الوجهة الحادية عشرة

تحتوى على صورة واحدة

وفيها يذكر ويفصل تحويل سقف حجرة السعادة إلى قبة

وتجديد مربع القبر المبارك والأشكال الخمسة لحجرة السعادة

وصب حائط من الرصاص حول القبر النبوى الجليل

وجناية محاولة نقل النعوش الثلاثة المباركة المقدسة إلى

قاهرة مصرفى عهد العبيديين

فى تعريف هيئة الحجرة المعطرة النبوية

بعد أن تحول سقف الحجرة إلى قبة بعد تجديد

مربع قبر السعادة وتعميره

أبلغ السلطان قايتباى المصرى قبل الحريق الثانى بقليل أن مسجد السعادة وخاصة أسطوانة صندوق القبر فى حاجة إلى التعمير ، وأرسل المشار إليه شخصا يسمى شمس الدين بن زمن بعد أن عينه أمينا للبناء إلى المدينة المنورة ليسوى قطع رخام الحجرة المعطرة بعد أن يصلح أسطوانة الصندوق الشريف التى انشقت بعد أن أمده بمال كاف وذلك فى سنة ٨٨١ ه‍.

وبناء على التعليمات التى تلقاها شمس الدين بن زمن عاين حرم السعادة ، وجدد أساطينه ورمم أسطوانة الصندوق الشريفة بإنقاص إحدى أسطوانات مسجد قباء ، ورفع قطع الرخام التى على أرضية الحجرة المعطرة من الزاوية الشمالية للجدار الذى أقامه عمر بن عبد العزيز إلى زاوية الجدار الشرقية.

وبينما كان ينزل كسوة القبر وجد فرجة فى الجدار السابق الذكر مغطاة بالطوب اللبن وصبغت بمونة من الجص وأمر بفتح هذه الفرجة بقصد كشف ما بين الجدارين ومعاينته ، ومن هنا ألقى نظرة إلى الجدار الذى أحاط به عمر بن عبد العزيز القبور الثلاثة ورأى فرجة فى هذا الجدار أيضا فرجة مستديرة فأمر بفتحها أيضا ، وكان هذا الثقب فرجة تسع يدا فى التقاء زاويتى الشرق والشمال للجدار القديم فوسع شمس الدين بن زمن هذه الفرجة وعاين داخل مربع القبر وكشفه ، وفى آخر الأمر فكر قائلا كيف أسد هذه الفرجة التى فى الجدار القديم؟ فتحير واضطرب وترك هذا العمل فى الإصلاحات وجمع فى داخل

مقصورة الحجرة المعطرة مجموعة من الناس وعقد مجلسا فى سنة إحدى وثمانين وثمانمائة حتى يعرف كيف يستفتى فى هذا الموضوع.

وقررت هيئة الشورى التى اجتمعت داخل المقصورة الشريفة تجديد الجدار الذى بناه عمر بن عبد العزيز قديما وفى الرابع عشر من شعبان فى تلك السنة هدموا ذلك الجدار إلى أن بقى إلى سطح الأرض أربعة أذرع ، وأنزلوه على الأرض وذلك بعد رضا شمس بن زمن ورأيه ، وبينما كان يهدم هذا الجدار ظهرت بعض الأخشاب محروقة الأطراف من بقايا الحريق الأول ، وأخرجوا سواء أكانت هذه الأخشاب المحترقة أو أجزاء الأنقاض الكبيرة التى بين الجدار القديم والجدار الجديد.

كان الجدار الذى بناه عمر بن عبد العزيز أو الجدار القديم قد بنى مقدار أربعة أذرع منها بالحجارة ، وكان نصف الأسطوانة من الأسطوانة التى فى الجهة الشمالية من الجدار القديم ظل خارج الجدار ونصفها فى داخل الجدار المذكور مع ذلك لم يكن هناك باب للدخول فى داخل مربع القبر الشريف.

وقد رأى ابن زمن فكرة هدم جدار عمر بن عبد العزيز وجدار الجهة الشامية من مربع قبر السعادة وتحويل السقف إلى القبة كما صوبت هيئة مجلس المقصورة تلك الفكرة السخيفة دون أن تراعى الأدب وأخذ يهدم الجدار القديم.

وكان الإمام السمهودى على قيد الحياة فى ذلك الوقت ، فذهب إلى شمس بن زمن إذ رأى جرأته المتولدة من الجهل وقال له : «إن هذه الحركة منافية لقانون الأدب ورعاية الأخلاق ، إذ يلزم الاختصار فى تجديد مبانى الحجرة المعطرة على قدر الإمكان». والتزم الرأى الذى يرجح عدم هدم الجدار القديم ، ولكن أحدا لم يعر اهتماما رأيه فهدموا جدار مربع حجرة السعادة فى الجهة القبلية والغربية أربعة أذرع منها وعند ما أرادوا أن يهدموا جدران الجهة القبلية والغربية حتى الأرض وأن يبنوها من جديد ، وجدوا جدارا صغيرا مبنيا باللبن فى طول أكثر من ذراع وفى عرض نصف ذراع تركوه تيمنا فظل فى داخل الجدار القبلى فى ارتفاع

ذراع واحد كما وجدوا مثل هذا الأثر لبناء قديم فى الجهة الغربية فلم يتجرءوا على هدم جدران هاتين الجهتين هدما تاما.

يوم أن هدمت حجرة السعادة امتلا داخل مربع القبر الشريف بأنقاض الجدران المتهدمة ، فدخل كثير من الناس داخل مربع القبر اللطيف فأخرجوا التراب والغبار خارج المربع ونظفوا داخل الحجرة المعطرة.

وكان الإمام السمهودى قد دعى لهذا الاجتماع السامى أيضا إلا أنه لم يستجب خوفا من أن يحدث ما يعكر الصفو وسوء الأدب وفى الآخر أرسل له أمين البناء شمس بن زمن رسولا خاصا ورجاه أن يشرف الاجتماع ولما كان غلب عليه شوق زيارة داخل حجرة السعادة استجاب للدعوة الثانية بلا تردد ودخل بكل خضوع وخشوع بعد أن استأذن من روح النبى والرسول صلى الله عليه وسلم.

عرف أحد أصدقاء الإمام السمهودى كيفية دخوله وخروجه من مربع قبر السعادة إذ قال له : «عندما دخلت فى داخل حجرة قبر السعادة تأثر دماغى برائحة لم تشمها قوة شامتى فى طول عمرى».

«بعد أن أديت مراسم الصلاة والسلام ورجاء الشفاعة من صاحب الشفاعة العظمى النبى صلى الله عليه وسلم ، ففتحت عينى وألقيت نظرة إلى ساحة السعادة المباركة ، لم يكن على سطح الحجرة الشريفة ما يشبه القبر ، ورأى الذين كانوا معى مكانا مرتفعا فى وسط الحجرة وذهبوا إلى أن هذا المكان هو القبر الجليل ، وشرعوا يأخذون من فوقه بعض الأتربة تيمنا وأن يخفوه ، إلا أنهم كانوا مخطئين فى رأيهم هذا ، لأن قبر السعادة كان فى الجهة القبلية من الحجرة المعطرة وجدارها حتى إن اللحد الشريف يعد جزءا منه تحت أساس الجدار القديم ، إذ يروون نقلا عن جابر بن عبد الله الأنصارى ، عندما دفن جسد النبى المبارك نثر ماء فوق قبر النبى لا مع الأنوار وبدأ من جهة رأس النبى صلى الله عليه وسلم وأتم فى ناحية قدمى الرسول المباركة ، ولما كان المرور من بين القبر الشريف والجدار القديم غير ممكن يعنى لم يكن هناك فاصل بين الجدار القبلى لحجرة السعادة والقبر المنيف إلا قدر

إصبعين ، فصب بلال الماء إلى هذه الجهة من القبرة من فوق الجدار الذى فى الناحية القبلية من الحجرة المعطرة». انتهى.

ومن مؤلف طبقات ابن سعد نقلا عن محمد بن عبد الرحمن أن محمد بن عبد الرحمن قال : «كان أبى حاضرا عندما انهار الجدار الذى فى مربع السعادة فى عهد عمر بن عبد العزيز ؛ وكان يقول : «عندما انهار جدار مربع قبر السعادة كنت بجانب حجرة السعادة ، فنظرت من مكان السقوط داخل مربع القبر الجليل. كان ما بين مرقد السعادة وحجرة عائشة ـ رضى الله ـ عنها المنيرة قدر شبر واحد ، فأنا أيضا أصدق أن نعش النبى صلى الله عليه وسلم قد وضع إلى اللحد الشريف من الناحية القبلية وأؤيد تلك الرواية ، وبما أن روح النبى صلى الله عليه وسلم قبضت فى هذا المكان فالمكان الذى توفى فيه هو أشرف بقاع الأرض ومن هنا دفن فى هذا المكان» ، انتهى.

بعد أن كنس سطح حجرة السعادة وأخرجت أنقاض الجدار المنهار إلى الخارج شرع شمس بن زمن فى بناء الأماكن المنهدمة ذاكرا اسم الله فجعل عرض الجدار الشرقى فى عرض أساسه الأصلى يعنى فى سمك ثلاثة أذرع كذلك ذراعين ونصف من السمك ، وأدخل العمود الملاصق للجدار الشامى فى داخل الجدار المذكور ، ومن هنا جاء سمك الجدار الشامى لمربع قبر السعادة أكثر سمكا من جدران الجهات الأخرى وأصبحت جدار جميع الجهات يختلف بعضها عن البعض فى السمك ، وكان اليوم الذى بدأت فيه العمليات يوافق السابع عشر من شهر شعبان من السنة المرقومة (١).

ولما كان ما بين الجهة الغربية والشرقية على شكل طولى ، وكان بناء القبة عليه يرى غير قابل للتنفيذ.

ولكن بما أن قرار إنشاء قبة فوق مربع القبر الجليل كان قطعيا والتحرك خارج هذا القرار غير ممكن لذا قد جعل شمس ابن زمن بناء على تصويب المهندسين ورأيهم حجرة السعادة مربعة وذلك بفتح باب من جهة قدمى السعادة من الحجرة

__________________

(١) سنة ٨٨١ ه‍.

المعطرة ، فى ارتفاع اثنى عشر ذراعا يعنى قد ضيق وقصر طول الجدارين والباب المفتوح وجعل داخل مربع حجرة السعادة فى شكل مربع ولما بنى الجدار الشامى بأحجار منحوتة شاد فوقه قبة فى ارتفاع ثمانية عشر ذراعا آدميا عن سطح الأرض وفتح فى وسط الجدار الشامى بابا صغيرا وأدخل الحجرة الشريفة ابن أخيه وصهره لتسوية ما فوق القبور الثلاثة ، والرجلان اللذان أدخلا داخل قبر السعادة قد فرشا فوق القبور الثلاثة رملا على شكل ظهر السمك مثل قبور بلاد الروم حسب تصورهما وبخرا مرقد السعادة بإيقاد كثير من العود والعنبر وكانت القبور الثلاثة بجانب الجدار القبلى.

بينما كانت القبور الثلاثة تبخر وتسوى قدم كثير من العرض حالات المكتوبة إلى عتبة الرسول صاحب الشفاعة الموفورة وسد الباب الصغير الذى فتح فى وسط الجدار الشامى وركز فوق القبة العالية التى ارتفعت إلى السماء علم مصنوع من النحاس وطلى بذهب خالص.

وإن كان شمس بن زمن قد بنى وأسس هذه القبة فى غاية المتانة إذ جعل بين الأعمدة الموجودة أعمدة أخرى قدر اللزوم وعقد عقودا فوق تلك الأعمدة ، إلا أن قمة القبة قد انتقضت وسقطت بعض أجزائها ، وبناء على الأمر الذى ورد من الحكومة المصرية قام شيخ الحرم شاهين الشجاعى بهدم الأماكن التى تحتاج إلى الهدم بعد الكشف عنها ، وقام ببنائها من جديد وكان ذلك فى عام ٨٩٢

وقبل أن يهدم شاهين الشجاعى المواضع التى فى حاجة للهدم أمر بكنس داخل الحجرة الشريفة احتراما ورعاية للقبر الشريف ، وأمر بعمل سقف احتياطى وتصور بأنه بهذه الطريقة سيحمى داخل الحجرة الشريفة من سقوط الكناسة وجعل العمال يعملون بهدوء حتى انتهوا من التجديد.

ودامت حجرة السعادة خمسا وأربعين سنة بعد أن عمّرت على تلك الصورة متماسكة إلا أنه قد شوهدت علامات الانهيار فى الجدار الغربى والخلل ، وأعلم

بالأمر العتبة السليمانية ، عتبة البر والإحسان فما كان من السلطان إلا أن عين الموظفين والمهندسين لتعمير وتشييد ذلك الجدار ، وأرسلهم إلى المدينة ، ووصل الموظفون المكلفون إلى المدينة فى سنة ٨٩٣ ه‍ وشيدوا ذلك الجدار بكل احترام وتعظيم وأحكموا بناءه ثم فرشوا خارج الحجرة المعطرة وداخلها بقطع رخام مجلاة كما زخرفوا الجهات الأخرى وزينوها بشكل يجذب الأنظار ، وغلفوا القبة الخضراء بألواح رصاصية وجعلوا رأس العلم الذى وضع فى مركز القبة من ذهب خالص وأماكنه الأخرى من فضة ووضعوه فى شكل بحيث ينير ويضئ مسافات بعيدة وجعل العمال الذين استخدموا فى البناء يعملون بكل تعظيم وتفخيم للمكان فلم يحس أن فى الحجرة المعطرة نجارين أو بنائين يعملون.

ولما تم تجديد الجدار الغربى سنة ٩٤٠ كتبوا عليه هذين البيتين :

ألا يا رسول الله يا خير رافع

وأكرم مبعوث إلى خير أمة

من يحمى التنزيل بجاهه

ومن هو للمأمول أعظم شافع

وبعد أن ذيلوها ببسملة وتصلية كتبوا عبارة (جدد هذا المكان الشريف السلطان الملك المظفر سليمان خان بن السلطان سليم خان بن بايزيد خان فخر آل عثمان خلد الله ملكه بمحمد وآله وصحبه وسلم ؛ تاريخ إتمامه شهر جمادى الآخرة فى سنة (٩٤٠).

وعلقت فوق التاريخ المذكور لوحة مزينة كتبت عليها بخط التعليق القطعة الآتية إلا أنه لا يعرف من صاحب هذه القطعة ولا التاريخ الذى علقت فيه لعدم وجود أية إشارة لذلك كما أن واقفها مجهول.

قطعة

يا مزين العرش إكليل زينة عمرك أرسلناك

لما كان هناك مكان لشئ لو لم ينفذ أمر خطة مولاك

ليس بشىء أن يكون بابك المقدس تاجا للملوك

فأنت ملك الملوك يا سلطان مولاك

بعد تعميرات المرحوم السلطان سليمان ب (٢٩٣) سنة أبلغ الباب العالى أن أعلى قبة مسجد السعادة قد انشق ، وبناء على الأمر السلطانى الذى صدر لأشراف مكة فهدموها وجددوا أعلى القبة وجعلوها فى غاية المتانة والرصانة ، وحتى تصان قبة حجرة السعادة من التراب والغبار صنع بين القبتين سقف احتياطى وجعل العمال يشتغلون فى غاية الأدب فى الداخل ، وقد تطوع كثير من أهالى مكة فى هذا العمل متيمنين متبركين ، ولما أبلغ الأمر إلى باب من له القرار أرسل السلطان محمود خان العدلى من جيبه الخاص الهدايا للأشخاص الذين عملوا متطوعين متيمنين.

وبعد الحساب نال كل واحد منهم مائتين وخمسين قرشا وذلك فى سنة (١٢٣٣ ه‍).

وكان لون قبة مسجد السعادة الكبيرة إلى سنة ١٢٥٣ ه‍ فى لون الرصاص ، وكانت تعرف بالقبة البيضاء والقبة الزرقاء والقبة الفيحاء وبناء على الأمر الذى صدر من السلطان المشار إليه طلوها باللون الأخضر وبعد ذلك أطلق عليها القبة الخضراء ، وفى سنة ١٢٨٩ ه‍ جدد لون القبة الشريفة المذكورة باللون الأخضر وفى الجهة القبلية منها وفى محاذاة الحجرة الشريفة باب صغير ، وكان يقال لهذا الباب فى ذلك الوقت باب القبة البيضاء ، وكان ذلك البويب قد فتح بناء على رأى السيدة عائشة ؛ وقد غطى شاهين الشجاعى باب القبة البيضاء بقفص من حديد ـ كما ذكر فى بحث القبور الثلاثة ـ وفتح نافذة تحت الباب المذكور وفى محاذاة النافذة التى فوق قبة الحجرة المعطرة نافذة أخرى غطاها أيضا بقفص ؛ ولما كانوا قد ركبوا مصراعا لهذه النافذة كانوا يفتحون ذلك المصراع عند الدعاء ، أما فى زماننا يفتحون باب التوبة.

والشكل الآتى بين هيئة حجرة السعادة التى جددت فى عهد السلطان قايتباى سنة ٨٨١ ه‍ وتحت نظارة شمس بن زمن وبما أنها ظلت سليمة بعد الحريق الثانى فهى ما زالت باقية إلى الآن.

والخط الدقيق الذى يرى فى خارج هذا الشكل فهو الجدار الجديد الذى بنى فى عهد عمر بن عبد العزيز والخط الثانى الغليظ يمثل الجدار القديم الذى بنى قديما لربع قبر السعادة ، إن الفاصلتين اللتين فى الجهة الشرقية والشمالية علامة على أن هذه الأماكن ليست من داخل الحجرة المعطرة.

والموقع المبارك الذى أرى بخط موسوم فى الجهة الشمالية هو بيت خاص بوالدتنا السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ وأن قبرها المنير من الساحة السعيدة التى ذكرت آنفا والأرقام الموضوعة فوق الشكل فهى إشارات توضيحية للأماكن التى يحويها الشكل فى أسفله.

الرقم

الإشارات المخصوصة

١ ـ

الجهة القبلية

٢ ـ

المسمار الفضى.

٣ ـ

أسطوانة الصندوق

٤ ـ

الأسطوانة التى تصفها فى داخل الجدار والنصف الآخر فى خارجه.

٥ ـ

هذه الأسطوانة متصلة بالجدارين.

٦ ـ

هذه الأسطوانة أسطوانة قبر السعادة.

٧ ـ

قبة الحجرة الشريفة.

٨ ـ

بقيت هذه الأسطوانة داخل الجدار.

٩ ـ

مقام جبريل عليه السلام.

١٠ ـ

دار فاطمة رضى الله عنها.

١١ ـ

الأسطوانة الشمالية

١٢ ـ

هذا الخط الرفيع علامة الجدار الجديد.

١٣ ـ

هذا الخط الغليظ إشارة للجدار القديم والخط الوهمى الذى يحيط الشكل من جهاته الأربع علامة شبكة الحجرة المعطرة.

وإن كان هذا الشكل يمثل وضع الحجرة المعطرة الذى تم تحت نظارة شمس بن زمن ولا شك فى ذلك إلا أن مؤرخى الأسلاف اختلفوا فى صورة تنظيم ورسم خريطة حجرة السعادة إلى خمسة أقسام أو فرق ورسمت كل فرقة خريطة وادعوا أن الخريطة التى رسموها هى الصحيحة.

إذا ما ألقيت نظرة لأية واحدة من هذه الخرائط الخمس فمن الطبيعى أن تقبل الخريطة سالفة الذكر والتى صدقت صحتها من قبل المؤرخين المتأخرين ، والخريطة الرابعة من الخرائط الخمس من البديهى أنها توافق الشكل المذكور بالنسبة للأخريات.

فبما أن كل هذه الخرائط الخمس تمثل خريطة حجرة السعادة فرأينا عرض جمعها من الوظائف المبروكة.

الرقم

الإشارات المخصوصة

١ ـ

الجهة القبلية

٢ ـ

الحجرة المعطرة

٣ ـ

الخط الغليظ علامة الجدار القديم والخط الرفيع الذى حوله علامة الجدار الجديد.

٤ ـ

الجهة الشمالية

٥ ـ

الجهة الغربية

٦ ـ

الجهة الشرقية والخط الوهمى الذى يحيط بالشكل من جهاته الأربع علامة الشبكة المباركة.

الرقم

الإشارات المخصوصة

١ ـ

حجرة السعادة

٢ ـ

علامة الجدار القديم

٣ ـ

يستقبل الشرقية ، كان باب النبى صلى الله عليه وسلم وباب على فى هذه الجهة وهدم مؤخرا وضمت ساحتهما فى مسجد السعادة.

٤ ـ

الباب الذى كان ينظر إلى جهة الشام لدار عائشة كان هنا.

٥ ـ

بيت فاطمة.

٦ ـ

علامة الجدار الذى مدته السيدة عائشة قد فصلوا الحجرة المعطرة بهذا الجدار.

٧ ـ

الجدار الذى هدم فى عصر عمر بن عبد العزيز.

٨ ـ

الجهة الغربية

١٠ ـ

أسطوانة مقام جبريل

١١ ـ

أسطوانة مربع القبر الشريف.

١٢ ـ

علامة جهة رأس النبى.

١٣ ـ

المسمار الفضى.

١٤ ـ

الأسطوانة

١٥ ـ

شبكة السعادة

١٦ ـ

علامة الجدار الجديد

١٧ ـ

الجهة الشمالية

١٨ ـ

الجهة القبلية وكانت حجرات زوجات النبى المطهرات فى هذا المكان.

الرقم

الإشارات المخصوصة

١ ـ

جهة القبلة

٢ ـ

مسمار الفضة.

٣ ـ

اسطوانة الصندوق

٤ ـ

الاسطوانة التى نصفها فى داخل ونصفها الآخر خارج هذا الحائط.

٥ ـ

الأقدام المباركة لحضرة الفاروق رئيت من هنا.

٦ ـ

أسطوانة الصندوق.

٧ ـ

حجرة السعادة.

٨ ـ

الحائطان الملتصقان بعضهما ببعض.

٩ ـ

أسطوانة مربعة القبر الجليل وهيئتها الخارجية المثمنة.

١٠ ـ

مقام جبريل.

١١ ـ

بيت الحائط الذى سقط.

١٢ ـ

مكان المحل الشريف الذى تشقق فى عصر شمس الدين بن زمن.

الرقم

الإشارات المخصوصة

١ ـ

جهة القبلة.

٢ ـ

المسمار الفضى.

٣ ـ

الأسطوانة التى نصفها فى الداخل ونصفها فى الخارج.

٤ ـ

أسطوانة الصندوق.

٥ ـ

الأسطوانة.

٦ ـ

مربع القبر الشريف

٧ ـ

مقام جبريل.

٨ ـ

حجرة السعادة

٩ ـ

الأسطوانة التى ظلت داخل الحائط.

١٠ ـ

بيت فاطمة.

الرقم

الإشارات المخصوصة

٢ ـ

الأسطوانة التى فى مواجهة حضرة الفاروق.

٣ ـ

أسطوانة الصندوق

٤ ـ

أسطوانة مربع القبر الشريف

٥ ـ

المكان الذى يلتصق فيه الجداران.

٦ ـ

مقام جبريل

٧ ـ

حجرة السعادة

٨ ـ

الحائط الذى انهار فى عهد عمر بن عبد العزيز.

٩ ـ

هذا الخط العريض علامة الجدار القديم والخط الرفيع إشارة الجدار الجديد.

١٠ ـ

شبكة السعادة.

بعد أن نقلنا هذه الخرائط مختارين من كتاب وفاء الوفاء وهو كتاب تاريخ عتيق ، اضطررنا إلى مراجعة النموذج الذى عرض على حضرة الخليفة وهى الخريطة التى صنعت من قبل العاجز (١) مطابقة لآخر خريطة أخذت بعد التعمير الأخير وصنعت بالمساحة لتوضع فى جامع خرقة السعادة للسلطان المرحوم عبد المجيد خان ليفهم أيّة واحدة من هذه الخرائط مقارنة للصحة ، ولا يخطئ الشخص إذا ما حكم على أن خريطة حرم السعادة المستخرجة من النماذج المختلفة على الشكل الآتى وبناء على هذا الشكل فالخريطة التى خطها الإمام السمهودى يعنى الخريطة التى عرضت فى الشكل الأول صحيحة.

__________________

(١) يقصد المصنف بكلمة العاجز نفسه.

الرقم

الإشارات المخصوصة

١ ـ

حجرة السعادة

٢ ـ

الخط الداخلى علامة الجدار الداخلى والخط الخارجى علامة الجدار الخارجى.

٣ ـ

بيت فاطمة الشريف

٤ ـ

مقام جبريل

٥ ـ

جهة القبلة

٦ ـ

جهة الشرق

٧ ـ

جهة الغرب

٨ ـ

جهة الشمال

إحاطة حجرة السعادة بجدار من الرصاص

كان الملك العادل الشهيد نور الدين محمود بن زنكى أقسنقر من صلحاء الملوك ، وكان من عادته أن يتهجد كل ليلة بعد أداء صلاة العشاء وبعد أداء الصلاة كان يتلو القرآن ويقرأ أورادا خاصة ، وفى ليلة من الليالى قام بأداء الصلاة وقراءة أوراده الخاصة وفق عادته ، ثم ذهب لينام ، وفى أثناء نومه رأى ثلاث مرات النبى صلى الله عليه وسلم كنز خزنة الإعجاز ، وفى كل مرة يرى فيه صاحب الآيات الباهرة عليه التحية الزاهرة كان يريه شخصين قبيحى السحنة أحمرى الوجه ويقول : يا نور الدين! خلصنى من هذين الشخصين!!! وحينما استيقظ من نومه استدعى وزيره جمال الدين الموصلى والذى كان من صلحاء الأمة ، وبناء على رأى وزيره اصطحب معه عشرين من جنوده الفرسان ، ودون أن يخبر أى مخلوق توجه صوب المدينة المنورة عن طريق مصر وقيل من الشام ووصل إلى دار السكينة بعد ستة عشر يوما وبعد الزيارة أراد أن يوزع العطايا من الذهب والفضة على أهالى المدينة فردا فردا وفق ما هو مقيد فى سجلات الأسماء.

وكان هدف الشهيد نور الدين من توزيع العطايا أن يجد أو يتعرف على الخائنين من بين أهل المدينة وأن يعاقبهما العقاب الذى يستحقانه ، وأخذ الناس يردون إلى حضرته ليحصلوا على عطاياهم ، وكان يقارن وجوه كل من أتوه بصورة وجوه هذين الشخصين اللذين رآهما فى منامه ؛ وكان متلهفا لإظهار هذين الشخصين ولكن للأسف لم يتمكن من العثور على هذين الشخصين ضمن الذين حضروا لتلقى الصدقة ، وانقطع سيل الواردين من أهل المدينة ، عندئذ قال : «أليس هناك من لم يأخذ صدقته؟! إذا كان هناك من لم يأت استدعوهم لينالوا صدقاتهم». «فقالوا» لن يأتى أحد لأخذ الصدقة لأنه لم يبق هناك أحد ؛ إلا أن هناك شخصان يتصفان بعزة النفس وزهد عن الدنيا وهما من أهل المغرب ومعروفان بكمال الصدق والعفة وهما فقيران مستدينان ولن يقبلا أخذ الصدقة» ، وعندما تلقى هذا الرد قال : «لا ، لا بد من إحضارهما أيضا ، وبهذه الإفادة الصائبة أمر بإحضار هذين الملعونين ظاهرى القذارة ، ولما رأى مواطنو دار السكينة أن نور الدين مصر على رأيه ، أحضروا مضطرين هذين اللذين تشبه سحنتهما سحنتى الغيلان ، ولما كان هذان الشخصان يشبهان الخنزيرين اللذين أراه النبى صلى الله عليه وسلم تمام الشبه ، أخذهما نور الدين إلى حجرتهما الكائنة (١) قرب حجرة السعادة ورأى كتبا نفيسة وأشياء غالية ولم يغتّر بشهادة الذين كانوا معه لهذين الوغدين بحسن السيرة ، ورفع الحصيرة التى تغطى الحجرة فرأى نفقا عميقا وكان هذا النفق طريقا مائلا إلى السعة وينتهى إلى حجرة السعادة!! وكان سادات المدينة يشهدون بحسن سلوك هذين النجسين ويثنون عليهما ، وعندما حدث ما حدث أحنوا رءوسهم خجلا واستحياء ولم يجدوا ما يقولون ، وتولى نور الدين بنفسه استنطاق هذين الخبيثين وشمر ساقه مستفسرا عن حفر النفق ، إلا أنهما أصرا على إنكارهما وهنا أمر بتعذيبهما وتهديدهما حتى يحصل على السبب الحقيقى فى حفرهما النفق ، وضربهما ضربا مبرحا ، وعندئذ عرف المغربيان أنهما لن يخلصا من آلة التعذيب بدون قول الحقيقة وشرعا فى

__________________

(١) كانت أبنية رباط العجم فوق ساحة هذه الحجرة.

الكلاتم وقالا : «إننا من مشركى أرض المغرب ، ولسنا مسلمين إلى الآن ، وقد جئنا إلى المدينة بحيلة أداء فريضة الحج وزيارة مرقد صاحب المعراج وأقمنا فى هذه الحجرة وغايتنا أن نسرق نعش النبى محمد ونحمله إلى أرض المغرب!! ، وقد بعث لنا المغاربة نقودا طائلة أكثر أنفقناها واستهلكناها ولمّا رأينا أننا لن نستغفل أهل المدينة بصرف النقود وإنفاقها لبسنا رداء الزهادة والتففنا بستار العفة حتى نظهر فى هيئة الصدق والوفاء وبهذه الصورة وفقنا فى استغفال الأهالى.

وأخذنا فى مزاولة عملنا ، كنا نقضى الليالى بحفر النفق ، وفى النهار كنا نملأ الأكياس بتراب ما حفرناه ونذهب إلى مقبرة بقيع الغرقد بقصد زيارتها حيث نفرغ الأكياس من التواب ، وعندما اقتربنا بقبر السعادة ظهرت فى السماء أصوات الرعود والصواعق ، الأمر الذى أقلقنا بل أخافنا خوفا شديدا ، وفى الصباح انتشر خبر تشريف سلطنتكم ، هذه هى الحقيقة.

واستمع نور الدين إلى هذه الأقوال بآذان ملؤها الحيرة والاضطراب وأسال دموع الرقة فى نهايتها ، وأمر بقتل وإعدام المغربيين فأعدما بدون توقف تحت الشباك الشريف ، وبهذا بين أن الذين يقصدون حجرة السعادة بسوء يستحقون جزاء الإعدام.

علاوة وإضافة

سمعت أنا محرر هذه الحروف من بعض الأشخاص أن الشهيد نور الدين أوقد فانوسا ونزل فى النفق المحفور وذهب حتى نهاية الحفرة وهنا سقط بعض التراب وامتدت يد جسمان النبى الطاهر فقبلها وعادت ، فما أحسن ما ناله من سعادة أبدية ، ونعم ما حصل عليه من عناية سرمدية.

بعد أن أعدم حضرة نور الدين هذين السافلين حفر حول الحجرة الشريفة التى طاف حولها بخشوع وأزال التراب قرب سطح الماء ولما صار المكان الذى أخرج منه التراب خندقا عميقا فأسال فى هذا الخندق العميق رصاصا مذابا أى حفر خندقا حول مرقد السعادة حتى مكان ظهور الماء دائرا ما دار وملأ داخل هذا

الخندق برصاص مذاب فأحاط حجرة السعادة بسور من الرصاص ، وذلك فى سنة (٥٥٧ ه‍).

ونقل المؤرخ جمال الدين المطرى هذه القصة بصورة أخرى ولم يذكر الجدار الرصاصى الذى مد حول مرقد السعادة ، وبناء على نقل جمال الدين المطرى أنه فى سنة خمسمائة وسبع وخمسين دخل السلطان نور الدين محمود بن زنكى بن أقسنقر إلى المدينة الطاهرة بغتة بألف من الفرسان ، وأخذ يوزع العطايا ـ كما ذكر آنفا ، ولكنه لم ير أحدا ممّن يشبه الغيلان مثل اللذين رآهما فى رؤياه فسأل : هل هناك من لم يأخذ الصدقة؟ فأجيب من قبل سادات المدينة المنورة أن هناك فى داخل الديار العشر أى فى دار آل عمر التى تقع فى الجهة القبلية للحجرة الشريفة يسكن مجاوران إلا أنهما معروفان بأنهما لا يأخذان الصدقة وموصوفان بالزهد والصلاح فإنهما لن يأتيا هنا فأحضرهما بالقوة وابتدر فى إجراء التعذيب وفهم منهما أنهما قد أرسلا من متعصبى مشركى المغاربة بغرض نقل نعش الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بلادهما فقطع عنقيهما أمام الجدار الشرقى للمسجد الشريف وبين أن هذين الشخصين قاما بحفر بئر فى دار آل عمر فى داخل الديار العشرة وملئوا هذه البئر بتراب النفق الذى حفراه.

رواية المطرى هذه تشعر بوصول الشهيد نور الدين إلى المدينة المنورة ، وإذا ما نظر إلى أن الرباط (١) الذى سكن فيه المغربيان يعرف اليوم برباط العجم فالرواية الأولى أقرب إلى الصحة.

قال بعض أصحاب الوقوف من أهالى المدينة : «لما استدعى الشهيد نور الدين أهل المدينة لتوزيع العطايا أو لم وليمة بعد أن نصب خيمة أمام باب الحصن الذى يطلق عليه الآن اسم باب الضيافة ، وأطلق فيما بعد على هذا المكان اسم دار الضيافة وبهذا التعريف يقصون مجئ المشار إليه إلى المدينة المنورة حسبما فصل أعلاه ، إلا أنه ليس بصحيح أن الشهيد نور الدين أقام ضيافة وإطلاق دار الضيافة لذلك المكان.

__________________

(١) دائرة المشيخة يعنى دار شيخ الحرم فوق ساحة هذا الرباط.

وإن كان فى الجهة الشامية من مئذنة العزيزية دكانا يطلق عليه دار الضيافة إلا أنّ هذا المكان ليس الموقع الذى استضاف فيه الشهيد نور الدين أهل المدينة بل ساحة البيت الذى كان يملكه حضرة عبد الرحمن بن عوف ، وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم الكريم المحب للضيافة يطعم الضيوف الواردين فى هذه الدار أطلق عليها دار الضيافة وظل اسمها كذلك ، وبما أن شارع حصن المدينة الميمونة يمر من هنا وينتهى إلى الباب الذى فى تلك الجهات فأطلق على هذا الباب باب الضيافة.

ينقل ابن النجار فى تاريخه الذى سطره عن بغداد ـ شبيهة الجنة ـ حكاية تشبه واقعة الشهيد نور الدين ويقول : «إن زنادقة العبيديين ذوو أفكار مشينة ابتدروا فى دس الدسائس واحتالوا على إضلال ملك مصر وقالوا : «إذا وجدنا يا ملكنا طريقة لإحضار أجساد النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر الصديق وعمر إلى مصر ذات الأهرامات ، كان كبراء الممالك التى حولنا وأشراف بلاد الأكناف ، يأتون إلى هذه الجهة رغبة فى الزيارة وبهذا تصبح القاهرة تكية الأنام ومستند الإسلام».

استحسن ملك البلاهة ما عرضه الزنادقة وتلقاه قبولا حسنا ورأى أن يبنى فى مصر ضريحا مزينا فخما وينقل جسد النبى الشريف فى هذا الضريح ، وأمر أبا الفتوح من أقرب عبيده لنفسه وأخلص أتباعه بعد أن أرسله إلى المدينة واستعجله بأن يرسل الأجساد الثلاثة إلى مصر بأية طريقة كانت ، ولما وصل أبو الفتوح إلى المدينة أخذ يلمح إلى سادات الأهالى عمّا فى ضميره وأنه سيعمل على إيفاء مأموريته وبين لهم سبب وروده إلى المدينة. وأراد السادات الذين أصابهم الهم والغم من هذا الموضوع أن لا يكشفوا عن الموضوع إلى أهل المدينة علنا بل أن يفهموهم ضمنا.

ومن هنا أحضروا المرحوم الزلبانى من مشاهير قراء المدينة وطلبوا منه أن يقرأ

عشرا من القرآن الكريم ، وتلاه المرحوم الزلبانى (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة : ١٣).

وقد فهم الحاضرون مما تفيده الآيات الكريمة من المعانى سبب مجئ أبى الفتوح وأخذوا فى القيل والقال وبعد منازعات طويلة ومناقشات مديدة قرروا أن يقتلوا الخوف والهم إلا أنهم قالوا : «إن البلاد الحجازية تحت الإدارة المصرية الآن ، فإذا ما قتلنا أبا الفتوح فكأننا نثير غضب ملك مصر ونستدعيه ليبعث جنودا كثيرة إلى المدينة ليؤدب سكان دار السكينة ، ومن رأينا أن نعيد أبا الفتوح إلى مصر صفر اليدين من هنا تفرق القوم وقد صرفوا النظر عن قتل أبى الفتوح ، وانسحب كل واحد منهم إلى جهة ما وكونوا جماعات صغيرة وبادروا فى التشاور فيما يجب عمله بهذا الخصوص.

عندما رأى أبو الفتوح هذه الحالة فاق لنفسه واستجمع عقله وقال : «إن الخوف من الله خير من الاحتراز عن عباده ، وإننى لن أتجرأ بعد ذلك على إجراء مهمتى وإن تأكدت أن ملك مصر سيهلكنى لعدم تنفيذ هذا العمل الشنيع».

وقد بلغ قلقه واضطرابه حدا لم يعرف منهما كيف انصرف من المجلس ، ومع ذلك كان يرجو أن يظهر فى الميدان حكمة ما تسكن من غيظ وحدة ملك مصر ، وبعد انتهاء الاجتماع ظهرت عاصفة شديدة وترك أهالى المدينة دون عقل وشعور وكأن الكرة الأرضية قد تحركت وأخذت تضرب الحيوانات بعضها ببعض الحيوانات التى تسير فى الصحارى والحقول والجبال فأتلفتها جميعا ، وهذه الحالة كانت باعثا للفرح والسرور لأبى الفتوح ، إذ عاد إلى مصر دون تأخير قائلا : «أعرض على ملك مصر هذه الحالة المفزعة وأعتذر له عن عدم تنفيذ أمره».

إخطار

كلما تعرضت الحجرة المعطرة لسوء قصد ظهر فى المدينة الزلازل المفزعة والعواصف المخيفة ، وفى الواقع لم تظهر فى المدينة المنورة بعد نار الحجاز المنذرة عواصف يحترز عنها ولا الزلازل ولا الحالات المخيفة ما لم تتعرض الحجرة الشريفة لسوء قصد ولم يثبتها التاريخ ولكن كلما حدث سوء قصد للحجرة الشريفة أو حدث شىء مخلا بالآداب أمام القبر النبوى حدث إما زلزال كبير وإما عواصف شديدة مخيفة وقد حدثت لتوقظ أهالى المدينة من غفلتهم ، الزلزلة الأخيرة فى سنة ١٢٩٦ الهجرية فى شهر المحرم ثلاث مرات فى يوم واحد مائلة إلى الشدة مما أقلق أهل المدينة وملأهم فزعا.

وسبب هذه الزلزلة ما أظهره نائب الحرم والحجرة المعطرة تحسين أغا من وقاحة وسوء أدب أمام قبر النبى صلى الله عليه وسلم إذ ذهب حالت باشا والى الحجاز فى السنة المذكورة لزيارة المدينة المنورة وأراد تحسين أغا أن يعرض له ولاءه التام لأنه أراد أن يكسب رضا حالت باشا وحسن توجهه له ونتيجة لهذه الفكرة الفجة قال له : «يا حضرة الباشا إن أهل دائرتك يظهرون مخلصين وذوى عقيدة متينة ، والمعلومات التى وصلتنا عن حريم سيادة الوالى فى نفس المستوى ، هذه فرصة لا تحدث دائما يجب أن تقتنصها إذا أذنتم سيادتكم ، ندخل عقائل حريمكم توائم العصمة إلى داخل الحجرة المعطرة ونبهج خواطرهن بشرف زيارة القبر النبوى ، «وقال حالت باشا» : «إن النساء قد لا يستطعن أن يظهرن واجبات الحرمة والزيارة حسب المقتضى ، فإذا ما زرن من الخارج فهذا أفضل» ، فأجابه تحسين أغا قائلا : «لا ، لا إن زيارة النساء عادة هنا ، تتوضأ النساء ويدخلن داخل الحجرة ويزرن وإذا ما تفضلتم بالموافقة على أصول البلد تحسنوا الصنع» ، وهكذا استحصل تحسين أغا الإذن من الباشا ، وبناء على هذا جلب تحسين أغا جميع النساء فى دائرة الباشا فى الساعة الرابعة ليلا من ليالى أوائل شهر محرم الحرام وأدخلهن واحدة تلو الأخرى وجعلن يزرن حجرة السعادة ، وكان غرض تحسين أغا أن تنال

النساء شرف الزيارة ولم يكن يعرف أن دخول النساء الحائضات داخل الحجرة المعطرة غبر جائز ولم يخطر بباله أنه يجب ألا تكون بين الزائرات حائضة.

لذا حدث زلزال شديد ثلاث مرات متتالية صباح ليلة الزيارة تماسك الأهالى فيما بينهم ، وفى النهاية عرف ما حدث وظهرت الحقيقة فأخرج حالت باشا من المدينة المنورة فى صورة مهينة وأرسل إلى مكة! وإذا كانت الأمور ظلت على هذه الحالة لأمكن أن يقال إنها تأديب خفيف ، إذ تعرض حالت باشا بسبب هذه الزيارة للكثير من الكوارث إذ هلك جميع أفراد دائرته واضمحلوا وتشتتوا فى أرجاء الدنيا.

نعم ، فالذين يسيئون أدبهم أمام النبى صلى الله عليه وسلم يمحون ويتشتتون عقب إساءتهم أمّا محاكمة تحسين أغا يظهر أنها ستجرى أمام حكيم الأنبياء لأنه كان سببا فى القضاء على حالت باشا.

جرأة غريبة

حدث فى زمن شيخ خدمة الحرم السعيد شمس الدين أن بعض الحلبيين أرادوا أن يخرجوا نعش أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب ليأخذوهما إلى بلدهم.

ودخلوا فى ليلة إلى مسجد السعادة ، كما سيأتى تعريفه فيما بعد ـ إلا أن كلهم هلكوا وانعدموا وقد بلعتهم الأرض.

كتب مؤلف الرياض النضرة محب الطبرى راويا عن هارون بن الشيخ عمر بن قائلا : «قال شيخ خدمة الحرم النبوى شمس الدين صواب اللمطى بالذات : «كان لى صديق من خاصة والى المدينة المنورة وكل ما يتعلق بالأعمال الحكومية كنت أكلف هذا الشخص القيام به ، وشرفنى يوما فى حجرتى المتواضعة وقال : جاء اليوم بعض الناس من حلب ورجوا أن يؤذن لهم بإخراج الجسدين اللطيفين للشيخين الكريمين ـ رضى الله عنهما ـ وأخذوا إذنا من أمير المدينة بذلك وقد

أعطوه نقودا طائلة وبمجرد ما أنهى كلامه جاء رسول من قبل أمير المدينة المنورة وقال تفضلوا معى إن أمير المدينة يريدك ، فأخذنى وذهب بى عند الوالى ، وعندما دخلنا فى الدائرة الحكومية ورآنى الوالى فقال مؤكدا : «يا صواب سيدق باب مسجد السعادة بعض الناس ووقتما يدق الباب يجب أن تفتح الباب وتدخل من دقوه فى الداخل ولا تعترض على أى شىء يفعلون وأن تصمت» هذا كان أمره ، إننى جلست هذه الليلة فى جهة من جهات المسجد وأخذت أبكى من شدة الهم والغم وسبحت فى بحر الفكر والحيرة عسانى أجد حلا لهذا الموضوع».

وعقب صلاة العشاء أغلقت الأبواب حسب الأحوال الجارية ثم جلست فى جانب من حجرة السعادة وأخذت أبكى ، ودق فى منتصف الليل الباب الذى فى محاذاة دار الوالى ، وبناء على الأمر الذى تلقيته فتحت الباب ووقفت خلف مصراعه ، فدخل بعض الناس فى الداخل وأغلقوا الباب ، فأحصيتهم فردا فردا كانوا أربعين نفرا كاملين وكان كل واحد منهم يحمل على ظهره زنبيلا أو زنبيلين مملؤين بأدوات الحفر ، فتوجهوا رأسا إلى حجرة السعادة ، وفى الوقت الذى مروا من محاذاة مئذنة باب السلام واقتربوا إلى أمام المنبر السليمانى ، فانشقت أرض المسجد وبلعت هؤلاء الناس جميعا بآلاتهم وأدواتهم واختفوا عن الوجود ، ولما التأمت الأرض المنشقة ظل نصف ملابس أحد الأشخاص الذين ابتلعتهم الأرض خارجها وهكذا أشير من قبل الحق أن هذا المكان هو مكان الانشقاق (١) وبعد مرور مدة طويلة استدعانى والدى عنده وقال لى : «كنت بعثت لك بعض الأشخاص ، هل أتوا؟ وكان يريد بهذا السؤال أن يستكشف الأحوال ، فقلت له نعم قد أتوا إلا أن الأرض انشقت وبلعتهم ونقلت له القصة كما حدثت ، فقفز من مكانه وذهب إلى مسجد السعادة ورأى قطعة الملابس التى ظلت خارج

__________________

(١) ويخبر بعض أهل المدينة أن الكيفية قد عرفت للناس فى تلك الليلة بصوت من الهاتف.

الأرض وفهم حقيقة ما حدث ثم التفت إلى قائلا إذا ما قلت شيئا فى هذا الموضوع سأعدمك وبعد هذا التهديد أوصانى بأن أكتم ما حدث.

كتب هذه الحكاية أبو محمد بن عبد الله بن المرجانى أيضا فى تاريخ المدينة إلا أن الأشخاص الذين ابتلعتهم الأرض كانوا خمسة عشر نفرا أو عشرين ، ثم أضاف إننى سمعت هذه الحكاية من أبى عبد الله بن أبى محمد المرجانى كما أنه سمع من أبيه محمد المرجانى ، كما أن محمد المرجانى سمع من خدم الحجرة الشريفة ، وفى آخر الأمر سمعت أنا من ناقله ، وبهذه الرواية نقل وبين الحكاية السالفة.

وإن كانت الرواية التى ينقلها أبو محمد تظهر مختلفة عن رواية محب الطبرى إلا أن القول الأول بما أنه منقول عن شمس الدين صواب اللمطى بالذات فإنه مرجح على القول الثانى.

يخبرنا مؤلف طريقة محمد بعد أن ينقل ما قاله حضرة صواب برواية محب الطبرى ، كيف مات والى المدينة ، وأين تعرض حضرة صواب ومن طرف أى الأشخاص للهجمات بصورة واضحة ، وبناء على تحقيق المؤلف المشار إليه أن والى المدينة قد تعرض لمرض الجذام عقب هذه الواقعة وارتحل إلى دار البوار بعد أن تقطعت أعضاء جسمه إربا إربا.

إن الزنادقة الظالمين أرسلوا بعض السفاحين وقد اطلعوا على مصير الأشخاص الذين بعثوهم من حلب وكيف بلعتهم الأرض واختفوا إلى الأبد أرسلوهم ليقضوا على حضرة صواب ويقتلوه وقد فرح هؤلاء الأشخاص وابتهجوا إذ دعوا صوابا إلى مجلس حيث تجرءوا لقطع لسانه ، إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم مسح على لسان صواب فرجع اللسان على حالته الأولى كأثر من آثار المعجزة النبوية وأخذ يتحدث ومن هنا تبدل فرح هؤلاء السفاحين وابتهاجهم غما وهما.

أرادت فرقة الزنادقة أن يخفوا ما ارتكبوه من الإهانة عن أهالى الممالك المتجاورة وذلك بفكرة رفع وجود صواب المبارك عن خريطة الحياة فدبروا له

حيلة ورموه فى السجن وجرحوا جسمه المبارك ومزقوه وعرضوه لجروح غير قابلة للالتئام ، ولكن طبيب أدواء الأمة صلى الله عليه وسلم أخرج صوابا من السجن. كما أنه ـ عليه السلام ـ أزال جميع آثار الضرب والجروح ومن هنا أمكن إخفاء أحداث الواقعة وسترها.

وأراد والى المدينة أن يخفى عن الناس مكان قطعة الملابس بقطعها ولكن صوابا كان قد أرى مكان انشقاق الأرض لأهالى البلدة المباركة فى أثناء وقوعه فى أجولة السفاحين ، وشرح لهم ما حدث ومن هنا وضع الناس فى هذا المكان قطعة من الحجارة وعرفوا الزوار الذين يقصدون قبر السعادة بأن ذلك المكان مكان الانشقاق ومع مرور الأيام تبدل ذلك الحجر ، وفى النهاية وضعت قطعة من الرخام متعددة الألوان الأصفر يختلف لونها عن قطع الرخام الأخرى لتجذب الأنظار.

وما زالت هذه القطعة الرخام فى زماننا هذا ، فإذا ما سئل أى واحد من أهالى المدينة يشيرون إليها ، وبما أنه لا يوجد فى ساحة حرم السعادة الرخامية قطعة رخام أخرى تشبهها فلا داعى للسؤال عنها من زيد أو عمرو ، وعلى الزوار الذين يريدون أن يروا هذه الرخامة أن يبحثوا عنها فى الساحة الرخامية فى مواجهة السعادة بعد أن يدخلوا من باب السلام بين مئذنة باب السلام والمنبر السليمانى.

ينقل لنا مؤلف روضة الأبرار أن لعينا اسمه أرناط حاكم قلعة كرك مدينة صغيرة فى ولاية الشام وهى ملحقة بسنجق البلقاء يسكنها ثمانية آلاف ، نسمة ستة آلاف منهم مسلمون والألفان مسيحيون.

ومركز هذه المدينة قرية كرك التى تقع على مسافة خمس أو ست مراحل من نابلس التى تقع فى الجهة الجنوبية من البلقاء أراضيها ذات محصول وفير منبتة خصبة ، لكن بما أن سكانها عشائر غير متحضرة فأحوالها العامة غير منضبطة ، وإدارتها محولة إلى الشيخ الذى يطلق عليه القائم مقام ، وهذه القرية فى ممر قوافل مصر والحجاز ، ولما كان موقعها ذا استحكام طبيعى كانت فى الأوائل

مركزا تجاريا ، وقام الصليبيون ببناء بعض الحصون فيها كما أن الأيوبيين قاموا بتعميرها وإصلاحها بصورة رصينة متينة حتى أصبحت فى حالة فوق العادة من العمارة ومازالت بعض قلاعها قائمة إلى الآن آثار ملك الفترة المزدهرة.

وقع أرناط فى سنة ٥٧٨ ه‍ فريسة لفكرة نبش مرقد النبى المنير ونقل جسده الشريف تلك الفكرة الخائبة ، ومن هنا أمر بصنع بعض المراكب الصغيرة فى قلعة (كرك) وأوصلها إلى البحر الأحمر جرّا على اليابسة ، كما أرسل ثلاثمائة وخمسين نفرا من الأشقياء السفلة لاستخدامهم فى تسيير المراكب ولإرسالهم إلى المدينة المنورة إذا اقتضت الأحوال.

وكان غرضه أن يؤخذ الجسد النبوى الطاهر إلى ميناء ينبع ومن هناك إلى بلاده ، ولما وصلت تلك المراكب إلى ميناء ينبع تكونت جماعة كبيرة مع العربان الذين وافقوا على الفكرة وترك فى الميناء قدر كاف من الحراس لحراسة السفن وأخذ الباقى يتسرب إلى ناحية المدينة المنورة منفردين ، ثم اجتمعوا فى مكان معين وأخذوا يتقدمون ، ولما وصل هذا الخبر الذى أثار الدهشة إلى مسامع من يعرف بين المشايخ باسم الشيخ محيى الدين النووى فى الشام ظنّ أنّ والى الشام يريد إرسال الكتب النفيسة التى فى مكتبة الجامع الأنورى الشريف إلى ديار أخرى.

وعندما اطلع الإمام على حقيقة الأمر ذهب إليه وأراد أن يثنيه عن قراره بكلام لين ونصيحة خالصة ، ولما رأى أن كلامه لا يؤثر فيه غير كلامه وأخذ يهدده بفقرات باردة ، وظن الوالى أن الإمام شخص عادى كآحاد الناس فأمر بحبسه وتوقيفه فابتدر من بجانبه الشّيخ ليحملوه معهم ، لكن فراء الأسود والنمور التى كانت مفروشة فى الحجرة تراءت لهم كالحيوانات المفترسة الحية فامتلأ قلب الوالى بالخوف والفزع ولا سيما قلوب الذين كانوا أمسكوا بالإمام وهكذا جعلتهم يفرون جميعا ، وبناء على ذلك ثاب الوالى إلى رشده وندم على ما فعل وطيب خاطره وقبل يده وقدمه إنقاذا من هذه الورطة المخيفة المفزعة.

بينما تصدر الأمور الخارقة للعادة من الإمام النووى والآخرين ممّن يتباهون بانتسابهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فكيف يجوز التردد فى تصديق ما ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، ملك جنود الملائكة من الخوارق هذا النبى الذى اتخذه خالق العالم ـ جل شأنه ـ حبيبا له.

كن مجذوبا بحب الله ... وكن فى كمال الأدب أمام النبى.

الوجهة الثانية عشرة

تشتمل على ثلاث صور

فى ذكر الوقت الذى احترق فيه مسجد السعادة

وكيف احترق ومن الذى جدده

تعرف كيفية احتراق مسجد السعادة للمرة الأولى وكيف جدد

دخل أبو بكر بن أوحد (١) من فراشى المسجد النبوى فى ليلة يوم الجمعة الأولى سنة ٦٥٤ الهجرية (٢) إلى مخزن القناديل الكائن بالزاوية الشمالية لجدار المسجد الغربى ليخرج قناديل المآذن ووضع الشمعة التى فى يده فوق قفص أحد القناديل ونسى أنه ترك الشمعة فوق قفص القناديل ولما كان ذلك القفص قابلا للاحتراق فاحترق فجأة وانتقل الحريق إلى الأقفاص الأخرى للقناديل ومن هناك سرت النار إلى حصير المخزن ثم إلى سقف المسجد الشريف وتركت المسجد فى ظرف ساعة فى حالة أليمة من شدة الحريق واللهيب ، وأخبرت الإدارة الحكومية قبل أن تسرى النار إلى الأطراف فجاء أهل المدينة مع السادات والموظفين وبذلوا الجهود لإطفاء الحريق ولكن محاولاتهم ذهبت سدى فاحترق الحرم الشريف تماما ولم يمكن إخراج شىء من داخله.

ولم يصب الحريق المسجد النبوى وحده ، إذ كان فى ذلك التاريخ فوق صندوق قبر النبى صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة قطعة غطاء بعضها فوق بعض ومصاحف شريفة وكتب نفيسة وأشياء ذهبية ثمينة فاحترقت كلها فظهرت عظمة الأنوار الإلهية كالشعلة الملتهبة.

وقد وقع هذا الحريق بعد نار الحجاز المنذرة وكان هذا الحريق إشارة إلى ما ارتكبه الخوارج فى داخل مدينة الرسول وسوء عاقبة الذين يتصرفون خارج الآداب الشرعية هؤلاء الخوارج الذين فصلت أحوالهم وجرمهم وعرفت فى الصورة العاشرة من الوجهة الثالثة وفى الصورة العاشرة من الوجهة الأولى ، إذ

__________________

(١) اشتغل هذا الشخص قيما فترة ما.

(٢) ادعى بعض المؤرخين أن هذا الحريق وقع فى عام ٦٥٥ ولكن الحقيقة أنه وقع فى عام ٦٥٤.

ظهر بعض الزنادقة عقب نار الحجاز المنذرة ، كما فصل فى الصور المذكورة ، وأحدثوا بدعا كثيرة خارج الأدب المشروع للشريعة الإسلامية.

وقد رأى أهل المدينة هذين البيتين قد كتبا عل جدران مسجد السعادة فملأهم خوفا ورهبة وخشية.

لم يحترق حرم النبى لحادث

يخشى عليه وما به من عار

لكنما أيدى الروافض لا مست

تلك الرسوم فطهّرت بالنار

إن البيتين اللذين رؤيا بعد الحريق على جدران مسجد السعادة يدلان على أن الروافض كانوا سببا فى الحريق بسلوكهم المشين إلا أن الأبيات الآتية التى ذكرت بعد الحريق ب ٦٥٠ سنة توضح أسباب الحريق فى صورة أكثر وضوحا.

وكان يقضى أن الروافض هم الذين يتحملون عذاب تلك النار ، فأفهمهم بطريقة ظريفة حكمة احتراق مسجد السعادة وقائل الأبيات محمد أبو الهدى الجالس على صدر ديوان الأدب وزينة مجمع البلغاء.

تجاوز فى المقام حدود شرع

أناس غافلون عن الإشاره

أراد الحق إعظاما لحقه

عقابهم فأرسل عز ناره

فقال بغيرة رب اهد قومى

فرد النار عنهم للحجاره

ولم يبق فى الحريق المذكور غير القبة (١) التى أمر بصنعها الناصر لدين الله لحفظ لوازم مسجد السعادة ، فالصناديق التى كانت موجودة فى المخازن الموجودة فى خارج مسجد السعادة ، وفى الجهات الأخرى من مسجد السعادة احترقت كلها.

وكانت القبة التى بناها الناصر لدين الله فى وسط المسجد وكان فى داخل القبة المصحف الشريف العثمانى ، وبعض الصناديق الكبيرة التى صنعت فى السنة الثلاثمائة من الهجرة فنجت النصاديق المذكورة من النار بحرمة المصحف الشريف الذى كتبه حضرة عثمان بيده ، وبعد أن انطفأت النار تماما كانت الأعمدة التى ظلت فى الساحة تهتز كأنها أشجار النخيل وتتمايل على جهتين وقد ذاب الرصاص الذى فيها وأخذت تسقط على الأرض واحدة تلو الأخرى.

وكان بين هذه الأعمدة أعمدة لم يذب رصاصها ولم تقع إلا أنها تأثرت من صدمة وقوع الأعمدة الأخرى وأخذت تسقط واحدا تلو الآخر ولم يبق عمود يمسك سقف المسجد الشريف فوقع سقف المسجد الشريف فوق الحجرة المعطرة كما أن سقف الحجرة المعطرة وقع على مرقد النبى الجليل ، وفى اليوم الثانى نظف من ساحة المسجد الشريف المحترق ما يستوعب عدد مصلى صلاة الجمعة وأبلغ الأمر إلى المستعصم بالله بن المنتصر بالله البغدادى وبعثوا المحضر العمومى الذى كتبه الأهالى راجين من الخليفة سرعة تعمير المسجد.

وبعثت الأشياء اللازمة من قبل المستعصم من بغداد مع قافلة حجاج بغداد مع الأمر بسرعة الشروع فى تجديد البناء فبدئ فى إجراء عمليات البناء وفكروا فى تجديد حجرة السعادة أولا ورفع الردم الذى وقع فوق القبور الشريفة وتطهير

__________________

(١) وقد عمرت هذه القبة سنة ٥٧٦ وأطلق عليها اسم قبة الشمع ، فهدمها السلطان عبد المجيد وأضاف ساحتها لساحة حرم السعادة الرملية فى سنة ١٢٧٧ ه‍.

داخل الحجرة المعطرة قدر الإمكان وفعلا فهذا ما كان يجب عمله ، ولأن سقف الحجرة المعطرة كان قد احترق ووقعت الحجارة والتراب وما يشبههما فوق القبور الشريفة ، ولكن مهابة القبور الشريفة والرهبة منها حالت دون ذلك ، فلم يتجرءوا عل تنفيذ ذلك ؛ ومن هنا اجتمع مجلس شورى برئاسة والى المدينة منيف بن شيخة بن هاشم بن قاسم بن مهنى الحسينى وقرر فى هذا المجلس بموافقة أكابر المدينة كتابة عريضة وإرسالها إلى بغداد لتبليغ الأمر إلى الخليفة ولما كان ذلك فى أثناء استيلاء التتار على بغداد لم يأخذوا أى رد فتركوا مسجد السعادة على حالته تلك.

لما كان الضمير لن يقبل ترك مسجد السعادة فى حالة خراب كما أن ورود الإذن بخصوص تعمير المسجد قد تأخر كثيرا فعمر ورمم سادات المدينة وعلماؤها وأعيانها جهات الحجرة المعطرة الثلاث تاركين الجهة الشامية ، وفهموا أن الحكومة البغدادية وموظفيها لن يستطيعوا تعمير مسجد السعادة لما ابتلوا بهجوم التتار فى المحرم الحرام من سنة ٦٥٦ ه‍ ، فراجعوا ملوك المسلمين الآخرين فى الأطراف ، وكانت تعميرات الأهالى لحجرة السعادة مقتصرة على تغطيتها فقط ، وقد بدئ فى هذا التعمير سنة ٦٥٥ ه‍ فصنعوا غطاء من قماش يسمى محايس يمنية وغطوا فوقها ، وكانت بطانة هذا الغطاء من قماش أزرق وكانت الستارة أربع قطع وكانت كل قطعة على شكل باب فضموا بعضها ببعض وألصقوها بلوحة خشبية مصنوعة من خشب يسمى الساج الهندى ولم تكن فى هذه اللوحة زينات ونقوش وكان اسم عاملها محكوكا عليها.

إن أول من استجاب لطلبات الأهالى لتجديد المسجد الشريف صاحب مصر المنصور نور الدين على بن الملك المعز عز الدين أيبك الصالحى وأرسل الأشياء اللازمة للبناء ، ثم وصلت اللوازم التى أرسلها صاحب اليمن الملك المظفر شمس الدين يوسف بن المنصور بن عمر بن رسول فقرر بناء مسجد السعادة من جديد وشرع فى العمل بناء على أمر صاحب مصر وإشعاره وبعد أن بنيت الجهة القبلية

إلى باب السلام تولى ملك مصر المظفر سيف الدين محمود بن ممدود خوارزم شاه ، بدلا من منصور نور الدين على مظفر بن الملك عز الدين أيبك الصالحى للتعطيل ، وبذل سيف الذين المعزى أيضا لإعمار مسجد السعادة جهده ، فبنى الجهة الشرقية من باب السلام إلى باب الرحمة والجهة الغربية من باب جبريل إلى باب النساء فى صورة متينة ، إلا أنه مات فى نهاية السنة المذكورة مقتولا فتعرضت مبانى الحرم الشريف للتعطيل ثانية.

وتولى حكم مصر والشام بعد سيف الدين الظاهر ركن الدين بيبرس الصالحى البندقدارى ، ولما كان يرجو أن يكمل بناء مسجد السعادة عيّن جمال الدين محسن الصالحى من رجالات مصر لأمانة البناء وأرسله إلى المدينة المنورة فى رفقة ثلاثمائة وخمسون نفر من العمال المهرة كما دبر له المال اللازم والأشياء الأخرى وأرسلها إلى جمال الدين محسن دون تأخير.

عندما وصل جمال الدين إلى دار الهجرة بنى المسجد الشريف للمرة الثانية من باب الرحمة إلى باب النساء وجعل للجهات الغربية والشرقية والقبلية سقفين لطيفين فأعاد أبنية المسجد لحالتها الأولى.

وظل مسجد السعادة تسعة وأربعين عاما إلى أوائل عصر الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحى على هيئة بناء الظاهر ركن الدين ، وفى سنتى ٧٠٥ ، ٧٠٦ ه‍ هدم محمد بن قلاوون الصالحى السقوف التى على يمين جهة الساحة الرملية ويسارها وجددها بأن جعلها سقفا واحدا (١) مثل الجهة الشمالية وبعد ٢٣ سنة أضاف عقدين إلى الجهة القبلية فوسع المسجد الشريف قليلا ورمم الجهات التى فى حاجة إلى التعمير وجعلها فى غاية المتانة وذلك فى سنة ٧٢٩ ه‍ ولكن العقدين اللذين أقامهما محمد بن قلاوون لحق بهما البلى ولم يعودا صالحين وخيف من سقوطهما بغتة فيكون ذلك سببا فى هلاك الناس وهذا ما أزعج الناس وأقلقهم ، ولما عرف الأمر الملك الأشرف برسباى بعث أمين البناء مقبل

__________________

(١) كانت الجهة الشمالية لمسجد السعادة وجهاته الأخرى مبنية بسقفين.

القائد وأعطى له مقدارا من النقود التى حصل عليها من حوالى جزيرة قبرص فجدد العقدين المذكورين كما جدد الأماكن التى فى حاجة إلى التجديد فى السقف الشمالى ، وذلك فى سنة ٨٣٧ ه‍.

ولما لزم تعمير بعض أماكن المسجد الشريف بعد ٢٢ عاما بعث الظاهر جقمق المصرى فى سنة ٨٥٣ ه‍ المهندس أمير برد لتجديد سقوف الروضة المطهرة وسقوف الأماكن الأخرى المباركة كما أن الأشرف قايتباى جدد فى سنة ٨٧٩ بعلم شمس بن زمن بعض أماكن السقف الشرقى بعد هدمها إلى المئذنة الشرقية.

وجدد شمس بن زمن بعد سنتين سقف الجهة القبلية وبدل قبة الحجرة المعطرة (١) بقبة حجرية وهكذا رصن حجرة السعادة.

ولكن عندما ضاقت جهة مسجد السعادة الشرقية كثيرا أضاف إليها من الخارج ذراعين وربع ذراع فوسع حرم السعادة كما أن هذا الجدار قد سحب إلى الخارج عند التعمير الأخير أى فى عصر السلطان عبد المجيد قدر خمسة أذرع ولم يكن لذلك الوقت قبة فوق الحجرة المعطرة فكان بناء عمر بن عبد العزيز متصلا بسقف مسجد السعادة على شكل سقف مستو ولكى ينفصل عن سقف المسجد الحرام أقيمت حظيرة من الآجر بارتفاع ذراعين ، وحوّل الملك المظفر هذه الحظيرة إلى قبلة مثمنة فى أعلاها ومربعة فى أسفلها ، وغلفها من أعلاها بألواح خشبية وغلف الألواح الخشبية بألواح رصاصية ثم غطاها بستارة من المشمع.

وفى سنة ٧٥٦ جدد تلك القبة المذكورة الملك الناصر حسن بن محمد قلاوون وجددها مرة أخرى بعد اثنتى عشرة سنة إلا أنها حولت فى سنة ٨٨٦ ه‍ إلى قبة حجرية فى عهد الأشرف قايتباى المصرى.

__________________

(١) وقد قدر الأهالى هذه القبة فى ذلك الوقت وسموها القبة الزرقاء.

فى تعريف احتراق مسجد السعادة للمرة الثانية

وكيفية وصورة تجديده

فى الليلة الثالثة ، وعلى رواية فى الليلة الثالثة عشرة ، من رمضان سنة ٨٨٦ ه‍ وفى الثلث الأخير منها بينما كان رئيس المؤذنين شمس الدين بن الخطيب يهم بالطلوع على المئذنة الرئيسية والمؤذنون الآخرون إلى المآذن الأخرى للتهليل والتذكير والترحيم.

ظهرت فجأة على وجه السماء غيوم سوداء مخيفة وظهرت أصوات مدهشة كأنها طلقات المدافع فأصبحت دار العزة ونواحيها المتجاورة داخل نار ملتهبة ، وزادت أصوات الرعود والصواعق بالتدريج فأصابت صاعقة شديدة مئذنة رئيسية فهدمت أعلى شرفتها والجهة الشرقية من المسجد الشريف وخربته وقتلت شمس الدين بن الخطيب وعشرة من الخدم والجماعة وكان من ضمنهم نائب خازن الحرم.

والصاعقة التى هدمت المئذنة الرئيسية وخربتها سرت نيرانها إلى سقف مسجد السعادة ومن هناك دخلت داخل المسجد بحيث أصبح مسجد السعادة فى وسط النيران فجأة.

وإن كان أغوات حجرة السعادة فتحوا أبواب الحرم الشريف وأخبروا الأهالى بالحادث فتكاثروا وتكاتفوا لإطفاء الحريق وبذلوا كل جهودهم ، ولكن النيران الملتهبة قد أحاطت بجهات مسجد السعادة الأربعة بشدة حالت بين من يحاول أن يدخل إلى داخل المسجد ومع هذا فمن دخلوا داخل المسجد مضحين بأرواحهم اندفعوا خارج المسجد بطريقة شديدة حتى ينجوا بأرواحهم وزادت النار التهابا واشتعالا فلم يبق أمام الأهالى إلا أن ينسحبوا بعيدا وأن يتفرجوا على النار.

بينما كان مسجد السعادة يحترق والنار تنتقل من هناك لهنا أخذ الأهالى ينقلون أشياءهم إلى خارج المدينة وفى نفس الوقت ينظرون إلى النار المخيفة نظرة حيرة ودهشة ؛ ولم يخرج من داخل المسجد إلا بعض المصاحف الشريفة فى أول الحريق ، واحترقت الكتب النادرة القيمة والأشياء الثمينة وكل ما أهدى من قبل السلاطين والأسلاف من الأشياء الذهبية الثمينة ولم ينقذ إلا القبة التى كانت فى وسط الحرم الشريف واحترق عشرة أنفار من الذين دخلوا داخل المسجد بغتة لنقل بعض الأشياء وماتوا متأثرين من النار.

استطراد

اسم القبة التى ذكرت اسمها قبة الشمع وقد بنيت من قبل الناصر لدين الله لتوضع فيها لوازم حرم السعادة وهى الأشياء التى ترد منذ ثلاثمائة سنة حتى مصحف عثمان بن عفان كان محفوظا فى داخل هذه القبة ، ولما ساءت حالتها مع مرور الزمان وخربت ، هدمها السلطان سليمان بن السلطان سليم حتى سوّيت بالأرض وبناها من جديد فى تاريخ ٩٧٤ ه‍ وكتب على القطعة الرخامية التى وضعت خارج جدارها الخارجى بخط جلى مذهّب (لمولانا السلطان الملك المظفر ملك البرين والبحرين ، السلطان سليمان أعز الله نصره) ، ولما رأى محمد رائف باشا الذى عين لأمانة البناء من قبل السلطان عبد المجيد سنة ١٢٧٤ ه‍ أن إبقاء القبة داخل مبانى حرم السعادة مضرا ، رفع تلك القبة من ساحة الحرم الشريف الرملية وأخرجها إلى خارج الجدار الشامى كما ذكر فى الصورة الثالثة من هذه الوجهة ، وفعلا قام بعمل مناسب. انتهى.

وقد اتسعت تلك النار واشتدت واشتعلت حتى إنها جعلت المسجد الشريف يتحول إلى بحر من شعل ولهيب حتى ظن الناس أنها ستحرق جميع حوانيت المدينة المنورة ومنازلها فهربوا إلى أماكن بعيدة ، إلا أنها لم تسر خارج المسجد.

معجزة باهرة

رأى أحد الصالحين فى رؤياه أن بعض الجراد ينتشر إلى الأطراف وعقب ذلك شاهد ظهور شرارة النار وأن النبى صلى الله عليه وسلم يقول : «إننى أمنع هذه النار وفعلا منع انتشار النار إلى الأطراف ، هذا ما نقله هذا الرجل الصالح» ، وفعلا قد رئى فى أثناء الحريق ظهور طيور بيضاء لا حصر لها وتمنع بأجنحتها انتشار النار خارج مسجد السعادة.

وقد رئيت تلك الرؤيا فى الليلة الثانية من رمضان أو الليلة الثانية عشرة ونقلت إلى أمير المدينة السيد الشريف زين الدين ابن الشريف زين بذاته أن الشخص الذى رأى الرؤيا من صلحاء العرب ونال حسن ظن جميع الناس.

حرم النبى محمد فيما مضى

مسته من أثر الصواعق نار

ما تلك صاعقة ولكن لمعة

نورية قدحت بها الأنوار

وسرى زفير المذنبين ملامسا

لحبالها فبدى لها الآثار

وهذه الأبيات ارتجلها بداهة بسبب احتراق الحرم السعيد للمرة الثانية مفخرة العلماء وسند الفضلاء صاحب السماحة أبو الهدى أفندى ولا نبالغ إذا قلنا إنه لا نظير لمثل هذه الموهبة الشعرية فى شعراء الأسلاف.

بعد انطفاء الحريق بعدة أيام أطفأ أهالى دار الهجرة النار الباقية فوق القبة الخضراء ، وعجبوا لما رأوا أن القبة المزينة التى بنيت قبل الحريق فوق الحجرة المعطرة لم تحترق واحترقت فقط القبة الخضراء التى فوقها وذاب الرصاص الذى فوقها وأخذ يسيل فوق قبة حجرة السعادة ولكنه لم يضر الأشياء التى كانت فى داخل الحجرة المعطرة.

عبرة

والغريب فى الأمر أن القبة الكبيرة التى تحيط بالقبة الصغيرة والمخازن التى فى داخل مسجد السعادة والمصاحف الشريفة و ١٢٠ من الأساطين الحجرية ومقصورة مرقد السعادة ومنبر النبى المنير وصندوقه مصلى السعادة قد احترقت كلها وانمحت الأعمدة المتصلة بالحجرة اللطيفة المسعودة ، ورفعت بعد الحريق الأشياء التى كانت فى الجهة القبلية من الحجرة المعطرة ونجت بعض أجزائها كالأشجار والبقايا الأخرى من الحريق إلى جهة الجدران الشامية وكتب الأمر إلى السلطان قايتباى المصرى وقد حزنت قوافل الزوار التى وردت من مكة وتكدرت.

ظهور السيل المروع بجوار مسجد الحرم

عند عودة الذين احترقت قلوبهم بنار احتراق مسجد السعادة كانت تنتظرهم مصيبة أخرى عند عودتهم إلى مكة المكرمة ، وذلك بظهور سيل عظيم وكأنه بحار متلاطمة ، ملأت الصحارى والأودية وفى النهاية ملئ حرم الكعبة المعظمة فهدم كثيرا من المنازل والدكاكين وليس فى الإمكان إحصاء من غرقوا فمن قائل أنهم كانوا ثمانين غريقا ومنهم من يقول مائة ووجدت جثثهم بعد انقطاع السيل ، وروى أنه لم يقع مثل هذا السيل العظيم بعد الجاهلية.

تجديد مسجد السعادة وقصر عزة الوحدانية

لما أطلع السلطان قايتباى على تعرض الكعبة العلياء موئل الرحمة والوحدانية الحرم المحترم لهجوم السيل وخرابه حتى تحول كل ركن منه إلى عش بوم أو غراب ، فعين سيفى سنقر الجمالى لأمانة بناء الكعبة المعظمة وشمس بن زمن لأمانة بناء المدينة المنورة وأخرجهما إلى الطريق وأمر بأن يبعث الأدوات اللازمة للبناء عن طريق جبل الطور وينبع البحر وهما فى مصر وأن يصاحب كلا من سنقر الجمالى وشمس بن زمن أربعمائة من مهرة العمال وكذلك الدواب اللازمة للنقل.

وتوجه سنقر الجمالى وشمس بن زمن نحو مكة المكرمة فى خلال شهر ربيع

الأول سنة ٨٨٦ ه‍ ، وحيثما نزلوا فى الطريق أو قضوا ليلهم وجدوا كثيرا من الموظفين المكلفين بحمل الأدوات اللازمة للبناء كما أرسل موظفون لإحصاء المكلفين بقطع الخشب اللازم من حوالى المدينة المنورة والأخشاب التى وردت من المدينة المنورة ونواحيها ولوازم البناء قد تحولت إلى جبال راسيات وامتلأ الطريق البحرى والبرى بالأشياء اللازمة لتعمير الأماكن المقدسة ، ورأوا أن أهالى كل بلدة وضيعهم أو شريفهم مشغولين بنقل مهمات البناء.

وبمجرد أن وصل شمس بن زمن إلى دار العز المدينة المنورة شرع فى هدم الجهة القبلية للمسجد ابتداء من المئذنة الرئيسية إلى باب السلام وهدم الجهة الشرقية إلى باب جبريل وأخرج الجهة الشرقية إلى خارج ما يقرب من ذراع ونصف ذراع ووسع محراب عثمان الشريف وجعله فى صورة جميلة وطبيعية وجدده ، ورفع عليه قبة جميلة وقصر من طول الأعمدة ووضع عليها عقودا من اللبن ورفع هذه العقود بالأخشاب وصنع عليها سقوفا كاملة منتظمة ، وصنعوا قبابا عالية متينة على الأساطين التى بجانب محراب عثمان والأساطين التى تحيط بحجرة السعادة وغيروا الأعمدة التى فى مقصورة الحجرة المعطرة فى شكل جميل.

ولما كانت القبة التى أقيمت فوق حجرة السعادة أعلى من القباب الأخرى وضع مهندسو التعمير عقودا محكمة فوق الأساطين التى على جوانب الجدار الشرقى الأربعة والشمالى حول هذه القبة وبنوا فوق تلك العقود أربعة أعداد من القباب المتينة وفتحوا منافذ بين المئذنة الرئيسية والعقود سالفة الذكر لتيار الهواء ، عند ما كانت تمد عقود القباب الجديدة أضيف للجهة الشامية لمثلث حجرة السعادة عمود وعندما كان يحفر أساس هذا العمود ظهرت علامة قبر ، ولما حكم أمين البناء شمس بن زمن أن هذا القبر قبر حضرة (فاطمة) رضى الله عنها فجعل ذلك القبر داخل علامة خاصة ، وبعد وضع هذه العلامة أخذ زوار الرسول صلى الله عليه وسلم يزورون هذا المكان أيضا.

كان مكان باب المئذنة الرئيسية قبل الحريق فى الطرف الغربى أى فى المكان الذى يوجد الآن فأداره شمس بن زمن إلى جهة الشام وأسس صفة أمام الأبواب الجديدة ذات الأربع درجات خصصت هذه الصّفة لاستراحة الأئمة يوم الجمعة إلا أن شاهين الجمالى عندما جدد المئذنة الرئيسية فى سنة (٧٩٨) هدم تلك الصفة وأعاد باب المئذنة إلى مكانه القديم أى الجهة الغربية.

والآن يجلس خطباء مسجد السعادة قبل الخطبة أمام هذا الباب ، وبعد أن أتم شمس بن زمن عمليات المواقع المذكورة زين باب السلام بقطع رخام ملونة ، وبنى قبتين رصينتين فى جهة الباب الداخلية فقوى ورصن ذلك الباب ، ثم أمر بحفر أطراف الروضة المطهرة الأربعة وسوى أرضية المسجد وسطحها ، وركز محل الصندوق الذى كان علامة مصلى النبى عمودا وزين أعلاه بالحجارة الملونة الخاصة بالمحراب النبوى ، وفرش أطراف الحجرة المعطرة بالرخام كشكلها القديم ، ثم أتم عمليات المقصورة ومنبر السعادة والمحفل ، وعقب ذلك أمر بصنع صفة صغيرة فى المحل الذى بين باب السلام ونهاية المسجد ، ولكن الصفة التى فى الجهة الشمالية أعلى قليلا من الصفة التى صنعها شمس بن زمن.

بعد ما تمت عمليات المحلات المشروحة هدم رباط الحصن العتيق الذى فى جهة باب السلام ثم هدم مدرستى دار شباك وجوبانية وبنى على ساحتيهما مدرسة جميلة باسم السلطان قايتباى ، وبنى كذلك رباطا ، وقد أقيمت مبانى هذه المدرسة والرباط المذكور فوق ثلاثين عقدا وكانت ذات ثلاثة طوابق وكان بناء ضخما له ثلاثة أبواب ، والنافذة التى تنسب إلى أسبق المهاجرين وأفضل أصحاب الدين حضرة أبو بكر الصديق أحد أبواب ذلك المبنى الضخم وهو الباب الذى استثنى عندما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الأخرى.

كان شمس بن زمن أمر ببناء عقود كثيرة على جدار مسجد النبى القبلى وهو يتصور أنه سيبنى الرباط والمدرسة المنسوبين إلى السلطان قايتباى فى الجهة القبلية لحرم السعادة ، ولكنه غير فكره مؤخرا وسد جميع العقود التى صنعت فى الجهة

القبلية ما عدا العقود التى تحاذى المحراب العثمانى ، ولذلك زينها كلها بقطع زجاج ملونة بمختلف الألوان وشبك طرفها الخارجى بأسلاك نحاسية ، ثم شرع فى تأسيس الرباط والمدرسة (١) سالفى الذكر وبنى مئذنة فى جهة باب الرحمة للمدرسة كما بنى حماما وعمارة وسبيلا وطاحونة (٢) ومخبزا ومطبخا للدشيشة (٣) ووكالة ، وأتم كل هذه الإنشاءات فى سنة ٨٨٨ ه‍ وأبلغ الأمر إلى مصر وعرضه ، وعاد ولكن السلطان قايتباى قد أبلغ أن تزيينات مسجد السعادة الداخلية وتذهيباته ليست منسقة وجميلة فأرسل فى سنة ٨٨٩ ه‍ بعض النقاشين والرسامين من مهرة العمال والأشياء اللازمة لذلك فزينوا داخل الحرم الشريف فى صورة غاية فى جمال الصنعة ، وأرسل من مصر مصاحف شريفة وكتبا نادرة لتقوم مقام المصاحف المحترقة والرسائل النفيسة ، وهكذا أكمل وظائف عبوديته ، وأرسل بعد مدة لأجل الرباط سالف الذكر عشرة أعداد من القدور الكبيرة وجميع أنواع لوازم الطبخ ، وأصدر أوامر مشددة بخصوص إبطال المكوس وأنه سيبعث بدل المكوس ألف إردب من قمح لولاة المدينة سنويا كما كتب أن القمح سيرسل سنة عن طريق ينبع.

مكوس

جمع مكس وهو أخذ الخراج من الأشياء التى تباع فى الأسواق والطرق ومن الأشياء التى تخرج من المعايير وشراء شىء أقل ثمنا من الآخر ويروى أنه من مخترعات النمرود وقبله لم يكن هذه الأشياء موجودة.

وبعد ما أتم السلطان قايتباى آيات بره المشروحة ، أو لم وليمة لأهالى دار العز لم يروا مثلها من قبل ، ثم اشترى من يد السادات المنازل التى تسمى عباسا وما حولها من المساكن والبيوت وبنى مكانها الرباط والوكالة سابقتى الذكر وأوقف لأهالى المدينة ألف وخمسمائة إردب قمح سنويا واللوازم الأخرى وعين لكل

__________________

(١) واليوم تسمى هذه المدرسة «المدرسة المحمودية».

(٢) وإلى هذا الوقت لم يكن فى المدينة حمام ولا طاحونة.

(٣) حساء يصنع بطحن القمح فى طاحونة يدوية وهو يصنع من القمح المكسر مثل البرغل.

واحد من أهالى المدينة شهريا سبع أرادب مصرية قمح وهى تساوى خمسة أمداد مدنية ، كما عين؟ للمجاورين كل يوم قطعتين من خبز ومقدارا كافيا من طعام الدشيشة وجعل للأغنياء والفقراء معينات وافية لكل واحد حسب حاله ، وصار عطاءه هذه الأشياء كل سنة عادة.

يقول الإمام السمهودى : إن السلطان قايتباى المصرى أنفق لأجل اللوازم والأدوات وأجور الدواب فى سبيل تجديد المبانى المقدسة مائة وعشرين ألف دينار.

وأخبر مؤلف روضة الأبرار : أنه أنفق مائتى ألف قطعة ذهبية خالصة العيار تقربا للرسول الله صلى الله عليه وسلم وأتم عمليات تجديد وتعمير الأبنية المقدسة فى حوالى سنتين. وهذه الأخبار أخبار دقيقة.

ذيل

ولا ينكر أن ما قام به قايتباى المصرى فى إيجاد العمارات والوقف شىء لم يسبق إليه من قبل وأن هذا العمل تضحية عظيمة ، إلا أنه فى عهد السلطنة العثمانية والخلافة الكبرى قد زادت المرتبات الحجازية وترقت وقد روعى جانب سكان المدينة بدرجة لو كان السلطان قايتباى حيّا وعرف ذلك لشعر بالخجل ، وكل ما يقال عن خدمة الخلفاء العثمانيين للأماكن المقدسة بشهادة صفحات التاريخ وباعتراف أولى الأبصار.

وبناء على ما فصل فى الصورة الثامنة من الوجهة الأولى فإنه قد طرأ فى فترة ما تقصير وإهمال فى توزيع الصدقات فأعطيت مخصصات الأهالى أربعة أشهر وتركوا ثمانية أشهر مكشوفين ؛ ولما سمع ذلك بعث بالموظفين المخصوصين لتحرى الأسباب المؤدية لذلك ، ثم عين شيخ الحرم المتصف بالعدل والتزام الحق ، فأعطيت مخصصات الأهالى شهرا بشهر فدعوا للسلطان بالخير.

كان السلطان قايتباى المصرى أرسل سنة ٨٩١ ه‍ شاهين الجمالى إلى المدينة المنورة ونصبه شيخ الخدم وتولى سماطا وطعاما وأودعه الأدوات والأشياء اللازمة لتعمير وتشييد مئذنة السعادة ، وجددها فى صورة متينة رصينة جميلة بأحجار

منحوتة وبعد ست سنوات أصابت الصاعقة تلك المئذنة وخربت وأصبحت مأوى للبوم والغربان فهدمها حتى الأرض وجددها فى شكل منسق جميل بعد الاستئذان.

فى بيان عرض الخدمات والعبودية

من قبل السلاطين المشار إليهم إلى المسجد النبوى

أو شكت بعض جدران مسجد السعادة وقبة حجرة السعادة ومبانى مسجد قباء على الانهيار ومالت إلى الانهدام والسقوط حتى أصبحت الصلاة فى داخل الحرم النبوى الشريف خطرا ، وبلغ الأمر إلى باب أصحاب القرار ، ولما كان هدم حرم السعادة هدما كاملا غير مستساغ شرعيا طلب أن يسمح بهدم بعض الأماكن الآيلة إلى السقوط من المواقع الشريفة.

وقد وصل الطلب الذى أرسل من قبل سادات وأعيان المدينة باهرة السكينة فى خصوص الأمر المعروض فى الوقت الذى يعمر فيه سور المدينة المنورة فصدر الفرمان السلطانى إلى والى مصر أن يبلغ المكلفين بتعمير السور بهذا الأمر ، وأن يعد الأدوات اللازمة والمبالغ الكافية والعمال ورؤساء العمال وأن يرسل سريعا إلى المدينة المنورة ، وأرسل الأمر السلطانى بعد أن كتب فى قلم الديوان السلطانى إلى والى مصر ، ولما كانت الإدارة السلطانية الهامة ومطالبها قد فصلت فى كشف خاص وعرف بها الوالى المذكور فهيأ والى مصر المهندسين والمعماريين ورؤساء العمال والبناءين والمبالغ الكافية وأرسل جميع المطالب برا وبحرا بكل احترام وتعظيم كما بعث رسالة إلى أمناء البناء بها تعليمات خاصة. وتفقد أمين البناء كافة المواقع مع السادات والأعيان بناء على ورود الأشياء اللازمة والتنبيهات التى وردت من والى مصر.

وشيد وأصلح داخل الحجرة المعطرة وخارجها كما سبق أن عرف فى بحث حجرة السعادة ثم هدم باب مسجد السعادة المشهور ب (باب السلام) وبنى مكانه بابا عظيما من الرخام المجلى يجذب الأنظار وذلك فى سنة ٩٤١ ه‍.

وبعد هذا التعمير بست سنوات هدم ابتداء من الباب الذى يطلق عليه باب الرحمة إلى المئذنة الشكلية مع المئذنة والجدار الواقع فى الجهة الغربية وجدد كل هذه الأماكن فى صورة رصينة محكمة وذلك فى سنة ٩٤٧ ه‍ ، وبعد أن جدد هذا الجدار الشريف على الوجه المطلوب فهدم الجدار الشرقى الذى يمتد من باب النساء إلى آخر الحرم مع مئذنته وجدده.

وبنى قبة الشمع وبنى فوقها مكان خلوة عاليا كما أسس بجانب مئذنة الشكلية واتصالها دار خلوة أخرى فشيد تلك المئذنة من جديد على شكل مآذن بلاد الروم ؛ وذلك فى سنة ٩٤٨ ه‍.

وبعد أن تغير شكل هذه المئذنة أصبح الأهالى يذكرون مئذنة الشكلية باسم المئذنة السليمانية (١).

وبعد التعمير المذكور بست وعشرين سنة أخذت بعض أماكن الجدار الغربى لامعة الأنوار تخرب ، فأمر السلطان سليمان ـ عليه رحمة الله المنان ـ بهدم الجدار الذى يمتد من باب الرحمة إلى آخر حرم السعادة وجدده كما جدد تلك الأماكن التى مالت للخراب وغير أعلام محراب النبى صلى الله عليه وسلم والمنبر النبوى والمآذن التى هى من شعائر الدين المصطفوى ، وأضاف إلى قناديل وشمعدانات الروضة المطهرة والحجرة المطهرة كثيرا من القناديل والشمعدانات الأخرى ، فأضاء مسجد السعادة كقلوب الموحدين ، ثم اشترى بيوت الديار العشرة المشهورة وأسس رباطا خاصا بالفقراء والغرباء.

كما بنى عشرين رباطا أخرى غير هذا الرباط إلا أن كلها قد اندرس وزال ؛ وخرج رباط الديار العشرة من شكل العمارة وجعل مكانه مخازن لوضع لوازم مسجد السعادة ودائرة خاصة لإدارة شيخ الحرم وسبيلا وحديقة جملية.

وليس إشراف رباط الديار العشر على الخراب حالة يؤسف عليها حالته هذه

__________________

(١) يطلق على هذه المئذنة الآن العزيزية.

أنفع لمسجد السعادة ؛ من حالته الأولى ؛ لأنه قد فتحت فى الجدار القبلى للمسجد الشريف نافذة كبيرة تحاذى نافذة المواجهة الشريفة وهذا ما زاد حرم السعادة جمالا على جمال ؛ ولو كانت أطراف المسجد كلها حديقة لما بقى أثر للعفونة ولما وجد فى مسيرة الكائنات مكان أكثر بهجة وانشراحا من هذا المكان.

عندما جدد باب الرحمة كتبت على يمينه ويساره التواريخ بعد البسملة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) أمر بتجديد هذا الباب الشريف سيدنا ومولانا السلطان الملك المظفر ؛ السلطان سليمان بن السلطان سليم ابن السلطان بايزيد خان ، ابن السلطان أورخان خان ابن السلطان عثمان خان ، خلد الله ملكه وأعز نصره ، بمحمد وآله وذلك فى شهر رمضان المعظم سنة سبع وأربعين وتسعمائة ، كما كتب على يمين ويسار باب السلام الذى صنع مجدّدا أيضا بعد البسملة.

(ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الأحزاب : ٤٠)

اللهم أدم له العزة والتمكين والنصر والفتح المبين بقاء عبدك ومولانا السلطان سليمان شاه ابن السلطان سليم خان بن بايزيد خان بن السلطان محمد ابن السلطان مراد ابن السلطان محمد بن السلطان بايزيد ابن السلطان مراد بن السلطان اورخان بن السلطان عثمان خان ، أعز الله نصره وخلد الله ملكه وختم بالصالحات أعماله بمحمد وآله وصحبه وسلم.

وذلك مع تاريخ سنة إحدى وأربعين وتسعمائة فى شهر صفر ، كما كتب على الجهة اليمنى لهذه التواريخ مولانا السلطان الملك المظفر سليمان شاه بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد خان ملك البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين ، خلد الله ملكه.

شعر

رسول الله إنى مستجير

بجاهك والزمان له اعتداء

وجاهك يا رسول الله جاه

رفيع ما لرفعته انتهاء

كتبت هذه القطعة ، كما كتب على رواقها الخارجى الآية الكريمة الجليلة.

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد : ٢٤).

والآية :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦).

وبعد ذلك كتب النعت الشريف

وظنى فيك يا طه جميل

ومنك الجود يعهد والسخاء

وحاشا أن أرى خزيا وذلا

ولى نسب بمدحك وانتماء

وكم لك يا رسول الله فضل

كقدر الأرض لابل والسماء

وكم لك معجزات ظاهرات

كضوء الشمس ليس له خفاء

وفوق هذا البيت كتب على طاق الرواق المذكور حديث «من زارنى بعد موتى فكأنما زارنى فى حياتى» ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه الطاهرين.

وطهر محمد باشا ، وهو من وزراء السلطان سليمان بن السلطان سليم ، مجرى عين الزرقاء ووكل فى ذلك السيد أحمد بن سعد الحسينى نقيب أشراف المدينة المنورة وطلب منه راجيا أن يعمر ويحيى تلك الأماكن ، وأخذ السيد أحمد أفندى بستان عيينة المشهور وعقب ذلك بئر الخاتمى وهى فى جهة قباء باسم محمد

باشا وأجرى مياه هذه الأماكان إلى مجرى عين الزرقاء وحتى يزيد من مياهها قد حفر عدة آبار أخرى فوسع وطهر مجرى العين المذكورة إلى باب الرحمة ، وصنع سبيلا بالقرب من باب الرحمة ، ومن هنا فتح طريقا إلى حى الأغوات وجعل منهلا فى ذلك الحى ينزل إليه بسلم والماء الذى أوصله إلى هذا المنهل ، أجرى مياه هذا المنهل إلى حوش المغاربة بحفر مجرى خاص ، وصنع فى داخل أربطة الديار العشر والمغاربة سبيلا لكل واحد منهما كما صنع حماما بجوار القلعة وطهر بئر على وعمقها فى النهاية.

بعدما انتهى سيد أحمد أفندى من هذه الأعمال ، بنى سبيلا أمام مسجد قباء وميضأة ثم اشترى بستانا أوقفه للحمام ، ثم بنى بيتا فى منصة بئر خاتمى ثم أمر بحفر حوض بالقرب من هذا البيت ، ثم اشترى البيت المتصل بهذا البيت ووضع فى طرف من أطرافه محرابا فجعله على شكل المسجد ، ووقف المنزل الذى يمتلكه لإقامة الفقراء والغرباء واشترط ذلك ، وكل ذلك رعاية للصاحب القديم لذلك البيت وذلك فى سنة (٩٩٢ ه‍) لأن ذلك المنزل كان المنزل السعيد الذى كان يسكن فيه الصديق الأكبر.

ولكن لشدة الأسف أن مدير الحرم الشريف جدد مسجد أحمد أفندى باسم محمد باشا والنزل الذى بنى باسم سيد أحمد أفندى ثم وقف ، جددهما وجعلهما مسكنا لأهله وترك الفقراء المجاورين فى العراء وأظهر دناءته إذ بنى على الساحة التى تنسب للصديق الأكبر حماما وميضأة وذلك فى سنة (١٢٥٤ ه‍).

وكان السيد أحمد أفندى قد اشترى البستان الذى أمام حمام محمد باشا وبنى أمامه حوضا يملأ بمياه عين الزرقاء وحصر المياه الزائدة لهذا الحوض لرى البستان المذكور ثم وقف سواء أكان البستان أو الحوض لحمام محمد باشا.

إن الحوض الذى حفر مقابل بستان حمام محمد باشا كان غاية فى الكبر وبما

أنه فى طرف الساحة الواسعة التى ينصب عليها قوافل محامل مصر والشام خيامها كان أهالى القافلة يستخدمون هذا الماء وما زالوا يرتوون منه.

ولا يعرف الآن ما حدث لحمام محمد باشا إلا أنه يوجد فى زماننا فى المدينة المنورة حمامان يستخدم أحدهما فى دائرة الترجمة للحرم النبوى وهو حمام أحمد نظيف أفندى فى المناخة والنزل الذى اتخذ مستشفى للعساكر النظامية السلطانية مقابل هذا الحمام ، وأحد الحمامين المذكورين فى حى حارة الزوران التى تلاصق السور الداخلى لمسجد السعادة من الجهة القبلية ، وهو الحمام الذى ينسب إلى الشهيد نور الدين. انتهى.

لقد أقام السيد أحمد أفندى أيضا مستشفى على اسم محمد باشا خاصة لعلاج غرباء دار السكينة ، ولقد كفل لها الأطباء والخدم اللازمين وأوقف لها مقدارا كافيا من العقارات والأملاك ، ومع مرور الأيام انهارت أكثر أماكن هذه المستشفى وخربت ؛ وإن لم ترمم أبنيتها لقد خصص فى سنة ١٢٥٥ ه‍ جراية خبز لمرضاها ، ومن هنا كان المرضى الذين ملوا من حياتهم لشدة حاجتهم وامتداد عللهم يدخلون فى هذه المستشفى حتى يسلموا أرواحهم فيها.

وقد عمر والد السلطان كثير المحامد الأماكن الخربة من هذه المستشفى وألحق بها صيدلية ومخزن أدوية وخصص لها الأدوية الطبية واللوازم الجراحية كما هيأ لها ما يلزمها من أطباء وجراحين وصيادلة والخدم ، وكانت هذه المعدات كافية لعموم أهالى المدينة والحجاج ، وبهذا أحيا أهالى المدينة من هذه الجهة أيضا.

وقد أدخل السلطان مراد خان الثالث بن السلطان سليم خان الثانى شونة مخزن ينبع البحر داخل السور حفظا لها من هجمات العربان وأسس مخزنا آخر لوضع ما خرب من الجدار القبلى ومحرابه وأصلح جدرانه الأخرى وشيدها فى غاية من المتانة والإحكام وأعاده إلى حالته الأولى ، كما عمر وأحكم المرفأ الذى على شاطئ البحر والذى يبلغ عرضه ٥٣ ذراعا وطوله ٢٤ ذراعا والذى كان

أشرف على الانهيار ، وخصص بعد ختام هذه الأعمال صرة سلطانية تحتوى على أربع وأربعين قطعة ذهبية على أن يكون أحد عشر ألف دينار منها لأهل مكة وباقيها لسكان دار السكينة المدينة المنورة ، وذلك كل سنة ، كما عين بعد ذلك لجيران رسول الله أربعة آلاف إردب قمحا وللحجاج الذين انقطع بهم الطريق خمسمائة إردب قمحا وذلك فى سنة (٩٨٦ ه‍) وكانت هذه الذخيرة ترسل من مصر إلى ينبع ومن هناك إلى المدينة المنورة وتوزع على الأهالى المحتاجين وتقسم عليهم.

وقد جدد السلطان المشار إليه فى سنة ٩٨٨ ه‍ مطبخ الدشيشة «وهى عبارة عن نوع من الحساء المصنوع من القمح المدشوش» وسر خدمته بإعطائهم قطعة ذهبية يوميا كما سر طباخيه بإعطائهم إردب قمح فوق القطع الذهبية ؛ وذلك فى سنة ٩٨٨ ه‍.

وعانى فى هذه الفترة أهالى المدينة فى محلاتهم مضطربين من العطش ، ولما أبلغ الكيفية إلى مسامع السلطان أسس فى القرب من باب المضر سبيلا وخصص لكل واحد من خدمه ونظاره مقدار ستين درهما من النقود وعين لهم سنويا خمسين اردبا قمحا لكل واحد منهم وأمر أن يملأ هذا السبيل يوميا بواسطة السقائين ليروى عطاشى المسلمين وذلك فى عام ٩٩٠ ه‍.

وبعده بعام خصص لأغوات الحرم الشريف (حب الجراية) يوميا كما خصص لعبيد عين الزرقاء (حب الجراية) (١) يوميا وعين لفقراء المجاورين والعلماء الصالحين ألف إردب حنطة سنويا وكان ذلك فى سنة ٩٩١ ه‍ عندما كان عدد أغوات الحرم الشريف سبعة وخمسين وعبيد عين الزرقاء سبعة عشر نفرا.

وكان المسجدان الشريفان اللذان لأبى بكر الصديق وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهما ـ أشرفا على الخراب وحرم الزوار الكرام من شرف زيارتهما ،

__________________

(١) كان يطلق على الخبز المصنوع من الحبوب المرسلة من مصر حب الجراية.

ولما وصلت الكيفية إلى أسماع السلطان أمر بترميم وتعمير هذين المسجدين كذلك ما بجوارهما من الأربطة القديمة الخربة ، وجامل خدمها بأن خصص لهم عامة رواتب كافية ، وذلك فى سنة ٩٩٤ ه‍ ، وفى خلال تلك السنة كان الجدار الذى فى جهة باب النساء من حرم السعادة قد مال للسقوط وأصبح تعميره واجبا ورجى من السلطان صاحب القرار أن يأذن بإجراء ما يقتضى عمله ، وبناء على الأمر السلطانى الصادر هيئ الموظفون والعمال والأدوات اللازمة للبناء وأرسلوا عن طريق مصر القاهرة ، وعندما وصل أمين البناء إلى المدينة المنورة وتفقد المسجد الشريف بناءا على آراء السادات والأهالى ، وقرر أن يهدم الجدار الشرقى للمسجد ابتداء من باب النساء إلى نهاية حرم السعادة ، ولما استلم القرار من قبل العلماء هدم المكان المذكور من أساسه وأبلغ وجوب تجديده إلى عتبة الباب العالى السامى ، ووافق هذا القرار رأى وأفكار السلطان ، وبناء على ذلك أبلغ الأمر كتابيا إلى أمين البناء وطلب منه الإسراع فى تجديد المكان المذكور وفقا لإرادة الأهالى الكرام كما أرسل قطعة من التاريخ محكوكة على رخام ، وبين فى الرسالة الكتابية أن وضع هذا التاريخ فى مكان مناسب وإلصاقه من بعض الأوامر السلطانية.

