
فهرست تفسير المظهرى من سورة الملك الى اخر القران
مضمون
|
صفحه
|
مضمون
|
صفحه
|
بحث الموت والحيوة
|
١٨
|
أحاديث المحشر
وروية الله سبحانه وكشف الساق
|
|
ذكر الأعيان
الثابتة وعالم المثال
|
١٩
|
والمرور على
الصراط والشفاعة
|
٤٠
|
حديث كفى بالموت
واعظا وباليقين غنى
|
٢١
|
مسئله الروافض
وغيرهم من اهل الهواء
|
٤٢
|
حديث بادروا
بالأعمال سبعا وفى الحديث بادروا قبل ست مسئله ليس فى الإمكان أبدع مما كان
|
٢٢
|
لا يستطيعون من
السجود أحاديث آيات المنافقين قصة يونس عليهالسلام
|
٤٣
|
الكواكب كلها فى
سماء الدنيا راس الحكمة مخافة الله
|
٢٤
|
مسئله الصبر على
إيذاء الخلق أحاديث العين
|
٤٥
|
حديث ينزل ربنا
تبارك وتعالى كل ليلة الى
|
٢٥
|
حق حديث حنظلة
إلخ
|
٤٦
|
السماء الدنيا
حديث سئل عليه الصلاة والسلام كيف
|
٢٧
|
علامة اولياء
الله دواء إصابة العين
|
٤٦
|
يحشر الكافر على
وجهه أحاديث فضائل سورة الملك
|
٢٩
|
سورة الحاقة
|
|
سورة ن
|
|
قصة صالح عليهالسلام
|
٤٨
|
حديث أول ما خلق
الله القلم
|
٣٠
|
حديث ان هذه
القلوب اوعية فخيرها
|
٥١
|
حديث كتب الله
مقادير الخلائق
|
٣٠
|
أوعاها
|
٥١
|
حديث سجدت
الأتان الى الكعبة حين ركبت
|
٣١
|
قوله تعالى إذا
نفخ فى الصور
|
٥١
|
عليها حليمة مع
النبي صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى (إِنَّكَ
لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وذكر بعض أخلاقه صلعم
|
٣١
|
حديث بعد ما بين
السماء والأرض وحملة العرش
|
٥٢
|
فضل فى فضائل
حسن الخلق
|
٣١
|
حديث العرضات
ونظاير المصحف
|
٥٣
|
قوله تعالى يوم
يكشف عن ساق
|
٣٩
|
ما ورد فى سلسلة
ذرعها سبعون ذراعا
|
٥٥
|
|
|
حديث الكبرياء
ردائى
|
٥٦
|
|
|
الغسلين
|
٥٦
|
|
|
مسئله تلاوة
القرآن سبب لترقى بعد فناء
|
٥٨
|
|
|
النفس الأحاديث
الواردة في تسبيحات الركوع
|
٥٩
|
والسجود وفضل
التسبيح
|
٥٩
|
سورة نوح
|
|
مسئله تسبيحات
الركوع والسجود
|
٥٩
|
حديث أعطيت خمسا
لم يعطهن أحد قبلى إلخ حديث فضلت على الأنبياء بست
|
٧١
|
سورة المعارج
|
|
حديث الإسلام
يهدم ما كان قبله والهجرة والحج إلخ
|
٧١
|
حديث فى الجنة
مائة درجة إلخ
|
٦٠
|
مسئله القضاء
على نوعين معلق ومبرم
|
٧٣
|
حديث ان اهل
الجنة يتراوون اهل العرف
|
٦١
|
حديث لا يرد
القضاء الا الدعاء
|
٧٣
|
قوله تعالى (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ)
|
٦١
|
حديث ارايت فى
نسترقيها او دواء هل يرد من قدر الله
|
٧٣
|
ما من صاحب كنز
ما من صاحب ابل وصاحب بقر لا يؤدى زكوته
|
٦١
|
حديث أشد الناس
بلاء الأمثل فالامثل
|
٧٤
|
مسئلة المسافة
الى محدب العرش
|
٦٣
|
مسئله الايمان
امر وهبى يعنى لا اختيار فى اكتسابه
|
٨٤
|
حديث الشفاعة
|
٦٤
|
مسئله لا بد
للمفيض من النبي والولي كمالات العروج والنزول
|
٨٤
|
حديث لو كان
لابن آدم واديان من ذهب
|
٦٥
|
أحاديث كيفيت
استراق السمع للجن من
|
٨٦
|
حديث يهرم ابن
آدم ويشب منه اثنان
|
٦٥
|
الملائكة من
السماء الدنيا او السحاب
|
٨٦
|
حديث عجبا لامر
المؤمن ان امره كله خير
|
٦٥
|
ثواب المطيع من
الجن وعذاب المعاصي منهم
|
٨٩
|
مسئله تفاوت
استعدادات الإنسان
|
٦٦
|
الأحاديث
الواردة فى تطهير المساجد وتعظيمها
|
٩٢
|
مسئله يجعل بصره
موضع سجوده فى الصلاة
|
٦٦
|
حديث أمرت ان
اسجد على سبعة أعظم
|
٩٣
|
مسئله لا يجوز
للرجل إتيان العبد فى دبره
|
٦٧
|
قوله تعالى عالم
الغيب فلا يظهر على غيبه
|
٩٥
|
ولا للمرأة
الاستمتاع بفرج عبدها
|
٦٧
|
أحدا الا من
ارتضى من رسول
|
٩٥
|
حديث ايماء رجل
راى امرأت تعجبه فليقم الى اهل
|
٦٧
|
مسئله عالم
الغيب منها ما هو غيب مطلقا وما هو غيب بالنسبة الى البعض بحث العلم الحاصل بالإلهام
للاولياء
|
٩٦
|
مسئله لا يجوز
متعة النكاح ولا الاستنماء باليد
|
٦٧
|
|
|
حديث بصق رسول
الله صلعم فى كفه فقال
|
٦٩
|
|
|
يقول الله ابن
آدم انى تعجزنى
|
٦٩
|
|
|
واثبات كرامات
اولياء حديث لقد رايتنى فى الحجر وقريش يسألنى
|
٩٥
|
تحسين الصوت دون
التغني والحكمة فى الترتيل التدبر
|
١٠٥
|
عن مسراى حديث
ان عمر بعث جيشا وأمرهم سارية
|
٩٥
|
حديث كلمتان
خفيفتان على اللسان إلخ
|
١٠٥
|
حديث مات
النجاشي لا يزال يرى على قبره نور أحاديث العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل
|
٩٦
|
حديث شيبتنى
|
١٠٦
|
حديث الرؤيا
الصالحة جزء من ستة و
|
٩٧
|
سورة هود
|
|
أربعين جزء من
النبوة حديث الرؤيا الصالحة من الله والحلم إلخ
|
٩٧
|
مسئله علامة
انكشاف حقيقة القرآن و
|
١٠٦
|
بحث العلم
اللدني وتحقيق النسبة بين
|
٩٧
|
ورود ثقل عظيم
حديث كان إذا انزل عليه الوحى كرب لذلك
|
١٠٦
|
الخالق والخلق
بحث علم الكهان والمنجمين والأطباء علم
|
٩٨
|
وان جبهته ليفصد
عرقا فى الشتاء بحث فضل النبوة على الولاية وبحث العروج
|
١٠٧
|
النقاط والخطوط
والسحر حديث قال الله تعالى قد أصبح قوم من عبادى
|
٩٩
|
والنزول جعلت
قرة عينى فى الصلاة ونحو ذلك
|
١٠٧
|
مومن بي وكافر
بالكواكب إلخ حديث من اقتبس علما من النجوم اقتبس
|
١٠٠
|
فصل فى فضائل صلاة
الليل
|
١٠٨
|
شعبة من السحر
حديث لا تأتوا الكهان ولا يصدنكم الطيرة
|
١٠٠
|
مسئله ذكر القلب
هو حقيقة الذكر
|
١٠٩
|
سورة المزمل
|
|
مسئله قراءة
البسملة عند ابتداء قراءة القرآن وبين السورتين قالت الصوفية الطريقة خطوتان
|
١١٠
|
أحاديث قيام
النبي صلعم حتى انتفخت أقدامهم
|
١٠٣
|
مسئله التبتل
الى الله لا يخل بالمعاش
|
١١٠
|
أحاديث استحباب
الترتيل بالقراءة و
|
١٠٤
|
حديث لو انكم
تتوكلون على الله حق توكله
|
١١٢
|
|
|
حديث ان روح
القدس نفث فى روعى ان نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها حديث الزهادة فى الدنيا
ليست بتحريم الحلال
|
١١٢
|
|
|
الاشارة الى
مقامات السلوك وأعلاها الصبر
|
١١٢
|
|
|
ما ورد فى
الأنكال وطعام اهل النار وعذابهم
|
١١٣
|
حديث يقول الله
يا آدم ابعث بعث النار من
|
١١٣
|
والعبادات
والعقوبات تسقط فى الدنيا عن
|
١٣٢
|
كل الف تسع مائة
وتسع وتسعين مسئله السبيل الى الله التذكر الموجب للمحبة والمعية مسئله قيام
الليل هل كان واجبا على النبي صلعم أم لا
|
١١٥
|
الكافر بالإسلام
مسئله جواز الشفاعة لاهل الكبائر وما ورد من الأحاديث لا ينال الشفاعة لاهل
الأهواء
|
١٣٤
|
مسئله مقدار
القراءة على المقتدى
|
١١٦
|
مسئله ما ورد فى
بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة
|
١٣٤
|
مسئله هل يجب
القرآن فى كل ركعة
|
١٢٠
|
سورة القيامة
|
|
مسئله يستحب
التوسط فى العمل والمواظبة عليه
|
١٢١
|
القيامة وذكر
النفس الامارة واللوامة والمطمئنة
|
١٣٦
|
مسئله ادنى
التوسط فى قراءة القرآن خمسين آية وأكثره الف آية حديث أيكم ماله أحب عنده من
مال وارثه
|
١٢٣
|
مسئله بيان
القرآن محكمه ومتشابهه ضرورى
|
١٣٩
|
مسئله الإنسان
لا يعتبر باعمال البر بل لا بد مع ذلك من الاستغفار
|
|
رؤية الله
سبحانه
|
١٤٠
|
سورة المدثر
|
|
مسئله لعل
الأنبياء والمقربون يرون الله
|
١٤٣
|
مسئله وجوب
تعظيم الله وتوحيده
|
١٢٤
|
وانما بلا
انقطاع من الناس من يرى كل يوم مرتين ومنهم من يرى
|
١٤٣
|
مسئله اقوال
العلماء فى تكبير التحريمة
|
١٢٤
|
كل جمعة مرة او
مرتين او كل سنة مرة او مرتين
|
١٤٣
|
مسئله طهارة
المكان والثوب والبدن و
|
١٢٥
|
سورة الدّهر
|
|
القلب والنفس
ذكر الصور واسرافيل عليهالسلام
|
١٢٦
|
فى هذه السورة
ذكر اهل الجنة غالبا من النضرة
|
١٤٧
|
مسئله صعود جبل
فى النار صفة خزنة النار
|
١٢٨
|
والسرور ولباسهم
وحليهم وطعامهم وشرابهم وسعة ملكهم وخدمهم وسدرهم وتلا لا الجنة بلا حر وبرد
وظلال لجنة وقطوفها مسئله تاويل الصوفية هل اتى على الإنسان حين من الدهر
بالفناء
|
١٤٨
|
عددهم تسعة عشرا
وهذا عدد رؤسائهم ولا يعلم عددهم الا الله مسئله الكفار مواخذون بالفروع بالآخرة
|
١٣٢
|
|
|
حديث يوذينى ابن
آدم يسب الدهر إلخ
|
١٤٨
|
حديث يحشر أمتي
على عشرة أفواج
|
١٧٣
|
فصل فى مسائل
النذور وما ورد فيه من الأحاديث
|
١٥٠
|
أحاديث فى
الصراط
|
١٧٤
|
أحاديث فضل
الصلاة بالمسجد الحرام والأقصى
|
١٥١
|
قوله تعالى (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً
لِلطَّاغِينَ مَآباً لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) التأويل ان المراد بالطاغين اهل الهواء ما ورد فى
الاحقاب والحميم والغساق
|
١٧٦
|
ومسجد المدينة
وان ذلك مختص بالمكتوبات حديث اتقوا الله فى الضعيفين المملوك و
|
١٥٤
|
مسئله اهل الهواء
يكذبون بايات الله
|
١٧٨
|
المرأة ، حديث
ان الصدقة ليطفى غضب الله الرب
|
١٥٦
|
مسئله عذاب اهل
الكبائر من المؤمنين غير اهل الهواء
|
١٧٨
|
مسئله مقادير
أكواب الجنة على حسب استعدادات فى المعارف الالهية
|
١٥٨
|
مسئله يجزى
المتقون على حسب إخلاصهم ومراتب قربهم
|
١٨٠
|
مسئله المقربون
يوتون شرابا طهورا بلا توسط ولدان وملائكة غالبا وكذا الأبرار أحيانا
|
١٦١
|
حديث لا تسبوا
أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبه إلخ
|
١٨٠
|
حديث ان هذه
الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
|
١٦٢
|
مسئله الصحابة
كانوا مستغرقين فى كمالات النبوة اى التجليات الذاتية الدائمة وكذا اكثر
التابعين وقليل من اتباعهم ثم بعض الكرام بعد الف سنة
|
١٨٠
|
حديث ان قلوب
بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن
|
١٦٣
|
حديث مثل أمتي
كمثل المطر إلخ
|
١٨١
|
سورة المرسلات
|
|
حديث ابشروا
ابشروا انما مثل أمتي مثل الغيث
|
١٨١
|
ان خلق أحدكم
يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة
|
١٦٩
|
حديث انما اجلكم
من أجل من خلا من الأمم ما بين العصر الى مغرب الشمس إلخ
|
١٨١
|
حديث الإحسان ان
تعبد ربك كانك تراه
|
١٧٠
|
ما ورد فى الروح
|
١٨٢
|
حديث شيبتنى هود
والواقعة والمرسلات
|
١٧٠
|
|
|
سورة النّبإ
|
|
|
|
ما ورد فى
الصّور
|
١٧٣
|
|
|
حديث ان الناس
يحشرون على ثلاثة أفواج
|
١٧٣
|
|
|
ما ورد فى عذاب
القبر وثوابه ما ورد فى قصاص البهائم وكونهم ترابا
|
١٨٤
|
حديث سيد بنى
دارا ووضع مادبة إلخ
|
|
سورة النّازعات
|
|
حديث سالت عن
والديها ماتا فى الجاهلية
|
٢٠٢
|
ما ورد فى نزع
أرواح المؤمنين والكفار
|
١٨٥
|
سوره كوّرت
|
|
مسئله تحقيق
النفس والروح والقلب وكيفية أزواجها حديث من دنياه أضر بآخرته حديث حفت النار
بالشهوات
|
١٩٢
|
حديث من سره ان
ينظر الى القيمة راى عين
|
٢٠٣
|
حديث الدنيا
ملعونة إلخ
|
١٩٢
|
حديث الوائدة
والمودة فى النار
|
٢٠٦
|
مسئله رأس
المنهيات اتباع الهوى وهو قبيح شرعا وعقلا ومنها الكفر وفساد العقائد والفسق
|
١٩٢
|
مسئله الواد
كبيرة وفى حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر واقل منه وزرا الاسقاط قبل ذلك
|
٢٠٦
|
أحاديث بئس
العبد عبد هوى يضله نحوه
|
١٩٣
|
مسئله يحب الغرة
بضرب حامل أسقطت ميتا
|
٢٠٦
|
فائدة مراتب ترك
الهواء ثلثة
|
١٩٣
|
مسئله العزل عن
الامة والحرة حديث انها اى الشمس تذهب وتسجد تحت العرش حديث إذا تكلم الله
بالوحى أخذت السموات
|
٢٠٨
|
تصحيح العقائد
تنزيه الأعمال سلب الارادة بالفناء
|
١٩٤
|
منه رجفة وصعق
أهلها وخروا سجدا
|
٢٠٩
|
حديث لا يؤمن
أحدكم حتى تكون هواه تبعا لما جئت به حديث بعثت انا والساعة كهاتين
|
١٩٥
|
وأول من يرفع
راسه جبرئيل قالوا ماذا قال ربكم إلخ مسئله بيان كون النبي صلعم ذى قوّة عنه ذى
العرش مكين مطاع ثمّ أمين
|
٢٠٩
|
سورة عبس
|
|
مسئله الحقيقة
المحمدية هى التعين الاول
|
٢٠٩
|
حديث الذي يقرء
القرآن وهو ما هو مع السفرة الكرام البررة حديث كن فى الدنيا كانك غريب او عابر
سبيل
|
٢٠١
|
مسئله هل راى
محمد صلعم ربه بفؤاده او بعينه
|
٢١٠
|
|
|
مسئله أقصى
مقامات العابدية الحقيقة الاحمدية ووراء ذلك اللاتعين والسير هناك نظرى
|
٢١٠
|
رؤية النبي صلعم
جبرئيل على صورته
|
٢١٠
|
مسئله عليون فوق
السماء السابعة تحت العرش او هو قائمة العرش او الجنة او السدرة المنتهى
|
٢٢٣
|
مسئله كونه صلعم
رحمة للعالمين وشمول قصة الملائكة
|
٢١٢
|
الأحاديث
الواردة فى مقر أرواح الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وفساق المؤمنين
|
٢٢٤
|
سورة انفطرت
|
|
مسئله التنافس
لا يليق على الامتعة الدنيوية وهى رويلة ويليق بالنعم الاخروية وهى جميلة
|
٢٢٦
|
حديث إذا قام
الرجل فى الصلاة اقبل الله عليه بوجهه فاذا التفت إلخ
|
٢١٤
|
سورة انشقت
|
|
حديث ان النطفة
إذا استقرت فى الرحم احضر كل عرق بينه وبين آدم
|
٢١٥
|
حديث من حوسب
عذب يعنى ان نوقش فى الحساب عذب
|
٢٢٩
|
أحاديث عرض
الجنة والنار فى القبور
|
٢١٦
|
حديث لتركبن سنن
من كان قبلكم شبرا بشبر ذراعا بذراع إلخ
|
٢٣٠
|
سورة المطففين
|
|
مسائل سجود
التلاوة وما يناسبه
|
٢٣٢
|
أحاديث عقوبة
بعض المعاصي فى الدنيا
|
٢١٨
|
سورة البروج
|
|
حديث ان
المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم الى آذانهم ما ورد فى الموقف
ودنو الشمس وحرها
|
٢١٩
|
البروج حديث
أكرموا الشهود إلخ
|
٢٢٥
|
والعرق وان
المؤمنين على كرامى يظل عليهم الغمام ما ورد فى السجين انه موضع صحف
|
٢٢٠
|
حديث فى صدر
اللوح لا اله الا الله وحده دينه الإسلام ومحمد عبده ورسوله إلخ وهو من درة بيضا
وطوله إلخ
|
٢٣٩
|
اعمال الكفار
وهناك مقر أرواحهم وهو فى جهنم تحت الأرض السابعة
|
٢٢١
|
سورة الطارق
|
|
حديث يجأ بجهنم
يوم القيمة من الأرض السابعة لها الف زمام إلخ
|
|
مسئله وجوب
التسبيح
|
٢٤٣
|
حديث المؤمن إذا
أذنب كانت نكتة سوداء فى قلبه
|
٢٢٢
|
حديث كتب الله
مقادير الخلائق
|
٢٤٣
|
حديث كل شىء بقدر
|
٢٤٣
|
ذى الحجة
|
٢٥٣
|
الأحاديث
الواردة فى تعاهد القرآن والنهى عن نسيان القران مسئله تكبير التحريمة شرط
للصلوة او ركن
|
٢٤٥
|
حديث أفضل
الصيام بعد رمضان شهر الله
|
٢٥٣
|
صدقة الفطر قبل
صلوة العيد
|
٢٤٥
|
المحرم وأفضل
الصلاة بعد المكتوب إلخ قصة امرأة فرعون وخازنه وزوجته
|
٢٥٦
|
مسئله السنة فى
الدعاء الثناء على الله تعالى والصلاة على النبي صلعم اولا وآخرا وما ورد فيه من
الأحاديث
|
٢٤٦
|
مسئله توسعة
المال تفضل يوجب الشكر وقد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة
|
٢٥٨
|
مسئله أول منازل
السلوك التوبة والتزكية ثم مداومة الذكر اللساني والقلبي والروحي والسرى ثم
المشاهدات
|
٢٤٧
|
حديث لا حسد
الأعلى اثنين
|
٢٥٨
|
مسئله اذكار
الطريقة المجددية
|
٢٤٧
|
مسئله التقتير
لا يكون اهانة
|
٢٥٨
|
مسئله هل يجوز
القراءة فى الصلاة بالفارسية
|
٢٤٨
|
أحاديث فخر
الفقراء على الأغنياء
|
٢٥٨
|
ما ورد من
الأحاديث فى سورة الأعلى وانه صلعم كان يحبها
|
٢٤٨
|
ما ورد فى صفوف
الملائكة يوم القيامة
|
٢٥٩
|
فائدة فى سورة
الأعلى تأثير فى العروج
|
٢٤٨
|
وقوله تعالى وجئ
يومئذ بجهنم
|
٢٦٠
|
سورة الغاشية
|
|
اطمينان النفس
والايمان الحقيقي
|
٢٦١
|
مسئله شراب اهل
النار وطعامهم
|
٢٥٠
|
حديث ذاق طعم
الايمان من رضى بالله
|
٢٦١
|
مسئله صفة الجنة
وما فيها من الأنهار والأكواب والنمارق والزرابي
|
٢٥١
|
ربا إلخ قوله
تعالى ارجعي الى ربك راضية مرضيه
|
٢٦١
|
سورة الفجر
|
|
ذكر عباد الله
الصالحين
|
٢٦٣
|
حديث ما من ايام
أحب الى الله من عشر
|
|
حديث عبد
الدينار والدرهم
|
٢٦٣
|
|
|
سورة البلد
|
|
|
|
حديث فضل مكة
حديث ابن آدم ان
|
٢٦٤
|
|
|
نازعك لسانك فقد
أعنتك بطبقتين إلخ
|
٢٦٦
|
|
|
ما ورد فى فك
الرقبة والإطعام وغير ذلك
|
٢٦٧
|
|
|
سورة الشمس
|
|
حديث ارايت ما
يعمل الناس ويكدحون فيه شىء قضى عليهم
|
٢٧٠
|
مسئله من استوى
يوماه فهو مغبون
|
٢٨٣
|
حديث ان قلوب
بنى آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن
|
٢٧٠
|
حديث اذن لا
ارضى وواحد من أمتي فى النار
|
٢٨٣
|
حديث اللهم انى
أعوذ بك من العجز والكسل إلخ
|
١٧٠
|
مسئله العروج
والنزول وما يلحق الصوفي من الغم والحزن فى مقام النزول وفى هذا المقام سورة
الضحى
|
٢٨٤
|
اللهم ات نفسى
تقويها إلخ
|
٢٧١
|
حديث ما أوذي أحد
مثل ما أوذيت
|
٢٨٥
|
حديث أشقى الناس
عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه
|
٢٧٢
|
ما ورد فى
القناعة وغنى النفس
|
٢٨٦
|
سورة اللّيل
|
|
حديث خير بيت
فيه يتيم يحسن اليه إلخ
|
٢٨٦
|
حديث كل الناس
يغدو فبايع نفسه فمعتقها او موبقها
|
٢٧٤
|
حديث اما انا
وكافل اليتيم كهاتين
|
٢٨٧
|
حديث اتق النار
ولو بشق تمر حديث من ذكرت عنده فلم يصل على حديث ما منكم من
|
٢٧٤
|
حديث من كتم
علما من اهله الجم يوم القيامة
|
٢٨٧
|
أحد الا وقد كتب
مقعده من النار او من الجنة اعملوا فكل ميسر لما خلق له
|
٢٧٥
|
حديث الطاعم
الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر
|
٢٨٧
|
الصحابة كلهم
عدول لا يدخل أحد منهم فى النار الأحاديث الواردة فى مدح الصحابة
|
٢٧٧
|
أحاديث لا يشكر
الله من لا يشكر الناس ونحو ذلك
|
٢٨٧
|
مسئله المؤمن لا
يخلد فى النار وان كان فاسقا
|
٢٧٨
|
مسئله يجب الشكر
على نعمة الشكر ما هو
|
٢٨٨
|
مسئله ابو بكر
أفضل الناس بعد الأنبياء حديث كنا فى زمن النبي صلعم لا نعدل بابى بكر أحدا ثم
عمر ثم عثمان
|
٢٨٠
|
مسئله تحديث
النعمة شكر وما يشترط
|
٢٨٨
|
سورة الضّحى
|
|
فصل فى التكبير
من سورة الضحى الى الختم على قراءة ابن كثير
|
٢٨٨
|
حديث انا اهل
بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا
|
٢٨٣
|
سورة الم نشرح
|
|
|
|
ما ورد من
الأحاديث فى شرح صدر رسول الله صلىاللهعليهوسلم
|
٢٩٠
|
|
|
مسئله شرح الصدر
والإسلام الحقيقي
|
٢٩١
|
|
|
باصطلاح الصوفية
قال الله تعالى إذا ذكرت ذكرت معى
|
٢٩٢
|
اليسرين مع
العسر فى مقام النزول
|
٢٩٤
|
سورة لم يكن
|
|
حديث ليس يتحسر
اهل الجنة الأعلى ساعة لم يذكروا الله فيها
|
٢٩٣
|
خواص البشر أفضل
من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى الصالحين ارباب القلوب والنفوس الزاكية أفضل
من عوام الملئكة
|
٣١٩
|
فائدة قراءة الم
نشرح يويد فى النزول
|
٢٩٥
|
حديث ان الله
يقول لاهل الجنة هل رضيتم الا أعطيكم أفضل من ذلك أحل عليكم رضوانى إلخ
|
٣١٩
|
سورة والتين
|
|
مسئله رضا العبد
عن الله تعالى على اقسام ترك الاعتراض والاعتقاد وبحسن مقضيه وكون مقضية محبوبا
له وبلوغ العبد أقصى ما يتمناه
|
٣١٩
|
حديث ما من
مولود الا يولد على الفطرة
|
١٩٥
|
حديث قال عليهالسلام لابى ان الله أمرني ان اقرأ القران
|
٣٢٠
|
إذا عجز المؤمن
عن العمل من الكبر او المرض او غير ذلك كتب له ما كان يعمل قبل ذلك
|
٢٩٨
|
سوره إذا زلزلت
|
|
سورة اقرأ
|
|
حديث يقول الله
يوم القيمة لادم ابعث بعث النار
|
٣٢١
|
ذكر بدو نزول
الوحى وخلوته صلعم مجراء
|
٣٠١
|
حديث يلقى الأرض
أفلاذ كبدها فلا يأخذون منه شيئا
|
٣٢٢
|
شهرا او أربعين
يوما مسئله البسملة ليس جزء من كل سورة
|
٣٠١
|
حديث يوشك
الفرات ان يحسر عن كنز من ذهب فيقتل الناس عليه ووجه الجمع بينهما
|
٣٢٢
|
مسئله الصوفي
يلزم اولا ذكر الاسم كى يهتدى به الى المسمى
|
٣٠٢
|
حديث يشهد الأرض
على كل بما عمل عليها
|
٣٢٢
|
مسئله علوم العالمين
بعض علوم الإنسان وأخص منه ولو من وجه لان العلم بكنه الذات علما حضوريا
|
٣٠٤
|
حديث من تصدق
بعدل تمر إلخ
|
٣٢٣
|
حديث اقرب ما
يكون العبد من ربه وهو ساجد
|
٣٠٩
|
|
|
سورة القدر
|
|
|
|
مسئله ليلة
القدر منتقلة فى العشر الأواخر من رمضان الأحاديث الذي وردت فى تعين ليلة القدر
|
٣١٢
|
|
|
ما ورد فى فضل
ليلة القدر
|
٣١٥
|
|
|
حديث لا يحقرن
من المعروف شيئا
|
٣٢٣
|
حديث تنصب
الموازين فيوفون أجور الصلاة والصدقة والحج والشهادة فى سبيل الله بالميزان واهل
النار لا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان
|
٣٣١
|
مسئله المؤمن
المرتكب للكبائر غير التائب لا يخلد فى النار وبه تواترت الأحاديث
|
٣٢٤
|
قلت لعل المراد
باهل البلاء اهل الشق من الصوفية
|
٣٣١
|
حديث يخرج من
النار من قال لا اله الا الله إلخ ونحو ذلك
|
٣٢٤
|
حديث بخ بخ بخمس
ما أثقلهن إلخ
|
٣٣١
|
مسئله حسنات
الكافر ليست بحسنات على الحقيقة
|
٣٢٤
|
حديث يوضع
الموازين فيوتى بالرجل فيتمائل به كفة سياته فيبعث الى النار ثم يوتى ببطاقته
فيها لا اله الا الله فيترحج به كفة الحسنات قلت ذلك لمن يشاء الله تفضله
|
٣٣٢
|
مسئله يجوز
مغفرة العاصي من غير توبة
|
٣٢٣
|
سورة التكاثر
|
|
حديث والذي نفسى
بيده ليغفر الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس
|
٣٢٥
|
ما ورد من
الأحاديث فى النهى عنه والأمر بالتواضع
|
٣٢٢
|
مسئله يجوز ان
يعذب الله المؤمن على صغيرة او كبيرة خلافا للمرجية
|
٣٢٥
|
حديث على كنا
نشك فى عذاب القبر حتى نزلت
|
٣٣٤
|
ما ورد عن
الأحاديث فى الاحتراز عن الصغائر وإياك والمحقرات من الذنوب
|
٣٢٥
|
حديث ليس الخبر
كالمعائنة
|
٣٣٥
|
ما ورد فى فضائل
السورة
|
٣٢٦
|
ما ورد فى
السؤال عن النعيم وان من النعيم
|
٣٣٥
|
سورة العاديات
|
|
النعال وشرب
الماء البارد وأكل خبز البر ونحو ذلك
|
٣٣٥
|
مسئله الواجب ان
لا يدفع الحاج من المزدلفة الا مصبحا
|
٣٢٧
|
حديث خيانة
الرجل فى علمه أشد من خيانته فى ماله وان الله يسأ لكم عنه
|
٣٣٦
|
سورة القارعة
|
٣٣٠
|
سورة العصر
|
|
ذكر الميزان
وثقلها بعوضة
|
٣٣٠
|
|
|
حديث يوتى العبد
فيوقف بين كفى الميزان ونادى الملك بانه سعيد او شقى مسئله من السعداء من لا
يوذن عمله
|
|
|
|
مسئله الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر واجب وتركه خسران وما ورد من الأحاديث فى ذلك
|
٣٣٧
|
إذا احسسته
فتعوذ بالله الحديث
|
|
سورة الهمزة
|
|
سورة الكوثر
|
|
حديث خط النبي
صلعم خطا مربعا فى الأمل والأجل
|
٣٣٩
|
الأحاديث
الواردة فى الكوثر
|
٣٥٢
|
حديث أوقد على
النار الف سنة حتى احمرت إلخ
|
٣٣٩
|
سورة الكافرون
|
|
حديث ان النار
تأكل حتى إذا اطلعت افئدتهم إلخ
|
٣٣٩
|
ما ورد فى فضائل
السورة
|
٣٥٥
|
حديث إذا بقي فى
النار من تخلد جعلوا فى التوابيت
|
٣٤٠
|
سورة النّصر
|
|
سورة الفيل
|
|
قصة فتح مكة
|
٣٥٦
|
قصة اصحاب الفيل
على ما ذكره محمد بن إسحاق عن بعض اهل العلم
|
٣٤٠
|
حديث أتاكم اهل
اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا للايمان إلخ
|
٣٦٥
|
سورة قريش
|
|
حديث لاستغفر
الله فى اليوم سبعين مرة
|
٣٦٦
|
فصل فى فضائل
قريش لا يلف قريش اما من كل سور
|
٣٤٧
|
مسئله سن تقديم
التسبيح والحمد والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم على الدعاء فى
الاستغفار
|
٣٦٦
|
سورة ارايت
|
|
حديث كان يكثر
قول سبحان الله وبحمده استغفره وأتوب اليه وكان يكثر ذلك فى ركوعه
|
٣٦٦
|
حديث سئل عن
الذين هم عن صلوتهم ساهون قال اضاعة الوقت
|
٣٤٩
|
سوره تبّت
|
|
حديث من صلى
يراى فقد أشرك حديث ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء والملح والنار
|
٣٥٠
|
حديث ان أطيب ما
أكلتم من كسبكم وان أولادكم من كسبكم
|
٣٦٧
|
حديث ذاك شيطان
يقال له خسرت
|
٣٥٠
|
سورة الإخلاص
|
|
|
|
مسئله لا يشاركه
تعالى أحد فى الوجود
|
٣٧٠
|
|
|
ولا فى صفة من
الصفات ومعنى
|
|
لا اله الا الله
لا موجود الا هو مسئله لا يجوز البحث والتفتيش فى مسائل الذات والصفات وسائر
المسائل الكلامية بعد الايمان بظاهر النصوص
|
٣٧١
|
حديث لن تقرأ
شيئا ابلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق
|
٣٧٨
|
مسئله ما هو
مقصود لك فهو معبودك ومعنى لا اله الا الله لا مقصود الا الله مسئله حديث كذبنى
ابن آدم وشتمنى إلخ فصل فى فضائل سورة الإخلاص
|
٣٧٢
|
سورة الناس
|
|
سورة الفلق
|
|
حديث لو لا رجال
ركع وأطفال رضع إلخ
|
٣٨٠
|
|
|
ما من آدمي الا
وفى قلبه بيتان إلخ
|
٣٨٠
|
|
|
فصل فى فضائل
المعوذتين
|
٣٨١
|
|
|
فصل فى فضائل
القران وحسن الصوت والترتيل
|
٣٨٢
|
تمّت صلى الله
تعالى على خير خلقه محمّد واله وأصحابه أجمعين بتصحيح : مولانا غلام نبى تونسوى
الراجي الى مغفرة ربه القوى ١٤١٠ ه ١٩٩٠.
سورة الملك
مكيّة وهى ثلثون اية
نحمدك يا من لا
اله الا أنت ونسبحك ونستعينك ونستغفرك ونشهد انك ملك الملك توتى الملك من نشاء
وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتزل من تشاء بيدك الخير انك على كل شىء قديره
أنت ربنا ورب السموات والأرض ومن فيهن ونصلى ونسلم على رسولك وحبيبك سيدنا ومولانا
محمد وعلى جميع النبيين والمرسلين وعلى عبادك الصالحين ربّ يسّر .
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وتمّم بالخير (تَبارَكَ) مشتق من البركة بمعنى الزيادة المقتضى للكمال وعدم النقصان
والمأخوذ فى اسماء الله تعالى وصفاته من معانى الألفاظ هو الغايات دون المبادي فهو
من صيغ التكبير ويستلزمه التنزه عن صفات المخلوقين فانها لا تخلو عن النقصان (الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) اليد من المتشابهات لتنزهه سبحانه عن الجارحة واوله
المتأخرون بالقدرة والملك وهو السلطان على كل شىء والتصرف فى الأمور كلها (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) اى على كل ما يشاء (قَدِيرٌ) لا يمكن لاحد دفع ما اراده فلا يجوز الخوف والرجاء الا منه
تعالى ولما كانت هذه الاية بمنزلة الدعوى على وجوده تعالى وكمال صفاته وتنزيهه
مستدعيا للبرهان عقبها بما يدل على ذلك من الآيات فى نفس المكلفين من خلق الموت
والحيوة وفى خلق السموات بلا تفاوت وفطور وخلق الأرض وجعلها ذلولا وخلق ما فيها من
الأرزاق والطير صافات وذكر فيها بين ذلك استطرادا عذاب الكفار الذين لم يسمعوا او
لم يعقلوا البراهين والآيات وثواب الذين يخشون ربهم المنتفعين بالحجج والبينات
فقال. (الَّذِي خَلَقَ
الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) الموصول مرفوع اما انه بدل من الموصول
السابق واما خبر
مبتداء محذوف اى هو او منصوب على المدح والحيوة من الصفات الله تعالى وهى صفة
يستتبع العلم والقدرة والارادة وغيرها من صفات الكمال وقد استودعها الله تعالى فى
الممكنات وخلقها فيها على حسب إرادته واستعداداتها فظهرت فى الممكنات على مراتب
شتى ظهرت فى بعضها بحيث تستتبع المعرفة التي لا كيف لها بذات الله تعالى وصفاته
وهى الامانة التي حملها الإنسان وأشفقن منها السموات والأرض والجبال وذلك بإلقاء نور
من الله تعالى وهذا القسم من الحيوة وما يقابلها من الموت المستفاد من قوله تعالى أفمن
كان ميتا فاحييناه وقوله عليه الصلاة والسلام ان الله خلق خلقه فى ظلمة فالقى
عليهم من نوره فمن أصاب من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل فلذلك أقول جف القلم على
علم الله رواه احمد والترمذي وفى بعضها بحيث يستتبع الحس والحركة الحيوانية المعبر
عنها وعما يقابلها بقوله تعالى كنتم أمواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم وفى بعضها
لتستتبع النمو فقط المعبر عنها وعما يقابلها بقوله تعالى (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) اى يحيى نبات الأرض بعد يبسها وذلك القسمين من الحيوة ينفخ
الروح الإنساني والحيواني والنباتي فى الأجسام وليس شىء من الاقسام الثلاثة
المذكورة للحيوة فى الجمادات ولذا قال الله تعالى فى حق الأصنام أموات غير احياء
ولكن الجمادات ايضا لا تخلو عن نوع من الحيوة كما يدل عليه قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ
خَشْيَةِ اللهِ) وقد مر تفسيره فى سورة البقرة وهذا النوع من الحيوة لازم
للوجود وقال الله تعالى وان من شىء الا يسبح بحمده والموت فى كل مرتبة من المراتب
المذكورة عبارة عن عدم الحيوة او مطلقا او عدم الحيوة عما من شأنه انه يكون حيا
فالتقابل بينهما اما تقابل العدم والملكة او الإيجاب والسلب فهى صفته عدمية مقتضاه
الى الحقيقة الممكن مقدمة على الحيوة المستودعة من الله سبحانه كما يدل عليه ما
تلونا من قوله تعالى او من كان ميتا فاحييناه وقوله تعالى كنتم أمواتا فاحييناكم
ويحى الأرض بعد موتها وقوله تعالى كن فيكون ولاجل تقدم الموت على الحيوة فى كل
مرتبة طبعا قدمت هاهنا على الحيوة ذكرا او لان افرغ فتقديمها فى الذكر مع الابتداء
الأليق وقال بعض العلماء الموت صفة وجودية والتقابل بالتضاد فهى كيفية فى الأجسام
مانعة من العلم والقدرة والحس والحركة ونحوها مستدلين بهذه الاية فان خلق الموت
يقتضى وجوده والاعدام الاصلية
غير مخلوقة قلنا
بديهة العقل شاهدة انا لا نجد فى الأموات امرا منضما الى ذواتها بل امرا انتزاعيا
ينتزع منها كما ينتزع العمى من الأعمى وبصيرة الكشف حاكمة بان الصفات الله تعالى
نقايض متمايزة فى مرتبة العلم فنقيض الحيوة الموت ونقيض العلم الجهل ونقيض القدرة
العجز ونقيض البصر العمى وهكذا هى اعدام اصلية تقررت فى مرتبة العلم بالاضافة الى
نقايضها وبصبغ الله سبحانه وكمال قدرته انصبغت تلك الاعدام فى تلك المرتبة بصبغ
نقايضها التي هى صفات الكمال وتلك مخلوطة فى مرتبة العلم سميت أعيانا ثابتة
وانصباغها فى تلك المرتبة بصبغ الوجود هو الكون الاول والسبب للكون فى الخارج كما
ذكرنا فى تفسير قوله تعالى (كُنْ فَيَكُونُ) فى سورة البقرة فالاعيان الثابتة ظلال للصفات والممكنات فى
الخارج الظلي ظلال لها ومعنى كون الممكنات ظلال لها ان افاضة الوجود وتوابعه من
المبدأ الفياض على الممكنات الموجودة فى الخارج ليست الا بتوسط تلك الأعيان
الثابتة كما ان نور المصباح الذي فى الزجاجة ينبسط على الأشياء بتوسط الزجاجة
وأشير الى ذلك فى تفسير قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ) ثم اعلم ان توسط الأعيان الثابتة بين الصفات والممكنات
انما هو فى دار الدنيا واما فى الاخرة فسيكون افاضة الوجود وتوابعه من الصفات بلا
توسط الأعيان وهذا هو الوجه لطويان الفناء على الممكنات فى الدنيا لا فى الاخرة
آيات القران اعنى قوله تعالى (كُنْتُمْ أَمْواتاً
فَأَحْياكُمْ) وقوله تعالى (أَوَمَنْ كانَ
مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ) وأمثالها ناطقة بان الموت صفة للممكن مقدمة على الإيجاد
فتاويل قوله تعالى خلق الموت اى أظهره بايجاد الحيوة او أظهره بازالة الحيوة او
خلق الأموات بحيث ينتزع منها عدم الحيوة والخلق بمعنى التقدير اى قدر الموت
والحيوة (قال) البغوي قال عطاء عن ابن عباس يريد خلق الموت فى الدنيا والحيوة فى
الاخرة قلت لعله أراد انه تعالى عبر الحيوة الدنيوية بالموت والحيوة الاخروية
بالحياة قلت وذلك لما قلنا من كون الأعيان الثابتة مربيات لها فى الدنيا وكون
الاعدام داخلة فى ماهياتها فكان الحيوة الدنيا لا يخلو من شائبة الموت ويصدق ان
يقال (إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) اى فى الحال وكذا (كُلُّ مَنْ عَلَيْها
فانٍ) و (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ) فان الحقيقة فى المشتق هو المعنى الحال وما كان او ما يؤل
فهو مجازى والله تعالى اعلم وذهب جماعة الى ان الموت جسم ليس بعرض وانه مخلوق فى
صورة كبش أملح والحياة فى صورة فرس أنثى واختاره السيوطي فى بدور السافرة ومبنى
هذا القول
ما ذكر البغوي اثر
ابن عباس فى تفسير هذه الاية قال خلق الموت فى صورة كبش أملح لا يمر بشئ ولا يجد
ريحه شيء الا مات وخلق الحياة فى صورة فرس بلقاء أنثى وهى التي كان جبرئيل
والأنبياء يركبونها لا يمر بشئ ولا يجد ريحها شى الا حيى وهى التي أخذ السامري
قبضة من اثرها فالقاها فى العجل فحيى قلت وهذا الأثر لا يدل على ان الموت جسم وليس
بعرض وكذا الحياة بل يدل على ان من المخلوقات جسم على صورة كبش أملح يقال لها
الموت وجسم على صورة فرس يقال لها الحياة لا يمران بشئ ولا يجد ريحها الا مات
بالأولى وحيى بالثانية فالموت والحياة فى الحيوان ليس نفس ذلك الجسم بل اثر يترتب
على مرورها ووجدان ريحها كما يترتب على اقتراب السموم ونحو ذلك وما ورد فى
الصحيحين عن ابن عمر قال قال النبي صلعم إذا صار اهل النار الى النار جئ بالموت
حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادى منادى يا اهل الجنة لا موت ويا اهل
النار لا موت فيزداد اهل الجنة فرحا اى فرحهم ويزداد اهل النار حزنا اى حزنهم
وفيهما عن ابن سعيد قال قال رسول الله صلعم يجاء بالموت يوم القيامة كانه كبش أملح
فيوقف بين الجنة والنار الحديث الى قوله فيؤمر به فيذبح إلخ واخرج الحاكم وصححه
وابن حبان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم يوتى بالموت فى صورة كبش أملح إلخ
نحوه فمذهب السلف الوقوف عن الخوض فى معناه والايمان به وتفويض علمه الى الله
تعالى كما فى سائر المتشابهات كذا نقل السيوطي عن الحكيم الترمذي والصوفية العلية
لما ظهر لهم من العوالم عالم المثال وفيه مثال لكل جوهر وعرض بل للمجردات ايضا بل
لله سبحانه ايضا مع كونه متاعال عن الشبه والمثال ذلك هو المحل لحديث رايت ابى على
صورة امرد شاب قطط فى رجله نعلا الذهب وقد ينتقل الصورة المثالية من عالم المثال
الى عالم الشهادة بكمال قدرته تعالى وقد اشتهر ذلك كرامة عن كثير من الأولياء ولعل
الله تعالى يحضر الصورة المثالية للموت من عالم المثال فى الآخرة الى عالم الشهادة
فيومر بذبحه حتى يظهر اهل الجنة والنار انه خلود ولا موت وهكذا التأويل فى حشر
الإسلام والايمان والقرآن والأعمال والامانة والرحم وايام الدنيا كما نطق به
الأحاديث الصحيحة التي لا يسع ذكرها المقام قال السيوطي فى البدور السافرة الأعمال
والمعاني كلها مخلوقة ولها صورة عند الله تعالى وان كنا لا نشاهدها وقد نص ارباب
الحقيقة على ان من انواع الكشف الوقوف
على حقائق المعاني
وادراك صورها بصور الأجسام والأحاديث شاهدة لذلك وهى كثيرة انتهى وهذا القول من
السيوطي حكاية عن عالم المثال والله تعالى اعلم (لِيَبْلُوَكُمْ) اى ليعاملكم معاملة مختبر بالتكليف ايها المكلفون (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) الجملة مفعول ثان ليبلوكم يتضمن معنى يعلم وليس هذا من
التعليق لتقدم المفعول الاول على الاستفهام ولو كان تعليقا لتقدم الاستفهام عليه
وقال الفراء لم يوقع البلوى على اى ويليها إضمار كما يقول بلونكم لا نظر أيكم أطوع
قال البغوي روى عن ابن عمر مرفوعا احسن عملا احسن عقلا وأورع من محارم الله واسرع
فى طاعة الله وقوله تعالى ليبلوكم متعلق بخلق الموت والحيوة يعنى الحكمة فى خلق
الموت والحيوة ظهور المطيع من العاصي فان الحيوة مدار التكليف به تحصيل القدرة
الممكنة والموت واعظ به يتعظ الزكي ومغتنم الفرصة لكسب الزاد للمعاد وانقلاب
الأحوال من الحيوة والممات دليل على وجود الصانع الحكيم المختار وعن عمار بن ياسر
مرفوعا كفى بالموت واعظا وكفى باليقين غنى رواه الطبراني ورواه الشافعي واحمد عن الربيع
بن انس مرسلا كفى بالموت وهذا فى الدنيا مرغبا فى الاخرة وعن ابى هريرة بادروا
بالأعمال سبعا ما تنظرون الا فقرا منسيا او غنى مطغيا او مرضا مفسدا او هرما مفتدا
او موتا مجهرا والدجال فانه شر منتظر والساعة أدهى وامر رواه الترمذي والحاكم
وصححه وروى احمد ومسلم عنه مرفوعا بادروا قبل ست طلوع الشمس من مغربها والدخان
ودابة الأرض والدجال وخويصة أحدكم وامر العامة والمراد بخويصة أحدكم الموت وبامر
العامة القيامة وعن ابى امامة عند البيهقي نحوه (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فى انتقامه ممن عصا (الْغَفُورُ) لمن شاء. (الَّذِي خَلَقَ) خبرا آخر لهو او صفة من الغفور او بدل من الموصول السابق (سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) اى ذات طباق جمع طبق كحبل وحبال او طبقة كرحبة ورحاب او
مصدر فعل محذوف اى طوبقت طباقا من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق وصف للسبع او
حال وقد ذكرنا فى سورة البقرة وما ورد فى السموات السبع وبعد ما بينهن (ما تَرى) يا محمد صلعم او اى مخاطب كان وما نافية او استفهامية
للانكار مفعول ترى (فِي خَلْقِ
الرَّحْمنِ) الاضافة للعهد والمراد به ما ذكر من السموات السبع
والاضافة الى الرحمن للتعظيم ولا يجوز ان يكون الاضافة لتعريف الجنس فان فى جنس
الخلق تفاوتا فاحشا
كما لا يخفى الا
ان يقال المراد بالتفاوت فوت شىء مما ينبغى فيه وعدم التناسب فمقتضى العبارة انه
ليس فى الإمكان أبدع مما كان يعنى باعتبار النظام الجملي (مِنْ تَفاوُتٍ) من زائدة او تبعيضية على تقدير كون ما نافية وبيانية على
تقدير كونها استفهامية والجملة صفة للسبع او حال من فاعل خلق او مفعوله وضع المظهر
يعنى لفظ الرحمن او لفظ خلق الرحمن موضع الضمير الرابط للتصريح على سبب عدم نقصانه
فانه مستند الى من هو متنزه عن النقص متصف بالرحمة او مستأنفة فى جواب كيف خلقت
قرأ حمزه والكسائي تفوت من التفعيل والباقون من التفاعل ومعناهما واحد كالتعهد
والمتعاهد من الفوت فان كلا من المتفاوتين يفوت عنه بعض ما فى الاخر يعنى ليس
اعوجاج ونقصان كما ترى فى ابنية البشر (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) جواب شرط محذوف اى ان زعمت ان يظهر التفاوت بتكرار البصر
فارجع البصر (هَلْ تَرى مِنْ
فُطُورٍ) اى شقوق من فطرة إذا شقه ومن زائدة او تبعيضية والاستفهام
للتقرير. (ثُمَّ ارْجِعِ
الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) عطف على فارجع والتثنية للتكثير اى كرة بعد كرة كما فى
لبيك (يَنْقَلِبْ) مجزوم على جواب الأمر (إِلَيْكَ الْبَصَرُ
خاسِئاً) اى بعيدا طريدا عن إصابة المطلوب مع الذل والصغار (وَهُوَ حَسِيرٌ) كليل من طول المعاودة وكثرة المراجعة حال بعد حال من فاعل
ينقلب قال البغوي روى عن كعب السماء الدنيا موج مكفوف والثانية من درة بيضاء
والثالثة حديد والرابعة صفراء نحاس والخامسة فضة والسادسة ذهب والسابعة ياقوتة حمراء
ومن السّماء السابعة الى الحجب السبعة صحارى من نور. (وَلَقَدْ زَيَّنَّا
السَّماءَ الدُّنْيا) اى السفلى وهى القريبة من الأرض (بِمَصابِيحَ) اى الكواكب فانها مصابيح الظلم يهتدى بها الطرق وظاهر
الاية تدل على ان الكواكب كلها مرتكزة فى السماء الدنيا وما زعمت الفلاسفة خذلهم
الله امر لا دليل عليه واستدلالهم بتعدد حركاتها على تعدد أفلاكها لا يتم الا بعد
ثبوت امتناع الخرق والالتيام على السموات وذلك جايز عقلا واجب شرعا (وَجَعَلْناها) اى المصابيح (رُجُوماً) لا يزولها من مكانها بل بانتقاض الشهب فيها (لِلشَّياطِينِ) إذا استرقوا السمع (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) فى الاخرة (عَذابَ السَّعِيرِ) النار الموقدة ولما تضمن ما سبق من الكلام ذكر الشياطين
عقبهم ذكر عذاب الكفار لكون الشياطين من زمرة الكفار وكونهم اخوان الشياطين فقال. (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ
عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
هى. (إِذا أُلْقُوا فِيها) اى الذين كفروا فى جهنم (سَمِعُوا لَها
شَهِيقاً) صوتا كصوت الحمار خارجا من النار نفسها او من الذين دخلوا
فيها قبلهم او من أنفسهم لها حال من شهيقا قدم عليه لكونه نكرة (وَهِيَ) اى جهنم (تَفُورُ) تغلى كظيان المرجل اخرج هناد عن مجاهد تفور بهم كما تفور
الجب القليل الماء كثيرا وهذا على سبيل الاستعارة. (تَكادُ) جهنم (تَمَيَّزُ) اى تنشق (مِنَ الْغَيْظِ) متعلق بتميز والجملة حال من فاعل تفور وجملة وهى تفور حال
من ضمير لها والمراد بالغيظ اما غيظ الله سبحانه او غيظ ملائكة العذاب او غيظ
النار نفسها على اعداء الله تعالى ونسبة الغيظ الى النار اما بالمجاز على سبيل
الاستعارة او بالحقيقة بعد اثبات الشعور لها كما أثبتناه فى الجمادات (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ) جماعة من الكفار (سَأَلَهُمْ
خَزَنَتُها) توبيخا وتبكيتا (أَلَمْ يَأْتِكُمْ
نَذِيرٌ) يخوفكم من عذاب الله جملة مستانفة فى جواب ما يقال لهم حين
يلقون وكلما ظرف متعلق بسالهم والاستفهام للتقرير. (قالُوا) حكاية عن الحال المستقبل وهى مستانفة ايضا كانه فى جواب ما
يقولون حين يسألون كذلك (بَلى) مفعول قالوا (قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) فعيل صفة بمعنى الجمع او مصدر مقدر بمضاف اى اهل إنذار او
منعوت به للمبالغة او صفة بمعنى الواحد والمعنى قالوا قد جاء الى كل منا نذير
والجملة مقررة لمعنى بلى (فَكَذَّبْنا) النذير وفرطنا فى التكذيب حتى (وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) ج صلى فيه نفى للانزال والإرسال (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ
كَبِيرٍ) الظاهر انه من كلام الكفار مبالغة فى تكذيبهم بالنسبة الى
الضلال الكبير ويحتمل ان يكون من كلام الزبانية للكفار على ارادة القول والنذير ان
كان بمعنى الواحد فالخطاب له ولامثاله على التغليب او اقامة تكذيب الواحد مقام
تكذيب الكل. (وَقالُوا) عطف على قالوا (لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) كلام النذير سماع قبول من غير عناد فنؤمن بما ثبت بالادلة
السمعية (أَوْ نَعْقِلُ) ويتفكر فى الآيات والدلائل العقلية الموجبة للايمان بالله
تعالى والرسول وما جاء به وتقديم السمع على العقل لكون الادلة السمعية اولى
بالاتباع واخرى باصابة الحق من الادلة العقلية والعقل غير كاف بالاستقلال والاية
تدل على ان العقل السليم مطابق للوحى المنزل ويحتمل ان يكون كلمة او بمعنى الواو
يعنى لو كنا نسمع كلام النذير ونعقل معناه فيتفكر فيه تفكر
المستبصرين (ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) فى عددهم من جملتهم. (فَاعْتَرَفُوا) معطوف على قالوا عطف تفسير (بِذَنْبِهِمْ) حين لا ينفعهم الاعتراف وهو اقرار عن معرفة والمراد بالذنب
الكفر ولم يجمع لانه فى الأصل مصدر (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ
السَّعِيرِ) منصوب على المصدر اى فاسحقهم الله سحقا اى ابعدهم من رحمته
والتغير للايجاز والمبالغة قرأ الكسائي بضم الحاء والباقون بالسكون وهما لغتان مثل
الرعب والرعب والجملة الدعائية معترضة. (إِنَّ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) يخافون عذابه غائبا عنهم لم يعاقبوه بعد او غائبين عنه او
عن أعين الناس لا كالمنافقين او بالمخفي منهم وهو قلوبهم (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) يصغر بالنسبة اليه كل ما يخطر بالبال من اللذة والجملة
معترضة ذكر الله سبحانه وعد المؤمنين فى مقابلة وعيد الكفار وجعل عنوانهم خشية
الله اشعارا بان الخشية هى المقصود من الايمان قال رسول الله صلعم راس الحكمة
مخافته رواه الحكيم الترمذي عن ابن مسعود قال ابن عباس كان المشركون ينالون من
رسول الله صلعم فيما بينهم فيخبره جبرئيل عليهالسلام لو أسروا قولكم كيلا يسمع الله امر محمد فنزلت. (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا
بِهِ) امر بمعنى الخبر يعنى هما سواء فى علم الله خطاب الى
الكفار على الالتفات من الغيبة وفيه تهديد (إِنَّهُ عَلِيمٌ
بِذاتِ الصُّدُورِ) اى بالضمار قبل ان يتكلم لها سرا او جهرا فهو تعليل
للتسوية. (أَلا يَعْلَمُ) ما فى الصدور (مَنْ خَلَقَ) الصدور وما فيها وكل شىء او المعنى الا يعلم الله من خلقه
الاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات للعلم فهو تأكيد بما سبق (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) المتوصل علمه الى ما ظهر وما بطن حال من فاعل خلق ثم نبه
الله تعالى على جهلهم ببيان بدايع صنعته الدالة على اتساع علمه وقدرته وعلى قبح
صنعهم حيث كفروا فى مقابلة الانعام المقتضى للشكر. (هُوَ الَّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) سهلا لا يمنع المشي فيها كالناقة الذلول المنقادة (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) جوانبها ومنه منكب الرجل وقيل المراد بالمناكب الجبال وهذا
مثل لفرط التذلل فان منكب البعير لا يطأ الراكب ولا يتذلل له فاذا جعل الأرض فى
الذل بحيث يمكن المشي فى مناكبها لم يبق شىء لم يتذلل (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) والتمسوا من نعمة عطف على فامشوا
(وَإِلَيْهِ
النُّشُورُ) المرجع فيسالكم عن شكر ما أنعم الله عليكم. (أَأَمِنْتُمْ) قرأ قنبل النشور وأمنتم بقلب النشور وأمنتم بقلب همزة
الاستفهام واوا فى الوصل ويمد بعد الواو مدة فى تقدير الف ولو وقف على النشور حقق
الهمزة والكوفيون وابن ذكوان بتحقيق الهمزتين والباقون بتليين الثانية وهم على
أصولهم فى إدخال الالف وعدمه (مَنْ فِي السَّماءِ) قال ابن عباس اى عذابه من فى السماء ان عصوا والمراد بمن
فى السماء هو الله سبحانه عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم ينزل ربنا تبارك
وتعالى كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر يقول من يدعونى
فاستجيب له من يسالنى فاعطيته من يستغفر فاغفر له متفق عليه وفى رواية لمسلم ثم
يبسط يديه ويقول من يعرض عير عدوم ولا ظلوم حتى يتفجر فالاية من المتشابهات لكونه
تعالى منزها عن التمكين فى السماء فمذهب السلف السكوت وقول الصوفية كما ذكرنا فى
تفسير قوله تعالى يأتيهم الله فى ظلل من الغمام وللمتاخرين تأويلات بان فى السماء
امره وقضاءه او هو فيها على زعم العرب او المراد بالسماء الرفعة والعلو من حيث
الرتبة دون المكان والاستفهام للانكار وقيل المراد بمن فى السماء الملائكة
الموكلين على تدبير الأمور الذين هم بمنزلة الآلة الكاسبة لخسف الأرض وإرسال
الحاصب (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ
الْأَرْضَ) فيغيبكم فيها كما فعل بقارون وهو بدل من بدل اشتمال (فَإِذا هِيَ) اى الأرض (تَمُورُ) تتحرك الجملة معطوفة على يخسف وإذا للمفاجات مضافة الى
الجملة بعدها اى ففاجاء وقت كونها تضطرب وتتحرك. (أَمْ أَمِنْتُمْ) أم منقطع بمعنى هل وهمزة الاستفهام للانكار (مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ
عَلَيْكُمْ حاصِباً) اى ريحا ذات حجارة كما فعل بقوم لوط (فَسَتَعْلَمُونَ) معطوف على مضمون ما سبق اى أنذركم فستعلمون (كَيْفَ نَذِيرِ) اى إنذاري إذا شاهدتموه ولا ينفعكم العلم به قرأ ورش نذيرى
وكذا نكيرى بإثبات الياء فيهما وصلا وحذفها فيهما وقفا والباقون بالحذف فى
الحالين. (وَلَقَدْ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) جواب قسم محذوف (فَكَيْفَ كانَ
نَكِيرِ) إنكاري عليهم بانزال العذاب فيهم تسلية للرسول وتهديد
للكفار والاستفهام للتعجب والتقرير والجملة الاستفهامية بتأويل الخبرية معطوفة على
كذب يعنى كذبوا فعظم إنكاري عليهم وفى هذه الجملة التفات من الخطاب الى الغيبة. (أَوَلَمْ يَرَوْا) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على محذوف تقديره الم
ينظروا ما خلقنا من السماء والأرض وغيرهما ولم يرو
(إِلَى الطَّيْرِ
فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) الظرف متعلق بصافات وهى حال من الطير والمراد بالروية روية
البصر بقرينة تعدية بالى يعنى باسطات أجنحتهن فى الجو عند طيرانها فانهن إذا بسطن
ضغفن قوادمها (وَيَقْبِضْنَ) أجنحتها الى جنوبهن عطف على صافات وانما عدل من الاسم الى
الفعل ليدل على الحدوث والتجدد فان الأصل فى الطيران انما هو بسط الاجنحة والقبض
يحدث فى وقت بعد وقت الاستظهار به على التحرك ويحتمل العطف على محذوف اى يبسطن
تارة ويقبضن اخرى (ما يُمْسِكُهُنَ) فى الجو على خلاف الطبع (إِلَّا الرَّحْمنُ) والجملة حال من فاعل صافات (إِنَّهُ بِكُلِّ
شَيْءٍ بَصِيرٌ) يعلم كيف يخلق الغرائب ويدبر العجائب. (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ
لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) أم متصلة لقوله تعالى او لم يروا على معنى الم ينظروا فى
أمثال هذه الصنايع فلم يعلموا قدرتنا على تعذيبهم بنحو الخسف وإرسال الحاصب أم لكم
جند ينصركم من دون الرحمن ويدفع عنكم العذاب ان أرسل إليكم عذابه وقيل أم ابتدائية
ليست بمتصلة ولا منقطعة بمعنى الهمزة وهل لئلا يلزم تكرار الاستفهام ومن استفهامية
مبتداء وهذا خبره والموصول مع الصلة صفة او بدل منه وينصركم وصف لجند محمول على
لفظه وانما ذكر اسم الاشارة والموصول مع انه يستفاد ذلك المعنى مع تركها من قوله
أمن هو جند لكم إلخ لان فى ذكر المفصل بعد المبهم وقع عظيم فى القلب ويحتمل ان
يكون هذا مبتداء والموصول مع الصلة خبره والجملة مفعول يقال محذوف تقديره أمن يقال
هذا الذي هو جند لكم والمراد بالجند المشار اليه بهذا فى الاية وفيما بعدها
الأصنام التي زعموها الهة يعنى تلك الأصنام لا يتصور منهم ان ينصروا ويرزقوا او
المراد أعوانهم بعضهم لبعض (إِنِ الْكافِرُونَ
إِلَّا فِي غُرُورٍ) من الشيطان فانه يغرهم بان العذاب لا ينزل بهم من غير ما
يعتمد عليه فيه التفات من الخطاب الى الغيبة. (أَمَّنْ هذَا الَّذِي
يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ) بامساك المطر ومنع الأسباب المحصلة والموصولة إليكم او
ابطال تأثيراتها والكلام فيه كالكلام فى أمن هذا الذي فيما سبق (بَلْ لَجُّوا) يعنى الكفار تمادوا (فِي عُتُوٍّ) إضلال (وَنُفُورٍ) تباعد عن الحق بفرط جهلهم وتنفر طباعهم عنه. (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى
وَجْهِهِ أَهْدى) الهمزة للاستفهام للتقرير اى حمل المخاطب
على الإقرار بالحق
والفاء زائدة ومن موصولة مبتداء واهدى خبره ومكبّا حال من فاعل يمشى والإكباب من
الكب يقال كببته فاكب وهو من الغرائب كقشع الله السحاب فاقشع او المعنى مكبا نفسه
على وجهه قال فى القاموس كبه قلبه وصرعه كاكبه وكببته فاكب وهو لازم ومتعدى وقيل
معناه صار ذاكب اى يمشى ويعثر كل ساعة ويخر على وجهه لوعور طريقه واختلاف أجزائه (أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا) قائما مائلا من العناد (عَلى صِراطٍ
مُسْتَقِيمٍ) مستوى الاجزاء او خبر من هاهنا محذوف اكتفاء على ما سبق فى
المعطوف عليه فالواجب هاهنا الإقرار بان الماشي سويا على صراط مستقيم اهدى فكذلك
المؤمن الذي يمشى على بصيرة على مسلك العقل والنقل اهدى من الكافر الذي لا يسمع
ولا يعقل وكلمة اهدى لا يقتضى وجود اصل الهداية فى المفضل عليه تحقيقا بل يكفى
وجوده فرضا وتقديرا قال قتادة من أكب على معاصى فى الدنيا يمشى مكبا على وجهه يوم
القيمة والمؤمن يمشى يوم القيامة سويا اخرج الشيخان عن انس ان رسول الله صلعم سئل
كيف يحشر الكافر على وجهه قال أليس الذي أمشاه على رجليه فى الدنيا قادر على ان
يمشيه على وجهه يوم القيامة وروى ابو داود عن ابى هريرة نحوه وفى هذه الجملة تشنيع
اخر على الكفار ولما كان قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم وقوله تعالى
أمن هذا الذي يرزقكم لانكار النصر والرزق من جندهم اقتضى السؤال بان يقال فمن
ينصرنا ويرزقنا أجيب بقوله تعالى. (قُلْ) انما ينصركم ويرزقكم (هُوَ الَّذِي
أَنْشَأَكُمْ) لتعرفوا ربك وتعبدوه (وَجَعَلَ لَكُمُ
السَّمْعَ) تسمعوا المواعظ (وَالْأَبْصارَ) لتنظروا صنايعه (وَالْأَفْئِدَةَ) لتتفكروا وتعتبروا ولما كان السمع فى الأصل مصدر او المصدر
لا يجمع ذكره بصيغة الافراد بخلاف البصر والفؤاد وايضا العلم الحاصل بالسمع نوع
واحد وهو الصوت والحاصل بالبصر والفؤاد انواع مختلفة (قَلِيلاً) اى شكرا قليلا وزمانا قليلا (ما) زائدة لتأكيد القلة (تَشْكُرُونَ) والمراد بالقلة النفي راسا مجازا. (قُلْ) كلمة قل زائدة أعيدت للتاكيد (هُوَ الَّذِي
ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) بدل من هو الذي انشأكم (وَإِلَيْهِ
تُحْشَرُونَ) للجزاء حال مقدرة من فاعل ذرأكم فهذين الجملتين على طريقة
جاء زيد وهو راكب. (وَيَقُولُونَ) يعنى الكفار انكار الوعد واستبطائه (مَتى هذَا الْوَعْدُ) اى وعد الحشر (إِنْ كُنْتُمْ) ايها النبي والمؤمنون
(صادِقِينَ) فى قولكم بالحشر فبينوا وقته. (قُلْ) مستانفة فى جواب ما أقول لهم فى الجواب (إِنَّمَا الْعِلْمُ) اى العلم بوقته (عِنْدَ اللهِ) لا يعلم غيره (وَإِنَّما أَنَا
نَذِيرٌ مُبِينٌ) والانذار يكفى له العلم بوقوع المحذر منه ولا يتوقف على
العلم بوقته والجملتين بالعطف مقولة قل. (فَلَمَّا رَأَوْهُ) اى الوعد بمعنى الموعود قال اكثر المفسرين المراد به
العذاب فى الاخرة وقال مجاهد العذاب ببدر (زُلْفَةً) اى ذا زلفة وقرب منهم حال من ضمير المفعول ولما ظرف متعلق
بقوله تعالى (سِيئَتْ) اى اسودت قبحت (وُجُوهُ الَّذِينَ
كَفَرُوا) بروية العذاب (وَقِيلَ هذَا) العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ
بِهِ تَدَّعُونَ) اى تطلبون وتستعجلون من الدعاء او من الدعوى اى تدعون ان
لا بعث. (قُلْ) يا محمد صلعم لمشركى مكة الذين يتمنون هلاككم (أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ) قرأ حمزة بإسكان الياء والباقون بالفتح (اللهُ وَمَنْ مَعِيَ) قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بإسكان الياء والباقون بالفتح (أَوْ رَحِمَنا) بتأخير آجالنا الاستفهام فى ارايتم للتقرير والروية بمعنى
العلم معناه أخبروني والجملة الشرطية بعد افعال القلوب كالنفى والاستفهام يوجب
التعليق (فَمَنْ يُجِيرُ
الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) الاستفهام للانكار والجملة جزاء للشرط يعنى لا أحد يجيرهم
والحاصل انه لا فائدة لكم فى هلاكنا حتى تطلبونه انما يفيدكم ان تتبعوا من يجيركم
من عذاب الله ولا يتصور ذلك من الأصنام وقيل معناه ان أهلكني ومن معى يعنى
المؤمنين يعذبهم الله بذنوبهم او رحمنا ويغفر لنا فنحن مع أيماننا خائفون عذاب
الله لاجل ذنوبنا فان حكمه نافذ فينا فمن يجيركم من عذابه وأنتم كفار. (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ) يعنى الذي ذكر فيما سبق دلائل وجوده وقدرته وسلطانه هو
الرحمن الذي اعبده وأدعوكم اليه وهو مولى النعم كلها (آمَنَّا بِهِ) للعلم بذلك فيه تقرير بمضمون جملة هو الرحمن (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) لوثوق عليه المبنى على الايمان به وتقديم الظرف تفيد الحصر
المستفاد من هو الرحمن فهذه الجملة يقرر مضمون الجملتين السابقتين وهذه الاية
بمنزلة النتيجة للبراهين السابقة ويترتب عليه الحكم بحال الفريقين المؤمنين
والكافرين ولذا جاء بفاء السببية فى قوله تعالى (فَسَتَعْلَمُونَ) يوم الجزاء قرأ الكسائي بالياء والباقون بالتاء وتعلمون
معلق بالجملة الاستفهامية الواقعة بعده اعنى (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ
مُبِينٍ)
نحن وأنتم وفيه
تهديد وترهيب وكذا فى قوله تعالى. (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ) وزانه وزان قل ارايتم ان أهلكني الله الاية (غَوْراً) غايرا فى الأرض بحيث لا يناله الدلاء مصدر وصف به (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) مشتق من العين الجارية اى ماء جار او من العين الباصرة اى
مرئى ظاهر سهل المأخذ فان بديهة العقل شاهد على ان هذه الأصنام لا تقدر على إتيانه
بل لا يقدر عليه أحد الا الله سبحانه ويستحب للقارى ان يقول حين ختم هذه السورة
الله رب العالمين قال الشيخ جلال الدين المحلى رحمة الله تعالى كذا ورد فى الحديث ـ (فصل)
عن ابى هريرة ان رسول الله صلعم قال ان سورة من القران ثلثون اية شفعت لرجل حتى
غفر له وهى تبارك الذي بيده الملك رواه احمد وابو داود والترمذي والنسائي وابن
ماجة وابن حبان والحاكم وصححه ورواه البغوي بلفظ ان سورة من كتاب الله ما هى الا
ثلثون اية شفعت لرجل فاخرجته يوم القيامة من النار وأدخلته الجنة وهى سورة تبارك
وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلعم هى المانعة هى المنجية من عذاب الله رواه
الترمذي وعن جابر ان النبي صلعم كان لا ينام حتى يقرأ الم تنزيل وتبارك الذي بيده
الملك رواه احمد والترمذي والدارمي وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعن خالد بن معدان
قال بلغني فى الم تنزيل ومثله فى تبارك الذي ان رجلا كان يقرأهما ما يقرأ شيئا
غيرهما وكان كثير الخطايا فنشرت جناحها عليه قالت رب اغفر له فانه كان يكثر قراءتى
فشفعها الرب تعالى فيه وقال له اكتبوا له بكل خطيئه حسنة وارفعوا له درجة وقال
ايضا انها تجادل عن صاحبها فى القبر تقول اللهم ان كنت من كتابك فشفعنى فيه وان لم
أكن فى كتابك فامحنى عنه وانها تكون كالطير يجعل جناحها عليه فيشفع له فيمنعه من
عذاب القبر وقال طاؤس فضلتا على كل سورة فى القرآن بستين حسنة رواه الدارمي تمت
سورة الملك.
سورة القلم مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(ن) من الحروف المقطعة وقد مر البحث عنها فى أوائل سورة البقرة
وقيل اسم للحوت والمراد به الجنس او البهموت وهو الذي عليه الأرض او الدوات فان
بعض الحيتان يستخرج منه أشد سوادا من النفس يكتب به لكن كتابته بصورة الحروف
قراءته بالسكون وصلا ووقفا يؤيد القول الاول ويابى عن غيره من الأقوال قرأ ابن
عامر والكسائي ويعقوب بإخفاء النون اجراء للواو المنفصل كالمتصل والباقون بالإظهار
(وَالْقَلَمِ) الواو للقسم والقلم هو الذي خط اللوح عن عبادة بن الصامت
قال قال رسول الله صلعم ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال
اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن الى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب
وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلعم كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق
السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم قال البغوي هو قلم
من نور طوله ما بين السماء والأرض ويحتمل ان يراد جنس القلم اقسم به لكثرة فوايده (وَما يَسْطُرُونَ) والضمير للقلم بالمعنى الاول على التعظيم او بالمعنى
الثاني بارادة الجنس وأسند الفعل الى الآلة وأجريت مجرى اولى العلم بإقامتها
مقامهم او لاصحابه على المعنى الثاني او بغير المذكور اى الحفظة الذين يكتبون
اعمال بنى آدم او العلماء الذين يكتبون علوم الدين. (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ) اى ملتبسا بنعمة ربك من النبوة والمروة وكمال العقل والفهم
وجلال الفضل وانواع المكارم والعلوم والعامل فى الحال معنى النفي وقيل مجنون
والباء لا يمنع كونه عاملا فيما قبله لكونه زائدة لكنه ضعيف من حيث المعنى (بِمَجْنُونٍ) قال البغوي هذا جواب لقول الكفار يا ايها الذي نزل عليه
الذكر انك لمجنون وكذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج وانما قالوا ذلك استبعادا منهم
ما ادعاه النبي صلعم من الرسالة من الله تعالى
وما ارتكبه النبي
صلعم من مخالفة جميع الناس فى ايام العسرة واستيلاء ظلمة الكفر ولما كان هذا
الاستبعاد منهم مستقرا قويا فى زعمهم أكدوا قولهم انك لمجنون بان ولام القسم وبناء
على شدة انكارهم أكد الله سبحانه الجواب بالقسم وزيادة الباء فى خبر بالتاكيد
النفي وفيه نفى المجنون عنه صلعم بحال تلبسه بنعمة الله ليكون هذا القيد بمنزلة
البينة والبرهان على النفي فانه من كان بهذه المثابة من العلم والعقل والفهم
والكمال فالقول فيه بانه مجنون سفسطة لا يقول به الا من هو ابلد من الحمار وأحمق
من ابن حنيفة الم تسمع ان الأتان سجدت الى الكعبة ثلثا حين ركبت حليمة مع النبي
صلعم عليها وقالت الأتان على ظهره خير النبيين وسيد المرسلين وخير الأولين
والآخرين وحبيب رب العالمين صلعم كذا ذكر فى المواهب اللدنية فى حديث طويل فالكفار
ابلد من الحمار. (وَإِنَّ لَكَ
لَأَجْراً) على احتمال الأذى وتبليغ الرسالة والتنكير للتعظيم (غَيْرَ مَمْنُونٍ) اى مقطوع او ممنون به عليك من الناس فان الله يعطيك وعلى
الناس منة منك والجملة معطوفة على جواب القسم او حال من أنت وكذلك قوله تعالى. (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) فانك تحتمل من قولك ما لا يحتمل امثالك قال رسول الله صلعم
وما أوذي أحد ما أوذيت فى الله رواه ابو نعيم فى الحلية عن انس وابن عساكر عن جابر
نحوه وعن ابى هريرة قال يا رسول الله ادع على المشركين قال انى ما ابعث لعانا
وانما بعثت رحمة رواه مسلم والكفار لما رموه صلعم بالجنون والجنون لا يستحق اجرا
او لا يكون له حق حسن فايراد هذين الجملتين على العطف والحال تأكيد لما سبق من نفى
الجنون ورد لقول الكفار على ابلغ الوجوه قال ابن عباس ومجاهد خلق عظيم دين عظيم
ولا دين أحب الى ولا ارضى عندى منه وهو دين الإسلام قال الحسن هو آداب القران سئلت
عايشة عن خلق رسول الله صلعم فقالت كان خلقه القران الست تقرأ القران قد أفلح
المؤمنون إلخ رواه مسلم وأخرجه البخاري فى الأدب المفرد وقال قتادة هو ما كان
يأتمر به من امر الله وينتهى عنه من ما نهى الله عنه يعنى انك على الخلق الذي أمرك
الله به فى القران وقال جند الخلق العظيم ان لا يكون همته غيره تعالى فصل فى
أخلاقه صلعم عن البراء قال كان رسول الله صلعم احسن الناس وجها أحسنه
خلقا ليس بالطويل
البائن ولا بالقصير عن انس قال خدمت رسول الله صلعم عشر سنين فما قال لى ان قط وما
قال لشئ صنعته لم صنعت ولا لشئ تركته لم تركت وكان رسول الله صلعم احسن الناس خلقا
ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا ألين من كف رسول الله صلعم ولا شممت مسكا ولا
عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلعم متفق عليه وعن انس ان امرأة كانت فى عقلها
شيئا قالت يا رسول الله ان لى إليك حاجة فقال يا أم فلان اجلسي فى اى سلك المدينة
شئت اجلس إليك فقعد إليها رسول الله صلعم حتى قضت حاجتها رواه مسلم وعنه قال كانت
الامة من إماء المدينة لياخذ بيد رسول الله صلعم فينطلق به حيث شاءت رواه البخاري
وعنه ان رسول الله صلعم كان إذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي
ينزع يده ولا يصرف وجهه عن وجهه ولم ير مقدما ركبتيه بين يدى جليس رواه الترمذي
وعن عائشة قالت ما ضرب رسول الله صلعم بيده شيئا قط الا ان يجاهد فى سبيل الله ولا
ضرب خادما ولا امرأة ولا ينسل شيئا منه قط فينتقم من صاحبه الا ان ينهتك لشئ من
محارم الله فينتقم لله رواه مسلم وعن انس قال كنت امشى مع رسول الله صلعم يبرد
نجرانى غليظ الحاشية فادركه أعرابي فجذبه بردائه جذبة شديدة حتى نظرت الى صفحة
عاتق رسول الله صلعم قد اثرت بها حاشية البرد من شدة جذبه ثم قال يا محمد صلعم
مولى من مال الله الذي عندك فالتفت اليه رسول الله صلعم ثم ضحك ثم امر له بعطاء
متفق عليه وعنه قال كان رسول الله صلعم احسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس الحديث
متفق عليه وعن جابر قال ما سئل رسول الله صلعم شيئا فقال لا متفق عليه وعن جبير بن
مطعم بينما هو يسير مع رسول الله صلعم مقفله من حنين فعلقت الاعراب يسالونه حتى
اضطروه الى سمرة فخطفت ردائه فوقف رسول الله صلعم فقال أعطوني ردائى لو كان لى عدد
هذا العصاة نعم لقسمته بينكم لا تجدونى بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا رواه البخاري
وعن عائشة قالت لم يكن رسول الله صلعم فاحشا ولا متفحشا ولا سخابا فى الأسواق ولا
يجيز بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح وفى الباب أحاديث لا تكاد تحصى فى فضل حسن
الخلق عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم بعثت لاتمم حسن الخلق رواه احمد وفى
الموطإ بلاغا وعن ابى الدرداء
عن النبي صلعم قال
ان أثقل شىء يوضع فى الميزان للمومن يوم القيامة خلق حسن وان الله يبغض الفاحش
البزي رواه الترمذي وقال حسن صحيح وروى ابو داود عن ابى هريرة قال قال رسول الله
صلعم لاصحابه أتدرون ما اكثر ما يدخل الناس الجنة قالوا الله ورسوله اعلم قال فان
اكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق وعن عائشة قالت سمعت رسول الله
صلعم يقول ان المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار رواه ابو داود
وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلعم ان من أحبكم الى أحسنكم أخلاقا رواه
البخاري وفى الصحيحين بلفظ ان من خياركم أحسنكم أخلاقا وعن رجل من مزلة وعند
البيهقي فى شعب الايمان وعن اسامة بن شريك فى شرح السنة قالوا يا رسول الله ما خير
ما اعطى الإنسان قال الخلق الحسن وعن معاذ قال كان آخر ما وصّانى به رسول الله
صلعم حين وضعت رجلى فى الفرزان قال يا معاذ احسن خلقك للناس رواه مالك. (فَسَتُبْصِرُ) يا محمد والسين للتحقيق (وَيُبْصِرُونَ) اى الكفار يوم القيامة. (بِأَيِّكُمُ
الْمَفْتُونُ) أيكم مبتداء والباء زايدة والمفتون بمعنى المجنون خبره او
المفتون مصدر بمعنى الجنون كالمعقول والمجلود مبتداء والخبر مقدم او المعنى باى
الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين او بفريق الكافرين فى أيهما من يستحق هذا
الاسم والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول للفعلين السابقين على سبيل التنازع
والحاصل ان الجنون ليس بالكفار فانه لا شك ان مقتضى العقل انه من خبر بين الخبرين
اختارا خبرهما ومن ابتلى ببليتين اختار أهونهما والمؤمنون اختاروا الاشتغال بالله
سبحانه الجميل المتصف بجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص أنصار النافع وبذلوا
همتهم فى ابتغاء مرضاته واجتنبوا موجبات سخطه واختاروا نعم الاخروية القوية
الابدية على النعم الدنيوية الدنية الزائلة الكائنة كان لم تكن والكفار اختاروا
الممكنات التي لا تضر ولا تنفع الا بإذن الله بل اختاروا للعبادة الحجارة وتركوا
الله الواحد القهار القيام واختاروا الحظوظ العاجلة لا تدرك منها الا ما شاء الله
على النعم الابدية واختاروا النار على الجنة. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ) ضمير فصل (أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَ) متعلق بأعلم (عَنْ سَبِيلِهِ) فهم المجانين على الحقيقة فان مقتضى الجنون الضلال عن سبيل
الحق (وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ)
الفائزين بكمال
العقل الواصلين الى الجميل المطلق. (فَلا تُطِعِ
الْمُكَذِّبِينَ) الفاء للسببية يعنى إذا ظهر انك على الهدى والمكذبين على
الضلال فلا تطعهم. (وَدُّوا) حال بتقدير قد من المكذبين (لَوْ تُدْهِنُ) لو للتمنى بيان للوداد والادهان اللين المشتق من الدهن (فَيُدْهِنُونَ) الفاء للعطف والتعقيب هى ودوا المداهنة من الجانبين لكن
يحبون ان يكون ادهانهم بعد ادهانك او للسببية اى ودوا لو تدهن فهم يدهنون ودوا ادهانك
فهم الان يدهنون طمعا فيه يعنى لو تلين لهم بترك نهيهم عن الشرك او توافقهم فى بعض
الأمور أحيانا فينالونك بترك الطعن والموافقة فى بعض الأمور ـ (مسئله)
وهذه الاية تدل على ان المداهنة فى امر الدين حرام. (وَلا تُطِعْ) تخصيص بعد تعميم قال قتادة نزلت فى الوليد بن المغيرة
واخرج المنذر عن الكلبي وابن ابى حاتم عن السدى نزلت فى الأخنس بن شريق وكذا ذكر
البغوي قول عطاء وقال ابن ابى حاتم عن مجاهد نزلت فى الأسود بن عبد يغوث (كُلَّ حَلَّافٍ) لفظه كل ورد لتاكيد شمول النهى كل فرد بقرينة المقام فلا
يدل على جواز إطاعة البعض والمراد بالحلاف كثير الحلف بالباطل وقد مر فى سورة
البقرة فى تفسير قوله تعالى (وَلا تَجْعَلُوا
اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) مسئله ان الإكثار بالحلف مكروه (مَهِينٍ) حقير فعيل من المهانة بمعنى الحقارة وهى قلة الرأي
والتميز. (هَمَّازٍ) عياب مغتاب وقيل من يشير بعينه وحاجبه الى عيوب الناس (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) فعال للحديث على وجه السعاية. (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) يمنع الناس عن الخير من الايمان والانفاق والعمل الصالح (مُعْتَدٍ) متجاوز عن الحد فى الظلم (أَثِيمٍ) كثير الإثم. (عُتُلٍ) قال فى فى القاموس الأكول المنيع الجافي الغليظ (بَعْدَ ذلِكَ) الظرف متعلق بزنيم وكلمة بعد بمعنى مع او المعنى بعد ما
عدت من رزائله (زَنِيمٍ) قال فى القاموس الزنيم المستلحق فى قوم ليس منهم والدعي
وفيه ايضا الدعي كغنى من تبنيته والمتهم فى النسبة قال البيضاوي الزنيم ماخوذ من
زنمتى الشاه وهما المتدليتان من اذنها وحلفها وكان الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد
ثمانى عشر سنة من مولده والأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده فى زهرة قال البغوي
فى الدنيا معصما فكان الناس ظلوما قال فذلك العقل الزنيم مرسل له شواهد روى عن
عكرمة
عن ابن عباس قال
فى هذه الاية لعنت الله فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكان له زنمة فى عنقه يعرف بها
واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال نزل على النبي صلعم ولا قطع كل حلاف مهين هماز
مشاء بنميم فلم نعرفه حتى نزل عليه بعد ذلك زنيم فعرفناه كان له زنمة كزنمة الشاة
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس انه قال يعرف بالشر كما يعرف الشاة بزنمتها قلت
ولعله لما كان هذه الصفة اعنى كونه زنيما ادنى فى القبح من الرذائل المقدمة ذكره
بقوله بعد ذلك زنيم والله تعالى اعلم عن الحارث بن وهب الخزاعي قال قال رسول الله
صلعم الا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف لو يقسم على الله لابره الا أخبركم باهل النار
كل عتل جواظ متكبر رواه البغوي وروى ابو داود والطبراني عن الدرداء نحوه. (أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) قرأ ابو جعفر وابن عامر وحمزة وابو بكر ويعقوب ان كان
بهمزتين أحدهما للاستفهام ثم حمزة وابو بكر يخففان الهمزتين بلا مد وبمد الهمزتين
الاولى ابو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية وقرأ الآخرون بهمزة واحدة بلا
استفهام وتقديره لان كان متعلق بالنهى فى لا تطع فالمعنى على تقدير عدم الاستفهام
لا يكن منك إطاعة من كان هذا شانه لكونه ذا مال وبنين كما ان عادة الناس إطاعة
اصحاب المال والثروة وعلى تقدير الاستفهام أتطيعه لكونه ذا مال وبنين فالاستفهام
للانكار او متعلق بمدلول جملة بعده اى كفر وكذب القران لاجل الغنى تكبرا وبطرا
والمعنى كان الغنى موجبا للشكر فكفر على عكس ما ينبغى. (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) اى شىء كتبوه كذبا من قصص الأولين فى القاموس الأساطير
الأحاديث لا نظام لها إذا متعلق بقال اى قال ذلك ح. (سَنَسِمُهُ عَلَى
الْخُرْطُومِ) على الالف كانه شبهه بالفيل والخنزير وانفه بالخرطوم جملة
مستأنفة بالوعيد والتهديد قال الفراء المراد به الوجه فان بعض الشيء يعبر به عن الكل
وقال ابو العاليه ومجاهد يسود وجهه فيجعل له علما فى الاخرة يعرف به وهو سواد
الوجه وقال ابن عباس سخطه بالسيف وفعل ذلك يوم البدر. (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) يعنى اهل مكة بالقحط والجوع لما دعى رسول الله صلعم عليهم
وقال اللهم اجعل عليهم سنين كسنى يوسف حتى أكلوا العظام والجيف جملة مستانفة فى
جواب سوال مقدر اى ما فعل لهم حين كذبوا النبي صلعم وقالوا مجنون (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) صفة مصدر محذوف
والاضافة واللام
للعهد اخرج ابن ابى حاتم عن ابن جريح ان أبا جهل قال يوم بدر خذوهم أخذا فاربطوهم
فى الجبال ولا تقتلوا منهم أحدا فنزلت انا بلوناهم فى قدرتهم عليهم كما باونا
اصحاب الجنة فى اقتدارهم عليهم روى محمد بن مروان عن الكلبي عن ابن صالح عن ابن
عباس قال كان بستان اليمن يقال له الصروان دون صنعاء بفرسخين غرسه رجل صالح وكان
يترك للمساكين إذ اصرموا تخلهم كل شىء تعداه المنجل فاذا طرح من فوق النخل الى
البساط فكل شىء يسقط عن البساط يترك ذلك ايضا للمساكين وإذا حصدوا زرعهم فكل شىء
تعداه المنجل فهو للمساكين وإذا داسوه كان لهم كل شىء ينتشره ايضا فلما مات الرجل
ورثه ثلثة بنيه فقالوا والله ان المال لقليل وان العيال كثير وانما كان هذا الأمر
يفعل إذا كان المال كثير او العيال قليلا فاذا قل المال وكثر العيال فانا لا
نستطيع ان نفعل هذا فتحالفوا بينهم (إِذْ أَقْسَمُوا) اى حلفوا متعلق ببلونا (لَيَصْرِمُنَّها) جواب قسم اى ليقطعن ثمرها اى الجنة (مُصْبِحِينَ) داخلين فى الصباح قبل ان يعلم المساكين حال من فاعل
ليصرمنها. (وَلا يَسْتَثْنُونَ) حال من فاعل اقسموا اى اقسموا غبر مستثنين اى قائلين ان
شاء الله وانما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير ان المخرج به خلاف المذكور
والمخرج بالاستثناء عينه او لان افعل ان شاء الله ولا افعل الا ان شاء الله واحد
ويحتمل ان يكون جملة لا يستثنون معطوفة على ليصر منها داخلة فى جواب القسم والمعنى
ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم او يكون جملة مستانفة اى كان شانهم
ذلك. (فَطافَ) معطوف على اقسموا (عَلَيْها) على جنتهم (طائِفٌ) بلاء نازل بالليل وهو نار نزلت من السماء فاحرقتها (مِنْ رَبِّكَ) من ابتدائية (وَهُمْ نائِمُونَ) قال. (فَأَصْبَحَتْ) الجنة (كَالصَّرِيمِ) اى كالبستان الذي صرم ثمارها بحيث لم يبق فيها شىء فعيل
بمعنى المفعول او كالليل باحتراقها واسودادها او كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس
سمى بالصريم لان كلا منها ينصرم عن صاحبه اى ينقطع وقال الحسن اى صرم منها الخير
فليس فيها شىء وقال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة والجملة معطوفة على فطاف. (فَتَنادَوْا) اصحاب الجنة (مُصْبِحِينَ) الجملة معطوفة على أصحت. (أَنِ اغْدُوا) ان مفسرة لفعل معناه القول اعنى تنادوا
(عَلى حَرْثِكُمْ) متعلق باغدوا اى اخرجوا الى حرثكم وتعديته بعلى اما لتضمنه
بمعنى الإقبال او لتشبيه الغدو للصرام الغدو الغدو المتضمن بمعنى الاستيلاء ويحتمل
ان اغدوا ناقصة وعلى حرثكم خبره (إِنْ كُنْتُمْ
صارِمِينَ) قاطعين شرط استغنى عن الجزاء بما مضى. (فَانْطَلَقُوا) اى اصحاب الجنة (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) اى يقولون بينهم سر او خفى وخفت وخفه بمعنى كتم. (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا) اى الجنة وان مفسرة لقوله تعالى يتخافتون فانه فى معنى
القول (الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ
مِسْكِينٌ) نهى للمسكين عن الدخول موكدا والمراد به المبالغة فى النهى
عن تمكينه عن الدخول كقوله لا أتيتك هاهنا. (وَغَدَوْا) عطف على انطلقوا (عَلى حَرْدٍ
قادِرِينَ) على حرد متعلق بقادرين وهو خبر لغدوا او الجملة معطوفة على
انطلقوا او الحرد فى اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب فقال الحسن والقتادة
وابو العالية على جد وجهد وقال القرطبي ومجاهد وعكرمة على امر مجمع قد أسسوه بينهم
وكل ذلك راجع الى المقصد وقال ابو عبيدة على منع المساكين وقول الشعبي وسفيان على
غضب فى المساكين وقال ابن عباس على قدرة عند أنفسهم على جنتهم وثمارها. (فَلَمَّا رَأَوْها) اى الجنة محترقة (قالُوا) لما ظرف متعلق
بقالوا (إِنَّا لَضَالُّونَ) الطريق فليس هذا جنتنا وانا لمخطئون حيث منعنا المساكين
وتركنا الاستثناء. (بَلْ نَحْنُ
مَحْرُومُونَ) قد حرمنا خير الجنة. (قالَ أَوْسَطُهُمْ) سنا او أعد لهم واعقلهم والجملة مستانفة (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) استفهام تقرير (لَوْ لا) هلا (تُسَبِّحُونَ) اى تستثنون سمى الاستثناء تسبيحا لانه تعظيم لله تعالى
واقرار بانه لا يقدر أحدكم على شىء الا بمشيته وقال ابو صالح كان استثناؤهم سبحان
الله تعالى او هلا تسبحون الله وتشكروه على ما اعطاكم ولا تمنعوا المساكين فان
الشكر صرف النعمة فى رضاء وقيل هلا تستغفرونه من فعلكم. (قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا) جملة مستأنفة نزهوا الله سبحانه من ان يكون ظالما فى ما
فعل واقرار على أنفسهم بالظلم وقالوا (إِنَّا كُنَّا
ظالِمِينَ) بمنع المساكين عن حقهم. (فَأَقْبَلَ
بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) عطف على قالوا (يَتَلاوَمُونَ) حال من فاعل اقبل ومفعوله على طريقة لقيه راكبين اى يلوم
بعضهم بعضا فى منع المساكين حقوقهم. (قالُوا يا وَيْلَنا
إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) جملة مستانفة اى أعطينا نعم الله فلم نشكرها
كما شكر أبونا
ولما ندموا على ما فعلوا وتابوا عنه وعزموا على الشكر والانفاق رجعوا على أنفسهم
وقالوا رجاء. (عَسى رَبُّنا أَنْ
يُبْدِلَنا) جنة (خَيْراً مِنْها) من ذلك الجنة التي أحرقت (إِنَّا إِلى رَبِّنا
راغِبُونَ) الى الانتهاء الرغبة او لتضمنها معنى الرجوع والجملة فى
مقام التعليل للرجاء فان الرغبة الى الله تعالى يوجب الانعام قال البغوي قال ابن
مسعود بلغني ان القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فابدلهم جنة يقال لها الحيوان
فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا. (كَذلِكَ) خبر ما بعده مبتداء اى كما فعلنا باهل مكة واصحاب الجنة (الْعَذابُ) فى الدنيا على ترك الشكر (وَلَعَذابُ
الْآخِرَةِ) على الكفر
والمعاصي وترك الشكر ومنع الزكوة (أَكْبَرُ) أشد وأبقى من عذاب الدنيا (لَوْ كانُوا
يَعْلَمُونَ) شرط استغنى عن الجزاء بما مضى اى لو كانوا يعلمون العذاب
ما فعلوا فعلهم. (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ
عِنْدَ رَبِّهِمْ) فى جوار القدس (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) اى ليس فيها الا التنعيم الخالص جملة مستانفة سبقت الوعد
للمتقين بعد وعيد المجرمين ولما قال المشركون من اهل مكة انا نعطى فى الاخرة على
تقدير ثبوتها أفضل مما تعطون او مثله كما أعطينا فى الدنيا قال الله تعالى تكذيبا
لهم. (أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) الاستفهام لانكار مساوات المجرمين بالمسلمين ويوجب انكار
تفضيل المجرمين بالطريق الاولى والجملة معطوفة محذوف الا نفضل المسلمين المطيعين
على المجرمين فنجعل المسلمين كالمجرمين. (ما لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ) كيف حال من فاعل تحكمون قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام
وتحكمون حال من معنى ما لكم تقديره ما تصنعون حال كونكم حاكمين كائنين على كيفية
عجيبة مستبعدة جدا على خلاف العقل فان العقل يحكم ان المطيع يكون احسن حالا من
العاصي وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب. (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) نزل عند اللئام أم منقطعة بمعنى بل للاضراب من الحكم على
وفق العقل والهمزة للانكار عن الدليل السمعي المنزل من السماء (فِيهِ) اى الكتاب (تَدْرُسُونَ) تقرءون. (إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) اى فى ذلك الكتاب (لَما تَخَيَّرُونَ) ما تختارون لانفسكم وتشتهونه حذف أحد التاءين من تخيرون
والجملة مفعول لتدرسون اما بتأويل القول اى تدرسون هذا القول او لانه كان فى الأصل
ان مفتوحة فلما جيئت باللام على ما تخيرون كسرت ويحتمل ان يكون استينافا على سبيل
الإنكار.
(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) فاعل لكم (عَلَيْنا) اى عهود مؤكدة بالايمان (بالِغَةٌ) متناهية فى التوكيد (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) متعلق بمقدر فى لكم اى ثابتة لكم علينا الى يوم القيامة لا
نخرج عن عهدتها حتى تحكم بحكمكم فى ذلك اليوم او متعلق ببالغة اى ايمان تبلغ ذلك
اليوم (إِنَّ لَكُمْ لَما
تَحْكُمُونَ) جواب للقسم المفهوم من ذكر الايمان يعنى أم اقسمنا لكم ان
لكم ما تحكمون. (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ
بِذلِكَ) الحكم (زَعِيمٌ) قائم يدعيه ويصححه فليقدرونه فقد نبه سبحانه فى هذه الآيات
على نفى كل ما يمكن ان يثبت به من عقل او نقل يدل عليه لاستحقاق او وعدا وتقليد
لمن يقدر على اثبات ما يدعيه ثم لما نفى تسوية الكفار بالمؤمنين من الله تعالى نفى
ان يكون هذا من الشركاء الذين يشركونها مع الله تعالى بنفي الشركاء فقال. (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) تجعلهم مثل المؤمنين فى الاخرة (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) ويثبتوا كونهم شركاء الله تعالى مماثلا له فى العلم
والقدرة والارادة والتكوين الفاء للسببية والأمر للتعجيز (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) فى دعوتهم شرط مستغنى عن الجزاء بما معنى. (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) الظرف متعلق باذكر وكشف الساق عبارة عن نوغ من تجلياته
سبحانه تعالى فى الموقف روى الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن ابى سعيد الخدري ان
ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم نعم هل تضارون فى روية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب
وهل تضارون روية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال
ما تضارون فى روية الله تعالى يوم القيامة الا كما تضارون فى روية أحدهما إذا كان
يوم القيامة اذن موذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد بغير الله
من الأصنام والأنصاب ان يتساقطون فى النار حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من
بر وفاجر وفى رواية غير اهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا
كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال ماذا
تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم الا ترون فيحشرون الى جهنم كانها
سراب يحطم لبعضها بعضا فيتساقطون فى النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم
تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم فذكر كما ذكر فى اليهود
وفى رواية مسعود عند الحاكم وصححه الدار قطنى وغيرهما انه يمثل لكل من يعبد غير
الله ما كانوا يعبدون من الشمس والقمر والأوثان
ويمثل لمن كان
يعبد عزيرا شيطان عزير وان كان يعبد المسيح شيطان المسيح فينطلقون معه الى جهنم وفى
رواية عن ابى هريرة عند الطبراني وابى يعلى والبيهقي وغيرهم ان يجعل ملكا من
الملائكة على صورة عزير وملكا من الملائكة على صورة عيسى بن مريم ويتبع هذا اليهود
ويتبع هذا النصارى ثم تقودهم الهتهم الى النار وهم الذين يقولون لو كان هؤلاء الهة
ما وردوها وكل فيها خالدون رجعنا الى رواية الصحيحين حتى إذا لم يبق الا من كان
يعبد الله من بر وفاجر أتاهم رب العالمين قال فماذا تنظرون يتبع كل امة ما كانت
تعبد قالوا يا ربنا فارقنا الناس فى الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم فيقول
انا ربكم فيقول نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا مرتين او ثلثا حتى ان بعضهم
يكاد ان ينقلب فيقول هل بينكم وبينه اية لتعرفونه بها فيقولون نعم فيكشف عن ساق
فلا يبقى من كان يسجد من تلقاء نفسه الا اذن له بالسجود ولا يبقى من كان يسجد
نفاقا ورياء الا جعل الله ظهره واحدة كلما أراد ان يسجد خر على قفاه ثم يضرب الجسر
على جهنم وفى رواية قيل يا رسول الله ما الجسر قال وحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب
وحكة تكون بنجد فيها شويكة يقال له السعدان وتحل الشفاعة ويقول الأنبياء اللهم سلم
سلم فيمر المؤمنون كطرف العين وكالريح وكالطير وكاجاويد الخيل والركاب فناج مسلم
ومخدوش مرسل ومكدوش فى نار جهنم حتى إذا أخلص المؤمنون من النار فو الذي نفسى بيده
ما من أحد منكم باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين لله لاخوانهم الذين
فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون فيقال لهم اخرجوا من عرفتم
فيحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن
امرتنا فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فاخرجوه فيخرجون خلقا
كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فاخرجوه فيخرجون
خلقا كثيرا ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فاخرجوه فيخرجون
خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم ندر فيها خيرا فيقول شفعت الملائكة وشفع النبيون
وشفع المؤمنون ولم يبق الا ارحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم
يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقهم فى عمر من أفواه الجنة يقال له نهر الحيوة فيخرجون
كما يخرج الحبة فى حميل السيل فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم خواتم فيقول اهل الجنة
عتقاء الرحمن أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه فيقال لهم لكم ما رأيتم
ومثله معه وقد وقع كشف الساق فى حديث ابن مسعود عند الحاكم وغيره
وفى رواية عن ابى
هريرة فى الصحيحين فياتيهم الله فى غير الصورة التي يعرفونها وقال اللالكائى فى
السنة والآجري فى كتاب الروية عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلعم يقول
إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فى دار الدنيا فيذهب كل قوم الى
كل ما يعبدون ويبقى اهل التوحيد فيقال لهم وقد ذهب الناس فيقولون ان لنا ربا كنا
نعبده فى الدنيا لم نره قال وتعرفونه إذا رايتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف
تعرفونه ولم تروه قالوا انه لا شبه له فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون الى الله تعالى
فيخرون له سجدا ويبقى أقوام فى ظهورهم مثل صياصى البقر يريدون السجود فلا يستطيعون
فيقول الله تبارك وتعالى ارفعوا رؤسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم بدلا من اليهود
والنصارى وهذه الأحاديث تدل على ان لله سبحانه تجليات على انواع شتى منها تجليات
صورته وذلك فى عالم المثال وليس هى روية فى الحقيقة كما رأى النبي صلىاللهعليهوسلم ربه فى المنام على صورة امرد شاب شطط فى رجليه نعلا الذهب
وعند ذلك التجلي يقول القائلون فى الموقف نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا ومنها
ما يكون على غير شبه ومثال فى الموقف وفيه شائبة من الظلية ولعل من هذا النوع ما
أراد الله تعالى بقوله يكشف عن ساق فح راه المؤمنون الأبرار والفجار بلا حجاب كما
ترون الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب والقمر ليلة البدر كما روينا من قبل ولا
نصيب للكفار من هذا التجلي لقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقوله عليهالسلام حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من برو فاجراتاهم رب
العالمين الحديث الى قوله فيكشف عن ساق والساق من المتشابهات كاليد والوجهة لا
يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم يقولون أمنا به ومنها ما يكون فى الجنة
بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة (وَيُدْعَوْنَ) اى المؤمنون الأبرار والفجار الى السجود وهذه الدعوة (إِلَى السُّجُودِ) ليس من باب التكليف إذ ليس الاخرة دار تكليف بل هى دعوة
طبيعية تقتضيه افتقار الحقيقة الامكانية عند كشف سرادقات العظمة والجلال ما لم
يمنع مانع (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) اى العصاة منهم لصيرورة ظهرهم طبقة واحدة لما يحملون
أوزارهم فالضمير راجع الى بعض المدعوين الى السجود دون الكل كما فى قوله تعالى
وبعولتهن أحق بردهن بعد قوله والمطلقات وبدل على هذا الأحاديث المذكورة فالذين لا
يستطيعون السجود هم المؤمنون
الذين لم يكونوا
مصلين أصلا او لم يكونوا مصلين بجماعة الا اتقاء كأهل الهواء من الروافض وغيرهم او
كانوا يسجدون رياءا للناس من غير اخلاص فى العمل فان قيل قد ورد فى بعض طرق حديث
ابى هريرة وغيره فاذا لم يبق الا المؤمنون وفيهم المنافقون جاءهم الله الحديث الى
قوله فيكشف لهم عن ساق ويتجلى لهم من عظمته ما يعرفون انه ربهم فيخرون ساجدين على
وجوههم ويخر كل منافق على قفاه ويجعل الله أصلابهم كصياصى البقر قلنا الظاهر
بالمنافق هاهنا المنافق فى الأعمال وفروع العقائد دون المنافق فى اصول الاعتقادات
إذ المنافق فى اصول الاعتقادات أولئك هم الكافرون حقا بل أشد كفراوهم فى الدرك
الأسفل من النار وهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون فكيف يكون لهم ذلك الكرامة من روية
الله تعالى وقد ورد فى الأحاديث لفظ المنافق فى حق العصاة حيث قال رسول الله صلعم
اربع من كن فيه منافق خالصا ومن كان فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى
يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر متفق عليه من حديث
عبد الله بن عمرو فى الصحيحين عن ابى هريرة مرفوعا اية المنافق ثلث رواه مسلم وان
صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا حدث كذب وإذا وعد خاف وإذا ائتمن خان. (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) الخشوع صفة للذوات أسند الى الابصار تجوز الظهوره فيها (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) اى يلحقهم ذلة (وَقَدْ كانُوا
يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) فى الدنيا فلم يسجدوا كما أمرهم الله بالإخلاص (وَهُمْ سالِمُونَ) عن كون ظهورهم طبقة واحدة حال من فاعل يدعون الثاني وقوله
تعالى خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون كلها احوال من فاعل يدعون الاول
وفى قوله تعالى وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون تعليل لعدم استطاعتهم على
السجود فى الاخرة. (فَذَرْنِي وَمَنْ
يُكَذِّبُ) معطوف على الضمير المنصوب فى ذرنى او مفعول (بِهذَا الْحَدِيثِ) القران جملة فذرنى معترضة لوعيد الكفار وتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم اى لا تغتم وكله الى فانى أكفيكه (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) الضمير المنصوب راجع الى من اعتبارا بمعناه الدرج طى
الكتاب والثوب يقال للمطوى ورجى استعير الدرج للموت كما استعير الطى له كذا قال
الجوهري وقال قوله تعالى سنستدرجهم قيل معناه سنطويهم طى الكتاب عبارة عن إغفالهم
وقيل معناه ناخذهم
درجة فدرجة وذلك ادنائهم من امسى شيئا فشيئا كالمراتى والمنان والحاصل سنأخذهم
بالعذاب بتدريج وامهال (مِنْ حَيْثُ لا
يَعْلَمُونَ) كيف يجئ العذاب بهم. (وَأُمْلِي لَهُمْ) اى امهلهم (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) قوى لا يطاق دفعه جملة مستانفة والكيد المكر والحيلة
واظهار خلاف ما أضمر من السوء فالكيد من الله الانتقام بصورة الانعام قال الجوهري
فى قوله تعالى ان كيدى متين قال بعضهم أراد بالكيد العذاب والصحيح هو الاملاء
والامهال يعنى ليس ما نعطيهم فى الدنيا من النعم تفضلا لهم على المؤمنين كما زعموا
بل كيد واستدراج لهم (فائدة) من ارتكب المعصية فعوقب عليها بمصيبة فى الدنيا يرجى
مغفرة ذنبه ومن ارتكب المعصية ثم يرى عليه ازدياد النعمة يخشى عليه المكر
والاستدراج نعوذ بالله منه. (أَمْ تَسْئَلُهُمْ
أَجْراً) على التبليغ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة معطوفة على قوله
تعالى أم لهم شركاء وما بينهما معترضات (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ
مُثْقَلُونَ) فيعرضون عنك بلا حجة دفعا للغرامة الجملة الاسمية معطوفة
بالفاء السببية على العقلية اى تسئلهم. (أَمْ عِنْدَهُمُ
الْغَيْبُ) اى اللوح المحفوظ او المغيبات (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) منه ما يحكمون جملة أم عندهم معطوفة على أم تسئلهم ذكر
الله سبحانه فيما سبق نفى الدليل التحقيقى العقلي والسمعي والتقليد الذي يستدلون
به العوام وذكر هاهنا نفى الكشف عن المغيبات والإلهام الذي هو سبب لحصول العلم
للخواص من الأنبياء والملائكة وبعض الأولياء فان الله تعالى يكشف عليهم اللوح
المحفوظ والمغيبات إذا شاء يعنى ليس شىء مما ذكرنا عندهم فما يحكمون به ليس الا
باطلا لغوا. (فَاصْبِرْ) يا محمد صلعم على اذاهم فانهم لا يقولون ما يقولون الا بلا
حجة (لِحُكْمِ رَبِّكَ) لقضائه بأخذ الكفار بالامهال والاستدراج ولا تضجر ولا تعجل
(وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ
الْحُوتِ) فى الضجر والاستعجال معطوف على فاصبر قال وهب ان يونس بن
متى عليهالسلام كان عبدا صالحا وكان فى خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال
النبوة تضح تحتها تفسح الربع تحت الحمل الثقيل يقذفها بين يديه ويخرج هاربا منها
فلذلك أخرجه الله من اولى العزم وقال للنبى صلعم فاصبر كما صبر أولو العزم من
الرسل ولا تكن كصاحب الحوت وقصته على ما ذكره ابن مسعود وسعيد بن جبير ووهب ان
الله تعالى أرسله الى اهل نينوى من ارض الموصل وهم مائة الف
او يزيدون فدعاهم
الى الله تعالى فابوا فاخبرهم ان العذاب صبحهم الى ثلث فقالوا لم يحزب عليه كذبا
فانظروا فان بات فيكم تلك الليلة فليس بشئ وان لم يبت فاعلموا ان العذاب مصبحكم
فخرج يونس عليهالسلام فى جوف تلك الليلة من بينهم فلما أصبحوا لفشاهم العذاب
فكان فوق رؤسهم على قدر ميل وغامت السماء غيما اسودها بل يدخن دخانا شديدا فهبط
حتى غشى مدينتهم واسودت سطوحهم فلما رأوا ذلك تيقنوا بالهلاك فطلبوا يونس بينهم
فلم يجدوه فقذف الله فى قلوبهم التوبة فخرجوا الى الصعيد بانفسهم ونسائهم وصبيانهم
ودوابهم ولبسوا المسوح وأظهروا الايمان والتوبة وأخلصوا النية وفرقوا بين كل والدة
وولدها من الناس والانعام فحسن بعضهم الى بعض وعلت أصواتها وتضرعوا الى الله عزوجل وقالوا أمنا بما جاء به يونس فرحمهم ربهم واستجاب دعائهم
فكشف عنهم العذاب بعد ما أظلهم وذلك يوم عاشوراء وكان يونس قد خرج ينتظر العذاب
وهلاك قومه فلم ير شيئا وكان من كذب ولم يكن له بينة قبل فقال يونس عليهالسلام كيف ارجع الى قومى وقد كذبتم فانطلق فاتى البحر فاذا قوم
يركبون سفينة فعرفوه فحملوه بغير اجر فوقعت السفينة لا ترجع ولا يتقدم فقالوا ان
لسفينتنا لشانا قال يونس عليهالسلام قد عرفت شانها ركبها رجل ذو خطيئة قالوا ومن هو قال انا
اقذفونى فى البحر قالوا ما كنا نطرحك من هاهنا حتى نفداك فى شانها فاستهموا
فاعترفوا ثلث مرات فادحض سهمه والحوت عند رجل السفينة فاغرقاه منتظرا امر ربه فيه
فقال يونس عليهالسلام انكم والله لتهلكن جميعا او لتطرحونى فيها فقذفوه فيه
فانطلقوا وأخذته الحوت وفى رواية ابن عباس انه قال الملاحون حين احتبست السفينة
هاهنا رجل عاص او عبد ابق هذا رسم السفينة ومن رسمنا ان نقرع فاقترعوا ثلثا ووقعت
القرعة على يونس فالقى نفسه فى الماء فابتلعه الحوت وابتلع هذا الحوت حوت اخر اكبر
منه اوحى الله تعالى الى الحوت انا لم نجعل يونس لك قوتا انما جعلنا بطنك حرزا
ومسجد او فى رواية سجنا وروى ان اقام قبل القرعة وقال انا العبد العاصي الآبق
فقالوا لا نلقينك يا رسول الله حتى نستاهم فوجب القرعة عليه فالقى نفسه فى الماء
وروى فى القصة انه لما وصل الى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب وأراد
ان يركب فقدم امرأته لتركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب ثم جاءت موجة اخرى
وأخذت ابنه الأكبر
وجاء ذئب وأخذ
الابن الأصغر فريدا فجاء مركب اخر فركبه فاحتبست السفينة إلخ قال ابن مسعود
وابتلعه الحوت فاهوى به الى قرار الأرض السابعة وكان فى بطنه أربعين ليلة فسمع
تسبيح الحصى فنادى فى الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين وذلك
قوله تعالى (إِذْ نادى وَهُوَ
مَكْظُومٌ) اى حملوا غيظا وغما لاجل الوقوع فى المعصية والتعب والظرف
متعلق بمحذوف اى اذكر لا بالنهى لان ندائه سبحانه امر حسن لا يمكن ان يكون منهيا
عنه وتقدير الكلام لا تكن كصاحب الحوت مستعجلا فى عقوبة الكفار واذكر إذ نادى
بالتوبة وهو مكظوم حيث لم يكظم الغيظ الا لاستعجاله وعدم صبره. (لَوْ لا) امتناعية (أَنْ تَدارَكَهُ) فعل ماض بمعنى أدركه وحسن تذكير القول للفصل او مضارع
منصوب بحذف تاء التفاعل حكاية عن الحال الماضي مبتداء بتأويل المصدر (نِعْمَةٌ) فاعل للفعل (مِنْ رَبِّهِ) صفة له اى رحمته وتوفيق التوبة وقبولها وخبر المبتدا محذوف
تقديره لو لا تدارك ونعمة ربه إياه موجود (لَنُبِذَ) جواب لو لا (بِالْعَراءِ) اى الأرض الخالية عن الشجر والبناء (وَهُوَ مَذْمُومٌ) حال من فاعل نبذ يعتمد عليه الجواب ويتوجه النفي الى ذلك
اى لو لا الرحمة لنبذ مذموما على عدم التثبت والخروج من اظهر القوم بغير اذن من
الله وترك الاولى يعد ذنبا بالنسبة الى الأنبياء لعظمة شانهم وان لم يكن ذنبا فى
الحقيقة منافيا للعصمة لكن تداركه الرحمة لما نادى الله تعالى وتاب فنبذ بالعراء
وهو سقيم كما فى سورة الصافات محمودا مرحوما وقع فى رواية العوفى وغيره عن ابن
عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة ونصفا من
الأسباط وبقي سبطان ونصف فاوحى الله تعالى الى شعيا النبي ان اسر الى حزقيا الملك
وقل له حتى يوجهه متينا قويا فانى القى فى قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل
وكان فى مملكته خمسة من الأنبياء فدعى الملك يونس وامره ان يخرج فقال يونس هل أمرك
الله باخراجى قال لا قال فهل سمانى قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقويا فالحوا
عليه فخرج من بينهم مغاضبا فاتى بحر الروم فركبها الى اخر القصة. (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ) ورد الوحى اليه (فَجَعَلَهُ مِنَ
الصَّالِحِينَ) عطف على اجتباه اى جعله من الكاملين فى الصلاح بالعصمة من
ان يقول ما تركه اولى لا بد للصوفى الصبر على إيذاء الخلق ولا يجوز له ان يدعو على
من أنكره فان الله سبحانه وتعالى لم يأذن بالدعاء على الكفار وامر بالصبر
فكيف على منكر
الولي من المؤمنين والله اعلم قال البغوي أراد الكفار ان يصيبوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعين فنظر اليه قوم من قريش قالوا ما راينا مثله ومثل
حججه وقيل كانت العين من بنى اسد حتى كانت الناقة والبقرة السمينة تمر بأحدهم
فيعاينها ثم يقول يا جارية خذى المكتل والدرهم فأتينا بشئ من لحم هذه فما تبرح حتى
تقع بالموت فتنحر وقال الكلبي كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين او ثلثة ثم
يرجع خبائه فتمر به الإبل والغنم فيقول لم ار كاليوم ابلا ولا غنما احسن من هذه
فما يذهب قليلا الا يسقط منها طائفة وعدة فسال الكفار هذا الرجل ان يصيب رسول الله
صلىاللهعليهوسلم بالعين ويفعل مثل ذلك فعصم الله نبيه وانزل. (وَإِنْ) مخففة من المثقلة يدل عليه اللام فى الخبر (يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَيُزْلِقُونَكَ) خبر يكاد قرأ نافع بفتح الياء من المجرد والباقون بالضم من
الافعال وهما لغتان يقال زلقه يزلقه ازلاقا ومعناه ينفذ ذلك يقال زلق ألسنتهم إذا
نفذ قال السدى يصيبونك بعيونهم وقيل يزلقونك وقال الكلبي يصرعونك (بِأَبْصارِهِمْ) متعلق بيزلقون وكذا قوله (لَمَّا سَمِعُوا
الذِّكْرَ) عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ان العين ليدخل الرجل القبر والجمل القدر أخرجه ابو نعيم
فى الحلية وابن عدى عن ابى ذر نحوه رواه ابن عدى وفى الصحيحين وغيرهما عن ابى
هريرة العين حق وعند احمد ومسلم عن ابن عباس العين حق ولو كان شىء سابق القدر
سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا وفى رواية عن ابى هريرة العين حق يحضرها
الشيطان وحسد ابن آدم وعن صبيد بن رفاعة ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول الله ان
بنى جعفر يصيبهم العين فاسترق لهم قال نعم فلو كان شىء يسبق القضاء يسبقه العين
رواه البغوي والله تعالى اعلم وقال ابن قتيبة ليس الله يريد انهم يصيبونك بأعينهم
كما نصيب العائن بعينه أراد انهم ينظرون إليك إذا قرأت القران نظرا شديدا بالعداوة
والبغضاء يكاد يسقطك يقال نظر الى نظرا يكاد يصرعنى ونظيرا يكاد يأكلني كناية عن
العداوة ويدل على صحة هذا المعنى تقييده بسماع القران فانهم كانوا عنه ذلك كارهين
أشد الكراهة ويجدون اليه النظر بالبغضاء (وَيَقُولُونَ) إذ يسمعونه يقرأ القرآن (إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) جملة يقولون معطوفة على معنى ان يكاد الذين كفروا. (وَما هُوَ) اى القران (إِلَّا ذِكْرٌ) موعظة (لِلْعالَمِينَ) يعنى ما هو بمجنون والقران
ليس مما يتكلم به
المجانين بل القران ذكر عام لا يدركه ولا يناطاه الا من كان من أكمل الناس وامتنهم
رأيا قال شيخى وامامى مولانا يعقوب الكرخي رض يحتمل ان يكون الضمير هو راجعا الى
النبي صلىاللهعليهوسلم اى ما هو اى النبي الا ذكرا اى مذكرا للعالمين على طريق
زيد عدل عن حنظلة قال لقينى ابو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قلت نافق حنظلة قال
سبحان الله ما تقول قلت فكون عند رسول الله صلعم يذكرنا بالنار والجنة كانا راى
عين فاذا خرجنا من عند رسول الله صلعم عافينا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا
كثيرا قال ابو بكر انا لنلقى مثل هذا فانطلقت انا وابو بكر حتى دخلنا على رسول
الله صلىاللهعليهوسلم فقلت نافق حنظلة يا رسول الله قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وما ذاك قلت يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة
كان رأى عين فاذا خرجنا من عندك عافينا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا
فقال رسول الله صلعم والذي نفسى بيدي لو تدومون على ما تكونون عندى فى الذكر
لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفى طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلث مرات رواه
مسلم ـ (فائده) وهذه علامة اولياء الله تعالى ان الله
يذكر برويتهم وذكرهم وقد ورد فى بعض الاخبار المرفوعة ان النبي صلىاللهعليهوسلم سئل من اولياء الله تعالى قال الذين إذا رأوا ذكر الله
ويروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال الله تعالى ان أوليائي من عبادى الذين يذكرون بذكرى
واذكر بذكرهم والله تعالى اعلم ـ (فائده) قال الحسن دواء إصابة العين ان يقرأ
الإنسان (وَإِنْ يَكادُ
الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ) الاية والله تعالى اعلم بالصواب.
