بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف انبيائه محمّد وآله الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين.

(وبعد) فيقول العبد المحتاج الى رحمة ربه البارى موسى بن محمد الخوانسارى هذا ما استفدته ممن انتهت اليه رئاسة الامامية الاثنى عشرية فى القرن الرابع عشر حجة الاسلام وكهف الانام آية الله الملك العلام الشيخ ميرزا محمّد حسين النائينى متع الله العلماء ببقائه فى اجتماع الامر والنهى فحررته على طبق ما افاده إلّا ما فاته منى لقصور الباع فقال مد ظله العالى.

المبحث الاول

اذا اجتمع عنوانان ايجادا او وجودا وتعلق باحدهما الامر وبالآخر النهى فهل يقتضى تعلق احدهما بعين ما تعلق به الآخر أم لا.

وقبل الخوض فى المقصود لا بد من رسم ايضاح واضح وهو ان النزاع فى المقام ليس فى الكبرى كما يتوهم من عنوان البحث فى كلام جماعة وهو قولهم فى البحث عن اجتماع الامر والنهى فان هذا النزاع بعد الفراغ عن تضاد الاحكام باسرها حتى من اجتماع الحرمة والاباحة ولذا يكون مثل اكرم عالما ولا تكرم الفاسق فى العالم الفاسق من باب التعارض كما فى الشموليين

مثل اكرم العالم ولا تكرم الفاسق فالنزاع هنا فى تعلق احد الخطابين بعين ما تعلق به الآخر وعدمه ومع عدم التعلق كذلك يقع نزاع آخر بين المشهور والمحقق الكركى بانه هل يكفى المندوحة فى رفع تعلق التكليف بغير المقدور او لا يكفى بل يعتبر القدرة فى جميع الافراد والفرد المزاحم مع الغصب غير مقدور شرعا فليس بمأمور به.

فالبحث فى المقام تقع من جهتين الاولى فى كفاية تعدد الجهة وعدمها الثانية فى كفاية المندوحة وعدمها وتوضيح الجهة الاولى بتوقف على رسم امور

(الاول) ان المسألة ليست مسئلة كلامية ولا من المبادى التصديقية ولا المبادى الاحكامية للمسألة الاصولية بل مسئلة عقلية ملازمية اصولية وذلك لان المسألة الاصولية هى الكبرويات التى بانضمام الصغرويات اليها يستنبط الحكم الفرعى ومسئلتنا هذه كذلك فلا وجه لعدها من المبادى مع ان النزاع ليس فى الكبرى وفى امكان اجتماع الحكمين ولو بالاطلاق فى متعلق واحد وامتناعه حتى تعد من المسائل الكلامية وتذكر فى الاصول لانها من مباديها الاحكامية (واما) كونها عقلية لا لفظية لعدم اختصاص النزاع بالحكمين المستفادين من الالفاظ فذكرها فى مباحث الالفاظ انما هو لكون استفادة اغلب الاحكام منها (واما) كونها ملازمية لا عقلية مستقلة فلوضوح انها ومسئلة الضد ومقدمة الواجب ليست من باب الحسن والقبح بل من لوازم الحكم غاية الامر انها من لوازم حكمين واقتضاء الامر بالشيء النهى عن الضد ووجوب المقدمة من لوازم حكم واحد (ثم) انه ظهر انه لا مجال لتوهم امكان التفصيل فى الامتناع والجواز بالعرف والعقل لانها عقلية وليست مستفادة من الالفاظ حتى يكون نظر العرف متبعا فيها.

(الثانى) ان اختلاف المتصورات والمفاهيم لا يجدى فى الباب شيئا لان المفاهيم وهى المدركات العقلانية ليست متعلقا للاحكام بانفسها بل متعلقاتها هى المعنونات والمحكيات والمفاهيم آليات ومرائى فاختلاف المفاهيم لا يوجب اجتماع الحكمين فى موضوع اذا لم يكن هو متعددا (وبالجملة) متعلق الحكم هو الكلى الطبيعى لا المدرك العقلائى

(الثالث) ان العناوين على قسمين متأصلات ومنتزعات والمتاصل ما كان بحذائه وازائه شيء فى الخارج والمراد بالخارج هنا اعم من عالم العين والاعتبار فالاول كالانسان والثانى كالملكية والزوجية الحاصلة بين الزوج والزوجة والمنتزع ما لم يكن بازائه شيء بل كان لمنشا انتزاعه سواء كان منشأ انتزاعه عينيا او اعتباريا كالزوجية المنتزعة من جوزين والمنتزعة من زوجين وقد يعبر عن العنوان المتاصل بما اصدق وانطبق على معنونه وكل من المتاصل والمنتزع بما هو حاك ومرآة قابل لتعلق الامر والنهى به (ثم) ان بين كل عنوان وعنوان آخر بلحاظ معنونهما يتحقق النسب الاربع ولا شبهة ان العنوانين الذين بينهما عموم من وجه لهما جهة مغايرة وجهة اتحاد فانه لو لم يكن بين معنونيهما جهة افتراق لم يمكن صدق عنوانين كذلك عليهما وبعبارة اخرى المعنون الواحد من جميع الجهات لا يمكن ان يكون له عنوانان مختلفان ولا يقاس بالواجب تبارك وتعالى لان جميع صفاته الكمالية راجعة الى العلم والقدرة وهما فيه بمعنى لان كمال العلم واعلى مرتبته المقولة بالتشكيك وهو العلم الحضورى وهو احاطة العالم بذات معلومه واحاطته به كمال استيلائه عليه الذى هو عين القدرة وبالجملة ما للتراب ورب الارباب فما كان قابلا لادراكنا فى صفاته عزّ اسمه هو هذا المقدار وهذا لا يوجب تعدد الوجه حتى يقال لا يوجب تعدد الوجه تعدد المعنون ولا تنثلم به وحدته فالاولى السكوت عن كيفية

انطباق العناوين وصدقها عليه عزّ اسمه وجل ثنائه والتكلم فى صفات الخلق وعناوينهم ونرى بالعيان انه لو لم يكن للانسان جهة علم وفسق لا يمكن انطباق العالم والفاسق عليه ولو لم يكن جهة الفسق غير جهة العلم لكان بين الوصفين تلازما دائميا فصدق العالم على غير الفاسق والفاسق على غير العالم يكشف عن مغايرة بين العنوانين والمغايرة ناشية عن مغايرة معنونيهما لا محالة

(الرابع) ان العنوانين المجتمعين فى واحد اما ذاتيان كالحيوانية والناطقية او عرضيان كالحلاوة والبياض المجتمعان فى السكر واحدهما ذاتى والآخر عرضى كالقيام لزيد وكل من العنوانين فى هذه الاقسام الاربعة له جهة اللابشرطية وله جهة بشرط اللائية اى لو لوحظا اللابشرط عما يتحد به الذى هو معنى الاشتقاقى فى المشتق فكل عنوان قابل للحمل على الآخر وكل منهما على المعنون بهما كحمل الجنس على الفصل والفصل على الجنس وكليهما على الانسان وهكذا حمل الحلو على الابيض ولو لوحظا بشرط لا عما يتحد به الذى هو معنى مبدإ الاشتقاق فلا يقبلان الحمل كلحاظ الهيولى والصورة والحلاوة والبياض

(ثم ان) هذين العنوانين لو لوحظا بجهة انفسهما فهما جهتان تقييديتان ولو لوحظا بجهة عروضها او انطباقها على الموجه بهذين الجهتين والمعنون بهذين العنوانين فهما تعليليتان اى لو لوحظ نفس الحيوانية او الناطقية او نفس الحلاوة والبياض فهما جهتان متغايرتان وعنوانان مختلفان ولو لوحظ الموجه بالجهتين وهو الانسان فهما تعليليتان اى عروضهما علة لصدق الناطقية والحيوانية على الانسان وعمدة النزاع فى مسئلتنا هذه انه هل متعلق التكليف نفس الجهة او الموجه بها اى كما لا اشكال فى ان الجهتين بالنسبة الى الفاعل تعليليتان والمكلف شخص واحد متصف بعنوانين فهل

كذلك بالنسبة الى الفعل الصادر منه وهو الحركة فى المقام التى هى الحالة الواحدة المتصفة بوصفين فيكون متعلق الامر والنهى هى الحالة الشخصية والجهتان تعليليتان او ليس كك بل متعلقهما نفس الجهتين اللتين هما بانفسها تقييديتان ومتغايرتان.

(الخامس) ان اجتماع العنوانين تارة على نحو التلازم كاستقبال القبلة واستدبار الجدى فى العراق واخرى على نحو التركيب والاجتماع التركيبى على قسمين انضمامى واتحادى.

اما المتلازمان فهما مختلفان بالهوية والوجود بحيث يمكن الاشارة الحسية الى كليهما غاية الامر لا ينفكان فى الخارج فصارا كذى حقوقين واما الانضمامي فكتركيب المادة والصورة فهما بانفسها كالممزوجين وان لم يكن الاشارة الحسية اليهما الا ماهيتان متغايرتان وفى عالم الايجاد والوجود منضمان ومختلطان هذا حال الذاتيين وكذلك العرضيين والذاتى والعرضى فان حلاوة السكر وان لم تكن ممتازة عن بياضها ولا يمكن الاشارة الحسية بشخصها إلّا انها متغايرة بالهوية عن البياض (نعم) فى عالم الايجاد موجودان فى وجود واحد وكل منهما من مشخصات الآخر وحدوده.

واما الاتحادى فكتركيب الجنس والفصل فان الجنس عين الفصل والفصل عين الجنس والانسان هو الحيوان وهو الناطق والسكر هو الحلو وهو الابيض والنزاع فى مسئلتنا هذه ان متعلقى التكليفين الذين هما من باب الاجتماع التركيب هل من باب الانضمامي حتى يكون كباب التلازم فيختلف متعلق الامر والنهى او من باب الاتحادى حتى يكون من باب اكرم العالم ولا تكرم الفاسق الذى يتحد متعلق التكليف فيه لاعتبار الذات فى متعلق الامر والنهى اى موضوع التكليف الامرى هو العالم الذى هو بشخصه موضوع التكليف النهى

ولذا يصير مسئلة اكرم العالم ولا تكرم الفاسق فى مادة الاجتماع من باب التعارض ولا يخفى ان كون التركيب انضماميا او اتحاديا يرجع الى ان متعلق التكليف نفس الجهتين الموجه بهما فلا تغفل.