وشرع أمين البناء بناء على التعليمات السلطانية العالية فى أداء مهمته وفى ختام العمليات وضع حجر التاريخ فى ركن من أركان الجدار المجدد ، وبين الأمر وأبلغه إلى مركز السلطنة ولأجل ذلك أرسل لأمانة البناء وسائر الموظفين وأعيان البلدة خلعا فاخرة وعطايا وفيرة وذلك فى سنة ٩٩٥ ه‍.

وكان طول الجدار الذى جدد ٩٥ ذراعا وارتفاعه ١٧ ذراعا والتاريخ الذى أرسل من باب السعادة لإلصاقه على الجدار المذكور يتضمن الآتى : «اللهم خلد ملك من جدد هذا الجدار المحترم وهو مولانا السلطان الأعظم والخاقان الأكرم ، سلطان القبلتين وخادم الحرمين الشريفين ، السلطان مراد خان».

تاريخه :

جدد جدار المسجد النبوى ، السلطان مراد لوجه الله ، سنة خمس وتسعين وتسعمائة فى سنة ٩٩٥.

وبعد سنة خمس وتسعين ببضع سنين تعرضت ثلاثة صفوف من سقف حرم السعادة للضرر إذ أصابها حريق ورعود فاكتست منظرا قبيحا مخيفا ، واستحال أداء الصلاة فى تلك الجهات ، وإن إبقاء حرم السعادة على حالته الحاضرة إلى أن تنهار تلك الأسقف كليا سيؤدى إلى هدم وخراب حجرة السعادة ، ولما كان هذا غير جائز أبلغ الأمر بمحضر كتابى إلى الباب العالى ، ودرس الموضوع طويلا فى الباب العالى ، وبعد أن خمن الأضرار التى ستتسبب عن هذا الأمر فى المستقبل والخسائر التى سيؤدى إليها ، عرض الأمر على السدة السلطانية فأمر السلطان بإرسال أحد الأمراء الصالحين ، بعد تعيينه لأداء هذا العمل وتدبير الأدوات اللازمة التى تقتضيها المهمة وإرسالها سريعا إلى دار العز المدينة المنورة وأبلغ هذا الأمر إلى والى مصر وأرسل الأمر الصادر من قبل السلطان أيضا إليه ، فأرسل أمين البناء المعين مع المهمات التى دبرت ومهرة العمال إلى دار السكينة.

ولما وصل الموظفون الذين أرسلوا من مصر إلى المدينة المنورة تفقدوا الأماكن التى تحتاج للتعمير والتجديد من حرم السعادة وذلك مع موظفى الحكومة فى المدينة وسادتها ، وبناء على الإرادة السلطانية وآراء العلماء والأهالى قوضت ثلاثة صفوف من الأسقف التى اقتضى الأمر هدمها ، وبنى مكانها ثلاثة صفوف من القباب الخشبية بمبان حجرية.

وكتب فوق الجدار الشامى الذى فى ناحية الساحة الرملية : هذا تاريخ بناء الروضة الشريفة روضة النبى خير العباد قام بتجديده السلطان مراد ، فى سنة ٩٩٩ ه‍.

وأبلغ الأمر بواسطة والى مصر إلى عتبة صاحب القرار ، ومن هنا جزا السلطان من يستحقون المكافأة بالعطايا السلطانية وبالخلع الفاخرة التى لا مثيل لها.

والثلاثة صفوف التى جددت كان كل صف منها يتكون من تسعة قباب ، وفتحت فى محاذاة الصف الأول من القباب وفى التقاء سطح حجرة السعادة هوايتين لتلطيف جو حرم السعادة فى أيام الصيف وتبريده وقد اكتسب مسجد السعادة بهاتين الهوايتين زينة أخرى.

وقبل أن تختتم عمليات بناء القباب المذكورة ، صدرت الإرادة السلطانية السنية لشراء ساحة كبيرة فى غاية الوسع لبناء عمارة منسوبة لاسم السلطان السامى ، وبعد إتمام عمليات مسجد السعادة قد دبروا الساحة فى خارج المدينة وبنوا هناك عمارة كبيرة عظيمة جميلة كما أسس فى قرية قباء رباطا خاصا بالفقراء وعين له الموظفين اللازمين وذلك فى سنة ٩٩٨ ه‍ ولم يسمع أهالى الحرمين حتى ذلك اليوم عن مثل هذه العمارة ولم يروا مثلها.

وقد بنيت هذه العمارة بطلب الأهالى وإرادتهم وأنشئ لإسكان خدمها أربعة عشر بيتا مستقلا ، فأطلق أهالى المدينة المنورة على تلك العمارة التكية المرادية لإظهار مدى سرورهم القلبى وابتهاجهم.

وعندما يقال لهذه العمارة تكية ، فلا يفهم أنها تكية عادية للذكر والفكر ، والتى يطلق عليها خانقاه ، ولم تكن هذه التكية من التكايا التى نعرفها بل كانت عمارة خاصة بجميع الأهالى.

وكانت ثمانية أو أربعة عشر منزلا خاصة لسكنى المتزوجين من الخدم وستة فيها خاصة لسكنى الخدم العزاب.

وكانت تلك التكية فى ناحية باب المضر وخارج السور وكان لها مخزن كبير ومطبخ ومخازن صغيرة متعددة وفى داخلها طواحينها وعدة مخابز وحجرات لوضع اللوازم الأخرى ، وكان يخبز الخبز كل يوم فيها وكانت تصنع الحلوى فى ليلتى الجمعة والاثنين أكثر مما اعتيد.

ويطبخ فيها الأرز والزردة (وهو طعام حلو يطبخ بالزعفران) ويوزع على الفقراء ، وكانت هذه العمارة تعد مبرة خيرية لا مثيل لها فى البلاد العربية كما كانت تقدم ما تقوم به حياة كل الفقراء من الأهالى.

وكانت الأطعمة التى تطبخ فى التكية المرادية نفيسة وكثيرة بدرجة حتى إنها كانت توزع فى ليلتى الاثنين والجمعة ما عدا الغرباء والفقراء على جميع أهالى المدينة ، وبناء على الروايات الموثوقة أن فقراء أهالى المدينة كانو يصفّون ما يحصلون عليه من التكية من طعام الأرز ويئتدمون بزيته عدة أيام ، وقد اشترى السلطان فى مصر عدة قرى وأوقفت محاصيلها على تلك العمارة ، وكان يرسل من مصر سنويا محاصيل تساوى خمسة وعشرين ألف قطعة ذهب.

وبناء على المعلومات التى أفرها مؤلف لطائف الأخبار من مؤرخى مصر أن القرى التى شريت لأجل التكية المرادية ووقفت لها هى : لفلا ، ظاهرية (١) سبك الأحد ، شبرا زنجى (٢) ، طنان ، كفر زريق ، طوخ الملقة ، سد طنان ، سهرا (٣) ، سندوب ، زريبة ، بهداد ، بلو صوره ، سفط الخمارة ، كفر حيدره ، قيس ، انسوح ، ريده منية سمنود ، أبو الحسن (٤) ، كوم برا ، تهيا (٥) ، بلقيا ، دنديل ، حكامنا ، دشنا ، ضوابط ، أهناس المدينة أهناس الخضراء ، وكانت الحكومة المصرية تدرّ من محاصيل هذه القرى واحدا وعشرين ألف إردب من الحبوب وترسلها إلى بندر السويس ومن هناك إلى ينبع بواسطة نوع من المراكب تسمى سبنودا من هناك إلى المدينة المنورة محملة على الجمال وكانت هذه الحبوب وقف دشيشة التكية المرادية.

إلى هذا التاريخ لم تكن فى المدينة المنورة مؤسسة خيرية مثل هذه وكان أهل المدينة محتاجين لمثل هذه التكية حقا لأجل ذلك يهدى أهل المدينة إلى الآن لروح السلطان المغفور له المشار إليه الفاتحة بكل إخلاص.

__________________

(١) تتبع هاتان القريتان ناحية البحيرة لعلها «نكلا ، ظاهرية».

(٢) كانت من توابع ناحية المنوفية.

(٣) كانت تتبع ناحية القليوبية.

(٤) كانت هذه القرى من نواحى الدقهلية.

(٥) كانت هذه القرى داخل نواحى بهنساوية والوجه القبلى.

نكتة لطيفة

كان قد خصص للبغلين اللذين يستخدمان لإدارة الطاحونة التى فى داخل العمارة المرادية إردبين من الشعير يوميا لكل واحد منهما ، ولما كان إردبان من الشعير اللذان خصصا بالإرادة السلطانية كثيرا جدا ، سأل رجال الدولة السلطان قائلين : «ما الحكمة فى تخصيص إردبين من الشعير يوميا لكل واحد من البغلين مع أنكم تعرفون أن إردبين من الشعير يكفيان لإطعام ثمانية وأربعين بغلا فى اليوم؟ فأجابهم قائلا : «يأتى يوم لا يقدم لهذين البغلين المسكينين من هذين الإردبين حتى حفنة واحدة» وفعلا هذا ما حدث فيما بعد.

تأسف

ولم تبق من العمارة العظيمة المذكورة فى زماننا غير خرابة وليس فيها قطرة ماء فى خزانة سبيلها فضلا عن المأكولات والمشروبات ، وكان قد اتخذ ركن فيها قبل يومنا هذا مدرسة يعلم فيها ثلاثة أو خمسة من الأطفال ، والآن يقيم فيها العساكر السلطانية من ركاب الهجين.

وكان السلطان مراد المرحوم قد أسس بجانب التكية مدرسة مشترطا أن يدرس فيها خمسون طفلا سنويا ، ويأخذ مكان الأطفال الذين يحفظون القرآن الكريم ويغادرونها أطفال آخرون وما خصص لمدرسى هذه المدرسة وطلابها من المخصصات لإعاشتهم والملابس كانت توزع عند حلول مواعيدها.

وعقب ختام بناء تلك المدرسة بنيت زاوية ، وعمرت بعشرة من المتصوفة وشيخهم ، وخصصت لهم الأشياء اللازمة لإعاشتهم من العمارة سالفة الذكر ثم أضيف لها عدد من الخبز لتحسين أحوالهم وذكر الله فيها صباحا ومساءا.

وفى ختام مبانى تلك الزاوية المذكورة وظف من الصلحاء أربعون نفسا نفيسا وخصص لكل واحد منهم اثنى عشر دينارا سنويا ، وكان هؤلاء الصلحاء

يجتمعون فى داخل الروضة المطهرة يتوغلون فى تلاوة سورة الأنعام ويهدون أجر ذلك للروح المحمدية اللطيفة وكانوا يتوسلون بالروح النبوية من أجل نصرة الجنود المسلمين ، كما وظف مؤخرا ثلاثون فقيها وخصص لكل واحد منهم قطعتين من الذهب سنويا وكلفوا قراءة القرآن فى داخل الروضة المطهرة كل يوم ، وهؤلاء أيضا كانوا يرفعون أياديهم بالدعاء ويهبون أجر مثوبة قراءاتهم لأرواح سلاطين المسلمين.

وقد رتب كذلك ثلاثون من قراء أجزاء القرآن بشرط أن يختم القرآن فى داخل الروضة كل يوم مرة ، على أن يأخذ كل واحد منهم سنويا ثلاثة دنانير ونصف دينار كما عين مائة نفر لأداء الحج لابسين ملابس الإحرام واقفين على جبل عرفات فى مواقيت الحج على أن يأخذوا سنويا عشرة دنانير ، وكان قراء أجزاء القرآن يختم كل واحد منهم القرآن على الوجه المشروع كما أن الذين وظفوا لأداء الحج كانوا يلبسون ملابس الإحرام فى مواقيت الحج ويسافرون إلى مكة وكانوا يواظبون فى أثناء وقفة عرفات على الدعاء لترقى الدولة وسعادتها ولزيادة شوكة الدولة العثمانية.

وكان السلطان مراد وظف خمسة من المدرسين من المذاهب الأربعة وخصص لهم رواتب كافية ، بشرط أن يكون أحدهم من خطباء الشافعية وكان لكل واحد منهم وظيفة تدر عليه أربعين درهما سنويا.

ولا تقتصر الخدمات التى أداها مراد الرابع للبلدة النبوية المسعودة على هذا ، بل رمم سطح الحرم النبوى الشريف كاملا لاقتضاء الأمر ذلك ، كما جدد آجر الروضة المقدسة ، وغير صبغة جدران مسجد السعادة لتوأم حرم الجنة الأربعة وأمر بطلاء عدد أسطوانات مسجد السعادة البالغة ثلاثمائة أسطوانة على لون واحد.

والفنانون الذين استخدموا فى طلاء هذه الأعمدة بشموس ونجوم كل واحدة

منها تختلف عن الأخرى قد أظهروا فى عملهم هذا مهارة جعلت الذين يدخلون إلى حرم السعادة السعيدة يرتعشون من شدة التعجب ويتحولون إلى الجدران الساكنة ويبتهلون.

من مؤلف طبقات ابن سعد نقلا عن محمد بن عبد الرحمن أن محمد بن عبد الرحمن قال : «كان أبى حاضرا عندما انهار الجدار الذى فى مربع السعادة فى عهد عمر بن عبد العزيز ؛ وكان يقول : عندما انهار جدار مربع قبر السعادة كنت بجانب حجرة السعادة ، فنظرت من مكان السقوط داخل مربع القبر الجليل. كان من بين مرقد السعادة وحجرة عائشة ـ رضى الله عنها ـ المنيرة قدر شبر واحد ، فأنا أيضا أصدق أن نعش النبى صلى الله عليه وسلم قد وضع إلى اللحد الشريف من الناحية القبلية وأؤيد تلك الرواية ، وبما أن روح النبى صلى الله عليه وسلم قبضت فى هذا المكان فالمكان الذى توفى فيه أشرف بقاع الأرض فمن هنا يؤخذ أنه صلى الله عليه وسلم دفن فى هذا المكان لذلك». انتهى.

بعد أن كنس سطح حجرة السعادة وأخرجت أنقاض الجدار المنهار إلى الخارج شرع شمس بن زمن فى بناء الأماكن المنهدمة ذاكرا اسم الله وجعل عرض الجدار الشرقى فى عرض أساسه الأصلى يعنى فى سمك ثلاثة أذرع كذلك ذراعين ونصف من السمك ، وأدخل العمود الملاصق للجدار الشامى فى داخل الجدار المذكور ، ومن هنا جاء سمك الجدار الشامى لمربع قبر السعادة أكثر سمكا من جدران الجهات الأخرى وأصبحت جدران جميع الجهات يختلف بعضها عن البعض فى السمك ، وكان اليوم الذى بدأت فيه العمليات يوافق السابع عشر من شهر شعبان من السنة المرقومة.

ولما كان ما بين الجهة الغربية والشرقية على شكل طولى ، وكان بناء القبة عليه يرى غير قابل للتنفيذ ولكن بما أن قرار اقتضاء إنشاء قبة فوق مربع القبر الجليل كان قطعيا والتحرك خارج هذا القرار غير ممكن فقد جعل شمس ابن زمن ـ بناء

على تصويب المهندسين ورأيهم ـ حجرة السعادة مربعة وذلك بفتح باب من جهة قدمى السعادة من الحجرة المعطرة ، فى ارتفاع اثنى عشر ذراعا ، يعنى قد ضيق وقصر طول الجدارين والباب المفتوح وجعل داخل مربع حجرة السعادة فى شكل مربع ولما بنى الجدار الشامى بأحجار منحوتة شيد فوقه قبة فى ارتفاع ثمانية عشر ذراعا آدميا عن سطح الأرض وفتح فى وسط الجدار الشامى بابا صغيرا وأدخل الحجرة الشريفة ابن أخيه وصهره لتسوية ما فوق القبور الثلاثة ، والرجلان اللذان أدخلا داخل قبر السعادة قد فرشا فوق القبور الثلاثة رملا على شكل ظهر السمك مثل قبور بلاد الروم. انتهى.

بعد أن وقف السلطان محمد خان القرى المصرية ضعف مرتبات الحرمين حسب الترتيب ، ثم أرسل إلى الروضة المطهرة سجادة منسوجة من الحرير وسجادة أخرى لتفرش على محراب النبى وكسا مرقد السعادة بكسوة مزخرفة جميلة وذلك فى سنة ١٠٠٣ ه‍ وكانت فوق الكسوة الشريفة التى أهداها لمسجد السعادة ، قد كتبت الكلمة المنجية الشهادتان والصلاة والسلام وأسماء أصحاب النبى الكرام نسجا ، كما رسم فى ذيلها اسم السلطان وما اشتهر به من الألقاب.

وأراد السلطان أحمد خان بن السلطان محمد خان الثالث أن يلاطف ويجامل أهالى الحرمين الشريفين من جديد ، فوحد إدارات دشيشة الحرمين فى سنة ١٠١٣ ه‍ وأعطى نظارتها لشخص اسمه داود أغا وأحال الإشراف على حسن تسوية الأمور وتمشيتها فى جميع ما يتعلق بهذه الإدارات لمحافظ مصر إبراهيم باشا ، وسبب هذه التعيينات وحكمتها ما عرف من ضياع حقوق سكان مدينة الرسول بسبب عدم اهتمام محافظى مصر ووقاحة نظار الدشيشة وطمع مشايخ العربان إذ كانت الدشائش التى اعتيد إرسالها إلى أهالى الحرمين الشريفين مثل الدشيشة الكبرى ، والمرادية والمحمدية والخاصكية ودشائش الأوقاف وأخرى من غلال الجراية والصدقات فضلا عن عدم إرسالها فى وقتها كانت المقرّرات ترسل ناقصة وغير منتظمة ومن هنا تعرض أهالى الحرمين لمضايقات شاقة ، ولما

وصلت هذه الفوضى لأسماع السلطان أدركته الغبرة وأراد أن يقف دون هذه الشرور وأن ينقذ أهالى البلدتين الطيبتين من بلاء القحط والغلاء فألغى نظارات الدشيشة كلها ، ورفعها ثم أمر بأن تضم جميع النظارات تحت نظارة واحدة بعد أن خصص ألف إردب قمحا لهذه النظارة كما عرف صورته فى الأمر العالى الذى سيأتى فيما بعد ، وهذا التصرف دليل واضح على ما أولاه السلاطين العثمانيون من الرعاية والحرمة نحو الحرمين الشريفين ولا شك أن رعاية هذه البقاع المقدسة وتطييب خاطر سكانها فرض عين على العامة والخاصة ولا سيما الملوك العظام.

صورة الأمر المرسل إلى المحافظ إبراهيم باشا من قبل السلطان والخاصة بنظارة الدشيشة الكائنة فى مصر :

هذا الحكم الصادر لإبراهيم باشا وزيرى فى محافظة مصر ، لما كانت مكة ووادى البطحاء غير ذى زرع ولما كان انتعاش سكان الحرمين ومعاشهم متوقفا على الجراية والحبوب التى ترسل من الديار المصرية ووصولها إليهم ، وأن دشائش الأوقاف مثل الدشيشة الكبيرة والمحمدية والخاصكية وغلال الجراية والصدقات لم تكن ترسل فى وقتها منذ عهد المرحوم المغفور له والدنا العظيم ، وذلك لعدم اهتمام أمير الأمراء بإرسالها وبسبب كثرة أطماع النظار ومشايخ العربان وقلة تدينهم ، فضلا عن إرسالها ناقصة ، فزادت حالة فقراء الحرمين الشريفين والخدم والمجاورين بؤسا بسبب القحط والغلاء وصاروا يعانون الآن جميعا من الضيق الشديد ، لمّا ألقى إلى مسامعنا السلطانية بحثنا عن سبب هذا الإهمال فوجدنا أن لكل دشيشة ناظرا ومباشرا خاصّا وأن النظار وأمراء الحج لا يحرصون على إيصال العربان الدشائش وغلال الصدقات ونقلها بجمالهم فى أوقاتها ، بل يحرصون على نقل غلالهم الخاصة التى سيبيعونها كما أن بعض الأشخاص من الخارج يؤجرون جمال العربان لينقلوا غلالهم الخاصة.

وعدم نقل غلال الدشيشة فى وقتها وأكلها بالاتفاق بين النظار والعربان من الأمور التى اعتادوا عليها ، ورأينا أن حل هذه المشكلة أن تلغى نظارات الدشيشة الكبيرة ، والمرادية والمحمدية والخاصكية وغلال الصدقات والجرايات ، وأن توحد نظارتها وتسند إلى إنسان موثوق فيه ، يعتمد عليه ، رجل متدين قانع يكتفى بما يأخذ من الرسوم العوائد العادية ، فلا يطمع فى حق الفقراء ولا يتجاوز حقه ، كما أن مشايخ العربان عندما يرون قناعة الناظر وعفة نفسه فإنهم لا يخونون ولا يتجاوزون الاعتدال فى تعاملهم ، وبهذا يمكن أن تنقل غلال الدشيشة والجراية والصدقات إلى أماكنها فى أوقاتها تماما هذا ما نهاه إلينا بعض أهل الخير وأصحاب العارفين بحقيقة الأمر ، والآن لما كان احترام أقدس بقاع الأرض الحرمين الشريفين ورعاية جانب سكانهما ومساعدتهم من واجب العامة والخاصة ولا سيما السلاطين العظام ، ولما كان أجدادنا السلف الصالح قد حملوا لقب خادم الحرمين الشريفين واستحقاق هذا اللقب قائم على رعاية سكان الحرمين الشريفين واحترام وتحسين حالتهم المعيشية بتوسيع أرزاقهم ونفقاتهم وأن ثبات هذه النعمة السلطانية العظيمة ودوامها لا يتيسر إلا بإقبال هذه الطائفة من الناس الصالحين بالدعاء المجاب لها فارغى البال ومترفى الحال ، وهذا ما جزم به اعتقادى السلطانى ، لذا فأقصى مرادى ومبتغى فؤادى أن تصل غلال الدشائش والصدقات والجرايات إلى أصحابها فى وقتها فى عز سلطنتى الميمونة فمن هنا قررت أن تلغى جميع نظارات الدشائش المذكورة وتجمع كلها تحت نظارة واحدة ، وإننى أرى أن يكون هذا الشخص داود أغا من خدم الحرم المحترمين سابقا ومعتمد المتقاعد حاليا فى المحمية المصرية قدوة الخواص ، والمقربين ومعتمد الملوك والسلاطين ، وبما أننى أعتمد على وفرة تدينه وأمانته وفرط استقامته رأيت أن أعينه ناظرا على جميع الدشائش ، وكذلك رأيت أن توضع دشيشة الملك قايتباى تحت نظارة المشار إليه داود أغا بناء على رأيك وبناء على شرط الواقف؟ الذى جعلنى ناظرا عليه أصالة وجعلك ناظرا بالوكالة ، وصدر أمرنا عليه أن توضع جميع الدشائش تحت نظارة داود أغا.

ولتوزع بعد ذلك دشائش الحرمين الشريفين على جمال العربان التى ستحمل غلال الدشيشة والصدقات والجراية على قدر ما تتحمل جمالهم ، ويجب ألا يتعدى أمير الحاج أو غيره على جمل واحد من جمال العربان أو يتعرض إليه قبل أن تنقل الأشياء المذكورة إلى بندر السويس ، كما يدبر من مخازن مصر ألف إردب قمحا وصدقة باسم جلالتى وتنقل إلى الحرمين الشريفين قبل جميع الدشائش التى ترسل عقب إرسال صدقتى ، هذا ما صدر به أمرى العالى مقرونا برسالتى.

وقد تفضلت بمجرد وصول أمرى هذا أن توضع دشائش الدشيشة الكبيرة ، والأشرفية ، والمرادية والمحمدية والخاصكية وكذلك نظارة الصدقات الأخرى والجرايات تحت تصرف المشار إليه ، وتوزع الدشائش التى عينت إلى مشايخ العربان لتنقل بواسطتهم إلى ميناء السويس ، ولتحرص على ألا يتعرض أمير الحاج أو شخص آخر إلى جمل من جمال الحمل والنقل وما عين من قبل جلالتى مجددا من ألف إردب قمحا من مخازن مصر صدقة لأهل الحرمين وأن تنقل بعدها الدشائش الأخرى وغلال الصدقات والجراية ، منبها بألا ينقص قدح قمح واحد عند إرساله ونقله وإننى أعتمد فى هذا الخصوص على تدينك وأمانتك ومهارتك واستقامتك وحسن فراستك ومزيد كياستك وإن ثقتى فيك لا يعلو عليها شىء.

وزد اهتمامك بهذا الموضوع لأن الدشائش والصدقات والجرايات من حق الفقراء فإذا ما وصلت تامة كاملة وفى وقتها المحدد ، أنقذ فقراء الحرمين من القحط والغلاء ويعمهم الرخص والسعة ويخلو بالهم وتتحسن حالتهم المعيشية فيقبلون على الدعاء بالغدو والآصال لدولتى وعلو شأنها.

وإذا ما أبرز أحد من أغوات الحرمين المحترمين أو واحد من أمراء مصر أو غيرهم أمرا أو إذنا من قبل ديوانى السلطانى أو إدارتى المالية ، بعد فرمانى السلطانى هذا ، فلا يلتفت إليه ويسحب منه رخصته ويرسل إلى عتبتى

السلطانية ، وابعث إلىّ بأسماء الذين يعوقون وصول الدشائش أو يؤخرون وصولها ، والذين يتدخلون فى أمور جمال العربان ويتعرضون لهم ، ويجب عليك أن تتخذ حكمى السلطانى هذا دستور عملك وأن تصونه من التغيير والتبديل وقف دون الذين يريدون مخالفة ما جاء فى مضمونه.

تحريرا فى سنة ثلاث عشرة وألف. انتهى.

وقد جدد السلطان أحمد خان فى يوم جلوسه الميمون أبسطة حرم السعادة وستائر الكعبة المعظمة والحجرة المعطرة المزركشة ، والكسوة التى فوق قبر حضرة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ وغطاءى (١) عمودى الحنان والمنان وأرسل خمسة آلاف دينار لتوزيعها على أهالى الحرمين الشريفين كصدقة سلطانية ، وأرسل لوحة غالية الثمن تتكون من ٢٢٧ قطعة ماسية ، وقد سبق تعريفها فى مقالة خاصة ، على أن تعلق مكان الكوكب الدرى الذى فى ضريح السعادة وذلك فى سنة ١٠١٢ ه‍.

وبعد أن علق لوحة الكوكب الدرى المزينة ، دليل حبه السلطانى الذى يفوق الحد للنبى صلى الله عليه وسلم ، فى ضريح ظاهر الأنوار كشارة لوحة النبى الكريم ، فى تعليقها فوق الباب الذى يطلق عليه باب التوبة ، وكانت لوحة جميلة مصنوعة من الفضة الخالصة ومزينة غاية التزيين ، وذلك فى سنة ١٠٢٦ ه‍ ، وكان طول اللوحة ذراعين وعرضها ذراع واحد كتب عليها تاريخها باللغة العربية.

لوح السلطان أحمد أهداه حبا خالصا وقطع وقفا على أعتابك يا سيدى لتقبيل تراب عتبتك وياله من تراب ، وقمنا تجاه الوجه نرجو الشفاعة إلى الله فى بحر الإساءة والذنب.

وقد علقت هذه اللوحة على الكمر الخارجى لباب التوبة وكانت ترى من داخل الروضة المطهرة.

وقد ضم السلطان أحمد خان لصرة الحرمين ألف قطعة ذهبية سنويا ، وأنعم بعطايا كثيرة لأيتام السادة والأشراف لا تعد ولا تحصى ، وأمر رجال الدولة أن

__________________

(١) قطعة القماش هذه كانت نسجت من ١٨١٥١ مثقال من الخيوط الذهبية.

يقتدوا بآثاره السلطانية ، وبناء على هذه الإرادة السلطانية وبهذه المعونات الكافية زوجت بنات السادات بأكفائهن.

كما بنى مؤخرا منسوبا للاسم السلطانى الكريم سبيل بالقرب من باب الرحمة كما بنى للطلاب الذين ينتمون للمذهب الحنبلى مدرسة خاصة لإقامتهم ، كما صنع حوض وبركة فى طريق المحمل المصرى لسقيا الحجاج ، وخصص لتعميرها كثير من النقود ، وما زالت البركة والحوض موجودين مع السبيل الذى لا مثيل له بالقرب من باب الرحمة وأبناء السبيل ينتفعون منه إلا أن المدرسة التى أنشئت من أجل الطلبة فى المذهب الحنبلى خربت مع مرور الأيام ولم تعمر بعد ذلك.

كان السلحدار مصطفى باشا المغفور له قد أرسل بواسطة قاضى مصر شعبان أفندى لوحة فى غاية الزينة زينت أطرافها الأربعة بأحجار ملونة لوحة ماسية كبرى وذلك فى عهد السلطان مراد برجاء تعليقها فى ذيل الكوكب الدرى سالف الذكر ، وعندما وصل المرحوم شعبان أفندى إلى المدينة علق اللوحة التى حملها تحت لوحة الكوكب الدرى هدية السلطان أحمد فى سنة ١٠٤٧ ه‍.

وفى عهد السلطان محمد خان بن السلطان إبراهيم أشرفت مئذنة باب السلام وبعض أماكن حرم السعادة على الانهيار والسقوط ، وقد أبلغ إلى السلطان صاحب القرار فى حزن وألم فما كان إلا أن أمر والى مصر أحمد باشا بأن يرسل إلى دار الهجرة من يقومون بإصلاح ما يقتضى إصلاحه مع تدبير المبالغ اللازمة والأدوات إلى المدينة فأرسل الباشا المشار إليه الأشياء اللازمة إلى دار السكينة متتالية فهدمت مئذنة باب السلام من أساسها وجددت فى صورة جميلة وطراز بديع وفرشت الساحة الرملية التى حول الروضة المطهرة بقطع رخام مجلاة وذلك فى سنة ١٠٦٠ ه‍.

غريبة

كان أحمد باشا سالف الذكر الذى قد وفق فى فرش الساحة الرملية بالرخام كان قد نوى أداء الحج فى حين ولايته لديار بكر ومصر إلا إنه ذهب إلى مكة

المكرمة بعد عزله ، بينما كان أحمد باشا ذاهبا إلى المدينة المنورة مع قاضى مكة محمد بن إسماعيل أفندى فى يوم من الأيام قال مخاطبا محمد أفندى إننى أريد أن أعرض على أعتاب الومضات النبوية خدمة ، وحصول أملى هذا يتوقف على أن أتولى ولاية مصر ، فأرجو منك إذا ما قدر لنا أن نتعبد فى الحجرة المعطرة واضعين جباهنا على ساحتها ساجدين لنستدر من الله شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا العبد العاصى العاجز وأن تدعوه ـ تعالى ـ أن يشفعه صلى الله عليه وسلم فى تحقيق ما فى ضميرى بأن يسند إلى عهدة هذا العبد العاجز ولاية إيالة مصر ولما وصلا إلى المدينة المنورة وأخذا فى زيارة حجرة السعادة ، تذكر محمد أفندى بن إسماعيل رجاء المرحوم أحمد باشا وشرع فى دعاء مخلص محرق قائلا : «يا رسول الله! إن عبدك الذى يقف أمامك رافعا يديه معظما من عبيدك يتمنى أن ينال شفاعتك يوم القيامة ، وإنه يريد أن تطلبوا أن توجه إليه ولاية إيالة مصر حتى يقوم بخدمة لعتبة مرتبتك النبوية!!! «ولم يكن محمد أفندى قد أنهى دعاءه بعد إذ استولى على أحمد باشا حالة وجدانية خاصة وقال لمحمد أفندى : «كفى ، كفى قد استجيب دعاؤك ، من قبل الله» فقال له محمد أفندى متعجبا ، «ماذا حدث؟» قال له : «ما أعجبك!! ألم تر الهياكل النورانية التى أمامنا؟ وقد رأيتها أنا ولله الحمد والمنة! بينما كنت تدعو كانوا يؤمنون على دعائك» وعرف ما حدث وفى ختام كلامه استولت على الزوار حالة غريبة ؛ والله على كل شىء قدير. انتهى.

وصار أحمد باشا بعد هذه الغريبة بمدة حسب القدر واليا على مصر ، وأمر من قبل السلطان محمد خان بتجديد مئذنة باب السلام بعد هدمها وقام بالمهمة التى أحيلت إليه خير قيام ولم يطمع فى غلال صرة الحرمين أدنى طمع وأرسلها فى وقتها وزمانها وأخيرا أصبح صدرا أعظم وارتحل عن الدنيا مقتولا شهيدا رحمة الله عليه.

وبناء على إبلاغ مقام الخلافة العليا بأن جدران سور المدينة احتاجت إلى تعمير شامل فى خلال سنة ١٠٧٧ ه‍ وأن الباب الذى فتح فى جهة البقيع ساء حاله وأصبح لا يفتح ولا يغلق صدر الأمر السلطانى إلى مدير حرم السعادة إبراهيم

أغا بتعمير سواء أكان الباب المذكور أو جدران السور التى أشرفت على الانهيار فى صورة لائقة كما أرسل مقدارا كافيا من النقود والمهمات فعمر ورمم إبراهيم أغا أماكن السور التى تحتاج إلى التعمير تعميرا جيدا ، كما قوى وشيد باب البقيع بلوحات حديدية وكتب تاريخ التجديد فوق أكماره.

جدده السلطان الغازى محمد خان ابن إبراهيم خان ، سنة ثمان وسبعين وألف وأبلغ ما تم عمله مركز السلطنة السنية فى سنة (١٠٧٨).

وبعد فترة أخطر باب السعادة برسائل متعددة ومحاضر أن مؤخرة حرم السعادة وسقوف دكة الأغوات قد خربت وأشرفت على الانهيار فجأة ، وفهم من المضبطة التى صدرت من المجلس الذى انعقد لدراسة هذا الموضوع أن ترك المواقع المقدسة على حالتها تلك سيؤدى إلى فتح باب نفقات كثيرة ، فى المستقبل كما أن سقوطها فجأة سيؤدى إلى إتلاف نفوس كثيرة فوجه إلى مدير حرم السعادة سابق الذكر أمانة البناء بتعمير وتقوية الأماكن التى تحتاج إلى التعمير بالفرمان السلطانى الصادر إليه.

وأرسل مهندسا ماهرا والمبالغ المقتضية ولوازم الأبنية ، وجدد إبراهيم أغا بقرار الأهالى ورأيهم السقوف اللازم تجديدها بعد هدمها وشيد بعضها بالترميم ثم كتب التاريخ على مؤخرة سقف الحرم السعيد :

«جدد الحرم الشريف من فضل الله تعالى وعونه وجزيل عطائه العميم السلطان محمود خان بن السلطان إبراهيم خان كان له ناظرا إبراهيم أغا وكان الفراغ فى سنة ألف وثلاث وتسعين».

كما كتب عليه قصيدة مناسبة ثم أبلغ الأمر بواسطة شيخ الحرم عثمان أغا إلى مركز السلطنة ، ولما حظى هذا العمل باستحسان السلطان أكرم كثيرا من سادات البلاد والموظفين الحكوميين الكثيرين وذكر ما بذله الأغا المذكور من سعى وجهد وذلك فى كشف مخصوص وقدر عمله وذلك فى سنة (١٠٣٩ ه‍).

كما أحيا إبراهيم أغا كثيرا من الآثار الجليلة باسم المرحوم السلطان محمد

خان ، إلا أن مرور الأيام ودوران الزمن خرب جميع هذه الآثار ولم يبق أحد يعرف حتى أماكن هذه الآثار الخربة ، إلا أن إبراهيم أغا قد صنع صهريجا كبيرا وحوضا واسعا عميقا فى جهة المساجد الأربعة التى تقع فى ناحية جبل سلع وخلفه وذلك بناء على الأمر السلطانى الذى تلقاه ، وأسس فوق هذا الضريح قصرا مرتفعا بهيجا ، وكانت أطرافه الأربعة محاطة بحقل أخضر خال من الجبال والمنازل على مدى الرؤية ، واشترى لزوار المساجد الأربعة وأبناء السبيل.

ومازال الصهريج الذى صنعه إبراهيم أغا قائما ينتفع منه المارّون إلا أنه أشرف على الخراب والانهيار.

وإذا ما ترك فترة مهملا فمن اليقين أنه سيصبح غير صالح للاستخدام.

ومن السلاطين الذين رعوا حرمة أهالى الحرمين السلطان مصطفى خان الثانى.

وقد راعى جانب أهالى الحرمين وقدم لمبانى مسجد السعادة خدمات كثيرة ، فإلى عهده لم تكن الحفلات تقام بمناسبة الولادة النبوية مرة فى السنة وقد استن فى عهده انعقاد الجمعيات مرة فى السنة لقراءة منظومة المولد النبوى وأمر بتدبير ٣٣٠٠ قرش من الخزانة المصرية وإرسالها إلى المدينة وذلك فى سنة ١١١٣ ه‍.

وكانت هذه المجالس تنعقد بعد إشراق شمس اليوم الثانى عشر من ربيع الأول كل سنة ، وتعقد الاحتفالات بالمولد النبوى الباهر فى زماننا فى الليل.

صورة انعقاد مجالس الاحتفالات بالمولد النبوى الميمون

كان مدير حرم السعادة قبل ليلة تلاوة المولد بيوم يجهز مشروبات حلوة ويملأ بها زوارق حرم السعادة ويرسل إلى منازل أعيان البلاد وموظفى الحكومة وأصحاب الخواطر عدة زوارق من الشراب يشير بذلك إلى انعقاد جمعية الاحتفالات بالمولد النبوى فى حرم السعادة ويعلنه ويفرش على ساحة مسجد

السعادة ـ حسب عادة البلد ـ الأغطية والسجاجيد والمقاعد ويأتى بالكراسى ويزين المكان ، وبما أن كل من أرسل إلى بيته الشراب يعدّ مدعوا للاشتراك فى الجمعية ففى القرب من مساء اليوم الثانى ، يأتى المدعوون الكرام أفواجا إلى مسجد السعادة ، وأفراد الجماعات الذين يرون هؤلاء المدعوين يتركون أعمالهم ويتجهون إلى مسجد السعادة حتى يكونوا فى هذا المجلس البهيج ويجلسون فوق الأغطية والوسائد والسجاجيد التى فرشت.

وقد توضع فى ساحة مسجد السعادة كراسى ذات غطاء (١) أبيض تكون الوسائد التى بالقرب من دكة الأغوات قد غطيت بأقمشة حمراء فيجلس شيخ الحرمين ومدير الحرم ونائب الحرم والمفتون والقضاة والأغوات وأعاظم السادات ، وموظفو الحكومة فوق هذه الوسائد ويوقدون أعواد العود والعنبر فى المباخر الفضية ويستغرق الجماعات عامة فى بحار السكوت والحيرة نتيجة لهذه الروحانية المدهشة التى يكتسبها المكان ، وبعد ما يستمر هذا الصمت فترة يجلس أربعة من الخطباء ذوى أصوات رخيمة حزينة فوق الكرسى سالف الذكر بعد أداء مراسم الصلاة والسلام ويشرعون فى تلاوة منظومة المولد النبوى ، وبعد الحمد والصلاة يدعون دعاء مؤثرا مناسبا للسلطان مؤسس هذه الجمعية وللسلطان الذى ما زال حيّا ، ثم ينزلون من الكرسى.

وبعد أن ينزل هؤلاء الخطباء الأربعة من فوق الكرسى يصعد خطيب آخر ويدعو على الطريقة التى سبق ذكرها وينزل ، وبعده يصعد خطيبان واحد تلو الآخر ويكملان الدعاء الخاص بمجلس الجمعية النبوية لمولد النبى وينزلان ، وبعدهما يصعد خطيب آخر يتلو منقبة ولادة سيد العالمين وعقب ذلك يلقى قصيدة (٢) بليغة فيملأ قلوب الحاضرين بالبهجة والسرور.

__________________

(١) أرسلت أغطية هذا المقعد المزينة فى عصر السلطان أحمد بن السلطان محمود خان ، وكان قبل ذلك خاليا من الغطاء.

(٢) تركت قراءة هذه القصيدة فى وقتنا الحالى.

وبينما تتلى منظومة المولد الشريف يسقى السقاة (١) بشراب حلو يروى الجماعة العطشى ، ويكسى من اشترط الواقف إتحافهم بالخلع خلعا فاخرة.

تكون فى هذه الجمعية أشواق وشفافية وروحانية بما لا يمكن وصفه ، وتتولد دهشة فوق العادة من الأعمدة ذات القباب والخيم والهيئات المرئية للسادة الخطباء فوق الكرسى ، دهشة وجدانية فتترك الجماعة غائبين عن وعيهم وعقلهم.

وتعقد عين هذه الجمعية كل سنة فى ليلة السابع والعشرين من رمضان فى مكة المكرمة على أن تعطى نفقاتها من وقف السلطان مصطفى خان المشار إليه.

والجمعية التى تعقد فى مكة المعظمة تعقد فى جهة المحكمة من ساحة المسجد الحرام ذات الفيوضات ، ويجتمع فى هذه الجمعية أمير مكة المعظمة ووالى الحجاز والعلماء وجميع الصالحين وإن لم يكن توزيع الشراب فى الزوارق من النظام المتبع فى تلك الجمعية إلا أن من العادة فرش الحرم الشريف وتهيئته ، فنائب الحرم يفرش الجهة التى تقع فى ناحية المحكمة بمقدار كاف من السجاجيد والوسائد فى يوم انعقاد الجمعية ويدير مقدارا كافيا من الشراب واللوازم الأخرى ويفيد الحضور الذين اعتادوا المجئ بنفس الكيفية ، ويأتى سواء أكان الأشخاص اللذين أخبروا بالأمر أو موظفو الدوائر الحكومية لابسين ملابسهم الرسمية إلى الحرم الشريف ويجلسون فوق السجاجيد التى هيئت كل واحد منهم حسب مراتبهم ، وبعد مدة وجيزة توقد المجامر بالعود والعنبر فيمسكونها بأيديهم ويتوجهون إلى مسقط الرأس الشريف للنبى محمد صلى الله عليه وسلم ، إلى الدار التى شهدت ولادة النبى صلى الله عليه وسلم وكل ذلك فى موكب فخم عظيم ، إن هذه الدار قد اشتهرت باسم مولد النبى وفى هذا المكان الذى يشبه الجنة تتلى منظومة المولد الشريف وتلبس الخلع بجانبه حسب النظام المتبع.

__________________

(١) فى زماننا كان الأغوات هم الذين يوزعون الشراب.

وبعد ذلك تعود هيئة الجمعية إلى المسجد الحرام ويشرعون فى تلاوة الأدعية المأثورة وينهون الاجتماع بشرب الشراب الذى أعده نائب الحرم.

وقد أضاف لهذه الجمعية فى أواسط سلطنته السلطان عبد العزيز المأكل الحلو والملبس واتخذ إرسال هذه الملابس من باب السعادة نظاما خاصا ومن هنا يرسل كل سنة مع محمل الشام هذه الملابس ، وعند عقد جمعية المولد يوزع أطباق منه إلى الحاضرين.

أشرفت فى سنة ١١٠٧ ه‍ بعض أماكن من سقوف مسجد السعادة على الخراب كما أوشكت بعض أعمدته على الانهيار والخراب ، فأبلغ ذلك من قبل بكر أغا شيخ الحرم إلى باب صاحب القرار وبناء على هذا الأمر السلطانى أرسل المهندس سليمان بك إلى المدينة المنورة بمهمة تعمير الأماكن المقدسة التى تحتاج إلى ذلك وأمر والى مصر بتدبير المبالغ اللازمة ولوازم المبانى وإرسالها إلى المدينة المنورة ، وتحرك سليمان بك من مصر القاهرة وقد أخذ معه ما جهز من المهمات وما دبر من المبالغ إلى دار الهجرة ووصل إليها فى سنة ١١٠٨ ه‍ وبقرار وجوه البلاد وكبار موظفى الدولة شرع فى العمل فجدد السقوف المتضررة ومعها اثنى عشر عمودا كما أصلح من مسجد السعادة وبعد أن زين كل جهات حرم السعادة بأنواع النقوش والرسوم ، هدم مسجد قباء والمصلى النبوى ، ومسجد على ، من أسسها وجددها بناءا حجريا جاعلا لها قبابا وأسس بجانب مسجد على مدرسة ودار كتب وسبيلا مشهورا باسم الاسم السلطانى ، وبعد أن أتم هذه الأعمال كما فصل فى أماكنها جدد مشهد حمزة ـ رضى الله عنه ـ وأتم مهمته بأن طهّر مجرى عين الزرقاء وبئرى على ، وعاد إلى باب السعادة وحظى عمله هذا بالابتهاج السلطانى فأحسن إليه حيث رقى إلى رتبة أمير الأمراء.

وقد نظم أحد شعراء المدينة المنورة تاريخا يعرف ما قام به سليمان بك من إحيائه لبعض المواقع وقد كتب هذا التاريخ بعد الاستئذان على قطعة رخام وحك وألصق على عمود بالقرب من باب الوفود.

وهذه صورة التاريخ المذكورة الذى ما زال قائما.

عربى

حمدا من آل عثمان الملوك المصطفين

حيث جاد كالمطر على من أعلى القلم

وقصر للخير نسلا بعد نسل فانتهى

دور إحسان إلى من كان ينبوع الكرم

حضرة سلطان ثانى مصطفى أولهم

صب أموالا لتجديد الخير المحتشم

ثم أحيا مسجد التقوى المؤسس فى قباء

والذى يدعى مصلّى الحبيب المحترم

مشهد حمزة عم النبى المصطفى

جدد والحمد لله على الوجه الأتم

ونظف فى ذى الحليفة داخل بئر على

أحلى فى مظاهر منتها الذى كان الأهم

ثم أجرى عين الزرقاء من أم القبة

بعد تنظيف لها من طين مجرى منقسم

طول مجراها من الأم إلى أرض الجرف

طال ما لم يتفق تطهيرها منذ القدم

جاء مقبول العرب من عون أنظار العجم

فارق الله تعالى بالقبول والرضا

صانه صاخرا اليوم تلتقيه لا جرم

ثم إن حاولت تاريخا لتجديد ذكر

فاستمع من حق ما يتلى عليك من رقم

عد مفصولات الفات فذاك التاريخ

جدد السلطان الأعظم مصطفا هذا الحرم فى سنة ١١١ ه‍.

خرب أحد سقوف مؤخرة حرم السعادة إذ أصابته صاعقة وذلك بعد عودة سليمان باشا إلى باب السعادة بعدة أشهر ، وبناء على ما قدم من الرجاء قد رقى الباشا المشار إليه إلى رتبة أعلى وأسندت إليه ولاية جدة وأمر بأن يهتم بتعمير سقوف الحرم السعيد الذى تعرض للخراب ، فوصل سليمان باشا إلى المدينة المنورة وعمر المواقع المذكورة كما يجب وعلى الوجه المطلوب وكتب على ركن من أركان ذلك السقف :

جدد هذا السقف الشريف ، ملك البرين والبحرين ، خادم الحرمين الشريفين السلطان الغازى مصطفى خان ، خلد الله ملكه وذلك بنظارة العبد الفقير المعترف بالتقصير ، الحاج سليمان باشا ، المحافظ فى جدة المعمورة المشرف بخدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك فى سنة ١١١٢ ه‍.

وللسلطان أحمد خان الثالث بن السلطان محمد خان الرابع خدمات مشكورة لحرم السعادة ، قد أخبر فى سنة ١١٣٢ ه‍ أن اثنى عشر عمودا متصلة بالساحة الرملية التى فى الجهة الغربية لجدران حرم السعادة أشرفت على الخراب ، من قبل أعيان البلدة وموظفى دار السكينة وصدرت الإدارة السلطانية بإرسال موظف بسرعة لتجديد تلك الأعمدة وتعميرها فوجهت أمانة البناء لشخص يدعى الحاج موسى أغا وأرسل إلى المدينة المنورة.

ووصل الحاج موسى إلى دار الهجرة العالية وبعد كشف المواقع الشريفة بدلالة أصحاب الخبرة جدد تلك الأعمدة الإثنى عشر والجهات الأخرى من حرم السعادة

فى صورة كاملة فى سنة (١١٣٣ ه‍) وكتب على أحد الأعمدة التى ركزت جديدا أيد الله نصر دولة من جدد هاتين المنامتين الشريفتين ، ملك البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين السلطان بن السلطان الغازى أحمد خان ، ابن الغازى محمد خان ، خلد الله ملكه وذلك بمباشرة العبد الضعيف ، الحاج موسى ووافق بتجديد تاريخ المنامتين بالمسجد ، سنة ألف ومائة وثلاثة وثلاثين ، وأمر بكتابة هذا التاريخ.

وبعد أن أتم تعمير الأعمدة المذكورة فهم بعد الكشف والمعاينة أن بعض أعمدة حرم السعادة آلت إلى الخراب فهدم تلك الجهات فى الحال أيضا وأحكم تشييدها هكذا ثم عاد إلى باب السعادة وقد أتم مهمته على خير وجه ، وقد رقى إلى رتبة أمير الأمراء ومنح مكافأة سلطانية خاصة له.

وخدمات السلطان محمود خان الأول بن السلطان مصطفى خان للحرمين كثيرة بدرجة فوق العادة ، فقد ظهرت علامات السقوط والانهيار فى سقف حرم السعادة وأبلغ ذلك إلى الباب العالى وعرض الأمر إلى عتبة السلطان المشار إليه ، فأحال الأمر إلى الحاج أحمد باشا والى جدة على أن يرسل أحد الأشخاص الذين يعتمد عليهم فى تعمير السقف الشريف فأرسل الباشا المذكور محمد أغا من خاصة أتباعه وذهب محمد أغا إلى المدينة المنورة وقام بأداء مهمته وكتب حول السقف الذى جدده عبارة : «أمر بعمارة هذا الرواق الشريف ، ملك البرين والبحرين ، خادم الحرمين الشريفين مولانا السلطان الغازى محمود خان ، بن المرحوم السلطان مصطفى خان ، عز نصره وذلك بمعرفة الحاج أحمد باشا محافظ بندر جدة المعمورة وبمباشرة تابعه الحاج محمد آغا ثم عاد ، وذلك فى سنة ١١٤٩.

كان السلطان المشار إليه قد أرسل ثريا مجوهرة لتعليقها فى قبر الرسول كما أرسل غطاء جميلا من أجل قبر فاطمة الزهراء وأرسل إلى الروضة المطهرة ٨٨ قطعة من أبسطة وعددين من الشمعدان الذهبى ، وقد أرسلت الأشياء المذكورة فى عهدة عثمان أغا من أغوات باب السعادة ، وبما أن المؤرخين قد وصفوا هذه

الهدايا بأن كل واحدة منها كانت أغلى ما أرسل وأجمل ما بعث إلى الحجرة المعطرة وأجملها ؛ اقتضى الأمر أن نعطى فرصة لقلمنا ليجول ويصول فى وصف كيفية صنع تلك الأشياء وصورة إرسالها.

وكان أحد الأشياء التى أوصلها أغا باب السعادة عثمان أغا إلى المدينة المنورة كما سبق ذكره أعلاه قطعة من ثريا لا مثيل لها ، كانت هذه الثريا فى صفاء الماء وألوان أزاهير نباتات الحقول ومن حيث لمعانها تضارع لمعان سهيل اليمانى ، وزنها ٧٢٥ قيراط مثلثة الشكل ، وكانت فى الجهة الأخرى منها زمردة أخرى تتوهج كعين شمس تبهر العيون وزنها ٧٦٨ قيراط ، وكانت فى الجهة الثالثة قطعة زمرد أخرى نورها كأنوار الصباح تلمع فى الجهات الأربع قطعة تحير العقول بجمالها وفى وزن ٢٥٧ قيراط ، وقد بلغ مجموع وزنها ٢٢٧٢ قيراط.

وهذه القطع الثلاث من الزمرد التى تشتهر بالمعدن القديم والتى لا نظير لها كانت أطرافها دائرة ما دار وأعلاها مرصع باثنتى عشرة قطعة كبيرة من الماس كأنها بدر ينير محيط الأبراج السماوية وبأربعين قطعة ماس من حجم متوسط واثنتين وستين قطعة من الماس أقرب إلى الوسط و ١١٤ قطعة ماس التى تعتبر صغيرة بالنسبة للقطع الكبيرة لم يكن لها مثيل ، وقطعة ماس كبيرة تحير العقول ، وكان طوق تلك الثريا مزينا بتسع عشرة قطعة من الماس مختلفة وكانت حلقتها التى تعلق بها والتى تشبه هالة البدر مزينة بأربع قطع من الماس وكانت تتكون من ٣٥٢ حبة قيمة من الدر اليتيم مع ثلاثة عشر صفّا من المزين بثلاث عشرة حبة من الزمرد وكانت لائقة أن تكون ثريا عذارى الحور العين.

وكانت الثريا تشمل فى الأماكن التى تجذب الأنظار دررا وغررا وجواهر لا عدّ لها كما تشتمل على صورة غريبة وكانت فى غنى عن الوصف حقا.

إن النقوش تحير العيون والتى نقشت على وجهها الواحد هى أثر من فنانى الياقوت ومن هنا فهى كانت فى نظر من رآها من المؤرخين كعروس تجلت فى حجرة نومها بل كانت من قبيل ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.

وبعد أن صنفت الثريا التى سبق تعريفها فى مكانها اللائق ، نسجت قطع الأقمشة والأغطية والسجاجيد التى صدر الأمر بصنعها ووضعها فى مشهد الحرم القدسى والروضة المطهرة التى يخدمها الملائكة ، وكانت قطعة القماش كسوة جدران المرقد النبوى تعانق دائرا ما دار الحجرة فى جهاتها الأربعة وكانت أرضية هذا القماش الساحر من ستين ذراعا من الأطلس الأخضر وجها وبطانة وقد سطر على هذا القماش الذى يبعث الفرحة السورة الشريفة «الفتح» باستعمال ٧٠٠٠ مثقال من خيوط الفضة النادرة ، وزينت ما بين سطورها بجداول لحسنها فبدت كأنوار الشفق وظهرت فى ساحة الأخيار وتمنى رضوان الجنة أن يمسح وجهه عليها.

وحتى يربط ما بين الغطاء الشريف المذكور أرسل ٥٧ قطعة أطلس فى لون الزرع وكل قطعة فى أربعة عشر ذراعا ، كتبت عليها بعض الآيات الكريمة وكلمة الشهادة المباركة والصلوات الشريفة ثم أرسلت وأكملت بلوازمها الأخرى ، ثم أرسلت أغطية ضريح وردة بستان النبوة ، وثمرة سدرة المنتهى للرسالة ، سيدة قصر العفة زينة بيت الشرف والسعادة درة السيادة السماوية ولؤلؤة العصمة سيدة النساء وقطعة كبد حبيب الله فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ وكانت أرضيتها الغالية حمراء اللون ولون بطانتها خضراء.

وقد كتب فوق (١١) قطعة من أجمل أقمشة الأطلس بالخيوط الذهبية بعض الأحاديث الشريفة ببراعة أساتذة الفن ، ولما تم صنع أعمالها الأخرى أرسلت إلى المدينة المنورة لتعلق على جدران المسجد النبوى والمعبد المصطفوى توأم الجنة كما أرسلت ثمان وثمانين قطعة سجاد مزخرفة بأنواع نقوش الأزاهير إلى المدينة المنورة لتفرش على ساحة الحرم النبوى ، وكان مقدار هذه السجاجيد بالحساب التربيعى ٣٠٨١ ذراع من القماش والشمعدانان اللذان أرسلا لإنارة المكان الذى بشر بالحديث الشريف الذى يقول «بين قبرى ومنبرى روضة من رياض الجنة» ، وطاف المحراب المشحون بالرحمة حيث توافر أجنحة الروحانية ذات عرب وكانا كأنهما نيران من حيث الشكل أو مثل الفرقدين وكانا مرصعين بأنواع الرسوم

البديعة وكانا من الذهب الخالص مع مقعدين مطليين بالذهب وقد أمر بجعلهما مصباحين لإنارة هذا المكان المبارك مهبط الوحى.

وأرسل الشمعدانان والسجاجيد التى ذكرت بحرا وأرسلت الأغطية والثريا المزينة برا ، بعد أن أودعت فى أمانة الصف ووصلت تلك الأشياء التى أرسلت برأ يوم الخميس وبناء على الأمر المطاع من الجميع الأمر السلطانى الذى يحترمه الجميع أخرجت تلك الثريا أمام الباشا الحاج وشيخ الحرم النبوى الحاج عبد الرحمن أغا وقاضى المدينة وأمين الصف وكافة العلماء والخطباء والأئمة والأشراف وحضورهم وبعدما رآها الجميع أخذت بمراسم الآداب والخشوع وقراءة الأوراد والتحيات إلى حجرة سيد الورى المنظمة ـ عليه أفضل التحايا ـ حيث علقت فى مكان مناسب.

وهكذا أدى مهمته ، وبعد ذلك أخرجت أغطية المرقد النبوى وفق المراسم القديمة بكل تعظيم وتفخيم وعلقت على جدران المشهد المصطفوى وبعد ما كسى مضجع سلطان القصرين ولم يقصر أحد فى بذل أقصى ما يقدر عليه من التوقير والإجلال حين كسى المضجع النبوى ألبست أغطية مرقد الزهراء ـ رضى الله عنها وبما أنه قد وصلت ٨٨ قطعة من السجاجيد ذات النقوش البديعة والشمعدانان فبسطت السجاجيد على ساحة الحرم النبوى الشريف والروضة المطهرة المصطفوية ، ووضع الشمعدانان مع مقعديهما يمين محراب النبى ويساره.

وكان السلطان محمود خان قد أرسل قبل ذلك ثريا أخرى وبما أنها كانت مثل الثريا التى سبق تعريفها فصرف النظر عن تعريف شكلها وهيئتها.

ومن السلاطين الذين خدموا حرم السعادة السلطان الغازى السلطان عثمان خان الثالث بن السلطان مصطفى خان الثانى ، إذ كان قد أرسل أمين الصف إبراهيم أغا مكلفا بمهمة كشف وتعمير سقوف مؤخر حرم السعادة التى أشرفت على الخراب بعد ما استأذن منهم بذلك فى سنة (١١٦٩ ه‍) وأبلغ والى مصر بأن يرسل إلى المدينة الأشياء اللازمة للتعمير سريعا.

ولما وصل إبراهيم أغا إلى المدينة المنورة وجد لوازم البناء التى أرسلت من مصر قد وصلت فعمر السقوف التى أشرفت على الخراب وما احتاج للإصلاح من مواقع حرم السعادة وكتب على السقف الجديد هذه العبارة :

«أمر بعمارة الحرم الشريف السلطان الأعظم السلطان عثمان خان ، بن السلطان مصطفى خان ، خلد الله ملكه وذلك بمباشرة الحاج المعتمر الأمين إبراهيم أغا ، أمين الحرمين الشريفين ، وأمين بناء المسجد النبوى بتوفيقه من الله ؛ سنة ألف ومائة وسبعين.

والسلطان مصطفى خان الثالث بن السلطان أحمد خان الثالث من السلاطين العثمانية الذين كانوا يبذلون المهج فى سبيل النبى صلى الله عليه وسلم ، وقد وصل إلى أعتاب سلطنته أن علامات الانهيار والسقوط قد ظهرت فى بعض أماكن سقف حرم السعادة وبناء على ذلك صدر الأمر السلطانى بالإسراع فى تعمير وتجديد الأماكن التى اقتضت ذلك وأرسل إلى المدينة المنورة بصحبة محمد أمين بن فيض الله أغا مهرة العمال والمعماريين المقتدرين.

ووصل محمد أمين أغا إلى دار السكينة وأصلح الأماكن التى أشرفت على الخراب من سقوف الحرم الشريف بالاتفاق مع أعيان البلاد وموظفى الحكومة وبقرارهم ، وعمر بعد ذلك الجدار الذى على يمين مضجع السعادة ويساره بأحجار ملونة مختلفة ، وزين جميع جهات الحرم النبوى توأم الجنة. وجعله مثالا للبيت الذى يقول :

ما حاجتنا لتعريف الشمس بالنور

فآثار نوره ظاهرة للعيان

وكتب فوق السقف الذى جدده

أمر بعمارة هذا الحرم الشريف السلطان عبد الحميد خان ، بن السلطان أحمد خان خلد الله ملكه مدى الزمان وذلك بمباشرة المفتقر إلى الله ، العبد محمد أمين بن فيض الله ؛ سنة واحد وتسعين ومائة وألف.

وكتب على اللوحتين المعلقتين مقابل الجدار النبوى من اليمين والشمال تاريخ

مقام المصطفى قف به منكس الرأس ما تريد

وتبتل لله الأحد فوق الذى ، نرجوه مما عليه مزيد

وادع لمن فاق الملوك الأولى ، قد خدموا هذا المكان السعيد

سلطاننا عبد الحميد الذى ، فى ملكه إذا أمسى نظام جديد

واسأل لأمين بنّآء محمد شفاعته إنه بها سعيد

مسجد طه أوجه الأنبياء ، جدده الخان عبد الحميد

كتب هذه المنظومة وكتب قطعة.

يا خير من دفنت فى القاع أعظمه

فطاب من طيبه القاع والأكم

نفسى فداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

على العمودين الرخاميين المربعين على يمين ويسار ذلك الموقع الشريف ، وكتب حول شبكة السعادة دائرا ما دار قصيدة «يا رسول الله! خذ بيدى» البليغة بخط جميل وذهبها ، فى سنة ١١٩١.

وقد عمر السلطان عبد الحميد خان بعد هذا التعمير بعشر سنوات بواسطة حامل أسلحة السلطان الحاج محمد أغا ونظارته الباب الخشبى وأساطين الروضة المطهرة ، وكان ذلك الباب الخشبى على يسار محراب النبى صلى الله عليه وسلم ، وقد أصلح هذه الأماكن فى طراز جميل وكتب الجملة المنجية لا إله إلا الله ، الملك الحق المبين وحديث «شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى» (حديث شريف) فى المكان الذى ينظر إلى الجدار القبلى للباب المذكور ، وكتب فى ذيل هذه الكتابات عبارة (عمره السلطان عبد الحميد خان (١٢٠١).

وبعد عام أقيمت مدرسة تضم سبع عشرة حجرة ومحلا للاستذكار ومكتبة وجعل سواء أكان للطلبة الساكنين أو المدرسين أو أمناء دار الكتب مقدارا كافيا من المرتبات واشترى حديقة النخيل وبستان الخضر القريبين من المدرسة ووقف محاصيلها للطلبة الساكنين فى المدرسة وذلك فى سنة (١٢٠٢).

ومن السلاطين العثمانيين السلطان سليم الذى فخم الحرمين المحترمين أعظم تفخيم وعظم أهاليهما الكرام أعظم تعظيم ، وهو السلطان سليم خان الثالث بن السلطان مصطفى خان الثالث ، قد أمر فى عصره السعيد بناء على استئذان الأهالى بتعمير وإصلاح جدران الحرم النبوى مخدوم الملائكة والأساطين التى فى داخل الروضة المطهرة التى تعد من الآثار النبوية ، وغلف الأساطين الشريفة المذكورة مقدار ذراعين من الأرض بقطع رخام ملون ، ونظم قصيدة بذاته لتكتب على قطع الرخام الملونة وأرسلها إلى أمانة البناء ، وقد كتبت هذه القصيدة فى بحث الأساطين الملونة ، ذلك فى سنة ١٢٠٨ ه‍.

وبعد هذا التعمير بأربعة أعوام قد زين وعمر يمين ويسار جدران باب جبريل قدر ذراعين من الأرض وجدار محراب التهجد كاملا بالصينى ، وطهر ونظف مجرى عين الزرقاء وذلك بنظارة والى الشام عبد الله باشا.

وقد أنفق السلطان الغازى محمود خان الثانى بن السلطان عبد الحميد خان الأول كثيرا من النقود للحرمين الشريفين وأظهر بهذه الطريقة شدة حبه ووداده للنبى صلى الله عليه وسلم.

والحبوب التى خصصت لأهالى الحرمين من السلطنة السنية العثمانية فى عصره ، قد شريت وبيعت لسوء إدارة موظفى الدولة وطمع سكان المدينة الأغنياء والتجار ، وترك الفقراء والضعفاء جوعى ومرضى دون علاج وأخذ فقراء الحرمين يعانون أشد العناء وأخبر بذلك السلطان وعرض النبأ على عتباته ، واستحصل منه على إرادة سنية بخصوص إحصاء السكان لإعادة توزيع المرتبات وتقسيمها من

جديد ، وكلف الوالى إبراهيم باشا الذى كان فى ذلك الوقت فى المدينة المنورة بإحصاء نفوس أهالى المدينة ، كما عين محافظ مكة خليل باشا لإحصاء عدد سكان أهالى مكة المعظمة.

وقد حرر إبراهيم باشا أسماء سكان المدينة المنورة وقيدها بأسرها كما حرر خليل باشا أيضا أسماء سكان مكة المكرمة وحدا الدفترين وبعد ختمهما أرسلاهما إلى والى مصر محمد على باشا كما أن الباشا المذكور أرسل الدفترين ملفوفين بالكشف الذى ستبين صورته فيما يأتى إلى الباب العالى.

وظن بعض الأهالى من هذا الإحصاء أن الدولة تريد أن تجند أبناءهم وأخفوا عددهم ، لذا لم يدرج أسماء كثيرين منهم فى الدفاتر ولكن المجربين منهم فهموا الموضوع ووجدوا طريقة لإدراج أسمائهم فى آخر الدفاتر بواسطة موظفى الإدارة المصرية ولكن الذين لا يعرفون أحدا ظلوا غير مقيدين.

صورة القائمة التى كتبها محمد على باشا إلى مقام الصدارة العظمى السامى :

إن الغلال التى خصصت ورتبت من مصر فى السنين السابقة لأهالى الحرمين عفى نظامها مع مرور السنين وأبدل وأخذت تباع وتشترى فيما بينهم حتى استولى عليها الأغنياء ، واضطروا فقراءها للبحث عن أقواتهم اليومية وكان إدخالهم تحت النظام غير ممكن.

وقد رأينا أن نرسل إلى أهالى الحرمين الشريفين من المخازن المصرية مجددا مقدارا كافيا من الغلال بنية خالصة على أن تعد هذه الغلال من جملة الآثار الخيرية للسلطان المهيب ذا الشوكة ملجأ الإسلام ظل فضل الله ، وفى نعم كافة الأمم ، محمولة على المراكب حتى تستجلب لذاتكم السلطانية أدعية مضاعفة من أهالى الحرمين ، وبناء عليه قد رأى ابن عبدكم إبراهيم باشا عند عودته من الباب العالى إلى المدينة المنورة إعداد دفتر لكتابة أسماء أهالى المدينة المنورة لإحصاء عددهم ، وذلك بعلم أغا شيخ الحرم ورأيه وبضم آراء قاضى المدينة ومفتيها وفضلاء علمائه ووجوه البلاد ، كما اتخذ دفترا آخر حرر بعلم صاحب السعادة

محافظ مكة خليل باشا وعلم الشريف يحيى وبمعرفة قاضى مكة المكرمة ومفتيها إلى أعتاب عظمتكم السلطانية ، والعلة الغائبة من هذا العمل الخيرى هى استجلاب الدعاء بالخير لجانب سلطنتكم ، وقد بلغ مقدار العلال السنوية الخاصة بالحرمين الشريفين إلى ١٦ ألف إردب وبعد هذه السنة سترسل الغلال الخاصة بالحرمين الشريفين فى ميعادها دون تفويت وقتها وقد بدأنا بذلك فى هذه السنة وببيان ذلك أعرض لجانب سلطنتكم طاعتى ، انتهى.

ولما أطلع السلطان على ما جاء فى الدفترين أمر بتنفيذ ما جاء فيهما ، وبناء على ذلك شرع فى إرسال الغلال إلى الحرمين ، إلا أن المساكين الذين لم تدرج أسماؤهم فى الدفترين حرموا من العطايا السلطانية ولكن بناء على رجاءات وجوه البلد واسترحاماتهم أضيف إلى العطايا ألف إردب حنطة فوصلت المخصصات الحجازية إلى سبعة عشر ألف إردب من حنطة وهذه المخصصات ترسل الآن.

سبب تشكيل مديرية الخزانة

إلى أن حل الوقت الذى بلغت المرتبات الحجازية إلى سبعة عشر ألف إردب قمح ، كان أمناء الصرة ثانى يوم وصولهم إلى المدينة الأمينة يفرشون على ساحة حرم السعادة الأبسطة ويوزعون ما سلم لهم من المبالغ لإعطائها لأهالى دار السكينة من باب السعادة ويستدعون من حررّت أسماؤهم فى الدفاتر التى أعطيت لهم من خزانتى الأوقاف والمالية ، وفى حضور أشراف البلاد وموظفى الحكومة يسلمون لهم بأيديهم مخصصاتهم ، ولما لم تكن فى ذلك الوقت دوائر فرعية خاصة بمديرية الخزانة كانت مستحقات كل فرد تسلم له دفعة واحدة من قبل أمين الصرة ، ولما كان صرف واستهلاك المبالغ التى أخذت دفعة واحدة فى خلال أيام قليلة حسب الحاجة الطبيعية ، كان سكان دار السكينة ينفقون مخصصاتهم خلال عدة شهور بوفرة ثم يعانون من قلة المال خلال الثمانية أشهر الباقية ، ولما أطلع السلطان محمود على هذه الحالة ألغى هذا النظام وأنقذ الأهالى من هذه المعاناة

بوضع نظام تقسيم مخصصات كل فرد إلى اثنى عشر شهرا وإعطائها لهم فى كل شهر.

وحتى تعطى هذه الرواتب الشهرية وتوزع فى صورة منتظمة شكل مديرية خزانة المدينة المنورة وعين لها موظفين وبين لكل واحد منهم وظيفته ، ويسلم الآن أمناء الصرة ما حملوه من الأمانات لخزانة المديرية بموجب الدفاتر كما أن موظفى الخزانة يوزعونها شهرا بشهر لأصحابها ، ومديرية الخزانة دائرة غاية فى النظام فلها دفاترها المنظمة ، وسجلاتها التفصيلية ولها محققوها ومدققوها ، وتجرى معاملاتها فى دائرة النظم الموضوعة.

ولا يضيع حق أحد فى ظل حضرة الخليفة العادل ، ولا يبرز إنسان قائلا : «قد أضيع وأخفى». وذلك فى سنة ١٢٣٣ ه‍ ، انتهى.

وقد أصبح المسجد النبوى فى أشد الحاجة إلى الإصلاح ، فأعلم والى مصر محمد على باشا مركز السلطنة العثمانية بذلك ولما جاء الرد لمحمد على باشا يطلب منه أن يعين رجلا مناسبا لأمانة البناء لتعمير الحرم النبوى على أحسن وجه ، فكوفئ كاتب الديوان المصرى طاهر أفندى وهو من صلحاء الرجال المصريين بتعيينه أمينا للبناء وأرسله إلى المدينة المنورة ذات الشرف العالى.

ووصل طاهر أفندى إلى دار الهجرة واطلع مع وجوهها واتفاق آرائهم على حرم السعادة ، وقرر تعمير وتقوية قبة حجرة السعادة وأحاط الحائط الذى بنى فى عهد عمر بن عبد العزيز بسور آخر ، فأحكم تشييد القبة الخضراء على وجه لائق بكل تعظيم وتوقير.

واهتم قاضى البلدة وشيخ الحرم النبوى وأعيان البلد وكبار موظفى الدولة بأداء الخدمة وهم لابسون أفخر ثيابهم ، وبعد أن عمر الحجرة المعطرة على الوجه الأكمل جعل النقاشين الذين أرسلوا من باب السعادة يصبغونها وزين جدرانها برسوم مختلفة الشكل ثم كتب الحديث الشريف فوق الباب الخشبى الذى يقع

فى جهة المرقد النبوى من محراب النبى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من زارنى بعد مماتى فكأنما زارنى فى حياتى ، ومن زارنى وجبت له شفاعتى» ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كتبه الفقير قوناقجى زاده إبراهيم النقشى ثم كتب على رخام مستدير فى الجهة الداخلية من باب جبريل عبارة : «عمر السلطان الغازى محمود خان نصره الله تعالى سنة ١٢٢٨» ، وفى الجهة الداخلية من جهة اليسار كتبت جملة : «عمر الحرم الشريف أمين كاتب الديوان المصرى محمد طاهر ١٢٢٨ وذهبها».

وقد وفق السلطان محمود خان العدلى فى إحياء هذه المآثر لوالى مصر محمد على باشا بتعمير وإصلاح المساجد والآثار التى تخربت وإحيائها وكتب بذلك إلى والى جدة ومحافظ المدينة المنورة نجله النجيل إبراهيم باشا وأرسل ما يلزمه من المبالغ ولوازم البناء قدر ما بلغ ، واستدعى إبراهيم باشا من باب السعادة ومصر مهرة العمال الذين تمرسوا فى دقائق أعمال البناء.

كما جلب من الشام قوالب الصينى وابتدر فى تعمير هذه الآثار وإحيائها ، وجدد أولا داخل حرم مسجد الحبيب والقبة الخضراء وخارجها وبعد ذلك أضرحة البقيع ثم أبنية المساجد والمشاهد فى صورة لائقة ، ثم وضع قطع الرخام التى وردت من باب السعادة فوق كمرات أبواب الأضرحة وزين كل مسجد وكل أثر كحسناء محبوبة ، وعين أصحاب الأضرحة بكتابة الأبيات فوق طاقاتها ولم يترك حاجة للزوار للسؤال عن أصحاب تلك الآثار ونوعها.

إذا كان قد كتب فوق قطع الرخام التى أرسلت من باب السعادة والتى وضعت وألصقت فوق أبواب هذه الآثار والأضرحة كتب عليها بعبارة مختارة وأحيانا بينت أسماء أصحاب الأضرحة وحقيقة الأثر وكنهه ، وكانت الأبيات المذكورة ثمرة قريحة ابن كيجة جى عزت منلا المرحوم من شعراء عهد السلطان محمود خان العدلى المشهورين قد كتبت وحكّت مذهّبة فى باب السعادة ، وما زالت منها مذكورة فى بحث تعريف الآثار والأضرحة.

وبعد أن أتم إبراهيم باشا المرحوم بتعمير حرم السعادة أمر بكتابة المدحية (١) العبارة عن الثمانين بيت المنظومة بعبارة عربية فوق جدار القبلة الذى يقع خارج باب السلام ، وكتب على الجهة اليمنى من هذه المدحية بخط أبيض فى صورة الشمس :

«قد كان الوكيل بعمارة الحرم الشريف النبوى والى مصر محمد على باشا أدام الله إجلاله آمين» وكتب البيت الشريف تحت الجملة السابقة بخط أبيض على شكل صورة الشمس :

هو الحبيب الذى ترجى شفاعته

لكل هول من الأهوال مقتحم

وفوقه بنفس الطريقة :

ما شاء الله كان هذا باب كليم الله فى سنة ١٢٣٣.

وعلى طاق الباب المذكور كذلك : هذه عمارة الحرم الشريف النبوى فى أيام إبراهيم باشا والى جدة ومحافظ المدينة المنورة عام ١٢٣٣.

وفى نهاية هذا الكلام :

فاق النبيين فى خلق وفى خلق

ولم يدانوه فى علم ولا كرم

وفوقه على هيئة الشمس كذلك : (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ..

كما أمر بكتابة التاريخ القديم الذى ظل من عهد السلطان قايتباى حول هذه الخطوط دائرا ما دار.

وبعد أن أتم إبراهيم باشا تجديد مسجد السعادة توأم الجنة أسرع لتجديد مسجد قباء فشيّد حرم السعادة المذكور فى صورة محكمة أحيا وجدد فى شكل جميل وبنى مبرك الناقة ومنزلة الآية ومسجد على ومسجد فاطمة ، ومسجد عمر ، مسجد بئر خاتم ، والسبيل الذى فى هذه الناحية وسبيل السلطان أحمد فى اتصال

__________________

(١) هذا المديح قائمة صورته إلى يومنا هذا فوق هذا الجدار المذكور إلا أن معظم أبياتها محيت لدرجة أن بعض مصاريعها تلفت بدرجة يصعب معها قراءتها فلم نستطع أن ننقلها فى هذا المكان.

جدار مقبرة البقيع التى فى داخل المدينة ومسجد بغلة ، ومسجد بنى ظفر ، مسجد أبى بن كعب فى داخل مقبرة البقيع ، ومسجد مصلى العيد المصطفوى الذى فى ميدان المناخة ، ومسجد الصديق الأكبر.

ثم بنى مدرسة باسم السلطان بالقرب من باب السلام وأصلح مدرسة السلطان عبد الحميد خان فصارت فى غاية الجمال والمتانة وأحياها ، وهكذا استجلبوا الدعاء لجانب السلطان السنى.

وقد طهر السلطان المشار إليه مجرى عين الزرقاء إثر السيول التى ظهرت فى سنة ١١٢٤ ه‍ مثل البحار وخربته إلى قبة البئر ثم أعطى ثلاثمائة صرة من الدراهم لتوزيعها على الحجاج الذين أضيروا بسبب السيول كما تصدق بثلاثمائة قطعة من الملابس لتقسم على الفقراء وأهدى حصرا وأبسطة لفرشها فى حجرة السعادة ، كما أهدى خمسا وسبعين قطعة من السلاسل الذهبية وأربعمائة وعشرين عددا من السلاسل الفضية لتعلق فى حجرة السعادة ، وبعض الشمعدانات لتوضع على يمين ويسار محراب النبى والمحراب السليمانى وأضاء داخل حرم السعادة الذى يشبه الجنة ، وذلك فى سنة ١٢٣٥ ه‍.

وكانت كل واحدة من السلاسل الذهبية فى ثقل مائتى درهم وكانت كل واحدة من السلاسل الفضية مائة وأربعين درهما ، وكان مع الشمعدانان عرض حال سلطانى كتبت صورته فيما يأتى :

نظم

تجرأت أهدى الشمعدان يا رسول الله

قصدى أن أخدم عتبتك العليا يا رسول الله

لا تليق بروضتك الثريا التى قدمتها يدى العاجز

فاحسن إلى بقبولها يا رسول الله

ليس لى أحد أشكو حالى

فمن جنابك الإحسان والمروءة يا رسول الله

دخيلك الأمان قد وقفت ببابك

ارحمنى وكن شفيعى يا رسول الله

فاستصحبنى فى العالمين ، السلطان محمود العدلى

فالدولة لك فى الأول والآخر يا رسول الله

وبعد إرسال الهدايا المذكورة علم من قبل السلطان أن قطع الرخام التى بين الروضة المطهرة وجدار القبلة قد خربت بطريقة سيئة وبناء على الأوامر الصادرة أصلحت وجددت قطع الرخام التى فى المكان المذكورة ابتداء من مواجهة السعادة إلى باب السلام ولما كان ما بين باب السلام إلى باب الرحمة ترابا فرش هذا المكان وكذلك الساحة التى فى محاذاة الأعمدة فى الساحة الرملية بالقطع الرخامية ، وذهبت الخطوط التى فى السقوف وعمر حمام محمد على باشا الذى كان قد فجر اللغم من قبل ، وأسست مدرسة جميلة فى قرية قباء ثم حفرت بالقرب من مشهد حمزة بئر واسعة وحوض.

وما عدا هذه بنيت بالقرب من باب السلام دار توقيت على أن تكون فى إحدى جهاتها مدرسة وفى جهة غرفا للمؤقتين ، كما أسّس أمام دار التوقيت سبيل جميل وهكذا أحيا أهالى المدينة.

وبما أنه أرسلت ساعة من باب السعادة لتوضع فى داخل دار التوقيت وتاريخا ليحكّ فى أعلى طاق المبانى التاريخ الذى حرر بالشكل اللائق ، فوضعت الساعة فى مكانها الخاص كما حكّ التاريخ فوق كمر باب دار التوقيت وذهّب وهذه صورة تاريخ دار التوقيت :

التاريخ

قد قام ملك ملوك الزمان بأثر محمود

بنى فى داخل حصن المدينة هذه الدار للتوقيت

كن من هذا الارتفاع الصامت دليلا على عظمة السلطان

قد زاد الزمان ساعة بعد ساعة بنوره

فليملأ الدهر بمفتاح الشريفة مثل الساعة

فلتكن روح النبى فى عون ذلك السلطان دائما

قد زين بهذا الشكل زينة محمود التاريخ

السلطان محمود هو الذى أوجد دار التوقيت

فى سنة ١٢٥٣.

وبعد تصليح دار التوقيت المذكورة بسنة ونصف كان قد أرسل من باب السعادة خمسة أنفار من المجلدين لتعمير وتذهيب الكتب الموجودة فى دور كتب المدينة المنورة ، وأعلم باب السعادة أن هؤلاء المجلدين قد عاينوا دور كتب المدينة المنورة بواسطة موظفى الدولة وعمروا سبعة آلاف مجلد من الكتب وذهبوها ، وقد أجر كل واحد من هؤلاء ألفا وخمسمائة قرش معاشا شهريا.

ولما كان نظام خدمة حرم السعادة احتاج للإصلاح صدر الأمر السلطانى أن تكتب أسماء الخدم ، فى دفاتر خاصة وقد جعل لعشرة من الشيوخ ثلاثون قرشا وقد خصص للشيوخ أجرا أسبوعيا مقداره أربعون قرشا وللفراشين خمسة وعشرون قرشا وأكرم الجميع بهذه الطريقة وذلك فى سنة ١٢٥٥.

ومازال هذا النظام مرعى الجانب إلى الآن وكل شيخ يقوم بأداء مهمته أسبوعيا مع رفقائه ، وفى يوم الجمعة يحصلون على أجورهم الأسبوعية ويعودون ، والذين لا يواظبون فى أداء خدماتهم تخصم منهم يومياتهم بموجب الدفتر.

وأرسل السلطان المشار إليه إلى حرم السعادة نسخة من البخارى والشفاء الشريف كما أرسل ثلاثين عددا من الكلام القديم (١) وثلاثين عددا من دلائل الخيرات وثلاثين قطعة من أجزاء القرآن الكريم ، وعين لتلاوة كل واحد منها شخصا وأراح باله بأن ربط له راتبا بمقدار كاف.

__________________

(١) يعنى القرآن.

وما زال سواء أكانت الأجزاء اللطيفة أو البخارى والشفاء الشريفين فى المسجد النبوى وتقرأ صباح مساء أمام محراب التهجد يتحف ثواب قراءتها وأجرها لروح الواقف.

ولم يخدم السلطان محمود خان الحرمين الشريفين فحسب بما عرض من الخدمات إذ إنه كذلك جدد وعمر ـ كما سنبين فى الصور الآتية ـ مسجد قباء ، والمساجد الأخرى والآثار العالية وأضرحة مقبرة بقيع الغرقد التى هدمها وخربها طوائف الخوارج الرذيلة ، ومشهد حمزة ، ومقبرة الشهداء ، والمشاهد الأخرى والآثار المسعودة ، كما أمر بكتابة منظومة فوق أطواف المساجد والآثار.

خارقة

كان السلطان محمود خان العدلى جدد غطاء مرقد السعادة الذهبى للمرة الثانية ، والغطاء الذى أرسله فى المرة الثانية ، حينما وصل إلى الحجرة المعطرة وشرع فى تغطية المرقد لزم قلع الغطاء القديم ، وبينما شرع فى قلع الغطاء القديم الذى قد سكر باحتضان القبر النبوى الشريف عدة سنوات صدر من الهاتف صوت حزين يقول واه حسرتاه واه فرقتاه وهكذا عرض ذلك الغطاء نار حسرته وفرقته وقد سمع هذا الصدى المثير للشوق كل من كان فى داخل الحجرة النبوية وفقدوا عقلهم وشعورهم.

وإن كانت هذه الخارقة غير مصدقة عند أهل الاستدلال ، إلا أن الذين يصدقون أن الجذع الشريف الذى ارتمى على الأرض وأصبح جذاذا وأخذ يئن ويصيح عند ما وضع مكانه منبر السعادة لا يستبعدون ظهور مثل هذا الصوت عندما كان الغطاء القديم يخلع من على المرقد النبوى.

لمن يوفق أحد من ملوك الأسلاف إلى إسداء الخدمات لحرم السعادة مثل ما قدمها السلطان الغازى عبد المجيد خان ابن السلطان محمود خان الثانى ، إذ لم يترك ذاته السلطانية مكانا فى مسجد السعادة أو الحجرة المعطرة لم يجدده أو يعمره ، إذ بنى ٢٩ قبة فوق السقف القديم الذى صنعه السلطان مراد الرابع والذى يقع الآن فى الجهة القبلية من الساحة الرملية كما هو مبين فى الخريطة

الخاصة ، كما جدد القباب الموجودة منفقا ما لا يحصى من النقود ، وفرش فوق أسطح القباب الموجودة بقطع من الرخام المجلاة ، وعنى بتزيينها ، وجدد الخطوط التى فى داخل مسجد السعادة وخارجه وهى التى تحدد حدود الحجرة المعطرة وقطع رخام حرم السعادة عامة ، وهكذا قام بخدمة عظيمة فإنه أسس أبنية المسجد النبوى الشريف المسعودة من جديد ، وأسس فوق باب التوسل مكاتب وعدة مخازن أعلاه وأسفله فأصبح باب حرم السعادة فى غاية اللطف مؤخرا. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.

دخول السلطان عبد المجيد فى حجرة السعادة

يروى أصحاب الوقوف من أهالى المدينة ومهرة بنائى الحجارة الذين استخدموا فى عمليات تجديد قبة السعادة فى حق المرحوم المشار إليه حكايتين غريبتين ولكن لهما مغزى ويدعون أنهما غير قابلتين للتكذيب.

١ ـ الحكاية الأولى :

نقشت الطغراء الغالية التى أرسلت من إستانبول فوق قطعة رخام مجلاة وذهبت لتكون علامة واضحة على أن السلطان عبد المجيد قد جدد وعمر مبانى الحرم العالية وعقب ختام فروغ عمليات المبانى المقدسة تركت فى جهة ما على أن توضع فوق كمر باب مناسب من الأبواب مغطاة ، وكان قد مر بعض الوقت من حينه ، فجاء أحد المجذوبين الذى لم يتحدث فى حياته مع أحد فأشار بأن توضع الطغراء فى مكانها بعد أن كشف غطاءها ، ولم يتأخر عن الإلحاح والإصرار قبل أن تلصق الطغراء المذكورة إلى مكانها وأخبر بالأمر موظفو الحكومة ، وإذا فى ذلك اليوم كان السلطان عبد المجيد قد ارتحل إلى قصر سواحل الجنة وجلس مكانه أخوه عبد العزيز خان! وعلم بهذا بعد ذلك بخمسة وعشرين يوما.

وبما أننا لا نصدق مثل هذه الحكاية فضلا عن أننا لا نريد أن تأخذ هذه الواقعة مكانا فى عالم الوجود ، فاستوضحنا الأمر من بعض الموظفين الذين كانوا فى مهمة تجديد تلك المبانى المقدسة فعرفنا أن الحقيقة كانت على الوجه الآتى : إن الطغراء التى حكّت مذهبة فوق قطعة الرخام وفى تاريخ إتمامها كانت أبنية حرم

السعادة وإنشاءاتها قد وصلت إلى ختامها إلا أنه ظلت بعض كتاباتها ولما أكملت هذه الكتابات فوق الرخام ونقوشها تركت فى مكان محفوظ بعد أن غطيت حتى توضع فى مكانها ، وبعد فترة ما لم يبق فى الحرم الشريف محل فى حاجة إلى التجديد والتعمير ورفع رخام الطغراء من مكانه ، فجاء بعض المسافرين من جانب مكة المعظمة وأتوا بخبر وفاة السلطان عبد المجيد خان فى صورة غير رسمية ، إلا أن هذا الخبر لم يوثق به ولم يعتمد عليه ، ومن هنا أخذ خطباء المسجد يذكرون فى خطبتهم يوم الجمعة اسم السلطان عبد المجيد ويدعون له وقالوا : لو كانت هذه الرواية صحيحة جاءتنا الأخبار من جانب الإمارة الهاشمية فى مكة المكرمة وكنا نؤمر بذكر اسم عبد العزيز خان وتلاوته وهذا لزوم شرعى ، وكان لا بد أن يأتى الأمر السلطانى يشهد بجلوس السلطان عبد العزيز وكان ما قالوه معقولا.

وبما أن عمليات مبانى حرم السعادة أصبحت رهن الختام ولم يبق لقائل أن يقول : «فى هذا المكان قصور أو نقص» إذ أصبحت الروايات المتواترة أن من ينظر إلى المبانى العالية يراها ما زالت ناقصة ومن هنا كان يلزم تبديل الطغراء باسم السلطان الجديد ، ولما كان هذا خلاف الواقع وضع البنّاءون رخامة الطغراء التى أعدت من قبل فى مكانها فوق باب السلام وبهذا بين أن عمارة المسجد الأخيرة قد تمت فى عهد السلطان عبد المجيد الملئ بالخيرات وبهذه الجرأة المقدرة ودلالتها بان أنه متصف بالاستقامة والنزاهة وقد عرض هذا الوضع اللائق على السلطان عبد العزيز فى صورة غير لائقة وأدى ذلك لغضب ذلك السلطان ، إلا أن المنافقين الذين عرضوا ذلك الأمر على السلطان عن طريق الغمز واللمز قد ارتكبوا عن طريق الرياء المذموم ظلما كبيرا ؛ لأن عمارة حرم السعادة قد تمت فى اليوم الأولى من ذى الحجة سنة ١٢٧٧ ه‍ ووضعت طغراء عبد المجيد خان الغراء فوق باب السلام وعلى طاقه ، وكان السلطان عبد العزيز قد جلس على عرش السلطنة يوم الثلاثاء السابع عشر من ذى الحجة من السنة المذكورة ويوجد تفاوت قدر ستة عشر يوما بين الحادثين ، لو كان موظف مبانى السعادة امتنع عن وضع

رخامة الطغراء فوق طاق باب السلام مصدقا رواية مسافرى مكة وكان بدل باسم السلطان عبد العزيز خان بعد الاستئذان كان سينال رضا السلطان بناء على أقوال المنافقين الذين تدخلوا فى الموضوع ، وسيحظى بالتفات ونعم السلطان ، ولم يكن هناك شبهة أنه سينال الترقية فى المناصب الدنيوية ولكنه بما أنه رفض أن يختار طريق الخداع والكذب للحصول على المراتب الدنيوية لأجل اجتنابه النواهى الإلهية لأنه كان سيتعرض للمسئولية وغضب الله ، ولا شك أن عرض الإخلاص والعبودية عن طريق الحيل والخدع والدسائس لم يكن أمرا مقبولا ولا مقدرا لدى السلطان عبد العزيز خان ، فلنفرض أن بعض أجزاء من حرم السعادة قد تم تعميره فى عهد السلطان عبد العزيز واكتملت تعميرات المبانى فى زمنه أليس الحكم بأن تعمير المبانى قد تم فى عهد السلطان عبد العزيز خان دون النظر إلى ما بذله السلطان عبد المجيد من الجهود والهمم فى خلال اثنى عشر عاما منافيا لقاعدة العدل والإنصاف ومغايرا لرضى عبد العزيز خان الذى يتصف بحبه للحق والإنصاف.

٢ ـ الحكاية الثانية :

قبل أن يرى خبر وفاة السلطان عبد المجيد خان بشهر ، قد رأى أحد سكان المدينة المنورة ممّن يظن بهم الصلاح والزهد رأى فى رؤياه أنه كان فى داخل الروضة المطهرة وإذا بذات عالى القدر ذات احتشام ملكى يدخل من باب السلام بكل وقار ووقف أمام باب الوفود وبعد فترة فتح باب الوفود وأدخل ذلك الشخص ذا السمات الروحانية داخل حجرة السعادة ، هذا ما شاهد ورآه ، وقد انتظر صاحب الرؤيا فى الروضة المطهرة إلا أنه رأى أن الشخص عالى القدر الذى أخذ داخل الحجرة النبوية لم يخرج خارجها ، واستيقظ حينئذ من نومه وبعد فترة تلقى نبأ وفاة السلطان عبد المجيد خان واطلع بعد الحساب أن ارتحال السلطان المذكور يوافق الليلة التى رأى فيها الرؤيا ، وعبّر رؤياه بأن ما قدم ذلك السلطان من خدمات عظيمة لحرم السعادة قد حظى بالقبول عند الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفعلا فإن هذا التعبير صحيح وهو عين الواقع.

وبناء على ما يروى من هذا الشخص المبارك الذى رأى الرؤيا أن الشخص الذى قبل فى داخل الحجرة كان لابسا ملابس بيضاء من رأسه إلى أخمص قدميه وكان خلفه رجل يحمل سيفا ، والمظنون أن هذا الشخص هو السلطان عبد العزيز خان ، قد عاد بعد دخول السلطان عبد المجيد خان فى حجرة السعادة بكل وقار وسكينة وبعد مرور خمس أو عشر دقائق دخل فى حرم السعادة عدة أنفار من الجنود ذات عمائم خضراء وأحذية سوداء.

وقد أخبر صاحب الرؤيا أن أشكال هؤلاء الأنفار كانت تشبه للجنود الذين كانوا يرافقون الحاج وسيم باشا الذى أتى بأمر تولى عبد العزيز خان الحكم خلفا للسلطان عبد المجيد ، وذلك عندما جاء ذلك الباشا إلى المدينة المنورة.

ولا شك أن الذين يعرفون عظمة ما يكنه السلطان عبد المجيد من المحبة والعبودية لسلطان الأنبياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ سيصدقون صورة تعبير هذه الرؤيا.

وبناء على ما سطر فى تواريخ الحرمين القديمة وما يجرى على ألسنة سكان دار الهجرة ليس هناك ملك جلس على كرسى العرش مثل السلطان عبد المجيد الذى أنفق من النقود وبذل من الجهود لتجديد مسجد السعادة وتعميره وتزيينه ، وبما أن المشار إليه قد جعل جميع أفكاره وشعاراته الملكية لخدمة سلطان الأنبياء فى كل آن وساعة وعرض عبوديته الصحيحة المخلصة يرون ظهور بعض الكرامات على يدى ذاته الملكية.

قد تعرض مصطفى عشقى بن عمر أفندى من أفاضل مجاورى المدينة المنورة لعلة القلب وتعرض من جراء ذلك إلى مضايقات وصعوبات فى إدارة وإعاشة أولاده ؛ وعليه قرر فى فترة ما ترك المدينة المنورة والسياحة فى بعض البلاد ، واستأذن من الحجرة المعطرة ، وبناء على الأمر الذى صدر جاء إلى إستانبول دار الأمان فى سنة ١٢٩٧ ه‍ وقد سطر فى آخر الكتاب الحالات التى أجبرته على

اختيار هذه السياحة والإرادة العالية التى صدرت من قبل النبى صلى الله عليه وسلم بعد الاستخارة بالتفصيل.

ولما كان عشقى أفندى لم ير إستانبول وكان مشتاقا لرؤية وجه سلطان العصر ومشاهداته ذهب إلى دار المولوية فى بشكطاش حين وروده إلى إستانبول وجلس فى ركن من أركانها ، وبما أنّ ذلك اليوم كان يوم المقابلة شرف الخانقاه المذكورة السلطان عبد المجيد ، ولما لفت شكل عشقى أفندى الأنظار السلطانية بعث بموظف خاص يسأله عن اسمه ومن أين أتى ، وأين يستضاف ولم يعرف عشقى أفندى هوية هذا الموظف كما أنه لم يعرف الشخص الذى أرسله ، حتى أنه لم يعرف أن السلطان فى تلك التكية ، ولكنه عرف أنه سيكون الاجتماع فى يوم الجمعة فى مسجد بكلربكى اللامع الأنوار ، فذهب فى ذلك اليوم هناك حيث وقف فى الممر السلطانى بكل تعظيم ، وكان غرضه رؤية جمال وجه السلطان ولما جاء السلطان عبد المجيد فى محاذاة عشقى أفندى توقف وقال لرئيس كتابه مصطفى باشا : «يا باشا سلم من قبلى لهذا الشخص ، وبما أنه شرف إستانبول حديثا فلينعم قدر ما شاء وليتنزه وليشاهد جميع أماكن باب السعادة ، ولا يفكر فى أولاده وعياله».

إننى أفكر فى أولاده وعياله نائبا عنه ، قد خصصت له راتبا ثلاثمائة قرش ، فليعش مستريح البال مادام حيا وليدعو لدولتنا بقوتها وبقائها!!!».

هل هناك كرامة أكبر من هذا لأجل سلطان؟ ومن هنا يقال إن السلطان عبد المجيد قد حظى بحسن القبول لدى الجانب النبوى العالى كما أنه قد كلف تنفيذ الأوامر النبوية ، لأن عشقى أفندى كان قد أرسل من جانب النبى عظيم المناقب لطفا به. انتهى.

فى تعريف كيفية تعمير حرم السعادة

وتجديده فى المرة السابعة

قد قام بتعمير الحرم الشريف ، ممسح جباه الموحدين والذى يقوم بخدمته الملائكة خدم سيد المرسلين ، قد قام بتعميره وتجديده للمرة السابعة السلطان الغازى عبد المجيد خان بن السلطان الغازى محمود خان العدلى.

وجه إلى شيخ المهندسين محمد رائف باشا من الثلاثة ذوى المكانة عند الوكلاء من محافظة طرابلس الغرب سابقا ومن كرام الأمراء وأحيل إليه وظيفة أمانة المبانى وأرسل إلى المدينة المنورة.

وخرج محمد رائف باشا من باب السعادة فى ربيع الأول سنة ١٢٦٧ ه‍ ووصل فى اليوم الثانى والعشرين من شعبان فى نفس السنة إلى المدينة المنورة وشغل بإتمام ما لم يتم عمله من الجبل طريق الأمر الذى سواه سلفه حليم أفندى الصغير ، واقتلع الخيم التى تؤوى العمال والآلات التى فى الجبل الأحمر وبنى مكانها دورا حتى يحمى العمال والأدوات من عربان البادية والحيوانات المتوحشة وعلى بعد عشرة أذرع من هذه الدور حفر بئر يبلغ عمقها خمسين ذراعا.

الحوادث المحلية

عتدما أتم محمد رائف باشا حفر البئر وأخذ العمال يستفيدون منها ، عصى عربان البادية وتسلطوا على قوافل الحجاج وأبناء السبيل ، وحاصروا المدينة المنورة وقطعوا الطرق والموارد عنها حتى يضيقوا على العمال والمسافرين وجيران سيد المرسلين ، ومنعوا جلب الحجارة من الجبل الأحمر إلى المدينة كما منعوا جلب المياه إلى العمال من البئر سالفة الذكر وهجموا على العمال ونهبوا الحيوانات الأميرية وعملوا على قتل من يصادفهم من الناس وتسلح عمال الجبل الأحمر

وأنشئوا متاريس وأبراج لحماية أنفسهم ، مع أن العربان حاصروا الجهات الأربعة للجبل الأحمر وأخذوا يسببون الخسائر للمحاصرين وكانوا يهربون كلما أرسل ضدهم الجنود والعساكر وقد تصدعت المواضع التى رممت من قبل من مسجد السعادة ، كما أشرفت بعض مواضعه على الانقراض ، وساءت حالة المسجد إلى أقصى درجة من درجات السوء فى خلال سنة ١٢٦٠ ه‍ ، ولما كانت السقوف والقباب قد تصدعت فى عدد من المواضع وخيف من سقوطها فجأة ، أسف موظفو الحكومة لذلك أشد الأسف وحاروا فيما يفعلون ، ثم اجتمعوا للتشاور وتدبير الأمر ، فقر قرارهم على رفع الأمر إلى الباب العالى.

وقد وصلت حالة الأبنية فى عهد داود باشا شيخ الحرم رحمه الله ، إلى درجة من السوء بحيث كان الأهالى الكرام يتحاشون الاقتراب من بعض مواضعها ، وكانوا يدعون الله كى يلهم السلطان بما ينبغى عمله نحو حرم السعادة ، وفى نهاية المطاف اتفق أعيان المدينة وسادتها على رفع الأمر إلى داود باشا الذى كان فى شدة الألم من إشراف مبانى الحرم النبوى الشريف على الانقضاض وكونها فى أشد الحاجة إلى التعمير والترميم ، فما كان من داود باشا إلا أن أحضر الدواة والقرطاس وكتب إلى مقام الصدارة العظمى رسالة بين فيها إشراف مبانى الحرم النبوى الشريف على الانهيار ما لم ينظر إلى حل هذه المشكلة الآن وأرسل هذه الرسالة إلى باب السعادة فى سنة ١٢٦٣ ه‍.

