١٣٧٥ هـ) كان
كثيراً ما يهتمّ في ردّ جميع أدلّة الميرزا حسين النوري في كتابه فصل الخطاب
حيث يبدو ذلك جليّاً في مقدّمة أبحاثه.
في حين أنّنا نرى أنّ آية الله السيّد محمود
الطالقاني رحمهالله
كثيراً ما كان يهتمّ بالمسائل الاجتماعية في تفسيره للآيات.
إنّ التوجّه العلمي في تفسير الآيات والاهتمام
بالمسائل الاجتماعية أخذت تزداد في كثير من تفاسير القرن الرابع عشر الهجري ، وإنّ
هذا التوجه يُعدّ من مميّزات هذا العصر في عالم التفسير.
أمّا المفسّرون ذوو المذاق الفلسفي مثل السيّد
محمّد حسين الطباطبائي رحمهالله
والشيخ عبدالله جوادي الآملي فإنّهما كثيراً ما تطرّقا إلى الجوانب الفلسفية والعرفانية
في تفسيرهما للآيات القرآنية.
أمّا المفسّرون من نمط من تأثّر بالعلوم
الحديثة مثل مهدي بازرگان
__________________
ويدالله سحابي وعبد العلي
بازرگان و... فقد حاولوا المزج بين القرآن والعلوم الحديثة في تفسير الآيات القرآنية.
أمّا منهجيّة السيّد الخوئي رحمهالله ذات المذاق الفقهي والتي
نراها واضحة في تفسيره لسورة الفاتحة فإنّها تختلف كلّياً عمّا ألّف حتّى في الحقبة
المعاصرة.
كما أنّ التوجّه العرفاني للإمام الخميني رحمهالله في تفسيره لسورة الفاتحة
نراه قد رسم أبعاداً أخرى مختلفة عن تفسير القرن العشرين.
إنّ تنوّع الأساليب للمفسّرين الشيعة في
القرن الأخير ، والاختلاف الزماني والمكاني ، والأسئلة التي يتلقّونها ، واختلافهم
في ميزان اهتمامهم بالتفاسير الشيعية والسنّية المتقدّمة ، واستخدامهم لمختلف العلوم
في التفسير ، يمكنها أن تكون أصولا مشتركة لرسم معالم التفسير الشيعي في الحقبة
المعاصرة ، حيث تلخّصت بشكل عام في الأسلوب التفسيري للميزان من خلال الاهتمام بنفس
القرآن في الدرجة الأولى لفهم وتفسير آياته وهو تفسير القرآن بالقرآن ، والاهتمام بالتفسير
الموضوعي للقرآن ، وتناول الروايات المنسوبة لأئمّة الشيعة عليهمالسلام بالنقد والتحليل ، وردّ
الكثير من الروايات التفسيرية الشيعية لتناقضها مع صريح القرآن أو العقل ، والاجتناب
عن الأساطير والخرافات الواردة في بعض الروايات السنّية والشيعية ، ونبذ الروايات
__________________
المشهورة بالإسرائيليّات
، والاستفادة من الآيات القرآنية للجواب على الأسئلة المعاصرة الحاصلة نتيجة للتطوّر
العلمي البشري في مختلف المجالات العلمية الحديثة ، والاهتمام بالجوانب الاجتماعية
والسياسية للقرآن ، إلى جانب التطرّق إلى أهمّ الأسئلة الجديدة التي يواجهها المسلمون
في الزمن المعاصر ، والبحث عن طرق الاستفادة من العقل البشري ، إلى جانب الاهتمام بما
نقله السلف من التفسير ، وظهور بعض الشخصّيات غير الحوزوية من شتّى المجالات العلمية
الحديثة في عالم التفسير
، والاحتراز عن نقل جميع أقوال السلف وتراثهم التفسيري ، والاهتمام بجميع العلوم مثل
العلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.
إنّ توجّه المفسّرين الشيعة إلى المنهج الإصلاحي
عند الشيخ محمّد عبده وأتباعه كان له التأثير الكبير على الشيخ عبده نفسه ، هذا من
جهة ، ومن جهة أخرى كان سبباً في إثارة الانتقادات على الشيخ وتفسيره ، وأكثر انتقادات
المفسّرين الشيعة كانت على بعض مواضع تفسير المنار حيث جاء بكلام واه وغير صحيح تناول
فيه اعتقادات الشيعة.
__________________
إنّ المفسّرين في الحقبة الصفوية لم تكن
لديهم تلك الرغبة التي تحثُّهم على مراجعة تفاسير أهل السنّة ، وعلى العموم فإنّهم
كانوا يخالفون نقل آراء وأقوال الصحابة والتابعين ، ونادراً ما كانوا ينقلون عنهم بعض
الروايات الواردة في خصوص فضائل أهل البيت عليهمالسلام
دون غيرها.
أمّا في الحقبة المعاصرة فإنّ الإسرائيليّات
هي أكثر الروايات نقضاً في تفاسير هذه الحقبة ، ولم تكن لدى المفسّرين المعاصرين أي
حساسية اتجاه تفاسير أهل السنّة سواء الروائية منها أو غير الروائية ، وقد تعرّض للنقد
من قبل مفسّري الشيعة المعاصرين كلّ من الطبري وابن كثير وذلك لنقلهم
الإسرائيليّات ، ولا يخفى أنّ هذا الأمر قد شاع في الحقبة المعاصرة بين مفسّري أهل
السنّة أيضاً وذلك من عهد محمّد عبده وحتّى يومنا هذا.
ومن الخصائص المشتركة في أغلب تفاسير الشيعة
والسنّة في الحقبة المعاصرة من القرن الأخير هو أنّ هؤلاء المفسّرين كانوا يرجعون إلى
النصّ العربي لكتاب العهدين أو الرجوع مباشرة إلى الكتاب المقدّس الموجود عند
المسيحيّين واليهود وينقلون منه ما يحتاجون إليه في تأييد أمر في القرآن أو للنقد والردّ
على اليهود والنصارى من باب ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ، فإنّه لا يوجد مفسّر شيعيّ
تقريباً قبل الحقبة المعاصرة قام بمراجعة الكتاب
__________________
المقدّس بنفسه مباشرة
ونقل منه أقوالا
، ونادراً جدّاً ما جاءت بعض الأقوال المنقولة من العهدين في تفاسير أهل السنّة مثل
ابن كثير في تفسيره
، وفخر الدين الرازي في مفاتيح
الغيب
، والقرطبي في تفسيره
، ولكن هذه الموارد القليلة لم تجعل بأيّ شكل من الأشكال الرجوع إلى الكتاب المقدّس
من خصوصيّات التفسير المتعارف عليه قديماً عند أبناء السنّة ، أمّا في العصر الحديث
فقد استعمل هذا الأسلوب في تأليفات مفسّري الشيعة مثل الميزان ، آلاء الرحمن
، الفرقان ، نمونه ، نوين والكاشف
كما عند معاصري المفسّرين من أبناء السنّة مثل ابن عاشور في التحرير والتنوير
، عبدالكريم الخطيب في التفسير
القرآني للقرآن ، أحمد بن مصطفى
المراغي في تفسير
المراغي ، محمّد جمال الدين القاسمي في محاسن التأويل
، ومحمّد عزّة دروزه في التفسير
الحديث ، فقد انتهجوا جميعاً هذا الأسلوب في تفاسيرهم
ولم يعتبروا ذلك معيباً.
__________________
خلاصة البحث :
إذا لاحظنا بدقّة المراحل المختلفة التي
مرّ بها التفسير الشيعي نرى أنّ هناك تحوّلا تدريجيّاً بل قفزة في بعض الأحيان في أسلوب
علماء الشيعة في التفسير ، وعند التدقيق في المراحل المختلفة التي رافقت تطوّر التفسير
الشيعي فإنّه يتّضح لنا بأنّ التفسير الشيعي في كلّ حقبة كان ذا طابع مختصّ بتلك
الحقبة ولم يكن على وتيرة واحدة ، فإنّ مباني ومصادر التفسير عند المفسّرين الشيعة
لم تكن على نمط واحد ، كما أنّ الأسئلة التي كانت تواجه مختلف المفسّرين الشيعة في
أعصار ومراحل مختلفة لم تكن ذات نسق واحد ، وإنّ الأجوبة عليها من مختلف المفسّرين
الشيعة في مختلف العصور كذلك لم تكن أجوبة ذات رؤية واحدة على أسئلة ذات منهجيّة واحدة
، فإنّنا نرى ذلك بوضوح في العديد من المسائل التي يتناولها المفسّرون سوى القول بالتحريف
والذي أشرنا إليه سابقاً ، وتأييداً لذلك سوف نتطرّق إلى نموذجين من الآيات الشريفة
وتفسيرهما :
المثال
الأوّل : إنّ الآية ٨٢ من سورة النحل والتي تتضمّن
معنىً في معرفة آخر الزمان فبناءً على ما قالته أغلب التفاسير أنّها تبيّن أحد علائم
آخر الزمان وأخبار الملاحم والفتن (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ
عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ
كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ)
، فإنّ موضوع دابّة الأرض هي محلّ اهتمام تفسير علماء الإسلام لها وذلك منذ أقدم مراحل
التفسير لما تحمله من خصوصية مرموزة مشوبة بالغموض ، فقد جاءت في القرون الثلاثة الأولى
روايات كثيرة عن الصحابة والتابعين في باب حقيقة دابّة
الأرض نقلتها لنا كتب
التفسير والحديث والملاحم ، فإنّ الطبري وأبي حاتم الرازي من أوائل المفسّرين الشيعة
الذين وصلتنا مؤلّفاتهم التفسيرية من أواخر القرن الثالث الهجري ذكروا أنّ آية دابّة
الأرض جاءت في الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
، علماً بأنّ هذا القول نسبه بعض أبناء العامّة إلى بعض غلاة الشيعة
، وقد اكتفى كلّ من عليّ بن إبراهيم القمّي وفرات الكوفي والعيّاشي بنقل هذا الكلام
في تفاسيرهم ولم يقولوا في دابّة الأرض : أنّه حيوان عجيب غريب ، وفي المرحلة التفسيرية
الثانية نرى أنّ الشيخ الطوسي
، وقد تبعه الطبرسي
والشيباني
، لم يذكروا الروايات الشيعية في تفسير هذه الآية بل اقتصروا على نقل بعض الأقوال الكلّية
من أهل السنّة في باب دابّة الأرض إجمالا ، في حين نرى أنّ المفسّرين الأخباريّين في
العهد الصفوي من المرحلة الثالثة قد قطعوا قطعاً باتّاً بأنّ المراد من دابّة الأرض
هو أمير المؤمنين علي عليهالسلام
فقط ، وفي المرحلة الرابعة
نرى أنّ المفسّرين الشيعة المعاصرين قد عدّوا التفاصيل الجزئية لدابّة الأرض من زمان
وكيفية خروجها غير صحيحة وقد اكتفوا ببيان ظاهر الآية وذلك كما فعل
__________________
بعض المفسّرين
المعاصرين من أبناء العامّة.
المثال
الآخر : هو أنّ ما جاء من الآيات ٦٨ ـ ٦٩ من سورة
النحل في شأن نحل العسل قد أجمعت التفاسير الشيعية الأولى المؤلّفة قبل عهد الشيخ
الطوسي من خلال جمعها للروايات التي تتضمّن تفسير هذه الآيات أنّ المراد من النحل الذي
يوحى إليه هو الإمام و... ، والمراد من العسل هو علم الإمام وعلوم أمير المؤمنين عليهالسلام
، وإنّ مفسّري المرحلة الثانية مثل الشيخ الطوسي
والطبرسي
وأبي الفتوح الرازي
فقد حملوا الآية على ظاهرها ، وأمّا المفسّرون الأخباريّون في العهد الصفوي فقد أحيوا
ثانية جميع المعاني الاستعارية في تفسير الآية
، في حين حملت التفاسير المعاصرة الآيات مرّة أخرى على المعنى الظاهري للآية.
__________________
المصادر
١ ـ القرآن الكريم.
٢ ـ الأصفى في تفسير القرآن
: الفيض الكاشاني ، ملاّ محسن ، تحقيق : محمّد
حسين درايتي ومحمّد رضا نعمتي ، قم : انتشارات
دفتر تبليغات اسلامي ، ١٤١٨هـ.
٣ ـ البرهان في تفسير القرآن
: البحراني ، سيّد هاشم ، طهران : بنياد بعثت ،
١٤١٦ هـ.
٤ ـ تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة
: الأسترآبادي ، سيّد شرف الدين علي الحسيني ، تحقيق : حسين استاد ولي ، قم : مؤسّسة
النشر الإسلامي (جامعة المدرّسين) ، ١٤٠٩هـ.
٥ ـ التبيان في تفسير القرآن
: كريمي نيا ، مرتضى ، في (دانشنامه جهان اسلام) ، تحت إشراف غلامعلي حدّاد عادل ،
ج ٦ ، ١٣٨٠هـ ش.
٦ ـ تسنيم تفسير القرآن الكريم
: جوادي آملي ، عبدالله ، قم : مركز نشر إسراء ، ١٣٨٠ ـ ١٣٩٠هـ ش ، ٢١ مجلّد إلى الآن.
٧ ـ تفسير أحسن الحديث
: القرشي ، سيد علي أكبر ، طهران : بنياد بعثت ، ١٣٧٧هـ ش.
٨ ـ تفسير أهل البيت عليهمالسلام : الحسيني الميلاني ،
سيّد محمّد ، قم : انتشارات تابان ، ١٤٠٧ هـ.
٩ ـ تفسير روض الجنان
: الرازي ، أبو الفتوح، حسين بن علي، تحقيق : محمّد جعفر يا حقّي ومحمّد مهدي
ناصح، مشهد : بنياد پژوهشهاى اسلامى آستان قدس رضوي، ١٤٠٨هـ.
١٠ ـ تفسير الصافي
: الفيض الكاشاني ، ملاّ محسن ، تحقيق : حسين أعلمي ، طهران : انتشارات الصدر ، ١٤١٥
هـ.
١١ ـ تفسير العياشي
: العياشي ، محمّد بن مسعود ، تحقيق : سيّد هاشم رسولي محلاّتي ، طهران : چاپخانه علمية
، ١٣٨٠ هـ.
١٢ ـ تفسير فرات الكوفي
: الكوفي ، أبو القاسم فرات بن إبراهيم ، تحقيق : محمّد كاظم المحمودي ، طهران : سازمان
چاپ وانتشارات وزارت ارشاد اسلامي ، ١٤١٠هـ.
١٣ ـ تفسير القرآن العظيم
: الرازي ، ابن أبي حاتم ، عبدالرحمن بن محمّد ، تحقيق : أسعد محمّد الطيب ، السعودية
: مكتبة نزار مصطفى الباز ، ١٤١٩ هـ.
١٤ ـ تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن)
: القرطبي، طبع أفست، طهران : ناصرخسرو ، ١٣٦٤ هـ. ش.
١٥ ـ تفسير القمّي
: القمّي ، علي بن إبراهيم ، تحقيق : سيّد طيّب الموسوي الجزائري ، قم : دار الكتاب
، ١٣٦٧هـ ش.
١٦ ـ تفسير الكاشف
: مغنية ، محمّد جواد ، طهران : دار الكتب الإسلامية ، ١٤٢٤ هـ.
١٧ ـ تفسير كيوان
: كيوان القزويني ، حاج عباسعلي ، اهتمّ بطبعه جعفر پژوم ، طهران : نشر ساية ، ١٣٨٤هـ
ش.
١٨ ـ تفسير من وحي القرآن
: فضل الله ، سيّد محمّد حسين ، بيروت : دار الملاك للطباعة والنشر ، ١٤١٩ هـ.
١٩ ـ تفسير نمونة
: مكارم الشيرازي ، طهران : دار الكتاب الإسلامية ١٣٧٤ هـ ش.
٢٠ ـ تفسير نور الثقلين
: العروسي الهويزي ، عبد علي بن جمعة ، تحقيق : سيّد هاشم رسولي محلاّتي ، قم : انتشارات
اسماعيليان ، ١٤١٥ هـ.
٢١ ـ تفسير نهج البيان
: الشيباني، محمّد بن الحسن، تحقيق : أحمد فريد، بيروت : منشورات محمّد علي بيضون،
١٤٢٤ هـ).
٢٢ ـ التفسير والمفسّرون
: الذهبي ، محمّد حسين ، بيروت : دار إحياء التراث العربي.
٢٣ ـ جامع البيان في تفسير القرآن
: الطبري ، أبو جعفر محمّد بن جرير ، بيروت : دار المعرفة ، ١٤١٢هـ.
٢٤ ـ حقائق التأويل في متشابه التنزيل
: الشريف الرضي ، أبو الحسن محمّد ابن الحسين الموسوي ، تحقيق : محمّد رضا آل كاشف
الغطاء ، طهران : مؤسّسة البعثة ، ١٤٠٦ هـ.
٢٥ ـ حياة الحيوان الكبرى
: الدميري ، محمّد بن موسى ، طهران : ١٣٦٤ هـ ، ش.
٢٦ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة : آقا بزرگ
الطهراني ، قم : اسماعيليان ، ١٤٠٨هـ.
٢٧ ـ رسائل الشهيد الثاني
: الشهيد الثاني ، زين الدين بن علي العاملي ، قم : سازمان تبليغات اسلامي ، ١٤٢١ هـ.
٢٨ ـ كنز العرفان في فقه القرآن
: الفاضل المقداد ، جمال الدين مقداد بن عبدالله ، تحقيق : سيد محمّد القاضي ، طهران
: مجمع جهاني تقريب مذاهب اسلامي ، ١٤١٩ هـ.
٢٩ ـ مجمع البيان في تفسير القرآن
: الطبرسي ، فضل بن حسن ، طهران : انتشارات ناصر خسرو ، ١٣٧٢هـ ش.
٣٠ ـ المصابيح في تفسير القرآن
: الوزير المغربي ، أبو القاسم حسين بن علي ، نسخة خطّية مكتبة چستربيتي ، رقم ٣٥٣٨.
٣١ ـ مقدّمة الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية
: كلانتر ، سيّد محمّد ، قم : كتابفروشي داوري ، ١٤١٠هـ.
٣٢ ـ منابع كلامي شيخ طوسي در تفسير تبيان
: كريمي نيا ، مرتضى ، احتفالية (الدكتور محسن جهانگيري) ، بإشراف محمّد رئيس زاده
، فاطمه مينايى وسيّد أحمد هامشي ، طهران : هرمس ، ١٣٨٦هـ ش ، ص ٥٠٧ ـ ٥٣٢.
٣٣ ـ Robert
Gleave, Scripturalist Islam: the history and doctrines of the
Akhbari Shi'i Leiden: Brill, ٢٠٠٧.
٣٤ ـ John Wansbrough, Quranic
studies: sources and mithods of
scriptural interpretation
Oxford: University press, ١٩٧٧.
تاريخ الحوزات
العلميّة والمدارس الدينيّة
عند الشيعة
الإماميّة
(الحوزة العلميّة
في كربلاء)
|
|
الشيخ عدنان فرحان
بسم الله الرحمن
الرحيم
الفصل الأوّل
مدينة كربلاء
المبحث الأوّل :
نشأة المدينة ومكانتها
وقدسيتها :
لقد كانت أرض كربلاء ، وقبل أن تتحوّل إلى
مدينة من المدن الإسلامية ، معروفة كبعض الأماكن التي كانت تُعرف قبل تمصيرها ، فقد
ورد إسمها ـ كما يقول الباحثون ـ قبل الفتح العربي للعراق ، وقبل سكنى العرب هناك ،
وقد ذكرها بعض العرب الذين رافقوا خالد بن الوليد ... في غزوته لغربي العراق سنة (١٢
هـ) ، قال ياقوت الحموي : «ونزل خالد عند فتحه
الحيرة كربلاء ...».
ومن أقدم الشعر الذي ذكرت فيه كربلاء قول
معن بن أوس المزني ، من مخضرمي الجاهلية والإسلام ... وذكر ياقوت هذا الشعر في مادّة
(النوائح) من معجمه
للبلدان ، وذكره قبله أبو الفرج الإصفهاني في ترجمة
معن من الأغاني
، وقال ضمن قصيدة له :
إذا هي حَلَّتْ كربلاء فلعلَعاً
|
|
فَجوزَ العُذيبِ دونها فالنَّوائحا
|
وبانت نواها من نواك وطاوعت
|
|
مع الشانئين الشانئات الكواشحا
|
وممّا يدلّ على قدم كربلاء أيضاً ووجودها
قبل الفتح الإسلامي ، ما ذكره الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي سعيد التيمي قال : «أقبلنا
مع عليٍّ عليهالسلام
من صفّين فنزلنا كربلاء ، فلمّا انتصف النهار عطش القوم» وروى بسنده عنه أيضاً :
«أقبلت من الأنبار مع عليّ نريد الكوفة ، وعليّ في الناس ، .. فقال الناس : يا أمير
المؤمنين إنّا نخاف العطش ، فقال : إنّ الله سيسقيكم ، وراهب قريب منّا ، فجاء
عليٌّ إلى مكانه فقال : احفروا هاهنا فحفرنا ، وكنت فيمن حفر ، حتّى نزلنا فعرض لنا
حجر ، فقال عليّ : ارفعوا هذا الحجر ، فأعانونا عليه حتّى رفعناه ، فإذا عين باردة
طيّبة ، فشربنا ثمّ سرنا ليلاً أو نحو ذلك ، فعطشنا ، فقال بعض القوم : لو رجعنا فشربنا.
فرجع ناسٌ وكنت فيمن رجع ، فالتمسناها فلم نقدر عليها ، فأتينا الراهب فقلنا : أين
العين التي هاهنا؟ قال :
__________________
أيّة عين؟ فقلنا : التي
شربنا منها واستقينا ، والتمسناها فلم نقدر عليها. فقال الراهب : لا يستخرجها إلاّ
نبيّ أو وصيّ».
ويعلّق الدكتور مصطفى جواد على هذا الحديث
بقوله : «والمهم من هذا الحديث أنّ الإمام عليّاً عليهالسلام
مرّ بكربلاء ولجّج في الصحراء قبل سنة أربعين الهجرية ، ولم يذكر أحد من المؤرّخين
إنشاء مدينة باسم كربلاء في أثناء تلك السنين الأربعين ...».
وأمّا معنى كربلاء : فقد اختلفت كلمات اللغويّين
في تحديد معناها لغويّاً.
فبينما يقول ابن فارس في المعجم :
«كرب : الكاف والراء والباء أصلٌ صحيح يدلُّ على شدَّة وقوّة ، يقال : مَفاصل مُكرَبَة
، أي شديدة قوية ، وأصله الكرب ، وهو عقد غليظ في رشاء الدَّلو ، يجعل طرفُه في عَرقوة
الدَّلو ثمّ يُشدّ ثنايته رباطاً وثيقاً ، يقال منه اكربتُ الدَّلو ؛ ومن ذلك قول الحطيئة
:
قومٌ إذا عَقدوا عَقداً لجارِهم
|
|
شدُّوا العِناج وشدّوا فوقه الكَربا»
|
يقول ياقوت الحموي : «وهو الموضع الذي قُتل
فيه الحسين بن عليٍّ رضياللهعنه
، في طرف البريّة عند الكوفة ، فأمّا اشتقاقه ، فالكربلة رخاوة في القدمين ، يقال :
__________________
جاء يمشي مُكربلاً ، فيجوز
على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رخوة ، فسمّيت بذلك ، ويقال : كربَلتُ الحنطة إذا هذّبتها
ونقّيتها ... فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقّاة من الحصى والدخل فسمّيت بذلك
...».
وذكر الفيروزآبادي في القاموس
، وابن منظور في اللسان
، معاني متعدّدة لكلمة (كرب) منها : «الحُزنُ والغَمُّ الذي يأخذُ بالنَّفس ، وجمعه
كُرُوب. وكرَبَهُ الغَمُّ فاكترب ، فهو مكروبٌ وكريب ...»
، وقد يؤيّد هذا المعنى بعض الروايات المروية عن أهل البيت عليهمالسلام.
فقد روي أنّ الإمام الحسين عليهالسلام حينما وصل إلى كربلاء
... سأل : «فما اسمُ هذه الأرض التي نحن فيها؟ قالوا : كربلاء ، فقال : أرض كرب وبلاء»
، وفي رواية الخوارزمي : «... فدمعت عينا الحسين عليهالسلام
حين ذكر كربلاء ، وقال : اللّهم إني أعوذ بك من الكرب والبلاء».
ولبعض الباحثين رأي في اشتقاق كلمة كربلاء
، فذكر السيّد هبة الدين الشهرستاني أنّ (كربلاء) منحوتة من كلمتي (كُوَر بابل) بمعنى
قرى بابلية.
وقال الأديب اللغوي انستاس الكرملي : «والذي
نتذكّره فيما قرأناه في بعض كتب الباحثين أنّ كربلاء منحوتة من كلمتين ، من (كرب) و
(إل) أي
__________________
حرم الله ، أو مقدّس الله».
ومهما يكن من أمر في معنى أو معاني كلمة
(كربلاء) ، فإنّ بعض الجغرافيّين قد حسبها قرية من القرى القديمة وناحية من نواحي نينوى.
قال ياقوت في المعجم
: «نِينوى بكسر أوّله وسكون ثانيه ، وفتح النون والواو بوزن طِيْطَوى ... وبسواد الكوفة
، ناحية يقال لها نينوى ، منها كربلاء التي قُتِل بها الحسين رضياللهعنه».
ويقول أحد الباحثين في تاريخ كربلاء : «ولهذه
البقعة ... أسماء مختلفة كما يحدّثنا التاريخ ، وكانت تطلق عليها هذه الأسماء دون أيّ
فرق أو تمييز ، فكان يطلق عليها اسم : (الغاضرية ، ونينوى ، ومارية ، وعمورا ، والنواويس
، وشطِّ الفرات ، وشاطئ الفرات ، والطفِّ ، وطفّ الفرات ، والحائر ، والحَير ، ومشهد
الحسين ، وكربلاء) ولم يكن الاسم الأخير غير أحد تلك الأسماء المختلفة الكثيرة .. ،
فتغلّب بمرور الزمن على غيره من الأسماء شيوعاً وانتشاراً في العرف والتاريخ حتّى أصبح
الآن هو الوريث الوحيد لها ، فصارت لا تعرف اليوم هذه البقعة إلاّ بهذا الاسم ...».
ومن الواضح في هذه الألفاظ التي ذكرت لهذه
البقعة من الأرض بعضها أسماء وبعضها الآخر صفات.
__________________
وقد ذكر بعض الباحثين معاني هذه الألفاظ
يمكن مراجعتها في مظانّها.
كربلاء : الأرض المقدّسة
:
لم تكن أرض كربلاء سوى صحراء قاحلة ، وبقعة
جرداء ، معروفة عند أهلها بأسماء أو أوصاف متعدّدة ، ولم تكن لها خصوصيّة تذكر.
إلاّ أنّ هذه الأرض قد اقترنت بأعظم حادث
وقع في دنيا الإسلام ، وأعظم رزية صَغُرت دونها الرزايا ، وأجلّ مصيبة ومأساة هانت
دونها كلّ المصائب والمآسي في تاريخ الإسلام ، بل وفي تاريخ البشرية ؛ على طول
تاريخها المديد ؛ إنّها مأساة الإمام الحسين عليهالسلام
في قصّة استشهاده والكرام البررة من أهل بيته وصحبه ؛ حيث امتزجت تلك الدماء الطاهرة
بأرض كربلاء ورمالها ؛ فاكسبتها قدسية وخلودا لا يزول مع تمادي الزمن ، وكرّ الدهور
والأيّام.
يقول الكاتب المصري الكبير عبّاس محمود العقّاد
في كتابه أبو
الشهداء عن أرض كربلاء : «لو أعطيت حقّها من التنويه
والتخليد لَحقَّ لها أن تصبح مزاراً لكلّ آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة ،
وحظّاً من الفضيلة لأنّنا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل
والمناقب
__________________
أسمى والزم لنوع الإنسان
من تلك التي اقترن باسم كربلاء بعد مصرع الحسين فيها ، فكلّ صفة من تلك الصفات العِلوية
التي بها الإنسان إنسان ، وبغيرها لا يحسب غير ضرب من الحيوان السائم ، فهي مقرونة
في الذاكرة بأيّام الحسين رضياللهعنهفي
تلك البقعة الجرداء».
لقد اقترنت هذه الأرض ، بأسمى المعاني الوجدانية
في ضمير الإنسان المسلم ، إذ أضحت ترمز إلى التضحية في سبيل الحقّ والدين ، بل وفي
سبيل الإنسانية جميعاً ، فأصبح الإنسان المسلم ، بل وحتّى غير المسلم يستلهم منها
دروس العزّة والإباء والتحرّر والانعتاق من نير الخضوع والخنوع والعبودية والإذلال
:
«فيا كربلا ؛ كهف الإباء مجسماً
|
|
ويا كربلا ؛ كهف البطولة والعلا
|
ويا كربلا ؛ قد حزت نفساً نبيلة
|
|
وصيّرت بعد اليوم رمزاً إلى السما
|
ويا كربلا ؛ قد صرت قبلة كلِّ ذي
|
|
نفس تصاغر دون مبدئها الدّنا
|
ويا كربلا ؛ قد حزت مجداً مؤثّلاً
|
|
وحزت فخاراً ينقضي دونه المدى»
|
كربلاء في الحديث :
لقد اقترن استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام بأرض كربلاء ، ولهذا
نجد هذا
__________________
الاقتران بين كربلاء ومصرع
الإمام الحسين عليهالسلام
في الأحاديث المروية بشكل واسع ، وشغلت مساحة كبيرة من موسوعات الحديث ، ولا يمكن استيعابها
تحت العنوان الذي ذكرناه.
يقول الدكتور حسين علي محفوظ : «الأحاديث
في فضل كربلاء ، وتربتها ، وزيارة قبر سيّد الشهداء الحسين عليهالسلام كثيرة جدّاً ، تضيق بها
الكتب الكبيرة ...».
وفيما يلي بعض الأحاديث عن كربلاء وقدسيّتها
ومكانتها :
١ ـ عن أبي عبد الله الصادق عليهالسلام : «موضع قبر الحسين بن
عليٍّ (صلوات الله عليهما) ـ منذ يوم دفن فيه ـ روضة من رياض الجنّة».
٢ ـ وعنه أيضاً : «موضع قبر الحسين تُرعة
من ترع الجنّة».
٣ ـ وقال أبو عبد الله الصادق عليهالسلام : «شاطئ الوادي الأيمن
؛ الذي ذكره الله ـ تعالى ـ في القرآن
، والبقعة المباركة ، هي كربلاء».
٤ ـ وعن أبي جعفر الباقر عليهالسلام «خلق الله ـ تبارك وتعالى
ـ أرض كربلاء ... وقدّسها وبارك عليها ، فما زالت قبل خلق الله الخلق مقدّسة مباركة
، ولا تزال كذلك ، حتّى يجعلها الله أفضل أرض في الجنّة وأفضل
__________________
منزل ومسكن ، يُسكن
الله فيه أولياءه في الجنّة».
٥ ـ وعن أبي الحسن علي بن محمّد (الهادي) عليهالسلام قال : «... إنّ للّه
ـ تبارك وتعالى ـ بقاعاً يحبّ أن يُدعى فيها ، فيستجيب لمن دعاه ، (والحيرُ) منها».
المبحث الثاني :
العوامل التي ساعدت على
تمصير كربلاء وتوسعتها :
لقد اجتمعت عوامل كثيرة جعلت من أرض كربلاء
المجرّدة القاحلة وغير الآهلة ، منطقة آهلة بالسكّان والعمران ومزدحمة ـ وعلى طول العام
ـ بعشرات الوافدين إليها.
ومن هذه العوامل بنحو الإجمال :
أوّلاً : رمزية كربلاء
:
لقد أصبحت كربلاء وفي أعقاب مقتل الإمام
الحسين بن عليّ وصحبه وأهل بيته عليهمالسلام
، ومدفنهم فيها ، عام واحد وستّين للهجرة ، ترمز إلى أسمى معاني الإباء ، والكرامة
، والعزّة ، والإيثار ، والفضيلة ، والشجاعة ... وغير ذلك من المعاني الإنسانية والتي
يتطلّع إليها كلّ إنسان يبتغي الحياة الحرّة الكريمة.
__________________
ثانياً : روحانية وعاطفية
المكان :
ولحرم الإمام الحسين عليهالسلام وللبقعة التي تضمّنت
ذلك الجسد الطاهر ، وأُولئك الصفوة من الشهداء رضوان الله عليهم ، روحانية وعاطفية
جيّاشة يستشعرها الإنسان في أوّل خطوة يخطوها نحو الحرم.
ثالثا : جاذبية المكان
:
ولأرض كربلاء ، ولحرم الإمام الشهيد الحسين
بن عليّ عليهالسلام
جاذبية روحية عجيبة ، يستشعرها الإنسان المؤمن في أعماق أعماق نفسه ، فينجذب بقوّة
نحو تلك البقعة المباركة ، انجذاب المحبّ نحو حبيبه.
ولهذا هانت الأخطار والمصاعب والأهوال عند
محبّي الإمام الحسين عليهالسلام
والعاشقين له والمنجذبين نحو قبره ، فاندفعوا نحوه غير مبالين ببطش الطواغيت وجلاوزتهم
ومسالحهم وحرّاسهم ، وهذا ما يشهد به تاريخ كربلاء منذ أوّل زيارة له من قبل الصحابي
جابر بن عبد الله الأنصاري ، وعطية العوفي ، وأهل بيت الإمام الحسين عليهالسلام ، وإلى يومنا هذا حيث
تندفع في كلِّ موسم الملايين اتّجاه كربلاء ، بمنظر يعجز القلم والبيان عن وصفه.
هذه العوامل وغيرها ، بالإضافة إلى العوامل
الاقتصادية المساعدة للمنطقة ، والموقع الجغرافي المتميّز ، ووجود الحالة الأمنية المستقرّة
جعلت الكثيرين من هؤلاء المحبّين ، والمنجذبين ، والموالين ، والباحثين عن صفاء
الروح وقدسيّة المكان ورمزيّته ... متشبّثين بهذه الأرض ومتّخذين منها مسكناً
وملاذاً ، ممّا أسفر عن تمصّر المدينة وتوسّعها وعمرانها وازدهارها
بمرور الزمن ، فأصبحت
من المدن الإسلامية الآهلة بالسكّان ، وتميّزت بتنوّع عِرقي لا مثيل له في المدن الأُخرى.
والذي يبدو ومن خلال سياق تاريخ كربلاء وحرم
الإمام الحسين عليهالسلام
، أنّ السكن في مجاورة قبر الإمام الحسين عليهالسلام
في عصر الدولة الأموية لم يكن ممكنا لشيعته ومحبّيه للظروف الأمنية الصعبة آنذاك ،
فكان زوّاره يكتفون بمراسم الزيارة للقبر الشريف سرّاً ، متحمّلين من أجل ذلك الأخطار
الجسام والأهوال ، والتي قد تكلّفهم حياتهم في بعض الأحيان.إلاّ أنّه وبعد سقوط الدولة
الأموية ، وقيام الدولة العبّاسية ، واستقرار الوضع الأمني ـ نسبيّاً ـ بدأت رحلة الزيارة
من قبل الشيعة لمرقد الإمام الحسين عليهالسلام
بشكل علني وظاهر ، وكان على القبر الشريف ومنذ زمن بني أُمية سقيفة ومسجد ، واستمرّ
ذلك إلى زمن هارون الرشيد من بني العبّاس ، ولكن لا يعلم أوّل من بنى ذلك ... ويدلّ
الخبر الذي رواه السيّد ابن طاووس في الإقبال
أنّه كان سقيفة لها باب في آخر زمن بني أُمية وبقيت هذه القبّة إلى زمن الرشيد ، فهدمها
وكرب موضع القبر وكان عنده سدرة فقطعها ... ثمّ أُعيد ـ أي البناء ـ على زمن المأمون
وغيره.
وفي النصف الأوّل من القرن الثالث الهجري
، كثر زوّار الإمام الحسين عليهالسلام
وبني حول قبره الشريف المنازل والدور ، حتّى برزت إلى الوجود
__________________
نواة مدينة متواضعة حول
الحرم لها سكّانها وروّادها ، ممّا أثار واستفزّ رأس السلطة العبّاسية آنذاك ، المعروف
ببغضه لأهل البيت عليهمالسلام
وهو المتوكّل العبّاسي ، فأمر بهدم القبر الشريف ، وهدم ما حوله من المنازل والدور
... في قصّة مأساوية ذكرها المؤرّخون في كتبهم بالتفصيل.
قال الطبري في تاريخه
ضمن حوادث السنة السابعة والثلاثين والمائتين :
«وفيها أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن
عليّ صلوات الله عليه ، وهدم ما حوله من المنازل والدور ، وأن يُحرَث ويُبذر ويسقى
موضع قبره عليهالسلام
، وأن يمنع الناس من إتيانه ، فذكر أنّ عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية : من
وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق ، فهرب الناس ، وامتنعوا من المصير
إليه ، وحُرث ذلك الموضع ، وزُرع ما حواليه».
وبنفس المضمون ذكرها ابن الأثير في الكامل
وأضاف : «وكان المتوكّل شديد البغض لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام
ولأهل بيته ، وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولّى عليّاً وأهله بأخذ المال والدم
...».
والذي يبدو أنّ اعتداء المتوكّل على قبر
الإمام الحسين عليهالسلام
وعلى زائريه قد تكرّر ولأكثر من مرّة
، حتّى قُتل ، وخلفه ولده المنتصر سنة سبع
__________________
وأربعين ومائتين. وفي
خلافة المنتصر العبّاسي ـ والتي لم تدم سوى ستّة أشهر ـ «أمر الناس بزيارة قبر عليّ
والحسين عليهماالسلام
فأمّن العلويّين ، وكانوا خائفين أيّام أبيه ، وأطلق وقوفهم ، وأمر بردّ فدك إلى ولد
الحسين والحسن ابني عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام».
«والشائع على ألسنة الباحثين والمؤرّخين
أنّ كربلاء كانت مطلع القرن الثالث مملوءة بالأكواخ وبيوت الشعر التي كان يشيّدها المسلمون
الذين يفدون إلى قبر الحسين عليهالسلام
، وهكذا ظلّت كربلاء حتّى مطلع القرن الرابع الهجري».
وأهمّ عمارة تمّت للحائر الحسيني المقدّس
هي التي قام بها عضد الدولة البويهي ، «... وقد ازدهرت كربلاء في عهده وعهد البويهيّين
، وتقدّمت معالمها الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، فاتّسعت تجارتها ،
واخضلّت زراعتها ، وأينعت علومها وآدابها ، فدبّت في جسمها روح الحياة والنشاط ، فتخرّج
منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون ، وتفوّقت في مركزها الديني المرموق»
وهكذا توسّعت مدينة كربلاء بعد أن آمن الناس ، وتوالت عمليّات الإعمار للمرقد الشريف
، وقد وصفها الرحّالة الشهير ابن بطّوطة في رحلته
التي في بدايات القرن الثامن الهجري ، قال : «ثمّ سافرنا
__________________
منها ـ أي مدينة
الحلّة ـ إلى مدينة كربلاء ، مشهد الحسين بن عليّ عليهماالسلام
، وهي مدينة صغيرة ، تحفّها حدائق النخل ، ويسقيها ماءُ الفرات ، والروضة المقدّسة
داخلها ، وعليها مدرسة عظيمة وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر. وعلى باب الروضة
الحجاب والقومة ، لا يدخل أحد إلاّ عن إذنهم ، فيقبّل العتبة الشريفة وهي من
الفضّة ، وعلى الضريح المقدّس قناديل الذهب والفضّة ، وعلى الأبواب أستار الحرير
...».
وبعد هذا التاريخ توالت عمارات أخرى للمرقد
الشريف ، وتوسّعت معها مدينة
كربلاء حتّى أصبحت من المدن الواسعة المترامية الأطراف ، ولم يكدّر صفو هذه المدينة
سوى الهجمة الوهّابية التي قادها سعود بن عبد العزيز الوهّابي النجدي سنة (١٢١٦ هـ)
، إذ جهّز جيشاً من أعراب البادية وحاصر مدينة كربلاء مغتنماً فرصة غياب جلّ الأهلين
في النجف لزيارة الغدير ، ثمّ دخلها يوم (١٨ ذي الحجّة) عنوة وأعمل في أهلها السيف
، فقتل منهم ما بين أربعة آلاف إلى خمسة آلاف ... ونهب البلد ، ونهب الحضرة
الشريفة ، وأخذ جميع ما فيها من فرش وقناديل وغيرها ، وهدم القبر الشريف ، واقتلع الشبّاك
الذي عليه ... ثمّ كرّ راجعاً إلى بلده».
__________________
ولا ننسى تلك الهجمة العنيفة التي قادها
جلاوزة حزب البعث على المرقد الشريف بعد انتفاضة صفر سنة (١٩٩١ م) ، والتي أدّت إلى
تخريب أجزاء من الحرم وقتل المعتصمين فيه ، وانتهاك الحرمات ... في قصّة مأساوية
سجّلتها ذاكرة العراقيّين ، قبل كتب التاريخ ، إلى جانب قصص المأساة والظلم التي تعرّض
إليه العراق على أيدي النظام البعثي البائد ، حتّى اقتصّ الله منهم ، وأخذهم أخذ عزيز
مقتدر.
وبعد سقوط النظام البعثي البائد عام (٢٠٠٣
هـ) ، بدأت عمليات إعمار المشاهد والمراقد الشريفة في العراق ومنها مراقد كربلاء على
ساكنيها آلاف التحية والسلام ، ولا زالت عمليّات الإعمار والتوسعة هذه مستمرة.
الفصل الثاني
حوزة كربلاء في أدوارها
الثلاثة
الدور الأوّل :
دور التكوين والانطلاق
العلمي :
لقد شهدت مدينة كربلاء ومنذ أن تمصّرت وأصبحت
مدينة لها معالمها العمرانية والحضارية ، نشاطاً علميّاً ملحوظاً ، وازدهرت فيها حركة
فقهية وأدبية ، وشهدت حضوراً علمائيّاً مكثّفاً ، كان من بينهم كبار العلماء والفقهاء
ممّن تُشدّ إليهم رحال طلاّب العلم ، حتّى أنّها أصبحت الحوزة العلمية الرئيسيّة عند
الشيعة في حقبة من الزمن كما سوف يأتينا لاحقاً.
والذي يظهر من بعض النصوص التاريخية ، أنّ
مشهد الإمام الحسين عليهالسلام
اتّسعت رقعته ، وكثر سكّانه في القرن الرابع للهجرة ... ففي سنة (٣٧١ هـ) ورد مشهد
الحسين عليهالسلام
عضد الدولة البويهي فزار وتصدّق وأعطى الناس على اختلاف طبقاتهم ، وجعل في الصندوق
دراهم ففرّقت على العلويّين فأصاب كلّ واحد منهم إثنان وثلاثون درهماً ، وكان عددهم
ألفين ومائتي اسم ، ووهب العوام والمجاورين عشرة آلاف درهم وفرّق على أهل المشهد من
الدقيق والتمر مائة ألف رطل ، ومن الثياب خمسمائة قطعة ، وأعطى الناظر
عليهم ألف درهم.
«ويمكن أن تؤخذ كثرة السكّان ، وانقسامهم
إلى طبقات ، قرينة على أنّ بعضهم في الأقلّ كانوا من بين طلبة العلم وشيوخه».
ولو تتبّعنا ومن خلال كتب الرجال والتراجم
مسار الحركة العلمية في كربلاء ، والعلماء والفقهاء الذين واكبوها في كلّ عصر من عصور
حركتها عبر القرون المتمادية لعثرنا على قائمة طويلة لأسماء لامعة من أعلام الفقه
والفقاهة والمعارف والعلوم الإسلامية ، تبدأ من أواخر القرن الثالث الهجري ،
وتستمرّ وباتّساع عبر القرون اللاحقة لها وإلى يومنا هذا ، وإنّها مرّت بأدوار
علمية ثلاثة ولم تنقطع حركة العلم والعلماء خلالها عن هذه المدينة المقدّسة عبر القرون
والأزمان ، وإنّما فترت في بعض القرون وأصابها الركود في بعضها الآخر ، ووصلت إلى قمّة
الحركة والعطاء العلمي في برهة من الزمن.
حوزة كربلاء في دورها
الأوّل :
لقد بدأت الحركة العلمية في كربلاء مع بدايات
تمصيرها حيث سكنها بعض الفضلاء والمحدّثين.
وفيما يلي قائمة لأهمّ الشخصيّات التي واكبت
الحركة العلمية في كربلاء في دورها الأوّل وقبل عصر الشيخ الوحيد البهبهاني وتلامذته
، حيث
__________________
وصلت حوزة كربلاء في عصره
إلى قمّة عطائها العلمي ، مقتصرين فيها على أبرز الأسماء التي كانت لهم بصماتهم العلمية
، وتركوا آثاراً فقهية أو أُصولية أو كانوا من البارزين في ميادين التدريس والتصدّي
لأُمور المجتمع.
١ ـ عثمان بن عيسى الكلابي :
قال النجاشي في ترجمته : «روى عن أبي الحسن عليهالسلام وأقام بالحاير حتّى
مات ودُفن هناك».
٢ ـ محمّد بن شهاب البارقي :
يروي ابن طاووس في كتابه فرحة الغري
، «أنّ أحد الشيعة قال : حدّثني محمّد بن شهاب بن صالح البارقي ، شيخ من أهل الكوفة
لقيته بمشهد مولانا الحسين عليهالسلام
...».
٣ ـ حميد بن زياد النينوي الدهقان (ت ٣١٠
أو ٣٢٠ هـ) :
وهو من أقدم وأبرز العلماء الذين يشار إليهم
في حوزة كربلاء في القرن الرابع الهجري وله ترجمة واسعة في كتب التراجم القديمة منها
والحديثة ، فذكره الشيخ الطوسي في كتابيه الفهرست والرجال
فقال عنه : «محقّق كثير التصانيف ... عالم جليل واسع العلم ، ... كان ثقة واقفاً وجهاً
__________________
فيهم ، سمع الكتب وصنّف»
، وهكذا ذكره النجاشي
، وذكروا له قائمة من المصنّفات والآثار العلمية.
والذي يبدو من خلال مفردات ترجمته أنّه كوفيّ
المولد ، ثمّ سكن سورى وانتقل إلى نينوى ، قرية إلى جانب الحائر الحسيني على ساكنه
السلام ، وأمّا عن دراسته وأساتذته ، فمن المحتمل أنّ المترجم قد تلقّى علومه في
مدرسة بغداد إذ كانت هي الحوزة العلمية الرئيسية حتّى منتصف القرن الخامس الهجري ،
بالإضافة إلى كون الرجل واقفي المذهب ، ويروي عن كثير من رجال الواقفة.
والمترجم له من رواة الأُصول ، ووقع في إسناد
كثير من الروايات عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام
، تبلغ خمسمائة وستّة عشر مورداً.
إلاّ أنّه لم يروِ عن الأئمّة مباشرة.
«ويظهر من أسانيده أنّه كان من المعمرين
، وله مشايخ معمّرون ، فإنّه روى بواسطة واحدة عن أبي حمزة ثابت بن دينار الذي توفّي
سنة (١٥٠ هـ) ... وكذا يروي بواسطة واحدة عن جابر بن يزيد الجعفي المتوفّى سنة (١٢٨
أو ١٣٢هـ) ...».
__________________
٤ ـ هشام بن إلياس الحائري (ت ٤٩٠ هـ) :
كان فاضلاً جليلاً صالحاً ، له المسائل الحائرية
، ويروي عن الشيخ أبي علي الطوسي ، ... قال صاحب الرياض
: «وتقدّم إلياس بن هشام الحائري ، وما هنا موجود في بعض الإجازات ، ولعلّه ابن ذاك
ـ كذا أفاد الشيخ المعاصر في أمل
الآمل ـ ثمّ يرجّح صاحب الرياض
وقوع النسخ في الاسم فيقول : «والحقّ أن هشام بن إلياس الحائري من قلب النسّاخ ...
والصواب إلياس بن هشام الحائري»
، وترجم له بهذا الاسم.
ومهما يكن من أمر فليس لدينا معلومات إضافية
عن المترجم له ، ولا عن مؤلّفاته الأُخرى ، سوى أنّه توفّي في حدود سنة (٤٩٠ هـ) ودُفن
في الحائر الحسيني».
٥ ـ عماد الدين الطوسي (من أعلام القرن السادس)
:
وهو عماد الدين محمّد بن علي بن حمزة الطوسي
المشهدي المكنّى بابن حمزة ، صاحب الكتاب الفقهي الوسيلة إلى نيل الفضيلة
، وقد ضمّنه جميع أبواب الفقه في أثواب لها من تحقيقاته الجميلة ، وهو من أحسن متون
الفقه ترتيباً وتهذيباً».
__________________
ذكره يحيى بن سعيد الهذلي الحلّي سنة (٦٨٩
هـ أو ٦٩٠ هـ) في كتابه نزهة
الناظر فأثنى عليه وعلى كتابه الوسيلة
، ممّا يدلّ على تقدّم منزلة الرجل على منزلة غيره. إذ تجد في هذا الكتاب منهجية جديدة
في تبويب مبتكر أضاف فيه أبواباً أخرى لم تكن في الكتب السابقة عليه.
واستظهر صاحب الروضات
أنّ المترجم له كان في طبقة تلاميذ شيخ الطائفة أو تلاميذ ولده الشيخ أبي علي ... وأنّه
ـ رغم التحقيق في حقّ الرجل ـ لم يعرف تاريخ مولده ووفاته.
ولم تذكر كتب التراجم سنة ولادته ولا سنة
وفاته ، إلاّ أنّ بعضهم ذكر في كتابه أنّ المترجم له أحد أعلام الإمامية في القرن الخامس
الهجري ، وأنّه مدفون في وادي أيمن بكربلاء ، وقبره مزار معروف.
٦ ـ السيّد أحمد بن إبراهيم الموسوي (من
علماء القرن السادس) :
وهو من الشخصيّات اللامعة في القرن السادس
الهجري ، وكان نقيباً في الحائر الحسيني ، ومن أعلام الدين والفضيلة في كربلاء.
٧ ـ السيّد فخار بن معد بن فخار الموسوي
الحائري (ت ٦٣٠ هـ) :
وهو من أبرز العلماء المهاجرين من حوزة الحلّة
العلمية إلى كربلاء كما
__________________
ذكرنا في محلّه من البحث
، ومن الشخصيّات العلمية المرموقة ، ومن أعلام الفقاهة ، وحظي بمكانة محترمة في الأوساط
الكربلائية العلمية آنذاك.
وللمترجم له سيرة عطرة ذكرها أرباب التراجم
والسير ، لا يسع البحث للدخول في تفاصيلها فهو من تلامذة ابن إدريس الحلّي (ت ٥٩٨ هـ)
وشاذان بن جبرئيل القمّي ، ويروي عنهما ، وهما يرويان عن أبي المكارم ابن زهرة.
كما أنّه يروي عن الفقهاء الكبار ، ووالده
معد بن فخار ، والحسن الدربي ... كذلك يروي عن بعض علماء السنّة من أمثال أبي الفرج
بن الجوزي الحنبلي ... ويروي عنه جمع من الرواة الفقهاء من أمثال : ولده عبد الحميد
بن فخار ، وجعفر بن الحسن المعروف بالمحقّق الحلّي ، ونجيب الدين يحيى بن سعيد ، ورضيّ
الدين بن طاووس ، وأبي الفضائل أحمد بن طاووس ، وسديد الدين يوسف بن علي بن المطهّر
والد العلاّمة الحلّي ...
ومن آثاره العلمية كتابه الشهير : حجّة الذاهب إلى تكفير
أبي طالب.
لقد كان المترجم له من الأعلام الأفذاذ في
كربلاء ، وتوفّي فيها سنة (٦٣٠ هـ) ودُفن في الحائر الحسيني.
__________________
٨ ـ الشيخ أبو طالب بن دريد الحائري (من
علماء القرن الثامن) :
وهو إبراهيم بن سبيبي أو (السيبي) ابن إبراهيم
بن علي بن دريد الحائري المكنّى بالشيخ أبي طالب ، من علماء عصر فخر المحقّقين ، وقد
كتب الجزء الأوّل من
المختلف للعلاّمة الحلّي ، لنفسه في الحائر ...».
٩ ـ الشيخ علي الخازن الحائري (ت ٧٩٣ هـ)
:
وهو من أبرز العلماء المهاجرين من الحلّة
إلى كربلاء فنسب إليها فعرف بـ :(الحائري) حيث تتلمذ في مدرسة الحلّة على الشيخ الشهيد
الأوّل العاملي ، الذي أجازه وأثنى عليه في تلك الإجازة بقوله : «... المولى الشيخ
العالم التقيّ الورع المحصّل القائم بأعباء العلوم ، الفائق أُولي الفضل والفهوم
...».
كما أنّ ابن فهد الحلّي أبا العبّاس أحمد
(ت ٨٤١ هـ) قد تتلمذ عليه وروى عنه.
١٠ ـ السيّد عميد الدين عبد المطّلب بن السيّد
جدّ الدين أبو الفوارس (ت ٧٥٤ هـ) :
وهو حلّي المولد ، وبغداديّ الوفاة ، ونجفيّ
المدفن «وفي بعض
__________________
الإجازات المعتبرة أنّه
كان حلّي المولد حائريّ المحتد».
والمترجم له من أجلاّء علماء الحلّة المهاجرين
، قال فيه الحرّ العاملي :
«فاضل من مشايخ الشهيد (أي الشهيد الأوّل)
... قال ابن معيّة عند ذكر روايته عنه : درّة الفخر ، فريدة الدهر مولانا الإمام الربّاني
، وأثنى عليه وبالغ فيه ، وهو ابن أُخت العلاّمة».
ويعتبر السيّد عميد الدين : «من أعلام كربلاء
في القرن الثامن» ، «وكان باعث شهرته هو تدريسه في الحائر الحسيني ، وملازمته للروضة
الحسينيّة المقدّسة ، واحتكاكه بالوافدين ... الذين كانوا يقصدونه ويحضرون مجلسه
ويتلقّون منه الدروس في العلوم العقلية والنقلية».
١١ ـ الشيخ أحمد بن فهد الحلّي (ت ٨٤١ هـ)
:
يُعدّ ابن فهد الحلّي من أبرز العلماء المهاجرين
من حوزة الحلّة العلمية إلى حوزة كربلاء في القرن التاسع الهجري ، بل يعتبره بعض الباحثين
من أعمدة حوزة كربلاء حيث انتقلت بواسطته الحوزة العلمية من الحلّة إلى كربلاء ، فبعد
أن كانت : «الحركة العلمية في الحلّة الفيحاء في أوج عظمتها ، ما لبثت أن انتقلت في
منتصف القرن التاسع إلى كربلاء ، بسبب هجرة الزعيم
__________________
الديني المجاهد الشيخ
أحمد بن فهد الحلّي إليها ...».
ويعتبره كاتب آخر : «المؤسّس الأوّل للمركز
المرجعي في مدينة كربلاء ، التي كانت قبل وفوده إليها ، مدينة عامرة بالعلماء والحركة
العلمية ، ولكنّها لم تَرقَ إلى مستوى المركز المرجعي الذي يحمل ملامحه وشروطه الخاصّة».
وقد ترجمنا لابن فهد ترجمة مختصرة ضمن علماء
الحلّة ، ونضيف هنا ، بأنّ مصادر ترجمة ابن فهد الحلّي ـ وعلى كثرتها ـ لا تحدّد لنا
بدقّة تاريخ هجرته إلى كربلاء من الحلّة ، رغم أنّ الأسباب لهذه الهجرة معلومة وقد
أشرنا إليها في نهاية بحثنا عن مدرسة الحلّة في دور أُفولها والتي كان سببها
الرئيسي هو الاضطرابات السياسيّة التي سبّبت إلى انعدام الأمن في الحلّة.
ومهما يكن من أمر ، فإنّ هذا العَلم الفَذّ
كانت له خدمات جليلة في حوزة كربلاء ، وذلك من خلال «مرجعيته الدينية التي تجاوزت حدود
كربلاء والعراق إلى حدود الشام غرباً والخليج والجزيرة العربية جنوباً ... فألّف المسائل الشاميّات
، والرسائل
البحرانيّات ...»
، أو من خلال الأسماء
__________________
اللاّمعة التي تخرّجت
من محضر درسه ، وقد أشرنا إلى بعضهم سابقاً ضمن قائمة أسماء العلماء المهاجرين من جبل
عامل إلى الحلّة. وبالرجوع إلى كتب التراجم والسير يمكن التعرّف على أسماء كثيرة من
أُولئك الأسماء اللامعة من تلامذة ابن فهد الحلّي.
لقد عاش ابن فهد الحلّي أواخر أيّام حياته
في كربلاء وتوفّي فيها. يقول السيّد الأمين : «وتوفّي سنة (٨٤١ هـ) عن (٨٥ سنة) ودُفن
بكربلاء بالقرب من مخيّم سيّد الشهداء في بستان هناك تسمّيه العامّة ببستان أبو فهد
، وقبره مزار متبرّك به ، وعليه قبّة».
١٢ ـ الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت ٨٩٥ هـ) :
وهو «تقيّ الدين إبراهيم بن علي بن الحسن
بن محمّد بن صالح العاملي الكفعمي مولداً ، اللويزي محتداً ، الجبعي أباً ، التقيّ
لقباً. ثقة فاضلاً أديبا شاعراً عابداً زاهداً ورعاً ، له كتب منها : المصباح وهو
الجُنّة
الواقية والجَنّة الباقية
... وله كتاب البلد
الأمين في العبادات ... وله شعر ورسائل
متعدّدة ...».
وقد ترجم له السيّد الأمين في الأعيان
ترجمة وافية ذكر فيها ولادته
__________________
ووفاته ومدفنه ونسبته
، وأقوال العلماء في حقّه ، ومشايخه ، ومؤلّفاته والتي أوصلها إلى (٤٩) مؤلّفاً ثمّ
أردف ذلك بنتف من خطبه ، ومقاطع مطوّلة من أشعاره.
والذي يبدو من ترجمة الكفعمي أنّه ولد في
قرية من قرى جبل عامل تعرف بـ : (كفرعيما) وأبوه سكن قرية (جبع) ، وأنّ أصله من (اللويزة)
في جبل عامل أيضاً ، نعرف بهذه المسمّيات الكفعمي ، الجبعي ، اللويزي.
أمّا دراسته ، فالذي يبدو أنّه درس أوّلاً
في جبل عامل وعند علمائها الكبار ، ثمّ هاجر إلى العراق ، وأنّه «ورد المشهد الغروي
على مشرّفه السّلام وأقام به مدّة وطالع في كتب خزانة الحضرة الغروية ، ومن تلك الكتب
ألّف كتبه الكثيرة في أنواع العلوم ...».
ويرتبط اسم الشيخ الكفعمي بحوزة كربلاء العلميّة
باعتباره من المهاجرين إليها ، والمدفونين فيها ـ على قول ـ يقول السيّد الأمين في
الأعيان في ترجمته : «قد سكن كربلاء مدّة ، وعمل لنفسه أزج بها بأرض تسمّى عقير ،
وأوصى أن يُدفن فيه ... ثمّ عاد إلى جبل عامل وتوفّي فيها ، ولم يذكر أحد ممّن
ترجمه من الأوائل تاريخ ولادته ووفاته ... ويرجّح السيّد الأمين أن يكون مولده ووفاته
ومدفنه بقرية (كفرعيما) ـ التي ينسب إليها ـ وأنّ تاريخ وفاته مجهول ... ، ثمّ ينقل
عن كتاب الطليعة
: «أنّه توفّي سنة (٩٠٠ هـ)
__________________
بكربلاء ودفن بها ، وظهر
له قبر بجبشيت من جبل عامل وعليه صخرة مكتوب فيها اسمه .. ، والله أعلم حيث دفن
...» ثمّ يذكر قصّة ظهور قبر
الكفعمي في قرية (جبشيت) ، وما روي من حديث في ظهوره.
وليس للكفعمي في كربلاء قبرٌ ظاهر في الوقت
الحاضر ، ويذكر القائلون بمدفنه في كربلاء بأنّه : «توفّي في كربلاء سنة (٩٠٠ هـ)
... ودفن في وادي أيمن بكربلاء وكان قبره ظاهراً».
وممّا يؤيّد مدفنه في كربلاء وصيّته بدفنه
فيها ، وأبيات شعرية له يوصي بها بذلك : جاء فيها :
سألتكم باللّه أن تدفنوني
|
|
إذا متُّ في قبر بأرض عقير
|
فإنّي به جار الشهيد بكربلا
|
|
سليل رسول الله خير مُجير
|
هذا كلّ ما ذكره المؤرّخون عن الكفعمي في
ترجمته ، وليس بين أيدينا معلومات إضافية حول مدّة مكوثه في كربلاء ، ونشاطه العلمي
فيها ، وآثاره العلمية التي دوَّنها هناك ، وتلامذته ودروسه ...
أُولئك هم أبرز العلماء والفقهاء الذين كان
لهم حضورهم العلمي والمرجعي في حوزة كربلاء العلمية إلى بداية القرن العاشر الهجري
، وكان خاتمتهم الشيخ الكفعمي ، المتوفّى عام (٩٠٠ هـ) على قول.
__________________
ولم تخل حوزة كربلاء في القرنين الحادي عشر
والثاني عشر الهجريّين من وجود العلماء والفضلاء حيث برزت بعض الأسماء من رجالات العلم
والأدب ، إلاّ أنّهم كانوا أقلّ شهرة من السابقين عليهم.
وفيما يلي فهرسة مختصرة لبعض الأعلام في
حوزة كربلاء حتّى نصل إلى عصر الشيخ البحراني والشيخ الوحيد البهبهاني.
١ ـ السيّد حسين بن مساعد الحائري (ت ٩١٠
هـ) وهو عالم فذّ وأديب ضليع قويّ الحجّة واسع الاطلاع ... ومن آثاره مصنّفه تحفة الأبرار في
مناقب أبي الأئمّة الأطهار
، وهو من سلالة عيسى بن زيد الشهيد حفيد الإمام السجّاد عليهالسلام ، وباسمهم سمّيت محلّة
(آل عيسى) في كربلاء.
٢ ـ السيّد وليّ الحسيني الحائري (من علماء
القرن العاشر) من علماء القرن العاشر الهجري المجاورين للحائر الحسيني ، قال عنه في
أمل
الآمل : «كان عالماً فاضلاً صالحاً محدّثاً ،
له كتاب مجمع
البحرين في فضائل السبطين
، وكتاب كنز
المطالب في فضائل علي بن أبي طالب عليهالسلام
، وكتاب منهاج
الحقّ واليقين في فضائل أمير المؤمنين عليهالسلام
، وغير ذلك»
، ولم ينصّ أحد من مترجميه على سنة وفاته ولا محلّ دفنه إلاّ صاحب ريحانة الأدب
الذي نصّ على أنّه كان من معاصري الشيخ حسين والد الشيخ البهائي ،
__________________
الشهيد الثاني.
٣ ـ السيّد عبد الحسين بن مساعد الحائري
ذكره الطهراني في الطبقات
بقوله : عبد الحسين بن مساعد بن حسن بن علي ابن الحسن بن طوغان الحسيني الحائري ، كتب
بخطّه شرح
مختصر العضدي وفرغ منه في الخميس رابع
رمضان (٩٩١ هـ) ، والنسخة موجودة في مكتبة الشيخ علي كاشف الغطاء.
وليس بين أيدينا معلومات أخرى عنه.
٤ ـ المولى شمس الدين الشيرازي (ت ١٠٣٥ هـ)
وهو من علماء القرن الحادي عشر الهجري ، ذكره صاحب الطبقات
فقال : «شمس الدين الشيرازي المتوفّى بالري (١٠٣٥ هـ) ، قرأ عليه ولده القاضي محمّد
شريف ، العلوم الأدبية والمنطق والكلام كما يظهر من كتاب ولده الموسوم بـ : خزان وبهار
أنّ والده صاحب هذه الترجمة كان مجاور كربلاء حدود سنة (١٠٠٠ هـ) فهاجر إلى إصفهان
في (١٠٠٦ هـ) ثمّ إلى مشهد خراسان في (١٠١٠ هـ) ، وبعد (٢٧ شهراً) رجع إلى إصفهان وبقي
إلى (١٠٢٩ هـ) ، فذهب إلى الريّ وبها توفّي (١٠٣٥ هـ)».
٥ ـ القاضي محمّد شريف المتخلّص بـ : (الكاشف
بن شمس الدين
__________________
الشيرازي) ذكر في ترجمته
أنّه ولد في كربلاء في (١٠٠١ هـ) ، وحمله أبوه إلى إصفهان ، وتعلّم هناك مبادئ العلوم
في المكتب ثمّ تنقّل مع والده (شمس الدين) إلى مشهد الرضا عليهالسلام ، ثمّ عاد إلى إصفهان
وقرأ على والده العلوم الأدبية والمنطق والكلام ...
تولّى منصب القضاء لمدّة خمس عشرة سنة من
قبل السلطان ، له آثار علمية وتصانيف ، منها السراج المنير ، والدرّة المكنونة ، وحواس
الباطن ...
٦ ـ السيّد علي الحسيني بن عبد الحسين بن
مساعد الحائري ذكره صاحب الطبقات
بعنوان الحائري النسّابة ، ونقل عن محمّد
كاظم الشريف النجفي في حاشية عمدة
الطالب قوله : «إنّي رأيت مشجّر نسب السيّد ربيع
الحائري الذي عمله في (١٠١٩ هـ) ، وعليه شهادة صاحب الترجمة بخطّه وكذا شهادة مساعد
بن محمّد الحسيني ...».
٧ ـ السيّد حسين بن الحسن العسكري الحائري
ذكره الشيخ الطهراني وقال عنه : «رأيتُ بخطّه الدروس
للشهيد كتبها في (١٠٢٦ هـ) موجودة في خزانة علي محمّد النجف آبادي في (التسترية) قال
في آخره : (... قد فرغ من تسويد هذا الكتاب اللطيف الشائق جامع ثمار الفوائد من
أنواع الحدائق ،
__________________
المنسوب إلى المظلوم الشهيد
الذي دمه فائق على مداد ذوي الفضل المتقدّم واللاحق ، العبد المذنب المسرف الراجي رحمة
ربّه الغنيّ ، حسين ابن حسن العسكري الحسيني الكربلائي في العاشر من شهر ربيع الأوّل
سنة ستّ وعشرين وألف). وعليه تصحيحات بخطّه يظهر منها أنّه من أهل الغور والاطلاع وعليه
حواشي رمزها (م ح ق مدّ ظلّه العالي) وفي الحواشي ينقل عن جدّه في شرح القواعد
المظنون أنّ الحواشي للمير الداماد محمّد باقر ، ينقل عن جدّه الأُمِّي المحقّق الكركي
في جامع
المقاصد وكاتب الحواشي من تلاميذه».
٨ ـ الشيخ عبّاس البلاغي (ت ١٠٨٥ هـ) وهو
الشيخ عبّاس بن محمّد علي بن محمّد البلاغي العاملي ، قال عنه الصدر : «عالم فاضل ابن
عالم فاضل أبو علماء أفاضل ، قرأ على أبيه العلاّمة وصنّف ومات بعد الألف من
الهجرة».
وقال الطهراني : «وهو والد الشيخ حسن الذي
له كتاب تنقيح
المقال وقد ترجم فيه جدّه محمّد علي المتوفّى سنة
(١٠٠٠ هـ). ووالد المترجم له فاضل جليل له إحاطة بكثير من العلوم ، وهو صاحب كتاب شرح الكافي.
أمّا نجله عبّاس فقد اقتفى أثر والده في
تتبّع العلوم والارتشاف من
__________________
مناهل المعرفة والعلم
، باق في أحفادهم إلى اليوم بوجود العالم محمّد علي البلاغي».
٩ ـ السيّد نصر الله الحائري (الشهيد سنة
١١٦٨ هـ على رواية) وهو من أشهر علماء الشيعة في حوزة كربلاء خلال القرن الثاني عشر
الهجري ، وله ترجمة وافية في أغلب كتب التراجم والسير التي كُتبت خلال هذه الحقبة
الزمنية ، أو التي أرّخت لتاريخ العراق السياسيّ والاجتماعي.
ترجم له الشيخ الطهراني في طبقاته
ترجمة مطوّلة جاء في بعض مقاطعها :
«نصر الله المدرّس الحائري (المتوفّى حدود
١١٥٦ ـ ١١٦٨ هـ) هو ابن الحسين ابن علي بن إسماعيل (يونس) الحسيني الموسوي الفائزي
المدرّس الشهيد قبل سنة (١١٦٨ هـ) سفيراً في البلاط العثماني ... قال السيّد عبد الله
الجزائري في الإجازة
الكبيرة : كان آية في الفهم والذكاء وحسن التقرير
، شاعراً أديباً له ديوان ، وله اليد الطولى في التاريخ والمقطّعات ، وكان مرضياً مقبولاً
عند المخالف والمؤالف (الشيعة والسنّة) ...».
وذكره الأميني في شهداء الفضيلة
ضمن قائمة الشهداء العلماء في القرن الثاني عشر (الهجري) فقال : «السيّد نصر الله
... المعروف بالسيّد الشهيد ؛ هو ممّن جمع الله سبحانه له الحسنيين ؛ السعادة بالعلم
والتقى ، والشهادة دون ما
__________________
يحب الله ويرضى ، كما
أنّه جامع بين الشرفين ؛ علوّ النسب ، والفضل المكتسب ، فهو عالم فقه ، محدّث ، أديب
شاعر ، مشارك في علوم قلّ من اطّلع عليها أجمع»
ثمّ ذكر ما جاء في الإجازة
الكبيرة للجزائري. كما أنّ السيّد الأمين في الأعيان
قد ذكر له ترجمة مفصّلة اشتملت على : نسبه ، ووفاته ، وأقوال العلماء فيه ، ومشايخه
وتلامذته وممّن يروي عنهم ، وسيرته التي جاء في مقطع منها : «كان يدرّس في الروضة الشريفة
الحسينية ، وكان زوّاراً للأُمراء ، كثير السفارة فيما بينهم ... خرج إلى إيران وطاف
فيها وأقام مدّة ، من جمّاعي الكتب والآثار ...».
مؤتمر النجف ودور الحائري
فيه :
ولنصر الله الحائري دور كبير في مؤتمر النجف
الذي عقده في النجف ناصر الدين شاه القاجاري ، ضمن قصّة طويلة ، خلاصة ما جاء فيها
: «إنّ نادر قلي شاه القاجاري الذي ظهر بعد انهيار الدولة الصفوية كقائد عسكري في
الدولة القاجارية وحاصر بغداد عام (١٧٣٣ م) لمدّة سبعة أشهر ، ثمّ اندحر منها مهزوماً
أمّا الجيش العثماني ، عاد مرّة أخرى وفتح بغداد صلحاً مع واليها العثماني (أحمد باشا)
فزار العتبات المقدّسة وعاد سريعا إلى إيران ... وفي سنة (١٧٣٦ م) وبعد موت الشاه طهماسب
تتوّج نادر قلي ملكاً على إيران ،
__________________
ومنذ ذلك الحين صار اسمه
(نادر شاه) ...» «وكانت خطّة نادر قلي أن يجعل من التشيّع مذهباً فقهيّاً خامساً يضاف
إلى المذاهب الأربعة الموجودة عند السنّة ... ففي عام (١٧٤٣ م) أرسل نادر شاه إلى السلطان
العثماني يطلب منه الاعتراف الرسمي بالمذهب الجعفري ، فجمع السلطان علماء اسطنبول يستفتيهم
في الأمر فكان جوابهم أنّ الشيعة مارقون عن الإسلام يجوز قتلهم وتأسيرهم شرعاً ، وحين
وصل هذا الجواب إلى نادر شاه اتّخذه ذريعة لإعلان الحرب على الدولة العثمانية ، وسرعان
ما توجّه بجيوشه نحو العراق ، وعبر الحدود بالقرب من مندلي ..».
مؤتمر النجف :
توجّه نادر شاه إلى الموصل ثمّ جاء بغداد
ومنها توجّه إلى النجف ، «ولم يكد نادر شاه يستقرّ في النجف حتّى عزم على عقد مؤتمر
عام يجتمع فيه علماء الشيعة والسنّة لوضع أسس التوفيق بين الطائفتين المتعاديتين
... وكان نادر شاه قد جلب معه من إيران سبعين عالماً شيعيّاً ، كما جلب سبعة علماء
من تركستان ، وسبعة من أفغانستان ، ثمّ استدعى من كربلاء السيّد نصر الله الحائري ،
الذي كان حينذاك كبير مجتهدي الشيعة في العراق ، وأرسل إلى أحمد باشا (الوالي العثماني)
يرجوه أن يبعث من قبله عالماً يمثّل السنّيين العراقيّين ، فأرسل أحمد باشا إليه الشيخ
عبد الله السويدي ، وبعد مجادلات طويلة ـ بين العلماء الحاضرين ـ تمَّ الاتفاق على
قرارات معيّنة ، ثمّ اجتمع
علماء الطائفتين أخيراً
تحت المسقّف المنصوب وراء ضريح الإمام (علي عليهالسلام)
فكتبوا محضراً يشتمل على خمس مواد ...».
لقد كان نادر شاه يريد أن يُنجح مؤتمر النجف
بأيّة صورة ، ولهذا اتّخذ اجراءات كثيرة تكفل للمؤتمر هذا النجاح الظاهري ، فبعد انتهاء
المؤتمرين من مؤتمرهم ابتهج كثيراً بذلك ، وحاول أن يجمعهم مرّة أخرى في مناسبة
دينية «فأمر نادر شاه أن تقام صلاة الجمعة في جامع الكوفة ... وطلب من السويدي أن يحضر
الصلاة لكي يسمع بإذنه مدح الصحابة من قبل خطباء الشيعة. وفي صباح يوم الجمعة ذهب الجميع
إلى الجامع ، وصعد السيّد نصر الله الحائري فألقى خطبة أثنى فيها على الخلفاء الأربعة
واحداً بعد الآخر ، كما أثنى على بقية الصحابة وأهل البيت ، ثمّ دعا السلطان العثماني
ولنادر شاه من بعده».
ومن طريف ما ينقل في هذا المجال أنّ خطيب
الجمعة (السيّد الحائري) «حين وصل في خطبته إلى ذكر الخليفة الثاني (عمر) كسر آخره
، مع العلم أنّ هذا غير جائز حسب قواعد النحو لأنّ اسم عمر ممنوع من الصرف ، ولا ندري
هل أنّ الحائري فعل ذلك سهواً أم عن قصد؟ وقد امتعض السويدي من ذلك كُلّ الامتعاض واعتبر
عمل الحائري دسيسة
__________________
مقصودة ، أراد بها ذمّ
الخليفة عمر ، فقال ما نصّه : «... لكنّه كسر الراء من (عمر) مع أنّ الخطيب إمام في
العربية ، لكنّه قصد دسيسة لا يهتدي إليها إلاّ الفحول ، وهي أنّ منع صرف عمر إنّما
كان للعدل والمعرفة ، فصرفه الخبيث قصداً إلى أنّه لا عدل فيه ولا معرفة! قاتله الله
من خطيب وأخزاه ومحقه وأذلّه في دنياه وعقباه ...».
يعقّب الدكتور علي الوردي على كلام السويدي
بقوله : «إنّ هذا دليل على أنّ التقارب الطائفي الذي حصل في مؤتمر النجف كان سطحيّاً
، ولم يتغلغل في أعماق القلوب ، فقد بقي سوء الظنّ يلعب دوره على الرغم من الفرح الظاهر
، ولهذا كان السويدي يراقب كلّ كلمة تفوّه بها الحائري في خطبته ويدقّق في فحصها ،
ولمّا لم يجد في الخطبة سوى تلك الهنة البسيطة ـ وهي كسر راء عمر ـ انتهزها فرصة وأخذ
يبالغ فيها ، ويستنتج منها ما توحي به روح الخصومة القديمة.
لقد كان المفروض فيه لو كان حسن الظن أن
يفسّر الأمر تفسيراً حسناً ، ولكنّه لم يفعل ، ممّا يدلّ على أنّ الشحناء التي دامت
قروناً لا يمكن أن تزول فجأة».
__________________
سفارة السيّد الحائري
واستشهاده :
ينقل الخوانساري قصّة سفارة السيّد نصر الله
الحائري واستشهاده باقتضاب فيقول : «ولمّا دخل النّادر ـ أي نادر شاه ـ المشاهد المشرّفة
في النوبة الثانية ، وتقرّب إليه السيّد ، أرسله بهدايا وتحف جليلة إلى الكعبة
المعظّمة ، فأتى البصرة ومشى إليها من طريق نجد ، وأوصل الهدايا ؛ فأتى عليه الأمر
بالشخوص سفيراً إلى سلطان الروم لمصالح تتعلّق بأُمور الملك والملّة ، فلمّا وصل إلى
قسطنطينية وشي به إلى السلطان بفساد المذهب وأُمور أخرى ، فأحضر واستشهد فيما بين الخمسين
والستّين يعني بعد الألف والمأة من هجرة سيّد النبيّين ، وقد تجاوز عمره الخمسين».
إلاّ أنّ السيّد الأمين في أعيانه
يذكر تفاصيل مؤتمر النجف عند ترجمة الشيخ علي أكبر الملاّ باشي ، الذي كان يدير المناظرات
مع عبد الرحمن السويدي ، ويذكر في آخرها : «وأرسل الشاه بعد ذلك نصر الله الحائري ليكون
إماماً في مكّة المكرّمة ، وأرسل معه هدايا إلى شريف مكّة ، فحاول أهل مكّة قتله ،
ثمّ جاءه الأمر بالسفر إلى اسلامبول] هكذا [للسفارة بين الشاه والسلطان ، فاستشهد فيها
...».
وليس بين أيدينا معلومات ضافية تحدّد بدقّة
طبيعة مهمّة السيّد
__________________
الحائري إلى مكّة ، وبعدها
إلى اسطنبول ، وما هي ردود الفعل التي واجهها في مهمّته؟ وما هي نوع التهم التي استشهد
من أجلها؟
والذي يبدو أنّ الحائري قد سبقته الوشايات
المغرضة ، ولا يُستبعد ـ كما يقول الدكتور علي الوردي ـ أن يكون للشيخ عبد الله السويدي
يد في ذلك ، إذ إنّه كتب في ختام مذكّراته عن المؤتمر قائلاً : «فلأجل هذا الذي
حدث عزمتُ على الحج ، اللّهم يسّر ذلك».
وأمّا عن مصير جثمانه ومحلّ دفنه فينقل الدكتور
الوردي : «عن الدكتور مرتضى نصر الله ـ وهو من سلالة الحائري ـ إنّه حدّثه عن الرواية
التي تناقلتها الأُسرة حول مصير جدّهم هي أنّه مات من جرّاء وضع السمّ له في الطعام
، غير أنّ جنازته شيّعت تشييعاً رسميّاً ودفن في قبر لائق به ، ولا يزال قبره
قائماً ، وقد نصب عليه شبّاك تتبرّك به النساء ، وينذرون له النذور».
وهكذا مضى السيّد الحائري إلى ربّه شهيداً
في غربة عن أهله ووطنه كما مضى السلف الصالح من العلماء الشهداء ، بسبب الدسائس والتهم
الباطلة التي حيكت ضدّهم.
إلاّ أنّ السيّد نصر الله الحائري لم ينقطع
ذكره في حوزة الإسلام كربلاء ،
__________________
وبقي خالداً من خلال آثاره
العلمية ، وقصائده الولائية ، بالإضافة إلى من تتلمذ عليه من طلاّب العلم والمعرفة
ممّن واصلوا مسيرة أُستاذهم رحمة الله تعالى عليه.
حوزة كربلاء في دورها
الثاني :
دور التوسّع والازدهار
والكمال العلمي :
لقد سارت الحركة العلمية في كربلاء سيراً
حثيثاً ، وحقّقت حوزتها العلمية فتوحات علمية على يد العلماء والفقهاء الكبار الذين
تعاقبوا على التدريس والإفادة فيها.
ولم تنقطع حركة العلم في هذه الحوزة المباركة
بفقدان مدرِّسها الأوّل السيّد نصر الله الحائري رضياللهعنه
، إذ واصل تلامذته مسيرة أُستاذهم العلمية ، إلاّ أنّنا لم نعثر على علماء لهم شهرتهم
العلمية بعد عصر الحائري ، حتّى حلَّ في كربلاء الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق
، ثمّ حلّ فيها الأُستاذ الوحيد البهباني ، وهما من كبار الفقهاء ومن جهابذة الفقه
والأُصول.
وبهذين العلمين الفذّين وتلامذتهما اللامعين
دخلت حوزة كربلاء (دورها الثاني) وهو دور (التوسّع والازدهار والكمال العلمي) ، بل
إنّها أصبحت الحوزة الرئيسية للشيعة خلال هذه الحقبة الزمنية ، بعد أن
__________________
كانت حوزة النجف الأشرف
ـ في دورها الثاني ـ هي الحوزة الرئيسية عند الشيعة.
يقول السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر في
معالمه : «إنّ مدرسة الأُستاذ الوحيد البهبهاني نشأت على مقربة من المركز الرئيسي للحوزة
ـ وهو النجف ـ فكان قربها المكاني هذا من المركز سبباً لاستمرارها ومواصلة وجودها عبر
طبقات متعاقبة من الأساتذة والتلامذة ... حتّى استطاعت أن تقفز بالعلم قفزة كبيرة وتعطيه
ملامح عصر جديد».
وسوف نقف على معالم هذا الدور المهم من أدوار
حوزة كربلاء من خلال تراجم أعلامها في هذه الحقبة الزمنية ، وملامح الحركة العلمية
فيها ، وأهمّ الآثار العلمية لهذه الحقبة ، ونبدأ أوّلاً بالشيخ يوسف البحراني ، باعتباره
من أبرز العلماء الذين اتّخذوا من كربلاء موطناً لهم حيث أفاض على طلاّبها من علمه
وفضله ، وأصبحت حوزة كربلاء في عصره تشدّ لها رحال أهل الفضل وعشّاق العلم.
وقبل الدخول إلى رحاب صاحب الحدائق
ينبغي أن نشير إلى أنّ الشيخ البحراني يمثّل المدرسة الأخبارية في وجهها المعتدل
، وكانت حوزة كربلاء في القرن الثاني عشر تمثّل مركز تجمّع الأخباريّين ، إذ كانت قبلها
__________________
البحرين قاعدة ومنطلقاً
للاتّجاه الأخباري في الفقه ، فلمّا تعرّضت للغزو وتشرّد أهلها انتشر فقهاؤها في الأرض
، واحتضنت كربلاء بعضهم.
وكان الشيخ (يوسف) من هؤلاء الذين لجأوا
إلى هذه المدينة المقدّسة ليواصلوا عملهم العلمي هناك ، حيث حلّ فيها في حدود (عام
١١٦٩ هـ) فحفّ به طلاّب العلم وارتشفوا من نمير علمه العذب ، وتسلّم في كربلاء
زعامة التدريس والزعامة الدينية ، ولبث في هذه المدينة قرابة عشرين عاماً حتّى وافاه
الأجل فيها.
والشيخ البحراني هو : (يوسف بن أحمد بن إبراهيم
آل عصفور الدرازي البحراني) المتوفّى سنة (١١٨٦ هـ).
ترجم له الرجاليّون المتأخّرون وأثنوا عليه
الثناء الجميل حيث كان في علمه وتقواه من أكابر فقهاء الإمامية.
قال تلميذه أبو علي الحائري في كتابه منتهى المقال
: «عالم ، فاضل ، متبحّر ، ماهر ، متتبّع ، محدّث ، ورع ، عابد ، صدوق ، ديّن ، من
أجلّة مشايخنا ، وأفضل علمائنا المتبحّرين».
وترجم له المرحوم العلاّمة السيّد عبد العزيز
الطباطبائي (طاب ثراه) وفهرس مؤلّفاته فهرسة جامعة في تقديمه لكتاب الحدائق الناضرة
الذي
__________________
عنونه بـ : «حياة شيخنا
العالم البارع الفقيه المحدّث الشيخ يوسف البحراني قدسسره».
وفي طليعة كتبه ومؤلّفاته كتابه الفقهي الكبير
الحدائق
الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
وهو كتاب شهير ومن عيون الكتب الفقهية الإمامية ، وناهيك به شهرة أن صار معرّفاً لمؤلّفه
الشهير ، فلم يكد شيخنا المحدّث البحراني يعرف ثمّ يعرّف ، ولا يذكر ويميّز إلاّ بقولهم
عنه صاحب الحدائق.
ومن مؤلّفاته القيّمة كتاب الدرر النجفية
قال عنه المؤلّف في
اللؤلؤة : «فهو كتاب لم يعمل مثله في فنّه مشتمل
على تحقيقات رائعة ، وأبحاث فائقة» أراد بذلك استخراج القواعد الأصولية من الأحاديث
وتطبيقها عليها ، وجمع ما ورد عنهم عليهمالسلام
من النتف المتفرّقة في القواعد الأصولية ، وقد سبقه إلى ذلك المحدّثان المتعاصران صاحب
الوسائل
والبحار ، فجمعها الأوّل في الفصول المهمّة في أصول
الأئمّة ، والثاني في أوائل موسوعته الكبرى لأحاديث
الشيعة بحار
الأنوار كما ألّف بعده المحدّث الكبير السيّد عبد
الله شبّر كتاباً أسماه الأُصول
الأصيلة.
__________________
الاتجاه المعتدل للشيخ
البحراني :
كان الشيخ يوسف البحراني يتبني الاتّجاه
الأخباري في طريقة استنباط الحكم الشرعي ، وكانت الطريقة الأخبارية هي الطريقة السائدة
والمعروفة في أوساط المدارس الفقهية للشيعة الإمامية حيث انحسرت المدرسة الأصولية نتيجة
الحملة التي تعرّضت لها من قبل المحدّث الأسترآبادي وأقطاب مدرسته في تلك الفترة الزمنية.
وبعد هجرة الشيخ يوسف من البحرين إثر الغزو
والتشريد الذي تعرّضت له تلك البلاد توجّه اتّجاه إيران وتنقّل بين مدنها ، ثمّ سافر
إلى العتبات العاليات وجاور في كربلاء
بعد رحلة علمية استغرقت خمسة وثلاثين عاماً.
ونشط الشيخ يوسف في كربلاء ، وواصل عمله
العلمي على صعيدي التأليف والتدريس بالإضافة إلى الزعامة الدينية التي انفرد بها في
هذه المدينة المقدّسة.
وتخرّج على يده خلال هذه المدّة عدد من كبار
الفقهاء الأفذاذ أمثال : أبي علي الحائري المازندراني مؤلّف كتاب منتهى المقال
في علم الرجال ، والمحقّق القمّي الميرزا أبو القاسم صاحب القوانين
في علم الأصول ، والشيخ حسين محمّد بن حسين مؤلّف عيون الحقائق الناضرة في تتمّة الحدائق
__________________
الناضرة
، والسيّد علي الحائري صاحب رياض المسائل
، والسيّد مهدي بحر العلوم الفقيه الشهير صاحب الفوائد الرجالية
، والمولى المحقّق النراقي محمّد مهدي مؤلّف مستند الشيعة
وآية الله السيّد ميرزا مهدي الشهرستاني
، وغيرهم الكثير من كبار الفقهاء والمجتهدين ، عدا الكثير من طلاّب العلم والمشتغلين
الذين كانوا يستسقون من نمير علمه خلال فترة تواجده في إيران ولا سيّما في معهدها الديني
(شيراز) من الذين لم يضبط لنا تاريخ التراجم أسماءهم.
وفي كربلاء التي حلّ بها الشيخ يوسف رحمهالله في حدود سنة (١١٦٩ هـ)
احتدم الصراع الفكري بين الأخباريّين والأصوليّين ، يصدر منها إلى خارجها ويرد من خارجها
إليها ، ويدور عنيفاً على محور مركزها العلمي ، ذلك أنّ ثورة الميرزا الأسترآبادي قد
أثارت ردود فعل قويّة ومن أهمّها أن قوبلت بثورة أصولية من الوحيد البهبهاني.
وكان للمحدّث البحراني دورٌ مهمٌّ في محاولة
توازن القوى وتبريد غليان الصراع ، وذلك بشجب التطرّف الذي كان من المحدّث الأسترآبادي
والفيض الكاشاني وأمثالهما.
والأخذ بالموقف المعتدل والعقلانية من هذا الصراع المرير بين المدرستين ، محاولاً بذلك
تخفيف غلواء أسلافه في
__________________
الرأي ، والحدّ من حملاتهم
الجارحة ، ومحاكمة الأصوليّين ثمّ محاولة تقليص الخلاف بينهم وبين الأخباريّين.
يقول رحمهالله
في المقدّمة الثانية عشرة من مقدّمات الحدائق
: وقد كنت في أوّل الأمر ممّن ينتصر لمذهب الأخباريّين ، وقد أكثرت البحث فيه مع بعض
المجتهدين من مشايخنا المعاصرين ، إلاّ أنّ الذي ظهر لي بعد إعطاء التأمّل حقّه في
المقام وإمعان النظر في كلام علمائنا الأعلام ، هو إغماض النظر عن هذا الباب وإرخاء
الستر دونه والحجاب ، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والإبرام.
أمّا أوّلاً : فلاستلزامه القدح في علماء
الطرفين ، والإزراء بفضلاء الجانبين ، كما قد طعن به كلّ من علماء الطرفين على الآخر
، بل ربّما انجرّ إلى القدح في الدين سيّما من الخصوم المعاندين.
وأمّا ثانيا : فلأنّ ما ذكروه في وجوه الفرق
بينهما جلّه بل كلّه عند التأمّل لا يثير فرقاً في المقام.
وأمّا ثالثاً : فلأنّ العصر الأوّل كان مملوءاً
من المحدّثين والمجتهدين ، مع أنّه لم يرتفع بينهم صيت هذا الخلاف ، ولم يطعن أحد منهم
على الآخر
__________________
بالاتّصاف بهذه الأوصاف
، وإن ناقش بعضهم بعضاً في جزئيّات المسائل واختلفوا في تطبيق تلك الدلائل.
وحينئذ فالأوْلَى والأليق ـ بذوي الإيمان
، والأحرى والأنسب في هذا الشأن ـ هو أن يقال : إنّ عمل علماء الفرقة المحقّة ... إنّما
هو على مذهب أئمتهم عليهمالسلاموطريقتهم
الذي أوضحوه لديهم ... ولكن ربّما حاد بعضهم ـ إخباريّاً كان ، أو مجتهداً ـ عن الطريق
غفلة ، أو توهّماً أو لقصور اطّلاع أو قصور فهم ، أو نحو ذلك في بعض المسائل ، فهو
لا يوجب تشنيعاً ولا قدحاً ، وجميع تلك المسائل ـ التي جعلوها مناط الفرق ـ من هذا
القبيل.
فإنّا نرى كلاًّ من المجتهدين والأخباريّين
مختلفون في آحاد المسائل ، بل ربّما خالف أحدهم نفسه ، مع أنّه لا يوجب تشنيعاً ولا
قدحا ، وقد ذهب رئيس الأخباريّين الصدوق رحمهالله
إلى مذاهب غريبة لم يوافقه عليها مجتهد ولا إخباري ، مع أنّه لم يقدح ذلك في علمه وفضله.
ولم يرتفع صيت هذا الخلاف ولا وقوع هذا الاعتساف
، إلاّ في زمن صاحب الفوائد المدنية ـ سامحه الله وتعالى برحمته المرضية ـ فإنّه قد
جرّد لسان التشنيع على الأصحاب ، وأسهب في ذلك أيّ إسهاب ، وأكثر من التعصّبات التي
لا تليق بمثله من العلماء الأطياب ... وكان الأنسب بمثله حملهم على محامل السداد والرشاد
إن لم يجد ما يدفع به عن كلامهم
الفساد ....
وكان لهذا الموقف الذي وقفه الشيخ يوسف من
هذا الصراع تأثير بالغ الأهمية في إعادة الانسجام إلى مدرسة أهل البيت.
وفي نفس الوقت تدلّ على قمّة في الوعي والمسؤولية
أدركه المحدّث البحراني رحمهالله
على عاتقه ، وأحسّ بثقلها على كاهله ، فتوجّه بكلّ ثقله العلمي لتضييق شقّة الخلاف
وإزالة الحواجز ونقد التطرّف الأخباري في الموقف تجاه المدرسة الأُصولية.
هذا بالإضافة إلى دلالة هذا الموقف على غاية
في الورع والتقوى ، والدرجة العالية من التجرّد عن الأنانية عند هذا الفقيه الجليل.
وتقوى الشيخ يوسف وخلوصه وصدقه وابتغاؤه
للحقّ كان من أهمّ العوامل لانتصار المدرسة الأصولية على يد (الوحيد) كما سيأتي.
منهج الشيخ البحراني في
الاستدلال الفقهي :
بقي المنهج الأخباري موزّعا في الكتب الأخبارية
التي ألّفت لنقد المنهج الأصولي ، ككتب المحدّث الأسترآبادي ، والفيض الكاشاني ، والشيخ
حسين بن شهاب العاملي ، وغيرهم ممّن له مدوّنات وكتب تعكس وجهة نظر المدرسة الأخبارية.
__________________
وانفرد الشيخ الفقيه البحراني رحمهالله عن أسلافه من علماء الأخبارية
من خلال تطبيق منهجه في كتابه القيّم الحدائق الناضرة
وإن لم يقدّر له أن يدوّنه بشكل نظري متكامل ومستقلّ كما صنع الأسترآبادي في الفوائد
والفيض الكاشاني في جملة من مؤلّفاته التي كرّسها لتفنيد المنهج الأصولي وتأييد
المنهج الأخباري مثل الأصول
الأصيلة وغيرها ، أو كما فعل العامليّان الشيخ
الحرّ والشيخ حسين في هداية الأمّة
وهداية الأبرار وغيرها من المؤلّفات.
إلاّ أنّ الخطوط العامّة للفكر الأخباري
عند الفقيه البحراني رحمهالله
مبثوثة في كتابه القيّم الدرر
النجفية فإنّه رحمهالله
أفاض الكلام في المسائل الخلافية التي بين المجتهدين والأخباريّين ، وبيّن رأيه في
كلّ مسألة مع إقامة البرهان عليه.
كذلك الأمر في المقدّمات الإثنتي عشر التي قدّمها لكتابه الحدائق الناضرة.
وباستطاعة الباحث استخلاص المنهج النظري
للفقيه البحراني رحمهالله
وبكلّ خطوطه وقواعده من خلال كتاب الحدائق.
أمّا منهجه واختلافه عن منهج من سبقه من
أعلام الأخبارية في المرحلة الأُولى أمثال الأسترآبادي ، والكاشاني ، والعامليّين ،
فيمكننا أن نلخّصه بما يلي
:
أوّلاً : في ظواهر القرآن
الكريم :
__________________
تعرّض لذكر هذه المسألة في المقدّمة الثالثة
من
الحدائق وذكرها بشيء من التفصيل في الدرر النجفية.
قال : المقام الأوّل : (في الكتاب العزيز) :
ولا خلاف بين أصحابنا الأصوليّين في العمل
به في الأحكام الشرعية والاعتماد عليه ، حتّى صنّف جملة منهم كتباً في الآيات المتعلّقة
بالأحكام الفقهية وهي خمسمائة آية عندهم.
وأمّا الأخباريّون فالّذي وقفنا عليه من
كلام متأخّريهم ما بين إفراط وتفريط ، فمنهم من منع فهم شيء منه مطلقاً حتّى مثل قوله
: (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ) إلاّ بتفسير من أصحاب العصمة عليهمالسلام. ومنهم من جوّز ذلك حتّى
كاد يدّعي المشاركة لأهل العصمة عليهمالسلام
في تأويل مشكلاته وحلّ مبهماته.