سورة الحاقّة
مكّيّة وهى اثنان وخمسون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَاقَّةُ) اى القيامة لانها حق وثابت وقوعها لا ريب فيه او لانها يحق
فيها الأمور اى يعرف حقيقتها او لانها يحق الجزاء على الأعمال يقال حق عليه الشيء
إذا وجب قال الله تعالى حقت عليه كلمة العذاب على الكافرين والاسناد مجازى مبتداء
وخبره. (مَا الْحَاقَّةُ) والرابط المظهر فى مقام المضمر والاستفهام لتفخم شانها
والتهويل. (وَما أَدْراكَ) ما مبتدأ وادراك خبره والاستفهام للانكار (مَا الْحَاقَّةُ) جملة الاستفهامية للتهويل مفعول لادراك معنى الاية الحاقة
ما هى اى شى عظيم الهول انك لا تعلم كنهها فانها أعظم من ان يبلغها ادراك أحد. (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) قوم صالح عليهالسلام (وَعادٌ) هود عليهالسلام (بِالْقارِعَةِ) اى بالساعة التي تقرع الناس بالاقراع والإحرام بالانفطار
والانتثار وهى القيامة التي مر ذكرها بلفظ الحاقة فههنا وضع المظهر موضع المضمر
بلفظ مرادف لما سبق مع زيادة فى وصف شدتها بيانا لذلك الزيادة والجملة خبر للحاقة
الاولى بعد خبر او الجملتان السابقتان معترضتان للتهويل او هذه الجملة مستانفة
موكدة بعنوان المبتدا الاولى اى تحققها وثبوتها فان مضمون هذه الجملة مع ما عطف
عليها ان إنكارها وتكذيبها يوجب الهلاك والاستيصال. (فَأَمَّا ثَمُودُ
فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) اما تفصيل لما أجمل والجملة معطوفة على كذبت الفاء للسببية
تقديره كذبت ثمود وعاد بالقارعة فاهلكوا بسبب تكذيبها اما ثمود فاهلكوا بالطاغية
اى بالصيحة التي جاوزت مقادير الصياح فاهلكتهم كذا قال قتادة وهو الصحيح وذلك ان
جبرئيل عليهالسلام صاح صيحة واحدة فهلكوا جميعا وقيل أتتهم صيحة من السماء
فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شىء فى الأرض فتقطفت قلوبهم فى صدورهم وقيل الطاغية
مصدر كالعافية بمعنى الطغيان اى اهلكوا لطغيانهم من التكذيب وقتل الناقة
وغير ذلك وقيل
المراد بالطاغية قذار بن سالف عاقر ناقة صالح والتاء للمبالغة او الجماعة التي
اتفقت على عقر الناقة وبعثت قذارا لعقرها فانها كانت سبب هلاكهم وذلك ان الله
تعالى بعث صالحا الى ثمود فدعاهم الى الله تعالى فابوا وطلبوا منه ان يخرج ناقة
عشراء من هذه الصخرة واشاروا الى صخرة اية حتى يؤمنوا به فدعا صالح ربه فخرجت منها
ناقة عظمة مسافة ما بين جنبيها مائة وعشرون ذراعا عشراء وولدت فى الحال ولدا مثلها
فلم يومنوا وقالوا هذا من سحره فجعل الله تعالى تلك الناقة نقمة لهم حيث كانوا
قليل الماء فكانت الناقة تشرب ماءهم يوما وتترك الماء لهم يوما وكذا الكلاء فاجمع
جماعة منهم على قتلها فبعثوا أشقى الناس وهو قذار بن سالف فعقروا الناقة وعتوا عن
امر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ان كنت من الصادقين فقال صالح تمتعوا فى
داركم بعد قتلها ثلثة ايام تصفر وجوهكم فى اليوم الاول وتحمر فى اليوم الثاني
وتسود فى الثالث ويصبحكم العذاب فى الرابع فكان كذلك وأخذت الذين ظلموا الصيحة
فاصبحوا فى ديارهم جاثمين كان لم يغنوا فيها لكن هذه التأويلات اى القول بان
المراد طاغة المصدر او عاقر الناقة لا يصاعده العطف باما فى قوله تعالى. (وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ) فان فيه الباء للاستعانة فلا بد ان يكون فيما قبله ايضا
كذلك حتى يكون الجملتان تفصيلا لجمل (صَرْصَرٍ) شديد البرد او شديد الصوت كذا فى القاموس (عاتِيَةٍ) تجاوزه عن الحد فى الشدة والبرودة قال فى القاموس عتى
استكبر وجاوز الحد فهو عات ـ . (سَخَّرَها) اى سلطها الله سبحانه بقدرته استيناف او صفة جئ به لنفى ما
يتوهم من انها كانت من اتصالات فلكية ونحو ذلك (عَلَيْهِمْ) اى على عاد (سَبْعَ لَيالٍ
وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ) من صبيحة الأربعاء الى غروب الشمس من الأربعاء الاخر قال
وهب فى الأيام التي تسميها العرب الأيام العجوز ذات برد ورياح شديد سميت عجوزا
لانها عجز الشتاء الى آخره وقيل سميت بذلك لان عجوزا من قوم عاد دخلت سربا فتبعها
الريح فقتلها فى اليوم الثامن نزول العذاب وانقطع العذاب (حُسُوماً) حال من مفعول سخر بمعنى متتابعات جمع حاسم من حسام الكي
وهو ان يتتابع على موضع الداء بالمكواة حتى يبرأ كذا قال مجاهد وقتادة او نحسات
كما فى قوله تعالى فى ايام نحسات اى حسمت كل خير واستأصله من أصله كذا قال عطية
او قاطعات قطعن
دابرهم كذا قال الزجاج والنضر بن شميل ويجوز ان يكون مصدرا منصوبا على العلية او
على المصدرية من فعل مقدر اى يحسمهم حسوما (فَتَرَى) اى المخاطب الغير المعين حكاية عن الحال الماضية (الْقَوْمَ) اى عادا (فِيها) اى فى تلك الليالى والأيام او فى بينهما (صَرْعى) جمع صريع بمعنى مصروع مفعول ثان لترى ان كان من روية القلب
والا فهو حال من المفعول (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) اصول (نَخْلٍ خاوِيَةٍ) متاكلة الأجواف جملة كانهم حال بعد حال مفرد ولذلك وايضا
لكونها مصدرة بكان ترك الواو. (فَهَلْ تَرى) استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار (لَهُمْ) اى لعاد (مِنْ باقِيَةٍ وَجاءَ
فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ) قرأ ابو عمرو الكسائي بكسر القاف وفتح الباء بمعنى الجانب
اى من معه من جنوده واتباعه والباقون بفتح القاف وسكون الباء اى من تقدمه من الأمم
الكافرة (وَالْمُؤْتَفِكاتُ) اى قرى قوم لوط قلبت عليهم من افك بمعنى قلب والمراد بها
أهلها او المعنى الأمم الذين ايتفكوا يعنى قوم لوط (بِالْخاطِئَةِ) بالخطاء والمعصية يعنى الشرك او بفعلة او افعال خاطئة ذات
خطاء. (فَعَصَوْا رَسُولَ
رَبِّهِمْ) يعنى عصى فرعون موسى عليهالسلام وكل أمته كافرة نبيها عطف تفسيرى على جاء (فَأَخَذَهُمْ) معطوف على ما سبق والفاء للسببية (أَخْذَةً رابِيَةً) زائدة فى الشدة على كل اخذة مفعول مطلق لبيان النوع. (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ) اى جاوز حده حتى على كل شىء وارتفع فوقه فى زمن نوح عليهالسلام لما ظرف متعلق بما بعده (حَمَلْناكُمْ) اى حملنا ابائكم وأنتم فى أصلابكم (فِي الْجارِيَةِ) فى سفينة نوح عليهالسلام جارية فى الماء. (لِنَجْعَلَها) السفينة او الفعلة وهى إنجاء المؤمنين الذين فى السفينة مع
طغيان الماء وتجاوزه عن حده (لَكُمْ تَذْكِرَةً) عبرة وعظة لدلالتها على قدرة الصانع وحكمته وكمال قهره
ورحمته (وَتَعِيَها) اى تحفظها وتعقلها وتتفكر فيها قرأ الجمهور بكسر العين
وفتح الياء وروى عن ابن كثير باختلاس العين قال صاحب التيسير لا يصح ذلك (أُذُنٌ) قرأ نافع اذن بالتخفيف والجمهور بالضمتين (واعِيَةٌ) الوعى صفة القلب والنفس وانما أسند الى الاذن مجازا للتسبب
او المراد اصحاب اذن واع حذف المضاف وأجرى على المضاف اليه ما كان يجرى على المضاف
والتنكير فى واعية للدلالة على قلتها وان من هذا شانه فهو مع قلته
سبب الانجاء الجم
الغفير وادامة نسلهم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان هذه القلوب اوعية فخيرها أوعاها روى الطبراني ثم لما
بالغ فى تهويل القيامة وذكر مال المكذبين بها عاد الى شرحها فقال. (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ) عن عبد الله بن عمر عن النبي صلعم قال الصور قرن ينفخ فيه
روى الترمذي وابو داود والدارمي (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) احسن اسناد الفعل الى المصدر لتقييده حسن تذكيره للفصل
والمراد بها نفخة الصعق واختلفوا فى عدد النفخات فقيل ثلث نفخات نفخة الفزع ونفخة
الصعق ونفخة البعث لقوله تعالى ويوم ينفخ فى الصور ففزع من فى السموات ومن فى
الأرض الا من شاء الله وكل أتوه داخرين ونفخ فى الصور فصعق من فى السموات والأرض
الا من شاء الله ن ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون واختار هذا القول ابن
العربي وكذا ورد صريحا فى حديث طويل عن ابى هريرة بلفظة فينفخ فيه ثلث نفخات
الاولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين روى ابن
جرير فى تفسيره والطبراني فى المطولات وابو يعلى فى مسنده والبيهقي فى البعث
وغيرهم وقيل بل نفختان فقط ونفخة الفزع نفخة الصعق لان الامرين متلازمان اى فزعوا
فزعا ماتوا عنه وهذا القول صححه القرطبي واستدل بانه استثنى فى نفخة الفزع كما
استثنى فى نفخة الصعق فدل على انهما واحد فى اكثر الأحاديث ذكر اثنتين فقط وما
بينهما أربعون عاما والحديث الطويل فى اسناده من تكلم فيه واختلف الناس فى تصحيحه
فصححه ابن العربي والقرطبي وضعفه البيهقي وعبد الحق ومدار هذا الحديث على اسمعيل
بن رافع قاضى المدينة وقد تكلم فيه قال السيوطي فى بعض سياقه نكارة وقد قيل انه
جمعه من طرق وأماكن متفرقة مساقة سياقا واحدا والله تعالى اعلم والمراد بالظرف
اعنى قوله تعالى إذا نفخ الزمان الطويل الذي سماه الله تعالى فى كتابه بالحاقة
والقارعة والقيامة والواقعة وغيرها من الأسماء الكثيرة وابتداء ذلك الزمان النفخة
الاولى وانتهائه دخول اهل الجنة الجنة واهل النار النار اخرج ابن عساكر عن زياد
ابن مخراق قال سال الحجاج عكرمة مولى ابن عباس عن يوم القيامة أمن الدنيا هو او من
الاخرة قال صدر ذلك من الدنيا وآخره من الاخرة فعلى هذا جاز اضافة ذلك الزمان الى
النفخ فى الصور النفخة الاولى والى كل ما وقع فى ذلك اليوم من الصعق والنشور
والحساب والشقاق السموات وانتشار الكواكب ودخول الجنة والنار وغير ذلك فقوله تعالى
إذا نفخ فى الصور نفخة واحدة بيان
لابتداء ذلك الوقت
وقوله تعالى فهو فى عيشة راضية الى آخره وقوله تعالى خذوه فغلوه الى آخره كلاهما
بيان للانتهاء به. (وَحُمِلَتِ) اى رفعت (الْأَرْضُ
وَالْجِبالُ) من أماكنها (فَدُكَّتا) اى الأرض والجبال (دَكَّةً واحِدَةً) الدك الدق والهدم كذا فى القاموس وقال الجوهري أصله الكسر
كذا ذكر البغوي وقال الجوهري ايضا الدك الأرض اللينة السهلة قوله تعالى دكت الجبال
دكّا اى جعلت بمنزلة الأرض اللينة والحاصل ان الأرض جعلنا مستوية دفعة واحدة لا
ترى فيها عوجا ولا امتا واخرج البيهقي عن ابى بن كعب فى قوله تعالى وحملت الأرض
والجبال فدكتا دكة واحدة قال يصيران غبرة على وجوه الكفار لا على وجوه المؤمنين
وذلك وجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة وجزاء الشرط محذوف اى إذا نفخ فى الصور
وحملت الأرض انقضت الدنيا وحقت الحاقة. (فَيَوْمَئِذٍ) ظرف لما بعده بدل من إذا نفخ (وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) اى الساعة المنتظرة التي وجب وقوعها بالكتاب والسنة او
المعنى وقعت الأمور الواقعة الواجبة الوقوع من الحسنات والجزاء.(وَانْشَقَّتِ السَّماءُ) عطف على وقعت (فَهِيَ) اى السماء (يَوْمَئِذٍ) ظرف لما بعده (واهِيَةٌ) ضعيفة مسترخية ليست على الشدة والقوة التي كانت عليها قال
الفراء وهيها تشققها وفى القاموس الوهي الشق فى الشيء يقال وهى إذا انشق واسترخى
رباطها. (وَالْمَلَكُ) اى الجنس المتعارف بالملك (عَلى أَرْجائِها) اى جوانب السماء وأطرافها التي بقيت بعد الانشقاق (وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ) اضافة العرش الى الله تعالى لتعظيمه ولاختصاصه بتجلى
مخصوصة (فَوْقَهُمْ) الضمير يعود الى الثمانية لتقدمها فى المرتبة او الى
الملائكة الذين هم على ارجاء السماء (يَوْمَئِذٍ
ثَمانِيَةٌ) اى ثمانية أفلاك روى ابو داود والترمذي عن العباس بن عبد
المطلب زعم انه كان جالسا فى البطحاء فى عصابة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم جالس فيهم فمرت سحابة فنظروا إليها فقال رسول الله صلعم ما
تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان قال هل
تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندرى قال ان بعد ما بينهما اما واحدة
او اثنان او ثلث وسبعون سنة والسماء التي فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق
السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء الى السماء ثم فوق ذلك ثمانية
او عال بين
اطلاقين ودركهن
مثل ما بين سماء الى سماء ثم على ظهورهن العرش بين أسفله وأعلاه ما بين سماء الى
سماء ثم الله فوق ذلك وروى البغوي هذا الحديث نحوه غير انه ذكر ما بين السماء
والأرض وكذا ما بين كل سماء الى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكذا ما بين أعلى البحر
وأسفله واطلاق الا وعال ودركهن واختلاف المسافة باختلاف اعتبار السائرين والله
تعالى اعلم قال البغوي جاء فى الحديث انهم اليوم رابعة فاذا كان يوم القيامة أيدهم
الله تعالى باربعة أخروهم على صورة او عال ما بين إطلاقهم ودركهم كما بين سماء الى
سماء وجاء فى الحديث ان الواحد منهم وجه رجل والاخر وجه اسدد والا خروجه ثور والا
خروجه نسر وروى عن ابن عباس انه قال يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية اى ثمانية
صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم الا الله تعالى. (يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ) ايها الناس كافة على الله تعالى للحساب وهذا بعد نفخة
البعث والجملة مستانفة كانها فى جواب ما يفعل بنا ذلك اليوم (لا تَخْفى) قرأ الجمهور بالتاء نظرا الى تأنيث الفاعل وحمزة والكسائي
بالياء للفصل (مِنْكُمْ خافِيَةٌ) اى فعله سريرة وجملة لا يخفى اما بدل اشتمال من تعرضون او
حال من فاعله قال رسول الله صلعم يعرض الناس يوم القيمة ثلث عرضات اما عرضان فجدال
ومعاذير واما الثالثة فعند ذلك تظاهر الصحف فى الأيدي فاخذ بيمينه وأخذ بشماله
رواه الترمذي عن ابى هريرة وابن ماجة عن ابى موسى الأشعري والبيهقي عن ابن مسعود
قال الحكيم الترمذي الجدال للاعداء يجادلون لانهم لا يعرفون ربهم فيظنون انهم إذا
جادلوه نجوا وقامت حجتهم والمعاذير لله تعالى يعتذر الى آدم وأنبيائه ويقيم حجة
عندهم على الأعداء ثم يبعثهم الى النار واما العرضة الثالثة للمومنين وهو العرض
الا ان يخلوبهم فيعاتب مزيد عتابه فى تلك الخلوة حتى يذوق الحياء والخجل ثم يغفر
لهم ويرضى منهم. (فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) وذلك هو المؤمن والجملة معطوفة على تعرضون تفصيل للعرض اى
العرضة الثالثة (فَيَقُولُ) ذلك المؤمن تحجا بحج خبر لمن (هاؤُمُ) اسم لخذ يقال هاء يا رجل ويا رجلان ويا امرأة ويا امرأتان
وهاؤم يا رجال وهاؤن يا نساء (اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) تنازع الفعلان هاؤم واقرأوا فى مفعولية كتابيه فاعمل
الثاني لقربه وحذف المفعول الاول ولو كان الأمر على العكس لقيل اقرؤوه والهاء فيه
وفى حسابيه وماليه وسلطانيه للسكت تثبت فى الوقف ونسقط
فى الوصل واستحب
الوقف لثباتها فى الأيام الخالية ولذلك قرئ بإثباتها فى الوصل ايضا. (إِنِّي ظَنَنْتُ) اى علمت وأيقنت ولما كان اليقين بالحساب مستلزما للاتيان
باعمال الصالحة كنى به عنه كانه قال انى عملت صالحا وانما لم يقل كذلك هضما لنفسه
ولاجل ذلك عبر عن العلم بالظن استحقارا لنفسه عن دعوى العلم بحضرت ذى الجلال علام
الغيوب قال البيضاوي لعله عبر عنه بالظن اشعارا بانه لا يقدح فى الاعتقاد الهجس فى
النفس من الخطرات التي لا ينفك عنها العلوم النظرية (أَنِّي مُلاقٍ
حِسابِيَهْ) مفعول لظننت قائم مقام المفعولين اخرج ابن المبارك عن ابى
عثمان النهدي قال ان المؤمن ليعطى كتابه فى ستر من الله تعالى فيقرأ سيئاته فيتغير
لونه لم يقرأ حسناته فرجع عليه لونه ثم ينظر فاذا سيئاته قد بدلت حسنات فعند ذلك
يقول هاؤم اقرأوا كتابيه. (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ
راضِيَةٍ) قال فى القاموس اى مرضية يقال رضيت لعيشة بالبناء للمفعول
ولا يقال رضيت بالفتح على البناء الفاعل قال البيضاوي اى ذات رضاء على النسبة
بالصيغة او جعل الفعل لها مجازا. (فِي جَنَّةٍ) متعلق بظرف مستقر قبله (عالِيَةٍ) رفيعة الرتبة عند الله تعالى من حيث القرب الذي كيف له او
رفيعة المكان فانها فى السماء او رفيعة الدرجات والابنية والأشجار ولما كان رفعة
الأشجار موهما لبعد الثمار وكونها غير سهل للاخذ عقبه الله تعالى بصفة اخرى بعد
صفة فقال. (قُطُوفُها) اى ثمارها جمع قطف (دانِيَةٌ) قريبة بحيث يدون مناتنا ولها قائما وقاعدا او راقدا. (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً) اى أكلا هنيئا وشربا هنيئا والهنيء كل ما لا يلحق به مشقة
ولا تعب وخامة او المعنى يهنئهم هنيئا وهذه الجملة بتقدير القول خبر بعد خبر بهو
وجمع الضمير نظرا الى المعنى اى هو فى جنة وهم يقال لهم كلوا واشربوا او مستانفة
فى جواب ما يقال لهم فيها (بِما أَسْلَفْتُمْ) متعلق بكلوا واشربوا على التنازع اى بما قدمتم من الأعمال
الصالحة والسلف المتقدم من الشيء (فِي الْأَيَّامِ
الْخالِيَةِ) الماضية من الأيام الدنيا فان الخالي فى الزمان والمكان ما
لا يكون له مشاغل فهو من الزمان ما لم يبق اهله ويلزمه المضي والذهاب فيعبر عن
الماضي بالخالي قال الله تعالى قد خلت من قبله الرسل. (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ
بِشِمالِهِ) وهو الكافر يجعل شماله وراء ظهره فياخذ بها كتابه كذا اخرج
البيهقي عن مجاهد قال ابن اسائب يلوى يده اليسرى خلف ظهره ثم يعطى كتابه
وقيل ينزع يده
اليسرى من صدره الى خلف ظهره (فَيَقُولُ) لقبيح ما يرى فيه من الأعمال وسوء العاقبة (يا لَيْتَنِي) المنادى محذوف اى يا قوم ليتنى (لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ ما
حِسابِيَهْ) جملة استفهامية فى محل المفعول للم أدر وجملة لم أوت مع ما
عطف عليه خبر ليت. (يا لَيْتَها) الضمير عائد الى النفخة او الى غير مذكور اى يا قوم ليت
الموتة التي فى الدنيا او الحالة التي كنت عليها من العدم بعد الوجود (كانَتِ الْقاضِيَةَ) القاطعة للحيوة مطلقا بحيث لم احيى بعدها قال قتادة يتمنى
الموت ولم يكن عذره فى الدنيا شىء اكره من الموت ولما كانت جملة يا ليتنى متمنى
عدم الحساب وإيتاء الكتاب وهو من حيث المعنى كناية عن تمنى عدم البعث وجملة يا
ليتها كانت القاضية تمنى لعدم البعث صريحا فلاجل كون الجملتين متحدى المعنى معنى
لم يعطف إحداهما على الاخرى وجعلت الثانية تاكيدا للأولى. (ما أَغْنى عَنِّي) ما نافية او استفهامية للانكار مفعول لاغنى (مالِيَهْ) اى مالى من المال والتبع. (هَلَكَ عَنِّي
سُلْطانِيَهْ) ملكى وتسلطى عن الناس او حجة اللتي كنت أحج بها فى الدنيا
قرأ حمزة عنى مالى وعنى سلطانى بحذف الهائين فى الوصل والباقون باثباتهما فى
الحالين فيقول الله عزوجل لخزنة جهنم. (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ) اى اجمعوا يديه الى عنقه. (ثُمَّ الْجَحِيمَ
صَلُّوهُ) وكلمة ثم التفاوت ما بينهما فى الشدة وكذا فيما بعده وقدم
المفعول للحصر اى لا تصلوه الا الجحيم وهى النار العظمى وكذا فى قوله تعالى. (ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها
سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ) الفاء فى فاسلكوه زائدة لتحسين النظم وليست عاطفة حتى يلزم
اجتماع العاطفتين ومعنى فاسلكوه اى أدخلوه فيها اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي من
طريق العوفى عن ابن عباس قال يسلك فى دبره حتى يخرج من منخريه حتى لا يقوم على
رجليه واخرج ابن ابى حاتم عن طريق ابن جرير عنه قال السلسلة تدخل من استه ثم يخرج
من فيه ثم ينظمون فيها كما ينظم الجراد فى العود ثم يشوى قال نوف البكائى الشامي
سبعون ذراعا كل ذراع سبعون باعا كل باع ابعد مما بينك وبين مكة وكان فى رحبة
الكوفه أخرجه هناد وابن المبارك قال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا قال الحسن الله
اعلم اى ذراع هو قلت لعله أراد ذراع الملك من خزنة النار او ذراع الكافر فى النار
وقد ورد فى الحديث فرأس الكافر فى النار مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلث رواه مسلم
عن ابى هريرة
مرفوعا واخرج احمد والترمذي وحسنه والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلعم لو
ان رصاصه هذه وأشار الى مثل الجمجمة أرسلت من السماء الى الأرض وهى مسيرة خمسمائة
سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أرسلت من راس السلسلة لسارت أربعين خريفا الليل
والنهار قبل ان يبلغ أصلها او قعرها واخرج ابن المبارك عن كعب قال ان حلقة من
السلسلة مثل جميع حديد الدنيا واخرج ابو نعيم عن محمد بن المنكدر قال لو جمع حديد
الدنيا كله ما خلى وما بقي ما عد لى حلقة من حلق جهنم. (إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللهِ
الْعَظِيمِ) استيناف لبيان سبب ذلك العذاب وذكر العظيم للاشعار بانه
تعالى هو المستحق للعظمة فمن تعظم غيره استوجب العذاب عن ابى هريرة قال قال رسول
الله صلعم يقول الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري فمن نازعنى واحدا منهما
أدخلته النار رواه مسلم. (وَلا يَحُضُّ عَلى
طَعامِ الْمِسْكِينِ) اى لا يحث على
إطعامه فضلا ان يبذل من ماله ويجوز ان يكون ذكر الحض للاشعار بان تارك الحض بهذه
المنزلة فكيف تارك الفعل وفيه دليل على ان الكفار يعذبون على فروع الأعمال ايضا
ولعل تخصيص الامرين بالذكر لان أقبح القبائح الكفر بالله واشنع الشنائع البخل
وقسوة القلب. (فَلَيْسَ لَهُ) الفاء للسببية (الْيَوْمَ هاهُنا) ظرفان للظرف المستقر ـ (حَمِيمٌ) قريب يحمه. (وَلا طَعامٌ إِلَّا
مِنْ غِسْلِينٍ) مستتنى مفرغ صفة للطعام ولا زائدة والقصر إضافي والغسلين
غسالة اهل النار صديدهم فعلين من الغسل كذا اخرج ابن ابى حاتم من طريق عكرمة عن
ابن عباس قال الغسلين صديد اهل النار وقال الضحاك والربيع شجر يأكله اهل النار
وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن طريق مجاهد عن ابن عباس قال ما أدرى ما الغسلين ولكنى
أظنه الزقوم. (لا يَأْكُلُهُ إِلَّا
الْخاطِؤُنَ) مستثنى مفرغ فى محل الفاعل والجملة صفة لغسلين اى اصحاب
الخطايا من خطى الرجل إذا تعمد الذنب لا من الخطاء ضد الصواب. (فَلا أُقْسِمُ) لظهور الأمر واستغنائه عن التحقيق بالقسم او يقال لا زائدة
ومعناه اقسم او المعنى فلا اى فليس كما يقول الكفار من ان محمدا صلعم تقول القران
على الله تعالى من نفسه وهو شاعر او كاهن ولا بعث ولا نشور اقسم (بِما تُبْصِرُونَ) بالبصر او البصيرة من المظاهر والمعالي لصفات الله تعالى
سبحانه. (وَما لا تُبْصِرُونَ)
ما لا يدركه
الابصار والبصائر من مراتب الصفات والشئونات وذات الله سبحانه وقيل ما تبصرون
الدنيا وما لا تبصرون الاخرة وقيل ما تبصرون وما لا تبصرون الأجسام والأرواح او
الانس والجن والملائكة او النعم الظاهرة والباطنة وقيل ما تبصرون ما أظهره الله من
العلم على خلقه من الملئكة والجن والانس وما لا تبصرون ما استأثر الله تعالى بعلمه
فلم يطلع عليه أحد. (إِنَّهُ) يعنى القران (لَقَوْلُ رَسُولٍ) يبلغه من الله سبحانه لا يقول عن نفسه (كَرِيمٍ) على الله تعالى وهو محمد صلعم او جبرئيل عليهالسلام. (وَما هُوَ بِقَوْلِ
شاعِرٍ) كما تزعمونه تارة (قَلِيلاً ما) منصوب على المصدرية او الظرفية وما زائدة لتاكيد القلة
متعلق بما بعده ـ (تُؤْمِنُونَ) اى تومنون إيمانا قليلا او زمانا قليلا لما يظهر لكم صدقه
وقلة ايمانهم المستدعى نفى الايمان كثيرا مبنى على العناد والتعنت فانهم لا يومنون
ايمانا كاملا تعنتا وعناد الا غير وقيل أراد بالقليل نفى ايمانهم أصلا كقولك لمن
لا يزورك فاما تأتينا أصلا والجملة معترضة لمذمة الكفار. (وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ) لا زائدة وما بعده معطوف على خبر ما هو (قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ) ط ذكر الايمان مع نفى الشاعرية والتذكر مع عدم الكاهنية
لان عدم مشابهة القران الشعر امر بين لا ينكرها الا معاند واما مباينته لكهانة فهو
يظهر عند تذكر احوال الرسول ومعانى القران المنافية لاحوال الكهنة ومعانى أقوالهم
قرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب يومنون ويذكرون بالياء على الغيبة والباقون بالتاء
على الخطاب. (تَنْزِيلٌ) مصدر بمعنى المفعول خبر مبتداء محذوف اى هو منزل (مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) على لسان جبرئيل جملة مستانفة فى جواب ما يقال فما هو. (وَلَوْ تَقَوَّلَ) اى لو افترى وتكلف وتصنع فى القول (عَلَيْنا) من غير وحي منا (بَعْضَ الْأَقاوِيلِ) جمع أقولة من القول كالاضاحيك سمى بها الأقوال المفتراة. (لَأَخَذْنا مِنْهُ) اى من المفترى (بِالْيَمِينِ) متعلق باخذنا اى بيمينه لاذلاله او بيمينا وعلى التقدير
الثاني من زائدة واليمين من المتشابهات وقد يأول بالقوة والقدرة لان قوة كل شىء فى
يمينه قال ابن عباس لاخذناه بالقوة والقدرة ويحتمل ان يكون من فى قوله تعالى
لاخذنا منه هو للسببية والضمير عائد الى التقول اى لاخذنا من أجل التقول بيمينه او
يمينا. (ثُمَّ لَقَطَعْنا
مِنْهُ الْوَتِينَ) صلى وهو عرق فى القلب إذا انقطع مات صاحبه. (فَما مِنْكُمْ)
من بيانية لاخذ
ظرف مستقر حال منه (مِنْ أَحَدٍ) اسم ما ومن زائدة (عَنْهُ) اى عن القتل او المقتول المفترى متعلق لما بعده (حاجِزِينَ) جزما وحمله على أحد لعمومه معنى وجملة فما منكم معطوف على
جزاء الشرط اى لاخذنا والشرطية معترضة بين المعطوف عليه وهو انه لقول رسول كريم
والمعطوف اعنى. (وَإِنَّهُ) اى القران (لَتَذْكِرَةٌ
لِلْمُتَّقِينَ) لانهم هم المنتفعون ـ (فائدة)
ـ ومقتضى هذه الاية قاله المجدد ان تلاوة القران
سبب للترقى بعد فناء النفس وزوال العين والأثر فان التقوى لا يتصور الا بعد الفناء
وكون القران تذكرة مختص بالمتقي يدل عليه لام التخصيص واما قبل الفناء فالتلاوة
داخل فى عمل الأبرار دون المقربين المتقين عن رذائل النفس. (وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) فنجازيهم على تكذيبهم وعدم تذكرهم به. (وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ) اى سبب للحسرة (عَلَى الْكافِرِينَ) حين يرون ثواب المؤمنين المتذكرين به. (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) اليقين ازاحة الشك كذا فى القاموس وفى الصحاح اليقين من
صفة العلم فوق المعرفة وحمله على القران من قبيل زيد عدل اى متيقن كمال اليقين
كانه نفس اليقين يعنى ان القران لوضوحه وسطوع برهانه بحيث يتيقن به العاقل ولا
يرتاب فيه والحق ضد الباطل قال صاحب البحر يعنى انه اليقين الحق لا اليقين الباطل
الذي هو الجهل المركب فهو اضافة صفة الى موصوفه بالتجريد على طريقة جرد قطيفة فان
قيل المراد باليقين هاهنا ما يجب ان يكون متيقنا للعاقل لوضوح امره وسطوع برهانه
فاليقين بهذا المعنى هو الحق لا ما يعم اليقين الباطل الذي هو الجهل المركب فلا
فائدة فى اضافة الحق اليه قلنا نعم لكن أضيف الحق اليه للتاكيد وزيادة التوضيح
وقال البغوي الى نفسه لاختلاف اللفظين. (فَسَبِّحْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ع اى فسبح الله بذكر اسمه العظيم تنزيها له عن الرضا
بالتقول عليه وعن كل ما لا يليق به وشكرا له على ما اوحى إليك قيل معناه فصل بذكر
ربك وامره وقيل الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم ومعناه فسبح ربك العظيم عن عقبة بن
عامر الجهني قال لما نزلت على رسول الله صلعم فسبح باسم ربك العظيم قال اجعلوها فى
ركوعكم فلما نزلت سبح اسم ربك الأعلى قال رسول الله صلعم اجعلوها فى سجودكم رواه
ابو داود وابن ماجه والدارمي وعن حذيفة انه صلى مع النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول فى ركوعه
سبحان ربى العظيم
وفى سجوده سبحان ربى الأعلى وما اتى اية رحمة الا وقف وسأل وما اتى على اية العذاب
الا وقف وتعوذ رواه الترمذي وابو داود والدارمي قال الترمذي حديث حسن صحيح ورواه
النسائي وابن ماجة الى نوله الأعلى وعن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال قال رسول
الله صلعم إذا ركع أحدكم فقال فى ركوعه سبحان ربى العظيم ثلث مرات فقدتم ركوعه
وذلك أدناه وإذا سجد فقال فى سجوده سبحان ربى الأعلى ثلث مرات فقدتم سجوده وذلك
أدناه رواه الترمذي وابو داود وابن ماجه وقال الترمذي ليس اسناده بمتصل لان عونا لم
يلق ابن مسعود وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان فى الميزان حبيبتان الى
الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم متفق عليه وعن جابر قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوسلم من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة فى الجنة
رواه الترمذي ـ (مسئله) تسبيحات الركوع والسجود سنة عند الجمهور
وادنى الكمال ثلث تسبيحات وقال احمد واجب وكذا الخلاف فى تكبيرات انتقالات
والتسميع والتحميد فى القومة دون رب اغفر لى فى الجلسة فلم يقل أحد بوجوبه احتج
احمد بقوله عليه الصلاة والسلام اجعلوها فى ركوعكم قال الأمر للوجوب وفى حديث ابن
مسعود علق تمام الركوع به والجمهور يحملون الأمر على الندب ـ والله
تعالى اعلم بالصواب تمت سورة الحاقة.
سورة المعارج
مكيّة وهى اربع
وأربعون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَأَلَ) قرأ نافع وابن عامر سال بالألف ساكنة بدلا من الهمزة
والباقون بهمزة وحمزة يجعلها فى الوقف بين بين (سائِلٌ) اخرج النسائي وابن ابى حاتم عن ابن عباس انه قال هو النضر
ابن حارث قال اللهم ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او
ائتنا بعذاب اليم وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال وكان عذابه يوم بدر فالمراد
بالسؤال على هذا الدعاء ويدل على ذلك تعديته بالباء ويحتمل ان يكون سال على قراءة
نافع من السيلان والمعنى سال واد بعذاب ومعنى الفعل لتحقق وقوعه اما فى الدنيا وهو
قتل بدر او فى الاخرة وهو عذاب النار قال البغوي سائل واد من اودية جهنم يروى ذلك
عن عبد الرحمن بن زيد بن اسلم واخرج ابن المنذر عن الحسن قال نزلت سال سائل بعذاب
واقع فقال الناس على من يقع العذاب فانزل الله عزوجل على الكافرين ليس له دافع فح يكون السؤال للاستفهام فالباء
ح فى قوله تعالى (بِعَذابٍ) بمعنى عن او يكون تعديته بالباء لتضمن سال معنى أهم (واقِعٍ) صفة لعذاب. (لِلْكافِرينَ) صفة اخرى لعذاب او صلة الواقع وان كان السؤال عمن يقع به
العذاب كان جوابا ليس له دافع صفة اخرى للعذاب او هو فى حيز الجواب اى واقع
للكافرين (لَيْسَ لَهُ دافِعٌ
مِنَ اللهِ) من جهة الله لتعلق إرادته (ذِي الْمَعارِجِ) صفة لله تعالى اى ذى المصاعد قال سعيد بن جبير ذى الدرجات
قلت وهى درجات القرب التي لا كيف لها التي تبلغ إليها الأنبياء والملئكة والأولياء
ودرجات القبول يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح او المصاعد فى دار الثواب
ودرجات الجنة عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلعم فى الجنة مائة درجة ما
بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاها درجة منها تفجرا نهار الجنة
الاربعة ومن فوقها يكون العرش فاذا سالتموا الله تعالى
فاسئلوه الفردوس
رواه الترمذي وعن ابى هريرة نحوه وفيه ما بين الدرجتين مائة عام وعن ابى سعيد
الخدري ان رسول الله صلعم قال ان اهل الجنة يتراوون اهل العرف من بينهم كما تراوون
الكواكب الدري الغابر فى الأفق من المشرق او المغرب لتفاضل ما بينهم قالوا يا رسول
الله صلعم تلك ينال الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسى بيده رجال أمنوا
بالله وصدقوا المرسلين متفق عليه وقال ابن مسعود ذى السموات سماها معارج لان
الملائكة يعرج فيها وقال قتادة ذى الفواضل. (تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) قرأ الكسائي يعرج بالياء على التذكير والباقون بالتاء على
التأنيث والجملة صفة للمعارج على طريقة ولقد امر على اللئيم يسبنى والرابط محذوف
اى تعرج فيها الملائكة والروح اليه والروح جبرئيل عليهالسلام وأفرده لفضله او أعظم خلق من الملائكة قلت ويحتمل ان يكون
المراد بالروح روح البشر الذي هو من عالم الأمر فان أرواح البشر من الأولياء
والأنبياء تعرج من خفض البعد والغفلة الى معارج القرب والحضرة (إِلَيْهِ) اى الى الله سبحانه او الى عرشه (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ
أَلْفَ سَنَةٍ) ج الظرف متعلق بمحذوف دل عليه واقع اى يقع العذاب بهم فى
يوم كان مقداره خمسين الف سنة يعنى يوم القيامة كذا اخرج البيهقي عن عكرمة عن ابن
عباس وقال يمان يوم القيامة فيه خمسين موطنا كل موطن الف سنة روى الشيخان فى
الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم ما من صاحب كنز لا يؤدى زكوة الكنز
الا احمى عليه فى نار جهنم فيجعل صفائح فيكوى بها جنباه وجبينه حتى يحكم الله بين
عباده فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة ثم يرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار
وما من صاحب ابل لا يودى زكوتها الا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقركا
وفرما كانت تستن عليه لا يفقد منها ـ فصيلا واحدا يطأ بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما
مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين
العباد فيرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار وما من صاحب غنم لا يودى زكوتها
الأبطح له بقاع فرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلجاء ولا غضباء تنطحه
بقرونها وتطأه باظلافها كما مر عليه أوليها رد عليه أخريها فى يوم كان مقداره
خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله اما الى الجنة واما الى النار واخرج
احمد وابو يعلى وابن حبان والبيهقي بسند حسن عن ابى سعيد
قال سئل رسول الله
صلعم عن يوم كان مقداره خمسين الف سنة ما أطول هذا اليوم فقال والذي نفسى بيده انه
ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا قلت فعلى هذا
التأويل لا تصادم بين هذه الاية وبين قوله تعالى فى تنزيل السجدة يدبّر الأمر من
السماء الى الأرض ثم يعرج اليه فى يوم كان مقداره الف سنة مما تعدون إذ معناه يحكم
الله تعالى بالأمر وينزل به جبرئيل من السماء الى الأرض ثم يعرج اليه جبرئيل فى
يوم من ايام الدنيا وكان قدر سيره الف سنة خمسمائة سنة نزوله وخمسمائة عروجه لان
ما بين السماء والأرض خمسمائة عام يعنى لو سار تلك المسافة واحد من بنى آدم لم
يقطعه الا فى الف سنة لكن الملائكة يقطعون فى يوم واحد بل فى ادنى زمان اخرج
البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس فى قوله تعالى تعرج اليه فى يوم كان مقداره
الف سنة مما تعدون قال هذا فى الدنيا تعرج الملائكة فى يوم كان مقداره الف سنة وفى
قوله تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة قال هذا يوم القيامة جعله الله تعالى
على الكافرين مقدار خمسين الف سنة وقيل المراد من الآيتين يوم القيامة يكون على
بعضهم أطول وعلى بعضهم اقصر حتى يكون على المؤمنين أهون من الصلاة المكتوبة كما مر
واخرج الحاكم والبيهقي عن ابى هريرة مرفوعا وموقوفا يكون على المؤمنين كمقدار ما
بين الظهر والعصر وحينئذ معنى قوله تعالى يدبّر الأمر من السماء الى الأرض مدة
ايام الدنيا ثم يعرج اى يرجع الأمر والتدبير اليه بعد فناء الدنيا وانقطاع امر
الأمراء وحكم الحكام فى يوم كان مقداره الف سنة وقيل الظرف فى هذه الاية اعنى قوله
تعالى فى يوم كان مقداره خمسين الف سنة متعلق بيعرج كما هو متعلق فى سورة التنزيل
ووجه الجمع بين الآيتين ان المراد فى اية سورة التنزيل انه يدبر الأمر من السماء
الى الأرض ثم يعرج اليه من الأرض الى السماء فى يوم وقدر مسيره الف سنة لان ما بين
السماء والأرض خمسمائة عام فصار نزوله وعروجه الف سنة والمراد فى هذه السورة مدة
المسافة من منتهى الأرض السابعة الى منتهى أعلى السموات فوق السماء السابعة قال
البغوي روى ليث عن مجاهد ان مقدار هذا خمسين الف سنة وقال محمد بن اسحق لو سار ابن
آدم من الدنيا الى موضع العرش سيرا طبيعنا له سار خمسين الف سنة ومن هاهنا قالت
الصوافية العلية ان فناء القلب الذي يحصل للصوفى بالجذب من الله تعالى بتوسط النبي
صلعم والمشائخ لو أراد
واحد ان يحصله
بالعبادات والرياضات من غير جذب من الشيخ فانما يحصل له فى زمان كان مقداره خمسين
الف سنة وإذا لم يتصور بقاء أحد بل بقاء الدنيا الى هذه المدة ظهران الوصول الى
الله تعالى من غير جذب منه تعالى بتوسط أحد من المشائخ كما هو المعتاد وبلا توسط
روح رجل كما يكون لبعض الآيسين من الافراد محال والله المستعان. (فَاصْبِرْ) يا محمد على تكذيبهم (صَبْراً جَمِيلاً) لا يشعر به استعجال واضطراب وجزع والفاء للسببية متعلق
بسال فان السؤال عن تعنت واستهزاء وذلك مما نضجر به فالمعنى فاصبر ولا نضجر عن
سوالهم ولا تستعجل فى عقوبتهم او متعلق بسال على قراءة نافع او بمحذوف متعلق به فى
يوم على معنى فاصبر فقد سال بهم العذاب وقرب وقوعه يقع. (إِنَّهُمْ) اى الكفار (يَرَوْنَهُ) اى العذاب (بَعِيداً) من الإمكان او مستبعدا فى العقل محتملا احتمالا ضعيفا. (وَنَراهُ قَرِيباً) فى الوقوع فان كل ما هو ات قريب والقرب فى الوقوع يستلزم
على تقدير كونه متعلقا بمحذوف وان كان هو متعلقا بيعرج فهذا متعلق بمضمر دل عليه
واقع. (يَوْمَ تَكُونُ
السَّماءُ كَالْمُهْلِ) المذاب من النحاس وغيره من الفلزات او دردى الزيت اخرج
البيهقي عن ابن مسعود قال السماء يكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردا كالدهان
وتكون واهية تشقق فيكون حالا بعد حال. (وَتَكُونُ الْجِبالُ
كَالْعِهْنِ) اى كالصوف المصبوغ الوانا لان الجبال مختلفة الألوان فاذا
بسطت وطيرت فى الهواء اشتبهت العهن المنفوش إذا طيرته الريح. (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) لا يسئل قريب لشدة ما يقع على نفسه معطوف على تكون أضيف
اليه يوم بواسطة حرف العطف قرأ البراء عن ابن كثير لا يسال بضم الياء على بناء
المفعول اى لا يطلب حميم من حميم او لا يسال منه حاله وهذا الاختلاف ليس فى
المشهور ولم يذكره فى التيسير. (يُبَصَّرُونَهُمْ) ط اى يرونهم صفة لحميم او استيناف يدل على ان المانع من
السؤال ليس الخفاء بل اما تشاغل كل عن السؤال عن غيره لشدة على نفسه او الغيبة عن
السؤال بمشاهدة الحال كبياض الوجه وسواده ونحو ذلك وجمع الضميرين لعموم الحميم
لوقوعه نكرة فى حيز النفي قال البغوي ليس فى القيامة مخلوق الا وهو نصب عين صاحبه
من الجن والانس فيكون للرجل أباه وأخاه وقرابته ويبصر حميمه فلا يكلمه لاشتغاله
بنفسه وقيل معنى يبصرونهم يعترفونهم اما المؤمن فبياض الوجه
واما الكافر
فبسواد الوجه (يَوَدُّ) يتمنى (الْمُجْرِمُ) المشرك الجملة حال من فاعل يبصرونهم او من مفعوله والعائد
وضع المظهر موضع الضمير او مستأنفة فى جواب ما يصنع المجرم يعنى ان المجرم يشتغل
بنفسه عن غيره بحيث يتمنى ان يفتدى بأقرب الناس وأحبهم اليه فى الدنيا فضلا ان
يهتم بحاله ويساله وعلى هذا قوله تعالى لا يسئل حميم حميما مختص بالكفار واما
المؤمنون فيسالون احمامهم ويشفعون لهم وقد تواتر فى ذلك الأحاديث بالمعنى قال رسول
الله صلعم والذي نفسى بيده ما منكم من أحد باشد منا شدة فى الحق قد تبين لكم من المؤمنين
لله تعالى يوم القيامة لاخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا
الحديث متفق عليه وفى حديث طويل عن ابى سعيد الخدري (لَوْ يَفْتَدِي) اى المجرم او المتمنى والجملة بيان للوداد (مِنْ عَذابِ) متعلق بيفتدى مضاف الى (يَوْمِئِذٍ) قرأه الجمهور مجرورا بالاضافة وقرأ نافع والكسائي بفتح
الميم لاكتسابه البناء من المضاف اليه (بِبَنِيهِ) مع ما عطف عليه متعلق بيفتدى. (وَصاحِبَتِهِ) زوجته (وَأَخِيهِ
وَفَصِيلَتِهِ) اى عشيرته الذين فصل عنهم (الَّتِي تُؤْوِيهِ) عند الشدائد. (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
جَمِيعاً) من الثقلين والخلائق (ثُمَّ يُنْجِيهِ) ذلك الافتداء معطوف على يفتدى عطف بثم للاستبعاد. (كَلَّا) لا ينجيه من عذاب الله شىء ردع المجرم عن الوداد (إِنَّها) الضمير لغير مذكور وهى النار يدل عليه العذاب او ضمير مبهم
يفسره (لَظى) وهو خبر او بدل او الضمير للقصة ولظى مبتداء وخبره ما بعده
على تقدير كونه مرفوعا واللظى اللهب الخالص قال البغوي هو اسم من اسماء الجهنم
وقيل هى الدركة الثانية سميت بذلك لانها تتلظى اى تتلهب امال الحمزة والكسائي لظى
وللشوى وتولىّ وفاوعى وورش وابو عمر بين بين والباقون بالفتح. (نَزَّاعَةً لِلشَّوى) اى الأطراف اليدان والرجلان او جمع شواة وهى لجلدة الراس
كذا قال مجاهد وروى ابراهيم بن مهاجر عنه
اللحم دون العظام قال سعيد بن جبير عن ابن عباس العصب والعقب وقال الكلبي يأكل
الدماغ كله ثم يعود كما كان قرأ حفص عن عاصم نزاعة بالنصب على الاختصاص او الحال
الموكدة مرادف او المنتقلة على ان لظى بمعنى ملتظية والباقون بالرفع. (تَدْعُوا) اى النار خبر بعد خبر لان او للظى (مَنْ أَدْبَرَ) عن الحق (وَتَوَلَّى) عن الطاعة فيقول النار الىّ يا مشرك الىّ يا منافق الىّ
الىّ ـ قال ابن عباس يدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم
بلسان فصيح ثم يلتقطهم
كما يلتقط الطير
الحب. (وَجَمَعَ) المال (فَأَوْعى) اى جعله فى وعاء وامسكه ولم يود حق الله تعالى عنه. (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) حال مقدرة ان أريد اتصافه بالهلع بالفعل ومحققة ان أريد
اشتماله على مبدأ تلك الصفة فانها من امور الجبلية التي هى من رذائل النفس المقتضى
للاتصاف به بالقوة وجملة ان الإنسان فى محل التعليل لقوله أدبر إلخ والهلوع الحريص
على ما لا يحل له رواه السدى عن ابى صالح عن ابن عباس وقال سعيد بن جبير الشحيح
وقال عكرمة الضجور وقال قتادة الجزوع وقال مقاتل ضيق القلب والهلع شدة الحرص وقلة
الصبر وقال عطية عن ابن عباس تفسيره ما بعده وهو قوله تعالى. (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) لا يصبر. (وَإِذا مَسَّهُ
الْخَيْرُ) المال (مَنُوعاً) لا ينفق فى سبيل الله ولا يشكر عن ابن عباس عن النبي صلعم
لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم الا التراب
ويتوب الله على من تاب متفق عليه وعن انس قال قال رسول الله صلعم يهرم ابن آدم
ويشب منه اثنان الحرص على المال والحرص على العمر متفق عليه. (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) اى المؤمنين الكاملين عبر بالمصلى عن المؤمن اى المؤمن
الكامل كما عبر بالايمان عن الصلاة فى قوله تعالى ان الله لا يضيع ايمانكم فان
الصلاة أعلى مقامات المؤمن وهى معراج المؤمن وعماد الدين قال المجدد حقيقة الصلاة
فوق سائر المقامات التي يمكن حصولها للبشر والاستثناء متصل ان كان اللام فى
الإنسان للجنس او للاستغراق فهو مفرد فى معنى الجمع او المعنى ان المجرم أدبر
وتولى إلخ لان جنس الإنسان او كل فرد منه خلق مقدرا منه الهلع الا المؤمنين
الكاملين الموصوفين بالصفات المذكورة الدالة على الاستغراق فى طاعة الله تعالى
والإشفاق على الخلق والايمان بالجزاء والخوف من العقوبة وكسر الشهوة وعدم إيثار
العاجل على الاجل فانهم لم يخلقوا هلوعا بل خلقوا مقدرا منهم الصبر على الضراء
والشكر على السراء الموجبين للاكرام فى الجنات روى مسلم عن حبيب قال قال رسول الله
صلعم عجبا لامر المؤمن ان امره كله له خير وليس ذلك لاحد الا المؤمن ان أصابته
السراء شكر فكان خير اله وان أصابته ضراء صبر فكان خيرا فعلى هذا التأويل وزان هذه
الاية وزان قوله تعالى ان الإنسان لفى خسر الا الذين أمنوا إلخ ويجوز ان يكون
الاستثناء منقطعا ان كان اللام فى الإنسان للعهد والمعنى ح المجرم الذي أدبر وتولى
إلخ خلق هلوعا لكن المؤمن الموصوف بتلك الصفات
لم يخلق كذلك بل
خلق مستعدا للاكرام فى الجنات وعلى كلا التأويلين تدل هذه الاية على ان استعدادات
الإنسان مختلفة فى اصل الخلقة كما قال به المجدد ان مبادى تعينات المؤمن جزئيات
للاسم الهادي ومبادى تعينات الكفار جزئيات لاسم المضل وقال رسول الله صلعم الناس معادن
كمعادن الذهب والفضة خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام وعن عائشة قالت قال
رسول الله صلعم ان الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم وخلق للنار
أهلا خلقهم لها وهم فى أصلاب ابائهم رواه مسلم وفى الباب أحاديث كثيرة جدا. (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ
دائِمُونَ) اى مقبلون فى الصلاة بقلوبهم الى الله تعالى وبأبصارهم الى
موضع السجود دائما ما داموا فى الصلاة فهذا بمعنى ما أورد فى سورة المؤمنين الذين
هم فى صلوتهم خاشعون فلا يلزم التكرار بقوله تعالى والذين هم على صلوتهم يحافظون
إذ المراد بالدوام دوام الحضور بالمحافظة التحرز عن فواتها وفوات شرائطها وأركانها
وآدابها روى البغوي بسنده عن ابى الخير انه قال سالنا عقبة بن عامر عن قول الله عزوجل الذين هم على صلوتهم دائمون الذين يصلون ابدا قال لا ولكنه
إذا صلى لا يلتفت عن يمينه ولا عن شماله ولا خلفه وروى احمد وابو داود والنسائي
والدارمي عن ابى ذر قال قال رسول الله صلعم لا يزال الله عزوجل مقبلا على العبد وهو فى صلوته ما لم يلتفت فاذا التفت
انصرف عنه وروى البيهقي فى السنن الكبير عن انس ان النبي صلعم قال يا انس اجعل
بصرك حيث تسجد وروى الترمذي عنه قال قال رسول الله صلعم الالتفات فى الصلاة هلكة (فائدة)
فى جعل البصر حيث يسجد تأثير عظيم لدفع الخطرات وحضور القلب. (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ
مَعْلُومٌ) كالزكوة والصدقات الموظفة. (لِلسَّائِلِ) الذي يسال (وَالْمَحْرُومِ) الذي لا يسال فيحرم عن العطاء غالبا قوله للسائل إلخ صفة
لحق بعد صفة. (وَالَّذِينَ
يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) فان التصديق بيوم الدين لو كان على حقيقة لا يكون الإنسان
جزوعا فى الشر بل صابرا تحسبا ولا منوعا فى الخير فتقف طالبا للثواب. (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ
مُشْفِقُونَ) ج خائفون على أنفسهم فان مقتضى التصديق والايمان الخوف
والرجاء. (إِنَّ عَذابَ
رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) ص لا يقدر على منعه أحد. (وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ)
قدم المفعول
لرعاية الفواصل وزيدت اللام لتقوية عمل المشتق والفرج اسم سوئة الرجل والمرأة وحفظ
الفرج عدم استعماله فيما يشتهيه. (إِلَّا عَلى
أَزْواجِهِمْ) استثناء مفرغ وانما صح فى الإثبات لتضمن الحفظ معنى النفي
وعلى صلة للحافظين من قولك احفظ على عنان فرسى اى يحفظون فروجهم على النساء الا
على أزواجهم فهى حينئذ بمعنى من او حال اى حفظوها فى كافة الأحوال الا فى حال
التزوج او التسرى ويحتمل ان يكون الاستثناء من فعل منفى مقدر دل عليه الحفظ اى
يحفظون فروجهم لا يبذلونها على امرأة الا على أزواجهم (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) اى سرياتهم وانما قال ما بإجراء المماليك مجرى غير العقلاء
فان الشرع ألحقهم بها عقابا على كفرهم فاجاز بيعهم واستخدامهم والمراد بها ملكت
ايمانهم السرايا دون العبيد فانه لا يجوز للرجال إتيان العبد فى دبره لما بيّنا
حرمته فى سورة البقرة بالسنة والقياس فى تفسير قوله تعالى ويسئلونك عن المحيض قل
هو أذى فان قيل كيف يقدم السنة والقياس على نص الكتاب الوارد هاهنا لعموم قوله
تعالى ما ملكت ايمانهم العبيد والإماء قلنا ليس على هذا اجماعا فانه لا يجوز وطى
امرأة فى حالة الحيض والظهار ولا وطى امة محرمة عليه بالرضاع فيجوز تخصيص هذا النص
بخبر الآحاد والقياس ولا يجوز للمرأة الاستمتاع بفرج عبده فان كلمة على فى قوله تعالى
على أزواجهم وكلمة ما التي هى لغير العقلاء تدلان على جواز استعمال المماليك
استعمال المفترش لا على عكس ذلك فى وطى الامة دون تمكين العبد (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) ج تعليل لمضمون الاستثناء فان عدم حفظ الفرج عن الزوجة
والسرية وإتيانهن على وجه مشروع لا يلام عليه فانه مباح ضرورة ابقاء النسل وسياق
الكلام يدل على ان الأصل فى الجماع الحرمة كما ذكرنا فى سورة البقرة وانما صح
بشرائط من النكاح او ملك اليمين وعدم الجزئية والطهارة من الحيض والنفاس والإتيان
فى محل الولد دون الدبر. (فَمَنِ) الفاء للسببية (ابْتَغى) اى طلب الإتيان (وَراءَ ذلِكَ) اى وراء الزوجات والسرايا (فَأُولئِكَ) المبتغين وراء ذلك (هُمُ العادُونَ) ج الكاملون فى العدوان حيث اتى بفعل حرام مع الكفاية بما
أحل الله تعالى قال رسول الله صلعم أيما رجل راى امرأة تعجبه فليقم الى اهله فان
معها مثل الذي معها رواه الدارمي عن ابن مسعود (مسئلة :) وهذه الاية تدل على انه
لا يجوز متعة النكاح فان المرأة لا تدخل بالمتعة فى الزوجات حتى ان القائلين
بإباحتها لا يقولون بجريان التوارث بالمتعة وقال
البغوي وفيه دليل
على ان الاستمناء باليد حرام وهو قول العلماء قال ابن جريح سالت عطاء عنه فقال
مكروه سمعت ان قوما يحشرون وأيديهم حبالى فاظن انهم هؤلاء وعن سعيد بن جبير قال
عذب الله امّة كانوا يعبثون بمذاكيرهم قلت وفى الباب حديث انس رض قال قال رسول
الله صلعم ملعون من نكح يده رواه الأزدي فى الضعفاء وابن الجوزي من طريق الحسن بن
عرفة فى جزئية المشهور بلفظ سبعة لا ينظر الله إليهم فذكر الناكح يده واسناده
ضعيف. (وَالَّذِينَ هُمْ
لِأَماناتِهِمْ) قرأ ابن كثير لاماناتهم هاهنا وفى المؤمنين بغير الف على
التوحيد والباقون على الجمع (وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) حافظون اى يحفظون الأمانات ويودونها الى أهلها فمنها ما هى
بينه وبين الله تعالى كالصلوة والصوم والغسل من الجنابة وغير ذلك والفرائض الواجبة
حقا لله تعالى ومن هذا الباب اضافة الكمالات من الوجود وتوابعها والنعماء الظاهرة
والباطنة كله الى الله تعالى فيجب العلم والإقرار بانها كلها من عواردى الله
المستودعة حتى يجد نفسه فقرا خاليا عنها حين وجودها كلابس ثوب العارية عارى فى
الحقيقة فيعلم ان الكبرياء والعظمة رداء الله تعالى وإزاره لا يجوز لاحد التنازع
فيه ويشكر عند وجود النعم ويصير عند سلبها ولا يجزع ومنها ما هى بين العباد
كالودائع والبضائع والعواري فعلى العبد الوفاء لجميعها ويحفظون العهود التي عاهدوا
الله تعالى يوم الميثاق وغير ذلك كما ان الله تعالى أخذ العهد من اهل الكتاب ان
بينو نعت النبي صلعم ولا يكتمونه والعهود التي عاهدوا فيما بينهم فى المعاملات
والمعاشرات فابقاء كلها واجب روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى هريرة رض قال قال
رسول الله صلعم اية المنافق ثلث زاد مسلم وان صام وصلى وزعم انه مسلم ثم اتفقا إذا
حدث كذب وإذا وعد خلف وإذا ائتمن خان وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلعم
اربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى
يدعها إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عهد غدر وإذا خاصم فجر وروى ابو داود عن
عبد الله بن ابى الحسماء قال بايعت النبي صلعم قبل ان يبعث وبقيت له بقية فوعدته
ان اتيه بها فى مكانه فنسيت فذكرت بعد ثلث فاذا هو فى مكانه فقال لقد شققت على انا
هاهنا منذ ثلث انتظرك. (وَالَّذِينَ هُمْ
بِشَهاداتِهِمْ) قرأ حفص عن عاصم ويعقوب بشهادات على الجمع والباقون
بالإفراد (قائِمُونَ) اى يقومون فيها بالحق فلا يكتمونها ولا يغيرونها ولا
يخافون لومة لائم سواء كانت الشهادة قط خالصا لله تعالى
كالشهادة على
التوحيد والرسالة وشهادة اهل الكتاب على ما فى التوراة من نعت النبي صلعم والشهادة
بهلال رمضان وبالحدود ونحو ذلك او كانت الشهادة حقا للعباد بالمداينات ونحوها على
أنفسهم او الوالدين والأقربين. (وَالَّذِينَ هُمْ
عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) ط اى يراعون أوقاتها وأركانها وسننها وآدابها ويحترزون عن
فواتها وتكرير ذكر الصلاة ووصفهم بها اولا وآخرا بوجهين مختلفتين للدلالة على
فضلها على غيرها من اركان الإسلام. (أُولئِكَ) اى أهلي هذه الصفات (فِي جَنَّاتٍ
مُكْرَمُونَ) ع خبر لاولئك وفى جنات ظرف متعلق به قدم عليه لرعاية
الفواصل. (فَما لِ الَّذِينَ
كَفَرُوا) الفاء للسببية وما استفهامية للتوبيخ مبتداء خبره ما بعده
قال البغوي نزلت فى جماعة من الكفار كانوا يجتمعون حول النبي صلعم يستمعون كلامه
ويستهزؤن به ويكذبونه فقال الله تعالى توبيخا ما لهم ينظرون إليك ويجلسون عندك ولا
ينتفعون بما يستمعون منك (قِبَلَكَ) ظرف متعلق بما بعده (مُهْطِعِينَ) حال من الذين كفروا وعامله معنى الفعل اى ما يصنع الكافرون
مهطعين قبلك اى مسرعين مقبلين إليك مادى أعناقهم ومدى النظر إليك متطلعين إليك كذا
قال البغوي وفى القاموس هطع كمنع هطوعا وهطعا اسرع مقبلا خائفا واقبل يبصره على
الشيء لا يقلع عنه واهطع مدعنقه وصوب راسه. (عَنِ الْيَمِينِ
وَعَنِ الشِّمالِ) متعلق بمهطعين (عِزِينَ) جماعات فى تفرقة واحدتها عزة كذا فى الصحاح وفى القاموس
عزة كعدة العصبة من الناس. (أَيَطْمَعُ كُلُّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) بلا ايمان وعمل صالح استفهام انكار ردا لقولهم مع زعمهم
كون البعث مستحيلا لو كان كما يقول محمد لنكون فيها أفضل حظا منهم كما فى الدنيا. (كَلَّا) ط ردع من ذلك الطمع الباطل (إِنَّا خَلَقْناهُمْ
مِمَّا يَعْلَمُونَ) استدلال بالنشأة الاولى على إمكان النشأة الثانية وبطلان
دعوى استحالة البعث وتعليل لبطلان طمعهم فى دخول الجنة بلا ايمان والمعنى انا
خلقناهم من نطفة مستقذرة ثم من علقة كذلك ثم من مضغة لا يقتضى شىء منها للاكرام
ولا يناسب عالم القدس فمن لم يستكمل نفسه بالايمان والطاعة ولم يتخلق بالأخلاق
المرضية لله سبحانه لم يستعد دخولها روى البغوي بسنده عن بسر بن حجاش قال قال رسول
الله صلعم ويصق يوما فى كفه ووضع عليها إصبعه فقال يقول الله ابن آدم انى تعجزنى
وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك
وعدلتك ومشيت بين
يردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقى قلت الصدق فانى او ان
الصدق او المعنى انا خلقناهم من أجل ما تعملون حيث قال الله تعالى وما خلقت الجن
والانس الا ليعبدون اى ليعرفون فمن لم يستكمل نفسه بالعلم والعمل كيف يطمع منازل
الكاملين. (فَلا أُقْسِمُ
بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) يعنى مشارق الكواكب ومغاربها ومشرق الشمس والقمر كل يوم من
ايام السنة ومغربها (إِنَّا لَقادِرُونَ
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) اى نهلكهم وناتى بخلق أمثل منهم او نعطى محمدا صلعم بدلكم
من هو خير منكم وهم المؤمنون الأنصار لله ولرسوله (وَما نَحْنُ
بِمَسْبُوقِينَ) بمغلوبين ان أردنا ان نهلكهم معطوف على انا لقادرون وفى
ذكره بوب المشارق والمغارب الاستدلال بقدرته تعالى على خلق السموات وما فيها من
الشمس والقمر والكواكب واختلاف مشارق كل منها كل يوم ومغاربها على قدرته تعالى
وعدم عجزه من تبديلهم عمن هم خير منهم. (فَذَرْهُمْ) الفاء للسببية يعنى إذا علمت قدرتنا على إهلاكهم فلا تهتم
بهم فانما أردنا استدراجهم وتعذيبهم أشد العذاب (يَخُوضُوا
وَيَلْعَبُوا) فى دنياهم الفعلان مجزومان على جواب الأمر (حَتَّى يُلاقُوا) متعلق بقوله ذرهم يعنى ذرهم كى يلاقوا (يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) العذاب فيه. (يَوْمَ يَخْرُجُونَ
مِنَ الْأَجْداثِ) اى القبور بدل من يومهم (سِراعاً) جمع سريع ككراما جمع كريم حال بما أسند اليه يخرجون (كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ) متعلق بما بعده اى (يُوفِضُونَ) اى يسرعون حال بعد حال قرأ ابن عامر وحفص بضم النون
والباقون بفتح النون واسكان الصاد قال مقاتل والكسائي يعنى الى أوثانهم الذي كانوا
يعبدونها من دون الله يعنى انهم كما كانوا يسرعون الى أوثانهم أيهم يستلمها اولا
كذلك يسرعون من الأجداث الى المحشر ليرو جزاء أعمالهم وقال الكلبي الى علم وإرادته
يعنى كما ان اهل العسكر يسرعون الى اعلامهم. (خاشِعَةً
أَبْصارُهُمْ) حال ايضا (تَرْهَقُهُمْ) تغشاهم (ذِلَّةٌ) ط القليل للخشوع او بيان له (ذلِكَ الْيَوْمُ
الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) فى الدنيا وينكرونها تأكيد لما سبق او استيناف ـ والله
اعلم.
سورة نوح مكّيّة وهى ثمان
وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَرْسَلْنا
نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) جئ بان فى ابتداء الكلام لاظهار الاهتمام وتقييد إرساله
الى قومه يدل على انه عليهالسلام لم يكن مبعوثا الى الناس كافة كما يدل عليه حديث جابر قال
قال رسول الله صلعم أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لى
الأرض مسجدا وطهورا فاينما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لى الغنائم ولم
يحل لاحد قبلى وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث الى قومه خاصة وبعثت الى الناس عامة
متفق عليه وحديث ابى هريرة ان رسول الله صلعم قال فضلت على الأنبياء بست فذكر نحوه
غير انه لم يذكر وأعطيت الشفاعة وذكر فيه وأرسلت الى الخلق كافة وختم بي النبوة
رواه مسلم (أَنْ أَنْذِرْ
قَوْمَكَ) ان مفسره لتضمن الإرسال معنى القول ويحتمل ان يكون مصدرية
بمعنى بان قلنا له انذر لا بمعنى بان انذر قومك فانه يختبط ح الكلام بضمير الغيبة
والخطاب (مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فى الاخرة والطوفان ان لم يؤمنوا. (قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ
مُبِينٌ) أنذركم وأبين لكم. (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ
وَاتَّقُوهُ) فلا تشركوا به شيئا (وَأَطِيعُونِ) فيما أمركم به من التوحيد والطاعة لله. (يَغْفِرْ لَكُمْ) مجزوم على جواب الأمر فان الايمان والطاعة سبب للمغفرة عن
عمرو بن العاص قال أتيت النبي صلعم فقلت ابسط يمينك فلا بايعك فبسط يمينه فقبضت
يديه فقال مالك يا عمرو قلت أردت ان اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لى قال اما
علمت يا عمرو ان الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج
يهدم ما كان قبله رواه مسلم وعن معاذ قال كنت ردف رسول الله صلعم على حمار ليس
بينى وبينه الا مؤخرة الرحل فقال يا معاذ هل تدرى ما حق الله على عباده وما حق
العباد على الله قلت الله ورسوله اعلم قال فان حق الله على العباد ان يعبدوه ولا
يشركوا به شيئا
وحق العباد على
الله ان لا يعذب من لا يشرك به شيئا فقلت يا رسول الله أفلا ابشر به الناس قال لا
تبشرهم فيتكلوا متفق عليه وعن انس هذه القصة نحوه وفيه فاخبر بها معاذ عند موته
تأثما متفق عليه (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) من زائدة او للتبعيض اى بعض ذنوبكم يعنى ما هو حق الله
تعالى (وَيُؤَخِّرْكُمْ) اى يعافيكم فلا يعاقبكم (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ط هو أقصى ما قدر لكم بشرط الايمان والطاعة مسئله اعلم ان
القضاء على نوعين قضاء مبرم ومعلق فالمعلق ما كتب فى اللوح المحفوظ ان فلانا ان
أطاع الله تعالى عوفى الى مدة كذا مثلا وان عصى الله يرسل عليه الطوفان مثلا او
غير ذلك وهذا النوع من القضاء يجوز تبديله بفقدان الشرط وهو معنى قوله تعالى يمحو
الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب وعن سلمان الفارسي قال قال رسول الله صلعم لا
يرد القضاء الا الدعاء ولا يزيد فى العمر الا البر رواه الترمذي والمبرم وهو
المراد بقوله تعالى لا تبديل لكلمات الله (إِنَّ أَجَلَ اللهِ) اى الاجل الذي قدره الله تعالى (إِذا جاءَ) على الوجه المقدر به (لا يُؤَخَّرُ) فاما المبرم فلا يوخر قط اما المعلق فلا يوخران جاء على ما
علق به فبادروا بالطاعات فى اوقات الامهال والتأخير قبل الاجل المبرم ولا ترتكبوا
المعاصي الموجبة للتعذيب المفضية الى الاجل المعلق فان قيل مذهب اهل السنة ان
الاجل واحد لا يزيد ولا ينقص حتى قالوا المقتول ميت بأجله وما ورد فى الحديث لا
يزيد فى العمر الا البر تأويله عندهم ان البر يزيد بركات العمر بكثرة الثواب وما
ذكرت يشبه مذهب المعتزلة قلنا ليس كذلك بل المعتزلة ينكرون القدر ويجعلون القاتلون
خالقا لموت المقتول ما ذكرت هو مذهب اهل السنة فان معنى قولهم الاجل واحد لا يزيد
ولا ينقص هو الاجل الثابت بالقضاء المبرم لا تبديل فيه لا يستقدمون ساعة ولا
يستاخرون والمقتول ميت بأجله المبرم وان كان التعليق فى اللوح المحفوظ انه ان قتله
فلان مات والا لم يمت لكنه المبرم فى القضاء انه يقتله فلان البتة وانه يموت فى
ذلك الوقت بقتله البتة ولا يوجد شرط بقاءه بعد ذلك الوقت البتة فح لا حاجة الى
تاويل الحديث عن ابى حزامة عن أبيه قال قلت يا رسول الله صلعم ارايت رقى نسترقيها
ودواء نتداوى بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هى من قدر الله رواه
احمد والترمذي وابن ماجة يعنى ان الله تعالى قدر انه يتداوى فيحصل له الشفاء
بالدواء (لَوْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ) يعنى لو كنتم من اهل العلم
والنظر لمصلحتهم
وفيه انهم لانهماكهم فى الشهوات كانهم كانوا شاكين فى الموت قال ابن عباس بعث نوح
وهو ابن أربعين وعاش بعد الطوفان ستين سنة وقال مقاتل بعث وهو ابن مائة سنة وقيل
ابن خمسين سنة وقيل مائتين وخمسين سنة وكان عمره الفا واربعمائة وخمسين سنة ولا شك
فى انه لبث يدعوا قومه الف سنة الا خمسين عاما وروى الضحاك عن ابن عباس ان قوم نوح
كانوا يضربون نوحا حتى يسقط فيلقونه فى لبد ويلقونه فى بيت انه قد مات فيخرج فى
اليوم الثاني ويدعوهم الى الله سبحانه وتعالى وحكى محمد بن اسحق عن عبيد بن عمر
الليثي انه بلغه انهم كانوا يبطشون بنوح عليهالسلام فيخنقونه حتى تغشى عليه فاذا أفاق قال رب اغفر لقومى فانهم
لا يعلمون حتى إذا عادوا فى المعصية واشتد عليه منهم البلاء انتظر النجل فلا يأتي
قرن الا كان أخبث من الذين قبلهم حتى كان الآخرون منهم ليقولن قد كان هذا مع
ابائنا وأجدادنا هكذا مجنونا لا يقبلون منه شيئا فح شكى الى الله عزوجل و. (قالَ) وفى الكلام حذف اختصارا تقديره قال نوح كذا فكذبوه فلم يزل
نوح على دعوتهم والقوم على إنكاره حتى قال نوح (رَبِّ إِنِّي
دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) اى دائما. (فَلَمْ يَزِدْهُمْ
دُعائِي) قرأ الكوفيون دعائى بإسكان الياء والباقون بالفتح (إِلَّا فِراراً) عن الايمان والطاعة واسناد الزيادة الى الدعاء على السببية
كقوله تعالى فزادتهم ايمانا زادتهم رجسا. (وَإِنِّي كُلَّما
دَعَوْتُهُمْ) الى الايمان (لِتَغْفِرَ لَهُمْ) بسبب الايمان (جَعَلُوا
أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة ـ (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) يغطوا بها لئلا يروه (وَأَصَرُّوا) على الكفر والمعاصي (وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْباراً) عظيما. (ثُمَّ إِنِّي
دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) منصوب على المصدرية لانه أحد نوعى الدعاء او صفة مصدر محذوف
اى دعاء جهارا اى مجاهرا به او عن الحال بمعنى مجاهرا (ثُمَّ إِنِّي) قرأ الكوفيون وابن عامر بإسكان الياء والباقون بالفتح. (أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ
إِسْراراً) وكلمة ثم لتفاوت الوجوه فان الجهار اغلظ من الاسرار والجمع
بينهما اغلظ من الافراد والتراخي بعضها عن بعض. (فَقُلْتُ) بيان لقوله دعوتهم وقال البغوي ان قوم نوح لما كذبوه زمانا
طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم
أرحام نسائهم
أربعين سنة فهلكت أولادهم وأموالهم ومواشيهم فحينئذ قال لهم نوح عليهالسلام ـ (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ) ط بالتوبة عن الكفر والندم عن المعاصي وتركها فيما يستقبل (إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) للتائبين تعليل لقوله استغفروا. (يُرْسِلِ السَّماءَ) اى المطر تسمية الحال باسم المحل (عَلَيْكُمْ مِدْراراً) حال من السماء اى كثير دره ويستوى فى هذا البيان المذكر
والمؤنث ويرسل مع ما عطف عليه مجزوم فى جواب الأمر بالاستغفار فدل على ان
الاستغفار سبب للمطر وغير ذلك من النعم الدنيوية ودفع البلاء اما عموما او فى مادة
مخصوصة حيث كان نزول البلاء نقمة الشوم المعاصي كما كان فى قوم نوح عليهالسلام وكما يدل عليه قوله تعالى (ما أَصابَكُمْ مِنْ
مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) اما إذا كان ذلك نعمة لرفع الدرجات فلا كما كان بايوب عليهالسلام وغيره من الأنبياء وعن سعيد قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالامثل يبتلى الرجل
على حسب دينه فان كان فى دينه صلبا اشتده بلائه وان كان فى دينه رقة ابتلى حسب
دينه فما يبرح البلاء بالعهد حتى يتركه يمشى على الأرض وما عليه خطيئة رواه احمد
والبخاري والترمذي وابن ماجه ورواه البخاري فى التاريخ عن بعض ازواج النبي صلعم
بلفظ أشد الناس بلاء فى الدنيا نبى او صفى ـ روى
الحاكم فى المستدرك وابن ماجه وعبد الرزاق عن ابى سعيد نحوه وفيه ولاحدهم كان أشد
فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء ويمكن ان يقال قحط المطر بلاء عام لا يتصور الا
بشوم المعاصي من العوام فالاستغفار سبب للمطر عموما ومن ثم شرع الاستغفار فى
الاستسقاء روى مطرف عن الشعبي ان عمر خرج يستسقى بالناس فلم يزد على الاستغفار حتى
رجع فقيل له سمعناك استسقيت فقال طلبت الغيث بمجارى السماء الذي يستنزل بها القطر
ثم قرأ استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا. (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) قال عطاء يكثر أموالكم وأولادكم (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) بساتين (وَيَجْعَلْ لَكُمْ
أَنْهاراً) ط يعنى كما كانت قبل تكذيب نوح عليهالسلام ـ . (ما لَكُمْ لا
تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) ج ما استفهامية مبتداء ولكم خبره وجملة لا ترجون حال من
ضمير المخاطب والعامل معنى الفعل اى ما تصنعون لا ترجون ولله حال من وقارا قدم على
ذى الحال لنكارته والوقار بمعنى العظمة اسم من التوقير بمعنى التعظيم
قال ابن عباس
ومجاهد رض لا ترون لله عظمة فى الرجاء بمعنى الاعتقاد عير عن الاعتقاد بالرجاء
الذي يتبع ادنى الظن مبالغة وقال الكلبي معناه لا تخافون لله عظمة فالرجاء على هذا
بمعنى الخوف وقال الحسن لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة وقال ابن كيسان ما
لكم لا ترجون فى عبادة ان يثيبكم على توقيركم إياه جزاء ويحتمل ان يكون المعنى ما
لكم لا ترجون فى عبادة الله تعظيمه إياكم ولله بيان للموقر. (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) اى تارات حالا بعد حال حلقكم عناصر ثم مركبات اغذية
للانسان ثم اخلاطا ثم نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما ولحوما ثم انشأكم خلقا اخر اى
خلقا إنسانا بنفخ الروح فتبارك الله احسن الخالقين ـ ثم
يميتكم ويقبركم ثم يعيدكم احياء تارة اخرى فيعظم المطيع منكم بالثواب ويعاقب
العاصي والجملة حال من فاعل ترجون او من الله ثم اتبع ذكر آيات فى الأنفس بايات فى
الآفاق فقال. (أَلَمْ تَرَوْا) مجاز عن التعجيب (كَيْفَ) استفهام للاستعظام حال عن الفاعل او المفعول من الجملة
التالية قدم لاقتضاء صدر الكلام (خَلَقَ اللهُ سَبْعَ
سَماواتٍ طِباقاً) بعضهن فوق بعض وبين كل من السافل وو العالي مسيرة خمسمائة
سنة كما دل عليه الأحاديث وذكر فيما قبل. (وَجَعَلَ الْقَمَرَ
فِيهِنَّ نُوراً) اى فى بعضهن وهى السماء الدنيا كما يقال نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى دور بنى النجار قال البغوي قال عبد الله بن عمرو ان
الشمس والقمر وجوههما الى السموات وضوء الشمس والقمر فيهن يعنى كليهن واشعتهما الى
الأرض ويروى هذا عن ابن عباس (وَجَعَلَ الشَّمْسَ
سِراجاً) مثلها به لانها تزيل الظلمة عما تقابله كما يريلها السراج
عما حوله وانما مثل الشمس بالسراج مع كون السراج ادنى منها ضياء لظهور امر السراج
فى أذهان السامعين وفقد ما يمثل به غيره ولعله فى قوله تعالى جعل القمر فيهن نورا
وجعل الشمس سراجا اشعار بان نور القمر مستفاد من الشمس فان النور انما يستفاد من
السراج. (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ) كرر اسم الله تعالى ولم يكتف بالضمير التذاذا باسم المحبوب
واظهار المقصودة اى انشأكم فاستعير الإنبات للانشاء لانه ادل على الحدوث (مِنَ الْأَرْضِ) بان خلق أباكم آدم منها او بانه خلقكم من النطف والنطف من
الغذاء المنبت من الأرض (نَباتاً) مصدر من غير ما به نحو تبتل اليه وقيل اسم جعل موضع المصدر
او هو مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره والله
أنبتكم فنبتم
نباتا فاقتصر اكتفاء بالدلالة الالتزامية. (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ
فِيها) مقبورين بعد الموت (وَيُخْرِجُكُمْ) بالحشر (إِخْراجاً) أكده بالمصدر كما أكد به الاول للدلالة على تحقيق البعث
كالبدأ. (وَاللهُ جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) تنقلبون عليها. (لِتَسْلُكُوا مِنْها
سُبُلاً فِجاجاً) ع واسعة جمع فج ومن لتضمن الفعل معنى الاتخاذ. (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) فيما امرتهم وهذه الجملة بمنزلة التأكيد لما سبق من قوله
تعالى قال رب انى دعوت قومى ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائى الا فرارا إلخ قال مال
الجملتين واحد إذ الفرار عن الدعاء وسد المسامع وتغطية الابصار هو عين العصيان او
من موجباته ولذا لم يذكر العاطف بين قال وقال وانما كرر القول بالعصيان مع ذكره
فيما سبق لان سوق الكلام الاول لبيان ادائه فريضة التبليغ على ابلغ الوجوه وسوق
هذا الكلام ليكون تمهيدا للدعاء عليهم (وَاتَّبَعُوا) اى السفلة منهم (مَنْ لَمْ يَزِدْهُ
مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) اى رؤسائهم البطرين باموالهم المغترين باولادهم بحيث صار
ذلك سببا لزيادة خسارهم فى الاخرة قرأ نافع وعاصم وابن عامر ولده بفتح الواو
واللام والباقون بضم الواو وسكون اللام على انه لغة كالحزن او جمع كالاسد. (وَمَكَرُوا) عطف على من لم يزده والضمير لمن وجمعه للمعنى او على
اتبعوا (مَكْراً كُبَّاراً) ج هو أشد مبالغة فى الكبر من الكبار بلا تشديد وهو من
الكبير يعنى مكروا مكرا كبيرا فى غاية الكبر وذلك احتيالهم فى الدين والمكر من
الرؤساء تحريش الناس على أذى نوح والكفر بالله ومن السفلة القيام على انواع
إيذائه. (وَقالُوا) اى قال بعضهم لبعض عطف على مكروا على الوجهين (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) اى عبادتها (وَلا تَذَرُنَّ
وَدًّا) قرأ نافع ودا بضم الواو والباقون بفتحها (وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ
وَنَسْراً) ج تخصيص بعد التعميم لزيادة الاهتمام قال البغوي قال محمد
بن كعب هذه اسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان لهم اتباع يقتدون
بهم ويأخذون بعدهم ماخذهم فى العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم لو صورتم صورهم كان
انشط لكم وأشوق الى العبادة ففعلوه ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس ان الذين من
قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم فابتدأ عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور
بهذه الأسماء وقال عطاء
عن ابن عباس رض
صارت الأوثان التي كانت تعبد فى قوم نوح فى العرب بعده اما ودّ فكانت لكلب بدومة
الجندل واما سواع فكانت لهذيل واما يغوث فكانت لمرو ثم لبنى غطيف بالجرف عند سبأ
واما يعوق فكانت لهمدان واما نسر فكانت لحمير لال ذى الكلاع فهذه اسماء رجال
صالحين من اسلام قوم نوح فلما هلكوا اوحى الشيطان الى قومهم ان انصبوا الى مجالسهم
التي كانوا يجلسون انصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك عبدت
وروى عن ابن عباس رض ان تلك الأوثان رفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدمونة
حتى أخرجها الشيطان لمشركى مكة. (وَقَدْ أَضَلُّوا) اى الأوثان او رؤساء قوم نوح (كَثِيراً) ج من الناس والاسناد الى الأوثان مجاز كما فى قوله تعالى
رب انهن اضللن كثيرا من الناس حيث أضلهم الشيطان بسببها والجملة اما حال من فاعل
قالوا او من مفعول لا تذرن واما معترضة (وَلا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ) اى الكافرين (إِلَّا ضَلالاً) اى هلاكا وضياعا كقوله تعالى (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ
فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) او المراد بالضلال عدم اهتدائهم الى ما أرادوا بمكرهم او
الى مصالح دنياهم والجملة معطوفة على مقولة قال رب انهم عصونى يعنى قال نوح هذا
القول فهو فى المعنى من قبيل عطف المفرد على المفرد لا عطف الإنشاء على الخبر. (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) على قراءة الجمهور وقرأ ابو عمر وخطاياهم ما مزيده للتاكيد
والتفخيم ومن للسببية متعلق باغرقوا اى من أجل خطاياهم (أُغْرِقُوا) بالطوفان (فَأُدْخِلُوا ناراً) فى عالم البرزخ المسمى بالقبر فانه روضة من رياض الجنة او
حفرة من حفرات النيران فهذه الاية دليل على اثبات عذاب القبر لان الفاء للتعقيب
وصيغة ادخلوا للمضى خلافا للمعتزلة وغيرهم من اهل الهواء قالوا فى تاويل هذه الاية
انه أورد بفاء التعقيب لعدم اعتداد لما بين الإغراق والإدخال او لان المسبب
كالمتعقب للسبب وصيغة الماضي لان المتيقن كالواقع قلنا الأصل فى الكلام الحقيقة
وهذه التأويلات حمل على المجاز فلا يجوز بلا دليل كيف وقد دلت من الأحاديث ما لا
يحصى على عذاب القبر وانعقد عليه اجماع السلف عن انس قال قال رسول الله صلعم ان
العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه انه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه
فيقول ما كنت تقول فى هذا الرجل لمحمد صلعم فاما المؤمن فيقول اشهد
انه عبد الله
ورسوله فيقال له انظر الى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة فيريهما
جميعا واما المنافق والكافر فيقال له ما كنت تقول فى هذا الرجل فيقول لا أدرى كنت
أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة
يسمعها من يليه غير الثقلين متفق عليه وعن عائشة قالت ما رايت رسول الله صلعم صلى
صلوة الا تعوذ بالله من عذاب القبر متفق عليه وعن عثمان انه كان إذا وقف على قبر
بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة فلا تبكى وتبكى من هذا فقال ان رسول الله
صلعم قال ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه فما بعده أيسر منه وان
لم ينج منه فما بعده أشد منه قال وقال رسول الله صلعم ما رايت نظرا قط الا والقبر
اقطع منه رواه الترمذي ابن ماجة وعن ابى سعيد قال قال رسول الله صلعم يسلط على
الكافر فى قبره تسعة وتسعين تنينا تنهسه وتلدغه حتى تقوم الساعة ولو ان تنينا منها
نفخ فى الأرض ما أنبتت خضراء رواه الدارمي وروى الترمذي نحوه وقال سبعون بدل تسعة
وتسعون وتنكير نارا للتعظيم او لان المراد نوع من النيران غير نار جهنم وجملة
اغرقوا مع ما عطف عليه استيناف كانه فى جواب ما فعل لهم إذا شتكى نوح الى الله
عصيانهم (فَلَمْ يَجِدُوا
لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) اى لا يجد أحد منهم أحدا ينصرهم فان مقابلة الجمع بالجمع
يقتضى انقسام الآحاد على الآحاد وأحد نكرة فى حيز النفي يعم والجملة تعريض لهم
باتخاذ الهة من دون الله لا يقدر على نصرهم. (وَقالَ نُوحٌ) عطف على قال نوح رب انهم عصونى (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ) اى ارض قومه واللام للعهد (مِنَ الْكافِرِينَ
دَيَّاراً) أحدا يسكن دارا وهو نكرة فى حيز النفي فيعم فيقال أصله
ديوار ادغم الياء بالواو بعد قلبه ياء على طريقة سيد لافعال والا فكان دوارا. (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ) تعليل للدعاء عليهم (يُضِلُّوا) اى يريدوا إضلال (عِبادَكَ) المؤمنين (وَلا يَلِدُوا إِلَّا
فاجِراً كَفَّاراً) قال محمد بن كعب ومقاتل والربيع انما قال نوح هذا الدعاء
على قومه حين اخرج كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم ويئس أصلاب رجالهم قبل العذاب
بأربعين سنة وقيل تسعين سنة فاخبر الله نوحا ان هم لا يومنون ولا يلدون مؤمنا ولم
يكن فيهم صبى وقت العذاب لان الله تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم
ولا يوجد التكذيب من الأطفال وبهذا يستدل على ان الطوفان لم يستغرق الأرض كلها بل
قومه فقط كيلا يلزم التعذيب من غير تكذيب. (رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلِوالِدَيَ) كان اسم أبيه ملك بن منو شلخ واسم امه سمجار بنت أنوش
وكانا مؤمنين (وَلِمَنْ دَخَلَ
بَيْتِيَ) قرأ بفتح الياء حفص وهشام والباقون بالإسكان اى منزلى وقال
الضحاك مسجدى وقيل سفينتى (مُؤْمِناً) قيل خرج بهذا إبليس فانه كان دخل فى سفينة (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ط الى يوم القيامة (وَلا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ) اى الكافرين (إِلَّا تَباراً) ع اى هلاكا واستجاب الله تعالى دعاءه.
سورة الجن مكيّة وهى ثمان وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ
أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) النفر من الثلاثة الى العشرة فقيل كانوا تسعة من جن نصيبين
وقيل كانوا سبعة والجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالانسان خفية عن أعين
الناس ولذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين قال الله تعالى والجان
خلقناه من قبل من نار السموم تتصف بالذكورة والأنوثة وتتوالد والظاهر ان الشياطين
قسم منهم بخلاف الملائكة فانهم لا يتصفون بالذكورة ولا بالانوثة ووجود الجن
والشياطين والملائكة ثابت بالشرع وأنكره الفلاسفة وليست العقول العشرة التي
اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شى حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فانها
أجسام ذات أرواح والله تعالى اعلم وسوق هذا الكلام يقتضى ان النبي صلعم لم ير الجن
وانما اتفق حضورهم فى بعض اوقات قراءته فاستمعوها فقص الله ذلك على رسوله فيما اوحى
اليه اخرج الشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس رض قال ما قرأ رسول الله صلعم على
الجن ولا رايهم ولكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عامدين الى سوق عكاظ وقد حيل بين
الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا الا بشى قد حدث
فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين
توجهوا نحو تهامه لى رسول الله صلعم وهو بنخلة يصلى بأصحابه صلوة الفجر فلما سمعوا
القران استمعوا له فقالوا هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا
الى قومهم فقالوا يا قومنا انا سمعنا قرانا عجبا إلخ فانزل الله تعالى على نبيه قل
اوحى الى قول الجن وقال اكثر المفسرين لما مات ابو طالب خرج رسول الله صلعم وحده
الى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه فروى محمد بن اسحق عن يزيد بن
زياد عن محمد للقرظى انه قال لما انتهى رسول الله صلعم الى الطائف عمد الى نفر من
ثقيف وهم يومئذ سادت ثقيف واشرافهم وهم اخوة ثلثة عبد يا ليل ومسعود وحبيب بنو
عمير وعند أحدهم امرأة من قريش
من بنى جمح فجلس
إليهم فدعاهم الى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على
من خالفه من قومه فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة ان كان أرسلك الله وقال الاخر
اما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله ما أكلمك ابدا لئن كنت رسولا من
الله كما تقول لانت أعظم خطرا من ان أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله فلا
ينبغى لى ان أكلمك فقام رسول الله صلعم وقد يئس من خير ثقيف وقال لهم إذ فعلتم ما
فعلتم فاكتموا عنّى وكره رسول الله صلعم ان يبلغ قومه فيزيد ذلك فى تجرئهم عليه
فلم يفعلوا واغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس
والجره الى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه
فعمد الى ظل جنة من عتب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران اليه ويريان ما لقى من سفهاء
ثقيف وقد لقى رسول الله صلعم تلك المرأة من بنى جمح فقال لها ماذا لقينا من احمانك
فلما اطمئن رسول الله صلعم قال اللهم انى أشكو إليك ضعف قوتى وقلة حيلتى وهو انى
على الناس وأنت ارحم الراحمين وأنت رب المستضعفين فانت ربى الى من تكلنى الى بعيد
يتجّهمنى الى او الى عدو ملكته امرى ان لم يكن بك على غضب فلا أبالي ولكن عافيتك
هى أوسع لى أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة من
ان تنزل بي غضبك او يحل علىّ سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة الا بك فلما
رأه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له
خذ قطفا من هذا العنب وضعه فى ذلك الطبق ثم اذهب به الى ذلك الرجل فقل له يأكل منه
ففعل عداس ثم اقبل به حتى وضعه بين يدى رسول الله صلعم فلما وضع ومد رسول الله
صلعم يده قال باسم الله ثم أكل فنظر عداس الى وجهه فقال والله ان هذا الكلام ما
يقول اهل هذه البلدة قال رسول الله صلعم من اى البلاد أنت يا عداس وما دينك قال
انا نصرانى وانا رجل من اهل نينوى فقال رسول الله صلعم أمن قرية الرجل الصالح يونس
بن متى قال وما يدريك يونس بن متى قال رسول الله صلعم ذلك أخي كان نبيا وانا نبى
فاكب عداس على رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم فقبل راسه ويديه وقدميه
قال فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه اما غلامك فقد أفسده عليك فلما جائهما عداس
قالا له ويلك يا عداس ما لك تقبل راس هذا الرجل ويديه وقدميه قال يا سيدى ما على
الأرض خير من
هذا الرجل فقد
أخبرني بامر ما يعلمه الا نبى فقال ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فان دينك خير
من دينه ثم ان رسول الله صلعم انصرف من الطائف راجعا الى مكة حين يئس من خبر ثقيف
حتى إذا قام بنخلة قام من جوف الليل يصلى فمر به نفر من جن نصيبين اليمن فاستمعوا
له فلما فرغ من صلوته ولوا الى قومهم منذرين قد أمنوا وأجابوا لما سمعو فقص الله
سبحانه تعالى خبرهم عليه واخرج ابن الجوزي فى كتاب الصفوة بسنده عن سهل بن عبد
الله قال كنت فى ناحية وزاعا وإذا رايت مدينة من حجر منقور فى وسطها قصر من حجارة
تأويه الجن فدخلت فاذا شيخ عظيم الخلق يصلى الى الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة
فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبى من طرارة جبته فسلمت عليه فرد على السلام وقال يا
سهل ان الأبدان لا يخلق الثياب وانما يخلقها روايح الذنوب ومطاعم السحت وان هذه
الجبة على منذ سبع مائة سنة لقيت بها عيسى ومحمدا عليهماالسلام فامنت بهما فقلت له ومن أنت قال من الذين نزلت فيهم قل
اوحى الى نفر من الجن وقال جماعه بل امر رسول الله صلعم ان ينذر الجن ويدعوهم الى
الله يقرأ عليهم القران فصرفوا اليه نفر من الجن من نينوى وجمعهم له فقال رسول
الله صلعم انى أمرت ان اقرأ على الجن الليلة فايكم يتبعنى فاطرقوا ثم استتبعهم
فاتبعه عبد الله بن مسعود رض قال عبد الله ولم يحضر معنا غيرى فانطلقنا حتى إذا
كنا بأعلى مكة دخل بنى الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله وأصحابه وسلم شعبا يقال
له شعب الحجون وخط الى خطا ثم أمرني ان اجلس فيه وقال لا يخرج منه حتى أعود إليك
ثم انطلق حتى قام فافتتح القران فجعلت ارى مثل النسور تهوى وسمعت لغطا شديدا حتى
خفت على نبى الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم وغشيته اسودة كثيرة حالت بينى
وبينه حتى ما اسمع صوته ثم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب الذاهبين ففرغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع الفجر فانطلق الى فقال أنمت قلت لا والله يا رسول الله
ولقد هممت مرارا ان استغيث بالناس حتى سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا قال لو خرجت
لم أمن عليك ان يتخطفك بعضهم ثم قال رأيت شيئا قلت نعم رأيت رجلا اسود مشتفرى ثياب
بيض قال أولئك جن نصيبين سألونى المتاع والمتاع الزاد فمنعتهم لكل عظم عايل وروث
وبعرة فقال يا رسول الله يقذرها الناس فنهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان يستنجى بالعظم والروث قال فقلت يا رسول الله وما يغنى
ذلك عنهم قال انهم لا يجدون عظما الا وجدوا عليه لحمه يوم يوكل ولا روثة الا وجدوا
فيها حبها يوم
أكلت فقلت يا رسول
الله سمعت لغطا شديدا فقال ان الجن تدارت فى قتيل قتل منهم فتحاكموا الى فقضيت
بينهم بالحق قال ثم تبرز رسول الله صلعم ثم أتاني فقال هل معك ماء قلت يا رسول
الله معى اداوة فيها بشئ من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ فقال تمرة
طيبة وماء طهور وروى مسلم عن على بن محمد حدثنا اسمعيل بن ابراهيم عن داود عن عامر
قال سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى اله
وأصحابه وسلم ليلة الجن قال فقال علقمة انا سألت ابن مسعود عنه فقلت هل شهد أحد
منكم مع رسول الله صلعم ليلة الجن قال كنا مع رسول الله صلعم ذات ليلة تفقدناه
فالتمسناه فى الاودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل قال بشر ليلة بات بها قوم
فقال أتاني داعى الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القران قال فأنطلق بنا فارانا اثارهم
واثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن جزيرة فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع فى ايديكم او ما يكون
فيه لحم وذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول الله صلعم فلا تستنجوا بهما فانهما طعام
إخوانكم من الجن وروى عن ابن مسعود انه رأى قوما من الزط فقال هؤلاء أشبه ما رايت
من الجن ليلة الجن قلت والظاهر عندى ان استماع الجن القران من النبي صلعم عامدا
الى سوق عكاظ وقافلا من الطائف كان اولا وهو المحكي عنه بقوله تعالى قل اوحى الى
واما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك قال البغوي فى تفسير سورة
الأحقاف انه قال ابن عباس فاستجاب لهم اى تفر من الجن بعد ما استمعوا القران من
النبي صلعم بنخلة ورجعوا الى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا الى
رسول الله صلعم فوافقوه فى البطحاء فقرأ عليهم القران وأمرهم ونهاهم وذكر الخفاجي
انه قد دلت الأحاديث على ان وفادة الجن كانت ستة مرات وهذا يدل على انه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان مبعوثا الى الجن والانس جميعا وقال مقاتل لم يبعث قبله
نبى الى الانس والجن والله تعالى اعلم (فَقالُوا) هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا الى قومهم (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة. (يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) الى الحق والصواب من التوحيد والإحسان الذي يقتضيه العقل
والبرهان صفة اخرى للقران (فَآمَنَّا بِهِ) ط اى بالقران (وَلَنْ نُشْرِكَ) فى العبادة (بِرَبِّنا أَحَداً) من خلقه حيث نهى الله سبحانه عنه. (وَأَنَّهُ) الضمير عائد الى ربنا او للشان
قرأ نافع وابن
كثير وابو عمرو وشعبة بكسر الهمزة عطفا على مقولة قالوا يعنى انا سمعنا وهكذا فى
أحد عشر موضعا غيره الى قوله وانا منا المسلمون وهذا ظاهر غير ان فى قوله تعالى
وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن الاية التفات من المتكلم الى الغيبة
وفى قوله تعالى وانهم ظنوا كما ظننتم التفات من الغيبة الى الخطاب وقرأ ابو جعفر
وانه وانهم فى ثلثة مواضع بالفتح على انه استمع نفر بمعنى لوحى الى انه تعالى جد
ربنا واوحى الى انه كان واوحى الى انهم ظنوا وفى تسعة مواضع الباقية بالكسر لما
ذكرنا وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة فى المواضع كلها قال
المفسرون فى توجيه هذه القراءات انه معطوف على انه استمع يعنى اوحى الى انه تعالى
جد ربنا وهذا لا يستقيم الا الى الثلاثة الذي قرأها ابو جعفر بالفتح دون البواقي
وقيل انه معطوف على حمل الجار والمجرور فى أمنا به يعنى صدقنا انه تعالى جد ربنا
وهذا ايضا لا يستقيم الا فى بعض المواضع كما هو الظاهر ولو لا هذه القراءة فى
المتواترات لما احتجنا الى تكلفات فى توجيهها لكنها من المتواترات فوجب ارتكاب
التكلفات والله تعالى اعلم (تَعالى جَدُّ رَبِّنا) الجملة خبر لان والعائد وضع المظهر موضع المضمر على تقدير
كون الضمير عائدا الى تقديره انه تعالى جده فوضع المظهر موضع الضمير للتصريح على
الربوبية فان الربوبية تقتضى ان يكون عظمته وشانه أعلى وارفع عن شان المربوبين
ومعنى جد ربنا جلاله وعظمته كذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومنه قول انس كان الرجل
إذا قرأ بقرة وال عمران ـ جد فينا اى عظم قدره وقال السدى جد ربنا امر
ربنا وقال الحسن غنا ربنا وقال ابن عباس قدرة ربنا وقال الضحاك فعله وقال القرطبي
آلاؤه ونعمائه على خلقه وقال الأخفش ملك ربنا (مَا اتَّخَذَ
صاحِبَةً وَلا وَلَداً) خبر بعد خبر لان كانه تأكيد وبيان للجزاء الاول يعنى تعالى
جلاله عن اتخاذ الصاحبة والولد كما هو شان المربوبين كانهم سمعوا من القرآن ما
ينههم على خطاء ما اعتقدوه من الشرك فى العبادة ونسبة الصاحبة والولد اليه تعالى. (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) جاهلنا قال قتادة ومجاهد هو إبليس وقيل المراد به مردة
الجن (عَلَى اللهِ شَطَطاً) اى قولا ذا شطط وهو ابعد اى قولا بعيدا عن شانه والجور فى
الحكم او التجاوز عن الحد فى القاموس شط عليه فى حكم جار فى سلعته جاوز القدر
والحد وتباعد عن الحق اى كان يقول على الله تعالى ويحكم بالجور والتباعد عن الحق
وهو نسبة الصاحبة والولد اليه تعالى. (وَأَنَّا ظَنَنَّا
أَنْ لَنْ تَقُولَ
الْإِنْسُ
وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) اعتذار عن اتباع بعضهم السفيه فى ذلك بظنهم انه لا يكذب
على الله أحد وكذبا منصوب على المصدرية لانه نوع من القول او على المفعولية على
انه مقولة تقول او على انه وصف لمحذوف اى قولا مكذوبا وقرأ ابو جعفر تقول بفتح
الواو والتشديد وعلى هذا مصدر البتة لان التقول لا يكون الا كذبا وان بعد الظن
مصدرية او مخففة ومعنى الآيتين على تقدير فتح همزة ان وكونها معطوفة على به فى
أمنا به ـ انه تيقنا انه كان قول سفيهنا بعيدا عن الحق
حوازا فى الحكم وان زعمنا بعدم كذب الجن كان باطلا فان قيل كان الجن قبل مبعث
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقعدون من السماء مقاعد السمع فيستمعون كلام الملائكة من
التسبيح وغير ذلك فما الوجه فى اتباعهم سفيههم وظنهم انهم لا يقولون كذبا وعدم
ايمانهم مع استماعهم كلام الملائكة كثيرا وايمانهم لما سمعوا القران من النبي صلعم
مرة واحدة قلت الايمان امر وهبى لا يتصور وجوده فهذه تلقى الهداية من الله الهادي
على الإطلاق وذلك التلقي لا يكون الا بواسطة يأخذ الفيض من الله تعالى لمناسبة
المعنوية به تعالى بعلو استعداده ويفيض على العالمين لمناسبة بهم صورية وذلك
الواسطة هى من الأنبياء عليهمالسلام فان لهم مع الله مناسبة معنوية لاجل كون مبادى تعيناتهم
ومربياتهم الصفات العاليات ولهم على قدر كمالهم فى مراتب النزول مناسبة صورية
بالاسفلين واما الملاء الا على من الملائكة فلهم مناسبة مع الله كهيئة الأنبياء
ولا مناسبة لهم بالاسفلين لكونهم متصاعدين مراتب غير محصلين كمالات النزول وكذلك
لم يتاثر الجن منهم هداية ولا إيمانا وان سمعوا منهم كلمات الهداية وتأثروا من
سفهاء الجن والشياطين لكمال المناسبة وكذا لم يتاثر من المكلفين من نوح عليهالسلام وغيره من الأنبياء الذين لم يبلغوا فى مراتب النزول غاية
وتأثروا من سيد الأنبياء فانه كان هاديا لكمالات الفروع والأصول محدد الدرجات
العروج والنزول لاجل ذلك بعثه الله تعالى الى الناس كافة بل الى الجن والانس عامة
فاستنار بنور هدايته العالمين واستضاء بضوع إرشاده جماهير المكلفين الا من ختم
الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله حيث لم يخلق فيه
استعداد قبول الحق والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم وهذا معنى قول الشيخ الأكبر
أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمدا كان من القران صلى الله
عليه وعلى اله وسلم وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وبارك وسلم.
(وَأَنَّهُ) الضمير الشان (كانَ رِجالٌ مِنَ
الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم وابن ابى الشيخ عن كروم بن
السائب الأنصاري قال خرجت مع ابى المدينة فى حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلعم
فاوانا المبيت الى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فاخذ حملا من الغنم فوثب
الراعي فقال يا عامر الوادي جارك فنادى منادى لا نراه يا سرحان أرسله فاتى الحمل
يشتد حتى دخل فى الغنم ولم تصبه كدمته فانزل الله تعالى على رسوله بمكة وانه كان
رجال من الانس الاية واخرج ابن سعد عن ابى رجاء العطاردي قال بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد رعيت على أهلي وكفيت فبهتهم فلما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم خرجنا هرابا فاتينا على قلاة من الأرض وكنا إذا أمسينا
بمثلها قال شيخنا انا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقال ذلك فقيل لنا
انما السبيل لهذا الرجل شهادة ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله من أقربها
أمن على دمه وماله فرجعنا فى الإسلام قال ابو رجاء انى لارى هذه الاية نزلت فى وفى
أصحابي وانه كان رجال من الانس الاية واخرج الجزائفى فى كتاب هو هواتف الجن بسنده
عن سعيد بن جبير ان رجلا من بنى تميم يقال له رافع بن عمير يحدث عن بدأ إسلامه قال
اتى لاسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبنى النوم فنزلت على راحلتى وأنختها ونمت وقد
تعوذت قبل نومى فقلت أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت فى منامى رجلا بيده حربة
يريدان يضعها فى نحر ناقتى فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم ار شيأ فقلت هذا
حلمهم ثم عدت فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتى فلم ار شيأ فاذا ناقتى
ترعد ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرايت ناقتى تضطرب والتفت فاذا انا برجل شاب
كالذى رايته فى المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرد عنها فبينما هما يتنازعان
إذا طلعت ثلثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى قم فخذايها شئت فداء ناقة جا الانسى
فقام الفتى فاخذ منها ثورا عظيما وانصرف ثم التفت الى الشيخ فقال يا هذا إذا نزلت
واديا من الاودية فخفت هو له فقل أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي وو لا تعد
بأحد من الجن فقد بطل أمرها قال فقلت له من محمد هذا قال نبى عربى لا شرقى ولا
غربى بعث يوم الاثنين قلت فاين مسكنه قال يثرب ذات النخل فركبت راحلتى حين برق
الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة فراتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحدثنى بحديثي قبل ان اذكر له شيئا ودعانى الى الإسلام
فاسلمت قال سعيد بن جبير وكنا نرى انه هو الذي انزل الله فيه وانه كان رجال
من الانس يعوذون
برجال من الجن (فَزادُوهُمْ) اى زاد الانس الجن باستعاذتهم بقادتهم (رَهَقاً) قال ابن عباس اثما وقال المجاهد طغيانا وقال مقاتل غيا
وقال الحسن شرا وقال ابراهيم عظمة وذلك ان الجن كانوا يقولون سدنا الجن والانس او
المعنى فزاد الجن الانس غيابان أضلوهم حتى استعاذوا بهم والرهق غشيان الشيء
والمراد هاهنا غشيان المحارم والإثم وفى هذه الجملة ايضا اعتراف بسوء عقيدتهم فيما
قيل. (وَأَنَّهُمْ) اى الانس (ظَنُّوا) ظنا (كَما ظَنَنْتُمْ) يا معشر الجن (أَنْ لَنْ يَبْعَثَ
اللهُ أَحَداً) بعد موته ان لن يبعث قائم مقام المفعولين يعنى نزل القران
أمنوا بالغيب بعد فساد ظنهم فانتم ايضا ايها الجن أمنوا بالبعث كايمانهم قال ذلك
بعضهم لبعض هذا على قراءة كسر ان واما على تقدير فتحها فهذه الجملة وما قبلها اعنى
كان رجال إلخ معترضات من كلام الله تعالى معطوفتان على انه استمع يعنى اوحى الى
هذين الامرين وتاويل الاية على هذا التقدير انهم اى الجن ظنوا كما ظننتم ايها
الكفار من قريش مكة عدم البعث فلما نزل القران واستمع الجن أمنوا بالبعث فعليكم
ايها الكفار ان تؤمنوا كما أمنوا. (وَأَنَّا لَمَسْنَا) أردنا المس (السَّماءَ) بعد مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم والظاهر ان المراد بالسماء السحاب فان السماء يطلق على ما
هو فوقك ويدل على هذا التأويل حديث عائشة رضى الله تعالى عنها قالت سمعت رسول الله
صلىاللهعليهوسلم يقول ان الملائكة تنزل فى العنان وهو السحاب فتذكر لامر
الذي قضى فى السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتتوجه الى الكهان فيكذبون معها
مائة كذبة من عند أنفسهم رواه البخاري فان قيل قد وقع فى بعض الاخبار بلفظ يدل على
حقيقة السماء عن ابى هريرة رض ان النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال إذا قضى
الله الأمر فى السماء ضربت الملائكة بأجنحتها فضعانا لقوله كانه سلسلة على صفوان
فاذا فرغ عن قولهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الذي قال الحق وهو العلى الكبير
فسمعها مسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعض ووضع سفيان بكفه ليستمع الكلمة فيلقها الى
من تحته ثم يلقها الاخر الى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر او الكاهن فربما
أدرك الشهاب قبل ان يلقيها وربما ألقيها قبل ان يدركه فيكذب معه مائة كذبة الحديث
رواه البخاري وفى حديث ابن عباس ربنا تبارك وتعالى إذا قضى امرا سبح حملة العرش ثم
سبح اهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين
يحملون العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم
ما قال فبستخبر
بعض اهل السموات بعضا حتى يبلغ هذا السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون الى
أوليائهم ويرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق ولكنهم يغرقون فيه ويزيدون رواه مسلم
قلنا ليس فى هذين الحديثين وما فى معناهما ان الجن يخطف من السماء الدنيا ولعل
معناه حتى يبلغ الخبر هذا السماء الدنيا ثم اهل السماء الدنيا ينزلون الى العنان
فتذكر الأمر الذي قضى فى السماء فيخطف الجن مسترقو السمع وهم بعض فوق بعض الى
العنان فحينئذ يدركه الشهاب الثاقب من نجوم السماء والله تعالى اعلم (فَوَجَدْناها) اى السماء (مُلِئَتْ حَرَساً) حراسا اسم الجمع كالخدم (شَدِيداً) قويا من الملائكة الذين يمنعون هم عنها (وَشُهُباً) جمع شهاب وهو شعلة نار انتشرت من النجوم. (وَأَنَّا كُنَّا) قبل ذلك (نَقْعُدُ مِنْها) اى من السماء اى من السحاب حال من (مَقاعِدَ) خالية عن الحرس والشهب صالحة للترصد والاستماع ظرف لتقعد (لِلسَّمْعِ) متعلق بنقعد او صفة لمقاعد (فَمَنْ يَسْتَمِعِ
الْآنَ) يعنى بعد مبعث النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم (يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) اى رصدا له ولاجله يمنعه من الاستماع بالرجم او ذوى شهاب
راصدين على انه جمع للراصد فصار هذا معجزة للنبى صلى الله تعالى عليه واله وسلم
لاجل الجن أمنوا به. (وَأَنَّا لا نَدْرِي) يعنى انا كنا لا ندرى قبل ذلك (أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ) بحراسة (أَمْ أَرادَ بِهِمْ
رَبُّهُمْ رَشَداً) فاما الان إذا سمعنا القران ان الذي حال بينكم وبين خبر
السماء هو بعث هذا النبي حتى يكون معجزة له يعجزه الكهنة عن إتيان خبر السماء مثله
فظهر ان الله سبحانه تعالى انما أراد للعالمين هداية ورشدا ففى هذه الجمل الثلث
احتجاج على حقية القران ورسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم والشر والخير
وان كانا جميعا بخلقه تعالى وإرادته لكنهم اسندوا ارادة الخير اليه تعالى صريحا
وارادة الشر كناية بذكره على صيغة المجهول رعاية الأدب. (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ) عنوا بهم الذين كانوا منهم مؤمنين بالتورية وغيره من الكتب
السماوية والأنبياء السابقين عليهالسلام (وَمِنَّا) قوم (دُونَ ذلِكَ كُنَّا
طَرائِقَ) اى ذوى طرائق اى مذاهب او مثل طرائق فى اختلاف الأحوال او
كانت طرائق (قِدَداً) متفرقة مختلفة وهذه الجملة اعنى قولهم كنا طرائق قددا
تأكيد لمضمون ما سبق من قولهم انا منا الصالحون إلخ وقددا جمع قدة بمعنى القطعة من
الشيء قال الحسن والسدى
الجن أمثالكم
فمنهم قدرية ومرجية ورافضية وغير ذلك وقولهم فيما بينهم انا منا الصالحون إلخ
تمهيد لما سياتى من قولهم انا ظننا ان لن نعجز الله الاية وانا لما سمعنا الهدى
الاية يعنى ان الايمان والتصديق ليس امرا مبدعا منا بل كان الجن قبل ذلك طرائق قددا
بعضهم كانوا صالحين وبعضهم دون ذلك وانا ان اتبعنا السفيه فى القول فى الشطط لكنا
لما سمعنا قرانا ظننا ان لن نعجز الله وسمعنا الهدى وأمنا به كما كان بعض أسلافنا
مومنين. (وَأَنَّا ظَنَنَّا) اى علمنا وتيقنا بتعليم الله تعالى فى القران وهدايته او
المعنى كنا نظن ذلك قبل هذا او المعنى كنا نتيقن ذلك بعلمنا ما فى التورية (أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ) اى لن تفوته ان أراد بنا سوأ وكائنا (فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ
هَرَباً) اى هاربين من الأرض الى السماء ان طلبنا مهربا وهذا على
كونه حالا من فاعل نعجز ويحتمل ان يكون مفعولا مطلقا بمعنى تهرب هربا او مفعولا له
اى نعجزه للهرب او ظرفا اى نعجزه فى الهرب او تميزا من نسبة الفاعل اى نعجزه
هربها. (وَأَنَّا لَمَّا
سَمِعْنَا الْهُدى) اى القران فانه موجب للهدى (آمَنَّا بِهِ) فامنوا به أنتم ايضا يا قومنا معاشر الجن (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ) شرط والفاء للسببية والجزاء ما بعده (فَلا يَخافُ) خبر مبتداء محذوف اى فهو لا يخاف (بَخْساً) نقصا فى الثواب (وَلا رَهَقاً) اى ولا ان ترهقه وتغشياه ذلة او المعنى لا يخاف جزاء نقص
فى الطاعات ولا جزاء له رهوق ظلم اى غشيان ظلم لان من حق الايمان بالقران ان يحبب
ذلك. (وَأَنَّا مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ) الأبرار (وَمِنَّا
الْقاسِطُونَ) ط اى الجائرون عن الحق يقال اقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا
جار فهو قاسط انما ذكر هذه الجملة مع ذكر مفهون فيما سبق بقوله وانا منا الصالحون
ومنا دون ذلك ليكون تمهيد التفصيل حال الفريقين والمقصود هاهنا تفصيل الحال وفيما
سبق التفرق فحسب لدفع كون الإسلام امرا مبدعا ويحتمل ان يكون الذين يستمعون القران
بعضهم اسلموا وبعضهم لم يسلموا وهذا مقولة المسلمين منهم لما رجعوا الى قومهم (فَمَنْ أَسْلَمَ) بالله ورسله (فَأُولئِكَ
تَحَرَّوْا رَشَداً) قصدوا طريقا موصلا
الى الفلاح. (وَأَمَّا
الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) توقد بهم جهنم كما توقد النار بالحطب وهذه الجمل السبعة من
قوله تعالى وانا لمسنا السماء الى قوله وانا منا المسلمون فمن اسلم إلخ لا شك انها
من كلام الجن فلا غبار على قراءة انا بالكسر واما على قراءة الفتح فلا بد ارتكاب
تكلف
بان يقال انها
معطوفة بهاء به فى أمنا به والمعنى أمنا بالقران ويتبعنا بمعجزاته فى الآفاق من ان
لمسنا السماء الاية وانا كنا نقعد منها مقاعد الاية وانا لا ندرى ما أراد الله
بالشهب حتى سمعناه وبمعجزاته وتأثيراته فى الأنفس وانا كنا منا الصالحون ومنا دون
ذلك ولان تيقنا ان لن نعجز الله وانا لما سمعنا الهدى أمنا به وتيقنا ان المسلمين
منا تحروا رشدا واما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا والله تعالى اعلم بمراده ولا
يتصور عطف هذه الجمل السبعة على انه استمع نفر من الجن كما لا يخفى (مسئلة :)
اتفقت الائمة على ان الكفار من الجن يعذبون بالنار كما يدل عليه قوله تعالى واما
القاسطون فكانوا لجهنم حطبا واختلفوا فى ثواب المؤمنين منهم فقال قوم ليس لهم ثواب
إلا نجاتهم من النار وتأولوا قوله تعالى يا قومنا أجيبوا داعى الله وأمنوا به يغفر
لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم ـ قال البغوي واليه ذهب ابو حنيفة وحكى سفيان عن
ليث قال الجن ثوابهم ان يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل بهائم وعن
ابى الزياد قال إذا قضى بين الناس قيل لمومنين الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا
وعند ذلك يقول الكافر يا ليتنى كنت ترابا وقيل مذهب ابى حنيفة فيه التوقف لقوله عليهالسلام أبهموا ما أبهم الله ـ وقد
ذكر الله تعالى عذاب الكفار منهم ولم يذكر ثواب المطيعين منهم الا المقر والجوار
من النار وقال الآخرون يكون لهم ثواب فى الإحسان كما يكون لهم عذاب فى الاساءة
كالانس واليه ذهب مالك وابن ابى ليلى وقال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة
ويأكلون ويشربون اخرج ابو الشيخ وذكر النقاش فى تفسيره حديثا انهم يدخلون الجنة
فقيل له هل يصيبون من نعمها قال يلههم الله تسبيحه وذكره فيصيبون من لذته ما
يصيبون بنو آدم من نعيم الجنة قلت كانه الحق المؤمنين من الجن بالملائكة وقال
الطاءة ابن المنذر سألت حمزة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم وقرأ لم يطمثهن انس
قبلهم ولا جان قال فالانسيات للانس والجنيات للجن ـ أخرجه
ابو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس رض قال الخلق باركة فخلق فى الجنة كلهم وهم
الملائكة وخلق فى النار كلهم وهم الشيطان وخلقان فى الجنة والنار وهم الجن والانس
لهم العذاب والثواب واخرج عن ابن وهب انه سئل هل للجن تواب وعقاب قال نعم قال الله
تعالى أولئك الذين حق عليهم القول فى امم قد خلت من قبلهم من الجن والانس انهم
كانوا خاسرين ولكل درجات فيما عملوا وقال عمرو بن العزيز ان مومن الجن
حول الجنة فى ربض
ورحاب وليسوا فيها احتج القائلون بثواب الجن بالعمومات ان الذين أمنوا وعملوا
الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ونحو ذلك بالخطابات الواردة فى سورة الرحمن
حيث قال الله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فباى آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات
فى الخيام فباى آلاء ربكما تكذبن لم يطمئهن انس قبلهم ولا جان فباى آلاء ربكما
تكذبان قالت الحنفية فى الجواب ان العمومات محمولة على الانس بدلالة العرف فان اهل
العرف لا يفهمون منه الا الانس واما الخطابات فى سورة الرحمن بقوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) ط توبيخ للجن وللانس على مطلق التكذيب بآلاء الله سبحانه
لايما ذكر قبل تلك الاية خاصة كيف وذلك لا يتصور فى مثل قوله تعالى يرسل عليكما
شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فباى آلاء ربكما تكذبان يعرف للجرمون بسيماهم فيوخذ
بالنواصي والاقدام فباى آلاء ربّكما تكذبان ونحو ذلك وقد ذكر من الآلاء ما هى
مختصة بالانس دون الجن حيث قال وله الجوار المنشأت فى البحر كالاعلام فباى آلاء
ربكما تكذبان فيحتمل ان يكون نعيم الجنة مختصة بالانس وخوطب الثقلين بها توبيخا
على تكذيب الطائفتين مطلق الآلاء والصحيح عندى ما قاله الجمهور وبه قال ابو يوسف
ومحمد رحمهماالله تعالى قال من اثبت الثواب فقوله مبنى على دليل وشهادة على
الإثبات فيقبل بخلاف قول ابى حنيفة فانه متوقف بناء على عدم بدليل ولا شك ان قول
ابن عباس واقوال عمرو بن عبد العزيز ونحوه من ثقات الصحابة والتابعين لها حكم
الرفع وقد اخرج البيهقي عن انس رض عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم مرفوعا
ان مومنى الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسالنا عن ثوابهم وعن مومنهم فقال على الأعراف
وليسوا فى الجنة فسألنا وما الأعراف قال خارج الجنة تجرى فيه الأنهار وتنبت فيه
الأشجار والأثمار والله تعالى اعلم. (وَأَنْ لَوِ
اسْتَقامُوا) ان مفتوحة بإجماع القراء مخففة من المثقلة واسمها ضمير
الشأن محذوف وجملة الشرطية خبرها والجملة معطوفة على انه استمع نفر من الجن
والمعنى انه اوحى الى انه لو استقاموا اى الجن والانس (عَلَى الطَّرِيقَةِ) المرضية لله تعالى وهى دين الإسلام والفطرة التي فطر الناس
عليها (لَأَسْقَيْناهُمْ
ماءً غَدَقاً) اى كثيرا قال مقاتل نزلت هذه الاية بعد ما رفع عنهم المطر
سبع سنين وقيل المراد من الماء الغدق الرزق الواسع على التجوز لان الماء سبب للرزق
كما أريد من الرزق المطر فى قوله تعالى وما انزل الله من السماء من رزق فاحيا به
الأرض والمعنى لاعطينهم مالا كثيرا وعيشا رغدا وهذه الاية فى المعنى قوله تعالى
ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لاكلون من فوقهم ومن تحت
أرجلهم
وقوله تعالى ولو
ان اهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السما. (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) ط متعلق باسقيناهم اى لنختبرهم كيف شكرهم وهذا التأويل قول
سعيد بن المسيب وعطاء بن ابى رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن وقيل معناه ان لو
استقاموا على طريقة الكفر لاعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا
حتى يفتنوا بها فتذهب بهم نحو قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب
كل شىء وهذا قول الربيع بن انس وزيد بن اسلم والكلبي وابن كيسان وهذا القول ليس
بسديد والا يلزم ان يكون الكفر موجبا لسعة الرزق وحسن المعيشة ويابى ذلك قوله
تعالى ولو انهم أقاموا التورية والإنجيل الاية وقوله تعالى ولو ان اهل القرى أمنوا
الاية وكذا قوله تعالى ولو لا ان يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان
سقفا من فضة الاية فان كلمة لو لا لامتناع الثاني لا لاجل امتناع الاول واما قوله
تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم واقعة حال ماضى لا يدل على العموم والا
يلزم التعارض فيما لا يحتمل النسخ وايضا وقائع اهل مكة حالة على صحة التأويل الاول
دون الثاني فان أبا جهل وغيره من كفار مكة الذين لم يومنوا ابتلوا بالقحط سبع سنين
حتى أكلوا الروث ثم قتلوا ببدر فى أقبح حال والذين أمنوا مع النبي صلى الله تعالى
عليه واله وسلم واستقاموا على الطريق أعطاهم الله ملك كسرى وقيصر وغيرهما وايضا
يدل على صحة التأويل الاول مقابلته بقوله تعالى (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ
ذِكْرِ رَبِّهِ) حيث حكم بلزوم العذاب بالاعراض عن الذكر وذلك يقتضى الحكم
بضد ذلك اى بحسن العيش على هذا الاعراض وهو المراد بالاستقامة على الشريعة كما هو
عادة الله سبحانه فى كتابه والله تعالى اعلم (يَسْلُكْهُ) قرأ اهل كوفة ويعقوب بالياء على الغيبة اى يدخله ربه
وآخرون بالنون على التكلم (عَذاباً صَعَداً) شاقا يعلو المعذب ويغلبه معهد وصف به والمراد بالعذاب منها
اما عذاب الدنيا او عذاب القبر او عذاب الاخرة وكذلك فى قوله تعالى ومن اعرض عن
ذكرى فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى والظاهر ان المراد به هاهنا عذاب
الدنيا بدليل المقابلة وكذلك من ضنك المعيشة هنالك لعطف قوله ونحشره كما ان المراد
بالحياة الطيبة فى قوله تعالى من عمل صالحا من ذكر او أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوة
طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون روى عن ابن عباس رض انه قال كل مال قل
او كثر فلم ؟ ؟ ؟ فيه فلا خير فيه وهو الضنك فى المعيشة وان قوما اعرضوا عن الحق
وكانوا أول سعة من الدنيا
مكثرين فكانت
معيشتهم ضنكا وذلك انهم يرون ان الله ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معائشهم من سوء
ظنهم بالله وقال سعيد بن جبير رض تسلبه القناعة حتى لا يشبع قلت وهذا الأمر ظاهر
فان اهل الدنيا لما سلب منهم القناعة فهم دائمون فى جد واجتهاد لاجل اكتساب المال
وحفظه خائفون على فواته متحاسدون متباغضون فيما بينهم لاجله غير امنين على أنفسهم
لكثرة الأعداء والحساد ولا شك ان هذا عذاب صعد ومعيشة ضنك ولو يعلمون ما للصوفية
من الحيوة الطيبة وطمانينة القلب بذكر الله وشرح الصدور ورفع الحاجة بالقليل
والاستغناء عن الخلق والشفقة على خلق الله تعالى كلهم أجمعين والشكر والسرور فى
الضراء رجاء لكفارة المعاصي وحسن الجزاء فضلا عن الرخاء والسراء ليتحاسدوهم على
ذلك والله يؤتى من يشاء من الدنيا والاخرة. (وَأَنَّ الْمَساجِدَ
لِلَّهِ) عطف على ان لو استقاموا على الوحى به قيل المراد بالمساجد
المواضع التي بنيت للصلوة ـ (فَلا تَدْعُوا مَعَ
اللهِ أَحَداً) قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيعتهم وكنائسهم
أشركوا بالله فأمر الله تعالى المؤمنين ان يخلصو الله الدعوات إذا دخلوا المساجد
وأراد به المساجد كلها وامر بتطهيرها فقال طهرا بيتي للطائفين الاية وامر رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشركائكم وبيعكم
وخصوماتكم ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على ابوابها المطاهر
وجمروها فى الجمع رواه ابن ماجة عن واصلة مرفوعا ونهى عن تناشد الاشعار فى المسجد
وعن البيع والشراء فيه وان يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة فى المسجد رواه ابو
داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وقال البزاق فى المسجد خطيئة
وكفارتها دفنها متفق عليه عن انس رض قال عرضت على أجور أمتي حتى القذاة يخرجها
الرجل من المسجد رواه ابو داود والترمذي عنه وقال من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد
فيقول لا ردها الله عليك فان المساجد لم تبن لهذا رواه مسلم عن ابى هريرة رض وروى
الترمذي والدارمي وزاد إذا رأيتم من يبيع او يبتاع فى المسجد فقولوا لا اربح الله
تجارتك والله تعالى اعلم وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لان الأرض جعلت كلها
مسجدا لهذه الامة يعنى لا تدعوا مع الله أحدا فى شىء من البقاع واخرج ابن ابى حاتم
من طريق ابى صالح عن ابن عباس رض قال قالت الجن أتأذن لنا فنشهد معك الصلاة فى
مسجدك فانزل الله تعالى ان المساجد لله فلا تدعوا
مع الله أحدا واخرج
ابن جرير عن جبير قال قالت الجن للنبى صلىاللهعليهوسلم كيف لنا ان ناتى المسجد ونحن ما دون عنك او كيف نشهد
الصلاة ونحن ما دون عنك فنزلت وقيل المراد بالمسجد أعضاء السجود يعنى انها مخلوقة
لله تعالى فلا تسجدوا عليها غيره عن ابن عباس قال قال رسول الله صلعم أمرت ان اسجد
على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكفت الثياب ولا
الشعر. (وَأَنَّهُ) الضمير للشان قرأ نافع وابو بكر بكسر الهمزة على الاستيناف
والباقون بالفتح عطفا على الموحى به (لَمَّا قامَ عَبْدُ
اللهِ) محمد صلىاللهعليهوسلم انما ذكر لفظ العبد دون الرسول او النبي او غير ذلك
للتواضع فانه واقع موقع كلامه عن نفسه والاشعار بما هو المقتضى لقيامه وقال المجدد
العبودية أقصى مراتب الكمال (يَدْعُوهُ) حال من عبد الله اى يعبده ويذكره (كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ع قرأ هشام لبد بضم اللام والباقون بالكسر وهو جمع لبدة
واصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومعناه على ما قال الحسن وقتادة وابن زيد انه
لما قام عبد الله بالدعوة الى التوحيد كاد الجن والانس يكونوا مجتمعين لابطال امره
يريدون ان يطفؤا نور الله بأفواههم ويابى الله الا ان يتم نوره وينصره على من
عاداه ويحتمل ان يكون معناه انه لما قام عبد الله يدعوه ويقرأ القران بنخلة كان
الجن يكون عليه لبدا متراكمين من ازدحامهم عليه شوقا لاستماع القرآن. (قُلْ) كذا قرأ عاصم وحمزة وابو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده
والباقون بصيغة الماضي اى قال عبد الله (إِنَّما أَدْعُوا
رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) فما لكم يجتمعون على ابطال امرى او المعنى قال عبد الله
حين اشتاق الجن الى كلامه انما ادعوا ربى فادعوا أنتم ايضا كدعائى ولا تشركوا به
أحدا وقال مقاتل قال كفار مكة للنبى صلىاللهعليهوسلم لقد جئت بامر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الاية
وما بعدها. (قُلْ إِنِّي لا
أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) يعنى ضرا ولا نفعا او غيا ولا رشدا عبر عن أحدهما باسم وعن
الاخر باسم سببه او مسببه اشعارا بالمعنيين. (قُلْ إِنِّي لَنْ
يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ملتجأ أميل اليه ان أرادني سوء وهذين الجملتين المستانفتين
كانهما فى جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين اجتمعون لابطال امرى انك لن كنت
نبيا فاتنا بعذاب من عند الله او يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك ويحتمل ان
يكون الجملة الاولى
فى جواب ما أقول
فى وقت اشتياق الجن الى رويتى ولقائى فان ازدحامهم عليه دليل على زعمهم بان النبي صلىاللهعليهوسلم يملك لهم ضرا ورشدا او الجملة الثانية تأكيد لمضمون
السابقة على عجز النبي صلىاللهعليهوسلم واخرج ابن جرير عن حضرمى انه ذكر له ان جنيا من الجن من
اشرافهم إذا تبع قال انما يريد محمد ان نجيره وانا أجيره فانزل الله تعالى قل لن
يجيرنى الاية. (إِلَّا بَلاغاً) كائنا (مِنَ اللهِ
وَرِسالاتِهِ) عطف على بلغا والاستثناء اما من قوله لا املك فان التبليغ
ارشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض موكد لنفى الاستطاعة فلا يلزم الفصل بأجنبي يعنى
لا املك لكم من رفع الضرر او إيصال الرشد الا التبليغ والرسالة فانى أملكه واما من
قوله أحد او ملتحدا على سبيل التنازع واعمال الثاني يعنى لا يجيرنى من الله أحد من
دونه ملتحدا الا التبليغ والرسالة فان التبليغ والرسالة فريضة على من الله تعالى
يجيرنى من عذاب الله ويعذبنى الله ان لم افعل كذلك قال الحسن ومقاتل قيل المعنى لا
املك لكم خيرا ولا شرا ولا رشدا ولكن بلاغا من الله ورسالة ثابت وقيل الا مركب من
ان الشرطية ولا النافية وجزاء الشرط محذوف اكتفاء بما مضى يعنى ان لا أبلغكم بلاغا
كائنا من الله ورسالاته لن يجيرنى من الله أحد (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ
وَرَسُولَهُ) فى الأمر بالتوحيد ولم يؤمن به (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ
فِيها أَبَداً) أفرد ضمير يعص الله وضمير له نظرا الى لفظة من وجمع ضمير
خالدين نظرا الى معناه وجملة ومن يعص الله معطوفة على مقدر يعنى ملك لكم بلاغا من
الله ورسالاته فمن يطع الله ورسوله فاولئك تحروا رشدا ومن يعص الله ورسوله الاية
حتى إذا رأوا اى الكفار غاية لقوله تعالى يكونون عليه لبدا ان كان المراد به
اجتماع الكفار لابطال امر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والا فهو غاية لمحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار له
وعصيانهم له كانه قيل لا يزالون يعصونه ويستضعفونه. (حَتَّى إِذا رَأَوْا
ما يُوعَدُونَ) اما العذاب فى الدنيا كوقعة بدر واما الساعة ساعة الموت
فان من مات فقد قامت له القيامة المشتملة على جهنم والساعة أدهى وامر (فَسَيَعْلَمُونَ) حين حلوله بهم (مَنْ أَضْعَفُ
ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) أهم أم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جملة استفهامية قائمة مقام المفعولين لقوله تعالى فسيعلمون
فقال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل. (قُلْ) يا محمد (إِنْ أَدْرِي) لا أدرى (أَقَرِيبٌ) خبر مبتداء بعده او مبتداء من القسم الثاني
وما بعده فاعله (ما تُوعَدُونَ) من العذاب او الساعة (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ
رَبِّي) قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون
(أَمَداً) غاية وأجلا لتطول مدتها لا يعلمه الا الله والجملة
الاستفهامية قائم مقام مفعولى ان أدرى. (عالِمُ الْغَيْبِ) صفة ربى او خبر مبتداء محذوف اى هو عالم الغيب لا غيره
فكانه تعليل لقوله لا أدرى والمراد بالغيب ما لم يوجد بعد كاخبار المعاد او العدم
بعد الوجود كاخبار المبدأ والقصص الماضية التي انقطعت الرواية عنها واما ما غاب عن
العباد من اسماء الله تعالى وصفاته التوقيفية التي لا يدل عليه البرهان واما ما
قام عليه الدليل والبرهان كوجوده تعالى ووجوبه وتوحده وكونه متصفا بصفات الكمال
منزها عن سمات النقص والزوال فليس من الغيب بل من الشهادة لشهود ما يدل عليه من
العالم وكذا مسئلة حدوث العالم مثلا ليس من الغيب بل من الشهادة لمشاهدة قابلية
التغير الدال على الحدوث وهذه الاقسام من الغيب لا يمكن العلم بها الا بتوفيق من
الله تعالى ومن الغيب ما هو غيب بالنسبة الى بعض دون بعض كاحوال الجن واحوال بعض
أشياء البعيدة غيب بالنسبة الى الانس دون الجن ومن ثم زعم الانس ان الجن يعلمون
الغيب وهم لا يعلمون الا ما يشهدونه قال الله تعالى فى قصة سليمان عليهالسلام فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى
العذاب المهين وكاحوال السموات بالنسبة الى اهل الأرض دون اهل السماء واحوال
المشرق بالنسبة الى اهل المغرب وهذا القسم من علم الغيب قد يحصل بالوحى والإلهام
وقد يحصل برفع الحجب وجعلها مثل الحجب الزجاجة روى مسلم عن ابى هريرة رض انه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال لقد رايتنى فى الحجر وقريش سالنى عن مسراى فسألتنى عن
أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله فرفعه الله الى النظر اليه
ما يسألنى عن شىء الا انبأتهم وروى البيهقي عن ابى عمران عمر بعث جيشا وامر عليهم
رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح يا سارية الجبل وروى ابو داود عن عائشة
قالت لما مات النجاشي كنا نتحدث انه لا يزال يرى على قبره نور وعند رفع الحجب لا
يكون هذا من علم الغيب بل من علم الشهادة وان كان من قبيل المعجزة او الكرامة (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) من الخلق. (إِلَّا مَنِ ارْتَضى) العائد الى الموصول محذوف فانه يطلع من ارتضاه أحيانا
ليكون معجزة ويبشر المطيعين ومنذر العاملين (مِنْ رَسُولٍ) أعم من البشر والملائكة ويشتمل لفظة الرسول الأنبياء ايضا
قال الله تعالى
أرسلهم الى الناس
لتبليغ الاحكام وتخصيص لفظ الرسول بمن أرسله الله بشريعة جديدة وكتاب اصطلاح وقيل
بل يشتمل الأولياء ايضا بعموم المجاز قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم العلماء ورثة الأنبياء رواه احمد والترمذي وابو داود وابن
ماجة والدارمي فى حديث عن كثير بن قيس وابن البخاري عن انس وابن عدى عن على بلفظ
العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء او ورثتى وورثة الأنبياء وابن عقيل عن انس
بلفظ العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا الحديث وقال اهل
السنة والجماعة كرامات الأولياء معجزة لنبيهم قال الله تعالى وما أرسلنا من رسول
الا بلسان قومه وقد بعث الله تعالى خاتم النبيين الى كافة فاعتبر اهل السنة اتباعه
صلىاللهعليهوسلم من العلماء والأولياء لسانا له صلىاللهعليهوسلم حتى يستقيم الحصر واستغراق الاضافة فى لسان قومه فعلى
تقدير شمول لفظ الرسول للاولياء لا يلزم نقص بحصول علم الغيب لهم على وجه الكرامة
وعلى تقدير عدم شموله نقول المراد بالعلم العلم القطعي والعلم الحاصل للاولياء
بالإلهام وغيره ظنى ليس بقطعى ومن ثم قالت الصوفية العلية انه لا بد من عرض العلوم
الحاصلة للصوفية على الكتاب والسنة فان طابقت قبلت إذ المطابق للقطعى قطعى وان
خالفت ردت قالوا كل حقيقة ردته الشرع فهو زندقة وان كانت الشريعة عنها ساكنة قبلت
مع احتمال الخطاء فاندفع ما قال صاحب الكشاف بناء على اعتزاله ان فى هذه الاية ابطال
الكرامات لان الذين يضاف إليهم الكرامات وان كانوا اولياء مرتضين فليسوا الرسل إلخ
وكفى التكذيب اهل الهواء قوله تعالى وأوحينا الى أم موسى ان أرضعيه فاذا خفت عليه
فألقيه فى اليم ولا تخافي ولا تحزنى انا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ـ وقوله
تعالى وإذا وحيت الى الحواريين ان أمنوا بي وبرسولى وقوله تعالى وناديها من تحتها
ان لا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطبا جنيّا
فكلى واشربى وقرى عينا فاما ترين من البشر أحدا فقولى انى نذرت للرحمن صوما فلن
أكلم اليوم إنسيّا ـ فان أم موسى وأم عيسى والحواريين لم يكونوا
أنبياء واعلم ان ما ذكرت لك ان العلم الحاصل للاولياء ظنى ـ المراد به العلم الحاصل علما حصوليا وذلك قد
يكون بالإلهام بتوسط الملك وبغير توسطه وقد يكون بكشف الحجب كما ذكرنا فى حديث عمر
يا سارية الجبل ومن هذا القبيل ما قيل انه قد ينكشف على بعض الأولياء فى بعض
الأحيان اللوح المحفوظ
فينظرون فيه
القضاء المبرم والمعلق وقد يكون بمطالعة عالم المثال فى المنام او المعاملة عن انس
رض قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة متفق
عليه وعن ابى هريرة رض قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يبق من النبوة الا المبشرات قالوا وما المبشرات قال
الرؤيا الصالحة رواه البخاري وهذه الأنواع من العلم قد يقع فيه الخطاء بغير
الأنبياء لوقوع الغلط وتخليط الشيطان فى الإلهام فان فى قلب بنى آدم بيتان فى
أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاحيانا يلتبس لمعة الملك بلمعة الشيطان وقوع
تخليط الوهم وتلبيس الشيطان فى الكشف وروية عالم المثال عن ابى قتادة قال قال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان متفق عليه وقال
محمد بن سيرين قال الرؤيا ثلث حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله متفق عليه
ووقوع الغلط فى تأويل الرؤيا لكن وقوع الخطايا فى علوم الأولياء نادر لتشبههم
بالأنبياء فالانبياء معصومون والأولياء محفوظون غالبا واما العلم الحاصل للاولياء
علما حضوريا بل فوق الحضوري وهو العلم المتعلق بذات الله تعالى وصفاته المسمى
بالعلم اللدني فهو لا يحتمل الخطاء وهو قطع وجداني بل فوق القطعي لان علم المرأ
بنفسه علم حضورى وجداني فانه بحضور نفس المعلوم عند العالم من غير حصول صورة فيه
وعلم الصوفي بالله فوق هذا العلم لان الله تعالى اقرب من نفسه بنفسه قال الله
تعالى نحن اقرب اليه منكم ولكن لا تبصرون ايها العوام ويبصره من أبصره الله تعالى
وهذا العلم اللدني يحصل للاولياء بتوسط الرسول صلىاللهعليهوسلم ولو بوسائط فان قيل نحن اقرب إليكم منكم خطاب لسائر الناس
ويلزم منه ان يكون لسائر الناس علما بالله تعالى حضور يا فوق علمه بنفسه قلنا نعم
لكن العلم تابع للحيوة لا يتصور بدونها وقد ذكر فى تفسير سورة الملك ان الحيوة على
اربعة اقسام منها ما يستتبع المعرفة وتلك الحيوة بالتجليات الذاتية والصفاتية
ولاجل حصول هذه الحيوة الاكتساب والتصوف فان قيل لو كان هذا العلم الثاني قطعيا
لما اخطأه فيه ولما تعارض أقوالهم وقد يخطئون كما يدل عليه تعارض أقوالهم المقتضى
خطاء أحد المتنافيين فانه يقول بعضهم بالتوحيد الوجودي وبعضهم بالتوحيد الشهودى
ونحو ذلك قلت هذا الخطاء انما يقع فى علم العلم الذي من قبيل العلم الحصولى دون
نفسه وقد يقع فى بيانه وتصويره حيث لم يوضع لهذه المعاني ألفاظ فى اللغات قال
الشاعر بالفارسي گفتگوى كفر ودين آخر بكجا ميكشد خواب يك خوابست باشد مختلف
تعبيرها المراد بالكفر فى
هذا الشعر كفر
الطريقة المسمى بالتوحيد الوجودي وبالدين الشريعة وفذلكة الكلام فى هذا المقام ان
بين الخالق والخلق نسبة ليست بين اى الشيئين فرضتا من الأشياء إذ لا خالق الا هو
فلا يمكن ان يشتبه تلك النسبة بما عداها من النسب لا يقال ليس نسبة الخالق مع
المخلوق كنسبة النقش مع النقاش او نسبة القدح مع النجار لانه ليس كذلك فان القدح
مادته الخشب والنقش مادته اللون ونحو ذلك مخلوقة لله تعالى والصورة الخاصة بعد فعل
النجار ايضا مخلوقة لله تعالى وفعل النجار ايضا مخلوق لله تعالى على رغم انف
المعتزلة والنجار انما هو كاسب لبعض من المعاملات فما لكم لا تعقلون ولما كانت
النسب التي تدرك فى العقل بين اى الشيئين الموجودين فى الخارج او الذهن من العينيّة
والغيرية والظلية وغيرها مسلوبة من تلك النسبة وهى وراء النسب ولم يوضع لها لفظ
يدل عليها فقد يعبر عنها بانه تعالى ليس عين خلقه فيوهم انه غيره او ان الخلق ظله
وقد يعبر بانه تعالى ليس غير الخلق وليس هناك نسبة الظلية فيوهم انه عين الأشياء
ثم قد يطلق بالمجاز باعتبار الملازمة بين العينية وسلب الغيرية فى الأذهان بانه
تعالى عين الأشياء كلها كذا قد يقال بانه غيرها وقد يقال انها ظله وليس ذلك
الاختلاف والتعارض الا فى مراتب العلم الحضوري فى تعبيراتهم لضيق العبارات واحسن
التعبيرات فى هذا المقام قوله تعالى ليس كمثله شىء وهو السميع البصير والمقصود من
التصورات هو هذا العلم اللدني دون العلوم الحاصلة فى الظنون فانه لا اعتداد بها
وان الظن لا يغنى من الحق شيئا والله تعرا علم فان قيل سلمنا ان علوم الأولياء
داخلة فى المستثنى او خارجه من المستثنى منه لكونها ظنية فما قولكم فى علوم الكهنة
والمنجمين وعلم الأطباء بالامراض وبما فيه شفاء المريض وبخواص النباتات ونحوها فان
الاخبار والتجربة تشهد على صدق بعض اخبارهم روى البخاري عن ابى الناطور حديث صاحب
ايليا وقد اسلم يحدث ان هرقل حين قدم ايليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته
قد استنكرنا هيئتك قال ابن الناظور وكان هرقل ينظر فى النجوم فقال لهم حين سألوه
انى رأيت الليلة حين نظرت فى النجوم ملك الختان قد ظهر الحديث. ثم كتب هرقل الى
صاحب له برويته وكان نظيره فى العلم فاتاه كتاب من صاحبه يوافق راى هرقل على خروج
النبي صلىاللهعليهوسلم وانه بنى وقد صح ان الكهنة والمنجمون اخبروه الخروج بموسى
لفرعون وبزوال ملكه على يد غلام من بنى إسرائيل حتى كان فرعون يذبح أبنائهم ويستحى
نساءهم قلنا اما علم الكهنة فما كان منها مطابقا
للواقع فذالك ما
استراق السمع من الملائكة والملائكة رسل الله لكن الكهنة والشياطين يختلطون فيه
أكاذيب ولذلك نهى الشرع عن تصديقهم ثم قد منع الجن بعد مبعث النبي صلىاللهعليهوسلم عن الاستراق اما مطلقا او غالبا فبطل الكهانة عن عائشة رض
قالت سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن الكهان وقيل انهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا فقال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجنى فنقرها فى اذن وليه قرأ
الدجاجة فيخلطون فيه اكثر من مائة كذبة متفق عليه واما علم الطب والنجوم فمبناهما
اما التجارب وذلك من علم الشهادة دون الغيب والا ظهران ذينك العلمين اعنى العلم
بخواص الادوية والطبائع وكذا بخواص النجوم من السعادة والنحوسة وغيرها مقتبسان من
علوم الأنبياء فبقى العلمان فى الكتب ونسبحت عناكب النسيان على سلاسل الرواة
واكتفوا بشهادة التجارب فى معرفتها قال الله تعالى فى قصة ابراهيم عليهالسلام فنظر نظرة فى النجوم فقال انى سقيم اى ساسقم وذكر البغوي
فى تفسير سورة سبأ ان سليمان عليهالسلام ما يأتي عليه يوم الا تثبت فى محراب بيت المقدس شجرة
فيسالها ما اسمك فيقول اسمى كذا فيقول لاى شى أنت فيقول لكذا وكذا فامر بها فينقطع
فان كانت بنت الغرس غرس لها وان كانت الدواء كتب حتى تنبت الخروبة فقال لها ما أنت
قالت الخروبة قال لاى شىء أنبتت قالت لخراب مسجدك كذا ذكر الامام حجة الإسلام محمد
الغزالي رحمة الله تعالى فى رسالة المنقذ من الضلال ثم ان علم الطب والنجوم ليسا
بوجهان للقطع فان التاثيرات المودعة فى الادوية والكواكب امر عادى جرت العادة
الالهية على خلق تلك الآثار بعد استعمال تلك الادوية وبعد طلوع تلك النجوم ويتخلف
تلك الآثار عنها كثيرا ان شاء الله ومن هاهنا يعلم ان من استدل بالنجوم على شىء
وزعم ان الله تعالى يفعل كذلك بعد طلوع ذلك النجم جريا على عادته فلا يكفر كمن زعم
ان الله تعالى يخلق الشفاء بعد شرب الدواء ويخلق الموت بعد شرب السم واما من زعم
ان حدوث ذلك الشيء بذلك النجم فيكفر كما زعم ان الدواء علة تامة على الشفاء عن زيد
بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلوة الصبح بالحديبية على اثر سماء كانت من الليل فلما
انصرف اقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله اعلم قال قد
أصبح قوم من عبادى مؤمن بي وكافر فاما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بي
والكافر بالكواكب واما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب
متفق عليه فهذا الحديث انما يدل
على كفر الثاني
دون الاول غير ان الاشتغال بالنجوم مطلقا مكروه لكونه مما لا يعنيه قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد وما زاد
رواه احمد وابو داود وابن ماجة عن ابن عباس رض وكذلك علم النقاط والخطوط الذين
يسمونها إملاء فهو ايضا مقتبس من الأنبياء ويفيد ظنا لا قطعا واما الطيرة فليس بشئ
عن معوية بن الحكم قال قلت يا رسول الله امور كنا نصنعه فى الجاهلية كنا ناتى
الكهان قال فلا تأتوا الكهان قال قلت كنا نتطير قال ذلك شىء يجده أحدكم فى نفسه
فلا يصدنكم قال قلت ومنا يخطون قال كان نبى من الأنبياء يخط فمن كان وافق خطه فذاك
رواه مسلم وكذلك علم السحر منزل من السماء لكنه كفر قال الله تعالى وما انزل على
الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة فلا تكفر
وقدر فى سورة البقرة فان قيل قد يظهر علم الغيب على اهل الجوع والرياضة من الكفار
استدراجا قلنا منشأ ذلك العلم الكشف او مطالعة عالم المثال والكشف ومطالعة عالم
المثال يكون إذا تجلى للصوفى مشاعرة الظاهرة والباطنة اما باتباع الشريعة ونور
السنة ويسمى بفراسة المؤمن واما بالجوع والرياضة ومخالفة النفس فحينئذ تنكشف الحجب
عن بعض المغيبات فى بعض الأحيان او عن الصور المثالية فيرى ذلك عيانا فهو من العلم
بالشهادة وليس من الغيب فى شىء على انه لما كان العلم الحاصل لاولياء الله تعالى
بالكشف والمثال كشفا ظنيا محتملا للخطاء فكيف العلوم الحاصلة للكفار فانهم تلامذة
للشياطين يوحى بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه ولكن الله
يفعل ما يريد ومما يدل على ان المراد بظهور الغيب فى تلك الاية هو العلم القطعي
الذي لا يكون للشيطان اليه سبيل قوله تعالى (فَإِنَّهُ) الفاء للسببية لان الله تعالى (يَسْلُكُ) اى يجعل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) اى الرسول (وَمِنْ خَلْفِهِ) ذكر بعض الجهات وأراد جميعها (رَصَداً) جمع راصد اى حفظة من الملائكة يحفظونه من الشيطان ان يسترق
السمع او يخلطوا فى الوحى بما ليس منه قال مقاتل وغيره كان إذا بعث الله رسولا
أتاه إبليس فى صورة ملك يخبره فبعث الله من بين يديه ومن خلفه رصدا من الملائكة
يحرسونه ويطرد والشياطين فاذا جاء الشيطان فى صورة ملك اخبروه بانه شيطان فاحذره
وإذا حاء ملك قال له هذا رسول ربك ونظيره هذه الاية قوله تعالى لا يأتيه الباطل من
بين يديه ومن خلفه. (لِيَعْلَمَ) الله اى ليتعلق علمه به موجودا نظيره قوله تعالى ليعلم
الله من
يخافه ورسله
بالغيب متعلق بقوله تعالى يسلك علة للحفظ من الشياطين (أَنْ) مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف (قَدْ أَبْلَغُوا) اى الرسل (رِسالاتِ رَبِّهِمْ) كما هى والمعنى ليوجد من الرسل تبليغ رسالات ربهم بلا
تغيير وتخليط وقيل ضمير ليعلم عائد الى الرسول اى ليعلم الرسول قطعا ولا شك انه قد
ابلغ هو وإخوانه من الرسل رسالت ربهم ولم يقع فيه تغيير وتخليط من الشيطان او
ليعلم الرسول انه قد ابلغ الملائكة رسالات ربهم ولم يتطرق فيه شيطان وقرأ يعقوب
ليعلم بضم الياء على البناء للمجهول اى ليعلم الناس قطعا ان الرسل قد بلغوا (وَأَحاطَ) الله (بِما لَدَيْهِمْ) اى ما علم الله عند الرسل لا يخفى عليه شىء (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) ع عدد مثاقيل الجبال وميكائيل البحار وعدد قطرات الأمطار
وعدد ورق الأشجار وعدد ما اظلم عليه الليل وأشرق عليها النهار ونصب عدد أعلى الحال
او على المصدر اى عدّد عددا او التميز اى احصى عدد كل شىء ـ والله
اعلم.