ولما وصلت رسالة داود باشا هذه إلى باب السعادة وعلم فحواها أولو الأمر أدركوا الحالة التى وصلت إليها أبنية حرم السعادة ، وحصلوا على معلومات كافية بخصوص هذا الأمر ، وقد شكلت لجان فى دار الإفتاء السلطانى لمذاكرة الأمر فى عمق ، وفى ظل المسائل الشرعية ، ثم قرروا كإجراء أولى إرسال مهندس مجرب ليقوم بالكشف على تلك الأماكن ثم يتداولون الأفكار وفقا لما يرسمه ذلك المهندس من خريطة لتلك الأماكن ، وبناء على الأمر السلطانى الذى صدر بعد

الاستئذان أرسل فى رفقة رمزى أفندى من رجال الدولة أمير الاى عثمان بك الأمرد من ضباط دائرة المدفعية السلطانية العامرة وبعد أن شرح له الموضوع وبينت الكيفية أرسل إلى المدينة المنورة.

ووصل رمزى أفندى مع عثمان بك إلى دار الهجرة واطلعا بناء على القرار العالى على أحوال المسجد النبوى الشريف وعادا إلى الأستانة وعرضا الخريطة التى خطوها وشرحا رأيهما ووجهة نظريهما ثم اجتمع الوزراء فى دار الإفتاء السلطانية والمجلس الخاص ودققوا النظر فى الخريطة المذكورة وعاينوها ، وقرروا تجديد المسجد بتعميره وبناء على صدور الأمر السلطانى بذلك أرسل حليم أفندى الصغير مدير الأبنية الخاصة من رجال الدولة العلية بوظيفة الإشراف على المبانى المفتخرة إلى مدينة الرسول فى سنة ١٢٦٦ ه‍.

وأرسل المهندسون وعمال البناء المهرة والعمال والأشياء المتنوعة عن طريق باب السعادة (١) ومن مصر القاهرة بالتتابع ، كما أرسل ما أمكن تدبيره من النقود تدريجيا ، وأبلغ شيخ الحرم النبوى وقاضى المدينة المنورة بإشعارات مختلفة على أن يبدأ العمل بعد أن شكل مجلس خاص من مشاهير السادات والعلماء من المدينة المنورة يتولى توصية العمال الذين سيرسلون بحسن أداء أعمالهم وأن يحافظوا على الأدوات المرسلة من التلف وأن يعملوا فى الإنشاءات وفق الشريعة الأحمدية وأن يعملوا بكل تعظيم وحرمة لصاحب المقام وألا تصدر منهم ألفاظ مخلة بالآداب وألا يرفعوا أصواتهم وألا يقوموا بحركات غير لائقة وأن يعنوا أعظم عناية بأداء صلواتهم فى جماعات كما فى السابق ، وقد أمر السلطان ذو الخصال البايزيدية أن تكون المبالغ التى ستنفق فى تجديد حرم السعادة من الحلال

__________________

(١) كان حسين أفندى معاون الأبنية من أصحاب الرتبة الثانية قد عين مشرفا على تحسين الرواتب التى ستربط لمعيشة أولاد وعيال العمال المسافرين ولإرسال العمال والأدوات اللازمة التى ستدبر من باب السعادة فى الوقت المحدد إلى المدينة. وقد فضل حسن شوقى أفندى عمله الخاص بحرم السعادة على أشغاله الأخرى وقام به أحسن قيام وقد نال إخلاصه فى عمله هذا تقدير الجهات العالية ولما أريد مكافأته على إخلاصه دنيويا قد كوفئ فى ختام عمله بأن أحسن إليه بقطعة من وسام مجيدى قيم سنة ١٢٧٩.

الطيب مهما كان مقدارها ولما كان إنقاذ واردات الخزانة المالية السلطانية من الواردات المخلوطة من شبهة لضيق الوقت ، فكلما احتيج إلى إرسال النقود إلى المدينة المنورة لتعمير الحرم النبوى كان يبادل ما تهيأ فى الخزانة السلطانية من أموال مع من يثق بهم من الذوات عن طريق الاقتراض أى كان يرسل هذه المبالغ موافقة لأحكام الشريعة الغراء.

وقد سطر فى التواريخ القديمة أنه كلما احتاج الحرمان الشريفان ومبانيهما للتجديد والتعمير أن الأموال التى ستنفق لذلك كانت تصرف من أموال الجوالة التى يصدق العلماء أن أموالها حلال.

وكان السلطان عبد المجيد خان يرسل الأموال اللازمة للإنفاق على الأبنية المذكورة على الوجه المشروح السابق رحمه الله رحمة واسعة.

أرسل حليم أفندى الصغير الذى أسندت إليه عهدة البناء عندما وصل إلى ينبع رئيس البناء الحجرى نواحى دار الهجرة لعلهم يجدون محجرا ، كما أنه توجه نحو المدينة المنورة ووصل إليها فى أوائل رجب الفرد وتفقد لوازم البناء التى وصلت قبله وبعد أن جمع ورتب مجلس العلماء الذى أمر بتشكيله بالإرادة السنية ، فأراد أن يشرع فى عمله باتفاق الآراء ، ولكن بما أنه كان فى حاجة إلى تهيئة الأحجار التى تستخدم فى البناء وتسهيل الحصول عليها اضطر أن ينتظر وصول رئيس البنائين إبراهيم أغا ، إلا أن إبراهيم أغا عاد يائسا من أنه لم يصادف معدنا من هذا القبيل ، وطلب منه أن يبعثه إلى مكان آخر مع الحجارين حتى يتحرى عن الحجارة ، وتشكل عندئذ مجلس ليبحث هذا الأمر فرأى المجلس أن يرافق المجلس لإبراهيم أغا عدة حجارين من أهل المدينة وشرح له الجبال التى يحتمل وجود الحجارة فيها ، وتحرى إبراهيم أغا هذه المرة جميع الجبال التى حول المدينة المنورة ثم وجد فى جهة بيار على من وادى العقيق على بعد ساعتين من المدينة المنورة فى جهة مكة المكرمة ، محجرا غنيا بالحجارة وكانت هذه الحجارة

المستخرجة غاية فى اللطف وكان لونها قريبا من اللون الوردى ، فسّر أفراد الهيئة وأهالى المدينة من هذا الأمر وقالوا : «إن ظهور هذا المعدن من جملة ما وفق فيه السلطان».

وهذا عين الصواب ، ولا يخفى على الذين يقفون على الوقائع التاريخية لمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الملوك الذين بذلوا المساعى والجهود لتعمير مآثر البلدة النبوية لم يوفقوا فى كشف معدن مثل ذلك واضطروا لجلب تلك الحجارة اللازمة للتعمير من مصر والجهات الأخرى البعيدة ، وقد ظهر هذا المعدن اللطيف فى وادى العقيق الذى عظم قدره بحديث مخصوص.

العقيق

كما عرف فى مكانه واد مبارك ، كان اسمه القديم السليل ، ولما قال تبع الحميرى هذا عقيق الأرض فعرف باسم العقيق ، ومن المحتمل تسميته بهذا الاسم لاحمرار رماله.

غريبة

بينما كان إبراهيم أغا يتحرى عن الحجارة فى الجبال مع أصحاب الوقوف من أهل المدينة ، ظهر شخص على شكل أعرابى وقال له : «يا إبراهيم أغا إننى أعرف فى هذه الأماكن معدنا ، تعالى أريك إياه. قد ينفعك فقادهم وهو سائر أمامهم إلى الجبل الأحمر حتى وجد ذلك المعدن فى هذا المكان وأراه لهم ، وسر إبراهيم أغا من مروءة هذا الأعرابى وأراد أن يكافئه بعطية ، إلا أن الأعرابى قد اختفى عن الأنظار فى الحال.

إن هذه الإشارة علامة شاملة البشارة على أن خدمات والد السلطان كثير المحامد قد حظيت بحسن القبول عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونصب حليم أفندى على الجبل المذكور الخيم وبعث الآلات والأدوات اللازمة : النجارين ، والحجارين وفتح منجما فى قمة الجبل ، ورفع الصخور التى عليه فاستخرج قطع حجارة كبيرة وأمر بنحتها لتكون صالحة للاستعمال.

لأن الحجارة التى استخرجت كانت غير قابلة للنقل من جهة إلى أخرى فضلا عن نقلها وحملها على الجمال ، وفى الآخر سوى الطرق التى بين الجبل المذكور والمدينة المنورة ، وهيأ مكانا واسعا خاصا بالحجارين ، وبعد مدة عين محمد رشيد أفندى محافظ المدينة وكيلا له ثم عين شريف أفندى من أقاربه لرياسة معتمر العمال ، ولما ذهب إلى مكة لأداء فريضة الحج انقطعت أنفاسه الأخيرة فى منى وارتحل عن دنيانا ، ورحل حليم أفندى الذى أتى من باب السعادة كما أن أشرف أفندى هو الآخر قد ارتحل عن دنيانا فى منى أيضا بعد وفاة حليم أفندى.

وكان هذا الشخص قد أرسل من قبل حليم أفندى إلى باب السعادة بعض ذهب مجيدى من فئة مائة ، وإثر وفاته قد اخذت هذه المبالغ الذهبية بمعرفة الحكومة وأرسلت إلى شورى هيئة البناء المقدس. وإن كان حليم أفندى قضى ما يقرب من ستة أشهر فى مهمة البناء المقدس وبذل جهده لأداء عمله على أحسن وجه إلا أنه فى أثناء هذه المدة وجد المعدن المذكور وسهل الصعوبات التى ظهرت فى نقل تلك الحجارة من الجبل الأحمر ومهده وبنى محلا خاصا لتقطيع الحجارة ونحتها فى موقع يطلق عليه دار الضيافة وجهز الآلات والأدوات اللازمة فقط ومن هنا لم تتقدم عمليات مسجد السعادة.

وعقب وفاة حليم أفندى أرسل رجل يصدق لدى الباب العالى درايته وأهليته ، لكشف أبنية مسجد المدينة المسعودة ومعاينتها إلى دار السكينة ، وقرر فى مجلس الوزراء الخاص تفويض هذا الأمر الجليل إلى محمد أسعد (١) مؤلف «دريكتا» من أجلاء العلماء المتبحرين الذى قرر أن يذهب فى تلك السنة إلى

__________________

(١) محمد أسعد أفندى المشار إليه يعرف باسم إمام زاده وكان فى ذلك الوقت من أعضاء المجلس الأعلى.

أراضى الحجاز لأداء فريضة الحج ، واستأذن السلطان فى هذا الأمر وصدرت الإرادة السنية بذلك وأخبر بذلك أسعد أفندى وكان فى هذا الكشف الثانى والى الحجاز آكاه باشا أيضا ولما فسر قرار مجلس الوزراء بخصوص كيفية كشف ذلك المقام السامى بطريقة مع داود باشا شيخ الحرم النبوى ، وبين له المهمة التى كلف بها ثم استفسر منه فى أثناء حديثه عن الذين يقتضى وجودهم معه فى أثناء كشف الأماكن المقدسة ، وسر داود باشا من اختيار محمد أسعد لهذه المهمة وبين له أصحاب المعلم فى هذا الموضوع ذكر أسماؤهم وأسرع بتشكيل هيئة كشف من سادات البلد وموظفى الحكومة ومن العالمين بكشف المكان وأصحاب الوقوف فيه.

وقد كشفت تلك الهيئة وعاينت داخل حرم السعادة وخارجه وعثرت على الجدران المتشققة والقباب التى بليت والسقوف التى مالت للسقوط والانهيار وبعد أن رأى تلك الأماكن قال شيخ الحرم ، السيد المحترم ، قد عرفتم أن تعمير الحرم الشريف قد وصل إلى درجة الاستحالة ، فإذا ما أصلح بعض أماكنه بإنفاقه نقود طائلة ، فمن البديهى أن المواقع الأخرى ستحتاج إلى الإحكام والإصلاح وهذا بديهى ، وإذا التزم جانب إصلاحه وتعمير بعض أماكنه فعلى هذا التقدير سيكون قد فتح باب لصرف نفقات باهظة بإصلاحه كل عام.

إلا أن محمد أفندى أسعد قال : «إن المبالغ التى ستنفق لتعمير أبنية الحرم النبوى تقتضى أن تكون من الحلال الطيب المطلق» ، وألمح أنه ليس مع الذين يريدون أن يعمروا الحرم النبوى كاملا وبين أنه يمكن إحكام الحرم النبوى بتعمير بعض جهاته ، وأسكت الذين يقولون بأن تعمير بعض جهات الحرم النبوى مضر للخزانة السلطانية.

وقد تأثر شيخ الحرم داود باشا (١) من رأى محمد أسعد أفندى أعظم تأثر كما

__________________

(١) منذ أن دخل الحجاز فى حوزة السلاطين العثمانيين إلى يومنا هذا لم ير الناس شيخا للحرم فى نبل داود باشا.

أن الأهالى عامة تغيروا منه ولم يلتزموا جهة إقناعه بإتيان أدلة مقنعة ولكنهم بالاتفاق توجهوا ناحية سلطان الأنبياء ـ على نبينا وعليهم التحايا ـ وعطفوا النظر إلى الحجرة المعطرة وحصروا أنظارهم قبل حضرة النبى صلى الله عليه وسلم لعله تصدر منه إشارة معنوية ، وسكتوا عن الأمر.

ولما رأى محمد أفندى أسعد تأثر داود باشا وأعاظم أهل المدينة وساداتها وعلمائها واغبرارهم ، ندم على أنه اتخذ رأيا يؤدى إلى إنقاص الخاطر ، إلا أنه على حق لأنه ما كان يستطيع أن يتصرف خلاف التعليمات التى صدرت له من الباب العالى.

سقوط قبة ـ كان ذلك عقب أداء صلاة الصبح بعد أن شكل محمد أسعد أفندى الهيئة الكشفية لكشف ومعاينة مسجد السعادة ، وعقب القرار أخذت تسقط قطع طلاء قبة من القباب التى فى مقدمة الجهة القبلية من حرم السعادة ، وكأنها تخطر بلسان حالها لزوم تجديد أبنية المسجد ، الشريف المقدسة ، إن هذه الحالة قد أقنعت إمام زاده بلزوم تجديد المسجد ، قد أدت الأنقاض التى سقطت من القبة إلى مقتل الشيخ محمد إسكندر الذى كان يقف أمام نافذة المواجهة النبوية وفى النقطة التى يقف فيها من يزورون عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ ولو وجدت الهيئة الكشفية فى النواحى التى وقعت الأنقاض فيها فى هذه الساعة ، لحدثت مصائب أكثر من ذلك ، قد توفى محمد أفندى متأثرا بإصابته بالجرح فى رأسه وتوفى قبل أن ينقل إلى الحى الذى يسكن فيه ، وكان من الإسكندرية ومن أجلاء طلاب الشيخ الصاوى وكان رجلا فطنا وغاية فى الإخلاص ، رحمه الله رحمة واسعة وانهار عقب هذه الواقعة جهة سقف من سقوف مسجد السعادة فى الجهة الشرقية وبما أنه لم يكن تحته إنسان لم يتسبب فى أية خسائر فى الأرواح.

ولما ظهرت تلك المعجزة المذكورة استيقظ إمام زاده من نوم غفلته الثقيل وفهم رأيه السقيم وأذعن لخطئه وأخذ يستغفر نادما وصدق قرار مجلس المدينة سالف الذكر ونقل مكانه مدير الخزانة النبوية عبد اللطيف أفندى وعين بدرى أفندى من

الكتبة لكتابة مصاريف الأبنية السعيدة ، وأمر بفتح المضيفة التى فى الجهة الشامية من المسجد وجعلها سكنا للكتاب والعمال كما عين إسطبلات عديدة للحيوانات التى تستخدم فى عمليات البناء وعاد بعد ذلك إلى باب السعادة وكتب تقريرا عن مشاهداته الذاتية ومطالعاته من أولها إلى آخرها.

ويناء على المضبطة التى فهمت من قبل الباب العالى وبناء على التقرير الذى قدمه محمد أسعد صدرت الإرادة من الخلافة المعظمة بسرعة إجراء ما يقتضيه الحال.

ولما عاود العمال العمل مرة أخرى فى إعمار حرم السعادة كان العربان يتعدون على العمال ، وقد دامت هذه الاضطرابات فترة طويلة وفى النهاية أرسل من باب السعادة الفريق الحاج خالد باشا فشتت شملهم وذلك فى سنة ١٢٧٤ ه‍.

وكان محمد رائف باشا فى أثناء عصيان العربان يسعى لأداء مهمته ويهتم بالمحافظة على الجهات التى فى الجبل الأحمر وطريقه ومع ذلك يتأسف ويحزن كلما رأى حال مؤخر حرم السعادة المؤسف ويضطرب ، لأن فى الوقت الذى بين وفاة حليم أفندى وتاريخ وصوله إلى المدينة توقفت عمليات بناء الأبنية المقدسة فساءت حالة بعض جهات مؤخر حرم السعادة وأوشكت على الانهيار فجأة وبناء عليه قد قويت الأعمدة التى اعوجت بدعامات وبهذا قد أنقذت لوقت قليل من المخاطر الآتية ، بعد ما أحكم محمد رائف باشا تلك الدعائم كشف وعاين بكل دقة وعناية حرم السعادة وفهم أنه إذا لم تقتلع الأعمدة المعوجة وتركز أعمدة جديدة رصينة فى أماكنها لن يسلم سقف مؤخر المسجد النبوى من الخطر ، ولن تنقذ الساحة الرملية من الضيق والازدحام إلى أن يفتح باب فى الجدار الشامى وذلك بنقل قبة الشمع الكائنة فى الساحة الرملية إلى خارج الجدار الشامى ، ونظم فى هذا الخصوص خريطة كاملة وعرضها على من يهمه الأمر وقال : «إنه يجب أن يطلق على هذا الباب ، الباب المجيدى وتنشأ على جهتى هذا الباب مدارس فوقه وتحت وأن نطلق عليها ، مكاتب مجيدى ، وأرسل نسخة من هذه

الخريطة إلى الباب العالى ليعرض على الأنظار السلطانية وإذا ما استلم هذه الخريطة فإنه سيحدد مؤخر حرم السعادة وفقا لهذه الخريطة.

ولما كان نقل قبة الشمع خارج الجدار الشامى وإنشاء مدارس خاصة من أجل الصبيان خدمة عظيمة تسدى لرعية المسجد النبوى الشريف.

من هنا كان تدبير محمد رائف باشا الواقعى من جميع الوجوه يستحق التقدير بل الحمد والثناء لأن أطفال سكان المدينة المنورة كانوا يتلقون تعليمهم الابتدائى قبل قباب مؤخرة حرم السعادة فى حالة متفرقة وكانوا يقومون حسب الصباوة بحركات غير لائقة ، ولما كانت هذه الحالة تخالف الحديث الشريف الذى رواه ابن ماجة عن واثلة بن الأسقع والذى يقول ما معناه : «أبعدوا عن مساجدكم أطفالكم ومجاذيبكم وامنعوا البيع والشراء والخصومات وإقامة الحدود ورفع الأصوات وسل سيوفكم واجتنبوا مثل هذه الحالات وداوموا فى تبخير مساجدكم أيام الجمع» (١).

ولما كانت فى تلك الأوقات فى الحرم الشريف نظيفة ، كما أنه لم تنعم جماعات الموحدين فى الحرم الشريف بالسكون من وقاحة من يسمون بالمجاذيب من الحمقى غير المتدينين ، كما أنه لم يبق مجال للتأمل والتفكير أمام المواجهة النبوية من ثرثرة المزورين والأغوات ، ووجود قبة الشمع فى الساحة الرملية وإدخال الجمال التى تحمل زيت الوقود من باب الرحمة إلى حوض تلك القبة قد أخلت نهائيا بالتعظيم والرعاية اللازمين للحرم الشريف.

وقد حظيت الخريطة المرسلة إلى باب السعادة بالتقدير وأمر أن يجدد مؤخر الحرم الشريف كما جاء فى الخريطة المذكورة وأن يحول اسم الباب المجيدى إلى أسم باب التوسل وأن يؤخذ آراء ورضا أهل المدينة بخصوص الأماكن التى

__________________

(١) ونص الحديث : «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وخصوماتكم ، وأصواتكم وسل سيوفكم وإقامة حدودكم ، وجمروها فى سبع واتخذوا على أبواب مساجدكم المطاهر» وحديث واثلة رواه ابن ماجة ورواه الطبرانى عن أبى الدرداء وأمامة وواثلة ، وينحوه عن معاذ بن جبل وانظر : مجمع الزوائد للهيثمى ٢ / ٢٥ ـ ٢٦.

يقتضى الأمر تجديدها ، بهذا صدر الأمر السلطانى وأبلغت الكيفية إلى محمد رائف باشا بالرسالة وبناء على التحريرات السامية التى وردت عرض الباشا تلك التحريرات إلى من يقتضى الأمر عرضها عليهم وبين أنه سيعمل وفق هذه الأوامر السلطانية وإن كان بعض الأهالى اعترضوا على تغيير الأساطين وقالوا : «لا لزوم لتغيير الأساطين ، وإذا ما غيرنا الأعمدة التى ظلت لمدة مديدة فى مؤخرة حرم السعادة وجاورت الحجر المعطرة نكون قد ارتكبنا نوعا من عدم الرعاية ؛ ولأجل ذلك يقتضى الأمر إبقاء هذه الأعمدة فى أماكنها وتقويتها بدعائم كما أن القباب التى تحملها تجدد بهذا الشكل». وبهذا التزموا القول الذى يقول بإبقاء جميع الأعمدة التى فى مؤخرة حرم السعادة وأن تعمر وتجدد دون أن يحدث أى تغير فى جميع جهات الحرم النبوى الشريف.

فأجابهم محمد رائف باشا قائلا : «إن هذه الأعمدة كثيفة جدا أولا وضيقة وبالية ، فإذا ما اقتلعنا هذه الأعمدة وحولنا وبدلنا أماكنها نكون قد وسعنا أماكن الصلاة ، كما ننقذ القباب التى ستصنع من المخاطر المستقبلية ، وكافة الأعمدة القديمة قد ركزت فوق حجارة عادية وبما أن تلك الأحجار قد وضعت فوق الأرض وقد تكسرت بثقل القباب وتضييقها وظلت الأسياخ الحديدية التى فى أطرافها فى الأرض».

وإذا ما لم تغير هذه الأعمدة فالقباب التى تقرر تجديدها مهما كانت خفيفة تحطم الأعمدة القديمة التى يراد إبقاؤها كما أنها تقتل من تحتها منهارة بعد مرور وقت قليل ، وإذا لم نهتم بالمخاطر المعروضة وبنينا القباب ، نكون قد بذرنا الأموال بعملنا وهذا عمل يخالف الشريعة الغراء وهو عمل غير معقول لا تقبله ضمائر الموحدين ، وإذا ما استرخصنا بصنع القباب التى صدر الأمر السلطانى بتبديلها بالبناء فالقباب الخشبية التى سنصنعها لا تتحملها هذه الأعمدة القديمة ، وإذا ما سمحتم فلنقتلع أولا واحدا من هذه الأعمدة ونعاينها».

فإن لم يتحقق ما قلته نبقيها على هيئاتها الأصلية ، وإذا كانت الأخرى نلجأ لرأى عموم الناس وفكرهم ونتحرك وفق رأى الأهالى وقرارهم وبهذا الجواب المفخم أقنع معترضيه من الوجهاء والأعيان من سكان البلد فقبلوا أن يقتلع أحد الأعمدة لمعاينتها ظانين أنه سيكون فى حالة سليمة متينة نظرا لهيئتها الخارجية وجعل من أحضرهم من نجارى المدينة يعاينون ذلك العمود ، وإذا بالعمود كان قد ركز فى أيام قايتباى فوق حجر أسود بال وضع فوقه التراب دون قاعدة والأحجار المذكورة قد تحطمت تحت ثقل القباب وصدمات الزمان المتقلب وتسببت فى اعوجاج الأعمدة والأسياخ الحديدية التى فى أطرافها فدست فى الأرض وتسببت فى انحراف الأعمدة عن مراكزها.

كانت الأسطوانة التى اقتلعت وعرضت على فريق العمل والأهالى كانت مكونة من عدة أعمدة مجوفة وسبب ذلك إبقاء الأعمدة على هيئتها الأصلية كلما عمر حرم السعادة وكل عمود قد صبغ مرة واحدة وهذه الصبغة قد تحجرت بمرور الأيام وظلت على شكل أسطوانة مجوفة. وابتدر قسم من سكان المدينة إذ رأوا الاسطوانة المقلوعة كما وصفها الباشا فوافقوا على تغيير الأساطين رأسا وقال قسم آخر وقد اطلع على الأمر أن الأساطين القديمة ستنتزع والقباب ستعلق فوق الأعمدة وستقلل الأعمدة وستبدل إلى أسطوانتين أو ثلاث قطع من الأعمدة الرخامية المجلاة هذا الإنسان لا يسمع الكلام ، ولا يريد أن يراعى هيئات الأبنية العالية المقدسة ، ويريد أن يغير ويبدل الأعمدة التى لم يمس طرازها ورسمها ، كاملة ويغير أماكنها ويقلل عدد الأساطين.

وأمعنوا ، أفكارهم بنشر هذه الأقوال المضرة وعملوا على تشويش أفكار العامة ، لكن رائف باشا لم يعر سمعا لهذه الاعتراضات فانتزع جميع الأعمدة التى فى مؤخرة الحرم الشريف بعد أن أسند القباب التى فيه وفق ما جاء فى الخريطة ووضع أسس وقواعد الأعمدة الجديدة التى سيركزها فى نسبة واحدة وبعد أن ملأ البئر التى حفرها بين الباب الشامى وباب الضيافة وخارج سور المدينة المنورة بالتراب والأنقاض التى نتجت عن تلك العمليات ، وهدم

الجدار الشامى للحرم الشريف وأخذ يجدده وأسس على طرفى باب التوسل الذى فتحه وسط الجدار المذكور أربع مدارس مجيدية كما أسس أربعة مخازن لوضع زيت الوقود والأشياء الأخرى على الجدار الشامى وبهذا وسع الساحة الرملية قدرا ما.

وهناك فى داخل المدينة المنورة وفى المواقع التى سيأتى ذكرها إحدى عشرة مدرسة أخرى ما عدا المدارس المجيدية التى سبق ذكرها وتلك المدارس من جملة ما بناه محمد رائف باشا.

١ ـ فى داخل الرباط الذى فى جهة الطاحونة من مسجد بهرام أغا من أغوات باب السعادة فى العنبرية.

٢ ـ هذه المدرسة فى السبيل الكائن فوق جسر سيل أبى جيد.

٣ ـ فى التكية المرادية التى خربت.

٤ ـ وهذه المدرسة بالقرب من المخبز الأميرى وهى مدرسة سليم أفندى وهو من قرناء السلطان عبد المجيد الرئيسية.

٥ ـ مدرسة الحوش التاجوري.

٦ ـ مدرسة بيت الخليفة أمام المناخة.

٧ ـ مدرسة زاوية العشاقي.

٨ ـ مدرسة زقاق النخاول.

٩ ـ مدرسة السلطان محمود خان الأول فى داخل دار توقيت باب السلام.

١٠ ـ مدرسة قبة سيدنا مالك رضى الله عنه.

١١ ـ مدرسة زقاق قفا.

وكل هذه المدارس خاصة بالصبيان الذكور وهناك مدارس كثيرة خاصة بالإناث ولا حاجة لذكرها.

وكان حفر محمد رائف باشا البئر التى خارج السور لوضع ودفن الأتربة والأنقاض المتبقية من التعمير كان برجاء الأهالى واسترحامهم ، لأن الحجارة ذات الحجم الكبير التى نقلت من الجبل الأحمر كانت تصطدم ببعض المنازل ويزعج ذلك الأهالي ، وبما أن الأهالى رجوا محمد رائف باشا أن يجد حلا لهذه المشكلة فتح بابا فى سور المدينة فى الجدار الذى يوازى ويحاذى دار الضيافة وبعد الاستئذان أطلق عليه الباب المجيدي.

والمبانى التى يطلق عليها الأهالى قبة الشمع هى المبانى التى فوق حوض زيت الزيتون الذى يحضر من مواقع معلومة والذى حفر لحفظ الزيت ووضعه فيه ، وكانت الجمال التى تحمل الزيت تدخل من مدخل باب الرحمة ، كما ذكر آنفا وتوصل الزيت داخل تلك الأبنية وكان هذا العمل فد دخل فى حكم العادة بين الجمالين.

وقد وفق محمد رائف باشا بخدماته هذه فى عرض مراسم التعظيم والتفخيم للحجرة المعطرة وذلك بإخراج مبانى القبة المذكورة خارج الجدار الشامى وبتسطيحه الساحة الرملية وسع وسط حرم السعادة ووضع نظاما حسنا بعدم إدخال الجمال فى داخل الحرم الشريف المشحون بالنور ، كما هدم وجدد الجدار الذى بين باب الرحمة والمئذنة المجيدية (١) والقباب والأساطين الكائنة فى الجهة الغربية من هذا الجدار ، والجدار الذى بين باب جبريل والمئذنة الرئيسية ، ومع هذا قد اعترض عليه لأنه جدد الجدار الذى فى باب جبريل ، وكانت تلك الاعتراضات كلها على غير وجه حق ، لأن المحل الشريف الذى هدم وجدد فيما بين باب جبريل والمئذنة الرئيسية ، كان فى الجهة الشرقية من الأبنية العالية المقدسة وكان فى محاذاة قدم السعادة ذات شرف ، كان الفراغ بين الحجرة المعطرة والجدار الذى هدم ضيقا جدا وكان يحول دون مرور الزوار وعبورهم وكان هذا الأمر يؤدى بالضرورى إلى ما يخل بآداب الزيارة وأراد

__________________

(١) كان يقال لهذه المئذنة قبل التجديد الشكلية.

محمد رائف باشا أن يزيل ما كان يحدث من عدم رعاية آداب الزيارة وأن يحقق للزائرين الطمأنينة.

وأراد أن يوسع ذلك المكان المذكور قدر الإمكان ، فنقل جدار جهة باب جبريل إلى الخارج مقدار خمسة أذرع وجدده وقلل عدد الأعمدة وغير أماكنها وركز اسطوانة رصينة قوية موزونة بدل كل ثلاثة أعمدة وشيد أعمدة وقباب تلك الجهة على طراز جديد وفى شكل جميل متناسق فأعجب الناس من رصانتها وتناسقها ، إلا أنه لم يهتم بما فى مؤخرة الحرم الشريف من أشياء أخرى متفرعة وتركها فى حالة خراب.

واستقبح من قبل الأهالى هدمه الجدار الذى فى ناحية القدم النبوى السعيد ونقله إلى الخارج مقدار خمسة أذرع دون أن يأخذ رأى أحد أو رضاهم وأدى إلى قيل وقال وإشاعة أقوال فى حقه ومن هنا طلب بعض خواص الناس أن يعتنى بمؤخرة حرم السعادة أيضا وأن يراعى جانبه ، وقال المعترضون من عامة الناس : «إننا لم نستطع أن نبين قلة رعاية هذا الرجل وقد أظهر عدم احترامنا حينما دفن أنقاض الحرم الشريف فى البئر التى حفرها خارج السور ، فإذا ما سكتنا لفعله هذا لا نكون قد أحسنّا فعلا ولهذه الحركات التى تدل على عدم الاحترام مسئولية كبيرة وهى فى أعناقنا وقد اقتنع هؤلاء الخاصة بمثل هذه الأقوال وعرضوا الأمر إلى باب صاحب القرار وقد أوردوا أقوالا عجيبة واشتكوا من محمد رائف باشا ورجوا منه أن يعين مكانه شخصا آخر ويرسله إلى المدينة المنورة.

ولما كانت أنقاض حرم السعادة وترابه كلما يتجدد أو يعمر تدفن فى مكان على سفوح جبل أحد وكان هذا المكان قد أحيط بسور من جهاته الأربعة ، لذا كان الأهالى محقين فى هذا الخصوص ، وما زال هذا المكان موجودا إلى يومنا هذا وهو من المزارات التى يزورها الناس ويصلون هناك ركعتى

صلاة التحية ، ولكن محمد رائف باشا قد دفن الأنقاض والأتربة الناتجة من التعمير والتجديد فى البئر التى حفرها خارج السور مراعاة لمصروفات خزينة الدولة ، وكان ذلك سببا فى قول الأهالي : «إن محمد رائف باشا لا يراعى حرمة الأماكن المقدسة»

وإن كنا نحن أيضا نوافق الأهالى فى خطأ محمد رائف باشا وشكاياتهم فى حفره ذلك البئر المذكور ، إلا أن تأخير الجدار التى فى مواجهة قدم السعادة إلى الخلف وما فيه من حسنات غير قابل للإنكار فادعاءات المعترضين فى هذا الخصوص كانت واهية ، لأن المكان الذى وسع كان مكانا ضيقا فى دائرة الحرم الفاخر وكان زوار الحجرة المعطرة يعانون أعظم معاناة عند زيارتها من الازدحام.

ولنعرف حال مسجد السعادة القديم والأماكن التى حددها محمد باشا واحدا واحدا بناء على القواعد الهندسية لنبين مدى ضعف ادعاءات المعترضين الذين قاموا ضده ، حتى لا يظلم الموصى إليه من قبل القراء.

حال مسجد السعادة

والمواقع التى أنشأها محمد رائف باشا

كانت أكثر أماكن المسجد الشريف تتكون من سقوف واقعة على أعمدة صنعت من حجر أسود والعقود المصنوعة من الخشب ، كانت الحجارة التى تشكل هذه الأعمدة قد وضعت بعضها فوق بعض قطعة قطعة وكانت قطع الحديد التى تربط بين الحجرين قد ربطت بالرصاص المذاب ، وقد هدم محمد باشا هذه السقوف من جهة الشام إلى المئذنة السنجرية.

وبما أن الجدار الذى بين مئذنة السنجرية والمئذنة الشكلية والخشبية قد هدم مع المئذنة السنجرية فى أواخر عهد السلطان سليمان وحدد ؛ فظلت تلك المئذنة باسم السليمانية ، ولما كانت الأعمدة التى هدمت فى الجهة الشامية والتى كانت تحمل سقوفها أربعة صفوف وكانت متقاربة من بعضها وكأنها متلاصقة فجعلها محمد رائف باشا صفين وبنى عقودها من الحجارة التى أحضرها من الجبل الأحمر

وبدل القباب القديمة التى كانت مصنوعة من الخشب إلى قباب حجرية ، وفتح بابا كبيرا فى المكان الذى يلى المئذنة السليمانية وسماه باب التوسل.

يفرض أن يكون باب التوسل فى مكان مقابل دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف ـ رضى الله عنه ـ كان الوليد بن عبد الملك أدخل ذلك البيت داخل مسجد السعادة ، ولما آلت تلك الدار إلى حميد بن عبد الرحمن عن طريق الميراث من جده وكان النبى صلى الله عليه وسلم اعتاد أن يضيّف ضيوفه فى هذا المكان فسمى ذلك البيت فى عصر السعادة بدار السعادة.

كانت دار حميد بين مئذنتى الشكلية والسنجرية فى نقطة تتصل بخارج الجدار الشامى للمسجد الحرام وكان فى جهتها الشامية مخبز ولبعض الدور والمخازن أبواب تفتح من داخل المسجد ، وكانت توضع فيها قناديل حرم السعادة والأشياء التى تتعلق بالقناديل. وكانت ميضأة (١) الأغوات التى يفتح بابها إلى داخل المسجد فى مكان متصل بهذه المخازن ، واشترى محمد رائف باشا تلك المنازل والمخبز من أصحابها بإعطائهم خمسمائة وسبع وعشرين قطعة ذهبية ، وهدم سواء أكانت هذه الدور أو ميضأة الأغوات وما بجوارها من المخازن ومئذنة الشكلية التى تشققت حتى الأرض والسقوف الغربية التى تتصل بهذه المئذنة وبنى يمين ويسار باب التوسل سالف الذكر مدرستين فوقيتين وجعل أقفاصا حديدية لنوافذ هاتين المدرستين كانت تفتح إلى مسجد السعادة ، وخلف الحجرات التى تصادف للجهة اليسارية من باب التوسل صنع حنفية طويلة أى شادروان ثم أسس على جهة يقال لها الزقاق الشامى من تلك الحنفية ميضأة ذات دورين بدلا من ميضأة الأغوات كما أسس فى جهة الميضأة التى فى الدور الثانى حماما خاصا يخدم حجرة السعادة ، ولحمام ميضأة الأغوات باب يفتح إلى داخل المسجد وعند الضرورة يخرج من هذا الباب بسلم كما ينزل إلى الميضأة من فوق الكمر الذى فوق الحنفية ، وبعد ما أنهى محمد رائف باشا عمليات ميضأة الأغوات

__________________

(١) وكانت والدة الخليفة الناصر لدين الله هى التى أسست هذه الميضأة.

بنى أربعة من المخازن على الطرف الغربى من الميضأة أى فوق سلم المخازن التى سلف ذكرها.

ولهذه المخازن ميدان واسع مكشوف ، وتحفظ فيها زيوت زيتون قناديل مسجد السعادة ولوازمه الأخرى ، وقد فتح بابا كبيرا خارج المسجد لتدخل من المخازن المذكورة المحروقات والباب القديم الذى فتح فى داخل المسجد ترك على حاله فى مكانه لينفتح عندما يصلح قناديل حرم السعادة ، وبنى فوق أرض ميضأة الأغوات مخزنا آخر لوضع الأشياء الخاصة بالمسجد الشريف ولهذا المخزن بجانب باب المئذنة وفى داخل المسجد باب يفتح للزقاق الواقع فى الجهة الغربية من المسجد وهو باب مشبك.

وبعد أن أتم محمد رائف باشا بناء هذا المخزن أزال المخزن الذى فى جهة مئذنة الشكلية لعدم نفعه وحفر مقدار ذراع المرتفع الذى فى الجهة القبلية من مسجد السعادة وسواه وهدم الدكك التى انتشرت هنا وهناك فهدم القبة التى فى وسط الحرم الشريف ، بينما هدمت هذه القبة وكانت تسوى أرضها بفرش الرمل ظهر حوض تحت الأرض ينزل إليه بالسلم ، ويلزم أن يكون هذا الحوض البركة التى عرفها ابن النجار.

قال ابن النجار وهو يصف هذا الحوض : «كان فى وسط مسجد السعادة وفى الجهة الغربية من النخيل ينزل إليه بسلم من عدة درجات ، قد صنع من الأحجار والجص والألواح الخشبية وكان ماؤه يتدفق من فسقية فى وسطه ، وكان ماؤه من عين الزرقاء ، وكان خاصا بموسم الحج والعثور على الماء فيه فى الأيام العادية غير محتمل».

وذهب إلى أن هذا الحوض أثر من آثار أحد أمراء الشام يسمى شامة ولكن رأيه هذا لا يخلو من خطأ.

إذ قال المؤرخ المصرى : وينسب هذا الحوض إلى الأمير سيف الدين الحسين بن أبى الهيجاء ، إن الأمير سيف الدين الحسين بن أبى الهيجاء حفر فى تاريخ خمسمائة وستين هجرى من عين الزرقاء إلى باب السلام فأجرى إلى الميدان الذى

بجانب الباب المذكور مقدارا كافيا من الماء ، ومؤخرا أدخل جزءا من هذا الماء فى الساحة الرملية لمسجد السعادة ، وصنع هنا منهلا كما صنع فوقه كمرا وتحته فسقية ؛ كان الناس يجدون هنا وضوءهم ، ثم حدث ما يهتك حرمة الحرم الشريف بجانب الحوض ، بعد أن أزال محمد رائف باشا قبة الشمع من ساحة الحرم الرملية هدم ما بين جدار مسجد السعادة الشرقى مع مئذنته الرئيسية وبنى باب جبريل وسحب جدرانه إلى الخلف قدر خمسة أذرع وربع ذراع إلى الخارج وبنى مكانا للخلوة فى دورين فى الميدان الصغير الذى استحدث نتيجة للهدم بين مئذنته الرئيسية وركن الجدار الجديد ، ولم يلمس الأعمدة التى حول حجرة السعادة ودعاماتها ولكنه أراد أن يقوى ما جدده من أعمدة الجدران وعقد القباب الجديدة فركز الأعمدة فى محاذاة الأعمدة المدعمة لحجرة السعادة ، وأبقى باب جبريل فى مكانه وزين باب المئذنة الرئيسية بأحجار منحوتة حمراء لترصيعها وصنع لهذا الباب سلما ذا أربع درجات وترك مكان الباب العتيق للسادة الخطباء ، وبينما كان يحفر أسس الجدران الجديدة ظهر مصرف مياه ولعله كان مكان اجتماع مياه البالوعات ، وكان فوق الرصيف وخارج مسجد السعادة ، وإن كان ذلك المصرف بعيدا عن الحجرة النبوية إلا أنه نقل إلى مكان أبعد تعظيما للمسجد النبوى ، ولما وصلت أعمال حرم السعادة لهذه النقطة وقبل أن تركب عقود القباب الشرقية ، كانت شكايات المعترضين وصلت إلى الباب العالى حيث درست وحتى يقضى على النزاعات والخلافات التى حدثت نقل محمد رائف باشا وعيّن الفريق أبو بكر باشا ناظر معهد الهندسة البرية السلطانية مكانه وأرسل إلى المدينة المنورة.

وتحرك أبو بكر باشا من باب السعادة وفى رفقته الحاج محمود أغا الجناح ، وهو من مدرسى معهد الهندسة المذكور (١) وعثمان باشا الذى عين شيخا للحرم ووصلا إلى المدينة المنورة فى اليوم الحادى عشر من شعبان المعظم سنة ١٢٦٩ الهجرية ، وكشف الباشا المذكور وعاين كل ما تم عمله سواء أكان فى عهد حليم

__________________

(١) وما زال الحاج محمود أفندى مدرسا فى المدرسة الحربية السلطانية للرسم ويحمل رتبة قائم مقام.

أفندى الصغير أو محمد رائف باشا ، من طريق الجبل ومواقع الحرم المبجل ، ثم وضع خريطة أخرى وفق أفكاره وصمم على أن يجدد ويعمر جميع جهات مسجد السعادة حتى تصير رصينة متينة وعزم على الشروع فى العمليات ـ كسلفه ـ من جهة مؤخرة حرم السعادة ، ولما رأى أن القباب التى بين المئذنة الرئيسية وباب جبريل أولى بالتعمير من الجهات الأخرى أكمل تلك القباب ، وأسرع فى حفر وتعميق أساس المئذنة الشكلية ، وبما أن المياه زادت قدر قامة رجل كلما حفر ذلك الأساس وعمق فغرس أوتادا وبنى قاعدة صلبة وجعل أساس المئذنة فوق هذه القاعدة وبنى المئذنة حتى كرسيها ثم عمر الأماكن التى انهارت من قديم فانتقل إلى الجهة الغربية من مسجد السعادة ، وبما أن جدران هذه الجهة كانت رصينة لم يمسّها ووسع فقط ما بين الأعمدة التى تحمل القباب وأحد السقوف ، لأن هذا المكان كان يتكون من أربعة سقوف مبنية على أربعة صفوف من الأعمدة.

وألغى أحد الصفوف من الأعمدة وسقفا واحدا فنظم هذه الجهات على ثلاثة سقوف فوق ثلاثة صفوف من الأعمدة وألصق صفا من الأعمدة على الجدار حتى يضع عليها العقود ، وهذه الأعمدة مراكزها ملاصقة للجدران ، كما سبق ذكره ، وعقد عقود القباب فوق هذه الأعمدة ثم انتقل إلى الجهة الشرقية فهدم الجدار الذى بين المئذنة السليمانية وباب النساء ، ونصب بعض الأعمدة وأخذ يبنى الجدار الذى هدمه بحجارة سوداء وقبل أن يكمل عمله وكّل عبد اللطيف أفندى من رجال الدولة العالية وأنابه عن نفسه ثم سافر إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وعاد بعد الحج وبذل جهده لإتمام عمليات الجهة الشرقية من مؤخرة حرم السعادة ، ولكنه توفى قبل أن يختم عمليات الجهة ودفن يوم التاسع عشر من جمادى الأولى سنة ١٢٧١ فى القبر الذى هيئ له فى البقيع الشريف ، رحمة الله عليه.

كان أبو بكر باشا فى الوقت الذى عزم فيه على الحج كتب تقريرا إلى شيخ الحرم النبوى عثمان باشا فى أن يعين عبد اللطيف أفندى وكيلا له وأخذ من الباشا المشار إليه الجواب الآتى :

الأمر :

إننى عجزت عن فهم تقرير الباشا مدير الأبنية العلية ولما كانت للأبنية المسعودة مواد جسيمة وأمور عظيمة ولما كنت الموظف المسئول عن نقل هذه الأشياء ، ولما كان النفع والضر عائدا لك لمسئوليتكم وحتى لا يحدث ما يؤدى إلى تعطيل سير الأمور وتأخيرها ولبذل الهمم للمقبوضات والنفقات فعملتم على اختيار وكيل لكم وهذا منوط ولائق لرأيكم السامى.

صورة التقرير :

وقد قررت كما تعرفون أن أسافر فى هذه الأيام إلى مكة المكرمة بنية أداء الحج المفروض ولما لزم أن تدار المهمة التى ألقيت على عاتقى وقبلت نظارتها بواسطة وكالة أحد موظفى الأبنية العلية ، يا ترى هل من المناسب أن يختار لها أحد المقربين إلى وهو مدير الحرم الشريف صاحب العزة لطيف أفندى الذى سبق أن وجهت له الوكالة ، أو ترون شخصا آخر أنسب لهذه المهمة؟ ومهما كان اختياركم للشخص الذى ستنتخبونه وكيلا مكانى أرجو أن تبينوا فوق هذه الورقة البيضاء ما ترونه وأن تسطروه والأمر فى هذا الخصوص لمن له الأمر.

حرر فى ١٩ ذى القعدة سنة ١٢٧٠.

وقد صادفت وفاة أبو بكر باشا للوقت الذى كان فيه دلاور باشا شيخا للحرم ، وبناء على التكليف الذى حدث من محافظ المدينة ومن هيئة مجلس الشورى إلى دلاور باشا كان قد قبل وكالة أمانة البناء حتى لا تتعثر عمليات البناء ، وأمر بأن تهدم الجهات التى فى ناحية باب الرحمة الغربية فبناها مجددا وتمم الأماكن التى ظلت ناقصة فى الجهة الشرقية بأن جعل سقفها فى وسع سقوف الجهة الشامية والغربية ، وبنى أمام الجدار القبلى الرصيف الواسع الذى يطل عليه موضع الجنائز وعلى يسار من يخرجون من باب جبريل ، يعنى فى الجهة الشامية من ذلك الرصيف ، محلين مشبكين ومسقفين وفرش ما بين المحلين بقطع رخامية.

وكان كثيرون من الفقراء والغرباء يبيتون فى هذا الموقع الشريف فى أيام

الصيف مثل أصحاب الصفة وعندما يرد الحجاج والزوار كانوا يجتمعون فى هذا المكان ويؤدون الصلاة.

أبلغ الباب العالى بوفاة أبى بكر باشا وإحالة وكالة أمانة البناء إلى شيخ الحرم دلاور باشا ، وأسند أمانة الأبنية العالية إلى أمير الأمراء ناظر المدرسة البحرية سابقا أدهم باشا بعد أن انتخب لذلك المنصب فى مجلس خاص بالوزراء وصدر الأمر السلطانى بذلك بعد الاستئذان فى أواخر سنة ١٢٧١ ه‍ وأرسل إلى المدينة المنورة فى سنة ١٢٧١ ه‍.

وصل أدهم باشا إلى المدينة دار العز فى الخامس عشر من شهر صفر الخير من سنة ١٢٧٢ ه‍ ، وثابر فى إيفاء مهمته وجدد فى فترة ، تقرب من سنتين ، الأساطين والقباب التى بين باب النساء ومئذنة العزيز والجدران الكائنة فى تلك الجملة فى صورة غاية فى الكمال والنظام.

كان السلطان سليمان خان الغازى قد جدد فى سنة ٩٤٠ ه‍ المئذنة العزيزية الجميلة كما بين فى الصورة الثامنة من الوجهة الأولى وجعلها ذات شرفات ثلاث مثل مآذن باب السعادة ، لذا أطلق عليها فى ذلك الوقت المئذنة السليمانية.

وتلك المئذنة محاذية للمئذنة الشكلية التى وفق فى تجديدها المرحوم السلطان عبد المجيد ، وعند ما عمر مسجد السعادة اقتضى الأمر إصلاح تلك المئذنة أيضا فربط ـ عندئذ ـ محمد راشد أفندى من موظفى أمانة البناء حبالا ما بين المئذنتين ليعلق عليها المحيا مثل مساجد باب السعادة إستانبول وذكر أن هذا الفعل سيعطى للمدينة المنورة الميمونة رونقا آخر وزينة أخرى ، واستأذن بعد تعمير المئذنة السليمانية بأن تقام محيا (١) هناك فى ليالى رمضان واستكره السلطان الذى يتصف بصفات الزهد لشدة حبه لشفيع المذنبين صلى الله عليه وسلم وفرض عبوديته إحداث بدعة فى دار

__________________

(١) إن بناء محيا فى الجوامع ذات المنارتين كان بدعة سيئة أحدثها إبراهيم باشا الذى تولى الصدارة نحو اثنتى عشرة سنة فى عهد السلطان أحمد الثالث وذلك فى عام ١١٣٢ ه‍.

الهجرة وتجنب ذلك بتقبيح الفكرة التى عرضها محمد راشد أفندى ولذلك تأخر تعمير المئذنة المذكورة ، ولما كان جميع لوازم بنائها جاهزة فعمرت فى عهد السلطان عبد العزيز بشرط عدم إقامة المحيا ، وأنفق لتعميرها بعد الكشف عليها خمسة وأربعين ألف قرش وسميت بالعزيزية.

بينما كان أدهم باشا مشغولا بتعمير وتجديد جهة باب الرحمة صدر الأمر السلطانى بخصوص إرسال محمد راشد أفندى من أعضاء دار الشورى العسكرية لأنه كان قد التزم قديما من جانب محمد رائف باشا تجديد القباب والأعمدة التى فى مقدم الحرم الشريف كقباب وأساطين مؤخر الحرم الشريف وكان قد رأى فى هذا العمل نوعا من المحسنات والجمال لحرم السعادة.

ولكن العمل بهذا الرأى كان سببا فى وقوع منازعة كبيرة ، وكان أهالى المدينة فى ذلك الوقت قد أبلغوا الأمر مع بعض الأوراق والمضابط إلى باب صاحب القرار كما سبق ذكره ورجوا من السلطان أن يجدد داخل حرم السعادة وفق أفكار وآمال الأهالى ؛ ومن هنا قرر إرسال محمد راشد أفندى وتعيينه ليحقق فى منشأ هذا النزاع وللكشف عن تعميرات مبانى الحرم الشريف وكيفية سير العمل فيها ، وحساب نفقات تجديدها.

وصل محمد راشد أفندى سنة ١٢٧٢ ه‍ خلالها ، إلى دار السكينة وكشف عن الأماكن المتنازع عليها فى مؤخرة حرم السعادة وفى داخله ، وبعد العودة سلم الباب العالى لائحة رأيه الشخصى مع المضابط التى قدمت من طرف الأهالى وموظفى الدولة مع الخريطة والأوراق الأخرى إلى الباب العالى ، وبعد عمل ما يجب إجراؤه عرض الأمر على عتبة السلطان العالية الذى أصدر أمره بأن يدرس الموضوع فى مجلس خاص للوزراء ثم استذكرت الناحية الشرعية من الموضوع فى مجلس دار الإفتاء السلطانى الذى يتكون من العلماء والفضلاء والوزراء القدماء وقرر المجلس المذكور عدم جواز تغيير محال وأشكال ثمانية أعداد من الأعمدة التى تعد من الآثار النبوية الجليلة الخالية من العيب وكذلك الأساطين التى ركزت

فى عهدى عمر وعثمان ـ رضى الله عنهما ـ عندما وسعا مواضع الصلاة فى المسجد باتفاق آراء الصحابة ، من مائة وثلاثة وأربعين عمودا فى حاجة إلى التعمير فى داخل الحرم النبوى الشريف ، وبما أن شكل القباب والأساطين ومحالها التى أضيفت فى عهدى السلطان مراد خان الرابع ، وقايتباى المصرى لم تخضع للتغيير فى زمانهما ، ورأى أن يعمر ويجدد الأعمدة التى ستحمل عليها القباب الحجرية بدلا من السقوف على هيئاتها الحالية ، وبما أن الأساطين القديمة كانت مصنوعة من الحجر الأسود ومغلفة بقطع رخامية رئى أن تترك الأساطين غير المحتاجة إلى التعمير والتصليح فى حالتها القديمة والقباب من دكة الأغوات إلى باب الرحمة التى قرر صنعها بناء على الكشف القديم ، وأن يجدد الجدار القبلى من باب السلام إلى المئذنة الرئيسية وألا تترك أنقاضها ومربع مرقد السعادة سيحتاج إلى التشييد والإحكام وعرض الأمر على العتبة السلطانية ملخصا فى مضبطة.

وأن تجدد وتعمر المواقع المسعودة على الوجه المذكور والمشروح وأرسل ذلك الأمر (١) السلطانى بمضبطة مخصوصة إلى طوسون باشا شيخ الحرم النبوى.

وكان مضمون ومندرجات اللائحة التى أرسلت إلى طوسون باشا الانتباه إلى ما جاء من قرارات فى اجتماع مجلس الوزراء الخاص والعمل بموجبها ووقاية الأشياء التى تستخدم فى البناء من التلف والإسراف فيها ، وتكوين مجلس من الموظفين المحليين ومهندسى الأبنية ورؤساء الحجارين بخصوص النظارة على العمال وحسن استخدامهم ؛ وتعيين الوظائف الأساسية لهذا المجلس وذيل اللائحة بتوقيعات أعضاء المجلس الفخم كما صدقت من مقام الصدارة العظمى.

وكان سبب حدوث المنازعة هو كشف محمد رائف باشا داخل الحرم الشريف

__________________

(١) قد كتبت صورة من هذا الأمر السلطانى فى ذيل الصورة تحت رقم (١). (فى أصل المؤلف).

وتعميره لمؤخرة حرم السعادة وكانت تعميرات حرم السعادة تنقسم إلى قسمين الصورة الأولى عمليات مؤخرة حرم السعادة ومتفرعاتها ، والصورة الثانية تعمير داخل الحرم الشريف ومشتملاته وفق الخريطة لتعمير مؤخرة حرم السعادة وتجديده والتى قدمت للمقام السلطانى السنى وحازت الموافقة ، وفعلا قد بدئ فى العمل وفقا لهذه الخريطة ، وختم بهدم آثار قايتباى مع مشتملاتها من محاذاة باب الرحمة إلى آخر الحرم الشريف الملاصق لتلك الآثار وبما أنه كان قد تم الاتفاق على هدم قباب قايتباى وإنشاء قباب جديدة ؛ لهذا لم يكن فيه ما يثير النزاع ، ولكن الأساطين التى تحمل السقوف والقباب فى داخل حرم السعادة والتى صنعت من حجارة صغيرة ومع مرور الزمن انفصلت عن بعضها ولما رئى أنها ستكون سببا فى سقوط السقوف والقباب أحيطت بأحزمة حديدية وظلت بعضها معوجة متمايلة ، ومن هنا وجب تعميرها ورضى الأهالى على ذلك ، وأراد محمد رائف باشا أن يجدد الحرم النبوى فى طراز جديد جميل بتقليل عدد الأعمدة وتغيير شكلها مثل أعمدة مؤخر حرم السعادة وأن يوسع مواقع الصلاة وأراد أن يعين ثمانية أعداد من الأعمدة التى تعد من الآثار النبوية بتركها على حالتها القديمة ، لو كان مسجد المدينة قد جدد وعمّر على هذا الشكل لكان الحرم الشريف اتسع وبلغت زينة البناء إلى الكمال وحدث تطابق وتناسب وتناسق فى هذه القضية الفنية ، وكل ذلك بناء على قول محمد رائف باشا.

وإذا ما طبق فن الهندسة على تعمير مبانى الحرم فكان رأى محمد رائف باشا صحيحا كما أن الأدلة التى ساقها بخصوص زينة المبانى ترى لا غبار عليها ، إلا أن كون داخل حرم السعادة من الآثار المباركة القديمة كما أن جميع الأعمدة التى فى هذه الجهة من الأعمدة التى تتشرف بقدمها ، جعل مسألة تغيير تلك الأعمدة وتغيير أماكنها بادعاء توسيع الموقع والمحل ، مسألة غير لائقة.

ومن أجل رد خواص دار السكينة آراء الباشا المذكور الفنية وملاحظاته ، قالوا ردّا على رأى الباشا : «إن عدد الأساطين التى تحتاج للتعمير فى الحرم الشريف مائة وثلاثة وأربعون عمودا ثمانية منها من الآثار النبوية ، ولا يجوز تغيير أشكالها

ومواقعها بالمرة ، وكانت الأعمدة التى أضافها حضرة عمر وعثمان ـ رضى الله عنهما ـ كان بقصد توسيع مواقع الصلاة وبإجماع آراء الصحابة وبما أن هذه الأساطين قد ركزت باتفاق الصحابة وإجماعهم ولم يتجرّأ أحد إلى الآن على تغيير طرزها وهيئاتها ، يقتضى النظر إليها على أنها من الآثار أيضا ولا يجوز تغيير هيئاتها أو تقليلها بحجة التناسق الفنى ، ولا بأس فى تغيير غير هذه الأعمدة ، كما أنه لن يحدث تناسب بتقليل عدد الأعمدة وتغيير أماكن الأعمدة التى أضافها السلطان مراد الرابع طاب ثراه والسلطان قايتباى المصرى ، ومع هذا كانت القباب التى صنعت وأسست فى عهد السلطان محمد الرابع كانت قد أسست فوق الأساطين التى كانت قائمة فى ذلك الوقت ، ولما كانت الأساطين التى ستؤسس وتوضع عليها عقود الباب التى تصنع الآن تستدعى التعمير والترميم لميلها وقرب سقوطها فإذا ما رممت على هيئاتها الحاضرة ، وبهذا يراعى جانب الآثار القديمة ، وامتنع عن تغيير صورها وهيئاتها وإذا ما صنع ما قرّر تعميره من الأساطين القديمة من الحجر الأسود حتى تشبه الأساطين الأخرى ، فهذا هو رأينا».

إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقنعوا محمد رائف باشا فعرضوا الموضوع إلى باب السلطان ذى القرار العادل وتسببوا فى صدور الفرمان السلطانى الذى سطرت صورة منه فى ذيل المقال.

ادعاءات الأهالى هذه جديرة بالتصديق والقبول ، لأن داخل حرم السعادة لا يقاس بمؤخرة المسجد ولما كانت هذه الجهة قد جددت وفق الخريطة التى وضعت لها وكان لتجديدها مسوّغ شرعى صريح ، وأجرى لها ما يلزم ، ولما ثبت بالدلائل الواضحة أن أحدا لم يتصّد لتجديد الحرم الشريف بإحداث التناسب فى داخله ولم يقدم أحد على تغيير رسمه ومحله ، ومن هنا لا يجوز تغيير تجليات الآثار القديمة بتقليل عدد أساطينها وتغيير نقطها أو توسيع مواقع الصلاة فيه فهذه أفكار فجة سطحية ، فتخريب الوليد بن عبد الملك حجرات زوجات النبى العليا لم تؤد إلا إلى انقراض الدولة الأموية وزوالها.

وقد رممت الأساطين الثمانية التى ركزت فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والأساطين التى ركزت فى العهد الميمون القريب من عهده وعمرت على هيئاتها القديمة ، وقد حدث اتفاق عام بناء على وجود مسوغ شرعى لتغيير شكل وأماكن الأساطين التى أضافها السلطان مراد خان الرابع والسلطان قايتباى المصرى.

وإذا ما صنع وفق الطرز الجديد بتقليل عددها وتغيير أماكنها وإذا ما اتبع طريق تجديد القباب على الهيئة المطلوبة منسوبا لاسم السلطان عبد المجيد ، فإنه لن يؤدى إلى التناسب الفنى ويكون داخل حرم السعادة قد جدد بعض أماكنه حسب النظام الجديد وسيظل الباقى على النظام القديم ، والأمكنة التى عدت بمرور الزمان ومجاورة الحجرة المعطرة من الآثار القديمة المباركة تكون قد بدلت هيئاتها ومواقعها وغيرت.

وبدلا من أن تبذر الأموال عبثا لتجديد الأعمدة التى انحرفت قليلا أو اعوجت والتى يمكن تعميرها وتقويتها وتحويل أماكنها وشكلها ، فإذا رممت الأساطين الموجودة على هيئاتها وأشكالها حيث وجدت بحيث تتحمل القباب الحجرية وإذا ما رممت بالأحجار السوداء مثل الأعمدة المتينة المصنوعة من الحجر الأسود وإذا ما غلفت الأساطين التى كانت مغلفة بقطع الرخام نكون قد ادخرنا النقود وحافظنا على أشكالها وهيئاتها الأصلية ، ولما كانت الأساطين التى تحمل القباب العالية المصنوعة من عهد السلطان مراد ثمانية أو عشرة أعمدة منها فى حاجة إلى الترميم والتعمير ، ولما كان بناء القباب الحجرية مكان السقوف جائزا شرعا لوقاية أبنية الحرم من الخطر وكان عامة الناس متفقين فى هذا الموضوع ولم يكن فى هذا سبب يؤدى إلى النزاع ، والمنشأ الحقيقى للنزاع كان فى تقليل عدد الأساطين داخل الحرم النبوى وتغيير أماكنها ، وقد اختار أهل المدينة شق تعمير وترميم الأساطين فى أماكنها ، ورجحوا ذلك على استصواب محمد رائف باشا من تقليل الأعمدة وتغيير أماكنها ، عرضوا الأمر على الباب العالى ورجوا بأن يعمر داخل حرم السعادة وفق ما يرغبون ، وقد بحث الأمر فى دار الإفتاء

السلطانية بعمق وعرض ولما كان رأى أهل المدينة الكرام موافقا للشرع الشريف عرض الأمر على العتبة السلطانية التى أصدرت أمرها بذلك وأرسل الفرمان السلطانى إلى المدينة المنورة.

وبما أن تغيير شكل وهيئة الأبنية العالية غير جائز أرسل لأدهم باشا للعمل بما جاء حسب ما يقتضى الأمر السلطانى كما أرسل له تحريرات سامية توصى ببذل الجهود فى هذا الأمر إذا كان مدير أمانة البناء.

وجدد أدهم باشا دكة الأغوات بحجارة منحوتة حمراء فى غاية الجمال وصنع على أطرافها أربعة أسوار مشبكة وأسس فى ذيل هذه الدكة دكة أخرى ويذهب من بين هاتين الدكتين إلى باب جبريل.

ولما كان محراب التهجد فى وسط مقصورة الدكة التى صنعت فى مواجهة دكة الأغوات وفى طرف الجهة الشامية شبكة السعادة التى جددها أيضا ، ووضعوا حول الدكة الأسوار المصنوعة من النحاس الأصفر ، وكان بجانب دكة محراب التهجد مخزنان ، فهدمهما وجددهما بأن جعلهما أربع حجرات ، كما أمر ببناء سقف عال لخلف دكة الأغوات وجهتها اليسارية وتحت هذين السقفين محرابا وعدة حجرات عالية خاصة بخدم الحجرة المعطرة ، ويذهب إلى السقفين الجديدين من بين باب النساء ودكة الأغوات.

كان مشايخ الحرم النبوى يؤدون صلواتهم الخمس فى النقطة التى يوجد فيها المحراب سالف الذكر فى الأوائل ثم أخذوا يصلون فى دكة الأغوات ، والآن يصلى الأشخاص الذين يتولون مشيخة الحرم فى هذا المكان ويحدث أحيانا أن يصلوا فى دكة التهجد التى أمام دكة الأغوات ، ولكن صلوات التراويح لا بد أن يؤدوها بجانب المحراب سالف الذكر.

وأمر أدهم باشا فصنع خارج باب النساء وفى جهة باب جبريل من ذلك الباب ، وجدد فمد القفص الخشبى الذى أحدث سنة ١٢٥٠ ، هذا القفص كائن ما بين كل ثلاث أسطوانات من باب النساء إلى مؤخرة مسجد السعادة فتؤدى

النساء صلواتهن داخل هذا القفص ، واستشار شيخ الحرم حافظ محمد باشا مع علماء المدينة فى غضون سنة ١٢٨٠ ه‍ فمد ذلك القفص إلى قرب محاذاة المئذنة السليمانية ، لأن جماعات النساء تكاثرت ولم يستوعبهن القفص كلهن فكانت بعض النساء يؤدين الصلاة خلف النخيل ، ولما كان الرجال الذين يدخلون من باب التوسل لا يجدون أماكن للصلاة أمامهم فيضطرون أن يؤدوها خلف النساء.

ويطلق أهالى المدينة على هذا القفص قفص النساء ولونه أخضر وله أبواب مصنوعة من القطع المشبكة ، تأتى النساء فى ليالى الجمع ويؤدين الصلاة ، ويحضرن أولادهن حديثى العهد بالولادة فى يوم الأربعين من ولادتهم لإدخالهم فى شبكة حجرة السعادة ، وتأتى بهم أمهاتهم أو أقاربهم ويسلمونهم لموظفى إدارة الأغوات ، ويطلق أهل المدينة على مثل هؤلاء الأطفال الذين تركوا فترة تحت أغطية مربع القبر الشريف فى حجرة السعادة ولد الحجرة فيلزم أن يكون خاصة أهل المدينة من هؤلاء الأطفال.

ولما كان أدهم باشا قد توفى بعد أن أكمل تلك الأقفاص بفترة قليلة فى أواخر شهر شعبان المعظم سنة ١٢٧٣ ه‍ ، فاختير معاون المبانى المقدسة صالح أفندى لوكالة أمانة البناء باتفاق موظفى الحكومة وأعاظم السادات وعلماء البلاد وبلغ الأمر مع وفاة أدهم باشا إلى باب صاحب القرار العظيم.

وكانت وفاة أدهم باشا قبل أن يكمل سقف الجهة القبلية وسقف الجهة الغربية الذى يمتد من باب السلام إلى باب الرحمة إلا أنه كان جدد هذه الأماكن والقباب الجديدة التى أمر السلطان بإنشائها فى اتصال الساحة الرملية لحرم السعادة ، ودكة الأغوات مستلهما أمر السلطان كما أنشأ كل هذه الأماكن مطابقة لآمال الأهالى وأفكارهم.

حدود السقوف العتيقة : كانت فى الجهة القبلية من مسجد السعادة ثلاثة أروقة ، وألحق كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان فى عهديهما رواقا كما ألحق الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحى للجهة الشامية رواقين كما أن السلطان

مراد خان الرابع ألحق ثلاثة أروقة فى الجهة الشامية أيضا ولما لم ينته بناء هذه الجهات ظهرت الحاجة إلى بناء عدة أروقة أخرى فى هذه الجهة ، وعقب وفاة أدهم باشا ، استصوب صالح أفندى إضافة رواقين بموافقة رأى مجلس هيئة الأبنية السعيدة ، وشرع فى العمل من هذه الجهة ، وأراد أن يساوى ما بين أسطوانات الجهة القبلية لأسطوانات الجهات الثلاث الأخرى ، فرأى أن ترفع بعض الأسطوانات من هذه الجهة وإزالتها وبين الكيفية للهيئة العامة للمجلس الذى انعقد تحت رياسة شيخ الحرم لأن توسيع هذه الجهة فى حالتها هذه غير قابل للتوسيع والإصلاح وقام بعض الذوات معترضين على هذا أيضا إلا أن هيئة المجلس (١) استصوبت رأى صالح أفندى بالأغلبية واستحسنته وأثنوا عليه ، وكتبوا فتاوى شاملة بجواز رفع الأعمدة بنية توسيع المسجد الخالصة حتى يسكتوا المعترضين معتمدين على الشرع.

وأراد المعترضون أن يسقطوا حكم الفتاوى التى صدرت من العلماء واحتجوا على عدم جواز إزالة الأعمدة المأثورة القديمة بالأحاديث التى أوردها الإمام السّمهودى من البخارى وابن النجار والتى تقول : يجب أن يصلى فى جميع جهات مسجد السعادة ، الصحابة الكبار قد صلوا فى جميع جهات هذا المسجد وقد أجابتهم هيئة المجلس إجابات مقنعة إلا أنهم طوروا الموضوع حتى وصل إلى مرتبة الجدال والنزاع ، وأبلغوا الحالة بمضبطتين مستقلتين إلى الباب العالى وقرروا تأجيل العمل فى مسجد السعادة إلى أن يصل الرد ، وحينما وصلت المضبطتين إلى باب السعادة وأطلع الوزراء على مضمونيهما ، وصدق قرار الأغلبية رأيها وأحالوا الموضوع إلى محمد راشد أفندى الذى كان قد سافر إلى المدينة وحقق فى النزاع الأول الذى حدث فى أمانة البناء العالى ، فاستدعوه وأمروه بأن يسافر حالا إلى المدينة المنورة.

وشرع محمد راشد أفندى فى العمل من بقية مؤخرة حرم السعادة ، وأتم العمل فى الأساطين التى تقع بين باب الرحمة وباب السلام ، وفى بعض عقود

__________________

(١) وكان للسادة والأهالى فى هذا المجلس نفوذ ، وكذلك أكابر العلماء وكل المفتين.

القباب ، وخمسة عشر ذراعا من المكان الذى فى جهة باب السلام من الجدار القبلى ، وعندما أوصل تعميرات الحرم الشريف إلى حدود الروضة الميمونة التى يصدق عليها الحديث الشريف روضة من رياض الجنة وعندئذ ظهرت وتجددت المنازعة المعلومة مع أن محمد راشد أفندى كان مطلعا على مندرجات الفرمان السلطانى فأصر على تطبيق أفكار محمد رائف باشا فى حصول تناسب ، وابتدر فى تغيير مواضع الأساطين التى فى جهة المدرسة المحمودية للحرم الشريف والتى أضافها إلى الحرم عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وبهذا أثار الناس مرة أخرى ، ومع هذا أخذ يعرض على الباب العالى بعض أشياء غير مفيدة ، وأخذت محاضر الشكاوى من قبل الأهالى تصل تباعا ، كل هذا أوقع الباب العالى فى الشك والشبهة فعزله وأرسل مكانه عمر جمال الدين أفندى من رجال الدولة القدماء ، ولكنه توفى حين وصوله إلى مكة المكرمة فى سنة ١٢٧٥ ه‍ فتعطلت تعميرات الأبنية المقدسة فترة ما.

قد أخذت فرقة المدينة المنورة المعترضة خزانة الدولة ، وبما أن هذا الشخص كان جريئا وحريصا استطاع أن يهيئ أكثر الأشياء اللازمة لعمليات أبنية السعادة والحجارة المنحوتة اللازمة للأساطين ، إلا أن هذه الغيرة والسعى وشدة الاهتمام أنتجت قيام المعترضين ضده ؛ لأن أفراد الفرقة المخالفة كانت لهم منافع شخصية فى تدخلاتهم فى عمليات البناء لأنهم كانوا يريدون أن تطول هذه العمليات أطول مدة حتى يحافظوا على تلك المنافع ، ومنذ أن عزل محمد راشد أفندى إلى تعيين عمر جمال الدين أفندى وإلى ورود أحمد أسعد أفندى بعد وفاة سلفه قد أعطيت كثير من الأجور للمستخدمين فى أمور أبنية السعادة من الكتبة والعمال بدون فائدة ، واستمرت هذه الفترة ما يقرب من سبعة أشهر ، إذ مات عمر جمال الدين أفندى وعرض الأمر على باب السعادة وكان أحمد أسعد أفندى فى ذلك الوقت قاضى مكة المكرمة فوصل إلى المدينة المنورة فى جمادى الأولى أوائله من سنة ألف ومائتين وست ١٢٧٦ وسبعين هجرية.

وكانت الفرقة المعترضة قامت ضد محمد راشد أفندى باحثين عن تغيير مواضع بعض الأعمدة وكان هذا موضع النزاع.

إلا أن هذا القيام لم يكن كالقيام السابق إذ كان بدون وجه حق وبدون مناسبة ، إذ استصلح محمد راشد أفندى أماكن السقوف التى هدمت من قبله وهى التى تلى السقف الذى ألحق فى الجهة القبلية ، وبترميمات قليلة للأعمدة التى ركزت فى عهد صالح أفندى نقلها فى محاذاة الأعمدة الأخرى وحرص على أن يركز هذه الأعمدة فى أماكنها القديمة ولكن فيما بين أعمدة السقوف الثلاثة التى تلى الجهة القبلية حدث تخلف قدر ثلاثة أذرع بينها وبين الأعمدة التى ركزت مجددا ، وقد وقف محمد راشد أفندى لهذا التخلف وهو يهدم الفاصلة التى تفصل بين سقف الجهة القبلية والأسقف الثلاثة التى تليه ، وإن هذا التخلف ظاهر فى العمود الرابع من صفوف الأساطين الأربعة التى تقع فى اتصال الساحة الرملية التى فى الركن الشرقى من مسجد السعادة ولا يوجد فى أساطين الصفوف الأخرى ، وإن كان فى أساطين الركن الغربى من الساحة الرملية تخلفا جزئيا وإذا لم يمعن النظر فيه فلا يمكن تعيينه فهذا التخلف إذا ما طبق على قواعد الفن المعمارى الكلية فلا يعد من العيوب ، وكان اثنا عشر عمودا ما الأعمدة الستة عشر التى يعرف التخلف فيها من النظرة الأولى والتى تكون الصفوف الأربعة من الأعمدة ، كانت ركزت من قبل أسلافه ولما كانت الفرقة المعترضة غير راعية بهذا الموضوع ظنوا أن هذا التخلف قد حدث فى عهد محمد راشد أفندى وخدعوا الناس بهذا الزعم الباطل وأغروهم بالقيام ضده. انتهى.

قد خدم محمد راشد أفندى فى تزيين داخل مسجد السعادة وقد تركت جهة الجدران الغربية أعلى من الجهات الأخرى كعلامة على الجدران القديمة وكان هذا الارتفاع أساء لجمال سطح المسجد.

أزال محمد راشد أفندى هذا العلو وأبقى جملة «هذا حد مسجد النبى» التى كانت محكوكة على هذا الصف من الأعمدة ، لو كان حدد هذه الجملة قائلا : «هذا حد المسجد الأصلى» لأحسن فعلا لأن عبارة «هذا حد مسجد النبى» تفيد أن خارج هذا الحد ليس من جملة مسجد النبى وهو ليس كذلك.

بعد أن سوى محمد راشد أفندى وسطح ومهد أرض المسجد وهدم المخازن فى التقاء الحد القبلى للمسجد الأصلى أنشأ جدارا منخفضا من شبكة الحجرة المعطرة إلى انتهاء الأعمدة التى فى الجهة الغربية من جدار باب السلام وبنى فوقه سورا مشبكا جميلا مصنوعا من النحاس الأصفر وفتح ثلاثة أبواب من الروضة المطهرة للخروج منها ناحية القبة العثمانية ، ولما انتهى من سقوف الجهة القبلية لمسجد السعادة إلى محاذاة الساحة الرملية جهز حجرا أحمر مزينا لكتابة التاريخ وأرسله إلى باب السعادة حتى يكتب عليه ما انتخب مما كتبه أدباء المدينة ثم يأمر بإعادته إلى المدينة ، إلا أن السلطان ذا الخصال الحميدة لم يستصوب أن يكتب لذلك المكان المقدس التاريخ وأمر بأن يعطى للمؤرخين اثنا عشر ألف قرش وحتى يتخذ قرارا ما ينبغى إحالة الموضوع إلى مجلس العلماء المنعقد فى المشيخة الجليلة ، وقرر فى المجلس أن يكتب على هذا الحجر الحديث الشريف ، وفق اقتراح أمين الفتوى للمجلس محمد رفيق أفندى «صلاة فى مسجدى هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام» ، وأبلغ الأمر إلى دار الخلافة. وأمر الخليفة أحمد أسعد أفندى الذى تعين لأمانة أبنية السعادة بعد عمر جمال الدين أفندى بإجراء ما يقتضى الأمر عمله.

والتواريخ التى ستذكر فيما بعد هى التواريخ التى اختارها محمد راشد أفندى لتحظى بالنظرة السلطانية وأرسلها إلى الباب العالى.

عربى (١)

بشرى مليك الورى عبد المجيد

بما قد فاز من فخر دنياه وعقباه

توجهت بعظيم الأجر همته

وكى ينال من المختار زلفاه

فجددت مسجدا تهوى ملائكة

لو أصبحت فيه من عمال مبناه

ولكن بذاك إله الحق خصصه

يا فوز من خصه بالخير مولاه

وإنه أثر ما حازه ملك

من قبله بل ولا من بعد يحظاه

بطالع اليمن والإقبال آخره

على أساس التقى مذ تم منشاه

قالت الملائكة البشرى مؤرخة

على قواعد يمن عز أخراه

١٢٧٥ الآخر (٢)

الله أكبر فاز سلطان الورى

عبد المجيد بأعظم الإحسان

__________________

(١) هذا التاريخ الفريد للفاضل حسن أفندى الأكسوبى.

(٢) هذا التاريخ للأديب عمر أفندى.

طوبى له قد شاد أرفع مسجد

يسمو على الأفلاك بالعدنان

حرم زهى بالروضة الفيحا التى

جلت وأضحت من رياض الجنان

ويميز الهادى سمو بحجرة

هى مهبط الأملاك والغفران

بشرى لقد حاز الثواب مليكنا

وحدى عظيم الأجر من رحمان

برفيع همته أجاد بناءه

فى غاية الأحكام والإتقان

حرم على تاريخه حقّا زهى

تم البناء بهمة السلطان

١٢٧٥

وظلت أعمال المئذنة المجيدية ناقصة وقد أنشأها محمد راشد أفندى على طراز مآذن بلاد الروم وفى غاية الجمال وجعل حول شرفاتها أسوارا بشبكة حديدية.

التاريخ الآتى الذكر هو التاريخ الذى ذكره الأديب كامل عبد الجليل براده (١) بخصوص المئذنة المجيدية.

عربى

سلطاننا الملك الغازى المجيد بنى

فى مسجد الهاشمى المصطفى طه

__________________

(١) هذا الشخص رئيس كتاب السجلات اليومية.

منارة لم تطاول رفعة وبها

يحق للدهر فخرا لوبها باها

فريدة إن بدا شكل يماثلها

فإنما ذاك حقا عكس مرآها

ودت نجوم السماء لو أنها

انتظمت فى جيدها تزهو ثرياها

لغاية ابتهاج الفكر أرخها

منارة بالبهاء تم مبناها

١٢٧٥

ولما مات عمر جمال الدين أفندى ـ الذى بعث مكان محمد راشد أفندى ـ توفى وهو يؤدى فريضة الحج المشروعة فى أثناء وجوده فى مكة المكرمة ؛ اقتضى تعيين شخص آخر وإرساله لتولى وظيفة أمانة المبانى العالية فأبلغ ذلك من قبل أمير مكة المعظمة شرف عبد الله باشا إلى الباب العالى وعرض ذلك السلطان من قبل الصدر الأعظم محمد باشا القبرصى وشيخ الإسلام سعد الدين أفندى وتأنّى فى تعيين شخص وإرساله ، وسكت السلطان فترة وهو يفكر ثم شرع فى الإجابة قائلا : «لا بد أن فى هذا الأمر سرّا خفيّا وحكمة ، وقد أرسلنا هناك من الباب العالى من نثق فيهم مثل حليم أفندى الصغير ، ومحمد راشد أفندى ، وعمر جمال الدين أفندى فلم يستطيعوا أن يكملوا مهمتهم ، ثم أرسلنا من أمراء جيوشنا من له اليد الطولى فى فن الهندسة مثل محمد رائف وأبو بكر وأدهم من الباشوات ، وكذلك لم يوفقوا فى إتمام المهمة ؛ فلنول ـ كتجربة ـ أحدا من رجال الطريق العلمى المقتدرين ، يا سعد الدين أفندى فاعثروا على رجل يتصف بالصدق والروية ومعروف بالتقى والتدين وأرسلوه إلى المدينة المنورة حتى يكمل تلك الخدمة التى تجلب الفخر والزهو ، ولما قال له سعد الدين أفندى الأمر لكم

يا سلطاننا ، وإننا سنعثر على داعية مستقيم الأفكار قد سلح نفسه وزينها بأفكار توافق أفكار سلطنتك وسنعرض الأمر على عتبة سلطنتك بعد الاستئذان ، فقال له السلطان لا كلا لا لزوم لتعيين موظف من هنا.

وحتى لا تتعرض تعميرات البناء المقدس للانقطاع فترة أخرى قد أحلت مهمة أمانة الأبنية العالية إلى ابن عريانى أحمد أسعد (١) أفندى قاضى المدينة المنورة ـ على صاحبها أكمل التحية ـ والذى يوجد الآن فى مكة المكرمة وفوضت الأمر إليه لكفائته ، ولما كان أحمد أسعد أفندى أبا عن جد من رجالنا المشهورين والداعين للدولة والمستقيمين فإننى أثق فيه ، بسبب تجاربى السابقه ، وإن شاء الله يوفق فى إتمام مهمته على أحسن وجه ، وتلقى أحمد أسعد أفندى هذه الإجابة التى تنطوى على الإرادة السلطانية فأرسل الفرمان السلطانى الذى يتضمن تعيين أحمد أسعد أفندى بالمدينة المنورة سنة ١٢٧٥ ه‍ وبلغت التوجيهات السلطانية وحسن ظن السلطان فيه عن طريق آخر ، كما طلب منه أن يبادر فى العمل دون تأخير وأن يبذل أقصى جهوده لإتمام مهمته ، وأوصى بإخطارات أخرى مبينا دقة الموقف وأهميتها وبلغت إدارة مكة المكرمة أنه إذا ما استدعى الأمر من جانب أحمد أسعد أفندى نزاع الأهالى فعلى أمير مكة أن يذهب بذاته إلى المدينة المنورة لحل المشكلة.

ولما أخذ أحمد أسعد أفندى الأمر (٢) السلطانى بتعيينه فى عمارة المسجد النبوى بكى من سروره وسجد لله ـ سبحانه وتعالى ـ على تعيينه لتلك الخدمة المسعودة دون أن يكون له دراية بهذا الموضوع ، فتحرك رأسا من مكة المعظمة ووصل إلى المدينة المنورة فى أوائل جمادى الأولى سنة ١٢٧٦ ه‍.

وزار حجرة الرسول صلى الله عليه وسلم المعطرة ـ عليه أعظم التحايا ـ وعرض عليه تذلله وافتقاره وأبان عجزه واستعان برسول الله صلى الله عليه وسلم فى إتمام مهمته راجيا نصرته وعونه وشرع فى إتمام مهمته بعد أن بدأ فى عمله ذاكرا اسم الله ، وأتم ذلك العمل

__________________

(١) تولى الأفندى المشار إليه منصب المفتى فى اليوم الثامن من شهر ذى الحجة عام ١٢٩٥.

(٢) وصورة هذا الفرمان مندرجة فى ذيل الصورة رقم (٢).

المعقد فى أول ذى الحجة من سنة ١٢٧٧ دون أن يستعين حتى بالشريف عبد الله باشا ودعوته إلى المدينة ، وأنهى تلك الأعمال التى عجز عن إتمامها أسلافه الكرام فى سبع أو ثمانى سنوات فى ظرف سنتين ونصف سنة كما سيعرف فيما بعد وعرض الأمر على الباب العالى وأعلمه.

مطالعة ورأى

إذا ما نظرنا إلى إتمام العمل وحسن عريانى قاضى المدينة المنورة ، ندرك أن إتمام العمل وختامه سواء أكان فى حرم المدينة المنورة توأم الجنة أو حرم المسجد الذى تخدمه الملائكة وتعميرهما قد تم على يد موظفين ينتمون إلى العلوم الشرعية ، ومن يعمق الفكر فى هذا الموضوع يجده من غرائب المصادفة فى العصر ومن أحكام اللطائف الغيبية وهذا بديهى ، كيف لا تعد من الاتفاقات الغربية وقد تمت عمليات تعمير وتجديد مبانى الكعبة المعظمة فى عهد السلطان مراد خان الرابع على يد صاحب الفتوى سيد محمد أفندى الأنقروى الذى كان فى ذلك الوقت قاضى مكة المكرمة والذى رقى إلى مقام المشيخة الإسلامية فى سنة ١٠٩٧ ه‍ ، كما تم إجراء عين عرفات التى بدأت العمليات فيها فى عهد السلطان سليمان بن السلطان سليم خان الغازى وتمت فى عهد السلطان سليم الثانى على يد وعلم مفتى مكة الشافعى حسين بن أبى بكر الحسينى ، ولا سيما تطهير مجرى عين عرفات الذى دام سبع عشرة سنة.

والذين تولوا نظارة عمليات التطهير قد توفوا الواحد تلو الآخر وقد أتم المشار إليه حسين أفندى أبو بكر ما لم يستطع إتمامه أسلافه فى ظرف سبعة عشر عاما أتمها فى ظرف خمسة أشهر وبصورة وعلى هيئة كان يتمناها الجميع.

والتعميرات الكاملة للمسجد الحرام تمت فى ظرف أربع سنوات إذ كانت تحت نظارة المفتى المشار إليه.

وأراد أحمد أسعد أفندى ـ وقد تلقى الأمر السلطانى والإرادة السنية ـ أن يعمل بموجب النص الجليل ويجدد داخل حرم السعادة موضع المنازعة فيه ،

وحتى ينفرد بذلك العمل عين سيد محمد أفندى من أفاضل علماء المدينة نائبا له فى المحكمة الشرعية فاستدعى السادة الكرام والعلماء المشهورين والموظفين ذوى الاحترام للمدينة المنورة وعقد معهم اجتماعا للمذاكرة والدراسة فى المكان الذى يطلق عليه الديار العشر والذى يقع فى الجهة القبلية من المسجد النبوى ، وعرض جميع جهات العمل واستشارهم فيها ، وبعد دراسة الخرائط التى وضعها أسلافه وتدقيق النظر فيها ، قرر العمل بناء على قاعدة هدم الجهات التى يراد تجديدها وإتمام العمل فيها ثم الانتقال إلى الجهة الأخرى وهدمها وتشييدها ، وبدأ العمل من مؤخرة الحرم الشريف يعنى من النقطة التى كان محمد راشد أفندى قد اقترب من بدايتها داخل الحرم الشريف ، كما أرى فى مسطح الرأس المضبوط فجدد تجديدا متينا رصينا مزينا القباب التى بالقرب من باب السلام إلى المئذنة الرئيسية مع عقودها وبقية الجدار القبلى مع القبة العثمانية الجسيمة وقباب الروضة المطهرة مع القباب التى فى مواجهة قبر الرسول والقباب البالية الأخرى مع عقودها ومع مصاريفها وخلاصة القول كافة أسس أساطين وطاقات المسجد الشريف النبوى وقبابه المختلفة.

كما عمّر وقوى الحجرة المعطرة النبوية والمئذنة الرئيسية ومآذن باب السلام وباب الرحمة كلها وفق ما جاء فى فكر الأمر السلطانى وأحكامه وطبقا لقرار مجلس الاستشارة ، وهكذا أتم تعمير جميع جهات حرم السعادة كما سبق تعريفه على أحسن وجه وجعل جميع القباب الخشبية التى شيدها من الحجر وبهذا قد حظى بشكل وثناء أهالى الحرمين المحترمين ، شكر الله سعيه.

كان شيخ الحرم النبوى فى عهد أحمد أسعد أفندى شيخ الوزراء المرحوم مصطفى باشا فى اسكودار وكان لمهارته فى فن العمارة وهمته وغيرته وجهوده فى استكمال أسباب إنشاءات المبانى المقدسة ، ومساعى محافظ دار الهجرة من قدماء الرفقاء الكرام المرحوم خالد باشا ومعاونته وإقدام واستقامة رئيس مراجعى الأبنية العالية بدر الدين (!) ورئيس المهندسين الحاج محمود أفندى وسائر الموظفين ، أكبر أثر فى تسهيل المهمة وسرعة إنجازها ومن ثمة فى إتمام إنشاءات حرم السعادة قبل الأوان بفترة.

وقد حكّ مذهبا ليوضع فوق طاق باب السلام ذى الفيوضات منظومة تاريخية كما صنع طغراء غراء على أن توضع فوق المكان الخاص الذى هيئ فى وسط القباب المجيدية العالية التى تقع فى جهة من الساحة الرملية فى مؤخرة حرم السعادة ، وقد أرسلت المنظومة التاريخية التى كتبها قاضى المدينة المنورة السابق يعقوب عاصم أفندى ليعرض على أعتاب السلطان بواسطة أحمد أسعد أفندى إلى شيخ الإسلام سعد الدين أفندى وأن تعاد إلى المدينة فى حالة نيلها القبول.

وقدم ذلك التاريخ إلى السلطان حتى يلقى عليه نظرة ، وإن كان قد وافق مزاج السلطان الفطرى إلا أن استخدام بعض التعبيرات التى توافق الصنعة الشعرية أراد السلطان ذو السمات الملائكية الذى يتوسل إلى روح محمد ـ عليه صلوات الأحد ـ فى كل أمور السلطنة وخصوصياته أن يحرر التاريخ الذى سيوضع فى داخل المسجد النبوى الشريف من الخيالات الشعرية وفى صنعة معبرة عن سليقة الإخلاص ولذا قال : «من أنا حتى أتجرأ على تعليق الطغراء داخل البناء المقدس الذى بناه سلطان الأنبياء ـ عليه أعظم التحايا ـ بذاته! فمن الأنسب أن يكتب فى المكان بدلا من التاريخ والطغراء حديث شريف مناسب لذلك المقام المقدس ويعلق هذا التاريخ بعد تصحيحه فوق كمر أحد أبواب حرم السعادة وهذا أنسب ، وبعد أن يصحح زيور (١) أفندى هذا التاريخ فليرسل إلى المدينة المنورة باهرة الشرف» ؛ وبناء على هذا الأمر السلطانى صحح ذلك التاريخ وأرسل إلى المدينة على أن يعلق فوق طاق أحد أبواب حرم السعادة ، وأن يكتب على حجر التاريخ ، الذى أرسله محمد راشد أفندى قديما ولم يلق قبولا لدى السلطان ، الخبر الصحيح : «صلاة فى مسجدى هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام» ، وأن يكتب مكان الطغراء عبارة «قال النبى عليه السلام» وبما أن هذا الأمر السلطانى قد أبلغ إلى أمانة المبانى العالية قد وقر وفخم ذلك المقام ووجد الاحترام للأمر السلطانى ووضعت الطغراء الغراء المجيدية فوق طاق باب السلام مذهبة حيث زينته.

__________________

(١) هو من مشاهير الشعراء ، تولى منصب وزارة الأوقاف لمدة طويلة وتولى منصب مشيخة الحرم مؤخرا.

وبعد أن جدد وعمر وشيد وأصلح جميع القباب والأساطين الكائنة فى مؤخرة حرم السعادة أو فى داخله كما عرف آنفا ، وحتى يقووا ويدعموا أساس القبة الخضراء المرتفعة التى فوق الحجرة بنوا جدارا لصق أسس شبكة الحجرة المعطرة وبإقامة بعض العقود فوق هذا الجدار دعموا القبة الخضراء الشريفة وحافظوا عليها فى صورة متينة.

وإن كانت تلك القبة اللطيفة عمرت فى عهد السلطان محمود خان الثانى إلا أن جهة من عقود القباب الجديدة التى ستؤسس فوق جدران القبة الخضراء أدرك لدى الكشف عليها أن هذه الجدران ليست متينة بدرجة تتحمل العقود الجديدة ومن هنا قرر تدعيم قواعد الجدار العتيق ، وبناء على هذا القرار حفر حول الشبكة الشريفة أساسا عميقا قدر ستة أذرع وجدد أساس الجدار الذى صنع فى عهد السلطان محمود فأسس وطرح أسس الجدار الجديد مطابقا لهذا الأساس الغير قابل للاندراس.

فالقبة اللطيفة التى عمرت فى عهد السلطان محمود خان العدلى قد حفرت قاعدة أساسها إلى أن ظهر تراب سليم ، والحجارة التى وضعت كأساس كانت فى غاية الصلابة والإحكام وفوق ذلك قد ربطت بعضها ببعض بقيود من حديد ورصاص مذاب ، وإن كان هذا الأمر تبين عند المعاينة.

ولكن حتى توضع عقود ما اقتضى تجديده من القبة العالية وحتى تقوى وتحكم الجوانب الأربعة للقبة الخضراء درجة أخرى رئى أن يبقى على الجدار الذى بنى فى عهد السلطان محمود خان حول الحجرة المعطرة وأن يبنى حول هذا الجدار جدار آخر وتوضع عليه عقود القباب الجديدة فوق الجدار الجديد ، وبهذه الطريقة قد رصنت سواء أكانت القبة الخضراء أو القباب الأخرى العالية فوق المطلوب ، وبناء على هذا التعريف يقتضى أن يرى الجداران المحدثان من الخارج إلا أن شبكة السعادة العارضة تحيط سواء أكان بالجدارين اللذين بنيا فى عهد السلطان محمود أو الجدارين اللذين بنيا فى عهد السلطان عبد المجيد ، وبما أن

شبكة الحجرة المعطرة اللطيفة كما سبق تعريفها ظلت بين القواعد والدعامات التى أنشئت لتشييد القبة الخضراء ولأجل ذلك فرؤية هذه الجدران غير ممكنة.

وبناء على ما فهم من هذا التفصيل فالقبة الخضراء التى تشاهد من خارج المسجد الشريف هى تلك القبة التى تطلق عليها القبة الخضراء فهى قبة خضراء كبيرة فوق قبة الحجرة التى تقع فوق مربع قبر السعادة ، وكما سيبين فيما بعد أن القفص المصنوع من السلك الذى يغطى المربع المقدس تحته قبة صغيرة وهذه القبة فوق مرقد السعادة وتعرف باسم قبة الحجرة.

وكان داخل الجدران الأربعة المتصلة والذى يقال له مربع القبر الشريف كان فى الأصل دار أمنا السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ فنعوش صاحب الشريعة ـ عليه أكمل التحية ـ وأبو بكر الصديق وعمر الفاروق ـ رضى الله عنهما ـ مدفونة فى داخل هذا المكان السعيد.

قد زينت الأطراف الأربعة لمربع القبر الشريف بالأغطية الغالية التى أرسلها السلاطين العثمانيون خاصة للحجرة المعطرة ، لهذا ليس هناك من رأى ظهر مربع قبر السعادة فى الأزمنة القريبة ، ويرددون أن هذا المحل مستور بقفص مصنوع من الأسلاك وظهر هذا القفص الجهة الداخلية للقبة الخضراء التى ذكرت ، ويدخل شعاع الشمس من نافذة قبة النور التى تقع فى الناحية القبلية من هذه القبة ، فينير سواء أكان داخل مربع القبر الشريف أو جدرانه وما بين القفص الذى يطلق عليه شبكة السعادة.

ليس فى زماننا من رأى داخل مربع قبر السعادة ، يعنى داخل الجدار الذى يحيط بأطراف القبور الثلاثة ، وإن كان للمربع المقدس فى جهة السعادة نافذة صغيرة ، ومن الواضح أن من ينظرون من هذه النافذة الصغيرة يستطيعون أن يروا داخل مربع القبر الشريف إلا أن من رعاية شروط الأدب عدم النظر إلى داخل المربع ولأجل ذلك لا يمكنهم أن يجيلوا أنظارهم فى داخل المربع ، ويجرى

أهالى المدينة رسم الولادة كما عرف فى الصورة الثالثة من الوجهة الثالثة ، بأن يلقوا أولادهم حديثى العهد فى داخل هذه النافذة.

كان قد أخرجت خلال سنة ٥٥٤ من داخل مربع قبر السعادة جيفة هرة متعفنة ، وبناء على الظن القوى أن تلك الهرة قد دخلت من تلك النافذة ولم تستطع الخروج فهلكت وتعفنت وحتى يزال أثر تعفن الجيفة الكريه قد ترك فى داخل المربع الشريف من تلك النافذة خشب شجرة الصندل الذى نقع بدهن الورد وهذه القصة تروى بين الأهالى بسند قريب من الصحة ، حتى إن تعطير الحجرة المعطرة على هذا المنوال قد أخذ صفة العادة.

حتى إنهم فى زماننا ـ كما سبق تعريفه فى المكان الخاص ـ يعطرون نشارة كافية من شجرة الصندل بدهن الورد ويلقونها فى يوم معين داخل مربع قبر السعادة من تلك النافذة ، وبعد سنة يستردون القديم ويضعون الجديد ويقتسمون القديم فيما بينهم ، ومع ذلك فسواء عند استرجاع نشارة الصندل أو إلقائها لا يدققون النظر إلى داخل حجرة السعادة ، وهذه الشبكة أى القفص الحديدى الذى يحيط بمربع قبر السعادة من جوانبه الأربعة يطلق عليه شبكة السعادة ، ويقال لداخل هذه الشبكة الحجرة المعطرة ، وينال الزوار الكرام مرامهم بزيارة قبر السعادة من خارج هذه الشبكة (١).

بعض تفصيلات مهمة :

لما جاء الدور لتعمير قباب الروضة المطهرة صنعت ستارة خشبية عارضة فوق الأعمدة التى بين حدود الحجرة المعطرة والروضة المطهرة حتى لا يسقط تراب ولا تقع حالات تؤدى إلى عدم الرعاية والاحترام ، ولم يحدث أن هتك العمال الذين يشتغلون فى هذا المكان ستارة الاحترام والأدب ، فيعمل العمال فوق الستارة الممدودة بكل وقار وهدوء وينهمك العباد الذين فى داخل الروضة المطهرة فى

__________________

(١) وإن كان الزوار المتصفون بالجراءة يزورون الحجرة بالواسطة من داخلها إلا أن زيارتها من الخارج أولى تأدبا.

عبادتهم وطاعتهم دون إحداث ضجة حتى الهمسة ما كانت تسمع حتى يظن أن فوق الستارة الخشبية لا يوجد عمال يعملون ، ابتداء من الأعمدة التى فى الصف الثالث التى توجد فى الحدود الأصلية لمسجد النبى من ناحية الشام إلى أسطوانة الوفود ، وفى الجهة الغربية من المسجد الثانية من المنبر النبوى وباعتبار ما بين الأسطوانتين الواقعتين فى جهة الجنوب ومن الجدار القبلى.

وسواء هاتين الأسطوانتين أو الأساطين الشريفة الأخرى إلى أنصافها كانت مزينة بألوان بيضاء وحمراء ومحلاة بذهب خالص ومذهبة وكانت هذه من آثار السلطان سليم بن السلطان عبد الحميد خان المبرورة قد أبقيت كما هى وغيرت زخارفها ، ومن تلك الأساطين ما تكسّرت قطع رخامها بشكل لا يمكن ترميمها وقد صنعت جيدا وحتى يعرف أنها كانت مرممة كالأساطين الأخرى قد نقشت عليها رسوم الرخام باللون الأبيض والأحمر ، وشبهت بالأخرى وجميع الأعمدة التى فى الجهة الشرقية من الأعمدة الملاصقة لشبكة المنبر المنير وتحت المنبر الشريف المذكور بنى هذه الأساطين إلى السقوف التى أمام الروضة المطهرة كلها وقد جددت قطع رخامها ، ولكن قطع رخام الأعمدة التى بين مواجهة السعادة وحول الحجرة اللطيفة لم تغير ، على أنها علامة لازمة لحدود الروضة المطهرة من الجهة الشمالية ، وأصلح ورمم بعض أماكنها ، وبهذا قد حفظ حكم الحديث الشريف الذى يقول : «ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة» والأسطوانات التى سطرت عليها قصيدة السلطان سليم بن عبد الحميد خان والتى سبق ذكرها فى موضوع الأساطين كانت ضمن الأساطين المذكورة التى بقيت كلها على حالاتها القديمة وغيرت زخارفها وخطوطها فقط.

وبينما كان يحفر أسس أسطوانة السرير فى محاذاة رأس السعادة وأسطوانة التوبة ظهر ماء عذب لطيف ، ولما كان لهذا الماء رائحة طيبة أخذ منه أكثر الأهالى وتبركوا به وأرسلوا منه إلى أهالى البلاد الأخرى ، قد انهمك الأهالى بتدبير

الأوانى والزوارق لأخذ الماء ولما وصل صياحهم إلى قدر هتك ستارة الأدب فألقى الأساس رأسا حفظت حرمة المسجد.