والتحقيق في المقام أن يقال : إنّ الأخبار
متعارضة من الجانبين ، ومتصادمة من الطرفين ، إلاّ أنّ أخبار المنع أكثر عدداً ، وأصرح
دلالة».
ثمّ يذكر جملة من الروايات المتعارضة بنظره
في المقام وبعد أن يطبّق عليها قواعد التعارض ينتهي إلى ترجيح روايات المنع ، وردّ
ما يعارضها.
وهذا يسلّمنا في النتيجة إلى أنّه قدسسره يوحّد مصدري الكتاب والسنّة
بسنة أهل البيت عليهمالسلام.
__________________
وهي نفس النتيجة التي انتهى إليها الحرّ
العاملي رحمهالله
حيث عقد لهذه المسألة باباً وعنوانه (عدم جواز استنباط الأحكام النظرية من ظواهر القرآن
، إلاّ بعد معرفة تفسيرها من الأئمّة عليهم السلام).
وروى تحت هذا العنوان (٨٢) حديثاً.
ثانياً : في تنويع الأخبار
إلى أنواعه الأربعة المعروفة :
فقد ذهب إلى بطلان التنويع ، وعقد المقدّمة
الثانية من كتاب الحدائق لذلك وحاول ـ جاهداً ـ أن يثبت صحّة جميع الأخبار وإبطال هذا
الاصطلاح في تنويع الحديث إلى الأنواع الأربعة وخَلُص إلى «ثبوت صحّة تلك الأخبار
عندنا والوثوق بورودها عن أصحاب العصمة عليهمالسلام».
ثالثاً : في اعتبار مرويّات
الكتب المعتبرة ، وعدم اختصاص الصحّة باخبار الكتب الأربعة :
ففي (تتمّة) للمقدّمة الثانية من مقدّمات
الحدائق
ذهب إلى عدم انحصار الصحّة في الكتب الأربعة المشهورة.
ثمّ ينقل كلام المحدّث الجزائري في شرحه
على التهذيب الذي يقول فيه :
«والحقّ أنّ هذه الأصول الأربعة لم تستوف
الأحكام كلّها ، بل قد وجدنا
__________________
كثيراً من الأحكام في
غيرها ، مثل عيون
أخبار الرضا ، والأمالي ، وكتاب
الاحتجاج ، ونحوها ، فينبغي مراجعة هذه الكتب وأخذ الأحكام منها ، ولا يقلّد
العلماء في فتاويهم ؛ فإنَّ أخذ الفتوى من دليلها هو الاجتهاد الحقيقي ..».
ثمّ يضيف إلى تلك الكتب كتاب الفقه الرضوي
فيقول : «وخصوصاً كتاب الفقه
الرضوي ... فإنّه اشتمل على مدارك كثيرة للأحكام
وقد خلت عنها هذه الأصول الأربعة وغيرها».
ثمّ يعقّب على كلامه بقوله : «وقد أجاد فيها
، وحرّر ، وفصل ، وأشاد وطبق المفصّل ، وعليه المعتمد والمعوّل».
رابعاً : في الإجماع :
يذهب في مسألة الإجماع مذهب الأصولية ، وتبنّى
قول المحقّق الحلّي في المعتبر
الذي مفاده : «وأمّا الإجماع فهو عندنا حجّة بانضمام المعصوم ...» إلاّ إنّه يشكّك
في حصول هكذا إجماع بقوله : «على أنَّ تحقّق هذا الإجماع في زمن الغيبة متعذّر ، لتعذّر
ظهوره عليهالسلام
وعسر ضبط العلماء على وجه يتحقّق دخول قوله في جملة أقوالهم» ثمّ يقول : «... وعلى
هذا فليس في عدّ الإجماع في الأدلّة إلاّ مجرّد تكثير العدد وإطالة الطريق ...».
خامساً : في دليل العقل
والأصول المستفادة منه :
__________________
فإنّه يذهب إلى نفي اعتبار العقل مصدراً
من مصادر الفقه.
كما أنّه يذهب إلى أنّ الأصول الفقهية المستفادة
من دليل العقل ـ هي الأُخرى ـ غير معتبرة ، والمعتبر عنده هو الأصول المستفادة من أحاديث
أهل البيت عليهمالسلام.
قال في المقدّمة الثالثة من الحدائق :
«وأمّا الثالث ـ من معاني الأصل وهو القاعدة ـ فإن كانت تلك القاعدة مستفادة من الكتاب
والسنّة فلا إشكال في صحّة البناء عليها ، ومنها قولهم : الأصل في الأشياء الطهارة
ـ أي القاعدة المستفادة من النصوص وهي قولهم عليهمالسلام
: (كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر) تقتضي طهارة كلّ شيء».
ولازم كلامه قدسسره عدم صحّة البناء على
القاعدة المستفادة من غير الكتاب والسنّة وهي المستفادة من دليل العقل.
سادساً : في الاجتهاد
والتقليد :
لم يتعرّض الفقيه البحراني قدسسره إلى ذكر الاجتهاد والتقليد
، وما يتبنّاه فيهما من رأي في مقدّمات الحدائق
ولا في الدرر.
إلاّ أنّ المتأمّل في منهجه الاستدلالي يجزم
بأنّه يقول بهما ، شريطة أن يكون المجتهد إخبارياً في منهج استدلاله وطريقة فتواه.
__________________
وقد صرّح قدسسره
بهذا المعنى في كتابه المعروف بـ : الكشكول
في مسألة القضاء لغير المجتهد عند فقد المجتهد ، حيث قال : «بل الذي تضمّنته تلك
الأخبار هو الرجوع إلى من تمسّك بذيل الكتاب والسنّة وأمن العثار ، ومدار أحكامه إنّما
هو عليهما في الإيراد والإصدار ، فالعمل بحكمه عمل بحكمهم عليهمالسلاموالرّاد عليه رادّ عليهم
في حلال أو حرام».
وقال في المصدر نفسه : «إذا عرفت ذلك ، فاعلم
أنّ المأمور بتقليده في أحكامهم ، والقبول عنه لما ينقل عنهم ، هو الذي أشار إليه عليهالسلام في مقبولة عمر بن حنظلة
بقوله : (ينظر إلى من كان منكم قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا
، فارضوا به حكماً ، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ...) ثمّ استشهد بروايات أخرى ، منها
التوقيع الوارد عن الإمام الحجّة (عج) : وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة
حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله».
إلى هنا تنتهي هذه الجولة المختصرة في منهج
المحدّث والفقيه الشيخ يوسف البحراني واختلاف منهجه عن العلماء الأخباريّين الذين كانوا
في المرحلة السابقة على مرحلته ، ومردّ ذلك الاختلاف إلى أمرين :
الأوّل : جعله الإجماع من مصادر الفقه ،
ولو نظريّاً.
ثانياً : قوله بالاجتهاد والتقليد ، وتقيّد
ذلك بكون المجتهد إخباريّاً في
__________________
منهج استدلاله.
الشيخ الوحيد البهبهاني
ودوره في حوزة كربلاء :
ومن أهمّ فقهاء هذا الدور هو الشيخ الوحيد
البهبهاني رضياللهعنه.
وهو : «محمّد باقر بن محمّد أكمل البهبهاني
الحائري الملقّب بالوحيد والمتوفّى سنة (١٢٠٦ هـ / ١٧٩١م) على أصحّ الأقوال».
ترجمه الميرزا النوري في خاتمة المستدرك
فوصفه بـ : «الأستاذ الأكبر ، مروّج الدين في رأس المائة الثالثة عشرة» ثمّ قال : قال
(معاصره) الشيخ عبد النبيّ القزويني في تتميم أمل الآمل
بعد الترجمة له : «فقيه العصر ، فريد الدهر ، صاحب الفكر العميق ، والذهن الدقيق ،
صرف عمره في اقتناء العلوم واكتساب المعارف الدقائق ، وتكميل النفس بالعلم بالحقائق
، فحباه الله وباستعداده علوماً لم يسبقه فيها أحد من المتقدّمين ، ولا يلحقه أحد من
المتأخّرين إلاّ بالأخذ منه ...».
وقد حصّل هذا الفقيه على لقب (مجدّد) الفقه
الإثني عشري ، لأنّ عصره أصبح فاصلاً لعصر جديد من عصور مدرسة الاجتهاد أُطلق عليه
بـ :
__________________
«عصر الكمال العلمي».
وقد أصبحت مدينة (كربلاء) بفضل وجود هذا
العَلَم وفي عصره عاصمة من العواصم العلمية التي ضاهت مراكز العلم الشيعية الأُخرى
، وبقيت محافظة على مركزها العلمي قرابة قرن من الزمن ، وذلك بعد وفاة محمّد شريف المازندراني
عام (١٢٤٥ هـ) الذي قيل إنّ حضّار درسه كانوا يقاربون الألف طالب.
يقول الشيخ الطهراني في ترجمة الوحيد في
الكرام
البررة :
«لمّا ورد المترجم كربلاء المشرّفة قام بأعباء
الخلافة ، ونهض بتكاليف الزعامة والإمامة ، ونشر العلم بها ، واشتهر تحقيقه وتدقيقه
، وبانت للملأ مكانته السامية ، وعلمه الكثير ، فانتهت إليه زعامة الشيعة ورئاسة المذهب
الإمامي في سائر الأقطار ، وخضع له جميع علماء عصره ، وشهدوا له بالتفوّق والعظمة
والجلالة ، ولذا اعتبر مجدّداً للمذهب على رأس هذه المائة ، وقد ثنيت له الوسادة زمناً
، استطاع خلاله أن يعمل ويفيد ، وقد كانت في أيّامه للأخبارية صولة وكان لجهّالهم جولة
، وفلتات وجسارات وتظاهرات أُشير إلى بعضها في منتهى المقال
وغيره ، فوقف المترجم آنذاك موقفاً جليلاً كسر به شوكتهم ، فهو الوحيد من شيوخ الشيعة
الأعاظم ، الناهضين بنشر العلم
__________________
والمعارف ، وله في التاريخ
صحيفة بيضاء يقف عليها المتتبّع في غضون كتب السِير والمعاجم».
وعبر عنه تلميذه أبو علي الحائري بقوله :
«أُستاذنا العالم العلاّمة ... مؤسّس ملّة
سيّد البشر في رأس المائة الثانية عشر ... كلّ من عاصره من المجتهدين فإنّه أخذ من
فوائده واستفاد من فرائده».
رحلته العلمية وأساتذته
:
ولد المحقّق البهبهاني في سنة ثماني عشرة
أو سبع عشرة
بعد المائة والألف في إصفهان ، وقرأ المقدّمات فيها ، ثمّ انتقل إلى النجف وأكمل فيها
دروسه عند العَلَمَين الجَلِيلَين : السيّد محمّد الطباطبائي البروجردي ـ جدّ السيّد
بحر العلوم ـ والسيّد صدر الدين القمّي الهمداني شارح كتاب وافية الأصول
، ثمّ انتقل إلى (بهبهان) معقل الأخباريّين في ذلك الزمان ، فمكث هناك ما يربو على
ثلاثين سنة ، لعب فيها دوراً هامّاً في التعليم والتربية والتأليف والتصنيف
، فتحوّلت المدرسة العلمية في عهده في هذه المدينة إلى الاتجاه الأصولي.
__________________
ثمّ ارتحل إلى النجف الأشرف ولم يلبث فيها
إلاّ قليلاً ، ثمّ انتقل إلى كربلاء.
وكان نزول الوحيد البهبهاني بهذه المدينة
إيذاناً بمرحلة جديدة في الاتجاه الأصولي والاجتهاد ومواجهة المدرسة الأخبارية ، ونجح
الوحيد في رسالته العلمية وأبرز الاتّجاه الأصولي واستقطب خيرة تلامذة الشيخ يوسف
البحراني وجمعهم حوله ، وانحسرت الحركة الأخبارية وانزوت ولم تستعد نشاطها بعد ذلك
التاريخ.
ولعلّ المدّة الطويلة التي قضّاها المحقّق
الوحيد في مدينة بهبهان ـ وهي يومئذ معقل علماء الأخبارية ـ قد مكّنته من الاطلاع الكافي
على مباني وإشكالات التيّار الأخباري ، وحينما لمس عن قرب خطورة هذا التوجّه ، استعدّ
لمواجهته بكلّ ما يملك من إمكانات على صعيد البحث النظري أو العملي.
«نقل السيّد مهدي القزويني إنّ البهبهاني
في بادئ نشأته كان إخباريّاً نظراً لغلبة هذا التيّار على البيئة الإيرانية ، وكان
أُستاذه صدر الدين الكاظمي (ت ١١٦٤ هـ) من العلماء الأصوليّين ، وبعد مناقشات بينهما
تحوّل التلميذ البهبهاني أُصوليّاً ، والأُستاذ إخباريّاً».
__________________
وقد انصبّت جهود الوحيد البهبهاني في حوزة
كربلاء على محورين :
الأوّل : تربية نخبة من الفقهاء الأصوليّين
ليحافظوا على خطّ الزّعامة المرجعية من بعده.
الثاني : تصدّيه لشنّ حملة عنيفة على الاتّجاه
الأخباري ، بنقده اللاذع لأهمّ شبهاتهم.
أمّا المحور الأوّل : فقد تحدّثنا عنه ضمن
حديثنا عن حوزة النجف الأشرف في دورها الثالث.
وأمّا المحور الثاني : فقد ظهر الشيخ الوحيد
في عصر كانت الطريقة الأخبارية فيه سائدة على الساحة العلمية وكان الشيخ يوسف البحراني
(ت ١١٨٦ هـ) زعيم هذا الاتجاه العلمي ، فبدأ الوحيد يعمل ضدّ هذا الاتجاه واستطاع أن
يحدّ من غلبتها على الرأي العامّ وأن يسير بالفقه الشيعي خطوات واسعة.
والذي يظهر ممّا ذكره مؤرّخو هذا الصراع
الفكري ، إنّ الوحيد البهبهاني أَلقى بكلّ ثقله في المعركة ، وصمّم بكلّ عزيمة وإصرار
على كسب الجولة من خلال الأساليب العملية التالية :
١ ـ أسلوب المناظرة والمباحثة العلمية :
لقد اتّصف الشيخ الوحيد بأسلوب في الحوار
والمباحثة والمناظرة العلمية قلّ مثيلها في علماء عصره ، وكان محاوراً قويّاً وقادراً
على إدارة الحوار بصورة ممتازة وجيّدة ، وكان يستخدم الحوار في نقد المدرسة
الأخبارية وتكريس الاتجاه
الأصولي بشكل واسع.
وممّا ينقل في هذا المجال ما حدّثنا به الفقيه
المامقاني في التنقيح
: «أنّ الشيخ الوحيد عندما نزل كربلاء ، حضر أبحاث الشيخ يوسف البحراني أيّاماً ،
ثمّ وقف يوماً في الصحن الشريف ونادى بأعلى صوته : أنا حجة الله عليكم! فاجتمعوا عليه
، وقالوا ما تريد : فقال : أريد من الشيخ يوسف يمكّنني من منبره ويأمر تلامذته أن يحضروا
تحت منبري ، فأخبروا الشيخ يوسف بذلك ، وحيث إنّه كان يومئذ عادلاً عن مذهب الأخبارية
، خائفاً من إظهار ذلك من جهّالهم ، طابت نفسه بالإجابة ...
فارتقى منبر درس الشيخ يوسف البحراني وباحث
تلامذته مدّة ثلاثة أيّام ، فعدل ثلثا التلاميذ إلى مذهب الأصولية».
ولم تنتهِ حدود الحوار والمباحثة عند تلامذة
الشيخ يوسف البحراني بل امتدت إلى المناظرة مع أستاذهم الشيخ يوسف صاحب الحدائق
بنفسه.
فقد كانت المناظرة بينهما على قدم وساق وحامية
الوطيس ، حتّى أنَّ الشيخ عبّاس القمّي يحدّثنا في الفوائد الرضوية
عن صاحب التكملة
، عن الحاج (كريم) أحد سَدَنَة الروضة الحسينية المقدّسة ، أنّه كان يقوم بخدمة
الحرم في شبابه ، وذات ليلة التقى بالشيخ يوسف البحراني والوحيد البهبهاني داخل الحرم
وهما واقفان يتحاوران وطال حوارهما حتّى حان وقت إغلاق
__________________
أبواب الحرم ، فانتقلا
إلى الرواق المحيط بالحرم واستمرّا في حوارهما وهما واقفان ، فلمّا أراد السَدَنَة
إغلاق أبواب الرواق انتقلا إلى الصحن وهما يتحاوران ، فلمّا حان وقت اغلاق أبواب الصحن
انتقلا إلى خارج الصحن من الباب الذي ينفتح على القبلة ، واستمرّا في حوارهما وهما
واقفان ، فتركهما وذهب إلى بيته ونام.
فلمّا حلّ الفجر ورجع إلى الحرم صباح اليوم
الثاني ، سمع صوت حوار الشيخين من بعيد ، فلمّا اقترب منهما وجدهما على نفس الهيئة
التي تركهما عليه في الليلة الماضية ، مستمرّان في الحوار والنقاش ، فلمّا أذّن المؤذّن
لصلاة الصبح رجع الشيخ يوسف إلى الحرم يقيم الصلاة جماعة ، ورجع الوحيد البهبهاني إلى
الصحن وافترش عباءته على طرف مدخل باب القبلة ، وأذّن وأقام وصلّى صلاة الصبح.
وفي أمثال هذه المحاورات كان الوحيد يتمكّن
من خصومه ويدحض شبهاتهم ويكرّس الاتّجاه الأُصولي ويعمّقه.
٢ ـ أُسلوب التصنيف والتأليف العلمي :
خلّف الشيخ الوحيد البهبهاني من بعده تراثاً
علميّاً تمثّلت في كتب وأبحاث ورسائل وحواشي بلغت ما يقرب من ستّين كتاباً
كرّس البعض
__________________
منها في ردّ الشبهات المثارة
ضدّ المدرسة الأُصولية ، ودحض شبهات الأخباريّين ونظريّاتهم.
ومن هذه المؤلّفات يمكن الإشارة إلى :
١ ـ الاجتهاد والأخبار في الردّ على الأخبارية
وذكر كيفية الاجتهاد ومقدّماته وأقسامه من المطلق والمتجزّىء؟ وغير ذلك.
٢ ـ الفوائد الحائرية الأُصول القديمة (العتيقة)
ذكر فيها ما لابدّ للفقيه من معرفته.
٣ ـ الفوائد الحائرية الأُصول الجديدة ،
ويقال لها الملحقات.
٤ ـ الردّ على شبهات الأخباريّين على الأُصول
المتمسّك بها عند الأُصوليّين والجواب عن كلام صاحب المفاتيح
الفيض الكاشاني.
٥ ـ شرح مفاتيح الشرائع (للفيض الكاشاني).
قال الشيخ الطهراني في الذريعة
: وهو غير حاشيته على المفاتيح
... بل الشرح هذا كبير ، ينقل عنه جميع تلاميذه ، ومن تأخّر عنه ، وكلّما يطلق في
كتبهم شرح
المفاتيح فهو هذا الشرح ، وهو في ثمان مجلّدات.
٦ ـ التعليقة على الرجال الكبير (وهو منهج
المقال للأسترآبادي).
__________________
وهي «شرح لطيف مفيد نافع ، مبدوء بفوائد
خمس رجالية ، وإليه يرجع العلماء حتّى اليوم».
وله رحمهالله
جملة من الحواشي العلمية على العديد من مهمّات كتب الفقه والحديث منها :
١ ـ حاشية على مجمع الفائدة والبرهان (للأردبيلي)
من أوّل كتاب المتاجر إلى آخر الكتاب.
٢ ـ حاشية على معالم الدين وملاذ المجتهيدن
(للشيخ حسن).
٣ ـ حاشية على مسالك الأفهام (للشهيد الثاني).
٤ ـ حاشية على المختصر النافع (للمحقّق الحلّي).
٥ ـ حاشية على ذكرى الشيعة (للشهيد الأوّل).
وله رسائل علمية في موضوعات شتّى.
وكتب الشيخ الوحيد متينة ومشحونة بالأفكار
الفقهية والأُصولية ، وتعتبر جملة من أفكاره التي دوّنها والتي درّسها لتلاميذه أُسساً
لعلم الأُصول الحديث.
٣ ـ التضييق على أقطاب الحركة الأخبارية
:
اتّخذ الشيخ الوحيد البهبهاني رضياللهعنه في مواجهته للحركة الأخبارية
__________________
موقفاً حاسماً وصلباً
، انطلاقا من تشخيصه لخطورة الموقف فيما إذا استمرّت هذه الحركة في امتدادها ، واستقطابها
للوسط العلمي.
وفي نفس الوقت انطلق أقطاب الحركة الأخبارية
في مواجهتهم لحركة الاجتهاد من خلال أُسلوب التكفير ، والخروج من الدين ، وخاصّة من
قبل مؤسّسها (الأمين الأسترآبادي) الذي هو أوّل من فتح باب الطعن على المجتهدين ، وتقسيم
الفرقة الناجية إلى أخباري ومجتهد ، وأكثر في كتابه الفوائد المدنية
من التشنيع على المجتهدين بل ربّما نسبهم إلى تخريب الدين!!
ولو استثنينا الشيخ يوسف البحراني رضياللهعنه من هؤلاء ـ حيث اتّصف
بالاعتدال والعقلانية والذي يَردّ على الأمين الأسترآبادي بأنّه «ما أحسن وما أجاد
ولا وافق الصواب والسّداد بما قد ترتّب على ذلك منه عظيم العناد ...»
ـ لوجدنا جلّ أقطاب الحركة الأخبارية يسلكون هذا المسلك ، ويسيرون على نفس الطريقة
في مواجهتهم للحركة الأُصولية الاجتهادية ، من الأمين الأسترآبادي إلى الفيض الكاشاني
، إلى الميرزا محمّد الأخباري.
وقد وصل الأمر إلى درجة : «أنّ الرجل منهم
ـ من الأخبارية ـ إذا أراد حمل كتاب من كتب فقهائنا رضي الله عنهم حمله مع منديل».
__________________
فوقف الشيخ الوحيد موقفا جليلاً صلباً سديداً
في ذات الله كسر به شوكتهم ، وحدّد نشاطهم.
ومن جملة ما اتّخذه الشيخ الوحيد رضياللهعنه في هذا المجال أنّه كان
يمنع تلاميذه من حضور دروس الشيخ يوسف البحراني رضياللهعنه.
يقول صاحب الروضات
في ترجمة صاحب الرياض
(الطباطبائي) ابن أُخت العلاّمة الوحيد وصهره على ابنته : «أنّه كان يحضر درس صاحب
الحدائق ليلاً ، لغاية اعتماده على فضله ومنزلته ، وحذراً من اطّلاع خاله العلاّمة
عليه ، وأنّه كتب جميع مجلّدات الحدائق
بخطّه الشريف».
هذا الموقف الشديد من قبل الشيخ الوحيد ،
له مبرّراته العقلية والشرعية والتي شخّصها العلاّمة الوحيد ، وهو أستاذ الكلّ ، ولم
تكن هنالك نزعة ذاتية أو مصالح شخصية تدعو الشيخ لاتّخاذ مثل هكذا موقف ، ولهذا نجد
الشيخ يوسف البحراني رضياللهعنه
يلتمس العذر للشيخ الوحيد ، وكان يسمح لتلاميذه بحضور دروس الشيخ الوحيد ، وكان يقول
كلٌّ يعمل بموجب تكليفه ، ويعذر الوحيد في ذلك.
وفي خطوة أخرى نجد الشيخ الوحيد يستخدم أسلوب
الفتوى في مواجهة هذه الحركة وأقطابها ، فيفتي بحرمة الاقتداء بهم في ممارسة الشعائر
__________________
الدينية العبادية.
وفي المقابل نجد الشيخ يوسف قد أوصى أن يصلّي
عليه بعد وفاته الشيخ الوحيد البهبهاني دون غيره من معاصريه.
انتصار علم الأصول وانحسار
الاتّجاه الأخباري :
لقد انطلقت الحركة الأخبارية في منهجها الفكري
، وشكّلت تيّاراً عاصفاً ، وتمكّنت من شقّ المدرسة الفقهية عند الشيعة الإمامية إلى
شطرين متصارعين ، في فترة زمنية امتدّت إلى قرابة القرنين من الزمن.
والمنهج الفكري للحركة الأخبارية ومنهجها
في الاستنباط والاستدلال الفقهي يخالف منهج المذهب الإمامي الإثني عشري ومدرسته في
الاجتهاد التي أسّسها فقهاء هذا المذهب بتوجيه ورعاية أهل البيت عليهمالسلام.
ولهذا تصدّى المجتهدون الشيعة لهذه المدرسة
الأخبارية لما تشكّله من خطر جسيم على حركة الاجتهاد ، وعلى الفهم السليم لدين الله
وشريعته.
وشهدت ساحة الصّراع بين المدرستين مواجهات
عنيفة ، وصلت إلى درجة التكفير والتبديع من جهة ، وبين ممارسة الفتيا ضدّ الطرف الآخر
بحرمة الاقتداء بهم في ممارسات الشعائر الدينية العبادية
، أو حرمة الحضور في
__________________
دروسهم وأبحاثهم من جهة
أخرى ، ممّا أدّى ببعض التلامذة إلى الحضور
سرّاً في درس الشيخ البحراني.
ويحدّثنا تاريخ الصراع بين المدرستين بأنّ
أعنف المواجهات الفكرية هي تلك التي حصلت في كربلاء بين الشيخ يوسف البحراني ممثّل
الاتّجاه الأخباري من جهة ، وبين الوحيد البهبهاني ممثّل الاتّجاه الأصولي من جهة ثانية.
وقد تمكّن الوحيد البهبهاني من ربح المعركة
الفكرية لمصلحة مدرسة الاجتهاد والأصول ، وبدأت المدرسة الأخبارية بالانحسار والانزواء
، ولم تستعيد نشاطها بعد ذلك ، إلاّ في فترة ظهور الميرزا محمّد الأخباري ، حيث
تصدّى له تلامذة الوحيد من أمثال الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والشيخ حسن صاحب الجواهر.
ويعود سبب انحسار المدرسة الأخبارية إلى
جملة عوامل ذكر بعضها السيّد الشهيد الصدر في دراسته القيمة لهذه الظاهرة.
يقول السيّد الشهيد قدسسره : «وقد قُدِّرَ للاتجاه
الأخباري في القرن الثاني عشر أن يتّخذ من كربلاء نقطة ارتكاز له ، وبهذا عاصر ولادة
مدرسة جديدة في الفقه والأصول نشأت في كربلاء أيضاً على يد رائدها المجدّد الكبير (محمّد
باقر البهبهاني) المتوفّى سنة (١٢٠٦ هـ) وقد نصبت هذه المدرسة
__________________
الجديدة نفسها لمقاومة
الحركة الأخبارية والانتصار لعلم الأصول ، حتّى تضاءل الاتجاه الأخباري ومني
بالهزيمة ، وقد قامت هذه المدرسة إلى جانب ذلك بتنمية الفكر العلمي ، والارتفاع بعلم
الأصول إلى مستوى أعلى ، حتّى أنّ بالإمكان القول بأنّ ظهور هذه المدرسة وجهودها المتضافرة
التي بذلها البهبهاني وتلامذة مدرسته المحقّقون الكبار قد كان حدّاً فاصلاً بين عصرين
من تاريخ الفكر العلمي في الفقه والأصول.
وقد يكون هذا الدور الإيجابي الذي قامت به
هذه المدرسة فافتتحت بذلك عصراً جديداً في تاريخ العلم متأثّراً بعدّة عوامل :
منها : عامل ردّ الفعل الذي أوجدته الحركة
الأخبارية ، وخاصّة حين جمعهما بالحوزة العلمية الأصولية مكان واحد هو كربلاء ، الأمر
الذي يؤدّي بطبيعته إلى شدّة الاحتكاك وتضاعف ردّ الفعل.
ومنها : إنّ الحاجة إلى وضع موسوعات جديدة
في الحديث كانت قد أشبعت ، ولم يبق بعد وضع الوسائل والوافي والبحار
إلاّ أن يواصل العلم نشاطه الفكري مستفيداً من تلك الموسوعات في عملية الاستنباط.
ومنها : عامل المكان ، فإنّ مدرسة الوحيد
نشأت على مقربة من المركز الرئيسي للحوزة ـ وهو النجف ـ فكان قربها المكاني هذا سبباً
لاستمرارها ومواصلة جهودها عبر طبقات متعاقبة من الأساتذة والتلاميذ ... وبهذا كانت
مدرسة البهبهاني تمتاز عن المدارس العديدة التي كانت تقوم هنا وهناك بعيداً
عن المركز وتتلاشى بموت
رائدها».
ويمكن أن نضيف إلى ما ذكره السيّد الشهيد رضياللهعنه عوامل أخرى مكّنت
الشيخ الوحيد البهبهاني في حركته الاصلاحية العملية.
ومن هذه العوامل :
١ ـ الموقف المعتدل للشيخ
يوسف البحراني رضياللهعنه
اتّجاه الصّراع بين المدرستين :
حيث اتّصفت شخصية الشيخ المحدّث البحراني رضياللهعنه بخصائص أخلاقية
وإيمانية عالية
، كان لها الدور الكبير في نجاح الوحيد البهبهاني في حركته الاصلاحية العلمية ، وفي
مواجهته للحركة الأخبارية والانتصار عليها.
ومن أهمّ هذه الخصائص التي امتاز بها الشيخ
البحراني قدسسره
:
أوّلاً ـ الإحساس بالمسؤولية
:
لقد انطلق المحدّث البحراني رضياللهعنه في تعامله مع مفردات
الصّراع الأخباري الأصولي من منطلق المسؤولية الشرعية ، وبدأ يعمل بموجب هذا الوعي
وهذه المسؤولية على تضييق رقعة الخلاف ، وإزالة الحواجز التي أقيمت داخل هذه المدرسة
بين هاتين الفئتين ، بدلاً من التصعيد لمفردات الصّراع أو تجريد لسان التشنيع أو التكفير
للطرف الآخر.
__________________
«والحقيقة إنّ هذا الموقف الذي وقفه الشيخ
يوسف من هذا الصراع كان له تأثير بالغ الأهمّية في إعادة الانسجام إلى مدرسة أهل البيت
، وإزالة التطرّف الذي أصاب هذه المدرسة في فترة الصّراع ، وعودة الاعتدال
والعقلانية إلى هذه المدرسة».
ثانياً ـ الورع والتقوى
والتجرّد عن الأَنا :
تدلُّ مواقف الشيخ البحراني رحمهالله من خلال مواجهته للصّراع
الدائر بين المدرستين أنّ هذا الفقيه الجليل كان في غاية من الورع والتقوى والتجرّد
عن الأنا ، لا ينالها إلاّ ذو حظّ عظيم من الإخلاص لله تعالى.
فممّا يُروى من سيرة هذا الفقيه الجليل إنّه
رغم الصّراع الطويل الذي خاضه مع الوحيد البهبهاني في أمر الأصول والاجتهاد ، أوصى
أن يصلّي عليه بعد وفاته الوحيد البهبهاني دون غيره من معاصريه ، رغم أنّ الوحيد قد
أفتى بحرمة الاقتداء بالشيخ البحراني في الصّلاة.
ورغم أنّ الوحيد قد أفتى بحرمة حضور درس
الشيخ البحراني ، وشدّد الملامة على كلّ من حضر في مجلس إفادته ، بحيث نُقِل «أنَّ
ابن أخته صاحب رياض
المسائل ، كان من خوفه يدخل على ذلك الجناب ـ أي
الشيخ يوسف ـ ويقرأ عليه ما كان يقرأ عليه ليلاً ومتخفّياً لا جهراً».
__________________
إلاّ أنّ الشيخ يوسف رحمهالله لم يتّخذ نفس الموقف
اتّجاه درس الشيخ الوحيد ، بل سمح لطلاّبه ومريديه بحضور درس الوحيد «فلم يمض مدّة
حتّى استقطب فضلاء طلاّب الشيخ يوسف البحراني كالسيّد مهدي بحر العلوم ، والسيّد مهدي
الشهرستاني ، وتحوّل جمع من تلامذة الشيخ يوسف من درسه إلى درس الوحيد البهبهاني».
بل وصلت حالة التجرّد عن الأنا عند الشيخ
يوسف البحراني إلى درجة عالية جدّاً حتّى يقال : إنّه ـ أي الوحيد ـ ارتقى منبر درس
الشيخ يوسف البحراني وباحث تلامذته مدّة ثلاثة أيّام ، فعدل ثلثا التلاميذ إلى مذهب
الأصولية.
ثالثاً ـ ابتغاء الحقّ
ونبذ التطرّف :
وهذه سمة أخرى تحلّى بها هذا الفقيه الجليل
حيث إنّه رحمه الله كان رائده الحقّ ، وسلوكه الاعتدال ، وهذا ما نلاحظه من خلال شجبه
للتطرّف الذي كان من المحدّث الاسترآبادي والفيض الكاشاني وأمثالهما.
ولابدّ أن نقول مرة أخرى اعترافاً بالفضل
للشيخ يوسف مؤلّف
الحدائق : إنّ تقوى الشيخ وخلوصه وصدقه وابتغاءه
للحقّ كان من أهمّ عوامل هذا الانقلاب الفكري الذي جرى على يد الوحيد في كربلاء.
__________________
ولو كان الشيخ يوسف من موقعه العلمي والاجتماعي
يريد أن يجادل الوحيد ، ويظهر عليه ، لطالت محنة هذه المدرسة الفقهية ، واتّسعت مساحة
الخلاف فيها ، وتعمّق فيها الخلاف ، ولكنّ الشيخ يوسف كان يؤثر رضا الله والحقّ على
أيّ شيء آخر.
٢ ـ تلاشي شبهات الأخباريّين
:
إنّ الشبهات التي انطلق منها الأخباريّون
في حملتهم ضدّ المدرسة الأصولية وأقطابها أخذت تتلاشى بمرور الزّمن ، فلم يعد إلغاء
وظيفة المجتهد أو النظر إلى الاجتهاد على أنّه بدعة تسرّبت إلى المذهب الإثني عشري
قضية تستوجب النقض بعد ما ثبت استمرار خطّ الاجتهاد عمليّاً.
كما أنّ (المجتهد) برهن على أنّه ليس وعاء
ناقلاً للأحاديث فحسب ، وإنّما هو مستفيد منها في عملية استنباط الأحكام الشرعيّة من
أدلّتها التفصيلية وإعمال الملكة.
حوزة كربلاء في دورها
الثالث :
توفّي الشيخ يوسف البحراني في كربلاء عام
(١١٨٦ هـ) ، ومن بعده ـ بعقدين من الزمن ـ توفّي الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهاني
(ت ١٢٠٦ هـ) ،
__________________
ودفنا متجاورين في الرواق
الشرقي من الحضرة الحسينية الشريفة.
وبوفاتهما فقدت حوزة كربلاء هذين العلمين
الفذّين ، وترك فقدهما فراغاً علميّاً كبيراً في دنيا الاجتهاد والفقاهة عامّة وفي
الحوزة العلمية في كربلاء خاصّة ، إلاّ أنّ جذوة العلم وحركته لم تنطفئ بوفاة هذين
العلمين ، إذ أثمرت جهودهما العلمية في تربية العلماء والفقهاء عن بروز نخبة من أساطين
الفقه والأُصول ممّن واصلوا جهود أُستاذهم الوحيد ، فواصلت المسيرة الفقهية في
مدرسة أهل البيت عليهمالسلام
من خلال جهودهم ، وجهود تلامذتهم ، وتلامذة تلامذتهم حركتها العلمية ، ومسيرتها الفقهية
والأُصولية.
وقد شهدت حوزة كربلاء هجرة الكثير من تلامذة
الشيخ الوحيد إلى النجف الأشرف ، بعضهم هاجر منها في أواخر حياة أُستاذه الوحيد وبإيعاز
منه ، والبعض الآخر هاجر منها بعد وفاته.
وبهؤلاء المهاجرين بدأت حوزة النجف الأشرف
دورتها الثالثة ـ والتي تحدّثنا عنها سابقاً ـ وأصبحت الحوزة الرئيسية للشيعة ، بعد
أن فقدت حوزة كربلاء مركزيّتها بوفاة زعيمها الشيخ الوحيد.
إلاّ أنّ بعض تلامذة الوحيد آثروا البقاء
في حوزة كربلاء ، واستمرّت بهم وبتلامذتهم الحركة العلمية في حوزة كربلاء.
يقول العلاّمة المامقاني في ترجمة الشيخ
الوحيد البهبهاني : «وقد عمّر وجاوز التسعين ، واستولى عليه الضعف أخيراً ، وترك البحث
، وأمر بحر العلوم بالانتقال إلى النجف الأشرف والاشتغال بالتدريس فيها ، وأمر صهره
ـ
صاحب الرياض
ـ بالتدريس في كربلاء المشرّفة ...».
وقد تحدّثنا سابقاً عن بعض تلامذة الشيخ
الوحيد ممّن انتقلوا إلى النجف الأشرف من أمثال السيّد مهدي بحر العلوم (ت ١٢١٢ هـ)
والشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت ١٢٢٧ هـ) والسيّد جواد العاملي (ت ١٢٢٦ هـ) ... وغيرهم
من أعلام النجف الأشرف وحوزتها العلمية في دورها الثالث.
وهنا نواصل حديثنا عن حوزة كربلاء في دورها
الثالث من خلال أعلام فقهائها من تلامذة العَلمين البحراني والوحيد ، وتلامذة تلامذتهما
، وإبراز جهودهم العلمية ، وآثارهم الفقهية والأُصولية.
ومن أبرز العلماء الذين كان لهم حضورهم الفاعل
في حوزة كربلاء هم :
١ ـ السيّد مير علي الكبير بن منصور بن أبي
المعالي (ت ١٢٠٧هـ) :
يتّصل نسبه الشريف بالإمام زيد الشهيد رضياللهعنه ، وهو من مشاهير علماء
عصره ...
وقد تتلمذ على الشيخ آغا باقر البهبهاني
والشيخ يوسف البحراني والسيّد نصر الله الفائزي الحائري ، غير أنّه اختصّ بالأوّل ـ
البهبهاني ـ لمصاهرته به حيث تزوّج ببنت خالة الشيخ المذكور ، وقام بأعمال مهمة تدرّ
فوائد جسام ، وخلّف صدقات جارية النفع والثمر في كربلاء وانتشر عقبه في
__________________
بلاد العجم».
قال السيّد الأمين : السيّد مير علي : «حائري
المولد والمسكن والمدفن ؛ فقد توفّي في كربلاء سنة (١٢٠٧ هـ) ... وهو غير السيّد مير
علي الصغير صاحب الرياض
، وإن كان كلّ منهما ابن أُخت الآقا البهبهاني ، لكنّ الثاني حسني طباطبائي ، والأوّل
حسيني ، ذكره الآقا أحمد سبط الآقا البهبهاني في رسالته جهان نما
وأثنى عليه ووصفه بغاية التقديس والصّلاح ، رئي له عدّة تصانيف لم تخرّج إلى المبيضّة
، لم يمكث بعد خاله الآقا البهبهاني إلاّ قليلاً فلذا لم يشتهر اسمه ، واشتهر اسم صاحب
الرياض
لمكثه كثيراً بعد خاله ، هكذا يقال والله أعلم بحقيقة الحال ، وهنالك حكاية ينقلها
السيّد الأمين تتعلّق بالسيّدين العليّين الصغير والكبير ووضعهما المالي».
٢ ـ السيّد محمّد مهدي الشهرستاني الموسوي
(ت ١٢١٦ هـ) :
وقد عرّف نفسه في آخر إجازته لتلميذه السمناني
فقال : «محمّد مهدي بن أبي القاسم الموسوي الشهرستاني أصلاً والإصفهاني مولداً والكربلائي
مسكناً بل مدفناً».
ترجم له سيّد الأعيان
ترجمة مطوّلة جاء فيها : «ولد المترجم له في إصفهان وتوفّي في كربلاء ... وهو من سلالة
علوية عريقة ... انتقل في
__________________
عنفوان شبابه إلى مدينة
كربلاء لتلقّي العلم فيها ... وأخذ يتلقّى العلم لدى فحول علماء ذلك العصر وعلى رأسهم
المولى آقا محمّد باقر ... المعروف بالوحيد البهبهاني ، والمترجم أحد المهادي الأربعة
الذين كانوا الأوائل في تلامذة الوحيد البهبهاني ، وهم : ١ ـ السيّد محمّد مهدي الشهرستاني.
٢ ـ والسيّد محمّد مهدي بحر العلوم الطباطبائي. ٣ ـ والميرزا المولى محمّد مهدي النراقي.
٤ ـ والميرزا محمّد مهدي الطوسي الخراساني المعروف بالشهيد الثالث ، وقد استوطن الأوّل
مدينة كربلاء ، وانتقل الثاني إلى مدينة النجف وأقام بها ، ورجع الثالث إلى تبريز ،
وعاد الرابع إلى مشهد الرضا عليهالسلام».
ثمّ ينقل السيّد الأمين عن أحد تلامذة الشهرستاني ضمن كتاب مخطوط له قوله : «السيّد
الجليل والأُستاذ النبيل محمّد مهدي بن أبي قاسم الموسوي الشهرستاني ... شيخنا الأمجد
، عالم ، فاضل ، كامل ، باذل ، محقّق ، مدقّق ، متبحّر ، جامع ، ثقة ، فقيه ، وجيه
، شريف الأخلاق ... وهو من أرشد تلامذة الشيخ يوسف البحراني ، والمولى محمّد باقر البهبهاني
، إلاّ أنّ له في الفقه ميلاً إلى طريقة الفاضل البحراني ، قرأنا عليه شرح اللّمعة
، وقواعد العلاّمة من البداية إلى النهاية ، ومن الحديث وغيره ...». وذكر السيّد الأمين
مؤلّفاته وهي : الفذالك
في شرح المدارك والمصابيح في الفقه
وبعض الحواشي والرسائل ...
وأمّا أساتذته : فقد تتلمذ على الوحيد والبحراني
، بالإضافة إلى محمّد مهدي الفتوني العاملي ، وروى عنهم واستجازهم فأجازوه.
وأمّا تلامذته والمجازون منه فيعدّ المترجم
له من كبار شيوخ إجازة الحديث ، وكان مشتهراً في درس التفسير والحديث والفقه واللغة
، وقد تخرّج عليه كثير من العلماء كالشيخ أحمد بن زين الدين الاحسائي ، والسيّد عبد
الله شبّر ، والسيّد صدر الدين العاملي ، والسيّد عبد المطّلب بن أبي طالب ، والسيّد
دلدار النقوي ، والشيخ أسد الله الكاظمي ، والسيّد محمّد حسن الزنوزي التبريزي ، والمولى
أحمد بن محمّد مهدي النراقي ... وغيرهم ... وقد صدرت الإجازات منه لكثير من تلامذته
...
توفّي بكربلاء في ١٢ صفر سنة (١٢١٦ هـ) ودُفن
بمقبرته التي كان قد أعدّها لنفسه في حياته في الرواق الجنوبي الشرقي من الحضرة الحسينية
بجوار قبور الشهداء والتي أصبحت فيما بعد مقبرة الأُسرة الشهرستانية من أولاد المترجم
وأحفاده.
يبقى أن نذكر ـ والفضل يذكر لأهله ـ أنّ
الأُسرة الشهرستانية الكريمة من الأُسر الشهيرة في العراق وإيران ، ونبغ منها خلال
المائتي سنة الأخيرة رجال أفذاذ ، انتقلت إلى كثير منهم الرئاسة الدينية والزعامة الدنيوية
في العراق وإيران وخاصّة مدينة كربلاء ... وعرفت هذه الأُسرة بالكرم والجود والخدمات
والإصلاحات الجليلة وتوارثوا ذلك كابر عن كابر ، وخلف عن سلف ، فالسيّد مهدي المترجم
له كان : «باسط الجود والكرم لكلّ من قصد
__________________
وأمّ» كما يقول
تلميذه الزنوزي في رياض
الجنة. وجدّهم الأعلى السيّد فضل الله الشهرستاني
الوزير الأعظم للشاه طهماسب الأوّل الصفوي ، واقف للأوقاف العظيمة من مدن إيران والتي
خصّص ريعها على مراقد الأئمّة الأطهار عليهمالسلامسواء
في الحجاز أو في العراق أو في إيران ، وذلك حسب وثيقة الوقفية التاريخية المؤرّخة في
٧ رمضان سنة (٩٦٣ هـ) ، والتي يبلغ طولها أكثر من عشرة امتار والموجودة لدى حفيد المترجم
السيّد صالح الشهرستاني نزيل طهران.
وقام السيّد مهدي باصلاحات كثيرة في الحضرة
الحسينية والصحن الحسيني ذكرها سيّد الأعيان ...
وورث حركة الإصلاح هذه السيّد الدكتور المهندس محمّد علي الشهرستاني الذي توفّي أخيراً
رحمه الله حيث قام بحركة إصلاح كبيرة في حرم الكاظمين وسامرّاء وكربلاء ، ومن قبل ذلك
في مكّة والمشاعر ، وكذلك في مدينة مشهد ، ولا ننسى العلاّمة السيّد جواد
الشهرستاني نجل المرحوم آية الله عبد الرضا الشهرستاني فخدماته في إيران والعراق والعالم
الإسلامي خدمات كبيرة وجليلة ونافعة ، وهو عنوان الجود والكرم والنبل ، ويعجز القلم
عن وصف سجاياه وأخلاقه النبيلة.
__________________
٣ ـ السيّد علي الطباطبائي (ت ١٢٣١ هـ) :
قال السيّد الأمين في الأعيان : «ولد في
الكاظمية ١٢ ربيع الأوّل سنة (١١٦١ هـ) وتوفّي سنة (١٢٣١ هـ) ، وجاء في تاريخ وفاته
(بموت عليٍّ مات علم محمّد) ودُفن في الرواق الشريف ممّا يلي مقابر الشهداء ، وهو مع
الآقا البهبهاني في صندوق واحد يزار ...
أمّا أقوال العلماء فيه ـ فهي كثيرة ـ فهو
المحقّق المؤسّس الذي ملأ الدنيا ذكره وعمّ العالم فضله ، تخرّج عليه علماء أعلام وفقهاء
عظام صاروا من أكابر المراجع في الإسلام كصاحب المقابيس
، وصاحب المطالع
، وصاحب مفتاح
الكرامة ، وأمثالهم من الأجلّة ، وقد ذكروه في إجازاتهم
ومؤلّفاتهم ووصفوه بأجمل الصفات ... ثمّ ينقل السيّد الأمين أقوال أُولئك الأعلام الثلاثة
بحقّ أُستاذهم.
وأمّا مؤلّفاته وآثاره العلمية فهي كثيرة
ذكر منها صاحب الأعيان
تسعة عشر أثراً وتأليفاً من أهمّها : ١ ـ الرياض.
٢ ـ حاشية
على المدارك. ٣ ـ حاشية على الحدائق.
٤ ـ شرح
مبادئ الأُصول للعلاّمة ... وغير ذلك
من الحواشي والتعليقات وأجوبة المسائل.
يروي عن السيّد عبد الباقي الإصفهاني عن
والده المير محمّد حسين عن جدّه لأُمّه المجلسي ، ويروي أيضاً عن خاله وأُستاذه الآقا
محمّد باقر
البهبهاني ، وعن صاحب
الحدائق.
٤ ـ السيّد محمّد المجاهد الطباطبائي (ت
١٢٤٢ هـ) :
ترجم له السيّد حسن الصدر في تكملة أمل الآمل
فقال : «السيّد محمّد المجاهد بن المير علي صاحب الرياض
بن السيّد محمّد علي الطباطبائي.
علاّمة العلماء الأعلام ، وسيّد الفقهاء
العظام ، وأعلم أهل العلم بالأُصول والكلام. تخرّج على السيّد الأجل بحر العلوم ، وهو
صهره على ابنته الوحيدة أمِّ أولاده الأفاضل ، وعلى والده العلاّمة ، وكدّ وجدّ في
تحقيق حقائق علمي الفقه والأُصول ، حتّى جزم والده العلاّمة بأعلميته منه وصار لا يفتي
وابنه موجود في كربلاء ، فعلم بذلك ابنه ورحل إلى إصفهان وسكنها ثلاث عشرة سنة ، وهو
المدرّس فيها والمرجع في علمي الأُصول والفقه لكلِّ علمائها ، وصنّف فيها المفاتيح
وغيره حتّى توفّي والده ، فرجع إلى كربلاء فكان المرجع العام لكلّ الإمامية في أطراف
الدنيا ، وقام سوق العلم في كربلاء وصارت الرحلة إليه في طلب العلم من كلّ البلاد».
وينقل السيّد الأمين في الأعيان
هذا المقطع من أمل
الآمل ويعلّق عليه بقوله : «ونرجو أن لا يكون
في هذه الترجمة بعض المبالغة ، لا سيّما كونه أعلم من أبيه صاحب الرياض
، ولسنا نعلم من حقيقة حاله شيئاً لنبدي رأينا
__________________
فيها».
وعرف السيّد محمّد بلقب (المجاهد) لأنّ الروس
في سلطنة فتح علي شاه القاجاري تعدّوا على بعض حدود إيران فطلب المترجم من الشاه إعلان
الحرب على روسيا ، ولمّا كان الشاه يعلم عدم قدرة الدولة الإيرانية على ذلك لم يجب
إلى هذا ، فأصرّ عليه السيّد ، وكتب إليه إن لم تقم أنت بالجهاد قمت أنا به ، فلم يجد
الشاه بدّاً من إجابته ، وتوجّه السيّد مع جماعة من العلماء والطلاّب وأهل الصّلاح
إلى بلاد إيران ، فلمّا دخلها عظّمه أهلها غاية التعظيم ... حتّى إذا اقترب من طهران
استقبله الشاه وجميع أهل طهران ... ونهض للجهاد ، ورأسَ الشاه ابنه ووليَّ عهده عبّاس
ميرزا على الجيش والتقى الإيرانيّون بالروس في (تفليس) ، وكان من نتيجة ذلك انكسار
الإيرانيّين وضياع عدّة ولايات من إيران استولى عليها الروس ودفع غرامة حربية أثقلت
كاهل دولة إيران ...».
وعلّل بعضهم هذا الانكسار بالخيانة من قبل
الشاه ... ولم يرتضِه السيّد الأمين في أعيانه
، وأرجع سبب الانكسار إلى عوامله الطبيعية وهي بنظره : «تفوّق جيش العدوّ على جيش إيران
في العدّة والعدد ، ومعرفته بالفنون الحربية الجديدة وجهل عسكر إيران. وكيف يمكن أن
يكون الجيش الذي قائده عبّاس ميرزا الجاهل بفنون الحرب ، الذي قضى عمره في نعيم
__________________
السلطنة وترفها! ومديره
؛ عالم لا يعلم من شؤون الدنيا سوى البحث في مسائل الأُصول والفقه وصلاة الجماعة والزيارة
والتهجّد! والمحاربون فيه عسكر لا تعلم من الفنون الحربية شيئاً! وطلاّب وصلحاء لا
يعرفون سوى المدرسة الدينية والمسجد! كيف يمكن أن يغلب هذا الجيش جيشاً مدرّباً يفوقه
أضعافاً مضاعفة في العدّة والعدد والعلم والفنون الحربية؟! والسيّد المجاهد مأجور على
كلّ حال على نيّته».
ومهما يكن من أمر ، فبعد أن «انكسر عسكر
الإسلام ، رجع السيّد وقد اسودّت الدنيا بعينه ، حتّى أنّه لمّا وصل إلى أردبيل لم
يتكلّم سبعة أيّام ، ولمّا وصل إلى قزوين توفّي قدسسره
، وكانت وفاته سنة (١٢٤٢ هـ) ، وحُمل نعشه الشريف إلى كربلاء ، ودُفن بين الحرمين ،
وقبره مزار معروف عليه قبّة معظّمة في المدرسة المعروفة بمدرسة البقعة».
وقد خلّف السيّد المجاهد آثاراً علمية مهمّة
منها : مفاتيح
الأُصول ، ومنها :
مناهل
الأحكام ، والكتابان مطبوعان بطبعات حجرية ، وعرف
السيّد بهما فيقال صاحب المفاتيح
أو صاحب المناهل
، وهنالك مؤلّفات أخرى له ذكرها صاحب الأعيان
والشيخ الطهراني في
الطبقات.
__________________
٥ ـ المولى الشيخ محمّد شريف بن حسن علي
المازندراني الحائري المعروف بشريف العلماء (ت ١٢٤٦ هـ) :
قال عنه السيّد الأمين : «ولد في كربلاء
وتوفّي فيها سنة (١٢٤٥ هـ)» ودُفن قرب باب القبلة شيخ العلماء ومربّي الفقهاء ، مؤسّس
علم الأُصول ، جامع المعقول والمنقول ، نادرة الدهر وأُعجوبة الزمان.
قرأ أوّلاً على السيّد محمّد المجاهد ، ثمّ
قرأ على والده صاحب الرياض في الأُصول والفقه ، حتّى استغنى عن الأُستاذ ولم يعد ينتفع
بدرسه فسافر مع أبيه إلى إيران وساح فيها وبقي في كلّ بلد شهراً أو شهرين فزار الرضا عليهالسلام ورجع إلى كربلاء وحضر
درس صاحب الرياض
فرأى أنّه لا يستفيد من درسه ، وصار السيّد معمّراً. فاشتغل بالمباحثة والمطالعة واجتمع
في درسه الفضلاء حتّى زادوا على الألف ، منهم : السيّد إبراهيم صاحب الضوابط
، وملاّ إسماعيل اليزدي ... وملاّ آقاي دربندي ، وسعيد العلماء البارفروشي ، والشيخ
مرتضى الأنصاري ، والسيّد محمّد شفيع الجابلقي ... وغيرهم. وكان يدرّس درسين أحدهما
للمبتدئين والآخر للمنتهين ، وقلّما رئي مثله في تأسيس قواعد الأُصول. وقد صرف عمره
في تربية العلماء ، ولهذا كان قليل التصنيف ، ومصنّفاته على قلّتها لم تخرج إلى البياض.
وكان أُعجوبة في الحفظ والضبط ودقة النظر
وسرعة الانتقال في
المناظرات وطلاقة اللسان
، وله يد طولى في علم الجدل ...».
وقال عنه السيّد حسن الصدر ـ وهو من المعاصرين
له ، وهو الذي أعطى للشريف إجازة الاجتهاد ـ : «وفضيلة كلّ من تأخّر عنه في القواعد
الأُصولية مأخوذة عنه! وصرف عمره الشريف في تربية الطالبين ، وكان له مجلسان .. ، ويدرّس
في أيّام التعطيل بجمع آخر من الطالبين ، وفي شهر رمضان يدرّس باللّيل ، وكان مشغولاً
بالطالبين إلى نصف الليل بالمباحثة وبعده بالزيارة والعبادة ، فلذا كان قليل التصنيف
...».
ثمّ يضيف السيّد الصدر : «وقلت له رحمهالله في زمان : اشتغل بالتصنيف
والتأليف وأثبت هذه التحقيقات التي لم تصل إليها أيدي العلماء الماهرين والفضلاء المتبحّرين
والفقهاء الكاملين ، فأجابني : بأنّ تكليفي تربية الطالبين وتعليم المتعلّمين وما ألّفتموه
وصنّفتموه فهو مني». ثمّ يضيف السيّد الصدر : «وحدّثني شيخنا الفقيه الشيخ محمّد حسن
آل يس ـ وكان أحد تلامذته ـ قال : كان يدرّسنا في علم الأُصول في المدرسة المعروفة
بمدرسة حسن خان ، وكان يحضر تحت منبره ألف من المشتغلين ، وفيهم المئات من العلماء
الفاضلين ، ومن تلامذته شيخنا العلاّمة المرتضى الأنصاري ، وهو منقّح تلك التحقيقات
الأنيقة ، وكفى بذلك فخراً».
ثمّ يقول : «وكان بعض تلامذته كالفاضل الدربندي
يفضّله على جميع
__________________
العلماء المتقدّمين حتّى
العلاّمة ، بدعوى توقّف الاجتهاد على أُصول شريف العلماء ...».
أقول
: ولعلّ الابتكارات الأُصولية التي أظهرها
الشيخ الأنصاري ، ما هي إلاّ شذرات من أفكار أُستاذه الشريف ، فعمل الشيخ الأعظم الأنصاري
عليها وطوّرها وجذَّرها في أذهان تلاميذه ، ودوّنها في رسائله وفرائده الأُصولية.
توفّي شريف العلماء في الطاعون الجارف سنة
(١٢٤٥ هـ) أو (١٢٤٦ هـ) ودفن في داره بكربلاء وقبره مزار معروف في زقاق (كَدا علي)
المتفرّع من شارع الحسين عليهالسلام
وإلى جانبه مدرسة شريف العلماء.
وبوفاة شريف العلماء فقدت حوزة كربلاء أهمّ
عَلم من أعلامها ، بل إنّ الحوزة العلمية الكربلائية قد اختتمت به بحسب رأي السيّد
حسن الصدر في التكملة
حيث يقول : «ومن مراكز أهل العلم للشيعة كربلاء الحائر الحسيني على مشرّفه السّلام
زها العلم فيه .. ، واستمرّ العلم فيها إلى أيّام شريف العلماء الذي كانت إليه الرحلة».
ورأي السيّد الصدر قد يكون وجيهاً من جهة
، إلاّ أنّ مسيرة العلم لم تتوقّف في الحوزة الكربلائية بعد وفاة شريف العلماء ، وإنّما
برز فيها علماء ومراجع ، واستمرّت فيها حوزة الدرس والتدريس إلى منتصف القرن الرابع
__________________
عشر.
نعم قد تكون المرحلة اللاحقة لرحيل الشريف
المازندراني قد اتّسمت ببعض الفتور النسبي نتيجة لظروف موضوعية ، إلاّ أنّها لم تتوقّف
أو تضمحلّ.
٦ ـ الشيخ خلف بن عسكر الحائري (ت ١٢٤٦ هـ)
:
وهو من تلامذة صاحب الرياض
والملازمين له ... وكان من أجلاّء المدرّسين في حوزة كربلاء ، وتخرّج عليه كثير من
أهل العلم والفضل ... ترك آثاراً فقهية منها : شرح الشرائع
في عدّة مجلّدات ، والخلاصة
وملخّص الرياض ومقدّمات الحدائق.
٧ ـ الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت
١٢٤١ هـ) :
وهو من أشهر العلماء الذين كان لهم حضور
فاعل في حوزة كربلاء العلمية ، له ترجمة مطوّلة في كتب التراجم والسير ، كما أنّ زميلنا
السيّد هاشم الشخص (حفظه الله) قد جمع ترجمته في كتابه أعلام هجر
جاء فيها : «... إنّه ولد في الأحساء عام (١١٦٦ هـ) ، وتلقّى فيها مبادئ العلوم حتّى
أكمل المقدّمات والسطوح ، ثمّ هاجر إلى العراق عام (١١٨٦ هـ) وهو ابن عشرين سنة ، وحضر
في كربلاء بحث الآغا باقر الوحيد البهبهاني ، والسيّد علي الطباطبائي صاحب الرياض
، والسيّد ميرزا مهدي الشهرستاني. ثمّ هاجر إلى
__________________
النجف الأشرف وحضر درس
الشيخ جعفر كاشف الغطاء ، والسيّد محمّد مهدي بحر العلوم ، فأُولئك هم أساتذته ومشايخه
في الرواية بالإضافة إلى الشيخ حسين آل عصفور البحراني (ت ١٢١٦ هـ) والشيخ أحمد الدمستاني
البحراني ... وغيرهم من المشايخ.
وتتلمذ عليه عدد كبير من العلماء حتّى قيل
: «إنّ له تلامذة كثيرين بلغوا الاجتهاد أكثر من مائة عالم عامل» ، منهم السيّد عبد
الله شبّر (ت ١٢٤٢ هـ) ، والشيخ ملاّ هادي السبزواري صاحب المنظومة
(ت ١٢٨٩ هـ) ، والسيّد محسن الأعرجي (ت ١٢٢٧ هـ). والسيّد كاظم الرشتي (ت ١٢٥٩ هـ)
والميرزا حسن بن علي الشهير بـ : (كوهر) (ت ١٢٦٦ هـ) والمولى محمّد بن الحسين
المعروف بـ : (حجة الإسلام) ، وهؤلاء الثلاثة ـ الرشتي وكوهر وحجّة الإسلام ـ
كانوا من خواصّ تلامذته المقرّبين وهم الذين نشروا علومه ، وروّجوا آراءه. وهنالك تلامذة
آخرون ، كما أنّه يروي عنه ثلّة من الأعلام ...
لقد قضى الشيخ الأحسائي في كربلاء والنجف
مدّة طويلة لم تحدّد بدقّة ، غادر بعدها إلى بلده الأحساء ، ثمّ كانت له سفرات إلى
البحرين ، والعتبات في العراق ، وسكن البصرة ، ثمّ هاجر إلى إيران فسكن مدينة يزد مدّة
ثمّ طهران أخرى ، ثمّ زار الإمام الرضا عليهالسلام
وعاد وسكن إصفهان ثمّ كرمنشاه وقزوين وشاه عبد العظيم ثمّ عاد إلى كربلاء ونزلها مستوطناً
، إلاّ أنّه خرج منها نتيجة خلافات عقائدية ، وخلّف تلميذه الرشتي فيها ، وتوفّي في
طريقه إلى المدينة عام
(١٢٤١ هـ) ودفن في البقيع ...».
٨ ـ الشيخ كاظم الرشتي (ت ١٢٥٩ هـ) :
ترجم له في ريحانة الأدب
فقال : «السيّد كاظم بن قاسم الحسيني الكيلاني الرشتي الحائري ، من علماء أواسط القرن
الثالث عشر الهجري ، ومن أكابر تلامذة الشيخ أحمد الاحسائي ، وبعد وفاة أُستاذه المذكور
تولّى المرجعية في جميع الأُمور الدينية ، فكان عميداً للطريقة الشيخية وله تآليف كثيرة».
وتحدّث عن مؤلّفاته صاحب أحسن الوديعة
ضمن حديثه عن أُستاذه الأحسائي فقال : «... السيّد كاظم بن قاسم الرشتي صاحب المؤلّفات
الكثيرة التي لم يفهم أحد ما يقول فيها ، وكأنّه يتكلّم بالهندية إذ كتبه ولا سيّما
شرح
القصيدة والخطبة مشحونة بالألغاز والمعمّيات
، خالية عن صريح العبارات والدلائل الساطعات».
لقد تتلمذ السيّد الرشتي على الشيخ أحمد
الأحسائي ، وتأثّر بمبادئه وآرائه المخالفة للآراء الأُصولية ، وعرف مذهبه بـ : (الكشفي)
أو (پشت سري) ، أمّا مذهب الفرقة الأُصولية فيعرف بـ : (البالاسرية) ، وكانت بين
__________________
الفريقين خصومات حادّة
لا مجال للحديث عنها.
وعقائد الكشفية هي عقائد الشيخية موسّعة
في شرح المطالب ، انتشرت في أنحاء عديدة من العراق وإيران ، وآل الرشتي معروفون في
كربلاء ، وهم ذرّية السيّد الكاظم ، ومنهم في إيران.
ونشير إلى أنّ من الكشفية نشأت بليّة البابية
، فإنّ الميرزا علي محمّد الشيرازي ـ مؤسّس البابية ـ كان من تلامذة الرشتي.
٩ ـ الشيخ محمّد حسين الإصفهاني (ت ١٢٦١
هـ) ؛ صاحب الفصول
: ترجم له سيّد الأعيان فقال في ترجمته : «محمّد حسين عبد الرحيم الرازي الأصل الحائري
المسكن والمدفن صاحب الفصول
، توفّي في كربلاء سنة (١٢٦١ هـ).
الفقيه الأُصولي الشهير ، أخذ عن أخيه الشيخ
محمّد تقي صاحب هداية
المسترشدين ، وعن الشيخ علي بن الشيخ
جعفر ، واختار الإقامة في كربلاء ، فرحل إليه الطلاّب ، وأخذ عنه جماعة من العلماء
مثل الحاج ميرزا علي تقي ، والميرزا زين العابدين الطباطبائيّين ، وله مؤلّفات في الأُصول
منها الفصول
وهي من كتب القراءة في هذا الفنّ ، أورد فيه مطلب القوانين
،
__________________
وحلّها ، واعترض عليها
، وهو مشهور عند أهل هذا النوع ...».
وفي نقباء
البشر أرّخ وفاته بعام (١٢٥٤ هـ).
وجاء في بعض ترجمته أنّ المترجم له : «هاجر
إلى العراق ، واتّخذ كربلاء موطناً له ، فاتّسعت شهرته ونشر العلم ، وروّج الأحكام
حتّى أصبح مرجعاً عامّاً في التدريس ، وكان يقيم الجماعة في الروضة الحسينية المشرّفة
، وكانت في كربلاء يومذاك فرقة (الكشفية) ، وقد أخذ المترجم يضعّف نفوذهم ويحاربهم
حتّى كسر شوكتهم».
وللمترجم شقيق أكبر هو العلاّمة الحجّة الشيخ
محمّد تقي الإصفهاني صاحب الحاشية
على المعالم المعروفة بـ : (هداية المسترشدين)
وهو من تلامذة الشيخ الوحيد وصاحب الرياض
في كربلاء ، ثمّ انتقل إلى النجف وتتلمذ على السيّد مهدي بحر العلوم ، والشيخ جعفر
كاشف الغطاء ... وكلا الشقيقين عالمين علمين مؤسّسين.
١٠ ـ السيّد إبراهيم القزويني (ت ١٢٦٢ هـ)
؛ صاحب الضوابط
:
قال الطهراني في ترجمته : «هو السيّد إبراهيم
بن السيّد محمّد باقر الموسوي القزويني الحائري ، المدرّس الوحيد في عصره ، ومن أعاظم
__________________
العلماء المحقّقين ،
كان اشتغاله في كربلاء ، أدرك عصر مؤلّف الرياض ، وحضر بها في الأُصول على شريف الدين
محمّد بن الحسن ... الشهير شريف العلماء ، وفي الفقه على الشيخ موسى كاشف الغطاء
... وعلى السيّد المجاهد ، حتّى بلغ رتبة سامية ومكاناً عالياً ، وصارت له الإحاطة
التامّة ، وعرف بالتحقيق واشتهر في الأوساط وذاع صيته ، حتّى انتهى إليه أمر التدريس
فكان من كبار المدرّسين وأفاضل العلماء المحقّقين ، وقد تخرّج عليه جماعة من أقطاب
العلماء ورجال الدين وأفاضل المجتهدين لا يستطاع إحصاؤهم ... منهم : الشيخ عبد الحسين
شيخ العراقين الطهراني ، والسيّد حسين الكوهكمري ، والشيخ زين العابدين
المازندراني ، والسيّد صالح المعروف بـ : (عرب) والشيخ المولى علي الكني ، والشيخ محمّد
حسين الساروي ، والشيخ عبد الكريم اللاهيجي ، والشيخ علي محمّد الترك ... وغيرهم ،
فقد تخرّج من معهده أمثال هؤلاء الأعلام الذين أصبح كلّ واحد منهم علماً من أعلام الدين
ومرجعاً لثلّة من المؤمنين ... وله تصانيف هامّة وأسفار جليلة تموج بمياه التحقيق والتدقيق
وهي دليل علمه الجمّ وفضله ... أهمّها الضوابط
في الأُصول ، وهو من أهمّ مصادر هذا الفنّ وأوعى لدقائقه وتحقيقاته ... وله دلائل الأحكام في شرح
شرائع الإسلام وغيرها.
١١ ـ الشيخ محمّد حسين القزويني (ت ١٢٨١
هـ) :
__________________
قال عنه السيّد الأمين : «كان مشهوراً بالاجتهاد
والفضل والسّداد ، وله يد طولى في الوعظ ، وكان تلميذ صاحب الجواهر
والسيّد إبراهيم القزويني ، والشيخ مرتضى الأنصاري ، له : نتائج البدائع في شرح
الشرائع ، وبدائع الأُصول في حجّية الظنّ والاستصحاب والاجتهاد والتقليد».
وذكره الشيخ الطهراني في الكرام البررة بقوله
: «... من أعاظم الفقهاء وأجلاّء العلماء ، كان في كربلاء المشرّفة من تلاميذ شريف
العلماء المازندراني ، وكان في النجف من أكابر تلاميذ صاحب الجواهر ،
بل من معاصريه ومعاصري صاحب
الفصول. جاور كربلاء فكان رئيساً مقدّماً ومدرّساً
كبيراً وخطيباً جليلاً ومفتياً يرجع إليه في أحكام الشرع ، وكان له تبحّر غريب في الفقه
والأُصول ، تنطق به آثاره وتشهد] بها [مآثره. توفّي في] ٤ / محرّم / ١٢٨١ هـ [وهي السنة
التي توفّي بها الشيخ مرتضى الأنصاري ..».
١٢ ـ الشيخ عبد الحسين الطهراني (ت ١٢٨٦
هـ) :
للشيخ الطهراني ترجمة واسعة في كتب التراجم
نأخذ بعض الشذرات منها : قال عنه الطهراني في الطبقات
: «هو الشيخ عبد الحسين بن علي الشهير بشيخ العراقين الطهراني ، مجتهد كبير من أعاظم
علماء عصره ؛ ذكره شيخنا الحجّة الميرزا حسين النوري فقال : (شيخي وأُستاذي ومن إليه
في العلوم
__________________
الشرعية استنادي ، أفقه
الفقهاء وأفضل العلماء ، كان نادرة الدهر وأُعجوبة الزمان في الدقّة والتحقيق وجودة
الفهم وسرعة الانتقال وحسن الضبط والاتقان ، وكثرة الحفظ في الفقه والحديث والرجال
...).
حضر المترجم له في النجف على الشيخ محمّد
حسن صاحب
الجواهر حتّى أجازه في الاجتهاد ، وعاد إلى طهران
، فأصبح زعيماً دينيّاً كبيراً في طهران ، له مرجعية عظيمة ونفوذ كبير ، وهو من عباد
الله الصلحاء الأبرار الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم ، يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر مهما كلّفه الأمر ، ولا يخشى السلطان ، بل كان السلطان يخشى صولته ، وقد عارض
ناصر الدين شاه القاجاري في كثير من القضايا التي كان يرى أنّها لا توافق أحكام
الشرع الشريف حتّى ضجر منه وضاق به المخرج ورغب في نفيه للعراق لكنّه خشي صولته ومكانته
في النفوس ... فرغّب إليه المجيء إلى العراق وتذهيب قبّة الإمامين العسكريّين عليهماالسلام في سامرّاء ... فهبط
العراق بأهله وعياله سنة (١٢٧٠ هـ) ... وقام بذلك على أكمل وجه.
كانت له آثار خالدة في غرّة الدهر منها :
مدرسته الكبيرة المعروفة باسمه ، وبجنبها المسجد الكبير العالي بطهران المعروف بمسجد
شيخ العراقين إلى اليوم. ومنها : تعميرات في كربلاء بالروضة الحسينية .. ، وكانت له
مكتبة عظيمة فيها كثير من نفائس المخطوطات ونوادر الكتب والأسفار
__________________
المهمّة القيّمة ... وقد
ذكرها جرجي زيدان في تاريخ
آداب اللغة العربية
والفينكت فيليب دي طرازي في خزائن
الكتب العربية في الخافقين
وغيرهما من المؤرّخين.
وأمّا آثاره العلمية ، فإنّ له رسالة عملية
، وترجمة لـ : نجاة
العباد ، وله طبقات الرواة
في الرجال ، وحواشي وتعليقات ورسائل كثيرة غير ذلك. وله الرواية عن صاحب الجواهر وغيره.
توفّي في الكاظمية في (٢٢ / رمضان / ١٢٨٦
هـ) ونقل إلى كربلاء ، ودفن في بعض حجرات الصحن الشريف قرب (مدرسة الصدر) التي بناها
هناك من ثلث الصدر الأعظم».
١٣ ـ الشيخ محمّد صالح آل كدا علي النوري
الحائري (ت ١٢٨٨ هـ) :
وكان المترجم له من أجلاّء تلاميذ السيّد
إبراهيم القزويني صاحب الضوابط
وغيره من علماء كربلاء الأعلام في عصره ، وقد كتب بخطّه في حياة أُستاذه كتابه المذكور
وفرغ منه في محرّم سنة (١٢٥٢ هـ) ... ونبغ في العلم والفضل وتقدّم في الفقه والأُصول
واشتهر بين مختلف طبقات أهل كربلاء ، وعرف بالبراعة والكمال والصلاح والتقوى ، وأصبح
من العلماء الأعلام والمراجع الأفاضل.
وغلب عليه الورع والنسك والزهد ... وصار
محلّ ثقة الخاصّة والعامّة ،
__________________
وكان يقيم الجماعة في
الصحن الشريف ، فتصلّي وراءه الأُلوف المؤلّفة ... توفّي في شهر ذي الحجّة (١٢٨٨ هـ)
، ودُفن في الصحن الحسيني.
١٤ ـ الشيخ الميرزا علي نقي بن السيّد حسن
بن السيّد محمّد (المجاهد) الطباطبائي (ت ١٢٨٩ هـ) : ذكره السيّد الأمين في الأعيان
وقال عنه : «كان عالماً فاضلاً محقّقاً مدقّقاً ، قرأ على الشيخ حسن بن الأنصاري».
وقبل ذلك «تلقّى العلم على لفيف من الفقهاء البارزين (في كربلاء) كالعلاّمة السيّد
ميرزا مهدي الطباطبائي نجل العلاّمة السيّد محمّد المجاهد ، والشيخ محمّد حسين صاحب الفصول
... وأُنيطت به المهامّ والمناصب الشرعية والفتاوى العلمية .. ، وانتهت إليه الرئاسة
الدينية ، وكان يقيم صلاة الجماعة في المسجد المعروف باسمه بين الحرمين ، فذاعت شهرته
، وعلا صيته وعظم شأنه. تتلمذ عليه لفيف من أهل الفضل ؛ منهم : الشيخ محمّد تقي الشيرازي
زعيم الثورة العراقية ، والسيّد محمّد الفشاركي ، والشيخ الملاّ فضل الله المازندراني
وغيرهم».
وأمّا آثاره العلمية ، فقد ذكر له الشيخ
الطهراني : «... في الفقه الدرّة الحائرية المطبوع
منه البيع والخيارات ، مع منظومة
الحجّ ، وكتب في الأُصول
__________________
أكثر مسائلها».
وذكر له سيّد الأعيان كتاب القضاء
، وله رسائل وغيرها من الكتب أوصلها إلى (١٦) عنواناً.
توفّي في كربلاء في (٦ / صفر / ١٢٨٩ هـ)
ودُفن في المقبرة التي بناها لنفسه مقابل مقبرة جدّه السيّد محمّد المجاهد.
١٥ ـ المولى محمّد صالح البرغاني القزويني
(ت ١٢٨٣ هـ) :
له ترجمة في الكرام البررة
جاء فيها : هو الشيخ المولى ... من مشاهير العلماء ، من أُسرة البرغانيّين الكبيرة
التي ظهر فيها غير واحد من أعاظم الفقهاء وأساطين الدين ، كان من رجال العلم الأكابر
وحجج الإسلام الأفاضل ، وفقهاء الأُمّة الأعلام ، وهو شقيق الحجّة العلم المولى محمّد
تقي البرغاني الشهيد على يد البابية سنة (١٢٦٤ هـ).
أدرك السيّد علي الطباطبائي في كربلاء ،
وتلمّذ على ولده السيّد محمّد المجاهد ، وأُجيز منه ومن السيّد عبد الله شبّر وغيرهما.
له آثار علمية ومآثر خيرية باقية ؛ ومن آثاره
الباقية المدرسة الدينية والمسجد اللّذان بناهما في قزوين ، واللّذان لا يزالان يعرفان
باسمه هناك ... ومن آثاره العلمية : كتاب غنيمة المعاد في شرح الإرشاد
كبير في عدّة مجلدات ، وبحر
العرفان ومفتاح الجنان ومصباح الجنان وهي
ثلاثة تفاسير
__________________
للقرآن الكريم ، كبير
ومتوسّط وصغير وألّف في مقتل الإمام الحسين عليهالسلام
عدّة كتب بالعربية والفارسية ...
توفّي رحمهالله
في الحائر الشريف فجأة سنة (١٢٨٣ هـ) ... ودُفن في رواق الحسين عليهالسلام في طرف الرأس الشريف.
وبالمولى الصالح محمّد صالح البرغاني رحمهالله تختتم السلسلة الطيّبة
لأبرز العلماء والفضلاء لحوزة كربلاء في القرن الثالث عشر الهجري ؛ وهذا لا يعني
عدم وجود علماء وفقهاء آخرين غير الذين ذكرناهم ، فإنّ ما بأيدينا من كتب التراجم والسير
لم تسعفنا بغير هؤلاء ، ويبقى لأُولئك المنسيّين فضلهم عند من لا ينسى الفضلُ عنده.
أبرز علماء كربلاء في
القرن الرابع الهجري :
وأمّا علماء وفضلاء وفقهاء كربلاء في القرن
الرابع عشر الهجري فنذكر منهم :
١ ـ المولى الشيخ حسين الأردكاني (ت ١٣٠٢
هـ) :
توقّف عند ترجمته طويلاً الشيخ الطهراني
فقال عنه : «هو الشيخ حسين بن محمّد إسماعيل بن أبي طالب الأردكاني الحائري ؛ الشهير
بالفاضل الأردكاني ، أحد كبار علماء الشيعة في أوائل هذه المائة.
__________________
ولد في سنة (١٢٣٥ هـ) في أردكان من توابع
يزد ، فنشأ فيها ، فعنى بتربيته عمّه الحجّة محمّد تقي الأردكاني ، فلقّنه المبادئ
، وأقرأه المقدّمات والسطوح ... ثمّ هاجر إلى كربلاء المشرّفة فأدرك شريف العلماء
... فحضر بحثه وكتب من تقريرات دروسه مبحث بيع الفضولي من كتاب التجارة .. ، وحضر
أيضاً على السيّد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط
وغيرهما.
حتّى بلغ في الفقه والأُصول مبلغاً عظيماً
، واشتهر بين العلماء والطلاّب بالتحقيق والتدقيق والتبحّر والخبرة ؛ فاتّجهت الأنظار
إليه ، وكثر الإقبال عليه.
وكان له بحث في كربلاء يحضره الأجلاّء والفضلاء
والخيرة المنتخبة من طلاّب العلم ، ... وقد تخرّج من معهد درسه جمع من الفطاحل الكبار
والمجتهدين الأعاظم ، كالسيّد الميرزا محمّد حسين الشهرستاني ، والميرزا محمّد تقي
الشيرازي ، والسيّد محمّد الإصفهاني ، والسيّد حسن الكشميري ، والميرزا مهدي الشيرازي
، والشيخ علي البفروئي ، والميرزا محمّد الهمداني وغيرهم.
فقد قام سوق العلم بكربلاء في عصره ، وزهت
البلدة بوجوده ، وأعاد إليها نظارة عصر الوحيد البهبهاني في كثرة العلماء وزيادة المشتغلين
، اشتهر اسمه في الأوساط ، وأخذ بالرقيّ يوماً فيوماً حتّى رُجع إليه في التقليد
وأصبحت له زعامة دينية عامّة ، ونفوذ ممتدّ ، وسمعة طائلة وجاه عريض.
وكان من أُولئك الأوتاد العبّاد والزهّاد
النسّاك الذين يضرب بتقواهم المثل ، فقد كان كثير الإعراض عن الدنيا ، قليل الاعتناء
بالرياسة ، منصرفاً إلى
أداء واجبه الديني من
تدريس وإمامة وإرشاد ونشر أحكام.
وكان مثال الروحاني الربّاني في نزاهته وأخلاقه
، فقد كان ـ مع تلك الصولة ـ كثير التواضع حسن الأخلاق هشّاً بشّاً لا يعرف الرياء
ولا الكبرياء ، قضى على ذلك حياة شريفة صرفها فيما يرضي الله والرسول ، إلى أن توفّي
في (١٣٠٢ هـ) ...
ودفن في مقبرة أُستاذه صاحب الضوابط.
خلّف عدّة آثار منها : التقريرات الأُصولية وكتاب
الطهارة وكتاب الصلاة وكتاب المتاجر
... وقد صدرت عنه عدّة إجازات ...».
وذكره السيّد حسن الصدر ـ المعاصر له ـ في التكملة بنفس
العبارات التي ذكرها به الطهراني ، وكأنّ الطهراني قد اقتبسها منه ـ وممّا قاله : «كان
عالماً محقّقاً ... كان سوق العلم قائماً به في أيّامه بالحائر ، وتربّى على يده جماعة
من العلماء ، وكان قليل الاعتناء بالدنيا والرئاسة ، ما رأيت أقلّ اعتناءً منه في علماء
العصر مع إقبال الرئاسة عليه بكلّها ، زاهداً ناسكاً روحانيّاً ربانيّاً ... وأمّا
مكارم أخلاقه وسيرته فكان ترابيّ الأخلاق ، كريم الطبع ، هشّاً بشّاً ، كثير الملاطفة
، وكلماته حكم وأمثال ، مهتدياً صفيّاً ، لا يحابي أحداً في الدين ، يقول الحقّ ، ولا
يخشى لومة لائم».
٢ ـ السيّد صالح الداماد (ت ١٣٠٣ هـ) :
__________________
قال الشيخ الطهراني في ترجمته : «هو السيّد
محمّد صالح ابن السيّد حسن ابن السيّد يوسف الموسوي الحائري المعروف بـ : (الداماد).
من أعاظم علماء عصره وأكابر رجال الدين في أوائل هذا القرن.
وسبب شهرته بالداماد أنّ والده ـ والذي كان
من علماء وقته الأفاضل ـ قد صاهر العلاّمة السيّد علي الطباطبائي صاحب الرياض
على كريمته فاشتهر في كربلاء بـ : (الداماد) ومعناه بالعربية الصهر ، وقد لازم اللقب
ولده هذا أيضاً فكان يعرف به.
ولد السيّد صالح في كربلاء ونشأ بها فقرأ
الأوّليّات على خاله السيّد مهدي بن صاحب الرياض
، والسيّد إبراهيم القزويني صاحب الضوابط
، وغيرهما من أعلام العلم بوقته ، حتّى اشتهر بالفضل وتقدّم في العلم .. ، فاشتغل بالتدريس
وتخرّج من تحت منبره جمّ غفير من أفاضل أهل العلم وأجلاّئهم ، وصارت له رياسة وزعامة
دينية في كربلاء ، وأصبح من المراجع الأجلاّء فيها ... وبسبب بعض إصلاحاته الدينية
حدثت واقعة كربلاء المعروفة في ذي الحجّة عام (١٢٥٨ هـ) ، والمؤرّخة بلفظ (غدير دم)
على عهد السلطان عبد الحميد ، وعلى يد نجيب باشا والي بغداد ، وهي مجزرة رهيبة ذهبت
ضحيّتها الأُلوف المؤلّفة من الرجال والنساء والأطفال وكثير من العلماء والصلحاء ،
وذكرت تفاصيلها في التواريخ المدوّنة لهذه الحقبة
الزمنية».
وفي هذه الحادثة أخذ المترجم له أسيراً إلى
القسطنطينية ... ثمّ أرسل إلى طهران ، فاحتفل به ناصر الدين شاه ... فصار من رجال الدين
ومشاهير الأعلام ، وكبار المراجع للعامّة والخاصّة ، وعرف بلسان العامّة بمير (صالح
عرب) ، وبقي قائماً بأداء وظائفه إلى أن توفّي في ليلة الجمعة ثاني ربيع الثاني (١٣٠٣
هـ) ، عن أربع وثمانين سنة ، وحملت جنازته إلى كربلاء ، ودفن بالرواق الشريف.
ومن آثاره العلمية : كتاب زهر الرياض
وهي حاشية على كتاب رياض
المسائل وحاشية على الروضة البهية
للشهيد ، وله مهذّب
القوانين حاشية على قوانين الأُصول
للميرزا القمّي ، والتجزّي
في الاجتهاد.
٣ ـ الشيخ زين العابدين الحائري (ت ١٣٠٩
هـ) :
وهو المجتهد الكبير الشيخ زين العابدين بن
مسلم الشهير بالبارفروشي المازندراني الحائري ، من أعاظم العلماء وأكابر الفقهاء ،
كان في كربلاء من تلامذة المولى محمّد سعيد المازندراني الشهير بسعيد العلماء (ت ١٢٧٠
__________________
هـ) والسيّد إبراهيم القزويني
صاحب الضوابط
والشيخ محمّد حسين الإصفهاني صاحب الفصول ،
وحضر في النجف على الشيخ مرتضى الأنصاري ويروي عنه إجازة ، والشيخ محمّد حسن صاحب الجواهر
، وغيرهم.
تضلّع في الفقه والأُصول ، وحضر عليه جماعة
، واشتهر أمره ، وذاع صيته ، ورجع إليه الناس في التقليد ولا سيّما في البلاد الهندية
، وطبعت رسالته العملية مكرّراً ، وقام بأعباء الهداية والإرشاد. توفّي في سادس عشر
ذي القعدة سنة (١٣٠٩ هـ) ودُفن في مقبرته في صحن الإمام الحسين عليهالسلام.
له من الآثار العلمية : ذخيرة المعاد
في الفقه ، ومناسك
الحج وشرح الشرائع وحواشي علمية على المسالك
وعلى الجواهر
وغيرها.
٤ ـ السيّد محمّد حسين المرعشي الشهرستاني
:
هو السيّد الميرزا ضياء الدين محمّد حسين
الشهرستاني المرعشي الحائري ... (ت ١٣١٥ هـ).
ينتهي نسبه الشريف إلى الإمام عليّ بن الحسين
السجّاد عليهالسلام
، وهو من أعاظم العلماء وأكابر رجال الدين في كربلاء في عصره.
ولد المترجم له في كرمنشاه في (١٥ / شوال
/ ١٢٥٥ هـ) ونشأ هناك فتعلّم المبادئ ، وأخذ بعض مقدّمات العلوم ، ثمّ جاء إلى كربلاء
فقرأ بها السطوح ، ثمّ لازم حوزة والده وحوزة الفقيه حسين الأردكاني ، حتّى بلغ في
__________________
الفقه والأُصول درجة قصوى
، وحاز قسطاً وافراً من أنواع العلوم.
توفّي رحمهالله
ليلة الخميس (٣ / شوال / ١٣١٥ هـ) ودُفن في أيوان بالرواق القبلي خلف شبّاك الشهداء.
آثاره العلمية : لقد خلّف آثاراً جليلة تنيف
على الثمانين كتاباً ورسالة فارسية وعربية ؛ ويذكر الشيخ الطهراني فهرست لكتبه المطبوعة
والمخطوطة التي رأى أغلبها.
٥ ـ السيّد الميرزا علي الشهرستاني (ت ١٣٤٤
هـ) :
هو السيّد الميرزا علي ابن السيّد الميرزا
محمّد حسين بن محمّد علي الحسيني الشهرستاني الحائري ، عالم بارع وورع جليل ...
نشأ على أبيه فتلقّى العلم على أجلاّء عصره
وأفاضل المدرّسين ، حتّى بلغ مكانة عالية ونال حظّاً وافراً من الفضل ، وأشارت إليه
الأكفّ بالإعجاب والاحترام.
ولمّا توفّي والده في سنة (١٣١٥ هـ) أهّلته
مكانته للقيام مقامه في الإمامة ومرجعية الأُمور الشرعية في كربلاء ، وكان له بين الناس
منزلة مرموقة إلى أن توفّي في (١١ / رجب / ١٣٤٤ هـ).
ترك مؤلّفات كثيرة قيّمة منها : الدرّة الوجيزة في شرح
الوجيزة للشيخ البهائي في علم دراية الحديث طبع
مع بعض رسائله ...».
__________________
٦ ـ السيّد هاشم القزويني (ت ١٣٢٧ هـ) :
هو السيّد هاشم ابن السيّد محمّد علي الموسوي
القزويني الحائري ، علاّمة ، فقيه ، ورع ، تقيٌّ. هو ابن عمِّ صاحب الضوابط
، ولد سنة (١٢٤٤ هـ) ، وكان والده من أجلاّء العلماء الرؤساء ، توفّي والده وله ستّة
أشهر ، فربّته والدته ... درس عند صاحب الضوابط
وعند محمّد حسين اليزدي الحائري ... وهاجر إلى النجف وتتلمذ على العلاّمة الأنصاري
، ثمّ آية الله الشيرازي ، ثمّ رجع إلى الحائر وتتلمذ على الشيخ زين العابدين المازندراني
الحائري.
توفّي رحمهالله
في ذي القعدة سنة (١٣٢٧ هـ) عن ثلاث وثمانين سنة ، ودفن بمقبرة عمّه السيّد إبراهيم
صاحب الضوابط.
وأمّا آثاره العلمية ؛ فله تصانيف وتقريرات
، منها : مباحث
الألفاظ في الأُصول من تقرير العلاّمة الأنصاري
، وله : أصل البراءة
، والأدلّة العقلية ، وفي الفقه : الخلل ، وصلاة المسافر
، والجماعة ، والإرث ، وله في الكلام : الردّ على ابن الآلوسي
...
٧ ـ السيّد الميرزا جعفر الطباطبائي :
هو السيّد ميرزا جعفر ابن الميرزا علي نقي
ابن السيّد حسن ابن السيّد محمّد (المجاهد ابن السيّد علي صاحب الرياض
الطباطبائي الحائري. ولد في
__________________
كربلاء (١٢٥٥ هـ) ونشأ
بها ، وأخذ المقدّمات عن أعلام الفضل ورجال العلم ، ورحل إلى النجف فتتلمذ على خاله
السيّد علي مؤلّف البرهان
وغيره. وله رواية عن جماعة كتبوا له الإجازات بخطوطهم على ظهر مجموعة من رسائله
الفقهية كالسيّد حسين بحر العلوم والسيّد علي بحر العلوم والسيّد مهدي القزويني
... وغيرهم.
انتهت إليه الرئاسة في كربلاء بعد والده
وصار من أعاظم العلماء ومراجع الأُمور ، توفّي فجأة في ظهيرة الأربعاء (٢٢ / صفر /
١٣٢١ هـ). وله تصانيف كثيرة في الفقه والأُصول وغيرهما.
٨ ـ الشيخ محمّد تقي الشيرازي (ت ١٣٣٨ هـ)
:
وقد تحدّثنا عنه سابقاً ضمن الحديث عن حوزة
(سامرّاء) ونقلنا هناك بعض الجوانب المشرقة من سيرته العلمية والجهادية فهو رحمهالله «زعيم الثورة
العراقية ، وموري شرارتها الأُولى ، ومن أكابر العلماء وأعاظم المجتهدين ، ومن
أشهر مشاهير عصره في العلم والتقوى والغيرة الدينية».
٩ ـ السيّد إسماعيل الصدر (ت ١٣٣٨ هـ) :
ذكره صاحب الطبقات
في نقباء
البشر فقال في ترجمته : «هو السيّد
__________________
إسماعيل ابن السيّد صدر
الدين العاملي الإصفهاني ، من أعاظم العلماء ، وأكابر المراجع.
ولد في أصفهان (١٢٥٨ هـ) ونشأ بها ، وتلمّذ
في الفقه على العلاّمة الشيخ محمّد باقر الإصفهاني ، وتشرّف إلى النجف (١٢٧١ هـ)
... فلازم بحث العلاّمة الفقيه الشيخ راضي بن محمّد آل خضر النجفي ، وبحث الفقيه الشيخ
مهدي بن علي بن الشيخ الأكبر كاشف الغطاء ، ثمّ اختصّ بالمجدّد الشيرازي مدّة حياته
، وهاجر بعد هجرته إلى سامرّاء بقليل ، فكان في سامرّاء إلى (١٣١٤ هـ) ، ثمّ هاجر إلى
الحائر الشريف ، مروّجاً للدين ، وحافظاً للعلماء ، ومساعداً للمشتغلين ، وعوناً للضعفاء
والمساكين ... فكان من مراجع التقليد في أغلب الأطراف إلى أن توفّي في الكاظمية في
(١٢ / ج ١ / ١٣٣٨ هـ) ، ودفن بها في مقبرته المشهورة في الرواق ... وأبناؤه الأربعة
كلّهم علماء أجلاّء وهم : السيّد محمّد مهدي ، والسيّد محمّد جواد ، والسيّد صدر الدين
، والسيّد حيدر (والد السيّد محمّد باقر الصدر) ، وأُمّ الجميع أُخت سيّدنا الحسن الصدر
...».
وللسيّد حسن الصدر في التكملة
ترجمة واسعة ، ووصف دقيق لعلميِّة وخصال السيّد إسماعيل الصدر ، الذي يعبّر عنه بأنّه
«ابن عمّ والد مؤلّف هذا الكتاب ... أحد مراجع الإمامية في الأحكام الدينية ، عالم
فاضل ، فقيه
__________________
أُصولي ، محقّق فكور نابغ».
ثمّ يذكر عقبه فيقول : «وله من الأولاد الذكور
أربعة ، كلّهم أفاضل علماء ، وأهل نظر وتحقيق» ثمّ يصفهم واحداً بعد الآخر.
والذي يبدو من ترجمة السيّد حسن الصدر لابن
عمّ والده السيّد إسماعيل أنّه كان حيّاً وكذلك أولاده الأربعة حين كتابة ترجمته له
ولهم ، حيث يقول : «وفي سنة (١٣١٤ هـ) هاجر وهاجر معه الأكابر من العلماء إلى كربلاء
، واستوطنها إلى اليوم أدام الله سبحانه ظلّه على رؤوس الشيعة».
وللسيّد الأمين في أعيانه ترجمة
للسيّد إسماعيل الصدر أوسع من ترجمة الشيخ الطهراني ، ويبدو أنّ الطهراني قد اقتبس
منها ولخّصها ، إلاّ أنّ الشيخ الطهراني لم يذكر أحداً من تلاميذه ، والراوين عنه ،
وذكرهم السيّد الأمين فقال : «أخذ عنه الميرزا محمّد حسين النائيني النجفي المشهور
، والشيخ حسين المرندي الحائري ، والشيخ موسى الكرمنشاهي الحائري وغيرهم.
ويروي بالإجازة عنه جماعة ، فمنهم : الميرزا
أبو طالب الموسوي الشيرازي صاحب كتاب أسرار العقائد
، والسيّد محمود الحسيني المرعشي التبريزي ، والشيخ محمّد باقر البيرجندي ، والشيخ
أحمد الشاهرودي ، والشيخ محمّد حسين ابن محمّد خليل الإمامي الشيرازي».
__________________
كذلك للسيّد الأمين ترجمة واسعة لوالد السيّد
إسماعيل وهو : «صدر الدين محمّد ابن السيّد صالح ابن السيّد إبراهيم شرف الدين ابن
زين العابدين بن علي نور الدين ـ أخي صاحب المدارك
ـ ابن نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الإصفهاني» ، الذي ولد
في قرية من قرى جبل عامل سنة (١١٩٣ هـ) ، وتوفّي في النجف الأشرف سنة (١٢٦٣ هـ) ، وقيل
(١٢٦٤ هـ) ، ودُفن في بعض حجر الصحن الشريف.
وللميرزا الخوانساري صاحب روضات الجنّات
والمعاصر للسيّد صدر الدين ترجمة واسعة له في روضاته
دوّن فيها للسيّد صدر الدين رحلة علمية شيّقة طويلة ابتدأها بأبيه من جبل عامل إلى
بغداد والكاظمية سنة (١١٩٧ هـ) وكان عمره أربع سنين.
حيث اشتغل خلال هذه الفترة بطلب العلم فقرأ
في النجف والكاظمية على الشيخ جعفر الكبير ـ وتزوّج ابنة الشيخ جعفر ـ وقرأ على صاحب
مفتاح
الكرامة ، والشيخ سليمان المعتوق العاملي ، والسيّد
محسن الأعرجي صاحب المحصول
والوافي ، وغير أُولئك من العلماء ...