(السادس) قد يبتنى مسئلة جواز الاجتماع وامتناعه على اصالة الماهية والوجود واخرى يبتنى على تعلق الاحكام بالطبائع او الافراد وهذا على وجهين فقد يقال ان الجواز والامتناع يبتنى على القول بتعلق الاحكام بالطبائع واما على القول بتعلقها بالافراد فيمتنع قطعا ولكنه بعد ما عرفت ان روح النزاع مبنى على ان متعلق الاحكام هل نفس الجهتين او الموجه بهما يظهر لك ان النزاع لا يبتنى على اصالة الوجود او الماهية لان الجهتين ماهيتان متغايرتان او وجودان كذلك والموجه بهما امر واحد كان الاصل الوجود او الماهية نعم الاشكال فى ابتنائه على مسئلة تعلق الحكم بالطبائع او الافراد فنقول لو قيل بابتناء تلك المسألة على وجود الكلى الطبيعى وعدمه فنزاع مسئلتنا هذه لا يبتنى على النزاع فى تلك المسألة لانه لو قيل بتعلق الاحكام بالطبائع لانها بانفسها موجودة او بالافراد لان وجود الطبيعى بمعنى وجود اشخاصه وإلّا هو منتزع عن الاشخاص فلو قيل بان الجهتين متعلقتان للتكاليف فيجوز الاجتماع لانهما اثنان كانتا طبيعتين موجودتين او فردين موجودين ولو قيل بان الموجه متعلق للتكليف فيمتنع لانه واحد كان فردا واحدا وطبيعة واحدة واما لو قيل فى تلك المسألة بعدم ابتناء نزاع تعلق الاحكام بالطبائع والافراد على وجود الطبيعى وعدمه بل النزاع فيها بعد الفراغ عن وجود الكلى الطبيعى بنفسه لا بمعنى وجوده بوجود اشخاصه فالنزاع فى مسئلتنا هذه لا محالة يبتنى على ذاك لا معنى للقول بتعلق الاحكام بالافراد مع القول بوجود الكلى الطبيعى الا كون لوازم الفردية ومشخصات الوجود داخلة فى المطلوب فاذا دخلت تحت الطلب

فلا محالة يمتنع الاجتماع لانه لو كان الفرد متعلقا للتكليف مع الخصوصية فالخصوصيتان وإن كانتا متباينتين إلّا انهما حيث كانت كل واحدة منهما من مشخصات الاخرى اى من لوازم الوجود لهذا الفرد لا المشخص الاصطلاحى فان العرض لا يمكن ان يكون مشخصا لغرض آخر إلّا اذا كانا طوليين كالحركة والسرعة او البطؤ وكيف كان فبالأخرة يتعلق كل من الامر والنهى بكلتا الخصوصيتين وبعبارة واضحة لو قلنا بان متعلق الحلاوة ومتعلق النهى البياض لا الموجه بهما إلّا ان الحلاوة وإن كانت متغايرة مع البياض إلّا ان البياض حيث انه من مشخصات الحلاوة فالامر بالحلاوة امر بمشخصاتها التى منها البياض فالبياض يدخل تحت الامر وهكذا فى طرف النهى اى النهى لو تعلق بالبياض وفرض ان الحلاوة من مشخصاته فالحلاوة داخلة تحت المطلوب فيتعلق بها النهى فاجتمع كل من الامر والنهى فى الحلاوة والبياض لا محالة واما لو قلنا بتعلق الاحكام بالطبائع والمشخصات خارجة عن المطلوب فلا يمتنع الاجتماع إلّا اذا قلنا بان الموجه بالجهتين متعلق للتكليف دون الجهتين ان دخول المشخصات تحت الطلب وعدمه وإن كان خارجا عن البحث إلّا انه حيث لم نحققه فى باب تعلق الاحكام بالطبائع او الافراد فلا بأس بالاشارة اليه اجمالا فنقول لا شبهة ان كل فاعل ذي شعور ومريد مختار لا يتعلق غرضه غالبا الا بنفس الطبيعة ولا نظر له الا اليها من دون نظر الى خصوصياتها الخارجية والمشخصات الفردية ولو تعلق غرضه احيانا بخصوصية خاصة فهى مطلوب مستقل فى قبال اصل الطبيعة بل لا يمكن ارادة جميع الخصوصيات بنحو العموم لان لوازم الفردية غير محصورة وبنحو البدلية اى ارادة خصوصية واحدة بنحو الابهام كاحدى الخصوصيات لا يوجب تخصيص الطبيعة بخصوصية لان ضم الكلى الى الكلى لا يوجب تشخصه فكيف يعقل

تعلق الارادة بالخصوصيات فاذا كان هذا حال الفاعل فكيف يامر الامر بالخصوصية لان كل ما لا يمكن ان يتعلق ارادة الفاعلى لا يمكن ان يتعلق به ارادة الامرى نعم لو قيل بتعلق الارادة بها بنحو تعلق الامر التخييري بالخصال بمعنى ان للخصوصيات مدخلية فى الاغراض المتعلقة بالطبائع ولكن لدخل إحداها فى الملاك على سبيل التخيير لا إحداها معينا ولا جميعها كذلك فله وجه إلّا انه يلزم بناء عليه ان مثل الصلاة التى هى بالنسبة الى افرادها الطولية والعرضية تخير عقلى يكون تخيرا شرعيا بالنسبة الى خصوصية كل فرد وهذا مع انه لا دليل عليه يلزم جعل التخيير الشرعى بلا ملاك لان احدى الخصوصيات قهرا توجد مع الفرد فلا موجب للامر بها تخييرا وبالجملة لا يقاس اللوازم الفردية بمسألة المقدمة فانها تتبع ارادة ذى المقدمة مرادة حيث انها ملتفت اليها ومترشح ارادتها مع انه مع ارادته وهذا بخلاف اللوازم القهرية التى لا يشعر الفاعل بلزومها فضلا عن ارادتها مع انه مع الالتفات اليها لا يحتاج ارادة الفرد الى ارادتها تحققها بانفسها قهرا بخلاف المقدمة فانها لا تتحقق من ارادة ذيها قهرا بل فى مقام الايجاد مقدمة على وجود ذيها واين هذا من اللوازمات والمشخصات فتامل جيدا

(السابع) انه جعل (فى الكفاية) محل النزاع فى المسألة فيما كان مناط كل واحد من متعلقى الايجاب والتحريم موجودا مطلقا حتى فى مورد التصادق واما لو لم يكن فى مقام الثبوت إلّا مناط احد الحكمين فلا يكون من هذا الباب وذكر فى تحت هذا العنوان الذى هو ثامن الامور امورا ثلاثة (الاول) ما ذكرناه (الثانى) ان فى مقام الاثبات اذا احرز ان كلا المقتضيين غير موجودين فالروايتان الدالتان على الحكمين متعارضتان فيجب اعمال مرجحات باب التعارض وإلّا يجب اعمال مرجحات باب التزاحم إلّا اذا كان كل من الروايتين متكفلا للحكم الفعلى فيقع بينهما التعارض ايضا وهو ثالث

الامور (وبالجملة) فى مقام الثبوت النزاع فى المسألة مبنى على ثبوت المقتضى لكلا الحكمين وفى مقام الاثبات لو كان الخبران فى مقام بيان الحكم الاقتضائى فيجب اعمال مرجحات التزاحم ولو كانا فى مقام بيان الحكم الفعلى فيجب اعمال مرجحات باب التعارض.

(ولا يخفى ما فيه) اما فى الامر الاول فلانه لو كان مراده (قده) من ثبوت المناط فى كلا الحكمين يعنى انه يشترط فى مسئلة الاجتماع ان يكون العنوان الذى اخذ متعلقا لكل من الايجاب والتحريم باقيا على حاله وغير مقيد بالآخر لكان الامر كما ذكره (قده) لان مفروض النزاع انما هو على عدم تقييد الصلاة بإباحة المكان اى لم يؤخذ العضب مانعا او الاباحة شرطا كما اخذ غير المأكولية مانعا وكذا لم يقيد الغصب بالصلاة ولم يجعل حرمته فى غير مورد الصلاة ولكن ليس مراد من ثبوت المناط إلّا ثبوت المقتضى ولا يخفى ان مسئلة الاجتماع لا يبتنى على مذهب المشهور من العدلية بل يجرى النزاع على مذهب الاشاعرة وبعض العدلية المكتفى بالمصلحة فى نفس الحكم.

(ثم) لا يخفى ان فى مقام الثبوت جعل الحكم على طبق المقتضى المعبر عنه فى اصطلاحه (قده) بالحكم الانشائى تارة والقانونى اخرى فى مقابل الحكم الفعلى مما لا نتعقله اذ لا يمكن ان يكون موضوع الحكم فى عالم اللب مهملا لا سيما اذا كان الجاعل عالما بالعواقب فجعل الحرمة لكذب المهمل مع قطع النظر عن طرو الطوارى لا يعقل بالنسبة الى الحكم حتى ينشأ فى مقام الاثبات الحكم على هذا الموضوع المهمل بل فى عالم الثبوت الموضوع اما هو الكذب المطلق او المضر (وبالجملة) الحكم الاقتضائى لا يصح برأسه حتى يكون موضوعا للبحث فى المقام وعلى فرض امكانه فجعل هذا الحكم

مع انه فى مقام الفعلية يضيق موضوعه او يوسع لغو لا يمكن صدوره من الحكيم لامكان جعله على طبق ما يصير فعليا فليس الاقتضائى بهذا المعنى من مراتب الحكم اصلا وليس الحكم الانشائى على طبق المقتضى مقابلا للفعلى لان السالبة بانتفاء الموضوع تعم الانشائى بمعنى الشأنى المقابل للفعلى ولكن لا بهذا المعنى بل بنحو جعل الاحكام على طبق القضايا الحقيقية المقدرة بوجودات موضوعاتها كقوله عزّ اسمه مثلا البالغ العاقل يجب عليه الصلاة فان الحكم قبل البلوغ والعقل شأنى وفعليته بوجود شرطه وموضوعه ولكن فى عالم الثبوت الحكم مختص بالبالغ العاقل وفى عالم الانشاء ايضا انشاء للبالغ العاقل ولو استفيد قيد البلوغ والعقل من دليل آخر واما فى الامر الثانى والثالث فنحن استوفينا البحث فيهما فى باب التزاحم واجماله ان الفرق بين التعارض والتزاحم ليس بثبوت المقتضيين فى التزاحم وعدم ثبوتهما فى باب التعارض لان كل حكم كاشف عن ملاكه بل الفرق بينهما ان الحكمين اذا امتنعا فى نفس الامر جعلهما فهما متعارضان واذا امتنعا فى مقام الفعلية فهما متزاحمان (ثم) ان مرجحات الاقتضائى تكون مرجحا فى اصل الجعل لا فى باب التزاحم يعنى ان الطبيب اذا رأى فى الفلوس مصلحة للصدر ومفسدة للرأس فيجب ان يراعى فى مقام الجعل اقوى الملاكين واما تزاحم الحكمين فى مقام الفعلية مع تمامية الملاك لكليهما فترجيح احدهما ليس إلّا لاهميته مع تمامية ملاك المهم للجعل ولذا فى غير مورد التزاحم يجب الاتيان به (وبالجملة) فى مقام الاثبات ايضا لا يمكن ان يكون حكم متكفلا للاقتضاء وحكم آخر متكفلا للفعلية نعم قد يكون الخطاب فى غير مقام البيان اصلا وقد يكون فى مقام البيان بالنسبة الى بعض القيود دون الآخر لاتكاله على الادلة المنفصلة وقد يكون فى مقام بيان تمام القيود فيجب ذكر ما له دخل فى متعلق

غرضه او موضوعه فتدبر جيدا.