وبينما كانت أسس هذه الأسطوانات والأسطوانات الأخرى تحفر وتفتح نثر البخور ، وأحرقت أقراص الطيب وأنواع أخرى من الطيب ، فى نقط وضع الأساطين ، وحينما كان يحفر أساس الأسطوانة التى فى ركن الجهة الغربية القبلية للشبكة التى تحيط بالحجرة المعطرة ظهرت بئر تنزل إليها بسلم ذات تسع درجات وكان ارتفاع وعرض كل درجة شبرا واحدا ، وكان وليد بن عبد الملك قد حفرها للسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنها ـ فى دار عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنهما ـ ويلزم أن تكون هذه البئر مخرج الطريق الذى سده موظفو السلطان قايتباى حتى يمنعوا اختلاط الرجال بالنساء ، وكان عمر بن عبدا لعزيز قد أخذ بأمر الوليد بن عبد الملك دار أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهما ـ التى كانت فى الجهة القبلية من دار عائشة ـ رضى الله عنها ـ وأعطى لها فيما بعد فى مقابلها الدار التى يطلق عليها دار عمر بن عبد الله (١).

وكان قد فتح لهذه الدار طريقا إلى مسجد النبى ، ظل ذلك الطريق مفتوحا إلى الوقت الذى زار فيه الخليفة المهدى المدينة المنورة ولكن موظفى الحكومة لم يستصوبوا ذهاب المهدى من هذا الطريق إلى مسجد السعادة لأسباب خفية ، فسدوا الباب الذى يؤدى إلى المسجد ، وفتحوا طريقا من دار عبد الله بن عمر من تحت الأرض حتى شبكة السعادة حتى يدخل المهدى فى داخل المقصورة دون أن يراه أحد ، وهذا هو الطريق الذى نتحدث عنه ، وقد ذهب المؤرخون إلى أن فى مخرج الطريق الذى فتح ثلاث درجات وأطالوا فى تعريف هذا الموضوع.

ولما كان عدد الدرجات التى ظهرت تسع كما حرر من قبل فيصل خطأ رأى

__________________

(١) وسبب تسمية هذه الدار بدار عبد الله بن عمر انتقالها من السيدة حفصة إلى عبد الله بن عمر والدار المسعودة المعروفة اليوم بديار عشرة أقيمت على أرض تلك الدار.

المؤرخين إلى درجة الثبوت ، حتى إن مقدار ذراع ونصف ذراع من مخرج الطريق الذى ظهر مليا ، ولما كان محتملا أن يكون فى هذا المكان ثلاث أو أربع درجات يقتضى أن يكون مخرج ذلك الطريق ثلاث عشرة درجة ، وبعد زيارة الخليفة المهدى بعدة عصور أصبحت زيارة حجرة السعادة بهذه الطريقة عادة ، ولكن فيما بعد حدثت أشياء منكرة ولم تراع الأدب والحرمة فسد باب المخرج الذى فى داخل شبكة السعادة فى سنة ٨٨٤ وهكذا أنهيت تلك الأحوال المنكرة.

بينما كانت نوافذ الجدار القبلى لقبة المحراب العثمانى تجدد على حالتها القديمة أضيف عقد كبير لتدعيمه وجددت الأعمدة التى تحمل القبة بحجر أحمر ووسعت الجهة العليا من القبة وفتح على أطرافها صفان من النوافذ إحداها فوق الأخرى ، وجعلوا أعالى النوافذ مقوسة فظهرت على شكل فى غاية الحسن والجمال ، وحتى يقووا ويدعموا القبة التى فوق مواجهة السعادة ركزوا فى الجهة الشرقية من القبة العثمانية أسطوانتين كبيرتين مصنوعتين من الحجر الأحمر مثل الأساطين الموجودة حول الحجرة المعطرة ، والقبة العثمانية الجميلة أكبر وأوسع وأكثر زينة من جميع قباب مسجد السعادة ما عدا القبة الكبيرة الخضراء التى تعلو على القبة الصغيرة التى فوق الحجرة المعطرة وقد أسست أول مرة فى عهد السلطان قايتباى عقب الحريق الثانى ، وإن كان رمم وأصلح بعض جهاتها فى عهد السلطان محمد بن إبراهيم خان ـ عليهما الرحمة والغفران ـ ولكنها سقطت فى سنة ١١٤٧ وانهارت فجددت فى عصر السلطان محمد بن مصطفى بن السلطان محمد خان سنة ١١٤٨ لعدم حرمان هذا المكان من جماعة الصف الأول ، بدون أن يركز أعمدة فى الجهة القبلية من الجدار مكتفيا بالعقود الملقاة على الجدار المذكور.

وقد خالف محمد راشد أفندى آمال الأهالى وأفكارهم حيث ركز أربعة أعمدة بجانب باب السلام ، وبما أن نقاط هذه الأعمدة قد حرمت من شرف أداء الصلاة

فيها طلب إزالتها ، ولكن رفع هذه الأعمدة وإزالتها كانت تحتاج لنفقات كبيرة وهذا العمل سيؤدى إلى إضرار خزانة الدولة كما أنها لو أبقيت لن تصيب زينة المبانى المقدسة ورزانتها بعيب أو نقص فلم يمسوها ، كما أبقت هيئة الشورى الأسطوانة التى تكون فى الجهة اليسرى للصاعدين على المئذنة الرئيسية ، على أنها من جملة الأساطين القديمة مع أن رفع هذه الأسطوانة كان أولى. انتهى.

وبعد ما تمت عمليات الأبنية العالية بكل مشتملاتها ومتفرعاتها ، كتبت جميع الكتابات التى كانت فوق طلاء داخل القباب وداخل الجدار القبلى باهر الأنوار كما سبق ذكره فى مكانه ، وزيّن ذلك المقام العالى مرة أخرى ، وكانت الخطوط المنقوشة من آثار قلم زهدى أفندى (١) من سلالة تميم الدارى ـ رضى الله عنه ـ من صحابة النبى صلى الله عليه وسلم ومن تلاميذ رئيس العلماء الحاج مصطفى عزت المشهورين ، وهى آثار لم يشهد لها مثيل.

وأراد السلطان الغازى عبد المجيد خان أن يحتفظ بصورة مصغرة لما كتب لهيئة مسجد النبى القديمة فى جامع خرقة السعادة ، لذلك أمر بصنع هيكل مجسم لمسجد النبى حينما أمر بتجديده ، وقد عهد بهذا الأمر واجب الامتثال وإجراء مضمونه إلى البكباشى الرسام الحاج عزت (٢) أفندى من أعضاء مدرسة الهندسة البحرية السلطانية.

كما وجه إليه هندسة المبانى المقدسة العالية وأرسل إلى المدينة المنورة.

وعندما وصل عزت أفندى إلى المدينة المنورة دار السكينة قاس مساحة الحجرة المعطرة إلى أن وصل إلى جدار الضريح من الداخل والخارج أو حرم السعادة بدقة شديدة وبعد ذلك صنع تمثالا هيكليا من الخشب وأرسله إلى باب السعادة سنة ١٢٦٨ ، وقد نال ذلك الهيكل القبول الحسن وحسن التقدير وبناء على الأمر

__________________

(١) استطاع زهدى أفندى كتابة هذه الخطوط خلال ثلاثة أشهر.

(٢) عزت أفندى أخو القائم مقام شكرى بك مدرس رسم بمدرسة البحرية السلطانية.

السلطانى نقل إلى جامع خرقة السعادة بجانب جامع على باشا القديم ، ووضع فى مقصورة المؤذنين ومازال محفوظا فى صندوق زجاجى.

وذلك المعبد من جملة الخيرات الجليلة للسلطان المذكور المشار إليه ، وكان ذلك الهيكل نفس المسجد النبوى الذى يخدمه الملائكة بشكله القديم ، وكانت مساحته الطولية جزءا من خمسين جزء منه (١) ، ويروى أن نحته الخشبى قد صنع من قبل الحافظ الحاج على (٢) أفندى الذى وجد فى قطعة الحجاز المقدسة سنة ١٢٦٧ ه‍ وهو صاحب ألف فن.

ولما كان هذا التمثال يشبه أصله مشابهة تامة نوصى أصحاب الإخلاص والمحبة برؤيته فالنظر إليه ومشاهدته يشبهان زيارة مسجد المدينة الشريف ، وفى هذا النموذج بناء على ما تم عده وبناء على قيده وكتابته فى التواريخ القديمة (٣٠) قبة فى الجهة الغربية و (٢٢) فى الشمال و (٦٨) فى الشرق (٣٤) فى الجهة الجنوبية و (٥٩) فى الجهة الغربية من الحجرة المعطرة وكانت جميع قباب مسجد السعادة قبل تجديده (٢١٣) قبة متناسقة ، وقد صنع (١٨٣) قبة فى سنة ٨٦٨ ه‍ من قبل السلطان قايتباى المصرى ، كما أن (٤٩) قبة منها صنعت من قبل السلطان مراد خان الرابع ، وقد زين السلطان قايتباى مبانى المسجد النبوى الشريف من جهاته الأربعة دائرا ما دار بالقباب المنيرة والسقف الملاصق للقباب سالفة الذكر والقباب التى فى مؤخرة حرم السعادة رعاية للهيئة القديمة الأصلية مكشوفا وفرشه بالرمل الأحمر ، ولما احتاج السقف الذى أنشأه السلطان قايتباى فى عهد السلطان مراد خان الرابع إلى التعمير هدم هذا السقف واستصوب تحويله إلى قباب كسائر الجهات ، ودرست الكيفية فى الاجتماع الذى عقد من علماء المدينة وأصبحت موضع البحث وقرر تجديد النصف الشامى من ذلك السقف على حاله

__________________

(١) لما كان هذا الجزء بمقياس الذراع المعمارى فإن الذراع الواحد من التمثال الهيكل يساوى ثلاثة وخمسين ذراعا من سطح المسجد النبوى اللطيف.

(٢) كان هذا الشخص من خدمة السلطان محمود خان الثانى وأحيل إلى التقاعد لكبر سنه فى فترة ما ، وبعد ذلك عين معلما فى المدرسة التى أنشأها مصطفى أفندى قريبا من شهر أمين مضافة إلى حى يايلاق بجانب جامع إبراهيم جاوش ، ومازال موجودا وليس له مثيل فى فن النحت الخشبى.

وتحويل النصف الثانى من القبلى إلى القباب لما فى ذلك من محسنات ، وقد عرضت المذاكرات السابقة على مقام الخلافة وقد وافق العرض للأفكار السلطانية وأرسل مع الموظف إلى المدينة عددا من العمال المهرة حيث يتم إجراء الأمور على وجه السرعة فهدمت السقوف المذكورة وبنى على النصف القبلى ثلاثين عددا من القباب العالية وعلى النصف الثانى من الشامى وهى الجهة الرملية ، بنى سقفا جديدا لطيفا.

وكانت السقوف التى صنعت فى عهد السلطان مراد الرابع (١٩٥) والمساحة الرملية التى تركت مكشوفة فى عهد السلطان قايتباى المصرى (٣٨٢٥) ذراعا معماريا مربعا ، وبناء على هذا الحساب أن غير (٤٠٢٠) ذراعا معماريا من الساحات قد أخذت كلها تحت السقوف والقباب ، بالقرب إلى سنة ١٢٧٧ ه‍ قد أمر السلطان عبد المجيد خان بأن تحول السقوف والقباب التى صنعت فى عهد السلطان مراد خان إلى أبنية حجرية وتشيد وتقوى المبانى المقدسة فى صورة لائقة كما أرى فى خريطة تجديد حرم السعادة وهيئته القديمة ، وبناء على ما جاء فى خريطة هدم السقف سالف البيان بنى مكانه تسع عشرة قبة لطيفة إحداها أبيض اللون وكبيرة وثمان وعشرين منها مستديرة وأصغر من الأولى وحول جميع القباب الأخرى إلى بناء حجرى وبذل جهودا جبارة لتشيد مبانى حرم السعادة على الوجه المطلوب ، وبلغ عدد قباب المسجد النبوى إلى (٢٤٢) قبة وعدد أساطين المسجد إلى (٤٢٣) أسطوانة مع أساطين مؤخرة حرم السعادة ، إذ كان داخل حرم السعادة وخارجه (٤٢٣) عمود وكان (٣١٣) منها غير قابل للاستخدام وفى حاجة قصوى إلى التعمير بعد هدمها ، وقد هدم منها مائة وعشر أعمدة وجددت وعمر (٣١٣) منها وشيدت ، وقد رصنت جميع الجهات الأربعة للجدران والأساطين والقباب العالية بأحجار منحوتة ، وأمن جميع جهاته قبل أن يتطرق إليها الخطأ والخلل وكذلك جميع مشتملاته وفروعه.

ألا فليحفظه الله من جميع الآفات السماوية والأرضية ، وقد عمر مسجد

السعادة بطريقة متينة ، لم تبق جميع جهاته بدون تعمير عدة قرون فلن يتعرض للمخاطر.

وسيظل مصونا بدون شك حتى إذا قضى الموجودون من الفرقة المنجية الإسلامية عمرهم كله تاركين أعمالهم ، الشكر والثناء على ما قام به السلطان عبد المجيد خان من الخدمات ما أوفوا بحقه.

وما أعظم الخدمات التى أسداها هذا السلطان للمسجد النبوى الشريف وما أعظم ما أنفقه من النقود ، فما بذله من السعى والجهد إلى أيامنا هذه يفوق بكثير ما بذله ملوك بنى أمية.

وعندما تمت عمليات أبنية السعادة وأصبحت رهن الختام فى سنة ١٢٧٧ ه‍ فى أواخر ربيع الأول ولم يبق إلا أشياء صغيرة تافهة ، وأماكن محدودة للمفتين والمجاورين أولم أحمد أسعد أفندى وليمة للأهالى فى الجبل الأحمر ، وكانت وليمة عظيمة حضرها موظفو الحكومة وأكابر البلاد والعلماء والأغنياء ومالا يحصى من الفقراء والمساكين ، وتليت منقبة مولد السعادة وعلق على المحجر لوحة كتبت عليها عبارة : «قد أخرج من هنا الأحجار التى احتيج إليها لتجديد حرم السعادة.

وقد وقع تحت النظر فى دفتر إجمال النفقات أنه قد أنفق لتعميرات الأبنية العالية والإنشاءات الجليلة سبعمائة ألف قطعة من الذهب المجيدى وكل قطعة تساوى مائة قرش ومائة وأربعين ألفا من الصرر والدراهم ، كما أن ما أرسل من باب السعادة من الألواح الخشبية والحديد والقصدير ، والنحاس وأشياء ثقيلة أخرى كان خارج هذا الحساب ، وقد استخدم فى العمل يوميا ثلاثة وخمسين عاملا ما عدا الموظفين والكتبة والمهندسين والمباشرين ، وهذا التوفيق الخارق للعادة من آثار والد السلطان الكثير المحامد السلطان عبد المجيد خان المشكورة والجميلة.

وما زال أهالى البلاد الحجازية يقدسون روح السلطان المشار إليه ويعرضون

شكرهم وثناءهم عليه فى كل آن وساعة كما أنهم يذكرون بكل خير عريانى زاده أحمد أسعد أفندى الذى بذل جهودا مشكورة فى سرعة إنجاز عمليات الإنشاء والتعمير.

ولم يقتنع السلطان عبد المجيد خان بتوفيقه فى إحياء وتعمير حرم السعادة ، فقد هدم مدرسة بشير أغا التى أشرفت على الخراب من أساسها بنى مكانها سبيلا فى سنة ١٢٦٢ ه‍ ، كما طهر البالوعات التى حول حرم السعادة وأصلح الأرصفة ونظفها فأنقذ أطراف المسجد الأربعة من القذارة والتعفن وأرسل مقدارا كافيا من السجاجيد لفرشها فى حرم السعادة وأرسل قطعتين من الشمعدانات الكبيرة فى ناحية المحراب العثمانى وأضاء تلك النواحى السعيدة مثل جهات المسجد الأخرى ، وقد كانت جهات المحراب العثمانى فى تلك الأوقات خالية من الشمعدانات وكانت جماعات المسلمين من قبل يؤدون صلواتهم فى الظلام.

وبناء على ما كتب فى مرآة مكة ، قد عمر السلطان عبد المجيد وجدد سور مقبرة المعلا ، والأساطين التى أشرفت على الخراب فى المسجد الحرام ، وجدار الحطيم الشريف ومسجد الخيف ومسجد الطائف ومرقد الطاهر ابن الرسول ، ومحمد بن الحنفية ابن حيدر وعبد الله بن عباس رضى الله عنهم ، ومولد الصديق الأكبر ومولد على بن أبى طالب ودار مولد النبى السعيدة ودار الخيزران ومولد حمزة وبركة اليمانى ومرقد الشيخ محمود ، وقباب مقبرة الشهداء ومذبح إسماعيل وضريح ميمونة رضى الله عنها.

للأمر السلطانى الذى صدر متضمّنا

كيفية إعمار الأبنية العالية

إلى الدستور المكرم ، والمشير المفخم ، نظام العالم مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب ومتم مهام الأنام بالرأى الصائب ، ممهد بنيان الدولة والإقبال ، مشيد أركان السعادة والإجلال المحفوف بصنوف عواطف الملأ الأعلى ، من مشيرى الجنود النظامية السلطانية شيخ الحرم النبوى الحائز على الوسام المجيدى السلطانى من الطبقة الأولى وزيرى طوسون باشا ـ أدام الله تعالى إجلاله.

وإلى المختص بمزيد عناية الملك الدائم ، من رجال دولتى المتميزين ومدير المدينة المنورة والحائز الوسام المذكور من الدرجة الثانية وحامله ، وفخر الأمراء الكرام ، معتمد الكبراء الفخام ، ذو القدر والاحترام ، صاحب العزة والاحتشام المختص بمزيد عناية الملك الأعلى ، من كرام أمير أمرائى موظف الأبنية العالية أدهم باشا ، دام إقباله.

وإلى أقضى قضاة المسلمين والى ولاة الموحدين ، معدن الفضل واليقين ، رافع الأعلام الشريفة والدين ، وارث علوم الأنبياء والمرسلين ، المختص بمزيد عناية الملك المعين ، مولانا قاضى المدينة المنورة ـ زيدت فضائله ـ.

فليكن فى علمكم عندما يصل فرمانى الرفيع الشأن ، أن الحاج محمد راشد ـ دام علوه ـ وهو من أعضاء دار الشورى العسكريين ومن رجال دولتى الممتازين ، افتخار الأعالى والأعاظم كان قد أرسل إلى المدينة المنورة بمهمة تفتيش وتحقيق التعميرات التى تجرى فى ممسح جباه الموحدين الحرم النبوى الشريف فعاد من هناك بمعلومات جديدة وآراء محلية ومضابط وخرائط والأوراق الأخرى فمن مقتضى الأمر الملكى أن يدرس هذا الموضوع بناء على ما استجد من المعلومات

وليدرس ويذاكر فى مجلس خاص للوزراء علما بأن هذه التعميرات الجليلة تنقسم إلى قسمين :

الأول : مؤخرة الحرم الشريف ومتفرعاته.

الثانى : تعمير مشتملات داخل الحرم الشريف.

وبما أن كيفية تجديد مؤخرة حرم السعادة وتعميره قررت حتى إن أكثر عملياته قد ختمت على أحسن وجه كما أكمل بعض مشتملاته وتفرعاته كما قرر بالاتفاق العام ، فى محله أن تنشأ آثار قايتباى الملتصقة بآخر الحرم الشريف على الهيئة الجديدة إلى القباب التى أنشئت حديثا فى محاذاة باب الرحمة.

والآن فموضوع البحث هى المسألة الثانية ، قضية كيفية تعمير القباب والسقوف والأساطين التى تحمل تلك السقوف ، وبناء على الكشف والتحقيقات فالسقوف المذكورة مصنوعة من الخشب والأساطين التى تحتها صنعت من حجارة صغيرة أخذت فى التفتت والتجرد فربطت بدعامات حديدية ، وبعضها مال للانحراف فاتفق على لزوم تجديدها وتعميرها فى محلها وبناء على هذا الاتفاق حدث مسوغ شرعى ، ولكن الجانب الجدير بالتدقيق فى هذا البحث والذى أدى إلى الاختلاف والنزاع فى محله مسألة تغير هيئتها القديمة أو عدم تغيرها ، والمهم أن يعرف لهذا الموضوع الحكم الشرعى الصحيح ، وحتى ندقق النظر فيما أورد من الدلائل النقلية والعقلية بموجب الشرع الشريف وتعرف أهميتها للمصلحة العامة أمرت بتشكيل مجلس خاص يتكون من فحول العلماء وبعض الوزراء فى دار الإفتاء ، وبعد معاينة الأوراق والمضابط والخريطة التى أرسلت من المدينة ، وتدقيق النظر فيها كلها وصلوا إلى قرار وهو أنه يمكن تقليل عدد الأساطين وتغيير أماكنها وتعديلها لتوسيع أماكن الصلاة ولإحداث تناسق بين الأساطين وقدموا أدلتهم وحججهم وإن كانت كل هذه الأدلة لا بأس بها ، وبهذا يمكن أن يوسع داخل الحرم الشريف لدرجة ما ، ويتناسق مع مؤخرة الحرم الشريف الذى جدد على هيئة حديثة إلا أن هذه المواقع التى جددت فى مؤخرة حرم السعادة ، كان تجديدها

مبنيا على مسوغ شرعى صريح ، إلا أن داخل الحرم الشريف لا يمكن مقارنته بمؤخرة الحرم ، كما أن تعمير آثار قايتباى باتفاق وأجرى التجديد بناء على هذا بالاتفاق ، وبما أن داخل الحرم الشريف الأصلى من الآثار القديمة الجليلة ويتشرف بهيئته القديمة ، وإن مسألة التناسق والتناسب لن تكون لتحويل رسم وهيئة المسجد الحرام ، ولما كان عدد الأساطين التى تحتاج إلى التعمير والترميم مائة وبضعة وأربعين ، وأن ثمان منها من الآثار النبوية لا يجوز تغييرها وتبديلها قطعيا ، كما أن الأساطين التى ركزت فى داخل الحرم الشريف فى عهد أبى بكر الصديق وعمر الفاروق ـ رضى الله عنهما ـ زيدت باتفاق الصحابة فى توسيع المسجد فهى فى حكم الآثار ، فمثل هذه الآثار التى وجدت باتفاق الصحابة والتى لم يسم أى جانب من جوانبها فلا يجوز تغيير هيئات أماكنها لمجرد التوسيع والتنسيق ، وهذا من الأمور المسلمة ، وفى هذه الحالة فالأسطوانات التى ستجدد على طراز حديث ستكون عرضة للتغير وللتبديل فهى الأساطين التى أضافها وأنشأها السلطان مراد خان والسلطان قايتباى وتترك الأساطين الأخرى ، ومع تغيير هذه الأساطين وتحويل أماكنها فلن يحدث التناسق المنتظر.

ومع هذا فالقباب القديمة من آثار السلطان مراد قد وضعت فوق الأساطين التى كانت قائمة ولم يتصدّ أحد ، فى ذلك طالبا تغيير رسم وأماكن تلك الأساطين ، والتوسيع المرغوب حدث منسوبا إلى اسمى ، وبإنشاء المواقع والقباب الجديدة حاليا ، وبناء على الأقوال الموثوقة وإن كان بين هذه الأساطين ما يحتاج للتجديد ، ولكن بعض ما انحرف منها وبعض ما احتاج للتعمير الجزئى منها ، فلا يلزم تجديدها فمثل تلك الأساطين ترمم وتسوى فى أماكنها على هيئاتها القائمة ، بحيث تقوى على حمل القباب الحجرية التى ستوضع عليها ، وبما أن الأساطين الموجودة فى المسجد مبنية بحجارة سوداء فمن المستحسن أن تنشأ ما يراد تجديدها من الحجارة السوداء حتى تشبهها ، وعند تعمير الأساطين التى غلفت بقطع الرخام تغطى أيضا بالرخام بعد تعميرها ، ولما كان معظم قباب السلطان مراد سليمة والأساطين المحتاجة للتعمير لا تتجاوز ثمانية أساطين أو عشرة ، ولما كانت

بعض أماكن المسجد النبوى قبابا حجرية وكان أكبرها سقوفا خشبية احتاجت إلى التعمير وستعمر على هيئة القباب الحجرية ، وبهذا ستجنب المخاطر مثل الحرائق وغيرها ، وعلى هذا لن يكون هناك أى مسوغ لتغيير أماكن هذه الأساطين أو تقليل عددها أو تغيير الآثار المباركة بها ، وبناء على هذه التفصيلات المشروحة رجح الرأى القائل بتجديد وتعمير ما فى داخل حرم السعادة فى مكانه وعلى هيئته وشكله القائمين ، وعلى هذا تعين إجراء العمليات كما تبين من الواقع ، ويشرع فى العمل من بين باب الرحمة وبين باب السلام ومن بين باب السلام إلى ما بين المئذنة الرئيسية ، وبما أن المحراب العثمانى وسقوفه قد كشف أولا فمن الأهمية تجديد القبة العثمانية ، وإنشاء ما بين دكة الأغوات إلى باب الرحمة ، وتعمير القباب الجديدة وتشييدها وإحكامها والأبنية العالية كذلك والتى تقرر إنشاءها بناء على المسوغ الشرعى وتوسيع الأماكن التى يمكن توسيعها والتى قد وضعت أسسها لن تخلو من الحسنات وإتمام بناء تلك الأماكن وفق كشوفها ، وبما أن الجدار الكبير الذى يبدأ من المئذنة الرئيسية وينتهى عند باب السلام قد ظهر ميله وانحرافه فليزال ويجدد ويعمر على الوجه المطلوب ، وبما أنه لا يجوز وضع الأنقاض المختلفة من عمليات التعمير والترميم والأحجار المكسرة التى ستخلّف من تعمير وتجديد الأساطين فى أماكن غير مناسبة فمن الأجدر أن تستخدم فى بناء الجدران العادية من الحرم الشريف أو فى مثل هذه الأشياء ، ولما كانت حجارة المكان الذى بين شبكة السعادة والحجارة المفروشة ، والستارة قد تزحزحت من أماكنها ، يجب أن توضع فى أماكنها بدون إحداث أى تغير ، وقد نبه مرارا على ألا يرفع أحد صوته فى أثناء العمل وألا يأتى بحركة مخلة للآداب ، وأن يظهر أقصى ما يمكن للإنسان أن يقوم به من توقير وحرمة للمكان ، وقد جاء ذكر كل هذه الأشياء فى المجلس الخاص وقيدت فى مضبطة.

ولما كانت هذه التعليمات الشرعية الدقيقة التى بحثت ستؤدى فى الآخر إلى عدم تغيير ما لا يراد تغيير هيئته الحالية من جهة وأن تتحقق قضية المتانة والرصانة

من جهة أخرى ، يجب أن تنفذ العملية وفقا لما سبق شرحه وذكره ، وأن تحفظ الأشياء التى ستصرف للأبنية العالية من التلف والسرقات ، وأن يراعى حسن معاملة العمال المستخدمين ، وأن تشكل هيئة مؤقتة من الموظفين الموجودين والمهندسين ورؤساء الحجارين للإشراف على أمور الإنشاء والتعمير.

وقد تقرر فى مجلس الوزراء الخاص أن يعمل أعضاء تلك اللجنة المكونة وفقا لما جاء فى اللائحة التنظيمية لسير العمل ، وعرض هذا الأمر على ذاتى السلطانية بعد الاستئذان ، فتعلقت إرادتى السلطانية على أن ينفذ ما جاء فى قرار مجلس الوزراء الخاص وصدر أمرى هذا إعلاما وتنبيها وتقييدا من ديوانى السلطانى وقد ذيلت اللائحة المنظمة بختم أعضاء المجلس الأعلى ، وصدق من مقام الصدارة العظمى ، ثم أرسلت فرمان بأمرى السلطانى.

والآن وأنتم شيخ الحرم ومدير المبانى العالية وموظفىّ الذين أثق فيهم فلتعلموا ، أن كل أملى وأقصى مناى أن تعملوا على إتمام بناء ذلك المكان المبارك السامى رصينا متينا واسعا! بحيث يسر الروح النبوى ، ولن يتحقق هذا إلا باتباع ما جاء فى فرمانى هذا وألا تجيزوا أبدا تغيير هيئات الأساطين أو تبديل أماكنها لأن هيئتها وأشكالها القديمة مما يتشرف بها ، وأن يبذل كل ما فى طاقة الإنسان من إظهار الاحترام والتوقير لإسعاد روح النبى صلى الله عليه وسلم وأن تعملوا على إجراء التعميرات وفق القرار الذى ذكر عاليه ، وأن تحرص أن تتحرك وفق ما جاء فى اللائحة التنظيمية وأن تتجنب وتتقى العمل خلاف القرار مغيرا لأحكام اللائحة التنظيمية ، لأن المخالفة ستؤدى إلى عدم رضا الله وإلى عدم إسعاد روح النبى صلى الله عليه وسلم فضلا عن المسئولية والندامة فى الدنيا والآخرة وسيخالف رضاى السلطانى من جميع الوجوه ، وعدم إظهار أى نوع من التكاسل والتراخى فى هذا الخصوص من مقتضى إرادتى الملكية القاطعة فأعد نفسك وفق ما جاء فى هذا الأمر واعمل على إتمام تعميرات هذا المكان الجليل بكل ما فى طاقتك من جهد وبذل وسعى ، فليكن هذا فى علمكم ، واعتمدوا على علامتى الشريفة.

تحريرا فى أوائل ذى الحجة الشريفة سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف سنة (١٢٧٣).

للفرمان العالى الذى صدر إلى عريانى

زاده أحمد سعد بن محمد أفندى بخصوص

تعينيه لمأمورية الأبنية العالية

إلى الدستور المكرم ، المشير المفخم ، نظام العالم ، مدبر أمور الجمهور بالفكر الثاقب ، متمم مهام الأنام بالرأى الصائب ، ممهد بنيان الدولة والإقبال ، مشيد أركان السعادة والجلال المحفوف بصنوف عواطف الملك الأعلى ، والحائز على وسامى المجيدى السلطانى من الدرجة الأولى والحامل حاليا لقب شيخ الحرم النبوى وزيرى المحب مصطفى (١) باشا أدام الله تعالى إجلاله ، وإلى أولى ولاة الموحدين ، معدن الفضل واليقين ، رافع أعلام الشريعة والدين ، وارث علوم الأنبياء والدين ، المختص بعناية الملك المعين ، وهو قاضى المدينة المنورة حاليا ، مولانا أسعد ـ زيدت فضائله ـ والذى عهد إليه فى هذه المرة مهمة إدارة مبانى الحرم النبوى العالية ، فليكن فى علمكم عندما يصل فرمانى بتوقيعى السلطانى الرفيع ، قد مات عمر جمال موظف الأبنية العالية للحرم النبوى توأم الجنة ولزم تعيين من يناسب فى مكانه ، وأنتم ذلك الشخص المناسب بما اتصف به من العفة والاستقامة والحكمة وبعد النظر وقد رئى تعيينك لوظيفة مأمورية الأبنية المباركة.

وبناء على ثقتى فيك واعتمادى على أمانتك قد صدر أمرى أن تظل فى المدينة المنورة حتى تكمل تعمير وتجديد الأبنية العالية بعد أن تنتهى مدة مهمتك الأولى ، وعليك أن تعمل بموجب هذا الأمر وأن تكمل تعمير الأبنية العالية وتجديدها على هيئة تسعد روح النبى صلى الله عليه وسلم وهذا هو الغاية ألزم بها ذاتى السلطانى ، وفى هذا الخصوص أن ترسلوا سريعا بموجب الكتابات التى أرسلت لكم من وزارة المالية

__________________

(١) إن هذا الشخص يعرف ب «اسكودارى» وقد أبلى بلاء حسنا فى تجديد الأبنية الشريفة.

حساب النفقات التى صرفت سواء أكان من قبل الموظفين المستقلين أو القائم مقامهم أو كلاهما وما استلموه مما أرسلت لهم الدولة ، والاطلاع على هذه الحسابات المستقلة والدفاتر اللازمة الموضحة لتلك الحسابات ، وأن يعامل المستخدمون من العمال بطريقة حسنة وأن يعطوا رواتبهم فى وقتها ، وأن يعملوا بكل خضوع وخشوع وأن يلزموا جانب الأدب والتعظيم والتوقير ، وأن يؤدوا صلاتى الظهر والعصر مع الجماعة وألا يلجئوا إلى طرق ملتوية للتنصل من العمل ، وعليك ألا تهمل ما يجب إتمامه من الأعمال المهمة حتى لا يتعطل العمل ، وأن تبذل كل جهدك بما عرف عنك من إخلاص فى العمل والحرص عليه ، وأن تعنى بأداء مهام وظيفتك متفقا مع شيخ الحرم المشار إليه ، وأن تحقق ما تنتظره منك ذاتى الملكية من المآثر العظيمة والفطانة ، وأن تبذل أقصى طاقتك ، وعندما تجزم بمضمون أمرى الشريف وأنت ذلك الشيخ المحترم للحرم الشريف عليك أن تنفذ إرادتى السنية الملكية ضاما جهودك مع الآخرين موحدين طاقاتكم وقد صدر أمرى هذا فليكن ذلك فى علمكم ، اعتمدوا على علامتى الخاصة.

حرر فى اليوم الخامس عشر من شهر صفر الخير سنة ست وسبعين ومائتين وألف (١٢٧٦) ه.

نريد أن نعقد هنا مقارنة فكرية بين الملوك العثمانيين وأسلافهم من الملوك من حيث نيتهم وأعمالهم متخذين ما أدوه من خدمات للحرمين الشريفين دليلا لذلك ، وقد ثبت لدى نظر التاريخ أن أكثر من خدم الحرمين الشريفين هم : أمراء بنى أمية وخلفاء بغداد ، وملوك الشراكسة ، وإن كانت خدمات هؤلاء لا تقارن بالخدمات المشكورة التى أداها السلاطين العثمانيون محبو الخير والبر ، لو لم تكن خدمات هؤلاء تنطوى على أغراض نفسيه لكانت خدماتهم أيضا موضع الشكر والثناء ، ولكن لأشد الأسف ما أدوه من خدمات لم تساو شيئا لأنهم أخافوا أهل الحرمين وروعوهم ، وربما يكونوا قد خدموا الحرمين رئاء الناس ، وكان وليد بن عبد الملك أكثر بنى أمية خدمة لآثار الحرمين الجليلين ، ولما كان فكره غير صائب ونيته غير خالصة فإن كل ما أنفقه من النقود فى هذا السبيل كانت لتحقير

الأحفاد المصطفوية والأولاد المرتضوية وإجراء خبثه فيهم بما كان يضمره ، وبناء على ذلك هدم حجرات زوجات النبى صلى الله عليه وسلم وخربها ، وأخرج أولاد أحفاد السبطين من منازلهم مرتكبا فى حقهم من الإهانات التى لا تليق حتى بالأعداء وجعل سادات المدينة وأعيانها يتجرعون الدماء وحقر زاهدا عابدا مثل عمر بن عبد العزيز بأن عز له من وظيفته.

وكان منصور العباسى أعظم من خدم البلدتين المذكورتين ، وكان قد أمر بتهيئة مصلب فى البلد الآمن المنجى الذى قيل عنه «ومن دخله كان آمنا» لسفيان بن سعيد الثورى لمجرد إسماعه الحق ، وساق كثيرين من الذرية المحمدية من المدينة المنورة مقيدين مكبلين إلى بغداد وتجرأ على إعدامهم وإتلافهم فى صورة شنيعة ملعونة ، وسار خلفه على طريقته وهكذا أعلنوا وأشاعوا ما يضمرونه فى قلوبهم من عداوة قديمة لآل النبى صلى الله عليه وسلم ذوى الكمال.

قايتباى المصرى أعقل ملوك الشراكسة وأعلمهم ، فخدماته للحرمين أكثر من خدمات أسلافه وأخلافه ، وهذا أيضا قد أظهر دناءته ـ بناء على ما سيأتى ذكره فيما بعد ـ إذ غير موقع منبر النبى الأنور لتحقير فضلاء الحرمين متبعا رأى المتمرد شمس بن زمن وكأنه قام بعمل خير إذ بنى رباطا للفقراء باغتصاب ثلاثة أو خمسة أذرع من أرض شارع المسعى ، وعزل من يصدقون فى الكلام من وظائفهم وأتى مكانهم بمن يكذبون وينافقون ، ينقل لنا قطبى فى أثره تاريخ مكة هذه الحكاية ويرويها : «كان الملك الأشرف قايتباى المصرى قد اتخذ الشيخ شمس الدين محمد بن عمر بن زمن مصاحبا له قبل أن يرتقى عرش مصر ، وعندما تولى سلطنة مصر أرسل شمس بن زمن لتعمير المسجد الحرام وبناء بعض المؤسسات الخيرية باسمه إلى مكة المكرمة ، فاشترى شمس بن زمن مبانى الميضأة التى فى شارع المسعى وبين الميلين الأخضرين وهدمها حتى الأرض ، وكانت هذه الميضأة تنسب إلى الملك الأشرف شعبان بن الناصر حسن بن قلاوون وكانت أمام الباب العالى ، وكانت جهتها الشرقية متصلة بمنازل الأهالى ، والجهة الغربية بالمسعى الشريف والجهة الجنوبية متصلة بسوق الليل ، والجهة الشمالية بدار

العباس بن عبد المطلب ، وحفر شمس بن زمن أساس رباط يريد أن يقيمه لإسكان الغرباء مكان الميضأة إلا أنه دخل ثلاثة أذرع فى شارع المسعى رغبة فى توسيع البناء ، وأثار هذا العمل بين الأهالى القيل والقال ، فرجا قاضى مكة برهان الدين إبراهيم بن على ظهيرة الشافعى شمس بن زمن لترك الأرض التى اغتصبت من المسعى ، وبين له أنه لا يوجد مسوغ شرعى لإقامة مبان فى هذا المكان.

وبما أن شمس بن زمن رد هذا الطلب ، فتكون مجلس علمى للشورى بإغراء علماء المذاهب الأربعة واستدعوا شمس بن زمن وقالوا له أمام الفقهاء «أيها السيد الفاضل! كان عرض المسعى الشريف (٣٥) ذراعا ، وقد قسناه من حفرة أساس الرباط الذى أقمتموه فبقى (٢٧) ذراعا ، وأرادوا أن يثبتوا مدعاهم قائلين بأن مساحة المسعى الشريف فى تاريخ الفاكهى خمسة وثلاثون ذراعا ، إلا أن شمس بن زمن رد عليهم قائلا : فقولوا ما تقولون إننى لن أتنازل عن فكرى مستمعا إلى أقوالكم ، وإنكم غير قادرين على منعى من القيام بهذا العمل فأطال العلماء القول فى هذا الموضوع وانضم الأهالى أيضا إلى العلماء وخالفوا ابن زمن فأجبروه على ترك العمل وكتبوا محضرا فى هذا الخصوص ، وأودعوه لدى العلماء الذين حملوه إلى قايتباى فى مصر ، كما أن شمس بن زمن كتب رسالة خاصة وأرسلها إلى قايتباى (فالذى يعجبكم من فعل قايتباى؟!) فعزل قاضى مكة وعين مكانه أحد الذين أيدوا شمس بن زمن ، وأعاد العلماء الذين قدموا المحضر يائسين مكسورى الخواطر ، وجلب الشخص الذى عين فى تلك السنة أميرا للحج وأمره قائلا : «عندما تصل إلى مكة يجب عليك أن تحفر أساس الرباط وفق رأى شمس بن زمن ، وأن تشرف بنفسك على العمال وقد أوصل أمير الحج موكب الحج إلى مكة سنة ٨٧٥ ه‍ وبمجرد وصوله إلى مكة جمع العمال رأسا وجعلهم يحفرون أساس الرباط ليلا حتى الصباح ، وأنقذ أمر قايتباى ، انتبهوا لذلك! كيف انكشف قايتباى الذى أراد أن يصل إلى تنفيذ فكره الأنانى السيئ ضمن خدمته التى يريد أن يقوم بها لكعبة الله ، وإن كان شمس بن زمن على قدر

من العلم ويسعى لعمل الخيرات والحسنات إلا أنه بذل أقصى جهده لتحقيق علم لا يسوغه الشرع.

وإن كان قايتباى أعقل ملوك الشراكسة وأزهدهم إلا أنه قد أظهر فى هذا الموضوع تعصبا كبيرا ، وو قد أصر على التمسك برأيه وقد خدعه شمس بن زمن وساعده على اغتصاب ثلاثة أذرع من مكان المسعى ، وعزل قاضى مكة الذى أراد أن يمنعه عن ارتكاب الفعل المنكر ، وكأنه لم تكن غايته خدمة الحرمين ، بل كان غرضه إظهار سطوته وشوكته وإجلاله على صورة خدمة الحرمين.

وقد تحاشى السلاطين العثمانيون الأغراض النفسية وإبراز العداوة وفوق ذلك فإنهم وقفوا بجانب الأهالى ، كما تبين ذلك فى صورة الفرمان العالى المكتوب عاليه ، ولم يكن الأهالى بجانب الحق وكانوا يريدون أن يطيلوا عمليات تعمير المسجد الشريف والمبانى المقدسة وذلك بتعويقها بعض الوقت ليستفيدوا من ذلك ماديا وقد ثبت ذلك ، ومع هذا أمر السلطان عبد المجيد أن يتم العمل وفقا لآراء الأهالى وأفكارهم وفى سبيل ذلك عزل أصدقاءه مثل : محمد رائف باشا ، ومحمد راشد أفندى ونقل مكانهم الآخرين وعينهم وبهذا أظهر للأصدقاء والأعداء أن خدماته السلطانية لم تكن إلا لإسعاد الروح المحمدى العالية خالية من جميع الأغراض النفسية والمادية. رحمه الله رحمة واسعة انتهى.

الوجهة الثالثة عشر

وتحتوى على عشر صور

فى ذكر حجرات مسجد السعادة وبالوعاته

إخطار ـ يطلق فى البلاد العربية على الحجارة المصقولة الموضوعة فوق الحفر ضيقة الفوهة واسعة الجوف وخاصة لإجراء مياه الأمطار حتى لا تتراكم فى الميادين «بلاعة» وهى البالوعات التى نحن بصدد تعريفها ، سواء أكانت هذه الأحواض تملأ ماء أو كانت تملأ بتراب مخلوط بالملح والحفر التى ملئت بهذا الشكل ستبلع المياه المضبوطة مهما كانت كثيرة لأجل ذلك أطلق عليها «بالوعة» أو «بلاعة».

كان فى الأوائل لمسجد السعادة ٦٤ بالوعة وكان فوق كل واحدة منها حجر مستدير مستقر لرمى الطيور ، وقد قضت تقلبات الزمن على كل هذه البالوعات وأبقت واحدة فقط.

ثم دبر تسعة عشر سقاية بدل البالوعات الخربة ، وبما أنه قد فهم مؤخرا عدم جدوى تلك السقايات قد أزيلت بالاتفاق مع الأهالى من قبل القاضى شرف الدين الأسيوطى والأعيان مثل الشيخ ظهير الدين.

وبعد مدة أنشأ أحد أمراء الشام يسمى «شامة» فى وسط مسجد السعادة حوضا ذا فوارة وملأه بمياه عين الزرقاء وأحيا الجماعات الإسلامية إذ دبر له مياها للوضوء.

وقد أسئ استخدام الحوض الذى صنع من قبل «شامة» الشامى وأضاع حرمة حرم السعادة الخاصة ، وامتلأ فى فترة ما بالتراب والطين ولم يبق به مكان للوضوء.

وبنت أم الخليفة الناصر لدين الله خلف جدار مسجد السعادة الشامى سقاية كبيرة ودور خلاء متعددة وفتحت بابا من داخل السقاية وبابا للدخول فى المسجد الشريف منه.

ومع مرور الوقت كل هذه المبانى خربت ولم يبق ما يدل عليها ، لأجل ذلك بنى والد السلطان كثير المحامد الخليفة السلطان عبد المجيد خان فوق نطاق باب التوسل مدارس فوقية وخلف هذه المدارس كثيرا من الميضات ودور خلاء وهكذا سهل للناس حاجاتهم.

حجرات مسجد السعادة :

توجد فى داخل مسجد المدينة الشريفة غير الحجرة المعطرة اللطيفة ثمانى حجرات تطلق عليها خزانة وكل اثنتين منهما توجد ملاصقة كل مئذنة.

فالسادة المؤذنون يصعدون المآذن مارين من هذه الحجرات ويضعون فى بعضها حاجياتهم. إحدى هذه الحجرات فى الجهة الشمالية من المئذنة الغربية ، وكان يطلق على هذه المئذنة المئذنة الخشبية وكان خدمة المسجد الحرام يجمعون فى الحجرة التى تتصل بها بعض أشيائهم. وكان بعض الذوات يعتكفون فى داخلها ، وإحدى الحجرات المذكورة فى اتصال الحجرة التى بجانب المئذنة المذكورة ، وكانت إحداهما بين باب جبريل وباب النساء.

وحجرة أخرى بجانب تلك الحجرة التى بين البابين المذكورين ، والحجرة اللطيفة التى بجانب الحجرة التى بين باب النساء وباب جبريل فى الطرف الشمالى إلى المقصورة «صفة أصحاب الصفة» والتى خصت لإقامة الأغوات الذين يقومون بخدمة الحجرة المعطرة ، وتحفظ فى هذه الحجرة زيوت القناديل التى أخرجت من الحجرة المعطرة وبقايا الشموع ، وهناك حجيرة أخرى فى محاذاة باب بيت الصديق الصغير وفى اتصال الجدار الغربى.

وهذا الباب الصغير يعد الباب الثالث إذا ما عد من ناحية باب السلام من الأبواب التى فتحت على مسجد السعادة من أبواب البيت الذى ينسب لأبى بكر

الصديق والباب الذى بين باب النساء وباب جبريل خاص بوضع أشياء الخدم وكان فى اتصالها حجرة وكان الشخصان اللذان يحرسان مسجد السعادة يبيتان فى هذه الحجرة ، وكان بجانب هذه الحجرة صندوق يحفظ فيه كل ما يلزم من زيت زيتون لإيقاد القناديل كل ليلة.

وفى سنة ١٢٧٢ جدد الفريق أدهم باشا من موظفى أبنية مسجد السعادة حجرة النوبة وبنى فوق هذه الحجرة حجرة صغيرة ليوضع فيها الصندوق ولوازم المسجد الأخرى لتحفظ فيها.

وأغلق من أطرافها بقفص خشبى يصعد إلى هذه الحجرة من السلم الذى فى داخل حجرة الحراسة.

وتحفظ فى هذه الحجرة العلوية نهارا العصى الخاصة بتعليق شمعدانات حجرة السعادة وقناديلها والفوانيس التى يوقدها الخدمة بعد صلاة العشاء ليتفقدوا داخل المسجد الشريف ويعاينوه.

رواية

كان الخدم فى الأوائل يوقدون عدة مشاعل بعد أداء صلاة العشاء ويتجولون فى داخل مسجد السعادة ، ويخرجون الجماعات المتبقية ويغلقوا الأبواب ، وهذه سنة متبقية من عهد سيدنا عمر الفاروق ، ولكن فيما بعد تحقق مضرة إيقاد الشموع فبدلوها ووضعوا عادة إيقاد الفوانيس يقول أحمد بن يحيى البلاذرى «كان عمر الفاروق بعد أن يصلى صلاة العشاء كل ليلة ، يتجول فى أنحاء المسجد وكان يسوق الجماعات المتبقية أمامه ويخرجهم خارج المسجد ، ولكنه كان يترك من كان يؤدى الصلاة ، وفى ليلة من الليالى اتفق أن تلاقى مع جماعة كان بينهم أبى بن كعب.

وأجيب على سؤال الفاروق «من هؤلاء؟ «بالرد» بعض الأشخاص من الصحابة».

«وأجيب على سؤاله» : «ما أنتم فاعلون بعد ذلك؟ «؛» سنجلس ونذكر الله الذى لا ينام «فجلس عمر الفاروق وشغل معهم فى ذكر الله».

وفى ختام الذكر دعا باكيا حتى جعل أهل السماء يمرقون أيضا ، وفى ختام الدعاء أمر بأن يعود جميع الناس وأن تغلق أبواب المسجد ومن تلك الأوقات والتاريخ أصبح تفقد مسجد السعادة بإيقاد الشموع عادة وإغلاق الأبواب كذلك ولكن شبل الدولة كافور المظفرى الحريرى حينما أصبح شيخ الخدم ، رفع عادة التجول فى داخل المسجد بالمشاعل وأعد ستة فوانيس وأوقدها وأخرج من بقى من الموجودين وأغلق الأبواب وأوقد فى الليالى المباركة أربعة مشاعل فى الساحة الرملية للمسجد وأضاءه وأصبح هذا التصرف عادة بعد ذلك ، وكانت فى ذلك الموقف فى المسجد الشريف سلاسل معلقة وكانت القناديل تعلق عليها فى الليالى المباركة ـ ليالى الإحياء ـ وتوقد ، يقول ابن فرحون : «عندما أصبح شبل الدولة شيخ الخدم كان من عادة الخدم أن يتجولوا فى أنحاء المسجد وعندما يصلون إلى باب النساء يطفئون المشاعل التى فى أيديهم ويتركونها خارج الباب ، ولكن داخل جدران المسجد وخارجها يسود من الدخان الصادر من المشاعل فوضع الشيخ شبل الدولة عادة إيقاد الفوانيس وأبطل عادة إشعال المشاعل وكانت الجماعات تخرج إلى خارج المسجد كل ليلة بإيقاد الفوانيس وما زالت هذه العادة باقية وتجرى على غاية من النظام».

موقف الأئمة :

كانت صلواتهم الأوقات الخمسة إلى سنة ٨٦٥ ه‍ فى محراب النبى اقتداء بالإمام من المذهب الشافعى ، وكان أئمة مواسم الحج ينقلون إلى المحراب العثمانى ، وزاد أفراد جماعة المذهب الحنفى قليلا واقترب من عدد جماعات المذاهب الأخرى فرجا جماعات للمذهب الحنفى وجود إمام للمذهب الحنفى وأسعف رجاء الحنفية بالقبول وعين عليهم إمام يؤمهم فى صلواتهم فى سنة ٨٦٠ ه‍.

وكان أفراد المذاهب الثلاثة الأخرى من المدينة المنورة ومن أصحاب النفوذ

والمكانة فيها ، لذا لما كان يؤم إمام الحنفية جماعته فى محراب النبى يصلى بهم خلف أحد الأعمدة صلوات الأوقات الخمسة المفروضة.

وقد سر الحنفيون من تعيين إمام لهم لأداء صلواتهم فى جماعة وكذلك فى تعيين محراب له ، وعد الحنفيون هذه الحالة نجاحا عظيما وكتب كل واحد منهم لمجموعتهم كما كتب بعضهم على لوحات علقوها على جدران منازلهم عبارة «وقد وضع هذا العام محراب للحنفيين» وذكروا مؤسس المحراب رئيس الخدم الشيخ طوغان ـ عليه رحمة المنان ـ بكل خير.

كان المرحوم الشيخ طوغان بذل جهودا كبيرة فى عهد الملك الأشرف إينال راجيا أن يقام محراب للحنفية ، ولكنه لم يوفق ويرجع عدم نجاحه فى مهمته إلى وقوف أحد الحقراء من الأمراء المصريين يسمى جمال الدين يوسف فى صف المتغلبة من أهل المدينة.

وقد مات هذا الحقير فى سنة ٨٦٠ فنال الشيخ طوغان مطلبه وأراد للحنفيين محرابا فى مسجد السعادة ولكن لشدة الأسف تغير المحراب لم يكون محرابا عاديا فى داخل المسجد بل كان مكانا خلف أحد الأعمدة كما سبق ذكره ، لأن الحكومة المصرية كانت قد استصدرت تعيين إمام واحد للحنفية وأن يؤم جماعته خلف أحد الأعمدة.

ومع هذا قد نجح الشيخ طوغان فى أن يؤم الإمام الحنفى جماعته بعد أن يؤدى الإمام الشافعى صلاته خلف محراب النبى صلى الله عليه وسلم ، خلف العمود المعين له وأن يصلى الإمامان معا فى وقت واحد أيام شهر رمضان.

وكان سبب عمل الشيخ طوغان على تعيين إمام خاص للحنفية غلبة طائفة الزنادقة الذين استولوا على أراضى المدينة المنورة وعلى أهل السنة.

ولما كان أئمة الطائفة المذكورة اعتادت أداء الصلوات فى محراب النبى كان أفراد المذهب الحنفى يصلون هنا وهناك منفردين ويحرمون من فضيلة أداء الصلاة فى جماعة ويأسفون لذلك أشد الأسف.

وازدادت جماعات المذهب الحنفى فى عهد السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان يوما بعد يوم. وصدر الفرمان السلطانى بإقامة محراب خاص لهم.

فأرسل من باب صاحب القرار النجارون والمهذبون وما يقتضى بناء المحراب من الأدوات والأحجار فأقيم محراب فخم على يمين منبر السعادة من قطع رخام ملونة خاص بالجماعة الحنفية.

فى جمادى الأولى فى سنة ٨٥١ ه‍ قرر أن يؤدى أئمة المذهب الحنفى صلواتهم فى هذا المحراب ، وظل الإمام الحنفى يؤدى الصلوات فى هذا المحراب قرابة سنتين.

إلا أن الأمر السلطانى قد صدر بأن يصلى فى محراب النبى الإمام الشافعى وفى اليوم الآخر الإمام الحنفى ، وأخذ أئمة المذهب الحنفى والشافعى يؤدون الصلاة مناوبة فى المحراب النبوى ما يقرب من ٢٦٩ سنة ، ولما ذهب والى مصر محمد على باشا إلى المدينة المنورة فى سنة ١٢٢٩ بقصد زيارة الحجرة المعطرة ووضع نظام أن يؤدى كل من أئمة المذهبين كل يوم الصلاة فى المحراب النبوى ، وما زال هذا النظام جاريا ، فيصلى الإمام الشافعى صلوات الصباح قبل الإمام الحنفى ويصلى الإمام الحنفى صلوات الأوقات الأخرى قبل الإمام الشافعى ، ولكن فى أيام مواسم الحج يصلى الإمام الحنفى فى المحراب العثمانى ويصلى الإمام الشافعى فى المحراب النبوى بعدما يتم الإمام الحنفى صلاته.

وهذا النظام بمواسم الحج ، ويصلى الإمامان صلوات التراويح فى وقت واحد.

صورة ظهور المذهب الحنفى وزمان ظهوره :

بعد أن نقل ابن فرحون فى هذا الخصوص أقوالا كثيرة ، قال : «كان سكان المدينة المنورة إلى عصر شمس الدين العجمى يعتنقون مذهبى مالك والشافعى.

وعندما هاجر شمس الدين أفندى إلى المدينة شجع بعض علماء المذهب الشافعى على الاشتغال بمسائل المذهب الحنفى ، وكان هؤلاء العلماء قد دققوا النتائج الأساسية لذلك المذهب ، وأخذ علماء المذهب المذكور يتكاثرون إذ أخذوا يتفقهون وأصبحوا أئمة زمانهم من هنا أخذ الأهالى يستفيدون من علومهم ويستفتونهم ومن ذلك الوقت أخذ المذهب الحنفى ينتشر فى المدينة المنورة سنة ٧٢٣ ه‍.

إن المحراب السليمانى يقع ـ بناء على تعريف مؤلف «الجواهر الثمينة» من مؤرخى المدينة المنورة ـ فى الجهة اليمنى من محراب النبى وعلى يسار منبر السعادة وبجانب العمود الثالث ابتداء من المنبر الشريف ، وفى نهاية الطرف الغربى لما أضافه عمر بن الخطاب ، قد بنى ذلك المحراب كما ذكر آنفا السلطان سليمان بن السلطان سليم فى سنة ٩٥٨ ه‍ وخصه بأئمة المذهب الحنفى والمالكى ، وعرف بالمحراب السليمانى».

وكان أئمة الحنفية لا يؤمون الناس إلى سنة ٨٥٨ ه‍ فى مسجد السعادة وكانت مهمة القضاء والإفتاء منحصرتين فى علماء المذهب المالكى.

وفى عام ٨٦٥ بناء على طلبات ملوك مصر المؤثرة وضع نظام أن يصلى أئمة الشافعية صلاة الصبح قبل المالكية وأن يصلى أئمة المالكية مع جماعتهم الكبرى الصلوات الأخرى قبل الشافعية.

وبعد إقامة المحراب السليمانى أصبحت الجماعة الكبرى ، الصلوات التى تؤدى خلف أئمة المذهب الحنفى كما سبق تفصيله ، وأخذ أئمة المذهب الشافعى يؤدون الصلاة بعد الحنفية ، وبعدهم أئمة المذهب المالكى ، إلا صلوات الصبح كان يؤديها أولا أئمة المذهب الشافعى وبعدهم المالكية وبعدهم الحنفية ، وهذا النظام هو السارى الآن. وقد كتب فوق طاق ذلك المحراب بخط عريض آية

(كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) (آل عمران : ٣٧).

الجليلة وقد رتبت هذه الآية الكريمة محصورة مستديرة مذهبة ، وكتب ابتداء وسط الجهة اليمنى لهذا المحراب ثم خارجا منه إلى الطاق ملتفا من حوله إلى وسط الجهة اليسرى «بسم الله الرحمن الرحيم».

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة : ١٤٤).

صدق الله العظيم. والآية :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦).

وكذلك كتب من الجهة الداخلية اليمنى للمحراب إلى النقطة التى تنتهى فيها الجهة الداخلية اليسرى.

(التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة : ١١٢).

وكتبت هذه الآيات بخط جلى قديم.

ولهذا المحراب المعلى باب شبكى ينفتح إلى اليمين واليسار ، وقد كتبت على المصراع الذى فى الجهة اليمنى الجملة المباركة «محمد رسول الله ، صادق الوعد الأمين» وفوقه اسم محمد «الطاهر بالخط الجلى المذهب ، ولكن الخطوط المذكورة فى الجهة الشامية من مصراعى الباب المذكور أى فى مؤخر حرم السعادة.

وإذا جئنا إلى الجهة الجنوبية من هذا الباب أى إلى الجهة القبلية منه قد كتبت

على الباب الأيمن من المحراب الأحاديث الشريفة «قال النبى عليه الصلاة والسلام ، شفاعتى يوم القيامة : حق ، فمن لم يؤمن بها لم يكن من أهلها «وكذلك كتب فوق مصراع الباب الذى فى الجهة اليسرى الحديث الشريف» قال النبى صلى الله عليه وسلم : «شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى» بخط جلى نفيس وكتبت عبارة : «أنشأ هذا المحراب المبارك ، الملك المظفر السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد خان أعز الله نصره بمحمد وآله وسلم ، تاريخه شهر جمادى الأولى سنة ثمان وخمسين وتسعمائة من هجرة النبى صلى الله عليه وسلم.

على ظهر الجدار الذى يواجه الجهة القبلية من المحراب السليمانى.

فى ذكر الوقت الذى فرش فيه مسجد السعادة برمل

وكيفية فرشه ومنذ متى حدث تعليق القناديل فيه

حدث فى ليلة من الليالى التى أمطرت فيها السماء مطرا غزيرا أن سالت المياه المتراكمة ودخلت فى مسجد السعادة ، وجاء صحابى يريد أن يؤدى صلاة الصبح فلم يجد فى داخل المسجد مكانا جافا لأداء الصلاة فأتى من خارج المسجد بمقدار من الرمل وفرشه وجلس عليه منتظرا قدوم الناس ، وصلى بالناس بعد الإقامة مقتديا بالنبى صلى الله عليه وسلم وبعد أن أنهى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة بالسلام التفت إلى الصحابى الذى صلى فوق الرمل وقال «ما أحسن الصلاة على الرمل» والذين رأوا استحسان النبى صلى الله عليه وسلم هذا بالفعل احضروا مقدارا من الرمل ونشروه وفرشوه فى داخل المسجد ، واتخذ بعض المؤرخين الحكاية التى وردت فى سنن أبى داود حجة وقالوا «إن فرش المسجد الشريف بالرمال عادة أثرت من عصر السعادة».

وقال بعضهم مدعين أن مسجد السعادة قد حصب فى عهد ابن الخطاب ، عندما شرع عمر بن الخطاب فى توسيع المسجد فكر فى شىء يفرشه فى سطح وسط المسجد الداخلى حتى تعم فائدته ، وعرض بعض الصحابة فرشه بالحصير ورأوه مناسبا ، إلا أن حضرة الفاروق رد قائلا : «لا لا كنت سمعت عن النبى صلى الله عليه وسلم أن وادى العقيق واد مبارك ، والمستحسن إذا فرشناه برمل ذلك الوادى» فأحضر قدرا كافيا من الرمل من ذلك الوادى وحصب ساحة الحرم الشريف.

وأصبح تحصيب مسجد السعادة عادة ، وكلما اقتضت الحاجة كانوا يفرشون ساحة مسجد السعادة بالرمل ، ولكن بما أن وادى العقيق خال من الرمل الأحمر كانوا يحضرون من مسيل الوادى.

وبعد أن يغربلوه يفرشونه.

فى الطرف الغربى من ساحة المسجد الرملية صفان من القباب وفى طرفه الشرقى ثلاثة صفوف من القباب ، وقد خصص تحت القباب الواقعة فى الجهة الغربية لصلاة النساء ، والجهة الملاصقة للساحة الرملية شبكة بقفص أخضر اللون وبهذه العلامة بينوا أن هذا المكان خاص لأداء الصلاة للنساء ، كما سبق تعريفه فى محله.

ابتداء تعليق قناديل مسجد السعادة :

قال بعض المؤرخين لم تعلق فى عصر السعادة قناديل أو ثريات فى مسجد السعادة ، وتصور عمر بن الخطاب فى زمن خلافته أداء صلاة التراويح خلف إمام واحد ولما كان هذا يتوقف على إنارة المسجد دبر عدة قناديل وعلقها إلا أن الإمام القرطبى يضعف هذه الرواية فى تفسيره المشهور قائلا : «كانت فى عصر السعادة قناديل معلقة فى المسجد الشريف ، كان تميم الدارى قد أحضر هذه القناديل من بلاد الشام وعلقها» هذا ما كتبه محققا هذا الأمر.

رواية الإمام القرطبى هذه لا تقبل الكذب ، لأن حضرة تميم حينما ذهب إلى الشام اشترى كثيرا من القناديل ولا بأس أن يكون قد اشترى معها قدرا من زيت الزيتون ، كما كان اشترى بعض الحبال لتعليق هذه القناديل وعاد.

وعندما وصل إلى المدينة المنورة بعث مع خادمه «أبو البراء» القناديل التى اشتراها ، ثم ذهب بنفسه وعلق تلك القناديل فى أماكن مناسبة وأوقدها قبل صلاة العشاء ونال ثناء النبى صلى الله عليه وسلم الذى قال له قد أنرت الجمعية الإسلامية» ، وبناء على قول ضعيف أن أول من أضاء داخل المسجد بتعليق القناديل هو حضرة معاوية.

وهذا القول مهما كان ضعيفا فإنه ليس كذبا ولكنه خطأ ، لأن أول من أنار المسجد الشريف تميم الدارى ولا شك فى ذلك ، والاختلاف بين المؤرخين ليس فيمن جاء بالقناديل إلى الحرم الشريف ولكن الاختلاف فيمن علقها ، وأقوى

الأقوال أن تميم الدارى هو الذى أتى بالقناديل وعلقها فى جهة من جهات المسجد كما أن حضرة معاوية قد أتى ببعض القناديل وعلقها فى أماكن مناسبة.

كما وضع معاوية نظام إعطاء بعض زيت الزيتون لإيقاده فى قناديل مسجد السعادة على أن يسوى حسابه فيما بعد من بيت المال وتطيب الكعبة المعظمة بالمجامر والخلوق وإنزال الستائر التى بقيت من العهد الجاهلى على الكعبة المعظمة معاوية هو الذى أمر بذلك.

وذهب بعض المؤرخين إلى أن من أنزل الكسوة الجاهلية من فوق الكعبة هو على بن منبه عامل عثمان بن عفان فى اليمن وعلى هذا التقدير يكون عثمان بن عفان هو الذى أنزل الكسوة الجاهلية من على الكعبة ، كما أن حضرة عثمان بن عفان أول من كسا منبر النبى المنير.

فى ذكر الذين عطروا المسجد الشريف

بأشياء ذات رائحة طيبة

كان النبى صلى الله عليه وسلم يخطب يوما ، فأمر بتنظيف بعض الأماكن التى أمام جدار القبلة سريعا ، بعد أن نظف الناس ذلك المكان مسحوه جيدا ووضعوا عليه بعض الزعفران.

ولما جلس عثمان بن عفان على كرسى الخلافة عطر جميع أنحاء مسجد السعادة وحتى يدوم هذا النظام عين بعض المؤذنين للقيام بهذا العمل.

وعطر عمر بن عبد العزيز فى تاريخ جلوسه الجدار القبلى فقط كما أن هارون الرشيد أمر بتعطير الحجرة الشريفة وجهات مسجد السعادة الأربعة فى سنة ١٧٥ الهجرية.

إيقاد البخور فى مسجد السعادة :

لم يكن إيقاد البخور من الأصول المرعية فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحين خلافة الصديق الأكبر ـ رضى الله عنه ـ ثم أصبح ذلك عادة فى عهد عمر الفاروق ـ رضى الله عنه ـ وسبب ذلك إيقاد بعض العود الذى أهدى له فى داخل المسجد ، والعود الذى أهدى لم يكن قابلا للانقسام.

عندما وردت هذه الهدية خاطب الخليفة من بجانبه من الصحابة : «لو قسمنا شجرة العود هذه فيما بيننا فبسبب قلتها سيأخذ بعض منكم ويسعد ويحرم الآخرون فيحزن ؛ وحتى لا يحدث هذا فمن الأفضل أن يوقد فى داخل المسجد فيسعد من فى المسجد الشريف ومن بخارجه» ؛ فأعطى العود إلى رئيس المؤذنين ليوقده فى داخل المسجد.

فأخذ رئيس المؤذنين العود بناء على الأمر الصادر إلى مسجد السعادة فوضعه فى مجمرة وأوقده مع وجود جماعة المسلمين فى المسجد ، ومنذ ذلك الوقت أصبح إيقاد خشب العود فى داخل المسجد عادة بين الصحابة ، حتى إن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ عندما عاد من الشام أحضر معه مجمرة فضية وأعطاها لسعد ـ رضى الله عنه ـ الذى كان فى ذلك الوقت رئيس مؤذنى مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ، وأصدر أمره بأن يبخر المسجد فى ليالى الجمع والليالى المباركة ولا سيما فى أيام الجمع.

وجناب سعد ـ فخر المؤذنين ـ كان يوقد المجمرة طول حياة الخليفة عمرو ، يتركها أمامه.

وقد راعى عبد الله بن عمر ـ رضى الله عنه ـ هذه العادة الطيبة وأصبح يوقد فى أيام الجمع والليالى المباركة العود والبخور ولم يترك هذه العادة إلى وفاته.

إيقاد خشب العود والبخور من الأصول المرعية لدى الجماعات الإسلامية ، وتجرى هذه العادة سواء أكانت فى الحرمين الشريفين ومساجد الممالك الأخرى ، ولم يترك إيقاد العود والبخور عند قراءة المولد الشريف وعندما يختم القرآن مع جماعات فى المساجد.

ولما كان إرسال البخور والعنبر والعطور الأخرى من العادات الطيبة التى يعتز بها المسلمون أوردنا فى الصورة الرابعة من الوجهة الثالثة لمرآة الحرمين كميات العود والعنبر والبخور التى ترسل لتوقد فى ليالى الإحياء وأيام الجمع فى منبر النبى المنير ومحرابه العالى ، وبجانب باب كعبة الله ومقام إبراهيم والآثار المسعودة الأخرى.

يطلق أهل المدينة على تعطير الحجرة السعيدة وتبخيرها أصول التعطير ، ولما كان أصول التعطير وصورته إجراء خاص بأيام الجمع ؛ فإن الموظفين يأخذون الحصص المقررة لكل يوم جمعة من دهن الورد ومائه بعد أداء صلاة المغرب

ويدخلون ومعهم بخور العود والعنبر فى حجرة السعادة فيبخرونها وستارة قبر السعادة ثم يخرجون.

وإن كانت أصول التعطير عبارة عن هذا ، فإن أصول التبخير أيضا لكل ليلة ويوم جمعة فالموظفون يضعون كل ليلة قبل صلاة العشاء على طرفى محراب النبى مجمرة من العود كما يضعون كل يوم جمعة قبل الصلاة على طرفى المحراب مجمرة من «الند» وتظل المجمرتان موقدتين إلى أن يتم أداء الصلاة.

الند :

يخرج الند عند إشعاله رائحة قريبة من رائحة العنبر وهو طيب يستحسنه أهل الحجاز ويقدرونه ، وبما أنه نادر ولا يمكن إعداده نقيا يصنع فى زماننا بمادة عادية ، يطلقون على أعواد البخور الطويلة «ند» يستعملونها بدلا منه.

جدول مساحة حرم السعادة

الأصبع

الذراع

١٢

١٤٧

من باب المئذنة الرئيسية إلى الجدار الشرقى لمئذنة باب السلام

١٢

١٥٩

من الجدار الشرقى لباب جبريل إلى عتبة السلام «عرض»

٠٠

٢٣٠

من الجدار القبلى حيث المحراب العثمانى إلى الجدار الشامى منتهى ، مسجد السعادة «طولى»

٠٠

١٦

من جدار المحراب العثمانى إلى شبكة حجرة السعادة.

٠٠

١٤

من الجدار الشرقى إلى شبكة سبيكة النور لقدم السعادة.

١٢

٦٦

من المئذنة الرئيسية إلى عتبة الخزانة (١) المتصلة بدكة الأغوات.

__________________

(١) يقال للخزانة المتصلة بدكة الأغوات (خلوة) لفتح باب هذه الخلوة ناحية القبلة وهى خاصة بالأغوات ليضعوا فيها بعض لوازمهم. وتوضع فى هذه الخلوة زوارق الماء وأشياء خفيفة أخرى ويجتمع أمام باب هذه الخلوة قبل المغرب بنصف ساعة شيخ الحرم النبوى ومدير الأغوات والفراشون ويدعون أمام شيخ الفراشين ، وبعد ذلك يأخذ شيخ الحرم الشمعدان الذى يوضع على رأس السعادة كما يأخذ نائبه الشمعدان الذى يوضع على قدم السعادة كما يأخذ الفراشون الشمعدانات التى توضع فى الجهات الأخرى للحجرة اللطيفة ويوقدونها فى أدب كامل وتعظيم ويضعونها فى أماكنها ثم يعودون.

الأصبع

الذراع

٦

٨

من باب الجنائز إلى مرقد فاطمة رضى الله عنها

(هذا المكان أوسع قليلا).

٠

٢

طول المصطبة

١٨

٢

عرض المصطبة وكذلك طول الطريق الممتد من داخل باب الهجر والمنتهى إلى باب الجنائز.

يطلق اسم المصطبة على مكان الجلوس والمصطبة هنا غرفة اللوازم المتصلة بالخلوة سابقة الذكر وهى خاصة لإقامة شيخ الحرم فى المساء إلى أن توقد القناديل فى هذه الحجرة.

١٨

١٥

عرض الطريق المذكور

هذا المكان جهة الجدار الشامى للمرقد المنير الذى ينسب إلى فاطمة الزهراء.

١٢

٦

عرض الطريق الذى يمر من دكة الأغوات إلى باب الجنائز.

٠٠

٤

أعلى من الأرض مقدار ذراع ومفروش بأحجار رخامية مزين ومنقودش.

٠٠

١٥

طول دكة الأغوات

هذه الدكة هى صفة أصحاب الصفة وقد أحيط أطرافها بسور خشبى وتعلو عن الأرض ما يقرب من ذراعين.

٠٠

١١

عرض الدكة المذكورة

١٢

٢

عرض دكة البطالين

هذه الدكة فى مقابل صفة أصحاب الصفة وخاصة بإقامة الأغوات. الذين يطلق عليهم بطال.

٦

١٢

٩

مؤخرة حرم السعادة من الجدار الشرقى إلى الجدار الغربى.

١٢

١٢

من المنبر النبوى إلى المحراب الشريف.

عرض حرم السعادة

٠٠

٣٨

من منبر السعادة إلى الحجرة المعطرة يعنى داخل الروضة المطهرة.

جزء من روضة السعادة داخل فى شبكة حجرة السعادة.

٠٠

١١

٧

عرض حرم السعادة من باب الوفود إلى الجدار الغربى.

١٢

١٤

٣

عرضه من باب الرحمة إلى باب النساء.

٠٠

٢١

من السقف الشريف الواقع فى جهة باب النساء إلى آخر عرض الحرم (١) الشريف.

٠٠

٣٤

عرضه إلى آخر حرم السعادة.

٠٠

٣٥

عرض سقف مؤخر حرم السعادة.

١

١٠

طول ساحة حرم السعادة الرملية.

٠٠

٤٩

عرض ساحة حرم السعادة الرملية.

١٢

٧٩

عرض ما تحت القباب من باب الجنائز إلى الساحة الرملية.

١٢

٤٥

طول شبكة السعادة إلى نهاية شبكة فاطمة الزهراء.

٠٠

٢٦

عرض الشبكة الشامية.

٠٠

٤٠

الجهة الغربية للشبكة.

٠٠

٣٠

جهة المواجهة الشريفة للشبكة.

٠٠

٣

ارتفاع جدار حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

٠٠

٢٣

طول حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

٠٠

١٦

عرض حديقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

كانت الساحة الرملية التى فى حرم السعادة أوسع قليلا سواء كانت طولا أو عرضا ، وعندما زين السلطان محمود خان العدلى الموقع الذى يسمى الآن المنطقة الرخامية زاد مقدار الأحجار الرخامية عن الحاجة ففرش موظفو الحكومة جهات الساحة الأربعة بتلك الحجارة الزائد فضاقت الساحة الرملية. أى فرشوا بالرخام فى الجهة القبلية من الساحة الرملية مقدار ١٦ ذراعا وخمسة أذرع من الجهة الغربية منها وستة أصابع ، ومن الجهة الشامية منها أربعة أذرع وستة أصابع ، إذ

__________________

(١) فى الجهة الرملية عمود وهذا العمود إشارة إلى المحل الذى وصل إليه توسيع مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المرة الثانية ومن هذه الإشارة إلى المحراب السليمانى ٨٦ ذراعا وإلى المحراب العثمانى ١٥٤ ذراع و ٦ أصابع.

فرشوا من الجهة القبلية طولا من باب الرحمة إلى باب النساء وفرشوا غربا من الجهة القبلية إلى آخر العمود وبين الأعمدة الشرقية والغربية لجهة الشام كما فرشوا فى الجهة الشرقية إلى آخر حرم السعادة بالأحجار الرخامية المجلاة.

كانت فى حديقة الرسول سبع عشرة من أشجار النخيل كبيرة وصغيرة وأشجار التمر الهندى ولكن كان ماء هذا البئر فى غاية المرارة قديما ، إلا أنه اكتسب عذوبة من قبيل المعجزة وكانت كافية لإدارة أمر أهل المدينة ، ولما كانت هذه العذوبة والحلاوة ما زالت مستمرة يعد أهل المدينة هذه المياه فى قيمة ماء زمزم.

الوجهة الرابعة عشرة

تتألف من أربع صور وفيها :

ذكر للأبواب العتيقة والجديدة للمسجد الشريف

والمنازل القديمة وأفاريزها ومنازل الصحابة الواقعة

على جانبى هذه الأفاريز وحال وشأن المكان

الذى اتخذ سوقا فى عصر النبوة

فى تعريف أبواب مسجد السعادة العتيقة والجديدة

كان للمسجد النبوى قديما عشرون بابا قديما ، ثمانية منها فى الجهة الغربية وثمانية منها فى الجهة الشرقية ، وأربعة منها فى جهة الشام ، وكانت أربعة أبواب أخرى لدخول خواص الناس وخروجهم وهى فى الجهة القبلية ، وقيل إن مروان بن الحكم هو الذى أمر بفتح تلك الأبواب ، وبقيت الأبواب سالفة الذكر الأربع والعشرين بناء على القول الأخير إلى عهد الخليفة محمد المهدى بالله بن أبى جعفر المنصور.

ولكن عشرين من تلك الأبواب أغلقت فى عهد الخليفة المذكور وأبقيت الأربعة مفتوحة ، وفى عهد السلطان عبد المجيد خان فتح باب جديد وأصبح للمسجد خمسة أبواب :

١ ـ الباب العثمانى :

هذا الباب أقرب الأبواب إلى الحجرة النبوية المعطرة وقد جدده السلطان عبد المجيد خان.

وكان باب الرحمة تجاه دار عثمان بن عفان ولذلك عرف باسم (باب عثمان) وكان يسمى كذلك باب النبى لأنه صلى الله عليه وسلم كان يمر منه وهو فى طريقه إلى مقبرة بقيع الغرقد ، ويسمى هذا الباب الآن (باب جبريل) ووجه هذه التسمية أن جبريل عليه السلام كان ينتظر النبى عنده ، ففى غزوة بنى قريظة كان جبريل على فرسه لابسا الدرع يرقب النبى صلى الله عليه وسلم عند هذا الباب.

وإن كانت مبانى باب جبريل من جملة ما رممه وعمره السلطان قايتباى المصرى

إلا أنّ السلطان عبد المجيد قد رممه فى عام ١٢٠١ ه‍ على هيئة غاية فى المتانة وفرش جوانبه الأربعة بالرخام وقد أزيلت عنه الأتربة على أنه ملاذ للملائكة وزينت كل جهة فيه بالخطوط الجميلة المتنوعة.

وبما أن الخطوط التى كتبت على أطراف ذلك الباب فى غاية النفاسة ورتبت على شكل جميل كان الباب العثمانى أكثر الأبواب جمالا وزينة من حيث الخطوط ، وكتب الشخص الذى نظم تلك الخطوط المبسوطة فوق طاق الباب بعد البسملة.

(وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء : ١٩٤)

وكتب مبتدئا من الجهة اليمنى من ذلك الطاق إلى نهاية الجهة اليسرى مع البسملة (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (البقرة : ٩٧).

والآية :

(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : ١٠٢).

وكتب فى ذيل هذا السطر بخط جلى بعد البسملة الآية الكريمة

(جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (ص : ٥٠).

وبيت :

وحط فى بابنا ما شئت من ثقل

وكل شىء يرى صعبا يهون بنا

وفى نهاية الآية :

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) (سورة الزمر / آية ٧٣)

وفوق الجدار الأيسر للباب كتب تاريخ : «أمر بعمارة هذا الحرم الشريف النبوى حضرة مولانا السلطان عبد الحميد خان بنظر المعتمد الحاج محمد سلاحشورى سنة (١٢٠١)».

والباب العثمانى الشريف أو الأبواب التى تقع فى الجهة الشرقية من حرم السعادة من الناحية القبلية وقد هدمت فى التعميرات الأخيرة فى عهد سلطنة عبد المجيد خان كليا وغير بعض رسومه القديمة ونقشت من جديد.

وقد كتب الآن فوق طاق الباب الخارجى بخط جلى الآية الجليلة قال الله العليم الخبير فى كتابه العزيز.

: (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (التحريم : ٤).

«صدق الله خالقنا رب العالمين».

وفوق طاقه الداخلى البيت البليغ فى سطرين بخط جلى :

وحط فى بابنا ما شئت من ثقل

فكل شىء يرى صعبا يهون بنا

وكتبت فوق مصراعيه الأيمن والأيسر بخط جلى الآية الكريمة (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) (ص : ٥٠).

وكتبت فى ذيل هذه الآية الكريمة عبارة : «عمره السلطان عبد المجيد».

وعلى حلقاته اليمنى واليسرى كتبت الجملة المنجية «لا إله إلا الله ، محمد رسول الله» مذهبة.

وبالخروج من باب جبريل وعلى مسافة قدرها ثلاثة أذرع وشبر وفى اتجاه البقيع حجر كبير يعلو عن الأرض شبرا ويقال إن هذا الحجر قد وضع علامة على المكان الذى وقف فيه جبريل ـ عليه السلام ـ فى عصر النبوة ولكن بناء على

القول الصحيح للزم أن يكون الحجر الموضوع فى الجهة اليمنى فى داخل المسجد هو ذلك الحجر الذى وضع عليه علامة الموقع الذى وقف فيه جبريل.

حتى إن إطلاق اسم «نافذة جبريل» على النافذة الثانية التى تقع فى الجهة القبلية من ذلك الباب يومئ إلى هذه الحلقة ، وقد كتبت فوق النافذة المسماة بنافذة جبريل الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم.

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦)

وذهبت على شكل جميل ، وهناك فى الجهة القبلية من باب جبريل أى فوق جدار القدم النبوية أسس فى عهد السلطان عبد المجيد خمس نوافذ مستديرة من أعلى قد كتبت فى وسط عقودها الداخلية والخارجية فى شكل مستدير أسماء جماعات الملائكة ، وقد كتب على النافذة الأولى (جبريل عليه السلام) وعلى النافذة الثانية (ميكائيل عليه السلام) وعلى النافذة الثالثة (إسرافيل عليه السلام) وعلى النافذة الخامسة (رضوان عليه السلام) ، كتبت مذهبة.

وأمام هذا الباب الرباط الذى أقامه جمال الدين بن أبى المنصور الأصفهانى من وزراء الدولة الزنكية ، ولقد وقف جمال الدين هذا الرباط لإيواء فقراء العجم (١) وحفر فى داخله قبرا لنفسه.

إن الرباط الذى أقامه جمال الدين الأصفهانى يتألف من ثلاثين حجرة فى أعلاه وأسفله ، وبين جداره الخارجى وشبكة الحجرة المعطرة مسافة قدرها ثلاثة وأربعون ذراعا.

رواية

جمال الدين المذكور هذا ابن أخى أسد الدين شير كوه عم صلاح الدين بن أيوب ، وقال أسد الدين شير كوه هذا ذات يوم لابن أخيه ، أى واحد منا يتوفى

__________________

(١) سبب إطلاق اسم رباط على ذلك الرباط ما ذكر.

قبل الآخر يدفنه من بقى على قيد الحياة فى المدينة المنورة» وقبل جمال الدين ما أوصى به عمه إلا أن الأجل المحتوم وافاه بعد مدة (١) فقام عمه أسد الدين بإرسال نعش ابن أخيه إلى المدينة حسب الاتفاق وأنفق نقودا كثيرة وأحال الأمر إلى الشيخ أبى القاسم الصوفى ليقوم بما يقتضيه الأمر ، وقد أخذ المشار إليه الشيخ أبو القاسم النعش أولا إلى مكة المكرمة وطاف بنعشه حول الكعبة ثم صلى عليه ثم أوصله إلى المدينة المنورة ودفنه فى القبر الذى أمر بحفره.

غريبة

عندما وصل الشيخ أبو القاسم الصوفى مستصحبا نعش المتوفى المذكور إلى حدود كعبة الله عاملا برأى أسد الدين شير كوه أعلن إلى الناس بأنه سيصلى عليه وطلب منهم أن يستعدو لذلك ، وفى الوقت الذى يستعد للقيام بالصلاة على المتوفى قام أحد الشبان فى مكان عال ، لا يعرف هويته وأنشد بصوت مرتفع القطعة الآتية :

سرى نعشه فوق الرقاب وطالما

سرى وجوه فوق الركاب ومائله

يمر على الوادى فتثنى رماله

عليه وبالنادى فتثنى أرامله

يقول ابن سعد الذى نقل هذه الغريبة فى طبقاته بعد أن أظهر شدة تعجبه وحيرته منها : عندما استمعت إلى قطعة : «سرى نعشة» ارتفع النواح والنحيب فى صلاة جمال الدين الأصفهانى ، عندما استمعت إلى هذه القطعة صلى على جنازته دون توقف حينما وجبت ثم أخذت الجنازة إلى المسجد الحرام وصلوا عليه ، وبعد أن طافوا بها كعبة الله أخذوها إلى المدينة المنورة حيث صلوا عليها صلاة ثالثة ، ثم دفنوا جنازته فى القبر الذى حفره.

يروي المؤرخون أن القبر الذي دفن فيه جمال الدين المشار إليه في داخل رباط العجم ، وبما أنه لا يوجد الآن في داخل الرباط قبر يلزم أن يكون الضريح الذي

__________________

(١) يررى المؤرخون أن جمال الدين محمد بن أبى منصور مات فى خلال سنة ٥٧٦ مسجونا.

يلاصق ذلك الربط مدفنه ، ولا ندرى كيف أخرج هذا الضريح إلي خارج رباط العجم.

المتوفي المشار إليه من وزراء بني زنكي يروي عنه معاصره المؤرخ ابن الأثير أنه زين وفرش جدار الحطيم الشريف في مكة المكرمة وما حول البيت الأعظم من جهاته الأربعة في صورة جميلة ، وعمّر وجدد مسجد الخيف وحفر أحواضا في جبل عرفات وأسال الماء الذي كان قد انقطع ، وأنقذ الزوار الذين يزورون بجبل الرحمة بأن صنع سلما ذا خمس أو عشر درجات تهون من المشقة ، والحصن النهري حول المدينة أثر من آثار جمال الدين الخيرية.

وخلاصة القول أن المرحوم كان من أصحاب البر والخير وله في البلاد الأخرى آثار خيرية لا تعد ولا تحصى ، رحمة الله عليه.

٢ ـ باب ريطة (باب النساء):

وباب ريطة الباب الثاني من أبواب مسجد الرسول وبما أنه أمام دار ريطة بنت أبي العباس السفاح سمي باب ريطة.

وساحة منزل ريطة بنت أبي العباس السفاح كانت أرض المدرسة الثمينة التي بناها بازكوش من أمراء الشام خاصة للعلماء الحنفية ، ولما كان بازكوش قد بذل جهدا ونقودا كثيرة لبناء هذه المدرسة أوصى أن يدفن في حظيرة هذه المدرسة ودفن فعلا بعد وفاته في داخل المدرسة بناء على وصيته.

وبعد فترة سمي باسم بازكوش وعرف المكان باسم «زاوية الشيخ عبد القادر الجيلاني» ، والآن يطلق عليه «زاوية السمان» السمان اسم رجل من رجال الطريقة الصوفية القادرية وقد عرف بالزهد والصلاح وهو ينتسب إلى بنت السمان ، والزاوية المذكورة وقفت لأولاد وأحفاد هذا الشخص.

و «محمد أبو الحسن» مازال حيا وهو أصغر أبناء الشخص المذكور ولم يبق أحد آخر من أولاده.

وقد ارتحل الصّدّيق الأكبر ـ رضى الله عنه ـ عن دنيانا إلى دار الاخرة فى الجانب الشرقى من هذه المدرسة ، وبما أن حضرة الفاروق ـ رضى الله عنه ـ قد سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول «إننى وقفت هذا الباب للنساء» لذلك خصّ باب ريطة فى وقت خلافته لدخول النساء وخروجهن ، ولما كان عبد الله بن عمر حيا ويعيش فى الصفة الدنيوية لم يدخل ولم يخرج من هذا الباب اقتفاء لأثر والده ، وما زال باب ريطة إلى اليوم ، إلا أنه معروف باسم باب النساء.

وهو الباب الثانى من الأبواب الواقعة فى الناحية الشرقية من حرم السعادة من الناحية القبلية ، وقد أبرزت جهته الخارجية بأسطوانتين وأجزاء من جدار الحرم الشريف والجهة التى أخرجت إلى الخارج وقد كتب بخط جلى على عقد الجدار الذى لف فوق الأسطوانتين الآية :

قال الله تعالى وتبارك وجل وتقدس :

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب : ٣٣).

وكتب كذلك على طاق الباب الأصلى الخارجى والذى يوجد فى محاذاة جدار الحرم الشريف الآية الجليلة بسم الله الرحمن الرحيم.

(إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (النمل : ٣٠) ، والآية :

(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (الأحزاب : ٣٤).

وكتب على طاق النافذة التى تتصل بالباب من الخارج الحديث : «النجاة فى الصدق» صدق رسول الله ، وعلى الطاق الداخلى للباب المذكور الآية الجليلة :

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) (الأحزاب : ٣١)

وفوق هذه الآية الكريمة أى فى المكان الذى فوق عقد الباب المذكور نقشت هذه الآية الكريمة :

(لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (النساء : ٣٢)

٣ ـ باب عاتكة (أوباب الرحمة):

الباب الثالث للحرم النبوى الشريف هو الباب الذى يسمى «بباب الرحمة ، الذى يقع فى محاذاة دار (١) عاتكة بنت عبد الله بن يزيد بن معاوية وكان يشتهر فى زمانها باسم «باب عاتكة».

ولما كانت سوق المدينة الميمونة أمام باب عاتكة قديما عرف واشتهر ذلك الباب فترة باسم «باب السوق».

ولكن حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يستعد لخطبة يوم الجمعة إذ جاء رجل من جهة «دار القضاء» وقال : «يا نبى الله! قد نفقت حيواناتنا من قلة الماء وتعب أولادنا وعيالنا ، نرجوك أن تدعو الله لأجلنا أن يبعث لنا مطرا» ، وبمجرد رفع النبى صلى الله عليه وسلم يديه داعيا ظهرت ناحية جبل سلع علامات المطر والرحمة فنزلت الأمطار التى سقت مدينة الرسول ونواحيها لأجل ذلك أطلق على باب عاتكة «باب الرحمة».

دار القضاء التى ذكرت آنفا كانت دارا واسعة تمتد من باب الرحمة إلى باب السلام ، وكانت ملك عمر بن الخطاب ، وكان أوصى بأن تباع عند وفاته لقضاء دينه ، وعندما مات بيعت لمعاوية بن أبى سفيان وقضيت ديونه لأجل ذلك عرفت من ذلك التاريخ بدار القضاء ، إلا أن بعض المؤرخين ينسبون هذه الدار إلى عبد الرحمن بن عوف وأنه انزوى فى هذا البيت إلى أن بيع لحضرة عثمان.

__________________

(١) انتقلت هذه الدار بعد وفاة صاحبتها إلى يحيى بن خالد.

عندما كان زياد بن عبد الله خال السفاح العباس واليا على المدينة اشترى تلك الدار فى خلال سنة (١٣٨ ه‍) وألحقها بحرم مسجد السعادة.

وفصلوها بعيدا عن المسجد الشريف وبنوا هناك بناء ليكون دائرة حكومية ، وتلك هى الأبنية الجسيمة التى أسست فى ذلك الوقت والذى عرف باسم «الحصن العتيق» وفى سنة ٨١٤ ه‍ اشتراها حاكم البنغال السلطان غياث الدين وبنى مكانها بناء جميلا بعد هدمها.

وكانت المدرسة التى بناها الأمير جوبان من قيادة الجنود المتغلبة فى سنة ٧٢٤ فى الجهة القبلية من ذلك الرباط.

كان الأمير جوبان بنى لنفسه ضريحا فى هذه المدرسة إلا أنه لم ينل شرف الدفن فيه.

وكانت «دار الشباك» المنسوبة إلى شيخ الخدم المرحوم الحريرى فى جهة باب الرحمة.

وفى سنة ٨٨٨ ه‍ اشتريت تلك الأماكن كلها من السلطان قايتباى وهدمت وبنيت فوق مساحتها المدرسة والرباطان المنسوبان للملك المذكور وسمى ذلك الرباط فيما بعد برباط السلطان وسميت المدرسة بالمحكمة ، وكان قضاة المدينة المنورة إلى وقت قريب يقيمون فى هذه المدارس ، ونقلت المحكمة فيما بعد ذلك إلى مكان آخر ، كما أن المدرسة آلت إلى الخراب فيما بعد فجددها السلطان محمود خان العدلى فى صورة مكملة وأضاف إليها مكتبة وأسس دارا بين باب الرحمة والمدرسة المذكورة لإقامة تلك المدرسة ، وزين المكتبة المذكورة بكتب نادرة ورسائل نفيسة لم تكن موجودة فى المدينة.

وبعد خمسين عاما أشرفت سواء أكانت المدرسة أو الدار المذكورة على الخراب فجددت من قبل نجله النجيل السلطان عبد العزيز خان فأضيفت إلى تلك المدرسة حجرات عديدة فى الطابق الأول والثانى تحت نظارة شيخ الحرم أمين باشا وهدمت كليا وبنيت على أن تكون مدرسة مرة أخرى فى سنة ١٢٨٨ ه‍.

كان شخص يسمى أبو بكر بن مزهر (١) قد صنع فسقية فى اتصال عقد «باب الرحمة» وكانت فسقية ذات قبة سنة ٨٩٣ ه‍ ، وما زالت هذه الفسقية إلى يومنا هذا. ويقع فى الجهة اليمنى لمن يدخلون إلى مسجد السعادة من هذا الباب صنبور كان السلطان عبد المجيد قد أسسها قبل تجديد المسجد الشريف ، وهذا الصنبور أمام السبيل والميضأة اللتين أقامهما السلطان أحمد خان ولم يكن للمسجد قبل ذلك باب سوى هذا الباب أى باب الرحمة فى الجهة الغربية منه ، هذا الباب فى يومنا الحالى هو الباب الثانى فى الجدار الغربى للحرم الشريف ، وعلى طاق هذا الباب كتبت الآية الكريمة ، بسم الله الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى فى كلامه الكريم :

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر ٥٣).

صدق الله العظيم ، وفى الطرف الداخلى لهذا الطاق :

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) (الأنعام ٥٤).

وعلى المصراع الشرقى (يا مفتح الأبواب) وكذلك على المصراع الغربى (افتح لنا خير الباب) مزدوجا ، وعلى حلقتى المصراعين (لا إله إلا الله محمد رسول الله) والبسملة الشريفة سالفة الذكر ذهّبت ونسقت على هيئة الطغراء الغراء.

٤ ـ باب السلام :

الرابع من أبواب مسجد السعادة الموجودة الباب الذى يعرف باسم «باب السلام» وبما أن ذلك الباب كان لصق بيت مروان بن الحكم كان يعرف فى حياته ب «باب مروان».

وهدم سيف الدين قلاوون من الملوك المصرية فى سنة ٨٨٦ ه‍ بيت ابن الحكم

__________________

(١) كان أبو بكر بن مزهر رئيس ديوان الإنشاء للحكومة المصرية ويعرف باسم «المقر الزينى» وكانت لهذا الشخص مدرسة فى ناحية باب الرحمة.

الذى كان متصلا بباب السلام وأسس مكانه «دار ميضأة» وبعد ذلك عرف باب السلام «بباب الخشوع».

إخطار

قد أسس على ساحة دار الميضأة مؤخرا مدرسة بشير أغا المشهورة ونقلت الميضأة فى أثناء بناء المدرسة إلى الجهة الغربية من مسجد السعادة ، وهذه الميضأة الآن أمام الشارع المعروف ب (زرندى) وهذا الشارع على يمين من يمضى إلى الباب المصرى.

وباب السلام الباب الأول من الأبواب التى فى الجهة الغربية من حرم السعادة من الناحية القبلية ، وأكبر أبواب مسجد النبى الخمسة وأكبرها زينة ، وطلاؤه أخضر مائل إلى الزرقة وأحيانا أبيض وقد كتب عليه خطوط جميلة متلونة مما جعل هذا المكان أشبه شىء بالحديقة.

والخطوط التى أريد أن أعرف منظرها ، وقد بدأت الكتابة من الجدار الذى على الجهة اليمنى عند الدخول.

(وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠) وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً (٨٢) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً) (الإسراء : ٨٠ ـ ٨٣).

كما كتبت الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم.

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً (٢١) وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ

اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥)) (الأحزاب : ٢١ ـ ٢٥).

وكتبت فى الصف الثالث القصيدة البليغة :

فداك أبى وأمى يا رسول الله

رسول الله إنى مستجير

بجاهك والزمان له اعتداء

وجاهك يا رسول الله جاه

رفيع ما لرفعته انتهاء

وظنى فيك يا طه جميل

ومنك الجود يعهد والسخاء

وحاشا أن أرى ضيقا وذلا

ولى نسب بمدحك وانتماء

رجوتك يا ابن آمنة لأنى

محب والمحب له رجاء

عسى بك تنجلى عنى كروبى

وكم كرب له منك انجلاء

وكم لك يا رسول الله فضل

تضيق الأرض عنه والسماء

وكم لك معجزات ظاهرات

كضوء الشمس له ضياء

وأنت لنا على خلق عظيم

ونحن على العموم لك الفداء

وكتب فى الصف الرابع «اللهم أيد بالنصر والعز مولانا السلطان عبد العزيز بن عبد المجيد بن محمود بن مصطفى بن سليم بن عبد المجيد بن مصطفى بن عثمان بن محمود بن أحمد بن أحمد بن سليمان بن محمد بن إبراهيم بن مراد بن مصطفى بن عثمان بن مصطفى بن أحمد بن محمد بن مراد بن سليم بن سليمان بن سليم بن بايزيد بن محمد بن مراد بن أورخان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان شاه ، أيد الله ملكهم إلى آخر الزمان ونهاية الدوران».

وكتب على مصراع الباب الأيمن الآيات :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (الحجر ٤٥).

وعلى مصراعه الأيسر :

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (الحجر ٤٦)

وكتبت جملة «هذه خوخة سيدنا أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه» فوق باب (الخلوة) التى تقع فى الجهة الداخلية للجدار الأيسر ، يعنى فوق طاقة الباب الذى استثنى من الغلق عندما صدر الأمر النبوى بسد جميع الأبواب التى تنظر إلى الحرم الشريف.

باب الخوخة الذى كتبت على طاقته الجملة السابقة الذكر هو الباب الثالث فى ناحية «باب السلام» من الجهة اليسرى.

لأن الخوخة الذى كانت بين باب السلام وباب الرحمة عرفت بخوخة أبى بكر كانت أمام المخزن وبمحاذاته ، وقد ألحقت تلك الخوخة والمخزن فى عهد وليد بن عبد الملك بمسجد السعادة.

وصنعوا خوخة فى محاذاة الخوخة التى كانت تنسب إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه.

ولذا كانوا يبنون المدرسة الأشرفية وفتح باب المدرسة فى هذه الجهة من مسجد

السعادة ، أى بين باب السلام وباب الرحمة ثلاثة أبواب وعبارة «هذه خوخة ...» فى الباب الثالث من هذه الأبواب.

فى المكان الذى يصادف الداخلين إلى المسجد من باب السلام وعلى يمينهم أى فى الجهة الجنوبية لداخل المسجد النبوى وبعيد هذا المكان من الجهة الداخلية لجدار حرم السعادة القبلى ، هناك أربعة أسطر من الخطوط النفيسة المحكوكة على حجارة ، وكلها خطوط جلية وقد كتبت فى الصف الأول :

(يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥) وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة : ١٨٥ ـ ١٨٦) قال الله تعالى فى كتابة العزيز :

(وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ ٤١ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت ٤٢).

والآية :

(قالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (هود : ٧٣)

بسم الله الرحمن الرحيم.

(وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ

مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (البقرة : ١٢٤ ـ ١٢٨)

بسم الله الرحمن الرحيم

(إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران : ٣٥)

إلى قوله تعالى :

(ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (آل عمران : ٤٤)

اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، بسم الله الرحمن الرحيم.

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء : ٦٥)

وقوله تعالى :

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (الحشر : ٧)

والسطر الثانى قوله تعالى :

(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (البقرة : ١٩٧).

صدق الله ربنا العظيم ، قال الله سبحانه وتعالى :

(وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران : ١١٤).

بسم الله الرحمن الرحيم ، (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللهَ)

(إلى قوله)

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (التوبة : ٢٤).

صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم رضى الله تعالى عنهم أجمعين ، بسم الله الرحمن الرحيم ،

(مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٢٦٢) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (البقرة : ٢٦١ ـ ٢٦٢).

صدق الله العظيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦)

صدق الله العظيم ، بسم الله الرحمن الرحيم (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ)

إلى قوله :

(سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح : ٢٩).

وفى الصف الثالث : بسم الله الرحمن الرحيم

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) (النور : ٣٦ ـ ٣٧).

قال الله تبارك وتعالى فى كتابه الكريم ،

(فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٩٨) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (النحل : ٩٨).

بسم الله الرحمن الرحيم :

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (الفتح)

إلى آخر السورة

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطاهرين أجمعين.

وفى الصف الثالث : هذه أسماء النبى صلى الله عليه وسلم ، محمد صلى الله عليه وسلم) إلى آخر الأسماء الجليلة.

عدد أسماء النبى الشريفة مائتان وواحد ، وقد كتبت كلها فى السطر والصف

الرابع ، وقد كتبت ورتبت كلها على شكل مربع ، جعلت صلاتها فى شكل مستدير ، من زاوية باب السلام التى فى زاوية الجدار القبلى لحرم السعادة وأكملت أمام المواجهة الشريفة.