وأمّا مشايخه الذين يروي عنهم بطريق الإجازة
فهم كثيرون جدّاً ينيف عدّتهم على عشرة من الفقهاء والمجتهدين ، وأعلاهم سنداً والده
المعظّم ، عن والده السيّد محمّد بن زين العابدين عن شيخه وأُستاذه محمّد بن الحسن
__________________
الحرّ العاملي صاحب الوسائل
؛ فإنّه رحمه الله يروي كتاب
الوسائل بتمامه عن هذا الطريق ، وعن شيخه سليمان
بن معتوق عن جدّه السيّد محمّد ...
وقال ـ الخوانساري ـ أيضاً : «ومن جملة ما
حكى لنا قدسسره
إنّه كان يتردّد في زمن حداثته وقبل أوان حلمه على مجلس السيّد بحر العلوم ويستفيد
من بركات أنفاسه ، وكان السيّد مشغولاً آنذاك بنظم درّته المشهورة
، فكان يعرض عليه ما كان ينشده في كلِّ يوم».
ثمّ أضاف صاحب الروضات
: «كان مدّعياً لمرتبة الاجتهاد قبل أوان بلوغه ، وكان معظّماً عند علماء تلك الصفحة
وأُمرائها الخاصّة والعامّة من لدن وفاة أبيه المبرور ، بل قبل ذلك ، وله مع أُولئك
نوادر وحكايات ووقائع تدلّ على عظم موقعه منهم ، شافهني المرحوم بحكاية جملة وافرة
منها لا يسعها المقام».
ويعلّق السيّد الأمين في أعيانه
على هذا المقطع من قول الخوانساري فيقول : «وليته وسع المقام لبعضها ؛ فهي أنفع للقارئ
وأجدر بالذكر من كثير ممّا أورده من الألقاب الضخمة والأسجاع الباردة».
وأوسع من كتب في ترجمة السيّد صدر الدين
بن صالح الصدر هو السيّد حسن الصدر في كتابه الممتع تكملة أمل الآمل
، ومنه أخذ السيّد عبد الحسين شرف الدين في موسوعة بغية الراغبين في سلسلة آل شرف الدين
__________________
المطبوع مع ملحقاته في
مجلّدين ضمن موسوعة السيّد شرف الدين
وممّا جاء في بغية
الراغبين ضمن ترجمة السيّد صدر الدين قوله : «سيّد
هذه الأُسرة ـ آل الصدر ـ وإمامها الأوحد السيّد شريف محمّد المعروف بـ : (السيّد صدر
الدين ابن السيّد صالح) وأُمّه الفاضلة بنت الشيخ علي ابن الشيخ محي الدين ابن الشيخ
علي ابن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني أعلى الله منازلهم.
وإليه يضاف السادة القادة الأشراف آل صدر
الدين ، وجلّهم الآن في العراق وإصفهان».
ولا نستطيع أن نسترسل كثيراً في ترجمة سيرة
السادة الأجلاّء من آل الصدر (رضوان الله عليهم) ـ وهي بلا شكّ سيرة عطرة محبّبة ملؤها
العطاء العلمي والجهادي ـ إذ أنّ منهج الاختصار يوجب علينا التوقّف عند هذا
المختصر من ترجمتهم ، ولمن رام التوسّع يمكنه مراجعة المراجع والمصادر التي أشرنا إليها.
١٠ ـ السيّد هادي الخراساني الحائري (ت ١٣٦٨
هـ) :
قال عنه السيّد الأمين في الأعيان
: ولد في كربلاء سنة (١٢٩٧ هـ) ، ثمّ انتقل مع والده إلى مشهد الرضا عليهالسلام حيث أتمّ دراسته الأُولى
فيها ، وقد ختم
__________________
القرآن ولم يبلغ العاشرة
من عمره ، ثمّ عاد إلى كربلاء ، ومنها ذهب إلى النجف حيث تردّد على الحلقات الدراسية
العليا مستفيداً ، فدرس عند الشيخ كاظم الخراساني ، والسيّد كاظم اليزدي ، والشيخ محمّد
تقي الشيرازي الذي تخرّج عليه ، وبعد أن أتمّ دراسته في النجف عاد إلى كربلاء ، فاستقلّ
بالتدريس.
وكان متّصفاً بالزهد والتقوى والتهجّد ،
كما أنّ داره كانت محفلاً لأهل العلم وطلاّب الحقيقة ، وقد أصبح في السنوات الأخيرة
من عمره مرجعاً من مراجع التقليد في كربلاء ، وكانت الثقة بفتاويه والاعتماد عليها
كثير ، لأنّه كان لا يحرّرها إلاّ بعد تروٍّ وتحقّق دقيقين.
توفّي في كربلاء في (١٢ / ربيع الأوّل /
١٣٦٨ هـ) ودُفن في إحدى حجرات صحن الإمام الحسين عليهالسلام.
وأمّا آثاره العلمية ؛ فقد شرع منذ صباه
في تصنيف الكتب وتأليفها في مختلف الفنون والعلوم ، وقد جمع بين المنقول والمعقول والأدب
والعلم والحكمة والكلام ، كما كانت له اليد الطولى في الرياضيّات والطبيعيّات ... وقد
جمع المترجم في داره بكربلاء مكتبة ثمينة من حيث النسخ النادرة من الكتب الخطّية
... وذكر له مؤلّفات ...
بلغت أكثر من ثمانية عشر مؤلّفاً.
١١ ـ السيّد عبد الحسين الحجّة الطباطبائي
(ت ١٣٦٣ هـ) :
__________________
ترجم له صديقه ورفيق درسه الشيخ الطهراني
في الكرام البررة فقال في ترجمته : «هو السيّد عبد الحسين ابن السيّد علي ابن السيّد
أبي القاسم ـ الملقّب بالحجّة ـ بن حسن ابن السيّد محمّد المجاهد ابن السيّد علي ـ
صاحب
الرياض ـ الطباطبائي الحائري ، فقيه فاضل وعالم
جليل ومرجع معروف.
و «آل الطباطبائي من بيوت العلم المعروفة
في كربلاء ، وأُسر الزعامة والمجد ، والشرف والفضل ، توارثوا الفقاهة والرياسة أباً
عن جدّ ، وظهر فيهم علماء متبحّرون وفقهاء بارعون ... خدموا الدين بالتدريس والتأليف
وغيرهما». ثمّ يضيف الطهراني : «كان المترجم له من أصدقائنا القدامى ... أخذ عن بعض
أفاضل كربلاء مقدّمات العلوم ، ثمّ تشرّف إلى النجف مع ابن عمه السيّد محمّد صادق الحجّة
فحضرا على المولى محمّد كاظم الخراساني وغيره من فحول علماء عصره ومشاهير مدرّسيه ،
وكانت تجمعني وإيّاه حلقة درس شيخنا الخراساني فقهاً في النهار ، وأُصولاً في الليل
، وقد كان مع ابن عمّه من تلامذته البارزين ... وقد كنت أُلاحظ عناية الشيخ بهما واحترامه
لهما ...
عاد المترجم له إلى كربلاء بعد أن بلغ درجة
سامية في العلم والفضل مع تقى وصلاح ، فأقبلت عليه النفوس والتفّ حوله طلاّب العلم
، واشتغل بالتدريس وغيره ... انتهت إليه الرياسة في كربلاء ، وشغل منصب المرجعية
الدينية والزعامة الروحية بجدارة واستحقاق ، بقي رحمهالله
زمناً طويلاً وهو مرجع
الناس وملاذهم في كربلاء
... إلى أن انتقل إلى رحمة الله بعد مرض لازمه مدّة في سنة (١٣٦٣ هـ) ... ودفن مع آبائه
رحمهمالله
في مقابرهم».
١٢ ـ السيّد حسين القمّي (ت ١٣٦٦ هـ) :
يقول عنه الشيخ عبّاس القمّي : «السيّد الأجلّ
والكهف الأظلّ ، العالم المحقّق ، والفاضل المدقّق ، الورع البرع ، التقيّ الزكيّ ،
الذي هو من أعاظم فضلائنا المتأهّلين للثناء بكلّ جميل ، عادم العديل ، وفاقد الزميل
، مسلّماً تحقيقه في الأُصول ، بل ماهراً في المعقول والمنقول ...».
ويترجم له السيّد الأمين في
الأعيان والذي التقى به في دمشق وفي مدينة مشهد
، ودارت بينهما بعض المباحثات العلمية فيقول : «وطلبت منه أن يكتب لي ترجمته فأمر بعض
من يختصّ به فكتب لي ما تعريبه :
ولد في قم (١٢٨٢ هـ) وفيها أتمّ مقدّمات
العلوم ، ثمّ سافر إلى العتبات العاليات ، ثمّ عاد إلى قم وأكمل فيها دراسة السطوح
... ثمّ سافر إلى سامرّاء وحضر درس الميرزا الشيرازي ، ثمّ سافر إلى طهران وحضر دروس
المعقول والعرفان والرياضيّات على جماعة من علمائِها المعروفين ، وقرأ على الشيخ
فضل الله النوري والميرزا حسن الآشتياني ، ثمّ عاد إلى العراق لإكمال تحصيله في النجف
وسامرّاء عند الميرزا محمّد تقي الشيرازي ، ثمّ عاد إلى إيران وسكن مشهد ، وسكنها لأكثر
من عشرين سنة مشغولاً بالتدريس وأجوبة
__________________
الاستفتاءات».
ويضيف السيّد الأمين : «ثمّ بعد سنين فسد
ما بينه وبين الشاه رضا ... ثمّ خرج إلى العراق ـ شبه منفي ـ وسكن كربلاء ودرس فيها
، وصارت له وجاهة ، وازدادت وجاهته بعد وفاة السيّد أبي الحسن الإصفهاني ، ومال الناس
من إيران وغيرها إلى تقليده ، وطبع رسالته». ويذكر السيّد الأمين أساتذته وهم
كثيرون كالميرزا الشيرازي ، وكاظم اليزدي ، والآخوند الخراساني ومحمّد تقي
الشيرازي وغيرهم. وله آثار علمية وحواشي. توفّي في بغداد سنة (١٣٦٦ هـ) ونقل إلى النجف.
١٣ ـ السيّد حسين القزويني الحائري (ت ١٣٦٧
هـ) :
هو السيّد حسين ، نجل السيّد باقر ، نجل
السيّد إبراهيم صاحب الضوابط
.. ، ولد في كربلاء سنة (١٥٨٨ هـ) ، وتتلمذ على العلاّمة الحجّة الشيخ كاظم الخراساني
الشهير بـ : (الآخوند) ، وله عدّة إجازات في الاجتهاد. ومن أساتذته في الإجازة الآخوند
الخراساني ، وآقا ضياء العراقي ، والسيّد أحمد السيّد صالح القزويني الموسوي ، والسيّد
أبو الحسن الإصفهاني ، والشيخ محمّد تقي الشيرازي ، والميرزا محمّد حسين النائيني.
ساهم المترجم له في الثورة العراقية الكبرى
سنة (١٩٢٠ م) ، وكان عضواً فعّالاً فيها ، وبعد أن أخمدت نار الثورة قبض عليه الانكليز
، وقدّم إلى
__________________
المجلس العرفي العسكري
، فأطلق سراحه بعد اعتقاله في الحلّة طيلة ثمانية أشهر ... وله مؤلّفات مطبوعة ومخطوطة
...
توفّي في (٢ / ذي الحجّة / ١٣٦٧ هـ) ودفن
في مقبرة آل القزويني في الصحن الصغير للروضة الحسينية.
ويذكر الدكتور علي الوردي في كتابه لمحات اجتماعية
أنّه «قد بلغ عدد الذين ضمّهم سجن الحلّة ثلاثة وثلاثين ... منهم : السيّد هبة الدين
الشهرستاني والسيّد حسين القزويني ...» وغيرهم.
ومن طريف ما يذكره في هذه المناسبة أنّ السيّد
هبة الدين الشهرستاني نظم في سجن الحلّة أُرجوزة أشار فيها إلى أسماء الذين كانوا معه
في السجن ، جاء فيها :
هاك أسامي نخبة الآفاق
|
|
من حوكموا في نهضة العراق
|
سبع وعشرون شيوخ رؤسا
|
|
وستّة من نسل أصحاب الكسا
|
هم هِبَة الدين لأجل الدين
|
|
وحبرنا الحسين من قزوين
|
وينقل الدكتور علي الوردي في لمحاته عن الشيخ
محمّد الخالصي في مذكّراته المخطوطة بعض الجوانب من قصّة استسلام كربلاء للانكليز ،
حيث كان الخالصي أحد المطلوبين للانكليز فحاول الخروج ليلاً إلى النجف فلم
__________________
يفلح فاضطرّ إلى المضيّ
إلى كربلاء متستراً بظلام الليل ، فيقول : «ووردتُ دار السيّد حسين القزويني حفيد صاحب الضوابط
وكانت متّصلة بصحن الحسين عليهالسلام
، فاختفيت فيها ، وبعد أيّام هجم الانكليز على تلك الدار وأخذوا حسين وولده ، وجاؤوا
إليّ ورأوني فلم يعرفوني ... وتركوني في تلك الدار مع طفلة للسيّد حسين لم تتجاوز أربع
سنين وخادمتين له لا غير ... وبقيتُ في تلك الدار خمسة وأربعين يوما ...
وكان يقلقني في تلك الدار عجوزان كانتا متشاكستين
تكثران النزاع ، فإذا اشتدّ بينهما الخصام كانت تهدّد كلّ منهما صاحبتها بأنّها تخبر
الانكليز بأنّ صاحبتها أجارتني ... فكنت أصلح بينهما دائماً ، وهذا كان جلّ عملي تلك
المدّة ... وبعد خمسة وأربعين يوماً ارتفع الحصار عن كربلاء وصار الزوّار يذهبون ويجيئون
، فخرجت من كربلاء ليلاً مندمجاً في زمرة طائفة من أهل يزد إلى الكاظمية ... ولم يعرفني
أحد ...».
١٤ ـ السيّد محمّد حسن القزويني (ت ١٣٨٠
هـ) :
هو السيّد حسن ابن السيّد أبي المعالي محمّد
باقر ابن السيّد مهدي ابن السيّد محمّد باقر الموسوي القزويني الحائري ، عالم جليل
، وفقيه بارع ، ومصنّف ماهر. ولد يوم عرفة سنة (١٢٩٦ هـ) ، ونشأ نشأة حسنة ، فأخذ العلم
عن بعض الأفاضل والأجلاّء بكربلاء ، ثمّ تشرّف إلى النجف فحضر على
__________________
شيخنا المولى محمّد كاظم
الخراساني ، وكتب من تقريرات بحثه .. ، وبعد وفاة الأُستاذ هاجر إلى سامرّاء فحضر على
شيخنا الميرزا محمّد تقي الشيرازي واستفاد منه كثيراً.
وله من التصانيف : شرح اللمعة
مزجاً ، مزج منه مجلّد الطهارة ، وله هدي الملّة إلى أنّ فدك من النحلة.
وله الإمامة
الكبرى وله أيضاً البراهين الجليّة في رفع
تشكيكات الوهابية.
انتقل إلى جوار ربّه يوم (٢٦ / رجب / ١٣٨٠
هـ) ودفن في مقبرة السيّد محمّد المجاهد.
١٥ ـ السيّد محمّد علي الطباطبائي (ت ١٣٨١
هـ) :
هو العالم الفاضل السيّد محمّد علي ابن السيّد
مهدي ابن السيّد محمّد علي ابن ميرزا مهدي ابن المير السيّد علي الطباطبائي صاحب الرياض.
ولد في كربلاء سنة (١٣٠٢ هـ) ونشأ في أُسرة
(آل الطباطبائي) المعروفة بقدسيّتها وعلمها ، وأخذ المقدّمات من أعلام أُسرته .. ،
ثمّ حضر درس الشيخ محمّد تقي الشيرازي ، والسيّد ميرزا هادي الخراساني ، وغيرهم من
الأساتذة الفضلاء ، وله منهم إجازات عديدة.
اشتغل بالقضايا الوطنية .. ، وساهم بمقدّمات
الثورة العراقية الكبرى عام (١٩٢٠ م) ، حيث نفي إلى سامرّاء سنة (١٩١٨ م) من قبل السلطة
آنذاك ،
__________________
وسافر إلى هنجام مع أحرار
كربلاء في (٢٨ / ايلول / ١٩٢٠ م).
توفّي في كربلاء في (١٦ / جمادى الثانية
/ ١٣٨١ هـ) وجرى له تشييع حافل ودفن في مقبرة السيّد محمّد المجاهد.
١٦ ـ السيّد ميرزا مهدي الشيرازي (ت ١٣٨٠
هـ) :
السيّد مهدي الحسيني الشيرازي الحائري ابن
السيّد حبيب الله. ولد في كربلاء سنة (١٣٠٤ هـ) وتوفّي فيها في (٢٨ / شعبان / ١٣٨٠
هـ).
تلقّى دراسته الأُولى في كربلاء ... ثمّ
انتقل إلى سامرّاء واشتغل بالبحث والدرس والتدريس هناك مدّة طويلة من الزمن ، ثمّ سافر
إلى الكاظمية وبقي هناك مشتغلاً بالبحث والدرس ما يقرب من سنتين ، ثمّ سافر إلى كربلاء
وبقي مدّة قصيرة ، وانتقل بعدها إلى النجف وبقي هناك ما يقرب من عشرين سنة ، ثمّ انتقل
إلى كربلاء وبقي فيها إلى حين وفاته.
وأمّا أساتذته ؛ فقد تتلمذ على الشيخ محمّد
تقي الشيرازي ، وآقا رضا الهمداني صاحب مصباح الفقيه
، والسيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب العروة الوثقى
، والشيخ النائيني والسيّد حسين القمّي.
ولقد حضر البحث (الكمباني) للسيّد حسين القمّي
في كربلاء ؛ وكان البحث يضمّ جمعاً من العلماء ، كالسيّد محمّد هادي الميلاني ، والشيخ
محمّد رضا الإصفهاني ، والسيّد زين العابدين الكاشاني ، والشيخ يوسف الخراساني
__________________
وغيرهم ، وبعد وفاة السيّد
القمّي اشتغل بالبحث والتدريس.
آثاره ومؤلّفاته : له مؤلّفات منها : شرح لم يتمّ على العروة
الوثقى ، ومنها : رسالات في المباحث الأُصولية
، ومنها : رسالة في التجويد
، ورسالة حول
فقه الرضا ، بالإضافة إلى أجوبة وتعليقات أخرى.
وللمترجم له عدّة إجازات في الرواية من العلاّمة
الميرزا محمّد الطهراني صاحب مستدرك
بحار الأنوار ، والشيخ آقا بزرك الطهراني
صاحب
الذريعة ، والشيخ عباس القمّي صاحب مفاتيح الجنان.
كان رحمه الله فقيهاً زاهداً وعالماً جليلاً
تبوّأ المكانة المرموقة في علوم الدين والشريعة ، واضطلع بمسؤولية التقليد والمرجعية
الدينية ، وأقام صلاة الجماعة في الصحن الحسيني الشريف ... وقد تقدّمت كربلاء في عصره
تقدّماً دينيّاً وعلميّاً وثقافيّاً ... وخسرت كربلاء بموته أحد أعلامها البارزين.
وقد أنجب الفقيد عدّة أولاد هم السادة محمّد
الشيرازي الذي تولّى المرجعية بعد وفاة والده (والمتوفّى في مدينة قم ١٤٢٢ هـ) والسيّد
حسن الشيرازي (الشهيد على أيدي زمرة البعث عام ١٩٨٣ م) والسيّد صادق الشيرازي الذي
تصدّى للمرجعية بعد وفاة السيّد محمّد ...
١٧ ـ السيّد محمّد هادي الحسيني الميلاني
(ت ١٣٩٥ هـ) :
إنّه السيّد (عميد الدين) محمّد هادي ابن
السيّد جعفر ابن السيّد أحمد
__________________
ابن السيّد مرتضى ابن
السيّد علي الأكبر ابن السيّد أسد الله ابن السيّد أبو القاسم ابن الشريف الحسين المدني
... وينتهي نسبه الشريف إلى الإمام علي بن الإمام الحسين عليهالسلام.
ولد المترجم له في النجف الأشرف في عام (١٣١٣
هـ) ، وأكمل فيها دراسته على أكابر علمائها حتّى بلغ درجة الاجتهاد بشهادة أساتذته
، وعرفه الكلّ بذلك ، واعترف له به مشايخه وهو في العقد الثالث من عمره الشريف
... وبقي في النجف الأشرف مستقلاًّ بالتدريس
، فكان له بحث في خارج الفقه والأُصول ... يحضره جمع كبير من فضلاء حوزة النجف الأشرف
... حتّى انتقل إلى الحوزة العلمية بكربلاء المقدّسة سنة (١٣٥٦ هـ).
«وكان سبب الهجرة أن انتشرت الحمّى في النجف
الأشرف وكان السيّد وعقيلته ممّن ابتلي بها ، حتّى أمره الطبيب بالخروج من النجف الأشرف
للراحة والاستجمام ، وحينئذ رجّح السيّد السفر إلى كربلاء ، فخرج إليها للغرض
المذكور». غير أنّه بعد ما عادت إليه صحّته وعافاه الله عزّ وجلّ ، طلب منه آية
الله العظمى حسين القمّي (ت ١٣٦٦ هـ) البقاء في هذه الحوزة تقوية لها ، وتنشيطاً للحركة
العلمية بها ... فاستجاب للطلب وشرع بالتدريس في خارج الفقه والأُصول.
لقد بقي السيّد قدسسره في كربلاء مدّة ثمانية
عشر عاماً ، وهو المدرّس البارز ـ فيها ـ والذي بفضل وجوده بها أغنى الكثيرين من فضلائها
من الهجرة إلى النجف الأشرف ، حتّى كادت حوزة كربلاء تضاهي حوزة النجف في القوّة
والنشاط والازدهار
...
وقد درّس قدسسره
في هذه الحوزة أكثر الأبواب الفقهية بالإضافة إلى الأُصول ، ودرّس التفسير بالإضافة
إلى درس العقائد والكلام وكان بحثه في شرح تجريد الاعتقاد
، وكان رحمهالله
يقيم صلاة الجماعة في داخل الروضة الحسينية الشريفة».
استقرّ آية الله الميلاني رضياللهعنه
في مدينة مشهد عام (١٣٧٣ هـ) حتّى توفّي فيها.
وسوف يأتينا الحديث عن حركته العلمية والاجتماعية
ضمن الحديث عن حوزة مشهد إن شاء الله تعالى.
١٨ ـ الشيخ محمّد رضا الإصفهاني (ت ١٣٩٣
هـ) :
وهو العلاّمة والفيلسوف الإسلامي الذي كان
بحقّ مفخرة علمية ، فقد اشتهر بغزارة علمه ، وسعة اطّلاعه ، وإحاطته بالمدارس الفلسفية
الإشراقية وغير الإشراقية ... نال صيتاً ذائعاً في البلدان الإسلامية ، وكان كبار علمائها
المسلمين من سائر البلدان يقصدونه في كربلاء لمعرفة آرائه الإسلامية ونظريّاته الفلسفية
...
وقد أسهم بدوره في إغناء الحوزة العلمية
بكربلاء وتربية جيل من العلماء المتفقّهين ، توفّي ودُفن في كربلاء سنة (١٣٩٣ هـ).
__________________
١٩ ـ الشيخ محمّد الشاهرودي الحائري (ت ١٤٠٩
هـ) :
وهو آية الله العلاّمة المفضال ، والعالم
المتبحّر ، والفقيه المحقّق ، والأُستاذ البارع ، حيث تفرّغ للتدريس والتحقيق في حوزة
كربلاء العلمية لفترة تناهز نصف قرن ، وكانت حلقة دروسه وتقريراته الفقهية والأُصولية
من أهمّ الحلقات التدريسية في حينه ... تخرّج عليه العشرات من الطلاّب ... وكان
يقيم الجماعة في صحن الروضة الحسينية لأكثر من ثلاثين عاماً ، هاجر من كربلاء بحدود
(١٣٩٢ هـ) وقدم إلى إيران واستقرّ في مدينة طهران. توفّي في سنة (١٤٠٩ هـ) ، ودفن في
روضة الشاه عبد العظيم بمدينة الرّي.
٢٠ ـ السيّد محمّد مهدي الحسيني الشيرازي
(ت ١٤٢٢ هـ) :
هو السيّد محمّد ابن السيّد مهدي ابن السيّد
حبيب الله الحسيني الشيرازي الحائري ، وجدّه السيّد حبيب الله ابن أخ المجدّد والسيّد
محمّد حسن الشيرازي المتوفّى عام (١٣١٢ هـ).
ولد المترجم له في النجف الأشرف عام (١٣٤٧
هـ) ، هاجر به والده إلى كربلاء المقدّسة عام (١٣٥٦ هـ) وله تسع سنين ، نشأ في كربلاء
نشأة روحية علمية ، حتّى هاجر إلى دولة الكويت عام (١٩٦٩ م) ، وفي عام (١٩٧٩ م)
هاجر إلى مدينة قم المقدّسة ، واستقرّ بها حتّى وفاته عام (١٤٢٢ هـ) ودُفن في حرم السيّدة
فاطمة بنت موسى بن جعفر عليهالسلام
قرب قبر أخيه الشهيد حسن
__________________
الشيرازي. «فهو نجفي الولادة
، حائري النشأة ، كويتيّ الهجرة ، قمّي الإقامة والمرجعية والوفاة والمثوى الأخير».
وممّا ينبغي أن يذكر في سيرة السيّد محمّد
الشيرازي رحمهالله
أنّه تولّى المرجعية بعد وفاة والده قدسسره
عام (١٣٨٠ هـ) ، وخلف والده المرجع في شؤون الفتيا والإمامة.
وكان سماحته آنذاك في سنّ الشباب ؛ إذ لم
يتجاوز الثالثة والثلاثين من عمره ، وقد يقال : «إنّ للسيّد الشيرازي طموحاً مبكّراً
، وسعياً إلى الزّعامة منذ شبابه».
وقد يجاب عن هذا الطموح المبكّر للمرجعية
بحسن نيّة بأن يقال : «إنّ الطموح المشروع ، هو سبيل أغلب زعماء الأُمّة وإلاّ تعطّلت
القيادة ، وتسلّمها مَن ليس أهلاً لها ، والسيّد الشيرازي أهل لذلك ...».
والأمر الآخر الملفت للنظر في مسيرة السيّد
الشيرازي العلمية ، هي ظاهرة كثرة المؤلّفات حيث قدّر بعضهم مؤلّفاته بأنّها «تجاوزت
الألف كتاب» منها «موسوعته الفقهية التي بلغت مائة وخمسين مجلّداً»
، بالإضافة إلى الكتابات الأُخرى.
__________________
وكلّ مؤلّف من هذه المؤلّفات العلمية لها
أبحاثها التخصّصية العميقة وتحتاج إلى جهد علمي كبير ، بالإضافة إلى عامل الزمن التي
يستغرقها.
وعلى أيّ حال ، فقد كانت حياة السيّد الشيرازي
رحمهالله
حياة حافلة بالعطاء العلمي والاجتماعي ، بالإضافة إلى جهاده السياسي في مقارعة البعثيّين
... وهذه كلّها خدمات جليلة تسجّل له في سجل عطائه رحمهالله.
وبالسيّد الشيرازي محمّد مهدي رحمهالله نختتم فهرست أبرز أسماء
علماء حوزة كربلاء العلمية ؛ في أدوارها الثلاثة.
وممّا لا شكّ فيه أنّ هنالك أسماءً أخرى
لعلماء لهم دورهم وعطاؤهم في هذه الحوزة المباركة ، إلاّ أنّنا لم نعثر على تراجمهم
بمقدار ما بحثنا في كتب التراجم والسيرة ، أو لم يسع مجال البحث لاستيعابهم جميعاً
رحمهمالله.
الفصل الثالث
من معطيات الحوزة العلمية
في كربلاء
لقد كان لحوزة كربلاء معطيات مهمّة شملت
جوانب متعدّدة من مسيرتها العلمية ، سواءً على مستوى الإقبال عليها من قبل طلاّب العلم
والمعرفة ؛ إذ نجدها حوزة منفتحة على المناطق الشيعية ، أو على مستوى تأسيس المدارس
وتشييد المعاهد العلمية ؛ إذ نجد كثرة هذه المدارس في تاريخها الطويل. بالإضافة إلى
التطوّر النوعي في مجال البحوث التخصّصية في الفقه والأُصول ؛ حيث نلاحظ العمق والشمول
والاستيعاب.
يضاف إلى ذلك معطيات أخرى تناولت عناوين
أخرى يمكن أن نسجّلها كأبحاث في هذا الفصل من تاريخ هذه الحوزة المباركة.
المبحث الأوّل :
الهجرة العلمية إلى حوزة
كربلاء ، هجرة طلاّب جبل عامل إنموذجاً :
لقد شهدت حوزة كربلاء العلمية ـ وعلى مدى
تاريخها الطويل ـ هجرة بعض طلاّب العلم والمعرفة من بلاد الشام ـ جبل عامل ـ إليها
، حيث حلّوا فيها واستفادوا من محضر أساتذتها ، «وأظنّ أنّ أقدم مؤشّر على هذه الهجرة
... كان في القرن الثامن الهجري ، أي بعد قرن أو أكثر من بروز
النهضة العلمية في
جبل عامل ، ثمّ أخذت بالاستمرار إلى حين انتقال الحوزة العلمية من كربلاء إلى النجف
على يد العلاّمة السيّد مهدي الطباطبائي الملقّب ببحر العلوم».
وفيما يلي أسماء بعض العامليّين المهاجرين
إلى كربلاء ممّن تتلمذ على أيدي أساتذتها :
١ ـ الشيخ إبراهيم بن علي الكفعمي (ت ٨٩٥
هـ) :
وقد ترجمنا له سابقاً ضمن علماء حوزة كربلاء
في دورها الأوّل ، حيث هاجر إلى كربلاء وسكنها ، وتوفّي ودُفن فيها على قول بعضهم.
٢ ـ السيّد إسماعيل صدر الدين العاملي (ت
١٣٣٨ هـ) :
وهو من أعاظم العلماء ، وأكابر المراجع ،
هاجر والده إلى إصفهان ، ثمّ إلى النجف الأشرف ، حيث ولد السيّد إسماعيل هناك ، وسار
على نهج آبائه الأفذاذ في طلب العلم من مظانّه ، فشدّ الرحال من أجل ذلك مهاجراً ما
بين النجف وسامرّاء وكربلاء والكاظمين ... وقد ذكرنا ترجمته سابقاً.
٣ ـ الشيخ نور الدين علي آل أبي جامع :
له ترجمة في تكملة أمل الآمل
، جاء في بعض مقاطعها : «... هو أبو أُسرة من العلماء ، وله التقدّم في العلم والفضل
، وإنّه من أوّل من هاجر من آل أبي جامع ... وعرف بأبي جامع لأنّه بنى جامعاً ... ونسبه
ينتهي إلى
__________________
الحارث الهمداني ..».
وجاء في ترجمته أيضا : «إنّه بعد ما جرى على الشهيد الثاني رضياللهعنه تضعضعت البلاد واضطرب
أهلها وشملها الخوف والتقيّة ، خرج الشيخ علي من قرية (جبع) وقيل من (عيناثا) ، مع
أولاده وعياله خائفاً يترقّب حتّى وصل كربلاء فأقام بها ... وكان عالماً فاضلاً محدّثاً
نقيّاً صالحاً ... وسكن بها مدّة ..».
إلاّ أنّ الشيخ علي سرعان ما ترك كربلاء
هارباً من العثمانيّين إلى (الدورق) ثمّ إلى (الحويزة) حيث سكنها وتوفّي بها ونقل إلى
النجف ، وهو أوّل من نقل من الحويزة إلى النجف. وقد ذكر السيّد الصدر في تكملته
والسيّد الأمين في أعيانه
قصّة هروبه إلى الحويزة وسببها.
٤ ـ السيّد محمّد بن أبي الحسن العاملي :
وقد ذكرنا ترجمته ضمن العلماء العامليّين
المهاجرين إلى مكّة ، حيث هاجر أوّلاً إلى كربلاء وسكنها فترة من الزمن ، فجرى عليه
مثل ما جرى على زميله نور الدين علي ، حيث يشتركان في سبب هروبهما من أيدي العثمانيّين
، فيمّم وجهه صوب مكّة مهاجراً وتوفّي فيها ، بعد أن يمّم صاحبه وجهه صوب الحويزة وتوفّي
فيها.
٥ ـ السيّد صالح العاملي (ت ١٢١٧ هـ) :
__________________
قال عنه صاحب التكملة
: «السيّد الجليل السيّد صالح ابن السيّد محمّد ابن السيّد إبراهيم شرف الدين ... الموسوي
العاملي ، .. كان يعرف بالسيّد صالح الكبير العاملي المكّي ، من أعلام العلماء في عصره
، انتهت إليه رئاسة الإمامية في بلاد الشام ، وكان كثير الاطّلاع ، غزير الحفظ ، واسع
الرواية ، وله في الطبّ والرياضيّات يد قارعة وقدح معلّى ... ربّاهُ أبوه وقرأ عليه
وعلى غيره من علماء عصره في عاملة فمصر فالحجاز فالعراق ، وحمل عن فقهاء هذه البلاد
ومحدّثيها علماً كثيراً ... وفي سنة (١١٦٣ هـ) رجع إلى بلاده واستقرّ فيها مرجعاً
وملاذاً لأهليها ... سكن النجف حتّى توفّي سنة سبع عشرة ومائتين وألف ، ودفن في بعض
حجر الجانب الشرقي من حجر الصحن الشريف».
والسبب في عودته إلى العراق ثانياً هي المحنة
التي تعرّض لها علماء جبل عامل أيّام الجزّار حيث تعرّض السيّد إلى الحبس في الجبّ
فانقذه الله منها.
ويشير السيّد الحسيني إلى أنّ السيّد صالح
قد سكن العراق في سفرته الأُولى متردّداً بين النجف وكربلاء.
٦ ـ الشيخ محمّد حسين الميسي العاملي :
قال عنه معاصره الشيخ الحرّ العاملي في أمل الآمل
: «وهو الشيخ محمّد
__________________
حسين بن الحسن بن إبراهيم
بن علي بن عبد العالي العاملي الميسي ، فاضل عالم محقّق صالح عابد ، معاصر ، سكن كربلاء
إلى الآن».
والشيخ الحرّ العاملي متوفّى سنة (١١٠٤ هـ)
وهذا يعني أنّ الشيخ الميسي من علماء القرن العاشر وبدايات القرن الحادي عشر الهجري.
ويتوسّع السيّد الصدر في ترجمة الشيخ الميسي
فيقول : «الشيخ محمّد حسين ... من أحفاد علي بن عبد العالي الميسي ، نزيل الحائر المقدّس
، فاضل جليل فقيه متبحّر ، يروي عنه المولى أبو الحسن الشريف العاملي ، وله منه
إجازة كتبها له سنة (١١٠٠ هـ) ، ويروي هو عن الشيخ عبد الله بن محمّد العاملي ، عن
الشيخ علي ابن الشيخ محمّد ابن الشيخ حسن بن زين الدين صاحب الدرّ المنثور».
٧ ـ الشيخ محمّد بن يوسف آل أبي جامع :
الشيخ محمّد بن يوسف بن جعفر من مشاهير أُسرة
محيي الدين أو آل أبي جامع ، ويعدّ الشيخ محمّد من كبار الشعراء إلى جانب كونه فقيهاً
كبيراً في النجف الأشرف ، وهو ممّن هاجر إلى كربلاء في أوّل أمره ، فإنّه قصدها مع
زميليه العلاّمة السيّد مهدي بحر العلوم والشيخ الأكبر جعفر كاشف الغطاء للتلمذة على
علمائها ، وكان أبرزهم آنذاك الوحيد البهبهاني.
__________________
٨ ـ السيّد حسين ابن السيّد أبي الحسن العاملي
:
وهو السيّد حسين الشقراني ، من أعاظم العلماء
العامليّين ، وهو ممّن هاجر إلى العراق وأقام في كربلاء إبّان ازدهارها على عهد الوحيد
البهبهاني ، وتتلمذ لديه ، وحضر بحثه إلى حين وفاته ، فانتقل إلى النجف الأشرف ...
ويذكر السيّد الصدر في ترجمته : «... عالم
فاضل محقّق مدقّق ، جرت بينه وبين المحقّق القمّي صاحب القوانين
حين قدومه إلى العراق مباحثات في حجّية الظنّ المطلق ، وأورد السيّد على المحقّق إيرادات
لم يجب عن جميعها في مجلس المباحثة ، لكنّه أدرج الإشكالات مع أجوبتها في مبحث الاجتهاد
والتقليد من كتابه القوانين على ما حكاه بعض أجلّة أرحام صاحب الترجمة ... ومن راجع
الإشكالات علم أنّ صاحبها من أهل الغور والتحقيق ، ولعلّه من تلامذة السيّد بحر العلوم
المنكر لحجّية الظنّ المطلق».
٩ ـ السيّد محمّد جواد العاملي :
وهو من أشهر علماء جبل عامل المتأخّرين ،
وصاحب السفر الجليل الخالد مفتاح
الكرامة نشأ وترعرع في جبل عامل ، ثمّ هاجر إلى
العراق وكانت زعامة الحوزة يومئذ لمدرسة كربلاء ، فأقام فيها وتتلمذ على أُستاذها الوحيد
والسيّد صاحب
الرياض ، ثمّ عاد إلى النجف بعد وفاة أُستاذه الوحيد
،
__________________
وقد تحدّثنا عنه ضمن حديثنا
عن حوزة النجف الأشرف.
أُولئك هم نخبة من العامليّين المهاجرين
إلى حوزة كربلاء ، وقائمة الأسماء قد تطول لتستوعب كثرة كاثرة من الأسماء اللاّمعة
في دنيا العلم والمعرفة من أبناء عاملة ... نكتفي بهذا القدر روماً للاختصار.
المبحث الثاني :
أماكن التدريس وأهمّ المدارس
الدينية الحوزوية في كربلاء :
توزّعت محلاّت التدريس في حوزة كربلاء ـ
كغيرها من الحوزات ـ على أماكن متعدّدة ، متّخذة الطريقة القديمة التقليدية في التدريس
والمعروف بنظام الحلقات ، حيث يتحلّق طلاّب العلوم حول أُستاذهم وهو يلقي عليهم
درسه ، ولا تزال هذه الطريقة هي السائدة في أغلب الحوزات العلمية.
ومن أماكن التدريس التي يمكن أن نشير إليها
في حوزة كربلاء ما يلي :
١ ـ بيوت العلماء :
«التي غالباً ما كانت تضمّ غرفاً كبيرة أُعدّت
لهذا الغرض»
، وتحدّثنا تراجم بعض علماء حوزة كربلاء أنّهم اتّخذوا من بيوتهم مدرساً وكانوا
يستقبلون فيها طلاّبهم ومريديهم ، فقد جاء في ترجمة السيّد محمّد باقر الحجّة الطباطبائي
المتوفّى في كربلاء سنة (١٣٣١ هـ) «فكانت داره الكائنة في
__________________
سوق التجّار الكبير محجّاً
يرتاده العلماء والأُدباء ومنهلاً عذباً يرتوي من نميره أهل الفضل ..».
وجاء في ترجمة السيّد ميرهادي الخراساني
المتوفّى سنة (١٣٦٨ هـ) وهو من علماء كربلاء أيضاً ما نصّه : «أدركت أواخر أيّامه ،
وكانت داره منتجعاً لطلاّب العلم وروّاد الفضيلة ..».
وهكذا تجد الكثير من هذه البيوت العلمية والتي كانت مناراً ومحجّة لطلاّب العلم.
يضاف إلى بيوت العلماء ما تعارف بـ : (دواوين
العلماء) والتي كانت ملتقى للعلماء والأُدباء والشعراء وقد عرف منها : ديوان آل الرشتي
، وديوان الميرزا محمّد تقي الحائري ، وديوان آل الشهرستاني والذي أسّسه العلاّمة
الكبير السيّد ميرزا مهدي الموسوي الشهرستاني ، وكان مجلسه مقرّاً للعلماء
والأُدباء ورجال الدين.
٢ ـ الروضتان الحسينية والعباسية والجوامع
والحسينيّات :
لقد شهدت أُروقة الروضتين الحسينية والعبّاسية
بالإضافة إلى الجوامع والزوايا الدينيّة والحسينيّات حضوراً مكثّفاً لطلاّب العلم والمعرفة
، واتّخذ بعض الأساتذة من غرف وأواوين الحرم الحسيني والعبّاسي مَدرساً لهم ،
وملتقى لطلاّبهم ومريديهم ، واشتهر بعض أُولئك العلماء بهذا الأمر ، فقد جاء
__________________
في ترجمة السيّد نصر الله
الحائري : «المدرّس في الروضة الحسينية المعروف بالمدرّس». وكان يعرف «بمدرّس الطَّفِّ
تارة ، ومدرّس الروضة الحسينية تارة أخرى».
وقال عنه في معارف الرجال : «وكان وجهاً
ساطعاً مبرّزاً في الحائر الحسيني ... له مجلس درس في الحضرة المطهّرة للإمام الحسين
بن علي عليهالسلام
، يحضره طائفة كبيرة من أفاضل أهل العلم العراقيّين والمهاجرين».
وجاء في ترجمة السيّد طعمة علم الدين الحائري
: «إنّه كان من العلماء المتضلّعين في المشهد الحسيني»
وأمّا الشيخ المولى محمّد شريف المازندراني الحائري وهو شيخ العلماء ومربّي الفقهاء
ويكفي أن يكون من تلامذته السيّد إبراهيم صاحب الضوابط
والشيخ مرتضى الأنصاري وغيرهم ... فقد كان يقوم بالتدريس في الحائر المقدّس ..».
كذلك في بعض الجوامع والحسينيّات والمزارات
في كربلاء المقدّسة قد تحوّلت إلى شبه معاهد دينية ، وكان بعض العلماء والفضلاء يلقون
فيها دروسهم وأبحاثهم العلمية في الفقه والأُصول والتفسير .. ، فقد جاء في وصف جامع
عمران بن شاهين ـ وهو من أقدم مساجد كربلاء ـ : «... إنّه
__________________
كان له شأن كبير في توسيع
وانتشار الحركة العلمية والدينية»
، بل رجّح بعض الباحثين أن يكون هذا الجامع هو الذي تحدّث عنه ابن بطّوطة في رحلته
أثناء زيارة كربلاء حيث وصفها بقوله : «مدينة صغيرة ... والروضة المقدّسة داخلها وعليها
مدرسة عظيمة ، وزاوية كريمة ...» ، «فإنّ المدرسة العظيمة ... ما هي إلاّ مسجد ابن
شاهين ، فالنشاط العلمي الذي كان يجري فيه جعل منه مدرسة عظيمة قبل أن يكون مسجداً
للعبادة ..».
وتوصف حسينية المازندراني بأنّها : «حسينية
كبيرة جدّاً تستخدم لأغراض الدرس والمطالعة ... وإنّها تشتمل على مدرسة دينية ومسجد
ومكتبة ومقبرة».
وقد عرفت مدينة كربلاء بكثرة جوامعها وحسينيّاتها
وسعتها ، والتي كان أغلبها قريبة من الحائر الحسيني الشريف ، ممّا يسهل حضور الأساتذة
والطلاّب والتواصل بينهم ، وإلى جانب الجامع والحسينيّات كانت ولا زالت هنالك مراقد
ومزارات منتشرة في كربلاء اتّخذ بعض منها محلاًّ للتدريس والتعليم.
يقول أحد المؤرّخين لحوزة كربلاء : «حين
نزل الإمام الصادق عليهالسلام
كربلاء المقدّسة ، سكن جنوب نهر العلقمي ، وكان يلقي دروسه ومحاضراته
__________________
العلمية على أصحابه وتلامذته
في داره على ضفاف نهر العلقمي ، وكذلك في أروقة الروضة الحسينية ، ثمّ اتّخذ شيعته
داره المذكورة مقرّاً للدراسة والتدريس ... والأراضي التي يقع فيها هذا المقام تعرف
بشريعة الإمام الصادق عليهالسلامأو
الجعفريّات ... وكان قديماً إحدى المعاهد العلمية في ضواحي كربلاء ..».
كذلك يتحدّث هذا الباحث عن دار ومدرسة للإمام الكاظم عليهالسلام
في كربلاء من دون أن يذكر لنا المصدر الذي استقى منه معلوماته! ومهما يكن من أمر ،
فإنّ لكربلاء المقدّسة الكثير من الجوامع والحسينيّات والتكايا والزوايا والمقامات
التي اكتسبت قدسية خاصّة عند الناس ، بالإضافة إلى مراقد بعض السادة والعلماء وقد اتّخذ
بعضها مدرساً ومحلاًّ للتدريس والتعليم.
٣ ـ المدارس والمعاهد الدينية :
تأسّست في مدينة كربلاء المقدّسة وضمن نطاق
حوزتها العلمية مدارس دينية علمية أخذت على عاتقها وظيفة مزدوجة في أغلب الأحيان ،
فهي أماكن للتعليم والتدريس ، وفي نفس الوقت تستخدم كأقسام داخلية لسكن الطلاّب الوافدين
إليها من البلدان الإسلامية الأُخرى. ولم تختلف هذه المدارس في هندستها المعمارية وطريقة
بنائها عن المدارس الإسلامية السابقة لها ، إذ كانت تحمل صفات وخصائص معمارية متميّزة
تتناسب مع الهدف الذي أُنشئت من أجله ، من حيث البناء المكشوف والأروقة المسقوفة
__________________
والغرف والأواوين ...
ممّا يتناسب مع الطابع الديني لهذه المدارس ، وينسجم مع متطلّبات الحياة الاجتماعية
لطلاّب العلوم الدينية.
وليس لدينا في الواقع إحصائية دقيقة عن عدد
المدارس العلمية في حوزة كربلاء ، إذ يعتقد بعض الباحثين بأنّه : «كانت تنتشر في أرجاء
مدينة كربلاء المدارس العلمية الإسلامية ، ولكن مع الأسف الشديد أُزيل معظمها في
فترات زمنية مختلفة نتيجة فتح شوارع جديدة ، خصوصاً في المنطقة المحيطة بالروضتين الحسينية
والعبّاسية ، وقسم منها تحوّل إلى الخراب نتيجة الإهمال ...».
كذلك ليس لدينا تاريخاً محدّداً لبدايات
تأسيس هذه المدارس ؛ إلاّ أنّ بعض الباحثين حاول أن يحدّدها بـ : «القرن السادس الهجري»
، بل أنّ بحّاثاً آخر حدّدها بالقرن الرابع الهجري ، وفي بدايات العصر البويهي فقال
: «وعند بداية الحكم البويهي في إيران والعراق ، تأسّست المدارس الإسلامية في عموم
المدن التي كانت تحت سيطرتهم ، وأوّل مدرسة إسلامية شيّدت في العراق كانت في كربلاء
وهي (المدرسة العضدية) من قبل عضد الدولة البويهي عند زيارته للمدينة سنة (٣٦٩ هـ)
وكان موقعها بجانب مسجد رأس الإمام الحسين ...» ، ثمّ يضيف : «بقيت هذه المدرسة إلى
فترة العهد
__________________
الصفوي وكانت تحت رعايتهم
وعنايتهم ، وبعد زوال الدولة الصفوية آلت إلى الخراب ، وفي سنة (١٣٥٤ هـ) أُزيلت المدرسة
لغرض فتح شارع ...» ، وأضاف أيضا : «كما شيّد عضد الدولة البويهي سنة (٣٧١ هـ) مدرسة
أخرى في مدينة كربلاء بجانب الصحن الصغير ... وقد أُزيلت هذه المدرسة والصحن الصغير
كذلك بتاريخ (٢٤ / ١١ / ١٩٤٨)»
وللأسف الشديد لم يذكر لنا هذا الباحث مصدره الذي استقى منه هذه المعلومات ، والتواريخ
التي يذكرها لما بين التأسيس والإزالة لكلا المدرستين تمتدّ إلى ما يقارب القرن من
الزمن ، ومن المستبعد أن يمتدّ العمر الزمني لهاتين المدرستين إلى هذا الزمان.
يضاف إلى ذلك أن ابن بطوطة في رحلته نوّه
(بوجود مدرسة عظيمة) ، والمدرسة التي أشار إليها هي (جامع ومدرسة ابن شاهين) بحسب رأي
بعض الباحثين ، فلماذا لم يشر إلى المدرسة (العضدية)؟ ومهما يكن من أمر ؛ وبغضّ
النظر عن رأي هذا الباحث ؛ فإنّ المدارس العلمية في كربلاء يرجع عمرها الزمني تحديداً
إلى القرن الثاني عشر الهجري ، «وإنّ الدراسة قبله كانت تتمّ داخل الجوامع والزوايا
الدينية وأَروقة الروضة الحسينية المقدّسة وحدها ... وإنّ أقدم مدرسة علمية دينيّة
لا زالت آثارها باقية حتّى يومنا هذا هي مدرسة (حسن خان) التي يرجع تاريخ بنائها إلى
سنة (١١٨٠ هـ)».
__________________
وفيما يلي سرد لأسماء أهمّ وأشهر المدارس
العلمية الدينية في حوزة كربلاء ، مع شرح موجز لأهمّ الجوانب المشرقة من تاريخها :
١ ـ مدرسة السردار حسن
خان :
يرجع تاريخ تأسيسها إلى سنة (١١٨٠ هـ) ،
وتقع في الزاوية الشمالية الشرقية من صحن الإمام الحسين عليهالسلام ، وتخرّج منها رعيل من
أساطين العلم من أمثال مصلح الشرق جمال الدين الأفغاني ، والشيخ شريف العلماء ، وقد
أنفق السردار حسن خان القزويني المبالغ الطائلة في إنشائها وتأسيس الأوقاف لها.
وكانت المدرسة واسعة عامرة بأهل العلم ،
وكانت تحتوي على (٧٠) غرفة ، فهي أعظم مؤسّسة دينية في كربلاء ... تخرّج منها فحول
العلماء قديماً وحديثاً ، بوشر بهدم بنائها في (١٦ / محرم / ١٣٦٨ هـ) وذهبت موقوفاتها
ضمن شارع الحائر الحسيني
وبقيت آثارها إلى سنة (١٩٩١ م) حيث أُزيلت بعد هذا التاريخ من قبل السلطة الحاكمة آنذاك.
٢ ـ مدرسة السيّد المجاهد
:
«تشير وثيقة الوقف لهذه المدرسة إلى أنّها
بُنيت وأنشئت بحدود سنة (١٢٧٠ هـ) وكانت تقع في سوق التجّار الكبير بالقرب من مرقد
السيّد محمّد المجاهد الطباطبائي ... وكانت في حينها مأهولة بروّاد العلم ورجال الدين
__________________
والفكر الإسلامي ، وتخرّج
منها عدد كبير من أجلاّء العلماء وأفاضل الفقهاء ، أمثال السيّد محمّد باقر الطباطبائي
، والسيّد محمّد علي الطباطبائي ، والسيّد مرتضى الطباطبائي ... ومن أشهر أساتذتها
لوقت قريب العلاّمة الشيخ محمّد علي سيبويه ، والشيخ عبّاس الحائري»
وأُزيلت هذه المدرسة سنة (١٩٨٠ م) نتيجة فتح شارع المشاة الذي يربط بين الروضتين.
٣ ـ مدرسة صدر الأعاظم
النوري :
كانت هذه المدرسة من أهمّ المدارس العلمية
الدينية في كربلاء ، وتقع غرب صحن الروضة الحسينية ، قام بإنشائها الشيخ عبد الحسين
الطهراني (ت ١٢٨٦ هـ) من ثلث الإرث المتبقّي من الأمير الإيراني الميرزا تقي خان (صدر
أعظم) المقتول سنة (١٢٦٨ هـ).
لقد كان لهذه المدرسة دور كبير في الحركة
العلمية بكربلاء ، وتخرّج من أروقتها جيل من جهابذة العلم والفكر ، ومن أشهر أساتذتها
آنذاك العالم الفقيه المتبحّر الشيخ أبو القاسم الخوئي (ت ١٣٦٤ هـ) والعالم الشاعر
السيّد عبد الوهّاب (ت ١٣٢٢ هـ).
كانت تولية المدرسة في النصف الأوّل من القرن
الرابع] عشر [الهجري بيد العالم والمجاهد الإسلامي الكبير الشيخ محمّد تقي الحائري
الشيرازي (ت ١٣٣٨ هـ) ، وانتقلت بعد وفاته إلى نجله العلاّمة الشيخ عبد الحسين
__________________
الشيرازي (ت ١٣٨١ هـ).
وقد أُزيلت هذه المدرسة نتيجة لفتح شارع
الحائر الدائري المحيط بالروضة الحسينية.
٤ ـ المدرسة الزينبية
:
سمّيت بهذه التسمية نسبة لموقعها عند باب
الزينبية للصحن الحسيني من جهة الغرب ، وكانت آهلة بطلاّب العلم ، إلاّ أنّها هدّمت
نتيجة فتح الشارع المحيط بالروضة الحسينية سنة (١٣٦٨ هـ). ومن الذين قاموا بالتدريس
فيها الشاعر جعفر الهرّ (ت ١٣٤٧ هـ) وتلميذه الشيخ محمّد الخطيب (ت ١٣٨٠ هـ).
كانت تولية المدرسة قبل هدمها بيد الشيخ
عبد الحسين الطهراني ، ومن قبله بيد والده المرجع الشيخ محمّد تقي الشيرازي قدسسره.
٥ ـ المدرسة الهندية الكبرى
:
وهي من أشهر المعاهد العلمية الدينية اليوم
، موقعها في زقاق الزعفراني بالقرب من المشهد الحسيني ، تمّ تأسيسها في أواخر القرن
الثالث عشر الهجري ، كما تنصّ بذلك الوقفية الخاصّة بها ، وهي ذات طابقين
__________________
وتحتوي على (٢٢) غرفة.
يُدرّس فيها مختلف العلوم كالفقه والأُصول والحديث والتفسير ، وما إلى ذلك.
وكانت هذه المدرسة إلى جانب ما فيها من التدريس
لها نشاطات ثقافية وفكرية أخرى ، منها :
أوّلاً
: تأسّست فيها مكتبة عامّة تعرف باسم (المكتبة
الجعفرية) ، تأسّست سنة (١٣٧٢ هـ) وتحتوي على ما يقرب من (أربعة آلاف) كتاب بين مخطوط
ومطبوع.
ثانياً
: كانت تصدر عنها النشرات والكرّاسات الدينية
الأُسبوعية الدورية ، ومن أهمّها مجلّة أجوبة المسائل الدينية
التي بدأت بالصدور والنشر سنة (١٣٧١ هـ) وظلّت تصدر بانتظام لسنوات عديدة متواصلة ،
قبل أن تتوقّف عن الصدور نهائياً.
ثالثاً
: تأسّس في هذه المدرسة سنة (١٣٨٠ هـ) (مكتب
رابطة النشر الإسلامي) لغرض طبع ونشر الكتب والكرّاسات الدينية التوعوية ، وتوزيعها
بالمجّان بين المسلمين القاطنين في الدول الإسلامية النائية ... وقد أشرف على
شؤونه في حينه الخطيب السيّد محمّد كاظم القزويني الحائري رحمهالله.
وقد تخرّج من هذه المدرسة عدّة أجيال من
العلماء والفقهاء والمبلّغين الإسلاميّين ، ومن أشهر أساتذتها حتّى أواخر القرن الرابع
عشر الهجري ، الشيخ جعفر الرشتي ، والسيّد محمّد صادق القزويني ، والسيّد محمّد الشيرازي
، والسيّد أسد الله الإصفهاني (ت ١٣٩٤ هـ) ، والسيّد عبد الرضا
الشهرستاني ، والسيّد
مصطفى الاعتماد البهبهاني ، والشيخ محمّد تقي الإصفهاني ، والشيخ مهدي الرشتي شقيق
الشيخ جعفر الرشتي الذي كان متولّياً لهذه المدرسة حتّى تاريخ وفاته .. ، وتشير وثيقة
وقف المدرسة إلى أنّها تأسّست خصّيصاً لتكون واحدة من أهمّ وأكبر المدارس الدينية العلمية
في كربلاء قبل قرن ونصف قرن تقريباً.
٦ ـ المدرسة الهندية الصغرى
:
تقع هذه المدرسة في أحد الأزقّة التي تنفذ
من سوق التجّار إلى شارع الإمام علي عليهالسلام
، تأسّست سنة (١٣٠٠ هـ) ، أوقفتها إمرأة صالحة تعرف بـ : (تاج محل) الهندية على العلاّمة
السيّد علي نقي الطباطبائي ، كما تنصّ بذلك الوقفية الخاصّة بها ، وتحتوي المدرسة على
(٧) غرف ، يسكنها أهل العلم من الأفغان والهنود.
ومن أساتذتها السيّد محمّد حسين الكشميري
، والسيّد مرتضى الطباطبائي ، والسيّد مرتضى الواجدي.
٧ ـ مدرسة البادكوبة (الترك)
:
وهي من مدارس كربلاء الشهيرة ، تأسّست سنة
(١٢٧٠ هـ) كما تنصّ بذلك الوقفية الخاصّة بها ، موقعها في زقاق الداماد ، وهي آهلة
بحملة العلم
__________________
ورجال الدين ، وفيها (٣٠)
غرفة ، وفي المدرسة مكتبة عامرة بالكتب القيّمة.
ومن الآثار الفكرية التي صدرت عن المدرسة
المذكورة سلسلة (منابع الثقافة الإسلامية) حيث تصدر كتاباً شهريّاً لكلّ مؤلّف.
وقد تخرّج من هذه المدرسة العديد من العلماء
والفضلاء والخطباء ، وكان يتولّى مهمّة التدريس فيها لفترة طويلة تناهز جيلاً كاملاً
الشيخ محمّد الشاهرودي (ت ١٤٠٩ هـ) ، والشيخ محمّد الكلباسي (ت ١٤٠٤ هـ)
، وقد هدّمت المدرسة مؤخّراً لتنفيذ شارع ما بين الحرمين في كربلاء.
٨ ـ مدرسة مرزا كريم الشيرازي
:
وهي مدرسة واسعة ذات ساحة فسيحة ، وفيها
مصلّى كبير ، تأسّست سنة (١٢٨٧ هـ) ، وتمّ تعمير المصلّى بسعي السيّد الموسوي مرزا
علي محمّد الشيرازي في رجب سنة (١٣٠٨ هـ) كما تنصّ الكتيبة في داخله ، موقعها في
محلّة العبّاسية الشرقية وتشتمل على طابق واحد ، ومن مدرّسيها الخطيب الشيخ عبد الزهراء
الكعبي ، والشيخ محمّد علي الخليق.
٩ ـ مدرسة البقعة :
تأسّست في منتصف القرن الثالث عشر الهجري
، ـ ولا نعلم من مؤسّسها ـ وموقعها في شارع الإمام علي عليهالسلام ، مجاورة لمرقد السيّد
محمّد
__________________
المجاهد الطباطبائي ،
وهي ذات طابقين ، وفيها (٢٠) غرفة. تخرّج منها لفيف من العلماء كالسيّد محسن الكشميري
، والسيّد مرتضى الطباطبائي ، والشيخ عبد الرحيم القمّي. ومن الآثار الفكرية التي صدرت
عن هذه المدرسة مجلّة دينية باسم صوت المبلّغين
وقد أُزيلت هذه المدرسة سنة (١٩٨٠ م).
١٠ ـ مدرسة السليمية :
أسّسها الحاج محمّد سليم خان الشيرازي سنة
(١٢٥٠ هـ) ، وجدّدها المرجع الديني السيّد مهدي الشيرازي سنة (١٣٧٠ هـ) ، وموقعها في
زقاق جامع المرزا علي نقي الطباطبائي ، وهي تشتمل على طابقين ، وتحتوي على (١٣) غرفة
وصالة للتدريس ، ولم يكتف مؤسّسها ببناء المدرسة فحسب ، بل خصّص رواتب شهرية للطلبة
الذين يواصلون دراستهم فيها ، وكانت النفقات تصرف بتوسّط العلاّمة السيّد حسن آقا مير
القزويني ، ومن أشهر أساتذتها الشيخ يوسف الخراساني ، والسيّد محمّد علي البحراني ،
والسيّد حسن الشيرازي ، ومن الآثار التي صدرت عن هذه المدرسة مجلّة الأخلاق والآداب
ومجلّة ذكريات
المعصومين.
١١ ـ مدرسة المهدية :
شيّدها الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ
جعفر كاشف الغطاء سنة
__________________
(١٢٨٤ هـ) ، كما شيّد
مدرسة أخرى في النجف ، وموقعها في الزقاق المجاور لديوان السادة آل الرشتي ، وهي ذات
طابقين ، يسكنها طلبة العلم ، ومن أساتذتها الشيخ عبد الحسين الدارمي ، والشيخ علي
العيثان البحراني ، والشيخ عبد الحميد الساعدي ، والشيخ محمّد شمس الدين ، والشيخ حسين
البيضاني.
١٢ ـ مدرسة ابن فهد الحلّي
:
موقعها في شارع الإمام الحسين عليهالسلام الممتدّ من باب القبلة
، وفيها مزار العالم العارف الشيخ أحمد بن فهد الحلّي الأسدي (ت ٨٤١ هـ) ، وللمدرسة
مسجد يصلّى فيه ، وفيها مساحة واسعة ذات طابقين ، وتحتوي على (٤٠) غرفة ، يسكنها طلاّب
العلم ، كان التجديد الأوّل لهذا البناء سنة (١٣٥٨ هـ) ، وأمّا التجديد الثاني للمدرسة
فقد تمّ على نفقة جمع من المؤمنين من بينهم المرجع الديني الأكبر السيّد محسن الحكيم
وذلك سنة (١٣٨٤ هـ) ، وقد حوت المدرسة مكتبة عامة باسم (مكتبة الرسول الأعظم).
١٣ ـ مدرسة شريف العلماء
:
وهي إحدى المدارس الدينية المعروفة ، موقعها
في زقاق (كدا علي)
__________________
المتفرّع من شارع الإمام
الحسين عليهالسلام
، وإلى جانب المدرسة يقع مرقد العلاّمة الشيخ شريف العلماء المازندراني الحائري (ت
١٢٤٥ هـ). والمدرسة ذات طابقين ، وتحتوي على (٢٢) غرفة ، يسكنها طلاّب العلوم الدينية
، بينهم عدد من الطلاّب الأجانب ، قام بتأسيسها فقيه العصر السيّد محسن الطباطبائي
الحكيم وجعلها وقفاً على طلاّب العلوم الدينية في كربلاء والنجف الأشرف سنة (١٣٨٤ هـ).
١٤ ـ مدرسة البروجردي
:
أنشأها المرجع الديني الأكبر السيّد حسين
الطباطبائي البروجردي سنة (١٣٨١ هـ) وقد أنفق على تشييدها مبالغ باهضة ، .. فجاءت بنايتها
في غاية الإبداع في طرازها الهندسي ، وفنّها المعماري ، وهي ذات طابقين ، وتحتوي
على (٢٠) غرفة يسكنها بعض أهل العلم ، وقيل في تاريخ تشييدها :
زعامة الحسين لم تنصرم
|
|
عنا برغم الموت أيّامها
|
قد أعلن التاريخ (في هدمها
|
|
زفّت بنصر الله أعلامها)(١٣٨١ هـ)
|
١٥ ـ مدرسة الإمام الباقر عليهالسلام
:
أسّسها السيّد عماد الدين بن السيّد محمّد
طاهر البحراني سنة (١٣٨١
__________________
هـ) ، موقعها في محلّة
باب الخان ، قرب الفسحة ، وتحتوي على عدّة غرف يسكنها طلبة العلم ، وأنشئت فيها مكتبة
عامّة ، ومن نشاطات المدرسة إقامة الحفلات في المناسبات الدينية ، وإصدار بعض الكتب
الخاصّة بالتعليم الديني. وكانت هذه المدرسة من قبل حسينية خاصّة بالزائرين القادمين
من مدينة الكاظمية في المواسم والمناسبات الدينية ، ثمّ تولّى إدارتها السيّد عماد
الدين فحوَّلها إلى مدرسة.
١٦ ـ المدرسة الحسنية
:
«أنشأها الكسبة والتجّار الكربلائيّون سنة
(١٣٨٨ هـ) ، وتقع على بعد ٣٠ متراً شمال الروضة العبّاسية ، ومساحتها (٤٠٠) متر ، وفيها
(٢٨) غرفة يسكنها أهل العلم ، وأهمّ ما يدرّس فيها الفقه والأُصول والنحو والمنطق والتفسير
والأخلاق ، وتقام فيها الشعائر الدينية والاحتفالات ...». وقال بعضهم : إنَّ هذه
المدرسة أُقيمت بسعي الخطيب الشيخ حسن النائيني ، ومن تبرّعات المواطنين
الكويتيّين ، وهدّمت هذه المدرسة في السنوات الأخيرة.
١٧ ـ مدرسة الخطيب :
أسّسها الشيخ محمّد بن داود الخطيب سنة (١٣٥٧
هـ) ، ومقرّها في
__________________
محلّة المخيّم ، وفترة
الدراسة المقرّرة فيها خمس سنوات ، يتلقّى الطلاّب في صفوفها علوم العربية والعلوم
الدينية ، غير أنّها مدرسة شبه رسمية.
هذه هي أهمّ المدارس القديمة في حوزة كربلاء
العلمية ، وهنالك مدارس دينية قديمة أخرى بيد أنّها رسمية أو شبه رسمية ، ولها تاريخ
قديم يمتدّ ببعضها إلى أكثر من قرن من الزمن.
وبعد سقوط النظام البعثي عادت الحياة العلمية
إلى حوزة كربلاء المقدّسة ، بعد أن عاد إليها بعض أعلام مدرستها العلمية من آل الحائري
، والقزويني ، والشيرازي ، وافتتحت بعض المدارس الدينية فيها ... إلاّ أنّها لم ترقَ
إلى المستوى المطلوب ولم يقبل عليها طلاّب العلوم الدينية من أبناء كربلاء ، أو المدن
المجاورة لها ، لأسباب محدّدة لا مجال لذكرها ، ولهذا توجّه أُولئك الطلاّب صوب النجف
الأشرف.
كذلك لم ترق بحوث الدراسات العليا (البحث
الخارج) إلى المستوى الذي يعيد لهذه الحوزة مجدها التليد ، إذ لم يظهر من علمائها من
يشدّ إليه الرحال من الأقطار الأُخرى ، بل وجدنا بعض فضلاء كربلاء قد يمّم وجهه
صوب الحوزة العلمية في النجف ، وبدأ بالتدريس هناك ، ولهذه الظاهرة
__________________
أسبابها أيضاً.
المبحث الثالث :
خصائص التراث العلمي لحوزة كربلاء :
لقد خلّفت لنا حوزة كربلاء تراثاً علميّاً
كبيراً ، وصلنا الكثير منه جيلاً بعد جيل ، واستفدنا من معينه الثرّ ، فكان هذا التراث
ـ وبحقّ ـ حلقة الوصل (الذهبية) بين التراث الماضي لحوزة الحلّة وما سبقها والتراث
اللاحق لحوزة النجف الأشرف في دورها المزدهر والمتكامل على أيدي النابغين من
خرّيجي حوزة كربلاء.
وقبل أن نستعرض أبرز النماذج المهمّة لهذا
التراث العلمي ، لابدّ من الإشارة إلى بعض الخصوصيّات التي اتّسم بها النتاج العلمي
لعلماء حوزة كربلاء ، والذي يمكن تلخيصه بما يلي :
أوّلاً : السّعة والشمول
والإحاطة :
فقد حاول بعض علماء هذه الحوزة المباركة
التوسّع في المباحث العلمية ، في محاولة لاستيعاب الجزئيات المتعلّقة بها ، وهذا ما
نجده واضحاً في علمي الفقه والأحكام الشرعية ، وكذلك نجد الأمر أكثر وضوحاً في مجال
أُصول الفقه.
ثانياً : الدقّة العقلية
والعمق العلمي :
وهذا ما نلمسه بوضوح في نتاج مدرسة الوحيد
البهبهاني الأُصولي
والفقهي ، وقد يكون في
المجال الأوّل أوضح ، إذ نجد الدقّة العقلية والعمق العلمي متجلّية في أبحاثه الأُصولية
والفقهية ، وقد اكتسب هذه الصفة العلمية تلامذته وتلامذة تلامذته إذ نجد التراث الأُصولي
بعد فترة الشيخ الوحيد يتّسم بهذه الصفة.
ثالثاً : الاستجابة لمتطلّبات
العصر :
إذ كان علماء هذه الحوزة المباركة ـ في الغالب
ـ من المتبصّرين بمتطلّبات الزمان ، وكانوا يواكبون متطلّبات عصرهم ؛ وما كان يثار
فيه من إشكالات علمية أو عقائدية ، فكانوا يجيبون عنها ويردّون الشبهات المثارة
حولها ، كما هو الحال في ردودهم على شبهات المدرسة الأخبارية ، أو ما أثارته المدرسة
الرشتية الكشفية ، وغيرها من الأُمور.
وفيما يلي استعراض موجز لأهمّ ما وصلنا من
تراث علمي لحوزة كربلاء العلمية ، وما تميّز به هذا التراث من خصائص علمية.
أوّلاً : الفقه والأحكام
الشرعية :
وفي هذا الحقل العلمي وصلتنا كتب وأبحاث
؛ بل وموسوعات فقهية تمثّل قمّة العطاء الفقهي في مدرسة أهل البيت عليهمالسلام.
وفيما يلي استعراض موجز لنماذج من هذا التراث
الفقهي :
١ ـ كتاب المهذب البارع
في شرح المختصر النافع :
ومؤلّفه هو أبو العبّاس أحمد بن فهد الأسدي
الحلّي (ت ٨٤١ هـ) ، وهو
ينسب إلى حوزة الحلّة
ومدرستها العلمية باعتباره حلّي المولد والمنشأ ، وينسب إلى حوزة كربلاء باعتباره من
المهاجرين إليها والمتوفّين والمدفونين فيها.
وقد وصف المنهج الفقهي لابن فهد بأنّه :
«جمع بين المعقول والمنقول ، والفروع والأُصول ... بأحسن ما كان يجمع ويكمل»
، وله آثار فقهية متميّزة من أهمّها كتابه المهذّب البارع
والذي هو شرح لكتاب المختصر
النافع للمحقّق الحلّي ، ويعدّ هذا الكتاب من كتب
المراجع في الفقه الاستدلالي عند الشيعة الإمامية ، ونقل عنه الكثيرون ممّن جاؤوا بعد
مؤلّفه.
يقول الشيخ الطهراني عن كتاب المهذّب
: «أورد في كلّ مسألة أقوال الأصحاب وأدلّة كلّ قول ، وبيّن الخلاف في كلّ مسألة خلافية
، وعيّن المخالف وإن كان نادراً متروكاً ، وأشار إلى وجه التردّد من المصنّف لدليل
القدح في خاطره ، قال فيه : (... سمّيته بـ : المهذّب البارع في شرح المختصر النافع
، وإن شئت فسمّه : جامع
الدقائق وكاشف الحقائق) ، لأنّه لا يمرّ بمسألة
إلاّ جلاها غاية الجلاء ..».
كما أنّ لابن فهد نتاجاً فقهياً آخر تمثّل
في شرح الإرشاد (إرشاد
الأذهان) للعلاّمة الحلّي ، وهو أيضاً من المراجع
في الفقه الإمامي الاستدلالي
__________________
بالإضافة إلى كتابه الفقهي
الموسوم بـ : الموجز
الحاوي والذي يعدّ من المتون الفقهية المراجع.
٢ ـ كتاب الحدائق الناضرة
في أحكام العترة الطاهرة :
وهو للشيخ يوسف بن أحمد الدرازي البحراني
، وهو من أكابر العلماء المهاجرين إلى كربلاء والمتوفّين والمدفونين فيها سنة (١١٨٦
هـ).
وكتاب الحدائق
من أهمّ ما وصلنا من تراث كربلاء الفقهي ، وهو كتاب شهير ، ومن عيون الكتب الفقهية
الإمامية ، وناهيك به شهرة أن صار مُعرِّفاً لمؤلّفه الشهير ، فلم يكد شيخنا المحدّث
البحراني يعرف ثمّ يعرّف ولا يذكر ويميّز إلاّ بقولهم عنه صاحب الحدائق.
وكتاب الحدائق
من الكتب الفقهية الاستدلالية المرجعية المهمّة ، وقد سلك فيه مؤلّفه البحراني مسلك
المدرسة الأخبارية في الاستدلال ، وتميّز بمنهج علمي سار عليه في فصول وأبواب كتابه
الحدائق
وقد تحدّثنا عن الخطوط العامّة لمنهجه في مكان آخر ؛ فليراجع هناك.
٣ ـ كتاب مصابيح الظلام
في شرح مفاتيح شرايع الإسلام :
وهو للأُستاذ الأكبر الوحيد البهبهاني (ت
١٢٠٦ هـ) ، وهو شرح استدلالي على كتاب المحقّق المولى محسن الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١
هـ) والذي اختصره من كتابه معتصم
الشيعة والمتأخرون تلقّوه بالقبول وكتبوا
__________________
عليه الحواشي والشروح
، ويعتبر شرح الوحيد من أهم هذه الشروح وأعمقها ، «خرج منه كتاب الطهارة والصلاة والصوم
والزكاة والخمس ، وهو غير حاشيته على المفاتيح .. ، بل الشرح هذا كبير ينقل عنه جميع
تلاميذه ومن تأخّر عنه ، وكلّما يطلق في كتبهم شرح المفاتيح
فهو هذا الشرح ..».
وخلّف الشيخ الوحيد البهبهاني تراثاً علميّاً
تمثّل في كتب وأبحاث ورسائل وحواشي بلغت ما يقرب من ستّين كتاباً ، من أهمِّها كتابه
هذا المصابيح.
٤ ـ كتاب رياض المسائل
في تحقيق الأحكام بالدلائل :
وهو من تأليف السيّد علي الطباطبائي (ت ١٢٣١)
، وهو شرح لكتاب المختصر
النافع للمحقّق الحلّي ، وصفه الشيخ الطهراني بقوله
: «شرح مزجي دقيق متين ، متداول بين الفضلاء ، وقيل إنّه ملخّص المهذّب البارع والروضة
البهية والحدائق الناضرة
، وقيل : بل الأخيرين وكشف
اللثام وشرح المفاتيح للوحيد البهبهاني».
والسيّد علي الطباطبائي ابن أُخت العلاّمة
الوحيد ، وصهره على ابنته ، كما «إنّه كان يحضر درس صاحب الحدائق
ليلاً ـ سرّاً ـ لغاية اعتماده على فضله ومنزلته العلمية ، وحذراً من اطّلاع خاله العلاّمة
ـ الوحيد ـ عليه ، وإنّه
__________________
كتب جميع مجلّدات الحدائق
بخطّه الشريف».
٥ ـ كتاب كشف الغطاء عن
خفيّات مبهمات الشريعة الغرّاء :
وهو للشيخ جعفر الكبير (كاشف الغطاء) المتوفّى
عام (١٢٢٨ هـ) ، ويعتبر الشيخ جعفر من أبرز تلامذة الوحيد في حوزة كربلاء ، وبجهوده
وجهود السيّد مهدي بحر العلوم وغيرهم من تلامذة الوحيد نهضت حوزة النجف الأشرف في دورها
الثالث.
وكذلك يعتبر كتابه كشف الغطاء
ـ الذي اشتهر مؤلّفه به ـ من أهمّ الكتب الفقهية التي ورثناها من علماء حوزة كربلاء
، حيث أودع مؤلّفه فيه أهمّ القواعد والأُسس العلمية لعملية الاستنباط الفقهي ، حتّى
نقل عن الشيخ الأنصاري قوله : «إنّ من يفهم بإتقان القواعد الأُصولية التي ذكرها الشيخ
جعفر في أوّل كتابه كشف
الغطاء فهو عندي مجتهد».
٦ ـ كتاب مفتاح الكرامة
في شرح قواعد العلاّمة :
وهو شرح مبسوط لكتاب قواعد الأحكام
للعلاّمة الحلّي ، ألّفه أحد المبرّزين من تلامذة الشيخ الوحيد والشيخ جعفر كاشف الغطاء
، وهو السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي ، المتوفّى بالنجف أواخر سنة (١٢٢٦ هـ) ،
«وهو كتاب جليل ... فالجواهر بمفتاح كرامته استخرجت ، والهداية بمصباح رعايته
استضاءت ، بل سائر الكتب المبسوطة في الأحكام التقطت من أرقام صحائفه
__________________
الكرام».
ولا نريد أن نسترسل كثيراً بذكر النتاج الفقهي
الموسوعي لحوزة كربلاء العلمية ، فهناك الكثير من الكتب التي يمكن أن نذكرها في هذا
المجال ، وقد أشرنا إلى بعضها في ثنايا ترجمة بعض أعلام كربلاء.
ثانياً : في مجال أُصول
الفقه :
لقد ظهرت في حوزة كربلاء ابتكارات أُصولية
جديدة على يد الشيخ الوحيد البهبهاني ، وسار على منهجيّتها تلامذته وأتباع مدرسته العلمية
في كتبهم الأُصولية والفقهية.
كذلك ظهرت في هذه الفترة كتب أُصولية بمنهجية
جديدة مبتكرة نلاحظ من خلالها أنّ جملة من المباحث والعناوين الأُصولية التي تبنّتها
المدرسة السنّية والتي احتوتها كتب علم أُصول فقه الشيعة ولم يكن لها أيّ تأثير في
عملية الاستنباط لدى الشيعة قد حذفت تدريجيّاً من هذه الكتب الأُصولية الجديدة ، من
قبيل بحث القياس الأُصولي ، والاستحسان ، والمصالح المرسلة ، وسدّ وفتح الذرائع ، والاستقراء.
وهنالك الكثير من الابتكارات الأُصولية لدى
علماء حوزة كربلاء ، دوّنتها المؤلّفات الأُصولية التي تنتسب لهذه الفترة ، من قبيل
مسألة حجّية
__________________
القطع الحاصل من مقدّمات
عقلية ، وقضية تقديم الدليل العقلي القطعي على الدليل النقلي عند التعارض بينهما ،
وإجراء أصل البراءة في الشبهات الحكمية التحريمية ، والتفريق العلمي الدقيق بين الأمارات
والأُصول العملية ... إلى غير ذلك الكثير من الأفكار والابتكارات الأُصولية التي حوتها
أبحاث كتبهم الأُصولية.
وفيما يلي نماذج لأهمّ كتب علم أُصول الفقه
والتي ألّفها علماء حوزة كربلاء :
١ ـ الفوائد الحائرية
الأُصولية (العتيقة والجديدة) :
تحت هذا العنوان كتب الأُستاذ الأكبر الوحيد
البهبهاني فوائد في علم أُصول الفقه وتضمّنت أبحاثاً عن الأحكام الشرعية وكونها توقيفية
، والأمارات الفقهية وعظم خطرها ، وهكذا حتّى ينتهي إلى الفائدة السادسة والثلاثين
في شرائط الاجتهاد ... وعرفت بالفوائد
الأُصولية الأُولى العتيقة القديمة
وفرغ منها في عام (١١٨٠ هـ).
وله أيضاً الفوائد الحائرية الأُصولية الجديدة
ويقال له
الملحقات وهو أيضاً يتناول بعض الأبحاث الأُصولية
من قبيل جزئية شيء لواجب ، وإنّ الأصل في الجزء الركنية ... طبعت هذه الفوائد
بطبعات مختلفة ولها نسخ متعدّدة.
__________________
وللشيخ الوحيد البهبهاني كتب ومؤلّفات وحواشي
أخرى في هذا الجانب ، طرح فيها أفكاراً أُصولية مبتكرة ، وكرّس البعض منها في ردّ الشبهات
المثارة ضدّ المدرسة الأُصولية ، ودحض شبهات الأخباريّين ونظريّاتهم.
٢ ـ الفوائد الأُصولية
:
وهي للسيّد محمّد مهدي بحر العلوم (ت ١٢١٢
هـ) أحد أبرز تلامذة الشيخ الوحيد البهبهاني ، يصف الشيخ الطهراني هذه الفوائد بقوله
: «أوّله : [فائدة : قد جرت عادة الأُصوليّين بتعريف أُصول الفقه بكلا معنييه الإضافي
والعلمي] ، فيه خمس وأربعون فائدة نظير الفوائد الحائرية البهبهانية
..».
ويشير أحد الباحثين إلى وجود كتاب أُصولي
آخر للسيّد بحر العلوم عنوانه الدرّة
البهية.
٣ ـ كشف الغطاء عن خفيّات
مبهمات الشريعة الغرّاء :
وهو كتاب الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء
الذي تحدّثنا عنه سابقاً ، وقد قسّم الشيخ كتابه إلى ثلاثة أقسام ، وسمّى كلّ قسم منها
بـ : (فن) ، «وأفرد الفنّ الأوّل منه في أُصول الدين ، وسمّاه العقائد الجعفرية في
الكلام ، .. والفن الثاني في بعض المسائل الأُصولية ، والفنّ الثالث في الفروع الفقهية».
__________________
والشيخ جعفر الكبير وإن لم يدوّن مؤلّفاً
مستقلاًّ في علم أُصول الفقه ، إلاّ أنّ أفكاره الأُصولية العميقة قد أودعها في ثنايا
أبحاث كتابه كشف
الغطاء ، والذي تجد فيه أهمّ القواعد والأُسس للاجتهاد
والاستنباط الفقهي ، وتخرّج من محضر درسه كبار علماء الأُصول من أمثال صاحب الإشارات
، وصاحب حاشية المعالم وغيرهم.
٤ ـ الحدائق الناضرة في
أحكام العترة الطاهرة :
وهي الموسوعة الفقهية التي دوّنها المحدّث
الفقيه الشيخ يوسف البحراني ، والتي تحدّثنا عنها سابقاً.
والشيخ البحراني لم يترك مؤلّفاً مستقلاًّ
يتناول علم أُصول الفقه ، إلاّ أنّه كان فقيهاً وله مباني يستند إليها في الاستنباط
الفقهي ، وهذه المباني ضمّنها موسوعته الفقهية الحدائق
إذ «بدأ بإثنتي عشرة مقدّمة في مباني الأحكام ، آخرها في الفرق بين الأخباري والأُصولي
، وكتب بعض الأصحاب المقدّمات مستقلاًّ ، وشرح السيّد المقدّس الأعرجي ـ المقدّمة ـ
الأُولى والثانية ... وردّ على المقدّمات أيضاً بعض الأصحاب ..».
وللشيخ البحراني أيضاً كتاب الدّرر النجفية
والذي أفاض الكلام فيه حول المسائل الخلافية التي بين المجتهدين والأخباريّين ، وبين
رأيه في كلِّ مسألة مع إقامة البرهان عليه
، ومن خلال كلا الكتابين والنماذج التطبيقية
__________________
لاستدلالاته يمكن للباحث
أن يستخلص المنهج النظري للفقيه البحراني.
٥ ـ مفاتيح الأُصول :
وهو من مؤلّفات السيّد محمّد المجاهد بن
السيّد علي صاحب الرياض ، وهو كتاب مشهور في علم الأُصول : «وليس فيه مسألة مقدّمة
الواجب ، واجتماع الأمر والنهي ، ومسألة الضدّ ، وحجّية الظنّ ، وبعض مباحث الألفاظ
، نعم له حجّية الظنّ كتبه مستقلاًّ ... ونسخة خطّ يده الشريف في كربلاء في مجلّدين
: أوّلهما من بحث دلالة اللفظ إلى آخر النسخ ، وثانيهما إلى آخر الاجتهاد والتقليد
..» ، وله شرح على كتابه
أسماه : المصابيح
في شرح المفاتيح.
والذي يبدو من خلال وصف الشيخ الطهراني ،
أنّ كتاب مفاتيح
الأُصول يمثّل دورة أُصولية كاملة سوى بعض الأبحاث
المتعلّقة ببحث الأوامر وغيرها ، إلاّ أنّ نسخ الكتاب المتداولة قليلة وتعتمد على النسخة
الحجرية ولم ينل هذا الكتاب حظّه من التحقيق ولم يطبع طبعة حديثة.
٦ ـ القوانين المحكمة
في الأُصول :
للمحقّق الشيخ أبو القاسم بن المولى محمّد
حسن الجيلاني القمّي ،
__________________
المتوفّى في قم والمدفون
فيها سنة (١٢٣١ هـ) ، وهو من مشاهير علماء الإمامية ، أكمل دراسته الأوّلية في مسقط
رأسه ... «ثمّ هاجر إلى العراق وكانت هجرته أيّام زعامة الشيخ الوحيد فمكث في كربلاء
مدّة طويلة لازم فيها معهد درس الوحيد ... حتّى حصلت له الإجازة منه ، وله الرواية
عنه وعن الشيخ محمّد مهدي الفتوني ... ثمّ عاد إلى بلاده ... ثمّ انتقل إلى قم وتوفّي
فيها.
له مؤلّفات هامّة كثيرة ، من أهمّها وأشهرها
كتاب القوانين
المحكمة في الأُصول ، وهو من جلائل كتب هذا العلم
وأوعاها لدقائقه وغوامضه ، وقد رزق هذا الكتاب حظّاً وافراً ، ولاقى قبولاً حسناً ،
حيث أصبح من الكتب الدراسية ، فلا يستغني عن قراءته طالب من طلاّب العلم إلى عصرنا
، إلاّ أنّ أُستاذنا الخراساني لمّا ألّف الكفاية ضعفت
رغبة الناس به لطوله ، واتّجهوا إلى الكفاية
اتّجاهاً ما.
وقد عني بـ : القوانين
جماعة من العلماء فعلّقوا عليه التعاليق وكتبوا الحواشي ...
٧ ـ الفصول في علم الأُصول
:
وهو من مؤلّفات الشيخ محمّد حسين بن عبد
الرحيم الرازي الأصل ، والحائري المسكن والمدفن ، والشهير بصاحب الفصول
، والذي أخذ عن
__________________
أخيه الشيخ محمّد تقي
صاحب حاشية
المعالم (هداية المسترشدين).
ويعتبر كتاب الفصول
: «من كتب القراءة في هذا الفن ـ أي علم الأُصول ـ أورد فيه مطالب القوانين
وحلّها ، واعترض عليها ، وهو مشهور عند أهل هذا النوع».
٨ ـ ضوابط الأُصول :
للسيّد إبراهيم بن محمّد باقر القزويني الحائري
(ت ١٢٦٢ هـ) ، وكان تلميذ المولى شريف الدين محمّد ابن المولى حسن الآملي المعروف بشريف
العلماء المازندراني ، يقول المؤلّف في ديباجة كتابه : «إنّي حين قراءتي كتاب معالم الدين
كتبت أكثر مسائل العلم متفرّقة فأردت أن أجمع ما كان من مسائله في هذا الكتاب ورتّبته
على مقدّمة وخاتمة وفصول ...» وللمؤلّف كتاب أُصولي آخر اسمه نتائج الأفكار
الذي ألّفه بعد الضوابط
في سنة (١٢٢٣ هـ).
ولا ننسى في هذا المجال جهود الشيخ المولى
محمّد شريف المازندراني الحائري الشهير بشريف العلماء والذي كان : «من أعاظم العلماء
في عصره»
، وكان يمثّل مدرسة في علم الأُصول تخرّج منها أساطين علم
__________________
الأُصول من أمثال صاحب
الضوابط
، والشيخ مرتضى الأنصاري صاحب الرسائل وغيرهم
، ولهذا يمكن نسبة النتاج العلمي للشيخ الأنصاري في علم الأُصول والفقه إلى مدرسة كربلاء
باعتباره من تلامذة شريف العلماء المازندراني.
وقد ذكرنا سابقاً أنّ شريف العلماء المازندراني
كان له أُسلوبه الخاصّ في التعليم والتدريس والتربية فكان له درس مع المبتدئين ، ودرس
آخر للمنتهين ، وقد حرص على تفهيم طلاّبه بأساليب راقية ... وكان يرفع طلاّبه إلى
أوج الاجتهاد بمدّة قصيرة لغزارة علمه وحسن تفهيمه ، .. وكان لا يفتر عن التدريس والمذاكرة
ليلاً ونهاراً ... ولذلك قلّ نتاجه العلمي ولم يمكن له في عالم التأليف ما يتناسب وعظيم
مكانته ، كما أنّه لم يخرج ما كتبه إلى البياض.
ويذكر السيّد الصدر في ترجمته : «إنّ شريف
العلماء كان من تلامذة السيّد صدر الدين ، وكان السيّد يمنعه من كثرة التعمّق في أُصول
الفقه ، ويأمره بالتعمّق في الفقه».
مهما يكن من أمر فإن مدرسة كربلاء قد خلّفت
لنا تراثاً علميّاً في علمي الفقه والأُصول لا زال مورد عناية طلاّب العلم.
__________________
ثالثاً : العلوم والمعارف
الأُخرى :
ولم يقتصر التراث العلمي لمدرسة كربلاء على
علمي (الفقه والأُصول) فقط ، وإنّما ألّف علماؤها في العلوم الأُخرى ، وكانت كتاباتهم
استجابة لمتطلّبات العصر ، وما يستجدُّ فيها من وقائع ، وما كان يثار فيها من شبهات
حول المسائل العقائدية والمذهبية ، فكتبوا في التفسير وعلوم القرآن ، وكتبوا في ردّ
شبهات المدرسة الأخبارية ، وألّفوا في مجال الردّ على أفكار الشيخ الأحسائي وتلميذه
الشيخ كاظم الرشتي والتي انتشرت من خلال ما يعرف بعقائد الكشفية ...
وقد ذكرنا أسماء بعض هذه المؤلّفات والكتب
في ثنايا تراجم بعض العلماء الأعلام في مدرسة كربلاء.
المبحث الرابع :
الأوضاع المالية والمعيشية
لطلاّب حوزة كربلاء العلمية :
لقد اعتمدت حوزة كربلاء العلمية ـ كغيرها
من الحوزات العلمية في الأقطار الشيعية ـ على مصادر مالية متنوّعة يمكن إجمالها بما
يلي :
أوّلاً : أموال الأوقاف
:
وهي أموال جليلة كان يتولاّها بعض علماء
كربلاء ، وتصرف بإشرافهم على شؤون الحوزة العلمية وتعمير المراقد الشريفة ، وبناء المدارس
العلمية.
وقد مرّ بنا سابقاً في ترجمة السيّد محمّد
مهدي الشهرستاني (ت ١٢١٦
هـ) ما ذكره السيّد الأمين
من أنّ : «جدّه الميرزا فضل الله الشهرستاني الوزير الأعظم للشاه طهماسب الأوّل الصفوي
والواقف للأوقاف العظيمة في كثير من مدن إيران التي خصّص ريعها على مراقد الأئمّة الأطهار
... فقام بإصلاحات كثيرة في الحضرة الحسينية والصحن الحسيني مستفيداً من المال الذي
يرد عليه من موقوفات جدّه الأعلى ... لا سيّما وإنّه كان المتولّي عليها ؛ لأنّه كان
أرشد أولاد الواقف وأعلمهم حينذاك».
كذلك مرّ بنا في ترجمة الشيخ عبد الحسين
الطهراني (ت ١٢٨٦ هـ) الذي تولّى الوصيّة على ثلث أموال الصدر الأعظم ، فقام بتعمير
المشاهد ، وتأسيس (مدرسة الصدر الأعظم) والمكتبات «وغير ذلك من الآثار الخالدة في غرّة
الدهر ، وخلّف لنفسه ذكراً طيّباً في مراقد الأئمّة عليهمالسلام
يقرن بالرحمة وطلب المغفرة».
كذلك نجد للشيخ كاظم الرشتي (ت ١٢٥٩ هـ)
خدمات جليلة ومشاريع هامّة من خلال أموال الوقف والتبرّعات التي كان يتولاّها بإذن
أهلها.
وخلاصة الأمر ، كانت ولا زالت أموال الوقف
والتي يتولاّها ـ غالباً ـ العلماء والفقهاء والمراجع من أهمّ الروافد المالية للحوزات
العلمية عامّة ، ولحوزة كربلاء العلمية خاصّة.
__________________
ثانياً : أموال التبرّعات
:
وهي أموال طائلة كان يتبرّع بها بعض الشخصيّات
المتموّلة من أُمراء وملوك وتجّار ... وخاصّة ما كان يفد من بلاد الهند لبعض علماء
كربلاء.
فقد جاء في ترجمة السيّد المير علي الطباطبائي
(ت ١٢٣١ هـ) صاحب
الرياض : «وكان في أوّل أمره يكتب بكتابة الأكفان
وهو مشغول بتصنيف الرياض
، ثمّ انفتح عليه باب الهند في الدولة الشيعية ، وصارت الدراهم عنده كأكوام الحنطة
، حتّى اشترى دور الكربلائيّين من أربابها ووقفها على سكّانها وأهلها جيلاً بعد جيل
، وبنى سور كربلاء ... وروّج الدين بكلّ قواه ، وبذل في سبيل ذلك كلّ لوازمه ، وعظّم
أهل العلم فقدّمهم وبارك الله في كلّ أُموره».
وجاء في ترجمة السيّد علي نقي ابن السيّد حسن (ت ١٢٨٩ هـ) حفيد السيّد المجاهد : «ثنيت
له الوسادة تدريساً وتقليداً وكان يأتيه الوجوه ، غير ما كان بيده من (الوثيقة الهندية)
وهي في كلّ شهر خمسة آلاف روپّية يفرّقها على الفقراء».
والذي يبدو أنّ المراد من الوثيقة الهندية
هي أموال (أوده) وهي أموال شهرية ثابتة كانت تصل من الهند لحوزتي النجف وكربلاء ، وتعرف
بعطيّة (أوده) وقد أشرنا إليها ضمن حديثنا عن الأوضاع المالية لحوزة النجف الأشرف.
__________________
وقد أشار السيّد الأمين إلى الأموال الوافدة
من الهند في ثنايا ترجمة السيّد محمّد باقر الحجّة المتوفّى عام (١٣٣١ هـ) وهو أيضاً
حفيد السيّد محمّد المجاهد ، فقال : «... وكان بيده تقسيم الأموال المعروفة بفلوس الهند
، المعيّن نصفها لأهل النجف الأشرف ، والنصف الآخر لأهل كربلاء».
ثالثاً : الحقوق الشرعية
:
وهي حقوق ثابتة في أموال المؤمنين تدفع للفقيه
والمرجع في زمانه ، وتصرف في العناوين المخصّصة للصرف فيها ، ومنها سهم في سبيل الله
، والذي يصرف في ترويج الدين ، والتعليم ، وطباعة الكتب ، وبناء المدارس ... وغيرها
من المصاديق التي ينطبق عليها سهم في (سبيل الله) من أموال الحقوق الشرعية.
المبحث الخامس :
حوزة كربلاء والأوضاع
السياسية :
لقد رافقت المسيرة التاريخية لحوزة كربلاء
، أحداثاً سياسيةً كبيرةً ، وقعت في العراق أو في البلد المجاور لها (إيران) ، وكان
لعلماء ومراجع هذه الحوزة المباركة دورهم الفاعل والمؤثّر في مجريات هذه الأحداث ؛
وهي سلسلة أحداث كثيرة متلاحقة لا يمكن لنا استيعاب جميع مفرداتها وإنّما
__________________
نشير إلى بعض منها باختصار.
يقول الباحث والمؤرّخ العراقي ميربصري :
«كانت كربلاء ولا تزال مركزاً ثقافيّاً إسلاميّاً تعاقبت عليها العهود في عصورها الأخيرة
، أغار عليها الوهابيّون سنة (١٨٠١ م) ، وحاصرها والي بغداد محمّد نجيب باشا سنة
(١٨٤٢ م) ، وانتفضت على الأتراك في أثناء الحرب العظمى الأُولى ، ثمّ ثارت على الإنكليز
سنة (١٩٢٠ م) وأُلّفت الحكومة الوطنية في أواخر تلك السنة فأصبح السيّد محمّد مهدي
آل بحر العلوم الطباطبائي وزيراً للمعارف والصحّة سنة (١٩٢١ م) ، ثمّ عهد بوزارة المعارف
في أيلول من نفس السنة إلى السيّد محمّد علي هبة الدين الحسيني الشهرستاني الحائري».