(الثامن) ان محل النزاع انما هو فيما لو كان بين نفس العنوانين الذين باحدهما تعلق الامر وبالآخر النهى عموم من وجه كالصلاة والغصب لا فيما لو كان بين متعلقى المتعلقين عموم من وجه فنحو اكرم العالم ولا تكرم الفاسق داخل فى باب التعارض وذلك لما عرفت ان محل النزاع صغروى لا كبروى اى النزاع راجع الى ان نفس الجهتين اللتين هما تقييديتان متعلقتان للامر والنهى او الموجه بهما الذى هو مجمع الجهتين اللتين هما بالنسبة اليه تعليليتان متعلق بهما فالنزاع راجع الى ان تركيب الجهتين اتحادى حتى يكون المقام من صغرويات باب التعارض حتى يمتنع الحكمان او انضمامى حتى يكون من باب التلازم وهذا لا يجرى فى مسئلة اكرم العالم ولا تكرم الفاسق لان متعلق الاكرام فى كلا الخطابين اخذ الذات فيه فالجهتان لا محالة تعليليتان لان العالم هو الفاسق فى المجمع والفاسق هو العالم فيه وليس متعلق الاكرام نفس العلم والفسق حتى يكونا تقييديتين

(التاسع) ان محل النزاع انما هو فيما كان بين العنوانين عموم من وجه دون العموم المطلق كان الامر عاما والنهى خاصا او بالعكس وذلك لان العام يشمل جميع الافراد والخاص هو العام مع خصوصية زائدة فاذا تعلق الامر بالحركة المطلقة والنهى بالتدانى الى موضع مخصوص فيجتمع الامر والنهى فى الحركة الى الموضع المخصوص وليست فى الحركة الخاصة جهتان حتى تدخل فى محل النزاع فلا بد من تخصيص الامر بغير مورد النهى واخراج الحركة الى الموضع المخصوص من عموم الامر كما يعامل كذلك فى عكس المسألة كما اذا قيل لا تكرم الفاسق واكرم زيدا (وبالجملة) ملاحظة تعارض العام والخاص المطلق وتخصيص العام بالخاص

كاشف عن ان محل النزاع يختص بالعامين من وجه فى نفس متعلقى الخطابين نعم قد يتوهم فى بعض الموارد ان بين نفس المتعلقين عموما من وجه مع انه خارج عن مسألة النزاع كما فى مثل لا تغصب وانفق الزوجة او الارقاب فان الانفاق بمال الغصب لا يجوز ولو قلنا بجواز الاجتماع فلا بد من تقييد زائد فى عنوان البحث اى فى مسئلة العموم من وجه بين المتعلقين حتى يخرج مسئلة لا تغصب وانفق من محل النزاع او يقال بان الانفاق مباين مع الغصب بالهوية لاعتبار كونه من مال المنفق ولكن الوجه الثانى يمكن المناقشة فيه بعدم اعتبار قيد كونه من مال المنفق فى حقيقة الانفاق مع ان المناقشة فى المثال لا يرفع الاشكال فان بين لا تغصب واشرب الماء مثلا عموما من وجه مع ان الظاهر انه لا يعامل هنا الا التعارض فنقول ان محل النزاع انما هو فيما كان بين نفس متعلق الامر والنهى عموم من وجه ولكن كان وجه المغايرة بين الجهتين اللتين باعتبارهما صار بين المتعلقين عموم من وجه ناشئا من نفس الفعل الصادر من المكلف اى كان الفعل الاختيارى الذى هو مجمع العنوانين موجها بجهتين بحيث يوجد ماهيتان مختلفتان بايجاد واحد واما لو وجد ماهية واحدة بايجاد المكلف فى الموضوع الواحد المعنون بعنوانين فهذا خارج عن محل النزاع وداخل فى باب التعارض وبعبارة اخرى كما ان مسئلة اكرم العالم ولا تكرم الفاسق خارج عن مورد النزاع لان نفس متعلق الامر والنهى واحد ولو اختلف متعلق المتعلق فكذلك لو اختلف نفس المتعلق ولكن لا فى الماهية بل اختلف من جهة تعلق المتعلق احدهما بموضوع خارجى كما فى اشرب الماء فلا تغصب او انفق المال ولا تغصب فان بين متعلق الامر وهو الشرب او الانفاق ومتعلق النهى وهو الغصب وان كان عموما من وجه إلّا ان المكلف فى مقام الايجاد يوجد ماهية واحدة فان شرب ماء الغير عين

الغصب وفى حيثية الاصدارية لا يوجد شرب ماء الغير الا بالغصبية وهذا بخلاف الحركة الصادرة من المكلف فى حال الصلاة فان فعل المكلف يوجه بجهتين متغايرتين بالذات كما انه لو امر بالشرب المطلق وينهى عن الغصب كذلك يدخل فى محل فان الفعل الصادر وهو الشرب موجه بجهتين متغايرتين من حيث ذات متعلق الامر والنهى فان متعلق الامر هو الشرب لا شرب الماء فاذا جمع المكلف العنوانين المتغايرتين بذاتهما فى مصداق واحد فاوجد الماهيتين بوجود واحد (وبالجملة) محل البحث يجب ان يكون موردا امكن دخوله فى تركيب الانضمامي حتى يصير من قبيل المتلازمين فيجوز ودخوله فى الاتحادى حتى يكون من قبيل المتعارضين فيمتنع فكما ان الشخص المتصف بالعلم عين المتصف بالفسق فكك شرب ماء الغير عين التصرف الغصبى والانفاق بمال كك ايضا.

(العاشر) انه ظهر مما قدمنا فى صدر البحث ان النزاع فى الجهة الاولى انما هو نزاع صغروى ومحل البحث انه نحو صل ولا تغصب هل من المتعارضين اى ان الجهتين تعليليتان او ليسا منهما بل الجهتين تقييديتان فلا تعارض بين الخطابين والنزاع فى الجهة الثانية من صغرويات التزاحم اى لو قلنا بالجواز وان الصلاة ملازم مع الغصب لا متحد معه فيقع النزاع فى ان هذا الفرد الملازم للغصب المتزاحم مع خطاب لا تغصب فى مقام الامتثال هل يكفى اعتبار المندوحة لصحة تعلق الامر بهذا الفرد او لا يكفى بعبارة اخرى لو بنينا فى الجهة الاولى بالجواز وقلنا ان الجهتين تقييديتان فهل الصلاة فى سعة الوقت فى الدار المغضوبة صحيحة لو امكنه الصلاة فى خارج الدار او لا لمزاحمته مع الغصب والمحقق الثانى ومن وافقه يقول بالصحة لان القدرة على الطبيعة تكفى لتعلق الامر بهذا الفرد الغير المقدور شرعا لان الانطباق قهرى والاجزاء عقلى والمشهور

يقولون يجب فى تعلق الامر بكل فرد دخول شخص هذا الفرد تحت القدرة والقدرة على الفرد الآخر الغير المتزاحم لا تكفى لتعلق الامر بالفرد المزاحم.

(وبالجملة) النزاع فى الجهة الاولى راجع الى ان اجتماع العنوانين فى مصداق هل يوجب دخول المجمع تحت اطلاق دليل كل واحد من العنوانين فيعارضان فيخصص اطلاق الامر بغير مورد النهى لان النهى شمولى والامر بدلى والشمولى اظهر فى المجمع او لا يوجب (كك) لان الجهتين تقييديتان والنزاع فى الجهة الثانية انه لو بنينا على الجواز لان الجهتين تقييديتان فهل يجوز ايضا مع ملازمته مع المحرم لوجود افراد آخر غير ملازمته للمحرم او لا يجوز وجود المندوحة كعدمها فيكون حال هذا الفرد المزاحم مع المندوحة كحاله مع عدمها كالمحبوس فى المكان الغصبى فى انه يجب ان يكون محكوما باحد الحكمين فيرجح فى مقامنا هذا جانب النهى والحرمة فى صورة العلم بالغصب لعدم البدل له بخلاف الوجوب فان له البدل ويرجح جانب الوجوب فى مورد الجهل لان تزاحم الحكمين اذا كان من جهة القدرة فيه علم المكلف بهما لانه لو علم بهما فيتزاحم الخطابان فى قدرة المكلف وكل منهما يجر قدرة المكلف الى نفسه ويشغله عما عداه بخلاف ما لو جهل باحدهما فان المجهول غير قابل للشاغلية من نفسه فضلا عن شاغلية عما عداه ومن هذا البيان ظهران الحكم بصحة الصلاة فى الدار المغصوبة مع الجهل بالغصب لا وجه له الا بعد البناء على الجواز من الجهة الاولى اى الجهتان تقييديتان وإلّا لو قلنا بالامتناع فلازمه التقييد الواقعى وخروج الجمع عن اطلاق الامر لانه من صغرويات النهى فى العبادة ولا فرق بين علم المكلف وجهله بين ان يكون هنا بدل عرضى او طولى او لم يكن له بدل كك فترجيح ما ليس البدل والحكم بالصحة فى مورد الجهل يناسب ان يكون النزاع فى الجهة الثانية

(وبالجملة) الفرق بين علم المكلف وجهله يصح فى باب تزاحم الحكمين فى خصوص القدرة لا فى تزاحمهما مطلقا ولو من غير جهة القدرة كتزاحم الزكاتين او الخمس والزكاة ولا فى تزاحم الملاكين فان فيه بين علم الجاهل وجهله فرق فى تأثير الملاك كان مكلف فى العالم او لم يكن كان عالما او جاهلا فتدبر فى اطراف ما ذكرنا ليظهر لك ما ذكره الاعلام كما فى التقرير والكفاية.

اذا عرفت ذلك فنقول الاقوال فى الجهة الاولى ثلاثة الامتناع مطلقا والجواز كذلك والجواز عقلا والامتناع عرفا اما التفصيل فلا وجه له اصلا لانه بعد تسليم القائل بالجواز عقلا اى ان الجهتين تقييديتان فلا وجه للامتناع عرفا لانه رجع كلامه الى ان العرف يعدون المجمع واحدا ففيه ان نظر العرف متبع فى المفاهيم لا فى تعين المصاديق ولو رجع الى ان العرف يفهمون من الخطاب كذلك اى المجمع خارج من اطلاق الامر ففيه مع تسليم اختلاف متعلق الامر مع متعلق النهى عقلا لا وجه لاخراجه من اطلاق الامر بلا قرينة الا عدهم اياه واحدا فيرجع الى تعين المصاديق بانظارهم فالعمدة ذكر ادلة القولين الآخرين وقد ذكر للجواز ادلة غير صحيحة لا باس بالاشارة اليها اجمالا وذكر ما فيهما منهما ما بنى عليه المحقق القمى قده من ان متعلق الاحكام هو الطبائع والطبيعتان مختلفتان والفرد الجامع مقدمة للطبيعة المأمور بها ومقدمة الواجب لبست واجبة فلم يجتمع الامر والنهى فى شيء واحد اصلا وفيه ما لا يخفى لان الفرد هو المامور به سواء قلنا بوجود الكلى الطبيعى او لم نقل اما بناء على وجوده لان الفرد عين الكلى واما بناء على عدم وجوده لان الامر المتعلق بالطبائع انما هو بلحاظ منشإ انتزاعها وليس منشأ انتزاعها إلّا الفرد وبالجملة المقدمة ما يتوقف عليه غيره فى الوجود الخارجى فلا بد لهما من وجودين متغايرين يترتب احدهما على الآخر واين هذا مما هو متحد مع الفرد او منتزع

منه بحيث يصح حمل كل منهما على الآخر ومنهما ما يظهر منه ايضا ومن غيره ان متعلق الامر طبيعة الصلاة ومتعلق النهى طبيعة الغصب وقد اوجدهما المكلف بسوء اختياره فى شخص واحد ولا يرد من ذلك قبح على الامر لتغاير متعلق المتضادين وفيه ان اصل الاشكال هو اجتماع الحكمين فيما يوجده المكلف لان الاوامر والنواهى لا يمتثلهما نفس المولى الآمر والناهى فاذا كان ما اوجده المكلف واحدا وكان الامر المطلق على الفرض متعلقا بهذا ايضا وكان النهى المطلق كذلك فيتعلق الامر بعين ما يتعلق به النهى وبالعكس.