الأبواب التى ذكرت إلى هنا وفصّل تعريفها أكبر من جميع الأبواب الأخرى ، قد اعتيد ترك هذه الأبواب الأربعة مفتوحة من الصباح إلى المساء إلى أن أصبح عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة وكانت بعض الحيوانات تدخل إلى مسجد السعادة ، فصنع عمر بن عبد العزيز فى داخل الأبواب وخارجها سياجا خشبية فحال دون دخول البهائم فى المسجد إلا أن الزوار زادوا فيما بعد فازدحم الناس فى الدخول والخروج حتى حدثت أحيانا المجادلات من أجل النعال أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، مما يسئ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما ظهرت فكرة أخرى أن ترفع تلك السياج وتبدل بسلاسل حديدية وأزيلت هذه السلاسل أيضا فيما بعد وتركت الأبواب مكشوفة مفتوحة مما سبب المنازعة من أجل النعال. والأبواب فى زماننا هذا خالية من السياج والسلاسل الحديدية وتترك مفتوحة حتى المساء ، وبما أنه قد صنع مكان لوضع النعال وعين لذلك موظفون عديدون فانعدمت منازعات النعال. وأصبح المصلون كالمصلين فى مساجد استانبول يخلعون نعالهم عند باب المسجد ويسلمونها لمن يتولى حفظها وعند استلامها لدى الخروج ينفحون بعض القروش لهم على سبيل الصدقة ، ويرتزق بضعة من الفقراء بهذه الطريقة ويجدون قوت يومهم.

٥ ـ باب التوسل :

الباب الخامس من أبواب مسجد النبى صلى الله عليه وسلم هو باب التوسل ويقع فى الجهة الشامية لمسجد النبى الشريف ، وقد فتح هذا الباب فى عام (١٢٦٧ ه‍) على عهد السلطان عبد المجيد.

ولذلك يسمى كذلك «الباب المجيدى» إلا أن ظن عامة الناس بأن «الباب المجيدى» و «باب التوسل» بابان مختلفان ظن خاطى لأن باب التوسل باب داخلى وخارجى ، وبين هذين البابين تسع مدارس فوقية وتحتية قد خصصت إحدى هذه المدارس لتدريس اللغة الفارسية والبقية لتعليم اللغة العربية عذبة البيان ، وأحد هذين البابين فى الجهة الخارجية للمدارس المذكورة والآخر فى جهة مسجد السعادة ، ولما كان الباب الذى يفتح إلى حرم السعادة يواجه باب التوسل الذى يقع فى الجهة الشمالية للحجرة.

المعطرة أطلق عليه باب التوسل بإيحاء من السلطان عبد المجيد ووسم الباب الذى يفتح إلى خارج الحرم باسم «الباب المجيدى» وكتبت الآية الجليلة على طاق الباب المجيدى أى على طاقة مصراعى الباب الذى يفتح إلى الخارج من باب التوسل : قال الله تعالى

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) صدق الله ربنا المعين. (المائدة : ٣٥)

وقد كتبت على أول عمود يقابل الداخل من أى واحد من الأبواب الخمسة إلى حرم السعادة ، عبارة «نويت سنة الاعتكاف» ، وكان باب التوسل أمام دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف وفى القديم كان هنا باب كذلك كما سبق تعريفه فى بحث تعمير مسجد السعادة ، وعندما جدد جدار هذه الجهة من المسجد فسد ذلك الباب القديم لسبب ما. وعند الخروج من هذا الباب يرى فى الجهة اليسرى منه صنبور وفى مواجهة الميضأة التى تشتمل على بيت الخلاء أيضا هذه المبانى الضخمة من آثار والد السلطان كثير المحامد المبرورة.

والأبواب التى عرفت إلى الآن ما زالت قائمة مع باب التوسل الذى فتحه السلطان عبد المجيد والأبواب التى سيأتى ذكرها فى الآتى كلها مسدودة إلى حد أنه لا تعرف أماكنها.

١ ـ باب مروان :

أحد الأبواب المسدودة المجهولة ، وكان هذا الباب خاصا بدخول أمراء الأسلاف وخروجهم وكان يفتح إلى مقصورة مسجد السعادة وكان يعرف ب (باب مروان).

٢ ـ باب بيت زيت القناديل :

كان أحد الأبواب المسدودة على يمين باب مروان المسدود وكان يعرف بباب بيت زيت القناديل وبناء على ما ترويه التواريخ كان مروان بن الحكم فتحه حينما بنى البيت الذى باسمه ، وبما أن وجوده وعدمه كانا يتساويان سدّ عندما جددت مئذنة باب السلام.

٣ ـ باب المقصورة :

من الأبواب التى سدت الباب الذى كان يقع على يسار باب مروان وهو الباب الصغير الذى كان يسمى بباب المقصورة.

٤ ـ باب خوخة آل عمر :

الرابع من الأبواب المسدودة الباب الذى يعرف بخوخة آل عمر بن الخطاب فى ناحية زقاق «ديار عشرة» كان الباب المذكور قديما يفتح للزوار ويراعيه واحد من البوابين ، ولما أسئ استعماله فيما بعد لاجتماع الرجال بالنساء فيه أغلق فى عصر السلطان قايتباى سنة (٨٨٨ ه‍) وخصص لبوابه وظيفة أخرى.

٥ ـ باب على :

الخامس من الأبواب المسدودة ، باب على الذى يستقر فى الجدار الشرقى أساسا ولما كان هذا الباب مقابل دار على التى كانت متصلة بحجرة السعادة فعرف باسم (باب على) وعندما جدد الجدار الشرقى سد هذا الباب وتركت فتحة صغيرة لزيارة الدار من الخارج ، وحتى من كان يدقق النظر من هذه الفتحة كان يرى داخل حجرة السعادة ، ثم سدّت هذه الفتحة بالحجارة.

٦ ـ باب النبى صلى الله عليه وسلم :

من الأبواب المسدودة الباب الذى اشتهر بباب النبى وسبب تسميته بذلك الاسم وقوعه أمام دار السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ زوج النبى صلى الله عليه وسلم ، وعند تجديد الجدار الشرقى سد هذا الباب أيضا ووضع مكانه شبكة حجرة السعادة ، والآن يقف الزوار الكرام على مساحة هذه الدار ويعرضون صلاتهم وسلامهم على سلطان الأنبياء (عليه أجمل التحايا).

٧ ـ باب أسماء :

السابع من الأبواب المسدودة باب أسماء وبما أنه كان أمام بيت أسماء بنت حسين بن عبد الله بن عبيدة بن العباس بن عبد المطلب كان يقال له باب أسماء وقد سد فى سنة ٥٨١ ه‍ عندما جددت المئذنة الشرقية الشمالية.

وقد هدمت دار أسماء بنت حسين بن عبد الله سالفة الذكر وبنى مكانها رباط خاص بالنساء.

٨ ـ باب خالد بن الوليد :

أحد الأبواب المسدودة الباب الذى كان أمام بيت خالد بن الوليد ، وسبب تسميته بذلك الاسم وقوعه أمام دار خالد بن الوليد ، وقد هدمت دار خالد بن الوليد هذه مؤخرا وبنى على مساحتها رباط وسبيل وكان بيت عمرو بن العاص فى الطرف الشمالى إلى الرباط.

٩ ـ باب زقاق دار المناصع :

باب زقاق دار المناصع يواجه شارع دار المناصع ، وكان هذا الباب بين دار عمرو بن العاص وبيوت الصدفية ودار على العسكر المشهورة و «حوش الحسن» كانت أمام هذا الباب وقبل أن يسد كانت طائفة النساء تدخل وتخرج من هذا الباب.

١٠ ـ باب أبيات الصوافى :

هو الباب العاشر المسدود وكان فى منتهى الجدار الشرقى للمسجد الشريف

وأمام الدار التى يقال لها دار موسى بن إبراهيم المخزومى وبقى مؤخرا فى داخل الجدار ، واشترى الشيخ صفى الدين سلامى هذه البيوت التى تسمى أبيات الصوافى ووقفه أولا لأقاربه ثم لإيواء الفقراء ، وكانت للأبيات المذكورة باب اخر يدخل منه لعمارة الشيخ صفى المشار إليه والتى تعرف باسم «رباط النخلة» وسد فيما بعد هذا الباب أيضا.

١١ ـ باب دار الضيافة :

واحد من الأبواب المسدودة هو الباب الذى كان فى الجهة الشامية من مسجد السعادة وأمام دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف ، وكان حضرة عبد الرحمن قد تعود أن يطعم ضيوف النبى صلى الله عليه وسلم ، ولهذا سمى «باب دار الضيافة» وفى سنة ٦٢٧ ه‍ اشترى المستنصر دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف وأنشأ هناك مستشفى وجعلها مأوى للمرضى الغرباء ومسكنا.

١٢ ـ باب دار الحميد :

ولما كان هذا الباب يقابل الجهة الأخرى من دار الحميد بن عبد الرحمن بن عوف اشتهر بباب دار الحميد ثم سد هذا الباب أيضا مثل الأبواب الأخرى ، وساحة دار حميد فى هذه الجهة مساحات رباط الطاهرية والشرشورية.

١٣ ـ باب أبيات خالصة :

الثالث عشر من الأبواب المسدودة «باب خالصة» ، الذى يقع أمام دار الحميد التى فى مقابل أبيات خالصة ، والرباط الذى أحياه الشيخ شمس الدين التسترى كان بجانب هذا الباب.

١٤ ـ باب بقية أبيات خالصة :

أحد الأبواب المسدودة باب «بقية أبيات خالصة» لما كان الباب المذكور فى نهاية الأبواب الشامية وفى الجهة الأخرى من أبيات خالصة ، أطلق عليه «باب بقية أبيات خالصة».

١٥ ـ باب دار منيرة :

أحد الأبواب المسدودة الباب الذى يقال له باب دار منيرة ، وهذا الباب من أبواب الجهة الغربية بما أنه فى اتصال دار منيرة الحاضنة جارية أم موسى كان يعرف باسم باب دار منيرة ، ودار منيرة الحاضنة من جملة بيوت عبد الرحمن بن عوف وانتقلت من يد لأخرى حتى وصلت ليد عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ومنه إلى جارية أم موسى منيرة الحاضنة كما أن ساحة. دور ابن عوف فى زقاق قياشين انتقلت ليد قاضى الحرمين المشهور السيد محيى الدين الحنبلى.

فأسس محيى الدين الحنبلى فوق هذه الساحة دارا فى غاية الفخامة وبعد مدة وقفت هذه الدار لإقامة قضاة الحنابلة. وفى هذا العصر يقيم مفتيو الحنابلة فى هذه الدار ويستريحون.

١٦ ـ باب بقية دار منيرة :

السادس عشر من الأبواب المسدودة كان الباب الذى يقابل الجهة الأخرى من دار منيرة الحاضنة والذى يشتهر بباب بقية دار منيرة ، ووقفت هذه الجهة من الدار فيما بعد لإقامة خدم مسجد السعادة وسدّ الباب المذكور ، وأحد هذين البابين كان ظاهر الآثار إلى وقت قريب.

فى ذكر المنازل القديمة

التى تحيط بمسجد السعادة من جهاته الأربعة

يقع منزل عبد الله بن عمر بن الخطاب فى الجانب الشرقى لجدار مسجد السعادة القبلى وفى الأصل كان هذا المنزل دار السيدة حفصة (رضى الله عنها).

وكانت ساحة هذه الدار فى الأول مكانا لتجفيف البلح عندما وسع عثمان بن عفان المسجد اشترى الساحة من صاحبها وأهداها إلى والدتنا المشار إليها ، وفتح لها بابا إلى المسجد الشريف ، وبعد ما فتح هذا الباب اشتهرت ساحة ذلك البيت ب «دار آل عمر» وفى آخر الأمر انتقلت تلك الدار لملكية عبد الله بن عمر.

وكانت فى الجهة الغربية من دار آل عمر دار «مروان» بن الحكم ، وبقى جزء من ساحة هذه الدار من ساحة بيت حضرة عباس ، لأن عمر بن الخطاب عندما وسع مسجد السعادة للمرة الأولى ضم نصف هذا البيت إلى مسجد السعادة وظل النصف الآخر خاليا وأصبح هذا المكان ميدانا صغيرا ، فاشترى فيما بعد مروان بن الحكم هذا الميدان وبنى منزله المذكور.

قد بنى منصور قلاوون المصرى فى سنة ٦٨٦ ه‍ فوق ساحة دار مروان بن الحكم ميضأة كاملة ، إلا أن وجود الميضأة بجانب مسجد السعادة أصبح غير لائق بسبب الرائحة الكريهة التى تنبعث من هذه الميضأة والتى جعلت الوقوف داخل المسجد الحرام مستحيلا ، فهدم شيخ الحرم النبوى بشير أغا دور الخلاء تلك فى عهد السلطان محمود خان الأول ابن السلطان مصطفى خان وبنى هناك مدرسة كاملة منسوبة لاسم السلطان.

المدارس ـ

كانت فى البلدة الطاهرة غير المدرسة المحمودية سالفة الذكر اثنا عشر مدرسة أخرى هى.

١ ـ المدرسة المحمودية.

٢ ـ مدرسة بشير أغا.

٣ ـ مدرسة أزبك.

٤ ـ مدرسة ناظر الكيل.

٥ ـ مدرسة الشيخ مظهر.

٦ ـ مدرسة حسين أفندى.

٧ ـ مدرسة ساقزلى

٨ ـ مدرسة ثروت أفندى.

٩ ـ مدرسة أرنبود أفندى.

١٠ ـ مدرسة قره باشا.

١١ ـ مدرسة الشفاء.

١٢ ـ مدرسة فنايرجى.

إلا أن أشهر المدارس وأكثرها نظاما كانت المدرسة المحمودية ، وسبب ذلك وجود هذه المدرسة متصلة بمسجد السعادة بين باب السلام وباب الرحمة ، وفى الواقع كفى هذا شرفا لهذه المدرسة فالحاجة للبحث عن أشياء أخرى لا يرجح كفة المدرسة على المدارس الأخرى.

وكان لمدرسة المحمودية ما يقرب من أربعين حجرة لإقامة الطلبة ، وفى وسطها حديقة وفى الجهة الغربية شادروان فسقية ، ومن حيث الانتظام كانت أولى مدارس البلدة الطاهرة وقد جددها السلطان محمود خان العدلى فى سنة ١٢٣٧ فى صورة جميلة.

وكانت لمدرسة المحمودية مكتبة جميلة وحجرات منتظمة وكان لسكان الحجرات رواتب كافية من مصر ، وكنت تجد فى مكتبتها أى كتاب تبحث عنه.

المكتبات ـ المكتبات المشهورة والمعروفة اليوم فى البلدة الطاهرة بعد مكتبة المحمودية هى :

١ ـ مكتبة شيخ الإسلام السابق عارف حكمت بك ، وهذه المكتبة تقع مقابل دائرة نائب الحرم النبوى فى ديار عشرة.

٢ ـ مكتبة شيخ الحرم أمين باشا ـ هذه المكتبة قريبة من الشرشورة وعلى شارع المديرية.

٣ ـ مكتبة بشير أغا ـ مكتبة أغا دار السعادة الشريفة الأسبق بشير أغا فى داخل مدرسة بشير آشكا الملاصقة لباب السلام.

٤ ـ مكتبة الحميدية ـ هذه المكتبة فى داخل المدرسة الحميدية وفى مكان يقال له «حارة الحزارة» فى نهاية الرصيف الذى فى حى الساحة.

٥ ـ مكتبة جمل الليل ـ هذه المكتبة فى دار المرحوم السيد جمل الليل.

٦ ـ مكتبة البساطى ـ وهى مكتبة أحمد بساطى أفندى من أهالى المدينة المنورة ومن خطباء الحرم الشريف.

٧ ـ مكتبة رباط سيدنا عثمان ـ فى داخل الرباط المنسوب لحضرة ذى النورين.

٨ ـ مكتبة المرحوم شيخ الإسلام السابق فيض أفندى وهى فى داخل مدرسة الشفاء.

٩ ـ مكتبة قره باشا عمر أفندى ـ فى داخل المدرسة المنسوبة لقره باشا عمر أفندى من الموالى الكرام.

١٠ ـ مكتبة مصطفى أفندى من ساقز ـ فى داخل المدرسة المنسوبة لمصطفى أفندى من الموالى الكرام.

١١ ـ مكتبة أرنبود ـ فهى من آثار مصطفى أفندى من المجاورين يعرف «بإحسانية».

١٢ ـ مكتبة الشيخ غفور أفندى ـ وقف عبد الغفور أفندى البخارى من المجاورين فى داخل التكية التى تنسب له.

١٣ ـ مكتبة مظهر أفندى ـ أثر الشيخ مظهر أفندى من أولاد الإمام

الربانى مجد الألف الثانى الشيخ أحمد الفاروقى السر هندى وهى داخل التكية المنسوبة له.

١٤ ـ مكتبة حسين أغا ـ وقف حسين أغا ناظر التكية المصرية الأسبق فى المدرسة التى تنسب لاسمه.

١٥ ـ مكتبة فنايرجى ـ تنسب للمرحوم أمين أفندى من المجاورين فى داخل المدرسة التى تنسب لاسمه.

١٦ ـ مكتبة ثروت أفندى ـ وقف محمد ثروت أفندى من المجاورين القدماء الذى مازال حيا.

١٧ ـ مكتبة الكيلى ـ أثر ناظر الكيل وهو من المجاورين فى داخل المدرسة التى تنسب له.

١٨ ـ مكتبة سليم بك ـ وهى وقف سليم بك أفندى من رؤساء حجاب السلطان عبد المجيد خان.

١٩ ـ كمية ومقدار المصاحف الشريفة والكتب النفيسة فى داخل المكتبات المذكورة من حيث المجموع.

عدد

مكان وجودها

١٨٠١

المصاحف الشريفة الموجودة فى الروضة المطهرة مضافا إليها المصاحف الشريفة التى عرفت فى الصورة المخصوصة.

٥٤٠٤

ما فى مكتبة عارف حكمت.

٠١٥٨

ما فى مكتبة الحاجى أمين باشا.

٢٠٦٣

ما فى مكتبة بشير أغا.

١٦٥٩

ما فى المكتبة الحميدية.

٠٠٠٠

لم يحقق ما فى داخل مكتبة جمل الليل من كتب.

١٢٤٦

ما فى مكتبة بساطى أفندى.

٠٠٠٠

لم يحقق ما فى داخل مكتبة رباط سيدنا عثمان.

١٢٤٦

ما فى مكتبة فيض الله أفندى.

عدد

مكان وجودها

١٢٤٦

ما فى مكتبة قرة باش.

٠٥٩٣

ما فى مكتبة ساقزلى.

٤٦١

ما فى مكتبة أرنبود.

١٢٩

ما فى مكتبة الشيخ عبد الغفور.

١١٠٠

ما فى مكتبة مظهر.

٠١٠٠

ما فى مكتبة حسين أغا.

٠١٥٠

ما فى مكتبة فنايرجى.

٠٢٠٦

ما فى مكتبة ثروت أفندى.

٠١٥٧

ما فى مكتبة الكيلى.

٠٥٠٠

ما فى مكتبة سليم بك.

٠٤٥٦٩

ما فى مكتبة المحمودية.

٢٢٦١٥

المجموع

ما عد هذه المكتبات المذكورة كان فى كل مدرسة مكتبة ، ولما كانت هذه الكتب بالنسبة للكتب الموجودة فى هذه المكتبات التى ذكرت أقل القليل صرف النظر عن ذكرها. انتهى.

وكان كذلك ليزيد بن عبد الملك منزل فى الجهة الغربية من دار مروان بن الحكم مكان منزل آل أبى سفيان ، وكان منزل يزيد بن عبد الملك عند إنشائه أجمل المنازل فى المدينة ، فهدم مؤخرا وصنع مكانه سبيل ووكالة ، وبنى بجانب ساحة هذا المنزل الغربى القبلى مبنى من قبل السلطان قايتباى المصرى فى غاية الكمال فأسكن فيه الفقراء والمجاورين فأحيوا ، ولكن ما بنته خاصكى سلطان ، والسلطان مراد الرابع من عمائر قضت على شهرة عمارة قايتباى.

وكانت خاصكى سلطان إحدى زوجات السلطان سليمان بن السلطان سليم خان ، وكانت العمارة التى بنتها خارج سور المدينة بالقرب من المصلى النبوى

وكانت عمارة ذات طابقين لا مثيل لها ، وكان فى وسط هذه العمارة مسجد ذو مئذنة واحدة وله كثير من الأئمة الموظفين والخدم وكان أهالى السوق الذين لا يستطيعون أداء الصلاة فى المسجد النبوى يصلون فى هذا المسجد.

وكان يصنع فيها حساء الدشيشة والخبز فى كل يوم وتوزع على الفقراء والضعفاء والمساكين والغرباء ولكن لشدة الأسف قد استولى على هذه العمارة بعد مرور وقت محافظو المدينة وبعد فترة اتخذوها دائرة حكومية فسكن فى حجرات الطابق الأعلى بعض أغوات المحافظين ذات الأهمية كما كان يحبس المتهمون فى حجرات الدور الأرضى ، وما زالت مئذنة المسجد قائمة ولكنها أشرفت على الخراب ، ولا يليق أن يصل ما بناه أجداد السلاطين العثمانيين معبدا إلى هذا الحد من السوء ، فإذا ما جعل لسكنى الفقراء على الأقل كان فيه منفعة أخروية.

والمدرسة الفخمة التى بنتها خاصكى سلطان فى مكان قريب جدا من المسجد الحرام فى مكة قد استولى عليها القادرون من أهل مكة المكرمة وتؤجر للحجاج المسلمين ، وإن كان تحسين حالة العمارة المذكورة فى المدينة غير ممكن ، فإن المدرسة التى فى مكة المكرمة ما زالت قائمة ، وبما أنها تؤجر الآن للحجاج ترى هينة ، ولو أجرت هذه المدرسة للموظفين الذين يعملون فى الدوائر الحكومية ستجذب إلى خزانة الدولة الجليلة ـ بقيد ما يدفعونه ـ إيرادا للخزانة ، لأن المدرسة لا يستفيد منها الآن غير متسلطى الزمان. انتهى.

كان أمام بيت يزيد بن عبد الملك الدار التى اقتطعها الرسول صلى الله عليه وسلم ل «مطيع بن أسود. ويقال لهذه الدار «دار ابن مطيع» أيضا ، وكان بياعو الفواكه فى ذلك العهد يبيعون ويشترون أمام باب هذا المنزل.

وانتقلت هذه الدار مؤخرا لإدريس بن سعد بن أبى السرح ، وفى خلال سنة ٨٤٠ ه‍ اشتراها عبد الباسط الزينى من أبى السرح وهدمها حتى الأرض وبنى فوق ساحتها مدرسة الباسطية أمام المدرسة التى تسمى «الأشرفية».

وكان فى ناحية الجدار الغربى للمسجد الشريف منزل (ابن مكمل) ولما اشتهر هذا المنزل بالشؤم هدم فيما بعد وبنيت مكانه مدرسة «جوبانية».

وفى الجهة الشمالية لابن مكمل منزل «تخام العدوى» وبين هذين البيتين طريق فى عرض ستة أذرع؟ ودار تخام العدوى مقابل باب الرحمة وكان لها باب يفتح إلى زاوية ساحة دار القضاء ، والآن سبيل مدرسة الزهرية على ساحة تلك الدار.

وكان بجانب بيت تخام العدوى منزل جعفر بن يحيى ، «ومنزل عاتكة» بنت يزيد الجميل وبرج حسان» بن ثابت الذى يقال له «فارغ» كانا فى داخل هذا المنزل وبما أنه خرب وانهار بنوا مكانه مدرسة الزهرية».

وكان فى الجهة الشامية لمنزل جعفر بن يحيى رباط «كليركية» والمنزل الخاص بسكنى السيدة سكينة (١) رضى الله عنها والذى كان يسمى دار النصير. واشترى الإمام السمهودى دار النصير هذه ووقفها لإقامة أقاربه. وأمام دار النصير طريق فى عرض ستة أذرع ينتهى إلى دار طلحة بن عبد الله. وفى الجهة الشامية من هذا الطريق منازل طلحة بن عبد الله ، وفى غرب منزل طلحة منازل أبناء الزبير بن العوام «عودة» و «عمرو» وفى اتصالهما منزل منيرة جارية أم موسى الذى انتقل لعبد الله بن جعفر بن أبى طالب.

وفى اتصال دار منيرة من الجهة الشامية ، أى فى زاوية الشارع الذى يعطف إلى المخبز فى تلك الجهات باب صغير لآل يحيى بن طلحة ، وفى اتصال هذا الباب ، بيت «طلحة بن أبى طلحة» الأنصارى ، وفى اتصاله البيت المشهور باسم «نزيل الكرام» ، وفى الجهة الأخرى من هذا البيت طريق فى عرض خمسة أذرع وفى الجهة الأخرى من هذا الطريق منزل جارية تسمى «هالة» وفى الجهة الشرقية من هذا البيت مستشفى المستنصر بالله ، وفى جنبها «دار الحميد» المنسوب ل «أبى

__________________

(١) السيدة سكينة بنت حسين بنت على رضى الله عنها بنت حسين بن على من صلبه اسمها الأصلى «أمينة» وكانت تشتهر بين علماء عصرها الآدباء بالظرف والفضيلة والعلم وحسن الطبع وإن كان يروى أنها مدفونة فى الشام فالحقيقة أنها مدفونة فى مصر مع «زينب الكبرى ، بنت فاطمة الزهراء والآخرين من أهل بيت النبوة وضريحها مشهور رضى الله عنها وعنهن أجمعين.

لغيث بن المغيرة» بن حميد بن عبد الرحمن ، وهو البيت الذى خصصه عبد الرحمن بن عوف ـ رضى الله عنه ـ لاستقبال وإقامة ضيوف النبى صلى الله عليه وسلم ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم أمر بذاته ببناء هذه الدار. وساحة هذه الدار السعيدة وأرضها الآن المحل الذى أقيم فيه «رباط الطاهرية» فى جانب دار الحميد والذى يعرف اليوم باسم دار الضيافة. وفى اتصالها كانت دار ابن مسعود الموسومة ب «دار القرار». وقد أخذ بعض أجزاء دار القرار فى عهد وليد بن عبد الملك والجزء الآخر فى عهد مهدى بن هارون الرشيد ، وألحق بمسجد السعادة وإن كان المؤرخون رووا أن بعض أجزاء دار القرار. التى فى الجهة الشامية من المئذنة الشرقية والجهة الشرقية من دار المضيف ، ظلت خارج مسجد السعادة إلا أن هذا القول غير صحيح.

وفى الجهة الشرقية من جدار مسجد السعادة منزل موسى بن إبراهيم مقابل دار الضيافة ، وفى جهته الشرقية الميضأة المعطلة ودار رئيس المؤذنين ، وبين هذين البيتين. كان الطريق الذى يسمى ب «خرق الجمل» وبما أن هذا الطريق كان ينتهى إلى حصون المدينة المنورة القديمة اشتهر «بزقاق الجمل» وما زال معروفا إلى الآن بهذا الاسم.

وكان منزل «أنس بن مالك» السعيد فى الجهة الشامية من سور المدينة وبين هذا المنزل وبين «زقاق الجمل» بيت «فاطمة بنت قيس» وفى اتصاله أرض «دار موسى» من بيوت قهيطم. واشترى هذه المنازل وساحة «دار رسام» فى اتصالها القاضى الفاضل فيما بعد وبنى على أرضها رباطا فاخرا. وكان منزل «عمرو بن عاص السهمى» فى جهة الطريق الذى ينتهى إلى حى حوش حسن ، وكان هذا الطريق فى اتصال هذا الرباط ، وفى جهة منتهى رباط السبيل (١) وكان بجانب دار عمرو بن العاص السهمى دار «خالد بن الوليد» ولما انقطعت ذرية خالد بن الوليد انتقلت تلك الدار إلى أولاد أخيه عبد الله بن الوليد.

__________________

(١) الجزء الأمامى من هذا الرباط ساحة الدار المنسوبة لخالد بن الوليد.

وقد عرض خالد بن الوليد على النبى صلى الله عليه وسلم ضيق هذه الدار وعدم استيعابها لأولاده وعياله فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم «إذا أردت تستطيع أن ترقيها وتعليها حتى السماء» يعنى تستطيع أن تضيف إليها عدة حجرات أخرى.

وكان بجانب دار خالد بن الوليد منزل «جبلة بن عمرو الساعدى» وبجانبه منزل ريطة بنت أبى العباس ، وكان منزل جبلة بن عمرو الساعدى ـ رضى الله عنه ـ بنى فوق ساحة منزل الصديق الأعظم ـ رضى الله عنه ـ وانتقل فى فترة ما إلى أسماء بنت الحسين العباسى ، وهدم مؤخرا وبنى مكانه «رباط النساء».

وكان بيت الصديق الأكبر الذى انتقل إلى جبلة بن عمرو الساعدى أمام دار عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ الصغيرة وفى شارع بقيع الغرقد. وكانت هذه الدار الصغيرة خلف بيت عثمان بن عفان الكبير. وهذه الحجرة المباركة ما تزال قائمة حتى الآن وتعرف «بمشهد عثمان».

وأمام الدار الصغيرة طريق فى عرض خمسة أذرع ويمتد حتى مقبرة بقيع الغرقد. والدار الكبيرة التى تنسب لعثمان بن عفان فى مقابل مدرسة الشهابية ، يفصل بينهما طريق فى عرض خمسة أو ستة أذرع. قد بنيت فوق مساحة الدار الكبيرة دائرة مشيخة خاصة بشيوخ الحرم إذ استصغر شريف باشا ، وكان شيخ الحرم النبوى فى عهد السلطان عبد الحميد خان ، دائرة المشيخة القديمة وحصل على إدارة سنية لبناء دار جديدة للمشيخة وبنى دائرة تشتمل على خمس وأربعين حجرة وأعلى من القبة الخضراء النبوية وكانت هذه الدائرة الواسعة فى الجهة الشرقية من حجرة السعادة وعلى بعد خمسة عشر ذراعا ومع ذلك بنى قصرين لا مثيل لهما أمام باب جبريل ، ولم يتجرأ أحد أن يبنى فى داخل المدينة مبنى فى هذا الاتساع وهذا العلو تأدبا. فكتب بعض المعترضين على جدران تلك الدائرة ليلا بيتا ضمّنه عدم الارتياح لما قام به شريف باشا :

وأخذ الناس يتحدثون فى اجتماعاتهم شريفهم ووضيعهم قائلين إن شريف باشا لن يستطيع أن يقيم فى هذه الدائرة الفخمة.

وفعلا حدث ما يتوقعون. إذ وجه إليه ولاية جدة ولما يتم بناء دائرة المشيخة وبهذه المناسبة لم يستطع أن يجلس ولو ساعة واحدة لإجراء الحكم فى الدائرة التى بناها وفقا لأفكاره الهندسية (لسان الخلق أقلام الحق).

وساحة المدرسة الشهابية أى الساحة المقابلة لدار عثمان بن عفان هى أرض دار أبى أيوب الأنصارى ـ رضى الله عنه ـ حيث استضاف النبى صلى الله عليه وسلم. وقد انتقل ذلك البيت الذى لا مثيل له من يد إلى أخرى وفى النهاية اشتراه مظفر شهاب الدين الغازى أخو الشهيد سلطان نور الدين وبنى مكانه المدرسة الشهابية وخص بها علماء المذاهب الأربعة ، وكان فى اتصال بيت أبى أيوب الأنصارى بيت الإمام الهمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام على زين العابدين بن الإمام حسين بن الإمام على بن أبى طالب «رضى الله عنهم».

وكان السبيل والمسجد الشريف اللذان ينسبان لأوقاف الإمام كانا فى داخل هذه الدار ، ولقد انتقلت تلك الدار مؤخرا ليد حارثة بن النعمان ، وتنازل ابن نعمان ، بدوره عنها لشاهين الجمالى الشجاعى. وبنى شاهين الجمالى هناك دارا خاصة به وجدد مسجد الإمام جعفر فى صورة عظيمة ، وأحياه.

وكان منزل الإمام حسن بن زيد بن حسن بن على بن أبى طالب مقابل منزل الإمام جعفر من الجهة الغربية وفوق ساحة الحصن المعروف ب «قويرع» وفى النهاية دخل سواء أكانت دار الإمام حسن بن زيد أو بيت الإمام جعفر تحت تصرف أمير الحرمين السيد الشريف محمد بن بركات.

وكان بيت فرج الحصين مقابل بيت حسن بن زيد أى فى مقابل المدرسة الشهابية ، وكان منزل عامر بن عبد الله بن عبد الله بن الزبير بن العوام بجانب دار فرج الحصين ، والدار التى كان يطلق عليها دار آل عمر فى اتصال دار عامر بن عبد الله بن الزبير بن العوام والرباط الذى يعرف الآن باسم (مراغة) فوق عرضه دار فرج الحصين.

فى ذكر الأرصفة التى كانت تحيط المسجد النبوى الشريف

فى عصر السعادة وبيوت الصحابة التى استقرت

على جانبى هذه الأرصفة (رضى الله عنهم)

اختلف المؤرخون القدماء فى الوقت الذى صنعت فيه الأرصفة التى على جهات مسجد السعادة الأربعة ، قال بعضهم : «إن أرصفة المدينة المنورة أحدثت فى عهد حضرة معاوية» ، وقال بعضهم رادين قول الأوائل : «وإذا ما نظرنا عندما دخل جابر بن عبد الله مع رسول الله إلى مسجد السعادة وقوله «وتركت جملى على الرصيف» ورواية رجم يهوديين على الرصيف وما نقل أن عثمان بن عفان كان قد توضأ فوق الرصيف ظهر أن هذا الرصيف كان فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم».

والرصيف الذى أنشأه معاوية بن أبى سفيان رصيف موضع الجنائز الذى فى الناحية الشرقية من مسجد السعادة.

ونحن أيضا نحكم بصحة القول الثانى لما ساقوا من أدلة قوية ترجح قولهم».

بناء على قول الثقاة الذين يبحثون عن الحق كان هناك عدة أرصفة متصلة بمسجد السعادة.

١ ـ الرصيف الأول من هذه الأرصفة «كان يبدأ من باب الرحمة مارا بسوق الصياغ والعطارين ويستمر إلى ضريح مالك بن سنان «رضى الله عنه» ومن هناك يميل وينعطف قليلا ناحية دار السلام ثم يعود فيتصل أمام باب الرحمة.

٢ ـ الرصيف الثانى من الأرصفة التى كانت فى عصر السعادة كان يبدأ من باب السلام ويمتد إلى أن يتصل ببوابة الحصن التى كان يطلق عليها باب السويقة دون انعطاف ولا انحراف إلى أى جهة ثم كان يعود إلى ناحية مصلى العيد

وينتهى عند منزل ابن هشام ، كان هذا الرصيف يمتد إلى نهاية مسجد السعادة بطريق الجهة الشرقية عن طريق بقيع الغرقد إلى منزل المغيرة بن شعبة ومن الناحية الشامية إلى نهاية مسجد السعادة كما قلنا ، وكان أحد الجهتين يتصل برصيف باب الرحمة فيعود من هناك وينقطع عند الدار الكبيرة التى تنسب لعثمان بن عفان لأن الأبنية التى فى الجهة القبلية من مسجد النبى صلى الله عليه وسلم بنيت ملاصقة للأبنية المقدسة لذلك لم تكن فى هذه الجهة أرصفة ، وبناء على هذا التعريف فإن الرصيف الذى كان ينتهى إلى المصلى النبوى كان أكبر الأرصفة وكانت جهتاه مزينتين ببيوت عالية ، وكان فى الجهة اليسرى لمن يتوجهون إلى مسجد السعادة من مصلى العيد النبوى منزل إبراهيم بن هشام وفى الجهة اليمنى التى تميل إلى الغرب يوجد منزل سعد بن أبى وقاص ، وكان يفصل بين هذين المنزلين طريق كبير.

والجهة اليمنى من منزل سعد بن أبى وقاص كان المنزل الذى أخذه من الإمام أبى رافع وفى الجهة اليسرى أيضا بيت منسوب للمشار إليه وكان يفصل بين هذين المنزلين طريق فى عرض عشرة أذرع. وكان حضرة سعد قد وقف جميع هذه المنازل فى حياته.

وكان فى اتصال منزل سعد الثانى وفى الجهة الشامية دار مشهورة بدار نوفل بن مساحق العامرى منسوبا إلى آل خراش من بنى عامر بن لؤى. كما أن خلف هذا المنزل كان «مكتب العودة» متصلا بمسجد بنى زريق. وكان فى الجهة اليمنى من منازل آل خراش الدار التى يطلق عليها «منزل حفصة» وفى الجهة القبلية من هذه الدار. دار عمار بن ياسر وفى جهتها الشرقية دار عبد الرحمن بن الحارث ، وفى الجهة القبلية من هذه المنازل مسجد «بنى زريق» وفى الطرف الشرقى منها شارع «دار عبد الرحمن بن الحارث» ودار أبى هريرة ـ رضى الله عنه ـ فى هذا الصف ، ولكن تلك الدار ستذكر فى الطريق الذى كان النبى صلى الله عليه وسلم يعود منه من صلاة العيد ، وإذا ما دخل الآن من باب المدينة المنورة إلى داخل المدينة واتجه ناحية مسجد السعادة فأول زقاق يصادفه الإنسان أرض دار عبد الرحمن بن

الحارث. وإذا ما رجع الإنسان من هناك لبقيت تلك الأرض فى اليمين. ومن كان فى هذا الموضع يصادف للجهة اليمنى القبلية مسجد بنى زريق. والذين يدخلون من باب المدينة إلى الداخل ففى جهتهم اليسرى الشامية توجد «دار آل خراش» ودار الربيع ، ودار نافع بن عتبة بن أبى وقاص ، وعلى الطرف الأيسر منهم «دار حويطب بن عبد العزى ودار آمنة بنت سعد بن أبى وقاص» وعلى جانبه «دار عمرو بن أبى وقاص ، وفى اتصالها زقاق عبد الرحمن بن الحارث وفى الجهة اليمنى فى هذا الزقاق «دار عبد الرحمن بن عوف» ، وعلى يمينها» زقاق أبى أمية بن المغيرة وأمامه وعلى يمين الزقاق ، «دار خالد بن سعد! يقال لها بيت ومنزل ابن عقبة ـ أيضا ـ وأمامه دار أبى الجهم مالك بن أبى عامر ، وبجانبهم «دار نوفل بن عدى» وكل هذه المنازل كانت منازل ذلك العصر المشهورة والمنتظمة.

قال موسى بن عقبة : قتلوا يهود بنى قريظة وأعدموهم على الرصيف الذى بجانب دار أبى الجهم ، حتى سالت دماؤهم على حجارة (١) المحلات التى تبيع زيت الزيتون إلا أن قول موسى بن عقبة مخالف لأقوال أئمة السير الذين قالوا إن النبى صلى الله عليه وسلم حفر حفرة فى سوق المدينة حيث قطعت أعناقهم بالسيف.

ومن هنا فقول موسى غير قابل للتأويل والقبول.

__________________

(١) هذه الحجارة بجانب مشهد مالك بن سنان وأمام البيت الذى أعطاه عمر بن الخطاب لعباد بن عبد المطلب ، ويقال لهذا المكان فى عصرنا «قبان الزيت».

فى تعريف السوق التى أرادها النبى صلى الله عليه وسلم

لأهل المدينة وجهاتها

أراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يعين لأصحابه الكرام مكانا للسوق للأخذ والعطاء فشرف أولا سوق «بنى قينقاع» ثم سوق المدينة وضرب الأرض برجليه المباركتين قائلا «هاهنا سوقكم ، فلا يضايق بعضكم البعض ، فلا تأخذوا ضريبة وجزية» ، وبناء على قول ابن زبالة أن النبى صلى الله عليه وسلم ، شرف يوما حى بنى ساعدة ليختار مكانا للسوق ، وخاطب أفراد بنى ساعدة قائلا : «لا إننى جئت إليكم طالبا حاجة منكم ، أعطونى مقبرتكم ، وسووها واتخذها سوقا».

وبما أن جماعات بنى ساعدة قبلوا ذلك وأعطوا مقبرتهم فضرب بقدميه على الأرض قائلا «ها هى السوق التى ستقيمونها للتجارة» وعين لهم حدودها الأربعة ، وعلى ذلك سطحت مقبرة بنى ساعدة وأقيمت هناك السوق ، وكانت مقبرة بنى ساعدة فى الجهة الشرقية لدار أبى ذئب.

وكانت إحدى جهات السوق التى أرادها النبى ـ عليه السلام ـ مصلى العيد ، وجهة أخرى منها الفاصلة التى بين سبيل سعد بن عبادة ، الجهة الثالثة سبيل سعد بن عبادة ، والجهة الرابعة حدود «ثنية الوداع» وكان حدود «بقيع الخيل الأربعة» داخل السوق التى عرّفت.

كان أهل المدينة يتبادلون التجارة فى السوق المذكورة إلى عصر عبد الملك بن مروان ، وقد اشترى إبراهيم عبد الملك فى عهد حكم أخيه هشام بن عبد الملك ١٠٦ ه‍ المحالّ المذكورة ، وأغلق أبواب ونوافذ تلك البيوت الناظرة إلى السوق ، وسد وأغلق كل المعابر كل واحد من تلك المحال ثم أسس كثيرا من البيوت

والمنازل وأجرها. وفتح أبوابا لكل منزل أجره لتكون خاصة للمستأجرين بالذين أستأجروها لعبورهم ومرورهم فى زاوية منزل عمر بن عبد العزيز الواقع فى الجهة الشامية من تلك البيوت التى أنشأها وفى نهاية رصيف مصلى العيد يعنى بجانب دار عباس المعروفة ب «الزوراء» التى فى قرب ضريح مالك بن سنان وأغلق جميع مناظر ومناور البيوت الكائنة فى جهة دار عباس «الزوراء» ولكن بيوت الإيجار التى بناها إبراهيم بن عبد الملك هدمت بعد وفاة هشام بن عبد الملك من قبل سكنة دار السكينة.

وأعيدت إلى حالتها الأولى فى سنة ١٢٥ ه‍ ، وظل هذا السوق فترة طويلة على هذه الحالة إلا أنه كلما تباعد عصر السعادة واتسعت البلدة الطاهرة تحقق لزوم إنشاء أسواق أخرى فى الأحياء الأخرى. واتخذ نظام إقامة الأسواق عادة بين الأهالى وأخذوا يطلقون على كل واحدة منها اسما خاصا ، إلا أن كل هذه الأسواق لم تكن أسواقا منتظمة تزينها المحلات والدكاكين ، وشأنها شأن أسواق استنبول والبلاد الأخرى تتألف من «أكشاك» خشبية وكراسى والدكاكين الوقتية وهنا أسواق عديدة بدكاكينها. إلا أنها كانت متقاربة وكان كلها فى ميدان المناخة كما أن بين الأحياء محلات العطارة وما يشبهها من الدكاكين الصغيرة.

والأسواق التى يذكرها أهل المدينة بأسمائها هى :

سوق الجباية «السوق التى تطلق عليها الجباية» أعظم وأهم أسواق المدينة وأكثرها نظاما ، ودكاكينها «أكشاك» ذات مظلتين وجهة تسميتها بهذا الاسم قصر بناء الحيوانات لهذه السوق.

سوق التجارة ـ هذه السوق فى الدرجة الثانية من أسواق المدينة وفى الجهة القبلية من سوق الجباية. وفيها يباع التمر ودكاكينها «أكشاك» معروشة.

سوق السمانة ـ هى سوقى الزياتين والرواسة ، وسوق بياعى الأكارع وبما أنهما متصلتان يعد الاثنان سوقا واحدة فى نظر الأهالى وتتكون الأكشاك والدكاكين من العروش.

سوق الفلتية ـ مثل الأسواق الأخرى تتكون من عدة دكاكين معروشة يباع فى دكاكين هذه السوق :

سوق «الأعشاب ، والجلود ، الحبال ، الفحم ، الحطب» وما يشبهها من اللوازم الأخرى.

الخضرية ـ سوق الخضراوات هذه تقع فى الجهة الشرقية للسوق سالفة الذكر ، ودكاكين بائعى الخضر أكشاك معروشة.

سوق الجزارة ـ هى سوق بيع اللحم التى تقام فى الجهة القبلية لسوق الخضراوات ، والقصابون يعرضون الأغنام المذبوحة معلقة على العلاقات ويبيعونها.

سوق العطارة ـ تقع مقابل سوق القصابين ، وتمتد هذه السوق إلى شارع النخاولة ، وتنتهى بالباب المصرى ويتجر فيها بمواد العطارة والأقمشة ، والتبغ والطباق ، وفى جهة من جهاتها مقهيان.

سوق البياطرة ـ تقع فى الطرف الشمالى إلى سوق الجباية وهى سوق الخيل ، ويباع فيها النحاس أيضا.

سوق البرسيم ـ سوق يباع فيها البرسيم.

سوق الفطارين ـ سوق تباع فيها هذه الفطائر والطعام ويتم البيع فيها إما فى الأكشاك المفروشة أو فى أماكن مكشوفة.

سوق الدلال الخردجية ـ سوق تباع فيها الأشياء القديمة مثل «سوق المقمل» فى إستانبول حيث تباع الأشياء القديمة ويقع سبيل فاطمة فى الجهة الغربية من داخل هذه السوق وبالقرب من باب مصر.

وفى هذه السوق أو فى الأسواق الأخرى عدة مقاهى للاستراحة.

الوجهة الخامسة عشرة

تحتوى على أربع صور فيها ذكر مصلى العيد النبوى

والمساجد والمنازل القائمة فى ممرات بهذه المساجد

ومسجد قباء وبيت النفاق الضرار

والمعابد النبوية المعلومة وغير المعلومة

فى ذكر المساجد التى صلى فيها سيد الزاهدين

محمد صلى الله عليه وسلم

صلاة العيد ومنازل الصحابة الموجودة فى طريقها

أول صلاة عيد أداها إمام الأنبياء ـ عليه أعظم التحايا ـ فى المدينة هما صلاتا عيد الفطر وعيد الأضحى اللتان أداهما النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة الثانية للهجرة.

وبناء على قول الإمام الواقدى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى هاتين الصلاتين للعيدين فى المكان الذى خلف بيت حكيم بن عدى بن بكر بن هوازن والمستقر بجانب أصحاب المحامل.

وحمل معه الحربة التى أعطاها النجاشى ملك الحبشة للزبير بن العوام.

ويحمل أئمة المدينة اليوم وهم يذهبون لأداء صلاة العيد تلك الحربة معهم. وكان ذلك الميدان فى الجهة الغربية فى المصلى المشهور الذى سبق تعريفه ، وفى اتصال حديقة «العريضية لا من جهتها الشمالية». وأحيط أخيرا بسور من جهاته الأربعة واتخذ مسجدا.

وعند ما حاصر المصريون حضرة عثمان بن عفان وضيقوا عليه الخناق وأمّ على بن أبى طالب الناس فى هذا المسجد بقى اسمه «مسجد على» وإن كان هذا ما يروونه إلا أن عليا بن أبى طالب لم يكن يؤدى الصلاة فى مكان لم يصل فيه نبينا إمام قبلة الدين ـ عليه السلام ـ وبناء عليه يلزم ألا يكون لهذه الرواية أساس.

ويروى بعض المؤرخين أن أبنية ذلك المسجد قد اندرست مع مرور الزمن ولم يبق لها أثر ، وقد اعتادت قوافل الحجاج أن يدفن فى خرائبه جنازات من يموتون

منهم ، ولقد عثر فى سنة ٨٨١ ه‍ والى المدينة المنورة خرائب هذا المسجد وطهرها وبنى الأبنية التى عليها اليوم ، إلا أن هذه الرواية تخالف الرواية التى نقلها كتابة.

يقول إبراهيم بن أمية ناقلا عن شيخ جليل ذو ضمير حى لا مع فى الرواية التى نقلها كتابة :

صلى النبى صلى الله عليه وسلم أول صلاة عيد فى المدينة المنورة بجانب منزل ابن أبى الجنوب فى محلة «الدوسى» وصلى صلاة العيد الثانى خلف منزل حكيم بن عدى بجانب دار حفرة ، وصلى صلاة العيد الثالثة بجانب منزل عبد الله بن درة المزنى الكائن بين دار معاوية ودار كثير بن الصلت. وصلى صلاة العيد الرابعة بين الحجارة السوداء القريبة من المصلى المشهور وصلاة العيد الخامسة داخل منزل محمد بن عبد الله بن كثير بن الصلت ، وصلاة العيد السادسة فى محل المصلى المشهور.

كان منزل ابن أبى الجنوب فى الجانب الغربى من وادى «البطحاء» وداخل منزل حكم حفرة سالف الذكر وكان منزل ابن درة (١) المزنى على الجانب الغربى من المصلى ودار كثير بن الصلت فى الجهة القبلية من المصلى المذكور والمكان الذى أشير إليه بالحجارة السوداء فى داخل حديقة «العريضية».

القريبة من مصلى العيد. ويوجد الآن فى الحديقة التى كانت تعرف بالريشهية فى ذلك الوقت المسجد الذى ينسب إلى الصديق الأعظم. لما كان الصديق الأكبر يصلى صلوات الله على أرض هذا المسجد عندما كان خليفة سمى هذا المسجد «مسجد أبى بكر».

صلى النبى صلى الله عليه وسلم صلاة العيد الأولى بالقرب من دار الشفاء وصلاة العيد الثانية فى محلة «الدوسى» وصلاة العيد الثالثة فى المكان الأنور الذى يسمى مصلى العيد ، بعد ذلك لم يترك هذا المكان حيث أدى جميع صلوات

__________________

(١) درة اسم قبيلة تتشعب عن جماعة مزينة.

العيد بعد ذلك فى هذا المكان فى حياته ، هذا هو المروى وهذه الرواية جديرة بالترجيح على تدقيقات الإمام الواقدى وإبراهيم بن موسى لقول ابن شيبه ناقلا عن شيخه ومصاحب الإمام مالك : من باب مروان ـ أى من الباب الذى عرف بباب السلام ـ إلى مسجد السعادة ومصلى العيد ألف ذراع وليس فى المدينة المنورة فى طريق مصلى العيد مكان أقدس من مصلى العيد بعد المسجد النبوى الشريف.

ينقل عن جناح النجار أنه قال : كنت قد ذهبت إلى مكة مع أخت سعد بن أبى وقاص «عائشة» فقالت لى فى أثناء الطريق : «أين تقيم فى المدينة؟» فقلت لها : أسكن فى بيت قائم على رصيف من أرصفة باب السلام. عندئذ قالت لى : «إذا كان كذلك فلا تترك هذا البيت ، لأن والدى سمع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن ما بين مسجدى والمكان الذى صلى فيه العيد جنة من رياض الجنة» ، وبهذا بين قداسة الطريق الذى بين المسجد الشريف ومصلى العيد وعرف أشرفيته.

وكلما كان النبى صلى الله عليه وسلم عائدا من أحد أسفاره ويصل إلى مصلى العيد ، يستقبل القبلة ويدعو. وكان يذهب من طريق لأداء صلاة العيد ويعود عن طريق آخر ، كان يذهب إلى المصلى من شارع باب السلام ويعود من الطريق الذى يمر من أمام دار عمار بن ياسر وكان الصحابى أبو هريرة يتباهى ويتفاخر قائلا : «إن زاوية دارى أحب إلى وأجمل من كل شىء وكيف لا تكون كذلك؟! والنبى صلى الله عليه وسلم كان يذهب من إحدى زواياها إلى مصلى العيد ويعود من زاويتها الأخرى».

وقد خرب مصلى العيد النبوى وفيما بعد جدد فى سنة ٧٤٨ ه‍ من قبل السلطان ناصر الدين حسن بن قلاوون ، وإلى الآن فوق طاقة حجر كتبت عليه العبارة الآتية : «قد جدده شيخ الحرم النبوى عز الدين بإدارة ناصر حسن بن محمد بن قلاوون سلطان مصر سنة ٧٤٨».

ويقع المسجد المذكور فى الجهة اليسرى من حديقة «عريضية» وكان قد جدد

أيضا فى سنة ٧٦٢ ه‍ ولما كان مسجد مصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى مدخل حديقة عريضية كان الدخول فى هذه الحديقة يتم من داخل المسجد الشريف وكانت ساحة المسجد الشريف تلوث بسبب الحيوانات التى تدخل وتخرج من وإلى الحديقة ووصلت القذارة أحيانا إلى كل مكان لدرجة أن المصلين لا يجدون فيه قبة لأداء الصلاة. فاستدعى الأمير إينال صاحب الحديقة واستأذنه وصنع للحديقة بابا آخر. وصنع للمسجد سقفا مخصوصا وفتح للشبكة التى فى الجهة الغربية بابا فى جدارها وجعل دهليزا خاصا لدخول الحيوانات. وبما أن الحيوانات منعت من الدخول لحرم مسجد النبى صلى الله عليه وسلم فى المصلى ظل دائما نظيفا ؛ وفى سنة ٨٦١ ه‍ وبما أن باب مصلى العيد كان خاليا من المصراع فتحوا بابا فى مواجهة المحراب لجداره الشامى. وركبوا لبابه القديم مصراعا ؛ وكان للباب الذين فتح حديثا من خارجه مكان يصعد إليه بسلم ؛ وعمرت صفة ذلك المكان اللطيف فى عهد الأشرف إينال تحت نظارة الأمير برد بك فى سنة (٨٦١) وكان الأئمة الذين يؤمون الناس فى صلوات الجمع والأعياد والخطباء يجلسون فى هذه الصفة. بينما كان الأمير يرد بك يعمر هذه الصفة جعل للخارجية فاعتاد الأعيان من أهل السنة أن يجلسوا فى هذا المكان من الأئمة والخطباء وعندما يحين وقت الصلاة كانوا يدخلون فى المسجد.

أول من قام بالإمامة والخطابة تحت هذه السقيفة من قضاة أهل السنة هو العلامة «سراج الدين أحمد ـ رحمه الله ـ الذى عينه منصور قلاوون الصالحى وأرسل إلى المدينة المنورة سنة ٦٨٢ ه‍ وبما أن جميع القضاة والخطباء قبل سراج الدين أفندى كانوا من طوائف الزنادقة قد تعرض سراج الدين أفندى من أفراد الزنادقة لكثير من التحقير والإهانة كما عرف ذلك فى الصورة العاشرة من الوجهة الأولى والصورة العاشرة من الوجهة الثالثة.

ابن فرحون من المؤرخين الذين أدركوا الدور الذى ظهر فيه أفراد الزنادقة على أهل دار السكينة وتغلبوا عليهم. وقال فى تاريخه : «إننى رأيت بنفسى ما ألحقته طائفة الملاحدة لائمة أهل السنة من الإهانات رأى العين ، كانوا يرجمون

أئمة أهل السنة الذين يصلون فى المحراب والخطباء الذين يخطبون على المنبر وبلغ من جرأتهم وغلوائهم أن الأئمة الذين يؤمون المصلين فى صلاة العيد كانوا لا يستطيعون أن يخرجوا من الباب الرئيسى بل يخرجون من الأبواب الصغيرة التى فتحت فيما بعد. ولا يستطيعون أن يخطبوا مواجهين الجمهور وكانوا يصعدون من سلم الصفة التى عمرت فى عهد الأشرف إينال ويخطبون وهم يستدبرون القبلة ؛ ولكن السقيفة التى صنعت فيما بعد من قبل أمير المعمار برد بك تحول دون رؤية وجه الخطيب ، وإلقاء الخطبة بهذا الشكل كان مخالفا للسنة النبوية الشريفة إلا أن إلقاء الخطباء خطبهم بهذا الشكل كان مبنيا على رأى الأهالى الذين يرددون أن النبى صلى الله عليه وسلم قد ألقى الخطبة فى ذلك المكان الميمون. وبعد أن غلبت طائفة الملاحدة الرذيلة على أمرها ، تركت الحالة السابقة كليا وأخذت الخطب تلقى على الوجه المسنون».

إن المعبد اللطيف الذى ذكرناه طويلا سابقا مازال موجودا إلى يومنا هذا ويعرف باسم «مسجد النبى» ويشتهر بذلك.

تذكر وتعرف مسجد قباء

بناء على ما ورد فى الكلام عن سنة الهجرة شرف النبى صلى الله عليه وسلم قرية قباء بالنزول فيها. وسكن محلة بنى عمرو بن عوف أكثر من عشرة أيام وتفضل بإقامة مسجد قباء ، هذه الرواية منقولة عن أئمة السير ، إلا أن فرقة من المؤرخين يرغبون فى رد هذه الرواية ، وبناء على أدعاء هؤلاء المؤرخين تبين لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم أقام ثلاث ليال (١) فى محلة بنى عمرو بن عوف فى مكان وأخذوا يصلون فى مربد كلثوم بن هدم حيث أسسوا مسجد قباء ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يصلى مدة وجوده فى محلة بنى عمرو بن عوف على ساحة هذا المسجد وذهبت فى فرقة من المؤرخين إلى أن أسعد بن زرارة قد أسس مسجد قباء قبل الهجرة وقالوا موضحين ذلك كانت ساحة مسجد قباء مربد كلثوم بن هدم ، وكان أسعد بن زرارة قد أحاط هذا المكان من جهاته الأربعة بجدار حتى يصلى فيه الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ الذين هاجروا قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وليجتمع مع سائر المسلمين الذين سيأتون يوم الجمعة من سائر القرى ، وصلى النبى صلى الله عليه وسلم فى داخل هذا المكان وأمرهم بأن يتخذ أهل قباء هذا المكان مسجدا لهم.

وإننا نحكم بأن ما قالته هذه الطائفة من المؤرخين خطأ من أساسه ونرى أن ما ذكرته الطائفة الأولى من المؤرخين أقرب إلى الصحة ، لأن النبى أثناء مقامه فى محلة بنى عمرو بن عوف صلى فى ساحة مسجد قباء ، وهذا قطعى الثبوت

__________________

(١) اختلف الرواة فى المدة التى أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قباء ، فقيل أربعة ، وقيل أربعة عشر وقيل اثنان وعشرون. انظر : السيرة النبوية لابن هشام ٢ / ٨٠ ـ ٨٣. ط دار الفكر بتحقيق محمد فهمى الرجانى. والدرر لابن عبد البر من ٨٥ ، وغيرها.

وروايته تستند إلى أقوال موثوق بها. بينا ادعى جابر بن سمرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسس وبنى مسجد قباء بعد تشريفه مدينة العز المدينة المنورة وقال : قام النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة وشرف قرية قباء ، وقال لمستقبليه من أهل قباء : «يا سكان قباء» ، وبعد ما هيأ أهل قباء مقدارا كافيا من الحجارة خط رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربته حدود المسجد الميمون وأمر بحفر أساسه ، وحمل بنفسه قطعة من الاجرّ ووضعها فى المكان الذى سيتخذ محرابا ، ثم خاطب أبا بكر الصديق وقال له : «يا أبا بكر خذ أنت أيضا حجرا وضعه فوق حجرى ، ويا عمر احمل أنت أيضا حجرا وضعه فوق حجر أبى بكر ، ويا عثمان ضع أنت أيضا الحجر الذى حملته بجانب حجر عمر ويأ ايتها الجماعة ، ابنوا الجدران بوضع الحجارة حيثما تريدون». وهكذا أمرهم بطرح وبناء مسجد قباء المقدس ؛ انتهى.

ويفهم مما أورده جابر بن سمرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قد حضر وصنع أساس المسجد المذكور الذى سيتخذ المحراب المذكور وأن أهل قباء قد أكملوا بناء جدران وسقف المسجد بعد أن شرف النبى صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة ، وبناء على هذا أقول يقتضى الحكم بصحة ما ادعاه سواء أكان أهل السير أو المؤرخون.

قد حضرت شموس بنت نعمان وضع أساس مسجد قباء وعندما أخذ النبى صلى الله عليه وسلم حجرا ووضعه فى المكان الذى سيتخذ محرابا وكانت تقول كلما تعرف وضع أساس المسجد المذكور : إننى أجلت النظر فى الصحابة الكرام الواحد تلو الآخر فى أثناء إرساء أساس مسجد قباء ، وقد حمل النبى حجرا كبيرا وكان فى غاية الثقل كان ثقل الحجر يؤثر فى سرته المباركة ؛ ولما رآه واحد من الصحابة الكرام على هذه الحالة قال للرسول صلى الله عليه وسلم يا رسول الله فداؤك أبى وأمى ، اترك هذا الحجر حتى أحمله عنك فقال له الرسول! لا فليحمل كل واحد منكم حجرا كبيرا حتى تكملوا إرساء أساس المسجد ؛ لأن جبريل ـ عليه السلام ـ يرينى الكعبة المعظمة.

وأضافت شموس : من هنا أعرف أن مسجد قباء أقوم المساجد من حيث اتخاذ القبلة.

ورواية شموس بنت نعمان (١) هذه «مسجد قباء أقوم المساجد من حيث اتخاذ القبلة رواية صحيحة ، ولكن بناء مسجد قباء كان قبل تحويل القبلة ، وبما أن القبلة تحولت بعد ذلك بسنة فمحراب أبنية مسجد قباء الذى كان فى ذلك الوقت غير موجود الآن.

اختلفت الأئمة فى سبب نزول الآية الكريمة

(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة : ١٠٨) أنزلت فى مسجد قرية قباء أم أنها نزلت فى مسجد النبى فى المدينة؟

فقالت طائفة منهم : إنها نزلت فى مسجد قباء ، وقال بعضهم : إنها نزلت فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما حجة الطائفة الأولى وسندها فهى قوله تعالى (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) (التوبة : ١٠٨) ومن هنا فهذا مرجح على القول الثانى ولما وجد من العلماء من يرجحون القول الثانى وفق العلماء المدققون بين الأقوال المختلفة بأن وجهوا الآية الكريمة قائلين أنها نزلت فى حق كلا المسجدين. دقائق هذا البحث وتفصيلاته مدونة فى الصورة الثالثة من الوجهة الثانية.

وطيلة المدة التى أقام فيها النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة كان يزور مسجد قباء كل يوم سبت راجلا أو على صهوة فرس ، حيث يؤدى ركعتين تحية للمسجد ، كما يروى أنه صلى الله عليه وسلم كان يمضى إلى هذا المسجد فى أيام الاثنين وفى اليوم السابع عشر من شهر رمضان.

كان عمر بن الخطاب يزور مسجد قباء يومى الاثنين والخميس فى أيام خلافته وكان يتوقى عدم ترك هذه السنة ويحافظ عليها ؛ حتى إنه ذهب فى يوم من الأيام إلى المسجد ولما لم يجد فيه الناس غضب غضبا شديدا وقال : «والذى نفسى بيده ، لقد رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر كانا يحملان حجارة كبيرة حينما وضع أساس هذا المسجد ، وكان جبريل الأمين يرى للرسول البيت المعظم ؛ أقسم بالله لو كان هذا المسجد فى بلد من البلاد المجاورة لكانوا ذهبوا لزيارته أفواجا أفواجا.

__________________

(١) ترجمتها فى الإصابة ٨ / ١٢٢ ـ ١٢٣ ، وذكر لها الحافظ ابن مجر طرق الحديث الوارد هنا.

فأتونى بمكنسة وعندما أتى له بمكنسة خلع ثيابه وأخذ يكنسه بعد أن نظفه من خيوط العنكبوت ، وقال للذين طلبوا منه أن يترك لهم كنس المسجد إنكم لن تستطيعوا أن توفوه حقه من التنظيف مثلى.

ونقل عن زيد بن أسلم أنه قال : «نشكر الله على أن مسجد قباء فى مدينتنا لو كان فى مكان بعيد للزوم أن نزوره راكبين الجمال».

كما نقل عن عائشة بنت سعد بن أبى وقاص أنها قالت كان أبى يقول : إن أداء ركعتين من الصلاة فى مسجد قباء خير من زيارتين للمسجد الأقصى ، ولو عرف الناس ما فى مسجد قباء من فيوضات إلهية ، لقدموا لزيارته من كل صوب وحدب».

وهذا مروى بأسانيد قوية. والحقيقة أن الصلاة فى مسجد قباء أفضل من الصلاة فى المسجد الأقصى ، كما أن ركعتين وفى رواية أربع ركعات فى هذا المسجد تعدل ثواب عمرة ، وهذا ما ثبت بالأحاديث الصحيحة.

قال عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو فى طريقه إلى زيارة مسجد قباء لسائليه الذين استفسروا عن الجهة التى يقصد إليها أنا ذاهب للصلاة فى مسجد قباء الكائن فى منازل عمرو بن عوف ؛ لأنى سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : «كل من صلى فى مسجد قباء كان ثواب صلاته ثواب العمرة».

ويقول سعيد جبير الأسدى : «ذهب أنس بن مالك إلى مسجد قباء وصلى ركعتين وبعد الصلاة جلس فى ركن من أركان المسجد وأنا أيضا جلست قليلا ثم ذهبت إليه وجلست بجانبه عندئذ خاطبنى قائلا : يا سعيد! ما أعظم قدر هذا المسجد ، لو كان على بعد شهرين من الزمن لوجبت زيارته! وكل من خرج من بيته ناويا زيارة مسجد قباء وأداء أربع ركعات من الصلاة فيه ، فالله يثيبه أجر عمرة» (١).

__________________

(١) رواه ابن ماجه وغيره من حديث سهل بن حنيف ، ورواه الطبرانى فى الكبير من حديث كعب بن عجرة ، كلاهما بمعناه وحديث سهل بن حنيف فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف ، وحديث كعب بن عجرة فى رواته يزيد بن عبد الملك النوفلى ، وهو ضعيف. انظر : مجمع الزوائد : ٤ / ١١.

وعلى كل من يريد أن يعرف المحل المقدس الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة أن يزور العمود الثالث بعد دخوله المسجد وأن يؤدى بجانبه أربع ركعات تحية ، وهذا العمود هو أقرب مكان إلى ساحة المسجد أى إلى الميدان المكشوف.

وقد بنى مؤخرا إلى الجانب الشرقى من هذا العمود محراب وكان هذا إشارة مصلى النبى صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن المحراب الذى بنى فيما بعد كان قبل تحويل القبلة وأنه يومئ إلى المكان الذى كان يؤدى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم صلاته ، إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يؤدى صلاته فى ذلك المسجد بعد تحويل القبلة فى الجهة الشرقية من العمود الثالث اعتبارا من الساحة الرملية للمسجد المذكورة.

ولا شك فى صحة هذه الرواية إلا أن المسجد وسع فيما بعد وتغير مكان الأسطوانة المعلقة وإذا عدت الآن الأساطين القائمة بناء على تعريف المؤرخين فمن الصعب العثور على العمود الذى يشير إلى المصلى النبوى بل من المستحيل ؛ وخاصة أن باب المسجد فى ذلك الوقت كان خلف منزل سعد بن خيثمة ، وفى زماننا هذا الباب مسدود ومجهول الموقع ؛ لأجل ذلك ركزوا عمودا خاصا علامة على مصلى النبى صلى الله عليه وسلم ؛ وبناء على هذا لا يقتضى عد الأعمدة بل البحث عن العمود الذى ركز إشارة وعلامة للمصلى النبوى. وإن كان قد وضع على أحد الأعمدة المتصلة بالساحة الرملية محراب وكتب على طاقه الآية الكريمة.

(لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) (التوبة : ١٠٨)

وأشير إلى أن هذا المكان هو المصلى النبوى.

إلا أن هذا المكان ليس المصلى النبوى بل مكان نزول الآية الكريمة المذكورة. وفى مواجهة هذا المحراب الذى كتبت على طاقه الآية الجليلة حظيرة من خشب عليه قبة مكسوة بالرصاص ، وأخبرنا ابن جبير أن هذه الحظيرة مبرك ناقة النبى صلى الله عليه وسلم ، إلا أن المؤرخين الآخرين ترددوا فى تصديق رواية ابن جبير.

جدد مسجد قباء فى عصر السعادة فوسع طولا وعرضا بمقدار ستة وستين ذراعا وكانت ساحة المسجد طولا خمسين ذراعا وعرضا ستة وعشرين ذراعا ، وأضاف عثمان بن عفان مؤخرا الجدار (١) القبلى وعند البعض إن هذه الإضافات كانت فى عهد وليد بن عبد الملك.

وعندما كان عمر بن عبد العزيز واليا على المدينة وسع مسجد قباء وزين جدرانه وسقوفه بالفسيفساء والنقوش. وأضاف إليه مئذنة وعدة عقود. وصنع سقفه من خشب الساج وترك ساحته التى فى الوسط مكشوفة.

وبما أن ما جدده عمر بن عبد العزيز أشرف على الانهيار والخراب مع مرور الزمن فجدد فى سنة ٥٥٥ ه‍ كما جدد عمود المحراب سالف الذكر سنة ٦٧١ ه‍ ، كما جدد بعض جهات من سقفه سنة ٧٣٣ وفى سنة ٨٤٠ ه‍ الجهات الأخرى من السقف المذكور. وقد أصلح وعمّر فى سنة ٥٥٥ من قبل جمال الدين الأصفهانى ومن الناصر قلاوون المصرى سنة ٧٣٣ وفى سنة ٨٤٠ من قبل الأشرف برسباى المصرى ، على قدر الإمكان.

ومال سقف المسجد ومئذنته للوقوع بفعل مرور الزمن ، فبعث الأهالى فى سنة ٩٥٠ ه‍ إلى السلطان سليمان ـ طيب الله ثراه ـ يسترحمونه ويرجونه فأرسل المختصين فهدموا مئذنته وما خرب من سقفه وبناهما من جديد ، وزين ونور داخل المسجد وخارجه بالقناديل والثريات التى أرسلت من باب السعادة كما عين للمسجد الخطباء والأئمة والمؤذنين. ودام هذا التعمير ما يقرب من ١٦٠ سنة ، وبما أنه لم يعمر ولم يرمم فى هذه الفترة من قبل أحد ، فأوشكت جدرانه ومئذنته على الانهيار فحرم عشاق النبى صلى الله عليه وسلم من زيارة ذلك المسجد ، وبناء على هذا عرض الأمر من قبل أهالى دار السكينة ، وموظفى المدينة على الأعتاب السلطانية فصدر الأمر السلطانى للقيام بما يقتضى ، وأعلم بالأمر المعمار سليمان بك الذى أرسله السلطان مصطفى خان بن السلطان محمد خان لتعمير مسجد

__________________

(١) تسمى هذه الأسطوانة الأسطوانة المعلقة وليس فى جهته القبلية أسطوانة غيرها.

السعادة ونبه بإجراء اللازم ، وبعد ما أتم سليمان بك تعمير مسجد السعادة وجدده قام بتجديد جدران مسجد قباء ومئذنته بعد ما هدمهما. وبنى قبة على أربعة أعمدة فوق مبرك الناقة ثم بنى خارج المسجد سبيلا وعدة دور للخلاء وحفر فى ساحة المسجد الرملية بئرا عميقة تمد السبيل ودور الخلاء بالمياه وهكذا أوفى مهمته على أحسن وجه فى سنة ١١١١ ه‍.

ودام هذا التعمير ١٣٣ سنة وأهمل المسجد نتيجة لتقلب الزمن وساءت حالة المسجد أكثر لغض المدينة النظر عن حالة المسجد حتى أوشك على الانهيار بغتة ، فعرض الأمر على عتبة السلطان محمود خان بمحضر عام فى سنة ١٢٤٤ ه‍.

فما كان من السلطان محمود إلا أن ببناء المسجد بعد هدم جميع مشتملاته. وبناء على ذلك سافر إلى المدينة المنورة المهندس عزت خليفة وأمين البناء وحيد أفندى بعد ما تم اختيارهما تعيينهما من قبل الباب العالى. وبمجرد وصولهما ثابرا فى إيفاء مهمتهما فهدما مسجد قباء مع قبابه وجدرانه بالكامل وجددوه. فى صورة محكمة قوية. وكانت أعمدة المسجد المذكور أصبحت فى حالة غير لائقة للاستعمال فهدمها وحيد أفندى وجددها.

وهدم كذلك المحراب القديم محراب النبى ، ومحراب منزل الآية ، وقبة مبرك الناقة ، وسبيل محمد باشا وجددها على طراز جديد. وأمر بكتابة الأبيات التى أرسلت من باب السعادة فوق طاقات هذه الآثار الشريفة. والأبيات التى كتبت فوق عقود الآثار الشريفة هى : البيت الذى لا نظير له والذى كتب على طاق محراب الكشف :

«أصبح طاق الكشف لمحراب النبى علما ومن هنا انكشفت أرض الحرم لحضرته»

البيت المؤثر الذى كتب على محراب مبرك الناقة :

إن اسم هذا الموضع الطهور مبرك الناقة فأصبح قصوى جوا لآيات السلطان مولاك»

البيت اللطيف المحرر على محراب منزل الآية المختار :

«يقولون إن آية (أُسِّسَ) (التوبة : ١٠٨) نزلت ها هنا تعال وقم هنا يا أيها المقتدى بأثر الرسول»

الحديث الشريف الذى كتب على المحراب الجديد :

قال النبى صلى الله عليه وسلم ، «من تطهر فى بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان كأجر عمرة» (١).

التاريخ الذى كتب على طاق باب مسجد قباء الشريف.

إمام المسلمين ملك الدنيا السلطان محمود خان

الخلافة مختصة بذاته والكرامة مهيأة لطبعه

حينما سمع ما حل بالمسجد من خراب

بادر فى التو إلى تطييب خاطر أهل طيبة بترميمه

نزلت آية التأسيس فى حق هذا المسجد

فليشهد بمكانة هذا السلطان الذى جدد

كلما كان هذا المكان مسجدا لأهل

الحاجة فليكتب للدين والدولة البقاء

كتبت التاريخ أنا «برتو» وسجدت شاكرا

كان هذا المسجد خرابا فعمره محمود خان

فأرسل من باب صاحب القرار النجارون والمهذبون وما يقتضيه بناء المحراب من الأدوات والأحجار فأقيم محراب فخم على يمين منبر السعادة من قطع رخام ملونة خاص بالجماعة الحنفية فى جمادى الأولى من سنة ١٢٥٨ ه‍ وقرر أن يؤدى أئمة المذهب الحنفى صلواتهم فى هذا المحراب ، وظل الإمام الحنفى يؤدى الصلوات فى هذا المحراب قرابة سنتين.

__________________

(١) سبق تخريج الحديث.

إلا أن الأمر السلطانى قد صدر بأن يصلى فى محراب النبى الإمام الشافعى وفى اليوم الآخر الإمام الحنفى أخذ أئمة المذهب الحنفى والشافعى يؤدون الصلاة مناوبة فى المحراب النبوى ما يقرب من ٢٦٩ سنة ، ولما ذهب والى مصر محمد على باشا إلى المدينة المنورة بعد واقعة الوهابية فى سنة ١٢٢٩ ه‍ بقصد زيارة الحجرة المعطرة وضع نظام أن يؤدى كل من أئمة المذهبين كل يوم الصلاة فى المحراب النبوى ، وما زال هذا النظام جاريا ، فيصلى الإمام الشافعى صلوات الصباح قبل الإمام الحنفى ويصلى الإمام الحنفى صلوات الأوقات الأخرى قبل الإمام الشافعى ، ولكن فى أيام مواسم الحج يصلى الإمام الحنفى فى المحراب العثمانى ويصلى الإمام الشافعى فى المحراب النبوى بعدما يتم الإمام الحنفى صلاته.

وهذا النظام خاص بمواسم الحج ، ويصلى الإمامان صلوات التراويح فى وقت واحد.

صورة ظهور المذهب الحنفى وزمان ظهوره :

بعد أن نقل ابن فرحون فى هذا الخصوص أقوالا كثيرة ، قال : «كان سكان المدينة المنورة إلى عصر شمس الدين العجمى يعتنقون مذهبين المالكى والشافعى».

وعندما هاجر شمس الدين أفندى إلى المدينة شجع بعض علماء المذهب الشافعى على الاشتغال بمسائل المذهب الحنفى ، وكان هؤلاء العلماء قد دققوا النتائج الأساسية لذلك المذاهب ، وأخذ علماء المذهب المذكور يتكاثرون أخذوا يتفقهون وأصبحوا أئمة زمانهم من هنا أخذ الأهالى يستفيدون من علومهم ويستفتونهم ومن ذلك الوقت أخذ المذهب الحنفى ينتشر فى المدينة المنورة سنة ٧٢٣ ه‍.

إن المحراب السليمانى يقع ـ بناء على تعريف مؤلف «الجواهر الثمينة» من مؤرخى المدينة المنورة ـ فى الجهة اليمنى من محراب النبى صلى الله عليه وسلم وعلى يسار منبر السعادة وبجانب العمود الثالث ابتداء من المنبر الشريف ، وفى نهاية الطرف

الغربى لما أضافه عمر بن الخطاب ، وقد بنى ذلك المحراب كما ذكر آنفا السلطان سليمان بن السلطان سليم فى سنة ٩٥٨ ه‍ وخصه بأئمة المذهب الحنفى والمالكى ، وعرف بالمحراب السليمانى ا. ه. (١)

وكان أئمة الحنفية لا يؤمون الناس إلى سنة ٨٥٨ ه‍ فى مسجد السعادة وكانت مهمة القضاء والإفتاء منحصرتين فى علماء المذهب والمالكى.

وفى عام ٨٦٥ ه‍ بناء على طلبات ملوك مصر وضع نظام أن يصلى أئمة الشافعية صلاة الصبح قبل المالكية وأن يصلى أئمة المالكية مع جماعتهم الكبرى الصلوات الأخرى قبل الشافعية.

وكان من عادة النبى صلى الله عليه وسلم كلما شرف مسجد قباء بزيارته أن يمر بدار أم حرام (٢) زوجة عبادة بن الصامت وكان لا يجيد عن هذه العادة ذات الحكمة النبوية.

ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشرف دار سعد بن خيثمة فى قرية قباء وكانت دار حضرة سعد فى ذلك الوقت فى الركن الغربى لجدار المسجد القبلى. وفى وقتنا هذا فموقع مسجد على فوق ساحة هذا المنزل الذى لا نظير له. وكان سعد بن خيثمة يؤدى صلاته طول عمره فى ذلك المكان المبارك. وبناء على قول ابن شيبة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان من عادته أن يستريح مضجعا فى دار سعد ويجدد وضوءه ومن هنا كان سعد بن خيثمة يؤدى صلاته فى المكان الذى كان يضطجع فيه النبى إلى أن توفى.

وكان قصر كلثوم بن هدم الساحر خلف الجدار القبلى لمسجد قباء. وقد شرف

__________________

(١) يلزم أن يكون هذا الطريق فى زماننا فى مواجهة محل يسمى سويقة فى الطريق القبلى لسور حصن المدينة.

(٢) لما كان هذا المنزل فى داخل منازل بنى سالم الكائنة فى الجهة الغربية من مسجد الجمعة ومن هنا يتضح ويثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم كلما كان يشرف مسجد قباء يمر من جهة مسجد الجمعة. والخبر صحيح كما جاء فى صحيح البخارى وغيره. انظر : الإصابة ٨ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣.

الرسول صلى الله عليه وسلم فى أول هجرته دار كلثوم بن هدم وصحب معه أبا بكر الصديق واستضافه فى ذلك المنزل اللطيف ومن هنا يعد من الآثار المباركة والمنازل المقدسة.

وقد اتخذت هذه الدار المباركة مؤخرا مسجدا والمسجد اللطيف الذى يعرف فى أيامنا باسم مسجد فاطمة قد أقيم فوق ساحة منزل ابن هدم.

مسجد ضرار

كان الذين بنوه اثنى عشر رجلا : خذام بن خالد من بنى عبد بن زيد أحد بنى عمرو بن عوف ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة بن حاطب من بنى عبيد وموالى بنى أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير من بنى ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر من بنى ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بنى عمرو بن عوف ، وحارثة بن عامر ، وابناه مجمع بن حارثة وزيد بن حارثة ، ونبتل بن الحارث ، وهم من بنى ضبيعة ، وبجاد بن عمران وهو من بنى ضبيعة ، ووديعة بن ثابت ، وموالى بنى أمية رهط أبى لبابة بن عبد المنذر.

كان أبو عامر من أفراد قبيلة الخزرج ، وكان ملما بعلوم التوراة والإنجيل وكان يمارس تعليماتهما وكان سالكا بطريقة الزهد والعبادة وكان منهمكا باستحصال الرياسة العلمية وقد اختار قبل البعثة طقوس النصرانية وكان يكتسى الملابس القديمة ومن هنا اكتسب لقب الراهب. وكان قد اطلع على أوصاف النبى صلى الله عليه وسلم بالاستماع إلى علماء الإنس والجن وكان يصفه لأهالى أرض يثرب قبل الهجرة ويعدد المنافع الدنيوية والأخروية فى اتباعه ويرغب أهل المدينة فى تصديق النبوة المحمدية ويشوقهم إلى ذلك.

وعندما أبهج النبى صلى الله عليه وسلم بقدومه الميمون المدينة وأصبح مغتبطا من أهل الأرض والسماء وأخذ أهل المدينة وأطرافها يبدون للنبى صلى الله عليه وسلم علامات الميل والركون ملأ هذا قلب أبى عامر القاسى بالحزن والحقد ، وأخذ يسعى لمنع أهل الإيمان عن متابعة باعث المغفرة ويبعدهم عنه بنشر ترهاته التى تقول : إن الشخص الذى

وصفت مقدما شمائله المباركة ونبى آخر الزمان الذى عرفته ليس الشخص الذى أتى إلى بلدنا وادعى النبوة. وإن كان له بعض علاماته الظاهرة وتردد أبو عامر مع المنافقين الذين يشاركونه فى أفكاره فى قبول الإسلام كما أشير إلى ذلك فى الآية :

(وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (البقرة : ٨٩)

ودب دبيب الحسد فى نفسه للنصر الذى أحرزه المسلمون فى غزوة بدر الكبرى ، ومضى إلى مكة وحرض القرشيين على الحرب والثأر وتجرأ فى وقعة أحد المكدرة أن يرمى أول سهم على المسلمين من أجل ذلك لقبه النبى صادق القول ب «أبو عامر الفاسق».

قال بعض أئمة السير حينما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مثل أبو عامر الفاسق أمام النبى صلى الله عليه وسلم وقال له : يا محمد! ما نوع الأشياء التى تقول أنك أحضرتها من قبل الله فأجابه النبى صلى الله عليه وسلم إنه دين إبراهيم الحنيف فتفوه قائلا : أنا أيضا أتبع شريعة الدين الحنيف وأعلم بأحكامها وأراد بهذا أن يعرض أنه كان يعتنق قبل البعثة دين خليل الرب الجليل.

فقال النبى صلى الله عليه وسلم : ألا إننى جئت بدين إبراهيم على المحجة البيضاء ، لا على ما ظننت وخمنته فغضب أبو عامر على أنه كذب بهذا الشكل وقال : «فليجاز الله الكذاب بالطرد والانعزال» ، وهكذا أظهر غيظه وحقده ونجى من القتل فى غزوة أحد وهاجر إلى بلاد الشام ، وانتسب بالمرة إلى حاكم القسطنطينية هرقل وحثّه على السعى لتجهيز الجيوش ضد المسلمين ولكنه لم يوفق فى ترويج أمله وتحقيقه.

وعندما عاد إلى المدينة قبل وقعة تبوك بمدة واشتغل بنشر العلوم حتى يستطيع

فعل ما فى ضميره من الفساد وأرسل إلى قومه واجب اللوم من منافقى بنى غنم رسالة ذات أسلوب لعين تتضمن نفاقه الذى اعتاده يقول فيها : «إننى سأعود إلى المدينة مستصحبا معى عساكر من قيصر الروم ، فاستعدوا أنتم أيضا بتجهيز الأسلحة اللازمة وانتظروا قدومى ، وابذلوا جهدكم لبناء مسجد رصين الجدار أمام مسجد قباء وفى حى أصحاب النفاق».

وحينما أخذ منافقو بنى غنم الذين سبقت أسماؤهم أعلاه رسالة أبى عامر فأسرعوا ببناء مبنى فى قرية قباء قبيل غزوة تبوك وذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن يشرف هذا المكان ويباركه بأداء ركعتين صلاة فيه ، فقالوا : «يا رسول الله! بنينا فى قريتنا مسجدا ليصلى فيه العجزة وأصحاب العلل والأعذار فى ليالى الشتاء الممطرة وكل رجائنا أن تشرفوه بأداء ركعتين صلاة فيه فأجابهم النبى صلى الله عليه وسلم : «الآن قد خرجنا من المدينة بنية الغزو فإذا ما يسرت لنا العودة نفعل إن شاء الله» فعاد المنافقون وقد تلقوا الرد الصائب.

وعندما عاد النبى صلى الله عليه وسلم من تبوك وقرر أن يستريح قليلا فى مكان يسمى ذى أوان على بعد ساعة فى ناحية تبوك من المدينة المنورة. فجاء منافقو بنى غنم مرة أخرى متذللين متمسكنين وطلبوا من النبى صلى الله عليه وسلم أن يشرف مسجدهم مسجد ضرار إلا أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد حسم الموضوع إذ أنزل الآية الكريمة :

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧) لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة : ١٠٧ ـ ١٠٨).

وهكذا فضحت الآية الكريمة أفكار بنى غنم وكشفتهم ، وبعث النبى صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم وسعد بن عدى وأخاه عامر أو عاصم بن عدى لهدم وتخريب مسجد ضرار فى قرية قباء فذهب هؤلاء إلى قباء حيث هدموا وخربوا مسجد

ضرار أولا ثم جلبوا سعف النخيل وأحرقوه وجعلوا المكان مقلبا للقمامة لأهل القرية.

يقول خزيمة بن ثابت : «كان أبو عامر الراهب قبل البعثة يعرف بأقوال النبى وأفعاله ويمدحه ويثنى عليه وكان يتجنب الشرك والكفر ويرغب فى اتباع دين إبراهيم الحنيف ويحرص على التوحيد ، واجتمع بكثير من علماء اليهود والنصارى وتشاور معهم وسافر كثيرا ليدقق دين إبراهيم وعرف أن الدين الحنيف المذكور سيظهر مع مبعث الرسول الأكرم ، واطلع على كثير من شمائل ذلك النبى المقدسة.

ووجد أبو عامر يوما فى مجلس أعيان الأوس والخزرج وأخذ يذكر اسم النبى وصفاته وبين أنه ظهر فى مكة المكرمة وأنه سيهاجر إلى المدينة الطاهرة ، وعندئذ قال له أبو الهيثم بن التيهان القضاعى الذى كان فى ذلك المجلس ، وكان من الذين دخلوا فى الدين الحنيف ، يا أبا عامر! كيف أتصرف إذا ما أدركت بعثة هذا النبى وقال له أبو عامر أقسم بأن الجن والإنس قد وصفوه لى وبينوه فقال له أبو الهيثم يا ترى ، فالذين وصفوه لك من بين البشر رأوا صفاته فى كتاب الله؟ أو سمعوها من الجن؟ فنحن لا ندرى شيئا من هذا الموضوع؟ قال أبو عامر ، أخبرنى بذلك كاهن فى اليمن ، وكان الكاهن المذكور مشهورا جدا فى الأخبار العربية العجيبة ، وكنت خرجت فى شهر رجب فى ليلة مقمرة منفردا لأتلاقى مع ذلك الكاهن. وفى أثناء سيرى كان قلبى قد نام ومر وقت غير قليل ، ولما استيقظت من نومى رأيت أن دابتى قد انحرفت عن الطريق ودخلت فى مكان لا يعرف أين سينتهى. وبدأت أرتعش حزينا وأخذت أجيل النظر حولى من شدة الخوف ورأيت أمامى نارا فاتجهت نحوها. ولم يكن لى دليل. وعندما وصلت إلى جانب النار كنت قد شعرت بالدفء من كثرة تجوالى حولها ، إلا أن هذه النار لما كانت لاهى مثل الإنسان ولا الحيوان ولم تكن حولها منازل ولا خيام ولم تكن لائقة بأن يطلق عليها اسم النار ومن هنا أصابنى الخوف والفزع وانتصب شعرى حتى أصبحت كل شعرة كأنها شوكة. وارتعشت قوائم ناقتى فبدأت تسرع فى سيرها.

وما تصورته نارا تمثلته أربعة أنفار مردة ذات أشكال مخيفة وهجموا على هجوما عنيفا ، فصحت بأعلى صوتى واستغثت برئيسهم ، وكان من هؤلاء الأنفار كلب يمنعهم من الهجوم على ؛ فأتوا إلى جانبه وجلسوا بعد التحية ، كانت وجوهم مخيفة ومناظرهم قبيحة كريهة ، فخاطبنى واحد منهم قائلا : «من أنت؟» فقلت لهم : «إننى شخص من بنى غسان الذى ينتهى إلى بنى قيلة (١) فقيل لى أين تذهب وعم تبحث» فقلت لهم : «إننى خرجت إلى الطريق باحثا عن كاهن يخبرنى عن أحكام الدين الحنيف ؛ ولكننى ضللت الطريق وأتيت هنا وهكذا وضحت لهم ما فى ضميرى ، ثم ختمت مقالى قائلا : «نحن من معاشر البشر ، ونعتمد على الكهنة الذين يستقون منكم الأخبار وينشرونها بيننا ، إننى فرد غريب يرغب فى ملاقاة الذين يتبعونكم لأجل ذلك أسير فى البلاد. فإذا ما طلبتم منى الذهاب نفذت أمركم فأشار الثلاثة إلى شخص رابع معهم والذى افتتح كلامه قائلا ما اسمك؟ «فقلت له اسمى أبو عامر فقال لى : «يا أبا عامر افتح عيونك ، وإننى أؤمنك بأننى لن أكذب عليك ، لتعلق قلبى بك. يا أبا عامر أقسم لك إنه قد ظهر نبى من سلالة بنى هاشم بن عبد مناف وبسبب هذا الغيث مثل العنبر قد أحضر إلى العالم الذى أوشك على الخراب ، وجهه منير مثل شمس الدنيا المضيئة واسع الصدر ، قامته ليست طويلة ولا قصيرة بل هى موزونة ، ولا ينظر إلى شىء أكثر من اللازم وعندما ينظر لا تطرف عيناه وعيونه ذات حكمة ومكحولتان بالفطرة واسعتان جميلتان ، وفى عينيه مقدار من الحمرة وبين كتفيه خاتم النبوة ، وهو أمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة ، مبعوث بالدين الحنيف ، يظهر أن الخلق جميعا سيتبعونه ويسيرون فى آثاره وأنه سيتحدث للملائكة ذوات الأجنحة وبعد قوله هذا انسحب من جانبى وتقدم إلى الأمام فتبعه رفقاؤه ، وأنا رأيت أن الصباح قد حان فوجدت طريقى وعدت».

يفهم من حكاية خزيمة هذه أن أبا عامر الفاسق أخبث الخلائق كأنه تدين بدين الخليل الجليل قبل البعثة النبوية وقد استقى المعلومات عن البعثة المحمدية

__________________

(١) قيلة أم الأوس والخزرج.

وترهب حتى يكتسب شرفا ومكانة بين الأهالى وتوغل فى الصحارى يعنى اكتسى بالملابس الخلقة وتستر بستائر النفاق راغبا فى خداع الناس ؛ ولكنه باء بالخذلان والخسارة إذ أنكر الرسالة المحمدية ، لأنه التقى بعد الهجرة بالنبى صلى الله عليه وسلم وقال له : «يا محمد ما الدين الذى بعثت به؟» وتلقى الرد الصائب من النبى صلى الله عليه وسلم إذ قال له : «بعثت بالدين الحنيف الذى بحثت عنه فترة من الزمن» فتجرأ أن يرد على النبى وهو يهذى» إنك قد مزجت بهذا الدين البدعة» فرد عليه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا : «بل أتيت به على المحجة البيضاء» فغضب من تلقيه هذا الرد وغادر مجلس النبى صلى الله عليه وسلم مجلس الملائكة. حتى إن النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال له «يا أبا عامر! ألست تنتظر قدومى؟ ألم تكن تنقل أوصافى التى تلقيتها من علماء اليهود والنصارى لأبناء الأوس والخزرج؟ «فرد على الاستفهام النبوى قائلا : «لست الشخص الذى وصفه علماء اليهود والنصارى ، لم يحن بعد وقت بعثته» وأمن على دعاء النبى الذى قال : فليجعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ الكذاب مستحقا لجزاء الموت طريدا وحيدا فاستجاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم إذ هرب مؤخرا إلى بلاد الشام ثم إلى القسطنطينية وهلك وحيدا طريدا.

حنظلة بن أبى عامر الفاسق الذى هرب إلى القسطنطينية رافضا الإسلام ، قد استشهد فى غزوة أحد من قبل شداد بن أسود وعلى قول من أبى سفيان قد بشر بالحديث الشريف هو حنظلة غسيل الملائكة.

ومكان خرابة مسجد ضرار مجهول فى عصرنا ، وكان المحل المبارك الذى بنى عليه مسجد قباء حظيرة لحيوانات امرأة مخلصة تسمى لينة ؛ لذلك قال منافقو بنى غنم : «إننا نرى أن إقامة صلاة فوق مكان حظيرة حيوانات لينة غير مناسب ؛ لأجل ذلك فنحن سنبنى فى المكان الذى عينه أبو عامر مسجدا عظيما حيث سنتعبد» ، وفعلا بنوا مسجدا عاليا رصينا جميل الشكل فى جوار مسجد قباء وهذا محقق.

ولما كانت جميع الروايات التى تتحدث عن جهته وشكله وهيئة بنائه من

الأقوال الضعيفة وبناء على ذلك لا يمكن تعيين مكان خرابته. ومعلوم لدى الجميع أنه كان فى داخل قرية قباء وفى مكان قريب من مسجد قباء وبما أنه قد بنى لتفريق الجماعة الإسلامية فقد كان مبنيا متينا محكما لدرجة ما ومن الروايات الموثوقة أنه قد انبعث من الساحة القذرة لهذا المسجد دخان عجيب فى عصر السعادة كما أن هذا الدخان قد انبعث مرة أخرى فى عهد أبى جعفر المنصور.

فى ذكر مواقع المساجد النبوية التى تزار اليوم

استحب العلماء الكرام الصلاة تبركا فى الأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم.

وبينوا أنه يجب الاهتمام بالصلاة فى الأماكن سواء أكانت أسماء هذه المساجد التى أسست فى هذه المواقع معلومة أو مجهولة وأن هذه المساجد قد أقيمت عامة فى أيام ولاية عمر بن عبد العزيز ، ثم جددت كلما احتاج أىّ موقع من مواقعها إلى التعمير والتجديد من قبل ملوك ذلك الزمان.

١ ـ مسجد الجمعة :

يقع هذا المسجد بالمدينة المنورة وقرية قباء فى واد يعرف بذى صلب وفى رواية يعرف ب «ذى رانونا» وهو بالقرب من التقاء مياه مجرى هذين الواديين.

إن هذا المسجد اللطيف أول معبد أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة المنورة وكان فى ميدان وادى ذى صلب وكان مكشوف الجوانب.

أحاطه أحد الخيرين اسمه عبد الصمد بجدار فى ارتفاع ذراع واحد وجعله على شكل مسجد.

ولما كان الجدار الذى أقامه عبد الصمد من الحجر الأسود خاليا من كل شئ انهار بعد مدة واندرست خرائبه قليلا قليلا وهدمت فجدده أحد الفرس على شكل مسجد ولما مال هذا أيضا إلى الانهيار والسقوط أصلحه وسقفه الشيخ شهاب الدين قلاوون وأحكم تشييده ، ولهذا المسجد فى زماننا طاقان فوق عمود واحد وسقف مستقيم وطوله عشرون ذراعا وعرضه ستة عشر ذراعا وله ساحة رملية مكشوفة.

والحصن الذى اتخذه عتبان بن مالك مسجدا فى الجهة الشمالية من ذلك المسجد وما زالت آثار أطلاله قائمة حتى اليوم. وأخذا مما يرى كان عتبان يجمع رجال قبيلته فيه ويؤدون الصلاة فى الأيام المطيرة وذلك بإذن من النبى صلى الله عليه وسلم.

عندما هاجر النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة قام فى قرية قباء وواصل سيره وعندما وصل إلى ملتقى مجارى مياه ، ذى صلب وذى رانونا حل وقت صلاة الجمعة فنزل من على ظهر ناقته التى كان يركبها وأدى صلاة الجمعة واتجه بعد ذلك إلى المدينة المنورة ، وكانت منازل سالم بن عوف فى ناحية ذلك المسجد ، ويطلق على هذا المسجد اسم مسجد عاتكة أيضا.

٢ ـ الثانى هو مسجد الفضيح :

هذا المسجد معبد صغير مربع الشكل على شاطئ نهير فى الجهة الشرقية من مسجد قرية قباء ، والجهات الأربع لمسجد فضيح خمسة عشر ذراعا قد أحيط أطرافه الأربعة بجدار من حجر أسود دون مؤنة وكان أبو أيوب الأنصارى ـ رضى الله عنه ـ يسهر فى المكان الذى كان فيه مسجد فضيح قبل حرب بنى النضير. فسمعوا خبر تحريم الخمر فجأة وأراقوا ما فى أيديهم من الفضيح وسموا بعد ذلك المكان بالفضيح. وكانت إراقة الشراب فى ذلك المكان قبل أن يتخذ مسجدا وقبل أن يعرف أن الخمر بخسة مطلقا. وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه الكرام أن ينصبوا خيامهم فى مكان قريب من مسجد فضيح فى غزوة بنى النضير. واتخذ المكان الذى سمر فيه أبو أيوب الأنصارى مصلى وصلى فيه ما يقرب من ست ليال.

هذا وهناك من يطلق على مسجد الفضيح «مسجد الشمس» ، ولكن إذا ما نظر إلى وقوع قصة رد الشمس الصحيحة المشهورة فى صحراء خيبر فخطأ هذ الرأى واضح.

كان مسجد الفضيح قد نسى تماما فى العصر الأخير وبناء عليه خربت مبانيه وإنهدمت آثار أساسه وانمحت فمسحت من الذاكرة حتى ساحة بنائه ، إلا أن

مصطفى أفندى عشقى من المجاورين فى المدينة جدده فى سنة ١٢٦٦ ه‍ ووفق فى إحيائه ، وجدده مؤخرا السلطان عبد المجيد فى صورة لائقة فطول أبنيته وعرضها أحد عشر ذراعا.

وخلف الجدار القبلى للمسجد بستانان مشهوران ومعموران وهما الأشرية وسايور وبجانبهما قرية وحصن وأطلال بيدر عظيم.

٣ ـ الثالث مسجد بنى قريظة :

مسجد بنى قريظة أمام باب حديقة النخيل والمعروفة بالحاجزة فى تلال قرية بنى قريظة من جهة الشرق ، وجهاته الأربعة أربعة وأربعون ذراعا وعلى جوانبه آثار أطلال منازل بنى قريظة.

بنى ذلك المسجد الشريف الوليد بن عبد الملك وضم إليه ساحة منزل إحدى نساء بنى خضر ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد صلى فى ذلك المنزل. وساحة هذا المنزل الآن بجانب مئذنة ذلك المسجد الحالية.

كان الأصحاب الكرام قد استقبلوا سعد بن معاذ فى غزوة بنى قريظة فى ساحة ذلك المنزل. يعنى أن الأصحاب الكرام من قبيلة الأوس استقبلوا سعد بن معاذ الذى ترك لرأيه اختيار الجزاء اللائق ليهود بنى قريظة وقالوا له : «يا سعد! إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أحال لك تحديد الجزاء الذى يستحقه يهود بنى قريظة وبما أن لنا مع هذه القبيلة حقوق ومعرفة قديمة نرجو منك ألا تضيع هذه الحقوق والمعرفة». كان قديما لمسجد بنى قريظة ١٦ عمودا ومئذنة واحدة مثل مسجد قباء. وفيما بعد انهارت مئذنته وأعمدته وجدران أطرافه واندرست ، وظلت قاعدة مئذنته فى الركن الغربى الشمالى من خرابته ، فأحاطوه فى سنة ٧٢٠ ه‍ بجدار. وقد جدد ذلك الجدار شاهين الشجاعى سنة ٨٩٣ ه‍ وأسس على قاعدة مئذنته صفة جيدة وهكذا عاد المسجد إلى حالته القديمة ، وطول مسجد بنى قريظة وعرضه أربعة وأربعون ذراعا ، ولما كان خاليا من السقف فالذين يصلون فى داخله يكونون غير مصونين من حرارة الشمس.

٤ ـ المسجد الرابع هو مسجد مشربة أم إبراهيم : (١)

مشربة أم إبراهيم معبد جميل فى فى الطرف الشرقى لمسجد بنى قريظة وهو بجوار التل وبين حديقة أشراف القواسم (٢).

ومشربة أم إبراهيم من الصدقات التى انتقلت إلى النبى صلى الله عليه وسلم من مخاديق اليهود وكانت فى الماضى حوش جميل واقع بين بيوته وهو خاص بإقامة مارية القبطية وهو مسقط رأس إبراهيم. وحينما كانت أم إبراهيم تضع مولودها اتكأت إلى شجرة ويقال إن هذه الشجرة ما زالت قائمة إلى الآن.

وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى فى مشربة أم إبراهيم ، لذا اتخذت ساحة الحوش سالف الذكر مصلى وطول هذا المسجد أربعة عشر ذراعا وعرضه تسعة أذرع وقد هدمت أبنيته واندرس أساسه وجداره ، وأحيط مؤخرا بجدار منخفض وأرى أنه ساحة المسجد النبوى الشريف.

وعلى الجهة الشمالية من مسجد مشربة أم إبراهيم ساحة منزل خرب يزورها الناس على أنها منزل دار بنى مازن بن النجار فالناس مخطئون فى ظنهم. وهذا المنزل الذى يزار بناء على ظن دون سند طوله أحد عشر ذراعا وعرضه أربعة عشر ذراعا وفى الجهة الشرقية منه سقف لطيف وبالقرب منه حديقة نخيل يعرف بالنخل الزبيرى وهذه الحديقة حديقة النخيل التى وقفها الزبير بن العوام.

٥ ـ المسجد الخامس بنى ظفر :

بنو ظفر أحفاد جماعة من قبيلة الأوس ويطلق على معبدهم الذى فى جانب الحرة القريبة التى تقع فى الجهة الشرقية من بقيع الغرقد مسجد بغلة أيضا.

بعد أن صلى إمام الأنبياء صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان المقدس جلس على صخرة بجانبه ، وبعد ذلك كلما جلست فوق هذه الصخرة امرأة عقيمة كانت تحمل

__________________

(١) المشربة بمعنى العريشة.

(٢) المراد بأشراف القواسم أبناء قاسم بن إدريس بن جعفر وهو أخو جعفر بن حسن العسكرى.

دائما ، وأراد زياد بن عبيد انتزاع تلك الصخرة من مكانها لينقلها إلى مكان آخر ، إلا أنه لم يتجرّأ على ذلك بسبب معارضة علماء عصره ، وليس هناك فى زماننا حجر مثل ذلك ، ولكن الحجر الموجود على يسار باب مسجد بغلة ليس بعيد أن تكون تلك الصخرة التى سبق ذكرها.

وجلس النبى صلى الله عليه وسلم فوق تلك الصخرة المذكورة وطلب أن يتلو عشر من القرآن الكريم وكان معه خادمه محمود العاقبة عبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وغيرهما من الفضلاء.

وشرع أحد الصحابة ـ بعد البسملة ـ فى تلاوة العشر إلى أن جاء إلى الآية :

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) (النساء : ٤١ ـ ٤٢)

عندئذ تأثر النبى صلى الله عليه وسلم تأثرا شديدا وبكى بكاء حتى اخضلّت لحيته الشريفة بالدموع.

وليس لمسجد بنى ظفر أعمدة ولكن له محراب وطول جهاته الأربعة واحد وعشرون ذراعا وقد تخربت أبنيته وقد رممه أبو جعفر المنصور المستنصر بالله خلال عام ٦٣٠ ه‍ وكتبت على كمر بابه عبارة : «خلد الله الملك الإمام أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين عمره سنة ثلاثين وستمائة»

إلا أنه آل إلى السقوط والانهيار فيما بعد فجدده شيخ الحرم مصطفى مظلوم أغا وأقام إلى جانبه مسجدين فى عام ١٠٣٢ ه‍ ، ويسمى أحد المسجدين مسجد بغلة ويسمى الآخر مسجد المائدة ولما كانت فى مسجد بغلة بعض آثار الحوافر يروى موثوقا بأن هذا الموقع هو مبرك ناقة النبى صلى الله عليه وسلم.

وفى خارج مسجد بغلة حجر ، وفى هذا الحجر خدوش ويعتقد أهل المدينة أن هذه الخدوش أثر حوافر بغلة النبى صلى الله عليه وسلم وفى الجهة الغربية لهذا الحجر حجر آخر

عليه حفرة هى أثر مرفق النبى صلى الله عليه وسلم ، وإلى جانبه حجر آخر فيه حفر هى آثار أصابعه عليه السلام وجاءت فى ذلك رواية موثوقة.

٦ ـ السادس مسجد الإجابة :

يقع هذا المسجد فى الطرف الشمالى لمقبرة بقيع الغرقد ، وعلى يسرة الذاهب إلى محلة العريضى وطوله خمسة وعشرون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا وقد أرسى أساس هذا المسجد وسط قرية بنى معاوية بن مالك بن عوف الأوسى ، ويقال إن ثمة أنقاضا فى أطرافه هى أنقاض بيوت القرية المذكورة.

وقد ذهب النبى صلى الله عليه وسلم مع بعض صحابته إلى مسجد الإجابة وصلى فيه ركعتين وبعد السلام دعا دعاء طويلا وبعد ما انتهى منه قال : «قد طلبت فى هذا الدعاء من معطى العطايا ثلاثة أشياء قبل هذان منهما ورد واحدا ، أما الدعاءان اللذان قبلا فهما ألا تهلك أمتى بالقحط والغرق أما الدعاء الذى لم يستجب له رفع الخلاف والمباينة والاختلاف بين أهل الإيمان».

يروون نقلا عن عبد الله بن جابر بن عتبة أن عبد الله تحدث على هذه الوتيرة : «حينما كنت فى قرية بنى معاوية جاء عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وقال : يا عبد الله! هل تعرف المكان الذى أدى فيه النبى الصلاة فى مسجد الإجابة والأشياء الثلاثة التى طلب من الله عقب صلاته؟ فقلت له ـ نعم أعرف. وبعد ما أريته المكان الذى صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم قلت أما دعاؤه فكان ألا تهلك أمته بالقحط والغرق. وألا يقع بين المسلمين اختلاف وقتال فقبل عدم هلاك أمته بالقحط والغرق وردّ طلبه بعدم وقوع خلاف بين أمته. وهكذا فصلت له الواقع ، فقال ابن الخليفة يظهر أن الأمة المحمدية ستتقاتل فيما بينها إلى يوم القيامة» (١) ، وأيد روايتى بهذا القول وصرح بأنه واقف لذلك الحديث.

كان النبى صلى الله عليه وسلم سيد العالمين قد صلى ركعتين على مسافة ذراعين من يمين محراب مسجد الإجابة والذين يعرفون ذلك من الزوار عندما يزورون مسجد الإجابة. يحرصون على أداء الصلاة فيه على بعد ذراعين من يمين المحراب.

__________________

(١) الحديث من رواية ابن عباس ذكره الهيثمى فى مجمع الزوائد ١ / ١١٧.

رواية

يروى أهل المدينة المنورة أن مسجد الإجابة مجمع الأقطاب ويحكون أن أثر الفضلاء الذين لم يروا فى المدينة المنورة يمكن رؤيتهم فى داخل هذا المسجد وهم يتعبدون فى حلقات.

يطلق فى المدينة المنورة على الأشخاص الذى يزورون المدينة المنورة فى موسم الحج أشخاص مجهولون ، فلا يفهم من هذا أن زيارة هذا المسجد حصر على مواسم الحج ؛ لأنه قد رئى فى داخل هذا المسجد فى ليالى الجمعة والاثنين بعض الذوات يذكرون الله موحدين فى حلقات وإن هؤلاء ليسوا من سكان دار السكينة والنواحى القريبة منها.

ولا حاجة هناك لإثبات أن مسجد الإجابة من الآثار المقدسة بروايات الأهالى. وكما هو معروف لزوار هذا المسجد اللطيف كلما يراه الإنسان يرتعش جسمه من المهابة التى أحدثها الروحانيون فيه.

كما أن باب هذا المسجد يترك ليلا ونهارا مفتوحا وليس له حراس ولا خدم ولا مراقبون ومع ذلك لا يدخل فيه حيوان ، أليس هذا دليلا كافيا لإثبات المدعى.

ويروى موثوقا أن خضر عليه السلام يصلى كل يوم صلاة الإشراق فى مسجد الإجابة. ومع هذا كان لهذا المسجد فى أوائل سلطنة السلطان محمود خان الثانى عدة أسطوانات ومحراب جميلة ؛ وفيما بعد تهدمت أبنيته ومحرابه المذكور وأعمدته حتى الأرض وظل فى حالة خراب إلى عهد السلطان محمود خان الثانى. الذى عمره وأحياه بتجديده ، كما أن السلطان عبد المجيد خان اهتم بترميمه وتعميره ، والآن هو عامر كالمساجد الأخرى ومعروف بين الأهالى ومشهور.

دعاء مسجد الفتح :

لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش الكريم ، اللهم لك الحمد هديتنى من الضلالة ، فلا مكرم لمن أهنت ولا مهين لمن أكرمت ، ولا معز لمن أذللت ولا مذل لمن أعززت ، ولا ناصر لمن خذلت ، ولا خاذل لمن نصرت ، ولا معطى لما منعت ، ولا مانع لما أعطيت ولا رازق لما حرمت ، ولا حارم لما رزقت ، ولا رافع لمن خفضت ، ولا خافض لمن رفعت ، ولا خارق لمن سترت ، ولا ساتر لمن خرقت ، ولا مقرب لما باعدت ، ولا مبعد لمن قربت ، اللهم أنت عضدى ونصيرى بك أحول وبك أصول وبك أقاتل ، اللهم يا نصير المستصرخين والمكروبين ، ويا غياث المستغيثين ، ويا مفرج كرب المكروبين ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، صلى على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم واكشف عنى كربى وهمى وحزنى وغمى كما كشفت عن حبيبك ورسولك صلى الله عليه وسلم كربه وحزنه وهمه فى هذا المقام وأنا أستشفع إليك به صلى الله عليه وسلم فى ذلك فقد ترى حالى وتعلم عجزى وضعفى يا حنان يا منان يا ذا الجود والإحسان أسألك من خير ما سألك منه عبدك وحبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأستعيذ بك من شر ما استعاذ بك منه عبدك وحبيبك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. انتهى.

إخطار

بعد ما ينتهى الزوار من هذا الدعاء يقتضى الأمر أن يعرضوا ما فى ضمائرهم بأية لغة كانت ، وفى الطرف الغربى منه مسجد أبى بكر وبالقرب منه صهريج وفوق الصهريج غرفة ، وهذه الغرفة من أوقاف إبراهيم أغا بانى هذا الصهريج. وفى الجهة الغربية من ذلك الصهريج بستان كبير. وبما أن موقع هذه الحديقة طيب الهواء وجميل المنظر وبنى فى مكان مناسب منها فى تاريخ ١٠٤٨ سبيل حسن فيجلس المارون والعابرون بجانبه ويدعون لصاحب الوقف بالخير. انتهى.

وبما أن المساجد الثلاثة التى سبق تعريفها فى جهة جبل سلع حيث اتخذ حجاج القوافل الشامية النزول حول هذا الجبل عادة مرعية استنبتت فى الجهة الغريبة من هذا الجبل كثير من البساتين والمزارع. وتنزل القوافل الشامية فى الجهة

الشرقية من هذه البساتين والمزارع وتقيم هناك حسب المدة اللازمة ، والبساتين المشهورة مثل المكارية ، السنانية ، الحمامية ، الفيروز التى تنسب إلى الوزير مصطفى باشا فهى فى المحل الذى تنزل فيه قوافل الشام وتقيم هناك.

٧ ـ كهف سلع

تطلق على هذه المغارة الشريفة كهف بنى خرام فهو فى مطلع بنى خرام الذى أمامه حديقة النقيبة وعلى يمين الذين يتجهون من المدينة المنورة إلى مساجد الفتح الثلاثة. وعلى هذا التقدير تظل حديقة النقيبة على يسار الذاهبين إلى الكهف المقدس المذكور.

مطلع بنى خرام ـ هو المكان الذى كان يسكنه قديما أفراد قبيلة بنى خرام ، وما زالت أطلال ديارهم ماثلة للأعين إلى اليوم.

تقع حديقة النقيبة فى مجرى السيل الذى يجرى من جبل سلع إلى وادى البطحان وكهف بنى خرام فى الجهة اليمنى من مقدم الجهة الشرقية لهذا المجرى. وإن كانت من جبل سلع وعلى ربوه صغيرة ويصعد إليه من جهته الشرقية والشمالية بسلالم.

وفى الناحية القبلية لهذا المسجد مسجدان كذلك ويسميان بمسجد الفتح أيضا ولكن وجه تسميته بالفتح أن النبى صلى الله عليه وسلم قد دعا الله على ساحة هذا المسجد فى غزوة الأحزاب ابتداء من يوم الاثنين إلى يوم الأربعاء وقد استجيب لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم فى يوم الأربعاء بين الصلاتين فانهزمت أحزاب المشركين حالا وخابت آمالها.

إذا كان الدعاء فى مسجد الفتح قرين الإخلاص فلا بد أن ينال القبول والاستجابة لدى الله ـ سبحانه وتعالى ـ ويروون أن حضرة جابر قال : ما من حاجة رجوت من الله تحقيقها فى مسجد الفتح إلا ونلت أملى.

كان النبى صلى الله عليه وسلم فى ابتداء غزوة الأحزاب فى مكان يطلق عليه جرف ثم انتقل إلى محل مسجد الفتح وشارك معظم الصحابة الكرام فى دعائه وواظبوا عليه.

ولقد أكثروا من الابتهال والتضرع إلى الله حتى دام ذلك فى الصباح حتى المساء ، حتى إنهم لم يستطيعوا أداء صلوات الظهر والعصر والمغرب وقاموا بعد المغرب وصلوا صلوات الأوقات الثلاثة فى وقت واحد على ساحة الفتح. والمكان المبارك الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم يقع فى الساحة الرملية لذلك المسجد وفى مواجهة المحراب ، وإذا ما نظرنا إلى وضعه الحالى فإنه فى المكان الذى ركز فيه العمود الثانى ؛ لأن لمسجد الفتح ثلاثة أعمدة متحاذية.

التأسف

وبناء على تعريف المؤرخين أن المكان المبارك الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم صلاته هو المكان الذى ركز فيه العمود الثانى ولشدة الأسف عندما جدد ذلك المسجد من قبل السلطان عبد المجيد فى سنة (١٢٧٠ ه‍) انتزع المختصون بأمور البناء العمود الثانى عن مكانه وغرسوه فى مكان آخر بسبب جهلهم ، فمكان ذلك الأثر مجهول الآن.

وفى الجهة القبلية من مسجد الفتح مسجد سليمان وخلفه مسجد على وخلف مسجد على مسجد أبو بكر.

وهدم الأمير سيف الدين الحسين بن أبى الهيجاء من وزراء الملوك العبيديين المصرية سنة ٥٧٥ ه‍ مسجد الفتح وفى سنة ٥٧٩ ه‍ مسجد سلمان وجددت فيما بعد على أشكال جميلة كما أن أحد أهل السنة جدد مسجد أبى بكر فى سنة ٦٠٢ ه‍ فأصبح مثل المساجد الأخرى.

وطول مسجد الفتح عشرون ذراعا وعرضه (١٧) ذراعا وطول مسجد سلمان (١٧) ذراعا وعرضه (١٤) ذراعا وطول مسجد على (١٦) ذراعا وعرضه (١٣) ذراعا وكان صلحاء الإسلام عندما يزورون مسجد الفتح يدعون بالدعاء الذى مر ذكره :

هنا مغارة أخرى إلا أن المغارة التى نحن بصدد تعريفها على يمين مطلع بنى خرام وكان النبى صلى الله عليه وسلم يبيت فيها قائما يصلى لخالق العباد.

٨ ـ المسجد الثامن مسجد القبلتين :

يقع مسجد القبلتين فى ناحية بئر عثمان بجبل سلع ، وله محرابان ينظر أحدهما إلى البيت المقدس والآخر إلى الكعبة المعظمة ، وإن كان بعض المؤرخين قالوا إن تحويل القبلة حدث فى مسجد بنى خرام الذى يقع فى صحراء خالية ، إلا أنهم مخطئون فى ادعائهم. لأن مسجد القبلتين كان فى قرية بنى سلمة وكان معروفا فى ذلك الوقت بمسجد بنى سلمة بينما كان النبى صلى الله عليه وسلم يؤدى صلاة الظهر فى مسجد بنى سلمة مستقبلا بيت المقدس توجه إلى ميزاب الكعبة : وهذا هو سبب اشتهار هذا المسجد بمسجد القبلتين.

استطراد

بينما كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، يزور مقلمة أم بشر بن البراء بن معرور ـ رضى الله عنها ـ يوم الاثنين فى أواخر شهر رجب الفرد فى السنة الثانية للهجرة وكانت من ساكنات محلة بنى سلمة إذ حان وقت صلاة الظهر بعد أن تناول الرسول صلى الله عليه وسلم الطعام مضى إلى مسجد المحلة المذكورة ليؤدى صلاة الظهر.

وقام مصليا ، وبينما كان فى الركعة الثانية من الفرض نزلت الآية الكريمة :

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (البقرة : ١٤٠).

فاستقبل النبى صلى الله عليه وسلم البيت الحرام وهو يصلى فتبعته الجماعة الحاضرة واستقبلوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم الكعبة المعظمة وأتموا صلاتهم وسموا المسجد بمسجد القبلتين.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم إمام المتقين حزينا ، لأنه يستدبر البيت الحرام متجها إلى القدس لأنه كان يسمع بأذنه ما تقوله اليهود : «إن محمد يستقبل قبلتنا ويحتقر ديننا» ولما تحولت القبلة قد سر سرورا لا حد له.

وقد تخرب مسجد القبلتين بمرور الزمان وتقلبات الأيام وفى عام (٨٩٣ ه‍) جدد شاهين الشجاعى سقفه فقط وأقام حوله جدارا صغيرا فحافظ على ساحته الرملية. إن سطح ذلك المسجد المقدس يرتفع عن سطح الأرض مقدار ذراعين وقد سمع رواية أن بابه خال من المصاريع وجدران أطرافه أشرفت على الخراب بعد تشققها. وقد رئى ذلك ذاتيا فى سنة ٨٩٢ ه‍ ، وبما أن جميع آثار الحرمين تعمر وترمم تحت عناية السلطان وظله فلا شك أن هذا المسجد أيضا سيعمر على الوجه اللائق.

٩ ـ التاسع مسجد السقيا :

إن معبد السقيا اللطيف يقع فى جهة مكة وفى الجهة الغربية عن طريق المدرج قليلا حيث فرق صلى الله عليه وسلم مجاهدى ملحمة بدر الكبرى ودعا لأوزان طيبة وأكيالها بالخير والبركة.

كان هذا المسجد قد خرب تماما واندرس أساسه ولم يعرف مكانه ، فليرض الله عن الإمام السمهودى الذى بذل جهودا مدة طويلة حتى وجد أطلاله ومكان محرابه وأظهر ساحته وكشفها ، وإن كان أساس جدرانه قد ظل تحت التراب مقدار نصف ذراع إلا أن الإمام المذكور قد رفع عنه التراب وبنى جدران أطرافه الأربعة وأعاد بناءه بقدر كاف وأعاده إلى هيئته الأولى. والآن طول كل ضلع من أضلاعه الأربعة سبعة أذرع ، ولكن الأبنية التى جددها الإمام السمهودى لم تصمد طويلا فتخربت ، وفى العصر العثمانى جدده قاسم أغا من قواد جيش العثمانيين وهو أحد أصحاب الخير ، كما ظهر وعمق بئر السقيا الذى بجواره ، ويعرف الآن بئر السقيا بسبيل قاسم أغا.

١٠ ـ العاشر مسجد الذبابة :

ويسمى أهل المدينة مسجد الإجابة بمسجد راية أيضا. ويقع هذا المسجد على يسار القادمين من الشام إلى المدينة المنورة وهو على جبل صغير وفى مكان قريب

من ثنية الوداع وفى رواية موثوقة أن النبى صلى الله عليه وسلم نصب خياما فى ساحة هذا المسجد وصلى فيها.

كان مروان بن الحكم قد قتل أحد الأشخاص يسمى ذباب وأتى به فى ساحة يطلق عليها ذباب وهى نفس ساحة ذلك المسجد المقدس ، وصلبه وشهر به هناك ، فعاتبته الصديقة زوجة الرسول السيدة عائشة قائلة له : كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدى الصلاة فى ذلك المكان المبارك ، وأنت تجرأت أن تتخذ مصلى النبى مصلبا ؛ لذلك استحققت أن تكون مظهرا للخذلان.

وكان القتيل المذكور رجلا من اليمن ، وكان عامل مروان على اليمن قد اغتصب وأخذ ثور المذكور ، وعندما فصل العامل من عمله تتبعه ذباب إلى المدينة وقتل الرجل فاعتقل من قبل مروان وقبض عليه وصلب. وبعد قتل ذباب فى هذا المكان أصبح هذا المكان مصلبا للأمراء إلا أن هشام بن عروة قال لزياد بن عبد الله أحد ولاة المدينة وا أسفاه!! لقد اتخذ موضع خيمة النبى صلى الله عليه وسلم مكانا للصلب ، وأصبح شغل الحكومة الشاغل الآن العمل على خلاف الآداب المرعية وبناء على هذا القول أبطلت عادة صلب الناس فى هذا الموضع. عندما اصطف فى غزوة الخندق كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نصب خيمة على جبل ذبابة وهناك من يدعى أن النبى صلى الله عليه وسلم نصب خيمته فى غزوة الخندق على ساحة مسجد الفتح وإن كانت صحة هذه الرواية ظاهرة إلا أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يبق فى مسجد الفتح فقط بل وجد فى مسجد ذبابة أيضا. ولما استجيب لدعائه فى ساحة مسجد الفتح أطلق على المسجد الذى أقيم على هذه الساحة مسجد الفتح. كانت أبنية مسجد ذبابة قد خربت تماما وانمحى أثر أساسه إلا أن أحد أهل الخير يسمى فيروزى أمين مرجان عمر وجدد هذا المسجد فى سنة ٨٤٥ أو ٨٤٦ ؛ رحمة الله عليه ...

١١ ـ المسجد الحادى عشر مسجد أحد :

ولما كان مسجد أحد فى مكان ملاصق لجبل أحد فيظل على يمين الذاهبين إلى مهراس بطريق بين الجبل ، ولما كانت مبانى جبل أحد صغيرة جدا وقديمة قد

خربت وكان معروفا إلى سنة ١٢٦٩ ه‍ بمسجد الفتح ، فعمره فى السنة المرقومة مصطفى عشقى أفندى من مجاورى المدينة وأحياه وبهذا أنقذ ساحته من أن تكون مقرا للدواب ، وطول المسجد ثمانية عشر ذراعا وعرضه اثنا عشر ذراعا.

كان النبى إمام الأصفياء صلى الله عليه وسلم ، قد أدى صلاة الظهر والعصر على ساحة هذا المسجد فى ختام غزوة أحد ، ونزلت عليه الآية الكريمة :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة : ١١).

١٢ ـ المسجد الثانى عشر مسجد ركن جبل عينين :

يقع هذا المسجد فوق قمة الجبل الذى أمام مشهد حمزة بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه ـ والجهة الشرقية منه وكانت مبانيها خربة إلى سنة ١٢٦٧ ه‍ وكان أساس خرائبه مجهولا. وعثر عليه فى السنة المذكورة المرحوم عشقى أفندى من مجاورى المدينة وجدده ، إن ما يطلق عليه مسجد «صرعه» هو نفس هذا المسجد ومساحته السطحية طولا وعرضا ثمانية عشر ذراعا.

وقد كلف أربعون من الرّماة تحت قيادة عبد الله بن جبير للدفاع عن ظهر الجيش الإسلامى ووضعوا فى ساحة هذا المسجد ، قد أصيب حضرة حمزة فى هذا المكان ونال رتبة الشهادة العالية ، ويروى أن جسرا كان قائما بالقرب من هذا المكان ، فى عصر السعادة وأن النبى صلى الله عليه وسلم قد صلى بجانب ذلك الجسر وهو مسلح فى وقفة أحد ، ولكن فى زماننا لم يبق لذلك الجسر أى أثر.

١٣ ـ المسجد الثالث عشر مسجد الوادى :

يقع هذا المسجد فى الطرف الشمالى لجبل العينين وفى مكان قريب من مسجد ركن جبل العينين. كانت أبنيته القديمة بنيت بأحجار منقوشة فى غاية من الزينة والمتانة وقد أشرفت على الخراب والانهدام ، وجدّده فى خلال سنة ٥٠٨ ه

حسين بن أبى الهيجاء وكتب على طاق بابه : «هذا مصرع حمزة بن عبد المطلب ومصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمره حسين بن أبى الهيجاء سنة ثمان وخمسمائة».

وكان حضرة حمزة قد طعن فى ساحة مسجد ركن الجبل وسقط على ساحة مسجد الوادى ، وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بإحضار جثمانه على ساحة مسجد الوادى الذى سبق تعريفه وصلى عليه.

وعلى رواية : أنه أدى صلاة الصبح فى هذا المكان ذلك اليوم هناك بين مسجد الوادى ومشهد حمزة.

وفى الجهة الغربية من المسجد المذكور مبنى مقبب يعرف باسم قبة الثنايا وهو أثر من آثار المرحوم سليم بك أحد كاتمى أسرار السلطان عبد المجيد وزملائه ، كانت ثنية النبى صلى الله عليه وسلم قد تكسرت فى هذا المكان الذى تحت القبة.

مع أن هذا المكان المبارك مركز وقعة أحد الأليمة إلا أنه أصبح الآن مسيرة للناس ، قد بنى هناك كثير من المحال والمنازل واعتاد الأهالى أن يذهبوا هناك من وقت لآخر.

وفى مواسم الحج يشتد الزحام هناك ليلا ونهارا ، ولا سيما عندما ترد طائفة الرحبيين ويقيم أهل المدينة فى المنازل التى هناك ويبذلون جهدهم ليحملوا الزوار والواردين على الزيارة ، ولكن بهجة هذا المكان وزيارة آثاره تكون مهددة بأطماع عربان البادية وإذا طغى العربان وثاروا فلا مجال لذهاب الزائرين إلى هناك كما أنه ليس فى الإمكان إقامة الأهالى فى تلك البيوت آمنين مستريحين. وفى مثل هذه الأوقات يذهب الزوار فى جماعات كبيرة حتى يستطيعوا أن يدافعوا عن أنفسهم ضد اللصوص والمسلحين ، وإذا ما اقتضى الأمر حربهم فإنهم يقاتلون العربان ويشتتون شملهم.

ومن يخرجون من أهل المدينة لزيارة شهداء أحد يحملون السلاح ، ويقولون إن حمل السلاح عند زيارة شهداء أحد سنة شريفة ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحمل السلاح حينما كان يزور شهداء أحد.

١٤ ـ المسجد الرابع عشر مسجد السافلة :

يقع هذا المسجد على يمين المتوجه إلى قبر حمزة وهو بالقرب من حديقة نخيل تسمى بجير وهو فى بقيع الأسواق فى طرف جبل حنين ويبلغ طوله ثمانية أذرع ويعرف بمسجد «أبى ذر الغفارى».

ويروى أن عبد الرحمن بن عوف (١) قال شخصيا : إنه بينما كان فى الساحة الرملية لمسجد «سافلة» رأى النبى صلى الله عليه وسلم وقد خرج من الباب الذى فى جهة المقبرة ودخل إلى حديقة فى الأسواق حيث توضأ وصلى ركعتين ثم سجد ، وبعد مدة رفع رأسه المبارك وقال إن جبريل ـ عليه السلام ـ نزل اليوم باسطا أجنحته وأنزل قول الله سبحانه وتعالى :

(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦).

وفى هذه البقعة كذلك مسجد الثنية ، وإلى عام ١٢٥٥ ه‍ كان مجهول الاسم والمكان. وفى خلال هذا العام عثر عشقى أفندى على موضعه ، وهذا المسجد يقع على ناحية إلى مسجد الفتح من مسجد حمزة ، وهو مسجد صغير وطوله وعرضه خمسة عشر ذراعا.

وأهل المدينة يدعون الزوار إلى زيارة موضعين آخرين فى هذا الموقع.

أحدهما : صخرة عظيمة ملاصقة لجبل أحد ولها فتحة قدر حجم رأس الإنسان ، ويعتقد الزوار أنها أثر رأس النبى صلى الله عليه وسلم.

والآخر : غار على مسافة من هذه الصخرة ، ويقولون إن النبى صلى الله عليه وسلم دخل فى هذا الغار ، إلا أن هذان القولان ما هما إلا وهم وظن ، ولو كانتا من الروايات الصحيحة لكان المؤرخون القدماء ذكروهما فى كتبهم وبينوهما.

__________________

(١) انظر تفسير ابن كثير ٣ / ٥٦١ ، تفسير سورة الأحزاب الآية ٥٦.

١٥ ـ المسجد الخامس عشر مسجد البقيع :

يقع هذا المسجد على يمنة الخارج من باب مقبرة جنة البقيع وهو فى غرب قبر عقيل ، وقبور أمهات المؤمنين ويقال إن عمودا واحدا تبقى من مبناه القديم. وكان لهذا المسجد عقدان قديمان ومصنوعان من الحجر المنقوش. وكانت أنقاض هذين العقدين ظاهرة ماثلة للعين إلى عام ٧٢٠ ه‍ وبما أن شاهين الجمالى جدده فى نفس العام لم يبق لهما أثر الآن.

ولما كان مسجد البقيع متصلا بدار أبى بن كعب كان اسم المسجد القديم «مسجد أبى بن كعب» واشتهر فى فترة ما باسم مسجد جديلة وكذلك.

وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم مرارا وتكرارا فى مسجد البقيع وقال صلى الله عليه وسلم لو لم أحترز من اقتداء الناس بى وميلهم للصلاة فيه لأكثرت من الصلاة فى هذا المكان.

وظل مسجد البقيع فيما بعد خربا تمام الخراب ، وفى عام ١٢٦٥ ه‍ أمر محافظ المدينة المنورة شمس الدين أفندى بإقامة جدار حوله فى ارتفاع ثلاثة أذرع وبهذا أنقذ المسجد من قاذورات البهائم.

وفى الجهة الشرقية من هذا المسجد قبور كثيرة لأعاظم السلف وفضلائهم ومن هذه القبور قبور صاحب الطريقة محمد سمان المدنى وأولاده.

فى ذكر المساجد التى تعرف جهاتها ولا تعرف مواضعها

١ ـ المسجد الأول مسجد جديلة :

ويظهر أن هذا المسجد هو المسجد المنسوب إلى أبى بن كعب وقد ذكر جهته عندما ذكر مسجد البقيع.

٢ ـ المسجد الثانى مسجد بنى حرام :

يقع هذا المسجد غرب مساجد الفتح فى وادى البطحان وبين جبل بنى عبيد وبئر معاوية وروى عن جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى فى هذا المسجد.

وكان فى المحل المذكور مسجد محلة بنى حرام ، ومازالت أطلاله قائمة إلى الآن إلا أن المسجد الشريف خرب ولا يرى أساسه ومبانيه.

٣ ـ المسجد الثالث مسجد الخربة :

وبما أن بطن بنى عبيد الذى ينحدر من قبيلة بنى سلمة قد أقاموا فوق جبل الدويخل القريب من جبل بنى عبيد وفى الجهة الغربية من قرية «بنى خرام» يلزم أن يكون مسجد الخربة فوق جبل بنى عبيد.

قد زار النبى صلى الله عليه وسلم دار لبراء معرور من أهالى قرية بنى خرام وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى موضع يسمى قراضة خلف نخل جابر بن عبد الله ولذلك فلا شك فى أن هذا المكان هو ساحة مسجد الخربة.

٤ ـ المسجد الرابع مسجد جهينة :

كان هذا المسجد فى داخل القرية التى تنسب إلى قبيلة جهينة والتى تقع بين ثنية عثعث وجبل سلع وقد نصب بعض الأشخاص من قبيلة بلى والذين هاجروا

إلى القرية المنسوبة إلى قبيلة جهينة خيامهم حول هذا المسجد حيث أقاموا لفترة طويلة ، ظل مسجد «بلى» اسما آخر لهذا المسجد قد شرف النبى صلى الله عليه وسلم قرية جهينة على دعوة أبى مريم الجهينى وخط حول ساحة المسجد الذى سبق تعريفه خطا وطلب منهم أن يصلوا فى داخله. وأسرع أفراد هاتين القبيلتين ببناء مسجد فوق الخط الذى خطه النبى صلى الله عليه وسلم حيث أدوا صلواتهم. وقد خرب فيما بعد مسجد جهينة ولم لا موقعه ولا خرابته.

٥ ـ المسجد الخامس مسجد بيوت المطر :

يقع فى الجهة الغربية للطريق المقابل للجهة القبلية لثنية عثعث.

وكان أفراد قبيلة بنى غفار يؤدون الصلاة فى ساحة هذا المسجد.

وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى هذا المسجد إلا أن أبنيته تهدمت بمرور الزمن ولم تجدد ولم يبق أحد فى زماننا يعرف أساس أطلاله.

٦ ـ السادس مسجد بنى زريق :

بنى زريق اسم قبيلة ينتهى نسبها إلى الخزرج بن ثعلبة ، وهذا المسجد المنسوب إلى تلك الجماعة فى ثنية الوداع التى تبعد عن سور المدينة مقدار ميل واحد ، ولا يستطيع أحد أن يعين موضعه فى يومنا الحاضر. وروى المؤرخون أن شمس الدين محمد بن أحمد السلاوى بنى فى سنة ٨٥٠ ه‍ مسجدين ، أحدهما مسجد بنى زريق إلا أنهم ترددوا فى تعيين وتحديد واحد منها على أنه مسجد زريق.

ولقد التقى رافع بن مالك الزرقى (١) فى عقبة جبل ثبير بمكة المكرمة مع النبى صلى الله عليه وسلم وتعلم منه عدة آيات كريمة ثم عاد إلى المدينة وجمع قومه فى ساحة مسجد بنى زريق وتلى ما تلقاه عن النبى صلى الله عليه وسلم من الآيات الكريمة ، وبذلك تلى القرآن الكريم فى المدينة المنورة أول ما تلى فى هذا المسجد.

__________________

(١) أحد النقباء الذين بايعوا النبى صلى الله عليه وسلم بالعقبة ، وأول من قدم المدينة بسورة يوسف. لما لقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة وبايعه أعطاه ما أنزل عليه من القرآن فى العشر السنين التى خلت فقدم به المدينة وجمع قومه فقرأ عليهم فى موضعه. انظر : الأصابة ٢ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

ولم يصل النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المسجد بل توضأ فى ساحته ولبث فيها وقتا للراحة ، فتحصلت البركة للمسجد وهو محل مبارك فى غاية اللطف ويقع على يمين الداخلين فى حصن المدينة المنورة.

٧ ـ المسجد السابع مسجد بنى ساعدة :

مسجد بنى ساعدة مسجد فى غاية القداسة ويقع فى المدينة المنورة وفى داخل محلة (١) بنى ساعدة ، وسقيفة (٢) بنى ساعدة تقع بجانبه.

جلس النبى صلى الله عليه وسلم يوما فى هذه السقيفة وطلب من سهل بن سعد أن يسقيه ، فشرب ما أحضره سهل ـ رضى الله عنه ـ من الماء وطلب منه أن يحضر له مرة أخرى فلما أحضر شربه أيضا وقال ملاطفا سهل بن سعد يا سهل! الماء الأخير ألذ من الماء الأول وأعذب.

٨ ـ المسجد الثامن مسجد بنى ساعدة الآخر :

هذا المسجد قريب من جبل ذبابة ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد صلى فى هذا المكان أيضا.

٩ ـ المسجد التاسع مسجد بنى خذارة :

مسجد بنى خذارة ، بجانب مسجد بنى ساعدة الذى ذكر آنفا وقد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا المسجد وقص شعره ، وكان بنو خذاره الذين ينتسب إليهم المسجد يقيمون بجانب سبيل سعد بن عبادة فى ناحية حصن المدينة.

١٠ ـ المسجد العاشر مسجد راتج :

راتج اسم الحصن المشهور الذى يقع فى الطرف الشرقى من جبل ذباب ، وكان مسجد راتج بجانب هذا الحصن وبجانب بئر أبى الهيثم بن التيهان المشهور باسم جاسم. كان النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الموقع المقدس وشرب من ماء بئر جاسم.

__________________

(١) كانت فى الجهة الشمالية لسوق المدينة المنورة وكانت هذه السوق مقبرة لبنى ساعدة وقد ابتاع النبى صلى الله عليه وسلم هذا الموضع من بنى ساعدة وجعله سوقا لأهل المدينة كما ذكر من قبل.

(٢) هذه هى السقيفة التى بويع فيها أبو بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ بالخلافة.

١١ ـ المسجد الحادى عشر مسجد بنى عبد الأشهل :

يقع فى حرة واقم وبين محلة بنى ظفر وبنى حارثة وكان بنو عبد الأشهل المنسوبون إلى قبيلة الأوس يصلون فيه ، ويقال لهذا المسجد مسجد واقم كذلك. كان النبى صلى الله عليه وسلم كلما شرف محلة عبد الأشهل كان يصلى صلاة المغرب فى مسجد واقم وكان يسبح طويلا ثم يقول : يقال لهذه الصلاة صلاة البيوت.

وكان من عادة النبى صلى الله عليه وسلم أن يتردد كثيرا إلى هذه المحلة فى حياة سعد بن معاذ الأشهلى وما كان يعود كلما شرف المحلة دون أن يصلى صلاتى العصر والمغرب فى ذلك المسجد.

١٢ ـ المسجد الثانى عشر مسجد القرصة :

كان هذا المسجد فى الحرة الشرقية الواقعة فى الجهة الشمالية من محلة بنى عبد الأشهل ، ولم يكن هناك من يعرف موقعه. وجزم المرحوم الإمام السمهودى أن الخرابة التى بجانب بئر قرصة هى خرابة مسجد القرصة ، ومن هناك اقتنع الأهالى بأن هذه الخرابة هى ساحة خرابة المسجد المذكور.

١٣ ـ المسجد الثالث عشر مسجد بنى حارثة :

من المؤكد أن مسجد بنى حارثة اللطيف فى قرية بنى حارثة ، وبما أنه لم يبق فى زماننا من يعرف الجهة التى كان يقع بها المسجد من جهات القرية فأرضه مجهولة.

١٤ ـ المسجد الرابع عشر مسجد الشيخين :

إذا ما ذهب إلى مسجد الشيخة عن الطريق الشرقى يظل المسجد بين جبل أحد والمدينة المنورة ، وقد دفن قائد جيش النبى مصعب (١) بن عمير فى مكان يسمى بمهد حمزة وفى داخل جبل أحد.

وقد قضى النبى صلى الله عليه وسلم فيه وقتا فى غزوة أحد ، ومضى إلى حومة الوغى فى

__________________

(١) كان مصعب بن عمير ـ رضى الله عنه ـ قد أرسل من قبل النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ليعلم السابقين من الأنصار المسائل الدينية ويؤمهم فى الصلاة ويخطب فيهم وقد آمن ثلثا الأنصار الكرام بفضل جهوده.

الصباح وصلى صلوات العصر والعشاء والفجر فى هذا الموقع المقدس ، ويسمى هذا المسجد كذلك «مسجد البدائع» لأن فى المكان الذى يطلق عليه البدائع كان حصنان مشهوران باسم الشيخين.

١٥ ـ المسجد الخامس عشر مسجد بنى دينار :

مسجد بنى دينار منسوب إلى دينار بن النجار من أحفاد الخزرج بن ثعلبة وهو بالقرب من موضع يسمى المغسلة (١) وخلف وادى البطحان ولا يعرف موضع ساحة مسجد بنى دينار ولكن بما أن صاحب نخيل المغسلة وجد هناك حجرا كتب عليه بالخط الكوفى : «هذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم» بنى فى المكان الذى وجد فيه الحجر بنى مسجدا جميلا وألصق ذلك الحجر فوق باب المسجد وبناء عليه ليس ببعيد أن يكون هذا المكان مسجد بنى دينار ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم كثيرا ما صلى فى هذا المسجد.

١٦ ـ المسجد السادس عشر مسجد بنى عدى بن النجار :

كان هذا محلة بنى عدى بن النجار واغتسل النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان.

١٧ ـ المسجد السابع عشر مسجد دار نابغة :

هذا المسجد أيضا فى هذا المكان ، وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان.

وعلى رواية صلى أيضا فى مسجد بنى عدى. ومسجد دار نابغة يستلزم أن يكون هو الضريح الذى دفن فيه والد النبى صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب.

وفى سنة ١١٤١ اشترى السلطان محمود خان العدلى ، من الساحة المتصلة بالمسجد وخاصة بدار الفحل عشرين ذراعا وضمها للمسجد فجدده ووسعه. وكانت دار نابغة فى المحل الذى دفن فيه عبد الله بن عبد المطلب كما أن دار بنى عدى فى الجهة الشامية لمسجد بنى جديلة.

__________________

(١) المغسلة اسم حديقة نخل مشهور بالقرب من المدينة وكانوا قديما يغسلون جنازاتهم فى هذا المكان.

١٨ ـ المسجد الثامن عشر مسجد بنى مازن بن النجار :

مسجد بنى مازن فى الطرف الشرقى القبلى لمحلة بنى زريق وهو الآن فى مكان يسمى ناحية أبى مازن وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه بحفر أساس هذا المسجد ، وصلى فى الدار التى تسكنها أم بردة المازنية (١) ، ولما كانت أم بردة المازنية مرضعة ابن الرسول إبراهيم ـ عليهما السلام ـ ظل النبى بجوارها حين احتضارها.

١٩ ـ المسجد التاسع عشر مسجد بنى عمر بن مبذول بن مالك بن النجار :

ويقع هذا المسجد بالقرب من بقيع الزبير ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى فى هذا المكان ، إلا أن ساحته المقدسة غير معلومة.

٢٠ ـ المسجد العشرون مسجد بقيع الزبير :

كان مسجد بقيع الزبير بجوار محلة بنى عم وفى الطرف الشرقى لبدال بنى زريق والموثوق أن مكانه مكان المسجد القديم فى طريق بقيع الغرقد ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى فى هذا المكان المقدس ثمانى ركعات من صلاة الضحى.

٢١ ـ المسجد الحادى والعشرون مسجد صدقة الزبير :

كان هذا المسجد فى محلة بنى محمد والتى يطلق عليها الزبيريات وهى فى الجهة الغربية لمشربة أم أبراهيم ، والطرف القبلى لهذا المسجد قريب من حدائق خناقة أعواف من صدقات النبى صلى الله عليه وسلم ، وما فيه الزبير بن العوام وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان أيضا.

٢٢ ـ المسجد الثانى والعشرون مسجد بنى خذرة الخزرجية :

هذا مسجد فى قرية بنى خذرة وهو مسجد صغير تجاه بنت الحية وبانية زكوى بن الصالح.

٢٣ ـ المسجد الثالث والعشرون مسجد بنى الحرث بن الخزرج ومسجد السخ :

مسجد بنى الحرث فى مكان يسمى تربة الحارث أى فى محلة بنى الحارث التى

__________________

(١) انظر : الإصابة ٨ / ٢١٥.

فى وادى بطحان. ومسجد النسخ على بعد ميل من الحجرة المعطرة وفى محلة جشم وزيد بن بنى الحارث ، وفى زماننا فساحتا هذين المسجدين مجهولتان إلا أنهم يروون أن دار زوجة الصديق ، بنت حارثة على ساحة مسجد النسخ.

٢٤ ـ المسجد الرابع والعشرون مسجد بنى الحبلى :

رهط أبى بن سلول الخزرجى ، كان مسجد بنى حبلى فى محلة بنى حبلى وفى الطرف الشرقى لبطحان ، أى كان فى مكان بين المدينة المنورة وقرية قباء.

٢٥ ـ المسجد الخامس والعشرون مسجد بنى بياضة الخزرجى :

يقع فى وادى البطحان فى محلة بنى سالم المتصلة بمحلة بنى مازن.

٢٦ ـ المسجد السادس والعشرون مسجد بنى فاطمة ومسجد العجوز أوس :

هذان المسجدان فى عوالى المدينة المنورة وفى الجهة الشرقية من مسجد الشمس وبجانب قبر براء بن المعرور الذى وبايع النبى صلى الله عليه وسلم فى بيعة العقبة ومن الأنصار السابقين للإسلام والذى توفى قبل الهجرة.

٢٧ ـ المسجد السابع والعشرون مسجد بنى امية بن زيد الأوس :

كان هذا المسجد اللطيف بين قريتى العرش ونواعم. وأنهارت مبانيه مع مرور الزمان وقد تراكمت فوقه الرمال والتراب حتى تكونت هناك ربوة صغيرة.

٢٨ ـ المسجد الثامن والعشرون مسجد بنى وائل الأوس :

مسجد بنى وائل المقدس فى قرية قباء ، وعلى رأى فى الجهة الشرقية لمسجد شمس ، وقد ركز بين العمودين وتد للدلالة على المكان الذى أدى فيه النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة. وبناء على رواية ابن شيبة أن ذلك الوتد بعد عن المحراب مقدار خمسة أذرع.

٢٩ ـ المسجد التاسع والعشرون مسجد بنى واقف :

كان المسجد المذكور فى محلة بنى واقف يشك فى الجهة التى يقع فيها ، إلا أن بعض الموقفين يروون احتمال وجوده فى الجهة القبلية من مسجد الفضيح.

٣٠ ـ المسجد الثلاثون مسجد بن أنيف :

إلى جماعة بلى من الخلفاء الأوس ومسجدهم فى الجهة القبلية الغربية من قباء بجانب بئر عذف وفى داخل قرية بنى أنيف.

٣١ ـ المسجد الحادى والثلاثون مسجد دار سعد بن خيثمة :

كان مسجد دار سعد فى الجهة القبلية من مسجد قباء المشهور ، وعند الهجرة النبوية سكن فى هذه الدار الصديق أبو بكر والسيدة عائشة الصديقة وجناب فاطمة الزهراء وأسماء بنت الصديق وأم رومان والسيدة سودة وعلى بن أبى طالب.

٣٢ ـ المسجد الثانى والثلاثون مسجد التوبة :

وإن كان هذا المسجد فى الجهة الغربية من مسجد قباء إلا أنه لم يبق أحد الآن يعرف مكانه.

وكان هذا المسجد لقبيلة بنى جحجبى المنتسبة إلى بنى عمرو بن عوف وكانوا يقيمون بجانب حصن يسمى «هجيم» وفى مكان يسمى «عصية» وهناك بئر أيضا.

والآن فى موقع عصية عدة آبار ومزارع ولكن لا يعرف بجانب أية واحدة من هذه الآبار كانت ساحة مسجد التوبة.

٣٣ ـ المسجد الثالث والثلاثون مسجد النور :

ومسجد النور بناء على بعض الأقوال فى قرية قباء وبناء على الأقوال الأخرى فى المدينة المنورة. ولم يكن يعرف سبب تسمية موقعه وساحته بهذا الاسم إلى سنة ١٢٧١ ه‍ وقد وجد مكانه مصطفى عشقى أفندى من المجاورين مستعينا بالتواريخ القديمة وروايات المسنين من أهل المدينة وجدده. وإذا به كان من جهة حدائق النخيل التى تسمى بستان قائم فى قرية قباء ، بينما كان عشقى أفندى يحفر الأماكن التى بدت له ظهر أساس جداره القديم وقد صدق المسنون من قرية قباء أن هذا الأساس أطلال مسجد النور ودعوا بالخير للمرحوم عشقى أفندى.

كان ذلك المسجد دار أبى بكر الصديق وبناء على تدقيقات عشقى أفندى وتحقيقاته فإن النبى صلى الله عليه وسلم شرف فى عصر السعادة بيت الصديق الأكبر ، وكان معه عمر الفاروق أيضا. وعند عودتهما خرج منها نور لهما وأنار الشريفة وبناء على ذلك أطلق على بيته السعيد مسجد النور.

٣٤ ـ المسجد الرابع والثلاثون مسجد عتبان بن مالك

إن مسجد عتبان فى محلة بنى سليم الخزرجى وفى داخل برج عتبان بن مالك وهذا البرج فى الجهة الشرقية من مسجد الجمعة ، وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم قد صلى فى داخل برج عتبان بن مالك فقد اتخذ من هذا المكان مسجدا وكان يؤم جماعته فى الصلاة فى الأيام العطرة.

٣٥ ـ المسجد الخامس والثلاثون مسجد مثيب :

وهذا المسجد من صدقات النبى صلى الله عليه وسلم وقد انهدم بمرور الزمن.

٣٦ ـ المسجد السادس والثلاثون مسجد المنارتين :

فى طريق الجبل الأحمر الذى يطلق عليه العقيق الكبير ، انهارت أبنيته مع مرور الزمان ولم يجدد ولم يعمر ، وأطلاله ظاهرة.

٣٧ ـ المسجد السابع والثلاثون مسجد فيفاء الجنادر :

خلف حمام خالد الذى فى الجهة الغربية من جبل يسمى ذات الجيش ، وموقعه مجهول الآن. وفى غزوة العشيرة تقدم النبى صلى الله عليه وسلم نحو نقب بنى دينار ونزل فى فيفاء الجنادر وبعد أن صلى تحت شجرة ذات السابق (١) التى كانت فى بطحاء ابن أزهر. تناول طعامه وشرب من ماء ثبير (٢) ، وثبير اسم البئر التى بجانب ذات الساق.

__________________

(١) اسم شجرة كبيرة.

(٢) اسم ماء فى ديار مزينة أقطعه النبى صلى الله عليه وسلم شريس بن ضمرة. انظر : اللسان (ثبر) ص ٤٧٠ ط. دار المعارف.

٣٨ ـ المسجد الثامن والثلاثون مسجد بنى جثجاثة وبئر شداد :

يقع مسجد بنى جثجاثة فى العقيق تجاه مقبرة بقيع الغرقد وبين ثنية الشريد وخليفة وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان واستراح فيه جالسا فقد اشتراه عبد الله بن سعد للتبرك وبنى عليه مسجدا عالى البناء.

الوجهة السادسة عشرة

وتشتمل على أربع صور

فى ذكر وتعريف فضائل مقبرة البقيع الثابتة

والمدفونين فى داخلها من شهداء أحد

تعرف وتظهر فضائل مقبرة بقيع الغرقد الباهرة

معنى البقيع المكان الذى ازدحم بأشجار متنوعة حتى تحول إلى غابة ، ولما كان بقيع الغرقد فى الأصل منبت أشجار يطلق عليها الغرقد فأضيف الغرقد إلى البقيع.

ومقبرة بقيع الغرقد خارج باب الجمعة لحصن المدينة فى طرفها الغربى حدائق النخيل وفى جهتها الشرقية حصن المدينة الميمونة. وسيول وديان المدينة الظاهرة تمر من جانبى تلك المقبرة ، وعندما يشتد المطر فالسيول الواردة تجرف أسوارها.

قد قال النبى صلى الله عليه وسلم «كل من يدفن فى مقبرتنا بقيع الغرقد هذه فإننا نشفع له يوم القيامة أو نشهد له» (حديث شريف) ووصفت التوراة بقيع الغرقد باسم «كفتة» وبين أنها بين تلين. وفعلا فى جهة من جهاتها الحرة الشرقية وفى الجهة الأخرى الحرة الغربية ورد فى الخبر أن سبعين ألفا وجوههم مشرقة مثل القمر ، سيحشرون يوم القيامة من مقبرة بقيع الغرقد وستملأ أنوار نواصيهم المشعة بين السماوات والأرض.

يقال إن هذه الرواية مسطورة فى التوراة ، كان مصعب بن عمير ذاهبا يوما مع ابن رأس الجالوت عن طريق بقيع الغرقد إلى المدينة المنورة ، ولما دخلا فى حدود مقبرة بقيع الغرقد رأيا أن تلك المقبرة بين تلين فتصدى ابن رأس الجالوت للحديث وقال يا مصعب إننى رأيت فى التوراة أن هناك مقبرة الجهة الشرقية منها بيوت والجهة الغربية نخيل ، إن الله ـ سبحانه وتعالى ـ سيبعث ويحشر من هذه المقبرة سبعين ألف رجل وجوههم منيرة كالبدر.

وقد بحثت عن هذه المقبرة مدققا النظر فى كثير من المقابر ولكننى لم أجد المقبرة المذكورة فى التوراة.

شعر

فى يوم القيامة حينما ينفخ فى الصور

يقوم كل هؤلاء فى أشعار من نور

وإذا ما ارتفعت من الغبار رؤوسهم

اتجهت إلى الحبيب عيونهم

لما دخل النبى فى دار عقيل بن أبى طالب وكانت فى البقيع وقف فى ركن منها وأخذ يدعو قائلا : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أتاكم ما توعدون غدا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اعف عن أهل بقيع الغرقد.

وعلى قول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين والمستأخرين.

وعلى رواية : اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم.

وعلى قول السلام عليكم يا أهل القبور ويغفر الله لنا ولكن أنتم لنا سلف ونحن بالأثر. وقام فى ليلة من نومه وذهب إلى البقيع مصاحبا غلاما له يسمى «أبا موهبة» وأخذ يدعو قائلا : «السلام عليكم يا أهل المقابر ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها ، والآخرة شر من الأولى» ، وكان فى ذلك الوقت فى مرض موته.

وبما أن زاوية عقيل موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتضى على الزوار أن يقفوا فى هذا المكان وأن يدعوا ، سواء أكان هذا المكان أو الأماكن الأخرى التى تنسب إليه من الأماكن التى تستجاب فيها الأدعية فمن المستحب الدعاء فيها.

فى ذكر من دفن فى مقبرة بقيع الغرقد

من الصحابة وسادات أهل البيت وكبار التابعين

والذين تعرف قبورهم اليوم يتجاوز عدد من دفن فى مقبرة بقيع الغرقد من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ اثنى عشر ألفا. ولكن بعض هؤلاء ماتوا فى عصر السعادة وبعضهم فى عهود الخلفاء الراشدين وملوك بنى أمية. وبما أن فى أوائل الإسلام لم ترفع قباب فوق المقابر ولم تنصب الحجارة ظلت مواضع قبورهم وجهاتهم مجهولة ما عدا هؤلاء الذين ستكتب أسماؤهم فيما بعد :

إبراهيم ابن الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أبيه ـ : إبراهيم ابن الرسول مدفون بجانب ضريح عثمان بن مظعون أخى النبى صلى الله عليه وسلم فى الرضاعة وفى داخل ضريح خاص له.

شعر

لا مجال لقدم الأجنبى

نام هنا جوهر صلب النبى

فى هذا الركن المعطر بالعنبر

اعتشّ فى الجنة كل طير

ويرى بعض الناس أن عبد الرحمن بن عوف وأبا هريرة ـ رضى الله عنهما ـ دفنا بجانب هذا الضريح المزهر.

ولكن قبر ابن عوف معروف لدى التاريخ وسيعرف فيما بعد.

وفى شرق هذين القبرين وفى مكان يصادف وسط مقبرة البقيع أى بجوار الباب الشامى للمقبرة قبور بعض المشاهير من شهداء أحد ، وهؤلاء الأشخاص

الذين دفنوا فى هذه القبور قبل أن ينزل الوحى بدفن الشهداء حيث استشهدوا؟ لذا نقلوا هنا ودفنوا فى البقيع. وبجانب القبر المذكور بعض الفساقى (١) الكبيرة ويقول الأهالى إن الغرباء والزوار الذين ماتوا ماتوا فى أوبئة السنين الماضية دفنوا فى هذه الفساقى.

وأم حضرة إبراهيم مارية القبطية التى أهداها المقوقس إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وولد إبراهيم فى ذى الحجة من السنة الثانية الهجرية وتوفى بعد مرور (١٦) أو (١٨) شهرا من ولادته. قام بتغسيله الفضل بن عباس وأنزله فى القبر بعون أسامة بن زيد ، وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم صب بنفسه الماء فوق قبره بعد الدفن أصبح صب الماء على القبور بعد ذلك سنة. لما مات إبراهيم سأل الصحابة الكرام عن المكان الذى سيدفن فيه فأجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم احفروا له قبرا وجهزوه بجانب قبر عثمان بن مظعون ؛ فحفروا فى ذلك المكان قبرا ودفنوه ، فالقبر الذهبى فى ذلك الوقت كان فى ركن دار عقيل بن أبى طالب من الجهة اليمانية.

وكانت مقبرة بقيع الغرقد إلى وفاة حضرة إبراهيم ذات نخيل ، بعدما دفن إبراهيم فى المكان الذى سبق تعريفه رغب الجميع فى دفن جنازاتهم فى البقيع واختارت كل قبيلة جهة من جهاته مقبرة وقطعوا أشجارها وسوّوا أرضها.

وكان عثمان بن مظعون ـ رضى الله عنه ـ ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤى بن غالب القرشى الجمحى والمكنى بأبى السائب واسم والدته مستحيلة بنت العنبس بن أهبان بن حذافة بن جمح وهو الرابع عشر من سابقى المسلمين ، هاجر مع ابنه سائب وبأشخاص آخرين إلى ديار الحبشة أولا وبعدها إلى مدينة دار السكينة. كان شخصا مفضالا يصوم النهار ويقوم الليل ، مات بعد مرور اثنين وعشرين شهرا من غزوة بدر ومات قبل إبراهيم ـ عليه وعلى أبيه التعظيم ـ ودفن فى البقيع فى مكان يطلق عليه الزوار الروحاء وفى الجهة الشرقية من ابن النبى.

__________________

(١) الفسقية : تقال للجحور المستطيلة الخاصة بدفن أموات الغرباء وأعلاها ذات عقود ، ففساقى مصر تبنى عموديا على هذا الشكل.

أول من دفن فى البقيع الشريف هو عثمان بن مظعون. وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد نصب حجرا على القبر من ناحية رأسه كعلامة خاصة.

ولما أصبح مروان بن الحكم واليا على المدينة المنورة أخرج تلك العلامة فجعل القبر مجهولا ، أو على رواية أخرى نقل الحجر إلى قبر عثمان بن عفان ساطع الأنوار.

سانحة : نصب الحجارة شئ أحدث فيما بعد ، وفى الأول كانوا ينصبونها على قبور من اشتهروا بالعلم والصلاح ، وفيما بعد تعمم الأمر. وبما أن الشيخ أبا صالح التركمانى قد كره بدعة نصب الحجر فقد رغب فى عدم نصب حجر على قبره وترك وصية مكتوبة فى هذا الخصوص لأحفاده.

رقية بنت النبى ـ رضى الله عنها ـ كريمة رسول الله صلى الله عليه وسلم : وقبرها بجوار قبر أختها أم كلثوم وبجانب قبر عثمان بن مظعون.

وقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم الواقف على أسرار الحكمة ـ عندما نصب ذلك الحجر على قبر عثمان بن مظعون : «فليكن هذا الحجر علامة على قبر أخى فى الرضاعة وليدفن من يتوفى من أهل بيتى فى هذا المكان» ، لأجل ذلك قالت رقية وهى على فراش الموت فى حالة احتضارها : ادفنونى بجانب عثمان بن مظعون ومسح النبى صلى الله عليه وسلم دموع السيدة فاطمة بجانب هذا القبر المنيف لأن السيدة فاطمة كانت قد تأثرت أشد التأثر من موت أختها وكانت تبكى بجانب هذا القبر لامع الأنوار.

السيدة رقية التى تشرف عثمان بن عفان بالزواج منها أولى الجميلتين اللتين نال شرف الزواج منهما.

ولما كان والدها الجليل صلى الله عليه وسلم قد زوجها بعثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ عند ما كان بمكة المكرمة وقد هاجرت مع زوجها إلى الحبشة فى الهجرة الأولى وبعد العودة هاجرت إلى المدينة المنورة فى الهجرة الثانية. وقد مرضت فى السنة الثانية للهجرة وبناء على ذلك لم يشترك فى غزوة بدر ليظل بجانب زوجته المحترمة تنفيذا للإرادة النبوية ، وقد لحقت بالرفيق الأعلى ، حينما وصلها خبر

انتصار الجيش النبوى إلى المدينة المنورة ومن هنا تزوج عثمان بن عفان أختها الصغرى أم كلثوم ـ رضى الله عنها ـ فسعد. ولما كانت فى الحبشة ولدت ابنها عبد الله بن عثمان وعاش الغلام خمس أو ست سنوات بناء على بحث ابن الأثير ثم نقر عينه الديك فتورم وجه الصغير المعصوم ومات فى خلال السنة الرابعة الهجرية ، وفى شهر جمادى الأولى متأثرا بهذا الحادث.

سواء أكانت رقية أو أختها أم كلثوم ـ رضى الله عنهما ـ كان عقد نكاحهما أولا لابنى أبى لهب عتبة وعتيبة ، أى عقد نكاح رقية لعتبة ونكاح أم كلثوم لعتيبة ، وبما أن زوجة أبى لهب أم جميل شعرت بالخزى والعار عند نزول سورة تبت فسخت نكاحهما قبل الزفاف ، مع أن هذا الفعل كان بالنسبة إلى المشار إليهما مصدر خير ولطف وإحسان وبالنسبة لعتبة وعتيبة مجلب ذل وخسران وهوان.

فاطمة بنت أسد ـ رضى الله عنها ـ بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف القرشى ووالدة سيدنا على ابن أبى طالب ـ كرم الله وجهه ـ المشفقة. قد دفنت فى دار عقيل أول أضرحة بنى هاشم والضريح كان أمام حمام (١) أبى مطيعة فى الروحاء وعند البعض بالقرب من ضريح عباس بن عبد المطلب.

قطعة شعرية

هى جوهر سبط اللآلىء

فاطمة بنت أسد أم حيدر الكرار على

أثنى عليها الحق تعالى كل الثناء

إنها جدة جميع الشرفاء

وإن كانوا ينسبون القبر والضريح الذى فى آخر مقبرة البقيع إلى فاطمة بنت أسد ، ولكن على أرجح الأقوال أنها لم تدفن فى هذا الضريح بل دفنت فى

__________________

(١) هذا الحمام ليس حماما عاديا إنه اسم نخلة مشهورة فى الجهة الشمالية لقبر إبراهيم ـ عليه وعلى أبيه التعظيم.

الضريح سالف الذكر. لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يحب السيدة فاطمة حبا جما وهذا ثابت وبما أنها ماتت فى حياة الرسول فمن المحال أن يكون قد دفنها خارج البقيع الشريف ، ويمكن الاستدلال على ذلك بما قاله النبى صلى الله عليه وسلم عندما نصب حجرا على رأس قبر ابن مظعون قائلا : «فليكن هذا الحجر علامة قبر أخى فى الرضاعة وليدفن هنا من توفى من أهلى» ، وبناء على ذلك فقبر المشار إليها إما فى «الروحاء» أو فى «دار عقيل» ولا شك فى ذلك وقد كفن النبى صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت أسد بقميصه وأنزلها بنفسه فى القبر وبعدما أهال التراب فوق التراب وغطى القبر بكى كثيرا.

التوضيح : لم ينزل النبى صلى الله عليه وسلم فى أى قبر لوضع الجنازات إلا فى قبر خديجة الكبرى ، عبد الله المزنى ، وابن الخديج ، وأم رومان ، وفاطمة بنت أسد.

وأنزل الأشخاص الذين ذكرناهم فى قبورهم ودعا لهم بما يليق. حتى أنه جلس على رأس قبر فاطمة بنت أسد بعد الدفن وبكى بكاء شديدا مديدا ودعا على النهج التالى :

«الله الذى يحيى ويميت وهو حى لا يموت ، اللهم اغفر لأمى فاطمة بنت أسد ووسع عليها مدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلى فإنك أرحم الراحمين».

عبد الرحمن بن عوف ـ رضى الله عنه ـ : دفن بالقرب من قبر عثمان بن مظعون الكائن فى الجهة الشرقية لزاوية دار عقيل ، قد أرسلت عائشة ـ رضى الله عنها ـ أحدا إلى عبد الرحمن بن عوف وهو يحنضر ليقول له إذا ما شئت هيأت لك قبرا بالقرب من قبر النبى.

فرد قائلا لا أستطيع أن أضيق لك بيتك ، وكنا قد تعاهدنا مع عثمان بن مظعون على أن يدفن الثانى بجانب الذى يموت أولا فادفنينى بجانبه فأتت بجنازته وبعد الصلاة عليها أمرت بدفنها فى دار عقيل.

وكان عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين من الأصحاب بالجنة ، وأبوه عوف بن عبد الحارث بن زهرة ابن كلاب بن مرة ، وأمه شفاء بنت عوف بن

الحارث بن زهرة ، ولد بعد عام الفيل بعشر سنين ، وأسلم بواسطة الصديق الأكبر قبل اختفاء المسلمين فى دار الأرقم ، هاجر أولا إلى الحبشة وبعد عودته منها هاجر إلى المدينة المنورة وتآخى هو وسعد بن الربيع ، واشترك فى جميع غزوات النبى صلى الله عليه وسلم. ومات فى السنة الحادية والثلاثين من الهجرة وعمره سبعون عاما أو خمسة وسبعون عاما على قول آخر ، وأوصى أن ينفق خمسون ألف دينار من ماله فى سبيل الله ، كما أوصى أن يعطى لبقية أصحاب بدر لكل واحد منهم أربعمائة دينار (١).

وبقى له بعد وفاته مائة رأس فرس و (٣٠٠٠) غنم و (١٠٠٠) جمل ، وأصاب كل واحدة من زوجاته الأربع ثمانون ألف دينار كحصة إرثية ، عندما هاجر إلى المدينة المنورة عقد رابطة الأخوة مع سعد بن الربيع سالف الذكر وأخذ فى الأخذ والعطاء والتجارة. وبفضل دعاء النبى صلى الله عليه وسلم أحسن الله إليه وأنعم له بأموال لا تحصى ونقود لا تعد ونال بسهولة المعيشة الرغدة فى الدنيا ، وقد استخرج مما تركه من سبائك الذهب والفضة من حفرة خزانتها بالفأس والمجرفة.

وقد جرحت يدى حافر حفرة الخزانة إلى أن أخرج السبائك كلها. وأوصى أن تعطى لأمهات المؤمنين حديقة نخيل غير ما أوصى بإعطائه لأصحاب بدر. وقد بيعت الحديقة التى عين اسمها لإعطائها لأمهات المؤمنين بأربعمائة قطعة ذهبية وعرضت لأمهات المؤمنين كن على قيد الحياة. كان عبد الرحمن بن عوف سخيا كريما لاحد لسخائه وكرمه ، حتى إنه حرر فى يوم واحد ثلاثين نفرا من ربقة العبودية. وتصدق فى ذلك اليوم بسبعمائة ناقة عائدة من التجارة بكل ما تحمله من أمتعة وأغذية. وكان فضل المشار إليه وكمال أخلاقه كما يجب إذ اشترك فى غزوة تبوك وتولى أمانة النبى صلى الله عليه وسلم فسماه النبى صلى الله عليه وسلم أمين هذه الأمة.

سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ : دفن سعد بن أبى وقاص فى الجهة الشرقية السامية من دار عقيل حيث أراه بنفسه وعينها. إذ أخذ ذاته السامية قبل وفاته عدة أوتاد مدببة وذهب مع الصحابى أبو دهقان إلى مقبرة بقيع الغرقد

__________________

(١) كان حيّا عندما توفى عبد الرحمن بن عوف من غزاة بدر وأصحاب الصفة مائة نفر.

وركز تلك الأوتاد فى الركن الشرقى الشامى من المنزل سالف الذكر ثم قال : «يا أبا دهقان! إذا ما مت احفروا هذا المكان وادفنونى فيه» وحينما توفى بحث أبو دهقان عن ابن المتوفى وروى له الحكاية وأراه المكان المذكور ذاهبا إلى بقيع الغرقد فأخرج ابن سعد الأوتاد ودفن جنازة والده هناك وأوفى بوصيته.

كان سعد يكنى بأبى إسحاق وأبوه وهيب أو أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى ابن أبى وقاص مالك ، وأمه بنت سفيان أو أبو سفيان ابن أمية بن عبد شمس حمنة أسلم وعمره سبعة عشر عاما اشترك فى جميع غزوات النبى صلى الله عليه وسلم وكان الخامس أو السابع من السابقين إلى الإسلام وهو أحد المبشرين العشرة بالجنة وأحد أصحاب الشورى الستة.

وقد مات فى عام خمسة وخمسين هجرية بناء على قول الواقدى أو فى ثمانية وخمسين من السنة الهجرية بناء على قول أبى نعيم الفضل بن دكين أو مات فى سنة أربع وخمسين من الهجرة بناء على تدقيق وتحقيق الزبير بن عمرو ، ومات فى مكان ما من وادى العقيق على بعد سبعة أميال من المدينة المنورة ثم حمل نعشه إلى المدينة المنورة ودفن فى المكان الذى سبق وصفه ، وهو آخر من توفى فى المدينة من المهاجرين الكرام. وفى حالة احتضاره خلع جبته الصوفية ، وقال موصيا : ادفنونى بهذه لأنها كانت على ظهرى حينما لاقيت مشركى قريش فى بدر.

عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : مات عبد الله بن مسعود فى السنة الثانية والثلاثين من الهجرة وقد تجاوز الستين من عمر ، ودفن فى مكان قريب من ضريح عثمان بن مظعون. لأنه قد ذهب قبل موته إلى البقيع وأوصى بأن يدفن فى ذلك المكان الذى عينه. وكان حضرته من فضلاء الصحابة الزاهدين وأبوه مسعود بن غافل بن حبيب بن سمح بن فار بن مخزوم ابن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تيم بن سعد بن هذيل ابن مدركة بن إلياس بن مضر ، وأمه أم عبد الله بنت عبد ود بن سواء الهذلية.

وكان عثمان بن عفان حين وفاة عبد الله بن مسعود خليفة فزاره وعاده عند احتضاره وقال له عند عزمه على العودة :

إذا ما رضيت فأنا أرغب فى أن أقدم لبناتك بعض العطايا وكان يريد بهذا الاستفسار أن يحسن إلى بنات عبد الله بن مسعود. فرد ابن مسعود قائلا أنا لا أخشى على بناتى من الفقر والخصاصة ، وقد نبهتهن إلى ضرورة قراءة سورة الواقعة كل ليلة مرة وأوصيهن بأن يداومن على هذه الأصول لأنى كنت سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول : كل من دوام على قراءة سورة الواقعة فى الليالى يأمن تسلط الفقر والحاجة عليه.

وبهذا القول امتنع عن تقديم العطايا لبناته ؛ رضى الله عنه.

حنيس بن خذافة السهمى (١) ـ رضى الله عنه ـ كان خنيس بن حذافة بن قيس بن عدى بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص ابن كعب بن لؤى القرشى السهمى زوج حفصة بنت عمر بن الخطاب الأول وهو أحد مهاجرى الحبشة ، خرج فى غزوة أحد ومات بعد ملحمة بدر الكبرى بخمسة وعشرين عاما ودفن فى مكان قريب من ضريح عثمان بن مظعون.

أسعد بن زرارة (٢) ـ رضى الله عنه ـ : هو سعد بن زرارة أبو أمامة ابن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم ابن مالك بن النجار بن ثعلبة بن الخزرج الأنصارى وهو أحد الأنصار السابقين للإسلام بل أولهم ونصب نقيبا من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقبيلة بنى ساعدة التى ينتسب إليها.

وقد وجد فى بيعات العقبة الأولى والثانية والثالثة وعرض البيعة قبل الكل وتوفى فى خلال شهر شوال من العام الهجرى ؛ فدفن فى مكان قريب من ضريح عثمان بن مظعون ، وقبره لامع الأنوار فى وسط مقبرة البقيع ، وبجانب ضريح ابن الرسول عليهما السلام إلا أنه ليس لقبره علامة خاصة. وعند ما يزار ضريح إبراهيم ـ عليه التعظيم ـ فلا تنس قراءة الفاتحة على روحه لتذكره.

فاطمة بنت رسول الله «عليهما الصلاة والسلام» : ارتحلت السيدة فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ عن دنيانا بعد والدها بسبعين يوما ودفنت ـ على القول الأرجح ـ على زاوية دار عقيل اليمانية التى تقع فى داخل مقبرة بقيع الغرقد.

__________________

(١) انظر ترجمته فى الإصابة ٢ / ١٤٢.

(٢) انظر ترجمته فى الإصابة ١ / ٣٢.

قطعة شعرية

إن فاطمة من شمس الرسالة نور

فاجعل من غبار عتبتها لعينيك الدواء

فليس فى الإمكان دخول إلى سلطان كونها

وبناء على الروايات الموثوقة اغتسلت قبل احتضارها ولبست ملابس جديدة وقالت إننى الآن سأستجيب لدعوة «ارجعى» ولكننى لست فى حاجة للغسل والكفن!!!

وسلمت روحها بعد ذلك ودفنت فى المكان المذكور.

قطعة شعرية

ثمرة القلب وقرة عين الرسول

زهرة فلك النبوة البتول

سيدة كل نساء الجنان بقيت

ورأسها على حجر عند قدم الرسول

وقرر المؤرخون بناء على قول على بن حسين بن على بن أبى طالب ، أن السيدة فاطمة مدفونة فى مكان يبعد عن دار عقيل خمسة عشر ذراعا وعلى قول ثلاثة وعشرين ذراعا وفى مواجهة الطريق المتصل بالزاوية اليمانية لدار عقيل وقول عبد الله بن رافع الذى قال : قد دفنت فخر النساء فى مخرج الطريق الذى يقع بين دار عقيل بن أبى طالب ، ودار أبى ، وبناء على الروايات الأخرى أن السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ فى مقبرة بقيع الغرقد الشريفة ، ولكن البعض الآخر ـ روى خطأ هذا القرار وخرجوه وادعوا أن قبرها الشريف فى جهة صفة أصحاب الصفة من شبكة مرقد السعادة ، وأيدوا ادعاءهم هذا بما يروى عن عمر بن عبد العزيز بأنه قال : بأن السيدة فاطمة قد دفنت فى دارها من جهة أسماء

بنت عبد الله بن الزبير أى فى الجهة الشامية من الحجرة المعطرة ، وقال إن هذه الرواية قد نقضت الرواية الأولى ، ولكن إذا نظرنا لما قاله ريحانة النبى صلى الله عليه وسلم الحسين بن على بن أبى طالب حين احتضاره ادفنونى فى البقيع بجانب والدتى ودفن بعد موته فى مقبرة البقيع بناء على وصيته ، وإذا ما نظر إلى قطعة الرخام التى عثر عليها فى سنة ٣٣٢ ه‍ فوق قبر فى بقيع الغرقد حيث كتب عليها هذا قبر فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين.

وقبر الحسن بن على وعلى بن الحسين بن على وقبر محمد بن على وجعفر بن محمد ـ رضى الله عنهم بالبقيع ـ هذا يقتضى التصديق بأنها دفنت فى البقيع الشريف.

وقد كشف الشيخ أبو العباس المرسى ـ وهو من مشاهير أولياء الله ـ ظاهر الكرامات بأن قبر السيدة فاطمة فى مقبرة بقيع الغرقد كان يقف فى داخل ضريح عباس ابن عبد المطلب وفى الجهة القبلية منه ويقرأ الفاتحة لروح المشار إليها وجعل ذلك عادته مدة حياته. ويقول أهل المدينة بأن السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ فى داخل حجرة السعادة ويزورون إلى الآن حجرتها فى داخل المسجد النبوى ، إلا أنهم عندما يزورون قبر عم النبى صلى الله عليه وسلم عباس ـ رضى الله عنه ـ يقفون حيث وقف الشيخ أبو العباس المرسى ويقرءون الفاتحة لروح فاطمة الزهراء أيضا ، لأن الرواية التى تقول بأنها مدفونة فى داخل شبكة الحجرة المعطرة نقل فقط عن الأحمق شمس الدين بن زمن ؛ فلا قيمة لهذه الرواية حتى بين علماء المدينة المنورة.

التأسف

إن المدفن الذى عين على أنه مدفن فاطمة ـ رضى الله عنها ـ فى زمن شمس بن زمن قد زين بستائر مزركشة وغطيت أطرافه الأربعة بستائر ذات أهداب ذهبية إلا أن مدفنها الذى فى البقيع والذى ثبت دفنها هناك فيه بأقوى الأسانيد

والأقوال ظل ضريحها فى البقيع مغطى بقطعة قماش خضراء قديمة عادية مما يثير فى قلوب الزائرين الأسى والأسف.

وإن كان قيمة القماش الغطاء لا يزيد فى فضل صاحبة القبر إلا أنه مهما وقرت واحترمت السيدة فاطمة دعا ذلك إلى ابتهاج الروح النبوية ، ويقاس مدى حب أهل الإيمان لنبيهم بمدى ما يظهرون إلى المشار إليهم من الرعاية والاهتمام ومن هنا يقتضى الأمر أن يحظى ضريحها فى بقيع الغرقد بالعناية والنظام.

ألا فليرض الله سبحانه وتعالى عن والد السلطان كثير المحامد قد أحاط قبر والدتنا المشار إليها دائرا ما دار بسياج من النحاس وبهذا أزال ما جاش فى قلوب المحبين للنبى صلى الله عليه وسلم من الأسف والحزن درجة ما.

استمرت سيدة النساء بعد أن ارتحل والدها الكريم تنوح وتنتحب فى المكان الذى محل قبرها فى البقيع حتى أطلق عليه دار الحزن ، ومسجد فاطمة ، وذلك المكان المقدس قبة أهل البيت ويقع فى الجهة القبلية من جوار ضريح عباس بن عبد المطلب ، وقد جدده السلطان محمود خان الثانى فى سنة ١٢٣٣ ه‍ ورمز له بكتابة القطعة الآتية فوق طاق بابه :

لحاكم الدهر لطف الله

لا يردن على الخاطر لماذا

ابك وادع لذلك السلطان

الذى أقام مسجد الحزن هذا

الحسن بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنه : قبره الأنور بجانب والدته السعيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ والكائن فى داخل ضريح العباس بن عبد المطلب ، كان قد بعث قبل وفاته إلى أمنا عائشة ـ رضى الله عنها ـ من يخبرها

راجيا بأنه يرغب أن يدفن داخل حجرة السعادة فأجابته قائلة : وفعلا فى داخل حجرة السعادة مكان يسع لقبر واحد وكنت قد هيأته لنفسى مادام ذاته السامية يرغب فى الدفن فى مدفن السعادة أتنازل عن المكان الذى هيأته لنفسى وأقدمه له وأدبر لنفسى قبرا فى مكان آخر.

وأخذ أمراء بنى أمية ينشرون ترهاتهم ويثرثرون هنا وهناك قائلين : فلا سبيل لدفن الحسن بن على ـ رضى الله عنه ـ فى مدفن الرسول إننا سنخالف رغبة الإمام الحسن هذه بل أننا سوف نتجرأ على مقاتلة بنى هاشم فى هذا السبيل.

وانفعل الحسن بن على من أمراء بنى أمية وغضب وقال مخاطبا أخاه الحسين الشهيد إننى تنازلت عن رغبة الدفن فى مدفن الرسول فادفنونى بجانب والدتى فى البقيع ولكن لا تحملوا جنازتى إلى البقيع قبل أن تذهبوا بها أمام مواجهة السعادة للتشفع ، هذه كانت وصيته. وعندما ارتحل عن دنيانا أراد حضرة حسين أن يدفنه فى حجرة السعادة ، ولكن المعاندين من بنى أمية تصدوا لذلك قائلين فلن نوافق على ذلك أبدا فهيأ حسين قبرا فى البقيع بجانب قبر أمه باهر الأنوار ودفنه فيه بعد أن حمل جنازته إلى مواجهة السعادة للاستشفاع وهكذا وفى بوصية أخيه ـ رضى الله عنه ـ ولم يكن والى المدينة فى ذلك الوقت سعيد بن العاص يمانع فى دفن حضرة الحسن فى الحجرة المعطرة إلا أن مروان بن الحكم جمع أعوانه وعارض الحسين وخالفه فى فكرته وعند ما أحس مروان من الإمام شدة دفاعه قال له : كان أخوك قال إذا لوحظ ظهور الفتنة فادفنونى فى البقيع فسكت حضرة الحسين ، وصلى على الحسن عمرو بن سعيد بن العاص وقال الحسين ـ رضى الله عنه ـ لو لم تكن صلاتك على أخى سنة لما سمحت لك بالصلاة عليه.

حكمة

عارض أمراء بنى أمية دفن الحسن بن على وعثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ فى المحل الخالى فى الحجرة المعطرة على اعتبار أن هذا الموضع سيكون مدفن عيسى ابن مريم.

لأن النبى صلى الله عليه وسلم قد تفضل قائلا : إنّ عيسى بن مريم سيهبط على وجه الأرض وسيتزوج وسينجب الأولاد وبعد أن يعيش ما يقرب من خمسة وأربعين عاما سيتوفى ويدفن بجانب قبرى ولسوف أبعث أنا وعيسى بن مريم بين أبى بكر وعمر.

ودفن الإمام زين العابدين وابنه الإمام محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق بجانب الإمام الحسن بن على بن أبى طالب كما أن رأس الإمام الحسين دفنت بجانب قبورهم ، لأن يزيد الشقى كان قد أرسل رأس سيد الشهداء المقطوع إلى والى المدينة عمرو بن سعيد بن العاص فجهزه وكفنه ودفنه بجانب قبر فاطمة ـ رضى الله عنها ـ فى بقيع الغرقد ، والآن عندما يزور الكرام ضريح عباس بن عبد المطلب يتذكرون الأئمة الكرام المشار إليهم ويعرضون عليهم تحيتهم ويتحفظون سلامهم هناك من يدعى أن رأس الإمام حسين لم يدفن فى البقيع حتى إنهم يمنعون من يريد زيارة الشهيد ممن يصدقون وجود رأسه هناك. ولكن العلامة ابن سليمان يؤكد على وجود رأس الحسين المبارك فى البقيع فى كتابه «الذخر النافع» كما ذكر الزبير بن بكار بإسناد موثوق أن جنازة على بن أبى طالب قد نقلت إلى البقيع مؤخرا ، ومن هنا فذكر اسميهما عند الزيارة تبركا مع تذكر أهل البيت لا يخلو من فائدة العباس بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه : عباس بن عبد المطلب مدفون بجانب قبر منسوب لفاطمة بنت أسد ـ رضى الله عنها ـ ، أم على بن أبى طالب وضريحه المنيف أول مقابر بنى هاشم ومدفنه قريب من دار عقيل ، والقبة التى تشمل على قبر عباس يطلق عليها قبة أهل البيت ولضريحه بابان شامى وغربى وتنحصر وظيفة الحراسة فى سلالة زنجية ببراءة من مفتى المدينة الشافعى سيد جعفر بن سليمان.

صفية بنت عبد المطلب ـ رضى الله عنها : قبر والدتنا صفية فى مكان عند المخرج من باب البقيع أى فى اتصال دار المغيرة بن شعبة. وفى زماننا لا يزورون هذا المكان ويزورون الضريح الذى خارج البقيع وفى اتصال سور المدينة ، ويقولون هذا هو قبر صفية بنت عبد المطلب ولكن قول الزبير بن العوام بن

صفية للمغيرة بن شعبة عندما كان يبنى بيته يا مغيرة ارفع رفرف سقف دارك من فوق قبر أمى وتحويل مغيرة بن شعبة مجرى سقف بيته إلى جهة أخرى يؤيد ويؤكد صحة القول الأول.

سفيان بن الحرث بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه : سفيان بن الحرث مدفون فى داخل دار عقيل بن أبى طالب كان سفيان ينتزه فى داخل مقبرة بقيع الغرقد فى السنة العاشرة من الهجرة وعلى قول فى السنة الثانية والعشرين من الهجرة عندما ذهب إلى الحج ورجع منه ، فلاقاه عقيل بن أبى طالب وقال له : ابن عمى! لما تتمشى هنا؟ فرد سفيان قائلا : أريد أن أهيئ لنفسى مكانا للقبر ثم دخل فى دار عقيل بن أبى طالب ، ثم قال له احفر هنا قبرا لى. عنده ساعة جلس وجعل عقيلا يحفر له قبرا ، ومات بعد يومين ودفن فى القبر الذى حفره عقيل ، وعلى رواية أخرى ، حفر بنفسه ومات بعد ثلاثة أيام ودفن فى القبر الذى حفره بنفسه ولا شبهة فى أن سفيان ابن الحرث مدفون فى الضريح الذى ينتسب إلى عقيل بن أبى طالب ، ولكن الشخص الذى دفن فى هذا الضريح ليس عقيل بن أبى طالب بل عقيل بن النجار ، لأن عقيل بن أبى طالب قد توفى فى الشام.

والدة سفيان بن الحرث غزنة بنت قيس بن طريف بن فهد بن مالك وأبو أبيه عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى فهو عم النبى صلى الله عليه وسلم وبما أنه رضع من حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية (١) فهو الأخ للنبى من الرضاعة. وقبل أن يسلم كان ضد النبى صلى الله عليه وسلم وكان قد جرح خاطر النبى بما كتب فى حقه من الهجاء ، وبعد الإسلام قام بأعمال لا بأس بها وحاز إعجاب النبى صلى الله عليه وسلم.

عبد الله بن جعفر الطيار : عبد الله بن جعفر الطيار ابن أبى طالب مدفون فى دار عقيل أيضا ، بما أن حضرة عبد الله كان أجود العرب كان يلقب ب جواد القبيلة وإن كان بعض المؤرخين قالوا إن عبد الله توفى فى خلال سنة ٩٠ الهجرية ودفن فى الأبواء لكن القول الأول أكمل من الرواية الثانية.

الأزواج الطاهرات ـ رضى الله عنهن ـ أجمعين : أولى زوجات النبى صلى الله عليه وسلم

__________________

(١) أنظر نسبها فى : ابن هشام ١ / ١٦٨ ، الإصابة ٨ / ٥٢ ـ ٥٣.

خديجة بنت خويلد ـ رضى الله عها ـ مدفونة بمقبرة الجنة المعلا فى مكة المعظمة كما أن أمنا «ميمونة رضى الله عنها» مدفونة فى مكان اسمه سرف بين وادى فاطمة ووادى التنعيم كل واحدة فى ضريحها الخاص.

وغيرهما ، كلهن ، مدفونات فى مقبرة بقيع الغرقد وفى الضريح الخاص لزوجات النبى المطهرات فى الجانب الشرقى من دار عقيل بن أبى طالب.

رواية

لما أشرفت حبيبة حبيب الله عائشة ـ رضى الله عنها ـ أمنا على الموت استدعت عبد الله بن الزبير وقالت له مواجهة «ادفنى بجانب صاحباتى اللائى فى داخل بقيع الغرقد» ونفذت وصيتها بعد موتها.

رواية : حفر عقيل بن أبى طالب فى داره التى فى البقيع بئرا ولما وجد فى حين حفره حجرا محكوكا عليه فسد البئر المحفورة وبنى فوقها منزلا عظيما ، وكان مكتوبا على الحجر المذكور «قبر أم حبيبة بنت صخر بن حرب» أى أم المؤمنين حينئذ دخل حضرة ابن السائب داخل البناء الذى أسسه وزار قبر أم حبيبة ـ رضى الله عنها ـ وحفر محمد بن زيد بن على محلا مكشوفا على بعد ثمانية أذرع من قبر فاطمة ـ رضى الله عنها ـ فوجد حجرا محكوكا عليه «إنه قبر أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم» وقد نقل هذا محمد بن زيد بنفسه ، وظهور هذه الحجارة يدل على أن ذلك المكان مكان قبر زوجات النبى صلى الله عليه وسلم ، كما أن قول عائشة ـ رضى الله عنها ـ : «ادفنى بجانب صاحباتى ..» يؤيد الرواية التى تحكى أن الأزواج المطهرات دفن فى بقيع الغرقد.

أزواج النبى الطاهرات هن : خديجة ، عائشة ، سودة ، حفصة ، أم حبيبة ، أم سلمة ، زينب بنت جحش ، زينب الهلالية ، جويرية ، ميمونة ، صفية ـ رضى الله تعالى عنهن أجمعين ـ ومجموعهن إحدى عشر سيدة المقرونات بالعصمة وتسع منهن دفن فى الضريح الذى سبق تعريفه.

عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ المنان : استشهد عثمان بن عفان فى السنة

الخامسة والثلاثين من الهجرة فى السابع عشر من شهر ذى الحجة ، وعلى قول الثامن عشر. وقيل مات يوم الجمعة ودفن فى مقبرة بقيع الغرقد وفى ساحة بستان يقال له حش كوكب وفى منتهى ذلك البستان.

وكان الشهيد المشار إليه قد حصل فى حياته على رخصة من أمنا عائشة ليدفن فى داخل الحجرة المعطرة ولكن المصريين الذى تجرءوا على قتله رفضوا دفنه فى مدفن السعادة قائلين : نحن سنمنع الصلاة على جنازة عثمان بن عفان فضلا عن دفنه فى حجرة السعادة ، وبمثل هذه الوقاحة أتموا دناءتهم ، وتلفظوا فى هذا الخصوص بكلمات غير مستحبة وكل ذلك داخل مسجد السعادة ، ولما طال الوقت ولم يدفن ذهبت والدتنا أم حبيبة من زوجات النبى المطهرات إلى باب المسجد وقالت : أعطونى جنازة عثمان لأدفنها فإذا امتنعتم عن إعطائها أرفع ستارة مرقد السعادة وأشكوكم للرسول صلى الله عليه وسلم! ولما ترك المصريون الجنازة وانسحبوا إلى جهة ما أخذ جبير بن مطعم وحكيم بن حزام وعبد الله بن الزبير وكثيرون من الأجلاء نعش عثمان المبارك وحملوه إلى البقيع ، إلا أنهم قوبلوا أيضا بالمخالفة والرفض أى رفضوا دفنه فى البقيع الشريف فنقلوه من هناك إلى بستان يقال له حشّ كوكب حيث حفروا قبرا ودفنوه.

ومنذ استشهاد حضرة عثمان ـ رضى الله عنه ـ أخذت طائفة الجن تولول وتنتحب فوق مسجد السعادة ثلاثة أيام وثلاث ليال.

حكمة

وإن كان سبب عدم دفن الشهيد المشار إليه فى الظاهر مخالفة المصريين لذلك ورغبتهم فى دفنه بعيدا عن النبى صلى الله عليه وسلم ولكن السبب المعنوى لذلك قد وضح فى الصورة الأولى من الوجهة السادسة عشرة وفى بحث بئر أريس وهو عندما بشر حضرة عثمان بالجنة والمصيبة لم يكن قد وجد بجانب الرسول محلا خاليا وجلوسه فى مكان بعيد عنه.

يروى الإمام مالك أن قتلة عثمان بن عفان لم يسمحوا بدفن جثته إلا فى

اليوم الثالث من استشهاده. وسبب ذلك فقد الصوت الذى سمع من الهاتف صلوا على جنازة عثمان وادفنوها ، إن الله سبحانه وتعالى قد رحمه.

قال الإمام : بناء على الأخبار التى تلقيتها ، عندما سمع القتلة ذلك الصوت من الهاتف تحيروا واستولى عليهم قلق عظيم ، فتركوا النعش الشريف فى مسجد السعادة وتفرقوا ، ولما تركت الجنازة وحدها وفى ليلة ذلك اليوم أخذ جدى ومعه أحد عشر رجلا الجنازة من المسجد وأخرجوها منه وخرجوا للطريق ليحملوا الجنازة إلى المقبرة. فصادفهم بعض الرجال من كلاب قبيلة بنى مازن وقالوا : إن كنتم تريدون أن تدفنوا الجنازة فى مقبرة البقيع نخبر القتلة ونجعلهم يخرجونها من قبرها.

فخافوا من وقوع فاجعة أخرى وحملوا الجثمان إلى بستان «حش كوكب» لدفنه فيه ، كانت بنات حضرة عثمان يسرن أمام التابوت وقد أمسكن فى أيديهن القناديل فى تلك الليلة العجيبة بينما رأس الجثمان يصطدم بالتابوت الخشبى ويخرج صوتا ، ولما ساروا قليلا سمعوا خشخشة فخاف الذين يحملون التابوت وزاد هذا الضجيج وأحاط بهم من الجهات الأربعة قالوا : لا تخافوا أتينا لنحضر صلاة جنازة الخليفة وإذا بهذه الخشخشة كانت قد صدرت من أجنحة الملائكة واهتزازتها الذين أتوا ليحضروا صلاة جنازة عثمان ـ رضى الله عنه ـ وقد اختلف فيمن صلى على الجنازة ، ففى قول أن الذى صلى هو جبير بن مطعم أو مروان ابن الحكم وفى قول آخر حكيم بن حزام ، ودفنوها فى المقبرة التى هيئت فى البستان المذكور ، وحضر الدفن الزبير بن العوام وحسن بن على وأبو جهم بن حذيفة ومروان بن الحكم.

وألحق أمراء بنى أمية بعد مدة بستان حش كوكب بمقبرة البقيع ، وهكذا وسعوا هذه المقبرة وأخذ الناس يدفنون جنازاتهم فى هذا المكان ، كان أهل المدينة يتجنبون دفن موتاهم فى حش كوكب من قبل وكأنهم تمنوا بأن يدفن أحد الصلحاء فى بستان حش كوكب حتى يقبل الناس على دفن موتاهم هناك. هذا ما

كان يتمناه عثمان ـ رضى الله عنه ـ وكأنه أومأ بهذا بأنه سيدفن فى بستان حش كوكب وسيلحق هذا البستان فيما بعد بمقبرة بقيع الغرقد وأخذ الأهالى يدفنون موتاهم فى هذا البستان وألحقوه بمقبرة بقيع الغرقد.

وقد أبتلى كل واحد من قتلة عثمان بالجنون ، وهلك كل منهم إثر فضيحة لحقت به ، وقد ندم قتلته على ما ارتكبوا من جريمة شنعاء والتجئوا إلى مسجد السعادة يعرضون ندمهم وتوبتهم وأخرج كل واحد منهم مصحفا وأخذوا فى تلاوته بكل خشوع وندم وهم يبكون إلا أنه ظهر على وجه السماء شخص على شكل إنسان وخاطب هؤلاء وهو يقرأ الآية الكريمة :

(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (سورة الأنعام / ١٥٩)

سعد بن معاذ الأشهلى ـ رضى الله عنه : إن سعد بن معاذ مدفون فى الضريح الذى ينسب إلى فاطمة بنت أسد بن هاشم الذى فى نهاية مقبرة البقيع ، وقد ذهب بعض الناس إلى أن فاطمة بنت أسد مدفونة فى هذا الضريح. إلا أنه من المحقق أنها لم تدفن فى هذا الضريح كما فصل فى موضوع قبرها.

كان حضرة سعد معروفا بكنيته أبى عمرو ، ووالده معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن النبيت بن مالك بن الأوس الأنصارى الأشهلى ، وأمه كبشة بنت رافع ، وقد جرح فى ملحمة الخندق جرحا بالغا ولكنه دعا إلى الله أن يمد عمره حتى يرى نهاية يهود بنى قريظة ، ولما استجيبت دعوته انقطع نزيف جرحه ، أسندت إليه مسألة تحديد جزاء يهود بنى قريظة ، فحكم بقتل جميع ذكور يهود بنى قريظة كما هو مفصل فى كتب السير وانفجر نزيف جرحه عقب ذلك وارتحل عن الدنيا ، فصلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم ودفن فى أقصى مقبرة البقيع وبجانب بيت المقداد بن الأسود فى القبر الذى حفر له.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم بجانب سعد بن معاذ حين وفاته ودعا له بأن تصعد روحه إلى

أعلى العليين ، فاستجيب دعاؤه فنزل من قبل الله على وجه الأرض سبعون ألفا من الملائكة وأوصلوا روحه الشريفة إلى رياض الجنان بكل إعزاز وإكرام

أبو سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه : حضرة أبو سعيد الخدرى سعد بن مالك بن سنان بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر وهو خدرة ابن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصارى الخدرى واسمه زيد ، ومات سنة أربع وستين من الهجرة ودفن فى المكان الذى أراده بنفسه فى انتهاء مقبرة البقيع ، قال لابنه عبد الرحمن قبل موته بثلاثة أيام. «يا بنى قد تقدم بى السن وعجزت وسئمت تحريك رجلى ، أمثالى وأقرانى توفوا ، خذ بيدى لنذهب إلى البقيع» وأخذنى إلى مقبرة البقيع ، وتمشينا فترة بين القبور ، وفى النهاية وجد محلا خاليا فى أقصى المقبرة حيث لم يدفن أحد وقال لى ادفنى فى هذا المكان حينما أموت.

وقد خرب الضريح الذى فوق قبر أبى سعيد الخدرى فى الوقعة الوهابية فجدده السلطان محمود خان الثانى وكتب فوق بابه البيتين الآتيين.

قطعة

أقيم قبر أبى سعيد الخدرى

فكان مثيرا لحسد حرم السماء السابعة

كل ما تعاون مع السلطان

رضى الله تعالى عنهم

كان بالقرب من ضريح أبى سعيد الخدرى قبر منسوب إلى حليمة السعدية.

قطعة

شرفت بأن تكون لخير الرسل ظئرا

حليمة السعدية حسبها هذا فخرا

أراد السلطان محمود خان الثانى أن يعرض للنبى صلى الله عليه وسلم خدمة مقبولة فبنى فوق قبرها ضريحا وقبة.

مشهد النفس الزكية اللطيف

النفس الذكية محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه ـ مدفون فى جوف المسجد الكبير الواقع بالجانب الشرقى فى جبل سلع وليس فوق قبره قبة خاصة ، ومنهل عين الأزرق ، خلف الجدار القبلى لذلك المسجد وسقّاء والمدينة يأخذون منها الماء ليمدوا البيوت والمحال بالماء.

ويروى أيضا بأنه دفن فى موقع أحجار الزيت القريب من ضريح مالك بن سنان المنيف أى المكان الذى استشهد فيه. إلا أن هذه الرواية ضعيفة لدى أهل المدينة فالأرجح القول الأول.

استشهد النفس الزكية فى زمان أبى جعفر المنصور من خلفاء العباسيين ، وسبب استشهاده نفرة أهالى المدينة الطاهرة من أبى جعفر المنصور وعرضهم البيعة للمشار إليه وتبعيتهم له ، وسبب نفرة أهالى المدينة جميعا غدر المنصور وإهانته لهم ، لأن المنصور المختلف الشعور هذا كان قد حبس والد الشهيد المشار إليه فترة طويلة مع جميع أقاربه ونتج عنه غضب أهل المدينة منه وعرض جمع غفير منهم البيعة على النفس الزكية ، وخرجوا ضد المنصور وخالفوه.

وبمجرد ما سمع المنصور هذه الواقعة اختل شعوره وأرسل عمه عيسى بن موسى بأربعة آلاف من الجند إلى المدينة الطاهرة حتى يقف دون تطور الأمور. وقبض عيسى بن موسى على النفس الزكية فى مكان يطلق عليه «أحجار الزيت» وقتله وضرب الإمام مالك ضربا مبرحا واستولى على السيف الذى وصل إلى النفس الزكية عن طريق الإرث من على بن أبى طالب وهو ذو الفقار وقدمه لأبى جعفر المنصور.

توضيح :

حج المنصور فى سنة ١٤٤ ه‍ فى مكة المكرمة وبعد عرفة مر بالمدينة المنورة فاستقبله أشراف وسادات المدينة الميمونة حتى كان فى ضمن مستقبليه من أعاظم العلويين عبد الله بن حسن بن حسين بن على بن أبى طالب ، وسر المنصور من تنازل عبد الله باستقباله ودعاه أن يحضر طعام المساء ، وأثناء تناول الطعام سأل المنصور عبد الله قائلا : ما سبب عدم تنازل ولديك إبراهيم ومحمد لاستقبالى فرد عبد الله على هذا السؤال غير اللائق : إننى لا أعرف مكانهما حتى أعرف سبب عدم حضورهما لاستقبالك وأقسم على ذلك ، ولكن المنصور لم يهتم بجوابه ولا قسمه وكرر السؤال فغضب عبد الله من هذا الإصرار وقال : يا منصور قلت لك إننى لا أعرف مكانهما وأقسمت على ذلك فلم تقتنع ، وبعد الآن إن أقف على مكان وجودهما فلن أخبرك به فاغتصب ذلك الغدار جميع أموال عبد الله وصادر جملة أملاكه وألقاه فى السجن مع أحد عشر ولدا من أولاده ، وأمر ألا يخرجوا من الحبس إلى الأبد ، ويرد بعض المؤرخين هذه الرواية قائلين إن والى المدينة المنورة رباح بن عثمان هو الذى حبسهم بناء على الرسالة التى وردت له من المنصور. وسبب حبس المنصور عبد الله والسؤال عن ابنيه إبراهيم ومحمد بيعة بعض الناس فى أواخر الدولة الأموية من أهالى الحجاز النفس الزكية محمد بن عبد الله بالخلافة ، مع أن المنصور كان أحد المبايعين له ولكن بعدما أخذت شمس الخلافة تنتشر أشعتها على مفرقة آل عباس وانتقل زمام الحكم بعد فترة إلى يد المنصور قال فى نفسه إننى كنت قد بايعت قديما محمد بن عبد الله بالخلافة ، وإننى إذا لم أقتل محمدا وأخاه إبراهيم لن أستطيع أن أقوم بمهام الخلافة ، وبهذا الوهم أخذ يبحث عن سبب لقتلهما. واطّلع هذان على أوهام المنصور المضرة فسافرا إلى اليمن أولا ثم إلى الهند حيث تنزها قليلا ثم عادا إلى المدينة المنورة بعد فترة واختارا الانزواء فى ركن منها ، ولكن ذوى المصالح كتبوا رسالة وأرسلوها إلى جعفر المنصور قائلين عاد محمد بن عبد الله وأخوه إبراهيم الى المدينة المنورة واختفيا فى مكان ما فيها وأخذا يثابران لتكليف أهل المدينة بالبيعة

لهما فانزعج المنصور من هذا الخبر أشد الانزعاج وأخذ يفكر فى التخلص منهما بالقضاء عليهما ، وقرر أن ينفق فى هذا السبيل ما لا يحصى من الأموال ولأجل ذلك كان يغير ولاة المدينة من حين لآخر بالعزل والتبديل ويخشى ما فى ضميره لكل واحد منهم ، ولما كان المشار إليهما مطلعين على سوء نية أبى جعفر فإنهما كانا يسافران فى موسم الحج إلى مكة المكرمة ويعودان بعد عرفة إلى المدينة المنورة حيث يختفيان فى مكان ما.