هذا الإجمال الذي ذكره المؤرّخ لموقع كربلاء
من الأحداث السياسية فصّلته الكتب التي تحدّثت عن تاريخ العراق السياسي الحديث من أمثال
كتاب المحامي عبّاس العزاوي الموسوم بـ : تاريخ العراق بين الاحتلالين ، وكذلك كتاب
الدكتور علي الوردي لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، بالإضافة إلى كتاب حنّا
بطاطو العراق ، وكذلك كتب عبد الرزّاق الحسني حول العراق ، وغيرها عشرات الكتب التي
تحدّثت عن تاريخ العراق السياسي والاجتماعي ، وعن كربلاء ودورها في تلك الأحداث السياسية
والمنعطفات التاريخية ، ممّا لا يسع المجال لذكرها.
__________________
وخلاصة الأمر ، لقد كان لعلماء كربلاء وحوزتها
العلمية دور مشرّف ومشاركة فاعلة في تلك الأحداث من خلال الفتاوى الجهادية كفتوى الشيخ
محمّد تقي الشيرازي الشهيرة ، أو في حمل راية الجهاد للذبّ عن البلاد الإسلامية كما
هو الحال في جهاد السيّد محمّد بن السيّد مير علي الطباطبائي المعروف بالسيّد المجاهد
، وقد أشرنا إلى ذلك في ثنايا ترجمة أُولئك الأعلام (رضوان الله عليهم).
تلخيص واستنتاج لأهمّ
معالم الحوزة العلمية في كربلاء وأدوارها :
بعد هذه الجولة الطويلة والممتعة في سبر
تاريخ حوزة كربلاء العلمية ، لابدّ لنا من وقفة خاتمة عند أهمّ مفردات البحث يتمّ من
خلالها تلخيص واستنتاج أهمّ المعالم والأدوار التي مرّت بها هذه الحوزة العلمية العريضة
:
أوّلاً
: لم تكن أرض كربلاء قبل واقعة الطفّ بداية
سنة (٦١ هـ) واستشهاد الإمام الحسين بن علي وأهل بيته وأصحابه عليهمالسلام فيها سوى صحراء
قاحلة ليس فيها أيّ معالم مَدنية أو حضرية سوى بعض الآثار التاريخية التي تنتشر في
المناطق المجاورة لها وهي من آثار الحضارات القديمة.
ثانياً
: اكتسبت أرض كربلاء مكانة وقدسية خاصّة في
نفوس المسلمين والموالين لأهل البيت عليهمالسلام
بعد أن تضمّنت المرقد الطاهر للإمام الحسين عليهالسلام
وأخذت تتوافد لزيارته آلاف الزوّار رغم الوضع الأمني الخطير الذي كان يحفّ بهذه الزيارة
والتي قد تبلغ إلى درجة التصفية الجسدية أو الاعتقال والسجن.
ثالثاً
: جهد الجهاز الحاكم المتمثّل ببعض الخلفاء
الأمويّين ، وتبعهم بعض خلفاء بني العبّاس على منع المؤمنين من زيارة الإمام الحسين عليهالسلام وتعرّض القبر الشريف
والدور المحيطة به إلى الاعتداء والهدم ولأكثر من مرّة.
رابعاً
: رغم كلّ الظروف الأمنية المشدّدة التي اتّخذها
الجهاز الحاكم
آنذاك إلاّ أنّ (مدينة
كربلاء) أخذت تظهر كمدينة إسلامية لها معالمها العمرانية ، وأخذ الكثير من المؤمنين
من هذه المدينة المقدّسة مسكناً لهم ومحلاًّ لمعاشهم.
خامساً
: شهد المرقد الشريف للإمام الحسين وأخيه
أبي الفضل العبّاس بن علي عليهماالسلام
ولفترات زمنية متلاحقة حركة إعمار وبناء وتوسعة كبيرة شمل القباب والمنائر والصحن والأواوين
والغرف المحيطة بها ، ولا زالت حركة العمران والبناء مستمرّة إلى يومنا هذا.
سادساً
: حاول بعض الكتّاب والمؤرّخين من أبناء كربلاء
أن يؤرّخوا للحركة العلمية في بلدهم (كربلاء) من زمن الأئمّة عليهمالسلام ، وذكروا وفود بعض أئمّة
أهل البيت على المدينة واتّخاذهم منها سكناً لهم ولفترات متقطّعة من الزمن ، قاموا
خلالها بالتدريس والتعليم و...
إلاّ أنّ البحث التاريخي في حياة الأئمّة
عليهمالسلام
لا يثبت هذه الدعوى ؛ نعم زار بعض أئمّة أهل البيت عليهمالسلام
مرقد الإمام الحسين عليهالسلام
وحثّوا شيعتهم على زيارته ، إلاّ أنّهم لم يتّخذوا من كربلاء سكناً لهم فضلاً من أن
تكون لهم فيها حوزة درس وإفادة.
سابعاً
: ويُرجع بعض آخر من الكتّاب والمؤرّخين الحركة
العلمية في كربلاء إلى أواخر القرن الثالث ومطلع القرن الرابع الهجري على أثر نبوغ
__________________
الزعيم الديني (حميد بن
زياد النينوي) ويعتبره : «مؤسّس جامعة العلم في كربلاء».
وهو رأي صحيح تدعمه الأدلّة والشواهد التاريخية التي ذكرت في ثنايا البحث.
ثامناً
: شهدت الحركة العلمية في كربلاء ومن القرن
الرابع الهجري وما تلاها من القرون المتلاحقة نهضة علمية تكاملية متجدّدة ، ومرّت بأدوار
متعدّدة ؛ ولكلّ دور منها معالمه وسماته وأعلامه وآثاره العلمية.
تاسعاً
: تزعّمت الحوزة العلمية في كربلاء المرجعية
الفكرية والعلمية للحوزات العلمية ، وبرز فيها علماء كبار تشدّ إليهم الرحال ، فوفد
إليها الكثير من طلاّب العلم من الأقطار الإسلامية ، كانت لهم آثارهم العلمية والفكرية
وخدماتهم العمرانية والحضارية ، وافتتح فيها الكثير من المدارس الدينية والحوزات العلمية.
عاشراً
: شهدت حوزة كربلاء انتعاشاً اقتصاديّاً وماليّاً
نتيجة تدفّق الأموال إليها من عائدات الأوقاف ، وأموال التبرّعات ، والحقوق الشرعية.
حادي
عشر : خلّفت لنا هذه الحوزة المباركة تراثاً علميّاً
في مجالي الفقه والأُصول لا زال يمثّل القمّة في العطاء العلمي ، ويعتبر من المصادر
العلمية بين العلماء والفقهاء والباحثين. وأخذ بعض منها مجاله ككتاب تعليمي
وتدريسي.
__________________
أدوار الحوزة العلمية
في كربلاء :
مرّت الحوزة العلمية في كربلاء بأدوار متعدّدة
يمكن تلخيصها بما يلي :
١ ـ الدور الأوّل : دور التأسيس :
وهو الدور الذي يبدأ من نهاية القرن الثالث
ومطلع القرن الرابع الهجري بظهور المحدّث والفقيه حُميد بن زياد (ت ٣٢٠ هـ) ، مروراً
بفقهاء كبار من أمثال هشام بن الياس الحائري (ت ٤٩٠ هـ) وعماد الدين الطوسي
المكنّى بابن حمزة صاحب كتاب
الوسيلة وغيرهم من العلماء حتّى نهاية القرن الثامن
الهجري.
٢ ـ الدور الثاني : دور التوسّع والازدهار
:
وهو الدور الذي يبدأ من القرن التاسع الهجري
، من خلال هجرة الشيخ أحمد بن فهد الحلّي (ت ٨٤١ هـ) إليها ، إذ «ازدهرت المعاهد الدينية
في عهده ...
وزخرت مدينة الحسين واكتظّت جوامعها ومدارسها
وقاعات الدرس فيها ...»
، مروراً بفقهاء آخرين من أمثال الشيخ إبراهيم الكفعمي (ت ٨٩٥ هـ) وغيرهما من أعلام
القرن التاسع والعاشر والحادي عشر ، حتّى منتصف القرن الثاني عشر حيث يختتم هذا الدور
بمدرّس الطفّ الشهيد السعيد السيّد
__________________
نصر الله الفائزي الحائري
(استشهد ١١٥٨ هـ على رواية)».
٣ ـ الدور الثالث : دور التكامل العلمي :
وهو الدور الذي يبدأ بالشيخ يوسف البحراني
(ت ١١٨٦ هـ) والشيخ الوحيد البهبهاني (ت ١٢٠٥ هـ) ، وتستمرّ حركتها التكاملية من خلال
أعلام تلامذة وتلامذة تلامذة هذين العلمين ، وحتّى بعد انتقال زعامة الحوزة العلمية
إلى النجف الأشرف من خلال هجرة بعض طلاّب الشيخ الوحيد إليها.
__________________
المصادر
١ ـ أبو الشهداء الإمام الحسين
: العقّاد ـ عبّاس محمود ، طبعة مصر ، وطبعة المجمع العالمي للتقريب ، تحقيق : محمّد
جاسم الساعدي ، الطبعة الأولى (١٤٢٥ هـ ـ ٢٠٠٤ م).
٢ ـ أحسن الوديعة في تراجم أشهر مجتهدي الشيعة
: الكاظمي ـ محمّد مهدي ، طبعة دار الهادي ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٣
م).
٣ ـ أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث
: لونكريك ـ ستيفن ، ترجمة : جعفر الخيّاط ، أُفست الطبعة الرابعة ، المكتبة الحيدرية
ـ قم (١٤٢٥ هـ).
٤ ـ أعلام هجر من الماضين والمعاصرين
: الشَّخص ـ هاشم محمّد ، طبعة مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلامية ـ قم ، الطبعة الثالثة
(١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م).
٥ ـ أعيان الشيعة
: الأمين ـ محسن بن عبد الكريم بن علي بن محمّد الأمين الحسيني العاملي الدمشقي (ت
١٣٧١ هـ) ، حقّقه : السيّد حسن الأمين ، طبعة دار التعارف للمطبوعات ـ بيروت ، الطبعة
الخامسة (١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٨ م).
٦ ـ أمل الآمل في تراجم علماء جبل عامل
: الحرّ العاملي ـ محمّد بن الحسن بن علي الشهير بـ : (الحرّ العاملي) (ت ١١٠٤ هـ)تحقيق
: أحمد الحسيني ، طبعة مكتبة الأندلس ـ بغداد ، (بلا ـ ت).
٧ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة
الأطهار : المجلسي ـ محمّد باقر (ت ١١١١ هـ) ، تحقيق
ومراجعة وتقديم : الشيخ محمود درياب ومجموعة من العلماء ، طبعة دار التعارف للمطبوعات
، الطبعة الأولى (١٤٢١ هـ ـ ٢٠٠١ م).
٨ ـ بحث بعنوان
: (كربلاء ودورها العلمي والمرجعي) : الأسدي ـ محمّد هادي ، ضمن بحوث كتاب (دراسات
حول كربلاء ودورها الحضاري) ، طبعة مؤسّسة الزهراء ـ الكويت ، الطبعة الأولى ، (بلا
ـ ت).
٩ ـ تاريخ آداب اللغة العربية
: زيدان ـ جرجي ، طبعة بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر ـ بيروت ، مراجعة
: محمّد البقاعية ، الطبعة الأولى (١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٦ م).
١٠ ـ تاريخ الأُمم والملوك المعروف بتاريخ الطبري
: الطبري ـ أبو جعفر محمّد بن جرير (ت ٣١٠ هـ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم ،
طبعة روائع التراث العربي ـ بيروت ، لبنان.
١١ ـ تاريخ بغداد
: الخطيب البغدادي ـ أحمد بن علي (ت ٤٦٣ هـ) تحقيق : مصطفى عبد القادر ، طبعة دار الكتب
العلمية ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٧ م).
١٢ ـ تاريخ پانصد ساله خاندان شهرستاني
(بالفارسية) : هاشمي ـ محمّد قاسم ، طبعة إصفهان (١٤٢٣ هـ).
١٣ ـ تاريخ التشريع الإسلامي
: الفضلي ـ عبد الهادي ، طبعة مؤسّسة دار الكتاب الإسلامي ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤١٤
هـ ـ ١٩٩٣ م).
١٤ ـ تاريخ الحركة العلمية في كربلاء
: الشاهرودي ـ نور الدين ، طبعة دار العلوم ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤١٠ هـ ١٩٩٠
م).
١٥ ـ تاريخ فقه وفقهاء
(بالفارسية) : گرجي ـ أبو القاسم ، طبعة سازمان مطالعه وتدوين كتب علوم انساني ـ
طهران (١٣٧٧ هـ).
١٦ ـ تاريخ كربلاء وحائر الحسين
: الكليدار ـ عبد الجواد ، طبعة أُفست الشريف الرضي ـ قم (١٤١٨ هـ).
١٧ ـ تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة
: الفيّاض ـ عبد الله ، قدّم له : السيّد محمّد باقر الصدر ، طبعة مؤسّسة الأعلمي
ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٣٩٥ هـ ـ ١٩٧٥ م).
١٨ ـ تاريخ المؤسّسة الدينية الشيعية من العصر
البويهي إلى نهاية العصر الصفوي
: القزويني ـ جودت ، طبعة دار الرافدين ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٦ هـ).
١٩ ـ تراث كربلاء
: آل طعمة ـ سلمان هادي ، طبعة مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ، الطبعة الثانية
(١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م).
٢٠ ـ تطور حركة الاجتهاد عند الشيعة الإمامية
: آل قاسم ـ عدنان فرحان ، طبعة دار السلام ـ بيروت ، الطبعة الثالثة (١٤٣٣ هـ ـ ٢٠١٢
م).
٢١ ـ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة
: الحرّ العاملي ـ محمّد بن الحسن (ت ١١٠٤ هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم ،
الطبعة الأولى (١٤٠٩ هـ).
٢٢ ـ تكملة أمل الآمل
: الصدر ـ حسن (ت ١٣٥٤ هـ) ، تحقيق : حسين علي محفوظ وآخرون ، طبعة دار المؤرّخ العربي
ـ بيروت (١٤٢٩ هـ ـ ٢٠٠٨ م).
٢٣ ـ الحدائق الناضرة في فقه العترة الطاهرة
: البحراني ـ يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي البحراني (ت ١١٨٦ هـ) المقدّمة ، نشر
علي الآخوندي ـ النجف الأشرف (١٩٥٧ م).
٢٤ ـ حديقة الزوراء في سيرة الوزراء
: السويدي ـ عبد الرحمن (ت ١٢٠٠ هـ) ، تحقيق : عماد عبد السلام رؤوف ، طبعة منشورات
المجمع العلمي ـ بغداد (١٤٢٣ هـ ـ ٢٠٠٣ م).
٢٥ ـ الحوزات العلمية في الأقطار الإسلامية
: الصالحي ـ عبد الحسين ، طبعة بيت العلم ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٥ هـ ـ ٢٠٠٤
م).
٢٦ ـ خاتمة
: النوري ـ ميرزا حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي الشهير بالمحدّث النوري ، طبعة
وتحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤٠٧ هـ).
٢٧ ـ الدراسة وتاريخها في النجف الأشرف
، موسوعة النجف الأشرف : بحر العلوم ـ محمّد.
٢٨ ـ الدرر النجفية
: البحراني ـ يوسف بن أحمد بن إبراهيم الدرازي (ت ١١٨٦هـ) ،
طبعة أُفست على النسخة الحجرية ، مؤسّسة
آل البيت عليهمالسلام
للطباعة والنشر ـ قم ، (بلا ـ ت).
٢٩ ـ الذريعة إلى مصنّفات الشيعة
: الطهراني آقا بزرك ـ محسن (ت ١٣٨٩ هـ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٣٠ ـ رحلة ابن بطوطة
: ابن بطوطة ـ أبو عبد الله محمّد بن عبد الله الطنجي (ت ٧٧٩ هـ) ، شرح وتعليق : طلال
حرب ، طبعة دار الكتب العلمية ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٤٢٣ هـ ـ ٢٠٠٢ م).
٣١ ـ رحلة ابن جبير
: ابن جبير ـ محمّد بن أحمد الأندلسي (ت ٦١٤ هـ) ، طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت
، (بلا ـ ت).
٣٢ ـ روضات الجنّات في تراجم العلماء والسادات
: الخوانساري ـ محمّد باقر (ت ١٣١٣ هـ) ، طبعة مكتبة إسماعيليان ـ قم (١٣٩٠ هـ).
٣٣ ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء
: أفندي ـ الميرزا عبد الله أفندي الإصفهاني (من أعلام القرن الثاني عشر) ، تحقيق :
أحمد الحسيني ، طبعة مكتبة المرعشي ـ قم (١٤٠٣ هـ).
٣٤ ـ ريحانة الأدب في تراجم المعروفين بالكنية
واللقب (بالفارسية) : مدرّسي ـ محمّد علي
، طبعة شفق ـ تبريز إيران ، الطبعة الثالثة (بلا ـ ت).
٣٥ ـ السيّد كمال الحيدري
: هدّو ـ حميد مجيد ، طبعة مؤسّسة الهدىـ قم (١٤٢٣ هـ ٢٠١١ م).
٣٦ ـ شهداء الفضيلة
: الأميني ـ عبدالحسين (ت ١٣٩٠هـ) طبعة دار الشهاب ـ قم.
٣٧ ـ طبقات أعلام الشيعة
: الطهراني آقا بزرك ـ محسن (ت ١٣٨٩هـ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة
الأولى (١٤٣٠ هـ ـ ٢٠٠٩ م).
٣٨ ـ الطليعة من شعراء الشيعة
: السماوي ـ محمّد ، تحقيق : كامل سلمان الجبوري ، طبعة دار المؤرّخ العربي ـ
بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٢ هـ ـ ٢٠٠١ م).
٣٩ ـ الأعلام
: الزركلي ـ خير الدين (ت ١٣٩٦ هـ) ، طبعة دار العلم للملايين ـ بيروت ، الطبعة الرابعة
عشرة (١٩٩٩ م).
٤٠ ـ الأغاني :
الإصفهاني أبو الفرج ـ علي بن الحسين (ت ٣٥٦ هـ) تحقيق : عبد علي مهنّا ، طبعة دار
الفكر ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٦ م).
٤١ ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب
: الأميني ـ عبد الحسين (ت ١٣٩٠ هـ) ، تحقيق : مركز الغدير للدراسات الإسلامية ـ قم
، الطبعة الأولى (١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥ م).
٤٢ ـ الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية
: ابن الطقطقا ـ محمّد بن علي ابن طبطبا المعروف بابن الطقطقا (ت ٧٠٩ هـ) ، طبعة دار
صادر ـ بيروت ، (بلا ـ ت).
٤٣ ـ الفقه في جنوب لبنان
: الحسيني ـ محمّد طاهر ، طبعة دار المحجّة البيضاء ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٣٠
هـ ـ ٢٠٠٩ م).
٤٤ ـ الفوائد الرضوية في أحوال علماء مذهب الجعفرية
: القمّي ـ عبّاس بن محمّد رضا بن أبي القاسم (١٣٥٩ هـ) ، المطبعة المركزية ـ طهران
(١٣٢٧ ش).
٤٥ ـ فهرست كتب الشيعة وأُصولهم
: الطوسي ـ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق وتقديم : عبد العزيز
الطباطبائي ، طبعة مؤسّسة آل البيت : لإحياء التراث ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤٢٠
هـ).
٤٦ ـ قادة الفكر الديني في النجف
: الصغير ـ محمّد حسين ، طبعة مؤسّسة البلاغ ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٩ هـ ـ ٢٠٠٨
م).
٤٧ ـ الكامل في التاريخ
: ابن الأثير ـ عز الدين أبي الحسن علي بن محمّد أبي الكرم الجزري (ت ٦٣٠ هـ) ، تحقيق
: علي شيري ، طبعة دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٩
م).
٤٨ ـ كربلاء ، ذكريات ولمحات
: ميربصري ، بحوث ودراسات حول كربلاء.
٤٩ ـ كربلاء في الأرشيف العثماني
: قايا ـ دليلك ، دراسة وثائقية بإشراف وتقديم : د. زكريّا قورشون ، طبعة الدار العربية
للموسوعات ـ بيروت (١٤٢٨ هـ ـ ٢٠٠٨ م).
٥٠ ـ لسان العرب
: ابن منظور ـ محمّد بن مكرّم بن علي (ت ٧١١ هـ) طبعة دار إحياء التراث العربي ـ
بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٠٨ هـ ـ ١٩٨٨ م).
٥١ ـ لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث
: الوردي ـ علي ، طبعة أُفست المكتبة الحيدرية.
٥٢ ـ لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث
: البحراني ـ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البحراني الدرازي (ت ١١٨٦هـ) ، تحقيق : محمّد
صادق بحر العلوم ، طبعة أُفست مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
للطباعة والنشر (بلا ـ ت).
٥٣ ـ ماضي النجف وحاضرها
: محبوبة ـ جعفر باقر (ت ١٣٧٧ هـ) ، طبعة دار الأضواء ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٤٣٠
هـ ـ ٢٠٠٩ م).
٥٤ ـ الإمام الحسين
: العلايلي ـ عبد الله ، (سموّ المعنى في سموّ الذات ، أو : أشعّة من حياة الحسين)
، طبعة دار مكتبة التربية ـ بيروت (١٩٧٢ م).
٥٥ ـ مجلّة لغة العرب
: الكرملي ـ الأب انستاس ماري ، (مجلّة شهرية أدبية علمية تاريخية) ، طبعة دار الحرية
ـ بغداد (١٣٩١ هـ ـ ١٩٧١ م).
٥٦ ـ المدارس العلمية في كربلاء
: الأنصاري ـ رؤوف (بحث منشور ضمن بحوث ندوة دراسات حول كربلاء ودورها الحضاري) ، طبعة
الزهراء ـ الكويت ، (بلا ـ ت).
٥٧ ـ مراقد المعارف
: حرز الدين ـ محمّد (ت ١٣٦٥ هـ) تحقيق : محمّد حسين حرز الدين ، أُفست الطبعة الأولى
، انتشارات سعيد بن جبير ـ قم (١٩٩٢ م).
٥٨ ـ معادن الجواهر ونزهة الخواطر
: الأمين ـ محسن بن عبدالكريم العاملي (ت ١٣٧١ هـ) ، طبعة دار الزهراء ـ بيروت (١٤٠٣
هـ ١٩٨٣ م).
٥٩ ـ معارف الرجال في تراجم العلماء والأُدباء
: حرز الدين ـ محمّد (ت ١٣٦٥هـ) ، علّق عليه محمّد حسين حرز الدين ، طبعة مكتبة المرعشي
ـ قم (١٤٠٥ هـ).
٦٠ ـ المعالم الجديدة للأُصول
: الصدر ـ محمّد باقر (ت ١٤٠١ هـ) ، طبعة المجمع العالمي للإمام الشهيد الصدر ، الطبعة
الثالثة (١٤٢٩ هـ).
٦١ ـ معجم البلدان
: الحموي ـ شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت (ت ٦٢٦ هـ) ، طبعة دار إحياء التراث العربي
ـ بيروت ، (بلا ـ ت).
٦٢ ـ معجم مقاييس اللغة
: ابن فارس ـ أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا (ت ٣٩٥ هـ) ، حقّقه : شهاب الدين أبو
عمرو ، طبعة دار الفكر ـ بيروت (١٤١٤ هـ).
٦٣ ـ معجم المؤلّفين
: كحّالة ـ عمر رضا ، تراجم مصنّفي الكُتب العربية ، مكتبة المثنّى ، طبعة دار إحياء
التراث العربي ـ بيروت (١٤٠٩ هـ).
٦٤ ـ مع مؤتمر علماء النجف
: عياد عبد السلام رؤوف ، طبعة بغداد.
٦٥ ـ مقتل الحسين :
الخوارزمي ـ أبي المؤيّد الموفّق بن أحمد المالكي أخطب خوارزم (ت ٥٦٨ هـ) ، تحقيق :
الشيخ محمّد السماوي ، طبعة مكتبة المفيد ـ قم ، (بلا ـ ت).
٦٦ ـ مقدّمة رياض المسائل للسيّد علي الطباطبائي
: الآصفي ـ محمّد مهدي ، طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي ـ قم ، الطبعة الأولى (١٤١٢
هـ).
٦٧ ـ منتهى المقال في معرفة الرجال
: الحائري ـ أبو علي محمّد بن إسماعيل المازندراني (ت ١٢١٦ هـ) ، طبعة مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ـ قم ،
الطبعة الأولى (١٤١٦ هـ).
٦٨ ـ موسوعة طبقات الفقهاء
: السبحاني ـ جعفر ، طبعة دار الأضواء ـ بيروت ، الطبعة الأولى (١٤٢٠ هـ ـ ١٩٩٩ م).
٦٩ ـ موسوعة العتبات المقدّسة
: الخليلي ـ جعفر ، طبعة مؤسّسة الأعلمي ـ بيروت ، الطبعة الثانية (١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧
م).
٧٠ ـ نزهة الناظر
: الحلّي ـ نجيب الدين يحيى بن سعيد (ت ٦٩٠ هـ) ، إعداد : السيّد أحمد الحسيني ، طبعة
الآداب ـ النجف (١٣٨٦ هـ).
٧١ ـ نهضة الحسين
: الشهرستاني ـ هبة الدين (ت ١٣٨٦ هـ) ، طبعة دار الكتاب العربي ـ بيروت ، (بلا ـ ت).
٧٢ ـ هديّة الرازي إلى الإمام المجدّد الشيرازي
: الطهراني آقا بزرك ـ محسن (ت ١٣٨٩ هـ) طبعة انتشارات ميقات (١٤٠٣ هـ).
الذكر المحفوظ
قراءة جديدة في
تاريخ جمع القرآن
وما روي في تحريفه
(٦)
|
|
السيّد عليّ الشهرستاني
بعد أن انتهينا من بيان المراحل الثلاث في
تاريخ القرآن : ١ ـ التنزيل ، ٢ ـ الترتيب ، ٣ ـ الجمع والتأليف ، ناقلين الأقوال الأربعة
في هذا الأخير حيث قمنا بدراسة الأقوال الثلاثة فيه ، وهي : الجمع على عهد الرسول
الأكرم(صلى الله عليه وآله) والجمع بعد وفاته بواسطة الإمام علي عليهالسلام والجمع في عهد الشيخين
ونستأنف البحث هنا :
٤ ـ الجمع في عهد عثمان
بن عفّان :
المشهور عند غالب المسلمين أنّ عثمان هو
جامع الذكر الحكيم ، لكنّهم فسّروا هذا الجمع بمعنى توحيد المصاحف ، وأعطوه صفة الجامع
للقرآن ، وإعطاء هذه الصفة يأتي بمعنيين :
الأوّل
: بمعنى تأليف القرآن وتدوينه وجمعه بين الدفّتين.
والثاني
: بمعنى توحيد المصاحف.
وإليك النصوص في كلا السياقين :
١ ـ أخرج البخاري والترمذي عن أنس : «أنّ
حذيفة بن اليمان قدم على عثمان ـ وكان يغازي أهل الشّام في فتح أرمينية وآذربيجان مع
أهل العراق ـ فأفزع
حذيفة اختلافهم في القراءة ، فقال حذيفة لعثمان : يا أمير المؤمنين ، أدرك هذه الأمّة
قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة : أن أرسلي
إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك ، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ، فأمر
زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام فنسخوها
في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القُرشيّين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء
من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ، ففعلوا ، حتّى إذا نسخوا الصحف
في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف ممّا نسخوا ، وأمر
بما سواه من القرآن في كلّ صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال ابن شهاب : وأخبرني خارجة بن زيد بن
ثابت ، أنّه سمع زيد بن ثابت قال : فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف ، قد كنت
أسمع رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقرأ بها ، فالتمسناها ، فوجدناها مع خزيمة بن
ثابت الأنصاري (من الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) فألحقناها
في سورتها
__________________
في المصحف».
قال في رواية أبي اليمان : «خزيمة بن ثابت
الذي جعل رسول الله(صلى الله عليه وسلم) شهادته شهادة رجلين».
زاد في رواية أخرى : «قال ابن شهاب : اختلفوا
يومئذ في (التابوت) فقال زيدٌ : (التَّابُوهُ) وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص (التابوت)
، فرفع اختلافهم إلى عثمان ، فقال : اكتبوه (التابوت) فإنّه بلسان قريش».
٢ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن أبي
قلابة ، قال : «لمّا كان في خلافة عثمان جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل ، والمعلم يعلم
قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يتلقّون فيختلفون ، حتّى ارتفع ذلك إلى المعلّمين ، حتّى
كفّر بعضهم بقراءة بعض ، فبلغ ذلك عثمان ، فقام خطيباً ، فقال : أنتم عندي تختلفون
وتلحنون ، فمن نأى عني من الأمصار أشدّ اختلافاً وأشدّ لحناً ، فاجتمعوا يا أصحاب محمّد
فاكتبوا للناس إماماً.
فقال أبو قلابة : فحدّثني مالك بن أنس ،
قال أبو بكر بن داوود : هذا مالك بن أنس جدّ مالك بن أنس ، قال : كنت فيمن أملي عليهم
فربّما اختلفوا في الآية ، فيذكرون الرجل قد تلقّاها من رسول الله(صلى الله عليه
وسلم) ولعلّه أن يكون غائباً أو
__________________
في بعض البوادي ، فيكتبون
ما قبلها وما بعدها ويدعون موضعها حتّى يجيء أو يُرسل إليه ، فلمّا فرغ من المصحف كتب
إلى أهل الأمصار : إنّي قد صنعت كذا وصنعت كذا ، ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم».
٣ ـ ابن أبي داوود ، عن محمّد بن سيرين ،
قال : «كان الرجل يقرأ حتّى يقول الرجل لصاحبه : كفرت بما تقول ، فرُفع ذلك إلى عثمان
بن عفّان ، فتعاظم ذلك في نفسه ، فجمع إثنى عشر رجلاً من قريش والأنصار ، فيهم أُبيّ
بن كعب وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص ، وأرسل إلى الرّبعة
التي كانت في بيت عمر ، فيها القرآن ، وكان يتعاهدُهم ، فقال محمّد : فحدّثني كثير
بن أفلح أنّه كان يكتب لهم ، فربّما اختلفوا في الشيء فأخّروه ، فسألته لم كانوا يؤخّرونه؟
فقال : لا أدري ، فقال محمّد : فظننت فيه ظنّاً فلا تجعلوه أنتم يقيناً ، ظننت أنّهم
كانوا إذا اختلفوا في الشيء أخّروه ، حتّى ينظروا أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة فيكتبوه
على قوله».
٤ ـ ابن أبي داوود ، عن ابن شهاب ، قال :
بلغَنا أنّه كان أُنزل قرآن كثير فقتل علماؤه يوم اليمامة الذين كانوا قد وعوه ، ولم
يُعلم بعدهم ولم يُكتب ،
__________________
فلمّا جمع أبو بكر وعمر
وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم ، وذلك فيما بلغَنا حملهم على أن تتبَّعوا القرآن
، فجمعوه في الصحف في خلافة أبي بكر خشية أن يقتل رجال من المسلمين في المواطن معهم
كثير من القرآن ، فيذهبوا بما معهم من القرآن ، فلا يوجد عند أحد بعدهم ، فوفّق الله
عثمان فنسخ تلك الصحف في المصاحف ، فبعث بها إلى الأمصار وبثّها في المسلمين».
٥ ـ ابن أبي داوود : عن مصعب بن سعد ، «قال
: قام عثمان يخطب الناس ، فقال : يا أيّها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم
تمترون في القرآن ، تقولون قراءة أُبيّ ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل : والله ما
تقيم قراءتك ، فأعزم على كلّ رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به ، فكان
الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن ، حتّى جُمع من ذلك أكثره ، ثمّ دخل عثمان فدعاهم
رجلاً رجلاً فناشدهم : لسمعتَ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وهو أملاه عليك؟ فيقول
: نعم ، فلمّا فرغ من ذلك عثمان قال : من أكتب الناس؟ قالوا : كاتب رسول الله(صلى
الله عليه وسلم) زيد بن ثابت ، قال : فأيّ الناس أعرب؟ قالوا سعيد بن العاص ، قال عثمان
: فليملّ سعيد وليكتب زيد ، فكتب زيد وكتب معه مصاحف ففرّقها في الناس ، فسمعت بعض
أصحاب محمّد يقولون : قد أحسن».
٦ ـ ابن أبي داوود : عن مصعب بن سعد ، قال
: «سمع عثمان قراءة
__________________
أُبيّ وعبد الله ومعاذ
فخطب الناس ، ثمّ قال : إنّما قُبض نبيّكم(صلى الله عليه وسلم) منذ خمس عشرة سنة ،
وقد اختلفتم في القرآن ، عزمت على من عنده شيء من القرآن سمعه من رسول الله(صلى
الله عليه وسلم) ، لمَا أتاني به ، فجعل الرجل يأتيه باللّوح والكتف والعسب فيه الكتاب
، فمن أتاه بشيء قال : أنت سمعت من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)؟ ثمّ قال : أيّ الناس
أفصح؟ قالوا : سعيد بن العاص ، ثمّ قال : أيّ الناس أكتب؟ قالوا : زيد بن ثابت ، قال
: فليكتب زيد وليملّ سعيد ، فكتب مصاحف فقسّمها في الأمصار ، فما رأيت أحداً عاب ذلك
عليه».
٧ ـ ابن سعد : عن عطاء : «أنّ عثمان بن عفّان
لمّا نسخ القرآن في المصاحف أرسل إلى أُبيّ بن كعب ، فكان يملي على زيدٌ بن ثابت وزيد
يكتب ومعه سعيد بن العاص يُعربه ، فهذا المصحف على قراءة أُبيّ وزيد».
وفيه عن مجاهد أيضاً : «أنّ عثمان أمر أُبيّ
بن كعب يملي ، ويكتب زيد بن ثابت ، ويعربه سعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث».
٨ ـ ابن أبي داوود ، عن ابن شهاب ، عن سالم
بن عبد الله وخارجة : «أنّ أبا بكر الصدّيق كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل
زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى حتّى استعان عليه بعمر ، ففعل ، فكانت الكتب عند أبي
بكر حتّى توفّي ، ثمّ عند عمر حتّى توفّي ، ثمّ كانت عند حفصة زوج
__________________
النبيّ(صلى الله عليه
وسلم) فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها ، حتّى عاهدها ليردنّها إليها ، فبعثت بها
إليه ، فنسخها عثمان هذه المصاحف ، ثمّ ردّها إليها فلم تزل عندها ،] حتّى أرسل مروان
فأخذها فحرقها [قال الزهري : أخبرني سالم بن عبد الله أنّ مروان كان يرسل إلى حفصة
يسألها الصحف التي كتب فيها القرآن فتأبى حفصة أن تعطيه إيّاها ، فلمّا توفّيت حفصة
ورجعنا من دفنها أرسل مروان بالعزيمة إلى عبد الله بن عمر ليرسل إليه بتلك الصحف ،
فأرسل بها إليه عبد الله بن عمر ، فأمر بها مروان : فشقّقت ، وقال مروان إنّما فعلت
هذا لأنّ ما فيها قد كتب وحفظ بالصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذا
المصحف مرتاب أو يقول : إنّه قد كان فيها شيء لم يكتب».
٩ ـ كنز العمال ، عن أبي هريرة : «أنّه قال
لعثمان لما نسخ المصاحف : أصبت ووفقت ، أشهد لسمعت رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يقول
: (إنّ أشدّ أمّتي حبّاً لي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ، يعملون بما في
الورق المعلّق).
فقلت : أيّ ورق؟ حتّى رأيت المصاحف ، فأعجب
ذلك عثمان ، وأمر لأبي هريرة بعشرة آلاف ، وقال : والله ما علمت أنك لتحبس علينا حديث
نبيّنا».
١٠ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن ابن
عبّاس قال : «قلت لعثمان ابن عفّان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني
، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بسم الله الرّحمنِ
__________________
الرّحيم) ووضعتموهما في
السبع الطوال ، ما حملكم على ذلك؟
فقال عثمان : إنّ رسول الله(صلى الله
عليه وسلم) كان ممّا يأتي عليه الزمان تنزل عليه السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه
الشيء يدعو بعض من يكتب عنده ، فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا
، وتنزل عليه الآيات فيقول : ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا ، وكانت الأنفال
من أوّل ما أنزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً ، وكانت قصّتها شبيهة
بقصّتها ، فظننت أنّها منها ، وقُبض رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولم يبيّن لنا أنّها
منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما
، ولم أكتب بينهما سطر (بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ووضعتهما في السبع الطوال».
١١ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن سويد
بن غفلة ، قال : «سمعت عليّ بن أبي طالب يقول : يا أيّها الناس لا تغلوا في عثمان ولا
تقولوا له إلاّ خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف ، فوالله ما فعل الذي فعل في
المصاحف إلاّ عن ملأ منّا جميعاً ، فقال : ما تقولون في هذه القراءة؟ فقد بلغني أنّ
بعضهم يقول : قراءتي خير من قراءتك ، وهذا يكاد أن يكون كفراً ، قلنا : فما ترى؟ قال
: نرى أن يجمع الناس على مصحف واحد بلا فرقة ، ولا يكون اختلاف ، قلنا : فنعم ما رأيت
، قال : أيّ الناس أفصح وأيّ الناس أقرأ؟
__________________
قالوا : أفصح الناس سعيد
بن العاص ، وأقرأهم زيد بن ثابت ، فقال : ليكتب أحدهما ويملي الآخر ، ففعلا وجمع الناس
على مصحف ، قال عليّ : والله لو ولّيته لفعلت مثل الذي فعل».
١٢ ـ ابن أبي داوود ، والصابوني في المأتين
عن سويد بن غفلة ، قال : «قال عليّ حين حرّق عثمان المصاحف : لو لم يصنعه هو لصنعته».
١٣ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن مصعب
بن سعد ، قال : «أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف ، فأعجبهم ذلك ، ولم
ينكر ذلك منهم أحد».
١٤ ـ ابن أبي داوود وأبو الشيخ في السّنّة
، عن عبد الرحمان بن مهدي ، قال : «خصلتان لعثمان بن عفّان ليستا لأبي بكر ولا لعمر
، صبره نفسه حتّى قتل ، وجمعه الناس على المصحف».
١٥ ـ ابن أبي داوود ، عن أبي المليح ، قال
: قال عثمان بن عفّان حين
__________________
أراد أن يكتب المصحف :
تملي هذيل وتكتب ثقيف».
١٦ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن عبد
الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي ، قال : «لما فُرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر
فيه ، فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن ستقيمه العرب بألسنتها».
١٧ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن قتادة
: «أنّ عثمان لما رُفع إليه المصحف قال : إنّ فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها».
١٨ ـ ابن أبي داوود ، عن قتادة ، عن نصر
بن عاصم اللّيثي ، عن عبد الله بن فطيمة ، عن يحيى ابن يعمر قال : «قال عثمان : إنّ
في القرآن لحناً وستقيمه العرب بألسنتها».
١٩ ـ ابن أبي داوود وابن الأنباري ، عن عكرمة
، قال : «لما أُتي عثمان بالمصحف رأى فيه شيئاً من لحن ، فقال : لو كان المُملي من
هذيل والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا».
٢٠ ـ ابن أبي داوود بسنده عن الوليد ، قال
: «قال مالك : كان جدّي مالك بن أبي عامر ممّن قرأ في زمان عثمان ، وكان يكتب المصاحف».
__________________
المناقشة :
هذه عشرون نصّاً جئت بها من المصادر الأصلية
عند الجمهور ، وهي كما تراها مضطربة أو معارضة بنصوص أخرى أحياناً ، بل إنّ عملية جمع
عثمان للمصحف على قراءة واحدة يعارض ما روي في نزول القرآن على سبعة أحرف الذي شُرّع
تسهيلاً على الأمّة كما يقولون ، بل يخطّئ ما قاله مكّي بن أبي طالب في الإبانة
من أنّ الصحابة تعارف بينهم في عهد النبيّ(صلى الله عليه وآله)ترك الإنكار على من خالفت
قراءته قراءة الآخر ، وذلك لقول النبيّ(صلى الله عليه وآله) : «أُنزل القرآن على سبعة
أحرف فأقرؤوا بما شئتم»
، وهو المروي في البخاري عن عمر بن الخطاب ، قال : «سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان
في حياة رسول الله ، فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرأها رسول الله
، واختلف عمر معه حتّى أتيا رسول الله ، فقال لهم : كذلك أنزلت ، إنّ هذا القرآن أنزل
على سبعة أحرف فاقرأ ما تيسّر منه».
فلو صحّت نصوص الأحرف السبعة حسبما فسّروه
فهو يصحّح ما قاله أمثال : نصر أبي زيد وعابد الجابري وغليوم وأركون وغيرهم ، ومعناه
: أنّ الوحي إلهي لكن النصّ بشري يجوز تغييره والزيادة والنقصان فيه ، وهذا الكلام
باطل ويخطّئه فعل عثمان إذ جمعهم على قراءة واحدة!!
فمن جهة يقولون بشرعية تعدّد القراءات ،
وأنّ القراءات العشر متواترة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ومن جهة أخرى يقولون
بلزوم وحدة القراءة وعدم
__________________
التخطّي عن قراءة زيد
بن ثابت ومصحف عثمان!!
فالتعدّدية في القراءات ، إمّا مطلوبة للشارع
تيسيراً على الأمّة ، أو أنّها منهيُّ عنها خوفاً من وقوع الناس في الاختلاف ، ولا
يجوز التهافت بأن يقولوا من جهة بأنّ الله جوّز تعدّد القراءة سعة على الأمّة ، ومن
جهة أخرى يقولون : إنّ الاختلاف وقع بين أهل العراق والشام حتّى كاد أن يكفّر أحدهم
الآخر ، أو أنّ المعلّمين اختلفوا في تعليم الصبيان في القراءات وأنّ عثمان جمعهم على
حرف واحد رفعاً للاختلاف وكتب مصحفه بشكل يتّفق مع قراءة الجميع ، والآن مع مناقشة
بسيطة للنصوص ، نصّاً بعد نصّ :
أمّا النصّ الأوّل ، فيوقفنا
على عدّة أمور :
أوّلاً
: أنّ حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان يحارب
فيها بجنب أهل الشام وأهل العراق لفتح أرمينية بآذربايجان ، وقد رأى اختلاف المسلمين
في القراءة ، فقدم على عثمان بن عفّان يخبره بذلك.
ومعنى هذا النصّ وجود اختلاف بين المسلمين
في القراءات على عهد عثمان ، وأنّ قراءة أهل الشام تخالف قراءة أهل العراق ، أو : أنّ
قراءة أُبيّ بن كعب ـ التي يقرأ بها أهل الشام ـ تختلف عن قراءة ابن مسعود التي يقرأ
بها أهل الكوفة = العراق ، فالاختلاف لم يكن في تقديم وتأخير السور بل في قراءة الآيات.
ثانياً
: إنّ اختلافهم في القرآن كان جزئياً ، ولأجل
ذلك قال له : «يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمّة قبل أن يختلف في الكتاب اختلاف اليهود
والنصارى» ، وهذا يدعونا
للبحث عن الاختلاف الواقع في الكتاب المقدّس عند اليهود والنصارى ، وهل هو في النصّ
أو في الفهم ، فقد قال ابن كثير في فضائل القرآن
:
«إنّ اليهود والنصارى مختلفون فيما بأيديهم
من الكتب ، فاليهود بأيديهم نسخة من التوراة ، والسامرة يخالفونهم في ألفاظ كثيرة ومعان
أيضاً ، وليس في توراة السامرة حروف الهمزة ، ولا حرف الهاء ولا الياء.
والنصارى أيضاً بأيديهم توراة يسمّونها العتيقة
، وهي مخالفة لنسختي اليهود والسامرة.
وأمّا الأناجيل التي بأيدي النصارى فأربعة
: إنجيل مرْقَس ، وإنجيل لُوقا ، وإنجيل مَتّي ، وإنجيل يوحنّا ، وهي مختلفة أيضاً
اختلافاً كثيراً ... وهي مع هذا مختلفة كما قلنا. وكذلك التوراة مع ما فيها من التحريف
والتبديل ، ثمّ هما منسوخان بعد ذلك بعده بهذه الشريعة المحمّديّة المطهّرة».
ثالثاً
: إنّ عثمان طلب من حفصة أن تعطيه الصحف التي
كانت عندها كي يستنسخ نسخاً عنها ثمّ يردّها إليها ، وهذا الكلام يؤكّد وجود صحف
مكتوبة عند المسلمين قبل جمع عثمان المصاحف ، وبمعنى آخر : أنّ الصحابة الخلفاء (أبا
بكر وعمر) كانوا قد دوّنوا القرآن قبل عثمان بن عفّان.
مع التنويه إلى أنّ الصحف الموجودة بيد حفصة
لم تكن من إرثها الشخصي بل هي حقّ للمسلمين ، لأنّ أبابكر كان قد عمل هذه الصحف
__________________
للمسلمين ، ثمّ صارت من
بعده في حوزة عمر بن الخطّاب ، فكان من اللازم أن تنقل حفصة تلك الصحف إلى عثمان باعتباره
خليفة المسلمين ، ولا داعي لبقائها في يد حفصة ، إلاّ أن نقول بأنّ صحف حفصة غير ما
دوّنه زيد في عهد أبي بكر ، وهذا مالا يقول به أحد.
رابعاً
: إنّ عثمان ألّف لجنة من أربعة أشخاص هم
: ١ ـ زيد بن ثابت ٢ ـ عبد الله بن الزبير ٣ ـ سعيد بن العاص ٤ ـ عبد الرحمن بن الحارث
لاستنساخ ما دوّن على عهد الشيخين ، والذي كان موجوداً عند حفصة ، وهؤلاء نسخوها في
المصاحف.
ولا يخفى عليك بأنّ هؤلاء جميعهم كانت لهم
صلة قرابة بالأمويّين وبعثمان على وجه الخصوص.
والسؤال
هو : هل أنّهم نسخوها من الصحف كما هي وجعلوها
مصاحف؟ أم أنّهم أضافوا إليها بعض القراءات من المصاحف الأخرى؟
فلو قام عثمان بتغيير بعض الآيات في مصحف
حفصة فعمله هذا لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يكون تحريفاً للقرآن ، أو إصلاحاً له.
فإن كان الأوّل فلا ريب في شناعة فعله في
التحريف في كلام الله ، وإن كان الثاني فلا بدّ من الوقوف على موارد التصحيح عنده في
مصحف حفصة ، بل لماذا لا يعامل مصحفها بما عامل به مصاحف سائر الصحابة كالحرق والتمزيق
، وحينما لا نرى تلك المعاملة مع مصحف حفصة علمنا أنّ مصحفه هو نسخة أخرى لمصحف حفصة!!
وأراد الأستاذ أبو زهرة أن يدّعي في المعجزة الكبرى
بأنّ مصحف
عثمان لم يكن نَسخاً لنسخة
حفصة ، بل أخذوا نسختها لمطابقتهما ، قال : «ولقد قال الطبري : إنّ الصحف التي كانت
عند حفصة جعلت إماماً في هذا الجمع الأخير ، ويقول القرطبي : «هذا صحيح». ومعنى صحّته
أنّه بعد الجمع الذي قام به زيد بأمر عثمان ، وعاونه المؤمنون الحافظون ، قد روجع على
مصحف حفصة ، وكانت هي المقياس لصحّته ، فبالمقابلة بينهما بعد الجمع تبيّنت صحّتهما
بصفة قاطعة لا ريب فيها. فكانت هذه الإمامة ، حتّى ظنّ أنّه نُسخ منها.
إلى أن قال : إنّ الإمام العظيم عثمان قد
كتب المصحف خالياً من النّقط والشكل ، كما كان المصحف الموجود عند حفصة خالياً من النّقط
والشكل ، ولم يكن نقّط وشكّل إلاّ بعد ذلك. ولكن لماذا خلا من ذلك؟
ثمّ أجاب أبو زهرة عن ذلك بالقول :
والجواب عن ذلك : إنّ القرآن له قراءات مختلفة
هي سبع قراءات ، وليست هي الحروف كما ذكرنا من قبل ، ولكي يكون المكتوب محتملاً لهذه
القراءات المرويّة بطرق متواترة كلّها ، كان لا بدّ أن يكون غير منقوط ولا مشكول ،
كما ذكرنا في اختلاف القراءة في (أنفسكم) ، وكما ذكرنا في اختلاف القراءة في (فتبيّنوا) ، وما كان يمكن أن يَحتمل النصّ القراءتين
إذا كان منقوطاً ومشكولاً.
ومن جهة أخرى : إنّ الأساس في تواتر القرآن
هو الحفظ في الصدور لا في السطور ، حتّى لا يعتريه المحو والإثبات ، فلو كان القرآن
منقوطاً ومشكولاً لاستغنى طالب القرآن عن أن يقرئه مقرئ ، فلا يكون التواتر
الصحيح الذي يقتضي الإجازة
ممّن أقرأه ، ولقد جاء التحريف في الكتب الأخرى لاعتمادها على المكتوب في السطور ،
لا المحفوظ في الصدور».
هذا ما علّله ، ومعناه صحّة كلا القراءتين
وإن اختلفتا في المعنى ، فمعنى (أَوْلاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ) يختلف عن (أو لمستم النساء).
وهناك
سؤال آخر : لماذا لم يُعتمد مصحف
عائشة واعتمد مصحف حفصة؟
أجابوا عنه بأنّ عثمان اعتمد مصحف عائشة
كذلك ، وقد كتب إلى الأمصار اعتماده على ذلك ، فلو صحّ ذلك فلماذا لا يكون في مصحف
عثمان قراءتهما وما كانتا تدعوان الناس إليه ، مثل زيادة (والعصر) في قوله تعالى :
(حافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاَةِ الْوُسْطَى] وهي صلاة العصر [وَقُومُوا
للهِ قَانِتِينَ) وأمثالها؟
فكلّ ذلك يؤكّد بأنّ أصل المصحف الرائج اليوم
هو مصحف رسول الله(صلى الله عليه وآله) وما تواترت عليه الأمّة وهو ليس بمصحف حفصة
ولا مصحف عائشة ولا مصحف أبي بكر ولا عمر ولا مصحف عثمان ولا مصحف زيد ، وقد
يمكننا أن نقول بأنّه مصحفهم جميعاً أسوة بباقي مصاحف المسلمين الجامعين له.
خامساً
: إنّ توجيه عثمان خطابه للقرشيّين : «إذا
اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم
، ففعلوا»
__________________
معناه أنّ قراءة زيد لم
تكن هي القراءة المعتمدة عند المسلمين آنذاك ، وهذا يخالف القول المشهور بأنّ عثمان
جمعهم على قراءة زيد بن ثابت ، بدعوى أنّه حضر العرضة الأخيرة!!
ويؤيّد المدّعى ما جاء في رواية أخرى عن
ابن شهاب بأنّهم اختلفوا في (التابوت) فقال زيد (التابوه) وقال ابن الزبير وسعيد بن
العاص (التابوت) فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوه (التابوت) فإنّه بلسان قريش.
سادساً
: بعد نسخ اللّجنة الرباعية لمصحف حفصة ردّها
عثمان إليها ، فلماذا ردّها ولم يحرقها كما حرق مصاحف الصحابة؟ بل من هم أعضاء
اللّجنة ، هل المذكورون الأربعة أم ما جاء في كتاب المقنع للداني
، وفيه عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عبّاس مع حذف اسم سعيد بن العاص.
سابعاً
: أرسل عثمان بخمس نسخ أو ست أو ثمان إلى
الأمصار ، ثمّ أمر بحرق سواها من الصحف والمصاحف ، فالسّؤال : هل المصحف المرسل إلى
الأمصار هو مصحف عثمان بن عفّان ، أم أنّه مصحف الشيخين الذي كان عند حفصة ، أم أنّه
مصحف ثالث مؤلّف من مجموع مصاحف الصحابة؟ وإذا كانت مصاحف عثمان فلماذا تقع الاختلافات
بينها حسبما أتى بها ابن أبي داود في كتابه المصاحف.
ثامناً
: ادّعى زيد بن ثابت أنّه فقد آية من سورة
الأحزاب ثمّ وجدها مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة ، ومعنى كلامه عدم وجود هذه الآية
في
__________________
مصحف حفصة المستنسخ عنه
، وهو يؤكّد نقصان الصحف الموجودة عند حفصة ، وهو ممّا يتطلّب تكميلها.
وقد فرّق ابن حجر بين أبي خزيمة وبين خزيمة
فقال : «عن أبي خزيمة أنّه الذي وجد عنده آخر سورة التوبة (لَقَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم
بِالْـمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)
، بخلاف خزيمة الذي وجد عنده آية الأحزاب (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)
ثمّ قال الحافظ في شرحه :
هذا يدلّ على أنّ زيداً لم يكن يعتمد في
جمع القرآن على علمه ولا يقتصر على حفظه لكنّ فيه إشكال ، لأنّ ظاهره أنّه اكتفى مع
ذلك بخزيمة وحده ، والقرآن إنّما يثبت بالتواتر ، والذي يظهر في الجواب أنّ الذي أشار
إليه أنّه فقده أي فقد وجودها مكتوبة لا فقد وجودها محفوظة ، بل كانت محفوظة عنده وعند
غيره ، ويدلّ على هذا قوله في حديث جمع القرآن : فجعلت أتتبعه من الرقاع والعسب».
تاسعاً
: إذا كان عثمان بن عفّان من كتّاب الوحي
على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) حسب ادّعاء الذهبي في معرفة القرّاء الكبار
، فلم لا يكتب المصحف بنفسه ، بل أين ذهب مصحفه ، بحيث لا نرى له أثراً في جمع
القرآن؟
__________________
وكذا الحال بالنسبة إلى زيد ، فإذا كان قد
جمع القرآن من الرقاع وكان من الكتبة والحفظة على عهد رسول الله(صلى الله عليه
وآله) ، فلماذا لا يعتمد ما جمعه عند كتابة المصحف؟
ومن الطريف الإشارة إلى الشبهات السبع التي
أثيرت حول جمع القرآن والتي ذكرها الزرقاني في مناهل العرفان
، والتي كان من بينها الشبهة التي أثيرت حول حذف الصحابة آيات من القرآن ، وسعي عمر
لإضافة سورتي الحفد والخلع وآية رجم الشيخ والشيخة ، ودعوى إسقاط الإمام علي عليهالسلام آية المتعة من القرآن
، قال الزرقاني :
«ثالثاً :
إنّ الصحابة حذفوا من القرآن كلّ ما رأوا المصلحة في حذفه ، فمن ذلك آية المتعة ، أسقطها
عليّ بن أبي طالب بَتّة ، وكان يضرب من يقرؤها ، وهذا ممّا شنّعت عائشة به فقالت :
إنّه يجلد على القرآن ، وينهى عنه ، وقد بدّله وحرّفه».
إنّ إسقاط الإمام علي عليهالسلام آية المتعة افتراءٌ لم
يقله غير الزرقاني ، بل آية المتعة كانت موجودة في القرآن واستدلّ بها الصحابة وأئمّة
أهل البيت عليهمالسلام
، وهي غير سورتي الحفد والخلع ـ اللتين تناقلتهما كتب أهل السنة كثيراً ،
والموجودتين ضعيفاً عند الشيعة أيضاً ـ بعكس دعوى حذف آية المتعة من القرآن والتي كان
يعمل بها الصحابة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ثمّ من بعده ، والتي استدلّوا
بها في احتجاجاتهم ، فلا نرى خبراً بهذا المضمون عند الشيعة ،
__________________
وإن كان هذا الخبر موجوداً
عند أهل السنة فهو شاذّ ومردود ، فنحن نعيد كلام الزرقاني على نفسه حيث قال : «بأنّ
الصحابة رضوان الله عليهم كانوا أحرص الناس على الاحتياط للقرآن ، وكانوا أيقظ الخلق
في حراسة القرآن ، ولهذا لم يعتبروا من القرآن إلاّ ما ثبت بالتواتر ، وردّوا كلّ ما
لم يثبت تواتره لأنّه غير قطعي ويأبى عليهم دينهم وعقلهم أن يقولوا بقرآنية ما ليس
بقطعي ... لأنّ المسلمين [الشيعة] كانوا ولا يزالون أكرم على أنفسهم من أن يقولوا في
كتاب الله بغير علم ، وأن ينسبوا إلى الله ما لم تقم عليه حجّة قاطعة ، وأن يسلكوا
بالقرآن مسلك الكتب المحرّفة والأناجيل المبدّلة. وإنّنا نذكّر هؤلاء بتلك الكلمة التي
يردّدونها هم ، وهي : من كان بيته من زجاج فلا يرجمنّ الناس بالحجارة».
أمّا النصّ الثاني :
فلا نرى فيه اسم حذيفة كساع لرفع الاختلاف
، بل نرى الاختلاف بين المعلّمين وبسبب ذلك الاختلاف كاد أن يكفّر بعضهم البعض الآخر
منهم لقراءته ، وهذا هو الذي ألزم عثمان أن يخطب في الصحابة طالباً منهم أن يكتبوا
مصحفاً إماماً.
كما نرى في النصّ الثاني أنّ جدّ مالك بن
أنس أخبر عن الصحابة وأنّهم كانوا يتحرّون العرضة الأخيرة عند اختلافهم فينتظرون الرجل
الذي قد
__________________
تلقّى الآية من رسول الله(صلى
الله عليه وآله) ، ولعلّه كان غائباً أو في بعض البوادي فينتظرونه يأتي فيكتبون ما
قبلها وما بعدها ويبقون المشكوك إلى أن يأتي ليأخذوا منه ، وأنّ عثمان لما فرغ من كتابة
المصحف كتب إلى الأمصار : (إنّي قد صنعت كذا وصنعت كذا ومحوت ما عندي فامحوا ما عندكم)
، وهذا العمل من قبل عثمان خطير ، لأنّ الذي قد محاه عثمان قد لا يصل إلى الكتبة للمصاحف
فيبقى في مصاحفهم ما ليس في مصحف عثمان وهم على اعتقاد بأنّ ما عندهم قرآن وبذلك تتعدّد
المصاحف ، وقد يكون من هذا الباب جاء اعتقاد بعض الصحابة وعلى رأسهم عمر بن الخطاب
بأنّ آية الرجم وسورتي الحفد والخلع من القرآن وهي ممّا حذفه عثمان من مصحفه ، قال
العلاّمة الحلّي في تذكرة الفقهاء : «روى واحدٌ من الصحابة سورتين ، إحداهما اللّهم
إنّا نستعينك ونستغفرك ... والثانية : اللّهم إيّاك نعبد ولك نصلي ، فقال عثمان : اجعلوهما
في القنوت ، ولم يثبتهما في المصحف».
وباعتقادي إنّ الاختلاف عند تعليم المعلّم
ـ بحدّ ذاته ـ وإن ارتقى من الغلمان إلى المعلّمين ثمّ إلى الأمّة لا يوجب التكفير
، لأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله) والأصحاب كانوا يعلّمون الناس القرآن في المسجد
وفي غيره وقيل عنهم بأنّهم كانوا يختلفون! ولا سبب لتكفير بعضهم الآخر.
نعم ، إنّ هناك قراءات باطلة شرعت بجنب القراءات
الصحيحة ، وهذا هو الذي سبّب تكفير بعضهم البعض الآخر ، أي أنّهم خلطوا عملاً متقناً
__________________
صحيحاً بعمل ضعيف آخر
، فضاعت أو كادت أن تضيع القراءة الشائعة المشهورة والتي عرفوها على عهد رسول الله(صلى
الله عليه وآله) بين تلك القراءات الباطلة الأخرى.
فلا اختلاف ولا تكفير بين الصحابة الكبار
، فأحدهم يصلّي خلف الآخر ، بل قل : إنّ أحدهم كان يقدّم الآخر ليصلّي به ، فإليك ما
رواه ابن أبي داود بسنده عن عبد الأعلى بن الحكم الكلابي ، قال :
«أتيت دار أبي موسى الأشعري فإذا حذيفة بن
اليمان وعبدالله بن مسعود وأبو موسى الأشعري فوق إجّار
لهم ، فقلت : هؤلاء ـ والله ـ الذين أريد ، فأخذت أرتقي إليهم ، فإذا غلام على الدرجة
فمنعني ، فنازعته ، فالتفت إليه بعضهم قال : خلّ عن الرجل! فأتيتهم حتّى جلست إليهم
، فإذا عندهم مصحف أرسل به عثمان وأمرهم أن يقيموا مصاحفهم عليه.
فقال أبو موسى : ما وجدتم في مصحفي هذا من
زيادة فلا تنقصوها وما وجدتم من نقصان فاكتبوه.
فقال حذيفة : كيف بما صنعنا؟ والله ما أحد
من أهل هذا البلد يرغب عن قراءة هذا الشيخ ـ يعني ابن مسعود ـ ولا أحد من أهل يمن يرغب
عن قراءة هذا الشيخ ـ يعني أبا موسى الأشعري ـ وكان حذيفة هو الذي أشار على عثمان بجمع
المصاحف على مصحف واحد ، ثمّ إنّ الصلاة حضرت ، فقالوا لأبي موسى : تقدّم فإنّا في
دارك ، فقال : لا أتقدم بين يدي ابن مسعود ،
__________________
فتنازعوا ساعة ، وكان
ابن مسعود بين حذيفة وأبي موسى فدفعاه حتّى تقدّم فصلّى بهم».
أمّا
النصّ الثالث : فهو يشبه النصّ الثاني
إلاّ أنّ فيه اسم أُبيّ بن كعب والذي توفّي في سنة ٢٤ على المشهور ، أي قبل تدوين المصاحف
الذي كان في حدود سنة ٣٠ للهجرة.
كما فيه أنّ عثمان جمع إثني عشر رجلاً من
قريش والأنصار ، في حين أنّ العدد الذي أناط بهم هذه المهمة في غالب المصادر هم أربعة
لا إثنا عشر.
وفي النصّ أيضاً بأنّ محمّد بن سيرين احتمل
أن يكون سبب تأخيرهم في تثبيت الآيات هو وقوفهم على الذين حضروا العرضة الأخيرة من
الصحابة ، في حين ترى أنّ هذا الاحتمال صار أمر يقينيّاً يعتمد في الاستدلال لزيد بن
ثابت ، ولو راجعت كتب القراءات لرأيت وجود قراءات تخالف قراءة زيد ، وهي توكّد بأنّ
قراءة زيد لم تكن طبقاً للعرضة الأخيرة ، وذلك لعدم أخذهم بها.
فابن مسعود مثلا كان يرى نفسه هو الأولى
أن يسند إليه جمع القرآن لأنّه حضر العرضة الأخيرة ، ولا يصحّ ما قاله الزرقاني : «بأنّ
اعتراض ابن مسعود كان منصبّاً على طريقة تأليف لجنة الجمع لا على صحّة نفس الجمع.
مع أنّ كلمة ابن مسعود السالفة لا تدلّ على
أكثر من أنّه كان يكبر زيداً
__________________
بزمن طويل ، إذ كان عبدالله
مسلماً وزيد لا يزال ضميراً مستتراً في صلب أبيه ، وليس هذا بمطعن في زيد ، فكم ترك
الأوّل للآخر ، ولو كان الأمر بالسن لاختلّ كثير من نظام الكون ...»
لأنّ العمر بما هو عمر ليس له مدخلية في الترجيح ، ولو اعتمد ذلك لاختلّ حقّاً نظام
الكون ، وهذا ما فعلوه وشاهدناه في تقديمهم أبابكر على عليّ بن أبي طالب لكونه أكبر
سنّاً من الإمام عليّ ، فالسؤال : كيف تقدّمون أبابكر على عليٍّ بدعوى أنّه أسنّ ،
وهنا تقولون إنّ السن ليست بمرجّح. والمتأمّل في نصوص ابن مسعود يرى معيار الكفاءة
هي المنظورة في كلماته لا السن ، ولا لكونه كان في صلب أبيه الكافر ، بل كان يريد القول
بأنّ الأرجحية له لسابقته في الإسلام ، وشهادة النبيّ (صلى الله عليه وآله) بحسن قراءته
، ولكونه حضر العرضة الأخيرة ، وأمثالها.
بل كيف يصحّ للمسلم أن يقول لأخيه المسلم
: كفرت ، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) كان قد أجاز قراءة القرآن على سبعة أحرف كما
يقولون؟! فلابدّ لنا من تصحيح إحدى الروايتين.
ثمّ ما المقصود ممّا قالوه في لزوم الأخذ
عن أحدثهم عهداً بالعرضة الأخيرة؟ هل يعنون العرضة الأخيرة التي مات بعدها رسول الله(صلى
الله عليه وآله)؟ أم العرضة الأخيرة من كلّ عام؟ أي بعد اللقاء الثنائي بين جبرئيل
الأمين والصادق الأمين في رمضان من كلّ عام.
فإن قالوا بأنّ مقصود ابن سيرين هو أنّهم
كانوا إذا اختلفوا في الشيء
__________________
أخّروه حتّى ينظروا أحدثهم
عهداً بالعرضة الأخيرة التي مات بعدها رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فهذا غير صحيح
، لأنّ القرآن نزل منجّماً طوال ثلاثة وعشرين عاماً ، وأنّ الصحابة كانوا يقرؤون بسوره
وآياته أيّام رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقد آنسوا به ، فلا يُعقل أن يكون مكان
الآيات في السور مختلفاً فيه بين الصحابة وغير معلوم حتّى لقاء رسول الله(صلى الله
عليه وآله) ربّه.
فالآيات في السور كان معلوم موضعها في كلّ
عام بعد العرضة الأخيرة ، وإنّ الصحابة كانوا يكتبون الآيات في السور ما قبلها وما
بعدها ويدعون موضع الاختلاف إلى أن يأتي الذي سمعها من رسول الله فيقرّر مكانها.
أمّا
النصوص الرابعة والخامسة والسادسة
فهي صريحة بأنّ الجمع للقرآن كان جمع كتابة لا توحيد للقراءات كما يقولون.
ففي
النصّ الرابع : نرى إشارة من ابن شهاب
الزهري إلى كلام عمر ابن الخطّاب ، لقوله (بلغنا) ، والذي أُوِّل وصُحِّح بأنّه إشارة
إلى تفسير النازل على رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتأويله لا إلى أصل القرآن ؛ لقول
ابن شهاب : «فقتل علماؤه يوم اليمامة ... الذين كانوا قد وعوه ولم يعلم بعدهم ولم يكتب».
وقد نقل الزرقاني ما نسب إلى ابن عمر من قوله : «لا يقولنّ أحدكم : أخذت القرآن
كلّه ، وقد ذهب منه كثير ، ولكن ليقل : قد أخذت ما ظهر منه» ثمّ قال معلّقاً : «هي
نسبة خاطئة كاذبة وعلى فرض صحّتها فهي موقوفة وليست
بمرفوعة إلى النبيّ ،
وعلى فرض رفعها فهي معارضة للأدلّة القاطعة المتوافرة في تواتر القرآن وسلامته من التغيير
والزيادة والنقصان ، ومعارض القاطع ساقطٌ مهما كانت قيمة سنده في خبر الواحد».
لكن
نقول : إذا كانت تلك الأمور التي لم تكتب هي تفسير
للقرآن وليست بقرآن فلماذا هم يعدّونها قرآنا في الأخبار ، فيقول الخبر : (فلمّا جمع
أبوبكر وعمر وعثمان القرآن ولم يوجد مع أحد بعدهم ...) إلى أن يقول : (فجمعوه في الصحف
في خلافة أبي بكر خشية أن يُقتل رجال من المسلمين في المواطن ، معهم كثير من القرآن
، فيذهبوا بما معهم من القرآن ، فلا يوجد عند أحد بعدهم ...)
إنّهم يعدّون الضائع قرآنا ، وبكلامهم هذا
يمهّدون لطرح شبهة على القرآن والقول بأنّ القرآن الحالي لا يتضمّن جميع ما أنزل وما
كان مسطوراً في اللوح المحفوظ.
وفي
النصّ الخامس : تأكيد على كون الجمع
جمع كتابة إذ فيه : (فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن حتّى جُمع من ذلك
أكثره) لا جميعه! ثمّ يستمرّ الراوي بالقول :
(ثمّ دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً فناشدهم
: لسمعتَ رسول الله وهو أملاه عليك؟ فيقول : نعم ، فلمّا فرغ من ذلك عثمان قال : من
أكتب
__________________
الناس؟ قالوا : كاتب رسول
الله زيد بن ثابت ، قال : فأيّ الناس أعرب؟ قالوا : سعيد بن العاص) ، فهذا النصّ يذكّرنا
بما تساءلناه سابقاً عن جملة (من أكتب الناس؟ ومن أعرب الناس؟) وهل هي من أقوال عمر
بن الخطّاب أم من أقوال عثمان بن عفّان؟ ومتى صدرت هذه الجملة هل في عهد عمر أو في
عهد عثمان ، أو أنّها تكرّرت في عهدهما معاً ، أو أنّها صدرت من أحدهما ونسبت إلى الآخر
أيضاً.
وقبله أشار إلى أنّ عثمان قام خطيباً في
الناس وقال : (يا أيّها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة ، وأنتم تمترون في القرآن
، تقولون : قراءة أُبيّ ، وقراءة عبد الله ، يقول الرجل : والله ما نقيم قراءتك ، فأعزم
على كلِّ رجل منكم كان معه من كتاب الله شيءٌ لما جاء به ...).
وفيه إشارة إلى أنّ الجمع جمع كتابة وتدوين
لا توحيد للقراءة كما يقولون.
كما فيه إشارة إلى أنّ الاختلاف قد حدث بعد
عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولم يكن له عين ولا أثر في عهده الشريف ، لقوله
: (عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة وأنتم تمترون في القرآن).
وقد يمكن أن يُجاب على ما قالوه بأنّ رسول
الله(صلى الله عليه وآله) هو الذي أراد أن يمترون بالقرآن ويختلفوا فيه لحديث الأحرف
السبعة!
وهو الآخر يشير إلى وجود قراءات ومصاحف عند
الصحابة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنّ عثمان يريد السيطرة عليها لقوله :
(على كلّ رجل منكم كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به فكان الرجل يجيء بالورقة والأديم
فيه
القرآن) ، وهو يشابه موقف
عمر بن الخطاب في المنع من كتابة الحديث ، فعن القاسم بن محمّد بن أبي بكر : «إنّ عمر
بن الخطاب بلغه أنّه قد ظهرت في أيدي الناس كتب ، فاستنكرها وكرهها ، وقال : أيّها
الناس! إنّه قد بلغني أنّه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبّها إلى الله أعدلها وأقومها
، فلا يبقينّ أحد عنده كتاب إلاّ أتاني به ، فأرى فيه رأيي.
قال : فظنّوا أنّه يريد أن ينظر فيها ويقوّمها
على أمر لا يكون فيه اختلاف ، فأتوه بكتبهم ، فأحرقها بالنار!!
ثمّ قال : أمنية كأمنية أهل الكتاب».
وهذا ما أشار إليه برتون من أنّ التمسّك
بقول مصاحف الصحابة كان للمقابلة مع مصحف عثمان أو الفرار منه ، كما أنّ ما جاء من
روايات جمع الشيخين للقرآن فقد وضعت مواجهة لجمع عثمان.
وبهذا فقد اتّضح بأنّ جمع القرآن مرّ بثلاث
مراحل حسبما قاله الزرقاني :
١ ـ عهد النبيّ فكان عبارة عن كتابة الآيات
وترتيبها ووضعها في مكانها الخاصّ من سورها ، ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرّقها بين عُسُب
وعظام وحجارة ورقاع ونحو ذلك حسبما تتيسّر أدوات الكتابة ، وكان الغرض من هذا الجمع
زيادة التوثّق للقرآن ، وإن كان التعويل أيّامئذ كان على الحفظ
__________________
والاستظهار.
٢ ـ عهد أبي بكر فقد كان عبارة عن نقل القرآن
وكتابته في صحف مرتّب الآيات أيضاً ، مقتصراً فيه على ما لم تنسخ تلاوته مستوثقاً له
بالتواتر والإجماع ، وكان الغرض منه تسجيل القرآن وتقييده بالكتابة مجموعاً مرتّباً
خشية ذهاب شيء منه بموت حملته وحفّاظه.
٣ ـ عهد عثمان فقد كان عبارة عن نقل ما في
تلك الصحف في مصحف واحد إمام ، واستنساخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية ....
أمّا
النصّ السادس : ففيه مضافاً إلى اضطراب
عثمان في كلامه ، فأبيّ ابن كعب ومعاذ بن جبل وعبدالله بن مسعود إمّا أنّهم كانوا قد
سمعوا قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو لا؟ فإن كانوا قد سمعوا رسول الله(صلى
الله عليه وآله) وعرضوا قراءتهم عليه وصحّحها فلا معنى(صلى الله عليه وآله) لقوله :
«إنّما قُبض نبيّكم منذ خمس عشرة سنة وقد اختلفتم في القرآن ...» لأنّ بعد التأكّد
من إقراء رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا معنى لقوله : «عزمت على من عنده شيء من
القرآن سمعه من رسول الله لما أتاني به ، فجعل الرجل يأتيه باللّوح والكتف والعسب فيه
الكتاب ...».
فإن قيل بأنّهم لم يسمعوا القرآن من رسول
الله ، فهذا باطل تردّه النصوص الكثيرة الموجودة في كتب الفريقين ، لأنّ أُبيّ بن كعب
ومعاذ بن
__________________
جبل وعبدالله بن مسعود
قد عُدّوا ضمن الجامعين للقرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وعثمان نفسه
يقرّ بهذه الحقيقة ولا ينكرها ، فما يعني تشكيكه بكلامهم واعتراضه على اختلافهم مع
أنّ هذا هو من موارد نزول القرآن على سبعة أحرف عنده؟!
وكيف يتّهم أبيّاً سيّد القراء ، وابن مسعود
الذي شهد رسول الله بأنّه كان يقرأ القرآن غضّاً طريّاً كما أُنزل
، ومعاذاً الذي قال عنه عبدالله بن عمرو بن العاص : «سمعت رسول الله يقول : خذوا القرآن
من أربعة : من عبدالله بن مسعود ، وسالم [مولى أبي حذيفة] ، ومعاذ بن جبل ، وأُبيّ
بن كعب».
بل لماذا التأكيد على صغار الصحابة أمثال
زيد وسعيد بن العاص وتناسي دور أبيّ بن كعب وابن مسعود ومعاذ وغيرهم من أعيان الصحابة؟
بل كيف يمكننا تصديق هذا الخبر مع أنّ المعروف
عن أبيّ بن كعب أنّه مات في سنة (٢٤ هـ) أي أوائل خلافة عثمان ، ومعاذ بن جبل الذي
مات في طاعون عمواس سنة (١٧ هـ).
بل ماهي خصوصية هذه الأسماء الثلاثة؟ ولماذا
لا ينقل مصعب بن سعد ـ راوي الخبر ـ سماع عثمان لقراءة عائشة وحفصة (حافظوا على
الصلوات والصلاة الوسطى وهي العصر وقوموا لله قانتين).
أو قراءة عمر : غير المغضوب عليهم وغير الضالين
، أو قراءته بآية رجم الشيخ والشيخة.
__________________
أو قراءة أبي بكر : وجاءت سكرة الموت بالحق.
أو قراءة غيرهم بغيرها ، فلماذا سمع قراءة
أبيّ وابن مسعود ومعاذ ولم يسمع قراءة غيرهم؟ بل كيف بعثمان يخطب بالناس على أثر سماعه
قراءة أكابر الصحابة الذين شهد بفضلهم وصحّة قراءتهم رسول الله(صلى الله عليه
وآله) أليست قراءتهم هي قراءة صحيحة طبقاً للأحرف السبعة التي يقولون بها؟ فما يعني
مطالبتهم أن يأتوه بما عندهم من القرآن حتّى جعل الرجل يأتي باللَّوح والكتف والعسب.
ألا يدلّ هذا النصّ وأمثاله على وجود الكتابة
على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وأنّه لم ينحصر بالحفظ كما يقولون ، مع التأكيد
على أنّ الجملة الموجودة في آخر الرواية : (فما رأيت أحداً عاب ذلك عليه) غير صحيحة
وغير واقعية ، لأنّ الكثير من الصحابة قد عابوا على عثمان فعله في المصاحف وفي غيره
، بل كتب أهل المدينة إلى من بالأمصار : أن أقدموا فقد أحدث من خلَفكم ـ أو
خليفتكم ـ دين محمّد ، إلى غيرها من العبارات التي سنأتي بنصوصها في آخر البحث في مبحث
(توحيد المصاحف).
أمّا
النصّ السابع : فهو لا يتّفق من جهة
مع رواية أبي العالية التي جئنا بها في عهد أبي بكر وأنّ أُبيّ بن كعب كان قد جمع القرآن
على عهد الأوّل.
فإن أريد بالنصّ أنّ عثمان لما نسخ القرآن
في المصاحف أرسل إلى ورثة أُبيّ أن يأتوه بمصحفه ، فهذا لا يتّفق مع كونه مملياً على
زيد وزيد يكتب ومعه سعيد بن العاص يعربه.
وإن قيل بأنَّ أبيّاً كان حيّاً إلى وقت
كتابة المصاحف ـ وهو غير صحيح ـ فهل كان أُبيّ يملي من مصحفه أو من حفظه؟ وعلى كلا
التقديرين يكون المصحف الرائج هو مصحف أُبيّ بن كعب وليس بمصحف زيد بن ثابت ، أو
القول بأنّه مصحفهما معاً ، فلماذا يحشر زيد مع أُبيّ بن كعب؟ وهل الكاتب بمنزلة المملي؟
والناسخ والمعرب بمنزلة المملي للقرآن؟ وهل يمكن نسبة المصحف إلى الناسخ أو إلى المعروض
عليه القرآن والقاري والمعرب؟
أمّا
النصّ الثامن : فهو صريح بأنّ القرآن
كان قد جمع في قراطيس على عهد أبي بكر ، وقد كانت عنده حتّى توفّي ، ثمّ كانت عند حفصة
بنت عمر ـ زوج النبيّ(صلى الله عليه وآله) ـ فأرسل إليها عثمان فأبت أن تدفعها إليه
حتّى عاهدها ليردنَّها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان ثمّ ردّها إليها ، (فلم
تزل عندها حتّى أرسل إليها مروان بن الحكم يطلبها ، فلم تعطه حتّى ماتت ، فأخذها من
عبدالله بن عمر ، فحرقها لئلا يكون فيها شيء يخالف مصاحف الأئمّة التي أنفذها عثمان
إلى الآفاق).
فما يعني ما حكاه الزهري عن سالم بن عبدالله
: (أنّ مروان كان يرسل إلى حفصة يسألها الصحف التي كُتب فيها القرآن فتأبى حفصة أن
تعطية إيّاها ...) فهل كان يرسل إليها قبل طلب عثمان مصحفها أو بعده؟
فإن كان قبل طلب عثمان فلماذا تعطية لعثمان
ولا تعطية لمروان؟
__________________
وإذا كان بعد انتهاء عمل عثمان فما يعني
إصراره على الوقوف على المصحف تارة أخرى؟ فهل في مصحف حفصة ما يخالف مصحف عثمان ،
أو في مصحف عثمان ما لا يرضاه مروان؟ ولماذا يشقّق مروان أو يحرق ذلك المصحف في حين
لم يشقه أو يحرقه عثمان؟ وهل الموجود بأيدينا هو ما يوافق مصحف حفصة أو ما يوافق مصحف
عثمان؟
وهل مسألة حرق المصاحف كانت مسألة سياسية
مروانية أم سياسية عثمانية؟
قال الدكتور محبّ الدين عبد السبحان واعظ
في هامش تحقيقه لكتاب المصاحف
للسجستاني
: «وخلاصة الأمر : أنّ عثمان بن عفّان رضياللهعنه
أمر بتحريق المصاحف العامّة ، ومروان حرق الصحف التي كتبها أبوبكر الصديق رضياللهعنه وكانت عند حفصة» ، وهذا
ما قرّره الحافظ في فتح الباري ٩ : ٢١ ، وانظر : فضائل القرآن لابن كثير ٦٨ ، ٧٧.
وأمّا
النصّ التاسع : فهو حديث موضوع ، لأنّ
الصحف المدونة والمجموعة على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو المجموعة من بعده
لا ارتباط لها بمصطلح الورق المعلّق ، بل الورق المعلّق يذكّرنا بالمعلّقات السبع وأمثالها
في الجاهلية ، والتي كانت تعلّق على الكعبة ، وليس بين تلك وما يريده عثمان من شَبه
، وأين كانت تعلّق تلك الأوراق؟ ولماذا يقال لها (المعلّق) ولا
__________________
يقال لها : (الورق المكتوب)
أو (المجموع) أو (المطوي)؟! أليس في هذا محاباةً إلى ما يريده عثمان من تحكيم الأسس
الأموية؟ ثمّ لماذا يعطي عثمان أبا هريرة عشرة آلاف؟ وهل أعطاه إيّاها من بيت المال
أو من ماله الشخصي؟ وهل كانت استحقاقاً وعرفاناً لحقّه أو لأنّه أدخل السّرور على قلبه؟
بل ما تعني رواية أبي هريرة لهذا الحديث
في عهد عثمان بن عفّان وعدم روايته في عهد الشيخين ، هل لكثرة المصاحف في عهد عثمان
وندرتها أو قلّتها في عهد من سبقه أم لشيء آخر؟ إنّها تساؤولات تريد إجابة.
أمّا
النصّ العاشر : فهو يؤكّد على عدّة أشياء
:
١ ـ عدم إشراف رسول الله(صلى الله عليه
وآله) على ترتيب جميع القرآن ، وأنّ جمع القرآن الحالي هو من عثمان لا من رسول الله(صلى
الله عليه وآله) ، فقال ابن كثير في فضائل القرآن : «... وكأنّ عثمان والله أعلم رتّب
السّور في المصحف وقدّم السبع الطوال وثنّى بالمئين ... إلى أن يقول :
ففُهم من هذا الحديث أنّ ترتيب الآيات في
السّور أمر توقيفي متلقّى عن النبيّ ، وأمّا ترتيب السّور فمن أمير المؤمنين عثمان
بن عفّان ، ولهذا ليس لأحد أن يقرأ القرآن إلاّ مرتّباً آياته ، فإن نكسه أخطأ خطأً
كبيراً.
وأمّا ترتيب السّور فمستحب الاقتداء بعثمان
، والأولى إذا قرأ أن يقرأ متوالياً كما قرأ؟ في صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين
، وتارة بسَبِّحْ
وهل أتاك حديث الغاشية
، فإن فرّق جاز ...».
٢ ـ إمكان تغيير السّور من قبل الصحابي.
٣ ـ اعتراض ابن عبّاس ـ من علماء أهل البيت عليهمالسلام ـ على عمل عثمان لا قبول
أهل البيت عليهمالسلام
به.
٤ ـ وجود كتابة للصحف على عهد رسول الله(صلى
الله عليه وآله) وإشرافه على وضع الآيات في السّور.
٥ ـ ادّعاء عثمان بأنّه هو الذي لم يكتب
البسملة قبل براءة ، مع أنّنا ذكرنا عن الإمام علي عليهالسلام
أنّ البسملة لم تنزل في هذه السورة على وجه الخصوص لأنّها سورة عذاب.
وأمّا
النصّ الحادي عشر : ففيه دعاوى كثيرة ، منها
:
١ ـ نهي الإمام عليّ من انتقاد عثمان في
حرقه للمصاحف.
٢ ـ وإقراره لفعله وأنّه ما فعل إلاّ عن
رأي منّا جميعاً.
٣ ـ وقوله : (والله لو ولّيت لفعلت الذي
فعل).
وكلّها دعاوى غير صحيحة ، لأنّ نفس الأمّة
ثارت عليه لإحداثاته ، ومن أهمّها إحراقه للمصاحف ، وقد سُمّي بـ : (حرّاق المصاحف)
، فانظر إلى تاريخ الطبري وغيره لتقف على حقيقة الأمر.
كما أنّ قوله : (إنّه ما فعل الذي فعل إلاّ
عن ملأ منّا جميعاً). فهو الآخر
__________________
غير صحيح ، إذ كيف يكون
الفعل ناشئاً عن رأي لهم جميعاً ، ونحن نرى خروج الصحابة عليه وتجويزهم قتله حسبما
سنذكره بعد قليل.
نعم ، قد تصحّ الفقرة الأخيرة منه والتي
مفادها جمع الأمّة على قراءة واحدة وهي قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فهذا
ما يتمنّاه كلّ مسلم ، أمّا تجويز حرق المصاحف فلا يجيزه أمير المؤمنين عليّ عليهالسلام ولا يرضى به غيره من
الصحابة الأجلاّء.
بقي
شيء : وهو التأكيد على عدم صحّة ادّعاء عثمان
بأنّ من اعتقد أنّ قراءته خير من قراءة غيره من الصحابة فإنّ ذلك يكاد أن يكون كفراً
، لأنّه يخالف ما رووه عن رسول الله من أنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، وتجويزهم قراءة
الآيات ما لم تُصيّر آية رحمة آية عذاب وأمثالها.
أمّا
النصّ الثاني عشر : فهو كذب يقيناً ، لأنّه
لو أراد محو المصاحف لأماثها بالماء ، لأنّ كلام الله لا يحرق ، وأنّ رسول الله لم
يسمح بحرق التوراة المحرَّفة فكيف يسمح الإمام بحرق القرآن المنزل من السماء على صدر
النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله)؟!
وقد قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن
حين مناقشته للحلولية والحشوية ما يشير إلى أنّ عثمان بن عفّان بحرقه للمصاحف قد فارق
الدين ، وإن كان هو بصدد الدفاع عنه وأنّ حرقه للمصاحف ليس حرقاً لكلام الله!
لكنّه لم يتمكّن أن ينكر بأنّ ذلك إهانة وتعدّ ، فقال :
«فيقال لهم [أي للحلولية والحشوية] : ما
تقولون في كتاب الله تعالى ،
أيجوز أن يذاب ويمحى ويحرق؟
فإن قالوا : نعم ، فارقوا الدين».
أمّا
النصّ الثالث عشر والرابع عشر :
فقد وضّحناهما فيما سبق ، ولا أدري كيف أَعجب الصحابة حرق المصاحف ولم ينكر أحد منهم
على عثمان ، ونحن نرى أهل مصر يعترضون عليه لتمزيقه المصاحف ، وقد سمّوه بـ : حرّاق
المصاحف).
أمّا
النصّ الخامس عشر : فإذا كان صحيحاً فلماذا
لا يأخذ عثمان بقراءة ابن مسعود الهذلي ، وكتابة فلان الثقفي ، بل يترك الأمر إلى زيد
الأنصاري و...
بل ما تعني هاتان الكلمتان هذيل وثقيف عنده؟!
وأمّا
النصّ السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر :
فهو لا يستقيم ، وقد تكون مثلبة للخليفة وليست بمنقبة ، لأنّه لم يرفع ذلك النزر
القليل من اللّحن في المصحف ولم يعيّن لجنة لرفعه ، وقد تركه للعرب كلّ العرب من زمانه
إلى زماننا هذا لتُغيّر فيه ، ولم يحدّده بالصحابة والتابعين القريبين إلى عصر النصّ
، وهذا ما وضّحناه في الصفحات اللاحقة.
__________________
وأمّا
النصّ التاسع عشر : فهو يشابه النصّ الخامس
عشر ، وهو يشير إلى عدم تحّقق أمنية عثمان في الجمع ، وأنّه لو كان المملي من هذيل
والكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا اللّحن ، والخليفة بعدم إناطته الأمر بهاتين القبيلتين
يدين نفسه من حيث لا يشعر ، لأنّه هو الذي قصّر في تحقيق هذه الأمنية.
وأمّا
النصّ العشرون : فليس فيه ما يستحقّ التعليق
عليه.
توحيد المصاحف :
المصحف العثماني والأحرف
السبعة :
إنّ توحيد المسلمين على قراءة واحدة هي أمنية
كلّ مسلم ، وهدفٌ مقدّس يرجوه كلّ الصحابة ، وخصوصاً بعد توسّع الاختلاف بينهم في
القراءات ، إذ عرفت بأنّ هذا الاختلاف كان سببه الخليفة عمر بن الخطّاب ، حيث روّج
فكرة الأحرف السبعة وسمح بالقراءة بأيّ شكل كان ما لم تصبح آية رحمة آية عذاب ، مع
اتّخاذه سياسة عدم توحيد القراءت وكتابة المصحف الإمام ، قال بهذه الرؤية ومدرسة أهل
البيت عليهمالسلام
خالفته ، أو قل كذّبته ، لأنّ القرآن نزل من عند الواحد على رجل واحد وبلسان واحد ،
دلالة على عدم رضاهم بتعدّد القراءات ، ولأنّ الاختلاف بين المسلمين في القراءة لا
يمكن تصوره على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنّه(صلى الله عليه وآله) كان قد
أقرأهم القرآن كما أُنزل عليه (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ
عَلَى مُكْث)
فما كان يتجاوز عشر آيات
حتّى يعلّمهم إيّاها ،
وقد عيّن جمعاً من الصحابة لإقرائهم ، كما أنّه كان يحب أن يسمع قراءتهم ، كلّ ذلك
دقّةً في الضبط.
أمّا توحيد المصاحف في عهد عثمان ، فقد اشتُهر
في كتب التاريخ بأنّ حذيفة بن اليمان هو الذي اقترح على عثمان توحيد المصاحف ، وفي
بعض النصوص أنّه قال لسعيد بن العاص ـ بعد الرجوع من غزوة في بقاع أرمينية
وآذربايجان ـ : «لقد رأيت في سفرتي هذه أمراً ، لئن ترك الناس ليختلفنّ في القرآن ثمّ
لا يقومون عليه أبداً ، قال : وماذا؟ قال : رأيت أناساً من أهل حمص يزعمون أنّ قراءتهم
خيرٌ من قراءة غيرهم ، وأنّهم أخذوا القراءة عن المقداد ، ورأيت أهل دمشق يقولون :
إنّ قراءتهم خيرٌ من قراءة غيرهم ، ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك ، وأنّهم قرؤوا
على ابن مسعود ، وأهل البصرة يقولون مثل ذلك ، وأنّهم قرؤوا على أبي موسى ، ويسمّون
مصحفه (لُباب القلوب). فلمّا وصلوا إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك وحذّرهم ما
يخاف ، فوافقه أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) وكثير من التابعين.
وقال له أصحاب ابن مسعود : ما تنكر؟ ألسنا
نقرأه على قراءة ابن مسعود؟ فغضب حذيفة ومن وافقه ، وقالوا : إنّما أنتم أعراب ، فاسكتوا
فإنّكم على خطأ. وقال حذيفة : والله لئن عشت لآتينّ أمير المؤمنين ولأشيرنّ عليه
أن يحول بين الناس وبين ذلك.
فأغلظ له ابن مسعود ، فغضب سعيد وقام ، وتفرّق
الناس ، وغضب
حذيفة وسار إلى عثمان
فأخبره بالّذي رأى ...»
إلى آخر الخبر.
ويروي ابن داوود : أنّ ناساً كانوا بالعراق
يسأل أحدهم عن الآية ، فإذا قرأها قال : فإنّي أكفر بهذه. ففشا ذلك في الناس واختلفوا
في القرآن».
إذن ، فالمصاحف كانت موجودةً على عهد الشيخين
، وقد كان الاختلاف مشهوداً بينها في العصور المتأخّرة عن عصر الرسول(صلى الله
عليه وآله) ، كما أنّ ثقافة كتابتها كانت موجودة أيضاً ، حتّى قيل بأنّ ابن مسعود كان
يملي المصاحف في الكوفة عن ظهر قلب في خلافة عمر
، وأنّ أهل الشام سافروا إلى المدينة في خلافة عمر ليُكتب لهم مصحفٌ
، وأنّ أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق ومعهم المصحف الّذي جاء به
أهل دمشق ليعرضوه على أُبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وعليّ وأهل المدينة.
ويروي أبو عبيد : «أنّ عمر بن الخطّاب وجد
مع رجل مصحفاً قد كتبه بقلم دقيق ، فقال : ما هذا؟ فقال : القرآن كلّه. فكره ذلك وضربه
، وقال : عظّموا كتاب الله ، قال : وكان عمر إذا رأى مصحفاً عظيماً سُرَّ به».
فأمنية جمع المسلمين على مصحف واحد هي أمنية
كلّ مسلم ، وهي مشروعة ، وخصوصاً بعد الوقوف على اختلافهم في القراءات ، لكنّ السؤال
:
__________________
هل وُفّق الخليفة عثمان
بن عفّان لتحقيق هذه الأمنية؟ أم أنّه بمنهجيّته الخاطئة واعتماده على صغار الصحابة
ومشكوكيهم ـ كابن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمان بن الحارث وزيد بن ثابت ـ وتركه
الأخذ بمصاحف علّيّة الصحابة ـ أمثال : ابن مسعود وعليّ بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وأُبيّ
بن كعب وأبي موسى الأشعري ـ قد أثّر على عمله وخدش فكرة توحيد المصاحف بين المسلمين؟
ولأطرح السؤال بالصيغة التي طرحها الزرقاني
في مناهل
العرفان ، إذ قال : «هل الأحرف السبعة الّتي نزل
بها القرآن الكريم لها وجودٌ في المصاحف العثمانيّة [أم أنّها حُصرت في حرف واحد اعتمده
عثمان]؟
، فقال :
ذهب جماعةٌ من الفقهاء والقرّاء المتكلّمين
إلى أنّ جميع هذه الأحرف موجودةٌ بالمصاحف العثمانيّة ، واحتجّوا بأنّه لا يجوز للأمّة
أن تهمل نقل شيء منها ، وأنّ الصحابة أجمعوا على نقل المصاحف العثمانيّة من الصحف
الّتي كتبها أبو بكر ، وأجمعوا على ترك ما سوى ذلك ، ومعنى هذا أنّ الصحف الّتي كانت
عند أبي بكر جمعت الأحرف السبعة ، ونقلت منها المصاحف العثمانيّة بالأحرف السبعة كذلك.
وذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وأئمّة
المسلمين إلى أنّ المصاحف العثمانيّة مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة
فقط ،
__________________
جامعة للعرضة الأخيرة
الّتي عرضها النبيّ(صلى الله عليه وآله) على جبريل متضمّنة لها.
وذهب ابن جرير الطبري ومن لفّ لفّه إلى أنّ
المصاحف العثمانيّة لم تشتمل إلاّ على حرف واحد من الحروف السبعة ، وتأثّروا في هذا
الرأي بمذهبهم في معنى الحروف السبعة ، وما التزموه فيه من أنّ هذه السبعة كانت في
صدر الإسلام أيّام الرسول(صلى الله عليه وآله) ، وخلافة أبي بكر وعمر وصدر من خلافة
عثمان ، ثمّ رأت الأمّة بقيادة عثمان أن تقتصر على حرف واحد من السبعة جمعاً لكلمة
المسلمين ، فأخذت به وأُهمل كلّ ما عداه من الأحرف الستّة ... لكنّ الزرقاني بتّ برأيه
وقال :
إنّ المصاحف العثمانيّة قد اشتملت على الأحرف
السبعة كلّها ، ولكن على معنى أنّ كلّ واحد من هذه المصاحف اشتمل على ما يوافق رسمه
من هذه الأحرف كلاًّ أو بعضاً ، بحيث لم تخل المصاحف من مجموعها على حرف منها رأساً.