ومنها ما يقال من ان الاحكام من قبيل الاعراض الذهنية فمتعلقها امر ذهنى كتعلق الكلية والنوعية بالانسان المعبر عنها بالمعقولات الثانوية التى ظرف اتصافها وعروضها فى الذهن والاعراض الذهنية متغايرات فى العامين من وجه وان كانت متحدات فى الاعم المطلق فان الخاص هو العام مع زيادة.

وبالجملة بين العامين من وجه تباين ، تباين فى الذهن والاجتماع والتصادق فيما هو الخارج عن متعلق الحكم وفيما يوجده المكلف وليس هو متعلق الحكم بل هو مسقط عنه ؛ وفيه ما لا يخفى فان متعلقات الاحكام ليست هو المفهوم المتصور والمدرك العقلانى المجرد سواء اريد منه بوصف وجوده فى الذهن الذى هو جزئى ذهنى او اريد منه المجرد من حيث وجوده فى الذهن المعبر عنه بالكلى العقلى الذى هو مجموع العارض والمعروض من الطبيعى والمنطقى لان المفاهيم يؤخذ فى متعلقات الاحكام بما هى حاكيات عن الخارجيات لا بما هى بانفسها فمتعلقات الاحكام هى الخارجيات.

(ومنها) ما ذكره بعض الاساطين من ان متعلق الحكم هو المفاهيم بلحاظ حكايتها عن الخارجيات قبل الوجود اى الماهية المعراة عن الوجود لان الآمر يأمر بما هو غير حاصل ففى ظرف الحكم لا اجتماع وفى ظرف السقوط ايضا

كذلك فاين اجتماع وبعبارة واضحة ماهية الانسان لها لحاظات متعددة لحاظ انها متصفة بالكلية ولحاظ وجودها فى الذهن ولحاظ وجودها فى الخارج وفى هذا اللحاظ ايضا لها لحاظان لحاظ حملها على افرادها ولحاظ نتيجة الحمل وفى لحاظ الحمل لا بد ان يتجرد عن المتحد معها لان حمل شيء على شيء لا بد ان يكون بينهما متغايرة فى الجملة فالانسان المحمول على زيد هو الانسان المجرد عن انه زيد فهو غير زيد والاحكام وإن كانت متعلقة بالماهيات بلحاظ حكايتها عن الخارجيات إلّا ان متعلقاتها هى الخارجيات لكن بلحاظ تجردها عنها.

(وفيه اولا) ان هذا التجريد انما هو فى طرف الموضوع لا فى المحمول اى يجرد الزيد عن هويته ويحمل عليه الانسان لا ان الطبائع تجرد عن هويتها فتحمل على الافراد

(وثانيا) ان متعلقات الاحكام ليست إلّا ما هو نتيجة الحمل كما سيجيء

(ومنها) ما ذكره استاذ استاذنا من ان متعلقات الاحكام وإن كانت الطبائع بلحاظ حكايتها عن الخارجيات إلّا انها متعلقات لها بوصف اللامتحصلية اى مع قطع النظر عن وجوداتها لانه يؤمر لتوجد ففى ظرف الحكم لا وجود لها حتى يجتمع مع ماهية اخرى التى بينهما عموم من وجه وبعد سقوطها بامتثال العبد ايضا لا اجتماع وفيه بعد ما ظهر ان متعلق الحكم نتيجة الحمل اى ارادة الامر تتعلق بما تتعلق به ارادة الفاعل وارادته تتعلق بما يصدر عنه بالارادة والامر الخارجى الصادر منه هو متعلق ارادته وهو بهذا المعنى نتيجة الحمل اى متعلقات الاحكام بعينها هى متعلقات الارادات الفاعلية وما هو متعلق ارادته فاعلا ما هو بالحمل الشائع الصناعى انه فعله فمتعلق ارادته انشاء كذلك.

(فنقول) ان كون متعلق الحكم هو الغير المتحصل ليس بمعنى كونه

مقيدا بعدم تحصله بل بمعنى فى حال عدم تحصله ولا ينافى ان يتعلق الامر بما هو غير حاصل وان يكون ما يحصل من العبد هو المامور به بل لا بد ان يكون كذلك لان ارادة العبد يجب ان تكون ناشئة من ارادة المولى ويجب ان يكون العبد منبعثا عن بعثه فلو لم يتعلق بعث المولى بما يوجده العبد فمن اين ينبعث العبد وبعبارة واضحة هو (قده) اسقط حال امتثال العبد واكتفى بمغايرة المتعلقين قبل امتثاله وبعده الذى هو ظرف السقوط فنقول حال الامتثال لا محالة يكون الخطاب موجودا لان الخطاب فى حال عصيانه وامتثاله موجود اى الحال الذى هو الحال فى باب المشتق يجب ان يكون الخطاب موجودا فالخطابان فى حال الاتيان بالمجمع موجودان ويكفى للامتناع اجتماعهما فى هذا الحال وان تفارقا قبل الامتثال وبعد السقوط وقد ذكر للامتناع وجوه احسنها ما فى الكفاية فانه (قده) بنى الامتناع على اربع مقدمات لو تمت لتم المدعى لكن الكلام فى تماميتها.

(اما المقدمة الاولى) فلا اشكال فيها لان الاحكام باسرها متضادة ولا يمكن اجتماع حكمين منها ولو بالاطلاق فى متعلق واحدة.

(واما المقدمة الثانية) فعدم كون متعلق الاحكام اسما لافعال المكلف ففى غاية الوضوح واما عدم كونه عناوين افعاله مطلقا فغير تام اما العناوين المتأصلة كعنوان الطبيعى كالانسان فليس إلّا هو المتعلق للتكليف لان عنوان الشىء عبارة عن حقيقة وهويته واما العناوين الانتزاعية المنتزعة عن ذوات الاشياء كالعلية والمعلولية او عن قيام عرض بمحل كعنوان التقدم والتاخر والقبلية والبعدية والاولية والآخرية التى لو لا انتزاعها لما كانت بحذائها شيئا فى الخارج وكانت خارج المحمول فيمكن ان تكون هى متعلقا بالأحكام لانها داخلة تحت قدرة المكلف لقدرته عن منشإ انتزاعها ولذا

يتعلق التكليف بالتقدم والتاخر وامثالهما وبالجملة الشاهد على هذا قولهم ان متعلق التكليف لو كان العنوان الانتزاعى لكان اجراء الاستصحاب فى منشإ انتزاعه بالنسبة اليه مثبتا.

(اما المقدمة الثالثة) وهى ان تعدد الوجه والعنوان لا يوجب تعدد المعنون فقد ذكرنا ما فيه فى الامر الثالث.

(واما الرابعة) فنقول ان الموجود الواحد بالعدد له ماهية واحدة عددية واما ان كل واحد بالعدد فهو واحد بالهوية فهو اول الكلام لامكان اجتماع ماهيتين متباينتين موجودتين فى وجود واحد عددى فيكون تركيبهما فيه انضماميا ويمكن ان يكون التركيب اتحاديا فاخذ محل النزاع هو المدعى لا يفيد فى اثبات الدعوى.

(والحق هو الجواز) وتنقيحه يتوقف على رسوم امور (الاول) ان العنوانين المجتمعين من حيث الايجاد والوجود فى مجمع واحد اللذين بينهما عموم من وجه من حيث الايجاد والاصدار لا من حيث الوقوع اذا كانا عرضين فاما يكونا من مقولة واحدة او من مقولتين فاذا كانا من مقولة واحدة فيجب ان يكون بينهما ترتب وطولية واذا كانا من مقولتين فيجب ان يكون احدهما من مقولة النسبية وتوضيح ذلك ان اهل المعقول قسموا الممكن الى جوهر وعرض وقسموا الاعراض الى تسع الكم والكيف والفعل والانفعال والاين والمتى والوضع والجدة وهو الملك والاضافة بالمعنى الاخص وجعلوا منها ما لا يتوقف تعقله وتصوره على امر آخر كالكم والكيف ومنها ما يتوقف تعقلها على تعقل ماهية اخرى وعبروا عن القسم الاول بالاعراض الغير النسبية وعن الثانى بالاعراض النسبية.

ثم ان الماهية التى يتوقف تصور العرض النسبى الى تصورها اعم من ان

تكون جوهرا او عرضا مثلا كون الشيء فى المكان او الزمان اعم من ان يكون جوهرا ككون زيد فى مكان او زمان او عرضا ككون فعله بمعناه الاخص فى الزمان او المكان.

ثم انه كما لا يتحد الجوهر مع الزمان والمكان فكذلك الفعل كما سنحققه (إن شاء الله تعالى).

ثم انه لا تنافى بين ما قيل انه يعتبر ان يكون متعلق التكليف فعلا اختياريا وبين ما قلنا من انه يصدر عن المكلف كل مقولة لان الفعل الذى اعتبر فى متعلق هو الفعل بمعنى الاعم اى يجب ان يكون الصادر من المكلف ما يمكن ان يتعلق به ارادته وبالجملة وان امكن اجتماع كل مقولة من المقولات فى عرض واحد فى الموجودات الخارجية اذا كان عروض كل واحد بجهة غير جهة عروض آخر كاجتماع البياض والحلاوة والعدد فى القند ولكن فما يصدر عن المكلف لو كان عرضين من مقولة واحدة فيجب ان يكون بينهما ترتب مثلا الضرب الواحد فعل من الضارب بعنوانه الاولى ويترتب عليه فعل آخر بالتوليد وهو اضراره الغير واذا كان من مقولتين فيجتمعان عرضا ولكنه يكون إحداهما ولا محالة من النسبية مثلا جلوسه فى مكان ينتزع عنه الاين من نفس هذا الفعل فاجتمع الفعل والاين عرضا لا طولا إلّا انهما كليهما نسبى بل لو لم نقل بان الفعل نسبى إلّا ان الاين من المقولات النسبية واما اجتماع عرضين عرضا فى ايجاد واحد فلا يعقل ظاهرا إلّا ان كون الايجاد الواحد بالعدد ولو كان مركبا انضماميا فعلين كل فعل فى عرض الآخر يتوقف على ان يكون لكل فعل حد عدمى حتى يمتاز عن الآخر وإلّا فمن اين ينتزع عنه فعلان (وبالجملة) تشخص كل عرض عن عرض انما هو بتشخص معروضه فكما لا يمكن انتزاع عرضين من اى مقولة كانا من معروض واحد من جهة واحدة

فكذلك لا يمكن انتزاع عرضين من مقولة واحدة عرضا لا رتبة من ايجاد واحد وان كان انضماميا.

