
هذا
كتاب الهداية
فى شرح الكفاية
بخط حضرت حجة
الاسلام آية الله فى الانام المرزا محمد تقى الشيرازي دام ظله العالى وخاتمه
الشريف
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين وبعد فلا يخفى ان جناب عمدة
العلماء الاعلام المحقق المدقق انسان العين الشيخ عبد الحسين دام بقاه آل المرحوم
المبرور العلامة الاواه الشيخ اسد الله طاب ثراه قد ابدع فى هذا الكتاب واعجب
واعرب عن خفايا الاصول فاغرب ولقد حوى من التحقيقات الرائقة اصفاها ومن التدقيقات
الفائقة اعلاها ومن التنبيهات الجليلة الجلية ما عم نفعها ومن التلويحات الدقيقة
الخفية ما عظم وقعها ولقد كشف فيه الغطاء عن كنوز الفرائد واللثام عن رموز الفوائد
فهو جدير ان يتلقاه طالبوا التحقيق بالقبول ويمعنوا النظر فى لطائف نكاته ودقايق
فذلكاته فشكر الله تعالى مساعيه ووفقه لمراضيه وجعل يومه وما بعده خيرا من ماضيه
انه هو الكريم الوهاب الاحقر محمد تقى الشيرازى
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد لله رب
العالمين والصلاة والسلام على محمد سيد النبيين وآله الطيبين الطاهرين قال ايده
الله تعالى (اما المقدمة ففى
بيان امور) ثلاثة عشر بل
اربعة عشر عددا ميمونا كما سيأتى إن شاء الله تعالى (الاول) من تلك الامور لا يخفى (ان
موضوع كل علم) بل كل شيء هو المناط والضابط فى تمايز العلوم والاشياء بعضها عن بعض وان
اتحدت فى سائر الجهات الأخر لان التمايز بحسب العلتين المادية والصورية فى مختلف
الحقيقة وفى الصورية خاصة فى متفقها هو المطرد الذى لا يتخلف ابدا بخلاف التمايز
بحسب العلتين الفاعلية والغائية فانه غير مطرد اذ قد يتحد الفاعل او الغاية او هما
معا مع تعدد الموضوعات فلا يصح جعله ضابطا ومناطا للتمايز بل لو اطردا جميعا كما
هو كذلك فى العلوم بحسب الغاية كان جعل الاول ضابطا اولى لان التعليل بالذاتى مقدم
على التعليل بغيره إلّا ان يحصل للثانى مرجحات كثيرة فيكون هو الاولى كما ستعرف
واذا اتحد الموضوع لعلمين او اكثر ذاتا واختلف قيدا ولو بحسب عنوانه كان بحكم
المتغاير ذاتا فالامر والنهى مثلا بما هما امر ونهى موضوع للاصول وبما هما كلم
موضوع لعلم النحو وبما هما فصيحان او مطابقان لمقتضى الحال اولا موضوع لعلم
المعانى والبيان وهكذا فعلم ان موضوع العلم هو الذى به يقع التمايز (وهو الذى يبحث فيه) اى فى ذلك العلم (عن عوارضه) اى عوارض الموضوع (الذاتية) وفسرت بما يعرض للشيء اولا وبالذات (اى بلا واسطة فى
العروض) فيدخل ما عرض
بواسطة فى الثبوت ومنه ما عرض للشيء بواسطة امر مساو كالضحك للانسان واستعمال
اللفظ فى المعنى المجازى بواسطة العلاقة واما القرينة على التجوز فهى واسطة
الاثبات وهل المراد بالموضوع الذى يبحث فى كل علم عن عوارضه الذاتية هو ما ذكره
القوم من انه الادلة الأربعة فى الاصول وفعل المكلف فى الفقه وهكذا وتكون القضايا
الباحثة عن العوارض هى مسائل العلم فيلزم على ذلك اشكالات صناعية منها خروج جملة
من القضايا المذكورة فى ذلك العلم عن مسائله بل الاكثر فى خصوص المقام ويحتاج
حينئذ الى التكلف والتعسف فى الجواب عنهما بما لا يسمن ولا يغنى او ان المراد به (هو نفس موضوعات
المسائل عينا وما يتحد معها) بحسب المصداق (خارجا وان كان يغايرها) فى
الذهن (مفهوما
تغاير الكلى ومصاديقه والطبيعى وافراده) من غير فرق بين القولين فى وجود الطبيعى وتكون (المسائل) حينئذ (عبارة عن جملة من قضايا متشتتة) بتشتت غاياتها المقصودة بها (جمعها) فى علم واحد (اشتراكها فى الدخل فى الغرض الذى لاجله
دون هذا العلم) كمسألة اجتماع الامر والنهى فانها من مسائل الاصول والكلام على وجه بحسب
اختلاف الجهة الملحوظة فيها ومسئلة تخلف القطع المتعلق بوجوب شيء او حرمته فانها
من مسائل العلوم الثلاثة ايضا فان البحث فيها من حيث صيرورة الفعل بسبب تعلق القطع
بوجوبه او حرمته محبوبا او مبغوضا اصولية وواجبا او حراما فقهية ومستحقا على
موافقته ومخالفته الثواب والعقاب كلامية فتترتب على هذه المسألة الواحدة غايات العلوم
الثلاثة الذى جرى عليه اصطلاح القوم هو الاول إلّا ان المصنف ايده الله اصطلح به
فى المعنى الثانى ولا مشاحة فى الاصطلاح ويرجح الاول انضباط امر الموضوع به ومعرفة
عنوانه ويوهنه لزوم ما تقدم ويرجح الثانى عدم لزوم شيء مما تقدم وموافقته فى
المقام لما هو الظاهر من تعريف الاصول من عموم الموضوع لسائر موضوعات المسائل لا
خصوص الادلة الاربعة ويوهنه عدم انضباط امر الموضوع به للجهل بعنوانه والتزام جعل
مناط التمايز بين العلوم هو اختلاف غاياتها وكلاهما ليس بشىء بالنظر الى ما كان
موهنا للاول وكيف كان فما اصطلح عليه القوم امثل وما جرى عليه الاستاذ دام ظله ادق
واكمل وحيث عرفت امكان اشتراك المسائل فى الغرض الملحوظ بالمعنى المذكور (فلاجل ذا قد يتداخل
بعض العلوم فى بعض المسائل مما كان له دخل فى مهمين) او اكثر (لاجل كل منهما) بل منها (دون علم على حدة فيصير من مسائل العلمين) بل العلوم كما عرفت فى المسألتين المتقدمتين (لا يقال على هذا) الذى ذكرت من كون الموضوع نفس موضوعات المسائل وما
يتحد معها ومن امكان الاشتراك فى الدخل فى الفرض (يمكن تداخل علمين فى تمام مسائلهما) ويتصور ذلك (فيما) اى فى مقام كان (هناك مهمان) وغرضان (متلازمان فى الترتب على جملة من القضايا) بحيث لا يكاد يمكن انفكاكهما فيدون كل علم على حده مع
وحدة جميع مسائلهما
موضوعا ومحمولا لكفاية اختلافهما فى الفرض المترتب فى تحقق التمايز بين
العلمين (فانه
يقال) فى الجواب (مضافا الى بعد ذلك او
امتناعه عادة) ان اختلاف الغرضين المهمين الذى به يكون تمايز العلمين محتاج الى الكاشف
والكاشف انما هو اختلاف المسائل اذ ظاهر الاتحاد اتحاد الغرض (فلا يكاد يصح) لاجل (ذلك) وضعا ولا يحسن طبعا (تدوين علمين وتسميتهما باسمين) بل الذى يحسن (تدوين علم واحد يبحث فيه تارة لكلا
المهمين واخرى لاحدهما) ما لم يكن هناك قدر جامع بين المهمين ومع وجوده فلا محيص عن تدوينه واحد
الاتحاد الغرض (وهذا
بخلاف) ما لو كان (التداخل فى بعض
المسائل) ومثله ما لو
نصب المدون قرينة عامة معينة للغرض المهم عند الشروع فى التدوين كاشفة عن اختلافه
مع الغرض الآخر المترتب على العلم الآخر المتحد مع هذا العلم بحسب المسائل اذ مع
نصب هكذا قرينة لا نتحاشى من الالتزام بحسنه (فان حسن تدوين علمين) حينئذ وتسميتهما باسمين مع نصب القرينة المذكورة وان
كانا متحدين فى جميع المسائل كحسنه فيما (لو كانا مشتركين فى مسئلة أو أزيد) مندرجة (فى جملة مسائلهما المختلفة) وقد دونا (لاجل) غرضين (مهمين مما لا يخفى وقد انقدح) وظهر (بما ذكرنا) قوة ما افاده المصنف ايده الله تعالى (من ان تمايز العلوم
انما هو باختلاف الاغراض الداعية الى التدوين) وان اتحدت فيها الموضوعات والمحمولات لاطراد ما به
الامتياز فيها وسلامته عن الاشكالات (لا الموضوعات ولا المحمولات) وان اختلفت لما تقدم مما يتوجه عليه فلا ينفع فيه ما
قدمنا من ان التعليل بالذاتى مقدم على التعليل بغيره إلّا ان ما افاده فى توهين
ذلك بقوله (وإلّا
كان كل باب بل كل مسئلة من كل علم علما على حده كما هو واضح لمن له ادنى تأمل) لا اراه موهنا اذ لا مانع من الالتزام بذلك ولذا تراهم
فى كل باب من ابواب العلم بل فى كل مسئلة من مسائله المهمة يقدمون مقدمات قبل
البحث فيها لتعيين موضوعها كما يقدمون ذلك قبل الشروع فى مقاصد العلم إلّا انه قد
جرى ديدن القوم واستقر رأيهم
على عدم اعطاء العلوم الجزئية اسماء خاصة اذا كان هناك قدر جامع يجمعها بل
يجعلون اسما واحدا بازاء ذلك القدر الجامع والوجه اوضح من ان يخفى هذا مع ان من
جعل مناط تمايز العلوم تمايز موضوعاتها لم يدع ان كل متمايز الموضوع علم مستقل
ليرد عليه ذلك وانما يدعى ان كل علم مستقل متمايز الموضوع وهذا واضح نعم انما
يوهنه لزوم الاشكالات الأخر ومعها (فلا يكون الاختلاف بحسب الموضوع او
المحمول موجبا للتعدد) مع وحدة الغرض المهم (كما
لا يكون وحدتهما) اى الموضوع والمحمول (سببا
لان يكون من الواحد) مع تعدده (ثم
انه) لا يخفى عليك
انه (ربما
لا يكون لموضوع العلم وهو الكلى المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص) بل لا يوجد له ذلك على النحو المذكور فى علم من العلوم
ومع ذلك (فلا) ضير فيه (ويصح) ان يشار اليه (ويعبر عنه بكل ما دل عليه) ولو بان يقال فى المقام هو ما يقع فى طريق استنباط
الاحكام الشرعية وانما لم يحتج الى عنوان خاص (بداهة عدم دخل ذلك فى موضوعيته اصلا وقد
انقدح بذلك) كله (ان
موضوع علم الاصول هو الكلى المنطبق على مسائله المتشتتة لا خصوص الادلة الاربعة) كما ذكره القوم (لا بما هى ادلة بل ولا بما هى هى) مع قطع النظر عن وصفها العنوانى لأنه يلزم على التقدير
الاول خروج البحث عن حجية السنة بناء على انها الخبر الحاكى عن قول المعصوم من
مسائل العلم لانها باحثه عن عوارض الموضوع بعد الفراغ عن تحققه لوجوب كونه بينا فى
نفسه او مبينا فى علم أعلى فلا يكون البحث عن ثبوته وتحققه من المسائل وخروج جملة
من المسائل الأخر ايضا عن ذلك كمسائل الاجتهاد والتقليد والأولوية والاستقراء وغير
ذلك وخروج الثانى خاصة على التقدير الثانى (ضرورة ان البحث فى غير واحد من مسائله
المهمة كما عرفت ليس من عوارضها وهو واضح) بناء على ما تقدم من ان المراد بالسنّة نفس الخبر (اما لو كان المراد
بالسنة منها) اى من الادلة (نفس
قول المعصوم او فعله او تقريره كما هو المصطلح فيها) لزم ايضا عند المصنف ايده الله تعالى خروج كثير من
المسائل مضافا الى ما ذكر على كلا التقديرين (لوضوح عدم البحث فى كثير من مباحثها
المهمة كعمدة مباحث التعادل والتراجيح بل ومسئلة حجية الخبر الواحد) عن عوارض السنة بل (لا عنها ولا عن عوارض سائر الادلة) الأخر واما توجيه دخولها فى المسائل وكون البحث فيها
عن العوارض (برجوع
البحث فيهما) اى فى مباحث التعادل والتراجيح ومسئلة حجية الخبر (الى البحث عن ثبوت
السنة بخبر الواحد كما افيد) فى كلام شيخنا العلامة المرتضى عند الكلام على حجية
خبر الواحد والى ان الاخذ (باى
الخبرين) واجب فى (باب التعارض فانه) على هذا التقرير (ايضا فى الحقيقة) بحث عن حجية الخبر المثبت للسنة كما اجاب به جماعة من
المحققين فهو عند المصنف ايده الله تعالى (غير مفيد فان البحث) عن ثبوت السنة بخبر الواحد بحث عن (ثبوت الموضوع وما هو
مفاد كان التامة) وهو محض التحقق والثبوت وهذا مع خروجه عن المسائل من جهة لزوم كون موضوع
العلم بينا او مبينا كما عرفت لا يجدى نفعا فى الجهة التى هى محل الكلام لانه (ليس بحثا عن عوارضه) اى الموضوع (فانها) اى الباحثية عن عوارض الموضوع (مفاد كان الناقصة) وهو نسبة المحمول الى الموضوع بعد الفراغ عن وجوده
وتحققه كما فى سائر المسائل الباحثة عن العوارض (لا يقال هذا فى الثبوت الواقعى) مسلم إلّا انه غير مطرد قطعا (واما) فى (الثبوت
التعبدى كما هو) المقصود (والمهم
فى هذه المباحث فهو) ممنوع لانه (فى
الحقيقة) ونفس الامر
بحث عن العوارض ولا محيص من ان (يكون
مفاد كان الناقصة فانه يقال فى الجواب نعم سلمنا) ان ليس المراد الا الثبوت التعبدى وهو من العوارض قطعا
(لكنه
مما لا يعرض السنة) التى هى الموضوع بل يعرض الخبر الحاكى لها (فان الثبوت التعبدى يرجع الى وجوب العمل
على طبق الخبر كالسنّة المحكية به وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى وبالجملة
الثبوت الواقعى ليس من العوارض والتعبدى وان كان منها إلّا انه ليس للسنة بل للخبر
فتامل جيدا) وفى حاشية المصنف دام ظله على حجية الخبر فى رسالة حجية الظن
لشيخنا العلامة ما حاصله انه ان اريد الثبوت الواقعى فهو ليس من العوارض
وان اريد التعبدى فهو من عوارض مشكوك السنة لا نفس السنة انتهى وما فى الكتاب اجود
ويمكن ان يكون المراد فى كلا المقامين واحدا فتدبر وكيف كان ففيه ان الواقعيات
التى نصبت الطرق اليها فى حال الشك لم يقيد موضوعها بالشك وانما المقيد هو موضوع
الاصول العملية ومعنى حجية الطرق وان كان هو وجوب العمل على طبقها إلّا ان معنى
ذلك هو وجوب البناء تعبدا على انها المحكى بها ليس إلّا الواقع الذى يئول الى وجوب
ترتيب جميع آثار الواقع على المحكى بها لثبوت موضوعها بنفسه تعبدا وكما ان السنة
الثابتة بالقطع انما تثبت بنفسها لا بما هى مقطوعة كذلك السنة الثابتة بطريق الظن
القائم مقام القطع تثبت بنفسها تعبدا لا بما هى مشكوكة واذا كانت صفة الاثبات لها
من عوارض الحاكى فلا يعقل ان لا تكون صفة الثبوت من عوارض المحكى كما لا يعقل ان
يكونا معا من عوارض الحاكى والقوم لما بنوا على ان الموضوع هو الدليل بما هو دليل
وحسبوا ان السنة هى نفس الخبر اشكل عليهم الامر فى المسائل الباحثة عن حجية الخبر
لما تقدم وهذا هو السر فى اختصاص الاشكال منهم فى المقام ولولاه لكان ما ذكروه هنا
جاريا فى الاجماع والقرآن المنقولين بخبر لواحد حرفا بحرف مع انك لا تكاد ترى
واحدا منهم توهم ذلك فى ذلك المقام فما افاده شيخنا العلامة المرتضى قده فى غاية
القوة ثم (لا
يذهب) عليك ان
التوجيه الثانى فى مسئلة التعادل والتراجيح مبنى صحة وفسادا على التوجيه الاول اذ
لا مناقشه من حيث رجوع البحث فيه الى ما ذكر سواء فسد المبنى أو صح إلّا انه مع
الفساد لا يجدى نفعا هذا فيما لو كان المراد نفس قول المعصوم (واما اذا كان المراد
بالسنّة ما يعم الخبر) المتضمن (حكايتها) فلا يجدى فى رفع المحذور اما اولا فلما عرفت فى اول
البحث واما ثانيا (فلان
البحث فى تلك المباحث وان كان عن احوال السنة بهذا المعنى إلّا ان البحث فى غير
واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها) كما هو الظاهر من عناوين المسائل فانهم لم يجعلوا
العنوان فيها لامر الكتابى
مثلا أو أحد الادلة الأخر بل جعلوه مطلق الامر (وان كان من المعلوم) ان ما هو العمدة (والمهم) لهم (معرفة خصوصها كما لا يخفى ويؤيد ذلك) اى كون مسائل الاصول ليست خاصه بما يبحث عن عوارض
الادلة بذاتها ولا بعنوانها (تعريف
الاصول بانه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الشرعية) فان ظاهره دخول كل مسئلة تقع فى طريق الاستنباط ويتمهد
بها قاعدة لذلك فظهر واتضح لك من جميع ما تقدم ان ما ذكرناه من كون الموضوع هو نفس
موضوعات المسائل وما يتحد معها هو الحق وان غير ذلك خارج عن منهج السداد وهذا
التعريف بناء على ما هو ظاهر القوم من خروج جملة من المسائل عن علم الاصول وانها
ذكرت فيه استطرادا حسن (وان
كان الاحسن والاولى تعريفه بانه صناعة يعرف بها القواعد التى يمكن ان تقع فى طريق
استنباط الاحكام او التى ينتهى اليها فى مقام العمل) والاولى زيادة اولا وبالذات بعد قوله يعرف بها ليخرج بها
سائر العلوم التى يتوقف عليها معرفة هذه القواعد كالنحو والصرف والمنطق والمعانى
والبيان وغيرها وإلّا دخلت قطعا وكان التعريف غير مانع وزيد القيد الاخير ليدخل
فيه ما لا يقع فى طريق استنباط حكم شرعى إلّا انه ينتهى اليه فى مقام العمل وهو من
مسائل الاصول كمسألة حجيه خبر الواحد على مذهب المصنف دام ظله من ان المجعول فيه
هو الحجية لا غير وكالظن على احد الوجهين وكمسائل الاصول العملية فى الشبهات
الحكمية (بناء
على ان مسئلة حجية الظن على تقرير الحكومة ومسائل الاصول العملية فى الشبهات
الحكمية) من علم (الاصول كما هو كذلك
عند التحقيق ضرورة انه لا وجه لالتزام الاستطراد فى مثل هذه المهمات) واما مسائل الاصول العملية فى الشبهات الموضوعية فهى
خارجة قطعا ولا وجه لذكرها الا الاستطراد واقتضاء المناسبة ذلك كما لا يخفى (الامر الثانى) من الامور المذكورة فى تعريف (الوضع وهو) على الصحيح تعيين اللفظ للمعنى وتخصيصه به فان كان
المعين والمخصص فاعلا بالإرادة والقصد فهو التعيينى وان كان غير ذلك ككثرة
الاستعمال مثلا فهو التعينى والسر فى ذلك مع ان التعيينى حاصل فى القسمين
ان اللفظ اذا عين لشيء تعين لا محالة فيحصل فيه جهتان فان كان المعين فاعلا
بالارادة نسب الوضع الى الجهة الاولى لدلالتها بمادتها وهيئتها على حال الفاعل وان
كان غير فاعل بالارادة نسب الى الجهة الثانية للدلالة بظاهره على انه غير مقصود
هذا واما ما افاده المصنف دام ظله فى تعريفه من انه (نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص
بينهما ناشئ من تخصيصه به تارة ومن كثرة استعماله فيه اخرى) قال (وبهذا المعنى صح تقسيمه الى التعيينى
والتعينى كما لا يخفى) ففيه ان الاختصاص والارتباط من آثار الوضع لا الوضع ألا ترى انهما لا
يترادفان ولا يتصادفان على معنى واحد بخلاف الوضع والتعيين فيحسن ان تقول ان اختصاص
اللفظ بالمعنى وتخصصه به ناشئ من وضعه له ولا يصح ان تقول ان تعيين اللفظ للمعنى
ناشئ من وضعه له لان معناه ان التعييني نشأ من التعيين نعم هذا يصلح تعريفا للوضع
بمعنى الموضوعية لا بمعناه المصدرى وكأن الذى دعاه الى هذا التمحل تصحيح تقسيمه
الى القسمين وقد عرفت ان التقسيم على الوجه الذى ذكرناه فى غاية الصحة (ثم ان) للوضع اقساما تتفاوت معنى وعنوانا بتفاوت اللحاظ
المعتبر فيه (لان
الملحوظ حال الوضع اما ان يكون معنى عاما) بنفسه وعنوانه كالانسانية والحيوانية وغيرهما او
باوصافه وآثاره لعدم امكان الوصول الى تصور نفس عنوانه كالمبرئ للذمة والناهى عن
الفحشاء على القول بوضع لفظ الصلاة مثلا للصحيح فيوضع اللفظ له تارة ان وقف اللحاظ
عنده ولوحظ مرئيا بنفسه ولافراده ومصاديقه اخرى ان نفذ اللحاظ منه وتعداه وقد لوحظ
مرآة لغيره ويتصور وضع اللفظ عند تصور المعنى العام على انحاء واقسام (احدها) ان يضع اللفظ بازاء ذلك المعنى العام المتصور المتوزع
حصصا بحسب انبساطه حال وجود انه الخاصة مع قطع النظر عن كونه متوزعا او غير متوزع
فيكون استعماله فى نفس المعنى العام لوضعه له بلا واسطة وفى كل حصة من حصصه
الموجودة بالوجود الخاص لوضعه لها بواسطة وضعه للمعنى العام (ثانيها) ان يضع اللفظ بازاء كل حصة من تلك الحصص حال تشخصها
بوجودها الخاص لا بقيد التشخص فيكون استعماله فيها بوضعه
لها بلا واسطة واستعماله فى المعنى العام بواسطة عكس الاول فيكون المعنى
العام فى هذه الصورة مرآتا الى تلك الحصص ذات الوجودات الخاصة والفرق بين هذا وما
قبله ليس إلّا بالاعتبار وإلّا فهما واحد كما لا يخفى (ثالثها) ان يضع اللفظ بازاء كل حصة من تلك الحصص المتشخصة بقيد
تشخصها كوضع العلم لمعناه ويكون ذلك المعنى العام الكلى مرآتا بها يبصر تلك
الوجودات الخاصة فيكون الفرق بين هذا القسم وبين الثانى اخذ قيد التشخص وعدم اخذه
فى الموضوع له وبينه وبين المشترك اللفظى بحسب مصطلح القوم وحدة الوضع وتعدده لا
غير فتكون اقسام الوضع من هذه الجهة مختلفة الحال قسم هو المشترك المعنوى وهو
الاول وقسم هو المشترك اللفظى وهو الجامع لخصوصيتى اللفظ والمعنى مع تعدد الوضع
على حسب تعدد المعانى وقسمان مستقلان برأسهما برزخ بين هذين القسمين إلّا ان واحدا
منهما بالقسم الاول انسب واليه اقرب وهو الوضع بحسب الوجودات الخاصة للحصص لا بقيد
التشخص والآخر بالثانى اشبه وترتيب آثاره عليه اوجه وهو الوضع كذلك لكنه بقيد
التشخص وبحسب اختلاف الحال تختلف الآثار حقيقة ومجازا واحتياجا الى القرينة
المعينة او الصارفة او كليهما واستغناء وغير ذلك هذا كله فيما اذا كان المعنى
الملحوظ عاما (واما) حيث (يكون معنى خاصا) فهو (لا يكاد يصح الا وضع اللفظ له دون العام
فيكون الاقسام) على ما ذكرنا اربعة وعلى ما ذكره المصنف ايده الله تعالى (ثلاثة وذلك) لصحة تصور العام ووضع اللفظ بازاء افراده دون العكس (لان العام يصلح لان
يكون آلة) ومرآة (للحاظ افراده
ومصاديقه بما هو كذلك) لان الوضع انما يتوقف على معرفة المعنى بوجهها ويتصور العام تحصل هذه
المعرفة (فانه
من وجوهها) اى الافراد (ومعرفة وجه الشىء
معرفته بوجه) وهو المطلوب وهذا (بخلاف
الخاص فانه) لا يترتب على تصوره بعنوانه تلك المعرفة ضرورة انه (بما هو خاص لا يكون
وجها للعام ولا لسائر الافراد فلا يكون معرفته وتصوره معرفة له ولا) معرفة (لها اصلا) ولو معرفة
(بوجه) وبيان ذلك على التحقيق هو انه من المعلوم ان استعمال
اللفظ فى كل معنى من المعانى محتاج الى الوضع فاذا تعددت المعانى وتعدد الاستعمال
فاما ان يتعدد الوضع او يتحد والاول كما فى المشترك واما الثانى فان عم جميع
المعانى على نحو العموم الشمولى فى العام اللفظى فهو الوضع العام والموضع له الخاص
والسبب فى امكان تعميم الوضع فى هذه الصورة لجميع المعانى مع كثرتها وعدم احصائها
وتوقف الوضع على معرفة المعنى هو تمكن الواضع من معرفتها بوجهها وهو العام المتصور
حين الوضع وان عملها على نحو العموم البدلى فى اسماء الاجناس بالنسبة الى افرادها
فهو الوضع العام والموضوع له العام لعمومه لجميع المعانى بصدق معناه على كل واحد
على البدل فهذا معنى وصف الوضع بالعموم واما اذا اتحد الوضع ووصف بكونه خاصا
لخصوصية المعنى المتصور ووحدته وعدم لحاظ غيره من المعانى لا بعضا ولا كلا لا
شمولا ولا بدلا فكيف يعقل ان يكون الموضوع له مع هذه الملاحظة عاما وكيف يعقل ان
يكون الواحد بما هو واحد اثنين او اكثر وكيف يمكن ان يكون مسمى عمرو موضوعا له لفظ
زيد بوضعه الشخصى العلمى بسبب تصوره عند تصور مسمى زيد لو اتفق وبالجملة وصف الشيء
بوصفين متضادين فى آن واحد غير معقول والى ما ذكرنا اشار المصنف دام ظله حيث قال
فى رفع توهم صلوح الخاص لان يكون مرآة للعام (نعم ربما يوجب تصوره تصور العام بنفسه
فيوضع له اللفظ فيكون الوضع عاما كما كان الموضوع له عاما وهذا بخلاف ما فى الوضع
العام والموضوع له الخاص فان الموضوع له وهى الافراد لا يكون متصورا الا بوجهه
وعنوانه وهو العام وفرق واضح بين تصور الشيء بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بسبب تصور
امر آخر ولعل خفاء ذلك على بعض الاعلام وعدم تمييزه بينهما كان موجبا لتوهم امكان
ثبوت قسم رابع وهو ان يكون الوضع خاصا مع كون الموضوع له عاما مع انه واضح لمن كان
له ادنى تأمل) وظاهر العبارة ربما يوهم فيه ان ما ذكره فارقا بين المقامين مؤيد لا مفسد
ضرورة انه اذا كان عموم الوضع وخصوصه لعموم
التصور المعتبر فيه وخصوصه وكان تصور الشيء بوجه ما ولو بسبب تصور شيء آخر
كافيا فى وضع اللفظ فلان يكون تصوره بنفسه كافيا احق واولى لان المعرفة المتوقف
عليها الوضع حينئذ اتم واكمل إلّا ان لباب مطلبه وحقيقة مقصوده ما ذكرنا لان
العمدة فى خصوصية الوضع وعمومه صحة كون الخاص بما هو خاص وجها للعام بما هو عام
وهو غير معقول وانما المعقول حضور العام بنفسه فى الذهن عند حضور الخاص وهو لا يجدى
نفعا ومنه توهم المتوهم تربيع القسمة (ثم انه) لا يخفى ان جميع ما ذكر فى تقسيم الوضع والموضوع له
انما هو بحسب الوجود الذهنى واما بحسب الوجود الخارجى فاعلم انه (لا ريب فى ثبوت الوضع
الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام) مختصا ومشتركا (وكذا الوضع العام والموضوع له العام
كوضع اسماء الاجناس واما الوضع العام والموضوع له الخاص فقد توهم انه) موجود فى الخارج وزعم جماعة من المحققين (انه وضع الحروف وما
الحق بها من الاسماء) كاسماء الاشارة والموصولات والضمائر وربما قيل به او بما اشبهه فى وضع
الفاظ العبادات كلفظ الصلاة وسيأتى إن شاء الله تعالى (كما توهم ايضا ان
المستعمل فيه خاص مع كون الموضوع له كالوضع عاما) وفى المسألة وجوه احدها وثانيها ما تقدم ثالثها ان
يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا بمعنى آخر وهو ان الواضع تصور اولا معنى
الابتداء ومفهومه للعام ثم وضع اللفظ بازائه باعتبار كونه آلة ومرآة لملاحظة حال
المتعلق وانما كان الموضوع له حينئذ خاصا لان الماهية اذا اخذت مع تشخص لاحق لها
كانت جزئية كذا قال فى الفصول والفرق بين هذا وبين الوجه الاول ان الموضوع له فى
الاول جزئى حقيقى وفى هذا الوجه جزئى اضافى والمقصود من قيد التشخص اللاحق للماهية
هو ما تكون الماهية به اقل افرادا منها مع عدم القيد وان كانت بالنسبة الى ما
تحتها كلية ايضا رابعها ان حالها حال الاسماء فمعنى من والابتداء والى والانتهاء
واحد فيكون كل من الوضع والموضوع له عاما خامسها ان هذه الحروف بمنزلة العلائم
فمعنى قولنا من للابتداء انها علامة وآلة على حصول
هذا المعنى فى المتعلق ودلالة المتعلق عليه فتكون كقرائن المجاز فى عدم
دلالتها بنفسها على شيء لا فى نفسها ولا فى غيرها وانما تدل على ان المراد من
اللفظ معناه المجازى سادسها ان هذه الحروف وضعت للدلالة على معانى متعلقاتها المحذوفة
لا الموجودة لتعديتها وتعليقها بما بعدها فمعنى سرت من البصرة الى الكوفة سرت
وابتدأت بالسير من البصرة وانتهيت الى الكوفة ولو كان معناهما هو الابتداء
والانتهاء اللذان هما حالة بين السير والبصرة والكوفة للزم حصول التكرار من
التصريح بالفعلين المذكورين وكانت العبارة مستهجنة مع انها من الحسن بمكان فمن تدل
على الابتداء الذى يدل عليه لفظ ابتدأت وما اشبهه والى تدل على الانتهاء الذى يدل
عليه لفظ انتهيت وما اشبهه وهكذا فصح انها تدل على معنى فى غيرها وانما وضعت كذلك
طلبا للاختصار فى العبارة (سابعها) ان تكون موضوعة لمفاهيمها المقيدة بالامور المذكورة فى
القول الثالث على ان يكون كل من القيد والتقييد خارجا عن المعنى معتبرا فيه ذكر
ذلك بعض المحققين توجيها لقول من قال بوضعها للمفاهيم الكلية بما هى كلية بعد ان
اختار غيره والى ذلك ذهب الاستاذ المصنف دام ظله واتقنه واحكمه بما لا مزيد عليه
ولم يسبق اليه وبما ذكره اتضح بطلان سائر المذاهب فيها فقال (والتحقيق على ما
يساعد عليه النظر الدقيق ان حال المستعمل فيه والموضوع له فيها) اى فى الحروف (حالهما فى الاسماء) فى كونه مفهوما كليا وانما قلنا (ذلك لان الخصوصية
المتوهمة فى) الموضوع له والمستعمل فيه التى دعت القائل الى القول بكونه خاصا (ان كانت هى الموجبة
لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا) فالوجدان قاض بفساده ومخالفته للواقع (اذ من الواضح ان
كثيرا ما لا يكون المستعمل فيه فيها) اى فى الحروف (الا كليا كما) فى قولك سر من البصرة الى الكوفة فانه يصدق على كل
مكان يمكن الابتداء به والانتهاء اليه ولذا يحصل الامتثال من اى موضع سرى والى اى
موضع انتهى (ولذا) اى ولعدم التمكن من انكار تحقق هذا الاستعمال بل ولعدم
التمكن من دعوى المجازية فيه (التجاء
بعض الفحول الى جعله جزئيا اضافيا)
مدعيا ان معنى قولنا الموضوع له او المستعمل فيه خاص انما هو بالنسبة الى
كلى فوقه وهو مفهوم الابتداء العام الغير المتخصص بمكان لا بالنسبة الى ما تحته
وهو كما ترى اما اولا فلانه خروج عن الفرض ظاهرا واعتراف بالمطلوب فى الجملة واما
ثانيا فلان تلك الخصوصية التى توهموا تقييد الموضوع له او المستعمل فيه بها ان
كانت صالحة للتقييد كان المعنى لا محالة جزئيا خارجيا حقيقيا وان لم تصلح لذلك كان
المعنى هو المفهوم العام الكلى فالقول بوضعها للكلى من جهة الجزئى من اخرى تحكم
بحت لا نرتضيه اذ لا دليل يقتضيه (وان كانت) تلك الخصوصية المتوهمة (هى الموجبة لكونه اى المعنى جزئيا ذهنيا) فهو مسلم (حيث انه لا يكاد يكون المعنى حرفيا) ويخرج عن كونه اسميا (إلّا اذا لوحظ حاله) وعرضا (لمعنى آخر ومن خصوصياته القائمة به) كمفهوم البصرة والكوفة فى المثال المتقدم (ويكون حاله كحال
العرض) فى عدم
استقلاله بنفسه وعدم وجوده الا بوجود غيره (فكما لا يكون) الغرض (فى الخارج الا فى الموضوع كذلك هو) اى المعنى الحرفى (لا يكون فى الذهن الا فى مفهوم آخر) كما مثلنا (ولذا قيل فى تعريفه) اى الحرف (بانه ما دل على معنى فى غيره فالمعنى) الحرفى على هذا (وان كان لا محاله يصير جزئيا بهذا
اللحاظ الآلي) لانه يكون معنى آليا لوحظ ربطا بين المتعلقات فماهية الابتداء ومفهومه قد
تشخصا بحسب الوجود الذهنى بهذا اللحاظ فلا يعقل مع هذا التشخص صدقه على فرد آخر
كما لا يعقل صدق الماهية لتشخصه فى الخارج على غير مورد المتشخص وإلّا لم يكن
مشخصا هف فلو قال القائل سر من البصرة وكرره الف مرة كان كل فرد فى الاستعمال
اللاحق غيره فى الاستعمال السابق بحسب الوجود الذهنى لعدم امكان صدق المفهوم
المقيد باللحاظ فى الاستعمال الاول على غيره فيحتاج فى الثانى الى لحاظ آخر مشخص
وهلم جرا فاللحاظ الاول لا يكون اولا إلّا (بحيث يباينه) اللحاظ الثانى (اذا لوحظ ثانيا كما لوحظ اولا) بان كرر العبارة الاولى بعينها (ولو كان) المستعمل (اللاحظ واحدا) لوجود المناط فلا
يفرق الحال بين تعدده ووحدته إلّا ان هذا اللحاظ المشخص للماهية ذهنا
الموجب لكون المعنى فى ظرف الذهن جزءا حقيقيا لا يعقل تشخص المفهوم به فى الخارج (ولا يكاد يكون ماخوذا
فى مفهوم المستعمل فيه) لان اخذه فى المفهوم كذلك فرع امكان تحققه من حيث هو بحسب الوجود الخارجى
وهو غير معقول لان المعنى المستعمل فيه لا بد وان يكون ملحوظا للمستعمل حال
الاستعمال وقد فرضناه بحسب الوجود الذهنى مقيدا بهذا اللحاظ فان كان بحسب الوجود
الخارجى مقيدا ايضا فاما ان يكون اللحاظ الاستعمالى عين اللحاظ الماخوذ قيدا فى
المستعمل فيه او غيره وعلى الاول فيلزم الدور وهو واضح وعلى الثانى يلزم عدم كون
المستعمل فيه مقيدا باللحاظ قبل الاستعمال لا ذهنا ولا خارجا لان المفروض كما عرفت
ان هذا القيد فى المستعمل فيه بحسب الوجود الذهنى لم ينشأ ويوجد الا بهذا اللحاظ
الاستعمالى وقد قرضنا ان هذا بعينه هو الماخوذ قيدا فى الوجود الخارجى ففرض كونه
غيره يلزمه ما ذكرناه او تعدد القيد المشخص بحسب الوجودين فى آن واحد فى عرض واحد وهو
غير معقول والى ما ذكرنا اشار المصنف بقوله (وإلّا فلا بد من لحاظ آخر متعلق بما هو
ملحوظ بهذا اللحاظ بداهة ان تصور المستعمل فيه مما لا بد منه فى استعمال الالفاظ
وهو كما ترى) هذا كله (مع
انه) مع عدم تعقل
تشخص المفهوم به وعدم تعقل وجوده فى الخارج (يلزم بالضرورة ان لا يصدق على الخارجيات) لان الابتداء الآلي الربطي بما هو كذلك كالانسان الكلى
فيمتنع صدقه بما هو كذلك على الموجودات الخارجية (لامتناع صدق الكلى العقلى عليها حيث لا
موطن له الا الذهن) فاذا امتنع صدقه (امتنع
امتثال) الامر به فى (مثل سر من البصرة) الى الكوفة لعدم وجود السير والبصرة والكوفة المقيدة
فى الخارج (إلّا
بالتجريد والغاء الخصوصية) وهو كما ترى هذا كله (مع انه) لو سلمنا فلنا ان نجيب بالنقض ونقول (ليس لحاظ المعنى حالة
لغيره فى الحروف الا كلحاظه فى نفسه فى الاسماء وكما لا يكون هذا اللحاظ) اى لحاظ كونه فى نفسه (معتبرا فى المستعمل فيه فيها) اى فى الاسماء
(كذلك
ذلك اللحاظ فى الحروف كما لا يخفى وبالجملة ليس المعنى فى كلمة من ولفظ الابتداء
الا الابتداء فكما لا يعتبر فى معناه لحاظه فى نفسه ومستقلا كذلك لا يعتبر فى
معناها لحاظه فى غيره وآلة وكما لا يكون لحاظه فيه موجبا لجزئيته فليكن كذلك فيها) فان قلت فكما ان لحاظه فى نفسه ومستقلا لا يوجب جزئيته
ذهنا فليكن لحاظ المعنى الحرفى حالة للغير وآلة ربطية كذلك فى عدم تشخص الماهية به
فى الوجود الذهنى فما وجه الفرق بين اللحاظين قلت لا ريب فى انه اذا اخذ لحاظ
المعنى الاسمى فى نفسه على حد اخذ لحاظ المعنى الحرفى فى غيره كان جزئيا ذهنيا
كالمعنى الحرفى لا محاله وكيف يعقل ان لا يكون كذلك بهذا اللحاظ الذى لا يمكن
تعدده فى آن واحد ولكنا نقول ان قولنا فى نفسه ليس قيدا وجوديا ككونه فى غيره بل
هو امر عدمى ومعناه لا فى غيره كما ان قولنا فى المطلق والمقيد ان رقبة من حيث هى
مطلق ومن حيث الايمان المعتبر فيها مقيد لا يوجب كون الحيثية الاولى قيدا بل
المقصود انها كذلك من حيث عدم المقيد يعنى ان رقبة حال عدم القيد مطلق ولذا تفسر
الحيثية بقولنا لا بشرط ولو كان ذلك قد اخذ على سبيل القيدية لوقع التعارض بين
المطلق والمقيد بالضرورة لعدم اتصاف كل واحد بقيدين متضادين فكذلك المطلق والمقيد
الذهنيين فليس قولنا فى نفسه ومستقلا كقولنا فى غيره وآلة بل الاول كالاول والثانى
كالثانى فظهر لك عدم ورود هذا النقض من المصنف دام ظله على احد بحسب الذهن ولا
بحسب الخارج كما لا يخفى (فان
قلت على هذا) البيان والتحقيق الذى ذكرت من عدم اخذ اللحاظ فى المعنى الحرفى قيدا
للمفهوم ومشخصا له فى الوجود الخارجى (لم يبق فرق بين الاسم والحرف فى المعنى
ولزم كون كلمة من ولفظ الابتداء مترادفين) واذا كانا مترادفين (صح استعمال كل منهما فى موضع الآخر
وهكذا سائر الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح
قلت الفرق بينهما) فى كمال الظهور لكنه لا فى الجهات المتقدمة (انما هو في) اختلاف الغرض والغاية من وضعيهما الموجب (اختصاص كل منهما بوضع
حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفى نفسه) لا على
جهة القيدية كما عرفت ووضع (الحرف ليراد منه معناه لا كذلك بل بما
هو حالة لغيره كما مرت الاشارة اليه غير مرة فالاختلاف بين الاسم والحرف فى الوضع) المتمايز المختلف بحسب تمايز الغاية واختلافها لا
محاله (يكون
موجبا لعدم جواز استعمال احدهما فى موضع الآخر) لعدم امكان تصادقهما مع هذه الحال (وان اتفقا فيما له
الوضع) اى المعنى
الموضوع له ولا اظنك تتوهم امكان اخذ هذه الغاية فى الموضوع له قيدا والحال انك قد عرفت مما حققناه (بما لا مزيد عليه ان نحو ارادة المعنى
لا يكاد يمكن ان يكون من خصوصياته ومقوماته) هذا غاية ما امكن فى تاييد هذا المذهب وتشييده
والتحقيق هو انه من المعلوم ان كل معنى من المعانى مما تمس الحاجة الى افهامه
وانفهامه لا بد له من لفظ موضوع يقع به التخاطب فى المحاورات فلا بد لنا من سبر
المعانى اولا ومعرفة كليها من جزئيها وعامتها من خاصها وجوهرها من عرضها واصليها
من تبعها ثم تلحظ الالفاظ الموضوعة بازائها فيقرن اللفظ بذلك الوصف الثابت لذلك
المعنى فنقول انا قد استقصينا تلك المعانى وسرناها فوجدنا بعضها جواهر مستقلة
بنفسها وبعضها اعراضا مستقلة بالمفهوم غير مستقلة بالوجود وبعضها كليات وبعضها
جزئيات ووجدناها كلها متأصله بالمفهوم وما عدا الاعراض منها متاصله فى الوجود
ووجدنا هناك معنى غير متاصل بالمفهوم ولا بالوجود فلا يعقل الا فى غيره ولا يوجد
إلّا بغيره وذلك هو المعانى الحرفية وبيانه انك اذا تصورت السير وتصورت البصرة
رايت ان لكل واحد من لفظيهما معنى مستقلا مفهوما ووجودا ثم اذا تصورت ان السير له
مبدأ وله نهاية وان ذلك المبدأ وتلك النهاية بوصفيهما العنوانى لهما محل يتلبسان
به وان هذه الحالة اعنى حالة التلبس التى لا تتحقق إلّا بتحقق امور أربعة السر
والمحل والسائر والمحل الذى يقابل محل اول السر ومبدئه وهو محل التلبس بآخر السير
الذى هو النهاية وجدت هذه الحالة معنى من المعانى التى تشتد الحاجة الى التعبير
عنها والتخاطب به ثم اذا سبرت الالفاظ لم تجد لفظا موضوعا له الا من والى فعند ذلك
تعقل ان معنى من فى سرت من
البصرة هو كون البصرة محل اول السير ومبدئه ومعنى الى فى الى الكوفة كون
الكوفة محل آخر السير ونهايته فلا تفهم من قولهم من للابتداء والى للانتهاء الا
هذا المعنى فاذا احطت خبرا بذلك علمت بالضرورة ان هذا المعنى لا يستقل بنفسه
مفهوما ولا وجودا لتوقفه فى كليهما على الامور الاربعة فيكون معنى تبعيا صرفا لا
تاصل له اصلا فتعلم حينئذ بالبداهة ان مدلول هذين الحرفين لا يتصف بنفسه بكليّةٍ
ولا جزئيه وانما يتصف بهما تبعا لطرفيه فان كانا كليين كان كذلك كالمثل المذكور
وان كانا جزئيين كما فى قولك سيرى هذا من هذا المكان الى هذا المكان كان جزئيا
ومما يزيد الامر وضوحا حتى يكاد يلحقه بالبديهيات النظر الى ما لو تشخص احد
الطرفين دون الآخر كان تقول سيرى هذا من البصرة او سيرى من هذا المحل المعين فان
المعنى الحرفى من جهة كونه حالة للخاص جزئى ومن جهة كونه حاله للعام كلى ففى
المثال الاول ان لوحظ بالنسبة الى مبدإ السير واوله لم يشمل غير مبدإ هذا السير
المشخص وبالنسبة الى محل تلبس المبدا يشمل كل موضع من البصرة يمكن ان يكون محلا
ومنه يظهر حال العكس فلو كان متأصلا لم يتصف بوصفين متضادين فى آن واحد ولا يشتبه
عليك الحال فتقول حاله حال الجزئى الاضافى فى اجتماع الوصفين لان المقام مقام
اجتماع الجزئية الحقيقية مع الكلية وهو غير معقول فيما له التأصل فى الوجود فعلم
ان الوضع فيها عام بمعنى انه تصور الواضع مبدئية كل مكان لكل شيء من كل مبتدى لكل
نهاية ووضع اللفظ بازاء المعنى المتلبس بتلك المتعلقات على اختلافها اذ لا يعقل
وجود قدر جامع بجمعها حقيقة بعد ان كان فى آن واحد من جهة كلى ومن جهة جزئى حقيقى
فيكون حالها نضير الصلاة بناء على الوضع للصحيح فى عدم امكان تصور مركب جامع اذ كل
ما يتصور قابل لان يكون صحيحا من جهة فاسدا من اخرى فيكون هذا نحو وضع خاص على حده
لا يتصف الموضوع له فيه بعموم ولا خصوص وادل دليل على امكانه وقوعه هذا كله ولكن
مراجعة التأمل وتدقيق النظر حكما بان ما افاده المولى الاستاد الاعظم شرف الله
تعالى قدره هو الحق الذى لا محيص عنه والمذهب الذى من سلك غيره ضل
وعمدة منشإ الاشتباه هو النظر الى كونه موصوفا بالوصفين المتضادين فى ان
واحد وسر توهم التضاد نخيل ان الحرف فيما اذا كان احد الطرفين عاما كالبصرة والآخر
خاصا كالسير المعين قد استعمل فى الحالة المتعلقة بالسير بخصوصها وليس الامر كذلك
بل هو لم يستعمل الا فى المفهوم الكلى المنطبق من جهة على نوع او صنف مثلا ومن جهة
على فرد فهو نضير ما لو قلت زيد والانسان جسم او حيوان فاطلقت المفهوم فى ان واحد
واردت النوع والفرد فلم يوضع الحرف الا للعام ولم يستعمل الا فى العام غاية الامر
انه تارة يكون فى متعلقيه كليا وتارة فردا واخرى فردا من جهة ونوعا من اخرى فاعط
التامل حقه فانه دقيق (ثم
ان) المصنف دام ظله
لما ذكر وجه الفرق بين الاسم والحرف حركته المناسبة على ان يوصل بذلك ذكر الخبر
والانشاء لاتحادهما عنده فى جهة الفرق فقال (لا يبعد ان يكون الاختلاف فى الخبر
والانشاء ايضا كذلك) اى كالاسم والحرف فى اختلافهما لاختلاف غاية الوضع (فيهما فيكون الخبر
موضوعا ليستعمل فى حكاية ثبوت معناه فى موطنه) ذهنا او خارجا فزيد قائم وضع لان يحكى به المخبر ثبوت
القيام له فى الخارج والانسان كلى وضع لان يحكى به ثبوت الكلية له فى الذهن وهذه
النسبة هى معنى الخبر (والانشاء) وضع ليستعمل فى قصد تحققه وثبوته فاضرب زيدا موضوع
ليستعمل ويقصد باستعماله ايجاد طلب الضرب وثبوته بنفس هذا الانشاء (وان اتفقا فيما
استعملا فيه فتأمل) بحسب الخارج فكما ان النسبة الموضوع لها الخبر قد تطابق الخارج وقد
تخالفه كذلك الموضوع له الانشاء بحسب المطابقة والمخالفة للواقع من حيث الوجود
الخارجى ففى الانشاء يكون للطلب وجود انشائى وهو يحصل بانشاء الصيغة وهذا لا تخلف
له ابدا لان ايجاده عين انشائه ووجود خارجى يتبع الواقع وهو بحسب الوجود الاول
جزئى وبحسب الثانى كلى بخلاف الخبر فانه ليس له إلّا الوجود الخارجى (فتامل) فان لقائل ان يقول ان الخبر كالانشاء وان للمحكى به
وهو نسبة المحمول الى الموضوع ايضا وجودين وجود حكايتى وهو حاصل بمجرد الحكاية
ووجود خارجى وهو يتبع الواقع
والاول جزئى والثانى كلى ودعوى الفرق غير واضحة الوجه (ثم انه قد انقدح) مما حققناه الى هنا كيفية وضع الاسماء الملحقة بالحروف
وان الامر فيها على ما حققه المصنف من الالحاق وانه يجب فضلا عن انه (يمكن ان يقال) فيها (ان المستعمل فيه فى مثل اسماء الاشارة
والضمائر ايضا عام وان تشخصه) فى الخارج (إنما تشاء من طور استعمالها) لا من جانب وضعها (حيث ان اسماء الاشارة وضعت ليشار بها
الى معانيها) فهذه الاشارة من غايات وضعها لا من مشخصات الموضوع له ومقوماته حين الوضع
(وكذا
بعض الضمائر) كضمير الغيبة والمتكلم وضعت كاسماء الاشارة (وبعضها) كضمير المخاطب وضع (ليخاطب المعنى) الموضوع له اللفظ (والاشارة والتخاطب) اللذان هما غاية الوضع (يستدعيان التشخص كما لا يخفى) قال صاحب الاشراق فى محكى التلويحات فيما حكاه عن
المعلم الاول لما رآه فى خلسته التى كانت شبه النوم وسأله عما اشكل عليه من علمه
تعالى بذاته واجابه حتى انتهى الى قوله له وانت تدرك ذاتك وهى مانعة للشركه بذاتها
فليس هذا الادراك بالصورة فقلت ادرك مفهوم انا فقال مفهوم انا من حيث هو مفهوم انا
لا يمنع وقوع الشركة فيه وقد علمت ان الجزئى من حيث هو جزئى لا غير كلى وهذا وانا
ونحن وهو لها معان كلية من حيث مفهوماتها المجردة دون اشارة جزئيه انتهى (فدعوى ان المستعمل
فيه فى مثل هذا او هو او اياك انما هو المفرد المذكر وتشخصها انما جاء من قبل الاشارة
او التخاطب بهذه الالفاظ اليه فان الاشارة والتخاطب لا يكاد يكون الا الى الشخص او
معه غير مجازفة فتلخص مما حققناه) وحققه المصنف دام ظله (ان التشخص الناشى من قبل الاستعمالات لا
يوجب تشخص المستعمل فيه مطلقا سواء كان تشخصا خارجيا كما فى مثل اسماء الاشارة) نعم ربما يكون قرينة معينة للمراد (او تشخصا ذهنيا كما
فى اسماء الاجناس) لان تشخصاتها الذهنية انما جاءت من قبل تعيناتها الذهنية لا من قبل
الاستعمالات فان ارادة الشخص بحسب الذهن من رجل فى وجاء رجل من اقصى المدينة مثلا
لا يوجب تشخص المستعمل فيه خارجا بل هو لم يستعمل الا فى الطبيعة وهكذا حال ساير
المشخصات الذهنية العارضة لها
(و) مثلها (الحروف ونحوهما من غير فرق فى ذلك اصلا
بين الحروف واسماء الاجناس ولعمرى) ان (هذا
واضح ولذا ليس فى كلام القدماء من كون الموضوع له او المستعمل فيه خاصا فى الحرف
عين ولا اثر وانما ذهب ذهب اليه بعض من تأخر ولعله لتوهم كون قصده بما هو فى غيره
من خصوصيات الموضوع له او المستعمل فيه) بناء على كونه خاصا او لتوهم ان له جهة استقلال بناء
على كونه عاما (وانما) صدر ذلك (غفلة عن ان قصد المعنى من لفظه على
انحائه لا يكاد يكون من شئونه واطواره وإلّا فليكن قصده بما هو هو وفى نفسه) كما فى الاسماء (كذلك مشخصا وهو كما ترى فتأمل فى المقام
فانه دقيق وقد زلت فيه اقدام غير واحد من اهل التحقيق والتدقيق) الامر (الثالث) من الامور المذكورة اختلفوا فى ان (صحة استعمال اللفظ
فيما يناسب ما وضع له) مناسبة تامة (هل
هو بالوضع) لان امر
الالفاظ توقيفى فيتوقف الاستعمال على الرخصة من الواضع (او) هو (بالطبع) فلا يتوقف على ذلك ولا على شيء آخر عدا المناسبة
المذكورة (وجهان
بل قولان) اوجههما (واظهرهما انه بالطبع) لا لما افاده دام ظله من ان ذلك ثابت (بشهادة الوجدان بحسن
الاستعمال فيه ولو مع منع الواضع عنه وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسبه ولو مع
ترخيصه) وانه (لا معنى لصحته الا
حسنه) لما ترى من
حسن استعمال الفاظ كثيرة غير موضوعة لغة اصلا إلّا انه تعارف استعمالها فى
المحاورات فبلغ من الحسن الى ان قيل فيه رب غلط مشهور خير من صحيح مهجور واستهجان
استعمال الفاظ كثيرة موضوعة فى اصل اللغة إلّا انها مهجورة الاستعمال هذا فى
الحقائق فكيف بالمجازات والحاصل ان مناط الحسن والقبح مطلقا شهرة الاستعمال وقلته
فالاستحسان والاستهجان لا يدلان على انه وضعى او طبعى فلا نسلم الحسن فى المناسب
اذا كان مهجورا ولا القبح فى غيره اذا كان مشهورا نعم الشاهد على ما ذكرنا انك لم
تجد احدا من اهل التخاطب والمحاورات من الشعراء والخطباء وسائر من له اهلية
المحاورة من سائر اللغات فى جميع الاوقات لا مرئى
ولا مستمعا انه توقف فى مثل هذا الاستعمال على رخصة او سؤال او استند فيه
الى وضع معلوم ولو بشاهد حال بل الكل يستعملون فى المناسب وهم فى غفلة عن تلك
الجهة واما تفسيره صحة الاستعمال بحسنه فلم اعرف مأخذه وانما هى موافقته للنهج
العربى فى المحاورات (و) اذا عرفت ذلك فاعلم ان (الظاهر ان صحة استعمال اللفظ فى نوعه او
مثله من قبيله وستأتى الاشارة الى تفصيله) إن شاء الله تعالى الامر (الرابع لا شبهة فى
صحة اطلاق اللفظ وارادة نوعه) من الامور المذكورة ينبغى ان يعلم ان المعانى قد تطلق
ويراد بها ما يقابل الاعيان فيراد بها العرضيات والاعراض كما يراد من الاعيان
الجواهر وقد تطلق ويراد بها ما يقابل الالفاظ فيراد بها حينئذ ما يعم الجواهر
والاعراض كما يراد من الالفاظ ما يعم الحاكى والمحكى وقد تطلق ويراد بها مطلق
مداليل الالفاظ فيراد بها حينئذ ما يعم الجواهر والاعراض والالفاظ المحكية بمثلها
كما يراد بالالفاظ حينئذ خصوص الحاكى والنسبة ما بين المعانى ظاهرة اذا عرفت ذلك
فاعلم انه (لا
شبهة فى صحة اطلاق اللفظ وارادة نوعه) به كما اذا قيل ضرب فعل ماضى فانه نوع لما يندرج تحته
من التراكيب المتعددة مختلفة او متحدة (او صنفه كما اذا قيل زيد فى ضرب زيد
فاعل اذا لم يقصد به شخص) هذا (القول) سواء قصد صنفه المتعدد المتحد فيكون المراد نفس هذا
التركيب متكررا حسب الاشخاص والاوقات او المختلف فيكون المراد نحو هذا التركيب مما
تركب من فعل وفاعل هو زيد او هما معا وهو واضح (او) ارادة (مثله كضرب فى المثال) وهو ضرب زيد (فيما اذا قصد) شخص القول ومثله لفظ زيد بالقيد المذكور (وقد اشرنا) قريبا (الى ان صحة الاطلاق كذلك وحسنه انما كان
بالطبع لا بالوضع) بل لا يعقل ان يكون بالوضع (وإلّا) لتسلسلت الاوضاع بتسلسل الحكايات ولو وقفت على حد
والحكايات متسلسلة دارت لتقدم الوضع على صحتها حسب الفرض لانها فرعه فلو صحت
الحكاية الواقعة بعد الحد الذى انتهى اليه الوضع لزم تقدم الصحة عليه وهو الدور
وكلاهما باطل وليس هذا من قبيل الاوضاع النوعية فيقال انه يمكن ان يكون مثلها
فى الوضع بان يقول الواضع وضعت كل لفظ حاكى لكل لفظ محكى اذ ليس للحاكى
هيئة خاصة يضع الواضع ما يندرج تحتها نوعا وهيئة حاكى من اوصاف اللفظ بعد الحكاية
فهو من حيث الوضع اجنبى عنه ولان افراد العام فى النوعيات عرضية لا طولية ففى
المقام يخرج اللفظ الحاكى لقول الواضع وضعت عن تعلق الوضع به وليس هو من باب كل
خبرى كاذب لان الوضع لا يتأتى بالتعليق على الطبيعة لو سلمنا صحة هذا الوجه ولا
بتنقيح المناط بل المقام اشبه بمقام اوامر الطاعة حيث قلنا بعدم وجوب اطاعتها
لنفسها وانها ارشادية وإلّا لزم التسلسل فتأمل فانه دقيق وايضا لو احتاج الاطلاق
المذكور الى الوضع (كانت
المهملات موضوعه لصحة الاطلاق كذلك فيها والالتزام بوضعها كذلك كما ترى) مما لا ينبغى الاصغاء اليه كما عرفت مضافا الى ان
الحاكى للمهمل لا يكون اهم من المهمل مع مشاركته له فى وصف الاهمال بالمعنى
المقصود منه فى اللفظ المحكى هذا و (اما اطلاقه وارادة شخصه كما اذا قيل زيد
لفظ) فلتصوره
وجهان (الاول) ان يكون من باب كل خبرى صادق فيعم نفسه اما بالدلالة
اللفظية بان يراد من ذلك ان طبيعة هذه الحروف اينما سرت لفظ او بتنقيح المناط وهو
واضح (الثانى) ان يكون على نحو ارادة المعنى فى العلم الشخصى وحينئذ (ففى صحته من دون
تأويل نظر لاستلزامه اتحاد الدال والمدلول او تركب القضية من جزءين كما) ذكره ((فى الفصول)
ببيان ذلك) ان القضية
اللفظية انما تحكى عن قضية خارجية والقضية الخارجية ذات اجزاء ثلاثة عين ثابته
ومعنى وصدور المعنى عن تلك العين وهذه ضرورية فلا بد فى القضية اللفظية الحاكية من
لفظ يحكى تلك العين ويسمى الموضوع وأخر يحكى ذلك المعنى ويسمى المحمول وشيء يحكى
ذلك الصدور ويسمى النسبة وهى حمل ذلك المعنى على تلك العين وقد ظهر لك من ذلك وجوب
تغاير الحاكى والمحكى وهما اللفظ الدال والمعنى المدلول لذلك اللفظ ثم ان عندنا
قاعدتين عقليتين مطردتين يستحيل تخلفهما احداهما قاعدة تغاير الدال والمدلول اذ لا
يعقل اتحادهما بما هما كذلك الثانية لزوم تركب القضية من اجزاء ثلاثة عقلا لا لما
قدمنا لان ذلك
يفيد لزوم كونها ثلاثة صناعة بل لان المفروض ان احدها النسبة ولا يعقل
وجودها بدون المنتسبين ثم ان هذه القضية وهى قولنا زيد لفظ لا شك فى كونها بظاهرها
صحيحة تامة الفائدة غير موقوفة على شيء فلا بد من تطبيقها على الصناعة والقاعدة
العقلية وحينئذ فنقول الاخذ بظاهر هذه القضية يوجب انحزام احدى القاعدتين
العقليتين لا محالة (انه
ان اعتبر دلالته) اى زيد (على) شخص (نفسه لزم) انحزام القاعدة الاولى وهى قاعدة التغاير للزوم (الاتحاد) حينئذ بين الدال والمدلول وهو محال (وإلّا) اى وان لم يعتبر دالا وحاكيا (لزم) انهدام القاعدة الاخرى وهى قاعدة التثليث للزوم (تركبها) اى القضية حينئذ (من جزءين لان القضية اللفظية على هذا
انما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكية بها مركبة من
جزءين مع امتناع التركيب الا من الثلاثة ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين) محكية وحاكية لا يقال ان مع عدم احد المنتسبين يلزم
انعدام النسبة رأسا لفرض توقف وجودها عليهما معا فيلزم تركب القضية من جزء واحد
لانا نقول قد اشرنا سابقا الى ان الكلام فى المثال انما هو بعد الفراغ عن كون لفظ
زيد الموجود منسوبا اليه المحمول قطعا والغرض تصحيح كونه موضوعا صناعيا لا كونه
موضوعا خارجيا لما عرفت من القطع بثبوت هذه الصفة له هذا غاية ما يمكن ان يقال فى
شرح ما افاده فى الفصول فان قلت فهل ترى وجها لتصحيح هذه القضية من دون تأويل (قلت يمكن ان يقال انه
يكفى تعدد الدال والمدلول اعتبارا وان اتحدا ذاتا فمن حيث انه لفظ صادر عن لافظه
كان دالا ومن حيث ان نفسه وشخصه مراد كان مدلولا مع ان حديث تركب القضية من جزءين
لو لا اعتبار الدلالة فى البين انما يلزم اذا لم يكن الموضوع شخص نفسه وإلّا كان
اجزائها الثلاثة تامة وكان المحمول فيها منتسبا الى شخص اللفظ ونفسه غاية الامر
انه نفس الموضوع لا الحاكى عنه) وتوضيحه ان الصفات المتضادة بحسب المفهوم على قسمين
قسم متضاد بحسب المصداق ايضا كالعلم والجهل والعمى والبصر
والجبن والشجاعة واشباهها وقسم متضاد بحسب المفهوم خاصه فقد يختلف مصداقا
وقد يتحد كالشجاعة والكرم والعلم والقدرة واشباهها ومنها صفات الواجب فانها مع
اختلافها مفهوما عين ذاته فهو بعين ما هو عالم قادر وبعين ما هو قادر متكلم وهكذا
ومعانى الالفاظ ايضا على قسمين كما تقدم قسم مباين للفظ وهو المعانى الخارجية من
الجواهر والاعراض وقسم من سنخ اللفظ وقد عرفته قريبا اذا عرفت ذلك فاعلم ان صفتى
الدالية والمدلولية فيما اذا كان المعنى غير اللفظ سنخا من القسم الاول من الصفات
وفيما اذا كان من سنخ اللفظ كما فى المقام من القسم الثانى من الصفات فيجوز
اتحادهما ذاتا وان اختلفا مفهوما لاعتبارين مختلفين فزيد فى المثال باعتبار كونه
صادرا من لافظه يتصف بالاولى وباعتبار كونه مرادا يتصف بالثانية والحمل صحيح على
كلا الاعتبارين لانه بالاعتبار الاول لفظ وبالاعتبار الثانى لفظ لما عرفت من انه
اذا اتحد سنخ المعنى واللفظ صح الحمل من كل وجه ومما ذكرنا يتضح لك غاية الوضوح
عدم لزوم تركب القضية من جزءين لو سلمنا عدم اعتبار الدلالة لان ذلك انما يلزم لو
كان المعنى المحكى غير الحاكى سنخا فلا يصح الحمل عليه بلا حاكى اما اذا اتحدا فى
السنخية وصح الحمل ولو بلا حكاية لانه بما هو مدلول مثله بما هو دال فى صدق مفهوم
اللفظ عليه فالقضية كاملة الاجزاء هذا غاية ما يمكن ان يقال فى توضيحه وفى النفس
من كون هاتين الصفتين من القسم الثانى شيء والمطلب محتاج الى مزيد التأمل (فافهم فانه لا يخلو
عن دقة) والاحسن هو
الوجه الاول الذى ذكرناه فى المثال فانه سالم عن الاختلال (وعلى هذا) الوجه الذى ذكره المصنف لا الذى ذكرناه يتفرع انه اذا
اطلق اللفظ واريد به شخص نفسه (فليس
من باب استعمال اللفظ بشيء بل يمكن ان يقال انه ليس ايضا من هذا الباب ما اذا اطلق
اللفظ واريد به نوعه او صنفه فانه) حال اطلاقه (فرده) اى فرد نوعه او صنفه (لا لفظه) اى لفظ النوع او الصنف (وذاك) اى النوع او الصنف (معناه كى يكون مستعملا فيه استعمال
اللفظ فى المعنى و) حينئذ ففى هذه الأمثلة التى توهم فيها ثبوت الاستعمال
(يكون
اللفظ نفس الموضوع الملقى الى المخاطب خارجا) بما هو نوع او صنف او فرد منهما (قد احضر) بهذا الالقاء (فى ذهنه) اى المخاطب بذاته (بلا واسطة حاكى وقد حكم عليه ابتداء
بدون واسطة) حاكى (اصلا) لانه بنفسه كما عرفت عين الموضوع (لا لفظه) والموضوع معناه ليتحقق الاستعمال فاتضح لك ان القضية
ذات موضوع بلا لفظ حاكى لا ذات لفظ بلا معنى محكى (كما لا يخفى فلا يكون فى البين لفظ قد
استعمل فى معنى) بل نوع او صنف (او
فرد) احدهما (قد حكم فى القضية
عليه بما هو مصداق لكلى اللفظ لا بما هو خصوص جزئيه نعم فيما اذا اريد به فرد آخر
مثله كان من قبيل استعمال اللفظ فى المعنى) قلت انى لا ارى للتفرقة بين هذين الاطلاقين وجها يمكن
الركون : اليه ولا لصحة الحكم فى القضية بلا واسطة حاك سندا يكون الاعتماد عليه
وستعرف قريبا إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك وقد اراحنا فى الجملة عدول المصنف دام
ظله بنفسه عن الفرق المذكور حيث قال (اللهم إلّا ان يقال ان لفظ ضرب وان كان
فردا له) اى لكلى
النوع او الصنف (إلّا
انه اذا قصد به حكايته) كما يقصد بالالفاظ الموضوعة للمعانى الخارجية حكايتها (وجعل) لفظ الحاكى وهو ضرب (عنوانا له) اى للنوع او الصنف المحكى (ومرآته كان لفظه
المستعمل فيه) وكان النوع او الصنف معناه المراد منه (وكان حينئذ كما اذا قصد به فرد مثله) فى تحقق الاستعمال فيه وبالجملة فكيفية الاطلاق فيه
على نحوين (فاذا
اطلق واريد به نوعه) بحيث يكون (كما
اذا) اطلق (واريد به مثله كان من
باب استعمال اللفظ فى المعنى) ولا باس به (وان كان فردا منه وقد حكم فى القضية بما
يعمه) وهذا نحو من
الاطلاق (وان
اطلق ليحكم عليه بما هو فرد كليه ومصداقه لا بما هو لفظه وبه حكايته فليس من هذا
الباب) اذ لا
استعمال فيه اصلا وهو النحو الثانى منه (لكن الاطلاقات المتعارفة ظاهرا ليست
كذلك) بل من النحو
الاول (كما
لا يخفى وفيها) اى الاطلاقات (ما
لا) يمكن ان يكون
من النحو الثانى ولا (يكاد
يصح ان يراد منه ذلك مما كان الحكم فى القضية)
(لا
يكاد) يمكن ان (يعم شخص اللفظ كما فى
مثل ضرب فعل ماضى) فان شخص ضرب فى هذا التركيب لا يمكن ان يحكم عليه بانه فعل ماض لانه اسم
وقد وقع مبتدا بل التحقيق ان جميع الأمثلة من هذا القبيل بيان ذلك ان القضية
الخبرية تحكى بموضوعها عن الموضوع الواقعى وبمحمولها عن المحمول الواقعى وبنسبتها
عن صدور المحمول عن الموضوع او انطباقه عليه وانتسابه اليه فالحمل فيها يستدعى
تقدم هذه الاشياء لا محالة ومن هنا كانت محتملة للصدق والكذب وقيل انه لا بد للخبر
من نسبة تطابقه أو لا تطابقه فاذا قلت زيد لفظ فان اردت حمل كلى اللفظ على زيد
الصادرة حروفه منك فعلا فهو لا يعقل اذ لم يسبق لكلى اللفظ انتساب اليه وانطباق
عليه فلا واقع له فتحكيه بهذا الحمل وكيف يعقل ان يكون موضوع القضية انشائيا
ومحمولها خبريا مضافا الى انها على هذا التقدير كاذبة ابدا لا يعقل احتمال الصدق
فيها وان اردت حمله على زيد الصادر منك لفظه فى موضع آخر فان كنت حاكيا بهذا اللفظ
له صح الحمل وثبت الاستعمال وان لم تكن حاكيا له كان الحال كما لو حملت القيام وما
ماثله على ذات زيد الخارجية بدون حكايتها فقلت قائم وقصدت ذلك فيلزم تركب القضية
من جزءين لا محاله بل من جزء واحد ولا ينفع الجواب المتقدم فتحقق ان جميع الأمثلة
من واد واحد وان المثال لا يمكن ان يراد به شخص نفس الموضوع الا على الوجه الاول الامر
(الخامس)
من الامور
المذكورة (لا
ريب فى كون الالفاظ موضوعه بازاء معانيها من حيث هى لا من حيث هى مرادة للافظها) اى مستعمل اللفظ فيها (لما عرفت من ان قصد المعنى على) كل نحو من (انحائه من مقومات الاستعمال فلا يكاد
يكون من قيود المستعمل فيه) لانه اذا كان من قيوده فان كان القصد الماخوذ قيدا عين
المقوم للاستعمال لزم الدور لتوقف وجود كل على وجود الآخر وان كان غيره فان لزم فى
الاستعمال قصد المعنى بقيده لزم اشتراط القصد بالقصد وان لزم قصده بنفسه لا بقيده
فان كان ذلك استعمالا فيما وضع له لزم خلاف الفرض وهو المطلوب وان كان فى غيره لزم
المجاز وهو باطل لانفهام المعنى باول استعمال من
دون قرينة هذا ما يتراءى من ظاهر العبارة وفيه ان القصد فى الاستعمال
والمستعمل فيه واحد ويحصل بينهما معا بمجرد حصول الاستعمال ويكون مراد القائل ان
اللفظ وضع للمعنى بشرط ان يقصده المستعمل من اللفظ حال استعمال اللفظ فيه ولا ريب
فى صحته ويمكن ان يكون مراده دام ظله ان الوضع للمعانى المقصودة باطل لاستلزامه
الدور لان القصد لا يتحقق فيها الا باستعمال اللفظ ضرورة ان القيد هو كونها مقصودة
للافظها فيتوقف الوضع على حصول الاستعمال المحصل لقيد المستعمل فيه ومن المعلوم ان
الاستعمال متوقف على الوضع فيدور والظاهر ان مراد القائل بوضعها كذلك معنى آخر
صحيح لا غبار عليه وهو ان الواضع انما وضع الالفاظ للمعانى لتقصد المعانى
باستعمالها فيها فيكون قصدها غاية للوضع لا قيدا للموضوع وهذا معنى حسن لا شك فيه
ولا ينبغى ان يتوهم فى القائل ارادة غير هذا المعنى من هذه العبارة لان قوله
موضوعة للمعانى بما هى مرادة ان حمل على الوضع للمعانى المرادة بغير لفظ فهو لا
يتفوه به من له ادنى مسكة وان حمل على المرادة باللفظ المستعمل فيها فهو كسابقه اذ
لا يخفى على احد استلزام ذلك لاستغناء اللفظ عن الوضع ولا يحتاج الى الزامه بالدور
والحق فى مرامه ما ذكرناه اذ لا ريب ان غرض الواضع من وضع الالفاظ استعمالها فى
المعانى عن قصد فانظر الى نفسك فى وضعك اسماء اولادك تعرف ما الغاية فيه اذا عرفت (هذا) فلا حاجة الى الاطناب بذكر وجوه فساد هذا القول فيذكر (مضافا الى) ما سبق امرين آخرين احدهما (ضرورة صحة الحمل
والاسناد فى الحمل بلا تصرف فى الفاظ الاطراف مع انه لو كانت موضوعة لها بما هى
مرادة لما صح بدونه) وانما كانت صحة الحمل والاسناد كذلك ضرورية (بداهة ان المحمول على
زيد فى زيد قائم والمسند إليه) اى الى زيد (فى ضرب زيد مثلا هو نفس القيام والضرب
لا بما هما مرادان) قلت هذا قد يئول الى المصادرة لانه ان اراد صحة الحمل والاسناد كذلك عنده
حيث يحمل ويسند فذلك لا يجدى نفعا لانه يحمل ويسند على رأيه وان اراد الصحة فى
محاورات العرف قلنا ان الاطراف فى
جميعا مقصوده حملا واسنادا وطريقنا لدعوى الثبوت ظهور الحال ولا طريق له
لدعوى العدم نعم اذا اثبت حملا واسنادا فى المحاورات العرفية مقطوعا بعدم كون
اطرافه مراده سلمنا له تماميته المطلوب وانى له بذلك لا يقال ان كلام من لا شعور
له كله من هذا القبيل مع تحقق الدلالة فيه لانا نقول للقائل ان يجيب بان كلام غير
القاصد لما كان يشبه كلام القاصد بحسب الصورة فيتوهم منه ما يشبه الدلالة وليست
دلالة حقيقيه وضعية هذا مع ما فى عد ضم امثال هذه القيود تصرفا من المسامحة لانها
قيود معنوية لا لفظية فلا ضمها تصرف فى ظاهر الاطراف ولا عدمه سلامة للظاهر (ثانيهما) وهو العمدة ان هذا القائل لم يظهر منه ولم ينقل عنه
مخالفة القوم فى باب اوضاع الالفاظ من حيث العموم والخصوص (مع انه يلزم) على ما ذهب اليه هنا من تقييد المعانى جميعا بالارادة (كون وضع عامة الالفاظ
عاما والموضوع له خاصا لمكان اعتبار خصوص ارادة اللافظين فيما وضع له اللفظ) وهى مصداق مفهوم الارادة فيوجب تشخص المعنى فى الخارج
لا محالة ولا تقل ان التقييد بالمفهوم لا بالمصداق (فانه لا مجال لتوهم اخذ مفهوم الارادة
فيه) اذ المقيد
امر خارجى فلا بد من وجود قيده خارجا والمفهوم بما هو مفهوم لا حظّ له فى ذلك (كما لا يخفى) هذا حال المحمول والمسند (وهكذا الحال فى طرف
الموضوع واما ما حكى عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسى من مصيرهما الى ان
الدلالة تتبع الارادة فليس ناظرا الى) هذا القول وهو (كون الالفاظ موضوعة للمعانى بما هى
مرادة كما توهمه بعض الافاضل بل ناظرا الى ان دلالة الالفاظ على معانيها) ذات جهتين تصورية وهى خطور المعنى فى الذهن بمجرد
سماعه من اى لافظ كان وتصديقيه وهى اذعان النفس بكون مدلول الكلام مرادا للمتكلم
وان هذه الجهة الثانية تابعة للارادة وهذا فى غاية الجودة اذ لا شك ان دلالة
الالفاظ على معانيها (بالدلالة
التصديقية اى دلالتها على كونها مرادة للافظها تتبع ارادتها منها و) من ذلك يعلم انه (يتفرع عليها تبعية مقام الاثبات) وهو حكم السامع بكون المتكلم اراد هذا المعنى من هذا
الكلام لمقام (الثبوت)
وهو كون المتكلم مريدا له (و) يعلم ايضا (تفرع الكشف) بالكلام الظاهر فى كون المعنى مرادا (على الواقع المكشوف
فانه لو لا الثبوت فى الواقع لما كان للاثبات والكشف والدلالة مجال ولذا) اى ولجهة الدلالة التصديقية (لا بد من احراز كون
المتكلم بصدد الإفادة فى اثبات ارادة ما هو ظاهر كلامه ودلالته على الارادة وإلّا) اى وان لم يحرز كونه بصدد الإفادة (لما كانت لكلامه هذه
الدلالة) وهى
التصديقية (وان
كانت له الدلالة التصورية) لان مناطها فى الكلام محرز (وهو كون سماعه موجبا
لاحظار معناه الموضوع له) فى ذهن السامع (وان كان من وراء الجدار او من لافظ بلا
شعور ولا اختيار) (فان
قلت على هذا) الذى ذكرت فى معنى الدلالة التصديقية ولوازمه (يلزم ان لا يكون هناك
دلالة عند الخطاء) فى الكلام الصادر من المتكلم (و) عند (القطع) بما ليس بمراد (و) عند (الاعتقاد بارادة شيء ولم يكن له من
اللفظ مراد) اى نعتقد ان المتكلم اراد شيئا إلّا انه لم يكن ذلك الشيء مرادا له من
هذا اللفظ فلا تكون له على هذه التقادير الدلالة التصديقية وهذا قاض بكون لفظ مراد
فى المتن منصوبا وهو فى نسختى مرفوع وعليه فهو فاعل لم يكن وهى تامة والامر سهل (قلت نعم) هو مسلم وبطلان التالى ممنوع ففى هذا النحو من الكلام
واشباهه (لا
يكون حينئذ دلالة بل يكون هناك) الالتزام بها جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة (ولعمرى) ان (ما
افاده العلمان) ابن (سينا
والطوسى من التبعية على ما بيناه واضح لا محيص عنه ولا يكاد ينقضى تعجبى كيف رضى
المتوهم ان يجعل كلامهما ناظرا الى ما لا ينبغى صدوره عن فاضل فضلا عمن هو علم فى
التحقيق والتدقيق) الامر (السادس
لا وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات) لا يخفى انهم بعد الاتفاق على تحقق الوضع فى المفردات
اختلفوا فى ثبوته للمركبات والسبب فى اختلافهم ما رأوه من ثبوت انواع المجاز فى
المركبات حال استعمال افرادها فى معانيها الحقيقية ومن القواعد المسلمة فيما بينهم
ان المجاز تابع للحقيقة فما ليس له معنى حقيقى لا يمكن ان يكون له معنى مجازى كما
هو شان المتضايفين فذهب بعض الى ثبوته فيها مطلقا وبعض الى عدمه مطلقا وفصل ثالث
بين وضع المواد
والهيئات فنفاه فى الاول واثبته فى الثانى وهو الحق واليه ذهب الاستاد دام
ظله فقال (لا
وجه لتوهم وضع للمركبات غير وضع المفردات) الكافى فى اداء كل مقصود لدى المحاورات (ضرورة عدم الحاجة) حينئذ (اليه بعد وضعها بموادها فى مثل زيد قائم) من الجمل الاسمية (وضرب عمر وبكرا) من الجمل الفعلية وضعا (شخصيا) وبعد وضعها (بهيئاتها المخصوصة) الناشي اختصاصها (من خصوص حركات اعرابها) مثل هيئات الافعال القاضية بكون بعضها ماضيا وآخر
مستقبلا وآخر حالا وكذا الاسماء فاعلا ومفعولا ومبتدأ وهكذا وضعا (نوعيا ومنها) اى ومن الهيئات (خصوص الهيئات) الحالة (فى المركبات) مبتدأ وخبرا وفعلا وفاعلا ومعلوما ومجهولا اخبار او
انشاء وهكذا (الموضوعة
لخصوصيات النسب والاضافات) وهى كل فرد من نوع نسبة فعل الى فاعل او مفعول نائب
منابه او خبر الى مبتدإ (بمزاياها
الخاصة من تأكيد) بالفاظه الموضوعة له (وحصر) كذلك (وغيرهما) من سائر المقومات والمكملات من انواع البديع وضعا (نوعيا) فاذا كانت مواد المفردات والهيئات بقسميها موضوعه اغنى
ذلك قطعا عن وضع مواد المركبات وصحت فيها المجازات لانها انما تكون فى الهيئات (بداهة ان وضعها كذلك
واف بتمام المقصود منها كما لا يخفى من غير حاجة الى وضع آخر لها بجملتها مع
استلزامه الدلالة على المعنى تارة بملاحظة وضع نفسها واخرى بملاحظة وضع مفرداتها
ولعل المراد من العبارات الموهمة لذلك هو وضع الهيئات على حدة) وهو الحق كما عرفت ويؤيده استدلالهم على ذلك بحصول
التجوز فيها مع انه تابع للوضع فان التجوز انما يكون فى الهيئات (لا) ان مرادهم (وضعها بجملتها علاوة على وضع كل منها) (الامر
السابع) من الامور
المذكورة (لا
يخفى ان) القوم ذكروا
لمعرفة المعنى الحقيقى للجاهل بالوضع علامات بها يمتاز عن غيره منها (تبادر المعنى من
اللفظ وانسباقه الى الذهن من نفسه وبلا قرينة) فانه (علامة كونه حقيقة بداهة انه لو لا وضعه
له لما تبادر لا يقال كيف يكون علامة مع) استلزام كونه كذلك للدور الباطل ضرورة (توقفه على العلم بانه
موضوع له كما هو
واضح
فلو كان العلم به) كما هو معنى كون التبادر علامة (موقوفا عليه لدار فانه يقال) فى الجواب العلم (الموقوف عليه) التبادر (غير) العلم (الموقوف عليه) فى التبادر لتغايرهما بالتفصيل والاجمال ان كان
التبادر المجعول علامة هو تبادر نفس المستعلم الجاهل فعلا (فان العلم التفصيلى
بكونه موضوعا) له (موقوف
على التبادر وهو موقوف على العلم الاجمالى الارتكازى) فى خزانة خاطر المستعلم الناشئ عن سبق علم تفصيلى مع
الغفلة عنه لعدم الاستعمال لا العلم التفصيلى فعلا (فلا دور به) قلت انه ان كان تبادر المستعلم حال كونه ملتفتا الى
علمه الاجمالى لم يكن التبادر موجبا للعلم بالوضع وعلامة له وانما هو كاشف عن سبق
العلم التفصيلى به المستند الى غيره وان كان حال كونه غافلا فان كان غافلا حتى عن
التبادر فهو خلاف فرض كونه مستعلما والتبادر علامة له وان كانت هذه الصورة بنفسها صحيحة
واقعة فى الخارج كما ترى الانسان فى اثناء الاعمال الطويلة قد يغفل عن كونه فى عمل
مع صدوره فى حال الغفلة مرتبا كما هو ومن ذلك قلنا بصحة الاعمال المشروطة بالنية
وان غفل فى اثنائها وقلنا بوجوب قصد سورة معينه بالبسملة ثم ذهبنا الى صحة ما لو
جرى على لسانه بسملة وسورة وهو غافل حتى اتمها او فى اثنائها وان كان ملتفتا الى
تبادره كما هو مفروض المسألة لانه مستعلم فالالتفات الى التبادر حينئذ مع الغفلة
عن العلم الاجمالى غير معقول ومع الالتفات يرجع الى الشق الاول وقد عرفت ما فيه (هذا اذا كان المراد
به التبادر عند المستعلم) كما عرفت (واما اذا كان المراد التبادر عند) الغير من (اهل المحاورة فالتغاير اوضح) من ان يخفى لاختلاف العلم الموقوف عليه التبادر مع
الموقوف على التبادر باختلاف العالم (ثم ان هذا فيما لو علم استناد الانسباق
الى نفس اللفظ) لا ريب فيه كما عرفت (واما
فيما احتمل استناده الى قرينة فلا يجدى) على الاصح (اصالة عدم القرينة فى احراز كون
الاستناد) فى التبادر (اليه لا اليها كما
قيل) سواء كانت
اصلا موضوعيا او طريقا (لعدم
الدليل على اعتبارها الا فى احراز المراد لا الاستناد ثم ان) اصالة عدم استناد التبادر الى القرينة لا يجدى ايضا
لانه ان كان الشك فى الاستناد ناشئا عن الشك فى القرينة فهو لا يجرى لحكومة
الاصل الجارى فى السبب عليه وان كان ناشئا عن شيء آخر غير الشك فى القرينة فهو وان
كان مجرى للاصل المذكور ولو مع القطع بوجود القرينة إلّا انه لا يجدى فى هذا الاثر
لانه مثبت كما لا يخفى ومنها (عدم
صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز فى الذهن اجمالا كذلك عن معنى) فانها (تكون علامة كونه حقيقة فيه كما ان صحة
سلبه عنه علامة كونه مجازا فى الجملة (والتفصيل)) فى المقام على وجه يتضح به المرام وتنكشف به ظلمات
الاوهام ويغنيك على اختصاره عما اطنبت به العلماء الاعلام (ان عدم صحة السلب عنه
وصحة الحمل عليه بالحمل الاولى الذاتى وهو حمل هو هو الذى كان ملاكه) ومناطه فى المقام (الاتحاد مفهوما علامة كونه نفس المعنى) كما اذا شككت فى ان الحيوان الناطق معنى حقيقى للفظ
الانسان اولا فان عدم صحة سلب لفظ الانسان بمعناه عنه بان تقول الحيوان الناطق ليس
بانسان وصحة الحمل عليه حملا ذاتيا بان نحذف حرف النفى علامة كون الحيوان الناطق
معنى حقيقيا للفظ الانسان وانه نفس المعنى الموضوع له لا فرد من افراده (وبالحمل الشائع
الصناعى الذى ملاكه الاتحاد وجودا) لا موجودا وهو حمل الكلى على الفرد من حيث تحقق
الطبيعة فيه (بنحو
من انحاء الاتحاد علامة كونه من مصاديقه وافراده الحقيقية) والمثال ما تقدم بابدال موضوع الجملة بلفظ زيد مثلا (كما ان صحة سلبه كذلك
علامة انه ليس منها) لا بما هو هو ولا بما هو فرد من كلى فان قلنا بان اطلاقه عليه حينئذ من
باب المجاز فالامر واضح (وان
لم نقل بان اطلاقه عليه من باب المجاز فى الكلمة بل) قلنا هو (من باب الحقيقة وان التصرف فيه فى امر
عقلى كما صار اليه السكاكى) فلا منافات فيه لما ذكرنا لان نفى الحقيقة الواقعية لا
ينافيه اثبات الحقيقة الادعائية (و) مما ذكرنا فى مسئلة التبادر تعلم ان [استعلام حال اللفظ] من حيث الوضع [وانه حقيقة او مجاز بهما] اى بصحة السلب وعدمها [ليس على وجه دائر] يلزم فيه توقف الشيء على نفسه [لما عرفت] مفصلا [فى التبادر من التغاير بين الموقوف]
فى كل من الطرفين [والموقوف
عليه] من الجانبين [بالاجمال والتفصيل] وقد عرفت ما فيه [والإضافة الى المستعلم والعالم فتأمل
جيدا ثم انه] لا يخفى عليك ان المصنف دام ظله قد ذكر فى المقام فى قبال عدم صحة السلب
التى هى علامة الحقيقة صحته التى هى علامة المجاز ولم يذكر فى التبادر ان تبادر
الغير علامة المجاز ولعل السر واضح لان مطلق تبادر الغير اعم لاحتمال كونه غلطا
وقد تبادر السامع غيره او ضعيف العلاقة وتبادر ما هو اقوى منه فيها لسبقه الى
الذهن او فردا من المشترك قد قل استعماله فيه جدا فتبادر الاشهر استعمالا او فردا
غير شايع من المطلق وقد تبادر الشائع فاذا كان اعم فلا دلالة للعام على الخاص بوجه
(ثم
انه قد ذكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز ايضا) وهو بظاهره غير وجيه (ولعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة فى
المجازات) حكموا بان
عدم الاطراد علامة له (حيث) انه (لا يطرد صحة استعمال اللفظ معها) لاشتراط الاستعمال بشروط مذكورة فى محالها ولا يكفى
فيه تحقق مطلق نوع العلاقة (وإلّا
فبملاحظة خصوص ما يصح معه الاستعمال) من ذلك النوع (فالمجاز مطرد كالحقيقة) فلم تكن العلاقة فارقه فتسقط (وزيادة قيد من غير
تأويل او على وجه الحقيقة) ليكون الاطراد المقيد بذلك علامة كما فعله فى الفصول (وان كان موجبا
لاختصاص الاطراد كذلك بالحقيقة إلّا انه حينئذ) مسقط لها عن كونها علامة بالمرة لوضوح انه (لا تكون) على هذا التقدير (علامة لها الا على وجه دائر) لا مفر عنه (ولا يتاتى التفصى عن الدور بما ذكر فى
التبادر هنا ضرورة انه مع العلم يكون الاستعمال حقيقة لا يبقى مجال استعلام حال
الاستعمال بالاطراد وغيره) لحصول العلم التفصيلى للمستعلم حينئذ وانما دفعنا
الدور هناك بان علمه الموقوف عليه التبادر اجمالى قلت يمكن ان يكون الاطراد وعدمه
علامتين بمعنى آخر وهو ان الجاهل بالوضع المستعلم حال اللفظ بالنسبة الى معنى من
المعانى ينظر الى المحاورات العرفية فاذا راى ذلك اللفظ مستعملا بينهم من كل شخص
فى كل وقت فى ذلك المعنى كان ذلك علامة
كونه حقيقة واذا رآه مستعملا من شخص دون شخص وفى وقت دون آخر كان ذلك علامة
المجاز ضرورة ان ما عليه العرف فى محاوراتهم هو اطراد استعمالهم الالفاظ فى
معانيها الحقيقية واما المعنى المجازى فان علاقته وان كانت اقوى العلائق لا يستعمل
فى كل وقت ومن كل شخص ألا ترى الى قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) فما احسنه من مجاز ومع ذلك لم يطرد على كل لسان وفى كل
زمان وكذلك سائر المجازات والمتتبع للمحاورات يرى هذا المعنى فيما بينهم عيانيا
فان قلت ان اطراده كذلك اما مع القرينة على اطلاقه على هذا المعنى المستعلم فهو
مجاز وبدونها قطعا فهو تبادر يغنى عن النظر الى كونه مطردا اولا او مع الشك فى
القرينة فقد مر ان اصالة عدمها لا اثر لها فى اثبات الوضع فينحصر فى الوجهين
الاولين وقد عرفت حالهما قلت المقصود هو الشق الثالث الا انا نقول اذا اطرد
استعماله الى ان زال الشك عرف فى آن زوال الشك انه حقيقة فظهر ان الاطراد وعدمه
علامتان سالمتان حتى عن توهم لزوم الدور كما فى الاولتين الامر (الثامن) من الامور المذكورة لا يخفى (انه للفظ احوال خمسة
وهى التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والاضمار) هذا بالنسبة الى دوران الامر بينها وبين الحقيقة فانه (لا يكاد يصار الى
احدها فيما اذا دار الامر بينه وبين المعنى الحقيقى إلّا بقرينة صارفة منه اليه
واما) بالنسبة الى
دوران الامر بينها خاصة فهى ستة سادسها التقييد فانه لا يوجب التجوز فى المطلق فلا
يدور الامر بينه وبين المعنى الحقيقى هذا ولا يذهب عليك ان التخصيص كالتقييد عند
المصنف فى عدم لزوم التجوز منه كما سيجىء وهو الحق فلا وجه لذكره خاصة دون التقييد
فان كان بلحاظ مذهب المشهور فهما فيه سواء ايضا اللهم إلّا ان يكون مراده ومراد
غيره من التخصيص ما يعم التقييد ولعل هذا هو الاظهر (فاذا دار الامر بينها) خاصة (فالاصوليون وان ذكروا لترجيح بعضها على
بعض وجوها إلّا انها استحسانية لا اعتبار بها إلّا اذا كانت موجبه لظهور اللفظ فى
المعنى لعدم مساعدة دليل على اعتبارها بدون ذلك كما لا يخفى ولعل نظرهم الى حجية
الظن فى باب الالفاظ فارادوا بيان اسباب
حصوله
لبعد غفلتهم عن ان الترجيح لا يثبت بالمرجحات الاستحسانية فتأمل جيدا) الامر (التاسع) لا يخفى عليك (انه اختلفوا فى ثبوت الحقيقة الشرعية) (وعدمه
على اقوال وقبل الخوض فى تحقيق الحال لا باس بتمهيد مقال وهو ان الوضع التعيينى
كما يحصل بالتصريح بانشائه) القولى بان يقول فى مقام انشاء الوضع وضعت هذا اللفظ
لهذا المعنى (كذلك
يحصل) بانشائه
الفعلى وانما يكون ذلك (باستعمال
اللفظ فى غير ما وضع له) بحيث يكون كما اذا استعمله فيه (وقد وضع له) ولا يكون ذلك إلّا (بان يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه
بنفسه لا بالقرينة وان كان لا بد حينئذ من نصب قرينة إلّا انه) يجب ان يعلم ان القرينة المنصوبة على ثلثه اضرب الاول
القرينة الدالة على ان المقصود بهذا الاستعمال انشأ الوضع الثانى القرينة الدالة
على ان هذا المعنى المستعمل فيه بلا قرينة غير ما وضع له الثالث القرينة الدالة
على ان المراد من هذا اللفظ المعنى الغير الموضوع له فان كانت القرينة المشار
اليها التى حكم المصنف دام ظله بانه لا يد من نصبها هى الاولى فهذا لا شك انه من
التصريح بالوضع غايتها انه بإنشاء فعلى وان كانت هى الثانية اى التى نصبت (للدلالة على ذلك) المعنى الذى عرفته وهو كون المستعمل فيه بلا قرينة غير
ما وضع له فهذه لا دلالة لها على ان الاستعمال انشاء كما كان كذلك فى الاولى و (لا على ارادة المعنى
كما فى) الثالثة وإن
كانت هى الثالثة فهى قرينة (المجاز
فافهم) فان الفرق
بين الضربين الاخيرين لا يخلو عن عن دقة (و) قد ظهر ان ما ذكره دام ظله من ان (كون استعمال اللفظ
فيه كذلك فى غير ما وضع له بلا مراعاة ما اعتبر فى المجاز فلا يكون) متصفا (بحقيقة) لعدم سبق الوضع (ولا بمجاز) لما عرفت (غير ضائر) لا يتجه لان الاستعمال على الوجه الاول مع القرينة
الدالة على كونه انشاء للوضع يكون حقيقة لما عرفت من ان الوضع كما يحصل بالقول
الانشائى يحصل بالفعل الانشائى بل عامة الاوضاع من القسم الثانى ألا ترى الى وضعك
لاسماء اولادك وانك اذا اردت ذلك ناديتهم او خاطبتهم بالاسم الذى تعينه فى نفسك
واما الاستعمال مع القرينة على الوجه الثانى فالظاهر انه كالاول لان الاستعمال فى
غير الموضوع له بلا علاقة ولا قرينة مجاز مع نصب
قرينة تدل على انه وقع كذلك يدل على ان المقصودية الوضع لا يقال ان
الاستعمال كذلك بلا وضع (بعد
ما كان مما يقبله الطبع ولا يستنكره وقد عرفت سابقا انه فى الاستعمالات الشائعة فى
المحاورات ما ليس بحقيقة ولا مجاز) كاطلاق اللفظ وارادة مثله وكذلك فى غير الشائعة
كاطلاقه وارادة نوعه او صنفه يكون اعم من كونه انشاء وضع وعدم كونه كذلك ولا دلالة
للعام على الخاص بوجه لانا نقول ان وجود مثل هذا الاستعمال فى باب اطلاق الالفاظ
وارادة امثالها نوعا او صنفا او فردا لا يجدى اصلا وانما يجدى اذا اطلقت ولو فى
مورد واحد على المعانى الخارجية من الجواهر والاعراض على نحو هذا الاطلاق وانى لك
باثباته ومجرد كونه مما يقبله الطبع لو سلم لا يكون دليلا على الصحة لما عرفت من
انها منوطة بموافقة النهج العربى فى المحاورات ثم ان صدر كلامه ينافى ذيله لانه
صدر الكلام بانه قد يحصل الوضع التعيينى بالاستعمال كما يحصل بالتصريح بالوضع ثم
حكم بان هذا الاستعمال على النهج المذكور ليس بحقيقة ولا بمجاز فان اراد ان الوضع
انما يحصل بعد تكرر الاستعمال كذلك لم يكن الوضع تعيينيا كما افاده سابقا من ان
الاختصاص الحاصل من كثرة الاستعمال تعينى لا تعيينى وهو الحق وان اراد حصوله باول
استعمال فلا وجه لنفى كونه حقيقة لا يقال ان غرضه ان الاستعمال يقع على انحاء ثلثه
تارة بعد الوضع الصريح وتارة فى المعنى المجازى مع القرينة الى ان يبلغ من الشهرة
حدا يستغنى به عنها واخرى فى غير الموضوع له بلا قرينة مجازيه بل بالقرينة التى
عرفتها والاختصاص الحاصل بالنحو الاول وضع تعيينى لا غير وبالنحو الثالث تعينى لا
غير وبالنحو الثانى ليس فيه شرط التجوز فلا يكون مجازا والوضع التعينى منحصر
بالنحو الثالث فالخاص بكثرة الاستعمال على النحو الثانى يكون تعيينيا لا محالة اذ
لا واسطة بين الوضعين (لانا
نقول) قد عرفت
سابقا ما هو الوجه فى تسمية الوضع التعينى بهذا الاسم ومنه تعرف ان ما كان عن كثرة
الاستعمال فهو تعينى مطلقا وقد عرفت هنا فساد كونه لا حقيقة ولا مجازا فتأمل جدا
هذا واما صحة انشاء الوضع بالاستعمال على النحو المذكور مع ان شرط الاستعمال كذلك
سبق الوضع فوجهها واضح لان معنى الشرط
المذكور ان لا يكون بلا وضع اصلا لا ان المقصود هو السبق الزمانى ونظير ذلك
فى الفروع الفقهية كثير كوطي الزوجة المطلقة رجعيا فانه بنفسه رجوع والتصرف المتلف
شرعا او عقلا فى زمن الخيار وفى المنقول بعقد جائر فانه فسخ وهى كثيرة (اذا عرفت هذا فدعوى
الوضع التعيينى فى الالفاظ) المتداولة (فى لسان الشارع هكذا قريبة جدا ومدعى
القطع به غير مجازف قطعا ويدل عليه) امور كثيرة ربما تنتهى الى اثنى عشر ولا يسع التعرض
لها فى المقام (و) اقوى ما يدل عليه الاستقراء والتتبع بالنظر الى حال
ذوى الفنون العلميه والحرف والصناعات البدنية والمالية من الحكماء والاطباء واهل
الهندسة والفقهاء وغيرهم على تشعب الفنون وتعددها وكذا اهل الحرف والصناعات على
اختلاف حرفهم وصناعاتهم فانك تجدهم باجمعهم قد اصطلحوا ووضعوا للمعانى المخصوصة
بفنونهم الدائرة فيما بينهم الفاظا مخصوصة متداولة فى محاوراتهم بحيث لا يكاد يخطر
فى فكرك وهم المجازية فيها فهل ترى ان الشارع الحكيم المرسل كل رسول بلسان قومه
المنشئ خطاباته على نهج تخاطب الناس فى محاوراتهم قد خالفهم فى فنه بما هو شارع
الذى هو اعظم الفنون واشدها احتياجا الى الوضع فاستعمل الالفاظ فى المعانى المختصة
بشريعته مجازا مع ضعف العلائق المجازية فى اكثرها ملحقا كل استعمال بقرينتين صارفة
ومعينه او واحدة جامعة بين الامرين المغنى عن ذلك كله قرينة واحدة ولو حالية مع
استعمال واحد يدلان على الوضع ان هذا الا تشكيك فى البديهيات وتردد فى الضروريات
ولعمرى ان ما ذكرتا اقوى برهان لا اثبات للوضع بالاستحسان فلا تغفل واضعف ما استدل
به دعوى (تبادر
المعانى الشرعية منها فى محاورته) لان اثبات ذلك مستندا الى حاق اللفظ بلا قرينة مقال
ولا شاهد حال اشبه شيء بدعوى المحال (و) مما (يؤيد) ان استعمال الشارع لها على (ذلك) النهج وضعى حقيقى (انه ربما لا يكون علاقة معتبره بين
المعانى الشرعية واللغوية فاى علاقة بين الصلاة شرعا والصلاة بمعنى الدعاء) وبين الحج شرعا والحج بمعنى القصد وبين الزكاة شرعا
والزكاة بمعنى النمو (ومجرد
اشتمال الصلاة على الدعاء) والحج على القصد والزكاة على السببية للنمو (لا يوجب ثبوت ما
يعتبر من علاقة الجزء والكل) او السببية والمسببية (بينهما كما لا يخفى هذا)
(كله
بناء على كون معانيها مستحدثة فى شرعنا واما بناء على كونها ثابته فى الشرائع
السابقة كما هو قضية غير واحد من الآيات مثل قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ كَما كُتِبَ) وقوله
تعالى (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) وقوله
تعالى (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما
دُمْتُ حَيًّا) الى
غير ذلك فالفاظها حقايق لغوية) لثبوتها قبل النبى (ص) (لا
شرعيه) كذا افاد فى
الفصول ووافقه المصنف وفيه اولا انه ان كان استفادة ثبوت هذه الحقائق فى الشرائع
السابقة من مجرد هذا الاطلاق فليستفد من قوله تعالى (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) ثبوتها عند جميع من فى السموات ومن فى الارض حتى الطير
ولا احسب احدا يلتزم بذلك وان كانت من شيء آخر فعلى المدعى اقامة البينة وثانيا ان
الغرض من تحرير هذا العنوان تحقيق ان هذه الالفاظ العربية موضوعة لهذه المعانى
اولا ومن المعلوم انه على تقدير ثبوتها فى تلك الشرائع فهى بلغات أخر من سنخ لغة
النبى (ص) وقومه المبعوث اليهم فى ذلك الوقت فلا بد ان تكون
حكايتها فعلا بهذا اللفظ ان كان الاستعمال على وجه الحقيقة مستندة الى وضع جديد اذ
لا يعقل الوضع السابق لعدم وجود الموضوع وكون المعنى مخترعا فى هذه الشريعة او فى
الشرائع السابقة ليس بمناط للوضع الشرعى المبحوث عنه بل المناط فيه وضع الشارع بما
هو شارع فى هذه الشريعة هذا اللفظ لهذا المعنى المخترع فى اى وقت كان بعد ان كان
معناه الدعاء مثلا فى اللغة وهو حاصل وثالثا لو سلمنا ذلك لكن نقول ان مناط كون
الوضع شرعيا المسلم بين الجميع هو كون الشارع بما هو شارع يضع لفظا لمعنى اخترعه
فى قبال معناه اللغوى وهذا المناط بجميع قيوده موجود وان كان الاختراع من اول هبوط
آدم عليهالسلام الى الارض فما معنى الحكم بكونها على هذا التقدير لغوية
وشيوع كونها بهذا المعنى بين خصوص المتدينين بشريعة من جاء بها لا يوجب ذلك بعد ان
كان المنكرون لدينه اضعافا مضاعفة لا تحصى وكون المقصود بكونها لغوية مساواتها
للمعنى اللغوى فى عدم ترتب الثمرات المذكورة عليه لا يناسب تعليل ذلك كما فى
الفصول وظاهر المصنف بان المراد من اللغوى ما كان قبل النبى
صلىاللهعليهوآله وبالجملة فاصل احتمال ثبوتها فى الشرائع السابقة على
وجه يجعل الاختلاف بينها وبين الثابت فى هذه الشريعة انما هو فى الاجزاء والشرائط
مع ما نرى بالعيان فى زماننا من عدم ثبوت ما يشبهها بين المتدينين بدين من حكى
الله تعالى ثبوتها فى دينه كعيسى عليهالسلام فضلا عنها اذ لو كان لبان فى غاية الضعف ولا يترتب عليه
اثر نعم فى بعض الاخبار اشعار بذلك او دلالة ما وهو غير ضائر بما هو المقصود لو صح
الخبر ومما ذكرنا يظهر لك ما فى قوله دام ظله (واختلاف الشرائع فيها جزء وشرطا لا يوجب
اختلافها فى الحقيقة والماهية اذ لعله كان من قبيل الاختلاف فى المصاديق والمحققات
كاختلافها بحسب الحالات فى شرعنا كما لا يخفى) وفيه مضافا لما عرفته مما تقدم ان الشرط فى الحكم
بكونها لغوية لسبق اختراع معانيها العلم باتحادها ماهية واختلافها مصاديقا مع
الثابت فى هذه الشريعة لا ان القطع بعدم كونها كذلك مانع حتى يكفى احتمال ذلك فيها
فلعلها بمعنى آخر مخترع او غير مخترع مباين لهذا المعنى بالمرة واطلاق اللفظ وحده
لا يكون دليلا على ذلك كما ترى من اطلاقه على صلاة الطير فى قوله تعالى (قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ) مع انه على نهج باقى المذكورات فى الآية العامه لجميع (مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي
الْأَرْضِ) (ثم
لا يذهب عليك انه مع هذا الاحتمال) لا يتغير الحال ولا يتبدل المقال ولا يبطل الاستدلال
نعم لو تم ظهور الآيات وباقى المقدمات فحينئذ (لا مجال لدعوى الوثوق فضلا عن القطع
بكونها حقايق شرعية ولا لتوهم دلالة الوجوه التى ذكروها على ثبوتها لو سلم دلالتها
على الثبوت لولاه) اى لو لا الاحتمال المذكور (ومنه انقدح حال دعوى الوضع التعيينى معه) هذا كله مع النظر الى هذا الاحتمال (و) اما (مع الغض عنه فالانصاف) ان دعوى الوضع مسموعة بل هى عندى كالمقطوع بصحتها و (ان منع حصوله فى زمان
الشارع) فى لسانه
خاصه فضلا عن حصوله (فى
لسانه ولسان تابعيه مكابرة) (نعم) لا يخفى عليك ان المصنف دام ظله عدل عما افاده فى صدر
كلامه فقال (حصوله
فى خصوص لسانه ممنوع) ولعل قوله (فتأمل) اشارة الى بعض ما ذكرنا فتلخص ان
الاصح عندنا هو الوضع التعيينى الحاصل باول استعمال لو لم يكن سابقا عليه (واما الثمرة بين
القولين) فى خصوص
الثبوت وبينهما وبين القول بالنفى (فتظهر فى لزوم حمل الالفاظ الواقعة فى
كلام الشارع بلا قرينة على معانيها اللغوية مع عدم الثبوت وعلى معانيها الشرعية) مطلقا على القول بحصول الوضع التعيينى لها قولا او
فعلا باول استعمال وعليها ايضا (على
القول بالثبوت) لا حملا مطلقا بل (فيما
اذا علم تأخر الاستعمال) عن الوضع وفيما اذا علم تأخر الوضع عنه لا يحمل الا على اللغوى كالقول
بعدم الثبوت (و) اما (فيما اذا جهل التاريخ ففيه اشكال) ينشأ من ان المثبت من الاصول اللفظية حجة ببناء
العقلاء واستقرار السيرة على ذلك فيثبت التأخر (و) من ان خصوص (اصالة تاخر الاستعمال) فى المقام (مع معارضتها باصالة تاخر الوضع لا دليل
على اعتبارها تعبدا الا على القول بالاصل المثبت) ولا دليل على اعتبار الاصل المثبت الا السيرة وبناء
العقلاء كما عرفت ولم تستقر السيرة (ولم يثبت بناء من العقلاء على التاخر
عند الشك) لكن اذا ثبت
التقارن عند الشك بتصالحهما وتوافقهما عليه بعد المعارضة فى تاخر كل من الامرين
احتمل على ما عرفت من رأينا ان يكون مثمرا لما عرفت من صحة تقارن الوضع والاستعمال
فى حال كونه انشاء له بالفعل فتأمل (و) اما (اصالة عدم النقل) فلا تثبت التاخر لانها (انما كانت معتبرة فى ما اذا شك فى اصل
النقل لا فى تاخره فتأمل) اذ لقائل ان يقول ان اصالة عدم النقل كما يثبت بها
تقدم الوضع فيما اذا ثبت بحسب العرف ان الامر للوجوب مثلا وشك فى انه كذلك لغة
اولا اذ من المسلم عندهم اثبات تقدم الوضع للوجوب فى اللغة باصالة عدم النقل يثبت
بها ايضا تاخره والفرق بين الامرين تحكم بحت الامر (العاشر) من الامور المذكورة لا يخفى (انه وقع الخلاف) بين القوم (فى ان الفاظ العبادات) بل والمعاملات على وجه هل هى (اسامى لخصوص الصحيحة
او للاعم منها) وربما استشعر من جعل العنوان كونها اسامى عدم وقوع النزاع الا من
القائلين بثبوت الحقيقة الشرعية بل عدم امكانه على بعض الوجوه (و) الاولى (قبل الخوض فى ذكر) (القولين) ونقل ادلة الطرفين ان (يذكر امور)
خمسة بها يتضح المرام (منها
انه لا شبهه فى تاتى الخلاف على القول بثبوت الحقيقة الشرعية) وترتب ثمراته عليه كما هو واضح (و) لكن (فى جريانه على القول بالعدم اشكال) لانحصار تصويره فى وجه غير صحيح وأخر غير مثمر ولا
فائدة فى التعرض للاول (وغاية
ما يمكن ان يقال فى تصويره) صحيحا وان لم يكن مثمرا (ان النزاع وقع على هذا) التقدير (فى ان الاصل فى هذه الالفاظ المستعملة
مجازا فى كلام الشارع) فى المعانى الشرعية المعهودة لعلاقة بينها وبين المعانى اللغوية (هو استعمالها فى خصوص
الصحيحة) اما لعدم
العلاقة بينها وبين ما يعم الفاسدة او لكون العلاقة فيها اتم منها فى الاعم او
لكون هذا الفرد من الاعم هو المراد المتعلق للاوامر (او) ان الاصل هو (استعمالها فى الاعم بمعنى ان ايهما قد
اعتبرت العلاقة بينه وبين المعانى اللغوية) او رجحت العلاقة الموجودة بينه وبينها على الموجودة فى
غيره او رجح على غيره لمطابقته للمراد فاستعمل اللفظ فيه (ابتداء) (و) بعد ذلك (قد استعمل فى الآخر بتبعه ومناسبته) تنزيلا لفاقد الجزء او الشرط منزلة الواجد لجهات
ستعرفها إن شاء الله تعالى من غير فرق بين ان يكون الآخر هو الاعم او خصوص الفاسد
لان استعماله فى الاعم بما هو اعم من الصحيح والفاسد بعد استعماله فى الصحيح
استعمال فى الفاسد واما استعماله فى الاعم بشرط لا فهو كاستعماله فى الفاسد بشرط
لا خارج عن موضع النزاع على جميع الاقوال والغرض من تحقيق ذلك معرفة ذلك المعنى (كى ينزل كلامه عليه) اذا نقل الينا (مع القرينة الصارفة عن المعانى اللغوية
وعدم قرينة اخرى) معينة للآخر المستعمل فيه (وانت خبير بانه) وان كان هذا التصوير لجريان النزاع فى نفسه صحيحا إلّا
انه معدوم الثمرة اذ (لا
يكاد يصح هذا إلّا اذا علم ان العلاقة) او فردية الصحيح (قد اعتبرت كذلك وان بناء الشارع فى
محاوراته) قد (استقر عند) نصب القرينة الصارفة و (عدم نصب قرينة اخرى) معينة (على ارادته) اى ارادة ذلك المعنى المستعمل فيه (بحيث كان هذا)
الترك منه للقرينة (قرينة
عليه من غير حاجة الى قرينة معينة اخرى) وهذا امر صعب المنال (وانى لهم باثبات ذلك وقد انقدح بما
ذكرنا) ان (تصوير النزاع على ما
نسب الى الباقلانى) من ان الالفاظ لم يتغير معناها وان ما ثبت من الاجزاء والشرائط فهى قيود
للمعنى المطلق وتحريره بالوجه المذكور (وذلك بان يكون النزاع فى ان قضية
القرينة المضبوطة) فى تقييد تلك المطلقات (التى لا يتعدى عنها الا با) لقرينة (الاخرى) وما افادته فى كمية التقييد اذ هى (الدالة على) ما قيد به المطلق من (اجزاء المأمور به وشرائطه) هل هو (تمام الاجزاء والشرائط) بناء على الصحيح (او هما فى الجملة) بناء على الاعم اضعف من تصويره على القول بالمجازية فى
سقوط الثمرة لانتفائها فى الاول موضوعا وانتفائها فى الثانى موضوعا ومحمولا ضرورة
ان العلم بكون القرينة على اى النحوين كانت دون حصوله خرط القتاد ولو سلم حصوله
فتلك القرينة قد كانت متدرجة بحسب الوجود الى زمان الصادقين عليهماالسلام فكيف يترتب على ذلك تنزيل كلام الشارع على ارادة تمام
الاجزاء والشرائط (فلا
تغفل) نعم يمكن
تصويره بنحو آخر وهو ان الشارع هل قيد ذلك المطلق بامر عام لجميع الاجزاء والشرائط
الواقعية وان كان مجملا بحسب الظاهر وكان اظهاره لها تدريجا حسبما تقتضيه المصلحة
فيسقط الاطلاق عن الحجية لانه قيد بالمجمل ظاهرا او قيده بامر مطلق يصدق مع وجود
باقى الاجزاء والشرائط وعدمه فيؤخذ حينئذ بالاطلاق الحاصل من القيد والمقيد
بالنسبة الى الباقى حتى يعلم التقييد وهذا الوجه لا غبار عليه نعم تحصيل العلم
بكونه على اى الوجهين فى غاية الصعوبة وان كان اقل مئونة من الاول (ومنها ان الظاهر ان
الصحة عند الكل) الفقهاء كالصحيح عند الاصوليين ليس لها قدر جامع يعرف ويشار اليه الا
بآثاره كاسقاط القضاء واسقاط التعبد به ثانيا ضرورة انهم لما رأوها مختلفة عند
الشارع حسب اختلاف المقامات فربما حكم بصحة الصلاة وقد شمل منها النقصان ما عدا
بعض الشرائط والاركان كما اذا وقع ذلك سهوا او زادت ولو ضعفها كما لو صلى
المسافر تماما جهلا او غير كيفيتها كذلك مخفتا فى محل الجهر او العكس او
صلى قبل الوقت فدخل عليه قبل السلام او ادرك من وقتها ركعة او صلاها خلف كافر
يعتقد ايمانه او محدث يعتقد طهارته او شك فيها فصححها بالاحتياط وهكذا ومن المعلوم
انه لا يمكن ان يقال ان اجزائها للعامد وللساهى وللجاهل مختلفة المقادير فان
الساهى والجاهل انما نويا ما يعتقد ان لا ما صح لهما عند الجهل والنسيان وليس فى
هذه المقامات ما يدرك العقل انتزاع قدر جامع للصحة منه فلذلك اشاروا الى ذلك
الجامع بآثاره فعرفوها باسقاط القضاء مثلا وانما لم يعرفوها بالاثر الذى عرفها به
المتكلمون لان الفقهاء غرضهم ما يتعلق منها بالفروع والمناسب له من الآثار هذا
ونحوه واما المتكلمون فلما كان غرضهم معرفة ذات الآمر وما يترتب على ذلك من آثارها
من وجوب طاعته وحرمة معصيته من غير فرق فى الامر المطاع بين كونه صوريا او حقيقيا
او ظاهريا او واقعيا لان المناط هو الانقياد وهو فى الكل حاصل فلذا عرفوها بموافقة
امر المولى اذ لا جامع لها عندهم كالفقهاء واما اهل العرف فحيث انهم لا يرون
الكامل من كل شيء الا ما اجتمعت صفاته ولا الصحيح الا ما تمت شروطه واجزائه كان الجامع
عندهم معلوما لعدم اختلافه باختلاف المقامات وهو مفهوم تام الاجزاء والشرائط فصح
ان الصحة مختلفة المعنى بين الطوائف الثلاث ويقابلها الفساد وان احتمال الاتحاد
منحرف عن منهج السداد فما افاده المصنف دام ظله من انها (عند الكل بمعنى واحد
وهو التمامية) (و) ان (تفسيرها
باسقاط القضاء كما عن الفقهاء او بموافقة الشريعة كما عن المتكلمين او غير ذلك
انما هو) تفسير لها (بالمهم من لوازمها
لوضوح اختلافه حسب اختلاف الانظار وهذا لا يوجب تعدد المعنى كما لا يوجبه اختلافها
يحسب الحالات من السفر والحظر والاختيار والاضطرار الى غير ذلك كما لا يخفى) فيه تأمل بل منع كما عرفت نعم يمكن ان تكون عند الكل
بمعنى واحد على وجه ستعرفه فى بيان معنى الصحيح إلّا ان ارادة ذلك المعنى من لفظ
الصحة لا يخلو عن نوع تجوز فلا تغفل (ومنه ينقدح) بل ومما حققنا يتضح (ان الصحة والفساد) باى
معنى كانا (امران
اضافيان) قد تجمعها
جهتان وقد يفترقان (فيختلف
شيء واحد صحة وفسادا بحسب الحالات) واختلاف المقامات (فيكون تاما) ومسقطا للقضاء وموافقا للامر (بحسب حاله وفاسدا) غير نام ولا مسقط للقضاء ولا موافق للامر (بحسب اخرى) وهو واضح (فتدبر جيدا ومنها انه لا بد على كلا القولين
من قدر جامع فى البين) قد (كان) حين وضع تلك الالفاظ (هو المسمى بلفظ كذا) صلاة او غيرها بناء على عموم الموضوع له كالوضع او
مرآة للمسمى بناء على خصوصه وإلّا لزم الاشتراك بين معان لا تحصى او تعدد المعانى
المجازية كذلك وكلاهما كما ترى وتحقيق المقام ان لفظ الصلاة مثلا فى شموله للواجبة
والمندوبة كلفظ السورة فى شمولها للعزيمة وغيرها وفى شمولها لكل من اصناف هذين
النوعين مثلها فى شمولها لاصناف نوعيهما من المكى والمدنى مثلا وفى شمولها
لافرادهما مثلها فى شمولها لكل سورة وفى معناها التى وضعت له من المركب الذى اوله التكبير
وآخره التسليم مثلها فى معناها وهو المركب الذى اوله البسملة وآخره كذا مثلا وفى
انه قد يتخلف ذلك عنها فتطلق على غير ذلك مثلها فى تخلف ذلك عنها كسورة براءة مثلا
والكلام يقع تارة فى حقيقة جنسها واخرى فى حقيقة الفرد اما الاول فاعلم ان حقيقة
الصلاة التى وضع لها هذا اللفظ هو المفهوم المنتزع من الافراد الصحيحة المتحد معها
فى الوجود (و) هو القدر المشترك الذى (لا اشكال فى وجوده بين الافراد الصحيحة) (و) لا ريب (فى امكان الاشارة اليه بخواصه وآثاره) وكفى بذلك معرفا له وكاشفا عنه (فان الاشتراك فى
الاثر كاشف عن الاشتراك فى جامع واحد يؤثر الكل فيه) اى فى ذلك الاثر بمعنى صدوره عن الكل (بذلك الجامع) وعدم امكان معرفة الشيء الا بآثاره غير عزيز (فيصح) حينئذ (تصوير المسمى بلفظ الصلاة مثلا) بما ورد من آثارها شرعا فنسميها (بالناهية عن الفحشاء
او ما) (هو معراج المؤمن
ونحوهما) ككونها قربان
كل تقى او عمود الدين او الخير الموضوع او خير موضوع وغير ذلك فان ظاهر الاخبار بل
صريحها ان هذه اوصاف تلك الطبيعة وآثار ذلك القدر المشترك فيدخل تحت جنسه
كل ما يصدق عليه صلاة او غيرها ويخرج بفصله المعنى الذى ليس له هذه الاوصاف
وهو غير الصلاة الشامل كل ما عداها حتى الفاسد منها وتوضيح المقام انك بعد ما عرفت
من ان المرجع فى معرفة تفصيل هذه الحقائق ومسمياتها انما هو الشارع المقدس لا غير
لان اختراع هذه المعانى وتسميتها بتلك الالفاظ وامره بها ومقدار ما جعله مناطا
لصحتها وفسادها كله بيده واليه فيه المرجع فلا محيص حينئذ من تتبع جميع ما ورد عنه
فى بيان ذلك المعنى المخترع اجزاء وشروطا موضوعا وحكما ثم البناء على ما يتحصل
منها بعد ذلك فنقول ان الشارع قد بين ان تكبيرة الاحرام والقيام والركوع وذكره
والسجود وذكره وهكذا الى التسليم اجزاء واجبه وان الطهارة الحدثية والخبثيه
والاستقبال وهكذا الى آخر الشروط شرائط واجبة وان التكبير هو اول الاجزاء وبه
افتتاح الصلاة وتحريمها وان التسليم هو آخرها وبه اختتامها وتحليلها ثم بين
المندوبات جزء وشرطا حكما وموضوعا ثم حكم على مثل التكبير والركوع والسجود مثلا من
الاجزاء والطهارة والنية من الشروط ان فقد انها وزيادتها عمدا وسهوا مبطل ثم ساوى
بينها وبين باقى الواجبات فى صورة العمد حكما واستثنى صحة الصلاة اذا وقعت سهوا
وعبر عن البطلان تارة بلفظه وتارة باستقبال الصلاة وتارة باستينافها واخرى
باعادتها وعن الصحة فى صورة النسيان تارة بتمت صلاته وتارة بعد قوله للسائل أليس
قد اتممت الركوع والسجود وقوله نعم بلفظ قد اتممت الصلاة واخرى بلا شيء عليه ومرة
بلا تعاد الصلاة الا من خمسة ثم ربما قال فى بيان حقيقتها الصلاة ثلث طهور وثلث
ركوع وثلث سجود وغير ذلك مما هو بمثل مضمونه ثم ان من المعلوم بالاجماع القطعى ان
جميع اجزاء الصلاة واجبة ومندوبة حتى التقييدية منها داخلة فى حقيقة الصلاة وكل
منها يسمى جزء صلاتيا خلافا للمصنف قده كما سيجىء إن شاء الله تعالى كما ان من
المعلوم بالاجماع جواز ترك الاجزاء المندوبة مطلقا فهذه الاخبار مع هذا الاجماع
يدلان بالدلالة الصريحة القطعية على التفصيل بين الاجزاء فى الكفاية والاجزاء
والصدق
والتسمية فحكما بزوالهما وعدم الاجزاء فى الاجزاء الاول وببقائهما والاجزاء
فى الاجزاء الاخيرة وبالكيفية المذكورة بحسب المضمون ورد التعبير فى باقى العبادات
موضوعا وحكما تكليفا ووضعا فيكون المتحصل والنتيجة من هذه المقدمات الصادقة
السالمة من كل خلل ان الصلاة المأمور بها اسم للمركب الجامع لاجزاء لوجئ بها بداعى
الامر تم معناها عند الشارع الذى افتتاحه التكبير واختتامه التسليم ولا نعنى
بالصحيح الا هذا فيشمل جميع افراد الصلاة الصحيحة قلت اجزائها او كثرت وقد صح لك
بما ذكرناه من الجامع ان ما به الامتياز فى الزائد عين ما به الاشتراك لصدق الجامع
على الزائد حقيقة وحمل قوله عليهالسلام تمت صلاته واتممت الصلاة على التمامية حكما لا موضوعا
اعوجاج فى السليقة واختلال فى الطريقة والتزام ان المركب لا بد من زوال اسمه بمجرد
زوال مطلق جزئه لا ارى عليها شاهدا بل فى خصوص هذا المركب شواهد كثيرة من النقل
على خلافه فان الاجزاء الندبية الصلاتية والوجوبية غير الركنية مما صرح النقل كما
عرفت بعدم زواله بزوالها والسر فى ذلك ان المصلحة فى المركب التى قضت بالامر به
لها مراتب ثلاث الاولى هو القدر الذى لو جاء العبد من المركب بالاجزاء الوافية به
حال تمكنه من اتيانها بداعى الامر لم يبق محل للامر بباقى الاجزاء اذ لو امر بها
منضمة الى الاولى لزم بالتكرار تحصيل الحاصل مثلا ان المركب الكذائى دواء لاجل
اسهال الصفرا عبارة عن خمسة اجزاء ولكن لو ركبه من ثلاثة اجزاء مثلا اسهل مقدارا
منها بحيث لم يبق منها ما يقتضى الالزام بتركيب الخمسة جديدا بل لو ركبه ثانيا من
الخمسة وشربه كان مضرا لانه بالثلاثة قد فعل ذلك المقدار من الاثر وبالخمسة يفعل
اثر الخمسة فيكون كما لو ركبه من ثمانية غير مطلوب ابدا الثانية المقدار الذى يفى
به المركب واستحق العبد الدلالة عليه لطفا الثالثة هى مرتبة الكمال من كل وجه
وقالبها الاجزاء المندوبة والمقام من هذا القبيل فان العبد لما جاء بالاجزاء
الوافية بشروطها ناسيا ولم يبق محل لاستيفاء باقيها بالامر به ثانيا فقد جاء
بالصلاة حقيقة وهكذا من جاء بالمركب كملا حال الذكر وكذا باقى الحالات فاجزاء
المركب تتفاوت مقدارا
بحسب تفاوت مقدار المصلحة فان ارادوا هذا المعنى من زوال الاسم فهو مسلم
لكنه غير ضائر وان ارادوا فى المقام غير ذلك فهو ممنوع ولعل مرادهم هو ذلك اذ ربما
قالوا جزء ذكرى وشرط علمى ومن المعلوم ان الوضع كالتكليف لا يعقل اشتراطه بالعلم
لانه دورى وبهذا المعنى يكون معنى الصحة واحدا عند الكل كما اشرنا اليه سابقا فقد
اتضح لك بما ذكرنا تصوير الجامع بنفسه فى الجملة والى هذا الجامع اشارت الاخبار
فوصفته بتلك الاوصاف وان شئت اختصار العبارة فقل هو المركب الذى بدئه التكبير
وختامه التسليم بحيث لو جيء به بداعى الامر سقط الامر واما الثانى وهو حقيقة الفرد
فاعلم ان مشخص افراد هذه الطبيعة فى الوجود الخارجى هو الفاعل الخاص فى المكان
والزمان الخاصين بالكيفية المخصوصة فالظهرية مثلا مفهوما مصنفة وبمصداقها الخارجى
الذى يقع فيه ذلك الصنف مشخصة كما لا يخفى فلم يبق اشكال فى المسألة بحمد الله (و) ما ذكر (من الاشكال فيه بان الجامع لا يكاد يكون
مركبا اذ كل ما فرض جامعا يمكن ان يكون صحيحا وفاسدا من جهتين) مدفوع بما عرفت فانه لا يكون فاسدا اصلا (و) اما ما قيل من انه (لا يكون امرا بسيطا لانه اما ان يكون هو
عنوان المطلوب او ملزوما مساويا للمطلوب) فى مرتبته وان لم يكن بعنوانه كالمحبوب وذى المصلحة
الناهية عن الفحشاء وغير ذلك مما يكون ملزوما للطلب والطلب لازم له (والاول غير معقول
لبداهة استحالة اخذ ما لا يتأتى إلّا من قبل الطلب فى متعلقه لاستلزامه الدور مع
لزوم الترادف بين لفظ الصلاة والمطلوب وعدم جريان البراءة مع الشك فى اجزاء
العبادة وشرائطها لعدم الاجمال حينئذ فى المأمور به فيها وانما الاجمال فيما يتحقق
به وفى مثله لا مجال لها كما حقق فى محله مع ان المشهور القائلين بالصحيح قائلون
بها فى الشك فيها وبهذا) وهو لزوم الترادف وعدم جريان البراءة لا لزوم الدور (يشكل لو كان البسيط
هو ملزوم المطلوب ايضا) فهو (مدفوع) ايضا (بان الجامع) كما عرفت مما ذكره المصنف دام ظله وذكرناه هو (مفهوم واحد منتزع عن
هذه المركبات المختلفة زيادة ونقيصة بحسب اختلاف الحالات)
وقدر مشترك بين جميع الافراد (متحد معها نحو اتحاد) كاتحاد كلى ماء الفرات مثلا وافراده المتشخصة بحسب
تعدد الأمكنة قل او كثر وكاتحاد ساير مفاهيم المركبات مع مصاديقها الخارجية
المختلفة ايضا زيادة ونقيصة (وفى
مثله تجرى البراءة وانما لا تجرى فيما اذا كان المأمور به امرا واحدا) خارجيا مسببا عن مركب مردد بين المتباينين او الاقل
والاكثر كالطهارة المسببة عن الغسل والوضوء فيما اذا شك فى نفسهما او فى اجزائهما (هذا) كله (على القول بالصحيح واما على القول
بالاعم فتصوير الجامع فى غاية الاشكال فما قبل فى تصويره او يقال وجوه احدها) ما افاده المحقق القمى اعلى الله تعالى مقامه (وهو ان يكون عبارة عن
جملة من اجزاء العبادة كالاركان فى الصلاة مثلا وكان الزائد عليها معتبرا فى
المأمور به لا فى المسمى) وفيه على ما هو الظاهر من عبارته (ما لا يخفى فان التسمية
بها حقيقة لا تدور مدارها ضرورة صدق الصلاة مع الاخلال ببعض الاركان منها بل وعدم
الصدق عليها مع الاخلال بسائر الاجزاء والشرائط عند الاعمى مع انه يلزم ان يكون
الاستعمال فيما هو المأمور به وشرائطه مجازا عنده وكان من باب استعمال اللفظ
الموضوع للجزء فى الكل لا من باب اطلاق الكلى على الفرد والجزئى كما هو واضح ولا
يلتزم به القائل بالاعم فافهم) قلت هذا المعنى الذى حمل المصنف كلام المحقق القمى
عليه لا ينبغى ان ينسب الى اصاغر الطلبة فضلا عن ان ينسب اليه وتحقيق مراده هو انه
لما تتبع الاخبار الواردة فى بيان الاجزاء والشرائط ورأى حاصلها كما عرفت آنفا ان
مناط الصدق عند الشارع والتسمية هو الاركان اذ قد صحح الحاوى لها وان فقد جميع
الباقى وافسد الفاقد واحدا منها وان حوى جميع الباقى ورأى ايضا ان الباقى فى صورة
العلم مطلوب ولا تجزى الاركان اصلا منفردة جمع بين ذلك قائلا ان المطلوب ومتعلق
الامر فى الصلاة اولا وبالذات الذى لا بد منه على جميع الاحوال هو القدر المشترك
الذى هو مناط التسمية والصدق عند الشارع الذى يتبعه اللفظ وجودا وعدما وان تعلق
الامر بباقى الاجزاء من باب تعدد المطلوب والطلب فالصلاة ذات الاجزاء مطلوبة
بنفسها
وان تكون بجميع اجزائها فاذا نسى الباقى سقط طلبه وامره المتعلق به ويبقى
ممتثلا بالنسبة الى الآخر وهذا معنى اعتباره فى المأمور به لا فى المسمى فكيف
يحمله المصنف على ذلك ثم يتبعه بذلك الرد ومتى استند القمى الى الصدق العرفى فيها
وكيف يمكن ان يستند الى ذلك مع انهم ليسوا هم المرجع ولا يعرفون ذلك وان اراد
الرجوع اليهم بما هم متشرعه عالمون بحقيقة الصلاة عند الشارع فمن اين ينسب اليهم
صدق الصلاة على الفاقد ركنا مع اطلاعهم على افساد الشارع لها وعدم الصدق على
الحاوى للاركان الفاقد للباقى مع اطلاعهم على قول الشارع تمت صلاته نعم انما يرد
عليه ان الخصوصية المميزة للفرد الصحيح عن الفاسد المشخصة له ان كانت داخلة فى
القدر المشترك لزم خلاف الفرض من كونه غيرها وان كانت خارجة عنه داخله فى الفرد
فان كان كل جزء عنده صلاتيا لزم كون مشخص الفرد الفاسد عين مشخص الفرد الصحيح وان
كان انقص منه اجزاء فيلزم صدور معلولين عن علة واحدة لان الشيء ما لم يتشخص لم
يوجد ولا يتشخص وجود الصحيح والفاسد بمشخص واحد وان لم يكن صلاتيا لزم خرق الاجماع
اولا وعدم دخوله فى المأمور به اذ لم يؤمر الا بالصلاة لا غيرها وهو خلاف الفرض
ثانيا ولو لا تعميمه لفظ الصلاة للصحيح والفاسد لامكن حمله على ما اخترناه فتأمل
جيدا (ثانيها
ان يكون موضوعة لمعظم الاجزاء التى تدور مدارها التسمية عرفا فصدق الاسم كذلك يكشف
عن وجود المسمى وعدم صدقه عن عدمه) ولعل مراد هذا القائل ما هو الاعظم مرتبة على خلاف
ظاهر اللفظ فحينئذ يرجع هذا الى مقالة القمى (وفيه) انه يرد عليه حينئذ ما تقدم جميعا وان اراد ما هو
الظاهر من اللفظ ففيه (مضافا
الى ما ورد على الاول اخيرا) من لزوم المجاز على النحو المتقدم (انه عليه) اى على كون معنى الصلاة هو المعظم الصادق على كل مؤلف
من اكثر هذه الاجزاء يلزم (ان
يتبادل ما هو المعتبر فى المسمى فكان شيء واحد داخلا فيه تارة) اذا تألف المعظم منه (وخارجا عنه اخرى) اذا تألف من غيره (بل) ذا كملت الاجزاء يبقى (مرددا بين ان يكون
هو
الخارج او غيره) ضرورة انه (عند
اجتماع تمام الاجزاء) تكثر مصاديق المعظم حينئذ فلا يدرى ان الجزء الفلانى هو الخارج والمعظم
مؤلف من غيره او هو الداخل والخارج غيره ويجرى هذا التردد فى كل جزء (وهو كما ترى) ولو اراد مفهوم المعظم لم يرد عليه ذلك إلّا انه يرد
عليه لزوم ترادف لفظ الصلاة والمعظم مع ما ورد اخيرا على المحقق القمى ولزوم خروج
ما لا يتوقف عليه صدق المعظم من الاجزاء عن حقيقة الصلاة (سيما اذا لوحظ هذا مع
ما عليه العبادات من الاختلاف الفاحش بحسب الحالات ثالثها ان يكون وضعها كوضع
الاعلام الشخصية كزيد فكما لا يضر فى التسمية فيها تبادل الحالات المختلفة من
الصغر والكبر ونقص بعض الاجزاء وزيادته كذلك فيها وفيه ان الاعلام انما تكون
موضوعة للاشخاص والتشخص انما يكون بالوجود الخاص ويكون الشخص حقيقة باقيا ما دام
وجوده باقيا وان تغيرت عوارضه من الزيادة والنقصان وغيرهما من الحالات والكيفيات
فكما لا يضر اختلافها بالشخص لا يضر اختلافها فى التسمية وهذا بخلاف مثل الفاظ
العبادات مما كانت موضوعة للمركبات والمقيدات ولا يكاد يكون) شيء منها (موضوعا) له ذلك اللفظ (الا ما كان جامعا لشتاتها وحاويا
لمتفرقاتها) كما عرفت فى الصحيح منها على ما تقدم منه ومنا ويمكن ان يقال عليه ان من
المعلوم عقلا ان المفهوم بما هو مفهوم لا يعقل اخذه قيدا لموجود خارجى لعدم وجود
المفهوم الا ذهنا فلفظ زيد الموضوع لشخص الذات الموجودة ان كان المشخص لمعناه من
جوارحه هذه الموجودات الخارجية باعيانها لزم ان يضر بتشخصه وبتسميته تبادل الحالات
بالضرورة وان كان المشخص مفهوم يده مثلا او رجله ليكون تبادله تبادل عين المشخص الى
مشخص آخر ففيه اولا ما قلنا فى المفهوم من عدم معقولية الوجود الخارجى لما لا يوجد
إلّا ذهنا وثانيا انه يلزم تبادل الموجود بتبادل المشخص لانه به يوجد ويدفعه ان
الهيولى انما توجد فى الخارج بصورتها النوعية وتبادل الحالات على الموجود الخارجى
لا يجعله كليا اذ العموم الاحوالى غير العموم الافرادى والذى هو من
خواص ذوات المفهوم هو الثانى لا الاول اذ ما من موجود خارجى وان كان له الف
مشخص الا وله عموم احوالى فان زيدا المشخص فعلا بهذا المشخص الخارجى الجزئى
الحقيقى مطلق بالنسبة الى حالاته من قيام وقعود ونوم ويقظه وغير ذلك (رابعها ان ما وضعت له
الالفاظ ابتداء هو الصحيح التام الواجد لتمام الاجزاء والشرائط إلّا ان العرف
يتسامحون كما هو ديدنهم ويطلقون تلك الالفاظ على الفاقد للبعض تنزيلا له منزلة
الواجد فلا يكون مجازا فى الكلمة على ما ذهب اليه السكاكى فى الاستعارة بل يمكن
دعوى صيرورته حقيقة فيه بعد الاستعمال فيه كذلك دفعه او دفعات من دون حاجة الى
الكثرة والشهرة للانس الحاصل من جهة المشابهة فى الصورة او المشاركة فى التاثير
كما فى اسامى المعاجين الموضوعة ابتداء لخصوص مركبات واجدة لاجزاء خاصه حيث يصح
اطلاقها على الفاقد لبعض الاجزاء المشابه له صورة والمشارك فى المهم اثرا تنزيلا
او حقيقة وفيه) ان هذا اعتراف بوضعها للصحيح وادعاء انها فى الفاسد حقيقة ادعائية او
حقيقة تعينية بعد الاستعمال مجازا واين هذا من تصوير الجامع بين المعنيين مضافا
الى انه لم ينكر احد استعمالها فى الفاسد بل وكثرته إلّا ان بلوغه الى الحد
المذكور غير مسلم ولو سلمناه لا يضر فيما نحن بصدده هذا واما ما اجاب به المصنف من
(انه
انما يتم) فيما اذا كان
المعنى الصحيح مضبوطا مستقيما على طريقة واحدة لا تختلف عليه الحالات ولا تتعاور
عليه صفة الصحة والفساد باختلاف النسب والاضافات كما (فى مثل اسامى
المعاجين وسائر المركبات الخارجية مما يكون الموضوع فيها ابتداء مركبا خاصا ولا
يكاد يتم فى مثل العبادات التى عرفت ان الصحيح منها يختلف حسب اختلاف الحالات) الموجب (لكون الصحيح بحسب حاله فاسدا بحسب حاله
اخرى كما لا يخفى) انما يتم لو لم يلتزم هذا القائل بكون ما عدا صلاة المختار من جميع
الافراد حكمه حكم الفاسد بحسب الاستعمال وان كان صحيحا من هذا الفاعل الخاص او ان
يريد الفاسد من كل صلاة بالنسبة الى صحيحه اذ لو اراد ذلك لم يتجه عليه ما افاده (فتأمل جيدا خامسها ان
يكون حالها حال اسامى المقادير والاوزان
مثل
المثقال والحقه والوزنة الى غير ذلك مما لا شبهة فى كونها حقيقة فى الزائد والناقص
فى الجملة فان الواضع وان لاحظ مقدارا خاصا إلّا انه لم يضع له بخصوصه بل للاعم
منه ومن الزائد والناقص او انه وان خص به اولا إلّا انه بالاستعمال كثيرا فيها
لعناية انه منه قد صار حقيقة فى الاعم ثانيا وفيه) ان الاشكال انما هو فى تصوير الجامع فى المقام واين
هذا منه مضافا الى ما فى دعوى الوضع للاعم فى الاوزان فانها ركيكة جدا ولتسامح
الناس فيما يوزن من غير ذوات القيم العالية تسامحوا فى مقدار الموزون به اطلاقا
وخارجا واما فى ذوات القيم كالجواهر والذهب والفضة فلو نقص الوزن جنح البعوضة
سلبوا المعنى الحقيقى عنه ولم يقبلوا الوزن به واما ما افاده المصنف فى رده من (ان الصحيح كما عرفت
فى الوجه السابق يختلف زيادة ونقيصه فلا يكون هناك ما يلحظ الزائد والناقص بالقياس) اليه والحمل لنظيره (عليه كى يوضع اللفظ لما هو اعم) ففيه ما تقدم فى سابقه (فتدبر جيدا) ويمكن ارجاع جميع هذه الوجوه ما عدا الاخيرين الى معنى
واحد ورجوع هذا المعنى الى ما ذكرناه لو لا ضم تقييدها بكونها بداعى الامر (ومنها ان يكون الوضع
والموضوع له فى الفاظ العبادات عامين) (واحتمال
كون الموضوع له خاصا بعيد جدا) بل ممنوع لقوله عليه الصلاة والسلام الصلاة ثلاثة
اثلاث ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود فانه كالصريح فى انه وصف للطبيعة المفروضة
وإلّا لزم خروج جملة كثيرة من افراد الصحيح مما ليس فيه ركوع او سجود او كلاهما مع
إباء اللفظ عنه توضيح ذلك انه لو كان المراد ان كل فرد من افراد الصلاة المتشخصة
فى الوجود بمشخص كذا لو جاء به المكلف ثلثه اثلاث لزم خروج صلاة من لا يقدر على
الركوع او السجود او كليهما عن ذلك مع صحتها لان شمول العام لجميع افراده فى عرض
واحد لا ترتب فيه اما لو كان المراد ان الصلاة طبيعة موصوفه بذلك بما هى ومن حيث
هى فلا ينافى ذلك صحة الخالى وكونه صلاة ايضا لاسقاط العذر ذلك عن الماهية فهى
بحسب الماهية كذا ما لم يسقط بعض اثلاثها لعذر وهذا لا يتاتى على التقدير الاول
يعد ما كانت الافراد فى عرض واحد فى شمول العام لها فالتعريف
على الاول فى الرواية جامع مانع بخلافه على الثانى اللهم إلّا ان يقال ان
الخالى صلاة حكما لا موضوعا وهو كما ترى فتدبر فانه لا يخلو عن دقة واما استبعاد
ذلك (لاستلزامه
كون استعماله فى الجامع فى مثل الصلاة تنهى عن الفحشاء والصلاة معراج المؤمن وعمود
الدين والصوم جنة من النار مجازا او منع استعمالها فيه وكل منها بعيد الى الغاية
كما لا يخفى على اولى النهاية) فليس بشيء اذ لا ريب فى عموم لفظ الصلاة فيه لكل فرد
اما لان المفرد المعرف يفيد العموم او للاطلاق وقرينة الحكمة ولا مانع عن كون
المذكورات اوصافا لكل فرد اذ ليس فى الفرد جزء خارج عن الماهية ليحصل الفرق بين
كونه وصفا للماهية او للفرد ولان ارادة الفرد من حيث تحقق الماهية فيه عين ارادة
الماهية فلا تكون هذه الروايات شاهدا على استعمالها فى الجامع كما لا يخفى نعم ذلك
لا يمكن فى الرواية التى ذكرناها ومنها يعلم عدم امكان منع الاستعمال واما استلزام
المجازية فهو حق لا محيص لهم عنه وما يظهر منه استعمالها فى الطبيعة اكثر مما يظهر
منه استعمالها فى الفرد خصوصا فى كلام النبى (ص) كما لا يخفى على المتتبع فسقطت
على ذلك ثمرة النزاع فى ثبوت الحقيقة الشرعية لانها مهما وردت فى كلامهم مستعمله
فى الطبيعة فهى مجاز وذلك عين القول بالنفى بحسب الثمرة اذ ما به تظهر الثمرة
كالمعدوم وهذا مضافا الى ان الالتزام بكونها مجازا عن المعنى الشرعى ليس باولى من
الالتزام بمجازيتها حينئذ عن المعنى اللغوى بل لعل قول الباقلانى ارجح من الجميع
على هذا التقدير لعدم لزوم مجاز فيه ابدا (ومنها) ما قيل من (ان ثمرة النزاع اجمال الخطاب على القول
الصحيحى) (وعدم جواز الرجوع الى
اطلاقه فى رفع الشك فيما اذا شك فى جزئية شيء للمامور به او شرطيته اصلا وجواز
الرجوع اليه فى ذلك على القول الاعمى فى غير ما احتمل دخوله) فى نفس القدر المشترك الاعم من الاجزاء التى على تقدير
دخولها (فيه) تكون مقومة له فيتبعها وجودا وعدما فيكون بالنسبة الى
مثل هذا المشكوك مجملا كما هو عند الصحيحى اما فى غير ذلك (مما شك فى جزئيته او
شرطيته) فيرجع الى
الاطلاق وبه تظهر التمرة بين القولين نعم لا يتحقق الاطلاق ويكون
مرجعا إلّا بشروط (فلا
بد فى الرجوع اليه فيما ذكر من) ملاحظتها مثل (كونه واردا مورد البيان) وغير ذلك من مقدمات الحكمة (كما لا بد منه فى
الرجوع الى سائر المطلقات وبدونه لا مرجع ايضا) من الاصول اللفظية ولا ملجأ غيرها (الا) الاصول العملية وهى (البراءة والاشتغال على الخلاف فى مسئلة
دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين) هذا ما قيل فى بيان هذه الثمرة ولقائل ان يقول ان
الصحيحى ايضا يرجع الى الاطلاق فى غير الاجزاء التى جعلها الشارع مناط الصدق وحكم
بتبعية الاسم لها وجودا وعدما وهى الاركان من سائر الاجزاء الباقية لصدق الجامع
الذى ذكرناه على المركب الخالى منها اذا امكن قصد القرية فيه كما فى حال السهو
واما فى حال العمد فالفساد يستند الى عدم هذا القصد لا الى نقص ذلك الجزء او
اليهما معا كما ان الصحة حال العمد ايضا مستندها وجودهما معا إلّا ان الفرق ان نقص
الاجزاء وحدها قد لا يضر ونقص القصد وحده مضر دائما وهذا المعنى هو الذى استفدناه
من مجموع اخبار الباب وبعد امكان الصدق وتحققه فمع الشك فى غير هذا السنخ يرجع الى
الاطلاق اذا شك فى جزئيته او شرطيته مع القطع بعدم ركنيته ويؤيد ذلك ما حكاه بعض
الاجلاء المتبحرين عن بعض سادات مشايخه المعاصرين انه حكى اطباق الفقهاء على
التمسك فى ابواب العبادات باطلاقاتها حتى قال فالصحيحيون من هذه الجهة اعميون وجعل
ذلك دليلا على كونها للاعم وقد عرفت انه لا منافات اصلا فسقطت الثمرة من هذه الجهة
بين القولين واما الرجوع الى البراءة والاشتغال فقد قيل انه جار على القولين ايضا
وبه جزم المصنف فلذا قال ايده الله تعالى (وقد انقدح بذلك ان الرجوع الى البراءة
او الاشتغال فى موارد اجمال الخطاب او اهماله) يجرى (على القولين فلا وجه لجعل الثمرة هو
الرجوع الى البراءة على الاعم والاشتغال على الصحيح ولذا ذهب المشهور الى البراءة
مع ذهابهم الى الصحيح) قلت لعل الوجه فيه ظاهر وذلك لان مراد من جعل الثمرة ذلك انه بناء على ان
القائل بالصحيح يجعل كل جزء من اجزاء المركب من المقومات التى ينتفى المركب
بانتفاء واحد منها كما هو ظاهر كلام القائلين
وصريح جملة منهم وان لفظ الصلاة قد صار هو متعلق الامر وان من المعلوم ان
اجزاء الصلاة باجمعها قد بينت وان خفى بعضها علينا فالشك فى جزئيته شيء او شرطيته
يوجب الشك فى الصدق قطعا فمن هذه الجهة لا بد من الاحتياط ولذا كان من المسلم انه
لو شك فى جزئية شيء مع احتمال ركنيته لا يرجع الاعمى فيه الى الاصل اللفظى وهو
الاطلاق فضلا عن العملى وهو البراءة لان الشك فيه عنده شك فى القدر المشترك الذى
جعله جامعا فيكون حينئذ شكا فى الصدق مع ان الاعمى اوسع دائرة من الصحيحى لوجود
المرجعين عنده فكيف بالصحيحى وقد جعل كل جزء ركنا من المركب فمن هذه الجهة لا يمكن
إلّا الرجوع الى الاحتياط واما ذهابهم الى البراءة مع القول بالصحيح فذاك لجهة
اخرى وهى ما اشرنا اليه آنفا من انه لما نظروا الى الاخبار الواردة فى بيان تمام
اجزاء الصلاة ورأوا ان الصلاة تصدق عند الشارع بالاتيان بالاركان وان عم باقى
اجزائها النقصان كقوله تمت صلاته وغير ذلك جزموا بانه مع الشك فى باقى الاجزاء
يرجع الى البراءة لحصول المصداق شرعا ولا اظن واحدا منهم بل ولا من الأعمّيّين
يرجع الى اصل لفظى او عملى غير الاحتياط فيما اذا شك فى الجزئية مع احتمال الركنية
ولذا قيد المصنف الجزء الذى يرجع فيه الى البراءة بما لا يحتمل دخوله فيه كما عرفت
وانما اطلقوا القول بالرجوع الى البراءة فى المشكوك من الاجزاء للقطع الحاصل لهم
بل ولكل متتبع بان اركان الصلاة باجمعها قد وصلت ولم يبق منها شيء مجهول فاذا شك
فى جزء او شرط فهو من غيرها فجعل الثمرة هى الاحتياط من تلك الجهة لا ينافى الذهاب
الى البراءة من هذه الجهة كما لا يخفى فحكمهم بالاحتياط وجعله هنا ثمرة انما هو
بالنظر الى ما يقتضيه المركب من حيث هو وبالبراءة هناك بالنظر الى الادلة الشارحة
حال هذا المركب فتأمل سالكا منهج الرشاد والسداد ولا تأخذك العصبية والعناد فانك
ان فعلت ذلك وقعت فى شرك المهالك هذا (وربما قيل بظهور الثمرة فى النذر ايضا) فان قلت اى ثمرة تظهر فى ذلك فانه ان تعلق النذر بوقوع
الصورة برء على القولين اذا اعطى لمطلق من صلى ولو فاسدة واذا تعلق بوقوعها صحيحة
لم يبرئ
حتى يعلم الصحة ولو بطريق شرعى (قلت) الحال فى ما ذكرت (وان كان) كذلك إلّا انه (يظهر فيما لو نذر لمن صلى اعطاء درهم) وشك فيما قصده او علم ان قصده تعلق بمن اوقع مصداق
الصلاة خارجا فان الثمرة فى ذلك تتحقق (فى البرء فيما لو اعطاه لمن صلى ولو علم
بفساد صلاته) المستند (لاخلاله
بما لا يعتبر فى) صدق (الاسم) كغير الاركان على الاعم (و) فى (عدم
البرء على الصحيح) لانه على الاول قد اوقع حقيقة الصلاة فى الخارج بخلافه على الثانى (إلّا انه) مع ذلك (ليس) هذا (بثمرة لمثل هذه المسألة لما عرفت) فى اول الكتاب (من ان ثمرة المسألة الأصولية ان تكون
نتيجتها واقعة فى طريق استنباط الاحكام الفرعية فافهم) ولا تتوهم ان جواز اعطاء الناذر فى هذا المثال وصحته
وحصول البرء به وعدمه حكم تكليفى فرعى قد استنبط من نتيجة هذه المسألة لان
المستنبط هو الموضوع لا الحكم والحكم مستنبط من ادلة النذر ووجوب الوفاء وحصوله
اذا تحقق الموضوع ووفى بنذره معلوم من حكم العقل فليس هنا حكم فرعى ولا عقلى
مستنبط فى المقام (وكيف
كان فقد استدل للصحيحى
بوجوه احدها التبادر ودعوى) المستدل به (ان المنسبق الى الاذهان منها هو الصحيح
ولا منافات بين دعوى ذلك وبين كون الالفاظ على هذا القول مجملات فان المنافاة انما
تكون فيما اذا لم تكن معانيها على هذا) التقدير (مبينة وقد عرفت كونها مبينة بغير وجه) نفسها وذلك هو وجه آثارها واوصافها كما عرفت سابقا من
ان المعنى قد لا يعرف بنفسه ويعرف باوصافه وآثاره وهو كونها ناهية وقربان وغير ذلك
وفيه ان هذا الذى يتوهم انه تبادر انما هو مدلول هذه الاوصاف بالدلالة الالتزامية
البينة ولا يعقل تبادر المعنى المجمل بصفة واضحة كالصحة بل هو من اجتماع
المتناقضين ومثله ما لو اشير اليه بخواص لا تدل على ذلك كما لو قلنا الصلاة مظهر
العبودية او الجامعة لاكثر مظاهر العبودية كما وصفت فى الاخبار بهذا المضمون فيما
ورد فى اسرار الصلاة نعم وصفها بالآثار التى لا تكون إلّا اذا صحت يدل على انها
المعنى الصحيح إلّا ان ذلك ليس من التبادر فى شيء بل هو عين الدليل الثالث كما لا
يخفى (ثانيها
صحة السلب عن الفاسد بسبب الاخلال ببعض
اجزائه
او
شرائطه بالمداقة) وتجريد النظر عن قوة المشابهة بينهما الموجبة فى بادئ النظر لتساويهما فى
ذلك فيصح السلب مع قطع النظر عن ذلك (وان صح الاطلاق بالعناية) المذكورة وهى علاقة المشابهة فى الصورة (ثالثها الاخبار
الظاهرة
فى اثبات بعض الخواص والآثار للمسميات مثل الصلاة عمود الدين او معراج المؤمن
والصوم جنة من النار الى غير ذلك او الاخبار الظاهرة فى نفى ماهيتها وطبائعها مثل
لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب ونحوه) كلا صلاة إلّا بطهور وغير ذلك (مما كان ظاهرا فى نفى
الحقيقة بمجرد فقد ما يعتبر فى الصحة) كلا او بعضا (شطرا او شرطا) (و) احتمال (ارادة خصوص الصحيح من الطائفة الثانية
لشيوع استعمال هذا التركيب فى نفى مثل الصحة او الكمال خلاف الظاهر لا يصار اليه
مع عدم نصب قرينة عليه واستعمال هذا التركيب فى نفى الصفة ممكن المنع حتى فى مثل
لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد مما يعلم ان المورد نفى الكمال بدعوى استعماله
فى نفى الحقيقة فى مثله ايضا بنحو من العناية لا على الحقيقة وإلّا لما دل على
المبالغة فافهم) وفى حاشية للمصنف على قوله فافهم ما نصه اشارة الى ان الاخبار المثبتة
للآثار وان كانت ظاهرة فى ذلك لمكان اصالة الحقيقة ولازم ذلك كون الموضوع للاسماء
هو الصحيح ضرورة اختصاص تلك الآثار به إلّا انه لا يثبت باصالتها كما لا يخفى
لاجرائها العقلاء فى اثبات المراد لا فى انه على نحو الحقيقة او المجاز فتأمل جيدا
انتهى كلامه دام ظله وفيه اولا ان كون هذه الاخبار ظاهرة فى اثبات الآثار للمعانى
الصحيحة كما فى الطائفة الاولى وفى نفى الحقيقة كما فى الطائفة الثانية مما لا
يقبل الانكار كما اعترف به بل ما استعمل هذا التركيب الا فى نفى الحقيقة اما مجازا
كما فى التركيب الاخير او حقيقة كما فى الاولين وهذا الظهور انما يستند الى الوضع
لا الى اصالة الحقيقة وانما هى مرجع عند الشك الناشئ من معارض يرفع هذا الظهور فيعمل
بها فى اثبات المراد فقوله وان كانت ظاهرة لمكان اصالة الحقيقة لم اعرف وجهه ولو
كان مأخذ الظهور ومنشؤه فيما له الظهور هو اصالة الحقيقة لم يكن
التبادر من علائم الوضع كما لا يخفى وثانيا انا لو سلمنا سقوط الظهور فى
التركيب المذكور لشهرة استعماله فى نفى الصفة كما ادعى فما اسقط ظهور الطائفة
الاولى بل صراحتها فى ان تلك المعانى الموصوفة بهذه الصفات هى الصحيحة فيتم
المطلوب بمقدمتين برهانيتين الاولى ان هذه الالفاظ موضوعة للمعنى المخترع وقد عرفت
دليله الثانية ان المعنى المخترع هو الصحيح وبرهانه هذه الاخبار واثبات كون
الموضوع هو الصحيح غير اثبات اصل الوضع للصحيح ولعله اشار بالتامل الى ذلك واعلم
انه لا خصوصية للفظ الصلاة فى هذا التركيب بل كلما استعمل فيه هذا التركيب كان من
نفى الحقيقة ولو مجازا تنزيلا لذهاب صفة الكمال منزلة ذهاب الجزء المقوم الذى
ينتفى الكل بانتفائه ولذا كان فى مقام المجازية فى غاية البلاغة لبيان ترغيب العبد
وحثه على العمل فان الذى يزعجه ويسوقه الى العمل نفى الحقيقة لا نفى الكمال فحملها
على ذلك قصور عن معرفة مواقع المقال (رابعها دعوى القطع)
(بان
طريقة دعوى القطع) الحاصل من الاستقراء (بان طريقة) المخترعين للمركبات على اختلاف اصنافها (الواضعين) لها الفاظا مخصوصة (وديدنهم) عند الوضع هو (وضع الالفاظ للمركبات التامة كما هو
قضية الحكمة الداعية له) وهى الحاجة الى التفهيم والتفهم (والحاجة وان دعت احيانا الى استعمالها
فى الناقص ايضا إلّا انه لا يقتضى ان يكون) الاستعمال (بنحو الحقيقة ولو كان مسامحة تنزيلا
للفاقد منزلة الواجد والظاهر) بل هو كالمقطوع به (ان الشارع غير متخطئ عن هذه الطريقة ولا
يخفى ان هذه الدعوى وان كانت) عند المصنف (غير بعيدة) ولا موثوق بصحتها (إلّا انها) عندى غير (قابلة للمنع) اصلا (فتأمل جيدا) هذا كله فى الكلام على ادلة الصحيحى (وقد استدل للاعمى
ايضا بوجوه) (منها
تبادر الاعم) (وفيه
انه قد عرفت الاشكال فى تصوير الجامع الذى لا بد منه) اذ هو الاعم المدعى تبادره (فكيف يصح معه دعوى
التبادر) (ومنها عدم صحة السلب
عن الفاسد) (وفيه منع لما عرفت) من صحة السلب ومما دل على ما يقتضى صحة السلب (ومنها صحة التقسيم
الى الصحيح والسقيم وفيه انه انما يشهد على
انها
للاعم لو لم تكن هناك دلالة على كونها موضوعة للصحيح وقد عرفتها فلا بد ان يكون
التقسيم بملاحظة ما يستعمل فيه اللفظ ولو بالعناية) لا يقال قوله عليه الصلاة والسلام الصلاة عمود الدين
ان قبلت قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها فيه دلالة تامة للاعمى اذ المذكور فى
ذيله لا يعقل ان يكون تفصيلا فى الصلاة الصحيحة ولا يتاتى فى ذلك الجواب بانه
بملاحظة المستعمل فيه لظهور الرواية جدا فى ان العمودية من اوصاف المعنى الحقيقى
فيثبت المطلوب لانا نقول ان وصف العمودية كباقى الاوصاف من خواص المعنى الصحيح
قطعا وليس المعنى ان صورة الصلاة صحيحة او فاسدة عمود الدين فى الدنيا واما فى
الآخرة ففيها التفصيل المذكور بل المعنى ان الصلاة المشروعة المأمور بها التى هى
حقيقة اللطف بالمكلف بالنسبة الى باقى الاعمال الدينية كالعمود والخيمة التى
يحملها العمود فان اقام العبد هذا العمود حمل له خيمة الاعمال الباقية واستظل بها
وان لم يقمه بان جاء به مسلوبة عنه صفة العمودية لم تنفعه الخيمة للاستظلال فيكون
القبول كناية عن تحقق عنوان كونها صلاة والرد كناية عن عدم كونها صلاة لا عن كونها
صلاة فاسدة وهذا حث للعبد وترغيب له على اقامة الصلاة بحدودها والاعتناء بها وعدم
الاستهانة بقدرها ليدخل تحت عنوان المقيمين الصلاة لا فى مقام اخبار العبد بان هذه
الصورة وان كانت فاسدة مجزية فى الدنيا نعم يحتمل ان يكون ذلك تفصيلا فى الصلاة
الصحيحة وبيان ان الصلاة الصحيحة هى عمود الدين فاذا اقيمت بحدودها وشرائطها قبلت
فى الآخرة وترتب عليها آثار العمودية وان لم تقم كذلك لم تقبل ولم يترتب عليها
الاثر وهذه مرتبة اخرى للصلاة غير صحتها المسقطة للتكليف فيكون ذلك حثا للعبد على
شدة الاحتياط فى امرها فان القبول وعدم القبول فى الآخرة لا يتبعان الاجزاء وعدم
الاجزاء فى الدنيا فرب صلاة مسقطه للامر غير مقبولة ولو كان الشأن انه لا يجزى الا
ما يقبل لزم التخصيص بالاكثر بل مورد التلازم بالنسبة الى عدمه اقل القليل فصفة
العمودية وعدمها هى صفة القبول وعدمه لترتب قبول سائر الاعمال على قبولها فتكون
عمودا وعدم قبوله على عدم قبولها فلا تكون عمودا وبمضمون هذا اخبار كثيرة معتبرة
فتحصل ان للرواية معانى ثلثه لا يخفى فساد اولها ولعل الثالث اظهر الاخيرين
ولكن المطلوب تام على التقديرين ولم اجد احدا تعرض لهذه الرواية فى المقام وانما
تعرضنا لها مخافة ان يظفر بها بعض القاصرين بحسب الافهام فيصول على الصحيحى
بعمودها ولا يدرى انه لم يملك اضعف عودها (ومنها استعمال الصلاة وغيرها فى غير
واحد من الاخبار فى الفاسدة كقوله
عليه الصلاة والسلام بنى الاسلام على خمس الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية
ولم يناد احد بشىء كما نودى بالولاية فاخذ الناس باربع وتركوا هذه فلو ان احدا صام
نهاره وقام ليله ومات بغير ولاية لم يقبل له صوم ولا صلاة) ودلالتها واضحة (فان الاخذ بالاربع لا يكون) ولا يتحقق (بناء على بطلان عبادة تاركى الولاية
إلّا اذا كانت اسامى للاعم) وفيه انا لا نسلم بطلان عبادة هؤلاء بمعنى لزوم
الاعادة عليهم او القضاء مع تأديتها جامعة للشرائط على مذهبهم ولذا ذهبوا الا من
شذ منهم الى عدم لزوم ذلك لو أمنوا واستفاضت به الاخبار واحتمال ان حال سقوط ذلك
عنهم حال سقوطه عن الكافر مدفوع بما فى بعض الروايات من استثناء الزكاة فيجب
اداتها جديدا معللا ذلك بانه وضعها فى غير موضعها من اهل الولاية المستفاد منه وضع
ما عدا الزكاة فى موضعه بحسب التكليف الفعلى ولذا لو اداها فاسدة على مذهبه وجب
عليه قضائها بعد الايمان ولو كان كالكافر لسقطت ايضا عنه نعم بطلانها بمعنى عدم
القبول فى الآخرة مسلم ولا ينفع المستدل اذ الكلام فى انها موضوعة للصحيح المسقط
للامر لا للصحيح الموجب للقبول والاجر وإلّا لزم التخصيص الذى يكاد ان يكون
مستوعبا فلم يستعمل فى هذه الفقرات الا فى الصحيح وبالجملة فالاسلام شرط فيما
يترتب مما به الانتظام فى الدنيا والايمان شرط فيما يترتب مما به الاعتصام فى
الآخرة والولاية من اصول الايمان بالمعنى الاخص لا من اصول الاسلام بالمعنى الاعم
هذا مضافا الى ما سيأتى من المصنف إن شاء الله تعالى (و) من الاخبار (قوله عليه السلم للحائض دعى الصلاة ايام
اقرائك ضرورة انه لو لم يكن المراد منها الفاسدة) واريد الصحيحة (لزم عدم صحة
النهى
عنها لعدم قدرة الحائض على) فعل (الصحيحة منها) فيلزم عدم القدرة على تركها ايضا ضرورة لزوم تساوى
طرفى الممكن وفيه ان هذا النهى ليس تحريميا وانما غرض الشارع منه بيان سقوط اوامر
الصلاة عنها وعدم ارادتها منها لا ارادة العدم فان الظاهر ان حرمة الصلاة على
الحائض تشريعيه لا ذاتيه ومن المعلوم ان الصلاة التى سقط امرها بالنسبة الى الحائض
هى الصحيحة لانها هى كانت متعلقة للامر فالرواية على خلاف المطلوب ادل وقد ظهر لك
مما ذكرنا ما فى بعض ما افاده المصنف فى الجواب عن الاستدلال بالروايتين حيث قال (وفيه ان الاستعمال
اعم من الحقيقة مع ان المراد فى الرواية الاولى هو خصوص الصحيح بقرينة انها مما
بنى عليها الاسلام ولا ينافى ذلك بطلان عبادة منكرى الولاية اذ لعل اخذهم بها انما
كان بحسب اعتقادهم لا حقيقة) وبعبارة اخرى لعل الامام اراد من اخذهم بالاربع انهم
اعتقدوا انهم آخذون بها لا الاخذ حقيقة وواقعا (وذلك لا يقتضى استعماله فى الفاسد او
الاعم والاستعمال فى قوله فلو ان احدا صام نهاره الخ كان كذلك اى بحسب اعتقادهم او) اطلق عليه اللفظ مجازا (للمشابهة والمشاكلة واما فى الرواية
الثانية) وهى دعى
الصلاة الخ (فالنهى
للارشاد الى عدم القدرة على الصلاة وإلّا كان الاتيان بالاركان وسائر ما يعتبر فى
الصلاة بل بما يسمى فى العرف بها ولو اخل بما لا يضر الاخلال به عرفا محرما على
الحائض ذاتا وان لم تقصد به القربة ولا اظن ان يلتزم به المستدل بالرواية فتأمل
جيدا) وفيه مضافا
الى ما عرفت مواقع للتأمل منها حمل الاخذ على الاعتقادى لا الواقعى الحقيقى فانه
خلاف سوق الرواية جدا فان سوق الاخذ بالاربع كسوق الترك للخامس وهو الولاية
واللسان واحد ولا ريب ان الترك واقعى حقيقى فحمل الاخذ على الاعتقادى تفكيك ركيك
ولو اراد وان لم يساعد عليه ظاهر كلامه انهم اخذوا اعتقادا لا عملا بمعنى انهم
اعتقدوا باربع لا عملوا باربع تصحيحا لكون المراد منها فى الفقرتين هو الصحيح ففيه
انى لا ارى فرقا بين كون الاخذ اعتقاديا او عمليا فى كون الاطلاق فى الفقرة
الثانية على الفاسدة
او الاعم بعد بنائه على بطلان عبادتهم ضرورة ان اطلاق لفظ الصلاة على
المعتقد حال عدم اعتقاد الولاية اطلاق على الفاسد لفساد هذا المعتقد مع عدم انضمام
اعتقاد الولاية اليه فان هذه الخمس لا تصح اعتقادا وعملا الا منضمة باجمعها كما لا
يخفى ومنها حمل النهى على ارشاد الحائض الى عدم القدرة فان ذلك ليس من وظيفة
الشارع وانما وظيفته بيان تعلق الامر وسقوطه وان كان لازم سقوط الامر عدم القدرة
على الصحيح إلّا ان ذلك لا يوجب حمل النهى عليه هذا مع ان كونه ارشادا الى عدم
القدرة لا تصدقه الحائض إلّا تعبدا لانها ترى نفسها قادرة على الاتيان بجميع
الاجزاء والشرائط بخلاف ما لو كان كناية عن سقوط الامر فان الحائض تصدقه وتعتقد
عدم القدرة واقعا فالحمل على الثانى اولى بل هو المتعين ولعل مراد المصنف ذلك
وقصرت عبارته عن بيانه ومنها ما ذكره بقوله وإلّا الخ فان هذا الالزام غير لازم
للمستدل لان غرض المستدل ان الحائض نهيت عن الصلاة التى كانت تاتى بها حال الطهر
فى ايام الحيض وتلك الصلاة هى الجامعة لجميع ما اعتبر فيها حتى قصد القربة فاذا
صلت الحائض قاصدة امتثال امر الصلاة فعلت حراما لعدم الامر بعد النهى فلا يكون ما
قصدته الا تشريعيا فتقع فاسدة ولا يلزم من ذلك ان يكون اتيانها بالصلاة صورة مع
عدم قصد القربة حراما كما لا يخفى وبالجملة فالتشريع بالعمل حرام ذاتا بلا اشكال
وإلّا لتسلسل والعمل المشرع به حرام تشريعا بمعنى ان مفسدته هى مفسدة عنوان
التشريع المنطبق عليه لا عنوانه الخاص به وهذا هو الفارق بين الحرمتين فتدبر فانه
دقيق ولا يختلط عليك الامر اذا عرفت ذلك فكيف يكون الالزام المذكور لازما لهذا
المستدل وذلك واضح نعم على ما عرفت من جوابنا لم تطلق الصلاة الا على الصحيح (ومنها) اى من ادلة الاعم (انه لا شبهة فى صحة تعلق النذر وشبهه
بترك الصلاة فى مكان تكره فيه وحصول الحنث يفعلها ولو كانت الصلاة المنذور تركها
خصوص الصحيحة) لم يمكن الاتيان بها فحينئذ (لا يكاد يحصل الحنث اصلا لفساد الصلاة
المأتى بها) فى الحمام مثلا بعد النذر (كما لا يخفى بل يلزم المحال فان النذر
حسب الفرض)
عند الصحيحى (قد
تعلق بالصحيح منها ولا تكاد تكون) الصلاة (معه صحيحة) فيلزم من صحتها عند النذر كما قلتم عدم صحتها به
لحرمتها حينئذ (و) كل (ما
يلزم من فرض وجوده عدمه محال) فالصحة عند تعلق النذر محال فيكون المتعلق هو الفاسدة
وهو المطلوب هذا فى جانب صحة المنذور وهو الصلاة واما فى جانب صحة النذر فنقول ان
صحة النذر موقوفه على كون الفعل مقدورا اذ لو لم يكن الفعل مقدورا لم يكن تركه
مقدورا فلو كان المنذور هو الصحيح لزم من صحة نذره عدم القدرة على فعله لانه لا
يقع حينئذ الا فاسدا فلا قدرة على تركه الذى هو متعلق النذر فيفسد النذر لتعلقه
بغير المقدور فصحة النذر تقضى بعدم القدرة على المنذور القاضية بعدم صحة النذر
فيلزم من صحة النذر عدم صحته وكل ما يلزم من فرض وجوده عدمه فهو محال فيتم المطلوب
كالاول وفيه ان النذر ان كان قد تعلق بترك الصلاة الصحيحة بعد النذر فالنذر باطل
ولا نسلم صحته فان قلت الاجماع قائم على صحة نذر ترك الصلاة فى الحمام فلا بد من
تأويله ولا يتم إلّا بما ذكرنا من تعلقه بالفاسد (قلت لا يخفى انه لو صح ذلك) لم يجد نفعا لان الاستعمال فى الفاسد بلا قرينة لم يكن
دليلا على شيء كما عرفت فكيف به مع القرينة العقلية والشرعية كما فى المقام فان
الاجماع بضميمة ما ذكر (لا
يقتضى إلّا عدم صحة تعلق النذر بالصحيح) حال النذر (لا عدم وضع اللفظ له شرعا مع ان الفساد) الناشئ (من قبل النذر لا ينافى صحة متعلقه) الى حال النذر (فلا يلزم من فرض وجودها) فى هذا الزمان (عدمها) فيه (ومن هنا انقدح ان) الصحة التعليقية فى المنذور كافية فى (حصول الحنث) بفعله بعد النذر فالحنث (انما يكون لاجل الصحة) الموصوف بها متعلق النذر (لو لا تعلقه نعم لو
فرض تعلقه بترك الصلاة) الصحيحة (المطلوبة
بالفعل) حال النذر
وبعده بطل النذر قطعا لعدم القدرة على المنذور حينئذ كما عرفت ولو فرض تعلقه
بالصحيح الى حال النذر صح النذر كما هو مورد الاجماع ظاهر او احتمل كون قصد الناذر
ترك ذات الصحيح مطلقا سواء كان له العنوان او لا فيكون المنذور عند التحليل
القصدى متعددا فيحصل الحنث بالفعل قطعا ولو لا هذا الاحتمال (لكان منع حصول الحنث
بمكان من الامكان) بل هو ممتنع قطعا لامتناع وجود المنذور خارجا ولقد عثرت بعد ما ذكرت هذا
على حاشية للمصنف دام ظله على قوله مطلوبة بالفعل ونصها اى ولو مع النذر ولكن صحته
مع ذلك مشكل لعدم كون الصلاة معه صحيحة مطلوبة فتأمل جيدا انتهى وقد عرفت ان الصحة
فى الفرض الاول والحنث فى الفرض الثانى ممتنعان قطعا فلا وجه للتعبير فيهما
بالاشكال والامكان (بقى) مما يتعلق بالمسألة (امور) ثلاثة (الاول ان اسامى المعاملات) كالبيع والاجارة والنكاح ونحوها لا يمكن جعلها عنوانا
للنزاع باطلاقها بل فيها تفصيل (فان
كانت موضوعة للمسببات) الشرعية كملكية العين او المنفعة او الانتفاع التى حكم الشارع بحصولها فى
الخارج (فلا
مجال للنزاع فى كونها موضوعة للصحيحة او للاعم) لان صحتها حينئذ عين وجودها وفسادها عين عدمها فلا
يمكن ذلك (لعدم
اتصافها بهما كما لا يخفى بل) يتصفان (بالوجود تارة وبالعدم اخرى) وان كانت موضوعة للمسببات العرفية مطلقا كانت محلا
للنزاع بمعنى ان الملكية التى هى اختصاص خاص بين المالك والمملوك المنقولة من
البائع للمشترى التى تارة تكون صحيحة وممضاة عند الشارع فتترتب عليها الآثار شرعا
من سائر التصرفات واخرى غير ممضاة فلا يترتب عليها اثر وان رتب العرف عليها جميع
الآثار هل البيع مثلا موضوع للممضى منها شرعا او للاعم اعنى مطلق الاختصاص عرفا
امضاء الشارع او لا فظهر انه لا وجه لاطلاق المصنف عدم كونها محلا للنزاع على
التقدير المذكور هذا اذا كانت موضوعة للمسببات (واما ان كانت موضوعة للاسباب) وهى الايجاب والقبول (فللنزاع فيه) اى فى الوضع (مجال) ودعوى وضعها للاعم وان كانت قريبة بحسب الظاهر (لكنه لا يبعد دعوى
كونها موضوعة للصحيحة ايضا) كالعبادات (وان الموضوع له هو العقد المؤثر لاثر
كذا) ملك عين او
غيره (شرعا
وعرفا) فيكون الصحيح
عرفا بحسب الماهية هو الصحيح شرعا لقوله اوفوا بالعقود وأحل الله البيع ونحو ذلك
مما علق الحكم فيه على موضوع
عرفى فيدل على امضائه (والاختلاف
بين الشرع والعرف) ليس فى اصل الماهية فى جل العقود المتعارفة بينهم بل (فيما يعتبر فى تأثير
العقد ولا يوجب) ذلك (الاختلاف
بينهما فى) اصل (المعنى) الموضوع له (بل) الاختلاف حينئذ (فى المحققات) التى يتوقف تحقق تأثير العقد فى الخارج على تحققها مما