ثمّ بيّن الوجوه السبعة في القرآن وتهجّم
على الّذين قالوا :
بأنّ (الباقي الآن حرفٌ واحد من السبعة الّتي
نزل عليها القرآن ، أمّا الستّة الأخرى فقد ذهبت ولم يعد لها وجود ألبتة ... وادّعوا
إجماع الأمّة على أن تثبُت على حرف واحد ، وأن ترفض القراءة بجميع ما عداه من الأحرف
الستّة ، وأنّى يكون لهم هذا الإجماع ولا دليل عليه؟ هنالك احتالوا على إثباته
بورطة ثالثة ، وهي القول بأنّ استنساخ المصاحف في زمن عثمان كان إجماعاً من الأمّة
على ترك الحروف الستّة والاقتصار على حرف واحد هو الّذي نسخ عثمان المصاحف عليه
...).
ثمّ وثّق كلامه بطرح سؤال :
كيف يوافق أصحاب رسول الله(صلى الله
عليه وآله) على ضياع ستّة حروف نزل عليها القرآن دون أن يُبقوا عليها ، مع أنّها لم
تُنسخ ولم تُرفع؟ وفي حين أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قرّر بقوله وفعله أنّه لا
يجوز لأحد أيّاً كان أن يمنع أحداً أيّاً كان من القراءة بحرف من السبعة أيّاً كان
، فقد صوّب قراءة كلّ من المختلفين ، وقال لكلّ : (هكذا أُنزلت) ، وضرب في صدر أُبيّ
بن كعب حين استصعب عليه التسليم بهذا الاختلاف في القراءة ...
وقُصارى القول أنّنا نربأ بأصحاب رسول الله(صلى
الله عليه وآله) أن يكونوا قد وافقوا أو فكّروا فضلاً عن أن يتآمروا على ضياع أحرف
القرآن الستّة دون نسخ لها ، وحاشا عثمان أن يكون قد أقدم على ذلك وتزعّمه!
وكيف ينسب إليه هذا؟ والمعروف أنّه نسخ المصاحف
من الصحف الّتي جمعت على عهد أبي بكر قبل أن يدبّ النزاع في أقطار الإسلام بسبب
اختلاف حروف القراءة في القرآن ، فكانت تلك الصحف محتملةً للأحرف السبعة جميعاً ، وموافقةً
لها جميعاً ، ضرورة أنّه لم يحدُث وقتئذ من النزاع والشقاق ما يدعو إلى الاقتصار على
حرف واحد في رأيهم ، ولم يثبت أنّ الصحابة تركوا من الصحف المجموعة على عهد أبي بكر
حرفاً واحداً فضلاً عن ستّة حروف ، ولو كان ذلك لنُقل إلينا متواتراً ؛ لأنّه ممّا
تتوافر الدواعي على نقله تواتراً.
ثمّ كيف يفعل عثمان ذلك وهو الذي عرف أنّ
علاج الرسول لمثل هذا النوع الّذي دبّ في زمانه كان بجمع الناس وتقريرهم على الحروف
السبعة ،
لا بمنعهم عنها كلاًّ
ولا بعضاً.
ثمّ كيف يفعل عثمان ذلك ، وتوافقه الأمّة
، ويتمّ الاجتماع؟ ثمّ يكون خلافٌ في معنى الأحرف السبعة مع قيام هذا الإجماع؟ أي كيف
تُجمِع الأمّة على ترك ستّة أحرف وإبقاء حرف واحد؟ ثمّ يختلف العلماء في معنى
الأحرف السبعة على أربعين قولاً ، ويكادون يتّفقون ـ رغم خلافهم هذا ـ على أنّ الأحرف
السبعة باقية ، مع أنّ الإجماع حجّةٌ عند المسلمين ، وبه ينجلي ظلام الشكّ عن وجه اليقين!!
ولنفرض جدلاً أنّ نزاع المسلمين في أقطار
الأرض أيّام خلافة عثمان قضى عليه أن يجمع المسلمين على حرف واحد في القراءة ، فلماذا
لم تسمح نفسه الكريمة بإبقاء الستّة الأحرف الباقية للتاريخ لا للقراءة؟ مع أنّ
الضرورة تقدَّر بقدرها ، وهذه الستة الأحرف لم تنسخ لا تلاوةً ولا حكماً حتّى تذهب
بجرّة قلم كذلك ، ثمّ يبخل عليها بالبقاء للتاريخ وحده في أعظم مرجع وأقدس كتاب ، وهو
القرآن الكريم ، على حين أنّ الصحابة حفظوا للتاريخ آيات نُسخت تلاوتها ونُسخت أحكامها
جميعاً ، وعلى حين أنّهم حفظوا قراءات شاذّة في القرآن ، ثمّ نُقلت إلينا وكُتب لها
الخلود إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم ، بل نقلوا إلينا أحاديث منسوخة ، وتناقل العلماء
أحاديث موضوعة ، ونصّوا على حكم كلِّ منها وعلى إهمال العمل بها».
قال الزرقاني (ت ١٣٦٩ هـ / ١٩٤٨ م) : «بكلّ
ذلك كي يمهّد للقارئ
__________________
شرعيّة اختلاف مصاحف عثمان
المرسلة إلى الأنصار ، وأنّها كانت مقصودة للحفاظ على الأحرف الستّة الباقية ، وأنّها
امتداد للحفاظ على الأحرف السبعة التي رجاها عثمان من أخذه بمصحف أبي بكر ، وأنّه يعني
الاختيار الذي سمح به رسول الله للأمّة في الأخذ به ، لكنّ كلامه باطل ، يشهد على بطلانه
: الشهرة بين المسلمين بأنّه جمعهم على قراءة زيد بن ثابت ، وأنّ ابن مسعود وغيره اختلفوا
معه لهذا الغرض.
فلو كانت قراءة ابن مسعود وأمثاله ممّا يرتضيه
الخليفة ، فما هو السبب للمعارضة مع جمع عثمان؟
ألم يكن سبب اعتراض ابن مسعود على عثمان
هو تبنّيه لقراءة زيد فقط وترك مصحف ابن مسعود وقراءته؟ وألم يقولوا في سبب تبنّي عثمان
لحرف زيد هو حضوره العرضة الأخيرة؟ وألم يؤكّد ابن مسعود بأنّه هو الذي حضر العرضة
الأخيرة قبالاً لذلك ، وألم وألم؟؟!
ولكي تعرف الحقيقة إليك بعض الروايات والأقوال
في تبنّي عثمان لحرف واحد من الأحرف السبعة لا جميعها :
أخرج ابن شبة (ت ٢٦٢ هـ) ، عن توبة بن أبي
فاختة ، عن أبيه ، قال : بعث عثمان إلى عبد الله أن يدفع المصحف إليه ، فقال : ولِمَ؟
قال : لأنّه كتب القرآن على حرف زيد ...».
وفي (المقنع) للداني (ت ٤٤٤ هـ) : «فجمع
عثمان الناس على هذا
__________________
المصحف ، وهو حرف زيد».
وفي آخر : «وعثمان الّذي جمع المصاحف على مصحف واحد».
وقال أيضاً في سبب اختلاف مرسوم المصاحف
:
«إنّ أبا بكر كان قد جمعه أوّلاً على السبعة
الأحرف الّتي أذن الله عزّ وجلّ للأمّة في التلاوة بها ، ولم يخصّ حرفاً بعينه ، فلمّا
كان زمان عثمان ووقع الاختلاف بين أهل العراق وأهل الشام في القراءة وأعلمه حذيفة بذلك
، رأى هو ومن بالحضرة من الصحابة أن يجمع الناس على حرف واحد من تلك الأحرف وأن يُسقِط
ما سواه ، فيكون ذلك ممّا يرتفع به الاختلاف ويوجب الاتّفاق ، إذ كانت الأمّة لم تؤمر
بحفظ الأحرف السبعة ، وإنّما خُيّرت في أيّها شاءت لزمته وأجزأها ، كتخييرها في كفّارة
اليمين بالله بين الإطعام والكسوة والعتق ، لا أن يجمع ذلك كلّه ، فكذلك السبعة الأحرف».
وقال أبو عمرو : «... وهذا كلّه يدلّ على
أنّ السبعة أحرف الّتي أُشير إليها في الحديث ، ليس بأيدي الناس فيها إلاّ حرف زيد
بن ثابت الّذي جمع عثمانُ عليه المصاحف».
ونقل الزركشي (ت ٧٩٤ هـ) كلام المحاسبي ،
وفيه : «ولمّا احتيج إلى جمع الناس على قراءة واحدة ، وقع الاختيار عليها في أيّام
عثمان ، فأخذ
__________________
ذلك الإمام ونسخ في المصاحف
الّتي بعث بها إلى الكوفة ، وكان الناس متروكين على قراءة ما يحفظون من قراءاتهم المختلفة
حتّى خيف الفساد ، فجُمعوا على القراءة الّتي نحن عليها. قال : والمشهور عند الناس
أنّ جامع القرآن عثمان ، وليس كذلك ، إنّما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد
على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لمّا خشي الفتنة عند اختلاف
أهل العراق والشام ...».
وعلّل الطبري الأمر بشكل آخر ، فقال :
«فإن قال
: فما بال الأحرف الستّة غير موجودة إن كان الأمر في ذلك
على ما وصفت وقد أقرأهنّ رسول الله(صلى
الله عليه وآله) أصحابه وأمر بالقراءة بهنّ وأنزلهنّ الله من عنده على نبيّه(صلى الله
عليه وآله)؟ ، أنُسخت فرُفعت؟ فما الدلالة على نسخها ورفعها؟ أم نسيتهنّ الأمّة؟ فذلك
تضييع ما قد أُمروا بحفظه ، أم ما القصّة في ذلك؟
قيل
له : لم تنسخ فترفع ، ولا ضيّعتها الأمّة وهي
مأمورة بحفظها ، ولكنّ الأمّة أُمرت بحفظ القرآن وخُيّرت في قراءته وحفظه بأيّ تلك
الأحرف السبعة شاءت ، كما أُمرت إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة أن تكفّر بأيّ
الكفّارات الثلاث شاءت ، إمّا بعتق أو إطعام أو كسوة ، فلو أجمع جميعها على
التكفير بواحدة من الكفّارات الثلاث دون حظرها التكفير بأيّ الثلاث شاء المكفّر كانت
مصيبة حكم الله مؤدّيةً في ذلك الواجب عليها من حقّ الله ،
__________________
فكذلك الأمّة أُمرت بحفظ
القرآن وقراءته وخُيّرت في قراءته بأيّ الأحرف السبعة شاءت ، فرأت لعلّة من العلل أوجبت
عليها الثبات على حرف واحد وقراءته بحرف واحد ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية
ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أُذن له في قراءته به.
فإن
قال : وما العلّة التي أوجبت عليها الثبات على
حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية؟ ...».
إلى أن يقول :
«وجمعهم على مصحف واحد أو حرف واحد ، وحرق
ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه ، وعزم على كلّ من كان عنده مصحف مخالف المصحف الذي
جمعهم عليه أن يحرقه ، فاستوثقت له الأمّة على ذلك بالطاعة ، ورأت أنّ فيما فعل من
ذلك الرشد والهداية ، فتُركت القراءة بالأحرف الستّة التي عزم عليها إمامها العادل
في تركها طاعةً منها له ونظراً منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملّتها ، حتّى
دُرست من الأمّة معرفتها وتعفّت آثارها ، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بها لدثورها
وعُفُوّ آثارها وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها
، من غير جحود منها صحّتها
__________________
وصحّة شيء منها ، ولكن
نظراً منها لأنفسها ولسائر أهل دينها ، فلا قراءة اليوم للمسلمين إلاّ بالحرف الواحد
الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية».
كانت هذه بعض النصوص ، والمتروك منها أكثر
من هذا بكثير ، فعثمان ابن عفّان كان يريد أن يحلّ المشكلة باعتماده حرفاً ، وهو حرف
زيد ، لكنّه وقع في مشكلة أكبر منها ، وهي مخالفة قراءة زيد مع قراءات الآخرين ، أو
قل عدم قبول الآخرين بقراءته ، لأنّهم أعلم وأقدم إسلاماً منه ، فادّعى الحكّام
حينئذ بأنّ زيداً حضر العرضة الأخيرة رفعاً لهذا الاختلاف وترجيحاً لقراءته على قراءات
الآخرين ، لكنّ ابن مسعود وغيره كانوا يرون أنّهم هم الذين حضروا العرضة الأخيرة ،
وبمعنى آخر : أنّ دعوى حضور العرضة الأخيرة لزيد بن ثابت كان في الإطار الذي احتموا
به ، وقد نُقض من قبل ابن مسعود ، كما نقض باستمرار الخلاف بين المسلمين في القراءات
القرآنية بعد جمع عثمان للمصاحف.
إنّ هذا التفسير وهذه الأقوال هي التي سمحت
للمستشرق جون
__________________
جيلكرايست
أن يقول : «إنّ الغاية الحقيقية من فرض مصحف زيد هو القضاء على السلطة السياسية التي
كان يتمتّع بها بعض قرّاء القرآن في الأمصار التي كان عثمان يفتقد فيها شيئاً من المصداقية
بسبب السياسة التي كان ينتهجها ، حيث إنّه كان يعيّن أقرباءه من بني أمية أعداء محمّد
كعمّال على حساب الصحابة الذين ظلوا [أوفياء] لمحمّد طيلة حياتهم».
ثمّ جاء جيلكرايست ليرد كلام أحد العلماء
المسلمين الذين اعتبروا الهدف من إرجاع الصحابة إلى مصحف زيد هو توحيدهم على قراءة
واحدة ، فقال
:
«لو كان الخلاف في القراءات فهذا مرجعه النصّ
المنطوق ، ولا يظهر في النصّ المكتوب ، لكنّ عثمان أمر بإحراق نصوص مكتوبة خاصة ، وإنّ
الفترة التي جمع فيها القرآن لم يكن هناك تشكيل للكلمات ولا حروف مقطعة».
__________________
ثمّ يصل إلى نتيجة بحثه ويقول : «إنّ مشروع
عثمان صحيح ، وإنّه جمع المسلمين على نصّ قرآني واحد ، لكنّه سبّب ضياع الكثير من المصاحف
الأخرى التي لها نفس مصداقية مصحف زيد وكانت شائعة ومقبولة عند فئة عريضة من المسلمين
، بدليل أنّ المسلمين عابوا على عثمان إسقاطه المصاحف الأخرى مع ما لها من الموثوقية
والشرعية ما لم يكن يتمتّع به مصحف زيد».
وعليه فلو كان جمع عثمان هو ما أجمع عليه
المسلمون في عهده وقد كان عن ملئهم ، فلا معنى لانتشار الاختلاف بينهم من بعده ، إلاّ
أن نقول بأنّ منهجيته هي التي أدّت إلى ذلك ، فقد قال ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) بعد أن
أتى بخبر ابن عبّاس الناصّ على أنّ ابن مسعود هو الذي شهد العرضة الأخيرة :
«... فشهد عبد الله يعني ابن مسعود ما نُسخ
منه وما بُدّل ، فقراءة عبد الله الأخيرة ؛ وإذ قد ثبت ذلك فلا إشكال أنّ الصحابة كتبوا
في هذه المصاحف ما تحقّقوا أنّه القرآن ، وما علموه استقرّ في العرضة الأخيرة ، وما
تحقّقوا صحّته عن النبيّ(صلى الله عليه وسلم) ممّا لم ينسخ ، وإن لم تكن داخلةً في
الأخيرة ؛ ولذلك اختلفت المصاحف بعض اختلاف ، إذ لو كانت العرضة الأخيرة فقط لم
تختلف المصاحف بزيادة ونقص وغير ذلك».
وعليه ، فإنّ انتخاب حرف زيد من بين الأحرف
قد وسّع الخلاف بين
__________________
الصحابة ، لا أنّه قلّله
كما يقولون ، لأنّ كلّ واحد من الصحابة يكتسب شرعيّة مصحفه من النبيّ(صلى الله
عليه وآله) ويدّعي أنّ قراءته هي القراءة المتواترة عنه؟
عثمان ودعوى اللّحن في
القرآن :
والأهمّ من ذلك أنّ زيد بن ثابت كان من الأنصار
، والأنصار رُموا باللّحن في كلامهم من قبل عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفّان أيضاً
قال : «إنّ في القرآن لحناً ستقيمه العرب بألسنتها».
فلو كان عثمان قد وقف على وجود اللّحن في
المصحف ـ وقد وقف ـ كان عليه أن يرفعه ، لا أن يتركه للعرب كي يقوّموه ، أو أن يعطي
لأمثال الحجّاج الجرأة كي يغيّروا ما في المصحف ، بتبرير وجود اللّحن فيه.
فقول عثمان (أرى فيه لحناً) ، وعدم تحديد
مظان وجوده في القرآن ، يعني إعطاء صكّ مفتوح للعرب في أن يغيّروا جميع القرآن لا أن
يغيّروا مفردات خاصّة فيه.
فاللّحن في القرآن لا يقصد به اللهجة
مطلقاً كما يقولون ، بل هو الخطأ في الإعراب كما قاله سعيد بن جبير :
«في القرآن أربعة أحرف لحن : (والصابئون)
و (والمقيمين) و (فأصَّدَّقَ
__________________
وَأَكُن مِنَ الصَّالِحينَ)
و (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)».
فقوله تعالى في سورة المائدة الآية ٦٩ :
(إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ
صَالِحًا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) يجب أن تكون (الصابئين) بالنصب ، وقد
جاءت هذه الآية بالنصب في سورة الحجّ الآية ١٧ : (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْـمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا
إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيء
شَهِيدٌ)
، فما الّذي أدّى إلى نصبها في سورة الحج ورفعها في سورة المائدة؟ كما أنّها جاءت في
سورة البقرة الآية ٦٢ : (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ
الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
بالنصب.
وهكذا هو حال الآية ١٦٢ من سورة النساء ،
والّتي أوّلها : (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ
وَالْـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ وَالْـمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْـمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْـمُؤْمِنُونَ
بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا) ، إذ تجب أن تكون : (والمقيمون) بالرفع
، لكنّهم علّلوا النصب بأنّه على الاختصاص ، أي : وأمدح المقيمين ، وهو تعليلٌ عليل.
وقد سُئل أبان بن عثمان : «كيف صارت (لَكِنِ
الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
__________________
مِنْهُمْ
وَالْـمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
وَالْـمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْـمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب؟
قال : من قِبل الكُتّاب ، كُتب ما قبلها
، ثمّ قال : ما أكتب؟ قال : اكتب المقيمين الصلاة. فكتب ما قيل له».
«كما سئلت عائشة عن اللّحن الوارد في قوله
: (إنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ) ، وقوله عزّ من قائل : (وَالْمُقِيمِينَ
الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)
، وقوله عزّ وجل : (إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ)
، فقالت : يابن أخي هذا من عمل الكُتّاب ، أخطؤوا في الكتاب».
فكان يجب أن تقرَأ : (إنّ هذين لساحران)
، مثلما قرأ به أبو عمرو ويعقوب.
ونحوه قوله تعالى في سورة المنافقين الآية
١٠ : (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ
قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى
أَجَل قَرِيب فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) ، يراد بذلك أنّه يجب أن يكون (فأصّدّق
وأكون من الصالحين) ، وهي قراءة أبي عمرو.
العرب وتصحيحها للرسم
العثماني :
هذا وقد علّل الداني (ت ٤٤٤ هـ) ـ بعد تضعيفه
ما روي عن عثمان من وجود اللَّحْن في القرآن ، وأنّ العرب ستقوّم المصحف ـ بأنّ المقصود
من
__________________
الخبر بأنّ العرب تقرأ
الرسم العثماني صحيحاً وإن كان مكتوباً خطأً
، إذ قال :
«قلت : هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجّة
ولا يصحّ به دليل ، من جهتين :
إحداهما : أنّه مع تخليط في إسناده واضطراب
في ألفاظه مرسل ، لأنّ ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئاً ولا رأياه ، وأيضاً
فإنّ ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان ؛ لما فيه من الطعن عليه مع محلّه من الدين
ومكانه من الإسلام وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة واهتمامه بما فيه الصلاح
__________________
للأمّة ، فغير ممكن أن
يتولّى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأخيار الأتقياء الأبرار نظراً لهم ليرتفع
الاختلاف في القرآن بينهم ، ثمّ يترك لهم فيه مع ذلك لحناً وخطأً يتولّى تغييره من
يأتي بعده ممّن لا شكّ أنّه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده ، هذا ما
لا يجوز لقائل أن يقوله ولا يحلّ لأحد أن يعتقده.
فإن قال : فما وجه ذلك عندك لو صحّ عن عثمان؟
قلت : وجهه أن يكون عثمان أراد باللّحن المذكور
فيه التلاوة دون الرسم ، إذ كان كثير منه لو تُلي على حال رسمه لانقلبت بذلك معنى التلاوة
وتغيّرت ألفاظها ، ألا ترى قوله : (أَوْ لأاذْبَحَنّه) ، (ولأوضعوا) ، (ومِن نباءي
المرسلين) ، و (سَأُورِيكُم) ، و (الرِّبوا) ، وشبهه ممّا زيدت فيه الألف والياء
والواو في رسمه ، لو تلاه تال لا معرفة له بحقيقة الرسم على حال صورته في الخطّ لصيّر
الإيجاب نفياً ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله ، فأتى من اللّحن بما لا خفاء
به على من سمعه مع كون رسم ذلك كذلك جائزاً مستعملاً ، فأعلم عثمان إذ وقف على ذلك
أنّ من فاته تمييز ذلك وعزبت معرفته عنه ممّن يأتي بعده سيأخذ ذلك عن العرب ، إذ هم
الّذين نزل القرآن بلغتهم ، فيعرّفونه بحقيقة تلاوته ويدلّونه على صواب رسمه ، فهذا
وجهٌ عندي ، والله أعلم».
__________________
أقول للداني :
إنّ هذا الوجه المذكور مجرّد فرض واحتمال
، وكلام عثمان أعمّ منه وأشمل.
ثمّ إنّ الإشكال باق على حاله ؛ إذ لماذا
لا يُصحَّح الرسم بشكل بعيد عن الالتباس؟ خصوصاً في المصاحف التي أُرسلت إلى الأمصار!
إنّ القرآن هو كتاب الله للمسلمين جميعاً
ولا يختصّ بالعربي ، فلو قبلنا كلامك في العربي فماذا تقول في الذي لا يعرف بحقيقة
تلاوته اليوم والذي يقرأ القران على الإملاء الجديد؟ وحتّى أنّ قراءة الهندي والفارسي
والإنجليزي القرآن بالرسم العثماني تربكه لأنّه يرى زيادة في (لأذبحنه) لا يراها في
(لأعذبنه)؟
بلى ، إنّ الرسم العثماني القديم قد يغيّر
معنى بعض الألفاظ ، كما تراه في كلام حكاه الباري عن تهديد سليمان للهدهد في قوله :
لأذبَحَنَّه والّتي وردت بأداتَي التوكيد : لام القسم ونون التوكيد الثقيلة ، تقرأها
في المصحف الرائج اليوم : (لأَاْذْبَحَنَّهُ)
، بصورة نفي الذبح لا تأكيده ، مع أنّ قوله تعالى : (لأُعَذِّبَنَّهُ) مرسومة حسب النطق
تماماً بأداتَي توكيدها ، فما السبب في اختلاف هذين الرسمَين وتناقض هاتين الكلمتين؟!
وما هي حجّة القرّاء والمتمسّكين بالرسم القديم في هذا؟
فإذا كانت تُقرَأ (لأذبحنّه) ، فلماذا تُكتَب
: (لأَاْذْبَحَنَّهُ)؟ وما الفرق بينها
__________________
وبين (لأُعَذِّبَنَّهُ)
القرآنية ، إنّهم قالوا في جواب هذا الإشكال : إنّه إشارة إلى أنّ الذبح لم يحصل ،
فجوابنا أنّ التعذيب لم يحصل أيضاً ، فما الفارق بينهما؟
كما نرى أنّ الرسم القديم يُلبس الأمر على
القارئ ، وخصوصاً بعد علمنا بعدم تنقيط المصاحف على عهد عثمان.
فالقارئ لا يمكن أن يفرّق بين لفظة (يَا
صَالِح) ولفظة (يَصلُح) ، أو بين (ليَسُوءُوا) و (لَيْسوا) ، أو بين (صَافّات) و (صفَّت)
، وأمثالها.
ومثلها كلمة (عَتَوْا) ، فتارةً تكتَب مع
ألف وأخرى بغيرها
، مع أنّ كلمتَي (أَتَوْا) و (دَعَوْا) قد وردت في السورة نفسها مع ألف
، فما المبرّر في كتابتها في الآية ٢١ من سورة الفرقان بدون ألف ، وكتابتها في الآية
٧٧ من سورة الأعراف مع الألف؟
بل ما الدّاعي لإثبات ألف بعد الواو في سورة
فاطر (يَدْعُواْ حِزْبَهُ) مع أنّها ليست بواو جماعة ولا داعي لزيادتها
، في حين تحذف الألف من الآية ٦١ من سورة البقرة : (وَبَاءُو بِغَضَب مِنَ
الله)
، ومن الآية ١١٦ من سورة الأعراف : (وَجَاءُو بِسِحْر عَظِيم) ، والآية ٥١ من سورة الحجّ ، والخامسة من
سورة سبأ : (وَالَّذِينَ سَعَوْ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ) ، مع أنّها جاءت بصيغة الجمع ، والّتي يجب
أن تكون مع الألف.
__________________
وقد تجيء كلمة (يمحُ) تارةً بدون الواو
وأخرى معها
، أو (شيء) و (لَشَيء) ـ بفتح اللاّم ـ فإنّها تكتَب في جميع مواضع المصحف بغير ألف
، بخلاف (لِشَيء) ـ بكسر اللام ـ ، فتارةً تكتب بغير ألف
وأخرى معها.
ونحوه (نعمة الله) ، فتارةً تكتب بالتاء
المربوطة
وأخرى بالتاء المبسوطة
، ومثله (سنّة)
، و (جنّة)
، و (لعنة).
فلماذا تُكتب (اِمْرأت عمران) و (بَقيّت
الله) ، أو (فِطْرَتَ الله) ، أو (شَجَرَت الزقّوم) ، أو (مَعْصِيَت الرسول) ، أو (رَحمت
الله) بالتاء المبسوطة ، في حين نرى هذه الكلمات تكتب بالتاء المربوطة في أماكن أخرى
، بل لماذا تكتب (بسطة) بالسين في سورة البقرة الآية ٢٤٧ ، وبالصاد في سورة الأعراف
الآية ٩٦.
__________________
وهكذا الحال بالنسبة إلى كلمتي (ابن) و
(أُم) ، فتارةً نراهما منفصلتَين
وأخرى مجتمعتَين
، ومثلها كتابة أن لا (ألاّ) وعن ما (عمّا) وفي ما (فيما) وأين ما (أينما) وكلّ ما
(كلّما) ولكي لا (لكيلا) وعن من (عمّن) وأن لن (ألّن) وأن لم (ألّم) ، فقد تُكتب متّصلةً
في أماكن ومنفصلة في أماكن أخرى.
بل كيف يجوز جعل التأكيد نفياً ، وكيف يكون
رسم ذلك جائزاً في القرآن؟ ولو أُجيز فما الفائدة من قراءته؟ وأليس الله قد حلّل وحرّم
أموراً بألفاظ وقال : (قَالُوا إنَّمَا الْبَيْعُ
مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)؟ وأليس النكاح مثل السفاح ، وقد أحلّ الله
النكاح بألفاظ خاصة؟ لا طبقاً للتوافق ورضى الطرفين ، فما يعني تجويزه القراءة بأيّ
شكل كان؟
ولو كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) قد
سمح بتغيير كلام الله ـ والعياذ بالله ـ شريطة أن لا تصير آية رحمة آية عذاب ، فهل
يجيز(صلى الله عليه وآله) جعل التأكيد والقسم في (لأاذبحنّه) نفياً للذبح أيضاً؟
فما الضابطة في كلّ تلك الأمور؟ بل لماذا
لو أنقص كاتب المصحف ألفاً من قوله : (لِشاْي) فصارت موافقةً للإملاء الجديد (لشيء)
، أو أضاف ألفاً في قوله تعالى : (طغين) فجعلها (طاغين) لكان من الكافرين ، أو زاد
ألفاً في (سموت) وكتبها كما هي مكتوبة في سورة فصّلت الآية ١٢ : (فقَضاهنّ
سبع سموات)
لكان من المخلّدين في الجحيم؟
__________________
بل ما السرّ في كتابة (تُغْنِ) في سورة القمر
بدون الياء
، وفي سورة يونس معها؟
إنّي لا أريد أن آتي بكلّ ذلك ، فهو كثير في المصحف الشريف الرائج ، بل أريد أن أؤكّد
بأنّ رسم المصحف العثماني ليس بتوقيفيّ كما يقولون ، والذهاب إلى ذلك ليس بخدش في القرآن
الكريم بل عدم القبول بتوقيفية الرسم ، وأنّ من لم يعتقد بذلك الرسم والخطّ فهو ليس
بكافر ولا فاسق ، بل إنّه يؤكّد صحّة كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله) بأنّ أمّته
أمّة أمّيّة لا تعرف القراءة والكتابة وأنّ أصحابه لا يفوقون الأجيال الأخرى في الخط
والكتابة ، لقوله : «إنّا أمّةٌ أمّيّة ، لا نكتب ولا نحسب».
فإذا كان الكاتب يخطأ ـ كما قالت عائشة
ـ ، والأمّة أمّيّة لا تعرف الكتابة ، وفي المصحف يوجد لحن كما جاء عن سعيد ابن جبير
وقوله : في القرآن أربعة أحرف لحن : (والصابئون)
، (والمقيمين)
، و (فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ)
، و (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ)
، وأمثال ذلك ـ فلماذا هذا التهويل في لزوم التعبّد برسم المصحف؟
__________________
مع التنبيه والتأكيد على أنّ هذه الاختلافات
والخروج عن المألوف في النظام الإملائي ، لا يُحدث خللاً في القرآن ولا يمسّ بصحّة
قوله تعالى : (إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ)
، وإنّما يثبت عدم توقيفيّة الخطّ ، وأنّ ما قالوه هو مغالاةٌ وتعسّف ليس إلاّ.
وخير دليل على عدم توقيفيّة الرسم العثماني
هو اختلاف زيد مع غيره في كتابة كلمة (التابوت) هل هي بالتاء المبسوطة أم بالمربوطة؟
فلو كان الرسم توقيفيّاً لما اختلفوا؟
نعم إنّ مسألة التأكيد على الرسم العثماني
فيه مغالاة ، فقال الدكتور صبحي الصالح :
«وأمّا مسألة احترام وتقدير العمل الّذي
قام به عثمان وتفضيل اتّباع سبيله في كتابة المصحف فهي شيءٌ ، والقول بأنّ هذا العمل
توقيفيّ شيءٌ آخر».
بل اعتبر الأستاذ الدكتور ما قالوه من توقيفيّة الكتابة أنّه إفراطٌ بعيد عن المنطق.
وقد أشار الدكتور طيّار آلتي قولاچ إلى ظاهرة
الغلوّ فقال :
«... مَن يزعم أنّ الصحابة يفوقون الأجيال
التالية في أمور الزراعة وتربية الحيوان والفلَك والحساب والهندسة والطب ، ومن يقول
أنّهم كانوا يجيدون الخطّ والكتابة أكثر من الأجيال الّتي أعقبتهم ... ـ حتّى يقول
ـ :
__________________
وبناءً على ما ذكرنا فإنّ الصحابة خير أمّة
أخرجت للناس ، وتمتّعهم بالصفات الحميدة وشرف مكانتهم ، باعتبارهم الجيل المثاليّ الّذي
صاحب الرسول ، أمر لا يقتضي بالضرورة أن يكونوا ممّن يجيدون الخطّ والكتابة بدرجة لا
قصور لها.
فالواقع أنّ طريقة الإملاء الّتي استخدمها
الصحابة لم تكن قد بلغت حدّ الانضباط العلميّ الأوفى بحسب البحوث الّتي قام بها رجال
العلم حول الموضوع».
وقد كان الدكتور طيّار قد انتقد قول ابن
فارس في توقيفيّة الإملاء المستخدَم في المصاحف سابقاً بقوله :
«... ولا يمكننا أن نتصوّر أنّ النبيّ محمّد
طلب من كتّاب الوحي مثلاً أن يكتبوا كلمة (إبْراهِيمُ) بدون الياء دائماً (إِبْراهِمُ)
في سورة البقرة ، وأن يكتبوها بالياء (إبْراهِيمُ) في كافّة السور».
إذن خطأ الكتّاب ووجود اللّحن في القرآن
هو ممّا يؤذي الآخرين ، وأنّ ابن تيميّة أراد التشكيك فيما روي عن عثمان بالسماح للعرب
أن يقوّموا القرآن بقوله :
«هذا خبرٌ باطل لا يصحّ من وجوه :
أحدهما : إنّ الصحابة كانوا يتسارعون إلى
إنكار أدنى المنكرات ،
__________________
فكيف يقرّون اللّحن في
القرآن ، مع أنّه لا كلفة عليهم في إزالته.
والثاني : إنّ العرب كانت تستقبح اللّحن
غاية الاستقباح في الكلام ، فكيف لا يستقبحون بقاءه في المصحف.
والثالث : إنّ الاحتجاج بأنّ العرب ستقيمه
بألسنتها غير مستقيم ، لأنّ المصحف الكريم يقف عليه العربيّ والعجمي.
والرابع : أنّه قد ثبت في الصحيح أنّ زيد
بن ثابت أراد أن يكتب (التابوت) بالهاء على لغة الأنصار ، فمنعوه من ذلك ، ورفعوه إلى
عثمان وأمرهم أن يكتبوه بالتاء على لغة قريش ، ولمّا بلغ عمر أنّ ابن مسعود قرأ :
(عتّى حين) على لغة هذيل ، أنكر ذلك عليه وقال : أقرئ الناس بلغة قريش ، فإنّ الله
تعالى إنّما أنزله بلغتهم ولم يُنزِله بلغة هذيل ...».
أقول لابن تيميّة :
أوّلاً
: ألم يكن ابن مسعود من كبار الصحابة ، ومن
المسارعين إلى الاعتراض على عثمان في إناطة أمر القرآن بصغار الصحابة؟ والقائل : «يا
معشر المسلمين ، أُعزَل عن نسخ كتابة المصاحف ويولاّها رجل ، والله لقد أسلمتُ وإنّه
لفي صلب أبيه كافر»
، وقوله : «وكيف يأمروني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأتُ مِن فِي رسول الله(صلى
الله عليه وآله) بضعاً وسبعين سورة ، وإنّ زيد بن ثابت ليأتي مع الغلمان له ذؤابتان
...». وأمثال ذلك.
__________________
بل كيف يغلب ابنَ مسعود هواه ـ وهو سادس
الصحابة ـ فيقول لعثمان معترضاً على تولية زيد بن ثابت لكتابة المصحف : «أُعزَل عن
نسخ كتابة المصاحف ويولاّها رجل؟».
ألم يقل ابن مسعود لحذيفة : «أما إنّي إذاً
لم أُظلُّهم ، وما من كتاب الله آية إلاّ أعلم حيث نزلت وفيم نزلت ، ولو أعلم أحداً
أعلم بكتاب الله منّي تبلغنيه الإبل لرحلت إليه».
وقد وَفَى ابن مسعود بما قاله ، وأخذ من
أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
ما بعد السبعين من السور التي أخذها مِن فِي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقد مرّ
قوله في ذلك سابقاً.
وألم يَثُر أهل مصر على عثمان لحرقه المصاحف؟
__________________
وألم يستنجد الصحابةٌ بإخوانهم في الأمصار
ضجراً من أعمال عثمان؟ ففي (تاريخ الطبري : حوادث سنة ٣٤) : «لمّا كانت سنة أربع وثلاثين
، كتب أصحاب رسول الله بعضهم إلى بعض أن أقدموا ، فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد».
وفي رسالة مَن بالمدينة من أصحاب محمّد(صلى
الله عليه وآله) إلى من بالآفاق ، جاء فيها : «إنّكم إنّما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل
الله تطلبون دين محمّد ، فإنّ دين محمّد قد أفسده من خَلِفكم [وفي الكامل : خليفتكم]
، وترك ... ، فأقيموا دين محمّد».
إذن ، فالصحابة لم يكتفوا بالاعتراض على
وجود اللّحن في القرآن وحرق عثمان للمصاحف ، بل إنّهم وقفوا أمام سياسات عثمان وإحداثاته
المتكرّرة الأخرى ، وكانوا من المسارعين في ذلك ، حتّى أهدروا دمه ، مؤكّدين بأنّه
(أحدث) و (غيّر) و (بدّل) في الدين ، وهذه اصطلاحات شرعية تؤكّد إدخال في الدين ما
ليس فيه ، وقد ذكر البلاذريّ في أنسابه : «أنّ طلحة خاطب عثمان بقوله : إنّك أحدثت
أحداثاً لم يكن الناس يعهدونها ...».
وجاء في شرح النهج : «أنّ الزبير كان يقول
عن عثمان : اقتلوه ، فقد
__________________
بدّل دينكم».
وقال ابن مسعود ـ مضافاً إلى اعتراضاته الّتي
مرّت ـ : «وما أرى صاحبكم إلاّ وقد غيّر وبدّل ، أيُعزل سعد بن أبي وقّاص ويولّى الوليد
بن عقبة؟».
وقال عمرو بن العاص لعمّار بن ياسر : «فلم
قتلتموه؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه».
وفي الإمامة والسياسة
، قال سعد بن أبي وقّاص : «وأمسكنا نحن ، ولو شئنا دفعنا عنه ، ولكنّ عثمان غيّر وتغيّر».
وقد شبّهته عائشة بنعثل اليهودي وكفّرته
، وقالت : «اقتلوا نعثلاً فقد كفر».
وأمثال هذه النصوص كثيرة في كتب التاريخ
والحديث ، كلّها تؤكّد عدم ارتياح الصحابة وأمّهات المؤمنين من أفعال عثمان ومسارعتهم
إلى إنكار منكراته ، وعلى رأسها حرقه للمصاحف.
وثانياً
: صحيح أنّ العرب كانت تستقبح اللّحن غاية
الاستقباح في الكلام ، وقد جاء عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله : «أنا من قريش
ونشأت في بني
__________________
سعد ، فأنّى لي اللّحن».
وصحيحٌ أنّ عثمان العربي استقبح ذلك ، لكنّه
في نفس الوقت أخطأ في حلّ المشكلة ، لعدم تصحيحه تلك المفردات لإيكال الأمر إلى العرب
لتقويمه وتصحيحه.
كما أنّ عائشة وابن عبّاس العربيَّين حملا
اللّحن في القرآن على خطأ الكتّاب ، وقد حُكي عن أبي بكر قوله : «لئن أقرأ فأُسقط ،
أحبّ إليّ من أن أقرأ فألحن».
إذن العرب كانت تستقبح اللّحن وتسعى لبيان
وجه له عندهم ، إلاّ أنّ هذا بعينه يرد على عثمان نفسه لإقراره بوجود اللّحن وتركه
الأمر للعرب وعدم سعيه لإزالته ، مع أنّه لا كلفة عليه ولا على غيره من الصحابة في
إزالته.
منشأ اللّحن :
ولنا أن نتساءل عن اللّحن الذي شاهده في
المصحف ، هل كان قد عرفه وسمعه أيّام رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، أم أنّه أمرٌ
حادث طارئ؟ فلو كان ـ والعياذ بالله ـ هو ممّا شاهده وسمعه على عهد رسول الله(صلى
الله عليه وآله) وقد كان موجوداً في المصحف الذي جمعه على عهده(صلى الله عليه
وآله) ، فيكون المصحف بذلك هو القراءة الصحيحة فلا يجوز تغييره.
وإن كان أمراً حادثاً وطارئاً في العصور
التالية ، فكان عليه حذفه وأن لا
__________________
يخاف في ذلك لومة لائم.
وقد يمكننا جمعاً بين القولين أن نقول بأنّ
ما قيل عن عثمان من أنّه جمع القرآن على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) غير صحيح
؛ وذلك لعدم ثبوت جمعه القرآن بنفسه ، بل عدم تصحيحه ما رآه من لحن في المصحف المجموع
وإرجاعه إلى العرب كي يصحّحونه ، لأنّه لو كان قد أقرأ بعض التابعين حقّاً لكانت قراءة
هؤلاء هي الصحيحة والمعتمدة ولا تترك في الأزمنة اللاحقة ، لكنّا نرى الشيء الكثير
قد ورد في قراءة عبد الله بن عامر المنسوبة إلى عثمان والمتروكة اليوم عند المسلمين.
أجل ، إنّ العصبية والغلوّ في الصحابة وإعطائهم
هالة من التقديس لا يسمح بمناقشة ما نُسب إلى عثمان ، فاستمع لما يقوله علماء مدرسة
الخلافة ، قال القرطبيّ : «بأنّ أصحاب القراءات من أهل الحجاز والشام والعراق كلّ
منهم عزا قراءته التي اختارها إلى رجل من الصحابة قرأها على رسول الله لم يستثن من
جملة القرآن شيئاً ، فأسند عاصم قراءته إلى عليّ وابن مسعود ، وأسند ابن كثير قراءته
إلى أُبيّ ، وكذلك أبو عمرو بن العلاء أسند قراءته إلى أُبيّ ، وأمّا عبد الله بن عامر
فإنّه أسند قراءته إلى عثمان ، وهؤلاء كلّهم يقولون : قرأنا على رسول الله وأسانيد
هذه القراءات متّصلة ورجالها ثقات ، قاله الخطابي».
وقال الزركشي : «فائدة : قيل : قراءة ابن
كثير ونافع وأبي عمرو راجعة
__________________
إلى أُبيّ ، وقراءة ابن
عامر إلى عثمان بن عفّان ، وقراءة عاصم وحمزة والكسائي إلى عثمان وعلي وابن مسعود».
وقال الدكتور حسين عطوان في الفصل الخامس
من كتابه القراءات
القرآنية في بلاد الشام : «أجمع علماء القراءات
على أنّ المغيرة بن أبي شهاب المخزومي كان شيخ ابن عامر المقدم في القراءة».
لكنّ ابن جرير الطبري شكّ في ذلك وضعّفه
، وأخرج ابن عامر من القرّاء السبعة ، لأنّ قراءته قراءة شاذة غير متواترة لا يعرف
مصدرها وأصلها ولا يتّصل سندها برسول الله ، وأنّ من أخذ القراءة عنه ومن أخذوها عنه
مغمورون مجهولون ، يقول
: «زعم بعضهم أنّ ابن عامر قرأ على المغيرة عن عثمان ، وهذا غير معروف ، لأنّا لا نعلم
أحداً ادّعى أنّه قرأ على عثمان ، ولو كان سبيله في الانتصاب لأخذ القرآن كان لا شكّ
قد شارك المغيرة في القراءة عليه غيره ، وفي عدم مدّعي ذلك دليل واضح على بطلان قول
من أضاف قراءة ابن عامر إلى المغيرة ، والذي حكى ذلك رجل مجهول لا يعرف بالنقل ولا
بالقرآن ، يقال له : عراك بن خالد ، ذكره عنه هشام بن عمّار ، ولا نعلم أحداً روى عنه
غير هشام».
ونقض ابن الجزري قول ابن جرير الطبري نقضاً
وعدّه من هفواته
__________________
وسقطاته ، مدلياً بحجج
العلماء التي تثبت تهافته وبطلانه ، وتبيّن ما فيه من أوهام وأحكام فاسدة أظهرها تغافله
عن تعليم عثمان القرآن لغير واحد من المشهورين وطمسه له وتجهيله لعراك بن خالد المري
، وإنكاره لمعرفته بالقراءة وإتقانه لها ، وتغاضيه عن تعلّم كثير من القرّاء عليه.
يقول
: «انظر إلى هذا القول الساقط من هذا الإمام الكبير ، لا جرم كان الإمام الشاطبي يحذّر
من قول ابن جرير هذا. قال السخاوي : وهذا قول ظاهر السقوط ، فقوله : «لا نعلم أحداً
قرأ على عثمان» ، غير صحيح.
فإنّ أبا عبد الرحمان السلمي
قرأ عليه وروى أنّه علّمه القرآن ، وقرأ أيضاً على عثمان أبو الأسود الدؤلي
، وروى الأعمش عن يحيى بن وثاق عن زر عن عثمان
، ثمّ لا يمتنع أن يكون عثمان أقرأ المغيرة وحده لرغبة المغيرة في ذلك ، أو أراد عثمان
أن يخصّه».
ثمّ فتح الدكتور عطوان فصلاً تحت عنوان (نقد
الطبري والزمخشري لقراءة ابن عامر).
ومعناه أنّ ما قالوه عن عثمان في القراءات
ليس بثابت يقيناً ، بل يمكن
__________________
الخدش فيه ، وقد خدش بعضه
إمام المفسّرين الطبري ، كما أعلمنا النصّ السابق من أنّ رجوع قراءة عاصم وحمزة والكسائي
إلى عثمان فيه كلام ، وكلّ ذلك يعلمنا بأنّ هناك تهويلاً لمكانة عثمان في جمع القرآن
، وأنّه كان متعمّداً في اللّحن وترك اللّحن في القرآن ، ولا يستبعد أن يكون الأمويّون
هم خلف ذلك ، كما لا يستبعد أنّهم ولكي يشركوا علياً معهم ، ادّعوا نسبة اللّحن إليه عليهالسلام مع أنّه إمام النحو والعربيّة
باعتراف الجميع ، فقد قال ابن كثير في فضائل القرآن : «قد تقف على مصاحف وُضعت طبقاً
للمصحف العثماني ، ويقال : كتبه علي بن أبو طالب ، وهذا لحن فاحش لا يصدر من أشرف الناس
والذي علّم النحو لأبي الأسود الدؤلي».
ثمّ كُتب في هامش الكتاب ـ ولا أعلم الهامش
لمن ، هل هو لمحمّد رشيد رضا أم لغيره؟ ـ : «هذا غلط ، ويدلّ على أنّ كاتبه أعجمي ،
وقد يكون من زنادقة الفرس».
فإنّي بكلامي هذا لا أريد أن أبتّ بذلك ،
بل أقول : لا يستبعد أن يكونوا قد وضعوا ذلك ، لأنّه يصحّ قولنا : عليّ بن أبو طالب
، على الحكاية ، وذلك أنّ (أبو طالب) علمٌ في محلّ جرٍّ للإضافة ، وهذا غير اللّحن
الذي أشار إليه سعيد بن جبير وعائشة وابن عبّاس وغيرهم والموجود في المصحف.
والداني بعد أن ناقش المرويّ عن عائشة قال
:
«على أنّ أمّ المؤمنين مع عظيم محلّها وجليل
قدرها واتّساع علمها ومعرفتها بلغة قومها ، لحّنت الصحابة وخطّأت الكتبة ، وموضعهم
من الفصاحة والعلم باللّغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر ، هذا ما لا يسوغ ولا
يجوز».
وجاء في فتوح البلدان بأنّ كاتب أبي موسى
الأشعري كتب إلى عمر : «من أبو موسى ... فكتب إليه عمر : إذا أتاك كتابي هذا فاضرب
كاتبك سوطاً وأعزله عن عملك».
بلى ، إنّ العربي لا يرتضي وجود اللّحن في
كلامه ، فكيف يرضى المسلم وجود ذلك في كتاب ربّه ، وهو المأمور بتلاوته في صلاته والأخذ
بأحكامه.
فإذا كان عمر وعثمان لا يرتضيان وجود اللّحن
في الكلام العربي ، فكيف يتركانه إلى العرب كي يقوّموه؟ إنّه سؤالٌ نطلب إجابته من
أتباع ابن تيميّة على وجه الخصوص!
وثالثاً
: إنّ ما قاله ابن تيمية هو كلامنا وكلام
كلّ معترض على عثمان ، فالإشكال يرد على عثمان وعلى المدافعين عنه لا على من اعترض
عليه ، فإنّ الأعجمي حينما يقرأ القسم والتأكيد نفياً في قوله تعالى : (لأَذْبَحَنَّه)
بـ (لأاذبحنّه) ، فعلى مَن يقع هذا الخطأ؟ أليس الرسم العثمانيّ هو الّذي أدّى به
إلى أن يقرأ القرآن بخلاف مراد الله تعالى؟ وأليس كان سببه عثمان بن عفّان ولجنته الّتي
أسّسها والتي ادُّعي بأنّهم من أفصح وأكتب العرب؟! وبعد هذا فلا يُستبعد أن يقرأ الأعجميّ
القرآن بوجه يظهر فيه الكفر والخروج عن الدين ، فما هو الحل؟
__________________
ورابعاً
: إنّ اختلاف زيد مع غيره في كتابة (التابوت)
بالهاء أو بالتاء ، أو أنّ كتابة البسملة مع الألف كما في سورتي العلق والواقعة (اقْرَأْ
بِاسْمِ رَبِّكَ) ، وقوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ) أو بدونها (بِسْمِ الله
الرَحْمن الرَّحيم) كما في أوائل السور ، لا يضرّ بقدر ما يضرّ كتابة وقراءة (حتّى
يَطْهُرن) و (حتّى يطّهّرنَ) ، أو قراءة قوله : (لامَسْتُمُ النِّسَاء) بـ (لمستم النساء)
، فإنّ القراءة بهكذا قراءات مغيّرة للمعنى تماماً ، ثمّ تجويز ذلك هو الذي يسيء إلى
الدين وأحكامه ، لا كتابة (التابوت) بالهاء أو التاء.
نعم ، إنّ عثمان بن عفّان زعم أنّه كان يريد
أن يوحّد الأمّة ، لكنّه في الواقع كان أراد أن يرقع ما فتقه سابقه في مشكلة أهم من
سابقتها ، لكنّ الصحابة رغم رفضهم لمنهج عثمان التزموا بمصاحفه حفاظاً على النصّ
القرآني ، فإنّ ابن مسعود لمّا أراد عثمان إبعاده من الكوفة أوصى أصحابه بضرورة عدم
التنازع في القرآن وعدم ترك قراءته ، لأنّ القرآن ـ رغم خطأ منهجيّة عثمان في توحيده
ـ لا يتغيّر ، فجاء في تفسير الطبري بسنده عن علقمة النخعي قال :
«لما خرج عبد الله بن مسعود من الكوفة اجتمع
إليه أصحابه فودّعهم ، ثمّ قال : لا تنازعوا في القرآن ، فإنّه لا يختلف ولا يتلاشى
ولا يتغيّر لكثرة الرد ، وإنّ شريعة الإسلام وحدوده وفرائضه فيه واحدة ، ولو كان شيء
من الحرفين ينهى عن شيء يأمر به الآخر كان ذلك الاختلاف ، ولكنّه جامع ذلك كلّه لا
تختلف فيه الحدود ولا الفرائض ولا شيء من شرائع الإسلام ، ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند
رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، فيأمرنا فنقرأ عليه ، فيخبرنا أن كلّنا
محسن ، ولو أعلم أحداً
أعلَم بما أنزل الله على رسوله منّي لطلبته حتّى أزداد علمه إلى علمي ، ولقد قرأت من
لسان رسول الله(صلى الله عليه وسلم) سبعين سورة ، وقد كنت علمت أنّه يعرض عليه القرآن
في كلّ رمضان حتّى كان عام قبض فعُرض عليه مرّتين ، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني
أنّي محسن ، فمن قرأ قراءتي فلا يدعنّها رغبةً عنها ، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف
فلا يدعنّه رغبة عنه ، فإنّه من جحد بآية جحد به كلّه».
فانظر إلى حرص ابن مسعود على وحدة الكلمة
في القرآن ، مع إيمانه بصحّة ما عنده من القراءة وخطأ ما عندهم ، وهكذا الأمر تراه
عند الإمام علي عليهالسلام
الذي قال : لا يهاج القرآن بعد هذا اليوم ، فقد قال ابن الجزري : «ولذلك اختلفت المصاحف
عن بعض المصاحف ، إذ لو كانت العرضة الأخيرة فقط لم تختلف المصاحف بزيادة ونقص وغير
ذلك وتركوا ما سوى ذلك ، ولذلك لم يختلف عليهم اثنان حتّى إنّ عليّ بن أبي طالب رضياللهعنه لمّا ولّي الخلافة بعد
ذلك لم ينكر حرفاً ولا غيّره ، مع أنّه هو الراوي أنّ رسول الله(صلى الله عليه
وسلم) يأمركم أن تقرؤوا القرآن كما عُلّمتم».
نعم ، إنّ إعطاء عثمان هذه الإجازة لعموم
العرب هي الّتي جرّأت الحجّاج بأن يغيّر الرسم العثماني ، كما أنّه هو الذي أعطى للآخرين
أن يغيّروا
__________________
التلاوة القرآنيّة بالقياس
وموافقة العربية من وجه
وأن يتوسّعوا في ذلك ، وذلك تحت طائله (الاختيار في القراءة) ، بمعنى أنّ رسول الله
لمّا قال : نزل القرآن على سبعة أحرف ، قد أجاز لهم أن يختاروا من بينها ، ولأجله شُرِّع
تعدّد القراءات ، ولو راجعت كتاب
المصاحف لابن أبي داوود السجستاني (ت ٣١٦ هـ) لرأيته
قد عقد باباً تحت عنوان : ما غيّر الحجّاج في مصحف عثمان ، فروى فيه بإسناده عن عوف
بن أبي جميلة ، أنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي (ت ٩٥ هـ) غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً.
ما غيّره الحجّاج
|
الموجود في مصحف عثمان(سابقاً)
|
السورة
|
لم
يتسنّه
|
لم
يتسنّ
|
البقرة
: ٢٥٩
|
شرعةً
ومنهاجاً
|
شريعةً
ومنهاجاً
|
المائدة
: ٤٨
|
يسيّركم
في البرّ والبحر
|
ينشركم
في البرّ والبحر
|
يونس
: ٢٢
|
أنا
أُنبئكم بتأويله
|
أنا
آتيكم بتأويله
|
يوسف
: ٤٥
|
سيقولون
الله
|
سيقولون
لله
|
المؤمنون
: ٨٥ ،٨٧ ،٨٩
|
__________________
من
المرجومين
|
من
المخرجين
|
الشعراء
: ١١٦
|
من
المخرجين
|
من
المرجومين
|
الشعراء
: ١٦٧
|
معيشتهم
|
معايشهم
|
الزخرف
: ٣٢
|
غير
آسن
|
غير
ياسن
|
محمّد
: ١٥
|
فالذين
آمنوامنكم وأنفقوا
|
فالذين
آمنوا منكم واتّقوا
|
الحديد
: ٧
|
وماهو
على الغيب بضنين
|
وما
هو على الغيب بظنين
|
التكوير
: ٢٤
|
وقد أضاف الزرقاني شيئاً آخر عن الحجّاج
، فقال : «لمّا قام الحجّاج بنصرة بني أميّة لم يبق مصحفاً إلاّ جمعه وأسقط منه أشياء
كثيرة قد نزلت فيهم وزاد فيه أشياء ليست منه ، وكتب ستة مصاحف جديدة بتأليف ما أراده
ووجّه بها إلى مصر والشام ومكّة والمدينة والبصرة والكوفة ، وهي القرآن المتداول اليوم
، وعمد إلى المصاحف المتقدِّمة فلم يُبق منها نسخة إلاّ أغلى لها الخلّ وطرحها فيه
حتّى تقطعت ، وإنّما رام بما فعله أن يتزلّف إلى بني أميّة فلم يبق في القرآن ما يسوءهم».
ونحن نردّ هذا الكلام ونرفضه ، لأنّ الحجّاج
وال صغير على رقعة من البلاد الإسلاميّة ، فهو أصغر من أن يستطيع تبديل قرآن كلّ المسلمين.
وهذا الكلام لأنّه يسيء إلى القرآن الكريم ، وإن صحّت أخبار التحريف والزيادة
__________________
والنقصان في المجاميع
الحديثيّة فهي أخبار آحاد لا تقاوم المتواتر المشهور ، سواء وردت في كتب الشيعة أو
في كتب أهل السنة ، ولا يُستبعد أن تكون قد رويت أمثال هذه الأخبار في القرآن للتشنيع
على الحجّاج السفّاك الظالم المعروف بظلمه في التاريخ ، ولو صحّ بأنّه غيّر لكان على
القرّاء ـ بعد انتهاء حكمه ـ الرجوع إلى القراءة الصحيحة.
إنّ وجود هكذا أخبار في المصاحف
للسجستاني وغيره هي التي أعطت المبرّر لأمثال كازانوا أن يقول بأنّ القرآن ألف في القرنيين
الثاني والثالث الهجري وبأمر عبد الملك بن مروان ، أو أن يقول ونزبرو بأنّ القرآن أخذ
من أقوال النبيّ ولا يمكن إدعاء تواتره إلاّ في أوائل القرن الثالث الهجري ، لأنّه
مثل الكتب السماوية الأخرى التي لم تُؤلَّف إلاّ بعد تأليف الفقه والشريعة عندهم.
وهذا الباب الذي فتحه أبو بكر بن أبي قحافة
وعمر بن الخطّاب هو الذي فتح الباب لأبي بكر البغدادي الخليفة الداعشي لأن يعلن اليوم
ـ وعند كتابة هذه السطور ـ عزمه على إعادة كتاب الله وترتيبه لما فيه من الأغلاط!!
وباعتقادنا أنّ تعاهد المسلمين لهذا القرآن
بحروفه وكلماته ونظمه وترتيبه حتّى العصر الحاضر أمّةً عن أمّة ـ رغم تنازعهم وتباين
وجهات
__________________
نظرهم ـ يؤكّد وحدة النصّ
على عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) وأنّهم توارثوه يداً بيد ، وأنت إذا لاحظت المصاحف
القديمة وقارنتها مع المصاحف الحاضرة المخطوطة والمطبوعة لرأيتها متّحدة في الأسلوب
والخطّ وثبت الكلمات في بنيتها وصورتها ، وإنّ هذا لدليل على وحدة النصّ عند المسلمين
في جميع الأدوار ، الأمر الذي يكشف عن حرص الأمّة الشديد على حراسة كتابها المجيد ،
غير منكرين بأنّ منهجيّة الخلفاء قد أثّرت عليه في الجملة ، لكن لم تؤثر عليه أثراً
ذا بال.
قال عبيدة السلماني (ت ٧٣ هـ) : «القراءة
التي عرضت على النبيّ(صلى الله عليه وسلم) في العام الذي قُبض فيه هي القراءة التي
يقرؤها الناس اليوم».
وقال خلاّد بن يزيد الباهلي (ت ٢٢٠ هـ) :
«قلت ليحيى بن عبد الله بن أبي مليكة : إنّ نافعاً حدّثني عن أبيك عن عائشة أنّها كانت
تقرأ : (إذ تَلِقُونَهُ) بكسر اللام وضمّ القاف ، وتقول : إنّها من (وَلَقِ الكذب)!
فقال يحيى : ما يضرّك أن تكون سمعته عن عائشة
، وما يسرّني أنّي قرأتها هكذا ، ولي كذا وكذا!
قلت : ولم؟ وأنت تزعم أنّها قد قرأت!
قال : لأنّه غيّر قراءة الناس ، ونحن لو
وجدنا رجلاً يقرأ بما ليس بين اللّوحين ما كان بيننا وبينه إلاّ التوبة أو نضرب عنقه.
نجي به نحن عن الأمّة عن الأمّة عن النبيّ عن جبرئيل عن الله عزّ وجل ، وتقولون أنتم
: حدّثنا فلان الأعرج ، عن فلان الأعمى! أنّ ابن مسعود يقرأ ما بين اللوحين ، ما أدري
ماذا؟ إنّما هو والله ضرب العنق أو التوبة».
انظر إلى هذا الوصف الجميل عن تواتر النصّ
وأصالته ، ترويه أمة عن أمة عن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ، لا فلان عن فلان!
وقال محمّد بن صالح (ت ١٦٨ هـ) : «سمعت رجلاً
يقول لأبي عمرو ابن العلاء : كيف تقرأ : (لاّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ
وَثَاقَهُ أَحَدٌ)؟ فقال : (لا يعذِّب) بالكسر. فقال له الرجل : كيف؟ وقد جاء عن النبيّ(صلى
الله عليه وسلم) : (لا يعذَّب) ، بالفتح! فقال له أبو عمرو : لو سمعت الرجل الذي قال
: سمعت النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ما أخذت عنه ، أوَ تدري ما ذاك؟ لأنّي أتّهم الواحد
الشاذّ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامّة.
هذه الرواية كسابقتها في جعل ما جاءت به
العامّة معياراً لمعرفة القراءة الصحيحة عن الشاذة».
وعليه ، فقد يكون هذا الاختلاف هو من قبيل
ما لخّصه الزركشي في البرهان
ـ عن ابن قتيبة ـ وأنّه كان في إطار تغيير
إعراب الكلمة في حركات بما يغيَّر معناها ولا يزيلها عن صورتها في الخطّ ، نحو : (رَبَّنا
باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا)
و (ربَّنا باعَدَ بينَ أسفارِنا) ، و (إذْ تَلَقَّونَه)
بتشديد القاف ، و (تلقَونه) بالتخفيف ، و (ادَّكَرَ بَعْدَ أُمِّه)
و (بعدَ أَمَة) بهمزة وميم مفتوحتين
__________________
ثالثهما هاء.
أو من قبيل تبديل حروف الكلمة دون إعرابها
بما يغيّر معناها ولا يغيّر صورة الخطّ بها في رأي العين ، نحو : (كَيفَ نُنْشِزُها)
و (نُنشِرُها) ، و (فُزِّعَ عَن قُلُوبِهم)
و (فَزَّع عن قلوبهم) ، و (يَقُصُّ الحَقّ)؟
و (يقضِي الحقّ).
أو من قبيل الاختلاف في الكلمة بما يغيّر
صورتها في الكتابة ولا يغيّر معناها ، نحو : (إنْ كانَت إلاّ صَيْحَةً واحِدَة)
و (إلاّ زقية واحدة) ، و (كالعِهْنِ المَنْفُوش)
و (كالصوف المنفوش).
أو من قبيل الاختلاف في الكلمة بما يُزيل
صورتها في الخطّ ويزيل معناها ، نحو : (الم * تَنْزِيلُ
الكِتَاب)
في موضع (الم * ذَلِكَ الكِتَابُ)
، و (طَلْح مَنضُود)
و (طلع منضود).
أو من قبيل الاختلاف بالتقديم والتأخير ،
نحو : ما روي عن أبي بكر أنّه قرأ عند الموت : (وجاءَت سكرة الحقّ بالموت) وهي (جَاءَتْ
سَكْرَةُ
__________________
المَوْتِ بالحَقّ).
أو من قبيل الاختلاف بالزيادة والنقص في
الحروف والكلم ، نحو : (وَمَا عَمِلَتْه أَيْدِيهِمْ)
و (وما عملت) من غير ضمير ، و (نعجةٌ أنثى)
، وأمثالها ..
فهذه الاختلافات موجودة في القرآن ولا يمكن
إنكارها ، وقد أرجعها الزركشي إلى سبعة أوجه كما عرفت.
وبما أنّ أئمّة أهل البيت عليهمالسلام كان لا يمكنهم تغيير
الرسم العثماني لمعاداة الحكومات لهم كما لا يمكنهم تصحيح جميع قراءات الناس التي
اعتادوا عليها منذ زمن ، فقد اعطوا شيعتهم قاعدة عامّة بعدم تخطّي القراءة الرائجة
عند المسلمين ـ رغم اختلافهم معها ـ حفاظاً على وحدة الكلمة في القرآن الكريم ، وقد
تكون قراءة عاصم (ت ١٢٧ هـ) ونافع (ت ١٦٩ هـ) هما القراءتان الراجحتان عندهم ، وذلك
لرواجهما في عصر الأئمّة عليهمالسلام
أو لرواجها في المناطق التي كثر فيها الموالون لهم.
فقراءة نافع كانت في المدينة والإمام الصادق؟
كان فيها وفي الكوفة أيضاً ، وقراءة عاصم وحمزة الزيّات (ت ١٥٦ هـ) والكسائي (ت ١٨٩
هـ) كانت في الكوفة ، وهي موطن شيعتهم ، أمّا قراءة عامر (ت ١١٨ هـ) فقد كانت في الشام
وقراءة ابن كثير (ت ١٢٠ هـ) فقد كانت في مكّة ، فلم يعهد وجود
__________________
شيعة لأهل البيت عليهمالسلام في الشام ومكّة آنذاك.
إذن ، ترجيح قراءتي عاصم ونافع على غيرهما
لكون عاصم (ت ١٢٧ هـ) قد عاصر الإمام الصادق عليهالسلام
(ت ١٤٨ هـ) في الكوفة وكانت قراءته هي الرائجة آنذاك في الكوفة موطن موالي الأئمّة عليهمالسلام بخلاف نافع (ت ١٦٩ هـ)
والكسائي (ت ١٨٩ هـ) ، فهما وإن لم يكونا قد عاصرا الإمام الصادق؟ لكن قراءتهما كانت
رائجة في البلدان التي يقطنها الشيعة ، إذ أقرّ الإمام الكاظم عليهالسلام (ت ١٨٣ هـ) قراءتهما.
أمّا حمزة الزيّات الذي أخذ قراءته عن الإمام
الصادق عليهالسلام
فقد بقيت قراءته رائجة في الكوفة وأُمضيت من قبل المعصوم.
أمّا قراءة ابن عامر وابن كثير ، فرغم أنّهما
عاصرا الإمامين الباقر (ت ١١٤ هـ) والصادق (ت ١٤٨ هـ) عليهماالسلام ، إلاّ أنّ قراءتهما
انتشرت في بلدان لا يقطنها شيعة أهل البيت عليهمالسلام
في ذلك الوقت ، فلا يمكن تعميم جواب الإمام عليهالسلام
للسائل عما يقرأ به الناس.
ولهذا تبقى قراءة عاصم الكوفيّة والممضاة
من قبل الإمام الصادق عليهالسلام
، وقراءة نافع المدنيّة والممضاة من قبل الإمام الكاظم عليهالسلام هما الأقرب لقراءة
أهل البيت عليهمالسلام
، لا أنّها هي هي ، وهذا يوضّح ما حكاه الشهيد الثاني عن جماعة من القرّاء أنّهم قالوا
: «ليس المراد بتواتر السبع والعشر أنّ كلّ ما ورد في هذه القراءات متواتر ، بل المراد
انحصار التواتر الآن فيما نُقل من هذه
القراءات ، فإنّ بعض ما
نُقل عن السبعة شاذّ فضلاً عن غيرهم».
وعليه ، فعثمان بمنهجيّته عمّق الخلاف بين
المسلمين فضلاً عن أن يكون قد وحّدهم على قراءة واحدة كما يدّعون ، ويكفيك أن تتأمّل
فيما رواه عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر ، إذ قال : «لمّا فُرغ من المصحف أُتي به
عثمان ، فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم ، أرى شيئاً من لحن سنقيمه بألسنتنا».
وما رواه عكرمة ، قال : «لما كُتبت المصاحف
عُرضت على عثمان ، فوجد فيها حروفاً من اللّحن ، فقال : لا تغيّروها ، فإنّ العرب ستغيّرها
، أو قال : ستعربها بألسنتها ، لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه
الحروف».
يكفيك أن تتأمّل في مثل هذه النصوص لتراها
صريحة بأنّ اللّحن ليس في جميع المصحف ، بل في بعضه ، لقوله : «أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا»
، أو : «فوجد فيها حروفاً من اللّحن» ، وهذا الشيء القليل كان يمكن رفعه وردمه ولا
يجوز تركه حتّى يزداد يوماً بعد يوم إلى أنّ يصل إلى عشرات القراءات ، لأنّ عثمان بتركه
تصحيح الملحون فتح المجال للعرب للتغيير في القرآن ، لكن أنّى لهم ذلك ، إذ بقي النصّ
القرآني واحداً في جميع الأدوار وعند جميع المذاهب لم يزل ولا يزال باقياً حتّى يوم
النشور.
__________________
قال ابن الجزري : «ثمّ إنّ القرّاء بعد هؤلاء
كثروا وتفرّقوا في البلاد وانتشروا وخلفهم أُممٌ بعد أُمم ، عُرفت طبقاتهم ، واختلفت
صفاتهم ، فكان منهم المتقن للتلاوة المشهور بالرواية والدراية ، ومنهم المقتصر على
وصف من هذه الأوصاف ، وكثر بينهم لذلك الاختلاف ، وقلّ الضبط ، واتّسع الخرق وكاد الباطل
يلتبس بالحقّ ، فقام جهابذة علماء الأمّة وصناديد الأئمّة ، فبالغوا في الاجتهاد ،
وبيّنوا الحقّ المراد ، وجمعوا الحروف والقراءات ، وعزوا الوجوه والروايات ، وميّزوا
بين المشهور والشاذ ، والصحيح والفاذّ ، بأصول أصّلوها وأركان فصّلوها ...».
بلى ، إنّ ابن مجاهد اختار سبع قراءات من
عشرات موجودة آنذاك ، وقد اعترض عليه بعض معاصريه ومن جاء من بعده لترجيحه بعضها على
البعض الآخر ، مشكّكاً في أن يكون ما يخالفها شاذّاً.
وقد عني العلماء في العصور المتأخّرة بالقراءات
الشاذّة والمفردة عناية متباينة ، فمنهم من جمعها وحصرها ، ومنهم من اختار الغريب منها
، ومنهم من ضعّفها ورفضها ، ومنهم من أوجز القول في تخريجها وتعليلها ، ومنهم من أسهب
في الكشف عن وجوهها واحتجّ لها.
وقد كُتبت كتبٌ في شواذّ القراءات ومعاني
القرآن ، كما اهتمّ النحويّون واللّغويّون بالشاذّ ، فقد ذكر سيبويه في كتابه بعض القراءات
الشاذّة وشرحها وأعربها ونبّه على الفرق بينها وبين قراءة الجماعة واحتجّ لها معتمداً
في ذلك
__________________
على العربيّة ومقدار موافقة
القراءة الشاذّة للشائع في الأساليب واللّغات.
كما حفظ ابن منظور غير قليل من القراءات
الشاذّة في لسان العرب ، وروى كثيراً من آراء النحويّين واللّغويّين واعتمادهم على
القراءات الشاذّة ، وقال ابن الجزري : «لا زال الناس يؤلّفون في كثير القراءات وقليلها
، ويروون شاذّها وصحيحها ، بحسب ما وصل إليهم أو صحّ لديهم ، ولا ينكر أحدٌ عليهم ،
بل هم في ذلك متّبعون سبيل السلف ، حيث قالوا : القراءة سنّةٌ متّبعة ، يأخذها الآخر
عن الأوّل ، وما علمنا أحداً أنكر شيئاً قرأ به الآخر إلاّ ما قدّمنا عن ابن شنبوذ
، لكنّه خرج عن المصحف العثماني ، وللناس في ذلك خلافٌ كما قدّمناه ...».
كلّ ذلك يؤكّد بأنّ عثمان بن عفّان لم يكن
موفّقاً في عمله.
وقد كتب أبو العبّاس المراكشي الشهير بابن
البنّاء (ت ٧٢١ هـ) كتاباً باسم عنوان
الدليل في مرسوم خطّ التنزيل
، وكذا الزركشي قد أجاب عن بعض إشكالات الرسم والنحو واللّحن الموجودة في القرآن الكريم
ـ في النوع الخامس والعشرين من البرهان
ـ ، لكنّ غالب الإجابات في الكتابين منقوضة بأمور أخرى ، لأنّ الصحابة لم يذكروا العلّة
التي كتبوا من أجلها المصحف بذلك الشكل ، والذي اشتُهر فيما بعد بالرسم العثماني ،
فإنّ الكتبة للرسم لم ينظروا إلى العلل النحويّة والصرفية الّتي استُنبطت فيما بعد
، من قبيل ما قاله الزركشي ، كما أنّهم لم يلحظوا الأمور الباطنيّة التي لحظها ابن
البنّاء المراكشي
__________________
في كتابه لهم.
فإذن لا إشكال بأنّ الصحابة خطّاؤون ، ويمكن
أن يلحنوا في القرآن أيضاً رسماً وقراءة ، كما أنّهم ادّعوا اختلاف الصحابة في القراءة
على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأنّه(صلى الله عليه وآله) أقرّ قراءاتهم ،
حتّى اشتدّ ذلك بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) فكفّر بعضهم بعضاً.
وبهذا فقد اتّضح لك بأنّ وراء كلّ هذا الاختلاف
الخلفاء الثلاثة لا رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فهو (صلى الله عليه وآله) ألزم
المسلمين بالقراءة (بما عُلّموا) ، وكان لا يرتضي اختلافهم في الآيات والسور ويستاء
من ذلك ، لأنّه كان قد علّمهم الصحيح من القراءة ، كما جاء صريحاً في قوله تعالى :
(ويُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ) ، وقوله تعالى : (لِتَقْرَأه
على النّاسِ عَلى مُكْث)
، وأنّ الاختلاف بين الصحابة لم ينشأ في عهده(صلى الله عليه وآله) كما يدّعون ، بل
نشأ من بعده في عهد الثلاثة جرّاء منهجهم المغلوط في جمع القرآن واعتمادهم الشاهدَين
، وبما أنّ الشهود كانوا يختلفون في النقل فكانت القراءات تختلف في ما بعد أكثر ممّا
سبق ، وهكذا الحال بالنسبة إلى بعض الصحابة ، فقد كان أحدهم يصرّ إدخال جملة على أنّها
آية من كتاب الله والآخر لا يرتضيها ، وقد اشتدّ هذا الأمر وعظم خطره في عهد عمر بن
الخطاب الذي استفاد من حديث الأحرف السبعة للقول بشرعية القراءات ، ولا يستبعد أن يكون
مروان بن الحكم حرق مصحف حفصة بعد وفاتها لكي لا ترجّح قراءة على قراءة أخرى.
نعم ، تنبّه عثمان وسعيد بن جبير وعائشة
وابن عبّاس وغيرهم من الصحابة والتابعين إلى وجود اللّحن في القرآن بعد جمع عثمان للمصاحف
،
وعزوه إلى الخطأ من قبل
الكتّاب ، فإنّ وجود هذا الخطأ عندهم يؤكّد عدم عصمتهم ، وأنّهم كانوا قد نشؤوا في
أمّة أمّية لا تعرف الكتابة والقراءة حسب تعبير رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، ولو
ثبت هذا الكلام ـ وهو الثابت ـ فلا يمكن أن نجعل كتابتهم المخالفة لقواعد الإملاء والنحو
رسماً توقيفيّاً مُنزلا من قبل الله بحيث لا يجوز للمسلم مخالفته.
فمخالفة الكتاب كان لا يستسيغها الفرّاء
(ت ٢٠٧ هـ) ، إذ قال : «اتّباع المصحف إذا وجدت له وجهاً من كلام العرب وقراءة القرّاء
أحبّ إليّ من خلافه»
، لكنّه مع ذلك تحدّث عن زيادة الألف بعد اللام في قوله تعالى : (لاأذبحنّه) وغيرها
، وأراد أن يعذرهم بقوله : «وذلك أنّهم لا يكادون يستمرّون في الكتاب على جهة واحدة
، ألا ترى أنّهم كتبوا (فَما تُغْنِ النُّذُر)بغير
ياء ، (ومَا تُغْنِي الآياتُ والنُّذُر)
بالياء ، وهو من سوء هجاء الأوّلين».
وكذلك صرّح ابن قتيبة (ت ٢٧٦ هـ) بأنّ ما
جاء في رسم المصحف مخالفاً للمشهور ـ من قواعد الهجاء عند الكتّاب ـ قد جاء من باب
الخطأ وليس يعني القرآن نفسه فقال :
«... ولو كان هذا عيباً يرجع على القرآن
لرجع عليه كلّ خطأ وقع في
__________________
كتابة المصحف من طريق
التهجّي ، وقد كتب في الإمام (إنّ هذان لساحران)بحذف
ألف التثنية
، وكذلك ألف التثنية تحذف من هجاء هذا المصحف في كلّ مكان مثل : (قال رجلان)
، و (فآخران يقومان مقامهما)
، وكتب كتّاب المصحف : الصلوة ، الزكوة ، الحيوة ، بالواو ، واتّبعناهم في هذه
الأحرف خاصة على التيمّن بهم ، ونحن لا نكتب : القطاة والقناة والفلاة إلاّ بالألف
، ولا فرق بين تلك الحروف وبين هذه ، وكتبوا : الربوا بالواو ، وكتبوا : (فَمَالِ الَّذِينَ
كَفَرُوا)
، فمال بلام مفردة ..»
وهذا أكثر في المصحف من أن نستقصيه.
وقال في تأويل مختلف الحديث عن مدى معرفة
عبد الله بن عمرو بن العاص بالكتابة وجهل غيره بها : «وكان غيره من الصحابة أُمّيّين
لا يكتب منهم إلاّ الواحد والإثنان ، وإذا كتب لم يتقن ولم يصب التهجّي».
وقد تناول ابن كثير موضوع إملاء المصاحف
، فقال :
«وقد كانت الكتابة في العرب قليلة جداً
... وقيل : أوّل من تعلمه من الأنبار قوم من طي ... ثمّ هذّبوه ونشروه في جزيرة العرب
... والذي كان يغلب على زمان السلف الكتابة المكتوبة ثمّ هذّبها أبو علي بن مقلة الوزير
،
__________________
وصار له في ذلك نهج وأسلوب
في الكتابة ... والغرض أنّ الكتابة لمّا كانت ذلك الزمان لم تُحكم جيّداً وقع في كتابة
المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى ، وصنَّف الناس
في ذلك».
وقال الأستاذ غانم قدّوري : «يفهم من قول
ابن كثير (ت ٧٧٤ هـ) أنّ الكتابة لمّا كانت في ذلك الزمان لم تُحكم جيّداً وقع في كتابة
المصاحف اختلاف في وضع الكلمات من حيث صناعة الكتابة لا من حيث المعنى».
وأطنب ابن خلدون (ت ٨٠٨ هـ) في بيان هذا
الأمر فقال : «... فكان الخطّ العربيّ لأوّل الإسلام غير بالغ إلى الغاية من الإحكام
والإتقان والإجادة ، ولا إلى التوسّط ، لمكان العرب من البداوة والتوحّش وبعدهم عن
الصنائع ، وانظر ما وقع لأجل ذلك في رسمهم المصحف حيث رسمه الصحابة بخطوطهم ، وكانت
غير مستحكمة في الإجادة ، فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته رسوم صناعة الخط عند أهلها
، ثمّ اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيها تبرّكاً بما رسمه أصحاب رسول الله(صلى
الله عليه وآله) وخير الخلق من بعده المتلقّون لوحيه من كتاب الله وكلامه ، كما يُقتفى
لهذا العهد خطّ وليّ أو عالم تبرّكاً ويُتَّبع رسمه خطأ أو صواباً ، وأين نسبة ذلك
من الصحابة فيما كتبوه ، فاتُّبع ذلك ، واُثبت رسماً ، ونبّه العلماء بالرسم على مواضعه.
ولا تلتفتنّ في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفّلين من أنّهم كانوا محكمين لصناعة الخطّ
، وأنّ ما
__________________
يتخيل من مخالفة خطوطهم
لأصول الرسم ليس كما يتخيل بل لكلّها وجه ، ويقولون في مثل زيادة الألف في (لاأذبحنه)
: أنّه تنبيه على أنّ الذبح لم يقع ، وفي زيادة الياء في (باييد) أنّه تنبيه على كمال
القدرة الربانية ، وأمثال ذلك ممّا لا أصل له إلاّ التحكّم المحض ، وما حملهم على ذلك
إلاّ اعتقادهم أنّ في ذلك تنزيهاً للصحابة عن توهّم النقص في قلّة إجادة الخطّ ، وحسبوا
أنّ الخطّ كمال فنزّهوهم عن نقصه ، ونسبوا إليهم الكمال بإجادته ، وطلبوا تعليل ما
خالف الإجادة من رسمه ، وذلك ليس بصحيح.
ثمّ يستمرّ ابن خلدون في بيان أنّ الخطّ
ليس بكمال في حقّ الصحابة لأنّ الخطّ من جملة الصنائع المدنية المعاشية ، والكمال في
الصنائع إضافي ، وليس بكمال مطلق ، إذ لا يعود على الذات في الدين ولا في الخلال ،
وإنّما يعود إلى أسباب المعاش ، وبحسب العمران والتعاون عليه ، لأجل دلالته على ما
في النفوس».
إذن خطأ الكتّاب في الرسم والقراءة لا يمكن
إنكاره ، وهو يبيّن بأنّ الرسم القرآني لم يكن كألواح موسى منزلةً من قبل الله تعالى
، وأنّ التأكيد على توقيفيّة الرسم عند القوم لم يكن حبّاً بكلام الله والحفاظ على
قدسيّته أو احتراماً لإقرار رسول الله(صلى الله عليه وآله) لرسم الخط ، لأنّهم أحرقوه
بدعوى الحفاظ على المصلحة العامّة للمسلمين ، بل إنّ تأكيدهم على الرسم جاء لانتسابه
إلى
__________________
عثمان بن عفّان ، ولا
أستبعد أن يكون الأُمويّون هم وراء طرح مثل هكذا أفكار ، لأنّهم قالوا بأنّ حرب بن
أميّة هو الذي علّم العرب الكتابة ، وأنّ عمر ابن الخطّاب ومن بمكّة من قريش تعلّموا
الكتابة من حرب الأموي
، وأنّ عثمان بن عفّان الأموي وحده قد جمع المصاحف ووحّدها ، وأنّ عبد الملك ابن مروان
هو الذي أعجم المصاحف ، وأنّ أبا الأسود الدؤلي كتب النحو استجابةً لطلب زياد ابن أبيه
، إلى غيرها من عشرات المسائل التي ترفع بضبع بني أميّة دون غيرهم من القبائل العربية.
فإنّهم أخذوا ينسبون كلّ الأمور إلى الأمويّين
، وفي المقابل قالوا عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : إنّه كان لا يعرف القراءة
والكتابة ـ والعياذ بالله ـ وإنّ كتاب الله لم يكن مدوَّناً على عهده(صلى الله
عليه وآله) ، وإنّ الصحابة حفظوه في الصدور ولم يكتبوه في السطور ، وإنّ الإمام عليّاً عليهالسلام ترحّم على أبي بكر لجمعه
القرآن بين اللّوحين ، مع أنّه عليهالسلام
الجامع للقرآن ـ حسب ما عرفت من خلال هذه الدراسة ـ ونسبوا إليه قوله دفاعاً عن حرق
عثمان للمصاحف : «لو كنت لفعلت مثل الذي فعل ، و...».
وإليك الآن بعض الروايات المؤكّدة لتصحيف
بعض الكتّاب لآي الذكر حسب اعتراف الصحابة وأمّهات المؤمنين :
(منها ما في مسند أحمد
عن أبي خلف مولى بن جُمَح «أنّه دخل مع
__________________
عبيد بن عمير على عائشة
، فقال : جئت أسألك عن آية في كتاب الله تعالى ، كيف كان رسول الله؟ يقرؤها(صلى
الله عليه وسلم) قالت : أيّة آية؟ قال : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا)
، أو (والّذين يَأتُون ما آتوا) ، فقالت : أيّتهما أحبّ إليك؟ قلت : والّذي نفسي
بيده لأحدهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعاً ، قالت : أيّهما؟ قلت : (والّذين يأتون
ما آتوا) ، فقالت : أشهد أنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) كذلك كان يقرؤها ، وكذلك
أُنزلت ، ولكن الهجاء حُرّف».
وما أخرجه ابن جرير ، وسعيد بن منصور في
سننه
من طريق سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس «في قوله : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا)
، قال : إنّما هي خطأ من الكاتب ، (حتّى تستأذنوا وتسلّموا). أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ
(هو) ـ فيما أحسب ـ ممّا أخطأَت به الكتّاب».
وما أخرجه ابن الأنباريّ من طريق عكرمة ،
عن ابن عبّاس «أنّه قرأ : (أفلم يتبيّن الّذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً)
، فقيل له : إنّها في المصحف : (أَفَلَمْ يَيْئَسِ)
، فقال : أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس».
وما أخرجه سعيد بن منصور ، من طريق سعيد
بن جبير ، عن ابن عبّاس «أنّه كان يقول في قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ)
: إنّما هي (ووصّى
__________________
ربك) ، التزقت الواو بالصّاد».
فإنّ هذه النصوص تؤكّد عدم توقيفيّة الخط
وأنّه عمل بشري يمكن خطأ الكتّاب فيه.
عثمان يفرّق الرسم في
المصاحف المرسلة إلى الأمصار :
إنّ الداني أرجع سبب اختلاف مصاحف عثمان
المرسلة إلى الأمصار إلى عثمان نفسه لا إلى الكتّاب ، فقال :
«فإن سأل سائلٌ عن السبب الموجب لاختلاف
مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف؟ قلت : السبب في ذلك عندنا أنّ أمير المؤمنين
عثمان لمّا جمع القرآن في المصاحف ونسخها على صورة واحدة وآثر في رسمها لغة قريش ـ
دون غيرها ممّا لا يصحّ ولا يثبت ـ نظراً للأمّة واحتياطاً على أهل الملّة ، وثبت عنده
أنّ هذه الحروف من عند الله عزّ وجلّ كذلك منزلة ومن رسول الله(صلى الله عليه
وسلم) مسموعة ، وعلم أنّ جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غير متمكّن إلاّ بإعادة
الكلمة مرّتين ، وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم ما لا خفاء به ، ففرّقها
في المصاحف لذلك ، فجاءت مثبتة في بعضها ومحذوفة في بعضها ، لكي تحفظها الأمّة كما
نزلت من عند الله عزّ وجل وعلى ما سُمعت من رسول الله(صلى الله عليه وسلم) فهذا سبب
اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار».
__________________
كما أشار ابن أبي داوود السجستاني إلى اختلاف
خطوط المصاحف.
إذن ، اختلاف القراءات ، واختلاف الرسم القرآني
، والحفاظ على وجود اللّحن في القرآن ، كلّها ممّا كان يعرفها عثمان قبل تعميم نسخ
(المصحف الإمام) إلى الأمصار ، فهو لم يرفع الاختلاف ، بل حافظ عليه وفرّقه بين النسخ
المرسلة إلى الأمصار ، فجاءت في بعضها مثبّتة وفي بعضها الآخر محذوفة ، مع تركه تصحيح
أمر اللّحن إلى العرب كي تقوّمه ، وهذا فيه ما فيه ، فعلى أيّ شيء يمكن حمل عمل عثمان
هذا مع وقوفه على الصحيح منه؟ أليس في هذا تحكيم للخلاف وتوسيع دائرته لجميع العرب
وفي جميع الأزمان؟
فالصحابة الأجلاّء ـ وعلى رأسهم أمير المؤمنين
عليّ عليهالسلام
ـ لم يتركوا عثمان على حاله ، بل سعوا بأقوالهم وأفعالهم أن يصحّحوا مساره صوناً
للكتاب العزيز ، وقد اعترف الآلوسي بأنّ وجود أمثال الإمام علي عليهالسلام هو الّذي أبعد القرآن
عن التحريف وسقوط شيء منه ، فقال :
«... وبعد انتشار هذه المصاحف بين هذه الأمّة
المحفوظة ، لاسيّما الصدر الأوّل الذي حوى من الأكابر ما حوى ، وتصدّر فيه للخلافة
الراشدة عليّ المرتضى ، وهو باب العلم لكلّ عالم ، والأسد الأشدّ الّذي لا تأخذه في
الله لومة لائم ، لا يبقى في ذهن مؤمن احتمال سقوط شيء بعد من القرآن ، وإلاّ لوقع
الشكّ في كثير من ضروريّات هذا الدين الواضح البرهان».
__________________
كما وقفت قبل قليل على وصيّة ابن مسعود لأصحابه
لمّا أراد الخروج من الكوفة بأمر عثمان في عدم التنازع في القرآن وقوله : «فإنّه لا
يختلف ولا يتلاشى ولا يتغيّر لكثرة الرد» ، وتأكيده عليهم : «أن لا يدعوا قراءته رغبةً
عنها ، ومن قرأ على شيء من تلك الحروف فلا يدعنّه رغبةً عنه ، فإنّه من جحد بآية جحد
به كلّه» ، فابن مسعود قال بهذا الكلام وقبله كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام قد قال قولته : «لا يهاج
القرآن بعد يومنا هذا» ، حفاظاً على وحدة الكلمة في القرآن الكريم.
قال الزرقاني في مناهل العرفان
:
«ثمّ جاء عليّ رضياللهعنه فلاحظ العجمة تحيف على
اللّغة العربية ، وسمع ما أوجس منه خيفةً على لسان العرب ، فأمر أبا الأسود الدؤلي
أن يضع بعض قواعد لحماية لغة القرآن من هذا العبث والخلل ، وخطّ له الخطط وشرع له
المنهج ؛ وبذلك يمكننا أن نعتبر أنّ عليّاً رضياللهعنه
قد وضع الأساس لما نسمّيه علم النحو ، ويتّبعه علم إعراب القرآن».
عرفنا إذن أنّ الإمام علياً رضياللهعنه وأبا الأسود الدؤلي كان
لهما الدور الأهم في الحفاظ على القرآن الكريم ورفع العجمة عنه ، إذ بتنقيط الإعراب
قد ربط الإمام بين القرآن المتلوّ والمصحف المكتوب ، كما عرفنا بأنّ واضع قواعد
النحو هو أبو الأسود الدؤلي بأمر الإمام علي عليهالسلام
، لا أنّه واضعه بطلب زياد بن أبيه ، كما يدّعيه الآخرون.
__________________
عدم تنقيط عثمان المصاحف
لمصلحة!
يضاف إلى ما قالوه شيءٌ آخر ، وهو أنّ المصحف
العثماني لم يكن منقوطاً ، وذلك ما مكّن أن يُقرأ بكلّ ما يمكن من وجوه القراءات فيها
، لأنّ تجريد المصحف من النقط يجعله يحتمل قراءة الكلمة بوجهين (بشراً) (نشراً) ، و
(ما ننزّل) أو (ما تَنَزَّل) أو (ما تُنَزَّل) ، أو (تركنا عليه) أو (بركنا عليه) ،
وأمثال ذلك ، بيد أنّ المؤرّخين يختلفون ، فمنهم مَن يرى أنّ الإعجام (التنقيط) كان
معروفاً قبل الإسلام
ولكن تركوه عمداً في كتابة المصاحف للمعنى السابق ، ومنهم مَن يرى أنّ التنقيط لم يعرف
إلاّ في العصور المتأخّرة وقد وضع على يد أبي الأسود الدؤلي ، وهذا الذي قالوه من عدم
تنقيط المصاحف يعمّق الخلاف بين المسلمين ولا يوحّدهم ، فاقرأ تبرير الداني ودعواه
بأنّ الصحابة وأكابر التابعين أجمعوا على ترك تنقيط المصاحف ثمّ جدّوا لتنقيطه ، قال
بذلك تعليقاً على قول قتادة (بدؤوا فنقّطوا ثمّ خمّسوا ثمّ عشّروا) :
«... وإنّما أخلى الصّدر منهم المصاحف من
ذلك ومن الشكل ، من حيث أرادوا الدلالة على بقاء السعة في اللّغات ، والفسحة في القراءات
الّتي أذن الله تعالى لعباده في الأخذ بها ، والقراءة بما شاءت منها ، فكان الأمر على
ذلك إلى أن حدث في الناس ما أوجب نَقْطها وشَكْلها».
وردّد ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) نفس المعنى
حين قال :
__________________
«ثمّ إنّ الصحابة لما كتبوا تلك المصاحف
جرّدوها من النقط والشكل ، ليحتمله ما لم يكن في العرضة الأخيرة ممّا صحّ عن النبيّ(صلى
الله عليه وسلم) وإنّما خلوا المصاحف من النقط والشكل لتكون دلالة الخطّ الواحد على
كلا اللفظين المنقولين المسموعين المتلوّين شبيهة بدلالة اللّفظ الواحد على كلا المعنيين
المعقولين المفهومين».
وعليه فإنّ دعوى تفريق عثمان اختلاف رسم
الخطّ الموجود قبل عهده على المصاحف المرسلة ، ودعوى إجماع الصحابة وأكابرهم على عدم
تنقيط المصاحف ، وأمثال ذلك ، يردّها ما حكّاه الداني عن ابن عبّاس من أنّه كان
يرى لزوم البتّ في القراءة القرآنية وعدم جواز المصالحة والمداهنة على ذلك.
روى الداني عن خلف بن إبراهيم بن محمّد قال
: «نا أحمد بن محمّد ، قال : نا عليّ بن عبد العزيز ، قال : نا القاسم بن سلاّم ، قال
: نا هشيم ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس أنّه قرأ : (عبادُ الرحمن)
، قال سعيد : قلت لابن عبّاس : إنّ في مصحفي : (عند الرحمن) ، فقال : امحها
واكتبها (عباد الرحمن).
ألا ترى ابن عبّاس رحمهالله قد أمر سعيد بن جبير
بمحو إحدى القراءتين وإثبات الثانية ، مع علمه بصحّة القراءتين في ذلك وأنّهما منزلتان
من عند الله تعالى ، وأنّ رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قرأ بهما جميعاً وأقرأ بهما
أصحابه ، غير أنّ الّتي
__________________
أمره بإثباتها منهما كانت
اختياره ، إمّا لكثرة القارئين بها من الصحابة ، وإمّا لشيء صحّ عنده عن النبيّ(صلى
الله عليه وسلم) أو أمر شاهده من علّية الصحابة.
فلو كان جمع القراءات وإثبات الروايات والوجوه
واللغات في مصحف واحد جائزاً ، لأمر ابن عبّاس سعيداً بإثباتهما معاً في مصحفه بنقطة
يجعلها فوق الحرف الّذي بعد العين وضمّة أمام الدّال ، دون ألف مرسومة بينهما ، إذ
قد تسقط من الرسم في نحو ذلك كثيراً لخفّتها ، وتترك النقطة التي فوق ذلك الحرف ، والفتحة
التي على الدال ، فتجتمع بذلك القراءتان في الكلمة المتقدّمة ، ولم يأمره بتغيير إحداهما
ومحوها ، وإثبات الثانية خاصّة. فبان بذلك صحّة ما قلناه وما ذهب إليه العلماء من كراهة
ذلك ، لأجل التخليط على القارئين والتغيير للمرسوم».
قلت
: الأمر لم يكن كما قاله الداني ، بل إنّ
ابن عبّاس كان يريد البتّ بإحدى القراءتين ، وأنّه (عباد الرحمن) لا غير ، وعلى سعيد
بن جبير أن يمحو (عند الرحمن) ، فلو صحّ هذا فلماذا لا يأمر ابن عبّاس بتفريق اختياراته
الأخرى على المصاحف الأخرى كما فعله عثمان.
إذن ، عدم تنقيط المصاحف هو عامل مهمّ لتعميق
الاختلاف وتشديده ، لا أنّه عامل لتوحيد الأمّة كما يقولون ، إذ على الصحابي أن يبتّ
ويقطع بالأمر لا أن يتركهم يقرؤون حيثما شاؤوا ما لم تُصيَّر آية رحمة آية عذاب. قال
القيسي (٤٣٧ هـ) في الإبانة
عن معاني القراءات :
__________________
«وكان المصحف إذ كتبوه لم ينقّطوه ، ولم
يضبطوا إعرابه ، فتمكّن لأهل كلّ مصر أن يقرؤوا الخطّ على قراءتهم الّتي كانوا عليها
ممّا لا يخالف صورة الخطّ.
فقرأ قومٌ مصحفهم : (من كلّ حَدَب) بالحاء
والباء على ما كانوا عليه ، وقرأ الآخرون : (من كلّ جَدَث) بالجيم والثاء على ما كانوا
عليه ، وقرأ قوم : (يقصّ الحق) بالصاد على ما كانوا عليه ، وقرأ قوم : (يقض الحقّ)
بالضاد على ما كانوا عليه.