سورة المزّمّل مكيّة وهى عشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ) التزمل من تزمل تيابه إذا تلفف بها فادغم التاء فى الزاء
ومثله المدثر تدثر بثوبه اما القطع كان هذا الخطاب للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم فى أول الوحى قبل تبليغ الرسالة ثم خوطب بعده بالنبي
والرسول وقد تزمل رسول الله صلعم ثيابه فى بدو الوحى خوفا منه لهيبته عن جابر انه
سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحدث عن فطرة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا فرفعت السماء
بصرى فاذا الملك الذي جاءنى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فخشيت منه رعبا
حتى هويت الى الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى فانزل الله تعالى يايّها المدثر الى
قوله فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع متفق عليه وفى حديث عائشة فى الصحيحين فى حديث
طويل انه صلىاللهعليهوسلم دخل على خديجة فقال زملونى زملونى فزملوه حتى ذهب عنه
الروع وسنذكر هذا الحديث ان شاء الله تعالى فى سورة اقرأ باسم ربك واخرج البزار
والطبراني بسند ضعيف عن جابر قال اجتمعت قريش فى دار الندوة فقالت سموا هذا الرجل
اسما يصدر الناس عنه قالوا كاهن قالوا ليس بكاهن قالوا مجنون قالوا ليس بمجنون
قالوا ساحر قالوا ليس بساحر فبلغ النبي صلىاللهعليهوسلم فتزمل فى ثيابه وتدثر فيها فاتاه جبرئيل فقال يايها المزمل
يايها المدثر. (قُمِ) اى صل عبر عنها بالقيام تسمية الشيء باسم جزئه وركنه وهذا
يقتضى كون القيام ركنا للصلوة وعليه انعقد الإجماع (اللَّيْلَ) ظرف زمان وحذف حرف الجر يدل على الاستيعاب كما يقال صمت
شهرا بخلاف صمت فى الشهر (إِلَّا قَلِيلاً) بهذا الاستثناء بقي الحكم بقيام بعض الليل ولما كان
الاستثناء مبهما طرق الإبهام فى المستثنى منه فصار المحكوم به مجملا لا بد له من
بيان فبينه الله تعالى بقوله. (نِصْفَهُ) فهو بدل من الليل المستثنى منه القليل بدل الكل فان
الاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا فتقدير الكلام قم بعض الليل اى نصفه وقيل هو
بدل من القليل وبيان له
وببيان المستثنى
تبين الباقي ويزول الإبهام وحينئذ تقدير الكلام قم الليل الا نصفه والمعنى واحد
واطلاق القليل على النصف بالنسبة الى الكل ولان عدم القيام اى النوم فى نصف الليل
قليل من النوم المعتاد فان الله تعالى جعل الليل لتسكنوا فيه ولانه إذا قام نصف
الليل للتهجد بقي نصف الاخر وفيه صلوة المغرب والعشاء وحوائج البشر من الاكل
والشرب والخلاء فلم يبق لاجل النوم الا قليل من النصف وقيل نصفه بدل من الليل
والاستثناء منه اى من النصف وتقديره قم نصف الليل الا قليلا فحينئذ يلزم الاستثناء
من النصف قبل ذكره مع ان كلمة نصفه حينئذ بدل البعض من الليل وحكم بدل البعض فى
القصر حكم الاستثناء فمقتضى الكلام تقديم القصر بالاستثناء على القصر بالبدل وايضا
يلزم حينئذ كون الكلام مجملا بعد البيان (أَوِ انْقُصْ) عطف على قم الليل (مِنْهُ) اى من النصف الباقي بعد الاستثناء (قَلِيلاً) اى زمانا قليلا او نقصانا قليلا وذلك ان يكون القيام اكثر
من نصف النصف اى الربع. (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) اى على النصف ما شئت فالمامور به فى هذه الاية القيام اكثر
من الربع ولو ساعة والظاهر ان الأمر بالقيام فى هذه الاية للوجوب كما هو مقتضى
الأمر فى الأصل فمقتضى الكلام البغوي وهو المستفاد من قول عائشة وغيرها ان قيام
الليل بهذه الاية كان واجبا على النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى أمته ثم نسخ قال البغوي كان النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه يقومون على هذه المقادير فكان الرجل لا يدرى متى
ثلث الليل ومتى النصف ومتى الثلثان فكان يقوم حتى يصبح مخافة ان لا يحفظ القدر
الواجب واشتد ذلك عليهم حتى انتفخت أقدامهم فرحمهمالله تعالى وخفف عنهم ونسخها بقوله فاقرءوا ما تيسر منه وكان
بين أول السورة وآخرها سنة عن سعيد بن هشام قال انطلقت الى عائشة فقلت يا أم
المؤمنين انبئينى عن خلق رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالت الست تقرأ القران قلت بلى قالت فان خلق نبى الله كان
القران قلت فقيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا أم المؤمنين قالت الست تقرأ يايها المزمل قلت بلى قالت
فان الله افترض القيام فى أول هذه السورة فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم وامسك الله تعالى خاتمتها
اثنى عشر شهرا فى السماء ثم انزل التخفيف فى اخر هذه السورة فصار قيام الليل تطوعا
بعد فريضة رواه ابو داود والنسائي والبغوي وكذا اخرج الحاكم واخرج ابن جرير مثله
عن ابن عباس وغيره قال مقاتل وابن كيسان كان هذا بمكة قبل ان يفرض الصلوات الخمس
ثم نسخ ذلك بالصلوة الخمس والظاهر عندى ان الوجوب
كان مختصا بالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بدليل قوله تعالى ان ربك يعلم انك تقوم ادنى من ثلثى الليل
ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك فان كلمة من للتبعيض صريح فى ان الصحابة بعضهم
كانوا يقومون دون بعض فان قيل لو كان وجوبه مختصا بالنبي صلىاللهعليهوسلم فكيف يصح تعليل التخفيف لقوله تعالى علم ان سيكون منكم
مرضى وآخرون يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقتلون فى سبيل الله فان
هذه الاية تقتضى رعاية حال الامة وضعفهم قلنا خفف الله سبحانه عن النبي صلىاللهعليهوسلم لرعاية ضعف الامة واعذارهم لان الناس بما واظب عليه النبي صلىاللهعليهوسلم مسنون للامة مطلوب الإتيان منهم من غير إيجاب بل بحيث يلام
تاركه قال الله تعالى ولكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله واليوم
الاخر وما قيل ان المسنون ما واظب عليه النبي صلىاللهعليهوسلم على سبيل التطوع احترازا عن صوم الوصال ونحوه فليس بشئ لان
الأصل التأسي والاقتداء مطلقا فلا يترك الا إذا كان ذلك الأمر ممنوعا محرما او
مكروها فى حق الامة كصوم الوصال ووصل النكاح فوق الاربعة وغير ذلك ولا وجه لتخصيص
التأسي بما واظب النبي صلىاللهعليهوسلم على سبيل التطوع (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ
تَرْتِيلاً) ط عطف على قم الليل وما قيل الترتيل مندوب اجماعا فعطفه
على القيام يقتضى كون الأمر بالقيام ايضا للندب فليس بشئ عن عبد الله بن عمر قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا
فان منزلتك عند اخر آية تقرءها رواه احمد والترمذي وابو داود والنسائي والترتيل
عبارة عن إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة كذا فى الصراح وفى القاموس نحوه
وعن ابن عباس معناه بينه بيانا وعن الحسن نحوه وقال مجاهد ترتيل فيه ترسلا عن
قتادة قال سئل عن انس رض كيف كانت قراءة النبي صلىاللهعليهوسلم فقال كانت مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد ببسم
الله ويمد بالرحمن يمد بالرحيم رواه البخاري قلت معنى قوله يمد ببسم الله ويمد
بالرحمن ويمد بالرحيم انه يظهر فيه الالف من الله بعد اللام ومن الرحمن بعد الميم
بقدر حركة واما مد الرحيم فيجوز فيه المد بقدر الحركتين واربع وست عند الوقف وفى
الوصل لا يجوز الا بقدر حركة اجمع عليه القراء وعن أم سلمة انها سئل عن قراءة
النبي صلىاللهعليهوسلم فاذا هى تنعت قراءة مفسرة حرفا حرفا رواه الترمذي وابو
داود والنسائي وعنهما قالت كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقطع قراءته يقول الحمد لله رب العلمين ثم يقف ثم يقول
الرحمن الرحيم ثم يقف رواه الترمذي قلت ويتضمن الترتيل تحسين الصوت بالقرآن عن ابى
هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما اذن الله لشئ ما اذن لنبى يتغنى
بالقران متفق عليه
وفى رواية عنه ما اذن الله ما اذن لنبى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه وعنه
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وليس المراد الا
تحسين الصوت كما خرج به فى بعض الروايات دون إخراجه على وجه الغناء فانه حرام
ممنوع عن حذيفة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اقرؤا القران بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون اهل العشق
ولحون اهل الكتابين وسيجئ بعدي قوم يرجعون بالقران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز
حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي فى شعب (فائدة)
والحكمة فى الترتيل التدبر فى معانى القران والألفاظ بموعظة والخوف عند اية الوعيد
والرجاء عند اية الوعد ونحو ذلك روى البغوي عن ابن مسعود رض قال لا تنثروه نثر
الدقل ولا تهزوه هذا الشعر قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب ولا يكن بهم أحدكم
اخر السورة وعن حذيفة رض قال صليت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صلوة الليل فما مر باية فيها ذكر الجنة الا وقف وسال الله
الجنة وما مر باية فيها ذكر النار الا وقف وتعوذ من النار وعن عبيد المليكي وكانت
له صحبة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يا اهل القران لا تتوسدوا القران واتلوه حق تلاوته اناء
الليل والنهار وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا هرابه فان له
ثوابا رواه البيهقي فى الشعب وعن سهل بن عبد الساعدي قال بينا نحن نقرأ إذ خرج
علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأخيار وفيكم الأحمر
والأسود والأبيض اقرؤا القران قبل ان يأتي أقوام يقرأونه يقيمون حروفه كما يقام
السهم ولا يجاوز تراقيهم يتعجلون اجره ولا يتاجلونه. (إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) قيل المراد بالقول الثقيل الأمر بقيام الليل فانه ثقيل شاق
على النفس فهذه الجملة على هذا التأويل تذئيل وتأكيد لما سبق والسين حينئذ للتاكيد
دون الاستقبال وقيل المراد به القران قال محمد بن كعب القرآن ثقيل على المنافقين
قلت فهو نظير قوله تعالى كبر على المشركين ما تدعوهم وقال الحسن بن الفضل ثقيل فى
الميزان قلت نظير قوله صلىاللهعليهوسلم كلمتان خفيفتان
على اللسان ثقيلتان فى الميزان جيبتان الى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله
العظيم متفق عليه عن ابى هريرة وقال مقاتل ثقيل لما فيه من الأمر والنهى والحدود
كذا قال قتادة وقال ابو العالية ثقيل بالوعد والوعيد وحاصل هذه الأقوال انه لما
فيه من التكاليف الشاقة
والوعد والوعيد
وذكر القيامة ثقيل على المكلفين لا سيما على الرسول صلىاللهعليهوسلم إذ كان عليه ان يتحملها ويحملها أمته ومن ثم قال رسول الله
صلىاللهعليهوسلم شيبتنى سورة هود وأخواتها رواه الطبراني عن عتبة ابن عامر
وعن ابى جحيفة يعنى لما فيه من قوله تعالى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك او لما فيه
من ذكر القيامة وعذاب الأمم الماضية يدل عليه ما رواه الحاكم عن ابى بكر بلفظ
شيبتنى سورة هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت رواه الترمذي عن
ابن عباس والحاكم عن ابى بكر وابن مردويه عن سعد ونحوه عن انس رض رواه عبد الله بن
احمد بلفظ شيبتنى هود وأخواتها لما فيها ذكر يوم القيمة وقصص الأمم وقيل ثقيل على
أتأمل فيه لافتقاره الى مزيد تصفيته للسر وتجريد للنظر لزرانته ومتانته معناه وهذا
أوفق لما سبق وما لحق فان الترتيل لاجل التدبر والتفهم وناشئة الليل أشد لمواطاة
القلب اللسان وقيل ثقيل على باطن الصوفي وعظيمة فان الخالق العظيم المتعالي يتجلى
على قلب المخلوق يحقر السافل كذا قال الفراء حيث قال ثقيل ليس بالخفيف ولا
بالسفساف لانه كلام ربنا قال الشيخ الاجل الأكرم الهادي سبيل اليقين محبوب رب
العالمين سيف الملة والدين ابد الآبدين ان علامة انكشاف حقيقة القران ورود ثقل
عظيم على باطن السالك ومن ثم قال الله تعالى سنلقى عليك قولا ثقيلا قلت ويؤيده هذا
المعرفة قوله تعالى لو أنزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية
الله وهذا معنى ما قيل ثقيل تلقيه رواه مسلم عن عبادة بن الصامت قال كان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا نزل عليه الوحى كرب لذلك وتربد وجهه وفى رواية نكس
راسه ونكس أصحابه رؤسهم فلما اتلى عنه رفع رأسه وفى الصحيحين عن عائشة ان الحارث
بن هشام سال رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال يا رسول الله كيف يأتيك الوحى فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحيانا تأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشد على فيفصم عنى وقد
وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا فيكلمنى فاعى ما يقول قالت عائشة
ولقد رايته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وان جبينه ليتفصد
عرقا متفق عليه ويحتمل ان يقال انه ثقيل لما فيه من الأمر بالتوجه الى الخلق لاجل
الدعوة والتبليغ والإرشاد والتكميل بقوله تعالى قم فانذر وقوله وانذر عشيرتك
الأقربين بعد ما كان متوجها الى الله تعالى مشتغلا به تعالى حيث كان يخلو بغار
حراء فيتحنث فيه وهو تعبد الليالى ذوات العدد وقيل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك
ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها كذا فى الصحيحين فى حديث عائشة ودرجة الإرشاد
والتكميل وان كان أفضل من درجة الاستكمال
والخلوة لكنه قد
يكون عند الصوفي على خلاف الطبع فيثقل عليه ويزعمه الصوفي فى بادى الرأي ان هذا
أحط مرتبة من التوجه الى الله تعالى والخلوة به ولهذا قيل الولاية به أفضل من
النبوة يعنى ولاية النبي أفضل من نبوة ذلك النبي زعما من القائل ان فى الولاية
التوجه الى الله سبحانه وفى النبوة التوجه الى الخلق وقال المجدد الف ثانى رضى
الله عنه ليس هذا القول مبنيا على التحقيق بل النبوة مطلقا أفضل من الولاية وهى
عبارة عند الصوفية عن السير فى الذات والولاية عن السير فى الصفات وشتان ما بينهما
والتوجه الى الله سبحانه تعالى يسمى فى الاصطلاح بالعروج والى الخلق يسمى بالنزول
وكلاهما يعترضان للصوفى فى كلا السيرين غير ان النازل فى مقام الولاية وان كان له
توجها الى الخلق لكنه لم يبلغ فى العروج غاية فهو ملتفت الى الأعالي طمعا لغاية
الكمال والنازل فى مقام النبوة لا يكون نازلا الا بعد ما يبلغ الكتاب فى الكمال
اجله فهو بكلية يتوجهه الى الخلق للتكميل على مراد الله سبحانه تعالى وان كانت على
خلاف مراده وطبعه فهو أفضل وأكمل وهذا الجهاد باق ما دامت هذه النشأة الثانية
الباقية وبعد فراغ منها يتادى باملهم الى الرفيق الأعلى فحينئذ يتوجه بكليته الى
الدرجات العلى بأجره واجر من اهتدى به على سبيل الأكمل والا وفى والله تعالى اعلم
وجملة انا سنلقى اما تذئيل وتأكيد لما سبق كما ذكرنا او معترضة لبيان الحكمة فى
الأمر بقيام الليل فان فى القيام تمرين النفس على المشفة ومشق مخالفات الطبع او
لان الصلاة كانت قرة للنبى صلىاللهعليهوسلم حيث قال جعلت قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي
والبيهقي عن انس وقال أقم الصلاة يا بلال أرحنا به رواه ابو داود عن رجل صحابى عن
خزاعة فحينئذ يكون فى التهجد تحصيل ما يعالج به ثقل التوجه الى الخلق او لان لقيام
الليل تأثير التأثر نفسه لشريعة فى نفوس الامة كى يجيبوا دعوته حين يستمعوا قوله
كما أجاب الجن دعوته حين يستمعوا القران او لان لقيام الليل مدخل فى قيامه مقام
الشفاعة لانه حيث قال الله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك
مقاما محمودا. (إِنَّ ناشِئَةَ
اللَّيْلِ) اى قيام الليل مصدر جاء على فاعلة كعافية بمعنى العفو كذا
قال الأزهري وقالت عائشة الناشية قيام الليل بعد النوم فهو بمعنى التهجد وقال ابن
كيسان هى القيام من اخر الليل وقال سعيد بن جبير وابن زيد اى ساعة قام من الليل
فقد نشأ وهو بلسان الحبش نشأ فلان اى قام وقال عكرمة هى القيام من أول الليل قال
البغوي روى عن على بن الحسين رضى الله تعالى عنهما انه كان يصلى بين المغرب
والعشاء الاخرة يقول
هذا ناشية الليل
والظاهر ان هذين القولين لا يلائمان هذا المقام فانه صلىاللهعليهوسلم كان مامور القيام اخر الليل وقال الحسن كل الصلاة بعد
العشاء الاخرة فهى ناشية وقيل صفة الفاعل بمعناه والمراد النفس التي تنشأ من
مضجعها الى العبادة من نشأ من مكانه إذا نهض ساعات الليل كلها وكل ساعة منه ناشية
لانها منشئ اى مبتداء ومنه نشأت السخابة وأبدت فكل ما حدث بالليل وبدأ فقد نشأ وهو
ناشئ والجمع ناشية وقال ابن ابى مليكة سالت عن ابن عباس رض وابن الزبير عنها فقالا
الليل كلها ناشية فالاضافة حينئذ بيانية (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) قرأ ابن عامر وابو عمرو بكسر الواو وفتح الطاء والمد بمعنى
الموافقة اى هى أشد موافقة للقلب مع اللسان فان ذلك يكون بالليل اكثر منه بالنهار
وقرأ الجمهور بفتح الواو وسكون الطاء اى أشد ثقلا من صلوة النهار لان الليل للنوم
والراحة ومنه قوله عليه الصلاة والسلام اللهم اشدد وطأتك على مضر وإذا اعتاد المرء
باشد العبادات ثقلا هان عليه مشقة سائر التكاليف وكلما هو أشد وأثقل على النفس مع
مراعات السنة كان اكثر ثوابا وأثقل فى الميزان وأشد تأثيرا فى النفوس وقال ابن
عباس رض كانت صلوتهم أول الليل هى أشد وطأ بمعنى أجدر ان يحصوا ما فرض الله عليكم
من القيام لان الإنسان إذا نام لم يدر متى يستيقظ وقال قتادة اثبت فى الخير واحفظ
للقرأة وقال الفراء اثبت وطأ للقيام وأسهل للمصلى من ساعات النهار لان النهار خلق
لتصرف العباد والليل للخلوة والعبادة وقيل أشد نشاطا فان من كان أشد على النفس
ثقلا كان ألذّ للصوفى وقال ابن زيد افرغ له قلبا من النهار لانه لا تعرض له بالليل
حوائج وموانع وقال الحسن أشد وطأ فى الخير وامنع من الشيطان (وَأَقْوَمُ قِيلاً) ط اثبت قراءة واضح قولا لهداة وسكون الأصوات. (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) ط والسبح سرعة الذهاب ومنه السباحة فى الماء يعنى ان لك
بالنهار ذهابا فى مهامك ولدعوة الخلق وتبليغ الاحكام واشتغالا بها فعليك بالتهجد
فان الليل افرغ لها فهذا بمنزلة التعليل لما سبق ـ (فصل
فى فضائل صلوة الليل) عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ينزل ربنا كل ليلة الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل
الاخر يقول من يدعونى فاستجيب من يسألنى فأعطيه من يستغفر لى فاغفر له متفق عليه
وفى رواية لمسلم ثم يبسط يديه ويقول من يقرض غير عدوم ولا ظلوم وعن جابر قال سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول ان فى الليل ساعة
لا يوافقها رجل
مسلم يسأل الله فيها خيرا من امر الدنيا والاخرة الا أعطاه إياه وذلك رواه مسلم
وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحب الصلاة الى الله صلوة داود وأحب الصيام الى الله صيام
داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما متفق عليه
وعن ابى امامة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليكم بقيام الليل فانه داب الصالحين قبلكم وهو قربة لكم
الى ربكم ومكفر للسيات ومنهيات للاثم رواه الترمذي وعن ابى سعيد الخدري قال قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلثة يضحك الله عليهم الرجل إذا قام بالليل يصلى والقوم
إذا صفوا فى الصلاة وإذا صفوا فى قتال العدو رواه البغوي فى شرح السنة وعن عمرو بن
عيينة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اقرب ما يكون الرب الى العبد فى جوف الليل الاخر فان
استطعت ان تكون ممن يذكر الله فى تلك الساعة فكن رواه الترمذي وقال الحسن صحيح وعن
ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اشرف أمتي حملة القران واصحاب الليل رواه البغوي فى الشعب.
(وَاذْكُرِ اسْمَ
رَبِّكَ) عطف على قم الليل والمراد به دوام الذكر ليلا ونهارا بحيث
لا يطرق اليه النتور ولا يلحقه الذهول وذا لا يتصور باللسان فان كل ما كان باللسان
والجوارح من التسبيح والتحميد والصلاة والقراءة ونحو ذلك يتطرق اليه فتور النية
فليس هو الا ذكر القلب وهو حقيقة الذكر فان الذكر عبارة عن طرد الغفلة كما يقتضيه
المقابلة فى قوله صلىاللهعليهوسلم ذكر الله فى
الغافلين بمنزلة الصابر فى الغارمين فكل صلوة وتسبيح وقراءة كان عن قلب لاه فلا
يعتد به ويل للمصلين الذين هم عن صلوتهم ساهون وانما قلنا ان المراد دوام الذكر
لان العطف يقتضى المغايرة ومطلق الذكر يتضمنه قيام الليل وترتيل القران وحمل
الكلام عليه اولى منه على التأكيد وقيل معناه ان قل بسم الله الرحمن الرحيم عند
ابتداء تلاوة القران (مسئلة) اجمعوا على قراءة البسملة فى أول الفاتحة وأول كل
سورة ابتدأ القاري القراءة بها ولم يصلها بما قبلها سنة واختلفوا فى التسمية بين
السورتين فكان ابن كثير وقالون وعاصم يبسملون بين كل سورتين فى جميع القران ما خلا
الأنفال وبراءة فانه لا خلاف فى ترك البسملة هناك والباقون لا يبسملون بين السور
فاصحاب حمزة يصلون اخر كل سورة باول الاخرى والمختار من مذهب ورش وعن ابى عمرو
وابن عامر السكتة من غير قطع واما عند الابتداء بما بين السورة فالقارى فيه مخير
بين التسمية وتركها فى مذهب الجميع هذا فى القراءة خارج الصلاة واما إذا قرأه فى
الصلاة
فقال الشافعي هى
اية من الفاتحة ومن كل سورة فيجب قراءتها مع الفاتحة ويسن قرأتها مع غيرها ويبسمل
جهرا وقال الائمة الثلاثة ليست هى جزأ من شىء من السور قال ابو حنيفة رض هى اية من
القران نزلت للفصل فلا يقرأ البسملة وعند مالك رض فى الصلاة أصلا ولا مع الفاتحة
ولا مع غيرها وعند ابى حنيفة رض واحمد رض يسن قرأتها مع الفاتحة سرا ولا يقرأ مع
غيرها من السور وفى رواية عن محمد رض يستحب ان يقرأ سرا مع كل سورة وقد ذكرنا فى تفسير
سورة الفاتحة الحجة على انها ليست من الفاتحة ولا من شىء من السور وان النبي صلىاللهعليهوسلم والخلفاء الراشدين لم يجهروا بها فى الصلاة وقد ذكر
الشافعية فى الجهر بالتسمية تسعة أحاديث رواه دار قطنى والخطيب أورد كلها ابن
الجوزي وقال ابن الجوزي قال الدار قطنى كلما روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم فى الجهر بالتسمية فليس بصحيح فاما عن الصحابة فمنه صحيح
ومنه ضعيف وقد روى ابو داود ان النبي صلىاللهعليهوسلم كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وكان مسيلمة يدعى رحمن
اليمامة فقال اهل مكة انما يدعوا محمد الله يمامة فامر الله رسوله فاخفاها حتى مات
وهذا يدل على ان يجهر بها وعدم الجهر بالبسملة مروى عن ابى بكر وعمر وعثمن وعلى
وابن مسعود وعمار بن ياسر وعبد الله بن مغفل وابن الزبير وابن عباس ومن كبار
التابعين منهم الحسن والشعبي وسعيد بن جبير وابراهيم وقتادة وعمرو بن عبد العزيز
والأعمش والثوري وانما يرون خلاف هذا عن معاوية وعطاء وطاؤس ومجاهد كذا قال ابن
الجوزي (وَتَبَتَّلْ) اى انقطع عما سواه (إِلَيْهِ) تعالى (تَبْتِيلاً) مصدر من غير بابه وضع موضع تبتلا لرعاية الفواصل والاشارة
الى ان التبتل فى الغالب امر كسبى يحتاج الى تعمق واجتهاد فالتبتيل مقدم على
التبتل ومن ثم قال الحسن فى تفسيرها اجتهد وقال ابن زيد التبتل رخص الدنيا وما
فيها والتماس ما عند الله فكانه قال تبتل قلبك عما سوى ربك تبتيلا فتبتل لله تعالى
وليس المراد بالتبتل ترك الملاقاة بالناس او التقصير فى أداء حقوق العباد او قطع
نحو ذلك مما امر الله به ان يوصل إذ لا رهبانية فى الدين وان لنفسك عليك حقا
ولاهلك عليك حقا ولضيفك عليك حقا بل المراد به قطع العلاقة الحسية والعلمية عن
القلب وهو معنى القلب قالت الصوفية العلية الطريق الذي نحن بصدده قطعه خطوتان
الخطوة الاولى الانقطاع عن الخلق والثانية الوصول الى الحق وأحدهما لازم للاخر ومن
ثم ذكر الله سبحانه كلا الخطوتين بالعطف بالواو الذي هى للجمع وقدم قوله واذكر اسم
ربك الذي هو عبارة عن
الوصول الى الحق
على التبتل لانه هو المقصود بالتبتل وانما قلنا انه عبارة عن الوصول لان الذكر
الذي لا يتطرق اليه الفتور ولا يستعقبه الذهول هو العلم الحضوري إذ لا يتصور ذلك
فى العلم الحصولى بداهة والعلم الحضوري عبارة عن حضور نفس المعلوم عند العالم وذلك
يعبر بدوام الحضور والوصول والاتصال والاتحاد والبقاء ونحو ذلك بألفاظ شتى وكانت
الأوائل يعبرون عنها بالإخلاص قال ابن عباس وغيره فى تفسير هذه الاية أخلص الله
إخلاصا وانما قال واذكر اسم ربك ولم يقل واذكر ربك لان الملازم للتبتل الذي هو
المعبر بالفناء وانما هو علم الأسماء والصفات دون العلم المتعلق بالذات فانه بعد
وراء الوراء ويحتمل ان يكون المراد بالذكر الذكر باللسان بموافقة القلب وبدوام
الذكر الدوام العرفي بمعنى الإكثار بقدر الطاقة البشرية وذلك يفضى الى التبتل
ووسيلة اليه بشرط الاجتباء عن الله تعالى كما يكون للانبياء والافراد من الأولياء
او جذب من الشيخ وعلى هذا وجه التقديم على التبتل بأظهر تقدم طبعا واعلم ان على
هذا التأويل فى قوله تعالى واذكر اسم ربك اشارة الى تكرير اسم الذات وفى قوله
تعالى. (رَبُّ الْمَشْرِقِ
وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) على قرأة الجر اشارة الى التصور احاطته تعالى بالممكنات
ذكر النفي والإثبات وكلا التكريرين اساسان بطريقة ارباب كمالات الولايات وعلى هذا
التأويل يثبت المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه اعنى قم الليل ورتل القران واذكر
اسم ربك ويظهران كلا من الأمور الاربعة الصلاة وتلاوة القران وذكر اسم الذات
والنفي والإثبات مدار لحصول مراتب القرب والدرجات غير ان الأولين لاهل الانتهاء
والآخرين لاهل الابتداء وانما قدم الأولين على الآخرين لان المخاطب اولا هو النبي صلىاللهعليهوسلم وهو أكمل اهل الانتهاء والله تعالى اعلم (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو وحفص بالرفع على انه خبر
مبتداء محذوف اى هو رب المشرق والمغرب او مبتداء خبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وقرأ الباقون بالجر على البدل من ربك وقيل بإضمار حرف
القسم وجوابه لا اله الا هو (فَاتَّخِذْهُ
وَكِيلاً) الفاء للسببية فان كونه ربا لجميع المخلوقات وتوحده
بالالوهية يقتضى ان يوكل اليه الأمور كلها وفى هذه الاية دفع توهم ان التبتل عن الخلق
يوشك ان يخل فى أموره المعايشة فان الإنسان مدنى الطبع لا يستغنى بعضهم عن بعض
فابطل هذا الوهم بانه تعالى رب المشرق والمغرب وما بينهما من العباد والبلاد
وأفعالهم ومنافعهم والقلوب كلها بيده يصرفها
كيف يشاء لا اله
الا هو لا يتصور النفع ولا الضرر من أحد الا باذنه وإرادته فاتخذه وكيلا حسبك عن
غيره ونعم الوكيل عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير
فغدو خماصا وتروح بطانا رواه الترمذي وابن ماجة وقال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان روح القدس نفث فى روعى ان نفسا لم تمت حتى تستكمل رزقها
الا فاتقوا الله واجملوا فى الطلب رواه البغوي فى شرح السنة والبيهقي فى الشعب وعن
ابى ذر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال الزهادة فى الدنيا ليس بتحريم الحلال واضاعة المال
ولكن الزهادة فى الدنيا ان لا يكون بما فى يديك أوثق مما فى يد الله وان تكون فى
ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها ارغب فيها لو انها أبقيت لك رواه الترمذي قال الشيخ
الاجل امامنا وقبلتنا يعقوب الكرخي رض ان من أول السورة الى هذه الاية اشارة الى
مقامات السلوك من الخلوة بالليل والاشتغال بالقران وذكر الرحمن ونفى ما سواه
والتوكل به ثم أشار الى أعلى مقامات السلوك وهو ابصر على جفاء الأعداء فقال. (وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) اى الكفار من الخرافات فانهم كانوا يقولون كاهن شاعر مجنون
(وَاهْجُرْهُمْ
هَجْراً جَمِيلاً) بان تجانبهم ولا تكافئهم وتكل أمرهم الى الله هذه الاية
نسختها اية القتال. (وَذَرْنِي) اى دعنى (وَالْمُكَذِّبِينَ) اى مع المكذبين فان الواو بمعنى مع ولا يجوز ان يكون للعطف
والمعنى كل أمرهم الى فان لى غنية عنك فى مجازاتهم ولا يحزنك أقوالهم (أُولِي النَّعْمَةِ) ارباب النعمة يريد صناديد قريش (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) زمانا قليلا او امهالا قليلا الى ان يموتوا او يأتي امر
الله بالقتال فيعذبهم الله بايديكم ويشف صدور قوم مومنين ويذهب غيظ قلوبهم قال
مقاتل بن حسان نزلت فيمن هلكوا ببدر فلم يلبثوا الا يسيرا حتى قتلوا ببدر. (إِنَّ لَدَيْنا) تعليل للامر (أَنْكالاً) النكل القيد الثقيل اخرج البيهقي عن الحسن قال الأنكال
قيود من النار (وَجَحِيماً وَطَعاماً
ذا غُصَّةٍ) غير مبالغة تأخذ بالحلق لا تنزل ولا تخرج اخرج ابن جرير
وابن ابى الدنيا فى صفة النار والحاكم والبيهقي عن ابن عباس فى قوله تعالى وطعاما
ذا غصة قال شجرة الزقوم واخرج عبد الله بن احمد عنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من
الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرفع الى الفم فيبقى
بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع (وَعَذاباً أَلِيماً) اخرج ابن ابى الدنيا عن حذيفة مرفوعا انها
لتسقط عليهم اى
على اهل النار حيات من النار وعقارب من نار ولو ان حية منها نفخت بالمشرق احرق من
فى المغرب ولو ان عقربا منها ضربت اهل الدنيا احرقوا من آخرهم وانها لتسقط عليهم
فيكون بين لحومهم وجلودهم واخرج مسلم عن ابى سعيد الخدري ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ان أهون اهل النار عذابا ابو طالب وهو منعل بنعلين
يغلى منهما دماغه واخرج مسلم عن النعمان بن بشير ان أهون اهل النار عذابا من له
نعلان وشراكان من نار يغلى منهما دماغه كغلى المرجل ما يرى ان أحدا أشد منه عذابا
وانه لاهونهم عذابا واخرج الحاكم عن ابى هريرة نحوه. (يَوْمَ تَرْجُفُ
الْأَرْضُ وَالْجِبالُ) ظرف لما فى لدنيا أنكالا من معنى الفعل والظاهر ان رجفة
الأرض والجبال يكون قبل النفخة الاولى وعذاب الكفار بالانكال والجحيم بعد البعث
فوجه الظرفية ان يوم القيامة زمان ممتد مما قبل النفخة الاولى ان يدخل اهل الجنة
الجنة واهل النار النار (وَكانَتِ الْجِبالُ
كَثِيباً مَهِيلاً) عطف على ترجف اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس رض اى رملا
سائلا قال الكلبي هو الرمل الذي إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده. (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ) يا اهل مكة (رَسُولاً) فى الكلام التفات فان فيما سبق من الكلام كان الخطاب مع
النبي صلىاللهعليهوسلم وذكر الكفار فى قوله واصبر على ما يقولون إلخ الى الغيبة
وهذا خطاب مع الكفار وذكر النبي صلىاللهعليهوسلم على الغيبة وفى هذا الكلام تأكيد لما سبق قال الله تعالى
انا سنلقى عليك قولا ثقيلا ومضمون هذه الاية انا أرسلناك فمضمون الآيتين واحد ـ (شاهِداً عَلَيْكُمْ) بالاجابة او الامتناع (كَما أَرْسَلْنا) صفة لمصدر محذوف اى رسالا كارسالنا (إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً) يعنى موسى عليهالسلام. (فَعَصى فِرْعَوْنُ
الرَّسُولَ) موسى عليهالسلام (فَأَخَذْناهُ أَخْذاً
وَبِيلاً) شديدا ثقيلا بعد طعام وبيل اى ثقيل لا يستمرئ ومنه الوابل
للمطر العظيم أغرقه الله تعالى فى البحر ثم ادخله فى النار فكذا يفعل بكم ان تعصوا
رسولكم. (فَكَيْفَ تَتَّقُونَ
إِنْ كَفَرْتُمْ) يا اهل مكة برسولكم (يَوْماً) اى عذاب يوم حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وأعرب
باعرابه وظرف متعلق بتتقون اى كيف تتقون العذاب فى يوم ويحتمل ان يكون مفعولا
لكفرتم اى كيف تتقون العذاب ان كفرتم يوما اى بيوم (يَجْعَلُ الْوِلْدانَ
شِيباً) من شدة هوله وطول زمانه فانه هذا على الفرض او التمثيل
وأصله ان بالهموم يضعف القوى يسرع الشيب وشيبا جمع أشيب كما ان بيضا جمع ابيض عن
ابى سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يقول الله تعالى يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير فى
يديك
قال اخرج بعث
النار قال وما بعث النار قال من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير
وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكرى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد قالوا
يا رسول الله وأينا ذلك الواحد قال ابشروا فان منكم رجلا ومن يأجوج وماجوج الف ثم
قال والذي نفسى بيده أرجو ان تكونوا ربع اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا ثلث
اهل الجنة فكبرنا فقال أرجو ان تكونوا نصف اهل الجنة فكبرنا فقال ما أنتم فى الناس
الا كالشعرة السوداء فى جلد ثور ابيض او كشعرة بيضاء فى جلد ثور اسود متفق عليه
وهذه الجملة صفة ليوم والعائد ضمير الفاعل على المجاز كما فى قولهم صام نهاره
والعائد محذوف لقديره يوما يجعل الله فيه الولدان شيبا. (السَّماءُ) مع عظمتها وأحكامها (مُنْفَطِرٌ) منشق والتذكير على تاويل الشقف او إضمار كلمة شىء اى شىء
منفطر (بِهِ) اى بذلك اليوم اى بشدته فكيف غير السماء الجملة صفة ثانية
ليوما (كانَ وَعْدُهُ
مَفْعُولاً) هذه الجملة صفة ثالثة ليوما والوعد مصدر مضاف الى ضمير
المفعول العائد الى اليوم او العائد محذوف والمصدر مضاف الى الفاعل اى كان وعد
الله بالعذاب فيه مفعولا أورد الجملتين معطوفتين بغير العطف على طريقة الرحمن علم
القرآن خلق الإنسان علمه البيان. (إِنَّ هذِهِ) الآيات نلقيه عليك (تَذْكِرَةٌ) تذكر العباد المبدأ والمعاد وتوضيح السبيل الموصل الى الله
تعالى الى جوده والى انعامه ورضوانه والرشاد (فَمَنْ شاءَ) التذكر وسلوك السبيل الى ربه (اتَّخَذَ إِلى
رَبِّهِ سَبِيلاً) الفاء للسببية اى ليس السبيل الى الله تعالى الا التذكرة
فانه سبحانه اقرب إلينا من أنفسنا وليس الحجاب بيننا إلا حجاب الغفلة وحجاب العظمة
والكبرياء منه تعالى والى تلك الحجب أشار النبي صلىاللهعليهوسلم ان لله تعالى سبعون الف حجابا من نور وظلمة فحجب العظمة
والكبرياء حجب نورانية قال الله تعالى الكبرياء ردائى والعظمة إزاري وحجب الغفلة العباد
حجب ظلمانية لو كشف لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره من خلقه وكشف تلك الحجب
يتيسر بالتذكير فان التذكير يذيل الغفلة ويستوجب المحبة للمعية كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم المرء مع من أحبه فالمحبة يفضى المحب الى المحبوب بحيث لا
تمنعه سرادقات العظمة والكبرياء وإحراق سبحات الوجه كناية عن الفناء والبقاء وان
كان ذلك فى مرتبة العلم قيل الجملة مضمونها التحير وهو مجاز عن التهديد. (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ
أَدْنى) اى اقرب (مِنْ ثُلُثَيِ
اللَّيْلِ) قرأ هشام بسكون اللام والباقون بضمها (وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) قرأ ابن كثير والكوفيون بنصبهما
عطفا على ادنى
يعنى تقوم اقرب من الثلثين وتقوم النصف وتقوم الثلث والباقون بجرهما يعنى اقرب من
النصف ومن الثلث وهذه القراءة يدل على القيام اقل من الثلث فوق الربع وانما قلنا
فوق الربع لما ذكرنا فيما قبل ان قوله تعالى او انقص منه قليلا يقتضى ان يكون
القيام فوق الربع (وَطائِفَةٌ) عطف على فاعل تقوم (مِنَ الَّذِينَ
مَعَكَ) ط اى جماعة أصحابك يقومون على ذلك المقدار اقتداء لسنتك
كذا قال البيضاوي وقال البغوي فى تفسيره يعنى المؤمنين كانوا يقومون معه وهذا
التأويل بعيد جدا فان الذين معه هم المؤمنون دون الكفار كما فى قوله نظر محمد رسول
الله والذين معه فكلمة من للتبعيض يدل على ان القائمين كانوا بعض الصحابة دون كلهم
(وَاللهُ يُقَدِّرُ
اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) عطف على ان ربك وفيه وضع المظهر موضع المضمر تقديره وهو
يقدر الليل والنهار اى يعلم مقاديرهما كما هى وأنتم لا تعلمون كما هى قال البيضاوي
تقديم اسم الله مبتداء مبنيا عليه يقدر يشعر بالاختصاص وهى مذهب عبد القاهر
والزمخشري دون السكاكي (عَلِمَ أَنْ) مخففة واسمها ضمير الشان محذوف (لَنْ تُحْصُوهُ) اى تقدير الأوقات ولن تستطيعوا ضبط الساعات ومن ثم ربط
وجوب الصلاة الخمس بامور ظاهرة كطلوع الصبح والشمس وزوالها وغروبها وقدر الظل
وغروب الشفق (فَتابَ عَلَيْكُمْ) اى رجع عليكم من التشديد الى التخفيف فاسقط عنك ذلك القدر
كيلا يشق على أمتك التأسي به (فَاقْرَؤُا ما
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ط الفاء للسببية ومعناه صلوا ما تيسر من الصلاة بالليل عبر
عن الصلاة بالقراءة هاهنا كما عبر بالقيام فيما سبق تسمية الكل باسم الجزء فهذه
الاية يقتضى كون القراءة ركنا للصلوة كما تقتضى تلك الاية بركنية القيام وعلى هذا
العقد الإجماع ايضا فهذه الآية نسخ قيام الليل ذلك المقدار وبقي مطلق القيام
بالليل واجبا ثم نسخ ذلك بالصلوات الخمس فصار تطوعا بعد فريضة يدل على ذلك ما ذكر
من قول عائشة رض وابن عباس رض ومقاتل وابن كيسان قلت على تقدير كون القيام بالليل
واجبا فى الابتداء على النبي صلىاللهعليهوسلم وعلى أمته فكون ذلك منسوخا فى حق أمته امر مجمع عليه واما
كونه منسوخا فى حق النبي صلىاللهعليهوسلم سواء كان فى الابتداء واجبا عليه خاصة او عليه وعلى أمته
عامة فقد اختلف فيه فقيل لم ينسخ فى حق النبي صلىاللهعليهوسلم بل كان قيام الليل واجبا عليه صلىاللهعليهوسلم خاصة الى اخر عمره وقيل بل نسخ عنه صلىاللهعليهوسلم ايضا وكان عليه الصلاة نافلة وهو الصحيح المختار عندى ويدل
عليه قوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك فانه صريح فى كونه نافلة فان قيل
معنى النافلة الزائدة يعنى زائدة فى الوجوب عليك لا على أمتك قلت لو كان كذلك يقال
عليك فان صلة الوجوب تكون على
دون اللامم فان
قيل فى وجه تخصيصه به عليه الصلاة والسلام فانها نافلة لجميع الناس غير ممنوعة عن
أحد قلنا وجه التخصيص على ما روى عن مجاهد والحسن وابى امامة ان تسميتها نافلة فى
حقه صلىاللهعليهوسلم خاصة باعتبار كونها عامة فى رفع الدرجات بخلاف غيره فانها
فى حق غيره نافلة فى تكفير السيئات غالبا ويدل ايضا على كون قيام الليل تطوعا فى
حق النبي صلىاللهعليهوسلم حديث المغيرة قال قام النبي صلىاللهعليهوسلم حتى تورمت قدماه فقيل له لم تصنع هذا وقد غفر الله ما تقدم
من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا ولم يقل انها فريضة على خاصة وحديث ابن
عمر رض قال كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يصلى فى السفر على راحلته حيث توجهت به يومى ايماء صلوة
الليل الا الفرائض ويوتر على راحلته متفق عليه (مسئلة :) اختلفوا فى ان صلوة الليل
فى حق الامة من سنن الهدى المؤكدات او من المستحبات فقيل هى مندوب فى حقنا وهذا
قول من قال هى كانت فريضة على النبي صلىاللهعليهوسلم حتى مات قالوا الادلة القولية يفيد الندب والمواظبة
الفعلية لم يكن على سبيل التطوع والسنة ما واظب عليه النبي صلىاللهعليهوسلم من التطوع والمختار عندى انها من سنن الهدى كما ذكرنا ان
مواظبته صلىاللهعليهوسلم كان على وجه التطوع وعلى تقدير تسليم كون المواظبة على
سبيل الوجوب فمواظبته صلىاللهعليهوسلم اى وجه كان يقتضى كون الفعل مسنونا ما لم يكن ممنوعا فى حق
غيره كصوم الوصال مثلا وممّا يدل على كونه سنة مؤكدة حديث ابن مسعود قال ذكر عند
النبي صلىاللهعليهوسلم رجل فقيل له ما زال نائما حتى أصبح ما قام الى الصلاة قال
ذلك رجل بال الشيطان فى اذنه او قال فى اذنيه متفق عليه فان ترك المندوب لا يستحق
عليه اللوم والعتاب والله تعالى اعلم ـ وقيل المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من
القران القران فى الصلاة الخمس وقال الحسن يعنى فى صلوة المغرب والعشاء قال البغوي
قال قيس بن حازم صليت خلف ابن عباس رض بالبصرة فقرأ فى أول ركعته بالحمد وأول اية
من البقرة ثم قام فى الثانية فقرأ بالحمد والاية الثانية من البقرة ثم ركع فلما انصرف
اقبل علينا بوجهه فقال ان الله عزوجل يقول فاقرؤا ما تيسر منه ويحتمل ان يكون المراد منه فاقرؤا
القران بعينه كيف ما تيسر لكم (مسئلة :) اختلفوا فى مقدار القراءة التي لا يجوز
الصلاة الا بها ومقدار الواجب منها فى الصلاة فقال ابو حنيفة رض فى احدى الروايات
عنه ان ما هو ركن للصلوة ولا يصح الصلاة الا به هو ادنى ما يطلق عليه اسم القران
ولم يشبه قصد الخطاب واحد او نحوه ويقتضى هذه الروايات الجواز بدون الاية وبه جزم
القدورى وفى رواية عنه وعن احمد هو اية تامة لا يجوز الصلاة بما دون ذلك واختاره
صاحب الهداية وفى رواية عنه وبه قال ابو يوسف رض ومحمد رض انه ثلث آيات قصار مثل
سورة الكوثر او
اية طويلة تساوى الثلث لكن يجب عند ابى حنيفة رض وصاحبيه قراءة الفاتحة وقدر سورة
معه فان ترك شيئا منها يجب سجدة السهو ان كان ترك سهوا فان لم يسجد وترك عمدا يأثم
ويجب عليه الاعادة من غير افتراض وقال مالك رض والشافعي رض واحمد رض لا يصح الصلاة
الا بفاتحة الكتاب وسن عندهم ضم السورة ولا يجب احتجوا بقوله صلىاللهعليهوسلم لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب متفق عليه من حديث
عبادة بن الصامت ورواه الدار قطنى بلفظ لا يجوز صلوة من لم يقرأ بفاتحة الكتاب
وقال اسناده صحيح رواه ابن خزيمة وابن حبان بهذه اللفظ من حديث ابى هريرة رض وفيه
قال الراوي قلت ان كنت خلف الامام قال فاخذ بيدي وقال اقرأ بها فى نفسك وروى مسلم
واحمد عن ابى هريرة رض بلفظ من صلى صلوة لم يقرأ فيها بام القران فهى خداج هى خداج
غير تمام فقلت يا أبا هريرة أحيانا أكون وراء الامام فقال اقرأ بها فى نفسك يا
فارسى وروى الحاكم من طريق اشهب عن ابى عتبة عن ابى هريرة عن محمد بن الربيع عن
عبادة مرفوعا أم القرآن عوض عن غيرها وليس غيرها عوضا عنها وبما ذكرنا من اختلاف
ألفاظ الحديث ظهر لك اندفاع ما قيل ان معنى قوله لا صلوة الا بفاتحة الكتاب صلوة
كاملة كما فى قوله عليه الصلاة والسلام لا صلوة لجار المسجد الا فى المسجد لان هذا
التأويل لا يجرى فى اكثر ما ذكرنا من الألفاظ على ان متعلق الجار والمجرور الواقع
خبر الا يقدر الا عاما اى لا صلوة كائنة وعدم الوجود شرعا هو عدم الصحة غير ان فى
حديث لا صلوة الا فى المسجد لما قام الدليل عليه وهو الإجماع قلنا المراد هناك كون
خاص اى كاملة فهو من باب حذف الخبر لا من باب وقوع الجار والمجرور خبرا وما مر فى
تفسير سورة الفاتحة حديث قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين الحديث يدل على ان الصلاة
لا يكون الا بفاتحة الكتاب وابو حنيفة رض أخذ بهذا الحديث قال بوجوب الفاتحة فى
الصلاة ووجوب ضم السورة ايضا لما روى فى بعض الروايات لا صلوة لمن لم يقرأ بفاتحة
الكتاب فصاعدا رواه مسلم وابو داود وابن حبان وروى ابن ماجة عن ابى سعيد بلفظ لا
صلوة لمن لم يقرأ فى كل ركعة بالحمد وسورة فى فريضة او غيرها واسناده ضعيف ولابى
داود من طريق همام عن قتادة عن ابى بصر عن ابى سعيد قال أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر واسناده صحيح ولم يقل ابو
حنيفة رض بكون الفاتحة ركنا للصلوة بحيث لا يجوز الصلاة الا بها عملا بهذه الاية
فاقرؤا ما تيسر من القرآن قال صاحب الهداية الزيادة على الكتاب القطعي غير الواحد
لا يجوز لكنه يوجب العمل
فقلنا بوجوبهما
والصحيح عندى ان الفاتحة وكذا ضم السورة ركن للصلوة لا يجوز الصلاة الا بهما
والاستدلال بهذه الاية على نفى الركنية لا يصح لان الظاهر فى تاويل الاية كما
ذكرنا ان المراد بالقراءة نفس الصلاة بالليل ومعنى قوله تعالى فتاب عليكم فاقرؤا
ما تيسر انه خفف عنكم فى قيام الليل فصلوا ما تيسر لكم الصلاة فلا دلالة بهذه
الاية على قدر القراءة وما لا بد منه وما قيل فى تأويله انه ما تيسر من القران فى
الصلاة الخمس فتاويل بعيد واحتمال ضعيف والاحتمال لا يتصور كونه حجة للوجوب فكيف
يحكم عليه بكونه قطعيا لا يجوز الزيادة عليه بخبر الواحد كيف والحديث تلقته الامة
بالقبول وانعقد الإجماع على العمل به وتوارث النقل وتواتر المعنى ان النبي صلىاللهعليهوسلم واحد من السلف والخلف لم يصل بغير الفاتحة وبمثل هذا الخبر
والنقل التوارث يزاد على الكتاب اجماعا على ان الصلاة مجمل وأحاديث الآحاد يحتمل
ان يكون بيانا للجمل ويبين أركانا لها ولقد قالت الحنفية القعدة الاخرة واستدلوا
عليه بحديث ابن مسعود رض فى التشهد إذا قلت هذا او فعلت هذا فقد نمت صلوتك ان شئت
ان تقوم فقم وان شئت ان تقعد فاقعد قالوا علق التمام بأحد الامرين فهو فرض مع ان
الحديث من الآحاد ايضا والله تعالى اعلم وقد يستدل الحنفية على عدم ركنية الفاتحة
بحديث ابى هريرة فى قصة المسيئ صلوته انه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قمت الى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسرك من القران
الحديث متفق عليه والجواب ان هذا الحديث وجوب القراءة مطلقا وما مر من قوله صلىاللهعليهوسلم الا بفاتحة الكتاب يدل التعيين فالعمل بالحديثين بحمل
المطلق على المقيد قلنا بركنية الفاتحة وقد ورد فى بعض طرق حديث المسيئ صلوته بلفظ
فكبر ثم اقرأ بام القران ثم اقرأ بما شئت به الحديث رواه احمد من حديث رفاعة بن
رافع ورواه الدار قطنى من حديثه بلفظ ثم يكبر الله ويثنى عليه ثم يقرأ بام القران
وما اذن له فيه وما تيسر الحديث (مسئلة :) هل يجب القراءة على المقتدى أم لا فقال
الشافعي رض يجب عليه قرأة الفاتحة كالامام والمنفرد قال البغوي كذا روى عن عمر رض
وعثمان رض وعلى رض وابن عباس رض ومعاذ رض وقال ابو حنيفة رض ومالك رض واحمد رض لا
يجب ثم اختلفوا فقال ابو حنيفة رض يكره مطلقا وقال مالك رض واحمد رض يكره فى الجهرية
فقط وقال احمد رض يستحب فى السرية وكذا فى الجهرية عند سكتات الامام ان سكت لا مع
قرأته وبه قال الزهري رض ومالك رض وابن المبارك رض ويروى ذلك عن ابن عمرو عروة بن
الزبير وابو القاسم بن محمد وجه القول بسقوط القراءة عن المقتدى حديث جابر عن
النبي صلىاللهعليهوسلم قال من كان له امام فقرأة الامام قرأة له رواه احمد والدار
قطنى من طريق جابر الجعفي وضعفه الدار قطنى وقال ابن الجوزي وثقه الثوري
وشعبة ورواه الدار
قطنى من طريق اخر وفيه لبث وقال ضعفه ابن علية وقال احمد حدث عن الناس ومن طريق
اخر فيه يحى بن سلام بلفظة كل صلوة لا يقرأ فيها بام الكتاب فهى خداج الا ان يكون
وراء الامام قال الدار قطنى يحى بن سلام ضعيف وقال ابن الجوزي لم نر أحدا ضعفه قال
الدار قطنى والبيهقي وابن عدى الصحيح انه مرسل فان الحفاظ كسفيانين وابى الأحوص
وشعبة وإسرائيل وشريك وابن خلد الدالاني وجرير وعبد الحميد وزائدة وزهير رووه عن
موسى بن عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلىاللهعليهوسلم مرسلا قلنا المرسل عندنا حجة وما ذكر فى الطرف المتصلة قد
سمعت ان ابن الجوزي أنكر تضعيفه على انه قد رواه ابو حنيفة بسند صحيح على شرط
الشيخين روى محمد فى مؤطاه انا ابو حنيفة ثنا ابو الحسن موسى بن ابى عائشة عن عبد
الله بن شداد عن جابر عن النبي صلىاللهعليهوسلم ورواه احمد ابن منيع فى مسنده بسند صحيح على شرط مسلم قال
انا اسحق الأرزق ثنا سقيان وشريك عن موسى ابن ابى عائشة عن عبد الله بن شداد عن
جابر وفى الباب أحاديث اخر ضعيفة لم نذكرها كراهة الاطناب فان قيل قوله تعالى
فاقرؤا ما تيسر من القران عام فى المصلين فلا يجوز تخصيصه بخبر الآحاد وعلى اصل
ابى حنيفة قلنا هى عام خص منه البعض وهو المدرك فى الركوع اجماعا فجاز تخصيصها
بعده فى المقتدى ووجه القول بالاستحباب فى السرية حديث عبادة بن الصامت قال قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يقرأن أحد منكم شيئا من القران إذا جهرت بالقراءة إلا
بأم القران رواه الدارقطني وقال رجاله كلهم ثقات فتخصيص المنع بالجهرية يقتضى
الاستحباب فى السرية واستثناء أم القران يقتضى قرأتها عند السكتات جمعا بين
الأحاديث وعملا بقوله تعالى وإذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا والله تعالى اعلم
وروى عن جماعة من الصحابة ترك القراءة خلف الامام رواه مالك فى المؤطا عن نافع عن
ابن عمر انه كان لا يقرأ خلف الامام وروى الطحاوي عن زيد بن ثابت وجابر قالوا لا
تقرأ خلف الامام فى شىء من الصلاة وروى محمد فى المؤطا انه سئل ابن مسعود رض عن
القراءة خلف الامام قال انصت فان فى الصلاة شغلا ويكفيك الامام وروى محمد بن سعد
قال وددت الذي يقرأ خلف الامام فى فيه جمرة وروى نحوه عبد الرزاق الا انه قال فى
فيه حجر وروى محمد عن داود بن قيس عن عجلان ان عمر بن الخطاب قال ليت فى فم الذي
يقرأ خلف الامام حجرا وروى ابن ابى شيبة فى مصنفه عن جابر قال لا يقرأ خلف الامام
ان جهر ولا ان خافت وهذه الأقوال وجه الكراهة فى الجهرية بل فى السرية ايضا
بإطلاقها وايضا ترك القراءة فى الجهرية مقتضى فى قوله تعالى
وإذا قرئ القران
فاستمعوا له وانصتوا وقوله صلىاللهعليهوسلم إذا قرئ فانصتوا رواه ابو داود والنسائي وابن ماجة من حديث
ابى هريرة وسنذكر تفسير تلك الاية ان شاء الله تعالى (مسئلة :) هل يجب القراءة فى
كل ركعة من فرض ونفل فقال الشافعي رض واحمد رض ومالك رض يجب فى كل ركعة مطلقا لان
الأمر بالقراءة كالامر بالركوع والسجود وغير انه فى رواية عن مالك ان ترك القراءة
فى ركعة واحدة من الفرض الثلاثي والرباعي ينجر بسجود السهو وقال ابو حنيفة فى
الوتر والنفل يجب فى كل ركعة ولا ينجر بالسجود فان كل شفعة منه صلوة واما فى الفرض
فلا يجب الا فى الركعتين وكان القياس وجوبها فى ركعة واحدة لان الأمر لا يقتضى
التكرار ولكن قلنا القراءة وقدرها فلا يلتحقان بهما وهذا الكلام يتوقف على كون
المراد بقوله تعالى فاقرؤا ما تيسر من القران فى القراءة فى الصلاة وذلك ممنوع
وللجمهور حديث ابى هريرة قال دخل رجل المسجد فصلى والنبي صلىاللهعليهوسلم فى المسجد ثم جاء الى النبي صلىاللهعليهوسلم فسلم عليه فرد عليهالسلام وقال ارجع فصل فانك لم تصل ففعل ذلك ثلث مرات فقال والذي
بعثك بالحق نبيا ما احسن غير هذا فعلمنى فقال إذا قمت الى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما
تيسر معك من القران ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى
تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا وفى رواية ثم ارفع حتى تستوى قائما ثم افعل
ذلك فى صلوتك كلها متفق عليه وحديث رفاعة الرزقي نحوه رواه احمد وابو داود
والترمذي والنسائي وحديث ابى قتادة ان النبي صلىاللهعليهوسلم كان يصلى فيقرأ فى الظهر والعصر فى الركعتين الأوليين
بفاتحة الكتاب وسورتين وفى الركعتين الأخريين بام القران وكان يطيل أول ركعة من
صلوة الفجر وأول ركعة من صلوة الظهر متفق عليه وهذا الحديث مع قوله صلىاللهعليهوسلم صلوا كما رأيتمونى أصلي التحق بيانا بجمل الكتاب وحديث ابى
الدرداء ان رجلا قال يا رسول الله أفي كل صلوة قران قال نعم فقال رجل من الأنصار
وجبت هذه فان قيل هذه الأحاديث من الآحاد ولا يجوز به الزيادة على الكتاب أجيب
بانه على تقدير تسليم هذه المسألة الاصولية نقول بان هذا الحكم انما هو إذا كان
الكتاب قطعى الدلالة وقوله تعالى فاقرؤا ليس بل يحتمل وجوه التأويل وان القراءة
المأمور بها فى الصلاة مجمل يجوز ان يلتحق أحاديث الآحاد بها بيانا والله تعالى
اعلم (عَلِمَ) الله (إِنَ) مخففة من المثقلة وضمير الشان محذوف (سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى) بدل اشتمال من قوله تعالى علم ان لن تحصوه وتكرار فاقرؤا
للتاكيد وقيل استيناف لبيان حكمة اخرى مقتضية للتخفيف
ولذلك كرر الحكم
مرتبا عليه (وَآخَرُونَ) عطف على اسم يكون (يَضْرِبُونَ) اى يسافرون (فِي الْأَرْضِ) للتجارة او لتحصيل العلم وللحج (يَبْتَغُونَ) حال من ضمير يضربون (مِنْ فَضْلِ اللهِ) الربح فى التجارة او العلم والثواب (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللهِ) فلا يطيقون هؤلاء الأصناف سنة قيام الليل ذكر البغوي عن
ابراهيم عن ابن مسعود رض قال أيما رجل جلب شيئا الى مدينة من مدائن المسلمين صابرا
محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء ثم قرأ عبد الله وآخرون
يضربون فى الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون فى سبيل الله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) اى من القرآن فان قيل كلمة ما عام شامل يشتمل جميع ما تيسر
فيلزم ان يكون المأمور به ذلك قلنا سوق الكلام يقتضى تخير المكلفين فى جميع افراد
ما تيسر فاى فرد منها اتى به فقد اتى بالمأمور به (مسئلة) ويستحب القصد فى العمل
والتوسط دون الافراط والتفريط ويستحب المواظبة على المتوسط دون الافراط تارة وترك
اخرى واد فى المتوسط يقرأ خمسين اية ومائة وأكثره الف اية حتى يكون الختم فى
الأسبوع اخرج الطبراني عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم فاقرءوا ما تيسر منه قال مائة اية قال ابن كثير غريب جدا
وروى البغوي بسنده عن انس انه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول من قرأ خمسين اية فى يوم وليلة لم يكتب من الغافلين
ومن قرأ مائة اية كتب من القانتين ومن قرأ مائتى اية لم تحاجه القران يوم القيامة
ومن قرأ خمسمائة اية كتب له قنطار من الاجر وروى الدارمي عن الحسن مرسلا ان النبي صلىاللهعليهوسلم قال من قرأ فى ليلة مائة اية لم يحاجه القرآن تلك الليلة
ومن قرأ فى ليلة مائتى اية كتب له قنوت ليلة ومن قرأ خمسمائة اية الى الف له صحيح
فله قنطار من الاجر قالوا وما القنطار قال اثنى عشر الف درجة وروى مسلم عن عبد
الله بن عمرو قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اقرء القرآن فى كل شهر قال قلت انّى أجد قوة قال فاقرءه فى
عشرين ليلة قال قلت انى أجد قوة قال فاقرأ فى سبع ولا تزد على ذلك وفى الصحيحين عن
عائشة قالت قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أحب الأعمال الى الله أدومها وان قل وفيهما عنها قالت قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم خذوا من الأعمال ما يطيقون فان الله لا يمل حتى تملوا
وفيهما عن انس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليصل أحدكم نشاطه وإذ فتر فليقعد وفيهما عن عائشة قالت قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا نعس أحدكم وهو يصلى فليرقد حتى يذهب عنه النوم فان
أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدرى لعله يستغفر فيسب نفسه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) المكتوبة الجملة مع
ما عطف عليه
معطوفة على فاقرؤا وكلمة الواو للجمعية فهذا العطف يقتضى ان قيام الليل بما تيسر
من القران لم ينسخ بالصلوات الخمس كما قيل فثبت ان الأمر كان للندب دون الوجوب
والله تعالى اعلم (وَآتُوا الزَّكاةَ) المفروضة (وَأَقْرِضُوا اللهَ) قال ابن عباس المراد به الانفاق سوى الزكوة من صلة الرحم
وقرى الضيف قلت ويحتمل ان يكون المراد به مطلق الطاعات لله تعالى وان يكون المراد
به الزكوة على احسن الوجه يدل عليه قوله تعالى (قَرْضاً) مفعول مطلق من قبيل أنبته الله نباتا (حَسَناً) صفة للمصدر وفيه ترغيب لوعد العوض (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ
خَيْرٍ) عبادة بدنية او ما فيه شرط جزاءه (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً
وَأَعْظَمَ أَجْراً) ط من الذي توخرونه الى الوصية عند الموت ومن متاع الدنيا
وخيرا ثانى مفعولى تجدوه وهو الضمير الفصل لا محل له من الاعراب لان افعل من حكمه
حكم المعرفة فلذلك يمتنع من حرف التعريف عن عبد الله قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أيكم ماله أحب اليه من مال وارثه قالوا ما منا أحد الا
ماله أحب اليه من مال وارثه قال اعلموا ما تقولون قالوا ما نعلم الا ذلك يا رسول
الله قال ما منكم رجل الا مال وارثه أحب اليه من ماله قالوا كيف يا رسول الله قال
انما مال أحدكم ما قدم ومال وارثه ما اخر رواه البغوي (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) ط لذنوبكم الجملة معطوفة على اقيموا الصلاة إلخ وفيه اشارة
الى ان الإنسان لا يعتبر باعمال البر ولا يتكل عليه بل لا بد مع ذلك من الاستغفار
فان ما صدر منه من الطاعات قلما يخلو من التقصيرات ثم كلما صدر من العبد وان جل
فهو بالنسبة الى جناب قدسه وجلالته وعظمته لا يليق به تعالى ما لم ينضم معه
الاعتراف بالعجز والقصور والذل (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) عن تقصيراتكم (رَحِيمٌ) بكم يعطى الثواب الجزيل على العمل القليل.
سورة المدّثر مكيّة وهى ست وخمسون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى الشيخان فى
الصحيحين عن يحى بن كثير قال سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القران
قال يايها المدثر قلت يقولون اقرء باسم ربك قال ابو سلمة سالت جابرا عن ذلك وقلت
له مثل الذي قلت لى فقال لى لا أحدثك الا ما حدثنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت هبطت فنوديت فنظرت عن
يمينى فلم ار شيئا ونظرت عن شمالى فلم ار شيئا ونظرت عن خلف فلم ار شيئا فرفعت
راسى فرايت شيئا فاتيت خديجة فقلت دثرونى دثرونى وصبوا على ماء باردا فنزلت يايها
المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر وذلك قبل ان يفرض الصلاة قلت
والمرفوع من الحديث لا يدل على نزول هذه السورة قبل اقرأ والصحيح ان نزول اقرء قبل
ذلك كما سنذكر فى شان نزوله فى تلك السورة ان شاء الله تعالى ويدل على هذا ما رواه
الشيخان عن جابر ايضا انه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحدث عن فترة الوحى فبينا انا امشى سمعت صوتا من السماء
فرفعت بصرى فاذا الملك الذي جاء فى بحراء قاعد على كرسى بين السماء والأرض فجئت
فيه رعبا حتى هويت الأرض فجئت أهلي فقلت زملونى زملونى فانزل الله تعالى يايها
المدثر قم فانذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ثم حمى الوحى وتتابع فان هذه
الرواية صريحة فى ان نزول سورة المدثر بعد فترة الوحى وكان روية الملك بحراء قبل
ذلك واخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس ان وليد بن مغيرة صنع لقريش طعاما فلما
أكلوا قالوا ما تقولون فى هذا الرجل فقال بعضهم ساحر وقال بعضهم ليس بساحر وقال
بعضهم كاهن وقال بعضهم ليس بكاهن وقال بعضهم شاعر وقال بعضهم ليس بشاعر وقال بعضهم
سحر يوثر فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فحزن ورفع راسه وتدثر فانزل الله تعالى يايها المدثر الى
قوله (وَلِرَبِّكَ
فَاصْبِرْ) (يا أَيُّهَا
الْمُدَّثِّرُ قُمْ) من مضجعك او قم قيام عزم وجد (فَأَنْذِرْ) حذف المفعول ليدل على التعميم يعنى انذر الناس أجمعين
بعذاب العالمين لمن أشرك به. (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) الفاء فيه وفيما بعده لافادة معنى الشرط تقديره اما ربك
فكبر يعنى مهما
يمكن من شىء وكنت على اى حال فكبر ربك قلت ويحتمل ان يكون تقديره وكبر ربك فكبره
والغرض بالتكرار استمرار نفسه عليه ومعنى كبر عظمه عن الحدوث وعن سمات النقص
والزوال وعن التشريك فى وجوب الوجود والالوهية والتشريك فى العبادة والتشبيه بشىء من
الممكنات فى شىء من الذات والصفات والافعال وصفه باوصاف الكمال ما لا يتصف به غيره
وهذا أول ما يجب على الإنسان وأهم من جميع الواجبات ولا يحتمل العفو والسقوط ويحكم
به العقل قبل النقل لكن العقل غير كاف فى دركه كما ينبغى (مسئلة :) احتج الفقهاء
لهذه الاية على فرضية التكبير لتحريمة الصلاة لكن قال ابو حنيفة رض ومحمد رض انها
تنعقد لكل لفظ يوجب التعظيم نحو الله أجل والله أعظم ولا اله الا الله والرحمن
اكبر وغير ذلك لا بلفظة الله اكبر وحده لان المأمور به التكبير وهو التعظيم وقال
ابو يوسف رض ان كان يحسن ان يقول الله اكبر فلا يجزيه الا ذاك او الله الأكبر او
الله الكبير لان الالف واللام ابلغ فى الثناء وافعل وفعيل فى أوصافه سواء وقال
الشافعي رض لا يجوز الا الله اكبر والله الأكبر وقال مالك رض واحمد لا يجوز الا
الله اكبر فقط والصحيح ان هذه الاية ليست فى تكبير التحريمة كما فى الصحيحين انه
أول القران نزولا وذلك قبل ان يفرض الصلاة والقول بان التكبير لم يجب خارج الصلاة
واصل الأمر للوجوب فالثابت بهذه الاية وجوبها فى الصلاة ممنوع بل التحقيق ان
التكبير هو التوحيد أول ما يجب على الإنسان ولا يحتمل السقوط والتحقيق فى باب
التحريمة ان الصلاة مجمل الحق بها فعل النبي صلىاللهعليهوسلم بيانا وقد تواتر صيغة الله اكبر للتحريمة ولم ينقل عنه صلىاللهعليهوسلم ولا عن أحد من الصحابة شروع الصلاة بغير ذلك ولو كان
الشروع بغير ذلك جائز الفعل ذلك للجواز فظهر انه بعينه هو الفريضة لا غير وقد ورد
فى بعض طرق حديث رفاعة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال لا يقبل الله صلوة امرأ حتى يسبغ الوضوء ثم يستقبل
ويقول الله اكبر. (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) قال قتادة ومجاهد نفسك فطهرها من الذنب كنى عن النفس
بالثوب وهو قول ابراهيم والضحاك والشعبي والزهري وقال عكرمة سئل عن ابن عباس عن
قوله وثيابك فطهر قال لا تلبسها على معصية وعلى عذرة ثم قال سمعت قول غيلان بن
سلمة الثقفي وانى بحمد الله لا ثوب فاجر لبست ولا من عذرة أتقنع ـ وكذا
قال ابى بن كعب وروى عن الضحاك معناه عملك فاصلح وقال السدى يقال للرجل إذا كان
صالحا انه طاهر الثياب وإذا كان فاجرا انه لخبيث الثياب وقال سعيد بن جبير وقلبك
وبيتك فطهر وقال الحسن وخلقك فحسن وقال ابن سيرين وابن زيد امر بتطهير الثياب
من النجاسات التي
لا يجوز الصلاة معها وذلك ان المشركين لا يتطهرون ثيابهم وقال طاؤس وثيابك فقصر
لان تقصير الثوب طهارة لها قلت والظاهر عندى انه امر بتطهير الثياب فالواجب
بالمنطوق وعبارة النص انما هو تطهير الثوب وبدلالة النص يجب تطهير البدن بالطريق
الاولى فان الله سبحانه القدوس المطهر الطاهر لما لم يرض بنجاسة الثوب فكيف يرضى
بنجاسة البدن وهو فوق ذلك واقرب منه وبنجاسة النفس او القلب فانه اقرب من البدن ان
الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (مسئلة :) احتج الفقهاء بهذه الاية لاشتراط
طهارة الثوب والمكان والبدن عن النجاسة الحقيقية للصلوة والصحيح عندى انه لا دلالة
على اشتراطها للصلوة بل على وجوب الطهارة الثلث فى جميع الأحوال لكن انعقد الإجماع
على اشتراطها للصلوة والسند للاجماع انه ثبت بمحكم التنزيل الطهارة من الأحداث
فيجب لطهارة عن الاخباث بالطريق الاولى قال الله تعالى فى اية الوضوء ما يريد الله
ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وقال الله تعالى طهّرا بيتي للطائفين
والعاكفين والركع السجود والله تعالى اعلم ـ عن
ابن عباس قال مر النبي صلىاللهعليهوسلم بقبرين فقال انهما يعذبان وما يعذبان فى كبيرة اما أحدهما
فكان لا يستتر من البول وفى رواية لمسلم لا يستنزه من البول واما الاخر فكان يمشى
بالنميمة الحديث متفق عليه. (وَالرُّجْزَ
فَاهْجُرْ) قرأ ابو جعفر وحفص عن عاصم ويعقوب الرجز بضم الراء
والباقون بكسرها وهما لغتان ومعناهما واحد قال مجاهد وعكرمة وقتادة والزهري وابن
زيد وابو سلمة المراد بالرجز الأوثان قال فاهجرها ولا تقربها وروى عن ابن عباس ان
معناه اترك الإثم وقال ابو العالية والربيع الرجز بضم الراء الصنم وبالكسر النجاسة
والمعصية وقال الضحاك يعنى الشرك وقال الكلبي يعنى العذاب يعنى اهجر ما يوجب
العذاب من العقائد والأعمال. (وَلا تَمْنُنْ
تَسْتَكْثِرُ) اى لا تعط مالك لتعطى اكثر منه هذا قول اكثر المفسرين قال
قتادة لا تعط شيئا طمعا لمجازاة الدنيا بل لوجه الله خالصا وجملة تستكثر حال من
فاعل لا تمنن قيل هذا نهى تنزيهى وقال الضحاك ومجاهد كان هذا الحكم فى حق النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة قال الضحاك بهما ربوان حلال وحرام اما الحلال
فالهدايا اما الحرام فالربوا وقال الحسن معناه لا تمنن على الله بعملك فتستكثر يعنى
مستكثرا عملك وقال لا تستكثرون عملك فى عينك فانه فيما أنعم الله عليك قليل وروى
خصيف عن مجاهد ولا تضعف ان تستكثر من الخير عن قولهم جهل منين اى ضعيف وقال ابن
زيد معناه لا تمنن بالنبوة على الناس فتاخذ عليها عوضا واجرا من الدنيا وقيل معناه
لا تمنن على الفقير
إذا أعطيته
مستكثرا اعطائك. (وَلِرَبِّكَ
فَاصْبِرْ) ط تقديره واما لربك فاصبر على طاعاته وأوامره ونواهيه
والمصائب لاجل ثواب الله تعالى وابتغاء مرضاته والتقدير واصبر لربك فاصبر كرر
للتاكيد او لتنوع انواع الصبر وقال مجاهد فاصبر اليه على ما أوذيت وقال ابن زيد معناه
حملت امرا عظيما محاربة العرب والعجم فاصبر عليه لله عزوجل وقيل فاصبر تحت موارد القضاء لاجل الله. (فَإِذا نُقِرَ) اى نفخ (فِي النَّاقُورِ) فى الصور فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله قرع الشيء
المفضى الى النقب ومنه المنقار للطائر كذا فى الصحاح قال ابو الشيخ بن حيان فى
كتاب العظيمة عن وهب بن منبة قال خلق الله الصور من اللؤلؤ البيضاء فى صفاء
الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ
الصور فاخذه وبه نقب بعد وكل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا يخرج روحان من نقب واحد
وفى وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض واسرافيل واضع فيه على تلك الكرة ثم قال
له الرب تبارك وتعالى قد وكلتك فانت بالنفخة والصيحة فدخل فى مقدم العرش ادخل رجله
اليمنى تحت العرش وقدم اليسرى ولم يطرف قد خلقه الله ينتظر متى يوم مروا اخرج احمد
والترمذي والطبراني بسند جيد عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحتى جبهته وأصغى
بالسمع متى يومر فشق ذلك على الصحابة فقال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل واخرج
احمد والحاكم عن ابن عباس نحوه بزيادة على الله توكلنا والفاء فى فاذا نقر لسببية
كانه قال اصبر على اذاهم فبين أيديهم زمان صعب تلقى فيه عاقبة صبرك وإذا ظرف لما
دل عليه قوله. (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ
يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ) معناه يعسر الأمر على الكافرين يومئذ لتضمن إذا معنى الشرط
دخل الفاء فى قوله فذلك وذلك اشارة الى وقت النقر مبتداء خبره يوم عسير ويومئذ
بدله فهو فى محل الرفع مبنى الاضافة الى غير متمكن (غَيْرُ يَسِيرٍ) تأكيد بمنع ان يكون عسيرا من وجه ويسيرا من وجه وفيه اشارة
الى كونه يسيرا على المؤمنين ذكر البغوي ان الله تعالى لما انزل على النبي صلىاللهعليهوسلم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم غافر الذنب وقابل
التوب شديد العقاب ذى الطول لا اله الا الله هو اليه المصير قام النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمسجد والوليد بن مغيرة قريب منه يسمع قرأته فلما فطن
النبي صلىاللهعليهوسلم لاستماعه قرأته أعاد قراءة الاية فانطلق الوليد حتى اتى
مجلس قومه بنى مخذوم فقال والله لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الانس
ولا هو من كلام الجن ان له لحلاوة وان عليه لعلاوة وان أعلاه لمثمر
وان أسفله لمعذق
وان يعلو ولا يعلى ثم انصرف الى منزله فقالت قريش صبا والله الوليد والله ليصبان
قريش كلهم وكان يقال للوليد ريحانة قريش فقال ابو جهل انا أكفيكموه فانطلق فقعد
الى جنبه حزينا فقال مالى أراك حزينا يا ابن أخي فقال ما يمنعنى ان لا احزن وهذه
قريش يجمعون لك بقية يعنونك على كبر سنك ويزعمون انك زينت كلام محمد وتدخل على ابن
كثير وابن ابى قحافة ليتنال من فضل طعامهم فغضب الوليد فقال الم يعلم قريش ان من
أكثرهم مالا وولدا وهل شبع محمد وأصحابه من الطعام فيكون لهم فضل ثم قام مع ابى
جهل حتى اتى مجلس قومه فقال لهم تزعمون ان محمدا مجنون فهل رايتموه ينطق قط قالوا
اللهم لا قال تزعمون انه كاهن فهل رأيتموه قط يكهن قالوا اللهم لا قال تزعمون انه
شاعر فهل رأيتموه ينطق يشعر قالوا اللهم لا قال تزعمون انه كذاب فهل جربتم عليه
شيئا من الكذب قالوا اللهم لا وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يسمى الامين قبل النبوة من صدقه وقالت قريش للوليد فما هو
فتفكر فى نفسه ثم نظر وعبس فقال ما هو الا ساحر من رايتموه تفرق بين الرجل واهله
وولده ومواليه فهو ساحر بقوله سحر يوثر واخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس نحوه وقال
فحينئذ نزلت. (ذَرْنِي وَمَنْ
خَلَقْتُ) واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم من طرق اخر نحوه والواو
بمعنى مع كما مر فى قوله ذرنى والمكذبين اى ذرنى معه (وَحِيداً) حال من مفعول ذرنى يعنى لاتهتم به وذرنى وحدي معه فانى
أكفيكه او من فاعل خلقت اى خلقته وحيدا لم يشاركنى فى خلقه غيره رد من ضمير مفعول
العائد المحذوف اى من خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولدا والمعنى خلقته وحيدا
فى الشرارة ووحيدا غير منسوب الى اب لانه كان زنيما قال البغوي انه كان يسمى فى
قومه وحيدا فسماه الله به تهكما واستهزاء وما على تسمية نفسه وحيدا. (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) مبسوطا كثيرا اى ممدودا بالنماء كالزرع والضرع والتجارة
قال مجاهد وسعيد بن جبير الف دينار وقال قتادة اربعة آلاف دينار وقال سفيان الف
الف وقال ابن عباس تسعة آلاف مثقال فضة وقال مقاتل كان له بسمتان بالطائف لا ينقطع
ثماره شتاء وصيفا وقال عطاء عن ابن عباس كان له بين مكة والطائف ابل وخيل وغنم
وكان له عين كثيرة وعبيد وجوارى. (وَبَنِينَ شُهُوداً) حضورا بمكة بلقائهم لا يحتاجون الى السفر بطلب المعاش
وكانوا عشرة وقال مقاتل كانوا سبعة وهم الوليد بن الوليد وخالد وعمارة وهشام
والعاص وقيس وعبد الشمس اسلم منهم خالد وهشام وعمارة. (وَمَهَّدْتُ لَهُ) اى بسطت له الرياسة وألحاه العريض حتى يقال ريحانة قريش
والتوحد باستحقاق الرياسة والتقدم او مهدت له فى طول العمر (تَمْهِيداً) بسطا.
(ثُمَّ يَطْمَعُ) يرجو (أَنْ أَزِيدَ) له مالا وولدا وتمهيدا. (كَلَّا) ط ردع اى لا افعل ذلك لكفرانه قال البغوي قالوا فما زال
الوليد بعد نزول هذه الاية فى نقصان ماله وولده حتى هلك (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) ط معاندا حيث أنكر وقال سحر يوثر تعليل للردع فان الكفران
ومعاندة آيات النعم زوال النعمة وبمنع الزيادة. (سَأُرْهِقُهُ) ساغشيه (صَعُوداً) عذابا شاقا يغلبه ويعلوا كل عذاب عن ابى سعيد الخدري عن
النبي صلىاللهعليهوسلم فى قوله تعالى سارهقه صعودا قال هو جبل فى النار من نار
يكلف ان يصعده فاذا وضع يده ذابت فاذا رفعها عادت فاذا وضع رجليه ذابت فاذا رفعها
عادت رواه البغوي عنه وعن عمر بن الخطاب ورواه احمد والترمذي وابن حبان والحاكم
وصححه عن ابى سعيد عن النبي صلىاللهعليهوسلم انه جبل فى النار يصعد فيه سبعين خريفا ثم يهوى وهو كذلك
فيه ابدا وقال الكلبي الصعود صخرة ملساء فى النار يكلف ان يصعدها لا يترك نفس فى
صعوده بجذب سلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع من حديد فيصعدها فى أربعين عاما
فاذا بلغ ذروتها أحد الى أسفلها ثم يكلف ان يصعدها يجذب من امامه ويضرب من خلفه فذلك
دابه ابدا. (إِنَّهُ فَكَّرَ) فيما تخيل طعنا فى القران (وَقَدَّرَ) فى تفسير ما يقول هذه الجملة بيان لعناده وتعليل لما
يستحقه من العذاب. (فَقُتِلَ) لعن وقال الزهري عذب (كَيْفَ قَدَّرَ) تعجيب من تقدير استهزاء به وفيه انكار وتوبيخ وكيف حال من
فاعل قدر والجملة تعليل لقوله قتل وجملة فقتل معترضة دعائية والفاء فيه للاعتراض. (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) كرر للتاكيد وكلمة ثم للدلالة على ان الثانية ابلغ من
الاولى. (ثُمَّ نَظَرَ) عطف على فكر وقدر اى فكر وقدر ثم نظر فى أم القران متراخيا
مرة بعد اخرى. (ثُمَّ عَبَسَ) وجهه لما لم يجد فيه طعنا ولم يدر ما يقول او نظر الى رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وعبس وجهه عداوة (وَبَسَرَ) بمعنى عبس وقهر تأكيد له. (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الحق والايمان به او الرسول صلىاللهعليهوسلم (وَاسْتَكْبَرَ) عن اتباعه. (فَقالَ) الفاء للدلالة على انه لما خطرت هذه الكلمة بباله تقولها
من غير تلبث وتفكر (إِنْ هذا) اى القران (إِلَّا سِحْرٌ
يُؤْثَرُ) يروى عن غيره. (إِنْ هذا إِلَّا
قَوْلُ الْبَشَرِ) تأكيد للجملة الاولى ولذا لم يعطف. (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) بدل اشتمال من سارهقه صعودا وسقر اسم من اسماء جهنم. (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) تفخيم لشانها وجملة ما سقر بتأويل المفرد
مفعول لادريك. (لا تُبْقِي) شيئا يلقى فيها (وَلا تَذَرُ) ج اى لا تدع حتى تهلكه قال مجاهد معناه لا تبقى حيا ولا
تذر من فيها ميتا كلما احترقوا جددوا قال الضحاك لكل شىء ملال وفطرة الا سقر هذه الجملة
والجملتين بعدها مستأنفات لبيان تفخيم شأن سقر واحوال من سقر. (لَوَّاحَةٌ) اى هى لواحة (لِلْبَشَرِ) ج جمع بشرة مغيرة للجلد من البياض الى السواد فقال ابن
عباس وزيد بن اسلم محترقة للجلد وقيل معناه لائحة للناس قال الحسن وابن كيسان يلوح
لهم حتى يردها عيانا نظيره وبرزت الجحيم للغاوين. (عَلَيْها) اى على النار (تِسْعَةَ عَشَرَ) من الملائكة وهم خزنتها مالك مع ثمانية عشر اخرج ابن
المبارك والبيهقي أحدهم عن ابى العوام قال هم تسعة عشر ملكا بين منكبى كل منهم
مسيرة كذا وكذا واخرج ابن وهب عن زيد بن اسلم قال قال رسول الله صلعم ما بين منكبى
أحدهم مسيرة سنة نزعت عنهم الرحمة برفع أحد منهم سبعين الفا فيرميهم حيث أراد من
جهنم قال البغوي قال ابن عباس وقتادة والضحاك وكذا اخرج البيهقي عن ابن اسحق انه
لما نزلت هذه الاية قال ابو جهل لقريش ثكلتكم أمهاتكم اسمع ابن ابى كبشة يخبر ان
خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم الشجعان أفيعجز كل عشر منكم ان تبطشوا لواحد من
خزنة جهنم قال ابو الأسد بن كلده الجمعى انا أكفيكم منهم سبعة عشر عشرة على ظهرى
وسبعة على بطني وكفونى أنتم اثنين واخرج البيهقي عن السدى لما نزلت عليها تسعة عشر
قال رجل من قريش يدعى أبا الاسدين يا معشر قريش لا يهولنكم التسعة عشر انا ادفع
عنكم بمنكبي الايمن عشرة وبمنكبي الأيسر تسعة فانزل الله تعالى. (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ) يعنى خزنتها (إِلَّا مَلائِكَةً) ص لا رجالا آدميين حتى يمكن من الكفار تدافعهم (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ) اى عددهم فى القلة (إِلَّا فِتْنَةً) عدو الذي اقتضى فتنتهم اى ضلالتهم وكفرهم لاستقلالهم
والاستهزاء بهم واستبعادهم ان يتولى هذا العدد القليل تعذيب جميع الكفار (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) حتى قالوا ما قالوا (لِيَسْتَيْقِنَ) متعلق بفعل محذوف دل عليه السباق اى نبئناك بعددهم ليستيقن
(الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ) نبوتك وصدق القران حين يوافق ذلك فى التورية والإنجيل (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) بالايمان او بتصديق اهل الكتاب له (إِيماناً) مصدر او تميز من النسبة (وَلا يَرْتابَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ) فى عددهم تأكيد للاستيقان وزيادة الايمان فعطف لا يرتاب
عطف تفسيرى
اخرج ابن ابى حاتم
والبيهقي فى البعث عن البراء بن عاذب ان رهطا من اليهود سألوا أرجلا من اصحاب
النبي صلىاللهعليهوسلم عن خزنة جهنم فجاءوا النبي صلىاللهعليهوسلم فنزلت عليه ساعتئذ عليها تسعة عشر فصار هذا سببا لاستيقان
الذين أوتوا الكتاب وازدياد المؤمنين ايمانا (وَلِيَقُولَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك او نفاق عطف على ليستيقن وهذا اخبار بمكة بما سيكون فى
المدينة بعد الهجرة من المنافقين ولم يكن بمكة منافق (وَالْكافِرُونَ ما ذا
أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) ط المستغرب استغراب المثل وقيل لما استبعدوه حسوا انه مثل
مضروب فكلمة مثلا اما حال من هذا وعامل فيه معنى الاشارة او تنبيه او تميز وهذا
اسم تام بتنوين مقدر (كَذلِكَ) متعلق بما بعده اى كما أضل الله بذكر عدد الخزنة قوما وهدى
به قوما (يُضِلُّ اللهُ مَنْ
يَشاءُ) ط اى الله تعالى إضلاله (وَيَهْدِي مَنْ
يَشاءُ) الله هدايته (وَما يَعْلَمُ
جُنُودَ رَبِّكَ) يعنى كنههم وكيفية قوتهم واما عددهم فقد ذكر انهم تسعة عشر
لا يحتمل الزيادة والنقصان (إِلَّا هُوَ) ط قال مقاتل هذا جواب ابى جهل حين قال ما لمحمد أعوان الا
تسعة عشر قال عطاء وما يعلم جنود ربك الا هو يعنى الملائكة الذين خلقهم لتعذيب اهل
النار لا يعلم عدتهم لا الله يعنى ان تسعة عشر خزنة النار ولهم من الأعوان والجنود
ما لا يعلم الا الله اخرج هناد عن كعب قال يومر بالرجل الى النار فيبتدر مائة الف
ملك قال القرطبي المراد بقوله تسعة عشر رؤسائهم اما جملة خزنة فلا يعلم عددهم الا
الله (وَما هِيَ) وما سقر او عدة الخزنة او السورة (إِلَّا ذِكْرى) اى تذكرة (لِلْبَشَرِ كَلَّا) ردع لمن أنكرها او انكار لان يتذكر بها وان كان فى نفسه
ذكرى (وَالْقَمَرِ
وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) قرأ نافع وحفص وحمزة ويعقوب بإسكان الذال وأدبر على وزن
افعل والباقون إذا بالألف بعد الذال دبر على وزن فعل ومعنى دبروا دبروا حد كقيل
بمعنى أقيل يقال دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهبا وقال ابو عمرو بلغة قريش وقال قطرب
دبر بمعنى اقبل تقول العرب دبرنى فلان اى جاء خلفى والليل يأتي خلف النهار. (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) اى أضاء. (إِنَّها) اى سقر (لَإِحْدَى الْكُبَرِ) اى أحد البلايا الكبرى فانها كثيرة والسقر واحد منها او
المعنى انها اى احدى البلايا الكبر جهنم وجهنم ولظى والحطمة والسعيرة والجحيم
والهاوية وانما جمع كبرى على كبر الحاقا لها بفعله تنزيلا للالف منزلة التاء كما
ألحقت قاصعا بقاصعة فجمعت
على قواصع والجملة
جواب القسم او تعليل لكلا والقسم معترض للتاكيد. (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) تميز عن احدى الكبر انذارا او حال عما دلت عليها الجملة اى
كبرت منذرة قال الحسن والله ما انذر بشئ أدهى منها وقال الخليل النذير مصدر
كالنكير والمذكر وصف به المؤنث يعنى جعل حالا للمؤنث وقيل نذيرا حال من فاعل وما
جعلنا اصحاب النار الا ملائكة منذرا للبشر وقيل معناه يايها المدثر قم نذير البشر
فانذر. (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ) بدل من قوله للبشر اى نذيرا للفريقين وحينئذ قوله (أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) ط مفعول لشاء اى من شاء ان يتقدم فى الخير والطاعة ومن شاء
ان يتاخر فى الشر والمعصية ويحتمل ان يتقدم او يتاخر مبتداء ومن شاء منكم خبرا
مقدما عليه والمعنى لان يتقدم من شاء منكم ويتاخر من شاء نظيره قوله تعالى فمن شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر فهو توبيخ وإنذار. (كُلُّ نَفْسٍ بِما
كَسَبَتْ) من السيئات (رَهِينَةٌ) مصدر كالشتيمة بمعنى رهن لا بمعنى المفعول اى مرهون ولو
كان صفة لقيل رهين لان الفعيل بمعنى المفعول يستوى فيه المؤنث والمذكر والمعنى كل
نفس بما كسبت من السيئات بكفرها محبوسة فى النار ابدا. (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) اى الذين يعطون كتبهم بايمانهم كذا روى عن ابن عباس اخرج
ابن المبارك عن رجل من بنى اسد قال قال عمر لكعب قل من حديث الاخرة قال نعم يا
امير المؤمنين إذا كان يوم القيامة وضع اللوح المحفوظ فلم يبق أحد من الخلائق الا
هو ينظر الى عمله ثم يوتى بالصحف التي فيها اعمال العباد فتنشر من حول العرش ثم
يدعى المؤمن فيعطى كتابه بيمينه فينظر فيه وقال مقاتل هم اهل الجنة الذين كانوا
على يمين آدم يوم الميثاق قال لهم الله هؤلاء للجنة ولا أبالي وعن ابن عباس انهم
الذين كانوا ميامين على أنفسهم ومال هؤلاء الأقوال واحد يعنى الا المؤمنين فانهم
غير محبوسين فى النار ابدا بل ينجون اما بالمغفرة بعد العذاب بقدر ذنوبهم او بلا
تعذيب بالشفاعة او بمحض الفضل وقال الحسن هم المسلمون المخلصون وقال القاسم كل نفس
ماخوذة بكسبها من خير او شر الا من اعتمد على الفضل فان كل من اعتمد على الكسب
رهين ومن اعتمد على الفضل فهو غير ماخوذ وعلى هدين القولين معنى الاية كل نفس
مرهونة اى ماخوذة باعمالها واو فى الجملة الا المسلمين الكاملين فانهم غير ماخوذين
أصلا لكن اطلاق اصحاب اليمين على هؤلاء المخلصين لا دليل عليه وكذا روى سعد بن
منصور وابن ابى حاتم والحكيم فى نوادر الأصول عن علىّ انهم أطفال المسلمين وزاد
الحكيم لم يكسبوا فيرتهنوا بكسبهم وما روى
ابو ظبيان عن ابن
عباس انهم الملائكة فما لم يصح الأثر به لا يمكن حمل اصحاب اليمين عليه. (فِي جَنَّاتٍ) خبر مبتداء محذوف اى هم فى جنات والجملة فى مقام التعليل
للاستثناء ويحتمل ان يكون حالا من اصحاب اليمين او من ضميرهم فى قوله (يَتَساءَلُونَ) اى يسأل بعضهم بعضا اى يسئل غيرهم والتفاعل لاجل تشاركهم
فى السؤال. (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) اى عن حال المجرمين الكفار. (ما سَلَكَكُمْ فِي
سَقَرَ) هذا الاستفهام مع جوابه حكاية لما جرى بين المسئولين
والمجرمين وما أجاب المجرمون به السائلين المسئولين وايضا ان فى الكلام حذف
للاختصار تقديره يتساءلون عن المجرمين فيقولون المسئولون ما سلككم فى سقر إلخ وقيل
كلمة عن زائدة تقديره يتساءلون المجرمين بقولهم ما سلككم فى سقر. (قالُوا) اى المجرمين فى جوابهم (لَمْ نَكُ) سقطت النون بالجزم لمشابهته بحرف العلة فى امتداد الصوت
فان النون غنة فى الخيشوم كما ان حرف العلة مدة فى الحلق (مِنَ الْمُصَلِّينَ) الصلاة الواجبة. (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ
الْمِسْكِينَ) ما يجب اعطائهم فيه دليل على ان الكفار مخاطبون بفروع
الأعمال لاجل المؤاخذة فى الاخرة وانما سقط عنهم الخطاب فى الدنيا لفقد شرط ادائه
وهو الايمان ولا وجه بسقوط التكليف فان الكفر موجب للتشديد دون التخفيف لكن حقوق
الله تعالى من العبادات والعقوبات تسقط بالإسلام فلا يوخذ من اسلم على ما فات عنه
فى حالة الكفر قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الإسلام يهدم ما كان قبله وقد مر هذا الحديث فيما قبل. (وَكُنَّا نَخُوضُ) فى اللهو والباطل ما نهى الله تعالى عنه (مَعَ الْخائِضِينَ) فيه. (وَكُنَّا نُكَذِّبُ
بِيَوْمِ الدِّينِ) آخره لتعظيمه اى وكنا بعد ذلك كله مكذبين يوم الجزاء. (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) ط يعنى الموت. (فَما تَنْفَعُهُمْ
شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) ط ولو شفعوا جميعا هذه الجملة اما متصلة بقوله كل نفس
رهينة او بقوله قالوا لم نك من المصلين ومفهوم هذا الاية تقتضى ان المؤمنين وان
كانوا فساقا تنفعهم شفاعة الشافعين اخرج اسحق بن راهويه فى مسنده عن أم حبيبة او
أم سلمة قالت كنا فى بيت عائشة فدخل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال ما من مسلم يموت له ثلثة من الولد أطفال لم يبلغوا
الحلم الا جئ بهم حتى يوقفوا على باب الجنة فيقال لهم ادخلوا الجنة فيقولون ان دخل
ابوانا فيقال فى الثانية والثالثة ادخلوا الجنة وآبائكم فذلك قوله تعالى فما
تنفعهم شفاعة الشافعين وقال ابن مسعود يشفع الملائكة والنبيون والشهداء
والصالحون وجميع
المؤمنين فلا يبقى فى النار الا اربعة ثم تلى قالوا لم نك من المصلين الى قوله
بيوم الدين وقال عمران بن حصين الشفاعة نافعة دون هؤلاء الذين تسمعون فقول ابن
مسعود وعمران هذا مشعر بان الشفاعة لا تنال لتاركى الصلاة ومانعى الزكوة والخائضين
فى اللهو والباطل وان كانوا مؤمنين ومبنى قولهما هذه الاية فان تعقبها بالفاء للسببية
وترتبها على الاربعة المذكورة يدل على كونها سببا لعدم نيل الشفاعة والصحيح انها
معقب على مجموع الأمور الاربعة فيها التكذيب بيوم الدين لا على كل واحد منها فلا
تمنع الشفاعة الا المجموع دون كل واحد منها وقد انعقد الإجماع على جواز الشفاعة
لكل مؤمن فبعض من يستحق النار من المؤمنين لا يدخلها بالشفاعة وبعض من يدخلها يخرج
منها بالشفاعة وأنكر الشفاعة اهل الهواء من المعتزلة والخوارج وغيرهم قبحهم الله
تعالى وقد تواترت فى ذلك الأحاديث تواترا معنويا ولو ذكرنا الأحاديث كلها لطال
الكلام ولنذكر منها طائفة عن على قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اشفع لامتى حتى ينادى ربى أرضيت يا محمد فاقول اى ربى رضيت
رواه البزار والطبراني وابو نعيم وعن انس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شفاعتى لاهل الكبائر من أمتي رواه الترمذي وابن حبان
والحاكم واحمد وابو داود وعن جابر نحوه رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وابن ماجة
وعن ابن عباس نحوه رواه الطبراني وعن ابن عمر وكعب بن عجرة نحوه رواه الخطيب عن
عثمان بن عفان عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يجاء بالعالم والعائد فيقال للعائد ادخل الجنة ويقال
للعالم قف حتى تشفع رواه الاصبهانى وعنه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نعم الرجل الا شرار أمتي قيل كيف يا رسول الله قال اما
اشرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتى واما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم
رواه الطبراني وابو نعيم وعن ابن عمر موقوفا يقال للعالم اشفع فى تلا مذتك ولو
بلغت عدد النجوم السماء رواه الديلمي وعن ابى الدرداء مرفوعا الشهيد يشفع فى سبعين
من اهل بيته رواه ابو داود عن انس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يصف الناس يوم القيامة صفوفا ثم يمر الرجل من اهل
الجنة على الرجل من اهل النار فيقول يا فلان اما تذكر يوم استسقيتنى فاسقيتك شربة
فيشفع له فيمر الرجل على الرجل فيقول اما تذكر يوم ناولتك طهورا فيشفع له ويمر
الرجل على الرجل فيقول يا فلان اما تذكر يوم نمشى لحاجة كذا وكذا فذهبت لك فيشفع
له مسئله لا تنال الشفاعة لحديث انس قال قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كذب بالشفاعة فلا نصيب له ومن كذب بالحوض فليس له فيه
نصيب رواه سعيد بن منصور وعن زيد بن أرقم وبضعة عشر من الصحابة قوله صلىاللهعليهوسلم شفاعتى يوم القيامة حق فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها
رواه ابن منيع وعن عبد الرحمن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم شفاعتى مباحة الا لمن سب أصحابي رواه ابو نعيم فى الحلية
وعن انس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم صنفان من أمتي لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة المرجئة
والقدرية رواه ابو نعيم (مسئلة :) وقد ورد فى بعض المعاصي انها مانعة للشفاعة عن
عثمن بن عفان رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلعم من غش العرب لم ينله
شفاعتى رواه البيهقي بسند جيد وعن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رجلان لا تنالهما شفاعتى يوم القيامة اما ظلوم خشوم عسوف
واخر غال فى الدنيا مارق منه رواه البيهقي والطبراني بسند جيد وعن الدرداء وغيره
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذروا المراء فان الممارى لا اشفع له يوم القيامة رواه
الطبراني. (فَما لَهُمْ عَنِ
التَّذْكِرَةِ) يعنى عن القران او ما يعمه من المذكرات (مُعْرِضِينَ) الفاء للسببية وما استفهامية مبتداء ولهم خبره وعن التذكرة
استفهام للانكار عن شفاعة حالهم فى الدنيا المفضى الى العذاب فى الاخرة فان عذاب
الاخرة سبب للانكار. (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ
مُسْتَنْفِرَةٌ) قرأ نافع وابن عامر بفتح الفاء والباقون بكسرها فمن قرأ
بالكسر فمعناها نفرة يقال نفر واستنفر كما يقال عجب واستعجب ومن قرأ بالفتح
فمعناها منفرة مذعورة. (فَرَّتْ مِنْ
قَسْوَرَةٍ) ط الجملة صفة لحمر وجملة كانهم بعد حال وضمير لهم فى مالهم
وكلمة كانهم اغنى عن واو الحال شبههم فى اعراضهم ونفورهم عن استماع الذكر بحمر
نافرة من قسورة فعولة من القسر بمعنى القهر قال ابو هريرة هى الأسود وهو قول
العطاء والكلبي وقال مجاهد وقتادة والضحاك القسورة الرماة ولا واحد لها من لفظها
وهى رواية عن عطاء عن ابن عباس وقال زيد بن اسلم عن رجال أقوياء وكل ضخم شديد عند
العرب قسورة وعن ابى المتوكل لغط القوم وأصواتهم وروى عكرمة عن ابن عباس قال هى
حيال الصيادين قال سعيد بن جبير هى القناص يعنى الصياد اخرج ابن المنذر عن السدى
قال قالوا لئن كان محمد صادقا فليصبح تحت راس كل رجل منا صحيفة فيها براءة وامنة
من النار فنزلت. (بَلْ يُرِيدُ كُلُّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ
يُؤْتى
صُحُفاً مُنَشَّرَةً) بل ابتدائية وليست للاعراض عن التوبيخ بل هو انتقال من شىء
اى أمر أهم منه وقال المفسرون ان كفار قريش قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليصبح عند راس كل رجل منا كتاب منشور من انك لرسوله تومر
فيه باتباعك والمنشرة جمع منشورة. (كَلَّا) ط ردع عن اقتراح الآيات بعد وضوح الأمر (بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) فلذلك اعرضوا عن التذكرة واقترحوا الآيات قيل ابتدائية كما
سبق وليس إضرابا عن الردع ويحتمل ان يكون إضرابا دل عليه السياق وتقديره انه لو
أوتوا صحفا منشرة لا يومنون فان طلبهم ذلك ليس لان يتضح الأمر عندهم بل الأمر
عندهم واضح وليس ذلك الاقتراح الا لانهم لا يخافون الاخرة ووضوح الأمر لا يستلزم
الخوف والخشية بل هو امر وهبى. (كَلَّا) ردع وانكار على عدم الخوف وتأكيد للردع السابق او هو بمعنى
حقا (إِنَّهُ) اى القران (تَذْكِرَةٌ) ج يذكر الله سبحانه وتعالى بصفاته الجمالية والجلالية
والرحمة والعذاب. (فَمَنْ شاءَ) التذكر (ذَكَرَهُ) ط الفاء للسببية وتعليق الذكر بالمشية تخيبر لفظا وتوبيخ
معنى. (وَما يَذْكُرُونَ) قرأ نافع بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة فى
وقت من الأوقات (إِلَّا) وقت (أَنْ يَشاءَ اللهُ) ط مشيتهم وذكرهم فيه تصريح بان افعال العباد بمشية الله
وإرادته (هُوَ أَهْلُ
التَّقْوى) حقيق بان يتقى عقابه بالتقوى عما نهى عنه (وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ع حقيق بأن يغفر عباده المؤمنين عن انس ان رسول قال فى هذه
الاية هو اهل التقوى قال ربكم عزوجل انا اهل ان اتقى الشرك ولا يشرك بي غيرى وانا اهل لمن اتقى
ولا يشرك بي ان اغفر له رواه احمد والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم نحوه ـ والله
تعالى اعلم تمت سورة المدثر.
سورة القيمة مكّيّة وهى أربعون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيامَةِ) قرأ قنبل لا قسم بغير الالف بعد اللام تأكيد القسم وكذا
روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي والباقون بالألف بما بعد اللام فقيل لا زائدة
كما فى قوله. (وَلا أُقْسِمُ
بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) والمعنى فيهما القسم وجواب القسم محذوف دل عليه ما بعده اى
لتبعثن ولتحاسبن وليجزين كل نفس بما كسبت ان خير فخير وان شر فشر وقال ابو بكر بن
عياش هو تأكيد للقسم قال البيضاوي إدخال لا النافية على فعل القسم للتاكيد شائع فى
كلام العرب قلت وفيه اشعار بان هذا الأمر ظاهر مستغن عن التأكيد بالقسم وذلك لان
من له عقل وفهم لو تأمل بعد ما يرى من الناس من هو كافر للمنعم ظالم على الخلق
قاطع للرحم مرتكب الأمور بجزم العقل بقبحها وهو فى نعمة ورغد من العيش ومن هو شاكر
لله تعالى راض عنه الخلق فى محبته وبلاء يحكم ان للجزاء دارا غير هذا الدار والا
يلزم من الله تعالى ترجيح الشنيع على المليح وذلك شنيع يستحيل انصاف الصانع به
تعالى عن ذلك علوا كبيرا والنفس اللوامة المراد بها اما الجنس قال الفراء ليس من
نفس برة ولا فاجرة الا وهى تلوم نفسها يعنى فى الاخرة ان كانت عملت خيرا قالت
هلازدت وان عملت سوءا قالت ليتنى لم افعل وقال الحسن هى النفس المؤمنة قال ان
المؤمن والله ما تراه الا يلوم نفسه يعنى فى الدنيا ما أردت بكلامي وما أردت باكلى
وان الفاجر لا يحاسب نفسه ولا يعاتبها وقال مقاتل النفس الكافرة تلوم نفسه فى
الاخرة على ما فرط فى امر الله تعالى فى الدنيا وقيل المراد به الذي يقول لو فعلت
كذا ولو لم افعل كذا لكان كذا ولا يرضى بالقضاء قائلا ما شاء الله ويقدر الله
وقالت الصوفية النفس امارة بالسوء ثم إذا اجتهد فى الذكر وتداركه الجذب من الله
تعالى يظهر له قبائح نفسه ويرى مشتغلا لغير الله سبحانه ولا يقدر على القطع عنه
بالكلية فحينئذ تلوم نفسها ويقال لها النفس اللوامة ثم إذا حصل له الفناء والبقاء
وانخلع عما سوى الله واطمئن بذكره
فحينئذ يقال له
النفس المطمئنة. (أَيَحْسَبُ) استفهام انكار على التوبيخ (الْإِنْسانُ) المراد به الجنس لان فيهم من يحسب او المراد الذي نزل فيه
واللام للعهد قال البغوي نزلت فى عدى بن ربيعة حليف بنى زهرة ختن الأخنس بن شريق
الثقفي وكان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول اللهم اكفنى جارى السوء يعنى عديا والأخنس وذلك ان
عديا اتى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال يا محمد حدثنى عن القيامة متى تكون وكيف أمرها وحالها
فاخبره النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أومن بك او يجمع الله
العظام فانزل الله تعالى (أَيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) بعد التفريق والبلى وأنكر جمع العظام والغرض منه انكار
البعث فان العظام قلب الروح وإعادة الروح متفرع على جمعها وان مخففة او مصدرية
مفعول يحسب قائم مقام مفعوليه. (بَلى) يجمعها فيحيه (قادِرِينَ) حال من فاعل الفاعل المقدر ذكرها للترقى على ما أنكر كما
يقال أيحسب ان لن نقدر عليك بلى نقدر عليك قادرين على أقوى منك والمعنى بل نجمها
ونقدر على جمعها قادرين (عَلى أَنْ نُسَوِّيَ
بَنانَهُ) اى أنامله او أطراف أنامله لجمع سلامياته وضم بعضها الى
بعض كما كانت مع صغرها ولطافتها فكيف بكبار العظام. (بَلْ يُرِيدُ
الْإِنْسانُ) عطف على يحسب فيجوز ان يكون استفهاما وان يكون إيجابا
لجواز ان يكون الاضراب عن المستفهم او عن الاستفهام (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) يفجر منصوب بان مقدرة واللام زائدة قال مجاهد والحسن
وعكرمه والسدى معناه لا يجهل ابن آدم ان ربه قادر على جمع عظامه لكنه يزيد ان يفجر
ان يكفر امامه اى ما يأتي عليه من الزمان المستقبل فيدوم على الكفر لا ينزع عنه
ولا يتوب وقال سعد بن جبير معناه يقدم الذنب ويوخر التوبة ويقول سوف أتقرب سوف
اعمل حتى يأتيه الموت على شر حاله وقال الضحاك هو الأمل يقول اعيش فاصيب من الدنيا
كذا وكذا ولا يذكر الموت وقال ابن عباس وابن زيد يكذب بما امامه من القيامة والبعث
والحساب والفجور الميل سمى فاجرا لميله عن الحق. (يَسْئَلُ) حال من فاعل يفجر اى سائلا واستبعادا واستهزاء (أَيَّانَ) متى (يَوْمُ الْقِيامَةِ) ط اى لا يكون ذلك. (فَإِذا بَرِقَ
الْبَصَرُ) قرأ نافع برق بفتح الراء والباقون بكسرها وهما لغتان قال
فى القاموس برق كفرح ونصر برقا وبروقا تحير حتى لا يطرف
او دهش فلم يبصر
وقال الفراء والخليل برق بالكسر اى تحير وفزع لا يرى من العجائب التي كان يكذبها
فى الدنيا قيل ذلك عند الموت والصحيح انه يوم القيامة بقرينة ما عطف عليه. (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) اى اظلم وذهب ضوءه. (وَجُمِعَ الشَّمْسُ
وَالْقَمَرُ) أسودين مكورين قيل معناه انهما يطلعان معا من المغرب اية
للقيامة والخسوف مستعار للمحاق وقيل عطاء بن يسار يجمعان يوم القيامة ثم يقذفان فى
البحر فتكون نار اله الكبرى وقيل يجمع بينهما فى ذهاب الضوء وعن جمل برق البصر إلخ
على ما قيل الموت لفسر الخسوف بذهاب ضوء البصر والجميع باستتباع الروح الحاسة فى
الذهاب او لوصوله الى مكان يقتبس منه نور العقل من سكان القدس وتذكير الفعل لتقدمه
وتغليب المعطوف وإذا مضاف الى البرق والخسف والجمع ظرف لقوله. (يَقُولُ الْإِنْسانُ) والجملة الكاملة معطوفة على مضمون قوله بلى قادرين اى بلى
نجمع العظام فيقول الإنسان الكافر اين المفر يقول ذلك إذا برق البصر إلخ (يَوْمَئِذٍ) بدل من إذا برق إلخ (أَيْنَ الْمَفَرُّ) مقول ليقول. (كَلَّا) ردع من طلب المفر بيانه (لا وَزَرَ) اى لا ملجأ ولا حصن مستعار من الجبل فانهم كانوا يلجؤن
بالجبل واستقامة من أنوار بمعنى الثقل. (إِلى رَبِّكَ
يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) ط المصير والمرجع والى مشيته وحكمه موضع قرارهم. (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما
قَدَّمَ وَأَخَّرَ) قال ابن مسعود وابن عباس بما قدم قبل موته من عمل صالح او
شىء وما اخر بعد موته من سنته حسنة او سيئة يعمل وقال قتادة بما قدم من طاعه الله
وما اخر منه فضيعه وقال مجاهد باول عمله وآخره وقال زيد بن اسلم بما قدم من أمواله
لنفسه وما اخر لورثته وقيل بما قدم واخر بمعنى بل قدم امور الدنيا على امور الاخرة
او بالعكس. (بَلِ الْإِنْسانُ
عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) اى يبصر بتذكير ما عمل فى الدنيا لا يحتاج الى الانباء
والهاء للمبالغة نظيره قوله تعالى كفى بنفسك اليوم حسيبا كذا قال ابو العالية
وعطاء ورواه البغوي عن ابن عباس ويحتمل ان يكون بصيرة صفة لمحذوف تقديره بل
الإنسان عين بصيرة على نفسه وعلى التقديرين على نفسه متعلق ببصيرة وهو خبر الإنسان
والبصيرة بمعنى الحجة كما فى قوله تعالى قد جاءكم بصائر من ربكم اى الإنسان هو حجة
بينة على نفسه شاهد عليها وحينئذ على نفسه ظرف مستقر خبره بصيرة والجملة خبر
الإنسان ويحتمل ان يراد
بالبصيرة ذالحجة
الملك الموكل وقال مقاتل والكلبي معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة رقباء يرقبونه
ويشهدون عليه بعمله وهو سمعه وبصره وجوارحه وحينئذ دخول الهاء فى البصيرة لان
المراد الإنسان جوارحه ويحتمل ان يكون معناه بل الإنسان على نفسه بصيرة يعنى
جوارحه فحذف حرف الجر كما فى قوله تعالى ان أردتم ان تسترضعوا أولادكم اى
لاولادكم. (وَلَوْ أَلْقى) الإنسان (مَعاذِيرَهُ) ط قال الضحاك والسدى معناه ولو ارخى الستور واغلق الأبواب
عند فعل المعصية ليخفى ما يعمل فلا ينفع فان نفسه عليه شاهد وكذا الموكل به والله
على كل شىء شهيد واهل اليمن يسمون الستر معذارا وجمعه معاذيرة وقال مجاهد وقتادة
وسعيد بن جبير معناه يشهد عليه الشاهد من الجوارح والملائكة ولو اعتذر وجادل عن
نفسه كما قال لا ينفع الظالمين معذرتهم قال الفراء ولو اعتذر فعليه من نفسه من
يكذبه ومعنى إلقاء القول كما قال الله تعالى والقوا إليهم القول انكم لكاذبون وعلى
هذا معاذير جمع معذار بمعنى العذر وجمع معذرة على غير قياس كمناكير فى المنكر
والظاهر انه اسم جمع وجمعها معاذر وكذا المناكير والله تعالى اعلم ـ اخرج
الشيخان فى الصحيحين عن ابن عباس قال كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا نزل جبرئيل بالوحى يحرك لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان
يعرف عنه يريد ان يحفظ ما انزل الله فانزل الله تعالى. (لا تُحَرِّكْ) يا محمد (بِهِ) بالقران (لِسانَكَ) قبل ان يتم وحيه (لِتَعْجَلَ بِهِ) ط اى لتاخذه على عجلة فى الصحيحين عن ابن عباس كان رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يحرك شفتيه إذا نزل يخشى ان ينفلت ـ . (إِنَّ عَلَيْنا
جَمْعَهُ) فى صدرك (وَقُرْآنَهُ) ج اثبات قرأته على لسانك تعليل للنهى. (فَإِذا قَرَأْناهُ) اى القران بلسان جبرئيل أضاف قراءة جبريل الى نفسه مجازا
لانه بامره ورسالته (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) ج قراءته يعنى فاقرأ بعد قراءة جبريل حتى يرسخك فى ذهنك
كذلك لا بد للتلميذ ان يقرأ بعد قراءة الشيخ ولا يقرأ معه كيلا يقع المزاحمة
والتشويش فى القراءة والحفظ. (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا
بَيانَهُ) ط اى القران اى اظهار المراد منه إذا أشكل شىء من معانيه
قلت الاية على ان بيان القران محكمه ومتشابهه من الله تعالى للنبى صلى الله تعالى
عليه واله وسلم لا يجوز ان يكون شىء منها غير مبين له عليه الصلاة والسلام والا
يخلو الخطاب من الفائدة ويلزم الخلف فى الوعد كما ذكرنا هذه المسألة فى تفسير قوله
تعالى (وَما يَعْلَمُ
تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) وكلمة
ثم تدل على جواز
تأخير البيان عن وقت الخطاب لكن لا يجوز عن وقت الحاجة وجملة لا تحرك به لسانك
معترضة على طريقة من يتكلم فطفق المخاطب يتكلم ويقطع كلامه فقال اسكت ولا تقطع
الحديث انما لك حق التكلم بعد تمام الاستماع ثم عاد الى ما كان يتكلم فيه فقال. (كَلَّا) ردع على انكار البعث او الفجور امامه او على الغاء
المعاذير الباطلة (بَلْ تُحِبُّونَ) الضمير راجع الى الإنسان المذكور سابقا وجمع الضمير نظرا
الى المعنى لان المراد به الجنس او الذي الكلام فيه ومن فى معناه (الْعاجِلَةَ) يعنى الدنيا وشهواتها. (وَتَذَرُونَ) اى الإنسان على ما مر هذا على قراءة ابن كثير وابو عمرو
وابن عامر بالياء للغيبة فيهما وقرأ الكوفيون ونافع بالتاء على الخطاب فيهما على
طريقه الالتفات من الغيبة الى الخطاب (الْآخِرَةَ) ط وتعميمها يعنى انهم لا يعلمون ان الله تعالى لا يقدر على
البعث والاعادة او ان معاذيره ينفعهم بل يحبون العاجلة ويتبعون الشهوات الدنيا
فاعمى الشهوات بأبصارهم وأعمه قلوبهم ويذرون الاخرة ثم ذكر احوال الاخرة فقال. (وُجُوهٌ) مبتداء اما معترضة بتقدير الاضافة اى وجوه المؤمنين
المقربين واما نكرة مخصصة بصفة مقدرة اى وجوه كثير او وجوه منهم اى من جنس الإنسان
الذي مر ذكره (يَوْمَئِذٍ) ظرف لما بعده يعنى يوم إذا كان ما سبق من برق البصر وغيره
او يوم إذا كانت الاخرة (ناضِرَةٌ) خبر ناعمة حسنة متهللة. (إِلى رَبِّها) متعلق بما بعده (ناظِرَةٌ) ج بروية البصر بلا كيف ولا جهة ولا ثبوت مسافة ولا بقياس
الغائب على الشاهد خبر ثان لوجوه واخرج الآجري والبيهقي فى كتاب الروية من طريقين
عن ابن عباس قال وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة الى ربها ناظرة نظرة الى الخالق واخرجوا
عن الحسن نحوه وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر ال جنانه وأزواجه ونعيمه
وخدمه وسرره مسيرة الف سنة وأكرمهم على الله من ينظر الى وجه غدوة وعشية ثم قرأ
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة رواه احمد والترمذي
والدار قطنى واللالكائى والآجري نحوه وفى لفظ الآجري ادنى اهل الجنة منزلة من ينظر
فى ملكه مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وفى الباب حديث انس رواه البزار
والطبراني والبيهقي وابو يعلى بطوله وفيه يوم الجمعة يزداد فيها نظرا الى وجهه
تعالى ولذلك دعى يوم المزيد رواه البزار والاصفهانى عن نحوه واخرج الآجري
عن ابن عباس عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ان اهل الجنة يرون ربهم كل جمعة وعن الحسن مرسلا قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان اهل الجنة ينظرون الى ربهم كل جمعة الحديث أخرجه يحى بن
سلام وعن انس مرفوعا قال الله تعالى من سلبت كريميته جزائه الحلول فى دارى والنظر
الى وجهى رواه الطبراني وغيره وحديث جرير البجلي قال كنا جلوسا عند النبي صلىاللهعليهوسلم إذ نظر الى القمر ليلة البدر فقال انكم سترون ربكم كما
ترون هذا القمر ليلة البدر لا تضامون فى روية فان استطعتم ان لا تغلبوا على صلوة
قبل طلوع الشمس وقبل غروبها متفق عليه وكذا روى اللالكائى عن حذيفة وفى الصحيحين
عن ابى هريرة نحوه وعن زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يدعو اللهم انى أسئلك برد العيش بعد الموت ولذة النظر الى
وجهك والشوق الى لقائك فى غير ضرار مضرة ولا فتنة مضلة رواه اللالكائى وعن عبادة
بن صامت لن ترون ربكم حتى تموتون رواه الدار قطنى وكذا رواه اللالكائى عن ابى
هريرة واخرج ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم رب أرني انظر إليك قال قال الله تعالى يا موسى انه لا
يرانى حتى الا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الا تغرق وانما يرانى اهل الجنة لا
تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم وعن على فى قوله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل
عملا صالحا قال من أراد ان ينظر الى خالقه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك به أحدا
رواه البيهقي وبالجملة صح تفسير هذه الاية وتفسير قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى) وزيادة وقوله تعالى ولدينا مزيد وغيره من الآيات بروية
الله تعالى مسندة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأصحابه والتابعين بحيث بلغت مبلغ التواتر عند اهل الحديث
كذا ذكر السيوطي وغيره وبما ذكرنا فى هذا المقام كفاية ونذكر فى تفسير كل اية منها
ما يتعلق به ان شاء الله تعالى وعلى روية الله تعالى انعقد اجماع اهل السنة
والجماعة وخالفهم اهل الهواء من المعتزلة والخوارج وغيرهم بامتناعها زعما منهم
بانها تتوقف على كون المرئي حسما كثيفا بلا حجاب وكون المسافة بين الرائي والمرئي
متوسطة لا فى غاية القرب ولا فى غاية البعد وخروج شعاع البصر من الرائي ووصوله الى
المرئي المقتضى ثبوت الجهة له تعالى واستدلوا على امتناع الروية من المنقول بقوله
تعالى لا تدركه الابصار وقالوا تاويل هذه الاية ان ناظرة بمعنى منتظرة امر ربها
وانعامه ويابى عنه العربية فان الانتظار يتعدى باللام دون الى
والنظر بالبصر
يعدى بالى وقال اهل السنة الروية لا تتوقف الا على كون المرئي موجود او كذلك فى
جانب الرائي لا يشترط الا الوجود والحيوة والعلم والابصار واما توقف الروية على
غير ذلك من الشرائط فامر عادى فى خصوص المادة ولا يجوز قياس الغائب على الشاهد ولا
شك ان الله سبحانه تعالى يرى خلقه من الماديات والمجردات من غير مسافة بينهما ولا
خروج شعاع وهو السميع البصير كيف ينكر كونه مرئيا بعد ما نطق به البشير النذير
وقوله تعالى لا تدركه الابصار انما ينفى الدرك وهو يقتضى الإحاطة وحصول العلم
بكنهه وذلك محال واما العلم الحضوري بالكنه بمعنى حضور كنه المعلوم عند العالم
فليس بمحال لكنه متعال عن درك الابصار والله تعالى اعلم ـ (فائدة)
هذه الاية تدل على انهم يرون الله تعالى دائما مستمرا لا ينقطع رويتهم كما يدل على
دوام النضرة لهم ابدا فان الجملة الاسمية للدوام والاستمرار ولا منافاة بينها وبين
ما ثبت بالأحاديث ان من الناس من يرى الله تعالى كل جمعة ومنهم من يرى الله تعالى
فى كل جمعة اى أسبوع مرتين كذا احرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة ومنهم من يرى ربه
فى مقدار كل عيد لهم فى الدنيا يعنى فى كل سنة مرتين كذا روى يحى بن سلام عن ابى
بكر بن عبد الله المزني ومنهم من يرى فى كل يوم مرتين غدوة وعشية كما مر من حديث
ابن عمر لان ثبوت دوام الروية انما هو لجمع منكر وهى لا تدل على العموم او بقدر ما
هو أخص من المؤمنين فيقدر المقربين فتقديره وجوه المقربين يومئذ ناضرة الى ربها
ناظرة دائما ابدا اخرج ابو نعيم عن ابى يزيد البسطامي قال ان لله تعالى خواص من
عباده لو حجبهم فى الجنة عن روية لاستغاثوا كما يستغيث اهل النار بالخروج من النار
فظهر ان الناس فى الروية على درجات لا تكاد تحصى وليس المقصود من الأحاديث استيفاء
درجاتهم ومعنى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم أكرمهم على الله من ينظر الى وجهه غدوة وعشية انهم من
أكرمهم وهذا لا يقتضى ان لا يكون أحد أكرم منهم وإذا تقرر هذا فاعلم ان الذين
يدومون النظر الى الله سبحانه والله تعالى اعلم بهم هم الأنبياء والمقربون من
العباد الواصلين الى الذات المجرد عن الشيون والاعتبارات الذين كان حظهم فى دار
الدنيا من الذات التجلي الدائمى لا كالبرق الخاطف لان من كان حظه فى دار الدنيا
دوام التجلي ولم يكن له الروية فى الدنيا لعدم صلاحيته تعين هذه النشأة الروية كما
أشير اليه فى حديث ابن عباس عند ابى نعيم فى الحلية فاذا زال المانع فلا جرم ينظر
ذلك الرجل الى الله
دائما وإلا لزم
انعكاس الأمر ورجوعه القهقرى ومن لم يكن فى الدنيا دوام التجلي والحضوري فيكون
الروية لهم على تفاوت الدرجات فمن كان حظه تجليا برقيا يرى فى كل يوم مرتين او
مرارا ومن لم يكن كذلك ففى كل جمعة او شهر او سنة على ما شاء الله ـ (فائدة)
قال المجدد رضى الله تعالى عنه فى المكتوب المائة من المجلد الثالث فى تحقيق سر
اشتغال قلب يعقوب عليهالسلام بمحبة يوسف عليهالسلام مع ان قلوب الخواص
من الناس تكون فارغة عن حب غير الله تعالى ان جنة كل رجل عبارة عن ظهور اسم من
اسماء الله تعالى الذي هو مبدأ التعين ذلك الرجل وان ذلك الاسم يتجلى بصورة
الأشجار والأنهار والقصور والحور والغلمان واستحكم هذا المكشوف بقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان الجنة طيبة التربة عذبة اى أنهارها قيغان وان غراسها
هذه يعنى سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ثم قال المجدد رضى
الله تعالى عنه ان تلك الأشجار والأنهار قد تصير فى حين من الأحيان على هيئة
الاجرام الزجاجة فتصير وسيلة الى روية الله سبحانه غير متكيفة ثم تعود الى حالها
الذي كانت عليه فيشتغل المؤمن بنفسها وهكذا الى ابد الآبدين وقال كما ان التجلي
الذاتي للصوفى فى الدار الدنيا تكون من وراء حجب الأسماء او الصفات وقد يرتفع تلك
الحجب فيحصل له التجلي الذاتي كالبرق الخاطف كذلك حال الروية فى الاخرة لكل رجل
يتعلق بذات الله سبحانه وتعالى باعتبار اسم هو مبدأ الجنة وتجلى وتمثل لجنة وتلك
الروية تكون كالبرق الخاطف فى زمان يسير ثم تحجب عنه ويبقى نوره وبركته من وراء
نعيم الجنة وأشجارها قلت هذا تحقيق روية العوام من اهل الجنة واما الخواص منهم
فلما كان التجلي لهم فى الدنيا دائما فكذلك الروية تكون لهم دائما فان قيل قال
المفسرون تقديم الجار والمجرور فى قوله تعالى الى ربها ناظرة يقتضى الحصر ويفيد
انهم إذا أراد ربهم يستغرقون فى رويته تعالى لا ينظرون حينئذ الى غيره ويؤيده حديث
جابر رض قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اهل الجنة فى نعيمهم إذ سطع عليهم نور فرفعوا رؤسهم فاذ
الرب تبارك وتعالى قد اشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا اهل الجنة وذلك
قوله تعالى سلام قولا من رب رحيم قال فينظر إليهم وينظرون اليه فلا يلتفتون الى
شىء من النعيم ما داموا ينظرون اليه حتى يحجب عنهم ويبقى نوره وبركته فى ديارهم
رواه ابن ماجة وابن ابى الدنيا والدار قطنى فحينئذ لو كان لبعض الناس دوام الروية
فكيف يتصور الحصر وعدم الالتفات الى النعيم
دائما قلنا إفادة
الحصر ممنوع وتقديم الجار والمجرور لرعاية الفواصل ولعل الالتفات الى النعيم فى حق
ذلك البعض لا يزاحم الروية بل تكون نعيم الجنة فى حقه مثل الاجرام الزجاجية ابدا
موبدة للروية وذلك الصوفي يجتمع له الرؤيتان روية الاحجاب وروية بتوسط النعيم ومع
ذلك يرى النعيم ويلتذ به ايضا وان من هذا شانه فلان يشغله شان عن شأن واما غيره من
اهل الجنة فالالتفات الى نعيم الجنة يشغلهم عن الروية وبالعكس لضيق استعدادهم او
نقول معنى الحصر فى حق من له الروية واما ما روى من حديث جابر فهو حكاية عن حال
عامة اهل الجنة لا يقال سلمنا ان التفاته للنعيم لا يشغله عن الروية فكيف يجوز له
التوجه الى النعيم مع حصول شرف الروية لما ذكرنا ان نعيم الجنة محابى اسماء الله
تعالى فلا محذور فى الالتفات إليها مع الروية (فائدة) وقع فى بعض كلام الائمة ان
روية الله خاصة لمؤمن البشر وان الملائكة لا يرونه ونص البيهقي على خلافه محتجا
بحديث عبد الله بن عمرو ابن العاص قال خلق الله تعالى الملائكة بعبادته أصنافا وان
منهم الملائكة قياما صافين من يوم خلقهم الى يوم القيامة فاذا كان يوم القيامة
تجلى لها تبارك وتعالى فنظروا الى وجه الكريم وقالوا ما عبدناك حق عبادتك واخرج
نحوه من وجه اخر عن عدى بن ارطاف عن رجل من الصحابة وبما ذكرنا روية كل رجل على
حسب مبدأ تعينه يظهر فضل الملائكة على عوام مومنى البشر لكون مبادى تعيناتهم فوق
مبادى تعينات البشر كما حققه المجدد رضى الله عنه وبما ذكرنا ان روية الخواص البشر
دائمة غير منقطعة يظهر فقيل خواص البشر أفضل على خواص الملائكة كما بين فى كتب
العقائد. (وَوُجُوهٌ) اى وجوه الكافرين او وجوه كثيرة (يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) كالحة عابسة شديد العبوس. (تَظُنُ) تستيقن أربابها خبر ثان (أَنْ يُفْعَلَ بِها
فاقِرَةٌ) واهية عظيمة فقال الظهر قال ابن زيد هى دخول النار وقال
الكلبي هى ان يحجب عن روية الرب عزوجل. (كَلَّا) روع عن إيثار الدنيا على الاخرة كانه قيل ارتدعوا عن ذلك
واذكروا الموت الذي عنده ينقطع الدنيا وتقبل الاخرة مخلدة (إِذا بَلَغَتِ) النفس كناية عن غير مذكور دل عليه الكلام وإذا شرطية جزاءه
الى ربك يومئذ المساق او ظرف متعلق بفعل دل عليه المساق اى يساقون الى ربكم إذا
بلغت (التَّراقِيَ) العظام المكتنفة لثغرة النحر عن يمين وشمال ويكنى ببلوغ
النفس التراقى عن الاشراف على الموت. (وَقِيلَ مَنْ راقٍ)
يسكت حفص على من
ويدغم غيره اى قال حاضر والمحتضر من يرقيه مما به من الترقية كذا قال قتادة او
قالت الملائكة الموت أيكم يرقى بر وجه ملائكة الرحمة او ملائكة العذاب من الرق كذا
قال سليمان التميمي ومقاتل بن سليمان. (وَظَنَ) المحتضر (أَنَّهُ) اى الذي نزل به (الْفِراقُ) اى سبب للفراق من الدنيا ومما يحبه. (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) اى التوت ساقه بساقه فلا يقدر تحريكهما كذا قال الشعبي
والحسن ونحوه وقال ابن عباس التوت امر الدنيا بامر الاخرة فكان اخر يوم من ايام
الدنيا وأول يوم من ايام الاخرة فيجتمع عليه شدة فراق الدنيا بشدة اقبال الاخرة
وقال الضحاك معناه ان الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. (إِلى رَبِّكَ) لا الى غيره (يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) ط اى سوق ومرجعه يحكم فيه ما يشاء. (فَلا صَدَّقَ) الرسول والقران او لا صدق ماله اى لم يزك (وَلا صَلَّى) لله ما فرض عليه قوله فلا صدق عطف على مضمون أيحسب الإنسان
فان التوبيخ يستلزم الوقوع تقديره حسب الإنسان ان لن نجمع عظامه ولا نبعثه فلا صدق
ولا صلى والضمير فيهما راجع الى الإنسان فالسياق يقتضى ان يكون ذلك حكاية عن عدى
بن ربيعة المذكور وقال البغوي المراد ابو جهل ولو حمل الإنسان على الجنس لكان
شاملا لهما. (وَلكِنْ كَذَّبَ) النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (وَتَوَلَّى) عن الايمان به. (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى
أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) ط اى يسرع فى سيره فى القاموس مطى جد فى السير والسرع فى
الصحاح معناه يمد مطاه اى ظهره ومنه يقال لا يركب ظهره مطيه كالبعير وقيل أصله
يتمطط أبدلت الطاء ياء اجتماع ثلثة أحرف مماثلة والطا هو المد وحاصل المعنى يتبختر
لان المتبختر يمد عنقه ويمد خطاياه. (أَوْلى لَكَ) جملة دعائية بمعنى ويل لك او تهديد ووعيد وفيه التفات من
الغيبة الى الخطاب (فَأَوْلى ثُمَّ
أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) ط كرره للتاكيد ويحتمل ان يراد به ويل لك فى الدنيا بالقتل
واللعن وذكر السوء والتعذيب وويل لك يوم الموت وويل لك إذ بعثت ويل لك إذا دخلت
النار فهو نقيض ما قيل فى يحى عليهالسلام والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا فهو افعل من
الويل بعد القلب كاونى من دون وقيل أصله أولاك الله ما تكريهه واللام مزيدة كما فى
قوله ردف لكم اى ردفكم وقيل أصله اولى لك الهلاك وقيل
هو فعل من ال يول
أمرك الى الشرك وقيل هو اسم فعل بمعنى وليك ما تكرهه فى القاموس اولى لك تهدد
ووعيد اى قاربك الهلاك فهو من الولي بمعنى القرب قال قتادة ذكر لنا ان النبي صلىاللهعليهوسلم لما نزلت هذه الاية أخذ بمجامع ثوب ابى جهل بالبطحاء وقال
له اولى لك فاولى ثم اولى لك فاولى فقال ابو جهل أتوعدني يا محمد والله لا تستطيع
أنت وربك ان تفعلا بي شيئا والى لاغر من مشى بين جبلها فلما كان يوم بدر صرعه الله
أشد مصرع وقتله أسوأ قتل وقال النبي صلعم ان لكل امة فرعونا وان فرعون هذه ابو جهل
واخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال لما نزلت عليها تسعة عشر قال ابو
جهل للقريش ثكلتكم أمهاتكم يخبركم ابن ابى كبشة ان خزنة النار تسعة عشر وأنتم
الدهم أيعجز كل عشرة منكم ان يبطشوا برجل من خزنته جهنم فأوحى الله تعالى الى
رسوله ان يأتي أبا جهل فيقول له اولى لك فأولى ثم اولى لك فاولى واخرج النسائي عن
سعيد بن جبير انه سال ابن عباس عن قوله اولى لك فاولى قاله رسول الله صلعم من قبل
نفسه أم امره الله به قال بل قاله من قبل نفسه ثم انزل الله. (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ
سُدىً) ط امال حمزة والكسائي مهملا لا يومر ولا ينهى ولا يبعث ولا
يجازى حيث ينكر البعث فان انكار البعث يقتضى كونه مهملا مع ان الحكمة فى خلقه ليس
الا التكليف قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وقال قل لا يعبأ بكم
ربى لولا دعاءكم وكيف ينكر الإنسان البعث ويستحيله. (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً
مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) يصب فى الرحم قرأ حفص بالياء على التذكير راجعا الى المنى
والباقون بالتاء ردا الى النطفة. (ثُمَّ كانَ) الإنسان بعد كونه نطفة (عَلَقَةً) بعد أربعين يوما ثم مضغة كذلك ثم عظاما فكسبت لحما (فَخَلَقَ) الله تعالى إياه وإيانا بنفخ روحه فيه (فَسَوَّى) وعدل خلقه بلا نقصان. (فَجَعَلَ) الله سبحانه (مِنْهُ) اى من المنى الذي صار علقة ثم مضغة ثم عظاما ولحما (الزَّوْجَيْنِ) الصنفين يجتمعان فى الرحم تارة وينفرد كل منهما عن الاخر
اخرى (الذَّكَرَ
وَالْأُنْثى أَلَيْسَ ذلِكَ) الله الذي يفعل ذلك ويوجد بلا سبق وجود (بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) ع انكار جواز البعث مع مشاهدة ما هو اعجب منه يقتضى كمال
الحمق او العناد عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم من قرأ منكم بالتين فانتهى
الى آخرها أليس الله ما حكم الحكمين فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين ومن قرأ
لا اقسم بيوم القيمة فانتهى الى أليس ذلك بقادر على ان يحيى الموتى فليقل بلى وانا
على ذلك من الشاهدين ومن قرأ والمرسلات فبلغ فباى حديث بعده يومنون فليقل أمنا
بالله وعن موسى بن عائشة قال كان رجل يصلى فوق بيته فكان إذا قرأ أليس ذلك ويقدر
على ان يحيى الموتى قال سبحانك بلى فسالوه عن ذلك فقال سمعته من رسول الله صلعم
روى الحديثين ابو داود.