(الثانى) ان ميزان كون التركيب انضماميا لا اتحاديا ان يكون مجمع العنوانين اللذين بينهما عموم من وجه فى مادة الاجتماع بعينه هو الذى فى مادة الافتراق بلا نقصان وشذوذ فان الصلاة المجتمع مع الغضب بهويتها هى الصلاة فى غير مورد الغصب وهكذا الغصب فى حال الصلاة هو الغضب فى غير حال الصلاة اى لو قطع بينهما وفصل كل عن الآخر لا ينقص عن هوية ذاته وهذا بخلاف الاتحادى فان مجمع العنوانين غيره فى مادة الافتراق فان الذى اجتمع فيه وصفان الفسق والعلم غير الذى هو فاسق غير عالم وهكذا هو غير عالم غير فاسق.

وبالجملة لا يكون واحد متصفا بوصفين الا كونه بشخصه هو الموصوف بصفتين واما غيره فمتصف بصفة واحدة واما فى الانضمامي المتصف بوصفين مع المتصف بصفة واحدة واحد بالحقيقة فلو فصل بين المجمع فى الاتحادى وقطع فلا يبقى إلّا العلم والفسق وينعدم الموضوع ويتبدل بموضوع آخر يتصف بالفسق وحدة وهكذا الموضوع ثان يتصف بالعلم وحده.

(الثالث) ان عناوين الافعال قد يلاحظ بشرط لا عما يتحد به وهذا معنى مبدإ الاشتقاق وقد يلاحظ لا بشرط وهذا معنى المشتق ونظيرهما فى الجوامد التى هى بمنزلة المشتقات الهيولى والصورة والجنس والفصل.

ثم ان هذين اللحاظين غير الاصطلاح فى لحاظ المطلق بالنسبة الى قيوده فان الماهية اللابشرط فى تلك بمعنى نفس الرقبة وبشرط شىء اى بقيد الايمان وبشرط لا اى بقيد عدمى كالكفر كما بشرط لا اصطلاح آخر اى بشرط تجرده عن كل ما فى الخارج وهو الكلى العقلى.

ثم ان عنوان الفعل الذى هو عنوان بشرط لا انما هكذا بالنسبة الى معروضه والمحل الذى هو قائم به مثلا العلم قد يلاحظ مبدأ اشتقاقيا اى بشرط لا عما يعرض عليه الذى هو مقولة من المقولات وقد يلاحظ مشتقا ولا بشرط الذى هو عنوان معروضه الذى وجوده لنفسه عين وجوده فى موضوعه واما بالنسبة الى عنوان آخر فهذان اللحاظان اجنبيا عنه.

ثم ان متعلق التكاليف دائما هو الفعل الاختيارى الصادر عن المكلف الذى يكون المكلف جاعله وموجده وهو بهذا المعنى مبدأ الاشتقاق ومتعلق التكليف هو هذا المعنى الذى هو بشرط لا.

(الرابع) ان العناوين المنتزعة عن افعال المكلف تارة مترتبة على فعله بدون تخلل فاء كالكسر المترتب عليه الانكسار واخرى من قبيل المسببات التوليدية وثالثة من قبيل العلل والمعلولات الخارجية اى المستلزمات والمسببات التوليدية التى هى عناوين افعاله داخلة فى محل النزاع كما اذا كان المحل الذى يصب ماء الوضوء فيه غصبا فان الفعل الوضوئى يعنون بعنوان انه تصرف فى المكان الغصبى واما سلسلة المستلزمات كما اذا كان محل الوضوء مباحا ولكن جرى الماء من هذا المحل الى الميزاب ثم الى دار الجار فهذا الفعل لا يعنون بعنوان انه تصرف فى الدار وإن كان مستلزما له فهذا القسم خارج عن محل النزاع وبعبارة اخرى العنوانان اللذان بينهما عموم من وجه تارة كل منهما اولى من مقولتين واخرى احدهما عنوان اولى والآخر ثانوى ثم الثانوى تارة انتزاعى واخرى مسبب توليدى والانتزاعى تارة ينتزع من ذات الشيء واخرى من قيام عرض بمعروض والتوليدى تارة من قبيل الاحراق المترتب على الالقاء واخرى من قبيل الاستلزام وسيجيء إن شاء الله تعالى فى كل منها على حدة

(الخامس) ان اصول الاكوان الاربعة وهى الحركة والسكون والاجتماع والافتراق اى لو لوحظ الشيء بالنسبة الى نفسه فاما متحرك او ساكن ولو لوحظ بالقياس الى غيره فاما مجتمع معه او مفترق عنه وهذه الاصول الاربعة بالنسبة الى عناوين الافعال ليست كنسبة الجنس الى الفصل اى ليس ما بازاء الحركة فى الاكل مثلا غير ما بازاء نفس الحركة وبعبارة واضحة بين الاكل والشرب جنس قريب وهو ادخال الشيء فى الجوف وجنس بعيد وهو الحركة لان كل منها حركة صادرة من الاكل والشارب فهما فعل او وضع والفعل بمعنى الاخص الذى هو عبارة عن تأثير الفاعل ما دام مؤثرا او الوضع الذى هو هيئة يحصل للجسم من نسبة بعض اجزائه الى الآخر من الاعراض والاعراض بسائط ليس لها جنس وفصل بل ما به امتيازها عين ما به اشتراكها فكل فرد من مقولة واحدة وان امتيازت عن الفرد الآخر من هذه المقولة إلّا ان ما به امتيازه عين ما به اشتراكه بل قيل ان ما به امتياز كل مقولة عن الاخرى ما به الاشتراك مثلا السواد الشديد مع اصل السواد الذى هو اعم منه ومع اللون الذى هو اعم منهما ومع الكيف الذى هو اعم منهما مع العرض الذى هو اعم من الجميع وان امتازت كل واحد عن الآخر فيشار الى كل واحد بالاشارة الحسية إلّا ان ما به الامتياز هو جهة العرضية التى هى عين ما به الاشتراك فليس ما بازاء العرض شىء وما بازاء الكيف شيء آخر وما بازاء اللون وهكذا الى المرتبة الشدة شيء آخر ولكنه لا يخفى انه لو سلمنا ان ما به الاشتراك فى كل فرد من مقولة عين ما به الامتياز كما قال به شيخ الاشراقى فى المقادير ونحوها كما فى المنظومة بالنقص والكمال فى الماهية يجوز عند الاشراقية ولم نقل ان التفاوت بين المراتب والافراد بقوة الوجود إلّا ان ما به الامتياز فى كل مقولة من المقولات التسع غير ما به الاشتراك فى الآخر قطعا لان كل مقولة غير الاخرى حقيقة

والعرض ليس جنسا فى الجميع فانه مفهوم انتزاعى منتزع من الجميع من حيث عروضها على الموضوع كمفهوم شيء وكيف لا يكون كك مع عدهم كل مقولة جنسا عاليا نعم الخطب بين فى خصوص الحركة فانها ليست مقولة على حدة بل انما هى تجدد كل مقولة فهى فى كل مقولة تابعة لها وليست نسبة الحركة الى المقولات كمراتب الاجناس فى الجواهر فان ما بازاء الجوهر شيء وما بازاء الجسم شيء آخر وما بازاء النامى والحيوان والناطق شيء على حده.

(وبالجملة) هذا معنى قولهم فى التعاريف ان هذا بمنزلة الجنس لان البسيط ليس له جنس فعلى هذا اذا اجتمع عنوانان كالصلاة والغضب واتصفا كل منها بانه حركة إلّا انه لا يمتاز كل واحد عن الحركة فالصلاة حركة والحركة صلاة والغصب حركة والحركة غصب وليس ما بازاء الصلاة شيء وما بازاء الحركة شيء آخر وهكذا اذا عرفت هذا فنقول بعد ما ظهر ان محل النزاع هو اجتماع العنوانين الذين بينهما العموم من وجه من جهة الصدور لا من جهة المصداق كالعالم الفاسق ولا من جهة الوقوع كشرب الماء المغصوب وبعد ما ظهر ان تمام الملاك فى تركيب الانضمامي بقاء تمام هوية الشيء فى حال افتراقه عن الآخر وعدم الفرق بين الاجتماع والافتراق الا الافتراق بالضمائم الخارجية وبعد ما ظهر فى محله ان الضمائم الخارجية والمشخصات الفردية خارجة عن متعلقات التكاليف بل التكاليف متعلقة بنفس الطبائع وبعد ما ظهران متعلق التكليف هو مبدأ الاشتقاق لا عنوان المشتق ومبدأ الاشتقاق دائما مباين مع مبدإ اشتقاق آخر وبعد ما ظهر عدم امكان اجتماع مصداقين من مقولة واحدة عرضا فى ايجاد واحد ظهر ان مثل الصلاة والغصب والوضوء واستعمال آنية الذهب والفضة الذين بينهما عموم من وجه وكل واحد من

مقولة غير مقولة الآخر.

اذا تعلق باحدهما الامر وبالآخر النهى واوجدهما المكلف بسوء الاختيار بايجاد واحد لا يسرى الامر الى ما تعلق به النهى ولا النهى الى ما تعلق به الامر بل التركيب بينهما انضمامى ومتعلق الامر ماهية ومتعلق النهى ماهية اخرى مباينة مع ماهية التى هى متعلق الامر وذلك واضح لو تامل المتأمل فى افتراق الصلاة عن الغصب فان المصلى فى دار المغصوبة يوجد جميع ما هو مصداق الصلاة فى غير دار المغصوبة والغاصب فى حال الصلاة ينصرف فى المكان ويصدر عنه الغصب بتمام هويته فى غير حال الصلاة وغير الضمائم الفردية لا يشذ مورد الاجتماع عن مورد الافتراق فلا بد ان يكون متعلق الامر شيئا يكون هو المأمور به فى جميع الحالات ومتعلق النهى شيئا يكون هو المنهى فى جميعها.

وتوضيح ذلك ان الركوع الذى هو حركة خاصة ونفوس حاصل من المكلف الذى هو اما فعل منه بمعناه الاخص او وضع له حقيقة غير حقيقة الغصب لانه بهذه الحقيقة وبتمام هويته موجود فى غير مورد الغصب فيجب ان يكون ما به يصدق الركوع غير ما به يصدق الغصب فالغصب لا بد ان يكون له معنى وحقيقة تكون موجودة فى جميع افراده وليس إلا شاغلية المكان فى باب المكان والاضافة التى تنسب تارة الى الافعال واخرى الى الموجودات ومعلوم ان الاضافة وذو الاضافة متغايران فتارة المضاف اليه شخص زيد واخرى فعله او وضعه وكما لا يتحد الشخص مع الغصب فكذلك فعله.