خفى على العرف لقصور علمهم واطلع هو عليها لاحاطته بكل شيء علما (و) الموجبة للاختلاف فى (المصاديق) للعقد المؤثر (و) قد ظهر ان ما ورد كثيرا من التخصيصات والتقييدات
الكاشفة عن (تخطئة
الشرع للعرف) انما هو (فى
تخيل كون العقد بدون ما اعتبره فى تأثيره محققا لما هو المؤثر لا فى اصل الماهية
كما لا يخفى) نعم ربما ورد منه ما يكشف عن التخطئة فى اصل الماهية كما فى بيع الحصاة
والمنابذة والملابسة ونحوه فقد الغاها بالمرة إلّا ان ذلك لا يضر فيما نحن بصدده (فافهم) فان للتأمل فيه مجالا واسعا ضرورة انه بعد ما جزم
الصحيحى بان جميع الشطور والشروط من مقومات الماهية فيزول الصدق بزوال بعضها ثم
زعم ان البيع مثلا موضوع للصحيح عرفا وشرعا فالماهية عند الشارع هى التى عند العرف
وانما الاختلاف فى المصاديق وعند الشك يرجع الى العرف فيؤخذ باطلاقه عندهم وهذا
موقوف على ان ما علم العرف بفساده عند الشرع فاسد عندهم ولا يطلقون عليه ذلك اللفظ
فيصح الرجوع حينئذ اليهم فى مقام الشك اما اذا كان ذلك ايضا صحيحا عندهم ويطلقون
عليه اللفظ ويرتبون عليه جميع الآثار فكيف يصح الرجوع اليهم فى ذلك وقد اختلف
الصحيح عندهم ماهية مع ما عند الشارع والحال هو هكذا ويعلم ذلك كل من تتبع معاملات
العرف نعم لو كان كل فاسد بحكم الشرع فاسدا عند العرف ولا يطلقون عليه الاسم على
نحو الحقيقة صح ما ذكر وان لم يكن كل صحيح عندهم صحيحا عند الشرع والتحقيق انها
اسامى للصحيحة شرعا وللاعم عرفا وان انصرف اللفظ الى الفرد الصحيح واما صحة الرجوع
الى الاطلاق عرفا فالوجه فيها ما عرفته فى العبادات من ان كل مركب مشتمل على اركان
يدور صدق الاسم عليها وجودا وعدما فان كان المركب اختراعيا كان المرجع فى معرفة
ذلك المناط اليه وقد
مر تحقيقه وان كان بحسب الماهية من الامور العرفية إلّا ان الشارع الحقه
بقيود كثيرة ثم جعل الاسم بازاء الجميع او بازاء الماهية المقيدة بتلك القيود
علمنا ان الاركان ومناط الصدق فى هذا المركب هو نفس هذه الماهية التى هى تمام
المصداق عرفا فاذا علق الحكم على لفظ البيع اخذتا بكل ما يصدق عليه البيع عرفا اذا
كانت مقدمات الحكمة تامة فيكون تعليقه الحكم على هذا اللفظ فى مقام البيان من دون
ضم قيد اليه دالا بدلالة الاقتضاء على ايكال الامر الى الصدق العرفى فنستكشف من
ذلك ان الايجاب والقبول تمام اركان هذا المركب عنده التى يدور الصدق مدارها فكل ما
يصدق عليه البيع عرفا فهو بيع عنده حتى يعلم بالمقيد فلا منافات حينئذ بين القول
بالصحيح والرجوع الى الاطلاق كما عرفته فى العبادات ومما ذكرنا تعرف الحال فيما
افاده المصنف فى الامر (الثانى) من (ان
كون الفاظ المعاملات اسامى للصحيحة لا يوجب اجمالها
كالفاظ
العبادات كى لا يصح التمسك باطلاقها عند الشك فى اعتبار شيء فى تأثيرها شرعا وذلك
لان اطلاقها لو كان مسوقا فى مقام البيان ينزل على ان المؤثر عند الشارع هو المؤثر
عند اهل العرف ولم يعتبر فى تأثيره عنده غير ما اعتبر فيه عندهم كما ينزل عليه
اطلاق كلام غيره حيث انه منهم ولو اعتبر فى تأثيره ما شك فى اعتباره كان عليه
البيان ونصب القرينة عليه وحيث لم ينصب بان عدم اعتباره عنده ايضا) توضيح ما فيه ان ذلك صحيح لو كان العرف كلما انكشف لهم
قيد من الشارع للماهية التى كانت تطلق عندهم مع عدمه قيدوها به ولم يطلقوها فى محل
القيد الا مقيدة وفى غيره يبقى الاطلاق فحينئذ يكون الرجوع اليهم فى مقام الشك
صحيحا اما اذا كان لفظ البيع عندهم مطلقا هو مطلق الايجاب والقبول من غير فرق بين
القيود المعلومة او المشكوكة فلا يصح الرجوع اليهم بعلة ان المؤثر عندهم مؤثر عنده
نعم انما يصح الرجوع بالوجه الذى ذكرناه (ولذا يتمسكون) جميعا (بالاطلاق فى باب المعاملات مع ذهابهم
الى كون الالفاظ موضوعة للصحيح) لا لما ذكره المصنف دام ظله (نعم لو شك فى اعتبار
شيء فيها عرفا) فان كان محتمل الركنية وان به
قوام الماهية (فلا
مجال للتمسك باطلاقها فى عدم اعتباره بل لا بد من اعتباره لاصالة عدم الاثر بدونه) اذ لم يحرز الاطلاق فيتمسك به كما لو شك فى ان القبض
فى بعض البيوعات شرط او لا مع احتمال كون شرطيته على نهج اشتراطه فى بيع الصرف وان
لم يكن محتمل الركنية صح التمسك فى نفيه بالاطلاق بلا اشكال عندى من غير فرق فى
ذلك بين كونه شرعا او عرفا (فتأمل
جيدا) الامر (الثالث) لا يخفى ان توقف كل شىء متعلق للامر على وجود شيء آخر او
على عدمه لا بد وان يكون لمدخلية الموقوف عليه فى الموقوف بحيث لا يكون الموقوف
مما تتحقق مصلحته إلّا بانضمام ذلك الموقوف عليه اليه والتوقف اما على شيء واحد
خاص واما على احد شيئين او اكثر سواء كان بينهما قدر مشترك او لم يكن كما (ان دخل شيء وجودى او
عدمى فى) ذلك الشيء (المأمور به) على انحاء وضروب يختلف الحكم باختلافها (فتارة) يكون دخله فيه على نحو الجزئية وذلك (بان يكون داخلا فيما) اذا ركب (يأتلف منه ومن غيره) وبعد التركيب يؤمر به (بجعل جملته متعلقا للامر فيكون) بالنسبة الى المأمور به (جزء له وداخلا فى قوامه) فيكون من مقوماته ومقدماته الداخلية فتارة يكون جزء
خارجيا وتارة يكون عقليا كما اذا كان التقييد داخلا والقيد خارجا وعلى كلا الامرين
فتارة بمحض الجزئية وطورا بنحو الركنية كما هو الحال فى سائر المركبات (واخرى) بنحو الشرطية وذلك (بان يكون خارجا عنه لكنه) فى الواقع ونفس الامر (كان) المأمور به (مما لا يحصل الخصوصية المأخوذة فيه
بدونه كما اذا اخذ شيء) فى حال كونه (مسبوقا) بذلك الشيء الآخر الخارج عنه وهو الشرط المتقدم (او ملحوقا به) وهو الشرط المتأخر (او مقارنا له) وهو الشرط المقارن (وجعل) على هذا النحو (متعلقا للامر) كالصلاة بالنسبة الى الوضوء وصوم النهار بالنسبة الى
غسل المستحاضة فى الليلة المقبلة والبيع بالنسبة الى الاجازة والصرف بالنسبة الى
التقابض فى المجلس وهكذا والصلاة بالنسبة الى الاستقبال والطهارة مطلقا وهكذا
وظاهر التعبير بالمسبوقية والملحوقية والمقارنة ان الاقسام الثلاث ترجع الى الشرط
المقارن
حكما وتقديرا وتحقيق ذلك فى محله (فيكون) الشرط باقسامه بالنسبة الى المامور به (من مقدماته) الخارجية (لا من مقوماته) ان كان التقييد كالقيد خارجا عنه اما اذا كان داخلا
فيه رجع الى القسم الاول والشرطية كالجزئيّة فى نحوى الركنية وغير الركنية (و) هناك حالة (ثالثه) للاخذ وذلك (بان يكون) الماخوذ (مما يتشخص به المامور به بحيث يصدق على
المتشخص به عنوانه) وذلك كالمكان بقول مطلق فانه مشخص للفرد الماتى به من الصلاة فيه وينطبق
عليه عنوانه اذا كان له عنوان خاص (وربما) يتغير عنوان المامور به الى عنوان اعلى مرتبه من
عنوانه و (يحصل
له به مزية) توجب صعوده كالصلاة فى المسجد مثلا (او) الى عنوان ادنى ويحصل له به (نقيصة) توجب نزوله كالصلاة فى مواضع التهمة وفى الحمام فان
انطباق الكون المسجدى او الكون التهمى او الكون الحمامى يوجبان صعود عنوان المامور
به ونزوله (ودخل
هذا) الشيء الذى
يتشخص به المامور به (فيه) ايضا على نحوين (طورا بنحو) الشطرية كالتكتف فيما يوجب نزوله بناء على كراهته
وتثليث الذكر فيما يوجب صعوده (و) طورا (آخر) بنحو الشرطية وقد عرفت المثال هذا كله فى بيان موضوع
المامور به مع ما له الدخل فيه واما الحكم فقد عرفت انه يختلف باختلافه (فا) نه قد (يكون الاخلال) به وجودا او كيفية موجبا للفساد وقد يكون غير موجب فان
كان الاخلال (بما
له الدخل) فى المامور
به (باحد
النحوين) الاولين وهما
نحو الجزئية ونحو الشرطية (فى
حقيقة المامور به وماهيته) كان (موجبا لفساده لا محاله) وان كان الاخلال به بالنحو الثالث لم يكن موجبا لفساده
والوجه فى ذلك ان الاخلال بالجزء والشرط يوجبان نقصان المركب لا محاله اذ لا بدل
له عنهما فيفسد (بخلاف
ما له الدخل فى تشخصه وتحققه مطلقا شطرا كان او شرطا) فانه لا يوجب النقصان (حيث انه لا يكون الاخلال به الا اخلالا
بتلك الخصوصية مع تحقق الماهية بخصوصية اخرى) بدلا عن تلك الخصوصية ولا ينافى ذلك كون الخصوصية
الاخرى (غير
موجبه) بل غير واجدة
(لتلك
المزية)
التى كانت فى المبدل عنها (بل كانت) واجدة (وموجبه لنقصانها كما اشرنا اليه) فى اصل العنوان وذلك (كالصلاة فى الحمام) وما اشبه ذلك مما يوجب نقصان مرتبة الصلاة عما لو صليت
فى المكان الخالى عن كل مزية زائده او ناقصة هذا ولا يذهب عليك ان ما ذكرناه فى
المكان بعينه جار فى الزمان ما تساوى فيه الطرفان وما رجح فيه الفعل كالاوقات
الشريفة وما رجح فيه الترك كالاوقات المعدودة بالنسبة الى الصلاة والصوم ولا يتوهم
ان الصلاة اليومية بالنسبة الى اوقاتها الخمسة من هذا الباب بالنسبة الى الزمان
وصلاة تحية المسجد ومحل نزول المسافر فى اثناء طريقه وهكذا بالنسبة الى المكان فان
الزمان والمكان هنا من اسباب الامر لا من مشخصات المامور به وان قارن ذلك التشخص
قهرا فى المكان مطلقا وفى الزمان فيما اذا كان الوقت السببى مطابقا للوقت الظرفى
كيوم الجمعة وصلاته واتفاقا فيما اذا كان الظرفى اوسع كالاوقات الأربعة وصلاتها
فان وقت الظهر مثلا سبب لوجوب الصلاة فان اداها فيه ايضا تشخصت وان اداها فى غيره
اختلف السبب والظرف واما وقت الصبح فمن القسم الاول (ثم) لا يخفى عليك (انه ربما يكون الشيء مما يندب اليه فيه) اى فى المامور به (بلا دخل له اصلا لا شطرا ولا شرطا فى
حقيقته ولا) دخل (فى
خصوصيته وتشخصه بل له) اى للمامور به (دخل) حال كونه (ظرفا) له فى (مطلوبيته) اى مطلوبية ذلك الشيء ويحتمل ان يكون ظرفا بمعنى اسم
المفعول فيكون المعنى بل لذلك الشيء المندوب اليه حالكونه مظروفا دخل فى مطلوبيته
يعنى ان وقوعه فى هذا الظرف هو السبب فى مطلوبيته (بحيث لا يكون مطلوبا إلّا اذا وقع فى
اثنائه) ويحتمل تعلق
فى مطلوبيته بالظرف فيكون المعنى بل للشيء دخل فى المامور به بجعله ظرفا فى
مطلوبيته فى قول الشارع قل فى صلاتك كذا او فى ركوعك وغير ذلك وخيرها اوسطها (فيكون) الشيء المندوب (مطلوبا نفسيا فى واجب) كالقنوت فى الصلاة الواجبة او تثليث الذكر فى الركوع
الواجب (او
مستحب) كالقنوت فى
النافلة والدعاء الكذائى فى القنوت (كما اذا كان مطلوبا كذلك) اى لنفسه (قبل احدهما او بعده) فكما لا يحتمل
فى المطلوب قبل الواجب والمستحب او بعدهما الا النفسية كذلك المطلوب فى
الاثناء فلا يحتمل فيه الجزئية لكونه فى الاثناء وفيه ان ظاهرهم الاتفاق على ان
المندوبات فى الصلاة أجزاء صلاتيه ولم يفرقوا بين الذكر الاول فى الركوع مثلا وما
زاد عليه إلّا بالوجوب والندب نعم ذهب بعضهم الى كون السلام الثانى مستحبا فى
الصلاة لا على نحو الجزئية اذا قصد المصلى الخروج بالصيغة الاولى وهو ضعيف كما حقق
فى محله والذى دعاه الى هذا التكلف ماراه من اتفاقهم على ان عدمه غير مخل وما ذهب
اليه واعتقده من القول بالصحيح وان كل جزء من مقومات الماهية واما على ما حققناه
فنحن فى راحة من هذا وامثاله والاجماع على حاله فليكن على ذكر منك واحتفظ به فانه
ينفعك فى موارد لا تحصى ولاجل ما ذكرنا فرع على ذلك عدم الاخلال قائلا (فلا يكون الاخلال به
موجبا للاخلال به ماهية ولا تشخصا وخصوصية اصلا اذا عرفت هذا كله فلا شبهة فى عدم
دخل ما ندب اليه فى العبادات نفسيا فى التسمية باساميها وكذا فيما له دخل فى
تشخصها) ان كان على
وجه الشرطية وعدم دخول التقييد لا (مطلقا) خلافا للمصنف و (اما ما له الدخل شرطا فى اصل ماهيتها
فيمكن الذهاب ايضا الى عدم دخله فى التسمية ايضا) بناء على خروجها قيدا وتقييدا (مع الذهاب الى دخل ما
له الدخل جزء فيها) اى فى التسمية متعلق بالدخل الاول (فيكون الاخلال بالجزء) على تقدير الفرق بينهما فى الدخول فى التسمية وعدمه (مخلا بها دون الاخلال
بالشرط لكنك عرفت) فى بيان الحكم (ان
الصحيح اعتباره فيها) فبطل بذلك قول المفصل بين الاجزاء والشروط ثم لا يذهب عليك ان هذا مناقض
لما ذكره من ان ما له الدخل شرطا من المقدمات لا من المقومات فتدبر الامر (الحادى عشر) من الامور المذكورة (الحق) كما عليه المحققون (امكان وقوع الاشتراك) لا امتناعه ولا وجوبه وادل دليل على الامكان الوقوع
وهو لا شك فيه (للنقل) السالم عن المعارض من اللغويين والمحكى على حجيته كذلك
الاتفاق (والتبادر
وعدم صحة السلب بالنسبة الى المعنيين او المعانى) فانه اذا اطلق لفظ العين مجردا
عن قرينة معينه يتبادر منها احد معانيها ما لم يكن اللفظ منصرفا الى واحد
معين وتبادر احد المعانى المحصورة دون غيرها علامة الوضع له واما عدم صحة السلب
فهى جارية فى كل واحد من المعانى (وان احاله بعض) فذاك (لاخلاله) فى زعمه (بالتفهيم المقصود من الوضع لخفاء
القرائن) غالبا فيلزم
نقض غرض الواضع فيمتنع وهو ممنوع (لمنع الاخلال اولا لامكان الاتكال فى
مقام التفهيم على القرائن الواضحة) مقالية او حالية (ومنع كونه) ناقضا و (مخلا بالحكمة) الباعثة على الوضع (ثانيا) لعدم انحصار الحكمة بالتفهيم بل قد تدعوا الحكمة الى
وضع المجمل (لتعلق
الغرض بالاجمال احيانا) فثبت ان الاشتراك واقع وليس بمحال (كما ان استعمال المشترك فى القرآن) واقع ايضا و (ليس بمحال كما توهم) من بعض لان نقل اللغويين الذى كان حجة على وقوع
الاشتراك قد تعلق بالفاظ واقعه فى القرآن كالقرء والعين مثلا وانما توهم استحالته (لاجل لزوم) احد محذورين اما (التطويل بلا طائل) وذلك (مع الاتكال على القرائن) [و] اما (الاجمال فى المقال لو لا الاتكال عليها
وكلاهما غير لائق بكلامه جل شأنه كما لا يخفى) وذلك التوهم مدفوع (لعدم لزوم التطويل بلا طائل) اولا (فيما كان الاتكال على حال او مقال اتى
به لغرض آخر) فانه قد يدعو الغرض الى مثل هذا الاستعمال والاتكال و (لمنع كون الاجمال غير
لائق بكلامه تعالى مع كونه مما يتعلق به الغرض) ثانيا و (إلّا لما وقع) المتشابه (المشتبه) المراد [فى كلامه وقد اخبر فى كتابه الكريم
بوقوعه فيه قال الله تعالى (مِنْهُ آياتٌ
مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)) كذا افاد دام ظله وفيه ان مقصود هذا القائل ان الاجمال
فى كلامه تعالى فى المقام الذى يكون فيه بصدد الافهام والاعلام غير لائق لا ان
الاجمال فى مقام تعلق الغرض بالاجمال غير لائق وإلّا فهب ان هذا القائل لم يعلم
وجود المتشابه فيه ولم يقرأ هذه الآية فلا اقل من انه يرى نصب عينيه الم حمعسق
كهيعص واشباهها والاصح فى الجواب ان يقال ان اريد بالاجمال اللازم هو الذى لا ينفك
ابدا فالملازمة ممنوعة بالضرورة وان اريد الاجمال وقتا ما ويرتفع عند الحاجة
فاللازم غير باطل اذ قد يتعلق الغرض بمثل هذا
الاجمال فى مقام الإفهام قبل حضور وقت الحاجة وان على ذلك جميع العقلاء فى
محاوراتهم هذا (وربما
توهم) من بعض عكس
التوهم السابق وهو (وجوب
وقوع الاشتراك فى اللغات) وذلك لاجل عدم تناهى المعانى وتناهى الالفاظ المركبات
ولا يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى فيلزم بقاء المعانى الآخر بلا الفاظ فلا يمكن
افهامها وانفهامها فيلزم نقض الغرض والترجيح بلا مرجح اذ لا مرجح للوضع لبعض دون
بعض مع اتحاد الحكمة والغرض فلا بد من الاشتراك فيها فيتم المطلوب وهو الوجوب (وهو) توهم (فاسد لوضوح امتناع الاشتراك فى هذه
المعانى الغير المتناهية لاستدعائه الاوضاع الغير المتناهية ولو سلم) امكان الاشتراك فيها (لم يكد) ينفع و (يجدى الا فى مقدار متناه) اذ لا يعقل ان يتعلق الافهام المتناهى الذى هو الغرض
من الوضع بغير المتناهى فيكون الوضع للباقى بلا غرض فلا يجب هذا (مضافا الى تناهى
المعانى الكلية وجزئياتها وان كانت غير متناهية إلّا ان وضع الالفاظ بازاء كلياتها
يغنى عن وضع لفظ بازائها كما لا يخفى مع ان المجاز باب واسع) وفى اصل الاستدلال والجواب عنه مواضع للتأمل منها ما
ذكره المستدل من تناهى الالفاظ لزعمه انه لازم لتناهى الحروف وفيه منع فان تناهى
المواد لا يلزمه تناهى الهيئات المركبة لا فى الالفاظ ولا فى المركبات الخارجية ألا
ترى الى كثرة اللغات بما فيها من الالفاظ المركبة ولم نر اهل لغة وقفوا على حد
لتناهى صور التركيب وبالجملة فمقدار الالفاظ مقدار المعانى ومدعى الفرق عليه
البينة ومثل الالفاظ الصور النوعية للاشياء فانظر الى وجه الانسان المشتمل على
عينين وانف وفم ووجنتين وعارضين واذنين وجهة ثم انظر الى اختلاف تركيبها والوانها
الذى جعل من آيات وجود البارى المصور ومنها الاستدلال فى الجواب بنقل اللغويين فى
الفاظ خاصه مع ان المتتبع ادنى تتبع يرى كل اسم من اسماء العرب الذين هم اصل اللغة
قد سمى به ما لا يحصى من المسميات وكذا الحال فى كل زمان الى قيام الساعة فمع وجود
الدليل القطعى لا حاجة الى الظنى ومنها ما ذكر من اغناء الوضع لكليات المعانى عن
الوضع لجزئياتها وهذا عجيب فانظر هل اغناك وضع لفظ الانسان عن وضع ما لا يحصى من
الاسماء لافراد هذا
النوع الخاصة ومنها ما ذكر من ان المجاز باب واسع وهذا غريب فان الوضع
الجديد للمعنى اقل مئونة من استعماله مجازا ووضع لفظ للقرينة الدالة على ذلك
لاحتياج الاول مع الوضع الى استعمال واحد والثانى كذلك الى استعمالين فقد وقعوا فى
اكثر مما فروا منه مع ان باب العلائق ضيق ولعله الى ذلك اشار بقوله (فافهم) الامر (الثانى عشر) من الامور المذكورة لا يخفى (انه اختلفوا فى جواز
استعمال اللفظ فى اكثر من معنى) سواء كانا حقيقين او مجازيين او مختلفين وعمم البحث
لاتحاد المناط فى الكل ومحل النزاع استعماله فى الاكثر مع قصد كل من اللفظ (على سبيل الانفراد
والاستقلال) وذلك (بان
يراد منه) حال استعماله
فى الاكثر (كل
واحد من المعنيين كما) يراد (اذا
لم يستعمل الا فيه) سواء كان كل منهما مناطا للحكم ومتعلقا للاثبات والنفى او كان المجموع
مناطا ومتعلقا لان كيفية ارادة الحكم امر آخر لا يتبع كيفية ارادة المعنى وإلّا
لانتقض طردا وعكسا وهو واضح وبالجملة فالقوم فى ذلك (على اقوال) متكثرة (اظهرها) واصحها (عدم جواز الاستعمال فى الاكثر) بل هو المتعين (عقلا وبيانه ان حقيقة الاستعمال) الناشئ عن الوضع الذى هو تعيين اللفظ للمعنى واختصاصه
به (ليس) هو (مجرد
جعل اللفظ علامة لارادة المعنى) (بل) هو (جعله
وجها للمعنى وعنوانا له) [بل] جعله على وجه كان المعنى يرى [بوجه نفسه) و (كانه
هو الملقى) بذاته (ولذا يسرى اليه قبحه
وحسنه) وكليته
وجزئيته وغير ذلك من اوصافه (كما
لا يخفى) على من حفظ
قول القائل لا الطلا كاس ولا الكاس الطلا عزب القصد على المعتسف بل بها يا سعد
فاضرب مثلا وحدة الوصف مع المتصف (و) من المعلوم انه (لا يكاد يمكن جعل اللفظ كذلك الا لمعنى
واحد ضرورة ان لحاظه هكذا فى ارادة معنى ينافى لحاظه كذلك فى ارادة الآخر حيث ان
لحاظه كذلك) وجها للمعنى (لا
يكاد) يكون (إلّا بتبع لحاظ
المعنى فانيا) لفظه (فيه
فناء الوجه فى ذى الوجه والعنوان فى المعنون ومعه كيف يمكن ارادة معنى آخر معه
كذلك فى استعمال واحد مع استلزامه للحاظ آخر غير لحاظه كذلك فى هذا الحال] وكيف يعقل ان يكون فلك وجه واحد فى آن
واحد حيا بخلقين وناشئا بنشأتين وفانيا كذلك فى عالمين ولان زالت غائلة
تعدد الخلق والانشاء كما فى الوضع العام والموضوع له الخاص لم تزل غائلة تعدد
العالم مع وحدة الفانى والفناء فتأمل وان اردت الاستيناس بشيء يزيد المعنى قربا
الى الذهن فانظر فانك ربما ظفرت بانسان ذى وجهين فهل ظفرت بوجه واحد لانسانين وقد
صح لك من ذلك وانقدح امكان الترادف فلا تغفل (وبالجملة لا يكاد يمكن فى حال استعمال
واحد لحاظه) بوضعين (وجها
لمعينين وفانيا فى الاثنين) اللهم (إلّا ان يكون اللاحظ احول العينين) فيحسب الواحد من كل جهة اثنين (فانقدح بذلك امتناع
استعمال اللفظ مطلقا مفردا كان او غيره فى اكثر من معنى) من غير فرق بين ان يكون (بنحو الحقيقة او المجاز ولو لا امتناعه) عقلا (فلا وجه لعدم جوازه) يمكن الركون اليه (فان) ما ذكره بعض المحققين من ان الوجه فى ذلك هو (اعتبار الوحدة فى
الموضوع له) غير وجيه بل (واضح
المنع) وذلك لانه لا
مانع حينئذ من جهة الوضع الا امران (احدهما كون الوضع فى حال وحدة المعنى) والثانى (توقيفيته) وكل منهما (لا يقتضى عدم الجواز بعد ما لم تكن
الوحدة قيدا للوضع ولا للموضوع له كما لا يخفى ثم لو تنزلنا عن ذلك) وسلمنا ما ادعاه من ان لحال الوحدة اثرا فى الوضع (فلا وجه للتفصيل) من هذا القائل بين التثنية والجمع وبين المفرد فيقول (بالجواز على نحو
الحقيقة فى التثنية والجمع و) بالجواز (على نحو المجاز فى المفرد مستدلا على
كونه بنحو الحقيقة فيهما) بان ذلك (لكونهما بمنزلة تكرار اللفظ و) على كونه (بنحو المجاز فيه) اى فى المفرد بان ذلك (لكونه موضوعا للمعنى بقيد الوحدة فاذا
استعمل فى الاكثر لزم الغاء قيد الوحدة فيكون مستعملا فى جزء المعنى بعلاقة الكل
والجزء فيكون مجازا) انتهى كلام المفصل ولا وجه له كما عرفت وذلك (لوضوح ان الالفاظ لا
تكون موضوعه الا لنفس المعانى بلا ملاحظه) شيء حتى (قيد الوحدة) وإلّا لما (جاز الاستعمال فى الاكثر) لا حقيقة وهو واضح ولا مجازا الا لعلاقة الضدية لا
علاقة الكلية والجزئية (لان
الاكثر ليس جزء المقيد بالوحدة بل يباينه مباينته الشيء بشرط شيء) كالمطلق بشرط لحاظ وجوده فى ضمن
الفرد (والشيء
بشرط لا) كالمطلق بشرط
لحاظ عدم وجوده فى ضمن الفرد (كما
لا يخفى) قلت لا يخفى
عليك ان ما افاده دام ظله فى صدر الاستدلال باعتبار الوحدة حال الاستعمال فهو
مقالة المحقق القمى وما افاده بعد التنزل من تسليم كون الوحدة قيدا فهو مقالة غيره
ممن اعتبرها قيدا وانكر القمى ذلك عليه وبينهما بون بعيد فلا وجه لجعل الثانى
تنزلا عن الاول وتسليما والفرق بين مقالة القمى وغيره كالفرق بين مقالة من لم
يعتبر مفهوم الوصف ومقالة من اعتبره فيما اذا قال المولى اعتق رقبة مؤمنة فان عتق
غيرها لا يجزى عند الفريقين غير ان القائل بعدم المفهوم يعلله بان هذا الفرد مورد
التكليف فلا يجوز التعدى عنه والقائل بالمفهوم يعلله بانه قيد بقيد فيجب حصوله
والفرق بين القولين انه لو دل دليل على اجزاء غير المؤمنة لم يكن معارضا على الاول
بخلاف الثانى فظهر لك من ذلك ان ما افاده من تحقق المباينة المانعة عن الاستعمال
مطلقا لا يتأتى على مذهب القمى قطعا واما على مذهب من اعتبر الوحدة قيدا فالظاهر
انه لا يتأتى ايضا لان الوحدة ليست من الامور الوجودية بل هى عدم الكثرة فاذا
استعمل فى الاكثر زال الشرط العدمى بالمانع الوجودى الذى كان عدمه هو الشرط
فالكثرة مانع عن الاستعمال فى المعنى المجازى ونضير ذلك اخذ القلة شرطا فيما لا
ينفعل من الماء فقد حققنا فى محله ان القلة هى عدم الكثرة فالكثرة مانع عن
الانفعال لا ان القلة شرط فمحل النزاع هو استعمال اللفظ فى كل من المعنيين الموجب
لوجود المانع عن كونه بالنسبة الى كل منهما حقيقيا لا استعمال اللفظ فى كل منهما
بشرط وجود الآخر وما افاده دام ظله انما يتم على الثانى فحال الكثرة فى محل النزاع
حال الوحدة عند القمى (و) اما (التثنية والجمع) فهما وان كانا بمنزلة التكرار فى اللفظ (إلّا ان) ذلك لا يجدى لان (الظاهر ان اللفظ فيهما) وان كان (كانه كرر واريد) من كل لفظ غير ما اريد بالآخر إلّا ان الذى اريد (منه فرد من افراد
معناه) بلحوق
التنوين له (لا
انه) لو كرر (اريد منه معنى من
معانيه) فحينئذ (اذا) لحقته علامة التثنية و (قيل مثلا جئنى بعينين) يكون قد (اريد) به (فردان
من) معناه وهو
العين الجارية (لا) كلا معنييه (العين الجارية والعين الباكية) [و] اما (التثنية والجمع فى الاعلام فانما هو
بتأويل المفرد الى المسمى بها) فيكون حالها حال اسم الجنس (مع انه لو قيل بعدم
التأويل) بالمسمى (وكفاية الاتحاد فى
اللفظ) كما زعمه
جماعة من النحات وغيرهم (فى
استعمالهما حقيقة بحيث جاز ارادة عين جارية وعين باكية من تثنية العين حقيقة لما
كان هذا) مفيدا للمستدل
اذ لا يكون حينئذ (من
باب استعمال اللفظ فى الاكثر) بل من باب استعمال اللفظ فى معنى واحد مركب من جزءين
قد وضع له اللفظ على هذا النحو (لان
هيئتها انما تدل على ارادة المتعدد مما يراد من مفردهما فيكون استعمالهما وارادة
المتعدد من معانيه استعمالا لهما فى معنى واحد) وهو خارج عن محل النزاع فيكون حالهما حينئذ (كما لو استعملا واريد
المتعدد من معنى واحد منهما) وهو المسمى [كما لا يخفى نعم] يكونان من محل النزاع (لو اريد مثلا من عينين فردان من الجارية
وفردان من الباكية) اذ (كان) الاستعمال كذلك (من استعمال العينين فى المعنيين إلّا ان
حديث التكرار لا يكاد يجدى فى ذلك) لو سلمنا جدواه فى مثل عينين اذا اريد بها الجارية
والباكية او فردين من احدهما وقلنا ان حاله حال ما لو كرر اذ المقام ليس من هذا
القبيل بل من قبيل اطلاق عين وارادة معنيين وقد اعترف بعدم صحته وهذا منه (فان فيه الغاء قيد
الوحدة المعتبرة ايضا) لا محاله (ضرورة
ان التثنية عنده انما تكون لمعنيين او لفردين بقيد الوحدة) فاذا استعملها فى اربع لغى هذا القيد (والفرق بينهما وبين
المفرد انما يكون فى انه موضوع للطبيعة وهى موضوعه لفردين منها او معنيين كما هو
اوضح من ان يخفى) نعم لو كان المثنى بمعناه التركيبى وهو كلا المعنيين او فردان من معنى
ايضا تعرضه التثنية ويثنى لم يلزم الالغاء وكان حكمه حكم الاول والجمع كالتثنية فى
كل ما ذكر لا يقال ان لفظ عينيين مثلا ايضا يلزم فيه الغاء قيد الوحدة لان مفرده
عين بالتنوين ولا يخلو ما ان يكون هو والتنوين وضعا وضعا واحدا لفرد من العين
الجارية مثلا او انه هو وضع للطبيعة والتنوين للدلالة على ارادة فرد منها وعلى كلا
التقديرين فالمعنى مقيد بالوحدة
سواء كان المعنى للمجموع او للتنوين فاذا ثنى لزم الالغاء لا محاله ولا وجه
لما ذكرتم من الفرق من ان المفرد موضوع للطبيعة فان المفرد هو النكرة لا اسم الجنس
ولو كان المفرد هو اسم الجنس والتثنية فى قوة تكريره لزم ارادة طبيعتين منها لا
فردين من الطبيعة فيلزم الالغاء حينئذ بالضرورة بطريق اولى لانا نقول المفرد هو
النكرة قطعا فلو جئت بنكرتين مكررتين كنت قد اردت من كل واحدة فردا من الطبيعة
وعند التثنية أبدلت الثنويتين الدالين على المعنى بقيد الوحدة بالف ونون دالين على
ذينك المعنيين وهما الفردان فبالتثنية انما الغيت الدال على الوحدة وابدلته بدال
آخر فكان فى قوة تكريره لا انك الغيت قيد الوحدة مع بقاء الدال كما كان فى المشترك
فتأمل فانه دقيق جدا (وهم
ودفع لعلك تتوهم ان الاخبار الدالة على ان للقرآن بطونا سبعة او سبعين تدل على
وقوع استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد فضلا عن جوازه ولكنك غفلت عن انه لا
دلالة لها اصلا على ان ارادتها كان من باب ارادة المعنى من اللفظ فلعله كان
بارادتها فى انفسها حال الاستعمال فى المعنى لا من اللفظ كما اذا استعمل فيها او
كان المراد من البطون لوازم معناه المستعمل فيه اللفظ وان كان افهامنا قاصرة عن
ادراكها) قلت لا اشكال
عندى فى عدم ارادة كلا التفسيرين لشهادة الاخبار بما يعلم منه ارادة معنى آخر ومن
جملة معانى بطونه ان لحروفه تاليفات خاصه يوشك ان لا تتناهى لها معان وخواص وآثار
كما شهد بذلك جملة من الاخبار وعلى ذلك ينطبق قوله عزّ من قائل وفيه تبيان كل شيء
ولقد رايت كتاب عنوان الشرف الوافى فى الفقه والنحو والتاريخ والعروض والقوافى
لشرف الدين ابن المقرى إسماعيل ابن ابى بكر اليمنى المتوفى سنة سبعمائة او
ثمانمائة وسبع وثلاثين وهذا الكتاب عنوانه الفقه وقد رتب ترتيبا خاصا تخرج باقى
العلوم منه وصورة ترتيب صفحاته كما فى الهامش
فاذا قرئت الصفحة عرضا خرج منه علم الفقه واذا قرأ ما بين الخطين الاولين
طولا من كل صفحه والمرسوم فيه هو الحرف الاول من كل سطر خرج العروض واذا قرأ ما
بين الخطين الاخيرين كذلك والمرسوم فيه هو الحرف الآخر من كل سطر خرج علم القوافى
واذا قرأ ما بين الخط الثالث والرابع طولا من كل صفحه خرج التاريخ واذا قرأ ما بين
الخط الخامس والسادس كذلك خرج النحو وجميع هذه العلوم تخرج من هذا الترتيب باحسن
التأدية فصاحة وبلاغة ومجموع الكتاب خمس كراريس كبار وانه لمن عجائب الامور وغرائب
الدهور قال السيوطى فى المحكى عنه وقد عملت كتابا على هذا النمط فى كراسة فى يوم
واحد وسميته النفحة المسكية والتحفة المكية انتهى واحتمل صاحب الفصول فى معنى
البطون ما يقرب من هذا المعنى ولعل غرضه ما ذكرنا الأمر (الثالث عشر) من الامور المذكورة فى الكلام على المشتق اعلم (انه اختلفوا فى ان
المشتق) هل هو (حقيقة فى خصوص ما
تلبس بالمبدإ فى الحال او فيما يعمه وما انقضى عنه المبدأ على اقوال) اظهرها وصحتها هو الاول وهذا الخلاف انما وقع (بعد الاتفاق) منهم (على كونه مجازا فيما يتلبس به فى
الاستقبال) وقد اطلق
عليه فعلا (وقبل
الخوض فى المسألة وتفصيل الاقوال فيها وبيان الاستدلال عليها
ينبغى
تقديم امور) ستة (احدها
ان المراد بالمشتق هاهنا) اى فى مباحث الاصول (ليس مطلق المشتقات) حتى الافعال والمصادر كما يراد منه ذلك اذا اطلق فى
مباحث النحو والصرف والمعانى والبيان (بل) المراد (خصوص ما يجرى منها على الذوات مما يكون
مفهومه منتزعا عن الذات بملاحظة اتصافها بالمبدإ واتحادها معه بنحو من) انحاء [الاتحاد] سواء [كان] الاتحاد [بنحو الحلول] كالعالم والجواد والحسن والقبيح والاحمر وغير ذلك [او الانتزاع] مع عدم تحقق شيء فى الخارج الا المنتزع عنه كالملك
وغيره من الاضافات والاعتبارات او الانتزاع مفهوما وان اتحدا خارجا من كل جهة
كصفات الواجب [او
الصدور] كالقائم
والآكل وغيرهما [او
الايجاد] كالتكلم فى
صفاته تعالى او الوقوع عليه كمضروب ومقتول وغيرهما او الوقوع فيه كمجلس وموطن
وماوى وغير ذلك من غير فرق فيما يدل على ذلك وان تغايرت الهيئات (كاسماء الفاعلين
والمفعولين والصفات المشبهات بل وصيغ المبالغة واسماء الأزمنة والأمكنة) كمجلس ومبيت ومشرق ومغرب وغير ذلك من الاسماء الموضوعة
للزمان او المكان باعتبار وقوع الفعل فيه والغالب اشتراك الالفاظ الموضوعة لهما
بينهما كالامثلة المذكورة ومن المختص بالزمان مقتل لكل يوم يساوى يوم عاشورا وقتا
والآلات كمنجل ومنشار ومنحت وغير ذلك وانما الحقنا صيغ المبالغة وما بعدها لوجود
المناط (كما
هو ظاهر العنوانات وصريح بعض المحققين) من عموم البحث للجميع (مع عدم صلاحية ما يوجب اختصاص النزاع
بالبعض الا) ما قيل من ظهور قصر (التمثيل) للمقام (به) اى بالبعض (وهو غير صالح) لا يجاب الاختصاص (كما هو واضح فلا وجه لما زعمه بعض
الاجلة) وهو صاحب
الفصول (من
الاختصاص باسم الفاعل وما بمعناه من الصفات المشبهة وما يلحق بها وخروج ساير
الصفات ولعل منشائه توهم كون ما ذكره لكل منها مما اتفق عليه الكل وهو كما ترى) لا يصلح وجها للتخصيص ضرورة ان الاتفاق على معانى تلك
الصفات لا ينافى البحث عنها بما هى ومن حيث ذاتها كما لا منافات بين اتفاقهم على
عدم صحة اطلاق بعض اسماء الفاعلين على ما انقضى عنه المبدا مثل الكافر والملحد بعد
الايمان وبين اتفاقهم على انه من محل النزاع ولذا اجابوا عن ذلك بان عدم الجواز
شرعى لا وضعى (و) مثل ذلك (اختلاف التلبسات حسب تفاوت مبادى
المشتقات بحسب الفعلية والشأنية والصناعة والملكة حسبما ذكر) هذا البعض (من انه يشير اليه) فى اثناء المسألة فانه (لا يوجب تفاوتا فى المهتم من محل النزاع
هاهنا كما لا يخفى) وستعرف توضيح ذلك مفصلا فى الامر الرابع وما بعده (ثم انه لا يبعد ان
يراد بالمشتق فى محل النزاع مطلق ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا
عنها بملاحظة اتصافها بعرض) كابيض واسود وغير ذلك (او عرضى) كقائم وقاعد وامثال ذلك (ولو كان) المفهوم الجارى (جامدا كالزوج والزوجة والرق والحر)
وما اشبهه ذلك ضرورة ان الجميع من واد واحد من حيث الصدق العرفى ومناط
الصدق فلا موقع لاحتمال اختصاص النزاع بالمشتق (فان ابيت الا عن اختصاص النزاع المعروف
بالمشتق) بوصفه
العنوانى (كما
هو قضية الجمود على ظاهر لفظه) فلنا ان نقول انه انما جعل عنوانا للنزاع من باب
المثال (فهذا
القسم من الجوامد ايضا محل النزاع كما يشهد به ما عن الايضاح فى باب الرضاع فى
مسئلة من كانت له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجته الصغيرة ما هذا لفظه تحرم المرضعة
الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين واما المرضعة الاخرى ففى تحريمها خلاف
فاختار والدى المصنف رحمهالله وابن ادريس تحريمها
لان هذه يصدق عليها ام زوجته لانه يشترط فى المشتق بقاء المشتق منه فكذا هاهنا) انتهى كلامه وشهادتها بما ذكرنا واضحة (و) يشهد به ايضا (ما عن المسالك من ابتناء الحكم فيها على
الخلاف فى مسئلة المشتق فعليه كلما كان مفهومه منتزعا من الذات بملاحظة اتصافها
بالصفات الخارجة عن الذاتيات) سواء (كانت عرضا او عرضيا كالزوجية والرقية
والحرية وغيرها من الاعتبارات والاضافات كان محل النزاع وان كان جامدا وهذا بخلاف
ما كان مفهومه منتزعا عن مقام الذات والذاتيات) كالحجر والشجر وسائر عناوين موضوعات الاحكام الشرعية
التكليفية والوضعية (فانه
لا نزاع فى كونه حقيقة فى خصوص ما اذا كانت الذات باقية بذاتياتها) ولذا تراهم فى مقام الشك يرجعون الى الى استصحابها
اتفاقا من القائلين بحجيته ولم يبين احد منهم المسألة على المشتق فلاحظ (ثانيها قد عرفت) قريبا (انه لا وجه لتخصيص النزاع ببعض المشتقات
الجارية على الذوات) وقد عرفت وجهه (إلّا
انه ربما يشكل) التعميم (بعدم
امكان جريانه فى اسم الزمان لان الذات فيه وهى الزمان بنفسه ينقضى وينصرم فكيف
يمكن ان يقع النزاع فى ان الوصف الجارى عليه حقيقة فى خصوص المتلبس بالمبدإ فى
الحال او فيما يعم المتلبس به فى المضى ويمكن حل الاشكال بان) اسم الزمان لم يوضع لخصوص الزمان المنصرم بما هو كذلك
بل موضوع للزمان العام و (انحصار
مفهوم عام بفرد كما فى المقام)
لا يوجب سقوط النزاع فيه بما هو عام (ولا يوجب ان يكون وضع اللفظ بازاء الفرد
دون العام) فيسقط النزاع
حينئذ فالنزاع جار فيه ايضا (وإلّا) فلو كان الانحصار موجبا لسقوطه (لما وقع الخلاف فيما
وضع له لفظ الجلالة) مع انحصار المعنى فى فرد وان ذهب سيبويه والخليل واكثر الاصوليين
والفقهاء الى عدم اشتقاقه فيما حكى فى الرق المنشور فى تفسير آية النور هذا (مع ان لفظ الواجب) الذى هو من محل النزاع قطعا (موضوع للمفهوم العام
مع انحصاره فيه تبارك وتعالى) قلت وفى هذا الجواب ما لا يخفى مضافا الى استلزامه
سقوط جميع تحريرات النزاع الخاصة بموضوع خاص للزوم التعميم فيها نظرا الى ما ذكر
اذ لا خصوصية للمقام فى اقتضاء هذه الجهة عموم البحث فيه وعندى فى حل الاشكال وجه
آخر ربما يأنس به الذهن وهو ان من المعلوم ان اطلاق ما هو حقيقة فى حال التلبس على
ما انقضى عنه المبدا مجاز ولا يطلق إلّا حيث توجد المناسبة ولذا حسن هذا الاطلاق
فى مقامات وقبح فى مقامات آخر مع ان الجميع من واد واحد من حيث انقضاء المبدا فيحسن
فى مثل محسن ويقبح فى مثل حسن والزمان حيث ان اجزائه متساوية بحسب الذات وصفاتها
الذاتية وانما تمتاز بالتقدم والتأخر حتى صار كل الدهر كانه يوم واحد فاذا وقع فى
بعض اجزاء الزمان ما يناسب اطلاقه مجازا على ما انقضى عنه المبدا لوحظ ذلك الجزء
السابق مع كل جزء لاحق مما يساويه وقتا كأنه جزء واحد مستمر الوجود فاطلق عليه بعد
الانقضاء ومن ذلك اطلاق مقتل على كل عاشر من كل شهر محرم وليلة المبيت على الفراش
ويوم مرد الرأس الشريف وهكذا على ما يساويها وقتا فيكون النزاع فى انه لو كان هذا
الجزء مستمرا حقيقة فهل هذا الاطلاق حقيقى او مجازى فعلى الاول لا يلزم فى المقام
الا تجوز واحد وهو عد الزمان اللاحق هو السابق بعينه وعلى تقدير المجازية يلزم
مجازان مجاز فى الموضوع وقد عرفته ومجاز فى الاطلاق من حيث انقضاء المبدا فتأمل
فيه واستانس له بنظائر فانها كثيرة (ثالثها) قد عرفت (انه من الواضح خروج الافعال والمصادر
المزيد فيها عن حريم النزاع) موضوعا لكونها غير جارية على الذوات
وموضوع النزاع هو الجارى عليها باعتبار اتحادها مع المبدا بنحو من الاتحاد (ضرورة ان المصادر
المزيد فيها) وان كانت ميمية كمنقلب على احد الوجهين بل وكذا اسماء المصادر (كالمصادر المجردة فى
الدلالة على ما يتصف به الذوات ويقوم بها) لا على الذات بذلك الاعتبار كما لا يخفى (و) ضرورة [ان الافعال انما تدل على قيام المبادى
بها] اى بالذوات
قيام صدور او حلول ان نسبت الى الفاعل وقيام وقوع عليه او به او له او فيه اذا
نسبت الى المفعول [او] تدل [على طلب فعلها] اى فعل المبادى [او تركها منها] اى من الذوات كما اذا امر بها او نهى عنها وهكذا تختلف
الدلالات [على
اختلافها ازاحة شبهه] سبق اليها علماء النحو وتابعهم على ذلك جماعة من
الاصوليين وهى [انه
قد اشتهر فى السنة النحات دلالة الفعل على الزمان حتى اخذوا الاقتران بها فى
تعريفه فقالوا الفعل ما دل على معنى فى نفسه مقترن باحد الازمنة الثلاثة وهو
اشتباه] ان قصدوا به
ظاهره وان ارادوا ما سنحققه بعون الله تعالى وتوفيقه فنعم المراد اعلم وفقك الله
تعالى ان الافعال الخارجية بالنسبة الى فاعليها تارة تلحظ بوجودها الذهنى وتصورها
صرفا وتارة تلحظ بعد الوقوع والتحقق واخرى قبل الوقوع والتحقق من حيث شأنية الوقوع
وتارة حال الوقوع اما بنفسه خاصه او مع ما قبله او مع ما بعده او معهما جميعا هذا
فى مقام الثبوت واما فى مقام الاثبات فطورا اخبار وطورا انشاء ثم ان مادة الوقوع
ومعناه تقتضى زمانا ما منقضيا او آتيا او ما بينهما وهو محل افتراق المفهومين ثم
اعلم ايضا ان الالفاظ التى وضعت للدلالة على تلك الافعال على انحاء فمنها ما وضع
لها للدلالة عليها فقط مع قطع النظر عن كل جهة وهى المصادر واسمائها ومنها ما وضع
لها للدلالة عليها من حيث الوقوع وهذه بحسب الهيئات على اقسام منها ما يدل على
الوقوع ويلزم الوقوع عقلا زمان ما ظرفا له فان لوحظ هذا الزمان بحسب الوجود
الخارجى كان اعم من المنقضى والآتي وما بينهما وان لوحظ بحسب الوجود النسبى اختص
بالمنقضى والوقوع مختص بحسب وجود الزمان النسبى بالمنقضى مشترك فى اللزوم بحسب
الوجود الخارجى بين الثلاثة وسيأتى المثال
إن شاء الله تعالى ومنها ما يدل بهيئته على الايقاع ويلزم الايقاع عقلا زمن
ما ظرفا له وهو مختص بالزمان الآتي بحسب الوجود الحقيقى ومشترك بين الثلاثة بحسب
الوجود النسبى عكس الاول ومنها ما يدل بهيئته على انه يقع ويتحقق ويوجد وهو بحسب
الوجود الحقيقى مشترك بين غير المنقضى وبحسب النسبى بين الثلاثة ومنها ما يدل
بهيئته على الوقوع مشتركا بين الثلاثة الحقيقية والنسبية وان انصرف فى الجملة الى
مجمع الافتراق وما قبله دون ما بعده ومنها ما يدل بهيئته على طلب الايقاع ويلزم
ذلك عقلا زمن ما وهو بحسب الوجود الحقيقى مشترك بين غير المنقضى وبحسب النسبى بين
الثلاثة اذا عرفت ما ذكرناه باسره فاعلم ان الموضوع فى القسم الاول والثانى هو
اللفظ المسمى فى الاصطلاح بالفعل الماضى كفعل وغيره من المزيد فيه فلفظ فعل دال
على وقوع الفعل ولازمه زمان منقضى نسبة ومشترك بين الثلاثة حقيقة فاذا قلت ضرب زيد
دل على المنقضى نسبة وحقيقة دلالة عقلية التزامية واذا قلت حين شروع الفاعل فى
الفعل فعل كضرب حين شروعه فى الضرب أو قام كذلك دلا على المنقضى بالنسبة الى آن
قولك والحال بالنسبة الى الحقيقى واذا قلت ان ضرب زيد فاضربه دل على المنقضى نسبة
الى ترتيب الجزاء والمستقبل الآتي حقيقة وحيث ان موارد استعماله فى الآخرين لها
مشخصات خاصه صار اذا اطلق يفهم منه القسم الاول والسر فى ذلك الذى يوضح لك خطأ
النحات هو ان هيئة ضرب انما تدل على الوقوع فمعنى ضرب زيد وقع الضرب منه ولازم
مادة الوقوع ومعناه ظرفية الزمن الماضى المنقضى له فاذا دخلت ان الشرطية ارتفع هذا
اللزوم حقيقة فانظر فهل ترى فى قولك ان ضرب زيد غير معنى ان تحقق الضرب منه وهل
ترى فيه مقدار جنح البعوضة من ارادة الزمان وهل ترى انك تجوزت فى اللفظ فى معنى
آخر او هو بعينه قولك ضرب زيد اضفت اليه أداة الشرط ولو كان كما يقول النحات من ان
مدلول الهيئة الزمان والمادة المصدر لكان يكفى فى الترجمة ان تقول زمان ضرب زيد
ماضى او ضربه زمانا ماضيا فيكون معناه الاخبار عن مضى زمن الضرب والحال انك لم
تقصد الا الاخبار
عن وقوع الضرب من زيد لا عن زمن الوقوع بعد الفراغ عنه فتدبر فانه دقيق هذا
فى الوقوع واما استعماله فى الايقاع فذلك كثير كجميع ما يستعمل فى ايجاب العقود
وقبولها مثل بعت وقبلت واشتريت ووهبت وغيرها وجميع ما يستعمل فى السؤال كقولهم فان
قلت والجواب كقولهم قلت وجميع ما يوقعه من يطلب منه الايقاع فى المحل القابل لذلك
كآمنت انه لا إله الا الذى آمنت به بنو اسرائيل وما اشبه ذلك على كثرته ومنه يعلم
عدم الحاجة الى ما تكلفه العلامة فيما حكى عنه من انه لا بد من نقل بعت شرعا الى
الانشاء اذ لو كانت اخبارا لزم التسلسل مضافا الى ما فى هذا الاستدلال مما لا يخفى
واما الموضوع للقسم الثانى فهو اللفظ المسمى عندهم بالمضارع فاذا قلت حال اشتغال
الفاعل بالفعل يضرب دل على الحال النسبى والحقيقى واذا قلت يضرب غدا مثلا دل على
الآتي نسبيا وحقيقيا واذا قلت زيد لم يضرب دل على الآتي نسبيا والمنقضى حقيقيا
واذا قلت يضرب واطلقت احتمل المعانى الثلاثة وينصرف الى احد الاخيرين كانصراف
الماضى الى ما ذكرناه واما الموضوع للقسم الثالث فهو لفظ اسم الفاعل كزيد ضارب امس
او غدا او فعلا ومع عدم القيد مشترك وينصرف فى الجملة الى الحال وما قبله كما هو
واضح واما الموضوع للقسم الرابع فهو اللفظ المسمى عندهم بفعل الامر فاذا قلت اضرب
دل على طلب الايقاع واثر الايقاع هو الوقوع ويلزم الوقوع عقلا زمن ما مشترك بين
غير المنقضى حقيقة وبين الثلاثة نسبة كما اذا قلت قلت لزيد امس اضرب وحيث توسط هنا
بين الهيئة الدالة على الوقوع ونفس الوقوع الايقاع كانت الدلالة الالتزامية
العقلية اخفى للواسطة المذكورة وجميع ما ذكرناه وجدانى وبرهانى لا ينبغى وقوع الشك
فيه وحينئذ فان اراد النحات بما ذكروا من الدلالة هذه الدلالة العقلية الالتزامية
ومن المضى والاستقبال ما عرفت فنعم ما قالوا وان ارادوا غير ذلك منعناه هذا كله
فيما اذا كان المسند اليه من الزمانيات اما اذا كان نفس الزمان او المجردات عن
الوضع كالواجب والنفس والعقل على رأى فيسقط لزوم الظرف للوقوع وتسقط الدلالة
العقلية الالتزامية لسقوط موضوعها والفعل
مستعمل فى معناه الحقيقي لم يتغير ولم يتبدل كما اذا قلت وجد الزمان او علم
الله او يعلم الله وهكذا والى ما ذكرنا باسره اشار المصنف دام ظله حيث قال بعد ان
جزم باشتباه النحات ما هذا لفظه (ضرورة عدم دلالة الامر) كما عرفت (ولا النهى) المقصود به ترك ما يطلب بالامر (عليه) اى على الزمان (بل) انما يدلان (على انشاء طلب الفعل او الترك غاية
الامر نفس الانشاء بها فى الحال) وكان ذلك هو منشأ الاشتباه مع الغفلة عن ان الحال فيه (كما هو الحال فى
الاخبار بالماضى او المستقبل او بغيرهما كما لا يخفى بل يمكن منع دلالة غيرهما من
الافعال على الزمان إلّا بالاطلاق) اى الانطباق الذى عرفت معناه والمقطوع به عندى آن
العبارة الا بالانطباق ولكن النسخ المطبوعة متفقة على لفظ الاطلاق (والاسناد الى
الزمانيات) الذين تدور
الدلالة الالتزامية العقلية مدارهما معا وجود او عدما فليس الزمان جزء معناهما
ومدلول لفظهما (وإلّا
لزم القول بالمجاز والتجريد عند الاسناد الى غيرها من نفس الزمان والمجردات نعم لا
يبعد) صحة ما
استثنياه من الدلالة لاحتمال (ان
يكون لكل من الماضى والمضارع بحسب المعنى خصوصية اخرى موجبة للدلالة) بلا قرينة (على وقوع النسبة فى الزمان الماضى فى
الماضى وفى الحال او الاستقبال فى المضارع فيما كان الفاعل من الزمانيات) وقد عرفت تلك الخصوصية ونزيدك فى المقام ان هناك مواد
ثلاثة وقع وواقع ويقع وقد عرفت ان لازم مادة وقع كون الزمن المنقضى ظرفا لمبدئه ما
لم يرفع ذلك اللزوم رافع فاعلم هنا ان لازم مادة واقع زمن ما عقلا لزوما بينا
بالمعنى الاعم ولذا لا ينتقل الذهن من زيد ضارب الى الزمان دفعه ولازم مادة يقع هو
عكس مادة وقع ما لم يمنع مانع كدخول لم عليه مثلا وما ذكرناه فى الماضى بعينه جار
هنا وبالجملة فالمطلب لدى ذى النظر الدقيق من الواضحات ولا اظن ان قد قصد من لفظ
الاقتران غيره النحات وان وهم فى كلامهم من وهم ورتب على ذلك الآثار مثل كونه دالا
على الزمان دلالة تضمنية وغير ذلك ومما يوضح لك ايضا كون ذلك للخصوصية لا للدلالة
اللفظية (ويؤيده
ان المضارع) يشبه (ان
يكون
مشتركا معنويا بين الحال والاستقبال ولا معنى له إلّا ان يكون له خصوص معنى صح
انطباقه على كل منهما) وهو ما عرفته من المعنى الذى يلزمه عقلا زمن ما ظرفا له والخصوصية اوجبت
اشتراكه بين هذين دون المنقضى بحسب الوجود الحقيقى وفى الماضى بالعكس (لا انه يدل على مفهوم
زمان يعمهما كما ان الجملة الاسمية كزيد ضارب يكون لها معنى صح انطباقه على كل
واحد من الازمنة مع عدم دلالتها على واحد منها اصلا) باعتراف النحات (فكانت الجملة الفعلية مثلها وربما يؤيد
ذلك ان الزمان الماضى فى فعله وزمان الحال او الاستقبال فى المضارع لا يكون ماضيا
او مستقبلا حقيقة) بل يكون فى جملة من المقامات نسبيا (لا محالة بل ربما يكون فى الماضى مستقبلا
حقيقة) بالنسبة الى
ما قبله وماضيا حقيقة بالنسبة الى ما بعده (وفى المضارع يكون ماضيا كذلك وانما يكون
ماضيا او مستقبلا فى فعلهما بالاضافة كما يظهر من مثل قوله يجيئنى زيد بعد عام وقد
ضرب قبله بايام وقوله جاء زيد فى شهر كذا وهو يضرب فى ذلك الوقت او فيما بعده مما
مضى) والأمثلة
كثيرة (فتأمل
جيدا ثم) حيث انتهى
الكلام الى بيان ما وقع من النحات من الاشتباه فى وضع الافعال (فلا باس بصرف العنان
الى بيان ما به يمتاز الحرف عما عداه بما يناسب المقام) من ذكر ما عرفه به النحات مما يقضى بالاشتباه فى وضعه
على ما هو الظاهر لاجل رفع هذا الاشتباه وان تابعهم عليه جمع من المحققين و (لاجل الاطراد فى
الاستطراد فى تمام الاقسام فاعلم انه وان اشتهر بين الاعلام ان الحرف ما دل على
معنى فى غيره وقد بينا) فيما تقدم حسبما ادى اليه النظر القاصر وبينه المصنف حسبما اقتضاه نظره (فى الفوائد بما لا
مزيد عليه إلّا أنّك عرفت فيما تقدم عدم الفرق فيما بينه وبين الاسم بحسب المعنى
وانه فيهما ما لم يلحظ فيه الاستقلال بالمفهومية ولا عدم الاستقلال بها وانما
الفرق بينهما بشيء آخر وهو انه) اى الحرف (وضع ليستعمل و) قد (اريد
منه معناه حالة لغيره وبما هو فى الغير ووضع غيره) من كل مستقل بالمفهومية (ليستعمل و) قد (اريد
منه معناه بما هو هو وعليه يكون كل من الاستقلال
بالمفهومية
وعدم الاستقلال بها انما اعتبر فى جانب الاستعمال لا فى المستعمل فيه ليكون بينهما
تفاوتا بحسب المعنى فلفظ الابتداء لو استعمل فى المعنى الآلي ولفظة من فى المعنى
الاستقلالى لما كان مجاز او استعمالا له فى غير ما وضع له وان كان) استعماله كذلك (بغير ما) اى بغير اللحاظ الذى (وضع له) وهو لحاظه فى مقام الاستعمال آليا (فالمعنى فى كليهما) من ولفظ الابتداء له من حيث العنوان حالات ثلث (فى نفسه) وهو كلى طبيعى يصدق على كثيرين ومقيدا (باللحاظ الاستقلالى) كمعنى لفظ الابتداء (او الآلي) كمعنى من وهو (كلى عقلى وان كان بملاحظة ان لحاظه
وجوده ذهنا كان جزئيا ذهنيا فان الشيء ما لم يتشخص لم يوجد وان كان بالوجود الذهنى
فافهم وتأمل فيما وقع فى المقام من الاعلام من الخلط والاشتباه وتوهم كون الموضوع
له او المستعمل فيه فى الحروف خاصا) والوضع عام (بخلاف ما عداه فانه عام) وضعا وموضوعا وليت (شعرى ان كان قصد الآلية فيها موجبا لكون
المعنى جزئيا فلم لا يكون قصد الاستقلالية فيه موجبا له وهل يكون ذلك الا لكون هذا
القصد ليس مما يعتبر فى الموضوع له ولا المستعمل فيه بل فى الاستعمال فلم لا يكون
فيها كذلك كيف) لا (وإلّا
لزم ان يكون معانى المتعلقات غير منطبقة) وصادقه (على الجزئيات الخارجية لكونها على هذا) الذى ذكرت من تقييدها باللحاظ الآلي (كليات عقلية والكلى
العقلى لا موطن له الا الذهن) وان اردت التوضيح (فالسير والبصرة والكوفة فى سرت من
البصرة الى الكوفة لا يكاد يصدق على السير والبصرة والكوفة) فى الخارج (لتقيدها بما اعتبر فيه القصد فتصير
عقلية فيستحيل انطباقها على الامور الخارجية وبما حققنا يوفق بين جزئية المعنى
الحرفى بل الاسمى والصدق على الكثيرين و) يعلم (ان الجزئية باعتبار تقييد المعنى
باللحاظ فى موارد الاستعمالات آليا كان) المعنى (او استقلاليا وكليته بلحاظ نفس المعنى
ومنه ظهر عدم اختصاص الاشكال والدفع بالحرف بل يعم غيره) مما قيل بوضعها وضع الحرف كما عرفت ذلك مفصلا اقول وقد
عرفت ما فى بعضه ايضا من ان لحاظ الآلية ليس كالاستقلالية
ومثلنا لك ذلك بالمطلق والمقيد وقلنا ان كون اعتق رقبة مؤمنة يلحظ مقيدا لا
يوجب لحاظ اعتق رقبة مقيدا بالاطلاق وإلّا لسقط التقييد وثبت التعارض بينهما دائما
فقولهم فى الاسم ما دل على معنى فى نفسه انما هو فى مقابل الحرف اذ هو ما دل على
معنى فى غيره فان قيد بنفسه فى حد الاسم كقولهم مطلق فى رقبة معناه لا فى غيره كما
ان معنى مطلق يعنى غير مقيد (فتامل
فى المقام فانه دقيق ومزال للاعلام وقد سبق فى بعض الامور بعض الكلام والاعادة مع
ذلك لما فيها من الفوائد والإفادة فافهم
رابعها
ان اختلاف المشتقات فى المبادئ وكون المبدأ فى بعضها حرفة وصناعه) ككاتب لمن لم يتلبس فعلا او حرفة وحدها كتاجر وبقال او
صناعة وحدها ككاتب ونقاش لمن لم يتخذ ذلك حرفة له (وفى بعضها قوة وملكه) كعالم وفى بعضها قوة فقط كدواء نافع وفى بعضها فعليا
كضارب للمتلبس به فعلا غير مضر فيما نحن بصدده و (لا يوجب اختلافا فى دلالتها بحسب الهيئة
اصلا ولا تفاوتا فى الجهة المبحوث عنها كما لا يخفى غاية الامر انه يختلف التلبس
به) اى بالمبدإ (فى المضى او الحال
فيكون التلبس به فعلا لو اخذ حرفة او ملكه) لوجودهما فعلا فيه (ولو لم يتلبس به) اى بمبدئهما (الى الحال او انقضى عنه) التلبس به (ويكون) التلبس (مما مضى او ياتى لو اخذ فعليا لا حرفة
وملكة) فكاتب وتاجر
يلحظان على نحوين والنحو الثالث فيهما هو المتلبس فعلا بهما (فلا يتفاوت فيها
انواع التلبسات وانحاء التعلقات كما اشرنا اليه خامسها) الاصح (ان المراد بالحال فى عنوان المسأله هو
حال التلبس لا حال النطق) وفاقا لجمع من المحققين وخلافا لآخرين منهم (ضرورة ان مثل كان زيد
ضاربا امس او سيكون غدا ضاربا حقيقة اذا كان متلبسا بالضرب فى الامس فى المثال
الاول ومتلبسا به فى الغد) بعد حضور غد (فى الثانى فجرى المشتق وصدقه على الذات
من حيث اتصافها بالمبدإ حيث كان بلحاظ حال التلبس وان مضى زمانه فى احدهما ولم يات
بعد فى آخر كان) جريا وصدقا على الموضوع له (حقيقة بلا خلاف ولا ينافيه الاتفاق على
ان مثل زيد ضارب غدا مجاز فان الظاهر انه) يختلف الاطلاق حقيقة ومجازا باختلاف
المواضع ففى موضع الحمل ان قصد انه يتصف فعلا بكونه ضاربا غدا فيكون ضارب
كالعقد وغد كالاجازة كاشفة كان مجازا قطعا وان قصد انه متاهل فعلا لان يكون ضاربا
غدا نظير العقد والاجازة ناقلة كان حقيقة قطعا لوجود الأهلية لذلك فعلا والضابط
انه (فيما
اذا كان الجرى فى الحال كما هو قضية الاطلاق) الحملى (والغد انما يكون لبيان زمان التلبس
فيكون الجرى والاتصاف فى الحال والتلبس فى الاستقبال) يكون مجازا (ومن هنا ظهر الحال فى مثل زيد ضارب امس
وانه داخل فى محل الخلاف والاشكال و) لو كان الغرض وصفه بالتاهل فعلا لذلك فى مثل غد وبثبوت
ضاربية امس له فعلا و (كانت
لفظة امس أو غد قرينة على تعيين زمان النسبة والجرى ايضا كان المثالان) وما اشبههما (حقيقة) فمثال غد حقيقة ومجازا كالمشروط بالشرط المتأخر ومثال
امس بالنسبة الى ذلك كالمشروط بالشرط المتقدم فاذا قلت ضارب الآن فكان المشروط بالشرط
المقارن (وبالجملة
لا ينبغى الاشكال فى كون المشتق حقيقة فيما اذا جرى على الذات بلحاظ حال التلبس) على النهج الذى ذكرناه (ولو كان فى المضى او الاستقبال وانما
الخلاف فى كونه حقيقة فى خصوصه او فيما يعم ما اذا جرى عليه فى الحال بعد ما انقضى
عنه التلبس بعد الفراغ عن كونه مجازا فيما اذا جرى عليها فعلا بلحاظ التلبس فى
الاستقبال) فقد ظهر لك
مما ذكرنا ان الملحوظ حال التلبس لا زمان الحال المعبر عنه بحال النطق (و) مما (يؤيد ذلك اتفاق اهل العربية على عدم
دلالة الاسم على الزمان ومنه الصفات الجارية على الذوات ولا ينافيه اشتراط العمل
فى بعضها بكونه بمعنى الحال او الاستقبال ضرورة ان المراد الدلالة) الالتزامية العقلية (على احدهما) لا الماضى (بقرينة) صارفة عن الماضى لما عرفت من ان لازم معنى الوقوع فيه
زمن ما مشترك بين الثلاثة حيث يطلق (كيف لا وقد اتفقوا على كونه مجازا فى الاستقبال) فكيف يمكن ان يريدوا بالدلالة فى مقام الاشتراط
الحقيقية وحيث كان التعبير فى مقام الاشتراط على نسق واحد بالنسبة الى الحال
والاستقبال كان الظاهر كون الدلالة ايضا من نسق واحد وهى الدلالة
المجازية (لا
يقال يمكن ان يكون المراد بالحال فى العنوان) وان كانت دلالة المشتق على ذلك مجازيه هو (زمانه) المعبر عنه مجال النطق (كما هو الظاهر منه عند اطلاقه) فان اضافته الى التلبس انما يلتزم بها للقرينة (و) قد (ادعى) ايضا (انه الظاهر فى المشتقات اما لدعوى
الانسباق من الاطلاق) فى العنوان (او
بمعونة قرينة الحكمة) اذ لو ارادوا حال التلبس لقيدوه (لانا نقول هذا الانسباق وان كان مما لا
ينكر إلّا انهم فى هذا العنوان بصدد تعيين ما وضع له المشتق لا تعيين ما يراد
بالقرينة منه) واما الا نسبق من الفاظ المشتقات فذاك لظهور الحمل لا لظهور اللفظ ومع
عدم الحمل لا نسلمه (سادسها
[انه لا اصل فى نفس هذه المسألة يعول عليه عند الشك]) لو تعارضت الادلة فى النظر وتساقطت ولم يتعين ان
الموضوع له خصوص حال التلبس او ما يعمه وما انقضى عنه المبدا وبقى الشك فهل من اصل
فى البين يعين الوضع لاحد الطرفين او لا الظاهر (انه لا اصل فى نفس هذه المسألة يعول عليه
عند الشك واصالة عدم ملاحظة الخصوصية مع معارضتها باصالة عدم ملاحظة العموم لا
دليل على اعتبارها فى تعيين الموضوع له واما) تعيين الوضع للقدر المشترك دون خصوص حال التلبس و (ترجيح الاشتراك
المعنوى على الحقيقة والمجاز اذا دار الامر بينهما لاجل الغلبة فممنوع لمنع الغلبة
اولا) لو سلم
حجبتها (ومنع
نهوض حجة على الترجيح بها) لو سلم تحققها (ثانيا واما الاصل العملى) (فيختلف فى
الموارد فاصالة البراءة فى مثل اكرم كل عالم يقتضى عدم وجوب اكرام ما انقضى عنه
المبدا قبل الايجاب كما ان قضية الاستصحاب وجوبه لو كان الايجاب قبل الانقضاء) وفى مثل اكرم كل عالم ولا تكرم فاسقا فيما انقضى
مبدئهما. قبل الايجاب والتحريم اصالة البراءة منهما معا واما اذا كان الانقضاء بعد
الايجاب والتحريم ففيما انقضى مبدأ الخاص قبل العام يبنى على الخلاف فى ان العمل
بالعام او باستصحاب حكم المخصص وفيما انقضى مبدأ العام قبل الخاص ببنى على ان
استصحاب حكم العام كالعام فى وجوب الرجوع اليه عند زوال يقين التخصيص او يفرق بين
اصل العام واستصحابه فيرجع فى الاول الى الاول وفى الثانى الى حكم المخصص وفيما
انقضى مبدئهما معا فى آن واحد
كسابقه والاقوى فى النظر عاجلا هو الرجوع الى حكم العام او استصحابه مطلقا (اذا عرفت ما تلونا
عليك فاعلم ان الاقوال فى المسألة وان كثرت إلّا انها حدث بين المتأخرين بعد ما
كانت ذات قولين بين المتقدمين لاجل توهم اختلاف المشتق باختلاف مباديه فى المعنى
او بتفاوت ما يعتريه من الاحوال وقد مرت الاشارة الى انه لا يوجب التفاوت فيما نحن
بصدده ويأتى له مزيد بيان) والتحقيق عندى ان الصفات على قسمين قسم لا يمكن وصف
الذات به حقيقة إلّا بحصول اثره فى الخارج فيكون لصدقه وجريه على الذات مقومان
صدور السبب من الفاعل ووجود المسبب وتحققه فى الخارج وفى هذا القسم يكون الاطلاق
حقيقة من حال التلبس الى الابد سواء كان اشتقاقه من المتعدى او القاصر وقسم لا
تتصف به الذات الا حال تحققه بنفسه فيتبعه الصدق ويدور مداره وجودا وعدما من غير
فرق ايضا بين كونه من قاصر او متعدى لنا على ذلك امور الاول التبادر فان المتبادر
من مثل قاتل وكاسر وجارح وقاطع وجاعل وصانع ومكرم ومهين وغير ذلك وهو كثير من
المتعدى والزانى واللائط والعابث والممثل من المثلة والساعى من السعاية والعادى من
العدوان وغير ذلك هو ما ذكرنا إلّا انه فى القاصر قليل واما بالنسبة الى ما لا اثر
له فى الخارج فامثلته كثيرة والتبادر فيه مسلم والظاهر ان من استقرأ تمام الامثلة
يشرف على القطع بما قلنا ويمكن ان يقال ان ذلك ليس تفصيلا فى الوضع بل الوضع فى
الجميع واحد والموضوع له هو حال التلبس إلّا أنّك حيث عرفت ان التلبس بالمبدإ على
انحاء وكان نحو التلبس بهذا المبدا نحوا خاصا لان المبدا وهو الاثر الخارجى كالقتل
والكسر وما اشبهه لا معنى لتلبس القاتل به إلّا امكان نسبته فعلا اليه ومن المعلوم
ان المبادى المنعدمة بعد الايجاد لا يمكن نسبتها فعلا الى الذات اما المبادى
الباقية ما بقى الدهر فيصح نسبتها على مقدار زمن بقائها فهذا نحو من التلبس فان كان
غرض القوم هذا فنعم الوفاق ولا مخالفة وان ارادوا غير ذلك لم نتجاوز ما دل الدليل
عليه وهو ما عرفت ومنها عدم صحة السلب وهو واضح ومنها انه لا يعقل عدم الصدق لانه
مع
وجود المسبب فعلا بالفتح فى الخارج كيف ينقطع صدق المسبب بالكسر وإلّا لم
يكن سببا اولا نقطع وجود المسبب بانقطاعه وكلاهما محال والذات بالنظر الى هذه
المبادى عين الاسباب بالنسبة الى المسببات والسر الذى يكون هو الضابط فى المقام ان
المبادى التى ليس لها زمن متدرج بل هى آنية الحصول لا يمكن صدق هذه الالفاظ فيها
حال التلبس لعدم وجودها وتحققها الا بعد تحقق المبدا فى الخارج فهى اما تطلق قبل
التلبس او بعده لا سبيل الى الاول الا مجازا والثانى لا خصوصية فيه لزمان دون زمان
فجميع المبادى الآنية الحصول التى هى الآثار والمسببات باى لفظ كانت من اى مادة
كان اشتقاقها لا يعقل اتصاف الذات بها وجريها عليها حقيقة عقلا وشرعا وعرفا ولغة
الا بعد تحققها وهى بعد التحقق مستمرة الوجود فيستمر الصدق وما عدا ذلك فلا اشكال
فى ان الموضوع له هو خصوص حال التلبس وظاهر كلمات الاصوليين لا يعطى الاشارة الى
ما ذكرنا إلّا ان كلمات المصنف دام ظله من اول المسألة الى آخرها تعطى ذلك اما
الكبرى فهى صريحة فيها لتصريحه مرارا ان اختلاف انحاء التلبس على كثرتها لا يوجب
اختلافا بل التلبس فى كل بحسبه والصدق تابع واما الصغرى فربما يظهر حالها عنده مما
سيمر عليك (فى
اثناء الاستدلال على ما هو المختار له وهو اعتبار حال التلبس وفاقا لمتأخرى
الاصحاب والأشاعرة وخلافا لمتقدميهم والمعتزلة ويدل عليه) من حيث كون حال التلبس معنى حقيقيا (تبادر خصوص المتلبس
بالمبدإ فى الحال) اى حال التلبس (و) يدل على مجازية حال الانقضاء (صحة السلب مطلقا عما
انقضى عنه كالمتلبس به فى الاستقبال وذلك لوضوح ان مثل القائم والضارب والعالم وما
يرادفها من سائر اللغات لا يصدق على من لم يتلبس بالمبادى وان كان متلبسا بها قبل
الجرى والانتساب ويصح سلبها عنه) و (كيف) يمكن صدقها بعد انقضاء حال التلبس (و) الحال ان (ما كان) من الالفاظ من حيث المفهوم (يضادها بحسب ما ارتكز
من معناها فى الاذهان يصدق عليه) حين الانقضاء (ضرورة صدق القاعد عليه فى حال تلبسه
بالقعود عند
انقضاء
تلبسه بالقيام مع وضوح التضاد بين القاعد والقائم بحسب ما ارتكز لهما من المعنى) الناشى من تضاد مبدئهما (كما لا يخفى وقد يقرر هذا وجها) مستقلا ودليلا (على حده ويقال لا ريب فى مضادة الصفات
المتقابلة المأخوذة) اشتقاقا (من
المبادى المتضادة) الجارية على الذات من حيث اتصافها بتلك المبادى (على ما ارتكز لها من
المعانى فلو كان المشتق حقيقة فى الاعم لما كان بينهما مضاده) لان حقيقة التضاد هو امتناع توارد الشيئين على محل
واحد (بل) تكون بينهما (مخالفة لتصادقهما فيما انقضى عنه المبدا
وتلبس بالمبدإ الآخر) وهذا شان الخلافين لا الضدين (ولا يرد على هذا التقرير ما اورده بعض
الأجلة من المعاصرين من) ان التضاد تابع للمعنى المفهوم من اللفظ بحسب الوضع ولا شك فى (عدم التضاد على القول
بعدم الاشتراط) بالتلبس وانما لا يرد (لما
عرفت من ارتكازه) اى التضاد (بينها
كما) انه محقق (فى مباديها فان قلت
لعل ارتكازها) فى الاذهان (لاجل) التبادر الاطلاقى الذى هو سرعة (الانسباق من الاطلاق) لانس الذهن الزائل بعد التأمل قليلا فيتبادر حال
التلبس (لا) لاجل (الاشتراط) الموجب لانحصار الوضع به والتبادر الاطلاقى ليس بحجة (قلت لا يكاد يكون ذلك) التبادر اطلاقيا لان الموجب لذلك انس الذهن واستحضار
المعنى من غلبة استعماله فى حال التلبس والامر فى المقام يقتضى العكس (لكثرة استعمال المشتق
فى موارد الانقضاء لو لم يكن باكثر فان قلت على هذا) الذى ذكرت من كثرة الاستعمال او اكثريته مع اشتراطك
حال التلبس فى الصدق الحقيقى (يلزم
ان يكون) الاستعمال (فى الغالب او الاغلب
مجازا وهذا بعيد ربما لا يلائمه حكمة الوضع) لان الوضع لما لا تمس الحاجة اليه كثيرا دون ما لا
ينفك عن مسيس الحاجة اليه الا قليلا ترجيح للمرجوح (لا يقال كيف) تكون كثرة المجاز منافية لحكمة الوضع (وقد قيل بان اكثر
المحاورات مجازات) لانا نقول ان المجاز المنافى للحكمة ما اعرض الواضع عن الوضع له مع مسيس
الحاجة اليه ووضع لغيره مع قلتها وما قيل من كثرة المجازات لا دخل له بذلك اصلا (فان ذلك)
القيل (لو
سلم) انه على
الحقيقة وليس بمبالغة كما هو كذلك (فانما هو لاجل تعدد المعانى المجازية) الموضوع بازائها الفاظ تخصها (بالنسبة الى المعنى
الحقيقى الواحد نعم ربما يتفق ذلك بالنسبة الى معنى مجازى لكثرة الحاجة الى
التعبير عنه) حتى يسمى المجاز المشهور ولكن ذلك انما هو من مستعمل خاص لخصوص حاجة دعته
الى ذلك كاستعمال الامر مثلا مجازا فى الندب فى لسان الشارع لكثرة المندوبات (فاين هذا مما كان) الاستعمال على كل لسان وفى كل زمان (دائما كذلك) كما فى المقام (فافهم قلت) فيه (مضافا الى ان) ذلك مجرد استعباد و (مجرد الاستعباد غير ضائر بالمراد بعد
مساعدة الوجوه المتقدمة عليه ان) ما يتراءى من انه مستعمل فيما انقضى عنه المبدا هو فى
الحقيقة ونفس الامر ذو وجهين احدهما ان يكون الملحوظ فيه حال التلبس وثانيهما ان
يلحظ فيه حال الانقضاء وقد عرفت مرارا ان المقصود من حال التلبس ليس الحال الزمانى
بل هو بالنسبة الى الزمان على حد سواء مضيا وحالا واستقبالا فقولك كان زيد امس
ضاربا وزيد ضارب فعلا وسيكون زيد غدا ضاربا كله من نحو واحد والاستعمال فيه على
الحقيقة فما ذكرت على اطلاقه ممنوع لان (ذلك انما يلزم لو لم يكن استعماله فيما
انقضى) الواقع كثيرا
كما ادعيت (بلحاظ
حال التلبس مع انه بمكان من الامكان فيراد من جاء الضارب او الشارب وقد انقضى عنه
الضرب والشرب جاء الذى كان ضاربا وشاربا قبل مجيئه حال التلبس بالمبدإ) وهو الضرب والشرب (لا حينه) اى حين المجيء (بعد الانقضاء كى يكون الاستعمال بلحاظ
هذا الحال وجعله معنونا بهذا العنوان فعلا بمجرد تلبسه قبل مجيئه) اما اذا امكن استعماله حال الانقضاء بلحاظ حال التلبس
فلا يلزم ما ذكرت (ضرورة
انه) اى المشتق (لو كان) موضوعا (للاعم) اى لحال التلبس القابل لان يلحظ فى زمن الحال وفى زمن
الاستقبال الذى هو حال الانقضاء كقولك سيكون زيد ضاربا (لصح استعماله بلحاظ
كلا الحالين) حال التلبس حين التلبس وحال التلبس الملحوظ حين الانقضاء (وبالجملة فكثرة
الاستعمال فى حال الانقضاء يمنع عن دعوى) ان ارتكاز التضاد
فى الاذهان لعله لاجل (انسباق
خصوص حال التلبس من الاطلاق) لا لكونه حقيقة فيه بخصوصه ولا يلزم فيه المجازية (اذ) لا ضرورة ملجئه الى دعوى كونه مجازا (مع عموم المعنى) الحقيقى وهو الذات حال التلبس للازمنة الثلاثة كما
عرفت (وقابلية
كونه) اى معنى
المشتق المستعمل فى هذه المقامات (حقيقة فى المورد) وهو مورد هذه الاستعمالات (ولو بالانطباق) فيراد من جاء الضارب هو الضارب امس ويكون قد لاحظ
المتكلم فى حال الانقضاء والاستعمال حال التلبس (فلا وجه) حينئذ (لملاحظة حالة اخرى) وهى حال الانقضاء ليكون مجازا كما لا يخفى والحاصل ان
الاطلاق حال الانقضاء ينطبق على المعنى الحقيقى ان كان بلحاظ حال التلبس ويكون
مجازا ان كان بلحاظ نفسه ولا وجه للثانى مع قابلية المورد للاول (بخلاف ما اذا لم يكن
له) اى للمعنى (هذا العموم) المصحح لحمل الاستعمال عليه (فعلم) من جميع ما ذكرنا (ان استعماله حينئذ) اى حين اذ فرضنا عدم عموم معنى المشتق (مجازا حال الانقضاء
وان كان ممكنا إلّا انه لما كان) الاستعمال (بلحاظ حال التلبس على نحو الحقيقة بمكان
من الامكان) كان الحمل عليه متعينا (فلا) داعى للفرض المذكور ولا (وجه) لجعل (استعماله وجريه على الذات مجازا
وبالعناية وملاحظة العلاقة وهذا) اى الاستعمال المذكور الذى ادعى انه اما حقيقة ويلزمه
الوضع للاعم او مجاز ويلزمه منافات حكمه الوضع (غير استعمال اللفظ فيما لا يصح استعماله
فيه حقيقة) لا مكان حمل
الاول على الحقيقة مع عدم لزوم الوضع للاعم بل لخصوص حال التلبس كما عرفت دون
الثانى (كما
لا يخفى) قلت لا يذهب
عليك ان هذا وقوع فيما اريد الفرار منه ضرورة انه قد جعل الدليل على عدم كون
الاطلاق حال الانقضاء حقيقيا لزوم عدم تضاد الصفات مع ارتكاز الضدية بينها فى
الاذهان لان ذلك يوجب تصادقها فى مورد الانقضاء سواء كان مبدأ المتصادقين كليهما
منقضيا او احدهما ومن المعلوم ان الذى اوجب التصادق الموجب لارتفاع ما ارتكز من
التضاد هو كون الاطلاق حقيقيا لانه لو كان مجازيا كان مع القرينة وهى توجب ارتفاع
المخدور وأما علة كونه حقيقيا فلا دخل لها بشيء وقد صار الاطلاق حقيقيا فى
حال الانقضاء بالنظر الى حال التلبس بلا ضم قرينة دالة على ان المنظور ذلك مع خفاء
هذا النظر على الحذاق فضلا عن سائر الناس الذين ارتكز التضاد فى اذهانهم نعم لو
كان ذلك مع القرينة عليه لتم المطلوب من كل وجه واندفع المحذور اللهم إلّا ان يقال
ان نفس التضاد المرتكز فى الاذهان قرينة عقلية يعرفها سائر العوام فاذا سمعوا
قائلا يقول فى الرجل الجالس هذا قائم حملوا ذلك على حال التلبس بلا مهلة لوضوح
القرينة هذا مضافا الى انه على تقدير المجازية ايضا لا قرينة عليه الا هذه القرينة
فصرف الاطلاق معها الى الحقيقة اولى من صرفه الى المجاز لوجوه كثيرة قد عرفتها من
طى الكلمات فما افاده دام ظله فى غاية الجودة (ثم) لا يخفى (انه ربما اورد على الاستدلال بصحة السلب
بما حاصله انه ان اريد بصحة السلب صحته مطلقا) حتى بالنظر الى حال التلبس (فغير سديد) لانها قضية كاذبة (وان اريد) صحته (مقيدا) بحال الانقضاء (فغير مفيد) لان علامة المجاز هى صحة السلب المطلق اذ لا منافات
بين صحة سلبه مقيدا بحال الانقضاء وعدم صحة سلبه مقيدا بلحاظ صدور المبدا منه آنا
ما (وفيه) اولا ان هذه مغالطه جارية فى جميع موارد صحة السلب
فانه مع عدم صدور المبدا منه اصلا يقال ايضا ان اريد صحة السلب حتى لو صدر فغير
سديد الى آخر التقرير ويقال فى سلب معنى الرجل الشجاع عن الاسد ان اريد صحة سلبه حتى
لو كان موضوعا للحيوان المجترى فغير سديد وان اريد مقيدا فغير مفيد فى اثبات عدم
كونه موضوعا للرجل الشجاع ومع النظر الى حقيقة الحال فصحة سلب الضارب فعلا عنه
علامة كونه مجازا قطعا لان المدعى على القول بالاعم هو صدق المشتق فى حال الانقضاء
حقيقة كصدقه عليه حال التلبس واما صدقه عليه بالنظر الى حال التلبس فهو صحيح حتى
عند القائل بالاشتراط كما مر عليك آنفا وثانيا ان القيد الموجود فى القضية السلبية
لا نسلم رجوعه الى خصوص المسلوب (لانه) صالح بنفسه للرجوع الى أداة السلب والى موضوعها
المسلوب عنه والى محمولها المسلوب (فان
اريد
بالتقييد تقييد المسلوب الذى يكون سلبه اعم من سلب المطلق كما هو واضح) فان سلب معنى الضارب فى حال الانقضاء عن زيد لا ينافى
صحة اطلاق الضارب عليه فعلا بالنظر الى حال آخر وهو حال صدور المبدا (فصحة سلبه) على هذا النحو (وان لم تكن علامة على كون المطلق مجازا
فيه إلّا ان) رجوع القيد الى المحمول المسلوب وهو الضارب و (تقييده به ممنوع) لانه خلاف ظاهر هذه القضية لانها ظاهرة فى سلب المحمول
مطلقا (وان
اريد تقييد السلب) كما هو الظاهر (فغير
ضائر بكونها علامة) ويتم المطلوب (ضرورة) منافات صحة السلب فى حال الانقضاء لما يقتضيه الوضع
للاعم من كون الموضوع مطلقا يعم حال التلبس وحال الانقضاء لا يجاب الوضع كذلك (صدق المطلق) على كل فرد من (افراده على كل حال) وذلك مناف لصحة سلبه فى ذلك الحال هذا كله (مع امكان) صرف القيد عن السلب و (منع تقييده ايضا) وارجاعه الى ذات الموضوع (بان يلحظ حال
الانقضاء) الذى هو
القيد (فى
طرف الذات الجارى عليها المشتق) ويقال زيد فى حال عدم تلبسه بالضرب وانقضاء المبدا عنه
ليس بضارب (فيصح
سلبه مطلقا بلحاظ هذا الحال كما لا يصح سلبه بلحاظ) الموضوع مقيدا بحال (التلبس) والفرق بين الوجهين ان مفاد الوجه الاول هو السلب فى
حال الانقضاء للضارب المطلق عن زيد المطلق بالنسبة الى الاحوال العارضة لهما ويمكن
ان يقال فيه انه ليس بسديد ايضا لكذبه بالنسبة الى الموضوع مع لحاظ حال تلبسه
ومفاد الوجه الثانى هو السلب المطلق للضارب المطلق عن زيد المقيد بحال الانقضاء
وهى قضية صادقه لا تحزم ابدا فيتم المطلوب باحسن وجه (فتدبر جدا) فانه دقيق وبالتدبر حقيق وقد عرفت تحقيق الحال وان صحة
السلب فى المقام علامة مطلقا سواء رجع القيد الى الموضوع او المحمول او السلب لان
المدعى هو صدق المشتق فعلا حقيقة مع انا نرى صحة سلبه عنه فعلا حقيقة والاطلاق فى
الكلام المنطوق به حالا بالنظر الى حال التلبس صحيح حتى على القول بالاشتراط كما
عرفت فى توجيه الاستعمالات الواردة فى
حال الانقضاء (ثم
لا يخفى انه) ربما فرق البعض بين المشتقات وضعا بين الماخوذ من الفعل المتعدى او
القاصر فجعله مطلقا فى الاول ومشروطا بحال التلبس فى الثانى إلّا ان علامة المجاز
لم تفرق بينهما اصلا ألا ترى انه (لا يتفاوت الحال فى صحة السلب عما انقضى
عنه المبدا بين كون المشتق لازما وكونه متعديا لصحة سلب الضارب عمن يكون فعلا غير
متلبس بالضرب وكان متلبسا به سابقا واما اطلاقه عليه فى الحال فان كان بلحاظ حال
التلبس فلا اشكال كما عرفت وان كان بلحاظ الحال فهو وان كان صحيحا إلّا انه لا
دلالة على كونه بنحو الحقيقة لكون الاستعمال اعم منها كما لا يخفى) مضافا الى وجود دلائل المجازية هذا واعلم انى قد عثرت
على هذا القول فى الجملة لصاحب الفصول بعد ان ذكرت ما ترجح فى النظر القاصر بايام
فرأيت صدر عبارته قابلا للحمل على ما ذكرنا لا على ما استفاده المصنف منه حيث قال
والحق ان المشتق ان كان ماخوذا من المبادى المتعدية الى الغير كان حقيقة فى الحال
والماضى اعنى فى القدر المشترك بينهما وإلّا كان حقيقة فى الحال فقط انتهى فيكون
مراده بالمتعدى الى الغير هو ما تحقق له اثر فى الغير لا المتعدى الصناعى إلّا ان
عبارته فى الاستدلال بالتبادر مشوشة لانه ذكر فى امثلة المتعدى جملة مما لا اثر له
فى الخارج يبقى ولم يذكر ايضا من امثلة الفعل القاصر شيئا وهذا يدل على ان مراده
المتعدى الصناعى وذكر فى امثلة غير المتعدى جملة من المتعدى الصناعى كمحب ومبغض
ومعادى وغيرها وهذا يدل على العكس وارادة ما اخترناه فدار الامر بين حمل كلامه على
المختار وتخطئته فى الافراد التى مثل بها مما لا اثر له او حمله على المتعدى
الصناعى وتخطئته فى هذه الأمثلة ولا شك فى اولوية الاول لامكان ان يكون تلك
الأمثلة مما له فى نظره اثر وان لم نوافقه على ذلك بخلاف الخطأ فى التمثيل للقاصر
الصناعى بالمتعدى منه فان ذلك يبعد الخطاء فيه على المبتدئين فضلا عن مثله وعلى
هذا التقدير فما افاده المصنف فى رده بعدم الفرق فى صحة السلب لا يرد عليه الا فى
خصوص مثل الضارب الذى اقتصر عليه المصنف من بين الأمثلة التى ذكرها على كثرتها نعم
لو صح السلب عن مثل قاتل وجارح وكاسر
كان ذلك وجيها وانى له بدعوى ذلك مع تحقق عدم الصحة كما عرفته مفصلا هذا
وربما فصل آخر بين ما تلبس بعد انقضاء المبدا عنه بضد وجودى وما لم يتلبس فالوضع
مشترط على الاول ومطلق على الثانى لكنك عرفت ايضا ان علامة المجاز لم تفصل بين
المقامين (كما) لم تفصل بين المتعدى والقاصر و (لا يتفاوت) الحال (فى صحة السلب عنه بين تلبسه بضد المبدا
وعدم تلبسه لما عرفت من وضوح صحته مع عدم التلبس ايضا وان كان) صحة السلب (معه) اى التلبس (اوضح ومما ذكرنا ظهر حال كثير من
التفاصيل) فلا نطيل
بذكرها على التفصيل هذا كله فى الاستدلال للقول بالاشتراط واما (حجة القول بعدم
الاشتراط) وان الوضع
للاعم من الحالين فهى (وجوه الوجه
الاول التبادر) (وقد
عرفت انه بالعكس وان المتبادر خصوص حال التلبس) [الوجه] (الثانى عدم صحة السلب فى مثل مضروب
ومقتول عمن انقضى عنه المبدأ) (وفيه
ان عدم صحته فى مثلها) مسلم إلّا ان ذلك لا يضرنا لان عدم الصحة فيه (انما هو لاجل انه
اريد من المبدا معنى يكون التلبس به باقيا فى الحال ولو مجازا وقد انقدح من بعض
المقدمات انه لا يتفاوت الحال فيما هو المهم فى محل الكلام ومورد النقض والابرام) (بسبب
اختلاف ما يراد من المبدا فى كونه حقيقة او مجازا) قلت لا يخفاك انى وعدتك سابقا فى بيان ما اخترناه فى
المقام بانه ربما تظفر بالصغرى فى اثناء استدلال المصنف وما كنت رايت هذا المقام
قبل ولا طرق سمعى ولكنى كنت مطمئنا ان المصنف لا يشذ عليه مثل ذلك لدقته وجودة
نظره وفرط اعتداله فى العرفيات فالحمد لله تعالى على هذا الظفر وكيف كان فالمصنف
دام ظله بمقتضى هذا الكلام قائل بما ذهبنا اليه من التفصيل وقلنا انه ربما لا يعد
تفصيلا بل هو من اطوار بقاء المبدا إلّا ان حكم المصنف بكون البقاء هنا مجازا مع
اعترافه بعدم صحة السلب فى مثله القاضى بالصدق حقيقة كالحكم بالمتنافيين كما لا
يخفى وقد عرفت مما سبق ان بقاء المبدا الآنى الحصول هو بقاء اثره نعم بقاء السبب
ربما يصدق مجازا إلّا انه لا دخل له بما نحن فيه ومنه يعلم ان قوله ايده الله واما
لو اريد نفس ما وقع على الذات مما
صدر عن الفاعل فانما لا يصح السلب عنه فيما لو كان الاطلاق الفعلى بلحاظ
حال التلبس والوقوع كما عرفت لا بلحاظ زمان الحال ايضا لوضوح صحة ان يقال ليس
بمضروب الآن بل كان مضروبا متجه لكنه فى خصوص مضروب ولذا اقتصر عليه والسر ان
الضرب على نوعين نوع له اثر فى المضروب ونوع لا اثر له بخلاف القتل ولذا لا يصح
السلب بحال وما يرى من صحة قولنا ليس بمقتول الآن فانما هو لرجوع النفى الى القيد
وهو كذلك لانه مقتول من حين قتله الى الآن ولذا لا يمكن تعقيبه بقولك بل كان
مقتولا لظهورها فى ارتفاع المقتولية عنه الآن وهو كما ترى بل يحسن تعقيبه بقول بل
كان من امس مقتولا فيبين بذلك مبدأ زمان القتل واما الضرب فان كان له اثر بين بقى
الصدق ما بقى الاثر وان لم يكن فلا صدق والغالب انه لا اثر له فلذا ترى من المرتكز
فى الذهن صحة سلبه بخلاف جارح ومجروح وقاتل ومقتول وآسر ومأسور وهكذا فى كل مبدإ
من قاصر بحسب الصناعة او متعدى كما عرفت ومما ذكرنا تعلم ان ما ذكره المستدل مسلم
مطلقا فى مقتول وعلى احد الوجهين فى مضروب فلا تغفل [الوجه] الثالث استدلال
الامام عليهالسلام تأسيا بالنبى ص كما
عن غير واحد من الاخبار بقوله تعالى (لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ) على
عدم لياقة من عبد صنما او وثنا لمنصب الإمامة والخلافة تعريضا من الامام) عليهالسلام (بمن
تصدى لها ممن عبد الصنم مدة مديدة ومن الواضح توقف) صحة الاستدلال بذلك على كون المشتق موضوعا للاعم
الموجب لصدق الظالم عليه يعد انقضاء المبدا (وإلّا لما صح التعريض لانقضاء تلبسهم
بالظلم وعبادتهم للصنم حين التصدى للخلافة) بل وتلبسهم بالضد الوجودى وهو الايمان بالله تعالى حين
التصدى عند من كان التعريض بمحضره ولافهامه (والجواب منع التوقف على ذلك بل يتم
الاستدلال) ويحصل
التعريض (ولو
كان موضوعا لخصوص المتلبس وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة وهى) انه يجب ان يعلم (ان الاوصاف العنوانية التى تؤخذ فى
موضوعات الاحكام على اقسام احدها ان يكون اخذ العنوان لمجرد الإشارة الى ما هو فى
الحقيقة موضوعا
للحكم
لمعهوديته بهذا العنوان) ووقوع الاشتباه لو لم يعبر عنه به (من دون دخل لاتصافه به فى الحكم اصلا) كقولهم اذا ضارب المغصوب منه الغاصب على المال الذى
بيده صحت المضاربة ولم يحتج الى تجديد القبض وقولهم يجوز للمغصوب منه الصلاة فى
المحل الذى غصب منه وغير ذلك (ثانيها
ان يكون) اخذ العنوان (للاشارة الى علية
المبدا للحكم مع كفاية مجرد) صدوره وصحة (جرى المشتق عليه ولو فيما مضى) كما فى سائر موضوعات الاحكام الشرعية من امر النجاسات
والاحداث الموجبة للوضوء والغسل وغيرها الى الحدود والديات (ثالثها ان يكون) اخذ العنوان (لذلك) وهو الاشارة الى العلية لكن (مع عدم الكفاية) فى مجرد الصدور (بل) ما دام الوصف بحيث (كان الحكم دائرا مدار صحة الجرى عليه
واتصافه به حدوثا وبقاء اذا عرفت هذا فنقول ان الاستدلال بهذا الوجه) الثالث الذى هو استدلال الامام بالآية (انما يتم لو كان اخذ
العنوان فى الآية الشريفة على النحو الاخير) وهو ما علق الحكم عليه حدوثا وبقاء (ضرورة انه لو لم يكن
المشتق للاعم لما ثم بعد عدم التلبس بالمبدإ) بل والتلبس بالضد ظاهرا حين التصدى (فلا بد ان يكون للاعم
ليكون حين التصدى حقيقة من الظالمين) ويكون من رمز الى هذه الحقيقة من المحقين المحققين (ولو انقضى عنهم
التلبس بالظلم واما اذا كان) اخذ العنوان (على النحو الثانى) كما هو المقطوع به (فلا) يتم الاستدلال (كما لا يخفى ولا قرينة) تدل (على انه على النحو الاول لو لم نقل
بنهوضها) على انه (على النحو الثانى) بل عرفت انه المقطوع به (فان الآية الشريفة فى مقام بيان جلالة
قدر الإمامة والخلافة وعظم خطرها ورفعة محلها وان لها) اعظم (خصوصية من بين المناصب الالهية ومن
المعلوم ان المناسب لذلك هو ان لا يكون المتقمص بها متلبسا بالظلم اصلا كما لا
يخفى) (فان قلت نعم) الامر مع النظر الى هذه القرينة هو ما ذكرت (ولكن الظاهر ان
الامام عليهالسلام انما استدل بما هو
قضية ظاهر العنوان وضعا لا بقرينة المقام مجازا فلا بد ان يكون) المشتق (للاعم وإلّا لما تم) الاستدلال (قلت
لو
سلم لم يكن يستلزم جرى المشتق على النحو الثانى كونه مجازا بل يكون حقيقة لو كان
بلحاظ حال التلبس كما عرفت) مرارا انه مهما امكن الحمل على هذه الصورة لا داعى الى
الحمل على كونه مجازا (فيكون
معنى الآية والله العالم من كان ظالما ولو انا ما فى زمان سابق لا ينال عهدى ابدا
ومن الواضح ان ارادة هذا المعنى لا يستلزم الاستعمال إلّا بلحاظ حال التلبس ومنه) اى مما ذكرنا فى تفصيل كيفية اخذ العنوان وبينا من ان
على النحو الثانى اغلب موضوعات الاحكام (قد انقدح ما فى الاستدلال على) القول (بالتفصيل بين المحكوم عليه والمحكوم به
باختيار عدم الاشتراط فى الاول بآية حد السارق والسارقة والزانى والزانية وذلك حيث
ظهر) لك (انه) قد يؤخذ العنوان بمجرد صدوره موضوعا للحكم فحينئذ (لا ينافى ارادة خصوص
حال التلبس دلالتها) اى الآية (على
ثبوت القطع والجلد مطلقا) اكتفاء بمجرد الحدوث (ولو بعد انقضاء المبدا) هذا (مضافا الى وضوح بطلان) دعوى (تعدد الوضع حسب وقوعه محكوما عليه) فللأعم (او به) فللأخص (كما لا يخفى ضرورة ان صفة المحكومية
مطلقا من عوارض اللفظ بعد الوضع فلا يعقل اخذها شرطا فى الوضع لانه دور صريح كما
هو واضح ومن مطاوى ما ذكرنا هنا وفى المقدمات ظهر حال سائر الاقوال وما ذكر لها من
الاستدلال ولا يسع المجال لتفصيلها ومن اراد الاطلاع عليها فعليه بالمطولات) وظهر لك ان المصنف قائل بالتفصيل الذى ذهبنا اليه وان
سمى ذلك اطلاقا فى حال التلبس اذ المقصود صحة الاطلاق حال انقضاء السبب وقد قال به
(بقى) فى المقام (امور) لا بد من التنبيه عليها (الاول ان مفهوم المشتق) اذا لوحظ مع مبدإ الاشتقاق كان فيه معنى زائد على معنى
مبدئه بالضرورة ولذا صح حمل المشتق ولم يصح حمل المبدا كما ان فى مفاهيم الموضوعات
باسرها معنى زائدا على معنى اوصافها العنوانية كمفهوم الانسان والإنسانية والحيوان
والحيوانية والحجر والحجرية وهلم جرا وثبوت هذه الاوصاف العنوانية لمصاديق
الموضوعات مطلقا مشتقات وجوامد هو الذى ابهم وجهه حتى صار ذلك معترك الآراء بين
الفارابى واصحابه والشيخ واصحابه
وكما ان هذا المعنى الذى ابصره العقل بعينه وجزئه مصداقا ووصفا بيده لم
يوجب ذلك فيه تركيبا فى مفاهيم الجوامد كذلك الحال فى مفاهيم المشتقات بل لو اوجب
ذلك تركيبا حقيقيا لامتنع معرفة الاشياء باجناسها وفصولها ضرورة ان كل جنس وفصل
يحتاج الى اربعة اجناس ومثلها فصول لانحلال كل منهما الى جزءين واحتياج كل جزء الى
جنس وفصل فاما ان ينتهى الى بسيط وهو محال لان المحدود مركب فكيف يكون الحد بسيطا
أو لا ينتهى وهو التسلسل وكذا الحال فى جانب المحدود فعلم ان كون هذه المفاهيم
بسيطه وان تجزئتها الى ذات وصفه انما هو تحليل عقلى امر لا ينبغى الشك فيه وإلّا
لترتب على ذلك توالى فاسده كثيرة ليس هذا محل ذكرها فظهر لك مما ذكرنا عدم توقف
المقام (على
ما حققه المحقق الشريف فى بعض حواشيه) فى اثبات ان المشتق معنى (بسيط منتزع عن الذات
باعتبار تلبسها بالمبدإ واتصافها به) وانه (غير مركب وقد افاد فى وجه ذلك ان) المشتق لو كان معناه شيئا له المبدا كان معنى الناطق
فى قولك الانسان ناطق او ضاحك بالامكان شيئا له النطق اوله الضحك وحينئذ فاما ان
يكون المراد بذلك مفهوم شيء له النطق او الضحك او مصداقه وكلاهما باطل للزوم احد
محذورين على احد تقديرين ضرورة انه ان اريد (مفهوم الشيء) فهو (لا) يمكن ان (يعتبر فى مفهوم الناطق مثلا) الذى جعل فصلا فى تحديد الانسان (وإلّا لكان العرض
العام داخلا فى الفصل) لان الشيئية من الاعراض العامة لمصاديقها (و) ان اريد مصداق الشيء فهو كذلك اذ (لو اعتبر ما صدق عليه
الشيء انقلبت مادة الامكان الخاص ضرورة) بداهة ان القضية المذكورة كانت موجهة بالامكان وعلى
التقدير المذكور يكون معناها الانسان مصداق له الضحك والجهة فى هذه القضية هى
الضرورة (فان
مصداق الشيء الذى له الضحك هو) نفس (الانسان وثبوت الشيء لنفسه ضرورى) فلزم الانقلاب وبطلان كلا المحذورين واضح لا شبهة فيه (هذا ملخص ما افاده
الشريف على ما لخصه بعض الاعاظم) وهو صاحب الفصول بتوضيح منى (وقد اورد عليه
فى
الفصول بانه يمكن ان يختار الشق الاول) وهو اعتبار مفهوم الشيء (ويدفع الاشكال) وهو لزوم دخول العرض العام فى الفصل (بان كون الناطق مثلا
فصلا مبنى على عرف المنطقيين حيث اعتبروه مجردا عن مفهوم الذات وذلك لا يوجب وضعه
لغة كذلك فلا يلزم دخول العرض فى الفصل وفيه) اولا (ان من المقطوع ان مثل الناطق قد اعتبر
فصلا بلا تصرف فى معناه اصلا بل بماله من المعنى كما لا يخفى وثانيا) ان ما ذكره فى التخلص مستغرب ومستبعد الصدور من مثله
اذ المدعى الذى حققه الشريف وحققناه هو كون المشتق بسيطا بما ان الذات مراده منه
وجار عليها ومتحد معها بنحو من الاتحاد ومع اعتباره مجردا عن الذات كيف يصح جعله
فى حال كونه فصلا محمولا وجاريا على الذات فى قولهم الانسان حيوان ناطق (والتحقيق) فى الجواب (ان يقال) اولا انه على تقدير كون المشتق مركبا لا بسيطا لا نسلم
ان معناه شيء له المبدا لعدم اطراد تحليله الى ذلك فى ساير الموارد وانما معناه ذو
المبدا فمعنى ناطق وقائم وضاحك ذو نطق وقيام وضحك وهذا مطرد فى كل مورد بخلاف
الاول ألا ترى ان قولهم الانسان حيوان ناطق لا يصح ان نقول مكانه الانسان حيوان
شيء له النطق لان ناطق صفة للحيوان وليست خبرا بعد خبر ولذا قالوا ان الناطق من
العوارض الذاتية للحيوان وكذا الحال فى كل مورد جعل المشتق وصفا واما على ما ذكرنا
فالمعنى الانسان حيوان ذو نطق ومن المعلوم ان ذو اشارة الى الحيوان الذى هو الجنس
ولا معنى لها سواه فلم يلزم دخول الشيء الذى هو عرض عام فى الفصل سيما بناء على ان
الموضوع له ذو او المستعمل فيه خاص وثالثا لو سلمنا تفسيره بذلك نقول ان المنطقيين
لم يجعلوا الاجناس والفصول هى مفاهيم الالفاظ بما هى كذلك كلا لا ينسب اليهم ذلك
إلا ضال عن طريقتهم بل انما نظرهم الى حاق الحقائق الواقعية جنسا وفصلا وخاصة
وعرضا عاما وغير ذلك لكن لما كان التعبير عن تلك المعانى منحصرا بهذه الالفاظ
عبروا بها عنها قاصدين بها الكشف عن تلك المعانى الواقعية فلا يضر فى ذلك كون
مفهومها الوضعى اوسع دائرة من المراد مع القرينة العقلية الدالة عليه
فهم وان قالوا الحيوان جنس والناطق فصل إلّا ان غرضهم من الحيوان الماهية
التى هى الكلى الطبيعى لا المفهوم الذى هو الكلى المنطقى ومن الناطق هو الدلالة
على كون المقصود من الماهية المعنى المقيد بان له النطق وعلى هذا فان اراد لزوم
دخول العرض العام فى الفصل الصناعى فلا ضير فيه وان اراد لزوم دخوله فى الفصل
الحقيقى فهو باطل قطعا ولا يدعيه المبتدى فضلا عن المنتهى كيف ولو ارادوا من الفصل
الناطق بما وضع له ورد عليهم نضير ذلك فى الجنس فان مفهوم الحيوان شيء ثبت له
الحيوانية وان كان اللفظ جامدا وفى هذا الوصف العنوانى اختلف الفارابى والشيخ فى
ان ثبوته لذات الموضوع بالفعل او بالامكان فيلزم دخول العرض العام فى الجنس
والجواب الجواب هذا ويمكن ان يكون غرض صاحب الفصول هو هذا المعنى ويكون معنى قوله
اعتبروه مجردا يعنى اعتبروا المعنى البسيط منه فصلا حالكونه مركبا ولم يعتبروه
فصلا بما وضع له لغة وكون الفصل هو المعنى البسيط منه لا يلزم وضع المشتق لغة له
خاصه فلا يلزم دخول العرض العام فى الفصل الحقيقى بل فى الفصل اللغوى فتامل هذا
واما ما اجاب به المصنف دام ظله على تقدير اختيار الشق الاول من (ان مثل الناطق ليس
بفصل حقيقى بل لازم ما هو الفصل واظهر خواصه و) انه (انما يكون فصلا مشهوريا) واصطلاحا (منطقيا يوضع) موضع الفصل الحقيقى وانما يكون (مكانه اذا لم يعلم
نفسه بل لا يكاد يعلم كما حقق فى محله ولذا ربما يجعل لا زمان مكانه اذا كانا
متساويى النسبة اليه كالحساس والمتحرك بالإرادة فى الحيوان وعليه فلا باس باخذ
مفهوم الشيء فى مثل الناطق فانه وان كان عرضا عاما لا فصلا مقوما للانسان إلّا انه
بعد تقييده بالنطق واتصافه به كان من اظهر خواصه وبالجملة لا يلزم من اخذ مفهوم
الشيء فى معنى المشتق الا دخول العرض فى الخاصة التى هى من العرض لا فى الفصل
الحقيقى الذى هو من الذاتى) ففيه مجال للتامل اما اولا فلانهم قد رتبوا على هذا
الفصل جميع آثار الذاتيات حتى جعلوا التعريف به حدا وبالخاصّة وسما ولو كان كما
افاد لكان كل تعريف رسما وهو خلاف ماصر جوابه فهب
انهم وضعوه موضع الذاتى كما صرح به محققوهم لكنهم رتبوا عليه كل آثاره جمعا
ومنعا كما لا يخفى على المتتبع لكلامهم واما ثانيا فلان ما ذكره لا يتاتى فى المورد
الذى كان فيه الناطق فصلا وهو قولهم الانسان حيوان ناطق فان ناطق فى هذا التركيب
صفة للحيوان وليس الشيء الذى له النطق من خواصه بل من خواص الانسان فيلزم فى كل
تعريف اما حذف الجنس لوقوعه حشوا او تجريد الفصل عن الذات لفساد التعريف بضمها
وكلاهما كما ترى اما الاول فلان الاقتصار عليه فى التعريف يوجب ان لا يكون مانعا
لان شيئا له النطق يشمل الملك والجن واما الثانى فقد عرفت وجهه مضافا الى انه رجوع
الى الالتزام بما قاله فى الفصول قهرا وأما ثالثا فلان كون الناطق خاصة مخالف
لصريح كلماتهم فانهم ذكروا انه اذا سؤل عن الانسان اى شيء هو فى ذاته صح الجواب
عنه بالفصل القريب والبعيد والخاصة فيجاب بالناطق والحساس والنامى والقابل للابعاد
وبالخاصّة واذا قيل اى شيء هو فى جوهره صح الجواب بالفصول المذكورة كلها ولم يصح
الجواب بالخاصّة وهذا من الشواهد على صحة ما ذكرناه اولا عنهم واما رابعا فلان ما
ذكره بقوله ولذا قد يجعل مكانه لازمان الخ لا شهادة فيه على ذلك لما عرفت من امكان
ان يكون الناطق فصلا صناعيا متضمنا لفصل حقيقى فيقوم لا زمان مقامه من هذه الجهة
لا من جهة انه خاصه والفصل الحقيقى شيء آخر لا يمكن التعبير عنه فان امكان جعل
لازمين مكانه لا دخل له بكونه فصلا حقيقيا واما خامسا فلان ما ذكره من ان غاية ما
يلزم هو دخول العرض العام فى العرضى وهو الخاصة وان سلم عن محذور دخوله فى الذات
إلّا انه يلزم على ذلك انقلاب كل خاصه بسيطة مركبه وهو خلاف ما اتفقت عليه كل منهم
من ان الضاحك خاصه بسيطه والطائر الولود خاصه مركبه لا يقال ان الخاصة المركبة ما
كان كل من جزئيها عرضا عاما والبسيطة خلافها سواء كانت عرضا خاصا وحده او مركبة من
عام وخاص ضرورة ان وجود الخاص كاف فيه وضم العام اليه ضم الحجر الى جنب الانسان
لانا نقول ذلك مسلم لو كان العرض العام لا حقا اما اذا كان سابقا واريد جعله خاصه
فلا يعقل الا
بالتركيب والمقام من هذا القبيل وظاهرهم ان الضاحك خاصه بسيطه من كل جهة (فتدبر جيدا ثم ان
صاحب الفصول قال انه يمكن ان يختار الوجه الثانى ايضا و) نقول ان المراد مصداق شىء له النطق لا مفهومه ولا يرد
عليه ما ذكره الشريف بل (يجاب
بان المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا بل مقيدا بالوصف) وهو كونه له الضحك (وليس ثبوته) اى المحمول المقيد بالوصف المذكور (للموضوع حينئذ
بالضرورة لجواز ان لا يكون ثبوت القيد ضروريا) والنتيجة تتبع اخس المقدمات فلا تكون القضية ضروريه مع
كون جزء محمولها وقيده امكانيا انتهى موضحا (ويمكن ان يقال) عليه (ان عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا بضر
بدعوى الانقلاب فان المحمول ان كان ذات المقيد وكان القيد) وهو له الضحك (خارجا) عنه (وان كان التقييد) به (داخلا) فيه (بما هو) اى التقييد (معنى حرفى فالقضية لا محاله تكون ضروريه
ضرورة ضرورية ثبوت الانسان الذى يكون مقيدا بالنطق للانسان وان كان المحمول) هو (المقيد
به) اى بالقيد (بما هو مقيد) يعنى (على ان يكون القيد داخلا) فيه (فقضية الانسان ناطق تنحل فى الحقيقة الى
قضيتين إحداهما قضية الانسان انسان وهى ضرورية والاخرى قضية الانسان له النطق وهى
ممكنة وذلك) اى وانما انحلت الى قضيتين (لان الاوصاف قبل العلم بها اخبار فى
المعنى) كما اذا قلت
رايت الرجل القائم او رجلا قائما لمن لم يعلم بقيامه فان ذلك فى المعنى اخبار منك
له بقيامه (كما
ان الاخبار بعد العلم بها تكون اوصافا) ضرورة انك اذا اخبرت بان زيد قائم صار هذا الخبر بعد
العلم به من اوصاف زيد التى يعرف بها (فعقد الحمل ينحل الى القضية كما ان عقد
الوضع ينحل الى قضية مطلقة عامة عند الشيخ وقضية ممكنة عند الفارابى فتامل) وفيه اولا انه قد جعل الكلام فى الناطق ولزوم الانقلاب
وعدمه انما هو فى الضاحك وهو الخاصة وكانه لعدم الفرق بينهما عنده لما افاد من انه
ايضا خاصه وقد عرفت ما فيه وثانيا لو سلم فنقول ان ما ذكره لا يطرد بل لا يجرى
إلّا فى هذا المثال ضرورة ان ثبوت الضحك
وامثاله لمصداق الشيء الذى هو الانسان بالامكان فكيف يعقل ان يكون ثبوت
المقيد بالممكن ضروريا الاعلى وجه ستعرفه فيما يأتي من كلام الفصول فى تنظيره فيما
قاله هنا على انه غير تام وثالثا ان ما ذكره فى صورة عدم دخول القيد من انحلال
القضية الى قضيتين لا يكاد يصح إلّا اذا كان المقصود هو الاخبار عن الانسان بانه
مصداق شيء وانه له النطق فيكون الغرض ان يخبر عنه بشيئين مستقلين فيتعدد الاخبار
معنى كما يتعدد صناعة ولفظا وليس الامر كذلك بل الامر فى الاخبار بالخاصّة المركبة
نضير الاخبار عن الرمان بانه حلو حامض اذا اريد بيان انه مز في انه خبر واحد حقيقى
والتعدد اللفظى انما هو لاقتضاء الصناعة ذلك لا لتعدد القصد ولو كان الامر كما
افاد لزم التناقض فى قولهم الرمان حلو حامض كما لا يخفى وقضية ان الاوصاف قبل
العلم بها اخبار حق لكن اخبارها تابعة لما يقصد بها وحدة وتعددا ورابعا ان ما ذكره
من الانحلال لا يكاد يتجه على تقدير ارادة المصداق لا المفهوم كما هو الفرض وتنقيح
المسألة ان قولنا الانسان ضاحك ينحل عقد الوضع فيه الى قولنا الانسان مصداق له
الإنسانية بالفعل او بالامكان وعقد الحمل الى قولنا الضاحك مصداق له الضحك
بالامكان فاذا اريد الحمل جعلنا الخبرين صفتين وقلنا المصداق الذى له الإنسانية
بالفعل او بالامكان مصداق له الضحك بالامكان وهذه ممكنة سواء كان المحمول هو
المقيد بوصف التقييد او المقيد مع قيده فلم تنحل هذه القضية مع لحاظ عقد الوضع
فيها الى اكثر من قضيتين فالقضية الثالثة وهى الانسان انسان التى جعلها ضروريه
وجعل القضية منحله اليها والى اخرى ممكنة لا يعرف لها مأخذ لانه مع لحاظ دخول
التقييد لم تبق قضية اخرى يلحظ فيها القيد وحده ومع لحاظ القيد والمقيد معا لم تبق
قضية اخرى يلحظ فيها ذات المقيد وبالجملة فما افاده من الانحلال غير سالم عن
الاختلال ولعله لجميع ما ذكرنا او بعضه اشار بالتأمل فعلم ان ما اجاب به فى الفصول
هو الصواب لكنه قده هو تنظر فيما افاده بقوله بعد ان ذكر ذلك (وفيه نظر لان الذات
المأخوذة مقيدة بالوصف قوة او فعلا ان كانت مقيدة به واقعا صدق الايجاب بالضرورة
وإلّا) بان لم تكن
مقيدة به واقعا (صدق
السلب بالضرورة
مثلا
لا يصدق زيد كاتب بالضرورة لكن بصدق زيد الكاتب بالقوة او بالفعل بالضرورة انتهى) موضحا فى الجملة وهذا غريب من مثل هذا المحقق فان الذى
اتفقت عليه كلمة اهل المعقول فى بيان ما افادوه فى تقسيم الموجهات وما ارادوه من
كيفية اخذ الجهات هو ان القضية المشتملة على الموضوع والمحمول بنفسهما او بقيودهما
تارة توجه بالضرورة بمعنى ضرورة ثبوت المحمول للموضوع واخرى بالامكان بالمعنى
المذكور وهكذا وجعلوا الجهة من قيود المحمول بوصف كونه محمولا فالقضية ذات الموضوع
والمحمول موجهة بجهة كذا ولم يجعلوا الجهة من قيود ذات المحمول فيكون المحمول هو
المقيد بما هو مقيد او هما معا فلا تتم القضية حينئذ الا بالجهة اذ لا محمول الا
المقيد كيف ولو جعلوها كذلك لزم انقلاب كل قضية موجهة باى جهة كانت ضرورية ان كان
المناط فى ذلك صدقها وكذبها واقعا وهو فاسد جدا كما ستعرف او احتياج الموجهات
حينئذ الى جهات آخر غير تلك الجهات والكلام فى الجهات الثانية بعينه الكلام فى
الجهات الاولى وهلم جرا فيتسلسل فيبطل التوجيه رأسا مثلا اذا كان المحمول فى زيد
ضاحك بالامكان العام هو المقيد بالجهة فثبوت الضحك بالامكان العام لزيد يمكن ان
يكون ضروريا فتكون ضروريه او بالفعل فتكون مطلقة او بالامكان فتكون ممكنة وهكذا ثم
يجرى هذا الكلام بعينه فى هذه الجهة الاخرى وهو واضح هذا واما فساد ما جعله مناطا
لكونها ضروريه (فلا
يذهب عليك ان صدق الايجاب بالضرورة) اذا اخذ المحمول (بشرط كونه مقيدا به) اى بالقيد الحاصل من الجهة واقعا (لا يصحح دعوى
الانقلاب الى الضرورية ضرورة صدق الايجاب بالضرورة بشرط المحمول فى كل قضية وان
كانت ممكنة كما لا يكاد يضر بها صدق السلب كذلك بشرط عدم كونه مقيدا به واقعا
لضرورة السلب بهذا الشرط) فتكون ضرورة الايجاب والسلب تابعة للصدق والكذب (وذلك) كله فاسد (لوضوح ان المناط فى الجهات ومواد
القضايا انما هو بملاحظة ان نسبة هذا المحمول الى ذلك الموضوع موجهة باى جهة منها
ومع آية) جهة (منها) تكون (فى نفسها) ومع قطع النظر عن الثبوت الواقعى
صادقه
لا بملاحظة ثبوتها) اى تلك الجهة (له
واقعا او عدم ثبوتها له كذلك وإلّا كانت الجهة منحصرة بالضرورة ضرورة صيرورة
الايجاب او السلب بلحاظ الثبوت وعدمه واقعا ضروريا ويكون من باب الضرورة بشرط
المحمول وبالجملة الدعوى هو انقلاب مادة الامكان) وتبدلها (بالضرورة فيما ليست مادته واقعا فى نفسه
وبلا شرط غير الامكان) لا صيرورة الممكنة ضروريه فيما ليست مادته واقعا على هذا التقدير غير
الضرورة اذ لا محذور فى ذلك بعد مطابقته للواقع هذا اذا لوحظ بشرط ثبوته فى الواقع
فعلا واما اذا لوحظ الواقع فى كيفية ثبوت الموجه له امكن ان يكون ضروريا وممكنا
وغير ذلك من ساير الجهات ولزم ما قلنا من الاحتياج والتسلسل (وقد انقدح بذلك) كله (عدم نهوض ما افاده) فى الفصول (بإبطال الوجه الاول كما زعمه قده) حيث قال بعد ما ذكر وجه النظر ما نصه ولا يذهب عليك
انه يمكن التمسك بالبيان المذكور على ابطال الوجه الاول ايضا لان لحوق مفهوم الشيء
والذات لمصاديقهما ايضا ضرورى ولا وجه لتخصيصه بالوجه الثانى انتهى كلامه (فان لحوق مفهوم الشيء
والذات لمصاديقهما انما يكون ضروريا مع اطلاقهما لا مطلقا ولو مع التقييد إلّا
بشرط تقيد المصاديق به ايضا وقد عرفت حال الشرط) وتوضيح كلام الفصول انه لا وجه لقصر المحقق الشريف
لزوم انقلاب الممكن ضروريا على ما لو اريد مصداق الشيء بل لو اريد المفهوم ثبت فيه
هذا اللزوم لان المحمول حينئذ على زيد هو مفهوم الشيء وثبوت مفهوم الشيء لمصاديقه
ضرورى واما توضيح عدم نهوضه فهو ان مفهوم الشيء ثبوته ضرورى إلّا انه ليس هو
المحمول فى قولك الانسان ناطق او ضاحك بل المحمول مفهوم شيء له النطق او الضحك ولا
يجب ان يكون ذلك ضروريا إلّا بشرط تقيد المصاديق به وثبوته لها واقعا وقد عرفت ان
نسبة المحمول فى الموجهات لا ينظر فيها الى الشرط المذكور فافهم ويحتمل ان يكون
مراد الشريف انه اذا اريد مفهوم الشيء يلزم تاليان فاسدان واذا اريد المصداق فواحد
فارادة المفهوم تشارك المصداق دون العكس وانما خص الاول بالاول ليذكر الثانى على
عمومه وقد ذكره كذلك بعموم العلة ألا ترى انه علل لزوم الانقلاب بان الشيء الذى له
الضحك وكان الانسب بخصوصية
هذا اللزوم للتقدير المذكور التعليل بان مصداق الشيء لا بان الشيء فتدبر
فيه وكيف كان فقد عرفت تحقيق الجواب قال المصنف دام ظله (ثم انه) اى الشريف (لو جعل التالي فى الشرطية الثانية) وهى ما لو اريد مصداق الشيء لا مفهومه (لزوم اخذ النوع فى
الفصل ضرورة) ان المحمول حينئذ هو مصداق شيء له النطق و (مصداق الشيء الذى له النطق هو الانسان
كان اليق بالشرطيّة الاولى) وانسب لانه يكون قد اخذ المصداق فى قبال المفهوم ولزوم
دخول النوع فى الفصل فى قبال لزوم دخول العرض العام فيه (بل كان اولى لفساده
مطلقا ولو لم يكن مثل الناطق بفصل حقيقى ضرورة بطلان اخذ الشيء فى لازمه وخاصته) بخلاف التالى فى الشرطية الاولى لابتناء فساده عند
المصنف دام ظله على كون الناطق فصلا حقيقيا كما عرفته وعرفت ما فيه وفيه ان ذلك
يتم لو كان المراد من المصداق فى الشرطية الثانية مفهوم المصداق اما اذا كان
المراد مصداق المصداق الخارجى اذ هو الذى جعل فى قبال ارادة المفهوم فلا يتم قطعا
اذ ليس النوع من المصاديق بل من المفاهيم كما لا يخفى فتامل جيدا (ثم انه) لا يخفى انا قد اقمنا الدليل على البساطة ولم نحتج الى
ما حققه الشريف وقد يقال (يمكن
ان يستدل على البساطة بضرورة عدم تكرار الموصوف فى مثل زيد الكاتب ولزومه) اى التكرار (من التركيب واخذ الشيء مصداقا او مفهوما
واضح) قلت ان اريد
لزوم تكرار لفظ الموصوف من التركيب فالتالى باطل قطعا وان اريد لزوم تكراره معنى
فدعوى ضرورة عدمه فى المثال وما اشبهه مصادرة واضحة ولو مثل بزيد كاتب كما فى
الفوائد كان الصق ولو قال فى خصوص المثال الذى ذكره لزم تكراره اربعا بناء على
التركيب كان اولى لوضوح تكراره بالموصول وبضمير الصلة المحذوف ايضا (ارشاد لا يخفى) عليك انك قد عرفت اجمالا من مطاوى هذه الكلمات (ان معنى البساطة بحسب
المفهوم وحدته ادراكا وتصورا بحيث لا يتصور عند تصوره الا شيء واحد لا شيئان وان
انحل بتعمل من العقل الى شيئين كانحلال مفهوم الشجر او الحجر الى شيء له الشجرية
او الحجرية مع
وضوح
بساطة مفهومهما) وانحلال الوجوب مثلا الى طلب الفعل مع المنع من الترك مع كمال بداهة
بساطته (وبالجملة
لا ينثلم بالانحلال الى الاثنينية بالتعمل العقلى وحدة المعنى وبساطة المفهوم كما
لا يخفى والى ذلك يرجع الاجمال والتفصيل الفارقين بين المحدود) المجمل (والحد) المفصل بجنس وفعل (مع ما هما عليه من الاتحاد ذاتا فالعقل
بالتعمل يحلل بها النوع ويفصله الى جنس وفصل بعد ما كان امرا واحدا ادراكا وشيئا
فاردا تصورا فالتحليل يوجب فتق ما هو عليه من الجمع والرتق) الامر (الثانى) [الفرق بين المشتق ومبدئه مفهوما] لا يخفى انه قد عرفت من مطاوى الكلمات ان
(الفرق
بين المشتق ومبدئه مفهوما انه) مع قطع النظر عن كل شيء والنظر اليه (بمفهومه لا يأبى عن
الحمل) المواطاتى (على ما تلبس بالمبدإ
ولا يعصى) امر واضعه
الموجه اليه بالجرى على مبدئه فيمتنع (عن الجرى عليه) فيما كان الموضوع تمام حقيقته كالانسان ناطق او ضاحك
وعن الحمل الذاتى فيما اذا كان تمام حقيقة الموضوع والمحمول امرا ثالثا كالكاتب
ضاحك فان تمام حقيقتهما الانسان والحمل فيهما ذاتى (لما هما) اى المشتق المحمول والمحمول عليه المتلبس بالمبدإ (عليه من نحو من الاتحاد
بخلاف المبدا فانه بمعناه) مع قطع النظر عما سواه (يابى عن ذلك بل اذا قيس) المبدا (ونسب اليه كان غيره لا هو هو وملاك
الحمل والجرى كما سنشير اليه انما هو نحو من الاتحاد) وهو الحمل المواطاتى (والهوهوية) وهو الحمل الذاتى (والى هذا) الذى ذكرناه فى معنى الفرق (يرجع ما ذكره اهل
المعقول فى الفرق بينهما من ان المشتق يكون لا بشرط والمبدا يكون بشرط لا) قال المحقق الدوانى فى المحكى عنه ليس بين الابيض
والبياض مغايره إلّا بالاعتبار فاذا اخذ بشرط لا كان بياضا واذا اخذ لا بشرط كان
أبيض (اى
يكون مفهوم المشتق غير آب عن الحمل ومفهوم المبدا يكون آبيا عنه) فهم قد لاحظوا المشتق والمبدا من حيث انهما بما هما
مشتق ومبدأ هل فيهما ما يمنع الحمل اولا واصل هذه العبارة وهى اعتبار الشيء لا
بشرط او بشرط لا انما اصطلحوا بها فى مورد انقسام الماهية من حيث هى ومن حيث
الطوارى الخارجية عليها فاعتبروها تارة لا بشرط وتارة بشرط لا واخرى بشرط
شيء (وصاحب
الفصول رحمهالله حيث) نظر الى كلامهم فى الماهية ظن ان كلامهم فى المشتق
والمبدا من هذا الباب و (توهم
ان مرادهم انما هو بيان الفرق بهذين الاعتبارين) وهما لا بشرط وبشرط لا بين المشتق والمبدا (بلحاظ الطوارى
والعوارض الخارجية مع حفظ مفهوم واحد) وهو معروض هذه الطوارى العارضة كما كان الامر فى
الماهية على هذا النهج وحسب انهم ارادوا ان نفس المبدا كالعلم مثلا اذا لوحظ من
حيث الحمل الطارى عليه بشرط لا لم يصح حمله واذا لوحظ لا بشرط وصار مدلولا لعالم
صح حمله (فاورد
عليهم بعدم استقامة الفرق) المذكور (بذلك لاجل) انه اذا قيل زيد عالم او متحرك لم نرد بزيد الذات وصفة
العلم او الحركة وانما نريد به الذات وحدها ومعه فلا اشكال فى (امتناع حمل العلم
والحركة على) زيد مع ارادة (الذات) خاصه من لفظه (وان اعتبر لا بشرط) لتغايرهما وجودا وأنت خبير بما فيه فانهم لم يريدوا ان
هذين الاعتبارين علة تامة لصحة الحمل وعدمه بل غرضهم بيان عدم المانع فى المشتق
ووجوده فى المبدا قال فى الشوارق بعد ان بين المراد من الجزء المحمول وانه بشرط لا
جزء ولا بشرط محمول ما هذا لفظه والمراد من لا بشرط وبشرط لا فى الاجزاء المحمولة
ليس بالقياس الى اى شيء كان بل بالقياس الى ما يمكن ان يضاف اليه ويصير متحد
الوجود به انتهى وهذا بخلاف ما ذكروه فى الماهية فان اعتبارها لا بشرط تمام
المقتضى لصدقها على ما تحتها (و) قد (غفل) قدسسره (عن
ان المراد) لهم هو (ما ذكرنا) من ان مادة المشتق بهذه الهيئة الخاصة لا إباء لها
بحسب المفهوم عن الحمل كما ترى من صحة زيد عالم بالضرورة باى نحو حمل وان مادة
المبدا بهذه الهيئة الخاصة آبية بمفهومها عنه وهذا معنى لا بشرط وبشرط لا فى هذا
المقام فيكون نظرهم ان عالم من حيث صلوح مفهومه للحمل كالجنس والفصل الملحوظين لا
بشرط وان مبدأه فى عدم صلوحه له كالجنس والفصل الملحوظين بشرط لا (كما يظهر منهم من
بيان الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة
والصورة) حيث قالوا اذا اعتبر الحيوان بشرط لا كان مادة وهو جزء
خارجى من المركب ولا يصح حمله عليه ولا على جزئه الآخر لتباينهما فى الوجود
الخارجى وان اعتبر لا بشرط كان جنسا وصح حمله لاتحاده خارجا وان كان جزء عقليا
إلّا انه جزء فى الحد لا فى الخارج واذا اعتبر الناطق بشرط لا كان صوره وحاله
كالمادة وان اعتبر لا بشرط كان فصلا وحاله كالجنس (فراجع) كلامهم فى بحث عروض العموم ومضايفه لا جزاء الماهية
الامر (الامر
الثالث) [ملاك الحمل] حيث انك قد عرفت ان المشتق بنفسه وبمفهومه
لا يابى عن الحمل فلا باس بالإشارة الى ملاكه دفعا لما ربما يتوهم فيه فنقول (ملاك الحمل كما اشرنا
اليه هو الهوهوية والاتحاد من وجه والمغايرة من وجه آخر) فالمتحدان من وجه المتغايران من آخر يلزمهما الاثنينية
فان لم يكن اتحاد اصلا لزم حمل المتغايرين فى الوجود وهو باطل وان لم تكن مغايرة
اصلا ذهبت الاثنينية ولزم حمل الشيء على نفسه وهو باطل فملاك الحمل هو ما عرفت (كما يكون بين
المشتقات والذوات ولا يعتبر معه) شيء آخر خلافا لصاحب الفصول قال قده ما لفظه والتحقيق
ان حمل الشيء على شيء يستدعى ان يكون بينهما مغايره باعتبار الذهن فى لحاظ الحمل
واتحاد باعتبار الظرف الذى يعتبر الحمل بالقياس اليه من ذهن او خارج ثم التغاير قد
يكون اعتباريا والاتحاد حقيقيا كقولك هذا زيد والناطق حساس وقد يكون التغاير
حقيقيا والاتحاد اعتباريا وذلك بتنزيل الاشياء المتغايرة منزلة شىء واحد وملاحظتها
من حيث المجموع والجملة فيلحقه بذلك الاعتبار وحدة اعتبارية فيصح حمل كل جزء من
اجزائه المأخوذة لا بشرط عليه وحمل كل واحد منهما على الآخر بالقياس اليه نظرا الى
اتحادهما فيه كقولك الانسان جسم او ناطق فان الانسان مركب فى الخارج حقيقة من بدن
ونفس لكن اللفظ انما وضع بازاء المجموع من حيث كونه شيئا واحدا ولو بالاعتبار فان
اخذ الجزءان بشرط لا كما هو مفاد لفظ البدن والنفس امتنع حمل احدهما على الآخر
وحملهما على الانسان لانتفاء الاتحاد بينهما وان اخذا لا بشرط كما هو مفاد الجسم
والناطق صح حمل احدهما على الآخر وحملهما
على الانسان لتحقق الاتحاد المصحح للحمل فقد تحقق مما قررنا ان حمل احد
المتغايرين بالوجود على الآخر بالقياس الى ظرف التغاير لا يصح إلّا بشروط ثلثه اخذ
المجموع من حيث المجموع واخذ الاجزاء لا بشرط واعتبار الحمل بالنسبة الى المجموع
من حيث المجموع انتهى كلامه رفع مقامه وفيه انظار عديدة احدها ما ذكره من الضابط
لصحة الحمل فان الذى صرح به اهل المعقول قولا واحدا وكان من المسلم فيما بينهم ان
الهوهو أى الحمل الايجابى يستدعى نحوا من الاتحاد ونحوا من التغاير من غير فرق بين
انحاء الاتحاد ذاتا ووجودا وجنسا وان كان جنس الاجناس ونوعا كذلك وفصلا بما يناسب
جنسه وعرضا خاصا وعاما بل ونحو الاتحاد شخصا كزيد زيد مع تكثر الجهة ليحصل التغاير
من وجه قال المحقق الطوسى فى التجريد بعد ان ذكر الوحدة واقسامها التى سمعتها
بالنسبة الى معروضها ما نصه والهوهو على هذا النحو انتهى وبذلك صرح من قبله ومن
بعده والاتحاد فى غير الذاتى انما يكون بحسب الاجزاء العقلية المنطبقة على الخارج
لا بحسب الاجزاء الخارجية مثلا اذا قلت الانسان حيوان ناطق فالحيوان بشرط لا مادة
والناطق بشرط لا صورة ولا يصح حمل احدهما على الآخر ولا حملهما على الانسان
لتغايرهما ذاتا ووجودا فهما جزءان خارجيان فان اعتبرا لا بشرط فهما جزءان عقليان
فى ظرف الحد وتمام الحقيقة فى ظرف الخارج فالمصداق الخارجى هو انسان وحيوان وناطق
وهذا معنى الاتحاد الحملى من غير حاجة الى (ملاحظة التركيب بين المتغايرين واعتبار
كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا بل يكون لحاظ ذلك مخلا لاستلزامه المغايرة) بين المحمول والموضوع (بالجزئيّة والكلية) ضرورة ان الموضوع حسب الفرض مركب من مجموع الاجزاء
والمحمول كل جزء منها بنفسه وفساده غنى عن البيان هذا مضافا الى ما عرفت من عدم
صحة حمل الجزء بلحاظ الخارج وان اراد انه جزء عقلى ومصداق تام فى ظرف الخارج
لاعتبار المجموع من الحيوانية والناطقية واحدا ففيه ان مصداق الانسان يصدق عليه
الحيوان خارجا ويتحد معه وحدة جنسيه من غير حاجة الى هذا الاعتبار كما لا يخفى ومن
الواضح كما عرفت ان ملاك الحمل لحاظ
النسبة بنحو من الاتحاد بين الموضوع والمحمول وهو حاصل هذا (مع وضوح عدم) اخذ المجموع و (لحاظ ذلك) شيئا واحدا (فى التحديدات وسائر القضايا فى طرف
الموضوعات بل لا يلحظ فى طرفها الا صرف معانيها) ومصاديقها (كما هو الحال فى طرف المحمولات ولا يكون
حملها عليها إلّا بملاحظة ما) تحقق فيها من ملاك الحمل الذى عرفته مما (هما عليه من نحو من
الاتحاد) ولو كانت
الوحدة عرضية (مع
ما هما عليه من المغايرة ولو بنحو من الاعتبار) وذلك حيث تكون الوحدة شخصيه ثانيها ما ذكره من ان
البدن والنفس معنى للانسان فان اعتبرا بشرط لا لم يصح الحمل وان اعتبرا متحدين
وبلا شرط صح الحمل فيقال الانسان جسم او ناطق وفيه اولا ان اعتبار المحسوس
والمعقول فى الخارج شيئا واحدا اما بتجريد المحسوس او بتجسيم المعقول وكلاهما باطل
ولا ثالث وثانيا ان التعبير بالجسم عن البدن وبالناطق عن النفس فى اخذهما لا بشرط
فاسد اذ ليس معنى اخذ الشىء لا بشرط ادخاله تحت كلى اعم او اخص فان البدن اخص من
الجسم والناطق اخص من النفس فلا يكون اخذ الجسم والناطق محمولين اخذا للبدن والنفس
بلا شرط لما عرفت من ان الاخذ بشرط لا ولا بشرط معروضهما واحد غاية الامر انه ان
اعتبر بشرط لا كان خارجيا او لا بشرط كان عقليا وطريق اخذ البدن والنفس لا بشرط ان
يقال البدن ذو نفس يحصل حد الانسان المؤلف من جنسه وهو البدن وفصله وهو هيئة تلبسه
مع النفس وتلبس النفس معه كما قال اهل المعقول فى اجزاء السرير المركب انه اذا
اخذت لا بشرط قيل الخشب ذو هيئة مخصوصة يحصل حد السرير المؤلف من جنسه وهو الخشب
وفصله وهو الهيئة المخصوصة المأخوذة كذلك ومن راجع كلمات اهل المعقول يتضح له ما
ذكرناه ثالثها انه يلزم مما ذكره عدم مطابقة الحدود لمحدوداتها ضرورة ان المحدود
زاد فيه لحاظ اعتبار معناه الخارجى واحدا وليس الحد مشتملا على بيان المحدود بما
هو واحد اعتبارا بل بما هو وفى نفسه وليس هو فى نفسه الا واحدا خارجا ولو قال ان
اجزاء الحد لم يصح حملها الا لاعتبارها مع المحدود واحدا فيتطابقان
قلنا ان هذا الاعتبار ان كان فى كل واحد من اجزاء الحد لزم فساد الحد لان
اعتبار جزء المركب واحدا مع المركب غير اعتبار كون المركب من جزءين واحدا فلا يؤخذ
فى تحديده وان كان فى جزئى الحد من حيث المجموع لزم عدم صدق كل جزء وحده على
المحدود فى ظرف الخارج وهو باطل بالضرورة لصدق كل جزء منها على المحدود خارجا ولا
منافات بين كونه جزء عقليا وكونه متحدا مع الموضوع خارجا رابعها ما ذكره فى شروط
الحمل من اخذ الاجزاء لا بشرط والحمل باعتبار المجموع من حيث المجموع فانه ان اراد
بذلك اعتبار حمل الاجزاء بالنسبة الى المجموع منها فى الحد من حيث المجموع فهذا
يناقض اخذها لا بشرط لان معناه صحه حمل كل واحد منها فى نفسه وان اراد اخذها من
حيث المجموع لا بشرط لا اخذ كل واحد فهذا بديهى الفساد لما عرفت ولضرورة صحة حمل
كل واحد منها فعلا من غير توقف على الاخذ وان اراد بذلك اعتبار حمل كل واحد من
الاجزاء بالنسبة الى المجموع من اجزاء المركب فى الخارج من حيث المجموع كان الشرط
الثالث مستدركا لاغناء اخذ الاجزاء لا بشرط عن هذا الشرط اذ لا معنى لاخذها لا
بشرط فعلا الا صحه حملها فعلا ولو توقف على شىء آخر لم يصح الاخذ فعلا فاخذ
المجموع من حيث المجموع واخذ الاجزاء بلا شرط كافيان فى تحقق ما اعتبره كما هو
واضح بادنى تأمل (فانقدح
لك بذلك فساد ما جعله فى الفصول تحقيقا للمقام وفى كلامه) انظار تقدم ذكرها وفيما فرعه على ذلك ايضا (موارد للنظر تظهر
بالتأمل وامعان النظر) الامر (الرابع)
قد مرت الاشارة
الى كفاية المغايرة الاعتباريّة فى تعدد الصفات وان اتحدت مصداقا وحدة حقيقيه من
كل وجه فصفات البارى تعالى وان كانت عين ذاته إلّا انه يكفى فى تغايرها تغاير
مظاهرها وآثارها ولا شك فى كفاية هذا التغاير فى صدق الالفاظ الدالة على تلك
الصفات مع اختلاف مفاهيمها (كما
لا ريب فى كفاية مغايرة المبدا مع ما يجرى المشتق عليه) من الذات (وان اتحدا عينا) ذهنا (وخارجا) من جميع الجهات كاوصافه جلت عظمته (فصدق الصفات فى مثل
العالم والقادر
والرحيم
والكريم الى غير ذلك من صفات الكمال والجلال عليه تعالى على ما ذهب اليه اهل الحق
من عينية صفاته يكون على الحقيقة فان المبدا فيها وان كان عين ذاته تعالى خارجا
إلّا انه غير ذاته تعالى مفهوما) كما انه يكفى فى صدقها على الحقيقة مع اختلافها مفهوما
ووحدة مصداقها مغايرته الاعتباريّة (ومنه قد انقدح اوهن ما فى الفصول من
الالتزام بالنقل والتجوز فى الفاظ الصفات الجارية عليه تعالى بناء على الحق من
العينية لعدم المغايرة المعتبرة بالاتفاق) بين الذات التى يجرى عليها المشتق والمبدا (وذلك لما عرفت من
كفايت المغايرة) بينهما (مفهوما
ولا اتفاق على اعتبار غيرها ان لم نقل بحصول الاتفاق على عدم اعتباره كما لا يخفى
وقد عرفت ثبوت المغايرة كذلك بين الذات ومبادى الصفات) الامر (الخامس انه وقع الخلاف بعد الاتفاق على
اعتبار المغايرة كما عرفت بين المبدا وما يجرى عليه المشتق فى اعتبار قيام المبدا
به فى صدقه على نحو الحقيقة) على قولين ذهب الى كل فريق (وقد استدل من قال
بعدم الاعتبار بصدق الضارب والمولم) على الذات (مع) عدم (قيام الضرب والالم) بمصداق الضارب والمولم بل (بالمضروب والمولم
بالفتح والتحقيق) ان يقال (انه
لا ينبغى ان يرتاب من كان من اولى الالباب انه يعتبر فى صدق المشتق على الذات
وجريه عليها) قيامه بها إلّا ان المراد من قيامه بها هو تلبسه بها ولا يعتبر (من التلبس بالمبدإ) تلبس خاص (بنحو خاص) بل مطلق التلبس باى نحو كان (على اختلاف انحائه) وضروبه المختلفة (الناشئة من اختلاف المواد تارة و) من (اختلاف
الهيئات اخرى) فيكفى اى نحو اقتضته المواد والهيئات (من القيام صدورا او حلولا او وقوعا عليه
او فيه او انتزاعه عنه مفهوما مع اتحاده معه خارجا كما فى صفاته تعالى على ما
اشرنا اليه آنفا او انتزاعه عنه مع عدم تحقق الا للمنتزع عنه كما فى الاضافات
والاعتبارات التى لا تحقق لها ولا يكون بحذائها فى الخارج شيء وتكون من الخارج
المحمول لا المحمول بالضميمة ففى صفاته الجارية عليه تعالى يكون المبدا مغايرا له
تعالى مفهوما وقائما به مصداقا لكنه بنحو من القيام لا بان يكون هناك اثنينية وكان
ما بحذائه
غير
الذات بل بنحو الاتحاد والعينية وكان ما بحذائه عين الذات) وحاصل الكلام وحقيقة المرام ان المشتق وضع ليكون جاريا
على ذات للمبدا بها تعلق وليس خارجا عنها سواء كان نوع التعلق وعدم الخروج بان كان
المبدا عين الذات او فيها او منها او بها او عنها او لها او معها كمصحوب مثلا بل
اتم انحائه هو الاول غاية الامر عدم اطلاع العرف على تفصيل كيفية الصدق والجرى (وعدم اطلاع العرف على
تفاصيل مثل هذا التلبس) التى هى (من
الامور الخفية لا يضر) مع جريهم على اطلاقها عليه بحسب المركوز فى ضمائرهم من الوضع القاضى (بصدقها عليه تعالى
على نحو الحقيقة) ولا تكون كذلك إلّا (اذا
كان) قد ارتكز (لها) فى اذهانهم (مفهوم صادق عليه تعالى ولو) كان مع الالتفات لا يعرف تفصيلا الا (بتأمل وتعمل من العقل
والعرف انما يكون مرجعا فى تعيين المفاهيم) الصادقة (لا فى تطبيقها) النفس الامرى تفصيلا (على مصاديقها وبالجملة يكون مثل العالم
والعادل وغيرهما من الصفات الجارية عليه تعالى وعلى غيره جارية عليهما بمفهوم واحد
ومعنى فارد وان اختلفا فيما يعتبر فى الجرى من) نحو (الاتحاد وكيفية التلبس بالمبدإ حيث انه
بنحو العينية فيه تعالى وبنحو الحلول والصدور فى غيره) اذا عرفت ما ذكرنا (فلا وجه لما التزم به فى الفصول من نقل
الصفات الجارية عليه تعالى عما هى عليها من المعنى) زعما منه ان مع العينية لا مغايرة مع الاطباق على
اعتبارها ولا قيام مع كون مختاره اعتباره رادا لما اشرنا اليه من ان المصداق مع
العينية اتم بان ذلك من الامور الخفية التى لا يطلع عليها العرف وقد عرفت الجواب
عن الثلاثة (كما
لا يخفى) وكيف يكون
الامر كما ذكر (و) الحال انها (لو كانت بغير معانيها العامه جارية عليه
تعالى كانت صرف لقلقة لسان والفاظ بلا معنى فان غير تلك المفاهيم العامه الجارية
على غيره تعالى غير مفهوم ولا معلوم إلّا بما يقابلها ففى مثل ما اذا قلنا انه
تعالى عالم اما ان يعنى انه ممن ينكشف لديه الشىء فهو ذاك المعنى العام او انه
مصداق لما يقابل ذاك المعنى فتعالى عن ذلك (عُلُوًّا كَبِيراً) واما
ان لا يعنى شيئا فتكون كما قلنا من كونها صرف اللقلقة ومن كونها بلا معنى كما لا
يخفى والعجب انه جعل
ذلك) اى النقل (علة لعدم صدقها فى حق غيره وهو كما ترى) من وضوح الصدق من حيث اصل وضع اللفظ وان اراد عدم
الصدق بالمعنى الذى كان بالنسبة اليه تعالى فهو حق إلّا انه لا من حيث قصور اللفظ
وضعا بل لقصور المصداق عن ذلك نوعا كما هو واضح (و) اذا احطت خبرا (بالتأمل فيما ذكرنا ظهر) لك (الخلل
فيما استدل) به (من
الجانيين و) عرفت فصل القضاء فى (المحاكمة
بين الطرفين فتأمل) فان الظاهر ان النزاع انما وقع فى الصغرى وان كان باسم الكبرى فلاحظ
وتدبر (الامر
السادس الظاهر) ان القول (بانه
لا يعتبر فى صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة التلبس بالمبدإ حقيقة وبلا واسطة فى
العروض كما فى الماء الجارى بل يكفى التلبس به ولو مجازا ومع هذه الواسطة كما فى
الميزاب الجارى فاسناد الجريان الى الميزاب وان كان اسنادا الى غير ما هو له
وبالمجاز إلّا انه فى الاسناد لا فى الكلمة فالمشتق فى مثل المثال بما هو مشتق قد
استعمل فى معناه الحقيقى وان كان مبدؤه مسندا الى الميزاب بالاسناد المجازى ولا
منافات بينهما اصلا) ضعيف جدا ضرورة ان معنى كون المجاز فى الاسناد لا يوجب التجوز فى الكلمات
هو بقاء الكلمات بحسب المواد والهيئات على معناها الحقيقى فالفعل المشتمل على مادة
وهيئة ونسبة الى فاعل ما لا يلزم من التجوز فيه من حيث النسبة التجوز فيه من حيث
المادة والهيئة فالمأخوذ من هذا الفعل اذا اشتمل على المعنى النسبى لا بد وان يكون
من هذه الجهة ايضا مجازا ومن الجهتين الباقيتين حقيقة والمشتق كالضارب من ضرب
وغيره من سائر المشتقات مشتمل على النسبة ولذا يرفع الفاعل وينصب المفعول فكيف
يعقل صدقها على المتلبس حقيقة من جهة النسبة فاطلاق ضارب على زيد كنسبة ضرب اليه
ولا فرق بحسب مصطلح النحات الا فى دلالة الفعل على الزمان وعدم دلالة الاسم سواء
كانت دلالة وضعية كما ذهبوا اليه او عقلية كما ذهبنا اليه فما افاده فى الفصول من
توقف الصدق الحقيقى على الاسناد الحقيقى للمبدا الى الذات فى غاية القوة بل لا
يعقل غيره إلّا اذا غاير وضع المشتق وضع المشتق منه فى المعنى النسبى نعم هو بحسب
المادة والهيئة لا مجاز فيه (كما
لا يخفى) وبما ذكرنا
يتضح لك ان ما افاده المصنف دام
ظلة بقوله (ولكن
ظاهر الفصول بل صريحه اعتبار الاسناد الحقيقى فى صدق المشتق حقيقة وكانه من باب
الخلط بين المجاز فى الاسناد والمجاز فى الكلمة) غير متجه (وقد انتهى هاهنا محل الكلام فى مبحث
المشتق بين الاعلام والحمد لله) ونختم مقدمة الكتاب بذكر الامر الرابع عشر الذى وعدناك
به ليتم به العدد الميمون فهو احسن تمام (وهو خير ختام) فنقول الالفاظ الموضوعة للمعانى الخارجية هل الملحوظ
للواضع جهة صورها النوعية فتدور الدلالة مدارها وجودا وعدما او موادها الشخصية
فتبقى الدلالة ما بقيت المواد وان ذهبت الصور وجهان بل لعلهما قولان اظهرهما الاول
للتبادر وصحة السلب والاطراد بالمعنى الذى ذكرناه بل استقراء موارد استعمال
الالفاظ يفيد القطع بما ذكرناه فالاحكام المتعلقة بموضوعاتها تكليفيه ووضعية منوط
بقائها ببقاء اسامى تلك الموضوعات وذهاب الصور بالمرة موجب لانعدام الحكم بالمرة
وتبدلها او استحالتها الى اخرى موجب للحوق حكم الاخرى وهذا هو السر فيما اشتهر من
ان الاحكام تدور مدار الاسماء (المقصد
الاول فى الاوامر وفيه فصول) الفصل (الاول فيما يتعلق بمادة الامر
من
الجهات وهى عديدة) [الجهة] (الاولى
انه قد ذكر للفظ الامر معانى متعددة) (منها
الطلب كما يقال امره بكذا ومنها الشأن كما يقال شغله امر كذا) اوان امرك لعجيب (ومنها الفعل كقوله تعالى (وَما أَمْرُ
فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ)) ويحتمل ان يكون فى الآية بمعنى النهج والطريق اى وما
طريق فرعون طريق رشاد واتبعوا امره بمعنى سلكوا طريقه (ومنها الفعل العجيب
كما فى قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَ
أَمْرُنا)) وفيه انه لا يناسب ما بعده وهو قوله تعالى (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) والاولى تفسيره بالعذاب او بالقضاء والقدر فيكون المعنى
فلما جاء عذابنا يعنى وقت التعذيب او قضائنا وقدرنا كذلك (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) لينطبق عليه ظاهر جملة من الآيات (ومنها الشىء كما تقول
رأيت اليوم امرا عجيبا ومنها
الحادثة ومنها الغرض كما تقول جاء زيد لامر كذا) الى غير ذلك من المعانى وهى كثيرة قال ايده الله (ولا يحفى ان عد بعضها
من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ضرورة ان الامر فى جاء زيد لامر كذا ما
استعمل فى معنى الغرض بل اللام قد دلت على الغرض نعم يكون مدخوله مصداقه فافهم)
وفيه انه ان كان المراد بالغرض الذى جعل احد معانيها هو القصد فالامر كما
افاد ولذا يحسن وضع القصد بمفهومه موضع اللام وبمصداقه موضع مدخولها فتقول فى جاء
زيد لامر الصلاة مثلا جاء زيد قاصدا الصلاة وان كان المراد به السبب كما هو الظاهر
فالحق ان استعماله كذلك ثابت كما اذا قلت لامر ما قام زيد واوضح من ذلك قوله لامر
ما دت الارض انقلابا لعل الموت ممسكها اصابا وقوله ولاى الامور تدفن سرا وغير ذلك
وان ابيت الا عن ظهور كلام القائل فى ارادة القصد فليكن السبب احد معانيها فافهم
ومن جميع ما ذكرنا يعلم ما فى قوله (وهكذا الحال فى قوله تعالى (فَلَمَّا جاءَ
أَمْرُنا) يكون
مصداقا للتعجب لا مستعملا فى مفهومه) وقوله (وكذا فى الحادثة والشأن) سيما الشأن لعدم استعمال هذا اللفظ هنا فى مفهومه بل
ولا فى مصداقه وقولهم شغله امر كذا يراد به ذات ذلك الشاغل والإضافة بيانيه فيراد
من قولهم شغله امر التجارة اى شغله امر هو التجارة فالمراد بالامر هنا مصداق
الشاغل وجمعه على امور كشئون لا دلالة فيه على انه هنا بمعنى الشأن اذ الاتحاد
بصيغة الجمع لا ربط له بالاتحاد فى المعنى وان كان هو بمعنى الشأن انما يجمع على
امور واوضح موارد استعماله بمعنى الشأن ومفهومه قول القائل لا تسئل عنى ان امرى
لعجيب او ان امرك لمريب نعم جمعه كذلك فيه دلالة على ان ما جمع بهذه الصيغة غير ما
جمع بصيغه اوامر معنى (وبذلك
ظهر ما فى دعوى) صاحب (الفصول
من كون لفظ الامر حقيقة فى المعنيين الاولين) وظهر لك ايضا ما فى انكار المصنف قده عليه وقد عرفت
الحال (و) كيف كان (لا يبعد دعوى كونه حقيقة فى الطلب فى
الجملة) بل هو الظاهر
كما ان الظاهر اشتراكه لفظا بين معان كثيرة تعرفها من نتبع استعمال هذه المادة فى
الكتاب والسنة وكلام العرب والاطلاع على معانيها المختلفة مع كمال التباين بينها
بحيث لا يبقى لاحتمال دعوى المجازية فيها محل (هذا بحسب العرف واللغة واما بحسب
الاصطلاح فقد نقل الاتفاق على انه حقيقة فى القول المخصوص ومجاز فى غيره ولا يخفى
انه) ليس معنى ذلك
انه مصداق القول المخصوص بل معناه هو مفهوم القول المخصوص فيصدق مع كل
صيغة تحقق فيها هذا المفهوم ومن المعلوم صحة الاشتقاق منه بهذا المعنى
فالامر بمعنى القائل هذه الصيغة والمامور هو المقول له هذه الصيغة وهكذا والمعنى
الحدثى بالنسبة الى كل مادة بحسبها فلا وجه لما افاده المصنف تبعا للفصول من انه (عليه لا يمكن
الاشتقاق فان معناه حينئذ لا يكون معنى حدثيا مع ان الاشتقاقات منه ظاهرا تكون
بذلك المعنى المصطلح عليه بينهم لا بالمعنى الآخر) وكيف يمكن دعوى الاتفاق على ان المعنى ليس بحدثى مع
الاتفاق على صحة الاشتقاق منه بذلك المعنى بل لا بد من رفع اليد اما عن الاول او
عن الثانى ولعله الى ذلك اشار المصنف بقوله (فتدبر) ويكون مجموع الاتفاقين قرينة على التصرف فى احدهما
وليس فى كلامهم ما يدل على ارادتهم غير ما ذكرنا بل ظاهرهم انه هو قول افعل كما هو
المتبادر فى العرف فان المتبادر من لفظ امره قال له افعل لا ذات افعل كما هو واضح (و) لو سلم قلنا (يمكن ان يكون مرادهم به هو الطلب بالقول
لا نفسه تعبيرا عنه بما يدل عليه) والفرق بين هذا وسابقه ان السابق هو القول المتضمن
للطلب والثانى هو الطلب بالقول والاظهر هو الاول كما عرفت (نعم القول المخصوص اى
صيغة الامر اذا اراد العالى بها الطلب يكون من مصاديق الامر لكنه) بما هو قول مخصوص كما عرفت او (بما هو طلب مطلق او
مخصوص) فتحصل ان
لصحة الاشتقاق مع تحقق ما سبق من الاتفاق وجوها ثلاثة اوجهها الاول ثم الثالث (وكيف كان فالامر سهل
لو ثبت النقل) بالمعنى المدعى (ولا
مشاحة فى الاصطلاح وانما) الغرض (المهم بيان ما هو معناه عرفا ولغة ليحمل
عليه فيما اذا ورد بلا قرينة) (و) قد مرت الاشارة الى انه (قد استعمل فى غير واحد من المعانى فى
الكتاب والسنة) وعرفت ايضا ان الظاهر انه على نحو الاشتراك اللفظى ضرورة عدم الجامع
بينها وعدم المناسبة بالمرة (و) منه يعلم انه (لا) وجه لنفى وجود [حجة] مطلقا (على انه على نحو الاشتراك اللفظى او
المعنوى او الحقيقة والمجاز و) لا حاجة لنا الى الاحتجاج بذكر (ما ذكر فى الترجيح
عند تعارض هذه الاحوال لو سلم ولم يعارض بمثله فا] نه (لا
دليل على الترجيح به فلا بد مع التعارض من الرجوع الى الاصل فى مقام العمل) على تقدير انحصار الحجة على احدها به وقد عرفت
الحجة على الاشتراك اللفظى (نعم لو) لم تكن حجة اصلا ولا قرينة معينه لاحد معانيه و (علم ظهوره فى احد
معانيه ولو احتمل ان هذا الظهور للانسباق من الاطلاق فليحمل عليه] لكفايته فى اثبات المراد (وان لم يعلم انه
حقيقة فيه بالخصوص او فيما يعمه كما لا يبعد ان يكون كذلك) يعنى له الظهور (فى المعنى الاول) وهو الطلب (الجهة الثانية الظاهر اعتبار العلو فى
معنى الامرفلا يكون الطلب) الصادر (من السافل او المساوى) للعالى (امرا ولو اطلق عليه كان) مجازا (بنحو من العناية كما ان الظاهر عدم
اعتبار الاستعلاء) مع وجود العلو الحقيقى وعدم جدواه مع عدم وجوده الا للاطلاق مجازا وهى
العناية المشار اليها (فيكون
الطلب من العالى امرا ولو كان) العالى (مستخفضا لجناحه) ومن الدانى او المساوى ليس بامر ولو كان مستعليا (واما احتمال اعتبار
احدهما) لا بعينه
فايهما وجد تحقق الامر (فضعيف) جدا (و) لا دلالة فى (تقبيح الطالب السافل من العالى المستعلى) ذلك الطالب السافل (عليه وتوبيخه بمثل) قول (انك لم) امرته او (تأمره) او غير ذلك مما يتضمن اطلاق الامر على طلبه لان
التقبيح والتوبيخ (انما
هو على استعلائه) وشموخه بانفه مع عدم اهليته لذلك (لا على امره حقيقة بعد استعلائه وانما
يكون اطلاق) المقبح والموبخ (الامر
على طلبه) من باب
المجاز (بحسب
ما هو قضية استعلائه) المصححة للاطلاق مجازا كما عرفت (وكيف كان ففى صحة سلب الامر عن طلب
السافل ولو كان مستعليا كفاية) فى دليل المجازية (الجهة الثالثة لا يبعد) بل الاقرب (كون لفظ الامر) ومادته (حقيقة فى الوجوب) لوجود علائمها من عدم صحة السلب ومن التبادر (لانسباقه منه عند
اطلاقه) بلا قرينة (ويؤيده قوله تعالى (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) وقوله
صلىاللهعليهوآله لو لا ان أشقّ على
امتى لامرتهم بالسواك وقوله صلىاللهعليهوآله لبريرة بعد قوله أتأمرني
يا رسول الله لا بل انما انا شافع الى غير ذلك) بل فى هاتين الروايتين دلالة على ذلك (و) يدل عليه ايضا (صحة الاحتجاج على العبد) (و) حسن (مؤاخذته بمجرد مخالفة امره وتوبيخه
على
مجرد مخالفته كما فى قوله تعالى (ما مَنَعَكَ أَلَّا
تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ)) [و] لا دلالة على وضعه للاعم من الندب والايجاب فى (تقسيمه الى الايجاب
والاستحباب) بل (انما
يكون) ذلك (قرينة على ارادة
المعنى الاعم منه فى مقام تقسيمه وصحة الاستعمال فى معنى) لا تدل على الوضع له لانه (اعم من كونه على نحو
الحقيقة كما لا يخفى واما ما افيد) فى الاستدلال على كونه حقيقة فى الاعم (من ان الاستعمال
فيهما ثابت فلو لم يكن موضوعا للقدر المشترك بينهما لزم الاشتراك او المجاز) وكلاهما خلاف الاصل (فغير مفيد لما مرت الاشارة اليه فى
الجهة الاولى وفى تعارض الاحوال) من عدم الدليل على صلاحية هذا الترجيح لاثبات الوضع (فراجع و) هن من ذلك (الاستدلال بان فعل المندوب طاعة وكل) ما هو (طاعة فهو فعل المامور به) فان (فيه) من الضعف (ما لا يخفى) وجهه (من منع الكبرى لو اريد من المامور به
معناه الحقيقى وإلّا) فهو (لا
يفيد المدعى الجهة الرابعة) [الظاهر ان الطلب الذى يكون هو معنى الامر ليس هو
الطلب الحقيقى] مسألة اتحاد الطلب مع الارادة ومغايرتهما وهى المعركة العظمى بين
الاشاعرة وبعض اصحابنا والمعتزلة والباقين من الاصحاب ولا بد من تحقيق المقام بما
ينكشف به ظلمات الاوهام فنقول الارادة على اقسام ثلثه احدها ارادة تبعث امر كن بل
هى هو ولذا نسبت اليه ووصفت به وهى الارادة التكوينية ثانيها ارادة تبعث ايجابا
وتحريما وغيرهما فى مقام بيان ما عليه نظام شريعة النبى المرسل وهى الإرادة
التشريعية ثالثها ارادة تبعث طلبا انشائيا سواء كان المطلوب به مطلوبا حقيقيا ينشأ
من تلك الارادة التشريعية او لم يكن كذلك بل كان امتحانيا صوريا ولا واقع له فى
نفس الامر الا ذلك ومن هذه الاقسام تعرف ان الطلب ايضا على اقسام طلب كن وهو الطلب
التكوينى المنبعث عن الارادة التكوينية وطلب افعل واترك وهو الطلب التشريعى المنبعث
عن الارادة التشريعية وطلب انشائى محض وهو الطلب الانشائى المنبعث عن الارادة
الطلبية اذا عرفت ذلك ظهر لك بضرورة العقل ان طلب كل قسم متحد مع ارادته التى هى
فى مرتبته ومغاير للارادة التى هى فى مرتبة غيره كما ظهر لك العكس وان كل ارادة
متحدة مع طلبها الذى هو فى مرتبتها ومغايرة لما هى ليست كذلك ولعدم التمييز
بين هذه الاقسام كثرت الاوهام هذا كله فى مقام الثبوت واما مقام الاثبات (فاعلم ان الظاهر ان
الطلب الذى يكون هو معنى الامر ليس هو الطلب الحقيقى) المنبعث عن الارادة التشريعية (الذى يكون طلبا
بالحمل الشائع الصناعى) ويكون معنى الامر ومفاده هو الموضوع لهذا المحمول (بل) هو (الطلب
الانشائى) المنبعث عن
الارادة الإنشائية (الذى
لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا بل طلبا انشائيا) فيقال معنى الامر طلب انشائى وهذه قضية صادقه من غير
فرق بين انحاء الانشاء (سواء
انشاء بصيغة افعل او بمادة الطلب او بمادة الامر او بغيرهما) من لام الامر والخبر الذى بمعنى الامر (ولو ابيت الا عن) كون الطلب الحقيقى معنى الامر و (كونه موضوعا للطلب
الذى) هو اعم من
الحقيقى والانشائى (فلا
اقل من) تسليم (كونه منصرفا الى
الانشائى منه عند اطلاقه كما هو الحال فى لفظ الطلب ايضا وذلك) لما لا يخفى عليك (من كثرة الاستعمال فى) موارد (الطلب الانشائى كما ان الامر فى لفظ
الإرادة على عكس) ما ذكرنا فى (لفظ
الطلب و) لا ريب ان (المنصرف عنها عند
اطلاقها هو الارادة الحقيقية واختلافهما فى ذلك) وعدم التمييز بين المقامين هو الذى (إلجاء بعض اصحابنا
فيما) حكى عنه (الى الميل الى ما ذهب
اليه الاشاعرة من المغايرة بين الطلب والارادة خلافا لقاطبة اهل الحق والمعتزلة من
اتحادهما) وحيث انتهى
المقام الى هنا قال ايده الله (فلا
باس يصرف عنان الكلام الى بيان ما هو الحق فى المقام وان حققناه فى بعض فوائدنا
إلّا ان الحوالة لما لم تكن عن المحذور خاليه والإعادة) لما لم تكن (بلا فائدة ولا افاده كان المناسب هو
التعرض هاهنا ايضا فاعلم ان الحق كما عليه اهله وفاقا للمعتزلة وخلافا للاشاعرة هو
اتحاد الطلب والارادة بمعنى ان لفظيهما موضوعان بازاء مفهوم واحد) فهما مترادفان على نحو الترادف فى الكلية كاسد وسبع
فان مفهومهما واحد وهو طبيعة الحيوان المفترس (وما بازاء احدهما فى الخارج) من المصداق (يكون
بعينه
بازاء الآخر والطلب المنشا بلفظه) بان يقول اطلب مثل كذا (او بغيره) مما مر عليك (عين الارادة الإنشائية وبالجملة هما
متحدان مفهوما وإنشاء وخارجا لا ان الطلب الانشائى الذى هو المنصرف اليه اطلاقه) اى اطلاق لفظ الطلب (كما عرفت متحد مع الارادة الحقيقية التى
ينصرف اليها اطلاقها) اى اطلاق الارادة (ايضا
ضرورة ان المغايرة بينهما) بحسب ما عرفت تفصيلا من مراتبهما (اظهر من الشمس وابين
من الامس فاذا عرفت المراد من حديث العينية والاتحاد ففى مراجعة الوجدان عند طلب
شيء والامر به حقيقة كفاية) بها تدرك من الدليل الغاية (فلا يحتاج الى مزيد
بيان واقامة برهان فان الانسان) اذا راجع وجدانه (لا يجد غير الارادة القائمة بالنفس صفة
اخرى قائمة بها يكون الطلب غيرها سوى ما هو مقدمة تحققها) اى الارادة (عند خطور الشيء والميل وهيجان الرغبة
اليه والتصديق بفائدته وهو) اى التصديق (الجزم بدفع) جميع (ما يوجب توقفه) اى الانسان (عن طلبه) اى طلب ذلك الشيء (لاجلها) اى لاجل تلك الفائدة (وبالجملة لا يكاد يكون غير الصفات
المعروفة) من الخبر
والتمنى والترجى والاستفهام وغير ذلك (والارادة هناك صفة اخرى قائمة بها) اى بالنفس (يكون) ذلك الغير (هو الطلب فلا محيص الا عن اتحاد الارادة
والطلب) وحاصل الكلام
ان من ادعى المغايرة ونفى كون الارادة مدلول الطلب واعترف بعدم كون المدلول من
الصفات المعروفة وانه لا يسمى خبرا ولا امرا ولا نهيا ولا تمنيا ولا ترجيا الى غير
ذلك فلا بد اما من الكشف عن ذلك المراد او الاعتراف بالاتحاد لا سبيل الى الاول
لانا قد تفحصنا واستقصينا جميع الصفات والمعانى القائمة فى النفس فلم نجد غير
الصفات المعروفة وغير الارادة واذا كان المدعى مقرا بعدم كون القائم فى النفس احد
تلك الصفات فلا محيص عن الاقرار بانه الارادة فيتم المطلوب فقد صح ما قلنا من انا
بعد مراجعة الوجدان فى حال صدور امر حقيقى منا لم نعقل ولم نجد فى انفسنا صفة
قائمة بها غير ارادة المامور به من المامور (و) لم نجد ايضا محيصا فى مقام
تعيين معناهما عن (ان
يكون ذاك الشوق) المحرك (المؤكد
المستتبع لتحريك العضلات فى ارادة فعله بالمباشرة او المستتبع) اذا كان الشيق سيدا (لامره عبيده به فيما لو اراده) اى الفعل (لا كذلك) اى لا بالمباشرة معنى (مسمى) بلفظ (الطلب والارادة كما يعبر) عنه (به) اى بالطلب (تارة وبها) عنه (اخرى كما لا يخفى) على من جعل برهانه فرع وجدانه لا وجدانه فرع برهانه (وكذا) مراجعة الوجدان تقضى بعدم اختصاص ما ذكرنا بخصوص الطلب
من الكلام بل (الحال) على ذلك (فى سائر) اقسام الكلام من (الصيغ الإنشائية والجمل الخبرية فانه لا
يكون غير الصفات المعروفة القائمة بالنفس من الترجى والتمنى والعلم الى غير ذلك) منها (صفة اخرى كانت قائمة بالنفس وقد دل
اللفظ عليها كما قيل ان الكلام لفى الفؤاد وانما جعل اللسان على الفؤاد دليلا) حتى قيل ان هذا البيت هو الذى القى كلمة الخلاف فى
البين وصير الناس فريقين (وقد) اتضح لك بما بيناه و (انقدح بما حققناه ما فى استدلال
الاشاعرة على المغايرة) فانهم قد استدلوا (بالامر) الصادر من المولى للعبد (مع عدم الارادة) للمأمور به فى نفس الامر (كما فى صورتى
الاختيار والاعتذار) ومع الاتحاد كيف يعقل التخلف وفى هذا الاستدلال (من الخلل) والزلل ما لا يخفى فانه لا تخلف فى البين اصلا (وكما لا ارادة حقيقة
فى الصورتين لا طلب كذلك فيهما) فالارادة الحقيقية مع طلبها الحقيقى قد تخلفا (والذى يكون) موجودا (فيهما انما هو) الارادة الطلبية و (الطلب الانشائى الايقاعى الذى هو مدلول
الصيغة او المادة) واللذان وجودهما فى الخارج عين انشائهما وانشائهما عين وجودهما الخارجى (ولم يكن بيتا ولا
مبينا فى الاستدلال المذكور) حال الطلب من جهة (مغايرته مع الارادة الإنشائية) وتخلفها عنه وليس المدعى الا اتحاد هذه الإرادة معه [وبالجملة فالذى
يتكفله الدليل] المنقول عن الأشاعرة [ليس
إلّا الانفكاك بين] ما نعترف بمغايرته وهو [الارادة الحقيقية والطلب المنشا بالصيغة
الكاشف عن مغايرتهما وهو مما لا محيص عن الالتزام به كما عرفت ولكنه لا يضر بدعوى
الاتحاد اصلا] والذى لم يتكفله
الدليل هو مغايرة الارادة الطلبية للطلب الانشائى فهو لا يجدى فى دعوى
التغاير نفعا اما عدم كون المتكفل مضرا بدعوى الاتحاد فهو [لمكان هذه المغايرة
والانفكاك بين الطلب الحقيقى] التابع للارادة الحقيقية (و) الطلب (الانشائى) فلم يحصل الانفكاك بين المتحدين الحقيقين واما عدم
جدوى غير المتكفل فلضرورة ان المدعى انما هو اتحاد هذه الارادة والانشائى ولم
يتضمن دليل النافى مغايرتهما (كما
لا يخفى ثم) اعلم (انه
يمكن) ان يستكشف (مما حققناه) فصل القضاء بين الخصمين و (ان) يستنتج حاصلا به [يقع الصلح بين الطرفين و] يتبين انه (لم يكن نزاع) معنوى (فى البين) وذلك [بان يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت
من العينية مفهوما ووجودا حقيقيا وانشائيا ويكون المراد بالمغايرة والاثنينية هو
اثنينية الانشائى من الطلب كما] انه (هو) اى هذا القسم [كثيرا ما يراد من اطلاق لفظه] اى لفظ الطلب [والتحقيقى من الارادة كما هو] اى هذا القسم [المراد منها غالبا عند اطلاقها بلفظها
فيرجع النزاع لفظيا فافهم دفع وهم لا يخفى انه ليس غرض الاصحاب من نفى غير الصفات
المشهورة] عند الكلام
مع الأشاعرة (و) قولهم فى بيان ذلك (انه ليس) فيما نجده من الصفات [صفة اخرى غير الصفات المشهورة قائمة
بالنفس كانت كلاما نفسيا مدلولا للكلام اللفظى كما يقول به الأشاعرة] ويدعون ان الكلام النفسى صفة قائمة فى النفس غير
الصفات المشهورة اثبات [ان
هذه الصفات المشهورة هى مدلولات الكلام) لا غير بل غرضهم الزام الأشاعرة القائلين بان الكلام
النفسى صفة مغايره لهذه الصفات فينكرون عليهم وجود الصفة المغايرة [إن قلت فما ذا يكون
مدلولا عليه) بالكلام اللفظى (عند
الاصحاب والمعتزلة قلت] قال المصنف ايده الله تعالى [اما الجمل الخبرية فهى دالة على ثبوت