سورة الدّهر مكيّة وهى احدى وثلثون اية
قال قتادة ومجاهد مدنية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتى) استفهام تقرير ومعناه قد اتى ومضى (عَلَى الْإِنْسانِ) المراد به الجنس او آدم عليهالسلام (حِينٌ) قال البيضاوي اى طائفة محدودة من الزمان وفى القاموس الجنس
وقت مبهم يصلح لجميع الا زمان طال او قصر وقيل يختص بأربعين سنة او ستين سنة او
شهر او شهرين (مِنَ الدَّهْرِ) اى من الممتد الغير المحدود وفى القاموس الدهر الزمان
الطويل او الف سنة قلت هو مدة عمر آدم عليهالسلام وفى الصحاح الدهر فى الأصل اسم لمدة العالم من مبدأ وجوده
الى انقضائه وعلى ذلك قوله هل اتى على الإنسان حين من الدهر الاية ثم يعبر به عن
كل مدة كثيرة دهر فلان مدة حيوته (لَمْ يَكُنْ شَيْئاً
مَذْكُوراً) حال من الإنسان اى حال كونه لا يذكر ولا يعرف ولا يدرى ما
اسمه ولا ما يراد او صفة لحين والعائد محذوف اى لم يكن فيه شيئا مذكورا وهذا
الكلام يقتضى كونه شيئا والا لم يوصف بانه قد اتى عليه ويقتضى كونه غير مذكور بل
منسيا فقال المفسرون وذلك ان أريد به آدم عليهالسلام فذلك الحين حين صورة الله تعالى من الطين فكان ملقى بين
مكة والطائف أربعين سنة قبل ان ينفخ فيه الروح وقال ابن عباس ثم خلقه الله تعالى
بعد عشرين ومائة سنة وان أريد به الجنس فذلك الحين اربعة أشهر حين كان نطفة او
علقة او مضغة الى نفخ الروح وستة أشهر اقل مدة الحمل وسنتين أكثرها وقيل اكثر مدة
الحمل سبع سنين وعلى التقديرين لا يخلو الكلام عن التسامح لان ذلك الحين لم يأت
على الإنسان بل على الطين المصور النطفة ونحوها والظاهر ان الكلام يقتضى كونه
إنسانا لان عقد الوضع قبل عقد الحمل فالاولى ان يحتمل ذلك الكون على كونه فى مرتبة
الأعيان الثابتة التي اهتدى إليها الصوفية ويدل على هذا التأويل تنكير حين فانه
للتكثير روى عن ابن عمر انه سمع رجلا يقرأ هذه الاية لم يكن شيئا مذكورا فقال
ليتها تمت يريد ليته بقي على ما كان غير مذكور ابدا وهذا القول اولى بالتأويل
الأخير دون ما سبق وللصوفية هاهنا
تاويل اخر هل اتى
على الإنسان اى على الصوفي حين من الدهر لم يكن لا شيئا مذكورا بعد ما كان مذكورا
بالانسانية وغيرها من الصفات وذلك حين الاستهلاك والفناء الأتم بحيث لا يبقى فى
علمه شيئا مذكورا قال المجدد رض نعم رب قد اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن
شيئا مذكورا لا عينا ولا اثرا ولا شهودا ولا وجودا ثم يصير بعد ذلك ان شئت حيا
بحياتك وباقيا ببقائك ومتخلقا باخلاقك بل صار باقيا بك وبفضلك فى عين الفناء وما
ينافيك فى عين البقاء قلت وقول المجدد رض ثم يصير بعد ذلك إلخ كانه تفسير لقوله
تعالى فمن ابتدائية والدهر يعد من اسماء الله تعالى الحسنى كذا فى القاموس وفى
الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم قال الله تعالى يوذينى ابن آدم يسب
الدهر وانا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار. (إِنَّا خَلَقْنَا
الْإِنْسانَ) اى ذريته ان كان المراد بالإنسان الاول آدم عليهالسلام والا فالمراد فيهما الجنس (مِنْ نُطْفَةٍ
أَمْشاجٍ) ق جمع شئيج او شيج من الشجب الشيء إذا خلطته وصف النطفة
بالجمع لان المراد به مجموع منى الرجل والمرأة وكل منها مختلفة الاجزاء والأوصاف
فى الرقة والقوام والخواص وقيل أمشاج مفرد بمعنى مختلطة يختلط فيه منى الرجل
والمرأة فهو حينئذ على وزن أعشار يقال برمة أعشار بمعنى يحمله عشرة يقال يمان كل
يومين اختلطا فهو أمشاج وقال قتادة معناه أطوار أي ذات أطوار فان النطفة تصير علقة
ثم مضغة اى تمام الخلق (نَبْتَلِيهِ) حال من الإنسان ذكر الابتلاء وأراد به نقله من حال الى حال
مجازا او حال مقدرة اى مقدرين ابتلائه (فَجَعَلْناهُ
سَمِيعاً بَصِيراً) ج لتمكن من استماع الدلائل ومشاهدة الآيات فهو كالمسبب
للابتلاء ولذا عطف على ما قيد به. (إِنَّا هَدَيْناهُ) اى بيناه اى الإنسان (السَّبِيلَ) الى الله والى مرضياته وجنته بنصب الدلائل وبعث الرسل
وإنزال الكتب والمراد بالهداية هاهنا اراءة الطريق دون إيصال بخلاف قوله تعالى
اهدنا الصراط المستقيم (إِمَّا شاكِراً
وَإِمَّا كَفُوراً) حالان من الهاء اى هديناه السبيل مقدرين منه أحد الامرين
امر الشكر على الهداية وقبولها او الكفر والإنكار وقيل حال من السبيل يعنى هديناه
السبيل حال كون السبيل سبيل الشكر او الكفر ان وصف السبيل بالشكر والكفر مجازا
والترديد انما هو فى حالتى السبيل من الشكر والكفران دون الاراءة تعلقت يقسمى
السبيل وحاليته معافلا يجوز يقال ان هذا التأويل غير مستحسن فان اراءة طريق الحق
حقا وطريق الباطل باطلا مستلزم أحدهما
الاخر فلا يتصور
هناك الترديد فالترديد يقتضى ان يكون معناه أريناه أحد الطريقين دون الاخر أريناه
الحق او الباطل حقا فسلك تلك الطريق وحينئذ يلزم كون الإنسان مقدورا على سلوك طريق
الباطل وقيل معنى الكلام الشرط والجزاء فاما مركبا ان الشرطية وما الزائدة فمعناه
ان كان شاكرا او كفورا فقد هديناه السبيل ولم نترك عذرا وقال كفورا ولم يقل كافرا
حتى طابقت قسميه لرعاية الفواصل ولان الشاكر فلما يخلو عن نوع من الكفران فقسمه هو
المبالغ فى الكفران وجملة انا هديناه السبيل مستأنفة فكانه فى جواب من قال فما فعل
بالإنسان وما فعل هو بعد ما خلق وجعل له السمع والبصر. (إِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ) فى جهنم (سَلاسِلَ) قرأ نافع والكسائي وابو بكر وهشام سلاسلا بالتنوين
للمناسبة وصلا وقفوا بالألف عوضا منه وقرأ الباقون بغير تنوين وصلا وقف حمزه وقنبل
وحفص بغير الف وكذا روى عن البزي وابن ذكوان وقف الباقون بالألف صلة للفتحة (وَأَغْلالاً) فى أيديهم نقل الى عنقهم (وَسَعِيراً) وقودا شديدا وهذه الجملة والتي بعدها مستانفين كانهما فى
جواب ما نصيب الشاكرين وما نصيب الكافرين وقدم وعيد الكافرين مع تأخر ذكرهم لان
إنذارهم انفع وتصدير الكلام وختمه بذكر المؤمنين احسن. (إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع بر بفتح الباء
كارباب او بار كالشهادة يعنى المؤمنين الصادقين فى ايمانهم والمطيعين لربهم ومصدره
البر كسر الباء بمعنى الصلة والخير والاتساع فى الإحسان والصدق والطاعة كذا فى
القاموس وكل ذلك صفات المؤمنين (يَشْرَبُونَ مِنْ
كَأْسٍ) قال فى الصحاح الكأس الا نائما فيه من الشراب ويسمى كل
واحد منهما بانفراده كاسا يقال كأس خال ويقال شربت كأسا وكاسا طيبة وفى القاموس
الكأس الإناء يشرب فيه او ما دام الشراب فيه ولا تخصيص فى الشراب بخمر او لبن او
عسل او ماء وهاهنا يحتمل ان يكون الإناء او من للابتداء والمعنى يشربون مشروبا
خمرا ولبنا وماء وعسلا من كاس اى من ظرفه ويحتمل ان يكون بمعنى المشروب اما حقيقة
او مجازا تسمية الحال باسم المحل نحو جرى النهر ومن حينئذ اما زايدة او للتبعيض او
للبيان ويحتمل ان يكون الإناء بما فيه ويكون من للابتداء (كانَ مِزاجُها) ما تمزج الضمير عايد الى كاس حقيقة ان كان بمعنى الشرب
ومجازا على طريقة إذا نزل السماء بأرض قوم وعينا ان كان بمعنى الإناء يعنى كان
مزاج ما فيها (كافُوراً) ج قال قتادة يمزج بهم بالكافور ويختم بالمسك وقال عكرمة
مزاجها
طعمها كافورا اى
ككافور فى طيب الطعم والريح كما فى قوله تعالى حتى إذا جعله نارا اى كنار وقال
عطاء والكلبي الكافور اسم لعين الماء فى الجنة ونظيره قوله تعالى ومزاجه من تسنيم.
(عَيْناً) بدل من كافور ان جعل اسم ماء او بدل من محل من كاس على
تقدير مضاف اى ماء عين او منصوب على الاختصاص او المدح او بفعل يفسره ما بعده (يَشْرَبُ بِها) الباء زائدة اى يشربها او صلة على تضمين يعنى ملتذا بها او
ممزوجا بها او بمعنى من الابتداء (عِبادُ اللهِ) الذين عبدوا الله وحده مخلصين له الدين (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) اى يقودون تلك العين ويجرونها اجراء سهلا حيث شاؤا من
منازلهم وقصورهم اخرج عبد الله بن احمد فى رواية الزهد عن ابن شوذب قال فهم قضيان
من ذهب يفجرونها بها بتبع قضائهم. (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) جملة مستانفة فى جواب ما بالهم يثأبون كذلك او فى جواب
الأبرار ما هم فهو تعريف للابرار بانهم يودون الواجبات ويخافون الله فيجتنبون
المكروهات ويرحمون العباد ويفعلون الحسنات خالصا لله تعالى ابتغاء مرضاته هذا شأن
الأبرار ويحصل ذلك المراتب بعد فناء النفس وزوال رزائله واما المقربون فشأنهم ارفع
من ذلك او تعليل لما سبق يعنى ان الأبرار يشربون إلخ لانهم يوفون النذر فى الدنيا
والنذر فى اللغة ان توجب على نفسك ما ليس بواجب كذا فى الصحاح وايفائهم ما يوجبوا
على أنفسهم ما ليس بواجب عليه يدل بالطريق الاولى على ايفائهم ما فرض الله عليهم
من الصلاة والزكوة والصوم والحج والعمرة والجهاد وغيرها فلعله هو المراد بما قال
قتادة يوفون بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكوة والحج والعمرة وغيرها من
الواجبات ـ (فصل) للايجاب ولما كان النذر عبارة عن إيجابه
على نفس ما ليس بواجب ظهر انه لا بد لانعقاده من شرطين أحدهما ان يكون طاعة فان ما
ليس بطاعة لا يصلح للايجاب قال رسول الله صلعم انما النذر ما ابتغى به وجه الله
رواه احمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص والثاني ان لا يكون واجبا بايجاب
الله تعالى وقال ابو حنيفة ولا بد ايضا ان يكون العبادة مقصودة بنفسها وان يكون من
جنسها واجب بايجاب الله وعند الجمهور لا يشترط ذينك الشرطين والإجماع على وجوب
الاعتكاف بالنذر يقتضى انتفاء هذين الشرطين فانه عبادة لاجل انتظار الصلاة لا
بنفسه وليس منه عينه واجب ومن ثم قال الشافعي يجب بالنذر كل قربة لا تجب ابتداء
كعيادة المريض
وتشييع الجنازة
والسلام ويدل على التعميم حديث عائشة من نذر ان يطيع الله فليطعه ومن نذران يعصى
الله فلا يعصه رواه البخاري وزاد الطحاوي وفى هذه الوجه وليكفر عنه عن يمينه قال
ابن العطاء عند الشك فى رفع هذه الزيادة (مسئلة :) من نذر بطاعة وقيده بقيود
للطاعة فيها يلغو تلك القيود وينعقد النذر بالطاعة كمن نذر بالصلوة فى مكان معين
وبالصوم قايما ونحو ذلك فيجب الصلاة والصوم ويتادى بكل مكان وعلى كل حال اجماعا
الا ان أبا يوسف والشافعي وغيرهما قالوا لو نذران يصلى فى المسجد الحرام لم يجزه
فى غيره ولو نذر فى المسجد الأقصى او مسجد النبي صلىاللهعليهوسلم يجوز له الأداء فى المسجد الحرام ولم يجزه فيما هو اقل منه
فضلا وقال ابو حنيفة رض فى جميع الصور يجوز الأداء فى كل مكان وفى حديث جابر ان
رجلا قال يوم الفتح يا رسول الله صلعم انى نذرت ان افتح الله عليك مكة ان أصلي فى
البيت المقدس فقال له رسول الله صلعم صل هاهنا فاعادها على النبي صلعم مرتين او
ثلثا فقال النبي صلعم شانك إذا رواه ابو داود والدارمي فبهذا الحديث الغى ابو حنيفة
تقييده بالمسجد الأقصى قال ابو يوسف والشافعي تقييده الصلاة بمسجد من هذا المساجد
الثلاثة كثرة الثواب والمعنى الطاعة فلا يلغى عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم
صلوة فى مسجدى هذا خير من الف صلوة فيما سواه الا المسجد الحرام متفق عليه وعن انس
قال قال رسول الله صلعم صلوة الرجل فى بيته بصلوة وصلوته فى مسجد القبائل بخمس
وعشرين صلوة وصلوته فى المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة صلوة وصلوته فى المسجد
الأقصى بألف صلوة وصلوته فى مسجدى بخمسين الف صلوة وصلوته فى المسجد الحرام مائة
الف صلوة رواه ابن ماجه وقال انما ذلك على الصلاة المكتوبات لا على النوافل عن زيد
بن ثابت قال قال رسول الله صلعم صلوة المرأ فى بيته أفضل من صلوته فى مسجدى هذا
الا المكتوبة رواه ابو داود والترمذي وما يدل على الغاء قيود لا طاعة وفيها حديث
ابن عباس قال بينا رسول الله صلعم يخطب إذا هو برجل قائم فى الشمس فسال عنه فقال
ابو إسرائيل نذران يكون ولا يقعد ولا يستظل ولا يتكلم ولا يصوم فقال مروه فليتكلم
وليستظل وليقعد وليتم صومه رواه ابو داود وابن ماجة وابن حبان ورواه البخاري وليس
فيه فى الشمس ورواه مالك فى المؤطأ مرسلا وفيه تأمره بإتمام ما كان لله طاعة وتترك
ما كان معصية قال مالك ولم يبلغنى انه امر بكفارة
وأخرجه الشافعي
وفى آخره ولم يأمره بكفارة ورواه البيهقي من حديث محمد بن كريب عن أبيه عن ابن
عباس وفيه الأمر بالكفارة ومحمد بن كريب ضعيف (مسئلة :) من فاته ما وجب عليه
بالنذر يجب قضاءه بمثله حقيقة او حكما فيقتضى الصلاة بالصلوة والصوم بالصوم والشيخ
الفاني يطعم بكل صوم مسكينا ومن نذر الحج ماشيا فركب بعذر يهدى هديا وبه قال
الجمهور وهو الصحيح من مذهب ابى حنيفة وفى رواية الأصل عن ابى حنيفة لا يجب عليه
المشي فى الحج بالنذر فلا يجب عليه الهدى لحديث عقبة بن عامر الجهني قال نذرت أختي
ان تمشى الى الكعبة حافية حاسرة فاتى عليها رسول الله صلعم فقال ما بال هذه قالوا
نذرت ان تمشى الى الكعبة حافية حاسرة قال مروها فلتركب ولتخمر متفق عليه وحديث انس
ان رسول الله صلعم راى شيخا يهادى بين ابنين له فسأل عنه فقال نذران يمشى فقال ان
الله لغنى عن تعذيب هذا ويأمره بان يركب متفق عليه قلنا اما حديث عقبة بن عامر فقد
رواه ابو داود بسند جيد نذرت أختي ان تمشى الى البيت فامر النبي صلعم ان تركب
وتهدى هديا وروى داود من حديث زيد بن عباس بلفظ ان اخت عقبة بن عامر نذرت ان تحج
ماشية وان لا تطيق ذلك فقال النبي صلعم ان الله غنى عن مشى أختك فلتركب ولتهد بدنة
وروى الطحاوي من حديث عقبة بن عامر نحوه بسند حسن فظهران ما فى الصحيحين فيه
اختصار على ذكر بعض المروي وما ذكرنا من الروايات يقتضى تخصيص البدنة بالهدى وروى
عبد الرزاق عن على بسند صحيح فيمن نذران يمشى الى البيت قال يمشى فان عيى ركبوا
هدى جذورا واخرج نحوه عن ابن عمر وابن عباس وقتادة والحسن (مسئلة) ومن نذر بمعصية
او بامر مباح لا يصلح للطاعة لا يجب ولا ينعقد النذر اجماعا فيلغو عند ابى حنيفة
وعند الجمهور يتعقد يمينا للتحرز عن الغاء كلام العاقل وصيغته أكيد يصلح لكونه
يمينا لفظا لاشتماله على ذكر اسم الله تعالى ومعنى لان فيه تحريم ضد المنذور فضدهم
يجب ان يحنث ويكفر فى المعصية وفى المباح يخير بين ان يفعل او يكفر والحجة لهم
أحاديث حديث عقبة بن عامر كفارة النذر كفارة اليمين رواه مسلم وحديث عمران بن حصين
مرفوعا لا نذر فى معصية الله وكفارته اليمين رواه النسائي والحاكم والبيهقي ومداره
على محمد بن زبير الحنظلي وهو ليس بالقوى وقال الحافظ بن الحجر له طرق اخر إسنادها
صحيح الا انه معلول ورواه احمد واصحاب السنن
والبيهقي من رواية
الزهري عن ابى سلمة عن ابى هريرة وهو منقطع لم يسمع ابو سلمة عن ابى هريرة ورواه
اصحاب السنن عن عائشة وفيه سليمان بن أرقم متروك ورواه الدار قطنى عن عائشة مرفوعا
من جعل عليه نذرا فى معصية الله فكفارته كفارة اليمين وفيه غالب بن عبد الله متروك
وروى ابو داود من حديث كريب عن ابن عباس واسناده حسن قال النووي حديث لا نذر فى
معصية الله فكفارته كفارة يمين ضعيف باتفاق المحدثين وقال الحافظ قد صححه الطحاوي
وابو على ابن السكن وحديث ابن عباس ان رسول الله صلعم قال من نذر نذرا لم يسمه
فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا فى معصية فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا لا
يطيقه فكفارته كفارة يمين ومن نذر نذرا اطاقته فليف به رواه ابو داود وابن ماجة
وحديث ثابت بن الضحاك ان رجلا نذر ان ينحرا بلا فى موضع وفى رواية ببوانة فقال له
رسول الله صلعم هل كان فيه وثن من الأوثان الجاهلية تعبد قالوا لا قال هل كان فيها
عيد من أعيادهم قالوا لا قال رسول الله صلعم أوف بنذرك رواه ابو داود وسنده صحيح
وروى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ونحوه روى ابن ماجة عن ابن عباس وهذا
الحديث يدل على جواز وفاء النذر بما ليس بطاعة ولا معصية وكذا حديث عمرو بن شعيب
عن أبيه عن جده ان امرأة قالت يا رسول الله انى نذرت ان اضرب على راسك بالدف تعنى
عند قدومك قال او فى بنذرك رواه ابو داود ولعل ذلك قبل تحريم الضرب بالدف والنذر
المعلق عند وجود الشرط حكمه حكم المنجز مطلقا عند ابى حنيفة فى ظاهر الرواية وعند
ابى يوسف وهى رواية عن الشافعي وبه قال مالك غير انه قال فى صدقة جميع المال يلزمه
التصدق بالثلث وفيما سوى ذلك فعنده يجب عليه الوفاء بما أوجب لا غير وروى عن ابى
حنيفة انه رجع عن هذا القول وقال أجزأه عن المعلق كفارة يمين ويخرج عن العهدة
بفعله وبه قال محمد واختار صاحب الهداية والمحققون عن علماء الحنفية ان المراد
بالشرط الذي يجزء عنه الكفارة عند ابى حنيفة الشرط الذي لا يريد وجوده نحو ان دخلت
الدار وكلمت فلانا او فعلت كذا فعلىّ حج او صوم سنة ويسمى هذا النذر نذر الحاج
واما الشرط الذي يريد وجوده نحو ان شعبت او قدم غايبى او مات عدوى او ولدت امرأتى
ابنا فعلىّ كذا قالوا وجب عليه الوفاء لا غير ويسمى هذا النذر نذر تبرد ولهذا
التفصيل قال احمد وهى الأظهر من الروايات عن الشافعي
والرواية الثالث
عن الشافعي ان الواجب فى النذر الحاج الكفارة لا غير وهى رواية عن احمد عن سعيد بن
المسيب ان أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث فسال أحدهما صاحب القسمة فقال ان عدت
بشانهما القسمة فكل مالى فى رباح الكعبة فقال له عمران الكعبة غنية عن مالك كفر عن
يمينك وكلم أخاك فانى سمعت رسول الله صلعم يقول لا يمين عليك ولا نذر فى معصية
الرب ولا فى قطعة الرحم ولا فى فيما لا يملك رواه ابو داود ـ (مسئلة
:) ومن نذر بعبادة لا يطيقها جاز له ان يكفر عنه وقال ابو حنيفة يستغفر الله ولا
كفارة عليه لنا ما مر من حديث ابن عباس من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين
وحديث فى قصة اخت عقبة قال النبي صلعم ان الله لا يصنع بشقاء أختك مشيا فلتركب
ولتحج راكبة وتكفر يمينها رواه ابو داود وعن عبد الله بن مالك عن عقبة بن عامر قال
نذرت أختي ان أحج لله ماشية غير مختمرة فذكرت ذلك لرسول الله صلعم قال قل لاختك
فلتخمر ولتركب ولتصم ثلثة رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي
وروى الطحاوي نحوه ووجه الجمع ان النبي صلعم لعله امر بالكفارة بعد ما علم عجزها عن
هذا والله تعالى اعلم (وَيَخافُونَ يَوْماً
كانَ شَرُّهُ) اى مكروهة وفى الصحاح الشر الذي يرغب عنه (مُسْتَطِيراً) منتشر غاية الانتشار من استطار الحريق والفجر قال مقاتل
كان شره فاشيا فى السموات فانشقت وتناثر كواكبها وكورت الشمس والقمر وفزعت
الملائكة وفى الأرض فنسفت الجبال وغارت المياه فكسر كل شىء على الأرض من جبال
وبناء فيه اشعار الى حسن عقيدتهم واجتنابهم عن المعاصي كما ان فى يوفون بالنذر
دلالة على إتيانهم الواجبات وقوله تعالى. (وَيُطْعِمُونَ
الطَّعامَ) الى آخره اشارة الى ترحمهم على عباد الله وإتيانهم الحسنات
النافلات خالصا لله تعالى ابتغاء مرضاته (عَلى حُبِّهِ) اى على حب الله تعالى او على حبهم الإطعام وحاجتهم اليه (مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) اخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال لم يكن النبي صلعم ياسر
اهل الإسلام ولكنها نزلت فى اهل الشرك كانوا يأسرونهم فى الله فنزلت فيهم فكان
النبي صلعم يأمر بالإحسان إليهم كذا قال قتادة وقال مجاهد وسعيد بن جبير هو
المسبحون من اهل القبلة والاول اظهر وقيل الأسير المملوك وقيل المرأة قال رسول
الله صلعم اتقوا الله سبحانه فى الضعيفين المملوك والمرأة رواه ابن عساكر عن ابى
عمرو عن أم سلمة اتقوا الله فى الصلاة وما ملكت
رواه الخطيب وروى
البخاري فى الأدب عن على مرفوعا اتقوا الله فى ما ملكت ايمانكم وروى البغوي اتقوا
الله فى النساء فانهن عندكم عوان قال البغوي اختلفوا فى سبب نزول هذه الاية قال
مقاتل نزلت فى رجل من الأنصار اطعم فى يوم واحد مسكينا ويتيما وأسيرا وروى مجاهد
وعطاء عن ابن عباس انها نزلت فى على بن ابى طالب وذلك انه عمل لليهودى بشئ من شعير
فقبض الشعير فطحن منه ثلثه ، فاصلحوا منه شيئا لياكلوه فلما تم إنضاجه اتى مسكين
فساله فاخرجوا اليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما ثم إنضاجه اتى يتيم فسال
فاطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه اتى أسير من المشركين فسال فاطعموه
وطووا ليومهم ذلك وروى الثعلبي عن ابن عباس ان الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول
الله صلعم فقال يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك فنذر على وفاطمة وقضة جاريته لهما
ان يصوموا ثلثة ايام ان برأ فشفيا وما معهم طعام فاستقرض علىّ من سمعون الخيبري
ثلث أصوع من الشعير فطحنت فاطمة رضى الله عنها صاعا وأخبزت خمسة أقراص فوضعوا بين
أيديهم ليفطروا فوقف عليهم مسكين فاثروه وباتوا ولم يذوقوا الا الماء وأصبحوا
صياما فلما امسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم فوقف عليهم فى الثالثة أسير فافعلوا
مثل ذلك فنزل جبرئيل بهذه السورة وقال خذها يا محمد هناك الله فى اهل بيتك قال
الحكيم الترمذي هذا حديث مفصل لا يروح الا على أحمق وجاهل وأورده ابن الجوزي فى
الموضوعات وقال هذا لا يشك فى وضعه قال السيوطي لان السورة مكية ودخول على على
فاطمة بعد الهجرة بسنتين قلت وهذا الاعتراض ملحق بما قال مقاتل وما قال مجاهد
وعطاء ايضا فان نزول الاية فى رجل من الأنصار يقتضى كون الاية مدنية وكذا عمل على
لليهودى بشئ من الشعير ايضا لا يتصور الا فى المدينة لان اليهود لم يكونوا بمكة بل
نفس الاية يقتضى كونها مدنية لان الأسارى لم تكن الا بالمدينة لم يكن بمكة جهاد
اولا اسرا فالظاهر ان بعض هذه الصورة مدنية وان كانت بعضها مكية وعلى كون كلها
مكية ففى الاية اخبار بالغيب عن حال المسلمين بعد الهجرة. (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) حال من يطعمون بتقدير القول اى قائلين نطعم لهم هذا القول
اما تحقيقا او تقدير القول بلسان الحال قال المجاهد وسعيد بن جبير انهم لم يتكلموا
به ولكن علم الله ذلك من قلوبهم فاثنى عليهم (لِوَجْهِ اللهِ) لفظ الوجه مقحم اى لله وطلب مرضاته ثوابه (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ
جَزاءً) عوضا بدنيا ولا ماليا (وَلا شُكُوراً) مصدر كالدخول والجروح والقبول روى عن عائشة انها كانت تبعث
بالصدقة الى اهل بيت ثم تسال المبعوث ما قالوا فان ذكر دعاء دعت لهم بمثله ليبقى
صواب الصدقة لها خالصا عند الله. (إِنَّا نَخافُ مِنْ
رَبِّنا) تعليل للاطعام بعد تعليل كانه معطوف على لوجه الله بحذف
العاطفة وحذف حرف الجر يعنى نطعمكم طمعا وخوفا من الله المطلوب مرضاته وثوابه
للخوف من غضبه وعذابه عن انس قال قال رسول الله صلعم ان الصدقة لتطفى غضب الرب
ويدفع منه السوء رواه الترمذي (يَوْماً) ظرف لمقدر اى نخاف من عذاب ربنا (عَبُوساً) العبوس الذي يجمع ما بين عينيه حزنا وصف اليوم به مجازا
على طريقة نهارك صايم (قَمْطَرِيراً) شديد العبوس كذا قال الكلبي وقال اخفش قمطرير أشد ما يكون
من الأيام وأطوله فى بلاء وفى القاموس القمطرير الشديد واقمطر اشتد نفسه ترقى من
الأدنى الى الأعلى. (فَوَقاهُمُ اللهُ) ذكر المستقبل بلفظ الماضي اشعار القطع وقوعه الفاء للسببية
اى لاجل خوفهم واجتنابا بموجب العذاب فى ذلك اليوم وقاهم الله (شَرَّ) اى مكاره (ذلِكَ الْيَوْمِ
وَلَقَّاهُمْ) أعطاهم بدل العبوسة (نَضْرَةً) حسنا فى الوجه (وَسُرُوراً) فى القلب. (وَجَزاهُمْ) الله حيث لم يطلب الجزاء عن غيره (بِما صَبَرُوا) على طاعات الله عن معاصية وعلى الجوع عند اطعام المسكين
وعلى القتل فى الجهاد وعلى المعصية عند الصدقة (جَنَّةً) دخلوها (وَحَرِيراً) ألبسوه. (مُتَّكِئِينَ) حال من الضمير المنصوب فى جزاء او من المرفوع فى ادخلوا
المقدر (فِيها) فى الجنة (عَلَى الْأَرائِكِ) ج اى السرر فى الحجال اخرج البيهقي عن ابن عباس قال لا
يكون الأرائك حتى يكون السرير فى الحجلة فان كان سرير بغير حجلة لا يكون أرائكه
وان كان حجلته بغير سرير لا يكون أرائكه فاذا اجتمعا كان أرائكه (لا يَرَوْنَ) حال من فاعل متكئين او من ذى حاله (فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) قال فى القاموس الزمهرير شدة البرد القمر وازمهرت الكواكب
اى لمعت فالمراد بالزمهرير اما شدة البرد وبالشمس لازمه اى الحر فالمعنى لا حر
فيها ولا برد ليدوم فيها هواء معتدل اخرج ابن المبارك وعبد الله بن احمد فى زوايدة
وابن مسعود قال الجنة سجيح لاحر فيها ولا قرا والمراد بالزمهرير القمر اولا مع من
الكواكب
فالمعنى ان الجنة
مضية بنفسها ومشرقة بنور ربها لا يحتاج الى شمس ولا الى قمر اخرج البيهقي عن شعيب
بن الجيحان قال خرجت انا وابو عالية الرباحي قبل طلوع الشمس فقال ينسب ان الجنة
هكذا ثم تلا وظلّ مّمدود وقلت ليس معنى قول ابى العالية الجنة هكذا تشبيه بنور
الصبح فانه نور ضعيف مختلط بالظلمة كما لا يخفى بل تشبيه فى انبساط نوره بل
انقطاع. (وَدانِيَةً) اى قريبة عطف على متكئين او على محل لا يرون ويرون دانية
او على جنة بتقدير الموصوف اى وجنة اخرى دانية عليهم ظلالها فيكون نظير القوله
تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان لكن لهذا التأويل ضعف لاقتضائه ان لا يكون الجنة
الاولى دانيه الظلال إذا القسمة تنافى الشركة (عَلَيْهِمْ) اى منهم (ظِلالُها) فاعل دانية (وَذُلِّلَتْ) حال من ظلالها بتقدير قد او عطف على دانية على طريقة فالق
الإصباح وجعل الليل سكنا او حال من ذى حال دانية والعائد محذوف اى ذللت لهم (قُطُوفُها) اى ثمارا (تَذْلِيلاً) اى جعلت سهل التناول لا يمتنع على قطوفها كيف شاؤا اخرج
سعيد بن منصور والبيهقي عن البراء بن عازب ان اهل الجنة يأكلون من ثمار الجنة قياما
وقعودا ومضطجعين على اى حال شاؤا. (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ
بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ) اى أباريق بلا عرى كذا اخرج هناد عن مجاهد (كانَتْ) اى الكواكب الجملة صفة بها (قَوارِيرَا) حال من فاعل كانت على تقدير كونها تامة اى تكونت أكواب حال
كونها قوارير اى مثل قوارير وخبرها على تقدير كونها ناقصة اى تكون مثلها فى الصفاء
اخرج ابن جرير من طريق العوفى عن ابن عباس قال آنية من فضة صفائها كصفاء القوارير
واخرج سعيد بن مسعود بن عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس لو أخذت فضة من فضة
الدنيا فضربتها حتى تجعلها مثل جناح الذباب لم يرى الماء من ورائها لكن من أواني
الجنة بياض الفضة فى صفاء القوارير. (قَوارِيرَا مِنْ
فِضَّةٍ) بدل من الاول اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال ليس فى
الجنة شىء الا قد أعطيتم فى الدنيا شبه القوارير من فضة قال الكلبي ان الله جعل
قوارير كل قوم من تراب ارضهم وان ارض الجنة من فضة فجعل منها قوارير يشربون فيها
قرأ ابن كثير قوارير الاول بالتنوين لتناسب رؤس الاى والثاني بلا تنوين بعدم
الانصراف وقرأ نافع والكسائي وابو بكر كلاهما بالألف تبعا للخط لا حمرة
فيغير الالف ومن
نون الثاني ايضا بالألف عوضا من التنوين ومن لم ينون وقف بغير الف على القياس الا
هشام فبالالف صلة للفتحة على الرواية (قَدَّرُوها
تَقْدِيراً) صفة ثانية لاكواب او حال بتقدير قد والمعنى قدرها لهم
السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ريهم لا يزيد ولا ينقص كذا اخرج
الفريابي فى نفسه عن ابن عباس قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رضى الله عنه لعل هذا
اشارة الى ان مقادير الأكواب يكون على حسب مقادير استعدادات الأرواح فى المعارف
الالهية واخرج هناه عن مجاهد تقديرها انها ليست بالملأى التي تفيضه ولا ناقصة بقدر
او المعنى قدرها اهل الجنة فى أنفسهم فجاءت مقاديرها وأشكالها لما تمنوه او قدروه
بأعمالهم الصالحة فجاءت على حسبها. (وَيُسْقَوْنَ فِيها) معطوف على يطاف عليهم (كَأْساً) المراد بالكأس هاهنا المشروب اما حقيقة او على طريق جرى
النهر (كانَ مِزاجُها
زَنْجَبِيلاً) صفة لكاس كانت العرب يستلذون الشراب الممزوج بالزنجبيل
قواعد الله بذلك قال ابن عباس ما ذكر الله فى القران بما فى الجنة وسماه ليس له فى
الدنيا مثل وقيل عين فى الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل وقال قتادة يشربها المقربون
صرفا ويمزج لسائر اهل الجنة قلت ذكر الله تعالى فى الجنة كاسا كان مزاجها كافورا
وكاسا كان مزاجها زنجبيلا ذلك على اختلاف رغبة الشاربين فان محرور الطبيعة يعجبه
التبريد فيرغب الى كاس كان مزاجها كافورا والمبرود يعجبه التسخين فيرغب الى كاس
كان مزاجها زنجبيلا ولكل يرغب فيه. (عَيْناً) بدل من زنجبيلا ان كان الزنجبيل اسما لعين والا فهو بدل من
كاس على حذف المضاف اى كاس عين (فِيها تُسَمَّى) تلك العين (سَلْسَبِيلاً) اخرج سعيد ابن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد قال هى حديدة
الحربة انتهى ويقر شراب سهل الانحدار فى الخلق والمساغ سلسل سلسالا وسلسبيلا فقيل
الباء فيه زائدة وقال الزجاج سميت بذلك لانها منقادة لهم يصرفونها حيث شاؤا وقال
مقاتل وابو العالية سميت به لانها تسيل عليهم فى الطريق وفى منازلهم ينبع من اصل
العرش من جنة عدن الى اهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح
المسك. (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ) عطف على الجملة السابقة ـ (وِلْدانٌ) ينشئهم الله لخدمة المؤمنين او ولدان الكفرة يجعلهم الله
خدما لاهل الجنة (مُخَلَّدُونَ) اى لا يموتون ولا يهرمون (إِذا رَأَيْتَهُمْ
حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) لا يموتون ولا يهرمون
إذا رأيتهم
لانتثارهم فى الخدمة ولو كانوا صفا شبهوا بالمنظوم والجملة الشرطية صفة ثانية
للولدان اخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن ابن عمر قال ان ادنى اهل الجنة من
يسعى عليه الف خادم على عمل ليس معه صاحبه وتلى هذه الاية واخرج ابن ابى الدنيا عن
انس قال قال رسول الله صلعم ان أسفل اهل الجنة أجمعين درجة من يقوم على راسه عشرة
آلاف خادم واخرج ابن ابى الدنيا عن ابى هريرة ان ادنى اهل الجنة منزلا من يغدوا
ويروح عليه خمسة آلاف خادم ليس منهم خادم الا ومعا ظرف ليس مع صاحبه والله تعالى
اعلم اخرج ابن المنذر عن عكرمة قال دخل عمر بن الخطاب على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو راقد على حصير من جريد فاثر فى جنبه فبكى عمر فقال ما
يبكيك قال ذكرت كسرى وملكه وهرمز وملكه وصاحب الحبشة وملكه وأنت رسول الله على
حصير من جريد فقال رسول الله صلعم اما ترضى ان لهم الدنيا ولنا الاخرة فأنزل الله
تعالى. (وَإِذا رَأَيْتَ) حذف مفعوله ونزل منزلة اللازم ـ (ثَمَ) ظرف لرايت اى فى الجنة (رَأَيْتَ نَعِيماً) كثيرا (وَمُلْكاً كَبِيراً) الجملة الشرطية معترضة فى الجنة وقد مر فيما سبق عن ابن
عمر مرفوعا ادنى اهل الجنة منزلة لمن ينظر الى جناته وأزواجه وخدمه وسرره مسيرة
الف سنة وفى رواية مسيرة الفى عام يرى أقصاه كما يرى أدناه وقيل «لك لا يزول ويسلم
عليهم الملائكة ويستاذنهم فى الدخول ولهم فيها ما يشاؤن ويرون الرب الجليل. (عالِيَهُمْ) قرأ نافع وحمزة بإسكان الياء على انه مبتداء وما بعده خبره
من جملته حال من ضمير عليهم فى يطوف عليهم او من المنصوب فى حسبتهم او من ملكا
كبيرا بحذف المضاف اى اهل ملك كبير والباقون بالنصب على انه ظرف مستقر بمعنى فوقهم
خبر لما بعده او حال مما ذكرنا وما بعده فاعل الظرف (ثِيابُ سُندُسٍ) بالاضافة مبتداء او خبر او فاعل لما قبله والسندس معرب ضرب
من رقيق الديباج كذا فى القاموس (خُضْرٌ) اخضر قرأ نافع وحفص وابو عمرو ابن عامر بالرفع على انه صفة
ثياب والباقون بالجر على انه صفة سندس (وَإِسْتَبْرَقٌ) زاى الديباج الغلظ معرب استبره او ديباج يعمل بالذهب او
ثياب حرير صفاق نحو الديباج كذا فى القاموس قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالرفع عطفا
على ثياب والباقون بالجر عطفا على سندس عن ابن عمر قال قال رجل يا رسول الله صلعم
أخبرنا عن ثياب اهل الجنة اخلق يخلق أم نسج ينسج فقال بلى ينشق عنها
ثمر الجنة رواه
النسائي والبزار والبيهقي بسند جيد وعن جابر قال فى الجنة شجرة ينبت السندس يكون
ثياب اهل الجنة رواه البزار والطبراني وابو يعلى بسند صحيح وعن عمر بن الخطاب ان
النبي صلىاللهعليهوسلم قال من لبس الحرير فى الدنيا لم يلبسه فى الاخرة متفق عليه
وروى النسائي والحاكم وعن ابى هريرة نحوه وزاد ومن شرب الخمر فى الدنيا لم يشربه
فى الاخرة ومن شرب من آنية الذهب والفضة فى الدنيا لم يشرب بهما فى الاخرة وفى
الصحيحين عن انس والزبير نحو حديث عمر وعن ابى سعيد الخدري ايضا نحو حديث عمر وزاد
وان دخل الجنة لم يلبسه رواه الطيالسي بسند صحيح والنسائي وابن حبان والحاكم (وَحُلُّوا) عطف على ويطوف عليهم او حال من الضمير فى عاليهم بإضمار قد
(أَساوِرَ) منصوب بنزع الخافض (مِنْ فِضَّةٍ) ج من بيانية وهذا لا يخالف قوله تعالى أساور من ذهب لا
مكان الجمع والعاقبة والتبعيض وعلى تقدير كون الجملة حالا من ضمير للخدم فيجوز ان
يكون أساور من فضة للخدم ومن ذهب وسوار من فضة وسوار من لؤلؤ واخرج ابو الشيخ فى
العظمة عن كعب الأحبار قال ان لله تعالى ملكا يصوغ على اهل الجنة من أول خلقه الى
ان تقوم الساعة ولو ان حليا يخرج من حلى اهل الجنة لذهب بضوء الشمس وفى الصحيحين
عن ابى هريرة ان رسول الله صلعم قال يبلغ الحلي من المؤمن حيث يبلغ الضوء واخرج
النسائي والحاكم عن عقبة بن عامر قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها فى الدنيا (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ) معطوف على الجمل السابقة (شَراباً طَهُوراً) من الاقذار لم تمسه الأيدي كخمر الدنيا قال ابو قلابة
وابراهيم انه لا يصير لو لا نجسا ولكن يصير رشحا فى أبدانهم كريح المسك وذلك انهم
يوتون بالطعام وإذا كان اخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فيطهر بذلك بطونهم
ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك الأذفر تعود شهوتهم وقال مقاتل
هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان فى قلبه من غل او حسد قال
البيضاوي ولنعم ما قال هو ان الله سبحانه يريد نوعا اخر من الشراب يفوق على
النوعين المتقدمين ولذلك أسند الى نفسه ووصفه بالطهورية فانه يطهر شاربه عن الميل
الى الذات الحسنة والركون الى ما سوى الحق فتجرد لمعاينة جماله ملتذا بلقائه وهى
منتهى درجة الصديقين ذلك ختم به ثواب الأبرار وتختم ثوابهم ومبدأ ثواب الصادقين
وادنى درجتهم قال فى المدارك قيل ان الملائكة تعرضون
عليهم الشراب
فيأبون قبوله منهم ويقولون لقد طال أخذنا من الوسائط فاذا هم بكأسات تلاقى أفواههم
بغير اكف من غيب الى عبد ويؤيد هذا القول ما اخرج ابن ابى الدنيا بسند جيد عن ابى
امامة قال ان الرجل من اهل الجنة يشتهى الشراب من شراب الجنة فيقع فى يده فيشرب ثم
يعود الى مكانه قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي رض ان السابقين المقربين يعطون
الكاسات من تحت العرش بلا واسطة والمقتصدين يعنى الأبرار يعطيهم الملائكة وغيرهم
من اهل الجنة يعنى الذين دخلوها بعد المغفرة او العذاب يعطيهم الولدان انتهى قلت
وهذه الآيات اخبار عن شان الأبرار فلعلهم يعطون الكاسات تارة بتوسط الولدان وتارة
بتوسط الملائكة وتارة بلا توسط واما المقربون فلعلهم يعطون بلا توسط غالبا. (إِنَّ هذا) النعيم (كانَ لَكُمْ جَزاءً) لاعمالكم (وَكانَ سَعْيُكُمْ
مَشْكُوراً) ع محمودا مقبولا مرضيا عندنا مجازا فقال فهذا قول لهم من
الله تعالى كأنهم شكر لهم من الله تعالى حيث لم يريدوا مشكورا من غيره تعالى من
المسكين واليتيم قلت جعل الله سبحانه نعيم الجنة جزاء لاعمالهم تفضلا لهم والا فأى
عمل يتصور ان يكون جزاءه كذلك. (إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) ج قال ابن عباس يعنى متفرقا اية بعد اية ولم ينزل جملة
واحدة وتأكيد الجملة بتقديم المسند اليه على الجزاء الفعلى وتصديرها بان وتكرير
الضمير لاشعار بأن الحكمة والصواب منحصر فى هذا النوع من التنزيل كانه كرر الاسناد
الى نفسه وجعله مختصا به والحكيم لا يفعل الا ما هو حكمته. (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) الفاء للسببية يعنى إذا عرفت حال الأبرار والفجار وتأخير
جزاء الفريقين اى دار القرار فاصبر على أذى الكفار ولا تعجل فى عقوبتهم ولا تحزن
بتأخير نصرك عليهم وإذا علمت ان تنزيل القران مختص به تعالى فاصبر نفسك على ما امر
به وعما نهى عنه (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) اى من الكفار للضجر من تأخير الظفر (آثِماً) اى مرتكبا لاثم داعيا لك اليه وان لم يكن ذلك كفرا ـ (أَوْ كَفُوراً) ج مرتكبا للكفر داعيا لك الى الكفر فاو لاحد الامرين منكر
وقعت فى حيز النفي فافادت العموم اى لا تطع أحدا دعاك الى اثم او دعاك الى كفر او
إليهما جميعا فانه داع الى كل واحد منهما ولو وقعت هناك الواو لكان المعنى لا تطع
من دعاك الى الكفر والإثم جميعا ولا يستفاد منه عدم إطاعة الداعي الى الإثم فقط
ومقتضى هذه الاية انه لا بأس فى إطاعة كافر فيما ليس بإثم ولا كفر
وقيل او هاهنا
بمعنى الواو والمراد بالإثم والكفور ابو جهل لعنه الله تعالى وذلك انه لما فرضت
الصلاة نهى ابو جهل النبي صلعم عنها وقال لان رايت محمدا يصلى لاطان عنقه فانزل
الله هذه الاية كذا روى عبد الرزاق وابن المنذر وابن جرير عن قتادة وقال مقاتل
أراد بالإثم عتبة بن ربيعة وبالكفور وليد بن المغيرة قالا للنبى صلعم ان صنعت ما
صنعت لاجل النساء والمال فارجع عن هذه الأمر وقال عتبة فانا أزوجك ابنتي وأسوقها
إليك بغير مهر وقال الوليد انا أعطيك من المال ما ترضى فارجع من هذه الأمر فانزل
الله تعالى هذه الاية. (وَاذْكُرِ اسْمَ
رَبِّكَ) اى صل شبه عن الصلاة بذكر اسم الله تعالى تسمية الشيء باسم
جزئه فان التحريمة ركن من اركان الصلاة او يقال افعال الصلاة وأقوالها كلها ذكر
قال رسول الله صلعم ان هذه الصلاة ليس فيها شىء من كلام الناس انما هى التسبيح
والتكبير وقراءة القران رواه المسلم من حديث معاوية بن حكم (بُكْرَةً) اى أول النهار عنى به صلوة الفجر منصوب على الظرفية وكذا (وَأَصِيلاً) اى اخر النهار عنى به صلوة الظهر والعصر. (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) عبر هاهنا عن الصلاة بالسجود وأراد به صلوة المغرب والعشاء
ولما كان فى صلوة الليل زيادة كلفته أكده بتقديم الظرف وزيادة الفاء فى فاسجد على
تقدير اما اى واما من الليل فاسجد (وَسَبِّحْهُ لَيْلاً) عبر هاهنا عن الصلاة بالتسبيح والمراد به قيام الليل (طَوِيلاً) صفة لمصدر محذوف اى تسبيحا طويلا نصف الليل او اقل او اكثر
منه. (إِنَّ هؤُلاءِ) يعنى الكفار مكة (يُحِبُّونَ) الدار (الْعاجِلَةَ) فى الدنيا (وَيَذَرُونَ
وَراءَهُمْ) اى قدامهم او خلف ظهورهم (يَوْماً ثَقِيلاً) شديدا مستعار من الشغل البالغ فى المشقة على الحال وجملة
ان هؤلاء تعليل لقوله تعالى لاتطع منهم اثما او كفورا يعنى انهم آثمون لا يعملون
ما يعملون فى الدنيا ولا يصأون بالاخرة فلا تطعهم. (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ
وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) ج أحكمنا اسرهم خلقهم وارحالهم وربط مفاصلهم (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) فى الخلق وشدة الاسر (تَبْدِيلاً) مصدر للتاكيد وجملة الشرطية معطوفة على شددنا وجملة نحن
خلقناهم مع ما عطف عليه لبيان تشنيع الكفار على كفرهم فى مقابلة النعم وذكر نعمة
إيجادهم وتمكينهم لانها اصل النعمة كلها وفى جملة إذا شئنا تسلية للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم فى احتمال الاذية منهم ووعد لهم باهلاكهم وتبديلهم بقوم
مطيع فى الخلق وقد
اهلكهم يوم بدر وقيل إذا هاهنا بمعنى ان يعنى ان يشاء الله لكن لم يشاء. (إِنَّ هذِهِ) السورة او الآيات (تَذْكِرَةٌ) ج وموعظة وتذكرة توضح السبيل الى الله سبحانه والى مرضاته (فَمَنْ شاءَ) التقرب الى الله وسلوك السبيل (اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) بالطاعة ودوام الذكر والإخلاص وتقليد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. (وَما تَشاؤُنَ) قرأ نافع والكوفيون بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على
الغيبة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ
اللهُ) لا توجد مشيتكم ايها الناس او مشية الكفار باتخاذ السبيل
الى الله وبشئ من الأشياء فى وقت من الأوقات الا وقت مشية الله تلك المشية عن عبد
الله بن عمرو قال قال رسول الله صلعم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع
الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلعم اللهم مصرف القلوب صرف
قلبى على طاعتك رواه مسلم فلما وجد مشية الله بهداية المؤمنين شاء اتخذ السبيل الى
الله ولما لم توجد مشية الله بهداية الكفار لم يشأ ذلك (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بما يستاهل كل أحد فيفعل به ما هو اهل له وذلك يستدعى سبق
استعدادهم الخير والشر وانما هو يكون المبادي تعينات المؤمنين ماشية من اسم الله
الهادي ومبادى تعينات الكفار من اسم المضل (حَكِيماً) لا يشاء الا ما تقضيه الحكمة. (يُدْخِلُ) الله سبحانه (مَنْ يَشاءُ) من عباده ورحمته (فِي رَحْمَتِهِ) ط اى فى جنته فانها محل الرحمة يقذف الايمان والتصديق فى
قلبه ومحبة الله فى سره وتوفيقه للطاعة وحفظه وتنفيره عن الكفر والمعصية (وَالظَّالِمِينَ) منصوب بفعل محذوف تفسيره بعده ويعذب الظالمين (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ع جملة والظالمين معطوف على يدخل والجملتين يقرر ان مضمون
ما يشاؤن الا ان يشاء الله ـ والله تعالى اعلم ـ تمت
سورة الدهر.
سورة المرسلات مكيّة وهى خمسون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْمُرْسَلاتِ
عُرْفاً فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً وَالنَّاشِراتِ نَشْراً فَالْفارِقاتِ فَرْقاً
فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً) ادغم ابو عمرو الخلاد التاء فى الذال واظهر الجمهور قال
مقاتل معنى الملائكة التي أرسلت بالمعروف من امر الله ونهيه وهى رواية عن مسروق عن
ابن مسعود فعرفا حينئذ مفعول له ويحتمل ان يكون عرفا حالا بمعنى متتابعات من عرف
الفرس يعنى أرسلت للاحكام متتابعات فغصفن الى عصر من عصف الرياح فى امتثال ما
أمروا به ونشرن الشرائع فى الأرض بنشر الكتب وانزالها ونشرن ان احين النفوس الموتى
بالجهل بما اوتين من العلم ففرقن بين الحق والباطل فالقينا الى الأنبياء ذكرا اى
وحيا او اليقين فى قلوب المؤمنين ذكر الله سبحانه وقال مجاهد وقتادة هى الرياح
المرسلات أرسلت متتابعة وقيل عرفا كثير العاصفات شديدة الهبوب عصفا الناشرات
السحاب فى الجو نشر الفارقات بين السحاب بالقصر فرقا او فارقات السحاب بعد المطر
فالملقيات ذكر اى تستبين لذلك فان العاقل إذا شاهد هبوبها واثارها ذكر الله تعالى
وكمال قدرته وشكره على نعمة المطر بعد ما قنطوا ويحتمل ان يكون المراد به آيات
القران المرسلات الى محمد صلعم بكل عرف اى معروف فعصفن الاكتاب والأديان بالنسخ
ونشرن اثارى الهدى والاحكام فى الشرق والغرب وفرقن بين الحق والباطل فايقين ذكر
الله بين العالمين او المراد بها نفوس الأنبياء المرسلات الى الخلق للهداية
والإرشاد وتبليغ الاحكام فغصفن واسرعن وامتثال الأوامر والانتهاء عن المناهي ونشرن
الهداية وفرقن بين الحق والباطل فالقين ذكر الله تعالى فى قلوب الامة وألسنتهم. (عُذْراً) روى عن ابى بكر عن عاصم ضم الذال وهو قراءة الحسن والمشهور
عنه ونحن ساير القراء السكون (أَوْ نُذْراً) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وابو بكر بضم الذال والباقون
باسكاتها وهما
بسكون الذال
مصدران العذر او امحى اساءة وانذر إذا خوف وبالضم جمعان للعذير بمعنى المعذرة
ونذير بمعنى الانذار او المعنى العاذر والمنذر ونصبهما على أولين بالعلية اى عذر
المؤمنين إمحاء لاساتهم ونذر للكفار تخويفا لهم والرياح سبب بوعيد الكفار بالعذاب
إذا أسند والمطرا الى الأنواء مثلا او هما منصوبان بالبدلية من ذكر على ان المراد
به الوحى وعلى الثالث بالحالية. (إِنَّما تُوعَدُونَ) من القيامة والجزاء (لَواقِعٌ) ط كائن لا محالة الجملة جواب للقسم. (فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ) محقت وذهبت بنورها جواب إذا محذوف وهو العامل فيها اى يفصل
بين اهل الجنة واهل النار. (وَإِذَا السَّماءُ
فُرِجَتْ) اى شقت فصارت لها فرجا. (وَإِذَا الْجِبالُ
نُسِفَتْ) قلعت من أماكنها وإذا مليت. (وَإِذَا الرُّسُلُ
أُقِّتَتْ) قرأ ابو عمر وقتت بالواو وعن ابى جعفر رواية بالواو
بالهمزة كالجمهور عوضا عن الواو اى أظهرت وقت جمعهم وشهادتهم على الأمم. (لِأَيِّ يَوْمٍ) متعلق بما بعده وقدم عليه لاقتضاء صدر الكلام (أُجِّلَتْ) ط أخرت وضرب الاجل لذلك الوقت استفهام استعير للتعجب
والتهويل. (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) بدل من لاى يوم وبيان له وجملة لاى يوم معترضة ويحتمل ان
يكون ثانى مفعولى أقتت لتضمينه معنى أعلمت. (وَما أَدْراكَ ما
يَوْمُ الْفَصْلِ) ط تعجيب اخر وتعظيم امره يعنى انه شىء أعظم لا تعلم كنهه
ولم تر مثله. (وَيْلٌ) مصدر بمعنى حلول الشر والهلاك فى الأصل منصوب على المصدرية
بإضمار فعله عدل به الى الرفع يجعله مبتداء لدلالته على ثبات الهلاك والشر والجملة
دعائية اخرج احمد والترمذي وابن جرير وابن ابى حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وابن
ابى الدنيا وهناد عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله صلعم قال ويل واد فى جهنم يهويه
الكافر أربعين خريفا قبل ان يبلغ قعره واخرج البيهقي وابن المنذر عن مسعود قال
الويل واد فى جهنم يسيل صديد اهل النار جعل الله للمكذبين واخرج ابن ابى حاتم عن
النعمان بن بشير نحوه واخرج البيهقي وابن جرير وابن المبارك عن عطاء بن يسار قال
الويل واد من صديد جهنم لو سيرت فيه الجبال لانذابت من حره واخرج ابن جرير عن عثمن
بن عفان عن رسول الله صلعم قال الويل جبل فى النار واخرج البزار بسند ضعيف عن سعيد
بن ابى وقاص قال قال رسول الله صلعم ان فى النار حجرا يقال له ويل يصعد عليه
العرفاء وينزلون (يَوْمَئِذٍ) اى يوم إذا النجوم طمست الى آخره (لِلْمُكَذِّبِينَ) ليوم الفصل ظرف مستقر خبر لويل يومئذ متعلق به ويحتمل ان
يكون يومئذ ظرفا مستقرا صفة لويل. (أَلَمْ نُهْلِكِ) بالعذاب المكذبين او (الْأَوَّلِينَ) نحو قوم نوح وعاد وثمود استفهام تقرير. (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) يعنى كفار مكة السالكين سبيل الأولين فى تكذيب الرسل عطف
على مضمون الم نهلك يعنى أهلكنا الأولين ثم نتبعهم الآخرين. (كَذلِكَ) صفة مصدر محذوف اى فعلا مثل ذلك الفعل (نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) اى نجس المجرمين. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) بما اوعدنا. (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ) استفهام تقرير اى خلقناكم (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) حقير قدرا وهى النطفة. (فَجَعَلْناهُ) اى الماء (فِي قَرارٍ مَكِينٍ) ما يتمكن فيه وهو الرحم ظرف مستقر مفعول ثان لجعلناه ان
كان ناقصا بمعنى صيرناه والا فظرف لغو متعلق به وجملة جعلناه معطوفة على مضمون الم
نخلقكم الفاء للتفسير لا للتعقيب او محمول على القلب فى التركيب. (إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) متعلق بقوله فى قرار مكين ان كان ظرفا مستقرا والا فبفعل
محذوف اى مؤخرا اى مقدار من الوقت المعلوم عرفا أدناه ستة أشهر وأكثره سنتين او
معلوم عند الله مدة لبثه. (فَقَدَرْنا) قرأ نافع والكسائي بالتشديد من التقدير اى فقدرنا مدة لبثه
فى بطن امه وقت ولادته وعمله واجله ورزقه وشقى او سعيد عن ابن مسعود قال حدثنا
رسول الله صلعم وهو الصادق المصدوق ان حلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما
النطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع
كلمات فيكتب عمله واجله ورزقه وشقى او سعيد ثم ينفح فيه الروح فو الذي لا اله غيره
ان أحدكم ليعمل بعمل اهل الجنة حتى يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب
فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها متفق عليه والباقون من القراء قرؤا بالتخفيف من
القدرة يعنى فقدرنا يعنى إيجاده واعدامه وإعادته (فَنِعْمَ
الْقادِرُونَ) نحن اى على كل شىء ويحتمل ان يكون القادر بمعنى المقدر على
قراءة نافع. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) بقدرتنا وهم الكفار او بتقديرنا وهم القدرية مجوس هذه
الامة. (أَلَمْ نَجْعَلِ
الْأَرْضَ) استفهام تقرير (كِفاتاً) اسم لما يكفت فيه بضم او مصدر نعت به مبالغة او جمع كافت
كصيام وصائم او
جمع كفت بمعنى الوفاء اجرى الجمع على الأرض باعتبار اقطاعها. (أَحْياءً وَأَمْواتاً) حال عن المفعول المحذوف لكفاتا ان كان مشتقا والا فالفعل
محذوف دل عليه كفاتا يعنى نكفت الناس احياء على ظهرها فى دورهم ومنازلهم وأمواتا
فى بطنها بخروجهم كذا قال الفراء وانما حذف المفعول للعلم به ويحتمل ان يكون
مفعولين لكذلك اى نكفت الاحياء والأموات وتنكيرهما للتفخيم او لان احياء الناس
وأمواتهم بعض الاحياء والأموات ويحتمل ان يكونا ثانى مفعول نجعل وكفاتا حال منهما
قدم عليهما لتنكيرهما ويحتمل ان يكونا حالين عن مفعول نجعل يعنى الأرض او كفاتا
والمراد بالاحياء والأموات ما ينبت من الأرض وما لا ينبت. (وَجَعَلْنا) عطف على مضمون لم نجعل (فِيها) اى فى الأرض (رَواسِيَ) جبال (شامِخاتٍ
وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) ط عاليات والتنكير للتعظيم نابعات من الأرض. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بامثال هذه النعم قال مقاتل وهذه الأمور المذكورة كلها
اعجب من المبعث. (انْطَلِقُوا) جملة مستأنفة كانه فى جواب ما يصنع بالمكذبين يومئذ
وتقديره يقال لهم يومئذ انطلقوا اى سيروا (إِلى ما كُنْتُمْ
بِهِ تُكَذِّبُونَ) ج فى الدنيا يعنى نار جهنم. (انْطَلِقُوا) بدل من الاول وتأكيد وفيه بيان لما يسيرون اليه (إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ) قال المفسرون أريد به دخان جهنم قال البيضاوي وغيره الدخان
العظيم إذ يرتفع يتفرق ذوائب وفى خصوصية شعب دخان جهنم بالثلث ذكر البيضاوي وغيره
وجوها لا ترضيه وعندى وجه الخصوصية بالثلث ان اسباب الدخول فى نار جهنم منحصرة فى
ثلث أحدها الكفر بالله وتكذيب الرسل صريحا وعبارة كقول الكفار افترى على الله كذبا
ثانيها اتباع الهوى وتكذيب الرسل وآيات الله اقتضاء كقوله اهل الهواء من المجسمة
والقدرية والروافض والخوارج والمرجئة على خلاف ظواهر النصوص القطعية بتأويلات
فاسدة على خلاف الإجماع كما ان المجسمة يكذبون قوله تعالى وجوه يومئذ ناظرة وما
دلت من الآيات على وزن الأعمال والصراط ونحو ذلك والروافض والخوارج يكذبون ما تواتر
عن الرسول صلعم فى مدح ابى بكر وعمر وعثمان وعلى تواترا معنويا ثالثها اتباع
الشهوات فى ارتكاب الكبائر والصغائر وترك الواجبات فهذه الأمور الثلاثة تصلح ان
تكونا أسبابا لانشعاب دخان جهنم الى
ثلث وشعب قال
البغوي قيل يخرج عنق من النار فيشعب ثلث شعب اما النور فتقف على رؤس المؤمنين
والدخان تقف على روس المنافقين واللهب تقف على رؤس الكافرين قلت وايضا يكون هذا
القول مرفوعا لكونه مما لا يدرك بالرأي فتأويله انه عبر عن شعبة من شعب الثلث
الدخان جهنم بالنور لخفته فى الظلمة بالنسبة الى أختيه والا فما معنى النور فى نار
جهنم وقد قال رسول الله صلعم أوقد على نار جهنم الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها
الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة اخرج الترمذي والبيهقي عن ابى هريرة فهذه
الشعبة الخفيفة الظلمة بالنسبة الى أختيها تقف على رؤس عصاة المؤمنين من اهل النار
وعن الشعبة الثانية بالدخان لكثرة اجزاء النار فيها وشدة ظلمتها فهى تقف على رؤس
المنافقين والمراد بالمنافقين هاهنا هم اهل الهواء الذين يدعون الايمان ويلزمهم
الكفر وتكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام وليس المراد بالمنافقين هاهنا الذين
قالوا أمنا بأفواههم فى العلانية دون السر ولم يؤمن قلوبهم فانهم أشد فى الكفر من
الجاهرين وهم فى الدرك الأسفل من النار وقد ذكرنا فى تفسير سورة البقرة وجه اطلاق
المنافقين على اهل الهواء وتطبيق ما ضرب الله تعالى به مثل المنافقين عليهم وعن
الشعبة الثالثة باللهب لكمال احتراقها وشدة التهابها فهو تقف على رؤس الكافرين قلت
ويمكن ان يقال المراد بالظل نار جهنم نفسها عبر عنها بالظل مجازا لظلمته واسوداده
فان الظل لا يخلو من الظلمة وفيه استهزاء وتهكم بالكفار كما فى ذق انك أنت العزيز
الكريم وفى بشره بعذاب اليم فمعنى قوله تعالى انطلقوا الى ظل ذى ثلث شعب انطلقوا
الى نار جهنم التي هى ذى ثلث طرق موصلة إليها أحدها تكذيب الرسل صريحا ثانيها
تكذيبهم اقتضاء ثالثها ارتكاب المعاصي لما ذكرنا. (لا ظَلِيلٍ) كظل العرش وظل الجنة للمؤمنين صفة الظل بعد صفة (وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ) ط اى لا يرد لهب جهنم صفة لموصوف محذوف اى ولا ظل يغنى من
اللهب ويحتمل ان يكون معطوفا على ظليل على طريقة فالق الإصباح وجعل الليل فيكون
صفة ثالثة لظل مذكورة فى هاتين الصفتين تهكم بهم وروى أوهم لفظ الظل من وقاية الحر
والإغناء من اللهب. (إِنَّها) الضمير راجع الى ظل من حيث المعنى ان كان المراد به النار
كما ذكرت والا فهو راجع الى غير مذكور دل عليه الكلام اى جهنم (تَرْمِي) تعليل لعدم الإغناء (بِشَرَرٍ) جمع شررة وهى ما تطاير من النار (كَالْقَصْرِ) ج اى كل شررة فى عظمها كالقصر اى كبيت من حجر او قرية او
حصن كذا فى القاموس فهو مفرد وقيل هو جمع
قصرة بمعنى اصل
النخل او الشجر الغليظ. (كَأَنَّهُ) اى القصر أفرد الضمير نظرا الى لفظه (جِمالَتٌ) جملة كانه صفة ثانية لشرر قرأ حفص وحمزة والكسائي جملة
بغير الف وهو جمع جمل والباقون جمالات بالألف على انه جمع جمال فهو جمع الجمع (صُفْرٌ) جمع اصفر فان الشرر لما فيه من النار به يكون اصفر وقيل
معناه اسود كما جاء فى الحديث ان شرر نار جهنم سود كالقير والعرب يسمى سواد الإبل
صفر الضربة الى الصفرة والاول تشبيه فى العظمة وهذا فى اللون والكثرة والتتابع
والاختلاط وسرعة الحركة. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) بالنار والعذاب ـ .
(هذا يَوْمُ لا
يَنْطِقُونَ) اى الكفار نطقا يفيدهم او لا ينطقون شيئا من فرطا الدهشة
والحيرة وهذا فى بعض المواقف وينطقون فى بعضها. (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ) فى الاعتذار عطف على لا ينطقون (فَيَعْتَذِرُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) عطف على لا يوذن فيدل على نفى الاذن والاعتذار مطلقا ولعله
لم يجعل جوابا عن النفي كيلا يدل على ان عدم اعتذارهم بعد الاذن فيوهم ان لهم عذرا
قال حينئذ اى عذرا لمن اعرض عن منعمه وكفر باياديه ونعمه. (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) ج بين اهل الجنة واهل النار (جَمَعْناكُمْ) خبر ثان لهذا او حال عن يوم الفصل والعامل معنى الاشارة
والعائد محذوف اى جمعناكم فيه او تعليل يعنى هذا يوم الفصل لانا جمعناكم فيه للفصل
بين المؤمن والمكذب او تقرير وبيان للفصل (وَالْأَوَّلِينَ
فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ) حيلة لدفع العذاب كما كنتم تكيدون بالمؤمنين فى الدنيا كما
كنتم تقولون أيعجز كل عشرة منكم ان يبطش بواحد من تسعة عشر خزنة. (فَكِيدُونِ) الياء محذوفة اى فكيدونى الان توبيخ وتعجيز جملة الشرطية
بتقدير فيقال لكم معطوفة على جمعناكم. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) ع بالعذاب إذ لا حيلة لهم يومئذ فى تخليص أنفسهم من
العذاب. (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) من الشركة او من المعاصي مطلقا على تفاوت درجاتهم (فِي ظِلالٍ) كناية عن تكاسف أشجار الجنة كقوله زيد طويل النجاد بمعنى
طويل القامة وان لم يكن له نجاد والا فلا شمس حتى يتصور الظل (وَعُيُونٍ) جارية من ماء غير أسن ولبن لم يتغير طعمه وخمر لذة
للشاربين وعسل مصفى. (وَفَواكِهَ مِمَّا
يَشْتَهُونَ) ط اى لذيذة شتهاه وفيه اشعار بان المآكل والمشارب فى الجنة
بحسب شهواتهم بخلاف الدنيا فان فيها يحسب ما يجد الناس. (كُلُوا وَاشْرَبُوا) حال من ضمير المرفوع فى الظرف اى مستقرون فى ظلل حال كونهم
مقولا لهم ذلك
او جملة معترضة بتأويل
يقال لهم (هَنِيئاً) صفة المصدر المحذوف اى أكلا هنيئا او حال اى مهنئين والهنأ
ما لا يلحق فيه مشقة ولا يعقبه وخامة (بِما كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ) من عقد القلب بالايمانيات ومعالجته الطاعات وجملة ان
المتقين مستأنفة كانه فى جواب سائل يسئل عن حال غير المكذبين بعد ما سمع حال
المكذبين. (إِنَّا كَذلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) كذلك فى محل النصب على المصدرية لما بعده والجملة الفعلية
خبر ان والاسمية تأكيد لما سبق فان المراد بالمحسنين هم المتقون لا ما هو أخص منه
والا يلزم تشبيه الا على بالأدنى وفيه حث على الإحسان يعنى فأحسنوا ايها الناس
يجزينكم كما ذكرنا والإحسان بالمعنى الأخص ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه
فانه يراك كذا قال رسول الله صلعم فى جواب جبرئيل سال عنه رواه الشيخان فى
الصحيحين عن عمر بن الخطاب. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) بالجنة حيث يحرمون من النعيم. (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) كلام مستأنف خطاب للمكذبين فى الدنيا على وجه التهديد (قَلِيلاً) منصوب على المصدرية وعلى الظرفية اى أكلا قليلا او زمانا
قليلا ما دمتم فى الدنيا ثم ينقطع ذلك عنكم (إِنَّكُمْ
مُجْرِمُونَ) تعليل للتهديد. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) حيث عرضوا أنفسهم على العذاب الأليم لاجل التمتع القليل
اخرج ابن المنذر عن مجاهد ان النبي صلعم امر وفد ثقيف بالايمان والصلاة فقالوا
ولكن لا نجبى فانها مسبة فى القاموس التجبية وضع يديه على ركبة او على الأرض او
الإكباب على وجهه قولهم فانها مسبة الى عار فنزلت. (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ
ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) فهذه جملة معترضة لذم الكفار ويحتمل ان يكون معطوفة على
المجرمون على سبيل الالتفات من الخطاب الى الغيبة يعنى انكم مجرمون وانهم لا
تركعون إذا دعيتم الى الصلاة ويحتمل ان يكون معطوفة على مضمون المكذبين يعنى ويل
الذين كذبوا ولم يصلوا عند الدعاء إليها. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ
لِلْمُكَذِّبِينَ) بالأوامر والنواهي. (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ
بَعْدَهُ) اى بعد القران (يُؤْمِنُونَ) استفهام إنكاري اى لا يومنون بشئ من الحجج إذ لم يؤمنوا
بالقران الذي هو مشتمل على وجوه من الاعجاز نظما ومعنى وعلى الحجج الواضحة
والبراهين الساطعة ولما كان سياق هذه السورة على التخويف والتهديد غالبا كما ان
كان سياق سورة الإنسان على اللطف لتطيع غالبا قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيبتنى هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس
كورت رواه الحاكم وصححه عن ابن عباس وابن مردوية عن سعيد.
سورة النّبإ مكيّة وهى أربعون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(عَمَ) أصله عن ما يحذف الالف من ما الاستفهامية إذا وقعت بعد حرف
الجر نحو لم وفيم وعم ومم تخفيفا لكثرة الاستعمال وفرقا بينهما وبين الموصولة وضم
الميم بعن فى الخط لبقائه على حرف واحد بعد الحذف والاستفهام فى كلامه تعالى
مستعار عن التفخيم والتهويل فى شان ما وقع فيه الاستفهام فانه تعالى لا يخفى عليه شىء
فى الأرض ولا فى السماء (يَتَساءَلُونَ) ج والضمير لاهل مكة وذلك ان النبي صلعم لما دعاهم الى
التوحيد وأخبرهم عن البعث بعد الموت وتلا عليهم القران جعلوا يتساءلون بينهم
فيقولون ماذا جاء بهم محمد صلعم كذا ذكر البغوي واخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن
الحسن نحوه عن المعنى يتساءلون الرسول صلعم والمؤمنين عنه استهزاء كقوله يتداعون
لهم اى يدعون لهم. (عَنِ النَّبَإِ
الْعَظِيمِ) متعلق بيتساءلون المذكور وعلى هذا النبأ متعلق بفعل مضمر
يفسره ما بعده او متعلق بيتساءلون مضمر وهذه الجملة جواب للسوال لفظا بيان لشان
المفخم معنى ويحتمل ان يكون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون هذه الجملة استفهامية
بتقدير حرف الاستفهام فتكون تأكيدا للجملة السابقة وتفخيم بعد تفخيم تقديره عم
يتساءلون أيتساءلون عن النبأ العظيم ويحتمل ان يكون الاستفهام الثاني للانكار يعنى
لا ينبغى السؤال عن النبأ العظيم بل الواجب الايمان به فانه واضح عظيم شانه وشديد
وضوحه عن ان يسال والمراد بالنبإ العظيم على قول مجاهد والأكثرين القران بدليل
قوله تعالى قل هو نبأ عظيم وقال قتادة هو البعث ويحتمل ان يكون خبر بعث النبي
صلعم. (الَّذِي) الموصول مع صلة صفة للنباء (هُمْ) الضمير راجع الى ما رجع اليه المرفوع فى يتساءلون وهم كفار
مكة على تقدير كون السؤال استهزاء او انكار او على هذا فمعنى قوله (فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) ط ان منهم من يقطع بانكاره ومنهم من يشك ويحتمل ان يكون
ضمير يتساءلون راجعا الى اهل مكة مومنهم وكافرهم أجمعين وعلى هذا فالمعنى
ان منهم من يصدق
ويسال عنه لكشف الحال وازدياد اليقين ومنهم من ينكر ويسأل عنه استهزاء وإنكارا. (كَلَّا) ردع عن الاختلاف المبنى على انكار بعضهم او كلهم (سَيَعْلَمُونَ) اى الكافرون المنكرون كونه حقا عند الشرع وفى القبر. (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) يوم القيامة والتكرير للمبالغة والدلالة على لحوق الوعيد
مرتين أحدهما فى القبر وثانيهما بعد البعث وكلمة ثم يشعر بأن الوعيد الثاني ابلغ
من الاول ثم ذكر الله سبحانه صنائعه ما يستدل به على التوحيد والقدرة على البعث
بعد الموت ووجوب شكر النعم باتباع من يدعو الى التوحيد والعبادة فقال. (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) فراشا لكم استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار
والعبادة اخرى استفهام انكار وانكار النفي اثبات فمضمونه جعلنا الأرض مهادا. (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) ص للارض كيلا تميد بكم. (وَخَلَقْناكُمْ
أَزْواجاً) أصنافا ذكورا وإناثا. (وَجَعَلْنا
نَوْمَكُمْ سُباتاً) قطعا لاعمالكم حتى تستريح أبدانكم والسبت القطع. (وَجَعَلْنَا) عطف على خلقنا (اللَّيْلَ لِباساً) لبسه كل شىء بظلمة فبمنع الابصار ويسكن الأصوات فيستريح
النائم فيه. (وَجَعَلْنَا
النَّهارَ مَعاشاً) ص اى سببا للمعاش من فضل الله ما قسم لكم من رزقه حيث
ينقلبون فيه فى حوائجكم وفيما لا بد منه فى الحيوة. (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ
سَبْعاً) اى سبع سموات (شِداداً) محكمات لا يوثر فيه مر الدهور. (وَجَعَلْنا) اى خلقنا ويحتمل ان يكون المفعول الاول محذوفا اى جعلنا
الشمس (سِراجاً وَهَّاجاً) متلاليا وقادا قال مقاتل جعل فيه نورا وحرارة والوهج يجمع
النور والحرارة. (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) قال مجاهد ومقاتل والكلبي هى الرياح التي تعصر السحاب وهى
رواية العوفى عن ابن عباس فعلى هذا من للنسبة وقال ابو العالية والضحاك المعصرات
هى السحائب وهى رواية الوالي عن ابن عباس قال الفراء المعصرات السحاب ينجلب بالمطر
ولم يمطر كالمرأة المعصرة هى التي دنا حيضها ولم تحض يعد وقال ابن كيسان هى
المغيثات من قوله وفيه تعصرون وقال الحسن وسعيد بن جبير وزيد بن اسلم ومقاتل بن
حبان من المعصرات من السموات فمن على هذه التأويلات للابتداء (ماءً ثَجَّاجاً) قال مجاهد صبابا مدراراة قال قتادة متتابعا وقال ابن زيد
كثيرا ومرجع الكل واحد. (لِنُخْرِجَ بِهِ) اى بذلك (حَبًّا) يأكله الناس كالبر والشعير
(وَنَباتاً) تأكله الدواب. (وَجَنَّاتٍ) بساتين (أَلْفافاً) ط ملتفة بالأشجار بعضها ببعض واحدها لف كجذع وجذاع او لفيف
كشريف واشراف او لا واحد له كاوضاع وهى جمع الجمع فهى جمع لف واللف جمع لفافة وهى
شجرة محتمعة يقال جنة لفاف ولما ثبت ان من هو قادر على اختراع تلك الأمور قادر على
إعادتها وان تلك الأمور العظام لا يتصور وجودها الا من فاعل الحكيم ولا يتصور ان
يكون عبثا او منافيا للحكمة فكان السامع اشتاق الى معرفة صفات وقت الفصل فاستأنف
وقال. (إِنَّ يَوْمَ
الْفَصْلِ) بين الحق والباطل (كانَ) فى علم الله او حكمه (مِيقاتاً) ميعادا للثواب والعقاب وقتا معينا لهما او المعنى حدا يؤقت
فى الدنيا وينتهى عنده او حدا للخلائق ينتهون اليه. (يَوْمَ يُنْفَخُ) بدل من يوم الفصل او عطف بيان له او بدل من ميقاتا او خبر
ثان لكان (فِي الصُّورِ) اخرج مسدد بسند صحيح عن ابن مسعود قال الصور كهيئة القران
ينفخ فيه وعن ابن عمر نحوه وقد مر فى الحاقة وعن وهب انها من لؤلؤ بيضاء فى صفاء
الزجاجة وبه ثقب بعدد كل زوج وقد مر فى المدثر (فَتَأْتُونَ) عطف على ينفخ (أَفْواجاً) حال من فاعل تأتون يعنى جماعات مختلفة من القبور الى مكان
الحساب عن ابى ذر قال حدثنا الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم ان الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاث أفواج فوج طاعمين
كاسيين راكبين وفوج يمشون ويسعون وفوج يسحبون على وجوههم رواه النسائي والحاكم
والبيهقي وعن معاذ بن جبل ان النبي صلعم تلا هذه الاية (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ
فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) قال يحشر أمتي عشرة أفواج صف على صورة القردة وهم القدرية
وصف على صورة الخنازير وهم المرجئة وصف على صورة القردة والكلاب وهم الحرورية وصف
على صورة الحمر وهم الروافضة وصف على صورة الذر وهم المتكبرون وصف على صورة
البهائم وهم أكلة الربوا وصف على صورة السباع وهم الزنادقة وصف يحشرون على وجوههم
وهم المصورون والهمازون واللمازون وصف دكيان وهم المقربون وصف مشبعاة وهم اهل
اليمين رواه ابن عساكر وقال هذا حديث منكر فى اسناده مجاهيل ورواه الخطيب بلفظ
يحشر عشر اصناف من أمتي اسباتا فمنهم على صورة القردة وهم النامون وبعضهم على صورة
الخنازير وهم اهل السحت والحرام وبعضهم منكبين أرجلهم فوق وأعينهم ووجوههم أسفل
يسحبون عليهم وهم أكلة الربوا وبعضهم عمى يترددون وهم من يجوز فى الحكم وبعضهم صم
بكم
لا يعقلون وهم
الذين يعجبون بأعمالهم وبعضهم يمضقون ألسنتهم مدلاة على صدورهم لسيل ايقح من
أفواههم يقذرون اهل الجمع وهم العلماء والقصاص الذين يخالف قولهم فعلهم وبعضهم
مقطعة أيديهم وأرجلهم وهم الذين يوذون الجيران وبعضهم مصلبين على جزوع من النار
وهم السعاة بالناس الى السلطان وبعضهم أشد نتنا من الجيف وهم الذين يتمتعون
بالشهوات واللذات ويمنعون حق الله فى أموالهم وبعضهم يلبسون جلابيب سابغة من
القطران وهم اهل الكبر والفخر والخيلاء وكذا روى الثعلبي من حديث البراء بن عاذب
عن معاذ. (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) اى شقت قرأ اهل الكوفة بالتخفيف والباقون بالتشديد
للمبالغة والتكثير عطف على تأتون ومعناه الاستقبال او حال بتقدير قد وكذا سيرت (فَكانَتْ) السماء (أَبْواباً) اى ذات أبواب او حمل على المبالغة يعنى صارت من كثرة
الشقوق كانها كلها أبواب. (وَسُيِّرَتِ
الْجِبالُ) عن وجه الأرض فى الهواء كالهباء (فَكانَتْ) الجبال (سَراباً) ط السرب فى الأصل الذهاب كذا فى الصحاح ويقال للامع فى
المفازة كالماء سرابا مالا سرابه فى راى العين والمراد هاهنا صارت الجبال شيئا لا
حقيقة لها لتفتت اجزائها ولما ذكر الله سبحانه مجيئ الناس أجمعين للحساب بقوله
فتاتون أفواجا فكان السامع اشتاق الى تفصيل أحوالهم فذكر اهل الطاغين اولا لان
الترهيب أهم من يرصد عند أذهان الناس فقال. (إِنَّ جَهَنَّمَ
كانَتْ مِرْصاداً) الرصد الاستعداد للترقيب وموضع يرصد فيه والمعنى ملائكة
العذاب وملائكة الرحمة يرصدون الناس جسر جهنم فاما ملائكة العذاب فيرصدون الكفار
لياخذوهم ويلقونهم فى النار ويعذبونهم واما ملائكة الرحمة فيرصدون المؤمنين
ليحرسونهم فى مجاوزتهم عليها من قيح جهنم وكل ليب الصراط فهذه الاية بهذا التأويل
تدل على كون جهنم طريقا وممرا للناس أجمعين كقوله تعالى وان منكم الا واردها فمن
فسر المرصاد بالطريق او المعنى الالتزامي وقيل مرصاد اى معدة للكفار يقال أرصدت
الشيء إذا اعددته ويحتمل ان يكون المرصاد صيغة مبالغة اى مجدة مجتهد فى ترصد
الكفار كيلا يشذ منها واحد اخرج البيهقي عن انس قال سمعت النبي صلعم يقول الصراط
أحد كحد السيف وان الملائكة يحفظون للمؤمنين والمؤمنات وان جبرئيل لاخذ بحجزتي
وانى لا قول يا رب سلم سلم والزالون والذالات كثير واخرج ابن المبارك والبيهقي
وابن ابى الدنيا عن عبيد بن عمير
عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال الصراط على جهنم مثل حد السيف بجهة الكلاليب والجسك فى
ركبه الناس فيخطفون والذي نفسى بيده وانه ليوخذ بالكلوب الواحد اكثر من ربيعة ومضر
والملئكة على جهة يقولون رب سلم سلم واخرج البيهقي عنه قال ان الصراط مثل حد السيف
دحض منزلة تنكفاء الملائكة والأنبياء قياما يقولون رب سلم سلم والملائكة يخطفون
بكلاليب قال البيهقي روى مقسم عن ابن عباس ان على جسر بجهنم سبع محابس يسأل العبد
عند أولها عن شهادة ان لا اله الا الله فان جاء بها تامة جاز الى الثاني فيسأل عن
الصلاة فان جاء بها تامة جاز الى الثالث فيسأل عن الزكوة فأن جاء بها تامة جاز بها
الى الرابع فيسأل عن الصوم فان جاء بها قامة جاز الى الخامس فيسأل عن الحج فان جاء
به تاما جاز الى السادس فيسأل عن العمرة فان جاء بها تامة جاز الى السابع فيسأل عن
المظالم فان خرج منها والا يقال انظروا فان كان له تطوع أكمل به اعماله فاذا فرغ
به انطلق به الى الجنة. (لِلطَّاغِينَ) يجوز بخمسة أوجه ان يكون خبر ثانيا لكانت او صفة لمرصاد او
لماب قدم عليه ما انتصب حالا او ظرف مرصاد او لماب والطاغي الذي جاوز الحد فى
العصيان ولا يكون ذلك حتى يقطع فى الكفر والتكذيب اما صريحا فحينئذ يسمى كافرا او
اما التزاما واقتضاء فيسمى رافضيا او قدريا او مرجئا او نحو ذلك من اهل الهواء (مَآباً) خبر اخر لكانت. (لابِثِينَ) قرأ حمزة ويعقوب لبثين بغير الالف والباقون بألف حال مقدرة
من الضمير فى الطاغين (فِيها) فى جهنم (أَحْقاباً) ج جمع حقب والحقب الواحد ثمانون سنة كل سنة اثنى شهرا كل
شهر ثلثون يوما كل يوم الف سنة قال البغوي روى ذلك عن على بن ابى طالب رض وكذا
اخرج هناد عن ابى هريرة وقال مجاهد الاحقاب ثلثة وأربعون حقبا كل حقب سبعون خريفا
كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما كل يوم الف سنة وقال مقاتل بن
حبان الحقب الواحد سبعة عشر الف سنة لما كانت هذا المدة متناهية وقد دلت الآيات
المحكمات على خلود الكفار فى النار والعذاب حيث قال الله تعالى وفى العذاب هم
خالدون وعليه انعقد الإجماع وروى السدى عن مرة بن عبد الله قال لو علم اهل النار
انهم يلبثون فى النار عدد حصى الدنيا لفرحوا ولو علم اهل الجنة انهم يلبثون فى
الجنة عدد حصى الدنيا لحزنوا ذهب المفسرون الى تأويل هذه الآيات فقيل انها منسوخة
بقوله تعالى فلن نزيدكم الا عذابا قالوا
فالعدد قد ارتفع
والخلود قد حصل قلت هذه خبر والخبر لا يحتمل النسخ وقال الحسن فى تأويلها ان الله
لم يجعل لاهل النار مدة بل قال لابثين فيها أحقابا فو الله ما هو الا انه إذا مضى
حقب دخل حقب اخر ثم اخرى الى الابد فليس للاحقاب مدة الا الخلود ومن هاهنا قال
البيضاوي والمراد دهورا متتابعة وليس فيه دلالة على خروجهم منها وان كان فمن قبيل
المفهوم فلا يعارض المنطوق الدال على الخلود الكفار قلنا نعم المنطوق لا يزاحمه
المفهوم ومن ثم قلنا بخلود الكفار فى النار وعليه انعقد الإجماع ووجب تأويل هذه
الاية وتأويله بالاحقاب الغير المتناهية والدهور المتتابعة ضعيف إذ لا يظهر حينئذ
فائدة لتقييد بالاحقاب الرهم خلاف المراد كيف والاحقاب بالنسبة الى غير المتناهي
من الزمان كالايام بالنسبة إليها ولا شك انه لو قيل لابثين فيها أياما لا يتبادر
الذهن منه الى الخلود بل الى الخروج فكذا هنا وقيل أحقابا جمع حقب من حقب الرجل
إذا اخطأ الرزق وحقب العالم إذا قل مطره وخيره فيكون حالا بمعنى لابثين فيها حقبين
اى ممنوعين عنهم الرزق كلمه وقوله لا يذوقون تفسير له قلت وهذا التأويل يأبى عنه
الآثار المروية عن على رض وغيره المذكورة مع انها فى حكم المرفوع لعدم مساغ الرأي
فيه وقول ان قوله تعالى. (لا يَذُوقُونَ فِيها
بَرْداً وَلا شَراباً إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) حالا من المستكن فى لابثين او صفة لاحقابا او أحقابا ظرف
بلا يذوقون فالمعنى انهم يلبثون أحقابا على هذه الصفة غير ذائقين الا حميما وغساقا
فالاحقاب زمان بعدم الذوق لا المطلق اللبث فلعلهم يبدلون بعد ذلك جنسا اخر من
العذاب أشد من ذلك والظاهر انه حال مرادف بقوله تعالى لابثين والتأويل عندى ان لفظ
الطاغين ليس على عموم اتفاقا فانتم تحملونه على الكفار دون اهل الهواء فيلزمكم
التكلفات فى هذا الاية ليندفع المعارضة بينها وبين المحكمات ونحن نحمل الطاغين
هاهنا على اهل الهواء دون الكفار فلا يلزمنا ما يلزمكم ويويد ما قلت ما اخرج
البزار عن ابن عمر عن النبي صلعم قال والله لا يخرج أحد من النار حتى يمكث فيه
أحقابا والحقب بضع وثمانون سنة وكل سنة ثلاثمائة وستون يوما مما تعدون فان هذا
الحديث يدل على الخروج بعد تلك المدة والله تعالى اعلم قرأ الحمزة والكسائي وحفص
غساقا بالتشديد كالخباز والباقون بالتخفيف كالعذاب اما الحميم فماء فى غاية الحرارة
وفى الحديث يرفع إليهم الحميم بكلاليب الحديد فاذا دنت وجوههم شوت وجوههم فاذا
دخلت بطونهم قطعت ما فى بطونهم الحديث
رواة الترمذي
والبيهقي عن ابى الدرداء واما الغساق فاخرج هناد عن مجاهد قال الغساق الذي لا
يستطيعون ان يذوقوه لشدة برده قال البغوي قال ابن عباس يحرقهم ببرده كما يحرق
النار بحرها قال مقاتل هو الذي انتهى برده واخرج هناد عن ابى العالية فى هذه الاية
انه استثنى من الشراب الحميم ومن البرد الغساق قال البيضاوي اخر الغساق ليوافق رؤس
الاى واخرج هناد عن عطية قال الغساق الذي يسيل من صديدهم واخرج مثله عن ابراهيم
وابى زرين فهو مشتق من قولهم غسقت وانصبت والغساق الانصباب واخرج ابن ابى حاتم
وابن ابى الدنيا وايضا عن كعب قال الغساق عين فى جهنم يسيل إليها حمة كل ذى حمة من
حية وعقرب وغير ذلك فيستنقع يوتى بالآدمي فينغمس غمسة واحدة فيخرج وقد سقط جلده عن
العظام وتعلق جلده ولحمه فى كعبيه فتجر لحمه كما يجر الرجل ثوبه فعلى هذه الأقوال
ان كان الغساق باردا كان المستثنى من البرد والا فهو والحميم كلاهما مستثنى من
الشراب والمراد بالبرد حينئذ برد جهنم ويستثنى عن حر النار او المراد بالبرد النوم
وقيل الاستثناء منقطع والمراد بالشراب ما يسكن عطشهم. (جَزاءً) منصوب على المصدرية من فعل المحذوف اى يجزون جزاء (وِفاقاً) ط اى وافقا او موافقا او يوافق وفاقا لاعمالهم وأباطيلهم
قال مقاتل وافق العذاب الذنب فلا ذنب أعظم من الشرك هذا على تفسير القوم بان
المراد بالطاغين الكفار فعلى هذا جزاء مصدر وقع بعد جملة لا محتمل لها غيره من
قبيل له على الف درهم اعترافا إذ لا محتمل من جملة ان جهنم إلخ الا الجزاء فهو
تأكيد لنفسه واما على ما ذكرت من ان المراد بالطاغين اهل الهواء فمعناه يجزون لجنس
ما ذكر من العذاب موافقا لبعدهم عن الحق فى عقائدهم فيكون لبث بعضهم فى جهنم اكثر
من بعض وعذابهم أشد منهم غير انه يبلغ هذا اللبث او ما هم فيه الى الاحقاب وأذاه
حقب وعلى هذا التأويل فالمصدر تأكيد لغيره إذا الجملة السابقة عليه يحتمل غير ذلك
والحمل على كونه تاكيدا لغيره اولى من الحمل على كونه تاكيدا لنفسه فان التأسيس
اولى من التأكيد. (إِنَّهُمْ كانُوا لا
يَرْجُونَ) اى لا يخافون ولا يعتقدون (حِساباً) تعليل لما سبق من الجزاء فالكافرون لا يعتقدون البعث
والحساب والجزاء مطلقا واما اهل الهواء فان هذه الصفة موجودة فى بعضهم فان المرجبة
لا يعتقدون الحساب والجزاء وكذا الروافض يقولون شيعة على ومحبه لا يعذب بشئ من
الذنوب كبيرة
كانت او صغيرة. (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) ط عطف على كانوا وهذه الصفة عامة فى جميع اهل الهواء كما
ذكرنا فى المرسلات الا ترى الى الروافض انهم ينكرون مناقب جميع الصحابة ويدعون
ارتدادهم او نفاقهم أجمعين الا ثلثة منهم او نحو ذلك ويزعمون ان عمر بن الخطاب
وغيره من الخلفاء حين مكنهم الله تعالى فى الأرض أفسدوا فى الأرض ويزعمون ان
الصحابة شر الأمم وأسوأ القرون وقد قال الله تعالى كنتم خير امة وقال الله تعالى
الذين اخرجوا من ديارهم الى قوله الذين مكناهم فى الأرض أقاموا الصلاة الاية وقال
الله تعالى (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي
قُلُوبِهِمْ) وقال (السَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ) الاية الى غير ذلك من آيات لا تكاد تحصى وكذابا المصدر بمعنى
التكذيب مطرد شايع او بمعنى المكاذبة فانهم كاذبون عند المسلمين والمسلمون كاذبون
عندهم او المعنى انهم مبالغون فى الكذب مبالغة المبالغين فيه وعلى المعنيين يجوز
ان يكون حالا بمعنى كاذبين او مكاذبين ويجوز ان يكون صفة لمصدر محذوف اى تكذيبا
مفرطا كذبه ـ (مسئلة :) هذه الاية على ما ذكرت من التأويل تدل
على عذاب اهل الهواء واما عذاب اهل الكبائر من المؤمنين فاطول مدة مكثهم بقدر
الدنيا سبعة آلاف سنة ولا يجرعون الحميم ونحو ذلك اخرج ابن ابى حاتم وابن شاهين عن
على بن ابى طالب قال قال رسول الله صلعم ان اصحاب الكبائر من موحدى الأمم كلها
الذين ماتوا على الكبائر غير تائبين من دخل منهم جهنم لا يرزق أعينهم ولا تسود
وجوههم ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون
القطران حرم الله أجسادهم على الخلود وصورهم على النار من أجل السجود فمنهم من
تأخذه النار الى قدميه ومنهم من تأخذه النار الى عقبيه ومنهم من تأخذه النار الى
حنجرة ومنهم من تأخذه الى عنقه على قدر ذنوبهم وأعمالهم ومنهم من يمكث فيها سنة ثم
يخرج وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت الى ان تفنى الحديث واخرج الحاكم فى
نوادر الأصول عن ابى هريرة نحوه فهم فى الباب الاول من جهنم ولا يضربون بالمقامع
ولا يطرحون فى الدرك فمنهم من يمكث فيها ساعة ثم يخرج منها ومنهم من يمكث وفيها
يوما ثم يخرج ومنهم من يمكث فيها سنة وأطولهم فيها مكثا منذ خلقت الدنيا الى يوم
فنيت وذلك سبعة آلاف قلت والمراد بالسنة هاهنا السنة الدنيوية حتى يتحقق مساواتهم
فيها بمدة الدنيا
وورد فى بعض
الروايات عن ابن سعيد مرفوعا ان ناسا أصابتهم النار بذنوبهم يميتهم الله فى النار
فاذا كانوا اذن بالشفاعة يحيون بخلاف الكفار فانهم لا يموتون فيها ولا يحيون. (وَكُلَّ شَيْءٍ) منصوب بفعل مضمر على شريطة التفسير اى أحصينا كل شىء من
اعمال الطاغين وأباطيلهم (أَحْصَيْناهُ كِتاباً) منصوب على التميز او على الحال بمعنى مكتوبا او على
المصدرية من قبيل ضربتهم سوطا اى أحصيناه إحصاء كتاب او بفعل محذوف اى أحصيناه
كتبناه كتابا فى اللوح المحفوظ او فى صحف الحفظة قيل هذه الجملة معترضة والظاهر
عندى انها تعليل لقوله تعالى وفاقا كما ان قوله انهم كانوا لا يرجون إلخ تعليل
لقوله جزاء يعنى جزيناهم كذلك لاجل انكارهم للحساب وتكذيبهم بالآيات ويوافق الجزاء
أعمالهم وفاقا حيث كتبنا أعمالهم وأباطيلهم لا يغادر فيها شىء فيجزيهم وفاق ذلك. (فَذُوقُوا) الفاء للسببية بمعنى ذوقوا العذاب بسبب إحصاء أعمالهم خطاب
مع الطاغين على طريقة التفات للمبالغة (فَلَنْ نَزِيدَكُمْ) ايها الطاغون ما دمتم فى النار (إِلَّا عَذاباً) ع اخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية وابن ابى هريرة الأسلمي
مرفوعا ان هذه الاية أشد ما فى القرآن على اهل النار ورواه الطبراني والبيهقي فى
البعث موقوفا والله اعلم ولما ذكر الطاغين ذكر الله سبحانه حال المتقين فقال. (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) فوزا ونجاة من النار او موضع فوز. (حَدائِقَ) بدل بعض من مفاز ان كان بمعنى الموضع والا فبدل اشتمال (وَأَعْناباً) هذا وما بعده بدل اشتمال من مفازا ويجوز عطفه على بدل
البعض تقول أعجبني زيد وجهه وعلمه. (وَكَواعِبَ) جوارى نواهد قد تكعبت ثديهن واحدتها كاعب (أَتْراباً) مستويات السن. (وَكَأْساً دِهاقاً) قال ابن عباس والحسن وقتادة مملوة وقال سعيد بن جبير
متابعة وقال عكرمة صافية ـ . (لا يَسْمَعُونَ) حال من الضمير فى للمتقين الراجع الى مفازا وهو الحدائق
والجنات او صفة لكاسا وعلى هذا فالضمير (فِيها) راجع الى كاس اى لا يسمعون فى شربها كما كانوا يسمعون فى
شرب كاسات الدنيا (لَغْواً) باطلا من الكلام (وَلا كِذَّاباً) ج قرأه الكسائي بالتخفيف على انه مصدر الكاذبة وقيل هو
الكذب وقيل هو كالمشدد فى المعنى والباقون بالتشديد بمعنى التكذيب يعنى لا يكذب
بعضهم بعضا ولا يوجد فى الجنة الكذب. (جَزاءً مِنْ رَبِّكَ
مصدر فعل محذوف
موكد بجملة وقعت قبله كما ذكرنا فى قوله تعالى جزاء وفاقا (عَطاءً) مصدر كذلك اى يجزون جزاءا ويعطون عطاء (حِساباً) صفة لعطاء بمعنى كافيا وافيا من أحسبت فلانا اى أعطيته ما
يكفيه حتى قال حسبى قال ابن عتبة عطاء حسابا اى كثيرا فعلى هذا يكون تأكيدا لنفسه
من قبيل الله اكبر دعوة الحق وله على الف اعترافا وقيل حسابا معناه على حسب
الأعمال وقدرها فى القاموس هذا بحسبه اى بعدده وعلى هذا يستقيم المقابلة بما سبق
جزاء وفاقا يعنى الطاغون يجزون جزاء موافقا لاعمالهم وأباطيلهم والمتقون يجزون
جزاء على حسب أعمالهم وقدرها قلت بل على حسب مشية الله تعالى وفضله لقوله تعالى
كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مأته حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع
عليم ط وعلى حسب اخلاص العالمين ومراتب قربهم فان المقربين يعطون الاجر على القليل
من العمل لا يعطى الأبرار على الكثير لما روى الشيخان فى الصحيحين عن ابى سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلعم لا تسبوا أصحابي فلو ان أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما
بلغ مد أحدهم ولا نصيفه وهذا التفاوت فيما بين المقربين على تفاوت درجات قربهم قال
المجدد رضى الله عنه الصحابة كانوا كلهم مستغرقين فى التجليات الذاتية الدائمة
بكمالات النبوة وكثيرا من التابعين وقليل من اتباعهم كانوا كذلك وهم المقربون وبعد
القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير انطفت أنوار تلك الدولة العظمى ودرست اثارها ثم
بعد مضى الف سنة من الهجرة خلق الله سبحانه بعض الكرام وأعطاهم كمالات مثل كمالات
الأولين كما نطق به الصادق المصدوق صلىاللهعليهوآلهوسلم مثل أمتي كمثل المطر لا يدرى اوله خير أم آخره رواه
الترمذي عن انس شبه رسول الله صلعم اخر هذه الامة باوله بحيث لا يدرى ايها خير من
الاخر وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلعم أبشروا ابشروا ان
مثل أمتي مثل الغيث لا يدرى آخره خير أم اوله او كحديقة اطعم منها فوج عاما وفوج
عاما لعل آخرها أفواجا يكون اعرضهم عرضا واعمقهم عمقا وأحسنهم حسنات الحديث رواه
البيهقي ورواه رزين وعن صحابى بهم سمع النبي صلعم انه يقول سيكون فى اخر هذه الامة
قوم لهم اجر مثل اجرا ولهم رواه البيهقي فى دلائل النبوة وعلى هذا التأويل يكون
قوله تعالى جزاء من ربك عطاء حسابا تأكيد الغيرة كما ذكرت فى جزاء وفاقا والله
تعالى اعلم. (رَبِّ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا)
قرأ الكوفيون
بالجر والباقون بالرفع (الرَّحْمنِ) قرأ عاصم وابن عامر بالجر والباقون بالرفع فعلى قراءة عاصم
بالجر فيهما كلا الا سماين صفتان لربك فى قوله تعالى جزاء من ربك او بدل منه وعلى
قراءة اهل الحجار والبصرة بالرفع فيهما رب السموات مبتداء والرحمن صفة له وما بعده
خبره ويحتمل ان يكون رب السموات خبر مبتداء المحذوف اى هو رب السموات الرحمن صفة
له او خبر ثان وما بعده خبر ثالث ويحتمل ان يكون الرحمن مبتداء وما بعده خبره وعلى
قراءة حمزة والكسائي بالجر فى الاول والجر فى الثاني رب السموات خبر مبتداء محذوف
فهو جملة معترضة والرحمن بدل من ربك وما بعده استيناف (لا يَمْلِكُونَ) اى اهل السموات والأرض (مِنْهُ) اى من الرحمن (خِطاباً) ج اى لا يقدر أحد ان يخاطبه منه وقال الكلبي معناه لا
يملكون الشفاعة الا باذنه ويحتمل ان يكون معناه لا يمكن لاحد الاعتراض عليه سبحانه
فى إعطاء الاجر بعضهم اكثر من بعضهم لانهم مملوكون على الإطلاق ولا يستحق أحد عليه
شيئا والاجر تفضل منه فعلى هذا لا اعتراض عن ابن عمر عن رسول الله صلعم قال انما
اجلكم من أجل ما خلا من الأمم من العصر الى مغرب الشمس وانما مثلكم ومثل اليهود
والنصارى كرجل استعمل عملا فقال من يعمل لى من نصف النهار على قيراط فعملت اليهود
الى النصف النهار على قيراط قيراط ثم قال من يعمل لى من نصب النهار الى صلوة العصر
على قيراط قيراط فعملت النصارى من نصف النهار الى صلوة العصر على قيراط قيراط ثم
قال من يعمل لى من صلوة العصر الى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين الا فانتم الذين
تعملون من صلوة العصر الى مغرب الشمس الا لكم الاجر مرتين فغضبت اليهود والنصارى
فقالوا نحن اكثر عملا واقل إعطاء قال الله تعالى فهل ظلمتكم من حقكم شيئا قالوا لا
قال الله تعالى فانه فضلى أعطيته من شئت رواه البخاري قلت معناه قوله صلى الله
تعالى عليه واله وسلم انما اجلكم من أجل ما خلا من الأمم مانين العصر الى مغرب
الشمس ان أعمار هذه الامة قصيرة وأعمالهم قليلة والمراد بالقيراطين الكثرة مطلقا
كما فى قوله تعالى ارجع البصر كرتين لا تعيين الكثرة بقدر التضعيف والله اعلم
وبتأويلنا هذا يرتبط هذه الاية بما سبق اى جزاء من ربك عطاء حسابا والله تعالى
اعلم. (يَوْمَ يَقُومُ) ظرف للا يملكون او للا يتكلمون والاول اظهر (الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ) فى ذلك اليوم واختلفوا فى الروح فاخرج ابن جرير عن ابن
مسعود
قال الروح فى
السماء الرابعة وهو أعظم من السموات والجبال ومن الملائكة وزاد البغوي انه يسبح كل
يوم اثنى عشر الف تسبيح يخلق الله من كل تسبيحه ملكا يجئ يوم القيامة صفا واحدا
واخرج ابو الشيخ عن الضحاك فى هذه الاية قال الروح صاحب الله يقوم بين يدى الله
وهو أعظم ملائكة لو فتح فاه لوسع جميع الملائكة ما يخلق ينظرون اليه فمن مخافته لا
يرفعون طرفهم الى من فوقهم واخرج ابو الشيخ عن على بن ابى طالب رض قال الروح ملك
له سبعون الف وجهة لكل وجهة سبعون الف لسان لكل لسان سبعون لغة يسبح الله بتلك
اللغات كلها واخرج من طريق عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك واحد له عشرة وآلاف
جناح ومن طريق ابى طلحة عنه انه من أعظم الملائكة خلقا وزاد البغوي فى قول عطاء
عنه انه قال إذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا والملائكة صفا واحدا فيكون أعظم
خلقة مثلهم واخرج ابو الشيخ عن مقاتل بن حبان قال الروح اشرف الملائكة وأقربهم الى
الله وهو صاحب الوحى واخرج من وجه اخر عن الضحاك فى هذه الاية فالروح جبرئيل عليهالسلام واخرج عن ابن عباس ان جبرئيل عليهالسلام يوم القيامة لقايم بين يدى الجبار تبارك وتعالى يرغد
فرايصه فرقا من عذاب الله يقول سبحانك لا اله الا أنت ما عبدناك حق عبادتك وان ما
بين المشرق والمغرب وذلك قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا واخرج ابو نعيم
عن مجاهد وابن المبارك عن ابى صالح مولى أم هانى قال الروح خلق على صورة ابن آدم
وليسوا بالإنسان زاد البغوي يقومون صفا والملائكة صفا هؤلاء جند وهؤلاء جند وكذا
ذكر البغوي عن قتادة واخرج ابو الشيخ من طريق مجاهد عن ابن عباس مرفوعا قال الروح
جند من جنود الله ليسوا بالملائكة لهم رؤس وايدوا رجل ثم قرأ يوم يقوم الروح
والملائكة صفا قال هؤلاء جنده وهؤلاء جنده وذكر البغوي عن مجاهد عنه قال خلق على
صورة بنى آدم وما ينزل من السماء ملك الا معه واحد منهم اخرج ابن المبارك وابو
الشيخ فى العظمة عن البيهقي قوله تعالى يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال يقوم
سماطين لرب العالمين يوم القيامة سماط من الملائكة وسماط من الروح وذكر البغوي
انه قال الحسن هم
بنو آدم ورواه قتادة عن ابن عباس وقال هذا مما كان يكتمه ابن عباس (صَفًّا) حال مفرد من فاعل يقومون او مصدر بفعل محذوف اى يصفون صفا
والجملة حالان يتكلمون يعنى الروح والملائكة وهذه الجملة حال من فاعل يقوم وجملة
يوم يقوم الروح والملائكة صفا (لا يَتَكَلَّمُونَ) تقرير وتوكيد لقوله لا يملكون منه خطابا فان هؤلاء الذين
أفضل الخلائق وأقربهم الى الله إذا لم يقدروا على التكلم فكيف من عداهم (إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ) فى الكلام او الشفاعة استثناء من فاعل لا يتكلمون او من
فاعل لا يملكون والاول اظهر لفظا لاتصاله والثاني معنى فان الاذن فى الشفاعة
والكلام غير مختص بالروح والملائكة (وَقالَ صَواباً) اى حقا وصدقا واعتقد به فالقول هاهنا كانه كناية عن
الاعتقاد والاعتقاد لا يظهر الا بالقول عطف على اذن له الرحمن يعنى من قال صوابا
فى الدنيا يعنى لم يقل باطلا من الكلام كاذبا وأكذب الكذب الكفر بالله العظيم لعدم
إمكان صدقه ثم قول اهل الهواء لان القران يكذبهم وقيل معنى قال صوابا قال لا اله
الا الله فالكفار لا يوذن لهم ان يتكلموا او يعتذروا واهل الهواء وانى لهم درجة
الشفاعة. (ذلِكَ الْيَوْمُ) اشارة الى ما سبق من اليوم المذكور بالصفات المذكورة مبتدأ
(الْحَقُ) خبره عرف للقصر على كونه حقا ثابتا لا شبهة فيه (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ
مَآباً) مرجعا وسبيلا مقربا اليه بطاعاته واتباع رسله والهادين الى
سبيله بالجذب والتسليك فليتخذ الفاء السببية فان كون ذلك اليوم حقا موجب الاتخاذ
السبيل الى الله والى ربه متعلق بمآبا او ظرف مستقر حال منه. (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ) ايها الكفار (عَذاباً قَرِيباً) ج يعنى عذاب الاخرة فان كل ما هوات قريب او عذاب القبر
والموت اقرب من شراك النعل (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ) الظرف متعلق بعذابا فانه بمعنى التعذيب (ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ما استفهامية منصوبة بقدمت او موصولة منصوبة بينظر والعائد
من الصلة محذوف المعنى لتعذيب انه يرى كل امرأ يوم القيامة ما قدم من العمل شيئا
فى صحيفة او يرى جزائه فى الاخرة او فى القبر انما أسند تقديم الأعمال الى اليد
لان عامة الأعمال الجوارح منها او لان اليد كناية عن القدرة والقوة عن عثمان قال
قال رسول الله صلعم ان القبر أول منزلة من منازل الاخرة فان نجا منه
فما بعده أيسر منه
وان لم ينج منه فما بعده أشد منه والأحاديث فى العذاب القبر كثيرة وفى الصحيحين عن
ابن عباس قال مر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بقبرين فقال انهما يعذبان فى الكبيرة اما أحدهما فكان لا
يستتر من البول وفى رواية لمسلم لا يستنزه من البول واما الاخر فكان يمشى بالنميمة
الحديث ويدل على روية العمل فى القبر حديث البراء بن عاذب بطوله وفيه فى ذكر
المؤمن فيفسح له فى قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول
ابشر بالذي يسرك هذا يومك كنت توعد فيقول له من أنت فوجهك الوجه تجئ بالخير فيقول
انا عملك الصالح الحديث وفيه فى ذكر الكافر ويضيق عليه قبره حتى يختلف أضلاعه
ويأتيه رجل قبيح الوجه وقبيح الثياب نتن الريح فيقول انا عملك الصالح الحديث ابشر
بالذي يسؤك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول من أنت فوجهك الوجه تجئ بالشر فيقول انا
عملك الخبيث الحديث رواه احمد (وَيَقُولُ الْكافِرُ
يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ع اخرج الحاكم عن عبد الله بن عمر وقال إذا كان يوم
القيامة مدت الأرض مد الأديم وحشر الله تعالى الخلائق الانس والجن والدواب والوحش
فاذا كان ذلك اليوم جعل الله القصاص بين الدواب حتى يقضى للشاة الجماء من القرناء
فاذا فرغ الله من القصاص بين الدواب قال لها كونى ترابا فيرنها الكافة فيقول يا ليتنى
كنت ترابا واخرج الدينوري عن يحى بن جعدة نحوه واخرج ابن جرير وابن حاتم والبيهقي
عن ابى هريرة نحوه وذكر البغوي قول مقاتل نحوه وفيه يقول الكافر يا ليتنى كنت فى
الدنيا فى صورة خنزير وكنت اليوم ترابا وذكر البغوي عن الزياد وعبد الله بن ذكوان
قال إذا قضى بين الناس وامر اهل الجنة الى الجنة واهل النار الى النار قيل لسائر
الأمم ولمومنى الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فحينئذ يقول الكافر يا ليتنى كنت
ترابا وبه قال ابن ابى سليم مومنوا الجن يعودون ترابا وقيل المراد بالكافر هاهنا
إبليس وذلك انه عاب آدم انه خلق من التراب وافتخر بانه خلق من النار فاذا عاين يوم
القيامة ما فيه آدم وبنوه المؤمنون من الثواب والرحمة وما هو فيه من الشدة والعقاب
قال يا ليتنى كنت ترابا قال ابو هريرة فيقول التراب لا ولا كرامة لك من جعلك مثلى.
