بسم الله الرّحمن الرّحيم

مقدمة الناشر :

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين ...

الإمامة كضرورة دينية مفهوم متجذّر لدى المسلمين عامة ، ولذا انبسط نورها على جميع نواحي الحياة ، والتي تتجلّى إداريا ـ فيما عرف في عصرنا الحاضر ـ بالسلطات الثلاث : التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وإن كانت الإمامة بنظر الإمامية لا يسعها ثوب السلطات الثلاث المذكورة ؛ لأنّ ما أولاه الباري تعالى الإمام أوسع دائرة منها.

ولذا ، أضحت محاولات طمس هذا المعلم طمسا للإسلام ، إذ قوامه الإمامة ، وانتفاء الإمامة انتفاؤه.

كما أن محالة إعطائها وإلباسها جانب الغنوصيّة والغيبية والمثالية والتأويل المتكلّف ، ووصم الإمامية بالسير وراء هذه الأفكار محاولة أقل ما نقول فيها أنها تفتقر إلى الدقة والموضوعية.

وهذا الكتاب الذي بين يديك ـ عزيزي القارئ ـ يسير بك سيرا قرآنيا تتلمس فيه هذه الحقيقة ببيان واضح ، يفهمه المثقف والدارس ، وتسفر الحقيقة فيه لذي عينين ...

كما أنّ المنهجية والتبويب وفرز الأدلة وجعلها ضمن دوائر معينة جعل الانتقال

بين رياضه وجنانه سهلا سلسا ، ومشفوعا بأريج ربما ألزمك البقاء في فصل من فصوله على الرغم من أن عينيك مشدودتان للروضة الأخرى ، فكلّه زهور متعددة الألوان والروائح.

ولعلّك لا تجد هذا التبويب للأدلة بهذه الطريقة في غيره ، وهذا كلّه يرجع إلى الجهد الذي تنكّب عناءه شهيد المحراب آية الله السيد محمد باقر الحكيم ـ تغمّده الله بواسع رحمته ـ وقد فاجأنا وأذهلنا نبأ استشهاده مع فتية أبرار ، ونحن نضع اللمسات الأخيرة لهذا الكتاب.

والحق نقول : لقد كنت في الذروة علما وعملا ، نسبا وحسبا ، وتوّجت بتاج الشهادة فازددت عند الله تعالى درجة ، وعند خلقه تألّقا ونورا ..

سيدي أيها الباقر ...

يا من خار بدمه في ميلاد باقر العلم المحمدي ..

منهم (صلوات الله عليهم) استمديت علمك وزكاتك ..

وإليهم عدت مختلطا دمك بمداك ..

فهنيئا لك حيث توفّى أجر الصابرين ..

ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلي العظيم ..

قم المقدسة

٣ رجب / ١٤٢٤ ه

تقديم

الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، والصلاة والسلام على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا بقية الله في أرضه (عج) ، والسلام على شهداء الإسلام في كل مكان منذ الصدر الأوّل للإسلام وحتى شهداء هذا العصر.

المناسبة

في البداية أتقدم بالتعازي الحارة ، لمناسبة ذكرى شهادة سيدنا ومولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام ، حيث صادفت هذه الذكرى يوم أمس (١).

ونحن وإن كنا ننتمي إلى الإسلام وإلى النبي وأهل بيته الكرام بصورة عامة ، ولكننا ننتمي ـ في الوقت نفسه ـ إلى هذا الإمام الهمام الذي كان له دور عظيم في حياتنا وحياة المسلمين عموما ، فإن الإمام الصادق عليه‌السلام واتته ظروف خاصة مكنته من القيام بعمل عظيم سواء على مستوى العالم الإسلامي ، أو على مستوى بناء الجماعة الصالحة المتمثلة بأتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث كان الإمام الصادق عليه‌السلام الإمام الثالث من أئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذين طال بهم عهد الإمامة نسبيا ، وكان أطول أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عمرا ، باستثناء سيدنا ومولانا الإمام الحجة (عج) ، وتمكن الإمام الصادق عليه‌السلام باعتبار هذه الخصوصيات من ناحية ،

__________________

(١) الثلاثاء ٢٤ / شوال / ١٤٢٠ ه‍ ق ، وقد اعتاد سماحته قدس‌سره ، أن يلقي أحاديثه في ليلة الخميس من كل أسبوع في ملتقاه الثقافي السياسي في مدينة قم المقدسة ، وقد صادف شروعه في إلقاء محاضراته عن الإمامة مع هذه المناسبة العزيزة.

والظروف السياسية والاجتماعية والثقافية المحيطة به من ناحية أخرى ، وهي ضعف الدولة الأموية ، وبداية تأسيس الدولة العباسية ، وانفتاحها على الشعوب الإسلامية ، وانتهاء دور الصحابة ، وبداية تأسيس المدارس الفقهية والكلامية من أن يديم حركة الأئمة عليهم‌السلام في الدفاع عن الإسلام ، والقيام بواجبات الإمامة تجاه الأمة الإسلامية ، وبصورة خاصة تأسيس وبناء الحوزات والمدارس العلمية ، وتوسيع نشاطها في العالم الاسلامي ، حتى أصبح الإمام الصادق عليه‌السلام عنوانا لها أيضا والاستاذ الذي تربّت عليه المدارس الإسلامية الأخرى ، وأخذ منه مختلف علماء الإسلام وعلى مختلف مذاهبهم.

والحديث عن الإمام الصادق عليه‌السلام حديث واسع ، ونحن نعيش هذه الأيام ذكرى شهادته ـ وقد تناولنا جانبا منه في مناسبات سابقة ـ ولذلك أحاول أن أبدأ بموضوع مهم بمناسبة هذه الذكرى ، يرتبط بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذا الموضوع هو دور (أهل البيت في الحياة الإسلامية) بصورة عامة ، وكان ولا زال أمنية في نفسي أن أوفق لتناول هذا البحث بصورة واسعة نسبيا ، ولكن ـ كما تقول القاعدة المعروفة ـ : «ما لا يدرك كله لا يترك كله» و «لا يترك الميسور بالمعسور» ، وأحاول أن أتناول الحديث عنه بصورة عامة ومحدودة.

الإمامة وأهل البيت عليهم‌السلام

أهل البيت عليهم‌السلام ـ كما نعرف ـ كان دورهم الأساس هو (الإمامة) وامتداد الرسالة الإلهية الخاتمة التي كان من ميزاتها تجسيد التكامل في وحدة النبوة والإمامة ، وكان وجودهم تعبيرا عن هذه الرسالة وامتدادها في خط الإمامة (١) ،

__________________

(١) يطلق عنوان أهل البيت ـ أحيانا ـ على ما يشمل النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الكرام عليهم‌السلام ، كما سوف نعرف ذلك إن شاء الله.

هذا هو العنوان العام في دور أهل البيت عليهم‌السلام.

ولكن هذا العنوان العام قد يعتريه شيء من الغموض ، مما نحتاج فيه إلى هذا البحث ، وهذا الغموض ناشئ من أن المتبادر إلى الأذهان دائما في الثقافة الإسلامية العامة الرسمية من (الإمامة) أنها : عبارة عن (الخلافة) ، بمعنى ولاية الأمر ، وقيادة التجربة الإسلامية السياسية والحكم الإسلامي ، ومن ثم فقد يأتي هذا السؤال : إذا كانت (الامامة) هي عبارة عن (الخلافة) والولاية والحكم ، فأهل البيت عليهم‌السلام لم يمارسوا دور الولاية والحكم ـ كما نعرف ـ باستثناء فترات محدودة وقصيرة جدا في التاريخ الإسلامي ، وهي فترة أمير المؤمنين عليه‌السلام وخلافة الإمام الحسن عليه‌السلام وهي مدة قصيرة جدا ، وإن كنا ننتظر في المستقبل ـ أيضا ـ الولاية والخلافة المطلقة لهم التي يقوم بأعبائها إمامنا وسيدنا الحجة بن الحسن (عج).

ولكن باستثناء ذلك ، فإن هذه القرون العديدة التي مضت في تاريخ الإسلام وهي حوالي أربعة عشر قرنا من الزمن ، وما يمكن أن نفترض من قرون أخرى تأتي حتى يظهر سيدنا الإمام الحجة (عج) ، ويتولى فيها أهل البيت عليهم‌السلام هذا الدور المطلق للولاية ، لم يستلم أهل البيت (الخلافة) إلا في مدة محدودة ، فهل أن ذلك كان تعطيلا لدورهم في الحياة الإسلامية طيلة هذه المدة الطويلة ، حتى يظهر أمرهم في المستقبل؟! أو أن الإمامة لها معنى أوسع ، وكذلك دور أهل البيت عليهم‌السلام هو أوسع وأشمل من قضية تولي الحكم وإدارته ، وأن تولي إدارة الحكم هو أحد الأبعاد المهمة في دورهم عليهم‌السلام الواسع في حياة الإسلام والمسلمين؟ هذا هو السؤال الذي يمكن لجوابه أن يشرح هذا العنوان.

ونحن نحاول في هذا البحث أن نبين الأبعاد والأدوار الواقعية المتعددة لأهل البيت عليهم‌السلام في الحياة الإسلامية العامة ، ومن خلال حركة التاريخ الإسلامي ، مضافا إلى دور الخلافة وقيادة التجربة الإسلامية وولاية الأمر.

وهنا يحسن بنا أن نشير إلى أن هذا الموضوع هو من الأبحاث التي يمكن أن يكتب الباحثون فيها موسوعة كاملة ، يمكن أن نسميها ب (موسوعة أهل البيت عليهم‌السلام) ، ولديّ أمل ـ كما ذكرت ـ أن أكتب ذلك في المستقبل ـ إذا أذن الله بذلك ـ إلا أن هذا البحث الفعلي الخاص المختصر ، إنّما هو في إطار التخطيط النظري له وبيان الآفاق والإثارات والخلاصة له ، والأمل المستقبلي أن أكتب فيه عدة كتب ، قد يشتمل كل منها على عدة أجزاء ، لبيان هذه الأدوار. وأحد النماذج الخارجية لهذه الكتب ، هو كتاب (دور أهل البيت عليهم‌السلام في بناء الجماعة الصالحة) الذي يعبر عن دور واحد من هذه الأدوار ، وقد وضعت ـ حتى الآن ـ الإطار النظري والتخطيطي لإنجازها ، كما أشرت إلى بعض موضوعاتها في هوامش الكتاب المذكور ، ولكن لا أعرف هل أن الوقت يساعدني على ذلك ، ولا سيما مع ظروفي الخاصة؟! وهل أن الأجل ـ الذي أنتظره دائما ـ يسمح لنا بذلك كي أتمكن أن أقوم بهذه المهمة أو لا؟

وقد طرح عليّ بعض الأخوة الأعزاء من وسطين مختلفين ـ من وسط الحوزة العلمية ، ومن وسط الجامعة ـ أن أقوم بشرح أفكار هذا المخطط على مستوى الفهرست والمنهج العام لهذه الموسوعة ، من خلال مجموعة من المحاضرات ، لتشكل الإطار العام لهذا البحث ، وإذا هيأ الله تعالى لنا الفرصة لكتابته تفصيلا ، فنعما هو ، وإلا فقد يوجد في كثير من الأعزاء ، من كتّاب وباحثين وعلماء ، من تتهيأ له هذه الفرصة ، إذا رأى في هذا البحث فائدة ومنفعة ، وإني أعتقد أن فيه فائدة ومنفعة كبيرة جدا ، ولا سيما في عصرنا الحاضر ، الذي أصبح فيه مذهب أهل البيت عليهم‌السلام من الرموز البارزة التي يتطلع لها المسلمون وينظرون إليه بعين الأمل من ناحية ، والبشرية جمعاء من ناحية أخرى ، ولا سيما بعد وجود هذه المسيرة الإسلامية العظيمة المعطاء ، مسيرة الشهداء والتضحيات ، وقيام الدولة الإسلامية

في هذا البلد الكريم إيران (بلد أهل البيت) على يد علماء الإسلام والعالم الرباني الإمام الخميني قدس‌سره ، بحيث أصبح اسم أهل البيت عليهم‌السلام ومدرستهم والقواعد العلمية لهذه المدرسة المتمثلة بالحوزات العلمية رمزا من رموز هذا العصر ، ومعلما من معالمه ، كل ذلك بسبب هذا التحول الكبير الذي تحقق في الأوضاع الاجتماعية والسياسية لهذه المدرسة ولهذا الخط الشريف.

ولا أريد في هذا الحديث أن أدعي أنني سوف آتي بشيء جديد مهم في المضمون والمحتوى ، فقد يكون الكثير من المضامين والموضوعات التي سوف نتناولها بالبحث ، من الموضوعات التي تناولها الباحثون في كتبهم وأبحاثهم ، على أني لا أعلم ذلك لأني ـ بسبب ضيق الوقت ـ لم أوفق حتى الآن إلى مراجعة البحوث ذات العلاقة بهذا الموضوع إلا بشكل محدود جدا ، ومن ذلك بعض بحوث الشهيد الصدر ، أو ما تبقى لدي من مخزون في الذاكرة للمصادر الأصلية (القرآن الكريم والحديث الشريف) ، ولكن الجديد فيه هو تنظيم هذه الأبحاث وترتيبها ومنهجيتها وتكميلها وتطويرها في بعض الموارد والإشارة إلى بعض الآفاق ، للحديث أو الاستنتاج منه أو الإثارة حوله ، وهذا شيء مهم مما نحتاجه في هذه المرحلة.

تقسيم البحث

ونبدأ هذا البحث أولا : بتمهيد يتركب من خطين رئيسين ، لا بد من الحديث فيهما قبل الشروع في أصل الموضوع :

أولا : الحديث عن النظرية الإسلامية في موقع أهل البيت عليهم‌السلام في الرسالة الإسلامية : (الإمامة).

وهذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي لا بد أن نتناولها قبل الدخول في

هذا البحث ، حيث نشير فيه إلى مفهوم (الإمامة) ، ثمّ إلى أبعاد النظرية الإسلامية فيها.

ثانيا : تشخيص الأهداف والأدوار العامة لأهل البيت على المستوى النظري مع الإشارة إلى أدلة هذه الأهداف والأدوار ، ومنها الكتاب الكريم والسنة الشريفة التي وردتنا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أهل البيت عليهم‌السلام.

نظرية الإمامة

وفيما يتعلق بالأمر الأول وهو بيان (النظرية) ، يلاحظ بأن الرسالات الإلهية السابقة كانت تعتمد في إدامتها واستمرارها وبقائها على مجموعة من الأنبياء الذين يأتون بعد كل نبي من الأنبياء أولي العزم ، يتحملون مسئولية هذه الرسالة على مستوى الإدامة والتطبيق والتفسير ، ولكن الرسالة الخاتمة التي هي أعظم هذه الرسالات وأفضلها ، وأراد الله لها الاستمرار والبقاء إلى آخر الحياة البشرية ، يلاحظ فيها أنها رسالة لا يوجد فيها نبي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لما نص عليه القرآن من قوله تعالى (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ...) (١) ، وكذلك ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتواتر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله لدى المسلمين من قوله لعليّ عليه‌السلام : «... أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبيّ بعدي» (٢).

إذن ، فهذه الرسالة ـ من ناحية ـ هي أعظم الرسالات الإلهية ، وأريد لها الاستمرار والدوام أكثر مما أريد للرسالات الإلهية الأخرى ، ومن ناحية أخرى

__________________

(١) الأحزاب : ٤٠.

(٢) بحار الأنوار ٢١ : ٢٠٨ / ١ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٠٩ و ١٣٣ و ٣٣٧ ، صحيح البخاري ٣ : ٥٨ / ٣٥٠٣ ، راجع كتاب المراجعات : ٢٦٤ / ٢٨ ، وقد ذكر فيه مصادر علماء المسلمين.

فهل نجد أن هذه الرسالة لم توضع لها ضمانات للاستمرار والبقاء ، كما وضعت ضمانات للرسالات السابقة التي جاء بها الأنبياء أولو العزم ، حيث كانوا يقومون بمهمة إدامة زخم تلك الرسالة ومتابعة الإشراف على تطبيقها ودعوة الناس إليها؟ ، أو أنّ الله تعالى وضع ضمانة من نوع آخر؟ ، لأن عمر الرسول ـ بصورة عادية ـ يبقى محدودا بالنسبة إلى عمر الرسالة نفسها ، ولا يستمر عمره ـ عادة ـ باستمرار الرسالة نفسها ، ولذلك كان الله تعالى يرسل الأنبياء التابعين من أجل أن يديموا حركة الرسالة ومسيرتها.

هذا السؤال هو الذي يفرض الحديث عن وجود الإمامة ، وموقع ودور أئمة أهل البيت عليهم‌السلام منها ، وأنّ الله تعالى شاء أن يكون استمرار الرسالة الخاتمة عن طريق (الامامة) ، وأن تكون هذه الإمامة في أهل البيت سلام الله عليهم.

وهذا الموضوع وإن كان يحتاج إلى بحث وشرح واسع ، ولكن سوف أشير إليه في حدود الإثارة وبعض خطوطه العامة فيما يأتي من البحث ـ إن شاء الله تعالى ـ حيث نحاول معالجة ثلاثة أسئلة رئيسية حوله :

الأول : ما هي ضرورة وجود الإمامة في الرسالة الخاتمة.

الثاني : لما ذا كان استمرار الإمامة في الرسالة الخاتمة في خصوص أهل البيت عليهم‌السلام؟ ولم يوضع هذا الدوام بصيغة أوسع وأشمل من هذه الأسرة الشريفة وهم (أهل البيت) ، ووضعت الإمامة والاختصاص في خصوص (آل النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله).

الثالث : لما ذا اختصت الإمامة بخصوص الأئمة الاثني عشر المعروفين من أهل البيت عليهم‌السلام.

وجواب كل واحد من هذه الأسئلة يحتاج فيه إلى بيان بعدين :

أحدهما : تفسير هذه الظاهرة ، لأن الظواهر الإلهية والإسلامية بصورة عامة

ليست ظواهر اعتباطية ، أو مجرد قضايا تعبدية ، وإنّما هي ظواهر لا بدّ أن تكون وراءها حكمة ومصالح تفسر هذه الظواهر ، وهو بعد من البحث ذو طابع جديد نسبيا.

والبعد الآخر : هو الاستدلال بالطرق العلمية المتبعة على ثبوت هذه الظاهرة في الإسلام واختصاصها بأهل البيت عليهم‌السلام ، وهو بحث تناوله علماؤنا في مختلف العصور ، عند ما كانوا يتناولون عقيدة الإمامة.

وهذا التصور النظري لها ـ الخاص للاستمرار ـ من الامتيازات التي اختصت بها مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام على المدارس الأخرى ، لأن المدارس الأخرى تدعي أن الرسالة الإسلامية كان استمرارها بطريق آخر وهو الدعوة والدولة ، ولم يكن مختصا بأهل البيت عليهم‌السلام أيضا.

وهنا نحتاج ـ أيضا ـ من الناحية النظرية أن نتبين هذا الموقع الخاص لأهل البيت عليهم‌السلام في قضية استمرار وإدامة هذه الرسالة.

فأولا : نحتاج بالنسبة إلى النظرية أن نتبين دور الإمامة وضرورتها في الرسالة الخاتمة من أجل ملء هذا الفراغ الرسالي ، ببيان خصوصيات ما يملأ فراغ ضرورة استمرار الرسالة ، حيث أريد لهذه الرسالة الخاتمة أن تكون رسالة أبدية تنتهي بعمر البشرية.

وثانيا : نحتاج أن نتبين اختصاص أهل البيت عليهم‌السلام بهذا الدور دون غيرهم من الناس ، وتفسير هذا الاختصاص ، وهل أنه هو مجرد اصطفاء غيبي دون وجود تفسير له علاقة بحركة البشرية والحياة الاجتماعية ، أو أن هذا الاصطفاء له علاقة بهذه الحياة البشرية ومن ثمّ وجود الارتباط بين الأمر الأول والثاني.

وثالثا : نحتاج أن نتبين اختصاص أهل البيت عليهم‌السلام بخصوص هذا العدد المحدود ، وهو الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام.

هذا كله في ما يتعلق بموضوع أصل النظرية وهو الأمر الأول ، وسوف نتناول ذلك كله في مدخل وفصول ثلاثة على المستوى النظري.

أما المدخل : فهو في بيان مفهوم (الإمامة).

الفصل الأول : في ضرورة (الإمامة) وموقعها في الرسالة الإسلامية.

الفصل الثاني : في اختصاص (الإمامة) بخصوص (أهل البيت عليهم‌السلام).

الفصل الثالث : في اختصاص أهل البيت بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت.

الأهداف والأدوار

أما فيما يتعلق بالأمر الثاني وهو الأهداف والأدوار العامة لأهل البيت عليهم‌السلام ، وهي أمور تلقي الضوء على محتوى نظرية (الإمامة) في مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، وذلك بعد أن نعرف أن لأهل البيت عليهم‌السلام هذا الموقع الخاص.

وفي هذا البحث سوف نلاحظ أن هناك سبعة أهداف وأدوار رئيسية وأساسية ، يمكن أن نستنبطها من مختلف الأدلة وبالخصوص حديث أهل البيت عليهم‌السلام ، وذلك عند الرجوع إلى أحاديثهم عليهم‌السلام ، وعن دورهم في حياة المسلمين ، وهذا البحث سوف نشرحه من خلال تسمية الأدوار ، وبيان النصوص ذات العلاقة بتشخيص هذه الأدوار أو حقيقتها :

الدور الأول : حفظ الحياة الانسانية ، لما ورد في شأن الإمامة وأهل البيت عليهم‌السلام بأنهم أمان لأهل الارض ، وأنّ الأرض بدون الإمامة والحجة تسوخ بأهلها.

الدور الثاني : قيادة التجربة والحكم الإسلامي وولاية الأمر.

الدور الثالث : المرجعية الدينية والفكرية للمسلمين.

الدور الرابع : المحافظة على وجود الشريعة الإسلامية فاعلة ومؤثرة في حياة الناس ، وكذلك بقاء أصل الرسالة محفوظا ومنزها عن التحريف والتزوير.

الدور الخامس : المحافظة على وجود الأمة الإسلامية ووحدتها وحيويتها.

الدور السادس : بناء الجماعة الصالحة للقيام بدور المساعد والبديل لأهل البيت عليهم‌السلام عند الغيبة ، ولذلك فإن موضوع بناء الجماعة الصالحة يكون أحد الأدوار والأهداف التي استهدفها أهل البيت عليهم‌السلام في الحياة الإسلامية.

الدور السابع : تجسيد القدوة والأسوة في السلوك الإسلامي الراقي ، وإيجاد المثال الخارجي للتكامل الإنساني الذي يمثل الهدف لوجود الإنسان.

وقد يستحق كل واحد من هذه الأدوار بحثا أو كتابا مستقلا ، ولكننا في هذا الاستعراض سوف نحاول التلخيص والاقتصار على القضايا الرئيسية مع الإشارة إلى أدلتها وذكر العناوين التي يمكن أن تكون مجالا للبحث التفصيلي والتنبيه إلى بعض المصادر التي تناولت هذه الأبحاث التفصيلية.

المواقف

وإلى جانب هذين الأمرين أو الخطين من البحث (النظرية والأدوار) يوجد بحث ثالث ـ أيضا ـ مهم ، وهو استعراض (المواقف) والإنجازات المهمة الرئيسية التي اختص أو تميز بها كل واحد من الأئمة الاثني عشر إلى جانب المساهمة في الأدوار المشتركة وتحقيق الأهداف العامة ، حيث يمكن تقسيم البحث في هذا الموضوع على عدد الأئمة أنفسهم ، وبيان الأدوار من خلال المواقف الخاصة لهم والتي كان لها بطبيعة الحال أثر مهم في الوقت نفسه في تحقيق الأهداف العامة المشتركة.

وبعد هذا العرض نأتي إلى معالجة الأسئلة التي أثرناها في الأمر الأول (النظرية).

القسم الأول

نظرية الإمامة

المدخل : مفهوم الإمامة

الفصل الأول : ضرورة الإمامة

الفصل الثاني : الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام

الفصل الثالث : الإمامة الاثنا عشر

المدخل

مفهوم الإمامة

أشرنا في التقديم إلى أنّ مفهوم الإمامة في الثقافة الإسلامية العامة الرسمية المعروفة يتبادر منه الولاية والحكم ، ويمثل هذا المفهوم تصورا تحريفيا لمفهوم الإمامة ، إذا أردنا أن نرجع فيه إلى المصادر الإسلامية الأصيلة ، كالقرآن الكريم والسنة النبوية.

ولعل السبب في هذا التحريف لهذا المفهوم هو فرض الأمر الواقع في التاريخ الإسلامي ، وجعله مبررا لاستنباط هذا المفهوم وتحريفه ، حيث إن مدرسة تبرير الأمر الواقع فرضت نفسها على الكثير من المفاهيم والتلقي والاستنباط للنصوص الإسلامية ، وما يعبر عنه بالاجتهاد في مقابل النص ، أو التفسير بالرأي ، وذلك بتحميل النص العناصر الذاتية والميول الخاصة أو الظروف السياسية والاجتماعية وتفسيره بها ، بحيث يتحول الأمر الواقع والسلوك الخاص لهذه الجماعة ، وتلك حقيقة يقاس ويفهم بها النص الإسلامي بدل أن يؤخذ النص الإسلامي بصورة موضوعية ، ويفهم من خلال مداليل الكلام لغة ، أو من خلال القرائن الحالية والمقالية التي أحاطت به ، ويصبح بذلك ـ مع الأسف ـ السلوك الاجتماعي للإنسان مفسرا وموجها للنص الإسلامي ، بدل أن يكون النص الإسلامي هاديا وموجها للسلوك الاجتماعي.

وقبل الاستغراق بذلك يحسن بنا الرجوع إلى النصوص القرآنية التي تعتبر أفضل مصدر لفهم مدلول (الإمامة) ، ثم نستعين بالنصوص النبوية في هذا الفهم ،

لنخرج بذلك بمفهوم صحيح عن (الإمامة).

ولعل أفضل نص يمكن أن نتعرف من خلاله على مفهوم الإمامة هو الآية الكريمة التي تحدثت عن جعل الإمامة لإبراهيم عليه‌السلام ، والذي تؤيده مجموعة نصوص قرآنية أخرى :

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

حيث يمكن أن نفهم من هذا النص عدة أبعاد لمفهوم الإمامة :

الأول : أنّ الإمامة هي هداية الناس إلى الله تعالى من خلال تقدمهم في المسيرة الربانية عمليا.

وهذا ما يدل عليه مفهوم الإمامة لغة ، وتؤكده مجموعة من الآيات الكريمة التي تحدثت عن الإمامة ، وقرنت الإمامة بالهدى ، منها قوله تعالى في معرض حديثه عن قصص إبراهيم عليه‌السلام وولده : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٢).

وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٣).

وكذلك ما ورد في سورة الأنعام في معرض الحديث عن الأنبياء منذ نوح عليه‌السلام إلى عيسى عليه‌السلام : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٤).

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) الأنبياء : ٧٣.

(٣) السجدة : ٢٤.

(٤) الأنعام : ٨٩ ـ ٩٠.

ويبدو من هذه الآيات الكريمة أنّ الهداية ليست مجرد الموعظة والإرشاد وبيان الحقائق الإلهية ، (بل هي الهداية التي تقع بأمر الله تعالى ، وهذا الأمر هو الذي بيّن حقيقته في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (١)) (٢). ولعله بذلك كانت هذه الإمامة مجعولة من قبل الله تعالى (... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) (٣).

الثاني : أنّ الإمامة عهد إلهي إلى عباده الصالحين ، كما تصرح بذلك الآية الكريمة : (... قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، ويفهم ذلك من قوله تعالى : (... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، والسر في ذلك ما أشرنا إليه من أنها هداية بأمر الله تعالى.

ولذلك لا بد أن نفترض فيها جانبا من الاصطفاء والاجتباء من ناحية ، كما تشير إليه الآيات الكريمة التي تحدثت عن الاصطفاء ، مثل قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٤).

كما افترضنا فيها ـ في الوقت نفسه ـ درجة خاصة من الهداية العملية ، بحيث تكون هداية بأمر الله تعالى ، لا بأمر الإنسان ومبادراته واجتهاداته وفهمه للدين ، من خلال الاكتساب للعلم والتفقه في الدين وقيامه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الثالث : أنّ الإمام لا يمكن أن يكون ظالما ، كما تصرح بذلك الآية الكريمة : (... لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، ولا بد أن يكون انتفاء الظلم عن الإمام بدرجة عالية

__________________

(١) يس : ٨٢ ـ ٨٣.

(٢) الميزان ١ : ٢٧٢.

(٣) البقرة : ١٢٤.

(٤) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

لما تقتضيه عدة قرائن حالية ومقالية ، تمّ تناولها في أبحاث التفسير (١) ، ترجع نهايتها :

إما إلى مناسبات الحكم والموضوع ، حيث إن السؤال أو الطلب من إبراهيم عليه‌السلام لإمامة ذريته إنّما يتناسب مع سؤال أو طلب الإمامة للمؤمن من ذريته ، وحين يأتي النفي لوصول العهد إلى الظالم فهو نفي للظالم المؤمن ، وهذا يدل على النقاء المطلق.

أو إلى أنّ طبيعة هذه الهداية الربانية العملية التي تكون بأمر الله تعالى وباصطفائه وجعله ، إنّما تناسب الإنسان الذي يكون سعيدا ومهتديا بذاته ، دون أن يكون بحاجة إلى هداية غيره ، وهذا يعني بلوغ درجة العصمة العالية التي تؤهله لهذه الهداية.

أو أن هذا الجعل الإلهي للإمامة والهداية الخاصة بعد الابتلاء والامتحان ، إنّما يتناسب مع هذا المستوى العالي الراقي من التكامل الإنساني ، والذي تمّ تأكيده بقوله تعالى : (... لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ).

الرابع : أنّ الإمامة هي مرتبة عالية أعلى من درجة النبوة التي كان عليها إبراهيم عليه‌السلام عند مخاطبته بهذا الجعل الإلهي ، كما يبدو ذلك من بعض القرائن القرآنية من مخاطبته بها بعد الابتلاء والامتحان ، وهو ما تحقق بعد النبوة ، ومن سؤال أو طلب الإمامة لذريته ، ولم تكن له ذرية إلّا في آخر عمره.

وهو ما تشير إليه الآيات الكريمة التي تحدثت عن الأنبياء السابقين ، من أنّ هذا الجعل كان بعد نبوتهم ، وما تنص عليه بعض الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام ، مثل ما رواه الكافي عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ الله عزوجل اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن

__________________

(١) يمكن مراجعة بحث هذه الآية في كتاب الميزان ١ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، للعلّامة الطباطبائي قدس‌سره.

يتخذه نبيا ، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا ، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا ، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له الأشياء قال : (... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، قال عليه‌السلام : فمن عظمها في عين إبراهيم قال : (... وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، قال عليه‌السلام : لا يكون السفيه إمام التقيّ» (١).

وعند ما تكون الإمامة أعلى درجة من النبوة ، فلا بد أن تجتمع فيها أبعاد النبوة ومسئولياتها بأعلى درجاتها ، بل يمكن أن نقول بأن الإمامة تمثل تطورا وسموا في حركة النبوة ، يتناسب مع تطور الإنسان في إدراكه وفهمه للحياة والمشاكل التي تواجهه في هذا الفهم ، وتطور المجتمع الإنساني في علاقاته ومشاكله الحياتية ، بحيث يتحول دور النبي فيها من دور الإخبار وبيان الحقائق وحمل الرسالة الإلهية إلى الناس وإبلاغها لهم ، إلى دور أعظم وهو : دور التجسيد العملي الاجتماعي لهذه الرسالات ، بحيث يصبح هاديا لهم من خلال ذلك أيضا ، ودور التزكية والتطهير والتعليم وإقامة الحق والعدل بين الناس ، وحل مشاكلهم والحكم في ما يختلفون فيه.

الخامس : أنّ هذه الإمامة هي إمامة عالمية وللناس جميعا ، وليست خاصة بالقوم والجماعة أو المنطقة والإقليم ، بل هي للناس (... إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...).

وهذا جانب آخر من تطور النبوة في مساحة عملها وحركتها الخارجية ، وليس في آفاقها النظرية ، إذ يمكن أن نفترض أنّ النظرية كانت عامة ، ولكن لم تأخذ طريقها إلى الواقع من خلال حركة النبوة الخارجية.

وهذا البعد يلقي بظلاله على محتوى ومفهوم هذه الإمامة ، بحيث تكون قادرة على الوفاء بجميع هذه الحاجات الإنسانية.

__________________

(١) وروي هذا المعنى بأسانيد أخرى عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، وللعلامة الطباطبائي قدس‌سره بحث روائي جميل ومفيد حول هذا الحديث ، الميزان ١ : ٢٧٦.

أبعاد الإمامة في نظر أهل البيت

وانطلاقا من هذا الفهم للنصوص القرآنية ، يمكن أن نلخص أبعاد الإمامة في نظر أهل البيت عليهم‌السلام ، بحيث تمثل نظرية الإمامة في مدرسة أهل البيت :

الأول : بعد الاصطفاء والاجتباء والاختيار من قبل الله تعالى للإمام ، كما هو الحال في النبوة ـ أيضا ـ وذلك من أجل القيام بالمهمات الخاصة التي اصطفى الله سبحانه وتعالى من أجلها الأنبياء والأولياء ، والتي أشار إليها القرآن الكريم في مواضع عديدة مثل الشهادة والهداية وإبلاغ الرسالات والبشارة والإنذار والتزكية والتعليم وإقامة القسط والعدل بين الناس.

ولكن الإمامة في الحالات التي تنفصل فيها عن النبوة قد تكون أدنى من النبوة في بعض هذه المجالات ، كمجال إبلاغ أصل الرسالة الإلهية عن الله تعالى ، ولأنها ميزة النبوة ، وهي أرقى من النبوة في بعض المجالات الأخرى كالتزكية والتعليم وإقامة القسط والعدل بين الناس.

وهذا البعد يمكن أن نفهمه من الجعل والاصطفاء للأنبياء ، كما ذكرنا سابقا.

الثاني : الاستمرار والامتداد لمهمات الرسالة الإلهية ، عند ما لا يتسع زمان الرسول صاحب الشريعة للوفاء بالقيام بمهماته كاملة ، لأن عمر الرسول عادة يكون أقصر من عمر الرسالة ، وبذلك قد تستمر الرسالة من خلال الأنبياء التابعين للأنبياء أولي العزم ، أو من خلال الأئمة عند ما تنقطع النبوة ، كما في الرسالة الخاتمة ، أو عدم الحاجة إليها في بعد الإبلاغ.

ويمكن معرفة هذا البعد من آية (إمامة إبراهيم عليه‌السلام) ، فيما تبادر إلى ذهن إبراهيم عليه‌السلام من بقاء الإمامة واستمرارها ، مما أثار السؤال عن استمرارها في ذريته ، حيث جاء الجواب الإلهي مؤكدا لذلك ، كما سوف نشرحه في توضيح النظرية.

الثالث : الامتياز بالعلم والأخلاق والصفات الروحية المكتسبة ـ عادة ـ من خلال الممارسة والتجربة والامتحان والابتلاء ، بحيث يكون المتقدم في ذلك على أهل زمانه فهو أعلمهم وأفضلهم في صفات الكمال.

وليس من الضروري أن تكون هذه الصفات مكتسبة ، بل قد تكون منحة إلهية ـ كما سوف نشير ـ ولكن من الضروري أن تكون ثابتة فيه ، ليكون مؤهلا لهذه الإمامة.

وهذا البعد يمكن أن نستفيده مما أشارت إليه الآية وغيرها ، من أنّ هذا الاستحقاق بسبب هذا التأهيل : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، إذ يفهم منه أنّ الابتلاء بالكلمات كان السبب في هذا الجعل والتأهيل له.

وكذلك ما ورد من قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا ...) (١) ، حيث يفهم منه أنّ الصبر كان وراء هذا الاستحقاق.

ويؤكد ذلك ـ ما يفهم من الآية ـ ورود التصريح به في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، من أن الإمامة أعلى درجة من النبوة.

الرابع : الولاية والحكم والإدارة لشئون الناس ، لإقامة الحق والعدل والقسط بينهم ، لأنّ من يتقدم الناس في هذا الأمر ، ويتصدى له منهم ويتحمل مسئوليته بالاصطفاء الإلهي له ، لا بد أن يكون مستحقا لهذه الولاية والإدارة والحاكمية.

وهو بعد يمكن أن نستنبطه من الآية الكريمة ، ومن الآيات الأخرى التي أكدت وجوب الطاعة للرسول ولأولي الأمر ، وذكرت قيام الناس بالقسط والحكم فيما يختلفون هدفا لإرسال الرسل وبعثة الأنبياء ، قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ...) (٢).

__________________

(١) السجدة : ٢٤.

(٢) الحديد : ٢٥.

وقال تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ...) (١).

الخامس : وجوب الحب والولاء والمودة الخاصة والتقديس والتعظيم للإمام بما يتناسب مع مواصفاته الإيمانية الممتازة ومسئوليته الإلهية الخطيرة ، كما تشير إلى ذلك الآيات الكثيرة التي دلت على حب الرسول ، وأنه حب لله تعالى وولائه وتقديسه وتعظيمه ...

السادس : أنّ الإمامة والإمام يمثل التكامل الإنساني في مسيرة البشرية ، والهدف الذي خلق الله الإنسان على الأرض من أجل تحقيقه والدرجة العليا في المصير الأخروي ، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة وتذكره بصورة أوضح آية جعل الخلافة على الأرض ، في قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...) (٢) ، وكذلك الآيات التي تتحدث عن السبب في خلق الإنسان والجن ، قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٣).

وذلك لأنّ الإمام هو الذي يتقدم مسير الإنسانية كلها ليهديها إلى هذه الأهداف ، فلا بد أن يكون المثال الكامل الذي نقتدي به في هذا الطريق.

إنّ هذه الأبعاد التي يمكن أن نستنبطها من القرآن الكريم تمثل أبعاد نظرية أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو موضوع بحثنا الذي سوف نتناوله ـ بإذن الله ـ بقسميه :

الأول : استعراض النظرية وتصورها.

الثاني : الاستدلال عليها.

والله ولي التوفيق والسداد

__________________

(١) البقرة : ٢١٣.

(٢) البقرة : ٣٠.

(٣) الذاريات : ٥٦.

الفصل الأول

ضرورة الإمامة

السؤال الأول : لما ذا كان من الضروري أن تستمر الرسالة الإسلامية من خلال (الإمامة) ، مع أن هذه الرسالة هي رسالة خاتمة ، ثم لما ذا لم يكن هذا الاستمرار بهذه الصورة في الرسالات السابقة ، بل كان من خلال النبوات التابعة؟

أما عدم الاستمرار من خلال النبوات التابعة ، فلأن الاستمرار للنبوة في الرسالات السابقة كان أمرا طبيعيا ، وذلك للوصول بالرسالة والإنسانية معا إلى مرحلة التكامل الرسالي والإنساني ، فكان من الضروري أن يأتي أنبياء تابعون للرسالة الإلهية التي يرسل الله تعالى بها نبيا من الأنبياء أولي العزم ، لأن الرسالات الإلهية كانت تتعرض إلى التحريف فيها لدرجة تفقدها دورها الرسالي المطلوب من ناحية ، كما أن الرسالات لم تبلغ التكامل الرسالي المفروض الذي بلغته في الرسالة الخاتمة من ناحية أخرى ، والإنسانية لم تبلغ مرحلة التكامل الرسالي في ثبات الأصول والمبادئ الأساسية للرسالات الإلهية في مسيرتها من ناحية ثالثة ، فنحتاج إلى هذه النبوات التابعة التي قد يندمج فيها دور النبوة والإمامة في بعض الأحيان ، وقد ينفصل حسب طبيعة المرحلة والزمان ، فنشاهد :

أنبياء دون إمامة لإبلاغ الرسالة وبيان أو كشف ما تعرضت له من تحريف.

أو أوصياء دون نبوة ، ليكون دورهم هو مواصلة دور النبوة السابقة المحدود.

أما في الرسالة الخاتمة وبعد فرض تكاملها الرسالي والإنساني معا ، سواء على مستوى النظرية أو ثبات الأصول والمبادئ الأساسية للرسالة ، فنحن لسنا بحاجة

إلى أنبياء تابعين يبلغون الرسالة ، ولذا انقطعت النبوة في الرسالة الإسلامية (١).

وأما لما ذا كان هذا الاستمرار من خلال خط الإمامة في الرسالة الخاتمة دون النبوة؟

فقد أشرنا في حديثنا إلى أن الحاجة في الرسالة الخاتمة إلى الاستمرار والبقاء ـ بسبب أهميتها وجلالتها وسموها وامتيازاتها على الرسالات السابقة ـ أكثر من الحاجة بالنسبة إلى الرسالات السابقة ، لأنها الرسالة الأهم والأعظم ، فكيف لا تحتاج إلى من يتابعها ، مع أن الرسالات الأقل احتاجت إلى مثل هذه المتابعة؟!

ولكن هذه المتابعة ليست على مستوى مواصلة إبلاغ الرسالة ، أو المحافظة عليها من التحريف ، والسبب في ذلك :

أما على مستوى إبلاغ الرسالة ، فإنّ الرسالة قد أصبحت من حيث مضمونها ومحتواها الرسالي رسالة خاتمة وكاملة ، ولا تحتاج عندئذ إلى متابعة على مستوى (الأنبياء) لبيان أصل الرسالة وتثبت الأصول لها ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكملها في بلاغها وعرضها على الناس ، وقد صرح القرآن الكريم بذلك : (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ...) (٢).

إذن ، فالرسالة الخاتمة من هذه الناحية لا تحتاج إلى إكمال ومتابعة على مستوى البلاغ والتبشير والإنذار الذي يتحمله الأنبياء التابعون عادة ، لمعالجة الانحرافات وتثبيت الأصول والأسس ، نعم قد تحتاج إلى إكمال بيان بعض التفاصيل ، ولكن ذلك وحده لا يفسر الحاجة إلى (الإمامة) ودورها الكبير في النظرية الإسلامية.

__________________

(١) عالجنا هذا الموضوع في بحثنا حول خصائص الرسالة الإسلامية (العالمية ، الخاتمية ، الخلود) ، ولمزيد من التوضيح يمكن مراجعة البحث المذكور.

(٢) المائدة : ٣.

وأما على مستوى المحافظة عليها من التحريف ، فقد شاء الله سبحانه وتعالى أن تختص الرسالة الإسلامية من بين الرسالات الأخرى بضمانات ووسائل الحفظ من الضياع والتحريف المطلق في مضمونها ، وذلك من خلال عدة عناصر أساسية ومهمة ، يأتي في مقدمتها القرآن الكريم ، والمحافظة عليه من التحريف والزيادة والنقصان ، ببركة قيام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بتدوينه ، وكذلك وجود العدد الكبير من الصحابة الأفذاذ الصالحين ـ وفي مقدمتهم الإمام علي عليه‌السلام ـ الذين تمكنوا من حفظ القرآن في الصدور ، وغير ذلك من الأسباب الغيبية أو المادية (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١) ، ولا شك أن لوجود أهل البيت عليهم‌السلام دورا مهما وعنصرا أساسيا ـ أيضا ـ في ذلك (٢).

وهي بذلك لم تعد بحاجة إلى نبوات تابعة كما ذكرنا.

ولكن مع ذلك كله ، تبقى الرسالة الإسلامية الخاتمة بحاجة إلى وجود متابعة لها على مستويات أخرى مهمة ، ومن أجل ذلك كان وجود الإمامة واستمرار الرسالة من خلالها ضرورة لازمة.

ولتوضيح ذلك ، أشير إلى ثلاث نقاط رئيسية ، لا بدّ من الاهتمام بها ومتابعتها وبحثها بدقة :

الإمامة والاختلاف في العبادة

النقطة الأولى : أن الأنبياء عند ما يرسلهم الله سبحانه وتعالى إلى عباده كانوا يقومون بمهمات ذات بعدين رئيسيين :

__________________

(١) الحجر : ٩ ، عالجنا هذا الموضوع في بحث ثبوت النص القرآني من كتابنا علوم القرآن : ٩٩.

(٢) أشرنا إلى هذا الدور في بحث التفسير عند أهل البيت عليهم‌السلام الذي نشر جانب منه في كتابنا علوم القرآن : ٣٠٧.

أحدهما : البلاغ والإنذار لهؤلاء الناس ليبيّنوا الرسالة بتفاصيلها المطلوبة ، وهذا ما قام به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الرسالة الخاتمة ، وقام به الأنبياء السابقون ـ أيضا ـ في الرسالات الأخرى.

ثانيهما : مواجهة ظاهرة الاختلاف في المجتمع الإنساني والعمل على حله ، لأن الله تعالى يقول : (... فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ...) (١).

وتدخل مهمة التزكية والتطهير ومهمة التعليم كنتيجة لهاتين المهمتين الرئيسيتين.

إذن ، قضية الاختلاف هي قضية مهمة جدا يواجهها الأنبياء في عملهم وحركتهم ويتحملون مسئولية حلها.

والاختلاف هنا هو اختلاف في المثل العليا التي يتخذها هؤلاء الناس للعبادة وفهمهم للحياة والكون وحركتهم الاجتماعية ، حيث يتخذ هؤلاء الناس لهم الآلهة المصطنعة ـ والمثل المحدودة ، أو التكرارية (٢) ، والأسماء المزيفة المستلهمة من القوى الموجودة في هذا الكون ، أو الشهوات والأهواء والميول ، أو الطغاة والمستكبرين والمترفين ، أو من تقليد الآباء والأجداد ـ يعبدونها من دون الله.

ولما كان عمر الرسول محدودا ـ عادة ـ لا يستوعب الزمان الكافي لحل هذا النوع من الاختلاف خارجيا ، بحيث يمكّنه من إزاحة جميع العوائق والموانع التي تقوم أمام الرسالة في حركتها الاجتماعية والإنسانية ، تصبح الرسالة بحاجة إلى

__________________

(١) البقرة : ٢١٣.

(٢) اصطلاح استخدمه السيد الشهيد الصدر قدس‌سره في بحثه حول المجتمع الإنساني من بحوث التفسير الموضوعي ، عند ما طرح فكرة المثل الأعلى في العبادة ، محاضرات التفسير الموضوعي : ١٢٦.

قيادة (معصومة) للحركة الاجتماعية وإدامة العمل لحل هذا النوع من الاختلاف ، وهذه الحاجة ثابتة في كل الرسالات الإلهية ، فكيف إذا كانت الرسالة رسالة خاتمة طويلة الأمد ، يراد لها أن تعم الأرض كلها ، وتزيل جميع الآلهة المصطنعة ، والأمثلة التي يبتدعها الإنسان وتنتصب في وسط طريق التكامل الإنساني.

لذا كانت الحاجة قائمة لوجود القائد وهو الإنسان الكامل الذي نعبر عنه ب (الإمام) ، ليقود خارجيا معركة تحرير الإنسان من كل هذه الآلهة والقيود ، وتحقيق العبادة المطلقة لله تعالى ، دون غيره من الآلهة ، وهو المثل الأعلى للحق ، لأن معركة التحرير هذه تحتاج إلى شخص يتصف بالاستيعاب الكامل والرؤية الواضحة للرسالة من ناحية ، والشعور العالي بالمسئولية أمام الله تعالى في إدامة المعركة من ناحية ثانية ، والإدارة القوية في إدارة المعركة التي تعتمد على جهاد النفس من ناحية ثالثة.

وهذا السبب هو ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس‌سره في حديثه حول ضرورة الإمامة بعد الرسول ، وقد أعطى الإمامة مضمونا شاملا ، يتحد مع النبوة أحيانا ، عند ما تكون الحاجة إلى النبي والقائد معا ، ويفترق عنها أحيانا أخرى عند ما تكون الحاجة إلى القائد وحده ، ولكنه على أن يرتبط بهذه المهمة الخاصة وهي قيادة المعركة ، وهو ما عبر عنه الشهيد الصدر قدس‌سره بقيادة المعركة التي يواجهها الأنبياء في المجتمعات الإنسانية ، لإزالة كل الأمثلة المزيفة والآلهة المصطنعة التي يخترعها الإنسان ويبتدعها ، سواء كانت هذه الأمثلة المصطنعة والآلهة المزيفة عبارة عن طواغيت يحكمون بين الناس أو كانت شهوات وهوى يتحكم في مسيرة هؤلاء الناس ، أو كانت أفكار منحرفة يختلقها الإنسان ويبتكرها ، فيجعلها مثالا له يقتدي ويهتدي به ، فيتحول إلى إله يعبده من دون الله ، كما قال تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ

سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ ...) (١) ، فهي معركة إزاحة هذه الآلهة المصطنعة عن طريق الهدى والصلاح والخير الذي يقوده الأنبياء (٢).

وهذه المعركة عمرها أطول من عمر النبي ، فإن عمر الرسول مهما طال زمانه لا يستوعب زمان الاختلاف ، لأن الله تعالى جعل قضية الاختلاف بين الناس سنّة من السنن الطبيعية التي تحكم حركة التاريخ في كل الأدوار ، فقضية الاختلاف قضية قائمة لا يختلف فيها زمان عن زمان ، ولا تنتهي هذه القضية إلا بنهاية حركة البشرية ، أو بلوغها سن الرشد الاجتماعي ، والقرآن الكريم يشير إلى ذلك ـ أيضا ـ في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (٣).

إذن ، فالمعركة ضد الاختلاف تحتاج إلى من يقودها ، وزمنها أطول من زمن النبي ، ولو كانت هذه المعركة تنتهي بزمن النبي كان يمكن للنبي أن ينهي المعركة ولا نحتاج إلى من يقودها من بعده ، ولكنه لما كانت هذه القضية هي سنّة تحكم حركة التاريخ ، فنحتاج إلى من يقود هذه المعركة ، معركة إزاحة الآلهة المزيفة والمصطنعة أمام الحركة التكاملية للإنسان.

وقيادة هذه المعركة تارة تكون من قبل نبي يقوم بدور الإمام ـ أيضا ـ كما في كثير من الأنبياء السابقين التابعين ، وأخرى تكون من قبل الإمام الذي لا يتصف بعنوان النبوة لعدم الحاجة إليها ، ولما كانت الرسالة الإسلامية هي الرسالة الخاتمة الكاملة المحفوظة ، ونبوة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله لا نبوة بعدها ، اقتضى أن يكون الدور للإمامة التي لا تتصف بالنبوة.

__________________

(١) النجم : ٢٣.

(٢) المدرسة القرآنية : ١٩٥ ـ ١٩٦.

(٣) هود : ١١٨ ـ ١١٩ ، ولعل في الاستثناء إشارة إلى سن الرشد هذا.

والشواهد التاريخية على هذه الحقيقة عديدة تؤكد النظرية التي أشارت إليها الآيات القرآنية المذكورة ، وهذه الآيات تكفي أن تكون شاهدا ودليلا عليها ، ولكن الواقع التاريخي شاهد ـ أيضا ـ على هذه الحقيقة ، فإن ظاهرة الاختلاف ظاهرة قائمة وثابتة في التاريخ الإنساني ـ كما ذكرنا ـ كما أنها ظاهرة ثابتة في التاريخ الإسلامي في زمن النبي وبعده ، ولا يمكن لأحد من الناس أن ينكرها أو يخفيها ، فهذه القضية ليست مجرد قضية نظرية ، وإنّما هي قضية ذات واقع قائم في المجتمع الإنساني والإسلامي كله ، وهذا هو ما نواجهه ـ أيضا ـ في هذا العصر والزمان.

الإمامة والاختلاف في التأويل

النقطة الثانية : أن الرسالات الإلهية تواجه ـ عادة مع غض النظر عن الاختلاف الأول الذي ذكرناه في النقطة الأولى ـ بعد ثبوتها ورسوخ أقدامها نوعا آخر من الاختلاف وهو الاختلاف في تفسير هذه الرسالة ، وفهم مداليها وتأويلها وتجسيد المصاديق الخارجية فيها ، وهذا نوع آخر من الاختلاف ، أشار إليه القرآن الكريم في كثير من الآيات الكريمة التي تحدث فيها عن أهل الكتاب وما اختلفوا فيه من تأويل الكتاب ، منها قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ* أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ* ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) (١).

وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ

__________________

(١) البقرة : ١٧٤ ـ ١٧٦.

الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ* وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١).

كما أن بعض الآيات القرآنية أشارت ـ أيضا ـ إلى كلا النوعين من الاختلاف ، كما في قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢).

وهذا النوع من الاختلاف هو معركة أخرى تخوضها الرسالات الإلهية ـ عادة ـ وهو غير الاختلاف الناشئ من تحريف أصل الرسالة بمعنى ضياع بعض معالمها المهمة ، والذي حفظ في الرسالة الإسلامية ، فهو تحريف في التطبيق والفهم ، ويحتاج ـ أيضا ـ إلى قيادة معصومة في فهمها الكامل للرسالة وفهم مضمونها وآفاقها ، وفي معرفتها لتفاصيلها التي لا يمكن ـ عادة ـ للنبي أن يبينها لجميع الناس ـ كما تدل على ذلك شواهد كثيرة (٣) ـ وكذلك معصومة في حرصها على الرسالة وقيمها ومثلها ومبادئها وصبرها واستقامتها في هذا الطريق ، وتحمّلها لمسئوليتها وأعبائها.

وقد كان يتم ذلك ـ أيضا ـ عن طريق النبوات التابعة من الرسالات الإلهية الأخرى ، أو الأوصياء الذين كانوا يتحملون هذا الدور من الإمامة ـ أيضا ـ وأما في الرسالة الخاتمة فقد تمحّض هذا الأمر في دور الإمامة.

__________________

(١) الجاثية : ١٦ ـ ١٧.

(٢) البقرة : ٢١٣.

(٣) ذكرنا هذه الحقيقة مع بعض شواهدها في بحثنا عن التفسير في زمن النبي (علوم القرآن) وفي بحثنا الآخر عن التفسير عند أهل البيت ، وسوف نتناول هذا الموضوع مرة أخرى بصورة تفصيلية في البحث عن المرجعية الفكرية لأهل البيت عليهم‌السلام.

وهذا النوع من الاختلاف هو الذي يفسر لنا ما ورد في أحاديث عديدة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عند ما كان يتحدث مع علي عليه‌السلام وغيره عن مستقبل الأيام في التاريخ الإسلامي وتطورات الأحداث فيه ، حيث كان يتحدث هناك عن معركتين إحداهما على (التنزيل) كان يقودها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مواجهة المشركين وأهل الكتاب ، ومعركة أخرى هي معركة على (التأويل) الذي كان يخبر الرسول عن دور الإمام علي عليه‌السلام في قيادتها ، فقد روى سعيد بن المسيب ، عن سعيد بن مالك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ، تقضي ديني وتنجز عدتي وتقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل ، يا عليّ حبّك إيمان وبغضك نفاق ، ولقد نبّأني اللّطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة ، معصومون مطهّرون ، ومنهم مهديّ هذه الأمة ، الّذي يقوم بالدّين في آخر الزمان كما قمت به في أوله» (١).

إذن ، فهذه المعركة هي قضية حقيقية قائمة في التاريخ الرسالي والتاريخ الإسلامي وقد ذكرها القرآن الكريم على مستوى تاريخ الأنبياء ـ أيضا ـ وأكدتها الأحداث التي جرت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كحقيقة من الحقائق التاريخية ، أخبر بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مستقبل الأيام.

الإمامة والولاية

النقطة الثالثة : أنّ الرسالة الخاتمة امتازت بامتيازات عديدة لم تشبهها فيها الرسالات الإلهية السابقة ، وكان من جملة الامتيازات في الرسالة الخاتمة ـ كما

__________________

(١) بحار الأنوار ٣٦ : ٣٣١ / ١٩٠ ، وقد ورد مضمون القتال على التأويل والقتال على التنزيل في عدد من النصوص التي رواها الفريقان ، راجع تاريخ مدينة دمشق ٣ : ١٢٧ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح.

ذكرنا سابقا ـ هو أن الله تعالى شاء أن يحفظ هذه الرسالة بمضمونها الرسالي بصورة كاملة من خلال القرآن الكريم ، ولذا لم تحتج إلى النبوات التابعة ، أما الرسالات السماوية الأخرى فقد تعرضت للتحريف والضياع ، لأسباب يطول الحديث فيها (١).

وكان أحد الامتيازات المهمة ـ أيضا ـ هو أنها تمكنت من أن تقيم الدولة الإسلامية (الكيان السياسي الإسلامي) في المجتمع الإنساني في عصر صاحب الرسالة وبعده.

فقد دعت الرسالات السابقة إلى إقامة الحق والعدل بين الناس وإلى تحكيم ما أنزل الله تعالى بين الناس ، كما دعت الرسالات الإلهية الأخرى إلى ذلك ، فقد قال القرآن الكريم في سياق الحديث عن نزول التوراة : (... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، وقال في سياق الحديث عن نزول الإنجيل : (... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ، كما قال في سياق الحديث عن نزول القرآن الكريم : (... وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢).

إذن ، فقضية الدعوة إلى إقامة الحكم بين الناس ليست خاصة بخصوص الرسالة الإسلامية ، بل أن قضية إقامة الحكم بما أنزل الله بين الناس هي قضية ترتبط بكل الرسالات الإلهية.

ولكن شاء الله تعالى في حركة وتاريخ هذه الرسالات الإلهية أن يقوم الحكم بين الناس كحالة سياسية اجتماعية خارجية ، نعبّر عنها بقيام الدولة الإسلامية ،

__________________

(١) لا أريد أن أتعرض هنا إلى جميع امتيازات الرسالة الخاتمة على الرسالات السابقة ، وقد أشرت إلى بعض هذه الامتيازات في بحث (العالمية والخاتمية والخلود) في رسالة الإسلام ، ولكن أريد أن أشير هنا إلى الامتيازات التي هي محل الشاهد في بحثنا هذا.

(٢) المائدة : ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.

شاء الله تعالى أن يقوم ذلك في خصوص تاريخ الرسالة الخاتمة ، دون بقية الرسالات الأخرى.

فنوح عليه‌السلام لم يتمكن من تحقيق قيام دولة إسلامية ، ولو بمستوى الإسلام الذي جاء به نوح عليه‌السلام.

كما أن إبراهيم عليه‌السلام وهو شيخ الأنبياء لم يتمكن أن يقيم هذا الكيان السياسي الإسلامي ، وموسى عليه‌السلام شاء الله تعالى أن يقبضه إليه قبل أن يتمكن من إقامة هذا الكيان السياسي الإسلامي ، بعد أن كان قد مهد له بإخراج بني إسرائيل من سلطة فرعون ، وجاء بألواح التوراة ، ليحقق ذلك ، ولكنهم رفضوا الاستمرار في المسيرة ودخول الأرض المقدسة ، لتحقيق هذه المهمة الإلهية الصعبة ، فكتب الله عليهم أن يتيهوا في الأرض أربعين سنة (١).

وكذلك الحال في النبي عيسى عليه‌السلام ، حيث رفعه الله قبل أن يحقق هذا الهدف الإسلامي العظيم.

ولم يتمكن الحواريون من أن يقوموا بذلك ـ أيضا ـ فولدت الرهبانية والانعزال ، وانحرفت المسيحية على يد بولس ، عند ما تحولت إلى الحكم والسلطان والقيصرية.

وشاء الله تعالى أن يكون ذلك من امتيازات نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إذن ، فهذا من الامتيازات الخاصة التي امتازت بها الرسالة الإسلامية (٢).

__________________

(١) وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم في سورة المائدة الآيات ٢١ ـ ٢٦.

(٢) هذا بحث عميق وفيه الكثير من التفاصيل ، وقلت : إنني أشير هنا إلى العناوين الكلية.

ومن هذه التفاصيل تفسير ظاهرة قيام الدول التي أقامها بعض الأنبياء ، كداود وسليمان عليهما‌السلام ، وغيرهما من الأنبياء الذين أقاموا دولا ، وأشار القرآن الكريم إلى ذلك ، عند ما يتحدث عن تفضيل ونعم الله على بني إسرائيل بقوله تعالى : (... إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ

إذن ، فعند ما تكون من خصائص هذه الرسالة وجود هذه الدولة ، فهذه الدولة تحتاج إلى قيادة تقودها ، وهذه القيادة لا بد أن تكون منذ البداية معصومة ، لتتخذ الدولة صيغتها الإسلامية الكاملة في التطبيق ، المتميزة عن الصيغ الأخرى ، وهذا إنما يتحقق من خلال الإمامة ؛ لأن مثل هذه الدولة ، ومثل هذه التجربة لا يمكن أن تقاد وبصورة كاملة وصحيحة ، بحيث تحقق كل الأهداف التي جاءت بها الرسالة ، إلّا بمثل هذه القيادة التي نعبّر عنها بالإمامة.

وهنا ينفتح أمامنا باب بحث الخلافة الإلهية ، فإن بحث الخلافة الذي هو من الأبحاث الكلامية المهمة التي يتناولها علماؤنا ، ويستدلون فيها على تشخيص من يتولى الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويقوم بإدارة هذه الدولة ، هذا البحث فيه بعدان ؛

بعد يرتبط بالجانب العقائدي وهو استمرار الرسالة في الإمامة وعصمة هذه

__________________

وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً ...) ، المائدة : ٢٠ ، فإن بعض هؤلاء الأنبياء أقاموا دولة ، ولكن هذه الدولة التي أقاموها تختلف بحسب مضمونها وهويتها وخصوصياتها عن هذه الدولة الإسلامية التي أقامها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليس بحسب سعتها ودائرة وجودها وتفاصيلها ، بل بحسب الهوية والمضمون ـ أيضا ـ وهذا بحث أشرت له بصورة موجزة ـ أيضا ـ في بحث (العالمية والخاتمية والخلود) كصفات للرسالة الإسلامية.

ولكن بصورة اجمالية يمكن أن نقول : إن الدول التي أقامها هؤلاء الأنبياء أقاموها من خلال التحولات البشرية للقدرة والسلطان ، فهي دولة ملك سلطان يمكّنه الله تعالى من القدرة في المجتمع ، فيقيم حكم الله تعالى ، لا أنها دولة أقيمت منذ البداية على أساس الحركة التغييرية للمجتمع الإنساني الذي تقودها الرسالة التي جاء بها هذا النبي ، والصراع السياسي والتغيير في المجتمع الإنساني ، لإقامة حكم الله في الأرض.

فقد مكّن الله تعالى داود عليه‌السلام كقائد عسكري من أن يمسك بالقدرة ، فيقيم ـ بطبيعة الحال ـ حكم الله ، ولذا توجه إليه الخطاب الإلهي (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى ...) ، ص : ٢٦ ، فمن الطبيعي أن يحكم بين الناس بالحق.

إذن ، فكانت هناك قدرة بموجب طبيعة حركة انتقال السلطة بين الناس ، ومن بعد هذه القدرة أقيمت هذه الدولة.

أما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقد أقام دولة الإسلام كمشروع طرحه منذ البداية ، ثم أسسه وأقام دعائمه.

الإمامة كعصمة الرسالة وهو ما نريد أن نشير إليه في هذه الحديث ، وبعد آخر يرتبط بالجانب التاريخي والسياسي والنصوص التي وردت في ذلك ، والتحولات الاجتماعية والظروف السياسية التي اقترنت بهذا الموضوع ، وهذا البعد له حديث آخر غير هذا الحديث (١).

إذن ، فنحن عند ما نتحدث عن موضوع الخلافة ، وأن هذه الخلافة لا بد أن يقوم بها الإمام المعصوم ، وتكون تجسيدا واستمرارا للحكم الإلهي النبوي ، عند ما نتحدث عن هذا الموضوع ، لا نتحدث عن أمر تاريخي قد يقال عنه : إنّه ذهب مع الزمن وانتهى وقته ، وإنّما نتحدث عن أمر عقائدي ، يرتبط بفهمنا للإسلام وللرسالة الإسلامية ، ولتكامل هذه الرسالة ، وهذه قضية مهمة جدا.

إذن ، فالنقطة الثالثة في ضرورة الإمامة هي ضرورة وجود قيادة معصومة للحكم الإسلامي والكيان السياسي ؛ لأن هذا الكيان السياسي من أجل أن يكون قادرا على تطبيق الحق والعدل على البشرية بصورة كاملة ودقيقة ، تتناسب مع الهدف الكبير لهذه الرسالة الإسلامية ، لا بد له من وجود قائد معصوم لهذا الكيان السياسي الإسلامي حتى يمكن تحقيق هذا الهدف الكبير ، ولذلك نعتقد بضرورة الإمامة المعصومة من أجل تحقيق هذا الهدف (٢).

العصمة والإمام المهدي

نحن نعتقد أنه بسبب عدم تولي الإمامة المعصومة لقيادة الحكم الإسلامي لتحقيق هذا الهدف العظيم في إقامة الحق والعدل الكامل ، شهد التاريخ الإسلامي

__________________

(١) سوف نتناوله بشيء من التفصيل ، عند ما نتحدث عن (الولاية) ودور أئمة أهل البيت في قيادة الحكم الإسلامي.

(٢) وهذا هو ما أشار إليه الشهيد الصدر في حديثه السابق عن المجتمع الإنساني ، في بحوث التفسير الموضوعي.

هذا القدر الكبير من الانحراف في مجال تطبيق العدل والحق ، بحيث جعل الرسالة الإسلامية كلها في موضع الشك والريب بسبب الظلم والاستبداد والطغيان الذي مارسه كثير من الحكام المسلمين في عدة قرون من الزمن ، في العهود الأموية والعباسية والعثمانية ، ولو لا الفترة القصيرة للقيادة المعصومة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وللإمام علي عليه‌السلام التي تمكنت أن تبين الوجه الناصع الحقيقي لطبيعة الحكم الإسلامي ، لكان مواجهة هذه الشبهة واقعيا وعمليا أمرا عسيرا ، ولا سيما وأن فترة الخلافة الأولى بعد رسول الله التي كانت تتسم بالاعتدال النسبي ، شهدت الاضطراب والتذبذب في صيغة الحكم الإسلامي ، وفي النتائج المروعة التي انتهت إليها في مقتل الخليفة الثالث ، ومن هنا كانت فكرة وجود الإمام المنتظر (عج) الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا ، فكرة مطروحة منذ البداية في الرسالة الإسلامية وهي مما يجمع عليها المسلمون ، وذلك من أجل تحقيق هذا الهدف الكبير في الكم والانتشار على مستوى العالم البشري ، وفي الكيف على مستوى التطبيق الكامل للحكم الشرعي ، وعندئذ تكون كل المساعي التي بذلها أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وهم بعيدون عن قيادة الحكم الإسلامي والتجربة الإسلامية ، وكذلك كل المساعي الأخرى التي بذلها ويبذلها العلماء المجاهدون والمؤمنون في طول التاريخ الإسلامي ، كل هذه المحاولات إنما هي تمهيد لظهور هذه الدولة المباركة الكريمة التي تملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت ظلما وجورا.

الفصل الثاني

الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام

أما جواب السؤال الثاني : وهو أنه إذا سلمنا بضرورة استمرار خط الإمامة بعد الرسالة الخاتمة ، فلما ذا كان خط الإمامة مستمرا في خصوص أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذه الأسرة الشريفة الطيبة الطاهرة ، هل أن القضية مجرد قضية تشريف وتكريم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فجعلت الإمامة في أهله وأسرته ، أو أن هناك شيئا أهم وأعظم وأوسع من ذلك بالنسبة لاستمرار الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام؟

كان يمكن أن يفترض نظريا أن يكون الأئمة المعصومون في أسرة ووسط آخر غير هذا البيت الشريف ، كما عرفنا في التاريخ الإنساني والرسالي وجود أسر وجماعات أخرى كان فيها أئمة معصومون ، كما هو الحال في إسحاق وإسماعيل من ذرية إبراهيم عليه‌السلام ، وكما في الأنبياء من ذرية يعقوب الذي يسمى في القرآن الكريم بإسرائيل ، فإن هؤلاء كانوا يتصفون بالعصمة ـ أيضا ـ وكان بعضهم له دور الإمامة في حركته الرسالية.

ومن ثم فلما ذا كان اختصاص الإمامة في خصوص أهل البيت عليهم‌السلام ، فهل أن القضية ـ كما أشرنا ـ هي قضية تكريم وتشريف لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله باعتباره الرسول الخاتم ، فأراد الله تعالى أن يكرّمه ويشرّفه بذلك ، ويجعل ذلك نعمة منه سبحانه وتعالى على هذا العبد الصالح الذي أفنى كل وجوده في سبيل الإسلام وفي سبيل الله وفي سبيل تكامل مسيرة الإنسان ، أو أن تكون القضية تعويضا إلهيا عن الجهود التي بذلها في سبيل الله والحق والعدل والإنسانية ، كما قد يفهم ذلك من قوله

تعالى : (... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) (١) ، فيكون أجرا له على ذلك. وإنّما اختص هذا الأجر به دون بقية الأنبياء الذين أكد القرآن على أنهم لا يبغون أجرا على رسالتهم إلا الإيمان بالله تعالى ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بذل جهدا لم يبذل مثله أحد من الأنبياء ، وقد تحمل من الآلام والمحن ما لم يتحمله أحد قبله ولا بعده ... أو أن هناك شيئا آخر غير موضوع التكريم والتشريف (٢)؟

هنا يمكن أن نشير بهذا الصدد إلى عدة نقاط ـ أيضا ـ مع قطع النظر عن الروايات التي وردت في هذا الموضوع والاستدلال على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام من خلال النصوص الشريفة التي دلت على إمامتهم (٣).

التكريم والتشريف

النقطة الأولى : هي قضية التكريم والتشريف التي أشرنا إليها في طرح السؤال ، حيث نلاحظ من خلال القرآن الكريم ومسيرة التاريخ الرسالي لكل الرسالات الإلهية أن الله تعالى شاء بلطفه وكرمه وفضله على أنبيائه بأن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة يقومون بهذا الواجب الإلهي تكريما لهم ونعمة منه تعالى عليهم ، وكان هذا التكريم في الوقت نفسه رغبة وأمنية من أمنيات الأنبياء أنفسهم ، تعبر عن حالة فطرية في الإنسان الكامل هي الاتجاه والرغبة إلى البقاء والاستمرار من

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) هذا البحث ينفعنا ـ كما سوف نتبين ذلك ـ في تفسير ظاهرة اصطفاء ذرية إبراهيم وآل عمران وغيرهما أيضا.

(٣) هذا البحث سوف نتناوله في محله الخاص ، وهو القسم الثاني من هذا الموضوع ، وهو بحث كلامي عقائدي له أساليبه وأدلته وبراهينه الخاصة به ـ أيضا ـ وإنّما نريد في هذا البحث أن نفسر هذه الظاهرة ، ظاهرة تعيين الإمامة وتشخيصها في خصوص أهل البيت عليهم‌السلام تفسيرا ينسجم مع الأطر العامة التي جاء بها الإسلام ، وأكدها القرآن الكريم ، وترتبط ـ أيضا ـ بمسيرة الإنسان وتكامله.

خلال ذريته الصالحة ، وقد أكد هذه الحقيقة الفطرية القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة في عدة مواضع (١).

إذن ، فهذه القضية هي قضية ترتبط بكلا الجانبين ، الجانب الإلهي الخالق المنعم الكريم الجواد المتفضل على أنبيائه ، المجيب لدعائهم وندائهم ، وبالجانب الإنساني العبودي ، المتمثل بهؤلاء الأنبياء الذين أخلصوا لله تعالى في العبودية ـ أيضا ـ فإنه من جملة إخلاصهم وإحساسهم بالعلاقة الأكيدة مع الله تعالى ، أنّهم كانوا يتمنون على الله ويرجون منه ويدعونه في أن يجعل من ذرياتهم أئمة وهداة ، يضمن لهم البقاء والاستمرار في عبوديتهم لله تعالى ودورهم ومهمتهم في الحياة الإنسانية.

فهذا إبراهيم عليه‌السلام وهو شيخ الأنبياء ، عند ما خاطبه الله تعالى وابتلاه بكلمات من عنده ، فجعله إماما للناس (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، كان أول شيء يطرحه على الله تعالى ويرجوه منه ، أو يسأل عنه ، عند ما يحمّله الله تعالى هذه المسئولية ، هو أن تكون هذه الإمامة في ذريته ـ أيضا ـ (... قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٢).

وكذلك الحال في إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام وهما يقيمان دعائم البيت (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، هذان في البداية يطلبان القبول من الله تعالى لهذا العمل العظيم ، ثم يدعو انه تعالى أن يكونا مع ذريتهما من المسلمين المهتدين المنيبين إليه المقبولين لديه ، (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).

__________________

(١) هذا بحث قرآني واجتماعي مهم يرتبط بدراسة علاقة الإنسان بذريته ، وشعوره بالبقاء والخلود من خلالها.

(٢) البقرة : ١٢٤.

ثم لا يكتفيان بأن تكون هذه الذرية ذرية مسلمة مهتدية مقبولة ، بل تترقى هذه الدعوة بأن يطلبا أن تكون هذه الذرية ذرية تتحمل مسئولية النبوة والرسالة ـ أيضا ـ (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).

ولذلك كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتخر ويقول : «أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام» (٢) ، يعني كان يرى نفسه في تحمله لهذه الرسالة أن ذلك كان استجابة لدعوة إبراهيم عليه‌السلام عند ما كان يرفع القواعد في البيت.

الإمامة في الذرية سنّة

النقطة الثانية : أننا نلاحظ في دراستنا لتاريخ الأنبياء والمرسلين أن هذا التكريم قد تحول إلى سنّة من السنن الواضحة في التاريخ الرسالي ، وذلك عند ما نرجع إلى القرآن الكريم ومفاهيمه وآياته وتصوره لحركة الرسالات الإلهية والأنبياء ، ومن ذلك ما نقرأه في قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣) ، فعندها نجد أن القرآن الكريم يتحدث عن إبراهيم عليه‌السلام وكيف جعل الله تعالى في ذريته النبوة ، ويذكر مجموعة من أسماء الأنبياء من ذريته بدون ترتيب زماني ، ثم يشير

__________________

(١) البقرة : ١٢٧ ـ ١٢٩.

(٢) بحار الأنوار ١٢ : ٩٢ / ١.

(٣) الأنعام : ٨٣ ـ ٨٧.

إلى أمرين يمكن أن نفهم منهما هذه السنة التاريخية :

أحدهما : الانتقال بالإشارة إلى نوح عليه‌السلام (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ) ليربط هذا التاريخ بما قبل إبراهيم عليه‌السلام.

ثانيهما : تعميم النعمة على الآباء والذريات والإخوان ، مما يفهم منه القانون العام (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ).

وهكذا ما ورد في سورة مريم ، عند ما تحدث القرآن الكريم عن مجموعة من الأنبياء : إبراهيم وبعض ذريته وإدريس قبل إبراهيم ثم يختم الحديث بالقانون العام (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) (١).

والشيء نفسه ـ أيضا ـ يذكره القرآن الكريم في سورة الحديد ، ولكن على نحو الإشارة ، وذلك عند ما يتحدث عن نوح وإبراهيم عليهما‌السلام ، حيث جعل في ذريتهما النبوة ، قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢).

وموارد أخرى لا يسع المجال لتفصيلها.

إذن فهذه من السنن التي كانت تحكم مسيرة الرسالات الإلهية ، فلا نرى غرابة في أن هذه السنّة تجري ـ أيضا ـ في هذه الرسالة الخاتمة ، بل هي امتداد لسنّة إلهية ، شاء الله أن يجعلها حاكمة على مسيرة الأنبياء والمرسلين منذ بداية الرسالات الإلهية وإلى نهايتها.

وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الإمامة بدأت من نوح عليه‌السلام ـ كما يذهب إلى ذلك

__________________

(١) مريم : ٥٨.

(٢) الحديد : ٢٦.

العلامة الطباطبائي قدس‌سره وأستاذنا الشهيد الصدر قدس‌سره ـ فقد نرى أن التأكيد في القرآن الكريم على نوح وإبراهيم عليهما‌السلام ، وجعل النبوة في ذريتهما ، إنما هو إشارة إلى قضية الإمامة واستمرارها في ذرية هذين النبيّين ، ولا سيما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو ـ أيضا ـ من ذرية إبراهيم عليه‌السلام ، حيث إنه ينتمي إلى إسماعيل عليه‌السلام ، وإسماعيل بن إبراهيم عليهما‌السلام ونبينا هو دعوة إبراهيم عليه‌السلام ، وبذلك تصبح القضية مرتبطة تماما بهذه السلسلة المباركة للأنبياء من ناحية ، وهذه السنّة التي كتبها الله تعالى في الرسالات الإلهية ، وهي سنة التكريم والتشريف لهم ، والنعمة الإلهية عليهم.

حكمة الإمامة في الذرية

النقطة الثالثة : التي يمكن أن يشار إليها بهذا الصدد وهي أن قضية التشخيص في أهل البيت عليهم‌السلام ليست مجرد عملية تكريم وتشريف وفضل ونعمة أنعم بها الله تعالى على أنبيائه ، بل أن وراء ذلك أمورا أخرى ، يمكن أن نلاحظها عند ما نريد أن ندرس هذه الظاهرة ، وهي أمور ذات أبعاد : غيبية ، وتاريخية ، ورسالية ، وإنسانية.

وهذه الأبعاد التي يمكن أن نلاحظها من خلال دراستنا للقرآن الكريم ومراجعتنا ومطالعتنا للرسالة الإسلامية قد تفسر النقطتين السابقتين ، ببيان الحكمة في هذا التكريم الإلهي وهذا الاتجاه الفطري في الإنسان الذي تحول إلى سنّة في مسيرة الأنبياء ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

البعد الغيبي أما ما يتعلق بموضوع البعد الغيبي ، فهنا نلاحظ أن الله تعالى خلق الإنسان بصورة وحقيقة ميزه فيها على بقية المخلوقات ، وجاء التعبير عن ذلك بالنفخ فيه من روح الله ، قال تعالى : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ

وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (١) ، فالإنسان ليس موجودا ماديا متمحضا في الجانب المادي فقط ، وإنّما فيه عنصر غيبي ، وهذا العنصر الغيبي امتياز شاء الله تعالى أن يتعامل معه ـ أيضا ـ من خلال الغيب ، بمعنى أن هناك الكثير من الأسرار في حركة الإنسان وحركة التاريخ الإنساني ترتبط بالغيب ، ولم يشأ الله تعالى أن يكشف هذه الأسرار للإنسان في هذا العالم ، ولكن قد يكون لهذه الأسرار أثر في تكامل حركة الإنسان في حياته الدنيوية التي لها ارتباط ـ أيضا ـ بالغيب في هذا العالم المشهود ، وكذلك التكامل في حياته الأخروية ، لأن الحياة المادية الدنيوية لهذا الإنسان هي حياة محدودة ، والحياة الحقيقية ـ كما يعبر القرآن الكريم ـ إنما هي الحياة الآخرة ، (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢) ، وهي الحياة الممتدة الطويلة الأبدية الخالدة ، وهذه الحياة الحقيقية هي حياة غيبية.

فهناك الكثير من الأسرار ذات العلاقة بالإنسان وحياة هذا الإنسان لم تكشف لهذا الإنسان ، ولها تأثير في حياته في عالم الآخرة ، بل ومن خلال حركة الإنسان ـ أيضا ـ في هذه الدنيا.

وهذا الأمر لا بد أن نؤكد عليه دائما في تفسير الكثير من الظواهر الإنسانية ، فإنه لا يمكن أن نفسر الظواهر الإنسانية بالتفسيرات المادية فقط ، لوجود الجانب الغيبي في الإنسان ، ومن ثم فلا بد أن نفترض وجود جانب من التفسير يرتبط بهذا الغيب.

وهذا الأمر ليس مجرد فرضية واحتمال عقلي ، وإنّما يمكن أن نجد له شواهد من القرآن الكريم أيضا ، فقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الجانب الغيبي في

__________________

(١) السجدة : ٩.

(٢) العنكبوت : ٦٤.

الإنسان وحركته التكاملية ـ كما ذكرنا ـ ومن ثم فيمكن أن نفترض في أهل البيت عليهم‌السلام ـ كما ورد في النصوص والروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن أهل البيت عليهم‌السلام ـ وجود أسرار غيبية ترتبط بجعل الإمامة بأهل البيت عليهم‌السلام ، لها تأثير في حركة الإنسان وتكامل هذه الحركة.

أما الشواهد القرآنية التي تتحدث عن ارتباط الحركة التكاملية للإنسان بالغيب ، فهو ما نلاحظه في مجموعة من المؤشرات :

الأول : ما ذكرناه من أن الله تعالى خصّ الإنسان من دون جميع الكائنات بهذا الوصف الخاص وهو أنه نفخ فيه من روحه.

إذن ، فهذا الإنسان موجود ومخلوق يختلف عن بقية الكائنات التي لم توصف بمثل هذا الوصف ، وترتبط بالله تعالى هذا الربط في جانب الخلقة.

الثاني : ما يشير إليه القرآن الكريم في مجال خلق الإنسان من أن الله تعالى عند ما خلق الإنسان أخذ عليه عهودا ومواثيق في عالم الغيب ، وليس في عالم الشهود والعالم المادي فقط ، كما يبدو ذلك من القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) (١) ، يعني أن الله تعالى انتزع من ظهور هؤلاء الناس ذريات ، ثم بعد ذلك أشهدهم على الحقيقة العظمى في هذا الكون والحياة وهي (الربوبية).

وهذه الشهادة التاريخية ، لا ندركها الآن كأفراد نعيش الحالة المادية ، فلا ندرك ونتذكر هذا الجانب من الشهادة والعهد والميثاق الذي أخذه الله سبحانه وتعالى على بني آدم في ذرياتهم ، وشهدوا واعترفوا بذلك ، وأنه سوف يحاسبهم الله تعالى

__________________

(١) الأعراف : ١٧٢.

في يوم القيامة ـ أيضا ـ على هذه الشهادة ، لئلا يقول الإنسان في يوم القيامة : إني كنت غافلا عن ذلك ، فتكون الحجة لله.

نحن الآن لا ندرك ذلك بصورة مشهودة ، فهو أمر غيبي في خلق الإنسان ، نعم قد ندرك بفطرتنا وبوجداننا هذه الحقيقة المعبرة عن هذا الجانب الغيبي وهذا الاعتراف بالحقيقة الإلهية ، عند ما تكون الفطرة سليمة ، ولكن هذا المشهد الذي يشير إليه القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة لا نحس به في حالتنا المادية ـ وإن كنا ندرك الحقيقة في وجداننا وفطرتنا ، من خلال إيماننا بالله تعالى والاعتراف بالربوبية له تعالى ـ وإنّما هو مشهد غيبي يتحدث عنه القرآن الكريم في أصل خلق الإنسان ، ومن ثم فهناك عنصر غيبي يتحكم في هذا الجانب.

الثالث : والذي يمكن أن نستنبطه من القرآن الكريم ـ أيضا ـ هو حديث القرآن الكريم الواسع والكثير ، الذي يمتد في عدد كبير من الآيات والمناسبات والآفاق حول (الاصطفاء) و(الاجتباء) في حركة التاريخ.

القرآن الكريم في آيات كثيرة ـ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) ـ يتحدث عن ظاهرة الاصطفاء كظاهرة غيبية ، وقضية من القضايا الإلهية الغيبية التي لا تخضع للتفسيرات المادية سارية ـ أيضا ـ في حركة التاريخ ، اصطفى الله تعالى آدم اصطفاء خاصا ، واصطفى نوحا ، ثم اصطفى إبراهيم وآل إبراهيم ، ثم اصطفى عمران وآل عمران ، وكذلك أكد القرآن الكريم أن هذا الاصطفاء ليس أمرا واقفا على هذه الأسماء وهذه الجماعات ، وإنّما هو قضية ذات امتداد في الذرية ،

__________________

(١) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤ ، وهناك آيات عديدة يمكن أن يجدها الباحث في مادة الاصطفاء والاجتباء وغيرها في المعجم المفهرس.

ذرية بعضها من بعض ، يعني حركة تاريخية تتحرك فى التاريخ الإنساني ، يمكن أن نسميها حركة الاصطفاء ، وكذلك قد تكون حركة في الأسرة أو في الجماعة والأمة.

إذن ، فلما ذا لا يمكن أن نفترض وجود هذه الحركة وهذا العامل الغيبي في اصطفاء الله تعالى لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو ـ أيضا ـ ما يشير إليه القرآن الكريم في مثل قوله تعالى : (... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، ويتم تأكيد ذلك ـ أيضا ـ في آية المباهلة وغيرها.

إذن ، فيمكن أن يكون هذا سرّا من الأسرار الإلهية الغيبية التي لها دلالات معروفة ـ كما سوف نشير إلى بعضها ـ ولكن لها ـ أيضا ـ دلالات وآثار في حركة التاريخ وتكامل الإنسان الدنيوي ، لا نعرفها في فهمنا المادي المحدود لحركة التاريخ ، ويكون لها ـ أيضا ـ أبعاد في مستقبل حياة الإنسان الأخروية.

البعد التاريخي

البعد الثاني : البعد التاريخي ، وقد أشار الشهيد الصدر قدس‌سره ـ في ما كتبه حول خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء ـ إلى هذا البعد التاريخي ، إذ يذكر أننا نلاحظ في تاريخ الأنبياء والرسالات الإلهية أن الله تعالى اختار الأوصياء والقادة ـ كما يعبّر الشهيد الصدر قدس‌سره ـ من أولئك الأقربين للأنبياء من أقاربهم أو ذرياتهم ، وهذا نص كلامه : (في تاريخ العمل الرباني على الأرض نلاحظ أن الوصاية كانت تعطى غالبا لأشخاص يرتبطون بالرسول القائد ارتباطا نسبيا أو لذريته) (٢).

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) الإسلام يقود الحياة : ١٥٦ ، كما في لوط عليه‌السلام الذي كان يرتبط بإبراهيم ، أو في يوشع الذي كان يرتبط بموسى ، أو يرتبطون به وبذريته ، كما هو الحال في إسحاق وإسماعيل ويعقوب وذرية يعقوب التي أشرنا إليها.

وهذه الظاهرة لم تتفق في أوصياء النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله فحسب ، وإنّما هي ظاهرة تاريخية اتفقت في أوصياء عدد كبير من الرسل ويشير الشهيد الصدر قدس‌سره كشاهد على هذه الحقيقة إلى الآيات القرآنية ، كقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ ...) (١) ، وكذلك قوله تعالى في الآيات السابقة ٨٣ ـ ٨٧ من سورة الأنعام.

إذن ، فهذه ظاهرة تاريخية ، ومن ثم فقد طبقت ـ أيضا ـ على رسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، باعتبار أن الرسالة الخاتمة وإن كانت هي رسالة كاملة وبكمالها تتميز على الرسالات السابقة ، ولكن هذه الرسالة الخاتمة هي في الحقيقة امتداد لتلك الرسالات الإلهية ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله جاء من أجل أن يصدّق تلك الرسالات ، ثم يهيمن عليها.

وقد ورد في أحاديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يؤكد ذلك ، وأن ما تشهده هذه الرسالة الخاتمة يتطابق تماما مع ما شهدته الرسالات السابقة حتى جاء التعبير في مقام التطبيق الكامل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لتركبن سنّة من كانت قبلكم حذو النعل بالنعل ...» (٢).

إذن ، فإذا كانت هذه الظاهرة هي ظاهرة تاريخية في الرسالات الإلهية ، وهو أن تكون الوصاية في أقرباء النبي القائد ، فلما ذا تختلف الرسالة الإسلامية ـ بعد فرض ضرورة الإمامة واستمرارها ـ عن هذه الظاهرة التاريخية التي هي موجودة في كل الرسالات الإلهية؟!

__________________

(١) الحديد : ٢٦.

(٢) بحار الأنوار ٢٨ : ٨ / ١١ ، عن تفسير القمي ، وجاء هذا الحديث في كتب الفرقين إما بلفظه أو بمضمونه ، مثل مجمع البيان ٥ : ٤٩ ، كمال الدين وتمام النعمة : ٥٧٦ ، صحيح البخاري : ٣ / ٣٢٦٩ ، ٤ / ٦٨٨٨ و ٦٨٨٩ ، صحيح مسلم ٤ : ١٦٣١ / ٢٦٦٩ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٣٢١ ، باب ١٧ ، من كتاب الفتن ... الخ.

ولكن هذه الظاهرة التاريخية تحتاج إلى تفسير تاريخي ، ولعل ذلك ـ والله العالم ـ لأحد أمرين :

الجذر التاريخي ودوره

الأمر الأول : أن الوصي والإمام عند ما يكون له هذا الجذر التاريخي والارتباط النسبي بالرسالة ، يكون إحساسه بالانتماء إليها وشعوره بالمسئولية تجاهها متجذرا بدرجة عالية جدا ، وذلك حينما يرى في نفسه فرعا من شجرة طيبة أصيلة ، تمتد في جذورها الرسالية عبر القرون في التاريخ الرسالي والإنساني ، وتمده بالعزم والإرادة والصبر والصمود والقدرة على تحمل المحن والآلام والشدائد والانتصارات والتقدم والبركة الإلهية التي شهدتها هذه الشجرة الطيبة في تاريخها.