النسبة بين طرفيها ونفيها فى نفس الامر من ذهن او خارج كالانسان نوع] فى الذهن [او كاتب] فى الخارج (واما الصيغ الإنشائية فهى على ما حققناه
فى بعض فوائدنا موجدة لمعانيها فى نفس الامر اى قصد) بانشائها (ثبوت معانيها وتحققها بها) اى بالصيغ الإنشائية بمعنى ان خارج معانيها ونفس امره
هو وجودها الانشائى
[وهذا
نحو من الوجود وربما يكون هذا] النحو من الوجود (منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا
وعرفا آثار كما هو الحال فى صيغ العقود والايقاعات] التى هى منشأ انتزاع الملكية والزوجية والحرية والرقية
وغير ذلك من سائر الآثار كما سيجيء إن شاء الله تعالى عند التعرض لاحكام الوضع [نعم لا مضايقة فى
دلالة مثل صيغة الطلب والاستفهام والترجى والتمنى بالدلالة الالتزامية على ثبوت
هذه الصفات حقيقة] وكونها حقيقة [اما
لاجل وضعها لايقاعها] اى هذه المفاهيم [فيما
اذا كان الداعى اليه] اى الى الايقاع [ثبوت
هذه الصفات] وهى الطلب وما بعده عند المتكلم (او) لا لوضعها كذلك بل لاجل [انصراف اطلاقها الى هذه الصورة فلو لم
يكن هناك قرينة] مانعة عن الانصراف [كان
انشاء الطلب او الاستفهام او غيرهما بصيغتهما لاجل قيام الطلب والاستفهام وغيرهما
قائمة بالنفس وضعا] للمقيد بذلك (او
اطلاقا) منصرفا كما
عرفت [اشكال
ودفع اما الاشكال فهو انه يلزم بناء على] ما ذهبتم اليه من (اتحاد الطلب والارادة) احد محذورين (فى تكليف الكفار بالايمان بل مطلق اهل
العصيان) يلزم ذلك (فى) تكليفهم (العمل بالاركان) وهو اما عدم كونهم مكلفين حقيقة او تخلف مراده تعالى
عن ارادته وكلاهما مما قضت ببطلانه الادلة الأربعة بيان ذلك انه على ذلك التقدير (اما ان لا يكون هناك
تكليف) حقيقى (جدى ان لم يكن هناك
ارادة حيث انه لا يكون حينئذ طلب حقيقى) لانه تابع للارادة الحقيقية وجود او عدما (واعتباره) اى الطلب الحقيقى (فى الطلب) اى التكليف (الجدى ربما يكون من البديهى) وهو المحذور الاول (وان كان هناك ارادة فكيف تتخلف عن
المراد ولا يكاد يتخلف لانه اذا اراد الله شيئا يقول له كن فيكون) وهو المحذور الثانى (واما الدفع فهو) انا نختار وجود التكليف الجدى المشتمل على الطلب
والارادة الحقيقين إلّا ان تخلف المراد هنا ليس بمحذور لما عرفت فى صدر المسألة من
(ان) الارادة على اقسام والطلب مثلها و (استحالة التخلف انما
يكون) (فى) القسم الاول وهو (الارادة التكوينية وهى العلم بالنظام
على النحو الكامل التام) كما ان المطلوب فى طلبها
لا يتخلف عنه كن فيكون (دون) القسم الثانى وهو (الارادة التشريعية وهو العلم بالمصلحة
فى فعل المكلف وما لا محيص عنه فى التكليف انما هو هذه الارادة التشريعية لا
التكوينية فاذا توافقتا فلا بد من الطاعة والايمان واذا تخالفتا فلا محيص عن ان
يختار الكفر والعصيان ان قلت اذا كان الكفر والعصيان والطاعة والايمان بارادته
تعالى التى لا تكاد تتخلف عن المراد فلا يصح ان يتعلق بها التكليف لكونها خارجة عن
الاختيار المعتبر فيه عقلا) قلت قد انتهى الكلام الى هذا المقام وطالما اختلج فى
فكرى تحرير رسالة فيه وحيث ان بناء هذا الشرح على الاختصار كان خير الامور التعرض
له على النمط الاوسط مستعينا بالله راجيا منه ان يفيض على من سحاب لطفه الخفى وهو
حسبى ومن توكل عليه كفى فنقول ما ذهب اليه المصنف فى هذا المقام هو مذهب الراسخين
فى العلم ويدل عليه من الوجدان والعقل والنقل امور الاول الوجدان فانظر ايها
العاقل الست ترى الناس طوائف عديدة آباء وابناء وسادات وعبيدا وملوكا ورعايا
واجانب واقرباء واخلاء واعداء ثم انظر فى كل طائفة او افرض نفسك واحدا منها أفلا
ترى ايها الاب الرءوف الحكيم فى افعاله الى اهتمامك بتربية اولادك وتأديبهم
وتكميلهم وما تفرض على نفسك للمطيع منهم من المثوبة وللعاصى من العقوبة ثم انظر
الى ما يقع فى نفسك بعد اطلاعك على آثارهم وانكشاف اسرارهم وما انطوت عليه ضمائرهم
وطبعت عليه سرائرهم ومعرفتك المجبول منهم لطيب اعراقه على طاعتك وودك والمطبوع
منهم لخبث السريره على معصيتك وبغضك الست ترى ان الاول اولى بالانعام والثانى اولى
بالانتقام ثم انظر الى نفسك حيث تأمرهم وتنهاهم بما به تظهر طاعتهم ومعصيتهم لتكون
لك الحجة عليهم فى ترتيب الجزاء الست ترى انك ربما اطلعت على اقدام ولدك المطبوع
على خبث السريره على المخالفة فيما نهيته عنه من شرب الخمر مثلا فرأيته مشغولا
بتهيئة الاسباب حتى كملت جميعا وانت قادر على ان تحول بينه وبين الفعل إلّا أنّك
لا تراه اهلا لهذا اللطف بل تريد حقيقة ان يفعل ليكون عقابك له بحجة فتتركه حتى
يقع منه الفعل فانظرا فانت جبرته على الفعل بارادتك وقوعه باختياره ام هو قد
اختاره وانظر الى من اطلع على شأنك معه
من العقلاء افيقولون جبر هذا الاب ولده على شرب الخمر باطلاعه عليه وعدم
حيلولته بينه وبين الشرب او يقولون لو لم يكن هذا الولد قد بلغ الغاية من سوء
السريره ما تركه ابوه يفعل إلّا انه لخبثه تركه ونفسه لتكون له الحجة فى الانتقام
منه ثم انظر الى نفسك حيث تطلع على اقدام ولدك الطيب على معصيتك لدواع خارجيه لا
ذاتيه الست تراه اهلا ان تحول بينه وبين ما يبعده عنك فتمنعه عن ذلك أفتكون بهذين
الامرين عند نفسك والعقلاء ظالما وجائرا او عادلا ومتفضلا ثم انظر انك اذا كنت
صاحب إدارة واسعة قد رتبتها على ما تقتضيه الحكمة كلا وجزء كما وكيفا ثم امرت
اولادك بما فيه مصلحتهم ونهيتهم عما به مفسدتهم أتتركهم بمحض هذا الامر والنهى وان
اقدموا فى مخالفتك على ما به انحلال نظام مملكتك او تكون انت من ورائهم فتتركهم
حيث لا يكون خلافهم مخلا بمملكتك وتحول بينهم وبين ما ارادوا فيما اخل ثم انظر
ايها السيد الى نفسك مع عبيدك او ليس الحال معهم كما هو الحال مع اولادك ثم انظر
الى الناس اذا علموا انك نهيت عبدك عن ضرب ولدك وعلموا انك عارف بحقيقة هذا العبد
ثم اطلعوا على العبد وقد قام وبيده عصاه وانت مطلع عليه حيث لا يراك مريدا منه
وقوع المخالفة لتعاقبه فتوجه الى ولدك وضربه فعاقبته افترى العقلاء يقولون فلان
لعبده جابر وبعقوبته له جائر ثم انظر الى حال الملك والرعية وما رتبه من القوانين
الموجبة لاستقامة نظام المملكة وما قدر للعاصى من رعاياه من العقوبات فلو انه اطلع
على ان زيدا او قد النار مريدا احراق عمرو فتركه ونفسه مريدا منه وقوع الاحراق
وعاقبه افترى واحدا ممن بلغ مرتبة التمييز فضلا عن العقل يقول ان هذا الملك قد جبر
هذا الرجل على الاحراق وانه جار عليه بعقوبته له ثم انظر الى ما لو اطلع شخص على
هذا المحرق او على شخص جرد سيفه لقتل آخر وكان هذا المحرق او القاتل عدوا لهذا
المطلع فتركه ونفسه مريدا وقوعه فى التهلكة وتنكيله بعد ذلك بالعقاب افترى احدا
يقول ان هذا المحرق او القاتل مجبور على الاحراق والقتل والمطلع المريد وقوع ذلك
منه فى الخارج بسوء اختياره جابر له او ترى احدا ياخذ من المطلع دية القتل فانظر
الى جميع احكام
القصاص والديات والحدود والضمانات وغيرها اقترى احدا يثبت بهذا الاطلاع
شيئا منها على المطلع او ينفى عن الفاعل شيئا منها لاطلاع ابيه ان كان ولدا او
سيده ان كان عبدا او سلطانه ان كان رعيه او عدوه ان كان بغيضا وهكذا فلا يأخذون
منه دية ولا يرتبون عليه قصاص ويدرءون عنه الحد ويسقطون عنه الضمان كلا لا سبيل
الى ذلك مع انهم ربما اكتفوا فى امثال الديات والضمانات بالتسبيبات الضعيفة اذا
كانت اقوى من المباشرة وبالجملة لا تجد ابدا لدهر عاقلا من العقلاء ينسب فى امثال
هذه المقامات المجبورية الى الفاعل والجابرية الى المطلع المريد وقوع الفعل فى
الخارج من الفاعل بما هو مختار فى فعله او يعد عقوبة ذلك الفاعل عليه جورا فى حكمه
واذا تصفحت ما عليه انت وسائر الناس على اختلاف طوائفهم وافعالهم حق التصفح ترى
ذلك اوضح من الشمس وليست ارادة البارى تعالى وقوع الفعل بسببه الذى اقدم العبد
عليه مختارا الا نحو من تلك الارادات ولعلك تغفل فتقول ان الفرق بين الارادتين
عظيم فان ارادته تعالى موجده للفعل فى الخارج وارادة غيره لا اثر لها الا صرف
مقارنتها لارادة الفاعل ولو عرفت حقيقة الامر ما قلت الذى قلت فان تعلق ارادته
تعالى بوقوع الفعل معناه تعلقها بترتب هذا الاثر على علته المؤثرة فالمؤثر الموجد
هو الفاعل بايجاد علة الفعل فهذه الارادة كارادة العبد ترتب الفعل فان الشخص
المطلع كان قادرا على منعه عنه فلا يقع فلما اراد ان يقع وقع غاية الامر ان وراء
ارادة العبد المطلع ارادة اخرى من مطلع آخر اقوى منها والارادة الاخرى ليس فوقها
ارادة فاعقل ما اقول عقل من يريد الوصول وإلّا لم تظفر بالمامول هذا على اجماله
مما حكم به الوجدان وسينكشف لك مكنون سره مفصلا بالبرهان الثانى من الامور حكم
العقل اعلم ان العلة التامة لكل معلول هى التى يستحيل تخلف المعلول عنها وتمامية
العلة انما هو باشتمالها على المقتضى وعدم المانع فاذا وجد المقتضى ولا مانع اثر
اثره بالضرورة من العقل وانت من هذه العبارة تعقل ان المؤثر فى وجود المعلول فى
الخارج هو المقتضى لا عدم المانع ومعنى كون عدم المانع جزء ان وجوده مانع عن تأثير
المقتضى اثره
فيكون المعلول حال عدم المانع مستندا الى ذات المقتضي فحسب لا ان لعدمه
تأثيرا فى وجود المعلول كما هو واضح فان الاعدام ليست اهلا لافاضة الوجود ثم انا
اذا نظرنا الى المعلولات والمسببات بما هى معلولات ومسببات وجدناها غير مقدورة
بنفسها وانما المقدور ايجاد عللها واسبابها فهى مقدورة بالواسطة لان ايجاد السبب
المترتب عليه قهرا وجود المسبب كاف فى نسبة القدرة الى المسببات فالقدرة على ايجاد
السبب لا توجب تعلق القدرة بترتب المسبب عليه لترتبه قهرا سواء وجد السبب بنفسه او
اوجده موجد ومن هنا قلنا فى الدليل العقلى الذى استدل به القائل باستحقاق المتجرى
للعقاب وهو انه لو قيل باستحقاق من صادف قطعه الواقع دون من لم يصادف لزم اناطة
استحقاق العقاب وعدمه بما لا يرجع الى الاختيار وذلك قبيح ان عدم المصادفة وان كان
بغير اختيار إلّا ان عدم العقاب لاجله لا قبح فيه ومن اعجب العجائب اعتراف جملة من
المحققين بعدم اختيارية عدم ترتب المسبب ودعوى اختيارية ترتبه بكونه مختارا فى
السبب فان الاختيار بالنسبة الى ايجاد السبب لا يوجب الاختيار فى ترتب المسبب فلا
امر ولا نهى ولا ارادة ولا كراهة يخاطب بها العبد بالنظر الى المسبب الا كانت
متعلقة بايجاد السبب اذ هو المقدور وبهذا المعنى صح تعلقها بالمسبب فكل الاوامر
والنواهى على هذا المنوال ولا يعقل غيره ثم اعلم ان جميع العلل والاسباب فى كل باب
من الابواب اذا نظرت الى هذا الوصف العنوانى فيهما وهو العلية والسببية وجدته
مجعولا جعلا تكوينيا اما بجعل ذات العلة والسبب كايجاد النار المحرقة والشمس
المشرقة واما بجعل نفس الوصف كما اوجد الله تعالى فى نار ابراهيم عليهالسلام معنى صارت به (بَرْداً وَسَلاماً) عليه فاثرت ضد ما كان فيها ثم اذا نظرت اليها من حيث
الامور الخارجية فربما بلغت مرتبة التمام من وجود جميع اجزائها من مقتضى وشرط وعدم
مانع واذا نظرت اليها بالنسبة الى مسببها وجاعلها وجدتها باجمعها من دون استثناء
مثقال ذرة منها مقتضيات لا غير ولله فى ترتيب مسبباتها ومعلولاتها المشيئة ما شاء
منها كان وما لم يشاء لم يكن فان شاء ان لا يترتب كان ذلك مانعا من تاثير المقتضى
اثره وان شاء ان يترتب كان ذلك
مقام تحقق عدم المانع فيؤثر المقتضى اثره فالتأثير بتمامه وكماله للمقتضى
والإشاءة وعدمها من باب المانع وعدمه فلله فى كل علة وسبب المشيئة ثم اعلم ان جميع
ما فى الوجود من فعل موجود لا بد له من علة تفيض عليه الوجود ولا بد من انتهاء هذه
العلة الى امر تكون العلية من مقتضيات ذاته وإلّا لتسلسلت العلل لو لا الانتهاء
الى الذاتى وان الذاتى لا يعلل فاما الموجودات الخارجية بما حواه العالم علويا
وسفليا فهى منتهية بوجودها الى وجوده الاقدس وجوده الانفس جلت كبريائه وعظمت آلائه
واما افعال الموجودات فهى منتهية بالأخرة الى مقتضيات ذواتها من طيب وخبث وطهارة
ورجس وسعادة وشقاوة وقد بلغنا محل الكلام ومختلف الاوهام فاصغ لى بمسامع قلبك
وانظر الى ما اقول بعين بصيرتك ولبك نظر من لا رأى له الا رؤية وجه المعشوق وان
جاء به اليه من لا يعرف الصبوح من الغبوق اعلم ان الماهيات العنصرية مختلفه المواد
بسايطها ومركباتها فالنار بمادتها حارة يابسة والماء بارد رطب ومواد الماء مختلفة
فمنه عذب فرات ومنه ملح اجاج ومنه زاجى ومنه كبريتى ومنه نفطى وهكذا والارض باردة
يابسة وهى مختلفة المواد ايضا فمنها معادن الجواهر ومنها معادن الذهب وهلم جرا الى
معادن النورة وامثالها ومنه ارض ساذجة ومن المركبات الحيوانات العجم فمنها الضأن
والابل ومنها البغال والحمير ومنها الاسد والكلب والخنزير وليست حلية اكل الاول
وكراهة الثانى وحرمة الثالث او نجاسته مع الحرمة امورا تعبديه محضة بل كاشفة عن
طيب مادة حلال الاكل ووجود قذارة ما فى مكروهة وخبث ما فى حرامه غير النحس وتمام صفة
الخبث فى النجس منه وهكذا الحال فى ماهية الانسان فمنه البالغ اقصى مراتب الطيب
والطهارة والسعادة ومنه البالغ اقصى مراتب الخبث والرجس والشقاوة ومنه المتدرج فى
الحالتين الى حد وجود مبدإ الصفتين وان الله تعالى قد افاض الوجود الذى هو الخير
المحض فلا يعد له شيء ولا يقابل خيريته شيء الا شرية العدم على هذه الحقائق بما هى
عليه من مقتضيات ذواتها وهاهنا سر عميق ليس هذا محل ذكره إلّا ان من الواضح
المعلوم ان طباع الحيوانات مختلفة الاقتضاء بحسب الآثار فطبيعة العقرب
اللسع وطبيعة الكلب والخنزير النهش وهكذا وهذه الحيوانات تجرى على هذه الاقتضاءات
ما لم يمنعها مانع من خارج وليس لها من نفسها مانع فهى وان كانت بحسب بادئ الراى
غير مقسورة على حركاتها إلّا انها تشبه المقسور لقضية ما عليه الطبيعة وعدم الرادع
من النفس وعدم الاقدام بالترجيح لجانب على جانب واما طباع الانسان فهى وان كانت
بحسب الاقتضاءات الذاتية كسائر تلك الحيوانات إلّا ان مفيض الخيرات افاض عليها نور
العقل فصارت به تبصر وتميز الجيد من الردى والنور من الظلمة والصلاح من الفساد
والخير من الشر والرشد من الغى ولما لم يكن الانسان بماهيته عارفا بالحقايق خبيرا
بما عليه الافعال فى نفس الامر جاءته الدلالة والهداية وعرف بلسان الوجوب
والاستحباب كل ذى مصلحة وبلسان التحريم والكراهة كل ذى مفسده وبلسان اباحة الطرفين
كل متساوى الجهتين بعد ان افاض عليه الوجود بعميم الفضل وجعله قادرا مختارا على ان
يفعل وان لا يفعل وبعد ان اكرمه بنور العقل فهو جل شأنه بوجوده افاض عليه الوجود
وبقدرته افاض عليه القدرة وباختياره افاض عليه الاختيار وهكذا ثم هداه السبيل فاما
شاكرا واما كفورا فاذا هم العبد بالمخالفة فلا بد له من تصور الفعل الذى هم بفعله
له وقد يخطر فى باله بلا اختيار وبعد تصور الفعل لا بد من حصول الشوق اليه ثم بعد
الشوق كان له فعلا اختيار احد الطرفين ولم يخرج عن كونه مختارا فان كانت نفسه
امارة بالسوء فقد جعل الله تعالى فى قبالها العقل مانعا عما تقتضيه بحسب مادتها لو
التجأ اليه الفاعل وهذا هو معنى ما ورد من ان الله تعالى خلق العقل وقال له اقبل
فاقبل ثم قال له ادبر فادبر ثم قال له بك اثيب وبك اعاقب فاذا وصل الى درجة الدخول
فى مقدمات الفعل فالامر يعد موكول اليه وهو المختار بالوجدان فان شاء اتبع نفسه
ولم يعمل عقله فاذا فقد المانع اثر المقتضى فى الجملة اثره وان اعمل عقله منعه عن
اتباع نفسه فهو على هذه الحال حتى يشرف على بلوغ آخر درجات علة الفعل التى ليس
ورائها الا ترتبه الذى ليس اليه لان مانعة امر خارج عنه فان كان هذا العبد اهلا
للطف البارى به شاء عدمه وحال بينه وبين الفعل ولم يعمل المقتضى
عمله وان لم يكن اهلا لذلك او كان اهلا لغيره شاء واراد وجوده اى ترتبه على
سببه الذى لم يكن امر هذا الترتب وجودا من حيث نفسه وعدما بيد العبد بل كان الذى
بيده من ايجاد هذا المعلول ايجاد مقتضيه وانما صح تعلق التكليف بالمسببات لهذا
النحو من القدرة فاذا لم يكن هذا العبد اهلا للطف لله تعالى به اراد الله تعالى
وقوع هذا المسبب منه بعد اختياره بنفسه لداعى مقتضيات ذاته الخبيثة وعدم ركونه
بالاختيار الى ما جعله الله تعالى مانعا لو اختار اتباعه عن تأثير ذلك المقتضى
وارادته لايجاده بمقدماته بسوء سريرته وخبث باطنه اللذان هما تمام المقتضى والمؤثر
فى ان يختار الركون الى النفس والاعراض عن العقل وارادة الفعل وهذا لا يرفع كون
الفعل بارادته واختياره والفرق واضح بين كون هاتين الصفتين مقتضيتين لاختيار ايقاع
الفعل وكونهما مقتضيتين لايقاعه بلا اختيار ألا ترى ان كثرة الديون والحاح الديان
ربما ألجأ المديون واضطره الى اختيار بيع اعز الاشياء عليه فيقع البيع صحيحا
اختياريا باجماع العلماء والعقلاء مع ان البائع فى حال كونه مختارا فى البيع مضطرا
اليه اذ لا حيلة للخلاص سواء اما لو جرد الديان عليه سيفه فاوقع البيع خوفا فلا شك
فى فساد بيعه والمقام من قبيل الاول وهذا حقيقة ما عناه الفحول من محققى الحكماء
بقولهم ان الانسان فى حال كونه مختارا فى افعاله مضطرا اليها لا المعنى الثانى
الغنى فساده عن اقامة البرهان بل على خلافه وجد ان كل انسان بل حيوان وهكذا الكلام
فى جانب الطاعة فان مقدماتها ليست كلها بيد العبد فاذا اراد العبد الصلاة فليست
الصحة بيده ولبست القوة بيده وليست كل امورها بيده فاذا عمد الانسان الى الطاعة
فان كان يحسب مادته التى منها وجد وسريرته التى عليها طبع بما اهمل من اتباع عقله
وتوغل فى اتباع نفسه ليس له اهلية القرب لم يشاء وجود تلك المقدمات له وان كان
بحسب ذاته اهلا لذلك شائيا له فليس هو حيث شاء الله وجودها مجبورا على الطاعة ولا
هو حيث لم تهم نفسه بالطاعة وان لم تكن مقدماتها موجودة مقهورا على العدم نعم هو
حيث يعزم على الطاعة ولم يشاء الله تعالى وجود مقدماتها له مسلوب القدرة عليها
وهذا معنى حسن التوفيق
وسوته وبالجملة فترتب المسببات على اسبابها بارادة الله التى لا تتخلف مع
كون ايجاد السبب المجتمع فيه جميع جهات علية الوقوع ما عدا عدم المانع منه تعالى
بارادة العبد اى جبر فيه للعبد واى قهر له على الفعل ولنوضح لك المرام بمثال ينطبق
على المقام فنقول الست تعلم ان الملكية والرقية وسائر هذه الامور من الاحكام الوضعية
من الآثار لعقود وايقاعات صادرة تترتب هى عليها وكذا الضمان والقصاص والديات أليست
هى آثارا لافعال صادرة تترتب هى عليها فانظر اذا اوقعت عقدا او ايقاعا او اتلفت
مالا او نفسا أليس الله تعالى يريد بالارادة التكوينية ترتب هذه الآثار على هذه
الامور فى الخارج لانها مطابقة للارادة التشريعية أفأنت بهذه الارادة منه تعالى
مجبور على اختيار ايقاع هذه الاسباب كلا لا سبيل الى دعوى ذلك الا ممن لا عقل له
فاى فرق بين ايجاد هذه الامور بالنسبة الى آثارها وبين ما نحن فيه وهكذا الحال فى
كل مقدمة قبل الفعل اذا كانت من معلولات ما نقدمها من المقدمات فكل مقدمة سابقة من
مبدإ تحريك العضلات الى نهاية الفعل تكون من جهة معلوليتها لما قبلها غير اختيارية
ومن جهة عليتها لما بعدها اختيارية مثلا اذا حرك العبد العضلات لنصب السلم فترتب
نصب السلم عليه ليس باختيارى لتوقفه على حياته مثلا لكن هو فى نفس نصب السلم مختار
ثم اذا نصب السلم فترتب الصعود عليه ليس باختياره لكن هو فى نفس الصعود مختار
وهكذا فهو من حيث الترتب ليس باختيارى ومن حيث ذاته اختيارى فتامل فانه دقيق جدا
نعم لو كان المدعى ان ارادة العبد مسبوقة بارادة الله تعالى بمعنى ان الله تعالى اوجد
فى العبد مقتضى الارادة بلا مانع عن اقتضائه مختار فيه كان ذلك جبرا بالضرورة
لسقوط الاختيار حينئذ من العبد بتعلق الارادة المكونة لارادته وفرق عظيم بين ارادة
الله وقوع الفعل من العبد بالاختيار وبين ارادته ايقاع العبد للفعل وارادته
بالاختيار فان المدعى هو الاول والثانى عين الجبر ولا معنى لتعليق الاختيار حينئذ
بالارادة ثم لا يذهب عليك انه لا فرق فى الافعال بين الخارجية والقلبية فى عللها
ومعلولاتها فصار حاصل الكلام الى هنا ان وقوع المعصية فى الخارج المستند الى ترتب
المعلول على العلة
لا يكون إلّا بارادة الله واذنه فقد يشاء وجوده وقد يشأ عدمه واما العلة
بجميع اجزائها الوجودية فهى بيد العبد فان شاء الله تعالى ترتب المعلول عليها فقد
عصى العبد اختيارا وان شاء عدمه لم تصادف معصيته الواقع وثبت له حكم المتجرى وقد
حققنا فى محله ان عدم المصادفة للواقع ان كان لاتفاق المانع استحق العقاب وان كان
لعدم المقتضى فلا اذا عرفت ما ذكرنا واحطت به خبرا علمت المراد من قول ما شاء الله
تعالى كان وما لم يشاء لم يكن وان لله فى عباده المشيئة ولا جبر ولا تفويض وانما
هو امر بين الامرين وسيأتى ذلك فى الدليل الثالث إن شاء الله تعالى ولو لا مخافة
الاطناب لبسطت الكلام ولكن فيما ذكرناه كفاية لمن وعاه الامر الثالث النقل وهو
الآيات والروايات اما الآيات فقوله عزّ من قائل وما تشاءون إلّا ان يشاء الله
وقوله ولو شاء الله لهداكم اجمعين واما الروايات فمنها ما ورد عنهم عليهمالسلام وهو قولهم ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن وقولهم (ع) لا جبر ولا تفويض ولكن امر بين الامرين قال قلت وما
امر بين امرين قال مثل ذلك رجل رايته على معصية فنهيته فلم نيته فتركته ففعل تلك
المعصية فليس حيث لم يقبل منك فتركته انت الذى امرته بالمعصية ومنها قال قلت اجبر
الله العباد على المعاصى قال لا قلت ففوض اليهم الامر قال لا قال قلت فما ذا قال
لطف من ربك ومنها خبر اليمانى عن ابى عبد الله عليهالسلام قال ان الله خلق الخلق فعلم ما هم صائرون اليه فامرهم
ونهاهم فما امرهم به من شيء فقد جعل لهم السبيل الى تركه ولا يكونون آخذين ولا
تاركين إلّا باذن الله وخبر إسماعيل ابن جابر قال كان فى مسجد المدينة رجل يتكلم
فى القدر والناس مجتمعون قال فقلت يا هذا أسألك قال سل قلت قد يكون فى ملك الله
تعالى ما لا يريد قال فاطرق طويلا ثم رفع راسه الى فقال يا هذا لان قلت انه يكون
فى ملكه ما لا يريد انه لمقهور ولان قلت لا يكون اقررت لك بالمعاصى قال فقلت لابى
عبد الله (ع) سألت هذا القدرى فكان من جوابه كذا وكذا فقال لنفسه
نظر اما لو قال غير ما قال لهلك وفى الوافى بالمعاصى يعنى بانه يريدها ولنقتصر على
هذا المقدار فانه اليق بالاختصار فانظر
أليست هذه الآيات والروايات نصا في المطلوب او تقول انها قابلة للتاويل
فعند ذلك لا يكون لك معتمد حتى على نص قل هو الله احد والحاصل انا قد اوضحنا لك
المطلوب مع ما نحن بصدده من المحافظة على الاختصار المرعوب وقد تركنا تفصيل اكثر
المطالب الى محله المناسب فان نظرت الى ما حققناه نظر من لا يريد بذلك الا وجهه
رجوت لك ان تعرف حقيقته وكنهه والى ما ذكرنا اشار المصنف دام ظله بقوله فى جواب ما
تقدم من السؤال (قلت
انما يخرج بذلك عن الاختيار لو لم يكن تعلق الارادة بها مسبوقة بمقدماتها
الاختيارية وإلّا فلا بد من صدورها بالاختيار وإلّا لزم تخلف ارادته عن مراده
تعالى عن ذلك (عُلُوًّا كَبِيراً)) فصار حاصل الكلام ونتيجة المرام ان نعلق ارادة الله
تعالى بوقوع الافعال المسبوقة بالمقدمات الاختيارية من العبد صحيح لا شك فيه ولا
شبهة تعتريه لكفاية هذه المقدمات فى كون الفعل اختياريا وان انتهى الى اصل صفة
الاختيار التى لم توجد فى العبد بالاختيار كما يكفى بضرورة العقل فى كون الفعل
مقدورا ثبوت صفة القدرة فى العبد وان كان ثبوتها غير مقدور فالاختيار والقدرة
صفتان مخلوقتان فى العبد بهما صار الفعل اختياريا ومقدورا ولا ينبغى من محصل توهم
المنافاة بين كون الفعل انما يصدر من العبد بالقدرة والاختيار وكون وجود اصل صفتى
القدرة والاختيار بغير قدرة منه واختيار بل كونه مضطرا فى وجود الصفتين عين كونه
قادرا مختارا بالنسبة الى الاثرين اذ لا غاية لايجادهما فيه إلّا ثبوت ذلك له
وبالجملة فالفرق واضح لا خفاء فيه على ذى الفكر السليم وللنظر المستقيم بين انتهاء
الفعل الاختيارى الى المقدمة الاضطراريّة بما هى مؤثرة فى صدور الفعل عنها
وانتهائه الى الاضطراريّة بما ان الفعل يصدر من فاعله حال وجودها والمقام من قبيل
الثانى لا الاول كما لا يخفى ولو كان ذلك على هذا النحو رافعا للاختيار لم ينفع فيه
حتى كون وجود الاختيار بالاختيار ضرورة انتهائه قهرا الى وجود الفاعل بنفسه وليس
هو بالاختيار واما حديث الارادة فاعلم ان الفرق بينها وبين صفة الاختيار المذكورة
ان الاختيار معنى اسمى والارادة معنى حرفى لان الاختيار هو تساوى نسبة فعل الشيء
وتركه الى الفاعل فاذا
تعلق باحد الطرفين كان ارادة وتوضيح المقام فيها اجمالا يتوقف على بيان
امرين احدهما ان الفعل الاختيارى هو المسبوق بالارادة الجازمة المسبوقة بالشوق
المسبوق باعتقاد النفع المسبوق بحديث النفس المسبوق بمقتضيات الذات ثانيهما ما
عرفته سابقا من ان المؤثر فى المعلول انما هو المقتضى لا عدم المانع ففى حال عدم
المانع يكون المقتضى علة تامة فى التأثير اذا عرفت ذلك فنقول ان الفعل الاختيارى
وان كان اختياريا بالارادة وموقوفا عليها إلّا ان ارادته ليست باختياريه وإلّا
لاحتاجت الى ارادة وتسلسلت الارادات وهذا هو معنى كونها حاله نفسانيه فان الحالات
النفسانية جميعا ليست باختياريه بمعنى توقف وجودها على ارادة ومعنى كون الارادة
ليست باختياريه انها مسبوقة بمقدمات كلها ليست إرادية وإلّا لم تكن الارادة متأخرة
عنها مرتبه الى ان تنتهى المقدمات الى مقتضى الذات هذا فى افعال الجوارح واما الافعال
القلبية فيكفى فى عدم اختيارية الارادة كون بعض مباديها غير اختيارى لان النتيجة
تتبع اخس المقدمات وقد عرفت ان العقل خلق فى الانسان ليكون الركون اليه مانعا عن
تأثير ذلك المقتضى اثره فاذا ركن العبد الخبيث ذاتا اليه منع مقتضى الذات عن
تأثيره الارادة وترتبها عليه فالعبد من هذه الجهة مختار فى الارادة بهذا المعنى
لان له وبيده الركون الى مانع مقتضيها عن تأثيره فاذا اعرض العبد عن الركون الى
العقل عاصيا امره كانت صفة الشقاوة الذاتية علة تامة فى ترتب الارادة المترتب
عليها تحريك العضلات فلا تنافى بين كون الفعل اختياريا بالارادة وكون الارادة ليست
باختياريه لاستنادها الى ما تقتضيه الصفة الذاتية الموجودة مع الذات موجودية
الزوجية مع الأربعة والسر فى عدم التنافى ما عرفت من ان مقتضى الذات له مانع قابل
للمنع عن التأثير وان امر الركون اليه بيد العبد فاذا كان اختيار الركون الى مانع
تأثير مقتضى الذات للارادة بيده فلا يرفع ذلك كونها فى حال عدم الركون مترتبة على
ما سبقها من المقدمات قهرا وبلا ارادة واختيار وكون مقتضيها علة تامة فى وجودها
حال عدم المانع وهذا الذى ذكرناه هو السر فيما ذهب اليه المصنف من ان المتجرى
يستحق العقاب على الجزم والعزم الذين هما من مقدمات الفعل معللا
ذلك بان المكلف مختار فى بقائهما وزوالهما بالتأمل فى الصوارف والموانع كما
ذكر ذلك فى التعليقة وفى الجزء الثانى من هذا الكتاب وسيجيء إن شاء الله تعالى فلو
لا ان مراده ما ذكرنا لكان حكمه بعدم اختيارية الارادة فى المقام وحكمه باختيارية
ما سبقها من الجزم والعزم متهافت متدافع لوجود علة عدم كون الارادة اختيارية
بعينها فيما سبقها من المقدمات لكن غرضه ومقصوده حقيقة ما ذكرنا وليس غرضه ان
الفعل الاختيارى يستند الى الارادة المترتبة على المقدمات الناشئة عن مقتضى الذات
استناد الاحراق الى النار والممكن الى الواجب كما توهمه كثير من الناس فالمسألة
بعون ذى القدة والجلال خالية عن الاشكال (ان قلت ان الكفر والعصيان من الكافر
والعاصى ولو كانا مسبوقين بارادتهما إلّا انهما منتهيان الى ما لا يكون بالاختيار
كيف وقد سبقها الارادة الأزلية والمشية الإلهية وكيف تصح المؤاخذة على ما يكون
بالآخرة بلا اختيار قلت) هذا السؤال دال على جهلك حقيقة المقال فانا لم نقل ان الله تعالى اراد من
العبد ان يريد الفعل بمعنى اوجد فى العبد مقتضى الارادة بلا مانع كما تقدم لتكون
ارادة العبد مسبوقة بالارادة الأزلية بل ذلك هو الجبر المحض ولا يتعقل معنى لقولنا
اراد الله تعالى من العبد ارادة تكوينيه ان يريد العبد ارادة اختيارية بالمعنى
المذكور فانه اذا كان مقهورا ومجبورا على الاختيار فكيف نقول انه مختار وانما قلنا
(العقاب
انما يتبعه الكفر والعصيان التابعان للاختيار الناشئ عن مقدماته الناشئة عن
شقاوتهما) اى شقاوة
الكافر والعاصى (الذاتية
اللازمة لخصوص ذاتهما) المؤثرة فى صدور ذلك حال عدم ركونهما الى العقل المانع عن التأثير لو
ركنا اليه كما ان السعادة فى المؤمن والمطيع على هذا المنوال وناهيك ما ورد من
بليغ المقال عن سيد الكائنات وآله خير آل (فان السعيد سعيد فى بطن أمه والشقى شقى
فى بطن أمه والناس معادن كمعادن الذهب والفضة كما فى الخبر) فقد انتهت ارادة العبد الى المقتضى الذاتى (والذاتى لا يعلل
فانقطع) بما عرفت من
ان الذاتى لا يعلل (سؤال) مستعلم عن العلة قائل (انه لم جعل السعيد سعيدا والشقى شقيا
فان السعيد سعيد بنفسه والشقى شقى كذلك وانما اوجدهما الله تعالى) قلت بل السعادة والشقاوة
ايضا منتهيان الى ذاتيين لا يعللان ولا يسع المقام لإيضاح تمام المرام بل
الامر كما قالت الفرس (قلم
اينجا رسيد وسر بشكست) وكما قالت العرب (قد
انتهى الكلام فى المقام الى ما ربما لا يسعه كثير من الافهام ومن الله الرشد
والهداية وبه الاعتصام وهم ودفع لعلك تقول) بناء على ما تقدم من تفسير الارادة فى الاحكام الشرعية
(اذا
كانت الارادة التشريعية لله تعالى عين علمه بصلاح الفعل لزم بناء على) الاتحاد و (ان تكون عين الطلب كون المنشا بالصيغة
فى الخطابات الإلهية الشرعية هو العلم وهو بمكان من البطلان لكنك غفلت عن) حقيقة ما قدمناه فى تقسيم الإرادة والطلب الى المراتب
الثلاثة وقد قلنا هناك (ان
اتحاد الارادة مع العلم بالصلاح انما يكون خارجا لا مفهوما) وكذا الطلب المنبعث عنهما المحمول عليهما بالحمل
الشائع الصناعى (وقد
عرفت) ايضا (ان المنشا) بالصيغة (ليس إلّا المفهوم) وهو الطلب الانشائى والارادة الإنشائية (لا الطلب الخارجى ولا
غرو اصلا فى اتحاد الارادة) التشريعية (مع العلم عينا وخارجا بل لا محيص عنه فى
جميع صفاته تعالى) المختلفة المفاهيم فانها متحدة اتحادا حقيقيا (لرجوعها الى ذاته
المقدسة) فذاته علم
وفى حال كونها علم ارادة وفى حال كونها ارادة قدرة وفى حال كونها قدرة اختيار وهلم
جرا فى جميع الصفات واما اثبات صفة زائدة على ذاته فهو مناف لتوحيده (قال امير المؤمنين
صلوات الله وسلامه عليه وكمال توحيده الاخلاص له وكمال الاخلاص له نفى الصفات عنه) لشهادة كل صفة بانها غير الموصوف وشهادة كل موصوف انه
غير الصفة فتحصل بها اثنينية فلا توحيد ولذا قال صلوات الله عليه بعد ذلك فمن وصفه
فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه (الفصل
الثانى) (فيما
يتعلق بصيغة الامر وفيه
مباحث [المبحث] (الاول ربما يذكر للصيغة معان قد استعملت
فيها وقد عدّ منها الترجى والتمنى والتهديد والانذار والإهانة والاحتقار والتعجيز
والتسخير الى غير ذلك) والظاهر بقرينة قول بعضهم بالاشتراك المعنوى فى الموارد المذكورة ان
المراد انه كما وردت مستعمله فى الطلب الالزامى كذلك وردت مستعمله فى الطلب الندبى
والطلب الرجائى والتهديدى والانذارى
وهكذا فتكون الصيغة فى جميع هذه الموارد مستعمله فى الطلب إلّا ان اوصافه
مختلفه حسب اختلاف موارد الاستعمال فكما ان الوجوب والندب من اوصاف الطلب كذلك
الباقى وربما يقع فى الخيال ان مراد القائل هو استعمال الصيغة فى مفهوم هذه
الاوصاف قسيما لمفهوم الطلب [وهذا
كما ترى] مما لا ينبغى
نسبته الى من له ادنى تحصيل [ضرورة
ان الصيغة ما استعملت فى واحد منها بل لم تستعمل الا فى انشاء الطلب إلّا ان
الداعى الى ذلك كما يكون تارة هو البعث والتحريك) الالزامى او الاستحبابى [نحو المطلوب الواقعى يكون اخرى احد هذه
الامور] على وجه يؤخذ
وصفا للطلب الموضوع له كالالزام وحقيقة كل طلب تساوى صفته [كما لا يخفى] فانقدح لك ما فى كلامه دام ظله من حمل ذلك على الوضع
لكل بخصوصه على نحو الاشتراك اللفظى [و] جعله ما هو ظاهر الكلام من ارادة الوضع للقدر المشترك
هو [قصارى
ما يمكن ان يدعى] وقد عرفت ان ذلك هو اول ما يدعى لظهور كلام القائل جدا فى ان المستعمل
فيه هو الطلب فى الجميع الموصوف بهذه الاوصاف المختلفة [لا ان تكون الصيغة
موضوعه لانشاء الطلب فيما اذا كان بداعى البعث والتحريك لا بداعى آخر منها فيكون
انشاء الطلب بها بعثا حقيقة وانشائه بها تهديدا مجازا وهذا غير كونها مستعمله فى
التهديد وغيره] اللهم إلّا ان يريد ما ذكرنا من اخذ الداعى وصفا للطلب كما يدل على ذلك
ما ذكره فى الايقاظ فانه جعل معانى الصيغ الحقيقية التى ستاتى من الدواعى وقد عرفت
ان ذلك هو ظاهرهم بل كالصريح لا انه قصارى ما يمكن دعواه (فلا تغفل ايقاظ
لا
يخفى ان ما ذكرناه فى صيغة الامر جار فى سائر الصيغ الإنشائية فكما يكون الداعى
الى انشاء التمنى او الترجى او الاستفهام) هو وجود الشوق والحب مع الياس عن نيل المقصود فيما
يتمنى ورجاء نيله فيما يترجى ووجود الجهل بالمستفهم عنه فيما يستفهم ويكون الداعى
الى الانشاء (بصيغتها
تارة هو ثبوت) مفاهيم (هذه
الصفات حقيقة) لان الصيغ موضوعة لها كذلك (يكون الداعى غيرها اخرى) اى غير الشوق مع الياس والرجاء وغير الجهل فى الداعى
الى انشاء اصلها وغير ثبوت مفاهيم
هذه المعانى فى الداعى الى انشاء صيغها على ان يكون الداعى وصفا للمفهوم من
الصيغة فتكون هل للاستفهام الحقيقى والاستفهام الانكارى والاستفهام التقريرى وهكذا
فى الكل كما صرحوا بذلك نعم حيث كان اصل الوضع للاستفهام الحقيقى الناشئ من الجهل
كان استعمالها فى الاستفهام بالاوصاف الأخر انسلاخا عن المعنى الموضوع له لا ان
الصيغ قد استعملت فى مفهوم آخر قسيما لمفهومها الاول فيحتاج الى التوجيه (فلا وجه للالتزام) بحمل كلامهم على القول (بانسلاخ صيغها عنها واستعمالها فى غيرها
اذا وقعت فى كلامه تعالى) بل الوجه التزام انسلاخها عن المعنى المقيد وهو
الموصوف بالحقيقى [لاستحالة
مثل هذه المعانى] الحقيقية [فى
حقه تبارك وتعالى مما لازمه العجز] كالتمنى والترجى الحقيقيين [او الجهل] كالاستفهام الحقيقى [وانه] اى القول بانسلاخ اصل معانيها [لا وجه له] كما عرفت [فان المستحيل هو الحقيقى منها لا
الانشائى الايقاعى] القابل لان يوصف بكل صفة من تلك الصفات [الذى يكون] ويوجد [بمجرد قصد حصوله بالصيغة كما عرفت ففى
كلامه تعالى قد استعملت فى معانيها الايقاعية الإنشائية ايضا لا لاظهار ثبوتها
حقيقة] لاستحالته فى
حقه [بل
لامر آخر حسبما يقتضيه الحال من اظهار المحبة او الانكار او التقرير الى غير ذلك
ومنه ظهر ان ما ذكر من المعانى الكثيرة لصيغة الاستفهام] المتكثرة بحسب تكثر قيودها واقعة فى صحيح الاستعمال
وان حمل التعدد على تعدد اصل المفهوم [ليس كما ينبغى ايضا المبحث
الثانى] ان الصيغة حقيقة فى
الوجوب او فى الندب او فيهما او فى المشترك بينهما وجوه بل اقوال] لا اظن وجود قائل بالثانى وهو كونه حقيقة فى الندب
خاصة بحيث يكون الوجوب معنى مجازيا لها كما [لا يبعد] عندى وفاقا للمصنف والاكثر انها للوجوب لوضوح [تبادر الوجوب عند
استعماله بلا قرينة ويؤيده عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال ارادة الندب مع
الاعتراف] من المعتذر (بعدم دلالته عليه) على الندب بحال او مقال [وكثرة الاستعمال فيه] اى فى الندب [فى الكتاب والسنة وغيرهما لا يوجب نقله
اليه او حمله عليه] او رفع اليد عن الوجوب [لكثرة استعماله فى
الوجوب
ايضا مع ان الاستعمال فيه وان كثر إلّا انه كان مع القرينة المصحوبة وكثرة
الاستعمال كذلك فى المعنى المجازى لا يوجب كونه مشهورا فيه ليرجح على الحقيقة (او يتوقف) فى الحمل (على الخلاف فى المجاز المشهور كيف وقد
كثر استعمال العام فى الخاص حتى قيل ما من عام إلّا وقد خص ولم ينثلم به ظهوره فى
العموم بل يحمل عليه ما لم تقم قرينة بالخصوص على ارادة الخصوص) نعم كثرة الاستعمال فى الخاص اوجبت التوقف عن العمل
بالعام قبل الفحص اذا كان فى معرض التخصيص كما هو كذلك عند المصنف ايده الله فيلزم
مثل ذلك فى المعنى الحقيقى بمعنى انه يجب التوقف عن حمل اللفظ على المعنى الحقيقى
اذا كان اللفظ فى معرض العثور على قرينة تلحقه مثلا اذا كان من ديدن هذا المتكلم
نصب القرينة فى آخر كلامه على مرامه او فى كلام آخر بعده او فى اشارة بعد تمام ما
بيده من العبارة او بعد ذلك قبل العمل بحيث يكون هذا هو الغالب فى كلامه فلا اشكال
فى انه يكون حاله حال العام هذا ويمكن الفرق بان قرينة التخصيص فى العام غالبا
منفصلة فالغالب فى العام الحجية لانعقاد الظهور الذى هو المناط فى حجيته بخلاف
اللفظ بالنسبة الى المعنى الحقيقى لان الغالب فيه عدم الحجية اذا اشتهر استعماله
فى المعنى المجازى مع القرينة لاتصالها به فلا ينعقد له ظهور فلا يكون حجة فى
المعنى الحقيقى بل يكون حجة فى المعنى المجازى لظهوره فيه بواسطة القرينة فغلبة
عدم حجية اللفظ بالنسبة الى المعنى الحقيقى وحجية العام فى المعنى الحقيقى نعم
السر فى التوقف فيه دون العام لدى جمع من الاصوليين (المبحث الثالث هل الجمل الخبرية التى
تستعمل فى مقام الطلب والبعث مثل يغتسل ويتوضأ ويعيد ظاهرة فى الوجوب او لا) وجهان يحتمل الثانى (لتعدد المجازات فيها وليس الوجوب
باقواها بعد تعذر حملها على معناها من الاخبار عن ثبوت النسبة والحكاية عن وقوعها) ولكن (الظاهر الاول) لانه هو المفهوم منها الذى ينسبق اليه الذهن (بل) لعله (يكون اظهر من الصيغة ولكنه لا يخفى) انه على نحو الكناية لا المطابقة لظهور (انه ليست الجمل
الخبرية الواقعة فى ذلك المقام اى الطلب مستعمله
فى
غير معناها بل تكون مستعمله فيه إلّا انه ليس بداعي الاعلام بل بداعى البعث بنحو
اكد حيث انه اخبر بوقوع مطلوبه) من المطلوب منه (فى مقام طلبه اظهاره بانه لا يرضى إلّا
بوقوعه فيكون اكد فى البعث من الصيغة كما هو الحال فى الصيغ الإنشائية على ما عرفت
من انها ابدا تستعمل فى معانيها الايقاعية لكن بدواعى آخر كما مر) فدلالة الخبر فى مقام الانشاء كدلالة الانشاء فى مقام
الخبر انما هى دلالة كنائية (لا
يقال كيف) يكون المراد
ذلك والترجيح منوط بصدقه (و) الحال انه (يلزم الكذب كثيرا لكثرة عدم وقوع
المطلوب كذلك فى الخارج تعالى الله واوليائه عن ذلك علوا كبيرا فانه يقال انما
يلزم الكذب اذا اتى بها بداعى الاخبار والاعلام لا لداعى البعث وإلّا لزم الكذب فى
غالب الكنايات فمثل زيد كثير الرماد او مهزول الفصيل لا يكون كذبا اذا قيل كناية
عن جوده ولو لم يكن له رماد ولا فصيل اصلا وانما يكون كذبا اذا لم يكن بجواد فيكون
الطلب بالخبر فى مقام التأكيد ابلغ فانه مقال بمقتضى الحال) قلت استعمال الجملة الخبرية فى مقام الطلبية اما
استعاره مصرحة او بالكناية او كناية او مجاز مرسل والكل ممكن بحسب الظاهر اما كونه
استعاره مصرحة فلانها ذكر المشبه به واثبات شىء له من لوازم المشبه كاسد يرمى ففى
المقام شبه طلب الفعل بالاخبار عن وقوعه لان وقوع هذا الفعل المخبر عن وقوعه اشد
لزوما للاخبار منه للطلب واثبت له شيئا من لوازم المشبه وهو اصداره بداعى البعث
والزجر فانهما من لوازم الطلب واما كونه استعارة بالكناية فهو اوضح لانها ذكر
المشبه واثبات شيء له من لوازم المشبه به فشبه الاخبار عن وقوع الفعل بطلب وقوعه
فى كونه مطلوب الوقوع واثبت له لازم المشبه به وقد عرفته واما كونه كناية فكذلك
لانها ذكر الملزوم لينتقل منه الى لازمه مع ارادة المعنى الحقيقى حقيقة كما هو
الاصح فيها وقد اخبر عن وقوع الفعل فيما بعد بداعى بعث وزجر ولازم ذلك الطلب
والوجوب واما كونه مجازا مرسلا فكذلك ايضا لانه استعمال المفرد او المركب فى غير
ما وضع له بعلاقة غير المشابهة وفى المقام استعمل هيئة الفعل الخبرى فى الوجوب
الذى هو معنى هيئة الفعل الانشائى بعلاقة
الاول لان المأمور به يول الى ان يقع فاطلق عليه لفظ ما يول اليه والمصنف
دام ظله قد اقتصر على الوجه الثالث هذا ويحتمل حذف لام الامر فى هذه المواضع اما
تقديرا حقيقيا او بتضمين الفعل معنى اللام لان امر الغائب لا يكون إلّا على هذا
النحو وهذا اقرب من الوجوه المتقدمة لانه اوفق بالاعتبار واقرب من ذلك بل هو الاصح
عندى ان الافعال الماضية والمستقبلة كما وضعت للاخبار وضعت للانشاء ايضا وقد مرت
الاشارة الى ذلك فى صيغ العقود جميعا وبعض الايقاعات مما مر عليك كآمنت واسلمت
وقلت المستعمل جوابا او وحدها فى كتب المصنفين وغيره مما لا يحصى وكذا الحال فى
المستقبل ولعل استعماله فى ذلك اكثر من الماضى وفى هذه الموارد التى ورد فيها
يغتسل ويعيد ورد فى اخبار آخر فى مورده اغتسل واعاد وعليه الغسل وعليه الاعادة
وكذا فى يتوضأ والكل بمعنى واحد فلا تجوز ولا كناية ولا استعاره ولو كانت النكتة
التى افادها دام ظله موجبه لبقاء الاخبار اخبارا لا وجبت ذلك فى صيغ العقود فان
بعت اقرارا اقوى فى الدلالة على الوقوع منه انشاء مع انه لا محيص عن استعمالها فى
الانشاء وبالجملة اشتراك الفعلين بين الاخبار والانشاء كالمقطوع به عندى هذا (مع انه) لو سلمنا ان الجملة الخبرية ليست ظاهره فى الوجوب لتلك
النكتة المذكورة نقول (إذا
أتى بها) اى بالجملة
الخبرية (فى
مقام البيان فمقدمات الحكمة مقتضية لحملها على الوجوب فان تلك النكتة وان لم تكن
موجبه لظهورها فيه فلا اقل من كونها موجبه لتعينه من بين محتملات ما هو بصدده) من التجوز (فان شدة مناسبة الاخبار بالوقوع مع
الوجوب موجبة لتعين ارادته اذا كان بصدد البيان مع عدم نصب قرينة على غيره فافهم) قلت ظهورها فى ارادة الوجوب غير قابل للانكار فلا حاجة
الى هذا التكلف وانما القابل للكلام هو طريق الارادة وقد دللناك على الطريق (المبحث الرابع) لا يخفى (انه اذا سلم ان الصيغة لا تكون حقيقة فى
الوجوب) بل قلنا انها
حقيقة فى مطلق الطلب (فهل
هى لا تكون ظاهرة فيه ايضا او تكون) ظاهرة قولان اقواهما الاول وهو غير متجه عند المصنف
لانه اذا (قيل
بظهورها فيه) فاما ان يكون ذلك (لغلبة
الاستعمال فيه او لغلبة وجوده او اكمليته والكل من
هذه الوجوه (كما
ترى) بين ما لا
حقيقة لوجوده وبين ما وجوده لا ينفع فاما الاول فكالاستعمال والوجود (ضرورة ان الاستعمال
فى الندب وكذا وجوده ليس باقل لو لم يكن باكثر واما) الثانى فكا (لاكملية) فانها (غير موجبة للظهور اذا
لظهور لا يكاد يكون الا لشدة انس اللفظ بالمعنى بحيث يصير وجهاله ومجرد الأكملية
لا يوجبه كما لا يخفى) وفيه ان الظاهر ان الطلب الكلى من المشكك وصدقه فى الاشد اولى منه فى
الاضعف وذلك موجب لظهور اللفظ فيه اكثر فان قلت فهل هناك وجه آخر للحمل على الوجوب
قلت اما عند المصنف (نعم) وذلك (فيما) اذا (كان الامر بصدد البيان فقضيته مقدمات
الحكمة هو الحمل على الوجوب فان الندب كانه يحتاج الى مئونة بيان للتحديد والتقييد
بعدم المنع من الترك بخلاف الوجوب فانه لا تحديد فيه للطلب ولا تقييد فاطلاق اللفظ
وعدم تقييده مع كون المطلق فى مقام البيان كاف فى بيانه) وفيه ان الطلب الموضوع له اللفظ ان لوحظ عرفيا كان
الامر بالعكس فان ارادة مصلق الرجحان بعد فرض عدم تبادر الاكمل طلبا كافية فى
الندب عرفا والتقييد بالمنع عن الترك يحتاج الى دليل فاصالة الاطلاق لفظا مع الشك
فى التقييد ترفع الوجوب كأصالة البراءة عملا فليس إلّا الندب ولا شك ان هذا اولى
من اعتبار كونه مطلقا بالنسبة الى الوجوب ومقيدا بعدم المنع عن الترك بالنسبة الى
الندب بناء على ان الوجوب ليس فيه إلّا طلب محض لانه طلب فعل وطلب عدم تركه فهو
طلب مؤكد بخلاف الندب فانه طلب واباحة للفعل وتركه ضرورة ان طلب عدم تركه كاباحة
تركه سواء فى القيدية عرفا وعقلا لانه من حقيقة النوع لا من حقيقة الجنس الذى هو
مدلول اللفظ غير ان احراز مطلق الرجحان عند العرف كاف فى احراز قيد الندب بخلاف
قيد الوجوب وان لوحظ عقليا فكلاهما بسيط غير محتاج الى التحديد بل الى الرسم بما
يستحق تاركه العقاب وهذا لا دخل له فى عالم اللفظ فعلم ان لا وجه الا الأكملية
وكون الطلب فى الوجوب اشد منه فى الندب فان ذلك وان لم يكن له دخل بعالم اللفظ
إلّا انه غالبا يوجب سبق الذهن اليه بمجرد الاطلاق كما لا يخفى (فافهم
المبحث
الخامس ان اطلاق الصيغة هل يقتضى كون
الوجوب
توصليا فيجزى اتيانه) اى الواجب (مطلقا
ولو بدون قصد القربة اولا) محيص عن قصد القربة فلا يجزى غير الاتيان به كذلك (فلا بد من الرجوع
فيما شك فى تعبديته وتوصليته الى الاصل) مع عدم التعيين من اللفظ قولان و (لا بد فى تحقيق ذلك
من تمهيد مقدمات احداها) ان كل امر من اوامر الشارع تجب طاعته ويلزم امتثاله
عقلا من غير فرق بينها فى هذه نعم انما الفرق فى ان منها ما يكون متعلقا بموضوع لا
مصلحة فيه للعبد الا المصلحة الكامنة فيه فيؤمر به لطفا إلّا انه لو وجد فى الخارج
ولو باطارة الريح مثلا كان وجوده مسقطا لموضوع الامر لحصول الغرض بوجوده فلا يبقى
امر حتى تجب طاعته فكل امر واجب الاطاعة ما لم يسقط موضوعه بوجوده بدون قصد الطاعة
والامتثال غاية الامر انه لو جاء به العيد قاصدا امر المولى نال من العوض ما لو لم
ينله لكان ذلك فوات نفع لا ضرر وهذا النحو من الاوامر يسمى توصليا بمعنى ان الشارع
لما اطلع على المصلحة الكامنة فى هذا الموضوع واراد بالارادة التشريعية وجوده فى
الخارج توصل بايجاد داع للعبد الى ايجاده حتى انه لو لم يات به بداع آخر كان هذا
الامر نعم الداعى له لما يترتب على مخالفته من العقاب وعلى موافقته قصدا من الثواب
ومنها ما يكون متعلقه موضوعا لا يعقل وجوده فى الخارج بما هو موضوع إلّا اذا جاء
به العبد المخاطب بالامر بداعى هذا الامر وما يتضمن ذلك لان المصلحة المعلومة
للشارع فيه التى اوجبت توجيهه الى المكلف لطفا لا يمكن تحصلها وتحصيلها الا بهذا
النحو من الوجود ويسمى هذا الامر تعبديا يعنى امرا لا يسقط إلّا بقصد امتثاله ولا
يطاع إلّا بالاتيان بموضوعه بداعى امر المولى لا بداع آخر تعبدا من العبد بذلك
سواء علم وجه الامر به او لم يعلم فكل امر واجب او مستحب توصلى او تعبدى اذا قصد
بالاتيان بموضوعه امتثاله كان الامر عباديا والاتيان عبادة فظهر لك من جميع ما
ذكرنا وتحصل مما حققنا ان (الوجوب
التوصلى هو ما كان الغرض منه يحصل بمجرد حصول ذات الواجب ويسقط بمجرد وجوده) ولو بلا شعور او من موجد لا يتصف بالشعور (بخلاف التعبدى فان
الغرض منه لا يكاد يحصل
بذلك
بل لا بد فى سقوطه) عند الامر (وحصول
غرضه من الاتيان) بالمامور (به
متقربا به) اليه مريدا
للدنو المعنوى (منه
تعالى)
(ثانيتها)
قد عرفت ان
معنى كون الامر تعبديا هو عدم سقوط موضوعه بدون طاعته ولا معنى للطاعة عقلا إلّا
الاتيان بالمامور به بقصد امتثال الامر ومنه يعلم (ان التقرب المعتبر فى التعبدى ان كان
بمعنى قصد الامتثال والاتيان بالواجب بداعى امره كان) ذلك (مما يعتبر فى) تحقق (الطاعة) لانه هو معنى الطاعة (عقلا) فالامر والمامور به فى التعبدى والتوصلى سواء فى وجوب
اطاعتهما وفى متعلقهما من حيث الامر المتعلق غير ان التوصلى قد يسقط موضوع متعلقه
لحصوله وتحصيل الحاصل محال فيسقط موضوع وجوب الطاعة تبعا وهو الامر والتعبدى لا
يسقط وجوب اطاعته أبدا لعدم سقوط موضوعه وهو الامر الا بالطاعة فمعنى صل انت
بالصلاة مطيعا فالمطيعية قيد للآتي لانه حال من الضمير وامتثال هذا الامر بان يصلى
بقصده فيكون قد اتى بالصلاة مطيعا فتم المطلوب باحسن وجه ولا يلزم ان يكون الاتيان
بها مطيعا ممكنا قبل تعلق الامر اذ متعلق الامر هو الصلاة والقيد خارج عنها فهو
كاضرب قائما فى انه قد اخذ القيد على نحو لا يتحقق إلّا مسبوقا بالامر لا سابقا
فيمكن امتثاله بلا ريب فلا حاجة الى طول الكلام فى هذا المقام والاوامر التعبدية
كلها على هذا النحو وهذا القيد موجود بحكم العقل فى كل امر إلّا اذا دل الدليل على
ان مجيء العبد بالمتعلق مع عدم القيد مسقط للامر فهذا القيد مما اخذ فى المامور (لا مما اخذ فى نفس
العبادة) المامور (بها شرعا) لعدم ربطه بالعبادة المامور بها وانما هو من شئون
الامر (وذلك
لا لاستحالة اخذ ما لا يكاد يتاتى الا من قبل الامر بشيء فى متعلق ذاك الامر مطلقا
شرطا او شطرا فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للامر لا يكاد يمكن اتيانها بقصد
امتثال امرها وتوهم الى قوله بداعى الامر امكان تعلق الامر بفعل الصلاة بها بداعى
الامر) ضرورة ان ذلك
وان كان مستحيلا إلّا ان عدم الاخذ ليس لكون استحالة الاخذ مانعا عن الاخذ بل لعدم
المقتضى للاخذ لما عرفت من ان ذلك من شئون الامر وقيود المامور لا من شئون
المامور به وقيوده (وتوهم
امكان تعلق الامر بفعل الصلاة بداعى الامر وامكان الاتيان بها بهذا الداعى ضرورة
امكان تصور الامر بها مقيدة والتمكن من اتيانها كذلك بعد تعلق الامر بها والمعتبر
من القدرة المعتبرة عقلا فى صحة الامر انما هو فى حال الامتثال لا حال الامر واضح
الفساد) ان اريد ما
هو الظاهر منه من تصحيح تقييد المامور به وان اريد به ما ذكرنا من بيان كونه قيدا
فى المامور كما يدل عليه بعض فقرات العبارة فى التحليل الصحة فهو الحق كما عرفت
واما وجه الفساد على التقدير الاول (ضرورة انه وان كان تصورها كذلك بمكان من
الامكان إلّا انه لا يكاد يمكن الاتيان بها بداعى امرها لعدم الامر بها فان الامر
حسب الفرض تعلق بها مقيدة بداعى الامر) فلا بد من سبق امر يكون به تحقق موضوع هذا الامر مع ان
الداعى هو هذا الامر (ولا
يكاد يدعو الامر الا الى ما تعلق به لا الى غيره) مما تعلق به امر آخر (فان قلت نعم ولكن نفس الصلاة) المقيدة بالامر (ايضا) صارت مامورة بها (بالامر بها مقيدة) قلت ان اريد انها صارت مامورا بها بوصف كونها مقيدة
فقد مر فساده واستحالته وان اريد انها صارت بذاتها مقيدة نقول (كلا) لا يكون ذلك ولا يمكن (لان) الموضوع حينئذ مشتمل على جزءين التقييد وذات المقيد
وهذان الجزءان انما هما بتحليل العقل لا بالنظر الى الخارج (فذات المقيد لا تكون
مامورا بها حينئذ فان الجزء التعليلى العقلى لا يتصف بالوجوب اصلا فانه ليس) فى الخارج (الا وجود واحد واجب بالوجوب النفسى كما
ربما ياتى) توضيحه مفصلا
(فى
باب المقدمة فان قلت نعم) ما ذكرته مسلم (لكنه اذا اخذ قصد الامتثال شرطا) ليكون الجزئية تحليليه عقلية (واما اذا اخذ شطرا
فلا محالة نفس الفعل الذى تعلق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقا للوجوب اذ
المركب ليس إلّا نفس الاجزاء بالاسر) وعبارة عنها (ويكون تعلقه بكل) من الاجزاء (بعين تعلقه بالكل ويصح ان يؤتى به بداعى
ذاك الوجوب ضرورة صحة الاتيان باجزاء
الواجب
بداعى وجوبه) فيكون حاصل التوجيه ان الصلاة المقيدة لم يتعلق بها الامر بما هى مقيدة
بل بغير هذا الجزء من اجزائها فاذا اتى بتلك الاجزاء بداعى الامر بالكل صح الكل
وتحقق المقيد ولم يكن الداعى الا هذا الامر والماتى به بداعيه هو نفس ما تعلق به (قلت) فيه انه (مع امتناع اعتباره كذلك) لان الوجوب يتعلق بالمركب بجميع اجزائه ومنها قصد
الامتثال وارادته وهو غير معقول (فانه يوجب تعلق الوجوب بامر غير اختيارى) وهو الارادة ضرورة ان الامر الاختيارى ما كان بارادة
فان اراد وجوده اتى به وان لم يرد وجوده لم يأت به والارادة موجودة بنفسها لا بارادة
وجودها وإلّا لتسلسلت الارادات وفرض وجودها بنفسها نقيض كون وجودها باختيار المريد
وهذا هو معنى قوله دام ظله (فان
الفعل وان كان بالارادة اختياريا إلّا ان ارادته حيث لا تكون بارادة اخرى وإلّا
لتسلسلت ليست باختياريه كما لا يخفى) كما ان الفعل وان كان مقدورا إلّا ان القدرة عليه حيث
لا تكون بقدرة اخرى وإلّا لتسلسلت ليست بمقدورة وتجويز المحقق الطوسى تعلق الارادة
بالارادة لا يدل على اختياريتها كما توهمه بعض الشراح اذ هو كتعلقها بالحياة
والصحة هذا وفى الفصول انها اختيارية وان لم تكن بارادة وهو على ظاهره واضح الفساد
لما عرفت ولم اعرف معنى لاختياريتها بنفسها اللهم إلّا ان يريد ما تقدم تحقيقه منا
فى معنى كونها ليست باختياريه مع كون الفعل بها اختياريا وهو بعيد عن ظاهر كلامه
جدا ولو سلمنا ذلك كله (فانما
يصح الاتيان بجزء الواجب بداعى وجوبه) فى حال كونه (فى ضمن اتيانه بهذا الداعى ولا يكاد
يمكن الاتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعى امتثال امره ان قلت نعم لكن هذا كله
اذا كان اعتباره فى المامور به بامر واحد) وهو أمر صل مثلا (واما اذا كان) اعتباره (بامرين) قد (تعلق
احدهما بذات الفعل وثانيهما باتيانه بداعى امره فلا محذور اصلا كما لا يخفى فللآمر
أن يتوسل بذلك) اى بتعدد الامر (فى
الوصلة الى تمام غرضه ومقصده بلا) مانع ذى (منعه) من لزوم محال او غيره (قلت) فيه (مضافا الى القطع بانه ليس فى العبادات
الا
امر واحد كغيرها من الواجبات والمستحبات غاية الامر) ان الفرق بين العبادات والباقى ان العبادات (يدور مدار) قصد (الامتثال وجودا وعد ما فيها) ترتب (المثوبات) فى صورة وجوده (والعقوبات) فى صورة عدمه لتحقق الطاعة فى الاول والمعصية فى
الثانى (بخلاف
ما عداها) فان امر
المثوبات والعقوبات فيه ليس على السواء (فيدور فيه) مدار الامتثال (خصوص المثوبات واما العقوبة فمترتبة) لا (على
ترك الطاعة) اذ هى ليست بواجبه ليكون تركها سببا للعقاب (و) انما تترتب على (مطلق الموافقة) وغرض المصنف من ترتبها على ترك الطاعة تركها المتحقق
فى ضمن ترك مطلق الموافقة لا مطلق تركها واعتمد فى التعبير على وضوح الامر لدى
الخبير وفيما ذكرنا كغاية فى جواب هذا السائل ولكن مع ذلك كله نقول (ان الامر الاول ان
كان يسقط بمجرد موافقته ولو لم يقصد به الامتثال كما هو قضية الامر الثانى) اذ لا بد من ان يكون الثانى توصليا وإلّا لزم نقض
الغرض لانه اذا كان تعبديا فهو عاجز عن تصحيح نفسه فكيف بتصحيح غيره والكلام انما
هو فيه ومع سقوط الاول بمجرد الموافقة (فلا يبقى مجال لموافقة الثانى مع موافقة
الاول بدون قصد امتثاله فلا يتوسل الامر الى غرضه بهذه الحيلة والوسيلة) قلت هذا الشق من الترديد ما كان ينبغى ذكره اذ الكلام
فى تصحيح تعبدية الامر الاول بعد القطع بها فجعل احد الشقين كونه توصليا غير لائق (وان لم يكد يسقط بذلك
فلا يكاد يكون له وجه الا) بقاء امر الآمر (ضرورة عدم حصول غرضه بذلك من امره
لاستحالة سقوطه مع عدم حصوله) اى الغرض (وإلّا لما كان) الغرض (موجبا لحدوثه) اى الامر لكشف سقوط الامر مع بقائه عن عدم دخله فيه
مطلقا (وعليه
فلا حاجة فى الوصول الى غرضه الى وسيلة تعدد الامر لاستقلال العقل) بان حدوث الامر لغرض واستقلاله ايضا بعدم السقوط حتى
يعلم بحصول الغرض ويكفى فى استقلاله بذلك نفس حدوثه لانه بيان كافى مصحح العقوبة
على المخالفة و (مع) العلم او الشك بحصول (بحصول وعدم حصول غرض الامر بمجرد موافقة
الامر) فالعقل حاكم (بوجوب الموافقة على
نحو) الطاعة لانه
هو
الذى (يحصل
به غرضه فيسقط امره هذا كله) مضافا الى انه على تقدير التوصلية يلزم ترتب عقابين
على العاصى وثوابين للمطيع وهو مقطوع بعدمه ولو قيل ان الامر الثانى ارشادى محض
لزم من الاحتياج اليه عدم الاحتياج اليه ضرورة ان معنى كونه ارشاديا انه تاكيد لما
يستقل العقل بحكمه وان لم يرد امر مطابق له فالامر الثانى لا يجدى مطلقا تعبديا او
توصليا او ارشاديا هذا (اذا
كان التقرب المعتبر فى العبادة بمعنى قصد الامتثال واما اذا كان بمعنى الاتيان
بالفعل بداعى حسنه او كونه ذا مصلحة) الذين هما وجه الامر (او له تعالى فاعتباره) عند المصنف (فى متعلق الامر وان كان بمكان من
الامكان إلّا انه غير معتبر فيه قطعا لكفاية قصد الامتثال الذى عرفت عدم امكان
اخذه فيه بديهة) وفيه اولا ان كون الفعل له تعالى ايضا لا يعقل اخذه كقصد الامتثال لتوقف
الامر على صحة الاتيان به له تعالى قبل الامر ومن المعلوم ان صحته كذلك موقوفة على
الامر إلّا ان يكون المورد من غير التوقيفيات كالمستقلات العقلية على اشكال فى ذلك
اذا لم نقل بالملازمة وإلّا كان موقوفا على الامر ايضا فان كان هذا الامر هو غير
ما ادرك العقل لزومه عاد المحذور وان كان عينه لم يكن هذا الامر مولويا ويخرج عن
محل الكلام فاحسن التأمل فى المقام اللهم إلّا ان يقال ان الامر وان توقف على صحة
الاتيان به له تعالى إلّا ان نفس الصحة غير متوقفة عليه وانما الموقوف عليه هو
العلم بالصحة لان الامر من هذه الجهة كاشف فاذا اختلفت جهة التوقف فلا محذور
وثانيا ان قصد الامتثال وكون الفعل لله او ذا مصلحة او حسنا كلها فى مرتبة واحدة
فاذا امكن اخذ بعضها قيدا فى المأمور به فلا يضر بذلك كفاية غيره عنه بالبداهة نعم
لو كان قصد الامتثال اقل منها مرتبة كانت كفايته اتفاقا دليلا على عدم اخذ الاعلى
قيدا وليس الامر كذلك سيما فيما كانا وجها للامر نعم لو اريد من كونه له تعالى قصد
المصلى كونه تعالى اهلا لا غاية اخرى كان أعلى مرتبة قطعا إلّا ان ارادته غير
لازمه بل المراد كون الفعل محبوبا له تعالى فيساوى غيره وعلى هذا التقدير فكفاية
قصد الامتثال انما تدل على عدم اعتبار باقى الدواعى بخصوصها لا عدمه
مطلقا ولا توقف لتحقق هذه الكفاية على اخذه فى المتعلق قطعا فالمأخوذ فى
المتعلق شيء لا محذور فيه والذى يكفى عنه شيء آخر فيه محذور الأخذ ولا ضير فى ذلك (فتأمل فيما ذكرناه فى
المقام تعرف حقيقة المرام كى لا تقع فيما وقع فيه من الاشتباه بعض الاعلام)
(ثالثتها)
اعلم (انه اذا عرفت بما لا
مزيد عليه عدم امكان اخذ قصد الامتثال فى المأمور به اصلا) وعرفت ان الاصح كونه من قيود المأمور بدليل حكم العقل (فلا مجال للاستدلال) على عدم كونه قيدا فى المأمور به (باطلاقه) اذ ما لا يمكن تقييده لا يمكن اطلاقه (ولو كان مسوقا فى
مقام البيان) فلا يكون الاطلاق المتوهم دليلا على عدم اعتباره (كما هو اوضح من ان
يخفى فلا يكاد يصح) الاستناد الى الاطلاق (والتمسك
به الا فيما يمكن اعتباره فيه) من القيود (فانقدح بذلك انه لا وجه لاستظهار
التوصلية من اطلاق الصيغة بمادتها) كصل مثلا (ولا لاستظهار عدم اعتبار مثل الوجه) كالوجوب مثلا وغيره (مما هو ناشى من قبل الامر من اطلاق
المادة فى العبادة لو شك فى اعتباره فيها) لعين ما قلناه فى الصيغة بل وظهر لك مما حققناه انه لا
وجه لاستظهار عدم الاعتبار من اطلاق المقام ايضا الذى اشار المصنف اليه بقوله (نعم اذا كان الآمر فى
مقام بصدد بيان تمام ما له دخل فى حصول غرضه وان لم يكن له دخل فى متعلق امره ومعه
سكت فى المقام ولم ينصب دلالة على دخل قصد الامتثال فى حصوله كان هذا قرينة على
عدم دخله فى غرضه وإلّا لكان سكوته نقضا له وخلاف الحكمة) وتوضيحه انا بعد ان حققنا ان الحاصل من ضم الامر
العقلى بالطاعة الى الامر الشرعى بالصلاة مثلا هو الامر الشرعى بموضوع مطلق
للمامور مقيد فيكون معنى صل ائت بالصلاة مطيعا وقلنا هذا ممكن الاخذ والامتثال
فاذا توجه هذا الامر على سبيل القطع وما يقوم مقامه لم يكن لاطلاق المقام معنى
يتمسك به بعد الحكم العقلى بالتقييد المذكور ولم
يسقط مثل هذا الامر إلّا اذا دل دليل على سقوطه (فلا بد عند الشك وعدم
احراز) السقوط لا
عدم احراز (هذا
المقام) المطلق (من الرجوع الى ما
يقتضيه الاصل ويستقل به العقل) اذا عرفت ذلك (فاعلم انه لا مجال هاهنا إلّا لاصالة
الاشتغال ولو قيل باصالة البراءة فيما اذا دار الامر بين الاقل والاكثر
الارتباطيين وذلك لان الشك هاهنا فى الخروج عن عهدة التكليف المعلوم مع استقلال
العقل بلزوم الخروج عنها فلا يكون العقاب مع الشك وعدم احراز الخروج عقابا بلا
بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان ضرورة انه بالعلم بالتكليف) مع انضمام الامر العقلى اليه (تصح المؤاخذة على
المخالفة وعدم الخروج عن العهدة لو اتفق عدم الخروج عنها بمجرد الموافقة بلا قصد
القربة وهكذا الحال فى كل ما شك فى دخله فى) تحقق (الطاعة والخروج به عن العهدة مما لا
يمكن اعتباره فى المأمور به كالوجه والتميز نعم يمكن ان يقال ان كلما) كان من شيء (ربما يحتمل بدوا) او فى اول النظر (دخله فى الامتثال) اى فى امتثال التكليف (امرا) و (كان) الشيء المحتمل (مما يغفل عنه غالبا العامه) فالعقل حاكم بانه (كان على الآمر بيانه ونصب قرينة على
دخله واقعا وإلّا لاخل بما هو همه وغرضه) فان نصب القرينة عمل على حسبها (اما اذا لم ينصب) قرينة فيها (دلالة على دخله كشف) ذلك (عن عدم دخله وبذلك يمكن القطع بعدم دخل
الوجه والتميز فى الطاعة فى العبادة حيث ليس منهما) اى من الوجه والتميز (عين ولا اثر فى الاخبار والآثار وكانا
مما يغفل عنه العامة وان احتمل اعتباره بعض الخاصة فتدبر جيدا ثم انه لا اظنك) تغفل ولا احسب (ان تتوهم وتقول) ان الحكم فى هذه المسألة ومسئلة الاقل والاكثر واحد
وكما قلتم هناك (ان
ادلة البراءة الشرعية مقتضية لعدم الاعتبار وان كان قضية الاشتغال عقلا هو
الاعتبار) فيلزمكم
القول به فى هذا المقام اذ فساد هذا التوهم واضح (لوضوح انه لا بد فى عمومها) اى ادلة البراءة للمورد (من) وجود (شىء) فى ذلك المورد (قابل للرفع والوضع شرعا وليس) لذلك وجود (هاهنا فان دخل قصد القربة ونحوها فى
الغرض ليس بشرعى بل واقعى) بخلافه ثم فان الشك هناك انما هو فى جزئيه
شىء او شرطيته للمامور به (ودخل الجزء والشرط فيه وان كان كذلك
إلّا انهما قابلان للوضع والرفع شرعا) اما بنفسهما بناء على قبولهما للجعل او بمنشإ انتزاعهما
بناء على عدمه (فبدليل
الرفع ولو كان اصلا يكشف) ويستكشف (انه ليس هناك امر فعلى بما يعتبر فيه
المشكوك يجب الخروج عن عهدته عقلا بخلاف المقام فانه علم بثبوت الامر الفعلى) وانما شك فى كيفية الخروج عن عهدته (كما عرفت) قلت فيه ان وجوب الطاعة وما يتوقف عليه تحقق مفهومها
من المستقلات العقلية التى ليس للشرع مدخل فيها فلو ورد اعتبار شىء فيها تعبدا مما
لا يستقل العقل باعتباره كشف ذلك عن وجود خصوصية فى الامر او المأمور به على نحو
لا يمكن نحصلها الا بهذا النحو من الاطاعة بمعنى ان طاعة هذا الامر المشتمل على
خصوصية كذا هو هذا النحو وغيره لا يكون اطاعة فيكون اعتبار شيء فيها حينئذ عبارة
عن اعتبار جزء او شرط فى المأمور به او خصوصية فى الامر وعلى هذا فالمقامان من واد
واحد ضرورة رجوع الامر فى ذلك الى الشرع وقبوله للوضع والرفع فيعود الشك فيه الى
الشك فى اصل التكليف على هذا النحو الذى تكون اطاعته بهذه الصورة الخاصة والذى لا
يرجع فيه الى البراءة مطلقا هو ما اذا علم الامر ومتعلقه تاما من جانب الشارع وكان
الشك فى المحصل ومرجعه الى حكم العقل مستقلا فتكون الطاعة كالاستطاعة عقلية فيما
علمت جهات الامر وشك فى كيفية الخروج عن عهدته بحسب الطاعة وشرعيه فيما احتمل دخل
شيء يكون اطاعته على وجه لا يستقل العقل بحكمه (فافهم المبحث
السادس قضية اطلاق الصيغة) هيئة فى الامر (كون الوجوب نفسيا) لا غيريا و (تعينيا) لا تخييريا و (عينيا) لا كفائيا ومطلقا لا مشروطيا وحينيا لا فوريا ولا
تراخيا كما ان قضية لحاظ اطلاق المادة منضما الى اطلاق الهيئة يقتضى كونه تنجيزيا
لا تعليقيا وطبيعيا لا وحدانيا مطلقا ولا تكراريا (لكون كل واحد مما بقابلها يقتضى تقييد
الوجوب وتضييق دائرته فاذا كان فى مقام البيان ولم ينصب قرينة عليه فالحكمة تقتضى
كونه مطلقا) غير مقيد بشيء
(وجب
هناك شيء آخر اولا) وهو النفسى وما كان بوجوب آخر غيرى (اتى بشيء آخر اولا) وهو التعيينى والساقط بالاتيان بشيء آخر هو التخييرى (اتى به مكلف آخر اولا) وهو العينى والساقط باتيان المكلف الآخر هو الكفائى
شاء المكلف حصول مقدماته او لم يشاء وهو المطلق والذى مقدماته بإشاءة المكلف هو
المشروط بادر الى امتثاله او لم يبادر وهو الحينى اى المحتاج وجوده الى حين ما
والذى لا بد فيه من المبادرة هو الفورى او اخذ فيه التراخى قيدا هو المتراخى شاء
امتثاله المكلف فعلا اولا وهو التنجيزى وغير المقدور للمكلف امتثاله فعلا هو
التعليقى لانه يتبع وقته جاء المكلف به دفعه فى ضمن فرد او فى ضمن افراد وهو
الطبيعي اى المتعلق بالطبيعة والذى لا يصح إلّا الاتيان به دفعه او فى فرد واحد هو
ما دل على المرة والذى لا يصح الاتيان به دفعه بل دفعات اوفى ضمن افراد هو ما دل
على التكرار وسيأتى تفصيل جملة من المسائل إن شاء الله إلّا ان ما ذكرناه من باب
الضابط (كما
هو واضح لا يخفى المبحث
السابع انه اختلف القائلون بظهور صيغة الامر فى الوجوب وضعا او اطلاقا فيما اذا
وقع عقيب الحضر او فى مقام توهمه على اقوال) احدها ما (نسب الى المشهور) من (ظهورها
فى الإباحة و) ثانيها ما نسب (الى
بعض العامه) من (ظهورها
فى الوجوب و) ثالثها ما نسب (الى
بعض) من (تبعيته لما قبل النهى
ان علق الامر بزوال علة النهى الى غير ذلك والتحقيق انه لا مجال للتشبث بموارد
الاستعمال فانه قل مورد منها) ان (يكون
خاليا عن قرينة على الوجوب او الاباحة او التبعية ومع فرض التجريد عنها لم يظهر
بعد كون) وقوع الصيغة (عقيب الحظر موجبا
لظهورها فى غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون) الوقوع كذلك (موجبا لاجمالها) وكونها (غير ظاهرة فى واحد منها إلّا بقرينة
اخرى كما اشرنا) والظاهر ان عمده الداعى الى القول بالاباحة هو كونها ضد النهى مع ان كون
الامر نصا فى الاباحة العامة بعد النهى مما هو متفق عليه فيكفى فى المقابلة للنهى
ولا حاجة الى الاباحة الخاصة نعم تبقى الاباحة العامة بالنسبة الى ما تحتها من
الاحكام
الأربعة محتاجة فى تعيين احدها الى قرينة ووقوعه بعد الحظر لا قرينة فيه
على خصوص الخاصة اصلا بل قرينية سبق الاحكام على عودها بعد النهى مطلقا اقوى من
قرينية الوقوع بعد الحظر على ذلك (المبحث الثامن الحق ان صيغة الامر مطلقا) هيئة ومادة (لا دلالة لها على المرة ولا) على (التكرار فان المنصرف عنها ليس إلّا طلب
ايجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على احدهما لا بهيئتها ولا بمادتها واما
الاكتفاء بالمرة فانما هو لحصول الامتثال بها فى الامر بالطبيعة كما لا يخفى ثم لا
يذهب عليك ان الاتفاق على ان المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل إلّا على
الماهية على ما حكاه السكاكى لا يوجب كون النزاع هاهنا فى الهيئة كما فى الفصول
فانه منه غفلة وذهول عن ان) الاتفاق على (كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على ان
مادة الصيغة لا تدل الا على الماهية ضرورة ان المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل
هو صيغة مثلها كيف وقد عرفت فى باب المشتق مباينة المصدر وساير المشتقات بحسب
المعنى فكيف) تدعى انه (بمعناه
يكون مادة لها) قلت الظاهر بحسب متعارف اوضاع هذه الامور ان حال المصدر وحال اسم الجنس
سواء فكما جعل هناك اسم الجنس اصلا ومعناه مطلق الماهية فاذا لحقه التنوين دل على
فرد منها او الالف والنون فعلى فردين وهكذا فى جميع اللواحق مع ان فى صحيح
الاستعمال من مبدإ الوضع الى الآن لم يستعمل الا الملحق به احد هذه الامور ما خلا
نادر من الموارد فكذلك المصدر فانه كاسم الجنس فاذا لحقته هيئة الماضى دل على شيء
او هيئة المستقبل دل على شيء آخر وهكذا فتكون الهيئات المختلفة كلواحق اسم الجنس
المختلفة وان كان وضع الجميع فى عرض واحد إلّا ان ذلك يستكشف فى المقامين من النظر
الى ان هناك معنى واحد تعتور عليه امور مختلفه فيسمى ذلك اصلا والباقى فرعا
فالمصدر وان اخذ بمعناه مادة لها إلّا انه مع ذلك لا يصحح ما فى الفصول لجواز ان
يراد به حين كونه مادة غير ما يراد به حين كونه وحده كما فى اسم الجنس والاتفاق
المذكور لا يدل حينئذ على شيء لاختصاصه بصورة خلوه من كل شيء فلا دخل له بصورة
لحوق الهيئات له ولا ينافى ذلك كون معنى الهيئة من حيث هى لا ربط له بالمرة
والتكرار ضرورة ان لحاظ
المركب مادة وهيئة غير لحاظ كل من حيث هو كما هو واضح (فعليه يمكن دعوى
اعتبار المرة او) التكرار فى مادتها كما لا يخفى فانقدح لك بما ذكرنا معنى الجواب والسؤال
المذكورين بقوله ايده الله تعالى (ان قلت وما معنى ما اشتهر) بين النحات (من كون المصدر اصلا فى الكلام قلت مع
انه محل الخلاف) فى انه هو الاصل للفعل او الفعل اصل له (معناه ان الذى وضع او لا بالوضع الشخصى
تم بملاحظته وضع) وضعا (نوعيا
او شخصيا ساير الصيغ التى تناسيه مما جمعه معه) اى من صيغة جمعها مع المصدر (مادة لفظ) كاضرب مثلا (متصور فى كل) من الموارد التى هى من المجمع (منها ومنه بصورة ومعنى
كذلك) اى كالصورة
مركب من معنى المادة والهيئة (هل
هو المصدر او الفعل فافهم ثم المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات او
الفرد والافراد) ربما استظهر بعض اختصاص النزاع بالاول (والتحقيق) انهما صالحان (ان بقعا بكلا المعنيين محلا للنزاع وان
كان لفظهما ظاهرا فى المعنى الاول) كما استظهر ذلك المخصص إلّا ان وجود القرائن فى
كلماتهم على التعميم يرفع هذا الظهور واما ما استند اليه هذا البعض مؤيدا للتخصيص
من ان ظاهر تعدد المباحث وتعدد عناوين المسائل كون كل من المسألتين لا علقة لها مع
الاخرى ولو كان المراد بالمرة هنا الفرد او الافراد لكان من متعلقات المسألة
الآتية وهى مسئلة ان متعلق الامر الطبيعة او الفرد اما على القول بالطبيعة فواضح
لان الكلام فعلا فيه فلا يحتاج بيانه الى تكرار واما على القول بالفرد فيقال انه
على هذا التقدير هل المتعلق الفرد او الافراد ولا منافاة بين كون المتعلق الفرد لا
الطبيعة وكون المراد المتعدد من الفرد لا الواحد كما توهمه الحاجبى وحكم بعدم
التوازن بين هذين القولين اذا المراد الفرد فى الجملة فى قبال الطبيعة لا الواحد
فهو مسلم لو كان النزاع فى هذه المسألة منحصرا باحد المعنيين للمرة فيكون على تقدير
كونها بمعنى الفرد لا استقلال لها اما اذا كانت محلا للنزاع بكلا معنييها فالحاق
حال كونها بمعنى الفرد بهذا البحث والعنوان انسب من فصله وادراجه فى عنوان تلك
المسألة كما هو واضح بادنى تأمل هذا مضافا الى ما افاده المصنف دام ظله
فى قوله (وتوهم
انه لو اريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم ان يجعل هذا البحث تتمة للمبحث
الآتي من ان الامر هل يتعلق بالطبيعة او الفرد فيقال عند ذلك وعلى تقدير تعلقه
بالفرد هل يقتضى التعلق بالفرد الواحد او المتعدد او لا يقتضى شيئا منهما ولم يحتج
الى افراد كل منهما بالبحث كما فعلوه واما لو اريد بها الدفعة فلا علقة بين
المسألتين كما لا يخفى فاسد لعدم العلقة بينهما لو اريد بها الفرد ايضا فان الطلب
على القول بالطبيعة انما تعلق بها باعتبار وجودها فى الخارج ضرورة ان الطبيعة من
حيث هى ليست إلّا هى لا مطلوبة ولا غير مطلوبه وبهذا الاعتبار) اى اعتبار وجودها فى الخارج (كانت مرددة بين المرة
والتكرار بكلا المعينين فيصح النزاع فى دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين
وعدمها اما بالمعنى الاول) وهو الدفعة (فواضح واما بالمعنى الثانى فلوضوح ان
المراد من الفرد او الافراد وجود واحد او وجودات وانما عبر بالفرد لان وجود
الطبيعة فى الخارج هو الفرد غاية الامر ان خصوصيته وتشخصه على القول بتعلق الامر
بالطبائع امر يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه) وحاصل مرامه مما علل به عدم العلقة ان المراد بالفرد
هنا غير المراد بالفرد ثمة إذ المراد بالفرد والافراد هنا الوجود الواحد للطبيعة
او الوجودات وفى المسألة الآتية هو نفس الفرد المشخص ولا ريب فى عدم العلقة حينئذ
بين المسألتين إلّا ان هذا لم يرفع العلقة بين المسألتين على تقدير التعلق
بالطبيعة فيكون من فروعها ان التعلق بها من حيث الوجود هل هو باعتبار الفرد او
الافراد ولم يخص صاحب الفصول تعلقه بالقول الثانى وانما خصه بالذكر اذ لم يسبق له
ذكر ولدفع توهم الحاجبى حيث توهم التلازم بين التعلق بالفرد ووحدة الفرد فيكون
الجواب حينئذ منحصرا بما ذكرناه (تنبيه لا اشكال بناء على القول بالمرة
فى) حصول (الامتثال) بالاتيان مرة واحدة (و) لا اشكال فى (انه لا مجال للاتيان بالمامور به ثانيا
على ان يكون مرادا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال) المعلوم محالية تحققه بعد سقوط ما يمتثل بالاول (واما على المختار من
دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا
على
التكرار فلا يخلو الحال) من احد امرين (فاما
ان لا يكون هناك اطلاق الصيغة فى مقام البيان بل) هى (فى
مقام الاهمال او الاجمال فالمرجع) على هذا التقدير (الى الاصل) والاصل عدم سقوط الامر بالاتيان بالمامور به فى ضمن
الافراد للشك فى جوازه او الاصل عدم جواز الاتيان بالاكثر والاقتصار على القدر
المتيقن بل الاصل براءة الذمة من التكليف بالاتيان اكثر من مرة (واما ان يكون اطلاقها
فى ذاك المقام) وحينئذ (فلا
اشكال فى الاكتفاء بالمرة فى الامتثال وانما الاشكال فى جواز ان لا يقتصر عليها
فان لازم اطلاق الطبيعة المامور بها هو الاتيان بها مرة او مرارا لا لزوم الاقتصار
على المرة كما لا يخفى والتحقيق ان قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة) ودفعه (فى ضمن فرد او) فى ضمن (افراد) لانه نحو وجود للطبيعة دفعه (فيكون ايجادها فى
ضمنها نحو من الامتثال كايجادها فى ضمن الواحد) فهذا ما اردناه من اقتضاء الاطلاق لا جواز الاتيان بها
مرة او مرات بمعنى دفعة او دفعات (فانه مع الاتيان بها مرة) بهذا المعنى (لا محاله يحصل به الامتثال ويسقط به
الامر فيما اذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده
فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا) سواء كان بداعى امتثال آخر فيكون امتثالين لامر واحد (او بداعى ان يكون
الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها
وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله اصلا واما اذا لم يكن الامتثال علة
تامة لحصول الغرض كما اذا امر المولى بالماء ليشرب او يتوضأ فاتى به ولم يشرب او
لم يتوضأ فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر احسن منه بل مطلقا كما كان
له ذلك قبله على ما ياتى بيانه فى الاجزاء) قلت تبديل الامتثال يقع على انحاء الاول ان يقول
المولى لعبده اشتر لي ثوبا فيمضى العبد ويشترى عددا من الثياب صفقة ليختار المولى
احبها اليه ولا اشكال فى صحة ذلك وحسنه وان انحل الى الف امتثال بسبب نسبته الى كل
فرد من الاثواب الثانى ان يشترى ثوبا ثم يراه غير لائق بمولاه فيشترى الثانى وهكذا
ثم يجيء بها دفعه الى مولاه ولا ريب فى
صحة ذلك وحسنه وان تعدد بنفسه الى ما لا يحصى واتحد امتثال مقدمته وهى
الاتيان به اليه بعد شرائه الثالث ان يشترى له ثوبا وياتيه به ويضعه امامه ثم يمضى
ويأتى باحسن منه ويضعه حوله وهكذا ليختار المولى احسنها ولا ينبغى الاشكال فى صحته
وان تعدد فى نفس الشراء ومقدمته لوجود مناط النحو السابق فيه وكونه فى الاول دفعيا
مطلقا وفى الثانى دفعيا بحسب المقدمة لا ذيها وفى الثالث تدريجيا مطلقا لا يوجب
تفاوتا فى حسنه عند العقل وهذا بعينه موجود مع احتمال الاحسنية بل مع المساوات
وغاية ما يتصور مانعا معها كون التبديل لغوا وعبثا لا كون الامتثال متعددا وكما
كان للامر مع اتحاد غرضه وهو اللبس ان يامر بالف امر مأمورا واحدا باتيان الثوب
قبل ان يحصل اصل الغرض او بامر واحد الف مأمور ليختار احسن ما يؤتى به كذلك
للمامور بالامر الواحدان يمتثل على نحو البدل الف مرة لتلك العلة وهذا اوضح من ان
يخفى والسر فى الجميع سيأتى قريبا ان شاء الله تعالى وقد عرفت مما حققنا فى افعال
العباد أن جميع التكاليف الشرعية من هذا القبيل لا بمعنى ان الغرض المترتب على
المأمور به عائد فيها الى الامر كما فى هذه الاوامر بل ذات الغرض عائدة الى
المامور إلّا ان ترتبه على المامور به بيد الامر فما اتضح فيه الترتب وعدمه فهو
واضح وما جهل الحال فيه واختلفت محصلاته فى مراتب الحسن فهو من ذلك القبيل كالصلاة
وما اشبهها (المبحث
التاسع الحق انه لا دلالة للصيغة لا على الفور ولا على التراخى) نعم قضية اهمالها او اجمالها الاقتصار على الفور لانه
القدر المتيقن (وقضية
اطلاقها جواز) هما معا لا خصوص (التراخى) كما افاده دام ظله وان كان مظهر الثمرة جوازه خاصه (والدليل عليه تبادر
طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة) وضعية على مطلق الزمان فضلا عن الدلالة (على تقييده باحدهما) نعم له الدلالة الالتزامية العقلية على زمان ما (فلا بد فى التقييد) لهذا المدلول الالتزامى (من دلالة اخرى كما ادعى) فى كلام القائل بالفور من (دلالة غير واحد من
الآيات على الفورية وفيه منع ضرورة ان سياق آية (وَسارِعُوا إِلى
مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وكذا
آية (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) انما
هو البعث) الارشادى
(نحو
المسارعة الى المغفرة والاستباق الى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر
ضرورة ان تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما) اى عن ترك المسارعة وترك الاستباق (انسب كما لا يخفى) ولقائل ان يقول ان البعث الى العمل بالواجبات كما ورد
بنحو الترهيب ولو عيد ورد ايضا بنحو الترغيب والوعد كما هو الحال فى كل واجب فى
الشريعة كما لا يخفى على من لاحظ الاخبار والآثار فلا دلالة فيما ذكر على ما ادعى
نعم فى مادة المسارعة والاستباق دلالة تامة على الندب اذ لا يصدقان إلّا فيما اتسع
وقته ولذا ترى من اقبح الكلام القول بان زيدا سارع الى الصوم اول الفجر او استبق
اليه ومن احسنه قول سارع الى الصلاة اول الوقت واستبق اليها وهذا فى غاية الوضوح (فافهم) هذا (مع لزوم كثرة تخصيصه) لو حمل الامر على الوجوب (فى المستحبات وكثير
من الواجبات بل اكثرها) عند المصنف وفيه مضافا الى انه غير ضائر اذا كان التخصيص على هذا النحو
من التدريج وعدم الاخراج مرة واحدة بالقرينة المتصلة إلّا أنّك عرفت مما ذكرنا ان
خروج الواجبات الموسعة والمستحبات تخصص لا تخصيص اذ لا يعقل وجوب ما يجوز تركه
وإلّا لم يكن محل المادة موسعا ولا مندوبا فالانصاف ان العمدة فى الجواب ما ذكرناه
(فلا
بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب او مطلق الطلب) عند المصنف ايضا وقد عرفت انه لا وجه له ان اريد بمطلق
الطلب ما يعم الندب والوجوب لانه بالنسبة الى الوجوب المضيق لا معنى للمادة
وبالنسبة الى الموسع والمستحب لا معنى للهيئة كما عرفت فالمراد هو خصوص الندب لما
ذكرنا لا لما افاده (ولا
يبعد دعوى استقلال العقل) مطابقا لحكم الشرع (بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من
الآيات فى مقام البعث نحوه ارشاد الى ذلك كالآيات والروايات الواردة فى البعث على
اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها) طاعة ومسارعة واستباقا (ولو لم يكن هناك امر بها كما هو الشأن
فى ساير الاوامر الإرشادية) فانه لا يترتب على هيئتها مثوبة موافقة ولا عقوبة
مخالفة غير ما يترتب على موادها وجودا من الثواب وعدما
من العقاب كالطاعة وعدمها وما اشبه ذلك والارشاد الى الواجب او المستحب كل
بحسبه (فافهم
تتمه بناء على القول بالفور فهل) هو على الفور فلا محل للفعل بعده او (قضية الامر) التراخى فى الفورية بمعنى (الاتيان) به (فورا
ففورا) فيكون المكلف
(بحيث
لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا فى الزمان الثانى اولا) يكون بهذه الحيثية (وجهان مبنيان على ان مفاد الصيغة على
هذا القول هو وحده المطلوب بها) فيكون الفور لا فور بعده (او تعدده) فيجب ثانيا فورا وهكذا (ولا يخفى انه لو قيل بدلالتها على
الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته او تعدده فتدبر جيدا
الفصل
الثالث) اختلفوا فى (ان الاتيان بالمامور
به على وجهه) هل (يقتضى
الاجزاء) اولا بعد
تسليم اقتضائه (فى
الجملة بلا شبهة وقبل
الخوض فى تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغى تقديم امور) يتضح بها المرام (احدها الظاهر ان المراد من وجهه فى
العنوان هو النهج) والطريق (الذى
ينبغى ان يؤتى به على ذاك النهج شرعا وعقلا مثل ان يؤتى به بقصد التقرب فى العبادة
لا خصوص الكيفية المعتبرة فى المامور به شرعا فانه عليه يكون على وجهه فيدا
توضيحيا) لانه لا يكون
له هذا الوصف اذا لم يكن على وجهه وكيفيته (وهو بعيد) قال ايده الله تعالى (مع انه يلزم خروج التعبديات عن حريم
النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا) ومن قيود المامور لا (من قيود المامور به شرعا) وفيه انه لا يلزم ذلك ضرورة ان تحقق الاتيان بالمامور
به بوصفه العنوانى فى كل من الواجبات بحسبه والاتيان الغير المقصود به الطاعة فى
التعبديات ليس باتيان للمامور به فهو من قيود المامور به بعد الفراغ عن كونه
اتيانا جامعا لشرائطه فاقدا لموانعه فالاتيان بالمأمورية لا على وجهه تارة يكون
لخلل فى ذات المأمورية واخرى لخلل فى اتيانه هذا مع انه يمكن ان يكون بهذا المعنى
من قيود الاتيان لا من قيود الماتى به فيكون قيدا احترازيا عاما لكل مورد إلّا انه
خلاف ظاهر العبارة فى الجملة فيصح ان يراد بالوجه هذا المعنى (ولا) يصح ان يراد به (الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب) من الوجوب
والندب الموجه بهما المامور به (فانه مع عدم اعتباره عند المعظم وعدم
اعتباره عند من اعتبره الا فى خصوص العبادات لا مطلق الواجبات لا وجه لاختصاصه به
بالذكر على تقدير الاعتبار) لانه هو احد الكيفيات المعتبرة (فلا بد من ارادة) جميع (ما يندرج فيه) اى فى المأمور به (من المعنى) المراد بالوجه (وهو) خصوص (ما ذكرناه كما لا يخفى
ثانيها
الظاهر ان المراد من الاقتضاء هاهنا) هو (الاقتضاء) بحسب الدليل الدال على تعلق هذا الامر الخاص بالمأمور
به سواء اريد الاقتضاء بالنسبة الى امره او الى امر آخر ولا ينافى ذلك انه اذا نسب
الاقتضاء الى الاتيان كان (بنحو
العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة) اذ ليس المراد كون ذلك امرا ذاتيا فلا يتخلف لوضوح انه
لو كان دليل الامر دالا على لزوم التكرار للمأمور به لم يكن هذا الاتيان مجزيا كما
لو قال الآمر اكرم زيدا مرتين بعد سبق الامر منه بمطلق الاكرام فان اكرامه فى كل
مرة اتيان للمامور به على وجهه مع انه غير مجز ولا يشتبه عليك الحال فتقول المأمور
به حينئذ كلاهما بداهة انه بالاكرام الاول جاء بالمامور به وبقى عليه تكريره لا
انه لم يجئ بالمأمور به الا بعد التكرار كما هو واضح هذا بالنسبة الى امره واما
بالنسبة الى آمر آخر فهو اوضح فان ما دل على الامر الاضطرارى ان دل على انه بدل
موقت كان الاتيان به غير مجز قطعا مع انه اتيان للمأمور به على وجهه فلو كان
الاقتضاء ذاتيا لم يعقل تخلفه ومن المعلوم انه ليس فى الاتيان المذكور اقتضاء
والدليل مانع بل عدم الاجزاء فيه لعدم المقتضى بلا ريب نعم لو دل على انه بدل مطلق
كان اتيانه مجزيا وايضا لو كان المراد الاقتضاء الذاتى مع قطع النظر عن الدليل لم
يكن نفى الاقتضاء ملزوما لنفى الاجزاء فجاز ان يقول قائل بنفى الاقتضاء وثبوت
الاجزاء وهذا خلاف ظاهرهم كلا فان ظاهرهم ان نفى الاقتضاء عين نفى الاجزاء وهو لا
يصح إلّا اذا كان ذلك نظرا الى الدليل وحمل الاقتضاء بالنسبة الى الامر الآخر على
الدليل تفكيك لا يحمل عليه ما ظاهرهم فيه انه على نهج واحد نعم لا اشكال انه ليس
ذلك من عوارض صيغة الامر اذ لا دخل له بالصيغة فلا ينسب اليها الا مجازا
(ولذا
نسب الى الاتيان فى عبارتهم لا الى الصيغة) فعلم مما ذكرنا ما فى كل من السؤال والجواب الذين
اوردهما المصنف دام ظله حيث قال (فان قلت هذا انما يكون كذلك بالنسبة الى
امره واما بالنسبة الى امر آخر كالاتيان بالمامور به بالامر الاضطرارى او الظاهرى
بالنسبة الى الامر الواقعى فالنزاع فى الحقيقة فى دلالة دليلهما على اعتباره بنحو
يفيد الاجزاء او بنحو لا يفيده قلت نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيهما كان فى
الاقتضاء بالمعنى المتقدم) وهو كونه بنحو العلية (غايته ان العمدة فى سبب الاختلاف) فى ثبوته وعدم ثبوته (فيها انما هو الخلاف فى دلالة دليلهما
هل انه) دال (على نحو يستقل العقل
بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وفى عدم دلالته ويكون النزاع على هذا
التقدير صغرويا ايضا) ضرورة ان كون الاتيان مقتضى وهو الكبرى مسلم إلّا ان النزاع فى ان الدليل
دل على نحو يتضمن هذه الكبرى اولا (بخلافه فى الاجزاء بالاضافة الى امره
فانه لا يكون إلّا كبرويا لو كان هناك نزاع كما نقل عن بعض) ضرورة انه نزاع فى اصل اقتضائه وعدمه لا فى محققه بعد
تسليمه كما فى الاول قلت بل النزاع على هذا يعود لفظيا لان غرض القائل انه بنحو
العلية ان نفس الاتيان علة وان كان المحقق لعليته الدليل وغرض القائل انه بنحو
الكشف والدلالة ان السبب فى الحقيقة هو المحقق لعلية الاتيان لا ذاته اذ ليس لذاته
هذا الوصف لو لا الدليل وقد انقدح لك ان النزاع فى كلا المقامين يكون صغرويا لو
كان معنويا اذ لا فرق بين امره والامر الآخر فى ان المحقق لعلية الاتيان للاقتضاء
هو الدليل الدال على كيفية التعلق وانه هل هو بنحو يستقل العقل بان الاتيان علة
للاقتضاء او لا يستغل (ثالثها) ان (الاجزاء
هاهنا بمعناه) (لغة
وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمامور به بالامر الواقعى
يكفى فيسقط التعبدية ثانيا) فالكفاية تكون عنه (و) بالمامور به (بالامر الاضطرارى او الظاهرى الجعلى
يكفى ايضا فيسقط به القضاء لا انه) مختلف المعنى لغة واصطلاحا و (يكون هاهنا اصطلاحا
بمعنى اسقاط التعبد او القضاء فانه بعيد جدا) وتعريفهم له بذلك انما كان لانه هو الاثر المترتب عليه
فى محل الكلام (رابعها
الفرق
بين
هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا
يكاد يخفى) اذ هو كالفرق
بين الحكم وموضوع الحكم (فان
البحث هاهنا فى ان الاتيان بما هو المامور به يجزى عقلا بخلافه فى تلك المسألة
فانه فى تعيين ما هو المامور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها او بدلالة اخرى نعم
كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه) بملاك دلالة الصيغة على التكرار (لا بملاكه) اى لا بملاك عدم الاجزاء فتوافقهما عملا لا يلزمه
توافقهما عنوانا وقد اعرض المصنف عن توافق المرة والاجزاء عملا مع اختلافهما
مفهوما لان نفى الزائد على المرة بالدليل وعلى الاجزاء بعدم الدليل عليه ولعله لان
القول بكفاية المرة وضعا او نباء على الماهية لا يدل على نفى الزائد اصلا اما فى
الماهية فواضح واما فى المرة فلابتنائه على حجية هذا المفهوم مع عدم الحجية عنده
فهما متوافقان مفهوما كما توافقا عملا كما هو واضح (وهكذا الفرق بيتها وبين مسئلة تبعية
القضاء للاداء فان البحث فى تلك المسألة فى دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف
هذه المسألة فانه كما عرفت فى ان الاتيان بالمامور به يجزى عقلا عن ادائه ثانيا
اداء وقضاء او لا يجزى فلا علقة بين) هذه (المسألة و) بين كلتا (المسألتين اصلا) كما لا يخفى (اذا عرفت هذه الامور فتحقيق المقام
يستدعى البحث والكلام فى
موضعين) [الموضع] (الاول ان الاتيان
بالمامور به بالامر الواقعى وبالامر الاضطرارى) (او
بالامر الظاهرى ايضا يجزى عن التعبد به ثانيا لاستقلال العقل بانه لا مجال) مع عدم اقتضاء الدليل الا امرا واحدا بمأمور به واحد و
(مع
موافقة) ذلك (الامر باتيان المامور
به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا نعم لا يبعد ان يقال بانه يكون للعبد تبديل
الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به اولا لا منضما اليه كما اشرنا اليه
فى المسألة السابقة وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض
وان كان وافيا به لو اكتفى به) وذلك فيما اذا كان ترتيب الغرض من فعل المولى (كما اذا اتى) العبد (بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد
فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه
اتيانه ثانيا كما اذا لم يأت به اولا ضرورة بقاء طلبه
ما
لم يحصل غرضه الداعى اليه وإلّا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر
موافق للامر كما كان له الاتيان قبل اتيانه الاول بدلا عنه) والسر فى ذلك ان الاتيان بالماء كان من مقدمات فعل
المولى وهو الشرب فما لم يأخذه المولى من العبد بدلا عن فعله له بنفسه ويرتب عليه
الشرب فهو بعد منسوب الى العبد فكان المولى لم يأمره إلّا بالاتيان الذى يترتب
عليه الشرب فعلا فلو جاء بالف اتيان وكان له شأنية ترتب الشرب عليه ولم يرتبه
المولى كان العبد بالخيار فى تبديله فالمأمور به وان كان طبيعة الاتيان إلّا انها
فى ضمن فرد على البدل وكما كان للمولى لو اراد هو بنفسه الاتيان بهذه المقدمة
لفعله وتحصيل غرضه تبديل ذلك الى ما لا يحصى حتى يشرب فيقف عند ذلك فالعبد مثله
قطعا ونضير المقام فى المعاملات بالنسبة الى صورة عدم الاهراق ما لو كان شخص
مديونا لآخر درهم مثلا فجائه بالدرهم وقبل قبضه اخذه وجاء بآخر وهكذا فلا اشكال ان
له ذلك ما لم يتحقق القبض فاذا تحقق القبض ملك ولم يجز تبديله وبالنسبة الى صورة
الاهراق ما لو تلف قبل قبض الدين ولا يلزم من صحة التبديل حال وجود الماء ومن وجوب
الاتيان ثانيا لو اهرق الماء يقينا وجوب الاتيان ثانيا لو شك فى ترتب الغرض ضرورة
ان العلم بعدم ترتب الغرض لا يوجب ذلك حال وجود الماء فضلا عن الشك لما عرفت من ان
المفروض كونه بنفسه وافيا بتمام الغرض المطلوب لو اريد ترتيبه عليه ولو كان الشك
فيه للشك فى تلف الماء اهراقا وغيره فاستصحاب بقائه حاكم كما لا يخفى (نعم فيما كان الاتيان
علة تامة لحصول الغرض) او لم يكن كذلك ولكن ترتب عليه الاثر بفعل الغير (فلا يبقى موقع
للتبديل) كما اذا امر
باهراق الماء فى فمه لرفع عطشه فاهرقه ودخل الى جوفه بنفسه او جاء فشربه او اهرقه
فى فمه فابتلعه هو (بل
لو لم يعلم انه من اى القبيل فله التبديل) لان العلم بانه من قبيل العلة التامة مانع لا العلم
بكونه من قبيل ما لم يكن علة شرط فهو (باحتمال ان لا يكون علة فله اليه سبيل
ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات فى باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان
الله يختار احبهما اليه) فانها دالة صريحا على جواز اعادة الفعل بقصد امتثال نفس الامر الاول ولا
وجه له موافقا للقاعدة الا ما ذكرنا مع
ظهور التعليل جدا فى كون المأتى به اولا مع المعاد فردين من المأمور به
لاحدهما فضل على الآخر وقد عرفت ان جميع الاوامر الشرعية من هذا القبيل عقلا لان
امر ترتب المسببات على الاسباب فيها الى الشارع فللمكلف التبديل حتى يعلم الترتب
ولو علما عاديا (الموضع
الثانى وفيه مقامان المقام الاول فى ان
الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطرارى هل يجزى عن الاتيان بالمأمور به بالامر
الواقعى ثانيا بعد رفع الاضطرار فى الوقت اعادة وفى خارجه قضاء او لا يجزى وتحقيق
الكلام فيه يستدعى التكلم فيه تارة فى بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطرارى
من الانحاء) فيكون الكلام من حيث مجرد الامكان (واخرى فى تعيين ما وقع عليه) من تلك الانحاء فيكون الكلام فيه من حيث الوقوع اما
الكلام فى المقام الاول (فاعلم
انه يمكن ان يكون التكليف الاضطرارى فى حال الاضطرار كالتكليف الاختيارى فى حال
الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا
به كذلك بل يبقى منه) اى من الغرض شىء فاما ان يكون الباقى (مما امكن استيفائه او لا يمكن و) على الاول وهو (ما امكن استيفائه) فاما ان (كان بمقدار يجب تداركه او يكون بمقدار
يستحب) فالصور أربعة
الوافى الكافى وما لا يكون وافيا ولا يمكن الاستيفاء اصلا والباقى منه شىء مع
امكان الاستيفاء ووجوبه ومع امكانه والاستحباب (ولا يخفى) حال احكامها ضرورة (انه ان كان وافيا به) بالتمام والكمال وهو الصورة الاولى (فيجزى) قطعا (فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا
اعادة وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه) وهو الصورة الثانية (و) صاحب الاضطرار (لا يكاد يسوغ له البدار فى هذه الصورة
الا لمصلحة كانت فيه) اى فى البدار كما لو علم بعدم التمكن آخر الوقت مما هو اهم من ادراك
الطهارة المائية مع التمكن منها وانما لا يسوغ الا فى هذا الحال (لما فيه) اى فى البدار (من نقض الغرض وتقويت مقدار من المصلحة
لو لا مراعات ما هو فيه من الاهم) وهو ادراك المصلحة التى لا يتمكن منها آخر الوقت فله
البدار حينئذ لان ادراكها اهم من فوت ذلك المقدار (فافهم لا يقال) اذا استلزم الفعل الاضطرارى اداء تقويت مقدار من
المصلحة مع البدار او الانتظار
فمع عدم امكان ترتب الاستيفاء (عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط
الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء فانه يقال فى الجواب هذا كذلك لو لا
المزاحمة بمصلحة الوقت) التى مراعاتها عند الشارع اهم هذا حكم الصورة الثانية (واما تسويغ البدار) اول الوقت (او ايجاب الانتظار فى الصورة الاولى
فيدور) فى واقعه
ونفس الامر (مدار
كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا او بشرط الانتظار او مع الياس عن طرو الاختيار ذا
مصلحة ووافيا بالغرض) ويتبع كلا حكمه فيجوز البدار على الاول ويجب الانتظار ولو مع الياس على
الثانى والانتظار مع الرجا والبدار مع الياس على الثالث (وان لم يكن) الفعل الاضطرارى (وافيا وقد امكن تدارك الباقى فى الوقت
او مطلقا ولو بالقضاء خارج الوقت) فهو على نحوين (فان كان الباقى مما يجب تداركه) وهو الصورة الثالثة (فلا يجزى فلا بد من ايجاب الاعادة او
القضاء وإلّا) اى وان كان مما لا يجب تداركه وهو الصورة الرابعة (فاستحبابه) هو الثابت (ولا مانع عن البدار فى) هاتين (الصورتين غاية الامر) ان المكلف (يتخير فى الصورة الاولى بين البدار
والاتيان بعملين العمل الاضطرارى فى هذا الحال والعمل الاختيارى بعد رفع الاضطرار
او الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار وفى الصورة الثانية يتعين عليه
استحباب البدار و) يستحب (اعادته
ايضا بعد طرو الاختيار هذا كله فيما يمكن ان يقع عليه الاضطرارى من الانحاء واما) تعيين (ما وقع عليه) فالظاهر انه واقع فى الشرع بجميع انحاء امكانه فما
يظهر من المصنف من اقتصاره على التيمم مجهول المراد اما النحو الاول فكالتيمم لمن
لم يقدر على استعمال الماء [فظاهر
اطلاق دليله مثل قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) وقوله
عليهالسلام التراب احد الطهورين
ويكفيك الصعيد عشر سنين هو الاجزاء] ووفائه وكفايته فى الغرض المهم [وعدم وجوب الاعادة
والقضاء ولا بد فى ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص وبالجملة فالمتبع
هو الاطلاق لو كان وإلّا فا] لمتبع هو (الاصل) وهو يقتضي البراءة من ايجاب الاعادة لكونه شكا فى اصل
التكليف بعد ان كان ظاهر الدليل
الكفاية المقطوع به استصحاب بقاء الامر وكذا عن ايجاب القضاء بطريق اولى
لتوقفه على الامر الجديد وتحقق الفوت وكلاهما لم يعلم وجوده [نعم لو دل دليله] اى القضاء (على ان سببه فوت الواقع ولو لم يكن هو
فريضة المكلف فعلا كان القضاء واجبا عليه لتحقق سببه بالفرض لكنه مجرد الفرض) اذ لم يكن فى مورد واحد قد رتب الشارع القضاء على مثل
هذا السبب واما النحو الثانى فكصلاة الجاهل المقصر بالقصر والاتمام والجهر
والاخفات وقد الزمه ان يبادر اول الوقت العلم او الخوف من عدم التمكن بعد ذلك
فانها صحيحة شرعية ويعاقب على اصل اعراضه عن التعلم والسؤال وسيأتى إن شاء الله
تعالى بيان الوجه فى ذلك واما النحو الثالث فكفاقد الطهورين فى تمام الوقت وكمن
تعمد الجنابة وخاف من استعمال الماء فانه يجب عليه الاداء مع التيمم والاعادة
مطلقا مع التمكن كما نسب الى الاكثر واما النحو الرابع فكتعمد الجنابة بناء على
استحباب الاعادة كما نسب الى بعض وما اشبه ذلك مما حمل الامر بالاعادة فيه على
الاستحباب) (المقام
الثانى فى اجزاء الاتيان بالمأمور به بالامر الظاهرى وعدمه والتحقيق) على سبيل الاختصار ومن اراد البسط فليرجع الى رسالتنا
كنز التحقيق فى كيفية جعل الامارة والطريق هو ان مدرك الامر الظاهرى على انحاء
ثلثه الاول ما جعل حكما للشاك فى مقام العمل وكان بلسان توسعة موضوع التكاليف الواقعية
وبيان ان التكليف قد تعلق به بهذه السعة لا به بما هو واقعى محض الثانى ما جعل
حكما للشاك إلّا انه بلسان ثبوت الواقع الثالث ما كان لبيان ثبوت الواقع ولا نظر
له الا بيان الواقع من غير تقييد موضوعه بالشك وان كان قد نصب فى مورد الشك (فما كان منه يجرى فى
تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه او شطره
كقاعدة الطهارة والحلية) فهو من النحو الاول (بل) ومنه حكما (استصحابهما) اى الطهارة والحلية (فى وجه قوى) وهو النحو الثانى وياتى فى بابه بيان الوجه إن شاء
الله تعالى (ونحوها) كاليد القاضية بالتذكية وقول ذى اليد القاضى بالطهارة
وسوق المسلمين وغير ذلك فانه (بالنسبة
الى كل ما اشترط بالطهارة او الحلية يجزى فان دليله
يكون
حاكما على دليل الاشتراط ومبينا) بنصه على خصوص الحكم فى مورد الشك (لدائرة الشرط وانه
اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية) ضرورة ان قوله طاهر وحلال فى هذه الموارد حكمان
حقيقيان لا يقبلان القول بانهما طريقيان وانهما فى صورة الخطأ صوريان وعذريان او
ان المجعول فى موردهما هو الحجية لان حالهما حال سائر الاحكام الواقعية فهما
واقعيان واقعان فى طول الواقع الاولى ولا معنى للحكم بطهارة المشكوك وحليته نصا مع
كون طهارة المشكوك شرطا او شطرا الا الاكتفاء بهذا المقدار من ثبوتهما فلا بد من
الاجزاء سواء قلنا بان الطرق والامارات بمحض الطريقية او مع السببية فهذه القواعد
والاستصحاب على ذلك حتى يقوم دليل على عدم الاجزاء كما لو توضأ بماء طاهر بالقاعدة
او الاستصحاب ثم انكشفت نجاسته فانه يعيد الوضوء والصلاة التى صلاها بذلك الوضوء
للدليل (فانكشاف
الخلاف فيه لا يكون موجبا لفقدان العمل لشرطه بل بالنسبة اليه يكون انكشاف الخلاف
من قبيل ارتفاعه من حين ارتفاع الجهل) بعد ان كان الى هذا الحين واجدا (وهذا بخلاف ما كان
منها بلسان انه ما هو الشرط واقعا) وهو النحو الثالث الذى عرفت (كما هو لسان الامارات) فى الموضوعات (فلا يجزى) عند انكشاف الخلاف وامكان التدارك (فان دليل حجيته حيث
كان بلسان انه واجد لما هو الشرط الواقعى فبارتفاع الجهل ينكشف انه لم يكن كذلك بل
كان بشرطه) اى الواقع
بلسان انه (فاقد) بمعنى ان دليل الحجية لما كان بلسان ان المشروط لشرطه
الواقعى واجد فلحاظ الواقع صار موضوعا للدليل فيكون دالا ضمنا بلسان المشروط على
انه عند انكشاف الخلاف فاقد والحاصل المعنى واضح اما اذا انكشف الخلاف حيث لا يمكن
التدارك أجزأ ووقع بدلا عن الواقع (هذا بناء على ما هو الاقوى فى الطرق
والامارات من ان حجتيها ليست بنحو السببية) المحضة بل هى طرق فان اخطأت وانكشف الخلاف حيث لا يمكن
التدارك وقعت بدلا حقيقيا عن الواقع (واما بناء عليها) اى على السببية المحضة كما هو المعروف من القائل بها (وان العمل بسبب اداء
امارة الى وجدان شرطه او شطره يصير حقيقة صحيحا كانه واجد له مع كونه فاقده
فيجزئ) إلّا انه عند المصنف ينقسم ايضا الى الصور الأربعة
التى فى الاضطرارى وهو مشكل اذ بعد ما دل الدليل على السببية وصيرورة ما قامت عليه
الامارة واقعا ثانويا متداركا لجميع ما فات من مصلحة الواقع فاى محل يبقى لفرض عدم
وفائه بالمصلحة او امكان الاستيفاء وعدمه فتخصيصه الاجزاء بما (لو كان الفاقد معه فى
هذا الحال كالواجد فى كونه وافيا بتمام الغرض) صحيح (و) لكن حكمه بانه (لا يجزى لو لم يكن كذلك ويجب الاتيان
بالواجد لاستيفاء الباقى ان وجب) الاستيفاء (وإلّا لاستحب هذا مع امكان استيفائه
وإلّا فلا مجال لاتيانه كما عرفت فى الامر الاضطرارى) غير متجه اللهم إلّا ان يريد ان الصور الاربع انما
يمكن تصويرها بالنظر الى السببية فى مقام الثبوت واما فى مقام الاثبات فمقتضى
الدليل كونها على النحو الاول خاصة كما هو ظاهر قوله (ولا يخفى ان قضية
اطلاق دليل الحجية على هذا هو الاجزاء بموافقته ايضا) اى كالامر الاضطرارى وقد عرفت ان الامر الاضطرارى واقع
على جميع الانحاء اثباتا دون الامر الظاهرى فانه فى مقام امكانه ووقوعه واقع على
نحو واحد (هذا) وقد اتضح لك ان الاقوال فى الطرق والامارات ثلثه
الطريقية المحضة والسببية المحضة والطريقية من جهة والسببية من اخرى كما هو مذهبنا
فيها على ما حققنا وكيف كان فالحال (فيما اذا احرز ان الحجية بنحو الكشف
والطريقية او بنحو الموضوعية والسببية) او بنحوهما جرى فيه على ما قلناه (واما اذا شك ولم يحرز
انها من اى الوجهين) بل الوجوه (فاصالة
عدم الاتيان بما يسقط معه التكليف مقتضيه للاعادة فى الوقت واستصحاب عدم كون
التكليف بالواقع فعليا فى الوقت) المتيقن حين قيام الأمارة او الطريق (لا يجدى ولا يثبت كون
ما اتى به مسقطا الا على القول بالاصل المثبت) مضافا الى ان العلم بظاهر اطلاق والاشياء كلها على هذا
حتى يستبين وحتى تعلم انه قذر وحتى تعلم انه حرام مبلغ كل تكليف الى المرتبة
الفعلية إلّا اذا حصل المسقط ولم يعلم حصوله (وقد علم اشتغال ذمته بما يشك فى فراغها
عنه بذلك الماتى وهذا بخلاف ما اذا علم انه مامور به واقعا وشك فى انه يجزى عما هو
المامور به الواقعى الاولى كما فى
الاوامر
الاضطراريّة او الظاهرية بناء على ان يكون الحجية على نحو السببية فقضية الاصل
فيها كما اشرنا اليه عدم وجوب الاعادة للاتيان بما اشتغلت به الذمة يقينا واصالة
عدم فعلية التكليف الواقعى بعد رفع الاضطرار وكشف الخلاف فاما القضاء فلا يجب بناء
على انه فرض جديد وكان الفوت المعلق عليه وجوبه) فى قوله اقض ما فات كما فات وصفا وجوديا (لا يثبت باصالة عدم
الاتيان الا على القول بالاصل المثبت وإلّا فهو واجب كما لا يخفى فتامل جيدا) فان لقائل ان يقول بوجوبه وان علق على الفوت لامكان ان
يكون المراد عدم الأداء فبينهما تقابل العدم والملكة كما هو الحال فى نضائره مما
علق الحكم فيه على اليأس فى مقابل الطمع والعجز فى مقابل القدرة وهكذا وايضا فيمكن
ان يثبت وان كان وجوديا لخفاء الواسطة وعد العرف وجوبه من آثار عدم الأداء (ثم) لا يخفى (ان هذا كله فيما يجرى فى متعلق التكاليف
من الامارات الشرعية والاصول) الموضوعية (العملية واما ما يجرى فى إثبات اصل
التكليف) من الطرق
الشرعية والاصول العملية (كما
اذا قام الطريق او الاصل على وجوب صلاة الجمعة يومها فى زمان الغيبة فانكشف بعد
ادائها وجوب صلاة الظهر فى زمانها فلا وجه لاجزائها مطلقا) عند المصنف وقد عرفت انه على السببية او على ما ذهبنا
اليه مجزى لعدم امكان التدارك وما وجه المصنف دام ظله به عدم الاجزاء من ان (غاية الامر ان تصير
صلاة الجمعة فيها ايضا ذات مصلحة لذلك) اى لقيام الطريق السببى (ولا ينافى هذا بقاء صلاة الظهر على ما
هى عليه من المصلحة كما لا يخفى إلّا ان يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين فى
يوم واحد) مدفوع بان
الدليل عليه بالخصوص نفس دليل حجية الطريق المودى الى وجوب صلاة الجمعة ضرورة ان
من المعلوم ان الواجب فى الواقع فى كل يوم مع العلم صلاة واحدة والطريق حال عدم
العلم منصوب لتعيين ذلك الواقع فان اصاب وإلّا كان بدلا فاثبات وجوب كل من البدل
والمبدل منه يحتاج الى دليل (تذنيبان
الاول) لا يخفى ان
الاوامر الواقعية اذا تعلق بها القطع نجزها وان أخطأها لم يثبت فى صورة الخطاء امر
اصلا لا واقعى وهو واضح لفرض الخطأ ولا ظاهرى لعدم كون القطع متعلقا لجعل
شرعى تعبدى وهذا فى غاية الوضوح إلّا انه ربما كان الامر الواقعى متعلقا بموضوع
مختلف بحسب الكم او الكيف بالنسبة الى مكلفين كالامر بالصلاة تماما فى حق الحاضر
وقصرا فى حق المسافر وفى هذا الحال لا مانع عقلا من بقاء ذلك الامر الى حصول العلم
بتغير كمية المتعلق فى حقه نضير ما اتفقوا عليه فى الوكالة من بقاء جواز التصرف
للوكيل واقعا حتى يعلم العزل ففى هذه الصورة قد جاء المكلف حال عدم علمه بتغير
المتعلق فى حقه بما هو تكليفه واقعا وستعرف تحقيقه قريبا ان شاء الله تعالى ولا
يخفى ان ادلة المقام ظاهرة جدا فيما قلنا كما لا يخفى على من تأمل قوله ع ان قرأت
عليه آية القصر وما ماثله مضمونا فهذا وجه الصحة والاجزاء فيما كان من هذا القبيل
فما افاده دام ظله من انه (لا
ينبغى توهم الاجزاء فى القطع بالامر فى صورة الخطأ فانه لا يكون موافقة للامر فيها
وبقى الامر بلا موافقة اصلا) فهو حق لا شبهة فيه (وهو اوضح من ان يخفى نعم) ما افاده فى تصحيح الماتى به وسقوط التكليف الواقعى
بسببه من انه (ربما
يكون ما قطع بكونه مامورا به مشتملا على المصلحة فى هذا الحال او على مقدار منها
ولو فى غير الحال غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقى منه ومعه لا يبقى مجال
لامتثال الامر الواقعى وهكذا الحال فى الطرق فالاجزاء ليس لاجل اقتضاء امتثال
الامر القطعى او الطريقى للاجزاء بل انما هو لخصوصية اتفاقية فى متعلقهما كما فى
الاتمام والقصر والاخفات والجهر انتهى) تمحل موهون جدا فان الحكم بكفاية ما لم يتعلق به امر
اصلا لا واقعى ولا ظاهرى ولا كان عدم تعلق الامر به لمانع خارجى مع تحقق تمام
مقتضى الامر فيه عن المأمور به الواقعى مشكل جدا من غير فرق بين الحكم القطعى او
الطريقى وقد عرفت قوة ما وجهنا به المقام ولا يشتبه عليك الحال فتقول انه يلزم مما
ذكرت كون التكليف بالقصر او الجهر مشروطا بالعلم به فان هذا القول فى غاية الضعف
بل التكليف موقوف على الالتفات الى ان صلاة المسافر غير صلاة الحاضر وصلاة المغرب
غير صلاة العصر فاذا علم المكلف ان صلاة المسافر ركعتان وجب عليه القصر
وان صلاة المغرب اخفاتية وجب الاخفات وبعبارة اخرى الامر بصلاة الظهر لم
يتغير اصلا بل المتغير موضوع الصلاة بحسب الكمية فيكون فى الواقع صلاة الحاضر بحسب
ما نقتضيه مصلحتها اربع وصلاة المسافر بحسب ما نقتضيه مصلحتها ركعتين فهذا موضوع
الامر وهو صل الظهر فاذا اخذ العلم بالموضوع شرطا فى وجوبه فلا مانع كما ان ذلك
مسلم بالنسبة الى الموضوعات الخارجية غاية الامر ان الموضوع هنا يحتاج الى كاشف
ولو بنحو الامر كقصر فهذا الامر غير الامر يصل الظهر فالامر بالصلاة موقوف على
العلم بان حكمها القصر وانها ركعتان ولا مانع من ذلك فان امر التقصير توصلى لبيان
ان الصلاة المتعلق بها الامر فعلا ركعتان ولذا لا يجب على المكلف ان يتصور امرين
صل وقصر فينوى فى كل منهما الامتثال وحيث كان لبيان الموضوع احتيج الى تعيين كونه
قصرا اما تفصيلا او اجمالا كصلاة هذا الوقت فلو علم ان صلاة المسافر ركعتان اخبارا
لا انشاء لكفى كما لا يخفى ومن هنا جاء التعبير فى الآية بلا جناح فافهم فانه دقيق
وبالفهم حقيق ولان شئت قلت ان فعلية الامر بصلاة الظهر قصرا موقوفه على العلم
بالحكم المنشأ فلا يكون فعليا حتى يعلم وقد حققنا فى حاشية القطع جواز اخذ العلم
بالحكم الواقعى فى مرتبة الانشاء شرطا فى بلوغه المرتبة الفعلية فالمسافر الغير
العالم محكوم فعلا بوجوب صلاة التمام عليه حتى يعلم بوجوب القصر عليه الذى هو
الحكم المشترك فيكون بالعلم فعليا كما وفقنا بذلك بين مؤدّيات الطرق والامارات
وبين الواقع بناء على الموضوعية ولا ينافى ذلك استحقاق الجاهل المقصر للعقاب مع
الحكم بصحة صلاته لان ذلك لترك التعلم كما هو الحال فى جملة من المقامات وهذان
الوجهان احسن ما يقال فى المقام او قيل (الثانى لا يذهب عليك ان الاجزاء) فى هذا المقام و (فى بعض موارد الاصول والطرق والامارات) بل فى كلها بناء على السببية او على المختار (على ما عرفت تفصيله) وتحقيقه (لا يوجب التصويب المجمع على بطلانه فى
تلك الموارد) بل يوجب بطلانه وفساده (فان) جعل الغاية هى العلم بنفس (الحكم الواقعى) فبها وكونها انما نصبت طرقا اليه وانه بحسب المراتب (بمرتبة) الانشاء (محفوظ فيها) عين التخطئة والالتزام
بوجوده (فان
الحكم المشترك بين العالم والجاهل والملتفت والغافل ليس إلّا الحكم الانشائى
المدلول عليه بالخطابات المشتملة على بيان الاحكام للموضوعات بعناوينها الأولية
بحسب ما يكون فيها من المقتضيات وهو ثابت فى تلك الموارد) التى حكمنا بالاجزاء فيها (كسائر موارد الامارات) المغيات بالعلم به (وانما المنفى فيها ليس إلّا الحكم
الفعلى البعثى وهو منفى فى غير موارد الإصابة وان لم نقل بالاجزاء فلا فرق بين
الاجزاء وعدمه الا فى سقوط التكليف بالواقع بموافقة الامر الظاهرى وعدم سقوطه بعد
انكشاف الإصابة و) من المعلوم ان (سقوط
التكليف بحصول غرضه او لعدم امكان تحصيله) فرع وجوده الاقتضائى وهذا (غير التصويب المجمع
على بطلانه وهو خلو الواقعة عن الحكم غير ما أدّت اليه الامارة كيف وكان الجهل بها) اى بالاحكام الواقعية سواء كان جهلا (بخصوصيتها) مع العلم باصل الحكم فى الجملة كما فى الشبهة
الموضوعية فى قوله حتى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه او (بحكمها) رأسا كما فى الشبهة الحكمية فى قوله حتى تعلم انه حرام
او حتى يرد فيه نهى (ماخوذا
فى موضوعها) اى الامارات كما عرفت (فلا
بد من ان يكون الحكم الواقعى بمرتبة) الانشاء (محفوظا فيها كما لا يخفى) (فصل
فى مقدمة الواجب)
(وقبل الخوض فى
المقصود ينبغى رسم امور الاول
الظاهر ان) الغرض (المهم المبحوث عنه فى
هذه المسألة) هو (البحث
عن الملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدمته فتكون مسئلة اصوليه) بناء على ان موضوع الاصول نفس موضوعات مسائله وما يتحد
معها اما بناء على ان الموضوع هو الأدلّة الأربعة فلا تكون من المسائل إلّا
باعتبار دلالة اللفظ على وجوبها التزاما بعد الحكم بتحقق الملازمة وإلّا فهى خارجه
ولذا ذكرها جماعة فى مباحث الالفاظ فرارا عن جعلها استطرادية ومن نظر الى ان
المناط هو الوجوب من اى دليل كان وكان الموضوع عنده هو الادلة ذكرها فى المبادى
فهذا هو السر فى اختلاف مواقع ذكرها بينهم وقد عرفت ان الحق ما ذكرناه فى الموضوع
فهى مسئلة اصوليه يتفرع عليها مسئلة فرعية كسائر مسائل الاصول داخله تحت تعريف
الاصول وهو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الاحكام الفرعية باحثة عن عوارض
موضوعه وهى استلزام وجوب الشيء لوجوب مقدمته (لا عن نفس وجوبها كما هو المتوهم من بعض
العناوين كى تكون فرعيه وذلك لوضوح ان البحث كذلك لا يناسب الاصولى و) الجواب بانه من باب (الاستطراد لا وجه له بعد امكان ان يكون
البحث على وجه تكون) غير خارجة (عن
المسائل الأصولية ثم الظاهر ايضا ان المسألة عقلية والكلام فيها انما هو فى
استقلال العقل بالملازمة وعدمه لا لفظية كما ربما يظهر من صاحب المعالم حيث استدل
على النفى بانتفاء الدلالات الثلاث مضافا الى انه ذكرها فى مباحث الالفاظ ضرورة
انه) من المعلوم
ان دلالة اللفظ فرع ثبوت المدلول فى نفسه و (اذا كان نفس الملازمة بين وجوب الشيء
ووجوب مقدمته ثبوتا محل الاشكال فلا مجال لتحرير النزاع فى الاثبات والدلالة عليها
باحدى الدلالات الثلاث كما لا يخفى) قلت قد عرفت الوجه فى ذكر صاحب المعالم لها فى مباحث
الالفاظ وانتفاء دلالة اللفظ على وجوبها حتى بالدلالة الالتزامية كاف فى استكشاف
نفى الملازمة عقلا ضرورة ان الملازمة عقلا لو كانت محققه لزم قطعا ان تكون من
المداليل الالتزامية لما دل من الالفاظ على الملزوم كما هو الحال فى ساير اللوازم
فيكون ذلك استدلالا انيا لا لميا وعدم الدلالة اعم من انتفاء حقيقة المدلول او
انتفاء لزومه فلا باس بتحريره بناء على مذهبه ولا باستدلاله بل هو اوفى من غيره
ضرورة ان من حررها عقلية انما اثبت او نفى اللزوم العقلى والدلالة تثبت اللزوم
وعدمها ينفيه عقلا وعرفا كما لا يخفى فما اورده دام ظله تبعا لبعض الافاضل تبعا
للمدقق الشيروانى فى غير محله كما لا يخفى على المتامل (الامر الثانى انه
ربما تقسم المقدمة الى تقسيمات منها تقسيمها الى داخليه وهى الاجزاء الماخوذة فى
الماهية المامور بها والخارجية وهى الامور الخارجة عن ماهيته مما لا يكاد يوجد) ذو المقدمة (بدونه وربما يشكل) الحال (فى كون الاجزاء مقدمة له وسابقة عليه
بان المركب ليس الانفس الاجزاء باسرها) ولا يعقل ان يكون الشىء مقدمة نفسه للزوم كون الاثنين
بما هما اثنان واحدا ولو سلم لزم تقدم
الشىء على نفسه (والحل) لهذا الاشكال (ان المقدمة هى نفس الاجزاء بالاسر وذو
المقدمة هو الاجزاء بشرط الاجتماع فيحصل المغايرة بينهما وبذلك ظهر انه لا بد فى
اعتبار الجزئية) من (اخذ
الشيء بلا شرط كما لا بد فى اعتبار الكلية من اعتبار اشتراط الاجتماع) واخذه بشرط شيء (وكون الاجزاء الخارجية كالهيولى والصورة
هى الماهية الماخوذة بشرط لا لا ينافي ذلك) وتوضيحه ان الماهية قد تؤخذ بشرط لا اى بشرط ان لا
يكون معها شىء وقد تؤخذ بشرط شيء وهى نقيض الاولى وقد تؤخذ لا بشرط وتسمى الاولى
بالمجردة والثانية بالمخلوطة والثالثة بالمطلقة وهى اعم من الثانية فان اعتبرت
ماهية الاجزاء بشرط لا كانت هيولى وصورة وهما متباينان وان اعتبرت بشرط شيء كانت
شخصا خارجيا وان اعتبرت لا بشرط كانت كليا طبيعيا جنسا وفصلا وهما متصادقان
والطبيعى وجوده وجود افراده ولذا قالوا الماهية لا بشرط تجامع الف شرط فظهر ان
قولهم ان اعتبرت الاجزاء بشرط لا كانت هيولى وصورة وان اعتبرت لا بشرط كانت جنسا
وفصلا لا ينافى انها اذا اعتبرت بشرط شيء كانت مركبا خارجيا ويصدق عليها حال
اعتبارها بشرط شيء اعتبارها لا بشرط لما عرفت من مجامعته لالف شرط واما تخصيصهم
ذكر الاعتبار الاول والثالث (فانه
انما يكون فى مقام الفرق بين نفس الاجزاء الخارجية والتحليلية) العقلية (من الجنس والفصل) وهى العقلية المتصادقة (والهيولى والصورة) وهى الخارجية المتباينة (و) فرقوا بينهما بما ذكرنا من (ان الماهية اذا اخذت
بشرط لا تكون هيولى وصورة واذا اخذت لا بشرط تكون جنسا وفصلا لا بالاضافة الى
المركب) فانهم
بملاحظة المركب ذكروا فى تقسيم اصل الماهية اعتبارا ثالثا وهوانها بشرط شيء كما
عرفت (فافهم
ثم لا يخفى انه ينبغى) عند المصنف (خروج
الاجزاء عن محل النزاع كما صرح به بعض وذلك لما عرفت من كون الاجزاء بالاسر عين
المامور به ذاتا وانما كانت المغايرة بينهما اعتبارا فيكون واجبه بعين وجوبه) البسيط (ومبعوثا اليها بنفس الامر الباعث اليه
فلا يكاد تكون واجبة بوجوب آخر لامتناع اجتماع المثلين ولو قيل بكفاية تعدد الجهة
وجواز اجتماع الامر والنهى معه لعدم تعددها
هاهنا) وفيه ان حال اجزاء المركب حال سائر الموضوعات الخارجية
لا تتصف بنفسها بحكم من الاحكام وانما المتصف هو فعل المكلف المتعلق بها فنقول اذا
امر المولى عبده بالاتيان بالسرير وكان السرير أجزاء فضم الاجزاء بعضها الى بعض
ليحصل عنوان السرير واجب غيرى والاتيان بها منضمة التى هى عين السرير واجب نفسى
فلم يجتمع الوجوبان فى شيء واحد فالامر بالصلاة بالنسبة الى اجزائها المنضمّة نفسى
ووجوب ضم اجزائها بعضها الى بعض لتحصل الصلاة غيرى وهذا معنى ان الجزء واجب
باعتبارين يعنى باعتبار تعلق الضم به وباعتبار تعلق الاتيان به بعد الانضمام وهذا
امر واضح لا يقال ان الامر بالصلاة من قبيل الامر بالاتيان بالسرير بعد ضم المولى
اجزائه بعضها الى بعض فليس إلّا الاتيان بها منضمة وهو عين المركب فليس إلّا
الوجوب النفسى لانا نقول ليس الحال كذلك لان السرير المصنوع لا يمكن الاتيان به
الا مجتمعا دفعه بخلاف الصلاة فان الاتيان باجزائها لا يكون إلّا تدريجيا وعند
تمامها يحصل المركب فالصلاة هى الاجزاء المنضمّة المعدودة واتيان العبد بهذا
المنضم موقوف على الضم بالضرورة فظهر ان لا دخل لوجوب المنضم بوجوب الضم هذا كله
ولو سلم نقول يمكن ان يكون الجزء واجبا بملاكين لا متعلقا لوجوبين ولا مانع من كون
الشىء واجبا لنفسه من جهة ولغيره من اخرى كالصوم اذا نذر الاعتكاف فى رمضان فانه
واجب بملاكين وكما اذا وجب عليه اكرام عالم وهاشمى فوجد الوصفان فى واحد فيجب
اكرامه من جهتين وهكذا فلا حاجة الى توجيه ذلك بان الجزء بذاته واجب نفسى وبعنوان
كونه مقدمة واجب غيرى اذ هو واضح الفساد (لان الواجب بالوجوب الغيرى لو كان) هناك وجوب (انما هو نفس الاجزاء) باعتبار تعلق الضم بها (لا عنوان مقدميتها والتوصل بها الى
المركب المأمور به ضرورة ان الواجب بهذا الوجوب) الغيرى هو (ما كان بالحمل الشائع مقدمه) وهو ذات الاجزاء (لانه المتوقف عليه) تحقق المركب (لا عنوانها) وهو المقدمية (نعم يكون هذا العنوان علة لترشح
الوجوب
على المعنون) وهو الذات (فانقدح
بذلك) صحة ما قيل
من ان الجزء واجب باعتبارين فما ذكره المصنف دام ظله من (فساد توهم اتصاف كل
جزء من اجزاء الواجب بالوجوب النفسى والغيرى باعتبارين فباعتبار كونه فى ضمن الكل
واجب نفسى وباعتبار كونه مما يتوصل به الى الكل واجب غيرى اللهم إلّا ان يريد ان
فيه ملاك الوجوبين وان كان واجبا بوجوب واحد نفسى لسبقه فتأمل) قد عرفت ما فيه وقد افاد قده فى وجه التأمل انه لا
يكون فيه ايضا ملاك الوجوب الغيرى حيث انه لا وجود له غير وجوده وبدونه لا وجه
لكونه مقدمة كى يجب بوجوبه اصلا كما لا يخفى انتهى وفيه ان هذا قاض بانكار وجوب
المقدمة السببية لان وجودها عين وجود المسبب وكان غرضه انهما موجود واحد لا محض
كون وجودهما واحدا وهذا لا يتاتى فى السبب والمسبب وكيف كان فقد عرفت ان ملاك
الوجوبين موجود بلحاظ الضم والانضمام فتدبر (هذا كله فى المقدمة الداخلية واما
المقدمة الخارجية فهى ما كان خارجا عن المامور به وكان له دخل فى تحققه لا يكاد
يتحقق بدونه وقد ذكر لها اقسام واطيل الكلام فى تحديدها بالنقض والابرام إلّا انه
غير مهم فى المقام) كتقسيمها الى السبب والشرط والمانع والمقتضى والمعد وغير ذلك فلاحظ (ومنها تقسيمها الى
العقلية والشرعية والعادية فاما العقلية فهى ما استحيل واقعا وجود ذى المقدمة
بدونه والشرعية على ما قيل ما استحيل وجوده بدونه شرعا ولكنه لا يخفى رجوع الشرعية
الى العقلية ضرورة انه لا يكاد يكون مستحيلا ذلك شرعا إلّا اذا اخذ فيه شرطا وقيدا
واستحالة المشروط والمقيد بدون شرطه وقيده) لا محاله (يكون عقليا) قلت ولو فسرت العقلية بما كان الحاكم بالاستحالة هو
العقل لادراكه واقع الامر والشرعية بما كان الحاكم بها هو الشرع لعدم ادراك العقل
ذلك لكان حسنا ولم ترجع إحداهما الى الاخرى بل ليس المراد الا ذلك فان كون الطهارة
مقدمة للصلاة ويستحيل وجود الصلاة بدونها ليس الحاكم به الا الشرع ولا مسرح للعقل
فى ذلك واما حكم العقل بعد جعلها شرطا باستحالة وجود المشروط بدونه فلا
دخل له فى المقام اذ المقدمة الشرعية هى الطهارة ذاتا لا عنوان مقدميتها
كما هو الحال فى العقلية ومنه يعلم المراد بالعادية وان العادة فيه حاكمة بالتوقف
لا العقل لتجويزه الطيران او طرقا اخرى خارقة للعادة ولا الشرع وهو واضح فالاقسام
ثلثه لا واحد كما لا يخفى فقد اتضح لك ما فى قوله ايده الله تعالى (واما العادية فان كانت
بمعنى ان يكون التوقف عليها بحسب العادة بحيث يمكن تحقق ذيها بدونها إلّا ان
العادة جرت على الاتيان به بواسطتها فهى وان كانت على هذا التفسير غير راجعه الى
العقلية إلّا انه لا ينبغى توهم دخولها فى محل النزاع وان كانت بمعنى ان التوقف
عليها وان كان فعلا واقعيا كنصب السلم ونحوه للصعود على السطح إلّا انه لاجل عدم
التمكن عادة من الطيران الممكن عقلا فهى ايضا راجعه الى العقلية ضرورة استحالة
الصعود بدون مثل النصب عقلا لغير الطائر فعلا وان كان طيرانه ممكنا ذاتا فافهم) كى تعلم ان المراد هو استحالته بحكم العادة بمعنى ان
الصعود الى السطح حيث جرت العادة فى الناس على عدم الصعود الى السطح الا بنصب
السلم فالعادة هى الحاكمة بالاستحالة لا العقل ولا الشرع واما توجيهه لرجوعها الى
العقلية ففيه من الاشكال ما لا يخفى (ومنها تقسيمها الى مقدمة الوجود ومقدمة
الصحة ومقدمة الوجوب ومقدمة العلم) نظرا الى تسميتها باسم منشأ التوقف فيها فان لكل مأمور
به لحاظات اربع وجوبه ووجوده ذاتا وصحته والعلم بتحققه ومقدمة كل واحد تنسب اليه
ولو لوحظت الاربع بالنسبة الى وجودها لم تكن الا مقدمة الوجود غير انها تختلف
باختلاف الاضافات فمقدمة وجود الوجوب كالاستطاعة ووجود الذات كالزاد والراحلة
ووجود الصحة كالاسلام ووجود العلم كالاتيان بالطرفين فيما اذا اشتبه الواجب
باحدهما وتركهما فيما اذا اشتبه الحرام (ولا يخفى) انه لاوجه لتخصيص (رجوع مقدمة الصحة الى مقدمة الوجود ولو
بنى على القول بكون الاسامى موضوعة للاعم ضرورة ان الكلام فى مقدمة الواجب لا فى
مقدمة المسمى باحدها) اذ لو كان الكلام فى مقدمة الواجب بوصفه العنوانى خرج من الاقسام مقدمة
وجوبه فالملحوظ فى الاقسام هو الذات بل لا يعقل ان يكون الكلام فى
مقدمة الواجب بوصف وجوبه وإلّا لزم سبق تحقق وجوبه على تحقق عنوان مقدمته
فكيف يمكن ترشحه عليها اول وجوده هذا (و) اعلم انه (لا اشكال فى خروج مقدمة الوجوب عن محل
النزاع وبداهة عدم اتصافها بالوجوب من قبل الوجوب المشروط بها) لانها بوجودها يجب فكيف تجب بعد وجودها (وكذلك المقدمة
العلميه وان استقل العقل بوجوبها إلّا انه من باب وجوب الاطاعة ارشادا ليؤمن من
العقوبة على مخالفة الواجب المنجز لا) وجوبا (مولويا) من باب الملازمة (وترشح الوجوب عليها من قبل وجوب ذى
المقدمة) كما هو واضح (ومنها تقسيمها الى
المتقدم والمقارن والمتأخر بحسب الوجود بالإضافة الى ذى المقدمة) وهو مخصوص بالشرط لا العلة التامة بل ولا المقتضى اذ
لا يعقل غبر المقارن فيهما وإلّا لزم تخلف المعلول عن العلة (وحيث انها كانت) مقدمة شرطيه و (من اجزاء العلة و) العقل حاكم بانه (لا بد من تقدمها بجميع اجزائها على
المعلول) تقدما رتبيا
وطبعيا وانه لا بد من مقارنتها له وجودا خارجيا (اشكل الامر فى المقدمة المتأخرة) المعروفة عندهم بالشرط المتأخر (كالاغسال الليلية
المعتبرة فى صحة صوم المستحاضة عند بعض والإجازة فى صحة العقد على الكشف كذلك) واستهلال المولود فى استحقاقه الارث حين ولوج الروح
وغير ذلك (بل) الاشكال (فى الشرط او المقتضى) بمعنى السبب لا بمعناه المعروف فى مصطلحهم اذ هو حينئذ
كالعلة (المتقدم
على المشروط زمانا المتصرم حينه) اى حين المشروط (كالعقد فى الوصية) فانه شرط فى صحة التصرف بعد الموت (والصرف والسلم) فانه شرط فى صحة التصرف بعد القبض الحاصل بعد تصرم
العقد (بل
فى كل عقد بالنسبة الى غالب اجزائه لتصرمها حين تأثيره مع ضرورة اعتبار مقارنتها
معه) كالاشكال فى
الشرط المتأخر (فليس
اشكال انحزام القاعدة العقلية مختصا بالشرط المتأخر فى الشرعيات كما اشتهر فى
الألسنة بل يعم الشرط والمقتضى المتقدمين المتصرمين حين الاثر) وتوضيح هذا الاشكال هو ان من ضروريات العقل لزوم تقدم
العلة على معلولها ذاتا واتحادها فى الخارج معه وجودا فوجود العلة التامة عين وجود
معلولها خارجا فلا بد من تقدم جميع
اجزائها وهى السبب والشرط وعدم المانع ذاتا ومقارنتها للمعلول وجودا اذ لو
تخلف جزء واحد منها عن التقدم الطبعى والاتحاد الوضعى اعنى فى الوجود الخارجى لزم
تخلف نفس العلة لان النتيجة تابعة لاخس المقدمات فاذا تأخر الشرط فان كان تأثير
العلة حين وجوده وقبله لا تأثير اصلا لزم عدم الاتحاد والمقارنة وجودا بالنسبة الى
السبب المتقدم وجوده خارجا وقد عرفت لزوم الاتحاد فلا يعقل سبق احد أجزاء العلة
وجودا لاستلزامه جواز سبق العلة وهو مستلزم لجواز تخلف المعلول ولو انا ما وهو غير
معقول فبطل الشرط المتقدم وان كان تأثيرها من حين وقوع السبب فان كان وجود الشرط
محدثا لتأثيرها من ذلك الحين لزم جواز تأخر بعض أجزاء العلة المستلزم لجواز تأخر
نفس العلة المستلزم لجواز سبق المعلول وتقدمه ذاتا على العلة وهو غير معقول فبطل
الشرط المتأخر وان كان كاشفا عن وجود شرط التأثير حين العقد صح ولا اشكال فيه مثال
ذلك العقد من الفضولى والاجازة المتأخرة من المالك فانه ان كان تأثير العقد
والاجازة فى النقل من حين الاجازة بناء على انها ناقله لزم الاول وان كان من حين
العقد فان كانت الاجازة محدثة لتأثيره من حينه لزم الثانى وان كانت كاشفة عن وجود
شرط تأثيره من حينه صح النقل مطابقا لحكم العقل وظاهر المشهور هو الاول وهو انها
محدثة لتأثيره من حينه وهو المقصود من قولهم كاشفة لا المعنى الاخير وانما قالوا
كاشفة فى قبال انها ناقله من حينها ولذا لم يجوزوا التصرف حتى مع العلم بلحوقها
لكون العقد لم يؤثر شيئا قبل اللحوق ولا يمكن قطعا دفع هذا الاشكال مع بقاء هذه
المقدمات على هذا الحال من كون السبب متقدما خارجا والشرط متأخرا كذلك ويؤثر العقد
المتقدم حين وجود الشرط المتأخر او يؤثر الشرط المتأخر حين وجود العقد المتقدم اما
مع التصرف ببعض المقدمات فقد ادعى جماعة امكانه آخرهم المصنف دام ظله ولا بأس
بالإشارة الى ما افادوه وهو وجوه خمسة احدها ما عن شيخنا المحقق المرتضى فى المحكى
عن تقريرات بعض الاعاظم ولم اجده فى المحل المناسب ذكره فيه ولعله فى محل آخر وهو
ان الشرط هو المتأخر بوصف كونه متأخرا وكذا الحال فى المتقدم وهو مجمل والذى يظهر
لى من
معناه ان العقد المؤثر لما كان هو عقد المالك المقارن لرضاه صادرا عنه وجب
الاقتصار عليه غير انه لما دل الدليل على قابلية عقد غير المالك للنقل اذا رضى
المالك كان الشرط فى تاثيره اجازة المالك بعده اذ لا يعقل مقارنتها لانها رضى
بالعقد فان سبقته كانت وكالة وان لحقته كانت امضاء فالشرط فى عقد الفضولى الاجازة
بعده فمتى تحققت تحقق الشرط ولم يتاخر اذ لا تاخر عن البعدية فبعدية الاجازة من
حين تمام العقد متحققة فاذا صدرت الاجازة كشفت عن حصول شرط النقل من حين العقد وهو
بعديتها فشرط النقل الذى هو اثر العقد بعديتها وهو متحقق حال العقد وتحقق المنتقل
وهو ملكية المشترى فى الخارج موقوف على صدور الاجازة فليست الاجازة ناقله بل محققه
للمنتقل والمحقق للنقل هو العقد المقرون ببعديتها فيكون الحاصل ان العقد من
الفضولى ناقل لعمرو فعلا ملكية زيد على تقدير اجازته فشرط تاثيره النقل حين وقوعه
متحقق وهو بعدية الاجازة وشرط تحقق المنقول للمشترى خارجا وجودها وجواز التصرفات
انما هى من آثار صحة النقل ولا يتوقف على تحقق المنتقل للمشترى فعلا وبعبارة اخرى
الست تعلم ان البائع اذا اوجب البيع فقد خرج سلطانه على ملكه عنه ولم يحز له
التصرف فان لحقه القبول صار السلطان لغيره وصح التصرف وان لم يلحقه القبول رجع
سلطانه شبه الرجوع بالفسخ وفى المقام لما عقد الفضولى فبمجرد عقده خرج السلطان عن
المالك فعلا لتحقق شرطه وهو بعدية الاجازة الصادرة فى وقتها وصار السلطان للمشترى
بقبوله وتحقق الاجازة شرط تحقق الملكية فى الخارج وهى مختلف السلطنتين وجواز
التصرفات من آثار تحقق السلطان للمشترى فعلا لا من آثار وجود المتسلط عليه فعلا لا
يقال ان الشرط هو الاجازة وكونها بعده شرط فيها لا فى العقد لانا نقول ليس عندنا
شيئان بل شيء واحد وهو الاجازة بعد العقد اذ لا يعقل غير البعدية فيها لتكون قابلة
للاشتراط فالمعقول من الاشتراط هو ما ذكرناه ونضير ذلك بعينه الواجب المعلق فان
الوجوب فيه حالى والواجب معلق على تقدير كذا ووجوب المقدمات من آثار وجوبه الحالى
وان تاخر
حصول الواجب ولنوضح لك الحال بابلغ المقال فنقول ان ذلك مثل ما لو قال اريد
منك فعلا استقبال زيد عند مجيئه غدا فان المريد والمراد منه والارادة موجودات
بالفعل والاستقبال حيث ان معناه ان تخرج اليه قبل وروده اليك كان الكاشف عن تحقق
معناه فعلا وهو قبلية الخروج ورود زيد غدا فعند وروده ينكشف تحقق معنى المراد حين
الارادة فينكشف صحة ترتيب جميع آثاره من حين الارادة من تقديم المقدمات وغيرها
فنفس ورود زيد غدا كاشف عن تحقق قبلية خروج عمرو من حين خروجه وهذا التقرير بعينه
جار فى المتقدم بل هو اوضح وبما ذكرنا من معنى هذه العبارة المنقولة يظهر لك عدم
توجه ما قيل عليه بعد ذكر عين العبارة المذكورة من ان محذور وجود المشروط بدون
الشرط فى المقامين على حاله ومجرد اخذ التقدم والتاخر فى الشرط لا يدفع به غائلة
عدم مقارنة المشروط وشرطه من لزوم وجود الشيء بلا علته التامة الا على الخلف مع
عدم اعتبار التاخر فى بعضها كما لا يخفى انتهى ضرورة اندفاع كل محذور بتقريرنا هذا
مضافا الى ما فى المعية المذكورة فان غير المتاخر لا يعقل فيها حتى ان الاجازة
الصادر اول حروفها فى آن انقضاء آخر حروف العقد محكوم عليها بالتاخر عقلا لان
العلة هى العقد عن الرضى الفعلى فان كان المؤثر هو العقد فالشرط لا محالة بعده وان
كان الإجازة فالسبب لا محالة قبله والمراد من تقارن أجزاء العلة ان يكون زمان
وجودها ووجود المعلول واحدا كما لا يخفى نعم يتوجه على ذلك ان جعل المتاخر بما هو
متاخر شرطا لا يدفع المحذور وان كان بهذا الوصف مقارنا للعقد لما عرفت من ان تاثير
العقد من حينه لا يعقل مع توقفه حتى على وجود المقارن اذ مقتضى ذلك تاثيره من حين
وجود المقارن لا من حين وجوده وان قل الزمان ولو لا المعية المذكورة فى كلام المورد
لحملناه على ما ذكرناه إلّا ان المعية تأباه اذ يكون مراده من المتاخر الذى لا
يدفع المحذور هو مقابل المقارن وقد صرح به كما لا يخفى نعم لو قلنا ان غرض المشهور
من الكشف والنقل هو النقل وان الاجازة ناقله لا محالة إلّا انهم سموا ترتب الآثار
عليها من حين صدورها نقلا ومن حين تحقق شرط
العقد كشفا من حيث سبق ترتب الاثر على الصدور وان كان المحدث لسبقه صدورها
كان لما ذكره المورد وجه فتامل جدا ولا تغتر بما اشتهر من الكشف والنقل الظاهر
بقرينة التقابل فى ارادة الحقيقى وكون الاجازة اللاحقة عين الرضا السابق فان هذا
غير معقول حتى فى الاجازة المقارنة للعقد ولا يعقل النقل الا من حينها لا من حينه
والاشكال فى كشف المتاخرة جار بعينه فى المقارنة والمقصود ان غرض المشهور جعل
الاجازة المتأخرة وان كانت بعد العقد بلا فاصل كالرضا السابق او المصاحب لا جعل
المتاخرة كالمقارنة ليورد بعدم اعتبار التاخر فى بعض فمثل القبض الذى جعل شرطا فى
الصرف لم يعتبروا فيه التاخر كما ذكر المورد إلّا ان نفس اعتباره اعتبار لتاخره
اذا لم يكن حاصلا قبل العقد لانه لا يقع إلّا بعده فلا يعقل حصول النقل قبله
وبالجملة فان اراد المورد من التاخر ما يقابل التقارن كما لعله الظاهر من حيث
تمثيله بغسل المستحاضة فهو فاسد لما عرفت من ان المقارن ايضا متاخر وان اراد ما
يقابل المصاحب فليس فى الشروط ما لم يعتبر التاخر فيه كما لا يخفى واعلم ان جميع
الوجوه المذكورة لا تصحح مذهب المشهور بالمعنى الظاهر الا الوجه الذى ذكره المصنف
قده نعم بناء على ما احتملناه فى كلامهم فهى صالحه فتدبر جيدا فان ما ذكرناه باسره
فى غاية الغموض ولا يسع التعبير عنه باوضح مما ذكرنا (ثانيها) ما عن النراقى من ان الشرط فى امثال هذه الموارد هو
الوجود فى الجملة ولم اعرف ما اريد بهذه العبارة فى دفع المحذور حتى تكون المناقشة
فى محلها فعلمه موكول الى صاحبه هذا وقد رايت بعد ذلك عبارته فى المستند فكان
مضمونها مطابقا لما سيأتى عن صاحب الفصول فانه قال ما ملخصه ان العقد ان كان فى
الواقع متعقبا بالإجازة صح من حينه وان كان غير متعقب فسد من حينه فليس الشرط
وجودها حين العقد بل وجودها فى وقت ما فالظاهر ان الحكاية اشتباه (ثالثها) ما حكى عن بعض المحققين ممن قارب العصر من ان الشرط فى
امثال هذه الموارد ليس المتقدم والمتاخر بوجودهما الكونى الزمانى كى يلزم المحذور
بل بوجودهما الدهرى المثالى وهما بهذا الوجود لا يكونان إلّا مقارنين للمشروط فان
المتفرقات فى سلسلة
الزمان مجتمعات فى وعاء الدهر واجاب عنه المولى الاستاد دام ظله بان ذلك
وان كان لطيفا فى نفسه إلّا انه لا يكاد يكون شرطا للزمانى الا الزمانى مضافا الى
وضوح ان الشرط فى الموارد حسب دليله انما هو الشيء بوجوده الكونى ضرورة ان اجازة
المالك فى الفضولى والاغسال الليلية فى صوم المستحاضة مثلا بما هى اجازة واغسال
خاصه يكون شرطا وهى كذلك ليست إلّا زمانية لانها بوجودها الدهرى لا تكون محدوده
بهذه الحدود بل بحدود أخر يجتمع بها الشرط والمشروط فيها لسعة حيطة ذلك الوجود
وكمال بساطته ووفور حظه وبهذا المعنى يكون الدهر مجمع المفترقات الزمانية انتهى
اقول ما افاده دام ظله مبنى باسره على ان يكون مراد المجيب ان المشروط زمانى
والشرط مثالى وهو خلاف صريح عبارته فانه جعل الشرط كذلك ليجتمع بوجوده المثالى مع
المشروط لان الدهر مجمع المفترقات بذلك الوجود وهذا صريح فى ان المشروط ايضا
بوجوده المثالى مشروط وإلّا فكيف يعقل مقارنه الوجود المثالى للوجود الزمانى وكيف
يعقل تحقق الشيء بوجوده الزمانى المفترق فى عالم الوجود المثالى المجتمع وهذا واضح
فغرض السيد المجيب ان الشرطية والمشروطية انما تكون فى الاشياء بوجودها المثالى
المجتمع ثم توجد بوجودها الزمانى المفترق وحدود كل واحد مشخصة له بما هو عليه فى
الوجودين فلا يرد عليه شيء مما افاده نعم ما افاده من ان الظاهر فى الشروط كونها
شروطا بوجودها الزمانى حق كما ان الظاهر من المشروطات ذلك ايضا ولو سلم وقلنا بان
هذا الظاهر لا بد من الخروج عنه بناء على المشهور فلا ينفع التقارن فى تصحيح تأثير
العقد من حينه لما عرفت من عدم معقولية تاثير العلة الا بعد تمام اجزائها ولا يجوز
ان تؤثر النار اثرها قبل المماسة وان قارنتها نعم هو يصحح النقل بالاجازة لا الكشف
كما تقدم وايضا يلزم عليه جواز التصرف فعلا فى عقد الفضولى لتمامية العلة بوجودها
المثالى قبل تحقق الإجازة وايضا اذا كانت العلة باجزائها مثاليه فلا يعقل ان يكون
اثرها جواز التصرف الزمانى للزوم تحقق السنخية بين العلة ومعلولها واذا كان الاثر
هو جواز التصرف بالوجود المثالى فلم ينفع هذا التوجيه شيئا فى العلة والمعلول
والاثر بحسب الوجودات الزمانية والحكم بسقوط هذه الاوصاف العنوانية عنها فى
هذا الوجود لا يمكن مع حكم الشارع بترتيب آثارها فى هذا الوجود فلا تغفل رابعها ما
فى الفصول وحاصله ان الشرط هو الامر المنتزع عنه المقارن لمشروطه فالعقد المؤثر ثلثه
انواع عقد مع الرضا وعقد مسبوق بالرضا وعقد ملحوق بالرضا وكونه مسبوقا او ملحوقا
وصفان مقارنان له عند تحقق ذات الشرط فى وقته فصح كشفه عن الصحة حين العقد وان لم
يكن صحيحا فعلا قبل تحقق الإجازة مثلا لانه انما يوجد مقارنا لوجودها ولو متأخرا
وفيه انه ان اريد كشفه عن تحقق صفة الملحوقية المقارنة فعلا فهو باطل لانه بعد
تحقق الاجازة يصح سلب الملحوقية عن العقد فى كل جزء من الزمان الذى لم توجد فيه
الاجازة فيقال هذا العقد غير ملحوق فعلا بالاجازة فلا تكون فعلية الا حين وجودها
فلا تكون مقارنة وان اراد الملحوقية الشأنية فهى غير كافية فى ترتيب الاثر الفعلى
كما لا يخفى هذا مضافا الى ما ذكرنا من انه مع توقفه على الإجازة لا يعقل تاثيره
قبلها وان كانت مقارنة لان التأثير بعد تمام الاجزاء كما عرفت والعجب من غفلة
الفحول عن هذه النكتة حيث حسبوا فى ظاهر كلامهم ان مقارنة الإجازة للعقد ترفع
اشكال الكشف فلا تغفل ثم لا يذهب عليك ان هذا المسلك غير ما سلكه شيخنا المرتضى
فلا يرد عليه ما ذكرناه هنا ولان ابيت الا عن مساواتهما فلا مانع من ورود ذلك عليه
مضافا الى ما قدمنا خامسها ما افاده الاستاد وحاصله هو ان حال الافعال بحسب
معانيها الذاتية وخصوصياتها العرضية التى بها تكون ذات علية وتأثير حالها بعينها
بحسب تلك الذاتيات والخصوصيات التى بها تكون ذات حسن وقبح فكما ان جهات الحسن
والقبح تكون ذاتيات واعتباريات كذلك جهات العلية والتاثير ومن الواضح المعلوم ان
معنى كون الشىء حسنا بالخصوصيات العارضة ان تصور لحوق تلك الخصوصيات له محدث فيه
حسنا فعليا يوجب امرا فعليا مثلا الكذب فى نفسه لا حسن فيه لكنه اذا لوحظ مضافا
ومتخصصا بجهة انجاء النبى ونجاته من القتل صار فعلا حسنا واجب الايجاد فعلا وان
كانت نجات النبى لا توجد الا بعد سنة اذ ليس
ما البسه برد الحسن وجودها الخارجى بنحو خاص بل هو ذات النجاة انى وجدت
وكيف وجدت ومثل ذلك الاستقبال للوارد فان تصور ورود زيد من سفره اكسب خروجك قبل
وروده حسنا فعليا وهكذا جميع الاضافات الموجبة لكون المضاف حسنا فعلا وليس معنى
كون الحسن بالوجوه والاعتبار هو اجتماع محاسن عديدة متفاوته ينشأ منها امر منبسط
على الكل فيكون الحسن معنى مركبا من أجزاء خارجيه بل ذات الفعل تكون حسنه بنفسها
بالإضافة الى تلك الوجوه والاعتبارات فكذلك هى فى مقام العلية والتاثير الست ترى
انك ربما رايت ان زيدا بنفسه فيه أهلية للاكرام ثم تصورت ما يعود من نفعه اليك بعد
ذلك اياما وشهورا وسنين فتقوى بذلك اهليته عندك ثم تتصور ذلك بجميع اطرافه
واضافاته البعيدة حتى تستوجب ذاته فعلا اكرامك له فقد اثرت تلك الاضافات الذهنية
معنى فيه وخصوصية اوجبت تاثيره فعلا وان لم توجد تلك المعانى المضاف اليها فى
الخارج وبالجملة فالافعال تكسب باضافاتها علما وتصورا الى ما لا حظّ له فى الوجود
الخارجى الا بعد زمان طويل خصوصيات فعليه فى ذواتها بها تكون حسنه ان كانت جهات
حسن وقبيحة ان كانت جهات قبح ومؤثرة ان كانت جهات تأثير وكثير من الموجودات
الخارجية على هذا المنوال فان تولد مؤمن من صلب هذا الكافر من بعد بطون عديدة يورث
حسنا فعليا وخصوصية مؤثره فى ابقائه حيا بل فى اكرامه وهكذا فى العقد فى المعاملات
باضافته الى رضا المالك فعلا او سابقا اولا حقا بحسب التصور والوجود الذهنى فانه
يحدث فيه خصوصية توجب تاثيره فعلا ووجود الاجازة كاشف عن تحقق هذه الاضافة فيه
المحدثة فيه فى عالم الوجود الذهنى التصورى التصديقى خصوصية التأثير فعلا وبالجملة
فالسر والضابط فى ذلك كله ان الاقدام على الافعال لا يكون إلّا بعد تصورها وتصور
غاياتها وفوائدها والحكم بفعلها كذلك واذا كان وجود الفائدة علما وتصورا مورثا
للاقدام كان كلما له دخل فى ترتب تلك الفائدة من مقتضى وسبب وشرط وعدم مانع يكون
دخله بحسب ذلك الوجود وإلّا لم يعقل تصورها الا بعد الوجود من غير فرق فى ذلك بين
ان يكون المتصور تكليفا او مكلفا به
او معنى منتزعا من التكليف او مجعولا بنفسه او فعلا عقلائيا من اى الافعال
كان فان تصوره بذاته واضافاته وخصوصياته حسنا وقبحا وتأثيرا وتأثرا كلها بحسب