سورة النّازعت مكيّة وهى ست وأربعون اية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
(وَالنَّازِعاتِ
غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً) الواو للقسم وجواب القسم محذوف اى لتبعثن ولتحاسبين يدل
عليه ما بعده والمراد بالنازعت غرقا الملائكة التي تنزع أرواح الكفار غرقا فى
النزع فغرقا اسم أقيم مقام المصدر فهو مفعول مطلق من غير لفظ العامل نحو قعدت
جلوسا يقال أغرق النازع فى القوس اى استوفى مدها بقوة وشدة وبالناشطات نشطا
الملائكة التي يخرجون أرواح المؤمنين برفق من نشط الدلو إذا اخرج بلا كره او من
نشط الحبل او امده حتى انحل فان المؤمن كان فى مصائب الدنيا كانه معقود محبوس
فالملائكة الناشطات أخلصته وحلت حلا رقيقا كما ينشط العقال من يد البعير كذا حكى
القراء وفى الحديث فى حال أرواح المؤمن كانما انشط من عقال عن البراء بن عاذب قال
قال رسول الله صلعم ان العبد المؤمن إذا كان فى انقطاع من الدنيا واقبال من الاخرة
تنزل اليه ملائكة بيص الوجوه كان وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من
حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجئ ملك الموت عليهالسلام حتى يجلس عند راسه فيقول أيتها النفس المطمئنة اخرجى الى
مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من السقاء فياخذها فاذا
أخذها لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلها فى ذلك الكفن وفى ذلك الحنوط
ويخرج كاطيب نفحة مسك الحديث وان العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من الدنيا تنزل
اليه من السماء ملائكة سوداء الوجوه معهم المسوح فيجسلون منه مد البصر ثم تجئ ملك
الموت حتى تجلس عند راسه فيقول أيتها النفس الخبيثة اخرجى الى سخط من الله قال
فتفرق فى جسده فينزعها كما ينزع السفود من الصوف المبلول فياخذها فاذا أخذها لم
يدعوها فى يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ويخرج منها كنتن ريح جيفة وفى
رواية وينزع نفسه يعنى الكافر مع العروق
رواه احمد قال
البغوي قال ابن مسعود ينزعها يعنى نفس الكافر ملك الموت من تحت كل شعره ومن
الأظافير واصول القدمين ويرددها فى جسده بعد ما ينزعها حتى إذا كادت تخرج ردها
جسده فهذا عمله بالكافر وقال مقاتل ملك الموت وأعوانه ينزعون روح الكافر كما ينزع
السفود الكثير الشعب من الصوف المبتل (فائده) ومن هاهنا يظهر ان النفس جسم لطيف
على حسب الجسم الكثيف سار فى البدن ناش من العناصر الاربعة تفاميه الروح والقلب
وغيرهما من لطايف عالم الأمر الجواهر المجردة الا مكانية التي تظهر فى النظر الكشف
للطافتها وتجردها فى عالم المثال فوق العرش قالت الصوفية انه بكمال قدرته تعالى لا
جعلت النفس فى معاملتها بمنزلة المرآة فى مقابلة الشمس فى النفس واقتلت النفس بها
كما تمتلى المرآة بالشمس إذا قوبلت بها واتضاءت كالقمر إذا اتسق بانوار الشمس على
راى الفلاسفة فحيوة البدن بالنفس وحيوة النفس بالأرواح المجردة وتنزع النفس من البدن
عند أجل مسمى ولا يحل انتزاع الأرواح المجردة بالنفس ابدا كذا ما ورد فى الحديث ان
النفس ينزع من البدن ويجعل فى الأكفان والحنوط والمسوح يسعد بها فيفتح أبواب
السماء لنفس المؤمنة الى السماء السابعة فيقول الله تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى
عليين واعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى
ولا يفتح أبواب السماء للكافر بل يطرح روحه الى الأرض صريح على كونه جسما مخلوقا
من الأرض وعلى هذا التحقيق لا مجال لانكار عذاب القبر على ما ذهب اليه اهل الهواء
مع قطع النظر من البدن الكثيف وعند اهل الحق عذاب القبر يمكن على البدن الكثيف
ايضا ولا يمنعه الموت كما مر تحقيقه فى سورة البقرة والله تعالى اعلم. (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) قال مجاهدهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كالفرس
الجواد. (فَالسَّابِقاتِ
سَبْقاً) قال مجاهد هى الملائكة سبقت ابن آدم بالخير والعمل الصالح
وقال مقاتل هى الملائكة تسبق بأرواح المؤمنين الى الجنة يعنى الى الثواب قلت
وأرواح الكفار الى العذاب قلت وهم الذين ورد ذكرهم فى حديث البراء المذكور ان ملك
الموت إذا أخذ نفسا لم يدعها فى يده طرفة عين حتى يأخذها وعن ابن مسعود السابقات
هى انفس المؤمنين تستبق الى الملائكة الذين يقبضونها شوقا الى لقاء الله وكرامة
غاية السرور. (فَالْمُدَبِّراتِ
أَمْراً) اخرج ابن ابى الدنيا عن ابن عباس فى المدبرات امرا قال
ملائكة مع ملك
الموت يحضرون الموتى عند قبض أرواحهم فمنهم من يعرج بالروح ومنهم من يؤمن على
الدعاء ومنهم من يستغفر للميت حتى يصلى عليه ويدلى فى حفرته وقال البغوي قال ابن
عباس هم الملائكة الذين وكلوا بامور عرفهم الله عزوجل العمل بها قال عبد الرحمن بن سابط يدبر الأمر فى الدنيا
اربعة جبرئيل وميكائيل وملك الموت واسرافيل اما جبرئيل فوكل بالرياح والجنود واما
ميكائيل فوكل بالمطر والنبات واما ملك الموت فوكل بقبض الأنفس واما اسرافيل فهو
ينزل بالأمر عليهم قال قتادة. غير بجمعيتها غير المدبرات بالنجوم فانها تنزع من
أفق الى أفق ثم تغيب وتنشط من أفق الى أفق اى تذهب وقال الله تعالى فيها كل فلك
يسبحون وتسبق بعضها على بعض فى السير وهذا قول ضعيف فانه لا فرق حينئذ بين النزع
والنشط والسبح ولا وجه لذكر شىء واحد اربع مرات والفرق بين النزع والنشط بان
حركتها من المشرق الى المغرب قسرية فتغرب بالنزع غرقا وحركاتها من برج الى برج
طبعية ملايمة فسمت بالنشط مبنى على مذهب الفلاسفة القائلين بانطباق السموات بعضها
على بعض حتى يتصور القصر والثابت من الشرع ان مسافة ما بين السماء الى السماء
خمسمائة عام وذكر فى تاويل هذه الاية وجوه اخر بناء على احتمال العقل من غير نقل
من السلف قال البيضاوي هى صفات للنفوس الفاضلة حال المفارقة فانها تنزع من الأبدان
نزعا شديدا من إغراق النازع فى القوس فتنشط الى عالم الملكوت وتسبح فيه وتستبق فى
خطاير القدس حتى يصير لشرفها وقوتها من المدبرات او حال سلوكها فانها تنزع عن
الشهوات وتنشط الى عالم القدس فتسبح فى مراتب الارتقاء فتسبق الى الكمالات حتى
تصير من الكمالات او صفات انفس الغزاة اى أيديهم بنزع القسي بإغراق السهم وينشطون
بالسهم للرحى ويسبحون فى البر والبحر فيسبقون الى حرب العدو فيدبرون أمرها او صفات
خيلهم فانها تنزع فى أعنتها وتغرق فى عرقها والاعنة أطول أعناقها ويخرج من دار
الإسلام الى دار الكفر وتسبح فى جريها وتسبق الى العدو فتدبر امر الظفر والله
تعالى اعلم. (يَوْمَ تَرْجُفُ
الرَّاجِفَةُ) متعلق بجواب القسم المحذوف يعنى لتبعثن ولتحاسبين يوم ترجف
الراجفة وظرفية ذلك اليوم باعتبار اجزائها فان مقدار ذلك اليوم خمسين الف سنة من
النفخة الاولى الى دخول الجنة او النار اخرج البيهقي عن مجاهد فى قوله تعالى ترجف
الراجفة فقال ترجف الأرض والجبال وهى الزلزلة
تتبعها الرادفة
قال دكتا دكة واحدة. (تَتْبَعُهَا
الرَّادِفَةُ) فى موضع الحال من فاعل ترجف والمراد بالراجفة النفخة
الاولى وبالرادفة النفخة الثانية كذا اخرج البيهقي عن ابن عباس وانما سميت الاولى
بالراجفة لانها توقع الزلزلة فيحرك بها كل شىء ويموت منها الخلائق والثانية
بالرادفة لانها رديفة الاولى اخرج ابن المبارك من مرسل الحسن بين النفختين أربعون
سنة الاولى يميت الله بها كل ميت قال الحليمي اتفقت الروايات على ان بين النفختين
أربعون سنة وفى الصحيحين عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم ما بين النفختين
أربعون قالوا يا أبا بريرة أربعون يوما قال أبيت قالوا أربعون شهرا قال أبيت ثم
ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شى الا يبلى الا
عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة واخرج ابن ابى داود فى
البعث عن ابى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم نحوه وفيه بين النفختين أربعون عاما والاول أصح واخرج ابن
ابى حاتم عن ابن عباس يسيل واد من ماء فيما بين النفختين ومقدار ما بينهما أربعون
فينبت كل خلق بلى من انسان او حيوان ودابه ولو مر عليهم مار قد عرفهم قيل ذلك على
وجه الأرض لعرفهم فتنبتون ثم يرسل الأرواح فيزوج بالأجساد فذلك قول الله تعالى. (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) . (قُلُوبٌ) مبتداء (يَوْمَئِذٍ) متعلق بفعل يدل عليه (واجِفَةٌ) خبر اى مضطربه اضطرابا شديدا مستعار من الواجف بمعنى سريع
السير. (أَبْصارُها) اى أبصار أصحابها (خاشِعَةٌ) ذليلة من الخوف الجملة خبر بعد خبر لقلوب او صفة لواجفة. (يَقُولُونَ) تعليل لواجف قلوبهم وخشوع أبصارهم يعنى يلحقهم الاضطراب
والزلزلة انهم ينكرون البعث ويقولون فى الدنيا هذا القول (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ) الاستفهام للانكار يعنى كنا مردودين قرأ ابو جعفر انا بحذف
همزة الاستفهام لفظا وإرادته معنى (فِي الْحافِرَةِ) اى فى الحيوة الاولى يعنى حيوة بعد الموت يقال رجع فلان فى
الحافرة يعنى طريقه التي جاء فيها فحفرها اى اثر فيها بمشيته كقولهم عيشة راضية او
على تشبيه القابل ما يقابل وقال ابن زيد الحافرة النار. (أَإِذا كُنَّا عِظاماً) قرأ نافع والكسائي ويعقوب والحمزة وعامر إذا كنا بغير همزة
الاستفهام والباقون بالهمزة للانكار بعد الإنكار للتاكيد والظرف متعلق بمحذوف
تقديره انبعث إذا كنا ويحتمل ان يكون متعلقا بمردودون (نَخِرَةً) يابسة قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي
بالألف ناخرة
والباقون بغير الف اخرج سعيد بن منصور عن محمد بن كعب قال لما نزل قوله تعالى
يقولونء إنا لمردودون فى الحافرة قال كفار قريش لئن رجعنا بعد الموت لنخسرن فنزل. (قالُوا) عطف على يقولون او حال بتقدير قد من فاعل يقولون لكن نزول
تلك الاية كما يدل عليه رواية سعيد بن منصور عن محمد بن كعب يابى على كونه حالا (تِلْكَ) اشارة الى الرجعة المفهوم من قولهء إنا لمردودون فى
الحافرة مبتداء (إِذاً) اى كان كذلك اى كما يقول محمد شرط استغنى عن الجزاء لوقوعه
فى وسط جملة تدل على الجزاء تقديره إذا كان كذلك فتلك الرجعة (كَرَّةٌ) رجعة (خاسِرَةٌ) اى ذات خسران وخاسر أصحابها والمعنى انها ان صحت فنحن
خاسرون لتكذيبنا وهذا استهزاء منهم. (فَإِنَّما هِيَ) اى النفخة الثانية (زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) فى الصحاح الزجر الطرد بالصوت يقال زجرته فانزجر ومنه هذه
الاية فان الناس يطردون فى الأرض بصوت ينفخ فى الصور ثم يستعمل تارة فى الصوت كما
فى قوله تعالى والزاجرات زجرا يعنى الملائكة التي زجرن السحاب بالصوت وتارة بالطرد
كما فى قوله تعالى مجنون وازدجر يعنى طرد ومنع. (فَإِذا هُمْ
بِالسَّاهِرَةِ) الفاء للعطف وإذا للمفاجاة أضيفت الى جملة اسمية جعلها فى
قوة الفعلية معطوفا على فعلية تقديره يقولون فى الدنيا كذا فيفاجئون وقت كونهم
بالساهرة وجملة فانما هى زجرة واحدة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه لبيان كون
الرجفة التي أنكروها سهلة بينة عند الله تعالى استفهام اى قد اتيك الى غير مستصعبة
والساهرة وجه الأرض يعنى إذا هم احياء بوجه الأرض وقيل هى ارض القيامة وقال قتادة
هى جهنم. (هَلْ أَتاكَ) استفهام تقرير اى قد اتيك (حَدِيثُ مُوسى) جملة معترضية تسلية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم على تكذيب قومه وتهديدهم بأن يصيبهم مثل ما أصاب من كان
أعظم منهم. (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ) الظرف متعلق مفهوم حديث موسى اى هل اتيك الحديث المتعلق
بموسى وقت نداء ربه إياه (بِالْوادِ) والباء بمعنى فى (الْمُقَدَّسِ طُوىً) قرأ الكوفيون بالتنوين ويكسرون نونها لالتقاء الساكنين
بتأويل كونه علما للمكان وقيل هى كثنى من الطى مصدر لنودى او المقدس اى نودى
ندائين او قدس مرتين وقرأ الباقون بغير تنوين لانه معدول تقديرى اى عن طاو واسم
لواد فعدل عن الصرف او لانه علم لمونث بتأويل البقعة
فهو عطف بيان
للوادى واذهب بيان لنادى بتقدير القول اى قال. (اذْهَبْ إِلى
فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) قبيل الذهاب. (فَقُلْ) عطف على اذهب (هَلْ لَكَ) ميل (إِلى أَنْ تَزَكَّى) قرأ اهل الحجاز ويعقوب بتشديد الزاء والباقون بالتخفيف
بحذف احدى التاءين اى تسلم وتطهر من الشرك قال ابن عباس تشهد ان لا اله الا الله. (وَأَهْدِيَكَ) أريك لسبيل (إِلى رَبِّكَ) اى معرفته وعبادته وتوحيده (فَتَخْشى) ج عقابه فتؤدى الواجبات وتترك المحرمات على ان أهديك
والفاء للسببية فان الخشية مسبب للمعرفة والمعرفة مسبب للهداية. (فَأَراهُ) معطوف على محذوف يعنى ذهب وبلغ فاراه (الْآيَةَ) على صدقه (الْكُبْرى) صلى اى المعجزات الباهرة العظيمة فى الدلالة على صدقه
وافرادها لان كلها من حيث الدلالة كالاية الواحدة او المراد بها قلب العصى حية. (فَكَذَّبَ) فرعون موسى (وَعَصى) الله ورسوله بعد ظهور صدقه بالمعجزات. (ثُمَّ أَدْبَرَ) من ذلك المكان حين راى الثعبان مسرعا فى مشيه اليه (يَسْعى) صلى حال من فاعل أدبر او المعنى عن الايمان والطاعة حال
كونه يسعى فى الفساد فى الأرض. (فَحَشَرَ) جمع جنودا والسحرة (فَنادى) صلى فى مجمعه. (فَقالَ) بيان لنادى والفاء للتفسير (أَنَا رَبُّكُمُ
الْأَعْلى) صلى يعنى لا رب لكم فوقى او ان أعلى من كل من يلى أمركم
وقيل أراد ان الأصنام ارباب وانا ربها وربكم. (فَأَخَذَهُ اللهُ
نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) ط النكل فى اللغة الضعف والعجز ويقال لا يمنع الشيء عن
الشيء ويعجزه عنه فيطلق على قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والنكال اسم
من التنكيل يقال نكلت به إذا فعلت به من عقاب الشديد ما يمنع غيره عن ارتكاب مثله
فالنكال هاهنا اما صفة لمصدر محذوف مؤكد لما قبله اى اخذه الله أخذ أنكالا مانعا
لمن أراه او سمعه ان يفعل مثله او اخذه الله نكله نكالا وإضافته اما بمعنى فى يغنى
نكالا فى الاخرة بالإحراق وفى الدنيا بالاغراق كذا قال الحصن وقتادة او بمعنى
اللام يعنى نكله نكالا للكلمة الاخرة وهى هذه قوله ما علمت لكم من اله غيرى وكان
بينهما أربعون سنة كذا قال مجاهد وجماعة. (إِنَّ فِي ذلِكَ) الاخذ والنكال (لَعِبْرَةً) موعظة (لِمَنْ يَخْشى) ط لمن كان من شانه الخشية صفة لعبرة ثم خاطب منكرى البعث
على سبيل الالتفات واحتج عليهم على البعث وكونه تعالى قادرا عليه بما ظهر من قدرته
فى إيجاد العالم
فقال. (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ
خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) ط مبتداء محذوف الخبر تقديره أنتم أشد خلقا أم السماء أشد
خلقا منكم والاستفهام للتقرير والمراد بالسماء هى وما فيها بقرينة ذكر الأرض
والجبال فى مقام التفصيل والحاصل ان السماء وما فيها أشد خلقا منكم البتة لانكم
بعض ما فيها والكل أعظم وأشد من الجزء بالبداية والاعادة أهون من الله (بَناها) صفة للسماء اما على ان اللام زايدة على طريقة لقد امر على
اللئيم يسبنى او على حذف الموصول اى التي بناها او جملة ثانية معطوفة على الاول
بحرف مقدر ويحصل من القضيتين مادة البرهان تقديره ان الله بنى السماء التي هى أشد
خلقا منكم وكل من هو قادر على بناءها قادر على إعادة ما هو أضعف منها. (رَفَعَ سَمْكَها) السمك الارتفاع والمعنى جعل مقدار ارتفاعها من الأرض او
جعل تحتها الذاهب فى العلو رفيعها والجملة بيان لجملة بناها او بدل اشتمال منه (فَسَوَّاها) عمد لها وجعلها مستوية بلا قطور. (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) اى جعلها ذا ظلمة يقال غطش الليل إذا اظلم أضاف الليل الى
السماء لحدوثها بحركة الشمس المستقر فيها (وَأَخْرَجَ ضُحاها) اى ابرز ضوء شمسها وجعل النهار موجودا منها. (وَالْأَرْضَ) منصوب بفعل محذوف على شريطة التفسير يعنى ودحى الأرض (بَعْدَ ذلِكَ) اى بعد خلق السماء (دَحاها) بسطها للسكنى قال ابن عباس خلق الله الأرض بأقواتها فى
يومين من غير ان يدحوها قبل السماء ثم استوى الى السماء فسويهن سبع سموات فى يومين
بعد ذلك ثم دحى الأرض فى يومين بعد ذلك فخلقت الأرض وما فيها من شىء فى اربعة ايام
وقيل معناه الأرض مع ذلك دحيها كقوله تعالى عتلّ بعد ذلك زنيم فى التفسير البيضاوي
حمل كلمة بعد هاهنا على الحقيقة وقال فى قوله تعالى ثم استوى الى السماء ان ثم
لتفاوة ما بين خلقتى السماء والأرض من الفصل كما فى قوله تعالى ثم كان من الذين
أمنوا والتأويل الاول لكونه مستفادا من كلام السلف اولى. (أَخْرَجَ مِنْها) اى من الأرض (ماءَها) ينفجر العيون فيها (وَمَرْعاها) ص كلائها تسمية الحال باسم المحل او مصدر بمعنى المفعول
وجملة اخرج معطوفة على الأرض نظيره له. (وَالْجِبالَ أَرْساها
مَتاعاً) اى تمتيعا منصوب على العلية من دحى وارسى على سبيل التنازع
(لَكُمْ) ايها الناس (وَلِأَنْعامِكُمْ
فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى)
الفاء للسببية
يعنى إذا ثبت البعث بأخبار الله تعالى بعد إمكانه وظهور قدرته سبحانه تعالى عليه
بما ظهر من قدرته فى إيجاد العالم فاعلموا صفته وقت مجيئه وغيرها بالطامة الكبرى
ليعلم بعض صفاته من عنوانه والطم فى اللغة الغلبة ويقال للبحر لانه يغلب كل شىء
والطامة عند العرب الداهية التي لا يستطاع من ذلك سميت القيامة طامة لانها تطم
الدواهي كلها وتغلبها ثم وصفها بالكبرى لمزيد تأكيدها فى الطم وإذا ظرف يتضمن معنى
الشرط و. (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ
الْإِنْسانُ) بدل منه (ما سَعى) ما مصدرية او موصولة يعنى يرى اعماله عدد ما فى صحيفته
وكان قد نسيها من قبل لفرط الغفلة او طول المدة. (وَبُرِّزَتِ) عطف على يتذكر اى يوم يبرز يظهر (الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) لكل من يرى قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فيظهر إليها الخلق
اما الكفار فيدخلها واما المؤمن فيمرون من الصراط على ظهرها او المراد لمن يرى
الكفار وجواب إذا قيل محذوف دل عليه يوم يتذكر والظاهر ان جوابه ما بعده من التفضل
ولا ضرورة فى التقدير. (فَأَمَّا مَنْ طَغى) اى جاوز الحد فى العصيان حتى كفر. (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) على الاخرة باتباع الشهوات وهواء النفس. (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) هى فصل او مبتداء واللام فى المأوى يدل على المضاف اليه
عند الكوفيين اى ماواه وعند السيبويه والبصريين تقديره هى المأوى له عن ابى موسى
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من أحب دنياه اخر آخرته ومن أحب آخرته اخر بدنياه فاثروا
ما يبقى على ما يغنى رواه احمد والبيهقي فى الشعب وعن ابى هريرة قال قال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره متفق عليه وعند
مسلم حفت مكان حجبت وعنه ان الدنيا ملعونة وملعون ما فيها الا ذكر الله وما والاه
وعالم او متعلم رواه الترمذي وابن ماجه. (وَأَمَّا مَنْ خافَ
مَقامَ رَبِّهِ) اى مقامه يوم القيامة لحساب ربه (وَنَهَى النَّفْسَ) الامارة بالسوء (عَنِ الْهَوى) فى الصحاح الهوى ميل النفس مما يشتهيه قيل سمى به لانه
يهوى صاحبه فى الدنيا الى كل داهية وفى الاخرة الى الهاوية والهوى الانهدار
والسقوط عن علو اعلم ان الهوى راس المنهيات وأساس المحرمات قال ابو بكر الوراق ان
الله لم يخلق خلقا أخبث من الهوى قلت وهو قبيح عقلا وشرعا اما عقلا فلان حقايق
الأشياء كما هى فى نفس الأمر لا سيما حقائق المبدأ والمعاد وعواقب الأمور
من الأخلاق
والافعال وغيرها المستدعية لحسنها وقبحها مما لا يدرك غالبا بالرأي وان أدرك بعضها
بالرأي فلا يليق بالوثوق ما لم يستفاد من علام الغيوب بتوسط الرسل عليهمالسلام والا لما احتيج الى الرسل فتحصيل العقائد الصحيحة والعلم
بالأعمال الحسنة والقبيحة والعمل بها وبالأخلاق الشريفة والرذيلة لا يتصور الا
باتباع الرسل على خلاف الهوى واتباع الهوى يضاده واما شرعا فلان الله سبحانه قال
وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون وفى الصحاح العبودية اظهار التدلل والعبادة ابلغ
منها وهى ضربان عبادة بالتسخير كما يدل عليه قوله تعالى ولله يسجد من فى السموات
والأرض طوعا وكرها وعبادة بالاختيار وهو مطلوبة من الثقلين فكما ان الأشياء كلها
بالتسخير والاضطرار لا يتصور منه الا ما شاء الله وأراد فلا بد ان يكون كذلك
بالاختيار لا يصدر منه شىء من افعال القلوب والجوارح وصفات النفس الا ما أراد الله
وامر به بلا مدخل للهواء فيه وضده واتباع الهوى فهو ينافى العبودية فكل باطل قبيح
منشعب من الهوى ومنبعث من الآراء الكاسدة قالت الكفار بناء على فساد رأيهم ما لهذا
الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ابشرا منا واحدا نتبعه قالت المجسمة الباري
موجود وكل موجود جسم متحيز وقالت المعتزلة وغيرهم لا يتصور عذاب القبر ووزن
الأعمال والصراط ونحو ذلك والفساق مع اعترافهم بوجوب امتثال الرسول والقران وعلمهم
بعذاب الاخرة وعلى مساوى الأخلاق والأعمال لم يثبتوا على الشرائع باتباع الهوى
والشهوات فتركوا الواجبات وارتكبوا المحرمات والمكروهات فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلث مهلكات هوى الى بئس العبد عبد الهوى يضله رواه الترمذي
والبيهقي عن اسماء بنت عميس وقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثلث مهلكات هوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرأ بنفسه وهى أشد
هن رواه البيهقي عن ابى هريرة قلت والثلث كلها راجعة الى الهوى وان كان المراد فى
الحديث بالهوى بعض افرادها (فائدة) ترك الهوى على مراتب أدناه اجتناب ما هو يخالف
ظاهر النصوص واجماع السلف فى العقائد وبه يصير مسلما سنيا وأوسطه ما قال مقاتل ان
يهم الرجل المعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها ومن تمام هذه المرتبة ترك المشتبهات
واجتناب عمالا بأس به حذرا
عما به بأس قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من اتقى المشتبهات ويتر العرضه ودينه ومن وقع فى المشتهيات
وقع فى المحرمات كراعى يرعى حول الحمى يوشك ان يواقع متفق عليه عن النعمان بن بشير
وايضا من تمامه قصر دايرة المباح على بالابد منه وترك الهوى فى الفضول منها قال
رسول الله صلعم من الإسراف ان تأكل كل ما اشتهيت رواه ابن ماجه والبيهقي عن انس
قال المجدد رض قال سيدنا قبلتنا الشيخ الاجل الشيخ بهاء والدين النقشبندي وجدت
طريقا اقرب طرق الى الله سبحانه وهى المخالفة مع النفس يعنى مع زيادة الرعاية
الشريعة والله تعالى اعلم وهاهنا تدقيق وهى ان المعصية منها ما هو ظاهر يمكن
التحرز عنها مخالفة المقام لجانب ربه العلام ومنها ما هو أدق من دبيب النمل وذلك
ما كان منها فى لباس الحسنات كالرياء او العجب وتزكية النفس المنهي عنها فى كثرة
النوافل والطاعات وهذا من مزال الاقدام قال بعض الاكابرة لمريده يا بنى لا أخاف
طرق الشيطان إليك من سبيل السيئات ولكن أخاف ان يطرق إليك من طريق الحسنات والتحفظ
فى هذا المقام اتهام نفسه فى كل مأتى به والتضرع والاستغفار ـ (أبيات)
خالف النفس
والشيطان واعصهما
|
|
وان هما محضاك
النصح فاتهم
|
ولا تطع منهما
خصما ولا حكما
|
|
فانت تعرف كيد
الخصم والحكم
|
استغفر الله من
قول بلا عمل
|
|
لقد نسبت به
نسلا لذى عقم
|
والحصين فى كل
الحصين فى هذه المقام التشبث بذيل شيخ فإن فى الله باق به وان لا يفعل شيئا الا
بامره واجازته ذكر الشيخ الامام يعقوب الكرخي رحمة الله عليه من بدأ حاله انه قال
كنت نجارا فادركت فى نفسى تكاسلا وفى باطني شيئا من الظلمة فاردت ان أصوم أياما
ليذهب ذلك فصمت وأصبحت عند الشيخ الامام الاجل بهاء الملة والدين النقشبندي فامر
الشيخ بإحضار الطعام وقال لى كل فانه بئس العبد عبد هوى تضاله وقال ان الاكل أفضل
من الصوم ان كان بهوى النفس ففهمت انه لا بد فى العبادة النافلة ايضا من اذن من
الشيخ الفاني فى الله المستخلص عن الهوى قال قلت للشيخ بهاء الدين ان لم يوجد شيخ
كذلك فماذا يفعل المرء قال فقال الشيخ ليستغفر الله كثيرا او يستغفر بعد كل صلوة
عشرين مرة فانه قال رسول الله صلعم انه ليغان على قلبى وانى لاستغفر الله كل يوم
مأية مرة وأعلى المراتب الانتهاء عن الهوى سلب الهوى عن نفسه بالكلية بحيث لا يكون
له مراد ومطلب غير الله سبحانه وغير مراده ولتحصيل هذه المرتبة تكثير الصوفية
تكرار لا اله الا الله بملاحظة
لا مقصود الا الله
قال المجدد رض ان العبد ما دام فى هوى نفسه فهو عبد نفسه مطيع الشيطان وهذه الدولة
العظمى يعنى سلب الهوى بالكلية منوط بالولاية الخالصة ومربوط بالفناء والبقاء
الأكملين قلت وفى هذه المرتبة يحصل للصوفى الرضاء بما قدر الله له وان كان خلاف
طبعه وانه يدعو لدفع ضرر نزل به بناء على انه مامور بالدعاء او طلب العافية لا
لاجل ضيق صدره من فقدان مراده وفى هذه المرتبة يكون عبد الله تعالى بالاختيار كما
هو عبد الله بالتسخير والاضطرار وح لا يجد الشيطان اليه سبيلا الا نادر الان سبيله
الى الإنسان غالبا يكون بتوسط لهوى الا ترى ان من هو محرور المزاج مغلوب الغضب
يزين له الشيطان من اعماله القتل والظلم ونحو ذلك ومن هو مبرود المزاج ضعيف القلب
يزين له الشيطان القرار من الزحف وترك الغيرة فى الحق والنفاق ونحو ذلك وقس على
هذا فاذا أزال الهوى منه انسد طرق الشيطان اليه كلها وذلك مصداق قوله تعالى ان
عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ومن هذا المقام قال شيخ الاجل يعقوب
الكرخي ان الرجل لا يبلغ مبلغ الرجال حتى يخلص من الهوى وفى هذا المقام يطلق على
العبد انه مومن حقيقى وهو المراد من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه البغوي
فى الشرح الستة وقال النووي فى اربعينه حديث صحيح. (فَإِنَّ الْجَنَّةَ
هِيَ الْمَأْوى) ليس له ماوى سواها اخرج ابن حاتم من طريق جبير عن الضحاك
عن ابن عباس ان مشركى مكة سالوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالوا متى تقوم الساعة استهزاء منهم فأنزل الله تعالى. (يَسْئَلُونَكَ) اى كفار قريش (عَنِ السَّاعَةِ
أَيَّانَ مُرْساها) ط اى متى قيامها مصدر من الراس بمعنى القيام والثبوت واخرج
الحاكم وابن جرير عن عائشة قالت كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يسال عن الساعة حتى انزل الله عليه يسالونك عن الساعة إلخ
فانتهى واخرج الطبراني وابن جرير عن طارق بن شهاب قال كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يكثر ذكر الساعة حتى نزلت. (فِيمَ أَنْتَ مِنْ
ذِكْراها) ط احرج ابن حاتم عن عروة مثله والحاصل ان النبي صلعم بشدة
حرصه على جواب السائلين عن وقت قيامها كان يسال الله سبحانه عنها نزلت هذه الاية
فظهران فى اخفائها حكمة وانه لا يرجى علمها فانتهى عن السؤال عنها وما فى فيم
استفهامية للانكار
ومن ذكريها بيان
لما اى فى شىء أنت فى ذكر الساعة وبيان وقتها لا يجوز كذلك ولا يتصور لانك لا
تعلمها ولا يجوز ان يعلم لحكمة فى اخفائها او المعنى فى اى شىء أنت حال كون ذلك
الشيء من ذكر الساعة وبيان وقتها يعنى لست فى شىء من ذكرها وعلمها يعنى ليس شىء من
علمها عندك يقال ليس فلان فى العلم من شىء يعنى ليس شىء من العلم عنده ويحتمل ان
يكون فيم خبر مبتداء محذوف يعنى فيم هذا السؤال واى فايدة فيه ثم استأنف وقال أنت
من ذكريها اى من علاماتها وموجب تذكرها فانك ختم الأنبياء عن انس قال قال رسول
الله صلعم بعثت انا والساعة كهاتين متفق عليه وعن المستورد بن شداد عن النبي صلعم
قال بعثت فى نفس الساعة فاسبقتها كما سبقت هذه هذه بإصبعيه السبابة والوسطى رواه
الترمذي وقيل فيم أنت من ذكريها متصل بالسؤال يعنى يسئلونك عن الساعة أيان مرسها
ويقولون واين أنت من ذكرانها وبيان وقتها فتذكر وقتها على التعيين. (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) ط يعنى مدة تقوم الساعة عند انقضائها مفوض الى ربك لا
يعلمها غيره فهذه التعليل للانكار السابق جوابا للسوال وان كان من تتمة السؤال
فهذا جواب. (إِنَّما أَنْتَ
مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) ط يعنى لم تبعث لبيان وقت الساعة انما بعثت لتنذر منها من
يخشى شدايدها حتى تجتنب من موجباتها من يخشى لانه هو المنتفع الشدائد والعلم بوقوع
الساعة قطعا يكفى للانذار ولا حاجة فيه الى بيان وقت وقوعها وتخصيص من يخشى لانه
هو المنتفع بالإنذار وهذه الجملة تأكيد لما سبق من التعليل لانكار السؤال. (كَأَنَّهُمْ) اى الناس (يَوْمَ يَرَوْنَها) اى الساعة والظرف متعلق بمعنى التشبيه المفهوم من كان (لَمْ يَلْبَثُوا) خبر كان اى لم يلبثوا فى الدنيا والقبور زمانا (إِلَّا عَشِيَّةً) اى عشية يوم واحد (أَوْ ضُحاها) امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله تعالى هل
اتيك حديث موسى الى آخرها الا دحيها فان حمزة فتحها وورش ما ليس فيه هاؤ الف بين
بين وغيرها بالفتح الا ذكريها فبين بين وابو عمرو ما فيه راء امال وغيرها بين بين
والباقون بالفتح كلها اى ضحى تلك العشية أضيف الضحى الى العشية لملابسة اجتماعها
فى يوم واحد يعنى انهم يزعمون مدة لبثهم فى الدنيا والقبور لكونها متناهية
ولانقضائها وانعدامها كان لم يكن ولعدم تناهى زمان للعذاب ولشدة ذلك العذاب زمان
قصير جدا نظيره قوله تعالى لبثنا يوما او بعض يوم وهذه الاية كانه جواب لسوالهم عن
وقت مجيئها يعنى ان قيام الساعة قريب جدا.
سورة عبس مكيّة وهى اثنتان وأربعون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ذكر البغوي ان ابن
أم مكتوم واسمه عبد الله بن شريح بن مالك بن ربيعة الفهري من بنى عامر ابن لوى اتى
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو يناجى عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد
المطلب وابى وامية ابني خلف يدعوهم الى الله يرجوا إسلامهم فقال ابن أم مكتوم يا
رسول الله اقرئنى وعلمنى مما علمك الله فجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدرى انه
مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية فى وجهه صلعم لقطع كلامه وقال فى نفسه يقول هؤلاء
الصناديد انما اتباعه العميان والعبيد والسفلة فعبس وجهه واعرض عنه واقبل على
القوم الذين كان يكلمهم فانزل الله تعالى (عَبَسَ) محمد اى كلح (وَتَوَلَّى) اعرض وجهه. (أَنْ جاءَهُ
الْأَعْمى) ومحله النصب على انه مفعول لاحد الفعلين على التنازع او
لان جاءه الأعمى وهو ابن أم مكتوم المذكور كذا اخرج الترمذي والحاكم عن عائشة وفيه
قال ابن أم مكتوم أترى عما أقوله بأسا قال رسول الله صلعم لا واخرج مثله عن انس
وكذا روى ابن ابى حاتم عن ابن عباس وفيه فكان رسول الله صلعم بعد ذلك إذا راه
يكرمه ويقول مرحبا بمن عاتبتى فيه ربى ويقول له هل لك من حاجة وفيما روى الترمذي
والحاكم عن عائشة ان النبي صلعم استخلفه على المدينة مرتين فى غزوتين غزاهما وذكر
الأعمى فى الاية اشعار بعذره فى الاقدام على قطع كلام النبي صلىاللهعليهوسلم. (وَما يُدْرِيكَ) ما نافية او استفهامية للانكار ومعناه النفي يعنى أنت ما
أدريت بحاله واى شىء يجعلك داريا بحاله وفيه ايماء إلى العذر فى حق النبي صلعم
يعنى انك لو كنت عالما بحال الأعمى لم تعرض عنه مقبلا على غيره وفى الاية إجلال
للنبى صلعم بوجوه أحدها انه ذكر موجب الإنكار والاعراض عنه فى بدأ الكلام بلفظ
الغيبة ولم يسند ذلك الفعل اليه بالتخاطب إيهاما بان من صدر ذلك الفعل كانه غيره
وليس من شأنه ان يصدر منه مثله وتوجيه ذلك
ان الأعمال انما
هى بالنيات وما كانت فى نية النبي صلعم الاعراض عنه مطلقا بل كان غرضه ان هذا
الرجل مؤمن لا يضره التأخير فى تعليمه ولا يخاف منه التولي والانحراف وان صناديد
قريش عند الاعراض عنهم يذهبون ولا ينظرون ولو انهم أمنوا لا من معهم خلق كثير
وتساع كلمة الله فبهذا الغرض كانه لم يصدر عن النبي صلعم التولي عن الأعمى وان وجد
منه صورة التولي وثانيها انه ذكر الإيماء الى الاعتذار منه صلىاللهعليهوسلم بانك لم تكن تعلم والا لما صدر عنك ذلك وثالثها الالتفات
اليه من الغيبة الى التخاطب أينا ساله دفعا للايحاش وإقبالا عليه دفعا لتوهم
الاعراض ورابعها اسناد موجب العذر اليه صلىاللهعليهوسلم بالتخاطب تصريحا بكونه معذورا فيما صدر عنه (لَعَلَّهُ يَزَّكَّى) أصله يتزكى اى يتطهر بكماله من الشرك الجلى والخفي ورزائل
النفس وهوائها وتعلق القلب بغير الله سبحانه وذهاب الغفلة عن سائر لطايف عالم
الأمر وزوال صولة كل عنصر من عناصر عالم الخلق بفيض صحبة النبي صلعم وبركة أنفاسه
الشريفة واقتباس أنواره الظاهرة والباطنة. (أَوْ يَذَّكَّرُ) أصله يتذكر اى يشتغل بما يذكر الله سبحانه ويزيد حضوره
ويفيد خشيته من عذابه ورجاء ثوابه (فَتَنْفَعَهُ) قرأ عاصم بالنصب على جواب لعل والباقون بالرفع عطفا على
يذكر (الذِّكْرى) فى الصحاح الذكرى كثرة الذكر وهو ابلغ من الذكر لقوله
تعالى لعله يزكى اشعار الى غاية منازل الأبرار وقوله او يذكر اشارة الى بداية حال
الأخيار ولم يذكر هاهنا حال المقربين الصديقين لان المقام مقام الانانية واما
المقربون فملاك أمرهم على الاجتباء وذلك بالاصالة مختص بالأنبياء وبالوراثة
والطفيل لمن شاء الله تعالى من الأصفياء وكلمة او بين لمنع الخلو دون الجمع كما فى
قوله جالس الحسن او ابن سيرين والجملة معترضة لما ذكرنا من الفوائد والبيان صلوح
الأعمى للخطاب وفيه تعريض بان صناديد قريش ليسوا بأهل للخطاب وفيه تعريض لا يرجى
ما يقصد منهم كمن يقرا مسئلة لمن لا يفهمها وعنده اخر قابل لفهمها فيقال بل هذا
يفهم ما تقول وقيل ضمير لعله راجع الى الكافر يعنى انك تطمع منه تزكى او تذكر وما
يدريك ان ما تطمع فيه كاين وعلى هذا جملة لعله يزكى مفعول ثان ليدريك والله تعالى
اعلم. (أَمَّا مَنِ
اسْتَغْنى) قال ابن عباس استغنى عن الله وعن الايمان بماله من المال. (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) قرأ نافع وابن كثير بتشديد الصاد
بإدغام التاء
التفعل فى الصاد والباقون بالتخفيف بحذف احدى التاءين وأصله يتصدى اى تعرض له
وتقبل عليه كيلا يفوت منه التزكى والتطهر. (وَما عَلَيْكَ) بأس فى (أَلَّا يَزَّكَّى) ط حتى يبعثك الحرص على إسلامه الى الاعراض عمن اسلم انما
عليك البلاغ ويحتمل ان يكون لا زائدة والا يزكى اسم ما عليك خبره والمعنى انه ليس
الواجب عليك تزكية انما عليك البلاغ والجملة فاعل تصدى او معترضة. (وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى) حال اى ساعيا طالبا لما عندك من الخير. (وَهُوَ يَخْشى) الله عزوجل حال مرادف يسعى او متداخل. (فَأَنْتَ عَنْهُ
تَلَهَّى) ج امال حمزة والكسائي او اخر الآيات من أول السورة الى
هاهنا وورش بين بين الا ذكرى فاما لها والباقون بالفتح اى تتشاغل الى غيره
الجملتين تفصيل لما أجمل فى عبس وتولى وبيان لما عليه العتاب وهو إهمال الطالب
وبذل الجهد فى الغافل مع ان الاولى عكس ذلك. (كَلَّا) ردع عما فعل اى لا نفعل مثل ذلك ابدا (إِنَّها) اى القرآن انث الضمير لتأنيث خبره او بتأويل الآيات (تَذْكِرَةٌ) ج عظة وموجب لذكر الله سبحانه. (فَمَنْ شاءَ) الاتعاظ وذكره تعالى (ذَكَرَهُ) حفظه اى القرآن والجملة معترضة تعليق الذكر بالمشية تخيير
صيغة وتوبيخ للمعرضين عنه وثناء للمشتغلين به معنى. (فِي صُحُفٍ) اى مثبة مكتوبة فيها صفة لتذكرة او خبر ثان لان او خبر
مبتداء محذوف اى هى فى صحف والمراد بالصحف اللوح المحفوظ او صحف ينسخها الملائكة
من اللوح او صحف الأنبياء بدليل قوله تعالى وانه لفى الزبر الأولين ان هذا لفى
الصحف الاولى صحف ابراهيم وموسى او المصاحف التي كتبها الصحابة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (مُكَرَّمَةٍ) عند الله. (مَرْفُوعَةٍ) القدر عند الله سبحانه وقيل مرفوعة فى السماء السابعة (مُطَهَّرَةٍ) منزهة عن مس الجنب والحائض والنفساء والمحدث. (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ) جمع سافر بمعنى كاتب ومنه يقال الكتاب سفر وجمعه اسفار كذا
قال ابن عباس ومجاهد فالمراد بهم الملائكة الكرام الكاتبون او الأنبياء او كتبة
الوحى وقال الآخرون هم الرسل جمع سفير بمعنى الرسل يقال سفير القوم للذى يسعى
بينهم للصلح فالمراد هم الرسل من الملائكة ومن المبشر قلت وكذا اكتبه الوحى وعلماء
الامة فان كل منهم سفير بين الرسول وبين الامة قال رسول الله صلعم الذي يقرؤن
القران وهو ماهر به مع السفرة الكرام الأبرار والذي يقرأه وينتفع فيه وهو عليه شاق
له اجر ان رواه الشيخان عن عائشة رضى الله عنها
يعنى له أجران اجر
القراءة واجر المشقة وبهذا يظهران للماهر أجور غير متناهية. (كِرامٍ) على الله منعطفين على المؤمنين يكملونهم ويستغفرون لهم (بَرَرَةٍ) ط أتقياء صفة بعد صفة لسفرة هكذا ينبغى شان العلماء. (قُتِلَ الْإِنْسانُ) اى لعن (ما أَكْفَرَهُ) دعاء عليه باشنع الدعوات وتعجب من افراطه فى الكفر بعد
هجوم الدواعي على التشكر والايمان وهذا الكلام مع قصره يدل على سخط عظيم وذم بليغ
اخرج ابن المنذر عن عكرمة وكذا قال مقاتل انها نزلت فى عتبة بن ابى لهب قال كفرت
برب النجم قلت وقصة ذلك على ما فى السير انه كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم زوّجه ابنة أم كلثوم وزوّج أخيه عتبة أختها عليهماالسلام فلما نزلت تبّت يدا ابى لهب وتبّ قال ابو لهب راسى من
راسكما حرام ان لم تطلقا ابنتي محمد فطلقا لهما ولم يبنيا بهما وجاء عتبة حين فارق
أم كلثوم عند النبي صلعم وقال كفرت بدينك وفارقتك ابنتك وسطا عليه وشق قميص النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال النبي صلىاللهعليهوسلم اما انى أسأل الله ان يسلط عليك كلبا من كلابه وكان خارجا
الى الشام تاجرا مع نفر من قريش حتى نزّلوا مكانا من الشام (يقال له الزوراء) ليلا
فطاف بهم الأسد تلك الليلة عتبة يقول يا ويل فانى أخاف دعوة محمد فجمعوا حمالهم
فعرشوا العتبة فى أعلاها وناموا حوله فقيل ان الأسد انصرف عنهم حتى ناموا وعتبة فى
وسطهم ثم اقبل الأسد يتخطاهم ويتفشمهم حتى أخذ برأس عتبة فقدعه قلت واما عتبة
ومعيتيب ابني ابى لهب فقد اسلم بعد ذلك وكان من التائبين مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم حنين. (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ
خَلَقَهُ) ط بيان لموجبات الايمان والشكر وذكر مبدأ خلقه لكونها اسبق
النعم وضمير الفاعل راجعا الى مذكور تقديرا يعنى من اى شىء خلقه الله الاستفهام
للتقرير الى حمل المخاطب على الإقرار بانه خلقه الله من نطفة بيان لما وهذا الوجه
أوقع فى الذهن وفيه تحقير ينافى التكبر. (مِنْ نُطْفَةٍ) ط متعلق بمحذوف اى خلق الله من نطفة بيان لما أبهم ثم بين
ما اعترض عليه من الأحوال من مبدأ خلقه الى منتهاه فقال (خَلَقَهُ) أوجده فى الرحم من نطفة تاما (فَقَدَّرَهُ) اى كتب باذنه ملك الموكل اربع كلمات مقدرة مقادير عمله
واجله ورزقه وسعادته او شقاوته كما ذكرنا فى سورة المرسلات حديث ابن مسعود المتفق
عليه وهذا التأويل اولى مما ذكره المفسرون بان معناه هاهنا لا يصلح من الأعضاء
والاشكال او قدره أطوارا
من نطفة الى ان تم
خلقه. (ثُمَّ السَّبِيلَ
يَسَّرَهُ) إضمار على شريطة التفسير معطوف على قدر يعنى سهل طريق
خروجه من بطن امه كذا قال السدى والمقاتل او المعنى سهل له طريق الحق وسبيل الوصول
الى الله تعالى ببعث الرسل وإنزال الكتاب ليتم عليه الحجة نظيره قوله تعالى امّا
من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى
فسنيسره للعسرى او المعنى سهل له الحيوة الدنيا وما يتوقف عليه فان الدنيا سبيل
اما الى الجنة واما الى النار وليست بدار القرار قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كن فى الدنيا كانك غريب او عابر سبيل رواه البخاري من حديث
ابن عمرو رواه احمد والترمذي وابن ماجة ورادوا وعد نفسك من اصحاب القبور ويناسب
هذا التأويل قوله. (ثُمَّ أَماتَهُ) عد الاماتة من النعم لكونها موصلة الى دار القرار قال رسول
الله صلعم تحفة المؤمن الموت رواه الطبراني والحاكم والبيهقي فى الشعب وابو نعيم
فى الحلية من حديث ابن عمرو اما كونه سبيلا الى النار فلفساد اختياره ولا جبر
بالكلية قال رسول الله صلعم قيل لى سيد بنى دار او وضع مأدبة وأرسل داعيا فمن أجاب
الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة ورضى عنه السيد ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار
ولم يأكل من المأدبة وسخط عليه السيد فقال فالله السيد ومحمد الداعي والدار
الإسلام والمأدبة الجنة رواه الدارمي من حديث ربيعة الجرسى والبخاري عن جابر نحوه (فَأَقْبَرَهُ) اى امر الناس بجعل الميت فى القبر صيانة عن السباع وهذا
نعمة اخرى صبت أكرم الإنسان ولم يجعله كساير الحيوانات جيفة ملقاة. (ثُمَّ إِذا شاءَ) الله بعثه من القبر (أَنْشَرَهُ) أحياه بعد الموتة فان من هو قادر على خلقه قادر على نشره
من القبر وقد اخبر بذلك على لسان رسله ولو لا البعث والجزاء لصار الشاكر كالكافر
وذلك قبيح. (كَلَّا) ردع عما عليه الكافر من الإنكار والكفران مع تلك الدلائل
الموجبة للايمان والنعماء المستوجبة للشكر (لَمَّا يَقْضِ) اى بعد ما علم تلك النعم الجليلة والدلائل الواضحة لم يقض
الى الان (ما أَمَرَهُ) الله من الايمان والنعماء المستوجبة لشكر المنعم. (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) عطف على مفهوم ما سبق اى لينظر اولا الى نفسه من مبدأ خلقه
الى منتهاه وما أنعم عليه وفيه فينظر (إِلى طَعامِهِ) كيف خلقناه ومتعناه به. (أَنَّا صَبَبْنَا
الْماءَ) المطر من السماء
قرأ الكوفيون بفتح
همزة انا على انه بدل اشتمال للطعام لبيان كيفية خلقه والباقون بالكسر على
الاستيناف (صَبًّا) مفعول مطلق للتاكيد. (ثُمَّ شَقَقْنَا
الْأَرْضَ شَقًّا) بإخراج شطأ الزرع من الأرض او بالكراب وحينئذ اسناد الفعل
الى الله اسناد الى السبب. (فَأَنْبَتْنا فِيها) اى فى الأرض (حَبًّا) كالحنطة والشعير وغير ذلك. (وَعِنَباً وَقَضْباً) يعنى الرطبة سميت بمصدر قضبه او اقطعه لانها يقضب مرة بعد
اخرى وفى الصحاح القضب يستعمل فى البقل وفى القاموس القضب كل شجرة طالت وبسطت
أغصانها. (وَزَيْتُوناً
وَنَخْلاً وَحَدائِقَ غُلْباً) وهى الحديقة المتكاثفة أشجارها كذا فى القاموس. (وَفاكِهَةً) ما يراد بها التفكه فقط من الثمار ومن ثم قال الفقهاء من
حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكل التمر والعنب والزيتون ولان العطف دليل المغايرة
وكذا أكل ما يراد به الغذاء والدواء كالرمان (وَأَبًّا) اى كلاء ومرعى كذا فى القاموس. (مَتاعاً) مفعول له لانبتنا (لَكُمْ) كالحب من الحنطة وغيرها (وَلِأَنْعامِكُمْ) كالاب. (فَإِذا جاءَتِ
الصَّاخَّةُ) فى القاموس الصاخة صيحة بضم شدتها والمراد بها نفخة الصور
وفى الصحاح الصاخة الشدة الصوت ذى نطق وعلى هذا وصفت نفخة الصور بها مجازا لان
الناس يصيحون بها وهذا الشرط محذوف الجزاء والجملة متصل لقوله تعالى انها تذكرة او
بقوله قتل الإنسان ما اكفره فعلى الاول تقديره انها تذكرة وعظته فاذا جاءت الصاخة
يختلف حال المتعظين بها وغير المتعظين وبيانه وجوه يومئذ إلخ ويحتمل حينئذ ان يكون
جزاءه وجوه يومئذ إلخ وعلى الثاني تقديره قتل الإنسان ما اكفره فاذا جاءت الصاخة
يرى جزاء كفرانه. (يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) ط لاشتغاله بشان نفسه وعلمه بانهم لا ينفعونهم او لبغضهم
وكراهتهم لاجل كفرهم وسوء حالهم عن على رضى الله تعالى عنه قال سالت خديجة ولدين
ماتا لها فى الجاهلية فقال رسول الله صلعم هما فى النار فلما راى الكراهة فى وجهها
قال لو رايت مكانهما لا بغضتهما الحديث رواه احمد وتأخير الأحب للمبالغة كانه قيل
يفر المرء من أخيه بل من أبويه بل من صاحبته وبنيه والظرف اعنى يوم يفر بدل من
إذا. (لِكُلِّ امْرِئٍ
مِنْهُمْ) اى من الناس (يَوْمَئِذٍ) متعلق بالظرف المستقر (شَأْنٌ) فاعل للظرف المستقر
او مبتداء والظرف
خبره (يُغْنِيهِ) ط اى يشغله عن شأن غيره صفة لشأن وهذا التعليل للفراء عن
سودة زوج النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قالت قال رسول الله صلعم يبعث الله الناس حفاة عراة غرلا
لقد الجسم العرق وبلغ شحوم الاذان فقلت يا رسول الله وا سوأتاه ينظر بعضنا الى بعض
فقال قد شغل الناس لكل امرئ منهم يومئذ شان يغنيه رواه الطبراني والبيهقي والبغوي
وفى الصحيحين عن عائشة نحوه وفيه قالت عائشة الأمر منهم يومئذ أشد من ذلك يعنى من
ان ينظر بعضهم الى بعض واخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه. (وُجُوهٌ) المؤمنين او وجوه كثيرة او وجوه منهم اى من الناس المفهوم
من كل امرئ (يَوْمَئِذٍ) متعلق بما بعده (مُسْفِرَةٌ) اى مضية من اسفار الصبح. (ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) ج وصفت الوجوه بصفة أصحابها مجازا. (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) متعلق بظرف مستقر بعده (عَلَيْها) ظرف مستقر (غَبَرَةٌ) فاعل الظرف او مبتداء اى استقر عليها غبار او كدورة
والجملة خبر لوجوه. (تَرْهَقُها) تعلوها وتغشاها (قَتَرَةٌ) اى سواد وظلمة قال ابن عباس تغشاها ذلة قال ابن زيد فرق
بين الغبرة والقترة ان القترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالماء والغبرة ما كان أسفل
فى الأرض وجملة ترهقها صفة بغبرة او خبر بعد خبر بوجوه. (أُولئِكَ) مبتداء يعنى الذين وجوههم عليها غبرة (هُمُ) ضمير الفصل (الْكَفَرَةُ) جمع كفر خبر (الْفَجَرَةُ) ع جمع فاجر صفة لكفرة او خبر والجملة مستانفة كانها جواب
من اصحاب تلك الوجوه والفجور شق شر الدين والديانة وكماله فى الكفر ـ والله
اعلم بالصواب.
سورة كوّرت مكية وهى تسع وعشرون
اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عن ابن عمر قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من سره ان ينظر الى يوم القيامة راى العين فليقرأ إذا
الشمس كورت وإذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت رواه احمد والترمذي وحسنه ورواه
البغوي من غير ذكر إذا السماء انفطرت وإذا السماء انشقت (إِذَا الشَّمْسُ) إذا شرطية والشمس مرفوعة بفعل شرط محذوف يفسره (كُوِّرَتْ) وكذا كل ما عطف عليه اى لغت فذهب ضوءه واظلمت اخرج ابن
جرير وابن ابى حاتم والبيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال اظلمت واخرج ابن
ابى حاتم وابن ابى الدنيا فى كتاب فى البحر والأحوال وابو الشيخ فى كتاب العظمة
عنه فى تلك الآيات قال يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة فى البحر ويبعث
الله ريحا دبورا فينفخه حتى يرجع نارا قال بعضهم إذا ألقيت الشمس فى البحر فيه
انحمى وتنقلب نارا واخرج ابن ابى حاتم عن ابن ابى مريم ان النبي صلىاللهعليهوسلم قال فى قوله تعالى إذا الشمس كورت فى جهنم وإذ النجوم
انكدرت قال انكدرت فى جهنم وكل من عبد من دون الله فهو فى جهنم الا ما كان من عيسى
وامه قلت لعل التطبيق بين تكويرها فى البحر وفى جهنم ان البحر يصير نارا حميما
لاهل النار واخرج البخاري عن ابى هريرة عن النبي صلعم قال الشمس والقمر يكوران يوم
القيمة واخرج البزار فى مسنده وزاد فى النار. (وَإِذَا النُّجُومُ
انْكَدَرَتْ) ص اى انقضت وتناثرت من السماء وتساقطت الى الأرض يقال
انكدر الطير اى أسقط قال الكلبي يمطر السماء يومئذ نجوما فلا يبقى نجم الا وقع. (وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ) ص عن وجه الأرض فصارت هباء منبثا. (وَإِذَا الْعِشارُ) اى التوق اللاتي مر على حملها عشرة أشهر جمع عشراء ولا
يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة وهى النفيس اموال العرب يكونون ملازمى اذنابهن (عُطِّلَتْ) تركت بلا راع
أهملها أهلها لما
جاء اهوال يوم القيامة او المراد بالعشار السحايب عطلت عن المطر. (وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ) قال ابى بن كعب معناه اجتلت وماجت بعضها فى بعضها وقيل
معناه جمعت بعد البعث للقصاص بين الدواب كما مر فى تفسير قوله تعالى يا ليتنى كنت
ترابا وروى عكرمة عن ابن عباس حشرها موتها قال حشر كل شى الموت غير الجن والانس. (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ) ص قرأ ابن كثير وابو عمرو بالتخفيف والباقون بالتشديد قال
ابن عباس أوقدت فصارت نارا تضطرم وهو قول ابى وقال الكلبي ملئت يقال المسجور
المملو وقال مجاهد ومقاتل يعنى قحم بعضها فى بعض العذب والملح فصارت البحور كلها
بحرا واحدا من الحميم لاهل النار وقال الحسن وقتادة يبست وذهب ماءها فلم يبق من
الماء قطرة قلت والجمع بين الأقوال انه يجمع البحار كلها وملئت بحرا واحدا وكورت
الشمس فيها فحينئذ تحمى البحر وتصير نارا ولم يبق من الماء قطرة بصيرورتها نارا
وماء حميما لاهل النار واخرج ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا عن ابى بن كعب قال ست
آيات قبل يوم القيامة بينما الناس فى أسواقهم إذ ذهب ضوء الشمس فبينما هم كذلك إذا
وقعت الجبال على وجه الأرض فتحركت واضطربت وفزعت الإنس والجن فتقول الجن للانس نحن
ناتيكم بالخبر فانطلقوا الى البحر فاذا هو نار تأجج فبينما هم كذلك إذا جاءت بهم
ريح فاماتتهم وقال البغوي روى ابو العالية عنه فذكر نحوه غير ان فى رواية فانطلقوا
الجن الى البحر فاذا هى نار تأجج فبينما هم كذلك إذ انصدعت الأرض صدعة واحدة اى
الأرض السابعة السفلى الى السماء العليا فبينما هم كذلك إذ جاءتهم الريح فاماتتهم
وعن ابن عباس ايضا قال هى اثنى عشر خصلة ست فى الدنيا ستة فى الاخرة وهى ما ذكر
بعدها. (وَإِذَا النُّفُوسُ
زُوِّجَتْ) اخرج ابن ابى حاتم عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله
صلعم فى هذه الاية الضرباء كل رجل مع قومه كانوا يعملون عمله وذلك بإذن الله ويقول
وكنتم أزواجا ثلثة فأصحب الميمنة ما اصحب الميمنة واصحب المشئمة ما اصحب المشئمة
والسابقون السابقون واخرج البيهقي من النعمان بن بشير قال سمعت عمر بن الخطاب يقول
وإذا النفوس زوجت قال هما الرجلان يعملان العمل يدخلان به الجنة او النار وسمعته
يقول احشروا الذين ظلموا
وأزواجهم قال
ضربائهم واخرج سعيد بن منصور بلفظ يقرن الرجل الصالح مع الصالح فى الجنة ويقرن
الرجل السوء مع السوء فى النار واخرج البيهقي عن ابن عباس قال احشروا الذين ظلموا
وأزواجهم قال أشياعهم وقيل تزوجت النفوس باعمالها وقال عطاء ومقاتل زوجت النفوس
المؤمنين بالحور العين وقرنت نفوس الكفار بالشياطين وروى عن عكرمة قال إذا النفوس
زوجت اى ردت الأرواح فى الأجساد. (وَإِذَا
الْمَوْؤُدَةُ) وهى الجارية المدفونة حية سميت بذلك لما يطرح عليها من
التراب فيودها اى يثقلها حتى تموت وكانت العرب تدفن البنات مخافة العار والفقر
تبكيتا للوائدة كتبكيت النصارى بقوله تعالى يا عيسى بن مريم أنت قلت للناس اتخذوني
وأمي الهين او يقال أسند الفعل الى الموؤدة محازا والمعنى (سُئِلَتْ) عنها كما فى قوله تعالى ان العهد كان مسئولا اى مسئولا عنه
او المراد بالموؤدة الوائدة وقد يطلق المفعول بمعنى الفاعل كما فى قوله تعالى كان
وعده ماتيا والمراد بالموءودة الموؤدة لهما كما فى قوله عليهالسلام الوائدة والموؤدة فى النار رواه ابو داود بسند حسن عن ابن
مسعود قال وائدة هى القابلة والموؤدة لها هى الام ولا يمكن فى الحديث الا هذا
التأويل ـ (فائده) الواد كبيرة لانه قتل النفس بغير حق وفى
حكمه إسقاط الحمل بعد اربعة أشهر لتمام خلقة الجنين ونفخ الروح فى تلك المدة واقل
منه وزرا إسقاط الحمل قبل اربعة أشهر لكنه حرام ولذلك تجب الغرة اجماعا فيما ضرب
بطن امرأة حبلى فسقط جنينا كامل الخلقة او ناقصا إذ تصور فيها خلق آدمي هذا إذا
انفصل ميتا واما إذا انفصل حيا فمات ففيه كمال دية الكبير عن ابى هريرة قال قضى
رسول الله صلعم فى جنين امرأة من بنى لحيان سقط بغرة عبدا وامة متفق عليه (مسئلة :)
يجوز العزل عن الامة ولا يجوز عن الحرة الا بإذنها لكنه يكره مطلقا لما روى مسلم
عن حذامة بنت وهب انهم سالوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن العزل فقال رسول الله صلعم ذلك الواد الخفي وهى وإذا
الموؤدة سئلت ووجه الجواز حديث جابر كنا نعزل والقران ينزل متفق عليه وزاد مسلم
فبلغ ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فلم ينهنا وفى رواية عنه صلعم قال فى الامة اعزل عنها ان
شئت فانه سيأتيها ما قدر لها وفى روايتها ما عليكم ان لا تفعلوا ما من نسمة كاينة
الى يوم القيامة الا وهى كاينة متفق عليه ووجه الاحتياج
الى الاذن فى
الحرة حديث عمر بن الخطاب قال نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان يعزل عن الحرة الا بإذنها رواه ابن ماجة. (بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) اى الموؤدة قرأ ابو جعفر بالتشديد المبالغة والجمهور
بالتخفيف فى التاء. (وَإِذَا الصُّحُفُ) صحف الأعمال (نُشِرَتْ) للحساب او فرقت بين أصحابها قراءة نافع وابن عامر وعاصم
بتخفيف الشين والباقون بالتشديد للمبالغة فى النشر او لكثرة الصحف او شدة الطائر. (وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ) قلعت وأزيلت كما تكشط الإهاب عن الذبيحة قلت والظاهر ان
يكون هذا قبل نفخة الصعق حين كورت الشمس وانتشرت الكواكب او عند تلك النفخة ويحتمل
ان يكون بين النفختين فتطوى السماء والأرض وتبدل السماء سماء اخر وتبدل الأرض غير
الأرض قال القرظي جمع صاحب الإفصاح بين الاخبار فقال تبديل السموات والأرض تقع
مرتين إحداهما تبديل صفاتها فقط وذلك قبل نفخة الصعق فتنثر الكواكب وتخسف الشمس
والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الروس وتسير الجبال ويصير البحر نارا وعوج
الأرض وينشق الى ان تصير الهيئة غير الهيئة ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض
وتبدل السماء بسماء اخرى. (وَإِذَا الْجَحِيمُ
سُعِّرَتْ) قرأ نافع وحفص وابن زكوان بتشديد العين والباقون بالتخفيف
اى أوقدت إيقاد شديدا لاعداء الله تعالى. (وَإِذَا الْجَنَّةُ
أُزْلِفَتْ) أدنيت للمتقين قال الله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين غير
بعيد. (عَلِمَتْ نَفْسٌ) مكرمة عامة فى الأسباط بمعاونة المقام اى كل نفس (ما أَحْضَرَتْ) ط اى ما فعلت من خير او شر وهذا جواب لاذا الشرطية فى إذا
الشمس كورت وفيما عطف عليه والمراد بذلك الزمان الزمان المتسع الشامل لجميع ما
ذكرهما قبل النفخة الاولى الى دخول الجنة. (فَلا أُقْسِمُ) الكلام هاهنا كالكلام فى المفتتح سورة القيامة والفاء يعنى لما أنزلنا عليكم الآيات فى شأن
الساعة فاعلموا انه كلام الله غير متقول اقسم (بِالْخُنَّسِ) الخنوس الرجوع من منتهى السير الى مكان ابتدأ منه والمراد
بها الكواكب الخمسة المسمات بالمتحيرة وهى عطارد والزهرة والمشترى والمريخ والزحل
فانها ترى سيارة من المغرب
__________________
الى المشرق ثم
ترجع الى المغرب وقد ترى ساكنة ولذلك سميت متحيرة والسبب فى ذلك عند الهيئة انها
مرتكزة فى أفلاك جزئية غير مجوفة تسمى تدويرات وللتدويرات حركات برأسها وحركات
أعاليها على نسق أفلاكها من المغرب الى المشرق وحركات أسافلها على عكس ذلك
فالكواكب إذا كان فى أعلى التدوير فتساعد الحركتين حركة التدوير وحركة الفلك الكلى
يرى متحركا الى المشرق بسرعته وإذا كان فى أسفلها فلتراجم الحركتين او عدم التساعد
قد يرى متحركا نحو المغرب وهو الرجوع والخنوس وقد يرى ساكنا واما عندنا فالكواكب
كل منها فى فلك يسبحون على ما أراد الله سبحانه ولا امتناع لخرق السموات والتيامها
فحركات الخمسة المتحيرة قد تكون نحو المشرق وقد تكون نحو المغرب وقد تكون بطيئة
وقد تكون سريعة كما أراد الله تعالى وجرى به عادته وحركات ساير الكواكب جرت العادة
بكونها دائما على نسق واحد وقال قتادة الخنس هى النجوم كلها تبدوا بالليل وتخنس
بالنهار فتخفى فالمراد بالخنوس حينئذ الخفاء وهو لازم يعنى الرجوع وقيل خنوسها ان
يغيب قلت وعلى هذا يكون الخنس والكنس مترادفين فلا وجه للتكرار. (الْجَوارِ) فى الفلك (الْكُنَّسِ) والكنوس ان تأوي الأرنب والظبى فى مكانها والمراد هاهنا
بالكنس اختفائها عند غروبها او عند المحاق قلت ويحتمل ان يقال المراد بمكانها
مستقرها تحت العرش عن ابى ذر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم حين غربت الشمس أتدري اين تذهب قلت الله ورسوله اعلم قال
فانها تذهب حتى نسجد تحت العرش الحديث. (وَاللَّيْلِ إِذا
عَسْعَسَ) قال الحسن اقبل بظلامه وقال أدبر وهو من الاضداد. (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) اى بدأ اوله وقبل امتد ضوئه وارتفع جواب القسم. (إِنَّهُ) يعنى القران (لَقَوْلُ رَسُولٍ) من حيث انه رسول يعنى ليس بمتقول محمد عليه الصلاة والسلام
بل هو قول مرسل وهو الله سبحانه والمراد بالرسول جبرئيل او محمد صلىاللهعليهوسلم (كَرِيمٍ) على الله صفة رسول. (ذِي قُوَّةٍ) ان المراد جبرئيل فمن قوته انه اقتلع قريات قوم لوط ومن
الماء الأسود حملها على جناحه فرفعها الى السماء ثم قلبها وانه صاح صيحة بثمود
فاصبحوا جاثمين وانه يهبط من السماء الى الأرض ويصعد فى اسرع من الطرف وان المراد
به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فهو ذو قوة فى الجذب الى الله من الإرشاد لبث
نوح عليهالسلام فى قومه الف سنة الا خمسين عاما وما أمن قوم الا قليل ولبث
محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فى أمته ثلثا وعشرين سنة وانتشر دينه فى الآفاق كان الناس
يدخلون فى دين الله أفواجا وكان معه حجة الوداع ماية الف واربعة وعشرين الفا من
الصحابة وانه صعد من السماء السابعة والى ما لم يستطع جبرئيل الصعود اليه ثم هبط
الأرض فى اقل من ساعة وانه راى ربه ولم يستطع أحد غيره فلما تجلّى ربه للجبل جعله
دكا وخرّ موسى صعقا (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ) اى الله سبحانه الظرف متعلق بما بعده (مَكِينٍ) ذى مكانة وجاه ومنزلة. (مُطاعٍ) للعالمين قال الله تعالى من يطع الرّسول فقد أطاع الله (ثَمَ) اى عند ذى العرش (أَمِينٍ) ط على الوحى والظرف اعنى ثمّ الظاهر انه متعلق بامين ويجوز
ان يكون متعلق بمطاع يعنى مطاع فى الملاء الا على قال البغوي من إطاعة الملائكة
إياه يعنى جبرئيل انهم فتحوا أبواب السماوات ليلة المعراج بقوله لرسول الله صلعم
وفتح خزنة الجنة ابوابها قلت وهذا بعينه إطاعة لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ويحتمل ان يراد بالاطاعة ان الاحكام الالهية تنزل اولا
عليه ثم بواسطته تصل تلك الاحكام الى غيره من الملائكة عن النواس بن سمعان قال قال
رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أراد الله ان يوحى بالأمر تكلم بالوحى أخذت السموات
منه رجفة او قال رعدة شديدة خوفا من الله تعالى فاذا سمع ذلك اهل السموات صعقوا
وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع راسه جبرئيل فيكلمه الله وحيه بما أراد ثم يمر
جبرئيل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبرئيل فيقول
جبرئيل قال الحق وهو العلى الكبير قال فيقول كلهم مثل ما قال جبرئيل بالوحى حيث
امره الله وهذا يدل على كون جبرئيل مطاعا واما كون محمد صلىاللهعليهوسلم مطاعا فى الملائكة فوجه ذلك ان الحقيقة المحمدية عند اهل
التحقيق هو التعين الاول بفيوض الوجود ومراتب القرب ومنها مرتبة كونه يوحى اليه
كليما لله لا يصل فى أحد الا بتوسط الحقيقة المحمدية وهذا امر كشفى ويشهد من
النصوص قوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين وقوله عليهالسلام اما وزير اى فى السماء فجبرئيل وميكائيل ووزير اى فى الأرض
ابو بكر وعمر فجبرئيل مطاع بالطريق الاولى. (وَما صاحِبُكُمْ) يعنى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم عطف على انه فهو ايضا جواب للقسم فان كان المراد بالرسل
فيما سبق محمد صلىاللهعليهوسلم فوضع المظهر موضع المضمر للتنبيه على انه صاحبكم منذ
أربعين سنة قبل ذلك لم يظهر منه الا وفور العقل وكماله فالحكم فيه (بِمَجْنُونٍ) ج مكابرة او جنون ففى هذا الكلام رد لقول الكفار افترى على
الله كذبا أم به جنة. (وَلَقَدْ رَآهُ) الضمير المرفوع راجع الى صاحبكم محمد صلىاللهعليهوسلم بالاتفاق والضمير المنصوب اما راجع الى ذى العرش فعلى هذا
قوله تعالى (بِالْأُفُقِ
الْمُبِينِ) ج ظرف مستقر حال من الضمير المرفوع والمعنى انه راى محمد
ذا العرش ليلة المعراج حال كون محمد بالأفق للعالم على منتهى السموات السبع قال
البغوي روينا فى قصة المعراج عن شريك بن عبد الله عن انس قال دنى جبار رب العزة
فتدلى كان حتى قاب قوسين او ادنى وهو رواية ابى سلمة عن ابن عباس وكذا قال الضحاك
والقائلون بهذا القول اختلفوا فقال بعضهم جعل بصره فى فؤاده فراه بفؤاد استنباطا
من قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما راى وهذا قول ابن عباس روى مسلم عن ابى العالية
عنه ما كذب الفؤاد ما راى ولقد راه نزلة اخرى قال راه بفؤاده مرتين وذهب جماعة الى
انه راه بعينه وهو قول انس والحسن وعكرمة قالوا راى محمد ربه وروى عكرمة عن ابن
عباس قال ان الله اصطفى ابراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمد بالروية
وعن ابى ذر قال سالت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هل رايت ربك قال نورانى راه رواه مسلم قلت ويحتمل ان يراد
بالأفق المبين والأفق الأعلى منتهى درجات سير السالكين ان أقصى حقايق العابدية وهى
الحقيقة الاحمدية المعبر فيها بالمحبوبية الصرفة وراء ذلك مرتبة اللائعين ولا مساغ
للسير والسلوك فى مرتبة اللاتعين والسير فى تلك المرتبة العليا السير النظري فحسب
كذا قال المجدد رض وقال الجمهور المفسرين الضمير المنصوب راجع الى رسول كريم
والمراد بالرسول جبرئيل قال قتادة ومجاهد الأفق المبين هو الأفق الأعلى من ناحية
المشرق روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال قال رسول الله صلعم لجبرئيل انى أحب ان
أراك فى صورتك التي تكون فيها فى السماء قال لن تقوى على ذلك قال بلى قال فاين
تشاء ان اتخيل لك قال بالأبطح قال لا يسعنى قال فى منى قال لا يسعنى قال فبعرفات
قال لا يسعنى ذلك قال بحراء قال ان يسعنى قواعده فخرج النبي صلعم للوقت فاذا هو
بجبرئيل قد اقبل من جبال عرفات بخشخشة وكلكلة قد ملأ ما بين المشرق والمغرب
وراسه فى السماء
ورجلاه فى الأرض فلما راه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كبر وخر مغشيا عليه قال فتحول جبرئيل فى صورته فضمه الى
صدره وقال يا محمد لا تخف فكيف لك لو رايت اسرافيل وراسه من تحت العرش ورجلاه فى
تخوم الأرض السابعة وان العرش لعلى كاهله وانه ليتضاول أحيانا من مخافة الله عزوجل حتى يصير مثل الصعو يعنى العصفور حتى ما يحمل عرش ربك الا
عظمته ومن القائلين بهذا القول عائشة رضى الله عنها روى البخاري فى صحيحه وغيره
انها كذب من فال راى محمد ربه مستدلة بقوله تعالى لا تدركه الابصار وهو يدرك
الابصار وقوله تعالى ما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب الاية
والفقه فى الباب ان المثبتين للروية اولى من قولها وقوله تعالى لا تدركه الابصار
لا ينفى الروية فى الاخرة اجماعا فكذا فى ليلة المعراج حين خرج النبي صلعم فى
الدنيا وراى الجنة والنار وما ذكر ابن عباس وعائشة قصة روية النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم جبرئيل على صورته حق لكن لا يستلزم ان يكون المراد بالآية
تلك القصة كيف وسوق الكلام لبيان فضل رسول الله صلعم وبيان كماله وروية جبرئيل وهو
مفضول من النبي صلعم بالإجماع ليست من الفضائل كيف وقوله عند ذى العرش مكين يدل
على كمال قربه والترقي منه اثبات روية الله دون روية الجبرئيل ولو كان عند ذى
العرش صفة جبرئيل وروية جبرئيل صفة محمد عليه الصلاة والسلام يلزم الانعكاس الأمر
فى الفضل والله تعالى اعلم. (وَما هُوَ) يعنى محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (عَلَى الْغَيْبِ) اى على ما يخبره من ما يوحى اليه (بِضَنِينٍ) قرأ ابن كثير وابو عمرو الكسائي بظنين بالظاء اى ليس هو
بمتهم يعنى لا يجوز ان يتهم والباقون بالضاد اى ليس هو ببخيل عن تبليغ ما يوحى
اليه وتعليمه. (وَما هُوَ) اى القران (بِقَوْلِ شَيْطانٍ
رَجِيمٍ) اسرق سمعه فالقاه على وليه الكاهن رد لقول الكفار انه كاهن
هذه الجملة وما عطف عليه من الجمل السابقة جواب للقسم معطوفات على انه لقول رسول
كريم. (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ) الفاء المسببة والاستفهام للانكار على ذهابهم الى الباطل
فيما قالوا انه شاعر تقوله او مجنون او كاهن قال الزجاج اى طريق يسلكون أبين من
هذه الطريقة التي بنيت لكم ثم بين ما هو كانه فى جواب سائل يقوله فما هو. (إِنْ هُوَ) اى القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) فى القاموس الذكر بالكسر الحفظ للشئ كالتذكار
والشيء الذي يجرى
على اللسان والصيت والشتاء والشرف والصلاة والدعاء وكتاب فيه تفصيل الذين ووضع
الملة والمعنى الأخير ظاهر هاهنا لا غبار عليه ويمكن الحمل على معان اخر ايضا فان
القران ذكر الله وحفظ ما يجب حفظه وشىء ينبغى ان يكون جاريا على اللسان دايما او
غالبا وثناء لله تعالى وصلوة له وشرف للانسان ودعاء له (لِلْعالَمِينَ) عموما لا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مبعوث الى كافة الأنام الانس والجن بل هو رحمة للعالمين
وفيوض القران شامل للملائكة ايضا يدل عليه قوله تعالى بايدى سفرة كرام بررة وروى
الحاكم فى المستدرك عن جابر انه قال لما نزلت سورة الانعام سبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال لقد سبح هذه من الملائكة فسدو الأفق ثم خصه وقال. (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) اى القران لمن يتبع الحق ويستقيم عليه خصوصا من حيث انهم
هم المنتفعون به بدل بعض من العالمين والاستقامة لفظ جامع لجميع الاحكام عن سفيان
بن عبد الله الثقفي قال قلت يا رسول الله قل لى فى الإسلام قولا لا اسئل عنه أحدا
بعدك وفى رواية غيرك قال عليه الصلاة والسلام قل امنت بالله ثم استقم رواه مسلم
اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم عن سليمان بن يسار قال لما نزلت لمن شاء منكم ان
يستقيم قال ابو جهل جعل الأمر إلينا ان شئنا استقمنا وان شئنا لم تستقم فانزل الله
تعالى. (وَما تَشاؤُنَ) الاستقامة على الحق (إِلَّا) وقت (أَنْ يَشاءَ اللهُ) شئكم واستقامتكم (رَبُّ الْعالَمِينَ) ع فانه رب كل شىء وخالق كل شىء من الأعيان والاعراض وافعال
العباد وغير ذلك حتى مشيتكم فمن شاء الاستقامة واستقام فذلك من فضل الله ونعمه
واخرج ابن ابى حاتم من طريق بقية عن عمر بن محمد عن زيد بن مسلم عن ابى هريرة مثل
ما روى عن سليمان واخرج ابن المنذر من طريق سليمان عن القاسم بن مخيمرة نحوه والله
اعلم بالصواب.
سورة الانفطار مكيّة وهى تسع عشرة اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا السَّماءُ
انْفَطَرَتْ) انشقت. (وَإِذَا الْكَواكِبُ
انْتَثَرَتْ) تساقطت متفرقة. (وَإِذَا الْبِحارُ
فُجِّرَتْ) فتح بعضها فى بعض واختلط العذب بالملح فصار الكل بحرا
واحدا. (وَإِذَا الْقُبُورُ
بُعْثِرَتْ) قلب ترابها واخرج موتاها. (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما
قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) ط جواب إذا وهذا نظير ما مر فى إذا الشمس كورت الى قوله
علمت قيل معناه ما قدمت من عمل صالح وسئ ما أخرت من سنة حسنة او سيئة والمعنى ما
قدمت اى ضعت وما أخرت اى تركت من العمل وقيل ما قدمت من الصدقات وأخرت من الزكوة
وقيل معناه بل قدمت الدنيا على الاخرة او بالعكس وقد مر نظيره قوله تعالى ينبّأ
الإنسان بما قدم واخر. (يا أَيُّهَا
الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ) اى ما خدعك وسوّل لك الباطل غرورا ملصقا (بِرَبِّكَ) موجبا للجرأة على عصيانه وترك ما امر به (الْكَرِيمِ) الصفوح جملة يايّها الإنسان معترضة ذكر توبيخا على الاساءة
فى أعمالهم المفهوم من قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت قال نزلت فى الوليد بن
مغيرة كذا قال البغوي واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة انها نزلت فى ابى بن خلف وقال
الكلبي نزلت فى الاسيد بن كلده ضرب النبي صلعم فلم يعاقب الله عزوجل فانزل الله تعالى هذه الاية يقول ما الذي غرك بربك الكريم
التجاوز عنك او لم يعاقبك عاجلا بكفرك وصفه بالكريم لانه منشأ غروره وبه يغره
الشيطان فانه يقول له ان شئت فربك لا يعذب أحدا ولا يعاجل فى العقوبة وهو المعنى
من قول مقاتل غره عفو الله حين لم يعاقبه فى امره وقال السدى غره رفق الله به
والاستفهام للانكار ولا يجوز ذلك الغرور بكرمه وعدم تعجيله بالعقوبة ان تمحض لا
يقتضى إهمال الظالم مطلقا وتسوية الموالي والمعادى فكيف قد انضم معه صفات اخر من
القهر والانتقام وغيره وفيه مبالغة فى الإنكار على الكفر
فان كثرة كرمه
يقتضى ان يشكر ولا يكفر ويستدعى الجد فى الطاعة لا الانهماك فى عصيانه اغترارا
بكرمه وقال بعض اهل الإشارة انما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كانه
لقنه الإجابة حتى يقول غرنى كرم الكريم وهو المعنى مما قال يحيى بن معاذ لو إقامتي
بين يديه فقال يا يحيى ما غرك بي قلت غرنى برك بي سابقا وآنفا وقال ابو بكر الوراق
لو قال بي ما غرك بربك الكريم لقلت غرنى كرم الكريم قال ابن مسعود ما منكم من أحد
الا يسخر الله به يوم القيامة فقال يا ابن آدم ما غرك بي يا ابن آدم ماذا عملت
فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين قال عطاء تاويل الاية ما غرك بربك وقطعك
وأشغلك عنه الى نفس بئس للظالمين بدلا حكى ان امرأة رفعت الى قاض ان زوجها نكح
عليها امرأة اخرى فقال القاضي لا سبيل لك بالاعتراض عليه فان الله تعالى أباح
للرجال ما طاب لهم من النساء مثنى وثلث ورباع فقال الضعيفة ايها القاضي لو لا
منعنى الحجاب والحياء لبرزت حسنى لك وسألتك بان من كان له فى الجمال والحسن مصاحبا
مثلى هل يجوز له ان يشتغل عنه بغيره فسمع قولها رجل من اهل القلوب فصاح وخر مغشيا
عليه فلما أفاق قال سمعت الهاتف يقول الم تسمع قول الضعيفة ولو لا حجاب الكبرياء
والعظمة لا برزت لكم من الجلال والجمال الذي لا يسعه المقابل وسألتكم انه من
استطاع الاشتغال بمثلى فهل يجوز الاشتغال بغيري ومن مثلى واين يكون مثلى فليس يكون
فاطلبنى تجدنى عن جابر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا قام الرجل فى الصلاة اقبل الله عزوجل بوجهه فاذا التفت قال يا ابن آدم الى من تلتفت الى من هو
خير منى اقبل الى فاذا التفت الثانية قال مثل ذلك فاذا التفت الثالثة صرف الله
تبارك وتعالى عنه وجهه رواه البزار. (الَّذِي خَلَقَكَ) من تراب ثم من نطفة بعد ما لم يكن شيئا ـ (فَسَوَّاكَ) اى فجعلك بشرا سويا مستوى الخلق وتسويته جعل أعضائه سليمة
معدة لمنافعها (فَعَدَلَكَ) قرأ الكوفيون بالتخفيف اى فصرفك وامالك الى اى صورة شاء او
صرفك عن خلقه غيرك حتى تميزت وفارقت عن ساير الحيوانات او صرف طبعة بعض اجزائك الى
بعض فكسر حرارة الصفراء ويبوستها ببرودة البلغم ورطوبته وبالعكس ويبوسة السوداء
وبرودتها برطوبة الدم وحرارته حتى اعتدلت وصرت اعدل الحيوانات مزاجا وقرأ الباقون
بالتشديد اى جعل بنيتك متناسبة الأعضاء لعدلته معدة لا يستعدها من القوى. (فِي أَيِّ صُورَةٍ)
ما مزيدة لتأكيد
التنكير والتنكير للتكثير (ما شاءَ) صفة لصورة ركبك قال مجاهد والكلبي ومقاتل فى اى شبيه من اب
او أم او خال او عم وحاء فى الحديث ان النطفة إذا استقرت فى الرحم احضر كل بينه
وبين آدم ثم قرأ فى اى صورة ما شاء (رَكَّبَكَ) ط رواه ابن جرير والطبراني بسند ضعيف من طريق موسى بن على
بن رباح عن أبيه عن جده عنه صلىاللهعليهوسلم قوله فى اى صورة اما متعلق بركبك او ظرف مستقر حال من
مفعول ركبك وفيه معنى الشرط والجزاء والجملة بيان لعدلك ومن ثم لم يعطف الموصول مع
صلاته صفة اخرى لربك مقررة للربوبية مبينة للكرم منبه على ان من قدر على ذلك اولا
قدر عليه ثانيا موكدة للانكار والتوبيخ على الغرور والكفر فان من هذا شانه لا يجوز
كفرانه. (كَلَّا) ردع على الاغترار بكرم الله تعالى (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) لا بالإسلام او بالجزاء إضراب عن الاغترار بكرم الكريم
يعنى ليس أمركم ايها الناس مقتصرا على الإقرار بل مع ذلك تكذبون بالدين ويحتمل ان
يكون إضرابا عن مفهوم علمت نفس ما قدمت وأخرت اى ما قدمت من العصيان وأخرت من
الطاعة فان حاصل المعنى انكم تعصون بل تكذبون. (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ) اى والحال ان عليكم (لَحافِظِينَ) لاعمالكم وأقوالكم من الملائكة. (كِراماً) على الله (كاتِبِينَ) صحف الأعمال للجزاء. (يَعْلَمُونَ ما
تَفْعَلُونَ) من خير وشر عقب الحافظين بتلك الصفات تعظيما لهم وتنبيها
على انه لا يفوت من علمهم شىء من الأعمال والأقوال فيه توبيخ على تكذيبهم وتحقيق
لما يكذبون به وروى يتوقعون من التسامح والإهمال. (إِنَّ الْأَبْرارَ) الذين بروا وصدقوا بايمانهم باجتنابهم عما نهى الله عنه من
العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة وامتثالهم أوامره واخرج ابن
عساكر فى تاريخه عن ابن عمر عن النبي صلعم قال انما سماهم الله الأبرار لانهم بروا
الآباء والأبناء (لَفِي نَعِيمٍ
وَإِنَّ الْفُجَّارَ) الذين شقوا ستر الدين والديانة بالكفر والمعاصي والفجور
الشقي (لَفِي جَحِيمٍ) جملة ان الأبرار الى اخر السورة متصل بقوله تعالى علمت نفس
ما قدمت وأخرت فان فى هذا الكلام بيان لا يعلم كل نفس من خير او شر عمله بإدراك
جزائه روى ابن سليمان بن عبد الملك قال لابى حازم المدني ليت شعرى ما لنا عند الله
قال اعرض عملك الى كتاب الله فانك تعلم
مالك عند الله قال
فاين أجد فى كتاب الله فقال عند قوله ان الأبرار لفى نعيم وان الفجار لفى حجيم قال
سليمان فاين رحمة الله قال قريب من المحسنين انتهى. (يَصْلَوْنَها) يدخلونها (يَوْمَ الدِّينِ) يوم الجزاء. (وَما هُمْ) الضمير الى بعض الفجار اعنى الكفار او المراد بالفجار
الكفار (عَنْها) اى عن الجحيم (بِغائِبِينَ) ط لخلودهم فيها او المعنى ما هم كانوا عنها غائبين قبل ذلك
او كانوا يجدون سمومها فى القبور عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشى ان كان من
اهل الجنة فمن اهل الجنة وان كان من اهل النار فمن اهل النار فيقال هذا مقعدك حتى
يبعثك الله اليه يوم القيمة متفق عليه وفى حديث البراء بن عاذب عن رسول الله صلعم
ذكر حال الكافر فى القبر يسال عن دينه فيقول هاه هاه لا أدرى فقال فينادى من
السماء ان كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا الى النار ثم
عظم ذلك اليوم فقال. (وَما أَدْراكَ ما
يَوْمُ الدِّينِ) الاستفهام للتعجب والتوبيخ يعنى انه يوم عظيم البلاء شديد
غاية الشدة لا تدرى عظمته وشدته حيث لا يدرك كنه امره دراية دار. (ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) ط تأكيد للتفخيم. (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) قرأ ابن كثير وابو عمرو بالرفع على انه بدل من اليوم فى ما
يوم الدين او خبر مبتداء محذوف اى هو والباقون بالنصب على انه بدل من اليوم فى
يصلونها يوم الدين او متعلق بمحذوف اى يجزى الفريقان كذلك فى يوم لا تملك نفس او
اذكر يوم لا تملك او هو مبنى على الفتح لاضافة الى غير التمكن ومحله الرفع (نَفْسٌ) اى أحد (لِنَفْسٍ) يعنى كافرة كذا قال مقاتل (شَيْئاً) ط من المنفعة ـ (وَالْأَمْرُ
يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ع وحده لا يملك الله فى ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمر كما
ملكهم فى الدنيا واما الاذن فى الشفاعة للمؤمنين فليس بتمليك او يقال الأمر يومئذ
عيانا وفى زعم كل أحد كما كان الأمر كله لله فى الحقيقة وفى زعم اهل البصيرة والله
اعلم بالصواب.
سورة التطفيف مكيّة وهى ستّ وثلثون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
عن ابن عباس قال
لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فانزل الله تعالى ويل
للمطففين فاحسنوا الكيل بعد ذلك رواه الحاكم والنسائي وابن ماجة بسند صحيح وقال
السدى قدم رسول الله صلعم المدينة وبها رجل يقال له ابو جهينة ومعه صاعان يكيل
بأحدهما ويكتال بالاخر فانزل الله تعالى (وَيْلٌ
لِلْمُطَفِّفِينَ) والطف الحقير والمراد بالمطففين ما بين بقوله. (الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا) اى أخذوا الكيل او اتزنوا ولم يذكره اكتفاء بذكر الوزن فى
القرنية الثانية ولعل الكيل كان هو الغالب فى الاستعمال (عَلَى النَّاسِ) متعلق بقوله اكتالوا او بقوله (يَسْتَوْفُونَ) وقع على موضع من تقديره إذا اكتالوا من الناس يستوفون منهم
للدلة على ان اكتيالهم لما لهم على الناس او ان اكتيالهم بتحامل فيهم عليهم قال
الفراء من وعلى يتعاقبان فى هذه الموضع فاذا اكتلت عليك كانه قال أخذت ما عليك
وإذا قال اكتلت منك فكأنه قال استوفيت منك. (وَإِذا كالُوهُمْ
أَوْ وَزَنُوهُمْ) الضمير المنصوب راجع الى الناس اى كالوهم او وزنوهم حذف
الجار وأوصل الفعل روى التقدير كالوا مكيلهم فحذف المضاف وأقيم مضاف اليه مقامه
وليس تأكيد المتصل بالمنفصل إذ المقصود بيان اختلاف حالهم فى الاخذ والإعطاء لا فى
المباشرة وعدمها وايضا يابى عنه الخط فانه يستدعى عن اثبات الف بعد الواو (يُخْسِرُونَ) ط اى ينقصون الكيل والوزن يقال خسر الميزان واخسره وسمى
هذا العمل بالتطفيف لان ما يبخس فى الكيل والوزن لا يكون الا حقيرا وفيه ايماء الى
ان بخس الحقير موجب للويل والعذاب فبخس الكثير بالطريق الاولى قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم خمس بخمس ما نقض العهد قوم الا سلط الله عليهم عدوهم وما
حكموا بغير ما انزل الله الا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة الا فشا فيهم
الموت ولا طففوا
المكيال الا منعوا
لنبات وأخذوا بالسنين ولامنعوا الزكوة الا حبس عنهم القطر رواه الحاكم من حديث
بريدة ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رواه الطبراني من حديث ابن عباس قال قال
رسول الله صلعم ما ظهر الغلول فى قوم الا القى الله فى قلوبهم الرعب ولا فشا
الربوا فى قوم الأكثر فيهم الموت ولا نقص قوم المكيال والميزان الا قطع عنهم الرزق
ولا حكم قوم بغير حق الا فشا فيهم الدم وماختر قوم بالعهد الا سلط الله عليهم
العدو رواه مالك موقوفا والختر الغدر قلت وقطع الرزق بالتطفيف قد يكون بجعله فقيرا
لا يقدر على شىء يكون بمنع الرزق عنه مع قدرته عليه فلا يقدر الاكل منه فى حقه كما
فى البقالين من ديارنا قال البغوي كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول اتق الله أوف
الكيل والوزن فان المطففين يوقفون يوم القيمة حتى ان العرق ليلجمهم الى انصاف
آذانهم. (أَلا يَظُنُ) ذكر الظن مكان اليقين ايماء الى ان من كان يظن ذلك ينبغى
ان لا يرتكب موجبات تلك الشدائد فكيف من يستيقن والاستفهام للانكار وفيه تعجيب من
مالهم وتوبيخ (أُولئِكَ) المطففين فاعل ليظن (أَنَّهُمْ
مَبْعُوثُونَ) قام مقام المفعولين ليظن. (لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) متعلق مبعوثون وللتعليل اى لحساب يوم عظيم او بمعنى فى يوم
عظيم وهو يوم القيمة عظمه لعظم ما يكون فيه اخرج ابن المبارك عن الحسن قال لقد مضى
بين ايديكم أقوام لو ان أحدهم اتفق عدد هذا الحصى تخشى ان لا ينجوا من عظمة ذلك
اليوم. (يَوْمَ يَقُومُ
النَّاسُ) من القبور منصوب بمبعوثون على الظرفية او بدل من يوم عظيم
وفتحه على البناء لاضافته الى غير متمكن لرب العلمين اى لحسابه وجزائه عن ابن عمر
عن النبي صلعم قال يوم يقوم النّاس (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) ط اى حسابه وجزائه عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يوم يقوم النّاس لرب العالمين حين يغيب أحدهم فى رشحه
الى انصاف اذنيه متفق عليه واخرج الحاكم مثله عن ابى سعيد الخدري وفى الصحيحين عن
ابى هريرة ان رسول الله صلعم قال يعرق الناس يوم القيمة حتى يذهب عرقهم فى الأرض
سبعين باعا ويلجمهم حتى آذانهم واخرج الطبراني وابو يعلى وابن حبان عن ابن عباس ان
الكافر يلجم بعرقه يوم القيمة حتى يقول يا رب أرحني ولو الى النار واخرج الحاكم عن
جابر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان العرق ليلجم الرجل فى الموقف
حتى يقول يا رب
ارسالك لى الى النار أهون على مما أجد وهو يعلم ما فيها من شدة العذاب واخرج
البيهقي عن قتادة فى قوله تعالى يوم يقوم الناس لرب العلمين قال بلغني ان كعبا كان
يقول يقومون مقدار ثلاثمائة عام واخرج مسلم عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول
الله صلعم يقول تدنوا الشمس يوم القيمة من الخلق حتى يكون منهم مقداد ميل قال سليم
بن عامر فو الله ما أدرى ما يعنى بالميل أمساق الأرض أم الميل الذي يكحل به العين
فيكون الناس على قدر أعمالهم فى العرق فمنهم من يكون الى كعبه ومنهم من يكون الى
ركبته ومنهم من يكون الى حقوته ومنهم من يلجمه العرق الجاما وأشار رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده الى فيه واخرج احمد والطبراني وابن حبان والحاكم
وصححه والبيهقي عن عقبة بن عامر نحوه واخرج احمد والطبراني عن ابى امامة الباهلي
عنه صلىاللهعليهوسلم وفيه ويزاد فى حرها كذا وكذا تغلى منها الهوام كما تغلى
القدور واخرج احمد والطبراني بسند جيد عن انس رفعه قال لم يلق ابن آدم شيئا منذ
خلق الله أشد عليه من الموت وهو أهون مما بعده وانهم ليلقون من هول ذلك اليوم شدة
حتى يلجمهم حتى ان السفن لو أجريت لجرت واخرج البيهقي عن ابن عمر وقال يشتد كرب
ذلك اليوم حتى يلجمهم الكافر العرق قبل الحساب قيل له فاين المؤمنون قال على كراسى
من ذهب ويظلل عليهم الغمام واخرج هناد عن ابن مسعود نحو هذا كله وفيه ما طول ذلك
اليوم عليهم اى على المؤمنين الا كساعته من نهار واخرج هناد وابن المبارك عن سلمان
قال تدنى الشمس من رؤس الخلائق يوم القيمة قاب قوسين او قوسين ويعطى حر عشر سنين
وليس أحد من الناس عليه يومئذ صحره الى خرقة ولا يرى عورة مومن ولا مؤمنة ولا يجد
حرها مومن ولا مؤمنة واما الكافر فيطبخهم طبخا حتى يسمع لاجوافهم عق عق. (كَلَّا) ردع عن التطفيف وتم الكلام وقال الحسن كلا ابتداء يتصل بما
بعده بمعنى حقا (إِنَّ كِتابَ
الفُجَّارِ) يعنى صحف أعمالهم التي كتبتها الحفظة الكرام والمراد
بالفجار الكفار (لَفِي سِجِّينٍ) مشتق من السجن بمعنى الحبس فى القاموس السجين كالسكين
الحبس الدائم الشديد قال الأخفش فعيل من السجن كما يقال فسيق وشريب معناه لفى حبس
شديد وقال عكرمة لفى سجين اى فى خساء وضلال لما كان كتاب الفجار اى ما فى الكتاب
من الأعمال موجبا لكونهم فى الحبس والخساء والضلال أسند ذلك الى الكفار مجازا
والظاهر من الأحاديث والآثار ان السجين اسم موضع فى كتاب الفجار كذا فى القاموس
وكون الكتاب فى ذلك الموضع بان يوضع صحف أعمالهم هناك او يكتب هناك كتاب جامع
الصحف
اعمال الفجار من
الثقلين ووجه تسمية ذلك الموضع بالسجين ان هناك يحبس أرواح الكفار أجمعين وذلك
الموضع هو الأرض السابعة او تحت الأرض السابعة اخرج ابن مندة والطبراني وابو الشيخ
عن حمزة بن حبيب مرسلا قال سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أرواح المؤمنين فقال فى طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت
قالوا يا رسول الله وأرواح الكفار قال محبوسة فى سجين وروى ابن المبارك والحكيم
الترمذي وابن ابى الدنيا وابن مندة عن سعيد بن المسيب عن سلمان قال نفس الكافر فى
سجين قال البغوي قال عبد الله بن عمر وقتادة ومجاهد والضحاك سجين هى الأرض السابعة
السفلى فيها أرواح الكفار وقلت كذا اخرج ابن ابى الدنيا عن عبد الله بن عمر روى
البغوي بسنده عن البراء قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم سجين أسفل سبع ارضين وعلّيون فى السماء السابعة تحت العرش
وقد ورد فى حديث طويل عن البراء بن عازب مرفوعا فى ذكر موت المؤمنين وموت الكفار
فذكر فى الكفار انه لا يفتح لهم أبواب السماء فيقول الله عزوجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا
الحديث اخرج احمد وغيره وذكر البغوي قول شبرمة بن عطاء جاء ابن عباس الى كعب
الأحبار فقال أخبرني عن قول الله عزوجل ان كتب الفجار لفى سجين فقال ان روح الفاجر يصعد بها الى
السماء فتابى السماء ان تقبلها ثم تهبط بها الى الأرض فتابى الأرض ان تقبلها فتدخل
تحت سبع ارضين حتى ينتهى بها الى سجين وهى موضع جند إبليس فيخرج لها من سجين من
تحت جند إبليس رق فيرقم ويختم ويوضع تحت جند إبليس لمعرفتها الهلاك بحساب يوم
القيمة وقال الكلبي هى صخرة تحت الأرض السابعة السفلى خضراء خضرة السماء منها يجعل
كتاب الفجار تحتها وروى عن ابن نجيح عن مجاهد قال سجين صخرة تحت الأرض السفلى تقلب
فيجعل كتاب الفجار فيها وقال البغوي جاء فى الحديث الفلق جب فى جهنم مغطى والسجين
جب فى جهنم مفتوح قلت ويمكن الجمع بينهما اعنى بين كون السجين تحت الأرض السابعة
وكونه فى جهنم ان جهنم تحت الأرض السابعة السفلى اخرج ابو الشيخ فى العظمة
والبيهقي من طريق ابى الزعراء عن عبد الله قال الجنة فى السماء السابعة والنار فى
الأرض السابعة السفلى واخرج البيهقي فى الدلائل
عن عبد الله بن
سلام الجنة فى السماء والنار فى الأرض واخرج ابن جرير فى تفسيره عن معاذ قال سئل
رسول الله صلعم من اين يجاء بجهنم يوم القيمة قال لجاء بها من الأرض السابعة بها
الف زمام لكل زمام سبعون الف ملك فاذا كانت من العباد على مسيرة الف سنة زفرت زفرة
فلا يبقى ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول رب نفسى نفسى. (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ) ط تفخيم وتهويل قال الزجاج ليس ذلك مما كنت تعلمها أنت ولا
قومك. (كِتابٌ مَرْقُومٌ) ط اى مكتوم فيه أعمالهم ثبت عليهم كالرقم فى الثوب لا ينسى
ولا يمحى حتى يجازوا به او المعنى معلم يعلمه من راه انه عرف لا خير فيه وقيل
معناه مختوم بلغة حمير قال البغوي ليس هذا تفسيرا للسجين بل هو بيان الكتاب
المذكور ان كتب الفجار وقال البيضاوي هذا تفسير للسجين لقب به الكتاب لانه سبب
للحبس فقال هذا ظرفية السجين الكتاب لكونه كتابا جامعا لكتب الفجار من الثقلين
والظاهر ان السجين فيه مقر أرواح الكفار ومقر صحف أعمالهم وفى الكلام حذف مضاف اما
اى فى السجين اى ما كتاب سجين او فى كتاب مرقوم اى محل كتاب مرقوم بالشر. (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) بالحق. (الَّذِينَ
يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) ط صفة موضحة او ذامة او مخصصة او بدل من المكذبين وجملة
ويل يومئذ إلخ معترضة للذم قلت ويحتمل ان يكون فى محل الرفع من مرقوم بمعنى رقم
فيه ويل يومئذ إلخ او صفة الكتاب اى كتاب موجب للويل والتأويل الاول اظهر من حيث
اللفظ وللاخيرين من حيث المعنى لان كونه كتابا مرقوما ليس من خصائص كتاب الفجار بل
قيل مثل ذلك فى كتب الأبرار ايضا يتصور كونه جوابا لقوله ما سجين. (وَما يُكَذِّبُ بِهِ) اى بيوم الدين (إِلَّا كُلُّ
مُعْتَدٍ) مجاوز عن الحد فى الجهل وتقليد الآباء الجهلة حتى أنكر
قدرة الله على الاعادة (أَثِيمٍ) منهمك فى الشهوات اشتغل بها عما ورائها وحمله على الإنكار
لما عداها. (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ
آياتُنا) يعنى القران شرط جزائه (قالَ) من فرط جهله وغفلته عن كونه معجزا او من غباوته واعراضه عن
الحق تعنتا (أَساطِيرُ
الْأَوَّلِينَ) ط خبر مبتداء محذوف اى هى والأساطير جمع اسطورا واسطارا او
اسطر بمعنى الأحاديث التي لا نظام بها فى القاموس وفى الصراح أساطير الأولين اى شى
كتبوه كذبا والجملة الشرطية
صفة بعد صفة لمعتد
لبيان انه لا ينفعه من الادلة العقلية والنقلية شى والجملة وما يكذب به معترضة. (كَلَّا) ردع عن التكذيب وعما قالوا وقال مقاتل معناه اى لا يومنون (بَلْ) سكته إضراب عن الردع ينفى قابلية قلوبهم عن درك الحق
وتميزه من الباطل يسكت حفص هاهنا سكتة ويدغم غيره (رانَ) قال ابو بكر وحمزه والكسائي فتح الراء والباقون بتفخيمها (عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) والرين الغلبة يقال ران الخمر على قلبه إذا غلب عليه سكره
والمعنى غلب على قلوبهم ظلمت ما كانوا يكسبون من المعاصي حتى عمى قلوبهم عن التميز
بين الحق والباطل عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم المؤمن إذا أذنب كانت نكتة
سوداء فى قلبه فان تاب وفزع واستغفر صقل قلبه منها وان زاد زادت حتى تعلو قلبه
فذالكم الران الذي ذكر الله فى كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون رواه
البغوي وكذا اخرج احمد والترمذي وصححه واحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم
وفى بعض الروايات ان العبد كلما أذنب ذنبا الحديث ولفظ المؤمن يدل على شدة السوداء
قلب الكافر بطريق الاولى. (كَلَّا) ردع عن كسب المعاصي الموجبة للرين او هو بمعنى حقا لتحقيق
الرين قال يريد انهم لا يصدقون (إِنَّهُمْ) اى الكفار (عَنْ رَبِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ) اى يوم الدين يوم يرى الله سبحانه المؤمنون (لَمَحْجُوبُونَ) ط لحجب ظلماتهم الناسبة عنهم فلا يرون الله سبحانه كما
كانوا لا يرون الحق من الباطل فى الدنيا قال الحسن لو علم الزاهدون والعابدون انهم
لا يرون ربهم لزهقت أنفسهم فى الدنيا سئل مالك عن هذه الاية فقال لما حجب أعداءه
فلم يروه تجلى لاولياءه حتى رأوه وقال الشافعي فى الاية دلالة على ان اولياء الله
يرون الله. (ثُمَ) اى بعد كونهم محجوبين عن روية الله (إِنَّهُمْ لَصالُوا) اى لداخلوا (الْجَحِيمِ ثُمَّ
يُقالُ) يقول لهم خزنة جهنم (هذَا) هذا العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ
بِهِ تُكَذِّبُونَ كَلَّا) ان التطفيف تكرير للاول ليعقب وعد الأبرار كما عقب وعيد
الفجار اشعارا بأن التطفيف فجور كما ان الإيفاء برا وردع عن تكذيب العذاب او هو
بمعنى حقا وقال مقاتل معناه لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه (إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي
عِلِّيِّينَ) قال بعض اهل المعاني هو علو وشرف بعد شرف ولذلك جمع بالواو
والنون وقال الفراء
اسم موضع على صيغة
الجمع لا واحد له من لفظ كعشرين وقال بعض المحققين هو منقول من جمع على وزن فعيل
من العلو وقد مر حديث البراء المرفوع عليين فى السماء السابعة تحت العرش وفى
الحديث البراء الطويل فى ذكر الموت المؤمنين والكفار ذكر فى نفس المؤمن انه يصعد
بها حتى ينتهى بها الى السماء السابعة فيقول الله تعالى اكتبوا كتاب عبدى فى عليين
وأعيدوا الأرض الحديث أخرجه احمد وابو داود والحاكم وغيرهم من طرق صحيحة وقال ابن
عباس هو يعنى عليين لوح زبرجد خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيها ومن هاهنا
قالوا هو كتاب جامع الأعمال الخير من الملئكة ومومنى الثقلين وقال كعب وقتادة هو
قائمة العرش اليمنى وقال عطاء عن ابن عباس هو الجنة وقال عطاء والضحاك هو سدرة
المنتهى. (وَما أَدْراكَ ما
عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ) الكلام فيه كما مر فى نظيره. (يَشْهَدُهُ
الْمُقَرَّبُونَ) ط صفة لكتاب كما كان ويل للمكذبين صفة هناك والمقربون قال
البغوي يعنى الملائكة قلت وأرواح الأنبياء والصديقين والشهداء ايضا فان هناك لعزها
كما اخرج مسلم عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أرواح الشهداء عند الله فى حواصل طير خضر تسرح فى انهار
الجنة حيث شاءت تأوي الى قناديل تحت العرش وكذا روى سعيد بن منصور عن ابن عباس
وتقى بن مخلد عن ابن ابى سعيد الخدري وروى ابو الشيخ عن انس قال يبعث الله شهداء
من حواصل طير بيض كانوا فى قناديل معلقة بالعرش واخرج ابن مندة عن ابن شهاب بلاغا
بلغني ان أرواح الشهداء كطير خضر المعلقة بالعرش تغدوا ثم ترجع الى رياض الجنة
يأتى ربها سبحانه وتعالى كل يوم يسلم عليه واخرج ابن ابى حاتم عن ابى الدرداء قال
هى يعنى أرواح الشهداء طائر خضر فى قناديل الحديث واخرج البخاري عن انس انه قال
لما قتل حارثة قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انه جنان وانه فى الفردوس الأعلى وقال الله تعالى فى حبيب
نجار قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى الاية ولا منافاة بين
كونهم فى الجنة وكونهم تحت العرش فى قناديل لان العرش بمنزلة السماء للجنة قلت
وهذا الحكم غير مختص بالشهداء فان الأنبياء والصديقين أعلى منهم منزلة وقد ورد فى
الحديث بلفظ المؤمنين مطلقا اخرج مالك والنسائي بسند صحيح عن كعب بن مالك ان رسول
الله صلعم
قال انما نسمة
المؤمن طاير المتعلقة فى شجرة الجنة حتى ترجع الى جسده يوم القيمة وكذا اخرج احمد
والطبراني عن أم هانئ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يكون النسم طير التعلقه بالشجر حتى إذا كان يوم القيمة
دخلت كل نفس فى جسده واخرج ابن عساكر عن أم بشر امرأة ابى معروف نحوه والمراد فى
تلك الأحاديث الكاملين منهم كما يدل عليه قوله تعالى يشهده المقربون وقد ورد فى
بعض الأحاديث ان مقر أرواح المؤمنين فى السماء السابعة ينظرون الى منازلهم فى
الجنة أخرجه ابو نعيم بسند ضعيف عن ابى هريرة واخرج ايضا عن وهب بن منبه ان لله
تعالى فى السماء السابعة دارا يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين وفى بعض
الأحاديث إذا اخرج من الجسد كان بين السماء والأرض رواه سعيد بن منصور عن سلمان
وروى ابن المبارك والحكيم الترمذي وابن ابى الدنيا وابن مندة عن سعيد بن المسيب عن
سلمان أرواح المؤمنين فى برزخ من الأرض تذهب حيث شاءت ونفس الكافر فى سجين وفى هذه
الحديث حكاية عن حال المؤمنين على تفاوت درجاتهم قال الشعبي فى بحر الكلام الأرواح
على اربعة أوجه أرواح الأنبياء تخرج من جسدها وتصير مثل صورتها المسك والكافور
وتكون فى الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي بالليل الى قناديل معلقة بالعرش وأرواح
الشهداء تخرج من جسدها ويكون فى أجواف طير خضر فى الجنة تأكل وتشرب وتنعم وتأوي
بالليل الى قناديل معلقة بالعرش وأرواح المطيعين من المؤمنين يربص بالجنة لا تأكل ولا
تتمتع ولكن تنظر فى الجنة وأرواح العصاة من المؤمنين تكون بين السماء والأرض فى
الهواء واما أرواح الكفار فهى فى السجين فى جوف طير سود تحت الأرض السابعة قلت وما
ذكر فى أرواح الأنبياء انها تصير فى مثل صورتها المسك والكافور يعنى ان لها أجسادا
كالاجساد الإنسان وعبرها بالمسك لتطيب ريحها وعبر المجدد عن تلك الأجساد بالجسم
الموهب ويكون ذلك للانبياء ولكمل اتباعهم الصديقين قبل الموت فان قيل بعض الأحاديث
الصحاح تدل على ان أرواح المؤمنين حتى الأنبياء وأرواح الكفار كلها فى القبور كما
ورد فى حديث البراء الطويل يقول الله تعالى فى حق المؤمنين اكتبوا كتاب عبدى فى
عليين واعيدوه الى الأرض فانى منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة اخرى
فيعاد روجه فى جسده وكذا قال فى الكافر فيعاد روحه فى قبره قال ابن عبد البر هذا
أصح ما قيل
وقد راى النبي صلىاللهعليهوسلم موسى عليهالسلام فى قبره يصلى ليلة اسرى به وانه صلىاللهعليهوسلم قال من صلى على عند قبرى سمعته ومن صلى على غائبا بلغته
فكيف تطبيق قلنا وجه التطبيق أن مقر أرواح المؤمنين فى عليين او فى السماء السابعة
ونحو ذلك كما مر ومقر أرواح الكفار فى سجين ومع ذلك لكل روح منها اتصال لجسده فى
قبره لا يدرك كنهه الا الله تعالى وبذلك الاتصال يصح ان يعرض على الإنسان المجموع
المركب من الجسد والروح مقعده من الجنة او النار ويحس اللذة او الألم ويسمع سلام
الزائر ويجيب المنكر والنكير ونحو ذلك بما ثبت بالكتاب والسنة كما ان جبرئيل مع
كون مستقره من السموات كان يدنوا من النبي صلىاللهعليهوسلم حتى يضع يديه على فخذيه قال الشعبي فى بحر الكلام هى متصلة
بأجسادها فتعذب الأرواح ويتالم الأجساد منها كالشمس فى السماء ونورها فى الأرض
والله تعالى اعلم. (إِنَّ الْأَبْرارَ
لَفِي نَعِيمٍ) مستأنفة. (عَلَى الْأَرائِكِ) اى على الاسرة فى الحجال حال من المستكن فى ظرف المستقر (يَنْظُرُونَ) حال بعد حال مترادف لما سبق او متداخل قال اكثر المفسرين
يعنى ينظرون الى ما أعطاهم الله تعالى من الكرامة والنعمة وقال قتادة ينظرون الى
أعدائهم كيف يعذبون فى النار قلت ينظرون الى ربهم تبارك وتعالى كما ان الكفار عن
ربهم يومئذ لمحجوبون. (تَعْرِفُ) ايها المخاطب كذا قرأ الجمهور وقرأ ابو جعفر ويعقوب على
المبنى للمفعول (فِي وُجُوهِهِمْ
نَضْرَةَ) بالرفع عند جعفر ويعقوب وبالنصب عند الجمهور (النَّعِيمِ) ج اى بجنة النعيم قال الحسن النضرة فى الوجه والسرور فى
القلب. (يُسْقَوْنَ مِنْ
رَحِيقٍ) اى جنة صافية طيبة بيضاء (مَخْتُومٍ) اى ممنوع من ان تمسه يد الى ان يفك ختامه الأبرار. (خِتامُهُ مِسْكٌ) ط قرأ الكسائي خاتمه بتقديم الالف على التاء على وزن عالم
والباقون على وزن كتاب فى القاموس ختام ككتاب الطين يختم على الشيء والخاتم ما
يوضع على الطينة والمراد بالقراءتين واحد اى مختوم او آنية بالمسك مكان الطين وكذا
قال ابن زيد وقال ابن مسعود مختوم اى ممزوج ختامه اى اخر طعمه وعاقبته مسك فى
القاموس والختام من كل شىء آخره (وَفِي ذلِكَ) الرحيق والنعيم (فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) ط التنافس مشتق من النفس او من النفيس ومعناه اختيار الشيء
النفيس لنفسه بحيث ينفسه به اى يضن به على غيره وحاصل المعنى فليرغب
الراغبون يعنى ان
التنافس لا يليق على الامتعة الدنيوية لبخستها وقلتها ونفادها بل على النعم
الاخروية فان قيل التنافس من الرذائل فكيف يكون مرغوبا فيه قلت انما هو من الرذائل
إذا كان متعلقا بالأمور الدنيوية لانها غير مرضية لله تعالى ولانها يستلزم الإضرار
بغيره إذا لامتعة الدنيوية فافدة قليلة إذا اختار لنفسه فات عن غيره بخلاف النعم
الاخروية فانها مرضية لله تعالى ولا ينفد فايثارها لنفسه لا يضر بغيره. (وَمِزاجُهُ) اى يمزج به الرحيق (مِنْ تَسْنِيمٍ) قال البغوي شراب ينصب عليهم من علو فى غرفهم ومنازلهم قلت
الظاهر انها تنصب من فوق العرش فان العرش بمنزلة السقف للجنة وقيل يجرى فى الهواء
متسنما فينصب فى أواني اهل الجنة على قدر ملئها فاذا امتلئت امسك وهذا معنى قول
قتادة واصل الكلمة من العلو يقال للشئ المرتفع سنام ومنه سنام البعير قال الضحاك
هو شراب اسمه تسنيم وهو من اشرف اشربة الجنة قال ابن مسعود وابن عباس هو خالص
للمقربين يشربونها صرفا ويمزج لساير اهل الجنة ثم فسره بقوله. (عَيْناً) منصوب على المدح او بتقدير اعنى او حال من تسنيم (يَشْرَبُ بِهَا) اى منها او بتضمين يلتذ صفة لعينا (الْمُقَرَّبُونَ) ط اى اصحاب كمالات النبوة بالاصالة او بالوراثة وهم
الصديقون قال البغوي روى يوسف بن مهران عن ابن عباس انه سئل عن قوله من تسنيم قال
هذا مما قال الله تعالى فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين. (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) يعنى كفار قريش ابو جهل والوليد بن مغيرة والعاص بن وائل
وأصحابهم من مشركى مكة (كانُوا مِنَ
الَّذِينَ آمَنُوا) عمار وصهيب وخباب وبلال وأصحابهم من فقراء المؤمنين (يَضْحَكُونَ) استهزاء بهم. (وَإِذا مَرُّوا) اى المؤمنون (بِهِمْ) اى بالكفار (يَتَغامَزُونَ) اى الكفار يشيرون إليهم بالجفن والحواجب استهزاء والجملة
الشرطية معطوفة على يضحكون خبر لكانوا وكذا الشرطيتين الأخريين. (وَإِذَا انْقَلَبُوا) اى الكفار (إِلى أَهْلِهِمُ
انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) معجبين ملتذين بالسخرية منهم قرأ حفص فكهين بغير الف
والباقون بالألف فاكهين. (وَإِذا رَأَوْهُمْ) يعنى الكفار المؤمنين (قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ
لَضالُّونَ) اى خدعهم محمد فضلوا عن دين ابائهم وتركوا اللذات لما
يرجون فى الاخرة من الكرامات فقد تركوا الحقيقة بالخيال. (وَما أُرْسِلُوا) اى الكفار (عَلَيْهِمْ)
على المؤمنين (حافِظِينَ) ط لاعمالهم ويشهدون برشدهم وصلاحهم جملة وما أرسلوا حال من
فاعل قالوا. (فَالْيَوْمَ) اى يوم كون المؤمنين على الأرائك ينظرون الى الله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ
يَضْحَكُونَ) حين يرونهم فى السلاسل والاغلال فى النار قال البغوي قال
ابو صالح وذلك انه يفتح للكفار فى النار ابوابها ويقال لهم اخرجوا فاذا رأوها
مفتوحة اقبلوا إليها ليخرجوا والمؤمنون ينظرون إليهم فاذا انتهوا الى ابوابها غلقت
دونهم يفعل بهم ذلك مرارا والمؤمنون يضحكون من الكفار كما كان الكفار يضحكون منهم
فى الدنيا وقال كعب بين الجنة والنار كوى فاذا أراد المؤمن ان ينظر الى عدو له فى
الدنيا اطلع عليه من تلك الكوى كما قال الله تعالى فاطلع فراه فى سواء الجحيم فاذا
اطلعوا من الجنة الى أعدائهم وهم يعذبون فى النار فضحكوا فذلك قوله تعالى هذه
الاية واخرج البيهقي عن الحسن قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ان المستهزئين بالناس يفتح لاحدهم باب من الجنة فيقال
لاحدهم هلم فجيئ بكربه وغمه فاذا جاء اغلق دونه فما زال كذلك حتى ان أحدهم ليفتح
له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الا يأس. (عَلَى الْأَرائِكِ) حال من فاعل يضحكون (يَنْظُرُونَ) اى الكفار فى النار حال مترادف او متداخل لما قبله ـ . (هَلْ ثُوِّبَ) اى جوزى (الْكُفَّارُ ما
كانُوا يَفْعَلُونَ) ع اى جزاء ما كانوا يعملون من الاستهزاء والاستفهام
للتقرير اى نعم والله اعلم بالصواب.
سورة الانشقاق مكيّة وهى خمس وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذَا السَّماءُ
انْشَقَّتْ) السماء مرفوع بفعل مقدر يفسره ما بعده. (وَأَذِنَتْ) اى استمعت وانقادت (لِرَبِّها) لامره بالانشقاق (وَحُقَّتْ) اى حق لها الانقياد وإذ الممكن لا يمكن منه الا الانقياد
لما أراده الواجب جل شانه إذا هو فى نفسه لا يقتضى شيئا. (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) وزيدت فى سعتها قال المقاتل سويت كمد الأديم فلا يبقى فيها
جبل ولا بناء اخرج الحاكم عن ابن عمرو قال إذا كان يوم القيامة مدت الأرض كالاديم
وحشر الخلائق واخرج الحاكم بسند جيد عن جابر عن النبي صلعم تمد الأرض يوم القيمة
مد الأديم ثم لا يكون لابن آدم منها الا موضع قدميه ثم ادعى أول الناس فاخر ساجدا
فيوذن لى فاقول يا رب يا رب أخبرني هذا جبرئيل وهو عن يمين الرحمن والله ما راه
جبرئيل قبلها قطانك أرسلته الى قال وجبرئيل ساكت لا يتكلم حتى يقول الله صدق ثم
يأذن الله لى فى الشفاعة فاقول يا رب عبادك أطراف الأرض فذلك المقام المحمود. (وَأَلْقَتْ) الأرض (ما فِيها) من الموتى والكنوز (وَتَخَلَّتْ) اى تكلفت فى خلوها عما فيها حتى لم يبق شىء فى بطنها. (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها) فى الإلقاء والتخلية (وَحُقَّتْ) ط جواب إذا محذوف يدل عليه ما بعده اى يلاقى الإنسان ما
كدح ويوتى كتابه اما بيمينه فينقلب مسرورا او بشماله فيدعوا ثبورا وتكرير إذا
لاستقلال كل من الجملتين بنوع من القدرة اخرج ابو القاسم الختلي فى الديباج بسند
حسن عن ابن عمر عن النبي صلعم فى قوله تعالى إذا السماء انشقت الاية قال اما أول
من ينشق عنه الأرض فاجلس جالسا فى قبرى فيفتح باب الى السماء بحيال رسى حتى انظر
الى العرش ثم يفتح لى باب من تحتى حتى انظر الى الأرض السابعة حتى انظر الى الثرى
ثم يفتح باب عن يمينى حتى انظر الى الجنة ومنازل أصحابي وان الأرض تحركت بي
فقلت لها مالك
أيتها لارض فقالت ان ربى أمرني أن القى ما فى جوفى وان أتخلى فاكون كما كنت ان لا
شى فى ذلك قوله تعالى والقت ما فيها وتخلت واخرج ابن المنذر فى تفسيره عن ابن عباس
فى قوله تعالى والقت ما فيها وتخلت قال سوارى الذهب وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن
عطية يعنى ما فيها من الكنوز واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس والفريابي عن مجاهد
أخرجت الأرض اثقالها قال الموتى. (يا أَيُّهَا
الْإِنْسانُ) خطاب للجنس (إِنَّكَ كادِحٌ) اى كدح عمل الإنسان وجهده فى الأمر من خير او شر حتى يكدح
ذلك فيه اى يوثر من كدحه إذا خدشه (إِلى رَبِّكَ) الى لقاء ربك يعنى الموت وما بعده يعنى انك جاهد فى العمل
الى الموت (كَدْحاً) سعيا بليغا مصدر للتأكيد (فَمُلاقِيهِ) ج عطف على كادح والضمير اما راجع الى الكدح يعنى فملاقى
كدحه يعنى جزاء ما عمل او الى الرب اى فملاقى ربك بعد الموت يوم يقوم الناس لرب
العالمين او بحذف المضاف اى فملاقى حساب ربك وجملة يايها الإنسان مستأنفة للوعد
والوعيد ولما بين الله سبحانه اولا بعض الناس ولقاء كل منهم كدحد اجمالا فصل ذلك
بقوله. (فَأَمَّا مَنْ
أُوتِيَ كِتابَهُ) ديوان عمله (بِيَمِينِهِ) وهم المؤمنون. (فَسَوْفَ يُحاسَبُ
حِساباً يَسِيراً) روى البخاري بسنده عن ابن ابى مليكة ان عائشة كانت لا تسمع
شيئا لا تعرفه الا راجعت فيه حتى تعرفه وان النبي صلىاللهعليهوسلم قال من حوسب عذب قالت عائشة او ليس الله يقول فسوف يحاسب
حسابا يسيرا قالت فقال انما ذلك العرض ولكن من نوقش فى الحساب يهلك واخرج احمد عن
عائشة قلت يا رسول الله ما الحساب اليسير قال اى ينظر فى كتابه فيتجاوز عنه انه من
نوقشه فى الحساب يهلك واخرج احمد يومئذ هلك. (وَيَنْقَلِبُ إِلى
أَهْلِهِ مَسْرُوراً وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) اخرج البيهقي عن مجاهد فى هذه الاية قال يجعل شماله وراء
ظهره فياخذ بها كتابه قال ابن السابت بلوى يده اليسرى من صدره انى خلف ظهره. (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) والثبور الهلاك اى يتمنى الهلاك ويقول وا ثبوراه. (وَيَصْلى) قرأ عاصم وحمزة وابو عمرو بفتح الياء وسكون الصاد وتخفيف
اللام والباقون بضم الياء وفتح الصاد وتشديد اللام من التصلية على البناء للمفعول
اى يدخل (سَعِيراً إِنَّهُ
كانَ فِي أَهْلِهِ) فى الدنيا (مَسْرُوراً) بالمال والجاه غافلا عن الاخرة غير خائف
وهذا تعليل لقوله
تعالى فسوف يدعوا ثبورا. (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ
لَنْ يَحُورَ) ج اى لن يرجع الى ربه للحساب والجزاء تكذيبا بالبعث تعليل
للسرور. (بَلى) ج إيجاب للنفى اى بلى ليحورن (إِنَّ رَبَّهُ كانَ
بِهِ بَصِيراً) ط فى موضع التعليل لاثبات الرجوع اى ليحورن وليعذبن لان
الله بصير بما يعمل فلا يهمله بل ينتقم منه. (فَلا أُقْسِمُ
بِالشَّفَقِ) البيضاء بعد الحمرة. (وَاللَّيْلِ وَما
وَسَقَ) اى جمعه الليل بعد ما كان منتشرا بالنهار من الدواب وروى
منصور عن المجاهد الف واظلم عليه وقال سعيد بن جبير وما عمل فيه. (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) اى اجتمع وثم نوره فى الليالى البيض افتعال من الوسق بمعنى
الجمع. (لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) اما صفة بطبقا او حال من الضمير المرفوع فى لتركبن بمعنى
مجاوز عن طبق او بمجاوزين له على اختلاف القراءتين قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي
بفتح التاء اما على صيغة المخاطب الواحد المذكر خطابا للنبى صلعم قال الشعبي
ومجاهد يعنى لتركبن يا محمد سماء بعد سماء وقال الله تعالى وهو العزيز الغفور الذي
خلق سبع سموات طباقا ففى هذه الاية بشارة للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمعراج والأحاديث الواردة فى قصة المعراج ذكرت فى سورة
الأسرى وسورة النجم ويجوز ان يكون المراد انه يصعد درجة بعد درجة تتبع بعد رتبه فى
القرب من الله والرفعة روى البخاري بسنده وعن ابن عباس قال لتركبن طبقا عن طبق حال
بعد حال قال هذا نبيكم صلعم واما على صيغة الواحد المؤنث والضمير حينئذ عايد الى
السماء يعنى لتركبن السماء حالا بعد حال اخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن ابى
حاتم عن ابن مسعود فى هذه الاية قال يعنى السماء تنفطر ثم تنشق ثم تحمر واخرج
البيهقي عنه قال السماء تكون الوانا تكون كالمهل وتكون وردة كالدهان وتكون واهية
وتشق فيكون حالا بعد حال وقرأ الآخرون بضم الياء على صيغة جمع المخاطبين يعنى
لتركبن ايها الناس حالا بعد حال وامرا بعد امر فى مواقف القيمة وقال مقاتل يعنى
الموت ثم الحيوة وقال عطاء حالا فى الدنيا مرة فقيرا ومرة غنيا وقال عمرو ابن
دينار عن ابن عباس يعنى الشدائد والأهوال والموت ثم البعث ثم العرض وقال عكرمة
حالا بعد حال رضيع ثم فطيم ثم غلام ثم شاب ثم شيخ وقال ابو عبيدة لتركبن سنن من
كان قبلكم روى الحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلعم لتركبن سنن من كان قبلكم
شبرا بشبر
وذراعا بذراع حتى
لو ان أحدهم دخل حجر ضب لدخلتم وحتى لو ان أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه
وروى البخاري عن ابى سعيد الخدري نحوه. (فَما لَهُمْ) استفهام للانكار والتعجب متصل بما مر من الوعد والوعيد
وجملة فلا اقسم معترضة قلت ويحتمل ان يكون هذه الجملة متصلة لقوله تعالى لتركبن
طبقا عن طبق يعنى انقلابهم عن حال الى حال دليل على تحول الأحوال فما لهم (لا يُؤْمِنُونَ) حال من الضمير المجرور والعامل فيه معنى الفعل اى ما
يصنعون. (وَإِذا قُرِئَ
عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) ط إذا متعلق بلا يسجدون والجملة الشرطية معطوفة على لا
يومنون حال مرادف له وهذه الاية نزل على وجوب السجود حين استماع القرآن فانه ذم
لمن سمع القران ولم يسجد فاما ان يكون المراد بالسجود الخضوع مجازا وهو الظاهر
لاطلاق القران على كل اية وان لم يكن اية السجدة مع الإجماع على عدم وجوب السجود
عند استماع القران مطلقا واما يكون المراد بالسجود سجود التلاوة واللام فى القران
للعهد والمراد اية السجدة فحينئذ يكون حجة لابى حنيفة فى القول بوجوب التلاوة ولم
يقل بالافتراض للشك فى التأويل ووقوع الخلاف فى المسألة والظاهر ان الوجوب لا يثبت
بالشك بل بدليل ظنى يفيد الوجوب واحتج ابو حنيفة وصاحبيه بحديث ابى هريرة عن رسول
الله صلىاللهعليهوسلم قال إذا قرأ ابن آدم السجدة اعتزل الشيطان يبكى يقول يا ويله
امر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فابيت فلى النار رواه مسلم ووجه
الاحتجاج ان الحكيم إذا حكى عن غير الحكيم كلاما ولم يعقبه بالإنكار كان دليلا على
صحته واخرج ابن ابى شيبة فى مصنفه عن ابن عمر انه قال السجدة على من سمعها وعند
جمهور الفقهاء والمحدثين سجود التلاوة سنة واحتجوا بحديث زيد بن ثابت قرأت على
النبي صلعم النجم فلم يسجد اخرجاه فى الصحيحين وأخرجه اصحاب السنن والدار قطنى
وزاد ولم يسجد منا أحد قالت الحنفية هذا لا يدل على عدم وجوب السجدة لانه واقعة
حال ويجوز ان يكون ترك السجود لكون القراءة فى وقت مكروه او على غير وضوء او لتبين
انه غير واجب على الفور قلنا لو كان الترك لاحد هذه الأمور لبين ذلك ولئلا يلزم
ترك بيان المجمل فى وقت الحاجة وبحديث عمر بن الخطاب انه قرأ سجدة وهو على المنبر
يوم الجمعة فنزل فسجد وسجد الناس معه ثم قرأها يوم الجمعة الاخرى فتهيا الناس
السجود وفقال على المنبر رسلكم الله لم يكبتها
الا ان يشاء رواه
البخاري ومالك فى المؤطا قال الشيخ ابن حجر زعم المزني انه من تعليقات البخاري وهم
رواه البيهقي وابو نعيم قلت فى هذه الحديث حكاية عن الإجماع حيث لم ينكر أحد على
قول عمر مع حضورهم لصلوة الجمعة وما ورد فى قول الشيطان امر ابن آدم بالسجود
والظاهر ان المراد بالسجود هناك الجنس دون السجود المخصوص عند التلاوة كيف وانما
امر الشيطان بالسجود لله تعالى متوجها الى آدم من غير سبق تلاوة اية (مسئلة) اختلف
العلماء فى سجود المفضل فقال الجمهور بالسجود فى النجم وإذا السماء انشقت واقرأ
فعندهم سجود القران اربعة عشر او خمسة عشر بناء على خلافهم فى الثاني سجدتى الحج
وسجدة ص ويذكر هناك إنشاء الله تعالى وقال مالك فى رواية لا سجود فى المفصل محتجا
بحديث ابن عباس انه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يسجد فى شىء من المفصل منذ تحول الى المدينة رواه ابو
داود وابو على ابن السكن من طريق ابى قدامة الحارث بن عبيد عن مطر عن عكرمة وابو
قدامة ومطر قال الشيخ ابن حجرهما من رجال مسلم لكنهما مضعفان وقال ابن الجوزي قال
احمد ابو قدامة مضطرب الحديث وقال يحيى ليس بشئ ولا يكتب حديثه وروى الطحاوي وغيره
سئل ابى بن كعب هل فى المفصل سجدة قال لا لنا حديث ابى هريرة ان النبي صلىاللهعليهوسلم لم يسجد فى إذا السماء انشقت واقرأ انفرد بإخراجه مسلم وفى
الصحيحين من طريق اخر عن ابى نافع قال صليت مع ابى هريرة العتمة فقرأ إذا السماء
انشقت فسجد فقلت ما هذا قال سجدت بها خلف ابى القاسم صلىاللهعليهوسلم فلا أزال اسجد هنا حتى ألقاه واسلام ابى هريرة كان سنة ست
من الهجرة وحديث ابن عباس قال سجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها يعنى النجم والمشركون رواه البخاري ورواه الترمذي
وصححه وحديث عمرو بن العاص ان رسول الله صلعم قرأ خمس عشر سجدة فى القران منها ثلث
فى المفصل وفى سورة الحج سجدتان رواه ابو داود وابن ماجة والدار قطنى والحاكم
وحسنه المنذرى والنووي وضعفه عبد الحق وقال ابن الجوزي لا يعتمد عليه فيه محمد بن
راشد كذبوه وحديث عبد الرحمن بن عوف قال رايت رسول الله صلعم سجد فى إذا السماء
انشقت عشر مرات رواه البزار (مسئلة) قال ابو حنيفة يجب السجدة على التالي والسامع
سواء قصد سماع القران او لم يقصد لاطلاق الموجب اعنى الذم على ترك السجود فى هذه
الاية وعند الجمهور لا يتاكد السجود
على السامع ما لم
يقصد السماع لحديث عثمن انه مر بعاص فقرأ اية السجدة يسجد معه عثمان فقال عثمن
انما السجود على من استمع ثم مضى ولم يسجد رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن
ابن المسيب عنه وذكره البخاري تعليقا وفى مصنف ابن ابى شيبة عن عثمان انما السجدة
على من جلس لها وحديث ابن عباس انه قال انما السجدة لمن جلس لها رواه البيهقي وابن
ابى شيبة (مسئلة) يجب السجود على السامع وان لم يسجد القاري عند ابى حنيفة لاطلاق
الأمر وعند الجمهور لا يتاكد على السامع ما لم يسجد القاري لحديث زيد بن اسلم ان
رجلا قرأ عند رسول الله صلعم فسجد النبي صلعم ثم قرأ اخر عنده السجدة فلم يسجد
النبي صلعم فقال سجدت لقراءة فلان ولم تسجد لقراءتى قال كنت اماما فلو سجدت سجدنا
رواه ابو داود فى المراسيل عن زيد ابن اسلم ورواه ايضا زيد ابن اسلم عن عطاء بن
يسار بلاغا وكذا روى الشافعي وقال البيهقي رواه قرة عن الزهري عن ابى هريرة وقرة
ضعيف وعند البخاري معلقا عن ابن مسعود (مسئلة) قال ابو حنيفة يكره قراءة اية
السجدة فيما يسر فيها القراءة من الصلاة ان كان اماما لا فيما يجهر بها ولا ان كان
مفردا به قال احمد حتى قال ان اسر بها لا يسجد وعند الشافعي لا يكره مطلقا لحديث
ابن عمر سجد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فى الظهر فراى أصحابه انه قرأ اية السجدة فسجدوا رواه ابو
داود والطحاوي والحاكم (مسئلة) إذا سجد الامام سجدوا وكذا عند الشافعي مع قوله
انها سنة وكذا قوله فى القنوت ـ . (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) القران إضراب عن السجود عند استماع القران. (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) بما يجمعون فى الصدور من الكفر والعداوة قال مجاهد بما
يكتمون والجملة حال من فاعل يكذبون. (فَبَشِّرْهُمْ
بِعَذابٍ أَلِيمٍ) الفاء للسببية فان التكذيب سبب للتبشير وذكر التبشير مقام
التنذير تهكم واستهزاء. (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا) منهم وتابوا عن
الكفر ما لاستثناء متصل او منقطع بمعنى لكن الذين أمنوا غير مبشرين بالعذاب (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ
غَيْرُ مَمْنُونٍ) غير مقطوع ولا منقوص او ممنون عليهم تعليل الاستثناء.