ويؤكد هذا التفسير عدة مؤشرات ، يمكن أن نلاحظها في القرآن الكريم :

الأول : تأكيد القرآن الكريم على الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية ، مع أن الرسالة الإسلامية هي أفضل الرسالات الإلهية ، وهي الرسالة المهيمنة عليها ـ كما ذكرنا ـ وهي الرسالة الخاتمة ، ورسولها أفضل الأنبياء على الإطلاق ، ومع ذلك كله كان القرآن الكريم يؤكد على هذا الجذر التاريخي والانتماء للأنبياء السابقين ، ولا سيما إبراهيم عليه‌السلام الذي ينسب إليه القرآن الكريم الإسلام في مواضع عديدة ، منها قوله تعالى : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ* أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهاً واحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (١).

__________________

(١) البقرة : ١٣١ ـ ١٣٣.

بل إن إبراهيم عليه‌السلام هو الذي سمى الأمة الخاتمة بهذا الاسم منذ البداية ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (١).

الثاني : ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢) ، فقد ذكرنا سابقا أن وجود رسول الله كان بدعوة من إبراهيم عليه‌السلام ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يفتخر بأنه كان دعوة أبيه إبراهيم عليه‌السلام.

الثالث : ذكر القرآن الكريم لقصص الأنبياء وتأكيده أن أحد الأهداف لذلك هو تثبيت النبي ، كما طلب الصبر والثبات منه تأسيا بالأنبياء السابقين (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...) (٣).

الأمر الثاني : أن سنة الله في التاريخ تكامل الرسالات الإلهية تدريجيا ، وهي تمر عبر الرسالات المتعددة التي يكمل بعضها بعضا ، كذلك الحال في تكامل الرسل والأنبياء والمرسلين ، فإنها يمكن أن تكون ـ أيضا ـ والله العالم سنة تمر عبر التكامل في الجذر التاريخي للحركة الوراثية للنبي والاستمرار في الذرية وأهل البيت.

وهذه السنة هي سنة قائمة في كثير من مظاهر الطبيعة ومخلوقاته عزوجل ، فالشجرة الطيبة القوية المثمرة هي الشجرة الضاربة الجذور في الأرض ، بخلاف الشجرة الخبيثة.

__________________

(١) الحج : ٧٨.

(٢) البقرة : ١٢٩.

(٣) الأحقاف : ٣٥.

وكذلك الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة التي ضربها الله مثلا لها ، فإنها هي التي تكون لها أصول وجذور ، قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ).

وهذا بخلاف الكلمة الخبيثة ، فهي كالشجرة الخبيثة ، قال تعالى : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ) (١).

البعد الرسالي

البعد الثالث : البعد الرسالي ، وما يترتب على ذلك من تحقيق مصالح الرسالة وإعداد الأفراد لمهماتها ومسئولياتها ، وتحمل أعبائها الثقيلة.

فقد عرفنا في جواب السؤال الأول أن عمر الرسول ـ عادة ـ يكون أقصر من عمر الرسالة وأعبائها ومهماتها ، وهذا ما شاهدناه ـ أيضا ـ في الرسالة الإسلامية ، فقد كان عمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله محدودا بالنسبة إلى أعبائها ومهماتها ، حيث توفي رسول الله بعد مضي ثلاث وعشرين سنة من البعثة الشريفة ، وبالرغم من الجهود المضنية التي بذلها ، والإنجازات العظيمة التي حققها في هذه المدة القصيرة ، فقد بقيت أعباء الرسالة الإسلامية العالمية قائمة وموجودة إلى حد كبير في مجال التفهيم والتوضيح وفي مجال التطبيق والتنفيذ ، حيث لم تتجاوز المساحة التي انتشر فيها الإسلام الجزيرة العربية ، من حيث الحركة والقدرة والسيطرة ، وإن كان قد خاطب رسول الله بها الأقوام المجاورين للجزيرة ، أو دخل في بعض المعارك العسكرية معهم.

بل كانت بعض الجيوب والمناطق في الجزيرة العربية نفسها لا زالت غير

__________________

(١) إبراهيم : ٢٤ ـ ٢٦.

مستكملة في التفاعل مع الرسالة الإسلامية ، كما يشير القرآن الكريم إلى ذلك في الحديث عمن يطلق عليهم اسم الأعراب ، من أولئك الناس الذين كانوا يعيشون في البوادي ولم يتعلموا الإسلام أو يتخلقوا بأخلاقه.

أو المؤلفة قلوبهم من ضعفاء الإيمان والاعتقاد من العرب الجاهليين الذين استسلموا للواقع السياسي والاجتماعي للهيمنة الإسلامية والنصر الإلهي ، فأعلنوا دخولهم في الإسلام ، وإن لم يدخل الإيمان قلوبهم ، قال تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ ...) (١).

أو أولئك المنافقين الذين أظهروا الإسلام ، ولكن أضمروا الكفر والعصيان والتمرد ، ويشير القرآن الكريم إلى هذه النماذج في كثير من الموارد ، ومنها في سورة التوبة والحجرات والمنافقين.

وأفضل شاهد على هذه الحقيقة السياسية والاجتماعية هو ما شاهده المسلمون من حركة الارتداد بعد وفاة رسول الله مباشرة في بعض مناطق الجزيرة العربية ، أو مواقف بعض الأشخاص والجماعات السلبية من أهل بيته عليهم‌السلام.

وإذا كان الوضع الثقافي والسياسي في الجزيرة العربية بهذه الصورة ، فكيف الحال في خارجها؟

ومع هذا الوضع لا يمكن أن نفترض بأن مهمات الرسالة قد انتهت بنهاية عمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإكمال عملية البلاغ العام.

نعم يمكن أن نقول بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أنهى مهمة التبيين وإقامة الحجة ومهمة التأسيس وإقامة القواعد الاجتماعية ، وإيجاد الجماعة الإنسانية التي يمكنها أن تتحمل هذه الأعباء بصورة عامة.

__________________

(١) الحجرات : ١٤.

وعندئذ ، فلا بد من وجود الإمامة ، لتحمل هذه الأعباء الثقيلة الأخرى بعده ، كما ذكرنا سابقا.

ولكن تحمل هذه الأعباء الثقيلة يحتاج إلى إعداد كامل يتناسب مع طبيعة وحجم هذه الأعباء الضخمة التي سوف يتحملها هؤلاء (الأئمة) بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهنا يمكن أن نقول بأن عملية الإعداد هذه التي يراد إنجازها من أجل تحمل هذه الأعباء ، إنما يمكن أن تتم في داخل البيت الرسالي بصورة أفضل وأكمل من إنجازها في خارج البيت الرسالي.

وهذا ما أشار إليه الشهيد الصدر قدس‌سره في قوله : (فاختيار الوصي كان يتم عادة من بين الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة ولم يروا النور إلا في كنفه وفي إطار تربيته ، وليس هذا من أجل القرابة بوصفها علاقة مادية تشكل أساسا للتوارث ، بل من أجل القرابة بوصفها تشكل عادة الإطار السليم لتربية الوصي وإعداده للقيام بدوره الرباني.

وأما إذا لم تحقق القرابة هذا الإطار فلا أثر لها في حساب السماء ، قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١)) (٢).

فالذرية عادة تكون قابلة ومهيئة للإعداد الرسالي بصورة أفضل في حركة التاريخ الإنساني (٣).

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) الإسلام يقود الحياة : ١٥٧.

(٣) صحيح أنه قد نشاهد ـ أحيانا ـ في داخل البيت الرسالي أشخاصا يشذّون عن المسيرة وعن الارتباط بالرسالة ، كما يذكر القرآن الكريم بعض النماذج.

ومن هذه النماذج ابن نوح عليه‌السلام ، عند ما يذكره القرآن الكريم كنموذج لخروج ولد لرسول عن أهداف الرسالة ومسيرتها.

الإعداد والواقع التاريخي

وهذه الفكرة إذا أردنا أن ننظر إليها من خلال الواقع التاريخي الذي عاشته الرسالة الإسلامية ، نراها ـ أيضا ـ فكرة متطابقة تماما مع هذا الواقع التاريخي ، حيث نرى أن الوصي الذي كان هو الإمام علي عليه‌السلام قد احتضنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو طفل صغير ، حيث تذكر بعض النصوص أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد تكفله بالتربية قبل البعثة ، من خلال التخفيف من مسئوليات الإنفاق ـ أو المسئوليات الاقتصادية إذا صح التعبير ـ عن أبي طالب.

وبدأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه المرحلة بتربية علي عليه‌السلام ، وبذلك ـ أيضا ـ يجمع المسلمون ـ تقريبا ـ أن عليا عليه‌السلام كان أول من أسلم ، وأنه لم يعرف في حياته عبادة الأصنام أو عبادة غير الله سبحانه وتعالى ، وهذا أمر يجمع عليه المسلمون ، ولذلك عند ما يذكر اسمه جمهور المسلمين ، يخصونه بدعاء (كرّم الله وجهه) ، وهم بذلك يشيرون إلى هذه الخصوصية لعلي عليه‌السلام ، وهذه الخصوصية إنما كانت ـ أيضا ـ بحسب النظر إلى الظروف التاريخية ومن هذه الزاوية ، بسبب إعداد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام.

__________________

ونموذج آخر يذكره القرآن الكريم ، له بعد آخر من الخروج وهو أبو إبراهيم ـ كما يعبّر عنه القرآن الكريم ـ الذي قد يكون هدف القرآن الكريم من التأكيد عليه هو تفسير موقف (أبي لهب) من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باعتباره قريبا لرسول الله وعمه ، ومع ذلك خرج على هذه الرسالة ، وهو الشخص الوحيد الذي ذكره القرآن الكريم بالاسم من المشركين ، أو أراد به بعض أقرباء الرسول الذين كانوا بمستوى الأعمام في الحالة النسبية والارتباط برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ونموذج ثالث يذكره القرآن الكريم هو زوج نوح ولوط ، كمثل لما يمكن أن تقفه الزوجة من صاحب الرسالة ، فإنها وإن لم تكن من ذريته وبيته ، ولكنها عادة ما تكون تحت تأثير عمله.

ولكن بصورة عامة وإجمالية يفترض بأن عملية الإعداد عند ما يراد إنجازها بصورة كاملة ، تكون أسهل وأفضل وأكمل في دائرة البيت الرسالي من إنجازها في خارج دائرة البيت الرسالي.

طبعا ، العنصر الغيبي في الاصطفاء والإعداد ـ كما ذكرنا ـ قائم في نفسه مع العناصر الأخرى ، ولكن من هذه الزاوية وهذا الجانب نرى ـ أيضا ـ هذه الحقيقة قائمة.

مضافا إلى ذلك ما تشير إليه النصوص التاريخية وتؤكده روايات بعض الأشخاص ـ حتى ممن لم يكن يميل إلى عليّ عليه‌السلام من الناحية الروحية والنفسية ـ من إعداد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام علميا ومعنويا ، فيما كان يساره في ليله ونهاره ، لأن عليّا عليه‌السلام كان قريبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بحيث كان يأخذ منه العلم والأخلاق في كل مناسبة ، بل في كل وقت. والكلمة معروفة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعن عليّ عليه‌السلام بهذا الشأن.

أما عن النبي ، فهي عند ما قال : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (١).

وأما عن عليّ عليه‌السلام ، فهي عند ما قال : «علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم يفتح لي من كل باب ألف باب» (٢).

هذه الحقيقة إذا أردنا أن ننظر إليها من الناحية التاريخية والمادية نراها كانت قائمة من خلال هذا الاقتراب في دائرة عليّ عليه‌السلام من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث تربى في حضن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ابن عمه وزوج ابنته ، فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدخل إلى

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٨ : ١٩٩ / ٦ ، وجاء في المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٦ ، عن ابن عباس ما لفظه : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب». قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد. وكذلك جاء في كنز العمال ١١ : ٦٠٠ / ٣٢٨٩٠ ، و ٦١٤ / ٣٢٩٧٨ ، و ٣٢٩٧٩ ، و ١٣ : ١٤٧ / ٣٦٤٦٣.

(٢) بحار الأنوار ٢٦ : ٢٩ / ٣٣ و ٣٦ و ٣٧. وفي التفسير الكبير للفخر الرازي في ذيل تفسير قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ...) ، (آل عمران : ٣٣) ، قال علي عليه‌السلام : «علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم واستنبطت من كل باب ألف باب» ، قال : فإذا كان حال المولى هكذا فكيف حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله. وكذلك جاء الحديث في كنز العمال ١٣ : ١١٤ / ٣٦٣٧٢.

بيت عليّ كما يدخل إلى بيته ، وعليّ يدخل على رسول الله كما يدخل إلى بيته.

هذه العلاقة كانت موجودة بدرجة عالية ، الأمر الذي أثار ـ أحيانا ـ غيرة بعض نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أو حساسيتهن ، أو أي تعبير آخر يمكن أن نقوله أو نعبر عنه في هذا المقام بصورة مناسبة (١).

إذن ، فمن الناحية الواقعية والخارجية ـ أيضا ـ نشاهد بأن التاريخ يؤكد على هذه العملية وهذه الفكرة والنظرية ، وكان لها واقع خارجي في الرسالة الإسلامية من خلال إعداد عليّ عليه‌السلام. وقد تحدث عليّ عليه‌السلام شخصيا فيما روي عن ذلك ، كما تحدث أئمة أهل البيت ـ أيضا ـ عن ذلك ، وهو ما سوف نشير إليه ـ إن شاء الله ـ في بعض الأبحاث الآتية.

الإعداد والنظام العام

ومن الطبيعي ـ أيضا ـ أن نفترض ، كما نفترض في عقائدنا بأن هؤلاء الأئمة يمكن أن تتحقق لهم الإمامة دون هذا الإعداد ، لأنّ الله تعالى قادر على كل شيء ، ولا يمنعه شيء من إلهام الأشخاص والأفراد ـ لحكمة ـ بكل المعلومات دون ذلك الإعداد السابق ، هذا الشيء يمكن أن نفترضه ، وفيه الكثير من الواقع والحقيقة بالنسبة إلى الكثير من الأفراد الذين عرفهم التاريخ (٢) ، ولكن في الوقت نفسه

__________________

(١) لهذه البيوت الطاهرة خصوصيات ، قد يعجز الإنسان عن اختيار الألفاظ المناسبة المؤدبة تجاهها ، عند ما يريد أن يتحدث عن بعض علاقاتها ، ولكن على أي حال التاريخ يشهد في كثير من النصوص بأن هذا الاقتراب من عليّ عليه‌السلام ، وعناية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّ عليه‌السلام في هذا الجانب ـ جانب الإعداد والتعليم والتأهيل لتحمل هذه المسئولية ـ كان يثير في كثير من الأحيان الحسد أو الغيرة أو غير ذلك من الانفعالات حتى في دائرة الأشخاص القريبين لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

(٢) مثل يحيى وعيسى عليهما‌السلام وغيرهما من الأنبياء ، ومثل الإمام الجواد والإمام الهادي عليهما‌السلام وغيرهما.

يمكن أن نفترض أن الحركة الاجتماعية للإنسان يراد لها أن تسير في الكثير من الموارد حسب النظام العام ، وليس من المفروض لها دائما أن تكون خارجة عن النظام العام ، إلا بقدر الحاجة إلى هذا الاستثناء ، كما هو الحال في موارد المعجزة مثلا ، وهذا يعني أنه ما دام الإعداد ممكنا حسب النظام العام فسوف يتم كذلك ويكون الاستثناء عند الحاجة والضرورة ، فيتم الإعداد من خلال نظام آخر وهو النظام الغيبي.

إذن ، فالطريق الطبيعي للإعداد الأفضل والتأهيل الأكمل إنما يكون في دائرة البيت القريب ، ويمكن أن نرى هذا الشيء في معالم أخرى من التاريخ ، وفي مفردات وصور عديدة.

وهذه الظاهرة نراها قد تجسدت ـ أيضا ـ في الأسر العلمية الشريفة في تاريخ جماعة أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث قامت بأعمال شريفة في هذا التاريخ ، وتحملت مسئوليات كبيرة في مختلف أدوار التاريخ.

فإننا عند ما ننظر إلى تاريخ ما بعد الغيبة الصغرى ـ بل حتى في تاريخ زمن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ـ نلاحظ أن هناك ظاهرة كانت موجودة وقائمة في جماعة أهل البيت ، وهي ظاهرة وجود الأسر العلمية ، مثلا أسرة زرارة بن أعين ، هذه الأسرة كانت تعرف كأسرة بحيث كان جميع رجالها ثقات ، أو أسرة بني فضّال هذه الأسرة كانت ـ أيضا ـ تعرف كأسرة ، أو أسرة الأشعريين الذين أقاموا اسس العلم في مدينة قم المقدسة ، أمثال سعد الأشعري وأسرته ، وهكذا نلاحظ أسرة بني بابويه الذين كان لهم دور عظيم جدا كأسرة ، حيث نجد عند ما نرجع إلى التاريخ أن هؤلاء يمثلون عددا كبيرا جدا من العلماء والفضلاء الذين كانوا يتحملون هذه المسئوليات ، وهكذا يتسلسل هذا الأمر ، ولا أريد الآن أن أطيل الحديث في ذكر الشواهد ، ولكن عند ما يرجع الإنسان إلى التاريخ يجد أن هذا الأمر كان من

الأمور الواضحة جدا في جماعة أهل البيت عليهم‌السلام وفي علماء أهل البيت ، بحيث كانت هناك أسر علمية تتوارث هذا العلم جيلا بعد جيل حتى أوصلت هذا العلم إلى هذا العصر ، وهذا التوارث إنما كان باعتبار هذه الخصوصية ، وهي أن عملية الإعداد والتربية والتأهيل في إطار البيت الواحد تكون أسهل مما تكون هذه القضية في خارج البيت الواحد (١).

البعد الاجتماعي

البعد الرابع : البعد الاجتماعي ، وهو ما يترتب على الاختصاص بأهل البيت من مصالح اجتماعية في التأثير على حركة الأمة وهدايتها وارتباطها بالرسالة الإسلامية وصاحبها ، حيث إنّ هذه الإمامة التي تريد أن تقوم بهذه المسئوليات الكبيرة أو الضخمة في المجتمع الإنساني تحتاج إلى مؤهلات اجتماعية ، كما تحتاج إلى المؤهلات الروحية والفكرية.

كما أن الناس في حركتهم الاجتماعية والروحية والنفسية يتأثرون بمثل هذا العامل الإنساني ، وينظرون إلى الشرف والأصالة في الانتماء وتكامل الأسرة والعائلة والعشيرة والقبيلة نظرة معنوية وإنسانية واجتماعية خاصة.

أما بالنسبة إلى حاجة الإمامة إلى المؤهلات الاجتماعية ، فهو من الأمور التي يشار إليها في أبحاث علم الكلام ، من قبيل أن لا يكون في النبي أو الإمام نقص في الأعضاء مخلّ بوضعه الاجتماعي ، أو أن لا يكون النبي أو الإمام وضيعا في

__________________

(١) في العصور المتأخرة كانت هناك أسر علمية أخرى من قبيل أسرة آل بحر العلوم ، وآل كاشف الغطاء ، وآل شيخ راضي ، وآل الجواهري ، وآل الصدر ، وآل شبر ، وهكذا أسرة الشيخ الأنصاري ـ من بناته ـ وقبلهم الشيخ المجلسي ، والوحيد البهبهاني ، وغيرهم الكثير.

ولا ينبغي أن يذهب الظن إلى أن هذا الإعداد لا يمكن أن يتم إلّا من خلال ذلك ، بل قد نجد في التاريخ أشخاصا متميزين في التقوى والعلم والشجاعة لم يعرفوا بأنهم من أبناء هذه الأسر ، ولكن المقصود أن الأسرة تمثل عاملا طبيعيا للإعداد.

المجتمع الإنساني أو من عائلة وضيعة وغير شريفة ، أو ممتهنا لحرفة ومهنة وضيعة ، إلى غير ذلك من القضايا التي يشار إليها في علم الكلام عند الحديث عن مواصفات الأنبياء والأئمة الذين يتحملون هذه المسئولية.

وأما بالنسبة إلى تفاعل الناس وتأثرهم بهذا العامل الاجتماعي ، فهو أمر مشهود في تاريخ الأمم والمجتمعات الإنسانية السابقة واللاحقة يتفاضلون فيه ، ويفتخرون ويتأثرون به ، لأنه عامل إنساني واقعي في الحركة التاريخية وله تأثير إيجابي في حركة الأمم وبناء المجتمع ، وإن لم يكن من العوامل المؤثرة في تكامل الإنسان كفرد عند الله تعالى ، أو مما يدخل في حسابه يوم القيامة ، كما تشير إلى ذلك النصوص الدينية ، ومنها قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (١) ، ولكنه على أي حال من العوامل المؤثرة في حركة التاريخ الإنساني والعلاقات الإنسانية (٢).

خلفيات البعد الاجتماعي

ولعل مرجع هذا العامل إلى عدة قضايا ، نفسية ، واجتماعية ، وفطرية.

أمّا القضية النفسية ، فهي تأثر الإنسان روحيا بمعالم العز والشرف والكرامة والمنجزات العلمية والاجتماعية.

وأمّا القضية الاجتماعية ، فهي ما أشرنا إليه في البعد الثالث من أن التأهيل والإعداد في بيوت الشرف والكرامة والعز والطهارة يكون بصورة طبيعية لتحمل المسئوليات ، وأنها تنبت الشرف والكرامة والعز والطهارة بموجب السنة والقاعدة

__________________

(١) المؤمنون : ١٠١.

(٢) تذكر بعض النصوص استثناء في التأثير لنسب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في يوم القيامة ، وهو أمر يحتاج إلى بحث علمي واجتماعي لهذه النصوص ، لا مجال له في حديثنا في الوقت الحاضر.

القرآنية (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً ...) (١) ، وهو أمر يدركه الناس من خلال رؤيتهم للتاريخ وحركة النظام العام للمجتمع الإنساني ، وإن كان قد يشذ بعضهم عن هذه القاعدة.

ولذا ورد التأكيد في الإسلام في عدة موارد على هذا الاتجاه في الزواج وفي المشورة ، وفي المصاحبة والصداقة والمعاشرة.

وأما الجانب الفطري ، فهو يرتبط بنظرة الإنسان الفطرية التي أكدتها الشريعة الإسلامية ، وهي أن تكامل المجتمع الإنساني بصورة عامة يقوم على تكامل الأسرة والعائلة والقبيلة.

وهذا بحث اجتماعي مهم له مجال آخر ، ولكن بنظرة إجمالية يمكن أن نقول :

إن الإسلام يرى أهمية تكامل الأسرة وارتباطها وامتدادها التاريخي في القبيلة والعشيرة ، وأن ذلك هو الطريق الأفضل لتكامل المجتمع الإنساني بصورة عامة إذا أردنا تنظيم هذا المجتمع بصورة صحيحة ومحكمة وقوية.

وإن هذا التنظيم القوي يعتمد على عنصرين رئيسيين :

العنصر الأول : هو إحكام علاقات الأسرة التي يفترض أن يتم إحكامها ـ كما حث الإسلام على ذلك ـ من خلال الزواج والعلاقات الزوجية القائمة على أساس الحقوق المتبادلة ، وتهيئة ظروف الاستقرار والسكن والمودة والرحمة ، وكذلك من خلال الارتباط بين العشائر والقبائل والأسر المختلفة ، ولذلك كان من الاتجاهات في تكوين الأسرة أن يتزوج الإنسان من خارج دائرة الأقربين ، لإيجاد حالة التكامل الاجتماعي العام بين المفردات الرئيسية في المجتمع ، وهي القبائل والأسر ، وقد يكون في ذلك ـ أيضا ـ تكامل جسمي (فسيولوجي) ، كما يذكره

__________________

(١) الأعراف : ٥٨.

الأطباء ، ولكن فيه ـ أيضا ـ تكامل اجتماعي من الناحية الاجتماعية ، لأن إيجاد الروابط بين القبائل والأسر يكسر الحواجز النفسية والاجتماعية الموجودة بين هذه القبائل والعشائر والأسر التي قد تكون معيقة لتكامل المجتمع وحركته عند ما تصبح كبيرة وعالية ، وتمنع من وحدة المجتمع وتخلق العصبية العشائرية أو الاجتماعية ، وبذلك تصبح الأسرة والعشيرة أحد الأعمدة الأساسية والرئيسية في البناء القوي للمجتمع في نظرية الإسلام.

العنصر الثاني : هو قضية بناء العشيرة والقبيلة نفسها ، حيث يمكن أن يقال بأن هناك اتجاه في الإسلام إلى تثبيت دعائم العلاقات الأسرية والقبلية والعشائرية ، لا إلى تفكيكها وإضعافها ، وذلك من خلال ما ورد في التأكيد على صلة الأرحام ، بدرجة تصل ـ أحيانا ـ إلى مرحلة الإلزام في الوجوب والحرمة ، حسب اختلاف هذه الصلة ودرجتها ، فإن قطيعة الرحم حرام ، ووجود أصل الصلة واجب من الواجبات الشرعية.

وكذلك ـ من خلال ما يشير إليه القرآن الكريم ـ في قضية التوارث ، حيث إن التوارث في المال وضع في إطار علاقات الأرحام ، لقوله تعالى : (... وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ...) (١) وحتى وصل بها الإسلام إلى العلاقات البعيدة نسبيا ، من قبيل علاقة الولاء ، وهي عند ما يدخل الإنسان في ولاء أسرة من الأسر وتتقطع سلسلة الأقرباء من المواريث ، فيتحول الميراث إلى الأولياء ، أي إلى أولئك الذين يكونون قد دخلوا في العشيرة عن طريق علاقة الولاء. إذن ، هذا يعبّر عن اتجاه لتحكيم هذه الأواصر وربط بعضها ببعض.

وكذلك نلاحظ أن من التشريعات الموجودة في النظرية الإسلامية التي تؤكد

__________________

(١) الأنفال : ٧٥.

هذا الاتجاه قضية وقف الذرية ، فإن الوقف على أقسام ـ كما يعرف الأفاضل الدارسون للفقه ـ وأحد أقسام الوقف هو الوقف الذي يوضع لخصوص الذرية ، أي يتسلسل في الورثة ويتحول في طبقات الورثة حسب شرط الواقف ، أو يشركهم فيه بكل طبقاتهم ومراتبهم ، فإن هذا الحكم يؤشر على أن الإسلام يتجه إلى تحكيم أواصر العشيرة والأسرة الواحدة.

الإسلام والعلاقات العشائرية

وكذلك المفاهيم الواسعة التي طرحها القرآن الكريم في تفسير المفردات الاجتماعية وطبيعة علاقاتها ، من تقسيم الإنسان إلى شعوب وقبائل ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١) ، فإنّ النّاس وإن كانوا قد خلقوا من ذكر وأنثى ، ولكنهم قد قسموا إلى شعوب وقبائل ، لتقوم علاقات التعارف والتعاون بينهم ، فهو تقسيم معترف به إسلاميا.

وهكذا عند ما يتحدث القرآن الكريم عن موضوع (الولاء) ، حيث يشير ـ أيضا ـ إلى أن قضية الولاء في داخل العشيرة أمر طبيعي مثل ولاء الآباء والأبناء والإخوان ، فهو ولاء مقبول ، ولكنه يجب أن يكون في إطار ولاء الله تعالى ، ولا يصح أن يخرج عن حالة الولاء لله تعالى ، أو أن يكون في مقابل الولاء لله تعالى.

وأعطى القرآن الكريم عناوين عديدة لذلك في التأكيد على هذا النوع من الولاء في آيات عديدة : (... وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ...) (٢) ، وكذلك التأكيد عليه في مجال الإنفاق على ذوي القربى ـ كالتأكيد على الإنفاق على المساكين والمحتاجين ـ كمورد من موارد الإنفاق.

__________________

(١) الحجرات : ١٣.

(٢) الأنفال : ٧٥.

وفي الجملة نلاحظ في الكثير من معالم الشريعة الإسلامية وجود هذا الاتجاه في تحكيم أواصر العشيرة والأسرة والقبيلة ، لا على تفكيكها وإضعافها.

وهذا التحكيم ـ كما ذكرت ـ إنما يكون صحيحا في إطار الشيء الأعظم والأهم من العلاقة ، وهو حب الله سبحانه وتعالى ، والولاء لله تعالى والارتباط به ولا يكون خارجا على ذلك ، وفي داخل هذا الإطار العام ، كما أكد عليه قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١).

وبهذا نرى أن الإسلام عند ما أراد بناء المجتمع وضع أحد الأسس التي تحكم هذا البناء الاجتماعي وتجعله أكثر ترابطا وهو إحكام هذه العلاقات الأسرية بين هؤلاء الناس ، وحاول في الوقت نفسه أن يعالج خطر تحول العشيرة إلى صنم يعبد من دون الله بأسلوبين :

أحدهما : تأكيد أن يكون هذا الولاء ضمن إطار الولاء لله تعالى.

والآخر : هو كسر الحواجز الاجتماعية والنفسية التي قد تنمو بين الشعوب والقبائل من خلال الحث على التعارف بينها والزواج والاتصال والمساواة في القيمة الإنسانية.

وهذا الأمر في الواقع يمكن أن يذكر كأحد العناصر المهمة في تفسير هذه الظاهرة الاجتماعية ، ولذلك نرى المجتمع ينظر إلى ابن الأسرة وإلى ابن البيت الذي يكون قريبا من صاحب البيت ، ينظر له ويتفاعل معه نظرة تختلف عن نظرته إلى الأجنبي عن ذلك البيت ، وهذه الحقيقة من الحقائق القائمة اجتماعيا.

__________________

(١) التوبة : ٢٤.

ولذلك نحن ننظر إلى الزهراء عليهما‌السلام في قربها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال أمور كثيرة ، ولكن أحد هذه الأمور التي ننظر فيها الى الزهراء عليهما‌السلام هي هذا القرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

إذن ، فهذا الانتماء يعطي الوصي والخليفة والإمام موقعا (اجتماعيا) متميزا في الحركة الاجتماعية ، ولعل ذلك أحد العوامل والأسباب في هذا الامتداد.

__________________

(١) ذكرت في محاضرة سابقة أن الزهراء عند ما أرادت أن تستثير المسلمين تجاه مظلوميتها تحدثت في البداية عن حقوقها المغتصبة ، في الخطبة المعروفة التي يتحدث عنها خطباء المنبر ، ولكن في حركة أخرى دخلت الزهراء عليهما‌السلام إلى المسلمين من هذا المدخل ، أي مدخل أنها ابنة رسول الله ، ويجب أن تحمى باعتبار هذه القرابة وهذه الصلة برسول الله ، وعند ما تحدثت مع الأنصار الذين كانوا قد دخلوا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ميثاق وعهد بأن يحموا رسول الله وأهله ، وقد تخلفوا عن هذه الحماية بعد وفاته ، تحدثت معهم من هذا المدخل وخاطبتهم بصورة خاصة «إيها بني قيلة» عوالم العلوم ١١ : ٤٧١ / ٢١ ، وهذا المنطلق يعبّر عن حقيقة كانت قائمة في الحالة الاجتماعية حينذاك.

الفصل الثالث

الأئمة الاثنا عشر

وهنا قد يثار سؤال ثالث يرتبط بهذا الموضوع ، وهو أنه إذا كان استمرار الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام ضروريا ، فما ذا عن تعين عدد الأئمة الهداة في الاثني عشر إماما فقط ، دون أن يكون باب الإمامة مفتوحا في أهل البيت بصورة عامة ، كما يذهب إلى ذلك بعض فرق الشيعة ، كالإسماعيلية والزيدية ، فما هو تفسير هذه الظاهرة التي يتبناها خصوص الإمامية الاثني عشرية ، حيث إنهم يتبنون ضرورة استمرار النبوة في الإمامة ، كما يتبنون ضرورة استمرار أن تكون هذه الإمامة في خصوص أهل البيت ، ويتبنون في الوقت نفسه أن تكون الإمامة في اثني عشر دون التوسع في أعداد الأئمة؟

وعند ما أتحدث عن الإمامة ـ طبعا ـ أتحدث عن الإمامة المعصومة التي تكون في هذا العدد الخاص ، فما هو تفسير هذه الظاهرة؟

وفي هذا الموضوع يوجد جانبان من البحث :

أدلة العدد المحدود

الجانب الأول : جانب يرتبط بعلم الكلام ، وهو جانب مهم جدا ، يذكر في هذا المجال مجموعة من الأدلة والقرائن التي تؤكد هذه الحقيقة ، وسوف نتناول ـ إن شاء الله في القسم الثاني من البحث ـ هذه الأدلة والقرائن ، ولكن أشير إلى بعض عناوينها :

أولا : هناك نصوص عديدة يجمع عليها المسلمون وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، تؤكد

أن الخلفاء بعد رسول الله هم هذا العدد ، أي اثنا عشر خليفة (١) ، وهذه النصوص يمكن أن يستدل بها على ثبوت هذه الحقيقة.

ثانيا : أن هناك نصوصا أخرى ـ أيضا ـ وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام تؤكد هذه الحقيقة (٢) (وأهل البيت أدرى بما فيه) ، أي أن عليا عليه‌السلام لا يشك أحد من المسلمين في صدقه ومعرفته ، وهكذا بالنسبة إلى فاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، لا يشك أحد من المسلمين في صدقهم وعلمهم ومعرفتهم ، فعند ما ترد النصوص عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام تجدهم موضع الاحترام والتصديق المطلق من قبل المسلمين ، وهي تؤكد ـ أيضا ـ هذه الحقيقة ، وهذا يمكن ـ أيضا ـ أن يشكل قرينة ودليلا وبرهانا على صحتها.

ثالثا : يؤكد ذلك ـ أيضا ـ شخصية أئمة أهل البيت عليهم‌السلام التي تتميز ـ هذه الشخصية ـ بمواصفات لا نعرف لها نظيرا في التاريخ الإسلامي ، في خصائصها ومواصفاتها ، والحديث في هذا الموضوع ـ كما قلت ـ له مجاله الخاص ، وسوف نشير إلى هذه الخصائص والمواصفات ، بحيث يتبين بصورة واضحة أن هؤلاء الأئمة الاثني عشر يتصفون بمواصفات وخصائص لا يشبههم فيها أحد من الناس.

رابعا : أن دراسة الجماعة الصالحة ـ التي التزمت بهذه العقيدة وآمنت بها ـ في خصائصها ومواصفاتها وطبيعة حركتها ونموها وتطورها المستمر في خطها البياني يؤكد ـ أيضا ـ هذه الحقيقة ، وهذا بحث يحتاج إلى شرح وتوضيح ، يأتي في محله ـ كما قلنا ـ إن شاء الله.

وهذه الأمور الأربعة نؤجل البحث فيها إلى وقت آخر.

__________________

(١) راجع بحار الأنوار ٣٦ : ٢٢٦ ـ ٣٧٣ ، باب نصوص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الأئمة عليهم‌السلام ، صحيح البخاري ٥ : ٩٠ و ٩٢ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٥ ، وغيرها من الصحاح.

(٢) بحار الأنوار ٣٦ : ٣٧٣ ـ ٤١٤.

تفسير العدد المحدود

ولكن يبقى عندنا الجانب الآخر ، وهو ما نريد أن نبحثه في عرض النظرية وهو تفسير هذه الظاهرة مع قطع النظر عن هذه الأدلة ، ما هو تفسير أن يكون العدد محدودا بهذه الصورة ، مع أن الرسالة الإسلامية رسالة خاتمة ، والأمة الإسلامية أمة باقية حتى تقوم الساعة؟ ولما ذا توضع الإمامة محصورة بعدد معيّن من الناس ، ويكون هذا العدد هو اثنا عشر؟

هذه القضية تحتاج إلى تفسير كبقية الظواهر الكونية والاجتماعية ، بما ينسجم مع نظام الحكمة الإلهية ، ومع قطع النظر عن الأدلة السابقة المشار إليها التي نستدل بها في علم الكلام ، من أجل تصديق هذه الظاهرة ، وبيان نسبتها إلى الإسلام وإلى الرسالة الإسلامية.

في تفسير هذه الظاهرة يمكن أن نشير إلى أمرين رئيسيين :

التفسير الغيبي للظاهرة

الأمر الأول : هو الأمر الغيبي ، فقد ذكرنا في حديثنا عن النظرية وهنا ـ أيضا ـ نذكر ذلك ، وسوف نبقى نؤكد هذا الموضوع وهو أن الرسالة الإسلامية وكل الرسالات الإلهية هي ظواهر غيبية ، مرتبطة بعالم الغيب ، وحياة الإنسان الذي أرسلت إليه هذه الرسالات ـ أيضا ـ فيها جانب غيبي ، لأن الله تعالى وإن كان قد خلق الإنسان من طين لازب ، ومن ثم ففيه هذا العنصر المادي ، فهو لحم وعظم ودم ، وغير ذلك مما يتمثل فيه الجانب المادي في الإنسان ، ولكن الله تعالى قد خص الإنسان بخصوصية دون غيره من المخلوقات المنظورة ، وهو أنه نفخ فيه من روحه ، وهذه الخصوصية لا نراها في أي موجود آخر يتحدث عنه القرآن الكريم ، وقد تكون موجودة في مخلوقات عالم الغيب التي لا نعرفها ، وهي خارج النظام الكوني المشهود.

كما أن حياة الإنسان ليست مختصة بهذه الحياة المادية وهي الحياة الدنيا ، وإنّما الحياة الحقيقية لهذا الإنسان الدائمة الأبدية المستمرة هي الحياة الآخرة وهي حياة غيبية.

ثم إن هذه الحياة الدنيوية فيها جانب غيبي في مستقبل زمانها وتاريخها ، وهو ما تشير إليه بعض الآيات والروايات العديدة عن أهل البيت ، من (الرجعة) التي قد تمثل دورة ومرحلة جديدة للحياة الإنسانية ، تعبر عن الكمال فيها (١).

إذن ، فالرسالة رسالة غيبية ، والإنسان نفسه فيه جانب غيبي ، وحياة الإنسان ـ أيضا ـ فيها جانب أعظم وأهم وهو الجانب الغيبي ، فعنصر الغيب لا بد أن ننظر إليه دائما عند ما نريد أن نفسر الظواهر ذات العلاقة بالإنسان وحركته ، ولا يمكن أن نفسر الظواهر ذات العلاقة بحركة الإنسان بالتفسيرات المادية المحضة ، أو المدركة والمشهودة وحدها ، وإنّما يمكن أن يكون وراء الكثير من الظواهر القائمة في حياة الإنسان أسباب وعناصر غيبية ، لا يمكن للإنسان أن يعرف كل أبعادها وكل خصوصياتها.

وفي هذه الظاهرة يمكن أن نفترض وجود العنصر الغيبي ـ أيضا ـ لأن الله سبحانه وتعالى يصطفي من عباده من يشاء وله في أوليائه أحكام خاصة ذات علاقة بهؤلاء الأنبياء ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة آيات.

كما أن هذا الأمر ليس أمرا غريبا في تاريخ الرسالات الإلهية ، فمثلا نلاحظ أن

__________________

(١) الرجعة فكرة ورد تأكيدها في روايات أهل البيت عليهم‌السلام إلى حد التواتر أو التضافر ، وأشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) غافر : ١١ ، ويوجد فيها تفاصيل لا تبلغ حد القطع واليقين ، ولا مجال لبحثها في هذا العرض ، ولعلنا نوفق لذلك في كتاب آخر لهذه الموسوعة ، نتناول فيه عددا من القضايا والأفكار.

الأنبياء أولي العزم كانوا خمسة ، وقد يطرح هذا السؤال : لما ذا لم يكونوا ستة أو سبعة أو عشرة ، أي لما ذا كان اختصاص النبوة بهذه الدرجة العالية خاصة بهذا العدد المعيّن من الأنبياء ، فنحن نعرف من خلال حركة النبوات أن الأنبياء أولي العزم الذين أشار إليهم القرآن الكريم هم خمسة (نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ونبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) (١). ونرى أن هذه ظاهرة في النبوات أشار إليها القرآن الكريم ، قد لا نعرف لها تفسيرا محدودا إلا التفسير الغيبي في رؤية حركة التاريخ الرسالي.

وهكذا نلاحظ ذلك في الكثير من الظواهر التي نراها في الإسلام من قبيل اختصاص العبادات بهذه العبادات الخاصة ، ولم تكن هناك عبادات أخرى ، واختصاص الصلوات اليومية الواجبة بالصلوات الخمس ، واختصاص هذه الصلوات الخمس بالركعات السبعة عشر ، إلى غير ذلك مما نراه من اختصاصات في الأعداد ، الذي يمكن أن يكون له تأثير في حياة الإنسان الدنيوية والأخروية ، ولكنه تأثير في الغيب غير المنظور والمعروف لنا بصورة كاملة ، كما أن ظاهرة وجود الأعداد المعيّنة الخاصة في الاصطفاء ليست ظاهرة مختصة بهذه القضية وفي هذه الأمة حتى يقال : إن هذه ظاهرة غريبة ، وإنّما توجد ظواهر أخرى مماثلة لها في الأمم السابقة.

ومن هذه الظواهر التي تقرب هذا المعنى ظاهرة النقباء الاثني عشر في بني إسرائيل ، والذين يشير إليهم القرآن الكريم في عدة مواضع ، منها قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللهُ إِنِّي مَعَكُمْ

__________________

(١) الأحزاب : ٧.

لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) (١).

وقضية النقباء الاثني عشر ـ أيضا ـ هذه قد تكون المثال لما يجري في الأمة الإسلامية الخاتمة ، حيث أشرت في حديث سابق إلى ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من تطابق الأحداث في الأمة الإسلامية بما يجري في الأمم السابقة حذو النعل بالنعل ، كما جاء في تعبير بعض النصوص ، أو القذة بالقذة كما جاء في بعض آخر منها ، وهي نصوص متواترة يرويها جميع المسلمين بهذا المضمون.

وقد تكون ظاهرة الاثني عشر إماما متطابقة مع تلك الظاهرة التي شهدتها أمة بني إسرائيل التي هي ـ أيضا ـ من الأمم المصطفاة والمنتخبة والتي فضّلها الله سبحانه وتعالى في بعض أدوار التاريخ ، وجعل منهم أنبياء وملوكا ، وخصهم ـ أيضا ـ بهذه الظاهرة الاثني عشرية ـ إذا صح التعبير ـ في خصوصية بني إسرائيل ، وهي نكتة أخرى يمكن أن تؤكد الجانب الغيبي ، أو تضيف إليه بعدا آخر.

وكذلك يؤكد هذه الظاهرة في بعدها الغيبي ما ورد في شأن انتخاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للنقباء الاثني عشر من الأنصار في بيعة العقبة ، من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على ما رواه ابن إسحاق وابن سعد ـ : «أخرجوا إليّ اثني عشر منكم يكونوا كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون بعيسى بن مريم ، ولا يجدن أحدكم في نفسه أن يؤخذ غيره فإنما يختار لي جبريل» (٢).

وبذلك يشير هذا الحديث إلى خصوصيتين :

إحداهما : ذات علاقة بالعدد المذكور من تاريخ الأنبياء ، وهو عدد الحواريين

__________________

(١) المائدة : ١٢.

(٢) كنز العمال ١ : ١٠٣ / ٤٦٥.

الاثني عشر ، الذي يؤكد ـ أيضا ـ هذه الظاهرة ، وقد ورد تأكيد هذا العدد فيهم في روايات أخرى.

ثانيهما : أن هذا الاختيار هو اختيار غيبي يرتبط بقرار إلهي يبلغه جبرائيل عليه‌السلام.

إذن ، فهذا الجانب الغيبي يمكن أن يكون تفسيرا لهذه الظاهرة.

التفسير التاريخي للظاهرة

الأمر الثاني : الذي يمكن أن نذكره بهذا الصدد في تفسير هذه الظاهرة هو أمر له بعد مادي بعد في فهم حركة التاريخ وتفسير هذه الحركة ، وذلك بأن نفترض بأن المدة (الاعتيادية) لهؤلاء الأئمة الاثني عشر الذين تحدث عنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (الأئمة الأطهار من أهل البيت عليهم‌السلام) هي بين (٣٥٠ ـ ٤٠٠) سنة ، إذا كانت أعمارهم اعتيادية بالنسبة إلى الظروف التي كان يعيشها الناس في الآباء والأبناء.

وإذا كان الأمر كذلك ، فيمكن أن نقول : إن هذه المدة تمثل الدورة الزمنية التي يمكن أن يتم فيها إعداد الأمة الخاتمة إعدادا كاملا في جميع أبعادها ، بحيث تصبح أمة مؤهلة لاستلام الخلافة الإلهية كأمة وجماعة ، وذلك عند ما تصبح أمة متكاملة اجتماعية بدرجة يكون التكامل فيها كصفة ثابتة ، وتنتقل بذلك ـ حينئذ ـ إدارة الحياة الاجتماعية من الأشخاص المنتجبين الأصفياء الذين كانوا ينتخبون لها كأنبياء وأئمة للقيام بدور الخلافة والحكم إلى الأمة الجماعة ، أي عند ما تبلغ الأمة مرحلة دور الوحدة الإنسانية الكاملة في تطبيق الرسالة الإلهية ، ودور تجسيد إرادة المستخلف الذي هو الله الذي يؤهلها لهذه الخلافة الإلهية ، بعد أن كانت البشرية قد مرت بأدوار الوحدة الفطرية والاختلاف في العبادة والاختلاف في الرسالة ، ويبقى دور الإمامة فيها ـ عندئذ ـ دور المحافظة على هذا التكامل

والشهادة والرقابة على مسيرة الأمة وإقامة الحجة على الناس ، وكذلك المحافظة على العلاقة والرابطة بين السماء والأرض في حفظ النظام والحياة .. إلى غير ذلك من الخصوصيات الأخرى التي أشارت إليها النصوص الشريفة (١).

منهج البحث التاريخي للإعداد

وهذا الموضوع وهو الدورة الزمنية لإعداد الأمة ، وإن كان يحتاج إلى بحث تاريخي واجتماعي واسع له مجال آخر ، ولكن أشير هنا إلى بعض أبعاده وخطوطه النظرية والمنهجية كمحاولة لتفسير هذه الظاهرة الرسالية.

الأول : بحث نظرية الأدوار التي مرت بها البشرية في الوحدة والاختلاف وعوامل الوحدة والاختلاف فيها ، ومنهج الرسالات الإلهية في معالجة هذه الأدوار ، وتوضيح الهدف الرئيس لها وهو إقامة الوحدة البشرية على أساس الرسالة الإلهية ودعائم الحق والعدل المطلق.

وهذا الهدف هو ما أكدته الرسالات الإلهية والقرآن الكريم وبشر به جميع الأنبياء ، ومنهم نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في الإخبار عن قيام المهدي عليه‌السلام من أهل البيت الذي يحقق هذا الهدف ، فيملأ الأرض قسطا وعدلا ، وهو ما تفرضه ـ أيضا ـ طبيعة الرسالة الخاتمة الإسلامية ، التي لا بد أن تحقق في إطارها الخاص

__________________

(١) هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من البحث والتوضيح لخصوصياته وتفاصيله ، قد نوفق لتناوله عند تناول موضوع (الرجعة) ، حيث يتبين من خلال ذلك البحث تفسير عدة قضايا مهمة :

١ ـ حقيقة الرجعة.

٢ ـ دور الإمام المهدي المنتظر (عج) بعد إقامة الحق والعدل واستمرار حياته إلى آخر الزمان أو انقطاعها.

٣ ـ وجود خلفاء للإمام المهدي عليه‌السلام على فرض انقطاع حياته.

٤ ـ دور الأنبياء والمرسلين والأئمة الذين يرجعون إلى الحياة بناء على رجعتهم.

ومرحلتها الخاصة هذا الهدف الإنساني الإلهي الكبير ، مع ملاحظة أن هذا الهدف لم يتحقق ـ كما أشرنا سابقا ـ في زمن صاحب الرسالة وهو النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

الأهداف الرسالية الثلاث

الثاني : أن تحقيق هذا الهدف الكبير في حركة الرسالة الإسلامية يحتاج إلى تحقيق ثلاثة أمور :

الأمر الأول : إبلاغ هذه الرسالة للناس لهدايتهم بصورة طبيعية ، بحيث تقام الحجة في عملية الإبلاغ على الناس ، وتتحرك عملية الإبلاغ لتصل إلى البشرية كلها ولو بصورة تدريجية ، ولعل هذا هو ما يعبر عنه الإسلام بقضية الظهور على الدين كله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٢).

والأمر الثاني : هو فرض القدرة والسلطة والهيمنة الإسلامية على البشرية كلها تدريجيا ، من خلال حركة القوة والقدرة لإقامة الحق والعدل التي تواكب حركة الهداية والإرشاد وإقامة الحجة على الناس ، لأن فرض القدرة بالسلطة لا بد أن يكون بعد إقامة الحجة على الناس وإبلاغ الرسالة لهم ، وهو أمر آخر مطلوب في الحركة الرسالية ، كما حدث ذلك بالنسبة إلى الرسالة الإسلامية في زمن النبي ، حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام بإقامة الحجة على الناس أولا ، ثم بعد ذلك قام بالتحرك السياسي والعسكري من أجل فرض هيمنة الحكم الإسلامي وإقامة الحق والعدل

__________________

(١) وقد تناولنا جانبا مهما من هذا البحث في كتابنا (المجتمع الإنساني في القرآن الكريم) ، كما أشار إلى بعض جوانبه الشهيد الصدر قدس‌سره في أبحاثه الاجتماعية ، ومنها (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) والسنن التاريخية في محاضرات (التفسير الموضوعي).

(٢) التوبة : ٣٣.

بين الناس ، وعندها تحققت الهيمنة للإسلام على الجزيرة العربية بصورة عامة في زمانه ، وإن لم تكن هذه الهيمنة ـ أيضا كما أشرنا سابقا ـ هيمنة كاملة ، ولكنها كانت هيمنة عامة للإسلام على الجزيرة العربية في هذه المدة المحدودة ، ولعل هذه الهيمنة السياسية العامة هي المقصودة بقوله تعالى (... وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) ـ والله العالم ـ قال تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (١).

الأمر الثالث : المطلوب إنجازه في الرسالة الخاتمة هو تطبيق الحق والعدل على الناس تطبيقا كاملا على مستوى الفرد والجماعة معا ، حيث يمكن أن نفترض بأن الحجة تقام على الناس وتفرض الهيمنة العامة بعد ذلك للمؤسسة السياسية التي نعبر عنها بالدولة أو الحكومة على الناس ، ولكن لا يتحقق التطبيق الكامل للشريعة الإسلامية على جميع هؤلاء الناس ، كما كان ذلك الأمر في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حدود الجزيرة العربية ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تمكن من فرض الهيمنة الإسلامية كدولة وقوة يخضع لها الناس في حدود الجزيرة العربية ، بعد أن أقام الحجة عليهم ، ولكن الكثير من هؤلاء الناس كان يرتكب الآثام ـ أيضا ـ ويحرف قوانين الحق والعدل التي شرعها الإسلام ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك عند الإشارة إلى حركة المنافقين ، وإلى مجتمع الأعراب ومخالفات بعض المسلمين من المؤلّفة قلوبهم ، أو ضعفاء الإيمان ، أو ضعفاء الإرادة والالتزام ، حيث كانت ترتكب مثل هذه القضايا حتى في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعلن ـ أحيانا ـ إنكاره وبراءته مما كان يرتكب في زمانه من هذه المخالفات ، إذ لم يطبّق الحق تطبيقا كاملا على جميع هؤلاء الناس حتى في حدود الجزيرة العربية.

__________________

(١) الأنفال : ٣٩.

وهذا التطبيق الكامل هو الذي نعبر عنه في ثقافتنا وثقافة المسلمين بصورة عامة بقيام دولة الحق في زمان يخرج فيه الإمام المهدي عليه‌السلام فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.

ويؤكد ذلك فكرة (الرجعة) التي أشرنا إليها سابقا ، حيث يفهم من بعض النصوص أنه عند ما تكتمل الدورة الإنسانية لإعداد الجماعة البشرية ، ويتحقق هذا الهدف العظيم الذي جاءت به الرسالات الإلهية ، تبدأ البشرية بدورة جديدة يتجسد فيها حضور الأنبياء والأوصياء والأولياء والأئمة كلهم ، ليمارسوا دورهم الطبيعي في الحياة الإنسانية بصورة كاملة ، وفي مجتمع إنساني متكامل ، ويشهد فيه الكافرون والمنافقون النصر الإلهي الذي حققه الله تعالى لأنبيائه وأوليائه ، قال تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (١).

دراسة حركة الرسالة

الثالث : القيام بدراسة تاريخية لحركة الرسالة الإسلامية ، منذ زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والخلفاء الراشدين والخلافة الأموية والعباسية وحتى نهاية هذه المدة المفترضة (٣٥٠ ـ ٤٠٠) عاما ، ومتابعة (المؤشرات) الإيجابية والسلبية في هذه المدة التاريخية ذات العلاقة بهذا الهدف الرباني ، وهو تطبيق الحق والعدل بصورة كاملة ، بحيث تصبح الأمة رشيدة في هذا التطبيق ومؤهلة لهذه الخلافة الإلهية ، حيث يتبين من هذه الدراسة أن هذه المدة المفترضة كانت كافية للوصول بالأمة إلى هذه الدرجة العالية من الرشد والإعداد والتهيؤ لتحمل هذه المسئولية العظمى ، لو كانت الأمور جرت على ما أمر الله به ، من استلام الأئمة الاثني عشر للإمامة خارجيا

__________________

(١) غافر : ٥١.

بكل أبعادها ، ومنها الحكم الإسلامي والمرجعية الفكرية والدينية الكاملة للمسلمين ، واستثمار فرص الهداية والبلاغ الإلهي.

ونشير ـ هنا ـ إلى نماذج من هذه المؤشرات التي يمكن متابعتها في هذه الدراسة التاريخية :

موازنة حركة الهداية والسلطة

المؤشر الأول : مدة الثلاث والعشرين عاما التي قضاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في إبلاغ الرسالة الإسلامية والتي تمكن فيها من فرض الهيمنة الإسلامية على الجزيرة العربية ، ومسيرة الدعوة الإسلامية فيها والإنجازات التي حققها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه المدة الزمنية على المستويات الثلاثة : إقامة الحجة ، وفرض السلطة ، وإقامة الحق والعدل ، مقايسة بالعالم.

ويلاحظ في هذا المؤشر بصورة دقيقة مجموعة خصوصيات :

الأولى : أن قيادة الحكم كانت قيادة معصومة بكل أبعادها ، وهي في الوقت نفسه كانت قيادة مؤسسة تحملت آلام محنة وبلاغ الرسالة في بدايتها وقدسية الرسول والرسالة عند انتصار الرسالة.

الثانية : السرعة الفائقة التي تمكن أن يحقق فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الإنجازات الفريدة على المستويات الثلاثة السابقة :

ومن هذه الإنجازات : تأسيس مشروع الأمة الواحدة المتعددة الأطراف والخصوصيات ، من جماعات متفرقة ومتناحرة ومختلفة دينيا وثقافيا ، والتي حوّلها إلى أمة واحدة تتمتع بمعنويات عالية ، تمكنت من إدامة الزخم الرسالي ، وتحمّل الكثير من أعباء حمل الرسالة والجهاد من أجل فرض سيطرتها.

ومنها : تأسيس الدولة الإسلامية ، المشروع التطبيقي الفريد في تاريخ

الرسالات الإلهية ، كما أشرنا إليه في حديث سابق (١).

ومنها : فرض الهيمنة على الجزيرة العربية كلها ، والدخول في فتح أبواب الهيمنة على المناطق المجاورة لإخضاعها.

ومنها : إقامة الحجة على الأمم المجاورة من خلال مخاطبته لها بالإسلام ، بصورة أولية من خلال الرسائل والمبعوثين.

ومنها : إبلاغ الرسالة وإكمال بيانها للناس ، من خلال تلاوة القرآن الكريم وحفظه وبيانات السنة النبوية العامة والخاصة ، وإلى غير ذلك من الإنجازات.

الثالثة : المقارنة الدقيقة في البحث والاستنتاج وموازنة تحقيق الأهداف بين حركة الهداية وإقامة الحجة على الناس ، وفرض الهيمنة السياسية على الجماعة ، حيث نلاحظ :

أولا : أن رسول الله كان يبذل في البداية كل الجهود من أجل الهداية بدون استخدام القوة ، وكان يقدم التضحيات الغالية من أجل ذلك ، ثم يبدأ بعملية استخدام القوة كعامل لإزالة الحواجز أمام حركة الهداية.

ثانيا : أن الهداية وإن كانت تحتاج إلى تضحيات وتواجه صعوبات وفترة زمنية كبيرة نسبيا ، ولكنها كانت في الوقت نفسه تمثل أحد العوامل المهمة في إيجاد تسهيلات أمام حركة فرض السيطرة السياسية ، وتسليم الناس للإسلام وقبول الرسالة الإسلامية.

ولذلك كانت الفترة المكية لحركة الرسول أطول زمانا من الفترة المدنية ، والنتائج لفرض السيطرة السياسية للفترة المكية كانت محدودة جدا ، ولكن كان لها

__________________

(١) يراجع ـ أيضا ـ في ذلك بحثنا حول (العالمية والخاتمية والخلود) من خصائص الرسالة الإسلامية ، وبحثنا حول الهجرة ومعطياتها.

تأثير مهم في النتائج التي حققها رسول الله بعد ذلك في الفترة المدنية ، من تسهيل فرض السيطرة فيها على الجزيرة العربية ، ومنها مكة المكرمة نفسها.

وكذلك نلاحظ ـ في هذا المجال ـ أن الجهود الكبيرة التي بذلها الرسول في معالجة قضية أهل الكتاب ، وتحمله المعاناة من أجل مخاطبتهم وإقامة الحجة عليهم ، كان لها دور كبير في تحقيق نتائج الهيمنة السياسية على مناطقهم المنيعة (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) (١).

القيادة غير المعصومة

المؤشر الثاني : هو حركة الدولة الإسلامية في مدة الخلفاء الثلاثة الذين تولوا السلطة بعد الرسول والتي تم فيها إبعاد الإمام عليّ عليه‌السلام من قيادة التجربة الإسلامية بصورة عامة ، والدولة الإسلامية بصورة خاصة ، ولكنها مع كل ذلك كانت تتصف بدرجة معينة من الالتزام الديني العام والقرب الزمني من عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بحيث كان يعبر عنها الإمام عليّ عليه‌السلام ـ أحيانا ـ بما روي عنه من قوله : «وو الله لاسلّمن ما سلمت أمور المسلمين ، ولم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصة» (٢). وكان يقدم فيها المشورة إلى الخلفاء ويشترك في إدارة بعض الأمور فيها ، وكان يشارك فيها أخيار الصحابة وصلحائهم وخاصتهم ، أمثال سلمان الفارسي ـ الذي يعبر عنه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله بسلمان المحمدي ـ وعمار بن ياسر ، وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن مسعود ، وغيرهم كثير ...

__________________

(١) الحشر : ٢.

(٢) نهج البلاغة : ١١٠ / ٧٤.

حيث تمكنت هذه الدولة في فترة ربع قرن من الزمان من أن تفرض هيمنتها على جزء كبير من العالم المتحضر في ذلك العصر (الدولة الفارسية) بكامل أجزائها والقسط الأعظم من (الدولة الرومانية) وقسم كبير من إفريقيا.

وحركة الهداية وإقامة الحجة في هذه الفترة الزمنية ، وإن لم تكن في مستواها المطلوب ، قد واكبت حركة الهيمنة والسلطة ، ولكنها كانت حركة قائمة وتحضى باهتمام مناسب من الدولة ، ولا سيما وأن النبي كان قد شرع فيها قبل وفاته.

ولكن هذه الحركة الرسالية (حركة إقامة الحجة) لو كانت بالمستوى المطلوب ، لأمكن أن يتحقق إنجاز أعظم على مستوى تثبيت القواعد والدعائم في هذه المنطقة ، ولأمكن فرض السيطرة الكاملة ـ أيضا ـ على جميع أجزاء الدولة الرومانية.

ولكن بسبب التلكؤ في حركة الهداية من ناحية ، وإقصاء الإمام عليّ عليه‌السلام عن قيادة الحكم من ناحية أخرى ، بقيت الجيوش الإسلامية تواجه مقاومة داخلية وخارجية ، أي في داخل الجزيرة العربية من خلال حركة الارتداد والتمرد والاختلاف في تفسير النصوص الإسلامية ، أو من خارج الجزيرة في مناطق إيران وتركيا وإفريقيا ، وغيرها من المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجيوش الإسلامية ، وكذلك كانت تواجه مقاومة خارجية من الدولة الرومانية في آسيا وعمقها الجغرافي في أورپا وبعض مناطق إفريقيا.

ومن ناحية ثالثة كانت الاختلافات الداخلية التي بدأت ونمت وتجذرت في زمن الخليفة عثمان بسبب الانحرافات في السلطة ، ثم تفجرت في زمن الإمام عليّ عليه‌السلام والإمام الحسن عليه‌السلام من بعده بسبب تمرد معاوية على السلطة الشرعية ، كل هذه العوامل كانت وراء التلكؤ في حركة الهداية.

وهذا هو ما تنبأت به الزهراء عليها‌السلام في خطبتها المعروفة حول الخلافة والبيعة

والمطالبة بحقوقها (١) ، وما تنبأ به سلمان الفارسي ـ أيضا ـ في تلك المناسبة عند ما كان يردد قول : (والله لو وليتموها عليّا لأكلتم من فوقكم ومن تحت أرجلكم).

وقد كان في النموذج الذي قدمه الإمام عليّ عليه‌السلام في السنوات الأربع من حكمه ، بالرغم من انشغاله بالحروب الداخلية ، أفضل دليل على ما كان يمكن أن يتحقق على مستوى الخط الثالث من حركة الرسالة ، وهو التطبيق الكامل للأحكام الشرعية.

مشاكل الدولة وتراجعها

المؤشر الثالث : حركة الدولة الإسلامية في عهد الأمويين والعباسيين ، فإنّه بالرغم من وجود فوارق رئيسية بين العهدين لا مجال لبحثها (٢).

فإنه بالرغم من القوة والمنعة اللتين كانتا تتمتعان بهما ، ولا سيما في العهد العباسي ، والتطور الكبير الذي شهده في القدرة المادية والتنظيم الإداري والمدني ، إلا إن حركة الدولة فيهما كانت تتصف ـ بصورة عامة ـ بصفتين سلبيتين رئيسيتين :

إحداهما : أن القضية الأولى والهمّ الأعظم للدولة في هذين العهدين كان هو

__________________

(١) «... والله لو تكافّوا عن زمام نبذه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه لاعتلقه ، ولسار بهم سيرا سجحا ، لا يكلم خشاشه ، ولا يتعتع راكبه ، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفّتاه ولأصدرهم بطانا ، قد تحيّر بهم الرّيّ غير متحلّ منه بطائل إلّا بغمر الماء وردعة شررة الساغب ، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض ، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.

... أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثمّ احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا ، وذعافا ممقرا ، هنالك يخسر المبطلون ، ويعرف التالون ، غبّ ما سنّ الأوّلون ، ثمّ طيبوا عن أنفسكم أنفسا ، وطأمنوا للفتنة جأشا ، وأبشروا بسيف صارم ، وهرج شامل ، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا ، وزرعكم حصيدا فيا حسرتا لكم ، وأنى بكم ، وقد عميت (قلوبكم) عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون» ، بحار الأنوار ٤٣ : ١٥٨ / ٨.

(٢) تناولناها في بعض محاضراتنا حول الإمام الصادق عليه‌السلام ، وسوف نتحدث عنها ـ إن شاء الله ـ عند الحديث عن أدوار أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ومواقفهم.

فرض السلطة السياسية وبسط الهيمنة المادية والحصول على الإمكانات والثروات على الأرض ، سواء في داخل الدولة الإسلامية أو في خارجها ، وهو ما نعبر عنه نظريا بالاتجاه إلى تحويل الدولة إلى دولة كسروية وقيصرية ، وبذلك تخلت الدولة ـ لا الأمة ـ عن مشروعها الرسالي الأساس.

ثانيهما : الصراعات الداخلية وأولوية القضاء على الخصوم السياسيين الداخليين ، سواء التقليديين منهم أو الأقربين ، وممارسة عمليات القمع السياسي ، حتى لو لم يكن ذا طابع عسكري مسلح ، الأمر الذي أدى إلى إضعاف القدرة الإسلامية ، وتبديد الطاقات والإمكانات التي كانت تملكها الأمة.

ومن الظواهر والنتائج التي تؤشر على هذه الحقيقة :

١ ـ ظاهرة القمع الوحشي لحركة الإصلاح ـ الخروج على الدولة ـ المبررة شرعا في الواقع أو الظاهر والتي بدأت بنهضة الإمام الحسين عليه‌السلام واستمرت بصور متعددة ، مثل حركة المدينة المنورة ووقعة الحرة ، وحركة ابن الزبير ، وحركة التوابين والمختار الثقفي ، وحركة زيد بن علي وأولاده ، وحركة الحسين بن علي صاحب فخ ، وقبله محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن المثنى.

٢ ـ ظاهرة التوقف ، ثم تراجع الدولة الإسلامية في حركة الفتح الإسلامي على أبواب أورپا الغربية وإفريقيا الجنوبية وآسيا الوسطى والجنوبية.

٣ ـ ظاهرة انتشار الهدى في بعض المناطق داخل الدولة الإسلامية أو المجاورة لها على أيدي المشردين والمطاردين السياسيين من أهل البيت وأبنائهم وشيعتهم ، كما في بعض مناطق الغرب العربي وإفريقيا السوداء وبلاد الترك والديلم ، وغيرها من البلاد.

٤ ـ ظاهرة سيطرة القبائل والشعوب حديثة العهد على مقدرات الدولة ، لأسباب التترس بها في الصراعات الداخلية.

٥ ـ ظاهرة الحروب والغزوات ذات الطابع العدواني والمكاسب المادية في الغنائم والإماء ، الأمر الذي أدى إلى بروز ظاهرة الدفاع عن النفس في الشعوب المجاورة ، وتنامي المشاعر القومية والطائفية.

٦ ـ ظاهرة الانشقاقات العنيفة في داخل السلطة الواحدة والبيت الواحد ، مثل بعض الأحداث التي وقعت في زمن الأمويين والعباسيين ، ومنها اقتتال المأمون والأمين ولدي هارون الرشيد.

وإلى غير ذلك من الظواهر السيئة البعيدة عن الإسلام وأهدافه وقيمه ومثله.

وبذلك يمكن أن نفهم الكثير من المواقف والإدانات التي كانت تصدر عن أهل البيت بالنسبة إلى هذه الظواهر.

مثل رفض وإدانة التعاون مع حكام الجور.

وظاهرة رفض المشاركة في الحروب والغزوات وإدانتها ، مع التأكيد على وجوب المرابطة والدفاع.

وظاهرة الطعن بشرعية أموال الغنائم وتملك الإماء في هذه العمليات العدوانية.

وكذلك يمكن أن نفهم السبب في وقوف الجيوش الإسلامية المنظمة والقوية عاجزة أمام القبائل الأورپية الوحشية وغير المنظمة المستقرة في مجاهل أورپا والاكتفاء بالاستقرار في الأندلس وحدها ، ثم التراجع عنها.

وكذلك السبب في وقوفها عاجزة أمام قبائل المغول الوحشية وغير المنظمة في مجاهل آسيا ، ثم التراجع أمامها ، بحيث أدى إلى سقوط أكثر العالم الإسلامي بيدهم.

وكذلك السبب في تحول الدولة الإسلامية إلى يد الدولة المغولية في إيران أو العثمانية في تركيا ... الخ.

الاستنتاج

إن دراسة هذه الأمور الثلاثة الرئيسية مع خصائصها وظواهرها ومؤشراتها ، سوف ينتهي بنا إلى هذا التصور ـ الذي ذكرناه ـ في تفسير ظاهرة الأئمة الاثني عشر ، وهو أن مدة إمامة هؤلاء الأئمة بحسب تقدير الحكمة والعدل الإلهي في هداية الناس ، تمثل دورة زمنية مناسبة لإعداد الأمة وتأهيلها للقيام بهذا الواجب الإلهي ، وهو الخلافة لله تعالى في الأرض كأمة وجماعة ، وتكون بذلك مصداقا لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ...) (١) ، ولقوله تعالى : (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) (٢) ، وبذلك يعم العدل ويقوم القسط بين الناس ويحكم الحق فيهم ويتحقق الوعد الإلهي لهم (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...) (٣).

إن هذه الدراسة سوف توضح أن زخم الهدى والصلاح الذي تركه رسول الله في أصحابه لو استمر بالطريقة التي شرعها الله تعالى ، وبلغها رسول الله لأمته وبذل كل جهده لإقامة الحجة عليها ، بحيث تحفظ فيها موازنة حركة الهداية مع حركة السلطة ، كان كفيلا بتحقيق هذا الهدف الكبير في هذه المدة الزمنية ، هذا الزخم الذي رأينا أثره وفعله وتأثيره في العالم المحيط بالمسلمين ـ بالرغم من الانحراف الذي تعرّضت له في المسيرة في أهم موقع لها ـ بحيث تداعت أركان

__________________

(١) آل عمران : ١١٠.

(٢) الحج : ٤١.

(٣) النور : ٥٥.

الدولة الفارسية بأكملها ، وكادت أن تسقط به ـ أيضا ـ أركان الدولة الرومانية ، وهما الدولتان المتحضرتان القويتان في ذلك العصر ، وتفتح فيه أبواب القبائل الوثنية المشتتة في العالم ، في مدة لا تزيد على ربع قرن من الزمن ، كل ذلك لتحقق لو كانت القيادة لهذا الزخم الرسالي الإلهي قيادة ربانية مدعومة بمسيرة الهدى والصلاح وإقامة الحجة على الناس ، وتذليل النفوس والقلوب قبل تذليل الأجساد والقوى المادية؟!

إن تنسيق حركة الهدى مع حركة الهيمنة وتقدمها على حركة القدرة والسلطة قد يؤجل بسط الهيمنة المادية بعض الوقت ، ولكنه سوف يفرض تصاعدا حتميا مثمرا في الخط البياني لمسيرة الخطوط الثلاثة ، الأمر الذي يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف الحتمي الإلهي العظيم (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ* إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ* وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (١).

كما أن (عملية) بسط العدل والحق المطلق والهيمنة الكاملة لها وحل جميع معالم وصور الاختلاف بين الناس التي أشارت إليها آية سورة النور السابقة ، قد تحتاج إلى وقت أطول من وقت عملية إقامة الحجة وعملية بسط الهيمنة السياسية ، لأنها أكثر تعقيدا من العمليتين الأخيرتين ، ولكن هذا الوقت المفترض وهذه المدة المحدودة تكفي ـ بإذن الله ـ في تحقيق كل ذلك ، كما تشير إليه هذه الملاحظات (٢).

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٥ ـ ١٠٧.

(٢) لقد كانت هذه النتائج هي التي أشارت إليها الزهراء عليها‌السلام في خطبتها المعروفة ، وسلمان الفارسي في تعليقته ـ كما أشرنا إلى ذلك ـ وبهذا الصدد تنقل طريفة تعبر عن جانب من هذه

وعند ما يتحقق هذا الهدف الكبير قد ينتهي بذلك بعض أدوار الإمامة المعصومة ، بعد أن تكون الأمة قد بلغت الرشد في حركة الهداية ، وأصبحت معصومة كأمة ، وتمت سيطرة الإيمان والدين سياسيا حتى لا تكون فتنة ويقوم القسط بين الناس ، ووضعت أوزار الخلافات والخصومات ، وأصبحت العبادة لله تعالى وحده دون غيره ، لا يشرك بعبادته أحد من الناس ، وتصبح الحجّة البالغة لله على الناس ، ويبدأ دور جديد للإمامة المعصومة هو دور (الرجعة).

ولكن شاء الله تعالى أن تجري الأمور بطريقة أخرى ، لمزيد من الامتحان والابتلاء والاختبار لهذه الأمة ، ولمزيد من التكامل الإنساني من خلاله مما جعل المدة أطول ، فكانت الغيبة الصغرى والكبرى.

(... إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) (١).

__________________

الرؤية ، وهي أن أحد المستشرقين البريطانيين الذين كانوا يصطحبون القوات البريطانية في فتحها للعراق في الحرب العالمية الأولى ، دخل إلى مسجد الكوفة بعد الفتح وشاهد بناءه المتواضع ومواضع الإمام علي عليه‌السلام فيه وفي الكوفة ، فعلق على ذلك بما معناه (أن لمعاوية وابن ملجم ـ قاتل الإمام علي ـ فضلا كبيرا على الأمة البريطانية ، إذ لولاهما لرأيت مسجد الكوفة هذا يعج بالقبعات البريطانية المؤمنين).

(١) الطلاق : ٣.

القسم الثاني

الاستدلال

المدخل

الفصل الأول : الاستدلال على ضرورة الإمامة

الفصل الثاني : اختصاص الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام

الفصل الثالث : الاستدلال على اختصاص الإمامة بالأئمة الاثنا عشر

المدخل

قال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١).

كان حديثنا في موضوع أهل البيت عليهم‌السلام وموقعهم من النظرية الإسلامية ، حيث لخصنا النظرية بصورة عامة في أمور ثلاثة :

الأمر الأول : بيان ضرورة الإمامة.

الأمر الثاني : اختصاص الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام.

الأمر الثالث : اختصاص الإمامة في الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام.

هذه هي النظرية الإسلامية التي نعتقد بها في أهل البيت عليهم‌السلام ، وهذه النظرية قد تحتاج إلى ما يؤيدها ويدل عليها من الأدلة الشرعية التي يعتمدها الإنسان المسلم في الوصول إلى الحقائق الشرعية ، من قبيل العقل والقرآن الكريم والسنّة النبوية والإجماع ، فهل أنّ الأدلة الموجودة بين أيدينا يمكنها أن توصلنا إلى هذه النظرية التي طرحناها أو تبقى هذه النظرية مجرد تصور عام لا يمكن الاستدلال عليها ـ بخصوصياتها التي أشرنا إليها ـ بمثل هذه الأدلة؟

هذا البعد من البحث ـ كما أشرنا إليه في المقدمة ـ هو بعد كلامي ، ولذلك لا نريد أن ندخل في تفاصيله كلها ، بل هو موكول إلى الحوزة العلمية لملء فراغه (٢) ،

__________________

(١) هود : ١١٨ ـ ١١٩.

(٢) لأن البحث الكلامي له مجال آخر وهو بحث مهم ، ولكن تتداوله الحوزات العلمية ، ومن

ونكتفي هنا بالإشارة إلى استعراض عناوين الأدلة المذكورة في علم الكلام وبيان بعض التفاصيل وارتباط هذه الأدلة بمصادرها ، وتأييدها لهذه النظرية وتوثيقها ، أما الدخول في تفاصيل مناقشة هذه الأدلة والتي قد تكون لدينا ملاحظات حولها ـ سواء حول نفس الدليل أو حول صيغة الاستدلال به ـ فهذا بحث من الأبحاث الكلامية.

__________________

ثم فهو فراغ مملوء من قبل الدراسات الحوزوية في علم الكلام ، وإن كنت قد ذكرت في بعض المحاضرات السابقة كهامش على هذا الجانب ملاحظة خلاصتها :

إنّ مسيرة البحث في علم الكلام لم تتطور في الحوزات العلمية ، كما تطورت مسيرة البحث في علم الفقه والأصول والرجال ، مع أنّه من العلوم الأساسية في الوصول إلى الفكر الإسلامي والعقيدة الإسلامية.

وكان علم الكلام في بعض المراحل يحظى باهتمام في مجال البحث العلمي الحوزوي أكثر مما يحظى به في هذا العصر ، لا سيما مع الأخذ بنظر الاعتبار مستوى التطور الذي تحقق في مجال الفقه والأصول وحتى في مجال بحث علم الرجال.

ولكن مع ذلك كله لا زالت هذه الأبحاث الكلامية هي أبحاث قائمة في الحوزة العلمية ولا زال هناك جماعة من الأفاضل والعلماء في السابق وفي هذا العصر ـ أيضا ـ يبذلون اهتمامات في هذا المجال وألّفوا كتبا في هذه الموضوعات ، ونأمل من الحوزات العلمية الحاضرة أن تعطي اهتماما أكبر لهذا البحث ، ولعل أحد القضايا المهمة في الوصول إلى هذا الهدف هو ما طرحته عدة مرات في موضوع الاتجاه إلى التخصص في الحوزات العلمية ، وبدأت ظاهرة التخصص تبدو ـ الآن ـ واضحة في حوزتنا العلمية في قم ، حيث توجد بعض المؤسسات تتخصص في مجال البحوث الكلامية وإعطائها الأهمية الخاصة ، من أجل تطوير هذا البحث الكلامي.

الفصل الأول

الاستدلال على ضرورة الإمامة

منهج البحث

في الاستدلال على ضرورة الإمامة يمكن أن نشير إلى عدة خطوط من الاستدلال :

الخط الأول : الاستدلال بالعقل ، حيث نذكر مجموعة من الأدلة العقلية على هذا الأمر.

الخط الثاني : الاستدلال بالقرآن الكريم والآيات الشريفة التي دلت على ضرورة الإمامة.

الخط الثالث : الاستدلال بالروايات التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بطرق الجمهور ، حيث وردت بطرقهم نصوص تدل على ضرورة الإمامة.

الخط الرابع : الاستدلال بالنصوص التي وردت عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام مما يدل على ضرورة الإمامة (١).

الخط الخامس : الاستدلال بالإجماع ، سواء إجماع المسلمين أو إجماع العلماء من جماعة أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث يعتبر الإجماع أحد الأدلة الأربعة التي يستدل بها ـ عادة ـ على الوصول إلى الحقائق الشرعية.

__________________

(١) وإنّما نتحدث عن النصوص التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام مع أنّه قد يكفينا القسم الأول من هذه النصوص ، وهي النصوص التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق أهل السنّة باعتبار أننا نريد أن نصل في هذه النظرية إلى رؤية عقائدية نؤمن بها بيننا وبين ربنا ، وقد لا تكفي تلك النصوص لإثبات ذلك ، بسبب عدم الوضوح في صحة أسانيدها لدى بعض ، بخلاف ما يروى عن طرق أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّه حجة لدى المسلمين.

الاستدلال بالعقل

الدليل الأول على ضرورة الإمامة ـ بصورة عامة ـ : العقل.

وتذكر عادة عدة وجوه :

الوجه الأول : «قاعدة اللطف» ، وهي : (أنّ نصب الإمام للناس لطف بالناس ، واللطف واجب عليه تعالى ، فيجب نصب الإمام عليه تعالى) (١) ، حيث يذكر المتكلمون والباحثون في علم الكلام بأن مرجع هذه القاعدة إلى أنّ الله تعالى لطيف بعباده ، وهذه صفة لله تعالى أشار إليها القرآن الكريم في عدد من الموارد ، منها قوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) (٢) ، وبناء على ذلك ففي كل مورد يكون في فعل الله تعالى مصلحة من المصالح العامة أو الخاصة للعباد ، يكون ذلك الفعل واجبا وموضوعا لهذا اللطف الإلهي ، ويفترض في الإمامة أنّ فيها هذه المصلحة ، فتطبق القاعدة على هذه المفردة ، حيث يقال بأنّ ثبوت الإمامة واستمرارها بعد النبوة يمثل مصلحة من مصالح الإنسان والمجتمع الإنساني وتكامله ، وبما أنّ الله تعالى لطيف بعباده ، يريد ما فيه مصالحهم بلطفه وكرمه ، فلا بد له أن ينصب الإمام للناس بعد النبوة.

وهنا يلاحظ أنّ بعض المتكلمين يرجع القاعدة إلى اللطف ، بمعنى الرحمة والكرم والجود ، ولكن بعضهم يرجعها إلى الحكمة ، أي أنّ الله تعالى حكيم ، ومقتضى الحكمة الإلهية هو اتخاذ القرار بموجب المصالح العامة التي تقتضيها هذه الحكمة الإلهية ، والإمامة تمثل مصلحة من هذه المصالح العامة ، فتطبق هذه

__________________

(١) صراط الحق ٣ : ١٩٠.

(٢) الشورى : ١٩.

القاعدة العامة على هذا المورد.

وهذه القاعدة ـ مع قطع النظر عن صحتها في نفسها ، أو صحة الاستدلال بها ، فإنّ لهذا البحث مجالا آخر ـ يمكن أن تنطبق على هذه النظرية التي أشرنا إليها انطباقا كاملا (١).

إذ من الواضح في القرآن الكريم الإشارة إلى أنّ النبوة والإمامة التي هي امتدادا لها ـ على ما أشرنا في هذه النظرية ـ تمثل رحمة للنّاس ، لقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) (٢) ، إذن ، فمجيء النبي ومن بعده الإمام الذي يقوم بدوره ـ كما أشرنا في هذه النظرية ـ يكون رحمة ، وإذا كان رحمة ، فيمكن أن تطبق هذه القاعدة العقلية أو الشرعية على هذا المصداق ، فيقال بأنّ وجود الإمامة يمثل رحمة ولطفا من قبل الله تعالى ، فلا بد أن يصدر منه تعالى هذا اللطف وينصب الإمام.

وكذلك ما ورد ـ أيضا ـ في قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (٣) ، فإنّ هذه الآية الكريمة تشير ـ أيضا ـ إلى حقيقة أنّ الإمامة رحمة.

فقد ذكرنا في تفسير ضرورة الإمامة أنّ هذه الضرورة تنبع من عوامل ثلاثة :

الأول : هو أنّ الإمامة ضرورة لحل الاختلاف في (عبادة الله تعالى) ، وتشخيص طريق حركة الإنسان نحو المثل الأعلى الكامل المتمثل بالله تعالى.

الثاني : ضرورة الإمامة في حلّ الاختلاف الذي ينشأ بين الناس في (فهم

__________________

(١) لو كان الاستدلال بها صحيحا مطلقا ، باعتبارها قاعدة عقلية ، أو في خصوص الموارد التي ثبت فيها وجود المصلحة بالدليل الشرعي ، أو باعتبارها قاعدة شرعية مرجعها النقل ، ونصوص القرآن الكريم ، والسنة ، وبحث ذلك ـ كما قلنا ـ له مجال آخر.

(٢) الأنبياء : ١٠٧.

(٣) هود : ١١٨ ـ ١١٩.

الدين وتفسيره) الذي نعبّر عنه ب (التأويل) في لغة القرآن ولسان أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث إنّ وجود الاختلاف في الدين على كلا المستويين ـ كما ذكرنا في شرح النظرية ـ ظاهرة من الظواهر التي واجهتها مسيرة الرسالات الإلهية كلها بدون استثناء ، على ما يبدو من القرآن الكريم.

الثالث : ضرورة الإمامة (لقيادة الحكم الإسلامي) وإدارته ، ومن ثم تطبيق الحق والعدل بين الناس بنحو يؤدي بهؤلاء الناس كجماعة إلى التكامل الإنساني والبشري ، من خلال تحقيق وتطبيق الحق والعدل بينهم ، ليصلوا إلى الكمالات الإلهية التي أرادها الله تعالى.

ونلاحظ هنا في هذه الآية الكريمة أنّها تشير إلى أنّ حلّ الاختلاف يمثل مصداقا من مصاديق الرحمة الإلهية ، حيث يقول القرآن الكريم : (... وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ...) ، فهذه الحالة المستثناة ـ وهي حالة الخروج من الاختلاف ـ تمثل مصداقا من مصاديق الرحمة الإلهية ، ومفردة من مفردات اللطف الإلهي ، فأي أمر يكون ضروريا لحل الاختلاف يكون رحمة لله تعالى ، ومن ثمّ يكون لطفا من الله تعالى ، فيكون مصداقا للقاعدة.

وبعد ذلك تؤكد الآية الكريمة هذا المعنى عند ما تجعل الرحمة الإلهية هي الهدف من خلق الإنسان (... وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) ، بناء على ما ورد في تفسير هذه الآية الكريمة عن الإمام الباقر عليه‌السلام (١) أنّ خلقهم كان للرحمة الإلهية ، وإنّ اسم الإشارة في (... وَلِذلِكَ ...) هو إشارة إلى الرحمة ، أي إلى المستثنى (... إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ...) ، ولهذه الرحمة خلقهم ، وذلك على خلاف ما ذهب إليه بعض المفسرين من

__________________

(١) عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام قال في قوله : «(لا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) في الدين (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) يعني آل محمد وأتباعهم يقول الله (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) يعني أهل الرحمة لا يختلفون في الدين» ، تفسير القمي ١ : ٣٣٨.

أنّ اسم الإشارة هو إشارة للاختلاف والمستثنى منه ، فيكون المعنى (ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم) وكأنّ الخلق من أجل أن يبقى هؤلاء الناس على الاختلاف.

وتفسير الإمام الباقر عليه‌السلام هو التفسير الصحيح ، لأن هذا التفسير هو الموافق للقرآن الكريم ، بخلاف التفسير الآخر ، لأن المعنى الكلي العام المفهوم من القرآن الكريم من خلال مجموع الآيات التي وردت في موضوع الاختلاف وموضوع بعثة الأنبياء ، والهدف منها ، هو أنّ الله تعالى إنّما أرسل هؤلاء الأنبياء من أجل أن يحلّوا الاختلاف بين الناس (١) ، فإنّ الهدف من وجود المجتمع الإنساني وإرسال الأنبياء الوصول إلى هذه المرحلة التكاملية ، وهي مرحلة حلّ الاختلاف.

وهذا ـ أيضا ـ يؤكده ما ورد في جميع الرسالات الإلهية من الاعتقاد بضرورة الإنسان المصلح في آخر الزمان الذي يحلّ هذا الاختلاف ، سواء كان ذلك في العقيدة اليهودية التي بقيت تنتظر هذا المصلح ، أو في العقيدة المسيحية التي تعتقد بأنّ هذا المصلح هو المسيح ، وسوف يقوم بهذا الدور في آخر الزمان أيضا ، أو كانت عقيدة المسلمين من أنّ هذا المصلح هو المهدي المنتظر (عج) ، المولود فعلا ـ كما هو عقيدة الكثير من المسلمين ، ومنهم جماعة أهل البيت ـ أو الذي سوف يولد في المستقبل ـ كما يذهب إليه بعض المسلمين ـ حتى يحقق هذا الهدف العظيم.

المهم في هذا الحديث أنّ المفهوم من القرآن الكريم والعقيدة الإسلامية : أنّ

__________________

(١) (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، البقرة : ٢١٣.

قضية خلق الإنسان وبعثة الأنبياء وحركة الإنسان سوف تنتهي إلى هذه الغاية ، وهي غاية حلّ الاختلاف الذي يجسد الرحمة الإلهية بعد مرحلة طويلة من الاختلاف ، يمر بها هذا الإنسان في مختلف أدوار تاريخه.

وبذلك يكون تفسير الإمام الباقر عليه‌السلام هو التفسير الصحيح ، لأنّه التفسير الموافق لما جاء في القرآن الكريم في المواضع الأخرى ذات العلاقة بموضوع الاختلاف ودور الرسالات الإلهية في حله (١).

إذن ، فالدليل العقلي الذي أشير إليه بقاعدة اللطف يؤيد هذه النظرية من خلال رؤية ضرورة الإمامة باعتبارها رحمة إلهية لحلّ الاختلاف بين الناس ، سواء الاختلاف في عبادة الله تعالى ، أو الاختلاف في فهم الدين وتفسيره.

دليل الحكمة

الوجه الثاني : أنّ وجود الإمام يمثل الأصلح في حركة تكامل الإنسان.

لما كان الله سبحانه وتعالى لا يعمل في عباده إلّا بمقتضى حكمته ، ومقتضى الحكمة : أن يكون القرار الإلهي أو (الإرادة) الإلهية ـ كما يعبر القرآن الكريم ـ متعلقة بما هو الأصلح في حركة الإنسان ، فإذا كان وجود الإمام هو الأصلح في النظام الاجتماعي والنظام الإنساني ، والله سبحانه وتعالى حكيم ، كما وصف نفسه بالحكمة ، والإرادة الإلهية لا بدّ أن تكون دائما متطابقة مع الحكمة ، ومقتضى

__________________

(١) نلاحظ أنّ هذا المنهج في التفسير ـ يعني أن نأخذ التفسير بالنسبة إلى آية من الآيات بصورة كاملة لا بصورة تجزيئية ، بمعنى أن نعرض هذا التفسير على مجموع ما ورد في القرآن الكريم من آيات ، ونصل بذلك إلى فهم الآية بصورة كاملة ـ هذا هو المنهج الذي انتهجه وطبقه إلى حد كبير العلامة الطباطبائي قدس‌سره ، وكذلك التزم به إلى حد كبير وأدخل عليه الكثير من التطوير الشهيد الصدر قدس‌سره ، والتزمنا به في منهجنا التفسيري.