الوجود العلمى فاذا جمعت شروط الحسن او القبح او التأثير فى ذلك الوجود فلا ينافى
ذلك افتراقها بحسب الوجود الخارجى لان تلك الاضافة الذهنية اعطت الخصوصية الفعلية
فلا ينظر الى هذا الافتراق وهذا جار فى جميع ما ظن انه من الشرط المتأخر وهذا حاصل
كلامه وخالص مرامه مما افاده فى فوائده وفى هذا الكتاب قال دام ظله (والتحقيق فى دفع
الاشكال ان يقال ان الموارد التى توهم انخرام القاعدة فيها لا يخلو اما ان يكون
المتقدم والمتأخر شرطا للتكليف او الوضع او المأمور به اما الاول فكون احدهما شرطا
له ليس) معناه (إلّا ان للحاظه دخلا
فى تكليف الامر كالشرط المقارن بعينه فكما ان اشتراطه) اى التكليف (بما يقارنه ليس إلّا ان لتصوره دخلا فى
امره بحيث لولاه لما كاد يحصل له الداعى الى الامر به كذلك) الحال (فى المتقدم او المتأخر) الذين لهما دخل فيه (وبالجملة حيث كان الامر من الافعال
الاختيارية كان من مباديه) التصورية (بما هو كذلك تصور الشيء باطرافه ليرغب
فى طلبه والامر به بحيث لولاه لما رغب فيه ولما اراده واختاره فيسمى كل واحد من
هذه الاطراف التى لتصورها دخل فى حصول الرغبة فيه) وفى (ارادته شرطا لاجل دخل لحاظه) تصورا (فى حصوله كان مقارنا او لم يكن كذلك) بان كان (متقدما او متأخرا) ضرورة ان تفاوته بحسب زمن الوجود لا يوجب تفاوته بحسب
زمن اللحاظ فانه واحد (فكما
صح) فى (المقارن) ان (يكون
لحاظه فى الحقيقة شرطا كان) اللحاظ (فيهما) اى المتقدم والمتأخر (كذلك) فى صحته حقيقة (فلا اشكال) فى ذلك (وكذا الحال فى شرائط) حكم (الوضع مطلقا ولو كان) الشرط (مقارنا فان دخل شيء فى الحكم به) اى بالوضع كالملكية مثلا (وصحة انتزاعه لدى
الحاكم به ليس إلّا ما كان بلحاظه يصح انتزاعه) منه (وبدونه لا يكاد يصح اختراعه عنده فيكون
دخل كل من) الشرط (المقارن وغيره) انما هو (بتصوره ولحاظه وهو) اى كل من التصور واللحاظ (مقارن) فاين تأثير المشروط قبل وجود الشرط
(واين
انخرام القاعدة العقلية فى غير المقارن فتأمل) ما ذكرناه (تعرف) حقيقة ما حققناه (واما الثانى فكون شيء شرطا للمأمور به
ليس إلّا ما يحصل لذات المأمور به بالإضافة اليه وجها وعنوانا به يكون حسنا) او يزيد حسنا وبه يكون (متعلقا للغرض بحيث لولاه لما كان كذلك و) من المعلوم ان (اختلاف الحسن والقبح والغرض باختلاف
الوجوه والاعتبارات الناشئة من الاضافات مما لا شبهة فيه ولا شك يعتريه والاضافة
كما تكون الى) الامر (المقارن
تكون الى الامر المتأخر او المتقدم بلا تفاوت اصلا كما لا يخفى على المتأمل فكما
تكون اضافة شيء الى مقارن له موجبا لكونه معنونا بعنوان يكون بذلك العنوان حسنا
ومتعلقا للغرض كذلك اضافته الى متأخر او متقدم بداهة ان الإضافة الى احدهما ربما
توجب ذلك ايضا) كما عرفته مفصلا (فلو
لا حدوث المتأخر فى محله لما كانت للمتقدم تلك الإضافة الموجبة لحسنه الموجبة
لطلبه والامر به كما هو الحال فى المقارن ايضا ولذلك اطلق عليه) اى على المتقدم والمتأخر اسم (الشرط مثله) اى مثل المقارن (بلا) تحقق (انخرام للقاعدة اصلا لان المتقدم
والمتأخر كالمقارن) فى كونه (ليس
الاطرف الإضافة الموجبة للخصوصية الموجبة للحسن) الموجب للامر (وقد حقق فى محله انه بالوجوه
والاعتبارات ومن الواضح انها) اى الوجوه (تكون بالاضافات فمنشأ توهم الانخرام
اطلاق) اسم (الشرط على المتأخر
وقد عرفت ان اطلاقه عليه فيه كاطلاقه على المقارن انما يكون لاجل كونه طرفا
للاضافة الموجبة للوجه الذى يكون) الموجه به (بذلك الوجه مرغوبا) ومحبوبا ومأمورا به (ومطلوبا كما كان فى الحكم لاجل) كون (دخل تصرفه فيه كدخل تصور ساير الاطراف
والحدود التى لو لا لحاظها لما حصل له الرغبة فى التكليف او لما صح عنده الوضع
وهذه خلاصة ما بسطناه من المقال فى دفع هذا الاشكال فى بعض فوائدنا ولم يسبقنى
اليه احد فيما اعلم فافهم واغتنم) قلت لعمرى لقد ابدع واعجب واجاد واغرب وكم له من تحقيق
باهر وكم ترك الاول للآخر لا يقال ان الدليل قد دل على انه لا يحل مال امرئ الا عن
طيب نفسه وهذه الاضافة لا تحدث حال العقد طيب نفس المالك فكيف يؤثر العقد من حينه
بهذه الاضافة لانا تقول اما بناء على عدم جواز التصرف قبل العقد فالامر
واضح فان طيب نفس المالك الحادث بعد العقد انما تعلق بما وقع عليه العقد من حينه
فلذا كانت اضافة العقد اليه تصورا كاسبة جهة تأثير فيه فعلا فالاجازة محدثة
لتأثيره من حينه لانه بها تحدث تلك الخصوصية فى العقد الموجبة للتاثير فلا منافات
بين كونه غير مؤثر قبل لحوق الإجازة وكونه مؤثرا من حينه حين لحوقها ضرورة انه
بلحوقها توجد الخصوصية فى العقد التى هى شرط تاثيره فلا بد من ترتب الاثر بعد
وجودها قبل زمانها ولا مانع بل هو المنطبق على كلام المشهور وان قلنا ان الإضافة
الى تحقق الطيب فى وقته كافية فى تاثيره فعلا واقعا والإجازة ليست إلّا كاشفة عن
ذلك لا محدثة له كما افاد المصنف دام ظله وغيره ممن رام توجيه ذلك كانت هذه
الإضافة الى الطيب المعلوم التحقق كالطيب الموجود فعلا فى صحة التصرف فمضمون
الرواية صادق فى هذا المقام فانه حل عن طبب نفس المالك اللاحق لهذا الحين لان ذلك
الطيب هو الذى اعطى العقد بالإضافة اليه خصوصية فعليه بها اثر اثره ثم لا يذهب
عليك ان ما افاده المصنف فى الجواب لا يلائمه قوله (ولا يخفى انها بجميع اقسامها داخله فى
محل النزاع وبناء على الملازمة يتصف اللاحق بالوجوب كالمقارن والسابق اذ بدونه لا
يكاد يحصل الموافقة ويكون سقوط الامر باتيان المشروط به مراعى باتيانه فلو لا
اغتسالها فى الليل على القول بالاشتراط لما صح الصوم فى اليوم) ويمكن ان يكون غرضه ان العلم بسقوط الامر مراعى
باغتسالها لكشفه عنه فلو علم وقوعه كفى فى العلم بسقوط الامر ضرورة ان اغتسالها
ليلا لا يوجب سريان طهارة حسية الى زمان صومها بل اضافة الصوم النهارى اليه يوجب
سريان طهارة معنوية ذاتيه منه اليه فوجود الاغتسال ليلا بحسب الوجود العلمى كاف فى
اعطاء هذه الإضافة خصوصية بها يكون الصوم حسنا ومطلوبا منها فلو علم انه يقع ليلا
صح الصوم فعلا وسقط امره اذ لو توقف سقوطه الواقعى على تحقق الاغتسال لم يكن
بوجوده العلمى شرطا بل بوجوده الخارجى ويدل ايضا بالصراحة على ان غرضه ذلك ما ذكره
فى اشتراط الوجوب بشرط متاخر حيث جعله حاليا مطلقا اذا كان
الشرط معلوم الوجود فيما بعد ورتب على ذلك وجوب المقدمة قبل تحقق الشرط
وجعله وجها آخر لدفع الاشكال فى قبال جعل الوجوب معلقا فلاحظ ذلك المقام وما قبله
بيسير (الامر
الثالث فى تقسيمات الواجب منها تقسيمه الى المطلق والمشروط
وقد
ذكر لكل منهما تعريفات وحدود يختلف) المحدود (بحسب ما اخذ فيها من القيود وربما اطيل
الكلام) فيها (بالنقض والابرام فى
النقض على الطرد والعكس مع انها كما لا يخفى تعريفات لفظية لشرح الاسم وليست بالحد
ولا بالرسم والظاهر انه ليس لهم اصطلاح جديد فى لفظ) الواجب (المطلق والمشروط) ولا لهما حقيقة شرعيه او متشرعية (بل يطلق كل منهما) ويستعمل (بما له من معناه العرفى كما ان الظاهر
ان وصفى الاطلاق والاشتراط وصفان اضافيان لا حقيقيان وإلّا لم يكد يوجد واجب مطلق
ضرورة اشتراط كل واجب ببعض الامور لا اقل من الشرائط العامه كالبلوغ والعقل فالحرى
فى المقام ان يقال ان مع كل شيء يلاحظ معه) من حيث مدخليته فيه (فان كان ان يقال وجوبه غير مشروط به فهو
مطلق بالإضافة اليه وإلّا فمشروط كذلك) يعنى بالإضافة اليه (وان كان) هذا الواجب او الوجوب (بالقياس الى شيء آخر) قد (كانا) اى الاطلاق والمشروطية فيه (بالعكس) بان كان المطلق بالقياس الى الشيء الآخر مشروطا
والمشروط مطلقا (ثم
الظاهر ان) معنى كون (الواجب المشروط) مشروطا (كما أشرنا اليه) هو ان (نفس الوجوب فيه مشروط بالشرط بحيث لا
وجوب حقيقة ولا طلب واقعا قبل حصول الشرط كما هو ظاهر الخطاب التعليقى ضرورة ان
ظاهر خطاب ان جاءك زيد فاكرمه كون الشرط) فيه (من قيود الهيئة) فى صيغة الجزاء (وان طلب الاكرام وايجابه معلق على
المجيء لا ان الواجب فيه يكون مقيدا به بحيث يكون الطلب والايجاب فى الخطاب فعليا
ومطلقا وانما الواجب يكون خاصا ومقيدا وهو الاكرام على تقدير المجيء فيكون الشرط
من قيود المادة لا الهيئة كما نسب ذلك الى شيخنا العلامة) المرتضى (اعلى الله مقامه مدعيا) ذلك (لامتناع كون الشرط من قيود الهيئة واقعا
ولزوم كونه من قيود المادة لبا مع الاعتراف
بان
قضية القواعد العربية انه من قيود الهيئة ظاهرا اما امتناع كونه من قيود الهيئة
فلانه لا اطلاق فى الفرد الموجود من الطلب المتعلق الفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح
القول بتقييده بشرط ونحوه فكلما يحتمل رجوعه الى الطلب الذى تدل عليه الهيئة فهو
عند التحقيق راجع الى نفس المادة واما لزوم كونه من قيود المادة لبا فلان العاقل
اذا توجه الى شيء والتفت اليه فاما ان يتعلق طلبه به او لا يتعلق به طلبه اصلا لا
كلام على الثانى وعلى الاول فاما ان يكون ذلك الشيء مورد طلبه وامره مطلقا على
اختلاف طواريه او على تقدير خاص وذلك التقدير نارة يكون من الامور الاختيارية
واخرى لا يكون كذلك وما كان من الامور الاختيارية قد يكون ماخوذا فيه على نحو يكون
موردا للتكليف وقد لا يكون كذلك مع اختلاف الاغراض الداعية الى طلبه والامر به من
غير فرق فى ذلك بين القول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد والقول بعدم التبعية
كما لا يخفى هذا كلامه وهو موافق لما افاده بعض الافاضل المقرر لبحثه بادنى تفاوت
ولا يخفى ما فيه اما حديث عدم الاطلاق فى مفاد الهيئة) فهو مبنى على ان الهيئة موضوعه بالوضع العام لخصوصيات
الطلب فالطلب المنشا بها جزئى حقيقى خارجى فلا يعقل تقييده كما لا يعقل اطلاقه
واما نحن (فقد
حققنا سابقا ان كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه فى الحروف يكون عاما كوضعها
وانما الخصوصية من قبل الاستعمال كالاسماء وانما الفرق بينهما انها وضعت لتستعمل و) قد (قصد
منها المعنى بما هو هو والحروف وضعت لتستعمل وقد قصد بها معانيها بما هى آلة وحالة
لمعانى المتعلقات فلحاظ الآلية كلحاظ الاستقلالية ليس من طوارى المعنى بل من
مشخصات الاستعمال كما لا يخفى على اولى الدراية والنهى) وهيئة الامر ايضا مثلها فى الوضع (والطلب المفاد من
الهيئة المستعملة فيه) مفهوم كلى (مطلق
قابل لان يقيد) ويكون الكلام باقيا على ما هو الظاهر فيه عرفا هذا (مع انه لو سلم) خصوصية الموضوع له والمستعمل فيه (وانه فرد) فالتقييد ايضا يصح ضرورة ان خصوصيات الطلب الموضوع له
مختلفة حسب اختلاف المشخصات لها فى الوجود الخارجى فالطلب بالنسبة الى تلك
المشخصات
ينظر اولا ويلحظ مضافا الى احدها من غير فرق بينها ثم ينشأ هكذا فلا يوجد
بانشائه الا الفرد المشخص الجزئى وقبل الانشاء صالح لان يلحظ مع كل مشخص (فانما يمنع عن
التقييد) حينئذ (لو انشاء اولا غير
مقيد) ثم اريد
تقييده (لا
ما اذا أنشأ من الاول مقيدا غاية الامر انه قد دل عليه بدالين) فاللفظ الدال على القيد فى العبارة دال على ان المراد
بالهيئة هو المقيد (وهو
غير انشائه اولا ثم تقييده ثانيا فافهم فان قلت على ذلك يلزم تفكيك الانشاء من
المنشأ) زمانا (حيث لا طلب قبل حصول
الشرط) فالانشاء
حالى والطلب استقبالى وهو غير معقول بل لا بد من وقوع المنشا فى الحال (قلت المنشا اذا كان
هو الطلب على تقدير حصوله) اى حصول الشرط فلا تفكيك ان اريد لزومه بين الانشاء
والمنشا المقيد لانه يكون الامر قد انشاء فعلا الطلب على تقدير كذا مثلا فالطلب
على تقدير منشإ فعلا فلا تفكيك فى زمانهما وان اريد لزومه بين الانشاء والطلب
المطلق فهو حق إلّا انه غير ما نحن فيه اذ ذاك طلب مقيد (فلا بد ان لا يكون
قبل حصوله) اى حصول
القيد والشرط (طلب) مطلق (وبعث وإلّا لتخلف) المنشا وهو المقيد عن انشائه (وانشاء امر على تقدير) اذا كان (كالاخبارية) على تقدير فهو (بمكان من الامكان) قلت وتحقيق المقام على ما يقضى به دقيق النظر هو ان
يقال انه لا اشكال فى امكان تقييد الحكم التكليفى ووقوعه فى العرفيات كما لا اشكال
فى تقييد الحكم الوضعى ووقوعه فى الشرعيات كما فى الوصية فان المنشا فى قول الموصى
هذا لزيد بعد وفاتى هو الملكية على تقدير الوفاة ولا فرق بين الحكمين فى ذلك سواء
قلنا بكون الموضوع له او المستعمل فيه فى الهيئة عاما كما هو الحق او خاصا ضرورة
ان اللفظ المطلق اذا اريد منه المقيد ولو بدليل منفصل لم ينشأ اولا بوصف الاطلاق
واقعا ثم يقيد اذ لا يمكن ذلك عقلا ضرورة تنافى الاطلاق والتقييد الحقيقيين فى وقت
واحد بل لا ينشأ إلّا مرادا به المقيد غاية الامر ان قرينة التقييد ان كانت متصلة
لم ينعقد له ظهور فى الاطلاق وان كانت منفصلة انعقد له هذا الظهور الذى لا واقع له
بكشف دليل التقييد عن المراد هذا بناء على ان
التقييد يوجب التجوز فى المطلق واما بناء على عدمه فالامر اوضح وعلى هذا
التقدير فالطلب المقيد بقيد مشخص كالطلب المطلق مع احدى الخصوصيات التى يستعمل
فيها اللفظ بناء على هذا القول وهذا امر واضح إلّا انه يمكن ان يقال ان الواقع فى
التكاليف الشرعية ليس إلّا تقييد المادة او المطلوب منه دون الطلب بيان ذلك ان قول
الشارع صل اذا زالت الشمس وصم اذا دخل شهر رمضان وحج اذا استطعت وامثالها مشتمل
على طلب وطالب ومطلوب ومطلوب منه ومن الشروط التى حسبوا انها قيود الطلب البلوغ
والعقل ومن الواضح ان هذه من قيود المطلوب منه لا الطلب اذ لا يصح خطاب غير العاقل
البالغ ولو مشروطا لانه متى صح خطابه لزم وخوطب خطابا فعليا مع انه ممن سقط
التكليف عنه لعدم اهليته للخطاب ومن ذلك يعلم حال باقى الشروط فان هذين الشرطين
اظهرها عرفا فى الرجوع الى الهيئة وقد عرفت حالهما ومن جملة الشروط ايضا دخول
الوقت والاستطاعة ومن المعلوم ان اشتراط الشىء بشيء انما يكون لحصول خصوصية من
الشرط فى المشروط باضافته اليه فانظر الى الوقت والاستطاعة فهل ترى المضاف اليهما
المحصل لخصوصيتهما هو مفاد الهيئة الذى هو الوجوب فيكون مفاد تلك العبارات انه اذا
دخل الوقت وجبت الصلاة المطلقة لتمامية حسن هذا الحكم بهذا الشرط او اذا حصلت
الاستطاعة وجب الحج المطلق كذلك او ان المفاد ان الصلاة اذا دخل وقتها والحج اذا
استطاعه العبد وجبا مطلقا لا اظنك تقول بالاول الا ذاهلا عما انت عليه فانك لم
تنفك قائلا صلاة الظهر واجبة وحج المستطيع له واجب ولم يسمع منك ان الصلاة والحج
واجبان بالوجوب الظهرى او الاستطاعتى فالوقت من قيود الفعل المحصلة لخصوصية فيه
والاستطاعة من قيود الموضوع ولذا نسب كل الى ما له الخصوصية فالانصاف ان جميع
الشروط المأخوذة شرعا راجعه الى المادة وانما ترجع الى الهيئة عرضا بداهة ان الطلب
المتعلق بالمطلق غير الطلب المتعلق بالمقيد واذا اتضح لك حال هذه الشروط فى مرجعها
فكيف بالباقى فانقدح ان الاقوال فى المسألة ثلثه عدم امكان تقييد الهيئة ولزوم
تقييد
المادة وامكانه ووقوعه شرعا وامكانه وعدم وقوعه شرعا وهو المختار ومن جميع
ما ذكرنا يظهر لك الحال فيما افاده المصنف دام ظله حيث قال (واما حديث لزوم رجوع
الشرط الى المادة لبا ففيه ان الشىء اذا توجه اليه الطالب وكان موافقا للغرض بحسب
ما فيه من المصلحة او غيرها كما يمكن ان يبعث فعلا اليه ويطلبه حالا لعدم مانع عن
طلبه كذلك يمكن ان يبعث اليه معلقا ويطلبه استقبالا على تقدير شرط متوقع الحصول
لاجل مانع عن الطلب والبعث فعلا قبل حصوله فلا يصح منه الا الطلب والبعث معلقا
بحصوله لا مطلقا ولو) كان واقعا (متعلقا
بذاك على التقدير) المأخوذ فيه (فيصح
منه) انشاء (طلب الاكرام بعد مجيء
زيد) حالا (ولا يصح منه) انشاء (الطلب المطلق الحالى) فعلا (للاكرام المقيد بالمجىء هذا بناء على
تبعية الاحكام لمصالح فيها فى غاية الوضوح واما بناء على تبعيتها للمصالح والمفاسد
فى المأمور بها والمنهى عنها فكذلك ضرورة ان التبعية كذلك انما تكون فى الاحكام
الواقعية بما هى واقعية لا بما هى فعليه فان المنع عن فعلية تلك الاحكام غير عزيز
كما فى موارد الاصول والامارات على خلافها) اى خلاف الاحكام الواقعية (وفى بعض الاحكام فى
اول البعثة الى يوم قيام القائم عجل الله فرجه مع ان حلال محمد حلال الى يوم
القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة) ولا يتوجه ذلك الا بكونه كذلك فى مقام الانشاء وإلّا
لزم الكذب كما لا يخفى (ومع
ذلك ربما يكون المانع عن فعلية بعض الاحكام باقيا مر الليالى والايام الى ان تطلع
شمس الهداية ويرتفع الظلام كما يظهر من الاخبار الواردة عن الائمة عليهمالسلام) فالاحكام فى مرتبة الفعلية تابعة للمصالح والمفاسد فى
نفس الامر والنهى وفى مقام الانشاء تابعة للمصالح والمفاسد فى المأمور به والمنهى
عنه بناء على هذا القول اذ لو اريد التبعية فى مقام الفعلية لزم بقاء الاحكام التى
لم تصر فعليه ابدا بلا مصلحة او الكذب اذا بنى على انها جميعا فعليه فرجوع الشرط
الى المادة لبا مسلم فى الاحكام الواقعية بناء على القول الثانى اذ لا مصلحة فى
الحكم حينئذ ليكون للشرط مدخل فيها واما فى الاحكام الفعلية فالامر كما
حققنا من صحة رجوع الشرط الى الهيئة كما لا يخفى وبذلك يتضح ان لها مقامين
مقام الانشاء ومقام الفعلية فكل امر تعلق بذى مصلحة فى انشائه فهو مشروط فى مقام
فعليته لانه فى ذلك المقام مشروط وله شرائط كثيرة وربما طال زمان وجود الشرط
فالمنشأ فى قوله صل الجمعة اذا ظهر الحجة عجل الله فرجه هو الطلب على تقدير الظهور
ولا ينافى ذلك كون المقتضى لاصل الانشاء هو المصلحة فى نفس الصلاة كما لا يخفى قلت
هذا وان كان فيه من التحقيق الرشيق والتدقيق الانيق ما تجاوز قدر المدح إلّا انه
تكلف شديد والتزام بعيد كما لا يخفى على من ألقى السمع وهو شهيد فان حديث تبعية
الاحكام لمصالح فيها ليس المراد به قطعا انحصار وجه المصلحة فيه بحيث يكون المامور
به خاليا عن كل مصلحة ينشأ منها طلب ما وانما يحتاج الى مرجح له على غيره فى تعلق
الامر به دونه فان ذلك خلاف ما قضت به الدلائل القطعية من الكتاب والسنة كما لا
يخفى على من راجع ما ورد فى اسرار الصلاة وكل مأمور به ومنهى عنه وما ورد فى انه
لم يامر الله تعالى إلّا بحسن ولم ينه الا عن قبيح وغير ذلك مما لا يحصى بل المراد
ان تعلق الامر بشيء يجوز ان يكون ناشئا عن مصالح فى المأمور به وفى الامر فقد
تجتمع وقد تفترق فالامر الحقيقى العبادى مشتمل على مصلحة كالمأمور به بحيث لولاها
لما امر به وهى حصول الطاعة من العبد المقر به له من المولى والامر الامتحانى
مشتمل على المصلحة وحده دون المأمور به وهلم جرا ولو اريد غير هذا المعنى فهو باطل
لا نقول به ومن المعلوم ان سنخ المصالح الأمرية مغاير لسنخ المصالح الاخرى والذى
يؤخذ فى الكلام من القيود فيما ورد فى بيان الاحكام انما هو الثانى فانظر الى
المثال الذى ذكرناه فى توضيح مراده وهو صل الجمعة اذا ظهر الحجة فهل ترى ان الوجوب
المقيد بظهور الحجة عجل الله تعالى فرجه الموجب لوجود مصلحته تعلق بمطلق صلاة
الجمعة او الوجوب المطلق تعلق بصلاة الجمعة المقيدة بظهوره الموجب لتمام مصلحتها
حينئذ لا اراك تقول بالاول ضرورة ان من الواضح ان فى صلاة الجمعة فعلا تلك المصلحة
التى كانت فيها فى زمن النبى صلعم غير ان لها فى هذا الوقت مانعا عن
تأثير ذلك الاقتضاء وبظهوره عجل الله تعالى فرجه يرتفع ذلك المانع وقد بينا
لك سابقا ان جميع الشروط العائدة الى المادة عائدة الى الامر عرضا بمعنى ان المادة
بقيودها ووجوهها وخصوصياتها هى الموضوع المتعلق به الامر ووجود الموضوع شرط فى
تعلق الامر به بالضرورة فكذلك كل جزء من اجزائه ثم انظر الى اوضح الواجبات
المشروطة كيف وقع التعبير عنه فى الكتاب المجيد حيث قال عن من قائل ولله على الناس
حج البيت من استطاع اليه سبيلا او ليس من استطاع بدلا او عطف بيان أو صفة وعلى
جميع التقادير يكون المعنى ولله على المستطيع حج البيت والحاصل فالانصاف والوجدان
بما ذكرناه شاهدان وليس عندنا غير ذلك من برهان ثم انه دام ظله اعترض على نفسه
قائلا (فان
قلت فما فائدة الانشاء اذا لم يكن المنشا طلبا فعليا وبعثا حاليا قلت) فائدته عين فائدة انشاء الطلب الفعلى و (كفى) بذلك (فائدة له) ضرورة (انه يصير بعثا فعليا بعد حصول الشرط بلا
حاجة الى خطاب آخر بحيث لولاه لما كان فعلا متمكنا من الخطاب) بمعنى انه لو لا الخطاب الاول المشروط السابق على وجود
الشرط لما كان متمكنا حين وجود الشرط من الخطاب المطلق وهذه فائدة تقديمه فالخطاب
المشروط كالخطاب المطلق فى الفائدة وقد يتفق انحصار الامر فى تقديمه فى الصورة
المذكورة وهى فائدة اخرى كما عرفت (هذا مع) ثبوت فائدة ثالثه له وهى (شمول الخطاب كذلك) اى مشروطا (للايجاب فعلا بالنسبة الى الواجد للشرط
فيكون) مطلقا و (بعثا فعليا بالإضافة
اليه وتقديريا بالنسبة الى الفاقد له) ان كان الخطاب كخطاب الحج وان كان بمثل حج ان استطعت
فلا يشمل غير المخاطب إلّا بدليل المشاركة ويمكن الشمول لفظا بوجه آخر سيجيء إن
شاء الله تعالى فظهر ان ما يظهر منه دام ظله من وجود هذه الفائدة مطلقا غير متجه
الاعلى الوجه الذى سيجيء (فافهم
وتأمل جيدا) ولعله بالتأمل اشار الى ذلك (ثم الظاهر دخول المقدمات الوجودية
للواجب المشروط فى محل النزاع ايضا) بمعنى قابليتها لذلك لوجود ما هو المناط فى النزاع فى
غيرها بعينه فيها والوجوب اللازم على نحو الوجوب الملزوم اطلاقا واشتراطا (فلا وجه لتخصيصه) اى النزاع فى كلمات
القوم (بمقدمات
الواجب المطلق غاية الامر تكون) المقدمات التى تجعل محلا للنزاع (فى الاطلاق والتقييد
تابعة لذى المقدمة كاصل الوجوب بناء على وجوبها من باب الملازمة واما الشرط المعلق
عليه الايجاب فى ظاهر الخطاب فخر وجه مما لا شبهة فيه ولا ارتياب بناء على ما هو
ظاهر المشهور والمتصور لكونه مقدمة وجوبية) فوجوب ذيها قبل حصولها غير حاصل فلا لازم اذ لا ملزوم
وبعد حصولها فهو حاصل إلّا ان طلبها بعد الحصول تحصيل للحاصل وهو واضح (واما على المختار لشيخنا
العلامة اعلى الله مقامه) فهو كذلك لعين العلة المذكورة توضيح ذلك ان المقدمات
المأخوذة فى المادة على قسمين احدهما ما اخذ على وجه لا تتصف المادة بالوجوب الا
بعد حصوله وثانيهما ما اخذ على نحو الاتصاف بالوجوب قبل الحصول والثانى على قسمين
احدهما ما كان له الدخل فى وجوده بعد زمان وجوبه ثانيهما ما كان له ذلك قبله
فالاقسام ثلثه اما الاول (فلانه
وان كان من المقدمات الوجودية للواجب إلّا انه قد اخذ) كما عرفت (على نحو لا يكاد يترشح عليه الوجوب منه
فانه جعل واجبا على تقدير حصول ذلك الشرط فمعه) اى مع حصول الشرط (كيف يترشح عليه الوجوب ويتعلق به الطلب
وهل هو إلّا طلب الحاصل) ومع عدم حصوله فلا لزوم إذ لا لازم ولا ملزوم كما عرفت واما الثانى فحكمه
واضح واما الثالث فهو الذى اشار اليه المصنف حيث قال (نعم على مختاره قدسسره لو كان له مقدمات وجودية غير معلق
عليها وجوبه لتعلق بها الطلب فى الحال على تقدير اتفاق وجود الشرط فى الاستقبال
وذلك لان ايجاب ذى المقدمة على ذلك حالى) فيترشح وجوبه عليها (والواجب انما هو استقبالى كما سيأتى فى
الواجب المعلق فان الواجب المشروط على مختاره هو بعينه ما اصطلح عليه صاحب الفصول
من المعلق) غير ان صاحب
الفصول يرى الوجوب على انحاء ثلثه وشيخنا العلامة يراه على نحوين كما ستعرف إن شاء
الله تعالى (فلا
تغفل هذا كله فى غير المعرفة والتعلم من المقدمات واما المعرفة) فالظاهر انها واجب نفسى توصلى للغير لا بالغير وجب
لفائدة ترتب العمل فيجب الفحص مقدمة لحصولها حتى مع احتمال وجود الحكم من غير فرق
بين الوجوب والحرام المطلقين والمشروطين لاتحاد المناط فى ذلك واحتمال وجوده نعم
البيان
للعقل فى لزوم التحرز عما لا يؤمن من الوقوع فى ضرره واما القول بالوجوب
المقدمى فيها فبعيد جدا غير واضح الوجه عقلا الاعلى نحو مخالف لما قرر من كيفية
تقرر الوجوب واظهر من ذلك ما افاده دام ظله بقوله (فلا يبعد القول بوجوبها حتى فى الواجب
المشروط بالمعنى المختار قبل حصول شرطه لكنه لا بالملازمة بل من باب استقلال العقل
بتنجز الاحكام على الانام بمجرد قيام احتمالها) تنجزا يوجب العقل به الاحتياط على المكلف (إلّا مع الفحص) عنه (واليأس عن الظفر بالدليل على التكليف
فيستقل بعده بالبراءة وان العقوبة على المخالفة بلا حجة وبيان والمؤاخذة عليها بلا
برهان فافهم) والاصوب فى التقرير ان يقال العلم بثبوت الاحكام اجمالا ثابت بالضرورة
ووجوب العمل بها لازم عقلا وشرعا وهو موقوف على معرفتها تفصيلا فيجب فانقدح لك
امكان ان يكون الوجوب بالملازمة (فافهم تذنيب لا يخفى ان اطلاق الواجب
على الواجب المشروط بلحاظ حال حصول الشرط على الحقيقة مطلقا) على اى قول كان لان اطلاق المشتق بلحاظ حال التلبس
حقيقة (واما
بلحاظ حال المشروط قبل حصوله) اى الشرط (فكذلك على الحقيقة على مختاره قده فى
الواجب المشروط لان الواجب وان كان) عنده (امرا استقباليا عليه) اى على مختاره (إلّا ان تلبسه بالوجوب فى الحال ومجاز
على المختار حيث لا تلبس بالوجوب عليه) اى على المختار (قبله) اى قبل حصول الشرط (كما) حكى ذلك بعينه (عن البهائى لتصريحه بان لفظ الواجب مجاز
فى المشروط بعلاقة الاول او المشارفة) هذا حال لفظ الواجب (واما الصيغة مع الشرط فهى فى الطلب
مطلقا) على كلا
القولين (حقيقة
على كل حال لاستعمالها على مختاره قده فى الطلب المطلق وعلى المختار فى الطلب
المقيد على نحو تعدد الدال والمدلول) فالصيغة تدل على الطلب والشرط على القيد (كما هو الحال) من كونها حقيقة (فيما اذا اريد منها المطلق) بقيد الاطلاق وهو (المقابل للمقيد لا المبهم) الذى يكون هو (المقسم) للمطلق والمقيد (فافهم ومنها
تقسيمه الى المعلق والمنجز
قال
فى الفصول انه ينقسم باعتبار آخر الى ما تعلق وجوبه بالمكلف ولا يتوقف حصوله على
امر غير مقدور له
كالمعرفة
وليسم منجزا والى ما يتعلق وجوبه به فيتوقف حصوله على امر غير مقدور له وليسم
معلقا فان وجوبه يتعلق بالمكلف من اول زمن الاستطاعة او خروج الرفقة ويتوقف فعله
على وقته وهو غير مقدور له والفرق بين هذا النوع وبين الواجب المشروط هو ان التوقف
هناك للوجوب وهنا للفعل انتهى كلامه رفع مقامه) قال دام ظله (لا يخفى ان شيخنا العلامة اعلى الله
مقامه حيث اختار فى الواجب المشروط ذاك المعنى وجعل الشرط لزوما من قيود المادة
ثبوتا) واقعيا (واثباتا) دليليا (حيث ادعى امتناع كونه من قيود الهيئة
كذلك اى ثبوتا واثباتا) امتناعا عقليا من حيث عدم تصور عروض القيود للطلب الموجود لكونه جزئيا
حقيقيا وان كان ارجاع الشرط الى المادة دون الهيئة (على خلاف القواعد العربية و) خلاف (ظاهر المشهور كما يشهد به ما تقدم آنفا
عن البهائى انكر على الفصول هذا التقسيم ضرورة ان المعلق بما فسره يكون من المشروط
بما اختار) شيخنا (له من المعنى على ذلك) وهو اشتراط المادة على مختاره كما هو واضح ووجه انكاره
ايضا واضح (حيث) انه (لا يكون حينئذ) اى حين اذ كان المعلق عين المشروط الذى اختاره (هناك معنى آخر معقول
كان) يمكن ان يكون
(هو
المعلق المقابل للمشروط ومن هنا انقدح انه) اى الشيخ (فى الحقيقة) وافق الفصول معنى وخالفه لفظا لانه (انما انكر الواجب
المشروط بالمعنى الذى يكون) القيد فيه راجعا الى الهيئة على ما هو (ظاهر المشهور و) ظاهر (القواعد العربية لا الواجب المعلق
بالتفسير المذكور) فانه عين ما تعين عنده بحكم العقل من كون القيد للمادة كما لا يخفى قلت
اما كون ما اختاره الشيخ العلامة خلاف ظاهر المشهور فليس بتال باطل اذا قضى به
الدليل سيما مع امكان حمل كلمات كثير منهم على ما اختاره واما كونه خلاف القواعد
العربية فهو ممنوع فان القواعد العربية لا اقتضاء لها ازيد من تعلق القيد بالصيغة
سواء كان لمادتها او لهيئتها ألا ترى الى المقامات التى لا دخل فيها للهيئة
بالتعلق كقولك اضرب زيدا فى الدار فان من المعلوم ان الظرف متعلق بالصيغة لكن
بمادتها لا بهيئتها فان الواجب هو ضرب زيد فى الدار لا ان ضرب زيد واجب فى
الدار فالوجوب تعلق بالضرب فى الدار لا الوجوب فى الدار تعلق بالضرب وهذا
امر واضح لا يكاد يخفى واما حاصل ما افاده الشيخ فلا يتحصل من كلامه المحكى فى
كتاب المقرر على طوله الا الاعتراف بكون كل الواجبات معلقة بحكم العقل والانكار
على الفصول حيث جعل بعضها مشروطا بالمعنى وسمى ما يرجع القيد فيه الى المادة معلقا
استنادا الى اختلاف العبارات فى اخذ القيود وهذا اعتراف بالمعلق وانكار للمشروط
كما افاده المصنف لا انكار للمعلق فليسمه بما شاء (وحيث قد عرفت بما لا مزيد عليه امكان
رجوع الشرط الى الهيئة كما هو ظاهر) بعض التراكيب المنطبقة على (القواعد) العربية (و) ظاهر (المشهور فلا يكون) للشيخ (مجال لانكاره عليه نعم يمكن) عند المصنف (ان يقال انه لا وقع لهذا التقسيم للواجب) من كونه حاليا واستقباليا (لانه بكلا قسميه من المطلق
المقابل للمشروط وخصوصية كونه حاليا او استقباليا لا يوجبه) اى التقسيم المذكور (ما لم يوجب الاختلاف فى) الغرض (المهم) ليكون ذلك ثمرة له (وإلّا لكثرت تقسيماته لكثرة الخصوصيات) فيقال مثلا المطلق زمانى ومكانى فى المقيد بالمكان او
الزمان وعمومى وفردى فى المخاطب به العموم او الفرد وهلم جرا (و) الغرض المهم لصاحب الفصول (لا اختلاف فيه) بين القسمين (فان ما رتبه عليه من وجوب المقدمات فعلا) قبل زمان الواجب (كما ياتى انما هو من اثر اطلاق وجوبه
وحاليته لا من استقبالية الواجب فافهم) وعندى انه لا يمكن ان يقال ذلك عليه بل هو من مثل
المصنف غريب فانه لم يقسم المطلق عند القوم الى قسمين بل قسم المطلق عنده الى ذلك
بعد ان اضاف اليه قسما من المشروط عند القوم لما هو المعلوم من كلماتهم من كون
الوقت مطلقا من شرائط الوجوب فاختلف الغرض المهم بين المطلق عند القوم والمطلق
عنده وبين المشروط عند القوم والمشروط عنده لانه يترتب على المطلق عنده المشروط
عندهم ولا يترتب على المطلق عندهم فضلا عن المشروط فكون ما رتبه عليه من آثار
اطلاق الوجوب وحاليته لا من استقبالية لواجب مسلم إلّا ان هذا القسم من اطلاق
الوجوب وحاليته مع استقبالية الواجب لم يكن من المطلق عندهم مع ان الاثر لا يترتب
إلّا عليه واى تقسيم احسن من ذلك
مع تكفله بترتب هذا المهم الذى حارت فيه افكارهم والشيخ العلامة اعلى الله
مقامه حاول بكلام طويل رفع هذه الثمرة عما ذكره وبالأخرة رجع حاصل كلامه الى ذلك
فانظر الى المحكى من كلامه واعط التأمل حقه فى استكشاف حقيقة مرامه فلعلك تحصل منه
غير ما حصلنا (ثم
انه ربما حكى عن بعض اهل العصر من اهل النظر اشكال فى الواجب المعلق وهو ان الطلب
والايجاب انما يكون بازاء الارادة المحركة للعضلات نحو المراد) التى هى آخر مقدمات الفعل الاختيارى والواجب بازاء المراد
وفى مرتبته ايضا (فكما
لا يكاد يكون الارادة منفكة عن المراد فليكن الايجاب غير منفك عما تعلق به فكيف
يتعلق بامر استقبالى فلا يكاد يصح الطلب والبعث فعلا نحو امر متاخر قلت ان الارادة
تتعلق بامر متاخر استقبالى كما تتعلق بامر حالى وهو اوضح من ان يخفى على عاقل فضلا
عن فاضل ضرورة ان تحمل المشاق فى تحصيل المقدمات فيما اذا كان المقصود بعيد
المسافة وكثير المئونة ليس إلّا لاجل تعلق ارادته به وكونه مريدا له قاصدا اياه لا
يكاد يحمله على التحمل الا ذلك) قلت فيه ان الإرادة على ما حققه المحققون من اهل
المعقول امر جزئى حقيقى كالمعانى الحرفية بحسب الوجود الخارجى وحيث توهم الغافل
انها فى المسافة البعيدة كلية لاشتمالها على حدود يقطعها المتحرك مع ان الإرادة
المتعلقة واحدة دفعوا ذلك بان الحركة الى مكان تتبع إرادة بحسبها وجزئيات تلك
الحركة تتبع تخيلات وارادات جزئيه يكون السابق من هذه التخيلات والارادات الجزئية
علة للسابق من تلك الجزئيات من الحركة المعدة لحصول اخرى فتتصل الارادات فى النفس
والحركات فى المسافة الى آخرها ومن المعلوم ان المكان والزمان واحد والحركة
المكانية كالحركة الزمانية وعلى هذا التقدير فالمراد فى كل ارادة لا ينفك عنها كما
لا يخفى اما اذا كان حاليا فالامر واضح واما اذا كان استقباليا فلكون المراد
ومقدماته المتصلة بالارادة شيئا واحدا فلم ينفك المراد عن الارادة كما هو واضح
فالجواب حينئذ منحصر بانه قياس مع الفارق فان الطلب والايجاب وان كان عين الارادة
إلّا انها هى الشرعية لا التكوينية وليس هما بنحو واحد كما عرفت فيما تقدم بل هى
تتبع المراد على ما هو عليه من المصلحة حاليا
او استقباليا بل قول هذا القائل لا معنى له حتى فى الحالى فانه ان اراد من
عدم الانفكاك ان مجرد طلب الفعل يوجب وقوعه قهرا من المكلف فذاك مما لا ينبغى ان يصغى
اليه او يذكر فى رده شيء وان اراد انه يوجب حمل العبد على امتثاله حالا وهو غير
ممكن فهذا ليس بشيء جديد بل هو عين ما اورد كما سيجيء من ان هذا الحكم لا قدرة
للعبد على امتثاله واجبنا عنه بان الامتثال يتبع الحكم فى كيفية تعلقه فان تعلق
بارادته حالا ففى الحال او استقبالا ففى الاستقبال وبما ذكرنا ظهر لك الحال فيما
افاده دام ظله فى بيان غفلة هذا القائل بقوله (ولعل الذى اوقعه فى الغلط ما قرع سمعه
من تعريف الارادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد وتوهم ان تحريكها نحو
المتأخر مما لا يكاد) يكون (وقد
غفل عن ان كونه محركا نحوه يختلف حسب اختلافه فى كونه مما لا مئونة له كحركة نفس
العضلات او مما له مئونة ومقدمات قليلة او كثيرة فحركة العضلات تكون اعم من كونها
بنفسها مقصوده او مقدمة له) اى للمقصود (والجامع ان يكون) ناحيا (نحو المقصود بل مرادهم من هذا الوصف فى
تعريف الارادة بيان مرتبة الشوق الذى يكون هو الارادة وان لم يكن هناك فعلا تحريك
لكون المراد وما اشتاق اليه كمال الاشتياق امرا استقباليا غير محتاج الى تهيئة
مئونة او تمهيد مقدمة ضرورة ان شوقه اليه ربما يكون اشد من الشوق المحرك فعلا نحو
امر حالى او استقبالى محتاج الى ذلك) توضيح ما فيه هو ان الذى ذكروه فى مقدمات الفعل
الاختيارى وجعلوا آخرها هى الارادة الجازمة المحركة وحكموا بجزئيتها لا ينطبق إلّا
على عدم الانفكاك فليس الغلط من هذه الجهة وانما هو فى قياس الارادة المتعلقة
بالاحكام بذلك وقد عرفت ان الارادة من الشارع من حيث كيفية تعلقها شرعية لانها
تتبع الفعل بمصلحته زمانا ومكانا وغير ذلك من الخصوصيات هذا فى مقام الثبوت واما
فى مقام الاثبات فقد عرفت ان إنشاء الوجوب الحالى لامر حالى او لامر استقبالى او
إنشاء الوجوب الاستقبالى او الحكم الوضعى كذلك كلها سواء فى الامكان والصحة فاذا
طلب واراد فعلا من الافعال صح
مطلقا من غير فرق بين كونه حاليا او استقباليا (هذا) واما قوله (مع انه لا يكاد يتعلق البعث إلّا بامر
متاخر عن زمان البعث ضرورة ان البعث انما يكون لاحداث الداعى للمكلف الى المكلف به
بان يتصوره بما يترتب عليه من المثوبة وعلى تركه من العقوبة ولا يكاد يكون هذا الا
بعد البعث بزمان فلا محالة يكون البعث نحو امر متأخر عنه بالزمان ولا يتفاوت طوله
وقصره فيما هو ملاك الاستحالة والامكان فى نظر العقل الحاكم فى هذا الباب) فان اراد بالامر المتأخر صيرورة طلب المولى داعيا
فعليا ففيه اولا انه ليس هو متعلق الطلب والارادة بل هو الغرض والغاية منهما
وثانيا ان ذلك لم يجد بزمان طويل ولا قصير لانه ان كان العبد فى صدد عصيان هذا
الامر فهو لا يوجد اصلا وان كان بصدد اطاعته كان صدور البعث وصيرورته داعيا
موجودين بوجود واحد على ما هو شان العلة ومعلولها وان كانت دعوة الداعى فعلا على
مقدار امره المطاع فان كان متعلقه فوريا ففورية او متراخيا فمتراخية او متقدما او
متأخرا فكذلك فهو غير محدود والمتأخر انما هو اثره لا نفسه وان اراد بالامر
المتأخر نفس احداث الداعى ففيه مضافا الى ما تقدم اولا ان هذا الامر يحدث بمجرد
حدوث الطلب ولا تأخر له بالزمان لان حدوثه معه كحدوث زوجية الأربعة وان اراد
بالامر المتأخر متعلق الطلب وما يكون الطلب داعيا اليه فقد عرفت ان الطلب الموجود
لا يوجب وجوده وانما المطلوب ايجاده موكولا الى اختيار العبد فى مقام الطاعة
والعصيان فان جاء به مطيعا فذاك لا لقضاء الطلب بوجوب وجوده قسرا وان اراد تركه
عصيانا فذاك لا لقصور فى الداعى طلبا أو أمرا فهذا سبب التأخر لا ما افاده من
ابتنائه على جواز تاخر المراد عن الإرادة تكوينا وبالجملة فقد عرفناك حقيقة الحال
ودللناك على الوجه فى سقوط ذلك المقال (ولعمرى ما ذكرناه واضح لا سترة عليه
والاطناب) منافى ذلك (لاجل رفع المغالطة
الواقعة فى اذهان بعض الطلاب) هذا (و) قد عرفت انه (ربما اشكل على المعلق ايضا يعدم القدرة
على) اتيان (المكلف به فى حال
البعث مع انها من الشرائط العامة وفيه) ما تقدم بيانه من (ان الشرط انما هو القدرة على اداء
الواجب
فى زمانه) الذى ضرب له (لا زمان) حكمه وهو (الايجاب والتكليف غاية الامر يكون من
باب الشرط المتأخر) فان جاء زمانه كشف عن كونه واجبا واقعا من حين الايجاب وان لم يجئ زمانه
كشف عن العكس (وقد
عرفت بما لا مزيد عليه انه كالمقارن من غير انخرام للقاعدة العقلية اصلا فراجع ثم) ليعلم انه (لا وجه لتخصيص المعلق بما يتوقف حصوله
على امر غير مقدور) كما زعمه صاحب الفصول (بل
ينبغى تعميمه الى) ما لو علق على (امر
مقدور متأخر قد اخذ فيه) اى فى الواجب (على
نحو يكون موردا للتكليف ويترشح عليه الوجوب من الواجب) الذى يثبت وجوبه (اولا لعدم تفاوت فيما يهمّه) اى القائل بالمعلق (من وجوب تحصيل المقدمات التى لا يكاد
يقدر عليها فى زمان الواجب) لضيق وقته الذى هو الثمرة المترتبة (على المعلق دون
المشروط لثبوت الوجوب الحالى فيه فيترشح منه الوجوب على المقدمة بناء على الملازمة
دونه) اى المشروط (لعدم ثبوته) اى الوجوب (فيه الا بعد) تحقق (الشرط) من غير فرق بين كون المقدمة قبل زمان الواجب كغسل
الجنب قبل الفجر او بعد زمان الواجب كغسل المستحاضة ليلا بناء على شرطيته فى صوم
اليوم الماضى قلت هذا الكلام مجمل المراد عندى اما اولا فلان صاحب الفصول لم يخص
المعلق بما توقف حصوله على امر غير مقدور وان خصه بذلك عند تعريفه لانه بعد ذلك
عممه صريحا للمقدور إلّا انه خص المثال له بالمقدمة المحرمة فمثله بالحج المنذور
الواجب على تقدير ركوب الدابة المغصوبة وتخصيص المثال لا يلزم منه تخصيص الممثل
كما هو واضح واما ثانيا فلان الامر المعلق عليه الواجب ان كان حاليا كان الواجب
مطلقا بالنسبة اليه وان كان متأخر ازمانا كان الواجب معلقا لكونه غير مقدور لان
مجيء زمانه ليس بيد العبد سواء كان فى نفسه مقدورا او غير مقدور ففرض كونه مقدورا
مطلقا مع فرض تأخر زمانه جمع بين المتناقضين وان اراد المقدورية من جهة ذاته فى
مقابل غير المقدور مطلقا كما هو ظاهر الفصول فقد عرفت التعميم له وكيف كان فقد ظهر
لك الفرق بين المعلق والمشروط وان الوجوب فى الاول حالى فتجب مقدمات الفعل قبل
زمانه بخلاف المشروط فانه لا وجوب الا بعد حصول الشرط فلا تجب مقدمات الفعل (نعم لو كان الشرط على
نحو
الشرط المتأخر وفرض وجوده كان الوجوب المشروط به حاليا ايضا فيكون وجوب سائر
المقدمات الحالية للواجب ايضا حاليا وليس الفرق بينه) اى المشروط (وبين المعلق حينئذ الا كونه) اى المشروط (مرتبطا بالشرط بخلافه) اى المعلق (وان ارتبط به) اى بالشرط (الواجب) فيكون الوجوب اربعة اقسام مطلقا منجزا ومشروطا متعارفا
ومعلقا ومشروطا بنحو الشرط المتأخر والاخيران متساويان مناطا مختلفان ارتباطا عند
المصنف غير ان صريح صاحب الفصول كون المعلق هو عين ما جعله المصنف مشروطا بشرط
متأخر فانه صرح مرارا فى بيان الفرق بين المعلق والمشروط ان حصول الشرط فى الاول
كاشف عن سبق الوجوب وعدمه عن عدمه وجعله كالإجازة بالنسبة الى العقد وان كون
المشروط متعقبا به هو الشرط بخلاف الثانى ومن المعلوم انه اذا لم يكن الوجوب
مرتبطا بالشرط فى المعلق فلا محل لانكشاف الخلاف فيه نعم كل حكم منوط وجودا بوجود
موضوعه وعدما بعدمه وهذا غير مسئلة الشرط ولا يعقل وجود معلق غير مرتبط بالشرط
فمشروط المصنف عين معلق الفصول ولم يات بشىء جديد كما لا يخفى على ذى الراى السديد
واذا احطت خبرا بما ذكرنا فاعلم ان الحق عندى ان جميع الواجبات معلقة لا مشروطة
ولا مطلقة وتحقيق ذلك هو ان ما ذكروه من الملازمة بين وجوب ذى المقدمة ووجوبها
بناء على وجوبها قاض بتوقف وجوبها على وجوبه عقلا بحيث لا يعقل ان تجب مقدمة
بالوجوب الغيرى الا بعد وجوب ذيها ولذا اشكل عليهم الامر فى الواجبات المضيقة
بالنسبة الى مقدماتها فاحتاجوا فى التخلص الى تلك الوجوه التى منها المعلق ونحن
نقول انا ننقل الكلام الى الواجب الموسع ونرى ان اول الوقت الحكمى هل هو وقت وجوب
الصلاة مثلا او ليس بوقت لها ولا اشكال كما لا خلاف فى انه وقت لها فلو اراد
المكلف امتثال هذا التكليف فلا بد من وقوع مقدماته قبل الوقت فلا تكون واجبة فلا
بد من التزام احد امور ثلثه فى هذا المقام اما القول بان الوجوب متعلق بالفعل قبل
الوقت او القول بان الوجوب تعلق اول الوقت بالصلاة بعد ان يمضى منه مقدار فعل
المقدمة او القول
بوجوب الصلاة اول الوقت وعدم وجوب المقدمة ولا رابع لهذه الوجوه والاولان
عين المطلوب والثالث خلاف فرض المسألة من وجوب المقدمة بوجوب ذيها وحيث ثبت عقلا
ان وجوب كل فعل لا بد وان يكون متعلقه متأخرا عن حال وجوده بمقدار زمن يسع المقدمة
القاضى بلزوم تقدم الوجوب فى الموسع على اول الوقت لمن يريد الفعل فيه كشف ذلك عن
ان الطلب فى جميع الواجبات تعلق بها فى مبدأ البعث اليها ووجبت مقدماتها قبل زمان
وجودها ولا حد لمقدار السبق لتساوى اجزاء الزمان فى ذلك والوجوب فيها مشروط عقلا
ببلوغ ذلك الوقت على نحو الشرط المتأخر وان كان الشرط من قيود الواجب شرعا فهو
معلق شرعا مشروط عقلا فلا حاجة الى هذه المتاعب ولا الى هذه التقسيمات بل الكل على
نهج واحد بعد ما عرفت من ان القيود فى التكاليف الشرعية راجعة الى المواد واندفع
بذلك كل اشكال اذ لا محيص فى توجيه تعلق الوجوب إلّا بما ذكرنا فتدبر فان فيه نوع
غموض وعلى ما ذكرنا ينطبق ما ذكروه من صحة الوضوء المقصود به الناهب للفرض قبل
الوقت المأتى به بنية الوجوب وينطبق ايضا ما ذكروه من انه لو مضى من الوقت مقدار
اداء الصلاة دون مقدماتها ولم تكن حاصله للمكلف قبله سقط القضاء اذ لو كان الوجوب
المطلق المنجز ثابتا اول الوقت وجب القضاء مطلقا ولا وجه لسقوطه (تنبيه قد انقدح) لك (من
مطاوى ما ذكرناه) واتضح لك من لمعات ما حققناه (ان المناط فى فعلية وجوب المقدمة
الوجودية و) فى (كونه
ثابتا فى الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها هو فعلية وجوب ذيها ولو كان) ذوها فى جميع التكاليف كما عرفت (امرا استقباليا) كالصلاة بعد مضى مقدار ما يسع فعل المقدمات من الزمان
وغير الصلاة من الواجبات الموسعة و (كالصوم فى الغد والمناسك فى الموسم) وغير ذلك من الواجبات المضيقة سواء (كان وجوبه) اى وجوب ذيها (مشروطا بشرط موجود اخذ فيه ولو متأخرا) كاشفا بمعلومية وجوده فى وقته عن حالية المشروط (او) كان (مطلقا) بحسب ظاهر اللفظ من غير فرق فى المطلق بين كونه (منجزا) بحسب الظاهر ايضا (او معلقا) وان كان
الكل على ما تحقق لا يكون إلّا معلقا مشروطا بشرط متاخر وانما يكون وجوب
المقدمة فعليا فى هذه الصور (فيما
اذا لم يكن) ذلك الشيء المقدمى (مقدمة
للوجوب ايضا او) مقدمة (ماخوذة
فى الواجب على نحو يستحيل ان تكون موردا للتكليف كما اذا اخذ) ما له الدخل فى الواجب (عنوانا للمكلف كالمسافر والحاضر) والحائض والطاهر (والمستطيع الى غير ذلك او جعل الفعل
المقيد باتفاق حصوله وتقدير وجوده) من غير فرق بين ان يكون وجوده الاتفاقى (بلا اختيار) من المكلف وهو المعلق على الامر الغير المقدور (او باختياره) وهو المعلق على الامر المقدور (موردا للتكليف) والوجه فى عدم كون وجوب المقدمة فعليا فى هذه الموارد
واضح (ضرورة
انه لو كان مقدمة الوجوب ايضا لا يكاد يكون هناك وجوب الا بعد حصوله وبعد الحصول
يكون وجوبه) وطلبه (طلب
الحاصل كما انه اذا اخذ على أحد النحوين) من العنوانية للموضوع او جعل المقيد باتفاق الوجود
موردا للتكليف (يكون
كذلك) ايضا فى عدم
الوجوب الفعلى (فلو
لم يحصل) العنوان او
الامر المقيد به الواجب (لما
كان الفعل موردا للتكليف ومع حصوله لا يكاد يصح تعلقه به فافهم) قد بلغنا هذا المقام فى الشرح يوم الثلاثاء العشرين من
ذى الحجة الحرام من السنة التاسعة والعشرين بعد الالف والثلاثمائة الهجرية فبلغنا
عصرا خبر وفاة للصنف فى هذا اليوم تلغرافيا فانصدع القلب وانكلم وارتعشت الأنملة
فلم تملك زمام القلم ولقد دهمتنا الدهشة واخذتنا الوحشة اذ قد فاجأنا انه مات فجئه
فما اعظم رزئه فما ادرى أوفاء من السماء ان ضمت روحه الى صدرها ام وفاء من الارض
ان حملته فى بطنها مذ كان حاملا لظهرها ام قد رأته السر المصون من آيات ربها
فصانته فى قلبها فالرزء جليل والصبر جميل والامر الى الملك الجليل قال قدس سرّه (اذا عرفت ذلك فقد
عرفت انه لا اشكال اصلا فى لزوم الاتيان بالمقدمة قبل زمان الواجب اذا لم يقدر
عليه بعد) مجيء (زمانه) لعدم سعته الا له (فيما كان وجوبه حاليا مطلقا) اى سواء كان مطلقا منجزا او مطلقا معلقا بل (ولو كان) الوجوب (مشروطا بشرط متاخر
معلوم
الوجود فيما بعد كما لا يخفى ضرورة فعلية وجوبه) لما عرفت سابقا من مقارنة الشرط المتاخر للمشروط
بوجوده العلمى الموجب له وجوب الوجود فى زمانه (وتنجزه) ايضا (بالقدرة عليه بتمهيد مقدمته فيترشح منه
الوجوب عليها على) القول بثبوت (الملازمة
ولا يلزم منه محذور وجوب المقدمة قبل وجوب ذيها) لما عرفت من وجوبه بمعلومية وجود الشرط فى وقته و (انما اللازم هو
الاتيان بها قبل الاتيان به بل لزوم الاتيان بها عقلا ولو لم نقل بالملازمة) امر (لا يحتاج الى مزيد بيان ومئونة برهان) اذ هو (كالاتيان بسائر المقدمات فى زمان الواجب
قبل اتيانه) بناء على عدم القول بالملازمة فانه لا شك فى لزومه عقلا (فانقدح) لك واتضح غاية الوضوح (انه لا ينحصر التفصى عن هذه العويصة
بالتعلق) بالتعليق (او بما يرجع اليه) معنى (من جعل الشرط من قيود المادة فى المشروط) لما عرفت من حصول التفصى عنها عند المصنف بجعل نفس
الوجوب مشروطا بنحو الشرط المتاخر وفيه ما عرفت من انه عين التعليق فلا وجه لنفى
الانحصار (فانقدح
بذلك ايضا انه لا اشكال فى الموارد التى يجب فى الشريعة الاتيان بالمقدمة قبل زمان
الواجب) وهى العويصة
المشار اليها (كالغسل
فى الليل فى شهر رمضان وغيره مما وجب) فيه (عليه) اى على المكلف (الصوم فى الغد اذ يكشف به) اى بوجوب المقدمة (بطريق الإنّ) وهو الانتقال من ثبوت المعلول وهو هنا وجوب المقدمة
الى ثبوت العلة وهى وجوب ذيها (عن
سبق وجوب الواجب وانما المتاخر زمان اتيانه ولا محذور فيه اصلا ولو فرض العلم بعدم
سبقه) اى وجوب
الواجب ذى المقدمة وان زمن وجوبه متاخر (لاستحال اتصاف مقدمته بالوجوب الغيرى) اذ لا يعقل وجود المعلول بلا علة (فلو نهض دليل على
وجوبها فلا محالة يكون وجوبها نفسيا ولو) كانت مصلحته (تهيئا) فيكون وجوبا نفسيا تهيئيا وتاهبيا (ليتهيأ) المكلف (باتيانها) اى المقدمة (ويستعد لا يجاب ذى المقدمة عليه) فيكون هذا المعنى هو المقصود من قولهم بوجوب الوضوء
تاهبا للفرض ولو لا ذلك لكان قولا يحيله العقل الاعلى الوجه الذى ذكرناه وعرفت انه
لا يعقل سواه (فلا
محذور
ايضا
ان قلت لو كان وجوب المقدمة فى زمان كاشفا عن سبق وجوب ذى المقدمة) عقلا (لزم وجوب جميع مقدماتها) اى مقدمات المقدمة من احضار الماء للغسل فى ليلة الصوم
وغير ذلك (ولو) وجوبا (موسعا) من اول الليل (وليس) الامر (كذلك) اذ العقل لا يقتضى ازيد من سبق الوجوب آناً ما لتصحيح
وجوب المقدمة كحكمه بسبق الملكية آناً ما فى صحة انعتاق احد العمودين على الولد
وليس العقل حاكما بسبق الوجوب من اول الليل (بحيث يجب عليه) اى على المكلف (المبادرة لو فرض عدم تمكنه منها) اى من المقدمة فى آخر الوقت (لو لم يبادر قلت) لزوم وجوب جميع المقدمات ولو موسعا (لا محيص عنه) والعقل حاكم بسبق الوجوب على الوجه الذى لا يكون فيه
وجوب المقدمة بلا علة ولا يلزم من عدم وجوبها تفويت الواجب ما دام وجوب الواجب على
وجه تكون هذه المقدمات موردا للتكليف اللهم (إلّا اذا اخذ فى الواجب من قبل سائر
المقدمات قدرة خاصه وهى القدرة عليه بعد مجيء زمانه) فلا تكون المقدمات حينئذ موردا للتكليف فلا وجوب كاشف
ولا وجوب منكشف (لا
القدرة عليه فى زمانه) موجودة (من
زمان وجوبه) اذ على هذا التقدير لا محيص عن وجوب المقدمات الكاشف عند العقل عن سبق
وجوب ذيها فتدبر جدا فانه دقيق وبالتدبر حقيق تنبيه لا يذهب عليك ان سعة الوقت
للواجب شرط فى وجوبه عقلا وشرعا فوجوب الصلاة اول الوقت مشروط عقلا ببقاء المكلف
وقتا يسعها وبقاء الوجوب فى كل جزء منه مشروط كذلك فالوجوب حينئذ لا محاله معلق او
مشروط بشرط متأخر وكلاهما واحد اذ لو لا حالية الوجوب لسقط وجوب جميع الواجبات فى
مثل هذا الشرط (تتمة
قد عرفت اختلاف القيود) الماخوذة فى الواجب (فى
وجوب التحصيل وكونه) اى القيد (موردا
للتكليف وعدمه) اى عدم كونه موردا (فان
علم حال القيد) الماخوذ (فلا
اشكال) فى ترتيب
حكمه عليه (وان
دار امره ثبوتا بين ان يكون راجعا الى الهيئة) على (نحو الشرط المتأخر) الذى يكون به مدلول الهيئة وهو الوجوب حاليا (او) على نحو (الشرط المقارن) فلا يكون كذلك فلا يجب على هذين التقديرين تحصيله
وان
يكون راجعا الى المادة على نهج يجب تحصيله او) على نهج رجوعه الى الهيئة فى انه (لا يجب) تحصيله فيلحظ حينئذ (فان كان فى مقام الاثبات) والادلة اللفظية (ما يعين حاله ويبين انه) اى القيد (راجع الى ايتهما) الهيئة او المادة بالدلالة المطابقة لقانون الصناعة (من القواعد العربية
فهو) المرجع (وإلّا فالمرجع هو
الاصول العلمية) فتحصل مما ذكرنا ان الدوران تارة يكون بين الرجوع الى الهيئة او المادة
واخرى يكون فيما يرجع الى المادة بين كونه راجعا على نحو يجب تحصيله او على نحو لا
يجب وقد عرفت حكم الصورتين (وربما
قيل فى) الصورة
الاولى وهى (الدوران
بين الرجوع الى الهيئة او الى المادة بترجيح) بقاء (الاطلاق فى طرف الهيئة و) تعين (تقييد المادة بوجهين احدهما ان اطلاق
الهيئة لا يكون) عمومه الحكمتى (الا
شموليا كما فى شمول العام) الوضعى (لافراده فان وجوب الاكرام على تقدير) بقاء (الاطلاق يشمل جميع التقادير التى يمكن
ان تكون تقديرا له واطلاق المادة انما يكون) عمومه (بدليا) على نحو اسم الجنس بدليل الحكمة فهو (غير شامل) الا لفرد واحد على البدل لا (لفردين فى حالة واحدة) فيدور الامر حينئذ بين الرجوع الى الهيئة وبقاء اطلاق
المادة او الى المادة وبقاء اطلاق الهيئة والثانى اولى لانه اقوى من ذلك الاطلاق (ثانيهما ان تقييد) مدلول (الهيئة) وهو الوجوب (يوجب بطلان محل الاطلاق فى المادة) وسقوطه (ويرتفع به مورده بخلاف العكس) مثال ذلك ما اذا قال المولى اكرم زيدا ان احسن اليك
فان الوجوب الذى هو مدلول هيئة اكرم والاكرام الذى هو مدلول مادتها كلاهما مع قطع
النظر عن القيد مطلقان عامان لتقدير وجوب الاحسان منه وعدمه فاذا رجع هذا القيد
الى الهيئة كان وجوب الاكرام مقيدا بتقدير صدور الاحسان فلا يجب اكرامه حال عدم
احسانه اصلا وان كانت المادة وهى الاكرام مطلقة شامله لموردهما معا إلّا انه لا
جدوى فى ذلك بعد تقييد الحكم بصورة صدوره فبطل مورد الاطلاق فى المادة اما فى صورة
العدم فلعدم ثبوت الحكم فى هذا المورد واما فى صورة الوجود
فلان الحكم تابع لتحقق قيد الهيئة اما اذا رجع القيد الى المادة كان المعنى
اوجب عليك الاكرام المقيد بتقدير احسانه اليك وهذا لا ينافى وجوب الاكرام على
تقدير العمل فتبقى الهيئة على اطلاقها وهذا واضح (وكلما دار الامر بين تقييدين كذلك كان
التقييد الذى لا يوجب بطلان الآخر اولى اما الصغرى) وهى ايجاب تقييد الهيئة بطلان اطلاق المادة (فلاجل) ما عرفت من (انه لا يبقى مع تقييد الهيئة محل حاجة
وبيان لاطلاق المادة لانها لا محالة لا تنفك عن وجود قيد الهيئة) وفى صورة عدم وجوده لا حكم فهو حيث يوجد لا اطلاق وحيث
يفقد لا حكم (بخلاف
تقييد المادة فان محل الحاجة الى اطلاق الهيئة على حاله) كما اوضحنا ذلك لك (فيمكن الحكم بالوجوب على تقدير وجود
القيد وعدمه واما الكبرى فلان التقييد وان لم يكن مجازا إلّا انه خلاف الاصل ولا
فرق فى الحقيقة بين تقييد الاطلاق وبين ان يعمل عملا يشترك مع التقييد فى الاثر
وبطلان العمل به كتقييد الهيئة فى المقام وما ذكرناه من الوجهين موافق لما افاده
بعض مقررى بحث الاستاد) وهو شيخنا المرتضى العلامة اعلى الله مقامه (وانت خبير بما فيهما
اما) ما فى (الاول فلان مفاد
اطلاق الهيئة وان كان شموليا بخلاف اطلاق المادة إلّا انه لا يوجب ترجيحه) وابقائه لانه اقوى فى الشمول للفرد من المطلق العام
البدلى (على
اطلاقها) اى المادة (لانه) اى العموم الشمولى (ايضا كان بالاطلاق ومقدمات الحكمة) كالعموم البدلى فى المادة فالمقتضى للعمومين واحد وهو
الحكمة (غاية
الامر انها تارة تقتضى العموم الشمولى واخرى) تقتضى العموم (البدلى كما ربما تقتضي) الحكمة [التعيين) للفرد المراد (احيانا) لا التعميم [كما لا يخفى] وسيجيء فى المطلق انشاء تعالى تفصيل ذلك (وترجيح عموم العام
على اطلاق المطلق انما هو لاجل كون دلالته بالوضع لا لكونه شموليا بخلاف) عموم (المطلق لانه بالحكمة فيكون العام) وضعا (اظهر منه) اى من المطلق العام حكمة (فيقدم عليه) فالمناط فى الترجيح علة العموم لا كيفيته (فلو فرض انهما) اى العامان (فى ذلك على العكس فكان عام بالوضع دل
على العموم البدلى ومطلق باطلاقه حكمة دل على العموم الشمولى لكان
العام) وان كان بدليا (يقدم على المطلق وان كان شموليا بلا
كلام) كما او قلت
أحل الله البيع وبع اى بيع شئت ثم قلت الا البيع الفلانى ودار الامر بين رجوعه الى
العام البدلى او المطلق الشمولى فالظاهر ان الثانى اولى لان الاول اقوى فى الدلالة
ولعله الى هذا اشار الشيخ العلامة بالتأمل فيما حكاه المقرر عنه [واما] ما فى (الثانى فلان التقييد وان كان خلاف الاصل
إلّا ان العمل الذى يوجب عدم جريان مقدمات) دليل (الحكمة وانتفاء بعض مقدماته لا يكون على
خلاف الاصل اصلا اذ معه لا يكون هناك اطلاق كى يكون بطلان العمل به فى الحقيقة مثل
التقييد على خلاف الاصل) [وبعبارة اخرى تقييد المطلق خلاف الاصل لا عدم الاطلاق وان كان بسبب
تقييد آخر] (وبالجملة
لا معنى لكونه خلاف الاصل الا كونه) اى التقييد (خلاف الظهور المنعقد للمطلق ببركة
مقدمات) دليل [الحكمة] لانه هو الاصل (ومع انتفاء المقدمات) بسبب تقييد جانب الهيئة [لا يكاد ينعقد له هناك ظهور] حتى يقال (كان ذاك العمل المشارك مع التقييد فى
الاثر و) هو (بطلان العمل باطلاق
المطلق مشاركا معه) اى مع التقييد (فى) كونه (خلاف الاصل ايضا وكانه توهم ان اطلاق
المطلق كعموم العام ثابت) مطلقا (ورفع اليد عن العمل تارة لاجل التقييد
واخرى بالعمل المبطل للعمل به وهو فاسد لانه لا يكون اطلاق الا فيما جرت هناك
المقدمات نعم اذا كان التقييد بمنفصل ودار الامر بين الرجوع الى المادة او الهيئة
كان لهذا التوهم مجال حيث انعقد للمطلق اطلاق وقد استقر له ظهور ولو بقرينة الحكمة
فتأمل) قلت الظاهر
عدم الفرق بين القيد المتصل والمنفصل بيان ذلك ان كلا من الهيئة والمادة مطلق قطعا
لو لا القيد يعنى ان فى كل منهما جهة الاقتضاء للاطلاق ووجود القيد المانع عن
الاطلاق لا جماله مرجعا اسقطهما معا عن الحجية فى موردهما كما هو قاعدة التقييد
بالمجمل لان واحدا من الاطلاقين مقيد قطعا والآخر مطلق قطعا ومع الاشتباه يسقطان
معا عن الحجية ولو لا ثبوت مقتضى الاطلاق فيهما معا لما كان للتقييد معنى ولما كان
للدوران محل كما لا يخفى فاذا دار الامر فى تعيين المطلق والمقيد المشتبهين بين
ارجاع القيد الى ما
يبطل معه مقتضى الاطلاقين وما لا يبطل معه الا الاطلاق الذى رجع القيد اليه
فلا ريب فى ان الثانى اولى لان وجود المانع عن مقتضى الاطلاق مخالف للاصل لاصالة
عدم المانع بعد احراز وجود المقتضى فالمقام غير محتاج فى كونه على خلاف الاصل الى
الاطلاق الفعلى ليفرق بين القيد متصلا ومنفصلا بعدم انعقاده فى الاول وانعقاده فى
الثانى وهذا فى غاية الوضوح والعجب من المصنف قده حيث خفى عليه ذلك بل قد انقدح لك
مما ذكرنا انه يمكن ان يقال فى ترجيح تقييد المادة ان بطلان اطلاق المادة وسقوطه
متيقن على كل تقدير لانه ان رجع القيد اليها سقط موضوعا وان رجع الى الهيئة سقط
حكما فيبقى الشك فى تقييد الهيئة بدويا والاصل عدم المانع عن مقتضى الاطلاق فيها
وهذا احسن من تقريره بما افاده الشيخ العلامة فتأمل جدا (ومنها تقسيمه الى
النفسى والغيرى) وليعلم انه (حيث
كان طلب) كل طالب عاقل
لكل (شىء
وايجابه) على الغير (لا يكاد يكون بلا
داعى اليه) فامر الشيء
المطلوب دائر بين امرين (فان
كان الداعى) الثابت (فيه
هو التوصل به الى واجب لا يكاد) يمكن (التوصل بدونه اليه فالواجب غيرى وإلّا
فهو نفسى) وان طلب
للغير مما كان الغير فيه يعد فائدة لهذا المطلوب (سواء كان الداعى محبوبية الواجب بنفسه
كالمعرفة بالله تعالى) ولا ينافى ذلك وجوبها المقدمى لوجوب شكر المنعم الذى فائدته حصول القرب
منه ضرورة ان المحبوب النفسى قد يجب بالغير كالطهارة والصلاة فالمعرفة بالله هى فى
نفسها غاية الغايات ونهاية الفوائد ففائدتها نفسها فهى المفيد وهى المستفاد (او محبوبيته) اى الواجب (بما له من فائدة مترتبة عليه كاكثر
الواجبات من العبادات والتوصليات هذا ولكنه لا يخفى ان الداعى لو كان محبوبيته
كذلك اى بما له من الفائدة المترتبة عليه كان الواجب فى الحقيقة واجبا غيريا فانه
لو لم يكن وجود هذه الفائدة لازما لما دعى وجودها الى ايجاب ذى الفائدة فان قلت
نعم) فائدة الشيء (وان كان وجودها
محبوبا لزوما إلّا انها حيث كانت من الخواص المترتبة على الافعال التى لا تكون
داخلة تحت قدرة المكلف) لم تكن متعلقة للتكليف فلا يكون المحصل لها واجبا غيريا وكذا الحال
فى جميع الواجبات فانها لو لم تكن مقدورة (لما كان يتعلق بها الايجاب) وكذا باقى متعلقات الاحكام واحكامها (قلت بل هى داخله تحت
القدرة لدخول اسبابها تحتها والقدرة على السبب قدرة على المسبب كما هو واضح وإلّا
لما صح وقوع جملة من الاحكام مثل التطهر والتمليك والتزويج والطلاق والعتاق الى
غير ذلك من المسببات موردا لحكم من الاحكام التكليفية] والتحقيق ان يقال ان من الافعال ما يشتمل على فائدة هى
من قبيل الآثار والخواص المعنوية التى اذا نظر العقل الى اشتمال الفعل عليها حكم
بحسنه واستحقاق فاعله للمدح ومنها ما كان بالعكس وهو الذى اذا نظر العقل الى
اشتمال الفعل عليه حكم بقبحه واستحقاق فاعله للذم ومنها ما يترتب عليها فائدة هى
من قبيل الافعال المشتملة على الفائدة الاولى فيكون حسنها وقبحها بحسن المترتب
وقبحه اذ ليس فى ذاتها ما يقتضى حكم العقل بحسنها وقبحها بل ليس فى ذاتها الا
قابلية ترتب الفعل الحسن والقبيح عليها فيكون الحسن والقبح فى القسم الاول ذاتيين
وفى القسم الثانى عرضيين فما كان من قبيل الاول فهو الواجب والحرام النفسيان وما
كان من قبيل الثانى فهو الواجب والحرام الغيريان وقد تجتمع الجهتان فى واحد من
جهتين كالطهارة للصلاة والمعرفة للشكر وشرب الخمر لقتل النفس المحترمة وهذا هو
معنى ما ورد من ان الله تعالى لم يامر إلّا بحسن ولم ينه الا عن قبيح فهذه حقيقة
الواجب النفسى والغيرى والى ما ذكرنا اشار قدس الله تعالى نفسه واسكنه فردوسه حيث
قال (فالاولى
ان يقال ان الاثر المترتب عليه وان كان لازما إلّا ان ذا الاثر) وهو الفعل (لما كان معنونا بعنوان حسن يستقل العقل) بادراكه و (بمدح فاعله بل وبذم تاركه صار متعلقا
للايجاب بما هو كذلك ولا ينافيه كونه مقدمه لامر مطلوب واقعا) وهو تلك الخاصية بل لا ينافيه ان يكون بتلك الخاصية
مقدمة لفعل مطلوب ذى خاصية كما عرفت (بخلاف الواجب الغيرى لتمحض وجوبه فى انه] محقق [لكونه مقدمة لواجب نفسى وهذا ايضا لا
ينافى ان يكون معنونا بعنوان حسن فى نفسه إلّا انه لا دخل له فى ايجابه الغيرى
ولعله) اى هذا
المعنى (مراد
من فسرهما) اى النفسى
والغيرى (بما
امر به لنفسه وما امر به لاجل غيره فلا يتوجه)
حينئذ (عليه
الاعتراض بان جل الواجبات بل الكل يلزم على ذلك ان يكون من الواجبات الغيرية فان
المطلوب النفسى) كالمعرفة مثلا (قل
ما يوجد فى الاوامر فان جلها مطلوبات لاجل الغايات التى هى خارجة عن حقيقتها) والوجه فى عدم توجه ذلك ما عرفته من ان نظر هذا القائل
الى ما ذكرنا المنطبق عليه كل ما تعلقت به الاوامر التعبدية والتوصلية كما لا يخفى
(فتأمل
ثم انه لا اشكال فيما اذا علم باحد القسمين من كونه نفسيا او غيريا واما اذا شك فى
واجب) فلم يعلم (انه نفسي او غيرى
فالتحقيق ان الهيئة وان كانت موضوعه لما يعمهما) ويصلح لهما معا كما ان الاستعمال على ذلك ايضا تبعا
للوضع (إلّا
ان اطلاقها يقتضى) كما عرفت فيما تقدم (كونه
نفسيا فانه لو كان شرطا لغيره لوجب التنبيه عليه على المتكلم الحكيم واما ما قيل
من انه لا وجه للاستناد الى اطلاق الهيئة لدفع الشك المذكور بعد] ما تحقق من [كون مفادها لا يعقل فيه التقييد) لعدم معقولية الاطلاق لان مفاد الهيئة كما عرفت هو
الطلب الجزئى (نعم
لو كان مفاد الامر هو مفهوم الطلب صح القول بالاطلاق لكنه بمراحل عن الواقع) اذ لو كان مفاد الامر هو الطلب المفهومى الكلى لا
الطلب الحقيقى الخارجى لم يصح اتصاف الفعل بالمطلوبية والتالى باطل قطعا (اذ لا شك فى اتصاف
الفعل بالمطلوبية بالطلب المستفاد من الامر ولا يعقل اتصاف المطلوب بالمطلوبية
بواسطة مفهوم الطلب فان الفعل انما يصير مرادا بواسطة تعلق واقع الارادة وحقيقيتها) به (لا
بواسطة) تعلق (مفهومها وذلك واضح لا
يعتريه ريب ففيه ان مفاد الهيئة كما مرت الاشارة اليه ليس الافراد بل هو مفهوم
الطلب كما عرفت تحقيقه فى وضع الحروف) وعرفت ايضا انه (لا يكاد يكون) مفاد الهيئة هو (فرد) من (الطلب
الحقيقى) وهو (الذى يكون بالحمل
الشائع طلبا وإلّا) لو كان كذلك (لما
صح انشائه بها ضرورة انه) اى الطلب الجزئى الخارجى (من الصفات الخارجية
الناشئة من اسباب خاصه) فالطلب الحقيقى الخاص منشؤه سببه الخاص لا الطالب بالصيغة الخاصة وبعبارة
اخرى لا يمكن انشاء المصاديق الخارجية بالصيغ اللفظية وانما المنشأ بها هى
المفاهيم الكلية والفرق بين الانشاء والاخبار ان الانشاء ايجاد للمعنى
المنشأ بهذا اللفظ فكيف يمكن ايجاد الموجود الخارجى انشاء والاخبار حكاية
لثبوت شيء لموجود خارجى فلا يقاس احدهما بالآخر كما هو واضح (نعم ربما يكون) الطلب الحقيقى (هو السبب لانشائه) اى انشاء الطلب المفهومى (كما) قد (يكون
غيره) سببا (احيانا) كامتحان العبد وابتلائه فانه لم يكن هذا الطلب عن طلب
حقيقى [و] ما ذكر من (اتصاف الفعل بالمطلوبية الواقعية
والارادة الحقيقية الداعية الى ايقاع طلبه وانشاء ارادته) بالصيغة (بعثا) من المنشأ للعبد (نحو مطلوبه الحقيقى وتحريكا) منه (الى مراده الواقعى لا ينافى اتصافه
بالطلب الانشائى ايضا) كما يتصف به الفعل المطلوب امتحانا (والوجود الانشائى لكل شيء ليس إلّا قصد
حصول مفهومه بلفظه) سواء (كان
هناك طلب حقيقى او لم يكن بل كان انشائه بسبب آخر كما) عرفته (ولعل منشأ الخلط والاشتباه تعارف
التعبير عن مفاد الصيغة بالطلب المطلق) من دون تقييده بالانشائى وقد طرق سمع هذا القائل (فتوهم منه ان مفاد
الصيغة يكون طلبا حقيقيا يصدق عليه الطلب بالحمل الشائع ولعمرى انه من قبيل اشتباه
المفهوم بالمصداق فالطلب الحقيقى) الذى هو المصداق (اذا لم يكن قابلا للتقييد لا يقتضى ان
لا يكون مفاد الهيئة قابلا له وان تعارف تسميته) اى مفاد الهيئة (بالطلب ايضا) ويعبر به عنه مع عدم تقييده بالانشائى إلّا ان ذلك لا
ينبغى ان يكون سببا للاشتباه (لوضوح
ارادة خصوصه) اى الانشائى (و) معلومية (ان الطلب الحقيقى لا يكاد ينشأ بها كما
لا يخفى فانقدح بذلك صحة تقييد مفاده الصيغة بالشرط كما مر) عليك فعلا (هاهنا بعض الكلام وقد مر فى مسئلة اتحاد
الطلب والارادة ما يجدى فى المقام) قلت يمكن الاخذ باطلاق الهيئة بعد تسليم جميع ما ذكر
اطلاقا مقاميا لا لفظيا بان يقال لو كان الوجوب غيريا لكان عليه البيان ضرورة
تفاوت جملة من احكام النفسى والغيرى فلما امر وسكت فى مقام البيان ولم يات بما يدل
على شيء فالوجوب نفسى لعدم احتياج ذلك الى بيان زائد على انشاء لفظه كما لا يخفى
لا يقال ان السكوت لمكان الاكتفاء باطلاق المادة لا بالاطلاق المقامى لانا نقول ان
هذا القائل قد اعترف مرارا بان ظاهر الكلام بحسب العرف والقواعد العربية
هو رجوع القيود المذكورة فيه الى الهيئة وهذا اعتراف ضمنى بظهور الهيئة فى
الاطلاق مع عدم ذكر شيء من القيود فى الكلام ويكفى فى كون ذلك هو الظاهر ذهاب
المشهور الى زمانه او قبله بيسير الى ذلك فكيف يمكن مع هذا الاعتراف دعوى اكتفاء
الامر باطلاق المادة الذى لم يلتفت اليه الا الاوحدى (هذا اذا كان هناك
اطلاق واما اذا لم يكن) هناك اطلاق فحيث ان قضية الوجوب النفسى ثبوته على كل تقدير وقضية الوجوب
الغيرى ثبوته على تقدير وجوب الغير وعدم ثبوته على تقدير عدم وجوبه فاذا شك فى
كونه واجبا نفسيا او غيريا فان كان على تقدير كونه غيريا واجب الاتيان فعلا (فلا بد من الاتيان به
فيما اذا كان التكليف بما احتمل كونه) اى كون هذا المشكوك وجوبه الغيرى (شرطا له) اى للواجب بمعنى ان الشاك يعلم انه لو كان هذا المشكوك
واجبا غيريا مقدميا كان التكليف بذى المقدمة (فعليا) وانما وجب الاتيان به حينئذ (للعلم بوجوبه فعلا
وان لم يعلم جهة وجوبه) هل هى النفسية او الغيرية (وإلّا فلا) اى وان لم يعلم فعلية التكليف بذى المقدمة لو كان
مشكوك الوجوب المقدمى واجبا فى الواقع فلا يلزم الاتيان به (لصيرورة الشك فيه) اى فى الوجوب المشكوك (بدويا) للعلم التفصيلى بعدم وجوبه على تقدير كونه غيريا (كما لا يخفى تذنيبان
الاول لا ريب فى استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسى وموافقته واستحقاق العقاب
على عصيانه ومخالفته عقلا واما استحقاقهما على امتثال الغيرى ومخالفته ففيه اشكال
وان كان التحقيق) ثبوت الاستحقاق لا (عدم
الاستحقاق) كما عند
المصنف قده (على
موافقته ومخالفته بما هو موافقه ومخالفه) ولا بد من تحقيق مقام استحقاق الثواب والعقاب فنقول
اما الواجبات التعبدية فالامر فيها واضح ويزداد وضوحا ببيان حال التوصلية منها
واما التوصلية فاعلم ان ترك الواجب مع العلم بوجوبه وعدم الغفلة حال الترك عنه
موجب لاستحقاق العقاب قطعا باى عنوان وقع الترك ضرورة ان المقصود من ايجاب ذلك
الواجب وقوعه فى الخارج وان لم يكن بداعى امره فيترتب استحقاق العقاب على تركه وان
لم يقصد به مخالفته بما هى مخالفه لان
نفس تركه مخالفه وهذا واضح واما استحقاق الثواب على فعله فليس ذلك من آثار
مطلق فعل الواجب بل من آثار فعله بما هو واجب فان العقل حاكم بعدم استحقاق الثواب
إلّا اذا اتى بالواجب يقصد امتثال امره واما الاتيان به بمحض الموافقة لا لكونه
واجبا فلا يستحق به الثواب قطعا من غير فرق بين النفسى والغيرى فغاسل ثوبه مثلا
لاستقذار النجاسة قبل الصلاة جاء بالواجب والقاسم بين زوجاته لتحصيل الصفاء جاء
بالواجب إلّا انه لا يستحق على ذلك ثوابا اذ لم يكن قد فعل ذلك بداعى وجوبه ليثبت
له على موجبه حق واما مع فعله بهذا الداعى فان كان نفسيا فلا اشكال وان كان غيريا
فقد وقع الخلاف بين الاعلام فى استحقاق الثواب عليه من غير فرق بين كونه توصليا او
تعبديا من حيث المقدمية مع قطع النظر عن عنوان العبادية فمحل الخلاف فى الاستحقاق
وعدمه هذه الصورة قال فى التقريرات لا ريب فى استحقاق العقاب عقلا على مخالفة
الواجب النفسى ولا اشكال فى ترتب التواب على امتثاله وهل يصح ترتب الثواب والعقاب
على الواجبات الغيرية بمعنى استحقاق الآتي بالواجب الغيرى وتاركه على وجه الامتثال
والمخالفة للثواب والعقاب عقلا مطلقا اولا الى آخر ما قال انتهى بلفظه والمصنف قد
جعل محل الخلاف ذلك إلّا انه عقب ذلك بنفيهما فيما لا خلاف فى نفى الاستحقاق فيه
واثبتهما فيما هو محل الخلاف ألا ترى انه نفى الثواب والعقاب على مجرد الموافقة
والمخالفة له بما هو امر واثبتهما اذا صدرا بما هو مشروع فى اطاعة الامر النفسى
وبما هو مقدمه وهذا عجيب اذ محل الخلاف هو اطاعة الامر الغيرى بما هو غيرى ومقدمه
ولم يذهب احد الى الاستحقاق اذا وافقه او خالفه بما هو امر كما لا يخفى على من
لاحظ كلماتهم فى هذا المقام وكيف كان فالتحقيق ثبوت الاستحقاق ان كان المقصود بهما
الامتثال والعصيان واما اذا كان المقصود بهما محض الاتيان بذات الواجب لا لوجوبه وترك
ذات الحرام لا لحرمته فلا ثواب بالاستحقاق قطعا فى جميع الاوامر النفسية والغيرية
والتحقيق فى وجه استحقاق الثواب ان من المعلوم بداهة ان من الافعال ما هو حسن ذاتا
وقبيح ذاتا مختلفان بحسب المراتب على مقدار اختلاف درجات الحسن والقبح فيهما ومنها
ما هو حسن وقبيح عرضا بمعنى انه فى نفسه ليس له جهة حسن او قبح
وانما له نسبة وارتباط بما فيه تلك الجهة فبنسبته وارتباطه تلحقه من ذلك
الحسن والقبيح المنسوب اليهما المرتبط بهما جهة حسن وقبح عرضا وهذا امر وجدانى
فانك ترى ان الحديد او الفضة او الحجارة ما فيها جهة شرف واحترام فى انفسها لكن
اذا صارت على قبر ذى شرف واحترام تلحقها تلك الجهة حتى تستوجب الاستلام والتقبيل
وترى ان الشخص الذى لا يستحق بنفسه شيئا اذا نسب الى شريف رتبت له آثار الشرف على
مقدار ما عرض له من ذلك بهذه النسبة وهكذا الكلام فى المبغوضات كما لو صارت تلك
الامور على قبر مبغوض فانك ربما بصقت عليها بغضا وكراهة لها بل ربما كان المحبوب
فى نفسه مبغوضا بنسبته وارتباطه الى مبغوض ذاتا وبالجملة فهذا معنى يجده كل عاقل
فى جميع الاشياء ومنها ما ليس له جهة حسن او قبح لا ذاتا ولا عرضا واذا عرفت ذلك
عرفت ان المقدمات من القسم الثانى فانها تكتسب بانتسابها الى الواجبات والمستحبات
جهة حسن على مقدار ارتباطها بها وبانتسابها الى المحرمات والمكروهات جهة قبح كذلك
وهذا هو السر الواقعى فيما ورد من ترتيب الثواب والعقاب عليها فى الاخبار بل لو لم
يرد فيها شيء لكان العقل مستقلا بذلك واما ما افاده المصنف فى وجه عدم الاستحقاق
من (ضرورة
استقلال العقل بعدم الاستحقاق الا لعقاب واحد او لثواب كذلك فيما خالف الواجب ولم
يات بواحدة من مقدماته على كثرتها او وافقه واتاه بما له من المقدمات) ففيه انه ان اراد بوحدة العقاب وتعدده وحدته عددا فذلك
لا يجديه نفعا لما ستعرف وان أراد أن ثواب من اتى بالواجب ومقدماته كثواب من اتى
بالواجب وحده ممن كانت مقدماته حاصله له بلا طلب ومثله العقاب فلا اشكال عندى فى
بطلانه وكيف يعقل ان يثاب من استقى الماء من البئر وتوضأ كثواب من توضأ بماء حاضر
او يعاقب من عمل الخمر وشربها كعقاب من شربها بلا عمل اذا كان غير راض بعملها
وإلّا شمله عقاب الرضا ايضا وقد اعترف قده باصل الاستحقاق فيما هو محل الخلاف
بقوله (نعم
لا باس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة وزيادة المثوبة على
الموافقة فيما لو اتى بالمقدمات بما هى مقدمات من باب انه يصير حينئذ من افضل
الاعمال حيث صار
اشقها
وعليه ينزل ما ورد فى الاخبار من الثواب على المقدمات او) ينزل (على التفضل فتأمل جيدا وذلك لبداهة ان
موافقة الامر الغيرى بما هو امر لا بما هو مشروع فى اطاعة الامر النفسى لا يوجب
قربا ولا مخالفته بما هو كذلك بعدا والمثوبة والعقوبة انما يكونان من تبعات القرب
والبعد) إلّا ان ما
افاده فى توجيهه غير وجيه اما اولا فلان التوجيه المذكور انما يتأتى فى صورة ترتب
الواجب والحرام على المقدمات فى الخارج لا غير اذ فى صورة العدم لا عمل حتى يكون
أشقّ وافضل مع ان شمول الاخبار للصورتين من المقطوع به كما هو واضح وقد عرفت
استقلال العقل بذلك وشمول الاخبار للصورتين على ما قلنا ضرورة ان الحسن العرضى
يلحقها جزما بمجرد قصد الاتيان بها لاجل ترتب الغير وقع ذلك فى الخارج او لم يقع
وثانيا ان ما ذكره اخيرا من ان موافقة الامر الغيرى بما هو امر لا بما هو مشروع لا
وجه له كما عرفت آنفا لان الكلام فى ان امتثال الامر بالكيفية التى هو عليها هل
يوجب استحقاقا اولا ومن المعلوم انحصار ذلك بقصده بما هو مشروع فى اطاعة غيره لفرض
انه غيرى ولم يرد فى الاخبار لفظ واحد مثبت للثواب والعقاب على المقدمات المقصود
اتيانها بذاتها لا بقصد ترتب الغير عليها وثالثا ان ما ذكره من تنزيل الاخبار على
التفضل مخالف لظاهرها باسرها مضافا الى انها جميعا ما ورد فى بيان الثواب والعقاب
على المقدمات وما ورد فى بيانهما على نفس المحبوبات والمبغوضات بلسان واحد فحمل
طائفة على التفضل واخرى على الاستحقاق تفكيك ركيك ورابعا ان ما ذكره من جعله من
باب افضل الاعمال فى المثوبة لا يتأتى مثله فى العقوبة إلّا بان يقال ان الاقدام
على ما فيه هذه المشقة من الحرام اشد عقابا مما ليس فيه ذلك لدلالته على اصراره
جدا على هتك مولاه وهو كما ترى وقد عرفت ان المناط هو القصد وقد انقدح لك مما
ذكرنا سابقا فى تحقيق ان الاصل فى الاوامر التعبدية وما حققناه فى المقام عدم
الاشكال فى المقدمات المعتبر فى صحتها قصد القربة من جهة عدم قابليتها لتحقق قصد
الطاعة فيها ولا من جهة اهليتها لترتب الثواب والعقاب عليها لما عرفت من ان كل امر
يجب اطاعته ويترتب على اطاعته الثواب وعصيانه
العقاب اذا كان فى الشيء المطاع به جهة حسن او قبح ولو عرضيان اذا عرفت ما
ذكرنا علمت ان ليس فى المقام (اشكال) من هذه الجهة حتى يتكلف له حل (ودفع) خلافا للمصنف اعلى الله مقامه حيث ذكر ذلك قائلا فى
بيانهما (اما
الاول فهو انه اذا كان الامر الغيرى بما هو) امر غيرى (لا اطاعة له ولا قرب فى موافقته ولا
مثوبة على امتثاله فكيف حال بعض المقدمات كالطهارات حيث لا شبهة فى حصول الإطاعة
والقرب والمثوبة بموافقه امرها) ووجه عدم الاشكال من هذه الجهة واضح لما عرفت من حصول
ذلك فى مطلق المقدمات (هذا) واما الاشكال فيها (مضافا الى) اصل الاشكال المعروف فى نفس الاوامر التعبدية النفسية
وكيفية اعتبار قصد القربة فيها (بان
الامر الغيرى لا شبهة فى كونه توصليا وقد اعتبر فى صحتها اتيانها بقصد القربة) فالجواب عن الاشكال المعروف قد عرفت تحقيقه فيما تقدم (واما الثانى فالتحقيق
ان يقال) فى دفعه ان
المقدمات كسائر العناوين الواجبة لنفسها على قسمين احدهما توصلى وهو الذى علم فيه
بحسب ادراك العقل جهة توقف ذى المقدمة عليه كما فى اغلب المقدمات بالنسبة الى اغلب
الواجبات ثانيهما تعبدى وهو الذى لم يدرك العقل فيه جهة توقف الواجب عليه كما فى
الطهارات الثلاث فان العبد انما يأتى بها للواجب بعدها تعبدا بامر المولى اذ لم
يدرك عقله جهة التوقف ليكون مستقلا بحكمها فالامر فيها من هذه الجهة تعبدى قطعا
واى مانع عقلا من ان يكون متعلق الامر الغيرى شيئا لا يحصل الغرض منه من حيث ترتب
ذلك الغير عليه إلّا باتيانه بقصد الطاعة واى فارق عقلا بين الغيرى والنفسى فى ذلك
أليس اذا تعلق الامر النفسى بالموضوعات العادية المعلوم حصول الغرض بوجودها كيفما
وجدت يكون توصليا واذا تعلق بالموضوعات الشرعية التى لا يحصل الغرض الا بوجودها
بعنوان الطاعة يكون تعبديا فليكن كذلك الامر الغيرى المتعلق بالموضوعات العادية
والشرعية نعم لا شك فى احتياج المقدمة الشرعية الى امر آخر غير الامر اللازم للامر
النفسى ضرورة ان ذلك الامر التبعى لا يتعلق إلّا بما علمت مقدميته فان كانت عادية
كفى فيها وحده وان كانت شرعية فلا
يعلم مقدميتها إلّا بتعلق امر اصلى بها بل يكفى فى الكشف عنها بيانها
اخبارا لا انشاء وبالجملة فان كان الكاشف امرا فلا فرق بين نية امتثال الامر
الاصلى او التبعى فى حصول مقدميتها وان كان اخبارا وجب قصد امتثال خصوص الامر
التبعى فى الاتيان بها والحاصل حال الامر الغيرى حال الامر النفسى عاديا وشرعيا
توصليا وتعبديا ولا وجه للعبادية هنا غير هذا الامر ولذا ترى اغلب المكلفين
المتشرعين لا يقصد عند فعلها الا اطاعة امرها الغيرى وعلى ذلك جرت السيرة من اول
زمن التكليف بالصلاة ومقدماتها الى يومنا هذا كما لا يخفى على من اطلع على كيفية
اداء الناس لهذه الواجبات فان ذلك متعارف بينهم يدا عن يد وجيلا بعد جبل ولو لا
عدم كفايته فى حصول القرب والاحتياج الى قصد المحبوبية النفسية لبطلت عبادات اكثر
الناس لخفاء هذا المعنى على حذاق العلماء الاعلام فضلا عن سائر العوام فالمتطهر
اذا قصد امتثال امر الوضوء فقد قصد اجمالا جهة كونه مما يتوقف عليه الواجب شرعا
وجهة التوصل فعلا به الى الواجب ولا يلزم قصد التوصل تفصيلا كما سيأتى بيانه قريبا
إن شاء الله تعالى فلو نوى ان يتوضأ غافلا عن الصلاة صح وضوئه وصح دخوله فى الصلاة
بخلاف ما لو غفل عن قصد اصل الموضوع فانه يقع باطلا قطعا ولعمرى ان ما ذكرنا واضح
لدى من راجع وجدانه والقى فى مقام الجدال والعصبية عنانه فلم يبق على ما ذكرنا
اشكال حتى فى التيمم كما لا يخفى فاتضح لك فساد ما قيل فى دفع الاشكال من (ان المقدمة فيها
بنفسها مستحبة وعبادة وغاياتها انما تكون متوقفة على احدى هذه العبادات فلا بد ان
يؤتى بها عبادة وإلّا فلم يات بما هو مقدمة لها فقصد القربة فيها انما هو لاجل
كونها فى نفسها امورا عبادية ومستحبات نفسيه لا لكونها مطلوبات غيرية والاكتفاء
بقصد امرها الغيرى فانما هو لاجل انه يدعو الى ما هو كذلك فى نفسه لا حيث انه لا
يدعوا إلّا الى ما هو المقدمة فافهم) وانت خبير بما فيه فانه لا يعقل حصول امتثال امر تعبدى
بامتثال امر توصلى مع الغفلة وعدم الشعور بالامر التعبدى ومتعلقه بما هو متعلقه من
المأمور هذا مع عدم تعقل المامور الا الشاذ منه كفاية المحبوبية
بلا امر فعلى فى عبادية المأمور به وبالجملة فالناظر بعين الانصاف يجد ما
ذكرناه مطابقا للوجدان ولما عليه عامة المكلفين فى ساير الازمان ويعرف ما فى هذه
الكلمات وغيرها مما ياتى من التكلفات والتعسفات هذا مضافا الى ان ما افاده المصنف
قده لم يدفع الاشكال بالنسبة الى التيمم لعدم دليل على استحبابه فى نفسه فليس إلّا
امره الغيرى وايضا فان المستحب فى نفسه هو الطهارة التى هى من آثار الوضوء والغسل
والتيمم فهذه الثلاثة مقدمات للمقدمة فما بالها لا تصح ايضا إلّا بقصد القربة وليس
المدعى الا كون مقدمة الصلاة مستحبة وعبادة فى نفسها لا مقدمة المقدمة وعلى ما
ذكرنا لو انتهى الحال الى الف مقدمة لم يعلم فيها جهة التوقف كان امرها عباديا حتى
يعلم ان موضوعه يسقط بالاتيان به بدون قصد الطاعة فضلا عما لو دل الدليل على عدم
السقوط الا بقصدها كما فى الطهارة واسبابها والحاصل كلما ازداد الانسان تاملا فيما
ذكرنا وذكر القوم يتضح له الحال تمام الوضوح ومن هنا لم تجد احدا قبل شيخنا
المرتضى قده استشكل فى ذلك بل يرسلون ذلك ارسال المسلمات وفيهم الفحول من المحققين
مع وضوح منشإ الاشكال حسبما زعموه منشأ له فاحتمال غفلتهم عن ذلك مع هذا الوضوح
بعيد الى الغاية وفظيع الى النهاية هذا (وقد تفصى عن الاشكال بوجهين آخرين
احدهما ما ملخصه ان الحركات الخاصة ربما لا تكون محصله لما هو المقصود منها من
العنوان الذى يكون) الفعل (بذلك
العنوان مقدمة وموقوفا عليها فلا بد من اتيانها بذلك العنوان من قصد امرها لكونه
لا يدعو إلّا الى ما هو الموقوف عليه فيكون عنوانا اجماليا ومرآة لها فاتيان
الطهارات عبادة وطاعة لامرها ليس لاجل ان امرها المقدمى يقضى بالاتيان كذلك بل
انما كان لاجل احراز نفس العنوان الذى يكون بذلك العنوان) مقدمة (موقوفا عليها وفيه) ان من المعلوم ان ليس عندنا الا الامر الغيرى ومتعلقه
فان كان الكاشف والمقتضى لتحقق عنوان المقدمية فى المتعلق هو هذا الامر ثبت ما
قلناه ووجب قصد امتثاله لانه لم يتعلق بخصوص هذه الحركات الا لغرض فلا يسقط ذلك
الغرض إلّا بقصد امتثال هذا الامر المحصل له وان كان الكاشف شيئا آخر فان كان
الامر الاستحبابى
النفسى فهو ما تقدم من الوجه وتقدم ما فيه وان كان غير ذلك فهو خلاف الفرض
بل خلاف الواقع اذ ليس عندنا غير الامر الغيرى الوجوبى والنفسى الاستحبابى (هذا مضافا الى ان ذلك
لا يقتضى الاتيان بها كذلك لامكان الاشارة الى عناوينها التى تكون تلك الحركات
بتلك العناوين موقوفا عليها بنحو آخر) غير قصد امتثال امرها الغيرى (بل ولو بقصد امرها) الغيرى لكن بجعله (وصفا لا غاية وداعيا بل كان الداعى الى) اتيان (هذه الحركات الموصوفة بكونها مامورا بها
بالامر الغيرى شيئا آخر غير امرها) هذا واما ما اورده عليه المصنف قده ثانيا من كونه (غير واف يدفع اشكال
ترتب المثوبة عليها) ففيه تأمل اذ مع التزام كون المعنى العبادى فيها ذلك العنوان وجعل الامر
الغيرى مرآته لا بد من التزام ترتب المثوبة اذ لا يعقل تحقق عبادية شيء مع عدم
ترتب المثوبة عليه هذا مضافا الى ما ذكرنا من ترتبها حتى على امتثال الامر التوصلى
(كما
لا يخفى ثانيها ما محصله ان لزوم وقوع الطهارات عبادة انما هو لاجل ان الغرض من
الامر النفسى بغاياتها كما لا يكاد يحصل بدون قصد القربة بموافقته كذلك لا يحصل ما
لم يؤت بها كذلك لا) ان لزوم وقوعها كذلك (باقتضاء
امرها الغيرى وبالجملة وجه لزوم اتيانها عبادة انما هو لاجل ان الغرض فى الغايات
لا يحصل إلّا باتيان خصوص الطهارات من بين مقدماتها ايضا بقصد الإطاعة وفيه ايضا) انه بظاهره فى غاية الوهن اذ لم يستشكل احد فى انه بعد
ما دل الدليل على انحصار مقدمات الصلاة بها وعلى انها عبادة لا بد من توقف حصول
الغرض من الامر بالصلاة على الاتيان بها عبادة ضرورة توقف حصول غرض الامر على
امتثال الامر وتوقف امتثاله على الاتيان بالصلاة وتوقف الاتيان بها على الاتيان
بمقدمتها كما شرعت فهذا من الواضحات وانما الاشكال فى وجه كونها عبادة مع الاتفاق
على كفاية قصد امتثال امرها الغيرى فى تحقق عباديتها ولعله يريد ان الامر بالصلاة
لا شك فى كونه تعبديا والصلاة عبارة عن أجزاء وشروط كلها عبادية والمقتضى لعبادية
الاجزاء انما هو الامر بالكل فكذلك الشروط المقتضى لعباديتها هو ذلك الامر المتعلق
بما اشتمل عليها كما اشتمل على الاجزاء وكما ان
الاوامر الواردة فى الاجزاء تكون غيرية متعلقه بما ثبت عباديته بالامر
الصلاتى كذلك الاوامر الواردة فى الشروط ولا ينافى ذلك كون التقييد داخلا والقيد
خارجا اذ لا يعقل ان يكون التقييد عباديا والقيد توصليا لان التقييد تابع للمقيد
فى ذلك لا العكس وكما يترتب على الاتيان بالأجزاء الثواب كذلك يترتب على الاتيان
بالشروط وبالجملة الشروط كالأجزاء حرفا بحرف ومنه يعلم ان كفاية قصد امتثال امرها
الغيرى انما هو لكونه عبارة عن قصد شرطيتها التى اشتملت الصلاة عليها غاية الامر
ان القيود الخارجة عن الماهية تحتاج الى قصدها تفصيلا لتحقيق الشرطية اما القيود
الداخلة فيكفى فيها القصد الاجمالى الحاصل من قصد الصلاة المركبة بكليتها هذا غاية
ما يمكن ان يوجه به هذا الوجه ومنه يعلم عدم توجه ما اجاب به المصنف قده عن ذلك
عليه من انه (غير
واف بدفع اشكال ترتب المثوبة عليها) نعم يتوجه عليه استلزام هذا التوجيه للدور الباطل
ضرورة ان قصد امتثال الامر بالصلاة موقوف على الاتيان بالطهارة العبادية قطعا
واتفاقا فلو توقفت عبادية الطهارة على قصد امتثال الامر بالصلاة لزم الدور بلا
اشكال ولا تتوهم ان هذا هو الدور المعروف فى تعلق الاوامر العبادية بالعبادات
المقرر بان تعلقه موقوف على كون المتعلق عبادة قبل تعلقه مع توقف عباديته على
تعلقه ضرورة مغايرة المقام لذلك فانا نقول فى المقام ان الصلاة التى هى فى نفسها
عبادة متوقفة على مقدمة هى فى نفسها ايضا عبادة كما هو المفروض سواء جاء المكلف
بذى المقدمة وهو الصلاة او لم يجئ كما هو شأن ساير المقدمات تعبدية وتوصلية
والمفروض ان عباديتها موقوفه على الاتيان بذى المقدمة وهو الصلاة ليمكن قصد امتثال
الامر الصلاتى لتتحقق عباديتها اذ لا يمكن قصد امتثال الامر الصلاتى بالاتيان ببعض
اجزائها او شروطها بل انما يصح مع الاتيان بالمركب الصلاتى اجمع فقد توقف الاتيان
بالمقدمة بما هى مقدمة على الاتيان بذيها بما هو كذلك والمفروض توقف الاتيان به
على الاتيان بها لانه قضية المقدمية فاين هذا من الدور المعروف ولا محيص عن هذا
الدور اصلا الا بالبناء على المقدمة الموصلة المقتضى بطلان طهارة من لم تقع منه
الصلاة وان كان من نيته ايقاعها مع ان
الظاهر الاتفاق على صحتها اذ لا دخل لاحدهما بالآخر فظهر ان التوجيه منحصر
بما ذكرنا هذا (واماما
ربما قيل فى مقام تصحيح اعتبار قصد الإطاعة فى العبادات) كما تقدم مفصلا من (الالتزام بامرين احدهما كان متعلقا بذات
الفعل والثانى باتيانه بداعى امتثال الاول) فقد عرفت مما حققناه جريانه فى هذا المقام ايضا اذ لا
فرق بعد ان كان الامر عباديا بين كونه غيريا او نفسيا فقول المصنف قده ان هذا
الوجه (لا
يكاد يجرى فى تصحيح اعتبارها فى الطهارات اذ لو لم تكن بنفسها مقدمة لغاياتها لا
يكاد يتعلق بها امر من قبل الامر بالغايات فمن اين يجيء طلب آخر من سنخ الطلب
الغيرى متعلق بذاتها ليتمكن به من المقدمة فى الخارج) كما ترى فان الامر الناشئ من قبل الامر بالغاية كمقدمة
الغاية فكل شيء صحح عبادية الغاية وتعلق الامر بها فهو يصحح عبادية مقدمتها وتعلق
الامر بها من غير فرق اصلا كما هو واضح بعد التأمل فيما ذكرنا غاية الامر احتياج
المقدمة العبادية الى امر اصلى كاشف عن تعلق الامر التبعى العبادى بها والمقام
الذى يصاغ فيه امران امر متعلق بذات الصلاة وامر متعلق باتيانها بقصد القربة مع
انه ليس فى الوجود الا الامر بالصلاة يصاغ فيه ايضا امران آخران للوضوء فالمقام
الذى يجيء منه امر الصلاة يجيء منه امر الوضوء بل هو فى المقدمة العبادية اولى لما
عرفت من احتياجها الى امرين لا محاله قال قده (هذا مع ان فى هذا الالتزام) من الفساد (ما فى تصحيح اعتبار قصد الطاعة فى
العبادة على ما عرفته مفصلا سابقا فتذكر الثانى انه قد انقدح مما هو التحقيق) عند المصنف قده (فى وجه اعتبار قصد القربة فى العبادات
صحتها ولو لم يؤت بها بقصد التوصل بها الى غاية من غاياتها نعم لو كان المصحح
لاعتبار القربة فيها امرها الغيرى) كما هو التحقيق عندنا (لكان قصد الغاية مما لا بد منه فى
وقوعها صحيحة) وتحقيق المقام هو انه لا ريب ان قولنا امر غيرى ومقدمى وان المأمورية
مقدمه وان المرتب على ذلك غاية وذو المقدمة وان امره نفسى وانه تعبدى او توصلى لم
يكن لورود هذه التعبيرات فى نص كتاب او سنة بل تلك اوصاف منتزعه من الاوامر
ومتعلقاتها بعد الالتفات الى الغرض الداعى الى الامر بها فما تعلق به امر كان
الداعى اليه اشتماله على مصلحة
فى نفسه وذاته ولا يعتبر فى تحققه فى الخارج ازيد من ذلك وصفناه بالنفسيّة
والتوصلية وان اعتبر فى تحققه لزوم قصد الطاعة وصفناه بالتعبديّة وما يتعلق به امر
كان الداعى اليه ترتب فعل آخر مامور به عليه وصفنا امره بالغيرية وذاته بالمقدمية
والمرتب عليه بالغاية فهذه المعانى لا يجب قصدها فى الامتثال وانما الواجب هو
الاتيان بالمأمورية بقصد امره فاذا كان توصليا كان الاتيان بذاته بلا قصد مسقطا
لموضوعه وان كان تعبديا لم يسقط إلّا بالاتيان طاعة فالاتيان بالوضوء بقصد امتثال
امره الفعلى المتعلق به بتلك الخصوصية الداعية الى تعلقه به ولو اجمالا كاف فى
تحقق الطاعة وهو عين قصد التوصل وان لم يقصده تفصيلا ولا سند لمنع كون الامر
الغيرى تعبديا الا دعوى معلومية كون الغرض منه ترتب ذلك الغير المتوقف على ذات
متعلقه لا غير فبوجودها ولو بلا قصد يحصل ذلك الغرض فيسقط موضوع الامر وهو شان
التوصلى وهذه الدعوى عاطلة باطله ضرورة ان العلم بعدم توقف الغير الا على ذات
المقدمة انما هو فى المقدمات العادية ولا الشرعية لامكان عدم تحقق هذا العنوان لها
إلّا بالاتيان بها بقصد الطاعة كما كان الامر كذلك بعينه فى الاوامر النفسية فان
المتعلقات العادية كالمقدمات العادية لا الشرعية كالشرعيّة والاشكال فى الكيفية
كالاشكال والجواب كالجواب فان اريد من قصد التوصل هذا المعنى فهو مما لا محيص عنه
وان اريد قصده تفصيلا فهو فى حيز المنع كما عرفت ولو قصد بالوضوء ان ياتى به توصلا
الى الصلاة لا بما هو مامورية بالامر الفعلى بمعنى قصد الوضوء موصوفا بعدم ذلك بطل
اذ لا يوصل الى الصلات الا ما قصد به امتثال امره نعم لو جعل عنوان التوصل مرآة
لذلك الامر صح لانه قصد للامر فلا يتصف الامر الغيرى بالمقدمية الا بعد تحقق عنوان
الطاعة فيه فالامر الناشئ من الامر بذى المقدمة انما تعلق بذات ما يكون مقدمه
بتعلقه لا قبل تعلقه كما ان نفس الامر بذى المقدمة انما تعلق بما يكون ذا تلك
المقدمة بتعلقه لا قبله على ما اوضحنا لك الكيفية فيه فقد انقدح لك بهذا التحقيق ما
فى قوله اعلى الله مقامه (فان
الامر الغيري لا يكاد يمتثل إلّا اذا قصد به التوصل الى الغير حيث لا يكاد يصير
داعيا الا
مع
هذا القصد) لما عرفت من
ان قصده تفصيلا غير لازم واجمالا غير نافع اذ لم يبق مورد آخر لقصده بما هو واجب
يقع صحيحا كما لا يخفى ومنه يعلم ان ما ذكره هنا مناف لما تقدم منه بداهة ان
موافقة الامر الغيرى بما هو امر لا بما هو مشروع فى اطاعة الامر النفسى لا يوجب
قربا اذ ليس موافقته كذلك موافقة للامر الغيرى كما اعترف به هنا فعدم القرب لعدم
الموافقة لا لكون الموافقة غير مقربة كما لا يخفى واما قصده بما هو مستحب فعلا او
محبوب فلا دخل له بما هو المقدمة للصلاة نعم ربما كان الاتيان به كذلك مسقطا
للاتيان به بما هو مقدمه لحصول الغرض من كون المكلف حال الصلاة متطهرا فاذا كان
للتعلق وجهان بكل منهما يحصل الغرض كفى كل منهما عن الآخر فيكون ذلك توصلا فى تعبد
فاعقل ذلك عقل دقة ونظر وانقدح ايضا ما فى قوله قده ايضا (بل فى الحقيقة يكون
قصد التوصل هو الملاك لوقوع المقدمة عبادة ولو لم يقصد امرها بل ولو لم نقل بتعلق
الطلب بها اصلا وهذا هو السر فى اعتبار قصد التوصل فى وقوع المقدمة عبادة) وفيه ما عرفت من ان المناط فى عباديتها امرها وان
التوصل ان جعل مرآة له كفى وصح وإلّا بطل وان اللازم من قصد التوصل هو المعنى
الاجمالى المتحقق بقصد امتثال الامر الخاص لا التفصيلى وكيف يعقل ان يكون شيء
عبادة مع عدم قصد امره او مع عدم تعلق الطلب به اصلا اللهم إلّا ان يكون مراده
بذلك الطلب الحاصل من طلب ذى المقدمة بناء على عدم الملازمة عقلا لا مطلق الطلب
إلّا ان ذلك لا يجديه اذ لا بد من امر شرعى يتعلق بها ليعرف به مقدمتيها وما فى
قوله فده ايضا (لا
ما توهم من ان المقدمة انما تكون مامورا بها بعنوان المقدمية فلا بد عند ارادة
الامتثال) بالاتيان (بالمقدمة من قصد هذا
العنوان وقصدها كذلك لا يكاد يكون بدون قصد التوصل الى ذى المقدمة بها فانه فاسد
جدا ضرورة ان عنوان المقدمية ليس بموقوف عليه الواجب ولا هو) بهذا العنوان (بالحمل الشائع مقدمه وانما كان المقدمة
هو نفس المعنونات بعناوينها الأولية والمقدمية انما تكون علة لوجوبها) وفيه ان المقصود من كون العناوين مامورا بها انها وجوه
لخصوصيات فى ذات المعنونات
بها تتعنون بذلك العنوان وتلك الخصوصيات هى العلل لا نفس تلك العناوين
والمقام من هذا القبيل فان المامور به بالامر الغيرى هو الذات المشتملة على خصوصية
ينشأ منها عنوان المقدمية فالمأمور به هو الذات المعنونة بهذا العنوان اجمالا وان
توقف تعنونها به على قصد امرها المتعلق بها كما عرفت تحقيقه فلا يمكن الاتيان بها
إلّا بقصد تلك الخصوصية او ما يكون قصده قصدا لها وقصدها بتلك الخصوصية عين قصد
التوصل واقعا وهذا لا بد منه فى الامتثال وربما كان نظر المتوهم اليه فلا يكون
متوهما بل مصيبا نعم لو اراد ان المامور به عنوان المقدمية تفصيلا فهو وان كان
قصده نفس قصد التوصل فى الاتيان به إلّا انه واضح الفساد كما افاد (الامر الرابع لا شبهة
فى ان وجوب المقدمة بناء على الملازمة يتبع فى الاطلاق والاشتراط وجوب ذى المقدمة
كما اشرنا اليه فى مطاوى كلماتنا) فى بيان محل النزاع فيها كما لا شبهة فى عدم التبعية
فى التعبدية والتوصلية بل هما تابعان لموضوع المقدمة فقد ينشأ التوصلى من التعبدى
كالامر باحضار الماء من الامر بالوضوء والتعبدى من التوصلى كما لو وجب على المجنب
الدخول فى المسجد نبذر وشبهه فوجب الغسل وهذا واضح وليعلم ان معنى التبعية فى
الاطلاق والاشتراط ان وجوب ذى المقدمة بالنسبة الى متعلقه اذا كان مطلقا غير موقوف
على شرط غير حاصل فوجوب المقدمة مثله بالنسبة الى متعلقه من تلك الجهة التى حصل
الاطلاق بها للواجب واذا كان مشروطا بشيء غير حاصل كان وجوبها كذلك بالنسبة الى
ذلك الشرط الغير الحاصل الذى به حصل وصف الاشتراط فلا ينافى مشروطية وجوب المقدمة
بالنسبة الى شرائطها الغير الحاصلة اطلاق وجوب ذيها بالنسبة الى شرائطه الحاصلة
كما لا ينافى اطلاق وجوبها بالنسبة الى شرائطه الحاصلة مشروطية وجوب ذيها كذلك كما
لا يخفى اذ لا يعقل التبعية فى ذلك مع اختلاف المتعلقين واختلاف شرائطهما ذاتا بل
حصولا وان اتحدا ذاتا كالقدرة فانها قد لا تحصل بالنسبة الى المقدمة مع حصولها
بالنسبة الى ذيها كفاقد الطهورين بالنسبة الى الصلاة على بعض الوجوه وغير ذلك اذا
عرفت ذلك فاعلم ان وجوب المقدمة بنسبتها الى ذيها مطلق (ولا يكون مشروطا
بارادته) لعدم
مشروطية وجوب ذيها بذلك واطلاقه بالنسبة اليه وقد عرفت التبعية فى مثل هذا
الاطلاق وهذا الاشتراط وانما خص بالذكر من بين الشروط لايهام بعض الكلمات اشتراطه
بذلك (كما
يوهمه ظاهر عبارة صاحب المعالم رحمهالله فى بحث الضد) حيث (قال) ما هذا لفظه (وايضا فحجة القول بوجوب المقدمة على
تقدير تسليمها انما ينهض دليلا على الوجوب فى حال كون المكلف مريدا للفعل المتوقف
عليها كما لا يخفى على من اعطاها حق النظر) قال المصنف اعلى الله تعالى مقامه (وانت خبير بان نهوضها) اى نهوض حجة القول بوجوب المقدمة (على التبعية واضح لا
يكاد يخفى وان كان نهوضها على اصل الملازمة لم يكن بهذه المثابة كما لا يخفى) وصريح هذا الكلام وما تقدم انه قده جعل من فروع
التبعية فى الاطلاق والاشتراط اطلاق وجوب المقدمة بالنسبة الى ارادة ذيها بعد ان
كان وجوبه مطلقا لوضوح نهوض الحجة على التبعية بعد الاعتراف بنهوضها على الملازمة
وفيه ما عرفت محققا فى معنى التبعية ومقدارها وانه لا دخل لهذا الاشتراط بها كما
لا يخفى بل هو فى غاية الوضوح بعد التامل ضرورة ان اطلاق الوجوب النفسى بالنسبة
الى المتعلق من حيث ارادته لا يلزمه اطلاق الغيرى لامكان ان تكون الغيرية جهة
فارقه عند العقل كما لا يخفى وانما الوجه فى عدم كونه مشروطا بذلك ان الامر انما
تعلق بالشيء الذى لخصوصيته يمكن التوصل به الى الواجب فوجوبه مشروط بتحقق هذه
الصفة فى متعلقه لا ازيد اذ الدليل على الزائد اما العقل وهو لا يقتضى اكثر من
تحقق كونه مما يمكن التوصل به وهذا يجتمع مع ارادة الواجب وعدم ارادته وما ذكرناه
من لزوم قصد التوصل اجمالا او تفصيلا فالغرض منه قصد التمكن من التوصل لو اراد ان
يتوصل فى مقام الامتثال لا قصد التوصل الفعلى المساوق لاشتراط الارادة واما النقل
فعدم الدليل فيه واضح (وهل
يعتبر فى وقوعها على صفة الوجوب ان يكون الاتيان بها بداعى) امكان (التوصل بها الى ذى المقدمة كما يظهر مما
نسبه الى شيخنا العلامة اعلى الله تعالى مقامه بعض افاضل مقررى بحثه او) يعتبر فى وقوعه كذلك (ترتب ذى المقدمة عليها خارجا بحيث لو لم
يترتب عليها يكشف عن عدم
وقوعها
على صفة الوجوب كما زعمه صاحب الفصول قده اولا يعتبر فى وقوعها كذلك شيء منهما
الظاهر عدم الاعتبار) ولا بد من تحقيق المقام لتعرف حقيقة المرام فنقول المقدمة على قسمين
تعبديه وتوصلية ويعرف حال الاولى من الكلام فى الثانية فاعلم ان الواجب واقعا وفى
نفس الامر هو ذات الموقوف عليه لا عنوان المقدمية وانما يشار بالعنوان اليه فنصب
السلم هو الذى يتوقف عليه الصعود الى السطح لا عنوان مقدميته وقد اتفقوا على انه
اذا وقع نصب السلم فى الخارج وجب الصعود مثلا ولا يحتاج الى نصب جديد باى نحو وقع
وعلى اى وجه حتى مع عدم الشعور به وحتى مع سبق تحريمه وبعد هذا الاتفاق اختلفوا فى
ان الواجب وما تعلق به الخطاب هو نصب السلم الممكن معه الصعود او نفس النصب محضا
والتمكن من الصعود من فوائده وغاياته المترتبة على وجوده وليس قيدا فى موضوع
الوجوب ومع هذا الاختلاف اتفقوا ايضا على انه اذا اراد المكلف امتثال الامر
المتعلق بنصب السلم وجب عليه قصد التوصل بالنصب فلو وقع بغير هذا القصد لم يكن
ممتثلا فان كان الواجب عباديا وجب اعادته وان لم يكن عباديا كفى وسقط ثوابه والمنسوب
الى شيخنا المحقق المرتضى قده هو الاول والذى اختاره المصنف قده وفاقا للفاضل
المقرر هو الثانى وما ذهب اليه شيخنا المرتضى قوى جدا وبيان ذلك ان الظاهر اتفاق
عامة العقلاء على ان الافعال بحسب موضوعاتها الخارجية على ضربين احدهما ما لا دخل
للقصد فى وقوعه بعنوانه الخاص به بل يقع بعنوانه وان قصد ضده وذلك شأن اغلب
الموضوعات الخارجية ثانيها ما لا واقع له إلّا بالقصد كالإهانة والتعظيم والتاديب
والظلم وغير ذلك فالقصد مقوم موضوعه فالضرب لا يقع تاديبا مامورا به إلّا اذا قصد
به التاديب ولا يقع ظلما إلّا اذا قصد به الظلم فالضرب لا يتعنون بكونه تاديبا
إلّا اذا قصد به ذلك وتظهر الثمرة فيما لو ضرب بقصد الظلم فترتب عليه التاديب فانه
يقع حراما لا واجبا ضرورة ان الواجب هو الضرب المعنون بالتأديب ولم يقع وترتب
التاديب على ما قصد به الظلم لا يكشف عن وجوبه لما عرفت من انه قد يترتب على
الحرام ومن المعلوم ان الاحكام تابعة للحسن والقبح ولا
يتصف الفعل بهما الا بعنوانه المقصود فالكذب لانجاء النبى حسن وان ترتب
عليه مفسدة خلاف الواقع والكذب بما هو كذب قبيح وان ترتب عليه انجاء النبى لما
عرفت من ان حسنه تابع لعنوانه لا لترتب ذى الحسن عليه لان ترتب ذى الحسن لازم اعم
باعتراف الكل واما على مذهب المصنف قده فلا تكون الافعال وموضوعاتها الا نحوا
واحدا فالضرب الذى له فى الواقع شأنية تاثير الادب والتصرف فى ملك الغير الذى له
فى الواقع شأنية ترتب الانقاذ عليه وما اشبه ذلك غير محكوم واقعا إلّا بالوجوب فداخل
دار غيره وفيها غريق او حريق غير قاصد الا التصرف فى ملك الغير عدوانا يقع دخوله
واجبا وان لم ينقذ الغريق او يطفأ الحريق وهو خلاف ما تقضى به الضرورة فظهر ان
الواجب هو نصب السلم للتمكن من الصعود فلا يقع على صفة الوجوب الا بقصده فالمقصود
من قصد التوصل فى بعض العبارات هذا المعنى ولا باس بتوضيحه فاعلم ان لذلك مراتب
ثلث التمكن من التوصل والتوصل فعلا بمعنى قصد الاقدام على العمل اقدم بعده او لم
يقدم والتوصل بمعنى الاقدام فعلا فالواجب نصب السلم للتمكن من الصعود لو اراده لا
نصبه للتوصل فعلا وان لم يقع منه بعد ذلك وهو معنى الاشتراط بالارادة الذى تقدم
ولا نصبه للتوصل فعلا الذى يعقبه الوصول وهو معنى اشتراط ترتب الواجب عليه المسمى
بالمقدمة الموصلة اذا عرفت ذلك فاعلم ان المعتبر ليس إلّا امكان التوصل اذ هو مناط
الوجوب فيجب قصده (واما
عدم اعتبار قصد التوصل فلاجل ان الوجوب لم يكن بحكم العقل الا لاجل المقدمية
والتوقف و) ذلك لا
يستدعى اكثر من اعتبار امكان التوصل لان (عدم دخل قصد التوصل فيه واضح) اذ لا توقف لذى المقدمة من حيث هو على هذا القيد بوجه
من الوجوه (ولذا
اعترف بالاجتزاء بما لم يقصد به ذلك فى غير المقدمات العبادية لحصول ذات الواجب
فيكون تخصيص الوجوب بخصوص ما قصد به التوصل من المقدمة بلا مخصص فافهم نعم انما
اعتبر ذلك اجمالا فى الامتثال لما عرفت من انه لا يكاد يكون الآتي بها بدونه
ممتثلا لامرها وآخذا فى امتثال الامر بذيها فيثاب بثواب أشقّ الاعمال) او بتواب الاتيان بذى الحسن العرضى كما عرفت قلت اذا
كان الواجب هو نفس نصب السلم ولم يتعلق الامر
الا به وان كانت الحكمة توصل المكلف به الى الواجب كان قصد ذلك بنفسه محققا
للامتثال قطعا اذ لا يجب قصد حكمة تشريع الاوامر فى تحقق امتثالها وكيف يعقل ان
يكون قصد ما لم يكن قيدا فى الواجب شرطا فى امتثاله وليس قصد التوصل من القيود
الناشئة من قبل الامر قطعا فالاعتراف باشتراطه فى مقام الامتثال مع الاعتراف بعدم
كونه من قيود الواجب جمع بين المتناقضين ومنه يعلم ما فى تفريعه على ذلك بقوله (فيقع الفعل المقدمى
على صفة الوجوب ولو لم يقصد به التوصل كسائر الواجبات التوصلية) ومنه يعلم انه لو كان ما اتى به حراما لم يكن مقدمه
شرعا وان امكن التوصل به الى الواجب ولا واجبا بل يكون حراما مسقطا للواجب الا مع
الانحصار واهمية فعل الواجب من ترك الحرام فيقع على الوجوب (لا على حكمه السابق
لو لا عروض صفة توقف الواجب الفعلى المنجز عليه فيقع الدخول فى ملك الغير اذا كانت) وجهته (مقدمة لانقاذ الغريق او اطفاء حريق
واجبا فعليا لا حراما وان لم يلتفت) الداخل (الى التوقف والمقدمية غاية الامر يكون
حينئذ متجريا فيه كما انه مع الالتفات يتجرى بالنسبة الى ذى المقدمة فيما لم يقصد
التوصل اليه اصلا) قلت ما ذكره قده قد اتضح لك مرة بعد مرة وكرة بعد كرة انه غير وجيه ضرورة
ان الواجب كما عرفت هو ما يمكن التوصل به الى الغير فامكان التوصل عنوانه وقد عرفت
ان جملة من الافعال انما تتصف بالحسن والقبح بتبادل عناوينها المقصودة فالكذب
بعنوانه المحض حرام وبعنوان انجاء النبى به واجب فاذا قصد بعنوانه المحض فلا ينبغى
الشك فى وقوعه على صفة الحرمة وان ترتب عليه انجاء النبى ضرورة ان قصد العنوان شرط
فى الاتصاف بالحسن والقبح وقد قصده بعنوانه القبيح ولم يقصده بعنوانه الحسن ومثله
الدخول فى ملك الغير فانه ما لم يقصد بعنوان ترتب الانقاذ عليه يقع على صفة الحرمة
ضرورة انه بعنوانه المقصود وهو التصرف فى ملك الغير يقع قبيحا وان ترتب عليه
الانقاذ ولو كفى ذلك فى وقوعه على صفة الوجوب لزم القول بوقوعه على صفة الوجوب وان
لم يترتب عليه الانقاذ والاطفاء لما سيجيء منه قده من فساد القول بالمقدمة الموصلة
ومما ذكرنا يعلم حكم باقى الفروع فان الصور كثيرة والحكم مختلف
باختلافها كما لا يخفى (واما
اذا قصده ولكنه لم يات بها بهذا الداعى وحده بل بداعى امر آخر اكده بقصد التوصل
فلا يكون متجريا اصلا) بالنسبة الى ذى المقدمة ولا بالنسبة اليها نفسها من حيث الوجوب (وبالجملة) بعد ما عرفت ان الملاك هو امكان التوصل لا التوصل
فحينئذ (يكون
التوصل) الفعلى (بها الى ذى المقدمة
من الفوائد المترتبة على المقدمة الواجبة) المتصفة بامكان التوصل بها (لا ان يكون قصده قيدا
وشرطا لوقوعها على صفة الوجوب لتحقق ملاك ثبوت الوجوب فى نفسها بلا دخل له فيه
اصلا وإلّا لما حصل ذات الواجب ولما سقط الوجوب به كما لا يخفى ولا يقاس على ما
اذا اتى بالفرد المحرم منها حيث يسقط به الوجوب مع انه ليس بواجب) مع عدم انحصار المقدمة به وكون العمل بالواجب اهم كما
اشرنا اليه (وذلك
لان الفرد المحرم انما يسقط به الوجوب لكونه كغيره فى حصول الغرض به فلا تفاوت
اصلا إلّا) انه (لاجل وقوعه على صفة
الحرمة لا يكاد يقع على صفة الوجوب) للزوم اجتماع الحكمين المتضادين كمنشأيهما فى شيء واحد
(وهذا
بخلاف) ما يسقط به
الوجوب (هاهنا
فانه) للاتيان بذات
الواجب ضرورة انه (ان
كان كغيره مما يقصد به التوصل فى حصول الغرض منه) مع عدم قصد التوصل (فلا بد ان يقع على صفة الوجوب مثله) اى مثل ما قصد به التوصل (لثبوت المقتضى فيه
بلا مانع وإلّا لما كان يسقط به الوجوب ضرورة والتالى باطل بداهة فيكشف هذا عن عدم
اعتبار قصده فى الوقوع على صفة الوجوب قطعا وانتظر لذلك مهمة توضيح) سيجيء قريبا ان شاء الله تعالى وقد ظهر لك من مطاوى
كلماتنا الى هنا ان نظر المصنف الى جعل نفس التوصل قيدا لا امكانه وجميع ما رتبه
من التوالى الفاسدة فهو على اعتبار قصده وقد اوضحنا لك السبيل بالبرهان والدليل
وبينا ان المناط والملاك امكان التوصل لا نفس التوصل وقد ظن المصنف ان العلامة
المرتضى يعتبر ذلك المساوق لاعتبار المقدمة الموصلة فقال (والعجب من شيخنا
العلامة حيث انه شدد النكير على القول بالمقدمة الموصلة واعتبار ترتب ذى المقدمة
عليها فى وقوعها على صفة الوجوب على ما حرره بعض مقررى بحثه قدسسره ودفعه
بما
يتوجه على) ما اختاره هو
قده من (اعتبار
قصد التوصل فى وقوعها كذلك فراجع تمام كلامه زيد فى علو مقامه وتأمل فى نقضه
وابرامه) قلت قد
راجعنا فعلا كلامه ولاحظنا نقضه وابرامه فوجدناه طبقا لما حققناه من ان اللازم فى
مقام الامتثال قصد امتثال الامر الفعلى المتعلق بما يمكن التوصل به الى الغير ذاتا
وهو المنطبق عليه عنوان المقدمة وهذا لا ينفك عقلا عن قصد التمكن من التوصل فهذا
المعنى الاجمالى لا شك فى اعتباره وعدم اعتباره مساوق لعدم اعتبار تحقق عنوان
المقدمية فى الماتى به امتثالا نعم قصد امكان التوصل تفصيلا ليس بلازم لكفاية
الاجمال عنه فقياس احد المقامين بالآخر لا وجه له ولا فرق فيما ذكرنا بين التعبدى
والتوصلى بحسب المقامين وما كنا قبل ذلك قد راجعنا كلام شيخنا العلامة اعنى الله
تعالى مقامه بل تكلمنا فى المسألة حسبما حكم به العقل وقد راجعناه الآن اطاعة لامر
المصنف نور الله مرقده فوجدناه كما اوجدناه والحمد لله وذلك فضل الله وقد كررنا
ذكر ذلك فيما تقدم مخافة الاشتباه فيه ولا دخل لهذا المقام بمقام المقدمة الموصلة
اذ ليس المقصود قصد التوصل الفعلى وإلّا لكان عين الاشتراط بالارادة الذى كان
بديهى الفساد ومن ذلك تعلم انه لو كان الشرط عند شيخنا المرتضى قصد نفس التوصل كان
محل العجب منه اعتبار هذا الشرط وانكار اشتراط الارادة مع انهما واحد لا انكار
المقدمة الموصلة ضرورة ان الواجب قصده وهو ملاك الوجوب حينئذ هو التوصل ولا يلزم
التوصل الوصول نعم لو كان الشرط هو الوصول كان الامر كما افاد ولكنه كما ترى اللهم
إلّا ان يكون تعجبه لا لمساوقة اشتراط التوصل لاشتراط الايصال بل لجريان ما دفع به
ذاك الشرط بعينه فى هذا الشرط وان اختلف المقامان فحينئذ لا يتوجه عليه ما ذكرنا
إلّا انه لو جعل تعجبه من حيث المساوقة لاشتراط الإرادة كان اليق لاتحادهما موضوعا
وقبولا ومنعا كما لا يخفى على المنصف والحاصل ظاهر الشيخ فيما حكاه المقرر ان
الشرط قصد امكان التوصل والواجب هو ما يمكن التوصل به لا ما يتوصل به فعلا فراجع
وتدبر بل قصد التمكن من التوصل لو اراد الفعل بعده يجتمع مع الجزم بعدم التوصل به
فعلا ولعمرى ان عدم اعتبار ذلك فى مقام الامتثال اسقاط لموضوع المقدمة عن عنوانه
ذاتا وموضوعية هذا (واما
عدم اعتبار ترتب ذى المقدمة عليها فى وقوعها على صفة الوجوب) فهو امر واضح والعجب ممن اعتبر ذلك
والتحقيق فى توضيحه ان يقال انك قد عرفت ان المقدمة الشرعية هى ما يمكن
التوصل به الى الواجب سواء كان امكان التوصل بها مما حكم به العقل او العرف او
الشرع فالواجب شرعا بناء على الملازمة يجب بسبب وجوبه اتيان ما يتوقف وجوده على
وجوده وجوبا شرعيا فاختيار العبد للايجاد وعدمه خارج عما يجب شرعا باى نحو كان من
الوجوب واى نحو كان من الواجب فان مقام ملاحظة الاختيار مقام ملاحظة الطاعة
والعصيان ولو كان الاختيار ملحوظا شرطا فى وجوب الواجبات لم يتحقق لها طاعة ولا
عصيان ابد الدهر والازمان لانه حيث يختار يتحقق شرط الوجوب فينكشف وجوبه واقعا فلم
يتعلق اختياره بواجب فلا اطاعة فلا ثواب وحيث لا يختار او يختار العدم ينكشف عدم
وجوبه فلا عصيان فلا عقاب فالاختيار ليس داخلا فى مقدمة ولا فى ذى مقدمه بالنسبة
الى الوجوب واما كونه شرطا فى وجودها فهو لا شك فيه إلّا انه بمعنى انه يلزم من
عدمه عدم ذات الواجب لا عدم وجوبه وإلّا لزم كونه شرطا فى وجوبه وقد فرضنا عدمه
وترتب ذى المقدمة عليها لا يعقل ان يكون شرطا فى الوجوب ولا فى الوجود لانه ان
اريد الترتب الاختيارى فقد آل الامر الى جعل اختيار ايجاد ذى المقدمة شرطا فى
وجوبها وقد اوضحنا لك محاليته او شرطا فى وجودها وهو الدور الباطل لانقلاب ذى المقدمة
حينئذ مقدمة لها قضاء لقضية الشرطية وهو باطل قطعا وان اريد الترتب القهرى ففيه
انه لا يعقل ايضا لانه قبل تحقق الترتب لا وجوب لفرض عدم شرطه وبعد تحققه لا موضوع
للوجوب لفرض حصوله وتحصيل الحاصل باطل وجعل الترتب من قبيل الشرط المتأخر الكاشف
وجوده عن الوجوب من اول الامر غير معقول ايضا ضرورة ان وجوب المقدمة ناشئ من وجوبه
فاذا كان وجوده شرطا فى وجوبها لزم كونه شرطا فى وجوب نفسه لقضية التبعية فى
الاطلاق والاشتراط فى هذا المقام لبداهة انه لا يعقل وجود الوجوب فى ذى المقدمة
فعلا مع اشتراط وجوده فى وجوبها ولو كشفا الا مع اشتراط وجوده فى وجوبه ولا ينفع
فى ذلك جعل الشرط تعقب الوجود او باقى الوجوه التى وجهنا بها الشرط المتأخر لان
اصل اخذ الشرط هنا غير معقول لا يقال ان وجود الواجبات فى الواقع شرط فى وجوبها
قطعا بمعنى الكشف اذ ما يعلم الله
تعالى عدم وجوده لا يعقل وجود وجوبه لانا نقول مفروض المسألة ان مستند عدم
الوجود بالاختيار لا يعقل ان يكون شرطا فى الوجوب لما ذكرنا فاذا تحقق وجوب
المقدمة مع عدم وجود ذيها بالاختيار يلزم تحققه مطلقا لكشف ذلك عن عدم دخل وجوده
فى وجوبها وإلّا لزم عدم التخلف فى مورد من الموارد كما لا يخفى على المتأمل ضرورة
ان تخلف المعلول عن علته التامة غير معقول ومن المعلوم عدم خصوصية للترتب القهرى
دون الاختيارى بل لم يدع حتى القائل المذكور ذلك فاما هو شرط مطلقا او لا مطلقا
هذا ان اريد ان الترتب القهرى شرط لوجوب المقدمة وان اريد انه شرط لوجودها لزم كون
كل من العلة والمعلول علة ومعلولا لفرض شرطية كل منهما للآخر هذا كله انما هو
بالنظر الى امكان هذا الشرط من حيث هو واما بالنظر الى ما اراده صاحب الفصول فقد
صرح بانه من قبيل شرط الوجود بالنسبة الى الفعل ومن قبيل شرط الوجوب على نحو الشرط
المتأخر بالنسبة الى الوجوب وقد عرفت بطلانه بحذافيره هذا مضافا الى ما افاده
المصنف طيب الله ترتبه واعلى درجته فى وجه عدم الاعتبار حيث قال (فلانه لا يكاد يعتبر
فى الواجب الا ما له دخل فى غرضه الداعى الى ايجابه والباعث على طلبه وليس الغرض
من المقدمة الا حصول ما لولاه لما امكن حصول ذى المقدمة ضرورة انه لا يكاد يكون
الغرض الملحوظ فى شيء الا ما يترتب عليه من فائدته واثره فيكون) هذا المترتب هو الغرض (ولا يترتب على المقدمة من الفائدة
والاثر الا ذلك) اى تمكن المكلف من حصول ذى المقدمة (ولا تفاوت فيه) اى فى الملحوظ فيه ذلك الغرض (بين ما يترتب عليه
الواجب وما لا يترتب عليه اصلا) لما عرفت من ان الغرض امكان ترتبه لا فعليته (وانه) اى ذلك الغرض وهو امكان الحصول (لا محالة يترتب
عليهما) اى على نحوى
المقدمة الموصلة فعلا وغير الموصلة فعلا (كما لا يخفى واما) نفس (ترتب الواجب فلا يعقل ان يكون هو الغرض
الداعى الى ايجابها والباعث على طلبها فانه ليس باثر) لازم لوجود (تمام المقدمات فضلا عن إحداها فى غالب
الواجبات فان الواجب الا ما قل) وندر (فى الشرعيات والعرفيات فعل
اختيارى
يختار المكلف تارة اتيانه بعد وجود تمام مقدماته واخرى) يختار (عدم اتيانه فكيف يكون اختيار اتيانه
غرضا من ايجاب كل واحدة من مقدماته مع عدم ترتبه على عامتها فضلا عن كل واحدة) وكيف يكون الغرض ما يلزم منه نقض الغرض (نعم فيما كان الواجب
من الافعال التسبيبية والتوليدية كان مترتبا لا محاله على تمام مقدماته لعدم تخلف
المعلول عن علته ومن هنا القدح ان القول بالمقدمة الموصلة يستلزم انكار وجوب
المقدمة فى غالب الواجبات والقول بوجوب خصوص العلة التامة فى خصوص الواجبات
التوليدية) كالاحراق من
النار مثلا (فان
قلت ما من واجب إلّا وله علة تامة ضرورة استحالة وجود الممكن بدونها فالتخصيص
بالواجبات التوليدية بلا مخصص قلت نعم وان استحال صدور الممكن بلا علة إلّا ان
مبادى الفعل الاختيارى من اجزاء علته وهى لا يكاد يتصف بالوجوب شيء منها لعدم
كونها بالاختيار وإلّا لتسلسل كما هو واضح لمن تأمل) قلت حاصل ما افاده بتوضيح منى انه لو كان الواجب من
المقدمات هو ما ترتب عليه الواجب انحصر الوجوب فى المقدمة التى يتولد ويتسبب وجود
الواجب عن مجرد فعلها ضرورة انه اذا كان الواجب بنفسه فعلا اختياريا كما هو حال
اكثر الواجبات لم يكن وجوده مترتبا على مجرد وجود المقدمة بل هو منوط بالاختيار
الخاص به فقد يكون وقد لا يكون فلا يجب الا العلة التامة التى يوجد الواجب بعدها
قهرا وكون كل فعل يوجد لا بد وان يستند الى وجود علته التامة لا يلزم منه وجوب كل
علة تامة لكل واجب ولو كان فعلا اختياريا لان العلة التامة للواجب الذى هو فعل
اختيارى احد اجزائها مبادى نفس الفعل الاختيارى الواجب وهى ليست باختياريه فلا يمكن
وجوبها فلا يعقل وجوب نفس العلة التامة لانها باشتمالها على غير الاختيارى لا تكون
اختيارية وعلة الواجب التوليدى هى بنفسها اختيارية فلا مانع من وجوبها والواجب
يوجد بوجودها على ما هو الفرض من غير توقف على شيء آخر فثبت ما قلنا من انحصار
المقدمة الواجبة بخصوص العلة التامة للواجب التوليدى واذا كانت نفس العلة له
اختيارية كفى ذلك فى وجوبها وان لم
تكن مقدمات اختيارها اختيارية فيكون حال العلة الاختيارية للواجب التوليدى
كحال الواجب النفسى الاختيارى بالنسبة الى علته كما لا يخفى ويمكن ان يقال عليه ان
مقدمات الفعل الاختيارى للواجب عين مقدمات علته وليس مبادى اختيار علته التامة غير
مبادى نفس الفعل مثلا الحج الواجب فعل اختيارى ومقدمته الاختيارية السير الى المحل
فمقدمات فعل الحج من خطوره والشوق اليه والارادة الجازمة وتحريك العضلات هى بنفسها
مقدمات مقدمته التى هى السير فكان الحج من اول مقدماته الى آخر افعاله فعل واحد
لما ترى من ترتب السير على الشوق الى الحج وارادته بالوجدان لا على شوق آخر وارادة
اخرى خاصة للسير فالحج ومقدمته كلاهما اختياريان وان كانت مقدمات اختيارهما ليست
بالاختيار فلا مانع من وجوب الحج ووجوب مقدمته المترتب على اختيارها اختياره
المستند الى مقدمات واحدة كما عرفت ولو لا ذلك لزم انحصار الواجب المقدمى بالعلة
التامة البسيطة للواجب التوليدى التى لا تكون اختيارية الا باولها لا مطلقا ضرورة
ان المركبة من اجزاء يترتب اللاحق على السابق منها بالاختيار لا يمكن وجوبها ايضا
لان علة كل جزء لا حق مركبه من مبادى اختياره فلا تجب فيلزم عدم وجوبها بجميع
اجزائها ما عدى الجزء الاول منها لان كل جزء منها مع مبادى اختيار اللاحق علة
لوجوده اللهم إلّا ان يلتزم المصنف بذلك ايضا هذا مضافا الى ان استلزام القول
بالمقدمة الموصلة لعدم وجوب غير العلة التامة ممنوع لان غرض هذا القائل ان الواجب
من المقدمة ما ترتب عليه الواجب وان كان اتفاقا وبالاختيار لا ما يلزم من وجوده
وجود الواجب ثم لا يذهب عليك ان ما افاده المصنف هنا من ان مبادى الفعل الاختيارى
ليست بالاختيار ينافى ما صرح به فى الفوائد وفى مقام آخر فى هذا الكتاب من ان
الجزم والعزم منها اختياريان ورتب على ذلك استحقاق المتجرى للعقاب وقد عرفت توجيه
ذلك فيما سبق وستعرفه فيما ياتى إن شاء الله اذا عرفت ذلك كله فاعلم ان الصواب فى
الجواب ما اشرنا اليه سابقا من ان الواجبات الشرعية نفسيه وغيرية لا بد من انتهاء
ايجادها الى الاختيار فلو كان الاختيار شرطا فى وجوبها
كما كان كذلك فى وجودها لزم عدم تحقق الطاعة والعصيان والثواب والعقاب لما
عرفت تحقيقه بما لا مزيد عليه واما تعلق الوجوب بالمسبب فانما صح للقدرة على السبب
لانها قدرة على المسبب فصار المسبب اختياريا باختيار ايجاد السبب فالغرض من ايجاب
المقدمة السببية وان كان الوصول إلّا ان الموصل هو اختيار ايجادها الراجع الى
العبد لا ذات المقدمة فيرجع الامر بالاخرة الى كونه كالواجب الاختيارى فى كون
الاختيار شرطا فى وجوبه غاية الامر ثبوت الفرق بينهما فى ان الاختيار فى الاختيارى
متعلق به بلا واسطة وفى التسبيبى بواسطة تعلقه بالسبب فعلم ان اشتراط الترتب غير
معقول لما عرفت (ولانه) اى الواجب وما به الايصال (لو كان معتبرا فيه
الترتب لما كان الطلب يسقط بمجرد الاتيان بها من دون انتظار لترتب الواجب عليها
بحيث لا يبقى فى البين الا طلبه وايجابه كما اذا لم يكن بمقدمة او كانت) مقدمه (إلّا انها حاصله قبل ايجابه) فانه لا تجب الاولى لعدم الموضوع والثانية لعدم
المحمول لانه تحصيل للحاصل (مع
ان الطلب لا يكاد يسقط الا بالموافقة او العصيان والمخالفة) مع زوال محله (او بارتفاع موضوع التكليف كما فى سقوط
الامر بالكفن او الدفن بسبب غرق الميت احيانا او حرقه ولا يكون الاتيان بها
بالضرورة) المنكشفة لك (من هذه الامور) وهى عدم تعلق الوجوب بها او سقوطه (غير الموافقة) للامر فيسقط فيتم المطلوب اذ لو كان الترتب معتبرا لم
يسقط الا به (فان
قلت) لا دليل فى
سقوط الامر فى هذه الموارد على شيء اذ (كما يسقط الامر فى تلك الامور كذلك يسقط
بما ليس بالمأمور به فيما يحصل به الغرض منه كسقوطه فى التوصليات بفعل الغير او
المحرمات قلت نعم) ذلك اقوى دليل على ما نقول اذ لا يسقط الشيء الا بمثله فى اشتماله على
الغرض غاية الامر وجود مانع عن تعلق الامر به (ولكن لا محيص عن ان يكون ما يحصل به
الغرض من الفعل الاختيارى للمكلف متعلقا للطلب فيما لم يكن مانع وهو كونه بالفعل
محرما) لم ينحصر فيه
الواجب الاهم او كان فعل الغير (ضرورة
انه لا يكون بينهما) اى بين ما لا مانع عن وجوبه وما فيه المانع (تفاوت اصلا فكيف يكون
احدهما متعلقا له فعلا دون الآخر وقد استدل
صاحب
الفصول على ما ذهب اليه بوجوه حيث قال بعد بيان ان التوصل بها الى الواجب من قبيل
شرط الوجود لها لا من قبيل شرط الوجوب ما هذا لفظه والذى يدلك على هذا يعنى
الاشتراط بالتوصل ان وجوب المقدمة لما كان من باب الملازمة العقلية فالعقل لا يدل
عليه زائدا على القدر المذكور وايضا لا يابى العقل ان يقول الآمر الحكيم اريد الحج
واريد المسير الذى تتوصل به اليه بل الضرورة قاضية بجواز تصريح الآمر بمثل ذلك كما
انها قاضية بقبح التصريح بعدم مطلوبيتها له مطلقا او على تقدير التوصل بها اليه
وذلك آية عدم الملازمة بين وجوبه ووجوب مقدماته على تقدير عدم التوصل بها اليه) وفيه ما لا يخفى فان قول الامر اريد المسير الذى يتوصل
به الى فعل الواجب يكون معناه على هذا التقدير اريد المسير الذى يقع الواجب بعده
فى الخارج فعلا اذ لو لم يوجد لم يوجد الايصال فوجود الحج فى الخارج شرط فى وجود
السير المقدمى لفرض كونه من قبيل شرط الوجود وهو الدور لتوقف كل من المقدمة وذيها
وجودا على الآخر وان اريد امكان وقوع الحج لا وجوده فعلا فهو المطلوب فكيف يدعى
الضرورة بجواز التصريح مع حكم العقل بضرورة عدم الجواز هذا مضافا الى ان مفاد هذه
العبارة المصرح بها ان التوصل الفعلى شرط فى الارادة لا فى المراد كما لا يخفى على
من له ادنى تأمل فيكون من قبيل شرط الوجوب فكيف يزعم انها من قبيل شرط لوجود وهو
ايضا غير معقول فى نفسه كما عرفت هذا مضافا الى ان الاستدلال بجواز التصريح لا
معنى له لان جوازه فى مقام الاثبات تابع لجوازه فى مقام الثبوت والكلام انما هو
فيه ثم قال (وايضا
حيث ان المطلوب بالمقدمة مجرد التوصل بها الى الواجب وحصوله فلا جرم يكون التوصل
بها اليه وحصوله معتبرا فى مطلوبيتها فلا يكون مطلوبه اذا انفكت عنه وصريح الوجدان
قاض بان من يريد شيئا بمجرد حصول شيء آخر لا يريده اذا وقع مجردا عنه ويلزم منه ان
يكون وقوعه على الوجه المطلوب منوطا بحصوله انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد فى علو
مقامه) وفيه ما لا
يخفى ايضا ضرورة اقتضاء هذا التقرير صريحا وواقعا كون ذلك من قبيل شرط الوجوب فانه
تارة يجعله شرطا فى الارادة واخرى فى المطلوبية وكلاهما بمعنى الوجوب فالدليل
اجنبى عن المدعى
(وقد
عرفت بما لا مزيد عليه) عدم معقولية كونه شرطا فى الوجوب ايضا وجميع ما افاده فى هذا التقرير لا
يثبت اكثر من كون غرض الامر من ايجاب المقدمة تمكن العبد من ايجاد ذيها وامكان
وجود ذيها بعد وجودها فعلا هذا واما ما ذكره اولا ففيه (ان العقل الحاكم
بالملازمة دل على وجوب مطلق المقدمة لا خصوص ما اذا ترتب عليها الواجب فيما لم يكن
هناك مانع عن وجوبه كما اذا كان بعض مصاديقه محكوما فعلا بالحرمة لثبوت مناط
الوجوب حينئذ فى مطلقها) وهو التمكن من الوصول بها الى الواجب (وعدم اختصاصه بالمقيد بذلك منها) وهو الايصال فعلا (وقد انقدح منه) ومن جميع ما قدمنا (انه ليس للامر الحكيم الغير المجازف
بالقول ذلك التصريح وان دعوى ان الضرورة قاضية بجوازه مجازفة وكيف يكون ذا) معقولا (مع ثبوت الملاك فى الصورتين بلا تفاوت
اصلا كما عرفت نعم انما يكون التفاوت بينهما فى حصول المطلوب النفسى فى إحداهما
وعدم حصوله فى الاخرى من دون دخل لها فى ذلك اصلا بل كان) ذلك (بحسن اختيار المكلف وسوء اختياره وجاز
للامر ان يصرح بحصول هذا المطلوب فى إحداهما وعدم حصوله فى الاخرى حيث ان الملحوظ
بالذات هو هذا المطلوب وانما كان الواجب الغيرى ملحوظا اجمالا بتبعه كما ياتى) من (ان
وجوب المقدمة على الملازمة تبعى وجاز فى صورة عدم حصول المطلوب النفسى التصريح
بعدم حصول المطلوب اصلا لعدم التفات) من الامر (الى ما حصل من المقدمة فضلا عن كونها
مطلوبه) إلّا ان ذلك
لا يضر بكونها من حيث هى مقدمة مطلوبه وانما جاز ذلك من عدم العناية بمطلوبيتها
التبعية وانما المطلوب ذوها فجاز التصريح بذلك (كما جاز التصريح بحصول) الواجب (الغيرى مع عدم فائدته وهى وجود النفسى
لو التفت اليها كما لا يخفى فافهم فان قلت لعل التفاوت بينهما فى صحة اتصاف
إحداهما بعنوان الموصلية دون الاخرى اوجب التفاوت بينهما فى المطلوبية وعدمها
وجواز التصريح بهما) اى بمطلوبية الموصلة وعدم مطلوبية الاخرى (وان لم يكن بينهما تفاوت فى الاثر) اصلا (كما مر قلت انما يوجب ذلك) اى صحة اتصاف إحداهما بالموصلية دون الاخرى
(تفاوتا
فيهما) بحسب
المطلوبية (لو
كان ذلك لاجل تفاوت فى ناحية المقدمة لا فيما اذا لم يكن فى ناحيتها) تفاوت (اصلا كما هاهنا ضرورة ان الموصلية انما
تنتزع من وجود الواجب وترتبه عليها من دون اختلاف فى ناحيتها وكونها فى كلا الصورتين
على نحو واحد وخصوصية واحدة) وهى امكان التوصل بها الى الواجب (ضرورة ان الاتيان
بالواجب بعد الاتيان بها بالاختيار تارة وعدم الاتيان به كذلك اخرى لا يوجب تفاوتا
فيها) بل ذلك معنى
امكان التوصل وإلّا لوجب (كما
لا يخفى واما ما افاده قدسسره من ان مطلوبية المقدمة
حيث كانت بمجرد التوصل بها) الى الواجب (فلا جرم يكون التوصل بها الى الواجب
معتبرا فيها ففيه انه انما كانت مطلوبيتها) لامكان التوصل بها الى الواجب (لاجل عدم التمكن من
التوصل بدونها لا لاجل التوصل الفعلى بها لما عرفت من انه ليس من آثارها بل مما
يترتب عليه) اى على الاتيان بالمقدمة (احيانا بالاختيار بمقدمات اخرى وهى
مبادى اختياره) من الخطور والميل والشوق (ولا يكاد يكون مثل ذا) وهو ما يتفق ترتبه احيانا (غاية لمطلوبيتها
وداعيا الى ايجابها وصريح الوجدان انما يقضي بان ما اريد لاجل غاية وتجرد عن
الغاية بسبب عدم حصول سائر ما له دخل فى حصولها يقع على ما هو عليه من المطلوبية
الغيرية) و (كيف) لا يكون واقعا حال عدم الغاية على المطلوبية (وإلّا يلزم ان يكون
وجودها) اى الغاية (من قيوده ومقدمة
لوقوعه على نحو يكون الملازمة بين وجوبه بذاك النحو) وهو كونه قيدا لذى الغاية (ووجوبها وهو كما ترى
ضرورة ان الغاية لا تكاد تكون قيدا لذى الغاية بحيث كان تخلفها موجبا لعدم وقوع ذى
الغاية على ما هو عليه من المطلوبية الغيرية ولا يلزم ان يكون الغاية مطلوبة بطلبه) اى طلب ذى الغاية وهو المقدمة (لانه كسائر قيوده) فيلزم الدور الذى اوضحنا لك وجهه ضرورة ان ذا الغاية
كان مطلوبا بطلبه (فلا
يكون وقوعه على هذه الصفة منوطا بحصولها كما افاده ولعل منشأ توهمه خلطه بين الجهة
التقييدية والتعليلية) فجعل التوصل الى وجود الغاية من قيود ذيها وقد كان علة غائيه لوجوبه لا
قيدا فى موضوعه قلت لا فرق بين جعل الجهة
تقييديه او تعليليه فان التوصل الفعلى اذا كان علة فلا شك فى عدم المعلول
عند عدمه فلا ينفع فى ذلك جعله علة لا قيدا بخلاف التمكن من التوصل فانه لا ينفك
وجوده عن وجود المقدمة نعم منشأ اشتباهه خلطه بين امكان التوصل ووجوبه فظن ان
الثانى قيدا وعلة وقد عرفت محاليته فقوله قده (هذا مع ما عرفت من عدم التخلف هاهنا وان
الغاية هو حصول ما لولاه لما تمكن من التوصل الى المطلوب النفسى) هو الوجه فى الخلط لا القيدية والعلية (فافهم واغتنم ثم انه
لا شهادة على الاعتبار) اى اعتبار الترتب والوصول فعلا (فى صحة منع المولى عن مقدماته بانحائها) التى لا ايصال فيها (الا فيما رتب عليه الواجب لو سلم) له صحة المنع المدعاة ولا دلالة (اصلا) ضرورة انه وان لم يكن الواجب منها حينئذ غير الموصلة
إلّا انه لا لاجل اختصاص الوجوب بها فى باب المقدمة بل لاجل المنع عن غيرها المانع
عن الاتصاف بالوجوب هاهنا كما لا يخفى فيكون كما لو انحصر الامر بالمقدمة الموصلة
فاى شهادة فى ذلك على ما ادعاه (مع
ان فى صحة المنع عنها كذلك) يعنى بتوجيه المنع الى المقدمة الغير الموصلة وتخصيص
الجواز بالموصلة (نظر) لا يخفى (وجهه) ضرورة (انه يلزم ان لا يكون ترك الواجب حينئذ
مخالفة وعصيانا لعدم التمكن شرعا) لان مقدماته بين ممنوع عن الاتيان بها وبين ما لا يجوز
إلّا بعد الاتيان فلا يتحقق مخالفه (لاختصاص جواز مقدمته بصورة الاتيان به
وبالجملة يلزم ان يكون الايجاب مختصا بصورة الاتيان لاختصاص جواز المقدمة بها) لان الوصول فعلا من قيود جوازها (وهو محال فانه يكون
من طلب الحاصل المحال) قلت قد عرفت انه اذا كان ذلك من قبيل الشرط المتأخر الكاشف عن تحقق
الوجوب او الجواز من اول الامر لم يكن حينئذ من طلب الحاصل المحال خصوصا على ما هو
الوجه عنده فى تصحيح الشرط المتأخر وكذا على مبنى هذا القائل حيث يجعل التعقب شرطا
فلا مانع فيه من هذه الجهة والمصنف لم يفصل المقام بين كون الترتب شرط الوجوب او
الوجود وادرج الكل بلا تعيين واذا لاحظت ما صدرنا به المقام اتضح لك المرام من اول
كلام المصنف الى هنا (فتدبر
جيدا بقى شىء وهو ان ثمرة القول بالمقدمة الموصلة هو تصحيح
العبادة
التى يتوقف على تركها فعل الواجب) كازالة النجاسة عن المسجد المتوقفة على ترك الصلاة (بناء على كون ترك
الضد مما يتوقف عليه فعل ضده فان تركها) اى العبادة (على هذا القول لا يكون) مقدمه (مطلقا) حتى يكون (واجبا) كذلك (ليكون فعلها محرما) مطلقا (فتكون فاسدة) لقضية النهى فى العبادة (بل) تركها يكون مقدمة واجبة (فيما يترتب عليه فعل الضد الواجب) وهو الإزالة (ومع) فعل الصلاة و (الاتيان بها لا يكاد يكون هناك ترتب) لفعل الازالة على ترك الصلاة ففعل الصلاة كاشف عن عدم
كون تركها مقدمة (فلا
يكون تركها مع ذلك واجبا فلا يكون فعلها منهيا عنه فلا تكون فاسده وربما اورد على
تفريع هذه الثمرة) على قول هذا القائل (بما
حاصله) موضحا ان من
المعلوم ان نقيض كل شيء رفعه ونقيض ترك الصلاة الموصل الى فعل الإزالة رفع هذا
الترك وله فى الخارج فردان ترك الصلاة المجرد عن فعل الازالة فانه ليس بموصل
وتركها الملزوم لفعلها اعنى الصلاة فانه ليس بموصل ايضا فصار فعل الصلاة لازما
لاحد فردى النقيض للترك الموصل فاذا كان الترك الموصل واجبا ونقيضه حراما فلازم
احد فردى النقيض يكون حراما ايضا وهو فعل الصلاة اذ يكفى فى الحرمة ذلك ضرورة انه
اذا وجب الترك المطلق حرم الفعل قطعا مع ان الفعل ليس عين النقيض بل من لوازمه
لانه ترك الترك فكذا فى المقام من غير فرق وهذا هو مراد المصنف اعلى الله درجته
بقوله فى بيان الحاصل (ان
فعل الضد وان لم يكن نقيضا للترك الواجب مقدمة بناء على المقدمة الموصلة إلّا انه
لازم لما هو من افراد النقيض حيث ان نقيض ذاك الترك الخاص رفعه وهو اعم من الفعل
والترك الآخر المجرد وهذا يكفى فى اثبات الحرمة وإلّا لم يكن الفعل المطلق محرما
فيما اذا كان الترك المطلق واجبا لان الفعل ايضا ليس نقيضا للترك لانه امر وجودى
ونقيض الترك انما انما هو رفعه ورفع الترك انما يلازم الفعل مصداقا وليس عينه فكما
ان هذه الملازمة تكفى فى اثبات الحرمة لمطلق الفعل فكذلك تكفى فى المقام غاية
الامر ان ما هو النقيض فى مطلق الترك انما يختصر مصداقه فى الفعل فقط واما النقيض
للترك
الخاص فله فردان وذلك لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده كما لا يخفى قلت وانت خبير بما
بينهما من الفرق فان الفعل فى الاول) الذى هو محل الكلام (لا يكون إلّا مقارنا لما هو النقيض من
رفع الترك) الموصل الى
فعل الإزالة (المجامع) خارجا (معه تارة ومع الترك المجرد) على ما عرفت من معناه (اخرى) مقارنة اتفاقية لا لزومية وإلّا لم ينفك فى الترك
المجرد (و) من البديهى انه (لا يكاد يسرى حرمة الشيء الى ما يلازمه
فضلا عما يقارنه احيانا نعم لا بد ان لا يكون الملازم محكوما فعلا بحكم آخر على
خلاف حكمه إلّا ان يكون) يحسب ما فيه من الاقتضاء الذاتى مساويا للملزوم فى الحكم و (محكوما بحكمه) لكن عدم جواز المخالفة فى الحكم وجواز المساوات فيه لا
للملازمة المذكورة بل لحكم العقل بعدم امكان تحقق طلبين مختلفين فعليين لا يمكن
الجمع بينهما فى مقام الامتثال (وهذا
بخلاف الفعل فى الثانى فانه بنفسه يعاند الترك المطلق) وينافيه لا ملازم لمعانده ومنافيه (فلو لم يكن عين ما
يناقضه بحسب الاصطلاح مفهوما لكنه متحد معه عينا وخارجا فاذا كان الترك واجبا فلا
محاله يكون الفعل منهيا عنه قطعا) قلت تحقيق الحال فى ابطال هذه الثمرة ان يقال ان من
المعلوم ان العدم المطلق او الخاص ليس من الاشياء التى لها فى الخارج مصاديق
وافراد تتحقق فيها بل كل ما يوجد فى الخارج فى ذلك الحال سواء كان امرا وجوديا او
عدما خاصا يلحظ فان كان مما يتوقف عليه تحقق ذلك العدم لحقه حكمه قضاء لحكم
المقدمة الموصلة وان لم يكن كذلك كان اجنبيا عنه اذا عرفت ذلك فاعلم ان ترك الترك
الموصل الى فعل الإزالة امر غير مقدور بنفسه للمكلف وانما يكون مقدورا باسبابه
والمكلف لا يخلو من احد احوال ثلثه اما ان يترك الازالة والصلاة معا او يترك
الإزالة دون الصلاة او الصلاة دون الإزالة ولا رابع لها فاذا ترك الصلاة دون
الازالة فهى المقدمة الموصلة الواجبة فيحرم رفع هذا الترك ومن المعلوم ان رفع هذا
الترك موقوف فى التحقق على احد القسمين الاخيرين اذ هو غير ممكن إلّا بترك الإزالة
المجرد او المتحقق بفعل الصلاة او بهما معا وسبب تحققه بالاول عدم ما يوصل اليه
وبالثانى عدم ما يوصل وبهما معا
عدمهما معا فيحرم حينئذ كل ما يكون سببا لرفع الترك الموصل لانه مقدمة
موصلة ايضا ومنه فعل الصلاة فيحرم فتقع فاسده وبعبارة اخرى ترك الإزالة رفع للترك
الموصل لفعلها قطعا ومثله بعينه فعل الصلاة ورفع الترك الموصل حرام فهما حرام وهذا
هو الوجه فى حرمة الفعل المطلق اذا وجب الترك المطلق اذ ليس الفعل بنقيض ولا
مصداقا وفردا خارجيا له واللزوم لا يصلح لسريان حكم الملزوم بالضرورة فلم يبق الا
توقف تحقق النقيض المحرم الذى هو رفع الترك المطلق على الفعل المطلق وإلّا لم يعقل
تحققه وبما حققنا ظهر لك ما فى كلام الفصول وكلام المورد وكلام المصنف قدسسره فى الجواب (فتدبر جيدا ومنها
تقسيمه الى الاصلى والتبعى) واعلم ان هذه التقسيمات لم تكن لورودها فى النصوص منصوصا
عليها بالخصوص وانما تؤخذ بعد النظر الى الافعال وما هى عليه فى مقام ثبوتها فى
الواقع ونفس الامر وفى مقام اثباتها والدلالة عليها فلا بد اولا من تقسيمها بحسب
ما هى عليه من المصالح وتعلق الارادة بها والدلالة عليها ثم نتبع كل قسم بمثال
واسم فنقول ان الافعال منها ما يكون ذا مصلحة نفسيه موجبة لتأصله بالارادة كسائر
الواجبات ومنها ما يكون ذا مصلحة نفسيه موجبه لارادته عند ارادة شيء آخر متاصل
بالارادة بحيث لو لا ارادة ذلك الشيء لم يرد ذلك بمعنى ان مصلحته لم توجب ارادته
الا فى هذا الظرف كالصوم الواجب فى الاعتكاف ووجوب الكفارة فى الصوم الواجب وغير
ذلك ومنها ما يكون ذا مصلحة غير به لا نفسيه بمعنى انه لا يصلح إلّا لترتب ذى
المصلحة النفسية عليه إلّا انه على انحاء فتارة يكون امرا واحدا لا غير كايجاد
النار للاحراق الواجب وتارة يكون متعددا إلّا انه يمتاز واحد من ذلك المتعدد
بخصوصية توجب تعلق الارادة به مستقلا دون غيره فهو من جهة ما يشاركه فى ترتب ذى
المصلحة عليه مستقل ومن جهة ترتب ذلك الغير تابع وذلك كاستقبال جهة البيت فى
الصلاة مع انه اينما تولوا فثم وجه الله والكيفية الخاصة فى حذف الحصات عند رمى
الجمرات مع قيام غيرها مقامها وغير ذلك هذا فى مقام الثبوت واما مقام الاثبات فكل
واحد من هذه الاقسام تارة يكون افهامه بنفس الخطاب
وتارة يلازم الخطاب واخرى بالوجهين وما كان بلازم الخطاب فتارة لزوما عرفيا
واخرى عقليا اما ما كان بنفس الخطاب فهو ما لم يكن حال افادته معلقا على شيء اصلا
كسائر الخطابات فى لواجبات واما ما كان يلازم الخطاب عرفا فهو ما كان فى مقام
الافادة معلقا على غيره كالمفاهيم موافقه او مخالفه فان حرمة الضرب امر مستقل فى
نفسه بالارادة إلّا انه لبعض الخصوصيات دل عليه بحرمة التأفيف فى مقام الافادة
واما ما كان يلازم الخطاب عقلا فهو كدلالة الآيتين على اقل الحمل ودلالة ايجاب
الشيء على ما يتوقف عليه وغير ذلك اذا احطت خبر ايما ذكرنا فاعلم ان الفعل المشتمل
على مصلحة توجب تعلق الإرادة به مستقلا فى مقام الثبوت فهو الواجب الاصلى فان
استقل بالخطاب ايضا كان اصليا فى مقام الاثبات ايضا وان لم يستقل بل كان له نحو
تعلق فى مقام الافادة بشيء آخر فهو تبعى وان الفعل المشتمل على مصلحة توجب ارادته
عند ارادة غيره فى مقام الثبوت فهو الواجب التبعى فان كان فى مقام الاثبات ايضا
كذلك كان فى المقامين تبعيا وإلّا كان تبعيا فى مقام الثبوت اصليا فى مقام الاثبات
كالصوم الاعتكاف كما عرفت وان الفعل الذى مصلحته ترتب الغير عليه مع اتحاده فهو
تبعى فى مقام الثبوت فان كان التوقف عرفيا جاز ان يكون تبعيا صرفا فى مقام الاثبات
ايضا وجاز ان يدل عليه بخطاب اصلى فيكون تبعيا صرفا فى مقام الثبوت وجامعا للوصفين
من جهتين فى مقام الاثبات وان كان التوقف شرعيا كان فى مقام الثبوت تبعيا صرفا وفى
مقام الاثبات لا بد من تعلق خطاب اصلى به محقق لموضوع الخطاب التبعى كالوضوء مثلا
فانه لا بد من خطاب اصلى يعرف به مقدميته وصلاحيته لترتب ذى المصلحة عليه اذ لولاه
لم يعرف فاذا وقع ذلك فهم الخطاب به ايضا من خطاب ذى المصلحة فيكون مجمع الوصفين
لوجوب تعلق الخطابين هذا فى المتحد واما المتعدد الذى امتاز بعض افراده فهو
كالمتحد قسمة من حيث كون التوقف عرفيا او شرعيا ومن حيث كونه فى مقام الثبوت تبعيا
وفى مقام الاثبات جامعا للوصفين للزوم انفهامه بخطابين وبما ذكرنا اتضح لك امر
النسبة بين الواجب الاصلى والتبعى والنفسيين او الغيريين فى مقام الثبوت وبينهما
ايضا كذلك فى مقام الاثبات وبين الاصلى ونفسه كذلك بحسب كلا المقامين وقد اشار
المصنف
اعلى الله تعالى مقامه الى اصول هذه القسمة بقوله (والظاهر ان يكون هذا
التقسيم بلحاظ الأصالة والتبعية فى الواقع ومقام الثبوت حيث يكون الشيء تارة
متعلقا للارادة والطلب مستقلا للالتفات اليه بما هو عليه مما يوجب طلبه فيطلبه) سواء (كان طلبه نفسيا او غيريا واخرى متعلقا
للارادة تبعا لارادة غيره لاجل كون ارادته لازمه لارادته من دون التفات اليه بما
يوجب ارادته لا) ان التقسيم المذكور تعرضوا له (بلحاظ الاصالة والتبعية فى مقام الدلالة
والاثبات) وان انقسم
اليهما فى هذا المقام (فانه
يكون فى هذا المقام تارة مقصودا بالافادة) على حده (واخرى غير مقصود بها على حده إلّا انه
لازم الخطاب كما فى دلالة الاشارة) الحاصلة من الآيتين على اقل الحمل (ونحوها وعلى ذلك) اى على ان التقسيم انما هو بلحاظ مقام الثبوت (فلا شبهة فى انقسام
الواجب الغيرى اليهما واتصافه بالأصالة والتبعية كليهما حيث يكون متعلقا للارادة
على حده عند الالتفات اليه بما هو مقدمه واخرى لا يكون متعلقا لها كذلك عند عدم
الالتفات اليه كذلك فانه يكون لا محاله مرادا تبعا لارادة ذى المقدمة) بناء (على الملازمة) وان كان لا بد من ارادته مع ذلك مستقلا بالأصالة فيما
اذا كانت مقدميته شرعيه او اختصاصه من بين المقدمات شرعيا كما عرفت (كما لا شبهة فى اتصاف
النفسى بالأصالة ولكنه) عند المصنف قدسسره (لا
يتصف بالتّبعيّة ضرورة انه لا يكاد يتعلق به الطلب النفسى ما لم يكن فيه مصلحته
النفسية ومعها يتعلق به الطلب مستقلا ولو لم يكن هناك شيء آخر مطلوب اصلا) وفيه ما عرفت من انه يكون على نحو التبعية ايضا ولا
منافات كالصوم الواجب فى الاعتكاف الواجب ووجوب الكفارة مطلقا فى صوم او حج او
اعتكاف او غير ذلك ووجوب الاحتياط وسجود السهو فى الصلاة وغير ذلك (كما لا يخفى نعم) قد اعترف المصنف قده بانه (لو كان الاتصاف بهما) فى مقام الاثبات و (بلحاظ الدلالة اتصف النفسى بهما ايضا
ضرورة انه قد يكون غير مقصود بالافادة بل أفيد بتبع غيره المقصود بها لكن) ذلك خارج عن التقسيم المذكور
لما عرفت من ان (الظاهر
كما مر ان الاتصاف بهما انما هو فى نفسه) وفى مقام الثبوت (لا بلحاظ حال الدلالة عليه وإلّا) اى وان لم يكن المراد من التقسيم ذلك للزم ان يكون
تقسيمه بلحاظ حال الدلالة فى جملة من المقامات مجرد فرض لا واقع له اذ لو لوحظ ذلك
(لما
اتصف بواحد منهما اذا لم يكن بعد مفاد دليل) اما لعدمه او لاجماله او لغير ذلك (وهو كما ترى) فان ظاهر التقسيم وجود القسمين بالفعل دائما قلت قد
عرفت الحال مفصلا فلا نعيد (ثم) ليعلم (انه) اذا كان (الواجب التبعى) هو (ما
لم يتعلق به ارادة مستقلة) نفسيه او تعلقت به لكن تبعا لارادة اخرى مستقلة (فاذا شك فى واجب انه
اصلى او تبعى فباصالة عدم تعلق ارادة مستقلة به يثبت انه تبعى فى القسم الاول
ويترتب عليه آثاره اذا فرض له اثر شرعى) لانه امر عدمى (فهو كسائر الموضوعات المتقومة بامور
عدمية نعم لو كان التبعى امرا وجوديا خاصا غير متقوم بعدمى ولو كان يلزمه) كما فى القسم الثانى او الاول ايضا اذا قلنا ان معناه
ما تعلقت به الارادة تبعا (لما
كان يثبت بها الا على القول بالاصل المثبت كما هو واضح فافهم تذنيب
فى بيان الثمرة وهى
فى المسألة الأصولية كما عرفت سابقا ليست إلّا ان يكون نتيجتها) اى المسألة الأصولية (صالحة للوقوع فى طريق الاجتهاد واستنباط
حكم فرعى) لان ثمرة كل