وكذلك ما أشبه هذا ، لم يخرج أحدٌ في قراءته
عن صورة خطّ المصحف.
فهذا سبب جمع المصحف وسبب الاختلاف الواقع
في خطّ المصحف».
وجود مصاحف للصحابة بعد
حرق عثمان لها :
رغم كلّ ما تقدّم ورغم اعتماد عثمان على
صغار الصحابة لأمر تدوين القرآن ، ورغم إحراقه للمصاحف ، رغم كلّ ذلك بقيت مصاحف كثير
من الصحابة محفوظة منتشرة بين المسلمين ؛ لأنّ منهج عثمان الخاطئ جعل كبار الصحابة
وأتباعهم ينشرون قراءاتهم بين المسلمين بدون أيّ خوف ووجل ، ويوصون أصحابهم بأن يغلّوا
مصاحفهم أو أن يحافظوا على ما أخذوه منهم ،
__________________
لأنّهم أخذوا القرآن مِن
فِي رسول الله(صلى الله عليه وآله) مباشرة ، ولا يجوز لهم التفريط بذلك ، ومعناه أنّهم
لا يجيزون اعتماد المصحف العثماني ، لأنّ الكلّ يعلم بأنّ قراءة ابن مسعود وأُبيّ بن
كعب وعليّ بن أبي طالب عليهالسلام
وغيرهم كانت رائجة في القرون الأربعة الأولى ـ أي بعد انتشار مصحف عثمان ـ وأنّ مصاحف
هؤلاء كانت موجودة ومتداولة بين أيدي الناس ، رغم سعي الخلفاء إلى حصر الأمّة بالأخذ
بمصحف عثمان دون غيره ، وإليك بعض النصوص الدالة على ذلك :
جاء في تاريخ الإسلام
للذهبي : «بأنّ بعض الهاشميّين
قصدوا الشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) شيخ الشيعة ، وتعرّض به تعرّضاً امتعض منه تلامذته ،
فثاروا واستنفروا أهل الكرخ وصاروا إلى دار القاضي أبي محمّد الأكفاني والشيخ أبي حامد
الإسفراييني فسبّوهما ... وأحضر مصحف ذكروا أنّه مصحف ابن مسعود وهو يخالف المصاحف
، فجمع له القضاة والكبار ، فأشار أبو حامد [الإسفراييني] والفقهاء بتحريفه ، ففُعل
ذلك بمحضرهم ، وبعد أيّام كتب إلى الخليفة بأنّ رجلاً حضر المشهد
ليلة نصف شعبان ودعا على من أحرق المصحف وشتمه ، فتقدّم بطلبه فأُخذ ، فرُسم بقتله
، فتكلّم أهل الكرخ في أمر هذا المقتول لأنّه من الشيعة ، ووقع القتال بينهم وبين أهل
البصرة وباب الشعير ونهر القلاّئين ، وقصد أهل الكرخ دار أبي حامد
__________________
فانتقل عنها ...».
وجاء في الكامل في التاريخ
: «بأنّ كلّ الناس عرف فضل هذا الفعل [جمع عثمان للمصاحف] ، إلاّ ما كان من أهل الكوفة
، فإنّ المصحف لمّا قدم عليهم فرح به أصحاب النبيّ(صلى الله عليه وسلم) ، وإنّ أصحاب
عبد الله ومن وافقهم امتنعوا من ذلك وعابوا الناس ...».
كما حكى ابن النديم عن الفضل بن شاذان (ت
٢٦٠ هـ) قوله : «وجدت في مصحف عبد الله بن مسعود تأليف سور القرآن على هذا الترتيب
: البقرة ، النساء ، آل عمران ...»
وهو يدلّ على وجود مصحف لابن مسعود في متناول أيدي الناس في القرن الثالث الهجري ،
وأنّه لا يختلف ترتيبه عمّا في أيدي الناس اليوم.
وقال أيضاً حكايةً عن الفضل بن شاذان : «كان
تأليف السور في قراءة أبي بن كعب في البصرة في قرية يقال لها قرية الأنصار على رأس
فرسخين عند محمّد بن عبد الملك الأنصاري ، أخرج إلينا مصحفاً وقال : هو مصحف أُبيّ
، رويناه عن آبائنا ، فنظرت فيه فاستخرجت أوائل السور وخواتيم الرسل وعدد الآية ، فأوّله
فاتحة الكتاب ، البقرة ، النساء ، آل عمران ، الأنعام ،
__________________
الأعراف ، المائدة التي
التبست وهي يونس ...»
، وهذا النصّ هو الآخر يشير إلى وجود مصحف أُبيّ في البصرة ، وأنّه كُتب حسب ترتيب
المصحف الرائج اليوم ، وأنّ ابن شاذان قد شاهده هناك.
وفي تفسير الطبري
: «حدّثنا أبو كريب ، قال : حدّثنا يحيى بن عيسى ، قال : حدّثنا نصير بن أبي الأشعث
، قال : حدّثني حبيب بن أبي ثابت ، عن أبيه ، قال : أعطاني ابن عبّاس مصحفاً ، فقال
: هذا على قراءة أُبيّ. قال أبو كريب : قال يحيى : فرأيت المصحف عند نصير فيه : (فما
استمتعم به منهن إلى أجل مسمّى)».
وفيه أيضاً بالسند المتقدّم : «أعطاني ابن
عبّاس مصحفاً ، فقال : هذا على قراءة أُبيّ بن كعب. قال أبو كريب : قال يحيى : رأيت
المصحف عند نصير ، فيه : (ووصّى ربّك) يعني وقضى ربك».
فهذان الخبران يدلاّن على أنّ مصحفاً كان
على قراءة أُبيّ عند ابن عبّاس ، وقد أعطاه لأيمن بن ثابت ، المكنّى بأبي ثابت الثعلبيّ
الكوفي.
وأيمن الكوفي أخبر ابنه حبيب بن أبي ثابت
، والأخير أخبر نصير بن
__________________
أبي الأشعث الأسديّ الكوفي
الكناسي بذلك
، وأنّ يحيى بن عيسى الفاخوري الرملي الكوفي (ت ٣٢١ هـ) حدّث أبا كريب بذلك ، وهو يشير
إلى أنّ المصحف بقي موجوداً بيد المسلمين حتّى أواخر القرن الثاني الهجري وأوائل الثالث
، وقد نقل أخباره يحيى الفاخوري الذي عاش في القرن الرابع الهجري.
وفي النصّ الآتي ما يدلّ على وجود مصحف أُبيّ
بن كعب بيد المسلمين قبل ذلك التاريخ ، لأنّ الكسائي (ت ١٨٩ هـ) كان قد شاهده في
القرن الثاني الهجري ، فاقرأ ما جاء في المقنع
للداني (ت ٤٤٤ هـ) : «... وقال الكسائي : رأيت في مصحف أُبيّ بن كعب (وللرجال) كتابها
(وللرجيل) ، و (جاءتهم رسلهم) و (جياتهم) ، و (جاء أمر ربك) (وجيا)».
وممّا يؤكّد وجود مصحف ابن مسعود بأيدي الناس
بعد جمع عثمان ما جاء في الكامل
في التاريخ في حوادث سنة (٩٥ هـ)
قول الحجّاج بن يوسف : «... ولا أجد أحداً يقرأ على قراءة ابن أمّ عبد ـ يعني ابن مسعود
ـ إلاّ ضربت عنقه ، ولأحكّنّها من المصحف ولو بضلع خنزير. وقد ذُكر ذلك عند الأعمش
فقال : وأنا سمعته يقول ، فقلت في نفسي : لأقرأنّها على رغم أنفك».
وفي تهذيب التهذيب
ترجمة عقبة بن عامر : «... قلت : قال أبو سعيد
__________________
ابن يونس : كان قارئاً
عالماً بالفرائض والفقه ، فصيح اللسان شاعراً كاتباً ، وكانت له السابقة والهجرة ،
هو أحد من جمع القرآن ، ومصحفه بمصر إلى الآن على غير التأليف الذي في مصحف عثمان ،
وفي آخره بخطه : وكتبه عقبة بن عامر بيده».
وقد حكي عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ـ في العصور الأولى ـ
قراءة أمير المؤمنين علي عليهالسلام
، وأنّ مصحف الإمام كان موجوداً عندهم.
إذن قراءة ابن مسعود وأُبيّ وعلي بن أبي
طالب وابن عبّاس كانت موجودة في البلدان الإسلامية في القرون الأربعة الأولى ، وإنّ
قراءة ابن مسعود كانت أكثر انتشاراً في الكوفة من قراءة زيد (قراءة المصحف الرائج)
، فقد أخرج ابن مجاهد بسنده عن عمران ، عن الأعمش (ت ١٤٨ هـ) ، قال :
«أدركت أهل الكوفة ، وما قراءة زيد فيهم
إلاّ كقراءة عبد الله [بن مسعود] فيكم اليوم ، ما يقرأ بها إلاّ الرجل والرجلان».
وعن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال :
«كان عبد الله يُقرؤنا في المسجد ، ثمّ يجلس بعده نثبت الناس ، فلم تزل قراءة عبد الله
بالكوفة لا يعرف الناس غيرها».
وذكر الذهبي في معرفة القرّاء الكبار
بأنّ سعيد بن جبير (ت ٩٥ هـ) كان يؤمّ الناس في شهر رمضان ، فيقرأ ليلةً بقراءة عبد
الله بن مسعود ، وليلة
__________________
بقراءة زيد بن ثابت.
وفي تفسير الطبري
: «حدّثنا ابن حميد ، قال : حدّثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سالم : أنّ سعيد بن جبير كان
يقرأ القرآن على حرفين».
وقال الأستاذ عزّة دروزة في كتابه القرآن المجيد
: «كان لكلٍّ من أُبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود ـ وهما صحابيّان وعالمان في القرآن
ـ مصحف ، وإنّ ترتيب سور كلٍّ منهما مغاير لترتيب الآخر من جهة ، ومغاير لترتيب سور
المصحف العثماني المتداول من جهة أخرى ، وإنّ في أحدهما زيادة وفي أحدهما نقصاً ، وإنّ
المصحفين ظلاّ موجودين يُقرءان إلى ما بعد عثمان بمدّة طويلة».
تجويز المسلمين الأخذ
بما يخالف مصحف عثمان :
فكلّ هذه النصوص تؤكّد وجود هذه القراءات
بين المسلمين رغم إصرار الحكومات على الأخذ بمصحف عثمان بن عفّان دون غيره ، فعلى أيّ
شيء يدلّ شيوع هذه الظاهرة وتجويز القراءات المختلفة من قبل أئمّة القرّاء ثمّ الاختيار
من بينها؟ بل تجاوز الأمر إلى أن ينسبوا كتاباً إلى أبي حنيفة فيه قراءات ما أنزل الله
فيها من سلطان ؛ قال أبو العلاء الواسطي : «إنّ الخزاعي وضع كتاباً في الحروف نسبه
إلى أبي حنيفة ، فأخذت خطّ الدارقطني
__________________
وجماعة أنّ الكتاب موضوع
لا أصل له».
ثمّ أخذ ابن الجزري يعدّ بعض تلك القراءات الباطلة والمخالفة لأبده البديهيّات ، فإذا
كان الشذوذ يعني مخالفة القراءات السبع ، فابن الجزري هو أوّل المجيزين للشاذ ، لأنّه
كتب النشر
في القراءات العشر ، وقد صنّف قبله وبعده
أئمّة آخرون كالقاسم بن سلام حيث صنّف كتاباً جمع فيه قراءة خمسة وعشرين إماماً ، وإسماعيل
بن إسحاق البغدادي جمع قراءة عشرين إماماً ، وهكذا أُلّفت كتب في القراءات الثلاثة
عشر أو الأربعة عشر أو العشرين أو ...
كما نقلوا لنا عن محمّد بن الحسن المعروف
بابن مقسم العطّار ، ومحمّد بن أحمد بن أيّوب بن شنبوذ (ت ٣٢٨ هـ) ، أنّهما كانا يقرءان
بالشواذّ الّتي تخالف رسم الإمام ، فنقموا عليهما لذلك وبالغوا [في ذلك] وعزّروا ابن
شنبوذ ، فإنّه كان يقرأ في
المحراب في بعض صلواته بحروف مرويّة عن عبد الله بن مسعود وأُبيّ بن كعب تخالف مصحف
عثمان بن عفّان.
فاستدعاه الوزير ابن مقلة في سنة (٣٢٣ هـ) ، وأحضر القضاة والفقهاء والقرّاء وفي مقدّمتهم
ابن مجاهد ، فاعترف بما نُسب إليه بكلّ جرأة ودافع عمّا يعتقد به ، ولم يتراجع عما
هو عليه إلاّ تحت ضرب السياط ، إذ أمر الوزير بضربه أسواطاً وحبسه ، وهو يدعو على الوزير
بأن يقطع الله يده ويشتّت شمله ، حتّى استتابوه عن تلك التلاوة قسراً ، وقد كُتب عليه
ذلك بمحضر ،
__________________
واستُجيب دعاؤه على الوزير
فقُطعت يده وذاق الذل.
وكلامي هذا لا يعني بأنّي أحبّذ القراءة
بالشاذ والنادر أو أُجيزه ، فإنّ أئمة أهل البيت عليهمالسلام
أكّدوا على لزوم القراءة بما يقرأ به الناس وعدم الخروج عن المشهور عندهم ، لكنّ سؤالي
: إن لم يكن ذلك جائزاً ، فلماذا يجيزه مالك بن أنس وغيره؟ قال الزركشي في البرهان
:
«وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من جامعه
، قال : قيل لمالك : أترى أن تقرأ مثل ما قرأ عمر بن الخطّاب : (فامْضُوا إلى ذِكْرِ
الله) ، قال : جائز ، قال رسول
الله(صلى الله عليه وسلم) : (أُنزِل القرآن على سبعة أحرف ، فاقرؤوا ما تيسّر منه).
ومثل (يعلمون) و (تعلمون)؟ قال مالك : لا أرى باختلافهم بأساً ، وقد كان الناس ولهم
مصاحف. قال ابن وهب : سألت مالكاً عن مصحف عثمان ، فقال لي : ذهب. وأخبرني مالك قال
: أقرأ عبد الله بن مسعود رجلاً : (إنّ شَجَرَة الزّقُّومِ * طَعامُ الأَثِيم)
، فجعل الرجل يقول : [طعام] اليتيم ، فقال : طعام الفاجر. فقلت لمالك : أترى أنّ يُقرَأ
بذلك؟ قال : نعم ، أرى أنّ ذلك واسعاً».
بل كيف به يجيز ما تركه المسلمون ، والذي
ضُرب من أجله ابن شنبوذ لاحقاً؟ بل ما الفائدة من جمع عثمان الصحابة على حرف واحد ،
وترى التابعين لا يأخذون به؟ فقال ابن وهب : سألت مالكاً عن مصحف عثمان ،
__________________
فقال لي : ذهب.
فلو كان الشاذّ منهيّاً عنه ، فلماذا يؤلَّف
فيه بدءاً بابن جنّي في المحتسب
إلى آخرين جاؤوا من بعده وما يعني ذلك؟ وهل الشاذّ يعني تخطّي القراءات السبعة أم القراءة
بما يخالف المتواتر؟
ولم لا يرضى ابن جنّي إخراج بعض القراءات
من القرآن ويرجو بتأليفه المحتسب
الحسبة والمثوبة والقربى لله كما يدلّ عليه اسم الكتاب ، ألاّ يدافع ابن جني بعمله
هذا عما سُمّي شاذّاً ويقول عنه بأنّه :
«محفوف بالروايات من أمامه وورائه ، ولعلّه
أو كثيراً منه مساو في الفصاحة للمجتمع عليه.
نعم وربّما كان فيه ما تلطف صنعته ، وتعنُف
بغيره فصاحته ، وتمطوه قوي أسبابه ، وترسو به قدم إعرابه ، ولذلك قرأ بكثير منه من
جاذب ابن مجاهد عنان القول فيه ، وما كنه عليه ، ورادَّه إليه ، كأبي الحسن أحمد بن
محمّد بن شنبوذ ، وأبي بكر محمّد بن الحسن بن مِقسم ، وغيرهما ممّن أدّى إلى رواية
استقواها ، وأنحى على صناعة من الإعراب رضيها واستعلاها.
ولسنا نقول ذلك فسحاً بخلاف القرّاء المجتمع
في أهل الأمصار على قراءاتهم ، أو تسويغاً للعدول عمّا أقرّته الثقات عنهم ، لكنّ غرضنا
منه أن نُري وجه قوّة ما يُسمّى الآن شاذاً ، وأنّه ضارب في صحّة الرواية بجِرانه ،
آخذ من سمت العربية مهلة ميدانه ، لئلا يُري مُري
أنّ العدول عنه إنّما هو
__________________
غضُّ منه أو تهمة له
...
إلى أن يقول :
إلاّ أنّنا وإن لم نقرأ في التلاوة به مخافة
الانتشار فيه ، ونتابع من يتبع في القراءة كلّ جائز رواية ودراية ، فإنّا نعتقد قوّة
هذا المسمّى شاذّاً ، وأنّه ممّا أمر الله تعالى بتقبّله وأراد منّا العمل بموجبه ،
وأنّه حبيبٌ إليه ومرضيّ من القول لديه.
نعم ، وأكثر ما فيه أن يكون غيره من المجتمع
عندهم عليه أقوى منه إعراباً وأنهض قياساً ، إذ هما جميعاً مرويّان مسندان إلى السلف
، فإن كان هذا قادحاً فيه ومانعاً من الأخذ به ، فليكوننّ ما ضعف إعرابه ممّا قرأ بعض
السبعة به هذه حاله ...
ولعمري إنّ القارئ به من شاعت قراءته واعتيد
الأخذ عنه ، فأمّا أن نتوقّف عن الأخذ به لأنّ غيره أقوى إعراباً منه فلا ، لما قدّمنا
، فإذا كانت هذه حاله عند الله (جلّ وعلا) وعند رسوله المصطفى ، وأولى العلم بقراءة
القرّاء ، وكان من مضى من أصحابنا لم يضعوا للحِجَاج كتاباً فيه ولا أولوه طرفاً من
القول عليه ، وإنّما ذكروه مرويّاً مسلّما مجموعاً أو متفرقاً ، وربّما اعتزموا
الحرف منه فقالوا القول المقنع فيه».
وبهذا فقد اتّضح لك أنّ اختلاف مصاحف عثمان
المرسلة إلى الأمصار ومنهجيّة عثمان في توحيد المصاحف قد وسّعت الشرخ بين المسلمين
، ولم
__________________
توصلنا إلى الوحدة في
القراءة ، وأنّ هذا الاختلاف بقي سارياً إلى العصور اللاّحقة ، وقد عقد ابن أبي داوود
السجستاني (ت ٣١٦ هـ) باباً بعنوان (اختلاف مصاحف الأمصار الّتي نُسخت من الإمام) ،
ذكر فيه رواية عن عليّ ابن حمزة الكسائي اختلاف أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل البصرة
، وفيه : «فأمّا أهل المدينة فقرؤوا في البقرة : (وأوصى بها إبراهيم) ، وأهل الكوفة
وأهل البصرة : (وَوَصَّى بِهَا) بغير ألف». ثمّ أخذ يعدّد تلك الأمور الواحد تلو
الآخر ، ثمّ ذكر عن سليمان
بن مسلم بن جمار أنّ أهل المدينة يخالفون الإثني عشر حرفاً الّتي هي مكتوبة في مصحف
عثمان بن عفّان ، فيقرؤون بعضها بزيادة وبعضها بنقصان ، ثمّ أخذ يذكر تلك الموارد الواحد
تلو الآخر.
وفي الحديث رقم (١٣٣) من كتاب المصاحف
ذكر السجستاني عن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار اختلاف أهل الشام وأهل المدينة وأهل
العراق ، ثمّ أخذ يعدّها.
وروى في الحديث رقم (١٣٤) عن أبي حفص عمرو
بن عثمان الحمصي بأنّ أهل الشام كانوا يقرؤون بكذا وكذا .. وأخذ يذكرها.
وفي حديث رقم (١٣٥) ذكر ما اختلف فيه أهل
المدينة وأهل العراق
__________________
من حروف القرآن الواحد
تلو الآخر.
وفي حديث (١٣٧) ذكر اختلاف (إمام) أهل الشام
و (إمام) أهل العراق ، وفي حديث (١٣٨) ذكر ما جاء في (إمام) أهل الشام و (إمام) أهل
الحجاز ، وهكذا ..
وعليه ، فالاختلاف بين مصحفي أهل المدينة
والعراق ـ كما قالوا ـ كان في إثني عشر حرفاً ، وبين مصحفي أهل الشام والعراق كان نحو
أربعين حرفاً ، وبين مصحفي أهل الكوفة والبصرة في خمسة أحرف ، مع التنويه إلى أنّ كلّ
كلمة من هذه الاختلافات كانت تسبب اختلافات أخرى لأجل عدم التنقيط ، وما كان يفعله
أهل العربية بالقرآن من إعطاء وجوه داعمة لهذا أو ذاك ، كلّ ذلك ممّا وسّع الشرخ ودعاهم
للاختيار من بينها.
نعم ، إنّ عثمان بن عفّان ـ وبمنهجيّته الخاطئة
في المصاحف ـ قد شرعن الاختلاف بين المسلمين ، لأنّه لو كان يريد الأخذ بالقراءة الواحدة
لكان عليه التصدّي بنفسه لذلك والبتّ بقراءة واحدة وحذف القراءات الأخرى ، أمّا التذبذب
والخوف من الآخرين واتّخاذه القرار الضعيف والإقدام الخجول ، والسماح بالأخذ بجميع
القراءات بجنب ما يعتمده من القراءة ، قد أثّر على عملية توحيد المصاحف ، فانقلب عمل
عثمان من عمل يدّعي أنّه إيجابي إلى عمل سلبي يضرّ بالقرآن وحجّيّته ، لأنّ الاختلاف
بهذه الطريقة وشرعنة هذا الخلاف بقواعد ومبرّرات أخذ يزداد شيئاً فشيئاً ، حتّى صار
__________________
الاختلاف في القراءات
هو المنفذ الرئيسي الّذي دخله أعداء الدين للمساس بإعجاز القرآن.
وبهذه المناسبة نستطرف ما ذكره السيّد ابن
طاووس (ت ٦٤٤ هـ) وهو بصدد تفنيد ما نسبه أبو علي الجبائي (ت ٢٣٥ هـ) إلى الشيعة الإماميّة
من القول بالتحريف ، قال :
«كلُّ ما ذكرته من طعن وقداح على من يذكر
أنّ القرآن وقع فيه تبديل وتغيير ، فهو متوجّه على سيّدك عثمان ، لأنّ المسلمين أطبقوا
على أنّه جمع الناس على هذا المصحف الشريف ، وحرّف وأحرق ما عداه من المصاحف ،
فلولا اعتراف عثمان بأنّه وقع تبديلٌ وتغيير من الصحابة ما كان هناك مصحف محرّف ، وكانت
تكون متساوية.
ويقال له : أنت مقرّ بهؤلاء القرّاء السبعة
وهم مختلفون في حروف وحركات وغير ذلك ، ولولا اختلافهم لم يكونوا سبعة ، بل كانت هناك
قراءة واحدة ... فمن ترى ادّعى اختلاف القرآن وتغيّره؟ أنتم وسلفكم لا الرافضة على
حدّ تعبيركم! ومن المعلوم من مذهبنا أنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، كما صرّح بذلك
إمامنا جعفر بن محمّد الصادق عليهالسلام.
ويقال له : إنّك ادّعيت في تفسيرك أنّ (بسم
الله الرحمن الرحيم) ليست من القرآن ولا ترونها آية من القرآن ، وهي مائة وثلاث عشرة
آية في المصحف الشريف تزعمون أنّها زائدة وليست من القرآن ، وأنّ عثمان هو الّذي أثبتها
فيه على رأس السور فصلاً بين السورتين ، فهل هذا إلاّ اعتراف منك يا أبا علي بزيادتكم
أنتم في المصحف الشريف زيادةً لم تكن من
القرآن ولا من آيه الكريم؟».
قال ابن طاووس بهذا الكلام لأنّه الواقف
على اختلاف القراءات عندهم ، وأنّه يمكن أن يقرأ بأشكال مختلفة ، كمثل ما روي عن ورقاء
، عن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس ، عن أُبيّ بن كعب أنّه كان يقرأ قوله
تعالى : (يَوْمَ يَقُولُ الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ
لِلَّذِينَ آمَنُوا انظرونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) : (للذين آمنوا أمهلونا) ، (للذين آمنوا
أخرونا) ، (للذين آمنوا ارقبونا).
وقيل عنه بأنّه كان يقرأ قوله تعالى : (كُلَّمَا
أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا)
: (مرّوا فيه) ، (سعوا فيه)
، فإنّ تجويز ذلك هو معنى آخر لما افتراه ابن أبي سرح ـ أخو عثمان من الرضاعة ـ من
أنّ رسول الله كان يقول له : أكتب : (سميع عليم) ، فكان يكتب : (عليم حكيم) ، ورسول
الله كان يمضيهما.
التوقّف على الرسم العثماني
:
وبعد كلّ هذا نعيد السؤال مرّة أخرى : إذا
كنّا ملزمين بالتعبّد بالهجاء القديم والرسم العثماني وعدم تنقيط المصحف ، فلماذا نُقّط
ونُمّق المصحف وأُدخلت فيه إشارات وعبارات لم يرض بها الأقدمون؟ أي أنّا أدخلنا عليه
ما
__________________
كرهه الأوّلون ، ولم يفتوا
به ، لمصلحة رأيناها وحكمة تبنّيناها.
وإذا سُمح لنا بكتابة القرآن طبق الإملاء
الجديد وترك القديم ، فما يعني ما قالوه عن توقيفيّة الرسم العثمانيّ وأنّ مَن تخطّى
عنه فهو كافر؟
بل ما هي قيمة هذه الضوابط الثلاثة التي
ذكروها في العصور المتأخّرة للقراءة الصحيحة؟ والتي قالوا عنها بأنّها شروط لو فُقِد
أحدها لأصبحت القراءة شاذّة لا يصحّ القراءة بها لا في الصلاة ولا في غيرها ، وتسقط
عن كونها قرآناً رأساً ، سواءً كانت من السبعة أم من غيرها ، والشروط المذكورة هي :
١ ـ ما وافق العربيّة من وجه.
٢ ـ ما وافق رسم أحد المصاحف العثمانيّة
ولو تقديراً.
٣ ـ ما صحّ سنده وتواترت القراءة به.
فشيوع القراءة بين المسلمين وصحّة إسنادها
وتلقّي الأئمّة لها بالقبول هو الأصل الأصيل والركن الأقوم لصحّة القراءة ، أمّا الشرطان
الآخران من موافقة العربيّة والرسم العثمانيّ فهما تبعيّان لا أصليّان ، وإليك كلام
بعض علماء الجمهور في هذا الباب :
قال الشيخ موفّق الدّين الكواشي (ت ٦٨٠ هـ)
: «كلّ ما صحّ سنده واستقام مع جهة العربيّة ، وافق لفظه خطّ المصحف الإمام فهو من
السبع المنصوص عليها ، ولو رواه سبعون ألفاً مجتمعين أو متفرّقين. فعلى هذا الأصل يبني
من يقول : القراءات عن سبعة كان أو سبعة آلاف ، ومتى فقد واحد من هذه الثلاثة المذكورة
في القراءة فاحكم بأنّها شاذّة ؛ ولا يقرأ بشيء
من الشواذ ؛ وإنّما يذكر
ما يذكر من الشواذ ؛ ليكون دليلاً على حسب المدلول عليه أو مرجّحاً.
وقال مكّي القيسي (ت ٤٣٧ هـ) : وقد اختار
الناس بعد ذلك ، وأكثر اختياراتهم إنّما هو في الحرف إذا اجتمع فيه ثلاثة أشياء : قوّة
وجه العربيّة ، وموافقته للمصحف ، واجتماع العامّة عليه ، والعامّة عندهم ما اتّفق
عليه أهل المدينة وأهل الكوفة ، فذلك عندهم حجّة قوية توجب الاختيار. وربّما جعلوا
العامّة ما اجتمع عليه أهل الحرمين ، وربّما جعلوا الاعتبار بما اتّفق عليه نافع وعاصم
؛ فقراءة هذين الإمامين أولى القراءات ، وأصحّها سنداً وأفصحها في العربية ، ويتلوها
في الفصاحة خاصّة قراءة أبي عمرو والكسائي.
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : كلّ قراءة
ساعدها خطّ المصحف ، مع صحّة النقل فيها ، ومجيئها على الفصيح من لغة العرب ، فهي قراءة
صحيحة معتبرة ، فإن اختل أحد هذه الأركان الثلاثة أطلق على تلك القراءة أنّها شاذّة
وضعيفة ، أشار إلى ذلك جماعة من الأئمّة المتقدّمين ، ونصّ عليه الشيخ أبو محمّد مكّي
بن أبي طالب القيرواني في كتاب مفرد صنّفه في معاني القراءات السبع ، وأمر بإلحاقه
بكتاب الكشف
، وذكره شيخنا أبو الحسن في كتابه جمال القراء».
وقال ابن الجزري (ت ٨٣٣ هـ) : «كلّ قراءة
وافقت العربية ولو بوجه ، ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً ، وصحّ سندها
، فهي القرءاة
__________________
الصحيحة التي لا يجوز
ردها ولا يحلّ إنكارها ، بل هي من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ووجب على الناس
قبولها ، سواء كانت عن الأئمّة السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من الأئمّة المقبولين
، ومتى اختلّ ركنٌ من هذه الأركان الثلاثة أُطلق عليها ضعيفة أو شاذّة أو باطلة ، سواء
كانت عن السبعة أم عمّن هو أكبر منهم ؛ هذا هو الصحيح عند أئمّة التحقيق من السلف
والخلف».
هذه هي الأصول الثلاثة التي لحظوها في القراءة
الصحيحة ، فلنناقشها أصلاً أصلاً.
فالركن
الأوّل ـ أعني موافقة اللغة العربية ـ وإن كان
ركناً أصيلاً في الغالب عندهم ، إلاّ أنّه يستلزم أن تكون القواعد العربية أصيلة مع
كثرة الاختلاف فيها ، وهي بلا شك لم تكن أسبق من نصّ القرآن ، بل إنّ هذه القواعد مستقاة
من لغة العرب والاستعمال ، ولا نصّ أوثق من القرآن ، فإخضاع النصّ القرآني ـ
المتقدّم على القواعد ـ للقواعد العربيّة المتأخّرة زمناً ممّا لا يستساغ علميّاً.
وقد حكى البغدادي أنّ النحاة في عصر أبي
عمرو بن العلاء (ولد ٦٨ ـ توفّي ١٥٤ هـ) أنكروا على القرّاء ـ بعضاً من قراءاتهم ـ
ففزع أحدهم إلى أبي عمرو بن العلاء قائلاً له : «إنّ أصحاب النحو يلحنوننا ... فقال
له : هي جائزة أيضاً لا نبالي إلى أسفل حركتها أو إلى فوق».
علماً أنّ أبا عمرو بن العلاء
__________________
هو ممّن انتهت إليه مشيخة
الإقراء والنحو في البصرة في عصره.
نعم ، إنّ بعض علماء العربيّة كانوا عارفين
بالقراءات القرآنية ، وكان لهم اختيار في القراءة ، لكن لم يؤخذ باختيارهم لعدم صحّة
سنده ، فهذا عيسى ابن عمر الثقفي (ت ١٤٩ هـ) كان عالماً بالنحو على مذهب أهل البصرة
، غير أنّه كان له اختيار في القراءة على مذاهب العربية ، يفارق قراءة العامّة ،
ويستنكرها الناس ، وكان الغالب عليه حبّ النصب ما وجد إلى ذلك سبيلاً
، فلم يؤخذ باختياره.
ومثله ابن محيصن (ت ١٢٣ هـ) ، الذي يقول
عنه ابن مجاهد : كان ابن محيصن عالماً بالعربية ، وكان له اختيار لم يتبع فيه أصحابه
.. يُروى عن مجاهد
أنّه كان يقول : ابن محيصن يبني ويرصص في العربية ، يمدحه بذلك ... ولم يجمع أهل مكّة
على قراءات ، كما أجمعوا على قراءة ابن كثير.
والسبب في ذلك واضح ، صرّح به ابن مجاهد
بأكثر ممّا سبق ، فقد ذكر ابن الجزري عن ابن مجاهد أنّه قال : وكان لابن محيصن اختيار
في القراءة على مذهب العربية ، فخرج به عن إجماع أهل بلده ، فرغب الناس عن قراءته
وأجمعوا على قراءة ابن كثير لإتباعه.
وقد عرفت بأنّهم شدّدوا النكير على ابن شنبوذ
ومحمّد بن الحسن بن
__________________
مقسم العطّار البغدادي
(ت ٣٥٤ هـ) ، الذي عرف عنه أنّه من أحفظ أهل زمانه لنحو الكوفيّين ، وأعرفهم بالقراءات
، مشهورها وغريبها وشاذّها ، وذكر ابن النديم له عدداً غير قليل من الكتب ، نصّ على
ثلاثة عشر منها ياقوت في معجمه ، أغلبها في علوم القرآن وتفسيره.
إذن لا يمكن أن ننكر بأنّ بعض تأويلات واستدلالات
هؤلاء من أهل العربية قد أثّر على القرّاء ، وقد يكون هذا هو مقصود قول الإمام الصادق عليهالسلام حينما قال : «أصحاب العربية
يحرّفون الكلم عن مواضعه»
، أو ما جاء على لسان الإمام الباقر عليهالسلام
: «ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة».
إذن ، مقياس موافقة القراءة القرآنية للعربية
والنحو كان متأخّراً ، ولا يمكن اعتماده أصلاً أساسيّاً ، وقد ذكرنا أمثلة على بقاء
اللّحن في القراءة القرآنية في عهد الخلفاء الثلاثة ، وأنّ شرط الموافقة للعربية كان
ممّا وضعه الداني ، ثمّ أضاف ابن الجزري على شرط موافقة القراءة للعربيّة عبارة : (ولو
بوجه) ، وذلك تحسّباً لما سلكه النحاة واستنبطوه من قواعد شطّت كثيراً عن الجادةً ،
ومُلئت تأويلاً وتمحُّلاً ، فجاءت الأوجه الإعرابيّة المختلفة لموقع المفردة في الجملة
، وقد بيّن ابن الجزري هذا بقوله : وقلنا في الضابط ـ ولو بوجه ـ نريد به وجهاً من
وجوه النحو سواء كان أفصح أم فصيحاً ، مجمعاً عليه أم مختلفاً فيه اختلافاً لا يضرّ
مثله ، إذا كانت القراءة ممّا شاع وذاع ، وتلقّاه الأئمّة بالإسناد الصحيح ، إذ هو
الأصل الأعظم والركن الأقوم.
__________________
لكنّ الباقلاّني (ت ٤٠٣ هـ) في كتابه الانتصار
لم يرض ذلك ، فقال : «ظنّ بعض المشتغلين بعلم الكلام : أنّه يسوغ إعمال الرأي والاجتهاد
في إثبات قراءة ، وأوجه ، وأحرف ، إذا كانت تلك الأوجه صواباً في العربية ، وممّا يسوغ
التكلّم بها ، ولم تقم حجّة بأنّ النبيّ(صلى الله عليه وسلم) قرأ تلك المواضع ... وأبى
ذلك أهل الحقّ وأنكروه وخطّأوا من قال بذلك وصار إليه».
وبهذا فقد عرفت بأنّ الذي عليه الأئمّة من
علماء الأمّة في القراءة والعربية : أنّ القراءات لا يجوز فيها القياس. قال أبو علي
الفارسي (ت ٣٧٧ هـ) : «ليس كلّ ما جاز في قياس العربية تسوغ التلاوة به ، حتّى ينضم
إلى ذلك الأثر المستفيض بقراءة السلف له وأخذهم به ، لأنّ القراءة سنّة متبعة».
فعلماء القراءات من خلال هذه الأقوال أرادوا
تأكيد أنّ التواتر هو الأصل الأصيل في القراءات لا موافقة العربيّة والرسم العثماني
، وهو الصحيح الذي لا غبار عليه.
أمّا
الركن الثاني ، أعني الموافقة مع رسم
خط المصحف العثماني ، فأيّهما المقصود؟ هل موافقة مصحف عثمان المختصّ به ، أو موافقة
مصحف المدينة المودع في مسجدها ، أو موافقة أحد المصاحف الستّة العثمانيّة المرسلة
إلى الأمصار على ما فيها من اختلاف؟
فمصحف عثمان الأم الذي كان يقرأ فيه لم يكن
في معرض نظر عامّة الناس حتّى يُعتمد ، ولم يثبت كلّ ما قالوه عنه ، بل ترى الاختلاف
واضحاً في
__________________
رسم الخطّ في النسخ المنسوبة
إلى عثمان ، وأهمّ تلك النسخ ستّة :
١ ـ نسخة مصحف طشقند في اوزبكستان.
٢ ـ مصحف قصر طوب قاضي في اسطنبول.
٣ ـ نسخة المشهد الحسيني بمصر.
٤ ـ نسخة متحف الآثار التركية باسطنبول.
٥ ـ النسخة الموجودة في مكتبة الدائرة الهنديّة
في انجلترا ، والتي أُخذت من مكتبة مغول امبراطور الهند في دلهي.
٦ ـ نسخة مكتبة معهد الشرقيّات في سانت بترسبورغ.
أمّا دعوى موافقته لمصحف الإمام الذي كان
في وعاء المسجد النبوي ، فقد أخفاه آل عثمان ضنّاً به.
وأمّا موافقته للمصاحف الخمسة أو السبعة
المرسلة إلى الأمصار ، فلم يعد لها وجود قبل أن ينتهي القرن الأوّل الهجري ، لأنّ المصاحف
أخذت في تطوّر وتحسّن في خطّها ونقطها وتشكيلها في أيّام الحجّاج بن يوسف.
حكى أبو أحمد العسكري في كتاب (التصحيف)
: «أنّ الناس غبروا يقرؤون في مصحف عثمان بن عفّان نيفاً وأربعين سنة ، إلى أيّام عبد
الملك ابن مروان ، ثمّ كثر التصحيف وانتشر بالعراق ، ففزع الحجّاج بن يوسف إلى
كُتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات ...».
ويحدّثنا محرز بن ثابت مولى مسلمة بن عبد
الملك ، عن أبيه ، قال :
__________________
«كنت في حرس الحجّاج ابن
يوسف ، فكتب الحجّاج المصاحف ـ منقّطة ، ومشكّلة ، ومخمّسة ، ومعشّرة ، على يد نصر
بن عاصم اللّيثي ، وصاحبه يحيى بن يعمر ، تلميذي أبي الأسود الدؤلي ـ ، ثمّ بعث بها
إلى الأمصار ، وبعث بمصحف إلى المدينة ، فكره ذلك آل عثمان ، فقيل لهم : أخرجوا
مصحف عثمان ليُقرأ ، فقالوا ـ ضنّاً به ـ : أصيب المصحف يوم مقتل عثمان.
قال محرز : وبلغني أنّ مصحف عثمان صار إلى
خالد بن عمرو بن عثمان.
قال : فلمّا استخلف المهدي العبّاسي ، بعث
بمصحف إلى المدينة ، فهو الذي يقرأ فيه اليوم ، وعزل مصحف الحجّاج ، فهو في الصندوق
الذي دون المنبر».
قال ابن زبالة : حدّثني مالك بن أنس ـ إمام
المالكيّة ـ قال : «أرسل الحجّاج إلى أمّهات القرى بمصاحف ، فأرسل إلى المدينة بمصحف
منها كبير ، وهو أوّل من أرسل بالمصاحف إلى القرى ، وكان هذا المصحف في صندوق عن يمين
الأسطوانة التي عُملت علماً لمقام النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، وكان يفتح في يوم الجمعة
والخميس ، ويُقرأ فيه إذا صُلّيت الصبح. فبعث المهدي بمصاحف لها أثمان ، فجعلت في صندوق
، ونُحّي عنها مصحف الحجّاج ، فوضعت عن يسار السارية ، ووضعت لها منابر كانت تقرأ عليها
، وحمل مصحف الحجّاج في صندوقه ، فجعل عند الأسطوانة التي عن يمين المنبر».
__________________
قال ابن وهب : «سألت مالكاً عن مصحف عثمان
، فقال : ذهب».
ويروي الشاطبي عن مالك أنّه قال : «إنّ مصحف عثمان تغيّب فلم نجد له خبراً بين الأشياخ».
وفي كلامه هذا : إنّه حاول العثور عليه فلم
يستطع ، الأمر الذي يدلّ على انقطاع أثره من صفحة الوجود بالكلّية ، وإلاّ فلو كان
له وجود لما كان يختفي عن مثل مالك.
وعليه ، فإنّ هذه الموافقة قد تحتمل قراءة
رفضت من جمهور القرّاء ، مثل قراءة (مليك) بدل (مالك) أو (ملك) ، على ما هو مذكور في
كتب الشواذ ، وقد تكون صحيحة.
وهذا الشرط هو الآخر لم يكن موجوداً على
عهد رسول الله(صلى الله عليه وسلم) ولا على عهد الخليفتين الأوّل والثاني كما هو معلوم
، وإنّما هو أمر حادث في عهد الخليفة عثمان أو من بعده.
ثمّ إنّك قد عرفت بأنّ عثمان أراد أن تكون
نسخه المرسلة إلى الأمصار مختلفة فيما بينها ، كي يحافظ على ما نزل به من عند الله
وأقرّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) حسبما بُرّر ذلك لعثمان ، مؤكّدين في كلامهم
أنّ على المسلم المحافظة على الرسم العثماني وإن لم يتّفق مع قواعد الكتابة والهجاء
، وجاء فيه أشياء
__________________
خارجة عن إرادة الكاتب
من جرّاء القلم وكثرة الحبر وما شابه ذلك.
كما ينقض أصالة هذا الركن عندهم هو الفهم
السائد الذي كانوا يؤكّدون عليه بأنّ نقل القرآن كان حفظاً في الصدور لا كتابة على
السطور ، فلو كان كذلك فما يعني التأكيد على الرسم العثماني ولزوم المطابقة له؟ أليس
هناك مفارقة بين الأمرين؟
أمّا
الركن الثالث وهو الأصل الأصيل والركن
المعتمد في القراءات وهو صحّة السند إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتواتر القراءة
به ، فالّذي ينكر تواتر القراءات لا يعني أنّه ينكر تواتر القرآن ، إذ أنكر جمعٌ غفير
من أعلام الجمهور تواتر القراءات كأبي شامة في المرشد الوجيز
، وابن الجزري في النشر
في القراءات العشر ، والسيوطي في الاتقان
، وغيرهم ، كما أنكر كثير من علماء الإماميّة ذلك كصاحب الحدائق
، وصاحب الجواهر
، وصاحب مفتاح
الكرامة
، وغيرهم ، وقد أشار بعض علماء الشيعة المعاصرين كالسيّد الخوئي إلى أدلّة القائلين
بتواتر القراءات ليفنّدها ، مؤكّداً بأنّ التشكيك في تواتر القراءات لا يعني تشكيكاً
في تواتر القرآن ، كما أنّ أدلّة تواتر القرآن لا تُثبت تواتر القراءات ولا يمكن تسرية
أحدهما إلى الآخر ، وإنّ احتجاج كلّ قارئ من السبعة أو العشرة على صحّة قراءته ، وإعراضه
عن قراءة الآخر هو
__________________
دليل على عدم تواتر القراءات
عندهم ؛ لأنّه لو كان متواتراً عندهم لما جاز لهم تركه ، بل لما استوجب تركهم لقراءات
أقرانهم تفسيقهم بل ربّما تكفيرهم.
إنّ اهتمام الصحابة والتابعين كان دائماً
بتواتر القرآن لا بتواتر كيفيّة قراءته ، خصوصاً مع يقيننا بأنّ بعض القراءات جاءت
وفقاً للاجتهاد ، وقد أثّر عليها علماء العربيّة ، وأنّ بعضها أُخذ سماعاً من الآحاد
وهو ليس بمتواتر ، وهذا ممّا لا يمكن أن ينكره أحد.
وعليه ، فالدليل لو صحّ لكانت جميع القراءات
متواترة لا السبعة والعشرة منها فقط ، إذ لا ترجيح للسبعة على غيرها ، كما جاء هذا
في كلام أعلامهم.
وأمّا ما استدلّوا به على تواتر القراءات
وأنّها لو لم تكن لما كان القرآن متواتراً ، فقد أجاب عنه السيّد الخوئيّ بالقول :
«١ ـ إنّ تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات
، لأنّ الاختلاف في كيفيّة الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها ، ولهذا نجد أنّ اختلاف
الرواة في بعض ألفاظ قصائد المتنبّي ـ مثلاً ـ لا يصادم تواتر القصيدة عنه وثبوتها
له ، وإنّ اختلاف الرواة في خصوصيّات هجرة النبيّ لا ينافي تواتر الهجرة نفسها.
٢ ـ إنّ الواصل إلينا بتوسّط القرّاء إنّما
هو خصوصيات قراءاتهم ، وأمّا أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين ، وبنقل
الخلف عن السلف ، وتحفّظهم على ذلك في صدورهم وفي كتاباتهم ، ولا دخل للقرّاء في ذلك
أصلاً ، ولذلك فإنّ القرآن ثابت التواتر حتّى لو فرضنا أنّ هؤلاء القرّاء السبعة أو
العشرة لم يكونوا موجودين أصلاً ، وعظمة القرآن أرقى من أن
تتوقّف على نقل أولئك
النفر المحصورين».
كما أنّ ما استدلّوا به من أنّ القراءات
لو لم تكن متواترة لكان بعض القرآن غير متواتر ، مثل : ملك ومالك ، ونحوها.
فجوابه
: إن صحّ المدّعى ـ وهو غير صحيح كما تقدّم
ـ فيجب القول بتواتر جميع القراءات لا اختصاصه بالسبعة أو العشرة ، ولاسيّما بأنّ بين
تلك القراءات ما هو أسمى من السبعة ، ولا ترجيح للسبعة عليها كما اعترف بذلك كثير من
الأعلام ، وإليك بعضها :
قال أحمد بن عمار المهدوي : «لقد فعل مسبّع
هذه السبعة ما لا ينبغي له ، وأشكل الأمر على العامّة بإيهامه كلّ من قلّ نظره أنّ
هذه القراءات هي المذكورة في الخبر ، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل
الشبهة ...».
وقال الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمّد
القراب في الشافي
: التمسّك بقراءة سبعة من القرّاء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنّة ، وإنّما هو من جمع
بعض المتأخّرين لم يكن قرأ بأكثر من السبع ، فصنّف كتاباً وسمّاه كتاب السبعة ، فانتشر
ذلك في العامّة ...».
وقال الإمام أبو محمّد مكّي : «قد ذكر الناس
من الأئمّة في كتبهم أكثر من سبعين ممّن هو أعلى رتبةً وأجلّ قدراً من هؤلاء السبعة
... فكيف يجوز
__________________
أن يظنّ ظانّ أنّ هؤلاء
السبعة المتأخّرين قراءة كلّ واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها؟! هذا تخلّف
عظيم ، أكان ذلك بنصّ من النبيّ؟ أم كيف ذلك؟ وكيف يكون ذلك؟ والكسائي إنّما أُلحق
بالسبعة بالأمس في أيّام المأمون وغيره ـ وكان السابع يعقوب الحضرمي ـ فأثبت ابن مجاهد
في سنة ثلاثمائة ونحوها الكسائي موضع يعقوب».
هذا أوّلاً.
وثانياً
: إنّ اختلاف القراءات قد يبعدنا عن القراءة
الصحيحة بعض الشيء ، لكنّه لا يخرجنا عن أصل القرآن ، لأنّ مادّة القرآن واحدة وإن
اختلف في الهيئة والإعراب.
مع التأكيد على أنّ القراءات قد تكون من
اجتهادات القرّاء أو تمحّلات أهل العربية ، فلا يمكن الاعتماد عليها لعدم ثبوت كونها
روايات ، وحتّى لو ادّعي كونها روايات ورواتها ثقات فلم يثبت أنّ جميعها كانت كذلك
، وإنّ تعارض بعض القراءات مع الأخرى يسقطها من الحجّية ، لأنّ تخصيص بعضها بالأخذ
دون غيرها ترجيحٌ بلا مرجّح ، وقد حكى صاحب الجواهر
عن الشيخ الطوسي في تبيانه : إنّ المعروف من مذهب الإمامية والتطلّع في أخبارهم ورواياتهم
أنّ القرآن نزل بحرف واحد على نبيّ واحد ، غير أنّهم أجمعوا على جواز القراءة ، فإن
الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء ، وكرهوا تجريد قراءة بعينها».
وقال الأستاذ الأكبر في حاشية المدارك
: «لا يخفى أنّ القراءة عندنا
__________________
نزلت بحرف واحد ، والاختلاف
جاء من قبل الرواية ، فالمتواتر ...»
إلى آخر ما نقلناه عنه سابقاً.
وقال الإمام الباقر عليهالسلام في خبر زرارة : «إنّ
القرآن واحد نزل من عند الواحد ، ولكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة».
وقال الصادق عليهالسلام في صحيح الفضيل لمّا
قال له : «إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف : (كذب أعداء الله ، ولكنّه
نزل على حرف من عند الواحد ...).
وقد حكى البحراني عن المحدّث الكاشاني قوله
في كتاب الصافي
بعد نقل الخبرين المذكورين :
«والمقصود منهما واحد ، وهو أنّ القراءة
الصحيحة واحدة ، إلاّ أنّه عليهالسلاملما
علم أنّهم فهموا من الحديث الذي رووه صحّة القراءات جميعاً مع اختلافها كذّبهم. انتهى».
ويقرب من ذلك ما رواه في الكافي
أيضاً في الصحيح إلى المعلّى بن خنيس ، قال : «كنّا عند أبي عبد الله عليهالسلام ومعنا ربيعة الرأي ،
فذكر القرآن ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام
: إن كان ابن مسعود لا يقرأ على قراءتنا فهو ضال. فقال ربيعة الرأي : ضال؟ فقال : نعم.
ثمّ قال أبو عبد الله عليهالسلام
: أمّا نحن فنقرأ على قراءة أُبيّ».
__________________
قال في كتاب الوافي
: «والمستفاد من هذا الحديث أنّ القراءة الصحيحة هي قراءة أُبيّ ، وأنّها الموافقة
لقراءة أهل البيت عليهمالسلام
، إلاّ أنّها اليوم غير مضبوطة عندنا ، إذ لم تصل إلينا قراءته في جميع ألفاظ القرآن
انتهى».
«أقول
: لعلّ كلامه عليهالسلام
في آخر الحديث إنّما وقع على سبيل التنزيل والرعاية لربيعة الرأي ، حيث إنّه معتمد
العامّة في وقته تلافياً لما قاله في حقّ ابن مسعود وتضليله له مع أنّه عندهم بالمنزلة
العليا ولا سيّما في القراءة ، وإلاّ فإنّهم عليهمالسلام
لا يتّبعون أحداً وإنّما هم متبوعون لا تابعون ...
إلى أن يقول : ثمّ إنّ الّذي يظهر من الأخبار
أيضاً هو وجوب القراءة بهذه القراءات المشهورة ، لا من حيث ما ذكروه من ثبوتها وتواترها
عنه عليهالسلام
بل من حيث الاستصلاح والتقية.
فروى في الكافي
بسنده إلى بعض الأصحاب ، عن أبي الحسن عليهالسلام
قال : قلت له : جُعلت فداك ، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا
نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم؟ فقال : لا ، اقرؤوا كما تعلّمتم ، فسيجيء
من يعلّمكم.
وروى فيه بسنده إلى سالم بن سلمة ، قال :
قرأ رجلٌ على أبي عبد الله عليهالسلام
ـ وأنا أستمع ـ حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس! فقال أبو عبد الله عليهالسلام : كُفَّ عن هذه القراءة!
اقرأ كما يقرأ الناس حتّى يقوم القائم ... الحديث.
__________________
وبالجملة ، فالنظر في الأخبار وضمّ بعضها
إلى بعض يعطي جواز القراءة لنا بتلك القراءات رخصة ، وإن كانت القراءة الثابتة عنه عليهالسلام إنّما هي واحدة.
وإلى ذلك أيضاً يشير كلام شيخ الطائفة المحقّة قدسسره في التبيان حيث قال :
إنّ المعروف من مذهب الإماميّة والتطلّع في أخبارهم ورواياتهم أنّ القرآن نزل بحرف
واحد على نبيّ واحد ، غير أنّهم أجمعوا على جواز القراءة بما يتداوله القُرّاء ، وأنّ
الإنسان مخيّر بأيّ قراءة شاء قرأ ، وكرهوا تجريد قراءة بعينها. انتهى.
ومثله أيضاً كلام الشيخ أمين الإسلام الطبرسيّ
في كتاب مجمع
البيان ، حيث قال : الظاهر من مذهب الإمامية أنّهم
أجمعوا على القراءة المتداولة بين القرّاء وكرهوا تجريد قراءة مفردة ، والشائع في أخبارهم عليهمالسلام أنّ القرآن نزل بحرف
واحد. انتهى.
وكلام هذين الشيخين (عطّر الله مرقديهما)
صريح في ردّ ما ادّعاه أصحابنا المتأخّرون (رضوان الله عليهم) من تواتر السبع أو العشر
، على أنّ ظاهر جملة من علماء العامّة ومحقّقي هذا الفن إنكار ما ادُّعي هنا من التواتر
أيضاً ...
ثمّ قال البحراني : ويؤيّد ذلك ما نقله شيخنا
المحدّث الصالح عبد الله ابن صالح البحراني ، قال : سمعت شيخي علاّمة الزمان وأعجوبة
الدوران يقول : إنّ جار الله الزمخشري ينكر تواتر السبع ويقول : إنّ القراءة الصحيحة
الّتي قرأ بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) إنّما هي في صفتها ، وإنّما هي واحدة
، والمصلّي لا
تبرأ ذمّته من الصلاة
إلاّ إذا قرأ بما وقع فيه الاختلاف على كلّ الوجوه ، كمالك وملك وصراط وسراط وغير ذلك.
انتهى.
وهو جيّد وجيه بناء على ما ذكرنا من البيان
والتوجيه ، ولولا ما رخّص لنا به الأئمّة عليهمالسلام
من القراءة بما يقرأ الناس لتعيّن عندي العمل بما ذكره».
إذن فمنهج مدرسة الإمامة وأئمّة أهل البيت عليهمالسلام والمخلصين من
الصحابة والتابعين هو الذي حافظ على القرآن رغم انتهاج مدرسة الخلافة المسار الخاطئ
والمؤدّي إلى تحريفه ، بل ـ فوق كلّ ذلك ـ أنّ إرادة الله قد تعلّقت بحفظ كتابه ودينه
من التحريف.
فهم وكما قال الإمام الباقر لسعد الخير :
«وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرّفوا حدوده ، فهم يروونه ولا يرعونه ، والجهّال
يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية».
وفي آخر : «ورجلٌ قرأ القرآن فحفظ حروفه
وضيّع حدوده ، وأقامه إقامة القدح ، فلا كثّر الله هؤلاء من حملة القرآن».
وعليه ، فهذا القرآن هو قرآن الله وقرآن
رسوله(صلى الله عليه وآله) وقرآن جميع الصحابة ، والذي رُتّب على عهد رسول الله وجُمع
بيد وصيّه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام
، وأنّ حجّيّته عندنا جاءت بالتواتر ، ولاهتمام النبيّ(صلى الله عليه وآله) والمسلمين
به ، وأنّ الاختلاف في القراءات لم يؤثّر شيئاً على مادّته وهيئته ،
__________________
لأنّ أصل القرآن وتواتره
يختلف عن كيفيّة قراءته ، فهو حجّة عندنا ونقرأ به في صلواتنا ، وقد أفتى علماء الإمامية
بوجوب قراءة الحمد وسورة أخرى في الصلاة ، فلو كان محرّفاً لم تصحّ فتياهم ، كما أنّهم
لا يختلفون مع الآخرين في براءة ذمّة من استؤجر لقراءة القرآن ثمّ قرأ في هذا المصحف
، ومعناه أنّهم لا يختلفون مع الآخرين في حجّية هذا القرآن ، لأنّه لو جاز التحريف
في آية واحدة لأمكن جريان التحريف في جميع القرآن ، ولبطل كلام الله بأنّه كتاب لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والعياذ بالله!
والأسمى من كلّ ذلك أن نجعله معياراً شاخصاً
لرفع التعارض بين أخبار أئمّتنا ، فما وافق كتاب الله نأخذ به ، وما خالفه نطرحه ونضرب
به عرض الجدار ، وقد كتب علماؤنا كتباً كثيرة في تفسير القرآن ومفاهيمه وعلومه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ،
والصلاة والسّلام على أشرف خلقه وسيّد أنبيائه المرسلين محمّد ، وآله الطيّبين الطاهرين
الغرر الميامين.
المصادر
١ ـ القرآن الكريم
٢ ـ المصحف الشريف المنسوب إلى علي بن أبي طالب عليهالسلام (نسخة صنعاء) :
دراسة وتحقيق : د. طيار آلتي قولاج ، طبعة محقّقة ، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون
والثقافة الإسلامية ـ استانبول ٢٠١١ م.
٣ ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن
: للبلاغي النجفي محمّد جواد (ت ١٣٥٢ هـ) ، مطبعة العرفان ـ لبنان ١٩٣٣ م.
٤ ـ الإبانة عن معاني القراءات
: للقيسي ، مكّي بن أبي طالب حموش (ت ٤٣٧ هـ) ، تحقيق : عبد الفتاح إسماعيل شلبي ،
دار نهضة مصر ـ القاهرة.
٥ ـ الإتقان في علوم القرآن
: للسيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن (ت ٩١١ هـ) ، تحقيق : سعيد المندوب ، دار الفكر
، الطبعة الأولى ـ لبنان ١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٦ م.
٦ ـ إثبات الوصية
: للمسعودي ، أبي الحسن علي بن الحسين بن علي (ت ٣٤٦ هـ) ، منشورات المكتبة الرضوية
ـ قم ، بالأوفسيت عن طبعة المطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف.
٧ ـ أجوبة مسائل جار الله
: لشرف الدين ، السيّد عبد الحسين الموسوي (ت ١٣٧٧ هـ) ، مطبعة العرفان ـ صيدا ١٩٥٣
م.
٨ ـ الآحاد والمثاني
: لأبي بكر الشيباني ، أحمد بن عمرو بن الضحاك (ت ٢٨٧ هـ) ، تحقيق : د. باسم فيصل أحمد
الجوابرة ، دار الراية ، الطبعة الأولى ـ الرياض ١٤١١ هـ ـ ١٩٩١ م.
٩ ـ الأحاديث المختارة
: للمقدسي ، محمّد بن عبد الواحد بن محمّد الحنبلي (ت ٦٤٣ هـ) ، تحقيق : عبد الملك
بن عبدالله بن دهيش ، مكتبة النهضة ، الطبعة الأولى ـ مكّة المكرّمة ١٤١٠ هـ.
١٠ ـ الاحتجاج على أهل اللجاج
: للطبرسي ، أحمد بن علي بن أبي طالب (من اعلام القرن السادس الهجري) ، تحقيق : محمّد
باقر الخرسان ، مؤسّسة الأعلمي ، الطبعة الثانية ـ لبنان ١٤٠٣ هـ.
١١ ـ الأحرف السبعة للقرآن
: لأبي عمرو الداني ، عثمان بن سعيد (ت ٤٤٤ هـ) ، تحقيق : د. عبد المهيمن طحان ، نشر
مكتبة المنارة ، الطبعة الأولى ـ مكة المكرمة ١٤٠٨هـ.
١٢ ـ الإحكام في أصول الأحكام
: لابن حزم الأندلسي ، علي بن أحمد بن حزم (ت ٤٥٦ هـ) ، دار الحديث ، الطبعة الأولى
ـ القاهرة ١٤٠٤هـ.
١٣ ـ أحكام القرآن
: للجصّاص ، أحمد بن علي الرازي (ت ٣٧٠ هـ) ، تحقيق : محمّد الصادق قمحاوي. دار إحياء
التراث العربي ـ بيروت ١٤٠٥هـ.
١٤ ـ أخبار القضاة
: لوكيع ، محمّد بن خلف بن حيان (ت ٣٠٦ هـ) ، عالم الكتب ـ بيروت.
١٥ ـ الإرشاد
: للمفيد ، أبي عبدالله ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣ هـ) ،
تحقيق : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لتحقيق التراث ، دار المفيد ، الطبعة الثانية ، بيروت ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٣م.
١٦ ـ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري :
للقسطلاني ، أبي العبّاس ، شهاب الدين أحمد بن محمّد (ت ٩٢٣ هـ) ، دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت.
١٧ ـ الاستبصار فيما اختلف من الأخبار :
للشيخ الطوسي ، محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق : السيّد حسن الموسوي الخرسان ،
دار الكتب الإسلامية ، الطبعة الرابعة ، طهران ١٣٩٠هـ.
١٨ ـ الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار :
لابن عبد البر ، أبي عمر يوسف بن عبد الله النمري القرطبي (ت ٤٦٣ هـ) ، تحقيق : سالم
محمّد عطا / محمّد علي معوض ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ـ ٢٠٠٠ م.
١٩ ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب :
لابن عبدالبر ، يوسف بن عبدالله بن محمّد (ت ٤٦٣ هـ) ، تحقيق : علي محمّد البجاوي ،
دار الجيل ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٢هـ.
٢٠ ـ أسد الغابة في معرفة الصحابة :
لابن الأثير ، عزّ الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني (ت ٦٣٠ هـ) نشر إسماعيليان
ـ طهران ، بالأوفسيت عن دار الكتاب العربي ـ لبنان.
٢١ ـ أسرار التكرار في القرآن :
للكرماني ، محمود بن حمزة بن نصر (المتوفّى بعد سنة ٥٠٠ هـ) ، تحقيق : عبد القادر أحمد
عطا ، دار الاعتصام ، الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٣٩٦.
٢٢ ـ الإصابة في تمييز الصحابة :
لابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي الشافعي (ت ٨٥٢ هـ) ، تحقيق : علي محمّد البجاوي
، دار الجيل ، الطبعة الأولى ـ بيروت ـ ١٤١٢ هـ ـ ١٩٩٢م.
٢٣ ـ أضواء على السنة المحمّدية = دفاع عن الحديث
: محمود أبو رية ، منشورات الأعلمي ـ بيروت.
٢٤ ـ اعتقادات الصدوق = الاعتقادات في دين الإمامية
: للشيخ الصدوق ، محمّد ابن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت ٣٨١هـ) ، تحقيق : عصام
عبدالسيّد ، دار المفيد ، الطبعة الثانية ، بيروت ١٤١٤هـ.
٢٥ ـ إعراب القرآن :
للنحّاس ، أبي جعفر أحمد بن محمّد بن إسماعيل (ت ٣٣٨ هـ) ، تحقيق : د. زهير غازي زاهد
، عالم الكتب ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٩ هـ ١٩٨٨م.
٢٦ ـ إعلام الموقّعين عن رب العالمين :
للزرعي ، أبي عبد الله محمّد بن أبي بكر ابن أيّوب بن سعد الدمشقي (ت ٧٥١ هـ) ، تحقيق
: طه عبد الرؤوف سعد ، دار الجيل ـ بيروت ١٩٧٣م.
٢٧ ـ الإكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة
الخلفاء : للكلاعي ، أبي الربيع سليمان بن موسى الأندلسي
(ت ٦٣٤ هـ) ، تحقيق : د. محمّد كمال الدين عزّ الدين علي ، عالم الكتب ، الطبعة الأولى
ـ بيروت ١٤١٧هـ.
٢٨ ـ إكمال الدين وإتمام النعمة : للصدوق
، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت ٣٨١ هـ) ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة
الأولى ـ قم ١٤٠٥هـ.
٢٩ ـ الأم :
لأبي عبد الله محمّد بن إدريس الشافعي (ت ٢٠٤ هـ) ، الطبعة الثانية ، دار المعرفة ـ
بيروت ـ ١٣٩٣.
٣٠ ـ الأمالي :
للشيخ الصدوق ، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي ، (ت ٣٨١ هـ) ، تحقيق : قسم
الدراسات الإسلامية في مؤسّسة البعثة ، نشر مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤١٧هـ.
٣١ ـ الأمالي :
للشيخ الطوسي ، محمّد بن الحسن ، أبي جعفر (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية
، نشر مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤١٤هـ.
٣٢ ـ الأمالي :
للشيخ المفيد ، أبي عبدالله ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣ هـ)
، تحقيق : حسين الأستاد ولي ، علي أكبر الغفاري ، دار المفيد للطباعة والنشر ، الطبعة
الثانية ، بيروت ١٤١٤هـ ـ ١٩٩٣م.
٣٣ ـ الإمامة والسياسة :
لابن قتيبة ، أبي محمّد ، عبدالله بن مسلم الدينوري (ت ٢٧٦ هـ) ، تحقيق : طه محمّد
الزيني ، نشر مؤسّسة الحلبي وشركاه.
٣٤ ـ الانتصار للقرآن :
لأبي بكر الباقلاني ، محمّد بن الطيب (ت ٤٠٣ هـ) ، تحقيق : د. محمّد عصام القضاة ،
دار الفتح ـ عمّان / دار ابن حزم ـ بيروت ، الطبعة الأولى ١٤٢٢ هـ(الانترنيتية).
٣٥ ـ الأنساب :
للسمعاني ، أبي سعيد ، عبد الكريم بن محمّد ابن منصور التميمي (ت ٥٦٢ هـ) ، تحقيق :
عبد الله عمر البارودي ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٩٩٨م.
٣٦ ـ أنساب الأشراف :
البلاذري ، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت ٢٧٩ هـ) ، تحقيق : د. سهيل زكار / د.
رياض زركلي ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ، بيروت ١٤١٧ هـ ـ ١٩٩٦م.
٣٧ ـ الأوائل :
لأبي هلال العسكري ، الحسن بن عبد الله بن سهل (ت ٣٩٥ هـ) ، وضع حواشيه : عبد الرزاق
غالب المهدي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٩٩٧م.
٣٨ ـ اوائل المقالات
: للشيخ المفيد ، أبي عبدالله ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣هـ)
، تحقيق : الشيخ إبراهيم الأنصاري ، دار المفيد ، الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤١٤هـ.
٣٩ ـ الإيضاح :
لابن شاذان ، الفضل بن شاذان الأزدي (ت ٢٦٠ هـ) ، تحقيق : السيّد جلال الدين الحسيني
الأرموي ، مؤسّسة الطباعة والنشر لجامعة طهران ، الطبعة الأولى ـ إيران.
٤٠ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة
الأطهار : للمجلسي ، الشيخ محمّد باقر (ت ١١١١هـ)
، مؤسّسة الوفاء ، الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤٠٣هـ.
٤١ ـ البحر الرائق شرح كنز الدقائق :
لابن نجيم المصري ، زين الدين بن إبراهيم بن محمّد الحنفي (ت ٩٧٠ هـ) ، دار المعرفة
، الطبعة الثانية ـ بيروت.
٤٢ ـ البداية والنهاية :
لابن كثير ، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي (ت ٧٧٤ هـ) ، مكتبة المعارف ـ بيروت.
٤٣ ـ البرهان في علوم القرآن
: للزركشي ، محمّد بن بهادر بن عبدالله ، (٧٩٤هـ) ، تحقيق : محمّد أبو الفضل إبراهيم
، دار المعرفة ـ بيروت ١٣٩١هـ.
٤٤ ـ بصائر الدرجات في فضائل آل محمّد :
للصفّار ، محمّد بن الحسن بن فرّوخ القمّي (ت ٢٩٠هـ) ، الحاج ميرزا حسن كوجه باغي ،
منشورات الأعلمي ١٤٠٤هـ ـ طهران.
٤٥ ـ بلاغات النساء :
لابن طيفور ، أبي الفضل بن أبي طاهر (ت ٣٨٠ هـ) ، مكتبة بصيرتي قم.
٤٦ ـ البيان في تفسير القرآن :
السيّد أبو القاسم الخوئي (ت ١٤١١ هـ) ، دار الزهراء للطباعة ، الطبعة الرابعة ـ بيروت
١٣٩٥ هـ.
٤٧ ـ البيان في عدّ آي القرآن
: لأبي عمرو الداني ، عثمان بن سعيد الأموي (ت ٤٤٤ هـ) ، تحقيق : غانم قدّوري الحمد
، مركز المخطوطات والتراث ، الطبعة الأولى ـ الكويت ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٤م.
٤٨ ـ تاج العروس من جواهر القاموس
: للزبيدي ، محمّد مرتضى الحسيني (ت ١٢٠٥ هـ) ، تحقيق : مجموعة من المحقّقين ، دار
الهداية.
٤٩ ـ تاريخ ابن خلدون = كتاب العبر وديوان المبتدأ
والخبر : لابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمّد الحضرمي
(ت ٨٠٨ هـ) ، دار القلم ، الطبعة الخامسة ـ بيروت ١٩٨٤م.
٥٠ ـ تاريخ أبي الفداء = المختصر في أخبار البشر
: لأبي الفداء ، إسماعيل بن نور الدين (ت ٧٣٢هـ) ، تحقيق : محمود ديوب ، دار الكتب
العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٧ هـ.
٥١ ـ تاريخ الإسلام :
للذهبي ، شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان (ت ٧٤٨هـ) ، تحقيق : د. عمر عبد السّلام
تدمري ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٧هـ ـ ١٩٨٧م.
٥٢ ـ تاريخ أسماء الثقات : لابن
شاهين ، عمر بن أحمد أبو حفص الواعظ (ت ٣٨٥ الطبعة الأولى) ، تحقيق : صبحي السامرائي
، الدار السلفية ، الطبعة الأولى ـ الكويت ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤.
٥٣ ـ التاريخ الأوسط :
للبخاري ، محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل ، أبي عبد الله الجعفي (ت ٢٥٦ هـ) ، تحقيق :
محمود إبراهيم زايد ، دار الوعي ، مكتبة دار التراث ، الطبعة الأولى ـ حلب ، القاهرة
١٣٩٧ هـ ـ ١٩٧٧ م.
٥٤ ـ تاريخ بغداد
: للخطيب البغدادي ، أبي بكر ، أحمد بن علي (ت ٤٦٣هـ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٥٥ ـ تاريخ الخلفاء
: للسيوطي ، عبدالرحمن بن أبي بكر (ت ٩١١هـ) ، تحقيق : محمّد محي الدين عبدالحميد ،
مطبعة السعادة ـ مصر ١٣٧١هـ ـ ١٩٥٢م.
٥٦ ـ تاريخ دمشق
: لابن عساكر ، أبي القاسم ، علي بن الحسن بن هبة الله بن عبدالله الشافعي (ت ٥٧١ هـ)
، تحقيق : محبّ الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمري ، دار الفكر ـ بيروت ١٩٩٥ م.
٥٧ ـ تاريخ الطبري = تاريخ الأمم والملوك
: للطبري ، أبي جعفر محمّد بن جرير (ت ٣١٠ هـ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٥٨ ـ تاريخ القرآن
: لتيودور نولدكه ، تعديل : فريديريش شفالي ، نقله إلى العربية : د. جورج تامر ، الطبعة
الأولى ـ بيروت ٢٠٠٤.
٥٩ ـ تاريخ القرآن
: للدكتور عبد الصبور شاهين ، إشراف : داليا محمّد إبراهيم ، نهضة مصر للطباعة والنشر
، الطبعة الثالثة ـ مصر ٢٠٠٧ م.
٦٠ ـ تاريخ القرآن الكريم
: لمحمّد طاهر الكردي ، نشر : محمّد يغمور ، مطبعة الفتح ـ جدة ـ الحجاز ١٣٦٥ هـ.
٦١ ـ التاريخ الكبير
: للبخاري ، محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم ، أبي عبد الله الجعفي (ت ٢٥٦ هـ) ، تحقيق
: السيّد هاشم الندوي ، دار الفكر.
٦٢ ـ تاريخ المدينة المنوّرة = أخبار المدينة
المنوّرة : لابن شبة ، عمر بن شبة النميري البصري
(ت ٢٦٢ هـ) ، تحقيق : علي محمّد دندل / ياسين سعد الدين بيان ، دار الكتب العلمية ـ
بيروت ١٤١٧هـ ـ ١٩٩٦م.
٦٣ ـ تاريخ اليعقوبي
: أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن واضح (ت ٢٨٤ هـ) ، دار صادر ـ بيروت.
٦٤ ـ تأويل مشكل القرآن
: لابن قتيبة ، عبد الله بن مسلم (ت ٢٧٦ هـ) ، تحقيق : أحمد صقرا ، دار التراث ، الطبعة
الثانية ـ القاهرة ١٣٩٣ هـ.
٦٥ ـ التبيان في تفسير القرآن
: للطوسي ، أبي جعفر محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق : أحمد حبيب قصير العاملي ،
مكتب الإعلام الإسلامي ـ إيران ١٢٠٩ هـ.
٦٦ ـ تحف العقول عن آل الرسول
: لابن شعبة الحرّاني ، الحسن بن علي بن الحسين (من أعلام القرن الرابع) ، تحقيق :
علي أكبر الغفاري ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ـ قم ١٤٠٤هـ.
٦٧ ـ تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
: للمباركفوري ، محمّد عبد الرحمن بن عبد الرحيم (ت ١٣٥٣ هـ) ، دار الكتب العلمية ـ
بيروت.
٦٨ ـ تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل
: لأبي زرعة ، ولي الدين أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبي زرعة العراقي (ت ٨٢٠ هـ)
، تحقيق : عبد الله نوارة ، مكتبة الرشد ـ الرياض ـ ١٩٩٩م.
٦٩ ـ تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير
الكشاف للزمخشري : للزيعلي ، جمال الدين
عبد الله بن يوسف بن محمّد (ت ٧٦٢ هـ) ، تحقيق : عبد الله بن عبد الرحمن السعد ، دار
ابن خزيمة ، الطبعة الأولى ـ الرياض ١٤١٤ هـ.
٧٠ ـ تذكرة الحفاظ
: للذهبي ، شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان (ت ٧٤٨هـ) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة
الأولى ـ بيروت.
٧١ ـ تذكرة الفقهاء :
للعلاّمة الحلّي ، أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (ت ٧٢٦هـ) ، تحقيق ونشر
: مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤١٤هـ (طبعة جديدة).
٧٢ ـ التراتيب الإدارية = نظام الحكومة النبوية
: للكتّاني ، عبد الحيّ (ت ١٣٨٢ هـ) ، دار الكتاب العربي ـ بيروت.
٧٣ ـ التسهيل لعلوم التنزيل
: لابن جزي الكلبي ، محمّد بن أحمد بن محمّد الغرناطي (ت ٧٤١ هـ) ، دار الكتاب العربي
، الطبعة الرابعة ـ لبنان ـ ١٤٠٣هـ ـ ١٩٨٣م.
٧٤ ـ تغليق التعليق على صحيح البخاري
: لابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي بن محمّد (ت ٨٥٢ هـ) ، تحقيق : سعيد عبد الرحمن
موسى القزقي ، المكتب الإسلامي ، دار عمّار الطبعة الأولى ـ بيروت ، عمان ١٤٠٥ هـ.
٧٥ ـ تفسير ابن أبي حاتم = تفسير القران
: للرازي ، عبد الرحمن بن محمّد بن إدريس (ت ٢٣٧ هـ) ، تحقيق : أسعد محمّد الطيب ،
المكتبة العصرية ـ صيدا.
٧٦ ـ تفسير ابن كثير = تفسير القرآن العظيم
: لابن كثير ، إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت ٧٧٤هـ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٤٠١
هـ.
٧٧ ـ تفسير البحر المحيط :
لأبي حيّان الأندلسي ، محمّد بن يوسف (ت ٧٤٥ هـ) ، تحقيق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود
ـ الشيخ على محمّد معوض ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ لبنان / بيروت ـ ١٤٢٢
هـ ـ ٢٠٠١ م.
٧٨ ـ تفسير البغوي :
للحسين بن مسعود الفرّاء البغوي الشافعي ، (ت ٥١٦هـ) ، تحقيق : خالد عبدالرحمن الك
، دار المعرفة ـ بيروت.
٧٩ ـ تفسير الثعلبي :
لأبي إسحاق ، أحمد بن محمّد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري (ت ٤٢٧ هـ) ، تحقيق : أبي
محمّد بن عاشور / نظير الساعدي ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ، بيروت
١٤٢٢هـ.
٨٠ ـ تفسير جوامع الجامع :
للطبرسي ، أبي علي الفضل بن الحسن (ت ٥٤٨ هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي
، الطبعة الأولى ـ قم ١٤٢٠ هـ.
٨١ ـ تفسير الشهرستاني = مفاتيح الأسرار ومصابيح
الأبرار : لمحمّد بن عبد الكريم الشهرستاني (ت ٤٥٨
هـ) ، تحقيق : محمّد علي آذرشب ، مركز البحوث والدراسات للتراث المخطوط ، الطبعة الأولى
ـ طهران ٢٠٠٨ م.
٨٢ ـ تفسير الطبري = جامع البيان
: للطبري ، محمّد بن جرير بن يزيد بن خالد (ت ٣١٠ هـ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٤٠٥هـ ،
دار المعرفة ـ بيروت ١٤٠٣ هـ.
٨٣ ـ تفسير العياشي :
للعياشي ، محمّد بن مسعود السلمي (ت ٣٢٠ هـ) ، تحقيق : السيّد هاشم المحلاّتي ، المكتبة
العلمية الإسلامية ـ طهران.
٨٤ ـ تفسير فرات الكوفي :
لفرات بن إبراهيم (ت ٣٥٢ هـ) ، تحقيق : محمّد كاظم ، مؤسّسة الطباعة والنشر التابعة
لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي ، الطبعة الأولى ـ طهران ١٤١٠هـ.
٨٥ ـ تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن
: لأبي عبدالله القرطبي ، محمّد بن أحمد الأنصاري (ت ٦٧١هـ) ، دار الشعب ـ القاهرة.
٨٦ ـ تفسير القمّي :
للقمّي ، أبي الحسن ، علي بن إبراهيم (من أعلام القرنين الثالث والرابع الهجري) ، تحقيق
: السيّد طيب الموسوي الجزائري ، دار الكتاب للطباعة والنشر ، الطبعة الثالثة ـ قم
١٤٠٤هـ.
٨٧ ـ التفسير الكبير = مفتاح الغيب :
للفخر الرازي ، محمّد بن عمر التميمي الشافعي (ت ٦٠٦ هـ) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة
الأولى ـ بيروت ١٤٢١هـ ـ ٢٠٠٠م.
٨٨ ـ تفسير الكشاف = الكشاف عن حقائق التنزيل
وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
: للزمخشري ، أبي القاسم محمود بن عمر الخوارزمي (ت ٥٨٣ هـ) ، تحقيق : عبد الرزاق المهدي
، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
٨٩ ـ تفسير كنز الدقائق :
للميرزا محمّد المشهدي (ت ١١٢٥ هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة
الأولى ، قم ١٤١٠ هـ.
٩٠ ـ تفسير مجمع البيان :
للطبرسي ، أبي علي الفضل بن الحسن (ت ٥٤٨ هـ) ، تحقيق وتعليق : لجنة من العلماء والمحقّقين
الأخصائيين ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، الطبعة الأولى ، بيروت ١٤١٥ هـ ـ ١٩٩٥ م.
٩١ ـ تفسير الميزان :
للطباطبائي ، للعلاّمة السيّد محمّد حسين (ت ١٤١٢ هـ) ، منشورات جماعة المدرّسين في
الحوزة العلمية ـ قم المقدّسة.
٩٢ ـ تفسير نور الثقلين : للشيخ
الحويزي ، علي بن جمعة العروسي (ت ١١١٢ هـ) ، تحقيق : السيّد هاشم الرسولي ، مؤسّسة
إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة : الرابعة ـ قم ١٤١٢ هـ.
٩٣ ـ تقييد العلم :
للخطيب البغدادي ، أحمد بن علي (ت ٤٦٣ هـ) ، دار إحياء السنّة النبوية.
٩٤ ـ التمهيد في علوم القرآن :
للشيخ محمّد هادي معرفة ، مطبعة مهر ـ قم ١٣٩٨ هـ.
٩٥ ـ التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد
: لابن عبد البر ، أبي عمر يوسف بن عبد الله
النمري (ت ٤٦٣ هـ) ، تحقيق : مصطفى بن أحمد العلوي ، محمّد عبد الكبير البكري ، وزارة
عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب ١٣٨٧ هـ.
٩٦ ـ التنبيه والإشراف :
للمسعودي ، أبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، (ت ٣٤٦ هـ).
٩٧ ـ توجيه النظر إلى أصول الأثر :
للشيخ طاهر بن صالح الجزائري الدمشقي (ت ١٣٣٨ هـ) ، تحقيق : عبد الفتاح أبو غدّة ،
مكتبة المطبوعات الإسلامية ، الطبعة الأولى ـ حلب ١٤١٦ هـ ـ ١٩٩٥م.
٩٨ ـ التوحيد :
للشيخ الصدوق ، أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت ٣٨١ هـ) تحقيق
، السيّد هاشم الحسيني الطهراني ، ط جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم ـ إيران.
٩٩ ـ تهذيب الأحكام :
للطوسي ، محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق : حسن الموسوي الخرسان ، دار الكتب الإسلامية
، الطبعة الثالثة ـ طهران ١٣٦٤هـ ش.
١٠٠ ـ تهذيب الأسماء واللغات :
للنووي ، محي الدين بن شرف (ت ٦٧٦ هـ) ، تحقيق : مكتب البحوث والدراسات ، دار الفكر
، الطبعة الأولى ، بيروت ـ ١٩٩٦.
١٠١ ـ تهذيب التهذيب :
لابن حجر العسقلاني ، أبي الفضل أحمد بن علي الشافعي(٨٥٢ هـ) ، دار الفكر ، الطبعة
الأولى ـ بيروت ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤م.
١٠٢ ـ تهذيب الكمال :
للمزي ، يوسف بن الزكي عبدالرحمن أبي الحجّاج (ت ٧٢٠ هـ) ، تحقيق : د. بشار عوّاد معروف
، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الأولى ، بيروت ١٤٠٠ هـ ـ ١٩٨٠م.
١٠٣ ـ تهذيب اللغة :
للأزهري ، أبي منصور محمّد بن أحمد (ت ٣٧٠ هـ) ، تحقيق : محمّد عوض مرعب ، دار إحياء
التراث العربي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ٢٠٠١ م.
١٠٤ ـ الثقات :
لابن حبّان البستي التميمي ، أبي حاتم ، محمّد بن حبان بن أحمد (ت ٣٥٤ هـ) ، تحقيق
: السيّد شرف الدين أحمد ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ١٣٩٥ هـ ـ ١٩٧٥م.
١٠٥ ـ الجامع :
لمعمر بن راشد الأزدي (ت ١٥٣ هـ) ، تحقيق : حبيب الأعظمي ، المكتب الإسلامي ، الطبعة
الثانية ـ بيروت ١٤٠٣ هـ (منشور كملحق بكتاب المصنف للصنعاني ج ١٠).
١٠٦ ـ الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير :
للسيوطي ، جلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر (ت ٩١١هـ) ، دار الفكر ، الطبعة الأولى
ـ بيروت ١٤٠١هـ.
١٠٧ ـ الجرح والتعديل :
للرازي ، أبي محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمّد بن إدريس (ت ٢٣٧ هـ) ، دار إحياء
التراث العربي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٢٧١ هـ ـ ١٩٥٢ م.
١٠٨ ـ الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم :
للحميدي ، محمّد بن فتوح (ت ١٠٩٥هـ) ، تحقيق : د. علي حسين البوّاب ، دار ابن حزم ،
الطبعة الثانية ـ لبنان ١٤٢٣هـ ـ ٢٠٠٢م.
١٠٩ ـ جمال القراء وكمال الإقراء :
للسخاوي ، أبي الحسن علي بن محمّد الهمداني المصري (ت ٦٤٣ هـ) ، تحقيق : عبد الحقّ
عبد الدايم ، مؤسّسة الكتب الثقافية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٩ هـ.
١١٠ ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام :
للشيخ محمّد حسن النجفي (ت ١٢٦٦هـ) ، تحقيق : الشيخ عبّاس القوجاني ، الشيخ علي الآخوندي
، دار الكتب الإسلامية ، الطبعة الأولى ـ طهران ١٣٩٢هـ.
١١١ ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة
: للشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هـ) ، مؤسّسة
النشر الإسلامي ـ قم.
١١٢ ـ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء :
للأصبهاني ، أبي نعيم أحمد بن عبدالله (ت ٤٣٠ هـ) ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الرابعة
ـ بيروت ١٤٠٥هـ.
١١٣ ـ خاورشناسان وجمع وتدوين قرآن كريم (كتاب
فارسي) : لفروغ پارسا معاصر ، پژوهشگاه علوم انساني
ومطالعات فرهنگي ـ طهران ١٣٩٠ ش.
١١٤ ـ خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب :
للبغدادي ، عبد القادر بن عمر (١٠٣٩ هـ) ، تحقيق : محمّد نبيل طريفي / اميل بديع اليعقوب
، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٩٩٨م.
١١٥ ـ الخصال :
للصدوق ، أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت ٣٨١ هـ) ، تحقيق : علي
أكبر غفاري ، جماعة المدرسين ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤٠٣ هـ.
١١٦ ـ خصائص الأئمّة :
للشريف الرضي ، أبي الحسن محمّد بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي (ت ٤٠٦ هـ) ، تحقيق
: الدكتور محمّد هادي الأميني ، مجمع البحوث الإسلامية ـ الآستانة الرضوية ـ مشهد ١٤٠٦هـ.
١١٧ ـ الخصائص الكبرى :
للسيوطي ، جلال الدين عبدالرحمن أبي بكر (ت ٩١١ هـ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٥هـ
ـ ١٩٨٥م.
١١٨ ـ الدر المنثور :
للسيوطي ، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر (ت ٩١١ هـ) ، دار الفكر ـ بيروت ـ ١٩٩٣
م.
١١٩ ـ دلائل الإمامة :
للطبري الصغير الشيعي ، أبي جعفر ، محمّد بن جرير بن رستم (أوائل القرن الخامس الهجري)
، تحقيق ونشر : قسم الدراسات الإسلامية ـ مؤسّسة البعثة ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤١٣
هـ.
١٢٠ ـ دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة
: للبيهقي ، أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي
(ت ٤٥٨ هـ) ، تحقيق : عبد المعطي قلعجي ، دار الكتب العلمية ـ دار الريان للتراث ،
الطبعة الأولى ، بيروت ـ القاهرة ١٤٠٨ هـ.
١٢١ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة :
للشيخ آقا بزرك طهراني (ت ١٣٨٩هـ) ، دار الأضواء ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٣هـ.
١٢٢ ـ ذمّ الكلام وأهله : للهروي
، أبي إسماعيل عبد الله بن محمّد الأنصاري (ت ٤٨١ هـ) ، تحقيق : عبد الرحمن عبد العزيز
الشبل ، مكتبة العلوم والحكم ، الطبعة الأولى ـ المدينة المنورة ١٤١٨ هـ.
١٢٣ ـ رجال البرقي :
للشيخ أبي جعفر ، أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (ت ٢٧٤هـ) ، تحقيق : جواد القيّومي
الأصفهاني ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤١٩ هـ.
١٢٤ ـ رجال الكشّي = اختيار معرفة الرجال :
للطوسي ، أبي جعفر محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠هـ) ، مع تعليقات ميرداماد الأسترآبادي ، تحقيق
: السيّد مهدي الرجائي ، مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ـ قم ١٤٠٤هـ.
١٢٥ ـ رجال النجاشي : لأبي
العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس الأسدي الكوفي (ت ٤٥٠هـ) ، مؤسّسة النشر الإسلامية
، الطبعة الخامسة ـ قم ١٤١٦هـ.
١٢٦ ـ رسائل الشهيد الثاني (طبعة حجرية)
: للعاملي ، زين الدين علي الجعبي (ت ٩٦٥ هـ) ، الناشر : منشورات مكتبة بصيرتي ـ
قم.
١٢٧ ـ رسالة في الردّ على الرافضة :
لمحمّد بن عبد الوهاب (ت ١٢٠٦ هـ) ، تحقيق : تحقيق الدكتور / ناصر بن سعد الرشيد ،
مطابع الرياض ـ الطبعة الأولى ـ الرياض.
١٢٨ ـ رسم المصحف :
غانم قدوري الحمد ، نشر اللّجنة الوطنية ، الطبعة الأولى ـ بغداد ١٩٨٢ م.
١٢٩ ـ تفسير روح البيان :
للبروسوي ، إسماعيل حقّي بن مصطفى الاستانبولي الحنفي (ت ١١٣٧ هـ) ، دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت.
١٣٠ ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع
المثاني = تفسير الآلوسي
: للآلوسي ، أبي الفضل شهاب الدين السيّد محمود (ت ١٢٧٠ هـ) ، دار إحياء التراث
العربي ـ بيروت.
١٣١ ـ زاد المسير في علم التفسير
: لابن الجوزي ، عبدالرحمن بن علي بن محمّد الجوزي (ت ٥٩٧ هـ) ، المكتب الإسلامي ،
الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٤هـ.
١٣٢ ـ زاد المعاد في هدي خير العباد
: للزرعي ، محمّد بن أبي بكر ، أبي عبد الله (ت ٧٥١ هـ) ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ـ
عبد القادر الأرنؤوط ، مؤسّسة الرسالة / مكتبة المنار الإسلامية ـ بيروت / الكويت ،
الطبعة الرابعة عشر ١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٦م.
١٣٣ ـ الزاهر في معاني كلمات الناس
: لابن الأنباري ، أبو بكر محمّد بن القاسم (ت ٣٢٨ هـ) ، تحقيق : د. حاتم صالح الضامن
، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٢ هـ ـ ١٩٩٢ م.
١٣٤ ـ سبل الهدى والرشاد
: للصالحي الشامي ، محمّد بن يوسف (ت ٩٤٢ هـ) ، تحقيق وتعليق : الشيخ عادل أحمد عبد
الموجود / الشيخ علي محمّد معوض ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٤
هـ ـ ١٩٩٣م.
١٣٥ ـ سعد السعود
: لابن طاووس ، علي بن موسى (ت ٦٦٤ هـ) ، منشورات الرضي ـ قم.
١٣٦ ـ السقيفة وفدك
: للجوهري ، أبي بكر ، أحمد بن عبد العزيز البصري البغدادي (ت ٣٢٣ هـ) ، تحقيق : الدكتور
الشيخ محمّد هادي الأميني ، شركة الكتبي للطباعة والنشر ، الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤١٣
هـ ـ ١٩٩٣ م.
١٣٧ ـ سنن ابن ماجه
: لأبي عبدالله القزويني ، محمّد بن يزيد (ت ٢٧٥ هـ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي
، دار الفكر ـ بيروت.
١٣٨ ـ سنن أبي داود
: لأبي داود السجستاني ، سليمان بن الأشعث الأزدي (ت ٢٧٥هـ) ، تحقيق : محمّد محيي الدين
عبدالحميد ، دار الفكر ـ بيروت.
١٣٩ ـ سنن البيهقي الكبرى
: لأبي بكر البيهقي ، أحمد بن الحسين بن علي بن موسى (ت ٤٥٨ هـ) ، تحقيق : محمّد عبد
القادر عطا ، مكتبة دار الباز ـ مكة ١٤١٤ هـ ـ ١٩٩٤م.
١٤٠ ـ سنن الترمذي = الجامع الصحيح
: للترمذي ، أبي عيسى محمّد بن عيسى بن سورة (ت ٢٧٩ هـ) ، تحقيق : أحمد محمّد شاكر
وآخرون ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ١٣٥٧هـ.
١٤١ ـ سنن الدارقطني
: للدارقطني ، أبي الحسن علي بن عمر البغدادي (ت ٣٨٥هـ) ، تحقيق : السيّد عبدالله هاشم
يماني المدني ، دار المعرفة ـ بيروت ١٣٨٦هـ ١٩٦٦ م.
١٤٢ ـ سنن الدارمي
: للدارمي ، أبي محمّد ، عبدالله بن عبدالرحمن (ت ٢٥٥هـ) ، تحقيق : فوّاز أحمد زمرلي
، خالد السبع العلمي ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٧هـ.
١٤٣ ـ سنن سعيد بن منصور
: لسعيد بن منصور الخراساني (ت ٢٢٧ هـ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، الدار السلفية
، الطبعة الأوّل ـ الهند ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٢م / وطبعة ثانية ، تحقيق : د. سعد بن عبدالله
بن عبدالعزيز آل حميد ، دار العصيمي ـ الرياض ١٤١٤هـ.
١٤٤ ـ السنن الكبرى
: للنسائي ، لأبي عبدالرحمن النسائي ، أحمد بن شعيب (ت ٣٠٣ هـ) ، تحقيق : د. عبد الغفار
سليمان البنداري / سيّد كسروي حسن ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١١هـ
ـ ١٩٩١م.
١٤٥ ـ سنن النسائي = المجتبى من السنن
: للنسائي ، أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب (ت ٣٠٣ هـ) ، تحقيق : عبد الفتاح أبو غدّة
، مكتب المطبوعات الإسلامية ، الطبعة الثانية ـ حلب ١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦م.
١٤٦ ـ سيرة ابن إسحاق = كتاب السير والمغازي
: لمحمّد بن إسحاق بن يسار (ت ١٥١ هـ) ، تحقيق : د. سهيل زكار ، دار الفكر الطبعة الأولى
١٣٩٨ هـ.
١٤٧ ـ سيرة ابن كثير = السيرة النبوية
: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير (ت ٧٧٤ هـ) ، تحقيق : مصطفى عبد الواحد ، دار المعرفة
للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ١٣٩٦ هـ ـ ١٩٧٦ م.
١٤٨ ـ سير أعلام النبلاء :
للذهبي ، محمّد بن أحمد بن عثمان بن قايماز (ت ٧٤٨ هـ) ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط / محمّد
نعيم العرقسوسي ، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة التاسعة ـ بيروت ١٤١٣هـ.
١٤٩ ـ السيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون :
للحلبي ، علي بن برهان الدين الحلبي (ت ١٠٤٤هـ) ، دار المعرفة ـ بيروت ١٤٠٠هـ.
١٥٠ ـ السيرة النبوية = سيرة ابن هشام
: للحميري المعافري ، عبدالملك بن هشام ابن أيوب ، (ت ٢١٨هـ) ، تحقيق : طه عبد الرؤوف
سعد ، دار الجيل ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١١ هـ.
١٥١ ـ الشافي في الإمامة
: للسيّد المرتضى ، علي بن الحسين الموسوي البغدادي (ت ٤٣٦هـ) ، تحقيق : عبد الزهراء
الخطيب ، مؤسّسة إسماعيليان ، الطبعة الثانية ـ قم ١٤١٠ هـ.
١٥٢ ـ شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار
: للقاضي النعمان المغربي ، أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي (ت ٣٦٣ هـ) ، تحقيق
: السيّد محمّد الحسيني الجلالي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ـ قم ١٤١٤
هـ.
١٥٣ ـ شرح أصول الكافي
: للمازندراني ، المولى محمّد صالح (ت ١٠٨١هـ) ، تحقيق : الميرزا أبو الحسن الشعراني
/ السيّد علي عاشور ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٢١هـ.