الحكمة انتخاب الأصلح في حركة الإنسان وتكامله ، فلا بد من نصب الإمام (١).

وهذا الدليل يؤيد هذه النظرية ـ أيضا ـ لما ذكرناه في النظرية من أنّ ضرورة الإمامة تنبع من العوامل الثلاثة :

١ ـ حلّ الاختلاف على مستوى العبادة (٢).

٢ ـ وحلّ الاختلاف على مستوى فهم الدين وتفسيره وهو ما نعبر عنه بالتأويل.

٣ ـ حركة التكامل الإنساني في التطبيق للحق والعدل ، الذي يكون من خلال وجود الدولة والكيان الإسلامي السياسي الذي يطبق الحق والعدل ، لأنّ الأصلح في حركة الإنسان إنّما يتحقق بصورة كاملة من خلال عملية التطبيق.

فلا يكفي مجرد طرح المفاهيم النظرية وحدها التي تعبر عن الهدف الاسمي والمثل الأعلى ، أو عن طريق تفسير الدين تفسيرا صحيحا ، فإنّ ذلك لا يكفي ـ وحده ـ لتحقيق الصلاح في التكامل الإنساني ، وإنّما يحتاج ذلك إلى مرحلة متقدمة أكثر ، وهو التطبيق للحق والعدل ، وهي مرحلة الرسالة الخاتمة التي أشرنا إليها (مرحلة التطبيق الكامل للحق والعدل بين الناس) ، وهو العنصر الثالث الذي

__________________

(١) وهذا الدليل العقلي ـ أيضا ـ في الواقع فرع ـ ولكن مع تغيير في الشكل ـ من قاعدة اللطف ، إذا أردنا أن ندقق في نسبة هذه الأدلة إلى جذورها الكلامية والعقلية ، ولكن على أية حال يذكر كدليل مستقل ، ولعل الفرق بينهما أنّ الأول يسند إلى صفة اللطف ، وهذا يسند إلى صفة الحكمة.

هذا مع قطع النظر عن ما يمكن أن يثار حوله من مناقشة ، وهي أنّ هذا الدليل ليس دليلا عقليا ، وإنّما هو ـ أيضا ـ دليل شرعي ، ولكن على كل حال يذكرونه بعنوان الدليل العقلي ، أو بعنوان الملازمات العقلية وتفصيله في علم الكلام.

(٢) المقصود من هذا المصطلح هو ما ذكرناه من أنّ الاختلاف في تشخيص حركة الإنسان نحو المثل الأعلى الذي يمثل الهدف لتكامل حركة الإنسان.

ذكرناه في النظرية ، لإثبات ضرورة الإمامة لقيادة التجربة الإسلامية.

وضرورة هذه الإمامة على مستوى العصمة ـ أيضا ـ يعني أن تكون هذه الإمامة إمامة معصومة ، إذ لا يمكن الوصول في هذه التجربة إلى مراحلها الأخيرة في الكمال المطلق المطلوب إلا من خلال الإمامة المعصومة.

نعم الإمامة غير المعصومة يمكنها أن تمهد الوصول إلى تلك المرتبة العالية من الكمال المطلوب في حركة الإنسان ، والتي أشار إليها القرآن الكريم في آيات كثيرة ، وتحدثنا عنها هناك.

دليل العصمة

الوجه الثالث : ضرورة عصمة الإمام (١).

حيث يقال : إنّ الإمام لا بدّ أن يكون معصوما ، ولما كانت العصمة أمرا خفيا لا يمكن للناس أن يعرفوها ، فلا بد أن تكون الإمامة بقرار إلهي ، لأن الله هو القادر على معرفة الإنسان المعصوم.

هذا الوجه وإن كان فيه مواقع للنظر في صحة الاستدلال به ، أو مدى ارتباطه بأصوله وجذوره العقلية ، ولكن هذا الدليل ـ على كل حال ـ يؤيد النظرية التي ذكرناها وهي : ضرورة أن تكون الإمامة إمامة معصومة حتى تتمكن هذه الإمامة من تحقيق الأهداف الثلاثة التي افترضت ضرورة الإمامة ، وهي :

أولا : أن تقود حركة الإنسان نحو المثل الأعلى.

وثانيا : أن تفسر الدين تفسيرا صحيحا سليما لا لبس فيه ولا شبهة.

وثالثا : أن تقود المجتمع الإنساني قيادة توصله إلى الكمال المطلق في تطبيق

__________________

(١) يلاحظ أنّ بعض المتكلمين الذين ضاقت بهم السبل في الأدلة العقلية ، أو لم يقبلوا قاعدة اللطف وما بعدها من القواعد ، حاولوا أن يدخلوا هذا المدخل في الاستدلال العقلي.

الحق والعدل ، وهذا إنّما يمكن أن يتحقق من خلال الإمامة المعصومة.

دليل النبوة

الوجه الرابع : هو دليل قياس الإمامة للنبوة في الضرورة.

إنّ جميع الأدلة التي يمكن الاستدلال بها عقلا على ضرورة النبوة يمكن الاستدلال بها عقلا على ضرورة الإمامة ، لأن الإمام كالنبي من حيث المسئوليات والمهمات ، وما دام الإمام كذلك فالدليل على ضرورة النبوة عقلا هو الدليل على ضرورة الإمامة.

وهذا الدليل يصب في الاتجاه نفسه في تأييد النظرية ـ مع قطع النظر عما يثار حوله من ملاحظات (١) ـ ولكن لا بصيغته المذكورة ، بل بما ذكر في النظرية من أنّ الإمامة تمثل امتدادا للنبوة في بعض مهماتها الأساسية والرئيسية الواجبة ، وهي مهمة حلّ الاختلافات بين الناس على المستوى الأول والثاني ، وفي قيادة الحكم الإسلامي ، وتطبيق الحق والعدل بين الناس للوصول بهم إلى مرحلة التكامل ، فإنّ ذلك من واجبات النبوة ـ أيضا ـ في بعض مراحلها.

الوجه الخامس : الذي ذكره بعض الفضلاء المعاصرين (٢) ، حيث يعرضه

__________________

(١) مثل أنّ الإمامة هي امتداد للنبوة وليست كالنبوة ، وحينئذ نجد أمامنا إشكالا يثار ـ عادة ـ في أذهان بعض الناس ويحتاج إلى أدلة كثيرة من أجل إزالته ، والإشكال هو أنّ النبي مبلغ عن الله تعالى ويحمل رسالة ، والإمامة لا تبدو في صورة النبوة ، وإنّها تحمل هذه الرسالة ، ولذلك نفيت النبوة بعد النبي الخاتم لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «... إلا أنّه لا نبي بعدي» ، مع أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نصب الإمام عليا عليه‌السلام من بعده إماما ، إذن ، فالنبوة ليست كالإمامة ، وإلا لكان هو النبي من بعده.

هذا الإشكال ـ كما أشرت ـ يثار في الأذهان ، وجوابه يحتاج إلى بحث واسع ، وبحثه في علم الكلام ، ولا مجال له الآن ، ولكن لو صح هذا الدليل أمكن الاستفادة منه هنا.

(٢) الشيخ محمد آصف محسني ، صراط الحق ٣ : ١٩١ ، ويمكن مراجعة عرضه للأدلة السابقة ـ أيضا ـ في الجزء نفسه ص ١٩٠.

بمقدمات عديدة ويحاول أن يجعله دليلا في مقابل هذه الأدلة ، فيذكر : بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي جاء بالرسالة الخاتمة لم يتمكن من إبلاغ هذه الرسالة إبلاغا كاملا للناس ، أو أنّه لم يكن قادرا بالأصل على ذلك ، إما بسبب الظروف التي أحاطت به وانشغاله بالمشكلات في مكة ـ كما يذكر ذلك في بعض المقدمات ـ أو الحروب في المدينة ، فلم يتمكن من ذلك ، أو بسبب أنّ إبلاغ الرسالة يحتاج إلى وقت أطول من عمر الرسول ، ولذلك تحتاج هذه الرسالة إلى إمامة تتحمل مسئولية الإبلاغ.

ويستدل على هذه الحقيقة بالضرورة التي شاهدها الفقهاء والمجتهدون في الوصول إلى الأحكام الشرعية ، فإنّه لو لا وجود الإمامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لأغلق علينا باب معرفة الشريعة ، فالشريعة التي جاء بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وإن كانت كاملة في نفسها ، ولكن معرفتها إنّما كملت من خلال الإمامة ، ولذلك يكون هذا من الأدلة العقلية ، وهو يقول : إنّ هذا الدليل هو بين العقل والنقل.

وهذا الدليل وإن كان قاصرا عن إثبات كل أبعاد خصائص الإمامة الضرورية ، وهي أنّ الإمامة ضرورة لحلّ الاختلافات على المستوى الأول والمستوى الثاني ، وكذلك هي ضرورة لقيادة التجربة الإسلامية (١) ، ولكن مع قطع النظر عن هذا الإشكال فيه ، فإنّ الاستدلال به مرجعه إلى ضرورة الإمامة أيضا ، ولكن من هذا البعد أي ما سوف نعبر عنه في الأحاديث الآتية بالمرجعية الفكرية والشرعية ،

__________________

(١) وإن كان يوجد إشكال آخر على هذا الاستدلال بالخصوص ، أو توضيح له ، حاصله : أنّه قد ورد في القرآن الكريم وفي روايات صحيحة عن أهل البيت عليهم‌السلام ما يشير إلى أنّ جميع أحكام الشريعة هي موجودة في القرآن الكريم ، ويمكن استنباطه من القرآن الكريم ، ولكن ليس أمرا متيسرا لكل شخص ، وإنّما هو متيسر لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، ولذا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بين كل الأحكام الشرعية بناء على هذا الفهم للنص القرآني ، وكذلك بناء على ما ورد عنهم عليهم‌السلام في تأكيد هذا النص القرآني ، من وجود التفاصيل الجزئية في القرآن.

بمعنى أنّنا نحتاج إلى الإمامة في الرجوع إليها في معرفة الإسلام ومعرفة تفاصيل الأحكام.

هذا هو خلاصة ما يقال في الدليل العقلي ، وبذلك نرى أنّ جميع الأدلة العقلية المذكورة لضرورة الإمامة يمكن أن تؤكد النظرية التي ذكرناها أو تنسجم معها ، وإن كانت لدينا ملاحظات على وصف هذه الأدلة بالعقلية ، أو على طريقة الاستدلال بها ، ولكن فيها كثيرا من جوانب الصحة.

الاستدلال بالقرآن الكريم

الدليل الثاني على ضرورة الإمامة : القرآن الكريم

منهج الاستدلال بالقرآن

في البداية لا بد لنا أن نشير إلى عدة نقاط توضح منهج الاستدلال بالقرآن الكريم على هذه النظرية ، وضرورة الإمامة وتفرعاتها السابقة :

الأولى : أنّ الإمامة إذا كانت ضرورة في النبوة الخاتمة ـ كما ذكرنا في النظرية ـ فلا بد من وجود إشارة إلى هذه الضرورة في القرآن الكريم ، لأن القرآن الكريم ـ كما وصف نفسه ـ تبيان لكل شيء ، قال تعالى : (... وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (١).

وقد أكد هذه الصفة ما ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام من أحاديث صحيحة ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

وإذا كان القرآن الكريم يشتمل على بيان الأمور كلها ، فلا بد له أن يشتمل على مثل هذا الأمر المهم ، وهو ضرورة استمرار النبوة في الإمامة ، ولذا لا بد من الرجوع إلى القرآن لاستنباط النظرية والاستدلال عليها ومعرفة ما يشير فيه إليها.

الثانية : أنّ منهج القرآن الكريم في بيان هذه الحقائق هو منهج الإشارة العامة والبيان الإجمالي الكلي لها ، ولا يتعرض ـ عادة ـ إلى التفاصيل أو المصاديق

__________________

(١) النحل : ٨٩.

والحدود الدقيقة ، إلا في مواضع خاصة ، ولسبب خاص (١) ، ويلاحظ عموم هذا المنهج من خلال متابعة تعرض القرآن الكريم إلى العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج ، وكذلك الحلال والحرام والعقود وغيرها من الشئون العقائدية والاجتماعية ، حيث لم يعرض القرآن الكريم تفاصيلها.

ولعل السبب في ذلك هو مجموعة مصالح رسالية وموضوعية ، وقد ترك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولأهل البيت عليهم‌السلام بيان الكثير من هذه التفاصيل المستنبطة منه ، كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك في عدة مواضع ، كقوله تعالى : (... وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ...) (٢).

وقال تعالى : (... وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٣).

وكذلك قوله تعالى : (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٤).

الثالثة : التمييز بين هذا البحث القرآني في إثبات ضرورة وجود الإمامة بعد النبوة في النبوة الخاتمة ، وبين بحث آخر وهو إثبات الإمامة لأهل البيت عليهم‌السلام أو للإمام علي عليه‌السلام ، وإن كان البحث الثاني يمكنه أن يثبت الأول بالملازمة العقلية ، ولذا قمنا بفصل البحثين أحدهما عن الآخر في أصل النظرية ، ونحاول ـ أيضا ـ هنا فصل الاستدلال عليهما (٥).

__________________

(١) لقد تناولنا جانبا من هذا المنهج والأسلوب القرآني ، وكذلك الأسباب الخاصة للاستثناء ، في بحثنا (الهدف من نزول القرآن) الذي طبع في كتاب مستقل.

(٢) الحشر : ٧.

(٣) النحل : ٤٤ و ٦٤.

(٤) النحل : ٤٤ و ٦٤.

(٥) لعل هذا الارتباط هو الذي جعل الكثير من الباحثين في علم الكلام يكتفون بالبحث

عناصر الاستدلال بالقرآن

وفي مجال الاستدلال بالقرآن الكريم هناك مجموعة من الأمور أحاول الإشارة إليها في إثبات هذا الأمر :

الأمر الأول : أنّه يفهم من القرآن الكريم أن الإمامة عند ما جعلت من الله تعالى ، جعلت كقضية ذات طبيعة مستمرة في وجودها وحركتها ، لأنها وإن كانت تمثل ظاهرة تكامل للنبوة نفسها ، وحركة الرسالات الإلهية ، ولكنّها في الوقت نفسه ظاهرة تكاملية أساسية في حركة المجتمع الإنساني والبشري أيضا ، لأنها تمثل الأداة في تجسيد وتحقيق الهدف للرسالات الإلهية ، ولذلك لا يمكن أن تكون ظاهرة منقطعة أو ثابتة في حال دون حال ، فالنبوة تمثل ظاهرة تكاملية للحركة الإنسانية ، والإمامة تمثل ظاهرة أخرى تكمل النبوة وتحقق أهدافها التكاملية النهائية.

والمؤشرات على هذا الاستمرار من القرآن الكريم عديدة ، منها : ما ورد في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) ، فإن هذه الآية الكريمة تشير إلى أنّ إبراهيم عليه‌السلام عند ما خوطب بالإمامة فهم من ذلك أنّ هذه الإمامة هي أمر باق ومستمر ، ولذلك كان سؤاله عن دور ذريته في هذه الإمامة (... قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ...)

__________________

الثاني في مقام الاستدلال بالقرآن الكريم ، حيث لم أجد في حدود المراجعة السريعة لبعض الكتب الجامعة لأبحاث علم الكلام تخصيص الاستدلال بالقرآن الكريم ، لهذا الجانب من البحث الذي هو موضع بحثنا في هذا الفصل.

وقد حاول العلامة الطباطبائي قدس‌سره أن يستنبط استمرار الإمامة من آيات القرآن الكريم ، عند ما تناول قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) ، البقرة : ١٢٤ ، الميزان ١ : ٢٧١.

(١) البقرة : ١٢٤.

وكان جوابه تعالى لإبراهيم : أن أكد هذا الفهم من الخطاب ، فقال : إنّ عهد الإمامة لا ينال الظالمين (١).

الثاني : أنّ القرآن الكريم حين يتحدث عن الإمامة يربطها بمصير حركة الإنسان والمهمات الأساسية التي يتحملها في الحياة الدنيا والآخرة ، بحيث تصبح الإمامة ملازمة لحركة الأمم ، ومن الأمثلة على ذلك :

١ ـ ما يذكره القرآن الكريم في حديثه عن الأنبياء ، وما قاموا به من أعمال في هداية الناس وإرشادهم وإنقاذهم من الضلالة ، وذلك فإنّه يصفهم بالإمامة ، ويرتب على هذا الوصف الواجبات الأساسية للمجتمع الإنساني الكامل : (فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والعبادة لله تعالى) ، كما جاء ذلك في القرآن الكريم ،

__________________

(١) لقد تحدث العلامة الطباطبائي قدس‌سره ـ كما أشرنا ـ طويلا في تفسير هذه الآية حديثا يستحق المراجعة ، ويتسم بالدقة وقوة النظر والاستنتاج ، واستفاد منها ـ بعد المقارنة مع الآيات القرآنية الأخرى ـ عدة نتائج ، لخصها في آخر حديثه ، قال قدس‌سره : (وقد ظهر مما تقدم من البيان أمور :

الأول : أنّ الإمامة مجعولة.

الثاني : أنّ الإمام يجب أن يكون معصوما بعصمة إلهية.

الثالث : أنّ الأرض ـ وفيها الناس ـ لا تخلو عن إمام حق.

الرابع : أنّ الإمام يجب أن يكون مؤيدا من عند الله تعالى.

الخامس : أنّ أعمال العباد غير محجوبة عن علم الإمام.

السادس : أنّه يجب أن يكون عالما بجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور معاشهم ومعادهم.

السابع : أنّه يستحيل أن يوجد فيهم من يفوقه في فضائل النفس.

فهذه سبعة مسائل هي أمهات مسائل الإمامة ، تعطيها الآية الشريفة بما ينضم إليها من الآيات والله الهادي) ، انتهى قوله قدس‌سره ، راجع الميزان ١ : ٢٧٤.

كما أنه فسر الإمامة ، بأنها : (الهداية إلى الحق بأمر الله تعالى).

ومع قطع النظر عن مدى صحة جميع ما أورده في مقام الاستنباط من هذه الآية الكريمة وغيرها ، فإن بحث ذلك في التفسير وعلم الكلام ، ولكن فهم استمرار الإمامة من الآية الكريمة هو مقصودنا من هذه الإشارة.

حيث يختم المقطع الذي يتناول فيه ذكر الأنبياء ، قوله تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (١).

٢ ـ ما يذكره القرآن الكريم في وصف مصير الناس يوم القيامة ، حيث تدعى كل جماعة منهم بإمامهم ، الأمر الذي يشير إلى الارتباط بين مصير الجماعة والإمام ، قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَؤُنَ كِتابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (٢) ، وأنّ الإمامة حالة مستمرة مع الأمم والجماعات.

٣ ـ ما يذكره القرآن الكريم من الملازمة بين وجود الأمم وواجبات الإمامة بصورة عامة ، فقد ذكر القرآن الكريم في أكثر من مورد : بيان أنّ في كل أمة (شهيدا) ، قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ...) (٣) ، كما ورد فيه بيان أنّ لكل قوم (هاديا) ، قال تعالى : (... إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٤) ، وورد فيه أنّ في كل أمة (نذيرا) ، قال تعالى : (... وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) (٥) ، كما ورد فيه أنّ لكل أمة (رسولا) ، قال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٦) ، وورد فيه أنّ لكل أمة (كتابا) ، قال تعالى : (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٧).

فإذا أضفنا إلى ذلك نكتتين أخريين وهما :

__________________

(١) الأنبياء : ٧٣.

(٢) الإسراء : ٧١.

(٣) النساء : ٤١.

(٤) الرعد : ٧.

(٥) فاطر : ٢٤.

(٦) يونس : ٤٧.

(٧) الجاثية : ٢٨.

١ ـ لم يرد في القرآن الكريم الحديث عن (وجود نبي لكل أمة) (١) ولكن ورد فيه وجود إمام لكل أمة (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ ...) ، أمكن القول بأن هذه الآيات الكريمة يفهم منها الملازمة بين الأمة والإمامة وواجباتها ، ولعل هذه المسئولية هي التي تشير إليها آية (... كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا ...) ، ولا سيما وأنّ الكتاب يكنى به الإمام ـ أيضا ـ في القرآن الكريم.

وهو تعبير أخر عن قوله تعالى : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٢).

٢ ـ كما أنّ الإمامة تعني الهداية ، كما تشير إلى ذلك آية : (... إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ، والهداية حاجة ثابتة في الأمم كلها.

الثالث : ما ورد في القرآن الكريم ، قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...) (٣).

وقوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) (٤).

فإن هاتين الآيتين الكريمتين إذا قارناهما بآيات الشهادة في القرآن الكريم التي تحدثت عن شهادة بعض الأنبياء في الدنيا والآخرة كعيسى عليه‌السلام (٥) ، أو

__________________

(١) ولا يتوهم أنّ النبي والرسول شيء واحد ، إذ من الواضح أنّ الرسول في القرآن الكريم يطلق على ما هو أعم من النبي ، قال تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ...) ، يس : ١٤.

(٢) الأعراف : ٦.

(٣) البقرة : ١٤٣.

(٤) الحج : ٧٨.

(٥) انظر قوله تعالى : (... وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ...) ، المائدة : ١١٧.

شهادتهم في الآخرة في الآيات السابقة ـ التي أشرنا إليها ـ يفهم منها أنّ المقصود من الشهداء هم نوع خاص من أبناء الأمة ـ يناسب الإمام المعصوم ـ لا جميع أبنائها ، وذلك بالجمع بين قرينتين :

الأولى : أنّ أبناء الأمة الإسلامية لا يصلحون بأجمعهم لهذه الشهادة ، لأنّ فيهم الفساق وضعفاء الإيمان والمنافقين وغيرهم من الأصناف التي لا تصلح ـ أحيانا ـ للشهادة على أمر من أمور الدنيا ، فضلا عن الشهادة على الناس جميعا ، وقد وردت الإشارة إلى هذه القرينة في بعض ما نقل عن أهل البيت عليهم‌السلام ، فعن الباقر عليه‌السلام في تفسير هذه الآية : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...) ، قال : «ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمة والرسل ، فأمّا الأمّة فإنّه غير جائز أن يستشهدها الله تعالى على الناس وفيهم من لا تجوز شهادته في الدنيا على بقل» (١).

وكذلك ورد عن الصادق عليه‌السلام في تفسيرها قوله عليه‌السلام : «فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحّدين ، أفترى أنّ من لا يجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟! كلا لم يعن الله مثل هذا من خلقه ، يعني الأمة (بل الأمة. خ ل) الّتي وجبت لها دعوة إبراهيم (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...) (٢) وهم الأمّة الوسطى وهم خير أمّة أخرجت للناس» (٣).

الثانية : ما ذكره العلامة الطباطبائي قدس‌سره : (إنّ هذه الشهادة ليست هي كون الأمة على دين جامع للكمال الجسماني والروحاني ـ كما ذهب إلى ذلك بعض

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٥١ / ٦٣.

(٢) آل عمران : ١١٠.

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٥٠ / ٥٨ ، ومن الملاحظ أنّ الحديث الثاني يوضح الحديث الأول.

المفسرين ـ ... بل هي تحمل حقائق أعمال في الدنيا من سعادة أو شقاء ، ورد وقبول ، وانقياد وتمرد ، وأداء ذلك في الآخرة ..

.. ومن الواضح أنّ هذه الحواس العادية التي فينا ، والقوى المتعلقة بها منا لا تتحمل إلا صور الأفعال والأعمال فقط ، وذلك التحمل أيضا إنّما يكون في شيء يكون موجودا حاضرا عند الحس لا معدوما ولا غائبا عنه ، وأما حقائق الأعمال والمعاني النفسانية من الكفر والإيمان والفوز والخسران ، وبالجملة كل خفي عن الحس ومستبطن عند الإنسان ـ وهي التي تكسب (ها) القلوب ، وعليه يدور حساب رب العالمين .. ـ فهي مما ليس في وسع الإنسان إحصاؤها والإحاطة بها وتشخيصها من الحاضرين فضلا عن الغائبين إلا رجل يتولى الله أمره ويكشف ذلك له بيده) ، انتهى كلامه قدس‌سره (١).

فإن الجمع بين هاتين القرينتين يستنتج منه أنّ الشهادة المذكورة لهذه الأمة هي الإمامة ، وهو استنتاج ينسجم مع ما أشير إليه في المثال الثالث من الأمر الثاني ، من أنّ لكل أمة شهيدا ، وهو أمر أكده القرآن الكريم في عدة آيات.

ويؤكد هذا الاستنتاج ما ورد في قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ...) (٢) ، حيث إنّ الظاهر من هذه الآية الكريمة هو أنّ الشاهد الذي يتلو النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هو استمرار لمسئولية النبي في الشهادة ، وأنّ هذا الشاهد منه ، ولذا جاء تفسير هذه الآية : أنّ

__________________

(١) الميزان ١ : ٣٢٠ ، وقد تناول هذا الموضوع بشيء من التفصيل والشرح ، وطبق عليه الروايات الشريفة ، وحديثه في الجملة صحيح ، ولا سيما فيما يتعلق باستنباط ما تدل عليه الآية من وجود شهادة على مستوى الإمامة ، وفي بعض مواضعه وإطلاقه نظر لا مجال له هنا ، وإنّما حديثه في التفسير.

(٢) هود : ١٧.

المقصود منها هو الإمام علي عليه‌السلام (١).

الرابع : آية الاستخلاف المطلق التي وردت في القرآن الكريم ، وهي قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...) (٢) ، فإن هذه الآية الكريمة تدل على ضرورة الإمامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لإكمال عملية الاستخلاف (المطلق) الذي يتحقق فيه الأمن الكامل والتوحيد المطلق في العبادة لله تعالى ، لأن ذلك لم يتحقق في زمن الرسول ولا من بعده ، ولا زال الشرك بالله والخوف من الناس ظاهرة قائمة في التاريخ الإنساني منذ زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وحتى الآن ، وإن كانت بعض درجات الاستخلاف أو التمكين للدين أو الأمن قد تحققت في بعض الأزمنة الماضية ، ولكن درجة الاستخلاف على مستوى التوحيد المطلق لله تعالى المذكور في الآية الكريمة لم يتحقق على مدى التاريخ.

وقد وردت بعض النصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام تؤكد أنّ المعني بهذا الوعد هو

__________________

(١) عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه كان يوم الجمعة يخطب على المنبر ، فقال : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ، ما من رجل من قريش جرت عليه المواسي إلا وقد نزلت فيه آية من كتاب الله عزوجل ، أعرفها كما أعرفه ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما آيتك التي نزلت فيك؟ فقال : إذا سألت فافهم ولا عليك ألا تسأل عنها غيري ، أفقرأت سورة هود؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : فسمعت الله عزوجل يقول : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)؟ قال : نعم ، قال : فالذي على بينة من ربّه محمد رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والذي يتلوه شاهد منه ، وهو الشاهد وهو منه ، عليّ بن أبي طالب ، وأنا الشاهد ، وأنا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله» ، الأمالي للطوسي : ٣٧١ / ٨٠٠.

وكذلك رواها المغازلي في المناقب : ٢٧٠ / ٣١٨ ، باختلاف يسير ، ويراجع في هذه الآية فضائل الخمسة ١ : ٣١٧ ، لمعرفة وجود المصادر الأخرى لمثل هذا التفسير.

(٢) النور : ٥٥.

الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف (١).

ويؤيد ذلك بعض الآيات الأخرى التي تدل على وراثة الأرض المطلقة لعباد الله الصالحين (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٢).

الخامس : الآيات الكريمة التي تشير إلى أنّ الهدف من الرسالة الخاتمة هو ظهور الدين الإسلامي على جميع الأديان ، كما في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٣) ، أو أن يكون الدين كله لله تعالى ، فقد ورد ذلك في موضعين ، قوله تعالى (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ...) (٤) ، وقوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) (٥) ، فإن هذه الآيات الكريمة تشير إلى هذا الهدف الإلهي للرسالة الإسلامية.

ولا شك أنّ الرسالة الإسلامية لم تحقق هذا الهدف في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا بد

__________________

(١) روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) ، قال : «القائم وأصحابه» ، بحار الأنوار ٥١ : ٥٨ / ٥٠.

ولقد أفاض العلامة الطباطبائي قدس‌سره وأفاد في تفسير هذه الآية الكريمة ، للوصول إلى هذا الاستنتاج ، الميزان ١٥ : ١٥٠.

ونحن وإن كنّا نوافقه في جانب الإيجاب في حديثه ، ولكن قد نخالفه في جانب السلب ، حيث قد يفهم من هذه الآية الكريمة الإشارة إلى أنّ هذا الوعد الإلهي يتضمن عدة أمور ، وهي تتم على مراحل آخرها التوحيد المطلق ، وهو أمر لم يتحقق حتى الآن ، وبذلك يمكن الاستدلال بها على الإمامة ، فراجع.

(٢) الأنبياء : ١٠٥.

(٣) التوبة : ٣٣.

(٤) البقرة : ١٩٣.

(٥) الأنفال : ٣٩.

من فرض وجود إمامة تقود الأمة لتحقيق هذا الهدف وتقاتل من أجله ، بل يمكن أن يقال بأنّ هذا الهدف الإلهي لم يتحقق حتى الآن ، إذا أريد منه الظهور المطلق للرسالة الإسلامية على جميع الأديان والمعتقدات الأخرى ، كما يفهم ذلك من قوله تعالى : (... وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) ، حيث تكون بهذا المضمون قريبة من مضمون قوله تعالى : (... يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...) (١).

السادس : الآيات الكريمة التي دلت على أنّ من أهداف إرسال الأنبياء والرسل إيجاد القدوة بين الناس ، كما تشير إليه الآيات الكريمة ، مثل قوله تعالى ـ بعد ذكر جماعة من الرسل : إبراهيم وذريته ، ومن قبله نوح عليه‌السلام ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ* أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرى لِلْعالَمِينَ) (٢).

وما ورد من قوله تعالى ـ بعد ذكر مجموعة من الأنبياء ـ : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٣).

وكذلك قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٤) ، وما ورد من الأمر بالاقتداء والتأسي بإبراهيم عليه‌السلام في سورة الممتحنة (٥) ، ومن التأسي برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سورة الأحزاب (٦).

فإنّ جميع هذه الآيات الكريمة تدل على أنّ هؤلاء الأنبياء وضعوا قدوة للبشرية ، لا سيما وأنّ موضوع القدوة في آيات سورة الأنعام وردت في سياق ذكر

__________________

(١) النور : ٥٥.

(٢) الأنعام : ٨٩ ـ ٩٠.

(٣) الأنبياء : ٧٣.

(٤) السجدة : ٢٤.

(٥) الممتحنة : ٤ ـ ٦.

(٦) الأحزاب : ٢١.

مسئوليات الأنبياء المهمة : (... آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ...) ، ولما كانت القدوة لا تتجسد بصورتها الكاملة في ما يحصيه التاريخ ، فإن التاريخ مهما كان مستوعبا للأحداث والوقائع ، فإنّه لا يمكنه أن يستوعب كل أطراف حياة الإنسان ، وإنّما يستوعب منها جانبا محدودا ، مضافا إلى أنّ حركة الإنسان متجددة والأمثلة التي تحتاج إلى القدوة فيها متجددة ـ أيضا ـ ومتحركة ، ولذا كان من الضروري استمرار الإمامة لتجسد القدوة في الأخلاق الإلهية ، عند ما تتجسد في الإنسان الرباني وهو الإمام (١).

وسوف نشير ـ بإذن الله ـ في بحث الأدوار المشتركة لأئمة أهل البيت عليهم‌السلام الذي أشرنا إليها في بداية هذا الحديث إلى معنى القدوة ودورها الرئيس في حركة المجتمع الإنساني وتكامله (٢).

ولكن يؤكد هذا المفهوم ما ورد في القرآن الكريم من الحديث عن وصف عباد الرحمن ودعائهم من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٣) ، حيث أعطيت القدوة عنوان الإمام ، وجاء في تفسير ذلك على نحو التأويل تطبيقه على الأئمة عليهم‌السلام.

__________________

(١) قد يثار إشكال حول هذا الدليل من ناحية تطبيقه على الإمام المهدي الغائب عن الأنظار ، الذي قد يقال فيه : إنّه مع غيبته لا يمكن تحقق هذا الهدف من وجوده. ولكن الجواب عن ذلك :

أولا : أنّ الغيبة حالة استثنائية مرتبطة بظروفها ، فهي من قبيل أن يتعرض النبي أو الإمام للسجن أو الحصار ، بحيث يحجب عن الناس الانتفاع والاقتداء أو التأسي به بصورة عامة.

ثانيا : أنّنا سوف نشير ـ في محله إنّ شاء الله ـ إلى أنّ الإمام المهدي يمكن أن نفترض لوجوده آثارا على مستوى القدوة ، كما تشير إلى ذلك بعض النصوص والحوادث.

(٢) تناولنا جانبا من هذا الموضوع في كراس (القدوة الصالحة) الذي طبع بشكل محدود ، ونشر في مقدمة كتاب (الإمام قدوة).

(٣) الفرقان : ٧٤.

فلا بد للإمامة أن تكون باقية ومستمرة في هذا المجال إلى أن تتكامل حالة المجتمع الإنساني الصالح ، ويتحول إلى مجتمع القدوة ، وهذا إنّما يتحقق إذا تحقق ذلك الهدف الكبير في امتلاء الأرض قسطا وعدلا ، بل قد تستمر الحاجة إلى ذلك في دور (الرجعة) أيضا ، والله سبحانه وتعالى أعلم بذلك.

السابع : الآيات الكريمة التي تحدثت عن أنّ الغاية والهدف من إرسال الأنبياء والرسل هو حل الاختلاف بين الناس ، وهي آيات عديدة ، أشرنا إلى بعضها في عرض النظرية.

منها : قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ...) (١) ، وما دام الاختلاف قائما فلا شك بضرورة استمرار النبوة في الإمامة ، ليتحقق هذا الهدف الإلهي ، وهذا هو ما تشير إليه آيات قرن طاعة الرسول بطاعة الله تعالى ، وكذلك آيات قرن طاعة أولي الأمر بطاعة الله والرسول ، ولا سيما في مورد الاختلاف والنزاع.

قال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٢).

فإن في هذه الآيات الكريمة إرشادا وإشارة إلى أنّ حلّ الاختلافات على مستوى التطبيق الاجتماعي إنّما يمكن أن يتحقق كهدف أعلى وأسمى للإنسانية ، من خلال استمرار النبوة في ولاية الأمر ، بعد النبي وهو دور من أدوار الإمامة.

ويؤكد ذلك ما ورد في القرآن الكريم من وضع الولاء والولاية للمؤمنين

__________________

(١) البقرة : ٢١٣.

(٢) النساء : ٥٩.

(الخاصين) في صراط الولاء والولاية لله تعالى وللرسول ، وكطريق لتحقيق التكامل والنضج في حركة المجتمع الإنساني.

قال تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١).

وبذلك يمكن أن نتبين معالم هذه النظرية في ضرورة الإمامة في القرآن الكريم وآياته.

__________________

(١) المائدة : ٥٥ ـ ٥٦.

الاستدلال بروايات جمهور المسلمين

الدليل الثالث : على ضرورة الإمامة الاستدلال بالروايات التي رواها جمهور المسلمين.

ويمكن الاستدلال بذلك على هذا الموضوع بعدة وجوه.

وقبل الدخول في عرض الروايات والاستدلال بها يحسن الإشارة إلى بعض الملاحظات :

ملاحظات عامة

الملاحظة الأولى : أنّه لم يرد ـ بصورة واضحة وصريحة ـ في روايات الجمهور تأكيد (وجوب وضرورة الإمامة) ، مع أنّ ذلك ورد بصورة مؤكدة وكثيرة في روايات أهل البيت عليهم‌السلام كما سوف نعرف ذلك عند ما نصل إلى الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن بالرغم من كل ذلك نجد أنّ هناك عشرات الروايات ـ إن لم نقل مئات الروايات ـ التي وردت بطرق الجمهور ، يفهم منها هذه الضرورة ، ولكن بصورة غير صريحة ، الأمر الذي قد يفسر بوجود عملية تزوير وتحريف للكثير من هذه النصوص ، ولا سيما وأنّ بعض النصوص التي وردت في طريق الخاصة تؤكد على وجود هذه النصوص الواضحة في وسط الجمهور في عصر الأئمة عليهم‌السلام ، وكأنّ هذا التزوير تم في فترة متأخرة ، لأغراض سياسية ومذهبية ، من أجل أن لا يظهر هذا العنوان بصورة واضحة في روايات الجمهور ، كما سوف أشير إلى بعض معالم هذا التزوير.

الملاحظة الثانية : هي أنّنا سوف نتبع في الاستدلال بروايات الجمهور على

هذا الأمر الطرق العملية والضوابط الأصولية التي يستخدمها علماء المسلمين وجمهورهم ، والمدونة ـ عادة ـ في علم الأصول ، وهي ضوابط مشتركة في الكثير من مفرداتها ، ومن ثمّ يمكن الوصول إلى هذه النتيجة على طبق هذه الضوابط العلمية ، حتى لو كنا نختلف معهم ـ أحيانا ـ في بعض مصاديق هذه الضوابط ، ولكن يمكن استفادة هذه النتائج ـ أيضا ـ على طبق الضوابط العلمية المتبعة في علم الأصول من روايات الجمهور.

الملاحظة الثالثة : أنّنا سوف نستدل بهذه الروايات المروية في كتب الجمهور عن طريق تأكيد النقاط الثلاث التي أشرنا إليها في النظرية ، والتي كانت تؤكد ضرورة وجود الإمامة ، وهي :

الأولى : أنّ الإمامة ضرورة ، باعتبار أنّه لا يمكن حلّ الاختلاف على مستوى العبادة إلا بها ، لبقاء الاختلاف على هذا المستوى بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الثانية : استمرار الاختلاف على مستوى التأويل والتفسير وفهم الشرع والحكم الشرعي ـ أيضا ـ فهي ضرورة ، إذ لا يمكن حلّه إلا عن طريق الإمامة.

الثالثة : أنّ إدارة الحكم الإسلامي لتحقيق الهدف العام للرسالات الإلهية في الحكم الإسلامي ، والرسالة الإسلامية هي رسالة خاتمة ، فلا بد أن يتحقق فيها هذا الهدف العام ، والهدف العام هو إقامة الحكم الإسلامي وتطبيقه على الناس تطبيقا كاملا ، والارتقاء بتكامل الأمة بدرجة بحيث يصدق على ذلك قوله تعالى : (... يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...) (١) ، كما أوضحنا ذلك في شرح نظرية الإمامة.

هذه النقاط الثلاث هي التي يراد الاستدلال عليها في هذه الروايات والتي إن

__________________

(١) النور : ٥٥.

ثبتت تثبت ضرورة الإمامة ، حيث يمكن استنتاجها منها ، مع قطع النظر عن بعض التفاصيل الموجودة في كل رواية ، حيث إنّه توجد بعض التفاصيل في هذه الروايات ، قد تقع موضع الشك والريب ، ولكن أصل المضمون العام المراد استنباطه يمكن القول عنه أنّه متواتر في روايات الجمهور ، أي أنّ هذه الأمور الثلاثة هي متواترة مضمونا في روايات الجمهور ، مع قطع النظر عن التفاصيل التي يمكن أن نشاهدها في هذه الرواية أو تلك.

الملاحظة الرابعة : أنّنا سوف نكتفي بذكر بعض الأمثلة والنماذج لهذه الروايات ، ونحيل معرفة الباقي منها إلى كتب الحديث المعروفة ، ولا سيما جوامع الحديث لدى الجمهور ، مثل كنز العمال للمتقي الهندي ، ونشير إلى بعض المصادر الأخرى والأبواب الفقهية والحديثية ذات العلاقة بها.

وجوه الاستدلال

النص على ضرورة الإمامة

الوجه الأول : الاستدلال بعدد كبير من الروايات التي تدلّ على ضرورة الإمامة ـ وإن لم تكن بهذه الصراحة ـ وهي بالعشرات ، بل يمكن أن نقول بالمئات ، وبذلك يمكن دعوى تواترها وحصول العلم بصدور بعضها بصورة إجمالية ، ويؤكد ذلك ورود العديد منها في الكتب المعروفة لديهم بالصحاح.

ويمكن تقسيم هذه الروايات إلى طوائف ثلاثة :

الطائفة الأولى : الروايات التي تفترض أنّ وجود الإمامة أو الإمارة أو الخلافة (١) بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واستمرار الحكم بعده أمرا ضروريا ومفروغا عنه ،

__________________

(١) تعبيرات متعددة تستخدمها هذه الروايات ، فأحيانا تستخدم عنوان (إمام) ، وأحيانا عنوان

ولذا ترتب عليها أحكاما خاصة ، ومن تلك الروايات ما يقسّم الأئمة إلى نوعين : أئمة عدل ، وأئمة جور ، أو الأمراء إلى أمراء عدل وأمراء جور ، أو الروايات التي تتحدث عن صفات الحاكم وما ينبغي أن يتصف به من الصفات ، إلى غير ذلك من الروايات التي تفترض أنّ وجود أصل الإمامة أمر مفروغ عنه ، ولكن تحاول أن ترتب على ذلك أمورا أخرى ، وهذه الطائفة رواياتها عديدة ، وهي بالمئات وموجودة تحت عناوين متعددة في كتاب البيعة ، وفي كتاب الإمارة والقضاء من مجامع الحديث.

الطائفة الثانية : روايات البيعة التي تتحدث عن وجوب البيعة وضرورتها (١) مثل ما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» (٢) وهذا يدل على ضرورة الإمام بالملازمة ، ولذا تجب بيعته ، ولكن يتم تأكيدها دون

__________________

(خليفة) ، وأحيانا عنوان (أمير) ، وأحيانا عنوان (سلطان) ، وهذه العناوين الأربعة تقريبا هي العناوين التي تمثل محور هذه الروايات والتي مؤداها ضرورة وجود الحاكم الإسلامي.

وفي هذا المجال يوجد بحث نظري وهو أنّ الإمامة هل تعني مجرد الحكم والولاية ، كما قد يفهم ذلك من بعض آراء علماء الجمهور ، عند ما يعرفونها بأنّها رئاسة في أمور الدنيا ، أو يعبرون عنها بالإمارة والقضاء ، أو أنّ الإمامة تعني معنى أوسع من ذلك ، كما يفهم ذلك من القرآن الكريم ، وبعض روايات الجمهور ، وروايات أهل البيت عليهم‌السلام ، ويلتزم به علماء الخاصة ، وتكون الولاية والإمارة إحدى مهمات هذه الإمامة.

وقد يكون من المستحسن عرض هذا الجانب من البحث في مدخل بحث النظرية.

(١) يلاحظ هنا وجود الفرق بين روايات أهل البيت عليهم‌السلام التي تتحدث عن ضرورة وجود الإمام ومعرفته «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، وبين هذه الروايات التي تغيّر العنوان فيها ولم تذكر عنوان الإمام ولا تذكر عنوان المعرفة ، وإنّما تذكر عنوان البيعة ، وإن كانت الرواية بالنص المذكور في روايات أهل البيت عليهم‌السلام قد وردت ـ أيضا ـ في بعض طرق الجمهور.

(٢) التاج الجامع للأصول ٣ : ٤٦ ، عن صحيح مسلم ، وهي روايات كما يعرف ذلك من مراجعة كنز العمال ٦ : ٤٥ ـ ٦٦ ، أحكام الإمارة وآدابها.

ذكرها صراحة ، إذ لا يمكن تحقق البيعة بدون إمامة.

الطائفة الثالثة : الروايات التي تذكر ضرورة وجود (السلطان) و (الأمير) و (الخليفة) بعناوين متعددة ، وهي ضرورة ترتبط بحياة الناس ومعاشهم ، من قبيل ما ورد في عدة نصوص من ارتباط نظام الناس وحياتهم ومعاشهم بالإمامة والخلافة ، وهذا هو ما يذكره بعض فقهائنا عند ما يتحدثون عن موضوع ولاية الفقيه ، فيذكرون : أنّ وجود أصل النظام يمثل ضرورة من ضرورات العقل ولا يمكن تجاهلها ، ومن ثم فلا بد أن يكون هناك حاكم لحفظ النظام ، وإذا كان من الضروري أن يكون هناك حاكم ، فلا بد أن يكون الحاكم فقيها ، وهناك عدة روايات بهذا المضمون :

منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «السلطان ظلّ الله في الأرض يأوي إليه الضعيف ، وبه ينصر المظلوم ...» (١) ، وضرورة وجود مأوى للضعيف ونصرة المظلوم من المسلّمات الإسلامية الدينية والإنسانية ، فيربط وجود هذا المنصب بهذه الضرورة الإسلامية أو الضرورة الإنسانية حسب اختلاف الفهم لها (٢).

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «السلطان ظلّ الله في الأرض ، فإذا دخل أحدكم بلدا ليس فيه سلطان فلا يقيمنّ به» (٣) ، فهذه الرواية تربط حياة الإنسان واستقراره بوجود السلطان.

__________________

(١) كنز العمال ٦ : ٥ / ١٤٥٨٢.

(٢) بعض المعتزلة والعدلية وعموم الإمامية وغيرهم يؤمنون بقضية الحسن والقبح ، فينتهون إلى قبول هذه المضامين (الإنسانية) ، لذا نعبّر عن القضية الإنسانية العقلية بحسن نصرة المظلوم ووجوب إيواء الضعيف ، أما الأشاعرة فإنهم لا يؤمنون بالحسن والقبح العقليين ، ولذا نقول عنها إسلامية باعتبار وجود نصوص شرعية قرآنية إسلامية ، تدل على وجوب نصرة المظلوم ووجوب إيواء الضعيف.

(٣) كنز العمال ٦ : ٥ / ١٤٥٨٤.

ومنها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإسلام والسلطان أخوان توأمان لا يصلح واحد منهما إلا بصاحبه ، فالإسلام أسّ والسلطان حارث ، وما لا أس له يهدم ، وما لا حارث له ضائع» (١).

ولعل هذه الرواية هي أصرح وأوضح رواية تذكر ضرورة الإمامة بمعنى الحاكم في روايات الجمهور ، ولكنّها جاءت في الدرجة الثانية من رواياتهم ، وتحت عنوان (السلطان) (٢).

إذن ، لدينا طوائف ثلاث تؤكد بمجموعها هذه الضرورة (ضرورة وجود الإمامة) ، ولو من ناحية ضرورة وجود الحكم الإسلامي ، وهي النقطة الثالثة التي ذكرناها لضرورة الإمامة في النظرية.

الخلافة ظاهرة تاريخية

الوجه الثاني : الروايات التي دلت على أنّ ما يجري في هذه الأمة يتطابق مع ما جرى في الأمم السابقة ، مضافا إليها روايات تذكر أنّ من جملة ما جرى في الأمم السابقة هو أنّه لا يوجد نبيّ إلا ويخلف له خليفة.

فإذا جمعنا بين هاتين المجموعتين تكون النتيجة أنّه لا بد أن يكون هناك خليفة لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليتحقق التطابق مع ما جرى في الأمم السابقة.

ونذكر مثالا لكل من المجموعتين :

المثال الأول للمجموعة الأولى : عن أبي سعيد عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضبي لا تبعتموهم» ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال : «فمن؟!» وفي رواية :

__________________

(١) كنز العمال ٦ : ١٠ / ١٤٦١٣.

(٢) سوف نشير قريبا إلى احتمال أن يكون هذا العنوان قد تم تحريفه عن عنوان الإمام.

قيل : يا رسول الله كفارس والروم؟ قال : «ومن الناس إلّا أولئك؟!» (١) ، يعني : من هم الناس إلا هذه الأقوام.

المثال الثاني للمجموعة الثانية وهي : التي تؤكد حقيقة الخلافة لكل نبي ـ وهي روايات مروية في صحاحهم ـ وهي عديدة :

عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي ، وإنه لا نبي بعدي ، وستكون خلفاء فتكثر» ، قالوا : فما تأمرنا؟ قال : «فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم ، فإنّ الله سائلهم عما استرعاهم» (٢).

__________________

(١) التاج الجامع للأصول ١ : ٤٣ ، عن البخاري ومسلم ، في النص الأول طبق السائل عنوان «من قبلكم» على الأمم المختلفة دينيا ، وفي النص الثاني طبق على الأمم المختلفة قوميا.

(٢) التاج الجامع للأصول ٣ : ٤٢ ، عن صحيح البخاري ومسلم.

وهذه الروايات نستدل بها مع قطع النظر عن الفقرة الأخيرة فيه «أعطوهم حقهم ...» ، حيث يوجد هنا بحث من الأبحاث الحديثية المهمة جدا المطروحة في كتب الجمهور ، إذ توجد طائفة كبيرة من الروايات تحاول أن تقول : سلّموا لهؤلاء الحكام تسليما مطلقا ، حتى أنّ بعضها يصل به الحال إلى حدّ تقول فيه بوجوب التسليم سواء : «كان برّا أو فاجرا حتى لو ظلموكم» ... إلخ.

وطائفة أخرى ـ أيضا كبيرة من الروايات ـ كما في الرواية التالية عن ابن مسعود تقول بما مضمونه : (أنّه لا تسلّموا لهم ، ولا تتعاونوا معهم ولا تطيعوهم ولا تقبلوهم بل جاهدوهم ... إذا كانوا عصاة وظالمين).

وبموازين علم الأصول وضوابطه ، لا بدّ من تقديم الطائفة الثانية من الروايات على الطائفة الأولى منها في مدلول هذه الفقرة ، وهذا التقديم : إما أن يكون عن طريق الجمع بينها ، عند ما يكون الجمع ممكنا ، وذلك بتفسير الطائفة الأولى بالطائفة الثانية ، بحيث نفسر الأمر بالطاعة هنا كما في مثل هذه الرواية ، لمن يكون عادلا ، أي لمن يكون مطيعا لله تعالى ، ولمن يكون منصوبا من قبل الله سبحانه وتعالى ، كما تشير الطائفة الثانية إلى ذلك ، فتفسر هذه الروايات بتلك الروايات.

أو أن تقدم الطائفة الثانية على الطائفة الأولى ، فتطرح الطائفة الأولى ، لأن الطائفة الثانية موافقة للقرآن الكريم ، والطائفة الأولى مخالفة له ، حيث تقدم الموافقة للقرآن الكريم على المخالفة له ، وهذا بحث له موضع آخر.

فإن من الواضح من سياق هذه الرواية تطبيق السنة السابقة على هذه الأمة.

وفي رواية أخرى عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله لم يبعث نبيا إلا وله حواريون فيمكث بين أظهرهم ما شاء الله يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه ، فإذا انقرضوا كان من بعدهم أمراء يركبون رءوس المنابر يقولون ما تعرفون ويعملون ما تنكرون ، فإذا رأيتم أولئك فحقّ على كل مؤمن أن يجاهدهم بيده ، فإنّ لم يستطع فبلسانه ، فإنّ لم يستطع بلسانه فبقلبه ليس وراء ذلك إسلام» (١).

وهذه الرواية كسابقتها ، تشير إلى السنة العامة ، ثمّ تطبق هذه السنة على هذه الأمة ، وتؤكد على تطابق ما يجري في أمتنا مع ما جرى في الأمم السابقة ، فيثبت ضرورة وجود الخلافة للنبوة الخاتمة.

الوجه الثالث : الروايات التي تدل على تحقق الاختلاف بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على (العبادة) ، وأنّ هذا الاختلاف أمر حتمي ، وهي عديدة :

١ ـ ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة ، وتفرقت أمتي على ثلاث وسبعين فرقة».

وزاد في رواية : «ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة».

وزاد أبو داود في رواية : «وإنه سيخرج في أمتي أقوام تجاري بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق إلا دخله» (٢).

٢ ـ ما رواه حذيفة بن اليمان ـ وهذه الرواية أوضح رواية مروية في صحاحهم ـ : قلت : يا رسول الله إنا كنا بشرّ (أي في الجاهلية) فجاء الله بخير (وهو

__________________

(١) كنز العمال ٦ : ٧٣ / ١٤٨٩٦.

(٢) التاج الجامع للأصول ١ : ٤٧ ، عن أبي داود والترمذي.

الإسلام) فنحن فيه فهل من وراء ذلك الخير شر؟ (أي هل وراء هذا الخير الذي جاء به الإسلام شر كذاك الشر الّذي كنا فيه) قال : «نعم». قلت : وراء ذلك الخير شر؟ قال : «نعم». قلت : كيف؟ قال : «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنّتي ، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ...» (١). وهذه الرواية من الروايات الصحيحة التي تفسر الكثير من الروايات السابقة التي أشرنا إليها (٢).

__________________

(١) التاج الجامع للأصول ٣ : ٤٥ ، عن البخاري ومسلم وأبي داود.

(٢) يلاحظ في هذه الرواية استخدام كلمة أئمة ، ولكن هذه الكلمة (أئمة) تختفي بعد ذلك من الروايات الأخرى ، وتستخدم كلمة (خليفة) ، ثم كلمة (خليفة) تمسح من بعض الروايات الأخرى وتستخدم كلمة (أمير) ، ثم كلمة (أمير) تمسح من بعض الروايات الأخرى فتستخدم كلمة (سلطان) ، وهذا يدل على حالة تطور في وضع التحريف والتزوير ، حيث يمكن أن نفترض في البداية أنّ الشيء الذي كان مطروحا من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي رواياته ـ كما هو مطروح في القرآن الكريم ـ هو عنوان (الإمامة) ، حيث ورد هذا العنوان في عدة آيات كريمة ، لإفادة المسئولية العظمى التي تتجسد بمرحلة التكامل ، بحيث يصبح الإنسان قدوة يهتدى به ، ومنها الآية التي تحدثت عن إبراهيم عليه‌السلام وجعله إماما : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) ، البقرة : ١٢٤ ، وغير ذلك من الآيات الكريمة التي تتحدث عن عنوان الإمامة.

وبعد ذلك طرح عنوان الخليفة ، ثم نسخ عنوان الخليفة ، حيث كان يلقب به أبو بكر في البداية بخليفة رسول الله ، ولا يوجد عنوان آخر له ، لا عنوان إمام ولا عنوان أمير ولا عنوان سلطان ، وإنّما يقال : (خليفة رسول الله) ، ثم نسخ هذا العنوان فبدل بعنوان (أمير المؤمنين) ، ثم أصبح هذا العنوان هو العنوان الذي يطلق على الخلفاء ، ثم بعد ذلك في العهود المتأخرة عند ما تمزقت الخلافة وتوزعت ، وأصبحت ظاهرة السلاطين هي الظاهرة العامة ، أصبح عنوان السلطان هو العنوان الذي طغى على هذه الروايات.

فمن المحتمل أنّ الروايات التي أشرنا إليها في البداية «السلطان ظل الله» ، حرفت متأخرة ، وقد تكون في البداية عنوانها هو «الإمام ظل الله» ، أو «الخليفة ظل الله» ، وبعد ذلك بدّل عنوان الإمام بالسلطان وهكذا ، فهذه طريقة تبديل وتحريف تعرضت لها بعض الروايات ،

ومع قطع النظر في هذه التفاصيل ، فإن المقصود هنا هو التأكيد أنّ هذا الشر ـ كما يعبّر عنه حذيفة ـ هو أمر يأتي بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مراحل عديدة وليس في مرحلة واحدة.

الوجه الرابع : الروايات التي تؤكد وقوع الاختلاف بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على مستوى التأويل والتفسير ، من قبيل ما ورد عن أبي هريرة : أنّ رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله أتى مقبرة فقال : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، إنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، وددت أنّا قد رأينا إخواننا» ، قالوا : أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ (أي نحن معك أحياء ترانا ونحن مؤمنون ، والمؤمنون إخوة ، فلما ذا يقول : وددت أنا قد رأينا إخواننا) قال : «أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد». فقالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟! فقال : «أرأيت لو أنّ رجلا له خيل غرّ محجّلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟!» (أي إذا كان لديه خيل فيها علامة وهي أنّها محجّلة ، ثم داهمته خيل أخرى ، فلو اختلطت هذه الخيل مع غيرها فسوف يعرفها ، لأنها خيله قد عرفها بعلامتها) ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «فإنهم يأتون غرّا محجّلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض. ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلمّ» (أي أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله التفت إلى أصحابه ـ بعد توضيح معرفته بإخوانه ـ فحذرهم من الانقلاب على الأعقاب والتبديل بعده ، حيث يدعوهم إلى الشرب على الحوض ، لأنهم أصحابه قد عرفهم في دار الدنيا) «فيقال : إنّهم قد بدّلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا» (١).

__________________

حيث يؤخذ نفس المضمون الموجود في النصوص الشرعية مع تغييرات تتناسب مع الحالة التي يعيشها الحكم والمجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.

(١) التاج الجامع للأصول ١ : ٤٥ ، عن صحيح مسلم والنسائي وقسم منه عن صحيح البخاري.

وهذه الرواية تشير إلى وجود الاختلاف بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في التأويل ، حتى على مستوى أصحابه ، فضلا عن الأجيال الأخرى من المسلمين ، حيث تؤكد هذه الرواية أنّ الرسول يدعو أصحابه إلى الحوض ، ولكن الملائكة يذودونهم عنه ، ويخبرونه بأنّهم قد بدلوا بعدك ، لأنهم قد فسروا الإسلام وأولوه بآرائهم ، أو تركوا الالتزام بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيتبرأ منهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حينذاك ويقول : «سحقا سحقا».

ورواية أخرى عن عرفجة ، قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «إنّه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان» (١) ، ومحل الشاهد فيها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّه ستكون هنات وهنات» ، بحيث تفرق أمر الأمّة.

وعن ابن عمر ـ أيضا ـ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «القدرية مجوس هذه الأمة ، إن مرضوا فلا تعودوهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» (٢).

وروايات أخرى ـ أيضا ـ بهذا المضمون عديدة تدل على وجود هذا الاختلاف.

ويدل على ذلك ـ أيضا ـ روايات افتراق الأمة إلى ثنتين أو ثلاث وسبعين فرقة التي مضت الإشارة إليها.

إذن ، عند ما نلاحظ هذه الروايات بجميع طوائفها يمكن أن نصل إلى هذه النتيجة :

أولا : أنّ هناك ما يدل على ضرورة الإمامة بمعنى الحكم بصورة خاصة.

__________________

(١) التاج الجامع للأصول ٣ : ٤٦ ، عن مسلم.

(٢) التاج الجامع للأصول ١ : ٣٩ ، عن أبي داود.

ثانيا : أنّ هناك اختلافا سوف يكون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا بد من وجود الإمامة لحل هذا الاختلاف ، وهو اختلاف يكون بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على مستوى العبادة ، كما يكون ـ أيضا ـ على مستوى التأويل.

إذن ، فهذه الروايات المروية كلها من طرق الجمهور تؤيد تلك النظرية في ضرورة الإمامة التي أشرنا إليها ، لوجود أسباب هذه الضرورة.

الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام

الدليل الرابع على ضرورة الإمامة : الروايات التي وردت عن طريق أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

وفي البداية نذكر أننا سوف نلاحظ أنّ روايات أهل البيت عليهم‌السلام أكثر وضوحا في هذا المجال ، كما هي أكثر عددا. وهذا الفرق من الأمور المهمة التي تعبر عن دور أهل البيت في حفظ القرآن والسنة ، كما سوف أشير إلى ذلك ـ إذا وفقني الله تعالى ـ في البعد الثالث من الحديث عن أهل البيت عليهم‌السلام ودورهم في الحياة الإسلامية ، وهو دور أهل البيت عليهم‌السلام في المحافظة على الإسلام ، فإنّه من خلال المقارنة في مثل هذه الأمور يتبين الدور الخاص المتميز لأهل البيت عليهم‌السلام ، فإن أهل البيت بالرغم من مواجهتهم للحصار والقمع ، ومنعهم من نشر علومهم بصورة طبيعية ، نجد ـ مع ذلك ـ الفارق الكبير بين ما ورد عنهم عليهم‌السلام في مثل هذه الموضوعات الحساسة ، قياسا بما ورد عن غيرهم في هذه الموضوعات ، من حيث الكم والكيف ، وهذا الموضوع هو أحد هذه الموارد ، وهناك موارد عديدة أخرى ، سوف نشير إليها في مواضعها إذا وفقنا الله تعالى للحديث عنها ، هو مورد قد أجمع عليه المسلمون ـ كما سوف نشير إلى ذلك ـ في الدليل الخامس (الإجماع) ، ومن ثمّ فهذا المورد ليس هو محل الاختلاف ، ومن هنا نجد الفرق الواضح بين أهل البيت عليهم‌السلام وبين غيرهم في ذلك.

وجوه الاستدلال

وبصدد الحديث عن روايات أهل البيت عليهم‌السلام نشير إلى عدد من وجوه

الاستدلال ، إذ يمكن أن نقسم هذه الروايات إلى طوائف خمس تدل كل منها على ضرورة الإمامة ، تكون كل واحدة منها وجها من وجوه الاستدلال (١) :

الطائفة الأولى : الروايات التي دلت على وجوب الإمامة وضرورتها بصورة صريحة وواضحة ، وقد لاحظنا في روايات أهل السنة والجمهور أنّنا لم نجد رواية واحدة تدل على هذه الضرورة بصورة صريحة ، وإنّما استنبطنا هذه الضرورة منها ، نعم كانت هناك رواية واحدة هي أفضل هذه الروايات دلالة على ذلك ، ولكن كان العنوان فيها هو (السلطان) ولم يكن (الإمامة) ، أما في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، فإننا نجد أمامنا روايات عديدة تدل على ذلك ، قد تصل في تعدادها إلى حد التواتر أو التضافر.

من جملة هذه الروايات ، رواية يونس بن عبد الرحمن ، عن يونس بن يعقوب ـ وهي طويلة ـ حيث ورد أنّه قال : قال : كان عند أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام جماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب ، فقال أبو عبد الله : «يا هشام» ، قال : لبيك ، يا ابن رسول ، قال : «ألا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته» ، قال هشام : جعلت فداك يا بن رسول ، إني أجلّك وأستحييك (٢) ، ولا يعمل لساني بين يديك. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إذا أمرتكم بشيء فافعلوه».

قال هشام : بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة ، وعظم

__________________

(١) وقد نجد طوائف أخرى بالبحث والتأمل ، ولكن اختصارا للوقت والحديث نقتصر على هذه الطوائف الخمس ، كما سوف أكتفي في كل طائفة من هذه الطوائف بذكر بعض الأمثلة منها ، وإلّا فإن بعض هذه الطوائف وردت فيها روايات بعدد يمكن أن نقول : إنّها متواترة ، ويمكن متابعة التفاصيل بعد ذلك في الكتب الموسعة.

(٢) يعني كان يخجل أن يتحدث عما صنعه في هذا الشخص المعروف بالقدس والعبادة بين الناس وكان ـ أيضا ـ من العلماء في أواخر الأمويين وأوائل أيام العباسيين.

ذلك عليّ ، فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة ، فأتيت مسجد البصرة ، فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متّزر بها من صوف ، وشملة مرتد بها ، والناس يسألونه ، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ، ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ، ثمّ قلت : أيّها العالم ، أنا رجل غريب ، تأذن لي فأسألك عن مسألة؟ قال : فقال : نعم. قال : قلت له : ألك عين؟ قال : يا بني أي شيء هذا السؤال؟ فقلت : هكذا مسألتي ، فقال : يا بنيّ سل وإن كانت مسألتك حمقاء ، فقلت : أجبني فيها ، قال : فقال لي : سل ، فقلت : ألك عين؟ قال : نعم. قال : قلت : فما ترى بها؟ قال : الألوان والأشخاص.

قال : قلت : ألك أنف؟ قال : نعم قال : قلت : فما تصنع به؟ قال : أشم به الرائحة.

قال : قلت : ألك فم؟ قال : نعم. قلت : ما تصنع به؟ قال : أعرف به طعم الأشياء.

قال : قلت : ألك لسان؟ قال : نعم قلت : وما تصنع به؟ قال : أتكلم به.

قال : قلت : ألك أذن؟ قال : نعم. قلت : وما تصنع بها؟ قال : أسمع بها الأصوات.

قال : قلت : ألك يد؟ قال : نعم. قلت : وما تصنع بها؟ قال : أبطش بها.

قال : قلت : ألك قلب؟ قال : نعم قلت : وما تصنع به. قال : أميز به كل ما ورد على هذه الجوارح (١).

قال : قلت : أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال : لا ، قلت : وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟ قال : يا بني ، إنّ الجوارح إذا شكّت في شيء شمّته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب فييقّن اليقين ويبطل الشكّ.

قال : فقلت : إنّما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال : نعم. قال : قلت : فلا بدّ من

__________________

(١) يبدو أنّ هشام بن الحكم استخدم بالإضافة إلى الدليل العقلي الأسلوب النفسي في التأثير على هذا الإنسان.

القلب ، وإلا لم تستقم الجوارح؟ قال : نعم. فقلت : يا أبا مروان ، إنّ الله تعالى ذكره لم يترك جوارحك حتّى جعل لها إماما ، يصحّح لها الصحيح وييقن ما تشكّ فيه ، ويترك هذا الخلق كلّهم في حيرتهم وشكّهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردّون إليه شكّهم وحيرتهم ، ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكّك؟! قال : فسكت ولم يقل شيئا.

قال : ثمّ التفت إليّ فقال : أنت هشام؟ فقلت : لا. فقال : لي : أجالسته؟ فقلت : لا. قال : فمن أين أنت؟ قلت : من أهل الكوفة. قال : فأنت إذن هو. قال : ثمّ ضمّني إليه وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه ، وما نطق حتّى قمت ، قال : فضحك أبو عبد الله عليه‌السلام وقال : «يا هشام من علّمك هذا؟» قلت : شيء أخذته منك وألفته ، فقال (الإمام عليه‌السلام) : «يا هشام ، هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسى» (١).

وفي رواية أخرى عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تترك الأرض بغير إمام؟ قال : «لا» ، قلنا له : تكون الأرض وفيها إمامان؟ قال : «لا ، إلّا إمام صامت لا يتكلم ، ويتكلم الّذي قبله» (٢).

والرواية الأخرى عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «إنّ الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام ، كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإن نقصوا شيئا تمّمه لهم» (٣).

ورواية أخرى عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله لا يدع الأرض إلّا

__________________

(١) الكافي ١ : ١٦٩ / ٣ ، الأمالي للصدوق : ٦٨٥ / ٩٤٢ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٦ ـ ٨ / ١١ ، و ٦١ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ / ١ ، إثبات الهداة ١ : ٧٤ ـ ٧٥ / ٣ ، باختلاف في بعض ألفاظها.

ومن الملاحظ في هذا الاستدلال أنّه عقلي ، حاول هشام أن يوضح فيه الحقيقة لعمرو بن عبيد ، والرواية تدل على صحة الاستدلال العقلي ، عند ما نسبه إلى صحف إبراهيم وموسى.

(٢) بحار الأنوار ٢٣ : ٥١ / ١٠٢.

(٣) الكافي ١ : ١٧٨ / ٢.

وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم فقال : خذوه كاملا ، ولو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ، لم يفرق بين الحق والباطل» (١).

وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما زالت الأرض إلّا ولله فيها حجة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو الناس إلى سبيل الله» (٢).

ورواية أخرى بهذا المضمون ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : تبقى الأرض بغير إمام؟ قال : «لا» (٣).

وفي هذا الموضوع روايات ونصوص كثيرة جدا (٤).

الطائفة الثانية : الروايات التي وردت في وجوب معرفة الإمام ، وأنّ الإنسان يجب عليه معرفة إمامه ، ويترتب على ذلك استنتاج ضرورة أن يكون الإمام موجودا حتى يمكن للإنسان أن يعرفه.

ومن جملة هذه الروايات ، رواية «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، فقد وردت هذه الرواية في طرق أهل البيت كثيرا وبصور مختلفة ومكررة (٥).

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٣١ / ٤ ، باب العلة التي من أجلها لا تخلو الأرض من حجة ، وبنفس المضمون وباختلاف يسير في الكافي ١ : ١٧٨ / ٥.

(٢) الكافي ١ : ١٧٨ / ٣ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٥٦ / ١١٨.

(٣) الكافي ١ : ١٧٨ / ٤ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٥٥ / ١١٧.

(٤) من رام التوسع فليراجع بحار الأنوار ٢٣ : ١ ـ ٥٦ ، باب الاضطرار إلى الحجة ، وعلل الشرائع ١ : ٢٢٧ ـ ٢٣٧ ، وإثبات الهداة ١ : ٧٢ ـ ١٤٤ ، الباب السادس ، في النصوص على وجوب النبوة والإمامة وغيرها من الكتب الموسعة في هذا المجال.

(٥) جاءت في بحار الأنوار ٢٣ : ٧٦ ـ ٩٥ ، باب وجوب معرفة الإمام ، وقال في صفحة : ٩٤ ، ما لفظه (روى كثير منهم ـ أي علماء الجمهور ـ أنّه عليه‌السلام قال : «من مات وهو لا يعرف إمام زمانه

ونذكر بعض الأمثلة لهذه النصوص ـ وإن كانت كثيرة ـ وذلك من أجل الاستئناس بحديثهم عليهم‌السلام :

الرواية الأولى : عن فضيل بن يسار قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة ، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر ، ومن مات وهو عارف لإمامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه» (١).

الرواية الثانية : عن الفضيل بن يسار ـ أيضا ـ قال : ابتدأنا أبو عبد الله عليه‌السلام يوما وقال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية» فقلت : قال ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : «إي والله قد قال» ، قلت : فكلّ من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟! قال : «نعم» (٢).

__________________

مات ميتة جاهلية»).

ولكن لم ترد هذه الرواية عن طرق الجمهور إلا في مسند أحمد بن حنبل ، وذكرها بعضهم ، ثم حذفت بعد ذلك منه في بعض الطبعات الأخرى وهذا من الأساليب التي تستخدم في تزوير الحقائق في العصر الحديث ، وقد ذكرها أيضا صاحب مجمع الزوائد الذي هو من كتب الأحاديث الجامعة المتأخرة لأهل السنة ، وكذلك ذكرت في كنز العمال. وجاء في التاج الجامع للأصول ٣ : ٤٦ ، عن صحيح مسلم أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» ، وأكثر الروايات بهذا الصدد ـ كما ذكرنا في حديثنا السابق ـ جاءت بعنوان : «من مات وليس في عنقه بيعة ـ إما لإمام أو بصورة عامة ـ مات ميتة جاهلية».

أما رواية «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ، فهي لم ترد إلا بصورة محدودة جدا في كتب الجمهور.

ومن المحتمل جدا أنّ عملية التزوير قد جرت لتلك الروايات التي وردت في موضوع (البيعة) ، حيث كانت في الأصل قد وردت في معرفة الإمام ، ولكن من أجل إبعاد أذهان الناس عن هذا العنوان حوّلت هذه الروايات وزورت ، بحيث أصبحت لها مداليل أخرى ، وسوف نتبين بعض الشواهد على ذلك من الروايات الآتية.

(١) الكافي ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢ / ٥.

(٢) الكافي ١ : ٣٧٦ / ١ ، يلاحظ أنّ النص هنا الذي يرويه الإمام الصادق عليه‌السلام عن جده صلى‌الله‌عليه‌وآله

الرواية الثالثة : عن ابن أبي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية» قال : فقلت له : فميتته ميتة كفر؟ (باعتبار أنّ الجاهلية كانوا على الكفر) قال : «ميتة ضلال» (يعني انحراف وضلال). قلت : فمن مات اليوم (في هذا العصر) وليس له إمام ، فميتته جاهلية؟ قال : «نعم» (١) ، وذلك لأن هذا الأمر ليس مختصا بزمن خاص من الأزمنة.

الرواية الرابعة : عن الفضيل ، عن الحارث بن المغيرة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟» قال : «نعم». قلت : جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه؟ قال : «جاهلية كفر ونفاق وضلال» (٢).

الرواية الخامسة : عن يونس بن عبد الرحمن قال : حدثنا حماد عن عبد الأعلى ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول العامة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية (٣)». قال : «الحق والله» ، قلت : فإن إماما

__________________

جاء بهذه الصيغة «من مات وليس عليه إمام» ، لا من مات وليس في عنقه بيعة لإمام ، فالنص يتصدى لإثبات ضرورة وجود الإمام على هؤلاء الناس.

(١) الكافي ١ : ٣٧٦ / ٢ ، يلاحظ هنا أنّ ابن أبي يعفور يسأل عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذا يعني أنّ هذا القول كان معروفا في ذلك العصر بين الناس ويسأل عنه الإمام الصادق عليه‌السلام ، وهو أمر مفروغ عنه.

(٢) الكافي ١ : ٣٧٧ / ٣ ، هنا نجد ـ أيضا ـ هذا الصاحب يسأل الإمام عن قول رسول الله ، وهذا يعني أنّ قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان معروفا بهذه الصيغة : «من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية» ، وهو قريب من حيث المضمون مع : «من مات وليس في عنقه بيعة» ، ولكن مع حذف كلمة (إمام).

(٣) وهنا نلاحظ تطورا في السؤال ، حيث ينسب إلى العامة روايتهم عن رسول الله ذلك ، إذن ، فهذا الأمر كان معروفا في ذلك العصر ، وهذا هو أحد مؤشرات التحريف والتزوير التي تمت بعد ذلك على الروايات.

هلك ورجل بخراسان لا يعرف من وصيه ، لم يسعه ذلك؟ قال : «لا يسعه ، إنّ الإمام إذا هلك وقعت حجة وصيّه على من معه في البلد ، وحقّ النفر على من ليس في حضرته إذا بلغهم» ..

(يعني أنّ الإمام إذا مات في مكان ، فعندئذ لا بدّ لهذا الإمام أن يقيم الحجة على من معه في ذلك البلد ، أما أولئك الأشخاص البعيدين الذين قد خفي عليهم هذه الحقيقة ، فهؤلاء يجب عليهم أن يفحصوا ، وأن ينفروا من أجل معرفة هذا الإمام (١)).

... قلت : فهلك بعضهم قبل أن يصل فيعلم الأمر؟ قال : «إنّ الله عزوجل يقول :

(... وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) (٢) ...» (٣) ، فإن الإنسان ما دام قد خرج للفحص وهو بهذا القصد ، فعندئذ يكون معذورا عند الله تعالى.

الطائفة الثالثة : الروايات التي دلت على أنّ لكل نبي وصيا ، وأنّه لا يمكن أن يكون هناك نبي بدون وصي ، وهذا النوع من الروايات ورد ما يشبهه في روايات الجمهور ـ كما سبق ـ ولكن بصورة مخففة وضعيفة جدا ، أما في روايات أهل

__________________

(١) هذا بحث من الأبحاث في موضوع الإمامة ، وهو وجوب الفحص عن الإمام ، من أجل أن لا يموت الإنسان بدون أن لا يكون على معرفة من إمامه ، ويستدل الإمام على ذلك بقوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ، التوبة : ١٢٢ ، ويتفرع على هذا البحث وجوب الفحص عن المرجع السياسي الذي يدبر الأمور الاجتماعية ، كما يجب الفحص والرجوع إلى المرجع في الأحكام الشرعية.

(٢) النساء : ١٠٠.

(٣) الكافي ١ : ٣٧٨ / ٢ ، إثبات الهداة ١ : ٨٨ / ٦١ ، الباب السادس ، في النصوص على وجوب النبوة والإمامة.

البيت عليهم‌السلام فقد وردت نصوص كثيرة وعديدة تدل على ذلك :

١ ـ عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أول وصيّ كان على وجه الأرض هبة بن آدم ، وما من نبي مضى إلّا وله وصيّ ، وكان جميع الأنبياء مائة ألف نبيّ وعشرين ألف نبيّ ، منهم خمسة أولو العزم : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم‌السلام ، وإنّ عليّ بن أبي طالب كان هبة الله لمحمد ، وورث علم الأوصياء وعلم من كان قبله ، أما إنّ محمدا ورث علم من كان قبله من الأنبياء والمرسلين» (١).

٢ ـ الرواية الأخرى ما ورد عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الإمامة عهد من الله عزوجل معهود لرجال مسمّين ، ليس للإمام أن يزويها عن الّذي يكون بعده ، إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى داود عليه‌السلام أن اتّخذ وصيّا من أهلك فإنّه قد سبق في علمي أن لا أبعث نبيا إلّا وله وصيّ من أهله ...» (٢).

٣ ـ قال الحر العاملي في كتابه إثبات الهداة : وهناك رواية وردت في نصوص عن الأئمة عليهم‌السلام كثيرة جدا ، ومنها : في حديث اللوح الذي نزل من السماء مكتوبا فيه أسماء الأئمة عليهم‌السلام ، روى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ في حديث طويل ـ «.. هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيّه ونوره .. ـ إلى قوله ـ إني لم أبعث نبيّا فأكملت أيامه وانقضت مدّته إلّا جعلت له وصيّا ...» (٣).

الطائفة الرابعة : الروايات التي تدل على أنّ الأرض لا تبقى بدون إمام وإلّا ساخت الأرض بأهلها ، أو أنّ الأرض لا يمكن أن تخلو من حجة ، أو تخلو من

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٢٤ / ٢.

(٢) الكافي ١ : ٢٧٨ / ٣.

(٣) الكافي ١ : ٥٢٧ / ٣ ، إثبات الهداة ١ : ٨٩ / ٦٣ ، الباب السادس ، في النصوص على وجوب النبوة والإمامة ، و ١ : ٤٥٣ ـ ٤٥٥ / ٧٣ ، الباب التاسع : النصوص العامة على إمامة الأئمة عليهم‌السلام.

إمام ، وأنّها إذا خلت من الإمام ساخت بأهلها ، أو أن الإمام أمان لأهل الأرض ، وفي هذا الموضوع توجد عدة جوانب من البحث (١) ، ولكن ما يعنينا من هذه الروايات هنا هو ما تؤكده بصورة إجمالية من أنّ وجود الإمام ضرورة من ضرورات استقرار الحياة في هذه الأرض ، وأنّه بدون وجود الإمام سوف تسيخ الأرض بأهلها ، إذن ، فالإمامة ضرورة في كل زمان.

والروايات التي وردت بهذا المضمون عن أهل البيت عليهم‌السلام عديدة ، ولكنّنا لا نجد أثرا لمثل هذه الروايات في كتب الجمهور.

ومن جملة هذه الروايات هي :

__________________

(١) وأنّه ما هو المراد من هذه الروايات؟ من أنّ الارض إذا خلت من الإمام أو الحجة ساخت بأهلها؟ هل يراد منها بيان أنّ خلو الأرض من هؤلاء الحجج سوف يؤدي إلى هلاك الأرض ، لأنّ لهم ولاية تكوينية في هذه الأرض ، ومن ثم فعند ما تفقد هذه الواسطة ، وهذا السبب الذي جعله الله لإدارة شئون هذه الأرض ، تسيخ الأرض بأهلها وينتهي دورها؟

أو أنّ المراد من ذلك بيان بعد آخر أشار إليه القرآن الكريم في حديثه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عند ما قال تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ، الأنفال : ٣٣ ، وحينئذ عند ما تخلو الأرض من حجة يستحق هؤلاء الناس العذاب ، فينزل بهم العذاب وتسيخ بهم الأرض.

أو أنّ المراد من ذلك بعد ثالث يرتبط بقضية التقوى والعمل الصالح ، حيث يشير القرآن الكريم إلى أنّ التقوى والإيمان بالله تعالى عامل أساس لنزول البركات والخيرات واستقرار الحياة في هذه الأرض ، وفي مقابل ذلك ظهور الفساد في البر والبحر ، عند ما يرتكب الناس الذنوب والإمام بين أيديهم ، فيظهر الفساد في البر والبحر ، كما يشير قوله تعالى : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، الروم : ٤١ ، فيكون خلو الأرض من الإمام معناه عدم تطبيق الشريعة بحده الأدنى ، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الفساد في البر والبحر ، لانقطاع البركات والخيرات بحدها المعقول الذي يحفظ للأرض بقاءها ووجودها ، وتشخيص ذلك وتوضيحه لا يمكن بحثه هنا ، وله مجال آخر.

١ ـ عن محمد بن فضيل ، عن أبي الحسن الرّضا عليه‌السلام قال : قلت له : تكون الأرض ولا إمام فيها؟ قال : «إذن لساخت بأهلها» (١).

٢ ـ عن الوشّاء ، قال : قلت لأبي الحسن الرّضا عليه‌السلام : هل تبقى الأرض بغير إمام؟

فقال : «لا». فقلت : فإنّا نروي أنّها لا تبقى إلّا أن يسخط الله على العباد ، فقال عليه‌السلام : «لا تبقى إذن لساخت» (٢).

٣ ـ عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : سألت الرضا عليه‌السلام فقلت : تخلو الأرض من حجة؟ فقال : «لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت بأهلها» (٣).

٤ ـ عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث له في الحسين بن علي عليه‌السلام يقول في آخره : «ولو لا من على الأرض من حجج الله لنفضت الأرض ما فيها وألقت ما عليها ، إنّ الأرض لا تخلو ساعة من حجة» (٤).

٥ ـ عن الحسن بن زياد ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها حجّة عالم ، إنّ الأرض لا يصلحها إلا ذلك ، ولا يصلح النّاس إلا ذلك» (٥).

وهذه الروايات بمجموعها قد نستفيد منها ـ أيضا ـ بعض الأبعاد السابقة التي أشرنا إليها في الهامش ، ولكنّها تشير ـ في الوقت نفسه ـ إلى هذه الحقيقة.

الطائفة الخامسة : النصوص التي وردت في بيان ما أشرنا إليه وذكرناه في تفسير النظرية من ضرورة الإمامة ، وهي ثلاثة أمور :

الأمر الأول : أنّ الإمامة ضرورة من أجل حلّ الاختلاف على مستوى العبادة.

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٨ / ٣٩ ، عن عيون أخبار الرضا ، وعلل الشرائع.

(٢) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٩ / ٤٢.

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٩ / ٤٣.

(٤) كمال الدين وتمام النعمة : ٢٠٢ / ٤ ، بحار الأنوار ٢٣ : ٣٤ / ٥٧.

(٥) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٥ ـ ٣٦ / ٦٠.

الأمر الثاني : أنّ الإمامة ضرورة من أجل حلّ الاختلاف على مستوى التأويل ، وتفسير الشريعة والدين.

الأمر الثالث : أنّ الإمامة ضرورة من أجل إقامة الحق والعدل بين الناس بصورة كاملة.

والطائفة الخامسة تتصدى لبيان هذه الحقائق التي تفسر ضرورة وجود الإمامة.

ومن أجل تفادي الإطالة في الحديث ، أذكر العناوين التي تشير إلى هذه الأمور ، وأكتفي بذكر بعض الأمثلة لها ، حيث يمكن مراجعة التفاصيل في الكتب الحديثية الجامعة ذات العلاقة بالموضوع :

حل الاختلاف في العبادة

أولا : الاختلاف على مستوى العبادة ، فقد وردت فيه روايات تدل على أنّ الإمامة ضرورة لمعرفة الحق من الباطل وتمييزه ، والإمامة ضرورة ـ أيضا ـ لبيان الحلال والحرام ، وضرورة لإقامة الحجة على الناس.

١ ـ الروايات التي تدل على ضرورة الإمامة لمعرفة الحق من الباطل :

الرواية الأولى : وقد مرت سابقا وهي رواية أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنّ الله لا يدع الأرض إلا وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان ، فإذا زاد المؤمنون شيئا ردّهم ، وإذا نقصوا أكمله لهم فقال : خذوه كاملا ، ولو لا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم ، لم يفرق بين الحق والباطل» (١).

الرواية الثانية : عن أبي حمزة ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لن تبقى الأرض إلّا

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٣١ / ٤ ، باب العلة التي من أجلها لا تخلو الأرض من حجة ، وبنفس المضمون وباختلاف يسير في الكافي ١ : ١٧٨ / ٥.

وفيها من يعرف الحق .. ـ إلى أن قال ـ ولو لم يكن كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل» (١).

الرواية الثالثة : عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض بغير عالم ، ولو لا ذلك لما عرف الحقّ من الباطل» (٢).

٢ ـ الروايات التي تدل على ضرورة الإمامة لبيان الحلال والحرام :

الرواية الأولى : عن الحرث بن المغيرة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الأرض لا تترك إلا بعالم يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلى الناس ويعلم الحلال والحرام» (٣).

الرواية الثانية : عن الحرث بن المغيرة ـ أيضا ـ قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «إنّ الأرض لا تترك إلا وعالم يعلم الحلال والحرام وما يحتاج الناس إليه ، ولا يحتاج إلى الناس». قلت : جعلت فداك علم ما ذا؟ فقال : «وراثة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام» (٤).

الرواية الثالثة : عن الحسن بن زياد ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل تكون الأرض إلا وفيها إمام؟ قال : «لا تكون إلّا وفيها إمام لحلالهم وحرامهم وما يحتاجون إليه» (٥).

الرواية الرابعة : عن العامري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجّة يعرف الحلال والحرام ...» (٦).

٣ ـ الروايات التي تدل على ضرورة الإمامة لإقامة الحجة :

الرواية الأولى : عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «منا الإمام المفترض

__________________

(١) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٥ / ٣٣.

(٢) بحار الأنوار ٢٣ : ٣٦ / ٦٢.

(٣) بصائر الدرجات : ٤٨٥ / ٨.

(٤) بحار الأنوار ٢٣ : ٤٠ / ٧٢ و ٧٤.

(٥) بحار الأنوار ٢٣ : ٤٠ / ٧٣.

(٦) بحار الأنوار ٢٣ : ٤١ / ٧٨.

الطاعة ، من جحده كان يهوديا أو نصرانيا ، والله ما ترك الأرض منذ قبض الله آدم إلّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله حجة على العباد ، من تركه هلك ومن لزمه نجا ، حقا على الله عزوجل» (١).

الرواية الثانية : عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المنذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنين عليه‌السلام بعده والأئمة عليهم‌السلام ، وهو قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٢) ، في كلّ زمان إمام هاد مبين ، وهو رد على من ينكر أنّ في كلّ عصر وزمان إماما ، وإنه لا تخلو الأرض من حجة ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله ، إما ظاهر مشهور ، وإما خائف مغمور ، لئلا تبطل حجج الله وبيّناته» (٣).

الرواية الثالثة : عن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال : «ما خلت الدنيا منذ خلق الله السماوات والأرض من إمام عدل إلى أن تقوم الساعة حجة لله فيها على خلقه» (٤).

الرواية الرابعة : عن كرام قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام» ، وقال : «إنّ آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحدهم على الله عزوجل تركه بغير حجة لله عليه» (٥).

حل الاختلاف في التأويل

ثانيا : الاختلاف على مستوى التأويل ، فقد وردت روايات تتحدث عن الاختلاف على مستوى التأويل.

فمنها روايات تدل على أنّ الإمامة ضرورة لرفع الالتباس.

__________________

(١) إثبات الهداة ١ : ١١٩ / ١٧٢ ، الباب السادس.

(٢) الرعد : ٧ ، والآية هي : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ).

(٣) بحار الأنوار ٢٣ : ٢٠ / ١٦.

(٤) علل الشرائع ١ : ٢٣٣ / ١٤ ، وفي الحديث لم يذكر اسم الإمام عليه‌السلام الذي يروي عنه ، ويحتمل أن يكون الإمام الباقر عليه‌السلام.

(٥) علل الشرائع ١ : ٢٣١ / ٦.

وروايات أخرى تدل على أنّ الإمامة ضرورة لرفع الزيادة والنقصان في الدين.

وروايات ثالثة تدل على أنّ الإمامة ضرورة لإحياء السنة ، لأن السنة قد تتعرض إلى الموت والإمامة ضرورة لإحيائها.

هذا على مستوى الاختلاف في التأويل.

١ ـ لرفع الاختلاف على مستوى التأويل ورفع الالتباس ، فقد ورد عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سمعته يقول : «ما ترك الله الأرض بغير عالم ينقص ما زاد الناس ، ويزيد ما نقصوا ، ولو لا ذلك لاختلط على الناس أمورهم» (١) ، ومحل الشاهد «لاختلط على الناس أمورهم».

٢ ـ رفع الاختلاف على مستوى الزيادة والنقصان في الدين ، فقد روى أبو حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال : «يا أبا حمزة إنّ الأرض لن تخلو إلا وفيها عالم ، فإن زاد الناس قال : قد زادوا ، وإن نقصوا قال : قد نقصوا ، ولن يخرج الله ذلك العالم حتى يرى في ولده من علم مثل علمه أو ما شاء الله» (٢).

٣ ـ رفع الاختلاف على مستوى إحياء السنة والحق ، فقد روى عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته وهو يقول : «لم تخل الأرض منذ كانت من حجة عالم يحيي فيها ما يميتون من الحق ، ثم تلا هذه الآية : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٣)» (٤).

__________________

(١) علل الشرائع ١ : ٢٣٧ / ٣٢.

(٢) إثبات الهداة ١ : ١١٠ / ١٣٦ ، الباب السادس.