شيء حصول غايته وغاية المسائل الأصولية هو ذلك وهى حاصلة فى المقام (كما لو قيل بالملازمة
فى المسألة) بين الوجوبين (فانه
بضميمة مقدمة كون شىء مقدمة لواجب) لان التلازم يستدعى طرفين (يستنتج انه) اى الموقوف عليه الواجب (واجب ومنه انقدح) واتضح (انه ليس منها) اى من ثمرة المسألة الأصولية (مثل برء النذر باتيان
مقدمة واجب عند نذر اتيان الواجب و) ليس منها ايضا (حصول الفسق بترك واجب واحد) مع عدم كون تركه فى نفسه من الكبائر لكن يكون تركه (بمقدماته اذا كانت له
مقدمات كثيرة) من الكبائر (لصدق
الاصرار على الحرام) الذى فى نفسه صغيره (بذلك) وليس منها ايضا (عدم جواز اخذ الأجرة على المقدمة) بناء على الوجوب وعدم جواز اخذ الأجرة على الواجب فان
هذه كلها من ثمرة المسألة الفقهية لا الاصولية كما لا يخفى (مع
ان
البرء وعدمه انما يتبعان قصد الناذر فلا برء باتيان لمقدمة لو قصد الوجوب النفسى
كما هو المنصرف عند اطلاقه ولو قيل بالملازمة وربما يحصل البرء به لو قصد ما يعم
المقدمة ولو قيل بعدمها) كان قصد الواجب ولو عقلا (كما لا يخفى) قلت هذه المناقشة ضعيفه جدا ضرورة ان الثمرة تتحقق ولو
فى صورة من صوره بحيث لا يمكن الحكم بالبرء الاعلى الملازمة كما لو قال لله على ان
افعل واجبا شرعيا نفسيا او غيريا فان حصول البرء حينئذ بفعل المقدمة التى لم يرد
بها خطاب اصلى منحصر بالقول بوجوبها شرعا كما لا يخفى وليس الغرض حصول البرء على
جميع الانحاء والوجوه ومثل هذه المناقشة ما افاده فى الثمرة الثانية بقوله (ولا يكاد يحصل
الاصرار على الحرام بترك واجب ولو كانت له مقدمات عديدة لحصول العصيان بترك اول
مقدمة لا يتمكن معه) اى مع هذا الترك (من
الواجب ولا يكون ترك ساير المقدمات بحرام اصلا لسقوط التكليف حينئذ كما هو واضح لا
يخفى) قلت بل لا
يخفى ما فيه اما اولا فلانه يكفى فى حصول الثمرة تحقق صورة واحدة ومن المعلوم ان
ليس الترك فى جميع الصور مستندا الى ترك اول مقدمه كما سيأتى إن شاء الله واما
ثانيا فلان الترك ليس من الامور التدريجية ليكون له اول وآخر وانما العازم على
العصيان يترك الواجب بمقدماته دفعه واحدة وبناء على الملازمة يكون قد ترك واجبات عديدة
وعلى عدمها واجبا واحدا واما ثالثا فلانه يكفى فى تحقق ترك الواجبات من المقدمات
وذيها ترك اول مقدمة وإلّا لم يصدق معنى ترك اصل الواجب لفرض سقوط وجوبه بترك اول
مقدمة فيلزم عدم استحقاق العقاب الا على تلك المقدمة وهو واضح الفساد فان سقوط
الوجوب بسبب العصيان كالعصيان حال بقائه فتارك السير مع الرفقة تارك للحج الواجب
ومستحق عقاب تاركه وهو بمكة فبعين ما يقال فى الواجب يقال فى مقدماته نعم مسئلة
الكبائر والاصرار على الصغائر ليس المراد منها هذا المعنى وإلّا كان تارك الصلاة
مرة واحدة فاعل كبائر متعددة بل تارك واجبات لا تحصى اذا لوحظ كل جزء وابعاضه فانه
لا شك فى وجوبها اجمع وكما يرفع ذلك بانه وجوب واحد منبسط على الجميع فالوجوب
التبعى الناشئ عنه ليس له لحاظ مستقل كيف وقد تقدم ان لا ثواب ولا عقاب عليه من
حيث هو
بل هو كذلك حتى بناء على ما ذكرنا من الحسن والقبح العرضيين لان فعل
الصغيرة والاصرار عليها لا ينصرف عرفا الى مثل ذلك بل الواجب بمقدماته ان كان
كبيرا فواحد وان كان صغيرا فواحد وهذا امر واضح لا ينبغى اطالة الكلام فيه هذا ولا
يذهب عليك ان المناقشة الآتية فى المثال الثالث كالاولى فى الضعف ضرورة انها انما
جعلت ثمرة بناء على عدم الجواز لا مطلقا ليناقش فيه ويقال (ان اخذ الاجرة على
الواجب لا باس به اذا لم يكن ايجابه على المكلف مجانا وبلا عوض بل كان وجوده
المطلق مطلوبا كالصناعات الواجبة كفاية التى لا يكاد ينتظم بدونها البلاد ويختل
لولاها معاش العباد بل ربما يجب اخذ الاجرة عليها لذلك اى لزوم الاختلال وعدم
الانتظام لو لا اخذها فى هذه الواجبات التوصلية واما الواجبات التعبدية فيمكن ان
يقال بجواز اخذ الاجرة على اتيانها بداعى امتثالها لا على نفس الاتيان) لتكون الاجرة داعيا له (كى ينافى عباديتها فيكون) الاجرة (من قبيل الداعى الى الداعى) كالاجرة الأخروية المقصودة فى اتيان العبادات بداعى
الامر ولا فرق بين الاجرتين (غاية
الامر يعتبر فيها كغيرها ان يكون فيها منفعة عائدة الى المستاجر كى لا يكون
المعاملة سفهية و) يكون (اخذ
الاجرة عليها اكلا) للمال (بالباطل
هذا وربما يجعل من الثمرة اجتماع الوجوب والحرمة اذا قيل بالملازمة) وذلك (فيما كانت المقدمة محرمة فيبنى على جواز
اجتماع الامر والنهى وعدمه بخلاف ما لو قيل بعدمها) اى بعدم الملازمة فانه لا اجتماع اذ لا وجوب قال قده (وفيه اولا انه لا
يمكن ان يكون من باب الاجتماع كى تكون مبنية عليه) لعدم اجتماع عنوانين احدهما واجب والآخر حرام لفرض ان
المحرم هو ذات المقدمة والواجب ايضا هو الذات لا عنوان المقدمة (لما اشرنا اليه غير
مرة ان الواجب ما هو بالحمل الشائع مقدمة لا بعنوان المقدمة فيكون على الملازمة من
باب النهى فى العبادة والمعاملة وثانيا انه لا يكاد يلزم الاجتماع اصلا لاختصاص
الوجوب بغير المحرم فى غير صورة الانحصار به و) اما (فيها فاما لا وجوب للمقدمة لعدم وجوب ذى
المقدمة لاجل المزاحمة) الموجب لعدم القدرة على الواجب (واما لا حرمة لها كذلك كما لا يخفى
وثالثا ان جواز الاجتماع وعدمه لا دخل له فى التوصل بالمقدمة المحرمة
وعدمه
اصلا فانه يمكن التوصل بها ان كانت توصلية ولو لم نقل بجواز الاجتماع) اذا التمكن من الواجب موقوف على وجودها لا وجوبها
ولكونه ذاتيا لا ترفعه حرمتها (و) من المعلوم (عدم جواز التوصل بها ان كانت تعبديه على
القول بالامتناع سواء قيل بوجوب المقدمة او) قيل (بعدمه) ضرورة ان المقدمة التعبدية متحده مع ذيها فى الوجود
الخارجى فلا يجوز اجتماع الامر بذيها مع النهى عنها فتفسد ولا يتوقف ذلك على
وجوبها (و) منه يعلم (جواز التوصل بها على القول بالجواز كذلك
اى قيل بالوجوب او عدمه) لما عرفت من ان المناط مع الاتحاد امرا لواجب ونهى المقدمة من دون دخل
لوجوبها (وبالجملة
لا يتفاوت الحال فى جواز التوصل بها وعدم جوازه اصلا بين ان يقال بالوجوب او يقال
بعدمه كما لا يخفى) قلت فى الجميع ما لا يخفى اما ما ذكره اولا فلانه ليس المراد ان المقدمة
واجبة بهذا العنوان ليرد عليه ما ذكره بل المراد ان ذات المقدمة المعنونة بعنوانها
الخاص كذات الوضوء بعنوان كونه وضوء والغسل بعنوان كونه غسلا وهكذا فى التوصليات
اذا كان محرما حيث يقع تصرفا فى مال الغير وواجبا حيث يقع مقدمة للصلاة كان ذلك
مورد الاجتماع ومحل النزاع والعجب من المصنف قده حيث حمل كلام القائل على ما عرفت
واما ما ذكره من انه يكون من باب النهى فى العبادة والمعاملة ففيه مضافا الى ان
الكلام فى المقدمة المحرمة اذا قيل بترشح الوجوب عليها وعدمه لا فى المقدمة
الواجبة المنهى عنها فتأمل انك قد عرفت تحقق عنوانى الوجوب والحرمة فى المقام واما
ما ذكره ثانيا من عدم لزوم الاجتماع لاختصاص الوجوب الخ فهو عجيب اذ لا وجه
لاختصاص الوجوب بغير المحرم فى صورة عدم الانحصار الا عدم جواز الاجتماع والظاهر
ان النسخة غلط وما ذكره ثانيا لم يوجد فى الطبع الجديد والظاهر انه غالب الصحة بل
غلطيتها من المقطوع به عندى فان المصنف بل من هو ادنى المحصلين اجل من ذلك واما ما
ذكره ثالثا فهو على طوله لم يثبت إلّا ان الاجتماع فى الواجب الغيرى قليل الثمرة
او كاد ان يكون معدومها والثمرة فيه منحصرة فى الواجب النفسي وهذا لا يكون رافعا
لموضوع ما جعله القائل المذكور ثمرة وكانهم استظهروا من هذا القائل
جعل ذلك ثمرة على انها مثمرة مع ان حمل الكلام على الوجه الصحيح خير من
حمله على الخطأ سيما مع استبعاد صدوره من مثل القائل المذكور وايضا فان كون
الاتيان بالمحرم فى التوصلية موصلا لا يوجب سقوط الثمرة للفرق الواضح بين كون
الموصل طاعة ومعصية او معصية صرفه المترتب عليه ثمرات كثيرة واما ما افاده فى
التعبدية المتحدة مع ذيها ففيه انه يختص بالمقدمة اذا كانت جزء بيان ذلك ان كلا من
الوضوء والغسل والتيمم غير متحد مع الغاية فى الوجود الخارجى وانما المتحد معه هو
الطهارة الحاصلة من هذه الافعال ففساد هذه الافعال لانها محرمة صرفة لا لعدم جواز
الاجتماع اذا لم نقل بوجوب المقدمة ولو قلنا بالوجوب كان الفساد مبنيا على
الامتناع وعدمه على جوازه وبعبارة اخرى الامر بالغاية لا ينفع فى صحة لوضوء ولو
بناء على جواز الاجتماع اذ ليس فى الوضوء الا النهى فلا يكون الوضوء صحة وفسادا
مبينا على تلك المسألة الاعلى القول بالملازمة كما هو واضح بقى الكلام (فى تأسيس الاصل فى
المسألة) فنقول (اعلم انه لا اصل فى
محل البحث) يعنى (فى المسألة) الأصولية (فان الملازمة) العقلية (بين وجوب المقدمة ووجوب ذى المقدمة
وعدمها ليست لها حاله سابقة) ولا وجودها وعدمها موقوفان على حدوث لوجوب (بل تكون الملازمة او
عدمها) حاله (أزلية نعم) فى المسألة الفقهية ربما امكن ان يقال ان (نفس وجوب المقدمة) لا محاله (يكون مسبوقا بالعدم حيث يكون حادثا
بحدوث وجوب ذى المقدمة فالاصل عدم وجوبها وتوهم عدم جريانه) اى الاصل المذكور (لكون وجوبها على الملازمة من قبيل لوازم
الماهية) وهى (غير مجعولة) بل غير قابلة للجعل وانما المجعول هو الماهية (ولا) هناك (اثر آخر مجعول مترتب عليه) ليجرى الاصل بالنسبة اليه (بل لو كان) هناك اثر (لم يكن باثر مهم هنا) فان مسئلة برء النذر وجواز اخذ الاجرة وامثالها لا ربط
لها بالمقام (مدفوع) اولا (بانه وان كان غير مجعول بالذات لا
بالجعل البسيط) المستقل (الذى
هو مفاد كان التامة) وهو محض التحقق (ولا
بالجعل التأليفى) وهو كون الوجوبين مجعولين بجعل واحد (الذى هو مفاد كان الناقصة إلّا انه
مجعول بالعرض وبتبع جعل وجوب
ذى
المقدمة وهو كاف فى جريان الاصل) وثانيا ان الكلام انما هو فى تعلق الوجوب الشرعى
المولوى بها الناشئ عن تعلق ارادة تبعية به غير ارادة الواجب وربما كانت مستقلة
متاصله مع الالتفات اليه بنفسه كما تقدم وأي مورد لاجراء الاصل احسن من هذه
الموارد هذا (و) اما توهم (لزوم التفكيك بين الوجوبين مع الشك لا
محالة لاصالة عدم وجوب ذى المقدمة فهو لا ينافى) لان (الملازمة بين) الحكمين (الواقعيين) فى مرتبة الانشاء محفوظة (وانما ينافى الملازمة
بين) الحكمين (الفعليين) وهو لا باس به مع سلامتها فى تلك المرتبة (نعم لو كانت الدعوى
هى الملازمة المطلقة حتى فى المرتبة الفعلية لما صح التمسك بالاصل كما لا يخفى) قلت توضيح ما افاده قدسسره انه ان كانت هناك ملازمة بين الوجوبين فهى متحققة بين
الحكمين الواقعيين بجميع مراتبهما قطعا وان لم تكن فهى كذلك ومع الشك فيها فاذا
تحقق وجوب ذى المقدمة الواقعى الفعلى فلا ينافى ذلك اصالة عدم وجوب المقدمة لجواز
التفكيك فى مجارى الاصول مع العلم بتحقق التلازم فى الواقع فان من توضأ بمائع مردد
بين البول والماء الاصل طهارة بدنه وبقاء حدثه مع القطع بالتلازم بين طهارة البدن
وارتفاع الحدث او نجاسته وبقائه واقعا لان المائع ان كان ماء فهو الاول وان كان
بولا فهو الثانى فالتفكيك بحسب مجرى الاصل لا ينافى عدم الانفكاك واقعا فى جميع
المراتب نعم لو كانت الملازمة فى مقامنا موجودة كان وجوب المقدمة فى الواقع موجودا
إلّا انه غير فعلى وان كان وجوب الملزوم فعليا ضرورة عدم امكان فعليته مع فعلية
الحكم الظاهرى كما هو الحال فى جميع الاحكام الظاهرية بالنسبة الى الواقعيات
ملزومات او لوازم واما قوله نعم لو كانت الدعوى الخ فمعناه انه لو ادعى ان المقدمة
لو كانت فى الواقع واجبة فحيث يكون وجوب ذيها فعليا يكون وجوبها ايضا فعليا فمع هذه
الدعوى لا يعقل جريان الاصل لحصول التعارض بين الحكم الواقعى والظاهرى وانما وفقنا
بين الاحكام الظاهرية والواقعية بان الاولى فعليه والثانية شانيه باقية محفوظة
بمرتبة انشائها بل لا مورد للاصل لسقوطه بالعلم بتحقق التلازم حتى فى المرتبة
الفعلية وهذا واضح (اذا
عرفت ما ذكرنا فقد تصدى غير واحد من الافاضل لاقامة البرهان على الملازمة)
حتى انهاه بعضهم الى اثنى عشر دليل (وما اتى) لواحد منهم (بواحد) منها (خل عن الخلل) وزائل عنه الزلل (والاولى) منها ثانى عشرها وهو (احالة ذلك الى الوجدان حيث انه اقوى
شاهد) وبرهان (على ان الانسان اذا
اراد شيئا له مقدمات اراد تلك المقدمات لو التفت اليها بحيث ربما يجعلها فى قالب
الطلب مثله) اى مثل ذلك الشيء المطلوب بنفسه (ويقول مولويا ادخل السوق واشتر اللحم
مثلا بداهة ان الطلب المنشأ بخطاب ادخل مثل الطلب المنشا بخطاب اشتر فى كونه بعثا
مولويا وانه حيث تعلقت ارادته بايجاد عبده الاشتراء ترشحت منها له ارادة اخرى
بدخول السوق بعد الالتفات اليه وادراك انه يكون مقدمة له كما لا يخفى ويؤيد
الوجدان بل يكون من اوضح البرهان وجود الاوامر الغيرية فى الشرعيات والعرفيات
لوضوح انه لا يكاد يتعلق بمقدمة امر غيرى إلّا اذا كان فيها مناطه واذا كان فيها
كان فى مثلها) اذ لا خصوصية لمقدمة دون اخرى (فيصح تعلقه به ايضا لتحقق ملاكه ومناطه) ولا ينافى ذلك كون الامر الغيرى فى المقدمات الشرعية
هو المحقق لمقدميتها والكاشف عنها بحيث لولاه لم يعلم انها مقدمة اذ لا مانع من
لحاظ الجهتين فيها كما لا يخفى (والتفصيل
فى المقدمات بين السبب الشرعى وغيره والشرط الشرعى وغيره سيأتى بطلانه وانه لا
تفاوت فى باب الملازمة بين مقدمة ومقدمة ولا باس) فى التعرض (بذكر الاستدلال الذى هو كالاصل لغيره
مما ذكره الافاضل من الاستدلالات وهو ما ذكره ابو الحسن البصرى وهو انه لو لم تجب
المقدمة لجاز تركها وحينئذ فان بقى الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق
وإلا خرج الواجب المطلق عن وجوبه وفيه بعد اصلاحه بارادة عدم المنع الشرعى من
التالى فى الشرطية الاولى) وهو جواز الترك (لا الاباحة الشرعية وإلّا) لو كان المراد ذلك (كانت الملازمة واضحة البطلان وارادة
الترك عما اضيف اليه الظرف) فيكون المعنى وحين اذ تركها (لا نفس الجواز) المسند الى الترك فى تالى الشرطية الاولى (ولا فبمجرد الجواز
بدون الترك لا يكاد يتوهم صدق قضية الشرطية الثانية) لان التكليف بما لا يطاق وخروج الواجب عن الوجوب من
آثار الترك لا جوازه (ما
لا يخفى) مبتدا خبره
وفيه فى اول الجواب (فان
الترك
بمجرد عدم المنع شرعا لا يوجب صدق احد الشرطيتين ولا يلزم) منه (احد المحذورين) لانا نقول ببقاء الوجوب قبل ترك الواجب ولا يلزم
التكليف بما لا يطاق لوجود المقدمة المقدورة فان القدرة تابعة لذات المقدمة لا
لحكمها ونقول بعدم بقاء وجوبه بعد تركه ولا يلزم خروج الواجب عن الوجوب (فانه وان لم يبق له
وجوب معه إلّا انه كان ذلك بالعصيان لكونه متمكنا من الاطاعة والاتيان وقد اختار
تركه بترك مقدمته بسوء اختياره مع حكم العقل بلزوم ترك اتيانها ارشادا الى ما فى
تركها من العصيان المستتبع للعقاب نعم لو كان المراد من الجواز جواز الترك شرعا
وعقلا) فلا شك انه (يلزم احد المحذورين
إلّا ان الملازمة على هذا فى الشرطية الاولى) بين عدم الوجوب والجواز شرعا (ممنوعة بداهة انه لو
لم يجب شرعا لا يلزم ان يكون جائزا شرعا وعقلا لامكان ان لا يكون محكوما بحكم شرعا
وان كان واجبا عقلا ارشادا وهذا واضح) قلت بل هو فى غاية الاشكال فانهم ذكروا فى ثبوت
الاحكام الخمسة ان فعل المكلف لو لم يتصف باحدها لزم ارتفاع النقيضين واشتهر انه
ما من واقعة الا ولله فيها حكم واعترف بذلك المصنف فى اول مسئلة الضد فبين كلاميه
تدافع ولا تخلوا واقعة عن حكم شرعى الا الواقعة التى لا يمكن تعلق الحكم الشرعى
بما هو شرعى بها كالطاعة والمعصية ولزوم العمل بالعلم وامثالها والمقدمة ليست من
هذا القبيل وإلّا لما كانت محلا للنزاع فاذا لم تكن واجبة الفعل شرعا فلا بد من ان
تكون جائزة الترك لان تركها اما ان يجوز او يحرم او يكره او يستحب او يجب ولا يعقل
خلوها عن ذلك ولا سبيل الى الاربعة الباقية فيتعين الجواز ولا محيص عن الاعتراف
بلزوم احد المحذورين لو كان الجواز شرعيا لا لاجل نفس الجواز بل لاجل ان المكلف لو
ترك المقدمة استنادا الى جوازها شرعا فان بقى الوجوب لزم المحذور الاول قطعا وان
لم يبق لزم الثانى فظهر ان لزوم احد المحذورين يكفى فيه الجواز شرعا ولا يحتاج الى
ان يضم اليه الجواز عقلا كما لا يخفى وهذا مما لا ينبغى الاشكال فيه واطالة الكلام
فى بيان مثالبه ومساويه فانه قد استدل به الفحول واهل الوصول من علماء الاصول
وجميع ما ذكروه فى رده مبنى على ان الجواز ليس بشرعى
وقد عرفت استحالة خلو الواقعة عنه بعد خلوها عن غيره هذا (واما التفصيل بين
السبب وغيره فقد) يعرف مما (استدل
به) على وجوب
السبب وذلك (بان
التكليف لا يكاد يتعلق إلّا بالمقدور والمقدور لا يكون إلّا هو السبب وانما المسبب
من آثاره المترتبة عليه قهرا ولا يكون من افعال المكلف وحركاته وسكناته فلا بد من
صرف الامر المتوجه اليه عنه الى سببه) قال قده (ولا يخفى ما فيه من انه ليس بدليل على
التفصيل بل على ان الامر النفسى انما يكون متعلقا بالسبب دون المسيب مع وضوح فساده
ضرورة ان المسبب مقدور للمكلف وهو متمكن منه بواسطة السيب ولا يعتبر فى التكليف
ازيد من القدرة كانت بلا واسطة او معها كما لا يخفى) وفيه تامل فان المسبب غير مقدور مطلقا وانما يشتبه حال
القدرة على السبب بالقدرة على المسبب ضرورة انه بعد ما كان ترتب المسبب على السبب
قهريا فحال ايجاد العبد للسبب ليس قادرا على ايجاد المسبب لفرض استناد وجوده
بتمامه الى وجود السبب ولو كان ذلك قدرة على ايجاد المسبب كان اللازم عقلا قدرته
حال ايجاد السبب على عدم ايجاد المسبب مع انه غير معقول والقدرة على عدم ايجاده
بعدم ايجاد السبب قدرة على السبب لا على المسبب فلا تنسب القدرة الى المسببات الا
عرضا ومجازا والتكليف مشروط بالقدرة الحقيقية على المكلف به لا المجازية العرضية
فما ذكره هذا القائل من ان الوجوب النفسى لا يتعلق إلّا بالاسباب ولو تعلق
بالمسببات صرف اليها لانه تعلق صورى وعرضى فى غاية المتانة والقوه ومن المعلوم ان
جميع الواجبات النفسية توصلية وتعبديه هى اسباب لمصالحها الكامنة فيها وكذا
المحرمات والمستحبات والمكروهات فيلزم احتساب الجميع غيرية وهو كما ترى ويتفرع على
ما ذكرنا ان الاحكام المتعلقة بالطبائع ظاهرا هى يحسب الحقيقة والواقع متعلقه بنفس
الافراد وان قلنا ان الطبيعى موجود بوجود افراده فانقدح ان هذا ليس تفصيلا فى
المقدمة بحسب وجوبها الغيرى بل هو من المنكر لوجوب غير السبب انكار للوجوب مطلقا
ومن القائل بوجوب بعض المقدمات غير السبب دون بعض انكار لوجوب السبب الغيرى وظاهر
كلام المفصل لا يأبى ما ذكرنا ولو اراد غير ما حققناه فهو مردود
عليه كما هو واضح هذا (واما
التفصيل بين الشرط الشرعى وغيره فقد استدل على الوجوب فى الاول بانه لو لا وجوبه
شرعا لما كان شرطا حيث انه ليس مما لا بد منه عقلا او عادة وفيه مضافا الى ما عرفت
من رجوع الشرط الشرعى الى العقلى انه لا يكاد يتعلق الامر الغيرى إلّا بما هو
مقدمة الواجب فلو كان مقدميته متوقفة على تعلقه بها لدار والشرطية وان كانت منتزعه
عن التكليف إلّا انه عن التكليف النفسى لا الغيرى فافهم) قلت فيما افاده نظر مضافا الى ما عرفت سابقا من عدم
رجوع الشرط الشرعى الى العقلى ووجهه اما اولا فلان مقصود المستدل ان الوجوب كاشف
عن الشرطية وان الكاشفية منحصرة به اذ لو لاه لما حكم بالتوقف عقل ولا عادة فلا
دور بالضرورة لان الموقوف عليه الوجوب هو مقدمية المقدمة والموقوف على الوجوب
انكشافها والعلم بها واما ثانيا فلان ظاهرهم ان منشأ انتزاع الجزئية والشرطية هو
الحكم المتعلق بالجزء والشرط حتى قال قائلهم ان الوجوب المتعلق بالاجزاء والشرائط
وضعى لا تكليفى فجعل منشأ الانتزاع هو التكليف النفسى المتعلق بذى المقدمة لا
الغيرى المتعلق بها محتاج الى التأمل فى كون صل كيف تكون منشأ انتزاع لشرطيته
الوضوء فى الصلاة فانه قبل ورود توضأ فاصل الشرط غير معلوم وبعد وروده فالشرط منه
مفهوم لا من صل فالحق ان الاحكام المتعلقة بذات الاجزاء تكاليف تستتبع الوضع لزوما
اذا لوحظت مع الماهية المامور بتلك الاجزاء والشرائط لاجلها وان اراد ان التكاليف
المتعلقة بالاجزاء والشرائط تكاليف نفسيه تستتبع احكاما وضعية فهو كما ترى اذ لو
كان كذلك لكانت الصلاة مشتملة على وجوبات نفسيه عديدة وفساده واضح اللهم إلّا ان
يجعل منشأ الانتزاع هو الوجوب النفسى المتعلق بنفس المركب المنبسط على جميع اجزائه
وشرائطه فيكون المحقق للشرطية والمنشا لانتزاعها هو هذا الوجوب المنبسط والكاشف
عنها هو الخطاب الاصلى المتعلق بذات الشرط وفيه مجال للتامل ويمكن الجواب عن دليل
المفصل ايضا بان يقال ان الكلام فى تحقق الملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدمته وجوبا
تبعيا بعد العلم بها من خطاب اصلى متعلق بها لا فى جواز تعلق خطاب اصلى بالمقدمة
اتفاقيا وان كان الكشف عن مقدمية المقدمة منحصرا به هذا مضافا الى عموم
دليله لكل مقدمة شرعيه فلا وجه لتخصيص المدعى بالشرط وذلك فى غاية الوضوح
لمن اعطى التامل حقه (تتمه
لا شبهة فى ان مقدمة المستحب كمقدمة الواجب فتكون مستحبة لو قيل بالملازمة واما
مقدمة الحرام والمكروه فلا تكاد تتصف بالحرمة او الكراهة اذ منها ما يتمكن معه من
ترك الحرام او المكروه اختيارا كما كان متمكنا قبله فلا دخل له اصلا فى حصول ما هو
المطلوب من ترك الحرام والمكروه فلم يترشح من طلبه طلب ترك مقدمتهما نعم ما لا
يتمكن معه من ترك المطلوب لا محاله يكون مطلوب الترك ويترشح من طلب تركهما) اى الحرام والمكروه (طلب ترك خصوص هذه المقدمة فلو لم يكن
للحرام مقدمة لا يبقى معها اختيار تركه لما اتصف بالحرمة مقدمة من مقدماته) لعدم ملاك الحرمة فيها (لا يقال كيف) يمكن ان لا تكون للفعل مقدمه (ولا يكاد يكون فعل
الا عن مقدمه لا محاله معها يوجد ضرورة ان الشيء ما لم يجب لم يوجد فانه يقال نعم
لا محاله يكون من جملتها ما يجب معه صدور الحرام لكنه لا يلزم ان يكون ذلك من
المقدمات الاختيارية بل من المقدمات الغير الاختيارية كمبادئ الاختيار التى لا
تكون بالاختيار وإلّا لتسلسل فلا تغفل وتأمل) حتى لا يختلط عليك الامر بين مقدمات اربع فى مسئلتى
مقدمتى الواجب والحرام وهى مقام فعل الواجب ومقدماته ومقام تركه ومقدمات الترك
ومقام فعل الحرام ومقدماته ومقام تركه ومقدمات الترك وهذه المقدمات الاربع من حيث
الكبرى متحدة الحكم ضرورة عدم الفرق فى الواجب والحرام بين ان يكون فعلا او تركا
فيتساوى ترك الحرام وفعل الواجب ومقدماتهما وترك الواجب وفعل الحرام ومقدماتهما من
حيث الوجوب النفسى والغيرى فى الاولين لوجوبهما معا فتجب مقدماتهما بنساء على
الملازمة ومن حيث الحرمة النفسية والغيرية فى الآخرين لحرمتهما معا فتحرم
مقدماتهما بنساء على ذلك واما بحسب الصغرى فلا يخفى ان مقدمات التروك الواجبة او
المحرمة تخالف مقدمات الافعال لا غلبية استناد الترك الى وجود الصارف وهو كراهة
الفعل الناشية من ترجيح جانب عدمه على وجوده او الى عدم ارادته المساوى مرتبة
لوجود الصارف ومن المعلوم ان الصارف وعدم الارادة اسبق اجزاء علة العدم الموجب
لانعدام
علة الوجود لما هو المعلوم من انعدام المركب بانعدام جزئه فلا بد من انعدام
المعلول فاذا استند انعدام المعلول الى انعدام هذا الجزء من علة الوجود وهو وجود
الصارف او عدم الارادة فى علة العدم فلا تبقى واحدة من المقدمات التى هى باقى
اجزاء علة الوجود على موضوعها لعدم بقاء امكان التوصل بها فاذا سقطت عن موضوع
المقدمية فلا حرمة لزوال موضوعها ومن المعلوم ايضا ان مقدمات الافعال الاختيارية
منها ما لم يكن بالاختيار فاذا كانت المقدمة التى لا يتمكن المكلف معها من ترك
الحرام ليست باختياريه وكانت جميع المقدمات الاختيارية يتمكن معها من تركه الموجب
لعدم توقف تركه على تركها فلا تكون واحدة من المقدمات الاختيارية حراما لعدم
التوقف ومنه يعلم ان الكبرى وان كانت مسلمة وهى كون حرمة فعل الحرام توجب حرمة
مقدماته إلّا ان الشأن فى تحقق موضوع لمقدماته بعد ما عرفت من استناد تركه الى
اسبق العلل وهو الجزء الاول الموجب لسقوط موضوعها نعم يمكن ان يقال ان الجزء
المنعدم من العلة الموجب لانعدامها الموجب لانعدام المعلول واستناد عدمه اليها لا
يلزم ان يكون هو الصارف وعدم الارادة لجواز تحقق ارادة الحرام من المكلف ولكن لها
مقدمات لا تليق بشانه او يوجب ارتكابها ضررا عليه فيكون عدم فعل الحرام منه مستندا
الى عدمها لا الى وجود الصارف عن الحرام او عدم ارادته فتحرم هذه المقدمة وقد
يتحقق هذا المعنى فى جميع المقدمات فتحرم جميعا والقول بان ترك المقدمة ايضا لوجود
الصارف وعدم ارادتها فترك الحرام مستند الى ترك المقدمة المستند الى وجود الصارف
فيكون ترك الحرام مستندا الى وجود الصارف وهو المطلوب واضح الفساد فان استناد ترك
المقدمة الى وجود الصارف عنها او عدم ارادتها انما يوجب عدم ترشح حرمة هذه المقدمة
على غير الصارف من مقدماتها لا عدم حرمتها المترشحة من حرمة ذيها وهو الحرام الذى
فرض ارادته بنفسه وعدم الصارف عنه وإلّا لزم ان يكون وجود الصارف عن نفس الحرام
وعدم ارادته موجبا لعدم حرمته ايضا ولزم من ذلك ان يكون وجوب الواجبات وحرمة
المحرمات مشروطين بارادتهما وهو كما ترى لا يتفوه به من له ادنى تحصيل ودعوى ان
الصارف عن المقدمة وعدم ارادتها عين الصارف عن الحرام وعدم ارادته فاسدة
واهيه لا ينبغى ان تنسب الى قائل ويحكم بخلافها وجد ان كل عاقل (الفصل الامر بالشيء
هل يقتضى النهى عن ضده او لا فيه
اقوال وتحقيق الحال يستدعى رسم امور الاول
ظاهر) كلماتهم فى
تحرير هذه المسألة بالتحرير المذكور ثم ذكر الاقوال جميعا بعده ان المراد من (الاقتضاء فى العنوان
اعم من ان يكون بنحو العينية) وان كان لا يصح إلّا بنحو المجازية والاولى تعميم
الحكم له دون الموضوع للاولوية القطعية (او) بنحو (الجزئية او) بنحو (اللزوم من جهة تحقق التلازم بين طلب احد
الضدين وطلب ترك الآخر او) من جهة (المقدمية على ما سيظهر كما ان المراد
بالضد هاهنا) على ما صرحوا به من اطلاق الضد العام على الترك (هو مطلق المعاند
والمنافى وجوديا كان او عدميا) وان كان ذلك خلاف ما اصطلح عليه اهل المعقول فى الضد
حيث ذكروا ان الضدين هما الامران الوجوديان اللذان يمتنع اجتماعهما على محل واحد
فانه صريح فى اختصاصه بالامر الوجودى ولا مشاحة فى الاصطلاح (الثانى) من الامور (ان الجهة المبحوث عنها فى) هذه (المسألة وان كانت) هى (انه
هل يكون للامر اقتضاء بنحو من الانحاء المذكورة) من العينية وما بعدها (إلّا انه لما كان عمدة القائلين
بالاقتضاء فى الضد الخاص انما ذهبوا لاجل توهم) انه من النحو الرابع وهو (مقدمية ترك الضد كان
المهم صرف عنان الكلام فى المقام الى بيان الحال وتحقيق المقال فى المقدمية
المتوهمة وعدمها فنقول وعلى الله الاتكال ان توهم توقف الشيء على ترك ضده ليس إلّا
من جهة المضادة والمعاندة بين الوجودين وقضيتها الممانعة بينهما ومن الواضحات ان
عدم المانع من المقدمات وهو توهم فاسد) وبيان ذلك على وجه التحقيق والتوضيح ان كل شيئين غير
مجتمعين فى الوجود على محل واحد اذا كان وجودهما وعدمهما فى مرتبة واحدة لا تقدم
لوجود احدهما على وجود الآخر ولا لعدمه على عدمه لا وضعا ولا طبعا ولا ذهنا ولا
خارجا فلا يعقل ان يكون وجود احدهما مع عدم الآخر او عدمه مع وجود الآخر مختلفى
المرتبة بحسب التقدم والتأخر فى الامور الأربعة لانه اذا كان وجوده اقدم من عدم
الآخر او عدمه اقدم
من وجود الآخر لزم ان يكون عدم الوجود فى الاول ايضا اقدم من عدم الآخر
والوجود فى الثانى اقدم من وجود الآخر ضرورة لزوم تساوى طرفى الممكن فى ذلك مع قطع
النظر عن جميع الامور الخارجية وقد فرضناهما متساويين بحسب المرتبة وجودا وعدما هف
ولا يعقل انكار ذلك الا بانكار التساوى ومن المعلوم ان ذلك يئول الى الاعتراف
بالمطلوب كما لا يخفى وايضا فاما ان يكون كلاهما معلولى علة واحدة او كل منهما
معلولا لعلة مستقلة ولا يعقل ان يكون كل منهما علة للآخر ولا جزء علة وإلّا لزم
الدور والخلف ضرورة اقتضاء العلية اتحادهما وجودا وقد فرضناهما مختلفين ومنه يعلم
عدم معقولية كون احدهما علة والآخر معلولا واما القسم الاول فكذلك اذ لا يعقل
اتحاد العلة لمعلولين متضادين للزوم اتحاد العلة والمعلول سنخا ولا يعقل ان يصدر
من الواحد بما هو واحد اثنان بما هما اثنان فالضدان من القسم الثانى وحينئذ فاما
ان يتحد زمان وجود العلتين او يختلف والاول غير معقول لانه مع اتحاد زمان وجودهما
يلزم اتحاد زمان وجود معلوليهما وهو خلاف فرض ضدية كل منهما للآخر وإلّا لزم تخلف
المعلول عن علته التامة وهو محال فتعين الثانى هذا فى العلة التامة واما مع اجتماع
المقتضيين فى آن واحد مع خلو المقام عن الموانع الخارجية فاما ان يوجد الضدان معا
وهو محال لان وجودهما بما هما ضدان يستلزم عدمهما بما هما كذلك وان شئت فقل وجود
الضدين يستلزم عدم كونهما ضدين والمعنى واحد او يوجد احدهما دون الآخر وهو ايضا
محال لاستلزام الخلف والترجيح بلا مرجح اولا يوجدان معا وهو مع اتحاد زمان وجود
المقتضيين وخلوه عن الموانع الخارجية لا يعقل إلّا لوجود مانع عن تأثيرهما معا
وهذا المانع لا يعقل ان يكون وجود كل منهما لتوقفه على سبق كل منهما على الآخر
وجودا لتقدم العلة بجميع اجزائها على المعلول تقدما رتبيا وهو محال لانه دورى اولا
وللزوم الخلف ثانيا لانه خلاف فرض اتحاد زمان وجود المقتضيين وسبق وجود كل منهما
مع كونه دوريا ايضا خلاف فرض الاتحاد فاذا بطل ان يكون وجود كل منهما مانعا عن
تأثير المقتضى بطل ايضا بضرورة العقل ان يكون عدم كل منهما شرطا لان شرطية العدم
تابعة لمانعية الوجود وهو المطلوب فلم يبق إلّا ان يكون نفس
تزاحمها وتعاندهما ذاتا مانعا عن التأثير فى آن واحد ومرتبة واحدة حكميين
منعا فى المانع واقتضاء فى المقتضيين وهو واقع قضية الضدية من غير توقف ولا مقدميه
وهذان التقريران لعدم المقدمية احسن التقارير واحكمها ولا يعقل الخدشة فيهما هذا
مضافا الى ما افاده المصنف اعلى الله مقامه من ان عدم المقدمية (لان المعاندة
والمنافرة بين الشيئين لا تقتضى الا عدم اجتماعهما فى التحقق وحيث لا منافات اصلا
بين احد العينين) كالسواد مثلا (و) بين (ما هو نقيض الآخر) كاللابياض الذى هو نقيض البياض (وبديله بل بينهما
كمال الملاءمة كان احد العينين مع نقيض الآخر وما هو بديله فى مرتبة واحدة) ضرورة ان السواد واللابياض او البياض واللاسواد لا
اختلاف بينهما فى المرتبة (من
دون ان يكون فى البين ما يقتضى تقدم احدهما على الآخر كما لا يخفى فكما ان قضية
المنافاة بين المتناقضين لا تقتضى تقدم ارتفاع احدهما فى ثبوت الآخر كذلك فى
المتضادين) قلت لعل
القائل بالمقدمية يزعم ان هذا مصادرة فان الكلام فيهما سواء ولذا سمى النقيض بالضد
العام غاية الامر ان محل الثمرة انما هو الضد الخاص لا ان للمانعية فيه خصوصية
ضرورة تحقق ملاك المقدمية فى الضدين بعينه فى النقيضين وهو تعاندهما فى الوجود
وتعاندهما فى العدم ايضا لا يرفع ذلك لو لم يكن موجبا لكونه فى النقيضين اتم منه
فى الضدين لحصول التوقف الفعلى من الطرفين لقضية التعاند من الجانبين بخلافهما كما
ستعرف لكن ليس الامر كما يزعم لعدم موضوع للتوقف فى النقيضين فان وجود احدهما عين
ارتفاع الآخر بضرورة العقل فاين التغاير المصحح لتحقق مصداق التوقف هذا مع ما عرفت
من ان وجوده فى الضدين فى الجملة لا يصحح ذلك (كيف ولو اقتضى التضاد توقف وجود الشيء
على عدم ضده كتوقف) وجود (الشيء
على عدم مانعة) مع وجود مقتضى الوجود (لاقتضى
توقف عدم الضد على وجود الشيء كتوقف عدم الشيء على وجود مانعة بداهة ثبوت المانعية
فى الطرفين وكون المطاردة) وهى طرد احدهما الآخر موجودة (من الجانبين وهو دور
واضح و) اما (ما قيل فى التفصى عن
هذا الدور) وتوجيهه (بان التوقف
من
طرف الوجود فعلى ضرورة ان وجود الضد موقوف فعلا على عدم المانع) لتحقق جميع أجزاء علة وجوده ما عدا عدم المانع (بخلاف التوقف من طرف
العدم) فانه لا يكون
فعليا بل لا يعقل ذلك فيه (فانه
يتوقف على ثبوت) جميع أجزاء علة وجوده من (المقتضى له مع شراشر شرائطه غير عدم
وجود ضده) فيكون عدمه
حينئذ موقوفا فعلا على وجود ضده اذ لولاه لوجد فعلا لتمامية علة وجوده (ولعله) اى ثبوت باقى أجزاء العلة (كان محالا لاجل
انتهاء عدم وجود احد الضدين مع وجود الآخر الى عدم تعلق الارادة الأزلية به
وتعلقها بالآخر حسبما اقتضته الحكمة البالغة) كما هو الحال فى الاضداد المشاهد وجودها مع المعلوم
عدمها فانه لا يمكن ان يقال ان المانع عن سواد الابيض وجود البياض وهكذا فى الباقى
(فيكون
العدم دائما مستندا الى عدم المقتضى فلا يكاد يكون مستندا الى وجود المانع كى يلزم
الدور. إن قلت هذا) مسلم فيما (اذا
لوحظا منتهيين الى ارادة شخص واحد واما اذا كان كل منهما منتهيا لارادة شخص فاراد
مثلا احد الشخصين حركة شيء واراد الآخر سكونه فيكون المقتضى لكل منهما حينئذ
موجودا فالعدم لا محالة يكون فعلا مستندا الى وجود المانع) ويكون الدور بحاله (قلت هاهنا ايضا) عدم الضد (مستند الى عدم قدرة المغلوب منهما فى
ارادته وهى) اى القدرة شرط وهو احد أجزاء العلة التامة لانها عبارة عن المقتضى والشرط
وعدم المانع والمقتضى فى المقام وان كان هو الارادة إلّا ان الشرط هو القدرة فهى (مما لا بد منه فى
وجود المراد ولا يكاد يكون) وجوده (بمجرد الارادة بدونها) اى بدون القدرة ومن المعلوم ان وجود الحركة فى الشيء
الذى اراد الآخر سكونه لم يستند الى مجرد ارادة المحرك وانما استند الى قوة فيه
غير موجودة فى الطرف الآخر فاذا كانت الحركة مستندة الى هذه القوه كان السكون
بالضرورة مستند الى عدمها فى الطرف الآخر (لا الى وجود الضد لكونه) اى وجود الضد (مسبوقا بعدم قدرته كما لا يخفى) والمعلول يستند الى اسبق العلل هذا غاية ما قيل او
امكن ان يقال فى رفع الدور وهو (غير
سديد فانه وان كان قد ارتفع به الدور إلّا ان غائلة لزوم توقف الشيء على ما يصلح
ان
يتوقف) حال كونه
موقوفا (عليه) الشيء على ذلك الشيء (على حالها) ولم تندفع او ترتفع بالجواب المذكور وهذه غائلة كبرى
لا مدفع لها (لاستحالة
ان يكون الشيء الصالح لان يكون موقوفا عليه الشيء موقوفا عليه) كوجود الضد فانه لا شك فى كونه صالحا لان يكون عدم
الآخر موقوفا عليه ومع هذه الصلاحية يستحيل ان يتوقف هو على عدم الآخر ولا تحتاج
الاستحالة الى التوقف الفعلى وهذا معنى قوله (ضرورة انه لو كان فى مرتبة يصلح لان
يستند اليه) عدم الآخر (لما
كاد يصح ان يستند) هو (فعلا
اليه) اى الى ذلك
الذى لو استند اليه كان هو صالحا لذلك ولا مدفع لهذه الغائلة إلّا بدعوى ان عدم
الأهلية (والمنع
عن صلوحه لذلك بدعوى ان قضية كون العدم مستندا الى وجود الضد) على سبيل الفرض والتقدير بمعنى انه يستند اليه (لو كان مجتمعا مع
وجود المقتضى وان كانت) هى قضية (صادقة
إلّا ان صدقها لا يقتضى كون الضد صالحا) فعلا (لذلك لعدم اقتضاء صدق الشرطية صدق
طرفيها) لكن هذا
المنع (مساوق
لمنع مانعية الضد وهو يوجب رفع التوقف رأسا من البين) حتى من جانب الوجود على العدم (ضرورة انه لا منشأ
لتوهم توقف احد الضدين على عدم الآخر الا توهم مانعية الضد وصلوحه لها) فاذا منعا فلا وجه للتوقف وعمدة غرضه قده عدم ارتفاع
الدور مطلقا بهذا الوجه ضرورة ان هذا الوجه بعد ان كان لا يرتفع به صلاحية الوجود
للمانعية فالدور من حيث التوقف الفعلى من الجانبين ارتفع إلّا انه من حيث صلوح كل
من الوجود والعدم لتوقف احدهما على الآخر ثابت اما فى جانب التوقف فعلا وهو الوجود
فالصلوح موجود وإلّا لم يتوقف واما فى جانب العدم فهو ايضا موجود حسب الفرض وان لم
يكن توقف فعلى فحينئذ نقول ان وجود احد الضدين صالح لتوقفه على عدم الآخر وعدم
الآخر صالح لتوقفه على وجود الآخر وهو الدور وهذا ضرورى فانه اذا كان التوقف
الفعلى من الطرفين دوريا فالصلاح للتوقف ايضا دورى اذ لا يعقل صلوح الطرفين لامر
دورى يوجه غير دورى فقوله قده وان ارتفع به الدور إلّا ان غائلة الخ وان كان ظاهره
تسليم ارتفاع الدور مطلقا ورفع المقدمية باستلزام محال آخر غير الدور إلّا ان
التأمل فى كلامه يعطى ان المقصود ارتفاع
الدور المتحقق بفعلية التوقف على الوجه الذى قرره لا ما كان بصلاحية التوقف
وهو الذى انشأ روحه وصوره كما لا يخفى على المتأمل فان قلت هذه الكلمات ما هى إلا
شبهات كيف لا و (التمانع
بين الضدين كالنار على المنار بل كالشمس فى رابعة النهار وكذا كون عدم المانع مما
يتوقف عليه) وجود الشيء حال وجود مقتضى الوجود (مما لا يقبل الانكار فليس ما ذكر إلّا
شبهة فى مقابلة البديهة قلت) اما (التمانع بمعنى التنافى والتعاند) والتزاحم (الموجب لاستحالة الاجتماع) فهو (مما لا ريب فيه ولا شبهة تعتريه إلّا
انه) لا يجديك
نفعا لانه (لا
يقتضى إلّا امتناع الاجتماع وعدم وجود احدهما الا مع عدم الآخر الذى هو بديل وجوده
المعاند له فيكون) عدمه (فى
مرتبته) اى مرتبة
وجود الآخر (لا
مقدما عليه ولو طبعا) الذى هو معنى المقدمية (والمانع الذى يكون موقوفا عليه الوجود
هو ما كان ينافى ويزاحم المقتضى فى تأثيره لا ما يعاند الشيء ويزاحمه فى وجوده نعم
العلة التامة) التى هى سبب تام (لاحد
الضدين ربما يكون مانعا عن الآخر ومزاحما لمقتضيه فى تأثيره مثلا يكون شدة الشفقة
على الولد الغريق وكثرة المحبة له تمنع عن ان يؤثر ما فى) القلب بالنسبة الى (الاخ الغريق من المحبة والشفقة لارادة
انقاذه مع المزاحمة فينقذ به الولد) لتمام العلة (دونه) لوجود المانع قلت اذا كان وجود العلة التامة لاحدهما
مع وجود مقتضى الآخر فى مرتبة واحدة وزمان واحد فكيف يعقل ان تكون من الموانع
المتوقفة على السبق فى الوجود ولو سبقا ترتبيا فان عدم انقاذ الاخ غير مسبوق بوجود
العلة التامة لانقاذ الولد كما لا يخفى على ذى النظر الدقيق وانما هو مسبوق بعدم
وجود الشرط فان وجود الشفقة شرط فى تخصص الانقاذ باحد المتساويين من حيث المقتضى
فالمثال يشبه ان يكون كمثال الحركة والسكون الذى تقدم وجعل المصنف عدم الضد فيه
مستندا الى فقد الشرط لا الى وجود المانع فالمثالان وكلما كان من هذا القبيل من
واد واحد فان اراد من مانعية العلة التامة هذا المعنى فهو مسلم إلّا ان ذلك يوجب
كون الاستثناء فى كلامه منقطعا وظاهره الاتصال وان اراد ما هو الظاهر فقد عرفت
الحال ثم لا يذهب عليك ان الانقاذ فيما مثل به
من المثال وان كان فعلا واحدا يحسب الحقيقة إلّا انه اختلف اختلاف
المتضادين باضافته الى المتعلق المختلف واتحاد الزمان فلا تغفل (ومما ذكرنا ظهر انه
لا فرق) فى عدم
مانعية وجود الضد وشرطية عدمه (بين
الضد الموجود والمعدوم) ضرورة ان المانعية من الامور الذاتية وقد كان ما تقتضيه الذات حال العدم
هو المانعية بالمعنى الاول فكيف يعقل ان يتبدل ما فى الذات ويتحول فليس فيه بعد
الوجود الا المعنى المعاند السابق قبل الوجود فانقدح عدم الفرق بين الموجود
والمعدوم (فى
ان عدمه الملائم للشىء) الموصوف بكونه ضدا المناقض لوجود ما كان عدمه ملائما (المعاند لذاك لا بد
ان يجامع معه) اى مع الضد الموجود لما عرفت مما بينهما من كمال الملاءمة (من غير مقتضى لسبقه) اى العدم على وجود الضد الآخر (بل قد عرفت ما يقتضى
عدم سبقه) مما حققناه
بما لا مزيد عليه (فانقدح
بذلك ما فى تفصيل بعض الاعلام حيث قال بالتوقف على رفع الضد الموجود وعدم التوقف
على عدم الضد المعدوم فتأمل فى اطراف ما ذكرناه فانه دقيق وبذلك حقيق فقد ظهر عدم
حرمة الضد من جهة المقدمية واما من جهة لزوم عدم اختلاف المتلازمين فى الوجود فى
الحكم) كرفع نقيض
الضد وهو رفع الترك الملازم للفعل او المقارن (فغايته ان لا يكون احدهما فعلا محكوما
بغير ما حكم به) على (الآخر
لا ان يكون محكوما بحكمه) لان حكم كل شيء تابع لما فى ذاته من المصلحة والمفسدة
والملازمة لا توجب سراية هذين حتى توجب سراية الحكم (و) اما (عدم جواز خلو الواقعة عن الحكم فهو انما
يكون) مخلا (بحسب الحكم الواقعى
لا الحكم الفعلى فلا حرمة للضد) الذى هو الملازم لرفع الترك (من هذه الجهة ايضا بل
هو على ما هو عليه لو لا الابتلاء بالمضادة للواجب الفعلى من الحكم الواقعى) تنبيه لا يذهب عليك ان هذا مع ما ذكره فى آخر المقدمة
الموصلة من جواز خلو الواقعة عن الحكم مطلقا متدافع وحمل ما ذكره هناك على ما ذكره
هنا موجب لبطلان ما اسسه هناك فانه مبنى على خلوها مطلقا لا فعلا فلاحظ وتدبر الامر
الثالث لا يخفى (انه) ربما (قيل بدلالة الامر بالشىء) دلالة (بالتضمن على النهى عن الضد العام بمعنى
الترك) وانما كانت
دلالته تضمينه
(حيث
انه يدل على الوجوب المركب من طلب الفعل والمنع من الترك والتحقيق انه لا يكون
الوجوب) الذى هو
مدلوله (الا
طلبا بسيطا ومرتبة وحيدة اكيدة من الطلب) بحيث يستحق على ترك متعلقها العقاب (لا مركبا من طلبين) وإلّا لكانت الحرمة مركبة من طلبين ايضا وهما طلب
الترك مع المنع عن الفعل وهو كما ترى فان قلت طلب الترك عين المنع عن الفعل قلنا
طلب الفعل ايضا عين المنع عن الترك والوجوب والحرمة معنيان متضادان متقابلان يلزم
الاول استحقاق العقاب على الترك والثانى على الفعل من غير فرق بين معنييهما من حيث
البساطة والتركيب كما لا يخفى (نعم
فى مقام تحديد تلك المرتبة) من طلب الفعل (وتعيينها ربما يقال الوجوب يكون عبارة
عن طلب الفعل مع المنع عن الترك ويتخيل منه انه يذكر ذلك له حدا) منطقيا وتعريفا حقيقيا (فالمنع من الترك ليس من اجزاء الوجوب
ومقوماته بل من خواصه ولوازمه بمعنى انه لو التفت الامر الى الترك لما كان راضيا
به لا محالة وكان يبغضه البتة) او يقال ان الغرض من هذا التعبير بيان انه طلب الفعل
شرعا مع المنع من الترك عقلا (ومن
هنا) اى من ابطال
الدلالة التضمنية (انقدح
انه لا وجه لدعوى العينية فيها ايضا ضرورة ان) غاية ما ثبت هو لزوم النهى للامر و (اللزوم يقتضى
الاثنينية) لانه نسبة
بين اللازم والملزوم (لا
الاتحاد والعينية نعم لا باس بها) اى بدعوى العينية (بان يكون المراد بها انه يكون هناك طلب
واحد وهو كما يكون حقيقة منسوبا الى الوجود وبعثا اليه كذلك يصح ان ينسب الى الترك) منعا (بالعرض والمجاز ويكون زجرا وردعا عنه
فافهم) (الامر الرابع) (تظهر
الثمرة فى ان نتيجة المسألة وهى النهى عن الضد بناء على الاقتضاء بضميمة ان النهى) ولو لزوميا غيريا فى العبادات (يقتضى الفساد ينتج
فساده اذا كان عبادة وعن) شيخنا (البهائى ره انه انكر الثمرة بدعوى انه
لا يحتاج فى استنتاج الفساد الى النهى عن الضد بل يكفى عدم الامر به) لان الفساد لازم لكل منهما غير مختص باحدهما فلو نوقش
فى الدلالة على النهى فلا يعقل المناقشة فى عدم الامر اذ لا يمكن اجتماع امرين
بضدين فى وقت واحد فظهر لك ان هذا ليس إنكارا للثمرة كما افاده قده بل توسعة
لموضوعها فلا تصح العبادة
حينئذ (لاحتياج
العبادة الى الامر وفيه انه يكفى) فى الصحة (مجرد الرجحان والمحبوبية للمولى كى يصح
ان يتقرب به منه كما لا يخفى والضد بناء على عدم حرمته) وعدم الامر به (يكون كذلك فان المزاحمة على هذا لا توجب
إلّا ارتفاع الامر المتعلق به فعلا مع بقائه) اى الضد (على ما هو عليه من ملاكه من المصلحة) التى انبعث عنها الامر حال عدم مزاحمه (كما هو على مذهب
العدلية) من تبعية
الاحكام للمصالح والمفاسد (او
غيرها) اى غير
المصلحة (اى
شىء كان كما هو) على (مذهب
الأشاعرة وعدم حدوث ما يوجب مبغوضيته وخروجه عن قابلية التقرب به كما حدث بناء على
الاقتضاء) قلت اعلم ان
المتزاحمين المتساويين فى جهة المطلوبية جميع اجزاء العلة الموجبة لمطلوبيتهما
موجودة فعلا فيهما من دون تفاوت بينهما بالمرة الا القدرة على امتثالهما معا فى آن
واحد فلو فرض محالا قدرة العبد على ذلك لوجد الامر بهما من دون توقف على شىء ولما
كانت القدرة على احدهما موجودة كان الامر باحدهما فعليا فلذا كان المكلف مخيرا
بينهما فهما فى مقام الواقعية والمرتبة الشأنية كلاهما مطلوب وفى مقام الفعلية
احدهما على البدل مطلوب فعدم القدرة مانع عن الفعلية لا غير واما المتزاحمان اذا
كان احدهما اهم وكان العبد قادرا على الامتثال وعازما على الطاعة فالمحبوبية التى
كانت منشأ لصلاحية كل منهما لتعلق الطلب وعدم قدرة العبد على الامتثال التى جعلت
المطلوب فعلا احدهما على البدل من غير تعيين بعينها موجودة غير ان الأهمية فى
احدهما جعلته بعينه احب من الآخر فاختص بفعلية طلبه دون صاحبه فالاهم وغير الاهم
من قبيل الواجب والاوجب وهذا معنى عليه اهل العرف بجميع اصنافهم فانهم لم يزالوا
يقولون هذا واجب ولكن هذا اوجب فاذا عصى العبد فى الاهم ولم يات به واتى بغير
الاهم فهو قد ترك الاوجب واتى بالواجب فان قلت بعد ما كان الاهم هو المطلوب فعلا
الموجب عقلا لترك غير الاهم لانه به تحصل القدرة على امتثال الاهم فترك غير الاهم
فى تلك الحال مما لا عقاب عليه بل عليه الثواب وكيف يعقل ان يتصف مع ذلك بالوجوب
الذى لازمه عقلا استحقاق العقاب على تركه وهل هذا إلّا وصف لشىء واحد بامرين
متناقضين
وهو من ضرب المحال بلا اشكال قلت اعلم انا قد حققنا فى رسالتنا فى حجية
الطرق المسمّاة بكنز التحقيق وفى حاشيتنا على رسائل شيخنا العلامة المرتضى اعلى
الله تعالى مقامه ان للحكم مراتب ثلاث دل عليها العقل والنقل المرتبة الاولى هى
مرتبة انشائه وادراجه فى قانون الاحكام الشرعية وهى ان تلحظ الاشياء بما هى عليه
من المصالح والمفاسد على اختلاف درجاتها ومراتبها والمحبوبية والمبغوضية التابعة
لهما فتكون الصلاة بالنظر الى ما فيها من المصلحة لازمة الفعل والخمر بما فيها من
المفسدة لازمة الترك وهكذا فى جميع الافعال وهذه هى الاحكام الواقعية المشتركة بين
العالم والجاهل التى قام على ثبوتها الاجماع والتى جاء بها النبى ص اول البعثة
فانه لا يسع احدا ان يقول انه صلىاللهعليهوآله اول بعثه لم يكن يعلم حكما او يعلم ما دعى العباد اليه
ساعة بعثته دون ما دعاهم اليه فى باقى الاوقات وهى التى بقى جلها مخزونا الى ظهور
الحجة عجل الله تعالى فرجه وهى التى اطلع جملة من الأئمّة جملة من خواصهم على جملة
منها ومنعوهم عن بثها وعن العمل بها واخذوا عليهم العهود على ذلك فهى فى هذه
المرتبة موجودة لكنها غير فعليه والمانع عن فعليتها اما عدم استعداد المكلفين
لقبولها كما فى اول الدعوة الى الاسلام او وجود مزاحم من الاحكام الظاهرية كمؤديات
الطرق والامارات والاصول والاحكام الواقعية كتقية او اضطرار او مزاحمة امر مطلوب
اهم او غير ذلك ومن آثارها فى هذه المرتبة صحة منع الشارع عن العمل بها بعد
انكشافها بالقطع وعدم استحقاق العقاب على تركها لعدم البعث فيها الى العمل فعلا
والقطع جزء موضوع لها فى مقام الفعلية المرتبة الثانية هى مرتبة الفعلية وهى
مرتبتها عند ارتفاع تلك الموانع فيبعث المولى اليها ويريدها فعلا من المكلف ومن
آثارها فى هذه المرتبة عدم صحة منع الشارع عن العمل بها عند الوصول اليها بالقطع
لاستلزامه التناقض وغيره من ضروب المحال مما عرفته فى الكلام على حجية القطع ووجوب
الفحص عنها مع احتمالها وهى المسمّاة بالشبهة الحكمية وعدم استحقاق العقاب على
مخالفتها ايضا فى صورة الجهل بها على وجه يعذر فيه المرتبة الثالثة مرتبة التنجز
وهى مرتبة الوصول اليها بالقطع او ما قام مقامه شرعا او عقلا وهذه المرتبة تشارك
الثانية
فى آثارها وتختص باثر استحقاق العقاب على المخالفة واما استحقاق الثواب فهو
اثر يعم المراتب الثلاثة ما لم يكن هناك نهى وجيء بالفعل مقصودا به ذلك الوجه الذى
صار منشأ للحكم شانيا او فعليا او تنجزيا اذا عرفت ذلك اتضح لك ان غير الاهم بعد
الابتلاء بالاهم لم يخرج عن المرتبة الاولى فان انقاذ غير الاب لازم فى نفسه ولم
يسقط عن هذا المعنى بعد مزاحمة انقاذ الاب له غاية الامر عدم امكان بعت المكلف
اليه فاذا ترك الاهم استحق العقاب واذا جاء بغير الاهم وقد فرضناه غير منهى عنه
استحق الثواب وان كان لو تركه لم يستحق العقاب لانه لم يكن حال الابتلاء بالمزاحم
فى مرتبته التى من آثارها استحقاق العقاب على الترك وهذا هو المقصود من قولنا ترك
الاوجب واتى بالواجب وهذا الوجه فى تصحيح فعل الضد مطابق للعقل والنقل ولا ينافى
ذلك ما قلناه من انه قد يستحق الثواب على ترك غير الاهم لانه وان بنينا على مثل هذا
الاستحقاق فى المقدمات إلّا ان ذلك لكون الترك الفعلى لاجل فعل الاهم معنونا
بالحسن العرض وهو لا ينافى ثبوت الاستحقاق على فعله بعد ترك الاهم لتعنونه بالحسن
الذاتى كما هو واضح لا يخفى على ذى بصيرة وهذا الذى ذكرناه هو حقيقة مراد المصنف
اعلى الله درجته من كلامه الذى سمعته فى هذا المقام وما سيأتى منه قريبا (ثم انه تصدى جماعة من) المحققين (الافاضل لتصحيح الامر بالضد) بناء منهم على تبعية الصحة فى العبادة للامر الفعلى (بنحو الترتب) اى ترتب الامر بغير الاهم (على العصيان وعدم
اطاعة الامر بالشيء) الاهم اما بان يكون العصيان شرطا فى تحققه ماخوذا (بنحو الشرط المتاخر) فيكون العصيان الموقوف تحققه على تمام فعل غير الاهم
كاشفا عن تعلق الامر به اول الشروع (او البناء على معصيته بنحو الشرط
المتقدم) بان يؤخذ
العزم المتقدم عليه شرطا (او) بنحو الشرط (المقارن) بان يكون العزم على العصيان المقارن من اول الشروع الى
تمام العمل هو الشرط والتصحيح بهذا الوجه (بدعوى انه لا مانع عقلا عن تعلق الامر
بالضدين كذلك اى بان يكون الامر بالاهم مطلقا والامر بغيره معلقا
على
عصيان ذلك الامر) متاخرا (او
البناء والعزم عليه بل هو واقع كثيرا عرفا) وتحقيق المقام على الوجه الاكمل ان يقال ان الطلب
الحقيقى البعثى انما يصدر من الطالب الحكيم بالنسبة الى المكلف الذى يجوز الطالب
وقوع الفعل منه وكان الطالب فى الحقيقة ونفس الامر مربدا لذلك الفعل المطلوب فلو
كان الطالب لا يريد وقوعه فى الواقع حقيقة فلا يكون الطلب حقيقيا لانه عين الارادة
والمفروض عدمها فهو انما يكون طلبا صوريا امتحانيا لطفيا ليكون انقياد العبد
بالاقدام على اطاعته موجبا لاستحقاق الثواب وكذا لو كان الطالب يعلم ان العبد لا
يريد ايقاعه ولا يقع منه ابدا فان الارادة الحقيقية ممن يعلم انه لا يريد حقيقة
ولا يقع منه الفعل اصلا غير معقوله لانها من ارادة المحال فان ارادة المحال على
نحو الحقيقة محال وان كانت الاستحالة باختيار المكلف لان ارادة المحال انما كانت
محالا لانه لا يقع لا لان محاليته ذاتيه لا عرضية فاذا طلب الحكيم ممن يعلم عصيانه
وعدم اطاعته فهو انما يكون بعثا صوريا احتجاجيا لاجل ان يكون اقدام العبد على
العصيان موجبا لاستحقاق العقاب وحينئذ فاذا علم الطالب ان العبد لا يقع منه انقاذ
ابيه ابدا فلا مانع عن توجيه الطلب بانقاذ غير ابيه اليه بعد العزم على عصيانه
فيكون الطلب المطلق المتعلق بالاهم صوريا احتجاجيا وبغير الاهم حقيقيا بعثيا فان
قلت ان ارادة الشارع بما هو شارع انما هى علمه بالمصلحة وهو موجود قطعا فى تكليف
كل من يعلم الله تعالى عدم الوقوع منه ولو لا ذلك لزم كون اكثر التكاليف صوريه وهو
باطل بالضرورة قلت لا اشكال فى ذلك وانما المراد ان بعث الشارع للمكلف الى الفعل
الذى يعلم بمصلحته لا يعقل ان يكون حقيقيا مع علمه بعدم وقوعه منه فى الخارج
فالحكم من حيث العلم بالمصلحة حقيقى لا كالامر الامتحانى إلّا انه من حيث البعث
اليه وحمل المكلف عليه لا يكون إلّا صوريا يحتج به عليه عند العقوبة فتأمل ولا
تغفل وعلى ما ذكرنا يحمل تكليف الكفار الذين علم الله تعالى عدم ايمانهم بالايمان
بالله وبما جاء به النبى ص مع ان من جملة ما جاء به انهم لا يؤمنون وكيف يعقل ان
يكون ذلك بعثا حقيقيا وكما انه يترتب على الطلب الامتحانى من الثواب ما يترتب عليه
لو كان
حقيقيا كذلك يترتب على الطلب الاحتجاجى من العقاب ما يترتب عليه لو كان
حقيقيا واما المكلف فلا يرى توجيه هذين الامرين اليه قبيحا بعد ان كان عازما عصيان
احدهما بل يرى ان الذى عليه فعلا هو لزوم امتثال الآخر ولذا ترى المكلفين جارين
على هذا المنوال فى الامتثال على ما تقتضيه فطرتهم فى معرفة التكاليف المتوجهة ولو
لا صحة الترتب لزم ان يكون تارك صلاة الآيات لا يصح له عمل من الاعمال الى يوم
العرض والسؤال وان واظب على جميع الاعمال فرضها وسنتها ولو كانت الصحة هى
المحبوبية لزم ان يكون جميع ما عليه من التكاليف شانيه لا فعليه وكذلك غيره ممن
عصى بمضيق مستمر الضيق وهو بعيد الى الغاية فان قلت فهل يمكن صحة توجه الطلبين
الحقيقيين على نحو اطلاق احدهما ومشروطية الآخر على ظاهر ما ذكروه او لا يمكن ذلك (قلت) انه غير ممكن قطعا ضرورة ان (ما هو ملاك استحالة
طلب الضدين فى عرض واحد آت فى طلبهما كذلك وان لم يكن فى مرتبة طلب الاهم) طلب غير الاهم اذا تحقق (اجتماع طلبهما إلّا انه) اى طلب الاهم والامر به كان (فى مرتبة الامر بغيره) اذا حصل (اجتماعهما بداهة فعلية الامر بالاهم فى
هذه المرتبة وعدم سقوطه بعد بمجرد المعصية فيما بعد ما لم يعص او العزم عليها مع
فعلية الامر بغيره ايضا لتحقق ما هو شرط فعليته فرضا) وهو عصيان الامر بالاهم اقول فى هذا الكلام تناقض من
وجهين اما الوجه الاول فلان قوله وعدم سقوطه الى قوله ما لم يعص مناقض لقوله لتحقق
ما هو شرط فعليته لانه ان أراد أنه متحقق على نحو تحقق الشرط المتأخر فهو حق إلّا
انه يوجب سقوط الامر بالاهم وان اراد انه ما لم يقع الشرط المتأخر فى الوجود لا
يسقط الامر فلا وجه لحكمه بتحقق شرط فعلية الامر بغير الاهم وبالجملة الشرط
لكلاهما واحد فلا وجه للحكم بتحققه لمشروط دون مشروط وقاعدة الشرط المتأخر على ما
تقدم منه ومنا توجيهه هو سقوط الامر بالاهم وفعلية الامر بغيره بلحاظ وجوده فى
وقته لانه شرط بوجوده العلمى لا الخارجى وعلى هذا فلا يكاد يتحقق اجتماع الطلبين
ويصح الترتب فى البين ومنه يعلم التناقض من الوجه الثانى فان ما ذكره هنا مناقض
لما ذكره فى تحقيق الشرط
المتأخر سابقا نعم يمكن ان يقال ان العصيان لا يمكن ان يؤخذ شرطا فى السقوط
بوجوده العلمى وانما يكون شرطا بوجوده الخارجى فاخذه شرطا متأخرا بالنسبة الى
السقوط باطل فقبل تحقق العصيان لا محاله يجتمع الطلبان وفيه ما ستعرفه قريبا (لا يقال نعم لكنه
بسوء اختيار المكلف حيث يعصى فيما بعد بالاختيار) فلولاه لما كان متوجها اليه الا الطلب بالاهم ولا
برهان على امتناع الاجتماع اذا كان بسوء الاختيار وبعبارة اخرى قد عرفت ان
المتزاحمين لا قصور فيهما من حيث الطالب ولا من حيث المطلوب ولا من حيث الطلب
وانما القصور فى قدرة العبد فتوجيه الطلب بهما اليه فى آن واحد حال عزمه على اطاعة
كل ما يؤمر به محال لانه تكليف بما لا يطاق اما مع عزمه على عصيان احدهما والاتيان
بالآخر فلا مانع من توجيههما اليه لانه فى حكم ما يطاق لجزمه باسقاط واحد وامتثال
آخر فيكون ذلك كما لو عصى حتى سقط الامر فانه يؤمر بالموسع فعلا قطعا فاى فرق بين
هذه الصورة والاولى فى المناط والنتيجة (فانه يقال استحالة طلب الضدين ليس إلّا
لاجل استحالة طلب المحال واستحالة طلبه من الحكيم الملتفت الى محاليته لا يختص
بحال دون حال وإلّا لصح فيما علق على امر اختيارى) ولا خصوصية لسوء الاختيار (لانهما فى عرض واحد
ولا حاجة فى تصحيحه الى الترتب مع انه محال بلا ريب ولا اشكال فان قلت فرق بين
الاجتماع فى عرض واحد والاجتماع كذلك) اى فى طوله ومرتبا عليه (فان الطلب فى كل منهما فى الاول يطارد
الآخر) وبمانعه (بخلافه فى الثانى فان
الطلب) المتعلق (بغير الاهم لا يطارد
طلب الاهم) ويمانعه (فانه يكون على تقدير
عدم الاتيان بالاهم فلا يكاد يريد غيره على تقدير العزم على اتيانه وعدم عصيانه
قلت ليت شعرى كيف لا يطارد الامر بغير الاهم) الامر بالاهم (وهل يكون طرده له الا من جهة فعليته
ومضادة متعلقه للاهم والمفروض فعليته ومضادة متعلقه له) اى لغير الاهم (وعدم ارادة غير الاهم على تقدير) العزم على (الاتيان به) اى بالاهم (لا يوجب عدم طرده لطلبه مع) تسليم (تحققه على تقدير عدم الاتيان وعصيان
امره فيلزم اجتماعهما على هذا التقدير مع ما هما عليه من المطاردة من جهة
المضادة
بين المتعلقين مع انه يكفى) تحقق (الطرد من طرف الامر بالاهم فانه على هذا
الحال) من تحققه على
تقدير العصيان (يكون
طاردا لطلب الضد كما كان فى غير هذا الحال) طاردا وهو حال كونهما فى عرض واحد (فلا يكون له معه اصلا
بمجال) قلت قد عرفت
من جميع ما اسلفناه ما هو التحقيق ولا باس ببيان ما تحصل من ذلك على ما يقضى به
النظر الدقيق فنقول قد تحصل ان لصحة الضد اذا كان عبادة وجوها ثلثه محكمة الدعائم
لا يحوم حول الخدشة فيها حائم الاول ما اسسنا بنيانه وشيدنا اركانه من المحبوبية
الذاتية الموجودة فى غير الاهم وان لم يكن حال طلب الاهم متعلقا للطلب الفعلى (الوجه الثانى) ان الطلب المتعلق بالاهم مع علم الامر بوقوع عصيانه لا
محاله يكون احتجاجيا صرفا موجبا لترتب العقاب ومن المعلوم عدم المضادة بين الطلب
الاحتجاجى والطلب الحقيقى لان المضادة انما تقع بين البعثين لا بين مطلق الحكمين
وقد مر تحقيقه غير مرة (الوجه
الثالث) جعل العصيان
شرطا متأخرا فى طلب غير الاهم فانه يوجب سقوط الطلب بالاهم قبل فعل غير الاهم وشرح
ذلك ان مفروض المسألة انما هو فيما اذا كان وقت الاهم مضيقا بحيث يكون الاتيان
بغير الاهم مسقطا لطلبه لاجل انقضاء زمانه ومن المعلوم ان سقوط الامر اما باتيانه
او بعصيانه فاذا عصى المكلف واشغل الزمان بالضد الغير الاهم وفعله سقط الامر بهذا
العصيان ضرورة عدم بقاء وقت لبقائه فيه فاذا جعل العصيان شرطا بنحو الشرط المتأخر
وكان لحاظ وجوده فى وقته كافيا فى تحقق الشرط فعلا غاية الامر عدم كاشف عن التحقق
الا وقوعه كان ذلك كافيا فى الحكم بسقوط الامر بالاهم قبل فعل غير الاهم لتحقق
الشرط فعلا لكلا الامرين كما جزم المصنف قده فى توجيه الشرط المتاخر بذلك وحكم
بصحة عقد الفضولى حقيقة فعلا بالاجازة اللاحقة وجعل الشرط لحاظه بوجوده العلمى
وحكم ايضا بان الوجوب المشروط بالشرط المتأخر حالى وجعله من الوجوه المصححة لوجوب
جملة من المقدمات قبل زمان ذيها فى قبال الوجوب المعلق فلاحظ كلامه فى الشرط
المتاخر فى هذا الكتاب وفى فوائده فانه صرح بذلك مرارا عديدة وما ذكرناه آنفا من
ان العصيان شرط بوجوده الخارجى
لا بوجوده اللحاظى العلمى فهو لا وجه له اذ لا دليل على اختصاصه بذلك وعدم
جواز اخذه شرطا متاخرا بل العرفيات باسرها عليه فان قول المولى لعبده افعل كذا فان
عصيتنى فافعل كذا لا معنى له إلّا ذلك ضرورة ان العصيان لا يتحقق فى الخارج الا
بعد فعل الضد الآخر فكيف يمكن تعليقه عليه مع ان اوامر الموالى لا ترد ولا تصدر
الا على هذا النهج من التعليق وحمله على العزم خلاف الظاهر جدا بل خلاف الواقع
فانه لو رجع بعد العزم كان الامر بحاله فلا دخل للعزم فيه ولكن حيث اخذه شرطا
متاخرا وكانت الشرطية بلحاظ الوجود العلمى وكان بهذا اللحاظ متقدما ومقارنا عبر عن
ذلك بجعله شرطا على النحو المذكور ولعل هذا الوجه احسن الوجوه واحكمها واتقنها
وعليه بنيت الشرعيات والعرفيات لا على التجاوز عن الامر بالاهم مطلقا ولا على كون
الامر الثاني ارشاديا كما سيأتى منه قده والعجب من المصنف قده حيث انه قد أتى فى
توجيه الشرط المتاخر بما لم يسبقه اليه الاولون ولم يلحقه الآخرون ومع ذلك لم يذعن
بتخريج مسئلة الترتب عليه مع انه اوضح من جملة من المسائل التى خرجها عليه فان قلت
فيلزم على ذلك استحقاق المكلف عقابين لو عصى الامرين قلت مضافا الى انه لا مانع من
ذلك اذا اقتضاه العقل والاستبعادات الاستحسانية لا تعارض الاحكام العقلية فيه انه
لا يستحق إلّا عقابا واحدا بضرورة العقل لما بينا لك من ان الزمان لا يسع إلّا
فعلا واحدا وان الامر الفعلى هو الامر بالاهم والمعلق على عصيانه هو الامر بغير
الاهم فهذا الزمان قد فرضنا انه لا يعقل ان يتحقق فيه طاعتان لعدم القدرة فكيف
يعقل ان يتحقق فيه معصيتان فلا يعقل تعدد الامر الفعلى وهذا من البديهيات الأولية
نعم الممكن تقارن معصية احدهما وطاعة الآخر ويتحقق ذلك بفعل غير الاهم المنطبق
عليه حين صدوره ترك الاهم فاذا كان ذلك على هذا النحو ممكنا كان توجيه الامر على
ما يناسب هذا النحو ممكنا ايضا وليس ذلك إلّا باطلاق امر الاهم وتعليق امر غيره
بعصيانه على ما عرفت فتدبر فيه فانه عجز عن تدبيره الفحول فان قلت على هذا التقدير
يلزم الدور لا محاله لان ترك غير الاهم مقدمة عقلا لفعل الاهم وترك الاهم ايضا
مقدمة لفعل غير الاهم وهو الدور قلت
هذا السؤال دليل على نسيان ما قدمناه من عدم مقدمية ترك احد الضدين لفعل
الآخر او غفلة عنه والحاصل ان هذه الوجوه الثلاثة كافية شافيه فى تصحيح فعل الضد
اذا كان عبادة ولا احسب ان احدا بعد التأمل يمكنه الخدشة فيها ومما حققنا ظهر لك
ضعف ما افاده المصنف قده بقوله (فان
قلت فما الحيلة فيما وقع كذلك من طلب الضدين فى العرفيات قلت لا يخلو اما ان يكون
الامر بغير الاهم بعد التجاوز) والاعراض (عن الأمرية) اى بالاهم (وطلبه) معطوفا على الامر بغير الاهم (حقيقة) لسقوط الامر بالاعراض والتجاوز عنه (واما ان يكون ارشادا) مع فرض بقاء الامر بالاهم وعدم التجاوز عنه (الى محبوبيته وبقائه
على ما هو عليه من المصلحة والغرض لو لا المزاحمة) بطلب الاهم وهى مرتبة الحكم الثانية (و) ارشادا ايضا الى (ان الاتيان به يوجب استحقاق المثوبة
فيذهب بها بعض ما استحقه من العقوبة على مخالفته الامر بالاهم) لان الحسنات يذهبن السيئات (لا انه امر مولوى
فعلى كالامر به) اى بالاهم فافهم وتأمل جيدا ثم انه لا اظن ان يلتزم القائل بالترتب بما
هو لازمه من القول بالاستحقاق فى صورة مخالفة الامرين لعقوبتين ضرورة قبح العقاب
على ما لا يقدر عليه العبد ولذا كان سيدنا الاستاد الشيرازى لا يلتزم به على ما هو
ببالى وكنا نورد به على الترتب وكان بصدد تصحيحه فقد ظهر انه لا وجه لصحة العبادة
مع مضادتها لما هو اهم منها الاملاك الامر وهو المحبوبية والمصلحة قلت لا يخفى
عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا فانه مبنى باسره على وجود طلبين حقيقين فى حال
الترتب وجعل الثانى مرتبا على عصيان الاول وقد عرفت حاله نعم فيما اذا كان الاهم (مضيقا وكانت العبادة) التى هى غير الاهم موسعة الذى هو محل الكلام بين
الاصوليين كالازالة والصلاة (وكانت
مزاحمة بالاهم ببعض الوقت) وهو وقته الكافى لفعله لا مزاحمه (فى تمامه يمكن ان
يقال) بالصحة فيها
لموافقتها للامر وان لم يكن بالفرد المزاحم للاهم فى وقته امر اصلا لا به ولا
بالطبيعة من حيث تعمه وبيان ذلك هو (انه حيث كان الامر بها) اى بالعبادة الموسعة (على حاله وان صارت مضيقة) وقتا وافرادا (بخروج ما زاحمه الاهم من افرادها من
تحتها امكن ان يؤتى
بما
زوحم منها) وهو الفرد
الموقت اداء بوقت الاهم (بداعى
ذاك الامر فانه وان كان) هذا الفرد (خارجا
عن تحتها بما هى مامور بها إلّا انه لما كان وافيا بغرضها كالفرد الباقى تحتها كان
عقلا مثله فى الاتيان به فى مقام الامتثال والاتيان به بداعى ذاك الامر فلا تفاوت
فى نظره بينهما اصلا) وبعبارة اخرى الفرد الخارج عن الطبيعة المامور بها وليس فى نفسه متعلقا
للامر ايضا لما كان ملاك الامر فيه وهو المحبوبية والمصلحة ولم يكن منهيا عنه كان
كسائر الافراد المامور بها بنفسها او بتعلق الامر بالطبيعة الشاملة لها ولما كان
مثلها من كل جهة امكن ان يقصد به امتثال الامر بالطبيعة او بالفرد بدلا عن ذلك
الفرد المامور به الغير المزاحم بالاهم فهو يقصد بالاتيان بهذا الفرد المزاحم
امتثال الامر الموقت بغير وقت المزاحمة وان لم يكن مامورا به فعلا ولا من افراد
المامور به فعلا نضير ما لو قال المولى اننى برمان بلد كذا فانه يجوز امتثال هذا
الامر بالاتيان برمان بلد اخرى اذا ساواه من كل جهة بلا تفاوت اصلا مع عدم النهى
عن ذلك (ودعوى
ان الامر لا يكاد يدعو الا الى ما هو من افراد الطبيعة المامور بها وما زوحم منها) اى من الافراد (وان كان من افراد الطبيعة لكنه ليس من
افرادها بما هى مأمور بها فاسد فانه انما يوجب ذلك) اى عدم صحة الاتيان بها بداعى الامر (اذا كان خروجه) اى ذلك الفرد (عنها) اى عن الطبيعة (بما هى كذلك) اى مامور بها (تخصيصا) لان التخصيص والخروج حكما انما يكون لقصور فى الفرد
الخارج (لا) فيما اذا كان (مزاحمة فانه معها وان كان لا يعمه
الطبيعة المأمور بها إلّا انه ليس لقصور فيه بل لعدم امكان تعلق الامر بما يعمه
عقلا) من حيث
المزاحمة (وعلى
كل حال فالعقل لا يرى تفاوتا فى مقام الامتثال واطاعة الامر بها بين هذا الفرد
وساير الافراد اصلا هذا على القول بكون الاوامر متعلقه بالطبائع واما بناء على
تعلقها بالافراد فكذلك ايضا كما عرفت تحقيقه وان كان جريانه عليه اخفى) إلّا انه واضح بعد التامل (كما لا يخفى فتامل) قلت هذا غاية ما يمكن ان يقال فى توضيح كلامه وتنقيح
مرامه وفيه اشكال فانهم ذكروا فى مقام الفرق بين القول بمفهوم الصفة وعدمه ان
الخالى عن الصفة على الاول
منفى عنه الحكم فيقع معارضا لو دل دليل على ثبوته له وعلى الثانى يكون
مسكونا عنه فلا يقع معارضا وذكروا ان الامتثال على القولين لا يكون إلّا بواجد
الصفة لانه هو المتعلق للامر وان كان الخالى عنها مساويا بناء على عدم المفهوم لان
غير المأمور به لا يمكن تحقق الامتثال فيه والمقام من هذا القبيل فان الخروج وان
كان للمزاحمة لا للقصور إلّا انه لا يمكن ان يكون مأمورا به كما اعترف بذلك فكيف
يكون الاتيان بالفرد الغير المأمور به امتثالا للامر واتيانا بالفرد المأمور به
وان ساواه فى جميع الجهات حقيقة وواقعا وهذا الوجه محكى فى تقريرات بعض الاعاظم عن
شيخنا العلامة المرتضى وتبعه المصنف قده عليه وغاية ما افاد المقرر فى بيانه ان
الموجب لصحة الفرد هو انطباق الكلى عليه لا تعلق امر بخصوصه وإلّا لكانت الافراد
كلها واجبات عينيه ومن المعلوم ان الامر انما تعلق لفظا بكلى الصلاة وانما يحكم
العقل بحصول الامتثال بالفرد لانطباق المأمور به عليه من غير فرق بين صورة
المزاحمة وعدمها ولذا قلنا بالتخيير عقلا بين الافراد لا شرعا وفى صورة المزاحمة
لم يحكم العقل بخروج الفرد المزاحم تخصيصا ولا كان التخيير بين الافراد من اول
الامر شرعيا فيخرج هذا الفرد المزاحم عنه واذا كان الامر كذلك فالفرد المزاحم بعد
ان لم يكن منهيا عنه وكان كغير المزاحم فى ثبوت مقتضى الامر فيه كان مما ينطبق
عليه الكلى ويكفى ذلك فى صحته هذا غاية ما حققه المقرر وفيه ما عرفت من ان العقل
بعد ما حكم بخروجه ولو للمانع عن الطبيعة او الافراد المأمور بها فلا يعقل كفاية
مجرد الانطباق عليه فى الصحة بعد ان استحال عقلا تعلق امر به او بطبيعة تعمه من
حيث انها تعمه وما لا يكون متعلقا للامر ولو لمانع كيف يكون امتثالا لذلك الامر
المتعلق بمثله من حيث تحقق المقتضى المغاير له من حيث عدم المانع وبالجملة
فالاتيان بداعى الامر للفعل الذى لا امر به فعلا يكون داعيا اليه غير ممكن اصلا لو
لم يكن تشريعا على بعض الوجوه نعم يمكن ان ياتى بما زوحم بداعى امره التقديرى الذى
لو لا المزاحمة لتعلق به او بداعى وجوبه الواقعى الذى لو لا المزاحمة لبلغ المرتبة
الفعلية وامر به فعلا فيئول الى كونه بداعى امره وكلاهما كما ترى عبارة اخرى عن
قصد المحبوبية والملاك وظاهر المصنف تصحيح قصد الامر الفعلى كما لا يخفى
فتأمل جدا فلعل غرض المصنف والشيخ قدسسرهما غير ما وصل الى الفكر القاصر (ثم لا يخفى) عليك (انه بناء على امكان الترتب وصحته لا بد
من الالتزام بوقوعه) فانه من الاشياء التى صحتها عين وقوعها (من دون انتظار دليل آخر عليه) بل هو دليل صحة ما استحالت ظاهرا صحته (لوضوح ان المزاحمة) بناء (على صحة الترتب لا تقتضى عقلا الا
امتناع الاجتماع فى عرض واحد لا كذلك) اى مترتبا (فلو قيل بلزوم الامر فى صحة العبادة ولم
يكن فى) وجود (الملاك كفاية كانت
العبادة مع ترك الاهم صحيحة لثبوت الامر بها فى هذا الحال كما اذا لم تكن هناك
مضادة) وهذه فائدة
الترتب فلا تغفل تنبيه مما يدل على عدم اقتضاء الامر بالشيء النهى عن ضده او عدم
اقتضاء النهى عنه للفساد قوله عزّ من قائل وآخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى
الله ان يتوب عليهم فانه دل على امكان وجود العمل الصالح مع السيئ ولو لم يكن
للسيئ عموم للمضاد وغيره فلا اقل من دلالة الآية على كونه صالحا حال مقارنته لعدم
التوبة من السيئ واحتمال ان المراد من الصالح والسيئ ما لم يكن بينهما مضادة اصلا
ركيك جدا بل الحق ظهور الآية فى العموم لكل صالح وسيّئ ومن المعلوم منافات ذلك
لفساد الضد كما لا يخفى (فصل
لا يجوز امر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه خلافا لما نسب الى اكثر مخالفينا) هكذا قرر القوم عنوان هذه المسألة واختلاف حججهم يدل
على اختلاف المراد بالعنوان والتحقيق ان هنا اقساما تختلف باختلافها الاحكام لان
الامر اما مطلق واما مشروط والمطلق اما حقيقى او امتحانى والحقيقى اما شأنى غير
فعلى مطلقا او فعلى شرعا وعقلا او شرعا لا عقلا والشرط اما ان يكون شرطا للامر او
شرطا للمأمور به والاول اما ان يكون مما يتحقق به موضوع المكلف كالعقل والقدرة او
مما يتحقق به موضوع الامر وكل منهما اما شرط فى الفعلية شرعا وعقلا وهى التنجز به
او فى الشرعية فقط وهى البعثية والامكان المنفى الذى هو عبارة عن الامتناع اما
ذاتى او بسبب الغير هذه هى الاقسام واما الاحكام فلا اشكال فى جواز الامر بمعنى
انشاء الحكم مع علم الآمر بانتفاء شرط بلوغه الى المرتبة الفعلية مطلقا من اى نحو
كان الشرط كما عليه جميع الاحكام التى بقيت مخزونه والتى هى فى مورد مؤدّيات الطرق
والامارات والاصول
وغير ذلك من مواردها كما لا اشكال فى جوازه انشاء وفعليا بعثيا مع علمه
بانتفاء شرط تنجزه وهو العلم كما هو الحال فى جملة من الاحكام ولا ريب فى عدم
الجواز انشاء وفعليا مطلقا مع العلم بانتفاء شرط كل مرتبة منه (ضرورة انه لا يكاد
يكون الشيء مع عدم علته كما هو المفروض هاهنا فان الشرط بعض اجزائها وانحلال
المركب) وارتفاعه (بانحلال بعض اجزائه) وارتفاعه (مما لا يخفى وكون الجواز) المنفى (فى العنوان) المنطبق على هذه الاقسام (بمعنى الامكان الذاتى) فيكون الامتناع ذاتيا (بعيد عن محل الخلاف بين الاعلام) لان محله كما عرفت ما امتنع لعدم علته فلا ينافى
امكانه ذاتا كما هو الحال فى ساير الممكنات الذاتية الممتنعة بالغير ثم اشار
المصنف قده الى الصورة الاولى التى ذكرناها فقال (نعم لو كان المراد من لفظ الامر الامر
ببعض مراتبه) وهى المرتبة الاولى (ومن
الضمير الراجع اليه بعض مراتبه الأخر) كالفعلية الشرعية او كلها كالتنجزية ايضا (بان يكون النزاع فى
ان امر الآمر يجوز انشاء مع علمه بانتفاء شرطه بمرتبة فعليته وبعبارة اخرى كان
النزاع فى جواز انشائه مع العلم بعدم بلوغه الى المرتبة الفعلية لعدم شرطه لكان
جائزا وفى وقوعه فى الشرعيات والعرفيات كما تقدم غنى وكفاية ولا نحتاج معه الى مزيد
بيان ومئونة برهان) هذا فيما ذا كان الامر مطلقا والشرط ماخوذا بالنسبة اليه واما جواز صدوره
مشروطا مع العلم بانتفاء شرطه فان كان انتفائه ابديا فهو لا يحسن من العالم
بالعواقب بمجرده كما افاد السيد علم الهدى إلّا اذا ترتب عليه فائدة كما ذا اريد
الترغيب على فعله قبل حصول الشرط لانه مندوب كقوله صلىاللهعليهوآله لو لا ان أشقّ على امتى لامرتهم بالسواك فانه يدل على
ان الامر بالسواك مشروط بشرط منتفى ابدا وهو عدم المشقة وهى دائمة الوجود وهذا وان
لم يكن انشاء لوجوب مشروط وانما هو اخبار عنه إلّا انه لا فرق بيتهما انشاء
واخبارا اذا ترتبت عليه هذه الفائدة وما اشبهها وان لم يكن ابديا فهو جائز حسن
واقع فى الكتاب والسنة وفائدته بيان حكم جميع النوع بلفظ واحد فيكون مطلقا فى حق
الواجد وان كان الوجدان بعد الفقدان ومشروطا فى حق الفاقد واما جواز الامر مع علم
الامر بانتفاء شرط الفعل فى نفسه لا من
حيث توجيهه الى المكلف او امتثاله كسائر المقدمات باقسامها الثلاثة فان كان
الشرط عاما بحسب الشرطية لحال امكان وجوده وعدم امكانه كطهارة ماء الوضوء مثلا
والطهارة بالنسبة الى الصلاة على القول بذلك فهو ممنوع لان المشروط عدم عند عدم
شرطه فكيف يتعلق التكليف به وما هو إلّا من طلب المحال فان وجود الشيء بدون علته
محال وعدم العلة يتحقق بعدم جزء من اجزائها وطلب المحال محال وان كان مختصا بحال
امكان وجوده فلا اشكال فى الجواز لخروجه عن موضوع المسألة واما اذا كان الشرط من
حيث توجيه الامر الى المكلف كالعقل والبلوغ فهو لا يجوز قطعا لا مطلقا ولا مشروطا
لانه لو كانت للمخاطب اهلية الخطاب به مشروطا بذلك لكان مطلقا كما لا يخفى واما
اذا كان من حيث الامتثال كالعلم والقدرة فقد مر حكمهما لانهما ليسا من شرائط الفعل
بخلاف العقل والبلوغ فانهما شرط فى الطلب والمطلوب فان الفعل من البالغ العاقل
يتصف بالحسن والقبح واما الامر الامتحانى الذى يراد غير ظاهره مع انتفاء شرط الفعل
الذى لم يكن مرادا واقعا فلا اشكال فيه اصلا امكانا ووقوعا شرعا وعرفا قال المصنف
قده (وقد
عرفت سابقا ان داعى انشاء الطلب لا ينحصر بالبعث والتحريك جدا حقيقة بل قد يكون
صوريا امتحانا وربما يكون غير ذلك) من الدواعى (ومنع كونه امرا اذا لم يكن بداعى البعث
جدا وواقعا وان كان فى محله إلّا ان اطلاق الامر عليه اذا كانت هناك قرينة على انه
بداعى آخر غير البعث توسعا مما لا باس به اصلا كما لا يخفى) قلت الظاهر ان البعث والتحريك حقيقة وواقعا موجود فى
الامر الامتحانى إلّا انه الى ما ليس بمراد واقعا وانما اظهر انه مراد فالامر
الامتحانى امر بداعى البعث والتحريك إلّا ان متعلقه صورى وبعبارة اخرى هيئة الامر
على حقيقتها ولكن المادة غير مرادة إلا صورة وذلك لا يوجب احتياج اطلاق الامر عليه
الى قرينة فالامر انشاء الطلب بداعى البعث اما الى المطلوب الواقعى او المطلوب
الصورى وبعبارة اخرى قول افعل بعث وتحريك إلّا ان الداعى لهذا البعث ليس ايجاد
الفعل بل الاقدام على ايجاده ومن هنا يقع العصيان لهذا الامر ويترتب استحقاق
العقاب عليه
واحتمال ان ذلك للتجرى لا يصغى اليه فهذا الامر امر حقيقة وان كانت فائدته
غير ايقاع الفعل كما ذهب اليه الفحول من المحققين واقتضاء ظاهر المصنف قده فى بحث
اتحاد الارادة والطلب فلاحظ نعم على ما ذكرناه من مراتب الحكم فالامر بالنسبة الى
المرتبة الاولى لا يكون بنحو الحقيقة قطعا فيحمل قولهم فى العنوان هل يجوز الامر
على الحكم الذى هو المدلول اذ الاشتراط انما يكون بالنسبة اليه لا الى لفظ الامر (وقد ظهر) لك (بذلك) مما ذكر المصنف قده وذكرناه (حال ما ذكره الاعلام
فى المقام من النقض والابرام وربما يقع به التصالح بين الجانبين) المتنازعين (ويرتفع النزاع فى البين) فيحمل كلام المانع على الصور الممنوعة التى عرفتها
وكلام المجوز على الصور الجائزة وهى كثيرة وفى جملة من حججهم شواهد جلية على الجمع
المذكور (فتامل) فيها (جيدا فصل
الحق ان الاوامر والنواهى) انما (تكون متعلقه بالطبائع دون الافراد) وتحقيق ذلك يتوقف على معرفة امور ثلثه احدها ان
للطبيعة بعد البناء على وجود الكلى الطبيعى لحاظات ثلاثة منها لحاظها بشرط لا يعنى
بشرط ان لا يكون معها شيء وهذه ليست هى بهذا اللحاظ الا هى وهى ممتنعة الوجود
ومنها لحاظها بشرط شيء يعنى بشرط ان يكون معها شيء من المشخصات المقومات للوجود
وهذه بهذا اللحاظ واجبة الوجود ومنها لحاظها لا بشرط وهذه اعم من الثانية ضرورة
انها بهذا اللحاظ تجتمع مع الف شرط وتسمى الاولى بالمجردة والثانية بالمخلوطة
والثالثة بالمطلقة وهذه قد تلحظ بما هى مع قطع النظر عن الوجود والعدم وقد تلحظ من
حيث الوجود ثانيها ان المراد من الامر فى المقام هو جزئه الصورى وهو الهيئة ومن
الطبيعة جزئه المادى وهو المادة ومفاد الهيئة وان كان هو الطلب إلّا ان متعلقها
بما هى هيئة دالة على الطلب ربما يختلف مع متعلقها بما ان الطلب مدلولها وبعبارة
اخرى قد يختلف متعلق الدال مع متعلق المدلول اعتبارا ولا يجب الاتحاد كما سيظهر
ثالثها ان الفرق بين القول باصالة الوجود واصالة الماهية ان المجعول اولا وبالذات
بناء على اصالة الوجود هو نفس الوجودات الخاصة فهى اعيان ثابته فى الخارج متباينة
الحقائق بسائط ليس بينها قدر جامع وانما ينتزع منها الوجود بمفهومه العام
فيكون امرا اعتباريا يكون هو المحمول على الماهية التى لا نصيب ولا حظ لها فى
الجعل وانما هى معنى منتزع من ذلك الوجود عارض له فاذا قيل الانسان موجود فالمحمول
هى الموجودية المصدرية المأخوذة من الوجود المصدرى فالوجود مجعول بالجعل البسيط
والماهية غير مجعولة اصلا لا بالجعل البسيط ولا المؤلف واما بناء على اصالة
الماهية فالمجعول اولا وبالذات هو الماهية وليس الوجود امرا زائدا عليها بل وجودها
نفس كونها الخاص فى الخارج وكونها فى الخارج عين وجودها فالوجود من عوارضها ذهنا
ولا حظّ له فى الجعل اصلا وهناك قول آخر وهو ان المجعول اولا وبالذات هو اتصاف
الماهية بالوجود وهذا معنى الجعل المؤلف يعنى حصلت الألفة بين الماهية والوجود
بهذا الجعل فاحفظ هذا كله على اجماله فانه نافع اذا عرفت ذلك فاعلم ان تعلق الطلب
بالقسمين الاولين من اقسام الطبيعة مستحيل لاستحالة وجود الاولى ووجوب وجود
الثانية وطلب الممتنع والواجب محال وانما الممكن بل هو الاصح تعلقه بالقسم الثالث
منها فيكون المطلوب ايجاد تلك الطبيعة الممكنة الوجود فى الخارج بالحاق مشخصاتها
والى هذا المعنى اشار المصنف قده حيث قال (ولا يخفى ان المراد ان متعلق الطلب فى
الاوامر هو صرف الايجاد كما ان متعلقه فى النواهى هو محض الترك ومتعلقهما) اى الايجاد والترك (هو نفس الطبيعة المحدودة بحدود المقيدة
بقيود) من دون ان
يكون لهما تعلق بذات الحدود والقيود وهى مع كل قيد كلية بالنسبة الى القيود التى
لم تكن معها وانما تطلب بتلك الحدود والقيود لانها (تكون بها موافقة للغرض والمقصود من دون
تعلق غرض باحدى الخصوصيات اللازمة للوجودات) المشخصة للموجودات (بحيث لو كان الانفكاك عنها باسرها) فى الوجود الخارجى (ممكنا لما كان ذلك مما يضر بالمقصود
اصلا) وانما يحتاج
اليها لتوقف ايجاد الطبيعة عليها لان الشىء ما لم يتشخص لم يوجد فهى لا دخل لها فى
اصل المطلوبية (كما
هو الحال فى القضية الطبيعية فى غير الاحكام) كقولنا الانسان نوع والحيوان جنس (بل فى المحصورة ايضا
على ما حقق فى غير المقام) كقولنا كل انسان حيوان فان النوعية والحيوانية من
اوصاف الماهية
الإنسانية لا المشخصات الوجودية (وفى مراجعة الوجدان للانسان غنى وكفاية
عن اقامة البرهان على ذلك حيث يرى اذا راجعه انه لا غرض له فى مطلوباته الانفس
الطبائع ولا نظر له الا اليها من دون نظر الى خصوصياتها الخارجية وعوارضها العينية) وهى التى بها يحصل امتياز الماهية عن مشاركاتها فى
النوع وهى غير الخصوصيات الشخصية بل هى متقدمة عليها وبتلك العوارض تستعد الماهية
للحوق الخصوصيات الشخصية والمشخصات غير الذات والعوارض العينية قد تكون ذاتيه وقد
تكون غيرها وقد تكون وجودية كامتياز الكاتب من الامى بالكتابة وقد تكون عدمية كامتياز
العكس بالعكس والمقصود ان العوارض غير الخصوصيات وان عبارات المصنف قده ليست مبنية
على الحشو بل كلها اشارات الى نكات (و) يرى ايضا ان (نفس وجودها السعى) المنطبق على جميع الافراد على سعتها (بما هو وجودها) لا وجود الفرد (تمام المطلوب وان كان ذاك الوجود لا
يكاد ينفكّ فى الخارج عن الخصوصية) وان لم يكن لها دخل فى المطلوبية (فانقدح بذلك ان
المراد بتعلق الاوامر بالطبائع دون الافراد انها بوجودها السعى بما هو وجودها
مامور بها قبالا لخصوص لوجود) بما هو خاص الوجود (ومتعلقه للطلب لا انها بما هى هى او
بشرط لا كانت متعلقه له كما ربما يتوهم فانها كذلك) وبهذا الشرط (ليست إلّا هي ولا وجود لها نعم هى كذلك) يعنى بما هى هى مع قطع النظر عن الوجود لا بشرط عدمه (تكون متعلقه للامر) من حيث الهيئة لما عرفت من ان تعلق الهيئة لا دخل له
بحيثية الوجود فافهم دفع وهم قال فى الفصول فى بيان الفرق بين متعلق الامر ومتعلق
الطلب وان متعلق الامر انما هو الطبيعة لا الفرد ما نصه ان فردية الطبيعة على ما
تقرر فى محله انما يكون بانضمام الوجود اذ الطبائع باسرها كليات ولا يتحصل من
انضمام كلى الى كلى الا كلى ثالث فتعلق الامر بالفرد على الحقيقة يؤدى الى طلب
تحصيل الحاصل وهو محال وان اول بان المراد ما هو فرد بانضمام الوجود المطلوب اليه
فهو التزام على الحقيقة بتعلقه بنفس الطبيعة كما لا يخفى انتهى محل الحاجة من
كلامه زيد فى علو مقامه والمقصود منه واضح فان مراده ان فرديه الفرد موقوفة على
انضمام الوجود فان اريد بتعلق
الامر بالفرد تعلقه بعد تحقق الفردية فهو طلب الحاصل لعدم تحققها الا بعد
الوجود فكيف يكون الوجود مطلوبا وان اريد تعلقه بالفرد الذى تتحقق فرديته بضم
الوجود المطلوب اليه كان تعلقا بالطبيعة لا بالفرد ضرورة ان ضم الوجود الى الطبيعة
هو المحصل للفرد لا ضمه الى الفرد كما هو واضح فليس فى هذا توهم ان المطلوب هو
الوجود الصادر الثابت كما (لا
يخفى) ليدفع بما
ذكر من (ان
كون وجود الطبيعة او الفرد متعلقا للطلب انما يكون بمعنى ان الطالب يريد صدور
الوجود من العبد وجعله بسيطا الذى هو مفاد كان التامة وافاضته لا انه يريد ما هو
صادر ثابت فى الخارج كى يلزم طلب الحاصل كما توهم) وقد عرفت ما فيه ولا ينبغى ان ينسب مثل هذا التوهم الى
ادنى محصل قال فى الفصول فى اثناء الاستدلال على استحالة اجتماع الامر والنهى ما
لفظه لا ريب فى ان الطلب لا يتعلق بالماهية من حيث هى ولا من حيث كونها فى الذهن
بل من حيث كونها فى الخارج لا بمعنى ان الطلب لا يتعلق إلّا بما هو موجود فى
الخارج كيف وتعلق الطلب سابق على وجود المطلوب لامتناع تحصيل الحاصل بل بمعنى ان
العقل يلاحظ الماهية الخارجية من حيث كونها خارجية ويجعلها بهذا الاعتبار موردا
للطلب والمنع كما نقول فى الفرض السابق انه يلاحظ الوجود الخارجى من حيث انه وجود
خارجى ويجعله موردا للطلب والمنع انتهى والمقصود من الفرض المذكور تقرير الدليل
بناء على اصالة الماهية ومن الفرض السابق تقريره بناء على اصالة الوجود فليس فى
كلامه توهم ان الطلب يتعلق بما هو الصادر الثابت بل هو عين ما سيأتى من المص وما
مضى وكلماته مشحونة بما سمعت نعم ما افاده بقوله (ولا جعل الطلب متعلقا بنفس الطبيعة وقد
جعل وجودها غاية لطلبها) متين جدا لعدم معقولية تعلق الطلب بنفس الطبيعة من حيث هى كيف (وقد عرفت ان الطبيعة
بما هى هى ليست إلّا هى فلا يعقل ان يتعلق بها طلب لتوجد او تترك) وبعبارة اخرى متعلق الطلب لا يكون إلّا فعل المكلف لا
متعلق الفعل والفعل غاية وهذا واضح (و) قد عرفت ايضا (انه لا بد فى تعلق الطلب من لحاظ الوجود
او العدم معها فيلاحظ وجودها فيطلبه ويبعث اليه كى يكون ويصدر منه هذا
بناء
على اصالة الوجود واما بناء على اصالة الماهية فمتعلق الطلب ليس هو الطبيعة بما هى
ايضا بل بما هى بنفسها فى الخارج فيطلبها كذلك لكى يجعلها بنفسها من الخارجيات
والاعيان الثابتات لا بوجودها كما كان الامر بالعكس بناء على اصالة الوجود) قلت قد انقلب المعنى عليه بتعبيره فوقع فيما فر منه
بناء على اصالة الوجود فانه منع ان يتعلق الطلب بالطبيعة من حيث هى على ان يكون
وجودها غاية لطلبها وقد التزم بذلك بناء على اصالة الماهية حيث يقول فيطلبها كذلك
لكى يجعلها بنفسها من الخارجيات والاولى ان يقال ان المطلوب بناء على اصالة الوجود
من المكلف هو جعل وجود الطبيعة بالحاق مشخصاتها كما قال المعلم الثاني فى المحكى
عنه والمحققون الاعاظم من ان مشخصات كل شيء عين وجوده الخاص وان اختلفا مفهوما
وبعبارة اخرى المطلوب ايجاد الماهية بمعنى جعل الوجود الذى تنتزع منه الماهية
وبناء على اصالة الماهية هو جعلها بنفسها وتكوينها فى الخارج فينتزع منها الوجود
واما بناء على القول الثالث فالمطلوب جعلهما معا مرتبطين فى الخارج ومؤتلفين هذا
كله بحسب الدقة العقلية واما بحسب المفهوم عرفا فالمطلوب فى اضرب ايجاد ماهية
الضرب فى الخارج وهكذا فى جميع الاوامر ولا يتوقف اثبات كون المطلوب هو الطبيعة
عرفا على هذه التدقيقات (وكيف
كان فيلحظ الآمر ما هو المقصود من الماهية الخارجية او الوجود فيطلبه ويبعث) المكلف (نحوه ليصدر منه) ما لم يكن صادرا قبل بناء على الوجود (ويكون ما لم يكن) كائنا قبل بناء على الماهية ويحدث ما لم يكن حادثا وهو
كون الماهية مرتبطة بناء على ان المجعول الاتصاف (فافهم وتامل جيدا الفصل
الثامن اذا نسخ الوجوب) فهل يبقى الجواز بمعنى عدم كونه حراما كما لم يكن بالنسخ
واجبا او بمعنى تساوى جهتى الفعل والترك فيه اولا الحق هو الثانى ولو استند فى
البقاء الى دليل الناسخ والمنسوخ (فلا دلالة لدليل الناسخ ولا المنسوخ على
بقاء الجواز بالمعنى الاعم ولا بالمعنى الاخص كما لا دلالة لهما على ثبوت غيره من
الاحكام) الشرعية (ضرورة ان ثبوت كل
واحد من الاحكام الاربعة الباقية بعد ارتفاع الوجوب ممكن ولا دلالة لواحد) من دليل الناسخ
والمنسوخ باحدى الدلالات على تعيين واحد منها كما هو اوضح من ان يخفى نعم
لو كان النسخ بقول لك ان تترك هذا الفعل فلا اشكال فى بقاء الجواز بالمعنى الاعم
لا لكون النسخ تعلق بالمنع عن الترك فان هذا كلام ظاهرى خال عن التحصيل بل للفرق
الواضح بين قول لك ان تترك وقول عليك ان تترك فان الاول يفيد ان له ان يفعل اذ لا
يعقل ثبوت ان له ان يترك إلّا اذا كان له ان يفعل وإلّا كان عليه ان يترك والسر
لزوم تساوى طرفى الممكن فى ذلك وهذا واضح نعم انما يثبت الجواز العام للاحكام
الثلاثة فلا بد للتعيين من دليل آخر من غير فرق بين طرق التعبير فى النسخ (و) اما الاستناد فى بقاء الجواز الى الاستصحاب فهو باطل
اذ (لا
مجال لاستصحاب الجواز إلّا بناء على جريانه فى القسم الثالث من اقسام استصحاب
الكلى وهو ما اذا شك فى حدوث فرد كلى مقارنا لارتفاع فرده الآخر وقد حققنا فى محله
انه لا يجرى الاستصحاب فيه ما لم يكن) المتيقن الوجود ذا مراتب مختلفة شدة وضعفا و (الحادث المشكوك من
المراتب القوية) اذا كان المتيقن ذا مرتبه ضعيفه (او الضعيفة) اذا كان المتيقن ذا مرتبة قويّة (المتصلة بالمرتفع) وقد حصل الشك فى التبدل مع عد العرف هذا التبدل بقاء
فلا يكفى الاختلاف فى المرتبة وحده بل يكون (بحيث عد عرفا لو كان انه باق لا انه امر
حادث غيره) ومن المعلوم
عدم تحقق هذا الضابط فى المقام ضرورة (ان كل واحد من الاحكام مع الآخر عقلا
وعرفا من المباينات والمتضادات غير) حكمى (الوجوب والاستحباب فانه وان كان بينهما
التفاوت بالمرتبة والشدة والضعف عقلا إلّا انهما متباينان عرفا فلا مجال للاستصحاب
اذا شك فى تبدل احدهما بالآخر فان حكم العرف ونظره يكون متبعا فى هذا المقام) فاذا ارتفع الوجوب فلا يعد العرف ثبوت الاستحباب الذى
هو المرتبة الضعيفة من مراتب الجواز العام بالنسبة الى مرتبة الوجوب بقاء لذلك
الجواز والسر أن تغاير الفردين المتبدلين فى الاسم كاشف عن تغايرهما فى المعنى جدا
وانما ينفع اختلاف المراتب فى الشدة والضعف فى صدق البقاء اذا اتحد الاسم فى جميع
المراتب لكشف الاتحاد اسما عن الاتحاد معنى فكانه معنى واحد مستمر فالضابط هو
اختلاف المراتب مع اتحاد الاسم ولا ينخرم هذا الضابط فى مورد من الموارد
عرفا كما لا يخفى هذا كله فى الجواز الشرعى واما الجواز الناشى عن اصالة الاباحة
فى الاشياء فالظاهر تحققه بعد رفع الوجوب ما لم يكن الواجب عبادة حتى يقوم دليل
على احد الاحكام كما هو واضح (فصل
اذا تعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء ففى
وجوب كل واحد على التخيير بمعنى عدم جواز تركه الا الى بدل او وجوب الواحد لا
بعينه او وجوب كل منهما مع السقوط بفعل احدهما او وجوب المعين عند الله) وهو الذى يعلم ان العبد يختاره (اقوال) آخرها المذبذب والتحقيق هو الاول المطابق لظاهر الكلام
مع عدم مانع له من العقل وليعلم ان كل تخيير شرعى يرجع الى التخيير العقلى غير ان
ما يدرك العقل وفائه بالغرض من الافراد نسميه عقليا لاستقلال العقل بادراكه وما لا
يدرك العقل الفرد الوافى بالغرض فيه نسميه شرعيا لتوقفه على بيان الشارع وهكذا
الحال فى جميع المستقلات العقلية والامور التوقيفية فانها بعد كشف الشارع ترجع الى
حكم العقل كما هو واضح واما توضيح رجوع التخيير الشرعى الى العقلى فهو (انه ان كان الامر
باحد الشيئين بملاك انه هناك غرض يقوم به كل واحد منهما بحيث اذا اتى باحدهما حصل
به تمام الغرض ولذا يسقط به الامر كان الواجب فى الحقيقة هو الجامع بينهما) وان تباينا بحسب الوجود الخاص كما هو الحال فى افراد
كل كلى (وكان
التخيير بينهما) على هذا التقدير (بحسب
الواقع عقليا لا شرعيا) إلّا انه لتوقفه على كشف الشارع وعدم استقلال العقل به يسمى شرعيا كما
عرفت فان قلت ولم لا يكون التخيير شرعا مقابلا له عقلا بان يستند الغرض الى كل
واحد من المخير بينهما كاستناد النقل الى الاسباب الناقلة على اختلافها من بيع أو
إرث او غيرهما والغسل الى اسبابه والوضوء كذلك والاحراق الى الكرة النارية والى
الكرة الزمهريرية قلت ذلك فاسد جدا بل محال عقلا (وذلك لوضوح ان الواحد) بما هو واحد (لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان
ما لم يكن جامع فى البين لاعتبار نحو من السنخية) والمناسبة (بين العلة والمعلول) وإلّا لكان كل شيء علة لكل شيء ومعلولا لكل شىء
والامثلة
المذكورة كلها من هذا القبيل اما الغسل والوضوء فواضح فان الجامع بين
اسبابها الجنابة والحدث واما اسباب النقل والانتقال فهى مثل المقام مما توقف على
بيان الشارع واما المثال الاخير فلان الاحراق انما يستند لفرط اليبوسة وهو فى
الكرتين موجود نعم اذا اضيف الى فرط اليبوسة فرط الحرارة اشتد الاثر ولذا كان اثر
النار غير اثر البرد المفرط وهذا واضح بعد التأمل (وعليه فجعلهما متعلقين للخطاب الشرعى
لبيان ان الواجب هو الجامع بين هذين الاثنين) او لبيان ان الاثنين واجبان تخييرا لتحقق الجامع فى كل
منهما وهذا هو التخيير الشرعى واماما افاده قده بقوله (وان كان الامر) باحد الشيئين (بملاك انه يكون فى كل واحد منهما غرض لا
يكاد يحصل) احدهما (مع حصول الغرض) فى اتيان (الآخر) او يمكن (اتيانه كان كل واحد واجبا بنحو من
الوجوب يستكشف عنه تبعاته وآثاره من عدم جواز تركه الى الآخر وترتب الثواب على فعل
الواحد منهما والعقاب على تركهما فلا وجه فى مثله) اى مثل هذا النحو (للقول بكون الواجب هو احدهما لا بعينه
مصداقا ولا مفهوما كما هو واضح) وبعبارة اخرى ان الاقوال المذكورة لا تتأتى الا فى
الصورة الاولى من الواجب المخير لا الصورة الثانية لما عرفت من تعدد الغرض فيها
على النحو المذكور ولذا قال قده (إلّا ان يرجع) القول المذكور (الى ما ذكرنا فيما اذا كان) الامر باحدهما (بالملاك الاول من ان الواجب هو الواحد
الجامع بينهما) ولا يتأتى ايضا القول بان الواجب (احدهما معينا) على الصورة الثانية (مع كون كل منهما مثل الآخر فى انه واف
بالغرض) ولا القول
بان الواجب (كل
واحد منهما تعينا مع السقوط بفعل احدهما بداهة) ان اللازم اما (عدم السقوط) وذلك (مع امكان استيفاء ما فى كل منهما من
الغرض و) اما (عدم جواز الايجاب
كذلك) اى لكل منهما
تعينا (مع
عدم امكانه فتدبر) توضيح ما افاده قده انه يمكن ان يكون الامر باحد الشيئين المسمى بالوجوب
التخييرى على نحو لا تنطبق عليه الاقوال المذكورة فى الواجب المخير باسرها وذلك
بان يكون كل واحد من الفعلين الذين تعلق الامر باحدهما مشتملا على غرض مغاير للغرض
الذى فى الآخر
إلّا انه مع الاتيان بواحد وحصول الغرض الذى اشتمل عليه لا يمكن الاتيان بالآخر
المحصل للغرض الذى اشتمل عليه بحيث لو فرض محالا امكان تحصيل الغرضين باتيان
الفعلين لوجب كل منهما معينا فحينئذ يتعلق الوجوب بكل منهما لكن لا بنحو لا يجوز
تركه مطلقا بل بنحو لا يجوز تركه الا الى بدل وهو الآخر فآثار الوجوب التخييرى
امتثالا وسقوطا وثوابا وعقابا تجرى فيه إلّا ان ما ذكر من الاقوال لا ينطبق عليه
اما وجوب احدهما لا بعينه فقد عرفت ان الواجب كل منهما بما فيه من الغرض المباين
للآخر وعدم امكان تحصيل الآخر مع حصول واحد غير وجوب احدهما لا بعينه نعم هذا
القول يجرى فى الصورة الاولى كما عرفت واما وجوب احدهما معينا فعدم انطباقه فى
غاية الوضوح واما وجوب كل منهما معينا مع السقوط بفعل احدهما فلما عرفت من ان فعل
احدهما لا يوجب بنفسه سقوط الآخر وانما يسقط لعدم التمكن من اتيانه ومع فرض عدم
التمكن من اتيانه كيف يجوز ايجابهما معينا كى يقال بوجوب كل منهما فهذا نحو من
الايجاب غير هذه الانحاء وكيف كان ففيه ان هذا النحو من الوجوب هو نحو باب التزاحم
بين الواجبات والمستحبات وهذا النحو من التخيير هو نحو التخيير العقلى بين
المتزاحمين وليس بشىء جديد بل هو بعينه حرفا بحرف ولو اراد غير ذلك وانه مع كون
الغرض متعددا يكون الامر الشرعى واحدا فهذا غير معقول ان اراد من وحدة الامر وحدة
الحكم الشرعى واقعا وفعلا ضرورة ان الغرض المتعدد بما هو متعدد لا يعقل ان يصدر
منه امر واحد وعدم امكان الاستيفاء انما يرفع البعث الفعلى لا الانشاء وتعبيرهم
بلفظ الامر التخييرى يريدون به الوجوب التخييرى لا الخطاب البعثى كما لا يخفى على
الخبير ومع تعدد الغرض فى المتعلقين الوافى بانشاء حكم على طبقه لا يعقل وحدة
الحكم وإلّا لزم استناد المعلول الواحد الى العلل المتعددة غاية الامر ان عدم
امكان استيفائهما معا يمنع الخطاب بهما معا فيكون موجبا لثبوت احد الخطابين لا
ثبوت الخطاب الواحد باحد الشيئين لانه مع فرض تباين الغرضين لا بد له من تعلقين
متباينين ولا يعقل من الواحد صدور الاثنين كما لا يعقل العكس بل اما ان تكون العلة
غرضا واحدا وهو الجامع بين الغرضين او يكون كلاهما غرضا واحدا فترجع
هذه الصورة الى الصورة الاولى اذ كما كان فى الاولى قد اتحد الواجب وهو
الجامع بين الشيئين لان الواحد لا يصدر من الاثنين كذلك الحال فى الثانية لان
الاثنين بما هما اثنان لا يصدران من الواحد بما هو واحد فلا يكاد يكون الغرضان بما
هما غرضان علة لامر واحد وهو الامر التخييرى للقاعدة الاولى ولا يكاد يكون الامر
الواحد بما هو واحد ذا تعلقين بفعلين لغرضين بما هما كذلك للقاعدة الثانية وعدم
امكان تحصيل الآخر واتيانه مع حصول احدهما واتيانه لا يوجب وحدة الامر الشرعى
وانما يوجب وحدة الامر العقلى مع تعدد الامر الشرعى حسب تعدد الغرض والبعث الفعلى
من الشارع وان كان واحدا كما افاد إلّا انه لا يثبت التخيير الشرعى كما لا يخفى
فالواجب التخييرى منحصر فى صورة واحدة وهى ما اذا كان الغرض واحدا والمحصل له
واحدا غير ان افراده مختلفه متباينة بحسب الوجود الخاص فان كان المدرك لتلك
الافراد المتباينة بحسب الوجود الخاص المتفقه بحسب تحقق الجامع بينها هو العقل
مستقلا فالتخيير عقلى وإلّا فشرعي (فتدبر) واعط التامل حقه وقد يكون مع المستعجل الزلل (بقى الكلام فى) مسئلة اخرى كثيرة الوقوع فى الفروع بل والاصول على وجه
وهى (انه
هل يمكن التخيير عقلا او شرعا بين الاقل او الاكثر او لا) يمكن (ربما يقال بانه محال فان الاقل اذا وجد
كان هو الواجب لا محاله ولو كان فى ضمن الاكثر لحصول الغرض به) وإلّا لم يتعلق به الوجوب (وكان الزائد عليه من
اجزاء الاكثر زائدا على الواجب لكنه ليس كذلك) ولا محالية فيه كما زعموا بل هو ممكن (فانه اذا فرض ان
المحصل للغرض فيما اذا وجد الاكثر هو الاكثر لا الاقل الذى فى ضمنه بمعنى ان يكون
لجميع اجزائه حينئذ دخل فى حصوله وان كان الاقل لو لم يكن فى ضمنه) بل كان مستقلا بنفسه (كان وافيا به ايضا فلا محيص عن التخيير
بينهما اذ تخصيص الاقل بالوجوب حينئذ كان بلا مخصص فان الاكثر بحده يكون مثله على
الفرض) ولنوضح
المقصود بمثال فنقول ذلك (مثل
ان يكون الغرض الحاصل من رسم الخط مرتبا على الطويل اذا رسم بما له من الحد لا على
القصير) الذى هو (فى ضمنه ومعه كيف
يجوز تخصيصه بما لا يعمه ومن
الواضح
كون هذا الفرض بمكان من الامكان فان قلت هبه) مسلما وافرضه صحيحا فى خصوص الصورة المذكورة وهو (فى مثل ما اذا كان
للاكثر وجود واحد لم يكن للاقل) الذى (فى ضمنه وجود على حده) ومستقلا (كالخط الطويل الذى رسم دفعة واحدة بلا
تخلل سكون فى البين) يوجب وجودا مستقلا للقصير (لكنه ممنوع) فى غير هذه الصورة وذلك (فيما كان له فى ضمنه وجود) مستقل (كتسبيحة فى ضمن تسبيحات ثلاث) وثلاثة اشبار فى ضمن ثلثه ونصف فى الكر والثلاثين فى
ضمن الاربعين فى المنزوحات والتسعة أجزاء فى ضمن العشرة فى العبادات الى غير ذلك
مما لا يحصى من غير فرق بين كونهما ارتباطيين او غيرهما من موضوعات الاحكام (او) غيرها مثل (خط طويل رسم مع تخلل العدم فى رسمه فان
الاقل قد وجد بحده وبه يحصل الغرض على الفرض ومعه لا محاله يكون الزائد عليه) اى على الاقل (مما لا دخل له فى حصوله) اى الغرض (فيكون زائدا على الواجب لا من اجزائه
قلت) كان هذا
السؤال ناشئ عن الغفلة وعدم التدبر فيما قلنا فان المقصود مما ذكرنا انه اذا كان
الغرض تارة يحصل بالاكثر بحده وتارة بالاقل بحده امكن التخيير بينهما ومعنى الحد
فى الاقل عدم انضمام الاكثر اليه فالتسعة لا غير والثلاثة لا غير مثلا محصلة ومع
الانضمام فالاكثر هو المحصل لان المحصل الثانى قد نقص بالانضمام جزأ فلا يكون
محصلا فعلم (انه
لا يكاد يختلف الحال بذلك فانه مع الفرض لا يكاد يترتب الغرض على الاقل فى ضمن
الاكثر وانما يترتب عليه بشرط عدم الانضمام ومعه) اى مع الانضمام (كان الغرض مرتبا على الاكثر بالتمام
وبالجملة اذا كان كل واحد من الاقل والاكثر بحده مما يترتب عليه) الاثر و (الغرض فلا محاله يكون الواجب هو الجامع
بينهما وكان التخيير بينهما عقليا ان كان هناك غرض واحد وتخييرا شرعيا فيما كان
هنا غرضان على ما عرفت) قلت قد عرفت ما فى هذا الاخير وعرفت حقيقة التخيير العقلى والشرعى مما
سبق واما تصويره التخيير بالصورة المذكورة فالذى ادعوا محاليته هو التخيير بين
الاقل والاكثر وما افاده مع القيد المذكور فهو تخيير بين المتباينين والاقل مع قيد
عدم الانضمام هو بمقدار الاكثر أجزاء وليس باقل ضرورة ان كل جزء
وجودى فى الاكثر يكون عدمه شرطا فى الاقل ولا ينخرم عن ذلك جزء واحد فأجزاء
الاقل الوجودية والعدمية بمقدار الاكثر من دون تخلف نعم اجزائه الوجودية اقل إلّا
انها ليست وحدها هى الاقل وعدم انضمام غيرها اليه وان كان شرطا واحدا إلّا انه
ينحل عقلا بالضرورة الى شروط عدمية بمقدار الاجزاء الوجودية كما لا يخفى (نعم) الاقل والاكثر اللذان يستحيل التخيير بينهما المنطبق
عليهما كثير من الفروع الفقهية هو ما (لو كان الغرض مترتبا على الاقل من دون
دخل للزائد) انضم او لم ينضم ضرورة انه لو كان كذلك (لما كان الاكثر مثل الاقل وعدلا له بل
كان فيه اجتماع الواجب وغيره مستحبا كان او غيره حسب اختلاف الموارد فتدبر جيدا فصل
فى وجوب الواجب الكفائى والتحقيق انه سنخ من الوجوب) تعلق بواجب واحد فهو واحد (وله تعلق بكل واحد) تنزيلا للجميع منزلة الواحد فان جاءوا به جميعا كان
لهم ثواب واجب واحد وامتثال واحد وكان استناده اليهم فى حصول الغرض منه كاستناد المعلول
الواحد الى العلل المتعددة المجتمعة دفعه واستناده الى واحد منهم كاستناد المعلول
الى احدى العلل وان تركوه دفعه وكان وقته بمقدار زمان تركهم له عوقبوا عقاب مخالفة
واجب واحد ويحتمل ان يكون تعدد الثواب والعقاب منوطا بتعدد الطاعة والمعصية لا
بوحدة الواجب وتعدده ضرورة تحقق الطاعة من كل واحد لو جاءوا به والمعصية كذلك لو
تركوه فكل منهم اطاع واجبا وعصى واجبا وان كان الوقت واسعا والترك تدريجيا فان آل
الى انحصار الامر بالاخير كما لو ترك كل منهم اعتمادا على الآخر ثم زالت قدرته كان
الوجوب على الاخير عينيا واختص الثواب والعقاب به وان لم يكن كذلك كان كتركهم دفعة
والحاصل المخاطب بالواجب الكفائى الواحد هو الماهية الإنسانية وهى واحد وان تعددت
الافراد لا الوجودات الخاصة بقيد الخصوصية لعدم المعقولية ولو لم يكن عموم الخطاب
لفظيا لكانت مقدمات الحكمة كافية فى تحقيق عمومه فكل مصداق لتلك الماهية مخاطب
والمقصود من تنزيل الجميع منزلة الواحد هذا المعنى ولعمرى ان هذا الوجه فى تحقيق
كيفية تعلق الواجب الكفائى هو احسن ما قيل فى المقام لو انصف الخصم فقد ظهر لك
معنى
كونه متعلقا بكل واحد (وانه
بحيث لو اخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعا) بما ان كلا منهم انسان لا بما انه مخاطب بخصوصه (وان سقط عنهم لو اتى
به بعضهم) لتحقق اطاعة
المخاطب بما خوطب به وذلك واضح المدرك كما عرفت (لانه قضية ما اذا كان هناك غرض واحد حصل
بفعل واحد صادر عن الكل او البعض) والمراد بصدور الواحد عن الكل استناد حصول الغرض
المقصود الى القدر المشترك الواحد المتحقق فى ضمن الافعال المتعددة الصادر كل واحد
منها عن واحد وإلّا فكيف يعقل صدور فعل واحد من كل واحد بتمامه دفعه واحدة او ترتب
غرض واحد بما هو واحد على افعال متعددة بما هى كذلك (كما) عرفت ايضا (ان الظاهر امتثال الجميع لو أتوا به
دفعه واستحقاقهم للمثوبة) وان الظاهر (سقوط الغرض بفعل الكل كما هو قضية توارد
العلل على معلول واحد) وقد عرفت معنى هذه العبارة (فصل لا يخفى انه وان كان الزمان مما لا
بد منه عقلا فى) تحقق كل فعل من الافعال ومنها (الواجب إلّا انه تارة) يكون مما (له دخل فيه شرعا فيكون) الواجب (موقتا واخرى لا دخل له فيه اصلا فهو غير
موقت والموقت اما ان يكون الزمان الماخوذ فيه بقدره فمضيق واما ان يكون اوسع منه
فموسع) وقد يكون
انقص منه تحقيقا وبقدره تنزيلا لعروض تضييق فى المضيق وتوسعه فى الموسع كوجوب
الصوم على المسافر اذا دخل بلده قبل الزوال ممسكا فانه يجب عليه صوم ذلك اليوم مع
ان الباقى اقصر من يوم تنزيلا للوقت الذى امسك فيه منزلة من ادركه من اوله وكوجوب
الصلاة على من ادرك من الوقت ركعة او ادرك الوقت من صلاته ركعة او بعض ركعة تنزيلا
للمتأخر او المتقدم الخارج عن الوقت المضروب منزلة الوقت المضروب فكان الوقت قد
ضرب للواجب حدوثا لا بقاء من آخره وبقاء لا حدوثا من اوله والاليق فى التعبير ان
يقال ان وقوع الجزء من اول الصلاة او آخرها فى آخر الوقت او اوله قد احتسب وقوعا
للكل فهذا القسم من الموقت ايضا إلّا انه موقت اضطرارى هذا (ولا يذهب عليك ان
الموسع كلى كما كان له افراد دفعية كان له افراد تدريجية) والاولى ملازمة فى الوجود مع الثانية دون العكس ففى
اول لوقت
المكلف مخير فى افراد الصلاة بحسب المكان وخصوصيات الاذكار وكيفيات القراءة
وجميع الخصوصيات التى يمتاز بها كل فرد عن صاحبه تخييرا دفعيا عقليا فبأي فرد منها
اتى كان مطابقا لمتعلق الامر محصلا للامتثال ومخيرا ايضا بين افرادها التدريجية
بحسب خصوصيات الزمان فاى فرد من افرادها الدفعية جاء به فى اى جزء من اجزاء الزمان
التدريجية الموجب لتعذر الافراد الدفعية دون التدريجية لانحصار الوقت بفرد واحد
فيتعين كما هو الحال فى ساير الواجبات المخيرة شرعا او عقلا فالافراد التدريجية (يكون التخيير بينها
كالتخيير بين افراده الدفعية عقليا ولا وجه لتوهم ان يكون التخيير بينها شرعيا) كما وقع من بعض (ضرورة ان نسبتها الى الواجب نسبة افراد
الطبائع اليها كما لا يخفى ووقوع الموسع فضلا عن امكانه مما لا ريب فيه ولا شبهة
تعتريه ولا اعتناء ببعض التسويلات كما يظهر من المطولات ثم انه لا يخفى) انه (لا دلالة للامر بالوقت بوجه) من الوجوه (على الامر به فى خارج الوقت بعد فوته فى
الوقت لو لم نقل بدلالته على عدم الامر به) لدلالة التقييد على انتفاء الحكم عن غير محل القيد (نعم لو كان التوقيت
بدليل منفصل لم يكن له) اى للدليل المنفصل (اطلاق) فى دلالته (على التقييد بالوقت) بحيث يشمل جميع مراتب الطلب فيكون اصل الطلب مقيدا به (وكان لدليل الواجب
اطلاق) فى مطلوبيته
من حيث الزمان (لكان
قضية اطلاقه) اى دليل الواجب (ثبوت
الوجوب بعد انقضاء الوقت وقضية عدم اطلاق دليل التقييد كون التقييد به بحسب تمام
المطلوب لا أصله وبالجملة التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب) فينتفى الحكم عن غير محل القيد (كذلك ربما يكون بنحو
تعدد المطلوب بحيث كان اصل الفعل ولو فى خارج الوقت مطلوبا فى الجملة وان لم يكن
بتمام المطلوب إلّا انه) لا يكفى امكان ذلك فى مقام الثبوت بل (لا بد فى) مقام (اثبات انه بهذا النحو من دلالة ولا يكفى
الدليل على الوقت) بمجرده (الا
فيما عرفت ومع عدم الدلالة اللفظية فالمرجع الاصول العملية واذا رجعنا اليها فقضية
اصالة البراءة عدم وجوبها فى خارج الوقت ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء
الوقت
قلت توضيح المقام وتنقيحه ان التوقيت بالزمان ان كان على نحو الظرفية لا
القيدية فاستصحاب بقاء الحكم بعد انقطاع الوقت عند الشك لا شك فيه كما حقق فى محله
وسيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى وقد اعترف به المصنف قده وان كان على نحو التقييد
فان كان لدليل الوجوب اطلاق ولم يكن لدليل التقييد ذلك فان كان هناك قدر متيقن
اقتصر فى التقييد عليه وعمل على الاطلاق فى المشكوك وان لم يكن له قدر متيقن سقط
اطلاق دليل الواجب عن الحجية فلا يحكم الا بوجوبه فى ذلك الوقت لاصالة البراءة عن
وجوبه فى غيره اذ لا متيقن اكثر من ذلك ليستصحب كما ان الحال كذلك لو لم يكن لهما
معا اطلاق (فتدبر
جيدا فصل) هل (الامر
بالامر بشيء) امر بذلك الشيء او لا الظاهر انه (امر به) لو كان الغرض للامر (حصوله ولم يكن له غرض فى توسط امر الغير
به الا تبليغ امره به كما هو المتعارف فى امر الرسل بالامر والنهى واما لو كان
الغرض) للامر (من ذلك الشيء) (يحصل
بامره) اى امر
المامور الثانى (بذلك
الشيء من دون تعلق غرضه به) اى بذلك الشيء بمعنى ان لا غرض له إلّا ان يؤمر الثانى
(او
مع تعلق غرضه به) اى بذلك الشيء لكن (لا
مطلقا بل بعد تعلق امره) اى امر الثانى (به) اى بذلك الشيء بمعنى ان يكون الامر له غرض بوقوع الضرب
لكن بعد ان يتعلق الامر بالضرب بالشخص الثانى من الواسطة (فلا يكون امرا بذاك
الشيء) وبعبارة اخرى
اذا امر المولى شخصا ان يامر شخصا آخر بالضرب فان كان غرض المولى حصول الضرب من
الآخر بامر نفسه له ولم يجعل الواسطة الا مبلغا فامر المبلغ امر للآخر من المولى
وإلّا فلا سواء كان للمولى غرض فى وقوع الضرب من الآخر بعد تعلق الامر بالضرب به
من الواسطة او لم يكن له غرض لا بوقوع الضرب ولا بصدور الامر منه بل غرضه ليس إلّا
تعلق الامر بالضرب بذلك الشخص كما لا يخفى (وقد انقدح بذلك انه لا دلالة بمجرد
الامر بالامر على كونه امرا به بل لا بد فى الدلالة عليه من قرينة) تهدى اليه وتدل (عليه) قلت قد اجمل المصنف اعلى الله تعالى درجته هذا العنوان
والصواب ان يقال انه ان كان المأمور بان يأمر قد جعل له المولى قبل
ذلك ولاية التبليغ عنه لا غير ولم يجعل له سلطنة مستقلة كان الامر بالامر
بالشيء امرا بذلك الشيء قطعا ونفس هذه القرينة كاشفة عن كيفية الغرض وان كان قد
جعل له ولاية مستقلة وسلطنة مطلقة فى جهة من الجهات وكما يامره المولى بان يامر
غيره كذلك يامر المولى المأمور الثانى بان يطيع لم يكن الامر بالامر امرا وانما
يكون ذو الامر نفس الواسطة فالاولى كاوامر الرسل مطلقا والثانى كاوامر من جعلت لهم
الولاية على الغير كالزوج لزوجته والسيد لعبده والولى للمولى عليه والاب وغيره من
الاولياء للولد ولذا ورد فى العبد فى بعض الموارد انه لم يعص الله وانما عصى سيده
وان لم يسبق للمامور جعل ولاية تبليغ ولا ولاية تصرف ولا فيه عنوان من العناوين
يكون قرينة على ان الامر باى نحو اختلف الحال باختلاف الفاظ المقال فان قال له قل
لفلان فلان يامرك او يقول لك افعل او ما اشبهها فلا اشكال فى كونه صريحا فى صرف
التبليغ وان قال له انت امر فلانا من نفسك وما اشبه ذلك فلا اشكال فى صراحته فى
العدم وان قال له أمر فلانا بكذا او قل لفلان افعل كذا او اوجب عليه او افرض عليه
مع خلو المقام عن كل قرينة كما هو الفرض فالحق عدم الدلالة على شيء غير انه يجب
على المامور الثانى ان يوقع الفعل بقصد امتثال الامر الواقعى الثابت فى حقه فعلا
لتردد الامرين ان يكون مولويا او ولائيا ولو ولاية بمقدار هذا الامر وكلاهما واجب
الطاعة كما لا يخفى على المتأمل (فصل اذا ورد امر بشىء بعد الامر به قيل
امتثاله فهل يوجب تكرار ذاك الشيء او تأكيد الامر الاول و) تأكيد (البعث الحاصل به قضية اطلاق المادة هو
التاكيد فان الطلب تاسيسا لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين من دون ان يجيء تقييد
لها فى البين) ضرورة لزوم اجتماع المثلين فى محل واحد ولا يعقل ذلك (ولو كان) الامر الثانى (يمتثل مرة اخرى كى يكون متعلق كل منهما
غير متعلق الآخر كما لا يخفى) لان تعدد الامتثال لا يوجب تعدد المتعلق بعد ما كان هو
الطبيعة الواحدة نعم لو كان الثانى مقيدا كاضرب مرة اخرى صح لرجوع الطلب الى المرة
الاخرى لا الى الطبيعة هذا مع العلم باتحاد الطبيعة اما مع العلم باختلاف طبيعتين
واتحادهما
فى الاسم كطبيعة الاغسال واحتمال ان يكون متعلق الثانى طبيعة اخرى على حد
احتمال انه عين الاولى فالظاهر انه مورد الاجمال وعدم حصول الفراغ إلّا بتكرار
الامتثال ويحتمل ان يكون كالقسم الاول مع تجردهما عن ذكر السبب بقرينة الحكمة هذا
فى المادة (و) اما (المنساق من اطلاق الهيئة) فهو (وان كان هو تاسيس الطلب لا تأكيده إلّا
ان الظاهر هو انسباق التأكيد فيها فيما كانت مسبوقة بمثلها ولم يذكر هناك سبب او
ذكر سبب واحد) حتى فيما احتمل تغاير المادة بحسب الحقيقة كما لا يخفى
(المقصد
الثانى فى النواهى فصل)
الظاهر ان النهي بمادته وصيغته فى الدلالة على الطلب مثل الأمر
بمادته
وهيئته غير ان متعلق الطلب فى احدهما الوجود وفى الآخر العدم فيعتبر فيه اى) فى النهى (ما استظهرنا اعتباره فيه اى) فى الامر من اعتبار العلو فى المادة دون الصيغة وغير
ذلك (بلا تفاوت
اصلا نعم يختص النهى بخلاف) بينهم فى حقيقة المطلوب به (وهو ان متعلق الطلب فيه هل هو الكف او مجرد الترك
وان لا يفعل والظاهر هو الثانى وقولهم ان الترك وان لا يفعل) امر غير مقدور لانه (خارج عن تحت الاختيار فلا يصح ان يتعلق به البعث
والطلب فاسد) جدا (فان الترك ايضا يكون مقدورا وإلّا لما كان الفعل مقدورا وصادرا بالارادة
والاختيار) لوجوب تساوى
طرفى الممكن فى القدرة عقلا اذ لا يعقل نسبة القدرة والاختيار الى طرف مع تحقق
عدمهما فى الطرف الآخر بل لا معنى له عرفا فان العرف يعدون قول القائل لا اصعد الى
السماء من المضحكات (وكون العدم الازلى لا) يكون (بالاختيار لا يوجب ان يكون كذلك يحسب البقاء والاستمرار الذى يكون) العدم الازلى (بحسبه محلا) وموردا (للتكليف) نعم انما يوجب ان يكون الوجود الازلى كذلك وهو كذلك
ويختص النهى ايضا بشيء آخر وهو اشتراط تنجزه على المكلف فعلا بشرط خامس مضافا الى
الشرائط الأربعة وهو تحقق مقتضى الفعل من حيث نفسه يحسب الخارج وميل النفس ضرورة
ان الترك مع عدم تحقق مقتضى الفعل حاصل بنفسه فيكون طلبه طلبا للحاصل
ومنه ان يكون الفعل محلا لابتلاء المكلف كما لا يخفى ولذا كان اغلب الواجبات
فى الكتاب والسنة بلفظ الامر مادة وصيغة واغلب المحرمات بلفظ التحريم الا فيما كان
محلا للابتلاء مع تحقق مقتضى الفعل لدى المخاطبين فى وقت الخطاب كلا تكرهوا
فتياتكم على البغاء ان اردن تحصنا ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء الا ما قد
سلف ولا تأكلوا اموالكم بينكم بالباطل وغير ذلك كما لا يخفى على المتأمل المتتبع (ثم انه لا دلالة
لصيغته على الدوام والتكرار كما لا دلالة لصيغة الامر ولو كان قضيتهما عقلا تختلف
ولو مع وحدة متعلقهما بان يكون طبيعة واحدة بذاتها وقيدها تعلق بها الامر مرة
والنهى اخرى ضرورة ان وجودها) اى الطبيعة (يكون بوجود فرد واحد وعدمها لا يكاد
يكون الا بعدم الجميع كما لا يخفى وبذلك يظهر ان الدوام والاستمرار انما يكون فى
النهى) لا لدلالته
اللفظية على ذلك بل لاستلزام القضية العقلية لذلك فيما (اذا كان متعلقه طبيعة
مطلقة غير مقيدة بزمان او حال فانه حينئذ لا يكاد يمكن ان يكون مثل هذه الطبيعة
معدومة) ويحصل امتثال
المكلف للنهى (الا
بعدم جميع افرادها الدفعية والتدريجية وبالجملة قضية النهى ليس إلّا ترك تلك
الطبيعة التى تكون متعلقة له كانت مقيدة او مطلقة وقضية تركها عقلا انما هو ترك
جميع افرادها) حسبما هى عليه مطلقه او مقيدة سعة وضيقا مكانا او زمانا من غير زيادة ولا
نقصان (ثم
انه لا يخفى انه لا دلالة للنهى على ارادة الترك لو) عصى النهى و (خولف) واوجد المنهى عنه (او) على (عدم ارادته بل لا بد فى تعيين ذلك من
دلالة) اخرى غير
مجرد النهى (ولو
كان) الدلالة
الاخرى (اطلاق
المتعلق من هذه الجهة) بمعنى انه منهى عنه مطلقا خولف اولا (ولا يكفى اطلاقها) اى صيغة النهى او مادته (من ساير الجهات الأخر) اذ لا دخل للاطلاق من جهة فى الجهة التى لا اطلاق فيها
(فتدبر
جيدا) (فصل اختلفوا فى جواز
اجتماع الامر والنهى فى) شيء (واحد وامتناعه
على اقوال ثالثها جوازه عقلا وامتناعه عرفا وقبل الخوض فى المقصود) لا بد من ان (يقدم امورالاول المراد بالواحد) فى عنوان المسألة (مطلق ما كان ذا وجهين ومندرجا تحت
عنوانين) ومجمعا عند
الوجود الخارجى لحقيقتين مختلفتين
(باحدهما
كان) مأمورا به و
(موردا
للامر وبالآخر) منهيا عنه وموردا (للنهى
وان كان) ذلك الواحد
بالنسبة الى ما تحته (كليا
مقولا على كثيرين كالصلاة فى) المكان (المغصوب) فان الحركة والسكون الصلاتيين وان كانا مندرجين تحت
عنوانين عنوان الصلاة وعنوان الغصب ومجمعا يحسب الوجود الخارجى لحقيقتيهما
المختلفتين إلّا انهما كليان لما تحتهما من الافراد الجزئية (وانما ذكر لاخراج ما
اذا تعدد متعلق الامر والنهى ولم يجتمعا وجودا ولو جمعهما واحد مفهوما كالسجود لله
تعالى والسجود للصنم) الذين يجمعهما مفهوم السجود الكلى ولا يجتمعان فى الوجود ابدا لا ان
المراد منه الواحد بالشخص (لاخراج
الواحد الجنسى او النوعى كالحركة والسكون الكليين المعنونين بالصلاتيّة والغصبية) وتوضيح المقام ان المراد بالواحد فى العنوان هو ما
يندرج تحت العنوانين الذين هما مورد الامر والنهى وكون الواحد مجمعا للعنوانين
بحسب الوجود لا ينافى كونه كليا بحسب المفهوم احترازا عن الواحد الذى هو مجمع بحسب
المفهوم لا بحسب الوجود لان متعلق الامر والنهى فيه متعدد وجودا فيصير الحاصل ان
ذكر الواحد لاخراج المتعدد ويظهر ذلك من تمثيلهم بالسجود فانه مجمع بحسب المفهوم
لا بحسب الوجود فلا داعى لحمل هذا القيد على الواحد الشخصى كما لا يخفى قلت اما من
صرح بكون المراد ذلك فهو محجوج بما عرفت كما افاد قده واما القائل بان ذكر الواحد
لاخراج الواحد الجنسى والنوعى ومثل بالمثال المذكور وهو مثال الحركة والسكون
فالظاهر ان مراده عين ما ذكره المصنف وكانه قد لاحظ المناسبة فى مثاله وإلّا فغرضه
ان المراد من الواحد فى العنوان هو مجمع العنوانين ومحل تصادق الطبيعتين لا الواحد
الجنسى او النوعى المندرج تحته الطبيعتان المتعلقتان للامر والنهى فارادوا بالواحد
ما كان تحت الكليين سواء كان فى نفسه كليا او جزئيا لا ما كان الكليان تحته
وبعبارة اخرى المراد به ما كان الكليان المتعلقان للامر والنهى جنسه لا ما كان هو
جنسا لهما واما وجه المناسبة فى المثال فلاجتماع الواحد الداخل والواحد الخارج فيه
فالحركة والسكون المندرج تحتهما الحركتان والسكونان المعنونان بالصلاة والغصب
خارجان والمندرجان تحت العنوانين
داخلان غاية الامر ان المثال ليس كمثال السجود الذى لا يكون لفرديه اجتماع
فى الوجود ولا باس بذلك اذا كان الملحوظ تلك الحيثية الملحوظة فى الوحدة المفهومية
الجنسية او النوعية (الثانى
الفرق بين هذه المسألة ومسألة النهى فى العبادات الآتية) فى غاية الوضوح فان البحث فى هذه المسألة فى امكان
اجتماع حكمين تكليفيين مولويين مستقلين فى شىء واحد ذى عنوانين وعدمه سواء كان
السبب فى امكانه تعدد الوجه والعنوان او جواز التكليف بالمحال او عدم كون تضاد
الاحكام مانعا او حكم العرف بتحقق الاطاعة والعصيان الكاشف عن تحقق الحكمين وكان
السبب فى عدم امكانه تضاد الحكمين وعدم تعدد المتعلق بتعدد العنوانين او عدم صدق
التعدد بذلك عرفا وان تعدد عقلا او غير ذلك والحاصل المبحوث عنه هو نفس امكان
اجتماع التكليفين وعلل الاستحالة من توابع جهة البحث لا جهة البحث وهكذا الحال فى
ساير المسائل فان الملحوظ فيهما جهة نفس العنوان لا علل الوجود والعدم والبحث فى
المسألة الآتية من جهة الحكم الوضعى وان المنهى عنه يقع فاسدا للنهى عنه اولا فلو
لم يكن للمسألتين إلّا صغرى واحدة لكفى ذلك فى عقدهما مسألتين ألا ترى انهم يحررون
اولا وجوب المتابعة على الماموم للامام بحسب الحكم التكليفى ويقع الاتفاق على
وجوبها ثم يحررون ان تركها مفسد او غير مفسد ويذهب المشهور الى عدم الفساد وهذا
جار فى كل مورد قابل لذلك فليس الامر كما افاده المصنف قدس الله تعالى نفسه واسكنه
فردوسه من ان الفارق بين المسألتين (هو ان الجهة المبحوث عنها فيها) اى فى مسئلة الاجتماع (التى بها تمتاز المسائل هى ان تعدد
الوجه والعنوان فى الواحد يوجب تعدد متعلق الامر والنهى بحيث يرتفع به غائلة
استحالة الاجتماع فى الواحد بوجه واحد او لا يوجبه بل يكون حاله) مع تعدد الوجه (حاله) مع وحدته من الاستحالة (فالنزاع فى سراية كل من الامر والنهى
الى متعلق الافراد لاتحاد متعلقيهما وجودا وعدم سرايته لتعددهما وجها وهذا بخلاف
الجهة المبحوث عنها فى المسألة الاخرى فان البحث فيها فى ان النهى فى العبادة او
المعاملة يوجب فسادها بعد الفراغ عن التوجه اليها) والتعلق بها (نعم لو قيل بالامتناع مع ترجيح
جانب
النهى فى مسئلة الاجتماع يكون مثل الصلاة فى الدار المغصوبة من صغريات تلك المسألة
فانقدح ان الفرق بين المسألتين فى غاية الوضوح) لانك قد عرفت ما فيه وعرفت ان الجهة المبحوث عنها فى
مسئلة الاجتماع ما ذا ألا ترى ان جملة من القائلين بان تعدد الوجه موجب لتعدد المتعلق
وعدم الاستحالة منعوا ذلك عرفا لصدق الوحدة وجملة بالعكس حيث اجازوه عرفا ومنعوه
عقلا ولا وجه لتخصيص مورد ترجيح جانب النهى على القول بالامتناع بكونه صغرى
للمسألة الاخرى بل لو قلنا بجواز الاجتماع فى الواحد الشخصى نظرا الى عدم استحالته
من تلك الجهات التى بها يكون مستحيلا لكان ايضا صغرى للمسألة الآتية فيتحقق الطاعة
والعصيان حقيقة بناء على عدم اقتضاء النهى الفساد ويمتنع تحقق الطاعة بناء على
اقتضائه فيكون عدم اجتماعهما من حيث الوضع لا التكليف نعم كان المناسب اللائق
تقديم تلك المسألة على هذه المسألة ضرورة ان عمدة الملحوظ فى مسئلة الاجتماع هو
صحة العبادة المأتي بها فى المكان المغصوب وان كان البحث عاما لما لا يفسده النهى
فتكون العبادة بناء على عدم الجواز فاسدة لعدم الامر بناء على سقوطهما او ترجيح
جانب النهى وبناء على الجواز فاسدة بناء على الاقتضاء وصحيحة بناء على العدم كما
انها كذلك بناء على ترجيح جانب الامر بناء على الامتناع وسيجيء تفصيل ذلك محققا
وانما قدموا هذه ليعلم ان الملحوظ جهة الاجتماع من حيث التكليف صرفا كما لا يخفى
على من امعن النظر فيما حققناه (واما
ما افاده فى الفصول) فى مسئلة اقتضاء النهى الفساد (من الفرق بما هذه عبارته ثم اعلم ان
الفرق بين المقام والمقام المتقدم وهو ان الامر والنهى هل يجتمعان فى شيء واحد
اولا اما فى المعاملات فظاهر واما فى العبادات فهو ان النزاع هناك فيما اذا تعلق
الامر والنهى بطبيعتين متغايرتين بحسب الحقيقة وان كان بينهما عموم مطلق وهنا فيما
اذا اتحدتا حقيقة وتغايرتا بمجرد الاطلاق والتقييد بان تعلق الامر بالمطلق والنهى
بالمقيد انتهى موضع الحاجة) فهو (فاسد) ان كان على ما استظهره المصنف قده كما هو كذلك فى بادئ
النظر (فان
مجرد تعدد الموضوعات وتغايرها بحسب الذوات لا يوجب التمايز بين المسائل ما لم يكن
هناك اختلاف الجهات) متحققا (ومعه)
اى مع اختلاف الجهات (لا
حاجة اصلا الى تعددها) اى الموضوعات (بل
لا بد من عقد مسألتين مع وحدة الموضوع وتعدد الجهة المبحوث عنها وعقد مسئلة واحدة
فى صورة العكس) من تعدد الموضوع ووحدة الجهة (كما لا يخفى) ويحتمل ان يكون مراده ان الفرق بينهما من حيث ان
الملحوظ فى تلك المسألة حال النهى من حيث امكان توجهه الى متعلق الامر وعدمه لما
فيه من تعدد العنوان الموجب لتوهم تعدد المعنون فى الوجود وفى المسألة الآتية حاله
بعد القطع بالتوجه فيكون عين ما افاده المصنف قده ومن البعيد جدا ان يكون مراد
صاحب الفصول حصول الفرق بنفس تغاير موضوع المسألتين وان اتحدت جهة البحث وهى صحة
العبادة فى المكان المغصوب فان عدم كون ذلك فارقا مما لا يخفى على ادنى المحصلين
فضلا عن الفحول المحققين (ومن
هنا انقدح ايضا فساد الفرق) المتوهم فى كلام البعض حيث فرق بين المقامين (بان النزاع هنا فى
جواز الاجتماع عقلا وهناك فى دلالة النهى لفظا فان مجرد ذلك ما لم يكن تعدد الجهة) حاصلا (فى البين لا يوجب إلّا تفصيلا فى
المسألة الواحدة) من حيث البحث عن شقوقها (لا) انه يوجب (عقد مسألتين هذا مع عدم اختصاص النزاع
فى تلك المسألة بدلالة اللفظ كما سيظهر) ومع عموم هذه المسألة لجواز الاجتماع لفظا وعدمه كما
عرفت من ذهاب بعضهم الى الامتناع عقلا والجواز عرفا وبعضهم الى الامتناع عرفا
والجواز عقلا فلاحظ كلماتهم (الثالث
لا يخفى انه حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع فى طريق الاستنباط) ويعرف بها حكم مورد الاجتماع (كانت لمسألة من
المسائل الأصولية لا من مباديها الاحكامية ولا من مباديها التصديقية) اللتين محل ذكرهما قبل الشروع فى ذكر مسائل العلم (ولا من المسائل
الكلامية ولا من المسائل الفرعية وان كانت فيها جهاتها كما لا يخفى) فيبحث عنها فى الكلام من حيث جواز صدور الارادتين
المتضادتين عن الواجب كما يبحث عن جواز صدور الكثير عنه بما هو واحد وعن جواز صدور
القبيح عنه وغير ذلك ويبحث عنها فى الفقه من حيث معرفة حكم هذا النوع من فعل
المكلف (ضرورة
ان مجرد ذلك لا يوجب كونها منها اذا كانت فيها جهة اخرى يمكن عقدها معها من
المسائل) لهذا العلم (اذ لا مجال حينئذ لتوهم كون عقدها من
غيرها) اى من غير
المسائل الاصولية (فى
الاصول وان عقدت كلاميه فى الكلام وصح عقدها فرعيه او غيرها بلا كلام) وبالجملة هى مع تقييدها بالجهة المبحوث عنها غيرها مع
الجهة الاخرى فهى وان كانت واحدة إلّا انها متعددة حسب تعدد الجهات (وقد عرفت فى اول
الكتاب انه لا ضير فى كون مسئلة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصه من مسائل علمين
لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة كانت بإحداهما من مسائل علم وبالاخرى من) مسائل (آخر فتذكر) (الرابع
انه قد ظهر من مطاوى ما ذكرناه) (ان
المسألة عقلية ولا اختصاص للنزاع فى جواز الاجتماع والامتناع فيها بما اذا كان
الايجاب والتحريم باللفظ كما ربما يوهمه التعبير بالامر والنهى الظاهرين فى الطلب
بالقول إلّا انه انما عبر بذلك لكون الدلالة عليهما غالبا بهما كما هو اوضح من ان
يخفى) قلت قد عرفت
سابقا ان للحكم مراتب ومن المعلوم بالبداهة ان التضاد بين الاحكام انما يكون اذا
كانت فى المرتبة الثانية والثالثة لا فى المرتبة الاولى وهى مرتبة الانشاء اذ لا
امر بها ولا نهى ولا بعث ولا زجر فالتضاد انما هو بحسب المرتبة الفعلية الشرعية او
العقلية فالتعبير انما وقع بالامر والنهى لبيان ان محل الكلام فى اجتماع الاحكام
هو ما بلغ منها الى مرتبة يصح ان يكون منشأ للامر والنهى لانحصار الكاشف غالبا عن
بلوغ الحكم الى تلك المرتبة بهما مضافا الى ما ذكر من غلبة الدلالة (و) اما ما افاده من ان (ذهاب البعض الى الجواز عقلا والامتناع
عرفا ليس بمعنى دلالة اللفظ بل بمعنى ان الواحد بالنظر الدقيق العقلى اثنان وانه
بالنظر المسامحى العرفى واحد ذو وجهين وإلّا) اى وان لم يكن المراد هذا المعنى (فلا يكون معنى محصلا
للامتناع العرفى غاية الامر رجوع ذلك الى دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع بعد
اختيار جواز الاجتماع) ففيه ان الظاهر ان غرض القائل بالامتناع عرفا ان الحكمين اذا كانا
مدلولين للامر والنهى اللفظيين لم يكن محل التصادق موردا للاجتماع لعدم شمول
المتعلقين لمورد التعارض عرفا لانه بالنظر المسامحى العرفى واحد فالاجتماع وان جاز
عقلا إلّا انه غير واقع عرفا لانهم لا يرون محل التصادق قابلا للاندراج تحت مدلولى
المتعلقين
فلفظ الامر او النهى لا دلالة فيه على الوقوع لا انه دال على عدم الوقوع
فتفسيره قده للامتناع عرفا بمحض ان ذلك بالنظر المسامحى واحد مع قطع النظر عن
اللفظ وحكمه بان ارادة الدلالة على عدم الوقوع من الامتناع لا حاصل له فى غير محله
اما الاول فلان الحكمين المستفادين من دليل العقل او الاجماع لا دخل للعرف بهما
حتى يقال بامتناع اجتماعهما عرفا اذ ليس العرف مرجعا فى قبال العقل فى امثال ذلك
وانما يرجع الى العرف فيما اذا كان الدليل هو اللفظ فيصح حينئذ التفصيل بين العقل
والعرف واما الثانى فقد عرفت ان المراد عدم الدلالة على الوقوع لا الدلالة على عدم
الوقوع واما كونه بلا حاصل فقد عرفت ان حاصله على ما بينا من معناه عين الحاصل على
ما افاده ونظير ذلك ما ذهب اليه البعض من العكس وهو الجواز عرفا والامتناع عقلا
بدعوى ان الاوامر والنواهى وردت على طبق ما عليه العرف فى محاوراتهم والعرف بعد
سماع الامر والنهى يعدون الآتي بمحل التصادق ومورد الاجتماع مطيعا وعاصيا من جهتين
ولا منشأ لذلك الا فهمهم شمول متعلقى الدليلين لمورد تحقق الحكمين لما فيه من
الجهتين (فتدبر
جيدا الخامس لا يخفى ان
ملاك النزاع فى جواز الاجتماع والامتناع يعم جميع اقسام الايجاب والتحريم كما هو) اى العموم للجميع (قضية اطلاق لفظ الامر والنهى) فى العنوان من غير تقييد بنفسيه او غيرية او عينيه او
كفائية او تعيينية او تخييرية او مولوية او إرشادية (ودعوى الانصراف الى النفسيين التعيينيين
العينيين فى مادتهما) اى الامر والنهى (غير
خاليه عن الاعتساف وان سلم فى صيغتهما مع انه فيها ايضا ممنوع نعم لا يبعد دعوى
الظهور والانسباق من الاطلاق) كما تقدم تحقيق ذلك وانه (بمقدمات الحكمة الغير
الجارية فى المقام لما عرفت من عموم الملاك) والمناط القطعى (لجميع الاقسام وكذا) فى العموم لجميع الاقسام (ما وقع فى البين من
النقض والابرام) فى احتجاج المجوزين والمانعين فى مقام الخصام (مثلا اذا امر بالصلاة
والصوم تخييرا بينهما) بان قال صل او صم (وكذلك
نهى) نهيا تخييريا
(عن
التصرف فى الدار والمجالسة مع الاغيار بان) قال لا تتصرف فى الدار ولا تجالس الاغيار (فصلى فى الدار مع
مجالستهم) فلا ريب فى
انه (كان
حال الصلاة فيها حالها كما اذا امر بها تعيينا ونهى عن التصرف كذلك فى جريان
النزاع فى الجواز والامتناع
ومجىء
ادلة الطرفين وما وقع من النقض والابرام فى البين) وانما خص المصنف فى المثال طرفا من الامر وعم الطرفين
من النهى ضرورة ان الموافقة فى الامر تحصل بواحد والمخالفة فى النهى لا تحصل الا
بفعل الطرفين اذ لو ترك احدهما حصلت الموافقة ولم يكن منهيا عما فعل وهو فى غاية
الوضوح (فتفطن
السادس
انه ربما يؤخذ فى محل النزاع قيد المندوحة فى مقام الامتثال بل ربما) ادعى الاتفاق عليه حتى ممن اطلق و (قيل ان الاطلاق انما
هو للاتكال على الوضوح اذ بدونها) اى بدون المندوحة (يلزم التكليف بالمحال فلو قال) صل ولا تغصب وانحصر الامر فى الصلاة فى الدار المغصوبة
فالتكليف بفعل الصلاة وترك الغصب تكليف بالمحال بلا اشكال فلا بد اما من سقوط
الامر بالصلاة لانحصارها بالفرد المحرم او سقوط شرطية اباحة المكان كما لا يخفى (ولكن التحقيق مع ذلك
عدم اعتبارها فيما هو المهم فى محل النزاع من لزوم المحال) وتوضيح ذلك ان المهم فى المقام بيان ان المحذور فيه من
لزوم المحال كون نفس التكليف محالا وتحقيق ان السبب فى ذلك (هو لزوم اجتماع
الحكمين المتضادين و) بيان (عدم
الجدوى فى كون موردهما موجها بوجهين فى رفع غائلة اجتماع الضدين او عدم لزومه) اى لزوم اجتماع الضدين (وان تعدد الوجه يجدى فى رفعها) اى رفع غائلة الاجتماع (و) من المعلوم بالبداهة انه (لا يتفاوت فى ذلك
اصلا وجود المندوحة وعدمها ولزوم المحال بدونها محذور آخر لا دخل له بهذا النزاع
نعم لا بد من اعتبارها فى الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذورا
ومحالا) فالجواز عند
الاشعري فعلى من هذه الجهة (كما
ربما) نقول انه (لا بد من اعتبار امر
آخر غير المندوحة فى الحكم به كذلك ايضا) اى بالجواز فعلا ضرورة احتياج الحكم الفعلى الى شروط
عديدة وليس الكلام فى المقام من جهتها ليؤخذ باطلاقه بالنسبة اليها كما هو واضح (وبالجملة لا وجه
لاعتبارها الا لاجل اعتبار القدرة على الامتثال وعدم لزوم التكليف بالمحال ولا دخل
له بما هو المحذور فى المقام من لزوم التكليف المحال) وكان القوم قد لاحظوا المقام ومحل النقض والابرام
جامعا لجميع الشرائط الفعلية ما عدا الجهة المبحوث عنها ضرورة انه مع وجود جهة
من الجهات مانعة عن فعليه التكليف يكون النزاع فى تلك الجهة معدوم الثمرة
بالمرة فجعل محل النزاع مقيد بالاشتراط اولى من اطلاقه وان كان لا باس به من حيث
انها مسئلة علمية وان لم يترتب عليها ثمرة عمليه (فافهم واغتنم
السابع
ربما يتوهم تارة فيقال ان النزاع فى الجواز والامتناع يبتنى على القول بتعلق
الاحكام بالطبائع واما الامتناع على القول بتعلقها بالافراد فلا يكاد يخفى) حتى يكون موردا للنزاع (ضرورة لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصى ولو
كان ذا وجهين على هذا القول) ووجه اللزوم واضح (و) يتوهم تارة (اخرى) فيقال (ان القول بالجواز مبنى على القول
بالطبائع لتعدد متعلق الامر والنهى ذاتا عليه وان اتحد وجودا و) ان (القول
بالامتناع) مبنى (على القول) بتعلقها (بالافراد لاتحاد متعلقها شخصا خارجا
وكونه فردا واحدا وانت خبير بفساد كلا التوهمين فان تعدد الوجه) والعنوان (ان كان يجدى) وينفع فى تعدد المتعلق (بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود
والايجاد لكان) ينفع و (يجدى
ولو على القول بتعلق) الاحكام (بالافراد
فان الموجود الخارجى الموجه بوجهين يكون فردا لكل من الطبيعتين فيكون مجمعا لفردين
موجودين بوجود واحد) وبعبارة اخرى بناء على القول بتعلق الاحكام بالافراد يكون المامور به كل
فرد من الصلاة والمنهى عنه كل فرد من الغصب ومن المعلوم بالضرورة ان الصلاة فى
المكان المغصوب لها جهتان فى هذا الوجود الشخصى الحقيقى جهة الصلاتية وجهة كونها
تصرفا فى مال الغير بغير اذنه فهى بالجهة الاولى فرد من الصلاة وبالجهة الثانية
فرد من الغصب فهذا الفرد الواحد صار مجمعا للفردين بلحاظ الجهتين (فكما لا يضر وحدة
الوجود بتعدد الطبيعتين) المصححة لتعلق الحكمين كذلك (لا يضر) وحدة الوجود ايضا (بكون المجمع) متعددا وكونه (اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من
الطبيعتين) وان لم يكونا
متعلقا للحكمين ضرورة ان شمول الطبيعة للفرد وكون الفرد مصداقا لها لا دخل له بصحة
تعلق الحكم بها وعدم صحته (وإلّا) اى وان لم ينفع ويجدى تعدد الوجه والعنوان حال وحدة
الوجود (لما
كان يجدى اصلا حتى على القول) بتعلقها (بالطبائع كما لا يخفى لوحدة الطبيعتين
وجودا واتحادهما خارجا) فالحال
فى القولين على القولين واحد (فكما ان وحدة الصلاتية والغصبية فى
الصلاة فى الدار المغصوبة وجودا غير ضائر بتعددهما وكونهما طبيعتين كذلك وحدة ما
وقع فى الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجودا غير ضائر بكونه فردا للصلاة فيكون
مامورا به وفردا للغصب فيكون منهيا عنه فهو على وحدته وجودا يكون اثنين لكونه
مصداقا للطبيعتين) وموجها حال الوجود بالوجهين (فلا تغفل
الثامن)
اذا كنت على
ذكر مما ذكرناه سابقا من ان مقام التضاد بين الاحكام ومناطاتها هو مقام البعث
والفعلية لا مقام الاقتضاء والشأنية فاعلم (انه لا يكاد يكون) المقام (من باب الاجتماع إلّا اذا كان فى كل
واحد من متعلقى الايجاب والتحريم مناط حكمه مطلقا حتى فى مورد التصادق والاجتماع
كى بحكم بناء على الجواز بكونه فعلا محكوما بالحكمين وبناء على الامتناع بكونه
فعلا محكوما باقوى المناطين او بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك احدهما اقوى) على ما هو القاعدة فى باب التزاحم (كما يأتى تفصيله واما
اذا لم يكن للمتعلقين مناط كذلك) اى عام لمورد التصادق (فلا يكون من هذا الباب ولا يكون مورد
الاجتماع محكوما إلّا بحكم واحد منهما اذا كان له مناطه او حكم آخر غيرهما) بناء على التساقط (فيما لم يكن لواحد منهما) مناط سواء (قيل بالجواز او الامتناع هذا) كله (بحسب مقام الثبوت) والنظر الى ما عليه الحال فى الواقع (واما بحسب مقام
الدلالة والاثبات فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان اذا احرز ان المناط
من قبيل الثانى) وهو ما لا يعم مورد التصادق (فلا بد من) ان يعمل (عمل المعارضة حينئذ بينهما من الترجيح
والتخيير وإلّا) بان كان المناط من قبيل الاول وهو العام لمورد التصادق (فلا تعارض فى البين
بل كان من باب التزاحم بين المقتضيين فربما كان الترجيح مع ما هو اضعف دليلا لكونه
اقوى مناطا فلا مجال حينئذ) لعمل المعارضة و (الملاحظة مرجحات الروايات اصلا بل لا بد
من لحاظ مرجحات المقتضيات المتزاحمات كما ياتى الاشارة اليها نعم لو كان كلّ منهما
متكفلا للحكم الفعلى الواقع بينهما التعارض فلا بد من ملاحظة مرجحات باب المعارضة
لو لم يوفق بينهما بحمل احدهما على الحكم الاقتضائى بملاحظة مرجحات باب
المزاحمة
فتفطن التاسع انه قد عرفت
ان المعتبر فى هذا الباب ان يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهى عنها
مشتمله على مناط الحكم مطلقا حتى فى حال الاجتماع فلو كان) الدليل هناك (ما دل على ذلك من اجماع او غيره فلا
اشكال ولو لم يكن دليل الا اطلاق الحكمين ففيه تفصيل وهو ان الاطلاق لو كان فى
بيان الحكم الاقتضائى) اى الحكم بحسب مقتضيه الذى لو لا المزاحمة بالآخر لكان فعليا وسيجيء
توضيحه إن شاء الله (لكان
دليلا على ثبوت المقتضى والمناط فى مورد الاجتماع فيكون من هذا الباب ولو كان بصدد
الحكم الفعلى فلا اشكال) فى كونه من هذا الباب ولا ريب (فى استكشاف ثبوت المقتضى للحكمين) الفعليين (على القول بالجواز) وثبوت احدهما او ثالث على القول بالامتناع كما ستعرف
اللهم (إلّا
اذا علم اجمالا بكذب احد الدليلين) على اشكال فيه قد حققناه فى محله واعترف به المصنف قده
فى مجلس الدرس وعند عرض رسالة حجبة الطرق عليه بحسب ظاهر حاله (فيعامل معهما معاملة
المتعارضين واما على القول بالامتناع) الذى عرفت اجمالا حكمه (فالاطلاقان متنافيان من غير دلالة على
ثبوت المقتضى للحكمين فى مورد الاجتماع اصلا لانه) قضية العلم بكذب احدهما اذ لولاه فظاهر كل منهما فى
نفسه الدلالة على الثبوت كما لا يخفى ومع العلم المذكور فلا دلالة قطعا فقوله قده (فان انتفاء احد
المتنافيين كما يمكن ان يكون لاجل المانع مع ثبوت المقتضى له كذلك يمكن ان يكون
لاجل انتفائه) غير متجه ضرورة ان ظاهر كل من الدليلين فى نفسه ثبوت المقتضى قطعا والعلم
الاجمالى بكذب احدهما يوجب القطع بعدم المقتضى فيه فيبقى الآخر على ظاهره من ثبوت
المقتضى فى مورده ومع الاشتباه يبقى التنافى بين ما ظاهرهما ثبوت الاقتضاء فيهما
معا فالتردد بين الاحتمالين لا وجه له والتنافى ابدا موجود اللهم (إلّا ان يقال ان قضية
التوفيق بينهما هو حمل كل منهما على الحكم الاقتضائى لو لم يكن احدهما اظهر) فيتعين العمل عليه (وإلّا اى) وان كان احدهما اظهر (فخصوص الظاهر منهما) يحمل على الاقتضائى والاظهر على الفعلى (فتلخص انه كلما كانت
هناك دلالة على ثبوت المقتضى للحكمين كان من مسئلة الاجتماع وكلما لم تكن هناك
دلالة عليه
فهو
من باب التعارض مطلقا فيما اذا كانت هناك دلالة على انتفائه فى احدهما بلا تعيين) كالعلم بكذب احدهما اجمالا (ولو على القول
بالجواز وإلّا) اى وان لم تكن هناك دلالة فانه (على) القول (بالامتناع) يكون من باب التعارض لا مطلقا قلت لا بد من توضيح
المقام على وجه تتضح به حقيقة المرام فنقول وبالله المستعان قد عرفت مرارا عديدة
ان الحكم الاقتضائى المنشا بالنظر الى نفس المقتضيات الذاتية قبل بلوغه الى مرتبة
الفعلية لا يتصف بضدية وانما مقامه بحسب ذاك الوجود كمقامه فى وجوده الكتبى اذ لا
امر به ولا نهى ولا ارادة ولا كراهة ولا بعث ولا زجر ولا مانع من اجتماعه ولا داعى
الى امتناعه واما الحكم البالغ مرتبة الفعلية فهو الموصوف بالتضاد وهو المقصود فى
المقام والمراد فى ترتيب الاحكام وقد عرفت ايضا ان مقام التزاحم منحصر فيما اذا
كان جميع ما يقتضى تعلق الحكم به فعلا موجودا فى الطرفين ولا مانع عن فعليتهما
معافى حق المخاطب بهما الا مزاحمة احدهما للآخر مع تساوى الطرفين مرتبة فلو اختار
احدهما شخص والآخر شخص آخر فهما فعليان معا اذا عرفت ذلك فاعلم ان الامر والنهى
المتعلقين بطبيعتين تارة يكون دليلهما قطعيا لفظيا كان أو لبيا واخرى يكون ظنيا
والحكم فى الاول واضح ويتضح ايضا فى بيان الثانى واما الثانى فاذا تضمنت رواية
امرا بالطبيعة ورواية اخرى نهيا عن اخرى وكان للطبيعتين محل تصادق واجتماع فاما ان
تقوم حجة قطعية او ظنيه على عدم شمول احدهما من غير تعيين لمحل التصادق اولا وعلى
الاول فلا يعقل ان يكون من باب التزاحم ليقع النزاع فى الاجتماع والامتناع اذ لا
موضوع له بعد ما عرفت من ان موضوعه ثبوت المقتضى فى الطرفين وانما يكون من باب
التعارض ويعمل فيه عمله وعلى الثانى فاما ان يكون الامر والناهى بصدد بيان الحكم
فى كل من الطرفين من حيث وجود جميع المقتضيات وبعبارة اخرى غرضه بيان ان الحكم
فعلى فى جميع الافراد ما لم يمنع مانع واما ان يكون غرضه بيان انه فعلى مطلقا حتى
فى مورد التصادق وعلى الاول فلا اشكال فى انه من باب الاجتماع ومحل النزاع فعلى
الجواز فلا تكون المزاحمة مانعة ويكون كلاهما فعليا وعلى الامتناع يؤخذ باحد
الطرفين مع المرجح
او يحكم بتساقطهما والرجوع الى حكم ثالث والفرق بين التعارض والتزاحم على