سورة البروج مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
(وَالسَّماءِ ذاتِ
الْبُرُوجِ) البرج الحصن سمى الحصن بها لظهوره يقال تبرجت المرأة اى
ظهرت والظاهر ان فى السماء بيوتا سميت بالبروج قال عطية العوفى البروج اى القصور
فيها الحرس ورد فى الصحيحين فى حديث المعراج ثم رفع الى البيت المعمور يعنى فى السماء
السابعة بحذاء الكعبة وقد مر فى سورة المطففين قول وهب بن منبه ان لله فى السماء
السابعة دارا يقال لها البيضاء يجتمع فيها أرواح المؤمنين او المراد بالبروج أبواب
السماء فان النوازل يخرج منها وتظهر وزعم العوام باتباع الفلاسفة ان السماء منقسم
بالقسمة الوهمية الى اثنى عشر حصة سميت كل حصة منها ببرج يكون فيها الثوابت
وينزلها السيارات وسموا البروج بالحمل والثور والجوزاء ونحوها نظرا الى هيئة
الكواكب الثوابت على سورة الحمل والثور ونحو ذلك وهذا ليس بشئ لان مبنى ذلك على
كون السموات متحركة دائما وكون الكواكب مرتكزة فيها وكل ذلك باطل والثابت من
الكتاب والسنة ان الكواكب كل منها فى فلك يسبحون فليس فى السموات كواكب ثوابت حتى
يسمى حصة من السماء برجا بحسب تلك الثوابت ولا يجوز ان يكون المراد فى كلام الله
تعالى مصطلح الفلاسفة الكفرة فكيف الحصص الموهومة بالبروج التي اصل تركيبها الظهور
والله تعالى اعلم وقيل المراد بالبروج عظام الكواكب سميت بروجا لظهورها كذا قال
الحسن ومجاهد وقتادة. (وَالْيَوْمِ
الْمَوْعُودِ) اى يوم القيمة. (وَشاهِدٍ) اى يوم الجمعة او جنس شاهد يشهد بالحق ـ (وَمَشْهُودٍ) ط اى يوم عرفة او جنس ما شهد عليه شاهد صدق اقسم الله
تعالى بهذه الأمور لتعظيمها روى احمد والترمذي عن ابى هريرة قال قال رسول الله
صلعم اليوم الموعود يوم القيمة والمشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة فيه ساعة لا
يوافقها عبد مومن يدعو الله فيها بخير الا استجاب له ولا يستعيذ من شر الا أعاذه
منه قال الترمذي هذا حديث غريب لا يعرف الا من حديث موسى
ابن عبيدة وهو
يضعف وروى الطبراني بسند ضعيف عن ابى مالك الأشعري نحوه وفيه يوم الجمعة خصه الله
لنا والصلاة الوسطى صلوة العصر وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس الشاهد محمد صلعم
قال الله تعالى وجئنا بك على هؤلاء شهيدا والمشهود يوم القيمة قال الله تعالى ذلك
يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ولكن هذا يلزم التكرار فى اليوم الموعود
والمشهود وقيل الشاهد الحفظة والمشهود ابن ادعم وقال الحسين بن الفضل الشاهد هذه
الامة والمشهود سائر الأمم قال الله تعالى جعلنكم امة وسطا لتكونوا شهداء على
الناس وقال سالم بن عبد الله سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى وشاهد ومشهود قال
الشاهد هو الله تعالى والمشهود نحن بيانه وكفى بالله شهيدا وقيل الشاهد أعضاء بنى
آدم قال الله تعالى يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم وقيل الشاهد الأنبياء
والمشهود محمد صلىاللهعليهوسلم وإذ أخذ الله ميثاق النبيين الى قوله فاشهدوا وانا معكم من
الشاهدين قلت وعندى انه لو صح الحديث فى تاويل الاية فذاك والّا فلا وجه للتخصيص
بل المقسم جنس شاهد يشهد بالحق وجنس الحق المشهود به قال الله تعالى شهد الله انه
لا اله الا الله الا هو والملائكة وأولوا العلم فالشاهد هو الله تعالى والملائكة
والحفظة منهم والأنبياء ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم والمؤمنون خصوصا امة محمد صلعم خصوصا أولوا العلم منهم ومن
يشهد بالحق الخصومات واقامة الحدود ومشهود هو كلمة التوحيد وصدق الأنبياء وتبليغهم
واعمال بنى آدم وكل كلمة حق اشهد به شاهد صدق قال رسول الله صلعم أكرموا الشهود
فان الله يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم رواه الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس
بسند ضعيف والله تعالى اعلم وجواب القسم قيل قوله تعالى. (قُتِلَ) اى لعن لكن هذا القول ضعيف لشذوذ جواب القسم بدون اللام
والاولى ان يقال جواب القسم محذوف يدل عليه ما بعده يعنى اقسم ان كفار قريش
ملعونون كما قيل وقال (أَصْحابُ
الْأُخْدُودِ النَّارِ) عن صهيب ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال كان ملك باليمن فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر
الساحر قال للملك انى قد كبرت فابعث الى غلاما اعلمه السحر فبعث الله غلاما يعلمه
وكان فى طريقه راهب إذا سلك اليه وسمع كلامه فاعجبه فكان إذا اتى الساحر مر
بالراهب فقعد اليه فاذا اتى الساحر ضربه وإذا رجع من عند الساحر فقعد الى الراهب
وسمع كلامه فاذا اتى اهله ضربوه فشكى الى الراهب فقال إذا خشيت الساحر فقل حبسنى
أهلي فاذا خشيت أهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك إذ اتى عليه دابة عظيمة قد
حبست الناس فقال اليوم اعلم
ان الراهب أفضل أم
الساحر فاخذ حجرا فقال اللهم ان كان امر الراهب أحب إليك من امر الساحر فاقتل هذه
الدابة حتى يمضى الناس فرماها فقتلها فمضى الناس فاتى الراهب فأخبره فقال الراهب
اى بنى أنت اليوم أفضل منى قد بلغ من أمرك ما ترى وانك ستبتلى فان ابتليت فلا تدل
على فكان الغلام يبرء الأكمه والأبرص ويداوى الناس لسائر الأدواء فسمع جليس للملك
وكان قد عمى فاتاه بهدايا كثيرة فقال انها لك ان أنت شفيتنى قال لا أشفي أحدا انما
يشفى الله فان امنت بالله دعوت الله فشفاك فامن بالله فشفاه الله فأتى الملك فجلس
اليه كما كان يجلس فقال له الملك ومن رد عليك بصرك قال ربى قال ولك رب غيرى قال
ربى وربك الله فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام فجيئ بالغلام فقال له الملك
اى بنى قد بلغ من سحرك ما يبرء الأكمه والأبرص وتفعل ما تفعل قال انى لا أشفي أحدا
انما يشفى الله فاخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب فجئ بالراهب فقيل له ارجع
عن دينك فأبى فدعى ووضع المنشار فى مفرق راسه حتى وقع شقاه ثم جئ بالغلام فقيل له
ارجع عن دينك فابى فدفعه الى نفر من أصحابه فقال اذهبوا الى جبل كذا وكذا فاصعدوا
به فاذا بلغتم ذروته فان رجع عن دينه والا فاطرحوا فذهبوا به الجبل فقال اللهم
اكفينهم بما شئت فرجعت بهم الجيل فسقطوا فجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما فعل
أصحابك فقال كفانيهم الله فدفعه الى نفر من أصحابه فقال اذهبوا به فاحملوه فى
قرقور فتوسطوا به البحر فان رجع عن دينه والا فاقذفوه فذهبوا به فقال اللهم
اكفينهم بما شئت فانكفات بهم السفينة فغرقوا وجاء يمشى الى الملك فقال له الملك ما
فعل أصحابك قال كفانيهم الله فقال للملك لست بقاتلي حتى تفعل ما أمرك قال وما هو
قال تجمع الناس فى صعيد واحد وتصلبنى على جذع ثم خذ سهما من كنانتى ثم ضع السهم فى
كبد القوس وقل بسم الله رب الغلام ثم ارمنى فانك إذ فعلت ذلك قتلتنى فجمع الناس فى
صعيد واحد وصلبه على جذع ثم أخذ سهما من كنانته ثم وضع السهم فى كبد قوسه ثم قال
بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه فمات فقال الناس أمنا برب الغلام
ثلثا فاتى الملك فقيل له رايت بما كنت تحذر قد نزل بك حذرك قد أمن الناس فامر
بالأخدود بأفواه السكك فخدت واضرم النيران وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها
او قيل لاقتحم قال فافعلوا حتى جاءت امرأة معها صبى لها فتقاعست ان تقع فيها فقال
لها الغلام يا أماه اصبري فانك على الحق رواه مسلم فى صحيحه و
روى عطاء عن ابن
عباس نحو هذه القصة وذكر انه كان بنجران ملك من ملوك حمير يقال له يوسف ذو نواس بن
شرحبيل فى الفترة قبل مولد النبي صلىاللهعليهوسلم بسبعين سنة وذكر اسم الغلام عبد الله بن تامر وذكر محمد بن
اسحق عن وهب بن منبه القصة وذكر انه احرق اثنى عشر الفا ثم غلب ارباط على اليمين
فخرج ذو نواس هاربا فاقتحم البحر بفرسه فغرق فقال الكلبي ذو نواس قتل عبد الله بن
تامر وقال محمد بن عبد الله بن ابى بكر ان جارية اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد
عبد الله بن تامر واضعا يده على ضربة فى راسه إذا بسطت يده عنها انبعث دما وإذا
تركت ارتدت مكانها وفى يده خاتم من حديد فيه ربى الله فبلغ ذلك عمر فكتب ان العبد
والخاتم على اى على الذي وجدتم عليه وقد روى فى اصحاب الأخدود روايات اخر ، لا
يوازى رواية المسلم فى القوة فلا يلتفت إليها. (النَّارِ) بدل اشتمال من الأخدود (ذاتِ الْوَقُودِ) وصف اى النار بالعظمة لكثرة الالتهاب واللام للجنس قال
الربيع بن انس نجى الله المؤمنين الذين القوا فى النار بقبض أرواحهم قبل ان تمسهم
النار وخرجت النار الى من على شفير الأخدود من الكفار فاحرقتهم. (إِذْ هُمْ عَلَيْها) اى على حافات الأخدود (قُعُودٌ) قال مجاهد كانوا قعودا على الكراسي عند الأخدود والظرف
متعلق بقعود. (وَهُمْ عَلى ما
يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ) من التعذيب (شُهُودٌ) اى حضور لم يكن هذا التعذيب منهم على غفلة او المعنى كان
يشهد بعضهم لبعض عند الملك بانه لم يقصر فيما امر به او يشهدون على أنفسهم يوم
القيمة حين يشهد ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم والجملة اما معطوفة على هم عليها قعود او
حال من فاعل قعود. (وَما نَقَمُوا) اى ما كره الكفار وما أنكروا (مِنْهُمْ) اى من المؤمنين (إِلَّا أَنْ
يُؤْمِنُوا) اى لايمانهم فعلى هذا مفعول له وصيغة المضارع بمعنى الماضي
بقرينة نقموا اى لان أمنوا (بِاللهِ) يعنى ما كان منهم حسنا لذاته وكمالا وشرفا زعموه لفرط
جهلهم وشقاوتهم عيبا منكرا موجبا للعذاب (الْعَزِيزِ) فى ملكه الغالب على كل شىء يخشى عذابه (الْحَمِيدِ) المحمود المنعم الذي يرجى ثوابه. (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالْأَرْضِ) ط وما فيهن لا اله غيره تقرير لحصر الخوف والرجاء عليه
سبحانه وصف الله سبحانه نفسه بهذه الأوصاف لدلالته على كون المؤمنين محقين فى ايمانهم
مستحقين للثواب وكون الكفار مبطلين ظالمين فيما فعلوا مستحقين اللعن والعذاب (وَاللهُ
عَلى
كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يجازى كلا على حسب ما عمل من خير او شر والجملة تذئيل او
حال من مفعول يومنوا وجملة ما نقموا معترضة او حال من شهود. (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) اى عذبوا (الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الموصول شامل لاصحاب الأخدود وغيرهم سواء كانوا مؤمنين او
كفارا والمؤمنون يعم المطروحين فى الأخدود وغيرهم (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) من تلك المعصية (فَلَهُمْ عَذابُ
جَهَنَّمَ) فى الاخرة يعنى هم مستحقون العذاب بتعذيبهم وذلك لا ينافى
المغفرة ان كانوا مؤمنين ويحتمل ان يكون المراد بالموصول الكفار فقط للملاحظة
الحيثية فى المؤمنين يعنى الذين فتنوا المؤمنين لاجل ايمانهم (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) تأكيد لما سبق او المراد لهم عذاب الحريق فى الدنيا فان من
الغالب انه من حفر بيرا لاخيه فقد وقع فيه وقد مر فى ما سبق انها خرجت النار الى
من على شفر الأخدود من الكفار فاحترقتهم وان ذو نواس غرق فى البحر وجملة ان الذين
فتنوا مستأنفة كانه قيل ما يفعل باصحاب الأخدود وأمثالهم. (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ
الْكَبِيرُ) يصغر بالنسبة إليها الدنيا وما فيها. (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) اى اخذه بعنف (لَشَدِيدٌ) لا يمكن مدافعته هذه الجملة متصلة بجملة ان الذين فتنوا
كانها تعليل لها وجملة ان الذين أمنوا معترضة بينهما لذكر جزاء المؤمنين رديف
الجزاء الكفار كما هو عادة الله تعالى فى المثال. (إِنَّهُ) اى ربك (هُوَ يُبْدِئُ) الخلق (وَيُعِيدُ) لا اله غيره حتى يمكنه دفع بطشه او المعنى يبدء البطش
بالكفار فى الدنيا ويعيده فى الاخرة. (وَهُوَ الْغَفُورُ) لذنوب المؤمنين (الْوَدُودُ) المحب لمن أطاعه والمحبوب إليهم. (ذُو الْعَرْشِ) قال العرش مالكه القاهر على كل شىء (الْمَجِيدُ) قرأ حمزة والكسائي بالجر صفة للعرش ومجده وعظمته وكونه
مطرحا لتجليات رحمانية مختصة به والباقون بالرفع على انه خبر بعد حبر لهو ومجده
تعالى كونه عظيما فى ذاته وصفاته واجبا وجوده تاما قدرته وحكمته. (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) لا يعجزه شىء ولا يمنع عليه ما أراد خبر بعد خبر لهو او
خبر مبتداء محذوف اى هو فعال لما يريد وجملة انه هو يبدء ويعيد إلخ معترضة مادحة
لله تعالى يوضح ما يفعل بالمؤمنين من المغفرة والمودة وبالكافرين من انواع
التعذيب. (هَلْ أَتاكَ) استفهام للتقرير بمعنى قد اتيك (حَدِيثُ الْجُنُودِ) الكافرة الذين يجندوا على الأنبياء. (فِرْعَوْنَ) بدل من الجنود وبحذف المضاف اى جنود فرعون (وَثَمُودَ) أمثالها انهم
اهلكوا بالغرق او
الصيحة او نحو ذلك ثم ادخلوا نارا واصبر على تكذيب قومك وحذرهم بمثل ما أصاب من
كان من قبلهم أمثالهم فى الكفر. (بَلِ الَّذِينَ
كَفَرُوا) من قومك اولى بنزول العذاب من الجنود الماضية والأمم
الخالية فانهم سمعوا قصة السابقين وراوا اثار هلاكهم ومع ذلك هم (فِي تَكْذِيبٍ) عظيم للقران أشد من تكذيبهم مع انه معجز نظمه دون الكتب
السابقة والتنكير للتعظيم وقيل بل هنا ليس للاضراب بل ابتدائية بمعنى لكن والجملة
للاستدراك متصلة بجواب القسم وما بينهما معترضات وجه الاتصال انه لما اتضح جواب
القسم بالقسم نشأ تصديق السامعين من الكفار فلدفع هذا الوهم استدرك وقال بل الذين
كفروا اى لكن الذين كفروا فى تكذيب وقوله فى تكذيب ظرف اعتباري فان الصفة يعتبر
محيطا بالموصوف بناء على المبالغة. (وَاللهُ مِنْ
وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) ط احاطة ذاتية بلا كيف مستكرما لقربه وقهرمانه فهو عالم
بأحوالهم قادر على الانتقام منهم لا يمكن ان يفوتون والجملة معترضة للوعيد او حال
من فاعل الظرف المستقر فى تكذيب. (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ
مَجِيدٌ) كريم شريف عالى الطبقة فى الكتب وحيد معجز نظمه ومعناه
والجملة معناه متصل بقوله بل الذين كفروا فى تكذيب يعنى ليس تكذيبهم على شايبة من
الحق بل هو يعنى ما كذبوا به لا ينبغى ان يكذب به من له ادنى شعور فى النظم
والمعنى. (فِي لَوْحٍ) اخرج الطبراني عن ابن عباس ان رسول الله صلعم قال ان الله
خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء وصفحاتها من ياقوت حمراء قلمه نور وكتابته نور الله
فى كل يوم ستون وثلاثمائة لحظة يخلق ويرزق ويميت ويحى ويعز ويذل ويفعل ما يشاء روى
البغوي بسند عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا الله وحده دينه الإسلام
ومحمد عبده ورسوله فمن أمن بالله عزوجل وصدق بوعده واتبع رسله ادخله الجنة قال واللوح لوح من درة
بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق الى المغرب وحافتاه الدر
والياقوت ودفتاه ياقوت حمراء وقلمه نور وكتابه نور وكل شىء فيه مسطور وقيل أعلاه
معقود بالعرش وأصله فى حجر ملك قال مقاتل اللوح المحفوظ عن يمين العرش (مَحْفُوظٍ) قرأ الجمهور بالجر على انه صفة لوح فانه محفوظ من الشياطين
ومن الزيادة والنقصان ولذلك سمى باللوح المحفوظ وهو أم الكتاب ومنه نسخ الكتاب
وقرأ نافع بالرفع على انه صفة القران قال الله تعالى انا نحن نزلنا الذكر وانا له
لحافظون فلا يجوز اى لا يمكن فيه الإلحاق لحفظه تعالى وايضا لاعجاز نظمه ولا
التحريف ولا الحذف وقالت الروافض الحق بالقرآن ما ليس منه وحذف منه بقدر عشرة
اجزاء من أربعين جزء فبقيت ثلثون جزء مغيرة محرفة فعليهم قوله تعالى بل الذين
كفروا فى تكذيب لما بين دفتى المصحف والله من ورائهم محيط بل هو قران مجيد فى لوح
محفوظ ـ والله تعالى اعلمه.
سورة الطّارق مكيّة وهى سبع عشرة اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال الكلبي اتى
ابو طالب النبي صلعم فاتحفه بخبز ولبن فبينما هو جالس يأكل إذا نحط نجم فامتلأ ماء
ثم نارا ففزع ابو طالب وقال اى شى هذا فقال رسول الله صلعم هذا نجم رمى به وهو اية
من آيات الله عزوجل فعجب ابو طالب فانزل الله تعالى (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) وهو فى الأصل لسانك الطريق واختص عرفا بالآتي ليلا ثم
استعمل للبادى وفيه الإجمال هاهنا فسره فيما بعد. (وَما أَدْراكَ مَا
الطَّارِقُ) فانه مجمل ويحتمل ان يكون الاستفهام لتعظيم امره فان فيه
منافع كثيرة من طرد الشياطين وزينة السماء وتخويف العباد وغير ذلك وجملة ما الطارق
فى محل المفعول الثاني لادريك ثم فسر المجمل فقال. (النَّجْمُ) اللام للجنس والمراد به جنس النجوم او جنس الشهب التي يرجم
بها او للعهد والمراد به الثريا كذا قال ابن زيد والعرب تسميه النجم وقيل هو الزحل
(الثَّاقِبُ) فمن قال المراد بالنجم الزحل قال انما سمى به لارتفاعه قال
العرب للطاير إذ الحق ببطن السماء ارتفاعا قد ثقب وهذا لا يستقيم الأعلى قول
الحكماء القائلين بكون الزحل فى السماء السابعة والظاهر ان المراد بالثاقب المعنى
المتوهج كذا قال مجاهد كانه يثقب الظلام لضوئه فينفذ فيه. (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها
حافِظٌ) قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة لما بتشديد الميم بمعنى الا على
لغة هذيل استثناء مفرغ فعلى هذا ان نافية والمعنى ماكل نفس كاينا على حال الأعلى
حال ثبوت حافظ عليها والباقون بالتخفيف فعلى هذا ان مخففة من المثقلة واسمها ضمير
الشان محذوف فاصلة وما مزيدة يعنى انه كل نفس من البشر ثابت او ثبت عليها حافظ من
ربها يحفظ عملها ويحصى عليها ما يكتب من خير او شر قال ابن عباس هم الحفظة من
الملائكة وقيل حافظ يحفظها من الآفات فاذا استوفى رزقها وأجلها ماتت والمراد بحافظ
الجنس حتى يصدق على الواحد والكثير فلا منافاة بين هذه الاية وقوله تعالى وان
عليكم لحافظين بصيغة الجمع او المراد لحافظ هاهنا هو الله سبحانه والحفظة ان
يحفظون بامره فيضاف فعلهم اليه تعالى والجملة على القراءتين
جواب للقسم اخرج
ابن ابى حاتم عن عكرمة ان أبا اسد كان يقوم على الأديم فيقول يا معشر قريش من أذى
النبي صلعم عنه فله كذا ويقول ان محمدا يزعم ان خزنة جهنم تسعة عشر فانا أكفيكموهم
وحدي عشرة واكفوني تسعة فنزلت. (فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ) ط الفاء للسببية فان وجود الحفظة سبب لوجوب المراقبة على
اعماله حتى يستدل به على صحة إعادة فيستوجب الايمان بالله ورسوله والإتيان بما امر
به من الأعمال والانتهاء عما نهى عنه ومن ابتدائية وما استفهامية والجار والمجرور
متعلق بخلق نايب مناب فاعله والجملة فى محل النصب بالمفعولية من النظر اى فى جواب
هذا السؤال الحاصل بالنظر فقال. (خُلِقَ مِنْ ماءٍ) اى منى والمراد به الممزوج من المائين ماء الرجل وماء
المرأة (دافِقٍ) صفة لماء أسند الدفق الى الماء مجازا او كما فى عيشة
الراضية اى مرضية فهو فاعل بمعنى المفعول اى مدفوق والدفق هو الصب بمرة فالاسناد
على الحقيقة. (يَخْرُجُ) صفة اخرى لماء (مِنْ بَيْنِ
الصُّلْبِ) صلب الرجل اى ظهره قال فى الصراح الصلب الشديد باعتبار
الشدة سمى الظهر صلبا (وَالتَّرائِبِ) ط اى ترائب المرأة فى القاموس الترائب عظام الصدر او ما
ولى الترقوتين او ما بين الثديين والترقوتين او لربع أضلاع من يمين الصدر واربع من
يسرته او لليدان والرجلان والعينان او موضع القلادة فى البيضاوي ان النطفة تتولد
من فضل الهضم الرابع وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد بان يتولد منها مثل تلك
الأعضاء ومقرها عروق ملتف بعضها عند البيضتين والدماغ أعظم الأعضاء معونة لى
توليدها لذلك تشيع وتسرع الفراط فى الجماع بالضعيفة وله خليفة وهو النخاع وهو فى الصلب
وشعب كثيرة نازلة الى الترائب وهما اقرب الى اوعية المنى فلذلك خصا بالذكر. (إِنَّهُ) الضمير راجع الى الخالق المفهوم من قوله خلق من ماء (عَلى رَجْعِهِ) اى إعادته بعد الموت كذا قال قتادة (لَقادِرٌ) ط لامكان الاعادة فمن خلق اولا فلا يجوز إنكاره بعد ما
اخبر به مخبر صادق شهد المعجزة على صدقة والجملة مستأنفة. (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) متعلق برجعه او بمضمر دل عليه رجعه اى يبعث الإنسان يوم
يظهر الخفايا من الأعمال والعقائد والنيات والضمائر يعنى يوم القيمة قال ابن عمر
يبدئ الله يوم القيامة كل سر فيكون زينا فى وجوه. (فَما لَهُ) اى للانسان المنكر للبعث والفاء جزاء لشرط مقدر تقديره
فاذا رجع فما له (مِنْ قُوَّةٍ) منعة فى نفسه يمتنع بها من العذاب (وَلا ناصِرٍ) ط يعينه ويدفع عنه العذاب. (وَالسَّماءِ) قسم اخر معطوف على القسم السابقة (ذاتِ الرَّجْعِ) اى المطر سمى لانه يرجع كل عام ويتكرر الكواكب فيها الى
موضع
من السماء الذي
يتحرك منها بعد يوم وليلة او بعد شهر او بعد سنة. (وَالْأَرْضِ ذاتِ
الصَّدْعِ) اى الشق بالنبات والعيون ونحو ذلك وجواب القسم. (إِنَّهُ) اى القران (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) فاصل بين الحق والباطل. (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) باللعب والباطل بل هو جد كله فمن حقه يرتفع قاريه وسامعه
من ان يلم بهزل او يتفكه بمزاح وان يخشع له القلب. (إِنَّهُمْ) اى اهل مكة (يَكِيدُونَ) النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم (كَيْداً) ويظهرون ما هم على خلافه او المعنى انهم يجيلون فى ابطال
امر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واطفاء نور الحق حيلة. (وَأَكِيدُ كَيْداً) ج كيد الله استدراجه إياهم من حيث لا يعلمون او المعنى
اجزيهم فى الاخرة جزاء كيدهم وجملة انهم يكيدون كيدا مستانفة كانه فى جواب سائل
فما شان منكرى البعث. (فَمَهِّلِ
الْكافِرِينَ) ولا تشتغل بالانتقام منهم او لا تستعجل باهلاكهم بالدعاء
عليهم وهذا منسوخ باية القتال على تقدير النهى عن الانتقام منهم (أَمْهِلْهُمْ) تأكيد لمهل والتأكيد مع تغير البناء لزيادة التسكين او
التحسين فى اللفظ (رُوَيْداً) ع اى اروادا اى امهالا يسيرا او رويدا تصغير اى الارواد
بحذف الزوائد ويسمى تصغير ترخيم مشتق من راودت الريح ترود رودا إذا تحركت حركة
ضعيفة ولا يستعمل بها الا مصغرة قال ابن عباس هذا وعيد من الله عزوجل قد أخذهم الله يوم بدر ـ والله
تعالى اعلم.
سورة الأعلى مكيّة وهى تسع عشرة اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى) اى نزه اسم ربك عن الحاد فيه وإطلاقه على غيره او المعنى
نزه تسمية ربك بان تذكره وأنت له معظم ولذكره محترم وان لا تسمية باسم من قبل نفسك
بل سمى به نفسه فى كتابه او على لسان نبيه وقيل أريد بالاسم الذات المسماة كما فى
قوله تعالى ما تعبدون من دونه الا اسماء سميتموها أنتم واباءكم اى مسميات وقيل لفظ
الاسم مقحم والمعنى سبح ربك الأعلى قولا ونزهه عما يصفه الملحدون وهذا امر
بالتسبيح قولا قال البغوي يعنى قل سبحان ربى الأعلى واليه ذهب جماعة من الصحابة
والتابعين واحتج عليه البغوي بما رواه بسند عن ابن عباس ان النبي صلعم قرأ سبح اسم
ربك الأعلى فقال سبحان ربى الأعلى وقال قوم امر بالتنزيه مطلقا قولا واعتقادا او
عملا ولا وجه للتخصيص بالقول والحديث المذكور لا يصلح حجة للتخصيص بالقول بل
التسبيح باللسان بمواطاة القلب أحد محتملاته وقول من غير مواطأ القلب لا يعتاد به
قال البغوي قال ابن عباس سبح اى صل بامر ربك الأعلى فهو امر بالصلوة ويحتمل ان
يكون امرا بالتسبيح باللسان فى الصلاة يدل عليه ما ذكرنا فى سورة الحاقة من حديث
عقبة بن عامر اجعلوها فى سجودكم وحديث حذيفة كان رسول الله صلعم يقول فى سجوده
سبحان ربى الأعلى وحديث ابن مسعود وقد ذكرنا (مسئلة :) تسبيحات الركوع والسجود
هناك فلا نعيدها وتوصيفه بالأعلى اشارة الى موجب التسبيح فان علو شانه عن ادراك
العقول وكما قال قهرمانه واقتداره بمنع عن تسميته بشئ الا بما وصف به نفسه ويوجب
تنزيهه عما وصف به الملحدون سبحانه ما أعظم شانه. (الَّذِي خَلَقَ) حذف المفعول للدلالة على العموم اى خلق كل شىء من الجواهر
والاعراض وافعال العباد ـ (فَسَوَّى) اى جعل كل شىء متناسب الاجزاء غير متفاوت او المعنى سوى ما
شاء تسويه بحيث لا يتطرق اليه تصور مما خلق لاجله من منفعة ومصلحة او المعنى سوى
مجموع الخلق على ما يقتضيه النظام الجملي ومن ثم قالوا ليس فى الإمكان أبدع مما قد
كان يعنى بحسب النظام. (وَالَّذِي
قَدَّرَ) قرأ الكسائي بتخفيف الدال يعنى هو قادر على كل ممكن
والباقون بالتشديد وقال البغوي هما بمعنى واحد اى قدر أجناس الأشياء وأنواعها واشخاصها
ومقاديرها وصفاتها وافعالها وأرزاقها واجالها على ما يشاء عن عبد الله بن عمر قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض
بخمسين ألف سنة قال وكان عرشه على الماء رواه مسلم وعن ابن عمر قال قال رسول الله
صلعم كل شىء بقدر حتى العجز والكيس رواه مسلم (فَهَدى) الى ما خلق لاجله من خير او شر قال مجاهد هدى الإنسان سبيل
الخير والشر والسعادة وهدى الحيوان لمراتعها وقال مقاتل والكلبي عرف الذكر كيف
يأتي ذكر الأنثى وقيل خلق المنافع فى الأشياء وهدى الإنسان بوجه استخراجها منها وقال
السدى قدر مدة الجنين فى الرحم ثم هدى للخروج من الرحم او المعنى فهدى من شاء
هدايته وأضل من شاء ضلالته والتقدير فهدى وأضل لكن حذف وأضل اكتفاء لقوله يضل من
يشاء ويهدى من يشاء. (وَالَّذِي أَخْرَجَ
الْمَرْعى) اى أنبت ما ترغاه الدواب. (فَجَعَلَهُ) بعد خضرته (غُثاءً) يابسا منفتتا (أَحْوى) ط اسود صفة لغثاء وقيل حال من مرعى اى أخرجه احوى من شدة
حضرته كان النبي إذا نزل عليه جبرئيل يفرغ من اخر الاية حتى يتكلم رسول الله صلعم
باولها مخافة ان ينساها فانزل الله. (سَنُقْرِئُكَ فَلا
تَنْسى) وفى اسناده جويبر ضعيف جدا وكذا قال مجاهد والكلبي وقال
فلم ينس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد ذلك شيئا يعنى سنجعلك قاريا بالهام القراءة كما أنزلنا
عليك بلسان جبرئيل وقيل لا تنس والالف مزيد الفاصلة عن ابى موسى الأشعري قال قال
رسول الله صلعم تعاهدوا القران فو الذي نفسى بيده وهو أشد تفصيا من الإبل فى عقلها
متفق عليه وفى الصحيحين عن ابن مسعود نحوه وعن ابن عمران رسول الله صلعم قال انما
مثل صاحب القران كمثل صاحب الإبل المعقلة ان عاهدها أمسكها وان أطلقها ذهبت متفق
عليه وعن سعد بن مسعد قال قال رسول الله صلعم ما من امرئ يقرأ القران ثم ينساه الا
لقى الله يوم القيامة أجذم رواه ابو داود والدارمي. (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) ط ان ينساه والاستثناء مفرغ فى محل النصب والمراد على
تاويل الجمهور كما هو الظاهر ما نسخ الله تلاوته وحكمه معا كما قال (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) والانساء نوع من النسخ وعلى هذا التأويل فى الاية المعجزة
بوجهين فان عدم النسيان مطلقا مع ان النسيان مجبول فى الإنسان معجزة وفى الاخبار
فيما يستقبل وقوعه كذلك معجزة اخرى واما على ما قيل ان لا ينسى تهى فمعنى
الاستثناء ان معاهدة القرآن بقدر الطاقة البشرية واجب
فان شاء الله
نسيانه مع معاهدته فهو معذور له (إِنَّهُ) اى الله (يَعْلَمُ الْجَهْرَ) من القول والفعل (وَما يَخْفى) ط منهما اى يعلم السر والعلانية ويعلم جهرك بالقراءة مع
جبرئيل وما دعاك اليه من مخافة النسيان. (وَنُيَسِّرُكَ
لِلْيُسْرى) اى لوفقك ونهون عليك عمل الجنة ومنه القراءة على حسب ما
انزل عليك وحفظه والعمل بمضمونه وفى الكلام قلب تقديره نيسر اليسرى لك وفيه مبالغة
فان اليسرى كان مطلوبا للنبى صلعم فجعل طالبا له صلعم قلت وهذا هو شان المحبوبية
الصرفة قال ابن عباس اليسرى عمل الخير وقيل معناه نوفقك للشريعة السمحة الحنيفية
والجملة معطوفة على سنقرءك وجملة انه يعلم الجهر وما يخفى معترضة مادحة فذكر الفاء
للسببية يعنى لما يسرنا لك القران والشريعة السمحة. (فَذَكِّرْ) به (إِنْ نَفَعَتِ
الذِّكْرى) ط شرط مستغن عن الجزاء بما سبق قيل انما جاءت الشرطية بعد
تكرير التذكير وحصول الياس عن البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله وما أنت
عليهم بجبار وقيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وذم لهم وقيل
التذكير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر انما يجب إذا ظن نفعه ولذلك امر
بالاعراض عمن تولى وقيل شرط الجملة محذوف والمراد انه ذكر ان نفعت الذكرى او لم
ينفع كما فى قوله سرابيل تقيكم الحر وأراد الحر والبرد جميعا ثم بعد ذلك من ينفعه
فقال. (سَيَذَّكَّرُ) اى يتعظ وينفع بها (مَنْ يَخْشى) الله تعالى فانه يتامل فيها ويعمل بمضمونها مخافة عذاب
الله تعالى. (وَيَتَجَنَّبُهَا) اى الذكر (الْأَشْقَى) اى الكافر فانه أشقى من الفاسق او الأشقى من الكفرة لتوغله
فى الكفر واللام حينئذ للعهد قيل هو الوليد بن المغيرة او عتبة بن ربيعة. (الَّذِي يَصْلَى) اى يدخل (النَّارَ الْكُبْرى) ج اى نار جهنم او ما فى الدرك الأسفل منها انه. (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها) فتستريح من العذاب (وَلا يَحْيى) ط حيوة طيبة عطف على يصلى بثم لان التأبيد فى العذاب أفزع
من التصلى فهو متراخ عنه فى مراتب الشدة وفى فى الوجود ايضا. (قَدْ أَفْلَحَ) اى فاز (مَنْ تَزَكَّى) اى تطهر باطنه عن الشرك وظاهره عن النجاسة للصلوة وما له
عن الخبث بالزكاة وقلبه من الاشتغال بذكر الله سبحانه ونفسه عن الرذائل وجوارحه عن
خبث المعاصي من الزكوة كتصدق من الصدقة وجملة قد أفلح مستانفة كانه فى جواب من نجا
منها. (وَذَكَرَ اسْمَ
رَبِّهِ فَصَلَّى) ط اخرج البزار عن جابر بن عبد الله عن النبي صلعم قال قد
أفلح من تزكى قال من شهد ان لا اله الا الله وخلع الانداد وشهد انى
رسول الله وذكر
اسم ربه فصلى قال هى الصلاة الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها قالت الحنفية كبر
لافتتاح الصلاة فصلى ومن ثم قالوا ان تكبيرة الافتتاح ليست ركنا من الصلاة بل هو
شرط عملا بمقتضى الفاء العاطفة الدالة على المغايرة والتعقيب لا يقال عطف العام
على الخاص جايز اجماعا مع كون العام مشتملا على الخاص فكذا عطف الكل على الجزء
لانا نقول جواز عطف العام على الخاص لنكتة بلاغية وهى منعدمة فى عطف الكل على
الجزء ولا نظير له فى الاستعمال فعلى هذا جوز وأبناء النافلة على الفريضة وعلى
النافلة وروى عن ابى اليسر جواز بناء الفريضة على النافلة ايضا وجمهور الحنفية على
منعه وكذا على منع بناء الفرض على الفرض قلت وكونه شرطا لا يقتضى جواز البناء الا
ترى ان النية شرط ولا يجوز الصلاتان بنية واحدة والوضوء شرط وكان فى صدر الإسلام
واجبا لكل صلوة غير ان بناء النفل على الفرض يجوز تبعا كمن صلى الظهر خمسا ناصيا
وقعد للاخيرة ضم إليها السادسة وسجد للسهو والركعتان نافلة وقال الشافعي وغيره
تكبيرة الإحرام ركن لانه يشترط له كسائر الأركان وهذا اية الركنية قالت الحنفية
مراعاة الشرائط لما يتصل بها من القيام لا لنفسها ولذا قالوا لو تحرم حامل النجاسة
او مكشوف العورة او قبل ظهور الزوال او متحرفا عن القبلة والقاها واستتر لعمل يسير
وظهر الزوال واستقبل مع اخر الجزء من التحريمة جاز وذكر فى الكافي انها عند بعض
أصحابنا ركن انتهى وهو ظاهر كلام الطحاوي فيجب على قول هؤلاء ان لا يصح هذا الفروع
والله تعالى اعلم قلت ويحتمل ان يكون المراد بذكر اسم ربه الاذان والاقامة يعنى
اذن واقام فصلى وحينئذ لا دليل على نفى ركنية تكبيرة الافتتاح وقيل تزكى اى تصدق
للفطر وذكر اسم اى كبر يوم العيد فصلى صلوته كذا قال عطاء وقال ابن مسعود رحم الله
امرأ تصدق ثم صلى ثم قرأ هذه الاية وقال نافع كان ابن عمر إذا صلى الغداة يعنى يوم
العيد قال يا نافع أخرجت الصدقة فان قلت نعم مضى الى المصلى وان قلت لا قال فالان
فاخرج فانما نزلت هذه الاية فى هذا قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى وهو قول ابو
العالية وابن سيرين وقال بعضهم لا أدرى ما وجه هذا التأويل فان هذه السورة مكية
ولم يكن بمكة عيد ولا زكوة ولا فطر قال البغوي يجوز ان يكون النزول سابقا عن الحكم
قال الله تعالى وأنت حل بهذا البلد فان السورة مكية وظهر اثر الحل يوم الفتح وكذا
نزل بمكة سيهزم الجمع ويولون الدبر قال عمر بن الخطاب لا أدرى اى جمع يهزم فلما
كان يوم بدر رايت النبي صلعم يثب فى الدرع ويقول سيهزم الجمع ويولون الدبر قلت
سيهزم الجمع
صيغة الاستقبال
فلا محذور فى نزوله سابقا واما هنا فقوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى صيغة لا يتصور
الحكاية عن شىء من قبل وجوده وقيل المراد بالصلوة هاهنا الدعاء فان من سنة الدعا
الثناء على الله اولا وآخرا عن فضالة قال بينما رسول الله صلعم قاعد إذ دخل رجل
وصلى فقال اللهم اغفر لى وارحمني قال رسول الله صلعم عجلت ايها المصلى إذا صليت
فقعدت فاحمد الله بما هو اهله وصل على ثم ادعه قال ثم صلى رجل اخر بعد ذلك فحمد
الله وصلى على النبي صلعم فقال رسول الله صلعم ايها المصلى ادع تجب رواه الترمذي
وروى ابو داود والنسائي نحوه عن عبد الله بن مسعود قال كنت أصلي والنبي صلعم وابو
بكر وعمر معه فلما جلست بدأت بالثناء على الله ثم الصلاة على النبي صلعم ثم دعوت
لنفسى فقال النبي صلعم سل تعط سل تعط رواه الترمذي قال الشيخ الاجل يعقوب الكرخي
رض ان فى الاية اشارة الى منازل السلوك الاول التوبة والتزكية بقوله قد أفلح من
تزكى والثاني المداومة بالذكر اللساني والقلبي والروحي والسرى بقوله وذكر اسم ربه
والثالث بالمشاهدات بقوله فصلى فان الصلاة معراج المؤمنين قال رسول الله صلعم جعلت
قرة عينى فى الصلاة رواه احمد والنسائي والحاكم والبيهقي قلت وايضا فى عطف الذكر
على التزكى بالواو وعطف الصلاة عليه بالفاء اشارة الى ما ذكر المجدد رض من الترتيب
فى اذكار الطريقة حيث عين للمبتدى الذكر باسم الذات او النفي والإثبات فى أثناء
تزكية النفس وقال ان الصلاة لا تقيد فائدة تامة الا بعد تزكية النفس وفى التجليات
الذاتية والترقي هناك بالصلوة والله تعالى اعلم. (بَلْ تُؤْثِرُونَ) قرأ ابو عمرو بالياء على الغيبة والضمير عائد الى الأشقياء
والباقون بالتاء على الخطاب لهم على سبيل الالتفات او على إضمار قل جملة بل توثرون
على محذوف اى وهم يعنى الأشقياء لا يزكون وأنتم ايها الأشقياء لا تزكون ولا تذكرون
اسم ربكم ولا يصلون بل توترون (الْحَياةَ الدُّنْيا) على الحيوة الاخرى. (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ) فان نعمها فلذات بالذات خال عن الغوائل وأجل نعمها الروبة
والوصال ورضوان الله ذى الجلال (وَأَبْقى) اى الانقطاع لها بخلاف الدنيا وهذه الجملة حال من فاعل
توثرون. (إِنَّ هذا) يعنى ما ذكر من قوله تعالى قد أفلح من تزكى الى اخر اربع
آيات (لَفِي الصُّحُفِ
الْأُولى) اى الكتب السماوية على الأنبياء والماضين فانه جامع امور
الديانة وخلاصة الكتب كلها. (صُحُفِ إِبْراهِيمَ
وَمُوسى) ع بدل بعض تخصيص بعد التعميم امال حمزة والكسائي اواخر
السورة وورش بين بين.
وامال ابو عمرو
الذكرى واليسرى وما عداها بين بين والباقون بالفتح اخرج البزار عن ابن عباس قال
لما نزلت ان هذا لفى الصحف الاولى قال النبي صلعم كان هذا وكل هذا فى صحف ابراهيم
وموسى وقيل هذا فى ان هذا اشارة الى ما فى السورة كلها واستدل بعض الحنفية بهذه
الاية على جواز قراءة القران فى الصلاة بالفارسية لان الله سبحانه امر بقراءة ما
تيسر من القران ثم قال ان هذا لفى الصحف الاولى وقال انه لفى زبر الأولين ولم يكن
فى الصحف الاولى بهذا النظم بل بالمعنى قلت هذا ليس بشى فان القرآن اسم للنظم
والمعنى جميعا لقوله تعالى قرانا عربيا غير ذى عوج وقوله تعالى فاتوا بسورة من
مثله يغنى فى النظم فانه هو المعجز فى كل سورة غالبا ولذا جاز مس المحدث والجنب
وقراءة الجنب والحائض ترجمة القران بالفارسية والاشارة الى المعنى فى هذه الاية
وكذا إرجاع الضمير الى القران من حيث المعنى مجاز الا يستلزم كون القران اسما
للمعنى فقط والله تعالى اعلم عن على قال كان رسول الله صلعم يحب هذه السورة سبح
اسم ربك الأعلى رواه احمد وعن عائشة قالت كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقرأ فى الركعتين يوتر بعدهما سبح اسم ربك الأعلى وقل
يايها الكافرون وفى الوتر بقل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس
رواه ابو داود والترمذي وابن ماجة وفى حديث ابى بن كعب عند ابى داود والترمذي
وحديث ابن عباس عند ابى داود والنسائي واحمد وابن ماجة وقال وإذا صلى الوتر ثلثا
يقرأ فى الاولى سبح اسم ربك الأعلى وفى الثانية قل يايها الكافرون وفى الثالث قل
هو الله أحد وعن النعمان بن بشير قال كان النبي صلعم يقرأ فى العيدين والجمعة سبح
اسم ربك الأعلى وهل اتيك حديث الغاشية رواه مسلم وروى ابو داود والنسائي وابن حبان
من حديث سمرة انه صلعم كان يقرأ فى صلوة الجمعة سبح اسم ربك الأعلى وهل اتيك حديث
الغاشية ـ (فائده) فى هذه السورة تأثير عظيم فى العروج كما
ان فى سورة الم نشرح تأثير قوى فى النزول كذا قال المجدد رض ـ والله
تعالى اعلم.
سورة الغاشية مكيّة وهى ست وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتاكَ) استفهام تقرير اى قد اتيك (حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) اى الساعة التي تغشى كل شىء بالشدائد والأهوال وقيل المراد
بالغاشية النار قال الله تعالى وتغشى وجوههم النار لكن تعقيبها بذكر الكفار
والمؤمنين بقوله وجوه يومئذ يدل على صحة التأويل الاول. (وُجُوهٌ) تنوينه للتكثير او عوض عن المضاف اليه اى وجوه كثيرة او
وجوه الكفار فصح جعلها مبتداء لانه مخصصة او فى قوة المعرفة والمراد بها اصحاب
وجوه حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه وأعرب باعرابه واجرى عليه من الاخبار ما
كانت جارية على المضاف (يَوْمَئِذٍ) متعلق بغاشية اى يوم إذا كانت الغاشية وجوه (خاشِعَةٌ) ذليلة من الحزن والهوان. (عامِلَةٌ ناصِبَةٌ) يعنى فى النار والنصب التعب قال الحسن لم تعمل لله فى
الدنيا فاعملها وأنصبها فى النار بمعالجة السلاسل والاغلال وبه قال قتادة وهو
رواية العوفى عن ابن عباس قال ابن مسعود يخوض فى النار كما يخوض الإبل فى الوحل
وقال الكلبي يجرون على وجوههم فى النار وقال الضحاك يرتقى جبلا من حديد فى النار
وقيل معناه الذين عملوا ونصبوا فى الدنيا على غير دين حق من عبده الأوثان وكفار
اهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم لا يقبل الله منهم اجتهادا فى ضلالته يدخلون النار
يوم القيمة وهو قول سعيد بن جبير وزيد بن اسلم رواه عطاء عن ابن عباس وقال عكرمة
والسدى عاملة فى الدنيا بالمعاصي ناصبة فى الاخرة فى النار. (تَصْلى) قرأ ابو عمرو ابو بكر تصلى بضم التاء والباقون بفتح التاء (ناراً حامِيَةً) قال ابن عباس قد حميت فهى تتلظى على اعداء الله. (تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ) ط اخرج ابن ابى حاتم عن السدى انه قال يعنى ما انتهى حرها
فلا يكون فوقه حروا خرج البيهقي عن الحسن انه قال كانت العرب يقول للشئ إذا انتهى
حره حتى لا يكون شيئا أحر منه قد انى حره فقال الله سبحانه من عين آنية يقال قد
أوقدت عليها فى جهنم منذ خلقت يانى حرها قال المفسرون
وردوا الى جهنم
ورودا عطاشا فسقوا من عين آنية لو وقعت منها قطرة على الجبال الدنيا لذابت. (لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ
ضَرِيعٍ) اخرج عبد الله بن احمد من طريق نهشل عن الضحاك عن ابن عباس
قال قال رسول الله صلعم الضريع شىء يكون فى النار شبه الشوك امر من الصبر وأنتن من
الجيفة وأشد حرا من النار إذا اطعم صاحبه لا يدخل البطن ولا يرتفع الى الفم فسقى
بين ذلك لا يسمن ولا يغنى من جوع واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن جبير قال هو
الزقوم واخرج الترمذي والبيهقي عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يلقى على اهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب
وقد مر فيما قبل وقال مجاهد وعكرمة وقتادة نبت ذو شوكة لا لحى بالأرض تسميه قريش
الشبرق فاذا هاج العود تسميه الضريع هو أخبث طعام قال الكلبي لا يقربه دابة إذا
يبس وقال ابن ابى زيدا ما فى الدنيا فان الضريع الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو
فى الاخرة شوك من نار قال المفسرون لما نزلت هذه الاية قال المشركون ان إبلنا يسمن
من الضريع وكذا فى ذلك فان الإبل انما يرعاه ما دام رطبا وسيما شدقا فاذا يبس لا
يأكله شىء فانزل الله تعالى. (لا يُسْمِنُ وَلا
يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) صفة ضريع والمقصود من الطعام أحد الامرين والمراد ايضا فى
ليس لهم طعام الا من ضريع او شبه لا يسمن او يغنى من جوع كما فى قوله تعالى وما
محمد الا رسول يعنى ليس كاهنا او شاعرا ونحو ذلك مما ينافى الرسالة والمراد هاهنا
بعض من الكفار لا يكون طعامهم الا من ضريع ويكون الضريع والزقوم طعام غيرهم من
الكفار. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ) كثيرة او وجوه المؤمنين يعنى أصحابها مبتداء وما بعد اخبار
(ناعِمَةٌ) منتعمة ذات بهجة. (لِسَعْيِها) فى الدنيا فى طاعة الله متعلق بقوله (راضِيَةٌ) فى الاخرة لما رأت ثوابها. (فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ) المحل والقدر. (لا تَسْمَعُ) قرأ ابن كثير وابو عمرو بالياء المضمومة على البناء
للمفعول الواحد المذكر (فِيها لاغِيَةً) ط بالرفع على انه مسند اليه والتأنيث غير حقيقى وقرأ نافع
ذلك الا انه قرأ لا تسمع بالتاء التأنيث المسند اليه والباقون بالتاء المفتوحة على
البناء للفاعل والضمير للمؤنث راجع الى وجوه او للخطاب مع النبي صلعم والمخاطب غير
معين وقرأ لاغية بالنصب على المفعولية يعنى لا تسمع لغوا او باطلا او كلمة ذات لغو
المراد نفسا تلغوا فان كلام اهل الجنة للذكر والحكمة اخرج البيهقي فى هذه الاية
قال لا تسمع صفة لجنة بعد صفة وكذا الجملة بعدها. (فِيها عَيْنٌ
جارِيَةٌ)
لا يقطع جريانها
والتنكير للتعظيم اخرج ابن حبان والحاكم والبيهقي والطبراني عن ابى هريرة قال قال
رسول الله صلعم انهار الجنة تفجر من جبل مسك.
(فِيها سُرُرٌ
مَرْفُوعَةٌ) رفيعة السمك والقدر اخرج البيهقي من طريق ابى طلحة عن ابن
عباس فى قوله تعالى سرر مصفوفة واخرج احمد والترمذي وحسنه وابن ماجة عن ابى سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلعم فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال ما بين الفراشين كما
بين السماء والأرض ولفظ الترمذي ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة قال
الترمذي قال بعض اهل العلم فى تفسيره معناه ان الفرش فى الدرجات كما بين السماء
والأرض اخرج ابن ابى الدنيا عن ابى امامة فى قوله تعالى وفرش مرفوعة قال لو ان
أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا واخرج الطبراني عنه مرفوعا لو طرح منها
فراش من أعلاها لهوى الى قرارها مائة خريف قال البغوي قال ابن عباس الواح السرر من
ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجئ أهلها فاذا أراد ان يجلس
عليها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم يرتفع الى مواضعها. (وَأَكْوابٌ) جمع كوب اخرج هناد عن مجاهد قال التي ليست لها اذن يعنى لا
عروة له (مَوْضُوعَةٌ) على حافة العيون معدة للشرب. (وَنَمارِقُ) جمع نمرقة بالفتح والضم (مَصْفُوفَةٌ) بعضها الى جنب بعضها أينما أراد ان يجلس جلس واستند. (وَزَرابِيُ) بسط عريضه فاخرة جمع زربية (مَبْثُوثَةٌ) ط مبسوطة او متفرقة فى المجالس اخرج ابن جرير وابن ابى
حاتم عن قتادة قال لما نعت الله ما فى الجنة عجب من ذلك اهل الضلالة فكذبوه فأنزل
الله تعالى. (أَفَلا يَنْظُرُونَ) قال صاحب المدارك لما انزل الله فيها سرر مرفوعة إلخ وفسره
النبي صلعم بان ارتفاع السرائر كذا والأكواب الموضوعة لا تدخل فى حساب الخلق
لكثرتها وطول النمارق كذا وعرض الزرابي كذا أنكر الكفار وقالوا كيف يصعد على تلك
السرر وكيف يكثر الأكواب هذه الكثرة وطول النمارق هذا الطول وبسط الزرابي هذا
الانبساط ولم تشاهد ذلك فى الدنيا قال الله تعالى أفلا ينظرون نظر اعتبار
الاستفهام للتوبيخ والفاء للعطف والمعطوف عليه محذوف تقديره أتعجبون ويغفلون أفلا
ينظرون. (إِلَى الْإِبِلِ
كَيْفَ خُلِقَتْ) وقفه طويلة ثم يبرك لركوب ثم تقوم فكذا سرر يطأطأ للمومنين
كما يطأطأ الإبل. (وَإِلَى السَّماءِ
كَيْفَ رُفِعَتْ) رفعا بعيدا ونجومها تكثر هذه الكثيرة فلا يدخل فى حساب
الخلق فكذا الأكواب. (وَإِلَى الْجِبالِ
كَيْفَ
نُصِبَتْ) وقفه راسخة لا تميل مع طولها فكذا النمارق. (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) سطحا مستويا بساطا واحدا فكذا الزرابي ويجوز ان يكون
المعنى أفلا ينظرون الى أنواع المخلوقات من البسائط والمركبات الشاهد على كمال
قدرة الخالق فيستدلوا به على اقتداره على البعث فيسمعوا الى اخبار مخبر الصادق
الصدوق بشهادة المعجزات وليؤمنوا به ويستعدوا للغاية وتخصيص الإبل من المركبات
والثلاثة من البسائط لان الخطاب للعرب والمراد انما يستدل به بما يكثر مشاهدته
والعرب تكون فى البوادي ونظرهم فيها الى السماء والأرض والجبال والإبل وكان الإبل
أعز أموالهم وهم لها اكثر استعمالا منهم لسائر الحيوانات وهى تجمع جميع المآرب
المطلوبة من الحيوان من النسل والدر والحمل والركب والأكل بخلاف غيرها فقال أفلا
ينظرون الى الإبل كيف خلقت خلقا والأعلى كمال قدرته وحسن تدبيره حيث جعلها مع
عظمها باركة للحمل ناهضة بالحمل منقادة لمن اقتادها طويلة الأعناق ليناول الأوراق
من الأشجار ولترعى كل نابت ويحتمل العطش الى عشرة فصاعدا ليتاتى بها قطع البوادي
وقيل المراد بالإبل السحاب قال فى القاموس الإبل بكسرتين ويسكن بالمعروف السحاب
الذي يحمل ماء المطر والله تعالى اعلم عن ابن عباس قال هل يقدر أحد ان يخلق مثل
الإبل وليرفع مثل السماء وينصب مثل الجبال ويسطح مثل الأرض غبرى. (فَذَكِّرْ) لهم بالادلة ليتفكروا فيها ولتهتم (إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ) تعليل التذكير اى ليس عليك ان لم ينظروا ولم يذكروا انما
أنت عليك البلاغ. (لَسْتَ عَلَيْهِمْ
بِمُصَيْطِرٍ) تأكيد لمضمون انما أنت مذكر قرأ هشام بمسيطر بالسين وحمزة
بخلاف عنه فلاوين الصادة والباقون بالصاد خالصة اى لست بمسلط عليهم قايم وحافظ
عليهم كما فى قوله تعالى لست عليهم بجبار. (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى) عن الايمان وكفر بالله استثناء منقطع بمعنى لكن والخبر
محذوف يعنى لكن من تولى منهم (وَكَفَرَ) فالله مسلط قاهر عليه. (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ
الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) ط بالنار فى الاخرة وقيل استثناء متصل كانه أوعد بالجهاد
فى الدنيا وعذاب النار فى الاخرة وقيل استثناء متصل من الضمير المنصوب المحذوف فى
قوله تعالى فذكر يعنى فذكرهم الا من تولى منهم وكفر واخر طلبه بحيث انقطع طمعك فى
إيمانه وما بينهما اعراض. (إِنَّ إِلَيْنا
إِيابَهُمْ) رجوعهم وتقديم الظرف لتشديد الوعيد يعنى ليس إيابهم الا
الى جبار قهار مقتدر على الانتقام. (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا
حِسابَهُمْ) ع فتحاسبهم ويجازيهم على حسب غلوهم فى الكفر وعلى فى الأصل
للوجوب واستعير هاهنا لتأكيد الوعيد إذ لا يجب على الله شىء فان الوجوب ينافى
الالوهية ـ والله تعالى اعلم.
سورة الفجر مكيّة وهى ثلثون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْفَجْرِ) اقسم الله تعالى بالفجر اى انفجار صبح كل يوم كذا روى ابو
صالح عن ابن عباس وهو قول عكرمة وقال عطية هو صلوة الفجر وقال قتادة هو أول فجر
المحرم ينفجر منه السنة وقال الضحاك فجر أول يوم من ذى الحجة لانه قرن به الليالى
العشرة. (وَلَيالٍ عَشْرٍ) تنكير للتعظيم روى عن ابن عباس انها العشر الاول من ذى
الحجة وهو قول قتادة ومجاهد والضحاك والسدى والكلبي عن ابى هريرة قال قال رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ما من ايام أحب الى الله ان يتعبد فيها من عشر ذى الحجة
يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر رواه
الترمذي وابن ماجة بسند ضعيف وقال ابو روق عن الضحاك هى العشر الاول من شهر رمضان
وروى ابو ظبيان هى العشر الاخر من شهر رمضان وقد ذكرنا فضايل رمضان فى سورة البقرة
وايضا فى العشر الأخير ليلة القدر وسنذكرها فى سورة ليلة القدر إنشاء الله تعالى
وقال ايمان بن رباب هى العشر الاول من المحرم التي عاشرها يوم عاشوراء عن ابى
هريرة قال قال رسول الله صلعم أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة
بعد الفريضة صلوة الليل رواه مسلم. (وَالشَّفْعِ
وَالْوَتْرِ) قرأ حمزة والكسائي بكسر الواو والباقون بالفتح قيل الشفع
الخلق قال الله تعالى وخلقناكم أزواجا والوتر الخالق الواحد روى ذلك عن ابى سعيد
الخدري وهو قول عطية والعوفى وقال مجاهد ومسروق نحوه فقال الخلق كله شفع يعنى
يقابل بعضها بعضا قال الله تعالى ومن كل شىء خلقنا زوجين الكفر والايمان والهدى
والضلال والسعادة والشقاوة والليل والنهار والسماء والأرض والبر والبحر والشمس
والقمر والجن والانس والذكر والأنثى والوتر هو الله أحد سئل أبو بكر عن الشفع
والوتر قال الشفع تضاد أوصاف المخلوقين الحيوة والموت والعز والذل والعجز والقدرة
والقوة والضعف والعلم والجهل والبصر والعمى والسمع وإليكم والكلام والسكوت والغنى
والفقر والوتر انفراد صفات الله تعالى حيوة بلا موت وعز بلا ذل وقدرة بلا عجز
وقوة بلا ضعف وعلم
بلا جهل وكلام بلا سكوت وغنا بلا فقر وقال الحسن وابن زيد الشفع والوتر الخلق كله
شفع ومنه وتر وروى قتادة عن الحسن قال هو العدد منه شفع ومنه وتر قال هى الصلاة
منها شفع ومنها وتر روى ملك عن ابن حصين مرفوعا رواه احمد والترمذي وعن عبد الله
بن زبير الشفع النفر الاول من الحج والوتر النفر الثاني قال الله تعالى فمن تعجل
فى يومين فلا اثم عليه وقال مقاتل بن حيان الشفع الأيام والليالى والوتر يوم
القيمة لا ليلة لها وقال الحسن الشفع درجات الجنة الثمان والوتر درجات النار لانها
سبع كانه اقسم بالجنة والنار. (وَاللَّيْلِ إِذا
يَسْرِ) إذا سار وذهب كما قال والليل إذا أدبر وقال قتادة إذا جاء
واقبل وانما قيد بذلك لما فى التعاقب من قوة الدالة على كمال القدرة ووفور النعمة
المراد يسرى فيه من قولهم صلى المقام بمعنى صلى فيه وأراد بالليل كل ليلة وقال
مجاهد وعكرمة هى ليلة مزدلفة قرأ ابن كثير يسرى بإثبات الياء وصلا ووقفا لانها لام
الفعل فلا يحذف منه وقرأ نافع وابو عمرو بالياء وصلا وبالحذف وقفا والباقون بالحذف
فى الحالين لوفاق روس الاى سئل الأخفش عن العلة فى سقوط الياء فقال الليل ما يسرى
ولكن يسرى فيه فهو مصروف فلما صرف بحسبه صفة من الاعراب كقوله وما كانت أمك بغيا
ولم يقل بغية لانه صرف عنه باغية. (هَلْ فِي ذلِكَ) اى فيما ذكرت (قَسَمٌ) التنكير للتعظيم مقنع ويكتفى فى القسم والاستفهام للتقرير
والجملة الاستفهامية معترضة لتفخيم شأن المقسم به فانه من عجائب قدرة الله تعالى وبدايع
حكمته (لِذِي حِجْرٍ) ص اى لذى عقل سمى العقل بذلك لانه يحجر صاحبه عن القبائح
وجواب القسم ان ربك لبالمرصاد وما بينهما اعتراض جيئ لتاكيد الجواب او الجواب
محذوف وهو لا هلكن هؤلاء الكفار ان لم يومنوا كما أهلكنا عاد او ثمود يدل عليه ما
بعده. (أَلَمْ تَرَ) استفهام لانكار النفي فهو للتقرير للاثبات وللتعجب والروية
هنا لمعنى اليقين والجملة الاستفهامية بعده فى محل النصب بالمفعولية (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) كانوا أطول أعمارا وأشد قوى من هؤلاء الكفار يعنى اهلكهم
وسلط عليهم ريحا دمرهم فكيف هؤلاء. (إِرَمَ) بدل او عطف بيان ومنع الصرف للعلمية والعجمية والتأنيث
وانها اسم قبيلة من عاد كان فيهم الملك وكانوا يموت وكان فى الأصل اسما لابى قبيلة
وهو ارم بن عاد بن سام بن نوح عليهالسلام وقال محمد بن اسحق هو جدعاء وهو عاد بن ارم بن سام بن نوح عليهالسلام وعلى هذا التقرير عاد سبط ارم وقال الكلبي ارم هو الذي
يجتمع اليه نسب عاد
وثمود واهل السواد
واهل الجزيرة كان يقال عاد ارم وثمود ارم فاهلك الله عادا ثم ثمود وبقي اهل السواد
والجزيرة فعلى هذا الأقوال ارم اسم امة قال مجاهد ثم وصف تلك الامه بقوله (ذاتِ الْعِمادِ) ص اى ذات العدد والطوال كذا قال ابن عباس يعنى كان طولهم
مثل عماد قال مقاتل كان طولهم اثنى عشر ذراعا يعنى من ذراع النبي عليهالسلام وقيل اكثر من ذلك وقيل سمى تلك الامة بذلك لانهم كانوا اهل
اعمدة وخيام وماشية سيارة فى الربيع فاذا أباح العود رجعوا الى منازلهم وكان اهل
جنان وزروع ومنازلهم بوادي القرى وقيل سموا ذات عماد لبناء بعضهم فشدا عمدة ورفع
بنائه يقال بناء شداد بن عاد على صفة لم يخلق فى الدنيا مثله وسار اليه فى قومه
فلما كان منه على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من معه صيحة من السماء
فاهلكتهم جميعا وقال سعيد بن المسيب ارم ذات العماد بلدة يقال لها دمشق وقال
القرطبي هى الاسكندرية فتقدير الكلام عاد اهل ارم ذات العماد اى ذات البناء الرفيع
وأساطين. (الَّتِي) صفة اخرى لارم سواء كانت بلدة او قبيلة (لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها) اى مثل ذلك الامة فى القامة والقوة او مثل تلك البلدة فى
رفعة البناء والاستحكام والحسن إليها (فِي الْبِلادِ
وَثَمُودَ) عطف على عاد (الَّذِينَ جابُوا) اى قطعوا (الصَّخْرَ) واحدتها صخرة وهى الحجر كانوا ينحتون بيوتا (بِالْوادِ) ص اى بواد القرى اثبت ياء الوادي فى الحالين البذي وكذا
روى عن قنبل وفى الوصل فقط ورش وقنبل وحذف الباقون فى الحالين لموافقة روس الاى. (وَفِرْعَوْنَ) عطف على ثمود (ذِي الْأَوْتادِ) ص قال ابن عباس ومحمد بن كعب القرطبي اى ذى البناء المحكم
وقيل المراد باوتاد الملك الشديد الثابت يقول العرب هم فى العز ثابت الأوتاد
ويريدون الدائم الشديد وقال عطية ذى الجنود والجوع الكثيرة وسميت الجنود الأوتاد
لكثرة المضار التي كانوا يضربونها ويرتدونها فى أسفارهم وهى رواية عطية عن ابن
عباس وقال مقاتل والكلبي الأوتاد جمع الوتد وكانت له أوتاد يعذب الناس عليها فكان
إذا غضب على أحد مده مستلقيا بين اربعة أوتاد وشد كل يدو كل رجل الى سارية وتركه
كذلك فى الهواء بين السماء والأرض حتى يموت وقال مجاهد ومقاتل بن حيان كان يمد
الرجل مستلقيا على الأرض ثم يمديديه ورجليه على الأرض بالأوتاد وقال السدى كان يمد
الرجل ويشده بالأوتاد ويرسل عليه العقارب والحيات وقال قتادة وعطاء كانت له أوتاد
وأرسان وملاعب
يلعب عليها بين يدى روى البغوي بسنده عن ابن عباس ان فرعون سمى بذي الأوتاد لانه
كانت له امرأة وهى امرأة خازنه حزقيل وكان مؤمنا وكتم إيمانه مائة سنة وكانت
امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هى ذات يوم يمشط رأس بنت فرعون إذ سقط للشطه من
يدها فقالت تعس من كفر بالله فقالت بنت فرعون وهل لك من اله غير ابى فقالت الهى
واله أبيك واله السموات والأرض واحد لا شريك له فقامت ودخلت على أبيها وهى تبكى
فقال ما يبكيك فقالت الماشطة امرأة خازنك تزعم ان إلهك والهها واله السموات والأرض
واحد لا شريك له فارسل إليها فسألها عن ذلك فقالت يوعدينى سبعين شهرا ما كفرت
بالله وكانت لها ابنتان فجاء ابنتها الكبرى فذبحها على فيها وقال لها اكفر بالله
والا ذبحت الصغرى على فيك وكانت رضيعا فقالت لو ذبحت من على الأرض على فى ما كفرت
بالله عزوجل فاتى فلما أضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة
فاطلق الله لسان ابنتها فتكلمت وهى من الاربعة الذين تكلموا أطفالا فقالت يا أماه
لا تجزعى فان الله قد بنى لك بيتا فى الجنة أميري فانك تفضين الى رحمة الله
وكرامته فذبحت فلم تلبث ان ماتت فاسكنها الله الجنة قال وبعث فى طلب زوجها حزقيل
فلما تقدروا عليه فقيل لفرعون انه قد راى فى موضع كذا فى جبل كذا فبعث رجلين فى
طلبه فلما انتهيا اليه وهو يصلى وثلثة صفوف من الوحوش خلفه يصلون فلما رأى ذلك
انصرفا فقال حزقيل اللهم كتمت إيماني مأية سنة ولم يظهر على أحد فايما هذين
الرجلين اظهر علىّ فعجل عقوبته فى الدنيا واجعل مصيره فى الاخرة الى النار فانصرف
رجلان الى فرعون فاما أحدهما فاعتبروا من واما الاخر فاخبر فرعون بالقصة على رؤس
الملأ فقال وهل كان معك غيرك قال نعم فلان فدعا به فقال أحق ما يقول هذا قال لا ما
رايت مما قال شيئا فاعطاه فرعون وأجزل واما الاخر فقتله ثم صلبه وكان فرعون قد
تزوج امرأة من أجمل نساء بنى إسرائيل يقال لها آسية بنت مزاهم فرأت ما صنع فرعون
بالماشطة فقالت كيف يسعنى ان اصبر على ما يأتي فرعون وانا مسلمة وهو كافر فبينما
هى كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريبا منها فقالت يا فرعون أنت اشر
الخلق وأخبثه عمدت الى الماشطة فقتلتها فقال فلعل بك الجنون الذي كان بها قالت ما
بي جنون وان الهى والهها وإلهك واله السموات والأرض واحد لا شريك له فمزق عليها
ثيابها وضربها وأرسل الى أبويها فدعاهما فقال لهما الا تريان ان الجنون الذي كان
بالماشطة أصابها قالت أعوذ بالله
من ذلك انى اشهد
ان ربى وربك رب السموات والأرض واحد لا شريك له فقال أبوها يا آسية الست من خير
نساء عماليق وزوجك اله العماليق قالت أعوذ بالله من ذلك ان كان ما تقول حقا فقولا
له ان يتوجنى تاجا تكون الشمس امامه والقمر خلفه والكواكب حوله فقال لهما فرعون
اخرجا عنى فمدها بين اربعة أوتاد يعذبها ففتح الله لها بابا الى الجنة ليهون عليها
ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة ونجنى من فرعون
وعمله فقبض الله روحها وأسكنها فى الجنة انتهى وامرأة فرعون هذا هى التي منعت
فرعون عن قتل موسى عليهالسلام حين التقطه آل فرعون من اليم وقد ألقيها أمها بإذن ربها
حين خافت القتل على موسى وذكر القصة فى سورة القصص وقالت امرأة فرعون قرة عين لى
ولك عسى ان ينفعنا وقد نفعها الله به حيث امنت. (الَّذِينَ) مجرور صفة للمذكورين او منصوب على الذم او مرفوع خبر
مبتداء محذوف اى هم الذين (طَغَوْا) اى جاوزوا فى الحد والعصيان (فِي الْبِلادِ) متعلق بطغوا ـ . (فَأَكْثَرُوا) عطف على طغوا (فِيهَا) اى فى البلاد (الْفَسادَ) بالكفر والظلم. (فَصَبَ) عطف على طغوا والفاء للسببية (عَلَيْهِمْ رَبُّكَ
سَوْطَ عَذابٍ) اى عذابا مختلطا بعضها ببعض فهى اضافة صفة الى موصوفها
كاخلاق ثياب واصل السوط الخلط ومنه يقال السوط للحد لكونه مخلوط الطاقات بعضها
ببعض وشبه بالسوط ما حل بهم فى الدنيا من العذاب اشعارا بانه بالقياس الى ما أعد
لهم فى الاخرة من العذاب كالسوط إذا قبس بالسيف وقال قتادة يعنى سوطا من العذاب
صبه عليهم وقال اهل المعاني هذا على الاستعارة لان السوط عندهم غاية العذاب
فالمعنى انه دفع العذاب بهم على ابلغ الوجوه دفعة واحدة كما يشير به الصب. (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) ط جواب للقسم او مقرر بجواب محذوف والمرصاد المكان الذي
يترقب فيه الرصد وكونه بالمرصاد كناية من انه تعالى يريد من العباد الطاعة والسمع
لاجل الاخرة فيترصد أعمالهم ويحيط علمه بها بحيث لا يفوته شىء منها كما لا يفوت
ممن يرصد فى المرصاد من يمر بها يجازيهم عليها والإنسان غافل عن ذلك لابيهم الا
لدنيا ولذاتها ولذلك عطف عليه قوله. (فَأَمَّا الْإِنْسانُ
إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ) اى امتحنه بالغنى واليسرى حتى يظهر انه يشكر المنعم او
يكفر والظرف متعلق بيقول (فَأَكْرَمَهُ) فى الدنيا بالجاه (وَنَعَّمَهُ) بالأموال والأزواج
والأولاد وغير ذلك
بيان للابتلاء (فَيَقُولُ) اخبر للانسان والفاء بمعنى الشرط فى افادته معلولية القول (رَبِّي) قرأ الكوفيون وابن عامر بسكون الياء والباقون بالفتح وكذا
فى ربى أهانن (أَكْرَمَنِ) ط اى فضلنى بما أعطني اثبت الياء فى أكرمني وأهانني يعقوب
والبزي وصلا ووقفا ونافع فى الوصل فقط وجر فيها ابو عمرو قياس قوله فى رؤس الآي
يوجب حذفها فى الحالين قال ابو عمر الدالاني بذلك قرأت وبه أخذوا والباقون حذفها
فى الحالين. (وَأَمَّا إِذا مَا
ابْتَلاهُ) اى امتحنه بالفقر حتى يظهر انه يصبر ويرجع الى الله تعالى
او يحزع ويكفر من غير رجوع اليه تعالى (فَقَدَرَ عَلَيْهِ
رِزْقَهُ) قرأ ابن عامر وابو جعفر قدر بالتشديد والباقون بالتخفيف
فقيل اولى بمعنى قتر والثاني بمعنى أعطاه ما يكفيه وقيل معناهما واحد اى ضيق ولم
يقل هاهنا اهانه وقدر عليه رزقه كما قال هناك فاكرمه ونعمه لان توسعته المال فى
الدنيا تفضل يوجب الشكر وقد يكون موجبا للاكرام فى الاخرة ايضا عن ابن عباس قال
قال رسول الله صلعم لا حسد الأعلى اثنين رجل أتاه الله القران فهو يقوم به اناء
الليل واناء النهار ورجل أتاه مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار متفق
عليه واما التقتير فلا يكون اهانة فقط (فَيَقُولُ) الإنسان (رَبِّي أَهانَنِ) ويقول ذلك لقصور نظره على الدنيا وانهماكه فيها قال الكلبي
ومقاتل نزلت فى امية ابن خلف الجمحي الكافر والله تعالى اعلم. (كَلَّا) اى ليس الأمر كما يقول فان الغنى والنعماء الدنيوية قد
يكون استدراجا من الله إذا لم يقترن بالشكر بل مع الشكر ايضا لا تقبل عند الله
للغنى الشاكر على الفقير الصابر عند مصعب بن سعد قال راى سعد ان له فضلا على من
دونه فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل تنصرون وترزقون الا بضعفائكم رواه البخاري وعن عبد الله
بن عمر قال قال رسول الله صلعم ان فقراء المهاجرين اسبقون الأغنياء يوم القيمة الى
الجنة بأربعين خريفا رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم يدخل الفقراء
الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ونصف يوم رواه الترمذي والفقر والضعف إذا اقترن
بالصبر والرضا يكون نعمة لا اهانة عن قتادة بن النعمان ان رسول الله صلعم قال إذا
أحب الله عبدا حماه الدنيا كما بطل أحدكم تحمى سقيمه الماء رواه احمد والترمذي وفى
الباب أحاديث كثيرة (بَلْ لا تُكْرِمُونَ
الْيَتِيمَ) بالنفقة ولا تحبون اليه مع ان الله تعالى
أكرمكم بالغنى
وقيل لا تعطونه حقه عطف على يقولون يعنى بل قولهم دال على انهماكهم فى الدنيا حيث
لا يكرمون اليتيم قال مقاتل كان قدامة بن مظعون يتيما فى حجر امية بن خلف فكان
يدفعه عنه حقه قرأ ابو عمرو لا يكرمون ولا يحضون ويأكلون ويحبون بالياء على الغيبة
والضمير راجع الى الإنسان نظرا الى معناه الجمعى من حيث كونه جنسا وما سبق من
الضمائر المفردة راجع اليه نظرا الى لفظه والباقون الافعال الاربعة بالتاء الخطاب
إليهم على سبيل الالتفات. (وَلا تَحَاضُّونَ) قرأ الكوفيون بالألف بعد الحاء من التفاعل بحذف أحد
التاءين اى لا يحض بعضكم بعضا والباقون بغير الالف اى لا تحضون غيركم (عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) فضلا ان تطعموا من أموالكم. (وَتَأْكُلُونَ
التُّراثَ) اى الميراث أصله
الوارث (أَكْلاً لَمًّا) اى ذا لم اى جمع بين الحلال والحرام كانوا يأكلون مع
أبضاعهم ابضاع ضعفاء من النساء والصبيان قال ابن زيد الاكل اللم الذي يأكل شيئا
يجده لا يسال عنه إحلال أم حرام وقيل يأكلون ما جمعه المورث من حلال وحرام عالمين
بذلك. (وَتُحِبُّونَ الْمالَ
حُبًّا جَمًّا) اى كثيرا مع حرص وشره. (كَلَّا) ردع عما يفعلون وقال مقاتل اى لا يفعلون ما أمروا به او هو
بمعنى حقا تحقيقا لما يذكر بعده من الوعيد ويخبر عنه تحسرهم حين لا ينفعهم الحسرة (إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) اى زلزالا بعد زلزال حتى تنكسر ما عليها من الجبال
والأشجار والابنية وصارت هباء منبثا. (وَجاءَ رَبُّكَ) عطف على دكت وهى من المتشابهات وقد ذكرنا ما فيها من القول
السلف والخلف واصحاب القلوب فى سورة البقرة فى قوله تعالى ان يأتيهم الله فى ظلل
من الغمام (وَالْمَلَكُ) اللام للجنس اى وجاءت الملائكة (صَفًّا صَفًّا) ج حال من الملك اى جاؤا يصفون صفا بعد صف اخرج ابن جرير
وابن المبارك عن الضحاك قال إذا كان يوم القيامة امر الله سبحانه السماء الدنيا
فنشققت باهلها فتكون الملائكة على حافاتها حين يأمرهم الرب فينزلون فيحيطون بالأرض
ومن عليها ثم الثانية ثم الرابعة ثم الخامسة ثم السادسة ثم السابعة فصفوا صفا دون
صف ثم ينزل الملك الا على بجنبه اليسرى جهنم فاذا أراها اهل الأرض فلا يأتون قطرا
من أقطار الأرض الا وجدوا سبعة صفوف من الملائكة فرجعوا الى مكان الذي كانوا فيه
وذلك قوله تعالى انى أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين الاية وذلك قوله
تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا وجئ يومئذ بجهنم وقوله تعالى يا معشر
الجن والانس ان
استطعتم ان تنفذوا من أقطار السموات والأرض الاية قوله تعالى وانشقت السماء فهى
يومئذ واهية والملك على أرجائها يعنى ما تشقق منها فبينما كذلك إذ سمعوا الصوت
فأقبلوا الى الحساب. (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ
بِجَهَنَّمَ) عطف على جاء اخرج مسلم والترمذي عن ابن مسعود قال قال رسول
الله صلعم يوتى بجهنم يومئذ لها سبعون الف زمام مع كل زمام سبعون الف ملك يجرونها
واخرج ابن وهب فى كتاب الأهوال عن زيد بن اسلم قال اتى جبرئيل الى النبي صلىاللهعليهوسلم لتكسر الطرف فساله على رضى الله عنه فقال أتاني جبرئيل
فقال لى (كَلَّا إِذا دُكَّتِ
الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ
يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) بما تقاد سبعين الف زمام تقاد سبعين الف ملك فبينما هم إذا
خردت انفلتت من أيديهم فلو لا انهم أدركوها لاحرقت من فى الجمع فاخذوها قال
القرطبي يجاء بها من المحل الذي خلقها الله فيه فيدار بأرض الحشر لا يبقى للجنة
طريق الا الصراط واخرج ابو نعيم عن كعب قال إذا كان يوم القيامة فنزلت الملائكة فصاروا
صفوفا فيقول الله لجبرئيل ايت بجهنم فياتى بها تقاد سبعين زماما حتى إذا كانت من
الخلائق على قدر مأية عام زفرت طارت بها افئدة الخلائق ثم زفرت الثانية فلا يبقى
ملك مقرب ولا نبى مرسل إلا جثى لركبته ثم تزفر الثالثة فبلغ القلوب الحناجر وتزيل
العقول فيفزع كل امرؤ عمله حتى ابراهيم يقول بخلتي لا أسئلك الا نفسى ويقول موسى
بمناجاتي لا أسألك الا نفسى وقال عيسى بما أكرمني لا أسألك الا نفسى ولا أسألك
مريم التي ولدتني ومحمد صلىاللهعليهوسلم يقول أمتي أمتي لا أسئلك اليوم نفسى فيجيب جل جلاله ان
الأولياء من أمتك لا حوف عليهم ولا هم يحزنون فو عزتى لا قرن عينيك فى أمتك فقم
تقف الملائكة بين يدى الله ينتظرون ما يومرون (يَوْمَئِذٍ) بدل من إذا دكت اى يوم إذا دكت الأرض وجئ بجهنم والعامل (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) الكافر الذي قال ربى أكرمن ربى أهانن على سراء الدنيا
وضرائها جزاء بمعنى الشرط فى الظرف اى يتذكر معاضيه بتعظ ويتوب (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) ط استفهام للانكار اى ليس له منفعة الذكر فان من شرط قبول
التوبة الايمان بالغيب. (يَقُولُ) ذلك الإنسان تحسرا جملة مستانفة كانه فى جواب فما يصنع حين
يتذكر (يا لَيْتَنِي) يعنى يقول يا ليتنى
(قَدَّمْتُ) فى الدنيا أعمالا صالحا (لِحَياتِي) ج التي لا ينطلق إليها الموت او اللام بمعنى الوقت والمعنى
يا ليتنى قدمت الأعمال الصالحة وقت حياتى فى الدنيا. (فَيَوْمَئِذٍ) عطف على يومئذ السابق والظرف متعلق بما بعده (لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ) منصوب بنزع الخافض اى كعذابه وكذا وثاقه أحد (أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) قرأ الكسائي ويعقوب لا يعذب ولا يوثق بفتح العين على
البناء للمفعول اى لا يعذب أحد من الناس يعنى عصاة المؤمنين كعذاب ذلك الإنسان اى
الكافر ان كان المراد بالأمم الجنس او المعنى لا يعذب أحد كعذاب ذلك الإنسان
المعهود وهو امية بن خلف ولا يوثق أحد فى السلاسل والاغلال كوثاقه والباقون بكسر
العين فيهما على البناء للفاعل وحينئذ الضمير المجرور فى عذابه ووثاقه اما راجع
الى الله سبحانه والاضافة الى الفاعل اى لا يتولى عذاب الله ووثاقه يوم القيمة أحد
سواه والأمر يومئذ كله لله اى والإنسان الكافر والاضافة اى المفعول اى لا يعذب أحد
من الزبانية مثل ما يعذبونه أحدا وعلى هذا التأويلات يومئذ متعلق بلا يعذب ولا
يوثق على سبيل التنازع والمعنى لا يعذب أحد أحدا من الأزل الى الابد كعذاب الله
يومئذ ولا يوثق أحد أحدا من الأزل الى الابد كوثاق الله يومئذ فيومئذ وحينئذ متعلق
بالمصدر اى عذابه وثاقه. (يا أَيَّتُهَا) بتقدير يقال جملة مستانفة كانه فى جواب السائل انما ذكر
شان الكفر فما شان المؤمن فقال وتقديره يقال للمومنين (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ) فى ذكر الله تعالى وطاعته كما تطمئن السمكة فى الماء وذلك
الاطمينان لا يتصور الا بعد زوال صفاتها الرذائل الموجبة لكونه امارة بالسوء وزوال
تلك الصفات لا يمكن الا بتجليات صفات الله الحميدة الحسناء وفنائها فيها وبقائها
فتصير حينئذ مومنة ايمانا حقيقيا كما ان الكلب لا يمكن طهارته الا بوقوعه فى الملح
وفنائه فيها وبقائه بصفات الملح حتى يصير حلالا طيبا. (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) اى الى ذات البحت بلا حجب الأسماء والصفات (راضِيَةً) بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وبما قدر الله لها
حال من فاعل ارجعي قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذاق طعم الايمان
من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا متفق عليه وذاق طعم الايمان المراد
به
هو الايمان
الحقيقي (مَرْضِيَّةً) ج فان رضا العبد بالله موجب لرضاء الله سبحانه عنه بل رضاء
العبد اثر لرضائه تعالى ودليل عليه قال الحسن إذا أراد الله قبضها اطمأنت ورضيت عن
الله ورضى الله عنها عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أحب لقاء الله أحب الله لقائه ومن كره لقاء الله كره
الله لقائه فقالت عائشة او بعض أزواجه انا نكره الموت فقال ليس ذلك ولكن المؤمن
إذا حضره الموت يبشر برضوان الله وكرامته فليس شىء أحب اليه مما امامه فاحب لقاء
الله فاحب الله لقاءه واما الكافر إذا حضره الموت يبشر بعذاب الله وعقوبته فليس
شىء اكره اليه مما امامه فكره لقاء الله وكره الله لقائه متفق عليه وفى رواية
عائشة والموت قبل لقاء الله وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم إذا حضر المؤمن
الموت أتت ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء فيقولون اخرجى راضية مرضية عنك الى روح الله
وريحانه ورب غير غضبان فيخرج كاطيب ريح المسك حتى انه ليناوله بعضه بعضا حتى يأتوا
به أبواب السماء فيقولون ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض فياتون به أرواح المؤمنين
فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائب يقدم عليه فيسئلوا ماذا فعل فلان فيقول دعوه فانه
كان فى غم الدنيا فيقول قد مات اما أتاكم فيقولون قد ذهب به الى امه الهاوية وان
الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح فيقولون اخرجى ساخطة مسخوطا إليك اى
عذاب الله عزوجل فتخرج كانتن ريح جيفة حتى يأتون به الى باب الأرض فيقولون
ما أنتن هذه الريح حتى يأتون به أرواح الكفار رواه احمد والنسائي وفى رواية ابن
ماجة نحوه وفيه ثم يعرج بها اى بالمؤمنة الى السماء فيفتح لها فيقال مرحبا بالنفس
الطيبة كانت فى الجسد الطيب الحديث وقال فى النفس الكافر ثم يعرج بها الى السماء
فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت فى الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فانها لا يفتح لك
أبواب السماء ثم ترسل من السماء ثم يصير الى القبور وفى الباب أحاديث كثيرة
واختلفوا فى وقت هذا المقالة فقال قوم يقال لها ذلك عند الموت كما دلت عليه
الأحاديث وقال ابو صالح فى قوله ارجعي الى ربك راضية مرضية قال هذا عند خروجها من
الدنيا فاذا كان يوم القيمة قيل فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى وقال آخرون انها يقال
لها ذلك عند البعث ارجعي
الى ربك وادخلى فى
أجساد عبادى يعنى جسدك فيامر الله تعالى الأرواح ان ترجعى الى الأجساد وهذا قول
عكرمة وعطاء والضحاك ورواية العوفى عن ابن عباس وقال الحسن معناه ارجعي الى ثواب
ربك وكرامة راضية من الله تعالى بما أعد الله مرضية رضى عنها ربها فادخلى فى عبادى
اى مع عبادى جنتى قلت سياق الاية يؤيد هذا القول يعنى انها يقال عند البعث لان
الله ذكر حال الكفار عند البعث بقوله فيومئذ لا يعذب عذابه إلخ فكذلك ذكر ما يقال
للمؤمنين يومئذ والأحاديث المذكورة يؤيد القول الاول والجمع بينهما انه يقال فى
الوقتين جميعا عند الموت وعند البعث بل التحقيق ان استحقاق هذا الخطاب يحصل للنفس
فى الدنيا حصول الاطمينان فيقال لها ارجعي الى ربك اى مدارج قربه وتجلياته الذاتية
راضية مرضية. (فَادْخُلِي فِي
عِبادِي) اى فى جملة عبادى الصالحين الذين سال سليمان عليهالسلام الدخول فيهم فقال وأدخلني برحمتك فى عبادك الصالحين وسال
يوسف عليهالسلام اللحوق بهم حيث قال توفنى مسلما والحقنى بالصالحين وقال
الله تعالى فيهم لابليس ان عبادى ليس لك عليهم سلطان والفاء فى فادخلى للسببية فان
اطمينان النفس وكونها راضية مرضية سبب لخلوص العبودية لله سبحانه وذلك رقبة عن
رقبة الالهية الباطلة الهوائية ووساوس الخناسية قال الله تعالى أفمن اتخذ الهه
هواه وقال رسول الله صلعم نفس عبد الدينار والدراهم والقطيفة والخميسة الحديث. (وَادْخُلِي جَنَّتِي) ع اضافة الجنة الى الله سبحانه يقتضى خصوصا تلك الجنة من
بين الجنات كما لا يخفى قال البغوي قال سعيد بن جبير مات ابن عباس بالطائف فشهدت
جنازته فجاء طاير لم ير على خلقه فدخل نعشه ثم لم نر خارجا منه فلما دفن تليت هذه
الاية على شعير القبر لم يدر من تلاها يايّتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية
مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى واخرج ابن ابى حاتم عن بريدة فى قوله تعالى
يايتها النفس المطمئنة إلخ قالت نزلت فى حمزة رضى الله عنه واخرج من طريق جويبر عن
الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال من اشترى هذه الامة يستعذب بها غفر الله له فاشتر بها
عثمان يايتها النفس المطمئنة الاية (فائده) قال بعض الصوفية تاويل هذه الاية
يايتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعي الى ربك بترك الدنيا والسلوك اليه فى
الطريق الصوفية ـ والله تعالى اعلم.
سورة البلد مكيّة وهى عشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لا) زايد لتاكيد القسم اشارة الى وضوح المقسم بحيث استغنى عن
القسم (أُقْسِمُ بِهذَا
الْبَلَدِ) يعنى مكة. (وَأَنْتَ حِلٌّ
بِهذَا الْبَلَدِ) الجملة حال من المقسم به اقسم الله سبحانه بمكة مقيدا
بحلوله صلىاللهعليهوآلهوسلم اظهار المزيد فضائلها بشرف المتمكن على فضل لها فى نفسها
قال رسول الله صلعم لمكة ما اطيبك من بلد وأحبك الى الله ولو لا ان قومى أخرجوني
منك ما سكنت غيرك رواه الترمذي عن ابن عباس وقال حديث حسن صحيح غريب اسنادا وكذا
روى الترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن عدى بلفظ والله انك لخير ارض الله وأحب ارض
الله الى الله ولو لا انى أخرجت منك ما خرجت وقيل معنى مستحل لاخراجك فيه كما
يستحل تعرض الصيد فى غيرها والجملة معترضة لذم الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك
وقتلك فان الله سبحانه اقسم بمكة إظهارا لتحريمها وشرفها ثم قال وأنت مستحل فى زعم
الكفار بهذا البلد فيستحلون اخراجك وقتلك مع انهم يحرمون قتل الصيد فيها وقيل
معناه وأنت حلال ان تصنع فيه ما تريد من قتل واسر ليس عليك ما على الناس فيه من
الإثم فهو وعد بما أحل الله له مكة يوم الفتح حتى قاتل فيه وامر بقتل عبد الله بن
حنظل وهو متعلق بأستار الكعبة ومقيس بن خبابة وغيرهما قال رسول الله صلعم يوم فتح
مكة ان هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى
الى يوم القيمة وانه لن يحل القتال فيه لاحد قبلى ولم يحل لى الا ساعة من نهار فهو
حرام بحرمة الله الى يوم القيمة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقيطه الا
من عرفها ولا يختلا خلاها الحديث متفق عليه. (وَوالِدٍ) عطف على بلد والمراد آدم وابراهيم عليهماالسلام او اى والد كان (وَما وَلَدَ) ذريته آدم عليهالسلام او الأنبياء من أولاد ابراهيم عليهالسلام او محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم
والتنكير للتعظيم
وإيثار ما على من لمعنى التعجب كما فى قوله والله اعلم بما وضعت وجواب القسم. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) اللام للجنس او للعهد على ما قيل انها نزلت فى ابى الأشر
اسمه أسيد بن كلدة بن حج وكان شديدا قويا يصنع الأديم العكاظي تحت قدميه فيقول من
ازالنى عنه فله كذا وكذا فلا يطاق ان ينزع من تحت قدميه الا قطعا ويبقى موضع قدميه
(فِي كَبَدٍ) على تقدير كون المراد من الإنسان الجنس فالمراد من كبد
النصب والمشقة كذا روى عن ابن عباس وقتادة قال عطاء عن ابن عباس فى شدة حمله
وولايته ورضاعته وقطامه ومعاشه وحيوته وموته وقال عمرو بن دينار منه نبات أسنانه
قلت وما ذكر من المكابد يشارك فيها الإنسان وغيره من الحيوانات فتخصيصه بالذكر
لاجل عقله وشعوره فان مشقة تحمل المكايد مع كمال الشعور أشد منها ما كان وعندى ان
المراد بالمكابد حمل ميثاق الامانة التي ابى عن تحملها السموات والأرض والجبال
وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا فان ادى ما وجب فاز ويتوب الله على المؤمنين
والمؤمنات وان صبها تردى فى مكابد الاخرة ليعذب الله المنافقين والمنافقات
والكافرين والكافرات فعلى هذا النظير الاية فى المعنى قوله تعالى وما خلقت الجن
والانس الا ليعبدون وفيه تسلية للنبى صلىاللهعليهوسلم على تحمل المكابد من قومه فيما وجد عليه من التبليغ وقال
مقاتل بناء على نزول الاية فى ابى الأشد ان معنى فى كبد فى قوة وشدة. (أَيَحْسَبُ) الضمير راجع الى الإنسان والاستفهام للانكار والتوبيخ فان
كان المراد بانسان المعهود يعنى ابى الأشد فظاهر ان الله سبحانه أنكر على اغتراره
وبقوله وان كان المراد به الجنس فالضمير راجع اليه باعتبار بعض افراده وهو الذي
كان النبي صلىاللهعليهوسلم فى كبد منه اكثر من غيره وهو ابو الأشد وقيل الوليد بن
مغيرة (أَنْ لَنْ يَقْدِرَ) ان مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشان محذوف والجملة قائمة
مقام المفعولين ليحسب (عَلَيْهِ أَحَدٌ) نكرة موضع النفي للعموم كان ابو الأشد يزعم انه لا يقدر
عليه ملائكة العذاب او المراد به الأحد الصمد يعنى أيحسب ابو الأشد انه لا يقدر
عليه الله الذي خلقه بهذه القوة فلا ينتقم منه. (يَقُولُ) ذلك الإنسان حال من فاعل يحسب ومقولة القول (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) ط اى كثرا جمع لبدة وهى ما تلبد وكثر واجتمع لعله كان يذكر
كثرة إنفاقه مفاخرة ورياء او بعد ما أنفق فى معادات النبي صلعم حتى يعترف بفضله
كفار قريش
أعدائه صلىاللهعليهوسلم. (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ
يَرَهُ أَحَدٌ) بل الله سبحانه يراه حين أنفق رياء وفى معادات النبي صلىاللهعليهوسلم فيسأل من اين اكتسبه واين أنفقه فيجازيه وينتقم منه كذا
قال سعيد بن جبير وقتادة وقال الكلبي انه كان كاذبا فى افتخاره وقوله أنفقت كذا
وكذا لم يكن أنفق جميع ما قال وهذه الجملة بعد قوله أيحسب ان لن يقدر عليه أحد
تأكيد التوبيخ والإنكار بمنزل النكير ثم عد الله سبحانه نعمه ليقره وليكون دليلا
وتقريرا على كون الله سبحانه مقتدرا على انتقامه فقال. (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) يبصر بهما. (وَلِساناً) يتكلم به (وَشَفَتَيْنِ) ليستر بهما فاه ويستعين بهما على النطق والاكل والشرب
والنفخ قال البغوي جاء فى الحديث ان الله عزوجل يقول ابن آدم ان نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك
عليه بطبقتين فاطبق وان نازعك بصرك على ما حرمت عليك فقد امنتك عليه بطبقتين فاطبق
وان نازعك فرجك اى ما حرمت عليك فقد أعنتك بطبقتين فاطبق. (وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ) ج يعنى الثديين كذا روى محمد بن كعب عن ابن عباس وهو قول
سعيد بن المسيب والضحاك وقال اكثر المفسرين طريقى الخير والشر والحق والباطل
والهدى والضلال يعنى أظهرنا له الخير من الشر بايجاد العقل فيه وإرسال الرسل فمن
ضل واختار طريق الشر بعد ذلك فلا عذر له. (فَلَا اقْتَحَمَ
الْعَقَبَةَ) قيل لا هاهنا ليس على معناها فانها لا تدخل على الماضي الا
مكررا فهى بمعنى هلا والمعنى فهلا اقتحم العقبة بانفاق ماله فيما يجوز به العقبة
من الطاعات فيكون خيرا له من إنفاقه فى عداوة النبي صلىاللهعليهوسلم والجملة معطوف يقال أهلكت مالا لبدا وقيل هاهنا تكرار
تقدير التعدد معنى العقبة فكان تقديره فلا فك رقبة ولا اطعم مسكينا ولا كان من
الذين أمنوا فلا هاهنا بمعناها والجملة معطوف على جواب القسم يعنى لقد خلقنا
الإنسان فى كبد التكليفات فلا اقتحم ما كلف به دكان عليه الاقتحام وإتيان ما خلق
لاجله او معطوفة على مضمون الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا
اقتحم العقبة بإتيان الطاعات حتى يكون شكر النعم وصرفا للنعمة فيما ينبغى والعقبة
فى الأصل الطريق فى الجبل استعير هاهنا لمشاق التكاليف واقتحامها الدخول فيها وهذا
معنى قول قتادة وقيل اقتحامها التجاوز عنها والخروج من عهدة ما وجب عليه فانه شبه ثقل
الذنوب على مرتكبها واشتغال الذمة بالواجبات بالغفلة فاذا أعتق رقبة او اطعم
مسكينا يزكوة ماله كان كمن
اقتحمها وجاوز
عنها روى عن ابن عمران هذه العقبة جبل فى جهنم وقال الحسن وقتادة عقبة شديدة فى
النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله وقال مجاهد بطاعة الله وقال المجاهد والضحاك
والكلبي هى الصراط على جهنم كحد السيف مسيرة ثلثة آلاف سنة سهلا وصعودا وهبوطا وان
لجنبيه كلاليب وخطاطيف كانها شوك السعدان فناج مسلم وناج مخدوش ومكدوس فى النار
منكوس فمنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر كالريح العاصف ومنهم من يمر كالفارس ومنهم
من يمر كالراجل ومنهم من يزحف ومنهم كالزالون ومنهم من يكردس فى النار فقال ابن
زيد يقول فهلا يسلك الطريق التي فيه النجاة ثم بين ما هى فقال ما أدريك. (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ) ط فانك لم تدر صعوبتها على النفس وكثرة ثوابها وقال سفيان
ابن عيينة كل شىء قال وما أدريك فانه اخبر به وما قال وما يدريك فانه لم يخبر به
انتهى فان كان المراد بالعقبة الطاعات فلا حاجة الى التقدير وان كان المراد به ثقل
الذنوب فالتقدير ما أدريك ما اقتحام العقبة والخروج عنها. (فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعامٌ) قرأ ابن كثير وابو عمرو الكسائي فك بفتح الكاف على الماضي
ورقبة بالنصب على المفعولية واطعم بفتح الهمزة على الماضي بناء على انه بدل من
اقتحم او بيان له وما أدريك ما العقبة اعتراض والباقون بضم الكاف ورقبة بالجر على
الاضافة واطعام بالتنوين على المصدر بناء على انه خبر مبتداء محذوف اى هى فك رقبة
والمراد بفك الرقبة أعم من الإعتاق ومن ان يعين فى ثمنها يريد عتقها او يعين
المكاتب او معتق البعض فى فك رقبتها عن البراء بن عازب قال جاء أعرابي الى النبي
صلعم فقال علمنى عملا يدخلنى الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة
أعتق النسمة وفك الرقبة قال او ليسا واحد قال لاعتق النسمة ان تفرد بعتقها وفك
الرقبة ان تعين فى ثمها والمنحة الوكوف والفيء على ذى الرحم الظالم فان لم تطق ذلك
فاطعم الجائع واسق الظمآن وامر بالمعروف وانه عن المنكر فان لم تطق ذلك فكف لسانك
الا من خير رواه البيهقي فى شعب الايمان عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم من
أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بدل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه متفق عليه
وقال عكرمة قوله فك رقبة يعنى من الذنوب بالتوبة. (فِي يَوْمٍ ذِي
مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ) .
(أَوْ مِسْكِيناً ذا
مَتْرَبَةٍ) المسغبة والمتربة والمقربة مفعلات من مسغب إذا جاع وقرب فى
النسب والترب إذا أفقر اى التصق بالتراب بشدة الحاجة ووصف اليوم لمسغبة مجازى
والظرف متعلق باطعام وانتصب على المفعولية يتيما ومسكينا. (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) عطف على اقتحم أو فك وعطفه بثم لتباعد الايمان عن العتق
والإطعام بالرتبة واستقلاله واشتراط الطاعات به (وَتَواصَوْا
بِالصَّبْرِ) عن المعاصي وعلى الطاعة والمصائب (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) عباد الله او بموجبات رحمة الله. (أُولئِكَ) اشارة الموصوفين بتلك الأوصاف (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) ط اى اصحاب اليمين والبركة فى أنفسهم والجملة مستانفة كانه
فى جواب ما شان من اقتحم. (وَالَّذِينَ كَفَرُوا
بِآياتِنا) الذي نصبنا دلايل على الحق من كتاب وحجة او بالقران (هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) اى اصحاب الشمال او الشوم والتكرير ذكر المؤمنين بالاشارة
والكفار بالضمير الشان لا يخفى. (عَلَيْهِمْ نارٌ
مُؤْصَدَةٌ) مطبقة من أوصدت الباب إذا طبق او اغلق قرأ حفص وابو عمرو
حمزة وهناد فى سورة الهمز بالهمزة وهمزة إذا وقف أبدلها واوا والباقون بغير همزة
وهما لغتان ـ والله تعالى اعلم.
سورة الشمس مكيّة وهى خمس عشرة اية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
(وَالشَّمْسِ وَضُحاها) قال مجاهد والكلبي يعنى ضوءها حين تطلع الشمس فيصفوا ضوئها
وقال قتادة هو النهار كله وقال مقاتل حرها فى القاموس الضحية كالعشية ارتفاع
النهار والضحى ويذكر ويصغر ضحيها بلا هاء والضحاء بالمد إذ اقرب انتصاب النهار. (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) اى تبع طلوعه طلوع الشمس وذلك فى النصف الاول من الشهر او
تبع طلوعه غروب الشمس او تبع فى الاستدارة وكمال النور كذا قال الزجاج وكلا
الامرين فى الليالى البيض. (وَالنَّهارِ إِذا
جَلَّاها) اسناد التجلية الى النهار مجازى كما فى صام نهاره والضمير
المنصوب اما عايد الى الشمس فانها تتجلى إذا انبسط النهار واما الى غير مذكور يعنى
جلية الظلمة او الأرض والدنيا. (وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشاها) يعنى يغشى الشمس او الآفاق او الأرض والظروف اعنى إذا
تليها وإذا جلّها وإذا يغشيها متعلقة بفعل القسم عند الجمهور وقال فى البحر المواج
لا يجوز ذلك فان الاقسام ليس فى تلك الأوقات وايضا لا يجوز ان يكون صفة للقمر
والنهار والليل فان ظرف الزمان لا يكون صفة لامر حسى فتاويله ان يقال بحذف المضاف
وتقديره وانجلاء القمر إذا تليها اى وقت تبيعتها للشمس وحصول النهار إذا جلّيها اى
وقت تجلية الشمس وحدوث الليل إذا يغشيها اى وقت غشيانها فالظرف اما صفة للمضاف
فانه اسم معنى او متعلق به ويحتمل ان يقال ان إذا هاهنا بمعنى الوقت من غير
الظرفية على طريقة إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو فيكون حينئذ بدل اشتمال مما قبله
فيكون مقسما به. (وَالسَّماءِ وَما بَناها) ومن بنيها وهو الله سبحانه كذا قال عطاء والكلبي لا يقال
يلزم حينئذ اساءة الأدب بتقديم القسم لغير الله تعالى على القسم بدلا نقول فيه ترق
من الأدنى الى الأعلى وذلك هو الأدب واوثرت ما على الارادة معنى الوصفية كانه قيل
والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده كمال قدرته بناءها وقال الزجاج والفراء ما
مصدرية اى وبناها وكذا الكلام فى قوله.
(وَالْأَرْضِ وَما
طَحاها) اى بسطها وكذا الكلام فى. (وَنَفْسٍ وَما
سَوَّاها) اى عدل خلقها وسوى بقضائها على ما يقتضيها الحكمة قال
البيضاوي تبعا لصاحب الكشاف جعل ما مصدرية تجرد الفعل عن الفاعل ويخيل بنظم قوله
تعالى. (فَأَلْهَمَها
فُجُورَها وَتَقْواها) بقوله وما سوّيها حيث يلزم عطف الفعل على المصدر الا ان
الضمير فيها اسم الله المعلم به وقال فى بحر الأمواج ألهمها معطوفة على سوّيها
والمعنى ونفس وتسويه فالهمها فجورها وتقويها فلا يلزم ما ذكر انتهى وتنكير نفس
للتكثير والتعميم كما فى قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت او للتعظيم والافراد
والمراد به نفس آدم عليهالسلام وقال عطاء يريد جميع ما خلق الله من الانس والجن والمراد
بالهام الفجور والتقوى ان بين لها الخير والشر والطاعة والمعصية حتى يأتي بالخير
والطاعة ويتقى عن الشر والمعصية كذا روى عن ابن عباس والمراد به إلزامها الفجور او
التقوى وخلق الميل فى قلبه الى أيهما شاء وتوفيقه إياها بالتقوى وخلق بالتقوى على
يد المؤمن وخذلانه إياها للفجور وخلق الفجور يد الكافر كذا قال سعيد بن جبير وابن
زيد واختاره الزجاج عن عمران بن حصين ان رجلين من مزنية قالا يا رسول الله ارايت
ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شىء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سبق او فيما
يستقبلون به مما أتاهم به تبيهم وثبت الحجة عليهم فقال لا بل شىء قضى عليهم ومضى
فيهم وتصديق ذلك فى كتاب الله ونفس وما سوّيها فالهمها فجورها وتقويها رواه مسلم
وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب
واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله صلعم اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على
طاعاتك رواه مسلم قدم الفجور على التقوى لان الأصل كونها امارة بالسوء ايضا فيه
رعاية رؤس الاى والواو الاول للقسم بالاتفاق وكذا الثانية والثالثة وما بعدها عند
البعض وليست للعطف لزم العطف على معمول عاملين مختلفين فى مثل قوله والليل إذا
يغشيها فان قوله الليل مجرور بواو القسم وإذا يغشى منصوب بفعل القسم المقدر فلو
جعلت الواو فى والنهار إذا جليها للعطف كانت الواو قايمة مقام الفعل وحرف الجر معا
والصحيح ان كلها للعطف سوى الاولى منها فان إدخال القسم فى القسم قبل تمام الاول
لا يجوز وواو العطف قائمة مقام واو القسم فقط لكن واو القسم نزلت منزلة الباء
والفعل حتى لم يجز
إبراز الفعل معها فصارت كانها هى العاملة نصبا وجرا فصارت كعامل واحد له عملان
فيجوز العطف على معموليه وذلك جائز بالاتفاق ونحو ضرب زيد عمرو او بكر خالدا هذا
إذا كانت الظروف متعلقة بفعل القسم واما على تاويل صاحب البحر فلا حاجة الى هذا
التوجيه. (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاها) ص الضمير المرفوع راجع الى الله سبحانه والمنصوب الى من
باعتبار انه عبارة عن النفس يعنى فازت وسمعت نفس طهر الله تعالى عن الرذائل
بتجليات صنافه الكاملة عليها حتى صارت راضية بالله تعالى وأحكامه مطمئنة بذكره
وطاعته محترزة عما نهى عنه وما يشغلها عنه لما اخرج ابن جرير من طريق جويبر عن ابن
عباس قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول فى قول الله تعالى قد أفلح من زكيها افلحت نفس زكيها
الله كذا قال عكرمة روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ابى شيبة عن زيد بن أرقم عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل
والهرم وعذاب القبر اللهم ات نسى تقويها وزكيها أنت خير من زكيها أنت وليها وهو
موليها ـ اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا
يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يستجاب لها وقال الحسن معناه قد أفلح من زكى
نفسه فاصلحها وحملها على طاعة الله يعنى ان الضمير المرفوع راجع الى من معنى
الإنسان والمنسوب الى نفسه فعلى التأويل الاول بيان لحال المرادين وعلى الثاني
لحال المريدين فان الله يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب والجملة جواب للقسم
قال الزجاج صار طول الكلام عوضا عن اللام وكانه لما أراد من الحث على تزكية النفس
والمبالغة والمجاهدة فيه اقسم عليه مجاهدا لهم على وجود الصانع ووجوب ذاته وكمال
صفاته فيستفاد منها أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظايم الاية لحملهم على
الاستغراق فى شكر نعمائه الذي هو منتهى كمال القوة العملية فيترتب على العلم
والعمل الجذب من الله سبحانه بفضله ومن قبلهم التقوى ويحصل التزكية وقيل هذه
الجملة معترضة جيئت بعد قوله فالهمها فجورها وتقويها استرادا لبيان الفرق بين
الفريقين وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله تعالى كذبت ثمود حين كذبت بطغويها وهو
انه يدمدم الله تعالى على الكفار بمكة بتكذيبهم محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم كما دمدم على ثمود حين كذبت صالحا عليهالسلام. (وَقَدْ خابَ مَنْ
دَسَّاها)
والكلام فى هذه
الجملة كما فى قبلها واصل دسا دسس أبدلت حرف التضعيف بحرف العلة كتقضى وتقضض ومعنى
التدسس الإخفاء قال الله تعالى أم يدسه فى التراب والمراد هاهنا الإهلاك فأنه
يستلزم الإخفاء يعنى خابت وخسرت نفس أهلكها الله تعالى بالإضلال او أهلك هو نفسه
بكسب الضلالة. (كَذَّبَتْ ثَمُودُ) هذه الجملة الى اخر السورة تأكيد لقوله تعالى قد خاب من
دسيها والمفعول ما وقع فيه التكذيب محذوف والباء فى قوله (بِطَغْواها) للسببية وتقديره كذبت ثمود بطغويها بسبب طغيانها فى الكفر
صالحا علم بالتوحيد والنبوة حين قال انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا
انما أنت بشر مثلنا فات باية ان كنت من الصادقين وطلبوا منه اية على صدقه ان يخرج
ناقة عشراء من صخرة عينوه فدعا صالحا فخرجت من تلك الصخرة ناقة وولدت فى الحال
ولدا مثلها وكانت الناقة تشرب الماء كله فجعل صالحا لها نصيبا من الماء وقال هذه
ناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم فارادوا قتل الناقة ليسلم لهم الماء كله ذلك
قوله تعالى. (إِذِ انْبَعَثَ) اى قام لعقر الناقة بالاسراع حين أمروها كما قال الله
تعالى فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقروا لانبعاث هو الاسراع بالطاعة للباعث والظرف
متعلق بكذبت (أَشْقاها) اى أشقى ثمود وهو قدار بن سالف كان رجلا أشقر ازرق قصيرا
فضلت شقاوته غيره لتولية العقر روى البخاري عن عبد الله بن زمعة انه سمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يخطب ذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ انبعث أشقيها انبعث لها عزيز عازم فى اهله مثل ابى زمعة
وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك
على الأرض من دم إلا لحقه منه لانه أول من سن القتل رواه الطبراني والحاكم وابو
نعيم فى الحلية بسند صحيح. (فَقالَ) فقال عطف على انبعث (لَهُمْ رَسُولُ اللهِ) صالح (ناقَةَ اللهِ) اى ذروا ناقة الله واحذروا عقرها لله والاضافة الى الله
لتعظيم الناقة وكمال التحذير (وَسُقْياها) ط عطف على الناقة اى ذروا سقيها فلا ترددوها علينا ولا
تمسوها بسوء اى يعقر فياخذكم عذاب عظيم ـ .
(فَكَذَّبُوهُ) اى صالحا فيما أوعدهم من نزول العذاب ان عقروها (فَعَقَرُوها) اى الناقة عطف على كذبوا أسند الفعل إليهم وان كان العاقر
واحدا منهم لامرهم به وقال مقاتل
الذين عقروا
الناقة كانوا تسعة ويجوز التعبير عن التسعة بقوله تعالى أشقاها لان افعل التفضيل
إذا أضيفه صلح للواحد والجمع فقال صالح تمتعوا فى ثلثة ايام فتصبحوا فى اليوم
الاول وجوهكم مصغرة وفى اليوم الثاني وجوهكم محمرة وفى اليوم الثالث وجوهكم مسودة
ثم تهلكون بعد ثلثة (فَدَمْدَمَ
عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ) بعد ثلثة ايام قال فى المواج الدمدمة الإهلاك باستيصال قال
عطاء ومقاتل اى دمر عليهم ربهم اى هلكهم وقيل الدمدمة حكاية صوت لا مده وفى
القاموس الدمدمة الغضب ودمدم عليه كلمته مغضبا وقيل دمدم عليهم أطبق عليهم (بِذَنْبِهِمْ) اى بسبب ذنبهم وهو تكذيب الرسول وعقر الناقة ـ (فَسَوَّاها) اى سوى الدمدمة عليهم جميعا وعمهم لها ولم يفلت فيها صغير
منهم ولا كبير. (وَلا يَخافُ) قرأ نافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو فى مصاحفهم
والباقون بالواو والضمير راجع الى الله يعنى لا يخاف الله (عُقْباها) ع امال حمزة والكسائي اواخر هذا السورة الا تلاها وضحها
فان حمزة فتحها وابو عمرو كلها بين بين والباقون بالفتح اى عاقبته الدمدمة او
عاقبته إهلاك ثمود فيبقى بعض الإبقاء كذا قال الحسن وهى رواية على بن طلحة عن ابن
عباس قال الضحاك والسدى والكلبي الضمير راجع الى العاقر وفى الكلام تقديم وتأخير
تقديره إذ انبعث أشقيها ولا يخاف عقبيها والجملة حال من فاعل دمدم او من فاعل
انبعث على ما قيل والواو للحال وعلى قراءة الفاء عطف على فسويها ـ والله
تعالى اعلم.
سورة اللّيل مكّيّة وهى احدى وعشرون اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَاللَّيْلِ إِذا
يَغْشى) الشمس او النهار كما فى قوله تعالى يغشى الليل النهار او
كل شىء يوارى بظلامه والكلام فى إذا يغشى كما مر فى والليل إذا يغشها من كونه
متعلقا بفعل القسم او بمضاف محذوف اى حصول الليل وكونه صفة له او بمعنى الوقت
فينسلخا عن الظرفية. (وَالنَّهارِ إِذا
تَجَلَّى) اى ظهر يزوال ظلمة الليل او بطلوع الشمس. (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) اى القادر الذي خلق صنفى الذكر والأنثى من كل نوع له توالد
او آدم وحوا ويجوز ان يكون مصدرية وجواب القسم. (إِنَّ سَعْيَكُمْ
لَشَتَّى) ط يعنى ان عملكم لمختلف منكم ساغ فكاك رقبة من النار وصعود
درجات القرب ومدارج الجنة ومنكم ساع فى عطيها قال البغوي عن ابى مالك الأشعري قال
قال رسول الله صلعم كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها او موبقها ثم فصل الله
سبحانه فقال. (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى) ماله فى سبيل الله او ادى كل ما وجب عليه (وَاتَّقى) عذاب ربه فاجتنب مجاريه وفى الحديث اتقوا النار ولو بشق
ثمرة رواه الشيخان عن عدى بن حاتم واحمد عن عائشة والبزار والطبراني عن انس فى
الأوسط وعن ابن عباس وابى امامة فى الكبير والبراء عن النعمان بن بشير وابى هريرة.
(وَصَدَّقَ
بِالْحُسْنى) قال ابو عبد الرحمن السلمى والضحاك وصدق بلا اله الا الله
وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى
يعنى الجنة وقيل أيقن ان الله سيخلفه وهو رواية عكرمة عن ابن عباس وقال قتادة
ومقاتل والكلبي بموعود الله تعالى ان يفى به. (فَسَنُيَسِّرُهُ) اى نسهله ونهيئه (لِلْيُسْرى) اى للخلقت اليسرى التي يودى الى يسر وراحة وهى العمل وما
يرضى الله ودخول الجنة من يسر الفرس لا هبته المركوب باليسر بالسرج واللجام. (وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ) بالنفقة بالخير وبما امر به الله تعالى وفى الحديث البخيل
من ذكرت عنده فلم
يصل على رواه الترمذي والنسائي عن على وابن حبان والحاكم عن انس (وَاسْتَغْنى) بشهوات الدنيا عن الثواب فى الاخرة وعن القادر به. (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) بالكلمة الحسنى. (فَسَنُيَسِّرُهُ
لِلْعُسْرى) اى لخصلة التي يودى الى العسر والشدة وهى العمل بما يكرهه
الله تعالى ودخول النار قال مقاتل يعسر عليه ان يأتي خيرا عن على رضى الله عنه قال
قال رسول الله صلعم ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة
قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق
له اما من كان من اهل السعادة فسنيسره بعمل اهل السعادة واما من كان من اهل
الشقاوة فسنيسره بعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى قسنيسره
لليسرى متفق عليه قال البغوي قيل نزلت فى ابى بكر الصديق اشترى بلالا عن امية بن
خلف ببردة وعشر أواق فانزل الله تعالى سورة الليل الى قوله ان سعيكم لشتى سعى ابو
بكر وسعى امية كذا روى عن ابن مسعود واخرج ابن ابى حاتم وغيره من طريق الحاكم بن
ابان عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا كانت له نخلة فرعها فى دار رجل فقير ذى عيال
فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد الى النخلة لياخذ منها الثمرة وبما يقع التمرة
فياخذها صبيان الفقير فينزل من نخلة فياخذ الثمرة من أيديهم وان وجدها فى فم أحدهم
ادخل إصبعيه يخرج التمرة من فيه فشكى ذلك الرجل يعنى الفقير الى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال اذهب ولقى النبي صلعم صاحب النخلة فقال له أعطني
نخلتك التي فرعها فى دار فلان لك نخلة فى الجنة فقال الرجل لقد أعطيت وان لى نخلا
كثيرا وما فيه نخلة اعجب الى تمرة منها ثم ذهب الرجل ولقى رجلا كان يسمع الكلام من
رسول الله صلعم ومن صاحب النخلة فاتى الى رسول الله صلعم فقال أتعطيني يا رسول
الله ما أعطيت الرجل يعنى صاحب النخلة وان انا أخذتها قال نعم فذهب الرجل فلقى
صاحب النخلة ولكليهما نخل فقال له أشعرت ان محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم أعطاني بنخلتك التي فى دار فلان نخلة فى الجنة فقلت له لقد
أعطيت ولكن يعجبنى تمرها ولى نخل كثير ما فيه نخل اعجب الى تمرة منها فقال له
الاخر أتريد بيعها فقال لا الا ان أعطني بها ما أريد ولا أظنه اعطى وقال فكم فيها
قال أربعين نخلة قال لقد جئت بامر عظيم ثم سكت عنه فقال له انا أعطيك أربعين نخلة
قال فاشهد لى
ان كنت صادقا فدعا
قومه فاشهد له ثم ذهب الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله ان النخلة قد صارت لى فهى لك فذهب رسول
الله صلىاللهعليهوسلم الى صاحب الدار فقال النخلة لك فأنزل الله تعالى والليل
إذا يغشى قال ابن كثير غريب جدا وذكر البغوي عن على بن حجر عن اسحق بن نجيح عن
عطاء نحوه وفيه ان صاحب النخلة شكى الى النبي صلعم تناول صبيان الجار من نخلة فقال
له النبي صلىاللهعليهوسلم بعينها بنخلة فى الجنة فابى فخرج فلقيه ابو الدحداح الى
اخر القصة قال فأنزل الله تعالى والليل إذا يغشى الى قوله ان سعيكم لشتى والصحيح
هى الرواية الاولى يعنى نزلت فى ابى بكر الصديق وامية بن خلف لان السورة مكية وقصة
صاحب النخلة وابى الدحداح يقتضى كونها مدنية وعلى تقدير صحة الرواية الثانية فنقول
نزول الاية بمدح ابى الدحداح رضى الله عنه قال الله تعالى فاما من اعطى واتقى كابى
الدحداح وصدق بالحسنى اى بما وعد النبي صلىاللهعليهوسلم فسنيسره لليسرى يعنى الجنة ولما كان حكم الاية عاما وان
كان موردها خاصا عقبه بما يقيده من الوعيد فقال واما من بخل واستغنى الاية وليست
هذه الجملة للوعيد فى حق صاحب النخلة فانه كان رجلا من الأنصار لم يكن ممن استغنى
من ثواب الله تعالى ونعيم الجنة وكذب بالحسنى بل كان مصدقا بها والنخل المستوجب
للنار انما هو منع الزكوة المفروضة كما لا يخفى والله تعالى اعلم. (وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ) الذي بخل فيه نفى او استفهام انكار (إِذا تَرَدَّى) الظرف متعلق بيغنى وتردى تفعل من الردى بمعنى الهلاك قال
مجاهد اى بات إذ المراد بالهلاك استيجاب العذاب او بمعنى السقوط يعنى تردى فى حفرة
القبر او قعر جهنم قال قتادة وابو صالح هوى فى جهنم. (إِنَّ عَلَيْنا) كلمة على للتاكيد يعنى التزمنا الهداية بموجب قضائنا
السابق او بمقتضى كلمتنا (لَلْهُدى) اى الإرشاد الى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع كذا قال
الزجاج وقتادة وقال الفراء معناه من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى وعلى
الله قصد السبيل يقول من أراد الله فهو على السبيل القاصد يعنى من سلك على طريق
الهدى يصل الى الله سبحانه. (وَإِنَّ لَنا
لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) ملكا وخلقا وتقديم الخبر للحصر فمن طلبها من غير مالكهما
فقد اخطأ الطريق او فنعطى ثواب الهداية للمهتدين او فلا يضرنا ترككم الاهتداء. (فَأَنْذَرْتُكُمْ) اى خوفتكم والفاء للسببية فان كون الاخرة والاولى
كلاهما خالصا لله
تعالى سبب للتخويف (ناراً تَلَظَّى) ج احدى التاءين
محذوف اى تتلظى تتوقد وتتلهب صفة للنار. (لا يَصْلاها) صفة اخرى (إِلَّا الْأَشْقَى) قيل الأشقى هاهنا بمعنى الشقي فهو يعم الكافر والفاسق
الغير المغفور وصفه تعالى. (الَّذِي كَذَّبَ) الرسول صلىاللهعليهوسلم (وَتَوَلَّى) عن الايمان باعتبار بعض افراده وليس الاحتراز بل لان
العادة ومقتضى الايمان ان لا يكون المؤمن شقيا إذ الايمان يقتضى التقوى والسعادة
والكافر المكذب هو الذي يكون شقيا عاصيا غالبا فتقيد الشقي بوصف التكذيب والتولي
خرج مخرج العادة كما فى قوله تعالى وربائبكم اللّتى فى حجوركم او المراد بالتكذيب
أعم من التكذيب صريحا وهو الكفر او دلالة وهو ارتكاب المحرمات مع الايمان بتحريمها
او أعم مما هو صادر عن اللسان والقلب فيكون كفر او نفاقا ومما هو صادر عن النفس
الامارة بالسوء حال كون قلبه مطمئنة بالايمان ولسانه ما خلقنا به فيكون ايمانا
مجازيا عاما وقيل الأشقى بمعناه للتفضيل والمراد به الكافر فانه أشقى من الفاسق
لكن يصلى هاهنا ليس على إطلاقه بل المراد منه المقيد باللزوم والشدة قال البيضاوي
لا يصليها لا يلزمها مقاسيا شدتها الا الأشقى اى الكافر فان الفاسق وان دخلها ان
لم يغفر لا يلزمها فلا نقض فى الحصر وقيل لا حاجة الى هذه التكليف بل الضمير فى لا
يصلها عائد الى نارا تلظى ولا يصلى نارا تتلظى وتتلهب الا الكافر واما الفاسق
فادخل جهنم لا يصلى نارا تتلهب بل نارا ضعيفة بالنسبة الى الكافر وهى الطبقة
العليا من النار وعندى ان المراد بالأشقى هو الكافر كما هو الظاهر النار ايضا على
عمومها فان التلهب توصف بها نار الدنيا ايضا ونار جهنم وان كانت ضعيفة فهى أشد من
نار الدنيا البتة لكن الحصر فى الاية إضافي بالنسبة الى المؤمنين الموجودين فى
زمان النبي صلىاللهعليهوسلم فالاية تدل على عدم دخول أحد من الصحابة فى النار كيف وقد
انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وقد قال الله تعالى وكلا وعد الله الحسنى
وقال كنتم خير امة أخرجت للناس وقال محمد رسول الله والذين معه الاية وقال رسول
الله صلعم لا تمس النار مسلما رانى او راى من رانى رواه الترمذي عن جابر وقال
أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر بن الخطاب فمن صدر منه
معصية فهم على سبيل الندرة وفق غالبا للتوبة فان التائب كمن لا ذنب له رواه ابن
ماجة عن ابن مسعود مرفوعا او أدركته الرحمة ببركة صحبة النبي صلىاللهعليهوسلم كيف وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى حق الصلحاء من أمته هم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخاب
انيسهم
فى حديث فى
الصحيحين والترمذي عن ابى هريرة فما أظنك فيمن جالس سيد المرسلين فى حين من الدهر
والله تعالى اعلم ولما كان الناس فى زمن النبي صلىاللهعليهوسلم منحصرين فى فريقين اما مومن تقى اتقى الناس ممن سواهم او
كافر فلذلك ترى كلام الله مشحونا من ذكر هذين الفريقين وقلما يستفاد حال عصاة
المؤمنين من القران لان الكلام غالبا يبحث عن احوال الموجودين والله تعالى اعلم
فلا يجوز بهذه الاية استدلال المرجئة على ان المؤمن ان كان فاسقا لا يدخل النار
وان السيئات من الكبائر والصغائر مطلقا لا يضر مع الايمان لان الحسنات مطلقا لا
تنفع مع الكفر وبه قال الروافض شيعة على ولا استدلال المعتزلة على ان مرتكب
الكبيرة مخلد فى النار وليس بمؤمن وجه استدلالهم ان ارتكاب الكبيرة موجب لدخول
النار بالإجماع وان خالف المرجئة فلو كان مرتكب الكبيرة مومنا لم يكن أشقى الناس
فلا يصلها بهذه الاية واهل السنة يأولون هذه الاية بما ذكرنا من التأويلات جمعا
بين النصوص وجريا على ما انعقد عليه الإجماع من ان الله تعالى لا يغفران يشرك به
ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء سواء تاب او لم يتب وقال الله تعالى يا عبادى الذين أسرفوا
على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور
الرحيم وقال يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يعمل مثقال ذرة خيرا يره فلا
يجوز فى حق المؤمن الخلود فى النار وان كان فاسقا غير مغفور وقد تواتر قوله صلىاللهعليهوسلم من قال لا اله الا الله دخل الجنة وقال الله تعالى ومن
يعمل مثقال ذرة شرايره يعنى ان شاء الله ان يعذبه ولم يغفره يرى جزاء السيئة فى
النار ولو لا مقتضى إتيان المحرمات وترك الواجبات دخول النار كما قالت المرجئة
لصارت الشريعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كلها سفسطة ولا يقولها الا كاهن
او مجنون. (وَسَيُجَنَّبُهَا) عطف على لا يصليها والسين للتحقيق (الْأَتْقَى) اى الذي اتقى الشرك الجلى والخفي والمعاصي القلبية
والقالبية والنفسانية وذلك بعد تزكية النفس واطمينانها. (الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ) الفقراء وفى فك الرقاب ووجوه الخير (يَتَزَكَّى) بدل من يوتى ولا محل له من الاعراب او منصوب على الحالية
من فاعله اى يطلب ان يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة او يتفعل من
الزكوة والمفهوم عندنا غير معتبر فلا تدل تلك الاية
على دخول تقى فى
النار وكذا عند الشافعي إذا الكلام خارج مخرج الجواب فى حادثة لاتفاق المفسرين على
ان الاية نزلت فى ابى بكر الصديق فالغرض منه توصيف الصديق بكونه اتقى الناس أجمعين
غير الأنبياء وانما خصصنا بغير الأنبياء دلالة العقل والإجماع والنصوص وليس الغرض
منه الاحتراز والحكم بدخول التقى دون اتقى فى النار ولو سلمنا المفهوم فالمراد
بالتقى الذي جاز دخوله فى النار التقى عن الشرك فقط دون المعاصي والله تعالى اعلم
اخرج ابن ابى حاتم عن عروة ان أبا بكر الصديق أعتق سبعة كلهم يعذب فى الله فنزلت
وسيجنبها الأتقى الى اخر السورة قلت فحينئذ اللام للعهد واخرج حاكم عن عامر بن عبد
الله بن الزبير عن أبيه قال قال ابو قحافة لابى بكر أراك تعتق رقابا ضعفا فلو انك
اعتقت رجالا اجلد يمنعونك ويقومونك دونك فقال يا أبت انما أريد ما عند الله فنزلت
هذه الاية فاما من اعطى واتقى الى اخر السورة وذكر محمد بن اسحق قال كان بلال لبعض
بنى جمع وهو بلال بن رباح واسم امه حمامه وكان صادق الإسلام طاهر القلب وكان امية
بن خلف يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره ببطحاء مكة ثم يأمر بالصخرة
العظيمة فتوضع على صدره ثم يقول لا يزال على هذا حتى يموت او تكفر لمحمد فيقول وهو
فى ذلك البلاء أحد أحد قال محمد بن اسحق عن هشام بن عروة عن أبيه قال مر به ابو
بكر يوما وهم يصنعون به ذلك وكانت دارابى بكر فى جمح فقال لاميّة الا تتقى فى هذا
المسكين قال أنت أخذته فانقذه مما ترى قال افعل عندى غلام أسودا جلد منه وأقوى على
ذلك أعطيتك قال قد فعلت فاعطاه ابو بكر غلامه واخذه فاعتقه ثم أعتق معه على
الإسلام قبل ان يهاجر رقاب بلال سابعهم عامر بن فهيرة شهد بدرا وأحدا وقتل يوم بير
معونة شهداء وأم عميس وزبير فاصيب بصرها حين أعتقها فقالت قريش ما اذهب بصرها
وأعتق ابنتها الهدنة وكانتا لامراة من عبد الدار بمنزلهما وقد بعثتها سيدتها
يطحنان وهى تقول والله لا اعتقكما ابدا فقال ابو بكر حلا فلان فقالت حلا أنت
افدتهما فاعتقهما قال فيكم قالت بكذا وكذا قال فاخذتهما وهما حرتان ومر بجارية بنى
مومل وهى يعذب فابتاعها فاعتقها وقال سعيد بن المسيب بلغني ان امية بن خلف قال
لابى بكر فى بلال حين قال ابتعيه قال نعم أبيعه بنسطاس عبد لابى بكر صاحب عشر آلاف
دينار وغلمان وجوارى ومواش وكان حمله ابو بكر على الإسلام
على ان يكون ماله
له فابى فابغضه ابو بكر فلما قال له امية أبيعه بغلامك نسطاش اغتنمه ابو بكر وباعه
منه فقال المشركون ما فعل ذلك ابو بكر ببلال الا ليد كان له عنده فانزل الله عزوجل. (وَما لِأَحَدٍ) بلال ولا لغيره من الغلمان (عِنْدَهُ مِنْ
نِعْمَةٍ تُجْزى) وكذا اخرج البزار عن ابن الزبير انها نزلت فى ابى بكر
والجملة حال من فاعل يوتى ماله او مستأنفة كانه فى جواب بل كان لاحد ممن يوتيه
ماله عنده يجزى ان يكافيه عليهما ويقصد بإعطائه او اعتاقه مجازا بها. (إِلَّا) استثناء منقطع اى لكن يفعل ذلك ابو بكر (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) ج طلبا لرضاه ويجوز ان يكون متصلا عن محذوف تقديره لا يوتى
ماله لغرض من الأغراض ومكافاته لنعمة الا لغرض ابتغاء وجه الله وطلب رضائه. (وَلَسَوْفَ يَرْضى) ع الله عنه بما يفعل او يرضى عن الله تعالى بما يعطيه من
الجزاء فى الاخرة من الجنة والكرامة عطف على وسيجنبها وهذه الاية لابى بكر كقوله
تعالى لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولسوف يعطيك ربك فترضى وكون ابى بكر اتقى الناس بعد
الأنبياء دليل على كونه أفضلهم لقوله تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم وعليه انعقد
الإجماع عن ابن عمر قال كنا فى زمن النبي صلىاللهعليهوسلم لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك اصحاب
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لا تفاضل بينهم رواه البخاري وسال محمد بن الحنيفة عن على
اى الناس خير بعد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ابو بكر قال ثم من قال عمر رواه البخاري وقد بسطنا
الكلام فى هذه المسألة وذكرنا فيها الأحاديث والآثار وروايات الإجماع والمنقول فى
كتابنا السيف المسلول انصرافا على الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا امال حمزة
والكسائي اواخر هاتين السورتين والليل والضحى الا قرنه تعالى سبحى فان حمزة فتحها
وامال ابو عمرو للعسرى ولليسرى وما سواهما بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون
بإخلاص الفتح فى الكل ـ والله تعالى اعلم.
سورة الضّحى مكيّة وهى احدى عشر اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج الشيخان فى
الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد الله قال اشتكى النبي صلعم فلم يقم ليلة وليلتين
فقالت امرأة يا محمد ما ارى لشيطانك الا قد تركك فانزل الله تعالى (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما
وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) وقال البغوي قال يعنى جندب ان امرأة التي قالت ذلك أم جميل
امرأة ابى لهب واخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال مكث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أياما لا ينزل عليه الوحى فقالت أم جميل امرأة ابى لهب ما
ارى صاحبك الا قد ودعك وقلاك فانزل الله والضحى الآيات واخرج سعيد بن منصور وغيره
عن جندب قال ابطأ جبرئيل على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت واخرج ابن جرير عن عبد
الله بن شداد ان خديجة قالت للنبى صلعم ما ارى ربك الا قد قلاك مما ترى من جزعك
فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر ان كلا من أم
جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا واخرج ابن شيبة
والطبراني بسنه فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن امه عن أمها وكانت خادمة
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان جروا دخل بيت النبي صلىاللهعليهوسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلىاللهعليهوسلم اربعة ايام لا ينزل عليه الوحى فقال يا خولة ما حدت فى بيت
رسول الله صلعم جبرئيل لا يأتيني فقلت فى نفسى لو نقيات البيت وكنسة فاهويت
بالكناسة تحت السرير فاخرجت الجر وفجاء النبي صلىاللهعليهوسلم ترعد لحيته وكان إذا انزل عليه أخذته الرعد فانزل الله
والضحى الى قوله ترضى قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرئيل بسبب الجر ومشهورة لكن
كونها سبب نزول الاية غريب بل شاذ مردود كما فى الصحيح قال البغوي
فى مدة احتباس
الوحى عنه اختلاف فقال ابن جريج اثنى عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال
المشركون ان محمدا ودعه ربه وقلاه فانزل الله تعالى هذه السورة كذا اخرج ابن
مردوية عن ابن عباس فقال النبي صلىاللهعليهوسلم يا جبرئيل ما جئت اشتقت إليك فقال جبرئيل انى كنت أشد شوقا
إليك ولكنى عبد مامور بما انزل الله وما نتنزل الا بامر ربك قوله تعالى والضحى قبل
أريد به النهار كله بدليل مقابلة الليل نظيره قوله تعالى ان يأتيهم بأسنا ضحى يعنى
نهارا وقال قتادة ومقاتل يعنى وقت الضحى وهى الساعة التي فيها ارتفاع الشمس قيل خص
ذلك الوقت لانها الساعة التي كلم فيها موسى عليهالسلام والقى فيها السحرة سجدة وهى الساعة يعدل فيها النهار فى الحر
والبرد فى الصيف والشتاء والليل إذا سجى الظرف اما متعلق بفعل القسم او بمضاف مقدر
على الليل اى وحصول الليل إذا سجى او صفة الليل بتقدير المضاف وإذا بمعنى الوقت
منسلخا عن معنى الظرفية بدل من الليل مقسم به قال الحسن اقبل بظلام وهى رواية
العوفى عن ابن عباس وقال الوالبي إذا ذهب وقال عطاء والضحاك غطى كل شىء بالظلمة
وقال مجاهد استوى وقال قتادة وابن سكن استقر ظلامه فلا يزداد بعد ذلك او المراد
سكن الناس فيه والأصوات يقال ليل ساج وبحر ساج إذا كان ساكنا وتقديم الليل فى
السورة السابقة باعتبار الأصل وتقديم الضحى هاهنا للشرف وجواب القسم قوله تعالى (ما وَدَّعَكَ) اى ما تركك وقطع عنك قطع مودع ربّك وما قلى وما أبغضك حذف
الضمير المنصوب اكتفاء بما سبق اختصار او رعاية للفواصل اخرج الطبراني فى الأوسط
بإسناد حسن عن ابن عباس قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرض على ما هو مفتوح لامتى بعدي فسرنى فانزل الله تعالى. (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ
الْأُولى) ط يجوز ان يكون هذه الاية متصلا بما سبق ووجه اتصاله ان
قوله تعالى ما ودعك ربك وما قلى يتضمن ان الله مواصلك بالوحى إليك وانك حبيب الله
ولا يكون كرامته أعظم ذلك فاخبره بأن حاله فى الدار الاخرة خير له وأعظم من ذلك
لتقدمه على الأنبياء واختصاصه بالمقام المحمود الذي يغبطه الأولون والآخرون وشهادة
أمته على الأمم وقد ذكرنا بعد ما يختص به النبي صلىاللهعليهوسلم فى الاخرة من الفضائل
فى سورة البقرة فى
تفسير قوله تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض الاية وروى البغوي بسنده من طريق
ابن ابى شيبة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انا اهل بيت اختار الله لنا الاخرة على الدنيا او المعنى
وللاخرة اى الحالة الاخرة خير لك من الاولى ونهاية أمرك خير من بداية يعنى لا تزال
تتصاعد فى الرفعة والكمال قالت الصوفية من استوى يوماه فهو مغبون واخرج الحاكم
والبيهقي فى الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال عرض على رسول الله صلعم ما
هو مفتوح على أمته فسرته فأنزل الله تعالى. (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضى) حذف المفعول الثاني ليعطيك ليدل على العموم والشمول اى
يعطيك عطاء جزيلا من النصر والتمكين وكثرة المؤمنين وشيوع دينك فى الأرضين فى
الدنيا ومن الشفاعة وكثرة الثواب وغير ذلك لا يخفى وما لا يعلمه الا الله تعالى فى
الاخرة وأفضل العطيات روية الله سبحانه على حسب كمال النبي صلعم وأعلى درجات القرب
قال رسول الله صلعم اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وعن على ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال اشفع لامتى حتى ينادى ربى أرضيت يا محمد فاقول اى ربى
رضيت وقال عطا عن ابن عباس المراد يعطيك ربك الشفاعة فى أمتك حتى ترضى وهو قول على
والحسن عليهماالسلام وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ان النبي صلىاللهعليهوسلم قال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله يا جبرئيل اذهب الى
محمد فقل انا سنرضيك فى أمتك ولا تسؤك به رواه مسلم وروى حرب بن شريح سمعت أبا
جعفر محمد بن على يقول انكم معشر اهل العراق تقولون أرجى اية فى القران يا عبادى
الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله وانا اهل البيت نقول أرجى اية فى
كتب الله ولسوف يعطيك ربك فترضى واللام قيل للابتداء دخل على الخبر بعد حذف
المبتدا والتقدير ولانت سوف يعطيك لا للقسم فانها لا تدخل على المضارع الا مع
النون المؤكدة وجمعها مع سوف للدلالة على ان اللام لام القسم لا لاما لابتداء وقد
علم انها ليس للابتداء لدخولها على سوف ولام الابتداء لا تدخل على سوف ثم عد الله
سبحانه ما أنعم عليه من أول حاله ليقيس ما يترقب من فضل الله على ما سلف منه فقال.