(٣) التوبة : ٣٢.

(٤) إثبات الهداة ١ : ١٠٧ ـ ١٠٨ / ١٢٤ ، الباب السادس.

الولاية والحكم

ثالثا : الروايات التي وردت في ضرورة الإمامة ، لأن الإمامة هي الولاية والحكم أيضا ، ومن هذه الروايات روايات «بني الإسلام على خمس» ، وهي روايات عديدة :

الرواية الأولى : رواية زرارة المعروفة ـ وهي صحيحة السند ، وأطول الروايات وأكثرها شرحا ووضوحا ودلالة على هذا الأمر ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة ، والحج ، والصوم ، والولاية» ، قال زرارة : فأيّ ذلك أفضل؟ فقال : «الولاية أفضلهن ، لأنّها مفتاحهن ، والوالي هو الدليل عليهن .. ـ إلى أن قال ـ أما لو أنّ رجلا قام ليله ، وصام نهاره ، وتصدق بجميع ماله ، وحجّ جميع دهره ، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه ، ويكون جميع أعماله بدلالته له إليه ، ما كان له على الله حقّ في ثواب ، ولا كان من أهل الإيمان ...» (١).

الرواية الثانية : عن الفضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمس : على الصّلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية ، فأخذ النّاس بأربع وتركوا هذه» يعني الولاية (٢).

الرواية الثالثة : عن ابن العرزمي عن أبيه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : قال : «أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية ، لا تصح واحدة منهنّ إلّا بصاحبتيها» (٣).

الرواية الرابعة : عن أبي اليسع قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني بدعائم الإسلام الّتي لا يسع أحدا التقصير عن معرفة شيء منها ، الّذي من قصّر عن معرفة

__________________

(١) محاسن البرقي ١ : ٤٤٦ / ١٠٣٤ ، الكافي ٢ : ١٨ / ٥.

(٢) الكافي ٢ : ١٨ / ٣.

(٣) الكافي ٢ : ١٨ / ٤ ، الاثافي : هي الاحجار التي توضع عليها القدر وأقلها ثلاثة.

شيء منها فسد دينه ولم يقبل (الله) منه عمل ـ إلى أن قال ـ فقال : «شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإيمان بأنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والإقرار بما جاء به من عند الله ، وحقّ في الأموال الزكاة ؛ والولاية الّتي أمر الله عزوجل بها : ولاية آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله». قال : فقلت له : هل في الولاية شيء دون شيء فضل يعرف لمن أخذ به؟ قال : «نعم ، قال الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...) (١) ...» (٢).

الرواية الخامسة : عن فضيل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ، ولم يناد بشيء ما نودي بالولاية يوم الغدير» (٣).

الرواية السادسة : عن عبد الله بن عجلان ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «بني الإسلام على خمس : الولاية والصّلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج» (٤).

الرواية السابعة : عن علي بن حمزة ، عن أبي بصير قال : سمعته يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الدين الذي افترض الله عزوجل على العباد ، فقال : «شهادة أن لا إله إلّا الله ؛ وأنّ محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ إلى أن قال ـ : والولاية» مرتين ، ثم قال : «هذا الذي فرض الله عزوجل على العباد» ... الحديث (٥).

إذن ، فالولاية تعتبر ركنا من أركان الإسلام ، كما تشير إليها هذه الروايات التي تقدمت ، وهناك روايات عديدة بهذا المضمون ، يمكن أن يقال : إنّها متواترة

__________________

(١) النساء : ٥٩.

(٢) الكافي ٢ : ١٩ ـ ٢٠ / ٦.

(٣) الكافي ٢ : ٢١ / ٨.

(٤) الكافي ٢ : ٢١ / ٧.

(٥) إثبات الهداة ١ : ٩١ / ٧٦ ، الباب السادس.

أو متضافرة على الأقل (١).

هذا خلاصة الحديث في الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام في ضرورة الإمامة.

__________________

(١) والملاحظ هنا أنّ روايات «بني الإسلام» قد وردت في طرق الجمهور ، ولكنّها حذفت الولاية ، ووضعت مكانها «شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمدا رسول الله» ، مع أنّ الشهادتين وإن كانتا أساس الإسلام ، إلّا أنّهما ليسا بمستوى العبادات الأخرى التي من تركها لا يخرج من الإسلام ، بل كان فاسقا مستحقا للعقاب ، بخلاف الشهادتين ، فمن تركهما خرج عن الإسلام. وهذا هو أحد معالم التحريف والتزوير ، نعم إذا أريد من الشهادتين الطاعة والامتثال فهما يعنيان الولاية عندئذ ، ويكون ذلك بيانا للجانب العقائدي لها ، ولأهميتها وتقدمها على بقية العبادات ، وأنّ هذه الولاية هي ولاية الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الإجماع

الدليل الخامس على ضرورة الإمامة : (الإجماع) وقد ادعى جماعة من العلماء إجماع جميع علماء المسلمين على ضرورة الإمامة ، سواء علماء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام أو مدرسة الصحابة والجمهور.

وقد أشرنا في الاستدلال على ضرورة الإمامة بروايات أهل البيت عليهم‌السلام : أنّ هذه القضية واضحة جدا لدى أوساط هذا المذهب الشريف ، بل هي من ضروريات المذهب. ولذا لا نحتاج إلى ذكر كلمات علمائهم بهذا الصدد ، ولكن مع ذلك أشير إلى أحد النصوص لهم يؤكد الإجماع على مستوى علماء المسلمين جميعا.

فقد نقل عن آية الله العظمى السيد البروجردي (١) : (اتفق الخاصة والعامة على أنه يلزم في محيط الإسلام وجود سائس وزعيم يدبّر أمور المسلمين ، بل هو من ضروريات الإسلام وإن اختلفوا في شرائطه وخصوصياته ، وأنّ تعيينه من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بالانتخاب العمومي) (٢).

وكذلك ادعي الإجماع على ذلك في مدرسة الصحابة والجمهور ، وتوجد

__________________

(١) السيد البروجردي أحد مراجع الشيعة الكبار في فترة ما بين سنة ١٣٦٦ ـ ١٣٨٠ ه‍. ق درس في النجف الأشرف ، واستقر في بروجرد ، ثم انتقل إلى قم في أواخر حياته ، ليصبح مرجعا عاما في إيران وبعض البلاد الإسلامية الأخرى بعد وفاة آية الله العظمى السيد أبي الحسن الأصفهاني ، والسيد حسين الطباطبائي القمي قدس‌سرهما.

(٢) ولاية الفقيه ١ : ٨٦ ، وتوجد نصوص أخرى في نفس الكتاب ، وفي كتب أخرى من علم الفقه والكلام.

مجموعة من النصوص تؤكد ذلك عن الماوردي في الأحكام السلطانية ، وابن حزم في الفصل الذي ألفه في الملل والأهواء والنحل ، وابن خلدون في مقدمته ، وابن أبي الحديد في شرحه للنهج ، وكتاب الفقه على المذاهب الأربعة ، فإنهم ادعوا جميعا الإجماع على هذه الضرورة.

وهذه النصوص هي :

١ ـ (اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، وأنّ الأمة فرض

واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ويسوسهم بأحكام الشريعة التي أتى بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ...) ، واستثنى ابن حزم من هذا الإجماع (النجدات من الخوارج) (١) ، إلى أن قال : (مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأمة وإيجاب الإمامة) (٢).

٢ ـ قال ابن خلدون : (ثم إنّ نصب الإمام واجب ، قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين ، لأن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند وفاته بادروا إلى بيعة أبي بكر وتسليم النظر له. وكذا في كل عصر من بعد ذلك. ولم يترك الناس فوضى في عصر من الأعصار ، واستقر ذلك إجماعا دالا على وجوب نصب الإمام) (٣).

٣ ـ قال الماوردي : (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا ، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذّ عنهم الأصم) (٤).

٤ ـ قال ابن أبي الحديد المعتزلي : (... قال المتكلمون كافة : الإمامة واجبة إلا

__________________

(١) والخوارج ينقسمون إلى عدة أقسام ، ومنهم شرذمة اجتمعت حول شخص اسمه (نجدة بن عمير الحنفي) ، ولذلك يسمون بالنجدات نسبة إلى (نجدة).

(٢) الفصل في الملل والأهواء والنحل ٣ : ٣.

(٣) تاريخ ابن خلدون ١ : ١٩١ ، الفصل السادس والعشرون.

(٤) الأحكام السلطانية : ٥.

ما يحكى عن أبي بكر الأصمّ من قدماء أصحابنا أنّها غير واجبة إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم ... فأما طريق وجوب الإمامة ما هي؟ فإن مشايخنا ـ رحمهم‌الله ـ البصريين يقولون : طريق وجوبها الشرع وليس في العقل ما يدل على وجوبها.

وقال البغداديون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين وشيخنا أبو الحسين ـ رحمه‌الله تعالى ـ : إنّ العقل يدلّ على وجوب الرئاسة ، وهو قول الإمامية) (١).

٥ ـ وقال في الفقه على المذاهب الأربعة : (اتفق الأئمة على أنّ الإمامة فرض وأنّه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين ، وعلى أنّه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان لا متفقان ولا مفترقان.) (٢).

إذن ، فالإجماع في نصوص مدرسة أهل البيت وعلماء الجمهور مسلّمة على وجوب الإمامة.

ملاحظات في إطار الاجماع

وفي الحديث عن الإجماع توجد عدة ملاحظات لا بدّ أن نشير إليها ، عند ما نريد أن يكون هذا الحديث حديثا علميا :

الملاحظة الأولى : هي أنّ الإمامة ـ كما أشرنا إليه في المدخل ـ يوجد فيها نظريتان :

الأولى : النظرية التي تبناها أهل البيت عليهم‌السلام وعلماء مدرستهم ، وهي أنّ الإمامة لها مدلول واسع ، يشمل حلّ الاختلاف على مستوى العبادة ـ كما عبّرنا ـ وحلّ الاختلاف على مستوى التأويل والتفسير والشرح ، وكذلك المحافظة على الدين

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ٢ : ٣٠٨.

(٢) الفقه على المذاهب الأربعة ٥ : ٤١٦ ، مبحث شروط الإمامة.

وإدارة أمور المسلمين والمؤمنين وسياستهم.

فالإمامة عمل يرتبط بالرسالة نفسها وفي بيانها وإبلاغها والمحافظة عليها ، ولكن في حدود دون النبوة في هذا المجال ، حيث لا وحي فيها ، كما أنّها عمل يرتبط بإدارة شئون الناس وسياستهم ، وقيادة عملية التغيير والحكم بين الناس.

الثانية : النظرية التي يذهب إليها علماء الجمهور ، حيث يرون أنّ الإمامة عبارة عن إدارة شئون الناس وسياستهم ، وبعضهم يضيف إلى ذلك الحفاظ على الدين والدفاع عن الإسلام والعقيدة ، أما قضية الموقف تجاه إبلاغ الرسالة وفهم الدين وتفسيره وشرحه ، فهذا لا يدخلونه كعنصر أساسي في فهم الإمامة وبيان مضمونها.

والحديث حول هذا الموضوع تناولناه في مدخل النظرية ، ولكن لا بد من ملاحظة ذلك ـ أيضا ـ عند ما نتحدث عن موضوع الإجماع ، حيث نرى أنّ بعضهم يذكر الإجماع على النظرية الثانية ، أو ما يسمى بسياسة أمور الناس وتطبيق الحكم الشرعي عليهم ، أما الجوانب الأخرى في الإمامة ـ التي يتبناها أبناء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ـ فهذه الجوانب لا تشير إليه كلمات الإجماع لديهم.

الملاحظة الثانية : أنّ علماء الأصول يذكرون في بحث الإجماع أنّ الإجماع إنّما يكون حجة ودليلا مستقلا فيما لو كشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام ، ولهذا فهو إنّما يتم إذا لم تكن فتاوى العلماء المجمعين قد استندت إلى أدلة خاصة ، وإلا فإن هذه الفتوى المجمع عليها لا تكشف عن رأي المعصوم ، بل تتبع في قيمتها دليلها ومستندها الخاص ، وعندئذ فقد يناقش في الاستدلال بالإجماع هنا ، بأنّ هؤلاء المجمعين قد استندوا إلى أدلة خاصة في أكثر الموارد ، كما يلاحظ ذلك عند الرجوع إلى كلماتهم ، ومنها الكلمات التي ذكرها ابن خلدون (١).

__________________

(١) فمثلا إنّ ابن خلدون يستند في دعواه ضرورة الإمامة إلى أنّ الصحابة بادروا إلى انتخاب

فلا يكون هذا الإجماع دليلا مستقلا ، بل يكون مرجعه إما إلى العقل ، أو الكتاب ، أو السنة ، حسب الدليل الذي استند إليه كل واحد منهم.

الملاحظة الثالثة : أنّه بقطع النظر عن المناقشات التفصيلية في كلمات العلماء المجمعين على هذه الضرورة والأدلة التي استندوا إليها ، وهي مناقشات صحيحة في بعض مواردها ، كما أنّهم قد استندوا إلى بعض الأدلة الصحيحة ـ أيضا ـ ففتواهم ذات مستند ، وتكون موضعا للملاحظة الثانية كما ذكرنا ، إلّا أنّه بقطع النظر عن ذلك كله ، يمكن أن نقول : إنّه من خلال مراجعة كلمات العلماء المجمعين بكل طبقاتهم ومراتبهم ، يصبح من الواضح للباحث أنّ ضرورة الإمامة ـ بصورة إجمالية ـ لديهم هي من الوضوح بدرجة عالية أكبر من وضوح الأدلة نفسها التي يستندون إليها ، الأمر الذي يكشف عن أنّ ذكرهم لهذه الأدلة إنّما كان بصدد تفسير أو تأكيد هذا الوضوح الموجود لديهم في ضرورة الإمامة.

وبذلك يمكن أن تكون هذه الفتاوى كاشفة عن الحكم الشرعي بصورة إجمالية ، بل هي قضية مسلّمة لديهم.

غاية الأمر أنّ بعض هؤلاء العلماء قد تبنى في مرحلة سابقة مذاهب في فهم

__________________

أبي بكر ، ونحن نعرف :

أولا : أنّ هذه البيعة كانت ذات طابع شخصي واجتهاد خاص ، كما هو واضح من أحداث سقيفة بني ساعدة ، وعبر عنها الخليفة الثاني بأنّها كانت فلتة ، فليس لهذا العمل علاقة بالشريعة الإسلامية.

ثانيا : أنّ الصحابة لم يبادروا جميعا لذلك ، بل اختلفوا في هذا الأمر ، وكان في مقدمة الرافضين لذلك أفضل الصحابة ، أمثال : الإمام علي عليه‌السلام ، والزهراء البتول سيدة نساء العالمين عليها‌السلام ، والعباس بن عبد المطلب ، والزبير بن عوام ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وغيرهم.

وهكذا الحال فيما يشير إليه ابن حزم من وجود الروايات والنصوص الكثيرة.

الإمامة ومعرفتها ، أو تبنى في مرحلة سابقة طريقة في الاستدلال على مذهبه ومتبنياته ، لا يمكنه من خلالها تفسير هذه الظاهرة والضرورة الواضحة ، فهي أوضح من المتبنيات نفسها التي يحاول أن يفسّر بها هذه الظاهرة.

وهذا ما وقع فيه أمثال ابن حزم عند ما يذكر في البداية هذه الضرورة ، ولكن يتحيّر في تفسيرها طبق متبنياته المذهبية ، وكذلك ما وقع فيه ابن خلدون ، باعتباره باحثا من كبار علماء التاريخ ، فهو يرى أنّ هذه القضية من الوضوح بدرجة كبيرة ، فيحاول أن يطبق هذا الوضوح على متبنياته المذهبية في عدالة الصحابة وتصحيح عملهم ويتحير في ذلك ، فيقدم هذا التفسير الضعيف الذي لا ينسجم مع علمه ولا مع هذا القدر من الوضوح الذي يدّعيه في البداية.

إذن ، فمن الممكن أن نقول بأنّ هذا الإجماع هو إجماع قائم بين المسلمين وواضح بدرجة عالية جدا ، وهو أكثر وضوحا من هذه الأدلة التي يستدل بها هؤلاء العلماء ، وإنّما صنع بعض هؤلاء العلماء ذلك واستدلوا بمثل هذه الأدلة عند ما تحيّروا في تفسير هذا الوضوح ، فأخذوا يذهبون يمينا وشمالا من أجل تفسير هذه الظاهرة وهذا الوضوح.

الفصل الثاني

الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام

اختصاص الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام

البعد الثاني في نظرية الإمامة هو : اختصاص الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام دون غيرهم من الناس ، حيث قلنا سابقا : بعد ثبوت ضرورة الإمامة يأتي سؤال : لما ذا كانت الإمامة مختصة بأهل البيت دون غيرهم من الناس؟ وحينئذ لا بدّ أن نستدل ـ أيضا ـ على هذا الأمر بعد أن قدّمنا تفسيره النظري في القسم الأول من الكتاب عند استعراض النظرية ، وهنا لا بد أن يكون الاستدلال عليه بالطرق العلمية المتبعة في الاستدلال.

ويمكن الاستدلال على هذا الموضوع بعدة أدلة :

القرآن الكريم

الدليل الأول : القرآن الكريم ، ويمكن الاستدلال به على هذه الحقيقة بصورة واضحة.

ملاحظات عامة

وقبل الحديث عن الاستدلال بالقرآن الكريم لا بدّ من الإشارة إلى عدة نقاط :

الأولى : أنّ القرآن الكريم تحدث عن أهل البيت عليهم‌السلام في موارد عديدة وبصورة مختلفة ، يمكن أن تبلغ مئات الآيات الكريمة ، ولذلك نجد بعض العلماء (١) قد ألّف كتابا مستقلا تناول هذا الموضوع ، وهو كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة).

النقطة الثانية : أنّنا إذا أردنا أن نلتفت إلى حديث القرآن الكريم عن أهل البيت ونقارنه بحديثه عن أي طائفة أخرى خاصة ، لا نجد نظيرا لهذا الحديث إلّا حديث القرآن الكريم عن الأنبياء. نعم تحدث القرآن الكريم كثيرا عن الجماعات العامة ، كالحديث عن جماعة المؤمنين ، وجماعة المشركين ، وجماعة المنافقين ، وجماعة أهل الكتاب ، وغيرها من الجماعات في المجتمع الإنساني ، ولكنّها أحاديث عن جماعات عامة ، وأما تخصيص الحديث في طائفة خاصة في القرآن

__________________

(١) السيد شرف الدين علي الحسيني الأسترآبادي الذي كان من طلاب المحقق الثاني المعروف بالمحقق الكركي ـ وهو من كبار محققي علماء أهل البيت ، ومؤلف الكتاب الفقهي المعروف ب (جامع المقاصد) ـ والكتاب المذكور أعلاه يتناول فيه مجموع الآيات الكريمة التي تحدثت عن أهل البيت ، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ويذكر الروايات التي وردت عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام بشأن تفسير هذه الآيات الكريمة.

الكريم ، فلا نجد القرآن الكريم تحدث عن ذلك كما تحدث عن أهل البيت ، إلّا في حديثه عن الأنبياء ، وأما حديث القرآن الكريم عن بني إسرائيل الذي جاء بصورة مفصّلة نسبيا ، فهو باعتبار أنّهم كانوا يمثلون ظاهرة من ظواهر امتداد النبوة.

ولذلك يمكن أن نستنتج من هذا الحديث الواسع والعدد الكبير من الآيات في القرآن الكريم عن أهل البيت عليهم‌السلام ، أمرين :

أولا : الموقع الخاص لأهل البيت عليهم‌السلام في النظرية الإسلامية.

ثانيا : الارتباط بين ظاهرة أهل البيت عليهم‌السلام وظاهرة النبوة التي أولاها القرآن الكريم ـ أيضا ـ الاهتمام الخاص ، لوجود التشابه والاقتران بينهما في الحديث.

الملاحظة الثالثة : أنّ النبي محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله والأنبياء عليهم‌السلام عموما قد تحدثوا عن رسالاتهم في موارد عديدة من القرآن الكريم ، وأكدوا على أنّهم لا يبغون أجرا أو منفعة على أتعاب هذه الرسالة أو التصدي لها ، وإنّما يريدون الأجر من الله تعالى على أتعابهم ، ومن أولئك النبي الخاتم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال تعالى على لسان نبيه : (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (١) ، وهي قاعدة عامة أكدها القرآن الكريم في غير موضع (٢) ، ولكن مع ذلك كله نجد أنّه ورد استثناء من ذلك اختص بالرسالة الإسلامية وهو آية المودة ، (... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) (٣).

الأمر الذي يعبّر عن امتياز اختصت به الرسالة الإسلامية دون جميع الرسالات

__________________

(١) سبأ : ٤٧.

(٢) على لسان إبراهيم عليه‌السلام في سورة الشعراء آية : ١٠٩ ، وعلى لسان هود عليه‌السلام آية : ١٢٧ ، وعلى لسان صالح عليه‌السلام آية : ١٤٥ ، وعلى لسان لوط عليه‌السلام آية : ١٦٤ ، وعلى لسان شعيب عليه‌السلام آية : ١٨٠ ، وعلى لسان هود عليه‌السلام في موضع آخر وهو قوله تعالى : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ) ، سورة هود آية : ٥١.

(٣) الشورى : ٢٣.

الأخرى ، وظاهرة الاستثناء هذه تحتاج إلى تفسير ، ولا شك أن تفسيرها هو في موقع أهل البيت عليهم‌السلام في الرسالة الإسلامية ، وأنّ ذلك يعبر عن امتياز في هذه الرسالة لا يشبهها فيه رسالة أخرى باعتبارها الرسالة الخاتمة التي تميزت بخصائص أخرى عن الرسالات السابقة ، وكان من جملتها هذه الخصوصية.

ويمكن لهذه الملاحظات الثلاث أن تلقي الضوء على فهم الآيات الكريمة التي سوف نشير إليها في ما يتعلق بالاستدلال على اختصاص الإمامة بأهل البيت عليهم‌السلام.

تقسيم الآيات

الملاحظة الرابعة : أنّه يبدو من القرآن الكريم أنّ أهل البيت عليهم‌السلام في النظرية الإسلامية وإمامتهم يمثل نظرية متكاملة لها أبعادها الخاصة ـ كما سوف نشير إلى ذلك ـ وأنّ الآيات القرآنية التي تدل على ذلك يمكن تقسيمها إلى ثلاث طوائف (١).

وهذا التقسيم يعتمد على بعدين :

الأول : يرتبط بنوع دلالة الآيات وظواهرها على النظرية.

والآخر : يرتبط بمضمون دلالة الآيات على النظرية وأبعادها ، من حيث الإجمال والتفصيل.

فالطائفة الأولى : تدل على أبعاد النظرية بدلالة واضحة ، من حيث استخدام العنوان الذي ينطبق على أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن تدل على مضمون هذه الأبعاد بصورة إجمالية عامة.

__________________

(١) بل يمكن تقسيمها إلى خمسة طوائف إذا فصلنا الآيات التي وردت في خصوص الإمام علي عليه‌السلام ، وتحدثنا عنها بصورة مستقلة ، وأما إذا دمجنا بينها وبين ما ورد في عموم أهل البيت عليهم‌السلام ، فيكون التقسيم إلى طوائف ثلاث ، كما سوف نشير إلى ذلك عند عرض هذه الطوائف.

وأما الطائفة الثانية : فهي تدل على أبعاد النظرية بدلالة العامل المثير لنزول الآية الكريمة (سبب النزول) الذي يمثل ـ عادة ـ القدر المتيقن لمصداق العنوان بسبب دلالة الحال والمسبب ، ولكنّها من حيث المضمون تدل على تفاصيل هذه النظرية بعناوينها الخاصة.

وأما الطائفة الثالثة : فهي تدل على أبعاد النظرية بدلالة التطبيق والتأويل ، باعتبار أنّ أهل البيت عليهم‌السلام يمثلون المصداق الأول للمفاهيم المطروحة في الآيات الكريمة ، كما تدل على تفاصيل مضمونها كالطائفة الثانية.

أهل البيت عليهم‌السلام في القرآن الكريم

الملاحظة الخامسة : أنّ خلاصة نظرية الإمامة ـ التي ذكرناها في المدخل ـ يمكن أن نراها متمثلة في أهل البيت عليهم‌السلام ، نستنبطها ونستنتجها من خلال هذه الآيات الكريمة التي تتحدث عن مجموعة من الأبعاد تلقي بضوئها على تشخيص المفهوم الصحيح للإمامة ، وهذه الأبعاد هي :

١ ـ الاصطفاء والاجتباء والاختيار من الله تعالى للمهمات الخاصة التي اصطفى من أجلها الله الأنبياء والأولياء ، كالشهادة ، والهداية ، وإبلاغ الرسالات والبشارة والإنذار ...

٢ ـ الاستمرار والامتداد لمهمات النبوة والرسالة الإلهية المتمثلة بالرسالة الخاتمة ، في تحقيق التكامل الإنساني في الحياة الدنيوية والأخروية.

٣ ـ الامتياز بالعلم والأخلاق والمواصفات الروحية والشخصية.

٤ ـ الحب والولاء والعلاقة الخاصة والتقديس والتعظيم.

٥ ـ الولاية والحكم بين الناس وإدارة شئونهم.

٦ ـ المثال الكامل الذي يمثل الهدف من خلق الإنسان ووجوده على الأرض.

القرآن وأبعاد النظرية

الطائفة الأولى ـ وهي أهمها وأوضحها ـ : الآيات الكريمة التي ذكرت وتحدثت عن أهل البيت بأحد العناوين الذي ينطبق عليهم بصورة واضحة ، مثل عنوان (أهل البيت) ، أو (ذوي القربى) ، أو (الأبناء ، والنساء ، والأنفس) ، نظير آية التطهير وآية المباهلة وآية المودة وآيتي الأنفال والفيء ، كما ورد في القرآن الكريم.

أو الآيات التي ترمز إلى أهل البيت عليهم‌السلام بالضمير والكناية ، مثل آيات سورة هل أتى (الإنسان) التي يفسر الضمير فيها بأهل البيت ، وآيتي الكلمات والأسماء التي ورد ذكرهما في قصة خلق الإنسان (آدم) في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ...) (١) ، وقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٢) ، حيث كنى القرآن الكريم عن أهل البيت عليهم‌السلام بالأسماء والكلمات ، كما تنص على ذلك بعض الروايات ، ويذهب إليه بعض العلماء والمفسرين.

هذه الآيات في الموارد الست أو السبع ، تحدثت عن أهل البيت عليهم‌السلام بعناوينهم الخاصة ، أو بالرمز لهم.

والجميل في هذه الآيات الكريمة هو أنّ كل واحدة منها يتحدث عن بعد يرتبط بالنظرية يختلف عن البعد الآخر ، بحيث يعبر مجموع هذه الآيات عن مجموع

__________________

(١) البقرة : ٣١.

(٢) البقرة : ٣٧.

أبعاد النظرية التي تحدثنا عنها في اختصاص الإمامة بأهل البيت عليهم‌السلام (١) :

الآية الأولى : آية الاصطفاء التي نجد فيها الإشارة إلى أصل النظرية ، كما أشرنا إلى ذلك عند الحديث عن النظرية ، وهي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢) ، وهذه الآية الكريمة تمثّل مبدأ الاصطفاء للآل والأهل ، ومن ثم ينطبق هذا الاصطفاء على أهل البيت عليهم‌السلام ، ونجد تأكيد ذلك ـ أيضا ـ في بعض الروايات التي تشير إلى هذا الموضوع في بعدين :

الأول : هو تفسير آل إبراهيم بآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله باعتبار أنّ آل رسول الله وأهل بيته عليهم‌السلام ينتمون إلى إسماعيل ، ومن ثم فهم ينتمون إلى إبراهيم عليه‌السلام ، كما ينتمي بنو إسرائيل ـ أيضا ـ إلى إبراهيم ، ولكن القرآن الكريم عند ما يتحدث عن بني إسرائيل ذكرهم بعنوانهم في مواضع عديدة ، ولم يذكرهم بعنوان آل إبراهيم ، وأما هذه الآية الكريمة فقد ورد الحديث فيها عن اصطفاء آل إبراهيم ، وهو إما أن يكون كناية عن آل محمد بالخصوص ، بقرينة هذه الصيغة الجديدة ، أو حديثا عن الاصطفاء الأعم والأشمل الذي يشمل آل إسماعيل وآل إسحاق.

وإلا فإن القرآن الكريم ذكر بني إسرائيل وأثنى عليهم وفضّلهم على العالمين ، بأن جعل منهم أنبياء وملوكا ، فلو أرادهم بالخصوص لكان الحديث عنهم باستخدام عنوانهم الخاص ، فاستبدال عنوان بني إسرائيل بعنوان (آل إبراهيم) إما باعتبار الاختصاص بأهل البيت ، أو إدخال أهل البيت عليهم‌السلام في هذا العنوان.

__________________

(١) لم أكن عند الحديث عن النظرية ملتفتا إلى هذه الخصوصية في الآيات الكريمة ، ولكن في هذا اليوم عند ما راجعت الآيات وتأملت فيها وجدت هذا التطابق ، وأشكره سبحانه وتعالى على هذا التوفيق ، وأسأله دوام ذلك وبركته ومنفعته.

(٢) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.

ويؤكد القرآن الكريم ذلك في موضع آخر ـ كما أشرنا إليه سابقا ـ في آية بناء البيت : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ* رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١).

إذن ، فهذا النبي وأهل بيته هم ذرية إبراهيم وإسماعيل معا بالخصوص ، وهم دعوة إبراهيم عليه‌السلام ، كما ذكرنا في عرض النظرية.

إذن ، فآية الاصطفاء في الحقيقة تعبر عن بعد الاصطفاء في (النظرية).

الثاني : هو الذي تشير إليه بعض الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام في تفسير الآية الكريمة على إضافة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوانهم الخاص (٢) ، وهذه الرواية وإن كنا لا نقبل بها على ظاهرها ، لأنها توهم النقصان في القرآن الكريم ، ولذلك لا بد من تأويلها وتفسيرها على أساس التطبيق والتأويل (٣).

ولذلك يمكن أن نقول ـ بصورة إجمالية ـ : إنّ هذه الروايات تشير إلى تطبيق هذه الآية على الاصطفاء في أهل البيت عليهم‌السلام ، إما عن طريق تفسير آل إبراهيم بآل محمد ، أو شمول آل إبراهيم لآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الآية الثانية : آية (التطهير) (... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٤) ، والتي تشير إلى بعد الطهارة والعصمة في أهل البيت عليهم‌السلام ،

__________________

(١) البقرة : ١٢٧ ـ ١٢٩.

(٢) راجع تفسير القمي ١ : ١٠٠ ، التفسير الصافي ١ : ٣٢٨ ، مجمع البيان ١ : ٤٣٣.

(٣) وتفصيل هذا البحث له مجال آخر ، حيث عالجنا جانبا منه في بحثنا (التفسير عند أهل البيت) ، فليراجع ، ولا نريد الدخول هنا في تفاصيله.

(٤) الأحزاب : ٣٣.

ونحن قد قلنا في الحديث عن ضرورة الإمامة وانطباقها على أهل البيت : إنّ ذلك إنّما هو في ضرورة الإمامة (المعصومة) ، لذا فنحن بحاجة إلى إثبات هذه الخصوصية عند الحديث عن الإمامة في أهل البيت ، وآية التطهير تثبت لنا هذه الخصوصية.

والبحث في شرح استفادة العصمة من آية التطهير بحث واسع تناوله بعض العلماء بصورة مفصّلة في كتب التفسير ، كما ذكر ذلك العلّامة الطباطبائي قدس‌سره ، وفي أبحاث مستقلة ـ أحيانا ـ في مقام الاستدلال على العصمة بآية التطهير ، ويمكن الرجوع إلى هذه الأبحاث لاستفادة ذلك منها. وقد ذكرنا في بداية البحث أنّ الحديث عن موضوع الإمامة هنا هو حديث إجمالي ، نكتفي فيه ـ أحيانا ـ بالإشارة إلى مبادئ البحث ومصادره عند ما يكون مستوفى في مواضع أخرى.

الآية الثالثة : من هذه الآيات الكريمة هي (آية المباهلة) وهي التي وردت في مقام مباهلة نصارى نجران ، وقصتها معروفة ، وجاء الحديث فيها عن أهل البيت تحت عنوان (أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) ، وقد أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أهل البيت هذه العناوين (الابن والنساء والأنفس) منسوبة له ، وهذه العناوين هي أخص العناوين وألصقها وأقربها لأي بيت وإنسان.

ويمكن أن ننتزع من هذه الآية الكريمة بعدا آخر في هذه النظرية وهو بعد الامتداد والاستمرار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولدوره في أهل البيت عليهم‌السلام.

فأهل البيت هنا ليسوا مجرد أفراد معصومين اصطفاهم الله تعالى من بين عباده ، وإنّما لهؤلاء الناس دور مهم خاص ، يمثلون فيه الامتداد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لأنهم أبناء الرسول ونساؤه ونفسه ، عند ما جاء رسول بأهل بيته دون غيرهم من أصحابه ، ويشير إلى ذلك حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أهل بيته عند الخروج إلى

المباهلة (١) ، في مقام إثبات الرسالة والاحتجاج على النصارى وأهل الكتاب ، كما يدل على ذلك نص الآية : (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ) (٢).

كما أنّ سياق الآيات يؤكد ذلك ، مضافا إلى ذلك تفاصيل القصة ، ومنها تسليم النصارى لهذه المباهلة وانسحابهم منها.

ولعل السرّ في مجيء الحديث في الآية عن أهل البيت عليهم‌السلام بهذا التسلسل ولم يقل : أنفسنا وأنفسكم ، ونساءنا ونساءكم ، وأبناءنا وأبناءكم ، وإنّما قدم الأبناء على النساء والأنفس باعتبار الإشارة إلى هذه الخصوصية ، فإن فيها الترقي من الأبناء ، لأنهم الامتداد الطبيعي للإنسان ، ثم إلى النساء باعتبارهن يمثلن عامل هذا الامتداد ، لأن الزهراء عليها‌السلام هي أم الأئمة الأطهار ، ثم الترقي بعد ذلك إلى الأنفس تأكيدا لهذا الارتباط ، لأن المحور الرئيس في الحديث هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّه محور النبوة والإمامة.

الآية الرابعة : آية (المودة) ، (... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) (٣) ، وهي تشير إلى بعد آخر وهو بعد تشخيص طبيعة العلاقة التي يجب أن تقوم بين أبناء الأمة الإسلامية وأهل البيت عليهم‌السلام ، وهي تعبر عن طبيعة العلاقة مع الإمامة ، والتي هي امتداد للعلاقة مع الله تعالى ورسوله.

وهذه العلاقة تشتمل على عناصر عديدة ، محورها المودة والحب والولاء لله ولرسوله ولأولي الأمر وللمؤمنين ، حيث يلاحظ بأنّ المودة في القرآن الكريم

__________________

(١) تناولنا الحديث عن آية المباهلة وأهمية هذه الحادثة عقائديا في حديث مستقل ، يمكن الاستفادة منه في بعض الأبعاد الأخرى.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) الشورى : ٢٣.

ذكرت في مواضع عديدة وبعناوين مختلفة مثل الحب والولاء ، وقد وضعت في النظرية الإسلامية ـ كما ذكرنا في محاضرة مستقلة ـ خصوصية من الخصوصيات التي تشخّص جوهر العلاقة التي يجب أن تقوم بين المؤمنين وبين المحور الأول الذي يراد منه تحقيق الارتباط به وهو الله تعالى ، ولذلك جعلت هذه المودة محورا في علاقة المؤمن بالله تعالى ، فكان المؤمن أشدّ حبا لله من الكافر ، عند ما يحب ربّه أو يحب من يعبده ، كما كان من الواجب على المؤمن أن يقدم حبه لله تعالى على حبه لجميع الأشياء ، وحتى أقرب الأشياء إليه ، كالآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشيرة والمساكن التي ترضونها والتجارة المربحة.

قال تعالى : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١).

كما أصبح الحب لله تعالى سببا ودليلا على الإتباع للرسول والشريعة ليتحول ذلك سببا لحب الله للإنسان نفسه : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢) ، وهكذا عند ما تحدثنا ـ في تلك المحاضرة (٣) ـ عن علاقة المؤمن بالله تعالى وهي علاقة الولاء أو علاقة المؤمن بالمؤمن التي هي ـ أيضا ـ علاقة الولاء ، إنّ جوهر هذه العلاقة هي المودة.

ولذلك ورد ـ أيضا ـ في الحديث الشريف عن بريد بن معاوية العجلي قال : كنت عند أبي جعفر عليه‌السلام إذ دخل عليه قادم من خراسان ماشيا فأخرج رجليه وقد تغلّفتا وقال : أما والله ما جاء بي من حيث جئت إلّا حبّكم أهل البيت ، فقال أبو

__________________

(١) التوبة : ٢٤.

(٢) آل عمران : ٣١.

(٣) محاضرة ألقاها سماحته (دام ظله) في العشر الأوائل من شهر رمضان المبارك ١٤٢٠ ، بعنوان علاقة الأخوة بين المؤمنين ، وتمّ طبعها بصورة مستقلة.

جعفر عليه‌السلام : «والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا ، وهل الدين إلّا الحبّ؟ إنّ الله يقول : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) ، وقال : (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ) (١) هل الدين إلّا الحب؟!» (٢).

فحب أهل البيت دين وليس لمجرد ما يتصف به أهل البيت عليهم‌السلام من صفات تجعلهم موضع الحب للناس ، مثل العلم والفضل والجهاد والتقوى إلى غير ذلك مما يتصف به أهل البيت عليهم‌السلام ، فإن الإنسان يحب هذه المعاني ، فليس هذا الحب لهم هو عبارة عن مشاعر يستشعرها الإنسان في حبّه لكل فضل ولكل قيمة من العلم والجهاد والتقوى والطهارة والصلاح وما شابه ذلك مما يتمتع به أهل البيت عليهم‌السلام ، بل أنّ حبهم دين يتدين به الإنسان؟ ولذا أكد الإمام عليه‌السلام في تعليقه على حب هذا المؤمن بقوله : «وهل الدين إلّا الحب» ، يعني أنّ الأصل هو الحب والمودة.

فهذه الآية الكريمة : (... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) ، تتحدث عن تشخيص طبيعة العلاقة الدينية التي يجب أن تقوم بين المؤمنين وبين أهل البيت عليهم‌السلام ، فهي علاقة الحب ، ولكنّه الحب الذي له بعد ديني وعقائدي وهو ما يعبر عنه القرآن الكريم بالولاء ، وهذا بعد آخر في النظرية.

الآيتان الخامسة والسادسة : هما آيتا الأنفال والخمس. وهنا يوجد حديث واسع يذكره الفقهاء حول ما هو المقصود من (ذي القربى) في قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ ...) (٣) ، هل المقصود خصوص أهل البيت عليهم‌السلام ، أو المقصود منهم الأقربين للإنسان ، بمعنى رحمه وأقربائه؟

__________________

(١) الحشر : ٩.

(٢) تفسير العياشي ١ : ٢٩٨ / ٦٦٧ ، بحار الأنوار ٢٧ : ٩٥ / ٥٧.

(٣) الأنفال : ٤١.

وهكذا الحال في آية الفيء : (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (١) ، فهل أنّ المقصود من ذي القربى هنا أهل البيت عليهم‌السلام أو الأرحام ، فيكونوا أحد موارد الانفاق ، كما هو الحال في المساكين مثلا وابن السبيل؟ وقد ثبت في ذلك البحث من خلال الشواهد والقرائن القرآنية ـ وليس من خلال الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام ، أو وردت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وطرق العامة فحسب ـ بأنّ المقصود من ذي القربى هم أهل البيت عليهم‌السلام ، فعنوان ذي القربى في هاتين الآيتين هم أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

وقد يطرح هذا السؤال هنا وهو : كيف أصبح هذا القدر الكبير من المال ـ وهو الخمس ـ وهذا القدر الكبير من الفيء الذي أفاء الله سبحانه وتعالى به على رسوله من أهل القرى ، يعني كل الأموال التي وقعت بيد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مما لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ، أو تركها أهلها فرارا من المعركة ، وهي أموال طائلة ، كيف أصبحت هذه الأموال مختصة بمجموعة محدودة من الناس ، وهم أهل البيت عليهم‌السلام؟ إذا كان المقصود من ذي القربى هم أهل البيت عليهم‌السلام وحتى أنّ المساكين وابن السبيل هم مساكين أهل البيت وابن السبيل من أهل البيت ، فكيف يمكن تفسير هذه الظاهرة الشرعية الاقتصادية؟!

فهل أنّ ذلك يعبر عن امتيازات طبقية؟! بحيث تصبح هذه الثروة الكبيرة بيد جماعة محدودة من الناس ، مع أنّ القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة نفسها

__________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) يمكن مراجعة الميزان ٩ : ١٠٣ ، وكذلك بحث الخمس للسيد الهاشمي الشاهرودي.

يقول : (... كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ...) ، يعني يريد أن يقسّم هذه الثروة على الناس لا أن يجمعها بيد جماعة معينه منهم؟!!.

ويوجد هنا بحث فقهي في هذا المجال ، حيث نثبت فيه ـ أيضا ـ بأنّ المقصود من وضع هذه الأموال بيد ذي القربى باعتبار خصوصية (الإمامة) ، أي أنّ ذي القربى هنا هو الإمام الحاكم الإسلامي ، فهو ليس منحة مالية تعطى لأرحام رسول الله بعنوان كونهم أرحام وأقرباء ، أو أبناء رسول الله بعنوان كونهم أبناء ، بل باعتبارهم الأئمة والولاة والحكام للمسلمين ، فهو مال يكون بيد الإمام والولي.

ولذلك يكون هذا المال مختصا بالإمام من ذي القربى بعنوانه إماما ، ولا يشمل غير الإمام من أرحام رسول الله أو أبنائه.

إذن ، فهو مال مختص بمقام الولاية والإمامة ، أي بالجانب الحقوقي لذي القربى ، لا بالجانب الحقيقي ، يعني للشخص بخصوصية الإمامة (١) ، وأنّ الخمس يتولى صرفه ولي أمر المسلمين ، ومن يكون بيده ولاية أمورهم وشئونهم (٢) ، لا أنّ الخمس هو منحة لأرحام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما هم أرحامه ، كما أنّ السهم الذي يعطى للسادات من الخمس يعطى لهم كتعويض لهم عن الزكاة بمقدار ما يكفيهم ، ويكون أمره بيد الإمام ـ أيضا ـ لا أن يكون ملكا لهم دون غيرهم من الناس.

وبهذا الشرح والاستدلال يمكن أن نقول : بأنّ هاتين الآيتين تبيّن بعد الولاية والحكم في أهل البيت عليهم‌السلام.

الآيتان السابعة والثامنة : هما آيتا (الأسماء) و (الكلمات) ، في قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ

__________________

(١) وهنا بحث إضافي فقهي له مجال آخر ، وهو هل أنّ هذه الخصوصية تقييدية أو تعليلية ، ولكنّها على كل حال اعتبرت خصوصية في الاستحقاق.

(٢) وهذه هي فتوى كثير من مراجعنا العظام.

صادِقِينَ) (١) ، وقوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٢) حيث فسرتا في عدد من الروايات بأهل البيت عليهم‌السلام (٣) ، وبذلك يمكن أن نضيف بعدا آخر في أهل البيت يرتبط بأصل خلق الإنسان ووجوده على الأرض ، وامتيازه على بقية المخلوقات وتسخيرها له وخضوعها لوجوده ، فإن الأسماء هي التي أعطت آدم ـ باعتباره يمثل النوع الإنساني ـ هذا الامتياز ، والكلمات هي التي أنقذت آدم من الغضب الإلهي ، وبها تحققت التوبة الإلهية عنه ، ومكنته من الاستمرار في الحياة على الأرض.

وقد يكون لذلك ارتباط بما سوف نشير إليه في أدوار الأئمة ، وما تحدثت عنه بعض أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام المتقدمة آنفا ، من أنّ الإمامة أمان لأهل الأرض ، وأنّه بدونها لساخت الأرض بأهلها ، وبذلك يكون لأهل البيت عليهم‌السلام دور خاص في حياة الإنسان وحركته الكونية ، وليس في الحالة الاجتماعية فحسب.

ويكمّل ويوضّح الصورة في هذا المجال الآيات الكريمة التي وردت في سورة

__________________

(١) البقرة : ٣١.

(٢) البقرة : ٣٧.

(٣) في مجمع البيان ١ : ٨٩ ، قال : عن مجاهد عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام : «... أنّ آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء معظمة مكرمة فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجل الخلق منزلة عند الله تعالى ، والأسماء محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، فتوسل آدم عليه‌السلام إلى ربه بهم في قبول توبته ...».

عن علي عليه‌السلام قال : «سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قول الله : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) فقال : إنّ الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدة .. فعليك بهذه الكلمات فإن الله قابل توبتك وغافر ذنبك ، قل : اللهم إني أسألك بحق محمد وآل محمد ، سبحانك لا إله إلّا أنت عملت سوءا وظلمت نفسي فتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم ...» ، كنز العمال ٢ : ٣٥٨ / ٤٢٣٧.

الدر المنثور ١ : ١٤٧ ، (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ) ، قال : وأخرج ابن النجار عن ابن عباس قال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه ، قال : «سأل بحق محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليّ ، فتاب عليه».

الإنسان ، وما ورد من نزولها في أهل البيت عليهم‌السلام ، حيث يفهم من ذلك بعد آخر في أهل البيت ، وهو بعد ما يسمى ب (العلة الغائية) وتحقيق الهدف التكاملي لحركة الإنسان ووجوده ، وهو : (وجود الإنسان العابد الذي يمثل القمة في التكامل العبودي لله تعالى) ، هذا الهدف الذي يشير إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ، ويصبح أهل البيت المثال والمصداق الكامل في تحقيق هذا الهدف الإلهي من خلق الجن والإنس.

وسورة الإنسان تتحدث بصورة واضحة عن بداية خلق الإنسان ، وأنّه جاء من العدم أو النسيان ، حيث مضى حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، وأن خلق هذا الإنسان كان من نطفة أمشاج ، وضع الله سبحانه وتعالى له قانونا يحكم مسيرته في هذه الأرض وهو قانون الابتلاء في حركته وتكامله ، وميزه الله تعالى بالمواهب ، ومنها موهبة السمع والبصر اللتان تعبران عن موهبة العقل والعلم لديه ، ومنحه صفة الاختيار والإرادة ، فهو يختار الشكر أو الكفر ، وزاد عليه من فضله نعمة الهداية لهذا الإنسان.

وبعد أن يذكر القرآن الكريم هذا السياق في خلقة الإنسان ، وطبيعة السنة التي تحكم مسيرة الإنسان ، والمواهب التي منحها الله تعالى إياه ، ومنها : صفة الاختيار ، ونعمة الهداية الإلهية .. يشير إلى قسمين من الناس :

أحدهما : الإنسان الشاكر.

والآخر : الإنسان الكافر.

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (٢).

ثم يتحدث القرآن الكريم عن مصير كل من القسمين ، فيبدأ بالحديث عن

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

(٢) الإنسان : ٣.

مصير الكافرين ويثنّي بالحديث عن مصير الشاكرين.

وتتجسد حركة الشكر هذه ومصيرها في عباد الله الأبرار الذين يذكرهم القرآن الكريم ، ومصيرهم في مثال إنساني كامل وهم أهل البيت عليهم‌السلام في قوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً* وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً* إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً* وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً* مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً* وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً* وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا* قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً* وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً* عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً* وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً* وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً* عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً* إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (١).

ويبدو من (السياق) ، و (طريقة العرض) ، و (تأكيد الحديث) في وصف الشاكرين ، وتفصيل مصيرهم دون الكافرين ... أنّ المقصود من هذه السور هو بيان الهدف من خلقة الإنسان ، في صورة مثال خارجي يجسد وجود الجماعة الشاكرة التي يطلق عليها القرآن الكريم في هذه الآيات ـ أيضا ـ عنوان (الأبرار) و (عباد الله).

__________________

(١) الإنسان : ٥ ـ ٢٢ ، يراجع في نزول الآيات تفسير القمي ٢ : ٣٩٨ ، مجمع البيان ٥ : ٤٠٤ ، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) الآية ، قال :

نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الدر المنثور ٨ : ٣٧١.

أما (السياق) ، فإن الحديث عند ما يكون عن الإنسان وأصل خلقه مما يشبه العدم ، وسنة وجوده ، وتعدد طريقه ، يشكل كل ذلك قرينة يفهم منها أنّ الغرض من هذا الحديث هو بيان الغرض من هذه الخلقة ، ويؤيده ما جاء في قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ، وما ورد في نهاية قصة خلق آدم ، من قوله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٢).

وأما (طريقة العرض) ، فيلاحظ فيها ـ في البداية ـ تقديم عنوان الشاكر على الكافر ، ولعل ذلك لشرفه على الكافر ، ولكن في الحديث عنهما قدم الحديث عن الكافر على الحديث عن الشاكر ، في قوله تعالى : (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً) (٣) ، ولكن جاء الحديث عنه بصورة مختصرة ، أما الحديث عن الشاكرين ، فقد جاء فيه تفصيل ، مما يشعر بأنّ الهدف الأساس من السورة هو الحديث عن الشاكرين.

وتتضح هذه القرينة عند ما نقارن هذا المقطع مع مقاطع قرآنية أخرى تحدثت عن هذين القسمين بشيء من التفصيل فيهما ، عند ما يكون المقصود بيان المشاهد الأخروية لهما معا ، كما يلاحظ ذلك في سورة الأعراف ، والزمر ، والغاشية ، وغيرها ، ففيهنّ قد اختلف العرض بصورة واضحة في التفصيل عن الكافرين دون المؤمنين ، مع تقديم الحديث عن الكافرين فيها.

وأما (تأكيد الحديث) في وصف الشاكرين ، فيلاحظ فيه أنّ القرآن الكريم استخدم :

__________________

(١) الذاريات : ٥٦.

(٢) البقرة : ٣٨ ـ ٣٩.

(٣) الإنسان : ٤.

أولا : عنواني (العباد) و (الأبرار) ، وليس مجرد عنوان (الإيمان) وهما من العناوين الخاصة التي تدل على الدرجة العالية من الكمالات الإلهية في العبودية لله تعالى (١).

وثانيا : قرن الوصف المفهومي العام بتجسيده في مصداق خارجي ـ كما هو ظاهر العرض ـ يتصف بدرجة عالية من الأخلاق والحب والوفاء والتضحية والبذل والرحمة والخوف من الله تعالى والرجاء له ، ثم الدرجة العالية من الأجر والثواب والجزاء له.

ويجمع المفسرون من جماعة أهل البيت ، كما يذكر جمع من المفسرين وأهل الحديث من الجمهور (٢) ، أنّ هذا المصداق هو أهل البيت عليهم‌السلام الذين نذروا الصوم لله تعالى ثلاثة أيام ، وتعرضوا للسائلين الثلاثة (المسكين واليتيم والأسير) ، وبذلهم لطعامهم المعد من الشعير للإفطار ، الذي كانوا قد حصلوا عليه بالقرض أو الأجر ، وهم لا يجدون غيره ، ويفطرون أيامهم الثلاثة على الماء وحده.

إذن ، فالهدف الذي تذكره هذه السورة لخلق الإنسان ووجوده وحركته في هذه الحياة ، هو إيجاد الإنسان الشاكر الكامل في شكره ، والعابد الكامل في عبوديته وعبادته ، والبار الكامل في بره.

__________________

(١) يراجع بهذا الصدد في توضيح ذلك ، الميزان ١ : ٤٢٨ ، في تفسير الآية ١٧٧ ، من سورة البقرة.

(٢) ومنهم ابن الأثير في أسد الغابة ٦ : ٢٣٩ / ٧٢٠٢ ، والزمخشري في الكشاف ٤ : ١٩٧ ، والواحدي في أسباب النزول : ٣٦٤ ، والفخر الرازي في تفسيره الكبير ٣٠ : ٢٤٤ ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ٣ : ٢٠٨ ، والسيوطي في الدر المنثور ٧ : ٣٧١ ، والشبلنجي في نور الأبصار : ١٢٤ ، فضائل الخمسة ١ : ٣٠١ ، ومواضع تفسير هذه السورة من كتب التفسير المذكورة.

وإنّ التجسيد لذلك خارجا إنّما هو في هذا المصداق والمثال الإنساني المتمثل بأهل البيت عليهم‌السلام.

وهذا الفهم لهذا البعد في أهل البيت عليهم‌السلام هو ما تؤكده ـ أيضا ـ مجموعة كبيرة من النصوص الواردة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت عليهم‌السلام ، كما سوف نشير إلى ذلك في ما يأتي إن شاء الله.

وبذلك تتكامل النظرية في أهل البيت قرآنيا ـ كما ذكرنا ـ وتتكامل الصورة لأهل البيت عليهم‌السلام وموقعهم وحقيقتهم في أبعادها المتعددة التي شرحتها الروايات ، ويستدل عليها من القرآن الكريم بهذه الآيات الكريمة التي ذكرناها.

هذا كله في الطائفة الأولى من الآيات الكريمة.

القرآن وتطبيقات النظرية

الطائفة الثانية : من الآيات الكريمة التي نزلت في أهل البيت ، أو كان أهل البيت سببا في نزولها ، حيث تقع حادثة من الحوادث في مسيرة المسلمين تكون سببا لنزول بعض آيات القرآن الكريم فيها بالخصوص ، أو بصورة عامة ، وعند ما تكون الحادثة ذات علاقة بأهل البيت عليهم‌السلام أو بأحدهم ، تصبح الآية من هذه الطائفة من الآيات (١).

وأشير هنا إلى مجموعة من هذه الآيات الكريمة ، كمثال على هذه الطائفة من الآيات :

المثال الأول : الآيات في سورة الإنسان ، هذا إذا لم نجعلها ـ كما فعلنا ـ من الطائفة الأولى (٢) ، وهي بذلك تمثل بعد الهدف في النظرية.

المثال الثاني : ما ورد في سورة البقرة من قوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ...) (٣) ، فإن هذه الآية تدل ـ كما تشير مجموعة من أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ، كما ذكرنا في النظرية ـ على أنّ الشهداء على الناس يراد منهم أهل البيت ، وهي بذلك تصبح من الطائفة

__________________

(١) ويلاحظ في هذه الطائفة من الآيات الكريمة أنّ بعضها نزلت في أهل البيت بصورة عامة ، وبعضها نزلت في خصوص الإمام علي عليه‌السلام كرمز لأهل البيت عليهم‌السلام في ذلك الوقت ، ولعل أكثر آيات هذه الطائفة من النوع الثاني ، ولذا فإنّ هذه الطائفة يمكن أن نقسمها إلى قسمين ، أو نجعلها طائفة واحدة ، عند ما نجمع بين هاتين الحالتين.

(٢) وذلك لأن الضمائر إذا فسرت فيها بأهل البيت فهي من الطائفة الأولى ، وإذا فسرت بصورة عامة فهي من الطائفة الثانية.

(٣) البقرة : ١٤٣.

الأولى ـ أيضا ـ ولكن إذا قلنا بأنّ السبب في نزولها هو أهل البيت عليهم‌السلام فتكون من الطائفة الثانية.

المثال الثالث : قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً ...) (١) ، حيث نزلت هذه الآية الكريمة في عليّ عليه‌السلام باعتبار كونه الشاهد الذي يتلو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ـ أيضا ـ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بدلالة آية المباهلة.

وقد ذكر نزول هذه الآية في عليّ عليه‌السلام السيوطي في الدر المنثور من عدة طرق (٢) ، كما ذكر ذلك ـ أيضا ـ المتقي الهندي في كنز العمال (٣) ، وكذلك أشار إليه الفخر الرازي في الوجه الثالث من تفسير الشاهد (٤).

وأكد ذلك الطبرسي في مجمع البيان ، وذكر رواية عن أبي جعفر الباقر وأبي الحسن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، ونقله عن الطبري ، ونقل في تأويل الآيات الظاهرة عن ابن طاوس في سعد السعود عن محمد بن العباس ، أنّه روى في كتابه من ستة وستين طريقا بأسانيدها نزولها في علي عليه‌السلام (٥).

المثال الرابع : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) (٦) ، حيث إنّ المراد من قوله : (... وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) هو الإمام علي عليه‌السلام ، فقد روى الكليني بسند معتبر عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (... قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) ، قال :

__________________

(١) هود : ١٧.

(٢) راجع الدر المنثور ٤ : ٤٠٩.

(٣) كنز العمال ٢ : ٤٣٩ / ٤٤٣٩ ـ ٤٤٤١.

(٤) التفسير الكبير ١٧ : ٢٠١.

(٥) مجمع البيان ٣ : ١٥٠ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٢٣٢.

(٦) الرعد : ٤٣.

«إيّانا عنى ، وعليّ أوّلنا وأفضلنا وخيرنا بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله» (١).

المثال الخامس : الآيات التي وردت في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ* إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٢) ، فإن هذه الآيات الثلاث التي تدل على ولاية الإمام علي عليه‌السلام وضرورة ولائه مقارنا بولاية الله ورسوله وولاء الله ورسوله ، نزلت بسبب تصدقه في الركوع ، عند ما جاءه سائل في الصّلاة ، فتصدق عليه بخاتمه أو بردائه.

فقد ذكر الفخر الرازي في ذيل تفسير هذه الآيات : (وقال قوم : إنّها نزلت في علي عليه‌السلام. ثم قال : ويدل عليه وجهان :

الأول : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله لما دفع الراية إلى علي عليه‌السلام يوم خيبر قال : «لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» (٣) ، وهذا هو الصفة المذكورة في الآية.

والوجه الثاني : إنه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ، وهذه الآية في

__________________

(١) الكافي ١ : ٢٢٩ / ٦.

(٢) المائدة : ٥٤ ـ ٥٦.

(٣) ويؤكد هذا الاستظهار أنّ هذا الوصف الذي ذكره رسول الله كان في حادثة مهمة استطالت لها أعناق كبار المسلمين ، بعد فشلهم في فتح الحصن المذكور ، بحيث يمكن أن نقول إنّ ذلك أصبح وصفا معروفا للإمام علي عليه‌السلام ، مما يشكل ظهورا عرفيا في المجتمع في فهم الآية الكريمة ، ولا سيما عند ما يضاف إليها الوجه الثاني الذي ذكره ، مما يؤكد ذلك.

حق علي عليه‌السلام ، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضا في حقه) (١).

وقد أجمع علماء أهل البيت أنّ آيتي الولاية نزلت في علي عليه‌السلام ، كما روي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام. ويؤيد هذا القول أنّ النبي وصفه بهذه الصفات المذكورة في الآية ، (فقال فيه وقد ندبه لفتح خيبر ـ بعد أن ردّ عنها حامل الراية إليه مرة بعد أخرى وهو يجبّن الناس ويجبنونه ـ : «لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يده» ، ثم أعطاها إياه. فأما الوصف باللين على أهل الإيمان والشدة على الكفار والجهاد في سبيل الله ، مع أنّه لا يخاف فيه لومة لائم ، فمما لا يمكن أحدا دفع عليّ عن استحقاق ذلك ، لما ظهر من شدته على أهل الشرك والكفر ، ونكايته فيهم ومقاماته المشهورة في تشييد الملة ونصرة الدين والرأفة بالمؤمنين.

ويؤيّد ذلك أيضا إنذار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قريشا بقتال عليّ لهم من بعده ، حيث جاء سهيل بن عمرو في جماعة منهم فقالوا له : يا محمد إنّ ارقّاءنا لحقوا بك فارددهم علينا ، فقال رسول الله : «لتنتهين يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا يضربكم على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله» ، فقال له بعض أصحابه : من هو يا رسول الله ، أبو بكر؟ قال : «لا» ، قال : فعمر؟ قال : «لا ، ولكنّه خاصف النعل في الحجرة» ، وكان عليّ يخصف نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله) (٢).

كما ذكر في تأويل الآيات الظاهرة : (اتفقت روايات العامة والخاصة على أنّ

__________________

(١) فضائل الخمسة ١ : ٣٢٨ ، و ٢ : ١٩ ، وذكر ابن عساكر ٢ : ٤٠٩ ، في تفسير هذه الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ، روايتين أنّها نزلت في حق علي عليه‌السلام ، التفسير الكبير ١٢ : ١٨.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٢٠٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ : ١٢٧.

المعني ب (الذين آمنوا) أنّه أمير المؤمنين عليه‌السلام لأنه لم يتصدق أحد وهو راكع غيره) (١).

كما نقل ابن طاوس : أنّ محمد بن العباس يروي حكاية نزول الآية الكريمة (آيتي الولاية والولاية العظيمة) من واحد وثلاثين طريقا وذكر ثلاثة من هذه الروايات (٢) ، وكذلك ذكر صاحب إحقاق الحق مجموعة كثيرة وبأسانيد متصلة كلها من رواة جمهور المسلمين ، ثم عدّد الرواة وسماهم (٣).

وتدل هذه الآيات على بعد الشهادة والاصطفاء.

المثال السادس : ما ورد من قوله تعالى في سياق الحديث عن بعض أزواج النبي ، وموقفهن من إفشاء الأسرار والتصرف بما لم يرض الله ورسوله ، في مقام الوعظ والتهديد لهن : (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٤) ، حيث ذكر المفسرون ـ شيعة وسنة ـ أنّ هذه الآية الكريمة نزلت في عليّ ، وأنّ المراد ب (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) هو عليّ عليه‌السلام (٥).

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة : ١٥٦ ، وذكر بعض الروايات عن الخاصة ، وفي مراجعتها الكثير من الفائدة.

(٢) سعد السعود : ١٤٢.

(٣) الواحدي في أسباب النزول : ٢٠١ / ٣٩٦ ، السيوطي في أسباب النزول : ١٤٧ / ٤٢٩ ـ ٤٣٤ ، وبعدة طرق ، جامع الأصول ٨ : ٦٦٤ / ٦٥١٥ ، ومن رام التفصيل فليراجع إحقاق الحق ٢ : ٣٩٩.

(٤) التحريم : ٤.

(٥) نقل الطبرسي : (ووردت الرواية من طريق الخاص والعام أنّ المراد بصالح المؤمنين أمير المؤمنين علي عليه‌السلام وهو قول مجاهد.

وفي كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن سدير الصيرفي عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : «لقد عرّف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام أصحابه مرتين ، أما مرّة فحيث قال : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وأما الثانية فحيث نزلت هذه الآية : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) الآية ،

فقد روى السيوطي في ذيل تفسير الآية الكريمة عن أسماء بنت عميس وابن عباس ـ بطرق متعددة ـ أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «(وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام» (١).

كما روى ذلك أيضا في كنز العمال عن ابن حجر في صواعقه ، والعسقلاني عن الطبري ، عن مجاهد ، وعن النقاش عن ابن عباس ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق : أنّ (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام (٢).

ونقل الهيثمي في مجمعه قال : وعن حبيب بن يسار لما أصيب الحسين بن علي عليهما‌السلام قام زيد بن أرقم على المسجد فقال : أفعلتموها؟!! أشهد لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «اللهم إني استودعكهما وصالح المؤمنين» (٣).

وبذلك تصبح هذه الآية الكريمة مؤكدة لآيات الولاء والولاية ، وتدل في الوقت نفسه مع الآيات السابقة على بعد الامتداد للرسالة في الإمام علي عليه‌السلام ، لأنه امتداد لله تعالى وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما تدل على الامتياز بالتقوى التي هي الأصل في كل تكريم إلهي ، وتطبيق ذلك على علي عليه‌السلام.

المثال السابع : قوله تعالى : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٤) ، نزلت هذه الآية الكريمة في علي والعباس وطلحة ، حيث افتخر كل واحد منهم بشيء ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت الحرام بيدي مفتاحه وإلى ثياب بيته ، وقال العباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، وقال علي عليه‌السلام : «ما أدري ما

__________________

أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد علي عليه‌السلام فقال : أيها الناس هذا صالح المؤمنين» ، راجع مجمع البيان ٥ : ٣١٦.

(١) الدر المنثور ٨ : ٢٢٤.

(٢) كنز العمال ٢ : ٥٣٩ / ٤٦٧٥.

(٣) مجمع الزوائد ٩ : ١٩٤.

(٤) التوبة : ١٩.

تقولان ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد» ، فأنزل الله تعالى هذه الآية والآية التي تليها.

وقد روى ذلك الواحدي في أسباب النزول ، والطبري في تفسيره ، وذكره الفخر الرازي في ذيل هذه الآية ، وتفسير سورة التكاثر ، والسيوطي في الدر المنثور ، من عدة طرق وصور (١).

المثال الثامن : ما ورد في قوله تعالى : (... وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...) (٢) ، حيث فسر (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) بأهل البيت عليهم‌السلام ، في مجموعة من الروايات المعتبرة الواردة عن أهل البيت عليهم‌السلام (٣).

وكلتا الآيتين تؤكدان بعد الامتياز بالعلم والإيمان والجهاد ، وهي أبعاد أكدها القرآن الكريم في عدة مواضع ، وأنّها سبب للامتياز الحقيقي ، وفي هاتين الآيتين تطبيق لذلك على علي عليه‌السلام.

المثال التاسع : ما ورد في قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٤) ، وقد فسر (الهادي) بعلي عليه‌السلام فقد روى الحاكم في مستدرك الصحيحين ، عن علي عليه‌السلام : «رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر وأنا الهادي» قال ـ أي الحاكم ـ : هذا حديث صحيح الاسناد (٥).

وذكر ذلك عنه ـ أيضا ـ المتقي في كنز العمال والهيثمي في مجمعه ، إلّا أنّه ذكر بأنّ الهادي رجل من بني هاشم ، يعني به نفسه عليه‌السلام.

__________________

(١) فضائل الخمسة ١ : ٣٢٥ ـ ٣٢٧ ، عن أسباب النزول : ٢٤٨ / ٤٩٤ ، جامع البيان ١٠ : ١٧٢ / ١٢٨٦٥ ، التفسير الكبير ١٦ : ١١ ، الدر المنثور ٤ : ١٤٥.

(٢) آل عمران : ٧.

(٣) تأويل الآيات الظاهرة : ١٠٦ ـ ١٠٧ / ٢ و ٣ و ٤.

(٤) الرعد : ٧.

(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٩.

كما رواه الطبري والفخر الرازي والسيوطي والمتقي في كنز العمال عن الديلمي عن ابن عباس ، قال : لما نزلت (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) وضع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره فقال : «أنا المنذر ، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)» وأومأ بيده إلى منكب علي عليه‌السلام فقال : «أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون بعدي» (١).

و (هادٍ) هنا في الوقت الذي تدل على الاصطفاء ، تدل ـ أيضا ـ على الامتداد للرسول في مهمات الرسالة.

المثال العاشر : قوله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (٢) ، فإنها نزلت في علي عليه‌السلام والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فقد روى الطبري عن عطاء بن يسار : كان بين الوليد وبين علي عليه‌السلام كلام ، فقال الوليد بن عقبة : أنا أبسط منك لسانا ، وأحدّ منك سنانا ، وأردّ منك للكتيبة ، فقال علي عليه‌السلام : اسكت فإنك فاسق.

فأنزل الله فيهما : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ* أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٣) ، وذكر ذلك الزمخشري والسيوطي والواحدي والخطيب البغدادي

__________________

(١) فضائل الخمسة ١ : ٣١٣ ، جامع البيان ١٣ : ١٤٢ / ١٥٣١٣ ، التفسير الكبير ١٩ : ١٤ ، والدر المنثور ٤ : ٦٠٨ ، ومن عدة طرق ، كنز العمال ٢ : ٤٤١ / ٤٤٤٣ ، باختلاف في اللفظ ، وكذلك رواه ابن عساكر في تاريخه ٢ : ٤١٧ / ٩١٦ ، حيث جاء ما لفظه عن ابن عباس ، قال : لما نزلت (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا المنذر وعلي الهادي ، بك يا علي يهتدي المهتدون».

ويمكن جعله من الطائفة الثالثة لما ورد عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «المنذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنين عليه‌السلام ، بعده والأئمة عليهم‌السلام ، وهو قوله : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)» ، بحار الأنوار ٢٣ : ٢٠ / ١٦ ، عن تفسير القمي.

(٢) السجدة : ١٨.

(٣) السجدة : ١٨ ـ ٢٠.

والطبري في الرياض النضرة ، عن ابن عباس ، وكذلك ذكره السيوطي عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى (١).

وهذا يدل على الامتياز الخاص لعلي عليه‌السلام.

المثال الحادي عشر : قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢) ، نزلت في الإمام علي عليه‌السلام عند ما بات على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة هجرته الى المدينة المنورة ، فقد روى ذلك الرازي في تفسيره (٣) ، وذكره في أسد الغابة بسنده عن الثعلبي (٤).

وروي عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب حين هرب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن المشركين إلى الغار ونام علي عليه‌السلام على فراش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله .. (٥).

__________________

(١) فضائل الخمسة ١ : ٣١٥ ، عن الكشاف ٣ : ٢٤٥ ، الدر المنثور ٦ : ٥٥٣ ، الوسيط ٣ : ٤٥٤ ، الرياض النضرة ٣ : ١٧٨.

(٢) البقرة : ٢٠٧.

(٣) التفسير الكبير ٥ : ٢٢٣.

(٤) قال : رأيت في بعض الكتب أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أراد الهجرة خلف علي بن أبي طالب عليه‌السلام بمكة لقضاء ديونه ورد الودائع التي كانت عنده ، وأمره ـ ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار ـ أن ينام على فراشه ، وقال له : «اتشح ببردي الحضرمي الأخضر فإنّه لا يخلص إليك منهم مكروه إن شاء الله تعالى» ، ففعل ذلك فأوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل عليهما‌السلام : إني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة ، فأوحى الله عزوجل إليهما : أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيي محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة؟ اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه ، فنزلا فكان جبريل عند رأس علي عليه‌السلام ، وميكائيل عند رجله ، وجبريل ينادي : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله عزوجل بك الملائكة. فأنزل الله عزوجل على رسوله ـ وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي عليه‌السلام ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) ، أسد الغابة ٣ : ٦٠٠ ، وذكره غير واحد من علماء الجمهور ، راجع فضائل الخمسة ٢ : ٣٤٥.

(٥) وروى أنّه لما نام على فراشه قام جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجله وجبريل ينادي : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة ، راجع مجمع البيان ١ : ٣٠١.

المثال الثاني عشر : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) (١) ، حيث ورد تفسيرها في علي عليه‌السلام. ذكر الواحدي عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) يوم غدير خم في علي بن أبي طالب رضى الله عنه (٢).

وكذلك جاء في تفسير الرازي ذيل تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) .. والعاشر ـ من الوجوه التي قالها المفسرون في نزولها ـ قال : نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه» ، فلقيه عمر فقال : هنيئا لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة (٣).

__________________

(١) المائدة : ٦٧.

(٢) أسباب النزول : ٢٠٤ / ٤٠٣.

(٣) التفسير الكبير ١٢ : ٤٩ ـ ٥٠.

وجاء عن العياشي عن ابن عباس ، عن جابر بن عبد الله ، قالا : أمر الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله أن ينصب عليا عليه‌السلام للناس .. فأوحى الله إليه هذه الآية فقام بولايته يوم غدير خم.

وذكر صاحب شواهد التنزيل عن ابن عباس قال : «نزلت هذه الآية في علي عليه‌السلام فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده عليه‌السلام فقال : «من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه».

وكذلك رواها الثعلبي في تفسيره عن ابن عباس مثله ، مجمع البيان ٢ : ٢٢٣.

وكذلك ذكر صاحب كتاب شواهد التنزيل لمن خص بالتفضيل : ٨ ـ ٥٩ ، أكثر من ثلاثين طريقا من كتب الجمهور في تفسير هذه الآية ، أنها نزلت تأكيدا لولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

ذكر ابن عساكر ١ : ٨٢ / ٥٨٢ ، تحت عنوان (اعتراف عمر بن الخطاب بمولوية علي بن أبي طالب عليه‌السلام تصديقا لحديث الغدير) عن أبي فاختة ، قال : أقبل علي وعمر جالس في مجلسه فلما رآه عمر تضعضع وتواضع وتوسع له في المجلس ، فلما قام علي قال بعض القوم : يا أمير المؤمنين إنك تصنع بعلي صنيعا ما تصنعه بأحد من أصحاب محمد. قال عمر : وما رأيتني أصنع به؟ قال : رأيتك كلما رأيته تضعضعت وتواضعت وأوسعت حتى يجلس. قال : وما

المثال الثالث عشر : (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...) (١) ، حيث اتفق المفسرون من علماء الجمهور وعلماء أهل البيت أنّها نزلت في الإمام علي عليه‌السلام ، ذكر ذلك السيوطي في ذيل تفسير هذه الآية ، عن ابن مردويه ، وابن عساكر كلاهما عن أبي سعيد الخدري قال : لما نصب رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية ، هبط جبريل عليه‌السلام عليه بهذه الآية (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ...). وكذلك ذكره الخطيب وابن مردويه وابن عساكر عن أبي هريرة (٢).

وهاتان الآيتان تؤكدان بعد الولاية بصورة أوضح.

المثال الرابع عشر : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ...) (٣) ، وقد ورد أنّه لم يعمل بهذا الأمر الإلهي أحد إلّا علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، لأنّه قد نسخ هذا الأمر بعد ذلك (٤) ، حيث اتفق علماء التفسير من الفريقين على أنّها نزلت في علي عليه‌السلام.

فقد رواه الطبري في تفسيره ، عن مجاهد ، وذكره الواحدي في أسباب النزول ،

__________________

يمنعني والله إنّه مولاي ومولى كل مؤمن!!!.

راجع كتاب شواهد التنزيل لمن خص بالتفضيل : ٨ ـ ٥٩ ، فإنه ذكر أكثر من ثلاثين طريقا في تفسير هذه الآية ، وأنها نزلت تأكيدا لولاية أمير المؤمنين علي عليه‌السلام.

(١) المائدة : ٣.

(٢) راجع مجمع البيان ٢ : ١٥٩ ، في تفسير هذه الآية ، فضائل الخمسة ١ : ٤٣٩ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٨٥ ـ ٨٦ / ٥٨٥.

(٣) المجادلة : ١٢.

(٤) فقد ذكر العلامة الطباطبائي قدس‌سره في تفسير قوله تعالى : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ...) ، المجادلة : ١٣ ، قال : الآية ناسخة لحكم الصدقة المذكور في الآية السابقة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ...) ، وفيه عتاب شديد لصحابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين ، حيث إنّهم تركوا مناجاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خوفا من بذل المال بالصدقة ، فلم يناجيه أحد منهم إلا عليّ عليه‌السلام فإنّه ناجاه عشر نجوات كلما ناجاه قدم بين يدي نجواه صدقة ، ثم نزلت الآية ونسخت الحكم ، الميزان ١٩ : ١٨٩ ، وراجع تفسير مجمع البيان ٥ : ٢٥٣.

والفخر الرازي في تفسيره. وفي موضع ثان من تفسيره ، عن ابن جريح والكلبي وعطاء ، عن ابن عباس ، وكنز العمال عن عامر بن واثلة ، والسيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ...) قال : وأخرج سعيد بن منصور .. والحاكم صححه عن علي عليه‌السلام (١).

__________________

(١) قال : «إنّ في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي ، آية النجوى ، (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً) ، كان عندي دينار فبعته بعشرة دراهم ، فكنت كلما ناجيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدمت بين يدي درهما ، ثم نسخت فلم يعمل بها أحد ...».

جامع البيان : ٢٧ / ٢٦١٦٩ ، أسباب النزول : ٤٣٢ / ٧٩٧ ، التفسير الكبير ٢٩ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ ، تحت عنوان (المسألة الثالثة) ، كنز العمال ٢ : ٥٢١ / ٤٦٥١ ، الدر المنثور ٨ : ٨٣ ـ ٨٤ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٨٢.

وروى الزمخشري في تفسيره لهذه الآية ، قال : عن ابن عمر كان لعلي عليه‌السلام ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية يوم خيبر ، وآية النجوى. فضائل الخمسة ١ : ٣٤٢ ، عن تفسير الكشاف ٦ : ٦٨.

القرآن ومصاديق النظرية

الطائفة الثالثة : هي الطائفة من الآيات التي جرى تطبيقها على أهل البيت عموما أو على عليّ عليه‌السلام بالخصوص ، بمعنى أنّه جرى تأويلها فيهم وأنّهم أظهر المصاديق أو المصداق الخاص في هذه الأمة لها ، والأمثلة على ذلك عديدة نذكر بعضها :

المثال الأول : ما ورد في قوله تعالى : (... فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (١) ، حيث ورد تفسيرها في أهل البيت عليهم‌السلام ، كما رواه الطبري في تفسيره ، عن جابر الجعفي ، قال : لما نزلت (... فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، قال عليّ عليه‌السلام : «نحن أهل الذكر» (٢).

وبهذا تدل الآية على بعد الشهادة والهداية والاصطفاء.

المثال الثاني : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٣) ، حيث ورد في تفسير هذه الآية أنّ خير البرية هو علي عليه‌السلام وشيعته.

فقد روى ابن جرير الطبري عن أبي الجارود عن محمد بن علي (الباقر) : «(أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت يا علي وشيعتك» (٤).

كما روى السيوطي عن ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد أتاكم أخي» ، ثم التفت إلى

__________________

(١) النحل : ٤٣ ، الأنبياء : ٧.

(٢) فضائل الخمسة ١ : ٣٢٩ ، جامع البيان ١٤ : ٧٥ ، و ١٧ : ٥ ، وفي الرواية الأولى لم يرد (قال : علي).

(٣) البينة : ٧.

(٤) جامع البيان : ٣٣٥ / ٢٩٢٠٨.

الكعبة فضربها بيده ثم قال : «والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ثم قال : إنّه أولكم إيمانا معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية». قال : ونزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال : فكان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أقبل علي عليه‌السلام قالوا : جاء خير البرية (١).

ورواه عن أبي سعيد مرفوعا عن ابن عباس ، وابن حجر في الصواعق المحرقة عن الزرندي عن ابن عباس ، وذكره الشبلنجي في نور الأبصار (٢).

وبذلك تدل هذه الآية على بعد (الهدف) من وجود الإنسان.

المثال الثالث : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (٣) ، حيث ورد في تفسير ذلك أنّ المراد من (السِّلْمِ) هو ولاية أهل البيت عليهم‌السلام ، أو ولاية علي عليه‌السلام ، فقد روى الشيخ الكليني عن أبي جعفر : في قول الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) قال : «في ولايتنا» (٤).

__________________

(١) الدر المنثور ٨ : ٥٨٩ ، وما رواه ابن عساكر ، فإليك نصه : عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأقبل علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد أتاكم أخي» ، ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال : «والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ثم قال : إنّه أولكم إيمانا معي ، وأوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزية». قال : ونزلت (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال : فكان أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أقبل علي عليه‌السلام قالوا : جاء خير البرية. تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٤٤٢ / ٩٥١.

(٢) فضائل الخمسة ١ : ٣٢٤ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٤٦٧ ، نور الأبصار : ٨٩ ، كلاهما باختلاف يسير عما رواه السيوطي ، وتصبح هذه الآية الكريمة من الطائفة الثانية ، بناء على الرواية الثانية التي رواها السيوطي وغيره.

(٣) البقرة : ٢٠٨.

(٤) الكافي ١ : ٤١٧ / ٢٩.

وتفسيره هو ما ورد في الحديث القدسي الذي رواه جماعة عن أهل البيت عليهم‌السلام من قوله تعالى : «ولاية عليّ بن أبي طالب حصني ، فمن دخل حصني أمن من ناري» (١).

المثال الرابع : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ...) (٢) ، حيث ورد تطبيق هذه الآية الشريفة على أهل البيت عليهم‌السلام ، عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ...) (٣) قال : «إيّانا عنى ، أن يؤدّي الأول إلى الإمام الّذي بعده الكتب والعلم والسلاح (وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) الّذي في أيدكم ، ثمّ قال للناس : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) إيّانا عنى خاصّة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا ...» (٤).

وبذلك تدل هاتان الآيتان على بعد الولاية.

المثال الخامس : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (٥) ، فقد روى الكليني عن بريد بن معاوية العجلّي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال : «إيّانا عنى» (٦).

وأخرج السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير هذه الآية عن ابن عباس في

__________________

(١) الأمالي للصدوق : ٣٠٦ / ٣٥٠ ، بحار الأنوار ٣٩ : ٢٤٦ / ١ ، وفيه : «عذابي» بدل «ناري».

(٢) النساء : ٥٩.

(٣) النساء : ٥٨.

(٤) الكافي ١ : ٢٧٦ / ١ ، وتؤيده الرواية : ٢ ، ٣ ، في الكتاب نفسه ، وكذلك كتاب تأويل الآيات الظاهرة : ١٤٠.

(٥) التوبة : ١١٩.

(٦) الكافي ١ : ٢٠٨ / ١.

قوله : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، قال : مع علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

وكذلك أخرج ابن عساكر في تاريخه ، عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، قال : مع علي بن أبي طالب (٢).

وبهذا تدل الآية على بعد الولاء والمودة.

فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، وابن عساكر في تاريخه ، كلاهما عن ابن عباس ، قال : نزلت في علي عليه‌السلام ثلاثمائة آية (٣).

وكذلك ذكر ابن حجر في الصواعق المحرقة ، والشبلنجي في نور الأبصار ، وابن عساكر (٤) ، عن ابن عباس قال : ما نزل في شأن أحد من كتاب الله ما نزل في علي.

ونكتفي بهذا المقدار من الأمثلة لهذه الطائفة ، حيث إنّ مجال التأويل فيها واسع ، وقد وردت النصوص من كلا الطرفين ـ العامة والخاصة ـ في هذا التأويل لمئات من الآيات الكريمة ، كما أشرنا إلى ذلك في بداية الحديث.

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ٣١٦.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٤٢١ ـ ٤٢٢ / ٩٢٣.

(٣) تاريخ بغداد ٦ : ٢٢١ / ٣٢٧٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٤٣١ / ٩٣٤ ، الصواعق المحرقة ٢ : ٣٧٣ ، ومن أراد أن يرجع إلى الروايات التي وردت في شأن هذه الآيات الكريمة ، يمكن أن يرجع إلى كتاب (فضائل الخمسة في الصحاح الستة) ، حيث يذكر جملة من المصادر لما ورد في تفسير مجموعة من هذه الآيات الشريفة في فضل أهل البيت عليهم‌السلام وعلي عليه‌السلام من طرق الجمهور ، وكذلك كتاب (تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة) ، في ذكر الروايات التي وردت من طرق أهل البيت عليهم‌السلام وغيرهم في تفسير الآيات التي وردت بشأنهم.

(٤) الصواعق المحرقة ٢ : ٣٧٣ ، نور الأبصار : ٩٠ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٤٣٠ / ٩٣٣.

الاستدلال بالروايات

الدليل الثاني : الاستدلال بروايات جمهور المسلمين على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام.

بعد الاستدلال بالقرآن الكريم نأتي إلى الدليل الثاني وهو الروايات التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في اختصاص أهل البيت بالإمامة ، من طرق العامة (١) ، أو طرق الجمهور ، أو ما يمكن أن نعبّر عنه بمدرسة عموم الصحابة الذين طرحوا كمرجع لمعرفة الإسلام في مقابل مرجعية أهل البيت عليهم‌السلام (٢).

__________________

(١) لا يرتاح أهل السنة إلى إطلاق كلمة (العامة) عليهم ، حيث يفترضون أنّ التعبير بذلك عنهم يعني اتهامهم بالعامية ، ولكن لا يراد من كلمة العامة العوام ، وإنّما يراد منه عموم الناس ، في مقابل (الخاصة) الذين هم شيعة أهل البيت عليهم‌السلام والمعتقدين بإمامتهم ، وباعتبار أنّ جمهور الناس وعمومهم كانوا في ذلك الوقت لا يؤمنون بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام.

(٢) يلاحظ في موضوع (المرجعية الفكرية) وتشخيص من يتم الرجوع إليه لمعرفة الإسلام ، أنّ هناك ـ بعد الاتفاق على مرجعية القرآن الكريم والسنة النبوية ـ مدرستين واتجاهين :

الاتجاه الأول : وهو يذهب إلى أنّ عموم الصحابة يمكن الرجوع إليه في هذا الأمر ، وقد تبنى هذا الاتجاه جمهور المسلمين الذين يطلق عليهم (أهل السنة) ، وغالبيتهم الفعلية ترى عدالة عموم الصحابة ، بل يرى الكثير منهم أنّ عمل الصحابي يمكن الرجوع إليه في معرفة الحكم الشرعي ، إذا لم يكن هناك نص واضح يخالفه ، ولذا يمكن أن يقال : إنّ الحق هو تسمية أصحاب هذا الاتجاه بأهل السنة.

الاتجاه الثاني : وهو يذهب إلى أنّ الرجوع إنما يكون لأهل البيت عليهم‌السلام ، ومنهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ الأخذ لا بد أن يكون عن طريق الثقات من أصحابهم دون الفرق بين أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو غيره.

فقد وردت روايات كثيرة من طرقهم تدل على اختصاص الإمامة بأهل البيت عليهم‌السلام.

وقبل الدخول في عرض هذه الروايات نشير إلى عدة ملاحظات مهمة لها علاقة بفهم هذه الروايات والاستدلال بها :

الملاحظة الأولى : حول المقصود بأهل البيت في هذه الروايات ، وهل أنّ (أهل البيت) يشمل نساء النبي أو يشمل أقرباء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أولاد عمومته وهم بنو هاشم أو له مدلول آخر؟

ويبدو من مجموع الروايات أنّ المقصود من عنوان (أهل البيت عليهم‌السلام) المطروح في زمن رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله هم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابنته فاطمة الزهراء وعلي وولداه الحسن والحسين عليهم‌السلام.

وأفضل حديث يدل على هذه الحقيقة بصورة واضحة وكاملة هو حديث الكساء ، الذي يكاد أن يكون متواترا في روايته من طرق العامة ، فضلا عن طرق الخاصة ، وقد ورد هذا الحديث في سبب نزول قوله تعالى : (... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، حيث ورد في الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منع زوجه أم سلمة ـ وهي من أفضل أزواجه ـ من الدخول تحت الكساء ، حرصا منه لتأكيد اختصاص هذا العنوان بهذه المجموعة المعينة ، وأنّهم هم أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣ ، فقد ورد في تفسيرها عن أم سلمة قالت : جاءت فاطمة عليها‌السلام إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تحمل حريرة لها فقال : ادعي زوجك وابنيك ، فجاءت بهم فطعموا ، ثم ألقى عليهم كساء خيبريا فقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا». فقلت : يا رسول الله وأنا معهم ، قال : «أنت إلى خير». راجع مجمع البيان ٤ : ٣٥٦ ـ ٣٥٧ ، وشواهد التنزيل لمن خص بالتفضيل : ٢٣٠ ـ ٢٦٦ ، فقد جاء فيه روايات الفريقين.

كما أنّ هناك الكثير من الروايات الأخرى التي تذكر هذه الأسماء لهذا العنوان ، وبعضها أسماء بقية أئمة أهل البيت عليهم‌السلام تبعا لهم ، ولكن بعض هذه الروايات ليست بهذا المستوى من السند والتضافر والتواتر الذي أشرت له في رواياتهم ، وبعضها لا يستخدم عنوان أهل البيت ، وإن كان يؤكد هذه الحقيقة ، وإنّما يذكر هذه الأسماء بعنوان أنّها أسماء مقدسة وطاهرة ، كالروايات التي وردت في تفسير قوله تعالى : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (١) ، حيث يذكر في تفسير الكلمات والأسماء الخمسة المقدسة : النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام (٢) ، ولكن لا يذكرها بعنوان أهل البيت.

وأما حديث الكساء ، فإنّه يطبّق عنوان أهل البيت عليهم‌السلام على هؤلاء الخمسة تطبيقا كاملا ، فيه جانب الإيجاب وهو : انطباق العنوان عليهم ، وجانب السلب في إخراج غيرهم منهم (٣).

فأهل البيت من خلال الرجوع إلى النصوص نرى من الواضح انطباقه في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على هؤلاء الخمسة : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام.

الملاحظة الثانية التي يحسن الإشارة إليها في هذا المجال : هو أنّ الآيات القرآنية السابقة التي تحدثنا عنها ، وكذلك غيرها قد وردت فيها ـ أيضا ـ نصوص وروايات من طرق العامة تؤكد المضمون المستفاد منها ، ومن ثم فهذه النصوص

__________________

(١) البقرة : ٣٧.

(٢) راجع شواهد التنزيل : ٢٩١ ـ ٢٩٣ ، تأويل الآيات الظاهرة : ٥٠ ـ ٥٣.