هذا القول ان المكلف لو جاء بما يشترط فيه قصد القربة غافلا او جاهلا او ناسيا صح
وحصل الامتثال لوجود الملاك بناء على التزاحم وكان لغوا بناء على التعارض وعلى
الثانى يكون من مورد التعارض قطعا اذ لا يعقل فعلية الحكم فى الطرفين لانه تكليف
بما لا يطاق فهو من مقام التعارض لا غير للعلم حينئذ بكذب احدهما لو كانا نصا فى
فعلية الطرفين فى محل التصادق ولو كان احدهما ظاهرا فى ذلك والآخر نصا او اظهر حمل
الظاهر على الحكم الاقتضائى الغير الفعلى مع فعلية الآخر فيبقى الآخر سليما عن
المعارضة ولو كانا معا ظاهرين وجب حملهما معا على ذلك وبعد الحمل يكون من باب
الاجتماع على القولين لا من باب التعارض وقد عرفت الثمرة بين التزاحم والتعارض
بناء على الامتناع وسيجىء فى الامر العاشر ما يفيدك زيادة الوضوح (العاشر انه لا اشكال
فى سقوط الامر وحصول الامتثال باتيان المجمع) ومحل التصادق (بداعى الامر) بناء (على الجواز مطلقا ولو فى العبادات وان
كان) هذا الاتيان
حال كونه طاعة (معصية) لانه مخالفه (للنهى ايضا) من غير فرق بين القولين فى اقتضاء النهى الفساد وعدمه (وكذا الحال) فى عدم الاشكال تكليفا ووضعا بناء (على الامتناع مع
ترجيح جانب الامر إلّا انه لا معصية) عليه لفرض سقوط النهى (واما) بناء (عليه) اى على الامتناع (وترجيح جانب النهى فيسقط به) اى بالاتيان بالمجمع (الامر به مطلقا فى غير العبادات لحصول
الغرض الموجب له) اى للامر كما هو الشأن فى جميع المعاملات بل جميع ما لا يكون قصد القربة
شرطا فى صحته وحصول الغرض منه فان الغرض يحصل بوقوعه فى الخارج باى وجه اتفق (واما فيها) اى فى العبادات (فلا) يسقط الامر ولا يقع الفعل صحيحا (مع الالتفات الى
الحرمة او بدونه) والجهل بها اذا كان (تقصيرا) لا قصورا اما الاول فواضح لان المفهوم من الادلة ان
العلم بالغصبية موضوعا وحكما مانع واما الثانى فلان الجاهل بالحكم عن تقصير غير
معذور تكليفا ووضعا الا فى مقامين الاتمام والقصر والاخفات والجهر هذا اذا لم يكن
ملتفتا حال الاتيان الى كونه مقصرا واما اذا
التفت الى ذلك فهو غير معذور مطلقا لعدم امكان قصد القربة حال الشك
والالتفات الى تقصيره فى السؤال بخلاف الصورة الاولى (فانه وان كان متمكنا
مع عدم الالتفات) الى الحرمة والى تقصيره فى السؤال (من قصد القربة وقد قصدها إلّا انه مع
التقصير) فى الواقع (لا يصلح الفعل لان
يتقرب به اصلا فلا يقع مقربا وبدونه لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للامر به عبادة
كما لا يخفى) فظهر ان الصورة التى ذكرها المصنف قده هى صورة الجهل بالحكم مع التقصير
وعدم الالتفات الى كونه مقصرا اذ لا يتاتى قصد القربة فى الصورة الاخرى هذا مع عدم
الالتفات تقصيرا (واما
اذا لم يلتفت اليها قصورا وقد قصد القربة باتيانه فالامر يسقط) قطعا (لقصد القربة بما يصلح ان يتقرب به
لاشتماله على المصلحة الملزمة مع صدوره حسنا لاجل الجهل بحرمته قصورا) وكل فعل ذى مصلحة اذا جىء به بعنوانه وبما هو واجب او
مستحب كان متصفا بالحسن وترتبت عليه آثار الصحة وان كان حراما واقعا ما لم يكن بين
ذات الحرام والواجب تعاند بحيث لا يعقل ان يكون محبوبا وان صدر بذلك العنوان وانما
يعطى الفاعل لمثله ثواب مطلق الانقياد وهذا واضح ومع عدم التعاند به (فيحصل به الغرض من
الامر فيسقط به قطعا وان لم يكن امتثالا له) لعدم الامر حسب الفرض على احد الرأيين الغير المسلم
عندنا كما ستعرف (بناء
على تبعية الاحكام لما هو الاقوى من جهات المصالح والمفاسد التى فيها واقعا لا
تبعيتها لما هو المؤثر منها فعلا للحسن او القبح لكونهما تابعين لما علم منهما كما
حقق فى محله) فالصلاة فى المكان المغصوب مع الجهل قصورا بحرمتها ذات حسن واقعا وقد جىء
بها بذلك العنوان ولا يضر فى ذلك عروض جهة القبح المؤثرة فعلا للحرمة فى فرض
المسألة من تغليب جانبها لانه لم تصدر مع الالتفات الى قبحها المؤثر فعلا وانما
صدرت بعنوان انها حسنه وقد حقق فى محله انه لا يتصف فعل العاقل بحسن او قبح إلّا
اذا جاء به بعنوان كونه حسنا او قبيحا فقد غلبت فى المقام جهة الحسن المقصودة مع
كونها فى الواقع موجودة على جهة القبح المؤثرة لكونها حال الجهل مفقودة لعدم اتصاف
الفعل بها إلّا اذا علم ان ما ياتى به قبيح كما لا يخفى هذا
ولا يذهب عليك ان حكمه قده هنا بكون الحسن والقبح تابعين لما هو المعلوم من
جهاتهما فلا تؤثر جهة القبح المجهولة فعلا فى الحسن المعلوم الجهة قبحا بل يبقى
على حسنه وكذا العكس يناقض ما تقدم منه فى مقدمة الواجب من عدم لزوم الاتيان بها
بداعى التوصل وان الدخول فى دار الغير وفيها غريق او حريق يقع على صفة لوجوب لا
الحرمة وان لم يشعر الداخل بما فيها ولم يقصد بدخوله الا التصرف عدوانا ولا مدفع
لهذا التدافع وتوهم ان كون المقدمة مما لا تتصف فى نفسها بحسن او قبح يوجب
مغايرتها للمقام حكما مما لا ينبغى ان يصغى اليه لوجوه لا تخفى على الفطن وكيف كان
فقد تحصل ان حصول الغرض كاف فى سقوط الامر وان لم يكن ذلك امتثالا (مع انه يمكن ان يقال
بحصول الامتثال مع ذلك ايضا فان العقل لا يرى تفاوتا بينه وبين ساير الافراد فى
الوفاء بغرض الطبيعة المامور بها وان لم تعمه بما هى مامور بها لكنه لوجود المانع
لا لعدم المقتضى ومن هنا انقدح انه يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال فى العبادة
وعدم كفاية الاتيان بمجرد المحبوبية كما يكون ذلك فى الضد الواجب حيث لا يكون هناك
امر يقصد اصلا) قلت قد مضى الكلام فى ذلك فى الضد الواجب وذكرنا عدم تعقل صدق الامتثال
بانطباق الطبيعة المامور بها على الفرد المستحيل عمومها له بما هى مامور بها او
بوفاء هذا الفرد بغرض الامر من امره مع عدم تعلق امر به فعلا فتفطن نعم يمكن ان
يقال بامكان تصور وجه آخر لحصول الامتثال وهو ان تغليب جانب الحرمة انما يكون فى
صورة الالتفات الى ان الغصب حرام لما عرفت من ان الحرمة تابعة للقبح والقبح انما
يتصف به الفعل المعلوم انه قبيح فمع الجهل فلا يكون الغالب هو الحرمة بل يكون هو
الوجوب لغلبة جهته حيث قد اتصف الفعل الماتى به بعنوان كونه حسنا مطلوبا بالحسن
فاذا اختص تغليب جانب الحرمة بصورة الالتفات الى قبح الفعل وقع فى صورة الجهل
امتثالا للامر لانه هو الغالب فتأمل جدا واليه اشار المصنف بقوله فيما يأتى واما
لو قيل (وبالجملة
مع الجهل قصورا بالحرمة موضوعا او حكما يكون الاتيان بالمجمع امتثالا وبداعى الامر
بالطبيعة لا محاله) على ما ذكرناه
لا على ما افاده قده (غاية
الامر انه لا يكون مما يسعه) الطبيعة ومشمولا لها (بما هى مامور بها لو قيل بتزاحم الجهات
فى مقام تاثيرها للاحكام الواقعية) فاذا غلبت جهة النهى جهة الامر فلا امر واقعا اصلا
بالطبيعة وان كانت الجهة المغلوبة كامنة فيها مستورة بالجهة الغالبة ما لم تقيد
الغلبة بصورة الالتفات كما عرفت و (اما لو قيل بعدم التزاحم الا فى مقام
فعلية الاحكام لكان الفرد مما يسعه) الطبيعة بما هى مامور بها (و) صار (امتثالا لامرها بلا كلام) لعدم النهى الفعلى ليزاحم الامر الفعلى فى صورة الجهل
قصورا لعدم مزاحمة جهة القبح حال الجهل وغلبتها بل الغالب هو جهة الحسن لما عرفت
من اشتراط الغلبة بالالتفات فيختلف الحكم الواقعى والفعلى حسب اختلاف حالى العلم
والجهل والمعلوم والمجهول (وقد
انقدح بذلك الفرق بين ما ذا كان دليلا الحرمة والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة
تخييرا او ترجيحا) كما مرت الاشارة اليه (حيث
لا يكون معه مجال للصحة اصلا) لخلوه من مناطها محبوبية وامرا (وبين ما اذا كان من
باب الاجتماع وقيل بالامتناع وتقديم جانب الحرمة حيث) عرفت انه (يقع صحيحا فى غير مورد من موارد الجهل
والنسيان لموافقته للغرض بل للامر) على الوجه الذى عرفت (ومن هنا علم ان الثواب عليه من قبيل
الثواب على الاطاعة لا الانقياد ومجرد اعتقاد الموافقة وقد ظهر بما ذكرناه وجه حكم
الاصحاب بصحة الصلاة فى الدار المغصوبة مع النسيان او الجهل بالموضوع مطلقا بل او
الحكم اذا كان عن قصور مع ان الجل لو لا الكل قائلون بالامتناع وتقديم جانب الحرمة
ويحكمون بالبطلان فى غير موارد العذر) فصار الحاصل فى وجه حكمهم بالصحة مع الجهل بالموضوع
مطلقا او بالحكم اذا كان عن قصور انه فى صورة الجهل لا تزاحم بين جهتى الوجوب
والحرمة من الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة لان كلا من هذه الجهات انما يتصف بها
الفعل اذا صدر مع الالتفات ومع الصدور بقصد انه حسن ذو مصلحة يقع صحيحا قطعا باحد
وجوه ثلاثة على سبيل منع الخلو وهى المحبوبية الذاتية لعدم المبغوضية مع عدم القصد
ووفائه بالغرض او لوفائه بالغرض يقع امتثالا للامر بالطبيعة وان لم يكن
مشمولا لها بما هى مأمور بها بناء على ان تزاحم الجهات انما هو فى مقام
اقتضائها للاحكام الواقعية او لكونه مأمورا به فعلا لاندراجه تحت الطبيعة بما هى
مأمور بها بناء على ان التزاحم فى الجهات انما هو بحسب الاحكام الفعلية قلت الظاهر
بل المقطوع به عندى ان وجه حكم الاصحاب بالصحة هو ان الحرام لما كان موضوعه الغصب
والغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدوانا ومن المعلوم توقف تحقق هذا الموضوع على
القصد كسائر الافعال التى يكون القصد هو المحقق لموضوعها فمع الجهل بالموضوع او
الحكم قصورا فلا قصد فلا موضوع فلا حرمة لا واقعا ولا ظاهرا واما تقصيرا فان كان
بالنسبة الى الحكم فلما دل عليه العقل والنقل من عدم معذورية الجاهل المقصر بالحكم
فيما عدا ما استثنى تكليفا ووضعا الا فى بعض احكام الوضع كالكفارة فى الافطار على
رأى وان كان بالنسبة الى الموضوع فللاجتماع على المعذورية ولذا اجمعوا حتى
الاخبارى منهم على عدم وجوب الفحص فى الشبهات الموضوعية ومن المعلوم عدم المنافاة
بل عدم توهمها بين هذا وبين ما قاله الجل او الكل من الامتناع وتقديم جانب الحرمة
فلا حاجة الى هذه التكلفات التى افادها نعم لو كان الموضوع المحرم مما لا يتوقف تحققه
على القصد موضوعا لكانت هذه الوجوه فى غاية الحسن لانها من حيث هى صحيحة دقيقة
مطابقة للواقع إلّا ان المعلل اجنبى عنها فى مقام الصحة والفساد لا يقال ان المحرم
هو مطلق التصرف فى مال الغير ولو مع احتمال رضاه ومن المعلوم عدم صدق عنوان الغصب
على مثل هذا التصرف إلّا ان الفساد لا يتوقف على صدقه فهب ان نوع التصرف الغصبى لا
يعلل من حيث صحة الصلاة حال الجهل به بهذه العلل فالنوع الآخر محتاج من تلك الجهة
اليها بل كلا النوعين محتاج اليها لان النوع الغصبى انما كان محرما بما هو تصرف
مطلق لا بما هو تصرف غصبى فهو كالنوع الآخر فى الاحتياج سواء كان القصد شرطا فى
تحقق الخصوصية اولا لانا نقول جميع اقسام التصرف فى مال الغير المحرم شرعا محتاج
فى تحققه موضوعا الى القصد ضرورة ان مطلق التصرف فى ماله على اى نحو وقع لم يكن
متعلقا للحرمة بل المتعلق هو التصرف فيه بغير اذن المالك وذلك اما مع القطع بعدم
رضاه او الظن او الاحتمال ولا رابع ومن المعلوم ان هذه القيود لا تتحقق فى الوجود
مجامعة للغفلة والجهل باصل كونه تصرفا فى مال الغير فقد
توقف تحقق الموضوع المحرم على القصد بالضرورة فالتصرف فى مال الغير بغير
اذنه مقصودا هو المحرم بلا ريب ومع الجهل يكون كما ذكرنا (فلتكن على ذكر من ذلك) وافهم واغتنم (اذا عرفت هذه الامور فالحق هو القول
بالامتناع كما ذهب اليه المشهور وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل او يمكن ان
يقال من وجوه الاستدلال لسائر الاقوال يتوقف على تمهيد مقدمات احدها) انه قد عرفت مرارا فى بيان مراتب الحكم (انه لا ريب فى ان
الاحكام الخمسة متضادة) وان التضاد انما يتحقق بينها (فى مقام فعليتها وبلوغها الى مرتبة) الامر والنهى و (البعث والزجر) والارادة والكراهة والمحبوبية والمبغوضية (ضرورة) ان من بديهيات العقل (ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث
نحو) شيء (واحد فى زمان) ومحبوبيته وارادته (والزجر عنه فى ذلك الزمان) ومبغوضيته وكراهته (وان لم يكن بينها مضادة ما لم تبلغ تلك
المرتبة لعدم) تحقق ملاكها وهو (المنافاة
والمعاندة بين وجوداتها الإنشائية قبل البلوغ اليها) لما عرفت من انها من هذه الجهة كالوجود الكتبى (كما لا يخفى فاستحالة
اجتماع الامر والنهى فى) شيء (واحد
لا يكون من باب التكليف بالمحال) وان كان المكلف به محالا قطعا (بل من جهة) استحالة تحقق هذا التكليف ضرورة (انه بنفسه محال) فلا تكليف ليقال انه متعلق بالمحال (فلا يجوز ذلك) حتى (عند من يجوز التكليف بغير المقدور) والمحال (ايضا) وهو فى غاية الوضوح (ثانيها انه لا شبهة) فى ان مناطات الاحكام من المصالح والمفاسد والحسن
والقبح والمحبوبية والمبغوضية انما توجد وتتحقق فى نفس حقايق الافعال وهوياتها من
غير دخل فى ذلك لاسمائها وعناوينها وقولنا اتفاقا ان الفعل الفلانى انما يكون حسنا
او قبيحا اذا قصد بعنوان كذا مثلا ليس المراد به مدخلية نفس العنوان فى ذلك بل
المقصود ان لمنشا انتزاع ذلك العنوان دخلا فيه وانما نعبر بالعنوان اشارة للمعنون
وكذا قول الفقهاء ان الاحكام تدور مدار الاسماء ليس المقصود به الا الاشارة الى
مسمياتها الكاشفة عنها اسمائها لان عدم مدخلية الاسماء فى تحقق تلك المناطات مما
لا يخفى على اوائل العقول فضلا عن الاعاظم الفحول فاذا كان ظرف تلك المناطات ذلك
فلا ريب (فى
ان متعلق الاحكام)
حينئذ (هو) مسمى (فعل المكلف وما هو فى الخارج) يقع منه و (يصدر عنه وهو فاعله وجاعله لا ما هو
اسمه وهو واضح ولا ما هو عنوانه مما قد انتزع عنه بحيث لو لا انتزاعه تصورا
واختراعه ذهنا لما كان بحذائه شيء خارجا ويكون خارج المحمول) بعد انتزاعه ضرورة ان الكلب والكلبية والغصب والغصبية
لا دخل لهما فى تحقق مناط الحكم كما عرفت وليست الغصبية كالكاتبية مما بحذائه شىء
فى الخارج ويكون فى قولك زيد كاتب قد حملت الكتابة التى هى منشأ انتزاع ذلك
العنوان على زيد بضميمة حمل مفهوم المشتق عليه لان عنوان الغصبية منتزع من نفس
حقيقة الفعل وهويته فاذا قلت هذا واشرت الى ذات التصرف فى مال الغير عدوانا غصب
فالمحمول انما هو المعنون والعنوان خارج عنه فالغصبية مثلا (كالملكية والزوجية
والرقية والحرية والمغصوبية الى غير ذلك من الاعتبارات والاضافات) ليست بمتعلق اصلا لما عرفت وهو فى غاية الوضوح (ضرورة ان البعث) امرا (لا يكون نحوه والزجر) نهيا (لا يكون عنه وانما يؤخذ) العنوان (فى متعلق الاحكام آلة للحاظ متعلقاتها
والاشارة اليها بمقدار الغرض منها والحاجة اليها كما عرفت لا بما هو هو وبنفسه
وعلى استقلاله وحياله ثالثها انه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ولا
ينثلم به وحدته) بضرورة العقل فان انطباع الواحد فى مرآتين لا يوجب صيرورة الواحد الحقيقى
اثنين والكثرة الانعكاسية ليست بكثرة حقيقيه كما ان انطباع الاثنين فى المرآة
الواحدة لا يوجب وحدة المرئى فالواحد بما هو واحد لا يعرضه التعدد الحقيقى او
الكثرة بتعدد الوجه والعنوان (فان
المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة ربما تنطبق على الواحد وتصدق على الفارد الذى
لا كثرة فيه من جهة بل هو بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة
لجهة اصلا كالواجب تبارك وتعالى فهو على بساطته ووحدته واحديته تصدق عليه مفاهيم
الصفات الجلالية والجمالية) فهو بعين ما هو قادر عالم وبعين ما هو عالم سميع وبعين
ما هو سميع بصير وهلم جرا (له
الاسماء الحسنى والامثال العليا لكنها باجمعها حاكية عن ذاك الواحد الفرد الاحد) كما قال قائلهم (عباراتنا شتى وحسنك واحد
وكل
الى ذاك الجمال يشير رابعها انه لا يكاد يكون للموجود) الواحد (بوجود واحد الا ماهية واحدة وحقيقة
فاردة ولا يقع فى جواب السؤال عن الحقيقة بما هو الا تلك الماهية فالمفهومان
المتصادقان على ذاك الموجود الواحد لا يكاد يكون كل منهما ماهية وحقيقة) غير ماهية الآخر وحقيقته (وكانت) ماهية كل (عينه) اى عين ذاك الموجود الخارجى فى الخارج (كما هو شان) الكلى (الطبيعى وفرده) بحسب الوجود لعدم معقولية كون الاثنين بما هما اثنان
واحدا كما لا يعقل العكس (فيكون
الواحد وجودا واحدا ماهية وذاتا لا محالة فالمجمع) ومحل التصادق (وان تصادقا عليه متعلقا الامر والنهى) بحسب مفهومهما (إلّا انه كما يكون واحدا وجودا يكون
واحدا ماهية وذاتا ولا يتفاوت فيه القول باصالة الوجود او اصالة الماهية ومنه ظهر
عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع فى المسألة على القولين فى تلك المسألة كما
توهم فى الفصول) قلت هذا غريب من المصنف قده فان صاحب الفصول لم يتوهم ذلك ابدا ولكنه لما
قرر الدليل على نحو لا يتم إلّا على اصالة الوجود ذكر ان تمامية هذا الدليل مبنى
على ذلك الاصل فاعرض عنه وقرره ثانيا على نحو يتم بناء على اصالة الماهية ثم رجع
الى الدليل على التقرير الاول المتضمن لكون الوجود واحدا وقرره على نحو آخر بان
جعل الايجاد متعلقا لا الوجود العام العرضى للوجودات الخاصة الخارجية ورجع ايضا
الى الدليل الثانى التام على أصالة الماهية وقرره على نحو يكون المتعلق هو الجعل
هذا ما افاده وليس فى كلامه حرف واحد يدل على ابتناء اصل المسألة جوازا ومنعا على
ذلك نعم لما ذكر الدليل على التقرير الاول المبنى على اصالة الوجود ذكر اولا انه
مبنى ايضا على عدم تمايز الجنس والفصل وجودا فى الخارج خلافا لشاذ لا يعبأ به
وغرضه ان الصلاة والغصب نوعان يشملهما جنس الحركة ويميز احدهما عن الآخر فصله بلا
اشكال كما فى سائر الاجناس وانواعها وبناء على تمايزهما وجودا فدعوى اتحادهما
وجودا تكون باطله لا محاله ولم يكن غرضه ان احد العنوانين جنس والآخر فصل وكيف
يتوهم ذلك من هو اقل منه اذا عرفت ذلك فلا وجه
لما افاده قده تعريضا به ايضا بقوله (كما ظهر ايضا عدم الابتناء على تعدد
وجود الجنس والفصل فى الخارج وعدم تعدده ضرورة عدم كون العنوانين المتصادقين عليه
من قبيل الجنس والفصل له وان مثل الحركة فى دار) او فى مكان آخر مثلا (من اى مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها
وماهيتها ويتخلف ذاتياتها وقعت جزء للصلاة لو لا كانت تلك الدار مغصوبة اولا) ضرورة ان هذه التقريرات والتعبيرات لا ترفع ما حكم به
العقل ولم يخرج من حكمه شيء الا الوجود من احتياج كل متقوم بطبيعة اذا كان نوعا
الى جنس وفصل فاذا كانت الكبرى وهى كون كل جنس وفصل متمايزين بحسب الوجود حقيقة
سقط دليله قطعا نعم انكار التمايز فى محله بل القول به فى غاية الوهن والضعف (اذا عرفت ما حققناه
عرفت) المرام فى
محل الكلام و (ان
المجمع) ومحل التصادق
(حيث
كان واحدا وجودا وذاتا كان تعلق الامر والنهى به محالا ولو كان تعلقهما به
بعنوانين لما عرفت من كون فعل المكلف بحقيقته) وهويته (وواقعيته الصادرة عنه متعلقا للاحكام لا
بعناوينه الطارئة عليه) ولا باسمائه المنسوبة اليه (وان غائلة اجتماع الضدين) حكما ومناطا (لا يكاد ترتفع بكون الاحكام تتعلق
بالطبائع لا الافراد) على ما توهمه المجوز (فان
غاية تقريبه ان يقال ان الطبائع من حيث هى هى وان كانت ليست إلّا هى ولا يتعلق بها
الاحكام الشرعية) مع هذه الحيثية وعلى هذه الكيفية (كالآثار العقلية والعادية) التى لا تترتب عليها من حيث هى طبائع مع قطع النظر عن
وجودها (إلّا
انها من حيث كونها مقيدة بالوجود بحيث كان القيد خارجا والتقييد داخلا) بمعنى انها تلحظ من حيث انها توجد وبجهة وجودها لا
بقيد وجودها الفعلى لما عرفت من انها بشرط شىء لا يعقل تعلق الطلب بها لانه طلب
للحاصل لكنها بذلك المعنى (صالحة
لتعلق الاحكام بها ومتعلقا الامر والنهى على هذا لا يكونان متحدين اصلا لا فى مقام
تعلق) روح الامر
والنهى من (البعث
والزجر ولا فى مقام عصيان النهى واطاعة الامر باتيان المجمع) ومحل التصادق (بسوء الاختيار اما فى المقام الاول) وهو مقام البعث والزجر (فلتعددهما بما هما متعلقان لهما وان
كانا متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك واما
فى
المقام الثانى فلسقوط احدهما بالاطاعة والآخر بالعصيان بمجرد الاتيان ففى اى مقام) يدعى الخصم انه قد (اجتمع الحكمان وانت خبير بانه لا يكاد يجدى) هذا التقرير (بعد ما عرفت من ان تعدد العنوان لا يوجب
تعدد المعنون لا وجودا ولا ماهية ولا تنثلم به وحدته اصلا) وقد اعترف به المستدل فى تقرير الاستدلال حيث ذكر
انهما متحدان فيما هو خارج والملحوظ فى الاحكام انما هو الوجود الخارجى وقد عرفت
ايضا (ان
المتعلق للاحكام هو المعنونات لا العنوانات وانها انما تؤخذ فى المتعلقات بما هى
حاكيات كالعبارات) الحاكية عن معاينها (لا
بما هى على حيالها واستقلالها كما انه ظهر مما حققناه انه لا يكاد يجدى ايضا كون
الفرد مقدمة لوجود الطبيعى المامور به او المنهى عنه وانه لا ضير فى كون المقدمة
محرمة فى صورة عدم الانحصار) اذا كانت (بسوء الاختيار) كما توهمه ايضا بعض المجوزين (وذلك مضافا الى وضوح
فساده وان الفرد هو عين الطبيعى فى الخارج) لما عرفت سابقا من ان التشخص عين الوجود عند المحققين (كيف والمقدمية تقتضى
الاثنينية بحسب الوجود ولا تعدد فيه كما هو واضح انه انما يجدى لو لم يكن المجمع
واحدا ماهية وقد عرفت بما لا مزيد عليه انه بحسبها ايضا واحد) قلت الظاهر ان المقدمية تقتضى الاثنينية بحسب الموجود
لا بحسب الوجود وإلّا لسقط عنوان المقدمية عن المقدمة السببية ولو حمل على ارادة
ذلك سقط قوله لا تعدد فيه لعدم محل له حينئذ لانه ان كان وصفا للوجود فلا فائدة
فيه وان كان للموجود فقد اعترف على الحمل المذكور بالتعدد فيه فالجواب عن المقدمية
منحصر بما افاده من اتحاد الماهية وانكار المقدمية كما لا يخفى (ثم انه قد استدل على
الجواز بامور منها انه لو لم يجز اجتماع الامر والنهى لما وقع نظيره وقد وقع) وادل دليل على امكان الشيء وقوعه (كما فى العبادات
المكروهة كالصلاة فى مواضع التهمة وفى الحمام والصيام فى السفر وفى بعض الايام
بيان الملازمة انه لو لم يكن تعدد الجهة مجديا فى امكان اجتماعهما لما جاز اجتماع
حكمين آخرين فى مورد مع تعددها) اى الجهة (لعدم اختصاصهما) اى الوجوب والحرمة (من بين الاحكام بما يوجب الامتناع
من
التضاد بداهة تضادها باسرها) لاحتياج كل منها الى فصل يميزه عن الآخر (والتالى باطل لوقوع
اجتماع الكراهة والايجاب او الاستحباب فى مثل الصلات فى الحمام والصيام فى السفر
وفى العاشوراء ولو فى الحضر واجتماع الوجوب او الاستحباب مع الاباحة او الاستحباب
فى مثل الصلاة فى المسجد او الدار) بل واجتماع الوجوبين والحرمتين فان اجتماع المثلين
كاجتماع الضدين ويلزم عقلا من جواز احدهما جواز الآخر وذلك كنذر فعل الواجب بناء
على انعقاده كما هو المشهور وترك الحرام فتكون الصلاة المنذورة واجبة بوجوبين
والخمر حراما بحرمتين وهو واضح (والجواب
عنه اما اجمالا فبأنه لا بد من التصرف والتاويل فيما وقع فى الشريعة مما ظاهره
الاجتماع بعد قيام الدليل) العقلى (على الامتناع ضرورة ان الظهور لا يصادم
البرهان مع ان) ذلك مشترك الورود على القولين لان (قضية تلك الموارد اجتماع الحكمين فيها
بعنوان واحد ولا يقول الخصم بجوازه كذلك بل يقول بالامتناع ما لم يكن بعنوانين
وبوجهين فهو ايضا لا بد له من التقصى عن اشكال الاجتماع فيها سيما اذا لم يكن هناك
مندوحة كما فى العبادات المكروهة التى لا بدل لها) مع نقلهم اتفاق المجوزين على اعتبارها واتفاقهم على
الامتناع مع عدم وجودها (فلا
يبقى له مجال للاستدلال بوقوع الاجتماع فيها على جوازه اصلا كما لا يخفى واما
تفصيلا فقد اجيب عنه بوجوه يوجب ذكرها بما فيها من النقض والابرام طول الكلام بما
لا يسعه المقام فالاولى الاقتصار على ما هو التحقيق فى حسم مادة الاشكال فيقال
وعلى الله الاتكال) ان المراد بالكراهة فى العبادات غير معناها المصطلح عليه المجعول احد
الاحكام الخمسة وتحقيقه مفصلا (ان
العبادات المكروهة على ثلاثة اقسام احدها ما تعلق به النهى بعنوانه وذاته ولا بدل
له كصوم يوم عاشوراء والنوافل المبتدأة فى بعض الاوقات ثانيها ما تعلق به النهى
كذلك ويكون له البدل كالنهى عن الصلاة فى الحمام ثالثها ما تعلق به النهى لا بذاته
بل بما هو منظم اليه عنوان آخر مجامع معه) اى مع المامور به وجودا (او ملازم له خارجا) فيكون لهما وجودان متلازمان (كالصلاة فى مواضع
التهمة بناء على كون النهى عنها لاجل اتحادها مع) العنوان المنهى عنه بنفسه وهو (الكون
فى
مواضعها مطلقا اما القسم الاول) وهو ما ليس له بدل الخالى عن المندوحة المشترك الورود
على الفريقين (فالنهى
تنزيها عنه بعد الاجماع على انه يقع صحيحا بعد النهى ومع ذلك يكون تركه ارجح من
فعله كما يظهر من مداومة الائمة عليهمالسلام على الترك اما لاجل
انطباق عنوان ذى مصلحة على الترك فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة موافقة للغرض وان
كان مصلحة الترك اكثر من مصلحة الفعل) مثلا فى صوم اليوم العاشر من المحرم مصلحة وفى ترك
صومه والامساك الى العصر ثم رفع الامساك بشرب الماء ينطبق عليه عنوان التشبه
بالشهداء فى ذلك اليوم حيث امسكوا الى العصر وافطروا بشرب الكاس الاوفى بما هم
أحياء عند ربهم يرزقون فيكون هذا الترك المنطبق عليه هذا العنوان ارجح وعلى هذا (فهما حينئذ يكونان من
قبيل المستحبين المتزاحمين فيحكم بالتخيير بينهما لو لم يكن اهم فى البين وإلّا) بان كان فى البين اهم كما فى ترك هذه العبادات فى هذه
الاوقات (فيتعين
الاهم وان كان الآخر لو جاء به المكلف يقع صحيحا حيث انه كان راجحا وموافقا للغرض
كما هو الحال فى ساير المستحبات المتزاحمات بل والواجبات و) لا منافات فى ارجحيته الترك من الفعل لرجحان الفعل
وصحته اذ (لا
يوجب) كون الترك
ارجح للعنوان المنطبق عليه (حزازة
ومنقصة فيه اصلا كما) كان (يوجبها
ما اذا كان فيه مفسدة غالبة على مصلحته ولذا لا يقع صحيحا) بناء (على الامتناع فان الحزازة والمنقصة فيه) مخرجه له عن افراد الطبيعة المامور بها لانها (مانعة عن صلاحية
التقرب به) اذ لا يطاع
الله من حيث يعصى (بخلاف
المقام فانه على ما هو عليه من الرجحان وموافقة الغرض كما اذا لم يكن تركه راجحا) وبعبارة اخرى الرجحان الذى كان فى الفعل فكان الترك
بالنسبة اليه مرجوحا باق على حاله ولم يتبدل او يتغير وانما تغير وتبدل الترك بسبب
انطباق العنوان عليه والمقتضى للامر هو ذاك الرجحان الباقى فالامر باقى فيقع الفعل
الموافق له صحيحا (بلا
حدوث حزازة فيه اصلا) فهذا احد الوجهين فى ارجحية الترك (واما) الوجه الثانى فان يكون ذلك (لاجل ملازمة الترك
لعنوان) يكون كذلك من
دون انطباقه عليه فيكون من حيث ثبوت الارجحية (كما اذا انطبق عليه من
غير
تفاوت الا فى الطلب المتعلق به) اى بالترك فانه ليس كالمتعلق فى الصورة الاولى
لاختلافه (حينئذ) بين صورتى التلازم والانطباق فانه فى الاول (ليس بحقيقى) اذ لا مصلحة فى نفس الترك ولا فى عنوان ينطبق عليه (بل) يكون به (بالعرض والمجاز فانما يكون بالحقيقة
متعلقا بما يلازمه من العنوان) لانه ذو المصلحة (بخلاف صورة الانطباق لتعلقه به حقيقة
كما فى ساير المكروهات من غير فرق إلّا ان منشأه فيها) اى فى المكروهات (حزازة ومنقصة فى نفس الفعل وفيه رجحان
فى الترك من دون حزازة فى الفعل اصلا غاية الامر كون الترك ارجح) لكون العنوان المنطبق عليه او الملازم له اهم فعلى هذا
يكون النهى مولويا فى الصورتين (نعم
يمكن ان يحمل النهى فى كلا القسمين على الارشاد الى الترك الذى هو ارجح من الفعل
وملازم لما هو الارجح واكثر ثوابا لذلك وعليه يكون النهى على نحو الحقيقة لا
بالعرض والمجاز) لكون الارشاد اليه فى محله (فلا تغفل واما القسم الثانى فالنهى فيه
يمكن ان يكون لاجل ما ذكر فى القسم الاول) من انطباق العنوان او لزومه من غير فرق بالمرة (طابق النعل بالنعل
كما يمكن ان يكون بسبب حصول منقصة فى الطبيعة المامور بها) المقتضية بما هى هى وفى نفسها مقدارا من الثواب مع قطع
النظر عن تسافلها انحطاطا او سموها ارتفاعا وحصول هذه المنقصة لها (لاجل) تسافلها و (تشخصها فى هذا القسم بمشخص غير ملايم
لها كما فى الصلاة فى الحمام فان تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها معراجا) وقربانا وعمود دين وغير ذلك فان نفايس الاشياء انما
يليق بها ويناسبها اشرف الاوانى فان لم يكن فاوسطها ولا يناسبها الوضع فى الاوانى
الردية فان منقصة الاناء والوعاء تسرى الى الموضوع فيها كما لا يخفى على الحذاق
كما ان العكس يقتضى العكس (وان
لم يكن نفس الكون فى الحمام بمكروه ولا حزازة فيه اصلا بل كان) فى نفسه (راجحا) لبعض الجهات التى ربما كان الدخول الى الحمام بلحاظها
مندوبا او راجحا وان لم يكن بمندوب كالدخول للغسل او للتنظيف او للتعريق مع الحاجة
اليه او غير ذلك ولكن حزازة مشخص الوقوع وهو الآتية الحمامية اثرت فيه اثرا (كما لا يخفى وربما
يحصل لها لاجل تشخصها بمشخص) كثير المناسبة وتخصصها بمخصص (شديد الملاءمة معها
مزية
فيها
كما فى الصلاة فى المسجد والأمكنة الشريفة) فان الآتية الشريفة اللطيفة تكسو ما وضع فيها شرفا
ولطفا وكدا الحال بالنسبة الى الأزمنة فانها كالأمكنة وهى كالاناء والأزمنة
كالوعاء (وذلك
لان الطبيعة المامور بها فى حد نفسها اذا كانت مع تشخص) وسط (لا يكون له) معها (شدة الملاءمة ولا عدم الملاءمة لها
مقدار من المصلحة والمزية) وهو الحاصل بحسب الاقتضاءات الذاتية (كالصلاة فى الدار
مثلا و) ربما (تزداد تلك المزية
فيما كان تشخصه بما له شدة الملاءمة وتنقص فيما لم يكن له ملائمة ولذلك ينقص
ثوابها نارة) لانحطاطها بانحطاط الاناء والوعاء (ويزيد اخرى) لشرفهما (ويكون النهى فيه) على هذا التقدير والتقرير (لحدوث نقصان فى
مزيتها فيه ارشادا الى ما لا نقصان فيه) وتعريفا لرداءة الاناء المنقص (من ساير الافراد
ويكون اكثر ثوابا منه وليكن هذا) المعنى هو (مراد من قال ان الكراهة فى العبادات
تكون بمعنى انها تكون اقل ثوابا) وترتفع الاشكالات الثلاثة التى اشكلت عليه (ولا يورد عليه بلزوم
اتصاف) كل فرد من
افراد (العبادة
التى يكون اقل ثوابا من الاخرى بالكراهة) فينحصر المستحب فى اعلى الافراد الجامع لجميع
الخصوصيات جزء وشرطا وزمانا ومكانا وغير ذلك من المكملات (وبلزوم اتصاف ما لا
مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب لانه اكثر ثوابا مما فيه المنقصة) وبلزوم تسديس الاحكام او تسبيعها بالكراهة بمعنى اقلية
الثواب مطلقا والاستحباب بمعنى اكثرية الثواب كذلك وارتفاع هذه الاشكالات بما
ذكرنا واضح (لما
عرفت من ان المراد بكونه اقل ثوابا انما هو بقياسه الى نفس الطبيعة المتشخصة بما
لا يحدث معه مزية لها ولا منقصة من المشخصات وكونه اكثر ثوابا ولا يخفى) ان هذا المعنى لا يوجب حدوث حكمين متعلقين فى قبال
الكراهة والاستحباب الشرعيين ضرورة (ان النهى فى هذا القسم) وهو ما له البدل (لا يصح إلّا للارشاد) لعدم تحقق ملاك المولوية فيه بعد ما كان للمنهى عنه
بدل وقد اشير بالنهى الى ما فى المبدل من المنقصة ليكون ذلك موجبا لاهتداء المكلف
وانتقاله الى البدل وهذا (بخلاف
القسم الاول فانه يكون فيه مولويا ضرورة عدم كونه مما له بدل) فيكون ملاك المولوية فى النهى متحققا وانطباق العنوان
الراجح
او لزومه انما يكونان وجها للنهى المولوى فليس هناك غير المنهى عنه ليكون
النهى ارشادا اليه (وان
كان) حمله مع ذلك (على الارشاد) ايضا (بمكان من الامكان) كما عرفت آنفا قلت لو كانت الدلالة على ما فيه المنقصة
الغير المانعة والمزية النافعة بحسب الأزمنة والأمكنة توجب كون النهى والامر
الدالين على ذلك ارشاديين لكانت الدلالة على ما فيه المنقصة المانعة المحرمة
والمزية النافعة الملزمة او غير الملزمة بحسب الاجزاء والشرائط ايضا يوجب كون
الدال ارشاديا ولا يلتزم حتى المجيب بكون لا تغصب ولا تلبس الميتة مثلا او اقرأ
كذا او اذكر فى السجود والركوع ثلثا او غير ذلك من المستحبات بل وكذا الواجبات
نواهى واوامر إرشادية وبعبارة اخرى الصلاة مشتمله على امرين ايجابى واستحبابى وعلى
نهيين تحريمى وتنزيهى فاما ان تحمل الجميع على الارشاد او الجميع على المولوية
والتفكيك تحكم بحت من غير فرق بين ما له البدل وما ليس له البدل لتحقق القسمين فى
ذى المنقصة المانعة وان كان تصور الإرشادية فى الاول اوضح نعم لو كانت المنقصات
والمزيات مما اطلع عليها العقل واستقل بحكمها لكان الدال من الشرع عليها ارشاديا
وانى للعقل بذلك فاشكال التسديس بحاله كما لا يخفى والتحقيق فى دفعه ان يقال ان
الكراهة معنى عام يعم القسمين فيراد من المكروه شرعا هو نقصان الفعل اما ذاتا واما
عرضا مع الكمال ذاتا وهى بحسب المعنى الاول تضاد باقى الاحكام لا الثانى واما
اشكال التسبيع فواضح الاندفاع اذ لم تكن الصلاة من حيث ماهيتها بنفسها على هذا التقدير
مستحبة كما لا يخفى ومنه يعلم الحال فيما سيجىء ايضا (واما القسم الثالث) وهو ما تعلق به النهى لا لاجل ذاته بل لاجل العنوان
المجامع له وجودا او الملازم لوجوده خارجا (فيمكن ان يكون النهى فيه عن العبادة
المتحدة مع ذلك العنوان او الملازمة له بالعرض والمجاز) لفرض عدم مرجوحية فى نفس الترك وانما المرجوحية
للعنوان المتحد او الملازم (و) عليه (كان المنهى عنه به حقيقة هو ذاك العنوان
ويمكن ان يكون النهى على الحقيقة ارشادا الى غيرها من سائر الافراد مما لا يكون
متحدا معه او ملازما له) عنوان فيه منقصة اذا لمفروض وجود المندوحة (والتمكن مع
استيفاء
مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان اصلا) بايقاعها فى موضع السلامة (هذا على القول بجواز
الاجتماع واما على القول بالامتناع فكذلك فى صورة الملازمة) لا صورة الاتحاد فيكون النهى ارشاديا الى الفرد الذى
لا يلازمه مثل هذا العنوان (واما
فى صورة الاتحاد وترجيح جانب الامر كما هو المفروض حيث انه) مع كراهته مما اجمع على (صحة العبادة فيه فيكون حال النهى فيه
حاله فى القسم الثانى من كونه ارشاديا الى الفرد الذى لا منقصة فيه فيحمل هنا على
ما حمل عليه فيه) اى فى القسم الثانى (طابق
النعل بالنعل حيث انه بالدقّة يرجع اليه) فان حزازة الكون فى موضع التهمة التى جعلته مكروها
مطلقا ومرجوحا ابدا قد غلبت بمصلحة الصلاة الراجحة ابدا غير انه بهذا الاتحاد بين
الكونين لم تبق المصلحة الراجحة على ما هى عليه من خلوصها عن شوائب الادناس الردية
بل حصل لها وجه نقصان لم يبق لها معه ذلك الجمال فانخفض جنابها وقل ثوابها (اذ على الامتناع ليس
الاتحاد مع العنوان الآخر الا من مخصصاته) اى الفعل (ومشخصاته التى تختلف الطبيعة المامور
بها لاجله فى المزية زيادة ونقيصه بحسب اختلافها فى الملاءمة كما عرفت وقد انقدح
بما ذكرناه) من اول الجواب الى هنا انه لا مجال (اصلا لتفسير الكراهة فى العبادة باقلية
الثواب فى القسم الاول مطلقا) على القول بالجواز والقول بالامتناع اذ لا بدل للمكروه
هناك ليتحقق وصف الاقلية والأكثرية (وفى هذا القسم) وهو المتحد معه عنوان آخر مكروه فى نفسه او ملازم (على القول بالجواز) ضرورة انه على ذلك لا مزاحمة بين الجهات القاضية
بالامر والنهى فتكون جهة الصلاتية على حالها ذاتا وثوابا وجهة الكونية الخاصة كذلك
نقصا ونزاهة (كما) اتضح مما ذكرنا (وانقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب
فيها وان الامر الاستحبابى يكون على نحو الارشاد الى افضل الافراد مطلقا) على القول بالجواز او القول بالامتناع وسواء كان من
قبيل القسم الاول او الثانى او الثالث وسواء كان اقتضائيا او فعليا لوضوح ان كونه
ارشاديا لا يبقى معه محذور الاجتماع اصلا وعلى ذلك فالاطلاق يكون (على نحو الحقيقة و) يمكن ايضا ان يكون (مولويا اقتضائيا كذلك) اى
مطلقا على نحو الحقيقة كالارشادى لعدم مزاحمة الحكم الاقتضائى للحكم الفعلى
مطلقا (و) مولويا (فعليا) لكن (بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه) من قبيل القسم الثانى او الثالث لا الاول كما ستعرف
والملاك فيهما هو (ملازمتها) اى الصلاة (لما هو) عنوان بذاته (مستحب او) لم يكن الفرد الصلاتى ملازما للعنوان بل العنوان (متحد معه) وانما يجوز ان يكون مولويا فعليا بالعرض والمجاز (على القول بالجواز) واما على القول بالامتناع فلا يجوز مطلقا لمحالية
اجتماع الحكمين فى واحد مطلقا سواء كانا معا من الاسناد الى ما هو له او كانا معا
من الاسناد الى غير ما هو له او كانا مختلفين وقد خالف كلام المصنف قده هذا ما
ذكره فى الفوائد فان ما ذكره فيها هو حمل الامر الندبى على الارشاد فيما اذا كان
العنوان المستحب ملازما وعلى المولوى بالعرض والمجاز فيما اذا كان متحدا ولم يفصل
بين القول بالاجتماع والامتناع وما ذكره فى الكتاب اقرب الى الصواب فتأمل جدا ولا
تغفل (ولا
يخفى انه لا يكاد يأتى) ما ذكر فى توجيه (القسم
الاول) وهو الذى لا
بدل له (هاهنا) من تزاحم العنوان الراجح المنطبق على الترك المتحد معه
مع عنوان الفعل بحسب ما فيه من المصلحة للفرق الواضح بين المقامين ضرورة انه انما
يتصور فى المقام بانطباق عنوان راجح فى نفسه على الفعل المستحب ذاتا او ملازم له
وذلك لا يوجب التزاحم بالبداهة (فان
انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الذى لا بدل له انما يؤكد ايجابه لا انه يوجب
استحبابه) اذ لا يمكن
ذلك (اصلا
ولو بالعرض والمجاز الاعلى القول بالجواز) ضرورة ان انطباق العنوان على الفرد يوجب تشخصه فيتحد
المتعلق فلا ينفع فيه كونه بالتحليل العقلى اسناد الى غير ما هو له نعم على القول
بالجواز يكون مجمع الحكمين موضوعا للاطاعة من جهتين (وكذا فيما اذا لازم مثل هذا العنوان) الفعل الواجب (فانه لو لم يؤكد الايجاب لما) كان (يصلح) لثبوت حكم (الاستحباب الا اقتضائيا بالعرض والمجاز) بمعنى ان هذه الملازمة جهة من الجهات المقتضية لان
يؤمر بالفعل الواجب ندبا امرا نسبته الى نفس الفعل الواجب نسبة الى غير ما هو له
فلا مزاحمة فيه للوجوب الفعلى لان الوجوب انما يزاحم نفس
الحكم لا جهة الحكم واما المجازية فلعدم ثبوت جهة رجحان فى نفس الفعل ولا
فى عنوان منطبق عليه متحد معه متشخص به فى الوجود ليكون تعلق الحكم به حقيقيا
وانما المستحب الفعلى هو العنوان الملازم هذا واما اجتماع الوجوبين والحرمتين فى
الواجب المنذور تركه والأمثلة كثيرة فقد يقال بان ذلك انما يعدد جهة الوجوب فيتأكد
الوجوب لان الطلب مما يقبل الشدة والضعف فتكون بالصلاة واجبة من جهتين وشرب الخمر
حراما كذلك وفيه انا نقطع بناء على صحة النذر بان وجوب الوفاء به حكم له اثر فى
الثواب والعقاب على حد نفس الوجوب المتعلق بالصلاة فلا معنى للتأكيد لان التأكيد
يلزمه تساوى المؤكد والمؤكد ذاتا وجهة فمع اختلاف الجهة واختصاص كل باثر خاص لا
معنى لكون ذلك تأكيدا والتحقيق فى الجواب ان يقال ان معنى قول الناذر لله على ان
اصلى الصلاة الواجبة لله على ادائها وانما يوقع ذلك الزاما لنفسه بأداء ما كان
متسامحا فى ادائه ومن المعلوم رجوع ذلك الى نذر الامتثال الواجب بحكم العقل فيكون
بالنذر واجبا شرعيا فيثاب على اداء الصلاة من جهتين وليس المنذور له نفس الصلاة
بمعنى جعلها واجبة عليه بالنذر كما لا يخفى فاختلف متعلق الوجوبين ومثله الكلام فى
نذر ترك الحرام ولاجل ما ذكرنا كانت نية الاتيان بالصلاة لوجوبها كافية فى وفائه
بالنذر لان وجوبه توصلى ومنه يعلم ان قولهم بافادة النذر التأكيد غير سديد
لاقتضائه كون الوجوب التعبدى المتعلق بالصلاة توصليا من جهة النذر وتعبديا من جهة نفس
الصلاة مع امتناع اتصاف الشيء الواحد بوصفين متضادين ولا يجدى تعدد الجهة كما عرفت
فيما تقدم ومما ذكرنا يعلم حال نذر المستحب وانه لو نوى الناذر ان يصلى النافلة
كفاه فى النية ان ينوى الاتيان بالنافلة المندوبة امتثالا لامرها فيقع الوفاء
بالنذر ولا ينافى الاستحباب وجوب الامتثال اذا تعلق به النذر ولذا يعد قولنا قد
يجب امتثال الامر الاستحبابى اذا كان منذورا من احسن العبارات بل يمكن ان يقال انه
لو نوى ان ياتى بالنافلة المنذورة لوجوبها لم يتحقق منه الوفاء بالنذر ووجب عليه
الاعادة وما ذكرناه وان كان مخالفا لظاهر كلام القوم الا انا لا نخشى وحشة
الانفراد اذا ساعد الدليل على اثبات المراد وعمدة الداعى
الى ما ذكروه حسبان ان متعلق النذر عين متعلق الحكم ويكفى فى دفع ذلك بداهة
تغاير متعلق الحكم وامتثاله ولذا اتفقوا على وجوب الامتثال عقلا بل حكموا باستحالة
تعلق الحكم المولوى الشرعى به فاذا كان هو المنذور ولا مانع من تعلق النذر به عقلا
وشرعا فلا محذور بالضرورة ومن تصفح نذر الناذرين او التفت الى نذر نفسه قطع بصحة
ما ذكرناه بالوجدان ورأى حسن وجهه بالعيان هذا واما اجتماع الوجوبين فى الفرد
الجامع لعنوانى العامين من وجه كالعالم الهاشمى فلو قيل بانه وجوب واحد لكن من
جهتين لم يكن بعيدا لكن ذلك مبنى على تحقيق مسئلة تداخل الاسباب ولا يليق هذا
المختصر بالتعرض لها فالاعراض اولى فافهم واغتنم هذا آخر الكلام فى هذا الدليل (ومنها ان اهل العرف
يعدون من اتى بالمأمور به فى ضمن الفرد المحرم مطيعا وعاصيا من وجهين فاذا امر
المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون فى مكان خاص كما مثل به الحاجبى والعضدى
فلو خاطه فى ذاك المكان عد مطيعا لامر الخياطة وعاصيا للنهى عن الكون فى ذلك
المكان وفيه مضافا الى) امكان (المناقشة
فى المثال بانه ليس من باب الاجتماع ضرورة ان الكون المنهى عنه غير متحد مع
الخياطة وجودا اصلا كما لا يخفى المنع الا عن صدق احدهما اما) صدق (الاطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب
الامر او) صدق (العصيان فيما غلب
جانب النهى لما عرفت من البرهان على الامتناع) قلت هذا الطريق فى الرد غير مستحسن لان مدعى الصدق
العرفى اما ان يسلم له ذلك ويرد بانه كاشف عن اختلاف الموضوع او ينكر عليه الصدق
العرفى واما انكار الصدق العرفى استنادا الى الامتناع العقلى فهو فى غير محله جدا
والصواب فى الجواب ان يقال ان الامر والنهى ان كان متعلقهما ما ذكر فى هذا المثال
فالصدق مسلم والموضوع مختلف بحسب الوجود عقلا وهو واضح وعرفا لفرض الصدق وان كان
متعلقهما نحوا آخر بان امره بالخياطة ونهاه عن الخياطة فى ذلك المكان المخصوص
فالصدق ممنوع ومدعيه كاذب مكابر وكيف يعد العرف من اتى بنفس الفعل المنهى عنه
مطيعا وكذا لو امره ان يخيط ونهاه عن ان يصدر منه فعل فى هذه الدار فلو خاطه فى
تلك الدار فلا يسع المستدل دعوى الصدق المذكور ايضا كما لا يخفى (نعم لا بأس بصدق
الاطاعة بمعنى حصول الغرض) وصدق
(العصيان) كليهما (فى التوصليات) إلّا انه خارج عن محل الكلام لعدم اجتماع الحكمين ولا
الطاعة والعصيان الحقيقين (واما
فى العبادات) فلا يتاتى مثل ذلك فيها ضرورة اشتراطها بالقربة وهى عين قصد الامتثال (فلا يكاد يحصل الغرض
منها) الا مع هذا
القصد فكيف يفرض صدق الطاعة بمعنى حصول الغرض لا بمعنى الامتثال هذا يناء على عدم
كفاية المحبوبية واما بناء على كفاية المحبوبية فى صدق الطاعة بمعنى حصول الغرض
فلا يمكن ذلك (الا
فيما صدر من المكلف حال كونه فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه كما تقدم) ضرورة تضاد المبغوضية مع المحبوبية التى كان قصدها
كافيا فى تحصيل الغرض (بقى
الكلام فى حال التفصيل من بعض الاعلام وهو القول بالجواز عقلا والامتناع عرفا) وكانه عكس ما تقدم استنادا الى ما قدمنا الاشارة اليه
من ان العقل وان جوز الاجتماع بتدقيق النظر وادراك تغاير متعلقى الحكمين إلّا ان
العرف لعدهم المتعلق واحدا لم يفهموا من دليلى الحكمين شمولهما لمحل تصادق
العنوانين فلا يحكم بالصحة مطلقا لا على الجواز ولا على الامتناع لانها فرع الشمول
لفظا والمرجع فى الشمول اللفظى هو العرف وقد عرفت عدم الشمول عندهم وهذا معنى حسن
من القائل بالجواز عقلا (و) ليس (فيه) ما افاده قده (من انه لا سبيل للعرف فى الحكم بالجواز
والامتناع الا طريق العقل فلا معنى لهذا التفصيل الا ما اشرنا اليه من النظر
المسامحى الغير المبتنى على التدقيق والتحقيق وانت خبير بعدم العبرة به بعد
الاطلاع على خلافه بالنظر الدقيق وقد عرفت فيما تقدم ان النزاع ليس فى خصوص مدلول
صيغة الامر والنهى بل فى الاعم) من ذلك ومما دل عليه اجماع او عقل (فلا مجال لان يتوهم
ان العرف هو المحكم فى تعين المداليل ولعله كان بين مدلوليهما) اى مدلولى الامر والنهى (حسب تعينه) اى تعين المدلول عرفا (تناف) يقضى بانهما (لا يجتمعان) اى المدلولان (فى) مصداق (واحد وان كان العقل يرى جواز اجتماع
الوجوب والحرمة فى واحد بوجهين) فيحكم لاجل ذلك بالامتناع عرفا والجواز عقلا لما عرفت
من ان المرجع فى تعيين المداليل هو العقل لا العرف هذا ما افاده قده فى رد القول
بالتفصيل وقد عرفت ما فيه فان العقل ليس فى دليله تعلق الحكم بعنوانين
وانما يحكم على كل شيء بما يقتضيه فى ذاته فانما يرجع اليه فى حكم المسألة
لا فى موضوعها واما الاجماع فان كان معقده عنوانين بما هما كذلك فالمرجع فى
دلالتهما العرف ايضا وان لم يكن كذلك فلا دخل له فى موضوع المسألة وبالجملة موضوع
المسألة تعلق الحكم بعنوانين بينهما العموم المطلق او من وجه وهذا امر مرجعه الى
العرف وانما يرجع الى العقل فيه بعد فهم الشمول عرفا لمورد التصادق اما مع عدم
الشمول فلا حاجة للرجوع الى العقل نعم نفس جواز اجتماع المتضادين فى واحد ذى وجهين
مسئلة من المسائل العقلية إلّا انها غير مثمرة ثمرة فرعيه بعد فرض عدم الشمول عرفا
وان امكن عقلا بناء على الجواز (فتدبر) ولا يختلط عليك الامر والله الهادى الى سواء السبيل (وينبغى التنبيه على
امور الاول) لا شبهة فى ان حرمة المحرمات قد خصصت عقلا وشرعا بالا ما اضطررتم اليه
وان كانت دائرة الاضطرار شرعا اوسع منها عقلا لكن يجب ان يعلم (ان الاضطرار الى
ارتكاب الحرام وان كان يوجب ارتفاع حرمته و) ارتفاع (العقوبة عليه مع بقاء ملاك وجوبه) وهو الاضطرار (لو كان) هذا الملاك (مؤثرا له) اى للوجوب ضرورة عدم المزاحم بعد الارتفاع فيؤثر اثره (كما اذا لم يكن) ما اضطر اليه (بحرام) وهذا مسلم (بلا كلام إلّا انه فى) خصوص (ما اذا لم يكن) حصول (الاضطرار اليه بسوء الاختيار) وذلك (بان يختار) من فعل الحرام النفسى او الغيرى (ما يؤدى اليه) اى الى الاضطرار (لا محاله) كان يشرب الخمر مثلا حتى تمضى مدة بها يضطر الى شربه
لما يعتريه من ضرر الترك او يدخل على سلطان او مطلق الظالم مع علمه بانه بعد
الدخول لا محيص له عن شرب الخمر ففى امثال هذه الصور لا ريب فى انه بهذا الشرب
الذى قد اضطر اليه عاص للخطاب مستحق للعقاب (فان الخطاب) حال الاضطرار بالنهى عن الشرب و (بالزجر عنه حينئذ وان
كان ساقطا) لكن لا لحصول
الاضطرار بل لمعصية الخطاب الاول الذى تعلق به وقد كان مختارا فى الفعل والترك فان
معصية الخطاب الزجرى فى الافعال المندرجة او المرتبة فى الوجود تسبيبا او توليدا
او اعدادا او لزوما اتفاقيا هى الاقدام على مبادى هذه الافعال فاذا تحقق العصيان
سقط الخطاب وثبت العقاب (إلّا
انه)
سقوط لا يترتب عليه اثر اصلا لانه (حيث يصدر عنه) هذا الفعل الذى الجأه اليه سوء الاختيار (مبغوضا) ومؤاخذا (عليه وعصيانا لذاك الخطاب ومستحقا عليه
العقاب لا يصلح لان يتعلق به الايجاب وهذا فى الجملة مما لا شبهة فيه ولا ارتياب) بين كافة الاصحاب (وانما الاشكال فيما اذا كان ما اضطر
اليه بسوء اختياره مما ينحصر به التخلص عن محذور الحرام كالخروج من الدار المغصوبة
فيما اذا توسطها بالاختيار) غاصبا عاديا للشك (فى كونه منهيا عنه او مامورا به مع
جريان حكم المعصية عليه او) كذلك (بدونه فيه اقوال هذا بناء على الامتناع
واما على القول بالجواز) والاجتماع (فعن
ابى هاشم انه مامور به ومنهى عنه واختاره الفاضل القمى ناسبا له الى اكثر
المتأخرين وظاهر الفقهاء) وعندى فى المسألة اشكال اقربه الوجوب وتحقيق ذلك ان
المحرم انما هو التصرف فى مال الغير عدوانا وبغير طيب نفسه فلا يفرق الحال ويختلف
باختلاف الخصوصيات المشخصة بين جميع الانواع والانحاء اذا صدق عليها هذا العنوان
وكان من الامور الاختيارية سواء كان اختياريا بنفسه او بالواسطة غير ان ما كان
اختياريا ومقدورا بالواسطة على قسمين احدهما ما كان من الآثار المعلولة لما تقدمها
من العلل بحيث لا يبقى للفاعل بعد ايجاد علتها نحو من انحاء الاختيار فى وجودها
وذلك كجميع المسببات بالنسبة الى اسبابها ومنها حركة الحبل المترتبة على تحريك
اوله فلو كان الحبل ملكا للغير وتصرف فيه من دون رضى المالك فحرك اوله كانت جميع
الحركات المترتبة على الحركة الاولى تصرفا حراما ثانيهما ما كان من قبيل الافعال
المترتبة بحسب الوجود وضعا وطبعا من غير تحقق علية ومعلولية بينها كالخروج المرتب
على الدخول والاياب المترتب على الذهاب واليقظة المترتبة على النوم وهكذا وفى هذا
القسم يختلف الحال باختلاف العنوان فان كان المتصرف قد قصد التصرف فى مال الغير
عدوانا فدخل وخرج كان حكم الخروج حكم الدخول وان لم يكن قادرا بعد الدخول على عدم
التصرف العدوانى لو اراد عدمه إلّا انه كان قادرا على ذلك قبل الدخول فاقدامه موجب
للعصيان والعقاب وان سقط بهذا العصيان حال الخروج عنه الخطاب وهذا القصد اعنى قصد
التصرف
العدوانى لا يكفى وحده فى ذلك ما لم يتحقق فيه الخروج المعنون بعنوان
الدخول كما لا يكفى فى نفس الدخول لان قصد الحرام لا يعطى حكم فعله وقد حقق ذلك فى
محله واما لو كان قد قصد ذلك من اول الدخول وبعد الدخول ندم على فعله واراد
الاقلاع عنه والتخلص منه فهو وان كان ذا قدرة واختيار قبل الدخول فى ترك التصرف
الخروجى وقد سلب عنه الاختيار بعد الدخول بسوء اختياره إلّا انه لم يسلب عنه
الاختيار فى تبديل عنوان الخروج القبيح المحرم بعنوان آخر حسن محتم ضرورة انك قد
عرفت ان المحرم هو الخروج بعنوان كونه تصرفا فى مال الغير عدوانا فلو ندم واراد
الخروج بعنوان كونه تخلصا فلا ريب فى حسنه وفى طيب نفس المالك به ورضاه بل وامره
فان كل مالك يأمر الغاصب الداخل بالخروج عن ملكه فان لم يأمره لفظا فهو يريده قلبا
غاية الامر ان الغاصب اذا قصد بخروجه ما قصد بدخوله من العنوان اثم وكان حكمهما
واحدا واما اذا ندم وقصد بالخروج امتثال امر المالك او مطابقة ارادته فلا ينبغى
الشك فى انه جاء بامر حسن ثياب عليه اما بنفسه او بسبب ما يترتب عليه من ترك
التصرف فى مال الغير عدوانا فالاذن مع الانحصار كانه مقطوع بها حتى لو قال المالك
له اخرج من دارى وانت غير مأذون بالخروج اولا ابيح لك هذا التصرف وقد علم منه
الندم وانه لم يقصد به الا التخلص لعده العقلاء سفيها وبالجملة فالافعال المحرمة
بعناوين خاصته المباحة بعناوين اخرى تتبع ذلك العنوان فى الحكم سواء كان وجودها
بنفسه اختياريا او بالواسطة لان اختيارية العنوان لا تكون بالواسطة ابدا ومن هنا
ذكر المحققون من الفقهاء ان القاصد بسفره المعصية يتم فى الذهاب والاياب ما لم يكن
حال الرجوع نادما تائبا فانه يقصر ومنهم من اطلق القصر حال الرجوع نعم ربما يثبت
بالقصد الاول عليه حكم التجرى المعفو عنه لانه بالقصد فقط فظهر بما ذكرنا عدم كون
حرمة الخروج معلقة على ارادة المكلف غيره وهو البقاء وعدم كون عدم حرمته معلقا على
ارادته تخلصا لما عرفت من ان الخروج بما هو خروج غير محرم وانما المحرم هو التصرف
العدوانى وغير المحرم هو التصرف تخلصا من التصرف العدوانى ومن المعلوم تضاد هذين
العنوانين فلا يمكن ان يكونا مجتمعين
وكون المقصود قبل الدخول هو العنوان المحرم لا يلزمه الوقوع خارجا ما لم
يوقعه المكلف بذاك القصد والخروج من حيث كونه خروجا وان كان قهريا على المكلف فعلا
إلّا انه بعنوانه المحرم ليس قهريا بل اختياريا بلا واسطة فالمقصود من قولهم اذا
حصل الاضطرار بسوء الاختيار هو حصوله بالنسبة الى نفس الخروج الصادق عليه مطلق
التصرف فى مال الغير ومثله الكلام فى شرب الخمر مثلا فانه اذا انتهى الى ان يكون
تركه مقطوع الضرر ولكن القصد متحد من المبدا الى المنتهى وكان حكم المبدا والمنتهى
واحدا من حيث الحرمة والعقوبة واما لو ندم الشارب وناب ولم بقصد بشربه إلا دفع
الضرر فلا ينبغى الاشكال فى وجوبه وعدم الحرمة لوجوب حفظ الصحة عليه فعلا مع
انحصار المقدمة كما لو اضطر اليه ابتداء ومما يزيد المطلب وضوحا النظر الى صورة
العكس وهى ما لو وجب عليه الدخول فى ملك الغير لانقاذ نفس محترمة فقصد التصرف
العدوانى بمعنى انه اعرض عن كونه مأذونا فيه من جانب المالك الحقيقى تبعا للاذن فى
الدخول وقصده بما هو تصرف عدوانى اذن المالك او لم ياذن فلا شك فى انه فعل حراما
وكذا لو شرب الخمر لدفع المرض الحالى ثم انتهى الى تضرر المزاج بتركه حال ارتفاع
الضرر الذى شربه لاجله فاعرض عن ذلك وقصد شربه للتلذذ على كل حال كان تركه مضرا او
لم يكن فانه لا ينبغى الشك فى حرمته لا يقال لو صح ما تقول لم يتحقق فى مورد من
الموارد موضوع التجرى ضرورة ان كل قادم على المخالفة لا بد من ان يقصد بفعله
العنوان فلا مورد لانكشاف الخلاف فمن اقدم على قتل نفس بعنوان انها مؤمنة فقد قصد
فعلا محرما وهو الفعل المعنون بانه قتل مؤمن فانكشاف انها كافرة لا يجدى شيئا لان
الفعل المعنون بذلك لم ينكشف خلافه فكل معصية حكمية بناء على ان التجرى كذلك تكون
معصية واقعية وهو باطل جزما والمقام من هذا القبيل فان الخروج المتعقب للدخول
المحرم محرم واقعا والاتيان به بقصد التخلص لا يقلب واقعه عما هو عليه والخروج
المتعقب للدخول الواجب مباح واقعا وقصد العدوان فيه لا يقلب واقعه كذلك وهكذا
الحال فى ساير الموارد لانا نقول انا قد اشرنا الى ان الافعال على نحوين منها ما
يكون واقعها عين وقوعها ولا
دخل للقصد فيها كقتل المؤمن والكافر ووطاء الزوجة والأجنبية واكل مال النفس
ومال الغير وغير ذلك ومنها ما يكون واقعه متقوما بقصد عنوانه بحيث لا واقع للخالى
عن القصد كالظلم والتأديب والإهانة والتعظيم والعدوان والطيب وغير ذلك فاما النحو
الاول فيتبع الحكم واقعه والقصد لا دخل له فاذا لبس الفعل المعنون واقعا بانه وطاء
أجنبية عنوان فعل آخر وهو وطاء الزوجة بالقصد لم يتغير واقع الفعل عما هو عليه من
الحكم ولم يوجب انكشاف الخلاف الا تحقق التجرى فيترتب عليه حكمه واما النحو الثانى
فليس كذلك لان واقعه هو قصده فمن ضرب اليتيم ظلما وتشفيا فقد جاء بالمحرم الواقعى
وان انكشف تأثير ضربه للتأديب ومن قصد بخروجه لاستقبال ولى الله التفرج والاستهزاء
كان كذلك وان انكشف ترتب التعظيم عليه ولو بتكثير السواد والمقام من هذا القبيل
لما عرفت من ان موضوع الحرمة ليس هو مطلق التصرف فى مال الغير بل التصرف عدوانا
وبغير طبب نفسه فاذا دخل فى الدار عدوانا ثم ندم واراد التخلص فاما ان يكون النهى
عن الغصب المتحقق ببقائه فى الدار موجودا فعلا اولا وبعبارة اخرى النهى الشرعى عن
الغصب بالتصرف المغاير لما وقع منه من الدخول وهو البقاء فى الدار اما ان يكون
متوجها الى المكلف ومنجزا عليه اولا وعلى الاول فمع انحصار المقدمة بالخروج فان
كان محرما لزم سقوط الواجب وهو ترك البقاء ضرورة انه تكليف بما لا يطاق لان القدرة
على الامتثال منحصرة فعلا بالمحرم وان كان واجبا ثبت المطلوب وعلى الثانى فمع انه
خلاف الاجماع القطعى يلزم جواز البقاء وإلّا لزم ارتفاع النقيضين وهو كما ترى فليس
المقام من باب ان التخلص بارتكاب اقل القبيحين لازم عقلا عند دوران الامر بينهما
وكلما كان من هذا القبيل موضوعا ساواه حكما وكلما كان من قبيل النحو الاول فكذلك
والمناقشة فى بعض الأمثلة ليست من دأب المحصلين وثانيا ان اللازم غير باطل وقد ذهب
جمع من المحققين الى ثبوت عقاب نفس الواقع على المتجرى والمقصود من انكشاف الخلاف
لا من حيث المعصية بل من حيث مخالفة الواقع للمقصود وهذا غير ضائر فيما هو المطلوب
من تبعية
العقاب للعنوان المقصود ولذا لا يثبت العقاب فى صورة العكس وهى ما لو قصد
العنوان الحسن المباح وكان واقعه القبيح المحرم هذا غاية ما يمكن ان يقال فى توضيح
الاشكال من هذه الجهة الموجب لو خلى ونفسه لتمامية الاستدلال على الوجوب ومن ان
التأمل يقضى بان الاصح ان الافعال ليس فيها ما يكون الواقع تابعا للقصد فيه حتى
مثل التأديب والتعظيم وانما تحتاج هذه الامور وامثالها الى القصد لاشتراك عنوانها
بين آثار مختلفه محتاجة فى تميز ما يؤتى به منها الى القصد فمثل الضرب بمقدار خاص
وكيفية خاصة تارة يؤثر فى المضروب التأديب وتارة لا يؤثر إلّا ايذائه فاذا ضربه
بقصد الايذاء لا غير وترتب عليه التأديب فلا ينبغى الاشكال فى انه انما حصل منه
التجرى ولم يقع منه الا الضرب المؤدب المحبوب للمولى ومن هنا يقال قصدت الإهانة
والتعظيم او التأديب ولو كانت الإهانة اسما للفعل المقصود به انقاص الغير والتعظيم
عكسه لزم ان يكون قول قصدت الإهانة لغوا لانها اسم لمعنى جزئه القصد حسب الفرض هذا
مع ما عرفت فيما تقدم من محذور اخذ القصد جزء فى معانى الالفاظ هذا مع ان التصرف
فى مال الغير بغير اذنه معنى له واقع بنفسه وهو حرام وقصده بعنوان آخر لا يغير
واقعه ولا حكمه ومن المعلوم بالضرورة انه بعد ما تنجز النهى عن الغصب كان الدخول
بجميع ما يترتب عليه منهيا عنه ومقدورا للمكلف الانتهاء عنه فاذا خالف ودخل فقد
فعل الحرام بالدخول وما يترتب عليه مما بعده بقاء وخروجا غاية الامر انه لما قصد
التخلص والانتهاء بالنهى عما لم يات به من الانحاء المترتبة المحرمة عليه بالتحريم
السابق قبل الدخول حكم عليه العقل باختيار الخروج لانه اقل عقابا فهذا هو واقع
المسألة وما ذكر من التقرير فهو مغالطة اذ ليس للمكلف نهى جديد عن البقاء فى الدار
قد توجه اليه وتنجز عليه بعد الدخول وانما هو النهى السابق وقد خالفه بقاء وخروجا
فوقع بين محذورين يلزم العقل بارتكاب اقلهما قبحا لو اراد التخلص مما وقع فيه وما
ذكر من التأييد بصورة العكس فهو ادل على العكس للقطع بان من وجب عليه الدخول فى
ملك الغير لاستنقاذ نفس محترمة قد ابيح له الخروج فلو قصد بخروجه كل مقصد
لم يكن ذلك رافعا لاباحته غاية الامر ان بعض القصود بنفسها محظورة كما لو
وطاء زوجته بقصد انها أجنبية بمعنى ان يلقى فى خياله ووهمه انها فلانه بنت فلان
ويخطر فى خياله تصور ما عند تلك من جارحه وجانحه ومثلها القصود التى تنبئ عن كونه
معارضا لمولاه وهذا لا دخل له فى اصل الخروج وكذلك مثال الخمر واما الندم فغاية ما
يمكن ان يقال انه مؤثر فى العفو عن العقوبة على فعل الحرام لا فى رفع حرمته فنلتزم
فى المقام بسقوط العقاب للندم لا بحصول الثواب للوجوب اللهم إلّا ان يجاب عن ذلك
كله بان كون الإهانة اسما للانقاص المقصود لا شك فيه ولا دخل له فى اخذ القصد فى
معانى الالفاظ بل ذاك مقام آخر كما هو واضح وان المفروض كون الخروج بعد الندم وقد
تحقق ان الندم يوجب سقوط عقاب الحرام الذى وقع من المكلف فالخروج لا خطاب به كما
اعترف بذلك الخصم ولا عقاب عليه لفرض تحقق الندم المسقط لعقاب ما وقع فضلا عما يقع
وانما يثبت عقابه بالتبع فحينئذ يكون الخروج لا حراما ولا مبغوضا فيجب لا محاله اذ
لا واسطة فالحق ان المسألة فى غاية الاشكال ونهاية الاعضال وان كان الاقرب ما
ذكرناه من الوجوب وفاقا لشيخنا المرتضى لا ما اختاره المصنف اعلى الله مقامه فيها
حيث ذهب (الى
انه منهى عنه بالنهى السابق الساقط بحدوث الاضطرار والعصيان له بسوء الاختيار ولا
يكاد يكون) الخروج بعد
الدخول والاخراج بعد الادخال والايلاج والاياب بعد الذهاب وغير ذلك مما يترتب فيه
فعل على مثله يحسب الوجود (مأمورا
به) ومحبوبا
ومطلوبا (كما
اذا لم يكن هناك توقف عليه او كان ولكن بلا انحصار به وذلك ظاهر ضرورة انه حيث كان
قادرا على ترك الحرام رأسا) بترك الدخول بالنسبة الى الخروج كترك مقدمات الدخول
بالنسبة الى نفسه (لا
يكون عقلا معذورا فى مخالفته فيما اضطر الى ارتكابه بسوء اختياره) وهو الخروج (ويكون معاقبا عليه) على حد ساير المعاصى التى جاء بها بواسطة او بلا واسطة
كما لا يكون معذورا فى مخالفته (اذا
كان ذلك بلا توقف عليه) او كان (مع
عدم الانحصار به ولا يكاد يجدى توقف) الانتهاء عن الغصب عليه
(وانحصار
التخلص عن الحرام به لكونه بسوء الاختيار) فلا يرفع حرمته الاضطرار (فان قلت كيف لا يجديه
ومقدمة الواجب واجبة قلت انما تجب المقدمة لو لم تكن محرمة ولذا لا يترشح الوجوب
من الواجب الا على ما هو المباح من المقدمات دون المحرمة مع اشتراك الكل فى
المقدمية واطلاق الوجوب) مع فعليته على جميع التقادير بحيث (ربما يترشح منه الوجوب عليها مع انحصار
المقدمة بها) كما لو توقف استنقاذ النفس المحترمة على الدخول فى ملك الغير ويرتفع عنها
حكم الحرمة (انما
هو فيما اذا كان) ادراك فعل (الواجب
اهم من ترك المقدمة المحرمة والمفروض هاهنا وان كان ذلك) ضرورة ان التخلص عن الغصب اهم من ترك الخروج وهو
المقدمة المحرمة (إلّا
انه كان) الوقوع فيه (بسوء الاختيار ومعه
لا يتغير) الخروج (عما هو عليه من
الحرمة والمبغوضية وإلّا لكانت الحرمة معلقة على ارادة المكلف واختياره لغيره وعدم
حرمته) معلقا على
ارادته (مع
اختياره له) فيكون الخروج محرما عليه اذا اراد البقاء بعد الدخول وواجبا اذا اراد
التخلص (وهو
كما ترى) اذ لا يعقل
تعليق الحرمة والوجوب على مثل الارادة المزبورة (مع انه) اى التعليق المذكور (خلاف الفرض) وهو (ان الاضطرار يكون بسوء الاختيار) فان معنى هذه العبارة ان اضطراره الى الخروج الذى هو
تصرف محرم فى نفسه صار بسوء ما اختاره من الاقدام على التصرف بالدخول ومن المعلوم
ان ذلك ينافى كون الحرمة معلقة على الارادة اذ مع ذلك لا يتحقق مورد للاضطرار الى
المحرم كما لا يخفى (فان
قلت ان التصرف فى ارض الغير بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا اشكال ولا كلام
واما التصرف بالخروج الذى يترتب عليه رفع الظلم ويتوقف عليه) الواجب وهو (التخلص عن التصرف بالحرام فهو ليس بحرام
فى حال من الحالات) قبل الدخول وبعد الدخول بل حاله (مثل شرب الخمر المتوقف عليه النجاة من
الهلاك فى الاتصاف بالوجوب فى جميع الاوقات سواء كان الاضطرار اليه ابتدائيا او
بسوء الاختيار ومنه يظهر المنع عن كون) جميع انحاء التصرف مثلا حراما قبل الدخول (وانه)
منجز عليه التكليف بترك الكل لانه [يتمكن من ترك الجميع حتى الخروج] فعلا ولا يشترط فى تنجيز التكليف ازيد من ذلك [وذلك لانه لو لم يدخل] لما كان متمكنا من الخروج وتركه لتوقف تحقق موضوع
الخروج على الدخول [وترك
الخروج بترك الدخول رأسا ليس فى الحقيقة الا ترك الدخول] لما قد عرفت من انه قبل الدخول لا موضوع للخروج ليترك [فمن لم يشرب الخمر
لعدم] اداء شربها
الى [وقوعه
فى المهلكة التى] لا محيص له غير انه (يعالجها
به) ايضا [مثلا لم يصدق عليه
إلّا انه لم يقع فى المهلكة لا انه ما شرب الخمر فيها) اى فى المهلكة نظرا الى ترك الشرب المودى اليها فلا
يصدق ترك الخروج او ترك شرب الخمر فى المهلكة (الا على نحو السالبة المنتفية بانتفاء
الموضوع كما لا يخفى وبالجملة لا يكون الخروج بملاحظة كونه مصداقا للتخلص عن
الحرام او سببا له الا مطلوبا) ومحبوبا (ويستحيل ان يتصف بغير) المطلوبية و (المحبوبية ويحكم عليه بغير المطلوبية
قلت هذا غاية ما يمكن ان يقال فى تقريب الاستدلال على كون ما ينحصر به التخلص من
الحرام مأمورا به وهو موافق لما افاده شيخنا العلامة اعلى الله مقامه على ما فى
تقريرات بعض الأجلة) قلت قد عرفت كيفية تقريب الاستدلال على وجه لا مزيد عليه وهو الغاية فى
التقريب ومنه تعرف ما فى كلمات المصنف قده لكن مع ذلك كله يمكن ان يقال فى تقوية
مختار المصنف ان الغاصب لما بنى على العصيان ابتداء بفعل ما نهى عنه من انحاء
التصرف العدوانى بمقدماته ودخل فى ملك الغير فلا محيص له عن احد امرين من البقاء
واللبث فيه او الخروج والنهى قد سقط بالعصيان بالنسبة الى الخروج وما يساويه زمانا
من البقاء واما بالنسبة الى ما زاد فهو وان كان متمكنا من تركه بالخروج إلّا انه
لعصيانه بالخروج لانه هو اوقع نفسه فى ذلك اسقط قدرته على البقاء الزائد المأمور
به شرعا باسقاطه لقدرته على الاتيان بالمقدمة على وجهها الشرعى فالنهى عن البقاء
الزائد قد اسقطه ايضا بعصيانه فى المقدمة فهو كمن سلب نفسه القدرة على الطهورين فى
الوقت بناء على سقوط الصلاة عن فاقدهما او على الزاد والراحلة المباحين فلم يقدر
الا على المحرم
منهما فيسقط الخطاب بالحج حينئذ بفعله ويترتب عليه عقابه فلم يبق فى المقام
نهى شرعى عن فعل او وجوب شرعى لترك غاية الامر انه لما بنى على التخلص ورفع اليد
الزمه العقل بالخروج لانه اقل ضررا من البقاء ومن المعلوم انه اذا توفق الخلاص عن
كثير الضرر على ارتكاب قليله لزم ووجب عقلا وهذا معنى ما يقال من جواز ارتكاب اقل
القبيحين فليس المراد الجواز الشرعى فانه لا يتعلق الجواز شرعا إلّا بما لا قبح
فيه اما ابتداء او بعروض جهة حسن ساترة لجهة القبح او مزيله او غالبه او ما شئت
فعبر فلذا حيث يكون الاضطرار لا بالاختيار يرفع ذلك حرمة المحرمات ولا يعقل ارتفاع
الحكم مع تحقق جهة اقتضائه بل يكون رفعه كاشفا عن انكسار تلك الجهة ومغلوبيتها
ومقهوريتها لجهة الحسن الطارئة فعلم بافصح البيان واوضح البرهان ان الواجب هو ترك
الغصب والتخلص من فعل الحرام وان الخروج غصب والبقاء غصب ولا يتحقق امتثال الواجب
إلّا بتركهما معا غير ان المكلف بسوء اختياره لم يتمكن من ذلك وانما يتمكن من ترك
احدهما وارتكاب الآخر والعقل الزمه بترك اكثرهما قبحا وضررا فترك البقاء وارتكب
الخروج فمن اين جاء الوجوب والاباحة وتعلقا به والمراد من قولهم ان التخلص واجب
وهو موقوف على الخروج لانحصاره به هو توقف امتثال النهى عن الغصب والامر بتركه على
ذلك لان الخروج والبقاء وتركهما جميعا فى مرتبة واحدة فلا توقف لبعضها على بعض
وامتثال كل امر ونهى لا يتحقق إلّا باتيان المأمور به وترك المنهى عنه فما افاده
المصنف قده فى الحاشية المعلقة على قوله فى اول المسألة كما اذا لم يكن هناك توقف
بما لفظه لا يخفى انه لا توقف هاهنا حقيقة بداهة ان الخروج انما هو مقدمة للكون
خارج الدار لا مقدمة لترك الكون فيها الواجب لكونه ترك الحرام نعم بينهما ملازمة
لاجل التضاد بين الكونين ووضوح الملازمة بين وجود الشىء وعدم ضده فيجب الكون فى
خارج الدار عرضا لوجوب ملازمه حقيقة فتجب مقدمته كذلك وهذا هو الوجه فى المماشاة
والجرى على ان مثل الخروج يكون مقدمه لما هو الواجب من ترك الحرام فافهم لم اعرف
توجهه
الى اى طائفة فان التأمل فى كلام الكل يعطى ان مثل الخروج مقدمة لتحقق
امتثال ترك الحرام كترك البقاء لا انه مقدمة لنفس الترك على حد ساير المقدمات
فيحتاج الى التوجيه بجعل الخروج مقدمة لواجب عرضى وهو الكون خارج الدار الملازم
لواجب حقيقى وهو ترك البقاء فيها فيكون وجوب الخروج الذى هو مقدمه ان نسب الى
الكون خارج الدار عرضيا وان نسب الى ترك البقاء حقيقيا وفيه ما لا يخفى من التمحل
فقد استبان بنير البرهان (ان
ما به التخلص عن فعل الحرام او ترك الواجب انما يكون حسنا عقلا ومطلوبا شرعا
بالفعل وان كان قبيحا ذاتا) اذا عرضت الجهة المحسنة له بسبب الاضطرار او الغالبة
لجهة القبح الذاتى وذلك فيما (اذا
لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره) بين امرين لا محيص عن ارتكاب احدهما (اما فى الاقتحام فى
ترك الواجب) وهو التخلص (وفعل
الحرام) وهو البقاء (واما فى الاقدام على
ما هو قبيح وحرام لو لا) ان به (التخلص
بلا كلام) وهو الخروج (كما هو المفروض فى
المقام ضرورة تمكنه منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره وبالجملة) فنسبة الترك الى التصرف العدوانى الغصبى بما هو كذلك
مع قطع النظر عن اختلاف عناوين افراده قبل التلبس نسبة حقيقية فمن لم يدخل ملك
الغير بغير اذنه فقد ترك الغصب بعنوانه الكلى حقيقة وان كانت مصاديقه متدرجة
ومترتبة فى الوجود وترك مثل ذلك يحصل حقيقة بترك التلبس واما اذا نسب الترك الى
خصوص افراده وخولا وخروجا وبقاء اختلف موضوع القضية السلبية قهرا فبالنسبة الى
الدخول تكون بانتفاء المحمول وبالنسبة الى الخروج والبقاء تكون بانتفاء الموضوع
إلّا ان ذلك لا يكون فارقا فيما هو المهم من كونه قد وقع بسوء اختياره فيما حرم
عليه فعله ووجب تركه ضرورة انه (كان
قبل ذلك متمكنا من التصرف خروجا كما يتمكن منه دخولا غاية الامر) انه (يتمكن منه) دخولا (بلا واسطة ومنه) خروجا (بالواسطة ومجرد عدم التمكن الا بواسطة
لا يخرجه عن كونه مقدورا كما هو الحال فى البقاء] فانه مقدور بالواسطة لا بنفسه (فكما يكون تركه
مطلوبا فى جميع
الاوقات
فكذلك الخروج) فلا وجه لتخصيص الخروج المتوقف عليه رفع الظلم بعدم الحرمة فى حال من
الحالات (مع
انه مثله فى الفرعية على الدخول فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته) اى البقاء (قبله) اى قبل الدخول (وبعده كذلك) الخروج (لم تكن) الفرعية (مانعة عن مطلوبيته) كذلك (وان كان العقل يحكم بلزومه وترك البقاء
ارشادا الى اختيار اقل المحذورين واخف القبيحين) فذلك لا يوجب لزومه شرعا وحسنه عقلا مطلقا قبل الدخول
وبعده فلا يكون مشمولا لقوله لا تغصب مع انه لا مانع عن الشمول اصلا لا شرعا لانه
تصرف عدوانى ولا عقلا لانه مقدور (ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا
عن المهلكة وانه انما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار اليه بسوء
الاختيار وإلّا فهو على ما هو عليه من الحرمة) وان تضرر بتركه (وكان العقل يلزمه ارشاد الى ما هو اهم
واولى بالرعاية) وهو شربه علاجا مع كونه على ما هو عليه (لكون الغرض فيه) اى فى الشرب المترتب عليه حفظ النفس (اعظم من ترك الاقتحام
فيما يؤدى الى هلاك النفس او شرب الخمر لئلا يقع فى اشد المحذورين منهما) وبعبارة اوضح ان ترك الاقتحام فيما يؤدى الى الهلاك
والشرب انما وجب لئلا يقع المقتحم فى اشد المحذورين فهذا هو الغرض فى وجوبه ومن
المعلوم ان الغرض فى لزوم الشرب بعد الاقتحام والوقوع لترتب الهلاك فعلا لولاه
يكون اشد واعظم من الغرض فى لزوم ترك الاقتحام لان الرفع اقوى فى اللحاظ من الدفع (فيصدق) عند ترك الاقتحام فيما يؤدى الى احدهما [انه تركهما] كما عرفت فى صدق ترك البقاء والخروج (ولو بترك ما لو فعله
لادى لا محاله الى احدهما فيكون كسائر الافعال التوليدية) تكليفا وامتثالا (حيث يكون) اختيار فعلها و (العمد اليها بالعمد الى اسبابها واختيار
تركها بعدم العمد الى الاسباب وهذا يكفى فى استحقاق العقاب على الشرب للعلاج) لترتبه عقلا على المعصية وقد تحققت (وان كان) الشرب (لازما عقلا للفرار عما هو اكثر عقوبة) وهو اهلاك النفس (ولو سلم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة
المنتفية
بانتفاء
الموضوع) كما عرفت
تفصيله فى مسئلة البقاء والدخول (فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو
على نحو هذه السالبة و) تمكنه (من
الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع فى هذه السالبة) كالدخول فيما تقدم والشرب المودى الى احد الامرين فى
المقام فهو فعلا مختار فى المعصية والطاعة (فيوقع نفسه بالاختيار فى المهلكة) حيث يشرب (او) يوقع نفسه فى ضرر البقاء او الخروج حيث (يدخل الدار او يختار
ترك الدخول والوقوع فيها) لئلا يحتاج الى التخلص والعلاج (ان قلت كيف يقع مثل
الخروج) تخلصا (والشرب) علاجا (ممنوعا عنه شرعا ومعاقبا عليه عقلا مع
بقاء ما يتوقف عليه) وهو التخلص (على
وجوبه وذلك) غير ممكن (لسقوط
الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان الامتناع بسوء الاختيار والعقل قد
استقل بان الممنوع شرعا كالممتنع عادة او عقلا) وبعبارة اوضح كيف يمكن الجمع بين كون الخروج والشرب
محرمين والتخلص والعلاج واجبين مع وضوح سقوط الوجوب اذا انحصرت مقدمته بالمحرمة
فالاعتراف ببقاء الوجوب يلزمه الاعتراف بوجوب الخروج والشرب وعدم المنع عنهما
والمعاقبة عليهما فكيف انكرتم ذلك (قلت اولا) انه لا منافات بين بقاء الوجوب مع الممنوعية فى
المقدمة مطلقا و (انما
كان الممنوع كالممتنع اذا لم يحكم العقل بلزومه ارشادا الى ما هو اقل المحذورين
وقد عرفت لزومه بحكمه) ويكفى ذلك فى بقاء الوجوب شرعا فانه (مع لزوم الاتيان بالمقدمة عقلا لا باس
فى بقاء ذى المقدمة على وجوبه فانه حينئذ ليس من التكليف بالممتنع كما اذا كانت
المقدمة ممتنعة) هذا على ما هو ظاهر السؤال من جعل المانع عن بقاء الوجوب مع كون المقدمة
ممنوعا عنها شرعا ان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا فيكون الوجوب الباقى تكليفا بما
لا يطاق اما لو كان المراد ان بقاء الوجوب يستدعى عقلا وجوب المقدمة بناء على
الملازمة فلا يجامع ثبوت الممنوعية عنها ومع ثبوتها والانحصار يسقط الوجوب لا
محاله اذ لا يجتمع الامر بالشيء مع النهى الشرعى عن مقدمته والزام العقل بها
ارشادا انما يصحح وجوب ذيها عقلا وارشادا لا شرعا ومولويا فهو حق لا محيص عنه
وينحصر
الجواب حينئذ بما افاده (ثانيا) وهو انه (لو سلم) ان الممتنع شرعا كالممتنع عقلا مطلقا فلا نسلم سقوط
الوجوب خطابا وملاكا لعدم اقتضاء ممنوعية المقدمة ذلك (فالساقط انما هو
الخطاب فعلا بالبعث والايجاب لا للزوم اتيانه عقلا خروجا عن عهدة ما تنجز عليه
سابقا) من التكليف
بترك الانحاء كلها فلما وقع بسوء اختياره وكان قادرا على التخلص فى الجملة الزمه
العقل بدفع اشد الضررين بارتكاب اقلهما كما هو الحال فى جميع صور الدوران غير انه
فى الدوران ابتداء يكون دفع الاشد واجبا شرعيا ومثله ارتكاب الاقل لتوقفه عليه وفى
الدوران عند الوقوع بسوء الاختيار يكون الوجوب عقليا مع العقاب على المخالفة
للتكليف المنجز (ضرورة
انه لو لم يات به لوقع فى المحذور الاشد و) فى (نقض
الغرض الاهم) لو بقى فى الدار ولم يخرج او عرض نفسه للهلاك ولم يشرب (حيث انه الآن) اى التخلص (كما كان عليه اولا من الملاك والمحبوبية
بلا حدوث قصور او طرو فتور فيه اصلا وانما كان سقوط الخطاب لاجل المانع) من قبل نفس المكلف (ومن) المعلوم (ان الزام العقل به لذلك ارشادا كاف لا
حاجة معه الى بقاء الخطاب بالبعث اليه والايجاب له فعلا فتدبر جيدا) فقد حققنا لك المطلب واوضحناه بما لا مزيد عليه غير ان
الذى قضى به النظر الدقيق واستنتجه من هذه المقدمات بعد التحقيق والتدقيق هو
التفصيل فى المسألة بيان ذلك ان وجوب التخلص عن الغصب ليس بوجوب شرعى مولوى وانما
هو وجوب عقلى ناشئ عن الحرمة الشرعية المتعلقة بالفعل فان كل منهى عن فعله شرعا
يجب تركه عقلا كما ان كل مامور به شرعا محرم تركه عقلا ضرورة انحصار امتثالهما
بذلك ولا يعقل وجوب الامتثال شرعا وإلّا لتسلسل وحينئذ فان كان الخروج لمحض قصد
التخلص وامتثال النهى عن الغصب فيما ياتى الداثر امره بين البقاء والخروج من غير
ندم على ما فات فالحق ما افاده المصنف قده لما عرفته مما لا حاجة لطول الكلام
باعادته وان كان بقصد التخلص مع الندم على ما وقع منه فالحق ما افاده شيخنا المرتضى
قده لما عرفت ايضا من سقوط الخطاب على ما هو فرض المسألة والعقاب لتحقق الندم فلا
مانع من وجوبه شرعا من هذه
الجهة نعم لما كان التخلص عن الغصب عبارة عن امتثال النهى عنه وكان وجوبه
المولوى الشرعى مستحيلا عقلا فلا يعقل ان تجب مقدمته وهى الخروج شرعا فالتخلص
والخروج لا يعقل وجوبهما الشرعى على جميع الاقوال لما عرفت من التسلسل وللزوم
انحلال كل حكم شرعى من الاحكام الى حكمين شرعيين يتبعان فى التعبدية والتوصلية
منشأ الانحلال اذا لوحظ جانبا الوجود العدم وهو كما ترى لا يتفوه به ذو مسكة
فينحصر النزاع حينئذ بعد تسليم سقوط الخطاب فى كون الخروج مما يوجب العقاب من حيث
كونه بنفسه غصبا او مما يوجب الثواب من حيث كونه امتثالا للنهى عن الغصب بالبقاء
فافهم فقد حققت لك المقام بما لم اسبق اليه فيما اعلم (وقد ظهر بما حققناه) واتضح بما اوضحناه (فساد القول بكونه مأمورا به مع اجراء حكم
المعصية عليه نظرا الى النهى السابق) كما حكى عن الفخر الرازى واختاره صاحب الفصول (مع ما فيه من لزوم
اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ولا يرتفع غائلته باختلاف زمان
التحريم والايجاب) لكون التحريم (قبل
الدخول و) الايجاب (بعده كما) ذكره (فى الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق
لهما) وهو الخروج (وانما المفيد اختلاف
زمانه ولو مع اتحاد زمانهما وهذا اوضح من ان يخفى ولا يجدى فى رفع هذه الغائلة كون
النهى مطلقا على كل حال وكون الامر مشروطا بالدخول ضرورة منافات حرمة شيء كذلك مع
وجوبه فى بعض الاحوال) قلت ظاهر الفصول ان النهى الخطابى مطلق وان الامر مشروط بالدخول المسقط
للنهى فلم يجتمع الامر الخطابى مع النهى الخطابى ولم يدع اصلا ان الحرمة مطلقة حتى
فى حال الامر والامر مشروط بالدخول الذى لا ينافى ثبوت الحرمة فلاحظ كلامه فانه
صريح فى ذلك غير انه ظن ان المانع هو اجتماع ذات الخطابين فى واحد وقد غفل عن ان
المحذور هو اجتماع الملاكين وهما المبغوضية والمحبوبية واثرهما من الطالب وهما
الكراهة والارادة ومن المطلوب وهما العصيان والطاعة فما اورده المصنف من لزوم
اجتماع الحكمين الفعليين على هذا القول لا وجه له هذا (واما القول بكونه
مأمورا
به ومنهيا عنه ففيه مضافا الى ما عرفت من امتناع الاجتماع) فى هذه الصورة بالاجماع لامتناعه (فيما اذا كان
بعنوانين فضلا عما اذا كان بعنوان واحد كما فى المقام حيث كان الخروج) بعنوان كونه تصرفا فى مال الغير بدون طيب نفسه حراما
وواجبا وهو وان كان [بعنوانه
سببا للتخلص] الواجب [وكان] فى هذه الحال [بغير اذن المالك] وهو المحرم [و] لكن [ليس التخلص إلّا] امرا اعتباريا [منتزعا من ترك الحرام المسبب عن الخروج
لا عنوانا له] مستقلا متعلقا للحكم الوجوبى قلت يمكن للخصم ان يدعى ان الخروج بعنوان
كونه تصرفا مطلقا بغير اذن حرام وبعنوان كونه تخلصا وتصرفا خاصا واجب فيختلف
العنوان ضرورة انهم جعلوا من مختلف العنوان ما كان بين المامور به والمنهى عنه
العموم المطلق فيما اذا كان العموم فى جانب الامر ومن المعلوم مساواة ذلك لما اذا
كان العموم فى جانب النهى كما لا يخفى والخروج لا سببية فيه للتخلص وليس عنوان
التخلص واجبا فى دليل من الادلة حتى العقل اذ العقل لا حكم له على العنوان بما هو
عنوان وانما الواجب عقلا هو امتثال النهى والممكن منه بعد الدخول احد امرين ترك
البقاء بالخروج او ترك الخروج بالبقاء والعقل يعين الاول للامتثال لان العصيان
بالثانى اشد ضررا من العصيان بالخروج فيتعين الخروج فعلا لتحقق امتثال النهى عن
نحو التصرف البقائى فهذا واقع الحال وقد عرفت ان ذلك لا دخل له بالوجوب شرعا بعد
الاقدام والوقوع فى الاضطرار بسوء الاختيار ضرورة ان وجوب الامتثال عقلى حيث يمكن
فوجوب ما يتوقف عليه كذلك وقد مرت الإشارة الى ذلك (و) كيف كان فقد عرفت ان فيه مضافا الى ذلك [ان الاجماع هاهنا لو
سلم انه لا يكون بمحال لتعدد العنوان وكونه مجديا فى رفع غائلة التضاد] إلّا انهم قد اشترطوا للجواز مع ذلك وجود المندوحة
للزوم التكليف بما لا يطاق بدونها والمقام كذلك فانه [كان محالا لاجل كونه
طلب المحال حيث لا مندوحة هنا وذلك لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو
واجب او ممتنع ولو كان الوجوب والامتناع بسوء الاختيار] لاستحالة طلب الحاصل وطلب ما يستحيل حصوله
مطلقا [وما
قيل من ان الامتناع او الايجاب بالاختيار لا ينافى الاختيار] فهو لا ربط له بالمقام و [انما هو فى قبال
استدلال الاشاعرة للقول بان الافعال] الصادرة من العباد [غير اختيارية بقضية ان الشىء ما لم يجب
لم يوجد] فاجابهم اهل
العدل بان الايجاب بالاختيار لا ينافى الاختيار فلا دخل لهذا الايجاب ولا لمتعلقه
بالايجاب الحكمى ومتعلقه فى المقام الذى هو محل الكلام فما ذكر غلط نشاء من اشتراك
اللفظ (فانقدح
بذلك فساد الاستدلال لهذا القول بان الامر بالتخلص والنهى عن الغصب دليلان يجب
اعمالهما ولا موجب للتقييد عقلا لعدم استحالة كون الخروج واجبا وحراما باعتبارين
مختلفين اذ منشأ الاستحالة اما لزوم اجتماع الضدين وهو غير لازم مع تعدد الجهة
واما لزوم التكليف بما لا يطاق وهو ليس بمحال اذا كان مسببا عن سوء الاختيار وذلك) اما اولا فلان كل حرام يجب تركه والتخلص منه عقلا وكل
واجب يحرم تركه ويجب التخلص من تبعته كذلك وليس ذلك مما ينبغى للمحصل ان يقول فيه
انهما دليلان يجب اعمالهما لان ما دل على احدهما بعينه دل على الآخر وهذا اوضح من
ان يبين وجه فساده بل لا ينبغى تضييع الوقت بالاشتغال برده واما ثانيا فقد بينا ان
تعدد الجهة لا يرفع محذور اجتماع المتضادين فى واحد واما ثالثا فلان الخروج بما هو
كذلك لم يحرم ولم يجب لان المحرم هو التصرف العدوانى والواجب هو تركه وترك التصرف
العدوانى الكثير بالتصرف العدوانى القليل وهو مصداق الخروج ليس مما اجتمع فيه
عنوانان متعلقان لامر ونهى بل عنوان واحد الزم العقل ارتكاب اقله زمانا لانه اقل
ضررا وهذا واضح واما رابعا (فلما
عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو) سلم انهما (كانا بعنوانين وان اجتماع الضدين لازم
ولو مع تعدد الجهة) وسقوط الخطاب فعلا (مع) ما عرفت من (عدم تعددها هاهنا و) ان (التكليف
بما لا يطاق محال على كل حال نعم لو كان بسوء الاختيار) كما فى المقام (لا يسقط العقاب) ولا ترتفع الكراهة والمبغوضية ونفس حكم الحرمة
الاقتضائى والارادة والمحبوبية ونفس حكم الوجوب كذلك (بسقوط التكليف
بالتحريم والايجاب)
الفعليين الخطابيين لما تقدم مرارا من ان سقوط الخطاب بعثا وزجرا لا يستلزم
سقوط الملاك حبا وبغضا عقابا وثوابا (ثم لا يخفى) ان المقصود من هذه المباحث معرفة حال الصلاة تكليفا
ووضعا فاعلم (انه
لا اشكال فى صحة الصلاة مطلقا فى الدار المغصوبة على القول بالاجتماع) ووجود المندوحة كما لا اشكال فى فسادها مع عدم
المندوحة وان جاز الاجتماع لما عرفت من عدم دخل احدى الجهتين فى الصحة بالاخرى (واما على القول
بالامتناع فكذلك لو غلب ملاك الامر ملاك النهى مع ضيق الوقت واضطر الى الغصب لا
بسوء الاختيار) لارتفاع الحرمة حينئذ (او) اضطر (بسوء الاختيار مع وقوعها فى حال الخروج
مطلقا ولو على القول بكونه مامورا به مع إجراء حكم المعصية عليه فان هذا) الاجراء لحكم المعصية انما يقال به (لو لا عروض مثل الوجه
الصلاتى عليه اذ الفرض غلبة ملاك الامر على ملاك النهى) ولذا صار الخروج عند هذا القائل واجبا لعدم معقولية
تحقق ملاكه وعدم معقولية تحقق الملاك وتاثيره لو لم يكن غالبا سواء كان مغلوبا
اولا هذا ولا ذاك للزوم الترجيح بلا مرحج فى هذه الصورة وان توهم هذا القائل عدم
منافات النهى السابق له بل عرفت ان الغلبة حاصله (وان لم يكن الخروج مامورا به فضلا عما
لو قيل به) اى بكونه
مامورا به (اما
الصلاة فيها فى سعة الوقت) مع وجود المندوحة (وعدم الاضطرار الى الغصب فالصحة وعدمها
مبنيان على عدم اقتضاء الامر بالشيء النهى عن الضد واقتضائه فان الصلاة فى الدار
المغصوبة وان كانت مصلحتها غالبه على ما فيها من المفسدة إلّا انه لا شبهة فى ان
الصلاة فى غيرها يضادها بناء على انه لا يبقى مجال مع إحداهما للاخرى مع كونها اهم
لخلوها من المنقصة الناشئة من اتحادها مع الغصب لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا
مزيد عليه فالصلاة فى الغصب اختيارا فى سعة الوقت صحيحه وان لم يكن مامورا بها) والحاصل ان قلنا ان الامر بالصلاة فى المكان المباح
يقتضى النهى عن الصلاة فى المكان المغصوب كانت فاسدة وإلّا كما هو الحق فهى صحيحة
وان لم تكن مامورا بها لفرض غلبة ملاك الامر لملاك النهى وهو كاف فى الحكم بالصحة
قلت وهو مشكل جدا لانه ان كانت غلبة ملاك الامر لملاك النهى كما هو محل الفرض على
وجه يعم حال
السعة وعدم الاضطرار فلم يعلم ان الصلاة فى غيرها اهم على وجه يتعين
الاتيان بها مع النهى عن غيرها بناء على الاقتضاء ليوجب ذلك فساده لاحتمال ان تكون
الصلاة مع تلك المنقصة كالصلاة فى مواضع التهمة نعم حيث يحرز ان المنقصة مما يوجب
ذلك كان ابتناء المسألة على مسئلة الضد واضحا كما لا يخفى (الامر الثانى قد مر
فى بعض المقدمات فى هذه المسألة انه لا تعارض بين مثل خطاب صل وخطاب لا تغصب) بناء (على الامتناع تعارض الدليلين بما هما
دليلان حاكيان كى) يعامل معهما معاملة المتعارضين و (يقدم الاقوى منهما دلالة او سندا بل
انما هما) بناء على
شمولهما لمورد التعارض ومحل التصادق (من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين فيقدم
الغالب منهما وان كان الدليل الدال على مقتضى) الخطاب (الآخر اقوى من دليل مقتضاه هذا فيما
احرز الغالب منهما) باى طريق كان واضح (وإلّا
كان بين الخطابين تعارض فيقدم الاقوى منهما دلالة او سندا) اذا لم يمكن التقديم بحسب الدلالة (وبطريق الإنّ) الذى ينتقل فيه من ثبوت المعلول الى ثبوت العلة (يحرز به ان مدلوله
اقوى مقتضيا) قلت لا يذهب عليك ان بين كلاميه تدافع لا يمكن دفعه ضرورة ان قوله فيقدم
الغالب منهما وان كان الدليل الدال على مقتضى الآخر اقوى صريح فى ان اقوائية
الدليل اعم من اقوائية المقتضى ولا دلالة للعام على الخاص بوجه وقوله وبطريق الآن
يحرز ان مدلوله اقوى مقتضيا صريح فى الملازمة بين الاقوائيتين ملازمة المعلول
والعلة وهل ذلك الا التدافع فتدبر فيه واحتمال ان المراد كون اقوائية الدليل كاشفة
عن اقوائية الآخر لكون الظهور حجة ما لم تقم قرينة على الخلاف لا ينبغى ان يصغى
اليه ضرورة ان المقام مقام الاستكشاف العقلى والاستدلال من ثبوت المعلول على ثبوت
العلة ومع امكان التخلف او وقوعه فى مورد واحد يبطل الاستكشاف لا محاله لا مقام
الاستكشاف اللفظى ليقال ذلك فيه (هذا) كله فيما (لو كان كل من الخطابين متكفلا لحكم فعلى
وإلّا فلا بد من الاخذ بالمتكفل لذلك منهما لو كان) احدهما متكفلا له (وإلّا فلا محيص عن الانتهاء) الى ما يقتضيه (الاصول العملية) من البراءة او الاحتياط ان كان الشك فى شرطية الاباحة
او مانعية الغصب والاحتياط صرفا ان كان الشك فى بعض افراد الغصب صدقيا لا مصداقيا
والبراءة صرفا ان كان العكس وان كانت الصورتان المذكورتان خارجتين عن محل
الكلام وذكرناهما استطرادا وفى الاولى منهما تامل (ثم لا يخفى ان ترجيح احد الدليلين
وتخصيص الآخر به) فى المسألة انما يسقط به الخطاب (ولا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت
الآخر رأسا كما هو قضية التقييد) للمطلق (والتخصيص) للعام (فى غيرها مما لا يحرز فيه المقتضى لكلا
الحكمين بل قضيته ليس إلّا خروجه) بمقدار يرتفع به التعارض وهو الفعلية (فيما كان الحكم الذى
هو مفاد الآخر فعليا وذلك لثبوت المقتضى فى كل واحد من الحكمين فيها) فلم يتعارضا الا فى الفعلية اذا كانت فيهما ايضا فاذا
قيد احدهما او خصص لم يكن فعليا فى مورد التقييد او التخصيص لكن المقتضى فيه موجود
وحينئذ (فاذا
لم يكن المقتضى لحرمة الغصب مؤثرا لها فعلا لاضطرار او جهل او نسيان) او غفله (كان المقتضى لصحة الصلاة مؤثرا لها فعلا
كما اذا لم يكن دليل الحرمة او لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية اصلا) فانه لا اشكال فى صحة الصلاة فى هاتين الصورتين لوجود
المقتضى وعدم المانع (فانقدح
بذلك فساد الاشكال فى صحة الصلاة فى صورة الجهل والنسيان ونحوها فيما اذا قدم خطاب
لا تغصب كما هو الحال فيما اذا كان الخطابان من اول الامر متعارضين ولم يكونا من
باب الاجتماع اصلا) قلت قد عرفت سابقا تحقيق المقام وان ذهاب المشهور الى صحة الصلاة حال
الجهل والنسيان والغفلة المعذور فى حصولها المكلف انما هو لعدم تحقق نفس الموضوع
المحرم المانع عن صحتها لاحتياج تحققه الى قصد عنوانه ومع عدم القصد او قصد العدم
لا موضوع ليترتب عليه حكمه لا ان الموضوع ثابت ولكن مقتضيه غير مؤثر للحرمة
الفعلية مع اقتضاء ما فى الصلاة من المصلحة للوجوب الفعلى والتمانع انما هو بين
الموضوعين الموصوف احدهما بالمحبوبية والآخر بالمبغوضية فاذا لم يتحقق الموضوع لم
يتحقق المقتضى ايضا ولعمرى ان ذلك اجلى من ان يحتاج الى بيان وكيف كان فالحال على
ما افاده قده من انه كما اذا كان الخطابان الى آخره (وذلك لثبوت المقتضى فى هذا الباب) اى فى باب التعارض (وعدم الاجتماع كما اذا لم يقع بينهما
تعارض ولم يكونا
متكفلين
للحكم الفعلى فيكون) حاصل المقام ونتيجة المرام هو التساوى بين (وزان التخصيص فى مورد الاجتماع) و (وزان
التخصيص العقلى الناشئ من جهة تقديم احد المتعارضين وتأثيره فعلا المختص بما اذا
لم يمنع من تأثيره مانع المقتضى لصحة مورد الاجتماع) مطلقا (مع الامر او بدونه فيما كان هناك مانع
عن تأثير المقتضى للنهى له] اى للنهى بمعنى ان المقتضى للنهى حصل مانع من تأثيره
للنهى (او) مانع (عن فعليته كما مر تفصيله وكيف كان فلا
بد فى ترجيح احد الحكمين) على الآخر (من مرجح وقد ذكروا لترجيح النهى وجوها
منها انه اقوى دلالة لاستلزامه انتفاء جميع الافراد بخلاف الامر وقد اورد عليه) بعد تسليم الكبرى وهى كون اقوائية الدلالة مرجحة (بان ذلك فيه من جهة
اطلاق متعلقه بقرينة الحكمة كدلالة الامر على الاجتزاء باى فرد كان) لجهة اطلاقه المتحقق بقرينة الحكمة فهما متساويان فى
الدلالة (وقد
اورد عليه) دفعا لهذه
المناقشة واثباتا للصغرى (بانه
لو كان العموم المستفاد من النهى) حاصلا (بالاطلاق) الثابت (بمقدمات الحكمة وغير مستند الى دلالته
عليه بالالتزام لكان استعمال مثل لا تغصب فى بعض افراد الغصب حقيقة) كاستعمال الكلى فى الفرد من حيث تحقق الطبيعة فيه (وهذا واضح الفساد لان) ظاهر اللفظ عرفا العموم الاستيعابى فاستعماله فى
الخصوص مجاز قطعا كما هو الحال فى جميع ما ظاهره ذلك فان استعمال العام فى الخاص
لا شك فى مجازيته (فتكون
دلالته على العموم من جهة ان وقوع الطبيعة فى حيز النفى والنهى يقتضى عقلا سريان
الحكم الى جميع الافراد ضرورة) انه مقام النهى وطلب ترك الطبيعة وانتفائها ومن
المعلوم (عدم
تحقق الانتهاء عنها او انتفائها إلّا بالانتهاء عن الجميع او انتفائه) وهو ما ذكرنا من دلالته على العموم بالالتزام (قلت) ما ذكر من (دلالتهما) اى الواقعين فى حيز النهى او النفى (على العموم
والاستيعاب ظاهرا مما لا ينكر لكنه من الواضح) المعلوم (ان العموم) المفهوم من الطبيعة (والمستفاد منها كذلك) اى استيعابا (انما هو بحسب ما يراد من متعلقهما)
وتابع له فاذا قيل اكرم كل رجل كريم كان الرجل البخيل كغير الرجل فى خروجه
موضوعا وحكما (فيختلف) العموم حينئذ (سعة وضيقا) تبعا لسعة المتعلق من حيث اطلاقه وضيقه من حيث تقييده (فلا يكاد يدل على
استيعاب جميع الافراد إلّا اذا اريد منه الطبيعة مطلقة وبلا قيد ولا يكاد يستظهر
ان المراد ذلك مع عدم دلالته عليه بالخصوص) لاحتمال كونه مقيدا (إلّا بالاطلاق وقرينة الحكمة بحيث لو لم
يكن هناك قرينتها) لانتفاء بعض مقدماتها وذلك (بان يكون الاطلاق فى غير مقام البيان لم
يكد يستفاد استيعاب افراد الطبيعة وذلك لا ينافى دلالتهما على استيعاب افراد ما
يراد من المتعلق اذ الفرض عدم الدلالة على انه المقيد او المطلق) والحاصل ان الاستيعاب بالوضع وكمية المستوعب بالاطلاق
والتقييد (اللهم
إلّا ان يقال) ان وقوع اللفظ الموضوع للطبيعة مقرونا بالادوات الدالة على العموم
الاستغراقى لما يراد منها قرينة عامة تامة على تحقق الاطلاق فيكون (فى دلالتهما على
الاستيعاب كفاية ودلالة على ان المراد من المتعلق هو المطلق كما ربما يدعى ذلك فى
مثل كل رجل ويقال ان مثل لفظة كل يدل على استيعاب جميع افراد الرجل من غير حاجة
الى ملاحظة) ان (اطلاق
مدخوله) مراد (وقرينة الحكمة) دالة عليه (بل يكفى ارادة ما هو معناه) بحسب الوضع (من الطبيعة المهملة ولا بشرط في دلالته) واقترانها بما يدل (على الاستيعاب) فعلا لكل فرد قرينة على عدم تقييد المدخول (وان كان مع ذلك لا
يلزم مجاز اصلا لو اريد منه خاص بالقرينة لا فيه) اى لا فى الدال على العموم (لدلالته على استيعاب
افراد ما يراد من الدخول) حقيقة او مجازا كما عرفت من كونه تابعا (ولا فيه) اى فى المطلق المدخول (اذا كان بنحو تعدد الدال والمدلول) كما عرفت ذلك فيما تقدم لعدم الاستعمال مع تعدد الدال
الا فيما وضع له هذا وعندى فى اقوائية دلالة النهى اشكال وان قلنا بدلالته على
الاستيعاب التزاما وان وقوع ما دل على الطبيعة بعد ادوات العموم قرينة على اطلاقها
ووجهه ان متعلق الامر والنهى هو الطبيعة قطعا وشمولها لكل فرد على البدل متعلقة
للامر كشمولها لكل فرد استيعابا متعلقة للنهى
والوجه واحد وهو حكم العقل بان قضية التعليق على الطبيعة فى مقام بيان
الحكم وعدم وجود القدر المتيقن فى مقام التخاطب هو الاكتفاء بايجادها مرة طاعة
وعصيانا ففى مقام الطاعة يمتثل بايجادها مرة لانه جاء بالمأمور به وفى مقام
العصيان يمتثل بترك الايجاد الذى يكفى فى الطاعة وهو موقوف عقلا على تركه مطلقا
ضرورة انه متى جاء بها فى فرد وقعت المخالفة وهذا لا يوجب قوة فى الدلالة وانما هو
لخصوصية المورد فالدلالة فى المقامين واحدة فتدبر فانه لا يخلو عن دقة (ومنها ان دفع المفسدة
اولى من جلب المنفعة وقد اورد عليه فى القوانين بانه مطلقا ممنوع لان فى ترك
الواجب ايضا مفسدة اذا تعين ولا يخفى ما فيه فان الواجب ولو كان معينا ليس وجوبه
الا لاجل ان فى فعله مصلحة يلزم استيفائها من دون ان يكون فى تركه مفسدة كما ان
الحرام ليس حرمته الا لاجل المفسدة فى فعله بلا مصلحة فى تركه) قلت الوجوب والتحريم ليس الوجه فيهما منحصرا فى
المصلحة والمفسدة ولا فى النفع والضرر بل الضابط فى ذلك الحسن والقبح والراجحية
والمرجوحية ومن المعلوم ان الفعل المشتمل على المصلحة الملزمة حسن ذو رجحان فوجب
وحرم تركه لان تركه قبيح مرجوح فالقبح والمرجوحية فى الترك على حد القبح
والمرجوحية فى الفعل الحرام والحسن والرجحان فى ترك الحرام على حد الحسن والرجحان
فى فعل الواجب والثواب على فعل الواجب كالثواب على ترك الحرام سواء كان وجه الحسن
والرجحان والقبح والمرجوحية وجوديا يعنون بالمصلحة والمفسدة او بالنافع والضار او
عدميا غير ان مصب الاحكام الشرعية هو الافعال لا التروك لانها تابعة غير مستقلة
باللحاظ وسيجيء قريبا إن شاء الله تعالى ان المصالح والمفاسد لا يلزم ان تكون من
قبيل المنافع والمضار ولا يلزم ايضا ان تكون من قبيل الصفات الوجودية وبالجملة
المناط كون الفعل او الترك على حالة ينشأ منها ان يكون ذا وجه حسن فيؤمر به او
قبيح فينهى عنه فلعل مراد المحقق القمى من تساوى ترك الواجب وفعل الحرام فى
المفسدة ما ذكرنا وهو فى غاية الجودة فالانصاف عدم ورود ذلك على المحقق القمى قده
نعم يرد عليه ان ذلك لا يوجب التساوى لامكان ان يكون تأثير مفسدة الفعل للقبح عند
العقلاء اشد
من تأثير ترك استيفاء المصلحة الملزمة لذلك فيكون دفعها اولى فلا يرد ذلك
على الترجيح بالوجه المذكور (ولكن
يرد عليه ان الأولوية مطلقا ممنوعة بالضرورة بل ربما يكون العكس اولى كما يشهد به
مقايسة فعل بعض المحرمات) كالنظر الى المرأة بريبة مثلا (مع ترك بعض الواجبات) كاحد الفروع الخمسة مثلا وسائر الواجبات المعلوم شدة
الاهتمام بها (خصوصا
مثل الصلاة وما يتلو تلوها) كالفروع الاربعة الباقية (ولو سلم فهو) اى الترجيح بالوجه المذكور (أجنبي عن المقام فانه
فيما اذا دار الامر بين الواجب والحرام) لاشتباهه موضوعا او حكما كما سيأتى فى الشك بين الوجوب
والحرمة لا فى مثل المقام الذى كان الشك فيه بعد القطع بوجود دليل الوجوب والحرمة
وحكم العقل بامتناع اجتماعهما عقلا فى مورد التصادق وطلبه وجها مرجحا لاندراجه تحت
عنوان واحد منهما وانما كان الترجيح بهذا الوجه اجنبيا لان الترجيح به انما يناسب
ترجيح المكلف واختياره للفعل او الترك بما هو اوفق لغرضه لا المقام وهو مقام جعل
الاحكام فان المرجح هناك ليس إلّا حسنها وقبحها العقليان لا موافقة الاغراض
ومخالفتها كما لا يخفى كذا افاد المصنف قده فى الحاشية وعندى فيما افاد تامل من
وجوه الاول انه جعل مقام الترجيح به صورة دوران الامر بين ترك الواجب وفعل الحرام
وهذا لا يناسب تعليل كونه اجنبيا بما افاد اذ ليس للمكلف فى صورة الدوران المذكور
تعيين ما يوافق غرضه بل لا بد من تعيين ما يوافق غرض الشارع بحكم العقل وان خالف
غرضه نعم لو دار الامر عند المكلف بين ترك واجب من الواجبات او فعل محرم من
المحرمات كان الترجيح بالوجه المذكور عائدا الى المكلف فيرجح بما يوافق فرضه إلّا
انه لم يذكر احد من الاصوليين الترجيح بهذا الوجه فى هذه الصورة اللهم إلّا ان
يكون غرضه الرد على عامة اهل الفن ممن ذكر ذلك مرجحا فى غيرها وهو كما ترى الثانى
انه لا وجه لعدم الترجيح بها فى مقام الاحكام وان كانت تابعة للحسن والقبح ضرورة
ان غرض من جعل ذلك مرجحا ان العقل حاكم بان كل فعل او ترك يتضمن دفع المفسدة
والمضرة اكثر حسنا من كل فعل او ترك يتضمن جلب المصلحة والمنفعة لان عدم المصلحة
والمنفعة لا يساوى المفسدة والمضرة قبحا بضرورة العقل كما مرت الاشارة الى
ذلك وحينئذ ففى المقام الذى لا نعلم بدخول مورد التصادق تحت عنوان احد
الدليلين فعلا يكون هذا الوجه معينا لان حكم الشارع تابع للحسن والقبح اصلا ومرتبة
لوحدة المناط فى حكم العقل بالتّبعيّة كما لا يخفى الثالث انه وان كان لا شبهة فى
ان هذا المقام غير مقام دوران الأمر بين ترك الواجب وفعل الحرام لما عرفت من ان
مانع الشمول فى المقام هو مرتبة الفعلية لا مرتبة الاقتضاء إلّا انه مساو لذلك
المقام حكما بعد ما عرفت من صحة الترجيح بهذا الوجه فى الاحكام بداهة ان الامر
دائر فى محل التصادق فعلا بين تركه مع احتمال شمول دليل الوجوب له وفعله مع احتمال
شمول دليل الحرمة له وحيث كان هذا الوجه مرجحا تتعين الحرمة فاختلاف المقام موضوعا
لا يلزمه الاختلاف حكما مع الاشتراك فى علة الحكم فهو وان كان من حيث الاقتضاء لا
دوران فى المقام لكفاية ذلك فى صحة الفعل العبادى وان لم يكن متعلقا للامر فعلا
ولا مانع للصحة الا الحرمة الفعلية إلّا ان الدوران بين الحكمين من حيث الفعلية
موجود قطعا وان لم يترتب عليه اثر من حيث الصحة لعدم كون ذلك رافعا للدوران اولا
ولعدم انحصار الاثر فى الصحة ثانيا لترتب آثار آخر كوجوب المقدمة وغيره كما لا
يخفى واما ما افاده المصنف بقوله (ولو سلم فانما يجدى لو حصل القطع) بالاولوية وهو ممنوع (ولو سلم انه يجدى ولو لم يحصل) القطع لكفاية الظن باولوية الدفع عند العقلاء كما هو
الحق (فانما
يجرى فيما لا يكون هناك مجال لاصالة البراءة والاشتغال كما فى دوران الامر بين
الوجوب والحرمة التعيينيين لا فيما يجرى) لعدم المعارض له (كما فى محل الاجتماع لاصالة البراءة عن
حرمته فيحكم بصحته) ولا يعارضه اصالة البراءة عن وجوبه لانها بلا اثر لما عرفت من عدم توقف
الصحة على الامر ليكون فساده اثرا له (ولو قيل بقاعدة الاشتغال فى الشك فى
الاجزاء والشرائط) فالحكم هو الصحة ايضا ضرورة ثبوت مقتضيها بلا معارض له وعدم مانعها (فانه لا مانع عقلا
الا فعلية الحرمة المرفوعة باصالة البراءة عنها عقلا ونقلا) ففيه انه لا يمكن إجراء البراءة مع تسليم كون هذه
القاعدة مرجحة فى مقام الاحكام حقيقة كما ذكرنا وفرضا كما افاد ضرورة ورودها على
الاصل المذكور لانها قاعدة عقلية معينه لكون الحكم هو الحرمة
فكيف يكون اصالة البراءة جاريا وليس المقام من قبيل قاعدة وجوب دفع الضرر
المحتل الممنوع تحقق صغراها بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ان كان الضرر أخرويا
وكبراها بعدم تسليم حكم العقل ان كان دنيويا ضرورة ان ذلك فيما كان اصل وجود
المفسدة مشكوكا لا فى مثل المقام مما علم فيه وجود المفسدة والمصلحة الاقتضائيين
وشك فى الغالب منهما لصاحبه المستتبع لفعلية حكمه فمعنى كون اولوية دفع المفسدة
مرجحا ان الحكم الفعلى فى كل مورد للاجتماع ومحل للتصادق هو الحرمة فلا معنى
لاجراء اصالة البراءة كما لا يخفى يقال انا قد قلنا انها لا تجرى الا فى مقام
الدوران ولا دوران فى المقام لانا نقول اولا ان المصنف قده قد اجرى الاصل بعد
تسليم جريان القاعدة وعدم المانع عنه اصلا وثانيا انا قد بينا انه يحسب الحكم
الفعلى يحصل الدوران وان لم تتوقف صحة الصلاة على الوجوب الفعلى كما عرفت تفصيله
هذا مضافا الى ما افاده هو قده بقوله (نعم لو قيل بان المفسدة الواقعية
الغالبة مؤثرة فى المبغوضية ولو لم تكن الغلبة بمحرزة فاصالة البراءة غير جارية بل
كان اصالة الاشتغال بالواجب لو كان الواجب عبادة محكمة ولو قيل باصالة البراءة فى
الشك فى الاجزاء والشرائط لعدم تأتى قصد القربة مع الشك فى المبغوضية) وحينئذ فلا مورد للترجيح بالوجه المذكور ايضا كما لا
يخفى وتقريبه كما افاد فى الحاشية ان احراز المفسدة والعلم بالحرمة الذاتية كاف فى
تأثيرها بما لها من المرتبة ولا يتوقف تاثيرها كذلك على احرازها بمرتبتها ولذا كان
العلم بمجرد حرمة شيء موجبا لتنجز حرمته على ما هى عليه من المرتبة ولو كانت فى
اقوى مراتبها ولاستحقاق العقوبة الشديدة على مخالفتها حسب شدتها انتهى وتوضيحه ان
اصالة البراءة عن المانع وهو الحرمة الفعلية الناشئة من المبغوضية الفعلية غير
جارية لانه كما ان مراتب الحرمة شدة وضعفا تابعة لمراتب المبغوضية وكان يكفى فى
تنجزها باقصى مراتبها شدة وترتب اقصى مراتبها عقابا العلم بمجردها وان شك فى كونها
باى مرتبة فكذلك الحال فى المفسدة الواقعية فانه مع جريان اصالة البراءة عن الحرمة
الفعلية لا يرتفع احراز اصل المفسدة كما هو واضح واحراز اصلها كاف فى تحقق اقصى
مراتب شدتها وتتبعه آثاره وهو فساد الصلاة غاية الامر ان
تحقق المرتبة الشديدة فعلا مشكوك إلّا انه لا يرتفع بذلك آثرها واقعا من
الفساد فالمصلى مع الشك فى المبغوضية المانعة الكافى فى ترتب آثار اقصى مراتبها
احراز اصل وجودها وهو موجود حسب الفرض يجب عليه الاعادة او القضاء لاصالة الاشتغال
بالواجب المحكمة لعدم تاتى قصد القربة مع الشك فى المبغوضية قلت فيه اولا ان عدم
امكان قصد القربة مع الشك فى المبغوضية يوجب القطع بالفساد والإعادة لا جريان
اصالة الاشتغال بالعبادة ليعلل به وهو منه قده عجيب وثانيا ان مصب ادلة البراءة
النقلية هو الشك فى الحكم الفعلى التابع المبغوضية او المحبوبية الفعلية مطلقا
سواء كان اصل المفسدة او المصلحة محرزا اولا فتجرى البراءة النقلية وان لم تجر
العقلية فى صورة احراز اصل المفسدة وجريان البراءة النقلية كاف فى الصحة كما اختار
المصنف قده ذلك فى اصل الشك فى الاجزاء والشرائط وحكم بالاشتغال عقلا والبراءة
نقلا (فتأمل) قال قده فى الحاشية بعد ان ذكر التقريب المتقدم ما نصه
هذا لكنه انما يكون اذا لم يحرز ايضا ما يحتمل ان يزاحمها ويمنع عن تأثيرها
المبغوضية واما معه فيكون الفعل كما لم يحرز انه ذو مصلحة او مفسده مما لا يستقل
بحسنه او قبحه العقل وحينئذ يمكن ان يقال بصحته عبادة لو اتى به بداعى الامر
المتعلق بما عليه من الطبيعة وعدم اعتبار كونه ذاتا راجحا كيف ويمكن ان لا يكون جل
العبادات ذاتا راجحا بل انما يكون كذلك فيما اذا اتى بها على نحو قربى نعم المعتبر
فى صحته عبادة انما هو ان لا يقع منه مبغوضا عليه كما لا يخفى وقولنا فتأمل اشارة
الى ذلك انتهى توضيح ما افاد ان ما ذكرناه فى التقريب من عدم تاتى قصد القربة مع
الشك فى المبغوضية المانعة الذى يكفى فى ترتب آثار اقصى مراتبها احراز اول المراتب
فلا تصح العبادة لذلك انما يتم لو لم تحتمل مزاحمة هذه المبغوضية فى محل التصادق
بمحبوبية مثلها من كل جهة ومع احتمال ذلك فغاية الامر تساقط الجهتين عن التاثير
فيبقى الفعل كالخالى عن الجهتين ابتداء مسلوب الرجحان الذاتى ومع ذلك يمكن صحته
عبادة لتأتى قصد القربة فيه ضرورة ان جل العبادات يمكن خلوه عن الرجحان ذاتا وانما
يحصل الرجحان فيها بضم قصد القربة الحاصل بقصد امتثال امرها ولولاه
لوقعت لغوا بل معاقبا عليها لو انضم اليها التشريع وهذا المعنى ممكن فى
المقام وان تساقطت الجهتان عن التاثير للمزاحمة فيقصد بهذا الفعل الذى لا رجحان فى
ذاته امتثال الامر فيقع راجحا ويصير عملا قريبا وهو المطلوب قلت فيه اولا ان هذا
موقوف على كون قصد الامتثال جزء او شرطا وهو خلاف ما ذهب اليه من انه من وجوه
الطاعة ضرورة انه على ذلك يلزم تعلق الامر بما لا رجحان فيه حتى من حيث قصد القربة
لعدم امكان افاضة الرجحان مما لا دخل له بالمامور به شطرا او شرطا كما لا يخفى
وثانيا لو سلم فلا نسلم ان واحدا من الامور العبادية خال عن الرجحان ذاتا ولا يكون
راجحا إلّا بضم قصد القربة ووقوعه لغوا بدونه لا يوجب ذلك بل هو كفقد الجزء الاخير
من العلة الموجب للغوية الباقى فانه لا يوجب كشفه عن عدم وجود وصف العلية فى باقى
الاجزاء وكيف يعقل الامر بالمركب الخالى عن الرجحان إلا جزء منه او شرط وربما ياتى
لذلك زيادة تحقيق مضافا الى ان ما افاده من تساقط الجهتين عن التاثير موجب لعدم
تحقيق الحكمين الامر والنهى فكيف يمكن قصد امتثال الامر فى هذه الصورة اللهم إلّا
ان يريد ان تزاحم الخطابين انما هو لتزاحم الجهتين ومع سقوطهما فلا تزاحم بينهما
موجب للسقوط وهو مشكل جدا (ومنها
الاستقراء فانه يقتضى ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة فى ايام
الاستظهار وعدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين وفيه انه لا دليل على اعتبار
الاستقراء ما لم يفد القطع ولو سلم) اعتبار ما افاد الظن (فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار ولو سلم) فالأمثلة المذكورة أجنبية عن المقام (فليس حرمة الصلاة فى
تلك الايام ولا عدم جواز الوضوء منهما مربوطا بالمقام لان حرمة الصلاة فيها) ان كانت فى اول الرؤية (انما تكون لقاعدة الامكان) بناء على هذا القول وان كانت فى آخرها فللقاعدة (والاستصحاب المثبتين
لكون الدم حيضا فيحكم بجميع احكامه ومنها حرمة الصلاة عليها لا لاجل تغليب جانب
الحرمة كما هو المدعى هذا لو قيل بحرمتها الذاتية فى ايام الحيض وإلّا فهو خارج عن
محل الكلام) بالمرة لان مفروض المسألة هو الوجوب مع الحرمة الذاتية لا التشريعية (ومن هنا انقدح
انه
ليس منه ترك الوضوء من الإناءين المشتبهين فان حرمة الوضوء من الماء النجس ليس
إلّا تشريعا ولا تشريع فيها لو توضأ منهما احتياطا فلا حرمة فى البين غلب جانبها) نعم لو كانت الحرمة ذاتية كما ذهب اليه البعض ولعله لا
يخلو عن قرب كان من محل الكلام (فعدم
جواز الوضوء منهما ولو كذلك بل) وجوب (اراقتهما كما فى النص) لا لاجل تغليب جانب الحرمة بل (ليس إلّا من باب
التعبد او من جهة الابتلاء) فى الممكن من صور استعمالهما غالبا (بنجاسة البدن) المقطوع بها (ظاهرا بحكم الاستصحاب) ولا يجدى نفعا فى ذلك استعمال الاول ثم تطهير اعضاء
الوضوء من الثانى ثم استعماله (للقطع
بحصول النجاسة حال ملاقات المتوضأ من الآنية الثانية للماء) قبل استعماله (اما بملاقاتها او بملاقات الاولى وعدم) العلم (باستعمال مطهر بعده ولو طهر بالثانية
مواضع الملاقاة) لاحتمال كون النجس فيها فاركان الاستصحاب تامة (نعم لو طهرت) مواضع الملاقاة (على تقدير نجاستها) مما سبق (بمجرد ملاقاتها بلا حاجة الى التعدد او
انفصال ماء الغسالة) كما لو كانت الثانية كرا فحينئذ يختل احد ركنى الاستصحاب وهو اليقين
السابق لانه فى هذه الصورة (لا
يعلم تفصيلا بنجاستها وان علم بنجاستها حين ملاقات الاولى او الثانية اجمالا فلا
مجال لاستصحابها بل كانت قاعدة الطهارة محكمة) وفيما افاده اولا وآخرا تأمل اما الاول فلان استقراء
الموارد التى غلب فيها جانب الحرمة جانب الوجوب وتتبع موارد رفع اليد عن الصلاة
والصوم والحج والزكاة وسائر الواجبات اذا لم يتمكن منها المكلف الا بالحرام اما
بادخال الضرر على النفس او على العرض او على نفس محترمة او بالتصرف فى مال محترم
كما لو انحصر الرواح الى الحج فى ركوب الدابة المغصوبة وغير ذلك يفيد القطع
بالتغليب فيحمل على ذلك فى مورد الشك ولا ينبغى الاقتصار على الموارد المذكورة
وكما فى المال المختلط بالحرام لو كان قد نذر صرفه فى جهة ولا ينافى ذلك ما ذكره
الفقهاء فيما لو جعل الغاصب ما له المختلط بمال غيره أمانة عند من يعلم ذلك من انه
يجب على الامين رده على الغاصب فان ذلك ليس تغليبا لجانب الوجوب بل لعلة مذكورة فى
محلها من شاء راجعها وكذا
فيما لو اشتبهت الموطوءة من الغنم بغيرها مع وجوب الزكاة فيها فانه يحرم
التصرف مطلقا وغير ذلك واما الثانى فلان قاعدة الطهارة لا مورد لها مع جريان الاستصحاب
ومن المعلوم حصول القطع بارتفاع الطهارة السابقة اما بملاقات الاول او الثانى ولا
يقين بارتفاع النجاسة نعم لو تعارض يقين النجاسة مع يقين الطهارة الحاصلتين من
الإناءين فلا اشكال فى التساقط والرجوع الى القاعدة دون الصورة الاولى اللهم إلّا
ان يقال بان اتصال زمن الشك بزمن اليقين شرط فى جريان الاستصحاب وهو مفقود فى
المقام كما جزم به المصنف قده فى باب الاستصحاب وكلامه فى المقام مبنى على ذلك
وسيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى تنبيه قد عرفت من مطاوى كلماتنا ان الراجح هو
الحرمة للاستقراء ولان دفع المفسدة بما هو كذلك اولى من جلب المصلحة بما هو كذلك
لما عرفت وبهذا التقرير تعرف عدم ورود ما تقدم من مقايسة ترك بعض الواجبات مع فعل
بعض المحرمات فان ذلك لخصوصية فى المورد وهو اشتمال الفعل على مصلحة عظيمة المرتبة
عكس ذلك الحرام ولا يحتاج ذلك الى المقايسة فان ذلك لا دخل له بصورة احراز
مساواتهما بحسب المرتبة او مع الشك فى ذلك فانه امر عقلى لا يقبل التخصيص الا مع
تغير الموضوع وإلّا فقد يجب الحرام وقد يحرم الواجب ولانا نقطع بان الصلاة فى
المكان المغصوب تصرف فى مال الغير بغير اذنه وهو حرام ما لم يعلم اباحته من المالك
العام او الخاص والثانى مقطوع العدم حسب الفرض والاول مشكوك ولا نقطع بان هذا
التصرف صلاة وكل صلاة ليست بحرام حتى يرد النهى عنها وهو مشكوك ضرورة عدم امكان
حصول القطع بانها صلاة ما لم يكن قصد القربة منضما اليها قطعا ومع الشك فى حرمتها
لا يعقل ضم قصد القربة اليها على سبيل الجزم فلا يعقل القطع بكونها صلاة لان
النتيجة تابعة لاخس المقدمات ولان من يتتبع مطاوى الكلمات يرى عندهم من المسلمات
ان الشيء اذا حرم من جهة حرم من سائر الجهات اللهم إلّا ان يقال ان ذلك فى غير
العبادات وهو ممنوع ألا ترى انهم استشهدوا على جواز الاجتماع باجتماع الوجوب مع
باقى الاحكام ولو ظفروا بمورد واحد لاجتماع
الحرمة معها لاستشهدوا به ايضا مع انه لا فرق بينهما فى هذه الجهة وما ذاك
إلّا لما ذكرنا فتأمل جدا (الامر
الثالث) انك قد عرفت
ان تعدد العنوانات والجهات المتعلقة للاوامر والنواهى لا يجدى مع وحدة المعنون
والموجه وجودا فاعلم ان (الظاهر
لحوق تعدد الاضافات بتعدد العنوانات والجهات فى انه لو كان تعدد الجهة والعنوان
كافيا مع وحدة المعنون) والموجه (وجودا
فى جواز الاجتماع كان تعدد الاضافات مجديا ضرورة انه) اى اختلاف الاضافات (يوجب اختلاف المضاف بها بحسب المصلحة
والمفسدة والحسن والقبح عقلا وبحسب الوجوب والحرمة شرعا فيكون مثل اكرم العلماء
ولا تكرم الفساق من باب الاجتماع كصل ولا تغصب) المتعدد عنوانهما لان اضافة الاكرام الى العالم غير
اضافته الى الفاسق فيتعلق به الامر والنهى بحسب تعدد الاضافتين كتعدد العنوانين (لا من باب التعارض) كما يظهر من الاصوليين فى باب التعادل والتراجيح من
عده من تعارض العامين من وجه (إلّا
اذا لم يكن للحكم فى احد الخطابين فى مورد الاجتماع مقتضى كما هو الحال ايضا فى
تعدد العنوانين) اذا لم يكن كذلك (فما
يتراءى منهم من المعاملة مع مثل اكرم العلماء ولا تكرم الفساق معاملة تعارض العموم
من وجه انما يكون) له وجه (بناء
على الامتناع او عدم المقتضى لاحد الحكمين فى مورد الاجتماع) قلت بل ظاهرهم معاملته معاملة المتعارضين المتنافيين
من غير دلالة على ثبوت المقتضى للحكمين وقد مر امكان حمل كل منهما توفيقا على
الحكم الاقتضائى ولذا نحكم بصحة العبادة مع الامتناع وتقديم جانب الحرمة ايضا
بخلاف حكم المتعارضين اذا سقط احدهما فالوجه منحصر فى الثانى كما يخفى (فصل فى ان النهى عن
الشىء هل يقتضى فساده ام لا وليقدم) قبل المقصود (امور) [الأمر] (الاول انه قد عرفت فى المسألة السابقة
الفرق بينها وبين هذه المسألة
وانه
لا دخل للجهة المبحوث عنها فى إحداهما) وهى جهة التكليف (بما هو جهة البحث فى الاخرى) وهو جهة الوضع وقد تقدم التفصيل فيما ذكرنا وذكره
المصنف قده (و) بينا (ان البحث فى هذه المسألة فى دلالة النهى
بوجه يأتى تفصيله على الفساد
بخلاف
تلك المسألة فان البحث فيها) فى اصل صحة اجتماع التكليفين المتضادين فى الواحد ذاتا
المتعدد جهة (وفى
ان تعدد الجهة يجدى فى دفع غائلة اجتماع الامر والنهى فى مورد الاجتماع) او لا يجدى (الثانى) لا يخفى ان التحريم فى العبادات يستلزم فسادها قطعا
لانه انما يكون بمعنى رفع الامر فيلزم الاتيان بها بدونه التشريع لا بمعنى ان فيها
مفسدة ذاتية ولذا اشتهر ان حرمة العبادات انما هى تشريعيه لا ذاتيه كصلاة الحائض
والوضوء بالماء النجس وصوم العيدين واما التحريم فى المعاملات فلا يستلزم فسادها
بالمعنى المذكور لعدم توقف صحة المعاملة على الامر اذ ليست توقيفيه بل يكفى فيها
امضائها وعدم النهى والردع عنها واما النهى اللفظى فهو انما يدل على الحرمة بما
تقتضيه فى المقامين فيدل على لازمها فى العبادات التزاما دون المعاملات لعدم
اللزوم كما عرفت ومن هنا كان المعروف بينهم انما هو القول بالتفصيل هذا ولا يذهب
عليك انه لو انحصر القول فيها فى ذلك لم يكن وجه لذكرها فى مباحث الالفاظ لانه
حينئذ من لوازم الحرمة مطلقا لا بما هى مدلولة للنهى اللفظى ولكن تشعب الاقوال
فيها كالقول باقتضائها الفساد لغة لا شرعا او فى العبادات والمعاملات على وجه يظهر
من اطلاقه الدلالة على الحرمة الذاتية فى المقامين فيكون فساد العبادة المنهى عنها
على هذا القول من جهتين عدم الامر ووجود المفسدة وفى المعاملات من جهة واحدة وهى
الثانية لانكاره الملازمة فيها بين الحرمة والفساد كما هو الواقع لعدم احتياجها
الى الامر اوجب اختصاص البحث فيها بمباحث الالفاظ فظهر (ان عد هذه المسألة من
الالفاظ انما هو لاجل انه فى الاقوال قول بدلالته على الفساد فى المعاملات) كالعبادات (مع انكار الملازمة بينه وبين الحرمة
التى هى مفاده فيها) لما عرفت من عدم الحاجة الى الامر فى صحتها (ولا ينافى ذلك ان
الملازمة على تقدير ثبوتها فى العبادة انما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن
الحرمة مدلوله) اى مدلول النهى (بالصيغة
وعلى تقدير عدمها) اى الملازمة (تكون
منتفية) فان ذلك لا
يوجب عدم دخل النهى فى الدلالة حتى تحصل المنافاة (لامكان ان يكون البحث معه بما
يعم
دلالتها بالالتزام) وهى حاصلة بدلالته على الحرمة اللازم لها الفساد قلت قد عرفت ان القائل
بالدلالة فى العبادات والمعاملات ظاهره ان المدلول هو الحرمة الذاتية وليست
بموجوده فى العبادات وانما الموجود منها التشريعية وعرفت ايضا ان مثل هذا القول
القول بالدلالة على الفساد لغة لا شرعا فيهما معا او فى واحد منهما وعلى ما عرفت
من وجه ذكر هذه المسألة فى مباحث الالفاظ (فلا يقاس حالها بتلك المسألة) وهى مسئلة الاجتماع (التى لا يكاد يكون لدلالة اللفظ فيها
مساس فتأمل جيدا) لكى تذكر ما قدمناه من وجه ذكرها فى مبحث الالفاظ (الثالث ظاهر لفظ
النهى) فى عنوان
المسألة (وان
كان هو) النهى (التحريمى إلّا ان
ملاك البحث) وهو الملازمة بين مدلوله والفساد (يعم التنزيهى ومعه لا وجه لتخصيص
العنوان واختصاص عموم ملاكه بالعبادات) لعدم الملازمة فى المعاملات (مطلقا لا يوجب
التخصيص به كما لا يخفى) قلت قد اعترف قده بكون ملاك البحث اعم فيمكن ان يقال فى وجه التخصيص انه
لما كان البحث عن احد الفردين متكفلا للبحث عن الآخر لانه ان كان منعا ثبت فيه
بالطريق الاولى وان كان اثباتا فمن بيان المناط يعلم عدم وجوده فيه قطعا مثلا لو
قيل بان الدال على التحريم مستلزم للفساد فى العبادة لعدم الامر معه والصحة انما
هى موافقة الامر يعرف حال التنزيهى بالضرورة اذ المفروض فيه ثبوت الامر مع النهى
فيغنى ذلك عن الكلام فى الفرد الآخر هذا مضافا الى ان بعضهم نص على حكمه بالخصوص
فليس المقصود من التخصيص قصر الحكم على التحريمى وكيف كان فتخصيصه بذلك لو كان لا
وجه له كما افاد (كما
لا وجه لتخصيصه بالنفسى فيعم الغيرى) مطلقا لان موضوع البحث ما دل على التحريم من غير
خصوصية له اما (اذا
كان اصليا) فواضح (واما اذا كان تبعيا
فهو وان كان خارجا عن محل البحث لما عرفت من انه) اى البحث (انما هو فى دلالة النهى) اللفظى (والتبعى منه من مقولة المعنى إلّا انه
داخل فيما هو ملاكه) كما عرفت (فان
دلالته) اى النهى (على الفساد على القول
به فيما لم يكن النهى) واردا (للارشاد
اليه انما يكون لدلالته على الحرمة من غير دخل لاستحقاق
العقوبة
على مخالفته فى ذلك كما توهمه) المحقق (القمى قده ويؤيد ذلك) اى عدم الفرق بين الاصلى والتبعى فى الدلالة على
الفساد (انه) اى القمى (جعل تمرة النزاع فى ان الامر بالشيء
يقتضى النهى عن ضده فساده) اى الضد بناء على الاقتضاء وعدم الفساد بناء على العدم
مع ان النهى تبعى (الرابع
ما يتعلق به النهى اما ان يكون عبادة او غيرها والمراد
بالعبادة هاهنا) معنى اخص مما يراد بها فى غير هذا المقام كقولهم النكاح عبادة ودفن الميت
عبادة وهذا ايضا اخص مما يراد بها فى قولهم كل ما يؤتى به يقصد الامتثال عبادة
فظهر انها تطلق على ثلثه معانى اعمها الثالث واوسطها الوسط واخصها الاول والمراد
به هو كل فعل لا يشخص جهة حسنه وجودا الا قصد كونه لله بذاته او بوجهه الكاشف عنه
وعدم المنكشف وهو الحسن المذكور ظاهرا يتحقق بعدم الكاشف مطلقا وهو الامر وواقعا
بالكاشف عن العدم وهو النهى لشخص خاص كالحائض ما دام الوصف او زمان خاص كصوم
العيدين لا مطلقا وإلّا لم يكن نهيا عن عبادة لعدم تعنونه ذاتا بهذا العنوان آنا
من الآنات فكيف يتعلق به النهى وهذا احسن من تفسيرها بما (يكون بنفسه وبعنوانه
عبادة له تعالى موجبا بذاته للتقرب من حضرته لو لا حرمته كالسجود والخضوع والخشوع
له وتسبيحه وتقديسه او ما لو يتعلق الامر به كان امرا عباديا لا يكاد يسقط إلّا
اذا اتى به بنحو قربى كسائر امثاله نحو صوم العيدين والصلاة فى ايام العادة) فان اراد بذلك بيان المراد من لفظ العبادة فى العنوان
فهو حق كما ستعرف وان اراد بيان معنى العبادة مطلقا بحسب الاصطلاح ففيه انه تفسير
للشيء بنفسه فلا يفيد حتى مثل فائدة سعدانه نبت والأمثلة لا دخل لها بالتفسير ولو
قال والعبادة كالسجود الى آخره لكان اكثر فائدة او مساويا اللهم إلّا ان يقال ان
العبادة فى المعرف بالمعنى المصطلح وفى التعريف بالمعنى اللغوى هذا فى الاول واما
الثانى فهو تفسير للامر العبادى بمتعلقه وتفسير لمتعلقه به وهو كما ترى والحاصل
ظاهر العبارة ان متعلق النهى فيه مقتضى العبادية لو لا المانع وهو الخصوصية الكاشف
عنها النهى الموجبة لارتفاع الامر فالصلاة فى ايام الحيض والصوم فى العيدين بما
هما صوم وصلاة
عبادة إلّا انه منع اقتضائها لتعلق الامر خصوصية الحيضية والعيدية وما
افاده من التفسير اجنبى عن ذلك بالمرة بل هو من مثله غريب والى ما ذكرنا نظر من
عرفها بانها ما أمر به لاجل التعبد به او بما يتوقف صحته على النية او بما لا يعلم
انحصار المصلحة فيها فى شيء فيكون النهى المتعلق بها فى زمان خاص او من شخص خاص او
غير ذلك نهيا متعلقا بالعبادة واما المتعلق بها مطلقا فهو وان امكن فى بعض الصور
كما لو تعلق بجزئها او بما يتحد معها فالشأنية موجودة لو لا النهى إلّا انه فيما
يتعلق بها لذاتها لا يمكن ولا بد من ان يكون التفسير بمعنى يعم جميع انواع التعلق
كما لا يخفى فظهر لك ما فى قوله قده (لا ما امر به لاجل التعبدية ولا ما
يتوقف صحته على النية ولا ما لا يعلم انحصار المصلحة فيها فى شيء ضرورة انها) جميعا ظاهره فى تحقق العنوان فعلا وتعلق النهى (بواحد منها) حينئذ (لا يكاد يمكن) اذ لا يعقل كونها عبادة فعلا بعد (ان يتعلق بها النهى) او مع النهى توضيح ما فيه ان ظاهر هذه التعاريف بيان
معنى متعلق النهى فى نفسه وانه يجب ان يكون مع قطع النظر عن النهى عبادة فعلا لا
بيان معنى العبادة بلحاظ تعلق النهى بها فهذا الإيراد (مع ما اورد عليها) من بعض فيما ستعرف فى غاية الضعف كالايراد (بالانتقاض طردا) بالنسبة الى الثانى ان اريد من الصحة الامتثال بدخول
جميع الواجبات اذا جيء بها كذلك وبالنسبة الى الثالث بتوجيه الميت الى القبلة (او عكسا) بخروج العبادات التى لا يجب فعلها ثانيا لو اريد من
الصحة سقوط الفعل ثانيا بالنسبة الى الثانى وبخروج الوضوء من حيث الطهارة وهى من
حيث الصلاة بالنسبة الى الثالث (او
بغيره) كاستلزام
الجميع للدور وغير ذلك (كما
يظهر من مراجعة المطولات وان كان الاشكال فيها بذلك فى غير محله) عند المصنف ايضا (لاجل كون مثلها من التعريفات ليس بحد
ولا برسم بل من قبيل شرح الاسم كما نبهنا عليه غير مرة) وإلّا لورد بعض ذلك على التعريفين الاولين ايضا مع ضعف
جملة مما اورد (فلا
وجه لاطالة الكلام فى النقض والابرام فى تعريف العبادة ولا فى تعريف غيرها كما هو
العادة) لجملة من
العلماء الاعلام (الخامس
لا يخفى انه لا يدخل فى عنوان النزاع الا ما كان قابلا للاتصاف بالصحة
والفساد
بان يكون تارة تاما) شرعا وان كان ناقصا لغة (يترتب عليه ما يترقب عنه من الاثر واخرى
لا) يكون (كذلك لاخلال بعض ما
يعتبر فى ترتبه) شرعا (اما
ما لا اثر له شرعا او كان) اثره الصحة دائما بحيث كان (مما لا ينفك عنه كبعض
اسباب الضمان) مثل الاتلاف وان وقع من النائم او كان اثره الفساد دائما كبيع ما لا يمكن
تسليمه ولا تسلمه ابدا (فلا
يدخل فى عنوان النزاع) لان اقتضائه الفساد فى الاول والثانى من قبيل طلب الممتنع وفى الثالث من
قبيل طلب الحاصل (لعدم
طرو الفساد عليه) فى الاولين وعدم طرو الصحة عليه فى الثالث (كى) يكون المحل قابلا لان (ينازع فى ان النهى عنه يقتضيه اولا
فالمراد بالشيء فى العنوان هو العبادة بالمعنى) الاخص (الذى تقدم والمعاملة بالمعنى الاعم مما
يتصف) بحسب ما هو
عليه (بالصحة) تارة (والفساد) اخرى (عقدا كان او ايقاعا او غيرهما فافهم) (السادس) يجب ان تعلم (ان الصحة والفساد وصفان اضافيان يختلفان
بحسب الآثار والانظار فربما يكون شيء واحد
صحيحا بحسب اثر او نظر وفاسدا بحسب آخر ومن هنا صح ان يقال) فيما سبق انهما مجهولا الكنه كالصحيح والفاسد الموضوع
له لفظ الصلاة مثلا عند الاصوليين لما عرفت من عدم امكان تصور الجامع بين افراد
الصحيح المستلزم لعدم الجامع بين افراد الصحة وجزئياتهما وعرفت ايضا ان ما قيل
وقال به المصنف قده تبعا (من
ان الصحة فى العبادة والمعاملة لا يختلف معناهما بل فيهما بمعنى واحد وهو التمامية
ضعيف) ان اريد
بقائها على معناها اللغوى وان اريد به التمامية شرعا الذى لا يصدق عليه التمامية
لغة إلّا بنحو من المجاز اللغوى والعقلى فهو حق فيكون المعنى حينئذ غير مختلف (وانما الاختلاف فيما
هو المرغوب منهما) اى من الصحة والفساد (من
الآثار التى بالقياس عليهما يتصف بالتماميّة وعدمها وهكذا الاختلاف بين الفقيه والمتكلم
فى صحة العبادة انما يكون) لاجل الاختلاف فى معناها لا (لاجل الاختلاف فيما
هو المهم) عندهما
والمقصود (لكل
منهما من الاثر بعد الاتفاق ظاهرا على انها بمعنى التمامية كما هو معناها لغة
وعرفا) ضرورة ان
الفقيه لما كان جامع الصحة عنده مجهولا لما رأى من الموارد المحكومة بالصحة
شرعا المختلفة جدا عرفها باثر ذلك الجامع المجهول السارى فى جميع الافراد
الذى لا غرض للفقيه سواه وهو اسقاط القضاء والاعادة ومثله المتكلم فانه كالفقيه
غير انه لما كان غرضه غير متعلق بمعرفة كنه المعنى وانما يتعلق باثره بما هو متكلم
عرفها بموافقة الامر سواء كان الامر حقيقيا او صوريا واقعيا او ظاهريا اوليا او
ثانويا طريقيا او بدليا مولويا او ارشاديا شرعيا او عقليا ضرورة ان الملاك فى بحث
المتكلم لزوم طاعة الآمر فيما يامر والانقياد له وهى فى الجميع صادقه وانما يختلف
الحال فيها فى نظر الفقيه (فلما
كان غرض الفقيه هو وجوب القضاء او الاعادة او عدم الوجوب) فصل بين الاوامر و (فسر صحة العبادة بسقوطهما) اذا كان الامر حقيقيا مولويا مطلقا (و) لما (كان غرض المتكلم) كما عرفت (هو حصول الامتثال) واطاعة امر الآمر (الموجب عقلا لاستحقاق المثوبة فسرها بما
يوافق الامر تارة وبما يوافق الشريعة اخرى وحيث) عرفت مصب نظر الفقيه والمتكلم فيما يحومان حوله تعرف (ان الامر) الذى هو الموضوع لاثر الصحة قد يكون مجمع الرأيين وذا
الاثرين وقد يكون محل افتراقهما لانه (فى الشريعة يكون على اقسام كما عرفت من
الواقعى الاولى والثانوى والظاهرى والانظار تختلف فى ان الاخيرين يفيدان الاجزاء
او لا يفيدان الاجزاء كان الاتيان بعبادة موافقة لامر) ربما كان (مخالفه لآخر او مسقطا للقضاء والاعادة
بنظر وغير مسقط لهما بنظر آخر فالعبادة الموافقة للامر) الواقعى الاولى و (الظاهرى) الثانوى يكون مجمع الاثرين وموضوعا على كلا الرأيين
لانها (صحيحة
عند المتكلم والفقيه بناء على ان الامر فى تفسير) المتكلم (الصحة بموافقة الامر اعم من الظاهرى مع) البناء ايضا على (اقتضائه للاجزاء وعدم اتصافها بها عند
الفقيه بموافقته) اى الامر الظاهرى (بناء
على عدم الاجزاء وكونه مراعى بموافقة الامر الواقعى عند المتكلم بناء على كون
الامر فى تفسيرها خصوص الواقعى) وقد عرفت الحال (تنبيه وهو انه) قد عرفت انه (لا شبهة فى ان الصحة والفساد) عند المتكلم موافقة الامر ومخالفته والموافقة
والمخالفة (وصفان
اعتباريان ينتزعان من مطابقة الماتى به للمأمور به) بحيث
يكون مصداقا له انحصر الكلى فيه او كان هناك مصداق آخر (وعدمها واما الصحة
بمعنى سقوط الفضاء والاعادة عند الفقيه فهى من لوازم الاتيان بالمأمور به بالامر
الواقعى الاولى) وما يحكمه عقلا (حيث
لا يكاد يعقل ثبوت القضاء والاعادة معه جزما) لانه من لوازم عدم الاتيان كذلك ولا يعقل ترتب نقيض
المعلول على علته (فالصحة
بهذا المعنى فيه وان كان ليس بحكم وضعى مجعول بنفسه او بتبع تكليف) يكون هو منشأ انتزاعه (إلّا انه ليس بامر اعتبارى ينتزع كما
توهم) فتكون الصحة
والفساد عند الفقيه كما هما عند المتكلم (بل) من الآثار الوضعية التى هى (مما يستقل به العقل) ويحكم بترتبه (كما يستقل باستحقاق المثوبة به و) اما (فى غيره) اى غير الواقعى الاولى وما بحكمه كالامر الظاهرى (فالسقوط ربما يكون
مجعولا وكان الحكم به تخفيفا ومنة على العباد) اذ لولاه لزم القضاء والاعادة فى اغلب المقامات وهو عسر
ومشقة (مع
ثبوت المقتضى لثبوتهما) وهو الواقع بمرتبته الشأنية (كما عرفت فى مسئلة الاجزاء) الاشارة الى ذلك (كما ربما يحكم بثبوتهما) فى صورة العلم بالواقع وعدم المانع عن ذلك (فيكون الصحة والفساد) حينئذ (حكمين وضعيين مجعولين شرعيين عقليين) كما فى الصورة الاولى (لا وصفين انتزاعيين) كما هما عند المتكلم (نعم الصحة والفساد فى الموارد الخاصة لا
يكاد يكونان مجعولين) ضرورة ان جعل الجزئيات يتحقق ويحصل بجعل الكلى فلا يتصف تلك الموارد بهما
استقلالا (بل
انما هى تتصف بهما بمجرد الانطباق على ما هو المأمور به هذا فى العبادات واما
الصحة فى المعاملات) مطلقا حيث كان معناها هو ترتب الاثر (فهى تكون مجعولة) لا محاله (حيث كان ترتب الاثر على معاملة انما هو
بجعل الشارع وترتيبه عليها ولو امضاء ضرورة انه) ليس الاثر الا امرا حادثا مسبوقا بالعدم و (لو لا جعله لما كان
يترتب عليه لاصالة) عدمه وهو معنى (الفساد) فى المعاملة (نعم صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس) بجعل خاص فيها بل لا تتصف بهما (الا لاجل انطباقها مع
ما هو المجعول سببا وعدمه كما هو الحال) فى الصحة والفساد بمعنى سقوط القضاء وعدمه كما مر وكما
هو الحال ايضا (فى)
(التكليفية
من الاحكام ضرورة ان اتصاف الماتى به بالوجوب او الحرمة او غيرهما) فى كل مورد من الموارد الخاصة (ليس إلّا لانطباقه مع
ما هو الواجب والحرام) كليا وقد تقدمت الاشارة الى ذلك فى كفاية الفرد المنهى عنه اذا كان وافيا
بالغرض ومساويا لغيره فى انطباق الكلى عليه فتذكر (السابع لا يخفى انه لا اصل فى المسألة) الأصولية (يعول عليه لو شك فى دلالة النهى على
الفساد) وان كان مجرد
الشك فى ذلك يوجب سقوط حجيته فيه (نعم كان الاصل فى المسألة الفرعية) مختلفا حسب اختلاف الموارد فيكون (هو الفساد لو لم يكن
هناك اطلاق او عموم يقتضى الصحة فى المعاملة) لما عرفت (وما العبادة فكذلك لو كان الشك فى اصل
ثبوت الامر) ما لم يكن وجود المقتضى محرزا مع عدم المزاحم له فى جهة اقتضائه كما تقدم
(او
فى صحة الماتى به وفساده للشك فى انطباقه) (مع
ما هو المامور به حين اتيانه وإلّا فاصالة الصحة بعد فراغه متبعة) كما حقق فى محله (واما لو كان الشك لاجل دوران الواجب بين
الاقل والاكثر فقضية الاصل بحكم العقل وان كان هو الاشتغال على ما حققناه فى محله
لعدم) جريان ادلة
البراءة العقلية فيه (إلّا
ان) ادلة (النقل) الدالة عليها (مثل حديث الرفع) وما أشبهه (يقتضى صحة الاقل والبراءة عن) وجوب (الاكثر فتدبر
الثامن
ان متعلق النهى اما ان يكون نفس العبادة) كدعى الصلاة ايام اقرائك (او جزئها) كالقران بين السورتين والتأمين والتكفير والجزء الماتى
به رياء اذا تعلق به النهى وقراءة العزائم وغير ذلك (او شرطها الخارج عنها) كما لو لبس فيها ما نهى عن لبسه مثلا (او وصفها الملازم لها
كالجهر والاخفات للقراءة) فان كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة وان كانت
هى تنفك عن احدهما (او
وصفها الغير الملازم كالغصبية لاكوان الصلاة المنفكة عنها) اذا عرفت هذه الاقسام فاعلم انه (لا ريب فى دخول القسم
الاول فى محل النزاع وكذا القسم الثانى بلحاظ ان جزء العبادة عبادة) اذ لو لا ذلك لزم عدم كون المركب عباديا (إلّا ان بطلان الجزء
لا يوجب بطلانها) ما لم يكن العنوان الماخوذ فى الدليل المتضمن للنهى صادقا على الكل
بتحققه فى الجزء
كالرياء فى الجزء على احد الوجهين استنادا الى اطلاق دليله وشموله لهذا
النحو من الرياء فى العبادة ففى هذه الصورة يسرى البطلان دون غيرها (الا مع الاقتصار) فى الاتيان (عليه لا مع الاتيان بغيره مما لا نهى
عنه) مع التمكن من
ذلك (إلّا
ان يستلزم محذورا آخر) من زيادة عمديه او فعل كثير (واما القسم الثالث فلا يكون حرمة الشرط
والنهى عنه موجبا لفساده الا فيما كان عبادة) كالطهارة وصوم الاعتكاف (كى يكون دليل حرمته موجبا لفساده
المستلزم لفساد المشروط به وبالجملة لا يكاد يكون النهى عن الشرط موجبا لفساد
العبادة المشروطة به لو لم يكن موجبا لفساده) اذ العبادة صحيحه حسب الفرض من كل جهة الا من جهته
فاذا فرض صحته من هذه الجهة فمن اين ياتيها الفساد نعم تفسد فى غيرها (كما اذا كانت عبادة
واما القسم الرابع فالنهى عن الوصف الملازم مساوق للنهى عن موصوفه فيكون النهى عن
الجهر بالقراءة) فى صلاة النهار (مثلا
مساوقا للنهى عنها لاستحالة كون القراءة التى يجهر بها مأمورا بها مع كون الجهر
بها منهيا عنه فعلا كما لا يخفى) ضرورة انهما موجود واحد لا موجودان بوجود واحد وليس من
قبيل المتلازمين فى الوجود الذين قلنا ان عدم جواز اختلافهما فى الحكم لا يوجب
سراية حكم اللازم الى الملزوم بل القراءة جهرا نوع واخفاتا نوع آخر من كلى القراءة
والانسان وان انحل الى جنس وفصل عقلا إلّا انه موجود واحد بوجود واحد وكل نوع من
هذا القبيل (وهذا
بخلاف ما اذا كان) الوصف (مفارقا
كما فى القسم الخامس فان النهى عنه لا يسرى الى الموصوف الا فيما اذا اتحد معه
وجودا بناء على امتناع الاجتماع) وترجيح جانب النهى (واما بناء على الجواز فلا يسرى اليه
مطلقا كما عرفت فى المسألة السابقة هذا حال النهى المتعلق بالجزء او الشرط او
الوصف) بانفسها (واما النهى عن
العبادة لاجل احد هذه الامور) كقول لا تصل غاصبا او مرائيا او مقارنا بين سورتين او
فى النجس (فحاله
حال النهى عن احدها ان كان) تعلق النهى بالعبادة تعلقا عرضيا لا ذاتيا و (من قبيل) النعت السببى و (الوصف بحال المتعلق) فيكون وصفها بانها منهى
عنها كوصف زيد بالحسن الوجه (وبعبارة اخرى كان النهى عنها بالعرض) والمجاز لا بالذات والحقيقة (وان كان النهى عنه) اى عن المتعلق الذى هو ذات العبادة (على نحو الحقيقة
والوصف بحاله) المختص به لا بحال المتعلق (وان كان) التعلق بالعبادة (بواسطة احدها إلّا انه من قبيل الواسطة
فى الثبوت لا) الواسطة (فى
العروض كان حاله حال النهى فى القسم الاول) فى الدلالة على الفساد مطلقا فتحصل ان فساد العبادة
بالنهى يتحقق فى ثلث صور تعلق النهى بها لذاتها وتعلقه بها حقيقة بسبب اختلال احد
الامور المذكورة وتعلقه بوصف يحصل من تحققه فى الجزء او الشرط صدق تحققه بها عرفا
كما عرفت فى الرياء (وبما
ذكرنا فى بيان اقسام النهى فى العبادة يظهر حال الاقسام فى المعاملة فلا يكون
بيانها على حده بمهم كما ان تفصيل الاقوال فى الدلالة على الفساد وعدمها التى ربما
تزيد على العشرة على ما قيل كذلك) ليس بمهم (انما) الغرض (المهم بيان ما هو الحق فى المسألة ولا
بد فى تحقيقه على نحو يظهر الحال فى) باقى (الاقوال من بسط المقال فى مقامين) المقام (الاول فى) بيان حال تعلقه ب (العبادات فنقول وعلى الله الاتكال ان
النهى المتعلق بعباده بنفسها ولو كانت) هذه العبادة (جزء عبادة) اخرى (بما هو) اى المتعلق (عبادة كما عرفت مقتضى لفسادها لدلالته
على حرمتها) واقل معانى حرمة العبادة عدم الامر بها فاذا لم يكن امر فلا موافقة له
فلا صحة وهذا معنى الحرمة التشريعية فالنهى يدل على عدم الامر بها لعدم المصلحة
المقتضية له وربما قيل بدلالته على وجود مفسدة فيها (ذاتا) غلبه على تلك المصلحة ومستلزمة ايضا لارتفاع الامر
لوجود المبغوضية المضادة لجهة المحبوبية (ولا يكاد يمكن اجتماع الصحة بمعنى
موافقة الامر او الشريعة مع الحرمة) مطلقا كما عرفت وجهه (وكذا بمعنى سقوط الاعادة فانه) من آثار انطباق الماتى به على المامور به وهو (مترتب على اتيانها
بقصد القربة وكانت العبادة مما يصلح ان يتقرب بها) اذ لو لا ذلك لم يحصل الانطباق (ومع الحرمة لا يكاد
يصلح لذلك) ولا يعقل ان (ياتى قصدها من
الملتفت الى حرمتها
كما
لا يخفى لا يقال هذا) الذى ذكرت من عدم امكان قصد القربة لعدم صلوح العبادة المنهى عنها ذاتا
للتقرب مسلم (لو
كان النهى عنها دالا على الحرمة الذاتية و) هى (لا
يكاد يتصف بها العبادة) لان كل مامور به ومنهى عنه اذا لم تكن مخالفته مقدورة لم تكن موافقته
مقدورة لوجوب تساوى طرفى الممكن بالضرورة فلا يعقل تعلق الامر او النهى بما يستحيل
موافقته ومن المعلوم ان مخالفة النهى المتعلق بالعبادة انما تكون بالاتيان بها
والاتيان بها موقوف على امكان قصد القربة (لعدم الحرمة بدون قصد القربة) لعدم كون المتعلق عبادة بدونها (و) من البديهى (عدم القدرة على قصد القربة بها الا
تشريعا ومعه يكون محرمة بالحرمة التشريعية لا محاله) التى معناها عدم طلب الفعل لا طلب عدمه (ومعه لا يمكن) ان (يتصف
بحرمة اخرى لامتناع اجتماع المثلين كالضدين) حكما والنقيضين ملاكا لان ملاك التشريعية كما عرفت عدم
طلب الفعل والذاتية طلب عدمه ولاستحالة تحقق الموافقة لما عرفت من استحالة تحقق
المخالفة فعلم ان استحالة اتصاف العبادة بالحرمة الذاتية لوجهين احدهما عدم القدرة
على الامتثال وهو الذى حققناه وثانيهما لزوم اجتماع المثلين بالنظر الى نفس الحكم
الذى هو الحرمة وهو لذى افاده المصنف قده ولزوم اجتماع النقيضين بالنظر الى ملاك
الحرمتين كما حققناه ايضا (فانه
يقال فى الجواب لا ضير فى اتصاف ما يقع عبادة لو كان مامورا به بالحرمة الذاتية) لما عرفت من ان معنى تعلق النهى بالعبادة ان متعلقه لو
امر به كان امره عباديا (مثلا
صوم العيدين كان عبادة منهيا عنها بمعنى انه لو امر به كان عبادة لا يسقط الامر به
إلّا اذا اتى به بقصد القربة كسائر الايام التى كان صومها عبادة والامر به عباديا
هذا فيما اذا لم يكن ذاتا عبادة كالسجود لله تعالى ونحوه وإلّا كان) مما لا يستحيل تحقق المخالفة والموافقة فيه اذ لا مانع
من كونه (محرما
مع كونه فعلا عبادة مثلا اذا نهى الجنب والحائض عن السجود له تبارك وتعالى كان) فعلا (عبادة محرمة ذاتا حينئذ لما فيه من
المفسدة والمبغوضية فى هذا الحال) قلت هذا الجواب لا وقع له اما ما افاده او لا فلما
عرفت فى بيان ضابط كون الشيء عبادة فان الحرمة
الذاتية التابعة للمفسدة الذاتية لا يمكن ان يقال فى متعلقها انه عبادة على
ما ذكرنا من تفسيرها اذ لم يسبق له حال بها يعلم انه كذلك لوجود المفسدة الذاتية
فيه من دون انفكاك واما ما افاده اخيرا فى العبادة الذاتية كالسجود لله تعالى فهو
عجيب فان السجود بما هو سجود لم يعلم كونه عبادة من غير جهة الامر كما ان كيفياته
المختلفة كذلك ولذا جاز فى غير الصلاة ما لم يجز فى الصلاة منها واما بقيد كونه
لله فلا خصوصية له فانه كالصلاة والصوم لله ضرورة انه عين قصد القربة بل اعلى
مراتبه ومع التحريم فلا يمكن قصد كونه لله ومع زوال القيد فكيف يكون فى حال
التحريم عبادة ولو اريد من العبادة غير معناها الاصطلاحى بل مطلق الخضوع لكل من
يخضع له لم ينفع فى ذلك اجتماعه مع الحرمة الفعلية ضرورة خروجه عن فرض المسألة هذا
وتحقيق المقام ما اشرنا اليه فى بيان ضابط العبادة وهو ان النهى المتعلق بها انما
يدل على عدم ارادة الفعل وطلبه وبعبارة اخرى العبادة المامور بها كليا المعلوم
رجحانها ذاتا اذ انهى عنها لخصوصية لاحقه لها كان النهى ارشاديا ومعناه عدم ارادة
الفعل لا ارادة عدمه فيكون الاتيان بالفعل بعد سقوط امره بقصد كونه مامورا به
كالاتيان بالفعل الذى لم يتعلق به امر ابدا بعنوان انه مامور به تشريعا محرما
بالادلة الأربعة لا بهذا النهى فقولنا ان النهى يدل على الحرمة التشريعية ليس
المراد ظاهره بل المراد انه يدل على ان متعلقه فيه خصوصية عارضه مسقطه لامره فيكون
الاتيان به حينئذ تشريعا وهو محرم واما النهى الدال على الحرمة الذاتية فيمكن ايضا
ان يتعلق بالعبادة بسبب لحوق خصوصية لها موجبة لمفسدة فيها مخرجه لها عن موضوع
العبادية فيكون فسادها لاجل كشف النهى عن هذه المفسدة لا للحرمة التشريعية لان