١٥٤ ـ شرح الزرقاني على موطّأ مالك
: للزرقاني ، محمّد بن عبد الباقي بن يوسف (ت ١١٢٢هـ) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة
الأولى ـ بيروت ١٤١١ هـ.
١٥٥ ـ شرح السنّة
: للبغوي ، الحسين بن مسعود الفرّاء (ت ٥١٦ هـ) ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ـ محمّد زهير
الشاويش ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثانية ـ دمشق ١٩٨٣م (پي دي اف).
١٥٦ ـ شرح شذور الذهب
: لابن هشام النحوي ، أبي محمّد عبد الله جمال الدين الأنصاري (ت ٧٦١ هـ) ، تحقيق :
محمّد محي الدين.
١٥٧ ـ شرح مشكل الآثار
: لأبي جعفر الطحّاوي ، أحمد بن محمّد بن سلامة (ت ٣٢١ هـ) ، تحقيق : شعيب
الأرنؤوط ، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٨هـ ـ ١٩٨٧م.
١٥٨ ـ شرح النووي علي صحيح مسلم
: للنووي ، أبي زكريا ، يحيى بن شرف بن مري (ت ٦٧٦ هـ) ، دار إحياء التراث العربي ،
الطبعة الثانية ـ بيروت ١٣٩٢ هـ.
١٥٩ ـ شرح نهج البلاغة
: لابن أبي الحديد ، عزّ الدين بن هبة الله بن محمّد (ت ٦٥٦هـ) ، تحقيق : محمّد أبو
الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية ، الطبعة الأولى ـ ١٣٧٨ هـ.
١٦٠ ـ شعب الإيمان :
للبيهقي ، أبي بكر أحمد بن الحسين (ت ٤٥٨ هـ) ، تحقيق : محمّد السعيد بسيوني زغلول
دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٠ هـ.
١٦١ ـ شواهد التنزيل لقواعد التفضيل
: للحاكم الحسكاني ، عبيدالله بن عبدالله بن أحمد (من أعلام القرن الخامس ، تحقيق :
الشيخ محمّد باقر المحمودي ، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد
الإسلامي ، الطبعة الأولى ـ طهران ١٤١١ هـ.
١٦٢ ـ الشيعة والقرآن
: إحسان إلهي ظهير ، نشر : إدارة ترجمان السنة ، الطبعة الأولى ـ لاهور ـ باكستان ١٤٠٣
هـ.
١٦٣ ـ الصاحبي في فقه اللغة
: لابن فارس ، أبي الحسين أحمد بن فارس (ت ٣٩٥هـ) ، تحقيق : السيّد أحمد صقر ، نشر
: عيسى البابي الحلبي وشركاه ، القاهرة ١٩٧٧م (كتب سيّد علي).
١٦٤ ـ الصحاح = تاج اللّغة وصحاح العربية
: للجوهري ، إسماعيل بن حمّاد (ت ٣٩٣ هـ) ، تحقيق : أحمد عبد الغفور العطّار ، دار
العلم للملايين ، الطبعة الرابعة ـ بيروت ١٤٠٧ هـ ـ ١٩٨٧م.
١٦٥ ـ صحيح ابن حبان (بترتيب ابن بلبان الفارسي)
: لأبي حاتم التميمي البستي ، محمّد بن حبان بن أحمد (ت ٣٥٤ هـ) ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط
، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤١٤هـ.
١٦٦ ـ صحيح ابن خزيمة :
للسلمي النيسابوري ، أبي بكر ، محمّد بن إسحاق بن خزيمة (ت ٣١١ هـ) ، تحقيق : د. محمّد
مصطفى الأعظمي ، المكتب الإسلامي ـ بيروت ١٣٩٠هـ ـ ١٩٧٠م.
١٦٧ ـ صحيح البخاري :
للبخاري ، أبي عبدالله ، محمّد بن إسماعيل الجعفي (ت ٢٥٦ هـ) ، تحقيق : د. مصطفى ديب
البغا ، دار ابن كثير ، اليمامة ، الطبعة الثالثة ، بيروت ١٤٠٧هـ ـ ١٩٨٧م.
١٦٨ ـ صحيح مسلم
: للقشيري النيسابوري ، أبي الحسين ، مسلم بن الحجّاج (ت ٢٦١ هـ) ، تحقيق : محمّد فؤاد
عبد الباقي ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
١٦٩ ـ طبّ الأئمّة
: لابن سابور الزيّات (ت ٤٠١ هـ) ، منشورات الشريف الرضي ، الطبعة الثانية ـ إيران
١٤١١ هـ.
١٧٠ ـ طبقات ابن سعد = الطبقات الكبرى
: لمحمّد بن سعد بن منيع البصري الزهري (ت ٢٣٠ هـ) ، دار صادر ـ بيروت.
١٧١ ـ طبقات الفقهاء
: لأبي إسحاق الشيرازي ، إبراهيم بن علي بن يوسف (ت ٤٧٦ هـ) ، تحقيق : خليل الميس ،
دار القلم ـ بيروت.
١٧٢ ـ علل الشرائع
: للصدوق ، أبي جعفر ، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت ٣٨١ هـ) ، تحقيق
: السيّد محمّد صادق بحر العلوم ، المكتبة الحيدرية ـ النجف الأشرف ١٣٨٥ هـ.
١٧٣ ـ العلل ومعرفة الرجال
: لأحمد بن حنبل أبي عبدالله الشيباني (ت ٢٤١ هـ) ، تحقيق : وصيّ الله بن محمّد عبّاس
، دار الخاني ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٨ هـ.
١٧٤ ـ عمدة القارئ شرح صحيح البخاري
: للعيني ، بدر الدين محمود بن أحمد (ت ٨٥٥ هـ) ، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
١٧٥ ـ عيون أخبار الرضا عليهالسلام : للصدوق ، أبي جعفر
، محمّد بن علي بن الحسين بن بايويه القمّي (ت ٣٨١ هـ) ، تحقيق : الشيخ حسن الأعلمي
، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت ١٤٠٤هـ.
١٧٦ ـ الغارات
: للثقفي ، أبي إسحاق ، إبراهيم بن محمّد الكوفي (ت ٢٨٣ هـ) ، تحقيق : السيّد جلال
الدين المحدّث ، طبع بالأوفسيت في مطابع بهمن.
١٧٧ ـ غاية المرام في شرح شرائع الإسلام
: لراشد الصيمري ، مفلح بن الحسن (ت حدود ٩٠٠ هـ) ، تحقيق : جعفر الكوثراني العاملي
، دار الهادي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٢٠ هـ.
١٧٨ ـ غاية النهاية في طبقات القراء
: للجزري ، أبي الخير محمّد بن محمّد (ت ٨٣٣ هـ) ، عني بنشره : ج. برجستراسر ، دار
الكتب العلمية ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٩٨٢ م.
١٧٩ ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب
: للأميني ، عبدالحسين بن أحمد (ت ١٣٩٢ هـ) ، دار الكتاب العربي ، الطبعة الرابعة ـ
بيروت ١٣٩٧هـ.
١٨٠ ـ غريب الحديث
: لأبي عبيد ، القاسم بن سلام الهروي (ت ٢٢٣ هـ) ، تحقيق : د. محمّد عبد المعيد خان
، دار الكتاب العربي ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٣٩٦ هـ.
١٨١ ـ الغريبين في القرآن والحديث
: للهروي ، أبي عبيد أحمد بن محمّد (ت ٤٠١ هـ) ، تحقيق : أحمد فريد المزيدي ، المكتبة
العصرية ـ صيدا ١٩٩٩م (مكتبة).
١٨٢ ـ الفائق في غريب الحديث :
للزمخشري ، محمود بن عمر (ت ٥٨٣ هـ) ، تحقيق : علي محمّد البجّاوي / محمّد أبو الفضل
إبراهيم ، دار المعرفة ، الطبعة الثانية ـ لبنان.
١٨٣ ـ فتح الباري شرح صحيح البخاري
: للعسقلاني ، أحمد بن علي بن حجر (ت ٨٥٢ هـ) ، تحقيق : محبّ الدين الخطيب ، دار المعرفة
ـ بيروت.
١٨٤ ـ فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية
من علم التفسير : للشوكاني ، محمّد بن
علي بن محمّد (ت ١٢٥٥ هـ) ، دار الفكر ـ بيروت.
١٨٥ ـ الفتنة ووقعة الجمل
: لسيف بن عمر الضبّي الأسدي (ت ٢٠٠ هـ) ، تحقيق : أحمد راتب عرموش ، دار النفائس ،
الطبعة الأولى ـ بيروت ١٣٩١ هـ.
١٨٦ ـ الفتوح
: لابن أعثم الكوفي ، أبي محمّد أحمد بن أعثم (ت ٣١٤ هـ) ، تحقيق : علي شيري ، دار
الأضواء ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١١ هـ.
١٨٧ ـ فتوح البلدان
: للبلاذري ، أحمد بن يحيى بن جابر (ت ٢٧٩ هـ) ، تحقيق : رضوان محمّد رضوان ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ ١٤٠٣ هـ.
١٨٨ ـ الفتوحات المكّية
: لابن العربي ، أبي عبد الله محمّد بن علي (ت ٦٣٨ هـ) ، دار صادر ـ بيروت.
١٨٩ ـ الفردوس بمأثور الخطاب
: للديلمي ، أبي شجاع شيرويه بن شهردار بن شيرويه الهمذاني ، الملقب : ب (إلكيا) (ت
٥٠٩ هـ) ، تحقيق : السعيد بن بسيوني زغلول ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت
١٤٠٦ هـ ـ ١٩٨٦ م.
١٩٠ ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل
: لابن حزم ، علي بن أحمد بن سعيد (ت ٤٥٦ هـ) ، أبي محمّد ، مكتبة الخانجي ـ
القاهرة.
١٩١ ـ فضائل الصحابة
: لأحمد بن حنبل الشيباني (ت ٢٤١ هـ) ، تحقيق : د. وصيّ الله محمّد عبّاس ، مؤسّسة
الرسالة ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٣هـ ـ ١٩٨٣م.
١٩٢ ـ فضائل القرآن
: لابن الضريس ، محمّد بن أيوب البجلي (ت ٢٩٤ هـ) ، تحقيق : عروة بدير ، دار الفكر
، الطبعة الأولى ـ سورية ١٩٧٨ م.
١٩٣ ـ فضائل القرآن
: لأبي عبيد ، القاسم بن سلام الهروي (ت ٢٢٤ هـ) ، تحقيق : مروان العطية ، محسن خرابة
، وفاء تقي الدين ، دار ابن كثير ـ دمشق ـ بيروت.
١٩٤ ـ فضائل القرآن
: لابن كثير ، أبي الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر (ت ٧٠٠ هـ) ، تحقيق : أبو إسحق
الحويني الأثري ، مكتبة ابن تيمية ، الطبعة الأولى ـ القاهرة ١٤١٦ هـ.
١٩٥ ـ فضائل القرآن :
للمستغفري ، أبي العبّاس جعفر بن محمّد (ت ٤٣٢ هـ) ، تحقيق : د. أحمد بن فارس السلّوم
، دار ابن حزم ، الطبعة الأولى ـ لبنان ٢٠٠٦ م.
١٩٦ ـ الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة :
للشوكاني ، محمّد بن علي بن محمّد (ت ١٢٥٠ هـ) ، تحقيق : عبد الرحمن يحيى المعلمي ،
المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٧ هـ.
١٩٧ ـ فواتح الرحموت (بهامش المستصفى للغزالي)
: للكنوي الهندي ، عبد العلي محمّد بن نظام
الدين (ت ١٢٢٥ هـ) ، طبعة دار صادر بالأوفسيت عن المطبعة الأميرية ببولاق ـ مصر ١٣٢٤
هـ (الطبعة الأولى).
١٩٨ ـ الفهرست :
للشيخ الطوسي ، أبي جعفر محمّد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ) ، تحقيق : الشيخ جواد القيّومي
، مؤسّسة نشر الفقاهة ـ قم ١٤١٧ هـ ، الطبعة الأولى / وطبعة أخرى : تحقيق : أحمد عبدالسّلام
، دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤١٥ هـ ، الطبعة الأولى.
١٩٩ ـ فهرست ابن النديم :
لأبي الفرج ، محمّد بن أبي يعقوب البغدادي (ت ٤٣٨ هـ) ، تحقيق : رضا ـ تجدد.
٢٠٠ ـ فيض القدير شرح الجامع الصغير :
للمنّاوي ، عبدالرؤوف محمّد بن علي الشافعي (ت ١٠٣١ هـ) ، المكتبة التجارية الكبرى
، الطبعة الأولى ـ مصر ١٣٥٦ هـ.
٢٠١ ـ القرآن الكريم وروايات المدرستين :
للسيّد مرتضى العسكري ، نشر شركة التوحيد للنشر ، الطبعة الأولى ١٩٩٦ م.
٢٠٢ ـ القرآن في الإسلام :
للسيّد محمّد حسين الطباطبائي (ت ١٤١٢ هـ) ، تعريب : السيّد أحمد الحسيني.
٢٠٣ ـ قرب الإسناد
: للحميري ، أبي العبّاس ، عبدالله بن جعفر القمّي (من اعلام القرن الثالث) ، تحقيق
ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ـ قم ١٤١٣هـ.
٢٠٤ ـ القواعد والإشارات في أصول القراءات :
لابن أبي الرضا الحموي ، أحمد بن عمر بن محمّد (ت ٧٩١ هـ) ، تحقيق : د. عبد الكريم
محمّد الحسن بكّار ، دار القلم ، الطبعة الأولى ـ دمشق ١٤٠٦ هـ.
٢٠٥ ـ الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة
: للذهبي ، محمّد بن أحمد أبي عبد الله الدمشقي
(ت ٧٤٨ هـ) ، تحقيق : محمّد عوامة ، دار القبلة للثقافة الإسلامية ، الطبعة الأولى
ـ جدة ١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٢م.
٢٠٦ ـ الكافي :
للكليني ، محمّد بن يعقوب بن إسحاق (ت ٣٢٩ هـ) ، تصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري ،
دار الكتب الإسلامية ، الطبعة الخامسة ـ طهران ١٣٦٣هـش.
٢٠٧ ـ الكامل في التاريخ :
لابن الأثير ، أبي الحسن ، علي بن أبي الكرم محمّد بن محمّد بن عبد الكريم الشيباني
(ت ٦٣٠ هـ) ، تحقيق : عبدالله القاضي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الثانية ـ بيروت
١٤١٥ هـ.
٢٠٨ ـ الكامل في ضعفاء الرجال :
لابن عدي ، أبي أحمد عبدالله بن عدي الجرجاني (ت ٣٦٥ هـ) ، تحقيق : يحيى مختار غزاوي
، دار الفكر ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٩ هـ ـ ١٩٨٨م.
٢٠٩ ـ كتاب الألفين :
للعلاّمة الحلّي ، حسن بن المطهر (ت ٧٢٦ هـ) ، نشر : مكتبة الألفين ـ الكويت ١٤٠٥ هـ
ـ ١٩٨٥ م.
٢١٠ ـ كتاب الزهد
: لابن المبارك ، عبد الله بن المبارك بن واضح المرزوي (ت ١٨١ هـ) ، تحقيق : حبيب الرحمن
الأعظمي ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٢١١ ـ كتاب السبعة في القراءات :
لابن مجاهد ، أبي بكر أحمد بن موسى بن العبّاس ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت ٣٢٤ هـ)
، تحقيق : د. شوقي ضيف ، دار المعارف ، الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٤٠٠ هـ.
٢١٢ ـ كتاب سليم بن قيس :
لسليم بن قيس الهلالي (ت ٧٦ هـ) ، تحقيق : محمّد باقر الأنصاري الزنجاني.
٢١٣ ـ كتاب صفّين :
للمنقري ، نصر بن مزاحم (ت ٢١٢ هـ) ، تحقيق : عبدالسّلام محمّد هارون ، المؤسّسة العربية
الحديثة ، الطبعة الثانية ـ القاهرة ١٣٨٢هـ.
٢١٤ ـ كتاب المصاحف :
لابن أبي داود السجستاني ، أبي بكر عبد الله بن سليمان الأشعث (ت ٣١٦ هـ) ، تحقيق :
د. محبّ الدين عبد الله السبحان ، دار البشائر الإسلامية ، الطبعة الثانية ، بيروت
١٤٢٣ هـ.
٢١٥ ـ كشف الحجب والأستار :
للسيّد إعجاز حسين الكنتوري (ت ١٢٨٦ هـ) ، الطبعة الثانية ، نشر مكتبة آية الله العظمى
المرعشي النجفي ـ قم المقدّسة ١٤٠٩ هـ.
٢١٦ ـ كشف الخفاء :
للعجلوني ، إسماعيل بن محمّد (ت ١١٦٢ هـ) ، تحقيق : أحمد القلاش ، مؤسّسة الرسالة ،
الطبعة الرابعة ـ بيروت ١٤٠٥ هـ.
٢١٧ ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون :
لحاج خليفة ، مصطفى بن عبدالله القسطنطيني الرّومي الحنفي (ت ١٠٦٧ هـ) ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ـ ١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٢م.
٢١٨ ـ كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين :
للعلاّمة الحلّي ، الحسن بن يوسف ابن المطهّر (ت ٧٢٦ هـ) ، تحقيق : حسين الدركاهي ،
الطبعة الأولى ١٤١١ هـ.
٢١٩ ـ الكفاية في علم الرواية :
للخطيب البغدادي ، أحمد بن علي بن ثابت أبي بكر (ت ٤٣٦ هـ) ، تحقيق : أبو عبدالله السورقي
، إبراهيم حمدي المدني ، المكتبة العلمية ـ المدينة المنوّرة.
٢٢٠ ـ الكنى والألقاب :
للشيخ عبّاس القمّي (ت ١٣٥٩ هـ) ، تقديم : محمّد هادي الأميني ، مكتبة الصدر ـ طهران.
٢٢١ ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال :
للمتّقي الهندي ، علاء الدين علي المتّقي بن حسام الدين الهندي (ت ٩٧٥ هـ) ، تحقيق
: محمود عمر الدمياطي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٩ هـ ـ ١٩٩٨م.
٢٢٢ ـ لباب النقول في أسباب النزول :
للسيوطي ، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمّد السيوطي أبو الفضل (ت ٩١١ هـ) ، دار إحياء
العلوم ـ بيروت.
٢٢٣ ـ لطائف الإشارات لفنون القراءات :
للقسطلاني ، أبي العبّاس ، أحمد بن محمّد (ت ٩٢٣ هـ) ، تحقيق : عامر السيّد عثمان /
د. عبد الصبور شاهين ، لجنة إحياء التراث الإسلامي ـ القاهرة ١٩٧٢م.
٢٢٤ ـ مباحث في علوم القران :
للدكتور صبحي الصالح.
٢٢٥ ـ المبسوط :
للسرخسي ، محمّد بن أحمد بن أبي سهل (ت ٤٨٣ هـ) ، دار النشر : دار المعرفة ـ بيروت.
٢٢٦ ـ المجالسة وجواهر العلم :
للدينوري ، أبي بكر ، أحمد بن مروان بن محمّد القاضي المالكي (ت ٣٣٣ هـ) ، دار ابن
حزم ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٢٣هـ ـ ٢٠٠٢ م.
٢٢٧ ـ مجمع البحرين :
للطريحي ، فخر الدين (ت ١٠٨٥ هـ) ، تحقيق : السيّد أحمد الحسيني ، مكتب النشر الثقافة
الإسلامية ، الطبعة الثانية ١٤٠٨ هـ.
٢٢٨ ـ مجمع الزوائد ومنبع الفوائد :
للهيثمي ، نور الدين علي بن أبي بكر (ت ٨٠٧ هـ) ، دار الريّان للتراث ، دار الكتاب
العربي ـ القاهرة ، بيروت ١٤٠٧ هـ.
٢٢٩ ـ المجموع شرح المهذب :
للنووي ، محيي الدين بن شرف (ت ٦٧٦ هـ) ، دار الفكر ـ بيروت ١٩٩٧م.
٢٣٠ ـ المحاسن :
للبرقي ، أبي جعفر أحمد بن محمّد بن خالد (ت ٢٧٤ هـ) ، تحقيق : السيّد جلال الدين الحسيني
، دار الكتب الإسلامية ـ طهران ١٣٧٠ هـ.
٢٣١ ـ محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء
: للراغب الأصفهاني ، أبي القاسم ، الحسين
بن محمّد بن المفضل ، تحقيق : عمر الطبّاع ، دار القلم ـ بيروت ١٤٢٠ هـ ـ ١٩٩٩م.
٢٣٢ ـ المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح
عنها : لابن جني ، أبي الفتح ، عثمان بن جنّي (٣٩٢
هـ) ، تحقيق : علي النجدي / عبد الحليم نجار / عبد الفتاح إسماعيل ، المجلس الأعلي
للشؤون الإسلامية ـ القاهرة ١٤١٥ هـ.
٢٣٣ ـ المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز :
لابن عطية الأندلسي ، أبي محمّد عبد الحقّ بن غالب (ت ٥٤٦ هـ) ، تحقيق : عبدالسّلام
عبدالشافي محمّد ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ لبنان ١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٣م.
٢٣٤ ـ المحكم في نقط المصاحف :
لأبي عمرو الداني ، عثمان بن سعيد (ت ٤٤٤ هـ) ، تحقيق : محمّد حسن محمّد ، دار الكتب
العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ٢٠٠٤م.
٢٣٥ ـ المحلّى :
لابن حزم الأندلسي ، أبي محمّد ، علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري (ت ٤٥٦ هـ) ،
تحقيق : لجنة إحياء التراث العربي ، دار الآفاق الجديدة ـ بيروت.
٢٣٦ ـ مختصر بصائر الدرجات :
للحلّي ، عزّ الدين الحسن بن سليمان (من اعلام القرن التاسع) ، نشر الطبعة الحيدرية
، الطبعة الأولى ـ النجف الأشرف ١٣٧٠ هـ.
٢٣٧ ـ مختصر التحفة الإثني عشرية :
للدهلوي (ت ١٢٣٩هـ) ، اختصره وهذّبه محمود شكري الألوسي (ت ١٢٧٠ هـ) ، تحقيق : محبّ
الدين الخطيب ، نشر المطبعة السلفية ـ القاهرة ١٣٧٣ هـ.
٢٣٨ ـ مختصر في شواذّ القرآن
: لابن خالويه ، أبي عبد الله الحسين بن أحمد الهمداني اللغوي (ت ٣٧٠ هـ) ، مكتبة المتنبي
ـ القاهرة.
٢٣٩ ـ المدخل إلى السنن الكبرى
: للبيهقي ، أحمد بن الحسين بن علي أبي بكر (ت ٤٥٨ هـ) ، تحقيق : د. محمّد ضياء الرحمن
الأعظمي ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي ـ الكويت ١٤٠٤ هـ.
٢٤٠ ـ المرشد الوجيز إلى علوم تتعلّق بالكتاب العزيز
: لأبي شامة المقدسي ، عبد الرحمن بن إسماعيل (ت ٦٦٥ هـ) ، تحقيق : إبراهيم شمس الدين
، الطبعة الأولى ، دار الكتب العلمية ، بيروت ١٤٢٤ هـ ـ ٢٠٠٣م.
٢٤١ ـ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح
: للقاري ، علي بن سلطان محمّد (ت ١٠١٤ هـ) ، تحقيق : جمال عيتاني ، دار الكتب العلمية
، الطبعة الأولى ، بيروت ١٤٢٢ هـ ـ ٢٠٠١ م.
٢٤٢ ـ مذاهب التفسير الإسلامي
: لاجتنس جولدتسهر ، ترجمه الدكتور عبد الحليم النجار ، مكتبة الخانجي بمصر ومكتبة
المثنّى ببغداد ، القاهرة ١٣٧٤ هـ / ١٩٥٥ م.
٢٤٣ ـ المزهر في علوم اللغة وأنواعها
: للسيوطي ، جلال الدين (ت ٩١١ هـ) ، تحقيق : فؤاد علي منصور ، دار الكتب العلمية ،
الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٨ هـ ـ ١٩٩٨م.
٢٤٤ ـ المسائل السروية
: للشيخ المفيد ، محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي (ت ٤١٣هـ) ، تحقيق :
صائب عبدالحميد ، دار المفيد ، الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤١٤هـ.
٢٤٥ ـ المستدرك على الصحيحين
: للحاكم النيسابوري ، محمّد بن عبدالله ، (ت ٤٠٥ هـ) ، تحقيق : مصطفى عبدالقادر عطا
، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١١ هـ ـ ١٩٩٠م.
٢٤٦ ـ مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل :
للنوري الطبرسي ، الشيخ ميرزا حسين (ت ١٣٢٠هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، الطبعة
الأولى المحقّقة ـ قم ١٤٠٨هـ.
٢٤٧ ـ مسند أبي يعلى : لأبي
يعلى الموصلي ، أحمد بن علي بن المثنّى التميمي (ت ٣٠٧ هـ) ، تحقيق : حسين سليم أسد
، دار المأمون للتراث ، الطبعة الأولى ـ دمشق ١٤٠٤ هـ ـ ١٩٨٤ م.
٢٤٨ ـ مسند ابن الجعد :
للجوهري ، علي بن الجعد بن عبيد البغدادي (ت ٢٣٠ هـ) ، تحقيق : عامر أحمد حيدر ، مؤسّسة
نادر ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٠ هـ ١٩٩٠م.
٢٤٩ ـ مسند أحمد :
لأحمد بن حنبل ، أبي عبدالله الشيباني (ت ٢٤١ هـ) ، مؤسّسة قرطبة ـ مصر.
٢٥٠ ـ مسند البزّار :
للبزّاز ، أبي بكر ، أحمد بن عمرو بن عبد الخالق (ت ٢٩٢ هـ) ، تحقيق : د. محفوظ الرحمن
زين الله ، مؤسّسة علوم القرآن / مكتبة العلوم والحكم ، الطبعة الأولى ـ بيروت ، المدينة
١٤٠٩ هـ.
٢٥١ ـ مسند الربيع = الجامع الصحيح :
للأزدي ، الربيع بن حبيب البصري (من أعيان المائة الثانية للهجرة) ، تحقيق : محمّد
إدريس / عاشور بن يوسف ، دار الحكمة / مكتبة الاستقامة ، الطبعة الأولى ـ بيروت / سلطنة
عمان ـ ١٤١٥ هـ.
٢٥٢ ـ مسند الشافعي :
لمحمّد بن إدريس ، أبي عبد الله الشافعي(ت ٢٠٤ هـ) ، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٢٥٣ ـ مسند الشاميين :
للطبراني ، سليمان بن أحمد بن أيوب أبي القاسم الطبراني (ت ٣٦٠ هـ) ، تحقيق : حمدي
بن عبدالمجيد السلفي ، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٥ هـ ـ ١٩٨٤ م.
٢٥٤ ـ مسند الطيالسي
: لسليمان بن داود أبو داود الفارسي البصري الطيالسي (ت ٢٠٤ هـ) ، دار المعرفة ـ بيروت.
٢٥٥ ـ مشكاة المصابيح
: للخطيب التبريزي ، محمّد بن عبد الله العمري (ت ٧٤١ هـ) ، تحقيق : محمّد ناصر الدين
الألباني ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٩٨٥م.
٢٥٦ ـ المصنف :
للصنعاني ، أبي بكر عبد الرزاق بن همام (ت ٢١١ هـ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ،
المكتب الإسلامي ، الطبعة الثانية ـ بيروت ١٤٠٣هـ.
٢٥٧ ـ مصنف ابن أبي شيبة :
للكوفي ، أبي بكر بن أبي شيبة ، عبدالله بن محمّد (ت ٢٣٥هـ) ، تحقيق : كمال يوسف الحوت
، مكتبة الرشد ، الطبعة الأولى ـ الرياض ١٤٠٩هـ.
٢٥٨ ـ المعارف :
لابن قتيبة الدينوري ، أبي محمّد عبد الله بن مسلم (ت ٢٧٦ هـ) ، تحقيق : د. ثروت عكاشة
، دار المعارف ـ القاهرة.
٢٥٩ ـ معالم العلماء :
لابن شهرآشوب ، مشير الدين أبي عبدالله محمّد بن علي (ت ٥٨٨ هـ) ، قم ـ إيران.
٢٦٠ ـ معاني الأخبار :
للصدوق ، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (ت ٣٨١ هـ) ، تحقيق : علي أكبر الغفاري
، مؤسّسة النشر الإسلامي ـ قم ١٣٧٩ هـ.
٢٦١ ـ المعتصر من المختصر من مشكل الآثار :
أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي (ت ٨٠٣ هـ) ، عالم الكتب / مكتبة المتنبي / مكتبة
سعد الدين ـ بيروت / القاهرة / دمشق.
٢٦٢ ـ المعجزة الكبرى :
لمحمّد أبو زهرة ، نشر دار الفكر العربي.
٢٦٣ ـ معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
: للحموي ، ياقوت بن عبدالله الرومي (ت ٦٢٦ هـ) ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى
ـ بيروت ١٤١١هـ ـ ١٩٩١م
٢٦٤ ـ المعجم الأوسط
: للطبراني ، أبي القاسم سليمان بن أحمد (ت ٣٦٠ هـ) ، تحقيق : طارق بن عوض الله بن
محمّد ، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني ، دار الحرمين ـ القاهرة ١٤١٥ هـ.
٢٦٥ ـ معجم القراءات القرآنية
: للدكتور أحمد مختار ، والدكتور عبد العال سالم ، أسوة للنشر ، إيران ١٩٩١ م.
٢٦٦ ـ المعجم الكبير
: للطبراني ، أبي القاسم ، سليمان بن أحمد بن أيوب (ت ٣٦٠ هـ) ، تحقيق : حمدي بن المجيد
السلفي ، مكتبة الزهراء ، الطبعة الثانية ـ الموصل ١٤٠٤هـ ـ ١٩٨٣م.
٢٦٧ ـ المعرفة والتاريخ
: للفسوي ، أبي يوسف ، يعقوب بن سفيان (ت ٢٨٠ هـ) ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب
العلمية ـ بيروت ١٤١٩هـ ـ ١٩٩٩م.
٢٦٨ ـ معرفة الثقات
: للعجلي ، أبي الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي (ت ٢٦١هـ) ، تحقيق :
عبد العليم عبد العظيم البستوي ، مكتبة الدار ، الطبعة الأولى ـ السعودية ١٤٠٥هـ.
٢٦٩ ـ معرفة القراء الكبار
: للذهبي ، محمّد بن أحمد بن عثمان (ت ٧٤٨ هـ) ، تحقيق : بشار عوّاد معروف ، شعيب الأرنؤوط
، صالح مهدي عبّاس ، مؤسّسة الرسالة ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤٠٤ هـ.
٢٧٠ ـ المغني في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني
: للمقدسي الحنبلي ، ابن قدامة ، عبدالله بن أحمد (ت ٦٢٠هـ) ، دار الفكر ، الطبعة الأولى
ـ بيروت ١٤٠٥هـ.
٢٧١ ـ مفتاح الكرامة
: للسيّد محمّد جواد العاملي(ت ١٢٢٦ هـ) ، تحقيق : الشيخ محمّد باقر الخالصي ، مؤسّسة
النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، الطبعة الأولى ـ قم ١٤١٩ هـ.
٢٧٢ ـ مفردات ألفاظ القرآن
: للراغب الأصفهاني ، أبي القاسم الحسين بن محمّد (ت ٤٢٥ هـ) ، تحقيق : صفوان عدنان
داوودي ، دار القلم ـ دمشق.
٢٧٣ ـ مقالات الإسلاميين
: لأبي الحسن الأشعري ، علي بن إسماعيل (ت ٣٣٠ هـ) ، تحقيق : هلموت ريتر ، دار إحياء
التراث العربي ، الطبعة الثالثة ـ بيروت.
٢٧٤ ـ مقدّمتان في علوم القرآن
: لابن عطية الأندلسي ، أبي محمّد عبد الحق بن غالب (ت ٥٤٦ هـ) ، تحقيق أرثر جيفري
، نشر السنّة المحمّدية ـ القاهرة.
٢٧٥ ـ المقنع
: لأبي عمرو الداني ، عثمان بن سعيد (ت ٤٤٤ هـ) ، تحقيق : محمّد أحمد دهمان ، دار الفكر
، تصوير عن الطبعة الأولى ، دمشق ١٩٨٣م.
٢٧٦ ـ مناقب ابن شهرآشوب
: لمشير الدين أبي عبدالله بن علي (ت ٥٨٨ هـ) ، تحقيق : لجنة من أساتذة النجف الأشرف
، المكتبة الحيدرية ـ النجف ١٢٧٦هـ.
٢٧٧ ـ المناقب :
للموفّق الخوارزمي ، الموفّق بن أحمد بن محمّد المكّي (ت ٥٦٨ هـ) ، تحقيق : الشيخ مالك
المحمودي ، مؤسّسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ـ قم ١٤١٤هـ.
٢٧٨ ـ مناهل العرفان في علوم القرآن
: للزرقاني ، محمّد عبد العظيم (١٣٦٧ هـ) ، دار الفكر ، الطبعة الأولى ـ لبنان ١٤١٦
هـ ـ ١٩٩٦م.
٢٧٩ ـ المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل
الرفض والاعتزال : للذهبي ، أبي عبد الله
محمّد بن عثمان (ت ٧٤٨ هـ) ، تحقيق : محبّ الدين الخطيب.
٢٨٠ ـ منح الجليل على مختصر الشيخ خليل
: لمحمّد عليش ، أبي عبدالله محمّد بن أحمد بن محمّد المالكي (ت ١٢٩٩هـ) ، دار الفكر
ـ بيروت ـ ١٤٠٩هـ ١٩٨٩م.
٢٨١ ـ منع تدوين الحديث
: للسيّد علي الشهرستاني ، مؤسّسة الرافد ، الطبعة الرابعة ـ قم ١٤٣٠ هـ.
٢٨٢ ـ منهاج السنة النبوية
: لابن تيمية الحرّاني ، تقي الدين أبي العبّاس أحمد بن عبدالحليم الحراني (ت ٧٢٨هـ)
، تحقيق : د. محمّد رشاد سالم ، مؤسّسة قرطبة ، الطبعة الأولى ١٤٠٦هـ.
٢٨٣ ـ الموافقات في أصول الشريعة
: للشاطبي ، إبراهيم بن موسى اللخمي المالكي (ت ٧٩٠ هـ) ، تحقيق : عبد الله دراز ،
دار المعرفة ـ بيروت.
٢٨٤ ـ موطّأ الإمام مالك
: لمالك بن أنس الأصبحي ، أبي عبدالله (ت ١٧٩هـ) ، تحقيق : محمّد فؤاد عبد الباقي ،
دار إحياء التراث العربي ـ مصر.
٢٨٥ ـ ميزان الاعتدال في نقد الرجال
: للذهبي ، شمس الدين محمّد بن أحمد (ت ٧٤٨ هـ) ، تحقيق : علي محمّد معوض / وعادل أحمد
عبد الموجود ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٩٩٥م.
٢٨٦ ـ لسان العرب
: لابن منظور ، محمّد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت ٧١١ هـ) ، دار صادر ، الطبعة
الأولى ـ بيروت.
٢٨٧ ـ لسان الميزان
: لابن حجر العسقلاني ، أبي الفضل ، أحمد بن علي بن حجر (ت ٨٥٢ هـ) ، تحقيق : دائرة
المعارف النظامية ـ الهند ، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات ، الطبعة الثالثة ـ بيروت ١٤٠٦هـ
ـ ١٩٨٦م.
٢٨٨ ـ الناسخ والمنسوخ = قلائد المرجان في بيان
الناسخ والمنسوخ في القرآن
: للكرمي ، مرعي بن يوسف بن أبي بكر (١٠٣٣ هـ) ، تحقيق : سامي عطا حسن ، دار
القرآن الكريم ـ الكويت ١٤٠٠ هـ.
٢٨٩ ـ النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
: لابن تغري بردي ، أبي المحاسن ، يوسف الأتابكي (ت ٨٧٤ هـ) ، وزارة الثقافة والإرشاد
القومي ـ مصر.
٢٩٠ ـ نصوص في علوم القرآن
: للسيّد علي الموسوي الدارأبي (معاصر) ، مجمع البحوث الإسلامية ، الطبعة الثانية ـ
مشهد ١٤٢٩ هـ.
٢٩١ ـ نفحات الأزهار
: للسيّد علي الميلاني ، (معاصر) ، مطبعة مهر ـ قم ١٤١٤ هـ.
٢٩٢ ـ النشر في القراءات العشر
: لابن الجزري ، أبي الخير محمّد بن محمّد ، (ت ٨٣٣ هـ) ، تحقيق : علي محمّد الضباع
، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
٢٩٣ ـ نوادر الأصول
: للترمذي ، محمّد بن علي بن الحسن ، أبي عبد الله (ت ٢٥٥ هـ) ، تحقيق : عبد الرحمن
عميرة ، دار الجيل ـ بيروت ـ ١٩٩٢م.
٢٩٤ ـ نور القبس المختصر من المقتبس
: للمرزباني ، أبي عبيد الله محمّد بن عمران (ت ٣٨٤ هـ) ، اختصار أبو المحاسن اليغموري
(ت ٦٧٣ هـ) ، تحقيق : رودلف زلهايم ، نشر فرانتس شتاينر بفيسبان ـ المانيا ١٩٦٤م.
٢٩٥ ـ النهاية في غريب الحديث والأثر
: لابن الأثير ، أبي السعادات ، المبارك بن محمّد الجزري (ت ٦٠٦ هـ) ، تحقيق : طاهر
أحمد الزاوي / محمود محمّد الطناحي ، المكتبة العلمية ـ بيروت ١٣٩٩هـ ـ ١٩٧٩م.
٢٩٦ ـ نهج البلاغة (ما جمعه الشريف الرضي (ت ٤٠٦
هـ) من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام)
: تحقيق : الشيخ محمّد عبده ، دار الذخائر ـ إيران ١٤١٢ هـ.
٢٩٧ ـ الوافي :
للفيض الكاشاني ، محمّد محسن بن الشاه مرتضى بن الشاه محمود (ت ١٠٩١ هـ) ، تحقيق :
ضياء الدين الحسيني الأصفهاني ، مكتبة أمير المؤمنين ، الطبعة الأولى ـ أصفهان ١٤٠٦
هـ.
٢٩٨ ـ الوافي بالوفيات
: للصفدي ، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت ٧٦٤ هـ) ، تحقيق : أحمد الأرنؤوط/ تركي مصطفى
، دار إحياء التراث ـ بيروت ١٤٢٠ هـ ـ ٢٠٠٠ م.
٢٩٩ ـ وسائل الشيعة
: للحرّ العاملي ، الشيخ محمّد بن الحسن (ت ١١٠٤هـ) ، تحقيق ونشر : مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ، الطبعة
الثانية ـ قم ١٤١٤هـ.
٣٠٠ ـ وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى
: للسمهودي ، علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي (ت ٩١١ هـ) ، تحقيق : محمّد محيي
الدين عبد المجيد ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ـ بيروت ١٤١٩هـ.
٣٠١ ـ وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان
: لابن خلّكان ، أبي العبّاس ، أحمد بن محمّد بن أبي بكر (ت ٦٨١هـ) ، تحقيق : إحسان
عبّاس ، دار الثقافة ـ لبنان.
٣٠٢ ـ ينابيع المودّة لذوي القربى
: للقندوزي ، الشيخ سليمان بن إبراهيم الحنفي (ت ١٢٩٤هـ) ، تحقيق : سيّد علي جمال أشرف
الحسيني ، دار أسوة للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى ١٤١٦هـ.
مكتبة السادة آل
الخرسان
(١٢١٧ ـ ١٤٣١ هـ)
تاريخ ـ ورجال
|
|
أحمد عليّ مجيد
الحلّيّ النجفيّ
بسم الله الرحمن
الرحيم
المقدّمة :
الحمد لله الذي علّم بالقلم ، علّم الإنسان
ما لم يعلم ، والصلاة والسلام على من بعثه لخير الأمم ، أبي القاسم محمّد وعلى آله
الطيّبين الطاهرين أولي العلم من خلقه الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.
وبعد :
السادة (آل الخرسان) من الأسر النجفيّة الموسويّة
الشريفة ، التي جمعت بين شرف العلم وخدمة الحرم العلويّ المطهّر ، وقد نبغ فيهم علماء
وأدباء ووجهاء و... وما عساني أن أكتب عنهم وقد ذُكروا في قديم الزمان
وحاضره ، فقد وصف تقيّ
الدين أحمد بن عليّ المقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) في خططه
جدّهم السيّد أبا الحسن معصوماً في قصّة مشهورة حدثت مع طلائع ابن رزيك (ت ٥٥٦ هـ)
بأنّه : «إمام مشهد عليّ رضي الله عنه يومئذ».
وقال ابن شدقم (كان حيّاً سنة ١٠٩٠ هـ) عنه
ما نصّه : «إنّ أبا الحسن معصوماً كان في المشهد الغرويّ كبيراً جليلاً عظيماً ، ذا
جاه وعزّ واحترام وسكينة».
وفي بطون الكتب ـ خاصّة كتب النسب والتراجم
ـ جملة من أحوالهم وآثارهم وما يتعلّق بنسبهم الوضّاح ، وأورد بعضها فصلاً كاملاً عن
هذه الأسرة العريقة وعلمائها ، وقد أعرضت عن الإطناب بذكرها مكتفياً بالإرجاع
إليها ، وبذكر طائفة منها في مصادر هذا البحث ؛ وآثرت الحديث عن مكتبتهم خاصّة ، التي
وفّقني الله تعالى لفهرستها في خزانة الحرم العلويّ بمدّة أقصاها ثلاثمائة ساعة متفرّقة
على ستة أشهر بين إقبال وإدبار.
وقد أوكل أمر فهرستها إليّ الدكتور عليّ
خضيّر حجّي مشكوراً ، وكان ذلك في (شهر صفر من سنة ١٤٣٥ هـ) ، وبحسب مشروعي لفهرسة
مخطوطات النجف الأشرف قمت بذلك من بين ثمانية أعمال مطبوعة ومخطوطة سبقت هذا الفهرس
، باشرت العمل بالفهرسة في الخزانة العلويّة
__________________
بعد منتصف شهر ربيع الأوّل
، وانتهيت منه في منتصف شهر رمضان المبارك من تلك السنة ، وبعملي هذا أرجو أن أكون
قد وفّقت في خدمة التراث الإسلاميّ ، وخدمة بلدتي النجف الأشرف ، وخدمة هذه الأسرة
العريقة التي تربطني معها رابطة الجوار ، فعند انتقال والدي من الحلّة إلى النجف الأشرف
سنة (١٣٩٦ هـ) كان محلّ إقامتنا في منزل يقع في زقاق البهّاش من محلّة المشراق المقابل
للحرم العلويّ المطهّر من جهة الركن الشماليّ الشرقيّ ، وكان بجوار منزلنا منزل خادم
الحرم العلويّ الوجيه السيّد مهديّ ابن السيّد عليّ ابن السيّد أحمد الخرسان وغيره
من صلحاء البلد ، وكنّا نتنعّم بعطفه الأبويّ على أسرتنا وبإغداق النعم ، وزادت الأواصر
بيننا قوّة يوم ذهب رجال هذا البيت نتيجة ظروف الحرب العراقيّة الإيرانيّة بين سجن
وتهجير وحرب وتشريد وموت فتفرّقوا أيدي سبأ ، وصرنا نتعاهد علويّات الدار الصالحات
وننتهل من نمير معرفتهنّ وأدبهنّ العالي ، ومن خلال هذا البيت تعرّفت على جملة من
رجالات هذه الأسرة الصالحة ، وزادت الأواصر بيننا بحضوري في مجلس العلمين السيّدين
اللذين يعجز القلم عن أداء حقّهما عليّ : آية الله المحقّق السيّد محمّد مهديّ وآية
الله السيّد محمّد رضا الخرسان ـ أدام الله بقاءهما ـ ، فقد حضرت المجلس العلميّ للأوّل
منذ سنة (١٤١٥ هـ) وليومك هذا لا أفارق مجلسه العلميّ إلاّ لعارض من سفر أو مرض ، فلجنابه
في السنة الواحدة مائة يوم أو أكثر ينعقد فيها مجلسه ، تتوزّع بين جمعة أو وفاة إمام
أو
أيّام المحرّم الثلاثة
عشر الأولى وشهر رمضان كاملاً .
وحضرت المجلس العلميّ للثاني منذ سنة (١٤٢٥
هـ) ، ولجنابه أيضاً هذا العدد من المجالس في السنة سوى الأيّام الأولى من المحرّم
، وقد ورد في الأثر : «إنّ آباءك ثلاثة : من ولدك ، ومن علّمك ، ومن زوّجك ، وخير الآباء
من علّمك»
، فأسأل الله تعالى أن أكون بارّاً بهما ما بقيت الحياة فيّ ، وأن أكون بارّاً لكلّ
من علّمني حرفاً واحداً في مسيري العلميّ هذا ، وأرى أنّي أطنبت في سرد حديث ينفع في
تاريخ مدينة عريقة تعيش في دمي.
وبعد هذا أعرض بين أيديكم منهج ما كتبته
عن المكتبة وتاريخها ورجالاتها ، وعن المفقود منها ، وعدد مجلّداتها ومجاميعها ونسخها
، شافعاً ذلك بالمصادر وبما موجود على نسخ المكتبة الخطّيّة ، وتعرّضت لتاريخها من
خلال ذكر رجالاتها وما آلت إليه عندهم من الزيادة والنقصان ، وحصرت تاريخها بين سنة
(١٢١٧ هـ) ـ السنة التي تملّك فيها مؤسّسها النسخة ذات الرقم ١٥ ـ وسنة (١٤٣١ هـ) ـ
السنة التي انتقلت فيها إلى الخزانة العلويّة الواقعة في حرم سيّدي ومولاي عليّ بن
أبي طالب عليهالسلام
ـ ، وأمّا رجالاتها الذين آلت المكتبة إليهم فقد قسّمت ذكرهم على النحو التالي ، ومجموعهم
أحد عشر رجلاً :
__________________
أوّلاً
: مؤسّس المكتبة : آية الله العظمى السيّد
حسن ابن السيّد عليّ الموسويّ الخرسان (١٢٠٠ ـ ١٢٦٥هـ).
ثانياً
: واقف المكتبة : العلاّمة السيّد عبّاس
ابن السيّد حسن الموسويّ الخرسان (ت بعد سنة ١٢٦٩ هـ).
ثالثاً
: الموقوفة عليهم : فقد وقفها السيّد عبّاس
الخرسان على الثلاثة الآتي ذكرهم وذريّاتهم ، وهم :
١
ـ أخوه : الحجّة السيّد موسى ابن السيّد حسن الموسويّ
الخرسان (ت ١٣٢١هـ).
٢
ـ أخوه الآخر : الحجّة السيّد محمّد
حسين ابن السيّد حسن الموسويّ الخرسان (ت ١٣٢٢هـ).
٣
ـ ولده : العلاّمة السيّد محمّد ابن السيّد عبّاس
الموسويّ الخرسان (كان حيّاً سنة ١٣١٣هـ).
رابعاً : وأمّا ذرّيّاتهم
فهم :
١ ـ الحجّة السيّد عبد الرسول ابن السيّد
محمّد حسين الخرسان (ت ١٣٦١هـ).
٢ ـ آية الله السيّد عبد المرتضى ابن السيّد
موسى الخرسان (ت ١٣٦١هـ) وذراريه.
٣ ـ آية الله السيّد حسن ابن السيّد عبد
الهادي ابن السيّد موسى الخرسان (ت ١٤٠٥هـ) وذراريه.
٤ ـ الحجّة السيّد محمّد صالح ابن السيّد
عبد الرسول ابن السيّد محمّد حسين الخرسان (ت ١٤٢٦هـ) وذراريه.
٥ ـ آية الله المحقّق السيّد محمّد مهديّ
ابن السيّد حسن الخرسان (ولد سنة ١٣٤٧هـ) وذراريه.
٦ ـ آية الله السيّد محمّد رضا ابن السيّد
حسن الخرسان (ولد سنة ١٣٥٢هـ) وذراريه.
وطريقة ذكر كلّ واحد منهم هي أن أذكر النصوص
التي نصّت على أنّ المكتبة كانت عنده ، ثمّ أذكر آثاره التي استخرجتها من على نسخ المكتبة
، مع ذكر مصادر ترجمته بالهامش ، وبعد ذلك ذكرت المفقود من المكتبة ، وعدد
مجلّداتها ومجاميعها ونسخها ، فدونك ذلك :
(أوّلاً)
مؤسّس المكتبة :
هو آية الله العظمى السيّد حسن ابن السيّد
عليّ ابن السيّد شكر بن مسعود ـ الملقّب عيشي ـ ابن إبراهيم بن الحسن الموسويّ الخرسان
النجفيّ (١٢٠٠ ـ ١٢٦٥هـ) من أجلاّء علماء عصره ، فقيه ، عابد.
__________________
وهذا ثبت بالنصوص التي ذكرت المكتبة وما
يتعلّق بمؤسّسها ، رتّبته بحسب وفيات من ذكرها ثمّ المعاصرين :
أ
ـ قال الشيخ جعفر محبوبه(ره) (ت ١٣٧٨هـ) عند
ترجمته : «... وكانت له خزانة كتب نفيسة ، يوجد حتّى اليوم بعض مخطوطاتها».
ب
ـ وقال (ره) عند ترجمة ولده السيّد عبّاس
الخرسان : «... اقتنى كتباً كثيرة نفيسة جيّدة تلقّاها عن والده ، وقد أوقفها على أخويه
السيّد محمّد حسين والسيّد موسى وعلى ولده السيّد محمّد سنة (١٢٦٩هـ) ، ويوجد اليوم
جملة منها وعليها خطّه بصورة وقفها عند أحفاد أحفاده».
__________________
ج
ـ قال الشيخ محمّد عليّ اليعقوبيّ (ره) (ت
١٣٨٥هـ) في ترجمة الشيخ عليّ عوض : «... ومن مشاهيرها في القرن الماضي الحاجّ محمّد
عوض ... وكانت عند الحاجّ المذكور مكتبة قيّمة تحتوي على كثير من كتب الفقه والأصول
والتاريخ والأدب ، ممّا يدلّ على أنّ الرجل من ذوي الفضل والأدب ، وكلّ كتبه بيعت بعد
وفاته في النجف على عهد العلاّمة الشهير صاحب الجواهر قدّس سرّه ، فصار أكثرها في حيازة
العالم الشريف السيّد حسن آل الخرسان ، وعليها خطوط مالكها الأوّل الحاجّ محمّد عوض».
د
ـ الشيخ اليعقوبي وقال رحمهالله في ترجمة ولده السيّد
عبّاس الخرسان : «... وهو الذي وقف مكتبة والده القيّمة بعد وفاته على أولاده ما تعاقبوا
وتناسلوا ، كما نوّهت عنها في ترجمة الشيخ عليّ عوض الحلّيّ في ج ٣ ص ١١٠ من كتابنا
البابليّات».
هـ
ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ(ره) (ت ١٣٨٩هـ)
عند ترجمته : «... وكانت للمترجم مكتبة نفيسة في النجف أوقفها بعد وفاته ولده السيّد
عبّاس على أخويه العالمين : السيّد موسى والسيّد محمّد حسين ابني حسن ، وابنه محمّد
بن عبّاس ، وذراريّهم ما تعاقبوا وتناسلوا ، وبعدهم لعالم من علماء الاثني عشريّة في
النجف الأشرف ، وكتب الوقفيّة بخطّه وتأريخها (١٢٦٩هـ) ، وقد رأيت بقيّة تلك الكتب
وذكرتها في مظانّها من الذريعة ، وقد
__________________
ذكرها ولدي عليّ نقيّ
سلّمه الله في فهرس المكتبات المنقول عنها في الذريعة الذي ألحقه بالجزء ٨ ص ٢٩٨».
و
ـ وقال الشيخ الطهراني رحمهالله عند ترجمة ولده السيّد
عبّاس الخرسان : «... وكان المترجم له من أهل الفضل والكمال ، أوقف جملة من كتب والده
في سنة (١٢٦٩هـ) ، وكتب الوقفيّة عليها بخطّه ، وجعلها وقفاً لأخويه السيّد موسى والسيّد
محمّد حسين ابني السيّد حسن ولولده ، السيّد محمّد بن عبّاس ، ولذرّيّتهم ما تعاقبوا
، وبعد الانقراض للفرقة الناجية الاثني عشريّة ، وقد رأيت بعضها عند السيّد حسن بن
السيّد عبد الهادي بن السيّد موسى المذكور».
ز
ـ قال محمّد عليّ جعفر التميميّ (ت بعد ١٣٨٦هـ)
في ترجمة ولده السيّد عبّاس الخرسان : «... وكان من هواة الكتب ، فجمع كثيراً منها
وضعها إلى ما وصل إليه من كتب خزانة السيّد والده رحمه الله ، وأضاف إليها مكتبة
آل عوض الحلّيّين ، فإنّه اشتراها منهم يوم أتوا بها إلى النجف الأشرف ، وزاحمه عليها
العلاّمة السيّد محمّد بحر العلوم صاحب البلغة
، وينقل بعض الشيوخ قصّته (ظ ـ قصّة) في هذا الشأن جرت بينهما [وفي الهامش : ورد
ذكرها في قلائد
العقيان] ، ثمّ إنّ العلاّمة السيّد عبّاس رحمه
الله أوقفها على أخيه الحجّة السيّد موسى وأخيه العلاّمة السيّد محمّد حسين وولده العلاّمة
__________________
السيّد محمّد ، وكتب على
ظهر جلّها صورة وقفها ، وفي بعضها شهادة الفاضلين الشيخ محمّد بن عبيد الخادم
والشيخ محمّد بن الشيخ عليّ الخيّاط ، وتأريخ وقفها في سنة (١٢٦٩ هـ) ، وممّا يؤسف
له أنّ تلك الخزانة النفيسة احترقت بعده ، ولم يبقَ منها إلاّ ما انتشل من لهيب النار
، والموجود منها اليوم يضمّ طائفة من النفائس النادرة التي عزّ مثيلها في سائر المكتبات
، وعلى بعضها خطوط بعض العلماء كالمجلسيّ رحمه الله ، فإنّه يوجد على جزء من التهذيب
للشيخ ـ رحمه الله ـ يحتوي على المزار وبعض الكتب الأخرى ، وفي آخرها تصحيح ومقابلة
النسخة سماعاً على العلاّمة المجلسيّ رحمه الله ، وذلك بخطّه الشريف
، وهناك آثار نفيسة أخرى على ظهور بعضها الآخر أعرضنا عن ذكرها لطول المقام».
ح
ـ قال الشهيد الأستاذ عبد الرحيم محمّد عليّ
(ره) (ت ١٤٠٠هـ) : «مكتبة السيّد مهديّ الخرسان : أسّسها السيّد حسن بن عليّ آل الخرسان
الموسويّين ، كان معاصراً لصاحب الجواهر
، سكن بغداد بالتماس بعض
__________________
تجّارها ، وتوفّي بها
في عام (١٢٦٥هـ) ، وانتقلت الكتب بعده إلى أكبر أولاده السيّد عبّاس ، فزاد عليها وأوقفها
في حدود (١٣٠٠هـ)
على أخيه السيّد موسى المتوفّى (١٣٢١هـ) ، وابنه السيّد محمّد ، وأخيه السيّد محمّد
حسين ، وفي زمانهم احترقت أكثر مخطوطات المكتبة ، وبعدهم انتقلت إلى السيّد عبد
الهادي بن موسى المذكور ، ثمّ إلى ولده السيّد حسن ، ثمّ ولده السيّد مهديّ ابن الحسن
الخرسان».
ط
ـ قال الشيخ محمّد هادي الأمينيّ (ره) (ت
١٤٢١هـ) عند ترجمته : «... وكانت له خزانة كتب نفيسة».
ي
ـ وقال الأستاذ عليّ نقيّ المنزويّ (ت ١٤٣١
هـ) في ملحق الذريعة ج ٨ : «مكتبة آل خرسان : أسّسها السيّد حسن بن عليّ من آل [الـ]
ـخرسان الموسويّين القاطنين في النجف ، كان معاصراً لصاحب الجواهر
، سكن بغداد بالتماس بعض تجّارها ، وتزوّج هناك ، ومات بها في (١٢٦٥هـ) ، وحمل
جثمانه إلى النجف ، ودفن في مقبرتهم ، وانتقلت الكتب بعده إلى أكبر أولاده السيّد عبّاس
، فزاد عليها وأوقفها في (حدود ١٣٠٠هـ)
على أخيه السيّد
__________________
موسى المتوفّى (١٣٢١هـ)
، وابنه السيّد محمّد ، وأخيه السيّد محمّد حسين ، وفي زمانهم احترقت أكثر مخطوطات
المكتبة ، وبعدهم انتقلت إلى السيّد عبد الهادي بن موسى المذكور ، ثمّ إلى ولده السيّد
حسن ، ثمّ ولده السيّد مهديّ ابن الحسن المعاصر المولود (١٣٤٠هـ)».
ك
ـ وقال أيضاً في ملحق طبقات أعلام الشيعة
ج ٦ : «مكتبة آل خرسان : أسّسها السيّد حسن بن عليّ (١٢٠٠ ـ ١٢٦٥هـ) من آل خراسان [ظ
ـ الخرسان] الموسويّين القاطنين في النجف. كان معاصراً لصاحب الجواهر
، سكن بغداد بالتماس بعض تجّارها ، وتزوّج هناك ، ومات بها ، وحمل جثمانه إلى النجف
، ودفن في مقبرتهم ، وانتقلت الكتب بعده إلى أكبر أولاده السيّد عبّاس ، فزاد عليها
وأوقفها في حدود (١٣٠٠هـ)
على أخويه العالمين : موسى ومحمّد حسين ابني الحسن ، وعلى ابنه محمّد بن عبّاس وذراريّهم
، وبعدهم على علماء النجف ، وكتب الوقفيّة عام (١٢٦٩هـ) ، فتولّى المكتبة بعده أخوه
السيّد موسى (ت ١٣٢١هـ) ثمّ أخوه محمّد حسين (مـ ١٣٢٢هـ) ثمّ ابنه عبد الرسول (مـ ١٣٦١هـ)
وبعده السيّد حسن ، ثمّ السيّد مهديّ بن الحسن آل خرسان ، وراجع الكرام البررة : ٣٣٧
ـ ٣٣٨».
__________________
ل
ـ وكتب العلاّمة المحقّق السيّد محمّد مهديّ
الخرسان (معاصر) على النسخة ذات الرقم (٦٨) من فهرسنا هذا : «... وهو من بقيّة مكتبة
آل عوض كما يظهر من آخره ، وهو بقلم محمّد بن درويش بن عوض الحلّيّ التي اشتراها المرحوم
السيّد الجدّ الأعلى كما هو مذكور عن مشايخ الأسرة ، وقد أشار إلى ذلك المرحوم الشيخ
اليعقوبيّ في كتابه البابليّات عند ذكر آل عوض».
م
ـ وفي موسوعة طبقات الفقهاء عند ترجمته :
«وأسّس مكتبة نفيسة».
ن
ـ قال الدكتور السيّد حسن السيّد عيسى الحكيم
(معاصر) عند ترجمة ولده السيّد عبّاس الخرسان : «... فاضلاً جليلاً ، ومن وجوه أهل
العلم في عصره ، ومن هواة جمع الكتب ، فقد ضمّ إلى مكتبة أبيه مجموعة قيّمة ...».
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو عشر نسخ ،
__________________
فقد تملّك النسخ ذوات
الأرقام التالية : (٤) وتاريخ تملّكه (٢٢ شوّال سنة ١٢٣٧هـ) ، و (١٥) وتاريخ تملّكه
سنة (١٢١٧هـ) ، و (٤٢) ، و (٤٨) ، و (٦٢) ، و (٧٠) ، و (١١٨) ، كتب التملّك على هذه
النسخ السبع بخطّه ظاهراً.
والنسخ ذوات الأرقام التالية : (٧١) ، و
(٨٠) ، و (٩٥) ، و (١٢٩) ، كتب التملّك عليها ولده السيّد عبّاس.
علماً أنّ النسخة ذات الرقم (١٥) كتب عليها
وقفيّتها بخطّه ، ونصّها : (قد أوقف السيّد أمين الحكيم هذه الرسالة الشريفة على الحقير
حسن الخرسان وأولاده وأولاد أولاده وأولاد أولاد أولاده ما تعاقبوا وتناسلوا للانتفاع
بها ، وإذا انقرضوا والعياذ بالله ... القابل من الشيعة الاثني عشريّة ، الراجي عفو
ربّه المنّان حسن الخرسان) ، وختمه الدائريّ : (حسن الموسويّ الخرسان ١٢١٧).
فيكون مجموع ما وصل إلينا من نسخ المكتبة
التي عليها آثاره عشر نسخ كما ذكرت آنفاً ، وتاريخ الختم الموجود على النسخة ذات الرقم
(١٥) المذكور آنفاً يدلّ على اهتمامه بالكتب وعمره (١٧) سنة ، فتاريخ ولادته سنة
(١٢٠٠ هـ) وتاريخ الختم سنة (١٢١٧هـ)(١) ، وعليه فيمكن القول بأنّ هذا
__________________
التاريخ هو أقدم تاريخ
وَصَلَ إلينا لتأسيس مكتبة السادة آل الخرسان وإلاّ فقد يكون تأسيسها أسبق ، لكن لم
نقف على وثيقة تثبت ذلك ؛ إذ إنّ المكتبة احترقت كما سيأتي.
(ثانياً)
واقف المكتبة :
العلاّمة السيّد عبّاس ابن السيّد حسن ابن
السيّد عليّ الموسويّ الخرسان النجفيّ (ت بعد سنة ١٢٦٩ هـ) ، من أهل الفضل والكمال.
قد أجمعت المصادر على أنّ السيّد عبّاس زاد
على مكتبة والده السيّد حسن الخرسان ، وأوقفها بتاريخ (٣ جمادى الأولى سنة ١٢٦٩هـ)
على أخيه السيّد موسى وولده السيّد محمّد وأخيه السيّد محمّد حسين وذرّيّتهم ما
تعاقبوا وتناسلوا ، فإذا انقرضوا فعلى الفرقة الاثني عشريّة على أنّ التولية تكون بيده
مادام حيّاً ثمّ للأرشد فالأرشد ، وشهد بذلك الشيخ محمّد ابن الشيخ عليّ الخيّاط والشيخ
محمّد بن عبيد الخادم ، كما جاء على (٣٥) نسخة
__________________
من فهرسنا هذا ، منها
سبع نسخ على وقفيّتها شهادة الشيخ محمّد ابن الشيخ عليّ الخيّاط والشيخ محمّد بن عبيد
الخادم ، والأخير من آل عنوز كما في النسخة ذات الرقم (٥٨).
وقد ذكرت آنفاً نبذة من جهود السيّد عبّاس
الخرسان في رفد المكتبة ووقفها ، وهو ما ذكره الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ والشيخ محمّد
عليّ اليعقوبيّ والشيخ جعفر محبوبه والمنزويّ والتميميّ والأستاذ عبد الرحيم محمّد
عليّ والسيّد حسن الحكيم ، وأزيد على نصوصهم نصّين عثرت عليهما ، الثاني منهما يشير
إلى أنّ المكتبة كانت معروفة باسمه ، وهما :
أ
ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ (ره) عند
ترجمة السيّد عبد الرسول الخرسان : «... والسيّد عبّاس الذي ذكرناه في الجزء الثاني
ص ٦٨٦ وهو صاحب المكتبة النفيسة التي أوقفها في سنة (١٢٦٩هـ) وقد ذكرنا كثيراً من
مخطوطاتها في الذريعة».
ب
ـ قال السيّد مرتضى مدرّس كيلاني (ت بعد ١٣٨٢هـ)
في كتابه تاريخ النجف عند تعداد مكتبات النجف الأشرف ما معرّبه : «مكتبة السيّد
عبّاس الخرسان : موجودة عند السيّد عبد الرسول الخرسان ، وهي غير عموميّة ، وأهل الفضل
يستفيدون منها بالإجازة منه».
__________________
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو (٣٧) نسخة ، منها (٣٢) نسخة عليها وقفيّته للكتب بخطّه وهي النسخ ذوات
الأرقام التالية : (٤) ، و (٥) ،و (٦) ، و (٩) ، و (٢٦) ، و (٣٠) ، و (٣٥) ، و (٤٠)
، و (٤٧) ، و (٥٠) ، و (٥١) ، و (٥٢) ، و (٥٤) ، و (٥٨) ، و (٦٢) ، و (٦٤) ، و (٦٥)
، و (٧٠) ، و (٧٥) ، و (٨٠) ، و (٨٤) ، و (٩٢) ، و (٩٥) ، و (١٠٦) ، و (١١٣) ، و (١١٥)
، و (١١٩) ، و (١٢١) ، و (١٢٢) ، و (١٢٦) ، و (١٢٩) ، و (١٣٠).
ومنها (٣) نسخ كتب وقفيّتها السيّد محمّد
صالح السيّد عبد الرسول الخرسان ، وهي الوقفيّة نفسها التي كتبها السيّد عبّاس الخرسان
نفسه ، وهي النسخ ذوات الأرقام التالية : (٢٧) ، و (٧٨) ، و (٨٢) ، كتب بعضها بتاريخ
سنة (١٣٦٣هـ).
ومنها نسخة واحدة كتب عليها السيّد محمّد
مهديّ الخرسان أنّها من موقوفات السيّد عبّاس الخرسان وهي النسخة ذات الرقم (١٠٣) ،
ومنها نسخة واحدة عليها تملّكه ، فيكون مجموع ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي عليها
آثاره (٣٧) نسخة كما ذكرت آنفاً ، وقال محمّد عليّ جعفر التميميّ (ت بعد ١٣٨٦هـ) عند
ترجمته : «وكان من هواة الكتب ، فجمع كثيراً منها وضعها إلى ما وصل إليه من كتب خزانة
السيّد والده رحمه الله ، وأضاف إليها مكتبة آل عوض الحلّيّين ، فإنّه اشتراها منهم
يوم أتوا بها إلى النجف الأشرف وزاحمه عليها العلاّمة السيّد محمّد بحر العلوم
صاحب البلغة».
ومجموع ما وصل إلينا من نسخ مكتبة آل عوض
الحلّيّين (٧) نسخ عليها تملّك الشيخ محمّد ابن الشيخ درويش ابن المرحوم عوض الحلّيّ
، تاريخ التملّك على بعضها سنة (١٢٤٧هـ) ، وبعضها مجاميع ، وأرقامها : (٩) ، و (٦١)
، و (٦٢) ، و (٦٨) ، و (٩٥) ، و (١٠٧) ، و (١٢٩).
(ثالثاً)
الموقوفة عليهم :
قد ذكرت آنفاً وقفيّة السيّد عبّاس الخرسان
لمخطوطات المكتبة على ثلاثة ، وذلك من خلال المصادر وما موجود على نسخ المكتبة ، وهم
:
١ ـ أخوه : الحجّة السيّد موسى ابن السيّد
حسن الموسويّ الخرسان (ت ١٣٢١هـ) ، عالم ، فقيه ، مؤلّف.
__________________
ويكفي في إثبات مآل المكتبة إليه وقفيّة
الكتب التي كتبها أخوه السيّد عبّاس الخرسان ، وما تقدّم من النصوص التي لا موجب لتكرارها
خوف الإطالة.
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو (٩) نسخ ، منها (٧) عليها خطّه ، وهي النسخ ذوات الأرقام التالية :
(٢٥) ، و (٥١) ، و (٥٨) ، و (٦٤) ، و (٧٦) ، و (٩٥) ، و (٩٦) ، و (٩٨) ، و (١١٨) ،
ودونك تفصيل ذلك :
أ
ـ النسخة ذات الرقم (٢٥) كتابه (مرجّح الميزان)
الذي كتبه بخطّه.
ب
ـ النسختان ذواتا الرقمين (٥١) و (٩٥) كتب
عليهما ما نصّه : (نعم هذا من جملة كتب الوقف التي بقيت عند المحروس محمّد وهو عندي
، حرّر في ٢٠ ج ١ / ١٢٧٦هـ)
، وختمه البيضويّ :
__________________
(موسى الخرسان
الموسويّ).
ج
ـ النسخة ذات الرقم (٥٨) عليها استعارة الشيخ
محمّد بن عبيد عنوز (ت ١٢٨٨هـ)
اثني عشر كتاباً من السيّد موسى الخرسان ، ونصّ العبارة : (قد استعار منّي الشيخ محمّد
بن عبيد عنوز : جلد حدائق ، وجلد دروس ، وجلد غريب القرآن ، وجلد تنزيه الأئمّة للمرتضى
، وجلد حاشية ملاّ خليل ، وجلداً في الأخلاق ، ورسالة الشهيد الثاني في جلد ، وجلد
فقه مسائل متفرّقة ، وجلد شرح خلاصة الحساب ، وجلداً لغة يشتمل على أبواب ، وجلداً
فيه رسالتان في علم الرجال ، وكتاباً صغيراً مصنّفه عجميّ ونصفه روايات ، المجموع اثنا
عشر كتاباً. نعم استعرت ذلك من الأخ جناب السيّد موسى وفّقه الله تعالى ، الأقلّ محمّد
عنوز. وصل جميع ذلك : موسى الخرسان).
د
ـ النسخة ذات الرقم (٦٤) عليها عبارة كتبها
الشيخ محمّد حسين الأعسم (ت ١٢٨٨هـ) نصّها : (استعرت من أخي وسيّدي السيّد موسى [الخرسان]
ثمانية مجلّدات : أصول كافي ، وكتاب مزار ، وجلدين شرح تجريد ، ووافية ، ومختصراً ،
[و] مطوّلاً ، وجلداً آخر صغيراً في العقائد. الأقلّ
__________________
محمّد حسين الأعسم ، عند
شيخ حسين الدجيليّ مختصر عضديّ).
هـ
ـ النسخة ذات الرقم (٧٦) عليها عبارة كتبها
السيّد نفسه ونصّها : (أمانة لجناب الأجلّ حاجّي محمّد ... خلف المرحوم جناب حاجّي
... هو مع جملة كتب كاتب عليها ... يدي لفظة أمانة ، حرّرت هذا وأنا الأقلّ موسى
الخرسان).
و
ـ النسخة ذات الرقم (٩٦) كتب في آخرها : (بتاريخ
١٤ جمادى الأولى سنة [١٢٧٧هـ] أنّ الشيخ أحمد [ابن الشيخ محمّد ابن الشيخ الملاّ بري
آل] سميسم توفّي في يوم الجمعة ١٢ جمادى الأولى من تلك السنة).
ز
ـ النسخة ذات الرقم (٩٨) وقفها السيّد عليّ
ابن السيّد إبراهيم ابن السيّد حسين ابن السيّد عليّ الخرسان عليه ، ونصّ الوقفيّة
: (هو الواقف على الضمائر ، قد أوقف هذا الكتاب سيّد عليّ الخرسان وقفاً خاصّاً على
ابن عمّه سيّد موسى ابن سيّد حسن الخرسان ، وثوابه لوالده المرحوم ، ومن بعده على
أخيه محمّد حسين ومن بعده على ذراريّ الذكور من بعدهم الملاّئيّ منهم. عليّ الخرسان
في ذي؟ سنة ١٢٨١ هـ).
ح
ـ النسخة ذات الرقم (١١٨) عليها العبارة :
(الكتب التي استعرتها من سيّد موسى : تهذيب ، وفقيه ، وشرائع ، وابن داود).
فيكون مجموع ما وصل إلينا من نسخ المكتبة
التي عليها آثاره (٩) نسخ كما ذكرت آنفاً ، وممّا يؤسف له أنّ تلك الخزانة النفيسة
احترقت في زمانه ولم يبقَ منها إلاّ ما انتشل من لهيب النار ، والأوراق الأربع الأولى
من
النسخة ذات الرقم (٣١)
يظهر عليها آثار ذلك الحريق.
٢ ـ أخوه الآخر : الحجّة السيّد محمّد حسين
ابن السيّد حسن الموسويّ الخرسان (ت ١٣٢٢هـ) ، عالم ، فقيه ، ورع.
ويكفي في إثبات مآل المكتبة إليه وقفيّة
الكتب التي كتبها أخوه السيّد عبّاس الخرسان ، وما تقدّم من النصوص التي لا موجب لتكرارها
خوف الإطالة.
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو نسخة واحدة فقط ، وهي ذات الرقم (٩٦) وقد استنسخها بنفسه بتاريخ ذي
القعدة سنة ١٢٦٥هـ.
٣ ـ ولده : العلاّمة السيّد محمّد ابن السيّد
عبّاس الموسويّ الخرسان (كان حيّاً سنة ١٣١٣هـ) ، عالم ، فاضل.
__________________
ولا دليل في إثبات مآل المكتبة إليه سوى
وقفيّة الكتب التي كتبها والده السيّد عبّاس الخرسان ، ووجود ذكر له على بعض النسخ.
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو (٥) نسخ ، وهي النسخ ذوات الأرقام التالية : (٣٧) ، و (٥١) ، و (٦٥)
، و (٩٥) ، و (١٣٢) ، ودونك تفصيل ذلك :
أ
ـ النسخة ذات الرقم (٣٧) ، عليها العبارة
: (هذه إعارة من المرحوم سيّد محمّد الخرسان).
ب
ـ النسختان ذواتا الرقمين (٥١) و (٩٥) كتب
عليهما ما نصّه : (نعم هذا من جملة كتب الوقف التي بقيت عند المحروس محمّد وهو عندي
، حرّر في ٢٠ ج ١ / ١٢٧٦هـ) ، وختمه البيضويّ : (موسى الخرسان الموسويّ).
ج
ـ النسخة ذات الرقم (٦٥) عليها العبارة :
(نعم هذا من كتب السيّد المرحوم الوقف التي عند المحروس بالله محمّد ، حرّر في ٢٦ ج
١ سنة ١٣١٣ هـ) ، والظاهر أنّ كاتبها هو عمّه السيّد موسى الخرسان ومنها نعلم أنّ حياته
امتدت إلى هذا التاريخ ، وإلاّ فإنّ الموجود في كتاب (مشهد الإمام) أنّه كان حيّاً
سنة (١٢٨٨هـ).
د
ـ النسخة ذات الرقم (١٣٢) عليها العبارة :
(إلى جناب الأجلّ الأكرم ،
المكرّم الأحشم ، جناب
مولانا سيّدنا محمّد الخرسان سلّمك الله بالنبيّ وآله الطاهرين ، وكفاك شرّ الخلق أجمعين
، المحبّ هاشم ابن شيخ موسى).
والسيّد محمّد هذا لم يعقّب من الذكور سوى
السيّد عبد الله رحمهالله
الذي كان مئناثاً ولم يعقّب سوى بنتين.
ومن آثار السيّد عبد الله في المكتبة : النسخة
ذات الرقم (١٠٤) عليها عبارة استعارة السيّد محمّد الحسينيّ العامليّ كُتباً من السيّد
عبد الله بن محمّد الخرسان ونصّها : (باسم الله ، نعم قد استعرت من يد أخينا السيّد
عبد الله نجل المرحوم السيّد سيّد محمّد الخرسان ستّة مجلّدات كتب : جلدان وقف
خاصّ أحدهما في علم الرجال والآخر في علم الحكمة ، وثلاثة أُخر ، اثنان ملك له ، أحدهما
أصول والآخر كذلك تأليف الشيخ نصّار (ره) ، والثالث حقائق ملاّ محسن الفيض ، والسادس
في الأخلاق والعرفان ، وأنا الأقلّ محمّد الحسينيّ العامليّ في ٢١ ربيع الثاني سنة
١٣٧ [كذا ، والظاهر أنّها سنة (١٣٠٧هـ)].
فلعلّ هذه الكتب المستعارة هي من نسخ المكتبة
المفقودة.
(رابعاً)
المكتبة وذرّيّة الثلاثة
الموقوفة عليهم :
قد تقدّم سابقاً أنّ السيّد عبّاس أوقف المكتبة
على أخيه السيّد موسى
وأخيه السيّد محمّد حسين
وولده السيّد محمّد وذرّيّتهم ما تعاقبوا وتناسلوا ، فإذا انقرضوا فعلى الفرقة الاثني
عشريّة على أنّ التولية تكون بيده مادام حيّاً ثمّ للأرشد فالأرشد ، وقد سبق ذكر الثلاثة
الموقوفة عليهم ، وجاء دور ذكر ذراريّ السادة الثلاثة الذين انتهت إليهم المكتبة بالتعاقب
:
١ ـ الحجّة السيّد عبد الرسول ابن السيّد
محمّد حسين ابن السيّد حسن الخرسان (ت ١٣٦١هـ) ، من الأجلاّء الأتقياء.
ذكر انتهاء المكتبة إليه ثلاثة من الأعلام
، وإليك نصوصهم :
أ
ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ (ره) عند
ترجمته : «... والسيّد عبّاس الذي ذكرناه في الجزء الثاني ص ٦٨٦ وهو صاحب المكتبة النفيسة
التي أوقفها في سنة (١٢٦٩هـ) ، وقد ذكرنا كثيراً من مخطوطاتها في (الذريعة) ، وقد كان
المترجم له من أهل الأخلاق الفاضلة والصلاح والتقى ، وكانت داره ملتقى العلماء والأفاضل
، وكان مبجّلاً له احترام وسمعة حسنة بين الأعلام ، وكانت عنده بقايا كتبهم الموقوفة
وقد اطّلعت عليها عنده».
ب
ـ قال الأستاذ عليّ نقيّ المنزويّ (ت ١٤٣١
هـ) في ملحق طبقات أعلام الشيعة ج ٦ : «مكتبة آل خرسان ... فتولّى المكتبة بعده أخوه
السيّد موسى (مـ ١٣٢١هـ) ثمّ أخوه محمّد حسين (مـ ١٣٢٢هـ) ثمّ ابنه عبد الرسول
__________________
(ت ١٣٦١هـ) ، وبعده السيّد
حسن ، ثمّ السيّد مهديّ بن الحسن آل خرسان».
ج
ـ قال السيّد مرتضى مدرّس كيلاني (ت بعد ١٣٨٢هـ)
في كتابه تاريخ النجف عند تعداد مكتبات النجف الأشرف ما معرّبه : «مكتبة السيّد
عبّاس الخرسان : موجودة عند السيّد عبد الرسول الخرسان ، وهي غير عموميّة ، وأهل الفضل
يستفيدون منها بالإجازة منه».
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثار السيّد عبد الرسول الخرسان فهو (٩) نسخ ، وبعضها كتب بخطّه ، وهي ذوات الأرقام
التالية : (٤) ، و (٢٧) ، و (٤١) ، و (٥٤) ، و (٩١) ، و (١١١) ، و (١١٥) ، و (١١٦)
، و (١٢١) ، ودونك تفصيل ذلك :
أ
ـ النسخة ذات الرقم (٤) استعارها الشيخ هادي
المرزه منه.
ب
ـ النسخة ذات الرقم (٢٧) استعارها مهديّ؟
منه.
ج
ـ النسخة ذات الرقم (٤١) استعارها الشيخ هادي
المرزه والشيخ عبد المنعم الكاظميّ منه.
د
ـ النسخة ذات الرقم (٥٤) بعض أوراقها كتبها
في سنة (١٣٥٤هـ).
__________________
هـ
ـ النسخة ذات الرقم (٩١) استعارها؟ منه في
سنة (١٣٣٩هـ).
و
ـ النسخة ذات الرقم (١١١) استعارها محمّد
نجف منه في ١٢ شهر صفر سنة (١٣٤١هـ).
ز
ـ النسخة ذات الرقم (١١٥) استعارها مهديّ
نعمة منه في سنة (١٣٣٩ هـ).
ح
ـ النسخة ذات الرقم (١١٦) كتب عليها بخطّه
أنّه نظر فيها.
ط
ـ النسخة ذات الرقم (١٢١) استعارها؟ منه في
سنة (١٣٣٩هـ).
ملحوظة
: قال الأستاذ عليّ نقيّ المنزويّ (ت ١٤٣١
هـ) في ملحق الذريعة ج ٨ : «مكتبة آل خرسان ... وفي زمانهم احترقت أكثر مخطوطات
المكتبة ، وبعدهم انتقلت إلى السيّد عبد الهادي بن موسى المذكور ، ثمّ إلى ولده السيّد
حسن ، ثمّ ولده السيّد مهديّ بن الحسن المعاصر ...»
، ومنه أخذ الشهيد الأستاذ عبد الرحيم محمّد عليّ (ره) لتشابه النصّ بينهما
، ثمّ صحّح المنزويّ هذا النصّ في ملحق طبقات أعلام الشيعة ج ٦ قائلاً : «مكتبة آل
خرسان ... فتولّى المكتبة بعده أخوه السيّد موسى (ت ١٣٢١هـ) ، ثمّ أخوه محمّد حسين
(ت ١٣٢٢هـ) ، ثمّ ابنه عبد الرسول (ت ١٣٦١هـ) ، وبعده
__________________
السيّد حسن ، ثمّ السيّد
مهديّ بن الحسن آل خرسان».
وعلى هذا لم أجد من ذكر أنّ المكتبة انتهت
إلى السيّد عبد الهادي الخرسان (ت ١٣٧٧هـ) بعد والده السيّد موسى سوى هذا النصّ الذي
يخلو من التثبّت ، ولذا لم أذكره في رجالات المكتبة ، وممّا يؤيّد ذلك أنّي لم أجد
أثراً له على نسخ المكتبة.
٢ ـ آية الله السيّد عبد المرتضى ابن السيّد
موسى الخرسان (ت ١٣٦١هـ) ، عالم ، فاضل ، تقيّ.
لم أجد من ذكر أنّ المكتبة انتهت إليه بعد
والده السيّد موسى الخرسان ، لكن آية الله السيّد محمد مهدي الخرسان ـ دامت بركاته
ـ أخبرني بذلك ، وثبّته على الورق حين مطالعته لهذه السطور ، فجزاه الله تعالى خير
جزاء المحسنين.
٣ ـ آية الله السيّد حسن ابن السيّد عبد
الهادي ابن السيّد موسى الخرسان (ت ١٤٠٥هـ) ، عالم ، فاضل ، مجتهد ، جليل ، متتبّع
، محقّق ، ورع ، عابد.
__________________
انتهت إليه المكتبة ـ بحسب التواريخ التي
على النسخ ـ بعد وفاة السيّد عبد الرسول الخرسان ، وقد ذكر انتهاء المكتبة إليه ثلاثة
من الأعلام : الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ ، وولده الأستاذ عليّ نقيّ المنزويّ ، والسيّد
محمّد عليّ الروضاتيّ (ت ١٤٣٣هـ).
وأضيف إلى ذلك ما سمعته من العلاّمة المحقّق
السيّد محمّد مهديّ الموسويّ الخرسان ـ دامت بركاته ـ ، وهو ما مضمونه : (أنّه كلّما
وجدتم في كتاب الذريعة ذكراً لأيّة نسخة من مكتبة آل الخرسان فقصّته أنّه كان الشيخ
الطهرانيّ رحمهالله
يأتي من سامرّاء إلى النجف وينزل عند والدي ـ السيّد حسن الخرسان ـ ويصعد لمكتبتنا
ويسجّل منها لكتابه الذريعة ، وكانت مهمّتي أن أملأ له (الكازة)
نفطاً وقت المغرب لعدم وجود الكهرباء حينها وأصعد بها له ، وكان من عادته أن لا يتعشّى
، وتنفد الكازة من النفط في منتصف الليل
__________________
مرّة أخرى فأملأها ثانية
فتنفد إلى الفجر ، فيخرج إلى الحرم العلويّ للصلاة والزيارة ، وبعدها يرجع إلى الدار
فيفطر بالقليل من الطعام ويهجع هنيهة ، ثمّ يباشر الكتابة مرّة أخرى).
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو نسختان ، وهما ذواتا الرقمين التاليين : (٩٨) و (١٢١) ، ودونك تفصيل
ذلك :
الأولى
كتب عليها عنوان النسخة بخطّه ، والثانية استعارها منه الشيخ محمّد بن صادق الخليليّ
(ت ١٣٨٨هـ) بتاريخ (١٣٧٦هـ).
٤ ـ الحجّة السيّد محمّد صالح ابن السيّد
عبد الرسول ابن السيّد محمّد حسين الخرسان (ت ١٤٢٦هـ) ، عالم ، فاضل.
آلت إليه المكتبة بعد وفاة والده السيّد
عبد الرسول الخرسان (ت ١٣٦١هـ) بحسب التواريخ التي على النسخ.
آثاره في المكتبة :
وأمّا ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي
عليها آثاره فهو (١٢) نسخة ، وهي ذوات الأرقام التالية : (١٨) ، و (٢٠) ، و (٢٧) ،
و (٣٣) ، و (٣٤) ، و (٣٥) ، و (٥٦) ، و (٦٢) ، و (٧٨) ، و (٨٢) ، و (١٠٤) ، و (١٠٥)
، ودونك تفصيل ذلك :
__________________
أ
ـ النسخة ذات الرقم (١٨) عليها تملّكه.
ب
ـ النسخة ذات الرقم (٢٠) الأوراق الستّ الأولى
منها ظاهراً كتبها بنفسه.
ج
ـ النسختان ذواتا الرقمين (٢٧) و (٨٢) كتب
عليهما وقفيّة السيّد عبّاس الخرسان للمكتبة بتاريخ سنة ١٣٦٣هـ.
د
ـ النسخة ذات الرقم (٣٣) أتمّ نقصها بتاريخ
(١٨ جمادى الأولى سنة ١٣٦٣هـ).
هـ
ـ النسخة ذات الرقم (٣٤) أتمّ نقصها بتاريخ
(١٧ شهر ربيع الأوّل سنة ١٣٦٦هـ).
و
ـ النسخة ذات الرقم (٣٥) كتب عليها عنوان
النسخة.
ز
ـ النسخة ذات الرقم (٥٦) بعض أوراقها ظاهراً
كتبها بنفسه.
ح
ـ النسخة ذات الرقم (٦٢) كتب على أوّلها تاريخ
النسخة.
ط
ـ النسخة ذات الرقم (٧٨) كتب عليها وقفيّة
السيّد عبّاس الخرسان للمكتبة.
ي
ـ النسختان ذواتا الرقمين (١٠٤) و (١٠٥) كتب
على كلّ منهما عنوان النسخة وتاريخها.
٥ ـ آية الله المحقّق السيّد محمّد مهديّ
ابن السيّد حسن الخرسان ،
ولد سنة (١٣٤٧هـ) ، عالم
، مؤلّف ، محقّق ، ورع .
انتهت إليه المكتبة بعد وفاة والده السيّد
حسن الخرسان في (١٢ جمادى الأولى سنة ١٤٠٥ هـ) ، وقد ذكر ذلك : الأستاذ عليّ نقيّ المنزويّ
، والسيّد محمّد عليّ الروضاتيّ (ت ١٤٣٣هـ) .
وبعد وفاة الحجّة السيّد محمّد صالح الخرسان
سنة (١٤٢٦هـ) سلّم القسم الموجود من المكتبة عندهم إليه ، ثمّ سلّمها مشكوراً إلى خزانة
العتبة العلويّة للمخطوطات سنة (١٤٣١هـ) ، وكنت حين تسليمها موجوداً في دار السيّد
الخرسان ، ولا أنسى أنّها نقلت بخمس صناديق صغيرة وكبيرة في عربة واحدة ، وتمنّيت حينها
لو أنّ السيّد أذن لي بفهرستها ، إذ إنّ مشروعي لفهرسة مخطوطات النجف لايزال قائماً
بحمد الله تعالى وفضله ، وكنت قد فهرست مخطوطات الشيخ محمّد عليّ الأوردباديّ والشيخ
شير محمّد الهمدانيّ والسيّد محمّد صادق بحر العلوم ، وسعيت في فهرسة مكتبة السادة
آل الخرسان ذلك الوقت لكنّ عوائق حدثت وكان ما كان ، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
__________________
آثاره في المكتبة :
ما وصل إلينا من نسخ المكتبة التي عليها
آثاره كثير ، فلا تخلو نسخة من نسخ المكتبة من خطّ قلمه الشريف بين ذكر عنوان أو مؤلّف
أو ناسخ أو تاريخ نسخ أو واقف ، بحيث إنّك تستطيع أن تميّز نسخ آل الخرسان من نسخ الحرم
العلويّ بخطّ يده ، ورأيت أن أترك تفصيل ذلك لطوله.
٦ ـ آية الله السيّد محمّد رضا ابن السيّد
حسن الخرسان ، ولد سنة (١٣٥٢هـ) ، عالم ، مؤلّف ، محقّق ، ورع .
آلت إليه المكتبة التي كانت بتولية الحجّة
السيّد محمّد صالح ابن السيّد عبد الرسول الخرسان بعد هجرته إلى إيران سنة (١٤١١هـ)
بتولية محرّرة منه ، ثمّ أعادها إلى السيّد محمّد صالح بعد عودته لوطنه العراق سنة
(١٤٢٤ هـ) ، ولا ننسى جهود ولده العلاّمة السيّد محمّد صادق الخرسان ـ دام عزّه ـ في
تنظيمها والاعتناء بها والحفاظ عليها.
وبعد هذا لا ننسى الدور الذي قامت به العتبة
العلويّة المقدّسة في الاهتمام بمخطوطات هذه المكتبة وغيرها من تصوير وتصحيف وفهرسة
وو .. فجزى الله القائمين عليها وعلى حفظ التراث الإسلاميّ أجمعين.
__________________
المفقود من المكتبة :
قد تقدّم أنّ ممّا يؤسف له أنّ تلك الخزانة
النفيسة احترقت في زمان السيّد موسى الخرسان ولم يبق منها إلاّ ما انتشل من لهيب النار
، والأوراق الأربع الأولى من النسخة ذات الرقم (٣١) يظهر عليها آثار ذلك الحريق .
وقد ذكر الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ (ره) من
نسخ المكتبة في كتبه : الذريعة
وطبقات أعلام الشيعة وذيل كشف الظنون
غير ما ذكرناه في فهرس المكتبة
، علماً أنّ المخطوطات التي ذكرت في هذا الفهرس هي غير
__________________
مخطوطات آية الله السيّد
حسن وولده السيّد محمّد مهديّ الخرسان ، فإنّ صاحب الذريعة
ذكر من ممتلكاتهما بعض النسخ ، فإنّ ما موجود في هذا الفهرس خاصّ بالأجداد الذين تقدّم
ذكرهم.
وحتّى لا أترك شيئاً من ذكر المكتبة فقد
تعرّضت كثيراً لذكر اعتماد صاحب الذريعة
عليها بحيث عدّها ولده المنزويّ من مآخذ كتاب والده رحمهالله
الذريعة
، هذا وقد ينبئك الكتاب عن استعارة جملة من الأعلام بعض كتب المكتبة ، وما ذلك إلاّ
خدمة لأهل العلم ، منهم على سبيل الاختصار : الشيخ عليّ رفيش ، والسيّد جعفر الخرسان
، والشيخ محمّد حسين العامليّ ، والشيخ مهديّ نعمة ، والشيخ هادي المرزا ، والشيخ عبد
المنعم الكاظميّ ، والسيّد محمّد الحسينيّ العامليّ وغيرهم ، إضافة إلى جملة من تملّكات
الأعلام على نسخها ، والإجازات.
وأودّ أن أبيّن أنّ نسخ هذه المكتبة عند
انتقالها إلى خزانة العتبة العلويّة خلطت مع مخطوطات المكتبة الأمّ من قبل العاملين
فيها ، وقمت بفرزها على حدة حفاظاً عليها من الضياع التاريخيّ ، ووفّقت في ذلك بحمد
الله تعالى ، وكان عددها (١٣٢) مجلّداً ضمّت (١٧٩) نسخة ، وفيها (٢٢) مجموعة ،
والجميع وضع في خمسة رفوف ، والحمد لله ربّ العالمين.
__________________
منهجي في فهرس المكتبة
:
وكان منهجي في فهرس المكتبة أن أذكر رقم
النسخة ثمّ اسم المؤلِّف وتاريخ وفاته وموضوع الكتاب ، ثمّ التعريف بالكتاب بشكل موجز
، وكان معتمدي في تقديم المعلومات اللازمة عن كلّ من محتويات هذا الكتاب ثلاثة
مصادر : الذريعة
إلى تصانيف الشيعة ، والتراث العربيّ المخطوط
، وما يذكره مؤلّفو الكتب المخطوطة في مقدّماتهم ، مع مراعاة الأمانة العلميّة في النقل
وعزو المعلومات إلى مصادرها ، أمّا ما لم يذكر في شيء من هذه المصادر الثلاثة فأحاول
أن أضع له ترجمة معتمداً فيها على ما يُتاح من وسائل البحث والمعرفة ، ثمّ أذكر ما
اشتملت عليه النسخة ومقدار نقصها وأوّلها وآخرها ، ثمّ التعريف بالنسخة كاملة وبالتفصيل
؛ من أجل التوثيق وتقديم فوائد أُخر غير خافية ، ثم نوع الغلاف ولونه وعدد أوراقها
وقياسها.
بقي أن ألفت نظر الباحثين الكرام إلى بعض
الأمور :
أوّلاً
: إنّي رتّبت نسخ الفهرس بحسب حجم الكتب فابتدأت
بالصغير وانتهيت بالكبير ، مع وضع الفهارس الفنّيّة في آخره خدمة للباحثين.
ثانياً
: إنّي أشرت إلى كلّ نسخة ذكرها الشيخ آقا
بزرك الطهرانيّ (ره) في كتابه الذريعة
إلى تصانيف الشيعة وإلى كلّ كتاب لم يُذكر
فيها ، وكذا كتابيه طبقات
أعلام الشيعة وذيل كشف الظنون ؛
وذلك لأنّ هذه المكتبة كانت من مصادر كتبه الثلاثة هذه.
شكر وتقدير :
عرفاناً بالجميل المسدى إليّ في طريقي لإتمام
هذا البحث أتوجّه بالشكر الوافر إلى كلّ من :
١ ـ إدارة الحرم العلويّ المطهّر متمثّلة
بأمينها العامّ فضيلة العلاّمة الشيخ ضياء الدين زين الدين ، وفضيلة الدكتور عليّ خضيّر
حجّي المشرف على قسم الشؤون الفكريّة لمواكبتهما سير البحث وتوفير مستلزماته ، والإخوة
العاملين في خزانة مخطوطات الروضة العلويّة لما بذلوه من جهد مضن طوال سير العمل ،
وبالخصوص الأخ الأستاذ صلاح محمّد عليّ الخاقانيّ.
٢ ـ آية الله المحقّق السيّد محمّد مهديّ
الخرسان (ده) لاطلاعه على فهرس الكتاب برغم ضيق وقته بسبب انكبابه على العمل العلميّ
الدؤوب.
٣ ـ فضيلة العلاّمة السيّد محمّد صادق السيّد
محمّد رضا الخرسان ـ دام عزّه ـ لدعمه المعنويّ وتفضّله بمراجعة البحث العلميّة.
٤ ـ إدارة مجلة تراثنا المتمثلة بفضيلة الشيخ
نصير الدين كاشف الغطاء ـ دامت توفيقاته ـ والعاملين معه.
فإليهم جميعاً منّي أسمى آيات الشكر والعرفان.
وختاماً :
ألتمس من إخواني المؤمنين ولا سيّما أهل
البحث والتحقيق أن ينبّهوني
على ما قد يجدونه من الخطأ
غير المقصود مما جرى به القلم وزاغ عنه البصر ، فإنّ الإنسان موضع الغلط والنسيان ،
والكمال لله ، والعصمة لأهلها ، والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
يوم مولد السبط الإمام الحسن عليه السلام
١٥ شهر رمضان سنة ١٤٣٥ هـ
النجف الأشرف
في خزانة حرم الإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام





المصادر
* القرآن الكريم.