(٣) البحث في اختصاص عنوان أهل البيت في هؤلاء الخمسة من الأبحاث المعروفة في كتب الكلام والحديث والتفسير ، ولهذا السبب لم نطل الحديث في ذلك ، ولمزيد من التوضيح راجع كتاب أهل البيت في الكتاب والسنة : ٦٣ ـ ٦٥.

يمكن أن تكوّن شواهد أخرى على هذا الجانب وتدخل تحت عنوان الاستدلال بالنصوص الروائية التي وردت عن طرق العامة.

وسوف نحاول في الاستدلال هنا أن نقتصر على ذكر النصوص الأخرى التي لم ترد في مقام تفسير الآيات السابقة اختصارا للبحث ، وإلّا فإنّ تلك النصوص يمكن أن تدخل ـ أيضا ـ في هذا المجال وهذا القسم من الاستدلال ، لأنها ـ أيضا ـ وردت عن طرق العامة ، وفيها ما يدلّ على هذه النظرية.

الملاحظة الثالثة : أنّ النصوص التي وردت في أهل البيت عليهم‌السلام هي نصوص كثيرة وعديدة تبلغ المئات إن لم نقل الآلاف ، ولكن هناك عدة أمور وأبعاد أساسية تؤكد عليها هذه النصوص ، ويشترك نص واحد ـ أحيانا ـ في بيان مجموعة من الأمور والأبعاد ، وعند ما نريد أن ندرس هذه الأبعاد التي تجتمع عليها هذه النصوص ـ تقريبا ـ نجد أمورا :

١ ـ المقام الخاص لأهل البيت عليهم‌السلام ، حيث يظهر منها أنّهم عليهم‌السلام لهم مقام خاص يمتازون به على بقية الناس ، وأما خصوصيات هذا المقام فقد يختلف نص عن آخر في بيان هذه الخصوصية أو تلك ، ولكن أصل وجود الامتياز لأهل البيت عليهم‌السلام على غيرهم فهو مما تشير إليه النصوص ، بحيث يثبت بالتواتر ، وهو بعد من أبعاد (النظرية) في الإمامة ، كما ذكرنا.

٢ ـ مرجعية أهل البيت الفكرية والدينية للمسلمين ، حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرجع المسلمين إلى أهل البيت ، كما سوف نشير إلى بعضها.

٣ ـ الولاية والحكم بين المسلمين ، أي اختصاص الولاية والحكم بأهل البيت عليهم‌السلام.

٤ ـ تأكيد الحب والولاء لأهل البيت ، والتحذير والنهي عن البغض والنصب

والعداء لهم ، ولذلك يفهم منها التولي لهم والتبري من أعدائهم.

٥ ـ وجود الدرجة العالية من صفات الكمال في أهل البيت عليهم‌السلام ، وهي التي يتصف بها الإنسان الصالح في نظر الإسلام عادة عن طريق الاكتساب ، مثل العلم والعدل والتقوى والجهاد والإخلاص والتضحية ، حيث يمتاز بذلك أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا سيما ما ورد في الإمام علي عليه‌السلام من صفات خاصة تميزه على جميع المسلمين في المواصفات ، وهذا غير المقام الخاص والقدسية الخاصة التي ذكرناها في النقطة الأولى والتي ترتبط بالاصطفاء ، بل المقصود المواصفات التي يكتسبها الإنسان ـ عادة ـ في حركته وحياته (١).

الملاحظة الرابعة : إنّ هذه الروايات يمكن أن نقسمها إلى طائفتين رئيسيتين :

الأولى : الروايات التي يكون الحديث فيها عن عموم أهل البيت عليهم‌السلام.

الثانية : الروايات التي وردت في خصوص الإمام علي أو فاطمة الزهراء أو في الحسن والحسين عليهم‌السلام ، أي في خصوص هذه الأسماء ، أو في شأن من شئونهم ، باعتبار أنّ هذه الأسماء (علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام) ، هم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يطلق عليهم أهل البيت.

حيث يمكن أن ننتزع من هذه الطائفة ـ أيضا ـ أنّها قد وردت في أهل البيت

__________________

(١) قد تكون هذه المواصفات بالنسبة إلى الإمام علي وأهل البيت عليهم‌السلام هي ليست مواصفات مكتسبة ، وإنّما هي شأن إلهي في عملية الاصطفاء ، ولكن في مجال المواصفات الخاصة التي يكتسبها الإنسان ـ عادة ـ من خلال السلوك والممارسة والتربية والتزكية والرياضة ، نجد الإمام علي عليه‌السلام يمتاز في هذا الجانب على بقية الناس بمواصفات لا يماثله فيها أحد من الناس.

وهكذا الحال في الزهراء عليها‌السلام على ما يبدو من بعض النصوص ، أنّها كانت لديها خصائص ومواصفات تميزها على بقية الناس.

بصورة عامة ، بالرغم من ورودها بخصوص هذا أو ذاك منهم.

هذه الملاحظات الأربع ، لا بدّ أن نستذكرها عند مراجعة هذه الروايات.

الروايات في أهل البيت عليهم‌السلام عامة

أما الطائفة الأولى : فيوجد لدينا مجموعة من الأحاديث المهمة أشير إلى بعضها ، كما أشير إلى بعض الأبعاد العامة المستفادة منها (١) :

الأول : أحاديث الطينة والنور والشجرة الواحدة التي تدل على بعد الاصطفاء ، حيث توجد مجموعة من الروايات التي رويت عن طريق الجمهور تحت عناوين متعددة ، مثل عنوان (الطينة) و (الشجرة) و (النور) بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام

__________________

(١) هذا الموضوع من الموضوعات التي يمكن القول في بحثها : إنّها قد استوفي الحديث فيها إلى حد كبير في أبحاث العلماء ، وألفت فيها ـ أيضا ـ كتب ضخمة على شكل موسوعات من قبيل كتاب (عبقات الأنوار) الذي يعتبر موسوعة من أضخم الموسوعات الشيعية التي تناولت بحث هذه الأحاديث ، فهو يذكر كل نصّ ، ثم بعد ذلك يأتي إلى راوي هذه النصوص ، وسلسلة الرواية ، ثم بعد ذلك يتناول توثيق هؤلاء الرواة ، والشبهات التي تثار حول النص ويناقش كل هذه الشبهات وينتهي إلى النتائج المطلوبة ، وكل ذلك عن طريق الجمهور.

ومن جملة الكتب التي ألفت في هذا الموضوع كتاب (الغدير) ، للعلّامة الأميني قدس‌سره ، وقد أخذ العلّامة الأميني حسب الظاهر ـ والله العالم ـ منهجه في كتاب الغدير من صاحب العبقات ، حيث كان لصاحب العبقات قدم السبق في هذا المجال.

وموسوعة صاحب العبقات أوسع من (الغدير) عدة مرات في هذا المجال ، ولكن صاحب الغدير أضاف إلى ذلك أمورا أخرى ، مثل الحديث عن الشعراء الذين نظموا في قضية الغدير ، أو في مدح الإمام علي عليه‌السلام وما أشبه ذلك من شئون وأمور ، كما تناول بعض الشبهات المتأخرة التي أثارها بعض الكتّاب المتأخرين عن صاحب العبقات ، ولكن المنهج العام هو منهج صاحب العبقات.

كما توجد كتب أخرى مثل العبقات ، من قبيل إحقاق الحق ، الذي ألف قبل العبقات ، مضافا إلى كتب محدودة ، مثل المراجعات ودلائل الصدق وفضائل الخمسة.

والقضية فيها بحث واسع وكبير ، ولذلك سوف لا أتعب الإخوة الأعزاء بالدخول في تفاصيل هذا البحث ، وإنّما يمكن الرجوع إلى مثل هذه الموسوعات.

علي عليه‌السلام وذريتهما عليهم‌السلام (١).

__________________

(١) روى المحب الطبري ، عن سلمان قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كنت أنا وعلي نورا بين يدي الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليه‌السلام بأربعة عشر ألف عام ، فلما خلق الله آدم عليه‌السلام قسم ذلك النور جزءين ، فجزء أنا وجزء علي» ، الرياض النضرة ٣ : ١٢٠.

روى الهيثمي ، عن بريدة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام أميرا على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : «إن اجتمعا فعلي على الناس» ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله وأخذ علي عليه‌السلام جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغتنمها فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صنع. فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة؟ فقلت : خيرا فتح الله على المسلمين ، فقالوا : ما أقدمك؟ قلت جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقالوا : فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه يسقط من عين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع الكلام ، فخرج مغضبا فقال : «ما بال أقوام ينتقصون عليا؟ من تنقص عليا فقد تنقصني ، ومن فارق عليا فقد فارقني ، إنّ عليا مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذها وإنه وليكم بعدي» ، فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلّا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديدا. قال ـ أي بريدة ـ : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام. مجمع الزوائد ٩ : ١٢٧ ـ ١٢٨.

روى صاحب حلية الأولياء بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من سرّه أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال عليا بعدي ، وليوال وليه وليقتد بالأئمة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهما وعلما ، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي» ، حلية الأولياء ١ : ٨٦.

روى الحاكم بسنده ، عن جابر بن عبد الله ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لعلي عليه‌السلام : «يا علي ، الناس من شجر شتى وأنا وأنت من شجرة واحدة» ، ثم قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (... وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ...) ، الرعد : ٤. قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٤١.

وفي رواية أخرى عن الحاكم بسنده ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عدن

فإن هذه الأحاديث تدل على أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام علي عليه‌السلام وذريتهما بعد ذلك هم من نور وطينة وشجرة واحدة ، وأنّ هذا النور كان قائما وموجودا قبل أن يخلق الله تعالى آدم ، ومن ثم فهو حقيقة من الحقائق الكونية الثابتة في هذا الوجود ، قبل أن يخلق الإنسان بهذه الصورة والصبغة.

ويبدو أنّ هذا النور الإلهي ـ والله العالم ـ كان موجودا في هذه النفخة الإلهية التي نفخ الله سبحانه وتعالى بها من روحه في آدم عند ما خلقه.

أما النفخة الإلهية ، ما هي حقيقتها؟ ، وما هي خصوصياتها؟ وما هي تفاصيلها؟ فهذا بحث آخر ، وقد يكون من الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلّا الله تعالى والراسخون في العلم ، كما ورد في الحديث الشريف قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا عليّ ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك ، وما عرفك حقّ معرفتك غير الله وغيري» (١) ، وهذا يعني هذه الحقيقة والخصوصية قد تكون من الخصوصيات الغيبية الخاصة التي اختص بعلمها الله سبحانه ، ومن أطلعه على ذلك ممن ارتضى من عباده (٢).

فالنور يدل على معنى خاص في فهم النظرية ، وهو الذي أشرنا إليه في استفادة النظرية من الآيات الكريمة ، وهو أنّ الاصطفاء له معنى خاص في وجود الإنسان وحركته ، وكما أنّ الهدف والغاية من وجود الإنسان هو تجسيد (الاصطفاء) في موجود مادي حي يتحرك في هذا العالم المادي ليتكامل ، ومن ثم ينتقل بعد ذلك إلى عالم الغيب والآخرة ، فقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم ، وأراد

__________________

وسائر ذلك في سائر الجنة» ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٠.

راجع بحار الأنوار ٢٢ : ١٤٧ / ١٤١ ، و ٢٧ : ٢٢٦ / ٢٤ ، وكذلك راجع تاريخ مدينة دمشق ١ : ١٢٦ ـ ١٣٧ ، حول موضوع (الطينة) و (النور) و (الشجرة).

(١) بحار الأنوار ٣٩ : ٨٤.

(٢) نحن لا نريد أن ندخل في بحث الغيب ، لأنّ الغيب هو غيب على أي حال ، ولكن قد يعرف كل الخصوصيات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّ عليه‌السلام ، كما ورد في الحديث.

سبحانه من ذلك أن يكون الإنسان الوجود المصطفى ، ولذلك أطلق هذا الاسم على نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه يكون تجسيدا لأعلى درجات الاصطفاء في حالة مادية متحركة ، تتكامل من خلال ما أودع الله تعالى فيها من مواهب ، فتصل إلى تلك الدرجات العالية التي وضعها الله تعالى لحركة الإنسان في عالم الغيب ومستقبله.

هذا في ما يتعلق بموضوع الاصطفاء والخلقة.

الحديث الثاني : حديث الثقلين (١).

ثم إنّ حديث الثقلين فيه دلالة على عدة أبعاد من النظرية :

الأول : المساواة بين أهل البيت عليهم‌السلام والقرآن الكريم ، أو قرن أحدهما بالآخر ، والقرآن الكريم له قدسيته الخاصة ، ودوره الخاص ـ أيضا ـ في حياة المسلمين والرسالة الإسلامية ، وبذلك يعطي أهل البيت عليهم‌السلام هذا المقام والقدسية.

الثاني : يجعل أهل البيت عليهم‌السلام مرجعا للمسلمين في الحياة الاجتماعية والسلوك الفردي ، وفهم الإسلام ومعرفته ، كما هو الحال في القرآن الكريم ، عند ما يرجع إليه.

الثالث : يطلب من المسلمين التمسك بهم ، كما يتمسكون بالقرآن الكريم ، وهو يعني بعد الولاء.

__________________

(١) روى الترمذي بسنده عن أبي سعيد والأعمش قالا : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما» ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٣ / ٣٧٨٨.

وفي هذا الحديث بحث من جوانب مهمة ، وأحد الجوانب المهمة فيه هو سنده ، حيث إنّ حديث الثقلين هو من أفضل ما روي من أحاديث في هذا المجال ، من حيث السند والوثاقة حتى بلغ حدّ التواتر على ما ذكر بشأنه بعض العلماء والمحققين.

يحسن مراجعة كتاب فضائل الخمسة ٢ : ٥٢ ـ ٦٣.

إذن ، فهو يدل على بعد القدسية ، وبعد الرجوع والأخذ من أهل البيت عليهم‌السلام ، وبعد الولاء والارتباط والتمسك بأهل البيت عليهم‌السلام.

الحديث الثالث : حديث السفينة (١) ، الذي يدل على النجاة عند الارتباط بأهل البيت عليهم‌السلام ، وكما يدل ـ أيضا ـ على معنى التمسك والولاء في بعض ما ورد من نصوص الحديث.

والنجاة لها معنى واسع ، فهي تعني الهداية من الضلال من ناحية ، والأمان لأهل الأرض من ناحية أخرى ، كما دل على ذلك الكثير من النصوص ، كما نستفيد منه ـ أيضا ـ موضوع التمسك بهم والولاء لهم.

الحديث الرابع : حديث النجوم ، حيث مثّل أهل البيت عليهم‌السلام في هذا الكون بالنجوم ، فكما أنّ النجوم أمان لأهل الأرض فأهل البيت كذلك أمان لأهل الأرض ، فقد روى الحاكم في المستدرك ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس» (٢) ، وهو يدل على بعد الرجوع إلى أهل البيت عليهم‌السلام.

__________________

(١) روى الحاكم في مستدركه ، عن حنش الكناني ، قال : سمعت أبا ذر يقول وهو آخذ باب الكعبة : أيها الناس من عرفني فأنا من عرفتم ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق» ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥١ ، وقد صححه الحاكم بشرط مسلم.

وفي رواية أخرى عن المحب الطبري ، عن علي عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من قومه ، من ركبها نجا ومن تعلق بها فاز ، ومن تخلف عنها زج في النار» ، ذخائر العقبى : ٢٠ ، وقد رواه علماء الجمهور بصيغ أخرى ، فمن رام التفصيل ، فليراجع كتب الحديث لعلماء الجمهور.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٩ ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد.

الحديث الخامس : حديث باب حطة : «... وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له» (١) ، وهذا الحديث ـ أيضا ـ له دلالات عديدة يمكن الحديث فيها ، نجدها في بعض صيغه التي وردت في طرق جماعة أهل البيت عليهم‌السلام.

فقد ورد عن أبي سعيد الخدري تفصيل ذلك حيث قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة الأولى ، ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ـ والظاهر من الصلاة الأولى صلاة الفجر ـ فقال : «معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل ، فتمسكوا بأهل بيتي والأئمة الراشدين من ذريتي ، فإنكم لن تضلوا أبدا ...» (٢).

وهذه من الروايات المهمة التي تعبر عن بعد النجاة والغفران ، وبعد وجوب التمسك بهم عليهم‌السلام ، مضافا إلى تصريحها بوجود الأئمة الراشدين من ذرية النبي ، وبذلك فهي من الروايات التي يمكن أن تفسر ما ورد في طرق الجمهور ، مما يشير إلى هذا العنوان من روايات الخلفاء الاثني عشر التي يأتي الحديث عنها ، وتفسر رواية أخرى ورد التعبير فيها بالأئمة الراشدين دون أن تقيد بكلمة (ذريتي) (٣).

روايات الصلاة على النبي وآله

ويمكن أن نعد من روايات هذه الطائفة الأحاديث التي وردت في موضوع (الصلاة على محمد وآل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، حيث توجد في هذا المجال ـ أيضا ـ أحاديث كثيرة جدا ، يجمع المسلمون على صدورها وصحتها بصورة إجمالية ، مع

__________________

(١) مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨.

(٢) كفاية الأثر : ٣٣ ـ ٣٤.

(٣) بل قد تشير إلى وقوع التحريف والنقصان في تلك الرواية.

قطع النظر عن بعض التفاصيل فيها ، وهي روايات مهمة جدا ، وفيها ثلاثة أبعاد مهمة :

البعد الأول : هو بعد قدسية أهل البيت عليهم‌السلام الذي يعبر عن الاصطفاء والمثال الكامل للتكامل الإنساني والهدف من خلقة الإنسان ، حيث ورد فيها أنّ الصلاة العامة التي أمر المسلمون بإقامتها لا تقبل إلّا بالصلاة عليهم ، أي أنّ الصلاة بمعناها الشامل للصلاة الواجبة والمستحبة والدعاء لا تقبل إلّا إذا تضمنت الصلاة على النبي وآله ، لأنّ الصلاة بالمعنى العام تشمل الدعاء أيضا. وهناك نصوص عديدة تذكر أنّ الدعاء ـ أيضا ـ لا يقبل ، أو أنّ كل دعاء محجوب وفكّ حجابه بالصلاة على محمد وآل محمد ، مضافا إلى النصوص التي أجمع المسلمون على مضمونها ، وهي التي تدل على أنّ الصلاة الواجبة لا تتم إلّا بالصلاة على النبي وآله ، وهذه النصوص كثيرة جدا.

والبعد الثاني : هو قرن آل محمد بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الصلاة ، حيث وردت الأحاديث العديدة التي تدل على أنّ الصلاة التامة على النبي هي الصلاة التي يذكر فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله ، وأنّه بدون ذكر (آله) تكون هذه الصلاة صلاة بتراء وناقصة ، الأمر الذي يعني أنّ تمام الأثر في هذه الصلاة بالصلاة على أهل البيت عليهم‌السلام ، الأمر الذي يؤكد بعد الاقتران برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وبذلك يمكن أن نفهم منها ـ أيضا ـ أنّهم يعبّرون عن الامتداد والاستمرار لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهذه الأحاديث تستحق الوقوف عندها ، باعتبار أنّها كثيرة وصحيحة السند ، لأنها مروية في أكثر صحاح الجمهور ، فضلا عن طريق جماعة أهل البيت عليهم‌السلام ، حتى أولئك الذين لديهم مواقف متحفظة بدرجة عالية كالبخاري الذي يتحفظ

كثيرا في الرواية لفضائل أهل البيت ، وكأنّه يتعمد الابتعاد عن هذا المجال ، ولكن في موضوع الصلاة على آل محمد يؤكد ذلك ، وهذه قضية ذات أهمية خاصة (١).

والخلاصة ، أنّ روايات الصلاة على الآل من أهم الروايات التي يمكن الاستدلال بها على النظرية من الطائفة الأولى من الروايات ، وقد حضيت باهتمام خاص من قبل علماء الجمهور وعلماء أتباع أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم.

الروايات في بعض أهل البيت عليهم‌السلام خاصة

الطائفة الثانية : الروايات التي تحدثت عن أهل البيت عليهم‌السلام بعناوين خاصة وهي على ثلاثة أقسام :

الروايات في الإمام علي عليه‌السلام

القسم الأول : الروايات التي وردت في خصوص الإمام علي عليه‌السلام وهي روايات كثيرة جدا ومتعددة الأبعاد ، يمكن تقسيمها تحت عناوين كثيرة ، وقبل

__________________

(١) هذه الروايات تكشف ـ أيضا ـ عن جانب مؤسف في وضع جمهور الأمة الإسلامية ، فإنّه بالرغم من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ورد عنه هذا القدر من الأحاديث في شأن الصلاة عليه وعلى آله والتأكيد على ذلك ، وهم يروون وجوب ذلك في الصلاة الواجبة أيضا ، ولكن مع ذلك إما يحذفون ذكر الآل في الصلاة عليه ـ كما هو الغالب ـ أو يأتون بذكرهم مقرونين بالأصحاب ، مما يفهم منه أنّ الهدف هو إلغاء هذا الامتياز للآل.

هذا مع أنّه لا يوجد هناك أي دليل خاص عن النبي وحتى عن الصحابة يدل على حسن ذكر الأصحاب في الصلاة ، وبالرغم من كل ذلك يدعون أنفسهم (أهل السنة)!!!.

نعم ، توجد بعض الروايات التي تدل على استحباب الصلاة على المؤمنين بصورة عامة والسلام عليهم وهو أمر لا يختص بالأصحاب ، وهو وارد في سلام الصلاة الواجبة ، أما عنوان الأصحاب فهو عنوان مخترع ومبتدع ولا يوجد فيه أثر يمكن الاعتماد عليه.

ولا يصحح هذا الابتداع ما ورد لديهم من الروايات التي تمدح الأصحاب خصوصا وعموما ، فإن مجرد المدح لا يصحح هذا النوع من الالتزام والابتداع.

الإشارة إلى عناوينها أذكر عدة ملاحظات حول هذه الروايات :

الملاحظة الأولى : أنّ الروايات التي وردت في علي عليه‌السلام هي من الكثرة والتعدد في الأبعاد والخصائص ، بحيث لا نجد نظيرا لها في أي واحد من أهل البيت عليهم‌السلام ، كما يبدو ذلك واضحا من استعراض هذه الروايات ، ولعل السرّ في ذلك يمكن أن يكون في علو شخصية الإمام علي عليه‌السلام ، كما ورد ذلك في بعض الروايات من أنّه هو أفضل أهل البيت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كما يمكن أن يكون السرّ في ذلك هو أنّ الإمام علي عليه‌السلام يمثل الرمز لأهل البيت عليهم‌السلام في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّه الشخصية التي أراد الله عزوجل والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله طرحها للمسلمين وللجماعة المسلمة وللبشرية كإمام وامتداد للنبوة في أهل البيت عليهم‌السلام ، وبذلك يكون رمزا لأهل البيت ، ومن ثمّ فلا بد أن يتم تأكيد هذه الحقيقة لتأخذ هذا الموقع الخاص ، موقع الرمزية والتأسيس لهذه القضية في جماعة المسلمين ، ومن ثمّ في الرسالة الخاتمة وبالنسبة للبشرية بصورة عامة.

الملاحظة الثانية : أنّ ما ذكر من الروايات عن علي عليه‌السلام في كتب الجمهور وكتب العامة ـ مع قطع النظر عن الروايات التي وردت في كتب جماعة أهل البيت عليهم‌السلام ـ لم يرد مثلها في أي واحد من المسلمين على الإطلاق ، حتى الخلفاء الأوائل الذين وردت في شأن الثناء عليهم روايات في كثير من كتب الجمهور.

وهذه الملاحظة لا بد أن نأخذها بنظر الاعتبار في فهم الأبعاد الحقيقية لها ، لأننا نلاحظ وجود مجموعة كبيرة جدا من الروايات في كتب الجمهور أنفسهم ، وردت بعضها في صحاحهم ، كما وردت في مختلف أنواع كتبهم ، سواء كتب الحديث أو كتب التاريخ أو كتب العقائد التي تناولت علم الكلام أو كتب التفسير التي تناولت تفسير القرآن الكريم ، فإننا نجد أنّ ما ورد في علي عليه‌السلام في مجموع هذه الكتب لم

يرد في حق أي أحد من المسلمين على الإطلاق حتى الرعيل الأول من المسلمين الذين يحضون بتقديس واحترام جمهور المسلمين ، إذ يحتاج ذلك إلى تفسير واقعي ، لا سيما وأنّ الجمهور ـ بصورة عامة ـ لا يرون الإمام علي عليه‌السلام أفضل من الخلفاء السابقين.

محاولات التعتيم على الإمام علي عليه‌السلام

الملاحظة الثالثة : أنّ احتمال الوضع في بعض هذه الروايات ـ وإن كان موجودا ـ إلّا أنّ الكثير منها ـ كما ذكرت ـ هي روايات صحيحة السند ، وتنطبق عليها الضوابط العلمية التي وضعها رجال الحديث عند العامة ، فضلا عن الضوابط العلمية الموضوعة في علم الأصول لدى شيعة أهل البيت عليهم‌السلام.

كما إنّنا إذا أردنا أن نقيّم هذه الروايات من زاوية احتمال الوضع في بعضها نجد أنّ احتمال الوضع في هذه الروايات هو احتمال ضعيف جدا ، بل يمكن أن يحصل للإنسان ـ عند ما يراجعها بصورة حيادية وبقطع النظر عن تمذهبه بمذهب خاص واعتمادا على مقدار ما هو مدون في كتب العامة ـ اليقين بصدور عدد كبير من هذه الروايات ، أولا : لتواترها ، وثانيا : أنّه يكاد يلغى احتمال الوضع في الباقي منها ، وذلك باعتبار أنّ الإمام علي عليه‌السلام كما نعرف قد مرّ في طول تاريخه ـ أيام حياته وبعد شهادته ـ بعملية قمع واسعة على مستوى التشهير به والحصار والتعتيم والإخفاء لفضائله ومناقبه ولشخصيته ، سواء ذلك في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعوامل الحسد والأحقاد (البدرية) والجاهلية ، أو المنافسات السياسية ، أو في زمن الخلفاء الذين أرادوا أن يطرحوا مرجعية الصحابة في مقابل مرجعية الإمام علي عليه‌السلام وإبعاد شخصيته عن الحياة السياسية والفكرية للمسلمين ، فكانت هناك محاولة تعتيم واسعة في زمن الصحابة عليه.

أو بعد الخلفاء في زمن الأمويين والعباسيين ، فقد اتخذت المحاولة شكلين وأسلوبين ، نظرا لأنّ العصر كان قريبا من زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والتعتيم في مثل هذا العصر يعتبر عملية صعبة جدا ، لأن الكثير من هؤلاء الأصحاب قد سمع من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الحقائق ، فاتخذت محاولة التعتيم شكلين :

الشكل الأول : إحراق جميع المصاحف التي دوّن المسلمون عليها ما سمعوه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو عرفوه حول نزول القرآن الكريم ، كتعليق على تفسير الآيات الكريمة أو ذكر أسباب نزولها والحوادث التي نزلت بشأنها ، وتمت عملية إحراق المصاحف ، ومن ثمّ إخفاء كل ما قد دوّن وكتب في ذلك العصر والزمان.

الشكل الثاني : منع التدوين للحديث والكتابة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحت شعار ـ يبدو أنّه شعار جميل ـ (يكفينا كتاب الله) أو حفاظا على كتاب الله من أن يختلط حديث رسول الله به ، وهو إنسان ، والقرآن الكريم هو كلام الله ، فلا نحتاج إلى تدوين أي شيء من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ثم تطور هذا الشعار بعد ذلك وبأساليب مختلفة ، عند ما ابتعد العهد بالمسلمين عن عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأصبح أكثر المسلمين ممن لم ير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو لم يسمع منه.

ولذلك اشتدت قضية القمع والتعتيم في عهد الأمويين بصورة أوضح واتخذت شكلا جديدا ، حتى أصبح سب الإمام علي عليه‌السلام شعارا رسميا للأمويين يلتزم به الحكم الأموي على منابر المسلمين ، ويطارد محب علي عليه‌السلام ومن يذكره بخير حتى تصل إلى القتل ، فضلا عن أنواع المطاردة الأخرى.

وكذلك الأمر في زمن العباسيين ، حيث تحولت قضية الإمام علي عليه‌السلام إلى قضية التنافس بينهم وبين أبناء علي ، ومن هو الأقرب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله العباس بن عبد المطلب عم النبي أو علي بن أبي طالب عليه‌السلام ابن عمه.

وهكذا استمرت عملية القمع والمحاصرة والتعتيم على فضائل الإمام علي عليه‌السلام ، في جميع أدوار التاريخ الإسلامي المختلفة.

ولكن مع كل هذه الأدوار الصعبة نجد هذا القدر الكبير من الروايات التي وردت في حق علي عليه‌السلام في كتب العامة أولئك الذين يمثلون الخط الرسمي العام الحاكم بين المسلمين ، حتى أصبح ذلك مضرب الأمثال ويثير الاستغراب.

وفي مقابل ذلك نعرف أنّ جماعة علي عليه‌السلام كانوا يمثلون في الصدر الأول القلة القليلة ، ثم كانوا بعد ذلك الجماعة المطاردة والمحاصرة والمحرومة من كل الوسائل المادية التي يمكن من خلالها أن يعبر الإنسان عن وجوده ورأيه وموقفه ، لقد كانت هناك عملية قهر وقمع لهذه الجماعة ، لم يكن يسمح لها أن تنفذ في بطون الكتب والحديث ، ومع كل ذلك ظهر هذا القدر من الفضائل ، حتى قال القائل في ذلك : (ما أقول في رجل أخفى أولياؤه فضائله خوفا وأخفى أعداؤه فضائله حسدا وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين) (١).

ولذلك عند ما ننظر إلى الأحاديث من هذه الزاوية لا بد أن نقول : إنّ احتمال الوضع فيها هو احتمال ضعيف.

وذلك على خلاف الأحاديث الأخرى التي وردت في شأن الآخرين الحاكمين ، سواء كانوا من الخلفاء الأوائل الثلاثة أو من من يمثل امتدادهم وهو عنوان (قريش) الذي حاول الأمويون أن يستغلوه من أجل تثبيت حكمهم ، أو الروايات التي وردت بشأن بعض أقرباء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله التي حاول العباسيون أن يشيعوها بين المسلمين ...

__________________

(١) هذا قول للخليل بن أحمد الفراهيدي عند ما سئل : (لما ذا لا تمدح عليا) ، شرح إحقاق الحق ٤ : ٢.

إنّ مثل هذه الروايات هي التي يمكن أن نضع حولها الكثير من علامات الاستفهام ، لأن وراءها الحكم والسلطة وإمكاناتها والأهداف السياسية.

تفسير ظاهرة فضائل أهل البيت عليهم‌السلام

الملاحظة الرابعة : إنّ ما ذكرناه في الملاحظة الثالثة يثير السؤال عن تفسير هذه الظاهرة ، وهو كيف تمكن أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم من أن يحفظوا هذه الآثار ، بالرغم من وجود هذه العوامل المضادة في الخط الحاكم الذي استخدم القمع والتعتيم من ناحية ، وقلة الجماعة وضعفها وضعف إمكاناتها من ناحية أخرى.

وهنا يوجد بحث واسع لا بد من أن نفتح أبوابه في فرصة أخرى ، ولكن يمكن أن نشير إلى بعض الأسباب والعوامل التي مكنت أهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم من ذلك بصورة موجزة :

الأول : هو عامل الغيب والوعد الإلهي في حفظ الرسالة والدين الذي أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (١) ، فإننا إذا فسرنا الذكر ـ كما هو أمر محتمل ـ بمعنى أوسع من نص القرآن الكريم ، وهو الرسالة الإسلامية التي نزلت على النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بكل معالمها الأساسية ومنها القرآن الكريم ، فهنا يمكن أن نفترض وجود يد الغيب وراء المحافظة على هذا التراث ، كما كانت وراء حفظ القرآن الكريم نفسه.

العامل الثاني : التخطيط الذي وضعه ونفذه أهل البيت عليهم‌السلام للمحافظة على التراث ، كما صنع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك بالنسبة إلى القرآن الكريم وأصول الشريعة ، وتوجد الكثير من المؤشرات والدلائل على وجود هذا العامل ، وليس هذا العامل

__________________

(١) الحجر : ٩.

في مقابل الأول ، وإنّما هو الوجه المادي من العامل الأول ، وقد امتاز أهل البيت عليهم‌السلام بوجود هذا العنصر في منهجهم وعملهم.

وقد كان هذا التخطيط يتمثل :

أولا : باهتمام أهل البيت عليهم‌السلام بعملية التدوين وهي عملية كانت معقدة في ذلك العصر والزمان ، ولكنّهم أعاروها أهمية خاصة ، حيث طلبوا من أصحابهم الخصوصيين ـ منذ زمن الإمام علي عليه‌السلام ـ أن يدونوا التراث الأصيل ، وكان الإمام علي عليه‌السلام قدوة لهم في ذلك ، حيث إنّه دوّن الكثير من التراث ، كما تؤكد الكثير من النصوص التي وردت في كتابة الإمام علي عليه‌السلام للصحيفة الجامعة ، وكذلك النصوص التي وردت في كتابته عليه‌السلام وتدوينه للقرآن بصورة كاملة ، أي بنصه وشرحه.

وثانيا : بمنهج أهل البيت عليهم‌السلام في الانفتاح على بقية أوساط المسلمين في التعليم والمعاشرة ، بحيث تمكنوا من أن يتوغلوا في هذه الأوساط وينشروا الكثير من الحقائق المقنعة للمسلمين ويستثمروا الكثير من التعاطف الموجود فيها ، مع مظلوميتهم ومواقفهم في نصرة الحق والدفاع عنه ، والتزام العدل والفئات المستضعفة من الناس.

العامل الثالث : ما تركه الإمام علي عليه‌السلام في قلوب المسلمين من ودّ وحبّ ، بالرغم من كل المحاولات التي جرت لقمعه عليه‌السلام ، كما أشرنا في الشكل الثاني.

فإن شخصية الإمام علي عليه‌السلام قد فرضت نفسها على المجتمع الإسلامي عموما ، وعلى أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خصوصا في زمن الخلفاء الراشدين ، بعد أن تبين في الإمام علي عليه‌السلام الوجه الآخر الناصع له من الزهد في الدنيا ومناصبها والحرص على المصلحة الإسلامية العليا ، بالرغم مما تعرض له من ظلم وحيف ، كما أنّ منهجه الواضح في الاستقامة على الحق والعدل والانصاف من نفسه والانتصاف

للمظلومين من أبناء الأمة الإسلامية في زمن خلافته ، بحيث أصبحت هذه الشخصية تمثل رمزا عاليا للعدالة والتقوى والعلم والجهاد والورع في جميع الأدوار ، في دور الجندي المجاهد المقاتل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي دور المستشار المظلوم في دور الخلفاء ، وفي دور القائد والخليفة والأمير.

ثمّ تأكد ذلك بكل قوة في العهد الأموي الغاشم الذي شهد المسلمون فيه الطغيان والظلم وانتهاك الحرمات ، فكانت المقارنة ماثلة أمام عقول المسلمين وعيونهم.

العامل الرابع : دور أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في تجسيدهم سيرة جدهم وأبيهم صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمه علي عليه‌السلام في المنهج والسلوك والالتزام بالحق والعدل ...

العامل الخامس : دور شيعة أهل البيت عليهم‌السلام في تجسيد روح التضحية والفداء والمثابرة والجد ، من أجل المحافظة على التراث الإسلامي الأصيل ، والتعريف به والدفاع عنه.

تأكيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمامة

الملاحظة الخامسة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يترك فرصة من أول بعثته إلى حين وفاته دون تأكيد دور وشخصية الإمام علي عليه‌السلام ، الأمر الذي يعني عدة أمور :

١ ـ تأكيد وتوضيح موقع علي عليه‌السلام في النظرية الإسلامية.

٢ ـ تربية الأمة على هذه الحقيقة وإيجاد قاعدة نفسية وروحية لقبول ذلك ، ولو على المدى البعيد.

٣ ـ إبقاء وترسيخ هذه الحقيقة بصورة تاريخية ، بحيث لا يمكن إغفالها مهما بذلت الجهود في طمسها وإخفائها.

٤ ـ إقامة الحجة على المسلمين والأمة الإسلامية بشأن هذا الموضوع إلهام

والحساس ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

الملاحظة السادسة : أنّه يبدو من هذه الروايات ظاهرة تصحيح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعمل الإمام علي عليه‌السلام بصورة مطلقة ، «علي مع الحق والحق مع علي» ، مع الدفاع عن عمله وفعله بقوة أمام مناوئيه ومنتقديه وحاسديه ، والتحذير الشديد من معاداته وبغضه ، ولا نجد مثل هذا الموقف تجاه أي واحد من الصحابة الذين عرفهم التاريخ الإسلامي.

وقضية موقف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من عمله في ذهابه عليه‌السلام إلى اليمن وقيادته لعمليات الفتح فيها واختصاصه ببعض الغنائم دون غيره من المسلمين ، مما أثار حفيظة بعضهم وانتقاد بعض ، وتصحيح النبي لهذا العمل ، مع بيان القاعدة الكلية فيه ، وحديث بريدة في هذا المجال (١).

__________________

(١) روى الهيثمي في مجمعه ، عن بريدة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه‌السلام أميرا على اليمن وبعث خالد بن الوليد على الجبل ، فقال : «إن اجتمعا فعلي على الناس» ، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله ، وأخذ علي عليه‌السلام جارية من الخمس ، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال : اغتنمها فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما صنع ، فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في منزله وناس من أصحابه على بابه ، فقالوا : ما الخبر يا بريدة؟ فقلت : خيرا فتح الله على المسلمين ، فقالوا : ما أقدمك؟ قلت جارية أخذها علي من الخمس ، فجئت لأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا : فأخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه يسقط من عين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسمع الكلام ، فخرج مغضبا فقال : «ما بال أقوام ينتقصون عليا؟ من تنقص عليا فقد تنقصني ، ومن فارق عليا فقد فارقني ، إنّ عليا مني وأنا منه ، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم ، وأنا أفضل من إبراهيم (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يا بريدة أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذها وإنه وليكم بعدي» ، فقلت : يا رسول الله بالصحبة إلّا بسطت يدك فبايعتني على الإسلام جديدا قال ـ أي بريدة ـ : فما فارقته حتى بايعته على الإسلام. مجمع الزوائد ٩ : ١٢٨ ، راجع سنن الترمذي ٥ : ٦٣٢ / ٣٧١٢ ، بسنده عن عمران بن حصين ، باختلاف يسير.

وكذلك قضية حج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام علي عليه‌السلام حيث أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المسلمين جميعا بحج التمتع وقبل من الإمام علي عليه‌السلام نيته لحج القران وإشراكه في هديه (١).

ويحسن بنا أن نأخذ بنظر الاعتبار هذه الملاحظات عند دراسة هذه الطائفة من الروايات.

وسوف نكتفي بذكر عناوينها التي تتناول أبعاد الإمامة التي أشرنا إليها ، مجسدة في الإمام علي عليه‌السلام ، ويمكن مراجعتها في مصادرها (٢) ، وهذه العناوين هي :

الاصطفاء : حيث نجد أخبارا تتحدث عن أنّ الله تعالى قد (اجتبى) عليا وأخبارا تقول بأنّ «عليا خير البشر» (٣) ، وتستثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. ومن الأخبار

__________________

(١) ذكر الطبرسي في حديثه عن حجة الوداع للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : (... وحجّ علي عليه‌السلام من اليمن وساق معه أربعا وثلاثين بدنة ، وخرج بمن معه من العسكر الذي صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي أخذها من أهل نجران ، فلمّا قارب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة من طريق المدينة قاربها أمير المؤمنين عليه‌السلام من طريق اليمن ، فتقدّم الجيش إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسر رسول الله بذلك وقال له : «بم أهلك يا عليّ؟».

فقال : «يا رسول الله إنك لم تكتب إليّ بإهلالك ، فعقدت نيّتي بنيّتك وقلت : اللهمّ إهلالا كإهلال نبيّك».

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فأنت شريكي في حجّي ومناسكي وهديي ، فأقم على إحرامك وعد على جيشك وعجّل بهم إليّ حتّى نجتمع بمكّة») ، إعلام الورى ١ : ٢٥٩ ، وعنه وعن الإرشاد في بحار الأنوار ٢١ : ٣٨٣ ـ ٣٨٥ ، باختلاف يسير ، صحيح مسلم ٢ : ٨٨٨ ، السيرة النبوية لابن هشام ٤ : ٢٤٩ ، الجامع لأحكام القرآن ٢ : ٣٧٠ ، دلائل النبوة ٥ : ٣٩٩.

(٢) ومن جملة المصادر الجيدة في هذا المجال كتاب فضائل الخمسة من الصحاح الستة ، الذي ألفه آية الله السيد مرتضى الحسيني الفيروزآبادي ، وهو من علماء النجف الأشرف ، الذين تربوا في مدرستها ، ثم أخرجوا وهجّروا إلى إيران قسرا على يد الظالمين ، وتوفي في إيران ، كما توجد كتب أخرى عديدة في هذا المجال ، يمكن الرجوع إليها.

(٣) تاريخ بغداد ٣ : ١٩ ، و ٧ : ٤٢١.

في هذا المجال ـ أي الاصطفاء والاجتباء ـ مجموعة أخرى من الأحاديث وردت في أنّ عليا عليه‌السلام هو لحم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأنّ عليا عليه‌السلام هو دم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، وهذه المضامين ما أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى : (... وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ...) (٢) من آية المباهلة (٣).

ويؤكد ذلك ـ أيضا ـ ما ورد من أنّ عليا هو أخو رسول الله ، عند ما آخى رسول الله بين المسلمين (٤).

الامتداد للنبوة : وهو بعد آخر في ما ذكرناه من نظرية الإمامة ، من أنّها تمثل استمرارا وامتدادا للنبوة ، حيث نجد في هذا المجال مجموعة من الأحاديث التي تؤشر على هذا البعد ، وحديث المنزلة : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه

__________________

(١) ذكر الخطيب البغدادي في تاريخه عن أبي العباس قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم ، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي عليهما‌السلام تارة يقبل هذا وتارة يقبل هذا ، إذ هبط عليه جبريل بوحي من رب العالمين ، فلما سري عنه قال : «أتاني جبريل من ربي فقال لي : يا محمد إنّ ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : لست أجمعهما لك فافد أحدهما بصاحبه» ، فنظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى إبراهيم فبكى ، ونظر إلى الحسين عليه‌السلام فبكى ، ثم قال : «إنّ إبراهيم أمه أمة ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري ، وأم الحسين فاطمة وأبوه علي عليه‌السلام لحمي ودمي ...» ، تاريخ بغداد ٢ : ٢٠٤.

وفي رواية أخرى : «... لحمي ودمي وشعري ...» ، ذخائر العقبى : ٩٢.

وفي حديث آخر : «... لحمه لحمي ودمه دمي ...» ، مجمع الزوائد ٩ : ١١١.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٢ : ١٢٠ ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ومجمع الزوائد ٩ : ١٣٤.

(٤) عن ابن عمر قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين أصحابه فجاء علي عليه‌السلام تدمع عيناه فقال : «يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخ بيني وبين أحد؟» فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» ، سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢٠.

لا نبي بعدي» (١) ، ومن جملتها : «علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة» (٢) ، و «علي مع القرآن والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة» (٣).

ومن جملة الأحاديث التي يمكن أن نفهم منها ذلك ما ورد من أنّ عليا عليه‌السلام هو حجة الله على عباده (٤) ، وكذلك حديث قصة إرسال علي بسورة براءة ، حيث أكد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه أنّه لا يبلّغ عني إلّا رجل من أهل بيتي ، والقصة معروفة ويرويها المفسرون والمؤرخون وأصحاب الحديث (٥).

وكذلك ما ورد من أحاديث تحت عنوان أنّ عليا يبلّغ عني ، وأنّ عليا يمثل الامتداد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبعض الروايات تذكر أنّ عليا عليه‌السلام يمثل امتدادا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله. إذن ، فقضية الإمامة بعنوان أنّها استمرار للنبوة نجدها في هذه الروايات.

الولاء : وهو أحد أبعاد الإمامة ـ كما ذكرنا ـ حيث نجد أنّ ما ورد في ذكر وجوب الولاء لعلي عليه‌السلام من الروايات يبلغ المئات ، ومنها الروايات التي تتحدث عن أنّ عليا أحب الخلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، مثل حديث الطائر المشوي المعروف (٦).

__________________

(١) صحيح البخاري ٥ : ٢٤ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٤٠ ـ ٦٤١ / ٣٧٣٠ ، و ٣٧٣١.

(٢) تاريخ بغداد ١٤ : ٣٢١.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤.

(٤) روى الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس بن مالك قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرأى عليا عليه‌السلام مقبلا ، فقال : «أنا وهذا حجة على أمتي يوم القيامة» ، تاريخ بغداد ٢ : ٨٨ ، كنز العمال ١١ : ٦٢٠ / ٣٣٠١٣.

وفي رواية أخرى : «أنا وعلي حجة الله على عباده» ، كنوز الحقائق : ٤٣.

(٥) عن أنس بن مالك قال : بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة مع أبي بكر ، ثم دعاه فقال : «لا ينبغي لأحد أن يبلّغ هذا إلّا رجل من أهلي» ، فدعا عليا عليه‌السلام فأعطاه إياه. سنن الترمذي ٥ : ٢٧٥ / ٣٠٩٠.

(٦) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٦ / ٣٧٢١ ، وفي رواية أخرى عن ثابت البناني : أنّ أنس بن مالك

وكذلك الأحاديث التي وردت أنّ حب علي هو حب رسول الله وأنّ حب رسول الله هو حب الله تعالى ، فإن مثل هذه الأحاديث تدل على وجوب الولاء والحب ، ولكنّها تعبر ـ أيضا ـ عن بعد آخر وهو بعد الامتداد للنبوة والرسالة.

وكذلك ما ورد من أنّ حب علي حسنة ، وما ورد أنّ حب علي إيمان وبغض علي نفاق ، وما ورد من أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في روايات ومناسبات عديدة وكثيرة في أنّ من الواجب على المسلمين أن يحبوا عليا عليه‌السلام (١).

ومن أهم هذه الأحاديث وأكثرها تواترا حديث الغدير المعروف (٢).

الفضل والامتياز : وهو أحد أبعاد الإمامة ـ كما ذكرنا ـ حيث نجد الروايات

__________________

كان شاكيا مرضا شديدا فأتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له ، فجرى الحديث حتى ذكروا عليا عليه‌السلام فتنقصه محمد بن الحجاج ، فقال أنس : من هذا؟ أقعدوني ، فقال : يا بن الحجاج ألا أراك تنقص علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟ والذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحق لقد كنت خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بين يديه وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله غلام من أبناء الأنصار ، فكان ذلك اليوم يومي فجاءت أم أيمن مولاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بطير فوضعته بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أم أيمن ما هذا الطائر»؟ قالت : هذا الطائر أصبته فصنعته لك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللهم جئني بأحب خلقك إليك وإلى يأكل معي من هذا الطائر» ، وضرب الباب فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أنس انظر من على الباب؟» قلت : اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فذهبت فإذا علي عليه‌السلام بالباب ، قلت : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على حاجة ، فجئت حتى قمت مقامي فلم ألبث أن ضرب الباب ـ وفي بعض الروايات أنّ الإمام علي عليه‌السلام يأتي ثلاث مرات ويرده أنس ـ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا أنس اذهب فأدخله ، فلست بأول رجل أحب قومه ، ليس هو من الأنصار» ، فذهبت فأدخلته ، فقال : «يا أنس قرّب إليه الطير» ، قال : فوضعته بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكلا جميعا.

قال محمد بن الحجاج : يا أنس كان هذا بمحضر منك؟ قال : نعم ، قال : أعطني بالله عهدا أن لا أنتقص عليا عليه‌السلام بعد مقامي هذا ولا أعلم أحدا ينتقصه إلّا أشنت له وجهه. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣١.

(١) مسند أحمد بن حنبل ٥ : ٣٥٠.

(٢) لمزيد من التفصيل يراجع كتاب الغدير للعلامة الأميني ، وكتاب ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ٢ : ٥ ـ ٩٠ ، لابن عساكر.

المتضافرة التي تدل على وجود صفات الفضل التي تعبر عن الامتياز لعلي عليه‌السلام في الصفات المكتسبة عادة ، وإن كانت هذه الصفات قد لا تكون مكتسبة بالنسبة للإمام علي عليه‌السلام ، وإنّما هي هبة إلهية ، ولكن هذه الأحاديث تناولت عناوين الصفات التي يكتسبها الناس عادة ، فنسبتها إلى علي عليه‌السلام ، وكان يمتاز بها على غيره من الناس ، ويكون الأفضل بها بينهم ، ومن ذلك ما ورد في حديث مدينة العلم : «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (١) ، وما ورد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا دار الحكمة وعلي بابها» (٢) ، و «علي أقضاكم» ، و «لا فتى إلّا علي لا سيف إلّا ذو الفقار» ، وما ورد ـ أيضا ـ في هذا المجال في قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «علي سيد العرب» (٣) ، ورواية أخرى : أنّ عليا سيد الأصحاب.

روى الخطيب البغدادي بسنده عن رشيد قال : كنت عند المهدي فذكر علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال المهدي : حدثني أبي عن جدي عن أبيه عن ابن عباس قال :

كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعنده أصحابه حافين به إذ دخل علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّك عبقريهم». قال المهدي : أي سيدهم (٤).

وروايات أخرى وردت : «أن عليا سيد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين» (٥).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٦ ، الصواعق المحرقة : ٧٣.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٦٣٧ / ٣٧٢٣.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٤ ، كنز العمال ١١ : ٦١٩ / ٣٣٠٠٧ ، و ٣٣٠٠٨ ، الرياض النضرة ٣ : ١٣٧.

(٤) تاريخ بغداد ٨ : ٤٣٧ ، وجاء في مادة عبقر ، قال : (وعبقري القوم : سيدهم ، والعبقري : الذي ليس فوقه شيء) ، لسان العرب ٤ : ٥٣٥.

(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٣٧ ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، الرياض النضرة ٣ : ١٣٧.

وهنا يلاحظ أنّ عنوان (قائد الغر المحجلين) ليس مجرد مدح وثناء ، بل له مدلول خاص ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما قرأنا في رواية سابقة رواها جمهور المسلمين في صحاحهم ـ ذكر بأنّ الصالحين من أصحابه صلى‌الله‌عليه‌وآله يردون عليه الحوض بهذه العلامة والصفة ، فعلي عليه‌السلام هو قائد هؤلاء الأصحاب الذين يردون الحوض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك في مقابل الأصحاب الذين يصدون عن الحوض ، فعنوان (الغر المحجلين) عنوان طرحه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للنخبة من أصحابه ، وعلي عليه‌السلام قائد الغر المحجلين.

وفي هذا المجال يمكننا الرجوع إلى الأحاديث في فضائل ومناقب علي عليه‌السلام ، حيث يجد الباحث أمامه مئات الروايات التي تدل على أن عليا عليه‌السلام امتاز بفضائل ومناقب لا يباريه فيها أحد من الناس.

ولاية الأمر : وهو بعد آخر في الإمامة ، وتوجد روايات عديدة وكثيرة في هذا المضمون :

منها : أنّ عليا هو وصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد يحاول بعض الناس أن يحدد عنوان الوصية ويفسرها بالأمور الشخصية التي عرفها الشرع الإسلامي ، وحث عليها المسلمين عند الوفاة ، ولكن هذا التفسير ظلم وإجحاف في حق علي عليه‌السلام ، إذ لا بدّ في فهم هذه الأحاديث من ملاحظة ما اقترنت به من القرائن الكثيرة التي تعني بأنّ الوصية لها معنى أوسع وأبعد وهو الولاية ، مضافا إلى ما ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام مما يدل أنّ هذه الوصية جعلت لديهم كأحد الأدلة الواضحة في تشخيص الإمام من بين إخوته أو من بين الأشخاص الذين يشتبه بهم الحال ، حيث يكون

الموصى إليه شخصيا هو الإمام (١).

وكذلك ما ورد من أنّ عليا عليه‌السلام وارث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ عليا عليه‌السلام وزير رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، ومن ذلك حديث الدار ودعوة العشيرة المعروف ، وحديث الغدير : «من كنت مولاه فهذا علي مولاه ...» ، الذي يعتبر من أهم وأفضل هذه الأحاديث سندا ودلالة ، لما اقترن به من القرائن المقالية والحالية ، ومنها أخذ البيعة لعلي عليه‌السلام من جمهور المسلمين.

وكذلك حديث : «من أطاعني فقد أطاع الله ، ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع عليا فقد أطاعني ، ومن عصى عليا فقد عصاني» (٣) ، فالطاعة تمثل بعدا من الولاية.

وكذلك حديث : «يا علي من فارقك فقد فارقني ومن فارقني فقد فارق الله» (٤). وما ورد عنه في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا وهذا ـ يعني عليا ـ حجة الله على خلقه» (٥).

وكذلك ما ورد من : «أن عليا يقاتل على التأويل كما قالت على التنزيل» (٦).

مثال الكمال الإنساني : وهو بعد آخر في الإمامة ـ كما ذكرنا ـ حيث وردت النصوص الكثيرة التي تعبر عن وجود الكمال الإنساني في شخصية علي عليه‌السلام ،

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٢ ، كنز العمال ١١ : ٦١٠ / ٣٢٩٥٤.

(٢) الرياض النضرة ٣ : ١٣٨.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢١ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٢٦٦.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٢٦٨.

(٥) راجع كنوز الحقائق : ٤٣ ، تاريخ مدينة دمشق ٢ : ٢٧٢ ـ ٢٧٤ ، ذخائر العقبى : ٧٧ ، تاريخ بغداد ٢ : ٨٨.

(٦) خصائص النسائي : ٤٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٢ ، تاريخ مدينة دمشق ٣ : ١٢٧ ، الرياض النضرة ٣ : ١٥٧.

بحيث يكون الهدف من وجود الإنسان وخلقه في هذا الكون هو تجسيد هذا الكمال ـ كما أشرت إلى ذلك في بداية الحديث ـ ومن ذلك ما ورد : (أنّ عليا يشبه الأنبياء في صفاتهم) ، كما يشار في هذا المجال ـ أيضا ـ إلى محنة علي عليه‌السلام في ما تعرض له من سب وشتم وتهمة ، فيمثل بعيسى عليه‌السلام الذي تعرض إلى مثل هذا الأذى والحصار.

وكذلك ما ورد : أنّ النظر إلى علي عبادة وذكره عبادة ، وكذلك ما ورد في فضائل علي عليه‌السلام ومناقبه مما يشير إلى هذا الكمال الإنساني فيه ، بحيث يعبر عن المثال الكامل في وجود الإنسان (١).

فمجموع هذه الروايات التي وردت في علي عليه‌السلام مع الملاحظات التي أشرت إليها في المقدمة تدل على أنّ جميع أبعاد الإمامة وبأعلى درجاتها وصورها تتجسد في شخصية الإمام علي عليه‌السلام.

الروايات في فاطمة الزهراء عليها‌السلام

القسم الثاني : من الروايات التي تناولت الحديث عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

ويلاحظ في هذه الروايات ـ أيضا ـ عدة ملاحظات :

فضل فاطمة عليها‌السلام على النساء

الأولى : ورود مجموعة كبيرة جدا من الروايات تناولت هذا الموضوع ، حيث

__________________

(١) عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» ، راجع مسند أحمد بن حنبل ١ : ١٦٠ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٤٣ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣٣.

يلاحظ أنّه لم يرد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في كتب العامة في فضل وشأن وخصائص وامتيازات وحب لامرأة كما ورد ذلك بشأن السيدة فاطمة عليها‌السلام ، مع ملاحظة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان من حيث العلاقات الخاصة تحيطه دائرة واسعة نسبيا من النساء ، حيث إنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله تزوج من النساء حوالي خمس عشرة امرأة ، وتوفي عن تسع من الزوجات ، وهذه دائرة واسعة نسبيا في مجال الزوجات ، لعلها لا تشبه أي دائرة من دوائر الناس العاديين ، فضلا عن شخصية كرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد كان ذلك مع بعض الأحكام الأخرى من امتيازات رسول الله التي أشار إليها القرآن الكريم ، حيث سمح له بهذا القدر والعدد من الزوجات (١).

وقد كان عدد من زوجات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نساء ذوات شأن وموقع خاص في الوضع الاجتماعي والإسلامي ، باعتبار طبيعة العلاقات الاجتماعية العامة التي كان يعيشها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

مضافا إلى ذلك فإنّه ينسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجود بنات له غير السيدة فاطمة عليها‌السلام (٢) ، وذلك على مستوى التاريخ العام لدى جمهور المسلمين أيضا.

ومن ثم ، فمن خلال وجهة النظر هذه يفترض وجود علاقات أبوّة مع بعض النساء الأخريات ، ولم تكن هذه العلاقة خاصة بالسيدة فاطمة عليها‌السلام ، ولكن بالرغم من هذه الدائرة الواسعة نسبيا من النساء التي كان يعيش فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصورة خاصة لا نجد هذا القدر من الحديث الذي ورد بشأن أي امرأة كما ورد بشأن فاطمة عليها‌السلام.

__________________

(١) الأحزاب : ٥٠ ـ ٥٣.

(٢) يوجد هناك حديث وكلام في البحث التاريخي في ما يتعلق بهذا الموضوع ، ولعل الراجح في هذا البحث التاريخي هو أنّ السيدة فاطمة سلام الله عليها البنت الوحيدة من ذريته ، وإنّ الأخريات ربيبات رسول الله من زوجته الأولى المفضلة خديجة بنت خويلد.

وحتى عائشة التي كانت تتميز في علاقاتها برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنظر روايات جمهور المسلمين التي روت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أكثرها عائشة نفسها (١).

ولكن مع ذلك ، فإنّ هذه الروايات التي تتحدث عن علاقة عائشة المتميزة مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هي أيضا لم يصل فيها هذا الامتياز إلى درجة الامتياز الذي تتحدث عنه الروايات التي وردت في كتب جمهور المسلمين بشأن فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

بل إنّ الروايات التي وردت على لسان عائشة نفسها في كتب جمهور المسلمين تتحدث عن فاطمة عليها‌السلام بحديث يميزها على كل النساء.

فقد ورد عن عائشة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ـ وهو في مرضه الذي توفي فيه ـ : «يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، وسيدة نساء هذه الأمة ، وسيدة نساء المؤمنين؟» (٢).

الخلاصة : أنّ ما ورد في فاطمة عليها‌السلام في كتب جمهور المسلمين من الكثرة والامتياز لا نظير له بالنسبة إلى أي امرأة أخرى كانت تحيط برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فضلا عن نساء المسلمين بصورة عامة.

الوله المتبادل

الملاحظة الثانية : أنّ علاقة الحب والمودة بين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبين فاطمة التي

__________________

(١) ذلك لأن عائشة أكثرت الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحد يمكن أن نقول فيه : أنّ ما روته عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يرد عن أي امرأة أخرى حتى فاطمة الزهراء عليها‌السلام نفسها ، وذلك حسب ما في روايات جمهور المسلمين.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٤٨ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٦ ، وقال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد.

تتحدث عنها هذه الروايات كانت بدرجة عالية ، لا يمكن أن نجد لها نظيرا في التاريخ الإنساني ، كما أنّها عميقة ومقدسة لا نظير لها في كل هذا التاريخ.

وهذا الجانب تناولناه في إحدى المحاضرات عن سيدة النساء فاطمة عليها‌السلام وذكرنا بعض الأبعاد في تفسيره ، فقد جاء في الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقوم لمدة ستة أشهر ـ أواخر أيامه ـ في كل يوم ولعدة مرات بالمرور على بيت فاطمة والسلام عليها ، وذلك عند ما يأتي إلى الصلاة في المسجد خمس مرات يوميا ، وكان بيت فاطمة في المسجد ، ويقوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الذهاب والإياب بالوقوف على بيت فاطمة ويسلّم عليها (١).

وهذه الحالة غريبة ، لا نجد لها نظيرا في التاريخ الإسلامي.

أو أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما تروي عائشة ـ كان إذا دخلت عليه فاطمة يقوم من مجلسه ويأخذ بيدها ويقبلها (٢). وضمير (يقبلها) قد يرجع إلى فاطمة أو قد يرجع إلى يد فاطمة ، وعلى كلا التقديرين ، فإن فيه دلالة خاصة في الحب والاحترام ، ثم لا يكتفي بذلك حتى يجلسها في مجلسه ، وهذا الإجلاس له معنى خاص في الآداب الاجتماعية والعرفية القائمة في ذلك العصر ، لأنّه عند ما يعطي الإنسان مجلسه لآخر فإنّه يريد من ذلك التعبير عن الدرجة العالية جدا من الاحترام والتكريم لذلك الإنسان ، وهو أمر لم يكن معروفا في العرف الاجتماعي

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٦٠٦.

(٢) روى الحاكم في مستدركه ، عن عائشة قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت إذا دخلت عليه رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه. المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٤ ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

تجاه الأبناء ، ولم تكن فاطمة عليها‌السلام امرأة غريبة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهي ابنته ، ومع ذلك كان يتعامل معها بهذه الطريقة (١).

كما أنّ هذه العلاقة كانت بدرجة عالية جدا من الحب والعاطفة من قبل فاطمة عليها‌السلام نفسها تجاه أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى أنّها سميت باللقب المعروف عنها (أم أبيها) ، أي أنّ علاقة الحب والرعاية لرسول الله من قبلها كانت بهذه الدرجة التي تستحق هذه التسمية.

ولعل أروع تعبير عن ذلك ما ترويه عائشة ـ أيضا ـ في فضل فاطمة عليها‌السلام في هذا الأمر ، قالت : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قالت ـ : وكانت إذا دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها ، فلما مرض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دخلت فاطمة عليها‌السلام فأكبت عليه فقبلته ثم رفعت رأسها فبكت ، ثم أكبت عليه ثم رفعت رأسها فضحكت ، فقلت : إن كنت لأظن أنّ هذه من أعقل نسائنا فإذا هي من النساء! ، فلما توفي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت لها : أرأيت حين أكببت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرفعت رأسك فبكيت ثم أكببت عليه فرفعت رأسك فضحكت ، ما حملك على ذلك؟ قالت : «أخبرني أنّه ميت من وجعه هذا فبكيت ، ثم أخبرني أنّي أسرع أهله لحوقا به فذاك حين ضحكت» (٢).

__________________

(١) والروايات في هذا المجال كثيرة جدا ، ولا أريد أن أطيل الحديث بسردها ، ويمكن مراجعتها في مصادرها.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٤٨ ، سنن الترمذي ٥ : ٧٠٠ / ٣٨٧٢ ، ورواه الحاكم ـ أيضا ـ في مستدركه ٤ : ٢٧٢ ـ ٢٧٣ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

فإن هذه الرواية تعبر عن هذه الدرجة العالية من حب فاطمة عليها‌السلام لأبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذلك فإنّ الأمر الأول ـ وهو بكاؤها على فراقه ـ وإن كان أمرا عاديا ، حيث يتحقق ـ عادة ـ بالنسبة لعموم الناس عند ما يسمعون بخبر وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن الأمر الثاني ـ وهو الشيء المهم في التعبير عن هذه العلاقة ـ فإنّ امرأة شابة بهذا السن والوضع الخاص عند ما تخبر بأنّها سوف تكون أول الناس لحوقا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفراقا لهذه الحياة ، تفرح وتتبسم بالرغم من حزنها على فراقه ، حيث كان فرحها بلقاء أبيها بهذه الدرجة العالية ، وعائشة تنقل هذا الحديث بكل تفاصيله.

فهذه الدرجة العالية من الحب شيء مهم جدا ، لا بدّ أن نأخذه بنظر الاعتبار عند ما نتحدث عن هذه الروايات ونقرؤها.

المرأة والإمامة

الملاحظة الثالثة : إنّ الشيء المهم الذي لا بدّ أن يتابع في هذه الروايات هو : أنّ موقع الصدّيقة فاطمة الزهراء من الإمامة هل هو مجرد أنّها امرأة مقدسة طاهرة ذات مواصفات عالية ، في الوقت نفسه هي بنت النبوة وزوجة الولي وأم الأئمة الأطهار ، أو أنّ للصديقة موقعا أعظم وأعمق من ذلك؟

وفي مقام الجواب نلاحظ :

أنّ هذه الروايات بمجموعها تشير في مضمونها إلى وجود أبعاد الإمامة في الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام وهي الأبعاد الستة التي تحدثنا عنها في نظرية الإمامة.

وهذا الأمر يثير ـ أيضا ـ التساؤل حول المقصود من الإشارة في هذه الروايات عند ما تطرح فاطمة عليها‌السلام كامرأة بهذا المستوى من الموقع الذي تتجسد فيه هذه

الأبعاد (أبعاد الإمامة) ، مع أنّنا نعرف بأنّ فاطمة عليها‌السلام لم تسم ب (الإمام) ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي والحسن والحسين وبقية أئمة أهل البيت عليهم‌السلام سمّوا بالإمامة ، ولكن فاطمة عليها‌السلام لم تسمّ بهذا الاسم ولم تعنون بهذا العنوان ، لا في هذه الروايات ولا في غيرها.

إذن ، فعنوان الإمامة لا ينطبق عليها كعنوان له بعد اجتماعي ، ولكن مع ذلك نجد أبعاد الإمامة في شخصيتها عليها‌السلام.

وهذا يفتح أمامنا بحثا واسعا ، لا مجال له هنا ، ويمكن أن نشير إليه في مجالات أخرى ، وهو : ما السبب في عدم تسمية السيدة فاطمة عليها‌السلام بالإمامة من ناحية ، وما هو السرّ في أن تكون عليها‌السلام متصفة بهذه الأبعاد من ناحية أخرى؟ ويكون فيها هذا المستوى العالي من تكامل الشخصية؟ فما هو السرّ الإلهي في وضع امرأة بهذه الأبعاد والخصوصيات؟

أحد الأبعاد في هذا الموضوع هو بحث ذو طابع قانوني واجتماعي ، وهو قضية أنّ منصب الإمامة اجتماعيا خاص بالرجل ، فلعله لذلك لم تسمّ فاطمة عليها‌السلام بالإمام باعتبار هذا الجانب الاجتماعي ، ويكون هذا نظير منصب القيمومة التي أعطيت للرجل في الأسرة ، فالقضية هي ليست قضية هوية المرأة والتكامل فيها ، أو قضية الموقع والمستوى في التكامل الشخصي ، وإنّما القضية هي قضية التنظيم الاجتماعي ، وأنّ النظام الاجتماعي الإسلامي يفرض أن يكون هذا الموقع للرجل ، لسرّ من الأسرار يبحث في مجاله.

وبعد آخر يشكل احتمالا آخر من تفسير ذلك هو أنّ فاطمة عليها‌السلام لم تسمّ بالإمامة لأنّه كان هناك ما يمنع هذه التسمية بسبب وجود رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ووجود الإمام علي عليه‌السلام ، حيث إنّها عليها‌السلام كانت حياتها في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد فارقت

الحياة بعد رسول الله بمدة قصيرة ، فلم تكن هناك فرصة لهذه التسمية ، لوجود الإمام علي عليه‌السلام ، باعتبار أنّه لا يجتمع في وقت واحد إمامان إلّا وأحدهما صامت ، كما كان هذا الأمر بالنسبة إلى الإمام الحسين عليه‌السلام ، حيث إنّه لم يسمّ بالإمامة مع وجود أخيه الإمام الحسن عليه‌السلام ، وهناك نصوص تشير إلى هذا الأمر والحقيقة (١).

وقد يفتح هذا الأمر أمامنا البحث عن وجود أشخاص كانوا من حيث المستوى النفسي والروحي والأخلاقي بمستوى أن يكونوا أئمة ، ولكن كان هناك مانع من إمامتهم وهو وجود من هو أفضل منهم في هذا المستوى ، ومن ثم فهناك مانع يمنع عن هذه التسمية ، إذ أنّه لا يجتمع إمامان في وقت واحد إلّا وأحدهما صامت ، مما يعني عدم إطلاق عنوان الإمام عليه اجتماعيا ، وهذا على كل حال بحث من الأبحاث الذي ينبغي أن يتابع في موقعه.

والبعد الثالث في هذا البحث هو أنّ المراد من منح الصدّيقة فاطمة عليه‌السلام ـ كما هو أمر محتمل ـ هذا الموقع الخاص من أبعاد الإمامة والاصطفاء من الله تعالى لها ، هو الإشارة إلى بعد في النظرية الإسلامية وهو بعد أنّ موقع المرأة في النظرية الإسلامية هو موقع مكمّل لموقع الرجل في مختلف المستويات وشئون الحياة ، فهي كما أنّها موقع مكمّل لشئون الرجل في التوالد والتناسل والتكاثر في الحياة الإنسانية والبشرية ، حيث إنّ التكاثر والتناسل أريد له في الرؤية الإسلامية بحسب التقدير الإلهي أن يكون من خلال المرأة والرجل لتكوين الأسرة ، حيث تتكون حركة التكاثر والتناسل في حياة الإنسان من خلالهما ، مع أنّه كان يمكن أن

__________________

(١) روى الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال : «لا» ، قلت : يكون إمامان؟ قال : «لا إلّا وأحدهما صامت» ، الكافي ١ : ١٧٨ / ١.

يتم التكاثر والتناسل بطريقة أخرى غير الزواج أو غير علاقات الرجل والمرأة ، فهناك مثلا نظرية علمية مطروحة الآن وقد طبقت إلى حدّ ما على بعض الحيوانات (١) ، وهو أن يتم التكاثر والتناسل لا عن طريق التزاوج ، وإنّما تؤخذ عيّنة وخلية من الإنسان وتكثّر هذه الخلية ، فيتحول هذا الموجود إلى أكثر من فرد واحد ، وكما هو الحال في حالة الخلايا وتكاثرها في داخل جسم الإنسان ، أو تكاثر (البكتريا) ، فإن هذا التكاثر لا يتم عن طريق وجود زوجين (ذكر وأنثى) ، بالمعنى المعروف في (الحيوانات) ، وإنّما يكون عن طريق الانقسام الداخلي في هذه الخلية والتوالد والتكاثر التدريجي في الخلايا ، أو يكون التكاثر كما هو في (النباتات).

ولكن شاء الله تعالى في هذا الإنسان ـ الذي خلقه في أحسن تقويم ـ أن يكون إنسانا موجودا له بعد اجتماعي ، وهذا البعد الاجتماعي لا بد أن يتم فيه التكاثر والتناسل بهذه الطريقة ، طريقة الرجل والمرأة وبطريقة منظمة ومضبوطة.

وهنا يقال ـ أيضا ـ : إنّه أريد لهذا المجتمع في الأبعاد الأخرى له ، ومن أجل أن يتكامل ، أن يكون لكل من هذين الزوجين دور في التكامل الإنساني والاجتماعي ، فيكون للمرأة دور وللرجل دور ، ويتحقق التكامل لهما على جميع المستويات ، ومنها مستوى الاصطفاء والاجتباء.

ولعل هذا البعد هو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ* وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ

__________________

(١) وهي ما تسمى بنظرية وتجربة (الاستنساخ) المعروفة.

آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (١) ، حيث إنّ الله تعالى في هذه الآيات الكريمة ضرب مثلا للذين كفروا في امرأتين ، وضرب مثلا للذين آمنوا ـ أيضا ـ في امرأتين ، وهو مثل لجميع الكفار ولجميع المؤمنين ، ومن ثم فقد يكون المراد من ذلك الإشارة إلى هذه الحقيقة.

لأن المرأة موجود أريد له أن يكمّل الوجود الإنساني من الناحية الاجتماعية العامة ، وفي حركة تكامل المجتمع والوصول بهذا المجتمع إلى الدرجات العليا المطلوبة لا بدّ أن يكون ـ أيضا ـ للمرأة دور خاص في التكامل الفردي ، ومن أجل تجسيد هذه الحقيقة في الحياة الإنسانية بهذا البعد على مستوى موقع الإمامة كان هذا الاصطفاء والكمال في فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، حيث إنّ موقع الإمامة هو أهم موقع في الهرم الاجتماعي ، وأريد أن يعطى دور للمرأة في هذا الإكمال ، إكمال موقع الإمامة في الرسالة الخاتمة (٢) ، فكان هذا الموقع والدور هو لفاطمة الزهراء عليها‌السلام بخصوصياتها وأبعادها ، وهو أمر قد يلقي بظلاله الوارفة في تفسير موقفها في الدفاع عن الإمامة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

__________________

(١) التحريم : ١٠ ـ ١٢.

(٢) يلاحظ في القرآن الكريم ـ كما أشرت في الآية السابقة ـ وفي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله : «خير نساء العالمين أربع : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم (زوجة فرعون) ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد» ، مجمع الزوائد ٩ : ٢٢٣.

أنّ هذا التكامل كان مجسدا في بعض الأدوار السابقة ببعض مستوياته ، ولكنه اتخذ أعلى المستويات في الرسالة الخاتمة ، لأنّ امتدادها وبقاءها عن طريق الإمامة.

وللتفصيل في هذا الحديث وشواهده مجال آخر.

وهذا بحث بابه واسع ـ كما قلت ـ ولكن لا بد أن نأخذه بنظر الاعتبار عند ما ننظر إلى هذه الروايات من هذه الزاوية ، أي من زاوية الإمامة.

وإلّا فقد يقال : ما هو موقع الحديث هنا عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام ونحن نتحدث عن الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام ، والزهراء عليها‌السلام ليست إماما ، فما هو معنى الحديث فيها؟ لأننا لا نتحدث عن أهل البيت بعنوان أهل البيت فحسب ، وإنّما بحثنا حول الإمامة في أهل البيت ، فما هو موقع الحديث عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام في بحث الإمامة؟

ولكن بملاحظة هذه الزاوية يمكن أن يقال : إنّ موقع الحديث عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام هو أنّ الأبعاد المطلوبة في الإمامة في النظرية التي طرحناها هي موجودة ـ أيضا ـ في فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، وهي وإن لم تسم بالإمامة ولكنّها يمكن أن يكون لها دور في إكمال دور الإمامة من الناحية الاجتماعية والمسيرة البشرية ، أي في إكمال الصورة المطلوبة للبناء الإنساني الاجتماعي الكامل في هذا الموقع الخاص المتميز وهو موقع الإمامة ، حيث إنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام لها هذه الخصوصية.

وقد يكون لجميع هذه الأسباب مجتمعة ، أو لغيرها دور في تفسير هذه الظاهرة.

فاطمة عليها‌السلام وعنوان أهل البيت

الملاحظة الرابعة التي يحسن الإشارة إليها : أنّ الحديث عن فاطمة الزهراء عليها‌السلام يمكن أن نجده في جميع الروايات التي تحدثت عن أهل البيت عليهم‌السلام ، أي أنّ كل ما ورد من روايات في أهل البيت ـ ومنها الروايات التي تقدمت الإشارة إليها ـ تنطبق على الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، لأنها أبرز وأوضح مصداق لهذه الروايات ، حيث إنّها أقرب شخص إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصدق عليه هذا العنوان ،

لأن أقرب مصداق لعنوان أهل البيت وصاحب البيت هم الأولاد ، وفاطمة الزهراء عليها‌السلام كانت هي ذرّيته المباشرة الوحيدة الباقية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحتى لو افترضنا ـ كما تذكر روايات الجمهور ـ أنّ لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بنات أخريات ، فأولئك البنات كن قد توفين في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فكلما ورد في أهل البيت عليهم‌السلام من حديث في فضل أو بعد أو امتياز في مواصفات الكمال والأبعاد التي أشرنا إليها في حديثنا عن أهل البيت عليهم‌السلام وفي الروايات التي وردت عنهم تنطبق على فاطمة الزهراء عليها‌السلام بصورة أوضح من انطباقها على الآخرين (١).

فاطمة عليها‌السلام والقمع التاريخي

الملاحظة الخامسة : أنّ الصديقة فاطمة الزهراء عليها‌السلام قد تعرضت ـ كما تعرض بقية أهل البيت عليهم‌السلام ـ إلى عمليات قمع تاريخي ، وتعتيم للحقائق التي وردت بشأنها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّها زادت على ذلك بسبب موقفها الخاص بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي تجسد في رفضها لقبول خلافة أبي بكر والبيعة له واستمرارها عليه حتى وفاتها ، وفي دفاعها عن الإمام علي عليه‌السلام عند ما حاولوا أن يفرضوا عليه البيعة لأبي بكر بالقوة وتهديده بالقتل ، وفي مطالبتها بحقوقها المشروعة وإعلانها عن وقوع حكم الخلافة ببعض الانحرافات الواضحة بهذا الشأن ، ومنها قضية فدك ، كل

__________________

(١) لا أقصد أنّ فاطمة الزهراء عليها‌السلام أفضل من الآخرين ، أي أفضل من الإمام علي عليه‌السلام ، وإنّما أقصد أن انطباق عنوان أهل البيت على فاطمة الزهراء عليها‌السلام هو أوضح من انطباقه على أي واحد من الآخرين ، لأن انطباقها على الحسن والحسين عليهما‌السلام إنّما هو باعتبار أنّهما أولاد فاطمة عليها‌السلام وانطباقه على علي عليه‌السلام باعتباره أنّه زوج فاطمة عليها‌السلام وابن عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي أنزله منزلة نفسه ، وأوضح مصداق كان هو مصداق فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

هذه الأمور وغيرها مما اختصت به الصدّيقة ، أدى إلى هذا القمع التاريخي والتعتيم العام.

ولا بدّ أن نفهم ما وصل إلينا بشأنها في هذا الإطار الخاص.

وفي هذا المجال يمكن أن نفهم المحاولات التاريخية والسياسية التي بذلت لإبراز شخصيات نسائية أخرى وطرحها كشخصيات مقارنة أو منافسة للصدّيقة عليها‌السلام (١) ، وكذلك محاولات إبراز الصدّيقة على أنّها إنسانة تقع تحت تأثير المشاعر الإنسانية العادية من الغضب أو الانفعالات أو حب الدنيا أو غير ذلك مما نشاهده أحيانا في كتب الحديث العامة.

هذه الملاحظات نضعها أمامنا عند ما نتحدث عن هذه الروايات ، وسوف أكتفي بالإشارة إلى عناوينها فقط ، كما صنعت ذلك في الروايات التي وردت في الإمام علي عليه‌السلام وهي كثيرة كما ذكرنا ، ونجد فيها الأبعاد التي ذكرناها في الإمامة.

ففي بعد (الاصطفاء) الذي هو من الأبعاد المهمة في قضية الإمامة ، نجد هناك مجموعة من العناوين تحدثت عنها الروايات التي أشير إليها (٢) :

منها : عنوان أنّها (حوراء إنسية) ، وعنوان أنّها (طاهرة مطهرة) ، وأنّها (حوراء آدمية) ، وأنّ الله تعالى فطمها وذريتها ومحبيها من النار ، وأنّها (صدّيقة) ، وأنّها هي

__________________

(١) كما في بعض النصوص التي تتحدث عن مساواتها لبقية النساء ، أو تحذف اسمها من قائمة النساء الفضليات ، أو توحي بأفضلية عائشة على جميع النساء ، مع أنّ عائشة ارتكبت مخالفات خطيرة بإجماع المسلمين ، أدت إلى شن الحروب وإراقة الدماء ، وتشتت شمل المسلمين في زمن الخليفة عثمان ، والإمام علي عليه‌السلام.

(٢) وردت هذه الروايات عن طريق الجمهور وهي موضوع حديثنا ، والكثير من هذه الروايات بالنسبة إلى أي عنوان من هذه العناوين أو مجموعة العناوين المتقاربة التي تعبر عن أحد الأبعاد ، توجد روايات صحيحة على طبق شروطهم في صحة الحديث.

(خيرة الله تعالى) ، أي أنّ الله تعالى اختارها ، فقضية الاختيار والاصطفاء مذكورة بعنوانها.

في هذا الصدد نقرأ بعض الروايات :

رواية رواها المستدرك على الصحيحين ، عن سعد بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أتاني جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة» (١) ، وهذه رواية تعبر عن قضية الاصطفاء أيضا ، أي أنّ الله تعالى كان قد اصطفى فاطمة بهذه الطريقة.

وفي رواية أخرى رواها الخطيب البغدادي في تاريخه ، عن عائشة ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «... ففاطمة من تلك النطفة وهي حوراء إنسية ...» (٢).

ورواية أخرى رواها صاحب ذخائر العقبى ، في قصة ولادتها من الحمل الخفيف لها ، والحديث في بطن أمها ، وما ولي من ولادتها من النساء وهن خيرة النساء المصطفين ، كما ورد ذلك في روايات متواترة لدى علماء الجمهور ـ وقد أشار القرآن الكريم إلى اصطفاء بعض هذه النسوة على أقل تقدير ، كما مرّ في الآيات الشريفة ـ حيث ولي ولادتها حواء ، وكلثم أخت موسى عليه‌السلام ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وهؤلاء النساء الأربعة هنّ اللواتي ولين ولادة فاطمة عليها‌السلام (٣).

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٦.

(٢) تاريخ بغداد ٥ : ٨٧.

(٣) روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «أتاني جبريل بتفاحة من الجنة فأكلتها وواقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فقالت : إني حملت حملا خفيفا فإذا خرجت ـ أي عند ما يخرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتبقى وحدها ـ حدثني الذي في بطني ، فلما أرادت أن تضع بعثت إلى نساء قريش ليأتينها فيلين

ومن ذلك ـ أيضا ـ ما ورد في تفسير اسم فاطمة ـ كما جاء في عدة طرق ـ من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله عزوجل فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار ، فلذلك سميت فاطمة» (١).

ومن ذلك ـ أيضا ـ ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا : لا إله إلّا الله محمد رسول الله علي حب الله ـ أي محبوب الله ـ والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة خيرة الله ، على باغضهم لعنة الله» (٢). وهذا الحديث صحيح ـ حسب الظاهر ـ طبق موازين الجمهور وأهل السنة. هذا في موضوع بعد الاصطفاء.

إذن ، ففاطمة كانت مصطفاة كما تدل على ذلك الأحاديث.

وفي موضوع بعد (المثال الإنساني الكامل) ، الذي عبرنا عنه ببعد الهدف من وجود الإنسان ، وأنّه وجود هؤلاء المصطفين ، وأنّ الإمامة تمثل المثال الكامل لهؤلاء المصطفين ، فقد ورد بشأن الصديقة فاطمة عليها‌السلام : (أنّ فاطمة حرّمها الله وذرّيتها على النار) ، وكذلك ما ورد في أنّ مصير فاطمة إلى الجنة ، و (فاطمة أول من يدخل الجنة) ، وما ورد في مرور فاطمة على الصراط ، وغيرها من الروايات.

ومن ذلك هذه الرواية التي تدل على هذا المضمون ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

__________________

منها ما تلي النساء ممن تلد ، فلم يفعلن وقلن : لا نأتيك وقد صرت زوجة محمد ، فبينما هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة عليهن من الجمال والنور ما لا يوصف ، فقالت لها إحداهن : أنا أمك حواء ، وقالت الأخرى : أنا آسية بنت مزاحم ، وقالت الأخرى : أنا كلثم أخت موسى ، وقالت الأخرى : أنا مريم بنت عمران أم عيسى ، جئنا لنلي من أمرك ما تلي النساء ، قالت : فولدت فاطمة سلام الله عليها ، فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها» ، ذخائر العقبى : ٤٤ ـ ٤٥.

(١) ذخائر العقبى : ٢٦ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٣٣١.

(٢) تاريخ بغداد ١ : ٢٥٩.

«تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب ليوافوا بالمؤمنين ـ يعني أنّ الله تعالى يأتي بالمؤمنين إلى الجنة بهذا الطريقة وبهذا الشكل ، وكل نبي يبعث على دابة من الدواب حتى يأتي بمن آمن به ، ممن اختارهم الله تعالى للجنة ـ من قومهم على المحشر ، ويبعث صالح على ناقته ، وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها ، وتبعث فاطمة أمامي» (١) ، وأنّ فاطمة عند ذلك تبعث أمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وهناك رواية أخرى يقول فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء حجاب : يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم عن فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى تمر».

وفي رواية أخرى : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : يا أهل الجمع نكّسوا رءوسكم وغضوا أبصاركم حتى تمرّ فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله على الصراط ، فتمرّ مع سبعين ألف جارية من الحور العين كمرّ البرق» (٢). وفي هذا الحديث مدلول أوسع من النص السابق ، إذ ليس المطلوب فيه غض البصر فحسب ، بل لا بدّ للناس من التعبير عن الاحترام أو الخضوع أو التقديس وهو ما نفهمه من «نكسوا رءوسكم».

وذكر الذهبي في ميزان الاعتدال حديثا واعترف بصحته ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أول شخص يدخل الجنة فاطمة» (٣). ولعله انتزعه من ذاك الحديث ـ وقد مرّ ـ الذي يقول فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «... وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها ، وتبعث فاطمة أمامي» ، فإذا كان يدخل الجنة وفاطمة أمامه ،

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٢ ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٣ ، وقال الحاكم عن الرواية السابقة : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، كنز العمال ١٢ : ١٠٥ ـ ١٠٦ / ٣٤٢٠٩ ، ذخائر العقبى : ٤٨ ، الصواعق المحرقة : ١٨٩ ، و ٢٨٩ ، تاريخ بغداد ٨ : ١٤١.

(٣) كنز العمال ١٢ : ١١٠ / ٣٤٢٣٤.

فبطبيعة الحال تكون فاطمة عليها‌السلام أول من يدخل الجنة.

هذا في موضوع التكامل الإنساني.

وأما في موضوع بعد (الامتياز والفضل) ، فإننا نجد ـ أيضا ـ الكثير من النصوص التي وردت في ذلك ، ولا سيما النصوص التي وردت في أنّها امتازت على النساء ، فإنّها كثيرة ومتواترة لدى أهل السنة ، فضلا عما ورد في أحاديثنا ، وأنّها هي أفضل النساء ، فهي سيدة نساء عالمها ، وأنّ عالمها أفضل العوالم.

كما وردت أحاديث كثيرة في ما يتعلق بأنّها لها فضل حتى على خير النساء ، ونصوص أخرى وردت في تشبيه فاطمة عليها‌السلام برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في خلقه وخلقه وهديه ، وهذا التشبيه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الأبعاد يعطيها درجة عالية جدا من الامتياز ، وهنا لا بدّ أن ننتبه أنّ هذا التشبيه لو كان قد ورد على لسان إمام من أئمتنا أو ولد من أولاد فاطمة فقد يحمل لدى الآخرين على المبالغة في تعظيم فاطمة عليها‌السلام أو على محامل أخرى خاصة ، أما عند ما يرد مثل هذا التشبيه على لسان عائشة ، وكانت عائشة ـ كما ورد في الحديث المرويّ في كتبهم وصحاحهم عنها ـ تكنّ شيئا من الغيرة لفاطمة ، باعتبار ما كانت تشعر به من حب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لها عليها‌السلام ، وأنّ علاقة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بها كانت وطيدة جدا كما ذكرنا.

فعند ما يأتي هذا الوصف وتشبيه فاطمة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على لسان عائشة يكون لهذا الوصف عندئذ مدلول خاص في إعطاء هذا الامتياز لفاطمة عليها‌السلام ، فهي تقول : (ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ قالت ـ : وكانت إذا دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا دخل عليها قامت من مجلسها فقبلته وأجلسته في مجلسها).

وهناك بعض الروايات التي تدل على علم فاطمة عليها‌السلام ، وزهدها وصبرها وتحملها ، وغير ذلك من الأخلاق العالية التي كانت تتصف بها عليها‌السلام والتي تكتسب ـ عادة ـ لدى عموم الناس ، وقد يكون بعضها غير مكتسب لديها.

فلا شك أنّ بعض الدرجات الموجودة في هذه الأخلاق هي مكتسبة من خلال ممارسة فاطمة الزهراء عليها‌السلام وسلوكها ، ولكن بعضها الآخر هو منحة إلهية أيضا. وعلى أي حال ، فهذا النوع من الأخلاق الذي عبّرنا عنه ب (الامتياز) لموجود في فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

وفي بعد (الامتداد) توجد ـ أيضا ـ مجموعة من الأحاديث التي تشير إلى ذلك ، من قبيل ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وأنا عصبتهم».

وفي رواية أخرى ما لفظه : «إنّ لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم ، وهم خلقوا من طينتي ، ويل للمكذبين بفضلهم ، من أحبهم أحبه الله ، ومن أبغضهم أبغضه الله» (١). فكان يفترض بأنّ فاطمة عليها‌السلام وولدها يمثلون امتدادا له وبقاء واستمرارا له.