التشريع فى العبادة انما يتحقق فى الاتيان بغير المامور به اذا كان ذاتا وماهية
عبادة وراجحا وكان سقوط امره لعروض خصوصية لم ترفع ذلك الرجحان وانما منعت عن
امكان لحوق الجزء المقوم له وهو قصد القربة فالحرمة التشريعية مع الحرمة الذاتية
مختلفان موضوعا فالنهى الدال على الحرمة الذاتية وارد على ما دل على حرمة العبادة
التشريعية لانه كاشف عن زوال
موضوعها سواء قلنا ان الموضوع ذات الفعل المشرع به او عقد القلب على التدين
بحكمه الذى لم يكن من الدين فلا موضوع يجتمع فيه الحرمتان اما لتبدله كما هو
التحقيق او لاختلافه بناء على الوجه الثانى فى متعلق الحرمة التشريعية والى ذلك
اشار المصنف قده بقوله (مع
انه لا ضير فى اتصافه بهذه الحرمة مع الحرمة التشريعية بناء على ان الفعل فيها لا
يكون حقيقة متصفا بالحرمة بل انما يكون المتصف ما هو من افعال القلب كما هو الحال
فى التجرى والانقياد) على اصح الوجهين كما حقق فى محله (فافهم هذا مع انه لو لم يكن النهى فيها
دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية فانه لا اقل
من دلالته على انها ليست بمأمور بها وان عمها اطلاق دليل الامر بها او عمومه نعم) ما ذكرناه باسره انما هو فى النهى المتعلق بالعبادة
اولا وبالذات وعلى نحو الحقيقة وان كان النهى تبعيا اما (لو لم يكن النهى عنها
الا عرضا كما اذا نهى عنها فيما كانت ضد الواجب) كالصلاة المضادة للازالة (مثلا) (فلا
يكون) النهى حينئذ (مقتضيا للفساد بناء
على عدم الاقتضاء للامر بالشيء للنهى عن الضد الا كذلك اى عرضا فيخصص به) عموم القول باقتضاء النهى فى العبادات فسادها (او يقيد) به اطلاقه كما هو واضح (المقام الثانى فى المعاملات ونخبة القول
فيها ان النهى) المتعلق بها (الدال
على حرمتها) ليس النظر فيه الى اخراج هذا الفرد عن عموم المعاملة التى امضاها الشارع
فترتب عليها اثرها المجعول لها شرعا فيكون تحريمها عبارة عن عدم امضائها كما كان
تحريم العبادة عبارة عن عدم الامر بها فلا حرمة تشريعيه حينئذ فلا فساد ولو كان
المنظور فيه ذلك فلا محيص عن دلالته على الفساد لان ترتب الاثر منوط بالامضاء
فالردع موجب لعدمه بالضرورة وليس النظر فيه الى وجود مفسدة ذاتيه فى هذه المعاملة
من حيث الاثر الملحوظ فيها فيكون دالا على فسادها لدلالته على وجود ما يلزم من
ترتب الاثر عليه المفسدة فقد اتضح انه (لا يقتضى الفساد مطلقا لعدم الملازمة
فيها) اى فى المعاملات
(لغة
ولا عرفا بين حرمتها وفسادها اصلا) سواء (كانت الحرمة متعلقه بنفس المعاملة
بما
هو فعل بالمباشرة) كالبيع وقت النداء وبيع المنابذة والملامسة وما اشبه ذلك (او بمضمونها) اى المعاملة (بما هو) اى المضمون (فعل بالتسبيب) بمعنى انه يصدق عليه عنوان فعل المكلف من حيث ان ايجاد
سببه بيد المكلف كبيع المصحف على الكافر فان المحرم هو نفس النقل والتمليك
المسببين عن الايجاب والقبول لا نفس العقد (او) بمضمونها بما هو فعل (بالتسبب بها) اى بالمعاملة (اليه وان لم يكن السبب ولا المسبب بما
هو فعل من الافعال بحرام) كبيع السلاح للكافر ليستعين به على قتال المسلمين وبيع
الكرم ممن يعمله خمرا والخشب ممن يعمله صنما وما اشبه ذلك فان نفس السبب وهو العقد
بما هو فعل من الافعال والمسبب وهو النقل والتمليك بما هو كذلك ليسا بحرام اصلا
وانما الحرام هو التسبب بهما الى تلك الغاية كما لا يخفى وعدم اقتضاء النهى للفساد
فى هذه الموارد واضح (وانما
يقتضى الفساد) اذا كانت هناك قرينة على ان المنظور فيه بيان عدم امضاء الفرد المتعلق
للنهى او بيان ان المفسدة من حيث ترتب الاثر او كان النهى متعلقا بنفس الاثر اذا
كان فعلا من افعال المكلف مترتبا جوازه على صحة المعاملة فتكون حرمته دليل فسادها
او كان المنظور فى تعلقه بنفس المعاملة جهة ذلك الاثر الملازم للصحة والوجه فى
الجميع ظاهر فالنهى عن بيع ما ليس عندك او عن بيع الخمر او عن وطاء المعقودة التى
لا ينفك جواز وطئها عن صحة عقدها او عن النكاح بما ان اثره الوطء كذلك يدل على
الفساد قطعا لانه دال على رفع الصحة سببا او مسببا فظهر ان اقتضائه للفساد (فيما اذا كان دالا
على حرمة ما لا يكاد يحرم مع صحتها مثل النهى عن اكل الثمن او المثمن فى بيع) كالملامسة والمنابذة وغيرهما (او بيع شيء) كالخمر والكلب والخنزير وما اشبهها امر لا ينبغى الشك
فيه (نعم
لا يبعد دعوى ظهور النهى عن المعاملة) الدال على ما ينافى الصحة (فى الارشاد الى
فسادها) من دون
دلالته على حكم مولوى من تحريمها او كراهتها (كما ان الامر بها يكون ظاهرا فى الارشاد
الى صحتها من دون دلالته على) حكم مولوى من (ايجابها او استحبابها) والمتتبع للمعاملات المنهى عنها المسلم بينهم فسادها
بالنهى يرى
ظهور النهى فى ذلك فى غاية الظهور (كما لا يخفى لكنه فى المعاملات) بالمعنى الاخص وهى التى (بمعنى العقود والايقاعات لا المعاملات
بالمعنى الاعم المقابل للعبادات) الشامل للتوصليات المشاركة للعبادات لو جيء بها بقصد
الامتثال بل ومثلها جملة من العقود والايقاعات كالنكاح والوقف والطلاق والخلع
والمبارات وما اشبه ذلك مما لا يمكن فيه دعوى ظهور النهى فى الارشاد بل ربما امكن
دعوى ظهوره فى غيره لمناسبة هذه الموارد وامثالها لذلك كما لا يخفى وبالجملة (فالمعول هو ملاحظة
القرائن فى خصوص المقامات ومع عدمها لا محيص عن الاخذ بما هو قضية) ظاهر (صيغة النهى من الحرمة) المولوية وهل يجرى الاحتمالان فيما اذا كان التحريم
بالمادة وجهان اقواهما ذلك اذ المولوية والإرشادية انما يتصف بهما الامر والنهى من
حيث مدلوليهما من الوجوب والتحريم فالموصوف اولا وبالذات هو المدلول لا الدال وكيف
كان فالاخذ انما يكون بالحرمة المولوية (وقد عرفت انها غير مستتبعة للفساد) من حيث هى (لا لغة ولا عرفا) فى خصوص المعاملات (نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا من
جهة دلالة غير واحد من الاخبار عليه منها ما رواه فى الكافى والفقيه عن زرارة عن
الباقر عليهالسلام سأله عن مملوك تزوج
بغير اذن سيده فقال ذلك الى سيده ان شاء اجاز وان شاء فرق بينهما قلت اصلحك الله
تعالى ان حكم بن عتبة وابراهيم النخعى واصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد ولا
يحل اجازة السيد له فقال ابو جعفر عليهالسلام انه لم يعص الله
تعالى وانما عصى سيده فاذا اجاز فهو له جائز حيث دل بظاهره) على (ان النكاح لو كان مما حرمه الله عليه
كان فاسدا) فيتم المطلوب
من استلزام الحرمة للفساد شرعا (ولا
يخفى) عليك الحال
بعد ما عرفت ما حققنا من ان النهى المتعلق بهذا النحو من المعاملات مما فيه جهة
الرجحان ذاتا وفيما كان المنظور فيه حيثية ترتب الاثر ظاهر فى التحريم المولوى
المستتبع للفساد قطعا ومنه تحريم المحرمات النسبية والرضاعية وغير ذلك فان مجرد
تعلق النهى قاض بذلك كما لا يخفى على المتتبع وهذا لا يستلزم كون مطلق التحريم
مستلزما للفساد شرعا وفقه الرواية ان السائل حيث كان يعلم بوجوب اطاعة العبد للسيد
وحرمة مخالفته له وان اطاعته له اطاعة لله ومعصيته له معصية
لله وكان النكاح بغير اذن السيد معصية له ولله لحرمة النكاح عليه بغير اذن
السيد توهم انها الحرمة المستتبعة للفساد فى امثال هذه المقامات لمغروسية ما هو
المنظور فى النهى فى هذه الموارد فى الاذهان والامام اجابه بان حرمة النكاح لا
معصية لها بما هى حرمة لان الله لم يحرم عليه النكاح وانما حرم عليه مخالفة سيده
فتكون حرمة النكاح بما ان النكاح مخالفة للسيد حرمة إرشادية لا معصية لها وانما
معصيتها معصية السيد فلا يستتبع فسادا بالضرورة وهذا فقه الرواية وهو فى غاية
الوضوح وان خفى على الفحول واما ما افاده قده من ان الظاهر ان يكون المراد
بالمعصية المنفية هاهنا ان النكاح ليس مما لم يمضه الله تعالى ولم يشرعه كى يقع
فاسدا ومن المعلوم استتباع المعصية بهذا المعنى للفساد كما لا يخفى ولا باس باطلاق
المعصية على عمل لم يمضه الله ولم ياذن به كما اطلق عليه بمجرد عدم اذن السيد فيه
انه معصية فهو غريب من مثله جدا واطلاق المعصية مع عدم الاذن انما هو لوجوب
الاستئذان عليه فى ذلك فهو من باب ترك الواجب لا من باب فعل الحرام ليقال ان عدم
الاذن فى النكاح لا يكون نهيا عنه حتى يكون ايجاده معصية فافهم واغتنم وقد افاد فى
الحاشية ما يقرب من ذلك فلاحظ وتامل (وبالجملة لو لم يكن الخبر ظاهرا فى ذلك
لما كان ظاهرا فيما توهم) اذ لا اقل من الاحتمال الرافع للظهور الذى هو مناط
الاستدلال (وهكذا
حال ساير الاخبار الواردة فى هذا الباب فراجع وتامل تذنيب حكى عن ابى حنيفة
الشيبانى دلالة النهى على الصحة وعن الفخر انه وافقهما على ذلك) والوجه فيما قالوا ما تقدمت الاشارة اليه من ان النهى
الظاهر فى الحرمة التكليفية لا يعقل تعلقه بغير المقدور ولا يكون مقدورا الا حيث
يكون الاتيان به موجبا لترتب الاثر عليه فى حال حرمته عبادة كان او معامله فاذا
كانت مخالفته مقدورة كانت موافقته مقدورة وليست الصحة الا ترتب الاثر فالنهى يدل
على امكان ترتب الاثر وهو معنى الصحة والتحقيق فى الجواب ما تقدمت الاشارة اليه
ايضا من ان النهى المتعلق بالعبادة ارشادى يدل على خروج متعلقه عن الطبيعة المتعلق
بها الامر فلا موافقة له ولا مخالفة بل يكون ترك الاتيان موافقة لادلة حرمة
التشريع والاتيان بقصد الامر مخالفة لها واما المتعلق بالمعاملة فما كان منها
كالعبادة فحاله حالها وما كان منها متعلقا للحرمة
التكليفية صرفا كان صحيحا حال كونه محرما قطعا لا لدلالة النهى على ذلك بل
لعدم منافات هذا النهى لامضائه من حيث ترتب الاثر ومن المعلوم بقاء الصحة ما بقى
الامضاء فانقدح لك ان ما ذكره المصنف من (انه فى المعاملات كذلك اذا كان النهى عن
المسبب) كملك الكافر (او التسبيب) كالايجاب والقبول المسببين له (لاعتبار القدرة) على الموافقة والمخالفة (فى متعلق النهى كالامر ولا يكاد يقدر
عليها الا فيما كانت المعاملة مؤثرة صحيحة) حال كونها حراما (واما اذا كان النهى عن السبب) لا بعنوان التسبيب (فلا دلالة) له على الصحة كما قالوا (لكونه مقدورا وان لم يكن صحيحا نعم قد
عرفت ان النهى عنه لا ينافيها) اى الصحة لعدم الملازمة (واما العبادات فما كان منها عبادة ذاتيه
كالسجود والركوع والخشوع والخضوع له تبارك وتعالى فمع النهى عنه يكون مقدورا كما
اذا كان مأمورا به) فيكون حاله حال المعاملة (وما كان منها عبادة لاعتبار قصد القربة
فيه لو كان مأمورا به فلا يكاد يقدر عليه إلّا اذا قيل باجتماع الامر والنهى فى
شيء ولو بعنوان واحد وهو محال وقد عرفت ان النهى فى هذا القسم انما يكون عن
العبادة بمعنى انه لو كان مأمورا به كان الامر به امر عبادة) الذى اظهر خواصه وآثاره انه (لا يسقط إلّا بقصد
القربة) انما هو بناء
على كون النهى تحريميا وقد عرفت عدم الداعى الى الالتزام بذلك وان الصواب فى
الجواب ما ذكرناه وحاصل ما افاده تسليم الكبرى وهى كون متعلق النهى لا بد ان يكون
مقدورا ولا يعقل ذلك إلّا مع الصحة ومنع الصغرى وهو صحة تعلق النهى بهذا المعنى
بالعبادات وتسليمها فى المعاملات فى غير القسم المشارك للعبادات وفى العبادات
الذاتية قلت قد عرفت جميع ما فى هذه الكلمات ولا باس بتوضيح الكلام فيما جعله من
العبادة الذاتية كالسجود مثلا فنقول ان السجود وما بعده انما صار عبادة ذاتيه
بقيده المأخوذ فيه ضرورة ان مطلقه ليس كذلك فان السجود للنوم او لمسح الجبهة
بالارض او للوطء او لغير ذلك ليس عبادة وانما العبادة هى السجود لله وهذا القيد
ليس من الموجودات الخارجية كالمقيد فيتبعه حيث وجد وانما بوجده القصد ومع النهى عن
ايقاعه لله كيف يعقل قصد كونه لله
ليوجد القيد فيوجد المقيد غاية الامر ان الفرق بين العبادة الذاتية وغيرها
ان قصد عنوان الذاتية مغن عن قصد امرها لان معناها عين كونها لله بخلاف غير
الذاتية فان قصد عنوانها لا يكفى بل لا بد اما من قصد كونها لله فتساوى الذاتية او
قصد امرها او قصد وجه امرها من المحبوبية مثلا والحاصل اذا حرم السجود لله حرمة
تشريعيه او ذاتيه لا يمكن ايجاده لعدم التمكن من ايجاد قيده الناشى من عدم التمكن
من ايجاد قصده كما كان النهى فى غير الذاتية مانعا عن التمكن من ايجاد قصده خاصه (فافهم
المقصد
الثالث فى المفاهيم) ولا بد من تقديم (مقدمة) بها يتضح معنى لفظ المفهوم (وهى ان) لفظ (المفهوم كما يظهر من موارد اطلاقه هو
عبارة عن حكم انشائى او اخبارى تستتبعه) يعنى تجره تبعا لها (خصوصية المعنى الذى اريد من اللفظ) حال كونه (بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة وكان
يلزمه لذلك وافقه فى الايجاب والسلب او خالفه) والاول مفهوم الموافقة والثانى مفهوم المخالفة (فمفهوم ان جاءك زيد
فاكرمه مثلا لو قيل به) ان لم يجئك زيد لا تكرمه وهى (قضية شرطية سالبة بشرطها) وهو ان لم يجئ (وجزائها) وهو لا تكرمه (لازمة) تابعة (للقضية الشرطية) الموجبة (التى تكون معنى القضية اللفظية) وهى ان جاءك زيد فاكرمه (ويكون لها) اى للقضية الشرطية التى هى معنى المثال المذكور (خصوصية) وهى ربط وجوب الاكرام بالمجيء وتعليقه عليه تعليق
المعلول على علته المنحصرة بتوسط أداة الشرط وهذه القضية (بتلك الخصوصية كانت مستلزمة
لها) اى للقضية
السالبة ضرورة ان المعلول عدم عند عدم علته (فصح) بما عرفت من تفسير المفهوم (ان يقال ان المفهوم
انما هو حكم غير مذكور) ضرورة ان تحريم الاكرام على تقدير عدم المجيء حكم انشائى لم يذكر فى
القضية الموجبة (لا
انه حكم لغير مذكور كما فسر به) فى تقريرات بعض الاعاظم قلت الظاهر بعد مراجعة الكتاب
ان الغرض من التعريف بيان ان الحكم والموضوع غير مذكورين وذكر كون الموضوع غير
مذكور يلزمه عقلا كون الحكم غير مذكور لعدم معقولية انفكاك الحكم عنه فانه يمكن
ذكر ذات الموضوع وعدم ذكر الحكم
ولا يمكن ذكر ذات الحكم بلا موضوع والسر ان الجوهر يقوم بنفسه والعرض لا
يقوم الا بغيره فتعريفه وتوصيفه بانه حكم غير مذكور يعم الصورتين فلا يكون مانعا
وكيف كان فقد اختلفوا فى تعريف المفهوم (وقد وقع فيه النقض والابرام بين الاعلام
مع انه لا موقع له) ولا يتوقف عليه اثبات المرام (كما اشرنا اليه فى غير مقام لانه من
قبيل شرح الاسم كما فى التفسير اللغوى) فى قولهم سعد انه نبت واشباهه وقد عرفت تفسيره (ومنه قد انقدح حال
غير هذا التفسير بما ذكر فى المقام فلا يهمنا التصدى لذلك كما لا يهمنا بيان انه
من صفات المدلول او الدلالة وان كان بصفات المدلول اشبه) بل هو الاوجه بعد ما عرفت من انه من اقسام المداليل
الالتزامية (و) ما يرى من (توصيف الدلالة احيانا) به فانما (كان) بالعرض والمجاز و (من باب التوصيف بحال المتعلق) لاشتمال المفهوم عليها (وقد انقدح من ذلك) ايضا (ان النزاع) فى حجية المفهوم وعدمها انما هو نزاع (فى ثبوت المفهوم
وعدمه) وان النزاع
فى ثبوته وعدمه (فى
الحقيقة انما يكون فى ان القضية الشرطية او الوصفية او غيرهما هل تدل بالوضع او
بالقرينة العامه على تلك الخصوصية المستتبعة لتلك القضية الاخرى ام لا) تدل (فصل الجملة الشرطية هل
تدل على الانتفاء عند الانتفاء كما تدل على الثبوت عند الثبوت) المسلم فيما بينهم (بلا كلام ام لا) تدل (فيه خلاف بين الاعلام] وتحقيق المقام ان للجملة الشرطية استعمالات عديدة منها
استعمالها فى بيان تحقق الموضوع فقط مثل ان ركب الامير فخذ ركابه وان ولد لك ولد
فاختنه وان استجارك احد من المشركين فاجره وغير ذلك وهو كثير ومنها استعمالها فى
ترتيب الجزاء على مدخول أداة الشرط ترتيب الاثر على مقتضيه مع قطع النظر عن وجود
المانع وعدمه كقولك ان دخل الثانى عشر وجبت الزكاة فلا ينافى عدم وجوبها لمانع كما
هو واضح وهو ايضا كثير ومنها استعمالها بنحو ترتيب المعلول على بعض مصاديق علته فى
صورة تعدد العلل وترتيب الجزاء على واحد منها ومنها استعمالها فى ترتيبه ترتيب
المعلول على علته المنحصرة ومنها استعمالها فى بيان مجرد تلازم الجزاء ومدخولها
وجودا مع كونهما معلولين لعلة واحدة كقولك ان كان زيد كريما فهو
شجاع ومنها استعمالها فى بيان علة وجود مدخولها كقولهم ان كان النهار
موجودا فالشمس طالعة ان حمل الجزاء على ظاهره وان اريد منه حصول العلم كان من
القسم الرابع وغير ذلك مما يقف عليه المتتبع وجل استعمالاتها لو لم يكن الكل اكثر
وقوعا من القسم الرابع الذى [لا
شبهة فى استعمالها فيه وارادة الانتفاء عند الانتفاء فى غير مقام انما الاشكال
والخلاف فى انه بالوضع او بقرنيه عامة بحيث لا بد من الحمل عليه لو لم يقم على
خلافه قرينة من حال او مقال] والذى ينبغى ان يقال فى تحقيق محل النزاع فى المسألة
هو ان أداة الشرط المقصود بها فى مصطلح النحات ان لمدخولها دخلا ما فى وجود ما
بعده ولو بنحو التلازم فيشمل جميع الانحاء المتقدمة حتى ما سيق لبيان تحقق الموضوع
كما هو واضح هل وضعت للدلالة على ان مدخولها علة تامة بشرط لا فيحكم العقل حينئذ
بالانتفاء عند الانتفاء او لا بشرط غير ان القرينة العامه دالة على ان المراد به
بشرط لا فيكون اخص اولا هذا ولا ذا فيكون محل النزاع على هذا التقرير ليس هو دلالة
اللفظ على الانتفاء عند الانتفاء وانما هو دلالته على ان المدخول اخذ بنحو خاص
بحكم العقل فى مثله بذلك نعم بعد اثبات ذلك يكون دلالة اللفظ عليه دلالة التزامية
والفرق بين جعل محل النزاع هو نفس الدلالة الالتزامية المتوقفة على تحقق اللزوم
عقلا وجعله نفس اللزوم المتفرع عليه تحقق الدلالة الالتزامية فى غاية الوضوح لمن
اعطى التأمل حقه [فلا
بد للقائل بالدلالة من اقامة الدليل على الدلالة باحد الوجهين] من الوضع او القرينة العامة [على تلك الخصوصية
المستتبعة لترتب الجزاء على الشرط نحو ترتب المعلول على علته المنحصرة واما القائل
بعدم الدلالة ففى فسحة] من ذلك لعدم احتياجه الى مئونة تزيد على ابطال دليل مدعيها لو اقامه بل
مجرد منع الدلالة كاف حتى يقام دليلها [فان له منع دلالتها على اللزوم بل) يختار دلالتها (على مجرد الثبوت عند الثبوت ولو من باب
الانفاق] وهذا اقل
مراتبها وادناها بل ربما ينكر اصل استعمالها فى ذلك [او منع دلالتها على الترتب] وهو ثانى مراتبها [او على نحو الترتب على] مطلق [العلة] وهو ثالث مراتبها [او على] نحو الترتب على [العلة المنحصرة بعد تسليم
اللزوم
او العلية] وهو رابع
المراتب واكملها وليس النزاع الا فيه [لكن منع دلالتها على اللزوم ودعوى كونها
اتفاقية فى غاية السقوط] منشؤه عدم تتبع مواقع الاستعمال فى محاورات العرب والعرف [لانسباق اللزوم منها] بينهم [قطعا] بل ومن مرادفها فى كل لغة كاكر فى الفارسية وما اشبهها
فى باقى اللغات [واما
المنع عن انه بنحو الترتب على العلة فضلا عن كونها منحصرة فله مجال واسع) بل هو الاقوى فالجمل الشرطية باسرها انما تساق لبيان
تحقق الموضوع الذى لا يتوقف عليه إلا شخص الحكم المنشا واما سنخه فهو على ما هو
عليه قبل الشرط فحال ان ركب الامر فخذ ركابه كحال ان جاءك زيد فاكرمه فى ان
المقصود بهما اخذ ركاب الراكب واكرام الجائى فالمثالان متساويان لفظا ومعنى
ووجدانك ان لا عناية فى احدهما توجب امتيازه عن الآخر اقوى شاهد على التساوى اذ من
المعلوم احتياج المجاز الى عناية زائدة من لحاظ العلاقة وقرينة التعيين او الصرف
او هما معا (ودعوى
تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة مع كثرة استعمالها فى الترتب
على نحو الترتب على) العلة (الغير
المنحصرة بل) دعوى تبادر اللزوم والترتب على العلة الغير المنحصرة مع كثرة استعمالها (فى مطلق اللزوم) على نهج استعمالها فى الصورتين بحيث يقطع ذو الوجدان
السليم والمذاق المستقيم بتساويهما من كل جهة (بعيدة عهدتها على مدعيها) بل ممنوعة عندى اشد المنع لخلوها عن الدليل ولو كان
فهو عليل لا يروى به غليل و (كيف
ولا يرى فى استعمالها فيها) بل فيه (عناية ورعاية علاقة بل انما تكون ارادته
كارادة الترتب على العلة المنحصرة) او غير المنحصرة (بلا عناية كما يظهر على من امعن النظر
واجال) البصر واعمل (البصيرة فى موارد
الاستعمالات) وما يرى من استفادة الترتب بنحو العلة المنحصرة فى جملة من المقامات فهو
لخصوصيات المقام لا للوضع ولا للقرينة كخصوصية مقام التحديد فانها تفيد الثبوت عند
الثبوت والانتفاء عند الانتفاء وان كانت الجملة حمليه ألا ترى ان قوله ع اذا كان
الماء قدر كر لا ينجسه شيء وقوله سألته عن الماء الذى لا ينجسه شيء فقال هو الكر
متساويان فى افادة الانتفاء
عند الانتفاء ولو كان ذلك للشرط لم يتحقق فى غيره ومثله سائر المقامات التى
فيها هذه الخصوصية او غيرها مما هو مثلها ولو لا مخافة الاطناب المنافى لوضع
الكتاب لسردنا من موارد الاستعمال ما به مقنع لاولى الالباب (وفى عدم الالزام
والاخذ بالمفهوم فى مقام المخاصمات والاحتجاجات) على ما حكاه المصنف قده (وصحة الجواب بانه لم يكن لكلامه مفهوم
وعدم صحته لو كان له ظهور فيه معلوم) اقوى شاهد لمن القى السمع وهو شهيد وان كان المصنف قد
حكى ذلك وعهدة الحكايتين على مدعيهما (واما دعوى الدلالة) على الترتب بنحو العلة المنحصرة (بادعاء انصراف اطلاق
العلاقة اللزومية الى ما هو اكمل افرادها وهو اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها
ففاسده جدا) اولا لعدم وجود لفظ للعلاقة اللزومية فى الجملة الشرطية وعدم كون معنى
أداة الشرط هو مطلق العلاقة اللزومية ليحكم بالانصراف فى الصورتين الى الاكمل بل
المدعى ان معناها هو لزوم الجزاء لمدخولها فى الجملة لا مطلقا وثانيا (لعدم كون الأكملية
موجبه للانصراف الى الاكمل لا سيما مع كثرة الاستعمال فى غيره) وثالثا أن العلاقة اللزومية التى هى مدلول الاداة معنى
حرفى جزئى على مذهب هذا القائل فكيف يدعى فيه الانصراف وهو من خواص المطلقات
الكلية (كما
لا يكاد يخفى) قال المصنف قده (هذا
مضافا الى منع كون اللزوم بينهما اكمل مما اذا لم تكن العلة بمنحصرة فان الانحصار
لا يوجب ان يكون ذاك الربط الخاص الذى لا بد منه فى تأثير العلة فى معلولها أكد
واقوى) قلت الفرق
بين ما يكون احد العلل وما يكون علة مع الانحصار كالفرق بين ما هو علة بالحمل
الشائع الصناعى وما يكون علة بحمل هو هو فى عدم انفكاك وصف العلية الفعلية عن
الثانى كوصف المعلولية فى معلوله وانفكاكه عن الاول الى مثله فلا ينافى ذلك
تساويهما فى مرتبة اللزوم الفعلى فالوجه فى فساد الدعوى ما ذكرنا (فان قلت نعم) سلمنا عدم الانصراف لعدم موجبه (لكنه) اى الحمل على العلة المنحصرة (قضية الاطلاق بمقدمات
الحكمة) لاحتياج غيره
الى تقييد المدخول بما اذا لم يخلفه شرط آخر (كما ان قضية اطلاق صيغة الامر هو الوجوب
النفسى) لا
(الغيرى) قلت اولا هذا فيما تمت هناك مقدمات الحكمة ولا تكاد
تتم فيما هو مفاد الحرف كما هاهنا وإلّا لما كان معنى حرفيا كما يظهر بالتأمل
وثانيا لو تمت مقدمات الحكمة فتعينه مع ذلك من بين انواع اللزوم وانحائه بالاطلاق
المسوق فى مقام البيان بلا معين ومقايسته مع تعين الوجوب النفسى باطلاق صيغة الامر
قياس مع الفارق فان الواجب النفسى هو الواجب على كل حال بخلاف الغيرى (فانه واجب على تقدير) وجوب ذيه (دون تقدير) عدمه (فيحتاج بيانه الى مئونة التقييد بما اذا
وجب الغير فيكون الاطلاق فى الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولا عليه وهذا بخلاف ما
نحن فيه من اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ضرورة ان كل واحد من
انحاء اللزوم والترتب محتاج فى تعينه الى القرينة مثل) النحو (الآخر بلا تفاوت اصلا كما لا يخفى) قلت فى كلا الجوابين ما لا يخفى اما الاول ففيه مضافا
الى انه لا وجه لذكره جوابا للسؤال المذكور خاصة دون السؤال المتقدم المشتمل على
انصراف المطلق الى الاكمل فانه ايضا ينافى كونه معنى حرفيا كما عرفت ذلك انه لا
منافات فيه لذلك على مذهبه من كون معانى الحروف مفهومات كلية وعمدة ما استدل به
استعمالها فى المعانى الكلية مرادا بها الاطلاق كما فى سرت من البصرة الى الكوفة
وانما ينافى معنى الحرف بحسب الوجود الذهنى وليس الكلام فيه نعم انما تحصل
المنافاة بناء على مذهب السائل فيها فكان الاولى التنبيه على ذلك فيكون الجواب
الزاميا واما الثانى فاولا ان المقام اشبه بما ذكره سابقا من كون ظاهر الوجوب كونه
تعيينيا لا تخييريا لا بالنفسى والغيرى كما لا يخفى ولو قال ان التنضير بذلك انما
وقع فى السؤال قلنا ان النقض يتوجه عليه حينئذ بما ذكر فى الصورة الاخرى فانها من
واد واحد وان كان المناط فى الجميع واحدا وهو الاخذ بالاطلاق اذا كان فى مقام
البيان فى كل ما يقتضى تقييد المطلق وتضييق دائرته ولا اشكال فى ان كون العلة
منحصرة فى مدخول الاداة ككون الوجوب تعيينيا وكونها متعددة ويخلف المدخول علة اخرى
ككونه تخييريا سعة وضيقا كما هو واضح فلا وجه لتسليمه فى الصيغة وانكاره فى حرف
الشرط وقد تفطن المصنف قده لهذا بعد ذلك واجاب عنه بما لا يجدى
نفعا فانتظر وثانيا ان حال معنى الصيغة من حيث الهيئة حال معنى الحرف ولذا
انكر العلامة المرتضى امكان رجوع القيد اليها واوجب رجوعه الى المادة وانكر المصنف
عليه ذلك بناء منه على كلية المعنى بحسب الخارج كالحرف فيكون حاصل ما ذكره قده فى
ذلك المقام وفى هذا المقام ان معانى الافعال من حيث الهيئات كمعانى الحروف ومعانى
الحروف كلية قابله للاطلاق والتقييد وان معنى أداة الشرط لا يقبل الاطلاق لانه
معنى حرفى والتدافع بين هذين الكلامين اوضح من ان يخفى وان كان هذا منه قده مع
الالتفات الى ذلك فهو تحكم بحت وثالثا ان ما ذكره من كون كل نحو من انحاء الترتب
واللزوم محتاج فى تعينه الى القرينة كالنحو الآخر لا وجه له فان اطلاق لزوم التالى
للمقدم وعدم تقييده بعدم قيام علة اخرى مقامه كاف فى التعيين بخلاف النحو الآخر
فانه محتاج الى القرينة كما هو الحال فى كل مطلق ومقيده نعم انحاء اللزوم العقلى
الذى لا دخل للالفاظ فيه كما افاد من احتياج كل الى قرينة إلّا انه خارج عن مفروض
المسألة لانه فيما اذا كان الدال على الملازمة العقلية نفس الجملة الشرطية فظهر ان
ما ذكر فى السؤال من القياس محكم الاساس (ثم انه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم
باطلاق الشرط بتقريب انه لو لم يكن بمنحصر يلزم تقييده ضرورة انه لو قارنه او سبقه
الآخر لما اثر وحده وقضية اطلاقه انه يؤثر كذلك مطلقا وفيه) انه هو عين تقريب اطلاق معنى حرف الشرط وهو لزوم
الجزاء للمدخول فانه يتبعه اطلاقا وتقييدا ولم يكن له مانع الا كونه معنى حرفيا
وقد عرفت عدم منعه ومنه يظهر ان اعتراف المصنف (بانه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم
مع اطلاقه كذلك إلّا انه من المعلوم ندرة تحققه لو لم تقل بعدم اتفاقه) فى محله إلّا ان حكمه بندرة ذلك وجعل الندرة مانعة
عجيب لان مقام اللزوم والعلية مقام حكم العقل فاذا دل اللفظ على كون شيء علة لشيء
فاحتمال ان يقوم مقامها علة اخرى كاف فى الاخذ بالاطلاق اللهم ان يريد بيان انه مع
الندرة لا ثمرة فيه اذ المقصود معرفة ما عليه الجملة الشرطية فى نوع استعمالاتها
لا فيما يتفق لها ولم يرد بيان ان الندرة مانعة كما لعله الظاهر بعد التأمل فيما
لخصه هذا مضافا الى عدم الندرة بناء على ما ذكرنا من ان المطلق هو
اللزوم لا الملزوم بل هو ابدا كذلك (فتخلص بما ذكرناه) وذكر المصنف قده (انه لم ينهض دليل على وضع) ادوات الشرط (مثل ان) وغيرها للدلالة (على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء
عند الانتفاء ولم تقم عليها قرينة عامة اما) ما ذكره واعترف به المصنف قده من (قيامها احيانا) سواء (كانت) القرينة القائمة (مقدمات الحكمة او غيرها) فهو مما (لا يكاد ينكر) لكنه لا يثبت المطلوب (فلا يجدى القائل بالمفهوم) ان يستند الى (انه قضية الاطلاق فى مقام) من المقامات (من باب الاتفاق) واما ما افاده قده بقوله (واما توهم انه) اى المفهوم (قضية اطلاق الشرط بتقريب ان مقتضاه
تعينه كما ان مقتضى اطلاق الامر تعين الوجوب) دون التخيير (ففيه ان التعيين ليس فى الشرط له نحو
يغاير نحوه فيما اذا كان متعددا كما كان فى الوجوب كذلك) من تغاير النحوين (وكان الوجوب فى كل منهما متعلقا بالواجب
بنحو آخر) فانه يتعلق
بالتعيينى مستقلا و (لا
بد فى التخييرى منهما من العدل) فى التعلق بمعنى ذكر فردى الواجب المخير متعادلين
كقوله عزّ من قائل ففدية من صيام او صدقه وكذا ما ورد فى الكفارة المخيرة (وهذا بخلاف الشرط فانه
واحدا كان او متعددا فانه) فى كيفية التعلق (كان نحوه واحدا و) كذا (دخله فى المشروط) فانه (بنحو واحد لا تتفاوت الحال فيه ثبوتا) بحسب الواقع (كى تتفاوت عند الاطلاق) بحسب الدليل (اثباتا وكان الاطلاق مثبتا لنحو) منه (لا يكون له عدل) ومعادل (لاحتياج ما له العدل) كالواجب المخير (الى زيادة مئونة) فى التعبير عنه (وهو ذكره) كما عرفت (بلفظ او كذا واما احتياج ما اذا كان
الشرط متعددا الى ذلك انما يكون لبيان) تحقق (التعدد) فى الشروط (لا لبيان نحو الشرطية) كما كان فى المخير لبيان نحو الوجوب (فنسبة اطلاق الشرط
اليه لا يختلف) سواء (كان
هناك شرط آخر ام لا حيث) ان الاطلاق فى الشرط (كان
مسوقا لبيان شرطيته بلا اهمال ولا اجمال بخلاف اطلاق الامر فانه لو لم يكن لبيان
خصوص الوجوب النفسى) والتعيينى (فلا
محاله يكون فى مقام الاهمال والاجمال) قلت لا يخفى عليك بعد التأمل فيما قدمنا ان الفرق بين
المقامين معدوم وما ذكر من الفرق
فهو معدوم الفائدة ضرورة ان تعدد العلل لا محاله يوجب عدم تحقق عنوان
العلية الفعلية فى كل واحد منهما على سبيل الاطلاق لجواز ان يقوم كل منهما مقام
الآخر فى عليته للمعلول كما ان تعدد فردى الواجب يوجب عدم تحقق عنوان الواجبية فى
كل واحد من الفردين مطلقا بل على البدل ولا ينحصر تحقق الاطلاق والتقييد فيما
تختلف فيه كيفية التعلق بداهة ان ظاهر الشرطية هو كون الملزوم علة فعليه مطلقا فى
قبال التقييد بقوله ما لم يخلفه ملزوم آخر فاى قصور فى هذا الاطلاق والتقييد ونضير
ذلك ما اذا تعلق الوجوب بشىء ثم شك فى كونه على التعيين او على التخيير فانه لا
اشكال فى اقتضاء الاطلاق كونه على التعيين مع انه لو لم يكن الاطلاق مسوقا لبيان
التعيين لم يلزم الاهمال والاجمال ضرورة وجوبه على كل حال فليس ذلك ضابطا للاطلاق
ليستكشف من عدمه عدمه نعم هو كذلك فى لوجوب النفسى او الغيرى ولعدم تمامية الضابط
فى التعيين المذكور نظيرا فى السؤال عدل الصنف قده فى آخر الجواب عنه الى ذكر
النفسى مع انه لا دخل له بالسئوال المذكور وقد تقدم حديثه سؤالا وجوابا فحال أداة
الشرط بالنسبة الى مدخولها واحدا او متعددا كحال الامر بالنسبة الى متعلقه كذلك
اطلاقا وتقييدا كما لا يخفى (تأمل
تعرف) فانقدح بما
ذكرنا ما فى قوله (مع
انه لو سلم لا يجدى القائل بالمفهوم لما عرفت انه لا يكاد ينكر فيما اذا كان) المفهوم (مفاد الاطلاق من باب الاتفاق) فتحصل من جميع ما ذكرنا ان ادوات الشرط لا دلالة لها على
اكثر من لزوم التالى للمقدم لزوم الحكم لموضوعه فيعم جميع موارد الاستعمالات حتى
ما لو كانا معا معلولى علة واحدة ولو بنى على دلالتها على اللزوم بنحو علية المقدم
للتالى فالحق دلالتها على ان اللزوم بنحو العلة المنحصرة عملا باطلاق اللزوم الذى
مفاده فعلية وصف العلية للملزوم دائما وهو معنى الاداة بناء على ذلك ولا ينافيه
كونه معنى حرفيا كما عرفت تحقيقه (ثم انه ربما استدل المنكرون للمفهوم
بوجوه) أخر (احدها ما
عزى الى السيد) علم الهدى (من
ان تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم به وليس يمتنع ان يخلفه وينوب منابه شرط آخر
يجرى مجراه ولا يخرج عن كونه شرطا فان قوله
تعالى (وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ) يمنع
من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم اليه شاهد آخر فانضمام الثانى الى الاول شرط فى
القبول ثم علمنا ان ضم امراتين الى الشاهد الاول شرط فى القبول ثم علمنا ان ضم
اليمين يقوم مقامه ايضا فنيابة بعض الشرط عن بعض اكثر من ان تحصى مثل الحرارة) الحاصلة من الشمس (فان انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء سنخ
الحرارة لاحتمال قيام النار مقامها والأمثلة لذلك كثيرة شرعا وعقلا) اقول ظاهر هذا الكلام بعد التأمل وتدقيق النظر هو
تحقيق ان الشرط الشرعى الذى هو مدخول أداة الشرط وهو محل النزاع فى مسئلة حجية
المفهوم ليس على حد الشرط العقلى بل هو عكسه لان الشرط العقلى هو ما يلزم من عدمه
العدم ولا يلزم من وجوده الوجود والشرط الشرعى هو ما يلزم من وجوده الوجود ولا
يلزم من عدمه العدم اما الاول فلانه قضية تعليق الحكم فى الجملة الشرطية عليه واما
الثانى فلان مبنى الشروط الشرعية التى هى من هذا القبيل على التعدد المسقط لظهور
اللفظ فى الانحصار فلا مفهوم ثم اراد تنظير ذلك وبيان ان مبنى الشروط الشرعية عليه
فاستشهد عليه بآية (فَاسْتَشْهِدُوا) فان التحديد لا شك فى ثبوت المفهوم له وإلّا لسقط عن
كونه حدا كما ذكرنا فى التحديد بالكر والمسافة ومثله تحديد الكر بالاشبار فالآية
تدل بالحد على عدم قبول الشاهد الواحد فيكون قوله تعالى (فَاسْتَشْهِدُوا) تكليفا يستتبع وضعا وهو شرطية انضمام احدهما الى الآخر
فى القبول شرعا ومن المعلوم انه اقام الشارع مقامه اليمين والامر أتين مع عدم
منافات ما دل على ذلك لما دل على شرطية الانضمام لانه بلسان التوسعة لا بلسان
النقض فكذا الكلام فى الجمل الشرطية وهذا صريح فى عدم المفهوم وما افاده فى غاية
المتانة والقوة ولعمرى ان من تأمل عبارته بعد هذا البيان يراها كالنص فيما ذكرنا
ومنه يعلم سقوط ما ذكره بعض الاعاظم فى تقريراته فى هذا الدليل فلاحظ وكذا ما
افاده المصنف قده فى بيانه والجواب عنه من انه (ان كان بصدد اثبات امكان نيابة بعض
الشروط عن بعض فى مقام الثبوت وفى الواقع فهو مما لا يكاد بنكر ضرورة ان الخصم
انما يدعى عدم وقوعه فى مقام الاثبات بالدليل ودلالة القضية الشرطية عليه) لا عدم امكانه (وان كان بصدد
ابداء
احتمال وقوعه فمجرد الاحتمال لا يضره ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحا او
مساويا وليس فيما افاده ما يثبت ذلك اصلا كما لا يخفى) ووجه السقوط فى غاية الوضوح بعد التدبر فيما حققناه فى
بيان مرامه والنظر الى استشهاده بالآية مع انها ليست جملة شرطية وتسليمه ظهورها فى
عدم قبول الواحد مع انه عين المفهوم وتسمية انضمام احدهما الى الآخر شرطا مع انه
ليس إلّا الامر بالاستشهاد وتنظيره ذلك بالحرارة الناشئة من الشمس والنار وقوله
والأمثلة كثيرة شرعا وعقلا (ثانيها
انه
لو دل لكان باحدى الدلالات الثلاث والملازمة كبطلان التالى ظاهرة وقد اجيب عنه
بمنع بطلان التالى وان الالتزام ثابت وقد عرفت بما لا مزيد عليه ما قيل او يمكن ان
يقال فى اثباته او منعه) وحاصله منع موضوع الدلالة الالتزامية ونفى دلالة الشرطية على تلك
الخصوصية المستتبعة للمفهوم فلا لزوم ولا لازم ولا ملزوم فلا تغفل (ثالثها
قوله
تبارك وتعالى (وَلا تُكْرِهُوا
فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً)) ويمكن ان يريد المستدل بيان ما اشرنا اليه من انها فى
ساير الموارد انما تساق لتحقق الموضوع كما فى الآية وربما ذكر بعضهم اكثر من عشرين
آية على النهج المذكور فغرضه ان الشرطية فى الكتاب على هذا النحو وهذا حق كما
ذكرنا وان اراد الاستدلال بمجرد هذه الآية فى قبال الخصم فهو فاسد (وفيه ما لا يخفى
ضرورة ان استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له احيانا وبالقرينة لا يكاد ينكر
كما فى الآية وغيرها وانما القائل به انما يدعى ظهورها فيما له المفهوم وضعا او
بقرينة عامة كما عرفت بقى
هاهنا امور لا
بد من التنبيه عليها الاول
لا يخفى ان) المراد ب (المفهوم) الذى هو محل الكلام بين الاعلام (هو انتفاء سنخ الحكم
المعلق على الشرط) فاذا قال القائل ان جاء عمر فاكرمه فالمنطوق ثبوت وجوب الاكرام عند ثبوت
المجيء والمفهوم هو انتفاء طلب وجوب الاكرام (عند انتفائه) اى المجيء (لا) ان المراد (انتفاء شخصه) وهو نفس وجوب الاكرام المنشا فى هذه القضية (ضرورة) عدم اختصاص ذلك بمورد دون مورد بداهة (انتفائه عقلا بانتفاء
موضوعه مطلقا ولو) كان الانتفاء (ببعض
قيوده) ضرورة انتفاء
المركب بانتفاء بعض اجزائه (و) قد اتضح لك انه (لا يتمشى
الكلام
فى ان للقضية الشرطية مفهوما او ليس لها مفهوم الا فى مقام كان هناك ثبوت سنخ
الحكم المنشا فى الجزاء المعلق على الشرط وانتفائه عند انتفاء الشرط ممكنا وانما
وقع النزاع فى ان لها دلالة على الانتفاء عند الانتفاء او لا يكون لها دلالة) بعد الفراغ عن امكانه فى مقام الثبوت واقعا (ومن هنا انقدح انه
ليس من المفهوم دلالة القضية على الانتفاء عند الانتفاء فى الوصايا والاوقاف
والنذور والايمان كما توهم) انه منه حيث ان غير الموصى له او الموقوف عليه او
المنذور له او المحلوف له خارج عن الوصية والوقف والنذر واليمين اجماعا عقلا وشرعا
والعجب ممن توهم ذلك (بل) حكى (عن الشهيد فى تمهيد القواعد انه لا
اشكال فى دلالها على المفهوم و) فساد (ذلك) فى غاية الوضوح بعد الالتفات الى ما قلنا (لان انتفائها عن غير
ما هو المتعلق لها من الاشخاص التى تكون بالقابها) كهذا لزيد بعد وفاتى او اوقفت على عمر او نذرت لبكر او
والله لاعطين خالدا درهما (او
بوصف شيء) كهذا لزيد
العالم مثلا (او
بشرطه) اى بشرط شيء
كاوقفت على بناتى بشرط ان لا يتزوجن (ماخوذة فى العقد او مثل العهد) كما مثلنا (ليس) اعنى هذا الانتفاء (بدلالة الشرط او الوصف او اللقب عليه بل
لاجل انه اذا صار شىء وقفا على احد او اوصى به له او نذر له الى غير ذلك لا يقبل ان
يصير وقفا على غيره او وصية او نذرا له) لعدم دخوله تحت عنوان الموضوع (و) ما يرى من (انتفاء شخص الوقف او النذر او الوصية عن
غير مورد المتعلق فقد عرفت انه عقلى مطلقا ولو قيل بعدم المفهوم فى مورد صالح له) وممكن فيه بل لا خصوصية لهذه الابواب فى ذلك لان انتفاء
شخص الحكم بانتفاء موضوعه فى كل حكم وموضوع من ضروريات العقل التى لا تقبل التخصيص
(اشكال
ودفع لعلك تقول كيف يكون المناط فى المفهوم) الذى جعل محلا للنزاع (هو سنخ الحكم) وكليته (لا نفس شخص الحكم) لمنشا فى الصيغة المنطوق به (فى القضية) الشرطية (و) ان (كان
الشرط فى الشرطية انما وقع شرطا بالنسبة الى الحكم الحاصل بانشائه دون غيره) المتشخص وجودا بخصوصيات المقال والمقام (فغاية قضيتها انتفاء
ذاك الحكم) المتشخص
الوجود (بانتفاء
شرطه لا انتفاء سنخه وهكذا الحال
فى
ساير القضايا المفيدة للمفهوم) شرطية او مغياة او منحصرة او غيرها (ولكنك) فى هذا القول اراك قد (غفلت عن ان المعلق على الشرط انما هو
نفس الوجوب) الكلى (الذى
هو مفاد الصيغة ومعناها) المستعملة فيه لا بقيد التشخص (واما الشخص والخصوصية الناشئة من قبل
استعمالها فيه فلا يكاد يكون من خصوصيات معناه المستعملة فيه كما لا يخفى) وإلّا لكان قولك ان وقع كذا مثلا فاكرم زيدا وعمرا وما
زاد على ذلك باطلا ضرورة تشخص الوجوب بالموضوع الاول الجزئى الحقيقى والواحد لا
يعقل تعلقه بموضوعين وقد بينا سابقا تحقيق ذلك بما لا مزيد عليه و (كما لا تكون) الخصوصية الحاصلة من الانشاء موجبة لخصوصية المعنى
كذلك (الخصوصية
الحاصلة من قبل الاخبار به) لا تكون (من خصوصيات ما اخبر به واستعمل فيه
اخبارا) لا انشاء
كقوله يجب كذا ان وقع كذا كما هو مسلم عند الخصم مع ضرورة تساويهما انشاء واخبارا
معنى واستعمالا (وبالجملة
كما لا يكون المخبر به المعلق على الشرط فى المثال المذكور خاصا بالخصوصيات
الناشئة من قبل الاخبار بها كذلك) الوجوب (المنشا بالصيغة المعلق عليه) اى على الشرط (وقد عرفت بما حققناه فى معنى الحرف
وشبهه ان ما استعمل فيه الحرف عام كالموضوع له وان خصوصية لحاظه بنحو الآلية
والحالية لغيره من خصوصيات الاستعمال) فهو جزئى بحسب الوجود الذهنى اللحاظى إلّا انه كلى
بحسب الوجود الخارجى الاستعمالى (كما ان خصوصية لحاظ المعنى بنحو
الاستقلال فى الاسم كذلك) ذهنا وخارجا (فيكون اللحاظ الآلي كا) للحاظ (الاستقلالى من خصوصيات الاستعمال لا
المستعمل فيه وبذلك) كله (قد
انقدح لك) وتبين (فساد ما يظهر من
التقريرات) لبعض الاعاظم
(فى
مقام التفصي عن هذا الاشكال) وهو كون المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم مع ان المنطوق هو
ثبوت شخصه اخبارا وانشاء ومن المعلوم لزوم تطابق المنطوق والمفهوم (من التفرقة بين
الوجوب الاخبارى والانشائى بانه كلى فى الاول) فلا يتمشى اشكال الجزئية فيه (وخاص فى الثانى) وهذا حاصل ما يستفاد من كلامه (حيث دفع الاشكال) بعد ذكر ما ينطبق على الاخبار والانشاء مما عرفته من
المثال (بانه
لا يتوجه فى الاول) وهو قولك يجب فعل كذا ان وقع كذا اخبارا (لكون الوجوب) المخبر به (كليا و) لا يتوجه على (الثانى) وهو ان جاء زيد فاكرمه انشاء معللا ذلك (بان ارتفاع مطلق
الوجوب فيه) اى فى المفهوم مع ان المنطوق تعليق شخص الوجوب انما هو (من فوائد العلية
المستفادة من الجملة الشرطية حيث كان ارتفاع شخص الوجوب) الثابت فى المنطوق (ليس مستندا الى ارتفاع العلة المأخوذة
فيها) بمعنى انه
يستند عدمه الى عدمها (فانه
يرتفع ولو لم يوجد فى حيال أداة الشرط كما فى اللقب والوصف) لما عرفت من ضرورة ارتفاع كل حكم بارتفاع موضوعه هذا
خلاصه ما افاده فى التفصى والتخلص عن اصل الاشكال (واورد) ايضا (على ما حكاه) هو (ما
تفصى به عن) اصل (الاشكال) وذكر فى دفعه (بما ربما يرجع) عند التأمل فى عبارة المتفصى (الى ما ذكره) فى الدفع الذى كان حاصله ابتناء الدفع على الالتزام
بكلية الوجوب المثبت فى المنطوق وتوجيهه بما تقدم وحقق ما اورده (بما حاصله ان التفصى
عن الاشكال لا يبتنى على كلية الوجوب) المنشا بالصيغة (لما افاده) من ان ارتفاع الكلى من فوائد العلية وان كان الوجوب
المعلق مأخوذا بقيد الخصوصية (وكون
الموضوع فى الانشاء عاما) كما ذكر فى الدفع (لم يقم عليه دليل لو لم يقل بقيام
الدليل على خلافه حيث ان الخصوصيات بانفسها مستفادة من الالفاظ) الموجب ذلك لخصوصية المعنى هذا حاصل ما افاده المقرر
ووجه فساده واضح (وذلك
لما عرفت من ان الخصوصيات) الكائنة (فى الإنشاءات والاخبارات انما تكون
ناشئه من الاستعمالات بلا تفاوت اصلا بينهما ولعمرى لا يكاد ينقضى تعجبى) من قول هذا القائل و (كيف تجعل خصوصيات الانشاء من خصوصيات المستعمل
مع انها كخصوصيات الاخبار) التى (تكون ناشئة من قبل) (الاستعمال
ولا يكاد) يمر فى وهمى
كيف اشتبه الامر على هذا القائل فذهب الى انه (يمكن ان يدخل فى المستعمل فيه ما ينشأ
من قبل الاستعمال) او فى المأمور به ما ينشأ من قبل الامر اوفى الموضوع له ما ينشأ من قبل
الوضع وهكذا (كما
هو واضح لمن تأمل) لا يقال انه يمكن ان يكون المفهوم هو ارتفاع سنخ الوجوب وان قلنا
بدخول خصوصيات الاستعمال فى المستعمل فيه ضرورة ان الخصوصية انما تكون
طارية على المعنى الكلى فتخصصه فلا محالة يكون ارتفاعها سببا لارتفاع نفس ذلك
الكلى التى طرأت عليه وخصصته لانا نقول اذا كان الثابت فى المنطوق هو الكلى المقيد
بالخصوصيّة فلا يعقل ان يكون المرتفع بارتفاعها الا الكلى المقيد لا الكلى المطلق
لان المركب بارتفاع جزئه يرتفع بما هو مركب لا بما ان جزئه الآخر كلى ألا ترى ان
ارتفاع الناطقية يوجب ارتفاع الإنسانية لا الحيوانية مع ان خصوصية النطق انما لحقت
الحيوانية لا الإنسانية فارتفاع الخصوصية الطارئة على الجنس فصيرته نوعا او النوع
قصيرته صنفا او شخصا موجب لارتفاع النوع لا الجنس والصنف والشخص لا النوع او الجنس
وبالجملة ففساد هذا التوهم فى غاية الوضوح (الفصل الثانى انه اذا تعدد الشرط مثل
اذا خفى الاذان فقصر اذا خفى الجدران فقصّر فبناء على ظهور الجملة الشرطية فى
المفهوم) فلا محاله
يتعارض منطوق كل منهما مع مفهوم الآخر فان منطوق الاول وجوب القصر عند خفاء الاذان
ومفهوم الثانى عدم وجوبه عند عدم خفاء الجدران وان خفى الاذان ومثله العكس (فلا بد من التصرف
ورفع اليد عن هذا الظهور) باحد وجوه (اما بتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر) لما عرفت من عموم المفهوم وخصوصية المنطوق (فيقال بانتفاء وجوب
القصر عند انتفاء الشرطين واما من رفع اليد عن المفهوم فيهما فلا دلالة لهما) مع عدم المفهوم (على عدم مدخلية شيء آخر فى الجزاء) بل هما ساكتان (بخلاف الوجه الاول) وهو التقييد الناشئ عن ثبوت المفهوم (فان فيهما الدلالة
على ذلك) لان المفهوم
يفيد عدم مدخلية شيء آخر فيعارضه المنطوق الدال على مدخليته (واما بتقييد اطلاق
الشرط فى كل منهما بالآخر فيكون) وجوب القصر معلقا على (الشرط) الذى هو (خفاء الاذان والجدران معا فاذا خفيا) معا (وجب القصر ولا يجب) القصر (عند انتفاء خفائهما) المتحقق بسماع الاذان وروية الجدران (ولو خفى احدهما) فلا يجدى بعد ما كان مناط القصر خفائهما قلت الظاهر ان
هذا الوجه من آثار رفع اليد عن المفهوم وهو الوجه السابق وليس مستقلا فى قباله كما
لا يخفى على المتأمل (واما
بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما بان يكون تعدد
الشرط
قرنية) شرعا (على ان الشرط فى كل
منهما ليس بعنوانه الخاص بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان) المنطبق على كل منهما كما ان ذلك قرنية عقلا كما ستعرف
اذا عرفت ذلك فاعلم ان الوجه الاول يرفع المعارضة إلّا انه جمع لا يساعد عليه
العرف ولا العقل من بعض الجهات كما سيجىء (ولعل العرف يساعد على الوجه الثانى) كما عرفت فى تحقيق المختار (كما ان العقل) يساعد عليه اذ لا منافات فيه من جهة من الجهات واما
الوجه الاخير الذى هو جعل العلة القدر المشترك لا كل فرد بخصوصه فهو كالاول فى عدم
مساعدة العرف عليه إلّا ان العقل (ربما يعين هذا الوجه بملاحظة ان الامور
المتعددة بما هى مختلفه لا يمكن ان يكون كل منها) بما هو مباين للآخر الموجب لكونهما اثنين او اكثر (مؤثرا فى واحد فانه
لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول ولا يكاد) يعقل ان (يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا) بحسب المعلولية (بالاثنين بما هما اثنان) بحسب العلية (ولذلك ايضا) صدر الجزم من الحكماء بصورة العكس وهى انه (لا يصدر من الواحد
الا الواحد فلا بد من المصير الى ان الشرط فى الحقيقة واحد وهو القدر المشترك بين
الشرطين بعد البناء على رفع اليد عن المفهوم وبقاء اطلاق الشرط فى كل منهما على
حاله وان كان بناء العرف والاذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه
الخاص) غفلة عن
محالية اشتراك الماهيات المختلفة الحقائق المتباينة من كل وجه فى اثر واحد حقيقى
لما عرفت ولانه مع اجتماع هذه الشروط فى ان واحد فاما ان يستند التأثير الى كل
منها فيلزم اجتماع مؤثرين على اثر واحد مع فرض تمامية كل منهما فى تأثير اثره
الخاص وهو غير معقول او الى احدهما وهو ترجيح بغير مرجح او اليهما معا على سبيل
الاشتراك بان يكون كل منهما جزء العلة وهو مستلزم لصيرورة ما هو علة تامة جزء علة
مع عدم قصور فى تأثيره بعد فرض امكان وحدة الاثر وتباين العلل المؤثرة او الى
القدر المشترك مع الغاء الخصوصية وهو المطلوب لاستلزامه عدم امكان التعدد الحقيقى
كما قلنا (فافهم
واما) ما يمكن ان
يتوهم وجها خامسا وهو (رفع
اليد عن المفهوم فى خصوص احد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه
لان
يصار اليه إلّا بدليل آخر) مع تساويهما فى الظهور اللهم (إلّا ان يكون ما ابقى
على المفهوم اظهر) هذا ما افاده المصنف قده مطابقا فى جملة منه لما افاده المقرر فى هذا
المقام والتحقيق على ما يقضى به النظر الدقيق فى خصوص مسئلة الاذان والجدران ويعلم
غيرها منها هو ان الجملتين الشرطيتين لا مفهوم لهما كما عرفت فان كان هناك مفهوم
فهو للتحديد ولذا قد استفيد من قوله ع أليس قد بلغوا الموضع الذى يسمعون فيه أذان
مصرهم ما استفيد من الشرطية فلا تكون بما هى شرطية منشإ مثل ما استفيد من اخبار
تحديد المسافة فان المستفاد من حملياتها عين المستفاد من شرطياتها ولعمرى انه فى
غاية الوضوح بعد تتبع المحاورات وامعان النظر فيها واما التحديدان فبين منطوق كل
منهما ومفهوم الآخر تعارض العموم من وجه ظاهرا إلّا ان التامل التام يعطى عدم
التعارض اصلا بيان ذلك ان خفاء الاذان ليس له إلّا مرتبة واحدة ولا يقبل الشدة
والضعف فبمجرد خفائه يثبت الحكم والدليل نص فى ان اول زمان خفائه هو الحد واما
خفاء الجدران والتوارى عن البيوت فلا ريب فى ان له مراتب مبدئها اول ارتفاع ما كان
يبصره منها وهو قريب من الرؤية التفصيلية لجميع ما فيها وما هى عليه اول مراتب
خفائها هو خفاء تلك المرتبة من الرؤية ثم لا تزال تشتد مرتبة الخفاء حتى تخفى
الاشباح وقد اجمعوا ظاهرا على عدم ارادة هذه المرتبة فيبقى الحال مرددا بين باقى
المراتب فيحمل حينئذ على ارادة المرتبة المساوية لمرتبة خفاء الاذان فيكون التحديد
بخفاء الاذان مفسرا للتحديد بخفاء الجدران بعد القطع بعدم ارادة ظاهره وحمله على
خفاء الصور تحكم لمساواتها لبقية المراتب فى ظهور اللفظ وان اختلف الظهور كلما
اختلفت المرتبة شدة وضعفا إلّا انه لا ظهور له فى ارادة خصوص مرتبة خفاء الصور
وكونها اقرب المجازات الى المعنى الحقيقى لا يجعله ظاهرا فيه سيما مع وجود ما
يفسره بل لو سلم ظهوره فى هذه المرتبة وجب حمله على المرتبة المساوية للآخر اما
اولا فلوجوب حمل الظاهر على النص باتفاق الاصوليين واهل المحاورات فى كل لغة لعدم
معقولية التخيير الواقعى بين التحديدين مع اختلافهما فضلا عن كونه هو الغالب فضلا
عن كونه دائما كما ربما يدعى فى هذا المقام واحتمال ان الحد فى الواقع هو المحل
المعين
وهذان الحدان طريقان اليه فلا يضر اختلافهما لان مبنى الطرق الظاهرية عليه
كما ذكرنا ذلك فى تحديد الكر والمسافه والاوزان فيه ما لا يخفى واما ثانيا فلان
خفاء الاذان والجدران على ما بينا بمنزلة الاعم والاخص المطلق فيعامل معاملتهما
لمساعدة العرف على ذلك واما ثالثا فلأوله الى التخيير بين الاقل والاكثر فى جملة
من الصور التى لا محيص عن التقدير فيها كالموضع الذى لا أذان فيه ولا جدران والذى
فيه ما خرج عن العادة فيهما معا او فى احدهما ارتفاعا وانخفاضا وغير ذلك ولان
المغتفر من اختلاف الطريقين ما يحتمل معه الاصابة لذلك المعنى فى كل منهما لا ما
قطع بخطاء احدهما المعين هذا مضافا الى انه خلاف الظاهر جدا ضرورة ان ظاهر الحال
من كيفية الجواب والسؤال كما لا يخفى على الناقد البصير هو تساوى الحدين ولذا لم
يسأل الامام ع واحد من السائلين عن اختلافهما مع وضوحه لدى عامة العقلاء فضلا عن
خواصهم واما باقى طرق الجمع المذكورة فى كلمات الفقهاء عند تحديد محل الترخص الذى
يجب فيه القصر والاصوليين فى هذا المقام فهى بين ما هو تحكم بحت وما هو مصادرة
واضحة وما هو خلاف الظاهر وما هو جمع غير عرفى بلا شاهد ومن تأمل هذا الوجه الذى
ذكرناه حق التأمل وازال عن قلبه وفكره درن العصبية والتزلزل يراه احسن الوجوه
جمالا واتمها كما لا ولم يسبقنى اليه احد فيما اعلم (فتدبر جيدا الأمر
الثالث اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فلا اشكال على الوجه الثالث) وهو تقييد اطلاق الشرط فى كل منهما بالآخر لرجوعه الى
وحدة الشرط والجزاء معابل وكذا على ما افاد الحلى فى الوجه الخامس من الغاء احدى
الجملتين على ما فى تقريرات بعض الاعاظم وانما اعرض عنه المصنف لسقوطه جدا وكيف
كان فاعلم ان ملاك البحث فى المسألة الاولى ما لو تعدد الشرط واتحد الجزاء مع
القطع بكون الجزاء واحدا لا تعدد فيه واقعا كالمثال فى المسألة الاولى ولاجل ذا
وجب الجمع باحد تلك الطرق التى منها تقييد اطلاق الشرط فى كل منهما بالآخر وملاك
البحث فى هذه المسألة ما لو تعدد الشرط واتحد الجزاء مع القطع بتعدد ملاك الحكم
الجزائى واقعا وهو الشرط بحسب الخصوصيات والوجودات
الخاصة اذ مع القطع بوحدته لا معنى للتداخل وعدم التداخل لاستلزام وحدة
الملاك وحدة الحكم عقلا فمحل الكلام فى هذا المقام ما لو تعدد ملاك الحكم واقعا
بحسب افراده المتعددة بتعدد الخصوصيات كما ستعرف واتحد الجزاء صورة سواء اتحد
طبيعة ايضا او اختلف فيخرج عن محل النزاع صورة اتحاد الملاك واقعا وصورة اختلاف
الجزاء صورة ولا يعقل للقول بالتداخل وعدمه فيها معنى كما لا يخفى وتوضيح المقام
انه اذا ورد ان الجنابة والحيض ومس الميت والجمعة وغير ذلك اسباب متعددة واقعا
للغسل بمعنى ان كل واحد منها سبب تام للغسل فهل عند اجتماع هذه الاسباب يكفى غسل
واحد عن الجميع او تتعدد الاغسال بنحو تعدد الاسباب ومن المعلوم بالضرورة ان تقييد
اطلاق إذا أجنبت فاغتسل بقوله اذا وقع منك مس الميت فاغتسل وبالعكس اجنبى عنه فلا
يتمشى فيه نعم الممكن هو تقييد اطلاق الجزاء فى كل منهما بالآخر فيكون المعنى اذا
اجنبت فاغتسل ما لم تكن قد اغتسلت بعده من مس الميت واذا مسست الميت فاغتسل ما لم
تكن قد اغتسلت بعده من الجنابة فاذا قيد اطلاق كل من الحكم الجزائى بالآخر فى
الجميع كان معناه وجوب غسل واحد عند اجتماعها وهذا لا اشكال فيه إلّا انه لا دخل
له بالوجه الثالث المتضمن لتقييد اطلاق الشرط اللهم إلّا ان يكون غرضه من الوجه
الثالث وهو تقييد اطلاق كل بالآخر الكناية عن العلم بوحدة ملاك الجزاء وهو الشرط
بمعنى انه على تقدير تعدد الشرط صورة ووحدته بحسب ما يقتضيه الجمع بينهما عرفا فهو
خارج عن محل الكلام فى هذا المقام واما على ساير الوجوه الأخر التى يبقى الشرط
فيها على ظاهره من التعدد فيكون ذلك محلا للكلام وفيه انه تطويل بلا طائل فان
موضوع المسألة ما عرفت من القطع بتعدد الشرط ولو ظاهرا بحيث لا يكون فيه مجال
لاحتمال التقييد واما احتمال توجيه تقييد اطلاق الشرط بان المعنى حينئذ اذا اجنبت
ومسست الميت فاغتسل وكذلك العكس فيفيد حينئذ ما يفيده تقييد اطلاق الجزاء فهو فاسد
جدا للقطع بكون كل منهما سببا تاما للغسل ومفاد التقييد ان كلا منهما جزء السبب لا
انهما سببان لمسبب واحد وهذا فى غاية الوضوح ومما ذكرنا يعلم حال سائر
الوجوه المذكورة وانها انما تجرى فى الجزاء لا فى الشرط فقد ظهر لك باوضح البيان
ما فى التفريع المذكور بعد قوله (واما على سائر الوجوه) فتدير جيدا وكيف كان (فهل اللازم) بتعدد الاسباب تعدد المسببات و (لزوم الاتيان بالجزاء
متعدد احسب تعدد الشروط او يتداخل ويكتفى باتيانه دفعه واحدة فيه اقوال والمشهور) فيما حكاه المصنف قده (عدم التداخل وعن جماعة منهم المحقق
الخوانساري التداخل وعن الحلى قده التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده) والتحقيق ان للتداخل صورا ثلث منها ما يكون على نحو
الوجوب ومنها ما يكون على نحو الامتناع ومنها ما يكون على نحو الامكان والذى يجب
ان يكون محلا للنزاع هو الصورة الثالثة كما هو واضح فالاولى ما لو كان تعدد وقوع
الجزاء فى الخارج ممتنعا كالقتل فى الموضوعات العرفية والطهارة فى الموضوعات
الشرعية لانه تحصيل للحاصل وفى مثل هذه الصورة فالشرط وان تعددت افراده إلّا انه
متحد بحسب الحقيقة فالموجب للوضوء وان كان هو الحدث والبول والغائط وغيرهما إلّا
انها شروط بما هى حدث لا بما هى بول وغائط فان اتفق وجودها دفعه كان اثرها وهو
الحدث مستندا الى القدر المشترك بينها لما عرفت من عدم معقولية استناد الاثر
الواحد الى مؤثرين وان تدرجت كان الاثر للسابق خاصة اذا لم تكن الحالة الحدثية
قابلة للشدة والضعف وإلّا كان حدوثه مستندا الى الاول واشتداد مرتبته مستندا الى
الباقى وتتضاعف بتضاعف الافراد فالوضوء بما هو محصل للطهارة التى هى رفع الحدث
كالقتل المحصل للموت الذى هو رفع الحيات لا يقبل تعدد الوقوع فى الخارج كما لا
يقبل شرطه التعدد الحقيقى وان بلغت الافراد بسبب اختلاف الخصوصيات الى ما لا يحصى
واما الغسل المحصل للطهارة التى هى رفع الحدث كغسل الجنابة فكذلك بالنسبة الى تكرر
افراد الجنابة واما الغسل الغير المحصل لها فهو من الصورة الثالثة كما سيأتى واما
الصورة الثانية التى يمتنع التداخل فيها فهى ما لو تعددت الشروط فى النذور
والايمان والعهود مثلا كما لو قال لله على ان شفى الله ولدى أتوضأ وان حججت أتوضأ
وان زرت الحسين ع أتوضأ ضرورة ان المنذور فى هذه الصورة هو الوجودات الخاصة فان
كان الملحوظ ايجاد الصورة وقلنا برجحانه وانعقاد النذر فلا اشكال وان كان
المنذور هو حقيقة الوضوء المحصل لرفع الحدث وجب عليه النقض والرفع من اول الامر
فيما لو صادف تنجز التكليف بالوفاء كونه متطهر او بعد المرة الاولى فيما لو صادف
كونه محدثا وهذا فى غاية الوضوح بعد التأمل واما الصورة الثالثة التى يكون التداخل
فيها وعدمه فى حيز الامكان كما لو كان كل من تعدد وقوع الجزاء ووحدته ممكنا كاسباب
مطلق الغسل واسباب مطلق الاكرام وما شاكل ذلك فهى محل الكلام بين الاعلام وربما
اختلف عنوان هذه المسألة باختلاف الكلمات فالمعروف من عنوانها تداخل الاسباب وقد
تعنون بتداخل المسببات والمقصود واضح وان اختلفت الاصول العملية حسب اختلاف
العنوان ضرورة انها على العنوان الاول مجرى اصالة التداخل والبراءة للشك فى التعدد
الموجب لتعدد الحكم وعلى الثانى مجرى اصالة الاشتغال وعدم التداخل للشك فى كفاية
ما يأتى به مع ظهور تعدد الشروط فى تعدد الحكم الجزائى وتحقيق الحق فى المسألة مع قطع
النظر عما قيل فيها هو ان ظاهر الجملة الشرطية بناء على ما ذكرنا من انها انما
تساق لتحقق الموضوع هو تعدد الموضوعات وتعدد الحكم الجزائى على نحو تعددها وبناء
على ما ذكروه من ثبوت المفهوم هو تعدد اسباب الحكم وتعدده فان كان متعلق الحكم
الجزائى فى الكل متحدا بحسب الحقيقة كما هو متحد بحسب الصورة كانت الاحكام الجزئية
متعلقه بالوجودات الخاصة الجزئية للطبيعة وكما ان متعلقاتها افراد خاصه جزئيه
يجمعها معنى واحد كلى كذلك نفس الاحكام المتعلقة هى افراد خاصه جزئيه يجمعها معنى
كلى وهو الحكم المتعلق بطبيعة تلك الافراد فاذا لوحظت الاحكام والمتعلقات بما هى
وجودات خاصه مطلوبه كان تعدد الشروط ملحوظا بنحو هذا اللحاظ واذا لوحظت بما هى
مصاديق للحكم والمتعلق الكليين بما هما كليان كانت الشروط ملحوظة بما هى مصاديق
لمعنى كلى وهو القدر المشترك بينهما لما عرفت من امتناع كون المتعدد بما هو متعدد
موضوعا او سببا لحكم واحد بما هو واحد وان لم يكن متحدا بحسب الحقيقة بل هو بمجرد
الاتحاد الصورى كالاغسال واسبابها
وما شابه ذلك كانت الاحكام الجزائية ومتعلقاتها احكاما كلية لموضوعات كلية
بالنسبة الى ما يندرج تحتها من الاحكام والموضوعات الخاصة فان كانت الجمل الشرطية
من قبيل الاول وهو متحد الحقيقة والصورة فهى على نحوين احدهما ما تكون الشروط فيه
افراد الجنس واحد قريب كتكرر افراد البول مثلا او افراد الجنس واحد بعيد كالاحداث
الستة بما هى مندرجة تحت كلى الحدث ثانيهما ما تكون الشروط فيه مختلفة الجنس فاما
الصورة الاولى من النحو الاول فظاهر الجمل الشرطية فيه هو التداخل ووحدة الشرط
والجزاء ضرورة ان ظاهر الكلام ارادة ارتفاع تلك الحالة الحادثه بحدوث البول وهى
واحدة وجودا ومرتبة وهى تحصل بايجاد الجزاء مرة واما الصورة الثانية منه فالظاهر
ايضا مع اجتماعها هو التداخل لان ظاهر الجملة الشرطية ان الملحوظ فى الموضوعية او
السببية هو ذلك القدر المشترك الواحد لا خصوصيات المصاديق فيكون الجزاء واحدا من
غير فرق بين قبول ذلك المعنى للشدة والضعف وعدمه بعد ان كان الجزاء له قابلية دفع
الاشد بمجرد حدوثه وان كانت الجمل الشرطية من قبيل الثانى كان الظاهر هو عدم
التداخل لظهور الشروط جدا فى التعدد بما هى كذلك ولذا لو دل الدليل فى مثلها على
التداخل سببا او مسببا احتاجت بحكم العقل الى تأويل بعيد عن ظاهر اللفظ هذا ما
يقتضيه دقيق النظر فى هذه الصور وانت اذا نظرت نظر الناقد المنصف فى هذا الباب ثم
تتبعت ما يتعلق به من كلمات الاصحاب عرفت موقع كلامنا من بينها وادركت ما وقع فى
جملة منها من الخلط وادراج ما يجب فيه التداخل او يمتنع فى محل النزاع وجعل القول
به فى الاول وبعدمه فى الثانى من الاقوال فى المسألة هذا كله فى صورة انكشاف حال
الجزاء من حيث الحقيقة وحدة او تعددا او هما معا بالنسبة الى الجنس القريب والبعيد
واما فى صورة عدم العلم بشىء غير ما تضمنته الجمل الشرطية من تعدد الشروط ووحدة
الجزاء صورة مع تعدده لفظا حسب تعدد الشروط اما لو قال المولى ان ضرب زيد وان ضرب
عمر وان اكل خالد فاكرم بكرا مثلا فليس من محل النزاع قطعا اذا كان الشرط هو
مجموعها وان تعدد
صناعة ولفظا كما هو ظاهر القضية المذكورة وان شك فى ذلك او علم ان كلا منها
شرط على حده ويكون حذف الجزاء من الشرطين الآخرين لدلالة المذكور عليه فهو من محل
النزاع وكيف كان فتفصيل الحال فى الصورة المذكورة (انه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث
الجزاء عند حدوث الشرط) وكان معنى قوله تعالى (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) ان حدوث وجوب التبين منوط بحدوث مجىء الفاسق بالنباء
سواء كان حدوث الجزاء (بسببه) اى بسبب ذات الشرط وعليته (او بكشفه عن سببه) وعلته (وكان) مقتضى ذلك (وقضيته تعدد الجزاء عند تعدد الشرط) وإلّا فلا حدوث عند كل حدوث بل حدوث واحد وثبوت ما حدث
فيما بقى (كان
الاخذ بظاهرها اذا تعدد الشرط حقيقة) فيما اذا اختلف فى الجنس القريب كالبول والنوم مثلا (او وجودا) فيما اذا اتحد فى ذلك كالبول مكررا ممتنعا و (محالا ضرورة ان لازمه
ان يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء بما هى واحدة) فيما اختلفت الشروط المتعددة جنسا وشخصا (مثل اذا بلت فتوضأ
واذا تمت فتوضأ او فيما) اتحدت جنسا وتعددت شخصا كما (اذا بال مكررا او نام كذلك) وغير ذلك (محكوما بحكمين متماثلين) فيتصف الوضوء بوجوبين او اكثر على حسب تعدد الشروط (وهو واضح الاستحالة
كالمتضادين) فالقول بالتداخل بهذا المعنى محال (فلا بد على القول بالتداخل من التصرف
فيه) اى فى ظهور
الشرطية مما يستلزم من المحال (باحد
امور) قلت قد عرفت
ان مع العلم بوحدة الجزاء حقيقة وصورة فالشرطية لا مانع من ظهورها فى عدم التداخل
فى صورة اختلاف الشروط المتعددة حتى فى الجنس البعيد لظهورها جدا فى ان الجزاء
المتعدد هو وجودات الطبيعة الواحدة وتعددها بتعدد الخصوصيات ولا ينافى ذلك ظهورها
فى الحدوث عند الحدوث لعدم انحصاره فى حدوث خصوص الحكم ليلزم المحال من تعدده
ووحدة المتعلق بل يكفى فى بقاء هذا الظهور ان تعلق الوجوب الكلى مثلا بالفرد الآخر
حادث وحدوث التعلق كحدوث اصل الحكم وبذلك اجيب عن كيفية وقوع الحوادث المتجددة
بارادة الله تعالى مع قدمها ففى مثل هذه الصورة فالشرطية على ظاهرها من كل جهة ولا
يلزم من بقاء
ظهورها محال اصلا واما فى صورتى تعدد الشروط مع اتحادها فى الجنس القريب بل
والجنس البعيد فظهور الجزاء فى الاتحاد الحقيقى والصورى كالقرينة المنضمة الى
الشروط الموجبة لظهورها بادنى تأمل فى وحدة الشرط واقعا وانه القدر المشترك بينها
ككلى البول بالنسبة الى افراده والحدث النسبة الى انواعه فظهر انه على القول
بالتداخل فى الصورتين الاخيرتين لا يلزم المحال الموجب للتصرف فى الظهور بل تكون
الجملة فيها ظاهرة فى التداخل ويكون ظهور الجزاء فى الوحدة الحقيقية والصورية
قرينة على وحدة الشرط الحقيقية لضعف ظهور تعدده الصورى فى التعدد الحقيقى بلحاظ
ظهور دخل القدر المشترك لا لخصوصيات فى الحكم واما القول به فى الصورة الاولى
فيتوقف على التصرف فى ظهور الشرط فى التعدد الحقيقى بصرفه الى ما يقضى بالوحدة
فظهر لك بما ذكرنا ما فى اطلاق كلامه قده فيما مضى وما ياتى واما صورة الشك وعدم
العلم بغير الاتحاد الصورى فالظاهر ان حاله حال ما لو علم ضرورة ظهور اتحاد الصورة
فى الاتحاد الحقيقى فيتوقف الحكم باختلافها على دليل على ذلك كما لا يخفى فلزوم
التصرف فى الظهور على القول بالتداخل انما هو فى خصوص الصورة الاولى وهو اما بما
ذكرنا من رفع اليد بظهور الجزاء فى الاتحاد من كل وجه عن ظهور تعدد الشروط فى
الاختلاف من كل وجه كما انه كذلك عقلا فالقضية العقلية وهى عدم امكان سببية
الاثنين لواحد ربما تكون قرينة عرفية عامة على المراد فى بعض المواد فتأمل وهذا
الوجه سالم عما اورده قده على الوجوه الآخر (واما بالالتزام بعدم دلالتها فى هذا
الحال على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت) كما عرفت سابقا ولا داعى لهذا الالتزام الا مع انحصار
التخلص به وقد عرفت ان التخلص بذلك الوجه لا يوجب الالتزام بهذا اللازم (او الالتزام بكون
متعلق الجزاء وان كان واحدا صورة إلّا انه حقايق متعددة حسب تعدد الشرط متصادقة
على واحد) لكونه مجمعا
لعناوينها (فالذمة
وان اشتغلت بتكاليف متعددة حسب تعدد الشروط إلّا ان الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا
لها) مما يقضى
بصحته العقل والعرف (كما
فى اكرم هاشميا واضف عالما فاكرم العبد)
المامور (العالم
الهاشمى بالضيافة ضرورة انه بضيافته بداعى الامرين يصدق) عرفا (انه امتثلهما ولا محاله يسقط الامر
بامتثاله المذكور وموافقته وان كان له امتثال كل واحد منهما على حده كما اذا اكرم
الهاشمى بغير الضيافة واضاف العالم الغير الهاشمى فان قلت كيف يمكن ذلك اى
الامتثال بما) يجتمع فيه الامران من الفعل المتعلق بما (تصادق عليه العنوانان مع استلزامه محذور
اجتماع الحكمين المتماثلين معه) فان الضيافة تكون واجبة بوجوبين وجوب باضافتها الى
عنوان العالمية ووجوب باضافتها الى عنوان الهاشمية المتصادقين على ذات العالم
الهاشمى (قلت
انطباق عنوانين واجبين) وهو الضيافة والاكرام (على) فعل (واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين بل غايته
ان انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له مع انه على القول
بجواز الاجتماع لا محذور فى اتصافه بهما بخلاف ما اذا كان بعنوان واحد) فلا يمكن اجتماعهما فى مثل الوضوء المشروط بشروط عديدة
لوحدة عنوانه ولاجل ذا كان التداخل فيه محالا (فافهم) وفيه ما لا يخفى اما اولا فلمنع صدق الامتثال عرفا فى
مثل الصورة المذكورة ضرورة ان ظاهر الامرين هو طلب مطلق الاكرام للهاشمى وطلب
الاكرام الخاص وهو الضيافة للعالم فايجاد الضيافة للعالم الهاشمى ليس إلّا امتثال
امر الاكرام الخاص ولا اجتماع للعنوانين فيه والسر فى ذلك ان المفهوم عرفا من مثل
ذلك ان المراد بالضيافة غير الاكرام المطلق فكان المطلق قد اخذ بقيد الاطلاق لان
الغرض تعدد وجود الاكرام فى الخارج تارة فى ضمن خصوص الضيافة واخرى فى ضمن اى
خصوصية كانت ومن المعلوم عدم امكان اجتماع المطلق بما هو مطلق مع المقيد بما هو
كذلك فى الفعل الضيافى بعد ان كان الغرض تعدد الايجاد الموجب لتعدد وجود الاكرام
ومن هنا كان حمل المطلق على المقيد فى الاحكام مشروطا بالعلم بوحدة التكليف كما لا
يخفى واما ثانيا فلان ما افاده من ان انطباق العنوانين يكون منشأ لاتصافه بالوجوب
غير واضح الوجه لان الوجوب قد تعلق نصا وصراحة بخصوص الضيافة وتعلق ايضا بمطلق
الاكرام وليس المقام مقام تقييد المطلق بالمقيد كما هو واضح فانطباق عنوان الضيافة
عليه يتبعه الوجوب على حد تبعية وجوب العناوين الكلية لمصاديقها الجزئية
وانطباق عنوان الاكرام عليه مع ذلك لا يعقل ان يكون منشأ لاتصافه بالوجوب المتعلق
به لما ذكر من لزوم المحذور ولا يمكن ان يقال ان منشأ اتصافه بالوجوب هو انطباق
عنوان الاكرام لا عنوان الضيافة لعين ما ذكر مضافا الى انه ترجيح للمرجوح وليس لنا
وجوب ثالث غير الوجوبين تعلق به من جهتين وبعبارة اخرى انطباق الموضوع على شيء
يلزمه انطباق الحكم عليه فاذا صار منشأ لمحال فعلى بطل هذا مضافا الى ان الحكم
بوحدة الحكم ويصدق امتثال التكليفين على الفعل المتحد الحكم تناقض وتدافع ولو اراد
من صدق امتثالهما امتثال الوجوب الناشئ من جهتيهما فهو خلاف ما عند العرف فى امثال
هذه المقامات اذ لا يفهم اهل العرف هذا المعنى لتحمل محاوراتهم عليه بل هو امر
عقلى ينشأ من حكمه بمحالية اجتماع المثلين والعرف لا نظر لهم الا الى نفس اكرم
واضف لا الى الوجوب الذى ينتزعه العقل من الوجوبين فهذا الوجه واضح الفساد ايضا (او الالتزام بحدوث
الاثر عند وجود كل شرط إلّا انه) نفس (وجوب الوضوء فى المثال عند الشرط الاول
وتأكد وجوبه عند الشرط الآخر ولا يخفى) ما فيه لان الوجوب هو طلب الفعل مع المنع من الترك
والمؤكد له ان كان وجوبا آخر مثله لزم المحذور وان كان جهة اخرى توجب مزيد الثواب
والعقاب على فعله وتركه فهذا ليس من تأكيد الوجوب فى شىء لان حدوث تلك الجهة لم
يوجب زيادة اخرى فيه غير طلب الفعل مع المنع من الترك وان شئت قل غير طلب الفعل
على وجه يستحق تاركه العقاب لعدم قبول هذه المرتبة للزيادة وانما يتصف بشدة الاثر
وضعفه نفس الواجبات بما فيها من مراتب الحسن المتفاوتة شدة وضعفا الموجب لاختلاف
آثارها ثوابا وعقابا فاين الاثر الذى يحدث بحدوث الوجوب وهو غير الوجوب فقد اتضح
لك مما حققناه (انه) لا وقع لهذه الالتزامات ولا (وجه لان يصار الى
واحد منها فانه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه) بحسب اختلاف الصور من ظهور بعضها فى التداخل وبعضها فى
عدمه مع عدم الحاجة الى واحد منها فى حمل ما ظاهره العدم على التداخل كما عرفت من
كفاية الاستناد الى
القرينة العقلية مطلقا او العرفية فى بعض المقامات (مع ما فى) الالتزامين (الاخيرين) وهما الالتزام بكون متعلق الجزاء حقايق متعددة وان
اتحد صورة والالتزام بكون الاثر فى الاول نفس الوجوب وفى الباقى تأكده (من الاحتياج الى
اثبات) هذه الدعوى
وهى (ان
متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد وان كان صورة واحدا سمى باسم واحد كالغسل والى
اثبات) الدعوى الاخرى
وهى (ان
الحادث بغير الشرط الاول تأكد ما حدث بالاول ومجرد الاحتمال لا يجدى) فى رفع المحال ولا يحصل به الاستدلال (ما لم يكن فى البين
ما يثبته فان قلت وجه ذلك) ما انت اشرت اليه من القرينة العقلية و (هو لزوم التصرف فى
ظهور الجملة الشرطية لعدم امكان الاخذ بظهورها) عقلا (حيث ان) لازم الاخذ بهذا الظهور و (قضيته) هو (اجتماع
الحكمين) المتماثلين (فى الوضوء فى المثال) كما مرت الاشارة اليه (قلت نعم) ما ذكرت نعم الوجه (اذا لم يكن المراد بالجملة فيما اذا
تعدد الشرط كما فى المثال) معنى به يرتفع اصل الاشكال و (هو) ان يكون الوجوب المتعلق بالوضوء الذى وقع جزءا فردا من
الوجوب الكلى متعلقا بفرد من المتعلق الكلى فيكون (وجوب الوضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب
بالآخر ولا ضير فى كون فرد محكوما بحكم فرد آخر اصلا) ضرورة ان الحكم الشرعى للكلى انما تعلق بالكلى لا بكل
مصداق بخصوصيته اللاحقة المشخصة له لانه وجوب واحد فلا يعقل تعلقه بما هو واحد
بالمتعدد بما هو متعدد وانما تكون المصاديق الجزئية للمتعلق محكومة بالمصاديق
الجزئية للحكم واين ذلك من اجتماع الامثال بل تعلق جميع الاحكام بجميع المتعلقات
على هذا المنوال (كما
لا يخفى) وقد عرفت
تحقيق ذلك وان هذا فى بعض الصور لا يسمى تصرفا لظهور نفس الجملة فيه بعد ادنى تأمل
(فان
قلت نعم) هذا مسلم (لو لم يكن) الحمل على تعدد الفرد معارضا بما هو اقوى والمعارض
موجود لان (تقدير
تعدد الفرد) تقييد فى الجزاء لان ظاهره وجوب الوضوء عند كل شرط مطلقا وعلى الحمل
المذكور يكون الجزاء فيما عدى الشرط الاول وجوب الوضوء المغاير لما وجب بالشرط
الاول وهكذا فى الثانى والثالث وهذا يوجب التقييد بالبداهة وهو
(على
خلاف الاطلاق) فيحتاج ثبوته الى الاستدلال ولا يجدى فيه الاحتمال (قلت نعم) ذلك مسلم (لو لم يكن) لنا دليل على ذلك والدليل موجود ضرورة ان (ظهور الجملة الشرطية
فى كون الشرط سببا او كاشفا عن السبب مقتضيا لذلك اى لتعدد الفرد) الواجب فى الجزاء على نحو تعدد اسبابه هو الدليل على
التقييد فما ذكر فى السؤال حق لو لم يكن فى الظهور المذكور هذا الاقتضاء (وإلّا) اى وان كان اقتضاء الظهور لذلك ثابتا (كان بيانا) وبرهانا (لما هو المراد من الاطلاق) فلا اطلاق لعدم مقدمته وهى عدم البيان وبالجملة لا
دوران بين هذين الامرين وهما ظهور الجملة فى حدوث الجزاء عند كل شرط وظهور الاطلاق
فى الجزاء فى عدم تعدد الفرد ليرجح احدهما على الآخر بل هما من قبيل الدليلين
الوارد احدهما على الآخر (ضرورة
ان ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان) الموجب للتقييد (وظهورها) اى الشرطية (فى ذلك) اى فى الحدوث عند الحدوث مطلقا (صالح لان يكون بيانا
فلا ظهور له مع ظهورها) لزوال موضوعه بزوال ما علق هو عليه (فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف
اصلا) بل هو عمل
بالظهور (بخلاف
القول بالتداخل كما لا يخفى) بل الامر كذلك وان قلنا ان ظهور الاطلاق معلق على عدم
البيان فى مقام التخاطب مطلقا ولو كان البيان منفصلا ضرورة ان مثل هذا الظهور وهو
ظهور الشرطية فى الحدوث عند الحدوث له حكومة عرفا على ظهور الاطلاق وان كانت جملها
منفصلة اذ لا يشك العرف فى ان قضية الشرطية مطلقا هو تعدد افراد الجزاء المتحدة
بحسب الحقيقة لما هو المغروض فى اذهانهم من ان المطلوب من الجزاء فى كل شرط غير
المطلوب فى الآخر والحكومة كالورود فى عدم تحقق الدوران بين امثال ذلك (فتلخص بذلك) كله (ان قضية ظاهر الجملة الشرطية) مطلقا عند المصنف قده (هو القول بعدم التداخل) عند تعدد الشرط وعندنا فى غير صورة ظهور الشروط
المتعددة فى ان الشرط هو القدر المشترك بينها كما عرفت (وقد انقدح مما ذكرنا
ان المجدى للقول بالتداخل مطلقا هو احد الوجوه التى ذكرناها) وذكرنا ما فيها وفى خصوص الصورة المذكورة خصوص الوجه
الذى عرفته (لا
مجرد كون الاسباب الشرعية
معرفات
لا مؤثرات) لوضوح ان ذلك
لا يرفع ما مضى من الاشكالات اللازمة على القول به مضافا الى ما فى نفس هذا
الاستدلال من الاشكال ولو سلم فانما يرفع اشكال استناد المعلول الواحد الى المؤثر
المتعدد فاى ربط له باجتماع الامثال فى الموضوع المتحد مثلا (فلا وجه لما عن الفخر
وغيره من ابتناء المسألة على انها معرفات او مؤثرات) اللهم إلّا ان يكون المراد بيان ان المسألة غير قابلة
لان تكون محلا للكلام ومعتركا للاعلام الابناء على انها معرفات اذ مع البناء على
انها مؤثرات فهو غير معقول اصلا فلا معنى للكلام فيها فالمقصود ابتنائها على ذلك
امكانا وامتناعا لا صحة وفسادا وكيف كان فقد عرفت ان كونها معرفات لا يجدى على
تقدير تسليم صحة اجتماعها هذا (مع
ان الاسباب الشرعية حالها حال غيرها) من الاسباب (فى) عدم (كونها) على نهج واحد بل تكون (معرفات تارة ومؤثرات اخرى ضرورة ان
الشرط) المجعول (للحكم الشرعى) بعد أداة الشرط (فى الجملة الشرطية ربما يكون مما له دخل
فى ترتب الحكم بحيث لولاه لما وجدت له علة) مثل اذا شككت بين الواحدة والاثنتين فأعد فيما لو كانت
الشرائط باسرها تامة (كما
انه فى الحكم الغير الشرعى) كالعادى والعقلى (قد يكون) الشرط (امارة على حدوثه) اى حدوث الحكم الغير الشرعى مثل ان كان النهار موجودا
فالشمس طالعة (وان
كان ظاهر التعليق ان له الدخل فيهما كما لا يخفى نعم لو كان المراد بالمعرفية فى
الاسباب الشرعية) عند القائل انها معرفات لا علل (انها ليست بدواعى الاحكام التى هى فى
الحقيقة علل لها) فلا تكون عللا غائيه (وان
كان لها دخل فى تحقق موضوعاتها) فتكون عللا ماديه (بخلاف الاسباب الغير الشرعية) فانها علل غائيه (فهو وان كان له وجه فى الجملة إلّا انه) غير وجيه كما لا يخفى على المتأمل على انه (مما لا يكاد يتوهم
انه يجدى) هذا القائل
فيما هم باثباته واراده من التداخل لابتنائه على محال آخر كما عرفت (ثم انه لا وجه) عند المصنف (للتفصيل) المحكى عن الحلى (بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه
واختيار عدم التداخل فى الاول والتداخل فى الثانى إلّا توهم عدم صحة التعلق بعموم
اللفظ فى الثانى لانه من اسماء الاجناس فمع تعدد افراد شرط
واحد) كما فى قوله اذا بلت فتوضأ قبال مرارا (لم يوجد الا السبب
الواحد) وهو البول (بخلاف الاول) وهو المختلف جنسا كالبول والنوم المأخوذين شرطا (لكون كل منهما سببا
فلا وجه للتداخل وهو توهم فاسد فان) من الواضح ان (قضية اطلاق الشرط فى مثل اذا بلت فتوضأ
هو حدوث الوجوب عند حدوث كل مرة لو بال مرآة) لصدق الشرطية فى كل مرة (والاجناس المختلفة) ايضا (لا بد من رجوعها) الى جنس واحد كالبول والنوم الراجعين الى الحدث (فيما جعلت شروطا
واسبابا لواحد لما مرت اليه الاشارة من ان الاشياء المختلفة بما هى مختلفه لا تكون
اسبابا لواحد) قلت قد عرفت وجه الفرق بين متحد الجنس ومختلفه وان الاتحاد فيه موجب
لظهور الشرطية فى التداخل والاختلاف فيه موجب لظهورها فى العدم على ما فصلنا
المقام فهذا هو وجه الفرق لا ما افاده (هذا كله فيما اذا كان موضوع الجزاء
قابلا للتعدد بحسب الحقيقة واما ما لا يكون قابلا لذلك فلا بد من تداخل الاسباب
فيما لا) يكون تعدد
الشروط مما (يتاكد
المسبب) به وان لم
يتعدد حقيقة بل هو خارج عن محل النزاع فى الشرعيات كالوضوء والعرفيات كالقتل (و) لا بد (من عدم التداخل فيه فيما يتأكد) والمقصود من تأكد الوجوب ان الطلب مما يقبل الشدة
والضعف بحسب قلة جهاته وكثرتها ولذا تختلف آثاره ثوابا وعقابا فآثار وجوب الصلاة
غير آثار وجوب رد السلام مثلا وهكذا ومثله الحرمة ولذا انقسمت الذنوب الى كبائر
وصغائر إلّا أنّك قد عرفت فيما سبق ان مرتبة الطلب لا تقبل الشدة والضعف وانما
يقبلها بكثرة الجهات وقلتها فتأكد المطلوب لا يجدى والطلب بمثله يعود به المحذور
كما لا يخفى (فصل
الظاهر انه لا مفهوم للوصف وما بحكمه) كالوصف المجعول بنفسه موضوعا كاكرم عالما وكالحال وان
احتمل بعض رجوعه الى مفهوم الشرط وغير ذلك (مطلقا) سواء كان اخص من الموصوف او اعم او مساويا (لعدم) وجود امارة تدل على (ثبوت الوضع وعدم لزوم) ما استند اليه فى اثبات المفهوم من (اللغوية بدونه لعدم
انحصار الفائدة به) بل الفوائد كثيرة غير خفية واما ثبوت مفهوم له بغير الوضع فممنوع ايضا
لعدم كون اقترانه بموضوع الحكم قرينة
على ذلك (وعدم
قرينة اخرى ملازمه له) فلا يجدى فى ثبوته اتفاق وجود قرينة تدل على ذلك لحصول مثل هذا الاتفاق
حتى فى مثل الجوامد (و) منها (عليته فيما اذا استفيدت) فى بعض المقامات فانها (غير مقتضية له كما لا يخفى) إلّا ان تكون على نحو الانحصار (ومع كونها بنحو
الانحصار وان كانت) مفيدة للمفهوم و (مقتضية
له إلّا انه لم يكن) المفهوم (من
مفهوم الوصف) بل مفهوم العلة (ضرورة
انه قضية العلة الكذائية المستفادة تلك) العلة (من القرينة عليها) لا من مجرد الوصف (فى خصوص مقام) من المقامات (وهو مما لا اشكال فيه ولا كلام فلا وجه
لجعله تفصيلا فى محل النزاع) والكلام (وموردا للنقض والابرام) كما يوجد فى كلام بعض (ولا ينافى ذلك) اى القول بعدم المفهوم (ما قيل) بل هو مسلم بينهم (من ان الاصل فى القيد ان يكون احترازيا
لان) معنى (الاحترازية) بيان مقدار دائرة المتعلق سعة وضيقا فهو (لا يوجب إلّا تضييق
دائرة موضوع الحكم) ولذا تراه اذا كان قد افيد بلفظين (مثل ما اذا كان) قد افيد انه (بهذا الضيق بلفظ واحد فلا فرق) بين (ان يقال جئنى بانسان او بحيوان ناطق) هذا مع اختصاص هذا الاصل بما اذا كان المقيد مع القيد
معنى للفظ واحد وكان المراد بالقيد الاحتراز عن الطرف الآخر المقيد بضده لا
الاحتراز عن هذا المقيد فى غير حال لحوق القيد فلا يلزم من ضم القيد الاحترازى
المحصل لمقيده صورة نوعية ثبوت مفهوم الوصف وهو فى غاية الوضوح والعجب من المصنف
قده حيث اقتصر فى الجواب على ما سبق (كما لا يلزم ذلك فى حمل المطلق على
المقيد فيما وجد فيه شرائطه) اى الحمل اذ ليس المقصود الا افادة ذلك الضيق فى دائرة
الموضوع (من
غير حاجة فيه الى دلالته على المفهوم) ولذا اتفق القائلون به والقائلون بعدمه على عدم تحقق
الامتثال فى اعتق رقبة مؤمنة الا بالمؤمنة معللين ذلك بانها هى متعلق الحكم ولا
يجزى غير المتعلق عنه فى مقام الامتثال ولا دخل لذلك فى ثبوت المفهوم وانما اثر
ثبوت المفهوم انه لو دل دليل على اجزاء الكافرة لوقع التعارض بخلافه على العدم
وهذا هو المراد من حمل المطلق على المقيد (فانه من المعلوم ان
قضية
الحمل ليس إلّا ان المراد بالمطلق هو المقيد وكانه لا يكون فى البين غيره) اى غير المقيد وثبوت الحكم فى محل القيد لا نفى الحكم
عن غير محل القيد (بل
ربما قيل انه لا وجه للحمل) المذكور وهو حمل المطلق على المقيد (لو كان) القيد قد اخذ (بلحاظ المفهوم) ضرورة وقوع التعارض حينئذ بين ظهور القيد فى المفهوم
فيدل على نقى الحكم عن غير محل القيد وظهور المطلق فى الاطلاق الدال على ثبوت
الحكم فيه فيتعارضان ولا وجه لصرف المطلق عن اطلاقه وابقاء المقيد على ظاهره من
ثبوت المفهوم (فان
ظهوره فيه ليس باقوى من ظهور المطلق فى الاطلاق كى يحمل عليه لو لم نقل بانه
الاقوى لكونه بالمنطوق واما الاستدلال على ذلك اى على عدم الدلالة على المفهوم
بآية وربائبكم الآتي فى حجوركم قضية ان) القائل بالمفهوم لا يقول بانه من اللوازم التى لا تنفك
ابدا لان (الاستعمال
فى غيره احيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر كما فى الآية) فانه لا مفهوم له (قطعا) للاجماع (مع انه يعتبر فى دلالته عليه عند القائل
بالدلالة ان لا يكون واردا مورد الغالب كما فى الآية) فمع اعتبار هذا القيد يكون خروج المورد المذكور تخصصا
لا تخصيصا (ووجه
الاعتبار واضح) لان الورود مورد الغالب قرينة على عدم المفهوم (لعدم دلالته معه على
الاختصاص) الذى هو مناط
تحقق المفهوم وملاكه (وبدونها
لا يكاد يتوهم دلالته على المفهوم فافهم) ولا تغفل (تذنيب لا يخفى) ان الوصف اذا لوحظ مع الموصوف فهو على انحاء نحو اخص
مطلقا او من وجه ونحو اعم كذلك ونحو مساوى كجئنى بالانسان الكاتب او الابيض او
المتحرك بالارادة او الناطق اذا عرفت ذلك فاعلم (انه لا شبهة فى جريان النزاع فيما اذا
كان الوصف اخص من موصوفه ولو من وجه فى) خصوص (مورد الافتراق من جانب الموصوف) كالانسان الغير الكاتب او الاسود (واما فى غيره) وهو المساوى والاعم مطلقا ومورد الافتراق من جانب
الوصف كغير الابيض من غير الانسان وغير السائمة من غير الغنم (ففى جريانه اشكال
اظهره عدم جريانه) بل لا يكاد يتوهم بعد امعان النظر فى كلمات القوم ان احدا حام حوله (وان كان يظهر مما عن
بعض الشافعية) عند
الكلام فى خصوص الثالث (حيث
قال قولنا فى الغنم السائمة زكاة يدل على عدم الزكاة فى معلوفة الابل جريانه فيه) ولا وجه له ظاهرا (ولعل وجهه استفادة العلية المنحصرة منه) بحيث يكون نفس السوم علة تامة لوجوب الزكاة بحيث لا
يشاركها شىء فى ذلك فتجب الزكاة بوجودها ولا تجب بعدمها (وعليه) اى على هذا الوجه (فيجرى) النزاع حينئذ ظاهرا (فيما) اذا (كان الوصف مساويا او اعم مطلقا) لعين ما ذكر من الوجه (ايضا فيدل على) المفهوم وهو (انتفاء سنخ الحكم عند انتفائه) فى هذه الصور قلت الظاهر انه قياس مع الفارق فان
المساوى والاعم مطلقا لا مورد فيهما لجهة الانتفاء عما يقبل ثبوت الوصف فيه فلا
موضوع للمفهوم ضرورة ان الضاحك لا مورد لثبوته غير الانسان ليكون انتفائه عنه
موجبا لانتفاء الحكم وكذلك التحرك بالارادة فانه لا محل له غير الحيوان ليكون
انتفائه كذلك بخلاف الاعم من وجه فان السوم مما يقبل ان توصف به الابل فيكون
انتفائه عنها موجبا لانتفاء الحكم وهذا فى غاية الوضوح (فلا وجه) لما افاده قده من الطعن فى التفصيل بينها وبين ما اذا
كان اخص من وجه فيما اذا كان الافتراق من جانب الوصف على شيخنا العلامة المرتضى
قده فيما حكاه المقرر من قطعه قده ظاهرا (بانه لا وجه للنزاع فيهما) اى المساوى والاعم المطلق (معللا ذلك بعدم
الموضوع و) من (استظهار جريانه من
بعض الشافعية فيه) اى فى الاخص من وجه فى مورد الافتراق من جانب الوصف فان التفصيل المذكور
فى غاية المتانة والقوة كما عرفت فلا معنى لقياس احدهما بالآخر والعجب من المصنف
كيف خفى عليه ذلك مع وضوح الفرق (كما لا يخفى فتأمل جيدا) (فصل
هل الغاية) المغيا بها
الحكم (فى
القضية تدل على ارتفاع الحكم) المغيا (عما بعد الغاية بناء على دخول الغاية) فى المغيا كما حكى عن جمع منهم نجم الأئمّة (او) ارتفاعه (عنها وعما بعدها بناء على خروجها) كما حكى عن آخرين ويختلف التحرير باختلاف الاقوال وهى
كثيرة (أو
لا) تدل على ثبوت
الحكم اليها وعدم ثبوته فيما بقى على الخلاف (فيه خلاف وقد نسب الى المشهور الدلالة
على
الارتفاع
و) نسب (الى جماعة منهم السيد
والشيخ عدم الدلالة عليه) واما اذا كان المغيا ذات موضوع الحكم لا نفس الحكم ولا
موضوعه بما هو موضوع له فهو خارج عن محل النزاع ولا اظن قائلا بدلالة الغاية على
ارتفاع غير المغيا عما بعدها اذ لا دخل للغاية به نعم تدل ايضا على ارتفاع نفس
الموضوع المغيا كذلك على ما هو عليه فقولهم سر من البصرة الى الكوفة ان كان الظرف
متعلقا بسر من حيث الهيئة فيكون معناه السير واجب من البصرة الى الكوفة كانت
الغاية قيدا للحكم ومحلا للنزاع وان تعلق به باعتبار المادة ويكون معناه السير من
البصرة الى الكوفة واجب فلا يوجد قائل بان الى تدل على ارتفاع الوجوب عما بعدها اذ
ليست هى قيدا فيه ليكون زواله زوالا للمقيد نعم تدل ايضا على زوال القيد وهو السير
عما بعدها بالبداهة بناء على المشهور وانما لم يدخلوا ذلك فى محل النزاع وقالوا
الحكم المغيا بغاية لعدم الثمرة فيه بالمرة كما لا يخفى على المتأمل وبالجملة
فالغاية قيد فى المغيا ولا محالة تدل على ارتفاعه عند انتهائه فان اخذت قيدا فى
موضوع الحكم بما هو موضوع الحكم فهى كالمأخوذة فى الحكم قطعا وان اخذت فى ذاته بقى
الحكم على اطلاقه ولا يرتفع إلّا انه على هذا التقدير يكون الظرف صفة او حالا
للموضوع او منه فيكون معنى المثال السير الكائن او كائنا من البصرة الى الكوفة
واجب وهذا لا مفهوم له قطعا إلّا انه خلاف الظاهر جدا والحمل عليه بعيد الى الغاية
لان الظاهر تعلق الظرف بالفعل بما هو فعل ولا محاله يكون قيدا للحكم فلا فرق بين
سر الى الكوفة او السير واجب من البصرة الى الكوفة او كل شيء حلال حتى تعلم حكمه
او طاهر حتى تعرف موضوعه فى كون الغاية قيدا للحكم المتحقق للمفهوم هذا واما مثل
قولهم كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام وطاهر حتى تعلم انه قذر والاشياء كلها على
هذا حتى تستبين وما مائل ذلك فهى دالة بالمنطوق على نفى الحكم عما بعد الغاية وحال
تحقق الغاية لان قوله حتى تعلم انه حرام او قذر او حتى تستبين نص فى الحرمة
والنجاسة وعدم العمل بظاهر الحال بعد العلم والاستبانة سواء قلنا بمفهوم الغاية او
لم نقل نعم بناء على القول بذلك تكون
القضية الى نفس الغاية فيها دالة بالمفهوم وبما بعد الغاية دالة بالمنطوق
فيتطابقان فى الدلالة على النفى هذا هو التحقيق فى هذه المسألة كما لا يخفى على
المتتبع لكلماتهم ادنى تتبع واما ما افاده المصنف قده فى قوله (والتحقيق انه اذا
كانت الغاية بحسب القواعد العربية قيدا للحكم كما فى قوله كل شيء لك حلال حتى نعرف
انه حرام وكل شيء لك طاهر حتى تعلم انه قدر كانت دالة على ارتفاعه عند حصولها
لانسباق ذلك منها كما لا يخفى وكونه قضية تقييده بها وإلّا لما كان ما جعل غاية له
بغاية وهو واضح الى النهاية واما اذا كانت بحسبها قيدا للموضوع مثل سر من البصرة
الى الكوفة فحالها حال الوصف فى عدم الدلالة وان كان تحديده) اى الموضوع (بها بملاحظة حكمه وتعلق الطلب به وقضيته
ليس إلّا عدم الحكم فيها إلّا بالمغيا من دون دلالة لها اصلا على انتفاء سنخه عن
غيره) فمقتضى
تمثيله للدلالة بالروايتين وتعليله بالانسباق واطلاق عدم الدلالة فى مثل السير هو
القول بعدم الدلالة مطلقا وفاقا للشيخ والسيد واتباعهما وانما ذهب اليه فى
الروايتين لاشتباه الدلالة المنطوقية بالمفهومية وإلّا فهما الى قوله حتى تعلم
ليسا بهذا الوضوح من الدلالة بل حالهما حال المثال الآخر كما لا يخفى ومقتضى
تعليله بكونه قضية تقييده بها هو القول بالدلالة مطلقا وفاقا للمشهور لان عدم
الدلالة حينئذ فى المثال لعدم تقييد الحكم بها والكل قائلون بعدمه فى مثل ذلك إلّا
ان حمل المثال على ذلك بعيد جدا كما عرفت فلا وقع لهذا التفصيل نعم اذا كانت
الغاية غاية لنفس الحكم كانت الدلالة اظهر فى الجملة مما اذا كانت غاية له بواسطة
الموضوع والسر فى ذلك احتمال رجوعها الى ذات لموضوع فى الثانى وعدمه فى الاول كما
لا يخفى على الناقد منهم واستقم واغتنم واما خروج ما كان من قبيل المثال عن محل
نزاعهم فقد عرفت وجهه واما عدم الدلالة مطلقا فقد ذهب اليه من عرفت (لعدم ثبوت وضع لذلك
وعدم قرينة ملازمة لها ولو غالبا دلت على اختصاص الحكم به وفائدة التحديد بها
كسائر انحاء التقييد غير منحصرة بافادته) اى المفهوم فلا يلزم اللغوية (كما مر فى) مفهوم (الوصف هذا) غاية استدلاله على ذلك وهو فاسد جدا
وتبادر ذلك منه فى جميع المحاورات بجميع اللغات اقوى شاهد على الوضع هذه
خلاصة الكلام فى هذا المقام من هذه المسألة (ثم انه لا يخفى) ان (فى
الغاية) يوجد (خلاف آخر) فى مقام آخر (كما اشرنا اليه) فى اول تحرير العنوان (وهو انها هل هى داخلة فى المغيا بحسب
الحكم او خارجه عنه) او فيه تفصيل ذهب الى كل فريق (والاظهر خروجها لكونها من حدوده فلا
يكون محكوم تكون محكومة بحكمه ودخوله فيه فى بعض الموارد) كما فى الى المرافق مثلا (انما يكون بالقرينة
وعليه تكون) حال نفس الغاية (كما
بعدها بالنسبة الى الخلاف الاول) وقد تقدم (كما انه على القول الآخر تكون) الغاية (محكومة بالحكم منطوقا ثم لا يخفى ان هذا
الخلاف) انما يجرى
فيما اذا كان المغيا موضوع الحكم ليكون قابلا لان يقال بدخوله فى حكم المغيا
وخروجه عنها و (لا
يكاد يعقل جريانه فيما اذا كان قيدا للحكم) وغاية له لوضوح عدم معقولية دخول الغاية فى نفس مغياها
ليكون موردا للنزاع نعم قد يكون موردا بمعنى آخر وهو انه هل ينقطع الحكم عند نفس
غايته او يتصل وينقطع عند تمامها والاظهر انقطاعه عندها الا مع القرينة على خلافه (فلا تغفل) تنبيه كما ان تقييد الحكم بالغاية بواسطة تقييد موضوعه
او بلا واسطة يدل على ارتفاعه عما بعدها كذلك تقييده بواسطة او بلا واسطة بابتداء
الغاية يدل على ثبوت عدمه فيما قبل ذلك ولا اختصاص للمفهوم بما دل على رفع الحكم
الثابت بل يعم ما دل على ثبوت عدمه لا يقال ان تقييد الحكم بالوقت باى لفظ كان يدل
على ذلك فلا خصوصية للفظ من وما هو مثلها لانا نقول ان التقييد بالوقت انما يدل
على عدم الثبوت قبله فلو دل دليل على ذلك لم يكن معارضا بخلاف من الابتدائية فان
التقييد بها دليل على ثبوت العدم فيعارض دليل ثبوت الوجود فيكون نسبة مفهوم الى
وحتى الى مفهوم من نسبة معناها الى معناها كما هو واضح تذنيب ان كان المراد من
الغاية معنى مقابلا لمعنى الابتداء فلا ينبغى الاشكال فى دخولها فى المغيا كدخول
الابتداء فان البصرة محل اول السير المامور به والكوفة محل آخره فنفس البصرة
والكوفة داخلان فى موضوع الحكم وان اريد بها ما ينتهى عنده الشيء او ما يبتدأ منه
وهما حدان للموضوع اولا وآخرا فلا اشكال فى
الخروج كما ذهب اليه نجم الأئمّة وحكى عن الاكثر ولعل ما ذكرنا صالح
لاصطلاح الخصمين وقطع نزاع الطرفين لانه يعود لفظيا لا معنويا (فصل لا شبهة فى دلالة
الاستثناء) مطلقا (على اختصاص الحكم
سلبا او ايجابا بالمستثنى منه ولا يعم المستثنى بل يدل على ثبوت نقيضه له من حيث
السلب والايجاب ولذلك يكون الاستثناء من النفى اثباتا ومن الاثبات نفيا وذلك
للانسباق عند الاطلاق قطعا فلا يعبأ بما) حكى (عن ابى حنيفة من عدم الافادة) وان غاية ما فيه ان الحكم لا يعم المستثنى اما دلالته
على ثبوت نقيض ذلك الحكم فممنوعة وبما ذكرنا ظهر لك ان فى تفريع المصنف قده كون
الاستثناء من النفى اثباتا وعكسه على كون الحكم مختصا بالمستثنى منه ولا يعم
المستثنى خللا واضحا وان كان المقصود بينا فلا تغفل وكيف كان فقد ذهب ابو حنيفة
الى ذلك (محتجا) عليه (بمثل لا صلاة إلّا بطهور) فان الصلاة بطهور مع فقد باقى الشرائط ايضا لا صلاة
فيتساوى حكم المستثنى والمستثنى منه وهذا القول فى غاية الضعف (ضرورة ضعف احتجاجه
اولا بكون المراد من مثله انه لا تكون الصلاة التى كانت واجدة لاجزائها وشرائطها
المعتبرة فيها صلاة إلّا اذا كانت واجدة للطهارة وبدونها لا تكون صلاة على وجه) وهو القول بوضعها للصحيح (ولا) تكون (صلاة تامة مامورا بها على آخر) وهو القول بالوضع للاعم ان اريد نفى الصلاة الفعلية
واثباتها كذلك وان اريد نفى الامكان واثباته بالإضافة الى الطهور فهو واضح بل لعل
ذلك هو الظاهر من امثال هذا التركيب فالمقصود لا يمكن ان تكون الصلاة صلاة إلّا
بطهور (وثانيا
بان الاستعمال) اذا كان (مع
القرينة كما فى مثل التركيب مما علم فيه الحال لا دلالة له على مدعاه اصلا كما لا
يخفى) قلت تسليم
ذلك وحمله على انه مع القرينة غير ضائر عجيب ضرورة ان المستثنى لا يزيد على
المستثنى منه فى الحكم وانما يختلف بمحض الايجاب والسلب ومن المعلوم ان المنفى هو
كون الصلاة صلاة مع عدم الطهور من حيث لحاظ نفس الطهور سواء كانت فى حال عدمه
واجدة لجميع ما اعتبر فيها مما عداه او فاقدة فيثبت ذلك للمستثنى وهو كون الصلاة
صلاة مع الطهور من حيث هو سواء
كانت جامعة او فاقدة فان كانت جامعة كانت صلاة فعلا وان كانت فاقدة لغير
الطهور لم تكن صلاة فعلا بلحاظ فقد غير الطهور وكانت صلاة بلحاظه فقضية الاستثناء
لا تخلف ابدا عن الدلالة من تلك الجهة واما الصدق بلحاظ جميع الشروط فلم يعتبر فى
النفى ليعتبر فى الاثبات ليكون تخلفه موجبا لعدم الدلالة وايضا فان المقصود ان
الاستثناء يثبت للمستثنى نقيض حكم المستثنى منه والموجبة الجزئية نقيض السالبة
الكلية ولا يجب ان يكون موجبة كلية وإلّا لما كان اذا جاء زيد فاكرمه مفهوما لقولك
ان لم يجئ فلا تكرمه لان المنطوق يدل على حرمة كل نوع وفرد من انواع الاكرام
وافراده والمفهوم لا يدل على وجوب جميع انواعه وافراده بالضرورة وبالجملة فالمسألة
فى غاية الوضوح (ومنه
قد انقدح) انه لا موقع
لجزم المصنف قده بانه (لا
موقع للاستدلال على المدعى) وهو دلالة الاستثناء على ثبوت نقيض الحكم المتعلق
بالمستثنى منه (بقبول
رسول الله صلىاللهعليهوآله اسلام من قال بكلمة
التوحيد) وهى لا آله
إلّا الله وامره بقولها وكشفه عن ان الاسلام هو قولها لا ازيد (لا مكان دعوى ان
دلالتها على التوحيد كان بقرينة الحال او المقام) وتوضيح ما فيه (اولا) ان هذا الامكان الاحتمالى من الاوهام التى لا ينبغى
ترتيب اثر عليها بل لا يخلو عن مثله ما كان نصا فى الدلالة وكيف يمكن احتمال ذلك
فى كلمة استعملت بهذا النحو من الاستعمال وقبلت فى مورد لا يعمل فيه إلّا باليقين
ولم يحتمل احد فيها مصاحبة قرينة حالية او مقالية وإلّا لنقلت القرينة او احتمالها
من احد (وثانيا) انه لا قصور فى دلالته ليحتاج الى القرينة لان الاستثناء
مفرغ ومعنى آله المنفى فيه هو واجب الوجود او الموجود لذاته وهما بالنظر الى
مفهومهما كليان فاذا قال لا واجب الوجود اولا موجود لذاته إلّا الله فقد اقر
قائلها بانحصار هذا الكلى فى فرد نصا وصراحة اذ لا فرق بين هذا القول وقول واجب
الوجود هو الله لا غير وبعض من لا تحصيل له ظن احتياج لا الى تقدير الخبر ولم يميز
معنى اللفظ المنفى فاشكل عليه الامر لتردد الخبر بزعمه بين امرين كلاهما منافيان
للاقرار لانه ان قدر لا آله ممكن الوجود إلّا الله لم يكن اقرارا بوجوده وان قدر
موجود لم يكن
نفيا لوجود غيره ولم يتعقل ان المنفى ما ذكرنا وان الخبر هو المستثنى وان
حرف النفى وأداة الاستثناء جيء بها لافادة حصر الكلى فى الفرد كما هو شان
الاستثناء المفرغ من قصر الحكم المنفى على ما بعد الا فهو فاعل فى مقام الا زيد
وخبر فى ما زيد إلّا قائم ولا رجل الا زيد ولا آله إلّا الله ومفعول فى ما ضربت
الا زيدا وهلم جرا وفائدته فى الجميع واحدة ومما ذكرنا تعلم ما فى قوله قده (والاشكال فى دلالتها
عليه بان خبر لا اما يقدر ممكن او موجود وعلى كل تقدير لا دلالة لها عليه اما على
الاول فانه حينئذ لا دلالة لها الا على امكان اثبات وجوده تبارك وتعالى لا وجوده
واما على الثانى فلانها وان دلت على وجوده تعالى إلّا انه لا دلالة لها على عدم
امكان إله آخر مندفع بان المراد من الإله هو واجب الوجود ونفى ثبوته ووجوده فى
الخارج واثبات فرد منه فيه وهو الله يدل بالملازمة البتة على امتناع تحققه فى ضمن
غيره تبارك وتعالى ضرورة انه لو لم يكن ممتنعا لوجد لانه من افراد الواجب) توضيح ما فيه ان ظاهره الالتزام بتقدير الخبر وانه لفظ
موجود وقد عرفت انه فاسد والخبر هو ما بعد الا ولذا لم يكن منصوبا بالا وكان
العامل فيه ما قبلها وربما توهم ان تقدير لفظ موجود لغو لا فائدة فيه بعد ما كان
معناه لا واجب الوجود لتضمنه للاخبار بانه موجود وإلّا لم يكن واجبا ولذا يعد من
المستهجن القبيح ان يقال واجب الوجود موجود نعم بحسن العكس وان صحة تقدير الخبر
كذلك يلزمه امكان ان لا يكون موجودا فيكون إما مناقضا للمبتدا او يراد بالمبتدإ
الاعم من كونه لذاته او لغيره فتكون هذه الكلمة على عكس المقصود ادل واما على ما
ذكرنا فلا يلزم شيء من ذلك لان الخبر هو مصداق واجب الوجود لذاته وظاهر العبارة
تساوى الطرفين من هذه الجهة لا الاخبار بالاخص عن الاعم من حيث الذاتية والاعم
منها ومن الغيرية وفيه ما لا يخفى ولوجه ما ذكرناه من عدم الحاجة (ثم الظاهر) بل الاظهر (ان دلالة الاستثناء على الحكم فى طرف
المستثنى) بالمنطوق لا (بالمفهوم) ضرورة ان معنى أداة الاستثناء وضعا هو اثبات نقيض حكم
المستثنى منه لما بعدها وهل ذلك الا المنطوق واما ما قيل وارتضاه المصنف قده من
انه بالمفهوم (وانه
لازم خصوصية الحكم فى جانب
المستثنى
منه التى دلت عليها الجملة الاستثنائية) فهو واضح الضعف كما لا يخفى (نعم ما) افاده قده من انه (لو كانت الدلالة فى طرفه بنفس الاستثناء
لا بتلك الجملة كانت بالمنطوق كما هو ليس ببعيد) هو الاقرب الاقوى وان كان تعيين ذلك وانه منطوق او
مفهوم لا يكاد يفيد لان ما يترب عليه اذا لوحظ مع معارض له من قوة الدلالة على
الاول وضعفها على الثانى كما هو المعروف فى تعارض المنطوق والمفهوم كالمعدومة لانه
على تقدير انه مفهوم فهو بخصوصه اقوى دلالة من جملة من الدلالات المنطوقية كما لا
يخفى على البصير تنبيه الأوجه عندى عد الاستثناء المذكور فيه المستثنى منه متصلا
كان او منقطعا كقام القوم الا زيدا او ما قام احد الا زيدا وإلّا حمارا مقاما
مستقلا على حده وعد ما يسمى فى عرف النحات بالاستثناء المفرغ مقاما آخر لوضوح سقوط
أداة الاستثناء فى الثانى عما هى عليه بحسب الوضع ولذا يتبع ما بعدها فى الحكم ما
قبلها وانما يؤتى بحرف النفى والاداة لمجرد افادة قصر الحكم على المذكور بعدها
فيكون حالها حال انما فالخلط بين مقامى الاداة وجعلهما واحدا ليس بوجيه عندى ويخطر
فى البال ان البيانيين جروا على هذا المنوال فلاحظ وتدبر هذا كله فى الاستثناء (ومما يدل ايضا على
الحصر والاختصاص انما وذلك لتصريح اهل اللغة بذلك وتبادره منها قطعا عند اهل العرف
والمحاورة ودعوى ان الانصاف) يقتضى الاعتراف (بانه لا سبيل لنا الى) معرفة (ذلك فان موارد استعمال هذه اللفظة
مختلفه ولا يعلم بما هو مرادف لها فى عرفنا حتى يستكشف منها) اى من الموارد ما هو المتبادر ممنوعه و (غير مسموعة فان
السبيل الى التبادر لا ينحصر بالانسباق الى اذهاننا فان الانسباق الى اذهان اهل
العرف ايضا سبيل) مع ان مرادفها فى الدلالة ما وإلّا فقولك ما زيد إلّا قائم كقولك انما
زيد قائم وكذا فى ساير الموارد كما لا يخفى على من لاحظ كلام علماء المعانى
والبيان هذا (وربما
يعد مما دل على الخصر كلمة بل الاضرابية والتحقيق ان الاضراب على انحاء منها ما
كان لاجل ان المضرب عنه انما اتى به غفله او سبقه به لسانه فيضرب بها عنه الى ما
قصد بيانه) كقولك اشتريت
سرجا بل فرسا (فلا
دلالة له على الحصر اصلا فكانه
أتى
باللفظ المضرب اليه ابتداء) وقال اشتريت فرسا فحكم هذا الاضراب حكم بدل الغلط كما
لا يخفى (ومنها
ما كان الاضراب لاجل التأكيد فيكون ذكر المضرب عنه للتوطئة ولتمهيد لذكر المضرب
اليه) كقولك سبرت
الكتاب للاطلاع على عيبه بل طالعت فيه فاذا اريد بلفظ بل ذلك (فلا دلالة عليه ايضا
ومنها ما كان فى مقام الردع وابطال ما اثبت اولا) كقولك هذا فاسق بل كافر مريدا بذلك قصر دينه الواقعى
على الكفر واقوى من ذلك فى افادة القصر سبقها بلا بان تقول لا بل كافر (فيدل عليه وهو واضح
ومما يفيد الحصر على ما قيل تعريف المسند اليه باللام) لان اللام لتعريف الجنس فاذا اخبر عن الجنس بالفرد فقد
حصر الكلى فى فرد كقولهم الرجل زيد وكذا قولهم قام الرجل والظاهر تحقق الدلالة فيه
وان ضعفت للتبادر عرفا فى المحاورات فيه بل وفيما يرادفه من ساير اللغات وفهم
الحمل الذاتى من حمل الفرد على الكلى نعم اذا كانت اللام لتعريف الفرد او كان
الحمل للكلى على الفرد فلا حصر لعدم التبادر بل المتبادر من حمل الكلى على الفرد
هو الحمل المتعارفى لا الذاتى فقد ظهر لك الفرق بين المقام ومبنى المسألة فى البين
وبه تعرف ما فى كلام المصنف قده اذ يقول (والتحقيق انه لا يفيده إلّا فيما اقتضاه
المقام لان الاصل فى اللام ان يكون لتعريف الجنس كما ان الاصل فى الجملة فى
القضايا المتعارفة هو الحمل المتعارف الذى ملاكه مجرد الاتحاد فى الوجود فانه
الشائع فيها لا الحمل الذاتى الذى ملاكه الاتحاد بحسب المفهوم كما لا يخفى وحمل
شيء على جنس وماهية كذلك لا يقتضى اختصاص تلك الماهية به وحصرها به وقصرها عليه
نعم لو قامت قرينة على ان اللام للاستغراق او ان مدخوله) وهو الجنس المعرف (اخذ بنحو الارسال والاطلاق) بالنسبة الى جميع محال الانطباق (او على ان الحمل عليه
كان ذاتيا) لكان القصر
ملحوظا فى مدلوله (ولا
فيد حصر مدخوله فى محموله) وانت خبير بان هذا تطويل يتم بدونه المراد ضرورة ان
اول ما يفهم بين اهل المحاورات من حمل الفرد على الكلى هو قصر الكلى عليه لما هو
المغروس فى اذهانهم من استهجان حمل الخاص على العام بالحمل المتعارف والحمل الذاتى
صحيح بلحاظ
القصر والحصر وهذا واضح جدا بعد تتبع المحاورات (وقد انقدح بذلك) للبصير الخبير (الخلل فى كثير من كلمات الاعلام فى) هذا (المقام وما وقع منهم من النقض والابرام
ولا نطيل بذكرها فانه بلا طائل كما يظهر للمتأمل فتأمل جيدا
فصل
لا دلالة للقب) كاضرب زيدا وما اشبهه (ولا
للعدد) ككفارته
اطعام ستين مسكينا وصوم شهرين متتابعين وما اشبهه (على) المفهوم وهو (انتفاء سنخ الحكم عن غير موردهما اصلا) لعدم الوضع ولا القرينة العامه الملازمة اما الاتفاقية
فقد تقتضى ذلك إلّا انه لا يجدى كما لو ادعى على احد دينا فسئل عن مقداره فعينه
فانه لا يسمع لو ادعى ثانيا ان المقدار اكثر نعم لو ادعى دينا آخر مستقلا سمع ما
لم يكن ظاهر دعواه الاولى الاقرار بعدم الاكثر وكذا الحال فى اللقب وضابطه ما كان
الاقرار به متضمنا للاقرار ينفى غيره ايضا وقد عرفت ان انتفاء كل موضوع موجب
لانتفاء شخص الحكم المعلق عليه ضرورة عدم قيام العرض الا بجوهره إلّا (ان انتفاء شخصه ليس
بمفهوم كما ان قضية التقييد بالعدد منطوقا عدم جواز الاقتصار على ما دونه) وان كان ميسوره (لانه ليس بذاك) الامر (الخاص والمقيد) المعلق عليه الحكم بل غيره وادلة الميسور غير شاملة
لمثله (واما
لزيادة فكالنقيصة اذا كان التقييد به) اى بالعدد المعين (للتحديد بالإضافة الى كلا طرفيه) زيادة ونقيصة كما هو الاظهر عندى فى مثل تسبيح الزهراء
عليهاالسلام وايام صوم الكفارات وبابه واسع كثير فى التعبديات وجملة
من التوصليات كتحديد وليمة العرس وغيره (نعم لو كان لمجرد التحديد بالنظر الى
طرفه الاقل) كما فى ايام الإقامة وقراءة سورة القدر بعد العصر عشرا وفراسخ المسافة
وسنين البلوغ وغير ذلك وهو ايضا كثير (لما كان فى الزيادة ضير اصلا بل ربما
كان فيها فضيلة وزيادة) فى الاجر اذا كان من المستحبات كقراءة القدر وجملة من السور والأدعية
وذكر الركوع والسجود والصلاة على محمد وآل محمد صلوات الله عليهم الف مرة يوم
الجمعة وغير ذلك (وكيف
كان فليس عدم الاجزاء بغيره) ولزوم الاقتصار عليه (من جهة دلالته على المفهوم بل انما تكون
لاجل عدم) تعلق الامر
به
اذ لا يعقل حصول (الموافقة) به (مع
ما اخذ فى المنطوق) متعلقا للحكم (كما
هو معلوم) واين ذلك من
المفهوم (المقصد
الرابع) فى (العام والخاص) (فصل
قد عرف العام بتعاريف) عديدة (وقد
وقع من الاعلام فيها النقض) والابرام (بعدم الاطراد تارة و) عدم (الانعكاس اخرى) على ما هى عادتهم من الاطالة فى امثال ذلك (بما لا يليق بالمقام
فانها تعاريف لفظية تقع فى جواب السؤال عنه) اى عن العام (بما) المسئول بها عن شرح معنى اللفظ المسماة ب (الشارحة لا) تعاريف (واقعة فى جواب السؤال عنه بما) المسئول بها عن بيان حقيقة المعنى وكنهه المسمّاة ب (الحقيقية كيف) ولو كان المراد الثانى لكان عدم تعريفه بذلك اليق (وكان المعنى المركوز
منه فى الاذهان اوضح مما عرف به مفهوما ومصداقا ولذا يجعل صدق ذاك المعنى المركوز
فى الذهن على فرد) مع خروجه عن الحد الموجب لعدم اطراده وعدم صدقه مع دخوله الموجب لعدم
انعكاسه (هو) المعيار و (المقياس فى الاشكال عليه بعدم الاطراد
والانعكاس بلا ريب فيه ولا شبهة تعتريه من احد والتعريف لا بد ان يكون بالاجلى كما
هو اوضح من ان يخفى) وإلّا لزم تعريف المجهول بالمجهول (فالظاهر ان الغرض من تعريفه) بعد تتبع افراد العام فردا فردا ومعرفتها تفصيلا (انما هو بيان) ان للفظ العام معنى كلى تندرج تحته تلك الافراد اجمالا
وهو (ما
يكون بمفهومه جامعا بين ما لا شبهة فى انه من افراد العام ليشار به اليه فى مقام
اثبات ما له) اى للعام (من
الاحكام لا) ان المراد (بيان
ما هو حقيقته وماهيته) ضرورة انه معدوم الفائدة (لعدم تعلق غرض به بعد وضوح ما هو محل
الكلام بحسب) تعلق (الاحكام
من افراده ومصاديقه) حيث ان الاحكام انما تتعلق بمصاديقه من الالفاظ الدالة على العموم اذ هى
التى تخص ويقع بيتها التعارض وغير ذلك من الاحكام (ولا يكون) هو (بمفهومه
العام) اى بما انه
لفظ مستغرق لجميع ما يصلح له مثلا (محلا لحكم من الاحكام) وهذا واضح جدا (ثم الظاهر) عند المصنف قده (ان ما ذكر له من الاقسام من الاستغراقي) كعموم كل مثلا (والمجموعى) كعموم القوم (والبدلى) كعموم
اى رجل (انما
هو باختلاف كيفية تعلق الاحكام به وإلّا فالعموم فى الجميع بمعنى واحد وهو شمول
المفهوم لجميع ما يصلح ان ينطبق عليه) وهو صادق على اقسامه الثلاثة بلا تفاوت (غاية الامر ان تعلق
الحكم به تارة بنحو يكون كل فرد موضوعا على حده للحكم) كاكرم كل رجل (واخرى بنحو يكون الجميع موضوعا واحدا
بحيث لو اخل باكرام واحد فى قول اكرم كل فقيه مثلا لما امتثل اصلا بخلاف الصورة
الاولى فانه) فيما امتثل (اطاع
و) فيما لم
يمتثل (عصى
وثالثه بنحو يكون كل واحد موضوعا على البدل بحيث لو اكرم واحدا منهم لقد اطاع
وامتثل) كاكرم اى رجل
كما يظهر لمن امعن النظر وتأمل فان قلت كيف يكون اختلاف كيفية العام مسببا عن اختلاف
كيفية تعلق الاحكام مع ما علم من اختصاص بعض الالفاظ بافادة نحو وبعض بافادة آخر
مع قطع النظر عن الحكم كما فى متل كل رجل المفيد للعموم الاستغراقى واى رجل للبدلى
قلت ما ذكرناه مبنى على عدم امكان تطرق هذه الاقسام له وانقسامه اليها إلّا
بملاحظة تعلق الحكم وما ذكر فى السؤال انما يدل على وجود هذه الاقسام لا على قطع
النظر عن كونها بهذه الملاحظة بل لا بد ان تكون بهذه الملاحظة لما عرفت من عدم
امكان الاستقلال وسر ذلك ان كل رجل واى رجل لا يمكن ان يكون وصف الاستغراق
والبدلية من اوصافه بما هو هذا اللفظ اذ هو قبل الاستعمال غير دال وبعد الاستعمال
انما يدل بما هو مسند اليه ومحكوم به او عليه فيتبع الوصف كيفية الحكم ولذا لا
يعقل ان يحكم على احدهما بما يحكم به على الآخر مع انه لو كان لوصف من خواص اللفظ
امكن ذلك قطعا لعدم تبعية الحكم للدلالة بل هو تابع للمصلحة وبالجملة فالتلفظ بكل
رجل مسبب عن الحكم على كل رجل وباى رجل عن الحكم كذلك لا ان الحكم كذلك مسبب عن
كون الموضوع كذلك فتكون هذه الاقسام له وضعا لكن بهذه الملاحظة من الواضع قلت ربما
يقال ان وضع الالفاظ ليس إلّا تعيين للفظ للدلالة على المعنى عند الاستعمال ولا
ريب ان المعانى من حيث هى فى مقام الثبوت مختلفه فى الاستقلال وعدمه وفى الكلية
والجزئية والكل والجزء وانواع كل منها مختلفه ايضا وكما ان انقسام اللفظ الى ما
يدل على
على الطبيعة وما يدل على خصوص الشخص ليس بلحاظ تعلق الحكم فكذلك ما دل على
الطبيعة بالنسبة الى اقسامه الثلاثة والحكم هو التابع للموضوع فان كان على نحو
يتعلق بكل فرد علق على موضوع يدل على ذلك وضعا ولو مجازا وان كان على نحو آخر
فكذلك ولذا حيث يعلق على مثل كل رجل يرجع فى مفاد كل رجل الى العرف ويعرف من ذلك
كيفية تعلق الحكم ولو كان الامر كما افاد لزم الدور ولزم كون جميع الالفاظ
الموضوعة بالنسبة الى جميع المعانى كذلك اذ لا خصوصية لهذه الاقسام فى تعلق
الاحكام ومن المعلوم مساواة لفظ كل رجل فيما يدل عليه من شمول كل فرد للفظ زيد
فيما يدل عليه من معناه الخاص الجزئى وبالجملة فالمعانى حيث كانت مختلفه فى مقام
الثبوت كانت الالفاظ مختلفه فى مقام الاثبات اللهم إلّا ان يقال انه لا اختلاف فى
مقام الثبوت فى هذه الاقسام ضرورة ان الافراد المنطبق على كل واحد منها لفظ العام
معنى واحد خارجى لا اختلاف فيه فلا يعقل ان يزيد مقام اثباته على ثبوته فلا بد ان
يكون اختلاف مقام ثبوته واثباته بلحاظ اختلاف كيفية تعلق الحكم به وهذا معنى عدم
الامكان فلم يختلف مقام الثبوت ومقام الاثبات فتأمل جدا فانه دقيق ومما يوضح ذلك
ان مسمى الضرب معنى واحد فى الخارج لا اختلاف فيه إلّا ان الواضع بلحاظ اختلاف
الاغراض والمقامات اخبارا وانشأ وضع له الفاظا فى مقام الاثبات مختلفه حسب اختلاف
الحالات كالمصدر وما يتفرع عنه من الاشتقاقات فلم يوجب الاختلاف فى مقام الاثبات
المستند الى ذلك اللحاظ مع كون المسمى فى مقام الثبوت لا اختلاف فيه ان لا تكون
الاقسام بلحاظ الواضع اختلاف الاغراض فكذا ما نحن فيه بل هو اوضح وبالجملة فليس
مراد المصنف ان اختلاف الاقسام لا دخل له بوضع العام وانما نشاء من اختلاف تعلق
الاحكام كما توهم بل مراده كما يشهد به ما علقه على المقام ان اختلاف الاقسام انما
نشاء من لحاظ الواضع اختلاف تعلق الاحكام وإلّا فالمعنى بحسب الخارج شىء واحد لا
اختلاف فيه وهو حق بلا كلام ولا محيص عن هذا اللحاظ فى انقسام الواحد الى اقسام (وقد انقدح) بما ذكرنا فى مفهوم العام (ان مثل شمول
عشرة
وغيرها) من المركبات
الموضوعة لعدد مخصوص (لا
حادها المندرجة تحتها ليس من العموم لعدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على كل واحد
منها) قلت فيخرج عن
العموم ايضا الجمع المعرف باللام لعين ما ذكر الابناء على انسلاخ معنى الجمعية عنه
حيث يشمل كل فرد وهو ضعيف لعدم توقف شمول كل فرد مطلقا على ذلك وإلّا لم تشمل
العشرة او لانسلخت فلا فرق بين اكرم العشرة واكرم الرجال العشرة فى كون المعنى
اكرم كل فرد ضرورة ان صدقها على كل فرد ضمنا غير صدقها عليه مستقلا والشمول لكل
فرد بحسب الصدق الضمنى كاف فى العموم الاستغراقى من غير توقف على الصدق الاستقلالى
امكن او امتنع وانما الفرق صدق الرجال بلحاظ الاستقلال من الثلاثة الى العشرة وما
فوقها وعدم صدق العشرة على ما نقص وما زاد فليس المناط فى خروجها عن العموم ذلك بل
المناط ان مدلول العام الحقيقى مجردا هو الطبيعة الكلية الموجودة بوجود افرادها
وشموله لكل فرد او لواحد على البدل او غير ذلك امور عارضه للطبيعة لاختلاف الوضع
او كيفية التعلق بخلاف العشرة وما اشبهها فانها موضوعة لمعنى لم يلحظ فى افراده
ولا فى مجموعه الا خصوصية العدد به فكانها قد لوحظت مجردة عن كل طبيعة وحقيقة
والفرق بينهما هو الفرق بين الكلى والكل والجزئى والجزء (فافهم) ولا تتوهم اتحاد ما ذكرناه وما افاده قده فان الفرق
واضح (فصل
لا شبهة فى ان للعموم صيغة تخصه لغة وشرعا) بمعنى ان الشارع علق احكامه العمومية على العمومات
اللغوية من غير تصرف ولذا يرجع فى موضوعاتها الى العرف لا بمعنى ان هناك عاما
شرعيا كالعام اللغوى والعموم فى ذلك (كالخصوص) المسلم اختصاصه بصيغه و (كما يكون) فى الصيغ ما يخص كل واحد منهما يكون ايضا (ما يشترك بينهما
ويعمهما) كاللفظ
الموضوع للطبيعة فان اريد منها ولو بقرينة الحكمة السريان فى جميع الافراد فكالاول
او فيما دونه فكالثانى ووجود ما يخص العموم واضح (ضرورة ان مثل لفظ كل وما يرادفه فى اى
لغة كان) كهمه
بالفارسية مثلا صيغة (تخصه
ولا يخص) لفظها (الخصوص ولا يعمه ولا
ينافى اختصاصه به استعماله
فى
الخصوص) اما (عناية بادعاء انه
العموم او) مجازا (بعلاقة العموم
والخصوص) كما هو الحال
فى ساير الاستعمالات فى المعانى المجازية بالنسبة الى المعانى الحقيقية فكون لفظ
كل مختصا بالعموم امر قطعى (ومعه
فلا يصغى الى) ما قيل فى نفى الاختصاص من (ان ارادة الخصوص) عند استعمال هذا اللفظ فى مقام بيان الحكم هى (المتيقنة ولو فى ضمنه
بخلافه) اى العموم
فانه غير متيقن (وجعل
اللفظ) اذا دار
الامر فى وضعه بين متيقن الإرادة وغير متيقنها (حقيقة فى المتيقن اولى ولا) يصغى ايضا (الى ان التخصيص قد اشتهر وشاع حتى قيل ما
من عام إلّا وقد خص) فيدور الامر بين كونه موضوعا للعموم فيلزم كون غالب الاستعمال مجازا او
موضوعا لما هو الغالب استعمالا وارادة لغلبة الاحتياج اليه وعدم لزوم كثرة المجاز (والظاهر يقتضى كونه
حقيقة) وانه موضوع (لما هو الغالب تقليلا
للمجاز) ووجه لوهن فى
هذين الوجهين قد اتضح مما تقدم (مع) ما فى الاول من مزيد الوهن بلحاظ (ان تيقن ارادته لا
يوجب اختصاص الوضع به) إلّا اذا لم يكن لارادة العموم حظ فى الوجود (مع كون العموم كثيرا
ما يراد و) ما فى الثانى
ايضا من ان (اشتهار
التخصيص لا يوجب كثرة المجاز لعدم الملازمة بين التخصيص والمجازية كما يأتى توضيحه
ولو سلم فلا محذور فيه اصلا اذا كان بالقرينة) بل ربما بلغ الاستعمال الى هجر المعنى الحقيقى ولا
يوجب الاختصاص (كما
لا يخفى) هذا مضافا
الى ان هذه العبارة المشهورة على عكس المطلوب ادل لان تخصيص العام فرع وضع اللفظ
له واختصاصه به وإلّا لم يكن تخصيصا فى المعنى الحقيقى الموضوع له اللفظ اللهم
إلّا ان يريد المستدل نفى صيغة تخص العام بحسب الاستعمال لا الوضع لعدم الحاجة فى
حكم من الاحكام الى عام بحيث لا يشذ عنه فرد من افراده ولعل هذا هو الظاهر من
عبارة المستدل بعد التأمل وهو لا يخلو من وجه فتدبر (فصل ربما عد من الالفاظ الدالة على
العموم النكرة فى سياق النفى او النهى) مثل لا رجل فى الدار ولا تضرب رجلا (ودلالتها عليه) من طريقى العقل والنقل اما الاول فلانه (لا ينبغى ان ينكر
عقلا) دلالة نفى
الطبيعة والنهى
عنها وجودا فى الاول وايجادا فى الثانى على عموم ذلك لكل ما يندرج تحتها
لان تحقق فرد واحد يوجب اجتماع النقيضين ضرورة مناقضة الايجاب الجزئى للسلب الكلى
فلا يتحقق عدم الطبيعة الا بعدم كل محقق لوجودها (لضرورة انه لا يكاد يكون طبيعة معدومة
إلّا اذا لم يكن فرد منها بموجود وإلّا كانت موجودة لكن لا يخفى) ان المراد من العموم فى النكرة هو العموم لكل فرد تدل
عليه فى ذلك الكلام فيختلف سعة وضيقا باختلاف سعة الدال وضيقه والعموم فى الكل
واحد لا يختلف من حيث هو فاعلى مراتبه ما لا يشذ عنه فرد من الافراد اصلا و (انها تفيده) كذلك (اذا اخذت مرسلة لا مبهمة) بمعنى ان القرينة دلت على ان المراد هو الطبيعة
بوجودها السعى الذى لا يعوقه عايق ولا يصده صاد اما اذا اخذت مبهمة (قابلة للتقييد) كما لو قال لا تهن عالما فان احتمال كون المراد من
يساويه مذهبا لا المخالف قوى فيقتصر على القدر المتيقن من هذه الجهة مع عموم جميع
افرادها وبالجملة فان اخذت مرسله فاقتضاء سلبها العموم على ما هو عليه من السعة
واضح (وإلّا
فسلبها لا يقتضى إلّا استيعاب السلب لما اريد منها يقينا لا استيعاب ما يصلح
انطباقها عليه من افرادها وهذا لا ينافى كون دلالتها عليه عقلية فانها) اى الدلالة العقلية على العموم (بالاضافة الى افراد
ما يراد منها لا الافراد التى يصلح) اللفظ (لانطباقها عليها) بل حال افرادها الغير المرادة وان صح الانطباق حال
افراد غيرها من الطبائع فى الخروج عن العموم تخصصا (كما لا ينافى دلالة مثل لفظ كل على
العموم وضعا كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله ولذا لا ينافيه تقييد المدخول بقيود
كثيرة) فقولك اكرم
كل عالم او كل عالم عادل او كل عالم عادل حر او غير ذلك سواء فى افادة العموم
الحاصل بلفظ كل ولم يتغير معناها ابدا (نعم) قد عرفت فيما تقدم انه (لا يبعد ان يكون) اللفظ (ظاهرا عند اطلاقها) اى الطبيعة (فى استيعاب جميع افرادها) فيكون هذا الظهور رافعا لاحتمال التقييد بمعنى ان وقوع
النكرة فى سياق النفى او النهى بناء على انها موضوعة للطبيعة المهملة الماخوذة لا
بشرط دليل على استيعاب جميع الافراد من غير حاجة الى
قرينة الحكمة فى اثبات اطلاقها الرافع لاحتمال التقييد ومثل ذلك وقوعها بعد
لفظ كل وقد سبق تحقيق ذلك (وهذا
هو الحال فى المحلى باللام جمعا كان او مفردا بناء على افادته للعموم) فان ظهوره فى الاستيعاب قرينة ايضا على ارسال الطبيعة
التى هى مدخول اللام من غير احتياج الى قرينة الحكمة (ولذا لا ينافيه تقييد
المدخول بالوصف وغيره واطلاق التخصيص على تقييده) مع كونه تخصصا ضرورة ان الحكم قد تعلق اول صدوره
بالعالم العادل فلم يحكم على ما يشمل الفاسق ظاهرا ثم اخرج الفاسق حكما لا موضوعا
ليكون تخصيصا فذلك (ليس
إلّا من قبيل ضيق فم الركية) اذا قاله قبل فتحه يعنى افتحه ضيقا والمراد مقدار خاص
من الفتح اما اذا قاله بعد فتحه تماما فلا وجه للشبه فيه بالمقام اصلا لا بالتخصص
لانه تضييق بعد الفتح ولا بالتخصيص لانه فى المقام بعد الفتح الحقيقى الواقعى لا
الصورى الظاهرى كما فى تخصيص العام (لكن دلالته) اى المحلى باللام (على العموم وضعا محل منع بل انما يفيده
اذا اقتضته قرينة الحكمة) كما فى أحل الله البيع والمطلقات يتربصن (او قرينة اخرى) من حال او مقال (وذلك لعدم اقتضائه) اى العموم (وضع اللام) لانها للاشارة الى تعيين مدخولها (ولا وضع مدخوله) اى مدخول اللام لانه موضوع للطبيعة بمادته ولما زاد
على فردين بهيئته (ولا
وضع آخر) نوعى (للمركب منهما) اى من المدخول واللام (كما لا يخفى وربما ياتى فى المطلق
والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام) قلت كون الجمع المعرف دالا على العموم عرفا مما لا
يقبل الانكار وحيث كان كل من عدم وضع المدخول وعدم الوضع النوعى متيقنا تعين وضع
اللام للدلالة على ذلك ويؤيده بل يدل عليه ما حكاه البعض من عدم الخلاف فى كونه
احد معانيها وجواز الاستثناء مطردا والتأكيد بما يفيد الاستغراق قطعا وحكم العرف
بوقوع الحنث قطعا ممن تزوج ثيبا واحدة بعد الحلف بان لا يتزوج الثيبات وغير ذلك
اعدل بينة على كونه للعموم وكونه افراديا لو لم يكن ذلك شياعا مفيدا للقطع فلا
يلتفت الى ما ذكره فى الفصول من انكار كونه احد معانيها وتوجبه افادته للعموم بانه
حيث كان وضع اللام للاشارة الى تعيين مدخولها وكان لمدخولها
مراتب منها ما يشمل جميع مراتبه ولم يعين المتكلم منها مرتبة فيحمل على
الجميع فيه ما لا يخفى على المتأمل فيما حققناه (فصل لا شبهة فى ان العام المخصص بالمتصل)
كالشرط والوصف
والغاية والاستثناء (والمنفصل) كما لو ورد الخلص فى وقت آخر او من حامل آخر للاحكام (حجه فيما بقى) من افراده بعد التخصيص لا مطلقا بل فيه تفصيل (ففيما علم عدم دخوله) من الافراد (فى المخصص) فهو حجة (مطلقا ولو كان متصلا و) ما (احتمل
دخوله فيه) حجه ايضا (اذا كان المخصص
منفصلا كما هو المشهور بين الاصحاب بل لا ينسب الخلاف الا الى بعض اهل الخلاف
وربما فصل بين المخصص المتصل فقيل بحجيته فيه) اى فى الباقى (وبين المنفصل فقيل بعدم حجيته واحتج
النافى) للحجية مطلقا
(بالاجمال) الحاصل حال عدم ارادة المعنى الحقيقى (لتعدد المجازات حسب
تعدد مراتب الخصوصيات وتعين الباقى من بينها بلا معين) مصحح (ترجيح بلا مرجح) وقد اجيب عن ذلك بما حاصله تسليم المجازية والحكم
بوجود المرجحات الحالية والمقالية لارادة خصوص الباقى وسيظهر لك ضعف ذلك وبتسليمها
ووجود المرجح فى المنفصل والبقاء على المعنى الحقيقى فى المتصل كما فى الفصول (والتحقيق فى الجواب
ان يقال انه لا يلزم التخصيص كون العام مجازا) لانه موقوف على كونه مستعملا فى خصوص الباقى وهو غير
لازم من التخصيص اصلا بيان ذلك (اما
فى التخصيص بالمتصل فلما عرفت من انه لا تخصيص اصلا وان ادوات العموم قد استعملت
فيه) اى فى العموم
(وان
كان) حال (دائرته سعة وضيقا
تختلف باختلاف ذوى الادوات) المدخولة لها (فلفظة كل) والرجال (فى مثل كل رجل وكل رجل عالم) واكرم الرجال واكرم الرجال العدول (قد استعملت فى العموم) الذى قد وضعت له (وان كان افراد احدهما بالاضافة الى
افراد الآخر بل فى نفسها فى غاية القلة) وما ذكرناه جار فى كل تقييد بمتصل حتى الاستثناء ولا
ينافى ما ذكرنا ما اتفقوا عليه من كون الاستثناء من النفى اثباتا وبالعكس ضرورة ان
معناه انه ان كان اخراج الفرد لارادة الحكم الايجابى على غيره دل على نفيه عن
الفرد المخرج او لارادة الحكم السلبى دل على اثباته له لا ان المراد كون الاستثناء
من الحكم المنفى فعلا او المثبت كذلك وبالجملة هذه القاعدة لا تنخرم على
جميع الوجوه التى ذكرت فى دفع التناقض فى الاستثناء التى كان اقواها ان الاخراج
قبل الحكم ولا ينافى ذلك ايضا تعريفهم للتخصيص بانه قصر العام لانهم لم يقتصروا
على ذلك بل قالوا او حكمه نظرا الى شموله للقسمين ولو اقتصروا على ذلك وارادوا
قصره من حيث الحكم ليكون حقيقة على الوجهين لكان اجود (واما فى المنفصل فلان
ارادة الخصوص وهو الباقى واقعا تستلزم استعماله فيه وكون الخاص قرنية عليه) فيكون مجازا كما هو ظاهر الاصحاب (بل) التحقيق فى باب التعارض عدم استلزام المجازية مطلقا
سواء كان هناك جمع دلالتى عرفى كتعارض الظاهر مع الأظهر او النص او لم يكن واحتاج
الى شاهد وكان موجودا او لم يكن وعمل بالمرجحات السندية وتحقيقه ان التعارض
والتزاحم انما يكون بين الحجتين ولمرجح انما يكون لتعيين الحجة فعلا لا لاجل
اشتباه الحجة بغير الحجة كما حقق فى محله وهو مفروغ عنه بينهم ضرورة ان التزاحم
انما يجىء من حجية كل فى مورده لا من نفس وجوده والعقل حاكم بان رفع التزاحم انما
يكون يرفع منشائه لا غير فاذا تعارض الظاهر والاظهر كان الجمع بينهما بالغاء حجية
ظهور الظاهر لا بالغاء نفس ظهوره اذ لا معنى لذلك بل لا يعقل لعدم معقولية ارتفاعه
بعد وجوده واستقراره إلّا بارتفاع نفس موضوعه او علة وجوده بل لو سلمنا المجازية
وقرينية المنفصل فلا نسلم انعقاد ظهور جديد له بسبب القرينة فى المعنى المجازى بل
غاية الامر حمله على ذلك والعمل على ما يقتضيه القرينة وبالجملة فحال القرائن
المنفصلة على تقدير تسليم المجازية حال القرائن الدالة على ارادة المعانى الباطنة
فى الكتاب المجيد وغيره فى عدم انقلاب الظهور بسببها وان كانت قطعية كما لا يخفى
على ذى الفكر الصائب وحينئذ فاذا دل الدليل المنفصل على خروج بعض افراد العام عن
حكمه فحينئذ (من
الممكن قطعا) بل هو المتعين عندى ان يكون [استعماله معه فى العموم قاعدة وكون
الخاص مانعا عن حجية ظهوره تحكيما للنص او الأظهر] من حيث الحجية (على الظاهر) كذلك لانه هو منشأ التعارض
(لا) ان الخاص يكون (مصادما لاصل ظهوره) اى ظهور العام ورافعا له ولذا كان الفرق بين التخصيص
والتخصص ان الاول خروج عن حكم العام مع الدخول موضوعا والثانى خروجه موضوعا ولو
كان الامر كما زعموا كان ما حسبوه تخصيصا تخصصا لخروجه عن موضوع الحكم ولا يجب ان
يكون التخصص هو الخروج عن حقيقة الموضوع قطعا ولذا كان خروج الفساق عن قولك اكرم
العدول تخصصا مع الاتحاد فى الحقيقة ولا فرق بين المثال وبين ما نحن فيه إلّا ان
خروج الفساق فى المثال يعلم بمجرد النطق وفيما نحن فيه على المجازية بعد العثور
على القرينة المنفصلة فالعام مع هذه القرينة كالعدول فى المثال والحاصل ان العام
مع لحاظ الخاص المنفصل لا يرتفع إلّا حجية ظهوره فى شمول الحكم للافراد المحكومة
بحكم الخاص فيلغى حجيته فى ذلك ويعمل بحكم الخاص فيه فافراد الخاص مشمولة للعام
موضوعا خارجة عنه حكما ولا معنى للتخصيص الا ذلك (ومعه لا مجال للمصير الى انه قد استعمل
العام فيه) اى فى الباقى
مجازا (كى
يلزم الاجمال) ويبطل الاستدلال ثم لا يشتبه عليك الحال فتتوهم احتياج الجمع الدلالي الى
شاهد اذا كان ملاكه الغاء الحجية لا ارتفاع الظهور ويكون حاله حال المتباينين
ضرورة ان المراد من الجمع العرفى ما يكون العرف بمجرد سماع الدليلين حاكما بتقديم
احدى الحجتين على الاخرى وهو حاصل فى المقام واما لزوم كون التقديم عرفا منحصرا
بالغاء نفس الظهور كالمجاز وقرينته فما عليه دليل دل ولا به وحى منزل ففى كل مقام
كان اجتماع المتزاحمين قرينة عندهم على عدم حجية احدهما فى مورد الآخر فعلا فهو
جمع عرفى لا يحتاج الى شاهد وذلك فى غاية الوضوح لمن تأمل (لا يقال هذا) الذى ذكرت (مجرد احتمال ولا يرتفع به الاجمال) بل يكون ذلك احتمالا آخر مضافا (لاحتمال الاستعمال فى
خصوص مرتبة من مراتبه) وتزداد الاحتمالات ويشتد الاجمال (فانه يقال) فى الجواب (ان) ما ذكرناه هو الظاهر فى باب التزاحم وهو المطابق
للقواعد العرفية والعقلية كما عرفت ولا يسوغ رفع اليد عما تقتضيه القواعد لاجل (مجرد احتمال استعماله
فيه ولا يوجب اجماله بعد استقرار ظهوره فى العموم والثابت من مزاحمته
بالخاص) كما عرفت (انما هو بحسب الحجية تحكيما لما هو
الأقوى كما اشرنا اليه آنفا وبالجملة الفرق بين المتصل والمنفصل وان كان) متحققا (بعدم انعقاد الظهور فى الاول الا فى
الخصوص) وظهوره فى
العموم اول خروج حروفه كظهور لفظ اسد فى رايت اسدا يرمى فى الحيوان المفترس ليس
بظهور منعقد ولا يسمى ظهورا بل هو توهم ظهور (و) بعدم انعقاده (فى الثانى إلّا فى العموم) لتمام الكلام واستقراره (إلّا انه لا وجه لتوهم استعماله مجازا
فى واحد منهما اصلا انما اللازم هو الالتزام بحجية الظهور فى الخصوص فى الاول) وهو المتصل (وعدم حجية ظهوره فى خصوص ما كان الخاص
حجة فيه) من الافراد (فى الثانى) لانه هو المطابق للقواعد الموافق لما يقتضيه التزاحم
فى ساير الموارد وسيأتى عند تعرض المصنف قده لما فى التقريرات من الجواب عن تعين
الباقى للمجازية دون ساير المراتب ما هو الحق فى المسألة من عدم الفرق وان العام
مستعمل فى العموم فى المقامين فانتظره وربما توهم بعض ان اللازم على القول بعدم
حجية المفهوم الاجتزاء بفاقد الوصف كواجده وعدم الاجتزاء اجماعا كاشف عن ثبوت
المفهوم فى ذلك المورد وهو توهم كاسد فاسد كما عرفت وسيجيء قريبا إن شاء الله
تعالى بيانه تنبيه اذا قيل اكرم العلماء العدول او الى ان يفسقوا او ان كانوا
عدولا فان قلنا بالمفهوم فواضح وان لم نقل فلا يفيد ذلك إلا ثبوت الحكم لنوع
العدول من العلماء مع السكوت عن حال غيرهم ولا يحصل الامتثال الا باكرام هذا النوع
ولم يذهب محصل الى افادة ذلك نفى الحكم عن نوع الفساق بحيث يكون معارضا لو دل دليل
على وجوب اكرامهم وباب التخصيص والتقييد سواء فى ذلك فاعتق رقبة مؤمنة بناء على
عدم المفهوم انما يفيد وجوب عتق المؤمنة ولا يحصل الامتثال إلّا بعتقها لان الامر
قد تعلق بها فلا يجزى غيرها واما الاستثناء فكذلك ان قيل بعدم المفهوم كما ذهب
اليه بعض وحققه المحقق الشيرازى فى محكى الفصول وجعل مفاده وجوب اكرام الرجال غير
زيد مع السكوت عن حكم زيد حتى جوز بظاهر كلامه اكرم الرجال الا زيد واكرم زيدا واما
على القول به فهو واضح وقد عرفت ان التحقيق عندنا هو الدلالة بالمنطوق نفيا
واثباتا فيفترق بذلك عن
غيره من المخصص المتصل اذا احطت خبرا بجميع ما ذكرنا عرفت حقيقة الجواب عن
احتجاج النافى (وقد
اجيب عن الاحتجاج) ايضا بعد تسليم اقتضاء التخصيص المجازية (بان الباقى) بعد خروج ما خرج (اقرب المجازات) الى المعنى الحقيقى فيتعين (وفيه انه لا اعتبار
فى الأقربية بحسب المقدار وانما المدار على الاقربية بحسب زيادة الانس الناشئة من
كثرة الاستعمال) اللهم إلّا ان يقال ان غرض المستدل كون الأقربية مقدارا منشأ للاقربية
ذهنا من حيث زيادة الانس فهو مرجح لى ثم انه يرد ايضا على الترجيح بالأقربية انه
لو ورد مخصص آخر للعام بعد التخصيص الاول فان لوحظت النسبة بينه وبين العام
الحقيقى كما هو الحق لزم تخصيص العام اولا بالاول لانه اقرب اليه من الثانى ولازم
ذلك ملاحظة النسبة بين المخصص الثانى وبين العام بعد التخصيص لا قبله وهو خلاف
الفرض من لحاظ النسبة بينه وبين العام قبل التخصيص لان ذلك فرع كون نسبة المخصصات
اليه على السوية من دون ترتب وان لوحظت بينه وبين العام بعد التخصيص ففيه مضافا
الى انه خلاف ما عليه الفحول من المحققين وانه مبنى على جواز سبك المجاز من المجاز
كما سيجيء إن شاء الله تعالى انه يحتاج ايضا الى المرجّح لتعدد مراتب المجاز بعد
المجاز الاول والأقربية الى المعنى المجازى لا تكون مرجحة لان الأقربية الى المعنى
الحقيقى انما كانت مرجحة لانه بالقرب اليه يشبه ان يكون هو المعنى الحقيقى فى انس
الذهن به وانتقاله اليه بخلاف اقربيته الى المعنى المجازى فانها لا ترفع الاستيحاش
الحاصل من بعدها عن المعنى الحقيقى ولذا ترى اول ما ينتقل الذهن بعد العثور على
المخصص الى لحاظ نسبته مع اصل العام فتأمل جيدا فانه دقيق (وفى تقريرات بحث
شيخنا الاستاد قده فى مقام الجواب عن الاحتجاج ما هذا لفظه والاولى ان يجاب بعد
تسليم مجازية الباقى بان دلالة العام على كل فرد من افراده غير منوطة بدلالته على
فرد آخر من افراده ولو كانت دلالة مجازيه اذ هى بواسطة عدم شموله للافراد المخصوصة
لا بواسطة دخول غيرها فى مدلوله فالمقتضى للحمل على الباقى موجود والمانع مفقود
لان المانع فى مثل المقام انما هو ما يوجب صرف اللفظ عن مدلوله والمفروض انتفائه
بالنسبة الى الباقى
لاختصاص
المخصص بغيره فلو شك فالاصل عدمه انتهى موضع الحاجة) من كلامه (قلت) لا بد من تحقيق مراده قده اولا ليعلم ما له وما عليه
فنقول غرضه قده ان المعانى المجازية المستعمل فيها اللفظ على اقسام ثلثه منها ما
هو مغاير للمعنى الحقيقى بحسب نفس الحقيقة كالحيوان المفترس والرجل الشجاع او فى
مشخصاتها كمتحدى الحقيقة مختلفى المشخص اذا كان فى احدهما ما يوجب تشبيه الآخر به
ومنها ما هو مركب من المعنى الحقيقى وزيادة بها جاز استعمال اللفظ فيه مجازا
كاستعمال الكلى فى الفرد بقيد الخصوصية ومنها ما هو عين المعنى الحقيقى مع نقص بعض
اجزائه او جزئياته فالاول كالمركب والثانى كالعام فاما القسم الاول والثانى فدلالة
اللفظ فيهما على المعنى المجازى لا مقتضى لها سوى وجود العلاقة ولا بد مع العلاقة
من قرينتين صارفة ومعينه وقد يجتمع الوصفان فى واحدة كما هو الغالب واما القسم
الثالث فبناء على المجازية فى الباقى من الاجزاء والجزئيات فالمقتضى للاستعمال فى
هذا المعنى المجازى موجود وذلك لان الواضع قد لاحظ فى اصل وضع المركب والعام على
نحو الاجمال استعمال اللفظ فى مدلوليهما بعد خروج بعض الاجزاء والجزئيات ولذا لم
يلحظ فى وضعه نقدم بعض الاجزاء او الجزئيات على بعض ولا اخذ فى دلالته على بعض قيد
دلالته على الآخر فأجزاء المركب وجزئيات العام فى عرض واحد بالنسبة الى الدلالة
فالواضع حين وضع لفظ المركب لمعناه لاحظ اطلاقه على الناقص جزء او جزءين او اكثر
الذى كان حاصلا حين دلالته على الكل وحين وضع لفظ العام لاحظ اطلاقه عند خروج بعض
افراده على ما بقى منها الذى كان حاصلا ايضا حين دلالته على الكل كما لاحظ ايضا فى
كل منهما الإحاطة بمدلوله سواء كان تمام الاجزاء والافراد او الباقى منهما وانما
قلنا ذلك لان واضع المركب والعام اى واضع كان يعلم بان عروض التخصيص والنقصان لهما
اكثر من بقائهما على العموم والتمام وبالعين التى لاحظ بها عموم كل رجل لما تحته
لاحظ بها ايضا عمومه له حال خروج بعض افراده ولذا لا يحتاج استعمال اللفظ فى
الباقى الى اكثر من المخصص الدال على خروج بعض الافراد من علاقة او قرينة وهذا
معنى ما اشتهر من ان علاقة هذا المجاز هى العموم
والخصوص وقرينته نفس المخصص فالخصوص ملحوظ بنفس لحاظ العموم فى الدلالة
وكذلك المركب وكذا ما اشتهر من ان مجازيته بعلاقة الكل والجزء ولو قطع النظر عما
ذكرنا فلا معنى لهاتين العلاقتين ولا للاكتفاء بنفس المخصص قرينة على الاستعمال فى
الباقى وحينئذ فالعام دال ظاهرا على الإحاطة بجميع ما تحته فان لم يكن فى الواقع
مخصص كانت دلالته واقعية ايضا وان كان ولم يعلم فالدلالة الظاهرية موجودة ولا مانع
منها إلّا العلم بالخصوص كما لا مانع للواقعية الا واقعية المخصص فاذا علم المخصص
حصل المانع عن دلالة العام فعلا على ما اخرجه المخصص فبقى دلالته على الباقى
الملحوظة حين الوضع بحالها ولا ينافيها احتمال وجود مخصص آخر اذ ليس هو مانعا عن
هذه الدلالة وانما يمنع عن الدلالة الواقعية التى لا طريق الى اثباتها غير الدلالة
الظاهرية التى هى طريقها ظاهرا الذى لا مانع عنه إلّا العلم بالمخصص فلا يضر بذلك
تعدد مراتب المجاز بعد صرف اللفظ بالعلم بالمخصص عن الدلالة على المعنى الحقيقى
وهو العموم وبقاء ظهوره فى ارادة هذه المرتبة بلا مانع وهو العلم بمخصص آخر مع ما
عرفت من حجية هذا الظهور لانه ملحوظ فى اصل الوضع اذا عرفت ذلك علمت عدم ورود شيء
مما اورد المصنف قده عليه بقوله بعد نقله السابق (لا يخفى ان دلالته على كل فرد انما كانت
لاجل دلالته على العموم والشمول فاذا لم يستعمل فيه واستعمل فى الخصوص كما هو
المفروض مجازا وكان ارادة كل واحد من مراتب الخصوصيات مما جاز انتهاء التخصيص اليه
وجاز استعمال العام فيه مجازا امرا ممكنا كان تعين بعضها بلا معين ترجيحا بلا مرجح
ولا مقتضى لظهوره فيه ضرورة ان الظهور اما بالوضع واما بالقرينة والمفروض انه ليس
بموضوع له ولم يكن هناك قرينة وليس له موجب آخر ودلالته على كل فرد على حده حيث
كانت فى ضمن دلالته على العموم لا يوجب ظهوره فى تمام الباقى بعد عدم استعماله فى
العموم اذا لم تكن هناك قرينة على تعيينه فالمانع عنه وان كان مدفوعا بالاصل إلّا
انه لا مقتضى له بعد رفع اليد عن الوضع نعم انما يجدى اذا لم يكن مستعملا الا فى
العموم كما فيما حققناه فى الجواب) وتوضيح
ما فيه زيادة على ما مر ان الواضع حين الوضع كما لاحظ دلالة كل رجل على
المائة مثلا لاحظ دلالته على التسعين اذا اقترن به الا عشرة او انفصل عنه وكذلك فى
كل مرتبة بالنسبة الى ما تحتها وما فوقها تعميما وتخصيصا ولذا اختار المصنف فى
المخصص المتصل ان الدال على العموم على حقيقته فى شموله لكل ما يراد بمدخوله ولا
وجه له إلّا انه مع الاتصال لم ينعقد له ظهور الا فى غير افراد المخصص بخلاف
المنفصل وانعقاد الظهور فى المنفصل قبل العلم به لا يوجب عدم ظهوره فى الباقى بعد
العلم وإلّا لجرى ذلك فى المتصل ايضا لاحتمال ان يكون المراد بالمدخول اقل من ذلك
فمن اين تعين ما عدى الفرد الخارج بالمتصل فلا فرق بين المتصل والمنفصل بعد العلم
به فاما ان يكونا معا ظاهرين فى ارادة الباقى واما ان لا يكونا معا كذلك والفرق
تحكم بحت غاية الامر ان العام قبل العلم بالمخصص ينعقد له ظهور فى عموم الكل وهو
لا يوجب عدم ظهوره فى الباقى مع العلم به كما عرفت وان شئت توضيح المقام باكثر من
ذلك فنقول ان العام يدل على جميع الافراد وعلى كل واحد او كل طائفة فى ضمنه بدلالة
واحدة متساوية النسبة الى نفس لفظه الموضوع له فان خرج من افراده شيء كان الدال
على الجميع لفظ العام ولفظ المخصص الى ان ينتهى التخصيص بدلالة هى عين تلك الدلالة
غير ان وصفها مختلف ففى الاول حقيقيه وفى الثانى مجازيه واحتمال وجود مخصص فى
الواقع موجب لعدم كون مدلول العام فى المخصص هو جميع الافراد مدفوع بالاصل
والمقتضى للدلالة فيهما واحد وهو وضع العام الملحوظ فيه اولا وبالذات مدلولية
الجميع للفظه خاصه وثانيا وبالعرض مدلوليته له وللمخصص ومثل ذلك المركب فان دلالته
على الناقص بنفس مقتضى الدلالة على التام حتى قبل ان دلالته على ما نقص جزء غير
ضائر بخاصيته تكون دلالة حقيقيه بنحو من الانحاء واحتمال وجود مخصص آخر قد استعمل
العام فى الباقى بعده او خروج جزء آخر قد استعمل المركب فى غيره من الاجزاء
كاحتمال اصل التخصيص والنقصان بعد دلالة العام ظاهرا على جميع الافراد ويحتمل
استعماله فى اقل مراتب المجاز بعين احتمال استعماله فى اكثرها فاذا دفع هذا
الاحتمال الاصل فالعام مع المخصص المعلوم
بالنسبة الى ما تحته من المراتب مثله من غير فرق ابدا فلا تغفل والانصاف ان
ما ذهب اليه المصنف قده من بقائه بعد التخصيص على العموم وسقوط حجية ظهوره بمزاحمة
حجية ظهور المخصص فى غاية القوة والمتانة فلا معدل عنه ويمكن ان يقال ان العام
المخصص بالمتصل ايضا كذلك وان ظهوره فى العموم قبل النطق بالمخصص ايضا حجة وان
حجية الظهور فى المخصص ألغت حجيته لا ظهوره وان الفرق بين المنفصل والمتصل ان كان
من حيث حجية الظهور فمعدوم لانه متى تحقق كان حجة وان كان من حيث بقائه الى حال
التخصيص فكذلك ايضا غاية الامر طول الزمان فى الاول وقصره فى الثانى وان كان من
حيث بقائه بعد العلم بالمخصص فى الاول دون الثانى وانما الزائلة حجيته فهو غير
مسلم لان الموجب لازالة الظهور فى المتصل ان كان نفس المخصص لكونه نصا فى الدلالة
على خروج ما تحته عن مدلول العام فهذه العلة بعينها موجودة فى المنفصل فالفرق تحكم
وان كان الاتصال بالعام وهو معدوم فى المنفصل فهو ممنوع لان المقتضى للظهور هو لفظ
العام ولا مانع عنه الا القرينة الدالة نصا او ظهورا على استعماله فى غير المعنى
الحقيقى وهى معدومة واحتمال كون المخصص هو القرينة مدفوع باحتمال كونه غير مؤثر
الا اسقاط حجية الظهور بل ذلك هو الظاهر منه بعد التأمل فمع تحقق المقتضى وعدم
المانع يتحقق الظهور لتمامية العلة كما عرفت مضافا الى ان اتصال المخصص ليس فى نفس