(أَلَمْ يَجِدْكَ
يَتِيماً) ان كان من وجدت بمعنى علمت يتيما مفعول الثاني وان كان
بمعنى المصادفة فمنصوب على الحال والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات والغرض
منه التقرير اى اقرار المخاطب به
والمعنى وجدك
يتيما يعنى صغيرا فقيرا حين مات أبوك ولم يخلف لك مالا ولا ماوى وفى هذه الجملة
تأكيد لقوله فاودعك (فَآوى) يعنى اولك الى عمك ابى طالب وضمك اليه حتى كفلك روى البغوي
من طريق الترمذي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلعم سالت ربى مسالة وددت انى لم
أكن سالته قلت يا رب انك أتيت سليمان بن داود ملكا عظيما وأتيت فلانا كذا قال يا
محمد الم يجدك يتيما فاويتك قلت بلى اى رب قال الم أجدك ضالا فهديتك قلت بلى اى رب
قال الم أجدك عائلا فاغنيتك قلت بلى اى رب وزاد فى بعض الروايات الم نشرح لك صدرك
ووضعنا عنك وزرك بلى اى رب زعم اكثر الناس ان النبي صلىاللهعليهوسلم سال ربه هذه المسألة المال والغنى حيث قالوا ان النبي صلىاللهعليهوسلم كان مفلسا وكانت قريش تعير بذلك حتى قالوا ان كان بك طلب
الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كايسر اهل مكة فاغتم النبي صلىاللهعليهوسلم وظن ان قومه انما كذبوه بفقره فسال ربه هذه المسألة فعدد
الله عليه نعمه ووعده الغنى ليسليه وهذا ليس بشئ بوجوه أحدها ان رفعة شأن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يقتضى ان سال ربه الدنيا وراودته الجبال الشم من ذهب عن
نفسه فاراها أيما شمم وأكدت وهذه فيها ضرورته ان الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها ان قوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى يابى عنه فان صيغة الماضي تدل على الحصول
وسوال الغنى بعد حصول محال وثالثها انه لو سال ربه لاعطاه وقد صح انه ما شبع ال
محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذا فى الصحيحين من حديث عائشة وقالت الصوفية العلية فى
تحقيق مثل هذا المقام ان الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص
التوجه الى الله سبحانه ويسمونها بالعروج والسير الى الله او السير في الله وقد
يعترضه حالة التوجه الى الخلق لاجل الإرشاد والدعوة الى الله فيسرى نفسه فى هذه
الحالة فى بادى النظر منقطعا عن الله متوجها الى الخلق وهو فى الحقيقة وعند التعمق
غير منقطع كمال الانقطاع وايضا لما كان هذا الانقطاع مامورا به مرضيا للمحبوب فهو
فى حكم الوصل والاتصال بل اولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم
الصوفي فى هذه الحالة غاية يكون فى الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر
الى الصحراء وقد ذكر مرارا ان من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم
قالوا ان نوحا عليهالسلام لم يبلغ فى النزول غاية ولذلك ما أمن معه الا قليل وهم
اصحاب السفينة مع لبثه فيهم الف سنة الا خمسين عاما وان محمدا صلىاللهعليهوسلم كان نزوله أتم واوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء
ولذلك شاع دينه فى الورى مع لبثه فيهم ثلثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى
فكان قاب قوسين او ادنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان
وأجابوا دعوة محمد صلىاللهعليهوسلم بما كان من القران ولاجل كمال نزول كان رسول الله صلعم
دايم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم ما أوذي أحد مثل ما أوذيت رواه ابن عدى وابن عساكر عن جابر
وابو نعيم فى الحلية عن انس ولو لا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد
أوذي نوح عليهالسلام الف سنة الا خمسين عاما وأوذي عيسى ع حتى ارتقى الى السماء
ويحيى وغيرهم حتى قتلوا فى البلاء فلعل نزول هاتين السورتين اعنى والضحى والم نشرح
كان لتسلية النبي صلعم فى حالة النزول فى بدو امره حين راى نفسه فى بادى النظر
منقطعا عن الله متوجها الى الخلق ووافق ذلك فترة الوحى وحزن حزنا شديدا حتى قال فى
صحيح البخاري بلغنا انه غدا مرارا كى يتردى من رؤس شواهق الجبل وكلما او فى بذروة
الجبل لكى يلقى نفسه منه ينادى جبرئيل فقال يا محمد انك رسول الله حقا فيسكن لذلك
جاشه تقر نفسه وقالت خديجة انى ارى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سوال النبي صلىاللهعليهوسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوجه الى
الخلق التي زعمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى
هذا معنى قوله ما ودعك ربك وما قلى انه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى
تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وان كان هبوطا وفراقا صورة وللاخرة خير لك من
الاولى يعنى كل حالة آخرة تأتى عليك خير من الحالة الاولى لا يتطرق فى أحوالك قصور
وفتور قط حتى تكون فى الدار الاخرة روية ووصالا بالكلية ولا يكون هناك تكليف
التبليغ والتوجه الى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وأجلا ما تحب
وترضى ألم يجدك يتيما فاوى. (وَوَجَدَكَ) عطف على معنى الم يجدك يتيما فان معناه وجدك فهو عطف الخبر
على الخبر دون الإنشاء (ضَالًّا) عن معالم النبوة واحكام الشريعة غافلا
عن كل مالا طريق
الى دركه الا السمع نظيره قوله تعالى وان كنت من قبله لمن الغافلين وقوله ما كنت
تدرى ما الكتاب ولا الايمان كذا قال الحسن والضحاك وابن كيسان وقيل ووجدك ضالا فى
شعاب مكة صبيا صغيرا حين فطمتك حليمة وجاءت بك لترد الى جدك عبد المطلب كذا روى
ابو الضحى عن ابن عباس وقال السعيد بن المسيب خرج رسول الله صلعم مع عمه ابى طالب
فى قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة ظلماء ناقة جاء إبليس فاخذ
بزمام الناقة فعدل به عن الطريق فجاء جبرئيل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبش
ورده الى القافلة وقيل وجدك ضالا نفسك لا تدرى من أنت وقال بعض الصوفية معناه وجدك
محبا عاشقا مفرطا فى الحب والعشق يكنى باتصال لاستلزام السكر غالبا والسكران يغاط
الطريق غالبا وفى الحديث حبك الشيء يعمى ويصم فهى تسمية السبب باسم المسبب كما فى
قوله تعالى انزل الله من السماء من رزق يعنى من مطر قال الله تعالى عن اخوة يوسف
ان أبانا لفى ضلال مبين وانك لفى ضلالك القديم وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز
تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّا انّا لنريها فى ضلال مبين (فَهَدى) اى فهداك الى معالم الدين او الى جدك عبد المطلب او الى
القافلة او عرفك نفسك وحالك ومن عرف نفسه فقد عرف ربه او هديك الى وصل محبوبك حتى
كنت قاب قوسين او ادنى. (وَوَجَدَكَ عائِلاً) فقيرا (فَأَغْنى) اى اعطاك بمال
خديجة او بما حصل لك ربح فى التجارة بالغنائم والمراد بالغناء على هذا التقادير
دفع الحاجة وان كان بالقليل لا بمالكية النصاب وقال مقاتل يعنى اغنى قلبك فارخاك
بما اعطاك من الرزق واختاره الفراء وقال لم يكن النبي صلىاللهعليهوسلم غنيا بكثرة المال والعرض لكن الغنى عنى النفس متفق عليه
وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلعم قد أفلح من اسلم ورزق كفافا فقنعه
الله بما أتاه رواه مسلم. (فَأَمَّا الْيَتِيمَ
فَلا تَقْهَرْ) هذه الجملة وما بعدها الى اخر السورة معترضات أوردت
استطرادا بين قوله الم يجدك الى آخره الم نشرح لك او هى تذئيل بما سبق ذكر اليتيم
والعائل الفقير السائل غالبا واتصال السائل للارشاد غالبا وذكر نعمة الإيواء
والهداية والغناء فضل ما أجمل ذكره باما وأورد بالفاء للسببية فى فاما اليتيم فلا
تقهر لان كونه صلىاللهعليهوسلم يتيما وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه
بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لامته وان كان
خطاب اليه بشرفه
عن ابى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال خير بيت فى المسلمين بيت فيه يتيم بحسن اليه وشر بيت
فى المسلمين بيت فيه يتيم يساء اليه قال صلعم اما انا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا
يشير بإصبعيه رواه البغوي وكذا روى البخاري فى الأدب وابن ماجة وابو نعيم فى
الحلية. (وَأَمَّا السَّائِلَ
فَلا تَنْهَرْ) قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت
فقيرا عائلا فاما ان تطعمه واما ان ترده رد إلينا برفق وروى عن الحسن فى قوله واما
السائل فلا تنهر قال طالب العلم إذا سال عن مسئلة فلا تنهره وعن ابن مسعود من كتم
علما عن اهله الجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل
بقوله ووجدك ضالا فهدى ويكون النشر على ترتيب اللف واما على التأويل الاول فيتصل
بقوله ووجدك عائلا. (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ
رَبِّكَ فَحَدِّثْ) ع يعنى اشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير
اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى ووجدك عائلا فاغنى عن سنان بن سنية عن أبيه
قال قال رسول الله صلعم الطاعم الشاكر له مثل اجر الصائم الصابر رواه احمد وابن
ماجة والدارمي بإسناد صحيح ورواه الترمذي من حديث ابى هريرة وعن اشعث بن قيس قال
قال رسول الله صلعم ان اشكر الناس لله اشكرهم للناس وفى رواية لا يشكر الله من لا
يشكر الناس رواه احمد ورواته ثقاة وعن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلعم قال من
صنع اليه معروف فليجزيه فان لم يجد ما يجزيه فليثن عليه فانه إذا اثنى عليه فقد
شكر وان كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور رواه البغوي
وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلعم يقول على المنبر من لم يشكر القليل
لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر
والجماعة رحمة الله والفرقة عذاب الله رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضى شكر المشائخ
والاساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين قال المجاهد المراد بالنعمة
فى الاية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث
بالنبوة التي أتاك وقال الليث عن مجاهد يعنى القران وهو قول الكلبي امره ان يقراه
فعلى هذا هذه الاية متصل بقوله ووجدك ضالا فهدى قال مقاتل اشكر ما ذكر فى هذه
الاية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث
بنعمة الله شكر
وهذا اظهر فان النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت
او دنيوية واجب فعلى هذا هذه الاية متصل بالجمل الثلث المذكورات وقد ذكر ما فى هذه
الاية من اختلاف القراءة فى الامالة والفتح فى اخر سورة الليل ـ (مسئله)
يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة فى رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها
بالإخلاص فى سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر
نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد ـ (مسئله) تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله صلىاللهعليهوسلم انا سيد ولد آدم ولا فخر ونحو ذلك وقد ذكرنا فى سورة
البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محى الدين عبد القادر رضى الله عنه وكل ولى له
قدم وانى على قدم النبي بدر الكمال وقوله قدمى هذه على رقبة كل ولى الله ومنه ما
ذكر المجدد رض مما أعطاه الله سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة
والرسالة واولى العزم ايضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه
مخلوقا فى طينة النبي صلىاللهعليهوسلم وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال فى مثل
هذه المقال فكانه أنكر هذه الاية الكريمة من الله ذى الجلال غير انه لا بد للتحديث
بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الاجزاء على
مثل هذه الأقوال كيلا يتردى فى ورطة انا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين ـ (فصل)
قال البغوي السنة فى قراءة اهل مكة ان يكبروا من أول السورة والضحى على راس كل
سورة حتى يختم القران فيقول الله اكبر قال البغوي كذلك قرائته على الامام المقري
ابى نصر محمد وذكر سلسلة اسناد قراءة ابى كثير وقال ابن كثير انه قرأ على مجاهد
وهو على ابن عباس وهو على ابن كعب ثم ذكر سلسلة اخرى لاسناد قراءة ابى اسمعيل بن
قسطنطين وشبل بن عباد قال فلما بلغت والضحى قال لى كبر حتى تختم مع خاتمة كل سورة
فانا قرأنا على ابن كثير فامرنا بذلك وأخبره ابن عباس انه قرأ على ابى بن كعب
فامره بذلك وأخبره انه قرأ على النبي صلعم فامره بذلك وكان سبب التكبير ان الوحى
لما احتبس قال المشركون هجره شيطانه وردعه فاغتم النبي صلعم لذلك فلما نزل والضحى
كبر رسول الله صلعم فرحا بنزول الوحى فاخذوه سنة انتهى
وما ذكره البغوي
آخرا ذكره ابو عمرو الداني فى التيسير اولا وما ذكره اولا ذكره الداني آخرا فانه
قال ان البزي روى عن ابن كثير بإسناده انه كان يكبر اخر والضحى مع فراغته ومن كل
سورة الى اخر قل أعوذ برب الناس يصل التكبير فان كان اخر السورة متحركا نحو إذا
حسد والناس والأبتر وصل التكبير وأسقط همزة الوصل منه وان كان ساكنا نحو فحدّث
وفارغب او منونا نحو توابا ولخبير ومن مسد حرك الساكن ونون التنوين بالكسر ووصل
بالتكبير فان شاء القاري قطع عليه اى على التكبير وابتداء بالبسملة موصولة باول
السورة التي بعدها قلت او مفصولة وان شاء وصل التكبير بالبسملة ووصل البسملة باول
السورة ولا يجوز القطع على بسملة إذا وصلت التكبير بها يعنى إذا وصلت التكبير باخر
السورة فالاحتمالات اربعة القطع على التكبير والبسملة او الوصل فيها او القطع على
الاول دون الثاني او بالعكس فيجوز الثلاثة الاول ولا يجوز الرابع قال الداني وقد
كان بعض اهل الأداء يقطع على اواخر السورة ثم يبتدئ بالتكبير موصولا بالبسملة قال
ابو عمرو كذلك روى النقاش عن ابى ربيعة عن البزي وبذلك قرأه على الفارسي عنه وهذا
ما ذكره البغوي اولا قلت وبكلا الوجهين قرأت على الشيخ المقري صالح المصري وهو على
شيخ القراء قدوة المتأخرين الشيخ عبد الخالق المتوفى وذكر الشيخ الصالح المصري صفة
التكبير على رواية البزي لا اله الا الله والله اكبر فان قرأ التكبير أول سورة
والضحى لا يقرأ بعد سورة والناس ولا يقطع على التكبير بين السورتين موصوله للتكبير
بالأولى منها فان وصل التكبير باخر السورة الاولى وجب الوصل بين التكبير والبسملة
وأول السورة جميعا وان قطع التكبير عن اخر السورة فله الخيار فى الوصل والقطع بين
التكبير والبسملة وبينها وبين السورة والله تعالى اعلم.
سورة الانشراح مكية وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ
صَدْرَكَ) هذه الجملة وما بعدها على ما روى البغوي عن ابن عباس متصل
بقوله تعالى الم يجدك يتيما فاوى الى قوله تعالى فاغنى فان صح تلك الرواية فذلك والا
فالظاهر ان هذه السورة ايضا نازلة فى مثل تلك الحالة بعد سوال من النبي صلىاللهعليهوسلم محققا او مقدرا ومعنى الاية على مثل ما سبق شرحنا لك صدرك
حتى اتسع فى صدرك من العلوم الحقة والمعارف الدينية المبصرة بنور الله تعالى ما لا
سبيل إليها لعقل العقلاء واجمع فيه التوجه الى الله تعالى والحضور التام مع التوجه
الى الخلق لاجل الدعوة فى مرتبة النزول فليس لك فى حالة النزول انقطاعا عن الله
تعالى فى الحقيقة حتى تغتم به وشرح الصدر قد وقع للنبى صلىاللهعليهوسلم فى مرتبة العيان مرتين مرة فى صباه كما روى مسلم عن انس ان
رسول الله صلىاللهعليهوسلم أتاه جبرئيل وهو يلعب فى الغلمان فأخذه فصرعه فشق عن قلبه
فاستخرج منه علقة فقال هذا حظ الشيطان منك ثم غسله فى طشت من ماء الزمزم ثم لأمه
وإعادة فى مكانه وجاء الغلمان يسعون الى امه اى ظئره فقالوا ان محمدا قد قتل
فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال انس فكنت ارى اثر المخيط فى صدره ومرة ثانية ليلة
المعراج كما فى الصحيحين عن انس قال كان أبو ذر يحدث ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال ذكر ايضا قصة المعراج وفيه فنزل جبرئيل ففرج صدرى ثم
غسله بماء الزمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلى حكمة وايمانا فافرغه فى صدرى ثم اطبقه
وفى رواية فى الصحيحين عن انس عن مالك بن صعصعة ان نبى الله حدثهم فشق ما بين هذه
الى هذه يعنى من ثغرة نحره الى شعرته فاستخرج قلبى ثم أتيت بطست من ذهب مملو
ايمانا فغسل قلبى ثم حشى ثم أعيد وفى رواية ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملى ايمانا
وحكمة الحديث
قلت والعلقة التي
أخرجت من قلب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم هى رزائل العناصر والنفس والقلب الداعية للنفس على كونها
امارة بالسوء وباعثة للجوارح على المعاصي ثم عطف على شرحنا لك صدرك المفهوم من الم
نشرح قوله تعالى. (وَوَضَعْنا عَنْكَ
وِزْرَكَ) الوزر فى الأصل الجبل قال الله تعالى كلّا لا وزر يعنى جبل
هناك يلتجى اليه والمراد هاهنا الثقل على سبيل الاستعارة وذلك الثقل اما ان يراد
به غم الفراق وتوهم الوداع الذي احزن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وانقض ظهره فزال الله سبحانه ذلك الغم والحزن بانزال
الآيات من سورة الضحى والم نشرح حتى سكن للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم جاشه واستقر نفسه وعلم ان ذلك الفراق ليس على سبيل الوداع
والقلى بل لحكمة ومنفعة فعد الله سبحانه ازالة هذا النعم من النعم واما ان يراد به
ثقل التكاليف الشرعية من دعوة الحق وتبليغ الاحكام وإتيان ما امر الله به وانتهاء
كل ما نهى فان التكاليف الشرعية شاق إتيانها الم تر ان السموات والأرض والجبال
أبين ان يحملنها وأشفقن منها وقال الله تعالى وانها لكبيرة الا على الخاشعين فلما
شرح الله صدره صلىاللهعليهوسلم للايمان والحكمة وأزال عنه حظ الشيطان ورزائل النفس التي
جبلت عليها النفوس صارت التكاليف الشرعية له صلىاللهعليهوآلهوسلم طبيعته ومرغوبة ومحبوبة حتى قال وجعلت قرة عينى فى الصلاة
وهذه المرتبة التي عبر الله سبحانه عنها بوضع الوزر يسمونها الصوفية بالايمان
الحقيقي وهذا هو المعنى من قولهم بسقوط التكليف عن الصوفي وهذه المرتبة العليا
اعنى شرح الصدر ووضع الوزر حصلت للنبى صلعم ظاهرا وعيانا كما روينا وتحصل لاولياء
أمته بوراثته باطنا بحيث يظهر فى المثال وذلك بعد فناء النفس وزوال العين والأثر
وهناك يحكم الصوفية العلمية ويبشرون بشرح الصدر والايمان الحقيقي كذا قال المجدد
رض واستعدنا من المشائخ الكرام عليهم الرحمة والرضوان وما قال عبد الله بن يحى
وابو عبيدة يعنى حققنا عنك أعباء النبوة والقيام بامرها يناسب التأويل الثاني مما
قلنا وما ذكرنا من التأويلين اولى مما قيل ان معناه خططنا عنك ما سلف منك فى
الجاهلية من الزلات لان النبي صلعم ارفع شانا من ان يصدر عنه زلة وما قيل المراد
بالوزر ترك الأفضل مع إتيان الفاضل وغيرها من التكلفات. (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) اى أثقله فاوهنه حتى سمع له نقيض اى صوت مثل صوت الرجل عند
ثقل الحمل صفة الوزر فان كان المراد من الوزر غم الفراق كما ذكرنا اولا فلا حاجة
الى التكلف
والتأويل فأنه كان
انقض ظهره وان كان المراد به كلفة التكليف كما ذكرنا ثانيا فمعناه لو لا شرحنا
صدرك ووضعنا وزرك انقض كلفة التكليف ظهرك ولم تستطع إذا ما وجب عليك حق ادائه قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لو لا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا يعنى لو لا
فضل الله ولما كان كلفة التكليف موجبا لنقض الظهر فى الدنيا مانعا عن إتيان
الواجبات أورد النقض بصيغة الماضي كما قيل مع كون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معصوما كان المناسب حينئذ إيراد صيغة المستقبل فان المعاصي
لا تنقض الظهر الا فى الاخرة حين يجازى عليها. (وَرَفَعْنا لَكَ
ذِكْرَكَ) ط روى البخاري عن ابى سعيد الخدري عن النبي صلى الله تعالى
عليه واله وسلم انه سال جبرئيل عن هذه الاية ورفعنا لك ذكرك قال الله تعالى إذا
ذكرت ذكرت معى قلت هذه الاية والحديث يقتضى ان الملأ الأعلى إذا يذكرون الله تعالى
يذكرون معه محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم وقد سبق انه مكتوب على ساق العرش وقد مر فى سورة البروج ما
روى البغوي بسنده عن ابن عباس قال ان فى صدر اللوح لا اله الا الله وحده دينه
الإسلام ومحمد عبده ورسوله الحديث قال عطاء عن ابن عباس يريد الاذان والاقامة
والتشهد والخطبة على المنابر ولو ان عبدا عبد الله وصدقه فى كل شىء ولم يشهد ان
محمدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم ينفع بشئ وكان كافرا قال الحسان ابن ثابت رض أعز عليه
بالنبوة خاتم من الله مشهود يلوح ويشهد وضم الإله اسم النبي باسمه إذا قال فى
الخمس الاذان اشهد فشق له من اسمه لحله فذو العرش محمود ذاك محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وقيل رفعه بأخذ ميثاقه على النبيين والزمهم الايمان به
والإقرار بفضله. (فَإِنَّ مَعَ
الْعُسْرِ) الذي أنت فيه (يُسْراً) عظيما فان تنكيره للتعظيم وهذه الجملة واقع موقع التعليل
المحذوف تقديره لا تحزن على ما أصابك من العسر فان مع العسر يسرا انّ مع العسر
يسرا قيل التنكير لتاكيد الوعد وتعظيم الرجاء والصحيح انه استيناف وعده بان العسر
مشفوع ميسر اخر لما روى عبد الرزاق فى تفسيره والحاكم فى المستدرك والبيهقي فى شعب
الايمان مرسلا انه لما نزلت هذه الاية قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ابشروا قد جاءكم اليسر انه لن يغلب عسر يسرين ورواه ابن
مردويه بإسناد ضعيف عن جابر وله شاهد موقوف على عمر رواه مالك فى الموطإ والحاكم
وقال هذا أصح طرقه وقال البغوي قال ابن مسعود لو كان العسر
فى حجر لطلبه اليسر
حتى يدخله انه لن يغلب عسر يسرين قال اهل العربية ان الكلمة إذا أعيد معرفة
فالثانية عين الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان الأصل فى اللام العهد وإذا
أعيدت نكرة فالثانية غير الاولى سواء كانت اولى معرفة او نكرة لان حمل الكلام على
التأسيس اولى من حمله على التكرير والتأكيد قال فى تنقيح الأصول ان أقر بألف مقيدا
بصك مرتين يجب الالف وان أقربه منكرا يجب الفان عند ابى حنيفة رحمة الله تعالى الا
ان يتحد المجلس قلت معنى إذا قامت القرينة ان المراد بالثاني هو الاول فان قيل هذا
قول مدخول فيه فانه إذا قال الرجل ان مع الفارس سيفا ان مع الفارس سيفا لا يوجب ان
يكون الفارس واحدا والسيف اثنان قلنا نعم إذا قامت القرينة ان الثانية هى الاولى
يحمل على الاتحاد ومثال الفارس والسيف من هذا القبيل واما الاية فانه تصلح
التأويلين لكن ما فسر به النبي صلىاللهعليهوسلم والصحابة رضى الله تعالى عنهم هو التأويل الصحيح وقال
البغوي ما حاصله ان المراد بالآية ان مع العسر الواحد يسران لكن لا لتكرير النكرة
بل لاجل ان قوله تعالى مع العسر يسرا متصل بما سبق ليليه ووعده النبي صلىاللهعليهوسلم خاصة باليسر والغنى فى الدنيا عاجلا بعد الفقر الذي كان
فيه ثم أنجز ما وعد وفتح عليه القرى ووسع ذات يده حتى كان يعطى المائتن من الإبل
ويهب الهبات المسنية وقوله. (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً) ط كلام مبتداء يدل عليه بقرينة عن الفاء والواو وهذا وعد
لجميع المؤمنين ومجازة ان مع العسر فى الدنيا للمومنين يسر فى الاخرة فصار للنبى صلىاللهعليهوسلم مع عسر واحد يسران يسر فى الدين ويسر فى الاخرة وقوله لن
يغلب عسر يسرين فانه وان غلب يسرا واحدا وهو اليسر فى الدنيا فلن يغلب يسر الاخرة
البتة وهو قوى أبدى قال البغوي رحمة الله تعالى جعل اللام فى العسر للعهد وفى
الثاني للجنس والله تعالى اعلم فبعض المفسرين قالوا المراد بالعسر الفقر والشدة
والبلاء من المشركين الذين كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيه واشتكى منه الى ربه والمراد باليسر الاول زوال تلك
الحالة بنصر الله تعالى والغنى بعد الفقر وقال البيضاوي المراد بالعسر ضيق الصدر والوزر
المنقض للظهر وضلال القوم وإيذائهم وباليسر الاول شرح الصدر ووضع الوزر والتوفيق
للاهتداء والطاعة واما اليسر الثاني فالمراد به
عند كلهم ثواب
الاخرة قالوا معنى الكلام ان بعد العسر يسرا وانما أورد مع موضع بعد مبالغة فى
معاقبة اليسر للعسر واتصاله به اتصال المتقاربين وعندى المراد بالعسر التوجه الى
الخلق فى مقام النزول الموجب للحزن والغم والمراد باليسر الاول التوجه الى الخالق
فى عين مقام النزول فان الصوفي فى تلك الحالة وان كان فى بادى النظر معرضا من الله
تعالى متوجها الى الخلق لكنه فى الحقيقة ليس بمعرض عنه تعالى بل مقبل اليه ايضا
واتسع صدره للتوجهين جميعا بل التوجه الى الخلق لما كان بإذن الله وعلى حسب امره
ومرضاته فهو ايضا فى الحقيقة توجه الى الله سبحانه ومن ثم سمى هذا اليسر السير من
الله بالله فعلى هذا كلمة مع فى قوله تعالى فان مع العسر يسرا بمعناه الحقيقي بمعنى
المقارنة واما كلمة مع فى الجملة الثانية فلا شك انه على المجاز كما قالوا او معنى
الكلام على هذا التأويل لا تحزن فان مع العسر والتوجه الى الخلق الموجب لحزنك يسرا
وتوجها الى الخالق ليست بهجوب عنه الاخرة وخلوص التوجه الى الله تعالى فى الاخرة
من غير شائبة حجاب وغيبة. (فَإِذا فَرَغْتَ
فَانْصَبْ) قال المفسرون النصب التعب والمعنى فاذا فرغت من دعوة الخلق
فانصب واتعب بالعبادة شكرا لما عددنا عليك من النعم السابقة ووعدناك بالنعم الآتية
او المعنى إذا فرغت من عبادة فانصب فى عبادة اخرى ولا تجعل وقتا من أوقاتك ضائعا خاليا
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ليس يتحسر اهل الجنة الأعلى ساعة مرت بهم ولم يذكروا الله
فيها وقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي إذا فرغت من الصلاة المكتوبة او
مطلق الصلاة فانصب الى ربك فى الدعاء وارغب اليه فى المسألة يعنى قبل السلام بعد
التشهد او بعد السلام وقال الشعبي إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك وقال ابن
مسعود إذا فرغت من الفرائض فانصب فى قيام الليل وقال الحسن وزيد بن اسلم إذا فرغت
من جهاد عدوك فانصب فى عبادة ربك وهذا معنى قوله صلىاللهعليهوسلم رجعنا من الجهاد الأصغر الى الجهاد الأكبر وقال منصور عن
مجاهد إذا فرغت من امر الدنيا فانصب فى عبادة ربك وقال حبان عن الكلبي إذا فرغت من
تبليغ الرسالة فانصب اى استغفر لذنبك وللمومنين فوجه اتصال هذه الاية بما سبق ان
عند النعماء سبب للشكر واما على تأويلنا فمعنى الاية إذا فرغت
من دعوة الخلق
المقصود من النزول الأتم فانصب اى انتصب وارتفع الى مدارج العروج ومقام الشهود فى
الصحاح نصب الشيء وضعه وضعا ثانيا كنصب الزرع والبناء والحجر وفى القاموس نصب كفرج
اعنى وهم ناصب اى منصب ونصب الشيء وضعه ورفعه ضد كنصبه فانتصب وتنصب وناقة نصباء
مرتفعة الصدر وتنصب الغراب ارتفع فعلى هذا التأويل هذه الاية فى مقام التسلية
مرادف بقوله تعالى ان مع العسر يسرا الاية. (وَإِلى رَبِّكَ
فَارْغَبْ) ع عطف تفسيرى يقوله فانصب يعنى ارغب بالسؤال الى ربك ولا
تسال غيره قال عطاء تضرع اليه راهبا من النار راغبا فى الجنة وقيل فارغب اليه فى
جميع أحوالك قال الزجاج اجعل رغبتك الى الله وحده والجار والمجرور متعلق بمحذوف دل
عليه ما بعده يعنى فانصب وارغب الى ربك فارغب قلت تكرار الأمر بالرغبة لان الرغبة
الاولى الى آلاء الله وصفاته والثانية الى ذاته المجردة الرفيعة عن الشيون
والاعتبارات قرأة سورة الم نشرح لك صدرك يؤيد فى مقام النزول كما ان سبح اسم ربك
الأعلى يؤيد فى مقام العروج وقد ذكرنا هناك والله تعالى اعلم.
سورة التّين مكّيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالتِّينِ
وَالزَّيْتُونِ) قال ابن عباس والمجاهد والحسن وابراهيم وعطاء ومقاتل
والكلبي تينكم الذي تأكلون وزيتونكم هذا الذي تعصرون منه الزيت قيل خص التين
بالقسم لانه فاكهة مخلقة لا عجم لها شبيهة بفاكهة الجنة قيل فى الحديث انه بقطع
البواسير وينفع من النقرس رواه الثعلبي وابو نعيم فى الطب من حديث ابى ذر بإسناد
مجهول والزيتون شجرة مباركة وهو ثمر دهن يصلح للاصطباع وقال عكرمة هما جبلان وقال
قتادة التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس وقال ابو محمد بن كعب
التين مسجد اصحاب كهف والزيتون ايليا. (وَطُورِ) يعنى الجبل الذي كلم الله تعالى موسى عليهالسلام بين مصر وايلة (سِينِينَ) قال الضحاك هو لغة نبطية ومعناه الحسن وقال مقاتل كل جبل
فيه أشجار شمرة فهو سنين وسينا بلغة بنط وقال عكرمة اسم للمكان الذي به هذا الجبل
وكذا سيناء وقيل سريانية معناه الملتف بالأشجار وقيل لغة حبشية وقال مجاهد معناه
البركة اى جبل مبارك وقال قتادة معناه الحسن اى جبل حسن وقال الكلبي معناه الشجر
اى جبل ذو شجر وقيل اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها بوجودها عنده. (وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) اى ذا امانة يحفظ من دخل فيه كما يحفظ الامين ما ائتمن
عليه او بمعنى فاعل او مفعول يعنى أمن من دخل فيه او المأمون فيه يا من فيه من
دخله والمراد به مكة يا من الناس فيه فى الجاهلية والإسلام اقسم الله سبحانه بهذه
الأشياء لان منبت التين والزيتون مهاجر ابراهيم ومقر الأنبياء ومهبط الوحى وطور
المكان الذي نودى به موسى ومكة بيت الله الحرام ومولد النبي صلىاللهعليهوسلم ومهبط الوحى اليه جواب القسم. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) اى الجنس (فِي أَحْسَنِ
تَقْوِيمٍ) تفعيل من القيام والقوام قال فى الصحاح القيام والقوام اسم
لما يقوم به الشيء اى تثبت قلت وهو ما يتحقق به الشيء يعنى احسن حقيقته وماهيته
وذلك لاستجماعه ما فى عالم الكبير من لطائف عالم الأمر وعناصر عالم الخلق والنفس
الناطقة المنشاة عن العناصر ولذلك
الاستجماع يظهر
فيه خصائص الكائنات كلها من الصفات الملكية والسبعية والبهيمية والشيطانية ويتصف
بالصفات الكاملة المنعكسة من الصفات الالهية من الحيوة والعلم والقدرة والارادة
والسمع والبصر والكلام والمجنة التي سميت بناء العشق يتزين بنور العقل ويستعد
للتجليات الظلية والصفاتية والذاتية ومن ثم اعطى خلعة الخلافة انى جاعل فى الأرض
خليفة وقيل معنى احسن تقويم اى احسن صورة فان التقويم مصدر بمعنى التعديل فى
القاموس قومته عدلته فهو قويم ومستقيم والمصدر هاهنا بمعنى المفعول او بمعنى
الفعيل اى احسن صورة ومعدل قويم وذلك لان كل حيوان خلق مكبا على وجهه الا الإنسان
خلق مستقيم القامة بادى البشرة يتناول ماكوله بيده. (ثُمَّ رَدَدْناهُ) اى صيرناه (أَسْفَلَ سافِلِينَ) قال البغوي نكرة تعم الجنس يعنى بمعونة المقام كما يقال
كريم قائم ويؤيده ما فى مصحف ابن مسعود أسفل سافلين وان لم تعم فهو مهملة فى قوة
الجزئية فيجوز ان يكون بعض السافلين أسفل منه ويوافق هذه الاية اعنى خلق الإنسان
فى احسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين قوله عليه الصلاة والسلام ما من مولد الا
يولد على فطرة الإسلام ثم أبويه يهوادنه وينصرانه ويمجسانه متفق عليه من حديث ابى
هريرة غير ان فى الاية أسند الرد الى الله تعالى نظرا الى انه خالق لافعال العباد
وفى الحديث الى الأبوين نظرا الى الكسب ولعل المراد بالسافلين ما جعله الله سبحانه
سافل الاستعداد بحيث لا يمكنه تحصيل كمال من الكمالات الانسانية والصعود الى مصاعد
القرب والتجليات الرحمانية من السباع والبهائم والشياطين والاجنة وجمعه سالما
تغليبا للعقلاء منهم على غيرهم وهم الشياطين ومردة الجن فالانسان لما ضيع استعداده
وترك شكر المنعم وإتيان موجبات الفوز ورضوان الله تعالى واتى بموجبات سخطه من
الكفر ومقتضياته جعل أخبث من كل خبيث وأحط مرتبة من كل دنى وأسوأ حالا وابتر مالا
من الكلاب والخنازير بل من الشياطين ايضا لما ورد فى حديث انس قال ويعرج له اى
للكافر فرجة قبل الجنة فينتظر الى زمرتها وما فيها فيقال به انظر الى ما صرف الله
عنك ثم يعرج له فرجة الى النار الحديث رواه ابن ماجة من حديث ابى هريرة وذلك ليفرح
المؤمن كمال الفرح ويتحسر الكافر كمال الحسرة وروى البخاري عن ابى هريرة قال قال
رسول الله صلعم لا يدخل الجنة أحد الا ارى مقعده
من النار لو أساء
ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد الا ارى مقعده من الجنة لو احسن ليكون عليه حسرة
واما الشياطين فليس كذلك ولم يكن لهم مقعد فى الجنة لعدم استعدادهم دخولها وقال
الحسن ومجاهد وقتادة معنى الاية ثم رددناه أسفل سافلين يعنى الى النار لان جهنم
بعضها أسفل من بعض وقال ابو العالية يعنى الى النار فى شر صورة فى صورة خنزير
ونحوه. (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) استثناء متصل من الإنسان لاخراجهم من حكم الرد فانهم لا
يرددون الى النار ولا يصيرون الى أخبث الأحوال (فَلَهُمْ) اى للمومنين الصالحين (أَجْرٌ غَيْرُ
مَمْنُونٍ) ط اى غير مقطوع او لا يمن به عليهم الفاء للسببية والجملة
فى مقام التعليل للاستثناء مقرر له وقيل معنى الاية خلقنا الإنسان فى احسن تقويم
اى اعدل صورة او أقوم حالة بحيث تيسر له كل ما أراد به وبتسخير له الحيوانات كلها
والبر والبحر بل الجن والشياطين ايضا ثم رددناه فى بعض الافراد اى صيرناه بالهرم
وأرذل العمر أسفل السافلين والسافلون هم الضعفاء والزمناء والأطفال فان الشيخ
الكبير إذا زال عقله وضعف بدنه وغلب عليه العوارض والأمراض يصير أضعف من الضعفاء
فعلى هذا قوله تعالى الا الذين أمنوا وعملوا الصالحات استثناء منقطع بمعنى لكن
للاستدراك ودفع توهم نشأ وهو ان المؤمنين ايضا بعد الهرم وسوء الكبر يكونون أسوأ
حالا من الضعفاء ووجودهم فى هذه الحالة وبال عليهم فقال الله لكن الذين أمنوا
وعملوا الصالحات قبل الهرم فى حالة القوة والشباب فاجورهم غير مقطوعة لا يزال يكتب
حسناتهم على حسب ما كانوا يعملون قال الضحاك اجرا بغير عمل اخرج ابن جرير من طريق
العوفى عن ابن عباس فى هذه الاية قال هم نفر ردوا الى أرذل العمر على عهد رسول
الله صلعم فسئل حين اسفت عقولهم فأنزل الله عذرهم ان لهم أجرهم الذي عملوا قبل ان
تذهب عقولهم قال البغوي قال عكرمة لا يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما
كان يعمل وروى العاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال الا الذين أمنوا وعملوا
الصالحات قال الا الذين قرؤا القران لم يردوا الى ارزل العمر وقال جلال الدين
المحلى رحمة الله تعالى إذا بلغ المؤمن من الكبر بالعجز عن العمل كتب له ما كان
يعمل وروى عن انس ان رسول الله صلعم قال إذا ابتلى المسلم ببلاء فى جسده قال للملك
اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل وعن عبد الله ابن عمر ونحوه رواهما البغوي فى شرح
السنة وروى البخاري عن ابى موسى نحوه فى المريض
والمسافر فان قيل
مقتضى البلاغة تأكيد الكلام على قدر انكار المخاطب وكون الإنسان مخلوقا على احسن
صورة ثم رده بالهرم الى ضعف امر بديهي لا ينكره أحد فكيف أورد الكلام بالقسم ولام
التأكيد وكلمة قد على هذا التأويل قلنا لما كان تحول الأحوال على الإنسان دليلا
واضحا على جواز الاعادة والجزاء والكفار كانوا ينكرون الاعادة والجزاء كانهم
أنكروا التحول لانه من أنكر المدلول فكانه أنكر الدليل الواضح لاستلزام أحدهما
الاخر. (فَما يُكَذِّبُكَ
بَعْدُ بِالدِّينِ) المخاطب به الإنسان على سبيل الالتفات يعنى فاى شىء يحملك
ايها الإنسان على التكذيب بالجزاء أو اى شىء جعلك كاذبا حيث تقول خلاف الحق ان لا
بعث ولا جزاء بعد تلك الدلائل الواضحة من نفسك ان خلقك فقويك ثم ضعفك فاماتك قادر
على اعادتك وجزاء أعمالك والاستفهام للتوبيخ والإنكار يعنى لا ينبغى لك التكذيب
بالجزاء او المخاطب به النبي صلعم وما للنفى وللاستفهام الإنكاري والمعنى لا شىء
يكذبك او فاى شىء يكذبك اى يدل على كذبك فى قولك بالجزاء بالدلائل الواضحة على
صدقك فينظر هذه الاية قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين وقيل ما بمعنى من
والاستفهام للتعجب يعنى من ينسبك الى الكذب بعد تلك الشواهد على الصدق عجبا منه. (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) ع استفهام إنكاري للنفى ونفى النفي اثبات فهو تحقيق وتقرير
لما سبق والمعنى أليس الذي فعل ذلك من الخلق والرد باحكم الحاكمين صنعا وتدبير او
من كان كذلك كان قادرا على الاعادة والجزاء والجملة لتسلية النبي صلىاللهعليهوسلم على تكذيب الكفار إياه مكابرة وعنادا او وعيد للكفار
والمعنى أليس الله باقضى القاضين فهو يحكم بينك وبين من كذبك يا محمد كذا قال
مقاتل او هى فى مقام التعليل بقوله تعالى فما يكذبك لا ينبغى لك ايها الإنسان
التكذيب قال الله احكم الحاكمين عليك بالعذاب عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قرأ بالتين فانتهى الى آخرها أليس الله باحكم الحاكمين
فليقل بلى وانا على ذلك من الشاهدين رواه ابو داود وعن البراء ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان فى سفر فقرأ فى العشاء فى أحد الركعتين بالتين
والزيتون رواه البخاري والله تعالى اعلم.
سورة العلق
مكيّة وهى تسع عشرة اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى البغوي بسنده
عن عائشة قالت أول سورة نزلت اقرأ باسم ربك وعليه اكثر المفسرين وأول ما نزل خمس
الآيات من أولها الى قوله تعالى ما لم يعلم عن عائشة أم المؤمنين انها قالت ما بدأ
به رسول الله صلعم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم وكان لا يرى رؤيا الا جاءت
مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو تعبد
الليالى ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذلك ثم يرجع الى خديجة فيتزود
امثلها حتى جاءه الحق وهو فى حراء فجاءه الملك فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال
فاخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقاري قال فاخذنى
فغطنى الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقاري قال فاخذنى
فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال (اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ
الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فرجع بها رسول الله صلعم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت
خويلد فقال زملونى فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر وقال لقد
خشيت على نفسى فقالت كلا والله ما يحزنك الله ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل
وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على توايب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة
بن نوفل بن أسيد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ تنصر بالجاهلية وكان يكتب
الكتاب العبرى فيكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله ان يكتب وكان شيخا كبيرا قد
عمى فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ما ذا ترى
فاخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبر ما راى فقال له ورقة هذا الناموس انزل الله على موسى
يا ليتنى فيها جذعا يا ليتنى أكون حيا او يخرجك قومك قال رسول الله صلعم او مخرجىّ
هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به الا أوذي
وان يدركنى يومك
ينصرك نصرا مؤزرا ثم لم يلبث ورقة ان توفى وفتر الوحى متفق عليه وقيل المدثر أول
القرآن نزولا وقد ذكرنا هناك وقيل أول ما انزل سورة الفاتحة لما روى البيهقي فى
الدلائل ان خديجة قالت لابى بكر يا عتيق اذهب به الى ورقة فاخذه ابو بكر فقص عليه
ما راى فقال عليه الصلاة والسلام إذا خلوت وحدي سمعت نداء يقول يا محمد يا محمد
فانطلق هاربا فقال لا تفعل إذا قال فاثبت حتى تسمع ثم انتهى فأخبرنى فلما خلا
فناداه يا محمد فثبت فقال قل (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) الى آخرها ثم قال قل لا اله الا الله الحديث والصحيح هو
الاول قال البغوي وهو الصواب الذي عليه جماهير الخلف والسلف وما قيل انه أول ما
نزل فيها يايها المدثر فمحمول على انه أول ما نزل بعد فترة الوحى وأول سورة نزلت
بكمالها الفاتحة او يقال أوليتها اضافية أول اكثر القران بعد اقرأ والمدثر
واختلفوا فى مدة الخلو بغار حراء وفى الصحيحين جاورت بحراء شهرا وهو شهر رمضان كما
رواه ابن اسحق فى السيرة وأفاد الزرقانى انه لم يصح اكثر منه وروى مسوار بن مصعب
أربعون يوما لكنه متروك الحديث قاله الحاكم وغيره ورجح بعض العلماء هذا قياما على
ميقات موسى عليهالسلام واستدلالا بقوله صلىاللهعليهوسلم من أخلص لله أربعين يوما ظهر ينابيع الحكمة من قلبه الى
لسانه رواه ابو نعيم فى الحلية عن أيوب لكن الحديث ضعيف وكذا القياس لان ميعاد
موسى كان ثلثين ليلة فاتمها الله أربعين بعارضة قال الله تعالى (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً
وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) واختلفوا فى كيفية تعبده فقيل مشرع نوح وابراهيم وعيسى
وليس بشئ لكونه اميا والصحيح انه كان يتعبد بالانقطاع عن الخلق والنيل الى الحق
والتفكر قال القسطلاني ولم تكن الرجفة المذكورة فى الحديث خوفا من جبرئيل عليهالسلام فانه صلىاللهعليهوسلم أجل من ذلك واثبت جنانا بل خشية ان يشتغل بغير الله عنه
تعالى قيل خاف من ثقل أعباء النبوة وروى ابو نعيم ان جبرئيل وميكائيل شقا صدره هنا
وغسلاه ثم قالا اقرأ باسم ربك الآيات (مسئلة) وهذه القصة تدل على ان التسمية ليست
جزء من كل سورة لكن روى ابن جرير عن ابن عباس قال أول ما نزل جبرئيل على محمد صلعم
قال يا محمد استعذ قال
أستعيذ بالسميع
العليم من الشيطان الرجيم ثم قال قل بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال اقرأ باسم ربك
الذي خلق وهذه الرواية شاذة فى مقابلة الصحاح ـ (فائده)
ومدة فترة الوحى ذكر السهيلي ان الفترة كانت سنتين ونصفا ووقع فى التاريخ الامام
احمد عن الشعبي أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين فقرن نبوته اسرافيل ثلث سنين
فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه القران على لسانه فلما مضت ثلث سنين قرن
نبوته جبرئيل فينزل عليه القران على لسانه عشرين سنة وقد ذكرنا حزن النبي صلعم فى
ايام الفترة فى سورة والضحى قوله تعالى (اقْرَأْ) امر بالقراءة والمفعول محذوف اى اقرأ القران مفتحا او
متبركا (بِاسْمِ رَبِّكَ) فهو منصوب على الحال يعنى قل باسم الله ثم اقرأ القران
ويحتمل ان يكون باسم ربك فى محل النصب على المفعولية والباء زائدة يعنى اقرأ اسم
ربك ولم يقل اسم الله لان الله علم لذات الواجب ولا بسبيل الى معرفة الذات الا
بالتفكر فى الآثار والصفات واظهر الصفات بالنسبة إلينا صفة الخلق والتربية التي
تنبه على التحول احوال الممكنات الدال على حدوث العالم الموصل الى العلم بالمحدث
القديم المنزه عن شوايب النقص والزوال واحتمال التحول عن حال الى حال وفيه اشارة
الى ان الصوفي يلتزم او لا على ذكر الاسم لكى يهتدى به الى المسمى لكن الصوفية
اختاروا من الأسماء اسم الذات لان سلوك الطريقة يكون بعد الايمان المجازى بذات
الواجب فالاول فى حقه اسم الذات لاستجماعه فى الدلالة على الصفات كلها ولو اجمالا
ولكونه اقرب من الذات والمقصود هو الذات وقال الطيبي هذا امر بايجاد القراءة مطلقا
وهو لا يختص بمفرد دون مفرد فهو بمنزلة اللام والباء للاستعانة والجملة فى جواب
قوله صلىاللهعليهوسلم ما انا بقاري والمعنى قاريا لا بقوتك ومعرفتك بل باعانة
ربك وقوته لفظة اسم على هذا مقحم كما فى قوله تعالى سبح اسم ربك (الَّذِي خَلَقَ) ج صفة موضحة للرب فان الربوبية يقتضى الخلق والتربية من
النقصان الى الكمال وحذف مفعول خلق للدلالة على التعميم اى خلق كل شىء ومن جملته
خلق القدرة على القراءة ونزل خلق منزلة اللازم يعنى الذي له صفة الخلق والتكوين
ولا يمكن اتصاف أحد غيره بتلك الصفة (خَلَقَ الْإِنْسانَ) الظاهر انه جملة مستانفة كانه فى جواب سوال ما خلق وانما
خص الإنسان بالذكر بوجوه أحدها انه أشمل المخلوقات اجزاء فان كل ما هو
فى العالم الكبير
فهو ثابت فيه ولذا سمى عالما صغيرا فالحكم بانه خلق الإنسان حكم بخلق كل شىء من
عوالم الخلق والأمر ثانيها انه اشرف المخلوقات مستعد لتجليات الصفات والذات اولى
بالمعرفة التي هى المقصود بخلق الكائنات قال الله تعالى وما خلقت الجن والانس الا
ليعبدون اى ليعرفون وفى الحديث القدسي لولاك لما خلقت الافلاك ولما أظهرت الربوبية
خص النبي صلعم هاهنا بالذكر لكونه أكمل افراد الناس معرفة وفى الحديث كنت كنزا
مخفيا فاحببت ان اعرف فخلقت الخلق فخص الإنسان فى هذه الاية بالذكر إظهارا لشرفه
وبيانا لانه المقصود بالخلق وثالثها انه هو المخاطب بالشرائع والمكلف بالتكليفات
الشرعية اولا وانه اعرف بحاله من حال غيره فاستدلاله على الصانع بانقلابات أحواله
اولى واقرب لحصول المعرفة ويجوز ان يكون المحذوف من الجملة الاولى كاف الخطاب اى
الذي خلقك الجملة الثانية مستانفة فى جواب سوال مقدر وهو من اى شىء خلقه قال الله
تعالى خلق الإنسان بلفظ الجنس لاشتراك افراد الإنسان فيه اختصاص ما منه الخلق بالمخاطب
ويحتمل ان يكون المفعول المحذوف من الجملة الاولى هو الإنسان والجملة الثانية
تأكيد لها فسر بعد الإبهام تفخيما لخلقه وليكون أوقع فى النفس ويحتمل ان يكون
المراد بالإنسان هو النبي صلىاللهعليهوسلم خص بالذكر إظهارا لشرفه ولانه هو المخاطب به (مِنْ عَلَقٍ) ج جمع علقة أورد صيغة جمع لان الإنسان جنس فى معنى الجمع
ولعل العدول من قوله خلق الإنسان من نطفة او من تراب لمراعاة الفواصل والاشارة الى
جميع أطوار خلقه حيث أشار الى ما توسط منها فان هذا خلقه من الطين ثم من الاغذية
التي تصير بعد تحويلات منيا ثم تصير المنى علقة ثم العلقة مضغة ثم المضغة عظاما ثم
تكسى العظام لحما ثم ينفخ فيه الروح فذكر المتوسط يشعر بما سبقه وما لحقه من
الأطوار (اقْرَأْ) تكرير للتاكيد وللمبالغة والاول مطلق والثاني للتبليغ او
فى الصلاة وجاز ان يكون باسم ربك متعلقا بهذا ويكون الاول نازلا منزلة اللازم
والثاني مستانفة تقديره اقرأ اى صرقاريا فكانه قال ما اقرء وكيف اقرء فقال الله
تعالى اسم ربك اقرأ او باسم ربك اقرأ القران وعلى هذا يحتمل ان يكون ما فى قوله صلىاللهعليهوسلم ما انا بقاري فى جواب قول جبرئيل اقرأ استفهامية والباء فى
الخبر زائدة على لغة اهل المصر ويمكن ان يقال ما فى المرتبة الاولى
نافية وبعد ما غطه
جبرئيل كانت استفهامية (وَرَبُّكَ) مبتداء والواو للحال (الْأَكْرَمُ) صفة للمبتداء او خبر له الزائد فى الكرم على كل كريم فرض
وجوده حيث ينعم بلا غرض ما لا يمكن إحصاءه كمّا وكيفا ومورد او بحلم عن جهل العباد
فاما ان يعفو اولا يعجل فى العقوبة مع العلم وكمال القدرة على الانتقام فورا
فالافضلية على سبيل الفرض ولو كان المفروض محالا او فى الحقيقة هو الكريم وحده لا
شريك له فى الذات ولا فى صفة من الصفات ولذا قالوا افعل وفعيل فى صفات الله تعالى
بمعنى واحد فاطلاق لفظ الكريم او الرحيم او السميع او البصير ونحو ذلك على غيره
تعالى كأنه بالمجاز لكونه مرأة لصفة كرمه ورحمته وغير ذلك (الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) قيل بالقلم متعلق بمفعول محذوف بعلم تقديره علم الخط
بالقلم ليفيد به العلوم والكتب المنزلة فيبقى بعد مضى الدهور ويعلم به البعيد
وانما خص علم الخط اولا بذكر اظهار الشرفة فان الغرض من التعلم الحفظ وتبقية
العلوم وحفظها غالبا بالكتابة عادة قيل أول من خط إدريس عليهالسلام قلت والظاهر ان قوله بالقلم متعلق بعلم معنى علم العلوم
بتوسط القلم وانما قدمه فى الذكر لكون التعليم بالقلم اسبق التعليمات قال رسول
الله صلعم ان أول ما خلق الله القلم الحديث وقد مر فى سورة ن والقلم والموصول مع
الصلة خبر للمبتداء اولا او بعد خبر او صفة بعد صفة كاشفة للتكريم فان من كمال
كرمه تعليم العلوم وتعليم ما يفيد به العلوم (عَلَّمَ الْإِنْسانَ
ما لَمْ يَعْلَمْ) بخلق العقل والقوى ونصب الدلائل والوحى والإلهام وخلق
العلم الضروري فى الأذهان وإنزال الكتب وإرسال الرسل وتواتر الاخبار وغير ذلك هذه
الجملة خبر للمبتداء ان كان ما سبق صفات وبدل اشتمال من علم بالقلم ان كان الموصول
خبر للمبتداء تقييد العلم اولا بالقلم مع حذف المفعول الاول على التعميم وعدم
تقييده به ثانيا مع تقييده بالإنسان دليل على ان علوم العالمين بعض علم الإنسان
وأخص ولو من وجه فان علوم الملائكة مثلا بتوسط القلم وقد أحاط بها اللوح المحفوظ
الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ولا رطب ولا يابس الا فيه واما علم
الإنسان فمنها ما هو فى اللوح مكتوب بالقلم ومنها ما لا يحيط به الكتاب ولا يتصد
به القلم يدل عليه قوله تعالى وعلم آدم الأسماء كلها الاية وذلك لان العلم بكنه
ذات الله تعالى ليس من قبيل العلم الحصولى حتى يتسعه اللوح ويكتبه القلم
بل هو من قبيل
العلم الحضوري بل وراء العالمين يحصل للانسان بعد ماهية الله تعالى ذاتا موهوما
ومن هاهنا قال قائل فان من جودك الدنيا وحزنتها ومن علومك علم اللوح والقلم وجملة
وربك الأكرم حال من فاعل اقرأ فانه لما قيل للنبى صلىاللهعليهوسلم اقرأ فقال ما انا بقاري قيل له اقرأ وربك الأكرم الذي علم
بالقلم علم الإنسان يعنى آدم عليهالسلام او جنس الإنسان الشامل لجميع الأنبياء ما لم يعلم فيعلمك
القراءة وان لم يكن قاريا ويحتمل ان يكون المراد بالإنسان محمدا صلىاللهعليهوسلم فلعله قال النبي صلعم ما انا بقاري فأخذه جبرئيل فغطه ثلثا
حتى بلغ منه الجهد وافعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى فالله سبحانه علم نبيه صلىاللهعليهوسلم بتلك اللفظات الثلاث علوم الأولين والآخرين ثم عد نعمة
عليه فقال علّم الإنسان ما لم يعلم وقال فى موضع اخر وعلّمك ما لم تكن تعلم فان
قيل اى فائدة فى إيراد قوله ما لم يعلم مع ان التعليم لا يتصور الا فيما لا يعلم
قلنا فائدته التصريح بعجز الإنسان التعرف بجهله من قبل العلم ويشكر على تلك النعمة
العظمى وذكر فى مواهب اللدنية روى ان جبرئيل بدأ له صلىاللهعليهوسلم فى احسن صورة وأطيب رائحة فقال يا محمد ان الله يقرأك
السلام ويقول لك أنت رسول الى الجن والانس فادعهم الى قول لا اله الا الله ثم ضرب
برجله الأرض فنبعت عين ماء فتوضا منها جبرئيل ثم امره ان يتوضا وقام جبرئيل يصلى
وامره ان يصلى معه فعلمه الوضوء والصلاة ثم عرج الى السماء ورجع رسول الله صلعم لا
يمر بحجر ولا مدر ولا شجر وهو يقول السلام عليكم يا رسول الله حتى اتى خديجة
فاخبرها فغشى عليها من الفرح ثم أمرها فتوضأ وصلى بها كما صلى له جبرئيل فكان ذلك
أول فرضها ركعتين ثم ان الله أمرها فى السفر كذلك وأتمها فى الحضر وقال ابن حجر فى
فتح الباري كان صلىاللهعليهوسلم قبل الاسراء يصلى قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل فرض قبل
الخمس شىء من الصلاة فقيل ان الفرض كان صلوة قبل طلوع الشمس وغروبها انتهى وقال
أول ما وجب الانذار والدعاء الى التوحيد ثم فرض من قيام الليل ما ذكره فى أول سورة
المزمل ثم نسخه بما فى آخرها ثم نسخه بايجاب الصلاة الخمس ليلة الاسراء بمكة واما
ذكره فى هذه الرواية من ان جبرئيل علمه الوضوء وامره فيدل على فرضية
الوضوء قبل
الاسراء والله تعالى اعلم واخرج ابن المنذر عن ابى هريرة قال قال ابو جهل هل يغفر
محمد وجهه بين أظهركم فقيل نعم فقال واللات والعزى لئن رايته يفعل لاطان على رقبته
ولاغفرن وجهه فى التراب فأنزل الله تعالى. (كَلَّا) ردع لمن كفر بالله لطغيانه وينهى عن الصلاة وان لم يذكر فى
الكلام لدلالة الكلام او الحال عليه او هى بمعنى حقا تحقيقا لما بعده (إِنَّ الْإِنْسانَ) اطلق لفظ الجنس باعتبار بعض افراده يعنى أبا جهل (لَيَطْغى) ليجاوز حده فى
الكفر والتكبر على ربه. (أَنْ رَآهُ) قرأ قنبل بقصر الهمزة والباقون بالمد (اسْتَغْنى) ط ان راى نفسه منصوب على العلية او على الظرفية بتقدير
المضاف اى لان راى او وقت ان راى نفسه غنيا استغنى مفعول ثان للروية فانها من
افعال القلوب ولو كان بمعنى الابصار لا متنع كون الشيء الواحد مرجعا للضميرين
المرفوع والمنصوب كان ابو جهل إذا أصاب ما لا ارتفع فى طعامه وثيابه ومركبه. (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) ط الرجعى مصدر كالبشرى اسم ان والظرف خبره والجملة مستأنفة
للتهديد والتحذير كانه فى جواب ما عاقبة الطاغي والخطاب للانسان على سبيل الالتفات
اى رجوعك الى ربك فيجازيك على طغيانك واخرج ابن جرير عن ابن عباس قال كان رسول
الله صلعم يصلى فجاءه ابو جهل فنهاه فانزل الله تعالى. (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) الى قوله كاذبة خاطئة قوله تعالى (أَرَأَيْتَ) يا محمد استفهام عن الروية للتقرير فهو بمعنى قد رايت فأقر
به او يقال الغرض من الاستفهام الروية ان يخبر المخاطب عما راى فحاصل المعنى
أخبرني ويستعمل فى مقام التعجب والروية من الافعال القلوب يتعدى الى المفعولين
وهما مبتداء او خبر فى المعنى والغرض هاهنا تقرير نسبة بينهما والاستخبار عنها (الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى) ط الظرف متعلق بينهى والمراد بالموصول ابو جهل وبالعبد
محمد صلىاللهعليهوسلم على الالتفات من الخطاب الى الغيبة أورد الله سبحانه لفظ
العبد موقع كاف الخطاب للدلالة على كمال عبوديته وكونه على الحق المبين فان
المقتضى العبودية العبادة وعلى كمال طغيان الناهي وتقبيحه والموصول مع الصلة أحد
مفعولى رايت ومفعول الثاني محذوف فى حكم المذكور حملا
على ذكره فى قوله
تعالى ليطغى تقديره أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى كيف يطغى. (أَرَأَيْتَ) يا محمد (إِنْ كانَ) العبد (عَلَى الْهُدى) حين يصلى. (أَوْ أَمَرَ
بِالتَّقْوى) ط حين يدعون الناس الى التوحيد والصلاة والظاهر النهى كان
عن الصلاة وعن الأمر بالتقوى معا فاقتصر فى الجملة الاولى على أحدهما اكتفاء
بذكرهما فى الثانية ولانه دعوة بالفعل ولان نهى العبد إذا صلى يحتمل ان يكون لها
ولغيرها وعامة أحواله محصورة فى تكميل نفسه بالعبادة وتكميل غيره بالدعوة وهذا شرط
حذف جزاءه بدلالة السياق وهو كيف ينهاه او فيهلك الناهي ويفوز العبد والشرطية قايم
مقام مفعولين لرايت وكذا فى قوله تعالى. (أَرَأَيْتَ) يا محمد (إِنْ كَذَّبَ) الناهي ما هو الحق (وَتَوَلَّى) ط عن الايمان كيف ينجو من عذاب الله بل يهلك والدليل على
المحذوف فى الجملتين قوله تعالى. (أَلَمْ يَعْلَمْ) استفهام إنكاري للتوبيخ والوعيد فان انكار النفي اثبات
تقديره وقد علم (بِأَنَّ اللهَ يَرى) ط متعلق بيعلم قايم مقام مفعولية ويرى بمعنى يعلم حذف
مفعولية بدلالة ما سبق اى يرى الله الناهي ناهيا عن الهدى والأمر بالتقوى بكذبا
بالحق متوليا عن الايمان والعبد على الهدى والأمر بالتقوى وعلم الله يستلزم الجزاء
على حسب ما علم فاطلق الروية وأريد به الجزاء تسمية اللازم باسم الملزوم فتقدير
الكلام وقد علم الناهي ان الله يجزى كلا من الناهي والعبد المصلى على حسب ما علم
فهذه جمل اربع وقال صاحب البحر المواج مثل ما قلت غير انه قال الم يعلم جزاء
الشرطية الثانية وجزاء الشرطية اولى محذوف يقدر مثل الثانية تقديره ارايت ان كان
على الهدى أو أمر بالتقوى الم يعلم بان الله يرى وقيل الخطاب فى ارايت الاولى
والثالثة الى النبي صلىاللهعليهوسلم وفى الثانية الى الكافر تقديره ارايت يا محمد الذي ينهى
إذا صليت طغى ارايت يا أبا جهل ان كان محمد على الهدى أو أمر بالتقوى كيف نهاه
ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل وتولى فكيف ينجو الم يعلم بان الله يرى كما ان الحاكم
بين الخصمين يخاطب تارة هذا وتارة ذاك وقال الشيخ الجلال الدين المحلى معناه وعجب
منه يا مخاطب من حيث نهيه عن الصلاة ومن حيث ان المنهي على الهدى امر بالتقوى ومن
حيث ان الناهي مكذب متول عن الايمان فعلى هذا ايضا الجمل اربع وقيل معناه ارايت
يا محمد الذي ينهى
عبدا إذا صلى كيف صددناه عنك ارايت يا محمد ان كان ابو جهل على الهدى او امر
بالتقوى لكان خيرا له ارايت يا محمد ان كذب ابو جهل وتولى لاعذبنه الم يعلم بان
الله يرى فيجازى على حسب ما عمل وكرر لفظ ارايت ثلثا ولم يكتف على الاول ولم يعطف
الشرطيتين على الذي ينهى لغاية التعجب وقال البيضاوي الذي ينهى أول مفعولى ارايت
والشرطتين مفعوله الثاني على التوزيع وجزاء الشرطية الثانية قوله تعالى الم يعلم
بان الله يرى وجزاء الاولى محذوف اكتفاء بذكره فى الثانية وكلمة ارايت فى الأخريين
لتكرير الاولى غير عاملة فى ما بعدها والمعنى أخبرني عمن ينهى بعض عباد الله عن
صلوته ان كان ذلك الناهي على الهدى فيما ينهى عنه أو أمر بالتقوى فيما يأمر به من
عبادة الأوثان كما يعتقده او ان كان على التكذيب بالحق والتولي عن الصواب كما تقول
الم يعلم ذلك الناهي بان الله يرى ويطلع على أحواله من هداه وضلاله فالكل على هذا
جملة واحدة قال البغوي تقدير النظم ارايت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو على الهدى
امر بالتقوى الناهي مكذب متولى عن الايمان فما اعجب من هذا فالشرطتين فى محل النصب
على الحالية اولى عن مفعول ينهى والثانية عن فاعله والم يعلم جملة مستأنفة للوعيد
وضمير الفاعل راجع الى الذي ينهى. (كَلَّا) ردع للناهى الذي كذب وتولى (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) الذي ينهى عما هو فيه من النهى عن المعروف وتكذيب الحق
والتولي عن الايمان (لَنَسْفَعاً) جواب للقسم لفظا وللشرط معنى ويكتب النون الخفيفة كتنوين
المنصوب على صورة الالف والسفع القبض على الشيء وجذبه بشدة اى لنا جذبة فلنجذبه
الى النار (بِالنَّاصِيَةِ) وهى مقدم الراس اى ناصيه والاكتفاء باللام عن الاضافة
للعلم بان المراد ناصية المذكور. (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ
خاطِئَةٍ) ج وصف الناصية بالكذب والخطأ وهما لصاحبها على الاسناد
المجازى المبالغة وناصية بدل من الناصية وانما جاز لوصفها وجملة لئن لم ينته
مستانفة كانها من جواب ما يفعل الله بالطاغي اخرج الترمذي وصححه وابن جرير عن ابن
عباس قال كان النبي صلىاللهعليهوسلم يصلى فجاء ابو جهل فقال الم أنهك عن هذا فزجره النبي صلىاللهعليهوسلم فقال ابو جهل أشهرني فو الله لأملان عليك هذا الوادي خيلا
جردا ورجالا مردا فانزل الله تعالى. (فَلْيَدْعُ نادِيَهُ)
النادي المكان
الذي يجتمع فيه القوم والمراد اهل النادي اى قومه وعشيرته بحذف المضاف فى اللفظ او
بالمجاز بالإسناد. (سَنَدْعُ
الزَّبانِيَةَ) قال ابن عباس يريد زبانية جهنم قال الزجاج هم الملائكة
الغلاظ الشداد والزبانية جمع زنبى او زبينة كعفرية وفى الأصل الشرط ماخوذ من الزبن
بمعنى الدفع قال ابن عباس لو دعا ناديه لاخذته زبانية الله عيانا وذكر المحلى هذا
الحديث مرفوعا. (كَلَّا) ط اى حقا ما ذكر من السفع بالناصية ودعاء الزبانية ان
دعانا به او المعنى لا يستطيع ان يدعو ناديه ـ (لا تُطِعْهُ) فى ترك الصلاة جملة مستانفة كانه فى جواب ماذا اصنع حين
ينهى ـ (وَاسْجُدْ) عطف على لا تطعه لفظا وتأكيد معنى (وَاقْتَرِبْ) ع من الله بالصلوة روى ابو داود وغيره عن ابى هريرة ان
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فاكثروا الدعاء
امال حمزة والكسائي اواخر هذه السورة من قوله عزوجل ليطفى الى قوله بان الله يرى واما ابو عمرو يرى وحده وما
عداه بين بين ودرش جميع ذلك بين بين والباقون بالفتح وقد ذكرنا بحث سجدة التلاوة
فى سورة انشقت فعند ابى حنيفة رحمهالله تعالى اسجد امر بسجدة التلاوة بدلالة فعله عليه الصلاة
والسلام انه صلى الله تعالى عليه وسلم سجد فى إذا السماء انشقت واقرأ رواه مسلم من
حديث ابى هريرة والجمهور على انه امر بالصلوة تسمية الكل باسم الجزء فانه معطوف
على لا تطعه عطفا تفسير يا قالوا بسنية السجود اقتداء بفعله صلى الله تعالى عليه
واله وسلم وذا لا يقتضى الوجوب ـ والله تعالى اعلم.
سورة القدر مكّيّة وهى خمس آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج الترمذي
والحاكم وابن جرير عن الحسن بن على عليهماالسلام قال ان النبي صلىاللهعليهوسلم ارى بنى امية على منبره فساءه ذلك فنزلت انا أعطيناك
الكوثر ونزلت (إِنَّا أَنْزَلْناهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يملكها بنى امية قال القاسم بن الفضل الهمداني فعددنا فاذا
هى الف شهر لا يزيد ولا ينقص قال الترمذي غريب وقال المزني وابن كثير منكر جدا
واخرج ابن ابى حاتم والواحدي عن المجاهد ان رسول الله صلعم ذكر رجلا من بنى
إسرائيل لبس من السلام فى سبيل الله الف شهر فحجب المسلمون من ذلك فنزلت انا أنزلناه
فى ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من الف شهر التي ليس ذلك
الرجل السلاح فى سبيل الله فيها واخرج ابن جرير عن مجاهد قال كان فى بنى إسرائيل
رجلا يقوم حتى يصبح ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسى فعمل ذلك الف شهر فانزل الله
تعالى ليلة القدر خير من الف شهر عملها ذلك الرجل وروى مالك فى المؤطا انه سمع من
يثق به من اهل العلم يقول ان رسول الله صلعم تفاصر فى أعمار أمته لا يبلغوا من
العمل مثل الذي بلغ غيرهم فى طول العمر فاعطاه الله ليلة القدر خير من الف شهر قلت
هذا مرسل لكنه أصح ما ورد فى الباب وهذا يدل على ان ليلة القدر من خصائص هذه الامة
وبه جزم ابن حبيب من المالكية ونقله عن الجمهور صاحب العدة من الشافعية ويرد عليه
حديث ابى ذر عند النسائي حيث قال قلت يا رسول الله أيكون مع الأنبياء فاذا ماتوا
رفعت قال بل هى باقية ورجح الحافظ ابن حجر كونها فى الأمم الماضية وقال ما رواه
المالك بلاغا يحمل التأويل فلم يدفع الصريح قلت ما رواه مالك اصرح فى الدلالة من
المرفوع فى حديث ابى ذر فان لفظ المرفوع بل هى باقية يحتمل ان يكون معناه بل هى
باقية بعد نبينا صلعم لكن حديث ابى ذر يدفع قول من قال انها لم تكن الا فى سنة
واحدة فى حبور النبي صلعم وما قيل انها رفعت بعده صلىاللهعليهوسلم وكذا يدل على تأييده ما روى عن ابى هريرة قيل زعموا ان
ليلة القدر رفعت قال كذب من قال ذلك رواه عبد الرزاق قال الراوي قلت هى فى كل شهر
رمضان استقبله قال
نعم قوله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) يعنى القران كناية عن غير مذكور تفخيما وشهادة له بالعظمة
المغنية عن تصريح فى انتقال الذهن اليه كما عظمه بان أسند انزاله الى نفسه وقدم
المسند اليه على الخبر الفعلى لزيادة التأكيد والتقوى او للتخصيص ثم عظمه باعتبار
وقت نزوله فقال (فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ) يقدر الله تعالى فيها امر السنة فى عباده وبلاده الى السنة
المستقبلة قيل للحسين بن الفضل أليس قد قدر الله تعالى المقادير قبل ان يخلق
السموات والأرض قال نعم قيل فما معنى ليلة القدر قال سوق المقادير الى المواقيت
وتنفيذ القضاء المقدر يعنى اطلاع الملائكة الموكلة على الأمور فى تلك الليلة على
ما قدر الله تعالى امر السنة فى عباده وبلاده الى السنة المقبلة وقال عكرمة تقدير
المقادير وإبرام الأمور فى ليلة النصف من الشعبان فيها ينسخ الاحياء من الأموات
فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم ويؤيده ما رواه البغوي ان رسول الله صلعم قال يقطع الآجال
من شعبان الى شعبان حتى ان الرجل لينكح ويولد له ولقد خرج اسمه فى الموتى قلت لعل
تقدير المقادير بنحو من الانجاء او بعضها فى ليلة النصف من شعبان وتقديرها كلها
وتسليمها الى أربابها انما هو فى ليلة القدر قال الله تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال ابن عباس يكتب
من أم الكتاب فى ليلة القدر ما هو كاين فى السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال
حتى الحاج يقال يحج فلان وفلان وروى ابو الضحى عن ابن عباس ان الله يقضى الا قضية
ليلة النصف من شعبان ويسلمها الى أربابها فى ليلة القدر كذا ذكر البغوي وقال الزهري
سميت بها للعظمة والشرف قال الله تعالى وما قدروا الله حق قدره اى ما عظموه وقيل
لان العمل الصالح فيه يكون ذا قدر عند الله واجر جزيل ومعنى نزول القران فى ليلة
القدر على ما روى مفهم عن ابن عباس انه قال انزل القران جملة واحدة من اللوح
المحفوظ ليلة القدر من شهر رمضان الى بيت العزة فى السماء الدنيا ثم نزل به جبرئيل
عليهالسلام على رسول الله صلعم نجوما نجوما فى عشرين سنة فذلك قوله
بمواقع النجوم وروى عن ابى ذر عن النبي صلعم قال انزل صحف ابراهيم فى ثلث مضين من
رمضان ويروى فى أول ليلة من رمضان وأنزلت تورية موسى فى ست ليال مضين من رمضان
وإنزال الإنجيل فى ثلث عشرة مضت من رمضان وانزل
زبور داود فى ثمان
عشرة ليلة من رمضان وانزل القران على النبي صلعم فى اربعة وعشرين لست بقين بعدها
واخرج احمد والطبراني من حديث وأيلة بن الأسقع نزلت صحف ابراهيم أول ليلة من رمضان
وأنزلت التورية لست مضين والإنجيل لثلث عشرة والقران لاربع وعشرين وبناء على تلك
الأحاديث قال بعض العلماء ان ليلة القدر ليلة اربع وعشرين من رمضان وروى هذا القول
عن ابن مسعود والشعبي والحسن وقتادة ويويد قولهم ما روى احمد عن بلال مرفوعا
التمسوا ليلة القدر ليلة اربع وعشرين وفيه ابن لهيعة قال الحافظ ابن حجر اخطأ ابن
لهيعة فى رفعه قلت وتلك الأحاديث لو صحت لا تدل على ان يكون ليلة القدر فى كل عام
ليلة اربع وعشرين بل كونها كذلك سنة نزول القران الى بيت العزة او فى سنة حكى عنه
بلال (فائدة) اختلف العلماء فى تعيين ليلة القدر على نحو من أربعين قولا والصحيح
انها ليلة منتقلة فى العشر الأواخر من كل رمضان جمعا بين الأحاديث الصحاح وإعراضا
عما يخالفها منها حديث سلمان الفارسي قال خطب رسول الله صلعم فى اخر يوم من شعبان
فقال يا ايها الناس قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من الف شهر وقد
مر هذا الحديث فى سورة البقر وفضائل رمضان وهذا الحديث يدفع ما قيل انها يكون فى
رمضان وغيره كذا ذكر قاضيخان مذهب ابى حنيفة لا يقال لعلها كانت فى سنة نزول
القرآن او عما حكى عنه سلمان خاصة فى رمضان فلا يدفع بهذا الحديث ولا بالآية لانا
نقول ورد فى حديث سلمان نعوت شهر رمضان مطلقا حيث قال جعل الله صيامه فريضة وقيام
ليلة تطوعا ومن تطوع فيه كان كمن ادى فريضة فى غيره ومن ادى فريضة كان كمن ادى
سبعين فريضة وانه شهر الصبر وشهر المواساة وغير ذلك وليس شىء من تلك النعوت مختصا
برمضان تلك السنة فكذا هذا ومنها حديث عائشة قالت كان رسول الله صلعم يجتهد فى عشر
الأواخر ما لا يجتهد فى غيره رواه مسلم وقالت كان إذا دخل العشر شد ميزره وأحيا
ليله وأيقظه اهله متفق عليه وقالت كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه
الله ثم اعتكف أزواجه بعده متفق عليه وقالت كان يجاور العشر الأواخر من رمضان
ويقول تحروا الليلة القدر فى العشر الأواخر من رمضان رواه البخاري ومنها حديث ابى
سعيد الخدري ان رسول الله صلعم اعتكف العشر الاول
من رمضان ثم اعتكف
العشر الأوسط فى قبة تركية ثم اطلع رأسه فقال انى اعتكف العشر الاول التمس هذه
الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لى انها فى العشر الأواخر فمن اعتكف
معى ظيعتكف العشر الأواخر فانى اريت هذه الليلة ثم أتيتها وقد رايتنى اسجد فى
الماء والطين من صبيحتها فالتمسوها فى كل وتر قال فمطر السماء تلك الليلة وكان
المسجد على عريش فوكف المسجد فيضرب عينى رسول الله صلعم وعلى جبهته اثر الماء
والطين من صبيحة احدى وعشرين متفق عليه فى المعنى وروى مسلم من حديث ابى سعيد قال
اعتكف رسول الله صلعم العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر فلما انقضين امر
بالبناء نوقض ثم أنسيت وانها فى العشرة الأواخر فامر بالبناء فاعيد ثم خرج على الناس
فقال يا ايها الناس انها كانت اريت لى ليلة القدر وانى خرجت لاخبركم فجاء رجلان
معهما شيطان فنسيتها فالتمسوها فى العشرة الأواخر من رمضان والتمسوها فى التاسعة
والسابعة والخامسة قال قلت يا أبا سعيد انكم اعلم بالعدد منا قال أجل نحن أحق بذلك
منكم قال التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتى تليها ثنتان
وعشرون فهى التاسعة وإذا مضى ثلث وعشرون فالتى تليها السابعة وإذا مضى خمس وعشرون
فالتى تليها الخامسة وروى الطيالسي عن ابى سعيد مرفوعا ليلة القدر ليلة اربع
وعشرين ومنها حديث عبد الله بن أنيس مرفوعا اريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني
صبيحتها اسجد فى الماء والطين قال فمطرنا ليلة ثلث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلعم
يعنى الفجر فانصرف واثر الماء والطين على جبهته وانفه رواه مسلم وابو داود عنه قال
قلت يا رسول الله ان لى بادية أكون فيها فمر لى بليلة انزل فقال انزل ليلة ثلث
وعشرين وفى رواية عنه انه سال رسول الله صلعم عن ليلة القدر صبيحة احدى وعشرين
فقال كم الليلة قلت ليلة اثنين وعشرين قال هى الليلة او القابلة ومنها حديث ابن
عمر قال قال رسول الله صلعم من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين رواه احمد
وابن المنذر معناه وحديث جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني وحديث معاوية بن ابى
سفيان عن النبي صلعم فى ليلة القدر قال ليلة القدر سبع وعشرين رواه ابو داود
بأحاديث ليلة سبع وعشرين أخذ احمد وهى رواية عن ابى حنيفة وبه جزم ابى بن كعب وحلف
عليه فقيل لابى باى شىء تقول ذلك يا أبا المنذر
قال بالعلامة التي
أخبرنا رسول الله صلعم انها يعنى الشمس تطلع يومئذ لا شعاع لها رواه مسلم وروى هذا
القول ابن ابى شيبة عن عمرو حذيفة وأناس من الصحابة ويستدل بهذه المقالة بما رواه
مسلم عن ابى هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال رسول الله صلعم أيكم يذكركم حين
طلع القمر كانه شق جفنه قال ابو الحسن الفارسي اى ليلة سابع وعشرين فان القمر يطلع
فيها بتلك الصفة قال المراد به كمال وقته وذا بالسابع والعشرين وهذا الاستدلال
ضعيف لان الظاهر من الحديث انه كما ان الشمس من صبيحتها تطلع بلا شعاع كذلك القمر
فى تلك الليلة يطلع بلا شعاع لا لاجل كمال وقته بل لمعنى اخر فهذه الأحاديث لا تدل
الا على كون ليلة القدر تارة ليلة سابع وعشرين لا على انها لا تكون الا تلك الليلة
ومنها حديث ابن عمر راى رجل ليلة القدر ليلة السابعة وعشرين فقال النبي صلعم اراى
روياكم فى العشر الأواخر فاطلبوها فى الوتر فيها رواه مسلم ومنها حديث ابن عمر
مرفوعا فليتحرها ليلة السابعة رواه عبد الرزاق وروى احمد عن ابن عباس نحوه يعنى
السابعة بعد العشرين او السابعة من الليالى الباقية ومنها حديث النعمان بن بشير
مرفوعا سابعة تمضى او سابعة تبقى رواه احمد عن ابن عباس مرفوعا هى فى العشر
الأواخر فى تسع يمضين او سبع يبقين وفى لفظ تسع يمضين رواه البخاري وفى لفظ
للبخارى التمسوها فى العشر الأواخر فى تاسعة تبقى فى سابعة تبقى فى خامسة تبقى
ومنها حديث عبادة بن الصامت قال خرج النبي صلعم ليخبرنا بليلة القدر فتلاقى رجلان
من المسلمين فقال خرجت لاخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت عسى ان يكون
خيرا لكم فالتمسوها فى التاسعة والسابعة والخامسة اواه او سبع يبقين ومنها حديث
ابى بكر فقال سمعت رسول الله صلعم يقول التمسوها يعنى ليلة القدر فى تسع يبقين او
خمس يبقين او ثلث اواخر ليلة رواه الترمذي وروى احمد من حديث عبادة بن الصامت نحوه
منها حديث ابن عمران رجلا من اصحاب النبي صلعم راى ليلة القدر فى المنام فى السبع
الأواخر فقال عليهالسلام ارى روياكم قد تواطئت فى السبع الأواخر فمن كان متحريا
فليتحرها فى السبع الأواخر فقال النبي صلعم التمسوها فى السبع الأواخر ومنها عن
على مرفوعا ان غلبتم فلا تغلبوا فى
السبع البواقي
رواه احمد وحديث ابن عمر مرفوعا التمسوها فى العشر الأواخر فان ضعف أحدكم او عجز
فلا يغلبن على السبع البواقي رواه مسلم ويظهر من هذه الأحاديث كلها ان ليلة القدر
تكون فى العشر الأواخر من رمضان فتارة تكون ليلة احدى وعشرين كما ثبت من حديث ابى
سعيد نحوه وتارة تكون ليلة ثلث وعشرين كما ثبت بحديث عبد الله بن أنيس وتارة ليلة
اربع وعشرين التي انزل فيها القران وتارة ليلة سبع وعشرين كما ظهر على ابى بن كعب
بالعلامة وتارة ليلة تاسع تبقى يعنى الثانية والعشرين او خامسة تبقى وهى السادسة
والعشرين او ثلث تبقين وهى الثامنة والعشرين او تسع تمضين وهى التاسعة والعشرين
اواخر ليلة وهى الثلثين فلا تعارض فى الأحاديث على هذا التأويل والله تعالى اعلم
وقيل معنى الاية انا أنزلنا القران فى فضل ليلة القدر وذلك قوله تعالى (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ما فى قوله ما أدريك استفهامية للانكار والغرض منه التعظيم
والتعجب وكذا فى ما ليلة القدر وجملة ما ليلة القدر بتأويل المفرد مفعول ثان
لادراك والمعنى اى شىء ادراك عظمة ليلة القدر وفضلها فان عظمتها وفضلها اكثر من ان
يدرك والجملة معترضة ثم بين الله فضلها وعظمها بجملة مستأنفة فقال (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ
شَهْرٍ) ط ليس فيها ليلة القدر يعنى ان من أحياها بالعبادة كان له
اجرا كثيرا لمن عمر الف شهر بالعبادة وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم من قام
ليلة القدر ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه رواه البخاري وعند مسلم بلفظ
من يقم ليلة القدر فيوافقها وعند احمد من حديث عبادة بن الصامت من قامها ثم وافقت
له يعنى قامها بطن ليلة القدر فوافقها فى نفس الأمر غفر له. (تَنَزَّلُ) حذف أحد التاءين من تتنزل (الْمَلائِكَةُ
وَالرُّوحُ) مر تحقيق الروح فيما سبق (فِيها) فى تلك الليلة من السماء الى الأرض عن انس قال قال رسول
الله صلعم إذا كان ليلة القدر ينزل جبرئيل فى كبكبة من الملائكة يصلون على كل عبد
قائم او قاعد يذكروا الله عزوجل (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) ج متعلق بتنزل وجملة تنزل خبر بعد خبر لليلة القدر بين
فضله اخرى لها او واقع مواقع التعليل للخبرية (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) قدر فيها. (سَلامٌ) اما خبر مبتداء محذوف اى هو سلام والجملة صفة الأمر
والمعنى تنزل الملائكة والروح من أجل كل امر هو سلام والحمل على المبالغة نحو زيد
عدل او بحذف المضاف اى امر هو موجب للسلامة عن كل مكروه والظاهر ان هذا الأمر هو
الرحمة والبركة فى أجور الأعمال والسكينة النازلة على المؤمنين الذاكرين الله
تعالى وعلى هذا قوله (هِيَ) مبتداء خبره (حَتَّى مَطْلَعِ
الْفَجْرِ) ع والضمير هى راجع الى الليل لا مطلقا فانه حمل غير مفيد
فان ثبوت الليل الى مطلع الفجر امر معلوم
بديهي بل مقيد
بصفة الخيرية ونزول الملائكة او يقال هى مبتداء وسلام خبر مقدم عليه والجملة خبر
بعد خبر ليلة القدر وتقديم الخبر على المبتدا لقصد الحصر اى ما هى الإسلام وخير
كلها ليس فيها شر قال الضحاك لا يقدر الله فى تلك الليلة الشر ولا يقتضى الإسلام
وقال مجاهد ليلة شاملة لا يستطيع الشيطان ان يعمل فيها سوء اولا ان يحدث فيها أذى
وقيل ما هى الإسلام لكثرة ما يسلم الملائكة على المؤمنين وعلى هذا الظرف اعنى حتى
مطلع الفجر اما متعلق بمفهوم سلام بمعنى تسليم يعنى ما تلك الليلة الا مقصورة على
التسليم حتى مطلع الفجر او هو ظرف مستقر خبر مبتداء محذوف اى تلك حتى مطلع الفجر
وهذه الجملة خبر اخر لليلة القدر او متعلق يتنزل وعلى هذين التقديرين سلام هى جملة
معترضة قرأ الكسائي مطلع الفجر بكسر اللام والباقون بفتح اللام وهو اما مصدرا
بمعنى الطلوع او ظرف زمان وقت طلوعه ـ (فائدة) قيل يرى فى ليلة القدر كل شىء ساجدا
والأنوار فى كل مكان ساطعة ويسمع سلام وخطاب من الملائكة قلت وهذا امر قد يظهر
بنظر الكشف على بعض الأكابر لا على كل منهم ولا يشترط لحصول الثواب ظهور شىء فيها
ولو كان ظهور تلك الأشياء امرا كليا او أكثريا لم يتصور خفاءها وابهامها على الامة
لا سيما على الصحابة والتابعين ومن يليهم وأكابر الأولياء ولكن يشترط لحصول ثواب
ليلة القدر عبادة الله تعالى كما يدل عليه قوله عليهالسلام من قام ليلة القدر ايمانا وقوله عليهالسلام يصلون على كل عبد قائم او قاعد يذكر الله (مسئلة) من ادى
صلوة العشاء والفجر فى تلك الليلة بالجماعة فقد أدرك ثواب تلك الليلة ومن زاد زاده
الله عن عثمن رضى الله عنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من صلى العشاء فى جماعة فكانما قام نصف الليل ومن صلى
الصبح فى جماعة فكانما صلى الليل كله رواه مسلم يعنى من صلى الصبح فى جماعة بعد ما
صلى العشاء فكانما صلى الليل كله فكل صلوة قايم مقام نصف الليل فانهما فريضتى
الليل واما المغرب فانها وتر النهار يستحب ان يكثر فى ليلة القدر اللهم انك عفو
تحب العفو فاعف عنى لحديث عايشة قالت قلت يا رسول الله ارايت ان علمت اى ليلة
القدر ما أقول فيها قال قولى اللهم انك عفو إلخ رواه احمد وابن ماجة والترمذي ـ والله
تعالى اعلم.
سورة البيّنة مدنيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا) فى زمان الماضي قبل مبعث النبي صلعم (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) من لبيان الموصول وكفرهم بالإلحاد فى صفات الله تعالى
وقولهم عزير ابن الله والمسيح ابن الله (وَالْمُشْرِكِينَ) يعنى عبدة الأوثان عطف على اهل الكتاب (مُنْفَكِّينَ) زائلين متعضلين عن كفرهم الذي كانوا عليه حذف صلة منفكين
لدلالة صلة الذين عليه (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ) لفظه مستقبل أريد به الماضي اى حتى أتتهم (الْبَيِّنَةُ) يعنى ما يبين الحق من الباطل وهو. (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) يعنى محمدا صلىاللهعليهوسلم بدل من البينة (يَتْلُوا صُحُفاً) الجملة صفة لرسول الله صلعم وانه صلىاللهعليهوسلم وان كان اميا لكنه لما كان متلوه مما يكتب فى الصحف كان
كمن يتلو صحفا اى مصاحف (مُطَهَّرَةً) من الباطل وتصرف الشياطين او ممنوعة من مس المحدث والجنب
والحائض قال الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وقال لا يمسه الا
المطهرون. (فِيها) اى فى تلك الصحف (كُتُبٌ) مكتوب (قَيِّمَةٌ) ط عادلة مستقيمة لا عوج فيها فاذا أتاهم الرسول بين لهم
ضلالتهم وأزال عنهم جهلهم ودعاهم الى الايمان فانفك عن كفره من وفقه الله للايمان
وقدر له السعادة. (وَما تَفَرَّقَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فى الايمان بالنبي صلىاللهعليهوسلم وكفرهم به (إِلَّا مِنْ بَعْدِ
ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) ما مصدرية والاستثناء مفرغ منصوب المحل على الظرفية متعلق
بتفرق اى ما تفرقوا فى امر النبي صلعم فى وقت من الأوقات الا بعد مجيئه وكانوا قبل
ذلك مجتمعين على تصديقه منتظرين لمجيئه (يَسْتَفْتِحُونَ) به (عَلَى الَّذِينَ
كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) حسدا وعنادا وجملة ما تفرق عطف على لم يكن والحاصل ان اهل
الكتاب وان كان بعضهم ملحدا فى صفات الله ونسبة الولد اليه لكنهم كانوا مجتمعين فى
امر النبي صلعم لوضوح بيان امره فى كتبهم ولما كان صفة اجتماعهم على تصديق النبي
صلعم مختصا باهل الكتاب دون المشركين أفرد فى هذه الاية ذكرهم لاظهار زيادة شتاعة
من بقي منهم على الكفر والاية الاولى لبيان حال المؤمنين
من اهل الكتاب ومن
المشركين والاية الثانية لبيان من بقي على الكفر من اهل الكتاب قال البغوي وقال
بعض ائمة اللغة معنى قوله منفكين هالكين من قولهم انفك صدر المرأة عند الولادة وهو
ان ينفصل فلا يلتئم حتى تهلك ومعنى الاية لم يكونوا هالكين معذبين الا بعد قيام
الحجة عليهم من إرسال الرسول وإنزال الكتاب نظيره قوله تعالى وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا. (وَما أُمِرُوا) يعنى هؤلاء الكفار كلهم (إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللهَ) قيل اللام زايدة والفعل منصوب بان مقدرة حذفت ان وزيدت
اللام والجملة فى محل النصب على انه مفعول به لامروا اى ما أمروا الا بان يعبدوا
الله وقيل المفعول به محذوف واللام لام كى والجملة فى محل النصب على العلية والمعنى
ما أمروا بما أمروا به بشئ الا ليعبدوا والحاصل انهم ما أمروا على لسان محمد صلعم
الا بشئ حسن ذاته تدل الادلة العقلية على حسنه وقد أمروا بذلك فيما سبق من الكتب
المنزلة فعجبا من المنكرين كيف أنكروا وكيف يفرقوا فيه (مُخْلِصِينَ) حال من فاعل يعبدوا (لَهُ) اى لله (الدِّينَ) اى الاعتقاد عن الشرك بغيره (حُنَفاءَ) حال مرادف او متداخل لمخلصين اى مائلين عن الأديان الباطلة
كلها قال ابن عباس معناه وما أمروا فى التورية والإنجيل الا بإخلاص العبادة لله
موحدين (وَيُقِيمُوا) عطف على يعبدوا (الصَّلاةَ) المكتوبة فى أوقاتها (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) عند محلها (وَذلِكَ) الذي أمروا به على لسان محمد صلعم (دِينُ الْقَيِّمَةِ) ط اى الامة القائمة الراسخة على الحق من الأنبياء
والماضيين واتباعهم الصالحين قال البغوي قال النضر بن شميل سالت الخليل بن احمد عن
قوله تعالى ذلك دين القيمة فقال القيمة والقيم والقائم واحد مجازا الاية وذلك دين
القيمة لله بالتوحيد او المعنى وذلك دين الكتب القيمة التي لا عوج فيها التي جرى
ذكرها فى ضمن الذين أوتوا الكتاب وقيل معناه ذلك طريق الملة والشريعة القيمة
المستقيمة قال البغوي أضاف الدين الى القيمة وهى لغة لاختلاف اللفظين وأنت القيمة
بتأويلها الى الملة ولما ورد ذكر المؤمنين والكافرين استأنف الله سبحانه بالوعد
والوعيد للفريقين فقال. (إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ) اسم وخبره ما بعده (فِي نارِ جَهَنَّمَ
خالِدِينَ فِيها) ط حال مقدرة من فاعل الظرف (أُولئِكَ
هُمْ
شَرُّ الْبَرِيَّةِ) اى شر الخلائق أجمعين حتى الكلاب والخنازير والجملة اما
تذئيل او خبر لان بعد خبروهم ضمير الفصل قرأ نافع وابن ذكوان البرية فى الموضعين
بالهمزة والباقون بتشديد الياء بغير همزة. (إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ) أجمعين حتى (الْبَرِيَّةِ) ط الملائكة المعصومين ومن هاهنا قالوا ان خواص البشر أفضل
من خواص الملائكة وعوام البشر اعنى المؤمنين الصالحين ارباب القلوب الصافية النفوس
الزاكية أفضل من عوام الملائكة واما غير الصالحين من المؤمنين فيلتحقون بالصالحين
بعد ما يتمحضون من الذنوب اما بالمغفرة او بالعقاب ويدخلون الجنة. (جَزاؤُهُمْ) مبتداء (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ظرف لجزاءهم (جَنَّاتُ عَدْنٍ) اى اقامة خبر لجزائهم (تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا) اى من تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ) فاعل تجرى على المجاز والجملة صفة لجنات (خالِدِينَ فِيها) فى جنات حال منهم فى جزاءهم (أَبَداً) ط ظرف لخالدين قال البيضاوي فيه مبالغات تقديم المدح وذكر
الجزاء المؤذن بان ما منحوا فى مقابلة ما وصفوا به والحكم عليه بأنه من عند ربهم
وجمع جنات وتقيدها اضافة ووصفها بما يزداد بها نعيما وتأكيد الخلود بالتابيد (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) هذا نعمة زاد من الجنات وما فيها فضل الله عن ابى سعيد
الخدري قال قال رسول الله صلعم ان الله يقول لاهل الجنة يا اهل الجنة فيقولون لبيك
ربنا وسعديك والخير كله فى يديك فيقول هل رضيتم فيقولون وما لنا لا نرضى يا رب وقد
أعطيتنا ما لم يعط أحد من خلقك فيقول الا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون يا رب اى شىء
أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضوانى فلا أسخط عليكم بعده ابدا متفق عليه قلت لعل
المراد من قوله ما لم يعط أحد من خلقك ما لم يعط الملائكة والا فليس غير اهل الجنة
الا اهل النار ولا يجوز القول بالتفضيل عليهم (وَرَضُوا عَنْهُ) ط قال البغوي قيل الرضاء ينقسم قسمين رضى الله به ورضى عنه
رضى به ربا ومدبرا ورضى عنه فيها يقضى ويقدر قلت والرضى عنه على اقسام قسم منه
معناه ترك الاعتراض عليه والاعتقاد بان كل ما فعل هو الحسن فى نفس الأمر وان خفى
علينا وجه حسنه وهذا القسم من الرضا واجب على العباد فى كل ما قضى الله عليه من
مرغوب ومكروه عنده غير انه ان صدر عنه المعصية او عن غيره لا يرضى عن الكفر
والمعصية من حيث صدوره عن العبد وكسبه فان صدور الكفر والمعصية عن العبد وكسبه به
غير مرضى الله وان كان صادرا
بارادة الله وخلقه
ومناط التكليف فى وجوب هذا القسم من الرضاء العقل والاستدلال فان العاقل إذ لاحظ
ان الله تعالى مالك للاشياء كلها والمالك يتصرف فى ملكه كيف يشاء والاعتراض انما
يتوجه على من يتصرف فى ملك غيره بغير اذنه ولاحظ انه تعالى حكيم لا يفعل الأعلى ما
اقتضاه الحكمة رضى الله به وان اختلج شىء فى صدره فذلك لاجل نقصان فى عقله ودينه
وبقية كفر فى نفسه الامارة بالسوء والى هذا القسم من الرضاء أشار السرى السقطي رضى
الله عنه إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تساله الرضى عنك وقسم منه معناه كون
مقتضيات الله محبوبا له مرغوبا عنده وان كان على خلاف هواه ومنشأه العشق والمحبة
بالله سبحانه فان فعل المحبوب ومراده أحب عند المحب من مراد نفسه ومن هاهنا قال
الشاعر فان فرحت بهجرى رضيت بالضروري وقسم منه معناه بلوغ المراد أقصى ما يتمناه
ويشتهيه وهو المراد هاهنا ومن قوله تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضى) قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اذن لا ارضى وواحد من أمتي فى النار وقد مر فى سورة والضحى
ذلك المذكور من الجزاء والرضوان (لِمَنْ خَشِيَ
رَبَّهُ) ع فان الخشية ملاك الأمر والباعث على كل خير والناهي عن كل
معصية وشر وجملة ذلك لمن خشى ربه فى مقام التعليل بقوله تعالى جزاءهم عن انس بن
مالك قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لابى ان الله أمرني ان اقرأ عليك القران وفى رواية ان اقرء
عليك لم يكن الذين كفروا قال أالله سمانى لك قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين
قال نعم قذرفت عينه متفق عليه قلت وما ذكر فى الحديث من حال ابى هواية عشاق ـ والله
تعالى اعلم.
سورة الزّلزال مدنيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذا زُلْزِلَتِ
الْأَرْضُ زِلْزالَها) اى حركت حركة واضطرابا مناسبا بشأنها فى العظمة ولابقاء
بها فى الحكمة او حركة ممكنا لها او مقدرا لها اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال
تحركت من أسفلها واختلفوا فى تلك الزلزلة هل هى بعد النفخة الثانية وقيام الناس من
قبورهم او قبل النفخة الاولى فى الدنيا من اشراط الساعة فاختاره الحليمي وغيره
الاول وابن العربي ومن معه الثاني محتجين بقوله تعالى يوم ترونها تذهل كل مرضعة
عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وأجاب اهل المقالة الاولى انه
خرج مخرج المجاز والتمثيل لشدة الهول لا على حقيقته مستدلين بما اخرج الترمذي
وصححه عن عمران ابن حصين قال كنا مع رسول الله صلعم فنزلت (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ) كل مرضعة الاية فقال أتدرون اى يوم ذلك يوم يقول الله لادم
ابعث بعث النار الحديث وله طرق وفى الصحيحين عن ابى سعيد الخدري قال قال رسول الله
صلعم يقول الله يوم القيامة لادم قم فابعث بعث النار من ذريتك فيقول اى رب وما بعث
النار فيقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعون ويبقى واحد فعتد ذلك يشيب الصغير وتضع
كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد فشق ذلك على
الناس فقالوا يا رسول الله وأينا ذلك الواحد فقال من يأجوج وماجوج الف ومنكم واحد
وهل أنتم فى الأمم الا كالشعرة السوداء فى الثور الأبيض او كالشعر البيضاء فى
الثور الأسود وقال اهل المقالة الثانية هذا الحديث لا يدل على ان الزلزلة يكون حين
الأمر ببعث النار بل فى ذلك اليوم والأمر متاخر عنها فكانه صلىاللهعليهوسلم لما اخبر عن الزلزلة التي يكون متقدمة على النفخة الاولى
ذكر ما يكون فى ذلك اليوم من الأهوال الى العظام قلت وعبارة حديث الصحيحين يابى عن
هذا التأويل فانه فيه فعند ذلك اى عند بعث النار
يشيب الصغير وتضع
كل ذات حمل حملها والله تعالى اعلم قلت جاز ان يتكرر الزلزلة مرة فى اشراط الساعة
ومرة بعد البعث. (وَأَخْرَجَتِ
الْأَرْضُ) اسناد الإخراج الى الأرض مجازى (أَثْقالَها) اخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس قال يعنى الموتى من القبور
كذا اخرج الفريابي عن ابن مجاهد وعلى هذا فهى حكاية عما بعد النفخة الثانية واخرج
ابن ابى حاتم عن عطية قال يعنى ما فيها من الكنوز عن ابى هريرة قال قال رسول الله
صلعم يلقى الأرض أفلاذ كبدها أمثال أسطوان من الذهب والفضة ويجئ القاتل فيقول فى
هذا قتلت ويجئ القاطع فيقول فى هذا قطعت رحمى فيقول فى هذا قطعت يدى ثم يدعونه فلا
يأخذون منه شيئا رواه مسلم وفى الصحيحين عنه مرفوعا يوشك الفرات ان يحسر عن اكثر
من ذهب فمن حضر فلا يأخذ منه شيئا وفى رواية لمسلم عنه لا تقوم الساعة حتى يحسر
الفرات عن جبل من ذهب فتقتل الناس عليه فتقتل من مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل
منهم لعلى أكون انا الذي أنجو قلت لعل القتال يكون فى بادى الأمر ثم يؤل الأمر الى
ان لا يأخذ أحد منهم شيئا. (وَقالَ الْإِنْسانُ) تعجبا (ما لَها) ج اى ما للارض تزلزل هذه الزلزلة الشديدة وتلفظ ما فى
بطنها قيل المراد بالإنسان الكافر يقول ذلك حين يبعث ولم يكن يرجو البعث واما المؤمن
فيقول هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون قال البغوي فى الاية تقديم وتأخير تقديره. (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ) الأرض (أَخْبارَها) فيقول الإنسان مالها تخبر وتتكلم بما عمل عليها يومئذ بدل
من إذا زلزلت والعامل فيه تحدث ويحتمل ان يكون يومئذ أصلا وإذا اقتضى بمحذوف اى
لتحاسبن إذا زلزلت يومئذ تحدث اخبارها عن ابى هريرة قال قرأ رسول الله صلعم هذه
الاية فقال أتدرون ما اخبارها قالوا الله ورسوله اعلم قال فان اخبارها ان تشهد على
كل عبدو امة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا فذاك اخبارها رواه احمد والترمذي
وصححه والنسائي وابن حبان والبيهقي واخرج الطبراني عن ربيعة الحرثى ان رسول الله
صلعم قال تحفظوا من الأرض فانها امكم وانه ليس من أحد عمل عليها خيرا وشرا الا وهى
مخبرة وكذا اخرج الطبراني عن مجاهد. (بِأَنَ) اى بسبب ان (رَبَّكَ أَوْحى لَها) ط اللام بمعنى الى يعنى اوحى ربك إليها ان تخبر او بمعناها
اذن لها فى ذلك
تشقى فى العصاة وجاز ان يكون بان ربك بدلا من اخبارها يقول أخبرته كذا وأخبرته
هكذا وحينئذ يكون جوابا لقول الإنسان مالها يعنى تقول اوحى ربك الى وحكم بالزلزلة
وإخراج الأثقال. (يَوْمَئِذٍ) ظرف لما بعده (يَصْدُرُ) اى يرجع (النَّاسُ) عن موقع الحساب بعد عرض (أَشْتاتاً) متفرقين فاخذ ذات اليمين الى الجنة وأخذ ذات الشمال الى
النار قوله تعالى يومئذ يتفرقون (لِيُرَوْا) متعلق بيصدر اى لكن يروا أعمالهم قال ابن عباس اى ليروا
جزاء (أَعْمالَهُمْ) ط يعنى يرجعون عن الموقف لينزلوا منازلهم من الجنة او
النار وجملة يومئذ يصدر مستأنفة وقول. (فَمَنْ يَعْمَلْ) الى اخر السورة تفصيل ليروا واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن
جبير انه لما نزلت ويطعمون الطعام على حبه كان المسلمون يرون انهم يوجرون على
الشيء القليل إذا اعطوا وكان آخرون يرون انهم لا يلامون على الذنبا ليسير الكذبة
والنظرة وأشباه ذلك وانما وعد الله على الكبائر فانزل الله تعالى فمن يعمل (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) الاية اى وزن نملة صغيرة او أصغر من نملة (خَيْراً) تميز المثقال ذرة (يَرَهُ) ط قرأ هشام بإسكان الهاء فى الموضعين والباقون بالإشباع
فيهما اى يرى جزاءه قال مقاتل يرغبهم فى القليل من الخير ان يعطوه فانه يوشك ان
يكبر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله الا الطيب فان
الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبه كما يربى أحدكم فلوة حتى تكون مثل الجبل متفق
عليه وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلعم لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تلقى
أخاك بوجه طليق رواه مسلم وهذا الاية حجة لاهل السنة على المعتزلة ان المؤمن وان
كان مرتكبا للكبائر لا يخلد فى النار بل يصير عاقبته الى الجنة فان الله وعد
بايفاء الجزاء على مثقال ذرة من الخير والخلف عن وعد الله محال والايمان نفسه راس
الخيرات وأساس العبادات كلها فكيف يتلاشى بارتكاب المعاصي ومحل روية الجزاء انما
هو الجنة فالمؤمن وان كان فاسقا ومات من غير توبة يصير لا محالة الى الجنة وعليه
انعقد الإجماع وبه تواترت الروايات عن النبي صلعم قال رسول الله صلعم يخرج من
النار من قالها وفى قلبه وزن ذرة من خير ومن ايمان متفق عليه من حديث انس وعند
مسلم عن عثمان بلفظ من مات وهو يعلم ان لا اله الا الله دخل الجنة وعنده عن جابر
بلفظ من مات
يشرك بالله دخل
النار ومن مات لا يشرك بالله دخل الجنة وعنده عن عبادة بن الصامت بلفظ من شهد ان
لا اله الا الله وان محمدا رسول الله حرم الله عليه النار وكذا عن انس وعن عتبان
بن مالك فى الصحيحين وعن عمر عند الحاكم وعن معاذ عند مسلم وعنده عن ابن مسعود
بلفظ لا يدخل النار أحد فى قلبه مثقال حبة من خردل من ايمان يعنى حرم الله عليه
النار المؤبد ولا يدخل نارا مقدر الخلود فيه وعن ابى ذر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما من عبد قال لا اله الا الله ثم مات على ذلك دخل الجنة
قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق
قلت وان زنى وان سرق قال وان زنى وان سرق على رغم انف ابى ذر متفق عليه وعند احمد
والبزاز والطبراني مثله قال السيوطي الأحاديث فى ذلك كثيرة زائدة على التواتر فان
قيل هذه الاية يشتمل من عمل صالحا كانفاق وصلة الرحم ونحو ذلك من الكفار مع دلالة
النصوص والإجماع على خلودهم فى النار قلنا الاية لا يشملهم لان شرط إتيان الحسنات
الايمان بالله واخلاص العمل له تعالى قال عليه الصلاة والسلام انما الأعمال
بالنيات فاذا فات منهم شرط فات المشروط فمثل حسناتهم كمثل صلوة بلا وضوء فانها
ليست بصلوة حقيقة بل يعد استهزاء ومعصية ومن ثم قال العلماء انه من نذر بالصلوة او
بالصوم او بالاعتكاف فى حالة الكفر ثم اسلم لا يجب عليه الوفاء لان الصلاة والصوم
والاعتكاف من الكافر ليس لله خالصا فهى كفر ومعصية ليس من الطاعة فى شىء ولا نذر
بالمعصية و (أَعْمالُهُمْ
كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ
شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) . (وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ع اى يرى جزاءه ان لم يتداركه المغفرة والدليل على هذا
التقييد الآيات والأحاديث الدالة على جواز مغفرة المعاصي من غير توبة قال الله
تعالى ان الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقال الله تعالى يغفر
لمن يشاء ويعذب من يشاء وقال من يقنط من رحمة ربه الا الضالون وقال لا تقنطوا من
رحمة الله ونحو ذلك وعن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلعم
والذي نفسى بيده
ليغفر الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس وجاء ان يصيبه رواه البيهقي وفى
الباب أحاديث كثيرة بالغة حد التواتر وهذه الاية حجة لاهل السنة على المرجئة فى
قولهم ان الله لا يعذب المؤمن وان كان فاسقا وان المؤمن لا يضره سيئة كما ان
الكافر لا ينفعه حسنة وقد ورد فى تعذيب المؤمنين على الصغائر والكبائر آيات
وأحاديث كثيرة لا يحصى يطول الكلام بذكرها فثبت ان الحق ما قال اهل السنة ان الله
سبحانه ان شاء يعذب على صغيرة عدلا وان شاء يغفر الكبائر فضلا قال مقاتل الإثم
الصغير فى عين صاحبه أعظم من الجبال يوم القيامة عن سعيد بن حبان قال لما فرغ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من حنين نزلنا قفرا من الأرض ليس فيها شىء فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اجمعوا من وجد شيئا فليات به قال فما كان الا ساعة حتى
اجمعوا ركابا فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أترون هذا فكذلك
تجمع الذنوب على الرجل منكم كما جمعتم هذا فليتق الله عزوجل فلا يذنب صغيرة ولا كبيرة فانها محصاة عليه رواه الطبراني
وعن عائشة ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب فان لها من الله طالبا
رواه النسائي وابن ماجة وصححه ابن حبان وعن انس انكم لتعملون أعمالا هى أدق فى
أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الموبقات رواه البخاري ولاحمد مثله من حديث ابى سعيد
بسند صحيح قال ابن مسعود احكم اية فى كتاب الله (فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وورد فى الحديث الطويل عن انس عند مسلم ان رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمى هذه الاية الفاذة الجامعة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره وقال الربيع بن حيثم مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه
السورة فلما بلغ آخرها قال حسبى قد انتهيت الموعظة عن عبد الله بن عمرو قال اتى
رجل النبي صلىاللهعليهوسلم فقال أقرأني يا رسول الله قال اقرأ ثلثا من ذوات الرا قال
كبر سنى واشتد قلبى وغلظ لسانى قال فاقرأ ثلثا من ذوات حم فقال مثل مقاله فقال
الرجل يا رسول الله أقرأني
سورة الجامعة
فاقرأ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا زلزلت الأرض حتى فرغ منها فقال الرجل والذي بعثك بالحق
لا أزيد عليه ابدا ثم أدبر الرجل فقال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أفلح الرويجل مرتين رواه احمد وابو داود وعن انس وابن عباس
قالا قال رسول الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم إذا زلزلت تعدل نصف القران وقل
هو الله أحد يعدل ثلث القران وقل يايها الكافرون ربع القران رواه الترمذي والبغوي
وفى رواية عند الترمذي وابن ابى شيبة عن انس إذا زلزلت الأرض ربع القران قال
الجزري كونها ربع القران لانها مشتملة على الحسنات وهو بالنسبة الى الحيوة والموت
والبعث والحساب ربع وكونها نصف القران لانها مشتملة على احوال الاخرة واحوال
الاخرة بالنسبة الى احوال الدنيا والاخرة نصف فهى ربع من وجه ونصف من وجه وروى من
حديث على بسند ضعيف جدا قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قرأ إذا زلزلت اربع مرات كان كمن قرأ القران كله ـ والله
تعالى اعلم.
سورة العاديات مكيّة وهى احدى عشرة اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج البزاز
والدار قطنى والحاكم وابن ابى حاتم عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم خيلا فلبث شهرا الا يأتيه فيها خيرا فنزلت (وَالْعادِياتِ) قرأ ابو عمرو بالإدغام الكبير بين التاء والضاد اقسم بخيل
الغزاة التي تعدو فى سبيل الله كذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والكلبي
وقتادة ومقاتل وابو العالية وغيره ولهذا التأويل وبما ذكرنا من سبب النزول يظهر ان
السورة مدنية لانه لم يكن قبل الهجرة جهاد وجاز ان يكون القسم بها
بمنزلة الاخبار
لوجودها فى الاستقبال على تقدير كونها مكية (ضَبْحاً) اى تضبح ضبحا مصدر موقع الجملة التي وقعت حالا من فاعل
العاديات وهى صوت أنفاس الخيل إذا عدون قال ابن عباس لا يضبح من الحيوانات غير
الفرس والكلب والثعلب وما يضبحن الا إذا تغير حالهن من التعب وقال على العاديات هى
الإبل فى الحج تعدو من عرفة الى مزدلفة ومن مزدلفة الى منى وقال كانت أول غزوة فى
الإسلام بدرا وما كان معنا الا فرسان فرس الزبير وفرس المقداد بن الأسود فكيف تكون
العاديات واليه ذهب ابن مسعود ومحمد بن كعب والسدى وعلى هذا معنى قوله ضبحا يعنى
تمد أعناقها فى السير مدا. (فَالْمُورِياتِ) الخيل التي نورى النار إذا سارت ليلا فى ارض ذات حجارة (قَدْحاً) يعنى تقدح اى تفك الحجارة بحوافرها قدحا. (فَالْمُغِيراتِ) قرأ ابو عمرو وخلاد بالإدغام بين التاء والصاد اى الخيل
التي تغير بفرسانها على عدو والاغارة سرعة سير (صُبْحاً) ظرف للمغيرات اى التي تغير فى وقت الصبح هذا قول اكثر
المفسرين وقال القرظي هى الإبل تدفع بركبانها يوم النحر من جمع بمنى وقت الصبح وهو
السنة بل الواجب ان لا يدفع حتى يصبح وقد رخص رسول الله صلعم للنساء والضعفاء
بالدفع بعد طلوع الفجر من ليلة النحر. (فَأَثَرْنَ) عطف على مضمون صلة اللام الموصول يعنى اللاتي عدون قادرين
فاغرن فاثرن اى هيجن (بِهِ) الباء بمعنى فى والضمير عائد الى الزمان المفهوم تضمنا من
مضمون الصلة اى اثرن فى ذلك الوقت اى وقت الاغارة على العدو او الى المكان المفهوم
منه اقتضاء اى اثرن فى مكان العدو (نَقْعاً) غبارا مفعول لاثرن. (فَوَسَطْنَ) اى فوسطن تلك الخيل (بِهِ) الضمير عائد الى النقع اى متلبسا بالنقع او الى الوقت او
المكان كما مر فى ذلك الوقت او المكان (جَمْعاً) من جموع الأعداء وجواب القسم. (إِنَّ الْإِنْسانَ) أريد به الجنس نظرا الى اكثر افراده حيث قال الله تعالى
وقليل من عبادى الشكور (لِرَبِّهِ) متعلق بما بعده قدم لرعاية الفواصل (لَكَنُودٌ) ج اى لكنود لنعمة ربه بلسان مضر كذا قال ابن عباس ومجاهد
وقتادة او العاصي بلغة كنده او البخيل بلغة بنى مالك قال ابو عبيدة هو قليل الخير
والأرض الكنود مالا ينبت شيئا. (وَإِنَّهُ) قال ابن كيسان الضمير للانسان اى وان الإنسان (عَلى ذلِكَ) اى على كونه كفورا عاصيا بخيلا (لَشَهِيدٌ) ج يشهد به
على نفسه عند ادنى
تأمل بظهور اثره او يشهد على نفسه ويعترف بذنبه فى الاخرة يقول لم نك من المصلين
ولم نك نطعم المسكين وقال اكثر المفسرين ضمير انه راجع الى ربه يعنى وان ربه على
كونه كنود الشهيد لا يعزب عنه شىء فيواخذ به فهو وعيد. (وَإِنَّهُ) اى الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ) اى المال كما فى قوله تعالى ان ترك خيرا (لَشَدِيدٌ) ط لقوى مبالغ فيه فلا ينفقه فى سبيل المنعم شكرا للنعمة او
المعنى البخيل شديد وعلى هذا فاللام فى لحب الخير للتعليل اى لاجل حب المال لبخيل
وعلى الاول لام الصلة. (أَفَلا يَعْلَمُ) همزة الاستفهام للتعجب والفاء للعطف على محذوف تقديره الا
ينظر الإنسان فلا يعلم ومعناه لينظر وليعلم الان ما سيعلم غدا ان ربهم خبير لهم
يجازيهم على ما يفعلون يوم نبعث من فى القبور ويبرز ما فى الصدور (إِذا بُعْثِرَ) اى بعث واثير (ما فِي الْقُبُورِ) من الموتى أورد لفظ ما بمعنى من لمشاكلة ما فى الصدور او
لانه فى هذه الحالة مما لا يعقل لكونه موتى ملحقا بالجمادات. (وَحُصِّلَ) اى جمع محصلا فى الصحف او ميز وابرز (ما فِي الصُّدُورِ) اى ما فى صدورهم يعنى صدور جنس الإنسان من الخير والشر
وتخصيص ما فى الصدور بالذكر دون اعمال الجوارح لانه الأصل إذا بعثر شرط حذف جزاءه
لتوسط فى جملة تدل على جزائه تقديره إذا بعثر ما فى القبور يعلم والجملة الشرطية
معترضة للتهديد والفظاعة. (إِنَّ رَبَّهُمْ
بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ) ع هذه الجملة قائم مقام المفعولين ليعلم لدخول اللام على
الخبر او يقال مفعولاه محذوفان يدل عليهما هذه الجملة يعنى انا نجازيه وقت ما
ذكروا بهم ويومئذ متعلق بمضمون خبير خص ذلك اليوم بالذكر وهو عالم بهم فى جميع الا
زمان لان الجزاء يقع يومئذ فيظهر كونه خبيرا يومئذ او يقال الخبير مجاز عن المجازى
والمعنى ان ربهم يجازى بهم يومئذ كذا قال الزجاج والله تعالى اعلم.
سورة القارعة مكّيّة وهى احدى عشرة اية
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْقارِعَةُ) سبق بيانه فى الحاقة والتاء اما لتانيث الساعة او للمبالغة
فى القرع. (مَا الْقارِعَةُ وَما
أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ) الظرف اما متصف بفعل مضمر دلت عليه القارعة اى تقرع الناس
يوم يكون الناس او مبنى على الفتح لاضافته الى الجملة فى محل الرفع على انه خبر
مبتداء محذوف اى هى يوم يكون بيان للقارعة (كَالْفَراشِ) الطير التي يتهافت فى النار (الْمَبْثُوثِ) المفرق وجه الشبه كثرتهم وهو انهم وتموج بعضهم فى بعض
وركوب بعضهم على بعض بشدة الهول. (وَتَكُونُ الْجِبالُ) عطف على يكون (كَالْعِهْنِ) الصوف ذى الألوان
لاجل اختلاف ألوان الجبال (الْمَنْفُوشِ) ط المندوف لتفرق اجزائها وتطائرها فى الجو. (فَأَمَّا) تفصيل لما أجمل حاله من الناس عطف على يكون ذكر الناس
فريقين (مَنْ ثَقُلَتْ
مَوازِينُهُ) جمع موزون يعنى اعماله التي توازن معه والمراد بها الأعمال
الصالحة فانها المقص بوجودها او هو جمع ميزان وعلى هذا ايضا المراد به كفة الحسنات
من ميزانه وقد صح ان الميزان له لسان وكفتان أخرجه ابن المبارك فى الزهد والآجري
وابو الشيخ فى تفسير عن ابن عباس واخرج ابن مردوية عن عائشة قالت سمعت رسول الله
صلعم يقول خلق الله عزوجل كفتى الميزان مثل السماء والأرض وأورد الموازين بلفظ الجمع
لان من ثقلت جمع معنى وافراد الضمير الراجع اليه نظرا الى افراد لفظه فمقابلة
الجمع بالجمع تقتضى انقسام الآحاد على الآحاد لكن على هذا التأويل تدل الاية على
كون الميزان كل رجل على حدة وجاز ان يعتبر تعدد الموازين من حيث تعدد من يوزن
أعمالهم. (فَهُوَ) هذا ايضا باعتبار لفظة من (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) ط أسند الرضى الى العيشة مجازا وهى صفة لصاحبها كما فى
ناصية كاذبة وقيل الفاعل هاهنا بمعنى المفعول اى عيشة مرضية كعكسه فى وعدا ماتيا
او بمعنى ذات رضى. (وَأَمَّا مَنْ
خَفَّتْ مَوازِينُهُ) اى اعماله الحسنة او كفة حسناته وهذا يعم الكافر الذي لا
حسنة له لفقد الايمان الذي
هو شرط إتيان
الحسنات والمؤمن الفاسق الذي ترجحت سيئاته على حسناته بخلاف الاول يعنى من ثقلت
موازينه فانه لا يكون الا مؤمنا معصوما او مغفورا او ترجحت حسناته على سياته قال
القرطبي قال علماؤنا الناس فى الاخرة على ثلث طبقات فرقة متقون لا كبائر لهم توضع
حسناته فى اكفة النيرة فلا ترتفع وترتفع المظلمة ارتفاع الفارغ الخالي وفرقة كفار
توضع كفرهم وأوزارهم فى الكفة المظلمة وان كان له عمل برّ كصلة الرحم ونحوها وضعت
فى الكفة الاخرى فلا يقاومها ويرتفع كفة الحسنات ارتفاع الفارغ الخالي قال رسول
الله صلعم انه لياتى الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا تزن عند الله جناح بعوضة
ثم قرأ لا يقيم لهم يوم القيامة وزنا متفق عليه من حديث ابى هريرة وفرقة فساق
المؤمنين يوضع حسناتهم فى كفة النيرة وسيئاتهم فى كفة المظلمة ان كانت كفة الحسنات
أثقل دخل الجنة او السيئات أثقل ففى مشية الله يعنى ان شاء ادخل النار وان شاء
غفروا دخل الجنة وان كان مساويا كان من اصحاب الأعراف هذا إذا كانت الكبائر بينه
وبين الله وان كان عليه تيعات اختص من ثواب حسناته بقدرها فان لم يوف زيد عليه من
أوزار من ظلمة ثم يعذب على الجميع قال احمد بن حرث يبعث الناس يوم القيامة ثلث فرق
فرقة اغنياء بالأعمال الصالحة وفرقة الفقراء وفرقة اغنياء ثم يصيرون فقراء مفاليس
بالتبعات وقال سفيان الثوري انك ان تلقى الله تبارك وتعالى بسبعين ذنبا فيما بينك
وبينه أهون عليك من ان تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد واخرج ابن ابى حاتم
عن ابن عباس قال تحاسب الناس يوم القيامة فمن كانت حسناته اكثر من سياته بواحدة
دخل الجنة ومن كانت سياته اكثر من حسناته دخل النار قال وان الميزان يخف بمثقال
حبة ويرجح ومن استوت حسناته وسياته كان من اصحاب الأعراف فوقفوا على الصراط يعنى
حتى يوفوا جزاء بعض سياته ويرجح حسناته فيدخل الجنة قال السيوطي وانما يوزن اعمال
المتقى من لا سيئة عليه اظهار الفضلة واعمال الكافر اظهار الذلة قلت والمذكور فى
القران غالبا جزاء الكفار فى مقابله جزاء الصلحاء المؤمنين واما حال الذين خلطوا
صالحا واخر سيئا من المؤمنين فمسكوت عنه غالبا فى القران فالظاهر ان المراد هاهنا
بمن خفت موازينه هم الكفار فهم المحكوم عليهم بقوله تعالى. (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) ط يعنى مسكنه النار
يسمى المسكن اما
لان الأصل سكون الأولاد الى الأمهات والهاوية اسم من اسماء جهنم وهو المهواة لا
يدرك قعرها الا الله وقال قتادة كلمة عربية كان الرجل إذا وقع فى امر شديد يقال
هوت امه وقيل أراد راسه يعنى انهم يهوون فى النار على رؤسهم قال البغوي والى هذا
التأويل ذهب قتادة وابو صالح قلت وكذا الكفار هم المرادون فى مقابلة المتقين فى
حديث انس عن النبي صلعم قال يوفى ابن آدم فيوقف بين كفتى الميزان به ملك فان ثقلت
موازينه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعده ابدا وان خفت
ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعده ابدا وحال
المخلط مسكوت فى الحديث والظاهر ان الملك لا ينادى عليه شىء من الصوتين ولذلك لم
يذكر ـ (فائدة) قال القرطبي الميزان لا يكون فى حق كل
أحد وان الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا ينصب لهم ميزان وكذلك من يعجل به الى
النار بغير حساب وهم المذكورون فى قوله تعالى (يُعْرَفُ
الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي) والاقدام وقال السيوطي يحتمل تخصيص الكفار الذين يوزن
أعمالهم ولا يجدون ثقلا بالمنافقين فانهم يبقون فى المسلمين بعد لحوق كل مسلم امة
بما يعيدوهم يصلون ويصومون مع المؤمنين فى الدنيا رياء وسمعة فيميز الله الخبيث من
الطّيّب بالميزان وقال الغزالي السبعون الف الذين يدخلون الجنة بغير حساب لا يوضع
لهم ميزان ولا يأخذون صحفا انما هى براة مكتوبة هذه براة فلان بن فلان اخرج
الاصبهانى عن انس قال قال رسول الله صلعم تنصب الموازين ويوتون باهل الصلاة فيوفون
أجورهم بالموازين ويوتون بأهل الحج فيوفور أجورهم بالموازين ويوتون باهل البلاء
فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان ويصب لهم أجرا صبا بغير حساب حتى يتمنى اهل
العافية انهم كانوا فى الدنيا تقرض أجسادهم بالمقاريض مما يذهب به اهل البلاء من
الفضل وذلك انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب واخرج الطبراني وابو يعلى بسند لا
بأس به عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال يوتى بالشهيد يوم القيامة فينصب للحساب ثم يوفى
بالمتصدق فينصب للحساب ثم يوتى باهل البلاء فلا ينصب لهم الميزان ولا ينشر لهم
ديوان فيصب عليهم الاجر صبا حتى ان اهل العافية ليتمنون بالموقف ان أجسادهم قرضت
بالمقاريض من حيث
ثواب الله لهم وقد
ذكر فيما سبق ان الذين يدخلون الجنة بغير حساب هم الصوفية العلية لعل المراد بأهل
البلاء هاهنا ايضا بلاء العشاق المحبين لله لرضائهم بالبلاء كرضائهم بالعطاء وكذا
المراد بالبكاء فى قوله صلىاللهعليهوسلم ما من شىء الا وله مقدار وميزان الا الدمعة فانها يطفى بها
بحار من نار رواه البيهقي من حديث معقل بن يسار بكاء اهل العشق والا فقد صح فى
الأحاديث وزن اعمال اهل البلاء كما فى قوله صلىاللهعليهوسلم بخ بخ بخمس ما أثقلهن فى الميزان لا اله الا الله وسبحان
الله والحمد لله والله اكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فتحبسه رواه النسائي
وابن حبان والحاكم والبزار واحمد والطبراني من حديث ثوبان وابو سلمى ولا شك ان
وفات الولد من البلاء والشهادة التي ذكرت فى حديث ابن عباس ايضا من البلاء والله
تعالى اعلم فان قيل روى احمد بسند صحيح عن ابن عمر قال قال رسول الله صلعم يوضع
الموازين يوم القيامة فيوتى بالرجل فيوضع فى كفة ويوضع ما احصى عليه فتمايل به
الميزان فيبعث به الى النار فاذا أدبر إذ صايح يصيح من عند الرحمن لا تعجلوا فانه
قد بقي له فيوتى ببطاقة فيها لا اله الا الله فيوضع مع الرجل حتى يميل به الميزان
وروى الحاكم وصححه وابن حبان والترمذي عنه نحوه وعن ابى سعيد وابن عباس وغيرهما ما
يؤيده فى عمره فكيف يخف ميزان المؤمن فانه لا يخلو مؤمن من قول لا اله الا الله
ولو مرة واحدة فى عمره قلنا احكام الاخرة كلها يعنى أكثرها من القضايا المهملة فى
قوة الجزئية فلما تكون منها كلية والأمر منوط بفضل الله ومدار الأعمال على الإخلاص
ومقداره والله اعلم. (وَما أَدْراكَ ما
هِيَهْ) ط قرأ حمزة ما هى بغير الهاء وصلا فقط والباقون بالهاء
للسكت فى الحالين والضمير راجع الى الهاوية والاستفهام للتهويل وجملة ما أدريك
معترضة لاستعظام أمرها وقوله تعالى نار بدل من هاوبة او بيان لها او خبر مبتداء
المحذوف اى هى. (نارٌ حامِيَةٌ) ع ذات حمى بلغت النهاية فى الحرارة.