(فعلى هذا) ليس اجتماع الصلاة والغصب كاجتماع الفسق والعلم فى زيد الذى هو المجمع العنوانين بحيث يكون مصداق واحد مجمعا لعنوانين وهما الفاسق والعالم وكانت الجهة تعليلية بل ليس هنا مصداق واحد يكون معنونا

بالصلاتيّة والغصبية بل تمام ماهية الصلاة نفس الافعال وتمام ماهية الغصب نفس الشاغلية ومتعلق الامر هو المضاف ومتعلق النهى هو المضاف اليه وهكذا حال الوضوء واستعمال آنية الذهب والفضة الذى هو من متعلقات افعال المكلف وملابساتها فان الوضوء من الآنية كاكل منها وكما ان الاكل لا يسرى اليه النهى ولا يصير محرما فكذلك الوضوء.

(وبالجملة) وان تشخص كل ماهية بماهية اخرى واتحد فى الايجاد إلّا ان كل واحد بما هو وبشرط لا متعلق للامر او النهى وهذا لا فرق بين ان يكون المضاف اليه الذى تعلق به النهى من قبيل ظرف اللغو كما استعمل آنية الذهب والفضة الذى هو دائما من ملابسات فعل المكلف وبين ان يكون من قبيل ظرف المستقر الذى يمكن اضافة الجوهر والعرض اليه كالزمان والمكان تقول زيد فى الدار او ضرب فى الدار وكما لا يتحد الجوهر المضاف مع المضاف اليه فكك العرض المضاف.

(نعم) لو امكن اتحاد شيئين متباينين امتنع التكليفان والمقدم محال هذا اذا كان العنوان المجتمعان عنوانا اوليا واما اذا كان احدهما عنوانا اوليا والآخر ثانويا وتعلق باحدهما الامر وبالآخر النهى فقد يتوهم هنا استحالة التكليفين فيكونان من باب التعارض لا محالة سواء كان العنوان الثانوى انتزاعيا كالقدم المنتزع عن المشى الخاص او توليديا كالاحراق المتولد من الالقاء وذلك اما فى باب الانتزاعيات فلان تعلق النهى بالمنتزع والامر بمنشإ الانتزاع مع لا وجود للمنتزع الا وجود منشإ انتزاعه معناه تعلق الامر والنهى فى الواحد بالهوية واما فى التوليديات فلان الامر بالمسبب امر بالسبب والامر بالسبب امر بالمسبب لان السبب مأمور به بعنوان مسببه لا بما هو ذاته.

(وبالجملة) يستحيل ان يكون الالقاء فى النار محرما او واجبا والاحراق واجبا او حراما وفيه ان الامر وإن كان فى بادئ النظر كك ولكن بعد التامل فى عنوان البحث يظهر عدم الفرق بين العنوانين الاولين او بين الاولى والثانوى لان مفروض البحث ان العنوانين بينهما عموم من وجه ومعناه امكان التفكيك بينهما نعم لو لم يمكن التفكيك كما فى المنتزع عن مقام الذات كالعلية مثلا المنتزعة من ذات العلة فهذا يستحيل ان يتعلق الامر بايجاد العلة والنهى بعليته وهذا لا يمكن مع فرض العام من وجه بين العنوانين.

(وبالجملة) كل مقام كان بين العنوانين عموم من وجه من الايجاد فلا محالة متعلق الامر شيء ومتعلق النهى شيء آخر لان متعلق التكليف هو مبدأ الاشتقاق الصادر من المامور وكل من المبادى الاشتقاقية بينهما التباين وليس هنا جامع فى البين يكون هو متعلق التكليف وكان العنوانان تعليليتين.

(وغاية) ما يقال فى المقام ان هنا حركة واحدة متصف بالصلاة تارة وبالغصب اخرى فالمأمور به والمنهى عنه واحد ولكن بعد التأمل فى الامر الخامس ظهر فساد هذا التوهم لان الحركة ليست من قبيل الجنس لعناوين الافعال بل كل فعل كما انه مصداق للاكل فكذلك مصداق للحركة وليس ما بازاء الحركة غير ما بازاء الاكل فلو فرضنا امكان اجتماع عنوانين من مقولة واحدة عرضا فى فعل خاص وهو الحركة كاجتماع النوم والشرب مثلا بحيث ان كلا من النوم والشرب ماهيتان فلا محالة الحركة الحاصلة فى كل منهما حركتان وإلّا يلزم ان يتقوم جنس بفصلين لان المفروض ان الحركة المتقومة بالاكل ليس ما بازائها غير الاكل شيء والحركة المتقومة بالشرب ليس ما بازائها غير الشرب شيء آخر فليس هنا واحد خارجى غير هذين العنوانين يكون هو مجمع التكليفين حتى يكون العنوانان تعليليتين بل لو كان فى كل من

العنوانين حركة إلّا انها مندكة فيهما فاذا فرضنا اجتماع العنوانين من الاكل والشرب او الشرب والنوم محالا مع فرض العموم من وجه فمعناه اجتماع عنوانين اللذين يتقوم كل منهما بالحركة او يتقوم الحركة بكل منهما ففى الواقع يكون فى المجمع حركتين وان لم يظهر فى الخارج الا حركة واحدة عددية فلو سلم لمتوهم امكان الاثنينية فى العنوانين فلا بد ان يلتزم باثنينية الحركة المتقومة بهما.

(ثم) ان هذا كله فى الجهة الاولى واما الكلام فى الجهة الثانية فالحق عدم كفاية المندوحة وخروج الفرد المزاحم مع المحرم الذى لا بدل عنه عن اطلاق الامر ونحن بينا توضيح هذا فى باب التزاحم فالحق هو الامتناع من الجهة الثانية لان المتحد مع المحرم بحسب الايجاد لا يمكن ان يتعلق به الامر لخروجه عن قدرة المكلف من جهة تزاحمه مع الحرام.

(وبالجملة) فكما انه فى غير مورد المندوحة كالمحبوس فى المكان المغصوب لا يمكن ان يتوجه اليه الامر بالصلاة والنهى عن الغصب فلا محالة يسقط عنه خطاب المهم ويبقى الاهم فكذا فى صورة المندوحة لان القدرة على اصل الطبيعة لا تكفى لتعلق الامر بالفرد الغير المقدور شرعا فالقول بان الانطباق قهرى والاجزاء عقلى لا محصل له

(ثم انه ينبغى التنبيه على امور) الاول قد اشرنا فى الامر العاشر انه بناء على الامتناع يصير مسئلة الاجتماع من قبيل النهى فى العبادة وبناء على الجواز من صغرويات باب التراحم فيصح الصلاة بناء على الجواز فى مورد الجهل انما الاشكال انه بناء عليه يلزم الصحة حتى فى مورد العلم بالغصبية لان الامر المتعلق بالطبيعة وان لم يشمل هذا الفرد لابتلاء المزاحم الا يمكن توجه الامر اليه بنحو الترتب كما فى تزاحم الضدين بل يصح ولو قلنا ببطلان الترتب

بالملاك فان قصد الجهة يكفى ولكنه لا يخفى اندفاع الاشكال برأسه وفساد الصلاة فى مورد العلم كما هو كك بناء على الامتناع اما الترتب فلامتناعه فى المقام فانه يصح فى ثلاثة اقسام من التزاحم.

(الاول) فيما كان التزاحم بين الفعلين فى وقت واحد كالغرقين.

(الثانى) ان يكون لعجز المكلف عن امتثال تكليفين ولو فى زمانين كالعاجز عن القيام فى ركعتين ثم ان هذا القسم انما يصح الخطاب بنحو الترتب لو لم يتوقف الخطاب كك على وجود الملاك.

واما بناء على ما حققناه فى باب الترتب بان الخطاب الترتبى لا يصح إلّا فيما وجد الملاك ففى هذا القسم لا يفيد امكان الخطاب وفى هذا القسم ليس للمترتب ولا المترتب عليه ملاكه لانه اذا كان تكليف العاجز القيام فى الركعة الاولى مثلا لانه اسبق زمانا مع عدم اهمية القيام فى الركعة الثانية والقيام للثانية والجلوس للاولى كل منهما بلا ملاك لانه تكليف القيامى فى الركعة الثانية بالجلوس وفى الركعة الاولى بتكليفه القيام فاذا عكس الامر يفسد صلاته بل لو لم نقل بتبدل تكليفه فى الركعة الثانية بالجلوس لانه لم يقم فى الاولى حتى يعجز عن القيام فى الثانية إلّا انه لو جلس فى الاولى فصلاته فاسدة فينحصر الخطاب الترتبى بالقسم الاول.

(الثالث) وهو ان يكون من باب توقف الواجب على المقدمة المحرمة واما فى القسمين الآخرين كتزاحم المتلازمين الاتفاقى كاستقبال القبلة واستقبال الجدى للعراقى او تزاحم المتحدين فى الوجود والايجاد كمسألة الاجتماع فخطاب الترتبى مستلزم لطلب الشيء على فرض حصوله لانه لو قيل لا تغصب وان غصبت فصل يصير فى قوة ان يقال ان صليت فصل لان عصيان الغصب متحد ايجاد الصلاة وهكذا فى المتلازمين واما التصحيح بالملاك

فالحق وإن كان صحة العبادة بقصد الجهة سواء كان الامر باقيا كالصلاة فى دار المباح او كان ساقطا كما فى مورد الابتلاء بالازالة إلّا ان قصد الجهة كاف فيما لو لم يطرأ على الفعل جهة قبح الفاعلى اى الفعل وهو اصل الصلاة وان كانت ذات ملاك لا يقبح من المصلى ايجاد هذا الفرد المتحد مع الحرام هذا على الجواز.

واما بناء على الامتناع فلازمه الفساد مطلقا لان لازم هذا القول معاملة التعارض بين الخطابين وتقديم النهى لانه شمولى على الامر لانه بدلى كما اوضحنا وجهه فى باب التزاحم ولازم تقديم النهى خروج مورد الاجتماع عن اطلاق الامر واقعا لانه يصير من قبيل لا تصل فى الدار المغضوبة ومن صغرويات النهى فى العبادة الموجب لفساد العبادة علم بالغصب او جهل وما فى الكفاية من تصححها بالملاك فى مورد الجهل لا يستقيم اصلا لان الفرد اذا صار ملاكه فى نظر الامر مغلوبا ورجح الامر جهة النهى فى مورد الاجتماع واخرجه عن اطلاق الامر المتعلق بالطبيعة لا يفسد قصد هذا الملاك اصلا فى جهة العبادية والملاك الذى نقول بكفاية قصده بل ارجحية قصده فى العبودية من قصد الامر هو الملاك التام فى نظر الامر المغلوب لعجز المكلف عن امتثاله لابتلائه بالمزاحم الذى لا يدل له.

(وبالجملة) لو قلنا بان نفس الخطابين فى نفس الامر مما لا يمكن اجتماعهما فالصلاة يصير منهيا عنها واقعا وكونه ذا ملاك وذا اقتضاء للامر لو لا مراعات ملاك النهى لا يفسد فى هذا الملاك للعبادية.