وقد فهم المنصور أن الأمر الذى يريد أن ينفذه لن يتم بواسطة الولاة الذين يبعثهم إلى المدينة أى فهم أن من لديه أقل ذرة من الإيمان لن يقوم بهذا العمل ، فأخذ يتحرى عن شخص غدار سفاك ليثق فيه وأخيرا وجد رجله فى رباح بن عثمان الموصوف بالقسوة عديم الرحمة محتاج لفلس أحمر وفهم من عينيه أنه كلب بن كلب ، فاستدعاه فجاءه ليلة من الليالى وعهد إليه بولاية المدينة المنورة قائلا : يا عثمان! يجب أن تذهب سريعا إلى المدينة المنورة وأن تبحث عن حل سريع لقتل محمد بن عبد الله وأخيه إبراهيم ، وهكذا نبهه وأمره بقتل المشار إليهما وجهز له كل ما يلزم من عظمة ودبدبة ووجه ذلك الدنئ الذى يخرب البيوت بعد أن رقاه إلى والى المدينة ، وكان رباح بن عثمان دنيئا لا يتحرج حتى عن قتل الأنبياء وهدم البيت العالى ولا يتورع عن ارتكاب أى جرم ، وعند ما وصل إلى المدينة أراد أن يتظاهر أمام الأهالى بأنه من أنصار الحق فذهب تلك السنة إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وبعد العودة أخرج السادة والعظام الذين كان قد حبسهم المنصور بنفسه من آل حسن بن على من السجن فكبل أرجلهم وأيديهم بأكبال حديدية وربط كل واحد منهم بالآخر بالسلاسل الحديدية وارتكب دناءة وجرم سوقهم بهذا الشكل إلى بغداد دار الخلافة.

وكان مع المسجونين المشار إليهم من يلقب ب «الديباج» لكمال حسنه وملاحته : أبو عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن عفان.

أبو عبد الله محمد بن عبد الله الديباج كان أخا عبد الله ابن حسن لأم وقطعة كبد فاطمة بنت حسين بن على بن أبى طالب ، وكانت بنتة رقية متزوجة بابن

أخيه إبراهيم بن عبد الله ، وكان الشاميون يحبونه ويرعونه. قال رباح بن عثمان فى الرسالة التى كتبها إلى أبى جعفر : إن الشاميين يرعون أبا عبد الله بدرجة لا يمكن تعريفها ويسمعون كلامه ويطيعونه ؛ لذا يخاف أن يرعى هذا الخلافة أيضا على هذه الفقرة المضرة المفجعة لقلبه أمره المنصور بأن يؤخذ مع آل حسن بن على رضى الله عنهم ويشاركهم مصيرهم.

ولما وصل المسجونون الذين أرسلهم رباح بن عثمان مقيدين فى السلاسل إلى بغداد أحضرهم أبو جعفر كلهم مرة واحدة وعرى أبا عبد الله من ملابسه تماما وتجرأ على أن يأمر بضرب أبى عبد الله مائة وخمسين على جسمه الذى يشبه الفضة المحلاة على جسمه الرقيق اللطيف. وأصابت إحدى ضربات السوط عينه ففقئت وانطفأ نورها ثم ضرب مائه سوط على رأسه فاسود جسده المنير وكأنه جسم زنجى وترك فى هذه الحالة إلى جانب أخيه عبد الله فى السجن.

ولما رأى عبد الله هذه الحالة المستهجنة صرخ قائلا : «أبا جعفر ... أعاملنا الأسرى الذين أخذناهم منكم فى غزوة بدر مشركين بهذه الحقارة!!؟؟» وتهور المنصور الغدار وخجل من هذا الكلام وهذه التورية فأمر بإلقائهم كلهم فى السجن الذى هيئ لهم والذى يعرف بالهاشمية.

وكان سجن الهاشمية سجنا فظيعا ، ولا يسمع فى داخله لا صوت الأذان ولا يعرف وقت حلول الصلاة.

ولما كان محمد بن إبراهيم ابن الحسن المسمى بالديباج الأصفر ذا ملاحة وحسن وجمال مسجونا مع الأشخاص المكبلين المسجونين كان أهل العراق يذهبون لزيارته ورؤيته جماعات جماعات وخاف المنصور من ازدحام الزائرين والمشاهدين حتى لا تظهر وعوته بين هؤلاء المسجونين فأحضر الديباج الأصفر ، وهدده قائلا : سأقضى عليك بموت لم ير مثيله ، ثم حصره بين عمودين وعذبه عذابا شديدا حتى مات أو على قوله قتله بإلصاقه على جدار وقتل جميع المسجونين الهاشميين بطريقة غير لائقة.

كان أهل خراسان يرجون أن يعفى عن محمد الأموى ويطلق سراحه فما كان من أبى جعفر الذى لا يستحى إلا أن قطع رأس المشار إليه وهو غاضب وأرسله إلى الخزان وبهذا ملأ قلوب الخراسانيين ومحبى أهل البيت بالحزن والألم.

ولما رأى عبد الله بن حسن استشهاد محمد بن عبد الله الأموى بعد أن طلب الخراسانيون إطلاق سراحه بعد عفو : «إنا لله وإنا إليه راجعون ، إنا كنا آمنين من كل شئ فى عهد الأمويين بفضل قرابتنا لمحمد بن عبد الله ، ولما تحولت السلطة إلى ناحيتنا قتل محمد بن عبد الله معذورا بالسيف ، هل يمكن ألا يتعجب الإنسان من هذا».

ولما وصل ظلم المنصور وإهانته لهذه الدرجة حكم أنس بن مالك صاحب أحسن المسالك بأن أبا جعفر من الطغاة والبغاة وحتى أعلن فى داخل المدينة قائلا : «يا سكنة دار السكينة! ليس طبيعيا أن تعرضوا بيعتكم لأبى جعفر المنصور! وقد تحقق أن المنصور من الطغاة. والآن يجوز خلعه من الخلافة ومبايعة محمد بن عبد الله! وانسحب إلى داره».

وخرج محمد بن عبد الله بن حسن بن حسين بن على بن أبى طالب المعروف بلقب النفس الزكية بناء على إفادة الإمام مالك وبتحريض ومعاونة خمسين شخصا من أهل المدينة وفى خلال سنة ١٤٥ ه‍ ضد الدولة العباسية وهجم على الدائرة الحكومية وقبض على رباح بن عثمان وألقاه فى السجن. ثم صعد على منبر السعادة ، وأعلن أن الخلافة حقه الصريح وأن غرضه من الخروج وتوليه الخلافة هو أمن البلاد وراحة القلوب وبهذا استطاع أن يدخل أغلب أهالى المدينة تحت انقياده وطاعته.

وضرب عيسى بن موسى عم المنصور الإمام مالك بسبب إثارة الناس وتحريضهم على مبايعة محمد بن عبد الله وترغيبهم فيها وبين لهم أن الشرع يسيغ هذا العمل ، وإلا فالإمام مالك لم يطلق لسانه فى أبى جعفر كما أنه لم يقاتل عيسى بن موسى.

وكان محمد بن عبد الله بعد ما أدخل أهالى المدينة فى دائرة بيعته ساق مقدارا كافيا من الجنود للاستيلاء على مكة المعظمة وبلاد اليمن وسواد الشام ولم يلق سمعا لما بعثه أبو جعفر من رسائل مهددة ، وإن كان محمد بن عبد الله لم يستطع أن يستولى على بلاد الشام إلا أنه أقلق بخروجه أبا جعفر المنصور وبحث عن حل سريع لحل هذه المشكلة فأمد والى الكوفة عيسى (١) بن موسى المعروف بقسوة القلب بأربعة آلاف من الجنود إلى المدينة المنورة وأمره بأن يقتل محمدا بن عبد الله وكل من تبعه واحدا تلو آخر.

وكان من الممكن أن يقاوم محمد بن عبد الله مع أهالى دار العزة المدينة المنورة عيسى بن موسى. ولكن كان عيسى بن موسى قد هدد أهالى المدينة بإرسال رسائل مزورة لهم ، وبما أن وقعة حرة واقم لم تزل فى ذاكرتهم أخذوا ينسحبون من جانب محمد بن عبد الله واحدا إثر الآخر. ودفعوا ذلك الشخص العالى القدر بثلاثمائة من المغاوير الأبطال أمام أربعة آلاف من سفاحى بغداد.

ولما رأى محمد بن عبد الله أن الذين تحت تبعيته أخذوا يهربون إلى جهة ما وأخذت قوته تنقص شيئا أخذ يحفر فى أطراف المدينة خنادق عميقة من شدة ولهه وحيرته ويقول من شدة يأسه «كل من لا يرد أن يحارب المنصور فليغادرنى» ومع مرور الزمن من تناقض عدد جنوده حتى لم يبق بجانبه إلا ثلاثمائة من الفدائيين ، وكان والى الكوفة ظالما غشوما ومشهورا بعداوته لآل النبى صلى الله عليه وسلم فأقام معسكره خارج المدينة المنورة وبعث يقول : يجب أن يتخلى محمد بن عبد الله عن فكرة الخلافة وأن يطيع وينقاد لأبى جعفر المنصور وأن ينسحب من حوله تاركين محمدا بمفرده وأن الذين لا ينسحبون من حوله سيندمون فى نهاية الأمر. ولما رأى أن محمد بن عبد الله مازال متمسكا بفكرته كما أن الفدائيين الذين حوله ما زالوا ثابتين بجانبه اغتاظ غيظا شديدا وتجرأ على أن يسوق من تحت إمرته من السفاحين إلى داخل المدينة المنورة وأخذ يحارب وهو يسب محمدا بن عبد الله بن حسن بن حسين بن على بن أبى طالب علنا بصوت عال.

__________________

(١) وكان عيسى بن موسى ولى عهد المنصور وعمه كذلك.

وإن كان محمد بن عبد الله حمل على العدو مع من استعدوا لفدائه بأرواحهم وكانوا ثلاثمائة من الأبطال الشجعان وأشعلوا نار الحرب وأقدموا على أعداء آل نبى الله وقتلوا كثيرين منهم ، إلا أنه فى عاقبة الأمر استشهد فى مكان يطلق عليه أحجار الزيت بعد أن طعن ، وقد حدث هذا الحادث المؤسف المؤلم بعد العصر من شهر رمضان فى الرابع عشر منه ، وقد أهلك محمد بن عبد الله وهو متقلد ذا الفقار الحيدرى سبعين نفرا من سفاحى بغداد وحاز بهذا إعجاب أصدقائه وأعدائه كذلك ؛ رضى الله عنه.

وأخذ ذا الفقار الذى كان فى يد محمد عبد الله عيسى بن موسى وأرسله إلى المنصور فتوارث هذا السيف الخلفاء العباسيون مدة طويلة ، وضرب أحد بنى عباس كلبا على سبيل التجربة بهذا السيف ، وبما أن ضرب الكلب بهذا السيف كانت من الحركات المستهجنة فانكسر ذلك السيف ولم يستعمل بعد.

وأرسل عيسى بن موسى سفاك الدماء رأس محمد بن عبد الله إلى بغداد كما أرسل جسمه إلى مشهده الذى دفن فيه ، وبعد أن أرسل السادات والأشراف الذين بايعوا محمدا بن عبد الله إلى مكان ما فى خارج المدينة وصلبهم فى صفين ، وبعد ثلاثة أيام ألقاه فى الخندق الذى حفره فى مقبرة اليهود وغطاهم بالحجارة والتراب وأسند ولاية دار العز إلى كثير بن حصين لأن رباح بن عثمان كان قد قتل فى أثناء استشهاد محمد بن عبد الله فى سجنه ـ وعاد إلى دار الخلافة بغداد فى التاسع عشر من شهر رمضان.

ولما وصل رأس محمد بن عبد الله إلى بغداد سر المنصور سرورا لا مزيد عليه وأمر أن يشهر به بالطواف فى جميع مراكز القضاء وعين عبد الله بن الربيع واليا على المدينة بعد أن عزل كثير بن حصين حتى يقبض على أشراف المدينة وساداتها واحدا تلو الآخر ويرسلهم إلى بغداد. ولم تكن بين العلويين الكرام والعباسيين إلى السنة المذكورة أى نوع من العداوة ولم تكن هناك أية مشكلة تبعثه على نفرة

بعضهم من البعض. وقد ألقى سلوك المنصور بين أولاد الأخوين عداوة حتى إن الأحداث الأليمة أحدثت فى الأكباد الإسلامية جرحا لن يلتئم حتى صباح الحشر. لأن المنصور السفاح قتل غدرا فى تلك السنة محمد بن عبد الله وأخاه إبراهيم ووالدهما البالغ من العمر سبعين عاما عبد الله بن حسن المثنى بن حسن بن على بن أبى طالب وأخا عبد الله حسن بن الحسين وأخاه لأم محمد بن عمر بن عثمان بن عفان فى سنة ١٤٥.

وبما أن عبد الله بن حسن بن على كان من أعاظم علماء المدينة موصوفا بالزهد والصلاح وفقيها معروفا فكان ملوك الأمويين يحترمونه ويرعون جانبه ويجلونه كل الإجلال كما أن السفاح أبا العباس أظهر تبجيله له بإرسال مليون درهم من العطية ، ولكن لشدة الأسف أن خلفه المنصور المغرور أضاع قدر المشار إليه الجليل وأظهر دناءئه.

وصلى على عبد الله بن حسن أخوه حسن بن حسن كما صلى عليه أخوه لأمه محمد بن عمر بن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنهم أجمعين.

فى ذكر جبل أحد وشهداء غزوة أحد

وبما أن جبل أحد قد خلق منفصلا عن الجبال التى حوله سمى بجبل أحد. وبما أن حضرة هارون ـ عليه السلام ـ مدفون فى هذا الجبل مما ميز هذا الجبل عن الجبال الأخرى.

كلما كان النبى صلى الله عليه وسلم يأوى إلى جبل أحد كان يقول «أحد يحبنا ونحن نحب أحد» وقال مرة «جبل أحد فوق باب من أبواب الجنان ، ويحبنا ونحن نحبه أيضا» ، وهذا الجبل يعنى «جبل عير» يبغضنا ونحن نبغضه إلا أنه فوق باب من أبواب النار». وقال مرة أخرى «أحد على ركن من أركان الجنة ، وعير على ركن من أركان جهنم» ومرة أخرى «أربعة جبال من جبال الجنان وأربعة أنهار من أنهار الجنة وأربع ملاحم من الجنان ، وأحد الجبال الأربعة جبل أحد ويحبنا ونحن نحبه! وأحدها ورقان والثالث طور والآخر لبنان».

والذين كانوا بين الجبل الذى حدثت فيه غزوة أحد والذى وصف فى الأحاديث وبين الجهة الشامية من الوادى الذى بين المدينة وأحد ونالوا الشهادة ومرتبتها العالية صدر الأمر بأن يدفنوا فى مكان مناسب من ميدان القتال فجمعهم كلهم ودفنوا اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة فى قبر واحد ، ولما كانت بعض الجنازات قد رفعت من أماكنها من قبل أهلها قبل أن يسمعوا الأمر النبوى ، فدفنوا جنازاتهم حيث ورد الأمر النبوى بملابسهم.

لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد تفضل قائلا : بما أننى مطلع على جميع أحوال شهداء أحد هؤلاء فإننى سأشهد على حسن حالهم يوم القيامة فلفوهم بملابسهم وادفنوهم حالا ، ومن كان فيهم أكثر حفظا للقرآن ضعوه فوق الآخر فى اللحد وادفنوا اثنين فاثنين فى قبر واحد أو ثلاثة فثلاثة ، والسبب فى وضع أكثر من

جنازة فى قبر واحد والإذن به ما عرض على النبى صلى الله عليه وسلم من شكوى فى صعوبة حفر قبر لكل واحد من الشهداء ، بناء على ما نقله الإمام الزهرى. وفى الواقع قد أصيب الأنصار فى ذلك اليوم بجراحات عديدة ومشاق شديدة ومن هنا كان قد اشتكى للرسول صلى الله عليه وسلم من صعوبة حفر قبر لكل شهيد. فرحمهم النبى صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهم وأمرهم بأن يدفنوا فى كل قبر أكثر من واحد اثنين أو ثلاثة قائلا : عمقوا وأوسعوا وادفنوا الاثنين والثلاثة.

وقبور الشهداء الذين دفنوا فى وادى أحد الاثنين أو الثلاثة معلومة الآن ولكن مواقع الشهداء الذين رفعوا من ميدان القتال أو مدافنهم كانت مجهولة إلى سنة ١٢٦٨ ه‍.

ولكن مصطفى عشقى أفندى من المجاورين الكرام استطاع أن يعثر على مدافن هؤلاء الشهداء وأحاطها بجدار فى ١٢٦٨ ه‍ حتى عندما كان يحفر أساس هذا الجدار ظهر قبر وكان فى داخله نعش كان صاحبه قد استغرق فى نوم هادئ هذا ما رآه العمال الذين وجدوا هناك.

وجدد الجدار الذى بناه عشقى أفندى فى سنة ١٢٧٥ ه‍ وكتب فوق بابه القطعة الآتية.

القطعة الشعرية

لأحد هنا مرقد الشهداء

إن زرته فاقرأ الفاتحة وارفع الدعاء

ومن لهذا البناء من المجددين

شفاعة النبى فى يوم الدين

كان النبى صلى الله عليه وسلم يزور كل سنة قبور شهداء أحد ويقف فى حرة واقم حيث ترى القبور من هناك يقول : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد : ٢٤).

وبعد ذلك ودع كل واحد منهم كأن هؤلاء يتمتعون بالحياة.

كانت فاطمة ـ رضى الله عنها ـ تزور قبر حمزة ـ رضى الله عنه ـ مرة كل يومين وتبذل جهدا لتضع علامة خاصة حتى لا ينسى القبر الجليل. وفى ليلة كل جمعة تذهب وتصلى طويلا وتبكى مدة طويلة وتعود ، وقد رعت هذا النظام إلى أن توفيت ، وكلما كان النبى صلى الله عليه وسلم يزور مقبرة شهداء أحد يقول : من يزورهم ومن يسلمون عليهم يردون عليهم السلام.

وهناك حكايات جمة تؤيد هذا الحديث الجليل وتروى بسند جيد ما قالته خالة عطاف بن خالد : «إننى زرت شهداء أحد ، فردوا على سلامى ثم سمعت صوتا هاتفا يقول : «نحن نعرفكم كما تعرفون بعضكم بعضا» فأغمى علىّ من شدة حيرتى». وروت فاطمة بنت خريمة قائلة كنا نمر مع أختى من ميدان معركة أحد وكانت الشمس قد غربت فأخذت أختى وتوجهت معها لزيارة مشهد حمزة ـ رضى الله عنه ـ وبعد الوصول قلت «السلام عليك يا عم رسول الله» فسمعت أنه يرد السلام قائلا وعليكم السلام ورحمة الله هذا» ما يروونه.

بناء على رواية الإمام البيهقى محركا السند من هشام بن محمد العمرى كان ابن عمر يقول : «خرجنا مع أبى يوم الجمعة قبل شروق الشمس لزيارة قبور الشهداء! ولما دخلنا المقبرة قال والدى بصوت عال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» وسمع عقب ذلك صوتا يقول «وعليك السلام يا أبا عبد الله» فقال لى «أنت الذى تجيب» فقلت له «لا إن صاحب القبر هو الذى رد على سلامك ثم أخذنى فى الجهة اليمنى منه فسلم على كل قبر فرد كل صاحب قبر السلام ثلاث مرات ، فتعجب والدى من هذه الحالة الغريبة فعرض شكره وثناءه على الله سبحانه وتعالى ـ وهو ساجد».

وبناء على تحقيق أئمة السير أنه قد استشهد فى معركة أحد سبعون نفسا نفيسة فدفن أكثرهم فى ميدان المعركة فى أحد وبعضهم فى بقيع الغرقد وبعضهم فى داخل حصن المدينة.

ودفن عبد الله بن جحش ابن أخت حضرة حمزة مع مصعب بن عمير (١) فى الضريح المعروف باسم مشهد حمزة وفى قبر واحد.

واستشهد جناب حمزة أمام ربوة صغيرة حمراء لجبل أحد الذى يطلق عليه بطن الوداى وظل حيث صرع (٢) فحمله النبى صلى الله عليه وسلم حيث قبره المقدس وكفنه فى بردته الشريفة ثم عثر على مصعب بن عمير فدفنهما معا فى قبر واحد ؛ وبناء على بعض الأقوال أن المكان الذى دفن فيه المشار إليهما كان المكان الذى استشهد فيه عبد الله بن جحش فدفن الثلاثة معا. وخرج بعد المؤرخين هاتين الروايتين وقالوا إن حمزة دفن فى قبر منفرد ودفن جناب مصعب بن عمير مع عبد الله بن جحش فى قبر واحد معا إلا أن الزوار بناء على العادة القديمة يسلمون على الثلاثة معا محتاطين للأمر.

سهل بن قيس (٣) رضى الله عنه ـ : ينتمى سهل بن قيس إلى أفراد بنى سلمة وهو مدفون بين قبر حمزة بن عبد المطلب وبين جبل أحد أى فى الجهة التى تصادف الجهة الشمالية لقبر حمزة.

عمرو بن الجموح رضى الله عنه (٤) : دفن عمرو بن الجموح مع عبد الله بن عمرو بن حرام (٥) فى قبر واحد على جانب مجرى السيل. ولما كان السيل قد حفر قبر المشار إليهما فأخرج جسدهما المبارك بعد معركة أحد بست وأربعين سنة نقلا إلى مكان آخر حيث دفنا وكان جثمانهما غضين طريين كأنهما قد توفيا منذ لحظة ولم تتغير بشرتهما قدر ذرة والذين نالوا شرف زيارتهما ظنوا أنهما يبتسمان.

وظلت يد عبد الله بن عمرو بن حرام فوق جرحه بعد موته. فنزلوها بجانبه لأجل التجربة لأن جسده المبارك لم يكن قد تجمد مثل أجساد سائر الأموات أينما حركته كان يتحرك بسهولة. ولما وضعت يده بجانبه أخذ جرحه ينزف وظل ينزف

__________________

(١) أرسل مصعب بن عمير قبل الهجرة إلى المدينة المنورة ليعلم سابقى الأنصار المسائل الدينية ويؤمهم فى الصلاة ويخطب فيهم فأسلم ثلثا الأنصار الكرام تقريبا على يديه.

(٢) فى هذا المكان الآن قبة لطيفة ويعرف بمصرع حمزة.

(٣) الإصابة ٣ / ١٤٢.

(٤) الإصابة ٤ / ٢٩٠.

(٥) والد جابر بن عبد الله رضى الله عنهما. انظر : الإضافة ٤ / ١١٠.

فترة كأنه جرح جديد ، فقلق الذين تجرءوا على إنزال يده ولم يجدوا بعد السعى وسيلة لإيقاف النزيف ، وفى النهاية وضعوا يده فوق جرحه وبهذا وفقوا فى إيقاف النزيف.

خارجة بن زيد (١) ـ رضى الله عنه : دفن خارجة بن زيد مع سعد بن الربيع ونعمان بن مالك عبادة بن الخشخاش فى قبر واحد. والمرقد السامى حيث دفنوا فى الجهة الغربية من قبر حضرة حمزة على بعد خمسمائة ذراع أى على الربوة التى فى الجهة الغربية من مجرى السيل يظل مجرى السيل فى الجهة القبلية لذلك القبر.

ولما كان ابن عمرو بن الجموح خلاد وأبو أيمن مولى عمرو بن الجموح (٢) فوق تلك الربوة فالزوار عندما يزورون هذا المكان يسلمون على هؤلاء الأشخاص الثمانية ، أى يذكرون فى ذلك المحل المقدس أسماء عمرو بن جموح ، عبد الله بن عمرو بن حرام ، خارجة بن زيد ، سعيد بن الربيع ، نعمان بن مالك ، عبادة بن الخشخاش ، أبو أيمن مولى عمرو بن الجموح خلاد بن بن عمرو بن الجموح رضى الله عنهم ـ ويسلمون على كل واحد منهم منفردين.

وغير هؤلاء من الأصحاب الكرام الذين استشهدوا فى ملحمة أحد وقبورهم مجهولة.

وإن كانت بين جبل أحد وضريح حمزة مقبرة قد سورت أطرافها فهى ليست من قبور الشهداء. إن هذه المقبرة قبور الشحاذين هاجروا إلى المدينة فى عهد هشام بن عبد الملك وظلوا بجانب مقابر الشهداء إلى آخر حياتهم وعندما ماتوا دفنوا فى هذه المقبرة. وليست هذه المقبرة مقبرة الشهداء ، ويلزم أن تكون قبور الشهداء على الجهة الغربية من مجرى السيل. والسبب فى هذا الظن الخاطئ للأهالى إحاطة شاهين الشجاعى مقبرة الأعراب بسور ظنا منه أنها مقبرة الشهداء. واستمر هذا الظن مع الزمن حتى اعتقد أن الشهداء مدفونون داخل هذا السور ، لذا كلما هدم جدد من قبل أصحاب الخيرات.

__________________

(١) الإصابة ٢ / ٨٤.

(٢) الإصابة ٧ / ١٢.

وقد ذكر أعلاه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بدفن الشهداء حيث استشهدوا كما أمر بدفن الذين رفعوا من ميدان المعركة حيث سمعوا الأمر النبوى ، وفعلا دفن الذين رفعوا أجساد شهدائهم حيث بلغهم الأمر النبوى ، بدون تأخير. حتى دفن جثمان مالك بن سنان ـ رضى الله عنه ـ فى مكان يسمى أحجار الزيت فى سوق العباءات كما دفن بعضهم فى مقابر بنى سليم وبنى زريق وقباء لأنهم كانوا قد سمعوا بالأمر النبوى فى هذه الأماكن.

لم نستطع أن نحصل على رواية توضح الذين دفنوا فى مقبرة بنى سليم ، إلا أنه بناء على تحقيق رجال ثقاة أن رافع بن مالك الزرقى مدفون فى مقبرة بنى زريق وعبد الله بن سلمة ومجدر بن الزياد قد دفنا فى مقبرة قرية قباء.

لاحقة

حينما جرح مالك بن سنان فى ميدان المعركة يئس من الحياة وعاد إلى المدينة المنورة حتى يتلاقى مع والدته مرة أخرى ولكنه عندما وصل إلى مكان ضريحه الآن وقع وارتحل عن دنيانا ، ورد هذا فى بعض الكتب واشتهر بين الناس حتى وصلت هذه الرواية لدرجة التصديق إلا أن الإمام السمهودى لم يهتم بذلك القول وأهمله تمام الإهمال. وإذا ما نظرنا إلى أن المذكور من سكان المدينة المنورة ومؤرخ المدينة يلزم ألا يكون لتلك الرواية أصل.

واختلف المؤرخون فى تحديد شهداء أحد إذ قال بعضهم أنهم (٦٣) وقال الآخرون أن عددهم (٧٠) وقال بعضهم أن عددهم خمسة وسبعون أربعة منهم من المهاجرين وستة وستون منهم من الأنصار ، والقول الثانى مصدق عند الأكثر. ورأينا من واجبنا ذكر أسمائهم هنا متبركين.

أسماء شهداء أحد السامية :

١ ـ حمزة بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (وحمزة من بطن هاشم بن عبد مناف وقد قتل بحربة غلام جبير بن مطعم : الوحشى).

٢ ـ عبد الله بن جحش (من بطن بنى أمية بن عبد شمس).

٣ ـ مصعب بن عمير (من بطن بنى أسد بن خزيمة المنتهى إلى بنى عبد الدار وقاتله عبد الله بن قمئة الليثى).

٤ ـ شمّاس بن عثمان «من بطون بنى مخزوم ، هؤلاء الأربعة الذين ذكروا من المهاجرين الكرام وستة وستون سيذكرون فيما بعد من قبائل الأنصار الكرام).

٥ ـ عمرو بن معاذ بن نعمان.

٦ ـ حارث بن أنس بن رافع.

٧ ـ عمارة بن زياد بن السكن.

٨ ـ سلمة بن ثابت بن وقش.

٩ ـ عمرو بن ثابت بن وقش.

١٠ ـ ثابت بن وقش.

١١ ـ رفاعة (وعلى قول) رباعة بن وقش.

١٢ ـ اليمان حسيل بن جابر (هذا الشخص هو أبو حذيفة اليمانى واستشهد خطأ من قبل الأصحاب وسددت ديته).

١٣ ـ صيفى بن قيظى بن عمرو.

١٤ ـ خباب بن قيظى.

١٥ ـ عباد بن سهل.

١٦ ـ حارث بن أوس بن معاذ.

هؤلاء الأشخاص الاثنا عشر من قبيلة بنى عبد الأشهل.

١٧ ـ إياس بن أوس بن عتيك الأشهلى.

١٨ ـ عبيد (وعلى رأى) عتيك بن التيهان.

١٩ ـ حبيب بن زيد بن تميم (هؤلاء الأشخاص الثلاثة من أهل راتج).

٢٠ ـ زيد بن حاطب بن أمية بن رافع (المشار إليه هذا من قبيلة بنى ظفر).

٢١ ـ أبو سفيان بن الحارث بن قيس بن زيد (أو يزيد).

٢٢ ـ حنظلة الغسيل ابن أبى عامر صيفى بن نعمان (من قبيلة بنى عمرو بن عوف وبنى ضبعة قد قتل حنظلة شداد بن الأسود).

٢٣ ـ أنيس بن قتادة (المشار إليه من بطن عبيد بن زيد)

٢٤ ـ أبو حبة (١) بن عمرو بن ثابت (المشار إليه أخو سعد بن خيثمة لأمه)

٢٥ ـ عبد الله بن جبير بن نعمان (كان رئيس الرماة فى جبل عينى وينتمى مع أبى حبة من أفراد قبيلة بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف)

٢٦ ـ خيثمة أبو سعد بن خيثمة (من قبيلة بنى سلمة بن امرئ القيس بن مالك بن أوس)

٢٧ ـ عبد الله بن سلمة (من طائفة بنى عجلان وكان حليف بنى ثعلبة بن عمرو بن عوف)

٢٨ ـ وسيع بن حاطب (وعلى رأى) سبيع بن حاطب بن الحارث ابن قيس (من قبيلة بنى معاوية بن مالك)

٢٩ ـ عمرو بن قيس بن زيد

٣٠ ـ قيس بن عمرو بن قيس بن زيد

٣١ ـ ثابت بن عمرو بن زيد

٣٢ ـ عامر بن مخلّد (من بطن بنى النجار المنتهى إلى بنى سواد بن مالك بن غنم)

٣٣ ـ أبو هبيرة بن الحارث بن علقمة بن عمرو بن ثقيف بن مالك بن مبذول

٣٤ ـ عمرو بن مطرف بن علقمة (هذان من بطن بنى مبذول)

٣٥ ـ علقمة بن عمرو بن ثقيف بن مالك بن مبذول

٣٦ ـ أوس بن ثابت بن المنذر (هو أخو حسان بن ثابت من قبيلة ابن عمرو بن مالك)

٣٧ ـ أنس بن النضر بن ضمضم بن زيد بن النجار (من بطن بنى عدى النجار)

٣٨ ـ قيس بن مخلد

٣٩ ـ كيسان (هو عبد قيس بن مخلد ، هو وسيده من طائفة بنى مازن بن النجار)

__________________

(١) ويقال فيه أبو حنة ـ بالنون ـ ، وأبو حية ـ بالياء.

٤٠ ـ سليم بن الحارث

٤١ ـ نعمان بن عبد عمرو (هؤلاء كذلك من بطن بنى مازن بن النجار)

٤٢ ـ خارجة بن زيد أبى زهير

٤٣ ـ سعد بن الربيع بن عمرو بن أبى زهير (هذان مدفونان فى قبر واحد)

٤٤ ـ أوس بن الأرقم بن زيد بن قيس (هؤلاء الثلاثة من قبيلة بنى الحارث بن الخزرج)

٤٥ ـ مالك بن سنان بن عبد بن أبجر والد أبى سعيد الخدرى

٤٦ ـ سعيد بن سويد بن قيس بن عامر بن عباد بن الأبجر

٤٧ ـ عتبة بن ربيع بن رافع بن معاوية (هؤلاء الثلاثة من بنى خدرة من بطون بنى الأبجر)

٤٨ ـ ثعلبة بن سعد بن مالك الساعدى

٤٩ ـ ثقيف بن فروة بن البدن (هؤلاء من بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج)

٥٠ ـ عبد الله بن عمرو بن وهب بن ثعلبة

٥١ ـ ضمّرة الجهنى (هو حليف بنى طريف هو وعبد الله بن عمرو من بطون بنى طريف)

٥٢ ـ نوفل بن عبد الله

٥٣ ـ عامر بن عبادة بن نضلة بن مالك بن عجلان

٥٤ ـ نعمان بن مالك بن ثعلبة

٥٥ ـ مجذّر بن زياد (حليف سنان بن مالك)

٥٦ ـ عبادة بن الخشخاش (هؤلاء الخمسة من بنى عمرو بن عوف بن الخزرج المنتهى إلى مالك بن عجلان وقد دفن نعمان بن مالك ومجدر وعبادة فى قبر واحد)

٥٧ ـ رفاعة بن عمرو بن الجموح

٥٨ ـ عبد الله بن عمرو بن الجموح

٥٩ ـ عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام (قد دفنا فى قبر واحد)

٦٠ ـ خلاد بن عمرو بن الجموح

٦١ ـ أبو أيمن (وهؤلاء الأربعة من بطن بنى سلمة المنسوب إلى بنى حرام)

٦٢ ـ سليم بن عمرو بن حديدة

٦٣ ـ عنترة مولى سليم بن عمرو بن حديدة.

٦٤ ـ سهل بن قيس بن أبى كعب بن القين (هؤلاء من طائفة سواد بن غنم)

٦٥ ـ ذكوان بن عبد قيس

٦٦ ـ عبيد بن المعلى (هؤلاء من قبيلة بنى زريق بن عامر)

٦٧ ـ مالك بن نميلة (حليف بنى معاوية بن مالك)

٦٨ ـ حارث بن عدى بن خرشة بن أمية بن عامر بن خطمة (من قبيلة خطمة مزينة اسمه عبد الله بن جشمه بن مالك بن أوس)

٦٩ ـ مالك بن إياس بن عدى (من بطن بنى سواد بن مالك)

٧٠ ـ عمرو بن إياس (من بطون بنى سالم بن عوف)

قد نال هؤلاء الرجال الكرام رتبة الشهادة العالية فى هذه المعركة الأليمة وحازوا قصب السبق ، كما مات من قدماء المشركين ١٢ شخصا أو ثلاثة عشر على قول آخر بسيوف المسلمين واستقروا فى جهنم.

وكان ينتمى أثنا عشر شخصا منهم إلى قريش التى تنحدر من نسل شخص عبد الدار بن قصى واثنان منهم من بطن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى وأربعة منهم من بطن بنى مخزوم بن يقظة واثنان منهم من بطن بنى جمح بن عمرو والاثنان الآخران من بطن بنى عامر بن لؤى ومن هلكوا من بطن بنى عبد الدار كانوا من حاملى ألوية جيوش الكفار.

أسماء القتلى المشركين.

١ ـ طلحة بن أبى طلحة (اسم أبى طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عبد الدار وقتل ابنه طلحة بسيف على بن أبى طالب).

٢ ـ عثمان بن طلحة (أخو طلحة سالف الذكر قتل بسيف حمزة)

٣ ـ أبو سعيد بن أبى طلحة (أخو طلحة أيضا بسيف على فى رواية وفى قول آخر قتل بيد سعد بن أبى وقاص)

٤ ـ مسافع بن طلحة

٥ ـ جلاس بن طلحة (هؤلاء أبناء طلحة المقتول وقتلوا بسيف عاصم بن ثابت بن أبى الأقلح)

٦ ـ كلاب بن طلحة

٧ ـ حارث بن طلحة (هؤلاء كذلك أبناء طلحة وقتلوا بسيف حليف بنى ظفر قزمان. وعلى قول آخر أن قاتل كلاب هو عبد الرحمن بن عوف)

٨ ـ أرطاة بن عبد شرحبيل بن عبد مناف بن عبد الدار (قاتل هذا حمزة بن عبد المطلب)

٩ ـ أبو يزيد بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار أخو مصعب بن عمير (مقتول قزمان سالف الذكر)

١٠ ـ شريح بن قارصة (لا يعرف اسم قاتله)

١١ ـ صؤاب (كان عبد شريح وقتله كذلك قزمان وعلى قول آخر قتله على بن أبى طالب أو سعد بن أبى وقاص أو أبو دجانة)

١٢ ـ قاسط بن شريح بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار (قاتل هذا أيضا قزمان إن هؤلاء المشركين الاثنا عشر من بطن قريش ينتهى نسبهم إلى بنى عبد الدار وكان طلحة حامل علم قريش ولما قتل هؤلاء والذين ذكرناهم أخذوا الراية من طلحة واحدة أثر الآخر وهلكوا جميعا)

١٣ ـ عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد (قاتله على بن أبى طالب)

١٤ ـ سباع بن عبد العزى بن نضلة الخزاعى

١٥ ـ هشام بن أبى أمية بن المغيرة (كان هذا الشخص حليف بنى أسد وقتل من قبل حمزة بن عبد المطلب وهو مع عبد الله بن حميد بن بطن بنى أسد بن عبد العزى بن قصى)

١٦ ـ وليد بن العاص بن هشام بن المغيرة (ومع هؤلاء اثنان أيضا لا يعرف اسميهما والأربعة من بطن بنى مخزوم بن يقظة وقاتلهم جميعا قزمان)

١٧ ـ عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح (وهذا الرجل يسمى أبا عزة وهو شاعر ناقض للعهد)

١٨ ـ أبى بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح (واثنان من هؤلاء من بطن بنى جمح بن عمرو وقتلا بالسيف النبوى)

١٩ ـ عبيدة بن جابر

٢٠ ـ شيبة بن مالك بن المضرب (هؤلاء من بطن عامر بن لؤى وقتد قزمان ، وعلى وقول قتل عبيدة بن جابر عبد الله بن مسعود)

صرح ابن إسحاق بهذه الأسماء وروى أنهم قتلوا فى يوم أحد وأضاف الإمام القسطلانى لجملة هؤلاء ثلاثة أشخاص فبلغ عدد المشركين إلى ثلاثة وعشرين ولكنه لم يحدد أسماءهم.

الوجهة السابعة عشرة

تضم ثلاث صور

تعرض مواسم وأسواق المدينة المنورة ومحاسن أهلها

وترى وتحصى الآبار والعيون المنسوبة إلى

النبى صلى الله عليه وسلم

تبين الأشهر والأيام التى تقام فيها الأسواق العربية

ومواسمها فى اثنى عشر شهرا من أشهر السنة

وتعرف بعض محاسن أهل المدينة

إخطار ـ الموسم هو سوق العرب وسوق الحجاج ويطلق على مثل هذه الأيام فى بلادنا «يناير» معرض وسوق.

محرم الحرام :

المحرم الحرام هو الشهر الأول فى السنة القمرية وعند عودة حجاج أهل المدينة من عرفات يدخلون فى المدينة المنورة فى اليوم الأول أو الثانى من ذلك الشهر. ويوم عودة هذه القافلة يوم بهجة وسرور ويستقبل أهل المدينة المنورة كغيرهم من أهل المدن الأخرى حجّاجهم ويلاقونهم ويحصلون على دعواتهم. ثم يوصلونهم إلى منازلهم ثم يزورونهم عقب ذلك منفردين.

ورود المحمل المصرى :

يصل بعد قافلة حجاج المدينة المحمل المصرى وينصب خيامه فى الأماكن المخصوصة له ويقيم ثلاثة أو أربعة أيام للراحة ، ويصل المحمل المصرى بالهدايا السلطانية والعطايا الخاقانية والرواتب فتسلم هذه الأشياء إلى موظفى الدولة وتوزع على أهالى المدينة وتقسم لهم أمام أكابر المدينة ؛ لذا يفرح الأهالى بورود المحمل المصرى ويعدون يوم وصوله من المواسم المخصوصة.

يقول قطب الدين الحنفى ـ رحمه الله ـ من مؤرخى مكة المكرمة فى تاريخه المشهور : «لم ير أهالى الحرمين حتى زمن الدولة العثمانية هذا النوع من الكرم ولا هذا القدر ؛ لأجل ذلك يسارعون فى إظهار فرحهم وسرورهم ويدعون بطول بقاء الدولة العثمانية» وما يقوله القطب المكى عين الصواب وحقيقة الأمر أن أهل

الحرمين فى عهد أمراء بنى أمية والمنصور والمهدى وهارون الرشيد وسائر الخلفاء ومن جاءوا من بعدهم من ملوك السلف قد نالوا كثيرا من عطاياهم ونفحاتهم حتى أكرمهم الملوك بالثلج والبرد وألبسوهم خلعا كثيرة وصرفوا لهم آلاف الدنانير وبهذا أظهروا مآثر سماحتهم وجودهم ، إلا أن هذه الهدايا والعطايا كانت تظهر كثيرة بالنسبة لعدد السكان. والآن قد تضاعف عدد سكان الحرمين خمس أو ست مرات بالنسبة للسكان الذين كانوا فى ذلك الوقت ، وخصبت الصرر والرواتب لكل السنين ومن هنا فكل ما قدم سواء أكان أمراء بنى أمية أو خلفاء العباسيين أو ملوك آخرون لا يصل ما أعطوه إلى عشر معشار ما يقدمه الملوك العثمانيون.

منقبة مولد النبى صلى الله عليه وسلم :

فى الليلة الثانية من ورود المحمل المصرى وبناء على الأمر السلطانى تتلى فى صحن مسجد السعادة منقبة مولد النبى صلى الله عليه وسلم ؛ ويحضر فى هذا الاجتماع الميمون أمير حج المحمل المصرى والموظفون وأعيان المدينة وأهاليها. وهذا من مقتضيات النظام الموضوع. وتوقد كثير من الشموع. كما توقد أنواع البخور ويوزع على الحاضرين الحلوى والشراب. وبعد يومين أى بعد وصول المحمل إلى المدينة بثلاثة أيام أو أربعة يخرج الموكب المصرى من المدينة المنورة ويتجه إلى مصر ذات الأهرام فى حفاوة واحتفال.

ورود المحمل الشامى :

وبعد أن يتحرك المحمل المصرى يأتى المحمل الشامى وينزل فى ميدان المناخة وفى الجهة الشمالية من جبل سلع حيث يستريح أفراده ما يقرب من عشرة أيام ويزورون الآثار المباركة.

يوم الزينة :

يطلق على اليوم الثانى عشر من المحرم يوم الزينة وميقات الديون لدى أهل المدينة وسبب تسميته بذلك هو استطاعة أصحاب المرتبات والهدايا تسوية ديونهم فى خلال تلك الأيام.

ورود المحمل العراقى :

تصل قافلة العراق فى شهر المحرم أيضا إلى المدينة وتبيت فى الجهة الشرقية منها فى موقع مراحة ويقيمون هناك سوقا كبيرة ويشرعون فى تبادل السلع الأخذ والعطاء. وورود القافلة العراقية من الأيام المعدودة والمواسم المشهورة المشهودة لدى أهل المدينة.

صفر الخير :

يبسط خدم الحجرة المعطرة أبسطة مسجد السعادة ويخرجون الكتب وأجزاء القرآن المحفوظة فى صواوين الحجرة المعطرة ويبادر العلماء ذوو الاحترام فى تدريس العلوم ، ومن جملة محاسن سكان المدينة المنورة أن طلبة العلم يهتمون بتحصيل العلوم الدينية ولا يهتمون بالفلسفة وعلم الكلام والرياضيات ، ويقولون إن العلوم ثلاثة أنواع رئيسية ، نفيسة ، وخسيسة ، فالرئيسية مثل الفقه والحديث من العلوم الدينية ، والنفيسة القواعد العربية ، والخسيسة الفلسفة والحكمة وتحصيل النوع الأول يكفى لنا.

قدوم موكب المرزوقى :

تأتى قافلة المرزوقى فى العاشر من صفر ، وهذه القافلة تتكون من تجار اليمن ويستفيد الأهالى بتبادل التجارة معهم ، ومن هنا كان ورود قافلة المرزوقى من أسباب الفرح والسرور لأهل المدينة.

شهر ربيع الأول :

ففى ليلة أول جمعة من ربيع الأول مولد القطب الصمدى سيد أحمد البدوى وفى الليلة الثانية عشرة تعقد اجتماعات المولد النبوى.

رمضان العظيم :

تعمر جوانب مسجد السعادة فى رمضان كل يوم. حيث يتلو الأهالى والزوار ليلا ونهارا القرآن الكريم جهرا وخفية كما أنهم يدرسون كتبا مثل الشمائل

والمصابيح والمشارق وصحيح البخارى ويطالعون ويوقدون ليلا مئات القناديل والشموع ويؤدون صلاة التراويح.

عادات أهل الزوايا :

وبعد أداء صلاة التراويح تشعل القناديل والشموع فى الزوايا وتقرأ القصائد المتقابلة وفى البداية ينشد ناشدى الجهة اليسرى على قاعدة خاصة بأهل اليمن منظومة التروية. وهذه القصيدة مرتبة على الحروف الهجائية وهى قصيدة نقية مخمسة ويقرأ الزوار الكرام عقب كل بيت الصلوات الشريفة بلحن مؤثر.

وبعد ذلك يقرأ ناشدى الجهة اليسرى بيتا من قصيدة طرائفية وقد نظمت قصيدة الطرائفية كنظيرة لقصيدة التروية وهى أبيات بديعة تبدأ بالغزل. هكذا يصلّى أهل الزوايا إلى الصباح وتستمر الأذكار اليمانية إلى طلوع الفجر الأول ويتم مجلس الذكر بختم القرآن ثم يذهبون إلى مسجد السعادة لأداء صلاة الفجر والسامعون المنفردون يدهشون من أحوال أهل الزوايا ويئنون من شدة تأثرهم. والأشخاص الذين نطلق عليهم المنفردين هم الغرباء الذين يقيمون فى الزاوية.

زيارة مسجد قباء :

يزور مجاورو المدينة المنورة فى السابع عشر من رمضان مسجد قباء وبما أنهم يعدون هذه الزيارة من السنن النبوية يتجنبون ترك الزيارة. كما يشترك كثير من الأهالى فى هذه الزيارة.

شهر شوال المبارك :

وبما أن أول أيام شوال عيد الفطر فالأهالى يؤدون صلاة العيد فى مسجد السعادة ثم يزورون مقبرة بقيع الغرقد ويعودون إلى منازلهم ويقومون بمراسم العيد بزيارة بعضهم البعض إلى مساء اليوم الثالث من العيد.

قطع الخدم المكنسة :

يزور خدم مسجد السعادة فى الثانى عشر من شوال مسجد قباء ويقطعون من

البساتين قلوب النخيل ويعودون. وبما أن ذهابهم إيابهم يستحقان الرؤية والفرجة لأنهم يسيرون فى موكب فيخرج الناس إلى وادى البطحان للتنزه كما أنهم يتفرجون على موكب الخدم.

شهر ذى القعدة الحرام :

اليوم السابع عشر من شهر ذى القعدة هو يوم كنس مسجد السعادة ولما كان هذا اليوم من الأيام السارة بين الأهالى كانوا يجتمعون فى صحن مسجد النبى صلى الله عليه وسلم ثم يصعد شيخ الحرم وقاضى المدينة وعامة الخدمة فوق سطح المسجد ويكنسونه ويلقون التمر على من فى صحن المسجد من الأطفال والغرباء. ويتصايح هؤلاء قائلين : «العادة يا سادة» ، وبعد إتمام تنظيف السطح الشريف ينزلون وينقلون ما فى الروضة المطهرة من الكتب إلى الحجرة المعطرة والبسط إلى المخازن ثم يخرجون إلى البساتين للنزهة.

مقدم المحمل الشامى :

يدخل المحمل الشامى إلى المدينة المنورة فى اليوم السابع والعشرون من شهر ذى القعدة ، ويوم وصول المحمل من الأيام المعدودة وموسم مشهور عند أهل المدينة ، فلا يبقى فى هذا اليوم من أهل المدينة من لا يبتهج ابتهاجا عظيما ، ويأتى أمين الصرة بالأمانات العثمانية إلى المسجد النبوى ويسلمها إلى خزانة المديرية لتوزيعها على الأهالى.

مسألة :

يجرى على ألسنة العوام قوله أن الحج الذى يصادف فيه يوم عرفة ليوم الجمعة أنه يساوى سبعين حجة إلا أن ابن الجوزية قال : «أقول أنه لا أصل لهذا القول ، ولم أصادف مثل هذا القول ولكن لا شك أن حج يوم الجمعة خير من أيام حج سائر الأيام ؛ لأن يوم الجمعة أفضل من سائر الأيام». وأيد ابن زيد المالكى فى

(مناسكه) هذا القول ولكن عليّا القارى حكم أن مزية وقفة يوم الجمعة أزيد من مزية وقفة سائر الأيام بسبعين مرة.

مسألة :

إذا ما سئل : هل الحج كان واجبا على الأمم التى خلت من قبل الإسلام؟ وقد اختلف العلماء فى هذه المسألة وبناء على أنه لم يكن واجبا. إلا أن مشروعيته مستمرة منذ عهد آدم إلا أن حجاجه كانوا من الأنبياء والملائكة. هذا ما جاء فى المناسك.

يجتمع أهالى المدينة فى اليوم التاسع من ذى الحجة فى مسجد السعادة حيث ينتظرون النفحات الإلهية لأن النبى صلى الله عليه وسلم يشرف فى ذلك عرفات حيث يقف.

عيد الأضحى :

ولما كان اليوم العاشر من ذى الحجة العيد الأكبر يقوم أهل المدينة بمراسم الزيارة والمعايدة كما كانوا يفعلون فى عيد الفطر.

تنمية :

ولا شك أن أهل المدينة الكرام بفضل مجاورتهم النبى صلى الله عليه وسلم انتمائهم بالصدق لصفات النبى صلى الله عليه وسلم فهم أسعد أمة ويوجد بينهم فئة من الناس بناء على حكم المثل أوصاف «الأشراف أشرف الأوصاف» ، فقدرهم ومزيتهم مثل اللآلىء الغالية ، والأبيات الآتية تصور خلاصة أوصافهم :

نظم

قوم هم فى الدجى للناس أقمار

وهم لمن هجروا الأوطان أوطان

وأين حلوا يحل الخصب حومتهم

كأنهم مثل ما قد قيل أمطار

هم العيون فإن تبصر هدى فبه

وفى الهدى ليس بعد العين آثار

سلهم وسل عنهم إن كنت ذا وطر

فعندى لذوى الحاجات أخبار

وحل ساحتهم تسعد فهم عرب

تحمى النزيل ولا يؤذى لهم جار

وانعم إذا كنت تهواهم بعيشها

واصحبهم إن نأت يوما بك الدار

وفيهم أخرى : يحترزون من آفة الشهرة حتى وإن كانوا غارقين فى أشد أنواع الفقر والحاجة يظهرون علامات اليسار والغنى. وإن ظلوا جائعين أياما يظهرون أنفسهم شبعانين ، ويرجحون الوحدة على الكثرة والضرورة والضيق على السعة والثروة ويتخذون من الصفات ما جاء فى المنظومة الآتية :

نظم

إذا قنعت بقوت ولبس ثوب مرقع

ولم يكن لى عيال نفسى لهم تتفجع

ولا بنون صغار قلبى لهم يتقطع

ولا صديق صدوق فراقه أتوقع

وكان بالله أنسى

فما بى الدهر يصنع

وصنف منهم وإن كانوا فى شدة الضيق وبين مخالب الحاجة كانوا ينفقون ما يحصلون عليه من النقود لمن هم أكثر حاجة منهم بناء لحكم البيت الآتى :

ليس العطاء من الفضول سماحة

حتى تجود وما لديك قليل

قوم مضوا كانت الدنيا بهم

والدهر كالعيد والأوقات أوقات

ماتوا فعاشوا وعشنا بعد موتهم

ونحن فى صور الأحياء أموات

ويرى فيهم فئة من الناس يكدون ويكدحون حتى الليل مع ذلك لا يكسبون ما يكفى عيالهم وأولادهم ويتمرغون داخل الفقر والحاجة لا يوصفون فيتحملون الفقر ، ويضطربون ؛ ومع ذلك لا يشتكون من حالتهم هذه ولا يسعون لتحسين أحوالهم وتأمين مستقبلهم وينتظرون من الله ـ سبحانه وتعالى الرفيع الدرجات والذى يسر الوصول إلى الآمال ـ الفرج ويدعون له. وكانوا مثالا للتوكل والاصطبار كما جاء فى المثل الآتى :

«سعف النخيل خير من إسعاف الخليل»

لا تظهرن لعاذل أو غادر

حالك فى السراء والضراء

فلرحمة المتوجعين حرارة

فى القلب مثل شماتة الأعداء

وفى الواقع أهم ما يجب أن يعنى به الإنسان أن يسلك طريق حرفة ما حتى ينجو من الذل والحاجة ودواهى الدنيا وأن يعيش أولاده وعياله. ويروى أن حضرة آدم صفى الله اشتغل بالزراعة وأن سبعين نبيا ارتحلوا عن دنيانا وهم جوعى وأن حضرة على ـ كرم الله وجهه ـ دعا ربه قائلا : «إللهم صن وجهى باليسار ولا تشن وجهى بالإقتار ، فأسترزق طالبى رزقك وأستعطف شرار

خلقك ، فأمتحن بحمد من أعطانى ، وأفتن بذم من منعنى ، وأنت من وراء ذلك كله والىّ الإعطاء والمنع إنك على كل شىء قدير ، يا نعم المولى ويا نعم النصير».

يا رب لا تحينى إلى زمن أكون فيه كلا على أحد

خذ بيدى قبل أن أقول لمن أراه عند القيام خذ بيدى

وهناك صنف آخر بين أهالى المدينة كل فرد منهم يملك ثروة وغنى وهو صاحب نفوذ وقدرة وهم يمضون أوقاتهم فى غاية الرفاهية والجاه والعظمة كما أنهم يراعون الأهالى الفقراء وضعفاء المجاورين وهم الفئة التى يقال له الجامع بين الحسنتين.

وأهل المدينة عامة يحبون التنزه والفرجة ، وينشطون قلوبهم بالتجوال فى الحقول والمتنزهات دون كلفة وأما بالنسبة للأكل والشرب يكتفون بالمودة سالكين مسلك الاكتفاء بما وجد. واختار بعضهم السياحة فى البلدان والممالك حتى يزيدوا من ثروتهم وغناهم. كما أن بعضهم يتركون دورهم وديارهم باحثين عن أرزاقهم ، كما أن بعضهم يتبعون أفكارا أخرى. ولا يتفقون كلهم فى أفكارهم وآرائهم ، فيهم من يسلك مسالك الهوى والهوس. يقول ابن فرحون من المؤرخين القدماء : «كان مجاورو المدينة فى الأوائل من الصلحاء وأهل اليسار ؛ لذلك كان رؤساء الأهالى يكرمونهم ويخدمونهم ، ويقضون لهم حاجاتهم الضرورية ويقدمون لهم التحف والهدايا ويحاولون بهذا أن ينالوا حبهم. ويعتقدون فيهم خيرا ويلتمسون دعاءهم وهمتهم. والآن انعكس الأمر إذ انعدمت الثقة والاستقامة فى المجاورين ، كما أن أهالى الحرمين لا يحترمون كذلك من لا يراعى جانب الآثار المسعودة ، وقد تغيرت الملابس والأفكار من أجل اجتذاب القلوب كما يقول المثل : «تغيير الشكل من أجل الأكل» فى كل مكان يمزقون أستار الحرمة والرعاية وفى كل طور وفعل يظهرون شعائر الإساءة والدناءة يتفوهون فى داخل الحرم الشريف بكل ما يرد على ألسنتهم ولا يتذكرون

ما نص عليه من الصمت والهدوء فى داخل الحرم بل يقومون بما لا يليق ، مع أصحاب الفقه والاستقامة والصلاح والتقوى».

ويمد أهالى الحرمين يد العون والخدمة للغرباء الواردين ولكنهم يفرطون أحيانا فى عونهم وإظهارهم هذا القدر من التظاهر لا يستحب أحيانا ، حتى قال العلامة ، الشيخ إبراهيم ابن أبى الحرم المدنى : «لا ينبغى لأهالى هذه البلاد أن يفرطوا فى إجلال وتعظيم من يترددون على هذه الديار من الزوار ؛ لأن الإفراط فى ذلك يفضى إلى سوء العاقبة ، ويجرئهم ، فيقصرون فى آداب الزيارة للآثار المباركة مظهرين ذلهم وخشوعهم ومسكنتهم. إننى قد نظمت الأبيات الآتية حتى أعرف الناس هذا الأمر ورتبت إجابة على لسان الحال :

قطعة

يا أهل طيبة لا زالت شمائلكم

بلطفها فى الورى مأمونة العتب

لكن رعايتكم للغرب تحملهم

على تجاوزهم للحد فى الأدب

مولاى إن صروف الدهر قد حكمت

وأعوزت أن يذل الرأس للذنب

كم من مقبل كف لو تمكن من

تقطيعها فكن ممن فاز بالأدب

قيل فى حق سكان دار السكينة «جار الدار أحق بدار الجار وجار الدار أحق من غيره» ، وكما أن أهالى المدينة أليق عن أهالى البلاد الأخرى بالتجاوز والسماح والفوز والنجاة والنجاح ، لأجل ذلك يجب على الذين يختارون المجاورة والإقامة فى المدينة المنورة أن يكونوا لينى الأعطاف ، هينى الانعطاف

فيحترمون كل موقع فى تلك البلدة المباركة ويراعون جانب كل فرد من سكنتها ويتخلقون بما جاء فى الكلمات الآتية :

يشاركهم فى أنديتهم لا فى أغذيتهم ، ويزاحمهم فى أوقاتهم لا فى أقواتهم ، ويكتسب من أخلاقهم لا من أرزاقهم ، ويقتبس من برهم لا من برّهم ، فيتصل بهم كثيرا ويشاركهم فى محاسن أخلاقهم وعاداتهم ، ولكن لا يعمل على مشاركة أرزاقهم وأقواتهم ويخطفها من أيديهم. ويرغب فى حبهم وموالاتهم ولا يطمع فى حبوبهم وأطعمتهم. وألا يزعجهم بالاستيلاء على دور فقرائهم وإطالة يد الطمع لصدقاتهم وألا يسعى فى منع معروفهم وإبطاله. إذ قيل :

لا تقطعن يد المعروف عن أحد

ما دام يمكن فالإمكان تارات

واشكر فضيلة لطف الله إذ جعلت

إليك لا لك عند الناس حاجات

فليقل أصحاب الاعتراض ما يقولون فى حق أهل المدينة. وليسندوا إليهم ما يسندون ، فمحبتهم وإكرامهم وتعظيمهم واحترامهم واجب على كل مؤمن موحد. فأهل المدينة جيران النبى صلى الله عليه وسلم وبناء على الحكم الجليل : «مازال جبريل يوصينى بالجار ..» فحق جوارهم ثابت ومهما ارتكبوا من الإساءات فإنهم لن يحرموا من حق الجوار وهذا حق محقق. ومهما ترك المدنى من الاتباع واخترع عادات غير مقبولة وابتدع ، فيجب ألا يترك دون إكرام ويقطع احترامه. لأن هذه الأمور لا تسقط شرف جواره وحسن العاقبة مأمول له. يجب أن ينظر إلى كل فرد منهم بعين تعظيم وإكرام وتفخيم. وألا يبحث عن أحوالهم الظاهرة ولا يفتش عن أفعالهم الباطنية وأسرارهم لما كانت جميع الذنوب تحت حكم مشئية الله ما عدا الشرك فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يعذب فاعله إن شاء ويعفو عنه ويطلقه إن شاء.

فى تعريف الآبار التى تنسب

إلى النبى صلى الله عليه وسلم بالتفصيل

ورتبت أسماء تلك الآبار حسب الحروف الهجائية

١ ـ بئر أريس :

أريس على وزن جليس ومعناه الفلاح وهو اسم واحد ينتسب إلى الطوائف اليهودية.

أحد الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم البئر التى يطلق عليها أريس وهى على الجهة الغربية من قباء بجانبها حجر فى ارتفاع ثلاثة أذرع.

حكاية

يروى أبو موسى الأشعرى قائلا : خرجت فى يوم من الأيام من بيتى بعد أن توضأت ، وذهبت إلى مسجد السعادة ، وأرونى الطريق الذى سلكه النبى صلى الله عليه وسلم قائلين ذهب لتلك الجهة ، وبما أننى خرجت من ذلك اليوم بنية خالصة لأقوم بخدمة النبى صلى الله عليه وسلم تتبعت أثره. وعرفت المكان الذى اتجه إليه سائلا كل من رأيته ، حتى وصلت إليها ودخلت من باب مبانيها وجلست بجانب بابه المصنوع من خشب النخيل. فابتعد النبى صلى الله عليه وسلم رغبة فى قضاء حاجته ، وبعد الرجوع توضأ وجلس على حافة البئر المصنوعة من الخشب مدليا رجليه فى البئر. فألقيت عليه السلام ثم عدت إلى مجلسى. وكانت نيتى أن أقوم فى ذلك اليوم بحراسة النبى صلى الله عليه وسلم. فدق الباب بعد فترة أبو بكر الصديق. فسألت عن الطارق. وفهمت أنه أبو بكر الصديق قلت يا رسول الله إن أبا بكر قد دق الباب حتى يتشرف بالمثول بين يديك ، ولما قال النبى صلى الله عليه وسلم أدخله بعد أن تخبره بأنه بشر بالجنة. ففتحت باب البئر

وقلت تفضلوا! فقد بشرك النبى صلى الله عليه وسلم بالجنة فأغلقت الباب بعد دخوله وجلست فى مكانى القديم وبعد أن دخل بناء على إذن النبى صلى الله عليه وسلم جلس على يمين النبى صلى الله عليه وسلم وأدلى رجليه فى البئر ، ودق الباب مرة أخرى بعد قليل. قلت : من أنت؟ قال : أنا عمر بن الخطاب إذا ما أذن لى أريد أن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت إلى الرسول وأخبرته أن عمر بن الخطاب يريد المثول بين يديك واستأذنت منه بهذا الشكل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم فليأت أبشره أيضا بالجنة ففتحت الباب وقلت له تفضل إن الرسول صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل وجلس بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم على يساره وأدلى رجليه فى البئر. أما أنا فذهبت إلى مكانى القديم وجلست. وبعد مدة جاء عثمان بن عفان. فقمت وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن عثمان بن عفان يستأذن أيضا للتشرف بالمثول بين يديك. وعرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ينتظر الأمر بالدخول. وقال النبى صلى الله عليه وسلم الواقف على سرائر الدنيا والآخرة «فليأت لأبشره بالجنة وبلوى المصيبة» ففتحت باب مبنى البئر وأدخلته وقلت له : يا عثمان إن النبى صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة وآفة المصيبة فمثل عثمان أمام النبى صلى الله عليه وسلم ولما لم يجد محلا يجلس عليه فى يمين النبى ويساره جلس أمامه ؛ وكانت هذه الإشارة المليئة بالحكمة سببا فى عدم دفن عثمان بن عفان فى الحجرة المطهرة يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يجد مكانا على يمينه وشماله فأشار له بأن يجلس أمامه وهكذا جلس فى مكان بعيد عنه ، الأمر حين قتل يدفن فى الحجرة المعطرة!!! ودفن فى بستان حش كوكب ليس مخالفة الفرق المخالفة لدفنه فى الحجرة المطهرة.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما شرف مسجد قباء كان يذهب إلى بئر أريس وكان يقول : إن كل من يذهب يوم السبت إلى مسجد قباء ويصلى فيه ركعتين ثم يشرب من ماء بئر أريس ينال ثواب عمرة. وفى يوم قائظ اغترف صلى الله عليه وسلم مع الخلفاء الأربعة من ماء بئر أريس لتلطيف الحرارة ووضع يده فى الدلو.

معجزة :

لما وضع النبى صلى الله عليه وسلم يديه فى الدلو سقط خاتمه فى قاع البئر فارتفع ماء البئر.

وعرض عليه خاتمه وقدمه له. وانتقل الخاتم من بعد إلى أبى بكر ثم إلى عمر بن الخطاب ثم إلى عثمان بن عفان إلا أن هذا الخاتم وقع فى البئر مرة أخرى فى العام الخامس من خلافة عثمان ولكنه لم يستخرج.

وعمق بئر أريس (١٩) ذراعا وارتفاعه (١٠٤) ويقال أنها كانت قديما تحت بناء مرتفع. إلا أن تقلبات الدهر هدمت مبانى جهتها القبلية وخربتها. فعمرها شاهين الشجاعى ورفع الحجارة التى حولها ثلاثة أذرع وجعل لها مرقاة. وإن كانت الآن غير مكشوفة إلا أن أبنيتها ليست مرتفعة ورصينة كما أخبر المؤرخون. ولها بناء الآن يحميها من حر الشمس ولها مصلى فى جهة مسجد قباء وعلى طاق محراب هذا المصلى هذا البيت :

أمن عجب أن يزورها ليل نهار الإنس والجان

بئر خاتم الأنبياء هو هذا المكان

النخيل المتكلم :

فى حديقة النخيل التى فى الطرف الغربى لبئر أريس النخلة أو النخلتان المعروفتان باسم النخيل المتكلم وكما سيرى فى شكل هذه الأشجار فهى تنحنى كحلقات وترتفع فقط غصونها التى ستنتج الفاكهة. وكانت هذه الأشجار فى عصر النبوة فى غاية العلو وكان اقتطاف ثمرتها غير ممكنة. ولما كانت النخلة المذكورة مدمرّ بها النبى صلى الله عليه وسلم فانفرشت على الأرض وقالت : يا رسول الله! إن تمرى جدير بالأكل ، فكل منى عدة تمرات وأرفع رأسى بين أمثالى من النخيل وظلت على هيئتها تلك.

ومازال جيش النخلة التى تمددت على الأرض لتعرض بلحها على النبى صلى الله عليه وسلم قائمة! وفروعها التى تنبت حولها وتنمو وتستدير حلقات سنة بعد سنة وتظل كذلك إلى أن تزول. ومع هذا إذا ما أخذ فروع منها وغرست فى مكان آخر وإذا لقح إلى نخلة أخرى فلا ينفع حتى إذا نفع فلا تستدير فروعها حلقات بل ترتفع مثل أشجار النخيل الأخرى.

٢ ـ بئر الأعواف :

والثانية من الآبار المباركة بئر الأعواف وهى من الصدقات النبوية.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد توضأ على حافة هذه البئر. وحيث مس ماء وضوء النبى اكتسب خضرة ونضارة ومازال كذلك حتى يومنا هذا.

كان فى عصر السعادة بجانب هذه البئر حجر ولما كان هذا الحجر قد قبض على لص هرب من النبى صلى الله عليه وسلم فاقتلعه ووضعه فى مكان بين «الأعواف» و «الشطبية» لما كان النبى صلى الله عليه وسلم قد لمسه بيده الكريمة أخذ أهل المدينة يزورون هذا الحجر. وللأسف لم يبق فى عصرنا من يعرف مكان هذا الحجر. وفى الواقع فى عصرنا من يعرف مكان هذا الحجر. وفى الواقع فى عصرنا فى المكان الذى يسمى «الأعواف» مكان طرفه القبلى «مربوعة» وطرفه الشامى «خنافة» وبين هذين المكانين كثير من الآبار ولكن ليس هناك من يعرف مكان «الشطبية». ومن المحتمل أن يكون المحل المشهور باسم «عتبى» فى الطرف الشرقى من خنافة الشطبية المذكورة.

٣ ـ بئر أناء :

البئر الثالثة من الآبار المقدسة بئر أناء واسم هذه البئر على رواية أناء بضم الهمزة وفتح النون ، وفى رواية أخرى أنّاء بفتح الهمزة وتشديد النون. فى ناحية بنى قريظة.

وعندما حوصر حصن بنى قريظة أقيمت خيمة النبى صلى الله عليه وسلم على حافة هذه البئر ، وشرب النبى صلى الله عليه وسلم من ماء هذا البئر وهو جالس فى خيمته. وربط دابته على شجرة النبق التى ببيت مريم بنت عثمان وصلى على ساحة مسجد بنى قريظة ، ولكن الآن لا يعرف ساحة ذلك المسجد.

٤ ـ بئر أنس بن مالك بن النضر :

والبئر الرابعة من الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم بئر أنس بن مالك بن النضر

وكانت فى داخل دار أنس بن مالك بن النضر فى محلة تسمى جديلة والبئر التى وقفت ل «رباط اليمن» فى وقتنا هذا يلزم أن تكون تلك البئر. لأنها تقع بالقرب من دار فحل (١) وفى الطرف الشامى من الحديقة المسماة برومية يعنى بالقرب من ضريح والد النبى عبد الله بن عبد المطلب. وأساسا كان من ممتلكات والد أنس بن مالك بن النضر تعرف فى الجاهلية باسم برور كما سبق ذكرها فى بحث بئر سقيا. وقد ألقى النبى صلى الله عليه وسلم فيها بصاقه فاحلو ماؤها إلى حد أنها صارت ذات ماء ألذ وأخف من جميع مياه آبار المدينة المنورة.

٥ ـ بئر إهاب :

الخامسة من الآبار المحترمة البئر التى اشتهرت باسم إهاب وكانت فى داخل القصر الذى يسكنه أساسا إسماعيل بن وليد والذى يقع فى داخل حدائق النخيل الكائنة فى الجهة القبلية للحرة الغربية.

لما أخرجت فاطمة بنت الحسين بن على بن أبى طالب من بيت جدتها فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ كانوا قد أعطوها ذلك القصر وانتقل هذا القصر أخيرا لابن هشام.

وكانت بئر إهاب أساسا بئر والد عبادة سعد بن عثمان. ولما تفضل النبى صلى الله عليه وسلم قائلا يظهر أن عمران المدينة المنورة سيصل إلى بئر إهاب ولأجل ذلك أطلق أهل المدينة المنورة على تلك البئر اسم بئر زمزم وأرسلوا ماءها إلى البلاد الأخرى للتبرك. ولما كانت فاطمة بنت حسين بن على هى التى حفرت تلك البئر فمن العجب أن يطلق عليها بئر زمزم دون أن يطلق عليها بئر فاطمة.

٦ ـ بئر البصّة :

السادسة من الآبار العزيزة البئر التى يطلق عليها بصة على وزن حبّة.

__________________

(١) دار فحل : من الأبنية القديمة ، وهى الآن من أملاك أولاد برادة ويقيم فيها بنو عم عبد الجليل أفندى رئيس كتبة «إدارة الروزنامه» ولما كانت بحديقة هذه الدار نخلة عقيم لا تؤتى أكلها ، فقد نسبت الدار إلى هذه النخلة وسميت باسمها.

وتقع بجانب نخلة قريبة من مقبرة بقيع الغرقد وفى طريق قرية قباء.

ويميل ماء هذه البئر إلى الخضرة وقد هدمت السيول التى تمر بجانبها جميع جهاتها وخربتها. ولكنها عمرت تعميرا جيدا مؤخرا. عرض فوهتها فى قطر سبعة أذرع. وبجانب هذه البئر بئر أخرى فى عرض ستة أذرع ، وكان مؤرخو الأسلاف قد اختلفوا فى تعيين أية واحدة منهما بئر «البصة» ؛ والبئر الصغيرة ولما كانت أمام برج والد أبى سعيد الخدرى مالك بن سنان فليس من المستبعد أن تكون تلك البئر بئر «البصة» ولأجل ذلك استولى زكوى ابن صالح على ساحة برج مالك بن سنان وبنى عليها منزلا عاليا وصنع سلما للبئر الصغيرة ، كما أن شيخ الخدم عزيز الدولة وريحان البدرى الشهابى اشترى بستان النخيل الذى بجانب المنزل الذى بناه ابن صالح ووقفه على الفقراء الذين يمرون من جانبه.

زار النبى صلى الله عليه وسلم دار أبى سعيد الخدرى فى يوم جمعة وطلب منه مقدارا من سدر وغسل بالسدر رأسه وصب الماء المستخدم فى البئر.

٧ ـ بئر بضاعة :

السابعة من الآبار المقدسة هى بئر بضاعة التى بين الحديقتين اللتين تميلان إلى الجهة الشمالية من غرب بئر حاء واشترى شاهين الجمالى هاتين الحديقتين ووحدهما وصنع حوضا بجانب بئر بضاعة وبنى مسجدا ووقف الحديقتين لتعمير المسجد المذكور والحوض والبئر سالفة الذكر.

وفى عهد الجاهلية كان ماء بئر بضاعة عديم القيمة ؛ لذا كانت تلقى فيها النساء الحوائض خرق الحيض كما أن الساكنين حوله يلقون فيها الكناسة وجثث الحيوانات.

ولما توضأ الرسول وشرب من مائه وتفل أخبر أن ماءه شفاء للمرضى. ومنذ ذلك الوقت أخذ الناس يشربون من مائه راغبين فيه ويرجحونه على مياه الآبار الأخرى.

ولما كان الناس يمرضون فى عصر السعادة كان النبى صلى الله عليه وسلم يوصيهم بالاغتسال بماء بئر بضاعة ، وكان الذين يغتسلون بماء هذه البئر الطاهر يشفون من مرضهم فى الحال.

٨ ـ بئر جاسوم :

الثامنة من الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم البئر التى تقع فى مكان يقال له راتج لأبى الهيثم بن التيهان ويطلق عليها. بئر جاسوم وشرب النبى صلى الله عليه وسلم من مائها وصلى فى الحديقة التى بجانبها وللأسف ليس فى زماننا من يعرف بئر الجاسوم ولا حتى مكانا يسمى بجاسوم.

٩ ـ بئر جمل :

هو التاسعة من الآبار المقدسة بئر الجمل التى تقع فى ناحية الجرف وفى نهاية وادى العقيق ، وعلى رواية أخرى تقع تلك البئر فى الطرف الشامى من بقيع الغرقد وسبب تسميتها إما لأن حافرها اسمه جمل أو لأنه وجد بجانبها جثة جمل. وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ من هذه البئر فإنه لا ينكر فضلها.

١٠ ـ بئر حاء :

العاشرة من الآبار المكرمة هى بئر حاء التى تقع أمام الباب المجيدى لسور المدينة. وكان النبى صلى الله عليه وسلم كثيرا ما كان يشرف حديقة النخيل التى فيها هذه البئر يشرب من مائها ويستريح جالسا فى ظلال النخيل.

ولما كانت هذه البئر أساسا فى داخل حديقة النخيل التى يملكها أبو طلحة تصدق بهذه الحديقة لأبى بن كعب وحسان بن ثابت من جهة قرابتهما. وباع حسان مؤخرا نصيبه من الحديقة لابن أبى سفيان ، فبنى فيها حضرة معاوية قصره الصيفى الذى اشتهر بقصر بنى جديلة ، وبناء على ذلك ظلت بئر حاء على طرف من قصر جديلة ، وكان لذلك القصر بابان يفتح أحدهما إلى الشارع والثانى إلى بيت محمد بن طلحة التميمى ، وقد اندرس قصر جديلة فى زماننا وظلت بئر حاء

داخل حديقة النخيل صغيرة. ولما كان ماؤها فى غاية العذوبة واللذة ، اشترتها من تدعى نويرية ووقفتها مع حديقتها لأبناء السبيل ، لأجل ذلك يطلق على تلك الحديقة حديقة نويرية.

وفى الطرف القبلى لتلك البئر جامع صغير وهذا المسجد الشريف فى مكان قريب من حصن المدينة.

١١ ـ بئر حلوة :

الحادية عشرة من الآبار المقدسة بئر حلوة التى تقع بالقرب من دار آمنة بنت سعد فى الرصيف الأيسر لباب السلام ، ولكن ليس هناك من يعرف مكان هذه البئر فى زماننا.

وفى عهد السعادة كان بجوار البئر شجرة من نوع شجرة الآراك ، ويقال إن النبى صلى الله عليه وسلم كان ينام وقت الضحى تحت هذه الشجرة المذكورة.

١٢ ـ بئر ذرع :

البئر الثانية عشرة التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم هى بئر ذرع التى تقع فى قرية «بنى خطمة» التى تقع على الجهة الشرقية من مسجد العوالى. شرف النبى صلى الله عليه وسلم قرية بنى خطمة وصلى فى دار امرأة عجوز وبعد ذلك توضأ وألقى ببصاقه فى داخل البئر. كانت بئر ذرع فى ذلك الوقت خلف مسجد بنى خطمة وموقع تلك القرية الآن بجانب الخرابة التى تسمى ما جشونية التى ما تزال بيوتها الخربة ظاهرة للعيان.

١٣ ـ بئر رومة :

البئر الثالثة عشرة من الآبار المحترمة التى تقع فى نهاية وادى العقيق حيث تتحد سيول الأودية والتى تعرف فى زماننا ب «بئر عثمان» بئر عثمان. والبئر المذكورة بالقرب من مسجد القبلتين وأقدم آبار المدينة المنورة.

ولا يعرف صاحبها ولا حافرها إلا أنه يروى أنها بئر قديمة حتى إن تبّع

الحميرى الذى مر بالمدينة قبل الهجرة بسبعمائة سنة شرب من مائها اللطيف وأعجب به.

وفى أوائل الهجرة النبوية لم يكن الصحابة الكرام يجدون ماء غير ماءها بثمن غال للشرب. فقال النبى صلى الله عليه وسلم «بئر مزنى ـ يعنى روما ـ ما أحسنها من بئر» وبناء على رواية قال «ما أحسنه من حفيرة حفيرة مزنى».

وأحضر صاحبه وقال له : يلزم أن تبيع هذه البئر بدل بئر من الجنة وبهذه الطريقة أراد أن يتصدق بها صاحبها ، ولكنه قال «يا رسول الله ليس عندى شىء آخر لأتعيش منه» ولما أحس عثمان بن عفان بأن اليهودى لا يريد أن يعطى للنبى صلى الله عليه وسلم متعللا بالأعذار فأرضى اليهودى بأن اشترى البئر بعشرين ألف درهم أو على قول آخر بخمسة وثلاثين ألف درهم. ووقفها. وكان قد اشترى نصف البئر أولا لأن صاحبها لم يرد أن يبيعها كلها قائلا إننى لا أستطيع أن أبيع البئر كلها مرة واحدة إذا أردت أبيع نصفها لك فلتكن لك يوما واليوم الآخر لى ، وفى اليوم الذى لك لا آخذ منها ماء كما أنك لا تأخذ فى اليوم الذى لى ماء!!! وكان حضرة عثمان أخذ نصف البئر بإعطائه اثنى عشر ألف درهم. ووقفها. ولما رأى اليهودى أن المسلمين يأخذون من الماء ما يكفيهم لأربع وعشرين ساعة فى اليوم الخاص بحضرة عثمان وأصبحوا لا يشترون ماء فباع لحضرة عثمان نصفها الثانى بثمانية أو على قول آخر ثلاثة وعشرين ألف درهم وترك البئر نهائيا.

وظلت البئر زمنا طويلا عذبة الماء وكان ماؤها مرغوبا بين الأهالى وكانت تروى سكان المدينة إلا أن أبنيتها تخربت وغاض ماؤها فترة من الزمن. فجدد قاضى مكة المكرمة أحمد شهاب بن محمد المحب الطبرى أبنيتها وطهرها وذلك خلال عام ٧٥٠ ه‍ وبعد مائتين وتسعين سنة أى فى عام ١٠٤٠ ه‍ فعمرها بشكل جيد الشخص الذى تولى مشيخة الحرم النبوى وأحياها بأن غرس حولها الأشجار وبنى بجانبها مسجدا ووقفها. والآن يمر بها الفقراء ويزورونها وأحيانا

يقضون بجانبها لياليهم متعبدين حتى الصباح والمسجد الذى بنى فيما بعد مكشوف الجانب من الناحية الشامية.

١٤ ـ بئر سقيا :

البئر الرابعة عشرة من الآبار المكرمة بئر سقيا التى فى داخل القرية التى يطلق عليها فى الجاهلية قناد وتقع هذه البئر على يسار المتوجهين إلى قرية بئر على وفى داخل حجر منحوت.

وكانت بئر سقيا قد تخربت مع مرور الأيام ، ولما عمرها وجددها أحد أهل الخير من طائفة الأعاجم فى سنة ٧٧٨ ه‍ فهى تعرف فى زماننا ب «بئر الأعاجم» وفى الجهة الشامية من هذه البئر مبنى حيث ينصب الحجاج الكرام خيامهم ويستريحون. وكانت زوجة الرسول أمنا عائشة ـ رضى الله عنها ـ تجلب الماء من هذه البئر وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشرب من ماء تلك البئر.

١٥ ـ بئر العقبة :

وينسب ماؤها للنبى صلى الله عليه وسلم وهى البئر الخامسة عشرة من الآبار المقدسة ، يقول بعض المؤرخين إن النبى صلى الله عليه وسلم جلس على حافة هذه البئر مدليا قدميه فيها وأجلس أبا بكر وعمر على طرفيه وعثمان أمامه. ولكن ناقل الواقعة وكان حارس النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم وهو أبو موسى الأشعرى ـ رضى الله عنه ـ ينسب تلك الواقعة إلى بئر أريس فليزم أن يكون قول المؤرخين هذا غير صحيح إلا أنه يمكن أن يكون اسم بئر العقبة اسما آخر لبئر أريس ، أو أن الواقعة تكررت فى البئر الثانية.

١٦ ـ بئر عتبة :

هى البئر السادسة عشرة من الآبار المكرمة وتقع على ميل واحد من المدينة المنورة فى جهة مكة المكرمة وفوق حرة بئر السقيا. وقد نظم النبى صلى الله عليه وسلم ، غزاة بدر فى هذا الموضع ، وفصل الأطفال عن الجيش وأعادهم إلى المدينة المنورة. يقول بعض المؤرخين إن المسلمين فى غزوة بدر عند ذهابهم باتوا فى بئر السقيا

وعند عودتهم باتوا فى ساحة بئر أبى عتبة. وماء هذا البئر أعذب من جميع آبار الوادى وتعرف بين الناس ب «بئر الوادى».

١٧ ـ بئر العهن :

البئر السابعة عشرة من الآبار المقدسة. وتقع فى قرية بنى أمية الأنصارى وفى أعلى جهة بالمدينة وكان قديما بجوار هذه البئر شجرة تسمى السدرة ثم قطعت هذه الشجرة وسويت أرضها وأصبحت حقلا. والبئر المذكورة فى سفح الجبل وماؤها عذب فرات ، ولكن موقعها اليوم غير معلوم. ويقال إنها بئر يسيرة التى سيأتى ذكرها فيما بعد.

١٨ ـ بئر غرس :

هى البئر الثامنة عشرة ، تقع على بعد ميل أو نصف ميل من الجانب الشرقى الشمالى لمسجد قباء. وكان الماء يجلب للنبى صلى الله عليه وسلم من بئر غرس يوما ومن بئر السقيا يوما آخر. وقد غسل جثمان النبى صلى الله عليه وسلم بماء بئر غرس ، فقد أوصى النبى صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قائلا «غسلونى بسبعة قرب من ماء بئر غرس».

وعرض تلك البئر المقدسة عشرة أذرع وعرضها أزيد من طولها وماؤها عذب بارد ورجحان عذوبة مائها وأفضليته ثابتة بالحديث النبوى الشريف. إذ بين فضل مائها ومزيتها قائلا : «إننى رأيت فى رؤياى أننى سأصبح فى الصباح بجانب بئر من آبار الجنة» ولما أصبح الصبح وجدتنى بجانب بئر غرس» ، وتوضأ ذلك اليوم وألقى بصاقه فى داخل البئر. وبهذا سكب ما أهدى له من العسل المصفى فى داخل البئر.

وتخربت بئر غرس ، ولم تعد صالحة للشرب منها ، وفى خلال عام سبعمائة جددت وبعد مائة واثنين وثمانين عاما اشترى السيد حسين بن الشهاب أحمد القاوانى ما حول البئر من حقول وأحاط البئر بسور وصنع حديقة للنخيل وأنشأ سلما للنزول فى البئر وبنى مسجدا وفتح طريقا واسعا للدخول إلى المسجد من الخارج ثم وقفها للمارين وعابرى السبيل. ظلت تلك الحديقة المذكورة عامرة ما

ما يقرب من مائة وثمانية عشر عاما. وانتفع المارة والعابرون بها ودعوا لواقفها ولكن للأسف قد سد طريقها الخارجى فأبطل وقف حسين بن الشهاب.

١٩ ـ بئر القراضة :

التاسعة عشرة من الآبار المباركة بئر القراضة. وهذه البئر فى داخل حديقة والد جابر بن عبد الله الواقعة فى الجانب الغربى لمسجد الفتح. قد توضأ النبى صلى الله عليه وسلم بماء هذه البئر وصلى فى ساحة مسجد الخربة.

معجزة :

عندما مات والد جابر بن عبد الله كان قد ترك ديونا كثيرة وترك أمر تسديد هذه الديون لجابر. فأراد جابر أن يعطى حديقة نخيل بئر القراضة بثمارها للدائنين. إلا أنه لم يستطع أن يرضى الدائنين بهذا الشكل ، فحكى الموضوع للنبى صلى الله عليه وسلم بشكل يثير رحمة السامع واستمد العون من النبى صلى الله عليه وسلم. فما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن ذهب إلى حديقة بئر القراضة وألقى بصاقه المبارك فى البئر ودعا الله أن يخلص جابرا من دين أبيه عبد الله ، وبناء على ذلك زادت محاصيل تلك الحديقة سنة بعد سنة وكانت سببا فى تسديد الديون. ولكن لشدة الأسف فتلك الحديقة انتقلت من يد إلى أخرى ، مع مرور الزمن وأهملت حتى لم يبق أحد يعرف مكانها فى زماننا.

٢٠ ـ بئر القريضة :

هى البئر العشرون من الآبار المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن تكون هى بئر القريضة التى تقع بالقرب من بئر القراضة ، أو أن القريضة تصغير القراضة ، وعلى ذلك تكون كلتاهما بئرا واحدة ، ويروى كذلك أن خاتم النبى صلى الله عليه وسلم وقع فى هذه البئر.

٢١ ـ بئر اليسيرة :

هى البئر الحادية والعشرون من الآبار المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويسيرة بمعنى

سهلة. قيل إن النبى صلى الله عليه وسلم جلس على حافة بئر فى قرية بنى أمية ابن زيد ، وسأل عن اسمها ، فقالوا «عسيرة» فأجاب قائلا : «كلا كلا يسيرة إن شاء الله». وتفل فيها ودعا لها بالخير والبركة وتوضأ وهذا وجه تسميتها ـ قال فاضل العشقى.

لينظم القلم الدر فى سمط الشعر وليجعل للمصطفى ألف بئر

ومن بئر أعواف بضم الهمزة ومن بئرى أنا اشرب

وكذا من بئر أنس وهو النبى من صحب

وكذلك بئر إهاب وبصة وبئر بضاعة وماؤها شفاء

ذكرت كذلك بئر جاسوم والجمل رفعت عن سرها الخفاء

وكذا بئر حاء حلوة وبئر ذرع ورومة

فلتذكر وادع الله إن كنت عن بئر السقيا تخبر

وبئر عهن وعقبة وبئر عنبسة

وبئر غرس إذا ما ذكرن ذلك

أما بئر قراضة وقريضة وبئر اليسير

كلها ما سمعت ولا رأيت من ينكر فضلها

وقد ثبت أن عدد الآبار غير المكررة تسعة عشر بئرا ولكن مع مرور الزمن لم يبق أحد يعرف مكان اثنتى عشرة منها فحصر أهل المدينة الآبار المأثورة فى سبعة آبار. وأسماء تلك الآبار فى الأبيات الآتية. لمؤلفه العبد لله.

نظم

فى المدينة يا صاح (١) سبع من الآبار

ولها بريق النبى المبارك إيثار

__________________

(١) صاح : مخفّف : يا صاحبى.

لبعض غرس ، ورومة ، بضاعة أسماء

ومنها العهن ومنها البصة ولا يشرب من مائها الأشرار

منها بئر أريس وبئر حاء ولهما باسمهما شهرة

يمتد لهما أهل المدينة كل مرة

وكلما تباعد عصر السعادة زاد سكان المدينة واقتضى تطور المزروعات ـ بناء على حاجة الناس ـ حفر المزيد من الآبار ؛ فحفر الأسلاف فى جوانب المدينة الأربعة كثيرا من الآبار ، واستصلحوا الأراضى لتكون صالحة للزراعة وأنبتوا كثيرا من المزروعات. وكما كانت هذه المزارع منها قوية خصبة ومنها ضعيفة قليلة الإنتاج بالنسبة لبعضها البعض ، وكانت الآبار كذلك منها ما هو عذب الماء ومنها ما هو مر الماء مالح. والآبار المشهورة اليوم بئر قويم ، بئر العباسة ، بئر صفية ، بئر البويرة ، بئر العصبة ، بئر العسيلية ، بئر المبعوث ، بئر رومة ، بئر قطعة ، بئر مغيسيلة ، بئر فاطمة ، بئر عروة.

وبئر قويم مع بئر عباسة وبئر صفية وبئر البويرة فى قرية قباء ومياه بعضها ألذ وأعذب بالنسبة للأخرى. وبئر عسيلية من آبار قرية العوالى. وليست فى هذه القرية بئر ماؤها أعذب من ماء بئر عسيلية ، وبما أن بئر مبعوث فى الجهة القبلية من ناحية عريضى وفى وسط مجرى سيل مهزور فهى أعذب الآبار فى الحرة الشرقية على الإطلاق وأعظمها ، وبئر رومة من الآبار القديمة وقف عثمان بن عفان.

وبئر فاطمة ألطف ماء من جميع الآبار ، وبئر عروة أعذب ماء من جميع الآبار والعيون والمياه الجارية. وبما أن هذه البئر فى مجرى وادى العقيق كان الأهالى يهدون ماءها للملوك لعذوبة مياهها كما أن أصحاب المزاح يدعون أن ماءها ألذ وأعذب من ماء عين زرقاء.

الأراضى المزروعة :

تقع مزارع المدينة المنورة فى الجهة القبلية منها ، وإن كانت فى جهاتها الأخرى أراض مزروعة. إلا أن جميع أراضى الجهة القبلية صالحة للزراعة.

يا ترى هل لاتصالها بالحرة؟ أو لسبب آخر؟ إن أراضيها سبخة وترابها أبيض ، فإذا مزجت بقدر من السماد يكثر محصولها ويكون نبتها أكثر إنتاجا.

والأراضى الموجودة فى الناحية الغربية أى الأراضى الممتدة من الجرف إلى عيون والتى فى وادى العقيق رملية ولكن بعض أراضيها ممتزجة بالطّين لينة مثل أرض العيون فى الجهة الشامية. فمحاصيل مثل هذه الأراضى وافرة ، يروى أن أراضيها تنتج فى السنين التى تنجو من الآفات السماوية ثلاثين ضعفا على واحد.

والجهة الشرقية أى محاصيل ناحية عريضى وما حواليها إن مدت بالمياه وسمّدت تكون من غير تبن. ومع هذا ففى الأراضى التى تقع فى الظل يؤخذ منها تبن فقط. وهناك وقت لا يؤخذ منها حتى التبن.

فى ذكر العيون الصافية التى تنسب

إلى النبى صلى الله عليه وسلم

إفادة خاصة :

يطلق أهالى المدينة على المياه التى تجرى من الآبار من تحت الأرض عينا وجمعها عيون.

إن إنبات النخلة بدون ماء محال ، ولما كان التمر والبلح هو القوت الذى يحفظ الحياة على أهل المدينة وبناء على أنه لا توجد مياه جارية تجرى من الجبال القريبة التى تحيط بالمدينة إلى الأراضى المسطحة فحفر الأهالى قديما الآبار فوق الجبال البعيدة العالية ، وأجروا ماءها إلى أطراف المدينة فأنشئوا حدائق كثيرة. ولما ازدادت الحاجة إلى الماء كلما زاد عدد السكان فزادت جداول المياه الجارية على قدر اتساع العمران وما زالت تزيد.

والآن كلما احتاجوا جلب المياه إلى مكان ما حفروا بئرا فى مكان مرتفع جدا وعندما يصلون إلى مائها يحفروا فى أسفل منها بئرا أخرى. ويحفرون مجرى تحت الأرض بين البئرين ويجرون ماء البئر الأولى إلى البئر الثانية وبهذه الطريقة يحفرون فى كل أربعين خطوة بئرا ويجرون مياهها بعضها إلى بعض متسلسلا حتى يوصلوها إلى مستوى المحل ومن هنا يحفرون المجارى فوق سطح الأرض ويروون الأماكن التى يريدونها ولما كانت عادة الأهالى توفير المياه لرى الحدائق بهذه الطريقة فى المدينة فوجدت عيون المدينة بهذه الطريقة.

الوجبة : لما كان إجراء الماء من الجبال البعيدة بالطريقة التى سبق ذكرها يحتاج إلى رأس مال كبير وهذا يتوقف على ثروة وغنى مال. لا يقدر على ذلك فرد

بذاته ومن هنا كلما احتاجت جهة ما لجلب الماء تكونت شركة من أصحاب الأراضى التى فى تلك الجهة. وتقسم هيئة تلك الشركة ما تحت أيديهم من حدائق النخيل إلى أربع وعشرين حصة كما أنهم يقسمون كل حصة إلى أجزاء ويبيعونها. ولما كان بيع الحصة خارج أفراد الشركة غير ممكن يشترى أفراد هيئة الشركة هذه الحصص وبهذا الشكل يهيئون رأس المال اللازم وعندئذ يجرون الماء بعد عمليات الحفر فوق السطح وبعد أن يحفروا مجرى عظيما ، يفتحون جداول خاصة لأراضى أصحاب الحصة ومهما كانت أجزاء الحصة فمجموعها تعد ساعة واحدة ولمثل هذه الساعة تطلق وجبة.

وكل شخص يملك عددا من الوجبات من أصحاب الأراضى الذين حصلوا على الحصص بمعرفة الشركة المتشكلة يستطيع أن يحصل على ماء بقدر ما يملكه من الوجبات.

ومع هذا فبعض الوجبات عبارة عن ثلاثة أو أربعة أجزاء وكل جزء من هذه الأجزاء فى يد شخص واحد بناء على هذا التقدير يقتضى الأمر ألا يستطيع أن يأخذ مثل هؤلاء من أصحاب النخيل من الماء فى كل أربع وعشرين ساعة إلا فى فترة ربع ساعة. وبما أن ما يملكونه جزءا صغيرا فيمكن سقيه فى هذه الفترة بهذا المقدار من الماء. انتهى.

١ ـ عين كهف حرام :

كان هذا الماء فى غار بنى حرام الواقع فى الجانب الغربى من جبل سلع. والآن أمام مسجد النبى صلى الله عليه وسلم وفوقه قبة مكملة ؛ كان النبى صلى الله عليه وسلم عندما وقعت غزوة الخندق يتوضأ من عين كهف بن حرام ليلا ثم يدخل فى غار بنى حرام حيث يبيت.

٢ ـ عين الخفيف :

هذا الماء كائن فى وادى ناحية السّنح ويرد من عوالى المدينة.

وبناء على قول ابن النجار ان هذا الماء يتفجر من تحت صخرة ويسقى مزارع ناحية السّنح التى فى جدار مساجد الفتح. وانقطع هذا الماء مؤخرا وأضرّ انقطاعه أصحاب المزارع وإن كان شمس بن زمن حفر طريقه وطهره قرب منبعه الذى فى جهة قرية قباء إلا أنه لم يوفق لجفاف منبعه.

٣ ـ عين الأزرق :

هذا الماء أمام مصلى العيد (أى المسجد النبوى) وتحت قبة كبيرة. ومنبعه الأصلى بئر فى داخل حديقة الجعفرية وعلى الجهة الغربية من المسجد الشريف.

ولما كانت مياه هذه العين تقوم عليها حياة أهل المدينة أوصلها مروان بن الحكم إلى المدينة وبنى أمام مصلى النبى صلى الله عليه وسلم موضع تقسيم عظيم وبهذا العمل قسم المياه إلى محال المدينة فتجرى المياه أولا من هذا المقسم ويسقى بيوت الجهة الشرقية ابتداء ثم الجهة الشمالية ثم الجهات الأخرى من منازل المدينة.

٤ ـ عين النبى :

كان هذا الماء بناء على قول ابن النجار بئرا بجانب غار بنى حرام.

واندرس مجراه وانقطع ماؤه مع مرور الزمن. ولكننا إذا ما وفقنا بين الروايات المتخالفة يلزم أن يكون شرعة مقسم عين النبى وكانت هذه الشرعة معروفا بمقسم عين الأزرق وتذكرنا أن منهل ماء الذكر شرعة عين النبى فإن ماء منبع عين الأزرق عندما جلب من قرية قباء إلى المدينة قد عثر على ماء عين النبى ووحّدا وهذا غير بعيد من الاحتمال.

وقد فتح الأمير سيف الدين حسين بن أبى الهيجاء فى خلال سنة ٥٦٠ ه‍ مجرى من مقسم عين الأزرق إلى باب المصلى وباب مصر ليحصن المدينة. وأوصل هذا المجرى إلى باب السلام وبنى مقسما صغيرا أمام مدرسة زمنية وفرق الماء إلى المنازل التى تقع فى هذه الجهات ، ثم أجرى الماء الزائد بواسطة مجرى حفره إلى مناهل المحلات التى حول سوق العطارين ثم طاف بالمجرى المذكور

خلف المدينة فى الجهات الشرقية والشمالية حتى أوصله إلى الساحة الرملية لمسجد السعادة حيث الفسقية وألقى مقدارا من الماء لإدارة هذه الفسقية. وصنع مقسما وبنى فوقه عقدا وأنفق فى ذلك نقودا لا تعد ولا تحصى.

٥ ـ مسير العين :

هذه العين تصبّ فى عين يطلق عليها عيون حمزة وهذا الماء أيضا ينفصل من مقسم عين الأزرق ويجرى إلى القرب من سور المدينة بالمجرى الذى فى الجهة الشمالية ويصل من هنا إلى الطرف الشرقى من ساحة حصن الأمير الرملية حيث يسكن أمير المدينة ومن هنا إلى المقسم الذى بجانب مشهد النفس الزكية ، وتتحد بعد ذلك بمجارى العيون الأخرى وتصب فى الحوض الذى ينصب بجانبه حجاج الشام خيمهم. وإن أهالى المدينة يعتقدون أن الماء الذى يطلق عليه عيون حمزة قد أجرى من قبل حضرة معاوية ـ رضى الله عنه ـ إلا أن الماء الذى أجراه معاوية رضى الله عنه ـ قد خرب مجراه ونضب ماؤه. ومع هذا فالماء الذى جلبه يمر من الجهة الشامية من جبل سلع ويصب فى المقسم الذى بجانب مسجد الراية. ويخرج من هناك ويمر من الجهة الغربية لمساجد الفتح ويتوجه إلى منهل الأمراء. وبناء على ذلك فاعتقادات الأهالى فى هذا الخصوص كانت واهية والآن قد قضى على هذا الرأى وتبينت الحالة الحقيقية.

غريبة :

يروى عن جابر بن عبد الله أن معاوية ـ رضى الله عنه ـ أمر عامله فى المدينة بسرعة إجراء هذا الماء فأجابه قائلا لا يمكن إجراء هذا الماء ما لم يمر بقبور الشهداء فأمره بنبش قبور الشهداء ونقل أجسادهم إلى مكان آخر ، وبناء عليه فتح العامل القبور ونقل أجسادهم عامة حتى إن قدم حمزة ـ رضى الله عنه ـ أصابها فاس فدميت.