١ ـ أعيان الشيعة
: السيّد محسن الأمين (ت ١٣٧١ هـ) ، تحقيق وتخريج : حسن الأمين ، نشر : دار التعارف
للمطبوعات ـ بيروت ، د. ت.
٢ ـ إيضاح المكنون
: إسماعيل باشا البغداديّ (ت ١٣٣٩ هـ) ، تصحيح : محمّد شرف الدين يالتقايا ، رفعت بيلكه
الكليسيّ ، نشر : دار إحياء التراث العربيّ ـ بيروت ، د. ت.
٣ ـ تحفة الأزهار وزلال الأنهار
: السيّد ضامن بن شدقم الحسينيّ المدنيّ (كان حيّاً سنة ١٠٩٠ هـ) ، تحقيق : د. كامل
سلمان الجبوريّ (معاصر) ، نشر : مرآة التراث ، طهران ، ط ١ ، سنة ١٤٢٠ هـ.
٤ ـ التراث العربيّ المخطوط
: السيّد أحمد الحسينيّ الأشكوريّ (معاصر) ، نشر : دليل ما ـ قمّ المقدّسة ، ط ١ ،
سنة ١٤٣١ هـ ، مط : نكارش.
٥ ـ تراجم الرجال
: السيّد أحمد الحسينيّ الأشكوريّ (معاصر) ، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ
النجفيّ ـ قمّ المقدّسة ، سنة ١٤١٤ هـ ..
٦ ـ تكملة أمل الآمل
: السيّد حسن هادي الصدر (ت ١٣٥٤هـ) ، تحقيق : السيّد أحمد الحسينيّ الأشكوريّ ، نشر
: مكتبة آية الله المرعشيّ ـ قمّ المقدّسة ، سنة ١٤٠٦هـ ، مط : الخيّام.
٧ ـ جامع الأنساب
: السيّد محمّد عليّ الروضاتيّ (ت ١٤٣٣هـ) ، مط : جاويد ، إصفهان ، سنة ١٣٧٦ هـ.
٨ ـ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة
: الشيخ عليّ ابن الشيخ محمّد رضا كاشف الغطاء (ت ١٣٥٠ هـ) ، مخطوط ، في مكتبة الإمام
كاشف الغطاء.
٩ ـ الدرر البهيّة في تراجم علماء الإماميّة
: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم (ت ١٣٩٩هـ) ، تحقيق وحدة التحقيق في مكتبة العتبة
العبّاسيّة المقدّسة ، إشراف أحمد عليّ مجيد الحلّيّ ، نشر : مكتبة ودار مخطوطات العتبة
العبّاسيّة المقدّسة ، ط ١ ، مط ف مؤسّسة الأعلميّ ، بيروت ، ١٤٣٤هـ.
١٠ ـ ديوان الشيخ عبّاس الملاّ عليّ البغداديّ
النجفيّ (ت ١٢٧٦ هـ) : جمع وتقديم : الشيخ محمّد
عليّ اليعقوبيّ (ت ١٣٨٥هـ) ، المطبعة العلميّة ، النجف الأشرف ، سنة ١٣٧٥ هـ.
١١ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة
: الشيخ آقا بزرك الطهرانيّ (ت ١٣٨٩هـ) ، نشر : دار الأضواء ـ بيروت ، ط ٣ ، سنة ١٤٠٣هـ.
١٢ ـ شعراء الغريّ
(النجفيّات) : عليّ الخاقانيّ (ت ١٣٩٩ هـ) ، مكتبة آية الله المرعشيّ ، سنة ١٤٠٨ هـ
، أوفسيت على طبعة المطبعة الحيدريّة ، النجف ، سنة ١٣٧٣ هـ.
١٣ ـ شهداء الفضيلة
: الشيخ عبد الحسين الأمينيّ (ت ١٣٩٢ هـ) ، مؤسّسة التاريخ العربيّ ، بيروت ، ط ١ ،
سنة ١٤٣١ هـ.
١٤ ـ طبقات أعلام الشيعة
: الشيخ آقا بزرك الطهراني (ت ١٣٨٩هـ) ، نشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، ط
١ ، أوفسيت ، سنة ١٤٣٠هـ ..
١٥ ـ الغدير في الكتاب والسنّة والأدب
: الشيخ عبد الحسين الأمينيّ (ت ١٣٩٢ هـ) ، دار الكتاب العربيّ ، بيروت ، سنة ١٣٩٧
هـ.
١٦ ـ فهرس التراث
: السيّد محمّد حسين الحسينيّ الجلاليّ ، تحقيق : محمّد جواد الحسينيّ الجلاليّ ، منشورات
دليل ما ، قمّ المقدّسة ، سنة ١٤٢٢ هـ.
١٧ ـ فهرستكان نسخه هاى خطى ايران (فنخا)
: اهتمام : مصطفى درايتي ، نشر : المكتبة الوطنيّة في إيران ، طهران ، ط ١ ، ١٣٩٠ ش.
١٨ ـ فهرست مخطوطات مكتبة العتبة العبّاسيّة المقدّسة
: إعداد وفهرسة : السيّد حسن الموسويّ البروجرديّ (معاصر) ، نشر : مكتبة ودار مخطوطات
العتبة العبّاسيّة المقدّسة ، كربلاء المقدّسة ، ط ١ ، سنة ١٤٣١هـ ، مط : الإسراء.
١٩ ـ فهرستواره دستنوشت هاى ايران (دنا)
: اهتمام : مصطفى درايتي ، ط ١ ، نشر : مكتبة مجلس الشورى ، طهران ، ١٣٨٩ ش.
٢٠ ـ فهرس مصنّفات الشيخ محمّد بن عليّ بن أبي
جمهور الأحسائيّ : الشيخ عبد الله غفراني
، نشر : جمعية ابن أبي جمهور الأحسائيّ ، ط ١ ، دار المحجّة البيضاء ، بيروت ، ١٤٣٤هـ.
٢١ ـ فهرس مكتبة العلاّمة السيّد محمّد صادق بحر
العلوم : إعداد وفهرسة : أحمد عليّ مجيد الحلّيّ
، نشر : مؤسسة تراث الشيعة ، قمّ المقدّسة ، ط ١ ، سنة ١٤٣١هـ ، مط : القرآن الكريم.
٢٢ ـ كشف الحجب والأستار
: السيّد إعجاز حسين الكنتوريّ (ت ١٢٨٦هـ) ، تقديم : السيّد شهاب الدين المرعشيّ ،
نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشيّ النجفيّ ، قم المقدّسة ، ط ٢ ، سنة ١٤٠٩هـ
..
٢٣ ـ كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون
: مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجّي خليفة وبكاتب چلبي (ت ١٠٦٧هـ) ، تقديم : السيّد
شهاب الدين المرعشيّ ، نشر : دار إحياء التراث العربي ـ بيروت ، د. ت.
٢٤ ـ ماضي النجف وحاضرها
: الشيخ جعفر بن محمّد باقر محبوبه (ت ١٣٧٧هـ) ، دار الأضواء ، بيروت ، سنة ١٤٣٠ هـ.
٢٥ ـ مشهد الإمام أو مدينة النجف
: محمّد عليّ جعفر التميميّ(ت بعد ١٣٨٦هـ) ، المطبعة الحيدريّة ، قمّ المقدّسة ، سنة
١٤٣١هـ.
٢٦ ـ معارف الرجال في تراجم العلماء والأدباء
: الشيخ محمّد حرز الدين (ت ١٣٦٥ هـ) ، تحقيق : محمّد حسين حرز الدين ، مكتبة السيّد
المرعشيّ ، قم المقدّسة ، سنة ١٤٠٥ هـ.
٢٧ ـ معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف
عام : الشيخ محمّد هادي الأمينيّ (ت ١٤٢١ هـ)
، ط ٢ ، سنة ١٤١٣ هـ.
٢٨ ـ معجم المطبوعات العربيّة
: إليان سركيس (ت ١٣٥١هـ) ، نشر : مكتبة آية الله المرعشيّ النجفيّ ، قم المقدّسة ،
سنة ١٤١٠هـ ، مط : بهمن.
٢٩ ـ معجم المطبوعات النجفيّة
: محمّد هادي الأمينيّ (ت ١٤٢١هـ) ، مط : الآداب ـ النجف الأشرف ، ط ١ ، سنة ١٣٨٥هـ.
٣٠ ـ معجم مؤرّخي الشيعة
: صائب عبد الحميد ، نشر : مؤسّسة دار معارف الفقه الإسلاميّ ، قم المقدّسة ، ط ١ ،
سنة ١٤٢٤ هـ.
٣١ ـ معجم المؤلّفين
: عمر كحالة (ت ١٤٠٨هـ) ، نشر : مكتبة المثنّى ودار إحياء التراث العربيّ ، بيروت ،
د. ت.
٣٢ ـ المفصّل في تاريخ النجف الأشرف
: الدكتور حسن عيسى الحكيم ، المكتبة الحيدريّة ، ج ١٩ ، سنة ١٤٣٠ هـ.
٣٣ ـ مقدّمات كتب تراثيّة
: السيّد محمّد مهديّ الخرسان ، مكتبة الروضة الحيدريّة ، النجف الأشرف ، نشر : دليل
ما ، ط ١ ، ١٤٢٧ هـ.
٣٤ ـ المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار
: تقي الدين أحمد بن علي المقريزيّ (ت ٨٤٥ هـ) ، تحقيق : خليل المنصور ، دار الكتب
العلمية ، بيروت ، ط ١ ، سنة ١٤١٨ هـ.
٣٥ ـ موسوعة النجف الأشرف
: جمع بحوثها : جعفر الدجيليّ ، إشراف لجنة من رجال الفكر والأدب ، دار الأضواء ، بيروت
، ط ١ ، ١٤١٨ هـ.
٣٦ ـ المنتخب من أعلام الفكر والأدب
: كاظم عبود الفتلاويّ (ت ١٤٣١ هـ) ، نشر : مؤسسة المواهب ، لبنان ، ط ١ ، سنة ١٤١٩
هـ.
٣٧ ـ هديّة العارفين
: إسماعيل باشا البغداديّ (ت ١٣٣٩هـ) ، نشر : دار إحياء التراث العربيّ ـ بيروت ، أوفسيت
على طبعة إستانبول ١٩٥١م ، د. ت.
المخطوطات
٣٨ ـ ماضي النجف وحاضرها
: الشيخ جعفر بن محمّد باقر محبوبه (ت ١٣٧٧ هـ) ، السادة الموسويّة ، موجود في خزانة
الحرم العلويّ.
الدوريّات
٣٩ ـ آفاق نجفيّة
: مجلّة فصليّة تعنى بالدراسات والبحوث التراثيّة والمعاصرة المختصّة بشؤون النجف الأشرف
، رئيس تحريرها : د. كامل سلمان الجبوريّ ، ع ٢٠ ، ع ٣٥.
٤٠ ـ تراثنا
: نشرة فصليّة تصدرها مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ، قمّ المقدّسة ، أعداد مختلفة.
٤١ ـ بهارستان
: مجلّة ، تصدر عن مكتبة مجلس الشورى ، طهران ، السنة الثامنة ، العدد الثامن ، سنة
١٣٨٩ ش.
٤٢ ـ الموسم
: مجلّة ، فصليّة مصوّرة تعنى بالآثار والتراث ، رئيس تحريرها : د. محمّد سعيد الطريحيّ
، أكاديميّة الكوفة ـ هولندا ، ع ٧٩ ـ ٨٠ ، سنة ١٤٤٣٠ هـ.
٤٣ ـ النجف الثقافيّة
: مجلّة ، شهريّة ، ثقافيّة ، إسلاميّة ، تصدر عن اللجنة الإعلاميّة في مشروع النجف
عاصمة الثقافة الإسلاميّة ، السنة الأولى ، أيلول ، سنة ٢٠١١م ، العدد : ٥.

مقـدّمة التحقيـق
بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمدُ لله ربِّ العالَمين ، والصلاةُ
والسلامُ عَلَى سيّد الأنبياء والمُرسلين محمّد المصطفى وعَلَى العترة الطاهرة من
آله الميامين.
«عن الشيخ الصدوق : أبي رحمهالله عن علي بن إبراهيم ،
عن محمّد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن يزيد الرزّاز ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال أبو جعفر عليهالسلام :
(يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر
روايتهم ومعرفتهم ، فإنّ المعرفة هي الدراية للرواية)» .
لا شكّ بأنّ الحديث الشريف وعلومه من
أشرف العلوم الإسلامية بعد القرآن وعلومه ، وله التأثير البالغ على الثقافة
والحضارة الإسلامية ، ويعتبر من أهمّ مصادر التشريع الإسلامي.
__________________
وهذه الرسالة الشريفة التي بين يديك
موجودة مع مجموعة من الرسائل بخطّه الشريف والتي لم تطبع بعد في مكتبة الإمام
الحكيم العامّة العامرة في النجف الأشرف ، وتتناول بعض بحوث علم الدراية ، وهي
ناقصة في الأصل.
ولم يعنونها (رضوان الله عليه) بعنوان
خاص ، ووضعنا هذا العنوان لأنّه مناسب للبحث المطروح فيها.
وكان عملنا في تحقيق هذه الرسالة
الشريفة ما يلي : تقطيع النصّ وتقويمه ، وتخريج الأحاديث الشريفة والأقوال الواردة
في المتن ، وترجمة بعض الأعلام الواردة في الرسالة ، والتصحيح قدر المستطاع ، ووضعنا
ما أضفناه بين معقوفين [].
السيّد محسن
الطباطبائي الحكيم
(١٣٠٦ ـ ١٣٩٠ هـ)
السيّد محسن ابن السيّد مهدي الحكيم
(رضوان الله عليه) كان المرجع الديني الأبرز لتقليد الشيعة الإمامية في النصف
الثاني من القرن الرابع عشر الهجري.
ولد في النجف الأشرف سنة (١٣٠٦) للهجرة.
وبعد وفاة والده تولّى تربيته العلمية
ونشأته الدينية أخوه الأكبر السيّد محمود الحكيم ، وكان عمره المبارك آنذاك سبع
سنين ، حيث درس عليه مقدّمات العلوم الإسلامية والفقه والأصول.
ثمّ تلقّى بقية دروسه في المراحل
العالية لدى المشايخ والأساتذة في الحوزة العلمية في النجف وحضر درس الخارج على
الأساتذة الكبار منهم :
(١) الشيخ الآخوند محمّد كاظم الخراساني قدسسره.
(٢) الشيخ ضياء الدين العراقي قدسسره.
(٣) الشيخ علي باقر الجواهري قدسسره.
(٤) الشيخ الميرزا محمّد حسين النائيني قدسسره.
(٥) السيّد محمّد كاظم اليزدي قدسسره.
(٦) السيّد محمّد سعيد الحبوبي قدسسره.
اشتغل بالتدريس واهتمّ بالتأليف
والتصدّي لشؤون الأمّة والفتيا على نطاق واسع ، وذاع صيته واشتهر اسمه في أرجاء
العالم الإسلامي عامّة والشيعي على وجه الخصوص لأكثر من عقدين من الزمن.
وفي أثناء اندلاع نيران الثورة في
العراق ، وفي سنة (١٣٣٢ هـ) اختاره السيّد محمّد سعيد الحبّوبي قدسسره الذي كان يقود
المؤمنين والمسلمين العراقيّين ضدّ الاحتلال الإنجليزي في جبهة الناصرية للوقوف
إلى جانبه ، فأولاه ثقته وأصبح من الملازمين له قدسسره
والمستفيدين من دروسه وأبحاثه.
وفي سنة (١٣٣٣هـ) تفرّغ للتدريس ، فبرز
بوصفه أحد الأساتذة والمشايخ الذين يشار لهم بالبنان ولهم حلقات درس وبحث معروفة
في حوزة النجف الأشرف.
شرع بتدريس البحث الخارج في الفقه
والأصول في عام (١٣٣٧ هـ) ، وقد تخرَّج على يديه العشرات من العلماء والأساتذة.
وبعد وفاة السيّد أبي الحسن الأصفهاني
في سنة (١٣٦٥ هـ) اتّجهت أنظار أتباع أهل البيت عليهمالسلام
إليه وقلده الكثيرون.
وبعد وفاة السيّد البروجردي قدسسره في سنة (١٣٨٠ هـ)
أصبح المرجع الديني الأكثر تقليداً.
تراثه العلمي :
أثرى المكتبة الإسلامية بالمؤلّفات
العديدة من أهمّها :
(١)
(مستمسك العروة الوثقى) :
من أفضل الشروح على (العروة الوثقى) للسيّد اليزدي ، ويتألّف من أربعة عشر مجلّداً.
(٢)
(حقائق الأصول) : وهو تعليقة على كتاب
(كفاية الأصول) للشيخ الآخوند محمّد كاظم الخراساني.
(٣)
(دليل الناسك) : وهو تعليقة على منسك
الشيخ الأنصاري.
(٥)
تعليقة على المكاسب للشيخ الأنصاري.
(٦)
تعليقة على ملحقات (العروة الوثقى).
(٧)
(منهاج الناسكين) : في أعمال الحج.
(٨)
رسالة (منهاج الصالحين) :
وهي رسالته العملية الفتوائية في جزئين ، وصارت محوراً لتعليق فتاوى الفقهاء في
الأزمنة المتأخّرة.
(٩)
رسالة في إرث الزوجة من الزوج
، وهي من أولى تأليفاته (وقد حقّقناها وهي ماثلة للطبع).
(١٠)
رسالة في سجدتي السهو (وقد حقّقناها وهي
ماثلة للطبع).
(١١)
رسالة مختصرة في علم الدراية
(وهي الرسالة التي بين يديك وهي غير كاملة في الأصل).
(١٢)
تعليقة على كتاب الرياض من بحث الإجارة إلى
النكاح.
(١٣)
حواشي على نجاة العباد.
(١٤)
شرح التبصرة للعلاّمة الحلّي في
مجلّدين.
(١٥)
حاشية على الرسالة الصلاتية
طبعت سنة (١٣٧١هـ).
وغيرها من المؤلّفات القيّمة والنافعة.
مشاريعه :
من المشاريع التي قام بها وأشرف عليها :
١ ـ تأسيس المكتبات العامّة في أنحاء
العراق كافّة لنشر الثقافة الإسلامية وتوعية الشباب المسلم وحمايته من الانحراف
والانجراف وراء الأفكار المنحرفة التي كانت تشكّل خطراً كبيراً آنذاك.
٢ ـ بناء المساجد ، والتكايا ،
والحسينيّات.
٣ ـ طبع الكتب الإسلامية وإرسالها إلى
مختلف أنحاء العالم.
٤ ـ تأسيس وتجديد المدارس العلمية لطلبة
العلوم الدينية.
٥ ـ وكان له اهتمام كبير بإحياء مناسبات
أهل البيت عليهمالسلام
، وبالخصوص إحياء مجالس عزاء الإمام الحسين عليهالسلام.
٦ ـ مشاريع مختلفة أخرى خارج العراق ،
مثل بناء المساجد في لبنان ، وسورية ، وباكستان ، وأفغانستان ، والمدينة المنوّرة
، وجعلها مراكز دينية لإجراء العبادات وإقامة الاحتفالات ونشر الثقافة الإسلامية
الأصيلة وتوضيح المسائل والأحكام الشرعية وتوضيح ونشر أفكار أهل البيت عليهمالسلام.
وفاته :
توفّي (رضوان الله عليه) في بغداد سنة
(١٣٩٠هـ) وكان قد نقل إليها للعلاج ، وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف ودفن بها بعدما
شيّع تشييعاً مهيباً في بغداد وغيرها من المدن التي مرّ بها الجثمان الطاهر ،
وعمّت أرجاء العالم
الإسلامي والشيعي
خصوصاً موجة من الأسى والحزن العميقين لوفاته.
استغرق تشييعه قدسسره من العاصمة بغداد
إلى مدينة النجف الأشرف مدّة يومين بموكب مهيب ، حضره مئات الآلاف من المؤمنين ،
حتّى كاد أن يتحوّل ذلك التشييع إلى انتفاضة عارمة ضدّ النظام البعثي في العراق.
تمَّ دفنه قدسسره
في مقبرة خاصّة إلى جوار مكتبته في مدينة النجف الأشرف ، وصارت مزاراً لمحبّيه من
المؤمنين.
وفي الختام نسأل الله سبحانه وتعالى أن
يتغمّده برحمته الواسعة وأن يتقبّل منّا إنّه سميع الدعاء وآخر دعوانا أن الحمد
لله ربّ العالمين.


بسم الله الرحمن
الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة
والسلام على محمّد وعلى آله الطاهرين
[المقدّمة]
فهنا مقدّمة وأبواب وخاتمة.
أمّا المقدّمة ففي بيان تعريف علم
الرجال وموضوعه وفائدته.
[تعريف علم الرجال]
أمّا
الأوّل : فهو علم يبحث فيه عن آحاد رواة الحديث
من حيث قبول روايته وردّها.
وإن شئت قلت : هو علم وضع لتشخيص رواة
الحديث ذاتاً ووصفاً ، مدحاً وقدحاً.
[موضوع علم الرجال]
وأمّا موضوعه فهو الرواة.
[فائدة علم الرجال]
وأمّا
الثالث : فهو معرفة الرواة من الحيثية المذكورة
ليتوصّل بها إلى قبول الرواية وردّها في مقام استنباط الأحكام من السُّنّة.
ويبحث فيه في مقامات
ثلاثة :
الأوّل
: تشخيص ما يستفاد من بعض الألفاظ المنسوبة
كلفظ (ثقة) و (نقة) و (وجه) وأمثالها من الألفاظ المتعلّقة بالجرح والتعديل.
والثاني
: في تعيين وثاقة الراوي بالاجتهاد.
والثالث
: في تمييز المشتركات.
[تعريف علم الدراية]
وأمّا
علم الدراية : فهو علم يُعرَّف به
اصطلاحات الحديث والمحدّثين وطرق تحمّلهم ونقلهم.
وعَرّفه الشهيد الثاني قدسسره بأنّه : «علم يُبحث
فيه عن متن الحديث وطرقه من صحيحها وسقيمها وما يحتاج إليه ؛ لُيعْرَف المقبول منه
والمردود» .
ولا يخفى ما فيه ؛ إذ يلزم أن يكون علم
الأصول الباحث عمّا هو حجّة من الأخبار وتمييز مقبوله عن مردوده داخلاً فيه.
__________________
وعرّفه الشيخ البهائي بأنّه : «علم
يتعلّق بمتن الحديث وسنده» .
ثمّ اعلم إنّه قبل الشهيد الثاني لم يكن
من الخاصّة مَنْ تصدّى لتصنيفه ، ولكنّه قدسسره
قد صنّف فيه كتابه المسمّى بـ : بغية
القاصدين في اصطلاحات المحدّثين
، ثمّ صنّف فيه الشيخ حسين بن عبد الصمد والد الشيخ البهائي ، وهو رحمهالله
صنّف فيه كتابه المسمّى بـ : الوجيزة مقدّمة الحبل المتين ، مختصر جدّاً.
[الفرق بين علم
الرجال وعلم الدراية]
والفرق بين العلمين المذكورين أنّ علم
الدراية يختصّ بالبحث عن المفاهيم دون المصاديق ، كقولهم : إنّ الخبر الصحيح ما
كان سلسلة سنده عدولاً إماميّين ضابطين ، بخلاف علم الرجال إذ به يُعيّن حال أسماء
آحاد الرواة.
وكذا قالوا : ليس تعداده من العلوم على
ما ينبغي ؛ إذ العلوم الحقيقية ما يستفاد منها قواعد كلّية يُقتدر بها على معرفة
الجزئيّات وليس هو كذلك .
__________________
[علما الرجال
والدراية من مقدّمات الاجتهاد]
ولا يخفى أنّه لابدّ قبل الشروع من بيان
أنّ علمي الرجال والدراية من مقدّمات الاجتهاد ، وأنّ استنباط الأحكام الشرعية من
أدلّتها لا يمكن بدونهما.
أمّا كون علم الدراية من المقدّمات فلا
ينبغي التوقّف فيه ؛ إذ عرفت أنّه علم باصطلاحات الحديث والمحدّثين ، ومعلوم
بالضرورة أنّ الأحكام الشرعية تُستنبط غالباً من السُنّة ، والعلم بالسُنّة وتمييز
مقبولها عن مردودها يتوقّف على فهم الاصطلاحات ، مثل : الضعيف ، والصحيح ، والقويّ
، والحسن ، والمضمر ، والمقبول ، والمستفيض ، والمتواتر.
وأمّا علم الرجال فكذلك ، بلا خلاف فيه
بين العلماء المتقدّمين والمتأخّرين ؛ ولذا ملؤوا الطوامير في تنقيح مباحثه ،
وصنّفوا فيه كثيراً ، بل كان ديدن أصحاب الأئمّة عليهمالسلام
على تدوينه ، وكذا غيرهم من العامّة بل
__________________
الخوارج المحكومين
بالكفر ، وذكر كلّ من صنّف في الأصول أنّ معرفته من مقدّمات الاجتهاد من الصدر
الأوّل إلى زماننا هذا.
[دعوى قطعية الأخبار
المدوّنة في الكتب الأربعة]
نعم اشتبه ذلك على جماعة من الإخباريّين
، فبعضهم ـ كالأمين الأسترابادي(١) ـ ادّعى قطعية الأخبار المدوّنة في الكتب
الأربعة. ولا يخفى أنّه بعد تسليم كونه قاطعاً ، لا طريق لإلزامنا ما دمنا غير
قاطعين ، وأنّه لو كان المراد بقطعية الصدور قطع مصنّفيها بالاعتبار فهذا حقّ
لشهادتهم في أوّل كتبهم باعتبار ما دوّنوه وأنّهم لم يدرجوا فيها إلاّ ما هو الحقّ
عندهم ، ولكنّه لا ينفع ذلك غيرهم مقلّداً كان أو مجتهداً ؛ إذ لا معنى لتقليدهم
في حجّية تلك الأخبار ؛ لأنّها من المسائل الأصولية التي لا تقليد فيها.
نعم ، لو آل الأمر إلى المسألة الفرعية
مع جواز تقليد الميّت ابتداءً ـ كما ذهب جماعة منهم ـ كان لتقليدهم مجال ، وأمّا
المجتهد الذي يستنبط فيمكن له أن يعتمد على تصحيحهم لها بعد وثوقه بهم إذا قطع أنّ
منشأ الاعتبار عندهم إعمال القواعد الرجالية وتمييز الصحيح من السقيم لا عن حدس
واجتهاد ، مثل توهّم كون مؤدّى الخبر مُجمعاً عليه أو كان مطابقاً لأصل
__________________
مُسلَّم ، بحيث لو
اطّلعنا على مباني اعتباره لها كانت عندنا فاسدة ؛ إذ احتمال ذلك مانع من الاعتماد
عليها ، ونظير ذلك دعوى الإجماع في المسائل الفرعية لأجل توهّم ثبوت أصل من الأصول
كما حُرِّر في محلّه.
وبالجملة
: إذا علمنا أنّ الوجه في اعتمادهم
القواعد الرجالية من الأصدقية والأعلمية والضبط ونحوها ـ كما هو ديدن بعض ـ جاز
الاعتماد عليهم ، وإذا احتملنا أن يكون لحدس فلابدّ لنا من الاجتهاد مثلهم.
ويمكن أن يُعتذر لمدِّعي القطع بالصدور
ـ أعني الاسترابادي ـ بأنّه كان تلميذ الميرزا محمّد الرجالي
، وهو تلميذ الأردبيلي
، وكان مسلكه
__________________
كصاحب المدارك
والمعالم
والذخيرة
والخونساري
(قدّس الله
__________________
أسرارهم) على العمل
بخصوص الأخبار الصحيحة المُعَدَّل كلّ واحد من رواتها بعدلين ، ومعلوم أنّ المقدار
المذكور لا يفي بالعذر ، فَتخيّل الأمين أنّ الأخبار كلّها تكون كذلك عند الفقهاء
فذهب إلى ما ذهب.
ثم إنّ بعض الإخباريّين ـ في مقام بيان
عدم الاحتياج إلى الرجال اعتمد على تصحيح أصحاب الكتب الأربعة من جهة كونهم أَعرف
بحال الرواة وأنّ أقوالهم ليست بأقلّ من تصحيحات علماء الرجال ، مع وقوع الاختلاف
فيهما بينهم في بعض الألفاظ مثل : ثقة ، ونقة ، ووجه. مضافاً إلى وقوع الاشتراك في
أَسامي كثير من الرواة المستلزِم لتمييزها في كلّ خبر بالاجتهاد بعد تمييز المتّفق
عليه عن الـمُختَلف فيه ، لكن ذلك يتوقّف على الاطمئنان الخاصّ المصحِّح للعمل
بالخبر كما يصحّح الاعتماد على تصحيح المدارك والمعالم وغيرهما من مهرة الفنّ ولا
يختصّ بهم ، فلابدّ من ملاحظة ذلك كلّه ، ومَنْ يحصل له الاطمئنان بهم فهو معذور
ولا جواب له ، لكن قد يعارضه توهين غيرهم أو توهين العامل نفسه بعد أن يكون من
مهرة الفنّ.
فالحاجة حينئذ إلى علم الرجال ممّا لا
يمكن أن تُنكر ، ويكون النزاع فيها صغرويّاً راجعاً إلى حصول الاطمئنان بتعميمهم
وعدمه ، وذلك لا يختصّ بهم ، بل يجري في حقّ غيرهم من المهرة كالعلاّمة
__________________
والمجلسي
المُصحِّح لأخبار الكافي
في مرآة
العقول ، والسيّد هاشم البحراني
المُصحِّح لأخبار التهذيب
، وغيرهم من مهرة الفنّ.
__________________
كما أنّ ذلك يختلف باختلاف المقامات
واختلاف الأشخاص في حُسن الظنّ بالغير وعدمه وغير ذلك من الجهات.
[شبهة أنّ المدار على
عمل الأصحاب]
وكذا شبهة أنّ المدار على عمل الأصحاب ـ
كما نسب إلى المحقّق رحمهالله
ـ إذ في (كلّما عمل به الأصحاب فهو حجّة وإن كان ضعيفاً ، وما لم يعمل به فليس
بحجّة وإن كان صحيحاً) ؛ إذ هذا المعنى لا يطّرد في جميع الأخبار ؛ إذ قد يكون
الخبر مورد العمل لطائفة والردّ لأخرى ، فلابدّ من الرجوع إلى القواعد الرجالية في
كثير من المقامات كما يظهر لمن راجع المسائل الفرعية.
[شبهة تواتر الكتب
الأربعة]
وكذا شبهة أنّ تواتر الكتب الأربعة ممّا
لا ريب فيه كتواتر الأصول المأخوذة منها ، ككتاب الحسين بن سعيد
المشتمل على ثلاثين كتاباً ،
__________________
وكتاب نوادر الحكمة
المسمّى بدبّة شبيب
، ومحاسن
البرقي
، وجامع
__________________
البزنطي
، والأصول الأربعمائة
لأصحاب الأئمّة عليهمالسلام المشتملة على
الأخبار
__________________
__________________
عن الأئمّة عليهمالسلام من الأمير إلى
العسكري ، ولا إشكال في حجّية المتواتر.
إذ فيها أيضاً أنّ التواتر المسلّم هو
تواترها عن مؤلّفيها ، كتواتر القراءات عن أصحابها لا عن الأئمّة عليهمالسلام.
نعم ، يفيد هذا التواتر عدم الاهتمام
بمشايخ الإجازة الذين هم الواسطة في نقل هذه الكتب المتواترة ، لا أنّه يفيد عدم
الحاجة إلى علم الرجال ، ولذا ترى أصل علي بن جعفر
عليهالسلام
مختلف النسخة ، وما
روي عنه في قرب
__________________
الإسناد
غير ما روي في الكتب الأربعة ولا مميّز لنا إلاّ علم الرجال.
وقال أيّوب بن نوح
لمّا سئل عن كتاب
الحسين بن روح : «وأمّا ما سألت
عنه من هذا فلا يحمل نسخة على نسخة ولا رواية على رواية».
فلابدّ حينئذ من الشروع في المقصد فنقول
مستعيناً بالله :
قد عرفت أنّ البحث يقع تارة في علم
الدراية ، وأخرى في علم الرجال ، فلنقدّم البحث عن الأوّل لتوقّف معرفة الثاني
عليه ؛ لمّا أشرنا إليه في تمييزهما فنقول :
[علم الدراية]
أوّل ما يلزم في البحث في هذا العلم
معرفة علماء الحديث والمحدّثين ومن نأخذ منه أخبارنا وأسماء الكتب الـمُدَوّنة في
الأخبار فنقول : قد سبق أنّ
__________________
أوّل من دوّن فيه
الشهيد الثاني رحمهالله
، ثمّ الشيخ حسين بن عبد الصمد ، ثمّ ولده المحقّق البهائي ، وقد تَكَفّل لذكر
أصحاب الحديث وكتبهم.
ولا يخفى أنّ العامّة يأخذون أحاديثهم
من صحاحهم الستّة سواء أُسندت إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله) أو إلى أحد كبرائهم
، والعمدة عندهم ابن عبّاس ؛ ولذا قال الشهيد رحمهالله
: إنّ أحمد بن حنبل الذي هو أحد المذاهب الأربعة قال إنّ الأحاديث النبوية تنحصر
في سبعمائة والباقي أُخذ من الباقين.
ولكن أصحابنا رضي الله عنهم لما رُوي عن
أئمّتهم عليهمالسلام
من قولهم : إذا أخذتم دينكم منهم فقد أخذتم دينكم من الخائنين
، أعرضوا عمّا رُوي عن المخالفين وما اعتمدوا على الأحاديث النبوية إلاّ ما ينتهي
سنده إلى مثل سلمان وأبي ذر وغيرهما ممّن كانوا على طريق الاستقامة وما نقضوا عهد
نبيّهم إليهم في ولاية أوليائهم ، فانحصرت النبويّات الصحيحة عندهم فيما روي
عنه(صلى الله عليه وآله) من الأئمّة عليهمالسلام
وأصحابهم والمحدّثين عنهم طبقة بعد طبقة إلى زماننا هذا.
قال في الوسائل : «إنّ وجه عدم ذكرنا
للنبويّات من جهة اشتراكها في
__________________
طرق الفريقين ولا
يمكن تمييز المعتبر منها من غيره ، وجرى ديدنهم على التعمّد لمخالفتنا بإيراد
أخبار موضوعة ، ولذا اُمرنا في المتعارضين أن نأخذ ما يخالف العامّة ؛ لأنّ الرشد
في خلافهم»
، وهذا لا ينافي ما اشتهر من اعتبار رواية مَن يُوثق به من العامة وغيرهم ،
كالسكوني
، وحفص بن غياث
، وجماعة من الزيدية
والواقفية
والفطحية
وغيرهم ممّن ادُّعِيَ الإجماع على حجّية خبره ، إذا أحرز أنّهم كانوا عدولاً في
مذهبهم وكانوا منقطعين إلى الأئمّة عليهمالسلامناقلين
لأحاديثهم ، ولا يعتنون بغيرهم ممّن خالفهم ، بخلاف من روي عنهم في الصحاح حيث لم
يحرز وثاقتهم كذلك ، بل أحرز عكس ذلك كما عرفت.
[طبقات أصحابنا]
فتلخّص أنّ الطبقات لأصحابنا ثلاث بل
أربع :
__________________
الأولى
: أصحاب الأئمّة عليهمالسلام الذين هم أصحاب
الأصول الأربعمائة من الأمير عليهالسلام
إلى العسكري عليهالسلام.
وأوّل مَن صنّف فيه واشتهر به أبو رافع.
الثانية
: مصنّفوا الكتب وناقلوا أخبار الاُصول ،
كالحسين بن سعيد ، ومحمّد ابن أحمد بن يحيى ، وأحمد البرقي ، وابن محبوب ،
والبزنطي ، وغيرهم.
الثالثة
: المحمّدون الثلاثة الذين ألّفوا الكتب
الأربعة ، بل الخمسة ، محمّد بن يعقوب الكليني
صاحب
الكافي ، ومحمّد بن الحسن الطوسي
__________________
صاحب التهذيب والاستبصار
، ومحمّد بن علي بن بابويه
الصدوق صاحب من
لا يحضره الفقيه ومدينة العلم
لكن المدينة صارت مهجورة.
ثمّ المحمّدون الثلاثة من المتأخّرين ،
نقدوا الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة ونقلوها إلى كتبهم ، كـ الوافي
لمحمّد بن مرتضى
المدعو بمحسن ، وقد اقتصر على أخبار الكتب الأربعة. والبحار
لمحمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي ، وقد اقتصر على ما عدا أخبار الكتب الأربعة.
ومحمّد بن الحسن
__________________
الحرّ
صاحب الوسائل وهو ينقل عن الكتب الأربعة غيرها.
[أَسامي أصحاب الأصول]
بقي الكلام في ذكر أَسامي أصحاب الأصول
من الطبقة الأولى ، وهم سبعة كما عن النجاشي ، وعبارته :
«الطبقة الأولى :
[١] أبو رافع مولى رسول الله(صلى الله
عليه وآله) واسمه أسلم ، كان للعبّاس بن عبد المطّلب فوهبه للنبيّ(صلى الله عليه
وآله) ، فلمّا بُشِّر النبيّ(صلى الله عليه وآله) بإسلام العبّاس أعتقه.
أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمّد الجندي»
إلى آخر ما ذكره في
ترجمته ، وذكر في أثناء كلامه أنّ لأبي رافع كتاب السنن والأحكام والقضايا.
[٢] «ولابن أبي رافع كتاب آخر ، وهو علي
بن أبي رافع ، تابعي من خيار الشيعة ، كانت له صحبة لأمير المؤمنين (وكان كاتباً
له ، وحفظ كثيراً ، وجمع كتاباً في فنون من الفقه (الوضوء) و (الصلاة) وسائر
الأبواب ، أخبرني
__________________
أبو الحسن التميمي ...
إلى آخره.
[٣] ربيعة بن سميع ، له كتاب في زكاة
الغنم ... إلى آخره.
[٤] سليم بن قيس الهلالي ، له كتاب ،
يكنّى أبا صادق ... إلى آخره.
[٥] الأصبغ بن نباتة المجاشعي ، كان من
خاصّة أمير المؤمنين عليهالسلام
وعمّر بعده ، روى عنه عهد الأشتر ووصيّته إلى ولده محمّد ... إلى آخره.
[٦] عبيد الله بن الحرّ الجعفي الفارس
الفاتك الشاعر ، له نسخة يرويها عن أمير المؤمنين(، قال أبو العباس أحمد بن نوح ...
إلى آخره» .
[من الأصول الحديثية
المشهورة]
ثمّ اعلم أنّ من الأصول المشهورة
بالأصول الأربع مائة بعضها موجود في زماننا هذا ، منها :
أصل
علي بن جعفر ، وهو أصل متواتر
معتبر مشتمل على أكثر الفقه.
ومحاسن
البرقي ، وهو أيضاً من الأصول المعتبرة ، وقد
نقل عنه الكليني وكلّ مَن تأخّر عنه من المؤلّفين كما قاله المجلسي رحمهالله.
وطبّ
الرضا عليهالسلام
للحسن بن محمّد بن جمهور.
وكتاب التوحيد
وكتاب الإهليلجة
عن الصادق عليهالسلام
برواية المفضّل بن عمر.
قال المجلسي رحمهالله في البحار :
«وقال السيّد ابن طاووس في كتاب
__________________
المحجّة لثمرة المهجة
فيما أوصى إلى ابنه : انظر كتاب المفضّل بن عمر الذي أملاه عليه الصادق عليهالسلام فيما خلق الله جلّ
جلاله من الآثار ، وانظر كتاب الإهليلجة وما فيه من الاعتبار» .
وقال السيّد أيضاً في كتاب أمان الأخطار
: «ويصحب المسافر معه كتاب الإهليلجة
وهو كتاب مناظرة الصادق عليهالسلام
الهندي في معرفة الله جلّ جلاله بطرق غريبة عجيبة ضرورية حتّى أقرّ الهندي
بالإلهية والوحدانية ، ويصحب معه كتاب المفضّل بن عمر الذي رواه عن الصادق عليهالسلام في إنشاء العالم
السفلي وإظهار أسراره ، فإنّه عجيب في معناه» .
والمجلسي رحمهالله
بعدما عدهما في ضمن الكتب التي اعتمد عليها قال : «وكتابا التوحيد والإهليلجة قد
عرفت حالهما ، وسياقهما يدلّ على صحّتهما» .
ورسالة
للجواد عليهالسلام
في الجبر والتفويض.
وكتاب
أمير المؤمنين عليهالسلام إلى محمّد بن أبي
بكر في عهد ولايته بمصر ، وهو مشتمل على أبواب الفقه.
ومن
جملة الأصول الكبيرة الأشعثيّات
، ويسمّى الجعفريّات
أيضاً يرويها محمّد بن الأشعث عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جدّه موسى
__________________
ابن جعفر عليهماالسلام.
وكتاب
الزهد من أصول عمدة المحدّثين الشيخ الثقة
الحسين بن سعيد الأهوازي.
ومنها الصحيفة السجادية.
ومنها
أصول صغار في مجلّد واحد بلغ خمسة عشر
أصلاً وجدت بخطّ صاحب الوسائل
لكنّه لم ينقل عنها في الوسائل
لعدم وثوقه بها.
منها :
[١] أصل العلاء بن رزين
، وجَدَه المجلسي رحمهالله بخطّ جدّ الشيخ
البهائي الشيخ علي الجبعي منقولاً عن خطّ الشهيد الأوّل عن خطّ ابن إدريس الحلّي ،
والبقية وجدت بخطّ صاحب
الوسائل وهي هكذا :
[٢] أصل تقي بن ناصح.
[٣] كتاب زيد الزرّاد.
[٤] كتاب أبي سعيد العصفري.
[٥] كتاب زيد النرسي.
[٦] كتاب جعفر بن محمّد الحضرمي في الديات.
[٧] كتاب محمّد بن مثنّى الحضرمي.
[٨] كتاب عبد الملك بن حكيم.
__________________
[٩] كتاب مثنّى بن ا لوليد الحنّاط
[١٠] كتاب الحسين بن عثمان بن شريك.
[١١] كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي.
[١٢] كتاب نوادر علي بن أسباط.
[١٣] أصل عاصم.
بقي الكلام بعد ما عرفت من طبقات مَن
يؤخذ عنه الحديث من الأصول والكتب وأنّها ثلاث طبقات بل أربع : الأصول الأربعمائة
ومر آنفاً ذكر ما هو موجود منها ، ثمّ الكتب المتقدّمة كـ نوادر الحكمة وكتاب
الحسين بن سعيد وغيرهما من الكتب
التي ذكرنا نبذة منها ، ثمّ الكتب
الأربعة ، ثم الكتب الثلاثة
المتأخرة البحار
والوسائل والوافي وعرفت أنّ كل لاحقة
منها تأخذ من سابقتها بل من غيرها. فينبغي أن نذكر بعض التي عليها مدار فقه
الإمامية مع ذكر أحوال مصنّفيها إجمالاً.
[الاصطلاحات الراجعة
إلى الكتب الأربعة]
[الاصطلاحات الراجعة
إلى كتاب الكافي]
أمّا الكافي فهو
لثقة الإسلام رضياللهعنه
محمّد بن يعقوب بن إسحاق ، أبي جعفر الكليني بالنون بعد الياء وبضمّ الكاف وفتح
اللام ، وما في القاموس
من أنّ كلين كأمير قرية بالريّ منها محمّد بن يعقوب من فقهاء الشيعة اشتباه ،
__________________
وكان خاله علاّن
الكليني الرازي.
وكان أبو جعفر رحمهالله شيخاً من أصحابنا في
وقته بالريّ ووجههم ، وكان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم ، صنّف كتاب الكافي في
عشرين سنة ، ومات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلثمائة ، كذا في رجال الميرزا
نقله عن الشيخ الطوسي .
ويشتمل كتاب الكافي
على ثلاثين كتاباً ، أوّلها كتاب العقل وآخرها كتاب الروضة.
وله مصنّفات أُخر ، منها : كتاب الرسائل
ينقل عنه ابن طاووس ، وكتاب الرجال
، وكتاب ما
قيل في الأئمّة عليهمالسلام من الأشعار
، وكتاب تعبير
الرؤيا ، وكتاب الردّ على القرامطة
، ولكنّها غير موجود منها سوى الكافي
في زماننا الذي هو كالنار على المنار ، وهو أوثق الكتب الأربعة وأكبرها وأمتنها ،
إذ كان عصره (أوان الغيبة الصغرى ، وكان له غاية التمكّن من تحصيل العلم ، حيث كان
بعض شيوخه من الوكلاء ، ولذا كلّما استشكل في مسألة راجع بها
الحجّة عليهالسلام
مكاتبة بتوسّط الوكلاء فيظهر جوابه على مكتوبه ، فلذا نقل عن بعض أنّ مراسيل
الكليني ـ كما إذا عَبّر بلفظ رُوي من دون الإسناد ـ نقلت بدون واسطة مكاتبة عن
الحجّة ولم يصرّح باسمه عليهالسلام
للتقية.
__________________
مع وجود الكتب الكثيرة من الأخبار عنده
ليس منها في زماننا هذا إلاّ واحد من ألف ، ويستكشف ذلك من المراجعة في كتب
القدماء مع ما أنفقوه من المبالغ الخطيرة على العلم كما يقال في ترجمة محمّد بن
مسعود بن محمّد بن عيّاش السمرقندي أنّ له كتباً كثيرة تزيد على مائتي مصنّف ،
وأنفق على العلم والحديث تركة أبيه سائرها ، وهي ثلثمائة ألف دينار ، وكانت داره
كالمسجد ما بين ناسخ وقارئ ومقابل ومعلِّق مملوءةً من الناس ، ومن جملة تصانيفه
التفسير المعروف بـ تفسير
العيّاشي ، ولا يوجد في عصرنا هذا من كتبه إلاّ
هذا التفسير ناقصاً.
فتلخّص : أنّ للكافي علوّ شأن وارتفاع
درجة وجلالة مرتبة من حيث المتانة والقوّة ليست لغيره ؛ لاجتماع كلّ ما يوجب
الوثاقة فيه.
ولا يتوهّم قطعية صدور أخباره كما قاله
بعض الإخباريّين ، إذ كونه كذلك لا يوجب إلاّ قوّة في اعتباره ، إذ ليس أخباره
كلّها مسؤولاً عنها من الإمام عليهالسلام
بنحو المكاتبة ، ولم يثبت كونه معروضاً على الإمام عليهالسلام
كما هو المشهور أنّ الحجّة عليهالسلام
قال بعد عرضه أنّ الكافي كاف لشيعتنا ـ لكلّ خبر كان عنده [...]
فيه.
ولا ملازمة بين اعتباره عنده وصدوره عن
المعصوم عليهالسلام
، ولكن الأسباب المذكورة مع جلالة قدره وعلوّ شأنه وإحاطته بالأخبار يوجب زيادة
وثاقته على ساير الكتب.
__________________
ثمّ إنّ للكافي اصطلاحين :
[الاصطلاح]
الأوّل : إنّه نقل العلاّمة رحمهالله في الخلاصة
وغيره أنّه قال : كلّما كان في كتابي الكافي
عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن عيسى فهم : محمّد بن يحيى العطّار ، وعليّ بن
موسى الكمنداني وداود بن كورة ، وأحمد بن إدريس ، وعلي بن إبراهيم بن هاشم.
قال : وكلّما قلت في كتابي المشار إليه
: عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي فهم : علي بن إبراهيم بن هاشم
، وعلي بن محمّد بن عبد الله أذينة ، وأحمد بن عبد الله بن أمية ، وعليّ بن الحسن.
وكلّما ذكرته في كتابي عدّة من أصحابنا
عن سهل بن زياد فهم : عليّ ابن محمّد بن علاّن ومحمّد بن أبي عبد الله ، ومحمّد بن
الحسن ، ومحمّد بن عقيل الكليني .
أمّا محمّد بن يحيى العطّار ، وأحمد بن
إدريس ، وعلي بن إبراهيم الواسطة بينه رحمهالله
وبين أحمد بن محمّد عيسى ، فهم من الأجلاّء ، وقد ثبتت وثاقتهم وجلالة قدرهم.
وأمّا داود بن كورة فلم تثبت وثاقته ،
لكنّه هو المبوّب للمشيخة للحسن ابن محبوب ومرتِّب لنوادر البزنطي وإن حُكىَ عن
التعليقة للآغا البهبهاني أنّ الظاهر إنّه من الأجلاء وهو من مشايخ الكليني
، وعدم ثبوت وثاقته لا يضرّ
__________________
بعد ثبوت وثاقة واحد
من الوسائط كعدم ثبوت وثاقة محمّد [الظاهر : علي] ابن موسى الكمنداني.
وأمّا الوسائط بينه وبين البرقي فقد
عرفت أنّ عليّ بن إبراهيم من الأجلاّء الذين لا يحتاج إلى تعريف ، وأمّا عليّ بن
الحسن فهو مشترك بين الضعاف والثقات ، ولم ينقل في الرجال في ترجمة هؤلاء
المشتركين من انطبق عصره على عصر الكليني ، فالظاهر أنّه مصحّف عليّ بن الحسين
السعد آبادي الـمُصَنِّف لأحوال آل أعين ، وهو من مشايخ الكليني والمؤدِّب لأبي
غالب الزراري ، جليل القدر ، لكن لم تثبت وثاقته.
وأمّا علي بن محمّد بن عبد الله أذينة
وأحمد بن عبد الله بن أمية فلم يُذكرا في الرجال بعنوان أمية وأذينة ، والظاهر أنّ
هاتين اللفظتين مصحفتان عن ابن بنته كما احتمله الآغا في تعليقته
، والمراد ابن بنت البرقي المعروف ، وهو أحمد بن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن
علي البرقي ، بأن يكون عبد الله الملقّب بأبي القاسم بندار البرقي ، ويكون أحمد
ومحمّد ابني بنت البرقي ، وعلي بن محمّد هو عليّ بن محمّد بندار من مشايخ الكليني.
ويحتمل أن يكون عبد الله ابن بنت البرقي
حتّى يكون ابن ابنته لقب
عبد الله حقيقة ، ويكون أحمد ومحمّد
ابني بنت البرقي.
وعلى أيّة حال يكون علي وأحمد من الثقات.
__________________
وأمّا علي بن محمّد بن علاّن من الوسائط
بينه وبين سهل ، فهو علي ابن محمّد بن إبراهيم بن أبان الرازي.
قال (الميرزا) : «اتفقت النسخ على علي
بن محمّد بن علاّن ، والموجود في الرجال علي بن محمّد المعروف بعلاّن»
انتهى.
وهو ثقة جليل وكثيراً ما يروي الكليني
في أوّل روايات الكافي
عن عليّ بن محمّد ، وحينئذ كان مشتركاً بين الرازي المذكور وبندار المعروف ؛ لكن
لا يقدح اشتراكهما بعد ثبوت وثاقتهما.
وأمّا محمّد بن عقيل الكليني فهو مهمل ،
لكن في التعليقة ذكر أنّ محمّد بن عقيل الكليني من عدّة الكليني في روايته عن سهل
بن علقمة بن الأسود النخعي الصحابي في مالك الأشتر ما يظهر منه حسنه وأوصى إليه
فأوصى إلى أبي القاسم بن روح ، انتهى .
مضافاً إلى كونه من مشايخ الكليني
واعتماده عليه في رواياته ، وعلى فرض ثبوت إهماله وعدم إحراز حاله لا يقدح في قبول
الرواية بعد ثبوت وثاقة غيره من الوسائط ولو كان واحداً.
وأمّا محمّد بن أبي عبد الله فقال
الميرزا رحمهالله
: «الظاهر أنّه محمّد بن جعفر الأسدي الثقة»
، انتهى.
__________________
وهو من الوكلاء كما حكي عن الشيخ الطوسي
رحمهالله
أنّه كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات ترد عليهم التوقيعات من قبل
المنسوبين للسفارة من الأصل ، منهم أبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي.
ثمّ قال بعد ذلك : «ومات الأسدي على
ظاهر العدالة لم يتغيّر ولم يطعن عليه» .
ولكن النجاشي ذكر في ترجمته أنّه ثقة
صحيح الحديث ، إلاّ أنّه كان يروي عن الضعفاء وكان يقول بالجبر والتشبيه .
ويمكن توجيهه بأنّه كان كذلك في السابق
ثمّ تبدّل رأيه ، مضافاً إلى ما قال في التعليقة : «والظاهر أنّ النجاشي توهّم من
كتبه كما نشاهد في أمثال زماننا أنّ الفضلاء يرمون أمثالهم بالعقائد الفاسدة
بالتوهّم».
ثمّ قال نقلاً عن جدّه قدسسرهما : «الظاهر أنّه كان
يروي أخبار الجبر والتشبيه ، كما رواه الأكثر وورد به القرآن المجيد بحسب الظاهر ،
وردّه على أهل الاستطاعة لا يستلزم كونه جبريّاً ؛ لإمكان كونه قائلاً بالحقّ من
أنّه لا جبر ولا تفويض ؛ ولمّا كان الأكثر على الاستطاعة تبعاً للمعتزلة ضعّفوا من
لم يقل بها ، ولو كان فاسد المذهب كيف يعتمد عليه الصاحب ويجعله بابه ، وروى في كمال الدين وغيبة
الشيخ أخباراً كثيرة تدلّ على وكالته له
وظهور
__________________
المعجزة على يده».
وقال أيضاً : «وروى في كمال الدين
أخباراً كثيرة تدلّ على جلالته وعظم مرتبته من صاحب الزمان عليهالسلام» إلى أنْ قال : «ذكر
بعض الفضلاء المتبحّرين أنّ أهل قم على الجبر والتشبيه سوى ابن بابويه ، والسبب ما
ذكرنا ، وعدم تأويلهم ما دلّ عليهما ، إمّا بناء على الظهور أو عدم جرأتهم على
التأويل ، بل يقولون مجمل له محمل» .
انتهى.
فعُلم ممّا ذكرنا أنّه ثقة جليل القدر
لا شبهة فيه ، ولا يخفى عدم التنافي في كلام النجاشي بين قوله بوثاقته وصحّة حديثه
وقوله بأنّه كان يقول بالجبر والتشبيه على تقدير صحّة نسبة هذه العقيدة له ولو حال
روايته ؛ لأنّ المراد بالصحّة الصحّة عند القدماء بمعنى حصول الاطمئنان من قوله ،
وهذا يجامع روايته عن الضعفاء أو معتقداً لتلك العقيدة. نعم ، لو كان المراد
بالصحّة ما عند المتأخّرين كان التنافي ظاهراً.
وأمّا محمّد بن الحسن فهو الصَفّار
، ثقة ، جليل ، من مشايخه وفي طبقته ، صاحب بصائر الدرجات.
__________________
وأمّا
الاصطلاح الثاني : فهو أنّه ـ كما نقل
في الوسائل
ـ يبني الروايات
بعضها على بعض ، ومعنى البناء أنّه لو كان في سند الحديثين رواة مشتركون في نقلهما
، ورواة منفردون في نقل أحدهما ، فروى أحد الحديثين بسنده كلّه ، ثمّ في الحديث
الثاني لا يذكر تلك الجماعة المشتركة في النقل بل يحذفهم ويبتدأ في النقل من
الطائفة المنفردة ، ويسمّى بالبناء اصطلاحاً.
ومعرفته في موارده موقوفة على معرفة
طبقات الرجال أو على قرينة أخرى ، وليس هذا من خواصّه عليهالسلام ، بل هو ديدن كثير
من المحدّثين كما في الوسائل.
[الاصطلاحات الراجعة
إلى كتاب من لا يحضره الفقيه]
وأمّا الصدوق فهو محمّد بن عليّ بن
الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، أبو جعفر ، نزيل الريّ ، وهو أَشهر وأَعرف من
اَنْ يُوصَف ، قيل : له نحو من ثلاثمائة مصنَّف ذكر (الميرزا) أكثرها ، وهو متأخر
طبقة عن الكليني ، كما أنّ المفيد متأخّر عنه ، والشيخ متأخّر عن المفيد.
وهو أوّل من عنون الأخبار بأساليب رشيقة
لم يسبقه إليه أحد ، مثل جمعه الأخبار المفسِّرة بعضها لبعض في كتاب واحد وهو كتاب
معاني
الأخبار ، وإيراده الأخبار الواردة في علل
الشرائع والأحكام في كتاب
العلل ، وكتاب الخصال مدوَّن
أيضاً بطراز مخصوص.
__________________
وجرى اصطلاحه في من لا يحضره الفقيه
ـ أحد الكتب الأربعة ـ على حذف الإسناد منه إلى صاحب الكتاب الذي روي عنه ،
واقتصاره في ذكر الأسانيد على صاحب الكتاب إلى المعصوم عليهالسلام ، ويسمّى هذا النحو
من حذف السند تعليقاً روماً للاختصار ، ثمّ ذكر في آخر الفقيه
الوسائط بينه وبين كلّ كتاب يروى عنه.
[الاصطلاحات الراجعة
إلى كتاب التهذيب]
واقتفى أثره الشيخ في التهذيب.
وهو شرح لمقنعة المفيد رحمهالله
في الجملة ، وطريقه فيها إيراد الأخبار التي لها مدخلية في شرح المتن ، وسلك فيه
هذا المسلك إلى مقدار من الصلاة ثمّ عدل عن ذلك وأَورد الأخبار مستقصياً لا بعنوان
الشرح بل مستقلاًّ ، وسَلَك في مقام العدول مسلك الصدوق بحذف الإِسناد إلى صاحب
الكتاب ، كما مشى على طريقة الكافي
من أوّل الصلاة إلى مقام العدول بذكر
الإِسناد كلّه ، ولمّا لم يستقصِ الأخبار قبل العدول تصدّى جبراً لما فات فزاد في
التهذيب كتاب الزيادات وأورد فيه تلك الأخبار ، ولأجل ذلك صار غير مرتّب ، فرتّبه
السيّد هاشم البحراني
، ثمّ اقتصر في مشيخته على مشايخ الرواة لكن
__________________
استقصى في الفهرست
[...] بأن يذكر الراوي
وأحواله من حيث الجرح والتعديل ثمّ يذكر كتابه ثمّ ينقل سنده منه إليه ، وهذا أتمّ
وأفيد.
[الاصطلاحات الراجعة
إلى كتاب الاستبصار]
ثمّ إنّ الاستبصار
كقطعة من التهذيب
إذ غرضه في
التهذيب نقل الأخبار على نحو الاستقصاء موافقة
كانت أو مخالفة ، وفي الاستبصار
اقتصر على خصوص الأخبار المخالفة ظاهراً
، وجمع بينها في الدلالة أو السند. والداعي على ذلك ارتداد بعض الناس عن مذهب
الإِمامية لوقوع الاختلاف الكثير بين أخبارهم ومالوا إلى المذاهب الأُخر بتوهّم
أنّ عدم الاختلاف يكشف عن حقيقة المذهب ، ولم يعلموا أنّ موالينا أحاديثهم كلّها
متوافقة لولا عروض بعض العناوين الثانوية من التقية لحفظ نفوس شيعتهم وأعراضهم
وأموالهم من حكّام الجور الموجب لإيقاع الاختلاف بين الأخبار كما صُرّح به في
بعضها ، ومثل دَسّ
الدسّاسين ووضع المخالفين أخباراً ودسّها في أخبارنا
، فلذلك تعرّض الشيخ رحمهالله
في الاستبصار
لهذه الجهة.
__________________
ولا ينافي ردّه لبعض الأخبار بتضعيف
السند ما ذكره في أوّل كتابه من أنّ كلّ ما يرويه فيه يفتي على طبقه ؛ إذ ذلك من
قبيل العموم المخصَّص.
وطريقته في الاستبصار
كما في التهذيب
بحذف السند وإيراده في مشيخته ، ونُقِل
أنّه صرّح انه يبتدئ بكلّ حديث باسم المصنّف الذي أخذ الحديث من كتابه أو صاحب الأصل
الذي أخذ الحديث من أصله.
[فائدة]
ثمّ اعلم أنّ الصدوق رحمهالله قد أورد الأسانيد في
مشيخة الفقيه
بغير ترتيب ، وظاهر الوسائل
جعلها مرتّبة على ترتيب الحروف مقدِّماً
للأوّل فالأوّل على
__________________
النهج المعروف ،
فراجع فوائده في آخر الوسائل
، ولم يغيّر شيئاً من كلامه سوى الترتيب.
والعلاّمة رحمهالله
قد نقد تلك الأسانيد فحكم في بعضها بالوثاقة وفي آخر بالضعف ، ولا يذكر بالتوثيق
والتضعيف صاحب الكتاب الذي أخذ الحديث من كتابه ، مثل قوله : إنّ طريق أبي جعفر
إلى عمّار الساباطي
قويّ ، فيه أحمد بن الحسن بن فضّال
وهو فاسد المذهب ثقة .
وإلى عليّ بن جعفر عليهالسلام
صحيح.
وكذا نقد طرق الشيخ في التهذيب والاستبصار
، وأمّا الكافي
فحيث لم يحذف الإسناد بل يذكر جميع
السند لم يميّز صاحب الكتاب عن غيره.
ثمّ المجلسي الثاني رحمهالله نقد في وجيزته
رجال الأسانيد على وجه يشمل صاحب الكتاب ، وأشار فيها إلى الرموز التي عبّر فيها
عن أحوالهم ،
__________________
مثل :
ق
: للثقة غير الإمامي.
وح
: للممدوح.
وض
: للضعيف.
وم
: للمجهول.
مرتّباً على ترتيب حروف الهجاء ، ولو
كان مذهبه خلاف المشهور يشير بـ : (ر) إلى المشهور ثمّ يذكر مذهبه ، وقد يشير إلى
راو كثير الرواية برسم النقاط عند ترجمته ، وظنّي أنّه شكل ٢ بالرقم الهندي.
فائدة
قد يكون في طريق الشيخ رحمهالله إلى الكتاب الذي
ينقل عنه رجل ضعيف أو مجهول فيترآى منه قدح في الحديث ، وليس كذلك لو كان في طريق
الصدوق إليه سند معتبر ؛ إذ الشيخ كلّما ينقل يكون باِجازة المفيد المجاز من
الصدوق ، فكأنّه ينقل عن الصدوق ، والمفروض ثبوت صحّة سند الصدوق إلى ذلك الكتاب.
وبعبارة أخرى : لو فرض خبر صحيح من صاحب
الكتاب إلى الإمام ، وكان في سند الشيخ إلى ذلك رجل غير معتبر فلا يقدح لو كان سند
الصدوق إلى ذلك صحيحاً معتبراً وإن لم يذكر خصوص هذا الخبر ؛ لأنّ سند الشيخ وإنْ
كان ضعيفاً لكنّه يروي كلّ ما أجازه الصدوق بالواسطة ، فتتّصل سلسلة
سنده إلى هذا الكتاب بسند آخر صحيح وهو
نقله عن المفيد عن الصدوق والمفروض صحّة سند الصدوق ، فلا يبقى مجال توهّم ضعف
الخبر.
[اصطلاحات الكتب
الثلاثة المتأخّرة]
بقي الكلام في اصطلاحات الكتب الثلاثة
المتأخّرة ، أعني الوسائل
والبحار والوافي ، وقد تقدّم أنّ البحار
لا ينقل فيه من الكتب الأربعة ، والسرّ فيه أنّ الكتب الأربعة لمّا كانت متواترة
مضبوطة خاف عليها الهجر كسائر الكتب المتقدّمة المنقول عنها الكتب الأربعة.
قال في المجلّد الأوّل من البحار
بعد ذكر الكتب التي اعتمد عليها : «اعلم إنّا تركنا إيراد أخبار بعض الكتب
المتواترة كالكتب الأربعة وكتاب نهج
البلاغة ؛ لكونها متواترة مضبوطة [لعلّه]
لا يجوز السعي في نسخها وتركها ، وإن احتجنا في بعض المواضع إلى إيراد خبر منها
فهذه رموزها :
ك
: للكافي.
ويب
: للتهذيب.
صا
: للاستبصار.
يه
: لمن لا يحضره الفقيه.
نهج
: لنهج البلاغة» .
انتهى.
__________________
وأمّا صاحب الوافي
فلا يتعدّى الكتب الأربعة بلا زيادة ولا نقصان ، نعم قد يذكر بياناً في الموارد
المحتاج إليها.
وأمّا الوسائل
فيروي الكتب الأربعة وغيرها.
تنبيه
لا يخفى أنّ في اختصار الكتب ونقلها من
غير اعتماد على قرينة محكمة ؛ تُرتّب عليه مفسدة ولو بعد فقدان ذلك الكتاب ، كما
اتّفق لـ
تفسير
العيّاشي في أسانيده ، حيث إنّه ذكر فيه إسناده
وطرقه صريحاً ، ثمّ الملاّ رحمهالله
حذف تلك الأسانيد معتذراً بأنّه ليس لي إليها إجازة حتّى يصحّ نقلها منه ، وهذا
كما ترى!.
ولذا قال المجلسي في مقام تعداد الكتب
التي اعتمد عليها :
«وتفسير العيّاشي
، روى عنه الطبرسي وغيره ، ورأينا منه نسختين قديمتين ، وعُدّ في كتب الرجال من
كتبه ، لكنّ بعض الناسخين حذف أسانيده للاختصار ، وذكر في أوّله عذراً هو أشنع من
جرمه» . انتهى.
ولذا اشتبه صاحب الوسائل
فزعم أنّ رسالة المحكم والمتشابه للسيّد المرتضى كلّها منقولة من تفسير النعماني ،
مع أنّ فيها تصرّف من السيّد رحمهالله
ومنشأ الاشتباه عدم القرينة المعيّنة.
إذا عرفت ذلك فاللازم الشروع في بيان
خصوصيّات واصطلاحات
__________________
الكتب الثلاثة ،
فنقول :
[خصوصيّات واصطلاحات
الوسائل]
أمّا الوسائل
فهو أجمع الكتب للأخبار المتعلّقة بالفروع ، وذكر فيه اثنتي عشرة فائدة مهمّة
:
الأولى
: في ذكر طرق الشيخ الصدوق.
الثانية
: في ذكر طرق الشيخ رحمهالله.
الثالثة
: في بيان اصطلاحات (الكافي).
الرابعة
: في ذكر الكتب المعتمدة التي نقل عنها ،
فيبدأ أوّلا ، بذكر أَسامي الكتب الأربعة وأَسامي مصنّفيها ؛ لأنّها أقدم وأشهر
وأمتن ، ثمّ يذكر سائر الكتب بأَساميها وأَسامي مصنّفيها ، وعدّ منها ثمانين
كتاباً ، ثمّ يذكر الكتب التي ينقل عنها بالواسطة ويذكر أَسامي مصنّفيها ، وتبلغ
أربعاً وتسعين كتاباً ، ثمّ قال : «وأمّا ما نقلوا عنه ولم يصرّحوا باسمه فكثير
جدّاً مذكور في كتب الرجال تزيد على ستّة آلاف وستمائة كتاب على ما ضبطناه» .
الخامسة
: في ذكر بعض الطرق التي روى بها الكتب
المذكورة تيمّناً وتبرّكاً لا لتوقّف العمل ؛ لتواتر تلك الكتب وقيام القرائن على
صحّتها وثبوتها ، ثمّ ذكر مشايخ إجازته إلى غير ذلك ممّا ذكره في تلك الفائدة.
__________________
السادسة
: في ذكر شهادة جمع بصحّة الكتب المذكورة
وأمثالها ، كالكليني رحمهالله
، والصدوق والشيخ في العدّة.
ثمّ ذكر كلام البهائي في معنى الصحيح عند القدماء ، والشهيد الثاني ، والكفعمي ،
والطبرسي في أوّل الاحتجاج
، وعلي بن إبراهيم القمّي ، والسيّد علي بن طاووس ، وابن شهر آشوب ، والمحقّق في المعتبر
والحلّي في السرائر.
السابعة
: في ذكر أصحاب الإجماع ، ثمّ نقل كلام
الكشّي ، ثمّ ذكر نبذة من الأصول المعتمدة عن الشيخ في الفهرست
، ثمّ ذكر جماعة وثّقهم الأئمّة ، ثمّ ذكر كلام الشهيد في شرح الدراية في طرق
العدالة وحال مشايخ الإجازة.
الثامنة
: في ذكر القرائن ... إلى آخر ما ذكر في
الفوائد ، فيلحظ.
[خصوصيّات واصطلاحات
البحار]
بقي الكلام في بيان ما يتعلّق بـ البحار
، أمّا ترجمة مؤلّفه فمذكورة في الأمل
لصاحب الوسائل
، وأمّا الرموز فبيانها طويل فليرجع إلى المجلّد الأوّل منه ففيه كلام طويل لا
يخلو من فائدة ، بل فوائد جَمّة ؛ لأنّه يتعرّض فيه إجمالاً لصحّة الكتب وبيان من
نسبت له وترجمته إجمالاً أو إشارة ، لكن كان الأولى عدم ذكرها بالرمز ؛ لأنّه
ربّما يوجب الاشتباه ولعدم الاعتماد على النسّاخ مع تقارب الصور.
وذكر في آخر كلامه بيان اصطلاحاته في البحار
وملخّص ما ذكر أنّه لم
__________________
يحذف الأسانيد لئلاّ
تنحطّ عن درجة المسانيد فيفوت التمييز بين الصحيح وغيره ، ولم يذكر جميع رجال
الخبر بأسمائهم وألقابهم حذراً من الإطناب ، بل اكتفى في المشاهير بذكر آبائهم أو
لقبهم وأسمائهم بلا نسبة إلى الجدّ والأب ، وبالإشارة إلى جميع السند إن كان
يتكرّر كثيراً برمز وعلامة فمهّد في صدر الكتاب ، ثمّ ذكر ما اختصره من الكتب ،
فقال :
أمّا ما اختصرناه من إسناد قرب الإسناد
فكلّما كان فيه أبو البختري فقد رويناه عن السندي بن محمّد البزّاز عن أبي البختري.
وكلّما كان عن حمّاد بن عيسى فهو بهذا
الإسناد : محمّد بن عيسى والحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل كلّهم عن حمّاد.
وكلّما كان فيه ابن سعد عن الأزدي فهو
أحمد بن إسحاق بن سعد عن بكر بن محمّد الأزدي.
وكلّما كان فيه ابن طريف عن ابن علوان
فهما الحسن بن طريف عن الحسين بن علوان ، وهكذا في سائر الكتب.
ثمّ ذكر المفردات المشتركة في الرواة
وألقابهم وكناهم وبيّن المراد منها ، ثمّ ذكر طرق العامّة ... إلى آخر ما ذكر هنا
ممّا لابدّ من مراجعته فإنّ فيه فوائد جَمّة .
[فائدة]
وطريقة أرباب التصنيف مختلفة من حيث ذكر
السند وعدمه ، فبعض
__________________
يحذف الإسناد كلّه
ويعبّر عن المعصوم بالضمير كما في أصل عليّ بن جعفر ، وبعض يذكر السند كما في الأشعثيات
، وبعض يحذف بعضاً ويذكر بعضاً كما في البحار.
وأمّا الوافي فهو
مشتمل على خصوصيّات ورموزات مذكورة فيه فليرجع إليه.
إيقاظ
ليعلم أنّ صاحب الوسائل
رحمهالله
مع أنّه ذكر في الفهرست
وفي أمل
الآمل أنّ رسالة إزاحة العلّة في
معرفة القبلة لشاذان بن جبرئيل
القمّي نسبها فيما عندي من النسخة إلى الفضل بن شاذان بن الخليل القمّي الذي هو من
أعيان أصحاب الرضا عليهالسلام
في جميع المواضع المذكورة في القبلة من كتاب الصلاة ، والظاهر أنّ ذلك من اشتباه
النسّاخ وإن كان مستبعداً من جهة تعدّد الموارد فليلحظ.
وقد تقدّم أيضاً الإشارة إلى نسبته
رسالة المحكم
والمتشابه للسيّد المرتضى إلى تفسير النعماني
وذكر غيره ـ الحاج النوري رحمهالله
ـ في ترجمة الحسن بن
علي ابن أبي حمزة أنّ التفسير الذي أَلـّفه النعماني كلّه خبر واحد أخرجه بإسناده
إلى الصادق عليهالسلام
عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهالسلام
في أنواع الآيات وأقسامها ، وذكر الأمثلة لكلٍّ من القسمين ، وذكر ملخّصه عليّ بن
__________________
إبراهيم في تفسيره ،
والسيّد الأجلّ علم الهدى اختصر تفسير النعماني ويعرف بـ رسالة المحكم
والمتشابه ، والشيخ الجليل سعد بن عبد الله غَيّر
ترتيب الخبر وجعله مبوّباً وَفرّقه على الأبواب ، انتهى.
بل ببالي أنّه ذكر في كلام له أنّه لاحظ
الأصل فوجده مطابقاً له ، ومع ذلك فقد طعن بعض في الرسالة بأنّها مشتملة على كلام
السيّد مع عدم القرينة المميّزة ؛ لعدم الفصل بمثل (أقول) ونحوها ، فلابدّ من
الملاحظة.
وممّا يخدش به صاحب الوسائل
أنّه مع اختلاف النسخ يُرَجِّح نسخة ثمّ يروي بلا إشارة منه إلى ذلك ، مع أنّ
الترجيح إنّما هو باجتهاده وحدسه ، فلابدّ من الملاحظة مع اختلاف النسخ.
وأيضاً فهو قد يفسّر بعض المشتركات لبعض
القرائن من دون تنبيه منه على ذلك ، بحيث يترآى أنّ ذلك البيان من الراوي مع أنّه
منه قدسسره
، وهو كثير ، منه ما في باب استحباب الصلاة في أوّل الوقت ، قال : وبإسناده عن
الحسين ابن سعيد ، عن النضر وفضالة ، عن ابن سنان ـ يعني عبد الله ـ عن أبي عبد الله
عليهالسلام
مع أنّ التهذيب
خال عن ذكره ، يعني عبد الله. ونحوه غيره فليلحظ.
وقد يسقط بعض المتون لاعتقاد اتحاد
الرواية لاتحاد الراوي ، كما فعل ذلك في باب وجوب الإعادة على مَن ترك الاستقبال
عامداً فروى في آخره
__________________
عن محمّد بن الحسن ،
عن الطاطري ، عن محمّد بن زياد ، عن حمّاد ، عن معمر بن يحيى ، قال : سألت ... إلى
آخره ، واقتصر عليه ، مع
أنّ الشيخ رحمهالله
في
التهذيب
روى المتن المذكور بتفاوت يسير بالطريق المذكور عن معمر ابن يحيى تارة ، وأخرى عن
عمرو بن يحيى ، فاقتصر في
الوسائل على الأوّل وترك الثاني ؛ لاعتقاده
كونهما خبراً واحداً بطريق واحد وأنّه معمر بن يحيى فليلحظ.
***
__________________
المصادر
١ ـ أمل الآمل في أحوال (تراجم) علماء جبل
عامل : للحرّ العاملي (الشيخ محمّد ابن
الحسن) (ت ١١٠٤هـ).
٢ ـ بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار
الأئمّة الأطهار : للمجلسي رحمهالله محمّد باقر بن محمّد
تقي) (ت ١١١١هـ) ، بيروت ـ لبنان.
٣ ـ تعليقة الوحيد البهبهاني (محمّد باقر بن
محمّد أكمل) على منهج المقال
: للميرزا محمّد بن علي بن إبراهيم الأسترآبادي ، الطبعة الحجرية كتبه : عبد
المجيد ابن محمّد مهدي العلي آبادي اليزدي.
٤ ـ تذكرة المتبحّرين
: للحرّ العاملي (الشيخ محمّد بن الحسن) (ت ١١٠٤هـ).
٥ ـ تهذيب الأحكام في شرح المقنعة
(للشيخ المفيد) لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) حقّقه
وعلّق عليه السيّد حسن الموسوي الخرسان.
٦ ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة
الطاهرة : للشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦هـ) ،
مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقم المشرّفة.
٧ ـ خاتمة مستدرك الوسائل
: للمحدّث الميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي (ت ١٣٢٠ هـ) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت
عليهمالسلام
لإحياء التراث.
٨ ـ الخلاصة :
خلاصة الأقوال : للعلاّمة الحلّي (أبي منصور بن يوسف بن المطهّر الأسدي) (ت ٧٢٦هـ)
، تحقيق : الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، الطبعة الأولى ،١٤١٧هـ.
٩ ـ الذريعة إلى تصانيف الشيعة
: لآقا بزرگ الطهراني (محمّد محسن) ، (ت ١٣٨٩هـ) دار الأضواء.
١٠ ـ رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنّفي
الشيعة) : للنجاشي (الشيخ أبو العبّاس أحمد بن
علي الأسدي الكوفي) (ت ٤٥٠هـ) ، تحقيق : السيّد موسى الشبيري الزنجاني ، الناشر :
مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ـ قم ،٧ ١٤٠ هـ ، الطبعة الأولى.
١١ ـ رجال الطوسي
: للشيخ الطوسي (أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي) (ت ٤٦٠هـ) ، تحقيق : الشيخ جواد
القيّومي الأصفهاني ، الناشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين ،
١٤١٥هـ.
١٢ ـ رجال الكشّي
: (اختيار معرفة الرجال) ، للطوسي (أبو جعفر محمّد بن الحسن ابن علي) (ت ٤٦٠هـ) ،
صحّحه وعلّق عليه وقدّم له ووضع فهارسه : حسن المصطفوي ، منشورات : دانشكاه مشهد.
١٣ ـ الرعاية في شرح البداية في عِلم الدراية
: للشهيد الثانيّ (زين الدين بن علي العاملي) (ت ٩٦٥ هـ) ، ضبط نصّه ٤٦٠هـ ، تحقيق
: الشيخ جواد القيّومي ، مؤسّسة نشر الفقاهة ، الطبعة الأولى ، ١٤١٧هـ.
١٨ ـ الفوائد الرجاليّة في الرجال والدراية
: للشيخ مهدي الكجوري الشيرازي (ت ١٢٩٣هـ) ، تحقيق : محمّد كاظم رحمان ستايش.
١٩ ـ الكافي
: للكليني (محمّد بن يعقوب) (ت ٣٢٩هـ) ، تحقيق : الشيخ محمّد جواد الفقيه ، دار
الأضواء ـ بيروت ، ١٤١٣هـ ـ ١٩٩٢م ، الطبعة الأولى.
٢٠ ـ كلّيات في علم الرجال
: للسبحاني (الشيخ جعفر) ، الناشر : مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة
المدرّسين ، قم ـ إيران ، ١٤١٥هـ.
٢١ ـ منتهى المقال في أحوال الرجال
: للحائري (الشيخ أبو علي محمّد بن إسماعيل المازندراني) (ت ١٢١٦هـ) ، تحقيق
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ـ قم ، ١٤١٦هـ ، الطبعة الأولى.
٢٢ ـ منهج المقال
: للميرزا محمّد بن علي بن إبراهيم الأسترآبادي ، الطبعة الحجرية.
٢٣ ـ الوجيزة في علم الدراية
: للشيخ بهاء الدين الحارثي العاملي.
٢٤ ـ الوجيزة في الرجال
: للمجلسي (محمّد باقر بن محمّد تقي) (ت ١١١١هـ) ، تصحيح وتحقيق : محمّد كاظم رحمان
ستايش ، منشورات الأمانة العامّة لمؤتمر تكريم العلاّمة المجلسي ، وزارة الإرشاد
والثقافة الإسلامية ـ إيران ١٩٩٨م.
٢٥ ـ وسائل الشيعة
: (تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) ، للحرّ العاملي (الشيخ محمّد بن
الحسن) (ت ١١٠٤هـ) ، تحقيق مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث ـ قم ، ١٤٠٩هـ ، الطبعة الأولى.
من أنبـاء التـراث
هيئة التحرير
كتب صدرت محقّقة
* بحوث أُصوليّة ج
(١ ـ ٢).
تأليف : الشيخ محمّد باقر بن الشيخ
موسى بو خمسين الأحسائي (ت ١٤١٣ هـ).
كتاب أصولي شرح لكفاية الأُصول ، وهو
عبارة عن تقريرات لدروس السيّد محمّد باقر الشّخص الأحسائي (ت ١٣٨١ هـ) جمعها
تلميذه المقرِّر لتلك الأبحاث وقد نقّحها ورتّبها ، وهو عبارة عن نسخة وحيدة لا
ثاني لها على حدّ تعبير المحقّق للكتاب ، ولم تك شاملة لجميع أبواب وفصول
الكفاية بل انتهى
|
|
بها المطاف إلى مبحث (المطلق والمقيّد).
وقد اشتمل الكتاب على مقدّمة بحوث على
طريقة العمل به وترجمتين إحداهما للسيّد الشّخص والأُخرى للشيخ المقرّر.
تحقيق : أحمد بن حسين العبيدان
الأحسائي.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٤٨٨ و ٣٤٢.
نشر : انتشارات زين العابدين ـ قم ـ
إيران/ ١٤٣٤ هـ.
* النور المنجي من
الظلام ج(١ ـ ٢).
تأليف : الشيخ محمّد بن عليّ بن
|
أبي جمهور الأحسائي.
كتاب عقائدي احتوى على بحوث كلامية في
العقيدة والفلسفة والعرفان ، قدّم من خلالها منهجاً مبتكراً في التطبيق والتأليف
بين الشريعة والحقيقة والطريقة ، وهي المناهج المعروفة بالقرآن والسنّة ، العقل
، والعرفان ، حيث استنتج أنّ هذه المناهج الثلاثة ما هي إلاّ أسماء مترادفة
صادقة على حقيقة واحدة هي حقيقة الشرع المحمّدي.
اشتمل الكتاب على كلمة المحقّق فيها
دراسة عن الكتاب ومنهجية التحقيق وترجمة المؤلّف والحقبة التي عاصرها.
كما اشتمل أصل الكتاب على مقدّمة
لأبحاث عقائدية ابتدأها المصنّف من (تفسير الحمد بواجب الوجود) ثمّ احتوى ـ جميع
أبحاثه ـ على قسمين الأوّل في التوحيد والثاني في الأفعال ، حيث شرع في القسم
|
|
الأوّل بموضوع (التوحيد في اللغة
والاصطلاح) وفي القسم الثاني بموضوع (وجه البحث عن أفعاله تعالى).
كما اشتمل أيضاً على الخاتمة.
تحقيق : رضا يحيى پور فارمد.
عدد الصفحات : ٧٩٩ للجزأين.
نشر : جمعية ابن أبي جمهور الأحسائي
لإحياء التراث ـ قم ـ إيران/١٤٣٤ هـ.
* كفاية الأُصول
ج(١ ـ ٣).
تأليف : الشيخ محمّد كاظم الآخوند
الخراساني (ت ١٣٢٩ هـ).
هو الكتاب الأُصولي المعروف والمعهود
بالدراسة في الحوزات العلمية لما يناهز القرن ، وقد جاء تحقيق هذه النسخة بإدراج
حواشي لثلّة من العلماء المتقدّمين هم : الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي ،
والشيخ أبي المجد محمّد رضا الأصفهاني
|
والسيّد محمّد حسين الطباطبائي ، كما
أُلحقت به لباب من حواشي المتأخّرين مثل : القوچاني والمشكيني والإيرواني والشيخ
آل راضي ومختارات من جمهرة من الأعلام.
وقد سبق أن حقّقت هذا الكتاب مؤسّسة
آل البيت عليهمالسلام
لإحياء التراث
وقد مرّ تعريفه في العدد (١٠٧ ـ ١٠٨)
من مجلّة تراثنا.
تحقيق : السيّد محمّد حسن الموسوي
العبّاداني.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٦٩١ ، ٥٥٩ ، ٥٨٤.
نشر : ذوي القربى ـ قم ـ إيران/١٤٣٤
هـ.
* خاتمة مستدرك
الوسائل ج (١).
تأليف : الميرزا حسين النوري (ت ١٣٢٠
هـ).
|
|
اعتنت مؤسَّسة النشر الإسلامي بتحقيق
كتاب خاتمة المستدرك تكميلاً لعملها التحقيقي الذي قامت به سابقاً في الدمج بين
كتابي الوسائل ومستدرك الوسائل ، ولكن بعد أن صدر هذا الكتاب محقّقاً من قبل
مؤسّسة آل البيت عليهمالسلام لإحياء التراث ارتأت مؤسّسة النشر
الإسلامي أن تحقّق الكتاب وفق منهجية ذكرتها في مقدّمة التحقيق منها : إيضاح
الارتباط بين المطالب ، وتبيين التسلسل بين المشايخ وقد صدر منه الجزء الأوّل.
تحقيق : مؤسّسة النشر الإسلامي.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٨٣٩.
نشر : مؤسّسة النشر الإسلامي ـ قم ـ
إيران/١٤٣٤ هـ.
* آداب المتعلّمين.
تأليف : الشيخ نصير الدين الطوسي (ت ٦٧٢
هـ).
|
هو الكتاب المعهود في الحوزة العلمية
للطلاّب الناشئة المبتدئين السالكين طريق تحصيل علوم الدين على سبيل تهذيب النفس
والترقّي في مدارج العلم والتقوى حيث تناول مجموعة من الآداب والنصائح التي
ترشدهم سبيل الهدى والفلاح.
احتوى الكتاب على : مقدّمة التحقيق ،
تمهيد حول المؤلّف والكتاب ، سطور عن حياة الشيخ نصير الدين الطوسي نماذج مصوّرة
من نسخ الكتاب ، متن الكتاب مع التعليقات. كما اشتمل الكتاب على اثني عشر فصلاً
في : ماهية العلم وفضله ، النية ، اختيار العلم والأستاذ والشريك والثبات ،
الجدّ والمواظبة والهمّة ، بداية السبق وقدَرِهِ وترتيبه ، التوكّل ، وقت
التحصيل ، الشفقة والنصيحة ، الاستفادة ، الورع ، ما يورث الحفظ وما يورث
النسيان ، ما يجلب الرزق وما يمنع الرزق وما يزيد العمر وما
|
|
ينقص.
تحقيق : السيّد محمّد رضا الجلالي.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ١٩٢.
نشر : المحقّق ـ قم ـ إيران/١٤٣٣ هـ.
* سه رساله در فقه
وأصول.
تأليف : الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي
(ت ١٢٦٢ ق).
يحتوي الكتاب على ثلاث رسائل فقهية
وأُصولية باللغة العربية ، الأولى : رسالة أصولية في الصحيح والأعمّ. الثانية :
رسالة فقهية في تقليد الميّت. الثالثة : رسالة فقهية في حرمة الغليان في شهر
رمضان. وخاتمة في ثلاث نكات ، الأولى : في التقوى والتحذير من الدنيا والإفتاء.
والثانية : في مفاسد الغليان ومضارِّه. وتكملة : رسالة عدم مفطرية التتن.
|
كما اشتمل الكتاب على مقدّمة فارسية
في معرفة شخصية المؤلّف العلمية.
تحقيق : محمّد الكلباسي.
الحجم : رقعي.
عدد الصفحات : ٣٤٩.
نشر : دانش حوزه ـ قم ـ إيران/١٤٣٣
هـ.
* نصايح وإجازات.
تأليف : الشيخ محمّد إبراهيم الكلباسي
(ت ١٢٦٢ هـ).
كتاب يحتوي على نصائح وإجازات من آثار
المصنّف عنيت بالمراجعة والجمع إحياءً لتراثه الثرّ ، اشتمل الكتاب على فصلين في
النصائح الموجّهة لطلبة علوم الدين في ما ينبغي لهم من تهذيب سلوكهم والمثابرة
في طلب العلم.
وفي الإجازات التي حصل عليها المصنّف
من كبار العلماء والأساتذة في
|
|
مجالات شتّى تنمّ عن مدى المقام
والمنزلة العلمية التي حظى بها المصنّف ممّا أدّى إلى اهتمام علماء الدين
وجهابذة العلم به ، وقد جاءت هذه الرسائل بالنصّ العربي بمقدّمة لها باللغة
الفارسية.
تحقيق : محمّد الكلباسي.
الحجم : رقعي.
عدد الصفحات : ١٣٤.
نشر : دانش حوزه ـ قم ـ إيران/١٤٣٣
هـ.
كتب صدرت حديثاً
* تأسيس الأئمّة
لأصول منهج فهم النصّ القرآني.
تأليف : ستّار جبر حمود الأعرجي.
لمّا كان القرآن مرجعاً أساسيّاً
للأُمّة في عقائدها وأحكامها الشرعية ـ حيث
|
يعدّ هو من أهمّ أركان استنباط الحكم
الشرعي ـ جاءت هذه الدراسة مؤكّدة على منهجية فهم النصّ القرآني عند أهل البيت عليهمالسلام
لرسم منهجية واحدة حيث تعدّدت المدارس وتلابست المفاهيم وشبّ النفاق وتفاقمت
الشبه.
اشتمل الكتاب على مقدّمة ، ولمحة
تاريخية في بدايات ونشأة الإمامية ، وثلاثة فصول : الأوّل : المسلك المنهجي عند
أهل البيت عليهمالسلام
، الفصل الثاني : ضوابط التعامل مع النصّ القرآني عند الأئمّة عليهمالسلام
، الفصل الثالث : نماذج تطبيقية لمنهج الأئمّة عليهمالسلام في توضيح النصّ القرآني.
الحجم : رقعي.
عدد الصفحات : ١٦٧.
نشر : مركز الرسالة ـ قم ـ
إيران/١٤٣٢هـ.
* مصادر الوحي
وأنواعه في القرآن الكريم.
تأليف : ستّار جبر حمود
|
|
الأعرجي.
جعل المؤلّف كتابه مقدّمة للدخول إلى
آفاق العلوم الروحية والنفسية والدراسات الإسلامية فيها ، وخصوصاً ظواهر
(الباراسيكلوجي) التي تقدِّم دليلاً قاطعاً لا مجال للشكِّ أو الاحتمالية فيه
لإثبات المفاهيم والعقائد الإسلامية (القرآنية) في عالم الرُّوح والنفس
الإنسانية وقواها وإدراكاتها وملكاتها المتميِّزة.
والكتاب إطلالة سريعة يتحدّث فيها عن
ظاهرة الوحي في القرآن الكريم ، وقد اشتمل على بابين :
الأوّل
: (مصادر الوحي في القرآن الكريم) ،
وقد استقصى في هذا الباب كلّ ما ورد في القرآن الكريم من نسبة الوحي إلى كونه
يصدر عن عدّة مصادر ، جمعها في ثلاثة فصول ، وهي : (الوحي الإلهي) ، و (الوحي
الشيطاني) ، و (الوحي من مصادر أخرى).
الثاني
: (الوحي من حيث المتلقّي) ، واستقصى
في هذا الباب
|
الموارد المتعدّدة التي وردت فيها
الإشارات القرآنية بأنّ الوحي قد ألقي إليها ، وقد تمّت دراستها في ثلاثة فصول ،
وهي : (الوحي النبويّ العامّ) ، و (الوحي المحمّديّ) ، و (الوحي إلى الموجودات
الأخرى).
الحجم : رقعي.
عدد الصفحات : ٢٢٢.
نشر : مركز الرسالة ـ قم ـ إيران/
١٤٣٢هـ.
* الفضائل
الموضوعة.
إعداد : مهدي منصور سمائي.
تناول الكتاب مناقشة الفضائل الموضوعة
في الخلفاء والصحابة والتي تناقلتها الموسوعات الروائية لأهل السنّة والجماعة ،
كما ناقش الروايات التي تقلّل من شأن أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب عليهالسلام
وأهل بيت الرسالة عليهمالسلام بأُسلوب علميّ بعيداً عن التعصّب ،
واستناداً على مصادر أهل
|
|
السنّة ممّا دوِّن في كتب الحديث والرجال
، نظراً لما ارتآه مركز إعداد الباحثين في المذاهب الإسلامية تمهيداً لمادّة
دراسية تناقش الفضائل الموضوعة ، فكانت محاضرات الشيخ نجم الدين الطبسي التي
أعدّها عدد من تلامذته بوّابةً للمباحث التمهيدية في هذا المجال.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٣٥٠.
نشر : مركز فقه الأئمّة الأطهار ، قم
ـ إيران/١٤٣٣ هـ.
* علم تحقيق النصوص
ج (١ ـ ٢).
تأليف : السيّد محمّد رضا الجلالي.
نهض المؤلّف بجمع شتات علم تحقيق
النصوص ليكون كتاباً ذا منهجية يجمع بين ماله صلة بتحقيق النصوص قديماً وحديثاً
، وبين
|
النظرية والتطبيق ، ليكون علماً
مستقلاًّ كسائر العلوم القائمة بنفسها ، وقد رتّب مطالبه في منهجية بيّن معالمها
تحت عنوان التمهيد ، ومن ثمَّ شرع بالمقدّمات اللازم معرفتها لطالب العلم وهي
قسمان : الأوّل : مقدّمات الشروع العامّة للدخول في أيِّ علم وهي المعرفة
بالرؤوس الثمانية. الثاني : مقدّمات العلم الخاصّة للدخول في هذا العلم ، وهي :
تحديد العلم ومعرفة حقيقته ، معرفة موضوعه المبحوث عنه ، معرفة الغاية والنتيجة
المطلوبة منه ، معرفة المسائل المعروضة وهي على ثلاثة فصول : الفصل الأوّل :
مؤهّلات التحقيق وصفات المحقّق. الفصل الثاني : مقوّمات التحقيق قواعده وشروطه
وفيه مراحل. الفصل الثالث : مكمّلات التحقيق. الملاحق.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٣٢٢.
|
|
نشر : مؤسّسة المرتضى للثقافة والنشر
ـ النجف الأشرف ـ العراق/١٤٣٣ هـ.
* موسوعة عقائد
الأئمّة الأطهار (معرفة الله) ج(١).
تأليف : علاء الحسّون.
موسوعة عقائدية تناول بها المؤلّف عرض
عقائد الإمامية من خلال روايات الأئمّة الأطهار وما ورد في نصوص الأدعية ،
مبتدئاً بمعرفة الله وهو الجزء الأوّل من هذه الموسوعة ، من دون إيراد الأبحاث
والمناظرات العلمية ، وقد جعل لكلِّ مجموعة عنواناً خاصّاً بما تحمله من معاني
المعرفة ، وقد خرّجها من مضانّها تسهيلاً للطالب وتمهيداً للراغب ، معتمداً في
ذلك أمّهات الكتب الروائية الشيعية.
الحجم : وزيري.
عدد الصفحات : ٥٤٦.
|
نشر : مركز فقه الأئمّة الأطهار ـ قم
ـ إيران/١٤٣٣ هـ.
* قراءة نقدية في
(تاريخ القرآن).
تأليف : السيّد حسن عليّ حسن الهاشمي.
تناول المؤلّف كتاب (تاريخ القرآن)
لشيخ المستشرقين الألمان ثيودر نولدكه بقراءة نقدية ، حيث تناول هذا الأخير في
كتابه ظاهرة الوحي ، وشخصية النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) ، وترتيب نزول
القرآن من الناحية الزمنية ، حيث شغلت هذه المسائل حيّزاً من البحوث كثرت فيها
الآراء والاتجاهات بأشكال وصيغ مختلفة على ألسنة المستشرقين
|
|
والمتأثّرين بهم من المثقّفين
المسلمين ، وذلك خاصّة فيما يتعلّق بالوحي الذي نزل على خاتم الأنبياء محمّد(صلى
الله عليه وآله) ، وهي محاولات لا تخلو من الذكاء والتظاهر والحيادية المؤثّرة
على الأجيال المسلمة ، وقد تكوّنت هيكلية بحوث هذا الكتاب من ثلاثة فصول وخاتمة
، الفصل الأوّل : في الاستشراق. الفصل الثاني : في ظاهرة الوحي. الفصل الثالث :
في الترتيب الزمني لنزول القرآن ، وخاتمة في عدم نجاح هذه المحاولات.
الحجم : رقعي.
عدد الصفحات : ٤١٢.
نشر : مركز الهدى للدراسات الحوزوية ـ
قم ـ إيران/١٤٣٤ هـ.
|
|