(الثانى) استدل للجواز بالعبادات المكروهة وفيه ان العبادات المكروهة من افراد النهى عن العبادة لا من مسئلة الاجتماع لان مسئلة الاجتماع انما هو فيما كان بين العنوانين عموم من وجه وليس العبادات المكروهة كذلك

لانه لم يتعلق النهى بعنوان انه لا تكن فى بيوت الظالمين او النيران او السبع والكنائس والامر بالصلاة بل النهى تعلق بالصلاة فى موضوع التهمة او بيت النيران فبين العنوانين عموم مطلق فيلزم الاشكال على القولين فنقول العبادات المكروهة على قسمين قسم لها بدل كالصلاة فى الحمام وقسم لا بدل لها كصوم يوم العاشوراء والنوافل المبتدئة فى الاوقات الخاصة.

(اما القسم الاول) فعلى القول بان النهى التنزيهى كالتحريمى لا يجتمع مع العبادية إلّا ان وجد مضادية النهى مع العبادة ليس الامتناع بحكمين فى متعلق واحد والنهى قد يدل بالمطابقة على خروج الفرد المشتمل على المنهى عنه عن اطلاق الامر كما اذا دل النهى على قيدية شىء للعبادة ومانعيته كالنهى عن لبس غير المأكول وقد يدل بالالتزام كما اذا دل النهى على الحرمة كلبس الحرير فى الصلاة ومن جهة المضادة بينها وبين الترخيص يخرج الفرد المشتمل على الحرير عن اطلاق الامر لان الموضوع الواحد والمتعلق الشخصى لا يمكن ان يكون مرخصا فيه ومحرما وعلى اى حال النهى التنزيهى لا مضادة بينه وبين الترخيص لا لامكان الاجتماع الاباحة مع الكراهة فان الاحكام متضادة باسرها بل لان الفرد فى ما له البدل ليس مأمورا به شرعا بل العقل من باب انطباق الطبيعة عليه وكونه من احد مصاديق ما امر بصرف وجوده جعله من افراد ما يمتثل به الواجب فلا تنافى بين كونه مرخصا فيه ومكروها لان الكراهة لا تجتمع مع الاباحة الشرعية التى هى الاباحة بالمعنى الاخص لا الاباحة الوضعية وبعبارة واضحة كراهة فرد ليست إلّا كاستحبابه فكما ان استحباب فرد كالصلاة فى المسجد ليس إلّا بمعنى اخراج هذا الفرد من التسوية فلذلك كراهته وهذا لا ينافى بين كونه احد افراد الواجب عقلا.

(وبالجملة) الامر بالفرد مع النهى عنه ولو كان تنزيهيا مما لا يجتمعان

لا الامر بصرف الوجود من الطبيعة والنهى عن فرد فحاله كالامر بالطبيعة واستحباب فرد منه وهذا لا ينافى ما تقدم منا من ان متعلق التكليف نتيجة الحمل اى الفرد المتحد مع الطبيعى وذلك لان الفرد له جهتان جهة اتحاده مع الطبيعى وجهه تخصيصه باللوازم الشخصية الخارجية عن كونها متعلقة للطلب فاذا امر بالطبيعى الحاصل فى الفرد اى اذا كان المطلوب نفس الطبيعة من دون خصوصيات الافراد فالنهى التنزيهى لو تعلق بالخصوصيات فلا يجتمع متعلق الامر والنهى.

(واما القسم الثانى) فقيل فى الجواب عنه ان النهى ليس لحزازة ومنقصة فى الفعل حتى لا يمكن اجتماعها مع الرجحان بل لما فى تركه من المصلحة والرجحان اما لاجل انطباق عنوان ذى مصلحة على تركه فيكون الترك كالفعل ذا مصلحة واما لاجل ملازمة الترك لعنوان ذى مصلحة واما لترتب مصلحة على الترك لكونه علة لها.

(وبالجملة) الترك كالفعل راجح فهما من قبيل المستحبين المتزاحمين وكون الترك اهم كما يظهر من مداومة الائمة (عليهم‌السلام) عليه لا يوجب سقوط الامر من المهم لان سقوط الخطاب من المهم فى الواجبين انما هو لتعجيز المولى عبده لامره بالاهم واما المستحب فحيث انه مرخوص الترك فالامر بهما وطلب الجمع لا يستلزم الامر بالعاجز ولذا لا يسقط امر اضعف المستحبات بمزاحمته مع اهم المستحبات فان زيارة الحسين (عليه‌السلام) من اهمها مع انه لو تزاحم مع اضعف المستحبات لا يسقط امر الضعيف بحيث يؤتى به لملاكه بل يصح بالضرورة قصد امره.

(وفيه اولا) ان هذا خلاف ظواهر الادلة فان ظاهرها ان نفس الفعل مكروه وعلل كراهته بملازمة الفعل مع عنوان غير مرجوح كتشبه الصائم

فى العاشوراء ببنى امية والمصلى فى اول طلوع الشمس بعبدة الشمس.

(وثانيا) ان كون الترك علة لترتب امر ذى مصلحة عليه ممنوع نعم العدم يمكن ان يكون شرطا لتأثير المقتضى بان يكون وجوده مانعا واما كونه مؤثرا فلا.

(وثالثا) ان تزاحم الحكمين انما يتصور فى العنوانين اللذين بينهما انفكاك واما العنوانان المتلازمان دائما كاستقبال القبلة واستدبار الجدى للعراقى فلا يمكن جعل حكمين مختلفين لهما فاذا ورد حكمان كذلك فلا محالة هما من المتعارضين وعلى هذا فبين الضدين اللذين لا ثالث لهما لا يمكن ان يقع التزاحم فضلا عن النقيضين اى كما لا يمكن ان يكون الحركة واجبة والسكون كذلك لاستلزام وجوب الحركة النهى عن السكون وكذا العكس فكذا لا يمكن ان يستحب فعل شيء وتركه لان استحباب فعله دائما عبارة عن الامر بترك تركه دائما واستحباب تركه عبارة عن الامر بترك فعله فبالأخرة يرجع الخطابان الى الامر بالفعل والنهى عنه وبعبارة واضحة التلازم الدائمى بين الفعل وعدم عدمه يمنع عن اجتماع الخطاب الامرى بالفعل والخطاب الامرى بالترك فاذا كان الفعل مامورا به فيجب ان يكون الترك منهيا عنه وكذلك اذا كان الترك مامورا به فيجب ان يكون الفعل منهيا عنه واوضحنا ذلك فى باب الترتب وقلنا بانه كما لا يمكن ان يرد خطا بان عرضا بالجهر والاخفات فى قراءة واحدة فكذلك ترتبا لان كلا منهما ملازم لترك الآخر وعصيان كل مستلزم لفرض وجود الآخر فالحق فى الجواب ان يقال بان متعلق النهى غير متعلق الامر وتوضيح ذلك انه لا شبهة فى مقام الثبوت ان الامر المتعلق بعنوان ثانوى على قسمين قسم يتعلق بعين ما يتعلق الامر به بعنوان اولى وقسم يتعلق بغيره.

(فالاول) كالنذر فانه اذا نذر صلاة الليل فكما ان الامر الاستحبابى متعلق بذات العبادة وقصد الامتثال خارج عن المأمور به فكذلك الامر النذرى فانه متعلق بذات العبادة بل لو نذر اتيان العبادى ايضا لا محالة يتعلق نذره بالذات ايضا فمع تعلق الامر الثانوى بعين ما تعلق به الامر الاولى يتحدان ويكتسب كل منهما من الآخر ما هو فاقد له ولذا يصير الامر الاستحبابى واجبا والامر النّذرى التوصلى عباديا وسره اتحاد الامرين لعدم امكان اجتماع المثلين فى متعلق واحد.

(والثانى) كالاجارة فان الامر الناشى منها يتعلق بغير ما تعلق به الامر العبادى فان الامر العبادى واجبا كان او مستحبا متعلق بذات العبادة والامر الاجارى متعلق بالعمل العبادى لا بذات العمل وبعبارة اخرى متعلق بتفريغ ذمة الميت الذى محصله هو الامر العبادى ولذا لا يكتسب الامر الاجارى العبادية ولا العبادى الوجوب لو لم يكن واجبا فالاجير لصلاة الليل عن الميت ينوى ما كان للميت وهو العمل المستحب فموضوع الامر الاجارى هو العمل العبادى لا ذات العمل بحيث لو اتى بالعمل من غير قصد القربة لما اوفى بالاجارة ولو اتى غير الاجير هذا العمل عن الميت تبرعا لبطل الاجارة لذهاب موضوعها هذا حال الامر.

(واما النهى) فثبوتا يمكن هذان القسمان فيه فاذا تعلق النهى بالعمل العبادى بما انه عبادة فلو كان تحريميا فيوجب خروج العبادة عن العبادية لان متعلقه وان كان غير متعلق الامر إلّا انهما لما كانا من حيث الايجاد واحد فيفسد من جهة عدم المقدورية بايجاده شرعا لان النهى التحريمى كالاضرار بالنفس لو فرض تعقله باتيان الوضوء مثلا قريبا فكل ما كان محصلا لعنوان الاضرار فهو حرام لان النهى تعلق بكل ما هو مصداق لهذا العنوان لان

معنى النهى الامر بسد باب الاضرار ولو كان تنزيهيا فلا يخرج المامور به عن المقدورية بعين ما ذكرنا فى القسم الاول لان الكراهة لما كانت مشتملة على الرخصة فى الفعل فلا يزاحم الوجوب او الاستحباب

(نعم) لو كانت الكراهة متعلقة بعين ما تعلق به الامر امتنع اجتماعها مع الامر واما لو كان متباينا من حيث الهوية وان كان متحدا من حيث الايجاد والوجود ولم يستلزم النهى عما تعلق النهى به سلب المقدورية عن المكلف لترخيصه الاتيان فلا محذور فى اجتماعها فى ايجاد واحد هذا بحسب الثبوت واما بحسب الاثبات فمسألتنا هذه تعلق النهى بغير ما تعلق به الامر وذلك لان صوم يوم العاشور مكروه بعنوانه العبادى ومستحب بذاته اما استحبابه كذلك فمتعلق الامر الاستحبابى كمتعلق الوجوبى واما كراهته بعنوانه الخاص لان التبرك به كما تبركت به كلاب الامة انما هو لتشكرهم بقتل سيدنا الحسين (عليه‌السلام) فهم أتوا به كذلك فبهذا العنوان مكروه لا ذات الامساك وهكذا حال النوافل المبتدئة فانها بعنوانها العبادى متعلقه للنهى لان اتيانها تشبه بعبدة الشمس فعلى هذا لا ينافى رجحان ذات العمل وكراهة العمل العبادى.