وكذلك ما ورد بشكل متواتر في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني ، ومن أغضبها فقد أغضبني» ، أو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ومن سرّها فقد سرني» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيها : «بضعة مني» ، يكاد أن يكون متواترا بنصّه في كتبهم ، مع قطع النظر عن بعض الخصوصيات التي اقترنت بهذا التعبير.

__________________

(١) راجع المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٤ ، كنز العمال ١٢ : ٩٨ / ٣٤١٦٨ ، و ١١٤ / ٣٤٢٥٣ ، و ١١٦ / ٣٤٢٦٦ ، و ٣٤٢٦٧ ، تاريخ بغداد ١١ : ٢٨٥.

(٢) صحيح البخاري ٥ : ٣٦ ، باختلاف يسير.

وفي بعد (الطاعة والولاية) وارتباط الصدّيقة فاطمة عليها‌السلام بهذا البعد ، نلاحظ ما ورد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك» ، إذن ، فطاعتها تكون طاعة لله تعالى ، وأيضا عصيانها وإغضابها يكون إغضابا لله تعالى ، وقد احتجت الصدّيقة بذلك على الشيخين (١).

وما ورد من بعد (الولاء والمودّة) ، ووجوب حبها وودها ، ومن ذلك ما ذكرناه سابقا : «إنّ الله عزوجل فطم ابنتي فاطمة وولدها ومن أحبهم من النار». إذن ، فقضية حبّها يكون سببا لنجاة الإنسان من النار ، فهو واجب لا مناص عنه.

نسأله تعالى أن يجعلنا ممن أحب فاطمة عليها‌السلام وأحب أباها صلى‌الله‌عليه‌وآله وزوجها والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام من أبنائها ، وأن نكون إن شاء الله من السائرين على منوالها.

الروايات في الحسنين عليهما‌السلام

القسم الثالث من الروايات هي : الروايات التي وردت في الحسنين ـ الإمام الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ وهي ـ أيضا ـ على وجهين :

الأول : الروايات التي وردت في الحسنين بعنوانهما المشترك.

والثاني : ما تناول كلا من الحسن والحسين بصورة مستقلة وبخصوصياته ومواصفاته.

ملاحظات عامة

قبل الإشارة إلى هذه الروايات وعناوينها لا بدّ من الإشارة إلى عدة ملاحظات حول هذه الروايات (٢) :

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٣٨٠ / ١٧٥٩ ، سنن الترمذي ٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ / ١٦٠٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٥٣ ، كنز العمال ١٢ : ١١١ / ٣٤٢٣٨ ، ذخائر العقبى : ٣٩.

(٢) قلنا سابقا : إنّنا نتحدث الآن عن الروايات التي وردت بطريق الجمهور ، أما التي وردت

الملاحظة الأولى : أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام يمثلان مصداقا من أوضح المصاديق التي ينطبق عليها عنوان أهل البيت بعد أمهما فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ولذلك فلا بد أن ننظر إلى هذه الروايات كروايات مكمّلة وموضّحة للآيات والروايات الشريفة التي وردت بشأن أهل البيت عليهم‌السلام ، لأنّ ما ورد بشأنهم بصورة عامة من آيات وروايات شريفة تحدثت عنهم عليهم‌السلام بصورة عامة تناولناها بالحديث سابقا ، تنطبق على الحسن والحسين عليهما‌السلام ـ أيضا ـ باعتبارهما من المصاديق الواضحة لعنوان أهل البيت عليهم‌السلام.

الملاحظة الثانية : أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام كانا في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في سن الطفولة ، أي لم يكونا قد بلغا سنّ الرشد بالمعنى العرفي له ، بنظر الناس في الحياة البشرية الاعتيادية ، فالحديث عنهما من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ورد بشأنهما وهما يعيشان هذا السن.

نعم ، إنّ الإمام الحسن والحسين عليهما‌السلام قد بلغا الرشد الكامل بالمعنى الحقيقي والمعنوي للرشد بحسب الواقع في معرفتنا لهما باعتبارهما إمامين معصومين ، كما تشير إلى ذلك الآيات والروايات التي وردت في أهل البيت عموما ، ولكن حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهما أمام الناس كان حديثا عن طفلين بنظر هؤلاء الناس ، وبذلك عند ما يتحدث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهما بحديث له مضمون عال ، فإن ذلك له مداليل تختلف عن مدلول ما إذا تحدث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن إنسان يراه الناس كاملا في كل خصوصياته وشئونه الإنسانية من قوة بدنية ، ومن عمر متقدم ، ومن ممارسة اجتماعية

__________________

بطريق جماعة أهل البيت فسوف نتناولها بعد ذلك في حديث آخر.

كما أنّ حديثنا عن الروايات الخاصة التي وردت في الحسنين عليهما‌السلام فقط.

وجهادية ، وغير ذلك مما كان يصدر من أحاديث عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالنسبة للإمام علي عليه‌السلام.

فالإمام علي عليه‌السلام تحدث عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بأحاديث كثيرة ، ولكن الإمام علي عليه‌السلام ـ على المستوى البشري العادي الإنساني أيضا ـ إنسان له مستوى مناسب من حيث السن والعمر ، ومن حيث الممارسة الخارجية في القتال والجهاد والحركة الاجتماعية ، وفي تحمل المسئولية الخارجية ، حيث كان يمارس أدوارا في هذه المجالات ، ومن ثمّ فالحديث عنه حديث عن شخص يراه الناس تتجسد فيه هذه المضامين والعناوين التي كان يتحدث عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أما عن الحسن والحسين عليهما‌السلام فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يتحدث عن طفلين لا يرى الناس منهما إلّا صغر سنهما وحياتهما المحدودة.

الملاحظة الثالثة : أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام قد مرت بهما ظروف سياسية خاصة ، فلا بد من ملاحظتها عند دراسة وتقييم هذه الأحاديث.

فالإمام الحسن مرّ بظروف مقاومته لمعاوية الطامع بالخلافة والسلطان ، ثم الصلح معه بعد ذلك ، أو (الهدنة) معه إذا أردنا أن نستخدم تعبيرا دقيقا عن الموقف السياسي والمذكرة التي وقعها الإمام الحسن عليه‌السلام مع معاوية.

والإمام الحسين عليه‌السلام مرّ بظروف الثورة والنهضة ضد الحكم الأموي اليزيدي مما أدى إلى استشهاده.

وبسبب هذه الظروف تعرض كل من الإمام الحسن والحسين عليهما‌السلام إلى محاولة واسعة للتقليل من شأنهما ، باعتبار هذين الظرفين السياسيين.

فمثلا نلاحظ أنّ أي مضمون (نبوي) يعبّر عن إمامتهما بصورة واضحة فإنّ ذلك يعني سحب الشرعية عن السلطة الأموية من أولها إلى آخرها ، حيث تصبح الخلافة الأموية خلافة غير شرعية وغير صحيحة ، والخط العام الموجود لدى

المسلمين ـ مع الأسف ـ يحاول بشتى الوسائل أن يصحح هذه الخلافة ، ولذا فمن الطبيعي أن يتعرض مثل هذا المضمون ـ لو ورد في ضمن نص معين ـ إلى الحذف أو التحريف بطبيعة الحال.

وهذه مشكلة من المشاكل المعقدة التي يواجهها جمهور المسلمين من الناحية الفكرية والعقائدية والأخلاقية ، تجاه الكثير من النصوص التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مختلف المجالات ، وهي مشكلة أنّهم إن أرادوا أن يسحبوا الشرعية من هذه الخلافة ، فسوف يعني ذلك سحب الشرعية عن الحكم الإسلامي طيلة هذه القرون الطويلة كلها ، لأنّها تتشابه الحالة فيها ، وتصبح الخلافة الإسلامية موضع سؤال وشك ، بل في موضع النفي ولا يوجد بديل آخر من الناحية العقائدية لديهم عن ذلك ، وسوف يؤدي إلى سحب الشرعية عن جميع المؤسسات الأخرى التي كانت مرتبطة بالوجود العام لنظام الخلافة ، لأنّها مرتبطة بهذه الحكومات والتشكيلات السياسية ، بل قد يسري الشك حينئذ إلى شرعية الخلافة الأولى أيضا.

ولذلك فهذه مشكلة من المشكلات التي كانوا يحاولون بشتى الوسائل أن يجدوا الحل لها بالتعتيم على هذه الحقيقة ، وقد وضعت أحاديث وأوّلت وفسّرت أحاديث أخرى ، وأضيف وزيد على أحاديث ثالثة ، من أجل المحافظة على شرعية هذه الخلافة.

ولا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ معاوية تمرد ودخل في صراع مع الخلافة الشرعية لعلي عليه‌السلام ، وأنّ الإمام الحسن استلم الخلافة من الإمام علي عليه‌السلام كحالة شرعية.

إذن ، فكيف يمكن تصحيح شرعية خلافة معاوية مع شرعية الإمام الحسن عليه‌السلام

والذي كان قد أعلن الجهاد على معاوية ، وهل يكفي في شرعية الخلافة الغلبة بالقوة ، والحيلة والخداع ، وشراء الضمائر والولاءات بالأموال ، كما يذهب إلى ذلك بعضهم ، لتبرير وتفسير الواقع القائم؟!! ، ولذلك حاولوا أن يغيّروا ويفسّروا الكثير من الأمور ، ويعتموا على الكثير من الأمور الأخرى.

وأما الإمام الحسين عليه‌السلام ، فإنّه قد نهض في مقابل يزيد أيضا ، وأدى ذلك إلى مقتله الشريف ومقتل أهل بيته وأصحابه في عاشوراء ، وإلى نهب رحله وسبي حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكيف يمكن إضفاء الشرعية على خلافة يزيد إذا كان الإمام الحسين هو الخليفة والإمام وصاحب الحق؟!!.

ولذلك تعرض الإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام بصورة خاصة إلى عملية تعتيم وقمع مادي وإعلامي ، تجاه جميع ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأنهما وبخصوصيتهما (١).

في هذا الجو والرؤية لا بدّ أن ننظر إلى هذه الروايات والأحاديث :

روايات العنوان المشترك

عند ما نأتي إلى هذا القسم من الروايات التي وردت في خصوص (الحسنين) ، يمكن أن نرى فيها مختلف معالم الإمامة التي أشرنا إليها سابقا ، باستثناء معلم واحد وهو الولاية ، حيث لا يبدو واضحا في هذه الروايات التي وردت في الحسن والحسين عنوان الإمامة والولاية.

__________________

(١) وإذا كان يمكن لبعض هؤلاء أن يؤول الأحاديث التي وردت في الإمام علي عليه‌السلام ، باعتبار سكوته عن المقاومة المسلحة للخلفاء وقبوله بالتعايش مع الخلافة أيام زمانه ، الأمر الذي قد يفتح الباب لمثل هذه التأويلات!! ، ولكن ذلك لا يمكن أن يتم بهذه الصورة مع الإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام ، مع دخولهما في صراع مسلح مع الحكم الأموي.

نعم قد نجد معلم الولاية بصورة واضحة في ما ورد في عموم أهل البيت ـ كما ذكرنا سابقا ـ من الآيات والروايات ، لأنّه يشمل الإمامين الحسن والحسين في هذا الجانب ، ولكن فيما يتعلق بما ورد بعنوانهما الخاص ، قد لا نرى هذا العنوان إلّا بالاستنتاج والاستنباط (١).

وهنا نشير إلى بعض هذه الروايات التي تشير إلى بعض هذه الأبعاد ، وذلك كنماذج للتبرك بها :

١ ـ من الروايات التي وردت في بعد (الاصطفاء) ـ وقد مرت سابقا ، وهو من أبعاد الإمامة ـ ما رواه الخطيب البغدادي ، بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا : لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله ، عليّ حب الله ، والحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة خيرة الله ، على باغضهم لعنة الله» (٢).

٢ ـ وفي رواية أخرى ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّه هو الذي سمّى حسنا وحسينا ومحسنا باسم ولد هارون ، وهم شبر وشبير ومشبر (٣) ، فإن هذه التسمية لها دلالة على حالة الاصطفاء ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند ما يسميهما ويربطهما بهذا التاريخ يريد أن يعبر عن خصوصية الاصطفاء من خلال ربطهما بهذا التاريخ الإلهي والرسالي المتمثل بتاريخ بني إسرائيل.

٣ ـ وأيضا الرواية التي وردت في أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عوذ الحسن والحسين عليهما‌السلام بما عوذ به إبراهيم عليه‌السلام ولديه إسماعيل وإسحاق (٤) ، فإن هذا يشير إلى هذا الجانب.

__________________

(١) هذا في حدود اطلاعنا ، والله العالم.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ١٤ : ١٧٠.

(٣) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٥ ، ذخائر العقبى : ١٢٠ ، الصواعق المحرقة : ١٩٢.

(٤) صحيح البخاري ٤ : ١٧٩ ، سنن الترمذي ٤ : ٣٩٦ / ٢٠٦٠.

٤ ـ وفيما يتعلق ـ أيضا ـ بهذا الموضوع ما ورد في أنّ الحسنين عليهما‌السلام خير الناس جدا وجدة وأبا وأما (١) ، فإن هذا يمكن أن يشير ـ أيضا ـ إلى بعد الاصطفاء.

٥ ـ وفي رواية أخرى : ورد بعد آخر يعبر عن جانب الهدف و (الكمال الإنساني) في شخصية الإمامين الحسن والحسين عليهما‌السلام ، من خلال رؤيتهما في المحشر.

فقد روى الهيثمي في مجمعه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يبعث الله الأنبياء يوم القيامة على الدواب ، ويبعث صالحا على ناقته كيما يوافي بالمؤمنين من أصحابه المحشر ، ويبعث بابني فاطمة الحسن والحسين عليهما‌السلام على ناقتين من نوق الجنة ، وعليّ بن أبي طالب عليه‌السلام على ناقتي ، وأنا على البراق ...» (٢).

٦ ـ ورواية أخرى تشير إلى هذا البعد ـ أيضا ـ ما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا عليّ إذا كان يوم القيامة أتيت أنت وولدك على خيل بلق متوجين بالدر والياقوت فيأمر الله بكم إلى الجنة والناس ينظرون» (٣). فإنّ هذه النهاية والصورة المحشرية تعبّر ـ أيضا ـ عن خصوصية الحسن والحسين عليهما‌السلام ، كما تشير إليه هذه الرواية.

إذا أخذنا بنظر الاعتبار أنّ الحشر تتبين فيه الحقائق بصورة كاملة ، فالمنظر والصورة والمشهد المحشري الذي يعبّر عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هنا يجسد الامتيازات

__________________

(١) كنز العمال ١٢ : ١١٨ / ٣٤٢٧٨ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٤.

(٢) ولكن هذه الرواية رواها عن الطبراني في معجمه الكبير ورواها ـ أيضا ـ المحب الطبري في ذخائره ، ولكن باختلاف في اللفظ ، وقد روى أبو هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «تبعث الأنبياء على الدواب ، ويحشر صالح على ناقته ، ويحشر ابنا فاطمة على ناقتي العضباء والقصواء ، وأحشر أنا على البراق خطوها عند أقصى طرفها ...» ، المعجم الكبير ٣ : ٤٣ / ٢٦٢٩ ، ذخائر العقبى : ١٣٥ ، مجمع الزوائد ١٠ : ٦٠٢ / ١٨٣٢٣.

(٣) ذخائر العقبى : ١٣٥.

والنتائج في حركة الإنسان وحركة البشرية الدنيوية ، ونعرف بذلك أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يعبر بهذا عن الخصوصية التكاملية في الحسن والحسين عليهما‌السلام في النهاية المحشرية.

٧ ـ وكذلك ما ورد في هذا البعد أنّ «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» (١) ، وكذلك ما ورد فيهما أنّهما «زين الجنة» (٢) ، وورد فيهما أنّهما «قرطا العرش» (٣).

٨ ـ وهناك رواية تعبر عن بعد آخر وهو (الامتياز والفضل) ، فقد روى مجاهد قال : جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهما‌السلام فسألهما فقالا : «إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة : لحاجة مجحفة ، أو لحمالة مثقلة ، أو دين فادح» ، فأعطياه ـ أما في غير ذلك فالمسألة لا تكون صحيحة من الناحية الأخلاقية وقد لا تكون صحيحة من الناحية الشرعية ـ ثم أتى هذا السائل إلى ابن عمر فأعطاه رأسا ولم يسأله ـ بدون أن يسأله شيئا ـ فقال له الرجل : أتيت ابني عمك فسألاني ولم تسألني فقال ابن عمر : أنبأنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنهما كانا يغران العلم غرا (٤). فهما على هذا الامتياز من العلم بشهادة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٩ ـ هناك مجموعة من الروايات أخرى قد وردت ـ أيضا ـ في هذا الجانب ،

__________________

(١) سنن الترمذي ٥ : ٦٥٦ / ٣٧٦٨.

(٢) مجمع الزوائد ٩ : ١٨٤.

(٣) فيض القدير ٣ : ٤١٥ / ٣٨٣٤ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٤ ، الصواعق المحرقة : ١٩٢.

(٤) تاريخ بغداد ٩ : ٣٦٦.

يلاحظ هنا أنّ ابن عمر لا يذكر هذه الصفة للحسنين إلّا بعد أن يستثيره السائل بهذه الطريقة ، كما لم يذكرها غيره من المحدثين.

ورد في تفسير يغرّان : يزقّان ، وغرّ الطير فرخه. أي زقّه الطعام.

فعن أنس قال : كان الحسن والحسين عليهما‌السلام أشبههم ـ أشبه الناس ـ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

وما ورد أيضا في جملة من الفضائل المتفرقة للحسن والحسين في مناقبهما مما يعبر عن جانب الامتياز فيهما.

١٠ ـ وفي ما يتعلق ببعد (الامتداد) أنّ الحسن والحسين يعبّران عن امتداد للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما ورد بأنّ الحسنين عليهما‌السلام عضوان من أعضاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢) ، وأنّهما عليهما‌السلام ريحانتا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يرضى لهما الشمس (٣) ، وأيضا ما ورد في أنّ الحسن والحسين ورثهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بطلب فاطمة عليها‌السلام منه عند شكواه ومرضه الذي توفي فيه ـ جملة من الصفات الحميدة التي كان يتصف بها صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

وكذلك ورد ـ أيضا ـ بأنّ الحسن والحسين سبطا هذه الأمة (٥).

حيث نلاحظ في هذه الروايات أنّها تعبر عن هذا البعد وهو بعد (الامتداد) للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١١ ـ وفيما يتعلق ببعد (الحب والولاء) ، فقد ورد عن زر بن حبيش قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم يصلي بالناس فأقبل الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما غلامان فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد ، فأقبل الناس عليهما ينحونهما عن ذلك ، قال : «دعوهما بأبي وأمي ، من أحبني فليحبب هذين» (٦).

__________________

(١) ذخائر العقبى : ١٢٧.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ١٢٩٣ / ٣٩٢٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٧٦.

(٣) راجع صحيح البخاري ٨ : ٨ ، ذخائر العقبى : ١٢٤.

(٤) كنز العمال ١٢ : ١١٣ / ٣٤٢٥٠ ، و ١١٧ / ٣٤٢٧٢ ، ٣٤٢٧٣ ، ذخائر العقبى : ١٢٩.

(٥) ذخائر العقبى : ١٣٥ ـ ١٣٦.

(٦) سنن البيهقي ٢ : ٢٦٣ ، المستدرك على الصحيحين ٣ ١٦٧ ، ذخائر العقبى : ١٣٢ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٢.

وتوجد هنا في هذا المجال مجموعة من الروايات تشير إلى مدى تعلقه وحبه صلى‌الله‌عليه‌وآله لهما عليهما‌السلام ، روى عبد الله بن شداد عن أبيه قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسنا أو حسينا عليهما‌السلام فتقدم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعه ثم كبر للصلاة فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، قال أبي : فرفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة قال الناس : يا رسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنّه قد حدث أمر أو أنّه يوحى إليك؟ قال : «كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته» (١).

وهكذا ما روي ـ أيضا ـ عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما‌السلام وعليهما قميصان أحمران يعثران فيهما ، فنزل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقطع كلامه فحملهما ثم عاد إلى المنبر ، ثم قال : «صدق الله (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما» (٢).

كذلك ما ورد في ما يعبر عن الحب مثل : أنّ الحسن والحسين أحب أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إليه (٣) ، وأيضا ما جاء في وجوب حب الحسنين عليهما‌السلام ، وما جاء في حرمة بغضهما من أحاديث عديدة (٤) ، فإنّ كل ما جاء في حبهما من وجوب ، وحسن ،

__________________

(١) سنن النسائي ٢ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨١.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٦٥٨ / ٣٧٧٤ ، سنن النسائي ٣ : ١٠٨ / ١٤١٣.

(٣) سنن الترمذي ٥ : ٦٥٧ ـ ٦٥٨ / ٣٧٧٢ ، ذخائر العقبى : ١٢١ ـ ١٢٢.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٦ ، و ١٧١.

وثواب ، وأجر ، وما جاء في بغضهما من حرمة ، ولعن ، وما أشبه ذلك ... يؤكد ذلك (١).

ونلاحظ في هذه الروايات ـ بحسب المراجعة السريعة التي قمت بها ـ وجود النصوص على أنّ الحسن والحسين عليهما‌السلام بعنوانهما تتوفر فيهما جميع هذه الأبعاد ، وهذه الأبعاد بمجموعها يمكن أن ينتزع منها بعد الولاية الذي أشرت إليه ، ولكن بنحو الاستنباط ، وإن لم تذكر الحكم والطاعة والولاية والإمامة بعناوينها.

الروايات بالعنوان الخاص

الروايات التي وردت في كل من الحسن والحسين بعنوانه الخاص ، فنحن نلاحظ ـ مضافا إلى هذه الخصوصيات التي أشير إليها في العنوان المشترك ـ أمرين آخرين :

الأمر الأول : هو الإشارة إلى أنّ الحسن عليه‌السلام هو سيد في قومه ويصلح الله تعالى به بين طائفتين من المسلمين (٢).

ولكن هذه الرواية التي وردت في شأن الإمام الحسن عليه‌السلام يمكن أن يقال عنها بأنّها رواية مزورة يراد بها تصحيح ما وقع خارجا من الهدنة بين الحسن ومعاوية ، وإضفاء الشرعية على هذه القضية ، لتصبح قضية صحيحة وشرعية ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تحدث عنها.

كما يمكن أن تفسر هذه الرواية على أنّها حديث عن شأن من شئون الإمام الحسن عليه‌السلام وما يتعرض له من مظلومية ، حيث إنّ هذا الصلح لم يكن أمرا

__________________

(١) سوف نشير في بحثنا عن طائفة الروايات التي وردت بشأن شيعة أهل البيت ، أنّ هذا الحب يعني معنى أوسع من العاطفة ، فانتظر.

(٢) فضائل الخمسة ٣ : ٢٩٠ ـ ٢٩٢.

اختياريا ، وإنّما كان أمرا مفروضا على الإمام الحسن عليه‌السلام.

الأمر الثاني : هو ما ورد عن رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من حديث واسع في ما يتعلق بمقتل الإمام الحسين عليه‌السلام وما يجري عليه ، واللعن لقاتليه ، وغير ذلك من الشئون فيما يتعلق بهذا الحدث المهم الذي يرتبط بالإمام الحسين عليه‌السلام ، فقد ورد الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في نهضته بصورة واسعة نسبيا.

ولعل هذه الأحاديث التي وردت عن نهضة الإمام الحسين عليه‌السلام هي التي تمكنت أن تثبت قضيته عليه‌السلام في التاريخ بصورة شرعية وإسلامية ، ثمّ يعجز الأمويون عن كتمانها والتعتيم عليها.

ويبدو أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعلمه الغيبي ومعرفته للمستقبل كان يعرف ما يجري على الإمام الحسين عليه‌السلام من محن ومصائب وآلام ، ويعرف أنّه إذا لم يتم التأكيد لهذه القضية بصورة واسعة في زمانه ، فمن الممكن أن تفسّر هذه القضية وتؤوّل وتحرّف بطريقة بحيث يصبح الإمام الحسين عليها‌السلام مدانا في هذه الحركة ، وكأنّه قد شق عصا المسلمين ، كما حاول الأمويون أن يصنعوا ذلك.

ولهذا فقد تدارك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الأمر بالتأكيد لقضية الإمام الحسين عليه‌السلام (١) ، كما تدارك الأمر بالنسبة إلى قضايا أخرى مثل : حبّ أهل البيت عليهم‌السلام ، وولاية علي عليه‌السلام ، بالتأكيد على هذه الولاية ، بحيث لم يكن من الممكن أن تمسح من ذاكرة التاريخ.

إذن ، فهذه الطائفة من الروايات يمكن أن تكون دليلا آخر على اختصاص الإمامة بأهل البيت عليهم‌السلام من روايات الجمهور.

__________________

(١) كنز العمال ١٢ : ١٢٥ ـ ١٢٩ / ٣٤٣١١ ـ ٣٤٣٢٧ ، ذخائر العقبى : ١٤٣ ـ ١٥١.

الروايات في شيعة أهل البيت

الطائفة الثالثة : الاستدلال على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام بالروايات التي وردت في موضوع (شيعة أهل البيت) أو التشيع لهم (١).

ولعل النصوص التي وردت في تفسير الآيات الكريمة في سورة البينة هي من أوضح الأدلة والروايات التي يمكن الاستدلال بها على هذه الحقيقة ، حيث ورد في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٢) ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في مناسبات عديدة ، عند ما كانت تتلى هذه الآية الكريمة ـ أنه كان يقول لعلي عليه‌السلام : «أنت وشيعتك هم خير البرية».

فإننا إذا نظرنا إلى سياق هذه الآيات الكريمة يصبح من الواضح أنّ المقصود هو الحديث عن خط إسلامي متميز في حركة تاريخ البشرية والإنسانية وتكامل الرسالات الإلهية ، وهذا الخط الإسلامي المتميز الذي انتهت إليه هذه الحركة هم شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، لأن الآيات الكريمة تبدأ بالحديث عن أصناف الناس من أهل الكتاب والمشركين : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ).

ثم يتحدث القرآن الكريم عن هذه البينة بأنّها رسول الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً* فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ).

ثم يتحدث القرآن الكريم عن الاختلاف الذي وقع في الرسالات الإلهية

__________________

(١) يستدل ـ عادة ـ بهذه الروايات على فضل شيعة أهل البيت وقربهم من الله تعالى ، كما سوف أشير إلى بعض هذه النصوص ، ولكن نحن نحاول هنا أن نستدل بهذه الروايات على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام أيضا.

(٢) البينة : ٧.

والموقف السابق لها تجاه هذا الموضوع ، ويؤكد حقيقة الدين القيم وهو (الإسلام) : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ* وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ).

ثم يطبق القرآن الكريم هذا الدين القيم في نهاية مسيرته على حركة الإنسان الخارجية ، من خلال بيان تجسيد الكافرين به ونهايتهم ، الذين هم شر البرية ، وتجسيد المؤمنين به ونهايتهم ، الذين هم خير البرية : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ* إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (١).

ويشخص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الجماعة من الناس الذين يصدق عليهم عنوان (خير البرية) ، ويطبقها على عليّ عليه‌السلام وشيعته.

وقد وردت النصوص المتضافرة والصحيحة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في روايات أهل السنّة ، فضلا عما ورد في روايات جماعة أهل البيت ، وهي متضافرة ـ أيضا ـ أنّ هؤلاء الذين يمثلون دين القيمة وخير البرية هم ، كما ورد في هذا النص : «هم أنت وشيعتك يا عليّ» (٢).

__________________

(١) البينة : ١ ـ ٨.

(٢) وقد ورد من طرق العامة والخاصة ، راجع تفسير جامع البيان ٣٠ : ١٧١ ، الدر المنثور ٨ : ٥٨٩ ، فعن ابن عباس قال : لمّا نزلت هذه الآية ـ أي (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «هم أنت يا عليّ وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين» ، بحار الأنوار ٣٥ : ٣٤٤ ـ ٣٤٧ ، ورواه ابن حجر في الصواعق المحرقة : ١٦١.

وإذا لاحظنا أنّ شيعة علي عليه‌السلام يشتركون مع بقية المسلمين بالاعتقاد بالأصول الإسلامية العامة ، وأنّ الميزة الرئيسية التي يتميزون بها على غيرهم من المسلمين هو في الاعتقاد بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام ، فإن شيعة عليّ عليه‌السلام ـ كما نعرف ـ يشتركون مع بقية أهل الديانات بالاعتقاد بالوحي الإلهي والرسل ، ويشتركون مع بقية المسلمين بعقيدة التوحيد والنبوة والمعاد ، وبإقامة الصلاة وأداء الزكاة والحج والصوم والخمس ، ومختلف العبادات والممارسات التي عرفناها في الإسلام.

نعم ، قد يختلفون عنهم في بعض التفاصيل ، كما قد يختلف الشيعة وبقية المذاهب أنفسهم فيما بينهم ببعض هذه التفاصيل ، ولكن الأمر الرئيسي الذي يميز شيعة أهل البيت عليهم‌السلام من الناحية العقائدية والدينية إنّما هو اعتقادهم بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام باعتبارهم أئمة نصبوا من الله تعالى ، وجعلوا لهذا المنصب والموقع الخاص ، وبذلك تسموا وعرفوا بالشيعة (١).

ومضافا الى هذا النص النبوي الشريف توجد طائفة كبيرة وواسعة من الروايات التي وردت في حق وموضوع شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، يمكن أن نستفيد منها هذا المضمون الذي استفدناه من الآيات الكريمة السابقة ، بعد تفسيرها بقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وباعتبار أنّ استعراض الروايات يحتاج إلى بحث طويل ، لذا نكتفي بذكر بعض

__________________

(١) لا بدّ أن نثبت ـ في هذا المجال ـ أنّ هذه الميزة للتشيع كانت ثابتة في عصر النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ليتم هذا الاستدلال.

وهذا ما قمنا بإثباته في حديث مستقل حول الشيعة ، وتناوله بعض الباحثين ، ولعل هذا النص في تفسير نزول الآية أحد أهم الأدلة على ذلك ، وسوف نشير في الملاحظات الآتية إلى بعض هذه الأدلة والقرائن.

النصوص ، ونشير إلى بعض العناوين التي وردت في هذه الروايات ، بعد بيان مجموعة من الملاحظات والتقسيم العام للروايات ، وذلك على طريقتنا في الاختصار بالبحث (١).

__________________

(١) بمناسبة هذه الأيام الشريفة من شهر شعبان المبارك أختار لكم رواية من الروايات التي تكاد أن تحصي المضمون العام للطوائف المختلفة للروايات التي وردت في شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، فقد ذكر الزمخشري ـ وهو من علماء الجمهور المعروفين ـ في تفسيره الكشاف عند ذكر قوله تعالى : (... قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) ، الشورى : ٢٣ ، قال : وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من مات على حب آل محمد مات شهيدا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزارا لملائكة الرحمن ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة» ، انتهى ، الكشاف ٣ : ٤٦٧.

وقال الفخر الرازي في تفسيره الكبير في ذيل تفسير هذه ـ أيضا ـ بعد نقل ما تقدم من الزمخشري في الكشاف ـ ما لفظه : (أقول : آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شك أنّ فاطمة وعليا والحسن والحسين عليهم‌السلام كان التعلق بينهم وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أشد التعلقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل) ، التفسير الكبير ١٤ : ١٦٦ ـ ١٦٧.

ومضمون هذه الرواية يكاد أن يكون مضمونا متواترا في روايات الجمهور ، حيث توجد عشرات بل مئات الأحاديث ـ عشرات الأحاديث الصحيحة بأسانيدهم ، ومئات الأحاديث العامة ـ فيها الصحيح وفيها غير الصحيح بحسب موازين علم الحديث ، تتعرض لهذا المضمون ، ولكن بصيغ مختلفة ، ولا أريد أن أطيل الكلام في الإشارة إلى هذه الصيغ ، ولكن سوف أقسم هذه الطوائف وأذكر عناوين بعض هذه الصيغ.

الملاحظات

تاريخ التشيع

الملاحظة الأولى : أنّ كلمة (الشيعة) و (التشيع) من الناحية التاريخية كانت كلمة قد وجدت في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولم تكن كلمة أو عنوانا من العناوين المستحدثة التي وردت بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ويوجد هناك بحث تاريخي يتناول هذه المفردة من الناحية التاريخية ، يذكر الشواهد التاريخية على هذا الموضوع (١) ، على خلاف بعض المحاولات التي تذكر بأنّ التشيع كان أمرا مستحدثا ، إما بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بعد مقتل الإمام علي عليه‌السلام.

وهذا ـ في الواقع ـ من الموضوعات المهمة التي لا بد أن نأخذها بنظر الاعتبار ، حيث يمكن الإشارة فيه إلى عدة نقاط :

النقطة الأولى : أنّ كلمة (شيعة) كانت تتردد في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مناسبات عديدة ، منذ بداية الدعوة الإسلامية حتى الأيام الأخيرة من حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أشرت إلى ذلك في الرواية التي وردت في تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، حيث إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال

__________________

(١) ويشير إلى ذلك بعض الكتاب المعاصرين ، من قبيل سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حسين المظفر رحمه‌الله في كتابه تاريخ الشيعة ـ الذي هو من الكتب الجيدة التي تستحق التحقيق وإعادة النشر بصورة مناسبة ـ وقد اعتمد عليه المرحوم العلامة محمد جواد مغنية ـ أيضا ـ في الإشارة إلى هذا الموضوع ، كما أنّ هناك إشارات أخرى لهذا الموضوع في كتابات بعض كتابنا المتأخرين.

لعلي عليه‌السلام : «هم أنت وشيعتك يا عليّ».

ويذكر تاريخيا أنّ أول دعوة للتشيع لعلي عليه‌السلام كانت في حادثة الدار ودعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعشيرته الأقربين (١) ، كما أنّه لا شك أنّ الشيعة والتشيع لغة وعرفا لا تعني مجرد الحب والعواطف والمشاعر والميل والهوى ، وإنّما يعني الجماعة والمتابعة والفئة.

النقطة الثانية : أنّ هناك مجموعة من الأشخاص كانوا معروفين بين المسلمين بأنّهم شيعة لعلي عليه‌السلام ، بحيث أصبح هذا العنوان له مصاديق في الخارج تتجسد فيهم حالة التشيع والارتباط بعلي عليه‌السلام ارتباطا خاصا يجعلهم تحت هذا العنوان ، مما يعبر عن خط وارتباط عقائدي وسياسي خاص.

ويذكر في هذا الصدد مجموعة من الأشخاص بعضهم عرّفهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعنوان أنّهم شيعة علي عليه‌السلام كسلمان الفارسي ، حيث يذكر بعنوان أنه من شيعة علي عليه‌السلام بتعريف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله له ، وبعضهم يذكرون كجماعة من الناس يعرفون بين المسلمين بأنّهم شيعة علي عليه‌السلام كعمار بن ياسر ، وأبي ذر ، والمقداد ، وخالد بن سعيد بن العاص من بني أمية ، وحذيفة بن اليمان ، وأبي سعيد الخدري ، وآخرين من كبار الصحابة المعروفين (٢) ، الذين كان لهم دور عظيم جدا ـ بعد ذلك ـ في تاريخ الإسلام والفتوحات الإسلامية وـ أيضا ـ كان لهم دور متميز بين أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كانوا يعرفون بأنّهم شيعة علي عليه‌السلام ، ويبدو أنّ السبب في معرفتهم بهذه الصفة هو موقفهم من علي عليه‌السلام ، في قضية الخلافة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووقوفهم إلى

__________________

(١) تاريخ الشيعة : ٩.

(٢) المصدر السابق عن الكاتب محمد كرد علي في كتابه خطط الشام ٥ : ٢٥١ ـ ٢٥٦ ، وهو من كبار مؤرخي الجمهور المعاصرين.

جانب علي عليه‌السلام في رفض البيعة ، الأمر الذي يؤكد أن هذه الصفة كانت مرتبطة بهذه الميزة الخاصة.

النقطة الثالثة : أنّ المسلمين في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كانوا يعتبرون التشيع لعلي عليه‌السلام وحبه المقياس والميزان الذي يزنون به بين المؤمن والمنافق ، حيث إنّ ظاهر الإسلام واحد بين جميع المسلمين (المؤمن والمنافق) ، وهو قول الشهادتين ، وحضور الشعائر الإسلامية كصلاة الجمعة والجماعة ، وحج بيت الله الحرام ، أو أداء الزكاة ، أو غير ذلك من الشعائر والعبادات ، فقد كان المسلمون ـ المؤمن والمنافق منهم بصورة عامة ـ يتساوون في المظهر الخارجي والسلوك العام.

نعم كان للمنافقين مواقف متعددة تعبر عن حالة النفاق ، ولكن هذه المواقف في كثير من الأحيان كان يقع فيها اختلاف بين المسلمين في الاجتهاد والتفسير لها ، وكان يشترك فيها ـ أيضا ـ مع المنافقين ـ بسبب وجود الاختلاف في التفسير ـ بعض المؤمنين متأثرا بالتيار الذي كان يوجده المنافقون ـ أحيانا ـ في وسط المسلمين ، لأن المنافقين كانوا يتخذون موقفا يقع بعض المسلمين ـ لغفلة أو جهالة ـ تحت تأثيره ، لأسباب قبلية أو عشائرية أو مصالح خاصة أو لسوء الفهم ، وغير ذلك من الرواسب الجاهلية ، وكان بعض المؤمنين يشترك مع المنافقين في بعض هذه المواقف ، ولذلك لم تكن هذه المواقف قادرة على تمييز المنافقين عن المسلمين ، لوجود هذا التداخل والاختلاف في الحركة الخارجية.

ولكن كان هناك مائز رئيس وأساس أكد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أجل أن يميّز المنافق عن المؤمن ، وأصبح هذا التمييز معروفا ـ أيضا ـ بين المسلمين ، وليس تمييزا من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وحده ، وإنّما تحوّل هذا التأكيد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حالة سياسية واجتماعية بين المسلمين ، بحيث أصبح التشيع لعلي وحب علي عليه‌السلام

العلامة الفارقة بين المؤمن والمنافق ، وتوجد نصوص على لسان بعض الصحابة تشير إلى ذلك وأنّهم كانوا يقولون : إنّنا كنا نميز المؤمن من خلال حبّه لعلي وبغضه لعلي (١).

الاستنتاج

وهذه النقاط الثلاثة إذا أردنا أن نجمع بعضها إلى جانب بعض يمكن أن نخرج بهذه النتيجة : وهي أنّ قضية الشيعة والتشيع لعلي عليه‌السلام كانت قضية سياسية قائمة في المجتمع الإسلامي في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي تعني القول بإمامته أو خلافته بعد رسول الله ، وعند ما يأتي حديث عن حب علي عليه‌السلام من وجوبه أو آثاره وثوابه ، أو غير ذلك مما سوف نشير إليه ، فإنّما يصب ذلك في هذا الموضوع وهو الشيعة والتشيع ، بمعنى الفئة والجماعة الذي يجمعها المضمون العقائدي والخط السياسي الذي كان ينتسب إلى علي عليه‌السلام في مقابل الخطوط الأخرى.

والسؤال : أنّ هذا الخط السياسي ما هو ميزاته؟ وما هي خصوصيته؟

نحن لا نعرف أنّ هناك ميزانا لهذا الخط السياسي ـ كما ذكرنا ـ غير قضية الخلافة والإمامة (إمامة علي عليه‌السلام) ، وإلّا فإن بقية المسلمين بصورة عامة يشاركون أتباع أهل البيت ـ أيضا ـ في الاعتراف بقضية الحب لعلي عليه‌السلام بمعناه العاطفي ، وكذلك يشارك الكثير منهم في قضية التفضيل لعلي عليه‌السلام على بقية الصحابة من قبيل المعتزلة.

والمعتزلة كلهم ـ وهم جماعة كبيرة جدا في المجتمع الإسلامي ويمثلون نخبة في المجتمع الإسلامي في فترة من الزمن ـ كانوا يفضلون عليا عليه‌السلام.

__________________

(١) يراجع فضائل الخمسة ٢ : ٢٣٠ ـ ٢٣٥ ، فقد نقل مجموعة من الأحاديث عن علماء الجمهور وبألفاظ مختلفة حول هذا الموضوع.

بل توجد ـ أيضا ـ اعترافات من قبل الخلفاء الأوائل بهذه الحقيقة ، من قبيل اعتراف عمر الخليفة الثاني بأنّ عليا أقضانا (١) ، فقضية التفضيل لعلي عليه‌السلام من القضايا التي كانت معروفة بين المسلمين.

فالقضية الرئيسية والأساس لهذا التمييز هو الخط السياسي في قضية الإمامة والخلافة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

الحب هو الولاء

الملاحظة الثانية : أنّ العدد الأكبر لهذه الروايات ـ التي سوف نشير إليها ـ تتحدث عن موضوع الحب ، وإن كان بعض هذه الروايات يذكر عنوان الشيعة ، ولكن العدد الأكبر منها موضوعها هو الحب لعلي عليه‌السلام والحب لأهل البيت عليهم‌السلام ، أو الحب لفاطمة كما ورد ذلك في شأن فاطمة الزهراء عليها‌السلام من أحاديث في تفسير تسميتها بفاطمة ، أنّها «إنّما سميت فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها من النار» ، أو الحب للحسنين عليهما‌السلام.

وعنوان الحب هذا هل يراد منه مجرّد العاطفة التي يحسّ بها الإنسان العادي في علاقته بمن يحبه ، كما يحب الإنسان أباه أو أخاه أو ولده أو وطنه .. أو غير ذلك ممن يتعامل معهم في الحياة الاجتماعية ، وهو حبّ مشروع ومقبول ومحبوب من قبل الله تعالى أيضا؟ وهل أنّ حبّ أهل البيت عليهم‌السلام الذي ورد في الروايات هو من هذا القبيل؟ أو أنّ الحبّ الذي أشير إليه في هذه الروايات يراد منه نوع آخر من الحب ، هذا النوع الذي عبّرنا عنه بالولاء ، عند ما تحدثنا عن موضوع (الولاء) لله والرسول وللمؤمنين ، والذي يشتمل على تلك العناصر الثلاثة الرئيسية والتي هي :

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢٣.

١ ـ المودة والعاطفة.

٢ ـ الحماية والنصرة.

٣ ـ العهد والميثاق والالتزام لأهل البيت عليهم‌السلام والذي يعطي بعض أبعاد الإمامة ويشير إليها ، حيث إنّ الإمامة هي التي تستحق هذا النوع من الولاء.

الاستنتاج

إذن ، فالحب هنا ـ على ما يبدو من الروايات كما أشرنا ـ يعني هذا الولاء ، بل هو ولاء خاص ، حيث يعطيه هنا عمقا وجذرا دينيا وعقائديا يرتبط بقضية الإيمان والكفر ، كما تشير بعض هذه الروايات إلى ذلك ، بحيث إنّ الحب لا يراد منه مجرد هذه العاطفة ، بل ولا يراد منه أفضل من هذه العاطفة وهي النصرة والالتزام ، وإنّما هو شبيه بحب الإنسان لله تعالى ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حيث إن هذا الحب حب يرتبط بهذا النوع من الالتزام ، فهو حب عقائدي ، وبذلك يعبر عن بعض آثار القبول بالإمامة.

وسوف نبيّن ذلك من خلال استعراض الروايات ، إن شاء الله.

صفات الشيعة

الملاحظة الثالثة : أنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام تحدثوا عن شيعتهم وعن صفات الشيعة ، وكان العلماء السابقون قدس‌سرهم يهتمون بتأليف الكتب حول موضوع صفات الشيعة ، وذلك من أجل أن يشخّصوا معالم شخصية هذا الشيعي ، ليكون المثال الذي يقتدى به ، حيث وردت نصوص عديدة عن أهل البيت عليهم‌السلام تتحدث عن هؤلاء الشيعة ، من هم هؤلاء الشيعة الذين وردت فيهم هذه الروايات (١)؟

__________________

(١) أشرت إلى بعض هذه الخصوصيات في كتابي (دور أهل البيت عليهم‌السلام في بناء الجماعة

يبدو من النصوص التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت عليهم‌السلام ضرورة توفر خصوصيتين رئيسيتين في هؤلاء الشيعة ، أي فيمن يصدق عليهم عنوان الشيعة :

أـ التكامل الإنساني

الخصوصية الأولى : هي خصوصية التقوى والورع ، وقد ورد عن أبي بصير قال : قال الصادق عليه‌السلام : «شيعتنا أهل الورع والاجتهاد وأهل الوفاء والأمانة ، وأهل الزهد والعبادة ، أصحاب إحدى وخمسين ركعة في اليوم والليلة ، القائمون بالليل ، الصائمون بالنهار ، يزكون أموالهم ، ويحجون البيت ، ويجتنبون كلّ محرم» (١).

وبعض هذه النصوص ترقى بالشيعة في المواصفات إلى درجة عالية جدا ، بحيث عند ما يذكرها الإمام علي عليه‌السلام إلى (همّام) ـ ذلك العبد الصالح ـ في حديثه المعروف معه ، يصعق همّام ويسقط مغشيا عليه حتى يصيبه الموت بسبب ما سمعه من مواصفات لهؤلاء الشيعة ، ولأجل ذلك كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام في البداية يتحفظ أن يذكر هذه المواصفات خوفا على همّام أن لا يتحملها ، ولكن همّام يطلب ذلك بإلحاح وإصرار ، فيذكر هذه المواصفات (٢).

__________________

الصالحة) ، وقد كانت ـ سابقا ـ تؤلف كتب خاصة في هذا الموضوع ، ويوجد باب من الأبواب في كتاب بحار الأنوار يتناول موضوع صفات الشيعة ـ الجزء ٦٨ ، باب ١٩ ـ وهو شيء يستحق المراجعة ، باعتبار أنّنا من أتباع أهل البيت عليهم‌السلام ، وذلك من أجل الاتعاض بها.

وكان بودي أن توجد لدي فرصة من أجل ذكر بعض هذه النصوص ، لأنها نصوص لها دور في تربية الشيعة تربية عالية جدا ، كما أنّها مما يتفاعل معها الإنسان من الناحية النفسية والعاطفية والروحية ، ولذلك أنا أطلب من الأخوة المؤمنين الأعزاء الاهتمام بهذا الجانب ، ومراجعة هذه النصوص في مواردها.

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ١٦٧ / ٣٣ ، عن كتاب صفات الشيعة.

(٢) في نهج البلاغة توجد قطعة محدودة من الحديث لعلي عليه‌السلام مع همّام ، وفي النصوص الأخرى يوجد تفصيل أكثر وأكبر في هذه المواصفات ، راجع نهج البلاغة : ٤٠٩ / ١٩٣ ، في صفات المتقين ، بحار الأنوار ٦٨ : ١٩٢ ـ ١٩٦ / ٤٨.

إذن ، فالخصوصية الأولى هي : الكمالات الأخلاقية والروحية والمعنوية التي تجعل من هذا الشيعي المثال للإنسان الكامل ، والذي عبرنا عنه ببعد الهدف والمثال التكاملي في أبعاد الإمامة.

ب ـ الامتحان والبلاء

والخصوصية الثانية المشتركة التي يشير إليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أيضا ـ وردت في روايات أهل السنة ويشار إليها في كلمات الإمام علي عليه‌السلام ، كما في رواياتنا وفي كلمات الأئمة عليهم‌السلام بصورة واسعة : هي خصوصية الامتحان والابتلاء والتعرض للبلاء ، حيث كان ذلك خصوصية من الخصوصيات التي يتصف بها شيعة أهل البيت عليهم‌السلام بصورة لازمة.

وفي هذه الخصوصية يوجد جانبان وبعدان من البحث :

الأول : بعد المظلومية الذي يهتم به بعض الباحثين بصورة أساسية ، باعتبار أنّ شيعة أهل البيت عليهم‌السلام هم أهل الحق ، وأهل الحق يتعرضون دائما إلى الظلم والمطاردة.

وأنّ أهل البيت عليهم‌السلام كانوا أئمة أهل الحق ، وكانوا قد تعرضوا بسبب ذلك ـ أيضا ـ إلى أعلى درجات الظلم والاضطهاد.

وقضية الإمام الحسن والحسين عليهما‌السلام وقضية فاطمة الزهراء عليها‌السلام من القضايا التي ترمز إلى هذا الظلم.

وهذا الموضوع بهذا البعد والجانب يستحق الحديث والوقوف عنده ، ولكن لا أريد أن أتناوله الآن بالنقد والتمحيص (١).

__________________

(١) تناولنا هذا الموضوع في محاضرات مستقلة حول مظلومية الزهراء عليها‌السلام ، وعرفنا هناك وجود منهج قرآني وإسلامي في استخدام المظلومية ، لإيجاد التغيير الاجتماعي المطلوب.

الثاني : بعد التكامل الإنساني الفردي والجماعي من خلال الامتحان والابتلاء ، وهذا البعد هو البعد الملحوظ في كثير من الروايات ذات العلاقة بهذه الخصوصية التي أشرت إليها في شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، إذ لا يتحقق هذا التكامل إلّا من خلال هذه المحنة والآلام.

وإنّ قضية المحنة والابتلاء قانون وخصوصية ثابتة يراد منها تمحيص وفتنة الفرد الإنساني وتمحيص الجماعة وفتنتها ، قال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (١) ، وقال تعالى : (... إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (٢) ، وهذا الأمر شبيه ما في تنقية الذهب عند ما يفتن ويصهر في النار ، فيمحص ويميّز عما اختلط به من نحاس أو معدن آخر يمكن أن يختلط به.

فعند ما يراد تمحيص وتنقية الإنسان وتزكيته وتطهيره من كل الشوائب الأخرى التي تعتريه لا بدّ أن يمحص بالفتنة والبلاء ، قال تعالى : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (٣) ، فقضية الفتنة والامتحان سنّة إلهية يراد منها التمحيص والتزكية للصالحين من عباد الله والوصول بهم إلى درجة الكمال المطلوب ، لأن هذا هو الطريق الذي وضعه الله تعالى للكمال المطلوب في الإنسان ، بعد أن خلقه موجودا مريدا ، نفخ فيه من روحه.

ولذلك ورد في الروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث أبي ذر قال : إنّه أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : إنّي أحبّكم أهل البيت ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فأعد للفقر تجفافا ، فإن الفقر أسرع إلى من يحبّنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها» (٤) ، فإنّ

__________________

(١) الملك : ٢.

(٢) الأعراف : ١٥٥.

(٣) العنكبوت : ٢.

(٤) سنن الترمذي ٤ : ٥٧٦ / ٢٣٥٠ ، كنز العمال ١٣ : ٦٣٩ / ٣٧٦١٥ ، باختلاف في اللفظ ...

السيل عند ما ينحدر من أعلى الجبل يسير بسرعة ولا يقف أمامه حاجز يمنعه من الوصول إلى الوادي ، وهكذا البلاء فإنّ سرعته للعبد المؤمن تكون بهذا الشكل.

وهناك كلمات معروفة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، في هذا المجال أيضا : «من أحبّنا أهل البيت فليستعد للفقر جلبابا» ، و «ومن تولّانا فليلبس للمحن إهابا» ، و «من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ عدة للبلاء» ، و «من أحبّنا فليعدّ للبلاء جلبابا» (١).

وهذه العلاقة من العلاقات المهمة جدا التي لا بدّ أن نعرفها في شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، ويتحملها شيعتهم ، ويعدّوا أنفسهم لها ، فعن الأصبغ بن نباته : كنت مع أمير المؤمنين عليه‌السلام فأتاه رجل فسلّم عليه ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين إنّي والله لأحبّك في الله ، وأحبّك في السرّ كما أحبك في العلانية ، وأدين الله بولايتك في السرّ كما أدين بها في العلانية. وبيد أمير المؤمنين عود ، طأطأ رأسه ثمّ نكت بالعود ساعة في الأرض ، ثمّ رفع رأسه إليه فقال : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حدّثني بألف حديث لكلّ حديث ألف باب ، وإنّ أرواح المؤمنين تلتقي في الهواء فتشمّ وتتعارف ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ، وبحق الله لقد كذبت والله ، ما أعرف وجهك في الوجوه ، ولا اسمك في الأسماء»!!. ثمّ دخل عليه رجل آخر فقال : يا أمير المؤمنين إنّي لأحبّك في السرّ كما أحبك في العلانية ، فنكت بعوده في الأرض ثمّ رفع رأسه فقال : «صدقت ، إنّ طينتنا طينة مخزونة ، أخذ الله ميثاقها من صلب آدم فلم يشذّ منها شاذ ، ولا يدخل فيها داخل من غيرها ، اذهب فاتّخذ للفاقة جلبابا ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يا علي بن أبي طالب والله للفقر أسرع إلى محبّينا من السيل إلى بطن الوادي» (٢).

__________________

(١) المصدر السابق : ٤٢٥.

(٢) الاختصاص : ٣١١ ، الأمالي للطوسي : ٤٠٩ ـ ٤١٠ / ٩٢١ ، باختلاف يسير.

إذن ، فهذه القضية من القضايا المهمة التي تميز شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، ولا بد أن نأخذها بنظر الاعتبار عند ما نتحدث عن انطباق هذه الروايات عليهم ، ولذلك نرى أنّ قضية الحب في بعض هذه الروايات تذكر بصورة : أنّ الإنسان المحب لأهل البيت والمرتبط بهم لو قطع إربا إربا لما ترك هذا الحب ويبقى على ارتباطه بأهل البيت ... لما ذا؟

لأن هذا الحب هو إيمان وعقيدة ، وليس مجرد عاطفة ، ولأن حب العواطف والمشاعر يتأثر ـ عادة ـ بمثل هذه الأمور والصعاب ، فالصديق عند ما تجد في صداقته خيرا تحبه ، ولكن عند ما تجد في صداقته الأذى والضرر يتقلص هذا الحب وقد ينتهي ، وهكذا في كل علاقة اجتماعية ، الأب مع الابن ، وكذلك العكس ، الزوجة مع الزوج ، مثل هذه العلاقات باعتبار أنّها قضية ذات طبيعة عاطفية أو حقوق متبادلة أو أي شيء آخر نسميه ، تتأثر بمثل هذه العوامل ، أما حبّ أهل البيت عليهم‌السلام فهو حبّ إيمان وعقيدة وارتباط بالله تعالى ، لذلك فإنّ هذا الحب لا يتأثر بمثل هذه الأمور ، وهو كما يقول الشاعر (العامي) (١) في حديثه الشعبي عن حبه للحسين عليه‌السلام :

لو قطّعوا أرجلنا واليدين

نأتيك زحفا سيدي يا حسين

فإن هذا الشعار يعبّر عن هذا النوع من الحب ، وليست المسألة فيه هي مسألة مصالح ومنافع.

__________________

(١) المقصود من العامي هنا هو : العموم في مقابل الخصوص ، يعني اللغة واللهجة الشعبية.

تقسيم روايات التشيع

بعد هذه الملاحظات الثلاث نأتي إلى الروايات الشريفة التي وردت في شيعة أهل البيت عليهم‌السلام والتي تستحق الوقوف عندها ، والقيام بجمعها وتبويبها ، لأنها متفرقة ـ مع الأسف ـ بحسب مراجعتي السريعة لها (١).

هذه الروايات يمكن أن نقسمها إلى أربع طوائف من حيث عناوينها ، كما أنّها من حيث مضمونها تشتمل على أربعة أبعاد من أبعاد الإمامة الستة التي أشرنا إليها سابقا ، والبعد الخامس منها يؤكد عليه أهل البيت كصفة لا بدّ أن يتصف بها شيعتهم ، يعني يقدمونها كنصيحة وهو بعد الامتياز الذي ذكرناه في الملاحظة الثالثة.

الطائفة الأولى : هي التي ذكر فيها عنوان (شيعتنا) أو ما يشبهه من عناوين.

ومن جملة الأمثلة على هذه الطائفة ما ذكرته من تفسير قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، حيث إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : «هم أنت وشيعتك يا عليّ».

وهناك مجموعة من النصوص والروايات يذكر فيها عنوان الشيعة ، ومن جملة الروايات المهمة في هذا المجال والتي تعبّر عن بعد من الأبعاد.

ومنها : ما ورد من روايات (الطينة) ، حيث يذكر بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «إنّ في الفردوس لعينا أحلى من الشهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج وأطيب من

__________________

(١) لا أجد الوقت الكافي للتحضير غالبا ، وإنّما أقوم بالمراجعة السريعة وأعتمد على معلوماتي السابقة ، والمراجعة الميسورة ، وأترك الباب مفتوحا للباحثين المتفرغين ، والله الموفق للصواب.

المسك ، فيها طينة خلقنا الله منها وخلق منها شيعتنا فمن لم يكن من تلك الطينة فليس منا ولا من شيعتنا ، وهي الميثاق الذي أخذه الله عزوجل عليه ولاية علي بن أبي طالب» (١).

ومنها : رواية (الشجرة) ، حيث روى مولى عبد الرحمن بن عوف ، قال : خذوا عني قبل أن تشاب الأحاديث بالأباطيل ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها ، وشيعتنا ورقها ، وأصل الشجرة في جنة عدن وسائر ذلك في سائر الجنة» (٢).

الطائفة الثانية : ما ذكر فيها وجوب الحب لأهل البيت والتشيع لهم ، وحرمة البغض والعداوة لأهل البيت ، أي الروايات التي تتضمن المقارنة بين الحب والعداوة تجاه أهل البيت عليهم‌السلام ، مما يقسّم الناس إلى قسمين : قسم محبّين ، وقسم مبغضين ، وتذكر حال المحب وحال المبغض ، كالرواية التي ذكرناها في هامش رواية هذا الوجه من الاستدلال ، وقلت : إنّ هناك العشرات ، بل مئات الروايات تدلّ على هذا المضمون. وهذا المضمون يكاد أن يكون من المضامين المتواترة.

الطائفة الثالثة : الروايات التي تضمنت الحديث عن الآثار والنتائج التي تترتب على التشيع لأهل البيت عليهم‌السلام وحبّهم ، من الفوز بالجنة ، والثبات على الصراط ، والدرجات العالية ، إلى غير ذلك مما تشير إليه هذه الروايات.

الطائفة الرابعة : الروايات التي تتناول مواصفات وخصوصيات الشيعة ، كما أشرنا إلى ذلك في الملاحظة الثالثة.

هذه الطوائف الأربعة إذا أردنا أن نجمعها فسوف نخرج بنتيجة واضحة ، وهي

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ١ : ١٢٩ ـ ١٣١ / ١٨٠.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٦٠.

الحديث عن وجود وتأسيس تيار وخط عقائدي وثقافي وسياسي يسمى بالشيعة ، وجد في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يتميز بهذه الميزة وهي ميزة الاعتقاد بإمامة أهل البيت عليهم‌السلام.

مواقف تعبر عن الحقيقة

ومن الطرائف الموجودة في هذا المجال وجود موقفين متباينين يعبران عن هذه الحقيقة :

الأول : موقف ابن حجر في صواعقه ، وابن حجر يعتبر من كبار علماء الجمهور المتعصبين ، ولكنّه في الوقت نفسه ـ أيضا ـ يروي عددا كبيرا جدا من الروايات التي وردت في أهل البيت عليهم‌السلام وحبّهم ، وقد ألف كتابه الصواعق المحرقة للجواب عن الإشكالات التي يثيرها شيعة أهل البيت عليهم‌السلام حول الخلافة الرسمية والاستدلال على الإمامة.

وعند ما يأتي إلى هذه الروايات ويرى هذا القدر الكبير والواضح منها في حق شيعة أهل البيت ومحبّيهم ، بحيث يصبح من الواضح لديه أنّ هذه القضية تمثل قضية عقائدية ، يحاول أن يتهرب من الحقيقة ، ويقول : إنّ شيعة أهل البيت هم أهل السنة!! ، وأنّ عنوان الشيعة يراد به أهل السنة ، ويحاول أن يصرف اتجاه كل هذه القرائن والدلائل من ذلك التاريخ الذي تحدثنا عنه إلى مجرى الأحداث ولمداليل الروايات كلها إلى هذا العنوان.

والسبب في ذلك : أنّ هذه الروايات لا يمكن أن ينفي تواترها ومضمونها لوضوحها وكثرتها وانتشارها في مختلف الكتب الصحيحة العامة والمجاميع المختلفة ، فيقف متحيرا أمامها ولا يرى أمامه إلّا هذا التفسير ويقول : إنّ المقصود

من الشيعة هم أهل السنة ، وإنّ أهل السنة هم شيعة أهل البيت (١).

الموقف الثاني : موقف محمد بن إدريس الشافعي ـ إمام مذهب الشافعية ـ الذي يحسن بنا أن نقارنه بموقف وكلام ابن حجر ، حيث إنّ الإمام الشافعي واجه في زمانه حالة اجتماعية واقعية تعبر عن فهم عرفي لهذه الروايات ، ولذا فهي تتهم كل من يذكر حديثا في فضل أهل البيت وحبّهم بالرفض والتشيع ، بحيث يكون ذلك طعنا فيه وسبة عليه من (النواصب).

وهنا يلاحظ التناقض الواضح بين موقف ابن حجر الذي يحاول أن يحوّل كل هذه الروايات إلى افتراض أنّها تعبّر عن الاعتقاد بعدم إمامة أهل البيت ، كما يذهب إلى ذلك عموم أهل السنة ، وأنّ شيعة أهل البيت هم أهل السنة ، وهذا الجو السياسي والفهم الاجتماعي لهذه الروايات الذي كان يعيشه عوام المسلمين المتأثرين بأجواء التعصب والنصب أيام الإمام الشافعي والذي يعبر عنه في شعره المعروف ، كما يعبر عنه ـ أيضا ـ ابن عربي المعروف بالشيخ الأكبر ، حيث يقول : من يذكر رواية في حب علي عليه‌السلام أو في حب أهل البيت كان يتهم بالرفض والانتماء الى علي عليه‌السلام ورفض خلافة الخلفاء الأوائل.

فإن هذا الجو الاجتماعي كان يفهم بصورة واضحة : أنّ هذه الروايات كانت تعني الاعتقاد بإمامة علي عليه‌السلام لوضوح دلالتها في ذلك ، وتم محاولة احتواء هذا المدلول لها من قبل علماء الجمهور ، إما بصرفها إلى أهل السنة ، أو بجعل الحب فيها مجرد العاطفة ومشاعر المودة والولاء.

__________________

(١) نحن لا نريد ولا نرغب أن نخرج أهل السنة من عنوان شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ، بل نتمنى أن يكون جميع الناس من شيعتهم ، ولكن المغالطة في حديث ابن حجر هي في جعل نفي إمامة أهل البيت عنهم تشيعا لهم والتزاما بهم!!!.

ويحسن بنا أن نشير إلى بعض الشعر الذي ذكره الشافعي وابن عربي.

أما الشافعي فلديه عدة أبيات في هذا الموضوع :

يا راكبا قف بالمحصب من منى

واهتف بساكن (١) خيفها والناهض

إن كان رفضا حب آل محمد

فليشهد الثقلان أنّي رافضي

وفي أبيات أخرى :

آل النبي ذريعتي

وهم إليه وسيلتي

أرجو بهم أعطى غدا

بيد اليمين صحيفتي

وكذلك في أبيات أخرى :

إذا في مجلس نذكر عليا

وسبطيه وفاطمة الزكية

يقال : تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضية

برئت إلى المهيمن من أناس

يرون الرفض حب الفاطمية

وقد كانت هذه حالة عامة ، كما يعبر عنها الشعر نفسه ، وليست قضية شخص يقولها (٢).

وفي شعر ينسب إلى ابن عربي في الفتوحات :

فلا تعدل بأهل البيت خلقا

فأهل البيت هم أهل السيادة

__________________

(١) وفي موضع آخر بدل كلمة (بساكن) كلمة (بقاعد).

(٢) يمكن أن نفهم هذه الحقيقة بصورة جيدة عند ما تقارن بين هذه الصورة التي تشير إليها الروايات وبين حالة الجو السياسي العام الذي نعيشه الآن في العراق ، وكيف أصبحت بعض الحركات والمواقف السياسية تعبر عن الالتزام بمنهج الثورة على النظام المستبد ، ومنهج أهل البيت عليهم‌السلام حتى لو لم يكن مدلولها الخاص ـ مقطوعة عن قرائنها ـ لها هذه الدلالة ، كما هو الحال في المشي على الأقدام لزيارة الإمام الحسين عليه‌السلام ، التي يقوم النظام بإجراء حكم القتل بسببها للزائرين.

فبغضهم من الإنسان خسر

حقيقي وحبهم عباده

وفي شعر آخر :

رأيت ولائي لآل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربى

فما طلب المبعوث أجرا مع الهدى

بتبليغه إلّا المودة في القربى

فإن هذا الشعر وأمثاله (١) في هذا الجو السياسي الذي أشرت إليه يعبّر عن حقيقة هذا الحب ، ومعنى الارتباط بأهل البيت ، وأنّه ارتباط بالإمامة نفسها.

موقع الشيعة من النظرية الإسلامية

من خلال هذا الاستدلال والعرض ، أو الإشارة لطوائف النصوص والأخبار وتحليلها ، يمكننا أن نتعرف على موقع الشيعة والتشيع لأهل البيت في النظرية الإسلامية (٢).

وهو موقع يمكن أن نحدده ـ بصورة إجمالية ـ في جانبين :

الجانب الأول : موقعهم في الحركة الإنسانية والبشرية في مسيرة التكامل الإنساني ، حيث نلاحظ في الشيعة الامتداد الطبيعي لحركة (الإمامة) في وجود الإنسان ، والتعبير عن خلافة الإنسان الكامل لله تعالى في هذه الأرض ، لأنّهم يمثلون الوجود الصالح والكامل للإنسان في أبعاده المختلفة ، التي تتمثل فيه خصائص الإمامة التي تحدثنا عنها في (الإمامة) ، ولكن بدرجة أقل.

__________________

(١) راجع فضائل الخمسة ٢ : ٨٨ ـ ٩٠.

(٢) هذا الموضوع من الموضوعات المهمة التي تستحق البحث التفصيلي نسبيا.

وقد أشرنا إلى جانب منه في كتابنا (دور أهل البيت عليهم‌السلام في بناء الجماعة الصالحة) عند الحديث عن أهداف بناء الجماعة ، وكذلك في بحثنا عن الشيعة والتشيع الذي تناولناه في محاضرات رمضان عام ١٤٢١ ، وذكرنا بعض أبعاده في هذا البحث.

وهذه الأبعاد يمكن أن نراها في طوائف النصوص التي وردت في الشيعة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام (١).

فأولا : يمكن أن نرى بعد (الاصطفاء) في الروايات التي تحدثت عن (الشجرة) ، وعن أنّ (الشيعة هم خير البرية) ، التي سبقت الإشارة إليها.

ثانيا : يمكن أن نرى بعد (الامتداد) للرسالة والإمامة ، في مثل ما رواه الترمذي ، عن علي عليه‌السلام : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد حسن وحسين عليهما‌السلام فقال : من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة» (٢).

وما ذكره الخطيب البغدادي : «وشفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي هم شيعتي» (٣) ، حيث يذكر أنّ شيعة أهل البيت هم شيعته ولهم شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكذلك ما ورد عن أبي برزة من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إنّ الله تعالى عهد إلي عهدا في علي فقلت : يا رب بيّنه لي ، فقال : اسمع ، فقلت : سمعت ، فقال : إنّ عليا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها للمتقين ، من أحبّه أحبني ، ومن أبغضه أبغضني ...» (٤).

وكذلك رواية : «(كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) علي ومحبيه» ، التي تحدثنا عنها في الإمامة ، ولكن بدرجة أقل.

كما يمكن أن نفهم ذلك من الآيات التي دلت على أن ولاية المؤمن وولاءه هو امتداد لولاية الله ورسوله ، في قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا

__________________

(١) سوف نقتصر على الإشارة إلى النصوص التي وردت في كتب الجمهور فقط ، وهناك مئات النصوص الأخرى أكثر وضوحا ، وردت في كتب الخاصة.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٦٤١ / ٣٧٣٣.

(٣) تاريخ بغداد ٢ : ١٤٦.

(٤) حلية الأولياء ١ : ٦٦ ـ ٦٧.

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ* وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (١).

وثالثا : يمكن أن نرى بعد وجوب (الحب والولاء) لهم مما سبق في بعد الامتداد من الآيات والروايات ، وما ورد من النص على غفران ذنوب محبي شيعتهم :

فعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك» (٢).

ورابعا : يمكن أن نرى بعد (التكامل الإنساني) فيهم ، الذي هو الهدف من وجود الإنسان في الحياة الدنيا ، وما ينتهي إليه الإنسان في الآخرة.

وذلك فيما ورد من روايات تتحدث عن مصير محبيهم ومصير مبغضيهم ومواصفاتهم ، ومنها الرواية التي أشرنا إليها في الهامش عن الزمخشري ، وتؤيدها روايات عديدة متفرقة ، تتحدث عن بعض مضمونها ، وأنّ حبهم وبغضهم مقياس للإيمان والنفاق.

__________________

(١) المائدة : ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) الصواعق المحرقة : ٩٦ ، ١٣٩.

هنا رواية لا بأس بذكرها تيمنا بها ، فعن أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام قال : «دخل عليّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو في بيت أم سلمة ، فلمّا رآه قال : كيف أنت يا عليّ إذا جمعت الأمم ، ووضعت الموازين ، وبرز لعرض خلقه ، ودعي الناس إلى ما لا بدّ منه ، قال : فدمعت عين أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يبكيك يا عليّ؟ تدعى والله أنت وشيعتك غرّا محجّلين رواء مرويّين مبيضّة وجوهكم ، ويدعى بعدوّك مسودة وجوههم أشقياء معذّبين ، أما سمعت إلى قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ـ البينة : ٧ ـ أنت وشيعتك (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) ـ البينة : ٦ ـ عدوّك يا عليّ» ، بحار الأنوار ٦٨ : ٧٠ ـ ٧١ / ١٣٠ ، ولا بأس بمراجعة بحار الأنوار ٦٨ : ١ ـ ٨٣ ، باب فضائل الشيعة.

ونقل الهيثمي في مجمعه عن الطبراني ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعلي عليه‌السلام : «أنت وشيعتك تردون على الحوض رواة مرويين مبيضة وجوهكم ، وإنّ أعداءك يردون على الحوض ظماء مقمحين» ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣١.

١ ـ ما رواه السيوطي في الدر المنثور : «... وأحبّ أهل بيتي صادقا ...» (١) ، حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يختار موضوع الحب بعناصر مرتبطة بأصل الإيمان (... أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ...) (٢) ، هنا يقول : (بحب أهل البيت تطمئن القلوب) ، أي ذكر الله الذي هو ـ أيضا ـ من العناصر الإيمانية.

٢ ـ وهكذا ما ورد من قبيل : «... من أحبهم فقد أحبّه الله ، ومن أبغضهم فقد أبغضه الله» (٣).

٣ ـ وما ورد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يحبنا أهل البيت إلّا مؤمن تقي ولا يبغضنا إلا منافق شقي» (٤).

٤ ـ وكذلك ما ورد من قول علي عليه‌السلام : «إنّ خليلي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا علي إنك ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليك عدوك غضابى مقمحين» (٥) ، ثم يأخذ الإمام عليه‌السلام يده ويضع قبضته ويقول : «مقمحين» بهذا الشكل ، ويصور حالة الإقماح.

٥ ـ وكذلك ما ورد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «يا علي إنّ الله قد غفر لك ولذريتك وولدك ولأهلك ولشيعتك ثم ولمحبي شيعتك ، فأبشر فإنّك الأنزع البطين» (٦).

وخامسا : يمكن أن نرى بعد (الصفات الأخلاقية) العالية ، التي يحصل عليها الإنسان من خلال الجهد والعمل والمعاناة ، بحيث يجعلهم يمتازون على بقية الناس.

__________________

(١) ورد عن ابن مردويه ، عن علي عليه‌السلام : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما نزلت هذه الآية : (... أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ...) ، قال : «ذاك من أحب الله ورسوله ، وأحب أهل بيتي صادقا غير كاذب ...» ، الدر المنثور ٤ : ٦٤٢ / ٥.

(٢) الرعد : ٢٨.

(٣) كنز العمال ١٢ : ٩٨ / ٣٤١٦٨.

(٤) ذخائر العقبى : ١٨.

(٥) بحار الأنوار ٣٥ : ٣٤٦ / ٢٢ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٣١ ، الصواعق المحرقة : ٢٣٦.

(٦) الصواعق المحرقة : ٩٦ ، و ١٣٩.

ومن ذلك الروايات التي وردت في صفات الشيعة ومحبي أهل البيت ، من أنّهم الصابرون على البلاء والمحن ، وأهل الورع والتقوى ، والصادقون ، وهم خير البرية ، وأنّهم بيض الوجوه ، وعدوهم سود الوجوه ، عن ابن عباس : ((وَعَلَى الْأَعْرافِ) : يعرفون محبّهم ببياض الوجوه ومبغضهم بسواد الوجوه) (١) ، لا سيما إذا أخذنا هذه الرواية مع قوله تعالى : (... يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ...) (٢) ، يعرف بأنّ المقصود ببيض الوجوه (المؤمنون) وبسود الوجوه (المنافقون).

وأن حبهم هو الشهادة واستكمال الإيمان ، وأن حب علي حسنة تأكل الذنوب ، فقد ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حبّ علي حسنة تأكل الذنوب وجواز من النار وبراءة منها ويثبت القدم على الصراط» (٣) ، وبغضه على عكس ذلك.

ويمكن أن نلاحظ في بعض هذه الروايات أكثر من بعد واحد.

سادسا : يمكن أن نرى بعد (الولاية) في بعض الآيات السابقة ، وكذلك في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٤) ، التي تعطي للأولياء دورا بعد الأنبياء والربانيين.

وكذلك في الروايات التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل البيت عليهم‌السلام التي تتحدث عن وراثة العلماء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلافته من بعده ، وأنّ المرجع بعد أهل البيت عليهم‌السلام هم العلماء.

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ١٩٦.

(٢) آل عمران : ١٠٦.

(٣) كنوز الحقائق : ٥٣ ، و ٦٢ ، و ٦٣ ، كنز العمال ١١ : ٦٢١ / ٣٣٠٢١ ، و ٣٣٠٢٢ ، تاريخ بغداد ٣ : ١٦١ ، و ٤ : ١٩٥.

(٤) المائدة : ٢.

وبذلك تختص الولاية بالعلماء بعد الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام ، وتنتقل إلى عدول المؤمنين عند فقدان العلماء.

الجانب الثاني : موقعهم في الحركة الاجتماعية للمجتمع الإنساني ، حيث يمكن أن نفهم من بعض النصوص السابقة ، أو مما ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام بصورة خاصة ، أن موقعهم هو أنّ الشيعة يمثلون مركز الدعوة الإسلامية والحركة الإلهية في المجتمع الإسلامي ، حيث ورد عن الإمام الصادق عليه‌السلام تمثيل موقع الإيمان من الإسلام بموقع الكعبة من المسجد الحرام (١) ، حيث يمكن أن نفهم من ذلك عدة أمور :

الأول : المسئولية في التصدي والعمل من أجل نشر وإقامة الحق والعدل ، ونشر الهدى والصلاح بين الناس ، والدعوة إلى الله تعالى ، وتحمل المصاعب والآلام والمحن بسبب ذلك.

الثاني : أن يكونوا القدوة والأسوة في السلوك الأخلاقي الراقي ، بحيث يكون قبلة للمسلمين والناس جميعا.

الثالث : إبقاء الارتباط بالناس والتأثير بهم ، والمحافظة على وحدة المجتمع

__________________

(١) حيث ورد عن سماعة بن مهران قال : سألته عليه‌السلام عن الإيمان والإسلام فقلت له : أفرق بين الإيمان والإسلام؟ فقال : «أو أضرب لك مثلا؟». قال : قلت أو ذاك ، قال : «مثل الإيمان من الإسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم ، قد يكون الرجل في الحرم ولا يكون في الكعبة ، ولا يكون في الكعبة حتّى يكون في الحرم ، فقد يكون مسلما ولا يكون مؤمنا ، ولا يكون مؤمنا حتّى يكون مسلما». قال : فقلت : فيخرجه من الإيمان شيء؟ قال : «نعم». قلت : فيصيّره إلى ما ذا؟ قال : «إلى الإسلام أو الكفر». وقال : «لو أنّ رجلا دخل الكعبة فأفلت منه بوله أخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم ، ولو خرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهّر ثمّ لم يمنع أن يدخل الكعبة ، ولو أنّ رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا أخرج من الكعبة ومن الحرم فضربت عنقه» ، بحار الأنوار ٦٨ : ٢٧١ ـ ٢٧٢ / ٢٩.

الإسلامي والأمة الإسلامية ، وعدم الانفصال عنهم بالعزلة أو الانكفاء الطائفي الخاص ، فهم فئة وجماعة تتميز بالمواصفات الخاصة من الإيمان القوي والأخلاق العالية والأهداف المقدسة ، ولكنهم في الوقت نفسه هم جزء من الأمة الإسلامية تتحمل مسئوليتها وآلامها ، وتسعى لتحقيق آمالها ، وتمثل القوة والطاقة المحركة لها.

ونكتفي بهذا القدر من ذكر الروايات والحديث.

الاستدلال بالعقل

بقي علينا الإشارة إلى أدلة أخرى يمكن أن تذكر للاستدلال على اختصاص الإمامة بأهل البيت عليهم‌السلام :

الدليل الأول : الاستدلال بالعقل أو السيرة العقلائية (١) :

الوجه الأول : الاستدلال بدليل الحكمة الذي يستخدمه المتكلمون للاستدلال في أبحاثهم الكلامية ، سواء الشيعة منهم أو أهل السنة (٢).

حيث يمكن الاستدلال به هنا أيضا انطلاقا من حقيقة تاريخية ثابتة ، وذلك لأنّه ثبت لدى المسلمين بوسائل عديدة ـ قرآنية وحديثية وتجريبية ـ أنّ أهل البيت عليهم‌السلام أفضل جماعة بين المسلمين ، وأنّ عليا عليه‌السلام هو أفضل الصحابة ، كما

__________________

(١) بعض الباحثين يخلط بين العقل والسيرة العقلائية في الاستدلال العقلي ، ولذا فعند ما نذكر عنوان (العقل) نريد منه الأعم من الاستدلال العقلي والسيرة العقلائية ، ويكون لدينا وجهان من الاستدلال العقلي في هذا المجال ، وإلا فيمكن أن يكون كل واحد من هذين الوجهين دليلا مستقلا في نفسه.

وأشير في هذا المجال المحدود إلى الاستدلال بهذين الوجهين من الاستدلال بالعقل بالمعنى الأعم ، وللقارئ الباحث العزيز أن يراجع المصادر المناسبة لهذا البحث من علم الكلام وأصول الفقه ، لاختيار أحدهما أو كليهما للاستدلال ، مع الانتباه إلى الفرق بينهما.

(٢) فالمتكلمون الإسلاميون بصورة عامة ـ كما عرفنا ـ يستخدمون هذا الوجه من الاستدلال ، وهو ما يعبرون عنه بدليل اللطف ، أو قاعدة اللطف ، حيث يستدل بها ـ أحيانا ـ كما ذكرنا في الاستدلال على ضرورة أصل الإمامة ، أنّ هذه القاعدة ـ في الحقيقة ـ إذا أردنا أن نحللها نراها تارة تكون منطلقة من صفة الرحمة واللطف الإلهي ، وأخرى تكون منطلقة من صفة الحكمة الإلهية ، لأن الله تعالى حكيم.

ونحن في ذاك البحث رجحنا الانطلاق من الصفة الثانية في الاستدلال بهذه القاعدة الشريفة.

أشارت إلى ذلك الأدلة السابقة التي أوردناها في حق إمامة علي وأهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّها إذا لم تدل على إمامتهم فهي تدل ـ على أقل تقدير ـ على أفضليتهم.

ونحن نكتفي هنا بإثبات جانب الأفضلية ، وهي أقل ما تدل عليه تلك الروايات الخاصة أو ما ورد في تفسير الآيات الشريفة التي نزلت بشأنه عن طرق أهل السنة.

وهذا أمر يكاد أن لا يشك به أحد من المسلمين ، وقد ذكرت في بعض المحاضرات أنّ النصوص التاريخية تدل على أنّ الخلفاء الأوائل الذين تقدموا عليا عليه‌السلام بالخلافة كانوا يعترفون لعلي عليه‌السلام بهذا الفضل ، فعمر ـ مثلا ـ في مرات عديدة كان يقول في علمه وفضله : (لو لا علي لهلك عمر) ، ويقول أيضا : (لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن) ، وكذلك يقول : (أقضانا علي) ، وتوجد نصوص كثيرة تدل على أفضلية علي عليه‌السلام (١).

ولذلك تتبنى جماعة كبيرة من المسلمين ـ يمثلون النخبة في المجتمع الإسلامي وهم المعتزلة وغيرهم ـ هذه الحقيقة كجزء من عقيدتهم ، بأنّ عليا عليه‌السلام

__________________

(١) يحسن مراجعة فضائل الخمسة ٢ : ٢٩٦ ، و ٣٠٦ ـ ٣٤٤.

(.. وما أقول في رجل تعزى إليه كلّ فضيلة ، وتنتهي إليه كل فرقة ، وتتجاذبه كلّ طائفة ، فهو رئيس الفضائل وينبوعها ، وأبو عذرها ، وسابق مضمارها ، ومجلّي حلبتها : كلّ من بزغ فيها بعده فمنه أخذ ، وله اقتفى ، وعلى مثاله احتذى ...

.. وأما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر. وأيضا فإنّ فقهاء الصحابة كانوا : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن عباس ؛ وكلاهما أخذ عن علي عليه‌السلام. أما ابن عباس فظاهر ، وأمّا عمر فقد عرف كلّ أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه وعلى غيره من الصحابة ، وقوله غير مرة : (لو لا عليّ لهلك عمر) وقوله : (لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن) ، وقوله : (لا يفتينّ أحد في المسجد وعليّ حاضر) ؛ فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه ...) ، راجع مقدمة شرح نهج البلاغة ١ : ١٨ ، لابن أبي الحديد.

وسوف يأتي مزيد وتوضيح لهذه الحقيقة في بحث (أهل البيت عليهم‌السلام والمرجعية الفكرية).

هو الأفضل من بقية الخلفاء ، وحتى أنّهم كانوا يعبّرون عن ذلك ـ أحيانا ـ بقولهم : (الحمد لله الذي قدّم المفضول على الفاضل) (١).

فقضية فضل علي عليه‌السلام من القضايا التي تكاد أن تكون من القضايا الواضحة المعروفة على مستوى القرآن والتاريخ والحديث معا ، ولكن إذا لم تكن واضحة فيمكن توضيحها من خلال الأدلة الكثيرة التي وردت في هذا المجال (٢).

وعندئذ إذا ثبت بأنّ عليا عليه‌السلام هو أفضل ، وأنّ (أهل البيت عليهم‌السلام) هم ـ أيضا ـ أفضل جماعة بين المسلمين ، يأتي دليل الحكمة هذا ، حيث يقال : إنّ مقتضى الحكمة الإلهية في تنظيم المجتمع الإنساني أن يقدّم الفاضل في الإمامة على المفضول ، وأن تكون الإمامة في الأفضل ، أي أن تكون الإمامة في هذه الجماعة المفضلة بعد أن ثبت ضرورة ثبوت الإمامة.

وقضية (تقديم الأفضل في إدارة المجتمع الإنساني) يشير إليها القرآن الكريم في بعض الحالات الخاصة.

ففي قضية قيمومة الرجل على المرأة عند ما يتحدث القرآن الكريم عن تفسير هذه القيمومة يذكر هذه الأفضلية ، حيث يقول : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ ...) (٣) ، فجعل قضية التفضيل سببا في ثبوت القيمومة بمقتضى الحكمة الإلهية.

__________________

(١) المقصود به أنّ عليا عليه‌السلام كان يعتبر هو الفاضل والآخرون هم المفضول ، ولكن شاء الله تعالى أن يتقدم هؤلاء عليه عليه‌السلام في الخلافة وإدارة الحكم خارجيا ، من قبيل ما نحمده ـ أحيانا ـ على كل حال ، على السراء والضراء والشدة والرخاء ، فهم كذلك يحمدون الله تعالى على هذا الواقع الذي تقدّم فيه المفضول على الفاضل ، وهذا هو منهج آخر لتبرير الواقع في مواجهة الأدلة التي لا يمكن غض النظر عنها.

(٢) وهذا بحث مستقل سوف نتناوله في كتاب مستقل ـ بإذن الله تعالى ـ تحت عنوان (أهل البيت عليهم‌السلام والمرجعية الفكرية).

(٣) النساء : ٣٤.

وهنا قد يأتي بحث اجتماعي أو تكويني ، فيطرح سؤال : ما هو فضل الرجل على المرأة؟ ولكن هذا البحث مسألة أخرى لا نريد أن نبحثها الآن ، لأنّها خارجة عن موضوع بحثنا ولها مجالها الخاص ، ولكن المهم أن القرآن الكريم يفسّر هذه القيمومة ـ التي هي نوع من أنواع الإدارة للأسرة ـ بأمرين :

الأول : وجود الفضل لبعضهم على بعض.

الثاني : وجوب الإنفاق من الرجل على المرأة.

إذن ، فقضية التفضيل هي سبب ـ كما أشار إليه القرآن الكريم ـ من الأسباب التي تنظر إليه الحكمة الإلهية ، فإذا ثبت أنّ أهل البيت عليهم‌السلام هم أفضل من غيرهم فلا بد أن يقدموا في هذه الإمامة ، بموجب هذه الحكمة الإلهية الثابتة.

الوجه الثاني ـ وهو وجه من الاستدلال معروف لدى المسلمين بصورة عامة ، ولدى فقهاء وعلماء شيعة أهل البيت بصورة خاصة ـ : الاستدلال ب (السيرة العقلائية) ، وقد أشير إلى صحة هذا الوجه في روايات صحيحة عن أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو ما يعرف في ثقافة جماعة أهل البيت بموضوع (الرجوع إلى الأعلم) ، سواء في الإمامة أو غيرها كالتقليد ، بل إنّ الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام وردت في خصوص الإمامة ، وتمّ تعميمها إلى موضوع التقليد ، حيث يتعيّن تقليد الأعلم دون المجتهد غير الأعلم ، فمتى ما كان هناك مجتهدان كاملان في علمهما وتقواهما ، وكان أحدهما أعلم من الآخر يتعيّن تقليد الأعلم منهما ، ولا يجوز الرجوع إلى غير الأعلم ، ولا سيما إذا كان هذا الأعلم واضح الأعلمية في درجته العلمية.

ويستدل الفقهاء ـ على تقديم الأعلم على غير الأعلم ـ في موضوع التقليد بعدة أدلة :

وأهم هذه الأدلة التي يستدل بها الفقهاء هو الاستدلال بالسيرة العقلائية ، حيث

يذكرون : أنّ العقلاء التزموا في سيرتهم الشخصية وقضاياهم الاجتماعية بالرجوع إلى الأعلم ، فعند ما يبتلى الإنسان بمرض ـ ولا سيما إذا كان المرض خطيرا ـ يفتش المريض العاقل وأهله عن أعلم الأطباء ، ليرجعوا إليه في هذا الأمر.

وهكذا عند ما يريد الإنسان أن يبني بناء ، أو يقوم بأي عمل ، ولا سيما إذا كان العمل خطيرا يهتم به الإنسان ، فإنّه يفتش عمّن يكون قادرا على أداء هذا العمل بصورة أفضل.

كما ورد هذا الموضوع في نصوص أهل البيت عليهم‌السلام أيضا ـ كما ذكرنا ـ ويكون ذلك وجها آخر من الاستدلال على هذه الحقيقة ، أو كاشفا عن الوجه الأول.

أما النصوص عن أهل البيت عليهم‌السلام فهي كثيرة ، ولكن أشير إلى نصين منها :

أحدهما : ما ورد في كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام : «إنّ أولى الناس بهذا الأمر ـ يعني في إدارة أمر الخلافة ـ أقواهم عليه» (١) ، اي أنّ الشخص الذي يكون متصفا بأنّه الأقوى على إدارة هذا الأمر يكون أولى الناس بهذا الأمر.

وهذا معناه أنّ الأفضل يكون مقدما على غيره في الإمامة.

ثانيهما : ما ورد في صحيحة العيص بن القاسم عن الإمام الصادق ، حيث يشرح الإمام عليه‌السلام السيرة العقلائية ـ تقديم الأفضل في الإمامة ـ باستخدام هذا المثال البسيط ، فيقول : «عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، وانظروا لأنفسكم ، فو الله إنّ الرّجل ليكون له الغنم فيها الراعي ، فإذا وجد رجلا هو أعلم بغنمه من الّذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرّجل الّذي هو أعلم بغنمه من الّذي كان فيها ...» (٢).

وقضية الغنم وإن لم تكن قضية خطيرة بالنسبة إلى المجتمع الإنساني كله ،

__________________

(١) نهج البلاغة : ٣٢٩ / ١٧٣ ، الجدير بالخلافة.