زمان وجود المقتضى ليكون مانعا عن تأثيره فاذا اثر اثره لحقه وصف الحجية قطعا
لوجود موضوعه كاملا فاذا اتصل به المخصص فلا تقتضى القواعد الا الغاء حجية الظهور
لما عرفت من انه ليس بمانع عن تأثير مقتضى الظهور ابدا وليس ايضا مقتضيا لعدمه بعد
وجوده اذ غاية ما يفهم عرفا من اتصال المخصص بالعام ولو فى مثل قام القوم الا زيدا
هو خروج زيد عن حكم العام لا عن موضوعه ولذا اتفقوا على ان الاستثناء اخراج ما
لولاه لدخل والمقصود هو الاخراج عن الحكم فقط مع الدخول فى الموضوع ولو كان
الاخراج حكما موجب للاخراج موضوعا وكان المراد بلفظ العام ما سواء كما لو استعمل
لفظه فى غير زيد مع عدم الحكم لم يكن زيد ليدخل لو لا الاخراج لانه بعد ما كان
الاخراج انما هو عن
الحكم واللفظ قد اريد به ما عدى زيد ولو مع قطع النظر عن الحكم كان مع عدم
الاخراج ايضا غير داخل وإلّا لزم الجمع بين النقيضين فيتضح من ذلك ان المقصود من
العبارة المذكورة ان الاستثناء اخراج فرد من العام المحكوم عليه بحكم بحيث لو لم
يخرجه المتكلم لعمه حكم العام لظهور العام فى شمول جميع افراده وقد حكم عليه بما
هو عام فالاخراج رافع لشمول حكم العام عن المخرج لا لاصل شمول العام اذ لم يكن سبب
الاخراج شمول اللفظ من حيث هو بل شموله من حيث اقتضائه لشمول حكم العام فاذا جيء
بالنص المانع من تأثير هذا المقتضى اثره لم يرتفع الا وصف الاقتضاء منه لا ذات
المقتضى وهو الشمول وعمدة منشإ الاشتباه فى المتصل حسبان عدم تحقق ظهور للعام اصلا
اذا كانا معا فى كلام واحد متصل وغفلة عن ان دلالة الالفاظ باسرها على معانيها
وظهورها فى ارادتها ليست مشروطه بدلالة لفظ آخر او بعدمها نعم اذا تعقب اللفظ ما
له نصوصية او ظهور فى ان المتكلم قد اراد باللفظ السابق معنى آخر غير معناه
الحقيقى انقلب الظهور فى المعنى الحقيقى الذى كان متحققا بمجرد النطق به الغير
المقيد من حيث الدلالة بشيء آخر الى الظهور لا بنفسه بل مع القرينة المتصلة فى
المعنى المجازى لا ان الظهور لم يكن ثم حدث بالقرينة اذ لو كان كذلك يلزم تخلف
المعلول وهو الظهور عن علته التامة وهو اللفظ مع عدم المانع فى زمانه وهو زمان
النطق به وهو باطل نعم لو سبقت قرينة المجاز لفظا او كانت حالية مقارنة للنطق لم
يتحقق له ظهور الا فى المعنى المجازى لوجود المانع عن تأثير المقتضى وايضا لو كان
التخصيص مطلقا موجبا لاستعمال العام فى الباقى لزم فى صورة ورود مخصص ثانى للعام
سبك مجاز من مجاز وتتعدد المجازات بتعدد المخصصات مع ان جواز السبك خلافى وجواز
تعدد التخصيص اتفاقى وايضا يلزم فى صورة تعدد التخصيص ملاحظة النسبة بينه وبين
العام المخصص بالاول لا العام قبل التخصيص مع ان التحقيق كما عليه عامة المحققين
ومنهم شيخنا العلامة المرتضى قده وشيخنا الاستاد المصنف قده هو الثانى وان نسبة
جميع المخصصات الى العام سواء وهو لا يتأتى على ما ذكروه كما لا يخفى على البصير
ولو لا مخافة الاطناب
المخل لذكرنا شواهد جمة ولعمرى ان ما ذكرنا لمطلب شريف دقيق حقيق بالتروى
فيه والتحقيق جدير باطالة الكلام لايضاح حقيقة المرام ويمكن ابتناء ما افاده فى
الفصول فى الجواب الثانى المعتمد عنده عن اشكال التناقض فى الاستثناء على ما
حققناه كما هو ايضا كذلك ضرورة عدم تحقق التناقض على التقدير الذى ذكرنا من كون
المستثنى بالنصوصية موجبا لرفع اليد عن ظاهر المستثنى منه باسقاط الحجية وبقاء
الشمول مع سقوط الحكم عن المشمول ليس من التناقض فى شيء كما هو واضح (فصل اذا كان الخاص
بحسب المفهوم مجملا بان كان دائرا بين
الاقل والاكثر) كما لو قال اكرم القوم الا فساقهم وشك فى ان المراد بالفساق من صدرت منهم
الكبائر خاصه او اعم من ذلك ومن صدر منهم خلاف المروة وان لم تصدر كبيرة للشك فى
مفهومه سعة وضيقا فان كان متصلا فستعرف حكمه (و) ان (كان
منفصلا فلا يسرى اجماله الى العام لا حقيقة ولا حكما بل كان العام متبعا فيما لا
يتبع فيه الخاص) من الافراد المشكوك شموله لها للشك فى سعة مفهومه فيشملها العام لوجود المقتضى
(بلا) مانع يمنع عن تأثيره ولا (مزاحم) يزاحم (فيه ضرورة) ان غاية ما يتصور مزاحما له هو المخصص وهو عند التحقيق
غير مزاحم له فى المشكوك بداهة (ان
الخاص انما يزاحمه فيما هو حجة) فيه (على خلافه) من الافراد المتيقن ارادتها والاخذ به فى ذلك لازم (تحكيما للنص او
الاظهر على الظاهر لا فيما لا يكون كذلك) من الافراد التى لا يكون بالنسبة اليها حجة كما لا
يخفى (وان
لم يكن كذلك) اى مما دار الامر فيه بين الاقل والاكثر مع الانفصال (بان كان الامر دائرا
بين المتبانيين مطلقا) متصلا او منفصلا (او) دائرا بين الاقل والاكثر فيما كان الخاص متصلا فيسرى
اجماله اليه حكما فى المنفصل (المردد
بين المتباينين) لا حقيقة لان ظهوره فى الشمول لا ينعدم فليس إلّا ان يكون بحكم المجمل (وحقيقة فى غيره) من المردد بين المتباينين مع الاتصال وبين الاقل
والاكثر مع الانفصال (اما
الاول) وهو كون اجمال
الخاص المنفصل المردد بين المتباينين ساريا الى العام (فلان العام على ما
حققناه كان ظاهرا فى عمومه إلّا انه لا يتبع ظهوره
فى
واحد من المتباينين الذين علم تخصيصه باحدهما) لان شموله لهما معا ممتنع عقلا ولاحدهما المعين خلاف
الفرض وترجيح بلا مرجح وغير المعين لا يجدى نفعا (واما الثانى) فكالاول فى ان الاجمال انما يسرى اليه حكما لا حقيقة
على ما هو المختار عندنا وعرفت تحقيقه واما عند المصنف قده (فلعدم انعقاد الظهور
من رأس للعام فى زعمه لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الاقل والاكثر
او لكل واحد من المتباينين) يسرى الاجمال حينئذ حقيقة لا حكما (لكنه حجة فى الاقل
لانه المتيقن فى البين فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل) عند المصنف قده وعدم الفرق عندنا (وكذا) الفرق قد انقدح (فى المجمل بين المتباينين والاكثر
والاقل فلا تغفل) هذا كله اذا كان الخاص مجملا بحسب المفهوم (واما اذا كان مجملا بحسب المصداق بان
اشتبه فرد وتردد بين ان يكون فردا له او باقيا تحت العام) من حيث الحكم مثل اكرم العلماء الا فساقهم او ولا تكرم
فساقهم مع انفصاله عن زمن النطق بالعام ولو بمقدار يصدق فيه انه تم الكلام (فلا كلام فى عدم جواز
التمسك بالعام لو كان الخاص متصلا به) على مختار المصنف قده (ضرورة عدم انعقاد ظهور الكلام الا فى
الخصوص) كما عرفت
واما على مختارنا فللكلام فيه مجال واسع والحق انه كالمنفصل وان الظهور منعقد فان
بنى على التمسك ففى المقامين وإلّا فلا (واما اذا كان منفصلا) قال قده (ففى جواز التمسك به خلاف) وظاهره ان المقصود بقوله بلا كلام فى الاول نفى الخلاف
وهو خلاف ما يقضى به التتبع من وجوده فى المقامين وعدم فرق فى البين فراجع (والتحقيق عدم جوازه) فيهما معا مطلقا اذا كان المخصص لفظيا لان دخول الفرد
المشتبه تحت احد العنوانين ليس باولى من دخوله فى الآخر فالمقتضى للشمول فى كل
منهما موجود لكن المانع ايضا موجود لان دخوله تحتهما معا محال وتحت احدهما المعين
ترجيح بلا مرجح وغير المعين غير مفيد كعدم دخوله هذا مضافا الى ضعف دليل القائل
بالجواز (اذ
غاية ما يمكن ان يقال) فى وجه جوازه (ان
الخاص انما يزاحم العام فيما كان) هو (فعلا
حجة) فيه (ولا يكون حجة فيما
اشتبه انه من افراده) بالضرورة لان موضوعه عنوان الفاسق ومشكوك الفسق مشكوك
الموضوعية له ولا يشمل الموضوع غيره (فخطاب لا تكرم فساق العلماء لا يكون
دليلا على حرمة اكرام من شك فى فسقه من العلماء) لعدم احراز كونه من الموضوع والتكليف انما يتنجز
بالعلم او ما يقوم مقامه والشك ليس من ذلك (فلا يزاحم) هذا الخاص (مثل اكرم العلماء) الذى هو العام (ولا يعارضه فانه يكون) مزاحمته له بما ليس هو بحجة فيه (من قبيل مزاحمة الحجة
بغير الحجة) وانما كان العام حجة فى مشكوك الفسق لانه ليس بمشكوك العلم فموضوع العام
محرز (وهو
فى غاية الفساد فان الخاص وان لم يكن دليلا فى الفرد المشتبه فعلا إلّا انه) لكونه ذا عنوان (يوجب اختصاص حجية العام فى) فرد معنون (بغير عنوانه من الافراد فيكون اكرم
العلماء) بعد النظر
الى لا تكرم فساقهم (دليلا
وحجة فى العالم الغير الفاسق) لان المخصص بعنوانه نوع العام الى نوعين عالم فاسق
وعالم غير فاسق وكما كان الخاص ليس بشامل الا لما احرزت موضوعيته من الافراد وهو
مختص بالمعلوم كذلك العام لان موضوعه بسبب المخصص صار مقيدا بكونه غير فاسق فلا
يشمل الا ما احرز فيه العلم مع قيده لانه هو الموضوع وهو ايضا مختص بالمعلوم (فالمصداق المشتبه وان
كان مصداقا للعالم) من حيث هو (بلا
كلام إلّا انه لم يعلم انه من مصاديقه بما هو) مقيد الذى صار العام بهذا القيد فيه (حجة) لاختصاص موضوعه الموجب (لاختصاص حجيته بغير الفاسق وبالجملة العام
المخصص بالمنفصل وان كان ظهوره فى العموم كما اذا لم يكن مخصصا بخلاف المخصص
بالمتصل) عند المصنف (كما عرفت) وعرفت عدم الفرق عندنا (إلّا انه فى عدم الحجية الا فى غير
عنوان الخاص مثله فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت احدى الحجتين
فلا بد من الرجوع الى ما هو الاصل فى البين هذا) كله فيما (اذا كان المخصص لفظيا واما اذا كان لبيا
فان كان) الخاص (مما يصح ان يتكل عليه
المتكلم اذا) تكلم بالعام و (كان
بصدد البيان فى مقام التخاطب فهو كالمتصل) عند المصنف قده (حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام الا
فى الخصوص) واما على
المختار من ان الحال فى المتصل والمنفصل سواء فالمخصص اللبى يفترق عنهما فى امكان
كونه مانعا عن انعقاد الظهور لمقارنة
زمانه مع زمان العام المعتبرة فيما يكون مانعا عن تأثير المقتضى بشرط ان
يكون مورد الدليل اللبى مدلولا بما هو مفهوم وله عنوان خاص لا بما هو مصداق وهذا
ممكن فى الاجماع اذا كان معقده ذا العنوان بعنوانه واما مدلول الدليل العقلى فلا
يكون الا مصداقا فلا يضر بظهور العام اصلا وان اتصل ومثله مدلول الاجماع ومعقده
اذا كان ماخوذا لا بعنوانه بل بمصاديقه فينحصر فى القسم الاول وعلى هذا التقدير فالعام
حجة وظهوره متبع فيما له ظهور منعقد وإلّا فلا ضرورة عدم معارضته بشيء بل هو
كالتخصيص بزيد ثم بعمرو مع الشك فى تخصيصه ببكر وانما لم نذكر هذا الشرط فى الخاص
اللفظى لانه لا يكون فى الاغلب مأخوذا إلّا بعنوان فيحسن الاتكال على ذلك بخلاف
اللبى المنحصر ذلك فيه فى صورة واحدة وكيف كان فالخاص بالدليل اللبى مسقط لحجية
العام فى الصورة التى لا ظهور له فيها الا فى الخصوص وهى الصورة الاولى خاصه (وان لم يكن كذلك) بل كان مما لا يمكن اتكال المتكلم عليه فى مقام
التخاطب او كان مما يمكن ولكن لم يؤخذ بعنوان خاص (فالظاهر بقاء العام فى المصداق المشتبه
على حجيته كظهوره) الباقى (فيه
والسر فى ذلك ان الكلام الملقى من السيد حجه ليس إلّا ما اشتمل العام على اللفظ
الكاشف بظهوره عن ارادته) اى السيد (للعموم فلا بد من اتباعه ما لم يقطع
بخلافه) او يأتى بعده
ما يكون بعنوانه الخاص المأخوذ فيه منوعا له (مثلا اذا قال المولى اكرم جيرانى وقطع
بانه لا يريد اكرام من كان عدوا له منهم كان اصالة العموم باقية على الحجية
بالنسبة الى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام للعلم بعدوانه لعدم حجة آخرى بدون
ذلك على خلافه) لان متعلق قطعه ليس هو مفهوم العدو بل مصداق من كان عدوا وهو منحصر فى
المعلوم دون المشكوك (بخلاف
ما اذا كان المخصص لفظيا فان قضية تقديمه عليه هو كون العام الملقى اليه) اى الى العبد (كانه كان من رأس لا يعم الخاص) لما عرفت من كشف الخاص عن كون موضوعه مقيدا وهو العالم
بقيد كونه غير فاسق فلا يشمل المشكوك كما لم يشمله موضوع الفاسق فالعام لا يعم
الخاص المنفصل حكما (كما
كان كذلك) فى عدم شموله
(حقيقة) على راى المصنف قده فيما كان الخاص متصلا والخاص اللبى
لا كشف فيه
عن تقييد العام بشيء (والقطع
بعدم ارادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته) كما لا يوجب زوال ظهوره مطلقا (الا فيما قطع انه
عدوه) لا فيما شك
لان المخصص المقطوع به ذات العدو لا مفهومه (كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى) عبده (لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال
عداوته له وحسن عقوبته على مخالفته وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة
كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء
التى هى ملاك حجية اصالة الظهور وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة الى
المشتبه) هاهنا وهى
صورة كون دليل التخصيص لبيا بخلاف التخصيص (هناك) فان بنائهم على العدم (ولعله لما اشرنا اليه من التفاوت بينهما
بالقاء حجتين هناك) هما العام والخاص (قضيتهما
بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام كانه) اى كان الخاص (لم يعمه العام حكما من رأس وكانه) اى العام (لم يكن بعام بخلاف) محل الكلام (هاهنا فان الحجة الملقاة ليست إلّا
واحدة) وهى العام (والقطع بعدم ارادة
اكرام العدو فى اكرم جيرانى مثلا لا يوجب رفع اليد عن عمومه الا فيما قطع بخروجه
عن تحته) لاطلاق
موضوعه وعدم حصول التقييد له بهذا الخاص (فانه على الحكيم القاء كلامه على وفق
غرضه ومرامه) فلو لم يرد المطلق لكان عليه اما تقييد العام رأسا او الاتيان بما يكشف
عن تقييده فلا بد مع عدم التقييد من اتباعه ما لم تقم حجة اقوى على خلافه هذا حاصل
الكلام فى هذا المقام وقد عرفت ان عمدة السر وحقيقة الملاك ان الخاص لفظيا كان او
لبيا اذا كان قد اخذ بعنوان منوع للعام بنحو يكشف عن تقييد العام بقيد محصل لذلك
النوع منه المقابل لنوع المخصص كما كان الناطق منوعا للحيوان الى نفسه والى غيره
المحصل لنوع الصامت لم يكن الفرد المشتبه مشمولا لواحد منهما لعدم وجود عنوان
الموضوع فيه لا الفاسق ولا العالم الغير الفاسق لفرض الشك وان لم يكن كذلك كان
تحقق عنوان العام كالعالم مثلا فى اى فرد كان موجبا لدخوله تحته لاطلاق العنوان
بحسب الاحوال والازمان بقرينة الحكمة فلا يخرج عن حكمه الا ما علم بخروجه والمصنف
قده قد اطال الكلام فى بيان السر وكلامه على طوله لو لا ضم ما ذكرناه اليه لم يكن
وافيا بالغرض المقصود له ولعله قصد بيان نفس ما حققناه
إلّا ان قصور التعبير حال بينه وبين ما اراد وكيف كان فقد اجاد فيما افاد
من الوجه فى بقاء الظهور وحجيته بالنسبة الى الفرد المشكوك فى المثال المذكور
وامثاله (بل
يمكن ان يقال ان) ظهور العام فى العموم اذا تأكد على وجه يكون به فى غاية الإباء عن
التخصيص بحيث يعد لدى العارفين بالمحاورات متناقضا متدافعا كانت (قضية عمومه للمشكوك) هو الكشف عن (انه ليس فردا لما علم بخروجه عن حكمه) اى حكم العام (بمفهومه) كالعدو فى المثال المتقدم والمؤمن فيما ورد من كيفية
لعن بنى أمية وانه فرد واقعى من العام وبعبارة اخرى يكون العام بتلك الكيفية مزيلا
للشك فى الفرد المشكوك فيقال لاستكشاف حال لمشكوك (فى مثل لعن الله بنى أمية قاطبة) الوارد ممن يعلم جميع الاشياء بما هى عليه من وجوداتها
الخاصة (ان
فلانا وان شك فى ايمانه يجوز لعنه لمكان العموم وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا
فينتج انه ليس بمؤمن) كذا افاد قده والصواب فى التقرير ان يقال ان ظاهر العموم المذكور هو
اللعن الواقعى متعلقا بكل فرد من بنى أمية على وجه يكون تخصيصه ولو بفرد واحد
مستهجنا فاذا شك فى ايمان بعضهم شكا موجبا لتخصيص العام لو كان هذا البعض مؤمنا
كان عموم هذا العام له بيانا وكاشفا عن عدم ايمانه لعدم امكان توجه اللعن الواقعى
لغير الكافر الواقعى سواء كان مؤمنا او مشكوك الحال فالاستكشاف انما جاء من قبل
قوة الدلالة فى العام فى شمول المعلق عليه لكل فرد على وجه يشبه ان يكون نصا ولو
كان مجرد شمول العام للمشكوك موجبا لاستكشاف كونه موضوعا واقعيا لترتب على ذلك تولى
فاسده لا حصر لها كما لا يخفى على اولى الالباب واما ما افاده قده فى بيانه ففيه
ان توجه اللعن ظاهرا الى بنى أمية بعمومه لا يوجب كشفا عن واقع المشكوك اذ لا مانع
من توجه اللعن ظاهرا اليه اما بناء على الطريقية فواضح واما بناء على الموضوعية
فتوجه اللعن ظاهرا يكون مشتملا على مصلحة غالبه على مفسدة لعن المؤمن الواقعى
والحاصل لا ينبغى الشك فى ان تعلق الاحكام الظاهرية بالمشكوكات لا يكشف عن
موضوعاتها واقعا لعدم مانع من التعلق الظاهرى وان كان المانع عن التعلق الواقعى
موجودا ضرورة ان التعلق الظاهرى اما ليس بتعلق او مشتمل على ما غلب الجهة المانعة
عنه واقعا (فتأمل
جيدا) فلعل غرض
المصنف قده هو عين ما ذكرناه والعبارة لا تأباه ثم لا يذهب عليك ان غرض المصنف قده
من المثال المذكور التنبيه على ما ورد من انه يستحب لكل احد لعن بنى أمية بهذه
الكيفية او بقول اللهم اللعن بنى أمية قاطبة وكان مقتضى ما تقدم ان مشكوك الايمان
منهم مشمول للعام الوارد فى عبارة الامام عليهالسلام فاذا شك المكلف فى ايمان بعض جاز له لعنه ايضا بل يمكن
استكشاف عدم ايمانه من شمول مثل هذا العموم الآبي جدا عن التخصيص ومن البديهى
الواضح ان هذا لا ينافى كون اللعن مختصا بغير المؤمن واقعا وما ذكرناه هو الظاهر
من قوله قده فى تقرير الوجه ان فلانا وان شك فى ايمانه يجوز لعنه لمكان العموم فان
الشك فى جواز اللعن وعدمه ثم الحكم بجوازه من احكام صورة الامر ولو استحبابا وكيف
يستقيم الشك فى الجواز والحكم به اذا كان المراد غير ذلك ولكن الغفلات وعدم التدبر
فى دقايق الكلمات من اعظم اسباب الوقوع فى هذه الشبهات ولا ينبغى توهم وقوع ذلك من
اصاغر الطلبة فضلا عمن بلغ من العلم اعلى مرتبه (إيقاظ) قد تقرر فى محله ان مرتبة الاصول الحكمية والموضوعية
متأخرة عن مرتبة الطرق والامارات فجميع الآثار المترتبة على المتقدم فى الرتبة لا
تترتب على المتاخر فمدلول الدليل مطلقا اذا شك فى شمول الدليل له للشك فى بقاء
عنوانه الذى به صار مدلولا له فاصلة بقائه الجارية فيه بعد عدم شمول الدليل له لا
توجب رجوعه الى مرتبته الاولى فيشمله الدليل نعم لو دل دليل فى مرتبته على بقاء
عنوانه شمله الدليل فاكرم العدول يشمل من كانت عدالته مقطوعا بها او معلومة
بالبيّنة ابتداء او عودا يعد الزوال القطعى او الشكى دون المعلومة بالاستصحاب وان
شاركتها فى الحكم هذا مضافا الى ان الاصل بالنسبة الى شمول الدليل مثبت لا يعول
عليه كما هو اوضح من ان يحفى اذا عرفت ذلك (فلا يخفى) عليك (ان الباقى تحت العام بعد تخصيصه
بالمنفصل او بما هو كالاستثناء من المتصل) دون مثل الشرط والوصف والغاية (لما كان غير معنون
بعنوان خاص بل) كان معنونا (بكل
عنوان لم يكن ذاك) العنوان (بعنوان
الخاص كان احراز المثبتة بالاصل الموضوعى فى غالب الموارد الا ما شذ منها) وندر (ممكنا فبذلك
يحكم
عليه بحكم العام وان لم يجز التمسك به بلا كلام) لما عرفت من العلة فما يظهر من تقريرات بعض الاعاظم من
ان جريان الاصل موجب لصحة التمسك بالعام فى غير محله جدا كما ان ما يظهر من المصنف
قده من عدم الكلام فيه لاحد فى غير محله ايضا بعد ما عرفت ما فى التقريرات بل يظهر
منه انه من المسلمات والحق ما افاده قده كما عرفت (ضرورة انه فلما) يكون عام (لم يوجد) فيه (عنوان) اذا شك فى فرد من حيث ذلك العنوان صح ان (يجرى فيه اصل ينقح به
انه) اى الفرد
المشتبه (مما
بقى تحته) اى تحت العام
(مثلا) ورد ان المرأة تحيض الى الخمسين الا القرشية فإلى
الستين (فاذا
شك فى ان امرأة) معينه (تكون
قرشيه او غيرها فهى وان كنت) ليس لها حالة سابقه لانها اول ما (وجدت) مشكوكة الحال ظاهرا وان كانت معينه واقعا لانها (اما قرشيه او غيرها
فلا اصل يحرز أنها قرشيه او غيرها إلّا ان اصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين
قريش يجدى فى تنقيح انها ممن لا تحيض الا الى خمسين) فيشملها العموم لان لفظ العام اذا بلغت المرأة خمسين
سنة لم تر حمرة إلّا ان تكون امرأة من قريش فالباقى بعد الاستثناء هو المرأة التى
لا تكون من قريش اما بالقطع او بطريق معتبر او اصل موضوعى وهو اصالة عدم الانتساب (لان المرأة التى لا
تكون بينها وبين القريش انتساب ايضا باقية تحت ما دل على ان المرأة انما ترى
الحمرة الى خمسين) بمعنى انها فرد من افراد العام (والخارج عن تحته هى القرشية) كما عرفت لفظ الدليل هذا ولا يذهب عليك ان وجه اشتراط
المصنف قده فى جريان هذا الاصل فى الفرد المشتبه عدم كون العام بعنوان خاص او
بعنوان الخاص لان الاصل بالنسبة الى العناوين الخاصة مثبت بخلافه فى غيرها (فتأمل تعرف وهم
وإزاحة) قد عرفت من
مطاوى ما ذكرنا ان العام انما يكون حجة فى مورد الشك اذا كان منشأ الشك احتمال
ورود التخصيص عليه سواء كان فى وجود المخصص او مخصصية الموجود فالعام حجة فى
افراده المعنونة بعنوانه الفاقدة لجميع موانع الشمول ووجود العنوان كاف فى الشمول
حتى مع الشك فى المانع لبناء العقلاء ولا حجية فيه بالنسبة الى غير ذلك
اصلا (وربما
يظهر من بعضهم التمسك بالعمومات فيما اذا شك فى فرد لا من جهته احتمال التخصيص بل
من جهته اخرى كما اذا شك فى صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف فيستكشف صحته بعموم) ادلة الوفاء بالنذر الواجب الوفاء به (مثل اوفوا بالنذور
بان يقال وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم وكلما يجب الوفاء به لا محاله
بكون صحيحا للقطع بانه لو لا صحته لما وجب الوفاء به) والاولى ان يقال وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر
وكل وفاء للنذر واجب فهذا الوضوء واجب وكل واجب صحيح فهذا الوضوء صحيح وذكر
الفقهاء فى كتاب النذر صحة نذر صلاة ركعة او ثلثه بل او خمسة ووجوب الاتيان بذلك
وفاء للنذر وان لم تكن الاولى وترا والثانية مغربا والثالثة مركبه من مغرب وثنائية
فرضا او نفلا معللين ذلك بوجوب الوفاء بالنذر مع ما صرحوا به اولا من وجوب كون
المنذور فى نفسه طاعة (وربما
يؤيد ذلك بما ورد فى صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفى السفر اذا تعلق بهما
النذر كذلك) مع حرمتهما تشريعا وتعليل حرمة الاول بانه كالصلاة قبل الوقت (والتحقيق ان يقال) ان ادلة الاحكام المتعلقة بالعناوين الثانوية كوجوب
الوفاء بالنذر وأخويه ووجوب اطاعة الولد ولزوجه والعبد للوالد والزوج والسيد يتوقف
معرفة مقدار دلالتها على معرفة حال موضوعاتها بالنظر الى ادلتها لانها امور
توقيفيه فاذا دلت ادلة النذر واخويه مثلا على ان تعلقه بكل عنوان من العناوين
الأولية حدث فيه رجحانا غالبا على ما فيه من المرجوحية ومؤكدا لما فيه من
الرجحانية كانت هذه الأدلّة حاكمة على جميع الادلة المثبتة لاحكام الافعال
بعناوينها الأولية وصح لتمسك بالعمومات المثبتة لاحكام العناوين الثانوية المتعلقة
بالافعال المعنونة بعناوينها الأولية فى مقام الشك فى بعض الافراد لرجوعه الى الشك
فى التخصيص وان دلت على ان تعلقها وتحقق موضوعها مشروط بكون المتعلق فى نفسه بحسب
عنوانه الاول مشروع قبل التعلق فرضا او نفلا او اباحة فلا ينبغى الريب فى (انه لا مجال التوهم
الاستدلال بالعمومات المتكفلة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك) فيه من الافراد (من غير جهة تخصيصها اذا اخذ فى
موضوعاتها احد الاحكام
المتعلقة
بالافعال بعناوينها الأولية كما هو الحال فى وجوب اطاعة الوالد) وتالييه (و) وجوب (الوفاء بالنذر وشبهه) المتحقق فى اخويه فان الادلة المثبتة لوجوب الطاعة
والوفاء المتحققين (فى) كل امر من (الامور المباحة او الراجحة) لا يمكن التمسك حينئذ بها (ضرورة انه معه) اى مع اخذ ذلك فى موضوعاتها (لا يكاد يتوهم عاقل
انه اذا شك فى رجحان شيء او حليته) يمكن ان يختار (جواز التمسك بعموم وجوب الإطاعة او
الوفاء فى رجحانه وحليته) لان فرض هذه الصورة ان الإباحة والرجحان مما اخذ فى
موضوعاتها فيجب تقدمها على الاحكام الثابتة بالعمومات فلو كان مما يثبت بتلك
العمومات لزم تقدم العمومات عليها وهو دور باطل وبالجملة فقد عرفت مرارا ان ما
يؤخذ فى الموضوع لا يمكن ان يكون ناشئا من قبل الحكم او دليله اذا علم من الادلة
احدى الصورتين من الغالبية كما فى الاولى او المغلوبية كما فى الثانية وهو فى غاية
الوضوح (نعم) لو لم يعلم ذلك وكان الدليل المجمل ولم يؤخذ فى
الموضوع شيء ولا فهم ان التعلق محدث لجهة غالية على كل تقدير فذاك نحو ثالث (لا باس) فيه (بالتمسك به) اى بالعموم (فى جوازه) اى جواز الفرد المتعلق المشكوك جوازه لكن (بعد احراز التمكن منه) اى من المتعلق (والقدرة عليه) لانهما شرط على كل تقدير فيما جمع الشرطين من عدم
الدلالة على اقتضاء التعلق ثبوت جهة غالبه لا محاله على الجهة المقتضية للحكم
بالعنوان الاول (ولم
يؤخذ فى موضوعاتها حكم اصلا) من اباحة ورجحان وبعبارة اخرى اذا لم يدل دليل نفس
النذر والعهد واليمين والطاعة على ان متعلقها يكون لا محاله راجحا بسبب التعلق وان
كان مرجوحا فى نفسه او انه لا بد من ان يكون فى نفسه مباحا او راجحا قبل التعلق
فلا باس حينئذ بالتمسك بعموم وجوب الوفاء والطاعة فى مقام الشك (فاذا) كان المشكوك غير محكوم بحكم اصلا و (شك فى جوازه صح
التمسك بعموم دليلها فى الحكم بجوازه واذا كانت) المتعلقات (محكومة بعناوينها الأولية بغير حكمها
بعناوينها الثانوية) بان كانت مستحبة او حراما بعنوانها الاول ووجب الاتيان بها بعنوانها
الثانى فلا يعقل بقاء الحكمين
معا للزوم اجتماع الضدين (فتقع المزاحمة حينئذ بين المقتضيين) الثابتين بدليل حكم العنوان الاول ودليل حكم العنوان
الثانى (ويؤثر
الاقوى منهما لو كان فى البين) اقوى (وإلّا لم يؤثر احدهما أصلا وإلّا) فلو اثر (لزم الترجيح بلا مرجح) فيتساقطان معا ويبقى المشكوك فقيد الحكمين معا (فليحكم عليه حينئذ
يحكم آخر كالإباحة اذا كان احدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا) واما الاستحباب والوجوب فهو مما كان مقتضى الوجوب فيه
اقوى واما اذا كانا معا وجوبين فثبوتهما معا ايضا لا يعقل للزوم اجتماع المثلين
واما التأكد بمعنى ثبوت وجوب واحد من جهتين فقد مر الاشكال فيه وتحقيقه بما لا
مزيد عليه وعرفت هناك ايضا ان متعلق النذر غير متعلق الحكم ومنه تعرف سقوط هذه
الكلمات فلاحظ (واما
صحة الصوم فى السفر بنذره فيه بناء على عدم صحته) اى الصوم (فيه) اى فى السفر (بدونه) اى بدون النذر (وكذا الاحرام قبل الميقات فانما هو
لدليل خاص) كاشف عن
رجحانهما ذاتا فى السفر وقبل الميقات (وانما لم يؤمر بهما استحبابا او وجوبا
لمانع يرتفع مع النذر) فالنذر مانع عن اقتضاء المانع المنع فيؤثر المقتضى لاحدهما اثره وان لم
يعلم مقدار الرجحان وانه كان بحيث يقتضى الاستحباب او الوجوب (واما لصيرورتهما
راجحين بتعلق النذر بهما بخصوصهما بعد ما لم يكونا كذلك) فلا يقاس غيرهما عليهما (كما ربما يدل عليه ما فى الخبر من كون
الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت) او كالصلاة اربعا فى السفر (لا يقال) ان الصوم والاحرام من العبادات على تقدير الوجوب
والنذر لم يفد الا رجحانهما و (لا
يجدى صيرورتهما راجحين بذلك فى عباديتهما ضرورة كون وجوب الوفاء) بالنذر (توصليا لا يعتبر فى سقوطه إلّا الاتيان
بالمنذور باى داعى كان فانه يقال) فى جواب هذا السؤال ان الناذر انما نذرهما بعنوان
العبادة وقد دل الدليل على صحته وانعقاده فيدل بدلالة الاقتضاء على ان الرجحان
المنكشف بالنذر رجحان عبادى فحينئذ (عباديتهما انما تكون لاجل كشف دليل
صحتهما عن عروض عنوان راجح) منطبق (عليهما ملازم لتعلق النذر بهما هذا لو
لم نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان فى متعلق النذر بهذا الدليل وإلّا) فلو قلنا بان ما دل على اعتبار الرجحان
فى الموضوعات العبادية المغاير للرجحان الحاصل فى متعلق النذر قد خصص بدليل
النذر الدال على الاكتفاء فى عبادية المتعلق بالرجحان الناشى من النذر وجب فضلا عن
انه (امكن
ان يقال بكفاية الرجحان الطارى عليهما من قبل النذر فى عباديتهما بعد تعلق النذر
باتيانهما) اتيانا (عباديا ومتقربا بهما
منه تعالى فانه وان لم يتمكن) الناذر (من اتيانهما كذلك قبله إلّا انه يتمكن
منه بعده) بنص الدليل (ولا يعتبر فى صحة
النذر الا التمكن من الوفاء) ولو كان التمكن من ذلك انما يكون (بسببه فتأمل جيدا
بقي
شيء وهو انه هل يجوز التمسك بأصالة عدم
التخصيص فى احراز عدم كون ما شك فى انه من مصاديق العام مع العلم بعدم كونه محكوما
بحكمه مصداقا له) وتوضيح المقام ان تخصيص العام معناه خروج فرد من افراد العام عن حكمه
وثبوت حكم آخر له والشك فى التخصيص يكون على نحوين احدهما وهو المعروف ان يشك فى
فرد مقطوع الفردية للعام هل هو محكوم بحكم العام او بغير حكمه مثل اكرم العلماء
وشك فى عالم منهم انه هل يجب اكرامه فيبقى العام على عمومه او يحرم فيكون مخصصا
فاصالة عدم التخصيص تثبت انه واجب الاكرام فيكون داخلا موضوعا وحكما ثانيهما ان
يعلم كون الحكم مخالفا لحكم العام ويكون الشك فى هذا الموضوع المحكوم بالحكم
المخالف فى انه من افراد العام فيكون العام به مخصصا او ليس فردا له فيبقى على
عمومه مثل ما ذا علم ان زيدا يحرم اكرامه وشك فى انه عالم فيحكم عليه باصالة عدم
تخصيص اكرم العلماء انه ليس بعالم بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الاحكام
او لا يجوز التمسك لاختصاص هذا الاصل بالصورة الاولى منه (اشكال) وان ذكر بعض الاعاظم ان ديدن العلماء ودأبهم على
التمسك فيها ايضا غير انه لم يذكر من كلامهم ما يشهد بذلك الا مورد واحد (لاحتمال اختصاص
حجيتها بما اذا شك فى كون فرد العام) المحقق الفردية (محكوما بحكمه كما هو قضية عمومه والمثبت
من الاصول اللفظية وان كان حجة إلّا انه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه
الدليل) من مقدار
الحجية (ولا
دليل هاهنا الا السيرة ويناء العقلاء ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك) فالمعلوم من بناء العقلاء فى الاصل المذكور اثبات
عدم محكومية فرد العام بغير حكمه لا اثبات عدم فردية المحكوم بغير حكم
العام للعام (فصل
هل يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص فيه خلاف وربما نفى الخلاف عن عدم جوازه
بل ادعى الاجماع عليه والذى ينبغى) ان يقال ان هذا الخلاف بعد الاتفاق على حجية ساير
الادلة التى منها الاصول كاصالة الظهور واصالة عدم القرينة واصالة الحقيقة واصالة
العموم الراجعة الى اصالة الحقيقة وغيرها ليس لاعتبار قيد فى الحجية ورفع يد عما
اطلقوه فى موضعه بل لان اصل العمل بالادلة مطلقا للمجتهد لا يصح إلّا بعد الفحص عن
المعارض والمزاحم اذا كان احتمال وجوده معتدا به لان من شرط الاجتهاد فى الحكم
استفراغ الوسع فى تتبع الدليل الذى يعذر فيه ويكون حجة بينه وبين ربه ومن المعلوم
ان احتمال المزاحم اذا كان قريبا معتدا به فلا يعذر لو اعرض عنه وعمل بالدليل بعد
ما عرفت ان غالب الادلة على هذا النهج ولذا كثر السؤال عن حال المتعارضين كما لا
يخفى هذا فى مطلق الادلة واما فى خصوص اصالة العموم التى هى محل الكلام فينبغى (ان يكون محل الكلام
فى المقام انه هل يكون اصالة العموم متبعة مط او بعد الفحص عن المخصص واليأس عن
الظفر بعد الفراغ عن اعتبارها بالخصوص فى الجملة من باب الظن النوعى للمشافه وغيره
ما لم يعلم بتخصيصه تفصيلا ولم يكن من اطراف ما علم تخصيصه اجمالا) فيكون السبب فى عدم اتباع اصالة العموم امرين وجوب
الفحص عن مطلق المعارض لها بما هى دليل مطلق ووجوب الفحص عن خصوص المخصص بما هى
اصالة العموم خاصه وتظهر الثمرة فيما لو قلنا بعدم وجوب الفحص عن المعارض فى حق
المجتهد فانه لا يسقط بذلك وجوبه من الجهة الثانية كما لا يخفى فتحصل ان الفحص
انما هو عما يزاحمها بما هى حجة لا عما يثبت حجيتها (وعليه) اى على ما افاده المصنف قده (فلا مجال لغير واحد
مما استدل به على عدم جواز الاستدلال به) اى بالعام (قبل الفحص واليأس) لعدم حجية اصالة العموم الا بعده معللين ذلك بعدم
اعتبار هذا الاصل الا مع الظن الشخصى بموارده او عدم اعتباره بالنسبة الى غير
المشافه او مطلق من قصد تفهيمه لما عرفت من ان الكلام فى المقام انما وقع بعد
الفراغ عن اعتبار هذا الاصل
بالخصوص فى الجملة من باب الظن النوعى من غير فرق بين المشافه وغيره (فالتحقيق عدم جواز
التمسك به قبل الفحص فيما اذا كان العام فى معرض التخصيص) لما عرفت من ان احتماله عند المجتهد اذا لم يكن مساويا
فدونه بمرات والعقل لا يعذر العامل قبل الفحص فى مثل هذه الصورة فضلا عن صورة
العلم الاجمالى هذا مضافا الى ان الاغلب فى خصوص العام كونه فى معرض التخصيص حتى
قيل ما من عام إلّا وقد خص (كما
هو الحال فى عمومات الكتاب والسنة وذلك لاجل انه لو لا القطع باستقرار سيرة
العقلاء على عدم العمل به قبله فلا اقل من الشك كيف وقد ادعى الاجماع على عدم
جوازه فضلا عن تقى الخلاف عنه وهو كاف فى عدم الجواز كما لا يخفى واما اذا لم يكن
العام كذلك كما هو الحال فى غالب العمومات الواقعة فى السنة اهل المحاورات فلا
شبهة فى ان السيرة على العمل بلا فحص عن مخصص) وذلك كاف فى ثبوت حجيته ضرورة ان معنى كون الفحص شرطا
فى الحجية هو عدم العمل به فى مورد من الموارد قبل الفحص كما كان الامر كذلك فى
اصالة البراءة فان احتمال البيان ولو ضعيفا نعم البيان الموجب لسقوط الملاك عقلا
الموجب لسقوط الاصل ومتى عمل به ولو فى مورد واحد قبل الفحص كشف ذلك عن حجيته فى
نفسه ويكون الفحص عن المزاحم فى صورة كونه معرضا دون غيرها من شروط العمل بالحجة
فالفحص فى اصالة العموم مقسم وفى اصالة البراءة مقسوم كما لا يخفى (وقد ظهر لك بذلك ان
مقدار الفحص اللازم ما به يخرج) العام (عن المعرضية له) اى للتخصيص بما هو عام واما بما هو دليل مطلق فتحقيقه
فى محله (كما
ان مقداره اللازم منه بحسب سائر الوجوه التى استدل بها من العلم الاجمالى او حصول
الظن بما هو التكليف او غير ذلك رعايتها فيختلف مقداره بحسبها كما لا يخفى ثم ان
الظاهر عدم لزوم الفحص عن المخصص المتصل باحتمال انه كان ولم يصل احتمالا غير معتد
به بل حاله حال احتمال قرينة المجاز وقد اتفقت كلماتهم على عدم الاعتناء به مطلقا
ولو قبل الفحص عنها) لكونه دائما لا يعتد به لان احتمال فصله بعد الاتصال ونقل بعض الكلام دون
بعض ضعيف جدا ولا يعبأ به وكذلك المنفصل اذا كان احتماله بهذه المرتبة من الضعف
اما اذا كان احتمال وجود المتصل
احتمالا معتدا به ولو اتفاقا كاحتمال المنفصل غالبا فلا ينبغى الشك فى وجوب
الفحص لعين ما قرر فى المنفصل فهما سواء فى وجوب الفحص مع الاحتمال القوى وعدم
وجوبه مع الضعيف إلّا ان الفرق غلبة القوة فى جانب المنفصل والضعف فى جانب المتصل
كما لا يخفى [إيقاظ
لا
يذهب عليك] انا قد اشرنا
الى ما افاده المصنف اعلى الله مقامه هنا وذكرنا ان (الفرق بين الفحص هاهنا وبينه فى الاصول
العملية) فى غاية
الوضوح (حيث
انه هاهنا عما يزاحم الحجية بخلافه هناك فانه بدونه لا حجة ضرورة ان العقل بدونه) مع احتمال وجود البيان احتمالا معتدا به لا مطلقا (يستقل باستحقاق
المؤاخذة على المخالفة فلا يكون العقاب بدونه بلا بيان) لكفاية الاحتمال المذكور فى كونه بيانا (والمؤاخذة عليها من
غير برهان] فان الاحتمال
المذكور نعم الحجة والبرهان عند العقل [والنقل وان دل على البراءة والاستصحاب
فى موردهما مطلقا] يعنى فى مورد يجريان فيه [إلّا ان الاجماع بقسميه] المحصل والمنقول [على تقييده به فافهم] [فصل هل الخطابات
الشفاهية مثل يا ايها المؤمنون [هل] يختص بالحاضر
مجلس
التخاطب او يعم غيره من الغائبين] عن المجلس [بل المعدومين] وهل غير البالغين الحاضرين بمنزلة الغائبين او
المعدومين او بمنزلة الحاضرين فهنا مقامات اما المقام الاول [ففيه خلاف ولا بد قبل
الخوض فى تحقيق المقام من بيان ما يمكن ان يكون محلا للنقض والإبرام بين الاعلام
فاعلم انه يمكن] تصوير النزاع على وجوه ثلاثة وهى [ان يكون النزاع فى ان التكليف المتكفل
له الخطاب هل يصح تعلقه بالمعدومين كما صح تعلقه بالموجودين ام لا] او يكون النزاع [فى صحة المخاطبة معهم بل مع الغائبين عن
مجلس الخطاب بالالفاظ) كالحروف والضمائر الموضوعة لذلك (او) لا بالالفاظ بل (بنفس توجيه الكلام اليهم) وان لم يشتمل على لفظ واحد مما وضع للخطاب وفى عدم
صحته اى المخاطبة (او) يكون النزاع (فى عموم الالفاظ الواقعة عقيب أداة
الخطاب للغائبين بل المعدومين وفى عدم عمومها لهما بقرينة تلك الاداة) مثل يا ايها الذين آمنوا ويا ايها الناس (ولا يخفى ان النزاع
على الوجهين الاولين) وهما صحة التعلق وصحة المخاطبة [بكون عقليا] لكون المتنازع فيه كذلك (وعلى الوجه الاخير) يكون (لغويا) لمثل ما تقدم
قلت لا ارى لتحرير النزاع بكل من هذه الوجوه الثلاثة وجها تركن اليه النفس
ويحسن ان يكون هو الملاك فى هذا المقام لتوجيه وقوع الخصام ضرورة ان خطاب غير
الموجود الحاضر او الحاضر الغير القابل مما لا يصح بضرورة العقل إلّا بنحو من
المجاز فى نفس الخطاب او نفس المخاطب او من حيث حضوره واما عموم التكليف الذى
تضمنه الخطاب فاما الفعلى فكنفس الخطاب بداهة كما ان صحة عموم الشانى متل ذاك فى
البداهة واما اختصاص الاداة كتاليها وعموم التالى كلفظ الناس مثلا فكالاول اذا
اريد ظاهره الا بحمل الخطاب على الغير الحقيقى مجازا او حقيقة بدعوى انه حقيقة فى
الايقاعى وان انصرف الى الحقيقى عند الاطلاق وذلك أجنبي عما هو ظاهر كلماتهم فى
تحرير محل النزاع والذى يقضى به دقيق النظر فى تحريره هو ان يقال ان الكلى كما
يختلف لحاظا بحسب كونه موضوعا للتكليف فيلحظ تارة بما هو كلى موجود فى جميع
الافراد وتارة بما هو موجود فى فرد ما وتارة بما هو موجود فى فرد بخصوصه كذلك
المكلف فاذا خوطب المكلف بما هو زيد ابن عمرو اختص التكليف به بالضرورة واذا خوطب
بما هو عالم اختص الخطاب به وعم التكليف كل عالم ولم يلزم من خصوصية الخطاب خصوصية
المكلف بل لا يعقل اختصاصه بعد ان جعل عنوانه هو العالمية المتحققة فى المخاطب لا
بخصوصية الخطاب فاذا قال المولى ايها العارف بالعلم افت الناس مثلا فلا ينبغى
الريب فى ان التكليف بالافتاء عام لكل عارف وان اختص الخطاب بشخص المخاطب ومثل ذلك
ما اذا خوطب بما هو انسان بان قال ايها الانسان انت خير المخلوقات او اعبد ربك فلا
ريب فى عموم ما بعد الخطاب الخاص لكل متلبس بالماهية الإنسانية لتوجيه الحكم الى
المخاطب الخاص بما هو انسان لا بما هو فلان والخطابات على انحاء ثلثه منها ما يكون
ظاهرا فى التوجيه اليه بما هو معنون بعنوان كذا وهو الغالب ومنها ما هو ظاهر ولو
ببعض القرائن فى التوجيه اليه بما هو مخاطب خاص ومنها مشكوك الحال فيرجع فيه الى
الاصول وحينئذ فيقع النزاع فى ان الخطابات الشفاهية المختصة قطعا بالحاضرين مجلس
الخطاب العارفين به القابلين لتوجيهه اليهم المعنون فيها المخاطب بعنوان عام مثل
يا ايها الذين آمنوا
او يا ايها الناس وما اشبه ذلك هل التكاليف الموجهة بها قد وجهت الى
المخاطبين بما هم خصوص اولئك المخاطبين الحاضرين القابلين او بما هم مؤمنون واناسيون
وما ما مثل ذلك فيختص التكليف على الاول ويعم كل من وجد فيه العنوان على الثانى
حاضرا او غائبا او معدوما فيثبت التكليف عفى الغائب والمعدوم من كل مؤمن وانسان
بنفس هذا الخطاب لا بدليل آخر فيئول النزاع الى ان خصوصية المخاطب بأداة الخطاب هل
تخصص التكليف الموجه اليه بعنوانه العام المتلبس به اولا بل هو تابع للعنوان حيث
وجد ومعنى ذلك ان خصوصية المورد تخصص الوارد ام لا وهذا من احسن مقام يكون محلا
للنزاع وتنطبق عليه جميع كلماتهم فى تحرير هذا العنوان ومن العجب غفلة من غفل عن
ذلك واضطر الى تمحلات تارة فى نفس الخطاب وتارة بان التكليف الانشائى يعم دون غيره
وغير ذلك (اذا
عرفت هذا) تعلم ان الحق
هو العموم ولا حاجة فى شركة المعدومين الى الاجماع ومنه تعرف حكم المقام الثانى
وان غير البالغين بمنزلة الغائبين والمعدومين نفيا واثباتا وان ما نظر المصنف قده
به المقام من تمليك البطون المتأخرة فى الوقف هو من احسن الشواهد على ما ذكرنا حيث
ان مورد التمليك فى الوقف كان خصوص الموجودين حال الوقف لكن لا بما هم فلان ابن
فلان او بما هم حضور حال الوقف بل بما هم فقراء مثلا او ارحام او علماء او غير ذلك
مما يجعل فى الوقف عنوانا فليس العموم للغائب والمعدوم من حيث خفة مئونة التكليف
الانشائى بل لانه هو مقتضى تعلق التكليف بعنوان سارى يأبى المقيل ويكره التعريس
وان ما افاده المصنف قده فى تحقيق حال الوجوه الثلاثة مضافا الى كون جملة منه محلا
للنظر والتأمل قليل الفائدة قال قده بعد ذكر الوجوه الثلاثة وذكر كون الاولين
عقليين والاخير لغويا (فلا
ريب فى عدم صحة تكليف المعدوم عقلا بمعنى بعثه او زجره فعلا ضرورة انه بهذا المعنى
يستلزم الطلب منه حقيقة ولا يكاد يكون الطلب كذلك الامن الموجود ضرورة نعم هو
بمعنى مجرد انشاء الطلب بلا بعث وزجر لا استحالة فيه اصلا فان الانشاء خفيف
المئونة فالحكيم تبارك وتعالى ينشأ على وفق الحكم والمصلحة طلب شىء قانونا من
الموجود والمعدوم حين الخطاب ليصير فعليا بعد
ما
وجد الشرائط وفقد الموانع بلا حاجة الى انشاء آخر فتدبر) فان لقائل ان يقول ان هذا صحيح لو كان التكليف الذى
تضمنته تلك الخطابات هو الشانى وهو مقطوع بخلافه وانما تضمنت التكليف الفعلى ضرورة
انه لا يمكن البعث ولزجر الا اليه نعم هذا فى الخطابات المتضمنة لاصل تشريع
الاحكام الغير المتضمنة بعثا وزجرا فعليين فى حق الحاضرين له وجه إلّا ان لازم ذلك
التفصيل بين الخطابات فيما تضمنته مع ان الظاهر عدم القول بالفصل مضافا الى ما
عرفت من ان ذلك غير قابل لان يكون من حيث هو محلا للنزاع لوضوحه (ونظيره من غير الطلب
نشاء لتمليك فى الوقف على البطون فان المعدوم منهم يصير مالكا للعين الموقوفة بعد
وجوده بانشائه ويتلقى لها من الوقف بعقده فيؤثر فى حق الموجود منهم الملكية
الفعلية ولا مؤثر فى حق المعدوم فعلا الا استعدادها لان يصير ملكا له بعد وجوده) قلت قد عرفت ان هذا فى غاية الوضوح لانه انما يؤدى بما
لا مانع عن العموم فيه كقوله وقفت هذا الشىء على فلان ومن بعده من البطون وانما
الاشكال فيما لو قال اوقفت عليك هذا ايها العالم او الفقير فهل يعم غيره من ذى
العنوان غائبا ومعد وما اولا والكلام الكلام وقد عرفت انه على ما ذكرنا يعم ما لم
يستفد من قرنية الحال خصوصية الكلى بالمخاطب ثم قال قده (هذا اذا انشأ مقيدا
بوجود المكلف ووجدانه الشرائط فامكانه بمكان من الامكان) قلت اما اذا كان على نحو الخطاب المقيد فاستحالته
بمكان من الاستحالة مضافا الى انه متى صح خطاب المعدوم مشروطا صح مطلقا لان المانع
هو عدم اهليته للخطاب لا عدم قدرته على الأداء كما هو اوضح من ان يخفى وكيف كان
فقد ظهر لك عدم الريب فى عدم صحة تكليف المعدوم عقلا تكليفا فعليا فضلا عن كونه
منجزا بمعنى بعثه او زجره بالخطاب فعلا (وكذلك لا ريب فى عدم صحة خطاب المعدوم
بل الغائب حقيقة بل وعدم امكانه) على نحو الخطاب الحقيقى (ضرورة) ان الخطاب توجيه الكلام نحو الغير حقيقة ومن المعلوم
بالبداهة (عدم
تحقق توجيه الكلام نحو الغير حقيقة الا إذا كان موجودا وكان بحيث يتوجه الى الكلام
ويلتفت اليه ومنه قد انقدح ان ما وضع للخطاب مثل ادوات النداء لو كان موضوعا
للخطاب الحقيقى لا وجب
استعماله
فيه تخصيص ما يقع فى تلوه بالحاضرين كما ان قضية ارادة العموم منه) اى مما وضع للخطاب (لغيرهم) اى لغير الحاضرين (استعماله فى غيره) اى غير الخطاب الحقيقى (لكن الظاهر) عند المصنف قده (ان مثل ادوات النداء لم يكن موضوعا لذلك) اى للحقيقى (بل للخطاب الايقاعى الانشائى فالمتكلم
ربما يوقع الخطاب بها) اى بحروف النداء (تحسرا
وتأسفا وحزنا مثل يا كوكبا ما كان اقصر عمره) وقوله :
ايا شجر
الخابور مالك مورقا
|
|
كانك لم تجزع
على ابن طريف
|
(وتشوقا) كقوله :
يا معير
الغصن قدا اهيفا
|
|
ومعير الريم
مرضى الحدق
|
هل الى وصلك
من بعد الجفا
|
|
بلغة تنعش
باقى رمقى
|
(ونحو ذلك) كقوله أيا جارتا ما انصف الدهر بيننا وهو كثير (كما يوقعه) اى الخطاب (مخاطبا لمن يناديه حقيقة) من غير فرق بينهما اصلا (فلا يوجب استعماله فى معناه الحقيقى
حينئذ التخصيص بمن يصح مخاطبته) لما عرفت من ان المعنى الحقيقى اعم من ذلك (نعم لا يبعد دعوى
الظهور انصرافا فى الخطاب الحقيقى) فيكون حال وضع ادوات النداء (كما هو الحال فى وضع
حروف الاستفهام والترجي والتمنى وغيرها على ما حققناه فى بعض المباحث السابقة من
كونها موضوعة للايقاعى منها بدواعى مختلفه مع ظهورها فى الواقعى منها انصرافا اذا
لم يكن هناك ما يمنع عنه كما يمكن دعوى وجوده غالبا فى كلام الشارع) يعنى وجود ما يمنع عن ارادة الحقيقى والواقعى المنصرف
اليهما اللفظ (ضرورة
وضوح عدم اختصاص الحكم فى يا ايها الناس اتقوا ويا ايها المؤمنون بمن حضر مجلس
الخطاب بلا شبهة ولا ارتياب) وما ذاك إلّا لاستعمال الخطاب فى الايقاعى الممكن
توجيهه الى كل من لا يصح خطابه الحقيقى (ويشهد لما ذكرنا صحة النداء بالادوات مع
ارادة العموم من العام الواقع تلوها بلا عناية ولا للتنزيل والعلاقة رعاية وتوهم
كونه) اى التنزيل (ارتكازيا بدفعه عدم
العلم به مع الالتفات اليه والتفتيش عن حاله) ضرورة انه اذا التفت المخاطب الى حال هذا الخطاب وفتشه
لا يرى للتنزيل اثرا (مع
حصول العلم به) اى بالتنزيل (بذلك) بالالتفات والفحص
(وإلّا
فمن اين يعلم ثبوته كذلك) اى ارتكازيا قلت انه تمحل شديد وتعسف بعيد وكون الشاعر
قد نزل الكوكب الموصوف بتلك الصفة وشجر الخابور ومعير الغصن قده الاهيف والحمامة
النائحة منزلة الحاضر الفاهم السامع بعلاقات مستحسنة فى كل بحسبه ليس هذا موضع
ذكرها وجعله اهلا لندائه مما لا يخفى على اهل الفن ولم يستعذب منه هذا الشعر الا
بهذه التجوزات وامثالها ولو كان النداء قد استعمل فيما وضع له لم يكن الشعر بهذه
العذوبة فلاحظ كلمات علماء المعانى والبيان والبديع لتعرف موضع هذا الكلام وتحظى
ببلوغ المرام ومن العجب قوله بلا عناية ولا رعاية واى عناية ورعاية اوضح من هذه
والذى الجأه الى هذا التمحل ما يراه من وضوح عموم التكاليف لموجهه بالخطابات
الشفاهية للحاضرين وغيرهم مع وضوح عدم شمول أداة الخطاب الا للحاضر وقد عرفت المنشأ
فى ذلك وان الخطاب مستعمل فى معناه الحقيقى الموضوع له ولا معنى له سواه مما يسمى
بالايقاعى بما لا مزيد عليه وقد عرفت ايضا فيما مر الكلام فى الترجى والتمنى
والاستفهام فافهم واستقم وبذلك ظهر لك ان قوله قده (وان اتيت الا عن وضع الادوات للخطاب
الحقيقى فلا مناص عن التزام اختصاص الخطابات الالهية) الحاصلة (بأداة الخطاب او بنفس توجيه الكلام بدون
الاداة كغيرها بالمشافهين فيما لم يكن هناك قرينة على التعميم) ضعيف جدا والمناص واضح ولا موجب لالتزام الاختصاص (و) لا داعى للوقوع فيما (توهم) من (صحة
التزام التعميم فى خطاباته تعالى لغير الموجودين فضلا عن الغائبين لاحاطته) جل شانه (بالموجود فى الحال والموجود فى
الاستقبال) لانه توهم (فاسد) وخيال (كاسد ضرورة ان احاطته لا توجب صلاحية) المحاط من (المعدوم بل الغائب للخطاب وعدم صحة
المخاطبة معهما) انما هو (لقصورهما) وذلك (لا يوجب نقصا فى ناحيته تعالى كما لا
يخفى كما ان خطابه اللفظى تدريجيا متصرم الوجود كان قاصرا عن ان يكون موجها نحو
غير من كان بمسمع منه) فعدم عموم الخطاب للغائب لقصور فى نفس الخطاب وللمعدوم لقصور فيه لوجود
الاهلية فى الغائب وفقدها فى المعدوم كما هو واضح (ضرورة
هذا
لو قلنا بان الخطاب بمثل يا ايها الناس اتقوا فى الكتاب حقيقة الى غير النبى صلىاللهعليهوآله بلسانه) اى بلسان انه خطاب للنبى ص من باب اياك اعنى واسمعى يا
جاره (واما
اذا قيل بانه) هو (المخاطب
والموجه اليه الكلام حقيقة وحيا او الهاما فلا محيص الا عن كون الاداة فى مثله
للخطاب الايقاعى لا الحقيقى ولو مجازا وعليه لا مجال لتوهم اختصاص الحكم المتكمل
له الخطاب بالحاضرين بل يعم المعدومين فضلا عن الغائبين) قلت قد عرفت انه لا مانع عن كون الخطاب حقيقيا خاصا
والحكم عام لعموم عنوانه المنطبق على المخاطب كما عرفت تحقيقه وقد خرجنا من هذه
المسألة وهى فى غاية الوضوح فالحمد لله وذلك فضل الله (فصل) (ربما
قيل انه يظهر لعموم الخطابات الشفاهية للمعدومين ثمرتان الاولى حجيته ظهور
الخطابات لهم كالمشافهين وفيه به مبنى على اختصاص حجيه الظواهر بالمقصودين
بالافهام وقد حقق عدم الاختصاص بهم) وان الصواب فى ذلك التفصيل بان المعنى الموجه بالخطاب
ان كان المقصود به افهام المخاطب خاصه كان الخطاب له خاصه فلا يكون الظهور حجة فى
حق غيره وان كان المقصود بالافهام اعم من المقصود بالخطاب كان حجة قطعا والى ذلك
اشار قده بقوله (ولو
سلم فاختصاص المشافهين بكونهم مقصودين بذلك) اى بالافهام (ممنوع) اذ لا ملازمة عقلا ولا شرعا ولا عرفا بين اختصاص
الخطاب واختصاص قصد الافهام كما هو كذلك فى المقام فانا لا نسلم اختصاصهم بذلك (بل الظاهر ان الناس
كلهم الى يوم القيمة يكون) شأنهم (كذلك وان لم يعمهم الخطاب كما يومئ اليه) بل ينص عليه (غير واحد من الاخبار) الواردة فى الاستشهاد بآيات الكتاب الصريحة فى ذلك (الثانية صحة التمسك
باطلاقات الخطابات القرآنية بناء على التعميم لثبوت الاحكام لمن وجد وبلغ من
المعدومين وان لم يكن متحدا مع المشافهين فى الصنف) فيما اذا شك لاجل ذلك فى ثبوت الحكم لان الخطاب من حيث
عمومه لهم بمنزلة الخطاب لهم ابتداء فى الاخذ باطلاقه وعمومه مع الشك فى تقييده
وتخصيصه (وعدم
صحته) اى التمسك
بناء (على
عدمه) اى عدم
التعميم (لعدم
كونها حينئذ متكفلة لاحكام غير المشافهين
فلا
بد من اثبات) شرط الموضوع من (اتحاده) اى المعدوم (معهم) اى مع المشافهين (فى الصنف حتى يحكم بالاشتراك مع
المشافهين فى الاحكام) الثابتة لهم (حيث
لا دليل عليه حينئذ الا الاجماع) ولا اجماع الا فيما اتحد للصنف ولو لانه القدر (المتيقن كما لا يخفى
ولا يذهب عليك انه يمكن) سلوك طريق مستقيم يحصل به (اثبات الاتحاد فى الصنف وعدم دخل ما كان
المكلف المنع) فى هذا (الآن) الموجود فعلا بعد ما كان معدوما (فاقدا له مما كان
المشافهون واجدين له) من الصفات والطوارى وهو التمسك (باطلاق الخطابات اليهم) اى الى المشافهين (من دون التقييد به) اى بذلك الطارى من الصفات (وكونهم) اى المشافهين (كذلك) اى واجدين لذلك الطارى (لا يوجب صحة الاطلاق مع ارادة المقيد
معه) اى مع
الاطلاق (فيما
يمكن ان بتطرق اليه الفقدان وان صحح فيما لا يتطرق اليه ذلك) وبعبارة اخرى ان المكلف الواجد لصفة من الصفات لا يمكن
ان بوجه اليه المكلف مطلقا غير مقيد بوجود تلك الصفة اذا كان لتلك الصفة مدخل فى
التكليف اذا كانت الصفة ليست من الامور اللازمة له بل توجد فيه تارة وتفقد اخرى
فلا يمكن ان توجه التكليف بالحج على نحو الاطلاق للمستطيع بل لا بد من ان تقيد
بالاستطاعة لافادة الاطلاق ثبوت التكليف حتى مع عدمها مع انها شرط فيه نعم يمكن
ذلك فى الصفة اللازمة التى لا تنفك ابدا اذ لا مورد لصورة فقدانها بعد وجدانها
ليكون منافيا للاطلاق مع دخلها فى الحكم الثابت وهذا فى غاية الوضوح فالمعدومون
متحدون مع المشافهين صنفا بحكم الاطلاقات التى لم تؤخذ فيها تلك الصّفات الموجودة
فهم الجائز انفكاكها عنهم قيدا فى الاحكام فالمخالفة بين الفريقين فى تلك الصفات
لا توجب الاختلاف وعدم الاتحاد فى المصنف (وليس لمراد بالاتحاد فى الصنف لا
الاتحاد فيما اعتبر قيدا فى الاحكام لا الاتحاد فيما كثر الاختلاف بحسبه والتفاوت
بسببه بين الانام بل فى شخص واحد بمرور والدهور والايام وإلّا) ولو كان موجبا لعدم الاتحاد (لما ثبت بقاعدة
الاشتراك للغائبين عن مجلس الخطاب فضلا عن المعدومين حكم من الاحكام) لكثرة تفاوت الطرفين فى مثل تلك الصفات (ودليل الاشتراك
انما
يجدى فى) خصوص (عدم اختصاص التكاليف
باشخاص المشافهين فيما لم يكونوا معنونين به للشك فى شمولها لهم ايضا) اى للمعدومين ولا ينقع دليل الاشتراك اكثر من ذلك (فلو لا الاطلاق وثبات
عدم دخل ذاك العنوان فى الحكم لما افاد دليل الاشتراك) شيئا (ومعه كان الحكم يعم غير المشافهين ولو
قبل باختصاص الخطابات بهم) قلت قد كاد المصنف ان يظفر بما ذكرنا فى كيفية التعميم
وما كنا واقفين على هذه العبارة وكيف كان فقد عرفت ان الحكم المعلق على عنوان مطلق
ولو فى مخاطب خاص يفيد العموم بقرينة الحكمة ولا حاجة الى دليل الاشتراك من اجماع
وغيره اصلا بل نفس توجيه التكليف بهذه الصورة وان اختص الخطاب دليل اشتراك كل معنون
بذلك العنوان فيه من حاضر او غائب او معدوم (فتأمل جيدا فتلخص انه لا يكاد تظهر
الثمرة الا على القول باختصاص حجية الظواهر بمن قصد إفهامه مع كون غير المشافهين
غير مقصودين بالافهام وقد حقق عدم الاختصاص به) اى بالمقصود بالافهام (فى غير المقام واشير) آنفا (الى منع كونهم غير مقصودين به فى
خطاباته تبارك وتعالى وان قلنا باختصاص الخطاب فى المقام) (فصل
هل تعقب العام بضمير يرجع الى بعض افراده يوجب تخصيصه به أو لا فيه
خلاف بين الاعلام وليكن محل الخلاف ما اذا وقعا فى كلامين) وان كان خلاف ظاهر التحرير جدا اذ ليس ذلك تعقبا عرفا (او فى كلام واحد) كما هو الظاهر (مع استقلال العام بما حكم عليه فى
الكلام) بان يكون كل
من الجملة التى فيها العام والجملة التى فيها الضمير كلاما تام الفائدة (كما فى قوله تبارك
وتعالى (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) الى
قوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ)) الخاص بالمطلقات الرجعية (واما ما اذا كان
كلاهما فى جملة واحدة مثل والمطلقات ازواجهن احق بردهن فلا شبهة فى تخصيصه به) والحاصل محل الكلام ما اذا ذكر العام بلفظه وحكم عليه
بحكم عام على حد عمومه ثم ذكر العام بضميره وحكم عليه بحكم يخص بعض افراده (والتحقيق ان يقال) اما بناء على ان العام المخصص مستعمل فى الباقى فالامر
دائر بين جعل الضمير مخصصا للعام فيلزم ان اريد بالعام المعنى المجازى خاصه ان
تكون عدة غير الرجعيات مسكونا عنها بناء
على عدم افادة تعريف المسند اليه باللام الحصر ومنصوصا على خروجها عن هذه
العدة بناء على الحصر وان اريد به المعنى الحقيقى بالنسبة الى التربص والمجازى
بالنسبة الى الرد يلزم استعمال اللفظ فى معنييه الحقيقى والمجازى وبين التصرف فى
نفس الضمير بالمجازية اما فى الكلمة او فى الاسناد فلا يلزم شيء من ذلك ولا شك ان
الثانى اولى بل هو المتعين واما بناء على ان العام باق على معناه الحقيقى بعد
التخصيص كما هو الحق فلا اشكال بالمرة لعدم المنافاة بين كون العام حجة بالنسبة
الى حكم التربص فى جميع الافراد وعدم حجيته فى غير الرجعيات بالنسبة الى حكم
الاحقية بالرد نعم لا يذهب عليك انه على هذا التقدير يكون المزاحم للحجية ليس نفس
المخصص بل الدليل الدال على اختصاص حكم الرد بالرجعيات المزاحم لحجية ظهور العام
فى لحوق الحكم للجميع بخلاف الاول فان الموجب لاستعمال العام فى الباقى نفس المخصص
كما لا يخفى على البصير الناقد هذا كله مضافا الى ما افاده المصنف قده من (انه حيث دار الامر
بين التصرف فى العام بارادة خصوص ما اريد بالضمير الراجع اليه او التصرف فى ناحية
الضمير اما بارجاعه الى بعض ما هو المراد من مرجعه او الى تمامه لكن مع التوسع فى
الاسناد) وذلك (باسناد الحكم المسند
الى البعض حقيقة) وهو الاحقية فى الرد (الى
الكل توسعا وتجوزا) لكون اكثر المطلقات هى الرجعيات (كانت اصالة الظهور فى طرف العام سالمة
عنها) اى عن اصالة
الظهور (فى
جانب الضمير) ولا يخفى ان المقام مقام الاظهار لا الاضمار وكيف كان فالمراد ان الاصل
فى جانب العام سالم عن معارضته بالاصل فى جانب الضمير (وذلك لان المتيقن من
بناء العقلاء فى العمل بالظاهر هو اتباع الظهور فى تعيين المراد لا فى تعيين) كيفية الاستعمال والارادة و (انه على نحو الحقيقة
او) على نحو (المجاز فى الكلمة او) المجاز (فى الاسناد مع) حصول (القطع بما يراد كما هو الحال فى ناحية
الضمير) فان كون
المراد منه بعض العام مقطوع به انما الاشكال فى كيفية الارادة (وبالجملة اصالة
الظهور انما يكون حجة فيما اذا شك فيما اريد من العام لا فيما اذا) قطع بما اريد و (شك
فى
انه كيف اريد فافهم لكنه) انما يكون حجة (اذا العقد للكلام ظهور فى العموم بان لا
يعد ما اشتمل على الضمير مما يكتنف به عرفا وإلّا فيحكم عليه بالاجمال) لما عرفت من عدم انعقاد ظهور للعام فى مثل ذلك (ويرجع الى ما يقتضيه
الاصول) اللهم (لا ان يقال باعتبار
اصالة الحقيقة تعبدا حتى فيما اذا احتف بالكلام ما لا يكون ظاهرا معه فى معناه
حقيقى كما فى كلام بعض الفحول) قلت قد عرفت ان الظهور ينعقد مع جميع القرائن اللفظية
لمتعقبه لذى الظهور واصالة بنفسه حجة من غير فرق بين لتخصيص بالمتصل والمنفصل على
ما حققناه سابقا وبينا ان عدم انعقاد ظهور منحصر فى القرائن الحالية المقارنة للفظ
حين النطق وان انقلاب الظهور فى المعنى الحقيقى الى الظهور فى المعنى المجازى
منحصر فى قرينة المجاز ولعل هذا هو مراد بعض الفحول لا القول باتباع اصالة الحقيقة
مع تسليم عدم الظهور وكيف كان فمن العجب اقتصار المصنف قده على هذا الوجه فى ترجيح
ابقاء العام على عمومه والتصرف فى الضمير وعدم التفاته الى ما ذكرناه من التفصيل
مع انه قده هو أسه واساسه ومن نتائجه عرف قياسه (فصل قد اختلفوا فى جواز التخصيص
بالمفهوم المخالف مع الاتفاق على الجواز للمفهوم الموافق) الراجع لى دلالة اللفظ بحكم العقل على ثبوت الحكم فى
الاشد بطريق أولى وفى التساوى بتنقيح المناط المسمى عندهم بلحن الخطاب (عن قولين وقد استدل
بكل منهما بما لا يخلو عن قصور وتحقيق المقام) ان ظهور العام فى العموم والشرطية فى المفهوم متزاحمان
فى الحجية متصلين ومنفصلين لما عرفت من ان الظهور ينعقد بمجرد النطق باللفظ فيتصف
بالحجية بتلازمهما فى الوجود تلازم الاربعة والزوجية غاية الامر ان الحجية فى
المزاحم المتصل أقصر عمرا منها فى المزاحم المنفصل سواء كان الظهور فى ذلك
بالاطلاق ومقدمات الحكمة وبالوضع وبالمجاز لان الموضوع للمزاحم هو الظهور المنعقد
فى المعنى المراد لا فى المعنى الحقيقى خاصه وحينئذ فان كان مستند الظهورين واحدا
ولم يكن فى البين ما يوجب ظهورية احدهما من الآخر بمعنى (انه اذا ورد العدم
وما له المفهوم) من شرط وغاية وغيرهما (فى
كلام) واحد (او فى
كلامين
ولكن) لا مطلقا بل
على شرط ان يكونا (على
نحو) بحيث يصلح ان
(يكون
كل منهما قرينة متصلة للتصرف فى الآخر) فيكونا بحكم الكلام الواحد (ودار الامر بين تخصيص
العموم او الغاء المفهوم فالدلالة على كل منهما) لا بد ان تلحظ (فان كانت) فيهما معا (بالاطلاق بمعونة مقدمات الحكمة او
بالوضع) ولم تحصل من
القرائن الحالية لاحدهما اظهرية (فلا يكون هناك عموم ولا مفهوم لعدم
تمامية مقدمات الحكمة فى واحد منهما لاجل المزاحمة) والعلم الاجمالى بارادة خلاف الظاهر فى احدهما وحيث لا
معين فلا تتم مقدمات الحكمة لاستلزام ذلك العلم الاجمالى القطع ببطلان احدهما واما
صلوح كل منهما لكونه بيانا فهو بمجرده لا يصلح لرفع مقدمات الحكمة ما لم يكن بحكم
العرف او العقل بيانا (كما) لا عموم ولا مفهوم ايضا [فى مزاحمة ظهور احدهما وضعا لظهور الآخر
كذلك فلا بد من العمل بالاصول العملية فيما دار] الامر [فيه بين العموم والمفهوم] بالشرط المعلوم مطلقا وان كانت فى احدهما بالوضع وفى
الآخر بالاطلاق ومقدمات الحكمة فالظاهر ان الظهور الوضعى اقوى ما لم يكن الاستعمال
فى المعنى الموضوع له نادرا جدا كالمهجور فيكون الاطلاقى اقوى وهذا من الوضوح
بمكان فما افاده المصنف قده من ان الرجوع الى الاصول العملية فى المتساويين انما
يكون (اذا
لم يكن مع ذلك احدهما اظهر وإلّا كان مانعا عن انعقاد الظهور او استقراره فى الآخر) ضعيف لما عرفت مرارا فلا نعيد وبالجملة فتحقيق هذه
المسألة هو ما ذكرناه من التفصيل (ومنه قد انقدح الحال فيما) افاده قده من انه (اذا لم يكن بين ما دل على العموم وما له
المفهوم ذاك الارتباط والاتصال] فلا يقدم احدهما على الآخر بمجرد النظر الى ذلك (وانه لا بد من ان
يعامل مع كل منهما معاملة المجمل لو لم يكن فى البين اظهر وإلّا فهو المعول
والقرنية على التصرف فى الآخر بما لا يخالفه بحسب العمل) ثم لا يذهب عليك ان محل الكلام ما كان المفهوم فيه اخص
مطلقا من العام وفى تقريرات بعض الاعاظم ذكر حال حكم المسألة مع باقى النسب بين
العموم والمفهوم بماله تعلق بمقام المعارضة بكلام طويل يأتى هذا المختصر عن التعرض
لمثله فلاحظ (فصل
الاستثناء المتعقب لجمل متعددة
هل
الظاهر هو رجوعه الى
الكل
او خصوص الجملة الأخيرة او لا ظهور له فى واحد منهما بل لا بد فى التعيين من قرنية) فيه (اقوال والظاهر انه لا خلاف ولا اشكال فى
رجوعه الى الأخيرة على اى حال ضرورة ان رجوعه الى غيرها بلا قرينة) غير محتمل لانه (خارج عن طريقة اهل المحاورة وكذا) لا خلاف ايضا (فى صحة رجوعه الى الكل وان كان المتراءى
من كلام صاحب المعالم) خلاف ذلك (حيث) انه قده (مهد مقدمة لصحة رجوعه اليه) فكشف عن (انه محل الاشكال والتأمل وذلك ضرورة ان
تعدد المستثنى لا يوجب تفاوتا اصلا فى ناحية الاداة بحسب المعنى) سواء [كان الموضوع له فى الحروف عاما او خاصا] وكيف يوجب ذلك التفاوت وقد [كان المستعمل فيه
الاداة فيما كان المستثنى منه متعددا هو] بعينه [المستعمل فيه فيما كان] المستثنى منه [واحدا كما هو الحال فى المستثنى بلا ريب
ولا اشكال] [و] من البديهى ان [تعدد المخرج او المخرج عنه خارجا لا
يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الاخراج مفهوما] ضرورة ان الاخراج الواحد يتعلق بالواحد من الواحد
وبالمتعدد من المتعدد ولا يتعدد الاخراج إلّا بتعدد الاستعمال وان كان المخرج
واحدا او المخرج عنه كذلك [وبذلك
يظهر انه لا ظهور لها فى الرجوع الى الجميع او خصوص الأخيرة وان كان الرجوع اليها
متيقنا على كل تقدير] بالنظر الى ما عليه اهل المحاورة فى محاوراتهم وإلّا فيمكن عقلا الرجوع
الى غير الأخيرة خاصه كما سبق (نعم
غير الأخيرة ايضا من الجمل) عند المصنف قده (لا يكون ظاهرا فى العموم لاكتنافه بما
لا يكون معه ظاهرا فيه) من الاستثناء المحتمل رجوعه اليه (فلا بد فى مورد الاستثناء فيه من الرجوع
الى الاصول) العملية (اللهم
إلّا ان يقال بحجية اصالة الحقيقة تعبدا لا من باب الظهور) فلا ينافى الحمل على العموم عدم ظهور العام او يقال
بانعقاد الظهور بمجرد النطق بالعام لتحقق تمام علة وجوده فيتحقق معه وصف الحجية
ولا يزاحمه احتمال رجوع الاظهر اليه لاوله الى الشك فى التخصيص فيدفع بالعام ولا
يمكن ذلك فى الجملة الأخيرة ليتقن الرجوع اليها فيلزم تقديم الاظهر على الظاهر
واما التفصيل بناء على اصالة الحقيقة تعبدا بين العموم وضعا او حكمة (فيكون المرجع عليه
اصالة لعموم اذا
كان) العموم (وضعيا لا ما اذا كان بالاطلاق ومقدمات
الحكمة فانه لا يكاد يتم تلك المقدمات مع صلوح الاستثناء للرجوع الى الجميع) ففيه ما عرفت سابقا من انه لا يصلح لرفع مقدمات الحكمة
مجرد صلوح الموجود للبيانية بل لا بد من حكم العرف والعقل بكونه بيانا والى ذلك
اشار بقوله (فتأمل
فصل
الحق جواز تخصيص) عمومات (الكتاب
بخير الواحد بالخصوص
كما جاز) تخصيصها (بالكتاب او بالخير) المقطوع بسنده من [المتواتر او المحفوف بالقرنية القطعية
من خبر لواحد بلا ارتياب] قضاء لدليل الحجية المطلق بالنسبة الى الآثار وعدم
المخصص بالنسبة الى اثر دون اثر و [لما هو الواضح من سيرة الاصحاب المتحققة
على العمل باخبار الآحاد فى قبال عمومات الكتاب الى زمن الأئمة عليهمالسلام واحتمال ان يكون
وقوع ذلك منهم بواسطة القرنية] المعلومة لديهم وان خفيت علينا [واضح البطلان] يعلم ذلك من تتبع موارد عملهم واستشهاداتهم فى موارد
كثيرة لا تحصى [مع
انه لولاه] اى لو لا
العمل بخير الواحد الخاص فى قبال عام الكتاب [لزم الغاء الخبر بالمرة او ما] هو [بحكمه] اى بحكم الالغاء له بالمرة تنزيلا للفرد النادر منزلة
المعدوم [ضرورة
ندرة] وجود [خبر لم يكن على خلافه
عموم الكتاب لو سلم وجود ما لم يكن كذلك] اى وجود خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب فى الاخبار [وكون العام الكتابى
قطعيا صدورا وخبر الواحد ظنيا سندا] ولا يجوز تحكيم الظنى على القطعى واضح الفساد ضرورة ان
ذلك [لا
يمنع عن التصرف فى دلالته الغير القطعية قطعا وإلّا] فلو كان القطع بالصدور بمجرده مانعا [لما جاز تخصيص الخبر
المتواتر به ايضا مع انه جائز جزما والسر] فى ذلك [ان الدوران فى الحقيقة بين اصالة العموم] الظنية فى العام الكتابى [ودليل سند الخبر] القطعى ضرورة انه لا بد من انتهائه الى القطع [مع ان الخبر بدلالته
وسنده صالح للقرينة على التصرف فيها] اى فى اصالة العموم (بخلافها فانها غير صالحة لرفع اليد عن
دليل اعتباره) وإلّا لزم تقديم الظنى فى آخر مراتبه على القطعى وهو باطل جزما (ولا ينحصر الدليل على) حجية (الخبر بالاجماع كى يقال) بانه لا اطلاق فى الدليل اللبى فيلزم الاقتصار على
القدر المتيقن وذلك منحصر (فيما
لا يوجد على خلافه دلالة ومع وجود
الدلالة) للعمومات [القرآنية يسقط وجوب العمل كيف وقد عرفت) ان لا حاجة الى اطلاق الدليل ضرورة (ان سيرتهم مستمرة على
العمل به فى قبال العمومات الكتابية والاخبار الدالة على ان الاخبار المخالفة
للقرآن يجب طرحها او ضربها على الجدار اوانها زخرف او انها مما لم يقل بها الامام عليهالسلام) على اختلاف السنتها (وان كانت كثيرة جدا) وقد ذكرنا منها فى تعليقنا على رسالة الظن ما يزيد على
ثلثين (وصريحة
الدلالة على خروج المخالف إلّا) انه اذا سبرها العارف بمواقع الحال وبديع المقال وجمع
بينها ونزلها منزلة كلام واحد من متكلم واحد عرف بالضرورة (انه لا محيص عن ان
يكون المراد من المخالفة فى هذه الاخبار غير مخالفة العموم) والخصوص والاطلاق والتقييد (ان لم نقل انها ليست
من المخالفة عرفا كيف وصدور الاخبار المخالفة للكتاب بهذه المخالفة منهم ع] فى موارد [كثيرة جدا) والظاهر من كثير منها ان المراد المخالفة فى اصول
الدين ويحتمل فيها وجوه أخر تذكر فى محلها إن شاء الله تعالى (هذا مع قوة احتمال ان
يكون المراد انهم لا يقولون بغير ما هو قول الله تبارك وتعالى واقعا وان كان على
خلافه ظاهرا لكنه يكون شرحا لمرامه تعالى وبيانا لمراده من كلامه فافهم) فان لقائل ان يقول ان هذا مستلزم للدور لتوقف عدم كونه
مخالفا على كونه شارحا ومبينا للمراد واقعا وتوقف كونه شارحا على عدم كونه مخالفا
وبعبارة اخرى تخصيص العام الكتابى بالخاص الخبرى موقوف على عدم كونه من المخالف
الواجب طرحه وعدم كونه من المخالف موقوف حسب الفرض على تخصيص العام به وشرحه فتأمل
جدا هذا مضافا إلّا ان ذلك يوجب انحصار المخالفة فى خصوص ما لو كان كل مما فى
الكتاب والخبر نصا فى خلاف الآخر لان احتمال الشارحية سار فى كل ما يحتمل ان يراد
خلاف ظاهره كما لا يخفى هذا (والملازمة
بين جواز التخصيص وجواز النسخ ممنوعة) فلا يكون عدم جواز النسخ دليلا على عدم جواز التخصيص
كما استند اليه بعضهم (وان
كان مقتضى القاعدة جوازهما) معا او عدم جوازهما إلّا ان ذلك (لاختصاص النسخ
بالاجماع على المنع مع) انه قياس مع الفارق ضرورة (وضوح الفرق بتوافر الدواعى الى ضبطه
ولذا
قل
الخلاف فى تعيين موارده بخلاف التخصيص) فلا يكون عدم نقل النسخ شاهدا على عدم الجواز لو قيل
به (فصل
لا يخفى ان الخاص والعام المتخالفين] حكما انما (يختلف حالهما ناسخا ومخصصا ومنسوخا)
لاختلاف حالهما
بحسب الصدور تقارنا وتعاقبا قبل حضور وقت العمل وبعده وذلك (لان الخاص ان كان مقارنا
مع العام او واردا بعده قبل حضور وقت العمل به) اى بالعام (فلا محيص عن كونه مخصصا) للعام (وبيانا له وان كان واردا بعد حضوره كان
ناسخا لا مخصصا) وانما تعين ذلك (لئلا
يلزم تاخير البيان عن وقت الحاجة فيما اذا كان العام واردا لبيان الحكم الواقعى
وإلّا) فلو كان
واردا لبيان الحكم الظاهرى (لكان
الخاص ايضا مخصصا له كما هو الحال فى غالب العمومات والخصوصات فى الآيات والروايات) مع طول الفصل وعمل الكل فانها بالنسبة الى اهل ذاك
العصر حكم ظاهرى وقد بينا فى محله ان هذا دليل على الموضوعية فى الاحكام الظاهرية
بالمعنى الذى ذكرناه وحققناه فى رسالتنا كنز التحقيق فى جعل الامارة والطريق لا
على ما هو المشهور فلاحظ هذا اذا كان الخاص واردا بعد حضور وقت العمل بالعام (وان كان العام واردا
بعد حضور وقت العمل بالخاص فكما يحتمل ان يكون الخاص) المتقدم (مخصصا للعام) المتأخر كذلك (يحتمل ان يكون العام ناسخا له وان كان
الاظهر ان يكون الخاص مخصصا لكثرة التخصيص) وشيوعه (حتى اشتهر ما من عام إلّا وقد خص) الشامل حتى لنفسه (مع قلة النسخ فى الاحكام جدا وبذلك) اى بكثرة التخصيص وقلة النسخ (يصير ظهور الخاص فى
الدوام) واستمرار
حكمه الى يوم القيام [ولو
كان] الظهور [بالاطلاق] وقرينة الحكمة (اقوى من ظهور العام) فى ذلك (ولو كان بالوضع كما لا يخفى هذا) كله (فيما لو علم تاريخهما اما لو جهل وتردد
بين ان يكون الخاص) واردا (بعد
حضور وقت العمل بالعام او قبل حضوره فالوجه هو الرجوع الى الاصول العملية) وعدم الحكم بالتخصيص ولا بالنسخ (وكثرة التخصيص وندرة
النسخ وان كانا يوجبان الظن بالتخصيص وانه واجد لشرطه) وهو ورود الخاص بعد العام قبل حضور وقت العمل به او
قبل العام ولو بعد
حضور وقت العمل به لكون غلبة التخصيص موجبه للظن به (إلحاقا له) اى للمورد المشكوك (بالغالب إلّا انه) ظن (لا
دليل على اعتباره وانما يوجبان الحمل عليه) اى على التخصيص (فيما اذا ورد العام بعد حضور وقت العمل
بالخاص مع انه كورود الخاص كذلك) وقد حمل على النسخ لوضوح الفرق بين المقامين وذلك (لصيرورة الخاص بذلك) فى الدلالة (على الدوام) لما تضمنه من الاحكام (اظهر من العام) وهو الذى اوجب الحمل على النسخ فى الصورة الاخرى (كما اشير اليه) بخلاف مقام الشك لعدم احراز ما يكون الخاص يسبب احرازه
اظهر فيما يوجب الحمل على النسخ [فتدبر جيدا ثم] لا يخفى [ان تعين الخاص للتخصيص] وبطلان كونه ناسخا فيما [اذا ورد قيل حضور وقت العمل بالعام او
فيما اذا ورد العام قبل حضور وقت العمل به] اى بالخاص (انما يكون مبنيا على) ما هو المشهور فيما حكى من (عدم جواز النسخ قبل
حضور وقت العمل) استنادا الى لزوم البدا فى حقه تعالى عن ذلك مع وضوح بطلانه عقلا وإلّا
فبناء على الجواز لعدم استلزامه محالا (فلا يتعين الخاص له) اى للتخصيص (بل يدور الامر بين كونه مخصصا وناسخا فى
الاول) وهو ما اذا
ورد الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام (ومخصصا ومنسوخا فى الثانى) وهو ما اذا ورد العام قبل حضور وقت العمل بالخاص إلّا
ان الاظهر مع ذلك (كونه
مخصصا ولو فيما) يتفق من الموارد التى لو قطع النظر عن ساير الامور الخارجية لكان العام
مقدما على الخاص والخاص محمولا على شىء آخر وذلك حيث (كان ظهور العام فى
عموم الافراد اقوى من ظهور الخاص فى الخصوص) من الافراد وانما كان اظهر حتى فى مثل هذا المورد (لما اشير اليه من
تعارف التخصيص وشيوعه وندرة النسخ جدا فى الاحكام) وقد انجر الكلام الى ذكر الفرق بين ما قبل حضور وقت
العمل وبعده من حيث جواز النسخ وعدم جوازه (ولا بأس بصرف) عنان (الكلام الى ما هو نخبة القول فى النسخ فاعلم
ان النسخ) يختلف معناه
حين يضاف الى الحكم بالنسبة الى مقامى الاثبات والثبوت ضرورة انه (وان كان هو رفع الحكم
الثابت اثباتا) وفى مقام الاستدلال وهو المقام الاول (إلّا انه فى الحقيقة
هو
دفع الحكم ثبوتا) وواقعا وهو المقام الثانى بل هو اندفاع الحكم وانتهاء عمره لاختلاف
مقتضيات الاحكام فى مقدار اقتضاءاتها فمنها ما هو الى يوم القيامة ومنها ما هو
محدود بحد فعند انتهاء الاقتضاء يقتضى الحكم نحبه وهو اجله المحتوم فلا دفع ولا
رفع نعم لو كان الانتهاء لفقد شرط او لوجود مانع فقدانا ووجدانا حادثين فهو اجله
المخروم ويكون دفعا من جهة ورفعا من اخرى اما مع انعدام نفس العلة بمعنى انتهاء حد
وجودها فهو موجب لانتهاء حد وجود الحكم فهو ذاتا لا دوام فيه (وانما اقتضت الحكمة
اظهار دوام الحكم واستمراره او) اقتضت الحكمة (اصل انشائه واقراره) على وجه يكون فى معرض العمل على حد سائر الاحكام (مع انه بحسب الواقع
ليس له قرار) بل هو من النفوس القصيرة الاعمار (وذلك لان النبى ص الصادع للشرع ربما
يلهم او يوحى اليه ان يظهر الحكم واستمراره مع اطلاعه على حقيقة الحال) وما يصير اليه الحكم فى المثال (وانه ينسخ فى
الاستقبال او مع عدم اطلاعه على ذلك لعدم احاطته بتمام ما جرى فى علمه تبارك
وتعالى) اذ ليس ذلك
من لوازم النبوة عقلا وشرعا فقد يكون وقد لا يكون (ومن هذا القبيل لعله يكون امر ابراهيم
بذبح اسماعيل وحيث عرفت) مما حققناه حقيقة النسخ و (ان النسخ بحسب الحقيقة يكون) اندفاعا لا [دفعا] وارتفاعا لا رفعا (وان كان يحسب الظاهر) يسمى (رفعا) وعرفت مقدار اختلاف المقتضيات التابع له مقدار آثارها (فلا بأس به مطلقا ولو
كان قبل حضور وقت العمل لعدم لزوم البداء المحال فى حقه تبارك وتعالى بالمعنى
المستلزم لتغير ارادته تعالى مع اتحاد الفعل ذاتا وجهة) الكاشف عن عدم احاطته بالمعلومات وكيفياتها تعالى عن
ذلك (عُلُوًّا كَبِيراً) [وإلّا
لزم] صحة ما ذهب
اليه المانع من (امتناع
النسخ او الحكم المنسوخ) قائلا (فان
الفعل ان كان مشتملا على مصلحة موجبه للامر به امتنع النهى عنه وإلّا امتنع الامر
به) وبطلان ما
استند اليه فى غاية الوضوح بعد التأمل فيما ذكرنا وذلك اما اولا (فلان الفعل او دوامه
لم يكن متعلقا لارادته تعالى فلا يستلزم نسخ امره بالنهى تغير ارادته و) اما ثانيا فلانه (لم يكن الامر بالفعل من جهة كونه مشتملا
على مصلحة وانما كان انشاء الامر به واظهار دوامه)
ناشئا (عن
حكمة ومصلحة هذا) كله فى وقوع البدا فى التشريعيات (واما) وقوع (البدا فى التكوينيات بغير ذاك المعنى) المستحيل عليه تعالى مما يكون بداء صوريا (فهو مما يدل عليه
الروايات المتواترات كما لا يخفى) على من لاحظ كتب الاخبار فى باب البداء (ومجمله) الذى به يتضح لك مفصله هو (ان الله تبارك وتعالى) لما كان عالما بحقايق الاشياء وما تصير اليه وما
تقتضيه ذواتها بذواتها او بعوارضها الطارئة عليها بحسب اختلاف الاحوال والاوقات
والازمان فربما كانت ذات الشىء بنفسها تقتضى شيئا وربما كان اقتضائها ناقصا فيكمل
ببعض عوارض الذات من خصوصيات الصفات وربما لم يكن فى الذات اقتضاء بحسب حال ثم
يكون فيها بحسب آخر وغير ذلك كعالم المركب الانسانى المقتضى بحسب المصلحة العائدة
لنفس الذات ان يكون قصير العمر ومفتر الرزق وقليل لولد او عقيمه وغير ذلك وبحسب
المصلحة الحادثه فيها بحدوث دعاء او صدقه او صلة رحم اورد اغتياب مؤمن او انتصار
لمظلوم او غير ذلك ان يكون طويل العمر واسع الرزق كثير الولد وقد يكون الامر
بالعكس بان كان بحسب المصلحة الذاتية ممن ثبت له ما ثبت للاول بحسب الطوارى وبحسب
ضد تلك الطوارى من ترك لدعاء ياسا من روح الله او قطيعة لرحم او نصرة الظالم على
المظلوم او غير ذلك يثبت له ما ثبت للاول بحسب مصلحة الذات وقد صرحت بذلك الاخبار
ودلت عليه شواهد الاعتبار اثبت سبحانه وتعالى لما قضاه وقدره بحسب ما عليه اصل
الذوات وبحسب ما يعرض من الاسباب لو حين لوحا اعلى وهو اللوح المحفوظ عن المحو
والاثبات الثابت فيه ما قضاه وقدره بما للكائنات وما عليها ذاتا او عرضا وهو ام
الكتاب فلا يتغير ولا يتبدل حتى يوم القيام ولوحا ادنى وهو اللوح الذى يمحو فيه ما
يشاء ويثبت فيثبت فيه ان عمر فلان كذا مقداره فاذا وقعت الصدقة منه فى الخارج محا
ذلك واثبت انه كذا وهكذا فى جميع الامور التى قضاها وقدرها (فاذا تعلقت مشيته
باظهار ثبوت ما يمحوه) بعد (لحكمة
داعية الى اظهاره الهم) سفرائه (او
اوحى الى نبيه ص ووليه ع ان يخبر به مع علمه) اى النبى ص (بانه يمحوه) كعلمه بثبوته قبل الوحى وهو قوله تعالى (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ
أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (او
مع عدم علمه لما اشير اليه من عدم) كون (الإحاطة بتمام ما جرى
فى
علمه) تعالى من
لوازم النبوة (وانما
يخبر به) لا يمحوه (لانه حال الوحى
والالهام لارتقاء نفسه الزكية واتصاله بعالم لوح المحو والاثبات) وهو اللوح الادنى (اطلع على ثبوته ولم يطلع على كونه معلقا
على امر غير واقع او) على (عدم
الموانع قال الله تعالى (يَمْحُوا اللهُ ما
يَشاءُ) الآية
نعم من شملته العناية الالهية واتصلت نفسه الزكية بعالم لوح) القضاء المحتوم وهو اللوح (المحفوظ) عن المحو والاثبات (الذى) هو اللوح الاعلى (ومن اعظم العوالم الربوبية وهو ام
الكتاب يكشف عنده) بهذا الاتصال او الارتقاء الى قاب قوسين او ادنى من ذى الكبرياء والجلال (الواقعيات على ما هى
عليها) من الحالات
والكيفيات (كما
ربما يتفق لخاتم الانبياء وبعض الاوصياء) بل لكل اوصيائه الامناء كما شهد به متواتر الانباء فلا
ريب انه لاجل ذلك (كان
عارفا) بالعلم
المخزون وبكل سر مكنون مطلعا (على
الكائنات كما كانت وتكون) من اول الانشاء الى يوم يبعثون (نعم مع ذلك) كله (ربما يوحى اليه) لحكمة من الحكم (حكم من الاحكام) التى كان يعلمها بجميع كيفياتها (تارة بما يكون ظاهرا
فى الاستمرار والدوام مع انه فى الواقع له غاية وامد يتعينها) اى يقصد تعيينها (بخطاب آخر واخرى بما يكون ظاهرا فى الجد) وانه حكم حقيقى تجب اطاعته بالاختيار مع انه لا يكون
واقعا بجد بل لمجرد الابتلاء والاختبار هذا فى التشريعيات (كما انه يؤمر وحيا او
الهاما بالاخبار بوقوع عذاب او غيره) مما يعلم انه لا يقع (لاجل حكمة فى هذا الاخبار او ذاك
الاظهار) وبعد الامر بالوحى
والالهام يخبر به السفير بعض الانام ثم يظهر لهم عدم الوقوع فيما عينه من الايام
والاعوام فى التكوينيات فاذا قلنا بدلا عن هذا التعبير (فبدا له تعالى) ان لا يقع كان ذلك (بمعنى انه يظهر ما امر نبيه او وليه بعد
اظهاره اولا ويبدى ما خفى ثانيا وانما نسب اليه تعالى) لفظ (البداء مع انه فى الحقيقة) انما يكون منه (الإبداء لكمال شباهة إبدائه تعالى كذلك
بالبداء فى غيره وفيما ذكرنا كفاية) لاهل النهى والدراية (فيما هو المهم فى باب النسخ ولا داعى) للاطالة (بذكر تمام ما ذكروه فى ذلك الباب كما لا
يخفى على اولى الالباب
ثم
لا يخفى عليك ثبوت الثمرة بين التخصيص والنسخ ضرورة انه على التخصيص يبنى على خروج
الخاص عن حكم العام رأسا) واختصاص غير الخاص من الافراد الباقية تحت حكمه من
مبدإ صدوره (وعلى
النسخ) يبنى (على ارتفاع حكمه عنه
من حينه) اى حين النسخ
(هذا
فيما) اذا (دار الامر بينهما فى
المخصص واما اذا دار) الامر (بينهما
فى الخاص) المتقدم (والعام) المتأخر (فالخاص) بناء (على التخصيص غير محكوم بحكم العام اصلا
وعلى النسخ كان الخاص محكوما به) اى بحكم العام (من حين صدور دليله) اى دليل العام ومحكوما بغير حكم العام من حين صدور
دليل نفسه الى حين صدور دليل العام (كما لا يخفى المقصد
الخامس فى المطلق والمفيد والمجمل والمبين فصل عرف المطلق بانه ما دل على شايع فى
جنسه وقد اشكل عليه بعض الاعلام بعدم الاطراد والانعكاس وطال الكلام فى النقض
والابرام وقد نبهنا فى غير مقام على ان مثله من) باب (شرح الاسم) لا الكشف عن الكنه والحقيقة (وهو مما يجوز ان لا
يكون بمطرد ولا منعكس) بل هو مبنى على عدم الاطراد والانعكاس ولو عرف المطلق باللفظ الدال على
معنى يعدد وجوده تمايز الخصوصيات المعتورة عليه لكان حسنا سالما عما ورد على غيره
من التعاريف كما لا يخفى على المتأمل وحيث ان التفصيل يفضى الى التطويل (فالاولى) هو (الاعراض
عن) تعرض [ذلك] والاشتغال [ببيان ما وضع له بعض الالفاظ التى يطلق
عليها] لفظ [المطلق او من غيرها
مما يناسب المقام فمنها اسم الجنس كانسان ورجل وفرس وحيوان وسواد وبياض الى غير
ذلك من اسماء] المفاهيم (الكليات
من الجواهر والاعراض] كالامثلة المتقدمة [بل
العرضيات] كالقيام
والقعود وغيرهما مما يحمل على الجواهر [ولا ريب انها باجمعها موضوعة لمفاهيمها
بما هى مبهمة مهملة] لا سارية مرسلة [بلا
شرط اصلا] يكون [ملحوظا معها حتى لحاظ
انها كذلك] اى كونها بلا
شرط [وبالجملة
الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى وصرف المفهوم] المجرد [الغير الملحوظ معه شيء اصلا) ضرورة ان (الذى) يلحظ معه شيء [هو المعنى بشرط
شىء] مطلقا [ولو كان ذاك الشيء] الملحوظ مع المعنى هو [الارسال] الشمولى [والعموم البدلى ولا الملحوظ معه عدم
لحاظ شيء معه] فى قبال ما لوحظ معه شيء اذ المعنى (الذى) لوحظ معه عدم لحاظ شىء [هو الماهية اللابشرط القسمى] بمعنى انها المجعولة احد اقسام الماهية الموصوفة
باللابشرط المقسمى وبعبارة اخرى الماهية الماخوذة لا بشرط ضربان احدهما المجعولة
مقسما للاقسام المذكورة التى منها الماخوذة لا بشرط على نحو التقييد فالماهية
اللابشرط قيدا احد اقسام الماهية اللابشرط وصفا وتسمى الاولى بالقسمى والثانية
بالمقسمى وهو من اصطلاحات اهل المعقول وكيف كان فيكون الموضوع له اسم الجنس هو
الماهية المجردة عن كل قيد فى غاية الوضوح (وذلك لوضوح صدقها بما) كان (لها من المعنى) على المصاديق الخارجية (بلا عناية) لازمة المراعات فى اطلاق المقيد على الخالى عن القيد
من لحاظ (التجريد
له) حال الاطلاق
عما اخذ من القيد الموجود مفهوما المفقود مصداقا ضرورة ان ذلك (هو) لازم (قضية الاشتراط والتقييد فيها كما لا
يخفى) ومن المعلوم كشف
عدم هذه العناية عن عدم التقييد رأسا لكونه معه من اللوازم التى لا تنفك ابدا هذا (مع بداهة عدم) امكان (صدق المفهوم) اذا كان مقيدا (بشرط العموم على فرد من الافراد) الخارجية (وان كان يعم كل واحد منها بدلا او
استيعابا وكذا) صدق (المفهوم
اللابشرط القسمى) فى عدم كونه ممكنا (فانه) اى فان كلا من هذين المفهومين بالقيدين المذكورين (كلى عقلى لا موطن له
الا الذهن) ولذا اشتهر
ان الجزئى بقيد كونه جزئيا كلى (ولا
يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها) اى على الافراد (بداهة ان) ملاك الصدق و (مناطه هو الاتحاد بحسب الوجود خارجا فكيف
يمكن ان يتحد معها) وينطبق عليها (ما
لا وجود له الا ذهنا) ومع عدم امكان الصدق يلزم من تعلق التكليف باتيانه التكليف بالمحال كما
هو واضح فصح ان المعنى هو نفس الماهية صرفا نعم كون المعنى الماخوذ بلحاظ انه لا
بشرط او بشرط شىء مستلزما لعدم امكان الصدق فيه مجال للتأمل كما ستعرف قريبا إن
شاء الله تعالى (ومنها
علم الجنس
كاسامة
والمشهور بين اهل العربية انه موضوع للطبيعة لا بما هى هى بل بما هى متعينة
بالتعيين الذهنى ولذا يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف) قال ابن الحاجب فيما حكاه نجم الامة اعلام الاجناس وضعت
اعلاما للحقائق الذهنية المتعينة كما اشير باللام فى نحو اشتر اللحم الى الحقيقة
الذهنية فكل واحد من هذه الاعلام موضوع لحقيقة فى الذهن متحده فهو اذن غير متناول
غيرها وضعا واذا اطلق على فرد من الافراد الخارجية نحو هذا اسامة مقبلا فليس ذلك
بالوضع بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجى مطابقة كل كلى عقلى لجزئياته
الخارجية نحو قولهم الانسان حيوان ناطق فلفظ اسد مثلا موضوع لكل فرد من افراد
الجنس فى الخارج على وجه التشريك وأسامة موضوع للحقيقة الذهنية حقيقة فاطلاقه على
الخارجى ليس بطريق الحقيقة انتهى وقال الاندلسى فيما حكاه ايضا مفرعا على ذلك فلا
يقول فى اسد معين فى الخارج أسامة كما يقول اسد لان المطابق للحقيقة الذهنية فى
الخارج ليس إلّا شيئا من هذا الجنس مطلقا لا واحدا محصورا انتهى والظاهر ان المراد
من الكلى العقلى هو الطبيعى فى قبال الفرد الخارجى كما يشهد بذلك تمثيله وما ذكراه
مبنى على اتحاد اسم الجنس والنكرة فى الوضع للحقيقة فى ضمن فرد ما ولذا حكما بان
دلالته على الفرد بالوضع بخلاف دلالة العلم لوضعه لنفس الحقيقة فيكون الفرق بين
علم الجنس عندهما واسمه من وجهين احدهما ما ذكر وثانيهما اعتبار التعين فى معنى
العلم دون غيره واما بناء على اتحاد اسم الجنس والعلم فى كونهما موضوعين لنفس
الحقيقة فيسقط الفرق من الجهة الاولى ويبقى الفرق من الجهة الثانية وهى كون العلم
دالا بجوهره على تعين الحقيقة ذهنا بخلاف اسم الجنس كالفرق بين علم الشخص والنكرة
فى دلالة الاول بجوهره على تعين الفرد بخلاف النكرة وكما ان الخصوصيات والمشخصات
الخارجية المعينة للذات الموضوع لها لفظ زيد مثلا بلحاظ ما هى عليه من المشخصات
اوجبت ان يكون زيد علما شخصيا كذلك الخصوصيات والمشخصات الذهنية المعينة للطبيعة
الموضوع لها لفظ اسامة بلحاظ ما هى عليه من المعينات اوجبت ان يكون لفظ اسامة علما
جنسيا وكما ان التعين الموجود فى معنى العلم الشخصى لم تستلزم
العلميه اخذه قيدا فى الموضوع له كذلك التعين الموجود فى معنى العلم الجنسى
لا تستلزم العلميه اخذه قيدا فما افاده المصنف قده من كون الوضع للماهية المتعينة
يستلزم عدم الصدق خارجا لعدم وجود القيد الا ذهنا فلا بد من كونه موضوعا للطبيعة
صرفا غير وجيه كما عرفت تحقيقه وما استدركه بقوله (لكن التحقيق انه موضوع لصرف المعنى بلا
لحاظ شيء معه اصلا كاسم الجنس والتعريف فيه لفظى كما هو الحال فى التأنيث اللفظى) مستدرك لان الوضع للطبيعة المتعينة ذهنا لا يستلزم
لحاظ التعين قيدا خارجا بل ولا ذهنا (وإلّا) لكان الامر كما افاد و (لما صح حمله على الافراد بلا تصرف
وتأويل لانه على) هذا التقدير لا على (ما
هو المشهور كلى عقلى وقد عرفت انه لا يكاد) يمكن (صدقه عليها مع) ان المفروض (صحة حمله عليها بدون) تأويل (ذلك كما لا يخفى) وحمل الحمل على التصرف فى المحمول واضح الفساد (ضرورة ان التصرف فى
المحمول بارادة نفس المعنى بدون قيده تعسف بعيد لا يكاد) يمكن ان (يكون بناء القضايا المتعارفة عليه مع ان) من الواضح ان (وضعه لخصوص معنى بقيد الخصوصية) على وجه (يحتاج الى تجريده عن خصوصيته عند
الاستعمال مما لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم) اما الوضع لخصوص معنى حال وجود الخصوصية فيه كما هو
مذهب المشهور فهو من الحسن بمكان وعليه بنيت اوضاع اعلام الاشخاص والازمان ولو كان
وجود الخصوصية فى المعنى ذهنا او خارجا الملحوظة فى اصل الوضع يوجب اللحاظ فى
الموضوع له لبطل وضع العلم للمعنى الشخصى كذلك او لاحتاج الاستعمال على تقدير
الوضع الى تجريد المدلول عن الخصوصية وكلاهما بديهى البطلان مع ان كون التعين
والمعهودية ملحوظين فيه فى اصل الوضع مما لا يقبل التشكيك هذا مع انه قده قد التزم
فى وضع الحروف واسماء الاشارة والضمائر والموصولات وما اشبهها بعد ان اختار ان
الموضوع له فيها هو المفاهيم الكلية بان الفرق بينها وبين غيرها من الاسماء هو
لحاظ الآلية فيها ذهنا فى اصل الوضع لا خارجا فى الموضوع له وهذا دليل على ان
التعينات الملحوظة فى اصل الوضع ذهنا لا تستلزم اللحاظ خارجا هذا ولا يذهب
عليك انه بناء على ما اختاره المصنف قده فى وضع اسماء الاشارة وما يليها
للمفهومات الكلية يكون كلها من المعارف الجنسية كعلم الجنس فكان عليه ان ينبه على
ذلك فى هذا المقام بل هى اولى بالنيّة من علم الجنس والاطلاق وعدمه لا دخل لهما
بكون التعينات ملحوظة ذهنا او لا بل ولا خارجا ايضا بعد ان كان لازم الاستعمال
عقلا تجريد الخصوصية ليحصل الانطباق والاتحاديين الماهية والافراد وسيجىء فى
المفرد المعرف ما يصير به ذلك فى غاية الوضوح ثم لا يذهب عليك ان مراد المصنف قده
من الكلى العقلى ما اصطلح عليه اهل الميزان فان الحقيقة المتعينة كالانسان الكلى
لا ما اراده ابن الحاجب فيما سبق من كلامه (ومنها المفرد المعرف باللام والمشهور
انه على) خمسة (اقسام المعرف بلام
الجنس) الموضوعة
للدلالة على ان المراد من مدلولها هو نفس الطبيعة الكلية المعهودة (او) بلام (الاستغراق) الموضوعة للدلالة على ان المراد من مدخولها هو الطبيعة
السارية فى جميع الافراد (او) بلام (العهد باقسامه) الذكرى والذهنى والخارجى الموضوعة للدلالة على ان
المراد من مدخولها الطبيعة الحالة بهذا الفرد المذكور فى الكلام سابقا او المعهود
بين المتكلم والمخاطب ذهنا او فى فرد معين خارجا وهل ذلك (على نحو الاشتراك
بينهما لفظا او معنى) وجهان اقربهما الاول (والظاهر
ان الخصوصية فى كل واحد من الاقسام) ملحوظة فى اصل الوضع ذهنا لا فى الموضوع له خارجا نعم
التعريف انما يكون (من
قبل اللام) الملحوظ فى
اصل وضعها تلك الخصوصية لا من قبل غيرها (او من قبل قرائن المقام من باب تعدد
الدال والمدلول) وإلّا لم تكن اللام للتعريف ولكان اللازم عد القرنية المشاركة من
المعرفات كاللام وتخصيص اللام بالذكر حينئذ ترجيح بلا مرجح كما لا يخفى (لا باستعمال المدخول
فى غير ما وضع له) قبل الدخول بناء على اعتبار الخصوصية قيدا فيه حال كونه مدخولا وقد كان
معناه مطلقا (ليلزم
فيه) على هذا
التقرير (المجاز) بعلاقة الاطلاق والتقييد (او الاشتراك) بدعوى انه وضع مع اللام لمعنى ومجردا عنها لآخر بل هو
من قبل خصوص اللام كما ذكرنا (فكان
المدخول) لها (على كل حال مستعملا
فيما يستعمل فيه الغير المدخول والمعروف) بينهم ليس إلّا ما حققناه من (ان
اللام) هى التى (تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين فى
غير العهد الذهنى) الذى تدل اللام فيه على ارادة الطبيعة الحالة فى فرد ما ولا بأس بتحقيق
المقام فى بيان ما ذكره النحات وان سبقت الاشارة الى بعض ذلك فاعلم ان المعروف
بينهم فى وضع الاعلام وفيما عرف باللام هو ان كلا منهما على قسمين علم جنسى وعلم
شخصى والتعريف باللام تارة يكون للفرد وتسمى لام العهد واخرى للجنس وتسمى لام
الحقيقة وذكروا ان العلم الشخصى ما وضع لشىء بعينه وان العلم الجنسى ما وضع
للحقيقة المعهودة المتعينة ذهنا وفى قباله اسم الجنس وهو ما وضع لمحض الحقيقة مع
قطع النظر عن كونها معهودة ذهنا وان كان تعينها خارجا ملحوظا فى الجملة كما هو
ظاهر ابن الحاجب فيما سبق وذكروا فى المعرف باللام اذا اريد منه تعريف الفرد ان اللام
فيه للاشارة الى الفرد المعهود ذكرا كما فى عصى فرعون الرسول او حضورا كما فى
اليوم اكملت لكم دينكم وفرقوا بينه وبين النكرة بما فرقوا به بينها وبين العلم
وذكروا فى المعرف باللام اذا اريد منه تعريف الجنس ان اللام فيه للاشارة الى
الحقيقة المعهودة وفرقوا بينه وبين اسم الجنس بما فرقوا به بينه وبين علم الجنس
حتى قال ابن هشام فى مغنيه ان الفرق بين الجنس المعرف باللام وغيره هو الفرق بين
المطلق والمقيد لكون الموضوع له فى المعرف هو الحقيقة المعهودة وفى غيره هو مطلق
الحقيقة ولما كان ظاهر هذه الكلمات ان التعريف انما يتحقق بالتعين الخارجى فى علم
الشخص وتعريف الفرد وبالتعين الذهنى فى علم الجنس وتعريف الجنس أبا ذلك نجم
الأئمّة اعلى الله تعالى مقامه الا فى المعهود الخارجى وذكر ان جميع المعانى
الموضوع لها الالفاظ لا بد وان تكون معهودة ذهنا وإلّا لم تحصل الدلالة من غير فرق
بين الاعلام وغيرها والمعرف باللام وغيرها فالمراد من مدخول اللام عين المراد من
غير المدخول والمراد من أسامة عين المراد من اسد فلا يكون ذلك فارقا ومائزا واختار
ان التعريف فى الجميع لفظى كما كان التأنيث فى جملة من الالفاظ كذلك قال قده بعد
ان عرف المعرفة بما اشير به الى خارج مختص اشارة وضعية وذكر ما دخل وخرج بقيود
التعريف ما هذا لفظه فتبين بما ذكرنا ان قول المصنف فى نحو قولك اشرب الماء واشتر
اللحم وقوله تعالى (أَنْ يَأْكُلَهُ
الذِّئْبُ) ان اللام اشارة الى ما فى
ذهن المخاطب من ماهية اللحم والماء والذئب ليس بشىء لان هذه الفائدة يقوم
بها نفس الاسم المجرد عن اللام فالحق ان تعريف اللام فى مثله لفظى كما ان العلميه
فى أسامة لفظية كما سيجىء فى الاعلام انتهى كلامه رفع مقامه وقال فى آخر البحث فى
المعرفة ما هذا لفظه فعلى هذا فكل لام تعريف لا معنى للتعريف فيها الا التى
للمعهود الخارجى انتهى ووافقه المصنف قده على ذلك وانكره حتى فى المعهود الخارجى
لما افاده هو قده من ان الوضع للحقيقة المعهودة يلزمه عدم امكان الصدق على الافراد
الخارجية لعدم معقولية تحقق ما لا موطن له الا الذهن فى الخارج وعبارة ابن هشام
كالصريحة فى ان الوضع للمقيد بالقيد المذكور كما عرفت وان الوضع لما لا حاجة اليه
بل لا بد من التجريد له عن الخصوصية عند الاستعمال يكون لغو او غير ذلك مما تقدم
ويجىء هذا غاية ما عندهم فى هذا المقام وقد عرفت التحقيق ولا بأس بزيادة التوضيح
فنقول لا ينبغى ان يرتاب المتأمل فى ان الخصوصية المشخصة لمسمى زيد ملحوظة للواضع
وقد وضع هذا اللفظ لهذا المعنى المشخص قطعا فلو كان مجرد ذلك اللحاظ مستلزما لاخذه
قيدا فى الموضوع له لفظ زيد لبطل الوضع وللزم من وجوده عدمه لعدم معقولية وجود هذه
الخصوصية مع زيد خارجا والاستعمال مجازا بالتجريد فرع امكان الوضع للمعنى الحقيقى
لو سلمنا عدم لزوم الاستعمال فيه فى صحة المجاز ومنه يعلم ان ما يظهر منه قده من
تسليم صحة الاستعمال مجازا غير انه يستلزم لغوية الوضع فى غير محله وعلى نهج العلم
الشخصى يكون وضع العلم الجنسى لان الوضع للحقيقة المعهودة لا يستلزم الوضع لها بقيد
كونها بهذا المفهوم وانما يوضع لنفس الحقيقة حال كونها كذلك فلا يستعمل لفظ أسامة
فى نفس الحقيقة المطلقة ولا فى المطلقة وقيدها وهو المعهودية وانما يستعمل فيها فى
حال معهوديتها فالعهدية قيد فى الوضع لا الموضوع له ونضير ذلك ما تقدم من لحاظ
الآلية فى وضع الحروف والاستقلالية فى وضع الاسماء ومما يستانس به لزيد تقريب ذلك
الى الذهن اخذ القطع بالبول جزء موضوع الحكم بكونه بخسا فان الحكم بالنجاسة معلق
على نفس البول حال القطع ببوليته لا على البول وقيده وهو القطع وإلّا لزم ان يكون
القطع بخسا ومثل ذلك وضع لام التعريف
فعلم ان الوضع على الوجه المذكور لا غائلة فيه واما ما افاده نجم الأئمّة
ووافقه عليه المصنف قده من ان معهودية المدخول حاصلة قبل الدخول لانها شرط فى كل
معنى وضع له لفظ يدل عليه وإلّا لم تحصل الدلالة ففيه ان المعهودية على نحوين
احدهما معهودية ان هذا المعنى مما وضع له هذا اللفظ وهذه المعهودية عبارة عن العلم
بالوضع وهو شرط فى الدلالة قطعا إلّا ان ذلك لا دخل له بكون اللفظ علما لذلك او
معرفة بل العلم بالوضع فى المعارف والنكرات شخصا وجنسا من حيث كونه شرطا فى
الدلالة شرع سواء ثانيهما المعهودية الطارية على المعنى حال وضع اللفظ له فيشار
حال استعمال اللفظ اليها فمعهودية اليوم بحضوره والرسول بذكره سابقا غير معهودية
معنى لفظ رسول واليوم من حيث وضع اللفظ فلا يفيدها المجرد فالمعهودية التى هى شرط
فى الدلالة طارية على معهودية المعنى حال وضع اللفظ ضرورة ان الشرط فى الدلالة معهودية
المعنى والمعنى فى المقام هو الحقيقة المعهودة المتعينة فقياس احدى المعهوديتين
بالاخرى لا وجه له ومثله علم الجنس واسم الجنس فان معهودية ان اسامة موضوع للحيوان
المفترس واسد موضوع كذلك موجودة فيهما معا ولكن المعهودية الموجبة لحضور هذه
الحقيقة فى ذهن المتكلم والسامع التى لوحظت فى وضع لفظ اسامة وتوقف استعماله عليها
غير تلك المعهودية الوضعية فكيف يفيدها اسم الجنس الذى لم يلحظ فى اصل وضعه حضور
المعنى ذهنا وكذا الحال فى لفظ رجل ومدخول اللام واما قول ابن هشام ان الفرق
بينهما هو الفرق بين المطلق والمقيد فليس المقصود الا التنضير من حيث تحقق اللحاظ
فى وضع احدهما دون الآخر لا من حيث جعل المعهودية قيدا فى لموضوع له ولعل منشأ ما
تخيله المصنف قده هو الفرق المذكور (وانت خبير) بما فيه فظهر ان لا وجه للجزم (بانه لا تعين فى
تعريف الجنس الا الإشارة الى المعنى المتميز بنفسه بين المعانى ذهنا و) ان الوضع مع لحاظ المعهودية (لازمه ان لا يصح حمل
المعرف باللام بما هو معرف على الافراد لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن
له الا الذهن إلّا بالتجريد ومعه فائدة فى التقييد مع ان التأويل والتصرف فى
القضايا المتعارفة المتداولة فى العرف
غير
خال عن التعسف هذا مضافا الى ان الوضع لما لا حاجة اليه بل لا بد من التجريد عنه
والغائه فى الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام او الحمل عليه
كان لغوا كما اشرنا اليه) قلت قد عرفت التحقيق فى المسألة وان كون الخصوصية قيدا
موجب لاستحالة الوضع لا للغويته ضرورة عدم امكان تحقق الوضع مع استحالة تحقق
الموضوع له خارجا بحسب المصداق ولوضع للطبيعة التى لا مصداق لها فى الخارج يصح
انطباقها عليه غير معقول هذا مضافا الى ما ذكره من عطفه صورة الحمل على المفرد
المعرف على صورة حمله على الفرد وفيه انه ان حمل عليه ما هو اخص منه بطل لكونه حمل
الاخص على الاعم وان كان ما يساويه او اعم فلا مانع على ما يراه لانه حمل للحقيقة
المعهودة على مثلها سيما اذا كان المحمول كالموضوع من المفرد المعرف وكيف كان (فالظاهر) عند المصنف قده (ان اللام مطلقا يكون للتزيين) وكانه سمى اللام الداخلة على الاعلام المسبوقة بغير
العلميه التى ذكر النحات فيها انها للمح الاصل بالمزينة (كما فى الحسن والحسين) نظرا منه الى استغناء العلم عن التعريف ومثل هذه
الاعلام تزداد زينة بدخول اللام فكانها بعروض العلميه لم يحصل لها تمام الاستبراء
عن حالتها الأصلية فاكتست باللام جمال الفصاحة لتبلغ بليغ الكلام (واستفادة الخصوصيات
انما تكون بالقرائن التى لا بد منها لتعينها على كل حال) ضرورة انها اما مشترك لفظى او معنوى او مجازات فلا بد
من القرينة المعينة (ولو
قيل بافادة اللام للاشارة الى المعنى) لعدم كفاية ذلك حتى عند الخصم (مع الدلالة عليه بتلك
الخصوصيات فلا حاجة الى تلك الاشارة) لاغناء القرائن عنها وعدم اغنائها عن القرائن من
المعهودية وغيرها (لو
لم تكن مخلة) من حيث استلزامها التجريد عند الحمل كما تقدم (وقد عرفت اخلالها
فتأمل جيدا) لتعرف مواقع النظر فى هذا الكلام بعد ان كشفنا لك حقيقة المقام فان
القرينة انما احتيج اليها لتعيين المعنى الموضوع له اللام فكيف تغنى عن وضع اللام
وهى مع عدم وضعها لا يؤتى بها فى الكلام واحتمال كونها قرينة مجاز لا ينتج الحاجة
الى الوضع هذا مضافا الى ما فى كلماته الاخرى من النظر
الواضح وجهه مما تقدم هذا ويمكن ان يقال ان جوهر لفظ اسم الجنس المجرد لما
كان بنفسه قابلا لان يراد منه الحقيقة والماهية وان يراد منه الحقيقة باعتبار
وجودها فى ضمن فرد واحد معين او غير معين او فى ضمن فردين كذلك او فى ضمن جميع
الافراد جعل الواضع علامات معرفة لاراده احد هذه المعانى فجعل تنوين التمكين علامة
لارادة الحقيقة فى ضمن الفرد المعين مثل وجاء رجل وقد يدخل فى مقام ارادة الحقيقة
لكنه شاذ لا يوجب التوقف عن الحمل وحيث انه كذلك لم يكتف الواضع فى تعريف الحقيقة
به بل جعل لذلك ما اختص وضعه بالتعريف وجعل تنوين التنكير علامة ومعرفا لارادة
الحقيقة فى ضمن فرد ما وجعل الالف او الياء مع النون علامة ومعرفا لارادتها فى ضمن
فردين وجعل صيغة الجمع معرفه لارادتها فى ضمن الافراد وجعل الالف واللام علامة
ومعرفا لارادة الحقيقة المتحدة وهى التى لا يعدد وجودها تعدد الافراد التى هى معنى
اسم الجنس فلا تدخل على المنون مطلقا للمضادة بين معنييهما اماما اريد به المعين
فلاعتبار الفردية واما ما اريد به غير المعين فلاجل ذلك ايضا لتعدد وجوده بتعدد
الافراد فاذا دخلت الالف واللام فى المفرد وقيل الرجل كان المراد هو نفس الحقيقة
بما هى هى او بما هى موجودة فى جميع الافراد دفعة واحدة ووجودا واحدا والغالب هو
الاول والثانى يحتاج الى القرينة فلم تتعدد الحقيقة ولم تستعمل الالف واللام الا
فيما وضع له ولذا سمى صاحب الكشاف اللام الدالة على الاستغراق لام الخنس واذا قيل
الرجلان او الرجال كانت لتعريف الحقيقة فى ضمن كل فردين او فى ضمن كل جماعة ولا
يمكن ارادة الحقيقة بما هى فمعنى كون الالف واللام للتعريف كونها موضوعه لتعريف ما
يراد من مدخولها فهى على حد التنوين وعلامة التثنية والجمع فى كونهما موضوعين
لتعريف ما يراد بالمدخول فالمدخول على حد المشتركات اللفظية فى احتياجها الى القرينة
المعينة لاحد المعانى المرادة غاية الامر ان القرائن المعينة فى المقام قد وضعها
الواضع متصلة فلا معهودية ولا تعين ذهنا خارجين عن معنى اسم الجنس دل عليهما أداة
التعريف بالوضع كما هو ظاهر المشهور ليكون التزام ذلك موردا للطعن فصح
ان اللام للتعريف مع سقوط ما ذكره المصنف قده اللهم إلّا ان يقال ان
التزامهم بذلك لم يكن جزافا بل لما رأوا ان النكرة وهى اسم الجنس المنون الدال على
فرد غير معين عند المخاطب سواء كان معينا عند المتكلم او لم يكن معينا اصلا اذا
اريد منها الفرد المعين عند المخاطب جىء باداة التعريف واشير بها الى ذلك الفرد
بما هو معهود ذهنا او ذكرا او حضورا بين المتكلم والمخاطب فالفرد الغير المعهود
مدلول النكرة والفرد المعهود مدلول المعرف بالالف واللام وبدلالتها على هذه
المعهودية جاء التعريف فمدخولها يزيد على المجرد بهذه المعهودية وهذا بعينه جار فى
اسم الجنس المجرد والمعرف باللام فانك ترى بالوجدان الفرق الواضح بين لفظ رجل ولفظ
الرجل المراد بهما الحقيقة كما ترى ذلك محسوسا فى المراد بهما الفرد وهذه
المعهودية هى المعهودية المعروضة للمعهودية التى هى شرط فى دلالة الالفاظ مطلقا
فمعهودية وضع اللفظ للحقيقة المعهودة شرط فى دلالته عليها كما تقدم تحقيق ذلك
فتلخص ان الالف واللام للتعريف مطلقا الا فى المعهود الذهنى سيما فى المعهود
الخارجى ولا يرد عليه شيء مما اورده المصنف كما عرفت ومما حققناه تعرف الحال فى
جميع ما ذكره قده هذا (واما
دلالة الجمع المعرف باللام على المعموم مع عدم دلالة المدخول عليه) فلما كانت ظاهرة جدا وكان الظاهر ايضا استنادها الى
اللام وكان تعين ارادة الطبيعة مع استغراق جميع الافراد مفهوما من قبلها حاول
المصنف قده انكار ذلك بتعسف شديد قائلا (فلا دلالة فيها على انها يكون لاجل
دلالة اللام على التعيين حيث لا تعين الا للمرتبة المستغرقة لجميع الافراد) ولا سبب فى تعيينها ظاهرا الا السلام (وذلك لتعين المرتبة
الاخرى وهى اقل مراتب الجمع) فكما يحتمل ان يراد بالجمع المرتبة المستغرقة يحتمل ان
يراد مرتبه اقل الجمع كما لا يخفى فلم تكن اللام دالة على التعيين لعدم المعين ولما
كانت دلالة نفس الجمع على العموم واضحة (فلا بد ان تكون دلالة مستنده الى وضعه
كذلك) اى مع اللام (لذلك) اى للعموم والشمول (لا الى دلالة اللام على الاشارة الى
المعين ليكون به التعريف) وانت خبير بما فى هذا من التكلف والتعسف وارتكاب خلاف
الظاهر ولاجل
ذلك قال قده (وان
ابيت الا عن استناد الدلالة عليه) اى على العموم (اليه) اى الى اللام (فلا محيص عن دلالته على الاستغراق بلا
توسيط الدلالة على التعيين فلا يكون بسببه تعريف الا لفظا) قلت قد عرفت ان الدلالة على التعيين لا مانع منها وان
ما تخيله المصنف قده مانعا لا منع فيه كما لا يخفى (فتأمل جيدا ومنها النكرة وهى ما كان) معناها غير معين عند المخاطب سواء كان معينا عند
المتكلم (مثل
رجل فى وجاء رجل من اقصى المدينة او) غير معين ايضا كما (فى جئنى برجل ولا اشكال ان المفهوم منها
فى الاول ولو بنحو تعدد الدال والمدلول هو الفرد المعين فى الواقع المجهول عند
المخاطب المحتمل الانطباق على غير واحد من افراد الرجل) فالدال على الفرد الغير المعين هو نفس النكرة والدال
على كونه معينا فى الواقع عند المتكلم شىء آخر من كون المتكلم عالما بما اخبر به
وغير ذلك من الامور الدالة على تعيينه (كما انه) اى المفهوم منها (فى الثانى هى الطبيعة المأخوذة مع قيد
الوحدة فيكون حصة من الرجل ويكون كليا ينطبق على كثيرين) غير انه كلى صغير يكون هناك اكبر منه دائره (لا فردا مرددا بين
الافراد وبالجملة النكرة اى) اللفظ الدال على معنى اذا حمل عليه (بالحمل الشائع) مفهوم نكره (يكون نكرة عندهم اما هو فرد معين فى
الواقع غير معين عند المخاطب او حصة كلية لا الفرد المردد بين الافراد وذلك لبداهة
كون لفظ رجل فى جئنى برجل نكره مع انه يصدق على كل من جيء به من الافراد ولا يكاد
يكون واحد منها هذا او غيره كما هو قضية كلى الفرد المردد لو كان هو المراد منها
ضرورة ان كل واحد هو هو لا هو او غيره فلا بد ان تكون النكرة لواقعه فى متعلق
الامر هو الطبيعى المقيد بمثل مفهوم الوحدة فيكون كليا قابلا للانطباق] ومنشأ هذه الكلمات ما فهمه من قولهم ان النكرة ما دل
على فرد لا بعينه من ان بعينه قيد فى الموضوع له والظاهر بل المقطوع به انه لم يرد
احد ذلك ولا ارادوا ايضا من قولهم انها الفرد المردد كونه بقيد التردد وانما الغرض
ان معنى النكرة هى حصة من حصص الجنس توجد فى الخارج باى مشخص كان من المشخصات
والغرض انه لا يشترط فى وجودها خارجا مشخص خاص فالمراد بقولهم ان النكرة هى الحصة
المحتملة لحصص كثيرة او ما دل على واحد لا بعينه او الفرد المرد معنى واحد
هو ما ذكرناه والاختلاف انما هو فى العبارة وليس المقصود انها كلى واحد
مقيد بكونه لا بعينه او كلى الفرد المقيد بالتردد وكيف يسوغ حمل هذا على مثل ذلك (اذا عرفت ذلك) فاعلم ان تعريف المطلق بما دل على الماهية من حيث هى
غير شامل للنكرة لانها موضوعة للماهية فى ضمن فرد ما ولذا تدل بلفظها عليه وضعا
واما تعريفهم له بما دل على شايع فى جنسه وفسر الشائع بالحصّة المحتملة لحصص كثيرة
فلا يشمل اسم الجنس كما هو واضح وحينئذ (فالظاهر) بمقتضى هذين التعريفين عدم (صحة اطلاق المطلق
عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني] وهى الطبيعة بقيد الوحدة لاختصاصه على التعريف الاول
باسم الجنس وعلى الثانى بالنكرة نعم ظاهر كلماتهم فى الموارد التى حكموا فيها بكون
اللفظ مطلقا او مقيدا عمومه لهما معا كما افاد المصنف إلّا انه بحسب التعريفين لا
يصح الاطلاق اصطلاحا الاعلى احدهما (كما) لا [يصح] الاطلاق (لغة) عليهما معا اذا اريد منهما محض الحقيقة او الحصة لان
المطلق لغة ما ارسل عنانه والاطلاق ارسال العنان ولا ارسال حسب الفرض فالعجب من
المصنف حيث حكم بصحة الاطلاق لغة (و) اعتقد انه (غير بعيد ان يكون جريهم فى هذا الاطلاق
على وفق اللغة من دون ان يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها كما لا يخفى نعم لو صح ما
نسب الى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيد بالارسال والشمول البدلى) كان لاحتمال وحدة الاطلاق لغة واصطلاحا وجه على انه
غير وجيه لعدم ارادة اللغويين مثل هذا الارسال وهذا العنان جزما نعم بين المعنيين
لغة واصطلاحا على تقدير صدق النسبة علاقة المشابهة التامة بل لو صدقت النسبة (لما كان ما اريد منه
الجنس او الحصة عندهم بمطلق) لعدم تحقق القيد فيه (إلّا ان الكلام فى صدق النسبة) وقد ظهر لك بما حققنا ما فى كلام المصنف فلا تغفل (ولا يخفى ان المطلق
بهذا المعنى) وهو المأخوذ بقيد الارسال غير صالح (لطرو القيد) حال وجود قيده بل لا بد من ارتفاع هذا القيد وبدونه (غير قابل) لتمنع القيدين مفهوما ومصداقا (فان ما له] اى للمطلق [من الخصوصية] وهى قيد الارسال [ينافيه ويعانده] فلو قيد بعد رفع قيده عنه الموجب لارتفاع اطلاقه كان
مجازا لا محالة [وهذا
بخلافه فى المعنيين
فان
كلا منهما له قابل لعدم] وجود خصوصية يتحقق [انثلامها
بسببه] اى المقيد (اصلا كما لا يخفى
وعليه فلا يستلزم التقييد مجازا فى المطلق لامكان ارادة معنى لفظه منه) اذ لم يوجب لحوق القيد تغييرا فيما وضع له وامكان
ارادة معنى قيده من قرينة حال او مقال (وانما استلزمه) اى استلزم التقييد التجوز لو كان المطلق بذلك المعنى
كما عرفت (نعم
لو اريد من لفظه) كرقبة مثلا نفس (المعنى
المقيد) وهى ذات
الايمان وجعل التقييد دالا على المراد (كان مجازا مطلقا) بلا اشكال سواء (كان التقييد بمتصل او بمنفصل فصل
قد ظهر لك) ان ما نسب الى المشهور على تقدير صدق النسبة لا نقول به لعدم الدليل عليه و
(انه
لا دلالة لمثل رجل الاعلى الماهية المبهمة وضعا وان الشياع والسريان كسائر الطوارى
يكون خارجا عما وضع له) طاريا عليه (فلا
بد فى الدلالة عليه من قرينة حال او مقال او حكمة وهى) اى الحكمة (تتوقف على مقدمات احدها كون المتكلم فى
مقام بيان تمام مراده لا فى مقام الاهمال) كما فى قول الطبيب لا بد لهذا المريض من شرب الدواء (او الاجمال) كما فى قوله اسقوه السنا مع العلم بان لشرب السنا
كيفية خاصه (ثانيها
انتفاء القدر المتيقن فى مقام التخاطب) لا المتيقن مطلقا (ولو كان القدر المتيقن بملاحظة الخارج
عن ذاك المقام) اى مقام التخاطب موجودا (فى البين فانه) اى فان وجوده (غير مؤثر فى دفع الاخلال بالغرض لو كان
بصدد البيان كما هو الغرض) بمعنى ان المتكلم اذا كان بصدد بيان تمام مراده فاطلق
المطلق وكان غرضه فى الواقع المقيد فعليه ان يبينه وعدم بيانه موجب للاخلال بغرضه
لان غرضه تعلق ببيان تمام مراده ووجود قدر متيقن للمطلق فى الخارج لا يصحح اعتماد المتكلم
عليه لو كان هو المراد واقعا ما لم بينه نصا ضرورة ان السامع لا يكون عنده وجود
ذلك بيانا لما اراد المتكلم من اللفظ لان كونه متيقنا غير كونه مرادا فلو اتكل
عليه المتكلم ولم يبين كان فداخل بغرضه قطعا وان اصاب مراده القدر المتيقن فوجوده
لا يرفع الاخلال بالغرض فى مقام المحاورات نعم القدر المتيقن فى مقام التخاطب اعنى
ما تيقن المخاطب من نفس الخطاب ارادته به ودخوله تحته وان لم يكن فى الخارج هو
القدر المتيقن رافع
للاخلال ضرورة صحة اعتماد المتكلم على ما تيقنه السامع فى مقام التخاطب
والمحاورة والجرى على جادة المحاورات اذا كان هو تمام مراده وعدم البيان بغير وجود
ذلك لا يخل بالغرض كما لا يخفى فمقومات دليل الحكمة هذه المقدمات الثلاثة (فانه متى تحققت
فالمتكلم لو لم يرد الشياع لاخل بغرضه حيث انه لم يبينه مع انه بصدده وبدونها) اى بدون المقدمات (لا يكاد يكون) من المتكلم (هناك اخلال به) اى بالغرض ضرورة انه (حيث لم يكن مع انتفاء الاولى) وهى كونه فى مقام البيان (الا لاهمال او
الاجمال) فعدم البيان
غير مخل (ومع
انتفاء الثانية) وهى عدم قرنية معينه (كان
البيان بالقرينة) فلا يتحقق عدمه ليكون مخلا (ومع انتفاء الثالثة لا اخلال بالغرض لو
كان المتيقن) فى مقام التخاطب (تمام
مراده فان الغرض انه بصدد بيان تمام مراده وقد بينه لا بصدد بيان انه) اى القدر المتيقن (تمامه) اى تمام مراده اذ المناط والملاك مصداق تمام المراد لا
عنوانه ومفهومه والمتيقن كذلك فلا حاجة الى بيان انطباق عنوان تمام المراد عليه (كى يكون) بعدم بيان ذلك (اخل ببيانه) فافهم ولا تغفل (ثم لا يخفى عليك) ان ليس المراد من قولنا بصدد بيان تمام مراده هو مراده
الواقعى الذى ليس له انكشاف خلاف وإلّا لكان ورود التقييد كاشفا عن فساد مقدمات
الحكمة بل لخرج المطلق عن كونه مطلقا الى كونه نصا ولكان معاندة التقييد له على ما
عرفت من معناه كمعاندته له على ما نسب الى المشهور اذا تفطنت لذلك فاعلم (ان المراد بكونه فى
مقام بيان تمام مراده مجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه) بحسب الغرض الفعلى (ولو لم يكن) بالنسبة الى الواقع صدر منه (عن جد بل) هو بحسب الحكم الفعلى يكون صدر عن جد لاقتضاء المصلحة
الفعلية ذلك كجميع المطلقات ومثلها العمومات الواردة فى صدر الاسلام ثم وردت
مقيداتها ومخصصاتها تدريجا الى زمن الحجة عجل الله تعالى فرجه بل حتى فيما ورد
المقيد قبل حضور وقت العمل يكون الصدور كذلك بل لو لم يكن له غرض لا بحسب الواقع
ولا بحسب الوقت الفعلى الا اعطاء السامع (قاعدة وقانونا لتكون) هذه القاعدة ويصير ذلك القانون (حجة) للمكلف يعمل بها ويعذر فيها (فيما اذا لم تكن حجة
اخرى اقوى منها) على
(خلافه) قد اطلع عليه وان كان احتمال كون الغرض من الاطلاق
اعطاء القاعدة والقانون ضعيفا لقلة الموارد التى يكون الغرض من المطلق فيها ذلك
والحاصل المراد من البيان الذى يكون المتكلم بصدده هو البيان على ما تقتضيه
المصلحة بحسب الحكم الفعلى على وجه يكون المطلق بمعناه القابل لورود التقييد عليه
غرضا له لا على ان يكون المطلق بما هو نص فى شمول كل فرد يندرج تحته غرضا له لتكون
نتيجة مقدمات الحكمة انعدام المطلق بالمعنى المصطلح عليه لا وجوده فهذا مرادنا
بالبيان (لا
البيان فى قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة) ان قصد به بيان الواقع ولو قصد به ما يعم مثل البيان
الذى ذكرناه فى المطلق عدى الوجه الاخير وهو البيان القانونى كما هو كذلك لكانا
سواء ولم يخرج الا الصورة التى ذكرناها ولا اشكال فى عموم البيان فى القاعدة لذلك
اذ المقصود من القاعدة هو حكم العقل يقبح تأخير بيان التكليف سواء كان واقعيا او
ظاهريا فظهر لك انه لا وجه لحصر المصنف قده البيان الذى اخذ فى المقدمة الاولى
بالقانونى لعدم منافات البيان فى الصورة التى ذكرناها للاطلاق بل هو الغالب فيه
كما لا يخفى (فلا
يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا كاشفا عن عدم كون المتكلم فى مقام البيان ولذا
لا ينثلم به اطلاقه ولا تتبدل صحة التمسك به) بالفساد (اصلا فتأمل جيدا وقد انقدح بما ذكرنا ان
النكرة فى دلالتها على الشياع والسريان ايضا تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال او
مقال الى) سبب فلا بد
من (مقدمات
الحكمة فلا تغفل بقي
هنا شيء) لا بد من
التنبيه عليه (وهو
انه) اذا علم ان
المتكلم فى مقام البيان او فى مقام الاجمال فالامر واضح واما اذا شك (فلا يبعد) بل هو قريب جدا (ان يكون الاصل فيما اذا شك فى كون
المتكلم فى مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه وذلك لما جرت عليه سيرة اهل
المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما اذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها الى جهة
خاصه ولذا ترى ان المشهور لا يزالون يتمسكون بها مع عدم احراز كون مطلقها بصدد
البيان وبعد كونه لاجل ذهابهم الى انها موضوعة للشياع والسريان وان كان ربما نسب
ذاك اليهم ولعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز) إلّا ذهابهم الى انها موضوعه
لذلك (والغفلة
عن) كون (وجهه) ما ذكرنا قلت لا يعبأ بتمسك المشهور بالمطلقات ولا
يكون شاهدا على شىء بل الظاهر ان منشأ النسبة هو هذا التمسك منهم فانهم قد تمسكوا
بذلك حتى فيما علم بحسب ظاهر الحال ان المطلق فى غير مقام البيان ألا تراهم كم
تمسكوا بالاطلاقات الكتابية الواردة فى العبادات وجملة مما فى المعاملات مما لا
يتوهم متوهم ان المتكلم فى مقام بيان تمام مراده فيه وكذا فيما ورد فى السنة وهو
كثير لا يخفى على المتتبع نعم كون الاصل فى المتكلم ذلك مما لا ينبغى الشك فيه وقد
جرى عليه العقلاء فى محاوراتهم وهو غنى عن التمسك لثبوته بعروة تمسك المشهور لما
عرفت من انفصامها (فتأمل
جيدا ثم انه قد انقدح لك) واتضح (بما عرفت) تحقيقه فى بيان المقدمة الثانية من مقدمات الحكمة (من توقف حمل المطلق
على الاطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية او مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة
على المقدمات المذكورة) التى احدها انتفاء القرينة المعينة (انه لا اطلاق له فيما كان له الانصراف
الى خصوص بعض الافراد والاصناف) لكفاية الانصراف فى كونه قرينة معينه لو كان المنصرف
اليه هو المراد (لظهوره
فيه وكونه متيقنا منه) فى مقام التخاطب (ولو
لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف كما ان منه) اى من الانصراف (ما لا يوجب ذا) وهو تيقن المنصرف اليه (ولا ذاك) وهو ظهور المطلق فيه (بل يكون انصرافه بدويا زائلا بالتأمل) ولا تختل به مقدمات الحكمة و (كما انه منها) اى من مراتب الانصراف (ايضا ما يوجب الاشتراك) فى لفظ المطلق بين مطلق الطبيعة والطبيعة فى خصوص ما
ينصرف اليه (او
النقل) عن مطلقها
اليه على تقدير هجر المعنى المطلق فى مقام الاستعمال بالمرة (لا يقال كيف يكون ذلك
وقد تقدم ان التقييد لا يوجب التجوز فى المطلق اصلا) فكيف يحصل الاشتراك او النقل قبل سبق التجوز (فانه يقال مضافا الى
انه انما قيل) انه لا يستلزم ذلك لا انه يستلزم عدمه فعدم تحقق التجوز انما هو (لعدم استلزامه لا عدم
امكانه فان استعمال المطلق فى المقيد بمكان من الامكان ان كثرة ارادة المقيد لدى
اطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له مزية انس كما فى المجاز
المشهور او تعينا
واختصاصا
به كما فى المنقول بالغلبة) فيكون حاصل ذلك ان الذى اوجب الاشتراك او النقل ليس
استعمال المطلق فى المقيد ليستلزم التجوز بل هو كثرة ارادة المقيد واقعا فى حال
صدور المطلق بالدليل لدال على التقييد حتى بلغ الحال الى ان فهم المقيد من نفس لفظ
المطلق فلم يزل المطلق ذا معنى حقيقى غير انه تبدل بسبب كثرة ارادة المقيد معناه
الحقيقى بمعنى حقيقى آخر من دون سبق تجوز وفيه انه وان كان فى غاية الجودة والدقة
انما يتم لو كان الدال على التقييد غير الانصراف ضرورة ان الانصراف يقضى بارادة
المقيد من لفظ المطلق لا من لفظ آخر لدى اطلاق المطلق كما لا يخفى على ذى النظر
الدقيق نعم يمكن ان يقال فى توجيه عدم استلزام ذلك لسبق التجوز ان الانصراف لا
يقضى إلّا ان يكون للمتكلم اذا كان بصدد بيان تمام مراده وكان الفرد المنصرف اليه
المطلق هو تمام المراد ان يتكل على الانصراف ويكتفى به ولا منافات بين كونه فى هذا
الاستعمال حقيقة فى الجميع وكون تمام مراد المتكلم هو ما ينصرف اليه حال استعماله
فى الجميع ضرورة ان الدلالة لا تتبع الإرادة مع صحة الاتكال على ذلك بين اهل
المحاورة وربما كانت مرتبة الانصراف فى بعض المطلقات المستعملة بين اهل المحاورة بلغت
الى حد يكون المراد عين المستعمل فيه نقلا او اشتراكا فلا مقتضى لوقوع التجوز فيه
على هذا التقدير وان لم يكن الدال على التقييد غير الانصراف فهو كما لو وضع لفظ
المطلق ابتداء لمعنيين فى عرض واحد بوضعين فى عدم توقف الوضع الثانى على سبق
التجوز ولعل المصنف اراد ما ذكرنا والمطلب دقيق جدا (فافهم) لئلا يختلط عليك الامر (تنبيه وهو انه) لا اشكال فى انه (يمكن ان يكون للمطلق جهات عديدة كان) المطلق (واردا فى مقام البيان من جهة منها
وواردا فى مقام الاهمال او الاجمال من) جهة (اخرى فلا بد فى حمله على الاطلاق
بالنسبة الى جهة) من تلك الجهات (من
كونه) اى المتكلم (بصدد البيان من تلك
الجهة ولا يكفى) فى الحمل على الاطلاق من الجهة التى لم يكن المتكلم بصدد البيان بالنسبة
اليها (كونه
بصدده من جهة اخرى إلّا اذا كان بينهما ملازمة عقلا او شرعا او عادة) فانه يصح الحمل حينئذ لوجود الضابط
ضرورة انه اذا كان بصدد البيان بالنسبة الى جهة مع علمه بالملازمة باحد
الوجوه بينها وبين غيرها فهو بصدد البيان من جميع تلك الجهات المتلازمة فلم ينثلم
قانون عدم كفاية الورود فى مقام البيان من جهة فى الحمل عليه من جهة اخرى لا يكون
فى مقام البيان بالنسبة اليها فالاستثناء المذكور منقطع (كما لا يخفى
فصل
اذا ورد مطلق ومقيد متنافيين فاما يكونان مختلفين فى الاثبات والنفى واما يكونان
متوافقين فان كانا مختلفين مثل اعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة فلا اشكال فى لزوم
التقييد وان كانا متوافقين فالمشهور فيهما لزوم الحمل والتقييد وقد استدل بانه جمع
بين الدليلين وهو اولى وقد اورد عليه بامكان الجمع على وجه آخر وهو مثل حمل الامر
فى المقيد على الاستحباب واورد عليه) بما يكشف عن غفلة المورد عما ذكرناه فى احكام مقدمات
الحكمة الموجب للاذعان (بان) لفرق بين التصرفين واضح لان (التقييد ليس تصرفا فى
معنى) اللفظ لان
الحصة التى هى مدلوله موجودة فى المقيد (وانما هو تصرف فى وجه من وجوه المعنى) وهو نفس صفة الاطلاق (اقتضاء) اى اقتضى هذا الوجه (تجرده) اى تجرد المطلق (عن القيد مع تخيل وروده فى مقام بيان
تمام المراد) فحكم له بالوجاهة بهذا الوجه وهو الاطلاق (وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم
وجوده على وجه الاجمال فلا) يبقى ذلك الخيال وينكشف ان لا (اطلاق فيه) ويبقى اصل معناه على ما هو عليه فلم ينشأ من التقييد
تغير لامر ثابت (حتى
يستلزم تصرفا فلا يعارض ذلك بالتصرف فى المقيد بحمل امره على الاستحباب) لرجوعه الى التصرف فى معنى اللفظ (وانت خبير بان
التقييد ايضا يكون تصرفا فى المطلق لما عرفت من ان) مقدمات الحكمة تقضى بثبوت الاطلاق بما هو اطلاق يقبل
ورود الطوارى عليه واقعا وان (الظفر
بالقيد لا يكون كاشفا عن عدم ورود المطلق فى مقام البيان) او عن عدم ثبوت صفة الاطلاق له الا توهما وخيالا بل
انما يكشف (عن
عدم كون الاطلاق الذى هو ظاهره بمعونة الحكمة بمراد جدى) بالنسبة الى ما هو الواقع سواء كان مرادا جديا بالنسبة
الى الحكم الظاهرى الفعلى او مرادا لاجد فيه إلّا بمقدار جعله قاعدة وقانونا (غاية الامر ان التصرف
فيه بذلك لا يوجب
التجوز
فيه) وهذا لا يكون
بمجرد ذلك مقدما على التصرف فى الامر وان اوجب التجوز فكيف (مع) البناء على (ان حمل الامر فى المقيد على الاستحباب
لا يوجب تجوزا فيه) ايضا لما تقدم من عدم امكان اجتماع الحكمين المتضادين فى واحد ولو من
جهتين فلا بد من توجيه ما ظاهره ذلك ومنه هذا المقام (فانه) اى الامر (فى الحقيقة مستعمل فى الايجاب فان
المقيد اذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من افضل افراد الواجب) كالصلاة فى المسجد بالنسبة الى مطلق الصلاة فى مكان ما
(لا
مستحبا فعلا ضرورة ان ملاكه فعلا لا يقتضى استحبابه اذ اجتمع مع ما يقتضى وجوبه) فيكون الدوران حينئذ بين التصرف فى المطلق ورفع اليد
عن اطلاقه الثابت بمقدمات الحكمة او بالمقيد بحمل الامر فيه على بيان ان هذا الفرد
من الواجب افضل من غيره ولا نرى جهة مرجحة لاحدهما على الآخر فان كلا منهما تصرف
وكلا منهما لا يستلزم التجوز وكلا منهما فيه رفع اليد عن ظاهره (نعم) انما يكون لكلام هذا المورد وجه (فيما اذا كان احراز
كون المطلق فى مقام البيان بالاصل) الذى ذكرناه وهو بناء العقلاء على كون كل متكلم بشىء
فهو بصدد بيان تمام مراده ضرورة ان الظفر بالقيد حينئذ يوجب انكشف عدم واقعية ذلك الاصل
الموجب لعدم تحقق الاطلاق رأسا إلّا بحسب الصورة وعلى هذا التقدير فقد (كان من التوفيق
بينهما حمله على انه سيق فى مقام الاهمال على خلاف مقتضى الاصل فاقهم) قلت الظاهر ان هذا عين مراد المورد وحسب المورد هذه
الصورة وحدها وجها لترجيح التصرف فى المطلق على التصرف فى الامر بعد ان كان جل
المطلقات لو لم يكن كلها كتابا او سنة انما احرز كون المطلق فيها فى مقام البيان
بالاصل لا غير والتحقيق عندى قوة ما ذكره هذا المورد لما عرفت من ان كون المتكلم
بصدد بيان تمام مراده لا عن جد بل قاعدة وقانونا لا اظن وجود مورد واحد له فى
مطلقات الاحكام وانما الموجود ما ذكرنا من المطلقات التى جعلت بما هى كذلك احكاما
فعليه ظاهرية وهذه وان لم يكشف المقيد عدم اطلاقها بالنسبة الى وقتها التى صدرت
فيه لكنه يكشف بالضرورة عن عدم استمراره المتخيل الى زمن الاطلاع على المقيد
والعرف باسرهم على حمل المطلق على المقيد
بمجرد سماعه من دون اعمال روية وترجيح تصرف على آخر بعد العلم بوحدة
التكليف وغلبة ورود المطلق مرادا به لمقيد واين ذلك من حمل الامر ولو على بيان شدة
المحبوبية فى هذا الفرد فان ظهور الامر فى انشاء اصل الوجوب لا يقاس به ظهوره فى
بيان مجرد ملاك الاستحباب بقرينة حكم العقل باستحالة تحقق نفس الحكم الاستحبابى مع
وجود حكم الوجوب ورجوع الامر بالاخرة الى كون المقيد افضل فردى الواجب لا يجعل
المنشا بالامر فيه الوجوب لان اصل الوجوب التخييرى قد انشاء بامر المطلق والمنشا
بهذا الامر ليس إلّا زيادة المحبوبية الموجبة لكونه افضلهما ولو سلم انه انشاء
للوجوب فلا بد من كونه مؤكدا للامر بالمطلق فيدور الامر بين حمله على الوجوب
التعيينى تاسيسا او التخييرى مع الأفضلية تأكيد او لا ريب فى ان الاظهر هو الاول
هذا مضافا الى ما احتمله المصنف قده فى وجه ذلك بقوله (ولعل وجه التقييد كون
ظهور اطلاق الصيغة) اى صيغة الامر فى المقيد (فى الايجاب التعيينى اقوى من ظهور
المطلق فى الاطلاق وربما يشكل ذلك بانه يقتضى التقييد فى باب المستحبات) لوجود هذا الملاك بعينه فيها (مع ان بناء المشهور) على عدم حمل المطلق على المقيد فيها بل استقر رأيهم (على حمل الامر
بالمقيد فيها على تأكد الاستحباب اللهم إلّا) يقال فى دفع هذا الاشكال انه يمكن [ان يكون] منشأ الحمل هو كون [الغالب فى هذا الباب هو تفاوت الافراد] المخير فيها تخييرا عقليا مما يندرج تحت المطلق [بحسب مراتب المحبوبية
فتأمل] فان لقائل ان
يقول ان الطريق الى معرفة تفاوت الافراد فى ذلك ومعرفة ان المقام منه انما هو حمل
الامر بالمقيد على كونه اشد محبوبية فلا يجوز الاستدلال بالتفاوت فى المحبوبية على
لزوم هذا الحمل لانه دورى وان كون الغالب تفاوت الافراد فى المحبوبية لا يوجب ان
يكون الغالب كون مورد الامر بالمقيد اشد محبوبية وان الغلبة المذكورة بمجردها لا
توجب الحمل ما لم يكن ظهور الامر بسببها فى التعيين اقوى من ظهور المطلق فى
الاطلاق القاضى بالتخيير وهو غير مسلم وكيف كان فالذى سمعناه من المصنف قده فى
مجلس الدرس فى هذه المسألة قبل شروعه فى تصنيف هذا الكتاب ان عدم حمل المطلق على
المقيد فى باب المستحبات يمكن ان يكون لكونها مبنية على التزاحم مع عدم العلم
بوحدة التكليف فيها اذ لو لم يكن كذلك لسقط اكثر
المستحبات لعدم الفائدة فى تشريعها وضيق الوقت عن اقل القليل منها فلو اشغل
المكلف وقته بالتسبيح المطلق لم يكن لبعض التسبيحات المقيدة الخاصة وقت فلا فائدة
فى تشريعها فلحاظ كثرتها وظهور الدليل فى ارادة العمل بها يوجب القطع بعدم وحدة
التكليف المستحب فيها ومع عدم ذلك فالعمل بالدليلين لازم ولا منافات بينهما مع
الحمل على تأكد الاستحباب بعد معرفة أصله من دليل المطلق هذا ما سمعناه وقد عدل
عنه المصنف فى هذا الكتاب ولعل غرضه من عبارته المذكورة فى هذا الكتاب ذلك بان
يكون مراده ان غلبة تفاوت افراد المطلق فى المحبوبية دليل عدم وحدة التكليف فلا
حمل ولا يكون ذلك عدولا بل بيانا لطريق عدم العلم بوحدة التكليف او العلم بعدمه
والعبارة لا تأبى ذلك ولعله الى ذلك اشار بالتأمل لا الى ما ذكرناه من الدور
لامكان دفعه بان الطريق الى معرفة ذلك نفس الدليل الوارد فى بيان ثواب المستحبات
وتفضيل بعض افرادها على بعض الذى يعطى بظاهره ان الكل من واد واحد ويعلم دفع
الوجهين الاخيرين بالتأمل ثم اقول تأبيدا وتشييدا لما سمعناه ان من له ادنى تتبع
وتامل يرى ان مبنى المستحبات على عدم التعارض اصلا من غير فرق بين العام والخاص
والمطلق والمقيد والظاهر والاظهر والمتباينين اذ لو بنى امرها على ذلك لكان مستحب
واحد من المتعارضات المتنافيات المستوعبة لجميع الاوقات موجبا لسقوط الباقى فلو
قدمنا الدليل الدال على استحباب صلاة ركعتين فى كل وقت يسعها سقط باقى المستحبات
لان الوقت شرط ولما وجدنا ان الشارع اراد العمل بكل مستحب او بما يتمكن المكلف منه
او بما يرغب اليه ويدل على ذلك نفس ادلة المستحبات وما ورد من الثواب عليهما وما
ورد فى اعمال الاوقات الخاصة كليلة القدر وما اشبهها مما يقطع بكون الاستحبابات
فيها على مقدارها عددا ويعلم بارادة الشارع العمل فعلا بقراءة سورتى العنكبوت
والروم مثلا مع ما ندب اليه مما يستوعب تلك الليلة وهو عمل واحد على كثرته وما ورد
عنه عليهالسلام من انى اكره للرجل ان يخرج من الدنيا وعليه خلّة من
خلال رسول الله صلىاللهعليهوآله لم يعملها علمنا ان باب المستحبات لا يتعارض المتباينان
فيها فضلا عن الاعم والاخص مطلقا
او من وجه او المطلق والمقيد فالمحبوبية فى الجميع موجودة إلّا ان بعضها
احب من بعض فيرجح بذلك احد المتزاحمين منها على الآخر وان لم يلزم الترجيح وإلّا
فيتخير هذا غاية ما يقال فيها بناء على الاختصار وقد صارت المسألة من الوضوح
كالشمس فى رابعة النهار واضعف ما يقال فى وجه ذلك ما افاده بقوله (او انه كان) الحمل على ذلك (بملاحظة التسامح فى ادلة المستحبات وكان) عندهم (عدم رفع اليد من دليل استحباب المطلق
بعد مجيء دليل المقيد وحمله على تاكد استحبابه من التسامح فيها) وفيه ما لا يخفى بل ذلك مع عدم لحاظ وجه آخر من
التسامح فى الواجبات لا المستحبات لوجوب العمل بظاهر الادلة ووجوب علاجها على
تقدير التعارض فرفع اليد عن ذلك بلا سبب يقتضيه وان كان فى المستحب تسامح غير سائغ
(ثم) بعد ما علمت من مطاوى ما تقدم ان ملاك التنافى فى
المتوافقين هو العلم بوحدة التكليف اذ مع احتمال التعدد فضلا عن القطع فلا تنافى
اصلا تعلم (ان
الظاهر) بل المقطوع
به (انه
لا يتفاوت) الحال فيما
ذكرنا بين المطلق والمقيد المثبتين كاعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة والمنفيين كلا
تعتق رقبة لا تعتق رقبة كافرة (بعد
فرض كونهما متنافيين) والعلم بوحدة التكليف بينهما (كما لا يتفاوتان فى استظهار التنافى
بينهما من استظهار اتحاد التكليف) سواء كان (من وحدة السبب وغيره من قرينة حال او
مقال حسبما يقتضيه النظر فليتدبر تنبيه)
لا يذهب عليك
انه كما كان العلم بوحدة الحكم التكليفى المعلق على المقيد والمطلق موجبا للتنافى
وحمل احدهما على الآخر كذلك العلم بوحدة الحكم الوضعى المعلق كذلك موجب للتنافى
الموجب للحمل [فلا
فرق فيما ذكر من الحمل فى المتنافيين بين كونهما فى مقام بيان الحكم التكليفى وفى
مقام بيان الحكم لوضعى فاذا ورد مثلا ان البيع سبب وان البيع الكذائى سبب وعلم ان
مراده] واحد [اما البيع على اطلاقه
سبب او البيع الخاص فلا بد من التقييد لو كان] فيه ما يعينه على حد ساير المطلقات ومقيداتها كما اذا
كان (ظهور
دليله فى دخل القيد اقوى من ظهور دليل الاطلاق كما هو ليس ببعيد ضرورة تعارف ذكر
المطلق وارادة المقيد) ولو بدال آخر (بخلاف
العكس) الذى يكون (بالغناء القيد وحمله
على
انه غالبى او) على كون ذى القيد اقوى فى السببية واكمل (او على وجه آخر فانه) اى العكس (على خلاف المتعارف تبصرة
لا تخلو من تذكرة) (وهى) انه كما كان المطلق يختلف بحسب الجهات كذلك يختلف بحسب
الاحوال من حيث كيفية الاطلاق بحسب العموم المستفاد منه بمقدمات الحكمة ضرورة (ان قضية مقدمات
الحكمة فى المطلقات تختلف حسب اختلاف المقامات فانها) اى المطلقات (تارة يكون) مقتضى مقدمات الحكمة (حملها على العموم البدلى واخرى) حملها (على العموم الاستيعابى وثالثه) مقتضى حمل المطلق (على نوع خاص) من انواعه لعدم معنى للعموم بدليا واستيعابيا فيها
بشرط ان يكون ذلك النوع (مما
ينطبق) المطلق عليه
وهذه المحامل انما تكون على (حسب
اقتضاء خصوص المقام و) اقتضاء (اختلاف
الآثار والاحكام) ولا خصوصية لقرينة الحكمة بذلك بل الحال فيها (كما هو الحال فى سائر
القرائن بلا كلام فالحكمة فى اطلاق صيغة الامر المقتضى ان يكون المراد) نوعا خاصا منه وهو (خصوص الوجوب التعيينى العينى النفسى فان
ارادة غيره من) التخييرى او الكفائى او (الغيرى) او الاعم (يحتاج الى مزيد البيان) كما تقدم وجهه فى محله (ولا معنى لارادة الشياع فيه) الا هذا النحو من الشياع وهو ثبوت الوجوب فى المتعلق
دائما فلا يكفى غيره كما هو حكم التخييرى وبالنسبة الى كل مكلف فلا يكفى وقوعه من
مكلف واحد وبالنسبة الى كل واجب عداه فلا يتوقف وجوبه على وجوب غيره ابدا واى شياع
احسن من هذا الشياع نعم الذى لا محل له ولا معنى هو الشياع بحسب افراد الامر وليس
يلزم ثبوت الشياع بكل معنى فى المطلق فكما كان الشياع الافرادى فى المقام لا معنى
له كذلك الشياع بهذا المعنى الذى عرفته لا معنى له فيما كان الشياع فيه افراديا
كما لا يخفى واذا عرفت ان الشياع بنحو من الانحاء لازم (فلا محيص عن الحمل
عليه فيما اذا كان بصدد البيان) فتأمل ولا يختلط عليك الامر بالنظر الى ظاهر عبارة
المصنف قده فان الشياع المنفى فى ظاهر كلامه هو الافرادى وحقيقة مقصوده من ذلك ما
ذكرنا من اقتضاء الحكمة خصوص نوع من انواع المطلق ومعنى من معانى الشياع فيه (كما انها قد تقتضى
العموم الاستيعابى كما فى أحل الله البيع
اذ
إرادة) تعليق الحلية
(على
البيع مهملا او مجملا ينافى ما هو المفروض من كونه فى صدد البيان وارادة العموم
البدلى لا يناسب المقام) بل لا معنى له ضرورة ان تعليق الحلية تكليفا ووضعا على واحد على التبادل
دليل تساوى الافراد كلها فى وجود المقتضى لها فيها وإلّا لما تساوت بحسب التعليق
واذا تساوت فى تلك الخصوصية التى اقتضت الحلية او السببية فتخصيص واحد بالحكم دون
غيره ترجيح بلا مرجح بالضرورة فلا وقع (ولا مجال لاحتمال ارادة بيع اختاره
المكلف اى بيع كان مع انها) اى الدلالة على العموم البدلى (تحتاج الى نصب دلالة) اخرى (عليها) غير قرينة الحكمة ضرورة انه (لا يكاد يفهم) العموم البدلى (بدونها من الاطلاق) وقرينة الحكمة لا تتكفل باكثر من تحقق الاطلاق بداهة
ان ارادة البعض دون الكل تحتاج الى بيان فعدمه دليل الاستيعاب وارادة الاستيعاب لا
تحتاج الى بيان وجودى لعدم ارادة الاستيعاب فى مثل هذه التراكيب (ولا يصح قياسه على ما
ذا اخذ) المطلق (فى متعلق الامر فان
العموم) الاستيعابى
فى مثل ذلك (لا
يكاد يمكن ارادته وارادة غير العموم البدلى) كفرد معين فى الواقع مبهم فى الظاهر (وان كانت ممكنة إلّا
انها منافية للحكمة وكون المتكلم المطلق بصدد البيان) وبالجملة فالعموم البدلى فى التركيب الاول غير ممكن
فيتعين المطلق للاستيعابى والعموم الاستيعابى فى التركيب الثانى غير ممكن فيتعين
المطلق للعموم البدلى فظهر لك ان تعبير المصنف قده فى الاول بعدم المناسبة وفى
الثانى بعدم الامكان متداعى الاركان وقد عرفت عدم امكانهما معا بالبرهان (فصل فى المجمل
والمبين والظاهر) ان هاتين الصفتين تارة تكونان ذاتيتين واخرى عرضيتين فاكرم القوم الا
بعضهم مشتمل على المجمل الذاتى وهو المستثنى والعرضى وهو المستثنى منه كما ان اكرم
بعض العلماء اعنى زيد ابن عمر مشتمل على مبين ذاتى وهو ما به التفسير وعرضى وهو ما
له التفسير كما ان الظاهر (ان
المراد من المبين فى موارد اطلاقه) المبين الذاتى و (هو الكلام الذى له ظاهر ويكون بحسب
متفاهم العرف قالبا لخصوص معنى و) لمراد من (المجمل بخلافه) على ما عرفت (فما ليس له ظهور مجمل) ذاتا (وان) اتصل به التفسير فيكون مبينا عرضا اما اذا (علم بقرينة خارجية) لا دخل لها بعالم اللفظ
(ما
اريد منه) فهو باق على
صفة الاجمال (كما
ان ما له الظهور مبين) ذاتا (وان) اتصل به المجمل ذاتا فيكون مجملا عرضا اما اذا (علم بالقرينة
الخارجية انه ما اريد ظهوره وانه مؤول) فهو بعد باقى على صفة التبين وهذا كله فى غاية الوضوح
كما انه قد اتضح لك مما ذكرنا معنى الظاهر والمؤول (ولكل منهما فى الآيات والروايات وان كان
افراد كثيرة لا تكاد تخفى إلّا ان لهما افرادا مشتبهة وقعت محل البحث والكلام
للاعلام فى انها من افراد ايهما كآية السرقة) بالنسبة الى القطع المعلق على الايدى (ومثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ
أُمَّهاتُكُمْ) و
(أُحِلَّتْ لَكُمْ
بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) مما
اضيف حكم التحريم والتحليل فيه الى الاعيان ومثل لا صلاة إلّا بطهور) وما اشبه هذا التركيب مما تضمن نفى الحقيقة فاما
الكلام فيما يعود الى الاولين فهو معدوم الفائدة ضرورة وضوح الامر فيه من الروايات
فلا يترتب عليه ثمرة مهمة واما الكلام فى الثالث فقد وقع فى مقامات عديدة من مسائل
الاصول والفقه وقد تحقق هناك حاله بما لا مزيد عليه فلا ينبغى التعرض له فى هذا
المقام المبنى على الاختصار والاقتصار فراجع مظانه هذا (ولا يذهب عليك ان
اثبات الاجمال او البيان لا يكاد يكون بالبرهان لما عرفت من ان ملاكهما ان يكون
للكلام ظهور ويكون قالبا لمعنى) او ان لا يكون كذلك (وهو مما يظهر) ويعرف (بمراجعة الوجدان فتأمل ثم لا يخفى) عليك انه بعد ان قسمنا صفتى الاجمال والبيان الى
ذاتيتين وعرضيتين فانت تعرف من ذلك انهما فى غير الذاتيتين (وصفان اضافيان) يختلف الحال فيهما حسب اختلاف الافهام والانظار (فربما يكون اللفظ
مجملا عند واحد لعدم معرفته بالوضع) بحسب الكيفية لا باصله كما هو ظاهر المصنف قده فان ذلك
خارج عن المجمل الذى هو محل للكلام بلا كلام (او لتصادم ظهوره بما حف به لديه ويكون
مبينا لدى الآخر لمعرفته) بكيفية الوضع (وعدم التصادم بنظره ولا يهمنا التعرض
لموارد الخلاف والكلام والنقض والابرام فى المقام) ولكن لا يذهب عليك ان ظاهر المصنف قده فى تعريف المجمل
والمبين ارادة الذاتيين وصريحه فى جعل الصفتين اضافيتين ارادة العرضيين لان الذاتى
لا يختلف باختلاف الانظار والافهام وليكن هذا آخر الكلام فى المقام (وعلى الله التوكل
وبه
الاعتصام) تم الشرح
المبارك الميمون فى ليلة اليوم المبارك الميمون يوم الخميس غرة ربيع الثانى ويوم
عيد النيروز اول السنة الجديدة من سنة الف وثلاثمائة وثلثين هجرية على يد مؤلفه
الفقير الى عفو الإله المستغنى بفضله عمن سواه عبد الحسين آل الاواه المرحوم الشيخ
اسد الله التسترى طاب ثراه وكان الابتداء بهذا الشرح فى العشر الاواسط من ذى
القعدة الحرام من سنة الف وثلاثمائة وتسع وعشرين هجرية مع شدة اختلال الحال وفرط
مشوشات البال من الداخليات والخارجيات ولم اقدم على هذا الشرح الميمون المبارك الا
بعد الاستيذان من المولى الاستاذ المصنف اعلى الله رتبته وسقى بشئابيب الرضوان
تربته فى كتاب حررته لحضرته من الكاظمية الى النجف فى العشر الاواسط من هذا الشهر
فجاء الجواب منه فى العشرة الاخرى منه يتضمن الاذن وحيث كان من جملة فقرات جوابه
قده ما هذا لفظه وفقكم الله للهداية الى شرح الكفاية سميت هذا الشرح بالهداية
سائلا من الحنان المنان ان ينفعنى به وسائر الاخوان وان يرزقنى بلطفه الخفى التوكل
عليه فى جميع امورى فان من توكل عليه كفى والحمد لله رب العالمين وافضل صلواته
واشرف تحياته على علل الوجود محمد وآله الطاهرين سلام الله عليهم اجمعين ويتلوه إن
شاء الله تعالى الكلام فى الجزء الثانى فى مباحث الادلة العقلية نسأل الله التوفيق
لنيل السعادة الأبدية فانه خير رفيق.
وقد تم طبعا في
يوم الجمعة يوم عيد النيروز الثاني عشر من ربيع الثاني من سنة ١٣٣١ (في مطبعة الآداب) في «بغداد»
|