(الثالث) لو اضطر الى ارتكاب الغصب فتارة لا باختيار منه واخرى بسوء الاختيار فلو اضطر لا بسوء الاختيار فعلى القول بالامتناع وتقديم النهى يصير الصلاة مقيدا بعدم الغصب والاصل فى القيد اذا استفيد قيديته من الدليل الناظر اليه بالدلالة المطابقية هو القيدية المطلقة ومقتضاه سقوط المقيد بتعذر قيده واذا استفيد قيديته من الخطاب النفسى الدال على التحريم المستلزم للتقييد بالالتزام كما فى المقام هو اختصاص قيديته بحال التمكن دون الاضطرار ولكن فى خصوص الصلاة حيث ورد انها لا تسقط بحال فلا

فرق بينهما ولازم هذا الدليل الثانوى صحة الصلاة اذا اضطر الى لبس غير المأكول فيها فضلا عما اضطر فيها الى الغصب لا بسوء الاختيار.

(نعم) ذلك صحتها بمقدار الاضطرار وهو الكون واما التصرف الزائد عنه كالحركات الركوعية والسجودية فغير مضطر اليها فيبقى مانعية الغصب بالنسبة اليها على حالها واما بناء على الجواز فحيث ان الفساد للتزاحم انما هو مع المندوحة واما مع عدمها كالمقام فلا بد من بقاء اقوى الخطابين ملاكا لانه لا يمكن فى نفس الامر حكمين على موضوع واحد على الفرض واقواهما هو الامر فالصلاة صحيحة ولكنه بمقدار الاضطرار ايضا ولو اضطر بسوء الاختيار وانحصر التخلص عن الغصب بارتكابه كما اذا توسط ارضا مغصوبة واراد الترك والخروج عن الدار فهل هذا التصرف مأمور به ومنهيا عنه كما اختار المحقق القمى (قده) او يقع مأمورا به مع جريان حكم المعصية عليه كما اختاره صاحب الفصول (ره) او مامورا به من دون جريان حكم المعصية عليه اختاره استاد الاساتيد الشيخ (قده) او يجرى عليه حكم المعصية من دون الامر كما اختاره آية الله الخراسانى (قده) سلك كل واحد منهم الى مسلك ووجه كل ما اختار على وجه من هذه الوجوه فمختار المحقق بعد قوله بجواز الاجتماع فى اصل المسألة هو ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا وخطابا وبعبارته ان التكليف بما لا يطاق لا دليل على استحالته ان كان الموجب هو سوء اختيار المكلف وفيه ان التكليف بالعاجز قبيح مطلقا لان الغرض منه انبعاث العبد اليه ومع امتناع بعثه لا يعقل صدوره من الحكيم وهو فى آخر البحث يصرح بما ذكرنا ويجعل التكليف التحريمى تكليفا ابتلائيا وتبينها على استحقاق العقاب وهذا وان اوجه من صدر كلامه إلّا ان هذا فى الحقيقة ليس تكليفا واستحقاق العقاب لا يدور مدار الخطاب الفعلى

حتى يجعل التكليف وسيلة للعقاب وفى الحقيقة كلامه راجع الى كلام الفصول لو كان مراده من الامر هو الامر المولوى ولو كان مراده الامر الارشادى فراجع الى ما اختاره آية الله ومختار الفصول مبنى على ما تخيله من امكان تعلق الامر والنهى بفعل واحد اذا كان الامر والنهى مختلفا فالخروج منهى عنه قبل الدخول لان المكلف يتمكن قبل الدخول من ترك المعصية بجميع انحائه دخولا وخروجا فترك الجميع مراد منه قبل دخوله فاذا دخل فيه ارتفع تمكنه من تركه بجميع انحائه مقدار ما يتوقف التخلص عليه وهو مقدار خروجه فيمتنع بقاء ارادة تركه كذلك وقضية ذلك ان لا يكون بعض انحاء تركه (ح) مطلوبا فيصح ان يتصف بالوجوب.

ونظير ما ذكره مختار آيت الله فى الملك فانه قال فى الفضولى انه لا مانع من ان يكون شيء بتمامه ملكا لاثنين اذا كان زمان اعتبار ملكيته لاحدهما فى زمان غير زمان اعتبار الملكية للآخر فى ذاك الزمان فبين زمان العقد والاجازة الملك للمجيز والمجاز له كليهما ولكن زمان اعتبار الملكية للمجيز من زمان العقد الى زمان الاجازة هو قبل الاجازة وزمان اعتبار الملكية للمجاز له من حين العقد الى حين الاجازة هو بعد الاجازة وفيه ان هذا برهان امتناعه من القضايا التى قياساتها معها فان زمان العمل والملك لو كان مختلفا لكان صحيحا واما زمان الامر والنهى او زمان الحكم بالملك مع اتحاد متعلق الحكمين بحسب الزمان فهذا من الممتنعات.

ثم ان مختار الفصول فى صحة المعلق لا يفيد فى المقام لانه لو سلمنا امكان تحقق الحكم قبل زمان وقت عمله إلّا انه يمتد الحكم من زمان فعلية الى زمان العمل لا محالة وفى المقام لا يلتزم ببقاء ما تحقق من النهى عن الخروج قبل الدخول الى زمان الخروج فانه معترف بسقوط النهى بعد الدخول

فلا يبتنى على المعلق.

(وبالجملة) هو معترف بان وجه اجراء المعصية عليه هو النهى السابق على وقوع السبب اعنى الدخول ويجعله نظير ترك الحج المستند الى ترك الخروج مع الرفقة وعلى هذا فلو اختار ما اختاره صاحب المدارك من وجوب النفسى للمقدمات المفوتة وصحة العقوبة على ترك المقدمة لكان لما اختاره وجه لانه حيث صادف ترك المقدمة ترك التكليف فيستحق العقاب على ترك المقدمة من حيث انه ترك ذى المقدمة وعلى ترك ذى المقدمة من حيث ارتكابه ما يوجب تركه.

ومختار آية الله مبنى على كون المقام من صغرويات الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار عقابا فلذا اجرى على الخروج حكم المعصية وكونه من ارتكاب اقل القبيحين فلذا قال بانه مامور به بالامر العقلى الارشادى الذى ليس فيه ملاك الامر المولوى.

(وفيه اولا) ان الامتناع بالاختيار هو الذى يخرج الفعل عن طرفى القدرة كمن القى نفسه من شاهق وكمن ترك السير للحج وضابطه من ترك المقدمة من المقدمات التى بها يقتدر على امتثال الواجب او اتى بمقدمة بها لا يقتدر على ترك الحرام وفى المقام الخروج ليس ممتنعا بحيث لا يقدر على تركه لان الخارج طرفى الفعل والترك تحت مقدوريته نعم مطلق ترك التصرف للداخل عمدا فى دار الغير ممتنع إلّا ان البحث ليس فيه والقائل بان الخروج مأمور به لا يقول بالامر بمطلق التصرف بل هو قائل بان التصرف للتفرج ولو فى حال الخروج مع قصد العود حرام ومحل البحث منحصر فى الخروج بعنوان التخلص وهذا غير ممتنع عنه بالبديهة.

(وثانيا) ان مورد امتناع الشيء بترك مقدمته اختيارا هو ما امكن توجه

الخطاب اليه مطلقا ومشروطا كان يقال لمن كان فى النجف كن فى مسجد الكوفة او اذا دخلت الكوفة فادخل المسجد وفى مقامنا هذا يمتنع الا المشروط فلا يقال لمن هو خارج الدار لا تخرج منه فان عنوان الخروج عنوان لا يتحقق إلّا بعد الدخول فقوله ان التصرف بجميع انحائه دخولا وخروجا وبقاء حرام قبل الدخول وسقط الحرمة عن الخروج مع بقاء المبغوضية لامتناعه لا يستقم لان الخروج لا يمكن ان يكون قبل الدخول حراما مطلقا فانه عنوان يتوقف تحققه على الدخول فلا يمكن النهى عنه الا تعليقا.

(وبالجملة) لا يصح ان يقال للخارج عن المسجد لا تخرج.

(وثالثا) سلمنا صحة النهى كذلك اى شروطا مع شمول المقدمات المفوتة للمقدمات المشروطة إلّا ان الخطاب كذلك ممتنع فى المقام لان الخطاب المشروط فيما امكن امتثاله فى ظرف حوصل شرطه كما اذا قيل للخارج عن المسجد اذا دخلت فيه لا تخرج وفى المقام حيث يمتنع امتثاله لانه يجب عليه الخروج ولو عقلا فيمتنع الخطاب عليه بعدم الخروج واما كونه من باب ارتكاب اقل القبيحين ففيه ان التصرف الخروجى لا قبح فيه اصلا اذ الغرض منه التخلص عن الحرام كما هو المفروض فى المقام او العقل يحكم بحسنه كما يحكم بحسن ما اذا تصرف فيه بهذا العنوان لو اضطر اليه لا بسوء الاختيار كما فى مورد الجهل بالغصب او النسيان بملاك واحد مع ان مفاد قاعدة اليد هو وجوب رد المال الى صاحبه ورد كل شيء بحسبه فرد المنقول بتحويله الى المالك واقباضه اياه ورد غيره بالتخلية ورفع اليد عنه.

(ثم) انه لا وجه لان لا يكون الحكم العقلى هنا ملاكا لاستكشاف الحكم المولوى الشرعى منه بعد قابلية المورد للحكم الشرعى وانما ينحصر مورد الارشادى فى باب وجوب الطاعة وفروعها وفيما لو اراد الامر بين ارتكاب احد

المحرمين الفعليين كارتكاب الزنا المحصنة وغيره فان العقل يحكم هنا بارتكاب القبيحين وليس المورد قابلا للامر المولوى وفى المقام ليس حرام فعليا على الفرض فلا وجه لان لا يكون واجبا شرعا.

(نعم) يمكن ان يدعى ان بعض الامور مما لا يرضى الشارع بايجاده فى الخارج باى عنوان فاذا ارتكب الفاعل المختار ما يوجب الوقوع فيه فالموجب له يصير حراما وفى المقام يصير الدخول محرما من جهتين من جهة انه بنفسه تصرف ومن جهة استلزامه لتصرف زائد ولكن هذا ايضا لا يفيد لمبغوضية الخروج ايضا كما هو المدعى.

(وبالجملة) فالاقوى ما اختاره استاد الاساتيد (قده) وظهر مما ذكرنا ان مبناه دخول المورد فى كبرى حسن رد مال الناس الى مالكه وليس من صغرويات الامتناع بالاختيار.

هذا تمام الكلام فى اجتماع الامر والنهى نقلا عن نسخة التى كتبها اخ المقدس الشيخ حسين المشهدى فى جوار مولانا وسيدنا على بن موسى الرضا عليه‌السلام عن نسختها الاصلية بيد الاحقر الشيخ عبد الحسين المعمارى الارومى وكان ذلك فى شهر رمضان المبارك سنة ١٣٤٧

(ثم) انى اجد فى هذه النسخة الشريفة والتقريرات الرشيقة بعض عبارات لا يخلو من اضطراب او غلط وقع فيها ومع ذلك لم أتصرف فيها اصلا بل كنت بصدد نشر هذه النسخة حتى لا يضيع اجر العاملين من دون استناد الاشتباه الى احد الحمد لله على اوله وآخره م ـ م

في اجتماع الامر والنهي

المؤلف:
الصفحات: 41