(٢) الكافي ٨ : ٢٦٤ / ٣٨١ ، بحار الأنوار ٥٢ : ٣٠١ ـ ٣٠٢ / ٦٧.

ولكنّها قضية خطيرة بالنسبة إلى الإنسان الذي يملك هذه الغنم ، وهذه قاعدة في سيرة العقلاء ، وهي أنّه عند ما يجد الإنسان راعيا أفضل من الراعي الأول يسلّم غنمه إلى الراعي الأفضل ، وهكذا الحال بالنسبة إلى الإمامة وإدارة مجموع المجتمع والأمة ، فعلى هذه القاعدة يسلّم الأمر إلى الأفضل ، وأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ـ كما ذكرنا ـ هم الأفضل.

إذن ، تقتضي قاعدة اللطف التي قلنا : إنّها قاعدة الحكمة ، وبمقتضى السيرة العقلائية أنّ الإمامة لا بد أن تكون مختصة بأهل البيت عليهم‌السلام ، لأنهم هم الأفضل.

وقد ذكرنا أنّ ثبوت الأفضلية لهم هي قضية ثابتة من النصوص ، ويمكن إثباتها بصورة أوضح وبالاعتراف العام للمسلمين بها ، وكذلك توجد شواهد كثيرة على ذلك ، قد نوفق للإشارة إليها في موضوع المرجعية الفكرية والدينية لأهل البيت عليهم‌السلام ، وهناك سوف نجد الاعتراف الحقيقي بأفضلية أهل البيت عليهم‌السلام أيضا.

الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام

الدليل الثاني : الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام ، على اختصاص الإمامة بهم عليهم‌السلام.

وهنا لا نجد ضرورة أن نطيل الحديث بذكر هذه الروايات ، حيث توجد هناك مجاميع حديثية عديدة ، منذ الأجيال الأولى لأتباع أهل البيت ، بل منذ زمان الأئمة عليهم‌السلام وحتى يومنا الحاضر ، جمعت فيها روايات كثيرة جدا فيما يتعلق بهذا الموضوع ، مثل أصول الكافي ، وبعض كتب الشيخ الصدوق ومصادر الكتب الأربعة والموسوعات الكبيرة المتأخرة ، مثل البحار للعلامة المجلسي ، وإثبات الهداة للشيخ الحر العاملي ، بل هناك مجاميع ألفها بعض العلماء من أهل الجمهور بهذا الصدد ، مثل ينابيع المودة للقندوزي ، وفرائد السمطين للحمويني وغيرها ، مما يمكن الرجوع إليها لمعرفتها ، ولا نحتاج إلى استعراضها ، وقد جمع الشيخ الحر العاملي ما يقرب من ألف رواية في هذا الموضوع (١) ، جزى الله علماءنا الأعلام الماضين خير الجزاء.

كما أنّ هذا العمل يتابع الآن في أوساطنا العلمية بصورة واسعة وعلمية ، وتوجد مؤسسات تتابعه وتوثقه ، وتحاول أن تحفظه وتهتم به ، ولذلك فإنّ الحديث فيه يكون حديثا تكراريا ، ولا يكون فيه شيء جديد.

ملاحظات حول الاستدلال

ولكن مع ذلك أشعر بالحاجة إلى الإشارة لمجموعة من الملاحظات ، أعتبرها

__________________

(١) راجع إثبات الهداة ١ : ٤٣٥ ـ ٦٧٥ ، الباب التاسع.

مهمة بالنسبة إلى هذه الروايات الشريفة والكريمة.

ضرورة الإمامة

الملاحظة الأولى : أنّ وجود الإمامة وثبوتها في أهل البيت عليهم‌السلام تعتبر قضية ضرورية ، فهي من ضروريات مذهب أهل البيت عليهم‌السلام ، كما أنّ الروايات التي وردت في هذا الجانب من الوضوح بحيث تصبح هذه القضية من ضرورات المذهب ، ومن ينكرها يكون خارجا عن المذهب ، مهما ادعى أو تسمى باسم من الأسماء.

المقارنة بين روايات الفريقين

الملاحظة الثانية : أنّنا إذا أردنا أن نقارن بين هذه الروايات والروايات التي وردت عن طرق الجمهور نجد في كثير من مواردها شيئا من التشابه ، ومن خلال هذه المقارنة والتشابه يمكن أن نكتشف حالات التزوير والحذف والتحوير الذي تعرضت له بعض روايات الجمهور بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والأغراض الخاصة.

فهناك ثلاث محاولات تعرضت لها الروايات في طرق الجمهور ـ وتصبح هذه المحاولات من الواضحات عند ما نقارن بينها وبين روايات أهل البيت عليهم‌السلام ـ وهي :

وجود عملية التزوير أحيانا.

وعملية التحوير أحيانا أخرى ، حيث نلاحظ أنّ التحوير بشيء بسيط يحول المضمون ، بحيث يصبح له معنى آخر ، أو لا يكون بتلك الدرجة من الوضوح ، ويعتريه شيء من الإبهام.

وعملية الحذف والإسقاط لبعض الكلمات ـ أحيانا ثالثة ـ حيث نلاحظ أنّ

النص يكون بنفسه ، وأنّ خصوصياته نفس الخصوصيات ، والرواة نفس الرواة ، ولكن نجد هناك كلمة قد أسقطت من النص في طرق الجمهور ، الأمر الذي يشعر الإنسان بهذه العملية.

وهنا يأتي دور المقارنة بين روايات علماء الجمهور وروايات أهل البيت عليهم‌السلام ، التي سوف تكشف هذه العمليات (١) ، وتصبح الصورة واضحة من خلال هذه المقارنة.

وضوح معالم الإمامة

الملاحظة الثالثة : هي أنّ روايات أهل البيت عليهم‌السلام في حديثها عن الإمامة أوضح بكثير من روايات الجمهور ، ولذلك نجد في هذا المجال عدة أمور :

الأول : نجد هذه الروايات تشخص الأبعاد الستة في الإمامة التي أشرنا إليها سابقا ، فنجدها واضحة وصريحة في روايات أهل البيت عليهم‌السلام ، بخلاف روايات الجمهور ، فهي أبعاد يمكن أن تستنبط منها استنباطا.

الثاني : أنّ الأدوار والمسئوليات التي يقوم بها الإمام واضحة ـ أيضا ـ في هذه الروايات ، ولذلك إذا أردنا أن نعرف نظرية الإمامة بصورة تفصيلية واضحة ـ بعد إثباتها ـ لا بدّ أن نرجع إلى هذه الروايات ، لنرى هذه النظرية فيها بصورة صحيحة ، وفيها الكثير من النصوص صحيحة السند ، كما أنّ بعضها ـ أيضا ـ متضافرة ، وبعضها متواترة ويمكن الوصول فيها إلى نتائج علمية ، بموجب القواعد والضوابط العلمية المعترف بها.

الثالث : أنّ هذه الروايات تتعرض إلى بعض تفاصيل صفات أئمة أهل

__________________

(١) ولذلك أعتقد أنّ القيام بكتابة مجاميع حديثية ترتبط بأهل البيت عليهم‌السلام تتناول فضل أهل البيت وشئونهم ، بصورة مقارنة بين كتب الجمهور وكتبنا ، وتطبع وتنشر بصورة مناسبة ، سوف يكون له دور كبير جدا في معرفة الحقيقة وهداية الناس لإمامة أهل البيت عليهم‌السلام.

البيت عليهم‌السلام ، التي قد لا تكون موجودة في روايات الجمهور ، من قبيل تفاصيل علم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وكذلك بعض خصوصيات الولاية ، مثل : الجانب التكويني في الولاية ، حيث نجده فيها بوضوح ، وعلى أقل تقدير بعض مراتب وأبعاد الولاية التكوينية ، أو الرجعة أو الكرامات.

محاولات التضليل

الملاحظة الرابعة : هي أنّه توجد مجموعة من الادعاءات في هذا الجيل ، وكذلك في أجيال سابقة ، محاولات للتضليل من خلال تزوير الحقائق بالنسبة إلى هذه الروايات ، ومنها : المحاولة الأخيرة في هذه الأيام التي تنسب إلى أحمد الكاتب ، ومن قبله إلى السيد موسى الموسوي حفيد آية الله العظمى السيد الأصفهاني قدس‌سره ، وغيرها من المحاولات التي انطلقت تحت عنوان (تصحيح التشيع) ، بعنوان بيان التشيع الحقيقي!!!.

هذه المحاولات عند ما نقارنها بهذه الروايات وما ورد فيها من تراث ، نجد أنّ هذه المحاولات تتصف بعدة مواصفات لا بدّ من الانتباه إليها.

وقد قلت : إنّ مفهوم الإمامة ضرورة من ضرورات المذهب الشيعي ، ولا يوجد هناك أي شك ، ولكن هذه المحاولات تحاول أن تشكك في هذه الحقيقة الواضحة في عقائد المذهب ونصوصه وتراثه ، وذلك بأساليب الخداع والتضليل (١).

__________________

(١) لقد انطلقت هذه المحاولات الأخيرة في ظروف سياسية معروفة ، وهي ظروف الهجمة العالمية على الشيعة والتشيع ، بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، وآثارها المعنوية على النهضة الإسلامية العالمية.

وقد قام بعض الأخوة الأعزاء ـ جزاهم الله خير الجزاء ـ بمتابعة هذه المحاولات ونقدها بصورة جيدة.

وهنا أذكر عدة قضايا بصورة عامة :

القضية الأولى : هي محاولات التضليل من خلال استخدام عناوين مضللة ، مثل عنوان التصحيح أو الرجوع إلى الأصول الشيعية ، يعني أنّ هذه المحاولة بنفسها عملية تحتوي على عملية تزوير ، فبدلا من أن يقول هذا الإنسان : أنا خرجت من التشيع ، وأصبحت إنسانا مرتدا على هذا المذهب ، ولا أقبل أصوله ـ كما يصنع بعض المستبصرين الذين يتحولون من الكفر والشرك إلى الدين الإسلامي الأصيل ، أو من المذاهب الأخرى الى المذهب الشيعي الاثني عشري ، ويقولون بصورة واضحة وصريحة تعبر عن مصداقية في فهمهم ، وصراحة في موقفهم ـ نلاحظ أنّ هؤلاء إما لأغراض سياسية ، أو أنّهم لا يملكون الشجاعة ، أو يعيشون أزمة أخلاقية متدنية ، يكذبون على أنفسهم وعلى الناس ، ولا يقولون الحقيقة بصورة صحيحة ويعلنون بأنّنا لا نؤمن بالتشيع ، وارتددنا عنه وعن أصوله ، ونعتقد بأن التشيع والإيمان به أمر غير صحيح!!! ، ونلتزم بشيء آخر ... إلّا إنّهم بدلا من ذلك يحاولون الكذب وادعاء التصحيح والتطوير للأصول الشيعية ، وكأنّ الأصول الشيعية هي هذه الأصول الكاذبة التي يدعيها هؤلاء المزيفون ، وهذا الأمر واضح في هذه المحاولات.

القضية الثانية : أنّ المنهج الذي اتبعه هؤلاء ـ إلى جانب الادعاء الكاذب ـ منهج مخادع ، فهم يحاولون أن يظهروا بمظهر أتباع المنهج العلمي والموضوعي ، كما هو الحال في الكثير من المخادعين والمزورين الذين يتلبسون بثوب العلم والبحث العلمي ، وهذا المنهج والأسلوب اتبعه المستشرقون والمبشرون ـ أيضا ـ في أعمالهم في الأجيال السابقة واللاحقة للمسلمين ، واتبعه مضلّلون آخرون.

هؤلاء ـ أيضا ـ اتبعوا نفس هذا الأسلوب المخادع ، وأخذوا يطرحون المنهج

والأسلوب وكأنّه أسلوب علمي ، مع أنّ القضية كانت مجرد قضية شيطانية وصورية ، ولا يوجد لهذا المضمون والمنهج العلمي أي مصداقية في أعمالهم عند ما ندقق فيها.

ونحن وإن كنّا نؤمن ونتمنى أن يكون هناك حوار حقيقي في هذه المجالات بصورة علمية ودقيقة ، وتحكمها الضوابط العلمية ، ولتكن للإنسان حريته في إبداء الرأي والحديث ، ولكن لا نؤمن أن يستخدم اسم العلم وشكله وسيلة للتضليل والخداع وتزوير الحقائق وبمجرد الظهور بالمظهر العلمي وبالصورة العلمية ، ولكن الواقع هو واقع بعيد عن العلم والعلماء والضوابط.

ولذلك نلاحظ في هؤلاء أنّهم يستخدمون عملية الانتقاء في النصوص ، والعالم لا ينتقي النصوص ، بل العالم الذي يدرس جميع النصوص بصورة موضوعية ، ويحاول أن يخرج بالمحصلة العلمية من خلالها جميعا ، لا أن يأخذ نصا يتحيز له ويتحيز لرأيه ، ويترك نصا آخر على خلاف رأيه ، إلّا بمقدار ما يلزم الخصم بما يلتزم به.

وقد مارس هؤلاء العملية ـ مع الأسف ـ بهذه الطريقة ، فهو يسند إلى الكتاب الفلاني نصا من النصوص ، ولكن لا يذكر النص الآخر الذي يفسّر هذا النص الذي ذكره عن ذلك الكتاب ، ما دام يدعي الإيمان بجميع هذه النصوص ، وهذه العملية تعتبر عملية تضليلية.

القضية الثالثة : أنه لوحظ في هذه العمليات الخيانة وعدم الأمانة في النقل ، فهم يقطّعون النصوص ويحذفون منها بعض الكلمات ، وينسبون نصوص وكلمات إلى علماء لم يقولوها أبدا ، وإنّما يذكرها العالم ـ أحيانا ـ في كتابه عن غيره ، ثم يجيب عليها ، ولكن هؤلاء يذكرون نص الإشكال وينسبونه إلى العالم ، وكأنّه كلام

العالم نفسه ، مع أنّ هذا العالم يذكر الموضوع في كتابه بعنوان شبهة تثار حول المذهب ، ثم يجيب عنها ، ويذكر رقم الصفحة والجزء والسطر ، وما أشبه ذلك ، وكأنّ القضية مرتبطة بهذا العالم (١).

القضية الرابعة : أنّنا نلاحظ في هذه المحاولات أنّها محاولات تكرارية ، وليس فيها شيء جديد إلّا هذا الأسلوب الخياني الخادع وهذه الصورة العلمية المشوهة ، فإنّ هذه الشبهات التي يثيرها هؤلاء الذين يدّعون العلم والفضل ما هي إلّا شبهات قديمة قد ذكرها بعض السابقين عليهم في زمن الأئمة عليهم‌السلام من المذاهب الإسلامية أو الشيعية الأخرى ، مثل الزيدية والواقفية ، أو ذكرها جماعة من أهل السنة ، وهي شبهات كانت تثار منذ ذلك الوقت ولا زالت ، وأجاب عنها أئمتنا عليهم‌السلام وعلماؤنا بأجوبة مفصّلة وواضحة ، ولكن مع ذلك يأتي هؤلاء ويكررونها مرة أخرى دون أن يشيروا إلى هذه الحقيقة ، وكأنّها شيء جديد مبتكر قد توصلوا إليه بالبحث والتمحيص.

إنّ هذه المحاولات لا بد أن ننظر إليها من خلال هذه الأبعاد والقضايا الرئيسية.

__________________

(١) ومن الحوادث التاريخية المشابهة بهذا الصدد أنّه عند ما صدر الجزء الأول من كتاب المستمسك ، للمرحوم الإمام الحكيم قدس‌سره ، صدر حوله منشور يطعن بالإمام الحكيم ، وأنّه يمثل في منهجه الفقهي المنهج الوهابي ، وكان يستخدم المنشور هذه الطريقة ، مثلا عند ما كان يتعرض الإمام الحكيم قدس‌سره إلى مسألة : هل يجوز تنجيس المراقد المطهرة للأئمة عليهم‌السلام ، أو لا يجوز تنجيسها؟ وأنّ حكمها حكم المساجد التي لا يجوز تنجيسها ، أو يختلف حكمها في ذلك.

يذكر ـ الإمام الحكيم قدس‌سره ـ بعض الشبهات حول الموضوع بعنوان أنّه قد يقال ، ثمّ يجيب عليها.

ولكن المنشور يذكر الشبهات ـ التي يثيرها الإمام الحكيم قدس‌سره ويجيب عليها ـ على أنّها آراء الإمام الحكيم قدس‌سره.

المحصلة العامة للفصل الثاني

وحاصل الكلام في هذا الفصل : أنا من خلال القرآن الكريم ، ومن خلال الروايات التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن طريق الجمهور ، وكذلك الروايات التي وردت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عن طريقهم عليهم‌السلام ، ومن خلال العقل والسيرة العقلائية ، يصبح من الواضح أنّ الإمامة التي هي ضرورة من ضرورات الرسالة الخاتمة ، هي مختصة في أهل البيت عليهم‌السلام.

الفصل الثالث

الاستدلال على اختصاص

الإمامة بالأئمة الاثني عشر

توجد أدلة أربع يمكن أن تذكر بصدد الاستدلال على اختصاص الإمامة بالأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام.

أولا : روايات أهل البيت عليهم‌السلام

الدليل الأول : الروايات التي وردت عن أهل البيت عليهم‌السلام التي تذكر هذا الاختصاص بصورة واضحة ، سواء في تسمية الأئمة الاثني عشر تفصيلا ، أو الإشارة إلى العدد إجمالا.

وفي هذا الاستدلال نشير إلى :

١ ـ الروايات بصورة عامة مع ذكر بعضها.

٢ ـ النتائج التي يمكن أن نستخلصها من هذه الروايات.

٣ ـ الشبهة التي قد تثار حول الاستدلال بهذه الروايات.

تواتر الروايات

أما الروايات فهي من حيث العدد والمضمون يمكن أن نقول عنها بأنّها متواترة ، حيث إنّ الحر العاملي صاحب الوسائل قد ذكر في كتابه (إثبات الهداة) ، تحت باب بعنوان (النصوص العامة على إمامة الأئمة عليهم‌السلام) (١) ، ما يقرب من ألف رواية من طرق أهل البيت عليهم‌السلام لإثبات هذا الموضوع ، وقد أسندها بعدد كبير ـ أيضا ـ من الروايات التي وردت من طرق جمهور المسلمين ، وممن يسمون اصطلاحا

__________________

(١) إثبات الهداة ١ : ٤٣٣ ـ ٦٧٥ ، الباب التاسع.

بـ (أهل السنة) ، وأكثر هذه الروايات التي ذكرها تذكر الأئمة الاثني عشر إما بأسمائهم ، أو بعددهم وعنوانهم العام.

وإذا أردنا أن نرجع إلى أجيال الرواة الذين رووا هذه الروايات ، والكتب التي دونت هذه الروايات ، فلا شك أنّه سوف يتحقق للإنسان المنصف القطع بصدور بعض هذه الروايات ـ على الأقل ـ من الأئمة عليهم‌السلام.

إذن ، فمن الممكن أن نقول بأنّ هذه الروايات هي متواترة إجمالا ، أي أنّ بعضها قد صدر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وفيها النص على أنّ الأئمة هم اثنا عشر.

التبرك بذكر الروايات

وأشير إلى بعض هذه الروايات من باب التبرك بذكرها :

الرواية الأولى : ما رواها الكليني ـ وهي معتبرة السند ، وقد رويت أيضا بعدة طرق لعلها خمسة أو ستة ، وبعض هذه الطرق صحيحة السند ـ عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد البرقي (١) ، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، عن أبي جعفر الثاني ـ الإمام الجواد عليه‌السلام ـ قال :

«أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه الحسن بن عليّ عليه‌السلام وهو متّكئ على يد سلمان فدخل المسجد الحرام فجلس (٢) ، إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللّباس فسلّم على

__________________

(١) يوجد إجماع على توثيقه ، نعم يوجد حديث حول روايته ، في أنّه كان يتساهل ـ أحيانا ـ في الرواية عن الضعفاء ، ولكن من يروي عنه هذه الرواية يعتبر من أجلّة الثقات والأصحاب ، ولذلك لا يوجد شك فيها من هذه الناحية.

(٢) ويبدو أنّ هذه الرواية كانت قبل خلافة الإمام علي عليه‌السلام ، لأن سلمان لم يكن حيّا عند ما تولى الإمام علي عليه‌السلام الخلافة.

أمير المؤمنين ، فرد عليه‌السلام فجلس ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين أسألك عن ثلاث مسائل إن أخبرتني بهنّ علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضي عليهم وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم ، وإن تكن الأخرى علمت أنّك وهم شرع سواء. فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : سلني عمّا بدا لك ، قال : أخبرني عن الرّجل إذا نام أين تذهب روحه ، وعن الرّجل كيف يذكر وينسى ، وعن الرّجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين عليه‌السلام إلى الحسن فقال : يا أبا محمّد أجبه ، قال : فأجابه الحسن عليه‌السلام.

فقال الرّجل : أشهد أن لا إله إلّا الله ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله ولم أزل أشهد بذلك ، وأشهد أنّك وصيّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والقائم بحجّته ـ وأشار إلى أمير المؤمنين ـ ولم أزل أشهد بها ، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته ـ وأشار إلى الحسن عليه‌السلام ـ وأشهد أنّ الحسين بن عليّ وصيّ أخيه والقائم بحجّته بعده ، وأشهد على عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده ، وأشهد على محمّد بن عليّ أنه القائم بأمر عليّ بن الحسين ، وأشهد على جعفر بن محمّد بأنّه القائم بأمر محمّد ، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد ، وأشهد على عليّ بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر ، وأشهد على محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن موسى ، وأشهد على عليّ بن محمّد بأنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ ، وأشهد على الحسن بن عليّ بأنّه القائم بأمر عليّ بن محمّد ، وأشهد على رجل من ولد الحسن ـ الإمام الحسن العسكري عليه‌السلام ـ لا يكنّى ولا يسمّى حتّى يظهر أمره فيملأها عدلا كما ملئت جورا. والسّلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، ثمّ قام فمضى. فقال أمير المؤمنين : يا أبا محمّد اتبعه فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسن ابن عليّ عليهما‌السلام فقال : ما كان إلّا أن وضع رجله خارجا من المسجد فما دريت أين أخذ

من أرض الله ، فرجعت إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فأعلمته ، فقال : يا أبا محمّد أتعرفه؟ قلت : الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم (١) ، قال : هو الخضر عليه‌السلام» (٢).

وهذه الرواية ـ كما ذكرت ـ يرويها الكليني بسند آخر (٣) ، ويرويها الصدوق بعدة أسانيد ، ويرويها الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بعدة أسانيد أيضا ، ويرويها الطبرسي والنعماني ـ أيضا ـ في كتاب الغيبة (٤) ، والكثير من هذه الأسانيد التي أشرت إليها هي أسانيد صحيحة.

الرواية الثانية : (٥) عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «قال أبي ـ الإمام الباقر عليه‌السلام ـ لجابر بن عبد الله الأنصاري : إنّ لي إليك حاجة فمتى يخفّ عليك أن أخلو بك فأسألك عنها ، فقال له جابر : أيّ الأوقات أحببته ، فخلا به في بعض الأيّام فقال له : يا جابر أخبرني عن اللوح الّذي رأيته في يد أمي فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما أخبرتك به أمي أنّه في ذلك اللّوح مكتوب؟

فقال جابر : أشهد بالله أنّي دخلت على أمك فاطمة عليها‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهنّيتها بولادة الحسين ، ورأيت في يديها لوحا أخضر ، ظننت أنّه من زمرّد ، ورأيت فيه كتابا أبيض شبه لون الشمس ، فقلت لها : بأبي وأمّي يا بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما هذا اللّوح؟ ، فقالت : هذا لوح أهداه الله إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابنيّ واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي ليبشّرني بذلك.

قال جابر : فأعطتنيه أمّك فاطمة عليها‌السلام فقرأته واستنسخته ، فقال له أبي : فهل لك

__________________

(١) هنا يلاحظ أنّ الإمام الحسن عليه‌السلام لا يقول : لا أعرفه ، ولكن تحدث لأبيه تأدبا بهذه الصورة.

(٢) الكافي ١ : ٥٢٥ ـ ٥٢٦ / ١ ، وإثبات الهداة ١ : ٤٥٢ / ٧٢.

(٣) الكافي ١ : ٥٢٦ ـ ٥٢٧ / ٢.

(٤) إثبات الهداة ١ : ٤٥٣.

(٥) سندها ضعيف ببكر بن صالح.

يا جابر أن تعرضه عليّ؟ قال : نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من رقّ (ورق. خ ل) ، فقال : يا جابر انظر في كتابك لأقرأ أنا عليك ، فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي فما خالف حرف حرفا ...» (١).

ويبدو أنّ هذه الرواية مروية بعدة طرق ، ولكنّها تجتمع ـ فيما يبدو ـ على بكر بن صالح.

الرواية الثالثة : عن سليم بن قيس (٢) قال : سمعت عبد الله بن جعفر الطيّار يقول : كنّا عند معاوية أنا والحسن والحسين وعبد الله بن عبّاس وعمر بن أمّ سلمة وأسامة بن زيد ، فجرى بيني وبين معاوية كلام فقلت لمعاوية : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ أخي عليّ بن أبي طالب أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد عليّ فالحسن بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ثمّ ابني الحسين من بعده أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فإذا استشهد فابنه عليّ بن الحسين أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا عليّ ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم وستدركه يا حسين ، ثمّ تكمّله اثني عشر إماما تسعة من ولد الحسين». قال عبد الله بن جعفر : واستشهدت الحسن والحسين

__________________

(١) هنا الرواية طويلة ، وفيها ذكر أسماء الأئمة عليهم‌السلام واحدا واحدا حتى ينتهي بذكر الإمام الثاني عشر ، وهو : محمد بن الحسن العسكري عليهما‌السلام ، فمن رام التفصيل ، فليراجع الكافي ١ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ / ٣ ، إثبات الهداة ١ : ٤٥٣ ـ ٤٥٥ / ٧٣.

(٢) الإشكال في هذه الرواية بأبان بن عياش الذي يوجد حوله حديث كثير ، وخلاصته : أنّ أبان بن عياش هو الراوي الوحيد لكتاب سليم بن قيس ، وأبان هذا كان قد لجأ إليه سليم في بيته أواخر حياته بعد مطاردته من قبل السلطة ، ثم توفي سليم عنده ، ويوجد كلام أنّ أبان هذا هل هو شخصية موثوقة فحفظت ما كتبه سليم بن قيس؟ أو أنّها أدخلت عليه بعض التحريف ، بعد التسليم والقبول ـ تاريخيا ورجاليا ـ بوجود كتاب سليم بن قيس ، حيث كان معروفا به في عصره ، وقضية سليم بن قيس وكتابه من القضايا المعروفة في تاريخنا.

وعبد الله بن عباس وعمر بن أمّ سلمة وأسامة بن زيد ، فشهدوا لي عند معاوية.

قال سليم : وقد سمعت ذلك من سلمان وأبي ذرّ والمقداد وذكروا أنّهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (١).

الرواية الرابعة : عن أبي حمزة قال : سمعت عليّ بن الحسين عليه‌السلام يقول : «إنّ الله خلق محمّدا وعليّا وأحد عشر من ولده من نور عظمته ، فأقامهم أشباحا في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق ، يسبّحون الله ويقدّسونه وهم الأئمّة من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله» (٢).

فهنا يذكر : ـ أيضا ـ (الأئمة الاثني عشر) دون أن يسميهم واحدا واحدا ، ما عدا عليا عليه‌السلام.

الرواية الخامسة : عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «الاثنا عشر الإمام من آل محمّد عليهم‌السلام كلّهم محدّث من ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومن ولد عليّ ، ورسول الله وعليّ عليهما‌السلام هما الوالدان ...» الحديث (٣).

وتوجد مجموعة من هذه الأسانيد لهذه الروايات.

وهناك مجموعة أخرى كبيرة من الروايات ـ كما قلنا ـ : تقارب من ألف رواية ، كما يوجد في فصول أخرى من الكتب المذكورة ما يدعم هذه الروايات ، مثل الروايات التي وردت في حبّهم ومودّتهم ، أو في الإرجاع إليهم ، وكذلك ما ورد ـ أيضا ـ في شأن عداوتهم وبغضهم ، فإذا أردنا أن نجمع كل هذه الروايات مع روايات النص عليهم يصبح لدينا عدد كبير جدا مما يؤكد هذه الحقيقة.

__________________

(١) الكافي ١ : ٥٢٩ / ٤ ، إثبات الهداة ١ : ٤٥٦ ـ ٤٥٧ / ٧٤.

(٢) الكافي ١ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ / ٦ ، إثبات الهداة ١ : ٤٥٨ / ٧٦.

(٣) الكافي ١ : ٥٣١ / ٧ ، إثبات الهداة ١ : ٤٥٨ / ٧٧.

الاستنتاج

وهذه الروايات باعتبار وجود محور (الاثني عشر) فيها يمكن أن تكون مفسرة ـ كما سوف أشير ـ لما ورد في روايات جمهور المسلمين من ذكر (الخلفاء الاثني عشر) بصورة مطلقة ، أو بعنوان (من قريش) ، حيث يمكن أن تمثل بمجموعها قضية واحدة ، وتتحدث عن أمر وموضوع واحد.

ولكننا الآن وقضية روايات النص على العدد عن أهل البيت عليهم‌السلام ، والاستنتاج الذي نريد أن نستنتجه منها هو أنّه في خط أهل البيت (التشيع) وفي نظر أئمة أهل البيت عليهم‌السلام أنّ هذه القضية هي قضية واضحة لا شبهة فيها ولا شك ، وهي مجمع عليها عند علماء أتباع أهل البيت ، وكذلك لدى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام وهي من الوضوح بهذه الدرجة.

وبذلك لا يمكن أن نستمع لما يحاول أن يثيره بعض المتحذلقين (١) من الكتاب الذين يحاولون أن يثيروا الشكوك حول وجود هذه الحقيقة على مستوى مصادر أهل البيت عليهم‌السلام ، من دعوى أنّ هذه القضية لم تكن قضية واضحة لدى جماعة أهل البيت عليهم‌السلام ، لوجود رواية هنا أو هناك لدى هذا الصحابي من أصحاب أهل البيت أو من أتباعهم ، تشير إلى عدم وضوح هذه القضية لديه.

وذلك لأن عدم وضوح القضية لدى بعض الأصحاب ـ لو ثبت ـ فإنّ ذلك قد يكون بسبب ظروف الكتمان والتقية التي كان يعيشها أهل البيت عليهم‌السلام وجماعتهم ، الذي يصبح من الطبيعي فيها غموض مثل هذه القضية الخطيرة لدى بعض هؤلاء

__________________

(١) كما نلاحظ في كتابات بعض الأشخاص ـ وقد أشرنا إلى حديثهم في الفصل السابق ـ الذين أقل ما يقال عنهم بأنّهم (متحذلقون) كالكتابات التي كتبها أحمد الكاتب ، ومن قبله ـ أيضا ـ موسى الأصفهاني وغيرها.

الأصحاب في فترة من الزمن ، أو تظاهرهم بذلك ، لهذا السبب أو لأي سبب آخر.

الشبهة حول الاستدلال

وهنا توجد شبهة أخرى يثيرها بعض المتكلمين حول الاستدلال بهذه الروايات على إمامة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهي : أنّه كيف يمكن الاستدلال بمثل هذه الروايات على هذه الحقيقة مع أنّ هذه الروايات تنتهي إلى أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهي تدل على إمامتهم ، فهل يمكن الاستدلال بقول الإنسان الذي يدعي لنفسه الإمامة على إمامته؟ إذ لا يمكن إثبات الإمامة بقول أهل البيت عليهم‌السلام إلا أن تثبت إمامة أهل البيت أنفسهم قبل ذلك ، فيكون هذا الاستدلال من قبيل الدور ، يعني أنّ إثبات إمامة الأئمة بدعوى الأئمة أنفسهم يحتاج إلى إثبات إمامة الأئمة قبل هذه الدعوى حتى يمكن أن نأخذ منهم ونصدقهم بهذه الدعوى ذات الطابع الغيبي.

وهذا من قبيل قبول دعوى النبوة ، فإن النبي عند ما يأتي ويدعي النبوة لا يمكن تصديقه إلّا من خلال دليل آخر خارج عن حدود النبي نفسه ، وهو المعجزة التي هي خارج دعوى النبي ، وبذلك يمكن تصديق هذا النبي بدعوى النبوة ، وبالنسبة لهذا الاستدلال على الإمامة ، فإنّ الأئمة هنا يدّعون لأنفسهم الإمامة ، ويروون هذه الروايات ، ونحن نحتاج إلى إثبات إمامتهم خارج هذه الدعوى وبدليل آخر ، وإلّا تكون هذه الدعوى من قبيل الدور.

ولكن هذه الشبهة والكلام إذا أردنا أن نفحصه بصورة دقيقة لا نرى له محتوى علميا حقيقيا ، لأن تشبيه هذه الروايات وإثبات الإمامة بها بدعوى النبوة وقضية المعجزة تشبيه وقياس مع الفارق ، وذلك لأنه بالنسبة للأنبياء إنّما نحتاج إلى المعجزة لأن النبي يدعي الارتباط بعالم الغيب ، وهو عالم غير عالم الشهادة ،

وعالم الغيب يحتاج التصديق به إلى أمر غيبي ، لأنّه قد يشتبه على المدعي ، فقد يقال : إنّه لا يمكن قيام الحجة على هذا الجانب الغيبي إلّا بالمعجزة.

على أنّ التصديق بالأنبياء ـ أيضا ـ يمكن أن يتحقق في كثير من الأحيان حتى من دون هذه المعجزة ، وهذه المعجزة إنّما يلزم وجودها من أجل إقامة الحجة على الناس حتى لا يبقى مجال لأحد من الناس أن يدّعي عدم الإيمان بالله بسبب عدم وضوح الدليل والبرهان ، وإلّا فإنّ الكثير من الناس الذين آمنوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبالأنبياء السابقين له آمنوا بهم قبل قيام المعجزة ، وذلك لأنّه عند ما يأتي شخص كرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، شخص عرف بين الناس بالصدق والأمانة ، وعاشره الناس طيلة أربعين عاما ، ولم يجدوا في حياته أي نقطة ضعف ، لا في حديثه ، ولا في ما يذكره من حقائق ووقائع ، ولا في أي جانب من سلوكه. مثل هذا الإنسان عند ما يأتي ويخبر الناس بأمر ما ، فإنّ الناس الذين لا يكون في قلوبهم مرض أو لا يتعرضون إلى عملية التضليل والتشكيك والإيهام من قبل الآخرين ، يصدّقون مثل هذا الإنسان ـ عادة ـ ويأخذون منه.

وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستدل بهذا الدليل والمنطق على المشركين ـ أيضا ـ في بداية الأمر لإقناعهم بالرسالة قبل تمامية معجزة القرآن ووضوحها ، لأن معجزة القرآن لم تكن معجزة قد اتضحت في اليوم الأول من دعوى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما أصبحت معجزة واضحة بعد ذلك ، ولكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستدل بهذا المنطق الذي ذكرته على الناس ، فقد كان يقف على جبل أبي قبيس ويخاطب المشركين في بداية إعلانه للرسالة الإسلامية ويقول لهم : لو أنّي أخبرتكم أنّ وراء هذا الجبل قافلة متوجهة إلى مكة ، فهل كنتم تصدقوني بذلك وتخرجون لاستقبالها؟ وكانوا يجيبون : نعم ، لأنّهم كانوا يعرفونه بأنّه صادق أمين ، ولا يوجد

لديهم أي احتمال أن يكون إنسانا كاذبا أو مخادعا مضللا أو مشتبها ، كانوا يعرفونه بالصدق والأمانة والذكاء وإلى غير ذلك من الخصوصيات التي يحصل من خلالها ـ عادة ـ اليقين بإخباره ، وكان يعقب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله على سؤاله وحديثه هذا بأن يخبرهم بحقيقة الوحي الإلهي والرسالة الإلهية ، وأن لا إله إلّا الله ، وأنّه رسول الله.

إذن ، كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يستدل بهذه الطريقة نفسها ، وإنّما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمثل بهذا المثال لأن أهل مكة كانوا تجارا ، يخرجون عند ما يعلمون بوجود قافلة لاستقبالها والشراء منها ، فكان الناس يخرجون ويتحملون عناء الخروج ويستقبلون القوافل ويتعاملون معها.

إذن ، فالتصديق قد يحصل ـ أيضا ـ من دون هذه المعجزة ، ولكن مع ذلك لو افترضنا أنّ دعوى الرسالة لا يمكن التصديق بها إلّا من خلال المعجزة ، فإن قضية الرسالة الإلهية هي قضية (غيب) يخبرهم فيها عن أمر غيبي مرتبط بنزول الوحي الإلهي ونزول الملك عليه ، وكل هذه الأمور غيبية وخارجة عن حالة الشهادة ، ولأنّ درجة الاشتباه في الأمور الغيبية عالية نسبيا ، كما أنّ درجة القبول بها واطئة وقليلة نسبيا ، يمكن افتراض عدم التصديق بها ، لاحتمال أن يكون صادقا وأمينا ، لكن قد يتوهم الوحي ويتخيله ، أو يشتبه عليه ، فيحتاج إلى دليل واضح ، بحيث يلغي كل هذه الاحتمالات.

أما قضية النص على إمامة الأئمة الاثني عشر فهي ليست قضية غيبية ، وإنّما هي قضية مادية حسية في هذه الشهادة ، فإنّ الإمامة وإن كانت غيبية كالنبوة ، ولكن النص عليها من قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمر حسي.

كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بوسائله المختلفة وفي مناسبات عديدة ـ كما تشير هذه

الروايات ـ قد نص على هؤلاء الأئمة وذكرهم واحدا واحدا في هذه المناسبات.

إذن ، فلما ذا لا نصدّق حديث هؤلاء الأئمة الاثني عشر الذي يجمع المسلمون بدون أي شك أو تردد على وثاقتهم وصلاحهم ودينهم وهديهم ، ولا يشك أحد من المسلمين في وجود هذه الصفات فيهم ، فلما ذا لا نصدقهم عند ما يخبروننا عن هذه الحقيقة الحسية؟!.

فمثلا : عند ما يذكر الإمام الحسن عليه‌السلام مثل هذه الحادثة التي شاهدها بعينه وهي قضية حسية ، لما ذا لا نصدقه عليه‌السلام فيها؟! مع أنّ المسلمين جميعا يجمعون على أنّ الإمام الحسن عليه‌السلام جامع لكل صفات الصدق والذكاء والخبرة ، وغيرها من المواصفات التي يحتاجها الإنسان لحصول هذا النوع من اليقين والوثوق.

وسوف نتبين هذا الإجماع من المسلمين بشأن وجود صفات الكمال لدى أهل البيت عليهم‌السلام ، وذلك عند ما نذكر الروايات التي وردت من طرق الجمهور ، بالنص على خلافة الاثني عشر ، حيث نلاحظ هناك أنّ بعض علماء الجمهور يتحير في تفسير هذه النصوص وتأويلها على مذهبهم ، ويؤكد ـ في الوقت نفسه ـ وجود هذه المواصفات في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

إذن ، فمثل هذه الشبهة لا معنى لها ، بحيث نحتاج في تصديق الأئمة الاثني عشر في هذه الأحاديث إلى الاعتقاد بإمامتهم ، بل نحتاج في تصديقهم إلى الاعتقاد بصلاحهم ، بمعنى صدقهم ودقتهم بحيث لا يشتبه عليهم الحال ، وحفظهم لما شاهدوه وسمعوه ، بحيث لا ينساه أو يغفل عنه ، ولا نحتاج إلى أن نعتقد بإمامة الأئمة قبل ذلك ، حتى يثبت لنا صحة هذه الأحاديث.

إذ من الواضح أنّ السلامة ـ بمعنى القدرة على الحفظ وعدم الاشتباه ـ ليس أمرا مرتبطا بالإمامة ، وهذا يعني : أنّ كل إنسان يملك مثل هذه المواصفات يمكننا

أن نصدقه بما يقول ، ويحصل لنا اليقين بكلامه وإخباره ، من دون حاجة أن نعتقد بإمامة ذلك الإنسان.

فإذا ثبت تواتر هذه الروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام ـ وقد ثبت كما أشرت إلى ذلك ـ فيمكن أن تكون دليلا كافيا على إثبات اختصاص الإمامة في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

ثانيا : روايات الجمهور

الدليل الثاني الذي يمكن أن يستدل به على الاختصاص بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام : الروايات التي وردت عن طريق الجمهور ، حيث نلاحظ أنّ هناك روايات وردت بصيغ وطرق متعددة تنص على أنّ الخلفاء أو الأمراء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هم اثنا عشر خليفة ، أو اثنا عشر أميرا ، حسب الاختلاف في التعبير.

وهذه الروايات يمكن الاستدلال بها ـ أيضا ـ على هذا الجانب من النظرية ، وهي اختصاص الإمامة بالأئمة الاثني عشر ، وقد وردت هذه الروايات في أكثر الكتب المعروفة لدى جمهور المسلمين ، مثل صحيح البخاري وصحيح مسلم ، والترمذي ، وكذلك في المجاميع المعروفة لدى المسلمين ، ومن حيث العدد وتعدد طرقها يمكن أن يقال عنها بأنّها متواترة ، حيث إنّ الطرق التي ذكرت لهذه الروايات هي حوالي ثلاثين طريقا (١).

__________________

(١) يراجع في بيان طرق هذه الروايات : إثبات الهداة ١ : ٦٧٨ ـ ٧٤٥ ، للحر العاملي ، حيث روى طرقا عديدة ، يذكرها عن مؤلفي الشيعة والجمهور ، وكذلك هامش صفحة : ٦٨١ ، عن كتب الجمهور من الكتاب المذكور ، وكذلك كتاب صراط الحق ٣ : ٢٨٠ ـ ٢٨٩ ، وكذلك كتاب أهل البيت عليهم‌السلام في الكتاب والسنة : ٦٨ ـ ٧٥ ، وغيرها من الكتب التي تناولت هذا الموضوع.

كما أنّ هذه الروايات أخذ بها علماء ومحدّثو الجمهور بصورة مسلّمة ومعترف بها ، ولا يوجد في كتبهم ـ سواء كتب الحديث أو الكلام ـ التي تتناول هذه الروايات بالبحث والتمحيص والمتابعة أي شك في صدور هذه الروايات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يثير أي واحد من علمائهم ذلك ، فصدور هذه الروايات أمر مسلّم به لدى (جمهور المسلمين) (١).

وهذه النصوص من الموضوعات التي يمكن الاستدلال بها على هذه المقولة.

__________________

(١) وقد تناول أستاذنا الشهيد الصدر هذا الموضوع بالتحليل ، ونعم ما أفاد فيه ، قال : (وليست الكثرة العددية للروايات هي الأساس الوحيد لقبولها ، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا وقرائن تبرهن على صحتها ، فالحديث النبوي الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده وأنّهم اثنا عشر إماما أو خليفة أو أميرا ـ على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة ـ قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مائتين وسبعين رواية مأخوذة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة والسنة ، بما في ذلك البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وأبي داود ، ومسند أحمد ، والمستدرك على الصحيحين.

ويلاحظ هنا أنّ البخاري الذي نقل هذا الحديث كان معاصرا للإمام الجواد والإمامين الهادي والعسكري عليهم‌السلام وفي ذلك مغزى كبير ، لأنّه يبرهن على أنّ هذا الحديث قد سجل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل أن يتحقق مضمونه وتكتمل فكرة الأئمة الاثني عشر فعلا ، وهذا يعني أنّه لا يوجد أي مجال للشك في أن يكون نقل الحديث متأثرا بالواقع الإمامي الاثني عشري وانعكاسا له ، لأنّ الأحاديث المزيفة التي تنسب إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخر زمنيا لا تسبق في ظهورها وتسجيلها في كتب الحديث ذلك الواقع الذي تشكل انعكاسا له ، فما دمنا قد ملكنا الدليل المادي على أنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التاريخي للأئمة الاثني عشر ، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري ، أمكننا أن نتأكد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاسا لواقع ، وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربانية نطق بها من لا ينطق عن هوى ، فقال : «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر». وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري ابتداء من الإمام علي وانتهاء بالمهدي ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث الشريف) ، بحث حول المهدي : ٦٥ ـ ٦٧.

وجوه الاستدلال

والاستدلال بهذه الروايات يمكن أن يتم بعدة وجوه :

الوجه الأول : هو أنّ عنوان (الاثني عشر خليفة) لا يمكن تطبيقه واقعيا إلّا على الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام ، إذ لا توجد هناك أي فرضية معقولة يمكن انطباق هذا العنوان عليها ، باستثناء هذه الفرضية وهي فرضية : الأئمة الاثني عشر من أهل البيت عليهم‌السلام ، الذين نعرفهم.

ومن أجل توضيح ذلك نشير إلى عدة ملاحظات لها دور مهم في فهم هذه الروايات :

حيرة علماء الجمهور في تطبيق الروايات

الملاحظة الأولى : أنّ علماء الجمهور حاولوا ـ عند ما واجهوا هذه الروايات ـ أن يفسّروها بما ينسجم مع مذهبهم في (الإمامة) ، ولكنّهم بقوا متحيرين في تفسيرها وتأويلها ، حيث نجدهم يختلفون في تفسيرها بذكر الاحتمالات المتعددة ، فيذكر أحدهم احتمالا في تفسيرها ، ويأتي عالم آخر فيفسرها بطريقة أخرى ، ولا يرى هذا الاحتمال أو ذلك متطابقا بصورة دقيقة مع مدعاهم ، وهو أمر يكشف عن عدم وجود تصور واضح لديهم عن مفهوم هذه الروايات مع قبولها المطلق من قبلهم ، ولا عن المصداق الذي تنطبق عليه!!! بل إنّ بعضهم ـ وهو من كبار العلماء ـ اعترف بالعجز المطلق عن تفسيرها ، لأنّه رأى أنّ جميع ما يذكر من احتمالات في تفسيرها غير منطقي ، أو لا ينسجم مع مباني عقائدهم (١).

__________________

(١) من هؤلاء العلماء ابن العربي المالكي المعروف قال : (ولم أعلم للحديث معنى) ، عارضة الأحوذي في شرح الترمذي ٩ : ٦٩ ، وكذلك ابن الجوزي الذي قال : (قد أطلت البحث عن

وهذا مما يثير الاستغراب من ناحية ، ويؤكد حقيقة ما ذكرناه من ناحية أخرى.

وخلاصة ما يذكرونه أربعة احتمالات ، سوف أشير إليها في تفسير هذه الروايات (١) ، ونشاهد عدم انطباق هذه الاحتمالات على الواقع والحقيقة ، وسوف أضيف إليها احتمالات أخرى ، من أجل أن يتكامل البحث ، ولكن مع ذلك كله لا نجد أمامنا إلا احتمالا واحدا منها منطبقا مع الواقع ، وهو أن يكون المقصود منها هو الأئمة الاثنا عشر من أهل البيت عليهم‌السلام المعروفون في تاريخ المسلمين.

ونلاحظ بهذا الصدد أنّ بعض علماء الجمهور عند ما حاول تفسير هذه الروايات اعترف بانطباقها على الأئمة الاثني عشر أنفسهم ، إذا أريد من الخلافة الإمامة بدون السلطة الخارجية (٢).

صيغ روايات علماء الجمهور

الملاحظة الثانية : أنّ هذه الروايات ـ كما أشرت ـ تختلف في نصوصها

__________________

معنى هذا الحديث وتطلبت مظانه وسألت عنه فلم أقع على المقصود) ، فتح الباري في شرح البخاري ١٣ : ١٨١.

(١) يراجع صراط الحق ٣ : ٢٩٠.

(٢) كما نقل ذلك عن الفضل بن روزبهان ـ العالم المعروف بتعصبه وهو من كبار المتكلمين من جمهور المسلمين ـ في إحدى تفسيراته لهذه الروايات ، وإليك نصه :

(وأما حمله ـ أي الحديث ـ على الأئمة الاثني عشر فإن أريد بالخلافة وراثة العلم والمعرفة وإيضاح الحجة والقيام بإتمام منصب النبوة فلا مانع من الصحة ؛ ويجوز هذا الحمل ، بل يحسن ، وإن أريد به الزعامة الكبرى والأيالة العظمى فهذا أمر لا يصح ، لأنّ من اثني عشر اثنين كانا صاحبي الزعامة الكبرى ، وهما علي وحسن عليهما‌السلام ، والباقون لم يتصدوا للزعامة الكبرى. ولو قال الخصم : إنّهم كانوا خلفاء لكن منعهم الناس عن حقهم. قلنا : سلّمت أنّهم لم يكونوا خلفاء بالفعل ؛ بل بالقوة والاستحقاق ؛ وظاهر أن مراد الحديث أن يكونوا خلفاء قائمين بالزعامة والولاية ؛ وإلّا فما فائدة خلافتهم في إقامة الدين). انتهى كلامه. صراط الحق ٣ : ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

وصيغها ، ولكن هناك نقطة واحدة مركزية تتفق عليها جميع هذه الروايات ، وهي : نقطة (الاثني عشر) ، فإن هذا هو القاسم المشترك بين كل هذه الروايات على اختلاف صيغها ، وأشير إلى بعض هذه الصيغ من أجل أن يكون لدينا إلمام بها :

أولا : رواية جابر بن سمرة ، التي جاءت بصيغ عديدة ـ أيضا ـ فقد أكثر أهل الحديث ذكرها ، وأجمع علماء الجمهور على العمل بها ، باستثناء الأحناف ـ أتباع أبي حنيفة ـ فإنّهم لم يأخذوا بها ، وإن كانوا قد تحيروا في تطبيقها ، حيث تختص هذه الرواية من بين الروايات أنّها تصف هؤلاء الخلفاء بأنّهم من قريش.

ونلاحظ أنّ جابر عند ما يروي هذه الرواية ـ أيضا ـ يقول :

أ ـ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول بأنّ الخلفاء ـ أو الأمراء ـ بعدي اثنا عشر ، ثم إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تكلم بكلام لم أسمعه ، وسألت أبي عنه فقال أبي : إنّه قال : «كلهم من قريش».

ويضفي هذا نوعا من الغموض حول نص هذه الرواية ، فإنّه يشهد بأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «الخلفاء اثنا عشر» ، ولكن قال كلاما آخر ، وهذا الكلام الآخر لم يسمعه جابر بصورة مضبوطة ، وينسبه إلى أبيه ، وأنّه قال : «كلهم من قريش» ، ولعل هذا هو السبب في عدم قبول أبي حنيفة وأتباعه لهذا الشرط في الخليفة ، وسوف نعالج هذا الموضوع لنرى الحقيقة.

ب ـ رواية أخرى يرويها البخاري بصيغة (أمير) ، لا بصيغة (خليفة) يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اثنا عشر أميرا» ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال : «كلهم من قريش» (١).

__________________

(١) صحيح البخاري ٦ : ٢٦٤٠ / ٦٧٩٦ ، وفي نص آخر بعد كلمة «اثنا عشر أميرا» ، يقول جابر بن سمرة : ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني فقال : قال : «كلّهم من قريش» ،

ج ـ رواية أخرى ، بطريقة أخرى ، يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة» ، فقال كلمة صمّنيها الناس ، فقلت لأبي : ما قال؟ قال : «كلهم من قريش» (١).

د ـ وكذلك رواية بصيغة أخرى ، عن جابر يقول : دخلت مع أبي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول : «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة» ، ثم تكلم بكلام خفيّ عليّ ، فقلت لأبي : ما ذا قال؟ قال : «كلهم من قريش» (٢).

وهنا يضيف مسلم هذه الإضافة : «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة».

ه ـ رواية أخرى ، وبصيغة أخرى : «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» ، ثم تكلم النبي بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ما ذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فقال : «كلهم من قريش» (٣).

وـ رواية يرويها عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع : أن أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : فكتب إلى : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول : «لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (٤).

وهنا يدخل قضية «كلهم من قريش» بصورة مسلّمة دون أن ينسبها إلى أبيه.

ثانيا : رواية أخرى عن ابن مسعود تختلف عن رواية جابر بن سمرة ، وهي :

__________________

راجع سنن الترمذي ٤ : ٥٠١ / ٢٢٢٣ ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح!!! ، ومسند ابن حنبل ٧ : ٤٣٠ / ٢٠٩٩٥.

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٣ / ١٨٢١.

(٢) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ / ١٨٢١.

(٣) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٢ / ١٨٢١.

(٤) صحيح مسلم ٣ : ١٤٥٣ / ١٨٢٢.

عن مسروق : كنّا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كم تملك هذه الأمّة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود : ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثمّ قال : نعم ، ولقد سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : «اثنا عشر ، كعدّة نقباء بني إسرائيل» (١) وامتياز هذه الرواية هو التشبيه بنقباء بني إسرائيل.

ثالثا : وفي نصّ آخر : «إنّ هذه الأمّة لا تهلك حتّى يكون فيها اثنا عشر خليفة ، كلهم يعمل بالهدى ودين الحق» (٢).

وهنا يلاحظ إضافة «كلهم يعمل بالهدى ودين الحق» ، ولعلها هي الكلمة التي يقول جابر بن سمرة بأنّي لم أسمعها ، وأنّ أبي سمعها وقال عنها : «كلهم من قريش».

فالرواية قد تكون بهذه الصيغة «كلهم يعمل بالهدى ودين الحق» ، لا «كلهم من قريش» ، أو مع «كلهم من قريش» ، وبذلك يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد بين سيرة هؤلاء الخلفاء وصفاتهم.

رابعا : وفي رواية أخرى يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يكون منّا اثنا عشر خليفة ينصرهم الله على كلّ من ناواهم ولا يضرّهم من عاداهم» (٣).

خامسا : في رواية أخرى في مسند الفردوس ، عن شهردار بن شيرويه الديلمي ، عن أبي سعيد الخدري قال : صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة الأولى ، ثم أقبل بوجهه الكريم علينا ـ والظاهر من الصلاة الأولى صلاة الفجر ـ فقال :

__________________

(١) مسند ابن حنبل ٢ : ٥٥ / ٣٧٨١ ، وكذلك المستدرك على الصحيحين ٤ : ٥٤٦ / ٨٥٢٩ ، وتطهير الجنان واللسان لابن حجر : ١٩ ، وينابيع المودة ٣ : ٢٩٠ / ٧٧.

(٢) فتح الباري ١٣ : ١٨٤ ، باب الاستخلاف.

(٣) المناقب ١ : ٣٥٤ ، وفي رواية : «اثنا عشر قيما لا يضرهم عداوة من عاداهم» ، راجع تطهير الجنان واللسان : ٢٠.

«معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني إسرائيل ، فتمسكوا بأهل بيتي والأئمة الراشدين من ذريتي ، فإنكم لن تضلوا أبدا».

فقيل : يا رسول ، كم الأئمة بعدك؟ فقال : «اثنا عشر من أهل بيتي» ، أو قال : «من عترتي» (١).

سادسا : وفي رواية أخرى يسمي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الخلفاء بأنّهم : عليّ والحسن والحسين والتسعة من أولاد الحسين ، ويذكر اثني عشر خليفة ، ولكن يسمّيهم واحدا واحدا (٢).

سابعا : وفي رواية أخرى كذلك عن جابر بن سمرة ـ أيضا ـ قال : كنت مع أبي عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسمعته يقول : «بعدي اثنا عشر خليفة». ثم أخفى صوته ، فقلت

__________________

(١) راجع صراط الحق ٣ : ٢٨٦ / ٢٨ ، وذكر صاحب ينابيع المودة ـ وهو من علماء الحنفية ـ عن ابن عباس ، في تفسير قوله تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا السماء ، وأما البروج فالأئمة من أهل بيتي وعترتي ، أوّلهم عليّ وآخرهم المهدي ، وهم اثنا عشر» ، راجع ينابيع المودة ٣ : ٢٥٤ / ٥٩.

(٢) وإليك الحديث : فعن ابن عباس : قدم يهودي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقال له : نعثل ، فقال له : يا محمّد ، إني أسألك عن أشياء تلجلج في صدري ـ إلى أن قال ـ : أخبرني عن وصيّك من هو؟ فما نبيّ إلّا وله وصيّ ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال : «نعم ، إنّ وصيّي والخليفة من بعدي عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي الحسن ثمّ الحسين عليهما‌السلام ، ويتلوه تسعة من صلب الحسين عليه‌السلام ، أئمة أبرار».

قال : يا محمّد ، فسمّهم لي ، قال : «نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى على فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثمّ ابنه علي ، ثمّ ابنه الحسن ، ثمّ الحجة ابن الحسن ، فهذه اثنا عشر إماما عدد نقباء بني إسرائيل» ، قال : فأين مكانهم في الجنّة؟ قال : «معي في درجتي» ، راجع فرائد السمطين ٢ : ١٣٣ ـ ١٣٤ / ٤٣٠ ـ ٤٣١.

وهناك رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يذكر : أن الأوصياء من بعده اثنا عشر ، ثم يعددهم ، راجع ينابيع المودة ٣ : ٢٨٣ / ٢.

لأبي : ما الذي أخفى صوته؟ قال : قال : «كلّهم من بني هاشم» (١).

ونلاحظ أنّ هذه الروايات مختلفة في أمور عديدة وحتى في النص الذي يروى عن جابر بن سمرة ، ولكن الشيء الذي تجمع عليه جميع هذه الروايات مع اختلافها في الخصوصيات التي أشرت إليها هو عنوان (اثنا عشر خليفة) ، أو (أمير).

تشخيص المصداق للاثني عشر

الملاحظة الثالثة : أنّه ما هو المقصود واقعا من الخلفاء الاثني عشر ، وما هو المصداق الخارجي لهم؟

هنا توجد عدّة تفاسير لذلك :

التفسير الأول : هو أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يقصد من الاثني عشر خليفة هم الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام المعروفون لدى الإمامية ، وهذا التفسير هو الذي تتبناه الإمامية الاثنا عشرية ويعتقدون به ، وهو تفسير معقول ينطبق على واقع محدّد وواضح ومعروف ، وهؤلاء الأئمة موجودون في الخارج ، ومعروفون ومعترف بهم كجماعة لها مواصفات خاصة وعالية وموضع احترام لدى المسلمين ـ كما سوف أشير إلى ذلك ـ ونحن نعتقد أنّ التفسير الصحيح للروايات هو هذا التفسير ، باعتبار انطباقه على الواقع الخارجي تماما ، وينسجم مع مجموعة من القرائن الأخرى المؤكدة لهذه الحقيقة ، مما ورد في أهل البيت وفي هؤلاء الأئمة وآبائهم عليهم‌السلام ، من تعريف ، وثناء ، وحث على الحب والموالاة.

التفسير الثاني : أنّ المقصود من الخلفاء الاثني عشر هم الخلفاء الذين حكموا في التاريخ الإسلامي ، وكانت لهم الخلافة الخارجية الفعلية.

__________________

(١) ينابيع المودة ٣ : ٢٩٠ / ٤.

ولكن إذا أردنا أن ننظر إلى واقع الذين حكموا بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نجد أنّ عددهم أكثر من اثني عشر. وعندئذ ، فإذا أردنا أن نأخذ في تفسير ذلك خصوص المعروفين بالخلفاء الراشدين فهم أقل من اثني عشر ، وإذا أردنا أن نضيف إليهم الأمويين يكون عددهم أكثر من اثني عشر ، وإذا أردنا أن نضيف إليهم العباسيين أيضا يصبح العدد أكثر من ذلك بكثير ، وإذا أردنا أن نضيف إليهم الخلفاء العثمانيين فيكون العدد أضعافا مضاعفة من هذا العدد ، وبذلك فلا يكون هذا التفسير متطابقا مع عنوان (اثني عشر).

التفسير الثالث : أن يكون المقصود هم الخلفاء الذين حكموا بالفعل وكانت لهم الولاية الخارجية ، بمعنى السلطة والقدرة ، ولكن مع إضافة خصوصية وصفة لهم ، وليس جميع من حكم وتسلط واستلم الأمر ، وهذه الخصوصية هي خصوصية الاستقامة ولو في الجملة ، فقد يكون لأحدهم مشكلة في حكمه أو عمله ، ولكن إذا كان بصورة عامة يمثل الحاكم الإسلامي الذي يصدق في نظر عموم الناس بأنّه حاكم إسلامي ، لأنّه كان مستقيما في سلوكه العام.

وعندئذ ، يمكن تطبيق هذا العنوان ـ بنظر أصحاب هذا التفسير ـ على الخلفاء الراشدين ، باعتبار أنّهم كانوا يتمثلون بهذه الصفة ، ويضاف إليهم الإمام الحسن عليه‌السلام ، باعتبار أنّه حكم بالفعل أيضا ، فيكونون خمسة ، ثم يضاف إليهم معاوية ، بدعوى أنّ الحكم في زمن معاوية بصورة عامة ملتزم بالالتزامات الإسلامية العامة ـ وقد تم التسليم له بالخلافة من قبل الإمام الحسن عليه‌السلام في الصلح المعروف ـ فيكونون بذلك ستة ، ويضيف بعضهم إلى العدد يزيد بن معاوية! ، باعتبار أنّ الحكم كان بصورة عامة يلتزم بالضوابط العامة أيضا ، بادعاء بعضهم!! ، ثم يضيف إليه عمر بن عبد العزيز ـ أيضا ـ لوجود مواصفات الالتزام العامة به ، ثم يأخذ أصحاب هذا التفسير بالتفتيش عن خلفاء من هذا القبيل ، بحيث ينطبق

عليهم في الجملة عنوان الحاكم الإسلامي للوصول بالعدد إلى اثني عشر.

وكل ذلك من أجل الخروج من هذه المخمصة ـ إذا صح التعبير ـ في تفسير هذه الروايات ، بحيث ينطبق عنوان الاثني عشر على حقيقة خارجية ، ولكنها انتقائية لا تضبطها ضابطة واضحة.

ولكن السؤال : أنّ هؤلاء المفسرين تحدثوا عن عصرهم وذكروا اثني عشر خليفة بهذه المواصفات ، فما هو الموقف من العصور الأخرى التالية للخلافة الإسلامية؟ ، فإنه إذا أردنا أن نطبق هذا العنوان على أولئك الذين حكموا على طول التاريخ الإسلامي في ثلاثة عشر قرنا من الزمن إلى آخر الخلافة العثمانية ، نجد أنّ العدد الذي يتصف بمثل هذه المواصفات الانتقائية أكبر من العدد الذي ذكره هؤلاء بكثير ، ولا سيما إذا توسعنا في هذا العنوان بحيث يدخل فيه مثل يزيد بن معاوية! ، فلا ينطبق عنوان اثني عشر عليهم ، حتى لو تنازلنا عن الالتزام بضرورة أن يكون خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واجدا لصفات الكمال الذي تؤهله لهذه الخلافة ، وقلنا بأنّ هذا العنوان ينطبق على أولئك الذين كان يصدر الظلم والجور والانحراف منهم أمثال : معاوية ويزيد وغيرهما.

التفسير الرابع : أن يكون المقصود من الخلفاء الاثني عشر الخلفاء الذين حكموا في التاريخ الإسلامي ، ولكن في المدة التي كانت فيها القيم والمثل والتعاليم الإسلامية في قوتها وعزتها ، حتى لو كان شخص الحاكم منحرفا.

وهذا التفسير يحاول أن يستند إلى عبارة : «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا» ، ويأخذ كلمة : «عزيزا منيعا» أساسا لتشخيص هذا العدد ، فالحاكم والخليفة قد يكون منحرفا وظالما وفاسدا كيزيد بن معاوية ، ولكن القيم والدين الإسلامي في ذلك الوقت كان عزيزا منيعا قويا!!! ، فنأخذ عدد الخلفاء من حيث خصوصية عزة ومنعة وقوة الدين والإسلام.

وهذا التفسير لا ينطبق على الواقع أيضا ، لأنّه إذا أخذنا هذا الجانب وهذه الخصوصية في العدد ، فلا شك أنّ هذه العزة والمنعة للدين ـ إذا أريد منها العزّة الظاهرية ـ قد بقيت واستمرت إلى ما بعد انقضاء هذا العدد من الخلفاء ، فمثلا في عصر هارون الرشيد كان الدين في أعزّ وأمنع مراحله وعلو قدرته ، حتى كان يعبّر عنه بالعصر الذهبي (١).

فإذا أردنا أن نحسب الخلفاء من أبي بكر وحتى هارون الرشيد نجد أنّ العدد أكثر من اثني عشر خليفة ، فلا ينطبق هذا التفسير مع الواقع (٢).

التفسير الخامس : هو يفترض العزة ليست عزّة الدين ، وإنّما عزّة القدرة والقوة والمنعة للدولة الإسلامية ، وما كان يتمثل فيه الحكم الإسلامي من سلطة وهيمنة وإمكانات كبيرة ، وهذا التفسير لا ينطبق ـ أيضا ـ على الواقع ، لأن الحالة الإسلامية وإن كانت في طول التاريخ الإسلامي في مدّ وجزر ، من حيث القدرة والقوة والمنعة (٣) ، ولكن إذا أردنا أن نحصي الخلفاء في حالات المدّ لا في حالات

__________________

(١) وقد نسب إلى هارون الرشيد كلام قال فيه وهو ينظر إلى السحاب : اذهبي أينما شئت ، فأينما تمطرين فخراجك لي.

(٢) من المحتمل قويا أنّ جملة «لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا» ، قد أضيفت إلى هذه الروايات ؛ لاعطاء تفسير معين لها ، إذ لم ترد هذه الجملة في صحيح البخاري ، كما أنّ النصوص الأخرى التي تذكر كلمة «لا ينقضي» أو «لا يزال هذا الدين قائما» أو التي تطلق عدد الخلفاء دون قيد ، والتي رواها جميع المحدثين ، تعارض هذا النص ، وهي متقدمة عليها بالشهرة والأوثقية ، وهذه الملاحظة تسقط جميع هذه التفاسير التي تعتمد على هذه الخصوصية.

(٣) حيث يلاحظ أنّه في زمان قد يكون المسلمون أقوياء ، ثمّ تتدهور القوة الإسلامية لهم ، كما في آخر الخلافة العباسية ، أو في زمن المغول ، ثمّ يتحول المغول بعد ذلك إلى مسلمين ، فترتفع القدرة والقوة الإسلامية ، ثمّ تدهورت هذه القوة عند ما انقسم المسلمون إلى ملوك وطوائف ، وأصبحوا متوزعين في مختلف المناطق الإسلامية ، ثمّ بعد ذلك رجعت الحالة

الجزر ، نجد أنّ عددهم أكثر من اثني عشر خليفة ـ أيضا ـ بكثير.

التفسير السادس : محاولة تفسير هذا العدد بعزّة الرسالة الإسلامية ، يعني أنّ قوة الرسالة الإسلامية كدين وفكر وثقافة ، أي الهيمنة المعنوية لهذه الرسالة ، مع قطع النظر عن قدرة الحكم أو قدرة الأمة الإسلامية ، بل قوة النظرية الإسلامية ، حيث إنّ عزّة الرسالة الإسلامية معنويا قد تتفاوت وتختلف مع عزّتها المادية ، فمثلا إذا أردنا أن ننظر إليها من زاوية القدرة والسلطة قد نجد أن هناك تدهورا في القدرة الإسلامية عند غزو المغول للعالم الإسلامي ، بحيث تمكنوا أن يطيحوا بالدولة الإسلامية ويغزوها في عقر دارها ، ويستولوا على العاصمة للدولة الإسلامية بغداد ، ولكن الدين الإسلامي الأصيل كفكر وثقافة وحضارة كان قويا ، بحيث تمكن في فترة قصيرة أن يحوّل المغول إلى مسلمين ، إذ لم تكن هناك أي نظرية أخرى مطروحة في ذلك الوقت في مقابل النظرية الإسلامية.

وهكذا الحال في قوة الصليبية المسيحية التي كانت تتغلب ماديا في بعض الأحيان على القوة الإسلامية ، ولكن بقيت ضعيفة أمامها فكريا وعقائديا.

وهذا التفسير كسابقه إذا أردنا النظر إليه من هذه الزاوية ، فإننا نجد بأنّ عدد الخلفاء في هذه الفترة أكثر عددا من الاثني عشر ، فلا ينطبق هذا التفسير مع الواقع.

التفسير السابع : أنّ المقصود من العزة هي عزّة الأمّة الإسلامية كأمّة ، لا كنظرية وكرسالة ولا كدولة حاكمة ، وإنّما الأمّة كجماعة في مقابل الأمم الأخرى التي انقسمت على نفسها وتفككت وأصبحت جماعات وشيعا ، فإنّها بذلك تختلف عن حالة الأمّة الإسلامية.

__________________

للقوة الإسلامية في عهد الخلافة العثمانية في بعض أدوارها حتى تمكنت أن تنتشر في أورپا وتغزوها وتقع أكثر منطقة أورپا الشرقية تحت سيطرة الحكم الإسلامي.

وهذا التفسير ليس أحسن حالا من سوابقه ، لأننا نجد أنّ الأمّة الإسلامية كأمّة على أقل تقدير استمرت قوتها وعزتها إلى أواخر العهد العباسي قبل سيطرة المغول على الأمّة الإسلامية وإضعافها ، وأصبحت أمّة ممزقة بسبب هذا الغزو ، ومن ثمّ فعدد الخلفاء يكون أكثر من اثني عشر.

فرقم اثني عشر لا يمكن أن ينطبق على أي واحد من هذه الاحتمالات التي ذكرها علماء الجمهور أو التي يمكن افتراضها بما أضفناه إليها من فروض.

ولذا لا نجد أي تفسير آخر يمكن أن ينطبق مع هذا العنوان غير الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام (١).

__________________

(١) ويؤكد هذا التفسير معالجة سؤال مهم حول هذه الروايات وهو : أنّه لما ذا لم يسأل الأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تشخيص هؤلاء الخلفاء وصفاتهم وأسمائهم؟ ، حيث لا نجد ذلك في التراث السني الذي تناول عدد الخلفاء بصورة عامة بهذه الدرجة من الاهتمام والوضوح.

وتوجد عدة فروض واحتمالات لتفسير هذه الظاهرة :

الأول : أنّ الأمة لم تهتم بذلك بالرغم من اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بذكر هؤلاء الخلفاء.

ويؤيد هذا الاحتمال ـ عادة ـ هو حمل كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على بيان الملاحم في حركة الأمة الإسلامية.

أو بدعوى : أنّ المستوى الثقافي العام للصحابة لم يكن يدعوهم لإثارة مثل هذه الأسئلة حول هذه التفاصيل.

ولكن هذا الاحتمال يبدو واهيا للغاية ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار أهمية هذا الموضوع الذي أثاره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في موضوع الخلافة والخلفاء من بعده من ناحية ، وأنّ هذا الموضوع قد ذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على مرأى ومسمع من جمهور الصحابة ، وليس في حديث خاص من ناحية أخرى ، ولذا تمكن أن يشق هذا الحديث طريقه عبر التاريخ الإسلامي بهذا الوضوح.

فدعوى الإهمال واللامبالاة في موقف الصحابة العام يؤدي إلى الإساءة البالغة لهذا المجتمع الرسالي الذي كان له فضل عظيم في بناء القواعد الإسلامية ، وفيهم من أعاظم رجالات الإسلام.

__________________

الثاني : ـ هو عكس الاحتمال الأول ـ أنّ المسلمين كانوا قد سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنّه لم يهتم ببيان ذلك لهم ، أو أعرض عن ذلك عمدا.

وهذا الاحتمال كسابقه في الوهن ، إذ أن الذي أثار الموضوع وذكر العدد ـ كما تنص هذه الروايات ـ هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليس من المنطقي أن يذكر ذلك ثمّ لا يهتم أو يعرض عن بيانه وتوضيحه.

الثالث : أن يكون الأصحاب قد سألوا النبي عن ذلك ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد أجابهم عن ذلك أيضا ، ولكن هذه الحقيقة التاريخية ضاعت في طيات التاريخ الإسلامي الذي تعرض في بعض أدواره إلى عمليات (قمع) علمي وتاريخي ، من خلال منع التدوين لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإحراق ما كتب في هذا المجال وغيره ، لإعفاء آثار مثل هذه الحقائق التي كانت تتنافى مع سياسات السلطة الحاكمة ، ولا سيما في الصدر الأول الإسلامي ، حيث كانت مثل هذه الحقائق التي كانت تضر بشرعية هذه السلطة.

وهذا الاحتمال وإن كان معقولا ، ويؤيد حقيقة أن يكون المراد من الخلفاء الاثني عشر هم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، وهو احتمال لا زال يطرحه كثير من علماء أتباع أهل البيت ، ويثيره ـ أحيانا ـ بعض المنصفين من علماء الجمهور ، وهو يصدق بصورة واضحة على بعض الحقائق التي تحدث بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بصورة واضحة.

ولكن يمكن أن يقال في مقام رده ونفيه : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو كان قد ذكر ذلك بصورة واسعة وواضحة ، فمن البعيد جدا أن لا يصل لنا ذلك عن طريق أهل البيت عليهم‌السلام.

ولم تصلنا مثل هذه الحادثة التي تمّ فيها مثل هذا الإعلان عن أسماء الأئمة ، أو تشخيصهم بصورة واضحة كما حدث ذلك بالنسبة إلى حادثة غدير خم التي حاول التاريخ أن يخفيها ، ولكن الإمام علي عليه‌السلام في خلافته تصدى لها بصورة واضحة ، ليثبتها في التاريخ الإسلامي ، كما تصدى غيره لإثباتها.

الرابع : أنّه تأسيا على ما ذكر في الاحتمال الثالث ، يمكن أن نقول : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد اهتم بهذا الأمر ، وكذلك المسلمون ، ولكنّه في بيانه لهذا العدد كان يتبع سياسة عامة ، وهي الإثارة والإشارة إلى أهل البيت عليهم‌السلام في الإمامة ، وكان يتدرج في ذلك كلما سنحت له الفرصة بذلك ، حيث كان يلاحظ الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت تمر بها الرسالة الإسلامية ، فإنّ طرح مثل هذا الموضوع بوضوح والتأكيد له يثير مشكلات وأزمات في الوضع السياسي ، بسبب وجود المطامع في السلطة ، بعد انتصارات الإسلام ومحاولة إثارة

وجوه أخرى للدليل الثاني

ويؤيد هذا التفسير عدة حقائق أخرى لا بدّ من النظر إليها ، يمكن أن تشكل وجوها أخرى للدليل الثاني على هذه الحقيقة ، وهي في الوقت نفسه يمكن أن تكون تأييدا للوجه الأول من الاستدلال ، بل إنّ بعضها يمكن أن يكون دليلا مستقلا على هذه الحقيقة ، كما سوف نشير إلى ذلك.

الوجه الثاني : أنّ واقع الموقف الإسلامي العام تجاه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام يشهد بحقيقة انطباق هذا العنوان عليهم ، فإنّه بالرغم من اختلاف المسلمين الواسع والكثير في مختلف القضايا ، سواء القضايا الفقهية أو العقائدية أو الاجتماعية ومواقفهم المختلفة الأخرى ، نجد أنّ هناك إجماعا ـ لا نجده في أي مفردة أخرى ـ على احترام الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام من جميع المسلمين ، الأمر الذي يؤكد فهم أنّ المقصود من الخلفاء الاثني عشر هم هؤلاء الأئمة ، بدليل هذا الواقع الإسلامي الذي نعتقد أنّ أحد أسبابه هو هذا الفهم للروايات على مستوى الأمّة.

فنحن نلاحظ أنّ المسلمين قد يحترم بعضهم هذا الخليفة أو ذاك ، ولكن

__________________

العداوات والأحقاد للوصول إلى هذه الأهداف الخاصة ، فكان يتحفظ في هذا الطرح ، كما تشير إليه الآية الكريمة : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ...) ، المائدة : ٦٧ ، مما يعبر عن وجود هذه الخشية حتى حسم هذا الموضوع في آخر حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكانت حادثة الغدير.

ولكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم يقتصر على ذلك ، بل قام ببيان هذه الحقيقة في الأوساط والمناسبات الخاصة ، لإبقاء هذه الحقيقة ثابتة في أعماق التاريخ وأدواره.

ولا شك أنّ الكثير من الحقائق قد تعرضت إلى القمع والتحريف ، ولكن بقيت هذه الحقيقة ثابتة وساطعت من خلال هذا العمل المخطط لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان يراعي فيه إبلاغ الرسالة من ناحية ، والمصالح الإسلامية العليا من ناحية ثانية ، وظروف الرسالة وتطوراتها من ناحية ثالثة.

والله أعلم بالمصالح.

الإجماع على احترام وتقدير الاثني عشر من الأئمة بصورة واسعة ومسلّمة بين المسلمين له دلالة خاصة ، وإن كانت درجة هذا الاحترام متفاوته ، لأنّ بعضهم يرون أنّهم أئمة ولهم حق الإمامة ، وبعضهم لا يراهم بهذه الدرجة ، ولكن حالة الاحترام لدى المسلمين تجاه أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لا نجد لها نظيرا في أيّ مفردة أخرى من مفردات الحالة الإسلامية.

وهذا الوجه من الاستدلال يصلح على تأكيد فكرة الاختصاص ، مع قطع النظر عن هذه الروايات ، إذ يدل على أنّ الأئمة الاثني عشر هم الأفضل من بين جميع من ادعى الخلافة بين المسلمين ، لوجود هذا الإجماع والتسالم ، مما يؤكد هذا الاختصاص.

الوجه الثالث : أنّ مراجعة تطور مسيرة التشيع لأهل البيت عليهم‌السلام ، سواء على مستوى الإيمان بأئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، أو على المستوى العلمي والعملي للمسيرة ، نراها حالة تتطابق مع السنن الإلهية التي أشار إليها القرآن الكريم من بقاء الحق وثباته ، وكذلك وراثته للأرض : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (١) ، (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (٢) ، حيث نلاحظ أنّ قضية القبول الإيماني بإمامتهم كانت في بدايتها محدودة ثمّ تطورت باستمرار منذ بدايتها وحتى يومنا الحاضر ، وسوف تبقى إلى آخر الأيام كذلك ، وإنّها حالة تتصاعد في خطها البياني ، ولم تشهد في أي وقت من الأوقات حالة التراجع والتنازل ، بالرغم من كل محاولات القمع والمطاردة والتشريد والاستضعاف السياسي.

فقد بدأت هذه الحالة في أيام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بعدد محدود ممن كان يؤمن بهذه

__________________

(١) الإسراء : ٨١.

(٢) الأنبياء : ١٠٥.

الحقيقة ـ كما تشير إلى ذلك بعض الروايات ـ ولكنّها أصبحت حالة واضحة بصورة كاملة في زمن الإمامين الباقر والصادق عليهما‌السلام ، حيث أصبحت أسماء الأئمة في زمانهما متداولة ، ثمّ أصبحت بعد ذلك ـ أيضا ـ أكثر وضوحا ونموّا في الغيبة الصغرى ، ثمّ بعد الغيبة الكبرى بقيت هذه الحالة تنمو وتتكامل حتى وصلت إلى هذا المستوى العالي والحجم الكبير الذي نراه اليوم.

وعند ما نقيس هذه الحالة في عمود التاريخ نراها أنّها كانت دائما في مسيرة وخط بياني متصاعد من حيث الحجم والمضمون معا ، ومن حيث العدد والمستوى العلمي والممارسة العلمية والجهادية والأدوار الاجتماعية والسياسية.

وهذا الأمر يؤكد التفسير للروايات الشريفة بما ينسجم مع حركة الحق المتنامية التي يفترض فيها النمو والتكامل ، فهي حالة شبيهة بحالة التوحيد لله تعالى ، فإنّه بدأ حالة صغيرة ومحدودة في أدوار بعض الأنبياء ، ثمّ أخذت حالة الاستقرار منذ زمن إبراهيم عليه‌السلام ، وكانت حالة خاصة بشخصه عليه‌السلام ، ثمّ بدأت تتكامل بعد ذلك ، عند ما ننظر إليها في عمود الزمان منذ إبراهيم عليه‌السلام وحتى يومنا الحاضر ، حيث نراها حالة متصاعدة دائما إلى أن وصلت إلى أيامنا هذه ، وذلك لأنها حالة (حق).

فقضية الإيمان بالأئمة الاثني عشر نجد فيها هذا الجانب ـ أيضا ـ ولا بد أن نأخذه بنظر الاعتبار.

ولا يوجد تفسير منطقي لهذه الظاهرة إلّا هذا التفسير التاريخي الغيبي ، بعد فقدان التفسير المادي لها وهو القدرة والسلطة ، حيث كان هذا النمو ـ كما ذكرت ـ مقرونا بالآلام والمحن والاستضعاف والمطاردة والقمع والتشريد.

وهذا الوجه من الاستدلال يصلح أن يكون دليلا مستقلا ـ أيضا ـ مع قطع النظر عن هذه الروايات.

الوجه الرابع : ملاحظة ما ورد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ مما يعترف به جميع المسلمين ويقبلون به دون تردد ـ من مدح وثناء على أهل البيت وهؤلاء الأئمة عليهم‌السلام ، سواء في الحث على حبّهم والتمسك بعروتهم ، أو اتباع طريقتهم ، أو النهي عن بغضهم وعداوتهم والانفصال عنهم ، ولا سيما فيما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من تأكيد إمامة آخرهم وهو الإمام المنتظر (عج) مما يجمع عليه ـ أيضا ـ جميع المسلمين ، ولا يختلف عليه أحد منهم.

وهذه خصوصية يمكن الاستدلال بها على هذه الحقيقة في فهم الروايات ، أو بصورة مستقلة ، فإنّ جميع المسلمين يؤمنون بأنّ الإمام المنتظر هو خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

إذن ، لا بد أن نأخذ في هؤلاء (الاثني عشر) ، أنّ واحدا منهم هو الإمام المنتظر (عج) ، لأنّه لا شك عند جميع المسلمين أنّه خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وتطبيق روايات الخلفاء الاثني عشر على الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ينسجم مع هذه الروايات التي جاءت في حق أهل البيت عليهم‌السلام والإمام المنتظر ، ولا يوجد لدى جميع المسلمين في جماعة من الناس هذا القدر من المدح والثناء والذكر لهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما ورد بالنسبة إلى أهل البيت عليهم‌السلام ، ولذلك نجد الانسجام الكامل بين الروايات الواردة في أهل البيت عليهم‌السلام وروايات الخلفاء الاثني عشر عند ما نفسرها بأهل البيت عليهم‌السلام.

وأما على فرضية أن يكون خلفاؤه غير أهل البيت عليهم‌السلام ، فإنّه من المفروض ـ حينئذ ـ أن يذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذه الحقيقة ويبيّنها ـ أيضا ـ في روايات أخرى تشير إليها وتوضح هذا الجانب منها.

وهذا مما لا نجده إلّا في الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام.

الوجه الخامس : أنّ بعض هذه الروايات ـ كما عرفنا ـ تذكر أنّ هؤلاء الخلفاء

من قريش ، وعنوان قريش وإن كان ينطبق على أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لأنّهم من بني هاشم وبنو هاشم هم سادات قريش ، إلّا إنّنا نستبعد جدا أن يكون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد ذكر قريش في هذه الروايات ، وإنّما هو أمر أضيف إليها أو كان تحريفا لكلمة أخرى ـ كما أشرنا ـ والقرينة على ذلك هو أنّه لم يرد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيء مهم في مدح قريش إلّا بعض الروايات التي تنهى عن ذم قريش أو معاداتهم ، وهذه الروايات لا تدل على مدح قريش بقدر ما تدل على محاولة معالجة مشكلة واجهها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بشأن قريش ، وهي : أنّ عموم قريش كان موقعها العام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو العداء والعدوان ، وقد بذلوا بصورة عامة كل الجهود لمقاومة دعوته ، سواء في الدور المكي أو في الدور المدني ، أو في دور ما بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

طبعا هذه الحالة العامة للقرشيين ـ لا كل قريش ـ كانت هي المعاداة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهذه الحالة هي من أشد الامتحانات والابتلاءات التي ابتلي بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابتلي بها الكثير من الأنبياء عليهم‌السلام قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي أن يقف القريبون من الرسول موقف العداء بصورة عامة ، ومما ابتلي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو أنّ الموقف العام للقرشيين كان موقف العداء له ، فهم الذين كذبوه وحاصروه وطاردوه في مكة ، ثمّ بعد ذلك قاتلوه في المدينة.

وبقي موقف قريش يتصف بهذه الصفة تجاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته عليهم‌السلام من بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما يشير إلى ذلك الإمام علي عليه‌السلام في بعض خطبه ، عند ما يتحدث عن الموقف العام لقريش ويهتف : «ما لي ولقريش» (١) ، باعتبار أنّ قريش كان موقفها

__________________

(١) فقد جاء في خطبته عليه‌السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة : «... ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين ، ولأقاتلنهم مفتونين ، وإني لصاحبهم بالأمس ، كما أنا صاحبهم اليوم! والله ما تنقم منّا قريش إلّا أنّ الله اختارنا عليهم ، فأدخلناهم في حيّزنا ...» ، نهج البلاغة : ٧١ / ٣٣.

العام تجاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هذا الموقف.

وهذا الأمر كان يؤدي ببعض الناس عموما والمسلمين خصوصا أن يذكروا قريشا بالذّم ، لأنّ الناس عند ما يرون حالة عامة في جماعة ما ، يطلقون الأحكام ـ عادة ـ على تلك الجماعة ولا يستثنون منها أحدا ، وهي قضية موجودة كحالة اجتماعية عامة.

وقد حاول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الروايات أن ينهى الناس عن ذم قريش عموما ، لأنّ في القرشيين مجاهدين ، وفيهم بنو هاشم وبنو عبد المطلب ، وكان فيهم أصحاب صادقون في إيمانهم وارتباطهم بالرسالة الإسلامية ، وكان فيهم من ضحى في سبيل هذه الرسالة ، ومنهم بنو هاشم الذين هم قريبون من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقدّموا التضحيات الكبيرة ، فالقضية لم تكن بهذه الصورة التي يتصورها الناس في إطلاق الذم العام على قريش.

ولو كان يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ خصوصية قريش هي الخصوصية المركزية في هؤلاء ، لكان من المفروض أن يصدر عنه عدد معتد به من الروايات يثني فيها على قريش وموقعها ، كما كان عليه أن يوضح هذه الحقيقة ، مع أنّنا لا نشاهد ذلك حتى في روايات الجمهور.

الخلاصة

إنّنا عند ما لا نرى أمامنا أي تفسير منطقي لعنوان اثني عشر ينطبق على الواقع الخارجي غير الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام من ناحية ، ونجد أمامنا هذه القرائن والشواهد التي تؤكد أنّ المقصود من ذلك هو الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام ، كل ذلك يمكن أن يكون بمجموعه دليلا على أنّ المقصود من هذه الروايات التي أجمع على صدورها المسلمون هم الأئمة الاثنا عشر عليهم‌السلام.

الأدلة الأخرى على الاختصاص

أ ـ احترام المسلمين لأهل البيت

الدليل الثالث : (١) أنّا نلاحظ في التاريخ الإسلامي الإجماع من قبل جميع المسلمين ، بمختلف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية أو الفقهية أو الجغرافية ، على احترام الأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام وتقديسهم ، وإن كانوا يختلفون في درجة هذا الاحترام ، أو في خلفيته ، كما أشرنا.

فشيعة الأئمة الاثني عشر يحترمونهم انطلاقا من الاعتقاد بإمامتهم ، كما أنّهم يرتفعون بهم إلى درجة عالية في الفضل ، ويرون أنّهم أفضل البشر والمخلوقات بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي هذه الخصوصية قد يختلفون فيهم عن سائر المسلمين ، لأنّ بقية المسلمين لا يقدسونهم بهذه الدرجة والخلفية ، ولكنّهم يحترمونهم بدرجة كبيرة أيضا ، وهذا الإجماع لا نراه لأي جماعة من المسلمين في كل التاريخ الإسلامي ، كما ذكرنا.

ومن أجل أن نوضح أهمية هذا الإجماع ودليليته لا بدّ أن ندرس خلفيته.

فقد يقال ـ أحيانا ـ : إنّ خلفية هذا الإجماع هو : أنّ هؤلاء هم أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو نبي المسلمين ، وأفضل الخلق عند الله تعالى وعند الناس ، والناس بطبيعتهم يعظمون أبناء العظماء الذين يقدسونهم ، فمثلا المسيحيون لا يزالون يعظمون (الصليب) ، لأنّه رمز للخشبة التي صلب عليها المسيح في نظرهم ، فهم

__________________

(١) لقد تقدمت الإشارة إلى هذا الدليل والدليل الرابع ـ الذي سوف يأتي ـ في وجوه الاستدلال بالدليل الثاني السابق (الوجه الثاني والثالث) ، ونذكرهما هنا بشيء من التوضيح ، وإن كان تكرارا لأصل الوجهين ، حيث ذكرنا أنّه يمكن الاستدلال بهما بصورة مستقلة.