سورة التكاثر مكّيّة وهى ثمان آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلْهاكُمُ) اى إلهكم فى اللهو وهو الباطل من الأمر وما لا يعيد فائدة
معتبرة وشغلكم عن طاعة الله وما ينجيكم من سخطه (التَّكاثُرُ) التباهي والتفاخر بكثرة المال والجاه والعدد. (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) ط يعنى حتى متم ودفنتم بالمقابر اخرج ابن ابى حاتم عن زيد
بن اسلم قال قال رسول الله صلعم ألهيكم التكاثر عن الطاعة حتى زرتم المقابر حتى
يأتيكم الموت قال قتادة كانت اليهود يتفاخرون بكثرتهم ويقولون نحن اكثر من بنى
فلان شغلهم ذلك حتى ماتوا فنزلت هذه الاية فيهم فعلى هذا حتى للغاية واخرج ابن ابى
حاتم عن ابن بريدة قال نزلت الاية فى قبيلتين من قبائل الأنصار بنى حارثة وبنى
الحارث تفاخروا وتكاثروا فقالت إحداهما فيكم مثل فلان وفلان وقال آخرون مثل ذلك
تفاخروا بالاحباء ثم قال انطلقوا بنا الى القبور فجعلت احدى الطائفتين يقول فيكم
مثل فلان ومثل فلان ويشيرون الى القبور وقال الكلبي نزلت فى حيين من قريش بنى عبد
مناف وبنى قصى وبنى سهم قالت كل واحد نحن اكثر سيدا وأعز عزيزا واكثر عددا فكثرهم
بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زارو القبور فعدوهم فقالوا هذا القبر فلان
وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لانهم كانوا فى الجاهلية اكثر عددا
فانزل الله تعالى هذه الاية وعلى هذين الروايتين معنى قوله حتى زرتم المقابر حتى
عددتم الأموات لاجل التكاثر بالأموات بعد ما استوعبتم عدد الاحياء فعبر عن
انتقالهم الى ذكر الأموات بزيارة القبور مجازا او يحمل على زيارة القبور حقيقة حيث
انطلقوا الى المقابر بعد القبور حتى هذا للسببية عن عبد الله ابن السخير قال
انتهيت الى رسول الله صلعم هو يقرأ هذه الاية ألهيكم التكاثر قال ابن آدم مالى
مالى وهل لك من مالك الا ما أكلت فافنيت او لبست فابليت او تصدقت فامضيت رواه
البغوي وعن انس بن مالك قال قال رسول الله صلعم يتبع الميت ثلثة فيرجع اثنان ويبقى
معه واحد يتبعه اهله وماله وعمله فيرجع اهله وماله ويبقى عمله رواه البخاري وعن
عياض بن حمار المجاشعي ان رسول الله صلعم قال ان الله اوحى الى ان تواضعوا حتى لا
يفتخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد رواه مسلم وعن ابى هريرة عن النبي صلعم
قال لينتهين أقوام يفخرون بآبائهم الذين ماثوا انما هم محم من جهنم او ليكونن أهون
على الله من الجعل
الذي يد هده الخراء بانفه ان الله قد اذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء انما
هو مؤمن تقى او فاجر شقى الناس كلهم بنو آدم وآدم من تراب رواه الترمذي وابو داود
عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلعم انسابكم هذه ليست بمسبة على أحد كلكم بنو
آدم طف الصاع بالصاع لم تملوه ليس لاحد على أحد فضل الآبدين وتقوى كفى بالرجل ان
يكون بذيا فاحشا بخيلا رواه احمد والبيهقي وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلعم
إذا كان يوم القيامة امر الله مناديا ينادى الا انى جعلت نسبا وجعلتم نسبا فجعلت
أكرمكم أتقاكم فابيتم الا ان تقولوا فلان ابن فلان خير من فلان بن فلان فاليوم
ارفع نسبى واضع نسبكم اين المتقون رواه الطبراني فى الأوسط. (كَلَّا) ردع عن التكاثر (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) حذف مفعوله لدلالة السياق اى سوف تعلمون سوأ عاقبة تفاخركم
وتكاثركم حين تعذبون عليه. (ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ) ط تكرير لتأكيد الوعيد او تنصيص بوعيد اخر وفى ثم دلالة
على ان الثاني ابلغ من الاول قيل الاول عند الموت او فى القبر والثاني بعد البعث
اخرج ابن جرير عن على قال كنا نشك فى عذاب القبر حتى نزلت إلهكم التكاثر الى كلا
سوف تعلمون فى عذاب القبر. (كَلَّا) تأكيد للردع بعد تأكيد (لَوْ تَعْلَمُونَ) ما بين ايديكم (عِلْمَ الْيَقِينِ) ط اى علما كعلم الأمر المتيقن الموجود عندكم وجواب لو
محذوف لتفخيمه يعنى لشغلكم ذلك عن غيره او لما تكاثرتم قال قتادة كنا نحدث ان علم
اليقين ان يعلم ان الله باعث بعد الموت قلت يعنى علما بالغيب حاصلا بالاستدلال ولا
يجوز ان يكون. (لَتَرَوُنَّ
الْجَحِيمَ) جوابا للشرط لانه محقق الوقوع بل هو جواب قسم محذوف أكد به
الوعيد وأوعد ما انذرهم به بعد إبهامه تفخيما لشانه قلت وجاز ان يكون لو مجازا عن
إذا تعلمون علم اليقين وذلك عند الموت لترون الجحيم ولا ينفعكم علمكم حينئذ لفوات
وقت التدارك قرأ ابن عامر والكسائي لترون بضم التاء على البناء للمجهول من اريت
الشيء والباقون بفتح التاء والمراد بالروية هاهنا المعرفة والعلم وجاز ان يكون
الروية بالأبصار فى القبور فان الكافرين يعرضون على النار فى القبور غدوا وعشيا
كما ذكرنا فى تفسير قوله تعالى وما هم عنها بغائبين. (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها) بفتح التاء بلا خلاف يعنى ثم لترون الجحيم بعد النشور (عَيْنَ الْيَقِينِ)
منصوب على المصدرية
عن غير لفظ الفعل فان راى وعاين بمعنى واحد وبه اندفع احتمال ان يكون الروية هاهنا
بمعنى العلم والمعنى لترون رويته موجبة لليقين ومن هاهنا سمى عين اليقين علما
حاصلا بالروية والمشاهدة ولا شك ان الروية أقوى من اسباب العلم قال رسول الله صلعم
ليس الخبر كالمعائنة أخرجه الخطيب عن ابى هريرة والطبراني عن انس بسند حسن وروى
احمد والطبراني بسند صحيح والحاكم عن ابن عباس هذا ومع زيادة ان الله تعالى اخبر
موسى بما صنع قومه فى العجل فلم يلق الألواح فلما عاين ما صنعوا القى الألواح
فانكسرت وقيل عين اليقين صفة لمصدر محذوف اى روية هى نفس اليقين مبالغة. (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ
النَّعِيمِ) يعنى لم تركتم شكر النعم وكفرتم بها قال البغوي فيسألون
يوم القيمة عن شكر ما كانوا فيه قال مقاتل كان كفار مكة فى الدنيا فى الخير
والنعمة ولم يشكروا رب النعم حيث عبدوا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر هذا قول
الحسن وعن ابن مسعود رفعه انتهى والخطاب فى الاية مخصوص بالكفار الذين ألهاكم
التكاثر وجاز ان يكون قوله تعالى لترون الجحيم الى اخر السورة خطابا عاما للناس
أجمعين كقوله تعالى ان منكم الا واردها الاية وقد مر فى الحديث ان المؤمن يرى فى
القبر اولا مقعدا من النار الذي أبدل منها مقعدا فى الجنة ليزداد شكرا (فائده)
السؤال عن النعيم وان كان بدلالة سياق الاية واحد تأويلها مختصا باهل التكاثر لكن
ثبت بما تواتر من الأحاديث ان السؤال عام يسأل الكفار والمؤمنون اخرج ابن ابى حاتم
عن ابن مسعود عن النبي صلعم فى هذه الاية قال الا من والصحة وكذا عن ابن عباس فى
الاية قال صحة الأبدان والاسماع والابصار يسال الله العباد فيما استعملوها واخرج
الفريابي وابو نعيم عن مجاهد فى هذه الاية قال كل شىء من لذة الدنيا وعبد الرزاق
عن قتادة فى هذه الاية انه قال ان الله سائل كل نعمة فيما أنعم عليه واخرج احمد فى
الزهد عن ابى قلابة عن النبي صلعم فى هذه الاية قال ناس من أمتي يعقدون الثمن
والعسل بالنفي فياكلونه واخرج الترمذي عن ابى هريرة قال لما نزلت هذه الاية قال
الناس يا رسول الله عن اى النعيم نسال وانما هى الأسود ان والعدو حاضر وسيوفنا على
عواتقنا قال اما ان ذلك سيكون واخرج ابن ابى حاتم عن عكرمة قال لما نزلت هذه الاية
قالوا يا رسول الله واى نعيم نحن فيه وانما نأكل فى انصاف بطوننا خيز الشعير فاوحى
إليهم أليس تتخذون النعال
وتشربون الماء
البارد فهذا من النعيم وعن على رضى الله عنه قال من أكل خبز البرّ وكان له ظل وشرب
الماء الفرات فذلك من النعيم الذي يسئل عنه وروى الحاكم فى المستدرك عن ابى هريرة
فى حديث مسيره صلىاللهعليهوسلم وابى بكر وعمر الى بيت ابى الهيثم وأكلهم الرطب واللحم
وشربهم الماء قوله صلعم ان هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة فلما كبر
أصحابه قال إذا أصبتم مثل هذا وخبزتم بايديكم فقولوا بسم الله وعلى بركة الله وإذا
أشبعتم فقولوا الحمد لله الذي هو أشبعنا وأروانا وأنعم علينا وأفضل فان هذا وعن
ابن عباس هذه القصة نحوه وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلعم تناصحوا فى العلم
ولا يكتم بعضكم بعضا فانه خيانة الرجل فى علمه أشد من خيانة فى ماله وان الله
يسألكم عنه رواه الطبراني والاصبهانى وعن ابى الدرداء أول ما يسئل عنه العبد ما
عملت فيما علمت رواه احمد وابن المبارك وعن ابن عمر مرفوعا يسئل العبد عن جاهه كما
يسئل عن ماله رواه الطبراني وعن ابن عباس ما من عبد يخطو خطوة الا يسئل الله عنها
ما أراد بها رواه ابو نعيم وعن معاذ مرفوعا ان المؤمن يسئل يوم القيامة عن جميع
سعيه حتى كحل عينيه رواه ابو نعيم وابن ابى حاتم عن الحسن مرفوعا ما من عبد يخطب
الا الله سائله منها ماذا أراد بها مرسل جيد الاسناد رواه البيهقي وكلمة ثم فى
الاية تدل على ان السؤال بعد روية الجحيم قلت وذلك لاجل ان السؤال يكون على الصراط
قال الله تعالى وقفوهم انهم مسئولون وعن ابى هريرة الأسلمي قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يزال قد ما عبد عن الصراط حتى يسئل عن اربع عن عمره
فيما أفناه وعن جسده فيما أبلاه وعن علمه فيما عمل فيه وعن ماله من اين اكتسبه
وفيما أنفقه رواه مسلم وروى الترمذي وابن مردويه عن ابن مسعود مثله قال القرطبي
هذه العمومات مخصوصة بأحاديث من يدخل الجنة بغير حساب عن ابن عمر قال قال رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا يستطيع أحدكم ان يقرأ الف اية فى كل يوم قالوا ومن
يستطيع ان يقرأ الف اية فى يوم قال اما يستطيع أحدكم ألهيكم التكاثر رواه الحاكم
والبيهقي والله تعالى اعلم.
سورة العصر مكيّة وهى ثلث آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْعَصْرِ) قال ابن عباس والدهر قيل اقسم به لان فيه عبرة للناظرين
وقال ابن كيسان أراد بالعصر الليل والنهار وقال الحسن بعد زوال الشمس الى غروبها
وقال قتادة اخر ساعة من نهار وقال مقاتل صلوة العصر وهى الصلاة الوسطى كما ذكرنا
فى سورة البقر. (إِنَّ الْإِنْسانَ) اى جنسه (لَفِي خُسْرٍ) التنكير للتعظيم اى فى خسر عظيم فان الخسر ذهاب راس المال
والإنسان فى هلاك نفسه وعمره وماله فيما لا يفيد له فى حيوة الابدية شعر ومن يبع
أجلا منه بعاجله بين له الغبن فى بيع وفى سلم. (إِلَّا الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فانهم اشتروا الاخرة القوية الباقية بالدنيا الفانية فربحت
تجارتهم (وَتَواصَوْا) بينهم (بِالْحَقِ) بالمعروف قال الحسن وقتادة بالقران وقال مقاتل بالايمان
والتوحيد (وَتَواصَوْا) بينهم (بِالصَّبْرِ) ع وكف النفس عن المنكرات فالشهوات الغير المرضية لله تعالى
او بالصبر مطلقا على الطاعات والمصائب وترك المنكرات فالمراد بالأعمال الصالحة اما
مطلقا فهو عطف الخاص على العام للمبالغة واما مقصورا على موجبات الكمال فالمراد
بالمواصات موجبات التكميل وما عدا ذلك موجبات خسر وروى عن ابراهيم ان الإنسان إذا
عمر فى الدنيا وهرم فهو لفى نقص وتراجع الا المؤمنين فانهم يكتب لهم أجورهم ومحاسن
أعمالهم التي كانوا يعملونها فى شبابهم وصحتهم فهو نظير قوله تعالى. (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) (مسئلة :) الأمر
بالمعروف والنهى عن المنكر واجب من ترك كان من الخاسرين عن ابى سعيد الخدري عن
رسول الله صلعم من راى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع
فبقلبه وذلك أضعف الايمان رواه مسلم وروى البغوي فى شرح السنة عن النبي صلعم قال
لا يعذب الله العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكرين ظهرانيهم وهم قادرون على ان
ينكروه فلم ينكروه فاذا فعلوا ذلك عذب الله العامة والخاصة وروى ابو داود وابن
ماجة عن جرير بن عبد الله مرفوعا نحوه وابو داود عن ابى بكر الصديق ما من قوم يعمل
فيهم المعاصي ثم يقدرون على ان يغيروا ثم لا يغيرون الا يوشك ان يعمهم العقاب وفى
الباب أحاديث كثيرة ـ والله تعالى اعلم.
سورة الهمزة مكيّة وهى تسع آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَيْلٌ لِكُلِّ
هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) قال ابن عباس هم المشاءون بالنميمة المفرقون بين الاحبة
الباغون للبراء العيب ومعناهما واحد وهو عياب وقال مقاتل الهمزة الذي يعيبك فى
الوجه واللمزة الذي يعيبك فى الغيبة وقال ابو العالية والحسن على ضده وقال سعيد بن
جبير وقتادة الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم واللمزة الطعان فيهم وقال ابن
زيد الهمزة من يهمز الناس بيده ويضرهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويعيبهم وقال
سفيان الثوري يهمزه بلسانه ويلمز بعينه ومثله وقال ابن كيسان الهمزة الذي يوذى
جليسه باللفظ واللمزة الذي يومض بعينه ويشير برأسه ويرمز بحاجبه قلت الهمزة فى
الأصل الكسر والنخس فى الحديث اللهم انى أعوذ بك من همزات الشياطين واللمز الطعن
ثم شاعا فيما ذكره هو الكسر فى اعراض الناس والطعن فيهم وبناء فعله للاعتياد فلا
يق ضحكة وشجرة ولعهة وهمزة ولمزة الا للمكثر المتعود واخرج ابن ابى حاتم عن عثمن
بن عمر قال مازلنا نسمع ان ويل لكل همزة نزلت فى ابى بن خلف واخرج عن السدى قال
نزلت فى اخنس بن شريق بن وهب الثقفي واخرج ابن جرير عن رجل من اهل الرقة قال نزلت
فى جميل بن عامر واخرج ابن المنذر عن ابن اسحق كان امية بن خلف الجمحي إذا راى
رسول الله صلعم همزة ولمزة فانزل الله تعالى ويل لكل همزة السورة كلها وقال مقاتل
نزلت فى الوليد بن المغيرة كان يغتاب النبي صلعم من ورائه ويطعن عليه فى وجهه
والاية عامة بصيغتها لكل من هذه صفة وان كانت نازلة فى واحد منهم. (الَّذِي جَمَعَ) قرأ جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بتشديد الميم على
التكثير والباقون بالتخفيف والموصول اما مجرور بدل من كل او منصوب على الذم او
مرفوع خبر مبتداء محذوف اى هو الذي جمع (مالاً وَعَدَّدَهُ) اى أحصاه وجعله عدة للنوازل وعده مرة بعد اخرى. (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) ان مع الجملة قائم مقام المفعولين ليحسب اى يجعله خالدا فى
الدنيا لا يموت مع يساره كانه يزعم ان من لا مال له يموت بالجوع ومن كان
له مال لا يموت
ابدا وهذا كناية عن طول أمله وغفلته عن الموت وحبه للمال وليس على الحقيقة فان
أحدا لا يزعم انه لا يموت ابدا او فيه تعريض بان المخلد هو الايمان والأعمال
الصالحة دون المال عن عبد الله بن مسعود قال خط النبي صلعم خطا مربعا وخط خطا فى
الوسط خارجا منه وخط خطوطا صغارا الى هذا الذي فى الوسط من جانب الذي فى الوسط
فقال هذا انسان وهذا اجله محيط به وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار
الاعراض فان أخطأه هذا نهشه هذا وان أخطأه نهشه هذا وعن انس قال خط النبي صلىاللهعليهوسلم خطوطا فقال هذا الأمل وهذا اجله فبينما هو كذلك إذ جاءه
الخطا الأقرب روى من المحدثين البخاري. (كَلَّا) ردع عن الخصال المذكورة من الهمزة واللمزة وحب المال وطول
الأمل (لَيُنْبَذَنَ) جواب قسم محذوف وجاز ان يكون كلا بمعنى حقا مفيد المعنى
القسم فعلى هذا قوله لينبذن جواب قسم مذكور (فِي الْحُطَمَةِ) ج وهى اسم من اسماء جهنم وانما سميت به لانها تحطم وتكسر
كل ما يطرح فيها ثم بين شدة أمرها بقوله. (وَما أَدْراكَ مَا
الْحُطَمَةُ) ط استفهام للتفخيم والتهويل والجملة معترضة لاستعظام شانها
يعنى أنت لا تدرى شدة أمرها فانها أعظم من ان يدرك او يخيل ثم فسرها بعد الإبهام
بقوله. (نارُ اللهِ) خبر مبتداء محذوف اى هى نار الله أضاف الى نفسه للتعظيم
فانها مظهر قهر الله نعوذ بالله منها وصفات الله تعالى كلها جلالية كانت او جمالية
بالغة فى الكمال الى مرتبة لا يمكن فوقها ولا يدرك قدرها (الْمُوقَدَةُ) صفة للنار على البناء للمجهول يعنى أوقدها الله تعالى وما
اوقده الله تعالى لا يقدر غيره ان يطفئه عن ابى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال أوقد على النار الف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها الف
سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهى سوداء مظلمة رواه الترمذي. (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) ط اى تبلغ الى الافئدة والاطلاع والبلوغ بمعنى واحد يحكى
عن العرب من اطلعت ارضنا اى بلغت اخرج ابن المبارك عن خالد بن عمران بسنده الى
النبي صلعم قال ان النار تأكل أهلها حتى إذا طلعت الى افئدتهم انتهت ثم يعود كما
كان ثم تستقبله فتظلع على فواده فهو كذلك فذلك قوله تعالى نار الله الموقدة التي
تطلع على الافئدة
وكذا قال القرطبي
والكلبي قلت فذكر الفواد هاهنا للدلالة على تابيد العذاب فان نار الدنيا إذا أحرقت
أحدا تميته قبل ان تطلع على فواده بخلاف نار جهنم او لان الفواد ألطف ما فى البدن
وأشد تألما او لأنه محل العقائد الزائغة ومنشأ الأعمال القبيحة فكانه هو منبع نار
جهنم. (إِنَّها عَلَيْهِمْ) جمع الضمير رعاية لمعنى كل والظرف متعلق بما بعده (مُؤْصَدَةٌ) جملة مستانفة كانها فى جواب ما بالهم لا يخرجون ولا يفرون
فقال انها عليهم موصدة اى مطبقة كذا اخرج ابن مردوية عن ابى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يعنى مغلقة من أوصدت الباب إذا اطبقه اخرج ابن جرير وابن
ابى حاتم وابن ابى الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال إذا بقي فى النار من يخلد
فيها جعلوا فى توابيت من حديد فيها مسامير من حديد ثم جعلت تلك التوابيت فى توابيت
من حديد ثم قذفوا فى أسفل الجحيم فما يرى أحدا بعذاب غيره واخرج ابو نعيم والبيهقي
عن سويد بن غفلة نحوه. (فِي عَمَدٍ
مُمَدَّدَةٍ) ع الظرف متعلق بمحذوف فى محل النصب على الحالية اى موثقين
فى عمد وجاز ان يكون متعلقا بمؤصدة فيكون النار داخل العمد قرأ حمزة والكسائي وابو
بكر عمد بضم العين والميم والآخرون بفتحها وهما جمع عمود مثل أديم وآدم وآدم قاله
القراء وقال ابو عبيد جمع عماد مثل إهاب واهب قال ابن عباس أدخلهم فى عمد فمدت
عليهم بعماد وفى أعناقهم السلاسل وسدت عليهم بعماد لهما الأبواب وقال قتادة بلغنا
انها عمد يعذبون بها فى النار وقيل هى أوتاد الاطباق الذي يطبق على اهل النار اى
انها مطبقة عليهم بأوتاد ممدودة وهى فى قراءة عبد الله بعمد بالباء وقال مقاتل
أطبقت الأبواب عليهم ثم سدت بأوتاد من حديد من نار حتى يرجع عليهم باب ولا يدخل
عليهم ممددة صفة لعمد اى مطولة فتكون ارسخ من القصيرة ـ والله
تعالى اعلم.
سورة الفيل مكيّة وهى تسع آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلَمْ تَرَ) خطاب للنبى صلعم والاستفهام للانكار وانكار النفي اثبات
والغرض منه التقرير يعنى قد رايت يا محمد وهو صلىاللهعليهوسلم وان لم يشهد تلك الوقعة لكن شاهد اثارها وسمع بالتواتر
اخبارها فكانه راها وجاز ان يكون الروية بمعنى العلم والجملة الاستفهامية التي
بعدها سدت مسد مفعولى ترو فيه اشارة الى نظره صلعم وان يفعل باعدائه مثل ما فعل
باصحاب الفيل (كَيْفَ فَعَلَ
رَبُّكَ) استفهام للتعجب ولذا لم يقل ما فعل لان المراد تذكير ما
فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله وقدرته وعزة بيته وشرف نبيه صلعم فانها من
الارهامات وكانت قصة الفيل توطية لنبوته ومقدمة لظهوره وبعثته والا فاصحاب الفيل
كما قال ابن نعيم كانوا نصارى اهل الكتاب وكان دينهم خيرا من دين اهل مكة إذ ذلك
لانهم كانوا عبدة الأوثان وكان قدوم الفيل يوم الأحد لثلث عشر ليلة بقيت من المحرم
وبه قال ابن عباس ومن العلماء من حكى الاتفاق عليه وقال كل قول يخالفه وهم وفى ذلك
العام ولد النبي صلعم بعد نحو من الشهرين فى شهر ربيع الاول من تلك السنة كذا قال
الأكثرون وهر الأصح وقيل بعده بثلثين عاما وقال مقاتل بأربعين عاما وقيل بسبعين
عاما وقال الكلبي بثلث وعشرين سنة والاول أصح كذا فى خلاصة السير (بِأَصْحابِ الْفِيلِ) وهم ابرهة ملك اليمن وأصحابه قال الضحاك وكانت الفيلة
ثمانية وقيل اثنى عشر سوى الفيل الأعظم الذي يقال له المحمود وانما وحد لانه نسبهم
الى الفيل الأعظم وقيل لوفاق رءوس الآي وقصة اصحاب الفيل على ما ذكره محمد بن اسحق
عن بعض اهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس وذكره الواقدي ان النجاشي
ملك الحبشة كان قد بعث ارياطا الى الأرض اليمن فغلب عليها فقام رجل يقال له ابرهة
بن الصباح من رجال الحبشة فساخط ارياط فى امر الحبشة حتى انصدعوا صدعين فكانت
طائفة مع ارياط وطائفة مع ابرهة فتزاحما فقتل ابرهة ارياطا
واجتمعت الحبشة
لابرهة وغلب على اليمن وأفرد النجاشي ثم ان ابرهة راى الناس يتجهزون ايام الموسم
الى مكة لحج بيت الله فبنى كنيسة بصنعاء وكتب الى النجاشي انى صنعت لك بصنعاء
كنيسة لم يبن لملك مثلها بيت فتهيأ حتى اصرف إليها حج العرب فسمع به رجل من بنى
مالك بن كنانة فخرج إليها ليلا فقعد فيها ليلا ولطخ بالعذرة قبلتها فبلغ ذلك ابرهة
فحلف ابرهة ليسيرن الى كعبة حتى يهدمها فكتب الى النجاشي يخبره بذلك وساله ان يبعث
اليه بفيلة يقال له محمود ولم ير مثله عظيما وقوة فبعث اليه فخرج ابرهة سايرا الى
مكة فسمعت العرب بذلك فعظموه ورأو جهاده حقا عليهم فخرج ملك من ملوك اليمن يقال له
ذو نفر مقاتله فهزمه ابرهة وأخذ ذا نفر ولم يقتله وأوثقه ثم سار حتى إذا دنى من
بلاد خثعم خرج نفيل بن حبيب الخثعمي فى خثعم واجتمع اليه قبائل اليمن فقاتلوه وأخذ
نفيلا فقال نفيل ايها الملك انى دليل بأرض العرب فاستبقاه وخرج معه يدله على
الطريق حتى إذا مر بالطائف خرج مسعود بن مغيث الثقفي فى رجال من ثقيف فقال ايها
الملك نحن عبيدك ليس لك عندنا خلاف انما تريد البيت الذي بمكة نحن نبعث معك من
يدلك عليه فبعثوا بارغال مولى لهم فخرج حتى إذا كان بالمغمس يأت ابو رغال وهو الذي
يرجم قبره فبعث ابرهة من المغمس رجلا من الحبشة يقال له الأسود يسوق اليه اموال
الحرم وأصاب لعبد المطلب مأتى بعير ثم ان ابرهة بعث بحناطة الحميرى الى اهل مكة
فقال أسأل عن شريفها ثم أخبره انى لم ات لقتال انما جئت لاهدم هذا البيت فانطلق
حتى دخل مكة فلقى عبد المطلب وقال له ما قال ابرهة فقال عبد المطلب ماله عندنا
قتال فتخلى به وبين ما جاء به فان هذا بيت الله الحرام وبيت خليل عليهالسلام فان يمنعه فهو بيته وحرمه وان يخل بينه وبين ذلك فو الله
ما لنا به قوة فقدم عبد المطلب العسكر لطلب ابله وكان ذو نفر صديقا له فاتاه فقال
له ذو نفر الى رجل أسير ولكن سابعثك الى أنيس سائس الفيل فانه لى صديق قال ذو نفر
لا تيس هذا سيد القريش وصاحب عير مكة الذي يطعم الناس فى السهل والوحوش فى الجبال
ليستاذن عليك وقد جاء غير ناصب لك ولا مخالف عليك فاذن له وكان عبد المطلب رجلا
جسيما وسيما فلما رآه ابرهة أعظمه وأكرمه وكره ان يجلس معه على سريره وان يجلس
تحته فهبظ الى البساط فجلس عليه ثم دعاه فاجلسه معه وقال لترجمانه قل له ما حاجتك
الى الملك فقال عبد المطلب حاجتى مأتى بغير
فقال ابرهة لقد
كنت أعجبتني حين رايتك ولقد زهدت فيك جيئت الى بيت هو دينك ودين ابائك وهو شرفكم
وعصمتكم لاهدمه لم لا تكلمنى فيه وتكلمنى فى مائتى بعير أصبتها فقال عبد المطلب
انا رب هذا الإبل وان لهذا البيت ربا سيمنعه قال ما كان ليمنعه منى فأمر بإبله
فردت عليه وجاء عبد المطلب واخبر قريشا الخبر وأمرهم ان يتفرقوا فى الشعاب
ويتحرزوا فى رؤس الجبال تخوفا عليهم من معرفة الحبش ففعلوا واتى عبد المطلب الكعبة
وأخذ بحلقة الباب وجعل يقول يا رب لا رجو لهم سواك يا رب فامنع منهم حماك ان عدو
البيت من عداك امنعهم ان يخربوا قراك وقال ايضا لا هم ان العبد يمنع رحلة فامنع
رحالك وانصر على ال الصليب وعابد له اليوم الك لا يغلبن صليبهم ومحالهم وعدو محالك
جروا هموع بلادهم والفيل كى يسبو عيالك عمدوا حماك بكيدهم جهلا وما رقبوا جلالك ان
كنت تاركهم وكعبتنا فامر ما بدا لك ثم ترك عبد المطلب الحلقة وتوجه فى بعض تلك
الوجوه مع قومه وأصبح ابرهة بالمغمس قد تهيا للدخول وهيأ جيشه وهيأ فيله وكان فيلا
لم ير مثله فى العظمة والقوة ويقال كانت معه اثنى عشر فيلا فأقبل نفيل الى الفيل
الأعظم ثم أخذ باذنه وقال ابرك محمود وارجع راشدا من حيث جئت فانك فى بلد الله
الحرام فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه بالمعول راسه فأبى فادخلوا محاجنهم تحت
مراثقة ففزعوه ليقوم فأبى فوجهوه راجعا الى اليمن فقام يهرول ووجهوه الى الشام
ففعل ذلك ووجهوه الى المشرق ففعل مثل ذلك فصرفوه الى الحرم فابى ان يقوم وخرج نفيل
يشتد حتى صعد الى الجبل وأرسل الله عزوجل طيرا من البحر مثل الخطاطيف مع كل طاير منها ثلثة أحجار
حجران فى رجليه وحجر فى منقاره مثل الحمص والعدس فلما غشين القوم ارسلنها عليهم
فلم يصب تلك الحجارة أحدا الا هلك وليس كل القوم أصاب وخرجوا هاربين لا يهتدون الى
الطريق الذين جاؤا يتساءلون عن نفيل بن حبيب ليدلهم الى الطريق الى اليمن ونفيل
ينظر إليهم من بعض تلك الجبال وصرح القوم وماج بعضهم فى بعض يتساقطون كل طريق
ويهلكون على كل منهل ما كان على الطريق وبعث الله الى ابرهة داء فى جسده فجعل
يتساقط أنامله كلما سقطت انملة اتبعتها مدة من قيح ودم فانتهى الى صنعاء وهو مثل
فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه وما مات حتى انصدع صدره من قبله ثم هلك قال الواقدي
واما محمود فيل النجاشي فركض
ولم يشجع على
الحرم فنجا والفيل الاخر شجع يضرب اى رمى بالحصاء وزعم مقاتل بن سليمن ان السبب
الذي جرى اصحاب الفيل ان فئة من قريش خرجوا تجارا الى الأرض النجاشي فدنوا من ساحل
البحر ثم بيعة النصارى تسميا قريش الهيكل فنزلوا فاججوا نارا فاشتورا فلما ارتحلوا
تركوا النار كما هى فى يوم عاصف فهبت الريح فاضطرم الهيكل نارا فانطلق الصريخ الى
النجاشي فاسف غضبا للبيعة فبعث ابرهة لهدم الكعبة وقال انه كان بمكة يومئذ سعيد
الثقفي وكان مكفوف البصر يصيف بالطائف ويشتوا بمكة وكان رجلا نبيها ونبيلا يستقيم
الأمور برايه وكان خليل عبد المطلب فقال له عبد المطلب ماذا عندك هذا يوم يستغنى
فيه من رايك فقال ابو مسعود اصعد بنا الى حراء وصعد الجبل فقال ابو مسعود لعبد
المطلب اعمد الى مائة ابل فاجعلها الله وقلدها فعلا ثم ابعثها فى الحرم لعل بعض
هذا السودان يعقر منها فيغضب رب هذا البيت فياخذهم ففعل ذلك عبد المطلب فعمد القوم
الى تلك الإبل فحملوا عليها وعقروا بعضها وجعل عبد المطلب يدعو فقال ابو مسعود ان
لهذا البيت ربا يمنعه وقد نزل تبع ملك من اليمن صحن هذا البيت وأراد هدمه فمنعه
الله وابتلاه واظلم عليه ثلثة ايام فلما راى تبع ذلك كساه القباطي البيض وعظمه
ونحر له الجزور فنظر ابو مسعود الى البحر فراى شيئا فقال لعبد المطلب فانظر نحو
البحر فنظر عبد المطلب فقال ارى طيرا بيضا نشأت من شاطى البحر فقال ارفعها يبصرك
اين قرارها فدارت على رؤسنا قال هل تعرفها قال والله ما اعرفها ما هى نجدية ولا
تهامية ولا عربية ولا شامية قال ما قدرها قال أشباه اليعاسيب فى منقارها حصى كانها
حصى الحذف قد أقبلت كالليل يتبع امام كل فرقة طير يقودها احمر المنقار اسود الراس
طويل العنق فجاءت حتى حاذت بعسكر القوم ركدت فوق رؤسهم فلما توافقت الرجال كلها
اهالت الطير ما فى مناقيرها على ما تحتها مكتوب فى كل حجر اسم صاحبه ثم انها
انضاغت راجعة من حيث جاءت فلما أصبحا تحطا من ذروة الجبل فمشيا ربوة فلم يونسا
أحدا ثم أتوا ربوة فلم يسمعها حسا فقال بات القوم خامدين فاصبحوا نياما فلما دنوا
عن عسكر القوم فاذا هم خامدون فكان يقع الحجر على بيضة أحدهم فيخرقها حتى يقع فى
دماغه ويخرق الفيل والدابة ويغيب الحجر فى الأرض من شدة وقعة فعمد عبد المطلب فاخذ
فأسا من قوسهم فتحفر حتى اعمق من الأرض فملاه من الذهب الأحمر والجوهر وحفر لصاحبه
فملاه ثم قال لانى مسعود هات فاختر ان شئت حفرتى
وان شئت حفرتك وان
شئت فهما لك معا قال ابو مسعود اختر على نفسك قال عبد المطلب انى لم ال ان اجعل
أجود المتاع فى حفرتى فهو لك وجلس كل منها على حفرته ونادى عبد المطلب فى الناس
فراجعوا وأصابوا من فضلهما حتى ضاقوا به ذرعا وساد عبد المطلب بذلك قريشا فاعطته
القادة فلم يزل عبد المطلب وابو مسعود فى أهلها فى غناء من ذلك المال ودفع الله عن
كعبة. (أَلَمْ يَجْعَلْ) استفهام للانكار مثل الم تر (كَيْدَهُمْ) مكرهم وسعيهم فى تخريب البيت (فِي تَضْلِيلٍ) تضيع وابطال. (وَأَرْسَلَ) عطف على مضمون الم يجعل اى جعل (عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) صفة طيراى كثيرة متفرفة تبع بعض جماعة جماعة اخرى يقال
جاءت الخيل ابابيلا من هاهنا ومن هاهنا جمع ابالة وهى الحزمة الكبيرة شبهت بها
الجماعة من الطير فى تضامها كذا قال ابو عبيد وقال الفراء لا واحد لها من لفظها
وقال الكسائي جمع أبول مثل عجول وعجاجيل وقيل جمع ابل. (تَرْمِيهِمْ) اى اصحاب الفيل صفة اخرى للطير (بِحِجارَةٍ) كائنة (مِنْ سِجِّيلٍ) من طين متحجر معرب سنك كل وقيل مشتق من السجل وهو الدلو
الكبير او الاسجال وهو إرسال او من السجل ومعناه من الجملة العذاب المكتوب لاجلهم
قال ابن عباس طيرا لها خراطيم الطير واكف كاكف الكلاب قال عكرمة لها روس كرؤس
السباع وقال الربيع لها أنياب كانياب السباع وقال سعيد بن جبير طير خضر لها مناقير
صفر وقال قتادة طير سود جاءت من قبل البحر فوجا فوجا قال ابن مسعود صاحب الطير
ورقهم بالحجارة وبعث الله له بها فضربت الحجارة فزادته شدة فما وقع منها حجر على
رجل الا خرج من الجانب الاخر وان وقع فى راسه خرج من دبره. (فَجَعَلَهُمْ) عطف على أرسل (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) ع مفعول ثان لجعل اى جعلهم كزرع وتبن أكلته الدواب فراتّه
وتفرقت اجزاءه شبه تقطع أوصالهم بتفرق اجزاء الروث وقال مجاهد العصف ورق الحنطة
وقال قتادة هو التبن وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة
الغلاف ومعنى مأكول يعنى أكلته الدواب ـ والله تعالى اعلم.
سورة قريش مكيّة وهى اربع آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) قرأ ابن عامر لالاف بغير ياء بعد الهمزة وابو جعفر ليلاف
بغير همزة والباقون بهمزة وياء بعدها واللام للتعجب عند الكسائي والأخفش متعلق
بمحذوف اى اعجبوا لايلاف قريش وقال الزجاج هى مردودة الى ما بعدها تقديره فليعبدوا
رب هذا البيت لايلاف قريش والفاء للجزاء لان الكلام فى معنى الشرط إذ المعنى ان
نعم الله عليهم لا تحصى فان لم يعبدوا لساير نعمته فليعبدوا لايلاف قريش لكن يرد
عليه ان ما فى حيز الجزاء لا يعمل قبله فالاولى ان يقال حينئذ الفاء زائدة وجاز ان
يكون متعلقا بما قبله فى السورة السابقة كالنظمين فى الشعر وهو ان يتعلق معنى
البيت التالي بالذي قبله تعلقا لا يصلح الا به والمعنى انه أهلك اصحاب الفيل
وجعلهم كعصف مأكول لايلاف قريش رحلة الشتاء والصيف اى ليتسامع الناس ذلك الإهلاك
لاجلهم فيحرموهم فضل إحرام حتى ينتظم لهم الا من فى رحيلتهم فلا يجترئ عليهم أحد
ولاجل هذا التعلق المعنوي عد بعض الناس سورة الفيل وهذه السورة سورة واحدة منهم
ابى بن كعب لافضل بينهما فى مصحفه فاللام على هذا متعلق بجعل وقريش هم ولد النضر
بن كنانة فمن ولده النضر فهو قريش ومن لم يلده فليس بقريش سموا قريشا من القرش
والتقرش وهو التكسب والجمع يقال فلان يقرش لعياله ويتقرش اى يكتسب وهم كانوا تجارا
حراصا على جمع المال والإفضال وسأل معاوية عن عبد الله بن عباس لم سميت قريشا قال
الدابة فى البحر من أعظم الدواب يقال لها القرش لا تمر بشى من الغيث والسمين الا
أكلته وهى تأكل ولا توكل تعلو ولا تعلى وفى القاموس قرشه اى قطعه وجمعه من هاهنا
وهاهنا وضم بعضه الى بعض ومنه قريش لتجمعهم الى الحرم ولانهم كانوا يتفرشون
البياعات فيشترونها ولان نضر بن كنانه اجتمع فى ثوبه يوما فقالوا تقرش او لانه جاء
الى قومه فقالوا كانه جمل قريش اى شديدا ولانهم كانوا يقرشون الحاج فيسدون خلتها
او سميت ؟ ؟ ؟ القرش وهى دابة بحرية يخافها دواب البحر كلها (فائدة) عن واثلة بن
الاشقع قال قال رسول الله صلعم ان الله اصطفى كنانة من بنى اسمعيل
واصطفى من بنى
كنانة قريشا واصطفى من قريش بنى هاشم واصطفاني من بنى هاشم رواه البغوي وعن ابى
هريرة عن النبي صلعم الناس تبع بقريش فى هذا الشان مسلمهم وكافرهم متفق عليه وعن
جابر مرفوعا الناس تبع لقريش فى الخير والشر رواه مسلم قلت لعل المراد من الحديث
الاول قوة استعداد قريش ومن ثم ترى أفضل الصحابة واكثر اولياء منهم وبالآخرين انه
تعالى لما بعث خاتم النبيين منهم فكانهم هم المخاطبون اولا بالشرائع والايمان
وساير الناس تبع لهم قال الله تعالى وما أرسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم
وقال الله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين فمن أمن منهم سن سنة حسنة باتباع الرسول
فلهم أجرهم واجر من تبعهم ولذا صاروا أفضل الناس بعد الأنبياء ومن كفر منهم وسلك
طريق مخالفة النبي صلعم فى بدو الأمر ثم مات على ذلك فعليه اثم من كفر بعدهم كما
ان قابيل أول من قتل يقاسم اهل النار بضعف عذاب جهنم قسمه صحابا أخرجه البيهقي عن
ابن عمرو قد مر فى سورة والشمس فى حديث انه أشقى الناس وعن ابن عمر مرفوعا قال لا
يزال هذا الأمر فى قريش ما بقي منهم اثنان متفق عليه وعن معاوية قال سمعت رسول
الله صلعم يقول ان هذا الأمر فى قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما
أقاموا الدين رواه البخاري قلت المراد بالأمر الخلافة والغرض من حديث ابن عمر
وجواب استخلاف قريش وليس الغرض منه الاخبار والغرض من حديث معاوية الدعاء بالسوء
على من نبى من خليفة قريشى عادل وعن سعد رض عن النبي صلعم قال من يرد هو ان قريش
اهانه الله رواه الترمذي وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلعم فضل الله قريشا بسبع
خصال لم يعطها أحدا قبلهم ولا يعطها أحدا بعدهم فضل الله قريشا انى منهم وان
النبوة فيهم وان الحجابة فيهم وان السقاية فيهم ونصرهم على الفيل وعبدوا الله عشر
سنين لم يعبدوه غيرهم وانزل الله فيهم سورة من القران لم يذكر فيها أحدا غيرهم
ليلاف قريش رواه الحاكم والطبراني والبخاري فى التاريخ وعن زبير بن العوام مثله
غير انه لم يذكر انى منهم بل ذكران فيهم النبوة والخلافة والحجابة والسقاية
والثلاثة النصر على الفيل وعبدوا الله عشر سنين ونزلت فيهم ليلاف قريش رواه
الطبراني فى الأوسط. (إِيلافِهِمْ) بدل من الإيلاف الاول اتفق غير ابى جعفر على انها بياء بعد
الهمزة فى اللفظ دون الخط الا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فانه قرأ الفهم
ساكنة اللام واطلاق الإيلاف اولا
ثم ابدال المقيد
عنه بقوله (رِحْلَةَ الشِّتاءِ
وَالصَّيْفِ) ج للتفخيم فانه كان من أعظم نعم الله عليهم وذاك لان الحرم
كان واديا جديا لا زرع فيه ولا ضرع فلولا الرحلتان لهم بالتجارة لم يكن لهم مقام
ولا معاش ولو لا ان جعل الله مكة حرما محترما بحيث يكون الناس ويتقرضون لهم بالسوء
قائلين قريش سكان حرم الله ولاة بيته لم يقدروا على الرحلتين فكانوا يرتحلون رحلة
فى الشتاء الى اليمن لانها ادفأ وفى الصيف الى الشام لانها برد فيمتارون ويتجرون
ويربحون قال عطاء عن ابن عباس انهم كانوا فى ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على
الرحلتين وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغنى حتى كان فقيرهم كغنيهم قال الكلبي
كان أول من حمل السمراء من الشام ورحل إليها الإبل هاشم بن عبد مناف قال البغوي
فشق عليهم الاختلاف الى اليمن والشام فاخصبت تبالة وحرش من اليمن فحملوا الطعام
الى مكة اهل الساحل من البحر على السفن واهل البر على الإبل والحمير فألقى اهل الساحل
بجدة واهل البر بالمحصب وأخصبت اهل الشام فحملوا الطعام الى مكة فالقوا بالأبطح
فامتاروا من قريب وكفاهم الله مونة الرحلتين وأمرهم بعبادة رب هذا البيت فقال. (فَلْيَعْبُدُوا) ان كان لام لايلاف متعلقا بما قبله او للتعجب فالفاء للعطف
والسببية وان كان متعلقا بما بعده فهى زايدة او فى جواب شرط مقدر كما مر (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) اى الكعبة يعنى الله سبحانه ذكر الله تعالى بصفة ربوبية
البيت ولكون البيت باعثا لامنهم. (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ
مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) ع خوف اصحاب الفيل او التخطف ببلدهم او فى السفر يجعلهم من
اصحاب الحرم وقال الضحاك والربيع والسفيان امنهم من خوف انهدام فلا يصيب ببلدهم
ذلك كله بدعاء ابراهيم عليهالسلام رب اجعل هذا بلدا أمنا وارزق اهله من الثمرات عن ابى الحسن
القزويني موقوفا ان خاف من عدو او غيره فقراءة لايلاف قريش أمان عن كل سوء ذكره
الجزري فى الحصن الحصين وقال مجرب قلت وقد أمرني شيخى وامامى قدس الله سره السامي
بقراءته فى المخاوف لدفع كل سوء وبلاء وقال مجرب قلت وقد جربته كثيرا والله تعالى
اعلم.
سورة الماعون مكّيّة وهى سبع آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَرَأَيْتَ الَّذِي
يُكَذِّبُ) الاستفهام للتعجب والروية بمعنى الابصار والمعرفة فاقتصر
على مفعول واحد وهو الموصول مع الصلة وقال فى البحر المواج الاستفهام للتقرير
والروية بمعنى العلم والموصول خبر محذوف يعنى ذلك تقديره ارايت ذلك الذي يكذب
بالدين قال مقاتل نزلت فى العاص بن وائل السهمي وقال السدى ومقاتل وابن كيسان هو
الوليد بن مغيرة وقال الضحاك نزلت فى عمرو بن عائذ المخزومي فصدر السورة على هذا
الأقوال مكية واخر السورة مدنية كذا قيل وقال عطاء عن ابن عباس ارايت الذي يكذب
بالدين نزلت فى رجل من المنافقين فالموصول للعهد وقيل للجنس (بِالدِّينِ) ط اى بالإسلام او بالجزاء. (فَذلِكَ) خبر مبتداء محذوف تقديره فهو ذلك والفاء للسببية والجملة
فى مقام التعليل للجملة السابقة وقيل الفاء جزائية والشرط محذوف تقديره ارايت
وعرفت الذي يكذب بالدين فان لم تعرفه فهو ذلك (الَّذِي يَدُعُّ
الْيَتِيمَ) اى يقهره ويدفعه عن حقه والدع والدفع بالعنف. (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) ط اى لا يأمر نفسه واهله وغيره باطعامه لانه يكذب بالجزاء.
(فَوَيْلٌ
لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) الفاء جزائية يعنى إذا كان عدم المبالات باليتيم من ضعف
الدين والموجب للذم والتوبيخ فالسهو عن الصلاة التي هى عماد الدين والريا الذي هو
شعبة الكفر ومنع الزكوة التي هى قنطرة الإسلام اولى بذلك ولذلك رتب عليه الويل او
للسببية على معنى فويل لهم وانما وضع المصلين موضع الضمير للدلالة على معاملتهم مع
الخالق وساهون اى غافلون غير مبالين به روى البغوي بسنده عن مصعب بن سعد بن ابى
وقاص عن أبيه قال سئل رسول الله صلعم هم عن صلاتهم ساهون قال اضاعة الوقت وفى
رواية ابن جرير وابى يعلى قال هم الذين يوخرون الصلاة عن وقتها قال ابو العالية
صلوتها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها وقال قتادة سأه عنها لا يبالى صلى او
لم يصل قيل لا يرجون ثوابا ان صلوا ولا يخافون عليها عقابا ان تركوا وقال مجاهد
غافلون فيها متهاونون بها
وقال الحسن وهو
الذي عليها ان صليها رياء وان فاتته لم يندم. (الَّذِينَ هُمْ
يُراؤُنَ) مفاعلة من الروية اى يراؤن الناس أعمالهم ليردوا الثناء
عليها قال عليه الصلاة والسلام من صلى يراى فقه أشرك ومن صام يراى فقد أشرك ومن
تصدق يراى فقد أشرك رواه احمد عن شداد بن أوس. (وَيَمْنَعُونَ
الْماعُونَ) ع قال قطرب الماعون فى الأصل الشيء القليل والمراد هاهنا
الزكوة كذا روى عن على وابن عمر والحسن وقتادة والضحاك وانما سمى الزكوة ماعونا
لكونها قليلا من الكثير وقال ابن مسعود الماعون الفاس والدلو والقدر وأشباه ذلك
وهى رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس وقال مجاهد الماعون العارية وقال عكرمة أعلاها
الزكوة المفروضة وأدناها عارية المتاع وقال محمد بن كعب والكلبي الماعون المعروف
الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم وقيل الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح
والنار قال قلت يا رسول الله هذا الماء فما بال الملح والنار قال يا حميراء من
اعطى نارا فكانما تصدق بجميع ما أنضجت تلك النار من اعطى ملحا فكانما تصدقت بجميع
ما طيب تلك الملح ومن سقى مسلما شربة من ماء حيث يوجد الماء فكانما أعتق رقبة ومن
سقى مسلما شربة من ماء من حيث لا يوجد الماء فكانما أحياها رواه ابن ماجة واخرج
ابن المنذر من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قوله تعالى فويل للمصلين الذين إلخ
نزلت فى المنافقين كانوا يراؤن المؤمنين بصلوتهم إذا حضروا ويتركونها إذا غابوا
ويمنعون العارية قال فى المدارك روى عن انس والحسن قالا الحمد لله الذي قال عن
صلاتهم ساهون ولم يفل فى صلاتهم لان معنى عن سهو ترك واعراض عنها وقلة التفات
إليها وذلك فعل المنافقين ومعنى فيما يقع فى الصلاة من حديث النفس ووسوسة الشيطان
والحكم فى ذلك التعوذ ودفع الوسوسة ما استطاع والعفو فيما لم يستطع عن عثمن ابن
ابى العاص قال قلت يا رسول الله ان الشيطان قد حال بين صلوتى وبين قراءتى يلبسها
على فقال رسول الله صلعم ذاك شيطان يقال لها خسرت فاذا احسسته فتعوذ بالله منه
واتفل عن يسارك ثلثا ففعلت ذلك فاذهبه الله عنى رواه مسلم وعن القاسم بن محمد ان
رجلا ساله فقال انى أهم فى صلوتى فيكثر ذلك على فقال امض فى صلوتك فانه لم يذهب
ذلك عنك حتى تنصرف وتقول ما أتممت صلوتى والله تعالى اعلم.
سورة الكوثر مكيّة وهى ثلث آيات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ
روى مسلم عن انس
قال بينا رسول الله صلعم ذات يوم بين أظهرنا إذا أغفى اغفاءة ثم رفع رأسه متبسما
فقلنا ما اضحكك يا رسول الله قال أنزلت على آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم
انا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر ان شانئك هو الأبتر قال أتدرون ما الكوثر قلنا
الله ورسوله اعلم قال فانه نهر وعدنيه ربى عليه خير كثير هو حوض يرد عليه أمتي يوم
القيامة انيته عدد النجوم فيختلج العبد منهم فاقول رب انه أمتي فيقول ما تدرى ما
أحدث بعدك واخرج الطيراني بسند ضعيف عن ابى أيوب قال لما مات ابراهيم ابن رسول
الله صلعم مشى المشركون بعضهم الى بعض فقالوا ان هذا الصابي قد بتر الليلة فانزل
الله تعالى انا أعطيناك الكوثر وكذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج واخرج ابن جرير
عن شهر بن عطية قال كان عقبة بن ابى معيط يقول لا يبقى لمحمد ولد وهو ابتر فانزل
الله فيه ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير فى قوله فصل لربك
وانحر قال أنزلت يوم الحديبية أتاه جبرئيل فقال انحر وارجع فقام فخطب خطبة القصر
والنحر ثم ركع ركعتين ثم انصرف الى البدن فنحرها وفيه غرابة شديدة واخرج البزار
وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيد اهل
المدينة الا ترى الى هذا المتصبر المنتبز من قومه يزعم انه جرمنا ونحن اهل الحجيح
واهل السقاية واهل السدانة قال أنتم خير منه فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن
ابى شيبة فى المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال لما اوحى الى النبي صلعم قالت قريش
بتر محمد منا فنزلت ان شانئك هو الأبتر واخرج ابن ابى حاتم عن السدى قال كانت قريش
تقول إذا مات ذكورا الرجل بتر فلان فلما مات ولد النبي صلىاللهعليهوسلم قال العاص بن وائل بتر محمد فنزلت واخرج البيهقي فى
الدلائل مثله عن محمد ابن على بن الحسين وسمى الولد القاسم واخرج البيهقي فى
الدلائل عن مجاهد قال فنزلت فى العاص ابن وائل قال انا شاتى محمد وذكر البغوي ان
العاص بن وائل السهمي راى النبي صلعم يخرج من المسجد وهو يدخل فالتقيا عند باب بنى
سهم وتحدثا وأناس من صناديد قريش جلوس فى المسجد
فلما دخل العاص
قالوا من الذي تحدث معه قال ذلك الأبتر يعنى النبي صلعم وكان قد توفى ابن رسول
الله صلعم من خديجة وذكر محمد بن اسحق عن يزيد بن رومان قال كان العاص بن وائل إذا
ذكر رسول الله صلعم قال دعوه فانه رجل ابتر لا عقب له فاذا هلك انقطع ذكره فانزل
الله هذه السورة قلت والصحيح عندى ان نزول انا أعطيناك الكوثر لم يكن عند وفات ابن
النبي صلعم فان القاسم مات بمكة قبل الهجرة وفى رواية قبل البعثة وما روى عن محمد
بن على فهو من رواية جابر الجعفي وهو كذاب وابراهيم مات سنة عشر جزم به الواقدي
وقال يوم الثلثاء بعشر خلون من ربيع الاول كذا فى سبيل الرشاد والصحيح فى نزول هذه
السورة رواية مسلم عن انس ورواية البزار عن ابن عباس حين قدم كعب بن الأشرف مكة
والله اعلم قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ
الْكَوْثَرَ) قال اهل اللغة الكوثر فوعل من الكثرة كنوفل من النفل
والعرب تسمى كل شىء كثير فى العدد او كثير فى القدر والخطر كوثر ومن هاهنا ما روى
البخاري ومن طريق ابى بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال الكوثر
الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه قال ابو بشر قلت لسعيد بن جبير ان ناسا يزعمون
انه نهر فى الجنة قال سعيد النهر الذي فى الجنة من الخير الذي أعطاه إياه فعلى هذا
احمل ابن عباس اللام فى الكوثر للجنس وزعم ان الحوض فرد من افراده وكذا من قال هو
النبوة والقران والاولى حمل اللام على العهد تفسيره بما فسر به النبي صلعم كما
ذكرنا حديث مسلم عن انس وفى الصحيحين عن انس قال قال رسول الله صلعم دخلت الجنة
فاذا انا ينهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت يدى الى ما يجرى فيه الماء فاذا مسك ازفر
قلت ما هذا يا جبرئيل قال هذا الكوثر الذي اعطاك الله وعند احمد والترمذي عنه
مرفوعا قال هو أشد بياضا من اللبن واحلى من العسل وفيه طيور أعناقها كاعناق الجزر
قال عمر يا رسول الله انها لناعمة قال أكلها أنعم منها يا عمر واخرج الطبراني عن
اسامة بن زيد ان امرأة حمزة بن عبد المطلب قالت يا رسول الله انك أعطيت نهرا فى
الجنة تدعى الكوثر قال أجل وارضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ هو ما بين ايله وصنعاء
فيه أباريق مثل عدد النجوم واخرج الطبراني عن حذيفة فى قوله تعالى انا أعطيناك
الكوثر قال نهر فى الجنة أجوف فيه آنية من الذهب والفضة لا يعلمها الا الله تعالى
واخرج احمد والترمذي وصححه وابن ماجة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلعم الكوثر
نهر فى الجنة حافتاه من ذهب والماء
يجرى على اللؤلؤ
الحديث واخرج البخاري عن عائشة انها سالت عن قوله تعالى انا أعطيناك الكوثر قالت
نهر أعطاه الله تعالى نبيكم صلىاللهعليهوسلم ذكر الحوض فى رواية بضع وخمسين صحابيا الخلفاء الاربعة
وابن مسعود وابن عباس والحسن بن على وحمزة بن عبد المطلب وعائشة وأم سلمة وابو
هريرة وابى بن كعب وعبد الرحمن بن عوف وجابر بن عبد الله وغيرهم وسرد السيوطي فى
البدور السافرة الأحاديث الواردة فيه نحوا من سبعين. (فَصَلِ) الفاء للسببية يعنى فصل شكر الله تعالى على ما اعطاك فان
الصلاة جامعة لاقسام الشكر باللسان والقلب والجوارح وقيل معناه دم على الصلاة (لِرَبِّكَ) خالصا بوجهه خلافا لمن يصلون وينحرون بغير الله وخلافا لمن
يراؤن فيها (وَانْحَرْ) ط البدن التي هى خيار اموال العرب وتصدق على اليتامى
والمساكين خلافا لمن يدعون اليتامى والمساكين ويمنعون الماعون فهذه السورة
كالمقابلة لسورة المقدمة قال عكرمة وعطاء وقتادة فصل لربك صلوة العيد يوم النحر
ونحر نسكك فعلى هذا يثبت به وجوب صلوة العيد والاضحية وقال سعيد بن جبير فصل
الصلاة المفروضة بجمع وانحر البدن بمنى وروى عن ابن الجوزاء عن ابن عباس قال فصل
لربك وانحر وضع اليمين على الشمال فى الصلاة عند النحر. (إِنَّ شانِئَكَ) عدوك مبغضك (هُوَ الْأَبْتَرُ) ع اى لا عقب له بمعنى انه لا يعقبه ذكر حسن ويعقبه اللعنة
من الله والملائكة والناس أجمعين فلا يرد ما قيل ان العاص بن وائل كان له عقب وهو
عمرو وهشام فكيف يثبت له البتر وانقطاع الولد وان عمرو وهشام أسلما فقد انقطعت
بينه وبينهما حتى لا يرثانه فهم من أبناء رسول الله صلعم وأزواجه أمهاتهم وذكر خبر
ان معرفا باللام وإيراد ضمير الفصل للدلالة على الحصر يعنى لست بأبتر فانه يبقى
ذكرك مع ذكر الله تعالى ابدا ويدوم حسن صيتك واثار فضلك الى يوم القيامة والاخرة
خير لك من الاولى ويبقى ذكر المؤمنين من أمتك على السنة الملائكة والمؤمنين فى
قولهم اللهم اغفر للمومنين والمؤمنات والله تعالى اعلم.
سورة الكافرون مكّيّة وهى ست آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج الطبراني
وابن ابى حاتم عن ابن عباس ان قريشا دعت رسول الله صلعم الى ان يعطوه ما لا فيكون
اغنى رجل بمكة ويزوجوه ما أراد من النساء فقالوا هذا لك يا محمد وكف عن شتم الهتنا
ولا تذكرها بسوء فان لم تفعل فاعبد الهتنا سنة ونعبد إلهك سنة قال حتى انظر ما
يأتيني من ربى واخرج عبد الرزاق عن وهب بلفظ قالت قريش ان سرك ان يعقبك عاما وترجع
فى ديننا عاما واخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن ميناء لقى الوليد بن مغيرة والعاص
ابن وائل والأسود بن عبد المطلب وامية بن خلف رسول الله صلعم فقالوا يا محمد هلم
فلتعبد ما نعبد ونعبد ما تعبد ونشترك نحن وأنت فى امر ناكله فانزل الله تعالى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) خطاب لجماعة مخصوصة سالوا المسالمة قد علم الله منهم انهم
لا يومنون. (لا أَعْبُدُ) ابدا (ما تَعْبُدُونَ) غير الله تعالى من الأوثان نفى لموافقهم فى العبادة فى
المستقبل من الزمان حتى يطابق السؤال لان سوالهم كان عن المسالمة والمصالحة فى
الاستقبال مع ظهور مباينة النبي صلعم الكفار فى الحال وكما قال البيضاوي ان لا لا
يدخل على المضارع بمعنى الاستقبال كما ان ما لا يدخل الا على المضارع بمعنى الحال.
(وَلا أَنْتُمْ
عابِدُونَ) فيما يستقبل لانه فى مقابلة لا اعبد (ما أَعْبُدُ) ج أورد ما موضع من للمطابقة او لان المراد الصفة كانه قال
لا اعبد الباطل ولا أنتم عابدون الحق وقيل ما مصدرية. (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا
أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) ط قرأ هشام عابدون فى الموضعين وعابد بالامالة والباقون
بالفتح قال اكثر اهل المعاني ان القران نزلت بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم وعلى
هذا مذاهبهم التكرار لارادة التوكيد والافهام كما ان من مذاهب الاختصار لارادة
التخفيف والإيجاز فهذا تكرير للتأكيد وقال القيبتى تكرار الكلام لتكرار الوقت وذلك
انهم قالوا ان سرك ان تدخل دينك عاما فادخل فى ديننا عاما فنزلت السورة كانه نفى
المشاركة فى الوقتين وقيل كلمتان الأوليان بمعنى الذي والأخريان مصدريتان فالمقصود
نفى المشاركة
من حيث المعبودون
حيث كيفية العبادة. (لَكُمْ دِينُكُمْ) الذي أنتم عليه لا تتركونه ابدا فهو اخبار كقوله تعالى (وَلِيَ دِينِ) ع اى دينى الذي انا عليه لا ارفضه ابدأ إنشاء الله تعالى
فليس فيه اذن فى الكفر ولا منع عن الجهاد بل تذئيل وتأكيد لما سبق وتقديم الخبر
للحصر فلا يحكم بكون الاية منسوخة باية القتال ولا يجوز تفسيره بالمشاركة وتقرير
كل من الفريقين الاخر على دينه لان النبي صلعم لم يزل يدعوهم الى الإسلام ما زال
الكفار على إيذائه وإيذاء أصحابه وجاز ان يكون المعنى لكم جزاء أعمالكم ولى جزاء
أعمالي قرأ نافع وحفص وهشام لى دين والباقون بإسكانها وهى رواية مشهورة عن البزي
وقال الدالاني وبه أخذ وقد مر فى حديث انس وابن عباس فى تفسير إذا زلزلت قوله عليهالسلام قل يايها الكافرون تعدل ربع القران وعن عائشة قالت قال
رسول الله صلعم نعم السورتان هما تقران فى الركعتين قبل الفجر الكافرون والإخلاص
رواه ابن هشام وعن فروة بن نوفل بن معاوية عن أبيه انه قال يا رسول الله علمنى
شيئا أقوله إذا أويت الى فراشى قال اقرأ قل يايها الكافرون فانها براءة من الشرك
رواه الترمذي وابو داود والدارمي وعن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلعم أتحب يا
جبير إذا خرجت فى سفر تكون أمثل أصحابك هيئة واكثر زادا فقلت نعم بابى أنت وأمي
قال فاقرأ هذه السورة الخمس قل يايها الكافرون وإذا جاء نصر الله وقل هو الله أحد
وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وافتح كل سورة ببسم الله الرّحمن الرّحيم
واختم قراءتك بها قال جبير وكنت غنيا وكثير المال فكنت اخرج فى سفر فاكون ابذلهم
هيئة وأقلهم زادا فما تركت منذ علمتهن من رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقرأت بهن أكون أحسنهم هيئة وأكثرهم زادا حتى ارجع من سفرى
رواه ابو يعلى وعن على رض قال لدغت النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عقرب فدعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرء قل يا ايها
الكافرون وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس والله تعالى اعلم.
سورة النّصر
مدنيّة وهى ثلث آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج عبد الرزاق
فى مصنفه عن معمر عن الزهري قال لما دخل رسول الله صلعم مكة عام الفتح بعث خالد بن
وليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ثم امر بالسلاح فرفع عنهم
فدخلوا فى الدين فانزل الله تعالى (إِذا جاءَ نَصْرُ
اللهِ) اى إظهاره إياك على أعدائك وعلى تقدير نزول هذا السورة بعد
فتح مكة يعنى يوم الفتح فاذا هاهنا بمعنى إذ كما فى قوله تعالى حتى إذا جاء أمرنا
وفار التنور وقوله تعالى حتى إذا بلغ مغرب الشمس (وَالْفَتْحُ) يعنى فتح مكة روى الطبراني عن ابى سعيد الخدري قال قال
رسول الله صلعم يوم الفتح هذا ما وعدني ربى ثم قرأ إذا جاء نصر الله والفتح وكانت
قصة الفتح على ما ذكر اصحاب الاخبار ان رسول الله صلعم لما صالح قريشا عام
الحديبية على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيه الناس وانه من أحب ان يدخل فى عقد رسول
الله صلعم دخل فيه ومن أحب ان يدخل فى عقد قريش دخل فيه فدخلت بنو بكر فى عقد قريش
وخزاعة فى عقد رسول الله صلعم وكان بينهما شر قديم ثم ان بنى نفاثة من بنى بكر عدت
على خزاعة فخرج نوفل بن معاوية الديلمي منهم حتى بيت خزاعة بالوتير موضع أسفل مكة
وقاتلوهم حتى دخلوا الحرم وما تركوا القتال وامدت قريش بنى بكر بالسلاح وقاتل
بعضهم معهم ليلا مستخفيا منهم صفوان بن امية وعكرمة بن ابى جهل وسهيل بن عمرو
وشيبة بن عثمن وخويطب بن عبد العزى مع عبيدهم ثم ندم قريش على نقض العهد ولام
بعضهم بعضا وخرج عمرو بن سالم الخزاعي فى أربعين راكبا بعد القتال الى رسول الله
صلعم يخبرونه بالذي أصابهم ويستنصرونه واخبر رسول الله صلعم يوقفه بنى نفاثة
وخزاعة قبل بلوغ الخبر وقال ينقضون العهد لامر يريد الله قالت عائشة خير قال خير
روى محمد بن عمرو عنها والطبراني عن ميمونة نحوها ولما قدم عمرو بن سالم قام رسول
الله صلعم يجر رداءه ويقول لا نصرت ان لم أنصرك يا عمرو وبما انصر به نفسى وذلك فى
شعبان على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبية فارسل رسول الله صلعم حمزة الى
قريش يخبرهم بين امور ثلثة ان أدوا دية قتلى خزاعة وهم ثلثة وعشرون قتيلا او نيروا
من خلف من نقض
الصلح وهم بنو نفاثة او ينبذ إليكم على سواء فاختلف قول قريش ثم ال أمرهم الى نبذ
الصلح ورجع حمزة بالنبذ وشاور النبي صلعم أبا بكر وعمر فاشار ابو بكر بالصلح
واللين وقال هم قومك حتى راى انه سيتبعنى وأشار عمر بالحرب وقال هم راس الكفو
زعموا انك ساحر كاهن كذاب ولم يدع شيئا مما كان يقولونه وقال لا تذل العرب حتى يذل
اهل مكة فاختار النبي صلعم راى عمر فخير رسول الله صلعم مخفيا امره وحرض العرب
فجاء اسلم وغفار ومزنية وحرفية وأشجع وسليم فمنهم من وافاه بالمدينة ومنهم من لحقه
فى الطريق والمسلمون عشرة آلاف وقيل اثنا عشر الفا ويجمع بان العشرة حين الخروج من
المدينة وتلاحق به الفان ثم ندم قريش على نبذ الصلح فبعث أبا سفيان ودخل على ابنته
أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلعم طوته عنه وقالت هو فراش رسول
الله صلعم فقال والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر قالت هدانى الله للاسلام وأنت يا
أبت سيد قريش وكبيرها كيف يسقط عنك الدخول فى الإسلام وتعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر
فقام من عندها فدخل على رسول الله صلعم فكلمه فلم يرد عليه شيئا ثم ذهب الى ابى
بكر فكلمه وان يكلم له رسول الله صلعم فقال ما انا بفاعل ثم اتى عمر فكلمه فقال
والله لو لم أجد الا الذر لجاهدتكم به فدخل على على وعنده فاطمة والحسن فقال يا
على انك أمس القوم منى رحيما اشفع لنا الى رسول الله صلعم فقال ويحك يا أبا سفيان
لقد عزم رسول الله صلعم ما يستطيع أحد ان يكلمه فالتفت الى فاطمة فقال هل لك ان
تامرى نبيك هذا فيجبر بين الناس فابت فقال يا أبا الحسن اشتد الأمر على فانصحنى
فقال والله لا اعلم شيئا يغنيك ولكنك سيد بنى كنانة فقم فاجر بين الناس ثم الحق
بأرضك قال وترى ذلك مغنيا عنى شيئا قال لا ولكن لا أجد غير ذلك فقام ابو سفيان فى
المسجد فقال يايها الناس انى قد اجرت بين الناس ثم ركب بعيرة فانطلق وقدم على قريش
وقضى القصة قالوا والله ان أراد على الا ان لعب لك فاستخلف النبي صلعم على المدينة
ابن أم كلثوم وقيل أبا ذر الغفاري وهو الصحيح رواه الطبراني خرج رسول الله صلعم
الأربعاء لعشر خلون من رمضان سنة ثمان من الهجرة وقيل غير ذلك وقال رسول الله صلعم
اللهم خذ العيون والاخبار عن قريش روى البخاري عن على يقول بعثني رسول الله صلعم انا
وزبير او المقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوا
منها قال فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى اتينا روضة فاذا نحن
بالظعينة قلنا
اخرجى الكتاب قالت ما معى كتاب فقلنا لتخرجى الكتاب او لتلقين الثياب فاخرجته من
عقاصها فاتينا به رسول الله صلعم فاذا فيه من حاطب بن بلتعة الى الناس بمكة من
المشركين يخبرهم ببعض امر رسول الله صلعم فقال يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا
تعجل علىّ انى كنت امرأ ملصقا فى قريش وكان من معك من المهاجرين من لهم قرابات
يحمون أهليهم وأموالهم فاحببت إذا فاتنى ذلك من انتسب فيهم ان اتخذوا عندهم هذا
يحمون قرابتى ولم افعله ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول
الله صلعم اما انه قد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعنى اضرب عنق هذا المنافق فقال
انه قد شهد بدرا وما يدريك يا عمر ان الله تعالى عزوجل اطلع على من شهد بدرا فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم
فرقت عينا عمر فانزل الله تعالى (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ) الى قوله سواء السبيل وصام رسول الله صلعم وصام الناس معه
فلما بلغ الكديد أفطروا فطروا فلم يزل مفطرا حتى انسلخ الشهر وخرج العباس بن عبد
المطلب مهاجرا فلقيه بالجحفة وكان قبل مقيما بمكة على سقاية برضاه ولقيه بالأبواء
ابو سفيان بن الحارث ابن عمه وابنه جعفر بن ابى سفيان وأسلما قبل دخول مكة قيل بل
لقيه هو وعبد الله بن امية ابن عمته عاتكة فاعرض رسول الله صلعم عنهما وقال لا
حاجة لى بهما فقد هتكا عرضى وقالا لى ما قالا فالجئا وكلمت أم سلمة فيهما فاذن
لهما فلما كان لقديد عقد الالوية والرايات ودفعها الى القبائل وراية النبي صلعم مع
الزبير ثم نزل بمر الظهران عشاء وقد عميت الاخبار عن قريش فخرج تلك الليلة ابو
سفيان بن حرب وحكم بن حزام وبديل بن ورقة يتجسسون الاخبار وامر النبي صلعم أصحابه
فاوقدوا عشر آلاف نارا وقال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ ووا صباح قريش والله لئن
دخل النبي صلعم مكة عنوة انها لهلاك قريش الى اخر الدهر فخرج عباس على بغلة رسول
الله صلعم ليرى حطابا او صاحب لبن او ذا حاجة يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله
صلعم فيستامنونه قبل ان يدخلها عليهم عنوة فسمع عباس صوت ابى سفيان يقول والله ما
رايت كالليل نيرانا فقال عباس ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله صلعم قد جاء بما لا
قبل لكم به فقال ما الحيلة فقال عباس يا أبا سفيان لئن ظفر بك ليضربن عنقك فاركب
فى عجز هذه البغلة حتى اتى بك رسول الله صلعم فتستامنه فرجع فكلما مرا بنار نظروا
اليه وقالوا هذا عم رسول الله صلعم على بغلة رسول الله صلعم حتى مرا بنار عمر فلما
راى عمر أبا سفيان قام عمر فقال هذا ابو سفيان عدو الله
الحمد لله الذي
أمكن منه بغير عهد ولا عقد فاشتد نحو رسول الله صلعم فدخل عباس مع ابى سفيان على
رسول الله صلعم ودخل عليه عمر ما تصنع هذا الا انه رجل من بنى عبد مناف ولو كان من
بنى كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس لاسلامك يوم أسلمت كان أحب الى من اسلام
الخطاب فقال رسول الله صلعم اذهب به يا عباس الى رحلك فلما أصبح غدا به عباس الى
رسول الله صلعم قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك ان تعلم ان لا اله الا الله قال
بابى أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد ظننت ان لو كان مع الله غيره لقد
اغنى شيئا بعد قال ويحك يا أبا سفيان ألم يأن ان تعلم انى رسول الله قال بابى أنت
وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك اما هذه ففى نفسى منها شىء قال عباس ويحك اسلم واشهد
ان لا اله الا الله قبل ان يضرب عنقك فشهد شهادة الحق واسلم واسلم حكيم وبديل قبل
ابى سفيان هذا رواية اسحق بن راهويه بسند صحيح وعند الطبراني ان رسول الله صلعم
قال يعنى يا عباد الله ان أبا سفيان بالأراك فخذوه وعند ابن ابى شيبة ان أبا سفيان
وأصحابه أخذهم حرس رسول الله صلعم من الأنصار وكان الحرس تلك الليلة عمر فقال
احبسوه فحبسوه حتى أصبح وعند ابن ابى شيبة قال ابو سفيان دلونى على العباس وفى
رواية فيهم عباس فذهب به الى رسول الله صلعم الى اخر القصة وقال رسول الله صلعم من
دخل دار ابى سفيان فهو أمن ومن دخل المسجد فهو أمن ومن اغلق بابه فهو أمن فصرخ ابو
سفيان فى المسجد يا على صوته يا معشر قريش هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به
واخبر بما اتى به من الامان فتفرق الناس الى دورهم والى المسجد ولما اسلم حكيم بن
حزام وبديل بن ورقاء وبايعاه بعثهما رسول الله صلعم بين يديه الى قريش يدعوهم الى
الإسلام وبعث رسول الله صلعم الزبير وأعطاه الراية وامره على خيل المهاجرين
والأنصار وامره ان يركز راية با على مكة بالجحون وقال لا تبرح حتى امرتك ومن ثم
دخل رسول الله صلعم وضربت هناك قبت وامر خالد بن وليد فيمن اسلم من قضاعنة وبنى
سليم ان يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف
ومن كان من الأحابيش امرتهم قريش ان يكونوا بأسفل مكة وقال النبي صلعم لخالد
والزبير حين بعثهما لا تقاتلا الا من قاتلكم وامر سعد بن عبادة ان يدخل فى بعض
الناس من كداء وأعطاه رسول الله صلعم راية فقال سعد حين توجه داخلا اليوم يوم
الملحمة اليوم يستحل الحرمة فسمعها رجل من المهاجرين فقال يا رسول الله اسمع ما
قال
سعد بن عبادة من
ابن يكون له فى قريش صولة فقال رسول الله صلعم لعلى أدركه فخذ الراية فكن أنت تدخل
بها فذهب على بالراية حتى غرزها عند الركن وروى ابو يعلى عن الزبير ان النبي صلعم
دفع الراية اليه فدخل مكة بلوائين فلم يكن بأعلى مكة من قبل الزبير فقال واما خالد
ابن وليد فلما دخل من أسفل مكة منعه من كان هناك من المشركين قريش وغيرهم ان
تشتهروا له السلاح ورموه بالنبل وقالوا لا تدخلها عنوة فصاح خالد فى أصحابه
فقاتلهم وقتل منهم اربعة وعشرون رجلا من قريش واربعة من هذيل وقال ابن اسحق أصيب
من المشركين اثنى او ثلاثة عشر وانهزموا أقبح الانهزام حتى قتلوا بالحروة وهم
مولون من كل وجه وانطلقت طائفة منهم فوق رؤس الجبال واتبعهم المسلمون ولم يقتل من
المسلمين الا رجل من جهينة يقال له سلمة بن الميلاء من خيل خالد بن الوليد ورجلان
يقال لهما كرز بن جابر الفهري وحبيش بن خالد بن ربيعة كانا فى خيل خالد بن الوليد
فشذا عنه وسلكا طريقا غير طريقه فقتلا جميعا وكان رسول الله صلعم قد عهد الى
امرائه من المسلمين حين أمرهم ان يدخلوا بمكة ان لا تقتلوا أحدا الا من قاتلهم الا
نفر أسماهم فامرهم بقتلهم وان وجدوا تحت أستار الكعبة عبد الله بن ابى سرح كان
اسلم ثم ارتد فشفع فيه عثمن يوم الفتح فحقن دمه واسلم بعد ذلك وعكرمة ابن ابى جهل
فقبل إسلامه وحويرث بن نقيد كان يوذى رسول الله صلعم ونحن نرهب حين هاجرت الى
المدينة فقتله على ومقيس بن صبابة كان اسلم ثم اتى على رجل من الأنصار فقتله وكان
الأنصاري قتل أخاه هشاما خطاء فى غزوة ذى قردة ظنه من العدو فجاء مقيس فاخذ الدية
ثم ارتد فقتله غيلة بن عبد الله رجل من قومه وهبار بن الأسود كان شديد الأذى
للمسلمين وعرض لزينب بنت رسول الله صلعم فتحس بها فاسقطت ولم يزل ذلك المرض بها
حتى ماتت اسلم يوم الفتح فعفا عنه رسول الله صلعم والحارث بن الطلاطل الخزاعي قتله
على رض ذكره ابو معشر وكعب بن الزبير الشاعر كان يهجو فاسلم ومدح رسول الله صلعم
ذكره الحاكم ووحش ابن حرب قاتل بن حمزة فهرب الى الطائف ثم جاء فاسلم وعبد الله بن
حنظل كان اسمه عبد العزى كان قد اسلم وسماه رسول الله صلعم عبد الله وبعثه ساعيا
وبعث معه رجلا من خزاعة وكان يصنع له طعاما ويخدمه فنزلا منزلا وامره ان يذبح له
ويصنع طعاما وقام نصف النهار فاستيقظ
ولم يضع له شيئا
قعدا عليه فقتله ثم ارتد وهرب الى مكة وكانت له قينتان تغنيان بهجا رسول الله صلعم
فأمر رسول الله صلعم بقتلهما معه فقتلت يوم الفتح إحداهما وهربت الاخرى فقتله سعيد
بن حريث المخزومي وابو برزة الأسلمي اشتركا فى دمه وأسلمت التي هربت وسارة مولاة
عمر ابن هاشم كانت مغنية نواحة بمكة وهى التي وجد معها كتاب حاطب بن بلتعة أسلمت
وهند بنت ابن عتبة امرأة ابى سفيان تنقت عن كبد حمزة عم رسول الله صلعم أسلمت فعفى
عنها وهرب صفوان بن امية الى جدة ليركب منها الى اليمن فاستامن له عمير بن وهب
فأتى رسول الله صلعم اجعلنى فى امرى بالخيار الى شهرين فخيره رسول الله صلعم الى
اربعة أشهر ثم اسلم بعد ذلك ودخل رسول الله صلعم مكة وعلى راسه سواء رواه احمد
ومسلم واربعة فى الصحيحين على راسه المغفر وجمع بانه كان على راسه المغفر ثم نزع
المغفر ولبس العمامة وكان يقرأ سورة الفتح يرجع صوته بالقراءة كذا فى الصحيحين
فنزل رسول الله صلعم ومعه أم سلمة وميمونة روجتيه فى قبة من آدم بالحجون لخيف بنى
كنانة حيث تقاسم قريش وكنانة على بنى هاشم وبنى المطلب ان لا يناكحوهم ولا
يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلعم فقيل الا تنزل منزلك من الشعب فقال هل
تركت لنا عقيل منزلا وقد باع عقيل منزل رسول الله صلعم ومنزل اخوته من الرجال
والنساء بمكة فقيل فانزل فى بعض بيوت مكة غير منازلك فأبى وقال لا ادخل البيوت
وكان يأتي فى المسجد لكل صلوة من الحجون فمكث فى منزله ساعة من النهار فاغتسل
وسترها فاطمة وصلى ثمان ركعات سبحة الضحى رواه مسلم وعند البخاري عن أم هانى انه صلىاللهعليهوآلهوسلم اغتسل فى بيتها وصلى ثم ركب راحلة واتى الكعبة واستلم
الركن بمحجنه وكبر وكبر المسلمون حتى ارتجت مكة تكبيرا وجعل رسول الله صلعم يشير
إليهم ان اسكنوا والمشركون فوق الجبال ينظرون ثم طاف بالبيت على راحلة سبعا يستلم
الركن بمحجنه وكان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما مرصعة بالرصاص وكان هبل أعظمها
وهو وجاه الكعبة على بابها واساف ونايله حيث ينحرون ويذبحون فجعل رسول الله صلعم
كلما مر بصنم منها يشير اليه ويطعن فى عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل
كان زهوقا فما يشير بصنم الا سقط بوجهه او بقفاه من غير ان يمسه وأراد فضالة بن
عمر الليثي قتل رسول الله صلعم وهو يطوف فلما دنى منه قال يا فضالة قال نعم قال
ماذا كنت
تحدث به نفسك قال
لا شىء كنت اذكر الله فضحك رسول الله صلعم وقال استغفر الله ثم وضع يده على صدره
فكان فضالة يقول والله ما رفع يده عن صدرى حتى لم يكن شىء أحب الى منه فلما فرغ من
طوافه نزل عن راحلته على أيدي الرجال لم يجد مناخا فى المسجد وأناخ البعير خارج
المسجد ثم انتهى الى مقام وهو لاحق بالكعبة والدرع عليه والمغفر وعمامة بين كتفيه
فصلى ركعتين ثم انصرف الى زمزم فاطلع فيها وقال لو لا ان يغلب بنو عبد المطلب
لنزعت منها دلوا فنزعه عباس ويقال الحارث بن عبد المطلب دلوا فشرب منه وتوضأ
المسلمون يتبدرون بوضوئه يصبونه على وجوههم والمشركون ينظرون إليهم ويتعجبون
ويقولون ما راينا ملكا قط ابلغ منه فلا سمعنا به امر يهبل فكسر وعن على قال قال
رسول الله صلعم اجلس فجلست الى جنب الكعبة فصعد رسول الله صلعم ثم قال يا على اصعد
على منكبى ففعلت فلما نهض بي خيل الى لو شئت نلت أفق السماء فصعدت فوق الكعبة فقال
انقض صنمهم الأكبر وكان من نحاس موتدا باوتاد من حديد الى الأرض فقال عالجة ويقول
جاء الحق وزهق الباطل ان الباطل كان زهوقا فرميت به فارسل بلا لا الى عثمن بن طلحة
يأتي بمفتاح الكعبة فقال عثمن هو عند أمي فارسل إليها فقالت لا واللات والعزى لا
ادفعه إليك ابدا فقال لها عثمان لا لات ولا عزى ان لم تفعلى قتلت انا وأخي فابطأ
عثمن ورسول الله صلعم ينتظره فبعث أبا بكر وعمر فلما سمعت صوت ابى بكر وعمر قالت
يا بنى خذ المفتاح فان تأخذ أنت أحب الى من ان يأخذوا منه هم عدوى فاخذه عثمن فجاء
به رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فتناول رسول الله صلعم منه المفتاح ففتح الكعبة بيده وكان
هو طلحة يقولون لا يفتح الكعبة الا هم فامر رسول الله صلعم عمر بازالة الصور عن
البيت قبل دخوله فتجرد المسلمون فى الأزر وأخذ الولاء وارتجزوا على زمزم ويغسلون
الكعبة ظهرها وبطنها فلم يدعوا اثرا من المشركين الا محوه وغسلوه فدخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم الكعبة هو واسامة بن زيد وطلحة وأغلقوا عليهم الباب فجعل
رسول الله صلعم عمودا عن يمينه وعمودين عن يساره وثلثة اعمدة نحو باب البيت ورائه
بينه وبين الجدار ثلثة ازرع او ذراعين فصلى ركعتين ثم خرج وصلى ركعتين قبل القبلة
وقال هذه القبلة ثم قام على باب البيت قال لا اله الا الله وحده صدق وعده ونصر
عبده وهزم الأحزاب وحده
الا ان كل ماثرة
ودم او مال يدعى فهو تحت قدمى هاتين وأول دم أضعه دم ربيعة بن الحارث إلا سدانة
البيت وسقاية الحاج الا فى قتيل العصاء والسوط والخطا شبه والعمد الدية المغلظة
مائة ناقة منها أربعون فى بطونها أولادها ولا وصية لوارث وان الولد للفراش وللعاهر
الحجر ولا يحل لامراة ان تعطى من مال زوجها الا باذنه والمسلمون يد واحد على من
سواهم ولا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد فى عهده ولا يتوارث اهل ملتين ولا جلب ولا
جنب ولا يوخذ صدقات المسلمين الا فى بيوتهم وأفنيتهم ولا تنكح امرأة على عمتها ولا
على خالتها والبينة على من ادعى واليمين على من أنكر ولا تسافر امراة الا مع ذى
محرم ولا صلوة بعد العصر وبعد الصبح وأنهاكم عن صوم يومين يوم الفطر ويوم الأضحى
وعن اللبستين لا يحتبى فى ثوب واحد ولا يشتمل الصماء يا معشر قريش ان الله قد ذهب
عنكم الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس ابن آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يايها الناس
انا خلقناكم من ذكر وأنثى الاية يا اهل مكة ماذا ترون انى فاعل بكم قالوا خير أخ
كريم وابن أخ كريم قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين
اذهبوا فانتم طلقاء فاعتقهم رسول الله صلعم فخرجوا كما نشروا من القبور وروى
البخاري عن ابى هريرة ان عام الفتح قتلت خزاعة رجلا من بنى ليث بقتيل لهم فى
الجاهلية فقام رسول الله صلعم فقال ان الله قد حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله
والمؤمنين الا وانها لم تحل لاحد قبلى ولا يحل لاحد بعدي وانما حلت لى ساعة من
نهار الا وانها ساعتى هذه حرام لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرتها ولا يلتقط ساقطها
الا متشدد من قتل له قتيل فهو بخير النظرين اما يودى واما يقاد فقال له رجل من اهل
اليمن يقال له ابو شاه اكتب لى يا رسول الله فقال اكتبوا له وقام رجل من قريش فقال
يا رسول الله الا الاذخر قال الا الاذخر وفى رواية قام رجل فقال يا رسول الله انى
قد عاهرت فى الجاهلية فقال عليهالسلام من عاهر بامرأة لا يملكها او امة قوم آخرين ثم ادعى ولده
بعد ذلك فانه لا يجوز له ولا يرث ولا يورث ولاء خالكم الا قد عرفتموها أقول قولى
هذا واستغفر الله لى ولكم ونادى منادى رسول الله صلعم بمكة من كان يومن بالله
وباليوم الاخر فلا يدع ما فى بيته صنما الا كسره فلما حانت الظهر امر بلالا ان
يوذن بالظهر يومئذ فوق الكعبة يغبط بذلك المشركون وقريش فوق رؤس الجبال وقد فسر
وجوههم وتعيبوا
وابو سفيان وخالد
بن أسيد وحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة فقال خالد بن أسيد لقد أكرم الله أسيدا
ان لا يكون يسمع هذا وقال الحارث اما والله لو اعلم انه محق لاتبعه وقال بعض بنى
سعيد بن العاص لقد أكرم الله سعيدا إذ قبضه قبل ان يرى هذا الأسود على ظهر الكعبة
وقال ابو سفيان لا أقول شيئا لو تكلمت لاخبرت عنى هذه الحصا فاتى جبرئيل بما قالو
فاخبرهم رسول الله صلعم بما قالوا فقالوا شهد انك رسول الله فاسلم اهل مكة ورمى
بعض المسلمين أبا قحافة فشبحه فاخذت قلادة اسماء بنت فادركه ابو بكر وهو يستد من
فمسح الدم على وجهه وجاء به الى رسول الله صلعم فقال هلا تركت الشيخ حتى ايته فمسح
صدره فاسلم وكان راس ابى قحافة ولحيته كالثغامة فقال عليه الصلاة والسلام غيروا
هذا الشيء وجنبوه السواد فجلس رسول الله صلعم على الصفا وعمر أسفل منه يأخذ عن
الناس البيعة على الايمان بالله وشهادة ان لا اله الا الله وحده وان محمدا عبده
ورسوله فجاء الكبار والصغار والرجال والنساء فبايعهم ولما فرغ عن بيعة الرجال بايع
النساء قالت عائشة والله ما مست يد رسول الله صلعم امرأة قط ما كان يبايعهن الا
كلاما وروى مسلم عن ابى هريرة ان رسول الله صلعم لما فرغ من طوافه اتى الصفا فعلا
منه حتى يرى البيت فرفع يديه وجعل يحمد الله تعالى ويذكره ويدعو بما شاء الله ان
يدعوه والأنصار تحته فقال بعضهم لبعض اما الرجل فادركته رغبة فى قربته ورافة فى
عشيرته فجاء الوحى فقال رسول الله صلعم يا معشر الأنصار قالوا لبيك يا رسول الله
قال قلتم كذا قالوا نعم قال فحاشا وكلا انى عبد الله ورسوله هاجرت الى الله وإليكم
المحيا محياكم والممات مماتكم فاقبلوا اليه يبكون ويقولون والله يا رسول الله ما
قلنا الذي قلنا الا للضنين بالله وبرسوله فقال رسول الله صلعم فان الله ورسوله بعد
ردتكم بصدقاتكم واستقرض رسول الله صلعم من ثلثة نفر من قريش خمسين الف درهم من
صفوان بن امية وأربعين الف درهم من عبد الله بن ربيعة وأربعين الف من حويطب بن عبد
العزى فقسمها بين اهل الضعف من أصحابه فلما فتح الله هوازن ردها وقال انما جزاء
السلف الحمد والأداء وقال رسول الله صلعم لا تعزى مكة بعد اليوم وقال لا هجرة بعد
الفتح وروى ابو يعلى وابو نعيم عن ابن عباس قال لما فتح مكة ان إبليس ان رنة
فاجتمعت ذريته فقال ايئسوا ان ترد امة محمد الى الشرك وروى
ابن ابى شيبة عن
مكحول لما دخل رسول الله صلعم مكة تلقته الجن يرمونه بالشرر فقال جبرئيل عليهالسلام تعوذ يا محمد بهؤلاء الكلمات أعوذ بكلمات الله التامة التي
لا يجاوزهن برو لا فاجر من شر ما نزلا من السماء وما يعرج فيها ومن شر ما بث فى
الأرض وما يخرج منها ومن شر الليل والنهار ومن شر كل طارق يطرق الا طارق يطرق بخير
يا رحمن وروى البيهقي عن ابن ابى بزى قال لما فتح مكة جاءت عجوز حبشية شمطاء تخمش
وجها وتدعو بالويل فقيل يا رسول الله راينا عجوزا شمطاء حبشية تخمش وجهها وتدعو
بالويل فقال تلك قائلة أيست ان تعبد ببلدكم هذا ابدا ونزلت يوم الفتح ان الله
يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى أهلها الآية فدعا رسول الله صلعم عثمن بن طلحة فدفع
اليه المفتاح وقال خذها خالدة تالدة لا ينزعها منكم الا ظالم ان الله استامنكم على
بيته فكلوا مما يصل إليكم من هذا البيت بالمعروف وروى انه جاء جبرئيل فقال ما دام
هذا البيت أوليته من لبناته قائمة فان المفتاح والسدانة فى ال عثمن فكان المفتاح
معه فلما مات دفعه الى أخيه شيبة فالمفتاح والسدانة فى أولادهم الى يوم القيمة
واقام رسول الله صلعم بمكة تسع عشرة ليلة يقصر الصلاة رواه البخاري وفى رواية ابى
داود سبع عشرة وعند الترمذي والبخاري ثمان عشر وجه الجمع انه تسع عشر مع يوم
الدخول والخروج وسبع عشر باسقاطهما وثمان عشر من حيث الساعات وما روى خمس عشرة
فضعفها النووي فى الخلاصة ولما فتح الله مكة قالت العرب بعضهم لبعض إذا ظفر محمد
يا اهل الحرم وقد كان الله اجارهم من اصحاب الفيل فليس لكم به يدان فكانوا يدخلون
فى دين الله أفواجا بعد ان كانوا يدخلون واحدا وواحدا واثنين اثنين وهو قوله
تعالى. (وَرَأَيْتَ النَّاسَ
يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ) جملة يدخلون حال من مفعول رايت ان كان بمعنى روية البصر
والا فمفعوله الثاني (أَفْواجاً) حال من فاعل يدخلون قال مقاتل وعكرمة أراد بالناس اهل
اليمن عن ابى هريرة عن النبي صلعم قال أمتكم اهل اليمن هم ارق افئدة وألين قلوبا
للايمان والحكمة يمانية والفخر والخيلاء فى اصحاب الإبل والسكينة والوقار فى اهل
الغنم متفق عليه وجواب إذا جاء قوله تعالى. (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ
رَبِّكَ) اى متلبسا بحمد ربك يعنى قل سبحان الله وبحمده متعجبا
حامدا لما تيسر الله لك ما لم يخطر ببال أحد ان يفتح عنوة وقد منعها الله من اصحاب
الفيل عن انس قال لما دخل رسول الله صلعم مكة استشرفه الناس فوضع راسه صلىاللهعليهوسلم على رحله متخشعا رواه الحاكم بسند جيد وعن ابى هريرة نحوه
بلفظ ليمس وسط رحله ويقرب منها
تواضعا حتى راى من
فتح الله وكثرة المسلمين ثم قال اللهم ان العيش عيش الاخرة رواه ابو يعلى (وَاسْتَغْفِرْهُ) تواضعا وهضما لنفسك واستغفارا لعملك واستدراكا لما فات منك
الأفضل باختيار الفاضل شفقة على الامة او المعنى استغفر لامتك قال رسول الله صلعم
انى لاستغفر الله فى اليوم والليلة سبعين مرة وفى رواية اكثر من سبعين مرة وفى
رواية مائة مرة رواه البخاري والنسائي وابن ماجة والطبراني وابو يعلى من حديث ابى
هريرة وانس وشداد بن أوس وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار على طريقه النزول
من الخالق الى الخلق وهذا من سنة الدعاء ولا بد لغير النبي صلعم تقديم الصلاة على
النبي صلعم ايضا على استغفار (إِنَّهُ) لم يزل (كانَ تَوَّاباً) للمستغفرين منذ خلق المكلفين روى الثعلبي ان رسول الله
صلعم لما قرئها بكى عباس فقال عليهالسلام ما يبكيك فقال نعيت نفسك إليك فقال انه لكما تقول قال
البيضاوي وجه الاستدلال بالسورة على نعى رسول الله صلعم دلالتها على تمام الدعوة
وكمال امر الدين كقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم الاية او لان الأمر بالاستغفار
تنبيه له على دنو الاجل وروى البخاري عن ابن عباس قال كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر
فقال بعضهم لم يدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله فقال انه ممن قد علمتم قال
فدعاهم ذات يوم ودعانى معهم قال وما رايته دعانى يومئذ الا ليريهم منى فقال ما
تقول إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختم السورة فقال بعضهم أمرنا ان نحمد الله ونستغفره
إذا نصرنا وفتح علينا وقال بعضهم لا ندرى ولم يقل بعضهم شيئا قال لى ابن عباس كذلك
تقول قلت لا قال فما تقول قلت هو أجل رسول الله صلعم اعلمه الله إذا جاء نصر الله
والفتح فتح مكة فذاك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا قال عمر ما
اعلم الا ما تعلم اخرج احمد عن ابن عباس قال لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح قال
رسول الله صلعم نعت الى نفسى اخرج الترمذي من حديث انس إذا جاء نصر الله والفتح
ربع القران وروى البخاري عن عائشة قالت كان رسول الله صلعم يكثر فى ركوعه وسجوده
سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر يتاول وروى مسلم عنها قالت كان يكثر من قول سبحان
الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه قال أخبرني ربى الى سارى علامة فى أمتي فاذا
رايتها اكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه رايتها إذا جاء نصر
الله والفتح فتح مكة ورايت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك
واستغفره انه كان توابا قال الحسن اعلمه قد اقترب اجله فامر بالتسبيح والتوبة
ليختم له بالزيادة فى العمل الصالح قال قتادة ومقاتل عاش النبي صلىاللهعليهوسلم بعد نزول هذه السورة سنتين ـ والله
اعلم.
سورة اللهب مكيّة وهى خمس آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
روى الشيخان فى
الصحيحين انه لما نزلت قوله تعالى وانذر عشيرتك الأقربين جمع رسول الله صلعم
أقاربه فانذرهم وفى رواية عند البخاري وغيره صعد على الصفا فنادى فاجتمعت اليه
قريش ارايتم لو أخبرتكم ان العدو مصبحكم او ممسيكم اما كنتم مصدقى قالوا بلى قال
فانى نذير لكم بين يدى عذاب شديد فقال ابو لهب تبا لك ألهذا جمعتنا وأخذ حجرا
ليرميه فنزلت (تَبَّتْ) التباب خسران يودى الى الهلاك اى هلكت (يَدا أَبِي لَهَبٍ) اى نفسه كما فى قوله تعالى ولا تلقوا بايديكم الى التهلكة
وقيل انما خصتا بالذكر لما أخذ حجر الرمي وقيل أراد بها دنياه وآخرته وقيل أراد
ماله وملكه يقال فلان قليل ذات يد قرأ ابن كثير ابى لهب بإسكان الهاء والباقون
بفتحها واسمه عبد العزى بن عبد المطلب قال مقاتل كنى باللهب لحسنه واشراق وجهه
وانما ذكر هاهنا بالكنية لاستكراه ذكر اسمه ولانه لما كان من اصحاب النار كانت
الكنية أوفق بحاله وبمجانسة قوله ذات لهب (وَتَبَ) ط اخبار بعد اخبار للتاكيد او الاولى دعائية والثاني
اخبارية والتعبير بالماضي لتحقق وقوعه قال ابن مسعود لما دعا رسول الله صلعم
أقرباءه الى الله عزوجل قال ابو لهب ان كان ما يقول ابن أخي حقا فاننى افتدى نفسى
بمالى وولدي فانزل الله تعالى. (ما أَغْنى عَنْهُ
مالُهُ) ما نافية او استفهامية للانكار يعنى ما يدفع عنه عذاب ما
جمع من المال او اى شىء يغنى عنه ماله وكان صاحب مال ومواش (وَما كَسَبَ) ط من المال والولد عن عائشة مرفوعا أطيب ما أكلتم من كسبكم
وان أولادكم كسبكم رواه البخاري فى التاريخ والترمذي وقد افترس ولده عتبة اسد فى
طريق الشام كما ذكرنا فى سورة عبس ومات ابو لهب بالعدس بعد وقعة بدر بايام معدودة
وترك ثلثا حتى أنتن ثم استاجروا بعض السودان حتى دفنوه أوعده الله تعالى بالنار
فقال. (سَيَصْلى ناراً ذاتَ
لَهَبٍ) اى تلتهب جملة مستانفة او فى مقام التعليل لقوله ما اغنى
اتفق القراءة على فتحة هاء لهب هاهنا لرعاية القوافي. (وَامْرَأَتُهُ) ط عطف على المستكن فى سيصلى سوغه الفصل او مبتداء بعده
خبره وهى أم جميل بنت حرب بن امية اخت ابى سفيان (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) ج قرأ عاصم بالنصب على الذم والشتم والباقون بالرفع على
انه خبر مبتداء اخرج ابن جرير عن ابن اسحق عن رجل من همدان يقال له
يزيد ان امرأة ابى
لهب كانت تلقى فى طريق النبي صلىاللهعليهوسلم الشوك والعضاة لتعقرهم فنزلت وكذا روى عن الضحاك واخرج ابن
المنذر عن عكرمة مثله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال قتادة ومجاهد والسدى كانت
تمشى بالنميمة وتنقل الحديث فتلقى العداوة بين الناس وتوقد نارا كما توقد الحطب
نارا وقال سعيد بن جبير حمالة الخطايا قال الله تعالى وهم يحملون أوزارهم على
ظهورهم. (فِي جِيدِها) عنقها (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) ع خبر لامرأته بعد خبر على تقدير كونه مبتداء او حال منه
على تقدير كونه فاعلا سيصلى قال ابن عباس وعروة بن الزبير المراد به سلسلة فتلت من
حديد قتلا محكما ذرعها سبعون ذراعا يدخل فى فمها ويخرج من دبرها ويكون سائرها فى
عنقها والمسد ما قتل واحكم من اى شىء كان وروى الأعمش عن مجاهد من مسد اى من حديد
وقال الشعبي ومقاتل من ليف مقتول وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به فبينما
هى ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فاتيها ملك فجذبها من خلفها
فأهلكها وقال ابن زيد حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد وقال قتادة هى قلادة قال
الحسن كانت خرزات فى عنقها وقال سعيد بن المسيب كانت لها قلادة فى عنقها فأخرة
فقالت لانفقها فى عداوة محمد صلعم قلت فان كان المراد بثبوت حبل كائنا من مسد اى
حديد فى جيدها فى الاخرة فهى اما خبر لامرأته بعد خبر ان كان مبتداء او حال منه إن
كان فاعلا سيصلى وحمالة الحطب على تقدير النصب يكون معترضة للذم ولا يجوز ان يكون
فى جيدها حبل من مسد حالا من الضمير المستكن فى حمالة الحطب لعدم اتحاد زمان الحال
حينئذ لان حمل الحطب كان فى الدنيا الا ان يقال معنى حمالة الحطب انها تحمل حطب
جهنم كالزقوم والضريع او ما يوقد به جهنم جزاء لما كانت تحمل الحطب فى الدنيا
بعداوة النبي صلعم وأصحابه كذا ذكر البيضاوي لكن لم ينقل هذا التأويل من السلف وان
المراد به ثبوت حبل فى عنقها فى الدنيا فحينئذ اما خبر مبتداء محذوف اى هى او خبر
بعد خبر لامرأته او حال من الضمير المستكن فى حمالة الحطب بلا إشكال والظاهر على
هذا التأويل ان يكون فى الكلام ترشيحا للمجازا وتصويرا لها بصورة الخطابة التي
يحتمل لتحرمه وتربطها فى جيدها كيلا يسقط من راسها لتحقيرها ولا يكون الكلام على
الحقيقة وما قال الشعبي فهو مستبعد جدا لكونها وزوجها فى بيت عز وثروة وجدة ـ والله
تعالى اعلم.
سورة الإخلاص مكيّة وهى اربع آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج الترمذي
والحاكم وابن خزيمة من طريق ابى العالية عن ابى بن كعب ان المشركين قالوا لرسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم انسب من ربك فانزل الله تعالى قل هو الله أحد الى اخر
السورة واخرج الطبراني وابن جرير مثله من حديث جابر بن عبد الله فبناء على هذين
الروايتين قيل السورة مكية واخرج ابن ابى حاتم عن ابن عباس ان اليهود جاءت الى
النبي صلىاللهعليهوسلم منهم كعب بن الأشرف وحيى بن اخطب فقالوا يا محمد صف لنا
ربك الذي بعثك فانزل الله قل هو الله أحد الى آخرها واخرج ابن جرير عن قتادة وابن
المنذر عن سعيد بن جبير مثله وذكر البغوي قول الضحاك وقتادة ومقاتل جاء ناس من
أحبار اليهود الى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا صف لنا ربك لعلنا نومن بك فان الله انزل نعته فى
التورية فأخبرنا من اى شىء هو وهل يأكل ويشرب ممن ورث ومن يرثه فانزل الله هذه
السورة واخرج ابو شيخ فى كتاب العظمة من طريق ابان عن انس قال أتت يهود خيبر الى
النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا يا أبا القاسم خلق الله الملائكة من نور الحجاب
وآدم من حمأ مسنون وإبليس من لهب النار والسماء من دخان والأرض من زبد الماء
فاخيرنا عن ربك فلم يجبهم فاتاه جبرئيل بهذه السورة وبناء على هذا الروايات قيل
السورة مدنية واخرج ابن جرير عن ابى العالية قال قادة الأحزاب انسب لنا ربك فاتاه
جبرئيل بهذه السورة وعلى هذا الرواية يرتفع التعارض ويظهر ان السورة مدنية والمراد
بالمشركين من حديث ابى بن كعب هم قادة الأحزاب ولعل اليهود وقادة الأحزاب من
المشركين كلا الفريقين سالوا عن الله تعالى حين نزلت السورة وذكر البغوي عن ابى
الظبيان وابى صالح عن ابن عباس ان عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة أتيا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال عامر الى ما تدعونا يا محمد قال الى الله تعالى قال
صفه لنا أمن ذهب هو
أم من فضة أم من
حديد أم من خشب فنزلت هذه السورة فاهلك الله أريد بالصاعقة وعامرا بالطاعون قوله
تعالى (قُلْ) يا محمد (هُوَ) الضمير اما للشأن والجملة الواقعة بعدها خبر له ولا حاجة
الى العائد لانه هى هو واما عائد الى ما سئل عنه يعنى الذي سالتمونى هو (اللهُ) خبر لهو (أَحَدٌ) ج بدل من الله او خبر ثان لهو أصله وحد بمعنى واحد أبدلت
الواو همزة وفى قراءة ابن مسعود قل هو الله لواحد وكذا قرأ عمر بن الخطاب وعلى
تقدير كون الضمير للشأن وكون الله أحد مبتداء وخبر فالكلام ليس على ظاهره لان الله
علم للجزء الحقيقي لا يكون الا واحدا يمتنع فرض صدقه على كثيرين كزيد فيلزم
الاستدراك ولا يفيد الكلام فالواجب ان يراد بلفظ الله معنى كليا يعنى مستحقا
للعبادة لكل من سواه وذلك الاستحقاق لا يتصور الا بافاضة الوجود وتوابعه على ما
عداه وذلك الافاضة لا يتصور الا من الذات الواجب وجوده وصفات كماله الممتنع عليه
صفات النقص والزوال المباين للممكنات فى حقيقة ذاته وصفاته لان اقتضاء وجود غيره
فرع اقتضاء وجوده فى نفسه وما لا يقتضى وجوده فى نفسه كيف يقتضى وجود غيره سواء كان
ذلك الغير جوهرا او عرضا او فعلا من افعال العباد وذلك معنى الوجوب والنقص والزوال
ومشابهة الممكنات ينافى الوجود واستحقاق العبادة فمعنى الجملة المستحق للعبادة على
الإطلاق الواجب لذاته وجوده وصفاته الكاملة الممتنع عليه صفات النقص والزوال واحد
لا شريك له وحينئذ أفاد الكلام فائدة تامة غير انه على هذا التأويل لا يطابق
الجواب السؤال لانهم لم يسالوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كونه تعالى واحدا او متكثرا فان النبي صلىاللهعليهوسلم كان يدعوهم بأعلى صوته الى التوحيد وقول لا اله الا الله
بل سالوه عن حقيقة الذاتية وقالوا يا محمد صف لنا ربك الذي بعثك أمن الذهب هو أم
من فضة او نحو ذلك وكذا إن كان الضمير عائدا الى المسئول عنه لا جائز ان يقال معنى
الجملة انه واحد غير متكثر فانه لا يطابق السؤال فالواجب على كلا التأويلين ان
يكون المراد بأحد ما يكون منزها عن أنحاء التركيب والتعدد وما يستلزم أحدهما من
الجسمية والمتحيز والمشاركة لشئ من الأشياء فى الحقيقة والمشابهة لشئ من الأشياء
فى صفة من صفات الكمال وإذا لم يشابهه أحد فى الذات
ولا فى صفة من
الصفات لا يكون له ند ولا ضد ولا مثل ومن هاهنا قالت الصوفية العلية أحديته تعالى
وعدم مشابهة أحد له تعالى فى صفة من الصفات يقتضى ان لا يشاركه أحد فى الوجود فانه
اصل الصفات والحيوة التي هى أم الصفات وامامها من العلم والقدرة والارادة والكلام
والسمع والتكوين فرع للوجود بالمعنى المصدري فهو امر انتزاعي مترتب عليه ومن ثم
قالوا يعنى لا اله الا الله لا موجود الا الله فالموجود الحقيقي فى الخارج ليس الا
الله تعالى وما عداه من الممكنات الموجودة متصفة بوجوده كالظل لوجوده فى الخارج او
هو كالظل للخارج الحقيقي وكذا الحال فى العلم والقدرة وسائر الصفات قال الله تعالى
ذلك بان الله هو الحق يعنى الثابت المتحقق المتأصل فى وجوده وصفاته وان ما يدعون
من دونه هو الباطل يعنى اللاشيء فى نفسه وقال الله تعالى كل شىء هالك الا وجهه
فصفات الممكنات انما يشارك صفات الواجب تعالى اشتراكا اسميا لا اشتراكا حقيقيا ومن
لا يفهم كلام الصوفية فعليه التشبث باذيا لهم حتى يتبين لهم انه الحق او لم يكف
بربك انه على كل شىء شهيد الا انهم فى مرية من لقاء ربهم الا انه بكل شىء محيط ففى
جملة واحدة ثم الاشارة الى مباحث الذات والصفات كلها فى كلمة قل اشارة الى النبوة
والتبليغ واعجاز الاية شاهد على النبوة فكفى بقل هو الله أحد عن المجلدات وان بقي الكلام
فى مثل ان صفاته تعالى عين ذاته او زائدة عليها فلا محذور فيه ولا يتعلق به غرض بل
البحث عن مثل هذه الأبحاث الفلسفة يقضى الى المهلكة قال الله تعالى يسئلونك عن
الروح قل الروح من امر ربى وما أوتيتم من العلم الا قليلا فاذا لم يوت البشر العلم
بحقيقة الروح وهو من الخلائق فانى له العلم بذات الخالق وصفاته الا العجز عن درك
إدراكه والبحث عنه اشراك والسبيل اليه المعية الجيبية لا غير عن ابى هريرة قال خرج
علينا رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ونحن متنازع فى القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كانما فقئ
وجنتيه حب الرمان فقال أبهذا أمرتم أبهذا أرسلت إليكم انما هلك من كان قبلكم حين
تنازعوا فى هذا الأمر عزمت عليكم الا تنازعوا فيه رواه الترمذي وروى ابن ماجة نحوه
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. (اللهُ الصَّمَدُ) ج قال ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير الصمد الذي لا خوف له
كذا اخرج ابن جرير عن بريدة
الا اعلمه الا قد
رفعه قلت لعله مجاز مما لا ينفذ اليه العقول والأوهام ولا يدركه الافهام وقال
الشعبي الذي لا يأكل ولا يشرب وقيل تفسيره وما بعده ولذا روى ابو العالية عن ابى
بن كعب وقال ابو الوائل شقيق بن سلمة هو السيد الذي قد انتهى سودده وهى رواية عن
ابى طلحة عن ابن عباس يعنى الذي قد كمل فى جميع انواع السودد وعن سعيد ابن جبير هو
الكامل فى جميع صفاته وأفعاله وقيل هو السيد المقصود فى الحوائج قال السيد هو
المقصود اليه فى الرغائب المستغاث به عند المصائب يقال صمدته إذا قصدته قال قتادة
الصمد الباقي بعد فناء خلقه وقال عكرمة الصمد الذي ليس فوقه أحد وهو قول على رض
وقال الربيع الصمد الذي لا يعتريه الآفات قال مقاتل بن حبان الذي لا عيب فيه قلت
وعندى معناه الحقيقي المقصود قال فى القاموس الصمد القصد بالتحريك السيد لانه يقصد
وإدخال اللام عليه لافادة كونه فى أجل درجات الصمدية وأعلاها وأكملها فان الناس قد
يقصدون غير الله سبحانه من الدنيا وما فيها لفساد رايهم وعدم اهتدائهم الى مرتبة
حق اليقين فكل ما ذكر فى اقوال السلف من المعاني فهى تعبيرات عن لوازمه لان
المقصود على الإطلاق من يحتاج كل ما عداه اليه ولا يحتاج هو الى غيره فى شىء من
الأشياء فيكون البتة جامعا لجميع الكمالات وانواع السودد ومنزها عن العيوب وان
تعتريه الآفات غير محتاج الى الاكل والشرب قديما بما لم يولد غير مجانس لاحد حتى
يلد مثله ولا يكون فوقه بل ليس مثله أحد فيكون البتة بحيث لا ينفذ اليه فهم وادراك
ولما كانت الجملة السابقة تغنيه عن هذه الجملة وعن الجمل الثلث اللاحقة وهذه
الجملة وما بعدها كالتأكيد للاولى أوردت لزيادة الاهتمام من قبيل إيراد الخاص بعد
العام للمبالغة فى التنزيه والتصريح بالرد على المخاطبين المنكرين المشركين فى
القصد والعبادة غيره تعالى القائلين باتخاذ الله تعالى البنات والبنين بغيره لم
يذكر العاطف على هذه الجملة ولا على ما بعدها وكرر اسم الله تعالى للاشعار بان لم
يتصف به لم يستحق الالوهية وان المقصد يجب ان لا يكون غيره تعالى ومن ثم قالت
الصوفية معنى لا اله الا الله لا مقصود الا الله وقالوا ما هو مقصد لك فهو معبود
لك فان المرء لا تزال يلقى نفسه فى كمال التذلل لتحصيل مقصوده والعبادة عبارة عن
كمال التذلل
فالصوفية العلية
يذكرون النفي والإثبات مع ملاحظة نفى مقصودية ما عدا الله ويجتهدون فيه غاية
الاجتهاد حتى يزول عن صدورهم كون غيره تعالى مقصودا بوجه من الوجوه والله الميسر
لكل عسير. (لَمْ يَلِدْ) كما زعمت المشركون ان الملائكة بنات الله واليهود بان عزير
ابن الله والنصارى بان المسيح ابن الله لاستحالة المجانسة وعدم الاقتضاء الى من
يعينه او يخلف عنه لاستحالة الاحتياج والفناء عليه تعالى أورد بلفظ الماضي وان كان
عدم توالده ابدا ردا على ما قالوا ولمطابقة قوله (وَلَمْ يُولَدْ) لان الحدوث ينافى الالوهية. (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) ع اى مكافيا ومماثلا قرا حفص كفوا بضم الفاء وفتح الواو
وحمزة بإسكان الفاء مع الهمزة فى الوصل فاذا وقف أبدل الهمزة واوا مفتوحة اتباعا
للخط والقياس ان يلقى حركتها على الفاء والباقون بضم الفاء مع الهمزة أحد اسم يكن
وكفوا خبره والظرف متعلق بكفوا قدم الخبر على الاسم والظرف التعلق بالخبر عليه
للاهتمام لان المقصد تنزيه الله تعالى ونفى المكافاة عنه تعالى الرعاية الفواصل
ويجوز ان يكون الظرف حالا من المستكن فى كفوا وان يكون خبرا او كفوا حال من أحد
أورد الجمل الثلث منتسقات بالعطف لان المقصد منها نفى اقسام الأمثال وتنزيهه عن كل
ما يتصف به فهى كجملة واحدة عن ابى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال قال الله تعالى كذبنى ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمنى
ولم يكن له ذلك فاما تكذيبه إياي بان يقول لن يعيدنى كما بدأنى وليس أول الخلق
باهون على من إعادته واما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وانا الأحد الصمد لم الد
ولم اولد ولم يكن لى كفوا أحد ـ (فصل) ـ
عن ابى الدرداء قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أيعجز أحدكم ان
يقرأ فى ليلة ثلث القران بالواو كيف يقرأ ثلث القرآن قال قل هو الله أحد تعدل ثلث
القران رواه مسلم ورواه البخاري عن ابى سعيد ومثله فى حديث ابن عباس وانس وذكرناه
فى تفسير سورة الزلزال وعن عائشة ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لاصحابه فى صلوتهم بقل هو
الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبى صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال سلوه لاى شىء تصنع ذلك فسالوه فقال لانها صفة الرحمن
وانا أحب ان
اقرءها فقال النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم اخبروه ان الله يحبه متفق عليه
وعن انس قال رجل يا رسول الله انى أحب هذا السورة قل هو الله أحد قال ان حبك إياها
أدخلك الجنة رواه الترمذي وروى البخاري معناه وعن ابى هريرة ان النبي صلى الله
تعالى عليه واله وسلم سمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد فقال وجبت قلت ما وجبت قال
الجنة رواه مالك والترمذي والنسائي وعن انس عن النبي صلى الله تعالى عليه واله
وسلم قال من أراد ان ينام على فراشه فنام على يمينه ثم قرأ مائة مرة قل هو الله
أحد إذا كان يوم القيامة يقول له الرب يا عبدى ادخل على يمينك الجنة رواه الترمذي
وقال حسن غريب وعنه عن النبي صلى الله تعالى عليه واله وسلم قال من قرأ كل يوم
مأية مرة قل هو الله أحد محى عنه ذنوب خمسين الا ان يكون عليه دين رواه الترمذي
والدارمي وفى رواية خمسين مرة ولم يذكر الا ان يكون عليه دين وعن سعيد بن المسيب
مرسلا عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى له قصر فى الجنة
ومن قرأ عشرين مرة بنى له قصر ان فى الجنة ومن قرأها ثلثين مرة بنى له بها ثلثة
قصور فى الجنة فقال عمر بن الخطاب والله يا رسول الله إذا لتكثرن قصورنا فقال رسول
الله صلى الله تعالى عليه واله وسلم الله أوسع من ذلك والله تعالى اعلم.
سورة الفلق مدنيّة وهى خمس آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
اخرج البيهقي فى
دلائل النبوة من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال مرض رسول الله صلى الله
تعالى عليه واله وسلم مرضا شديدا فاتاه ملكان فقعد أحدهما عند راسه والاخر عند
رجليه فقال الذي عند رجليه للذى عند راسه ما ترى قال طب قال ما طب قال سحر قال من
سحره قال لبيد بن الأعصم اليهودي قال اين هو قال فى شراك فلان تحت صخرة فى ركية
فاتو الركية فانزحوا وارفعوا الصخرة ثم خذوا الكدية وأحرقها فلما أصبح رسول الله
صلى الله تعالى عليه واله وسلم بعث عمار بن ياسر فى نفر فاتوا الركية فاذا ماءها
مثل ماء الحناء ثم رفعوا الصخرة واخرجوا الكدية واحرقوها فاذا فيها وتد فيه أحد
عشر عقدة وأنزلت عليه هاتان السورتان فجعل كلما قرأ اية انحلت عقدة قل أعوذ برب
الفلق قل أعوذ برب الناس واخرج ابو نعيم فى الدلائل من طريق ابى جعفر الرازي عن
انس قال صنعت اليهود لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا فاصابه من ذلك وجع شديد فدخل عليه أصحابه فظنوا انه
المايه فاتاه جبرئيل بالمعوذتين فعوذبهما فخرج الى الصحابة صحيحا وله شاهد فى
الصحيحين بدون نزول السورة وذكر البغوي قول ابن عباس وعائشة كان غلام من اليهود
يخدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فدبت اليه اليهود فلم يزالوا به حتى أخذوا مشاطة راس النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدة أسنان مشطة فاعطاها اليهود فسحروا فيها وتولى ذلك
لبيد بن الأعصم رجل من اليهود فنزلت السورتان وروى البغوي بسنده عن عائشة ان النبي
صلىاللهعليهوآلهوسلم طب حتى انه ليخيل انه قد صنع شيئا وما صنعه وانه دعا ربه
ثم قال ان الله أفتاني فيما استفتيته فيه فقالت عائشة وما ذاك يا رسول الله قال
جاءنى رجلان فجلس أحدهما عند راسى والاخر عند رجلى
فقال أحدهما
لصاحبه ما وجع الرجل قال الاخر مطبوب قال من طبه قال لبيد بن الأعصم قال فيما ذا
قال فى مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر قال فاين هو قال فى ذروان بير بنى زريق قالت عائشة
فاتاها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم رجع الى عائشة فقال والله لكان ماءها نقاعة الحناء
ولكان نخلها رؤس الشياطين فقلت يا رسول الله فلا أخرجته قال اما انا قد شفانى الله
كرهت ان اثير على الناس شرا قال البغوي وروى انه كان تحت صخرة فى البير فرفعوا
الصخرة واخرجوا جف الطلعة فاذا فيه مشاطة راسه وأسنان مشطة وروى البغوي بسنده عن
يزيد بن أرقم قال سحر النبي صلىاللهعليهوسلم رجل من اليهود فاشتكى لذلك إياها قال فاتاه جبرئيل فقال ان
رجلا من اليهود سحرك فعقد لك عقدا فارسل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا فاستخرجها كلما حل عقد وجد لذلك خفة فقام رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانما نشط عن عقال فما ذكر ذلك اليهودي ولا راه فى وجهه واخرج
ابن مردوية والبيهقي فى الدلائل عن عائشة ان يهوديا سحر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فى أجد عشر عقدة فى وتردسه فى بير فمرض النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونزلت معوذتان وأخبره جبرئيل بموضع السحر فارسل عليا فجاء
به فقرأهما عليه فكان كلما قرأ اية انحلت عقدة ووجد بعض الخفة وروى انه لبث فيه
ستة أشهر واشتد عليه ثلث ليال فنزلت معوذتين وروى مسلم عن ابى سعيد ان جبرئيل اتى
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال يا محمد اشتكيت فقال نعم قال بسم الله أرقيك من كل
شىء يؤذيك من شر كل نفس او عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) اى فلق الصبح وهو قول جابر بن الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد
وقتادة من قوله تعالى فالق الإصباح وقيل فلق الحب والنوى بالشطا والسحاب بالماء
والأرض بالعيون والأرحام بالأولاد وقال الضحاك يعنى الفلق وهى رواية الوالبي عن ابن
عباس والمشهور هو الاول وقال اكثر المفسرين وهى رواية عن ابن عباس انه سجن فى جهنم
رواه ابن جرير وقال الكلبي واد فى جهنم واخرج ابن جرير عن ابى هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال الفلق جب فى جهنم مغطى واخرج ابن جرير والبيهقي
عند عبد الجبار
الخولاني قال قدم علينا رجل من اصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فى دمشق فراى ما فيه الناس من الدنيا قال وما يغنى عنهم أليس
ورائهم الفلق قالوا وما الفلق قال جب فى النار إذا فتح هرب منه اهل النار واخرج
ابن ابى حاتم وابن ابى الدنيا وايضا عن عمرو بن عتبة قال الفلق بير فى جهنم إذا
سعرت جهنم فمنه تسعر جهنم لتتاذى منه كما يتاذى بنو آدم من جهنم عليها الغطاء فاذا
كشفت عنه خرجت منه نار تصيح منه جهنم من شدة حرما يخرج منه واخرج ابن ابى حاتم
وابن جرير عن كعب قال الفلق بيت فى جهنم إذا فتح صاح اهل النار من شدة حره واخرج
ابن ابى حاتم عن زيد بن على عن ابائه الكرام الفلق جب فى قعر جهنم وانما خص ذكر
الله سبحانه فى الاستعاذة بهذه الصفة لان جهنم والفلق الذي هو أشد من اجزائه لما
كان أدهى الا داهى وأعظم الأشياء شرا فخالقه وربه اقدر على دفع كل شر وان كان
المراد بالفلق الصبح فالصبح دافع ومظهر الشرور غسق الليل فربه قادر على دفع كل شر
فذكره تعالى بهذه الصفة داع الى دفع الشرور والله تعالى اعلم. (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) اى من شر كل مخلوق فان الممكن لا يخلو من شر لان العدم
داخل فى ماهيته غير انه كلما استضاء بالتجليات الذاتية والصفاتية زال شره وتبدل
بالخير أولئك يبدل الله سياتهم حسنات وقال عليه الصلاة والسلام اسلم شيطانى فلا
يأمرنى الا بخير قال البيضاوي خص عالم الخلق بالاستعاذة منه لانحصار الشر فيه فان
عالم الأمر خير كله وشر عالم الخلق اما اختياري لازم كالكفر متعد كالظلم واما
طبيعى كاحراق النار وإهلاك السموم. (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ) الغسق معناه الامتلاء قال الله تعالى انى غسق الليل اى
امتلاءها ظلمة ويقال غسق العين إذا امتلئت دمعا وغسق القمر إذا امتلأ نورا وفى
القاموس الغاسق القمر والليل إذا غاب الشفق والغسوق والاغساق الاظلام وقيل معناه
السيلان غسق الليل الضباب ظلامه وغسق العين سيلان دمعه وغسق القمر سرعة سيره وقيل
الغسق البرد سمى الليل غاسقا لانها أبرد من النهار والقمر غاسقا لكونه أبرد من
الشمس ولهذا يقال للقمر الزمهرير والمراد بالغاسق هاهنا القمر لحديث عائشة قالت
أخذ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بيدي فنظر الى القمر فقال يا عائشة
استعيذى بالله من
شر غاسق إذا وقب رواه البغوي بسنده فعلى هذا التقدير معنى قوله تعالى (إِذا وَقَبَ) إذا دخل فى الخسوف وأخذ فى الغيبوبة فان القمر لا يتخسف
الا عند امتلاء نور الليلة البدر قال ابن عباس والحسن ومجاهد المراد به الليل إذا
اقبل ودخل سواده فى ضوء النهار وقال ابن زيد المراد به الثريا إذا أسقطت يقال
الانتظام تكثر عند وقوعها وترفع عند طلوعها. (وَمِنْ شَرِّ
النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) يعنى النفوس السواحر او النساء الساحرات اللاتي ينفثن فى
عقد الخيط حين يرقين ويسحرن النبي صلىاللهعليهوسلم قال ابو عبيد بناته بامره. (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ
إِذا حَسَدَ) اى إذا اظهر حسده وعمل فى الإضرار بمقتضى حسده وانما قيد
به لان ضرر الحسد قبل ذلك يعود الى نفس الحاسد لاغتمامه لسرور غيره ولا يتجاوز الى
المحسود انما خص هذه الأشياء بالذكر بعد التعميم بقوله من شر ما خلق لكون دخل هذه
الأشياء الثلاثة فى هذا الشر المخصوص اعنى سحر النبي صلىاللهعليهوسلم ووسوسة شيطان الجن اعنى إبليس وشيطان الانس اعنى لبيد بن
الأعصم أورد النفاثات بصيغة الجمع ولام العهد بخلاف غاسق وحاسد حيث أوردهما منكرا
إذا الغرض فى الاستعاذة ملاحظة بنات لبيد بالتخصيص والتعين بخلاف غاسق وحاسد فان
الغرض هناك استعاذة من شر اى غاسق وحاسد كان لان حساد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا اكثر من ان يحصى وكانوا دائمين فى الحسد فاستعاذ
منهم على وجه يأمن من شرهم فى المستقبل ايضا عن عقبة بن عامر قال قلت يا رسول الله
اقرأ سورة هود وسورة يوسف قال لن تقرأ شيئا ابلغ عند الله من قل أعوذ برب الفلق
رواه احمد والنسائي والدارمي والله تعالى اعلم.
سورة النّاس مدنيّة وهى ست آيات
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ) يا محمد (أَعُوذُ بِرَبِّ
النَّاسِ) خالقهم ومربيهم ومصلح أمورهم. م (مَلِكِ النَّاسِ) مالكهم ومدبر أمورهم. (إِلهِ النَّاسِ) معبودهم هما عطف بيان لرب الناس فان المربى قد يطلق على
الوالد ورب الدار ويطلق على المالك وهو لا يكون ملكا ولا معبودا والملك قد يطلق
على السلطان وهو لا يكون معبودا مستحقا للعبادة واللام فى الناس للعهد والمراد به
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم واتباعه وتخصيصهم بالذكر مع كونه تعالى ربا وملكا والها
بكل شىء لاظهار شرفهم ولان المقصود بانزال السورتين دفع شر السحر وغيره عن النبي صلىاللهعليهوسلم وعن اتباعه لان من حق الرب والملك والا له حفظ المربوب
والمملوك والعائد عن الشر قال غوث الثقلين أيدركني صنم وأنت ظهرى أأظلم فى الدنيا
وأنت نصيرى فعار على حامى الحمى وهو قادر إذا أضاع فى البيداء عقال بعيري والكفار
وان كانوا مربوبين مملوكين لكن لعدم اعترافهم به غير مستحقين للحماية ولدا قال
رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يوم الأحزاب الله مولانا ولا مولا لكم وتكرير الناس
بالإظهار من غير إضمار لان عطف البيان موضوع للبيان وفى الإظهار زيادة البيان
وللاشعار بشرف النبي صلىاللهعليهوسلم واتباعه وقال البيضاوي ولما كانت الاستعاذة فى السورة
المتقدمة من المضار البدنية وهى تعم الإنسان وغيره والاستعاذة فى هذه السورة من
الإضرار اللتي تعرض النفوس البشرية وتخصها عمم الاضافة ثمه وخصصها بالناس هاهنا
فكانه قال أعوذ من شر الموسوس الى الناس بربهم الذي يملك أمورهم ويستحق عبادتهم
وقيل وجه التكرير لفظ الناس ان المراد بالناس الاول الأطفال ومعنى الربوبية يدل
عليه وبالثاني الشاب المجاهدين فى سبيل الله ولفظ الملك المنبئ عن السياسة يدل
عليه وبالثالث
الشيوخ المنقطعين
الى الله تعالى ولفظ الإله المنبئ عن العبادة يدل عليه وبالرابع الصالحون إذا
الشيطان حريص على عداوتهم وبالخامس المفسدون لعطفه على معوذ منه وفى ذكر أطفال
المؤمنين والرجال الصالحين استجلاب للرحمة واستدفاع للعذاب قال رسول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لو لا رجال ركع وأطفال وضع وبهائم رتع نصب عليكم صبا رواه
ابو يعلى والبزار والبيهقي من حديث ابى هريرة وله شاهد مرسل أخرجه ابو نعيم عن
الزهري وقال الله تعالى لو لا رجال مومنون ونساء مومنات لم تعلموهم الاية قال
البيضاوي فى هذا النظم دلالة على انه تعالى حقيق بالاعادة قادر عليها غير ممنوع
عنها واشعار على مراتب الناظر فى العارف فانه يعلم اولا بما يرى عليه من النعم
الظاهرة والباطنة ان لم ربا ثم بعد النظر يتحقق انه غنى عن الكل ذوات كل شى ملكه
ومصارف أمورهم منه فهو الملك الحق ثم يستدل على انه هو المستحق للعبادة. (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) الوسواس اسم بمعنى الوسوسة وهو الصوت الخفي الذي يصل
مفهومه الى القلب من غير سماع كالزلزال والمراد هاهنا الموسوس يعنى الشيطان على
طريقه المبالغة او بتقدير المضاف اى ذى الوسواس كذا قال الزجاج (الْخَنَّاسِ) صفة للوسواس يعنى الشيطان لان عادته ان يخنس اى يتاخر عند
ذكر الله تعالى عن عبد الله بن شقيق قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما من آدمي الا بقلبه بيتان فى أحدهما الملك وفى الاخر
الشيطان فاذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره فى قلبه ووسوس له
رواه ابو يعلى وروى ابو يعلى عن انس عنه صلى الله تعالى عليه واله وسلم نحوه. (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ
النَّاسِ) إذا لم يذكر الله والموصول فى محل الجر على انه صفة بعد
صفة للوسواس وجاز ان يكون منصوبا على الذم او مرفوعا على انه خبر لمبتداء محذوف اى
هو. (مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ) ع بيان للوسواس او الذي فالوسوسة فعل من الجنة والناس
جميعا قال الله تعالى وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الانس والجن الاية امر الله
تعالى نبيه صلىاللهعليهوسلم ان يستعيذ من شر الجن والانس جميعا فان قيل الناس لا
يوسوسون فى صدور الناس انما هى فعل بالجن قلنا الناس ايضا يوسوسون بمعنى يليق بهم
يقولون أقوالا
يرتكز فى صدور الناس منها الوسوسة او هو متعلق بيوسوس اى يوسوس فى صدورهم من جهة
الجنة والناس وقال الكلبي هو بيان للناس من قوله فى صدور الناس وأراد بالناس هناك
ما يعم القبيلتين سمى الجن ناسا كما سموا رجالا فى قوله تعالى وانه كان رجال من
الانس يعوذون برجال من الجن قال البغوي فقد ذكر من بعض العرب انه قال وهو يحدث جاء
قوم من الجن فوقفوا ففيل من أنتم فقالوا أناس من الجن وهذا معنى قول الفراء وجاز
ان يكون من الجنة بيانا للوسواس ويكون الناس هاهنا معطوفا على الوسواس والمعنى
أعوذ برب الناس من شر الشيطان الموسوس من الجنة ومن شر الناس عن عقبة بن عامر قال
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم الم تر آيات أنزلت الليلة لم تر مثلهن قط قل أعوذ برب
الفلق وقل أعوذ برب الناس رواه مسلم ورواه احمد بلفظ قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الا أعلمك سورا ما انزل فى التورية ولا فى الزبور ولا فى
الإنجيل ولا فى القران بمثلها قلت بلى قال قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل
أعوذ برب الناس وعن عائشة ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال إذا أوى الى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ
فيهما قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس ثم يمسح بهما ما
استطاع من جسده يبدأ بهما على راسه ووجهه وما اقبل من جسده يفعل ذلك ثلث مرات متفق
عليه وعن عقبة بن عامر بينا انا أسير مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشينا ريح وظلمة شديده فجعل رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ
بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما رواه ابو داود وعن عبد الله بن حبيب قال خرجنا فى
ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما دركناه فقال قل قلت ما أقول قال قل هو الله أحد
والمعوذتين حين تصبح وحين تمسى ثلث مرات يكفيك من كل شىء رواه الترمذي وابو داود
والنسائي وعن عائشة ان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد
وجعه كنت اقرأ
عليه وامسح عنه بيده رجاء بركتها رواه البغوي ـ (فصل)
ـ فى فضائل القران العظيم عن عثمان بن عفان رضى
الله عنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خيركم من تعلم القران وعلمه رواه البخاري ومسلم وزاد
البيهقي فى الأسماء وفضل القران على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وعن ابن عمر
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا حسد الا على الاثنين رجل أتاه الله القران يقوم به اناء
الليل واناء النهار ورجل أتاه الله مالا فهو ينفق منه اناء الليل واناء النهار
متفق عليه وعن عبد الرحمن بن عوف رضى الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال ثلث تحت العرش يوم القيامة القران يحاج العباد له ظهر
وبطن والامانة والرحم ينادى الا من وصلني وصله الله ومن قطعى قطعه الله رواه
البغوي فى شرح السنة وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل فى الدنيا
فان منزلتك عند اخر الاية تقرأها رواه احمد والترمذي وابو داود والنسائي وعن ابى
سعيد الخدري رض قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول الرب تبارك وتعالى من شغله القران عن ذكرى ومسئلتى
أعطيته أفضل ما اعطى السائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله تعالى على
خلقه رواه الترمذي والدارمي والبيهقي وعن ابن مسعود قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها
لا أقول الم حرف الف حرف ولام حرف وميم حرف رواه الترمذي والدارمي وقال الترمذي
حسن صحيح غريب اسناده وعن الحارث الأعور قال مررت بالمسجد فاذا الناس يخوضون فى
الأحاديث فدخلت على على رضى الله تعالى عنه فاخبرته قال او قد فعلوها قلت نعم قال
واما انى سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول الا انها ستكون فتنة قلت ما المخرج منها يا رسول الله
قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل
من تركه عن جبار فصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله وهو حبل الله المتين
وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم
هو الذي لا يزيغ
الأهواء ولا تلتبس به الا السنة ولا تشبع منه العلماء ولا يخلق عن كثرة الرد ولا
ينقضى عجايبه هو الذي لم ينبه الجن إذا سمعته حتى قالوا انا سمعنا قرانا عجبا يهدى
الى الرشد فأمنا به من قال به صدق ومن عمل به اجر ومن حكم به عدل ومن دعى اليه هدى
الى صراط مستقيم رواه الترمذي والدارمي وعن معاذ الجهني قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قرأ القران وعمل به بما فيه البس والداه تاجا يوم
القيامة ضوءه احسن من ضوء الشمس فى بيوت الدنيا لو كانت فيكم فما ظنكم بالذي عمل
بهذا رواه احمد وابو داود وعن عقبة بن عامر قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول لو جعل القران فى إهاب ثم القى فى النار ما احترق
رواه الدارمي وعن على رض قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم من قرأ القران فاستظهره وأحل حلاله وحرم حرامه ادخله الله
الجنة وشفعه فى عشرة من اهل بيت كلهم قد وجبت لهم النار رواه احمد والترمذي وابن
ماجة والدارمي وعن عائشة ان النبي صلىاللهعليهوسلم قال قراءة القران فى الصلاة أفضل من قراءة القران فى غير
الصلاة وقراءة القران فى غير الصلاة أفضل من التسبيح والتكبير والتسبيح أفضل من
الصدقة والصدقة أفضل من الصوم والصوم جنة من النار وعن أوس الثقفي قال قال رسول
الله صلى الله عليه واله وسلم قراءة الرجل القران فى غير المصحف الف درجة وقراءته
فى المصحف المضعف ذلك الفى درجة وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ان هذا القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء قيل
يا رسول الله وما جلاء ذلك قال كثرة ذكر الموت وتلاوة القران روى الأحاديث الثلاثة
البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى هريرة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما اذن الله لشئ ما اذن لبنى يتغنى بالقران متفق عليه وعنه
قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما اذن الله لشئ يعنى حسن الصوت بالقران يجهر به متفق عليه
وعنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليس منا من لم يتغن بالقران رواه البخاري وعن جابر قال خرج
رسول الله صلىاللهعليهوسلم نحن نقرأ القران وفينا الاعرابى والعجمي فقال اقرؤا فكل
حسن وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه
رواه ابو داود
والبيهقي يعنى يتعجلون ثوابه فى الدنيا وعن حذيفة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم اقرأ القران بلحون العرب وأصواتها وإياكم ولحون اهل العشق
ولحون اهل الكتابيين وسيجئ بعدي قوم يرجعون القران ترجيع الغناء والنوح لا يتجاوز
حناجرهم مفتونة قلوبهم وقلوب الذين يعجبهم شانهم رواه البيهقي وابن رزين وعن عبيدة
المليكي رضى الله عنه وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يا اهل القران لا تتوسدوا القران واتلوه حق تلاوته من اناء
الليل والنهار وأفشوه وتغنوه وتدبروا ما فيه لعلكم تفلحون ولا تعجلوا ثوابه فان له
ثوابا رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن على رض عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال خير الدواء القران رواه ابن ماجة وفى اللفظ القرآن هو
الدواء وروى عن ابن مسعود عليكم بالشفاءين العسل والقرآن وعن واثلة بن الأسقع رضى
الله عنه ان رجلا شكى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وجع حلقه قال عليك بقراءة القران رواه البيهقي فى شعب
الايمان وعن ابى سعيد الخدري رضى الله تعالى عنه جاء رجل الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال انى اشتكى صدرى قال اقرأ القران يقول الله تعالى شفاء
لما فى الصدور وعن طلحة بن مطرف رضى الله عنه قال كان يقال إذا قرأ القران عند
المريض وجد لذلك خفة رواه ابو عبيدة والله تعالى اعلم ـ والحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى على خير
خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين ط.
|