يعظمون الصليب لانتمائه لعيسى عليه‌السلام ، ومن الطبيعي ـ حينئذ ـ أن يقال : إنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام باعتبار أنّهم أولاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأقرب الناس إليه ، فهم يعظمونهم ويحترمونهم لهذا السبب.

ولكن لا شك أنّ الكثير من المسلمين كانوا يعظمون أهل البيت عليهم‌السلام باعتبار انتمائهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لأنّ عموم المسلمين يحبون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكن هذا الإجماع منهم على احترام أئمة أهل البيت عليهم‌السلام لم يكن بسبب هذه الخصوصية ؛ وذلك لأنّنا نتحدث عن تفسير هذا (الإجماع) ، وهو لم يكن بسبب هذه العلاقة ، وذلك بدليل أنّ الكثير من هؤلاء المسلمين الذين يعظمون ويحترمون أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، انتهى بهم الأمر ، وكذلك بأتباعهم السياسيين ، أن يقتلوا هؤلاء الأئمة ، وأن يطاردوا شيعتهم وأبناءهم في مختلف الأدوار ، بل وصل الأمر ببعض هؤلاء المسلمين إلى درجة يرون أنّ سبّ علي عليه‌السلام على المنابر أمرا واجبا ولازما وضروريا ، وشعارا من الشعارات التي اتخذوها لدولتهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى الدولة الأموية بصورة عامة ، باستثناء فترة عمر بن عبد العزيز.

فقد تبنت هذه الدولة سبّ علي عليه‌السلام الذي هو رمز هؤلاء الأئمة عليهم‌السلام ، وكان أبوهم وأطهرهم وأفضلهم ، كما ورد ذلك في بعض النصوص ، ولكن مع ذلك يسبّ هذا الإمام على منابر المسلمين رسميا ، وعلى لسان كل إمام جمعة ، عند ما كانوا يؤمون هؤلاء المسلمين في كل العالم الإسلامي لعشرات السنين بصورة رسمية ، فلو كانت العلاقة برسول الله هي السبب لهذا الاحترام لم يتعرض هؤلاء الأئمة عليهم‌السلام لمثل هذه المصائب من قبل هؤلاء المسلمين.

وهكذا في الدور العباسي ، فإنّنا نعرف أنّ المطاردة لأهل البيت عموما ، ولأئمة أهل البيت عليهم‌السلام بالخصوص ، ومنها الجعجعة بالإمام الصادق عليه‌السلام ، التي أقل ما يقال فيها : أنّها كانت تهديدا بالسجن والقتل وانتهاكا لحرمات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل

بيته عليهم‌السلام ، أو السجن والتعذيب للإمام الكاظم عليه‌السلام ، وبعد ذلك ما جرى على الأئمة عليهم‌السلام من قتل وسمّ وغير ذلك ، كما جرى للإمام الرضا والإمام الجواد عليهما‌السلام.

وهكذا عند ما ننظر إلى قضية الإمام الحسين عليه‌السلام ، التي هي أشدّ من سبّ الإمام علي عليه‌السلام في بعض أبعادها من ناحية ، وقد تكون أقل منها في بعد آخر لها (١).

فقد كان ما جرى على الإمام الحسين عليه‌السلام أمرا مهولا جدا ، بحيث يقتل الإمام الحسين عليه‌السلام وأهل بيته وأصحابه ، ثمّ تسبى عيالات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمام مشهد عام من المسلمين ، ولم تكن هذه القضية قضية سرّية جرت في ظلمات سجن من السجون ، أو في زاوية من زوايا التاريخ ، وإنّما في قلب العالم الإسلامي ذلك الوقت (٢).

إذن ، فقضية هذا الإجماع لم تكن قضية مجرد حبّ وانتماء لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّما هذا الإجماع مع هذه الصورة والظروف لا يمكن أن يفسّر إلّا على أساس آخر ، وهو أنّ أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من خلال شخصيتهم وسلوكهم وعملهم وانجازاتهم ومواقفهم فرضوا هذه الحقيقة ، وهي أنّهم أفضل الناس جميعا في نظر المسلمين.

وهذا يدل على اختصاص الإمامة بهم دون غيرهم ، بعد التسليم بضرورة الإمامة.

وهذا كله مع وجود عدد كبير ممن نصبوا العداء لهم ، وتآمروا عليهم ، ووضعوا

__________________

(١) فقضية الإمام الحسين عليه‌السلام كانت قضية محدودة من حيث الوقت ، وتمّ التراجع عنها بسرعة ، أما قضية الإمام علي عليه‌السلام فقد كانت قضية رسمية ومفروضة على جميع العالم الإسلامي ، وبقيت حالة ثابتة ومؤكدة ولها مداليل معنوية أخرى.

(٢) فإنّ الكوفة ودمشق كانتا تمثلان قلب العالم الإسلامي ، وجرت هذه القضية في هذين البلدين.

الخطط للتشهير بهم من قريش وغيرهم فمعاوية وضع مخططا معروفا للتشهير بالإمام علي عليه‌السلام ، وكذلك التشهير بالإمام الحسن عليه‌السلام بصورة خاصة ، باعتبار أنّه كان يريد أن يسقط شخصية الإمام الحسن عليه‌السلام بعد الهدنة ، ولا يفسح له المجال أن يكون الخليفة من بعده ، ولم يتمكن معاوية من تحقيق هدفه ، حتى انتهى الأمر به إلى قتل الإمام الحسن عليه‌السلام من خلال دس السم له.

ولكن مع ذلك كله فإنّ الأئمة عليهم‌السلام تمكنوا أن يكسبوا هذا الإجماع المطلق لدى المسلمين بكل مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية والسياسية ، الأمر الذي يعني أنّ هناك خصوصية في هؤلاء الأئمة دون غيرهم ، تمكنوا من خلالها أن يحققوا هذا الإجماع ، بالرغم من هذه الظروف العسيرة والمحاولات الكثيرة ، هذه الظروف والمحاولات التي لم يواجهها أي أحد من المسلمين بالشكل الذي ذكرته.

وشرح هذا الموضوع في خصوصياته ، وكذلك المواقف والإنجازات التي حققها أهل البيت عليهم‌السلام ، والتي كان لها هذا التأثير الخاص ، يحتاج إلى حديث طويل (١).

ب ـ تطور الشيعة والتشيع

الدليل الرابع : هو ملاحظة ومراجعة تطور حال شيعة أهل البيت ، وهذا قد يكون من الأدلة الغريبة (٢) ، وذلك بالالتفات إلى مسيرة شيعة أهل البيت ، مع قطع

__________________

(١) يعني أنّ بيان خلفية هذا الاحترام ، مع تعددية الحالة الإسلامية في مذاهبها وأفكارها ، يحتاج إلى شرح قد نوفق إليه في بقية فصول هذا البحث ـ هذا إذا واصلنا البحث ـ وكذلك عند ما نتحدث عن أدوار الأئمة عليهم‌السلام واحدا بعد واحد ، حيث نتحدث عن الأدوار العامة ، والأدوار الخاصة لهم ، حيث تتضح هذه الصورة بشكل أفضل.

(٢) فكما استدللنا على إمامة أهل البيت عليهم‌السلام بصورة عامة بالروايات التي وردت في شيعتهم ، وكان ذلك من الأدلة الغريبة التي لم أرها في مقام الاستدلال ، فهنا نستدل ـ أيضا ـ على اختصاص الإمامة بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام بالالتفات إلى مسيرة شيعة أهل البيت.

النظر عن مسيرة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

إنّ مسيرة التشيع لأهل البيت كانت متصفة بخصوصيتين رئيسيتين ، وعند ما نجمع بينهما يمكن أن نصل إلى هذا الاستنتاج ، وهو اختصاص الإمامة بالأئمة عليهم‌السلام :

الخصوصية الأولى : أنّ هذه المسيرة بدأت منذ زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نطفة وبذرة ، (نطفة) في طهرها وصغرها وحجمها ، و (بذرة) في نموها وتكاملها ، ثمّ أخذت هذه النطفة تنمو حتى أصبحت أمّة صالحة من الناس ، تتحمل مسئولية الأنبياء والإمامة ، وأخذت هذه البذرة تتحول تدريجيا إلى شجرة طيبة (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها) ، مسيرة بدأت صغيرة في الحجم ، ولكنّها أخذت تكبر وتتكامل ماديا ومعنويا ، في خط بياني تصاعدي لم يشهد حالة التراجع حتى يومنا الحاضر.

وهذه قضية مهمة جدا لا بد أن ننظر إليها من خلال انطباقها مع سنن التاريخ ـ كما ذكرت ـ السنن التي تحدث عنها القرآن الكريم ، سنن ثبات الحق وبقائه وتكامله ، وزهوق الباطل وانتهائه : (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) (١) ، لقد كانت المسيرة بهذه الصورة.

وكذلك من حيث (البذرة) التي تحولت من الصلابة إلى الشموخ والعطاء ، إلى الشجرة الطيبة ، فهي مسيرة قوية صامدة في وجه الضغوط والمؤثرات والمؤامرات ، وحققت إنجازات عظيمة جدا في تاريخ العالم الإسلامي ، يمكن أن أشير ـ بصورة سريعة ـ إلى بعض عناوينها وإنّ كان كل واحد منها يحتاج إلى بحث كامل ، بحيث يمكن أن نفهم ما عبرت عنه بأنّها مصداق لقوله تعالى : (... كَشَجَرَةٍ

__________________

(١) الإسراء : ٨١.

طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ...) (١) ، الشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، وذلك عند ما نلاحظ :

أولا : كان لهذه المسيرة دور عظيم جدا في تحقيق وحدة الأمّة الإسلامية ، والفضل كل الفضل ـ بعد الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمة الأطهار عليهم‌السلام ـ إنّما هو لمسيرة الشيعة في حفظ وحدة الأمّة ، فلو لا التشيع والالتزام بخط أهل البيت عليهم‌السلام ومذهبهم ، ولو لا أهل البيت عليهم‌السلام لوجدنا الأمّة الإسلامية منقسمة على نفسها ، بحيث تحولت إلى أمم وجماعات لا يجمعها شيء ، وأصبحت هذه الحقائق القائمة الآن في وحدة الأمّة الإسلامية في عقيدتها وهمومها وتوجهاتها أثرا بعد عين ، بسبب الظلم والجور والتشريد والافتراء ، وقد كان للتشيع دور عظيم في المحافظة على هذه الوحدة ، اقتداء بأهل البيت عليهم‌السلام وخطهم ، وصبرا على المحن والآلام ، وتفضيلا للمصلحة الإسلامية العليا على المصالح الخاصة (٢).

ثانيا : المحافظة على القرآن الكريم والسنة النبوية ، وبقاء باب البحث والعلم الذي نعبّر عنه بخط الاجتهاد مفتوحا ، ونعني بذلك البحث العلمي المضبوط بالقواعد والأصول ، والذي يكون قادرا على مواجهة التحديات والتطورات التي يشهدها المجتمع الإنساني وتطوراته ، ومعالجتها بالحلول الإسلامية الأصيلة.

لقد كان لشيعة أهل البيت عليهم‌السلام هذا الفضل بعد الأئمة عليهم‌السلام في إبقاء هذا الخط مفتوحا ، وإلّا لانسد هذا الخط ـ كما هو معروف ـ حيث كان هناك إجماع جماعة

__________________

(١) إبراهيم : ٢٤ ـ ٢٥.

(٢) هذا الحديث سوف أتناوله بصورة تفصيلية ـ باذن الله تعالى ، إذا أعطانا الله تعالى عمرا ووقتا للمتابعة ـ عند ما أتحدث عن دور الأئمة عليهم‌السلام في حفظ وحدة الأمّة الإسلامية.

لدى مذاهب المسلمين في بعض الأدوار على غلق باب الاجتهاد (١) ، ولكن الشيعة بقوا مصرّين على هذا الأمر والمنهج من البحث ، وتحملوا الكثير من الأذى في سبيله ، حتى أصبح في هذا العصر المنهج العام المعترف به في الأوساط الإسلامية العامة.

فالشيخ الطوسي قدس‌سره الذي تميز في مرجعيته بأنّه كان منفتحا على مختلف مذاهب المسلمين ، ويمكن أن نقول عنه : إنّه كان ممن تكامل على يده الكتابة في بحوث (الخلاف) وكان كتابه (الخلاف) من أكبر وأقدم الموسوعات الفقهية التي تناولت المذاهب الإسلامية ، وهكذا كان حالة في قضية الكلام والتفسير ، فإنّه أول من ألّف في التفسير المقارن ـ كما نعرف ـ فكان تفسيره (التبيان) ، ومنه أخذ هذا المنهج الشيخ الطبرسي صاحب مجمع البيان ، إلى غير ذلك من الفتوحات التي حققها الشيخ الطوسي قدس‌سره في هذا المجال ، وبالرغم من ذلك كله كان قد تعرض إلى الأذى والمطاردة الطائفية.

وكان قبله العلامة الكبير ابن الجنيد البغدادي قدس‌سره الذي ألّف في الفقه واستدل فيه بالأدلة المتبعة لدى مختلف المذاهب الإسلامية ، وكان يفتي لجميع المسلمين وللدولة الإسلامية أيضا ، وتعرض إلى القذف والهجوم عليه من متعصبي بعض المذاهب الإسلامية.

إذن ، ففتح باب الاجتهاد والاستمرار فيه كان بسبب عمل وصمود هؤلاء ، حتى أصبح هذا الأمر الآن من الأمور المسلّمة عند المسلمين.

ثالثا : المحافظة على وجود الأمّة الإسلامية ، فقد تعرضت الأمّة الإسلامية في

__________________

(١) لقد حاول المعتزلة أن يؤسسوا لهذا الخط العلمي في مجال علم الكلام في بعض الأدوار ، ولكنّهم انقرضوا ولم يتمكنوا أن يصمدوا أمام عمليات القمع والمطاردة ، كما أنّ منهجهم محدود ولا يتسم بالشمول لجميع المجالات الإسلامية.

عهد المغول إلى ضربة قوية كادت أن تطيح بوجودها ، لأنّ المغول كانوا يمثلون قوّة قاهرة ومدمرة من حيث التنظيم العسكري والعدد والوحشية ، كما أنّهم كانوا يمثلون الوثنية والتخلف الهمجي والحضاري ، ولا يعتقدون بأي دين من الأديان ، وتمكنوا أن يجتاحوا العالم الإسلامي بقوة هائلة ومدمرة ، وتمكنوا من جميع المناطق المهمة في العالم الإسلامي ، مثل : آسيا الوسطى وإيران والعراق وسورية ، هذه المناطق التي كانت تمثل حواضر العالم الإسلامي في ذلك الوقت ، وقد دمّروا المناطق التي استولوا عليها تدميرا كاملا ، فكانوا يقتلون العلماء ويحرقون الكتب والتراث الإسلامي ، ويدمرون الأبنية والمدارس والمعاهد ... إلخ ، وكان اندفاعهم قويا وعنيفا ، وكان يمكن أن ينهوا وجود الأمّة الإسلامية ـ وليس الدولة الإسلامية فقط ـ من خلال القتل العام والتدمير للتراث والمعاهد ، وتفكيك البنية الاجتماعية.

وهنا نلاحظ ـ من خلال التحقيق العلمي للبحث التاريخي ـ أنّه كان للشيخ خواجه نصير الدين الطوسي قدس‌سره الدور العظيم في المحافظة على وجود الأمّة الإسلامية وتراثها (١) ، هذا العالم الرباني الذي وقع أسيرا بيد المغول الذين قتلوا جميع العلماء المأسورين ، ولم يستثنوا أي واحد منهم غير هذا الإنسان ، وذلك لأنّهم كان يطمعون أن يقدم لهم خدمة علمية فيما يتعلق بقضايا علم الهيئة والنجوم والفلك ، لأنّهم كانوا وثنيين ، ولكنّهم في الوقت نفسه كانوا يهتمون بهذا الجانب ـ أيضا ـ لأنّه جزء من تراثهم العلمي والحضاري ، وقد كان الشيخ خواجه نصير

__________________

(١) ونلاحظ في هذا المجال الظلم العظيم الذي يقوم به بعض الحاقدين وناصبي العداوة لأهل البيت عليهم‌السلام وشيعتهم ، من محاولة تحويل هذا الدور العظيم إلى اتهام الخواجه نصير الدين الطوسي قدس‌سره بالتعاون مع الدولة المغولية ، للإطاحة بالخلافة الإسلامية ، وهو افتراء ظالم حاقد لا أساس له ـ في التاريخ الإسلامي ـ من الصحة والواقع.

الدين الطوسي قدس‌سره مختصا بهذا العلم ومعروفا به ، فاحتفظوا به من أجل أن يقوم بهذا الدور.

وقد تمكن هذا الأسير الذي وقع بيد الوثنيين الوحوش ـ الذين لم يكونوا يتعاملون بصورة طبيعية ـ أن يحافظ على البقية الباقية من العلماء على اختلاف مذاهبهم ، كما يعترفون بذلك ، وكذلك على التراث تحت هذا الغطاء ، ثمّ يحولهم بعد ذلك إلى مسلمين ، بل يصبحون سلاطين للمسلمين ، ويرفعون راية الإسلام ، ويدافعون عنها ، وتمكنوا أن يحولوا بعد ذلك المنطقة الشرقية للعالم الإسلامي ـ من مناطق آسيا الوسطى الآن ـ إلى منطقة إسلامية عظيمة جدا ، كل ذلك بسبب الدور والموقف الذي وقفه الشيخ خواجه نصير الدين الطوسي قدس‌سره.

وهذا من الإنجازات العظيمة التي تستحق الحديث الكثير والواسع عنها.

وكذلك إذا أردنا أن ننتقل ونأتي إلى العصر الحديث ، نجد الإنجازات العظيمة التي تمكن أن يحققها شيعة أهل البيت عليهم‌السلام :

أولا : إرجاع الإسلام للحياة الاجتماعية ، في إقامة الدولة الإسلامية المباركة ، والنهضة الإسلامية المعاصرة ، فقد كان رجوع الإسلام إلى الحياة ـ بعد سقوط الدولة الإسلامية بفعل الغزو العسكري والثقافي الغربي ـ على يد شيعة أهل البيت وعلمائهم ، وهذه قضية عظيمة جدا إذا أردنا أن ننظر إليها بدقة ، وننظر إلى حجم التآمر العالمي الذي جرى على الإسلام ، وكيف تمكن شيعة أهل البيت أن يحققوا هذا الإنجاز العظيم في مواجهة هذا التآمر العالمي.

وثانيا : موقف شيعة أهل البيت من الغزو الثقافي والعسكري للعالم الإسلامي ، فإنّ علماء أهل البيت هم العلماء الوحيدون الذين وقفوا وقاتلوا بأنفسهم في مواجهة الغزو العسكري الاستكباري في الحرب العالمية الأولى.

فلننظر إلى تاريخ الحرب العالمية الأولى ، فإننا لا نجد أمامنا من قاتل هؤلاء

الغزاة عسكريا من العلماء ، غير علماء الشيعة في العالم العربي ، أو حتى في مركز الخلافة العثمانية.

هذه الحرب التي رفع فيها الغرب ـ الذي يستخدم الأساليب الخبيثة في الهيمنة والتسلط ـ شعار (حرية الشعوب) (١) ، ففي الحرب العالمية الأولى حاولت الحضارة الغربية أن ترفع شعارا آخر غير التسلط والهيمنة الصليبية ، وذلك من أجل أن تغزو العالم الإسلامي ، وتمزق الأمّة الإسلامية ، وهذا الشعار هو شعار الحرية ، والتحرير من الهيمنة التركية ، وقد ساعدهم على ذلك بعض الأحزاب التركية التي حولت الدولة الإسلامية إلى دولة قومية ، وتخلوا عن الإسلام ، وأخذوا يفرضون التركية كحالة قومية على العالم الإسلامي (٢).

وهنا استغل هؤلاء المستعمرون هذه الانتكاسة في الخلافة العثمانية ، فرفعوا شعار التحرير بالنسبة إلى العالم الإسلامي ، لإسقاط المقاومة مقابل الغزو الأورپي في الحرب العالمية الأولى ، ولذلك وقف كثير من علماء المسلمين متحيرين مقابل هذه القضية ، فهم بين نارين : نار شعوبهم التي تنشد الحرية وتريد أن تتحرر من هذا التسلط ، وكان هناك الكثير من أبناء هذه الشعوب قد قدموا شهداء في سبيل الحرية. ونار الغزو العسكري الأجنبي الكافر.

ولكن علماء الشيعة وقفوا موقفا وحدا واضحا مقابل هذا الغزو ـ بالرغم من الاختلاف الطائفي والمذهبي بينهم وبين الدولة العثمانية ـ ورفعوا شعار الجهاد

__________________

(١) نعم في الجزائر واجه الغزاة علماء المسلمين ، عند ما دخلوا إليها بعنوان الاستعمار والهيمنة والتسلط ، وكذلك في ليبيا فعلوا ذلك أيضا ، وكذلك في شبه القارة واجه علماء المسلمين هذا الغزو ، كل ذلك كان قبل الحرب العالمية الأولى ، وكان الشعار فيها هو الهيمنة الغربية الصليبية.

(٢) وهذا ما صنعه (حزب الاتحاد والترقي) في الخلافة العثمانية ، ومنهم أخذ كمال مصطفى هذا الاتجاه في فرض العلمانية التركية على تركيا ، والتخلي عن الخلافة الإسلامية.

ضد الغزو الأجنبي واشتركوا فيه ، ولذلك لم تتمكن أن تسيطر هذه القوى على العراق إلّا في نهاية الحرب العالمية ، بسبب هذا الموقف المبدئي والشجاع ، ولا نجد في كل خريطة العالم الإسلامي علماء قاتلوا في الحرب العالمية الأولى ضد المستعمرين شخصيا غير علماء الشيعة في العراق ، وفي بعض أطراف إيران.

وهذه القضية في الواقع لا بدّ أن نأخذها بنظر الاعتبار عند ما نتحدث عن الإنجازات.

وثالثا : نلاحظ موقف الشيعة والتشيع الثابت والصامد في قضية فلسطين ، فإنّ مواقف علماء الشيعة في قضية فلسطين يشاركهم فيها الكثير من علماء السنّة ، ولكن إذا أردنا أن ننظر إلى عمق الموقف وجوهره وروحه لا نجد روحا وجوهرا صافيا عميقا ومتجذرا في قضية فلسطين ، كما هو في موقف علماء الشيعة من هذه القضية (١).

الخلاصة

إننا إذا أردنا أن نحصي هذه الإنجازات في تاريخ المسلمين نحتاج إلى حديث طويل ، ولكن نذكر خصوصيتين :

الخصوصية الأولى : نراها في البذرة الطاهرة التي تكاملت ، حتى أصبحت شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، فهي خصوصية ذات طبيعة متنامية تنسجم مع السنة التاريخية ، سنة وراثة عباد الله الصالحين للأرض : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ

__________________

(١) سواء كان ذلك موقف الإمام الراحل قدس‌سره تجاه قضية فلسطين ، أو مواقف المراجع العظام الذين سبقوه في ذلك ، أو موقف العبد الصالح خليفته آية الله السيد الخامنئي حفظه الله تعالى ، أو موقف المجاهدين الذين يجاهدون في جنوب لبنان ، ومن تبعهم بإحسان في هذا الموقف الرافض لكل الحلول الاستسلامية ، مهما كانت صيغتها وحدودها ، فنحن لا نجد الآن في عالمنا الإسلامي موقفا بهذه الصيغة والصفاء والعمق غير موقف شيعة أهل البيت عليهم‌السلام.

مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١).

الخصوصية الثانية التي تكمل هذه الصورة : أنّ هذه المسيرة لم تكن وراءها قدرة ، أو سلطان ، أو مال ، أو عدد ، أو غير ذلك من الإمكانات المادية التي يعرفها الإنسان في عالم الدنيا ، بحيث يمكن أن يفسر هذا النمو والتطور ماديا ، فيقال : إنّ من الطبيعي عند ما تكون المسيرة من ورائها الأموال والسلطة والعدد الكبير والإمكانات الواسعة أن تبدأ صغيرة ، ثمّ تصبح كبيرة ومتنامية ، كما هو الحال في كل معالم الطبيعة ، وإنّما كانت هذه المسيرة مضمخة بالدماء والآلام والمحن والمصائب والضغوط ، ومحفوفة بالتشريد والمطاردة والفقر ، إلى غير ذلك مما عرفته هذه المسيرة على طول التاريخ الإسلامي.

مضافا إلى ذلك العوامل التي كانت معيقة لها ، بل ومدمرة لها ومحاصرة لحركتها ، فهي مسيرة مقموعة ومحاصرة ومطاردة ، ومع ذلك كله كانت تتنامى عددا ومضمونا ، ولم يكن التنامي في العدد فحسب ، ولكنّها كانت تتنامى في المضمون أيضا ، في الصبر والثبات والمعرفة والفهم للحياة والمواقف الجليلة والإنجازات الهامة.

وهذا الجانب الذي يكمّل الصورة يوصلنا إلى هذا الاستنتاج ، وهو أنّ المسيرة بهذه الصفة والخصوصية لا يمكن أن تفسّر إلّا على أساس أنّها مسيرة حق ، وأنّ الجماعة التي تلتزم بالإيمان بأئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم‌السلام هي على الحق ، وتتعرض لما تعرضت له هذه الجماعة من آلام وأذى وتبقى.

نعم قد نجد بقاء جماعة على غير الحق ، ولكن المهم في الوصول إلى هذا الاستنتاج هو أن تبقى المسيرة متنامية ومتكاملة باستمرار ، أما أن تبقى محجمة

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٥.

صغيرة محدودة على البقاء والحياة فحسب ، غير قادرة على الأداء والإنجاز فهذا أمر ممكن ، أما أن تكون دائما متكاملة مع أنّها دائما محاصرة ومطاردة ومشردة وملاحقة ، فهذا لا يمكن أن يفسّر إلّا بأن يكون هذا المضمون والمحتوى على الحق والاستقامة ، وهذا ينسجم مع السنة التاريخية.

ولذلك نرى أنّ هذه الخصوصية من الخصوصيات التي يجب أن ندرسها بصورة دقيقة ، وسوف نفهم من خلالها الاستدلال على اختصاص الإمامة بالأئمة الاثني عشر عليهم‌السلام.

وبهذا القدر أكتفي بالحديث (عن الإمامة) ، أسأله تعالى القبول والتوفيق والسداد ، والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام.

وقد كان ذلك في اليوم السابع والعشرين من ذي القعدة الحرام سنة أربعمائة وواحد وعشرين بعد الألف من هجرة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

محمد باقر الحكيم

الفهارس العامة

فهرس الآيات

فهرس الروايات

المصادر

فهرس لموضوعات

فهرس الآيات

الآية

رقمها

رقم الصفحة

البقرة

(وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...) (٣٠)................ ٢٦

(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ...) (٣١)......... ١٧٣ ، ١٨١

(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ...) / (٣٧)......... ١٧٣ ، ١٨٢ ، ٢٠٧

(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ...) (٣٨) ـ (٣٩)............. ١٨٥

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ ...) (١٢٤) ٢٠ ، ٢٥ ، ٤٧ ، ٦٠ ، ١١٧

(قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ...) (١٢٤).. ٢١ ، ٢٢ ، ٢٣ ، ٤٧

(إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) (١٢٤)................................. ٢١ ، ٢٣

(وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ.) (١٢٧) ـ (١٢٩) ٤٧ ، ١٧٥

(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ...) (١٢٨)............. ٤٧

(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ ...) (١٢٩)........... ٤٨ ، ٥٧

(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ...) (١٣١) ـ (١٣٣)......... ٥٦

(وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ...) (١٤٣) ١٢٠ ، ١٢١ ، ١٨٩

(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ...) (١٧٤) ـ (١٧٦).. ٣٥

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ...) (١٩٣).................. ١٢٤

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ...) (٢٠٧)................. ١٩٧

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا ...) (٢٠٨)............ ٢٠٢

(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ...) (٢١٣).... ٢٦ ، ٣٦ ، ١٢٧

(فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ ...) (٢١٣)........... ٣٢

الآية

رقمها

رقم الصفحة

آل عمران

(وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...) (٧)...................... ١٩٥

(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ...) (٣١)..... ١٧٨ ، ١٧٩

(إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ ...) (٣٣) ـ (٣٤) ٢١ ، ٥٣ ، ١٧٤

(ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ...) (٣٤).......................... ٢٢٥

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا ...) (٦١)........... ١٧٧

(وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ...) (٦١)............................................ ٢٢٧

(يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ...) (١٠٦)............................... ٢٨٨

(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ...) (١١٠)......... ٩٣ ، ١٢١

النساء

(الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ ...) (٣٤)................. ٢٩٣

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ...) (٤١)............................. ١١٩

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ...) (٥٨)...................... ٢٠٣

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي ...) (٥٩) ١٢٧ ، ١٥٧ ، ٢٠٣

(وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ...) (١٠٠).............. ١٤٨

المائدة

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ ...) (٢).................. ٢٨٨

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ...) (٣)............. ٣٠ ، ١٩٩

(وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ...) (١٢)............ ٧٩

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ...) (٤٤).................... ٣٨

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ...) (٤٥).................... ٣٨

الآية

رقمها

رقم الصفحة

(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ...) (٤٧).................... ٣٨

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ...) (٥٤) ـ (٥٦).... ١٩١

(إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ ...) (٥٥) ـ (٥٦) ١٢٨ ، ١٩١ ، ٢٨٥

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) (٦٧).............. ١٩٧ ، ١٩٨

الأنعام

(وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ ...) (٨٣) ـ (٨٧)....... ٤٨

(وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ...) (٨٤)........................................... ٤٩

(وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ ...) (٨٧).................................. ٤٩

(أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ ...) (٨٩) ـ (٩٠) ٢٠ ، ١٢٥ ، ١٢٦

الأعراف

(فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ...) (٦).................. / ١٢٠

(وَعَلَى الْأَعْرافِ ...) (٤٦).............................................. ٢٨٨

(وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ ...) (٥٨).................... ٦٧

(إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ ...) (١٥٥)........... ٢٧٥

(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...) (١٧٢).................. ٥٢

الأنفال

(أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ...) (٢٨).................................... ٢٦٠

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) (٣٩).. ٨٤ ، ١٢٤ ، ١٢٥

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...) (٤١).............. ١٧٩

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ...) (٧٥)............. ٦٨ ، ٦٩

الآية

رقمها

رقم الصفحة

التوبة

(أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ ...) (١٩)................ ١٩٤

(قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ ...) (٢٤).......... ٧٠ ، ١٧٨

(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ ...) (٣٢)........... ١٥٥

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ ...) (٣٣)........... ٨٣ ، ١٢٤

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...) (١١٩) ٢٠٣ ، ٢٠٤ ، ٢٨٥

يونس

(وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ...) (٤٧).......... ١١٩

هود

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ ...) (١٧)... ١٢٢ ، ١٩٠

(يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي ...) (٥١)............ ١٧٠

(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ...) (١١٨).......................... ١٠٧

(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ ...) (١١٨) ـ (١١٩) ٣٤ ، ٩٩ ، ١٠٦ ،

(وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (١١٩)............................................. ١٠٧

الرعد

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...) (٧)............ ١٥٤ ، ١٩٥

(إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ...) (٧).................... ١١٩ ، ١٢٠ ، ١٩٥

(أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ...) (٢٨)................................... ٢٨٧

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً ...) (٤٣)............. ١٩٠

الآية

رقمها

رقم الصفحة

إبراهيم

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ...) (٢٤) ـ (٢٥).. ٥٨ ، ٣٤٣

(وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ ...) (٢٦).................. ٥٨

الحجر

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ...) (٩)........................ ٣١ ، ٢٢٢

النحل

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ...) (٤٣).......................... ٢٠١

(وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ ...) (٤٤)............. ١١٦

(وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ...) (٦٤).......... ١١٦

(وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً ...) (٨٩).............. ١١٥

الإسراء

(يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ...) (٧١)........ ١١٩ ، ١٢٠

(وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ...) (٨١)......... ٣٣٤ ، ٣٤٣

مريم

(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ...) (٥٨)............... ٤٩

الأنبياء

(فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ...) (٧)............................ ٢٠١

(وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ...) (٧٣).... ٢٠ ، ١١٩ ، ١٢٥

(وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها ...) (١٠٥) ٩٤ ، ١٢٤ ، ٣٣٤ ، ٣٤٩

الآية

رقمها

رقم الصفحة

(وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ...) (١٠٧)......................... ٩٤ ، ١٠٦

الحج

(الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا ...) (٤١).................... ٩٣

(وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ ...) (٧٨)........... ٥٧ ، ١٢٠

المؤمنون

(فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ...) (١٠١).................... ٦٦

النور

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) (٥٥)............. ٩٣ ، ١٢٣

(يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...) (٥٥)........................... ١٢٥ ، ١٣٠

الفرقان

(وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ ...) (٧٤).............. ١٢٦

العنكبوت

(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ...) (٢)............. ٢٧٥

(وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ...) (٦٤).............. ٥١

السجدة

(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ ...) (٩)..................... ٥٠

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ...) (١٨) ـ (٢٠).............. ١٩٦

(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا ...) (٢٤).......... ٢٠ ، ٢٥ ، ١٢٥

الأحزاب

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ ...) (٧)............... ٧٩

الآية

رقمها

رقم الصفحة

(إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ ...) (٣٣) ٥٤ ، ١٧٥ ، ٢٠٦

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ ...) (٤٠)................. ١٢

سبأ

(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ...) (٤٧)........... ١٧٠

فاطر

(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ...) (٢٤)................................. ١١٩

يس

(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ...) (٨٢) ـ (٨٣).............. ٢١

غافر

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ ...) (٥١)................. ٨٥

الشورى

(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ...) (١٩)............... ١٠٥

(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) (٢٣) ٤٦ ، ١٧٠ ، ١٧٧ ، ١٧٩

الجاثية

(وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ...) (١٦) ـ (١٧)............ ٣٥

(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ ...) (٢٨)......... ١١٩ ، ١٢٠

الأحقاف

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...) (٣٥)............................ ٥٧

الآية

رقمها

رقم الصفحة

الحجرات

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ ...) (١٣)................ ٦٩

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ...) (١٤)............... ٥٩

الذاريات

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ...) (٥٦)............. ٢٦ ، ١٨٣ ، ١٨٥

النجم

(إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ...) (٢٣)........................... ٣٣

الحديد

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ...) (٢٥)................... ٢٥

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ ...) (٢٦)......... ٤٩ ، ٥٥

المجادلة

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ ...) (١٢)... ١٩٩ ، ٢٠٠

الحشر

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ ...) (٢).................... ٨٨

(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ...) (٧)....... ١٨٠ ، ١٨١

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ...) (٧).................. ١١٦

(يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ...) (٩).......................................... ١٧٩

التغابن

(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ...) (١٥).................................... ٢٦٠

الآية

رقمها

رقم الصفحة

الطلاق

(إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ...) (٣)....................... ٩٥

التحريم

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ...) (٤)...................... ١٩٣ ، ١٩٤

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ...) (١٠) ـ (١٢)...... ٢٤١

الملك

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ...) (٢)................... ٢٧٥

الإنسان

(إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ...) (٣)........................... ١٨٣

(إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً ...) (٤)....................... ١٨٥

(إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ...) (٥) ـ (٢٢)............. ١٨٤

البينة

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ ...) (١) ـ (٣)...... ٢٦٣ ، ٢٦٤

(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ ...) (٤) ـ (٥)......... ٢٦٤

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ ...) (٧) ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ٢٦٣ ،٢٦٧ ، ٢٨٦

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ ...) (٧) ـ (٨)........... ٢٦٤

فهرس الأحاديث

أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها........................................ ٢٤٦

أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية.................................... ١٥٦

اثنا عشر أميرا ... كلهم من قريش............................................ ٣٢٢

اثنا عشر ، كعدّة نقباء بني إسرائيل........................................... ٣٢٤

أخبرني أنّه ميت من وجعه هذا فبكيت........................................ ٢٣٧

أخرجوا إليّ اثني عشر منكم يكونوا كفلاء....................................... ٨٠

إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش................................ ٢٤٨

إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء حجاب................................. ٢٤٨

إذن لساخت بأهلها........................................................ ١٥١

الإسلام والسلطان أخوان توأمان.............................................. ١٣٤

افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين................................... ١٣٦

أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه الحسن.......................................... ٣٠٨

الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدّث.................................... ٣١٢

الخلفاء اثنا عشر ... كلهم من قريش.......................................... ٣٢٢

اللهم إني استودعكهما وصالح المؤمنين......................................... ١٩٤

المنذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنين عليه‌السلام............................. ١٥٤

النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي................................. ٢١٤

أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى.................................. ١٢

إنّ آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحدهم..................................... ١٥٤

أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها.................................... ٢٨٠

أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم................................................. ٣١١

أنا دار الحكمة وعلي بابها................................................... ٢٣٠

أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام..................................................... ٤٨

إنّ الأرض لا تترك إلا بعالم يحتاج الناس إليه................................... ١٥٣

إنّ الأرض لا تترك إلا وعالم يعلم الحلال والحرام................................. ١٥٣

إنّ الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام............................................. ١٤٤

إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها حجّة.................................... ١٥١

إنّ الإمامة عهد من الله عزوجل............................................... ١٤٩

إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض بغير عالم.................................... ١٥٣

إنّ الله تعالى عهد إلي عهدا في علي........................................... ٢٨٥

إنّ الله خلق محمّدا وعليّا وأحد عشر.......................................... ٣١٢

إنّ الله عزوجل اتخذ إبراهيم عبدا............................................... ٢٢

إنّ الله عزوجل فطم ابنتي فاطمة....................................... ٢٤٧ ، ٢٥١

إنّ الله لا يدع الأرض إلّا وفيها عالم................................... ١٤٤ ، ١٥٢

إنّ الله لم يبعث نبيا إلا وله حواريون........................................... ١٣٦

إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة : لحاجة مجحفة................................. ٢٥٨

أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد حسن وحسين عليهما‌السلام.................................. ٢٨٥

أنا مدينة العلم وعلي بابها............................................. ٦٢ ، ٢٣٠

أنا المنذر ، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)............................................... ١٩٥

أنا وهذا حجة الله على خلقه................................................ ٢٣٢

إنّ أولى الناس بهذا الأمر.................................................... ٢٩٥

أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد...................................... ١٣٨

أنت مني بمنزلة هارون من موسى............................................. ٢٢٧

أنت وشيعتك هم خير البرية................................................. ٢٦٣

إنّ خليلي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا علي إنك ستقدم.................................... ٢٨٧

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حدّثني بألف حديث...................................... ٢٧٦

أنّ عليا سيد المسلمين...................................................... ٢٣٠

أن عليا يقاتل على التأويل................................................... ٢٣٢

إنّ في الفردوس لعينا أحلى من الشهد......................................... ٢٧٩

إنّك عبقريهم.............................................................. ٢٣٠

إنّ لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة............................. ٢٥٠

إنّما سميت فاطمة لأن الله فطمها............................................. ٢٧١

إنّ هذا الأمر لا ينقضي..................................................... ٣٢٢

إنّ هذه الأمّة لا تهلك حتّى.................................................. ٣٢٤

إنّه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق................................. ١٣٩

أول شخص يدخل الجنة فاطمة.............................................. ٢٤٨

إيّانا عنى.................................................................. ٢٠٣

إيّانا عنى ، أن يؤدّي الأول إلى الإمام......................................... ٢٠٣

إيّانا عنى ، وعليّ أوّلنا وأفضلنا............................................... ١٩١

بعدي اثنا عشر خليفة...................................................... ٣٢٥

بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة....................................... ١٥٧

بني الإسلام على خمس : الولاية والصّلاة...................................... ١٥٧

بني الإسلام على خمس : على الصّلاة والزكاة.................................. ١٥٦

بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة........................... ١٥٦

تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب................................. ٢٤٨ ، ٢٥٧

حبّ علي حسنة تأكل الذنوب.............................................. ٢٨٨

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة........................................ ٢٥٨

دعوهما بأبي وأمي ، من أحبني فليحبب هذين.................................. ٢٥٩

رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر.................................... ٢٦٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر وأنا الهادي............................................. ١٩٥

زين الجنة.................................................................. ٢٥٨

السلام عليكم دار قوم مؤمنين............................................... ١٣٨

السلطان ظلّ الله في الأرض.................................................. ١٣٣

شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإيمان............................................ ١٥٧

شهادة أن لا إله إلّا الله ؛ وأنّ محمدا........................................... ١٥٧

شيعتنا أهل الورع والاجتهاد.................................................. ٢٧٣

علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم...................................... ٦٢

عليا خير البشر............................................................ ٢٢٦

علي أقضاكم.............................................................. ٢٣٠

علي سيد العرب........................................................... ٢٣٠

عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له.......................................... ٢٩٥

علي مع الحق والحق مع علي......................................... ٢٢٥ ، ٢٢٨

علي مع القرآن والقرآن مع علي.............................................. ٢٢٨

فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني....................................... ٢٥٠

فأعد للفقر تجفافا.......................................................... ٢٧٥

فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية............................................. ١٢١

ففاطمة من تلك النطفة وهي حوراء إنسية..................................... ٢٤٦

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت يا علي وشيعتك........................................ ٢٠١

فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم........................................ ١٣٥

في ولايتنا.................................................................. ٢٠٢

قال أبي عليه‌السلام لجابر أنّ لي إليك حاجة........................................ ٣١٠

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أول وصيّ.......................................... ١٤٩

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات وليس عليه إمام........................ ١٤٦ ، ١٤٧

قد أتاكم أخي............................................................. ٢٠١

القدرية مجوس هذه الأمة..................................................... ١٣٩

قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك............................................... ٢٨٦

قرطا العرش................................................................ ٢٥٨

كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء.......................................... ١٣٥

كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة................................ ٢٥٠

كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني......................................... ٢٦٠

(كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) علي ومحبيه.......................................... ٢٨٥

لا ، إلّا إمام صامت لا يتكلم............................................... ١٤٤

لا تبقى إذن لساخت....................................................... ١٥١

لا تكون إلّا وفيها إمام لحلالهم وحرامهم....................................... ١٥٣

لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله.................................... ١٩١

لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله...................................... ١٩٢

لا فتى إلّا علي............................................................. ٢٣٠

لا يترك الميسور بالمعسور........................................................ ٨

لا يحبنا أهل البيت إلّا مؤمن تقي............................................ ٢٨٧

لا يزال الدين قائما......................................................... ٣٢٣

لا يزال أمر الناس ماضيا..................................................... ٣٢٢

لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا......................................... ٣٢٣ ، ٣٢٨

لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر............................................. ١٣٤

لتركبن سنّة من كانت قبلكم حذو النعل بالنعل.................................. ٥٥

لتنتهين يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا............................... ١٩٢

لم تخل الأرض منذ كانت من حجّة عالم....................................... ١٥٥

لن تبقى الأرض إلّا وفيها من يعرف الحق...................................... ١٥٣

لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت................................. ١٥١

لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام...................................... ١٥٤

ليلة عرج بي إلى السماء رأيت........................................ ٢٤٧ ، ٢٥٦

ما أدري ما تقولان ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس.......................... ١٩٤

ما ترك الله الأرض بغير عالم.................................................. ١٥٥

ما خلت الدنيا منذ خلق الله السماوات والأرض................................ ١٥٤

ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجّة.................................. ١٥٣

ما زالت الأرض إلّا ولله فيها حجّة............................................ ١٤٥

ما لا يدرك كله لا يترك كله..................................................... ٨

ما لي ولقريش.............................................................. ٣٣٧

معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم................................ ٢١٥ ، ٣٢٥

منا الإمام المفترض الطاعة................................................... ١٥٤

من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ عدة للبلاء...................................... ٢٧٦

من أحبّنا أهل البيت فليستعد للفقر.......................................... ٢٧٦

من أحبّنا فليعدّ للبلاء جلبابا................................................. ٢٧٦

من أحبهم فقد أحبّه الله..................................................... ٢٨٧

من أطاعني فقد أطاع الله.................................................... ٢٣٢

من كنت مولاه فعلي مولاه................................................... ١٩٨

من كنت مولاه فهذا علي مولاه............................................... ٢٣٢

من مات لا يعرف إمامه..................................................... ١٤٧

من مات ولم يعرف إمام زمانه................................................ ١٤٥

من مات وليس في عنقه بيعة................................................. ١٣٢

من مات وليس له إمام.............................................. ١٤٦ ، ١٤٧

نحن أهل الذكر............................................................ ٢٠١

وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها................................... ٢٤٨

وأحبّ أهل بيتي صادقا..................................................... ٢٨٧

والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا........................................... ١٧٩

وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة....................................... ٢١٥

وشفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي........................................... ٢٨٥

ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمة والرسل................................. ١٢١

ولاية عليّ بن أبي طالب حصني.............................................. ٢٠٣

ولو لا من على الأرض من حجج الله لنفضت الأرض........................... ١٥١

ومن تولّانا فليلبس للمحن إهابا.............................................. ٢٧٦

ومن سرّها فقد سرني........................................................ ٢٥٠

ووالله لاسلّمن ما سلمت أمور المسلمين......................................... ٨٨

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيّه..................................... ١٤٩

هم أنت وشيعتك يا عليّ.................................... ٢٦٤ ، ٢٦٨ ، ٢٧٩

يا أبا حمزة إنّ الأرض لن تخلو إلا وفيها عالم.................................... ١٥٥

يا عليّ إذا كان يوم القيامة أتيت............................................. ٢٥٧

يا علي إنّ الله قد غفر لك ولذريتك.......................................... ٢٨٧

يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى........................................ ٣٧

يا عليّ ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك................................... ٢١٢

يا علي من فارقك فقد فارقني................................................ ٢٣٢

يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين............................... ٢٣٥

يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبك............................................ ٢٥١

يا هشام ... ألا تحدثني كيف صنعت......................................... ١٤٢

يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي........................................... ١٣٧

يكون منّا اثنا عشر خليفة ينصرهم الله........................................ ٣٢٤

فهرس المصادر

١ ـ القرآن الكريم.

٢ ـ الكافي ، ثقة الإسلام الكليني ، طبعة دار الأضواء ، بيروت ١٤٠٥ ه‍ ق.

٣ ـ بحار الأنوار ، العلّامة المجلسي ، طبعة دار إحياء التراث ، الثالثة ، بيروت ١٤٠٣ ه‍ ق.

٤ ـ الأمالي ، الشيخ الصدوق ، طبعة البعثة ، الأولى ، قم ١٤١٧ ه‍ ق.

٥ ـ علل الشرائع ، الشيخ الصدوق ، طبعة دار الحجة للثقافة ، الأولى ، قم ، ١٤١٦ ه‍ ق.

٦ ـ كمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ الصدوق ، طبعة جماعة المدرسين ، الثالثة ، قم.

٧ ـ بصائر الدرجات ، محمد الحسن الصفار القمي ، طبعة المرعشي النجفي ، ١٤٠٤ ه‍ ق.

٨ ـ الأمالي ، الشيخ الطوسي ، طبعة البعثة ، الأولى ، قم ، ١٤١٤ ه‍ ق.

٩ ـ المحاسن ، أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، طبعة المجمع العالمي لأهل البيت عليهم‌السلام ، الأولى ، قم ، ١٤١٣ ه‍ ق.

١٠ ـ عوالم العلوم ، الشيخ عبد الله البحراني ، طبعة مؤسسة الإمام المهدي عليه‌السلام ، الثانية ، أصفهان ، ١٤١١ ه‍ ق.

١١ ـ نهج البلاغة ، طبعة دار أسوة ، الأولى ، قم ١٤١٥ ه‍ ق.

١٢ ـ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ، طبعة دار الجبل ، الأولى ، بيروت ، ١٤٠٧ ه‍ ق.

١٣ ـ تفسير العياشي ، محمد بن مسعود العياشي ، طبعة البعثة الأولى ، قم ١٤١٢ ه‍ ق.

١٤ ـ التفسير الصافي ، الفيض الكاشاني ، طبعة مكتبة الصدر ، الثالثة ، طهران ، ١٤١٥ ه‍ ق.

١٥ ـ تفسير القمي ، علي بن إبراهيم القمي ، طبعة دار الكتاب ، قم ١٤٠٤ ه‍ ق.

١٦ ـ مجمع البيان ، أبو الفضل بن الحسن الطبرسي.

١٧ ـ تأويل الآيات الظاهرة ، الأسترآبادي الغروي ، طبعة جماعة المدرسين ، الأولى ، قم ، ١٤٠٩ ه‍ ق.

١٨ ـ تفسير الميزان ، العلّامة الطباطبائي ، طبعة جماعة المدرسين.

١٩ ـ علوم القرآن ، السيد محمد باقر الحكيم ، طبعة مجمع الفكر الإسلامي ، الثالثة ، قم ، ١٤١٧ ه‍ ق.

٢٠ ـ الإسلام يقود الحياة ، الشهيد محمد باقر الصدر ، طبعة المؤتمر للسيد الشهيد ، الأولى ، قم ، ١٤٢١ ه‍ ق.

٢١ ـ المدرسة القرآنية ، الشهيد محمد باقر الصدر ، طبعة المؤتمر للإمام الصدر ، الأولى.

٢٢ ـ فضائل الخمسة في الصحاح الستة ، الفيروزآبادي ،

٢٣ ـ صحيح البخاري ، محمد بن اسماعيل البخاري ،

٢٤ ـ سنن الترمذي ، أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة ، طبعة دار الحديث ، القاهرة.

٢٥ ـ سنن ابن ماجة ، أبي عبد الله بن يزيد القزويني ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت.

٢٦ ـ كنز العمال ، المتقي الهندي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ١٤٠٩ ه‍ ق.

٢٧ ـ مناقب علي بن أبي طالب ، علي بن محمد بن محمد الواسطي الجلابي الشافعي ، طبعة دار الأضواء.

٢٨ ـ التاج الجامع للأصول ، الشيخ منصور علي ناصف ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، الرابعة ، بيروت ، ١٤٠٦ ه‍ ق.

٢٩ ـ المراجعات ، السيد عبد الحسين شرف الدين ، طبعة المجمع العالمي لأهل البيت ، الأولى ، قم ١٤٢٢ ه‍ ق.

٣٠ ـ الأحكام السلطانية ، أبي الحسن علي بن محمد بن

٣١ ـ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري ، طبعة دار المعرفة ، بيروت.

٣٢ ـ صراط الحق ، اصف محسني ،

٣٣ ـ تاريخ ابن خلدون ، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٣٤ ـ مجمع الزوائد ، نور الدين الهيثمي ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت ، ١٤٠٨ ه‍ ق.

٣٥ ـ فيض القدير ، محمد بن عبد الرءوف المناوي ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت.

٣٦ ـ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري ، دار الكتب المصرية ، ١٣٥٦ ه‍ ق.

٣٧ ـ نور الأبصار ، الشبلنجي ، طبعة الشريف الرضي ، قم.

٣٨ ـ أسد الغابة ، عز الدين بن الأثير ، طبعة دار الفكر ، بيروت ، ١٤١٥ ه‍ ق.

٣٩ ـ أسباب النزول ، الواحدي النيسابوري ، طبعة دار ابن كثير ، الثانية ، بيروت ، ١٤١٣ ه‍ ق.

٤٠ ـ الرياض النضرة ، المحب الطبري ، طبعة دار الكتب العلمية ، بيروت.

٤١ ـ الفصل في الملل والأهواء والنحل ، ابن حزم الأندلسي ، طبعة دار الكتب العلمية ، الأولى ، ١٤١٦ ه‍ ق.

٤٢ ـ ولاية الفقيه ، الشيخ المنتظري ، طبعة مكتبة الاعلام الاسلامي ، الأولى ، قم ، ١٤٠٨ ه‍ ق.

٤٣ ـ المجتمع الإنساني ، السيد محمد باقر الحكيم ، المركز الإسلامي المعاصر ، الأولى ، ٢٠٠٣ م.

٤٤ ـ سعد السعود ، للسيد ابن طاوس.

٤٥ ـ الكشاف ، الزمخشري ، دار الفكر ، بيروت.

٤٦ ـ الفقه على المذاهب الأربعة ، عبد الرحمن الجزيري ، دار إحياء التراث العربي ، الأولى ، بيروت.

٤٧ ـ إثبات الهداية ، الحر العاملي.

٤٨ ـ القدوة الصالحة ، السيد محمد باقر الحكيم.

٤٩ ـ الإمام قدوة ، السيد محمد باقر الحكيم.

٥٠ ـ إحقاق الحق ، السيد نور الدين التستري ، طبعة المرعشي النجفي ، قم.

٥١ ـ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني.

٥٢ ـ جامع البيان ، ابن جرير الطبري ، دار الفكر ، بيروت.

٥٣ ـ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي ، شركة الطباعة الفنية المتحدة ، مصر.

٥٤ ـ أهل البيت في الكتاب والسنة ، والشيخ الري شهري ، دار الحديث.

٥٥ ـ حلية الأولياء ، أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني.

٥٦ ـ كفاية الأثر ، أبي القاسم الخزاز القمي الرازي ، طبعة بيدار ، قم ، ١٤٠١ ه‍ ق.

٥٧ ـ إعلام الورى ، الفضل بن الحسن الطبرسي.

٥٨ ـ الإرشاد ، الشيخ المفيد

٥٩ ـ السيرة النبوية ، لابن هشام.

٦٠ ـ الجامع لأحكام القرآن ، أبو عبد الله القرطبي ، مؤسسة التاريخ العربي ، بيروت.

٦١ ـ السنن الكبرى ، أحمد بن الحسين البيهقي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٦٢ ـ المعجم الكبير ، سليمان بن أحمد الطبري ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٦٣ ـ تاريخ الشيعة ، محمد حسين المظفري ، مكتبة بصيرتي ، قم.

٦٤ ـ الاختصاص ، الشيخ المفيد ، طبعة جماعة المدرسين ، الخامسة ، قم ١٤١٦ ه‍ ق.

٦٥ ـ دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة ، السيد محمد باقر الحكيم.

٦٦ ـ بحث حول المهدي ، السيد الشهيد الصدر.

٦٧ ـ ينابيع المودة ، القندوزي الحنفي ، دار الاسوة للطباعة والنشر ، الأولى.

٦٨ ـ فرائد السمطين ، ابراهيم بن محمد الجويني.

٦٩ ـ تطهير الجنان واللسان ، ابن حجر الهيثمي ، شركة الطباعة الفنية المتحدة ، مصر.

٧٠ ـ جامع الأصول ، ابن الأثير الجزائري ، طبعة المكتبة التجارية ، مكة المكرمة ، الثالثة ، ١٤٠٣ ه‍ ق.

٧١ ـ التفسير الكبير ، فخر الدين الرازي ، دار الكتاب العلمية ، الأولى ، بيروت ، ١٤١١ ه‍ ق.

٧٢ ـ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٧٣ ـ دلائل النبوة ، أحمد بن الحسين البيهقي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٧٤ ـ كنوز الحقائق.

٧٥ ـ مسند أحمد بن حنبل ، دار صادر ، بيروت.

٧٦ ـ لسان العرب ، ابن منظور ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٧٧ ـ خصائص النسائي ، أحمد بن شعيب النسائي.

٧٨ ـ الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي ، دار الكتب العلمية ، بيروت.

٧٩ ـ خطط الشام ، محمد كرد علي

٨٠ ـ الوسيط ، الواحدي النيسابوري ، دار الكتب العلمية ، بيروت

٨١ ـ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر

٨٢ ـ شرح صحيح الترمذي ، ابن العربي المالكي ، طبعة دار إحياء التراث العربي ، بيروت.

٨٣ ـ فتح الباري

فهرس الموضوعات

مقدمة الناشر................................................................. ٥

تقديم........................................................................ ٧

المناسبة....................................................................... ٧

الإمامة وأهل البيت عليهم‌السلام...................................................... ٨

تقسيم البحث............................................................... ١١

نظرية الإمامة................................................................ ١٢

الأهداف والأدوار............................................................ ١٥

المواقف..................................................................... ١٦

القسم الأول

نظرية الإمامة

المدخل..................................................................... ١٩

مفهوم الإمامة............................................................... ١٩

أبعاد الإمامة في نظر أهل البيت............................................... ٢٤

الفصل الأول : ضرورة الإمامة................................................. ٢٧

الإمامة والاختلاف في العبادة.................................................. ٣١

الإمامة والاختلاف في التأويل................................................. ٣٥

الإمامة والولاية.............................................................. ٣٧

العصمة والإمام المهدي....................................................... ٤١

الفصل الثاني : الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام..................................... ٤٣

التكريم والتشريف............................................................ ٤٦

الإمامة في الذرية سنّة......................................................... ٤٨

حكمة الإمامة في الذرية...................................................... ٥٠

البعد الغيبي................................................................. ٥٠

البعد التاريخي............................................................... ٥٤

الجذر التاريخي ودوره.......................................................... ٥٦

البعد الرسالي................................................................ ٥٨

الإعداد والواقع التاريخي....................................................... ٦١

الإعداد والنظام العام......................................................... ٦٣

البعد الاجتماعي............................................................. ٦٥

خلفيات البعد الاجتماعي..................................................... ٦٦

الإسلام والعلاقات العشائرية.................................................. ٦٩

الفصل الثالث : الأئمة الاثنا عشر............................................. ٧٣

أدلة العدد المحدود............................................................ ٧٥

تفسير العدد المحدود.......................................................... ٧٧

التفسير الغيبي للظاهرة........................................................ ٧٧

التفسير التاريخي للظاهرة...................................................... ٨١

منهج البحث التاريخي للإعداد................................................ ٨٢

الأهداف الرسالية الثلاث..................................................... ٨٣

دراسة حركة الرسالة.......................................................... ٨٥

موازنة حركة الهداية والسلطة................................................... ٨٦

القيادة غير المعصومة......................................................... ٨٨

مشاكل الدولة وتراجعها...................................................... ٩٠

الاستنتاج................................................................... ٩٣

القسم الثاني

الاستدلال

المدخل..................................................................... ٩٩

الفصل الأول : الاستدلال على ضرورة الإمامة................................. ١٠١

منهج البحث.............................................................. ١٠٣

الاستدلال بالعقل.......................................................... ١٠٥

دليل الحكمة.............................................................. ١٠٩

دليل العصمة.............................................................. ١١١

دليل النبوة................................................................ ١١٢

الاستدلال بالقرآن الكريم.................................................... ١١٥

منهج الاستدلال بالقرآن.................................................... ١١٥

عناصر الاستدلال بالقرآن................................................... ١١٧

الاستدلال بروايات جمهور المسلمين........................................... ١٢٩

ملاحظات عامة............................................................ ١٢٩

وجوه الاستدلال............................................................ ١٣١

النص على ضرورة الإمامة................................................... ١٣١

الخلافة ظاهرة تاريخية....................................................... ١٣٤

الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام......................................... ١٤١

وجوه الاستدلال............................................................ ١٤١

حل الاختلاف في العبادة................................................... ١٥٢

حل الاختلاف في التأويل................................................... ١٥٤

الولاية والحكم.............................................................. ١٥٦

الإجماع................................................................... ١٥٩

ملاحظات في إطار الاجماع.................................................. ١٦١

الفصل الثاني : الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام................................... ١٦٥

اختصاص الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام........................................ ١٦٧

القرآن الكريم.............................................................. ١٦٩

ملاحظات عامة............................................................ ١٦٩

تقسيم الآيات............................................................. ١٧١

أهل البيت عليهم‌السلام في القرآن الكريم............................................ ١٧٢

القرآن وأبعاد النظرية........................................................ ١٧٣

القرآن وتطبيقات النظرية.................................................... ١٨٩

القرآن ومصاديق النظرية..................................................... ٢٠١

الاستدلال بالروايات........................................................ ٢٠٥

الروايات في أهل البيت عليهم‌السلام عامة........................................... ٢١٠

روايات الصلاة على النبي وآله................................................ ٢١٥

الروايات في بعض أهل البيت عليهم‌السلام خاصة.................................... ٢١٧

الروايات في الإمام علي عليه‌السلام................................................ ٢١٧

محاولات التعتيم على الإمام علي عليه‌السلام........................................ ٢١٩

تفسير ظاهرة فضائل أهل البيت عليهم‌السلام........................................ ٢٢٢

تأكيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمامة............................................... ٢٢٤

الروايات في فاطمة الزهراء عليها‌السلام.............................................. ٢٣٣

فضل فاطمة عليها‌السلام على النساء............................................... ٢٣٣

الوله المتبادل............................................................... ٢٣٥

المرأة والإمامة.............................................................. ٢٣٨

فاطمة عليها‌السلام وعنوان أهل البيت.............................................. ٢٤٣

فاطمة عليها‌السلام والقمع التاريخي................................................. ٢٤٤

الروايات في الحسنين عليهما‌السلام................................................. ٢٥١

ملاحظات عامة............................................................ ٢٥١

روايات العنوان المشترك...................................................... ٢٥٥

الروايات بالعنوان الخاص..................................................... ٢٦١

الروايات في شيعة أهل البيت................................................ ٢٦٣

الملاحظات................................................................ ٢٦٧

تاريخ التشيع............................................................... ٢٦٧

الاستنتاج................................................................. ٢٧٠

الحب هو الولاء............................................................ ٢٧١

الاستنتاج................................................................. ٢٧٢

صفات الشيعة............................................................. ٢٧٢

أ ـ التكامل الإنساني........................................................ ٢٧٣

ب ـ الامتحان والبلاء....................................................... ٢٧٤

تقسيم روايات التشيع....................................................... ٢٧٨

مواقف تعبر عن الحقيقة..................................................... ٢٨١

موقع الشيعة من النظرية الإسلامية............................................ ٢٨٤

الاستدلال بالعقل.......................................................... ٢٩١

الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام......................................... ٢٩٧

ملاحظات حول الاستدلال.................................................. ٢٩٧

ضرورة الإمامة.............................................................. ٢٩٨

المقارنة بين روايات الفريقين.................................................. ٢٩٨

وضوح معالم الإمامة......................................................... ٢٩٩

محاولات التضليل........................................................... ٣٠٠

المحصلة العامة للفصل الثاني.................................................. ٣٠٤

الفصل الثالث : الاستدلال على اختصاص الإمامة بالأئمة الاثني عشر........... ٣٠٥

أولا : روايات أهل البيت عليهم‌السلام.............................................. ٣٠٧

تواتر الروايات.............................................................. ٣٠٧

التبرك بذكر الروايات........................................................ ٣٠٨

الاستنتاج................................................................. ٣١٣

الشبهة حول الاستدلال..................................................... ٣١٤

ثانيا : روايات الجمهور...................................................... ٣١٨

وجوه الاستدلال............................................................ ٣٢٠

حيرة علماء الجمهور في تطبيق الروايات........................................ ٣٢٠

صيغ روايات علماء الجمهور................................................. ٣٢١

تشخيص المصداق للاثني عشر.............................................. ٣٢٦

وجوه أخرى للدليل الثاني.................................................... ٣٣٣

الخلاصة.................................................................. ٣٣٨

الأدلة الأخرى على الاختصاص.............................................. ٣٣٩

أ ـ احترام المسلمين لأهل البيت............................................... ٣٣٩

ب ـ تطور الشيعة والتشيع................................................... ٣٤٢

الخلاصة.................................................................. ٣٤٩

الفهارس العامة............................................................. ٣٥٣

نص بيان السيد القائد بمناسبة استشهاد

العلّامة المجاهد آية الله السيد محمد باقر الحكيم قدس‌سره

بسم الله الرّحمن الرّحيم

إنّا لله وإنّا إليه راجعون

قامت الأيادي الآثمة والعملية للاستكبار العالمي بفاجعة عظيمة ، وخطفت شخصية فذة من الشعب العراقي كانت تشكل حصنا أمام قوات الاحتلال وهدت كيانه.

لقد استشهد اليوم آية الله السيد محمد باقر الحكيم إلى جوار الحرم الطاهر لمولى الموحدين والمتقين الإمام علي ـ عليه آلاف التحية والسلام ـ ومعه العشرات من الرجال والنساء المؤمنين الذين نهلوا من معين ذكر وخشوع الصلاة ، وانتقلوا إلى جواب رحمة ربهم ليستقروا في حرمه الآمن ويستمدوا من فيضه.

إن هذا الشهيد العزيز كان عالما مجاهدا قضى معظم حياته في النضال لنجاة الشعب العراقي من نير نظام البعث الآثم ، وبعد انهيار رمز الشر والفساد تحول إلى حصن منيع وعقبة كأداء أمام قوات الاحتلال الأنگلو أمريكي ، وبدأ نضالا مريرا وصعبا ضد مخططاتهم المشئومة ، ونذر نفسه للاستشهاد في سبيل الله والالتحاق بقافلة الشهداء من آل الحكيم وسائر شهداء العلم والفضيلة في العراق.

لا شكّ أنّ فاجعة النجف الأشرف واستشهاد هذا السيد الجليل والعالم المجاهد جاءت خدمة للأهداف الأمريكية والصهيونية الغادرة.

لقد جسّد الشهيد آية الله السيد الحكيم ـ بحق ـ تطلعات الشعب العراقي الحقة الذي كان يرى دينه واستقلاله ومستقبل بلاده عرضة للتهديدات ووطأة الاحتلال وهو يحاول الدفاع عن هويته الدينية والوطنية أمام المحتلين.

إن استشهاد هذا السيد الجليل يعدّ مصيبة عظمى على الشعب العراقي ودليلا آخر على إجرام الاحتلال الذي أشاع الفوضى والاضطرابات بفرض حضوره اللامشروع في هذا

البلد ، لكن على أعداء العراق المسلم والرامي إلى الاستقلال أن يعلموا بأنّ هذا الاستشهاد سوف لن يؤثر على عزم ومقاومة الشعب العراقي في مواجهة المخططات والأهداف الاستكبارية والصهيونية ، وتمسكهم بالإيمان والولاء للإسلام والقيادة الدينية ، بل على العكس سيؤدي إلى تعزيزها إن شاء الله .. وعلى الشعب العراقي المؤمن والغيور أن يعلم أنّ السبيل الوحيد لشموخه ورفعته ونجاة بلاده من شر المخططات الاستكبارية والصهيونية المشئومة يكمن في اتحاده تحت راية الإسلام الظافرة.

إن الشعب العراقي يستطيع اليوم من خلال من تمسكه بالحبل الإلهي المتين رسم مستقبله ومستقبل أجياله القادمة ، ذلك المستقبل الذي يتلألأ فيه العراق الإسلامي والمستقل كنجمة وضّاءة في سماء الإسلام. وعلى العلماء والنخب الدينية والسياسية العراقية أداء واجبهم ومسئولياتهم الجسيمة في هذه الظروف الحساسة والاستثنائية من خلال تمسكهم بالإسلام وتعزيز وحدتهم ، وآمل بأن يخطوا في هذا السبيل بخطى ثابتة.

إنني هنا أقدم أحر التعازي بهذه المناسبة الأليمة إلى بقية الله الأعظم صاحب الأمر والزمان ـ روحي فداه ـ وإلى الشعب العراقي والإيراني والحوزة العلمية ومراجع الدين والعلماء الأعلام في النجف وقم والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق ، وأخص بالتعازي السلالة المعظمة والمنجبة للشهداء لآل الحكيم والسيد عبد العزيز الحكيم وأسرة شهيد المحراب وأبنائه المكرمين ، وأبارك هذه الشهادة العظمى ، كما أسأل الباري عزوجل أن يمنّ على عوائل سائر شهداء هذه الفاجعة الأليمة بالصبر الجميل والأجر الجزيل والرفعة لهؤلاء الشهداء المظلومين ، وأسأل الباري تعالى أن يتفضل بالشفاء العاجل لمجروحي هذا الحادث. وبهذه المناسبة أعلن الحداد لمدة ثلاثة أيام تكريما لذكرى هذا السيد الشهيد وأصحابه المجاهدين.

وسيعلم الّذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

السيد علي الخامنئي

غرة رجب ١٤٢٤ ه

الامامة وأهل البيت عليهم السلام

المؤلف:
الصفحات: 384
  • (وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ...) (30) 26
  • (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ...) (31) 173 ، 181
  • (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ ...) / (37) 173 ، 182 ، 207
  • (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً ...) (38) ـ (39) 185
  • (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ ...) (124) 20 ، 25 ، 47 ، 60 ، 117
  • (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ...) (124).. 21 ، 22 ، 23 ، 47
  • (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ...) (124) 21 ، 23
  • (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ.) (127) ـ (129) 47 ، 175
  • (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ...) (128) 47
  • (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ ...) (129) 48 ، 57
  • (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ ...) (131) ـ (133) 56
  • (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ ...) (143) 120 ، 121 ، 189
  • (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ...) (174) ـ (176).. 35
  • (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ...) (193) 124
  • (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ...) (207) 197
  • (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا ...) (208) 202
  • (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ ...) (213) 26 ، 36 ، 127
  • (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ ...) (213) 32
  • (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ...) (7) 195
  • (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ...) (31) 178 ، 179
  • (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ ...) (33) ـ (34) 21 ، 53 ، 174
  • (ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ...) (34) 225
  • (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا ...) (61) 177
  • (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ...) (61) 227
  • (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ...) (106) 288
  • (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ...) (110) 93 ، 121
  • النساء
  • (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ ...) (34) 293
  • (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ...) (41) 119
  • (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها ...) (58) 203
  • (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي ...) (59) 127 ، 157 ، 203
  • (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ...) (100) 148
  • المائدة
  • (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ ...) (2) 288
  • (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ...) (3) 30 ، 199
  • (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ ...) (12) 79
  • (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ...) (44) 38
  • (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ...) (45) 38
  • (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ ...) (47) 38
  • (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ...) (54) ـ (56) 191
  • (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ ...) (55) ـ (56) 128 ، 191 ، 285
  • (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...) (67) 197 ، 198
  • الأنعام
  • (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ ...) (83) ـ (87) 48
  • (وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ...) (84) 49
  • (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ ...) (87) 49
  • (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ ...) (89) ـ (90) 20 ، 125 ، 126
  • الأعراف
  • (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ...) (6) / 120
  • (وَعَلَى الْأَعْرافِ ...) (46) 288
  • (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ ...) (58) 67
  • (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ ...) (155) 275
  • (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ...) (172) 52
  • الأنفال
  • (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ...) (28) 260
  • (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ...) (39).. 84 ، 124 ، 125
  • (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ...) (41) 179
  • (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ...) (75) 68 ، 69
  • التوبة
  • (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ ...) (19) 194
  • (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ ...) (24) 70 ، 178
  • (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ ...) (32) 155
  • (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ ...) (33) 83 ، 124
  • (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ...) (119) 203 ، 204 ، 285
  • يونس
  • (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ ...) (47) 119
  • هود
  • (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ ...) (17)... 122 ، 190
  • (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي ...) (51) 170
  • (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ...) (118) 107
  • (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ ...) (118) ـ (119) 34 ، 99 ، 106 ،
  • (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ ...) (119) 107
  • الرعد
  • (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ...) (7) 154 ، 195
  • (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ...) (7) 119 ، 120 ، 195
  • (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ...) (28) 287
  • (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً ...) (43) 190
  • إبراهيم
  • (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ ...) (24) ـ (25).. 58 ، 343
  • (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ ...) (26) 58
  • الحجر
  • (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ...) (9) 31 ، 222
  • النحل
  • (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ...) (43) 201
  • (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ ...) (44) 116
  • (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ...) (64) 116
  • (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً ...) (89) 115
  • الإسراء
  • (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ...) (71) 119 ، 120
  • (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً ...) (81) 334 ، 343
  • مريم
  • (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ ...) (58) 49
  • الأنبياء
  • (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ...) (7) 201
  • (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ ...) (73) 20 ، 119 ، 125
  • (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها ...) (105) 94 ، 124 ، 334 ، 349
  • (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ ...) (107) 94 ، 106
  • الحج
  • (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا ...) (41) 93
  • (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ ...) (78) 57 ، 120
  • المؤمنون
  • (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ...) (101) 66
  • النور
  • (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...) (55) 93 ، 123
  • (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ...) (55) 125 ، 130
  • الفرقان
  • (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ ...) (74) 126
  • العنكبوت
  • (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ...) (2) 275
  • (وَما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ ...) (64) 51
  • السجدة
  • (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ ...) (9) 50
  • (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ...) (18) ـ (20) 196
  • (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا ...) (24) 20 ، 25 ، 125
  • الأحزاب
  • (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ ...) (7) 79
  • (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ ...) (33) 54 ، 175 ، 206
  • (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ ...) (40) 12
  • سبأ
  • (قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ ...) (47) 170
  • فاطر
  • (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ ...) (24) 119
  • يس
  • (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ...) (82) ـ (83) 21
  • غافر
  • (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ ...) (51) 85
  • الشورى
  • (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ...) (19) 105
  • (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) (23) 46 ، 170 ، 177 ، 179
  • الجاثية
  • (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ...) (16) ـ (17) 35
  • (وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ ...) (28) 119 ، 120
  • الأحقاف
  • (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ...) (35) 57
  • الحجرات
  • (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ ...) (13) 69
  • (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ...) (14) 59
  • الذاريات
  • (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ...) (56) 26 ، 183 ، 185
  • النجم
  • (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ...) (23) 33
  • الحديد
  • (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ...) (25) 25
  • (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ ...) (26) 49 ، 55
  • المجادلة
  • (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ ...) (12)... 199 ، 200
  • الحشر
  • (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ ...) (2) 88
  • (ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ...) (7) 180 ، 181
  • (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ...) (7) 116
  • (يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ ...) (9) 179
  • التغابن
  • (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ ...) (15) 260
  • الطلاق
  • (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ...) (3) 95
  • التحريم
  • (إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما ...) (4) 193 ، 194
  • (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ ...) (10) ـ (12) 241
  • الملك
  • (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ ...) (2) 275
  • الإنسان
  • (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ...) (3) 183
  • (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَلاسِلَ وَأَغْلالاً وَسَعِيراً ...) (4) 185
  • (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ...) (5) ـ (22) 184
  • البينة
  • (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ ...) (1) ـ (3) 263 ، 264
  • (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ ...) (4) ـ (5) 264
  • (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ ...) (7) 201 ، 202 ، 263 ،267 ، 286
  • (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ ...) (7) ـ (8) 264
  • أتاني جبريل بسفرجلة من الجنة فأكلتها 246
  • أثافي الإسلام ثلاثة : الصلاة والزكاة والولاية 156
  • اثنا عشر أميرا ... كلهم من قريش 322
  • اثنا عشر ، كعدّة نقباء بني إسرائيل 324
  • أخبرني أنّه ميت من وجعه هذا فبكيت 237
  • أخرجوا إليّ اثني عشر منكم يكونوا كفلاء 80
  • إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش 248
  • إذا كان يوم القيامة نادى مناد من وراء حجاب 248
  • إذن لساخت بأهلها 151
  • الإسلام والسلطان أخوان توأمان 134
  • افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين 136
  • أقبل أمير المؤمنين عليه‌السلام ومعه الحسن 308
  • الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدّث 312
  • الخلفاء اثنا عشر ... كلهم من قريش 322
  • اللهم إني استودعكهما وصالح المؤمنين 194
  • المنذر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والهادي أمير المؤمنين عليه‌السلام 154
  • النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي 214
  • أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى 12
  • إنّ آخر من يموت الإمام لئلا يحتج أحدهم 154
  • أنا الشجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها 280
  • أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم 311
  • أنا دار الحكمة وعلي بابها 230
  • أنا دعوة أبي إبراهيم عليه‌السلام 48
  • إنّ الأرض لا تترك إلا بعالم يحتاج الناس إليه 153
  • إنّ الأرض لا تترك إلا وعالم يعلم الحلال والحرام 153
  • إنّ الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام 144
  • إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها حجّة 151
  • إنّ الإمامة عهد من الله عزوجل 149
  • إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض بغير عالم 153
  • إنّ الله تعالى عهد إلي عهدا في علي 285
  • إنّ الله خلق محمّدا وعليّا وأحد عشر 312
  • إنّ الله عزوجل اتخذ إبراهيم عبدا 22
  • إنّ الله عزوجل فطم ابنتي فاطمة 247 ، 251
  • إنّ الله لا يدع الأرض إلّا وفيها عالم 144 ، 152
  • إنّ الله لم يبعث نبيا إلا وله حواريون 136
  • إنّ المسألة لا تصلح إلّا لثلاثة : لحاجة مجحفة 258
  • أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخذ بيد حسن وحسين عليهما‌السلام 285
  • أنا مدينة العلم وعلي بابها 62 ، 230
  • أنا المنذر ، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) 195
  • أنا وهذا حجة الله على خلقه 232
  • إنّ أولى الناس بهذا الأمر 295
  • أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد 138
  • أنت مني بمنزلة هارون من موسى 227
  • أنت وشيعتك هم خير البرية 263
  • إنّ خليلي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : يا علي إنك ستقدم 287
  • إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حدّثني بألف حديث 276
  • أنّ عليا سيد المسلمين 230
  • أن عليا يقاتل على التأويل 232
  • إنّ في الفردوس لعينا أحلى من الشهد 279
  • إنّك عبقريهم 230
  • إنّ لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة 250
  • إنّما سميت فاطمة لأن الله فطمها 271
  • إنّ هذا الأمر لا ينقضي 322
  • إنّ هذه الأمّة لا تهلك حتّى 324
  • إنّه ستكون هنات وهنات ، فمن أراد أن يفرق 139
  • أول شخص يدخل الجنة فاطمة 248
  • إيّانا عنى 203
  • إيّانا عنى ، أن يؤدّي الأول إلى الإمام 203
  • إيّانا عنى ، وعليّ أوّلنا وأفضلنا 191
  • بعدي اثنا عشر خليفة 325
  • بني الإسلام على خمس : الصلاة والزكاة 157
  • بني الإسلام على خمس : الولاية والصّلاة 157
  • بني الإسلام على خمس : على الصّلاة والزكاة 156
  • بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة ، والزكاة 156
  • تبعث الأنبياء يوم القيامة على الدواب 248 ، 257
  • حبّ علي حسنة تأكل الذنوب 288
  • الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة 258
  • دعوهما بأبي وأمي ، من أحبني فليحبب هذين 259
  • رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر 260
  • رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله المنذر وأنا الهادي 195
  • زين الجنة 258
  • السلام عليكم دار قوم مؤمنين 138
  • السلطان ظلّ الله في الأرض 133
  • شهادة أن لا إله إلّا الله ، والإيمان 157
  • شهادة أن لا إله إلّا الله ؛ وأنّ محمدا 157
  • شيعتنا أهل الورع والاجتهاد 273
  • علمني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألف باب من العلم 62
  • عليا خير البشر 226
  • علي أقضاكم 230
  • علي سيد العرب 230
  • عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له 295
  • علي مع الحق والحق مع علي 225 ، 228
  • علي مع القرآن والقرآن مع علي 228
  • فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني 250
  • فأعد للفقر تجفافا 275
  • فإن ظننت أنّ الله عنى بهذه الآية 121
  • ففاطمة من تلك النطفة وهي حوراء إنسية 246
  • فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنت يا علي وشيعتك 201
  • فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم 135
  • في ولايتنا 202
  • قال أبي عليه‌السلام لجابر أنّ لي إليك حاجة 310
  • قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ أول وصيّ 149
  • قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من مات وليس عليه إمام 146 ، 147
  • قد أتاكم أخي 201
  • القدرية مجوس هذه الأمة 139
  • قد غفر لشيعتك ولمحبي شيعتك 286
  • قرطا العرش 258
  • كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء 135
  • كل بني آدم ينتمون إلى عصبتهم إلا ولد فاطمة 250
  • كل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني 260
  • (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) علي ومحبيه 285
  • لا ، إلّا إمام صامت لا يتكلم 144
  • لا تبقى إذن لساخت 151
  • لا تكون إلّا وفيها إمام لحلالهم وحرامهم 153
  • لأدفعن الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله 191
  • لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله 192
  • لا فتى إلّا علي 230
  • لا يترك الميسور بالمعسور 8
  • لا يحبنا أهل البيت إلّا مؤمن تقي 287
  • لا يزال الدين قائما 323
  • لا يزال أمر الناس ماضيا 322
  • لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا 323 ، 328
  • لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر 134
  • لتركبن سنّة من كانت قبلكم حذو النعل بالنعل 55
  • لتنتهين يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا 192
  • لم تخل الأرض منذ كانت من حجّة عالم 155
  • لن تبقى الأرض إلّا وفيها من يعرف الحق 153
  • لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت 151
  • لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام 154
  • ليلة عرج بي إلى السماء رأيت 247 ، 256
  • ما أدري ما تقولان ، لقد صليت ستة أشهر قبل الناس 194
  • ما ترك الله الأرض بغير عالم 155
  • ما خلت الدنيا منذ خلق الله السماوات والأرض 154
  • ما زالت الأرض إلّا ولله تعالى ذكره فيها حجّة 153
  • ما زالت الأرض إلّا ولله فيها حجّة 145
  • ما لا يدرك كله لا يترك كله 8
  • ما لي ولقريش 337
  • معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم 215 ، 325
  • منا الإمام المفترض الطاعة 154
  • من أحبّنا أهل البيت فليستعدّ عدة للبلاء 276
  • من أحبّنا أهل البيت فليستعد للفقر 276
  • من أحبّنا فليعدّ للبلاء جلبابا 276
  • من أحبهم فقد أحبّه الله 287
  • من أطاعني فقد أطاع الله 232
  • من كنت مولاه فعلي مولاه 198
  • من كنت مولاه فهذا علي مولاه 232
  • من مات لا يعرف إمامه 147
  • من مات ولم يعرف إمام زمانه 145
  • من مات وليس في عنقه بيعة 132
  • من مات وليس له إمام 146 ، 147
  • نحن أهل الذكر 201
  • وأبعث على البراق خطوها عند أقصى طرفها 248
  • وأحبّ أهل بيتي صادقا 287
  • والله لو أحبنا حجر حشره الله معنا 179
  • وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة 215
  • وشفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي 285
  • ولا يكون شهداء على الناس إلّا الأئمة والرسل 121
  • ولاية عليّ بن أبي طالب حصني 203
  • ولو لا من على الأرض من حجج الله لنفضت الأرض 151
  • ومن تولّانا فليلبس للمحن إهابا 276
  • ومن سرّها فقد سرني 250
  • ووالله لاسلّمن ما سلمت أمور المسلمين 88
  • هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيّه 149
  • هم أنت وشيعتك يا عليّ 264 ، 268 ، 279
  • يا أبا حمزة إنّ الأرض لن تخلو إلا وفيها عالم 155
  • يا عليّ إذا كان يوم القيامة أتيت 257
  • يا علي إنّ الله قد غفر لك ولذريتك 287
  • يا عليّ أنت منّي بمنزلة هارون من موسى 37
  • يا عليّ ما عرف الله حقّ معرفته غيري وغيرك 212
  • يا علي من فارقك فقد فارقني 232
  • يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين 235
  • يا فاطمة إنّ الله ليغضب لغضبك 251
  • يا هشام ... ألا تحدثني كيف صنعت 142
  • يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي 137
  • يكون منّا اثنا عشر خليفة ينصرهم الله 324
  • مقدمة الناشر 5
  • تقديم 7
  • المناسبة 7
  • الإمامة وأهل البيت عليهم‌السلام 8
  • تقسيم البحث 11
  • نظرية الإمامة 12
  • الأهداف والأدوار 15
  • المواقف 16
  • القسم الأول
  • نظرية الإمامة
  • المدخل 19
  • مفهوم الإمامة 19
  • أبعاد الإمامة في نظر أهل البيت 24
  • الفصل الأول : ضرورة الإمامة 27
  • الإمامة والاختلاف في العبادة 31
  • الإمامة والاختلاف في التأويل 35
  • الإمامة والولاية 37
  • العصمة والإمام المهدي 41
  • الفصل الثاني : الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام 43
  • التكريم والتشريف 46
  • الإمامة في الذرية سنّة 48
  • حكمة الإمامة في الذرية 50
  • البعد الغيبي 50
  • البعد التاريخي 54
  • الجذر التاريخي ودوره 56
  • البعد الرسالي 58
  • الإعداد والواقع التاريخي 61
  • الإعداد والنظام العام 63
  • البعد الاجتماعي 65
  • خلفيات البعد الاجتماعي 66
  • الإسلام والعلاقات العشائرية 69
  • الفصل الثالث : الأئمة الاثنا عشر 73
  • أدلة العدد المحدود 75
  • تفسير العدد المحدود 77
  • التفسير الغيبي للظاهرة 77
  • التفسير التاريخي للظاهرة 81
  • منهج البحث التاريخي للإعداد 82
  • الأهداف الرسالية الثلاث 83
  • دراسة حركة الرسالة 85
  • موازنة حركة الهداية والسلطة 86
  • القيادة غير المعصومة 88
  • مشاكل الدولة وتراجعها 90
  • الاستنتاج 93
  • القسم الثاني
  • الاستدلال
  • المدخل 99
  • الفصل الأول : الاستدلال على ضرورة الإمامة 101
  • منهج البحث 103
  • الاستدلال بالعقل 105
  • دليل الحكمة 109
  • دليل العصمة 111
  • دليل النبوة 112
  • الاستدلال بالقرآن الكريم 115
  • منهج الاستدلال بالقرآن 115
  • عناصر الاستدلال بالقرآن 117
  • الاستدلال بروايات جمهور المسلمين 129
  • ملاحظات عامة 129
  • وجوه الاستدلال 131
  • النص على ضرورة الإمامة 131
  • الخلافة ظاهرة تاريخية 134
  • الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام 141
  • وجوه الاستدلال 141
  • حل الاختلاف في العبادة 152
  • حل الاختلاف في التأويل 154
  • الولاية والحكم 156
  • الإجماع 159
  • ملاحظات في إطار الاجماع 161
  • الفصل الثاني : الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام 165
  • اختصاص الإمامة في أهل البيت عليهم‌السلام 167
  • القرآن الكريم 169
  • ملاحظات عامة 169
  • تقسيم الآيات 171
  • أهل البيت عليهم‌السلام في القرآن الكريم 172
  • القرآن وأبعاد النظرية 173
  • القرآن وتطبيقات النظرية 189
  • القرآن ومصاديق النظرية 201
  • الاستدلال بالروايات 205
  • الروايات في أهل البيت عليهم‌السلام عامة 210
  • روايات الصلاة على النبي وآله 215
  • الروايات في بعض أهل البيت عليهم‌السلام خاصة 217
  • الروايات في الإمام علي عليه‌السلام 217
  • محاولات التعتيم على الإمام علي عليه‌السلام 219
  • تفسير ظاهرة فضائل أهل البيت عليهم‌السلام 222
  • تأكيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للإمامة 224
  • الروايات في فاطمة الزهراء عليها‌السلام 233
  • فضل فاطمة عليها‌السلام على النساء 233
  • الوله المتبادل 235
  • المرأة والإمامة 238
  • فاطمة عليها‌السلام وعنوان أهل البيت 243
  • فاطمة عليها‌السلام والقمع التاريخي 244
  • الروايات في الحسنين عليهما‌السلام 251
  • ملاحظات عامة 251
  • روايات العنوان المشترك 255
  • الروايات بالعنوان الخاص 261
  • الروايات في شيعة أهل البيت 263
  • الملاحظات 267
  • تاريخ التشيع 267
  • الاستنتاج 270
  • الحب هو الولاء 271
  • الاستنتاج 272
  • صفات الشيعة 272
  • أ ـ التكامل الإنساني 273
  • ب ـ الامتحان والبلاء 274
  • تقسيم روايات التشيع 278
  • مواقف تعبر عن الحقيقة 281
  • موقع الشيعة من النظرية الإسلامية 284
  • الاستدلال بالعقل 291
  • الاستدلال بروايات أهل البيت عليهم‌السلام 297
  • ملاحظات حول الاستدلال 297
  • ضرورة الإمامة 298
  • المقارنة بين روايات الفريقين 298
  • وضوح معالم الإمامة 299
  • محاولات التضليل 300
  • المحصلة العامة للفصل الثاني 304
  • الفصل الثالث : الاستدلال على اختصاص الإمامة بالأئمة الاثني عشر 305
  • أولا : روايات أهل البيت عليهم‌السلام 307
  • تواتر الروايات 307
  • التبرك بذكر الروايات 308
  • الاستنتاج 313
  • الشبهة حول الاستدلال 314
  • ثانيا : روايات الجمهور 318
  • وجوه الاستدلال 320
  • حيرة علماء الجمهور في تطبيق الروايات 320
  • صيغ روايات علماء الجمهور 321
  • تشخيص المصداق للاثني عشر 326
  • وجوه أخرى للدليل الثاني 333
  • الخلاصة 338
  • الأدلة الأخرى على الاختصاص 339
  • أ ـ احترام المسلمين لأهل البيت 339
  • ب ـ تطور الشيعة والتشيع 342
  • الخلاصة 349
  • الفهارس العامة 353