٦ ـ عين الوادى :

هذه العين بجانب ضريح حضرة حمزة ـ رضى الله عنه ـ ولكن ماءها انقطع

مع مرور الأيام. وبناء على قول بدر بن فرحون ، أن الشهيد نور الدين هو الذى أجرى أولا هذا الماء وعمره بعد الخراب وأجراه الأمير ودى. وإن كان الماء الذى جلبه حضرة معاوية ـ رضى الله عنه ـ فى داخل هذا الوادى إلا أنه غاب تحت الرمل مع مرور الزمن وخربت مجارى الاثنين ولم يبق لهما اسم ولا أثر. وما زالت خرابتهما ظاهرة للعيان.

كانت أسماء ومنابع المياه التى ذكرت إلى الآن فى الأوائل مختلفة. ثم جمعت كلها وأوصلت إلى المقسم الذى صنعه مروان بن الحكم. ثم وزعت على مناهل محلات دار الهجرة. فأصبح اسمها كلها عين الزرقاء ولا يوجد فى المدينة المنورة ماء غير عين الزرقاء كان اسم عين الزرقاء القديم عين أزرق لأن مروان بن الحكم الذى جلب هذا الماء أزرق العينين وصادف ظهور هذا الماء لوقت ولايته ؛ لذا أسموا الماء علين الأزرق وتسمية هذا الماء بهذا الاسم لا بأس به من قبيل تسميته الشىء باسم موجده.

وإن كان أهل المدينة قد حلّت مشكلة الماء بالنسبة لهم بعد أن جمعت المياه كلها فى عين واحدة هى عين الزرقاء إلا أن طرف عين الزرقاء لم تعمر لمدة طويلة وملأت السيول مجرى الماء بالرمال وخربته ، فأصبح الناس بدون ماء مرة أخرى. وبناء عليه احتاج أهل المدينة لتضحيات كثيرة لجلب الماء من وادى العقيق.

وعرض الأمر على السلطان سليمان فالتزم السلطان جانب إراحة أهالى المدينة بأى صورة كانت.

صدر الأمر السلطانى بذلك فعمرت طرق عين الزرقاء تعميرا جيدا وعمق مجراها القديم وطهر وهكذا أنقذ أهل المدينة من خطورة قلة الماء فى سنة (٩٣٢ ه‍) ولكن السيول المفزعة التى تظهر من حين لآخر والتى توقع أهالى الحرمين فى بحار الاضطراب خربت مرة أخرى مجرى عين الزرقاء فاشترى السلطان مراد خان فى سنة ٩٩٠ بئر غربال التى تزيد على عين الزرقاء بعشرة

أمثال وضمها إليها كما أن المهندس سليمان بك الذى أمر من قبل السلطان مصطفى بن السلطان محمد خان بتعمير مسجد السعادة فى سنة (١١١١) اشترى بئر العقد بأمر من السلطان وضمها لعين الزرقاء وطهر مجرى عين الزرقاء إلى وادى جرف. كما أن أمير الإسطبلات السلطانية مصطفى أغا عمر طرق المياه فى صورة منتظمة وذلك فى عهد السلطان مصطفى بن السلطان أحمد خان. وقد عرض أمر سكان المدينة الذين لن يتحملوا لمدة طويلة شح الماء على السلطان عبد المجيد ، ولما كان كل أمل السلطان ألا يتعرض أهل الحرمين الشريفين لأية مضايقة ، فأمر بتطهير المجرى المذكور فى صورة كاملة.

ورصد لهذا الخصوص مبالغ طائلة وعين الموظفين المخصوصين وأرسلهم إلى المدينة. ولما وصل هؤلاء الموظفون إلى المدينة المنورة عاينوا وتفقدوا مع السادات والأعيان مجرى العين وقرروا البدء فى تطهيرها من جهة بئر خاتم ، ولما كان فى هذه الجهة خمس عشرة حديقة فإذا ما طهر المجرى من هذه الجهة بناء على رأى سادات المدينة وأعيانها كان الأمر يقتضى قطع ما يقرب من مائة نخلة كثيرة الثمار وسيؤدى ذلك إلى خراب الحدائق وينتج عنه انقطاع الماء ما يقرب من ستة أشهر ، وهذا سيزعج الأهالى ويضرهم ، وعلى ذلك اعترض الموظفون على هذا الرأى واستصوبوا أن تتخذ بئر المرحوم على أغا الطويل وحفر مجرى جديدا بحيث لا يضر ذلك أحدا.

وأقنعوا بهذا الرأى عامة الأهالى وقرروا على أن يبدءوا فى الحفر بناء على النهج.

وهكذا أصبحت بئر على أغا الطويل المنبع الجديد لعين الزرقاء وكانت البئر داخل بستان يسمى عذق وتحت قبة خاصة.

وبناء على القرار المشروح شرع فى حفر المجرى يوم السبت السادس من ربيع الأول سنة ١٢٦٢ من بئر المرحوم عثمان أغا ووحدوا المجرى الذى حفروه ببئر خاتم التى فى بستان محمد باشا ومياه بئر الغربال التى فى داخل الرباط الذى أمام

مسجد قباء وبمياه بئر أهل القلعة وفتحوا طريقا فى غاية الوسع والعمق. وكانت فى طريق المجرى الجديد بعض أشجار النخيل فلم تقطع ولم تقع فحفروا تحتها بعض الأنفاق وبنيت عليها عقود رصينة ومتينة.

ووسع المجرى القديم الذى كان فى غاية الضيق قدر مرور شخصين أو ثلاثة بجانب بعض وصنعت على غاية من المتانة وأنهى العمل بدون أن يتضرر إنسان. فرطب جميع أهل المدينة ألسنتهم بالدعاء لوالد الخليفة كثير المحامد. وكانت المنافذ فى المجرى القديم لدخول المارين وخروجهم أقل مما يحتاج إليه ، ولما ثبت أن هذا كان سببا من أسباب خراب المجرى فأضاف الموظفون عشرة منافذ من بئر على أغا إلى البركة فبلغ عدد المنافذ إلى مائتين وعشرة ويطلق بين الأهالى على هذه المنافذ قصية ولكى لا يمتلئ المجرى بالرمال التى تجلبها السيول أحاطوا كل منفذ بجدار فى ارتفاع ذراع معمارى على طراز حافة البئر.

وفى المدينة غير مجرى عين الزرقاء مجرى آخر لرى البساتين بالماء ، ولما كان هذا المجرى أيضا بالغ الأهمية فقد طهر وعمق على القدر المطلوب.

وطول مجرى الماء العذب من بئر على أغا إلى باب القلعة ٥٠٥ ذراع معمارى ومن باب القلعة إلى مشرع البركة ٥٨٥٧ ذراع معمارى وطول مجرى الماء العذب الذى تسقى منه محلة الأغوات من البركة ٩٣٩ ذراع ومجرى الماء المر ٩٣٣ وطول مجرى الماء العذب من المناخة إلى باب السلام ٥٩٠ ذراع وطول مجرى الماء المر ٧٠٠ ذراع والمجرى المستقيم من مشرع البركة إلى المنبع القديم ٧٢٢٩ ذراع والمقنطرات لتقسيم المياه إلى الميلة الخالية من العمارة ٦٠٠ ذراع. وطول المجرى المحفور عامة ٢٣١٢٣ ذراع و ٧٢٩ ذراع من هذا المجرى الطويل حفر لسقى المساجد والآثار والمدارس.

والمجرى الذى ذكر طوله يحتوى على ٣٦ بركة وعينا وسبيلا عشرة منها فى مجرى محلة الأغوات. وأربعة منها فى مجرى باب السلام. واثنتان منها فى مجرى المناخة ، واثنتان فى مجرى القلعة ، وثلاث منها فى مجرى سيدنا على العرضى والباقى بالقرب من بركة مشرع.

وجعلوا السبل الموجودة فى المناخة وسبل أخرى فى القلعة خاصة من أجل النساء والمياه الزائدة التى تبقى من هذه السبل تجرى ناحية وادى جرف لرى حدائق النخيل التى فى تلك الجهات.

الأسبلة : فى المدينة ثمانية عشر سبيلا إضافة إلى مناهل عين الزرقاء ، وهى التى صنعها أصحاب البر والخيرات وهذه مواقع تلك الأسبلة :

١ ـ سبيل فى المناخة فى شارع العنبرية

٢ ـ سبيل بالقرب من منزل أمير آلاى أحمد بك

٣ ـ بجانب منزل سيد جعفر

٤ ـ بجانب مسجد مصلى (١)

٥ ـ بجانب مصلى الإمام المشروطة.

٦ ـ بجانب مركز شرطة الخالدية.

٧ ـ بجانب الباب المصرى (٢)

٨ ـ بجانب مركز شرطة باب الصغير

٩ ـ بجانب منزل ذى النون أغا

١٠ ـ بجانب بيت الخليفى

١١ ـ بجانب وكالة الشريف شدقمى

١٢ ـ بجانب الباب الشامى

١٣ ـ فى حارة حرازى

١٤ ـ تحت ميقاتى باب السلام

١٥ ـ فى ديار عشرة

١٦ ـ بجانب رباط العجم (٣)

١٧ ـ بجوار زاوية سمان

__________________

(١) هذا السبيل من أوقاف سليم أفندى الذى كان من رجال السلطان عبد المجيد.

(٢) وقف الأميرة عادلة.

(٣) من أوقاف الشهيد نور الدين.

١٨ ـ بجانب باب الرحمة

١٩ ـ بجانب باب الجمعة.

المياه المرة :

يقال على المياه المرة بين الأهالى العين السلطانى. ويأتى هذا الماء من قرية قباء ومن تحت مجرى عين الزرقاء إلى البلدة الطاهرة وبعد أن يطهر مع مياه المجارى والبالوعات التى حول حرم السعادة يتحد مع فائض مياه عين الزرقاء وتجرى نحو الحدائق ، ولعين السلطان منهل بجانب جبل ذباب وبالقرب من ساحة مسجد الراية التى يطلق عليها قرين التحتانى.

ومجرى هذا المنهل ينقسم إلى ثلاثة جداول فى الجهة القبلية وفى النقطة التى تتصل بمجرى أبو جيدة ويسقى أحد هذه الجداول حديقة الصدقة التى تصرف فيها شركة سيد علوى سقاف والثانى الأراضى التى تملكها شركة سيد هاشم جمل الليل والثالث البساتين التى فى الجهة الشامية من وادى ذباب.

وإن كانت هذه المياه كافية لدفع حاجات أهالى البلدة الطاهرة ، إلا أنها لا تقدر على سقى الحدائق التى أنبتت خارج السور تماما ، ومن جهة أن الأراضى التى تستصلح والحدائق تزيد يوما بعد يوم باطراد مع زيادة السكان فهيئت المياه المذكورة وخرجت إلى خارج المدينة وما زالت توصل ؛ ومن هنا فجميع المدينة المنورة نجت من الحاجة إلى المياه.

المياه التى فى الجهة القبلية من بلدة الرسول :

وإن لم يكن منبع العين الكبيرة معروفا إلا أن مبدأ مجراها بجانب حديقة تسمى مرجلين. وحديقة مرجلين وسط الربوة التى تصادف الطرف الشرقى فى سيل وادى رانوناء والذى يجرى من قرية قباء فى الجهة الغربية من ناحية بطحاء إن الأراضى التى فى الجهة القبلية من مهجر الرسول أكثرها صخرية ومواقعها المستوية كلها أشجار النخيل وبما أنه لا يمكن نقب وثقب هذه الحجارة والصخور بحفر جدول وإجرائه من بين أشجار النخيل فإنه لا يوجد فى هذه الجهة ماء غير

العين الكبيرة. ولأجل رى هذه البساتين فى فصل الصيف يعتمدون على آبار قباء وقربان. إلا أن المياه تتكاثر فى الشتاء ولا تمس الحاجة إلى الآبار. والحدائق التى زرعت وتزرع فى تلك الجهات تنبت العنب والرمان والليمون الحامض والحلو ، الموز ، والخوخ ، الكباد شمام الشجرة ، والتين الأفرنكى والأشجار المختلفة ومن الأزهار الورد والفل والحبق والأزهار الأخرى التى تزين الحدائق والبلح الذى تثمره نخيل هذه الأراضى يرجح على جميع أنواع البلح التى فى الجهات الأخرى. وسبب ذلك عذوبة مياه قرى قباء وقربان ، وإن كانت مياه قرية العوالى عذبة أيضا إلا أن أراضيها غير صالحة لإنبات الأشجار والأزهار وأراضى هذه الجهات صالحة لزراعة النخيل وشجرة النبق والحبوق المتنوعة وتبعد هذه القرى الثلاث عن المدينة خمسة أذرع وتستغنى أشجار النخيل التى تنبت هنا عن الرى وأكثر هذه الأشجار ملك عربان صيارين وجزء منها ملك أهالى المدينة.

يمضى عربان الصيارين الصيف فى هذه الحدائق وفى الساعة التى يأخذون فيها محاصيل البلح ينقلونها إلى بلادهم. وقد شغف الناس بزراعة النخيل فى أيامنا هذه فى هذه الجهات ، ولو استمروا على ذلك عاما أو عامين على زرع النخيل ، لاتصلت الحدائق بالسور الخارجى للمدينة.

أما إذا ما تحدثنا عن مياه الجهة الشرقية فنجد أن الجهة الشرقية للمدينة أرض صخرية ومن ثم يجرى ماء هناك إلا نهير وادى القناة ، ويسمى هذا النهير مسيل حمزة ومن مجراه يتشعب أحد عشر جدولا ، وبعض هذه الجداول جارية وبعضها الآخر نضب ماؤها وخربت مجاريها ، والنخيل الذى فى الحدائق إنما يسقى بماء المطر كالأشجار التى تنبت طبيعيا ، لأجل ذلك لا يستفيد أصحاب هذه الأراضى منها.

والأراضى التى بين الحرة الشرقية وسور المدينة لا تنبت زرعا ، وهى أرض سبخة ، وإن كانت فى الواقع فى هذه الجهة من المدينة أشجار مثمرة مثل أشجار

النخيل والسدر والرمان ، وهذه الأشجار فى ناحية باب الجمعة من السور وفى عدة حدائق.

والمسافة بين داخل السور والموقع الذى يطلق عليه «دشم» من الحرة الشرقية ألفا ذراع (١). والمياه التى فى ناحية الشام هى :

عين الأغوات :

وهذا الماء ملك أغوات الحجرة المعطرة ومن لهم حصص فيه ، وبعد أن يسقى حدائقهم يروى حدائق الأهالى التى بجانب جبل ذباب.

عين سيد هاشم :

هذا الماء على يسار الذاهبين من المدينة إلى بئر عثمان وفى الجهة الغربية من عين الأغوات وقد أجراه سيد هاشم جمل الليل وبعض الأهالى فى سنة ١٢٩٩ ه‍ ، وعين الأغوات من مجموع المياه التى أجريت فى تلك السنة.

عين الصدقة :

هذا الماء فى جزع الصدقة الواقع فى الجهة الشرقية من عين الأغوات وعين سيد هاشم وملك السيد علوى السقاف وشيخ الفراشين برى أفندى وكاف لسقى ألفين من أشجار النخيل الموجودة.

العين الجديدة :

هذه العين على بعد ربع ساعة فى الجهة الشامية من المياه المذكورة وإن كان صاحبها شيخ السادات العلوية سيد حسن بافقى أفندى والذين لهم حصص فيها. فامتلأ منبعها وجف ، مبدأ جريانه الذى فى حرة المستراح.

عين عامرة :

هذا الماء منسوب لشركة موسى أفندى وفى اتصال أراضى أصحاب العين

__________________

(١) «الذراع» فى طول أربع بوصات متوسطة ، «السرة» المسافة ما بين الأصبع الكبير والسبابة.

الجديدة. ويسقى حديقة السرائية وفى هذه الحديقة غير الرمان والتين ثلاثة آلاف نخلة.

عين الحازمية :

ماء الحازمية فى ناحية أراضى الحديقة التى ترويها عين عامرة. وفى الطرف الغربى منها. والحديقة التى يسقيها هذا الماء تشتمل على ألف وخمسمائة نخلة وملك السيد مدنى المنوفى وصاحب الحصص. ونصف هذه العين يسقى حدائق السيد مدنى وبنى على أيضا.

عين مصرع :

تروى هذه العين ألف نخلة ، ولما خرب مجراها قبل ثلاثين سنة انقطعت.

تلك العين المذكورة ماء قديم ما يقرب من خمسمائة عام كانت تسقى أراضى الشريف ورى التى أمام وادى القناة والتى تمتد على يمين ويسار الطريق الذى من المدينة إلى مشهد حمزة. وفى فترة ما اشترى معظم هذه الأراضى السيد عبد الواحد المدنى وأراد أن يشترى الباقى من شريكه بنى على. إلا أن بنى على لم يرضوا بيعها وحاولوا بأنفسهم أن يطهروا المجرى فلم يستطيعوا ؛ وقل الماء ، وتوفى السيد عبد الواحد فبيعت حصته من قبل ورثته إلى السيد مدنى. وأراد السيد المدنى أن يشترى الماء الذى أراد شراءه عبد الواحد من بنى على فلم يوفق فى ذلك. وترك مجرى عين مصرع التى لم يستطع بنو على تعميرها فى حالة متخربة وفتح الماء الذى يخصه مجرى آخر واشترى من أجل سقى أراضيه التى فى مصرع ثمانى وجبات من الماء من عين الحازمية ، واشترى بنو على ثلاث حصص ونصف حصة من الماء من عين الحازمية واضطروا لرى الأراضى التى يمتلكونها فى عين مصرى.

إن ما قام به السيد المدنى من محاولة غير لائقة أدت إلى جفاف نهير كان يجرى من خمسمائة عام.

عين شربونى :

هذا الماء فى سفوح جبل أحد الذى يقع فى الجهة الشامية من مسيل حمزة ، وبما أن مجراه قد خرب فانقطع ولم يبق فى الحديقة التى كان يسقيها إلا خمسون نخلة وشجرة سدر.

عين الثنايا :

يطلق على هذا الماء عين معاوية أيضا ، وهى فى الطرف الغربى لمسجد حمزة وهى تحت إدارة أبى السعود أفندى الداغستانى المفتى السابق وأصحاب الحصة فيها ، وتوجد فى الحديقة التى تسقيها غير الأشجار المثمرة المتعددة أربع آلاف نخلة.

عين السلامة :

هذه العين فى الطرف الغربى لعين الثنايا وتحت إدارة شركة أبى السعود أفندى ومجراها من أعظم مجارى مياه المدينة وأقواه وأسلمه وما تسقيه من الأراضى أجود محصولا من أراضى المواقع الأخرى ، وتسقى ما عدا أشجار التين والليمون ، والرمان ما يقرب من خمسة آلاف من أشجار النخيل.

عين غرابية :

هذا الماء فى غرب عين سلامة واسمه الآخر عين جنانية ، إلا أن مجراه خرب ولما كان ملاكها متخاصمين انقطعت العين عن الجريان. ولم يبق فى الحديقة التى كانت تمر منها إلا ألف وخمسمائة نخلة.

عين سيد عبد الله : وماء سيد عبد الله ، فى الطرف القبلى لعين غرابية وفوق مسيل الوادى وكان يمتلكها كاتب الخزينة النبوية المرحوم سيد عبد الله جعفر أفندى وتروى حديقة تحتوى على سبعمائة نخلة.

إخطار : تتجمع مياه أسبلة حمزة سبيل أبى جيدة وسبيل رانوناء ، وسبيل عقيق وتلتقى فى نقطة واحدة وتجرى معا فى مجرى واحد إلى وادى الغابة ، وأراضى العيون التى تسيل فيها مجتمعة قسمان :

١ ـ القسم الأول :

سفوح جبل أحد الشرقية ، والجهة التى يمتد إليها الوادى المذكور إلى موقع الحيدرية يقال لها الجزع الشرقى.

٢ ـ القسم الثانى :

الجهة الغربية من الوادى يطلق على هذه الجهة جزع الصادقية.

جزع الصادقية : من يريد أن يذهب إلى جزع الصادقية بطريق البركة إلى الصادقية ومن يريد أن يذهب إلى الحيدرية يدخل فى شارع الجزع الشرقى ، ويذهبون إلى الحيدرية من بين حدائق عين سلامة وعين غرابية. انتهى.

وما عدا الحدائق التى ذكرت أعلاه خمس وثلاثون حديقة أخرى تحتوى على ثلاث آلاف وخمسمائة نخلة مثلها من العيون والعيون التى انقطعت مياهها والتى ينتظر أن يجرى ماؤها فى خلال سنتين أو ثلاث والتى لم يغرس نخيلها خارج هذا الحساب. ولما كانت هذه العيون والحدائق على الجهات للأربعة لمدينة الرسول ، فإذا ما أبعدت عن المدينة مسافة خمس أو ست ساعات وسقيت بالعيون التى ما زالت جارية الحدائق التى انقطعت مياهها وأشجار النخيل المغروسة فيها كثيرة بحيث تحير العقول. وغير هذه الحدائق حدائق متعددة منتظمة فى الجهة الشامية خارج سور المدينة وبساتين إلا أنها تروى بمياه الآبار وإذا ما قورنت هذه الحدائق بالحدائق التى تروى بالمياه الجارية فهى أقل من القليل لأن الحدائق التى فى هذه الجهة من البلدة الطاهرة تروى وتسقى بالمياه الجارية أى من الجداول والعيون.

ولكن قد حفر كثير من الآبار حتى لا تترك الحدائق والبساتين دون ماء حينما يشح الماء فى العيون.

الحدائق القريبة من سور المدينة فى الجهة الشامية من البلدة المقدسة هى : الداودية ، حديقة ألزكى ، السبيل ، بضاعة ، بضيعة ، الطرناوية ، الفيروزية ، الزينية ، الدرويشية ، بئر حاء ، بئر حاء الصغيرة ، التوانيه ، الجودية ، الكاتبية ، السمانية ،

عبد الجليل برادة أفندى ، الروميه ولم يفصل بين السور والحدائق غير طريق واسع وقد اتصلت الجهة الشامية من هذه الحدائق حتى حصة الصدقة وشملها العمران. وفى كل حديقة قصور عظيمة مرتفعة والدواوين والأحواض التى تملأ بالدلاء وتنبت فيها ثمار وفواكه مثل البلح والعنب والرمان والتين والسدر وأشجار مثمرة أخرى. والقسم الأعظم من محاصيلها ملك أغوات حرم السعادة.

وإن كان فى الجهة الشرقية من المدينة المنورة كثير من حدائق النخيل والبساتين إلا أنها ليست جميلة مثل الحدائق القريبة من السور. ولكن فى الحدائق التى خارج باب قباء مبان ساحرة وإن كانت فى الجهة الشامية من المدينة ، نحو جبال الغابة فى طول خمسة وعشرين ألف ذراع من الأراضى إلا أن معظمها غير مزروع ، واستصلاح هذه الأراضى يحتاج إلى حفر آبار وإعداد عيون. وقد كثرت مجارى وقنوات الأنهار التى فى الجهة الشرقية والقبلية وإجراء العيون بحفر المجارى والجداول سيخرب مزروعات هاتين الجهتين وحدائقها ؛ لذلك فهذا غير جائز.

وإضافة إلى عين السيد علوى سقاف والسيد هاشم جمل الليل وعين الأغوات. المياه الجارية التى فى هذه الجهات تسير مجاريها عن طريق الجهة الشرقية من البقيع الشريف وتمر من وسط الحدائق وأشجار النخيل التى تنبت من نفسها نحو مسيل أبى جيد. ومنابع هذه المياه ، كما ذكرت آنفا فى مسيل حمزة ودويخلة ، ومنابع بعضها فى وادى جرف ؛ ولهذا فمياه عموم أنهارها مر ، وبما أن مياه جزع الصدقة من آبار وادى جرف فهى عذبة وصالحة لرى الأشجار وبئر عثمان بئر من آبار جرف.

وتروى مزارع الجهة الغربية من البلدة المسعودة وهى فى منتهى ذى الحليفة بمياه الآبار. لأنه لا توجد مياه جارية فى هذه الجهة منها. وإن كانت شركة سزنى قد أعدت عينا فى سنة ١٣٠١ ه‍ وبما أنها لم تغرس بعد أشجار النخيل فالحدائق التى على الجهات الأربعة لهذا الماء تروى بماء الآبار. ولما كانت هذه الآبار قليلة

وعميقة فيتم الحصول على مائها بعد مشقة شديدة. وفى الحرة الغربية على جانب مجرى سيل العقيق كثير من الآبار والمزارع يقال لها عنابس ، وعند ما ينزل من المدرج إلى وادى نقاء توجد بعض المزارع والحدائق ، الحديقة الكبيرة المتصلة بالجهة الشرقية للحرة تقع فى الجهة القبلية لمعسكر الجنود السلطانية. وكانت هذه الحديقة تتبع إلياس تاج الدين فباعها قبل عدة سنوات لعبد الله عرب الميمنى. وعلى الطرف القبلى من تلك الحديقة حديقة مغيسلة التى يمتلكها عمر زاهد أفندى. ومياه هاتين الحديقتين عذبة والمبانى التى فى داخلها فى غاية الرصانة والمتانة وغير ذلك فمغروساتها حسنة وآبارها غير عميقة قريبة المياه.

الوجهة الثامنة عشرة

تشتمل على أربع صور وتبين ما ينسب

إلى النبى صلى الله عليه وسلم

من الأوقاف الشريفة والمساجد التى بين الحرمين

والمساجد التى أدى فيها الصلاة فى أثناء الغزوات

فى ذكر ما ينسب

إلى النبى صلى الله عليه وسلم من صدقات

روى ابن شهاب أن جميع الصدقات النبوية تتكون مما ترك وتبرع مخيريق (١) من أحبار اليهود من الأموال ، وكان مخيريق المذكور من أصحاب الثروة والغنى وبما أنه أرباب العلوم العقلية والشرعية أعتقد بان النبى صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذى بشرت الكتب السماوية قدومه فرغب فى أن يسلم قبل جميع الناس. ولكنه لم يرد أن يحدث سوء تفاهم بينه وبين معاندى اليهود ، فلم يظهر شعائر الإسلام ، ولما ظهرت شرارة غزوة أحد وشرع النبى صلى الله عليه وسلم فى الحرب ، فجمع مخيريق أعيان طوائف اليهود ورؤساءهم وألقى خطبة مؤثرة إذ قال لهم : «بناء على أحكام الكتب المنزلة فمحمد ـ عليه وعلى آله صلوات الله الأمجد ـ الموجود الآن فى ساحة المعركة نبى آخر الزمان ، وحسب الديانة لنذهب حتى نعينه ولما قوبل بجواب خلاف أفكاره المخلصة قال إن هذا اليوم هو اليوم الذى ينبغى أن نظاهره فيه ونفدى فى سبيله بأرواحنا» وانطلق إلى حومة الوغى.

وأعلن إسلامه أمام النبى صلى الله عليه وسلم وقال إذا ما نلت الشهادة أرجوك أن تقبل جميع ما أمتلكه من أموال!!! ثم دخل فى الحرب وبعدما قتل بعض الأعداء نال الشهادة ونال ثناء النبى صلى الله عليه وسلم عليه إذ قال : «مخيريق خير اليهود».

وروى عبد العزيز بن عمران أن مخيريق من بقايا يهود بنى قينقاع.

كما روى الإمام الواقدى بأنه من أخيار أحبار يهود بنى النضير.

وقال الإمام الذهبى بما أنه صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهو من جملة الصحابة الكرام.

قال الإمام الواقدى : ظل مخيريق على اليهودية ولم يسلم وتوفى فى معركة

__________________

(١) انظر : الإصابة ٦ / ٧٣ ، الدرر ص ١٥١. الطبرى ٢ / ٥٣١ ابن هشام ٣ / ٢٩.

أحد ، ودفن فى مقبرة المسلمين ولكن لم يصل عليه وادعى بهذا القول عدم إيمان مخيريق ، ولكن ابن شهاب فند قول الواقدى هذا وقال : «كان مخيريق ترك جميع ما يملكه إلى النبى صلى الله عليه وسلم وأهداه له واستشهاده فى معركة أحد باعث لقول النبى صلى الله عليه وسلم «مخيريق سابق اليهود ، وسلمان سابق الفرس ، وبلال سابق الحبشة».

وإذا ما نظرنا إلى ما يفيد الحديث الشريف الذى يصرح بإسلام مخيريق يلزم أن نحكم أن الإمام الواقدى أخطأ فى قوله هذا».

والذى عرض مخيريق للنبى صلى الله عليه وسلم سبعة أموال :

١ ـ دلال

٢ ـ برقة

٣ ـ أعواف

٤ ـ صافية

٥ ـ ميثب

٦ ـ حسنى

٧ ـ مشربة أم إبراهيم (١).

وهى سبع مزارع ، فأوقف النبى صلى الله عليه وسلم ـ جامع مكارم الأخلاق ـ الأموال السبعة كلها.

وأربع من المزارع السبع وهى صافية ، برقة ، دلال ، ميثب ، فى مكان يسمى عالية خلف قصر مروان بن الحكم وهى متقاربة بعضها من بعض ومتجاورة وكان يسقى بالماء الذى يمر من وادى مهزور ، وفى عصرنا يطلق على مزرعة صافية ، زهيرة وهى فى الطرف الشرقى للمدينة المنورة ، وما زالت برقة حديقة معروفة بهذا الاسم فى الجهة القبلية لزهيرة وحديقة دلال التى وقفت لمدرسة الشهابية بجانب حديقة برقة. وهذه الحدائق الثلاث متصلة بعضها ببعض ومن المحتمل أن حديقة مثيب أيضا بالقرب من هذه الحدائق أو متصلة بها. ولكن فى زماننا هذا ليس هناك شخص يعرف مكانها.

__________________

(١) تقال لفظة مشربة على البيت العالى.

ومشربة أم إبراهيم بجانب مسجد المشربة كما بين فى فصل المساجد وحسنى فى ناحية قف وكانت تسقى بماء وادى مهزور.

والحديقة المسماة بحسينات بالقرب من جزع دلال وقريبة من ماجشونية. يظهر أنها مكان عرصات مشربة وحسنا. ومزرعة أعواف فى محل يسمى ببئر أعواف وهذه أيضا تسقى بماء وادى مهزور. وعلى هذا التقدير فالأموال السبعة كلها موجودة ولكن تغيرت أسماؤها مع مرور الزمان.

والمزارع التى عرفت أماكنها من مزارع الصدقة انتقلت كلها من مخيريق وهذا معروف لدى أئمة السير. إلا أن المؤرخين اختلفوا فى تعريف الصدقات النبوية فقال بعضهم. الصدقات النبوية من أموال بنى قريظة وبنى النضير. حتى إن مزرعة دلال كانت ملك امرأة من قبيلة بنى النضير وقد غرست أشجارها من قبل الصحابة بشرط أن تطلق سراح عبدها سلمان وتحرره.

وذهب بعضهم إلى أن الصحابة غرسوا أشجار مزرعتى برقة ومثيب للزبير بن باطاء القرظى لعتق سلمان الفارسى ـ رضى الله عنه ـ وأن مزرعة أعواف كانت ملك امرأة تسمى خناقة من بنى قريظة.

وقد أنعم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأموال بنى قريظة وبنى النضير وأهل فدك التى فتحت وأخذت بدون حرب قال الله تعالى :

(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) (الأنفال) (الحشر : ٧)

وقسم النبى صلى الله عليه وسلم أكثر أموال بنى النضير للمهاجرين وأخذ لنفسه مزارع مخيريق السبع. ثم انتقلت هذه المزارع السبع إلى أيادى بنى فاطمة لأن السيدة فاطمة رضى الله عنها ـ ذهبت إلى أبى بكر الصديق فى عهد خلافته وطلبت الأموال

المذكورة نصيب الرسول صلى الله عليه وسلم من غنائم فدك وخيبر إلا أن أبا بكر الصديق رفض إعطاءها محتكما إلى الحديث الشريف «نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه صدقة»

إلا أن على بن أبى طالب وعمه عباس ـ رضى الله عنهما ـ طالبا بالأموال المذكورة من عمر الفاروق فى عهد خلافته ، فاتفق الخليفة معهم على إعطائهما أموال مخيريق السبعة دون حدائق فدك وخيبر قائلا : «يجب عليكم أن تديروا أمر هذه المزارع السبع كما أدارها النبى صلى الله عليه وسلم وخليفته أبا بكر» وأعطاهما هذه الأموال بشرط توليه إدارتها. وإن كان بعض المؤرخين يدعون أن السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ قد غضبت من أبى بكر الصديق فى هذا الخصوص إلا أن رأى أبى بكر الصديق كان إدارة الصدقات النبوية من قبل خلفاء النبى ورأى عمر كان أن يتولى إدارتها العباس بن عبد المطلب مع على بن أبى طالب. وبناء على هذا عندما سمح عمر بن الخطاب لعباس بن عبد المطلب وعلى بن أبى طالب تولى إدارة الصدقات النبوية اتفق معهما على أن تدار بناء على الشروط المشروحة.

وتولى إدارة الصدقات السبعة بعد سيدنا على بن أبى طالب الحسن بن على وبعده أخوه الحسين بن على وبعده على بن الحسين والحسن بن الحسين ، ولما تولى بنو عباس عرش الخلافة والحكم أخذوا إدارة الصدقات من أيدى أبناء فاطمة وتصرفوا فيها كما يشاءون وأسندوا إدارتها لمن يريدون وأخذوا يوزعون محاصيلها لفقراء المدينة المنورة.

واضحة : يروى بعض المؤرخين أن السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ غضبت من أبى بكر الصديق كما ذكر آنفا ولكن ليس لهذا الموضوع أصل ولا أساس وكانت المشار اليها عقب وفاة النبى صلى الله عليه وسلم قد قالت لأبى بكر الصديق مخاطبة كان النبى صلى الله عليه وسلم أنعم على فى حياته بحدائق نخيل فدك.

ويعرف هذا زوجى على وأم أيمن وإذا اقتضى الأمر يشهدان بذلك. وبناء على ذلك أطلب أن تكون لى النظارة على ذلك النخيل. فإذا أثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم

قد وهب لك نخيل فدك وملكك لا أتردد فى إحالة نظارتها عليك. فقال لها ما معناه : وأنت تعرفين جيدا أنه إذا كانت شاهدة دعوة من الإناث ، فإنه بمقتضى شريعتنا أن شهادة امرأتين تقوم مقام شهادة رجل واحد ومن هنا يلزم أن تأتى شاهدة أخرى مع أم أيمن.

ولما رأت هذه الإجابة الصحيحة تنازلت عن القضية. وما يقوله المؤرخون بأن السيدة فاطمة غضبت من أبى بكر جراء هذه الواقعة. لا يصح لأنه لم يظهر بين المشار إليهما أى نزاع يوجب أن يغضب أحدهما الآخر ؛ لأن الصديق ـ رضى الله عنه ـ لم يقل قولا خارج الشريعة الغراء حتى يغضب فاطمة ولم يظهر فى حقها أقل شىء يسئ إليها ويزعجها.

وطالب على ابن أبى طالب بحدائق النخيل تلك فى خلافة عمر بن الخطاب وأرضاه بدرجة ما. إلا أن العباس بن عبد المطلب بين استحقاقه لتلك الحدائق وأنه يستحق كذلك حدائق نخيل فدك وحدائق خيبر وأطال القول فى هذا الموضوع وأوصل الموضوع إلى درجة الخصومة ومن هنا طالب على بن أبى طالب عمر الفاروق بأن لا يعطى لأى واحد منهما حتى لا يكون الموضوع باعثا على الخصومة. وظلت المسألة مسكوتا عنها إلى عهد عمر بن عبد العزيز. ولما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة أظهر تعظيمه وحرمته لآل النبى صلى الله عليه وسلم بأن سلم نخيل فدك لأولاد فاطمة. إلا أن تلك الحدائق قد استردت فيما بعد وهكذا أوذى أحفاد النبى مرة أخرى وأهينوا وكان عمر بن عبد العزيز قد أسعد بنى فاطمة وجبر خاطرهم بأمر واليه فى المدينة فى أوائل جلوسه على عرش الخلافة بأن ملك نخيل فدك لأبناء على بن أبى طالب ولآل النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن يزيد بن عبد الملك الذى تولى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز استرد نخيل فدك وترك آل بيت الكرام فى براثن العوز والحاجة إلى أن رد السفاح العباسى فى أثناء جلوسه على عرش الخلافة تلك الحدائق إلى أبى الحسن بن الحسن بن على ـ رضى الله عنهم فأجبر خاطرهم. وإن كان أبو جعفر المنصور أهان أهل البيت وجفاهم واسترد منهم حديقة فدك وترك شجرة سعى السفاح دون الثمار. ولكن عندما جلس

المهدى على كرسى الخلافة استهجن عمل والده ورد نخيل فدك إلى أحفاد على بن أبى طالب وأسعدهم ولكن موسى الهادى أخذه منهم وترك المشار إليهم فى حالة حزن وألم وأصبح أخذ نخيل فدك من أبناء فاطمة وإعطائها لهم عادة بين الخلفاء ، وقد تحمل العلويون هذه الحقارة إلى عهد المأمون العباسى المصون من الظلم ، ولكنهم بعثوا فى عهده رسولا وطالبوا الخليفة بنخيل فدك للعلويين بالشرط المذكور سابقا. وبينوا أنه غير قابل بعد ذلك للاسترداد. وذلك فى سنة (٢١٢ ه‍) واستهجن أسافل الناس موقف المأمون وأنشدوا البيت الآتى فى معرض الاستهزاء.

البيت العربى

أصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مأمون هاشم فدكا

وفى رواية أخرى أن معاوية بن أبى سفيان أقطع نخيل فدك لمروان بن الحكم.

كما أن ابن الحكم وهب نصفه لعبد العزيز وعبد الملك. ولما جلس عمر بن عبد العزيز على عرش الخلافة وهب حصته والحصص الأخرى لبنى فاطمة وملكهم.

وعلى رواية أن عثمان بن عفان هو الذى ترك وأقطع فدك لمروان بن الحكم. ولكن الرواية الأولى أقوى من الرواية الثانية.

فى ذكر المساجد النبوية التى بين الحرمين

إخطار :

ليس بخاف أن تلك المساجد تقع فى طريق النبى الذى سلكه من المدينة إلى مكة المكرمة. فهذا الطريق معروف باسم طريق الأنبياء وهذا الطريق يتفرع من الروحاء ومسجد غزالة ويتجه نحو قريتى خيف والصفراء ومن هناك يمر إلى مكة المكرمة. وإن كان هذا الطريق أقصر الطرق إلا أن قوافل الحجاج لا تسلك هذا الطريق منذ فترة وبظهور بعض الموانع ترك الحجاج السير فى ذلك الطريق الملئ بالفيض والبركة. والآن يمرون من شارع الروحاء ومضيق جديدة وأحيانا أخرى يمرون بالصفراء ومن محل قريب من ساحة معركة بدر الكبرى ، ويقال لهذا الطريق السلطانى ، والذين يسلكون الطريق السلطانى يحرمون من زيارة المساجد التى سيأتى ذكرها إلا أنه فى السنين الآمنة تسلك الحجاج الطريق الذى فيه المساجد المذكورة ، وغرضنا هو أن نذكر ونبين المساجد النبوية المأثورة وبيان المواقع التى صلى فيها الرسول صلى الله عليه وسلم وبهذا نكون قد خدمنا العالم الإسلامى ؛ فإذا ما ذكرنا وعرفنا طريق الحرمين فقط فلا نكون قد تبركنا بذكر المساجد النبوية وهذا ما نقصد إليه. ومع ذلك ستعرف طرق القوافل التى يسلكها الحجاج فى ذهابهم وإيابهم إلى الحرمين فى صورة خاصة. انتهى.

١ ـ مسجد الشجرة :

اسم هذا المسجد الآخر مسجد ذى الخليفة ويقع فى ميقات المدينة المنورة وبجانب شجرة يطلق عليها سمرة من جيش (١) أمّ غيلان ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما حج أو اعتمر يصلى تحت هذه الشجرة ثم يلبى حيث الجمال ويقضى ليله فى ذلك المكان ؛ ومبانى هذا المسجد المقدس كبيرة جدا وله بعض العقود فى جهته

__________________

(١) الجيش : نبات له قضبان طوال خضر. اللسان (جيش) وأم غيلان : شجر السّمر. اللسان (غيل).

القبلية وله فى الجهة الغربية الشمالية مئذنة. وقد خرب بمرور الأيام واندرس أساسه ، فجدده زين الدين الاستدارى المصرى فى سنة ٨٦١ ه‍ وبنى حوله سورا كما صنع للآبار التى بجواره سلالم لكل واحدة منها. وجهات ذلك المسجد الأربعة السطحية من الداخل اثنين وخمسين ذراعا. ومازال عامرا إلى الآن. ولما كان مرويا أن النبى صلى الله عليه وسلم قد صلى على ساحة مسجد الشجرة فى الجهة القبلية بنى عمر بن عبد العزيز على ذلك المكان مسجدا صغيرا.

٢ ـ مسجد المعرس :

إن مسجد المعرس اللطيف اسم المسجد الذى بناه عمر بن عبد العزيز فى ذى الحليفة ويحرم الحجاج الكرام فى مسجد الشجرة. وبين هذين المسجدين مسافة مرمى السهم ، فخربت السيول التى نزلت مسجد المعرس وملأت ساحته بالرمل فمكانه مجهول الآن.

كان النبى صلى الله عليه وسلم ، كما سبق ذكره أعلاه ، عندما يسافر إلى مكة المكرمة للحج والعمرة كان يصلى تحت تلك الشجرة التى بنى مكانها الآن المسجد ، وعند عودته يبيت فى ساحة بطن الوادى الرملية ويستريح حتى الصباح ، وفى ليلة عندما كان فى بطن الوادى قد نال شرف خطابه فى رؤياه أنك فى بطن البطحاء الآن وكان ذلك الوادى السعيد وادى العقيق وكان قضى ليلة بجانب ذلك الوادى.

وكلما كان عبد الله بن عمر رضى الله عنهما يحج اعتاد أن يقضى ليلة حيث قضى النبى صلى الله عليه وسلم ليله وذلك المكان المقدس بين الطريق المشهور المذكور وبطن الوادى.

٣ ـ مسجد شرف الروحاء :

يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم أدى الصلاة فى مسجد شرف الروحاء ، ولما كان المسجد المذكور قريبا جدا من مكان شرف الروحاء فسمى بمسجد شرف الروحاء وهو مسجد صغير فى غاية الصغر. وبناء على الرواية التى تنقل عن عبد الله بن عمر أن ذلك المسجد الصغير يظل على يمين الذاهبين إلى مكة المكرمة وعلى مرمى

حجر من المسجد الكبير الذى يسمى مسجد الروحاء. والمسافة من مسجد شرف الروحاء إلى موقع السيالة ميلان ، ومن مسجد الروحاء إلى موقع السيالة أحد عشر ميلا ومن السيالة إلى ملل حيث سكن حسين بن على ـ رضى الله عنهما ـ وبعض القرشيين سبعة أميال.

وفى موقع ملل عدة آبار إلا أن مياه هذه الآبار ليست عذبة مثل بئر السويقة التى تبعد مسافة ميل واحد. وبئر سويقة ملك عبد الله بن الحسن ـ رضى الله عنهما ـ ولكنها انتقلت فيما بعد لأيدى الأعداء.

وشرف الروحاء فى نهاية حدود الوادى الذى يسمى سيالة. وقريب من المسجد الذى عرفناه وما بين شرف الروحاء والسيالة مفصول بمكان يسمى صخيرات اليمام ولأجل ذلك من يهبط من موقع ملل ويدور نحو اليسار ويستقبل القبلة يكون قد دخل فى سيالة.

وبجانب مسجد شرف الروحاء مقبرة تشتهر بأنها مقبرة أهل سيالة ويروى أن هذه المقبرة مقبرة أهل بيت رسول الله الذين استشهدوا غدرا وهم يقيمون بجانب بئر سويقة. والذين ينزلون من مسجد شرف الروحاء إلى وادى الروحاء مستقبلين القبلة يدخلون وادى بنى سالم وقوم بنى سالم قبيلة من جماعة بنى حرب.

٤ ـ مسجد عرق الظبية :

يقع هذا المسجد على بعد ميلين من الروحاء. قد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان صلاة الفجر. وهنا تذاكر مع أصحابه التدابير العسكرية لغزوة أحد وتفضل قائلا : هذا الجبل جبل من جبال الجنة فليباركه الله لنا ولأهله ، وهذا الجبل يلطف جو الروحاء وهذا الوادى من وديان الجنة ، قد صلى فى هذا المكان سبعون ألفا من الأنبياء.

والذين يريدون أن يعثروا على المكان الذى صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم بنى عليه المسجد ، ليصلوا فيه يجب أن ينزلوا إلى الروحاء ويتوجهوا إلى الجهة

القبلية وعند الوصول إلى محاذاة طريق الجبل الذى على الجهة اليسرى يستدار إلى الجهة الغربية ويسار إلى سفح الجبل ؛ لأن المسجد الشريف على يمين ذلك الجبل.

وأول ما يصادفه الذين وصلوا إلى سفح الجبل هو موقع المسجد الشريف. وإن كانت أبنيته خربة مندرسة ولكن من الممكن التشرف برؤية موقعه اللطيف.

٥ ـ مسجد الروحاء :

هذا المسجد بجانب بئر الروحاء فى وادى الروحاء. وعندما ذهب النبى صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر قام من موقع عرق الظبية ووصل إلى الروحاء فى يوم الأربعاء وكان نصف شهر رمضان فاستراح قليلا وصلى. وكانت آبار عدة فى وادى الروحاء فى ذلك الوقت. ثم انهارت كلها وامتلأت بالرمل ولم تبق سوى بئر الروحاء وخرائب تلك الآبار.

٦ ـ مسجد المنصرف :

يسمى كذلك مسجد الغزالة ويقع أسفل الجبل الكائن فى نهاية وادى الروحاء وبينه وبين الروحاء ثلاثة أميال. ويظل على يسار من يذهبون إلى مكة المعظمة وكان عبد الله بن عمر لا يصلى فى داخل هذا المسجد بل يستدبر مسجد المنصرف ويستقبل مكانا يسمى عرق ويصلى وكان يقول إن النبى صلى الله عليه وسلم صلّى فى هذا المكان ، وكان فى عهد عبد الله بن عمر بجانب ساحة المسجد المذكور شجرة مغيلان كان يصلى المشار إليه تحت هذه الشجرة ثم يسكب الماء الباقى لجذور تلك الشجرة ويقول : هكذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم. ويدور حول الشجرة ويكمل السقى. ولكن لشدة الأسف فقوافل الحجاج تركوا هذا الطريق ولم يبق لمسجد المنصرف حتى الأسس.

٧ ـ مسجد الرويثة :

يقع فى الجهة اليمنى للطريق القريب من قرية رويثة. وقد نزل النبى صلى الله عليه وسلم هناك وصلى فى ظل سرخة ضخمة ، وبين قرية رويثة والروحاء ثلاثة عشر ميلا ، وعلى قول ستة عشر ميلا ، ويقع فى جهة مكة ومقابل جبل الحمراء وفيه حياض عديدة وآبار كثيرة وهواؤه جيد طيب.

٨ ـ مسجد ثنية ركوبة :

ويقع على الجهة اليمنى من ثنية العابر عقبة عرض عرج وبعيد عن عرج بثلاثة أميال ، وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان حيث بنى مسجدا.

٩ ـ مسجد الإثابة :

مسجد الإثابة على بعد من موقع عرج بميلين فى جهة المدينة.

قد صلى صلى الله عليه وسلم ركعتين بجانب بئر إثابة والبئر التى يطلق عليها الإثابة على بعد ميل من موقع عرج المذكور من ناحية مكة المكرمة. وفى مكان اسمه بدارج وبما أن الحدود الحجازية تنقطع قبل النزول فى هذا الوادى فبئر الإثابة فى نقطة انتهاء الحدود الحجازية.

١٠ ـ مسجد الغرس :

هذا المسجد على بعد ميل من مسجد الإثابة فى جهة مكة المكرمة ، قد أدى الرسول صلى الله عليه وسلم على ساحة ذلك المسجد الصلاة ونام فيها بالضحى.

١١ ـ مسجد طرف تلعة :

مسجد تلعة على جهة مكة وعلى بعد خمسة أميال أو ثلاثة من مسجد عرج يروى وجود مسجد آخر فى ساحة تلعة يسمى هضيبة إلا أنه من المحتمل أن يكون ذلك المسجد مسجد العرج.

وإن كان على جهة ما لمسجد تلعة عدة قبور محاطة بسور من جهاتها الأربعة. إلا أنه لا يعرف أصحاب هذه القبور.

١٢ ـ مسجد حى جمل :

هذا المسجد بجانب قرية بئر طلوب البعيد عن مسجد عرج بأحد عشر ميلا. والمسافة من بئر طلوب إلى قاحة خمسة أميال ومن هناك إلى مسجد سقيا ميل واحد وماء بئر طلوب ثقيل وغير لطيف. وقد احتجم الرسول فى هذا الموضع وهو محرم وفى قول آخر إنه احتجم فى وادى قاحة. قال بعض المؤرخين إن حى الجمل اسم ماء يقع بين السقيا والأبواء وهذا يؤيد قول القاضى عياض فى حق حى الجمل الذى يبعد عن السقيا سبعة أميال. يطلق حى الجمل على عقبة الجحفة.

١٣ ـ مسجد السّقيا :

يقع على جانب الجبل الكائن فى سقيا. وبجانب بئر عذبة الماء.

١٤ ـ مسجد مدلجة تعهن :

هذا المسجد على بعد ثلاثة أميال من بئر السقيا فى جهة مكة. وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم على ساحته ثم بنى عليها مسجدا.

١٥ ـ مسجد الرمادة :

مسجد الرمادة على بعد ميلين من أبيار على بعد أحد عشر ميلا من المدينة والسقيا من جهة مكة. وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان أيضا.

١٦ ـ مسجد الأبواء :

أبواء قرية لطيفة حيث آبار عديدة وحدائق كثيرة والمسجد فى وسط هذه القرية. وقد أدى النبى صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه أيضا.

١٧ ـ مسجد البيضة :

يقع على بعد خمسة أميال من قرية أبواء ، ناحية مكة وصلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم.

١٨ ـ مسجد عقبة الهرشى :

يقع بالقرب من عقبة الهرشى التى تبعد عن أبواء ستة أميال ، تقع عقبة الهرشى على بعد ميل من العلامة التى توضح أن هذا المكان هو منتصف الطريق بين المدينة المنورة ومكة المعظمة. وقد نزل النبى صلى الله عليه وسلم بجانب الأشجار التى على حافة المسيل الذى فى الجهة اليسرى من الطريق الذى أمام عقبة الهرشى. ويقع المسيل المذكور على ربوة الهرشى وبينهما وبين منتصف الطريق المذكور كان عبد الله بن عمر يصلى تحت أقرب الأشجار إلى الطريق.

١٩ ـ مسجد الجحفة :

فى الموقع اللطيف المسمى بجحفة ثلاثة مساجد شريفة. وأحد هذه المساجد أمام الجحفة والآخران بجانب العلمين يقال لها مسجد الأئمة ويطلق على المسجد الذى أمام الجحفة مسجد غورت وأحد المساجد الثلاثة على بعد ثلاثة أميال أو أربعة من الجحفة وعلى يسار الطريق على حافة المسيل يطلق على هذا المسجد غدير الخم أيضا. وبناء على تعريف القاضى عياض أن غدير الخم اسم تربة كبيرة وهناك نهير صغير يصب فى هذه البركة ومسجد غدير الخم فى وسط هذا النهير والبركة سابقة الذكر ؛ لذا سمى المسجد مسجد غدير الخم.

وقد نزل النبى صلى الله عليه وسلم على حافة تلك البركة وصلى صلاة الظهر فى ظل شجرة ، وأمسك على بن أبى طالب من يده وقال : اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه.

٢٠ ـ مسجد القديد :

معبد القديد اللطيف على مسافة ثلاثة أميال من موقع القديد المشهور. كانت ساحته مكان خيمة أم معبد. ومناة التى كان يعبدها عرب الجاهلية كانت منصوبة على يمين المحل المذكور وفى مكان مرتفع.

٢١ ـ مسجد حرة :

على قمة عقبة خليص والمسافة بين مسجد حرة وعقبة خليص ثلاثة أميال.

٢٢ ـ مسجد خليص :

يقع على جانب ماء ابن ربيع وعلى جوانبه حوض مملوء بالماء وبركة وكثير من حدائق النخيل.

٢٣ ـ مسجد بطن مر الظهران :

كان مسجد بطن مر الظهران فى واد بطن مر الظهران الذى يبعد عن مكة المكرمة سبعة عشر ميلا. وإن كانت أبنيته انهارت وخربت ولم يبق أثر يستطيع الرائى أن يقول هنا كانت خرابة مسجد إلا أنه لما كان معروفا بالتحقيق أنه كان بجانب الحوض الذى يملؤه نهير العقيق ، لذا يصلى الزوار بجانب هذا الحوض متبركين.

وليس ببعيد أن يكون مسجد الفتح المؤسس على حافة مجرى نهير العقيق الذى على يسار الذاهبين إلى مكة من المدينة وفى المحلة التى يطلق عليها جموم من مر الظهران.

لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان قد نزل على ساحل مجرى النهير المذكور.

والمحل الذى يطلق عليه جموم فى داخل وادى مر الظهران.

٢٤ ـ مسجد سرف :

يقع مسجد سرف على بعد ثلاثة أميال من المسجد الذى ينسب إلى روح النبى صلى الله عليه وسلم عائشة ـ رضى الله عنها ـ حيث يلبس ملابس الإحرام وفى جهة وادى فاطمة. والسيدة ميمونة ـ رضى الله عنها ـ من زوجات النبى صلى الله عليه وسلم مدفونة بجانب ذلك المسجد وبنى ضريحها بأمر النبى صلى الله عليه وسلم.

٢٥ ـ مسجد التنعيم :

يقع هذا المسجد فى ساحة وادى نعمان وعلى ثلاثة أميال من ضريح ميمونة رضى الله عنها ـ من جهة مكة المكرمة ، وعلى الجهة اليسرى منه جبل ناعم وعلى الجهة اليمنى جبل نعيم ويقال للمسجد التنعيم مسجد هليليجة أيضا.

ويروون أن هناك شجرة بجانبه ولكن اليوم لم يبق أى أثر من المسجد ولا من الشجرة.

٢٦ ـ مسجد ذى طوى :

هذا المسجد اللطيف ما بين حجونى مكة والموقع الذى يقال له ما بين الثنيتين ، أى فى الموقع الذى ينصب فيه محمل مصر خيامه وقد قضى النبى صلى الله عليه وسلم ليلته فى سنة حجة الوداع على ساحة مسجد ذى طوى وبعد أن أدى صلاة الفجر فيها توجه إلى الكعبة المعظمة يطوفها عن طريق مقبرة المعلى.

فى تعريف المساجد التى توجد فى الطريق

الذى يسلكه الحجاج فى عصرنا ذاهبين راجعين

كلما ذهب النبى صلى الله عليه وسلم محرما بنية الحج إلى مكة المكرمة كان ينزل بجانب بئر شعبة بعد المرور بالجبال التى يطلق عليها جبال المضيق وفى موضع يطلق عليه دبّة مستعجلة حيث يشرب الماء. والمستعجلة اسم جبل مشهور بين الحرمين ، وبعد ما تمر قوافل الحجاج بوادى النازية متجهة إلى الصفراء تصعد على هذا الجبل. كان النبى صلى الله عليه وسلم ينزل بعد القيام من بئر شعبة فى شعب سير الذى يطلق عليه شعب كبث أيضا الذى يقع بين المستعجلة وقرية الصفراء ، وهذا المكان هو الموقع الذى وزعت فيه غنائم بدر الكبرى ولم ينقطع ماء بئره فى أى وقت من الأوقات. والدّبّة معناها كومة الرمل ، وكومة الرمل التى يطلق عليها دبة مستعجلة على بعد نصف فرسخ من جبل مستعجلة وبين جبلين. وبجانب دبة جبل مستعجلة حوض حيث ينزل حجاج القوافل فيستريحون والجبال التى تحيط بجانبى هذه الكومة يطلق عليها جبال المضيق :

١ ـ مسجد ذات أجدال :

وهذا المسجد اللطيف فى وادى الصفراء حيث يوجد مسجدان أيضا وهما جيزتان وذفران كان النبى صلى الله عليه وسلم صلّى فيهما. وذفران اسم مجرى النهير الذى يمر ويجرى فى قرية الصفراء. وكان النبى صلى الله عليه وسلم على جهة من هذا النهير وهو محرم ، وفى المكان الذى صلى فيه النبى صلى الله عليه وسلم بئر والبئر المحفورة صادفت المكان الذى سجد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولعله لهذا السبب أن ماء هذا البئر ألطف ماء وأخفه من مياه جميع الآبار التى فى تلك الناحية. وفى عصرنا هذا ذفران اسم الوادى الذى

يمر منه قبل الوصول إلى الصفراء والاسم الآخر لوادى يسيرة ، ومياه السيل التى تتكون فى هذا الوادى تجرى من الجهة الغربية من وادى الصفراء.

والقافلة المصرية تنفصل من هنا عند عودتها وتذهب إلى ينبع. وعند انصرافها تتجه ناحية اليمين سالكة الطريق ثم تنزل إلى قرية الصفراء التى ظلت فى الجهة اليسرى ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد عاد من هذا الطريق بعد غزوة بدر ، وهناك مسجد آخر على يسار من يذهبون إلى ينبع البحر مسجد مبارك آخر يزوره زوار سيد الأبرار بنيّة زيارة مسجد ذفران ، ويرى محل آخر مرتفع عن الطريق قليلا فى المحل الذى يطلق عليه الرابية بناء على أن هناك مسجد مأثور ، وبما أن جميع هذه المساجد فى حدود قرية الصفراء فجوانب كل واحد منها مزينة ومعمورة بالبيوت والمحال.

وقبر عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب من جرحى بدر الكبرى فى داخل قرية الصفراء وبجانب المسجد الذى ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وقال بعض المؤرخين إن قبر عبدة ابن الحرث بجانب مسجد ذفران والآخرون فى وادى النازية.

وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم فى ثنية المبرك أيضا. ويقع هذا المحل المقدس فى الجهة الغربية على يسار طريق الصفراء إلى الجهة اليسرى عندما تتجه من المدينة إلى ينبع البحر والمسافة بين المسجد المبارك ومنزل دعان خمسة أميال وعلى رأى ستة أميال.

٢ ـ مسجد بدر :

ساحة هذا المسجد اللطيف المقدسة موضع العريشة التى صنعت من أجل النبى صلى الله عليه وسلم فى ملحمة بدر الكبرى. واليوم بجانب حديقة النخيل ، وعلى الجهة القبلية من المسجد اللطيف الذى يطلق عليه الأهالى مسجد النصر وكان هنا بئر أيضا ، وقد خربت مبانى مسجد النصر ولم يبق حتى أثر لأساسه ولا يوجد الآن من يعرف ساحة ذلك المسجد أو بئر الماء.

٣ ـ مسجد العشيرة :

مسجد العشيرة فى داخل قرية بطن ينبع ينزل فى هذا المكان حجاج قافلة مصر كان الناس يروون أن بجانب ذلك المسجد عين جارية تسمى بولا ولكن اسمها تغير الآن.

٤ ـ مسجد الفرع :

هذا المسجد فى طريق مكة المكرمة وممر مسافرى المدينة المنورة قد نام النبى صلى الله عليه وسلم فى مكان يطلق عليه أكمة فى موقع الفرع ، وبعد النوم صلى فى مكان تحت أكمة صلاة الظهر وسار مستقبلا المحل الذى يطلق عليه الفرع. وعند ما وصل إلى مضيق الفرع نزل وصلى بجانب وديان برود وذات حماط (١) وكهف أعشار وكذلك فى مخرج ذات حماط الضيّقة (٢) صلوات منفصلة.

__________________

(١) ذات حماط اسم نهير يقع فى طرف وادى العقيق.

(٢) هذا هو الموضع الذى صلى فيه من كانوا فى غزوة بنى المصطلق.

فى ذكر المساجد التى صلى فيها

النبى صلى الله عليه وسلم فى غزواته

١ ـ مسجد عامرة :

يقع على مرحلة من المدينة من جهة خيبر كان النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان وهو فى طريقه

إلى غزوة خيبر.

٢ ـ مسجد صهباء :

تقع صهباء فى وادى روحه بين المدينة المنورة وخيبر. ومسجد فضيح (١) الذى حدث فى ساحته معجزة رد الشمس فى هذا الوادى.

٣ ـ مسجد منزلة :

هذا المعبد المبارك فى موضع قريب من خيبر يطلق عليه موضع الصخرة كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نام ليلا بجانب هذه الصخرة قدر ساعة وهو ذاهب إلى خيبر وصلى النوافل مدة ما ، ولما ركب ناقته وأراد أن يتقدم ، ترددت الناقة فى التقدم إلى الإمام حينئذ ، قال : اتركوا زمام الناقة فلتذهب حيث أمرت بالذهاب إليه وترك زمام الناقة ، وبناء عليه رجعت الناقة الأصيلة وذهبت إلى جانب الصخرة المذكورة وبركت فسطح ذلك المكان مؤخرا واتخذ مسجدا ، ومازال أهل خيبر يستمرون فى الصلاة فى هذا المكان معظمين متبركين.

وهناك مسجد آخر فى مكان يقال له «عوسنجة» بين الشّقّ ونطاة من قلاع خيبر المشهورة ويروون أن ساحته كانت مصلى للنبى صلى الله عليه وسلم.

__________________

(١) اسم آخر لمسجد صهباء.

٤ ـ مسجد شمران :

اسم مكان فى ناحية شمران سهم بنى البراز فمسجد شمران يقع على قمة جبل من الجبال الخيبرية.

٥ ـ مساجد تبوك :

يختلف المؤرخون فى تعيين عدد مساجد تبوك ، يقول البعض إنها ستة عشر والبعض الآخر يقول أنها عشرون والآخرون أكثر من هذا عددا ولكنهم لم يستطيعوا أن يحددوا أماكنها تماما ، والآن فى طريق تبوك عشرون مسجدا وأول هذه المساجد تبوك نفسها والعشرون مسجد ذى خشب.

وقد قرر متفقا أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى جميع هذه المساجد فى أثناء وقعة تبوك ، والمساجد التى عددها المؤرخون أن يبينوا مواقعها فمساجد تبوك هى المساجد الآتية التى سنذكر أسماءها.

مساجد تبوك :

١ ـ مسجد تبوك (١)

٢ ـ مسجد ثنية مدران (٢)

٣ ـ مسجد ذات الزراب (٣)

٤ ـ المسجد الأخضر (٤)

٥ ـ مسجد ذات الخطمى (٥)

٦ ـ مسجد بالى (٦)

٧ ـ مسجد تبرا (٧)

__________________

(١) الذى شيد هذا المسجد هو عمر بن عبد العزيز.

(٢) أمام تبوك.

(٣) بعيد عن تبوك مسافة مرحلتين.

(٤) أربع مراحل لتبوك.

(٥) خمس مراحل لتبوك.

(٦) يقال له مسجد بولا أيضا على خمس مراحل من تبوك

(٧) فى منتهى المكان الذى يعرف بكواكب وفى جانبه منزل (تبر).

٨ ـ مسجد شق تارا (١)

٩ ـ مسجد ذو الحليفة (٢)

١٠ ـ مسجد ذى الحليفة الآخر (٣)

١١ ـ مسجد شوشق

١٢ ـ مسجد الحوض (٤)

١٣ ـ مسجد حجر (٥)

١٤ ـ مسجد صعيد (٦)

١٥ ـ مسجد وادى القرى (٧)

١٦ ـ مسجد بنى عذرة (٨)

١٧ ـ مسجد الرقعة (٩)

١٨ ـ مسجد ذى المروة (١٠)

١٩ ـ مسجد فيفاء (١١)

٢٠ ـ مسجد ذى خشب. (١٢)

__________________

(١) فى منزل جويرة.

(٢) ليس هذا المكان ذى الحليفة حيث الميقات فهو ذو الحليفة أخرى إلا أن الجغرافيين لم يعطوا عنه معلومات كافية.

(٣) يقرأ البعض هذا المنزل بكسر خاء المعجمة والآخرون بفتحها وأتى بعضهم بدلا من الخاء المعجمة جيما مكسورة كما أتى بعضهم بحاء مفتوحة.

(٤) فى وسط محل يقال له حوض أو فى نهايته.

(٥) يعرف ابن زبالة هذا المسجد باسم علاء ولكن سواء أكان منزل حجر أو علاء فإنه فى داخل وادى القرى.

(٦) فى محل يقال له صغير قزح يقال له فى زماننا مسجد وادى القرى.

(٧) فى وادى القرى.

(٨) فى قرية بنى عذرة.

(٩) هذا المسجد فى مكان يسمى رقعة الثوب يروى أنه فى منزل رقمه بجوار قرية بنى عذرة أو سقيا.

(١٠) على مسافة ثمانية بريد من المدينة المنورة.

(١١) فى وادى يطلق عليه فيفاء محلتين وهو على بعد مسافة يوم من المدينة المنورة فى أسفله صخرة.

(١٢) على بعد مرحلة من المدينة وفى منزل يسمى بدومة.

وقد أدى النبى صلى الله عليه وسلم الصلوات فى غير هذه الأماكن مثل : فى وسط حديقة فى مزارع بنى أشجع وفى بطن نخلة من الحدود النجدية وقريب من هذه النخلة فى مكان يطلق عليه كديد (١) وفوق جبل من بلاد بنى أشجع.

٦ ـ مسجد الحديبية :

هذا المسجد فى القرب من قرية جدة بين جدة ومكة المكرمة فى مكان يطلق عليه حديبية وداخل الوادى القريب من منزل بلدح : والمسجد المذكور بالقرب من البئر المشهور باسم بئر شمس وبناء على ما نقل من أسانيد جيدة أن المصالحة التى عقدت بين المسلمين ومشركى قريش قد وقعت بجانب هذا المسجد كما أن بيعة الرضوان حدثت فى ساحة مسجد حديبية.

٧ ـ مسجد ذات عرق :

هذا المسجد على بعد ميلين ونصف ميل من مكان يسمى ذات عرق ساحته المقدسة محل إحرام وميقات لمكة المكرمة.

٨ ـ مسجد جعرانة :

معبد جعرانة اللطيف بجانب وادى جعرانة وفى مكان مرتفع ، بناه أحد أهل الخير من قريش وأنبتت بجانبه أشجار النخيل.

٩ ـ مسجد ليّهّ :

هذا المسجد الممتاز فى وادى ليه البعيد عن الطائف ثمانية أميال وبجانبه حجر وعلى الحجر بعض الخطوط أو ما يشبهها ويعتقد أهل الطائف أن هذه الخطوط آثار حوافر ناقة النبى الأصيلة ، ووقف النبى صلى الله عليه وسلم بجانب شجرة الذرة القريبة من المسجد وفى ناحية القرن الأسود واستقبل المحل الذى يقال له نخب ووقف جميع الذين كانوا بجانب النبى واستراحوا قليلا هذا مما يروى.

__________________

(١) ليس كديد الذى فى المحل الذى يسمى عفان.

١٠ ـ مسجد الطائف :

هذا المسجد هو المسجد الكبير الذى بنى على ساحة خيمتى السيدة عائشة (١) وأم سلمة رضى الله عنهما ـ اللتين نصبتا عند محاصرة بلدة الطائف وظل مكان الخيمتين المذكورتين فى مؤخرة المسجد ورفع فوقهما قبتان صغيرتان ودفن فى ركنه القبلى أعلم الناس عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنه.

تزييل

إن الشريف عبد الله الذى خدم إمارة مكة الجليلة ما يقرب من عشرين عاما بجانب قبر ابن عباس بن عبد المطلب وهو من السلالة الطاهرة الزيدية وابن من أثبت جدارته ثلاث مرات فى منصب الإمارة وهو الشريف محمد بن عوف. وأحرز رتبة الوزارة السامية فى سنة ١٢٤٧ ه‍ وأسند إلى عهدته إمارة مكة المكرمة وأنعم عليه بالوسام المرصع المجيدى العثمانى ، وتوفى فى سنة ١٢٩٤ ه‍ يوم الأحد اليوم الثالث عشر من شهر جمادى الآخرة وهو فى منزله الصيفى فى الطائف ، ووجه منصب الإمارة إلى أخيه الشريف حسين باشا وأحيل إليه. وقد خدم عبد الله باشا المشار إليه السلطنة السنية بإخلاص ولا سيما فى أثناء المسألة الروسية بذل جهودا عظيمة لجمع الإعانات الحربية واستطاع أن يدبر مبالغ كبيرة من النقود. وأن يوصلها إلى أصحاب الشأن ، واستطاع أن يكسب طوال مدة توليه للإمارة رضا سكان الحجاز ورعى بكل مودة الحجاج الواردين وحفظهم وكان شخصا أصيلا نجيبا من السلالة الهاشمية وذات عقيدة سليمة ، رحمه الله رحمة واسعة. وساحة مسجد الطائف هى ساحة مصلى النبى القديمة وهى الساحة التى أم فيها المجاهدين من غزاة الدين ، وهذه الساحة هى ما بين خيمتى السيدة أم سلمة والسيدة عائشة (٢) ـ رضى الله عنهما ـ ثم رفع بين ساحتى

__________________

(١) قال الواقدى : الأخرى زينب بنت جحش. يقصد أنه من كان مع النبى صلى الله عليه وسلم من نسائه : أم سلمة ، وزينب بنت جحش رضى الله عنها. الطبرى ٣ / ٨٣.

(٢) والسيدة زينب بنت جحش على ما فى الطبرى ٣ / ٨٣.

الخيمتين قبتين صغيرتين أبو أمية بن عمرو وبن وهب بن معتب بن مالك وهذا إشارة إلى أن ما بين القبتين كان المصلى النبوى. وبعد ما بين الإمام الواقدى موقع مسجد الطائف وشكله أضاف أن فى ذلك المسجد عمود لا يرى نور الشمس إلا ويسمع بجانب هذا العمود صوت التسبيح الهاتفى. وبناء على تعريف المطرى أن المسجد اللطيف الذى بناه عمرو بن أمية هو الآن الجامع الكبير ، وقد صنع فى عهد الناصر أحمد بن المستضئ منبر مرتفع عبد الله بن عباس مدفون فى الركن الأيمن من هذا المنبر. وبناء على قول تقى الفاسى أن فى خارج جداره القبلى حجر وكتبت عليه عبارة : أمرت أم جعفر بنت أبى الفضل أمام ولاة عهد المسلمين بعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف وذلك سنة اثنتين وسبعين ومائة والمظنون أن الجامع المذكور وضريح ابن عباس بنيا فى عهد المستعين العباسى.

الوجهة التاسعة عشرة

تحتوى على ثلاث صور

تعرف مفصلا الأودية والأحراش وبعض الجبال

والأماكن والأوطان والقرى التى تنسب إلى المدينة المنورة

١ ـ وادى العقيق :

والوادى هو المكان المنخفض الذى تجرى فيه الأنهار والسيول ووادى العقيق هو اسم الوادى الذى يمتد من موقع قصر المراجل إلى البقيع ومن زغابة إلى قصر المراجل ووادى العقيق المشهور فى الواقع واديان أحدهما العقيق الأصغر والآخر العقيق الأكبر ، ويمتد العقيق الأكبر من أراضى عروة بن الزبير فى جهة حرة المدينة إلى قصر المراجل ، ومن جهة حماء من قصر عبد العزيز بن عبد الله العثمانى الذى فى جماد إلى قصر المراجل يخرج أحد طرف هذه الحدود إلى نهاية البقيع ونهاية الجهة السفلى العقيق الصغير ونهاية أعلاها وديان عقيق البقيع.

والوادى الذى يطلق عليه عقيق البقيع يبدأ من مكان يطلق عليه برام إلى حضر هذا المكان نهاية حدود البقيع حيث ينتهى ، والوادى المذكور يذهب من هنا إلى رغابة مجمع السيول الذى فى أعلى منزل إضم ، ومنزل إضم بناء على قول المطرى يبدأ من البئر المحترم وينتهى إلى الجهة الغربية وهذا المكان ملاصق بالمدينة المنورة من ساحة بئر عثمان التى سميت بالعقيق ، وينقسم إلى جهتين فى حدود دار العز المدينة يشكل قسم منهما وادى العقيق الأصغر والآخر يشكل وادى العقيق الأكبر ، وبناء على هذا التعريف فإن الصحراء التى يطلق عليها البقيع يلزم أن تكون وسط وادى العقيق حيث انقسم وادى العقيق هنا أيضا إلى قسمين يقال للجهة الملاصقة للمدينة المنورة العقيق الأصغر وللجهة العليا العقيق الأكبر ، وأصغر هذين الواديين الصحراء التى توجد فيها بئر عثمان وأكبره الصحراء التى توجد فيها بئر عروة ، ووادى العقيق الأكبر الذى لا يلاصق المدينة المنورة يتصل بالقرية التى فى بلاد مزينة ، وانقسام وادى المدينة إلى اثنين سيؤدى إلى انقسام السيول بجانب حرة المدينة إلى جهتين وتنقطع.

إن كان لوادى العقيق اسم قديم إلا أن الملك تبّع قال حينما زار المدينة هذا عقيق الأرض وعلى ساحته سليلة وهذا عرضه الأرض. وعلى قول لما كان لون وادى العقيق فى غاية الاحمرار كان سببا فى إطلاق اسم العقيق عليه وانسى اسمه القديم.

ووادى العقيق من أعظم وديان الحجاز ويمتد من حدود الطائف ويمر بالمدينة إلى أن يتصل بالبحر الأحمر ، لقد منح النبى صلى الله عليه وسلم هذا الوادى لبلال بن الحارث المزنى ليستغله بطريق المقاطعة. ولما ترك هذا الوادى إلى عهد عمر بن الخطاب دون إعمار قال عمر الفاروق لبلال «يا بلال! إذ عمرت الوادى الذى أخذته عن النبى بالمقاطعة أتركه لك ؛ وإذا لا تريد إعماره أقطعته للآخرين» ولما أخذ منه جوابا بالنفى ترك جزءا من الوادى فى يد بلال وأقطع الباقى للذين يرغبون وأعطاهم.

وقد قدر فى أوائل الإسلام فضل وادى العقيق ومزيته ومناظره الجميلة التى تسحر النفوس فعمر واستصلح بكل عناية مما أثر فى قرائح الشعراء فأنشدوا قصائد مدح فى حسنه وجماله قصائد لا تعد ولا تحصى. وقد تعود عمر بن الخطاب كلما ظهرت السيول فى وادى العقيق أن يذهب مع أهل المدينة إلى مجراه ويشرب منه الماء. وقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم بقداسة وادى العقيق عندما قال : «جاءنى أحد فى هذه الليلة وقال لى صلّ فى هذا الوادى» وفى يوم آخر قال بعد أن ذهب إلى وادى العقيق ورجع «يا عائشة! وادى العقيق ما أجمله من مكان ، وما أحلى ماءه وما أطرى ترابه؟!!» فوصف وادى العقيق مادحا وعندما قالت له «إذا كان كذلك فلماذا لا نقيم فى وادى العقيق» فأجابها قائلا : «إن الناس قد استقروا هناك وأعدوا لهم منازل خاصة ومن هنا فإن النقل والهجرة إلى وادى العقيق غير ممكن». وبين بهذا أن انتقال أهل المدينة إلى وادى العقيق أمر شاق ، وقال فى يوم آخر لأنس بن مالك ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد زار وادى العقيق فى ذلك اليوم «ملأت هذه المطرة (١) من واد يحبنا ونحن نحبه» وهكذا أظهر حبه لوادى العقيق.

__________________

(١) المطرة : القربة.

كان سلمة بن الأكوع اعتاد أن يقدم للنبى صلى الله عليه وسلم من لوم ما يصطاده.

يروى عنه أنه قال : «سألنى النبى صلى الله عليه وسلم يوما فى أية جهة تصطاد من أجلى؟» فأجبته قائلا : «فى وادى يثب الذى فى ناحية قناة» عندئذ تفضل قائلا : «لو كنت تصطاد فى وادى العقيق ، لكنت أودعك عند الذهاب وأستقبلك عند الإياب».

٢ ـ وادى بطحان :

إن وادى بطحان روضة غالية من فراديس الجنة كما جاء فى الأثر. وهذ الوادى من الوديان التى تقع فى وسط المدينة ويجرى ماؤه من جهة الحرة اليمانية ويجرى نحو موقع جفاف ثم يذهب إلى صحراء بنى خطمة ، ويعود من هنا ويمر من وسط وادى البطحان فيجرى نحو الأراضى المتسعة فى زغابة.

يبدأ هذا الوادى من جلاتين على بعد سبعة أميال من المدينة المنورة ، وينتهى إلى وادى جفاف الذى فى الجهة الشرقية من مسجد قباء ويتحد بنهير رانو بار.

٣ ـ وادى رانوناء :

يقال لهذا الوادى رانون أيضا ، وينزل سيله من جبل مقمن الواقع فى الجهة اليمانية من جبل عير ومن جبل جرش الذى فى الحرة الشرقية ويذهب نحو محل يسمى ب «قرين المضرطة» ومن هناك إلى سد عبد الله بن عمرو بن عثمان المعروف ب «سد عنتر» ومن هنا يمر بمنزل صفاصف وبموقع عصبة ثم يعبر من الجهة اليمنى لقرية قباء إلى «عوسا حوسا» وبعده يجرى إلى مكان يسمى بطن وادى حصب ويتحد هنا بالسيول التى تأتى من جهة ذى حصب وحرة. ويمر من قعر حوض بنى بياضة عن طريق ذى صلب وينقسم إلى قسمين ويجرى قسم منهما إلى بئر جسيم التى فى بلاد بنى بياضة وبهذا الطريق إلى وادى بطحان والقسم الآخر يجرى إلى وادى بطحان رأسا.

٤ ـ وادى قناة :

وكان اسم هذا الوادى القديم شظاة ولكن عندما بات تبع الحميرى فى الربوة

التى على مجراه قال : «إن هذا المكان قناة الأرض فعرف بين أهل المدينة بوادى قناة ووادى قناة ينفصل من الطائف ويسيل من بين جبال أرخصية ومن هناك إلى قرقرة المكدر ، ومن هناك إلى بئر معاوية وبعده يمر من مكان يسمى قدوم أى من المكان الذى دفن فيه شهداء أحد إلى صحراء زغابة حيث تتحد سيول الأنهار الأخرى ، وإن كان يعد من وديان المغرب فهذا أكبر الأنهار التى تسيل إلى دار العزة المدينة المنورة غير وادى العقيق ويصل إلى سد نار الحرة فى الجهة الشرقية».

وسد نار الحرة ، المحل الذى انطفأت فيه نار الحجاز المنذرة ، وكانت سببا فى انقطاع مياهه مدة مديدة ، وفاض بعد ذلك كأنه بحيرة كما جاء ذكره فى الصورة العاشرة من الوجهة الثالثة تفصيلا ، وقد انشق ذلك السد فى سنة ٦٩٠ ه‍ وقد تكاثرت مياهه ما يقرب من سنة بين الجبلين وأخذت تجرى فى صورة مخيفة وسريعة وأخذت تنقص السنة التى بعدها ثم نقصت بدرجة مخيفة ، ثم تكاثرت المياه مرة أخرى فى خلال سنة سبعمائة وأخذت تجرى على نسق واحد فى خلال سنة كاملة ونقصت فى خلال ثلاث وثلاثين سنة تدريجيا ولكنها فاضت فى سنة ٧٣٤ ه‍ بسبب الأمطار العادية والمتوالية وفتحت لنفسها مجرى جديدا وطغى سيل مثل البحار وجرى مجراه القديم إلى جهات الضريح الذى دفن فيه حضرة حمزة رضى الله عنه ـ وسال مجراه الجديد إلى الجهات القبلية لجبل عيين ، فجعل الضريح المذكور والجبل سالف الذكر فى الوسط ، ولما بقى ضريح حضرة حمزة بين ماءين عظيمين فحرم أهالى المدينة من شرف الزيارة ما يقرب من أربعة أشهر. وقالوا إذ كشفوا السيول التى فاضت متراكمة أمام باب البقيع ، إذا ارتفعت هذه المياه أكثر من هذا بنصف ذراع لا شك أن دار الهجرة ستتعرض للخراب والدمار ، ولكن المياه انسحبت قليلا بلطف من الله وأغرق أهالى المدينة فى بحار البهجة والسرور واستقرت المياه ما يقرب من سنة فى النهيرات التى فى الجهات الشمالية والقبلية.

وكانت المياه قد فتحت قنوات العين القديمة وخربتها. وإن كان الأمير وردى أصلح ما فسد وخرب من القنوات ومجاريها وجددها ، ولكن الأماكن التى

أصلحها الأمير وردى اندثرت تماما مع مرور الزمن ولم تظهر مرة أخرى ولم تعمر فانمحت العين المذكورة واندثرت.

٥ ـ وادى مذينب :

ومياه هذا النهير شعبة من سيول وادى بطحان ، لأن مياه بطحان تنقسم فى حديقة بنى أمية ، إلى خمسة عشر جدولا وتسقى أراضى بنى أمية فتتحد جميع الجداول وتدخل فى بطحان ، ومياه هذا النهير كما ذكر آنفا يظهر من الخلاء الذى يسمى صعب وتمر بوادى زغابة ، وتتصل فى ديار بنى خطمة بنهير مهزور وسبب ذلك اجتماع المياه وتراكمها فى حرة واحد.

يطلق على المذكور ماء وادى مذينب أيضا وينفصل فى زماننا من الحرة الشرقية مارا بالجهة القبلية من قرية بنى قريظة فيمر بالجهات الشرقية من قريتى نواعم وعهن وبعد أن يسقى حدائقهما يجتمعان فى المكانين اللذين يطلق عليهما بقيع الزرندى وناصرية. ثم يتجه إلى نهير جفاف الواقع فى الجهة الشرقية من مسجد الفضيح ، وبعد أن ينصب فى الصحراء الكائنة خلف ما جشونية وبعد أن يتحد بشعبة من نهير مهزور فيجرى إلى نهير بطحان الواقع فى الجهة العليا من مسجد المس ، وهنا يختلط بمياه رانوناء ويمر بالناحية الغربية من المصلى النبوية يجرى إلى أراضى مدينة دار السكينة.

٦ ـ وادى مهزور :

تجرى سيول هذا النهير إلى أراضى بنى قريظة الكائنة على ربوة شوران وبعده يجرى إلى حدائق دار العز المدينة المنورة وبناء على قول ابن شبّه أنه يظهر على ربوتى هكر وصمعه الكائنتان فى الحرة الشرقية وينصب إلى أراضى بنى قريظة حيث ينقسم إلى عدة شعب يجرى إلى نهير مذينب من بين منازل قرية بنى أمية بن زيد ويتحد فى صحراء بنى خطمة بسيول بنى قريظة ويصل إلى نهير مهزور وهنا يتخذ شكل نهر كبير ينقسم إلى شعبتين فتسقى شعبة منهما الأراضى التى فى تلك الجهات والشعبة الأخرى تسقى ما عدا حديقة مشربة أم

إبراهيم وجميع الصدقات النبوية وبعد ذلك يسيل ناحية قصر مروان بن الحكم ومن هناك إلى قصر بنى يوسف الذى فى بطن الوادى إلى المسجد المستقر فى بطن بنى حديلة عن طريق بقيع الغرقد وكرمة أبى الحمراء ويتحد فى النهاية بنهير قناة.

وشعبة من السيول العظيم الذى يتكون من اتحاد النهيرين مهزور ومذينب بعد أن يسقى الصافية وما حولها من الصدقات النبوية يمر عن طريق قصور من أطراف بقيع الغرقد ينصب فى وادى بطحان عن طريق الجدول الذى فتحه شيخ الحرم مرجان الزينى ، وبما أن هذا الفرع من السيل المذكور يسبب خسارة للنخيل الذى حول البقيع الشريف حفر سالف الذكر مرجان الزينى جدولا وأنقذ حدائق النخيل التى حول بقيع الغرقد من طغيان السيول ، وقد فاض نهر مهزور فى عهد سيدنا عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ بشكل مخيف وأحدث سيلا عظيما كالبحر ومخيفا حتى ظنّ أنه سيغرق ويمحو مدينة دار العز. وأراد عثمان بن عفان أن ينقذ الحرم النبوى الشريف والمدينة المنورة من هجوم السيل فأنشأ بجانب بئر مدرى سدا حجريا متينا وحول مجرى نهر مهزور إلى مجرى نهر بطحان ، وبهذا أنقذ المدينة الطاهرة من هجوم السيل إلا أن ذلك السيل فاض مرة أخرى فيضانا مخيفا فى خلال سنة المائة الهجرية وفى عهد خلافة أبى جعفر المنصور فغمرت المياه الصدقات النبوية ثم هجمت على المدينة فملأت قلوب سكان دار السكينة بالهموم والغموم ، وبناء عليه اتفق الأهالى على بناء سد ، وفعلا استطاعوا بناء سد قوى متين فى مكان يسمى برقة وذلك بدلالة امرأة عجوز على عينها ، وحولوا سيول مهزور ، ومع ذلك فاض نهرا مهزور وبطحان ليلة الانتهاء من عمليات السد واقتحمت المياه قريتى بطحان والسّنح وغمرتهما فسببت خسائر عظمية لكثير من الناس ، وخربت ما لا يحصى من المنازل وبعد ظهور السيل تراكمت واتحدت نهيرات العقيق ورانوناء وأذاخر وذى صلب وذى ريش وبطحان ومهزور وقناة فى مكان يقال له زغابة وكونت بحيرة عظيمة.

إن السيول التى تشبه البحار التى يطلق عليها أهالى المدينة السيول العوالى

تحدث من اتصال تلك السيول بعضها ببعض وانصبابها فى بعض فتتجمع فى موقع زغابة وفى الأراضى المنسوبة لسعد بن أبى وقاص ، ومحل اجتماع السيل العظيم الذى يتكون من اتصال تلك النهيرات مع بعض فى الجهة العليا من وادى زغابة ، ولما كانت مياه مدينة دار الهجرة كلها فى هذا المكان سمى هذا المكان ب «إضم».

وكان ما نطلق عليه فى زماننا الضيّقة هو ذلك المكان ، وبعد أن تنضم مياه تلك السيول بعضها ببعض تكون بحرا صغيرا يمر بنهاية الصحراء الفسيحة التى يقال لها زغابة ومن هناك النهاية السفلى ل عين أبى زياد وهى نهرا نعمى ونعمان وبعده إلى ذى خشب نهيرات ملل وأظلم وجنينة ثم يمر بالمردبان التى فى الجهة الغربية حرار ولواط والوديان التى فى الجهة الشرقية ذو آدان وإثمة وما فى الجهة الشامية من واد رمة وما فى الجهة القبلية من وادى ترعة وفى النهاية إلى وادى عيص ثم إلى وادى حجر وجزل فى داخل ذى المروة الكائن فى وادى سقيا ورحبة من هناك ينزل إلى وادى سفان المكان الذى ينصرف فيه السيل إلى البحر أسفل ذى المروة ومن هنا يمر إلى الأماكن التى يقال لها يعبوب ، بنيجة ، حقيب التى فى سفح جبال أراك.

وبناء على قول المطرى يمر بالمحل الذى يسمى اكرى فى طريق مصر وينصب فى البحر الأحمر وهذه المواقع الثلاثة تبعد عن البحر ثلاثة أميال.

فى ذكر أحراش المدينة المنورة

١ ـ حمى النقيع :

معنى «حمى» المكان المحفوظ لرعى الدواب والنّقيع المكان كثير الماء. والحمى المعروف بالنقيع يبعد عن المدينة ثمانية وأربعين ميلا ، وعلى قول ستين ميلا ، وهو فى جهة اليمن وماؤه غزير وجهاته الأربعة محفوظة ، وهذه الأحراش طولها ميل وعرضها كذلك.

أحراش حمى النقيع :

تقع فى صحراء ساحرة وفضاء فرح ويحيط ماء وادى العقيق بالجهات الأربعة لهذه الصحراء وتجرى بجزيرة مسموع ، وينبت فيها البرسيم والنباتات التى تنمو تلقائيا كما تنبت أشواك الغرقد وستنجان التى يأكلها الجمال وسلم وعضاة من جيش أمّ غيلان وأشجار أخرى. والنخيل الذى ينمو فى موسمه والأعشاب تطول حتى إن الإنسان لا يستطيع أن يرى من يسير بينها من الفرسان راكبى الخيول ، من الخارج وحصر النبى صلى الله عليه وسلم ذلك المكان لرعى خيول المسلمين فحفظه من جهاته الأربعة واستمروا على حمايتها مدة عمره كما حفظ حضرة أبو بكر وفيما بعد عمر بن الخطاب هذا المكان وجعلاه مكان رعى لدواب المسلمين.

وكانت هذه المراعى إلى عصر عمر الفاروق يحدها من الجهة الشرقية حرة بنى سليم ومن الغرب تحدها مواقع رام شقراء ، وبرة ، ذات الصخور ، بطن نقيع ، ولما ضاقت مراعى المدينة عن استيعاب دواب المسلمين وسع عمر الفاروق مرعى النقيع ، وقد تكاثرت خيول المسلمين وجمالهم حتى كان يساق إلى الشام والعراق أربعين ألف رأس جمل كل سنة للتجارة ، وكان يربى أربعين ألف بعير لإعطائها للمشاة الذين لا يملكون الجمال فى أثناء الحرب.

٢ ـ مرعى حمى الربذة :

ربذة اسم قرية من أعمال المدينة فى نجد وعلى بعد أربعة أيام من المدينة المنورة وهى القرية التى دفن فيها أبو ذر الغفارى ـ رضى الله عنه ـ وكانت ربذة فى الأصل قرية مشهورة ، وقد استولى عليها القرامطة فى سنة ٣١٩ ه‍ وخربوها وأجبروا أهاليها على الهجرة.

وسبب استيلاء القرامطة على ربذة كان بدعوة أهالى قرية ضريّة للقرامطة ، لأن الحروب كانت متوالية ومستمرة بين سكان قريتى ربذة وقرية ضرية وكان النصر دائما بجانب أهل ربذة. ولما رأى سكان ضرية أن الانتصار على أهل ربذة مستحيل ، طلبوا العون من القرامطة وكان القرامطة يريدون أن يستولوا على الحرمين المحترمين ، ولما ساعدوا أهالى قرية ضرية بسوق كتائبهم فاضطر أهل قرية ربذة إلى ترك قراهم وهاجروا إلى أماكن أخرى ولم يعودوا إليها بعد.

وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم برعى إبل الصدقة القادمة من البلاد الإسلامية فى قرية ربذة وعلى رأى آخر أن أبا بكر وعمر الفاروق هما اللذان أرسلا جمال الصدقة إلى قرية ربذة ، وكان طول مرعى ربذة فى ذلك الوقت يصل إلى اثنى عشر ميلا وكذلك عرضه وقد حرص ولاة المدينة على توسيع حدود المرعى حرصا شديدا والولاة الذين تولوا الولاية إلى عصر أبى بكر الزبيرى عنوا عناية شديدة بحماية ذلك المرعى فكانت حيوانات أهل المدينة ترعى فى مرعى ربذة إلى زمان جعفر بن سليمان.

٣ ـ مرعى حمى الشرف :

وإن كان شرف المكان الذى اتخذه عمر بن الخطاب مرعى فالمحل الذى يطلق عليه شرف الروحاء فى مكان آخر ، ومرعى شرف واد واسع كبير فى داخل مكان اسمه كبد نجد ، وقرى قبيلة آكل المرار الكندىّ (١) من بنى حجر تتصل بمرعى شرف ، كما أن مرعى ضرية أيضا بجانب جبال تلك القرية. وعلى جهة تميم من هذا المرعى مراعى ربذة ، وبجانبه قرية شريف يفصل بينهما محل يسمى سرير ،

__________________

(١) قيل : هو الحارث بن عمرو بن حجر بن عمرو بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن كندى ، ويقال كندة. وقيل هو حجر جدّ الحارث بن عمرو من ملوك إمارة كندة. انظر : الدرر ص ٢٥٧ ، وغيرها.

وتقع على الجهة الشرقية من المرعى المذكور موقع شريف وعلى الجهة الغربية منه يطلق شرف ومراعى ضرية وربذة فى الصحراء الواسعة التى يشكلها المحل الذى يطلق عليه شرف.

٤ ـ مرعى حمى الضريّة (١) :

ضرية على وزن غنية فى طريق حجاج البصرة ، واسم قرية على بعد سبع مراحل من مدينة الرسول من جهة مكة المكرمة ، عرفت باسم ضرية بنت ربيعة بن نزار أم حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة وعلى رواية عرفت باسم بئر ضرية ذات ماء عذب خفيف. ومرعى ضرية مرعى خصب ومشهور ويروى أهل البادية أن أول من اتخذها مرعى هو كليب بن وائل ، وحافظ على جهاته الأربعة ، ويؤيدون رأيهم قائلين إن هذا القبر قبر كليب بن وائل.

وقد خص سيدنا عمر الفاروق المرعى المذكور لجمال الصدقة وحفظه من الحيوانات المتوحشة بوضع علامات خاصة فى جهاته الأربعة كل ستة أميال فى المحلات المكشوفة ، فظلت قرية ضرية فى داخل تلك العلامات. وزادت جمال الصدقة تدريجيا فلم يكف المرعى المذكور لاستيعابها. فاشترى سيدنا عثمان الماء الخاص بديار «جنيبة» وأضاف الأراضى التى فيها ذلك الماء إلى أراضى ضرية فوسع المرعى.

الماء الذى ألحقه سيدنا عثمان إلى مرعى ضرية كان معروفا باسم بركة من مياه «بنى جنيبة» ولما كان هذا الماء بجانب القمم المدببة التى تسمى ببكرات وعلى بعد عشرة أميال من مرعى «ضرية» ، فاشترى المشار إليه بعد فترة تلك القمم فألحقها بمرعى «ضرية» فأوصل المرعى إلى حيث يستوعب حيوانات المرعى.

ونافس الولاة فى أوائل عهد الدولة الأموية فى توسيع مرعى «ضرية» والحفاظ عليه إلا أن الولاة الذين أتوا فيما بعد تبدلت أفكارهم واتخذوا ذلك المرعى كلأ لأنفسهم ومزرعة ؛ فوسعوا حدود المرعى وضيقوا على الأهالى فى

__________________

(١) الطبرى ٢ / ٢٦٦.

قرية ضرية الذين كانوا حراسا للمرعى حتى عجزوا عن حراسة المرعى فخالفوا أوامر الولاة حتى إنهم أشعلوا نار الحرب ضد إبراهيم بن هشام المخزومى الذى كان أشد الولاة ظلما وغدرا والذى أعد ألف جمل فى كل لون وأراقوا فى تلك الوديان دما بدلا من الماء.

وبئر ضرية من مياه ديار ضباب قد مدح ذى الجوشن الضبابى الذى كان من شعراء الجاهلية ووالد قاتل حضرة حسين بن على أبى بن طالب ـ رضى الله عنه العين المذكورة بالقطعة الآتية :

دعوت الله إذ سقت عيالى

ليجعل لى لدى وسط طعاما

فأعطانى ضرية خير بئر

تمج الماء والحب التئاما

و «وسط» الذى ذكره ذو الجوشن فى قطعته المذكورة اسم جبل على بعد ستة أميال من ماء ضرية ، ويمر حجاج القوافل من أسفل هذا الجبل ، وفى أعلى الصحراء التى تسمى عسس التى تقع على يسار هذه الجبال ماء آخر ويعرف باسم «قنبع» فهو بين جبل وسط وصحراء عسس تجلب الفرح والسرور.

وعسس اسم جبل أحمر ، وقد خلق هذا الجبل بشكل غريب مرتفعا نحو السماء فالذين يرونه من بعيد يظنونه رجلا ضخم الجثة جالسا.

ولما كان ماء ضرية تحت تصرف عثمان بن عتبة بن أبى سفيان فقد أنبت عتبة حول الماء كثيرا من حدائق النخيل وحتى يسقى هذه الحدائق سد فتحة النهر وجعل نهر ضرية فى حالة مضحكة ، ولما انتقلت الخلافة إلى أيدى العباسيين ضبط العباسيون حدائق عتبة واستولوا عليها واستخدموها حتى انقراضهم.

عندما انقرضت دولة بنى عباس كانت زوجة الشخص الذى يتصرف فى ملك عثمان بن عتبة من قبيلة بنى جعفر بن كلاب المخزومى ، وجاء مرة عمها ضيفا وبات على ساحل نهر ضرية طلب منها بعض الأراضى فتركت لعمها بعض

الأراضى وطيبت خاطره ، ولما كان عمها من البدو كان يمتلك كثيرا من الحيوانات ، وفى وقت ترطيب البلح وحينما طاب للأكل هاجر العم مع أولاده وعياله وخدمه ودوابه إلى شاطئ ذلك النهر وأخذ يطعم الضيوف الواردين ويجلب نياقه وأخذ يسقى اللبن للواردين ويظهر مظاهر كرمه.

ولما تجاوز البلح وقت ترطيبه جاء عنده اثنان من الضيوف فبعث إلى صاحبة الأرض وطلب منها بعضا من الرطب الطازج ولما كان وقت البلح الطازج قد مر فقطف خادمها مقدارا من البلح وأحضره وأخطره بأنه لم يجد بلحا طازجا فى الحديقة. قال البدوى إن صنعكم هذا من أجل إكرام ضيوفى غيث ، وأعاد الخادم المسكين ، وجاء الخادم مرة ثانية بمقدار من العجور وبين أن موسم الرطب قد مر فعاتبه قائلا : «فليسود وجهك مثل الشىء الذى أحضرته» ، ولامه وكره ما أهدى له من حدائق النخيل وباعها لعامل يمامه عبد الله الهاشمى بألفى قطعة من الذهب ، وهذا ما يروونه ، وأما عبد الله الهاشمى فقسم ما اشتراه من الحديقة إلى قسمين ، وبنى فى وسطها كثيرا من الدكاكاين وسماها سوق ضرية وأجرها بثمانية آلاف درهم سنويا.

٥ ـ حمى فيد :

المرعى المسمى بفيد هو المرعى الذى اختاره حضرة عمر الفاروق وهى فى طريق حجاج العراق وعلى بعد تسع مراحل من المدينة فى ناحية نجد ويشتمل مرعى فيد على كثير من العيون وبرك وتقام سوق كبيرة فى جهة منه وسبب تسميته بهذا الاسم إقامة فيد بن حام أول مرة فى هذا المكان.

وفى المكان الذى تقام فيه السوق بئران وهما عين النخل وجاره وأمر بحفر عبن النخل حضرة عثمان وبئر جاره أبو جعفر المنصور ، كما أمر المهدى البغدادى بحفر بئر أخرى فى خارج القرية وعلى الطريق.

ولا ينكر أن الآبار الموجودة قد بقيت من العهد الجاهلى إلا أنه قد حفرت فى صدر الإسلام آبار كثيرة وبذلت الجهود لإعمار البلاد الحجازية.

يقول بعض المؤرخين أن حافر بئر عين النخل هو أبو الدلم ، وهذا الشخص أول من حفر بئرا فى صدر الإسلام ، وكان من موالى الفزارى وحفر البئر المذكورة فى زمن بنى مروان.

وأنبت بجانبها حديقة نخيل منتظمة وخصبة وتعيش بمحاصيلها إلى ظهور بنى عباس ، وقد اغتصب بنو عباس حديقة نخيل ذلك الرجل. إلا أن هذه الرواية تجعل القول السابق غير قابل للتصديق. إذ إن البئر التى يطلق عليها عين النخل هى البئر التى حفرها عثمان بن عفان.

وبناء عليه فأول من حفر بئرا فى العهد الإسلامى هو حضرة عثمان ـ رضى عنه الله المنان.

فى ذكر الجبال والأماكن والأوطان والقرى

التى تنسب إلى المدينة المنورة مرتبة حسب الحروف الهجائية

حرف الألف

«آرة» : على وزن حارة اسم جبل كبير من جبال بلاد مزينة. وحوله كثير من الجداول والقرى مثل فرع أم العيال (١) مضيق ، محضة ، وبرة ، خضرة ، فعوه وغيرها.

وتتحد مجارى السيول التى تجرى من ذلك الجبل وبعد أن تشكل صحراوين وسبعتين تصب فى وادى الأبواء وبعده فى وادى ودان وفى صحراء حقل قرية اسمها وبعان وفى صحراء خلص قرية معمورة أخرى تسمى عرام.

«آبار» : على وزن آثار و «أبيره» على وزن رويده اسم نهرين يصبان فى وديان منزل آجر إلى ينبع البحر.

أبرق خترب : الأبرق منفردا معناها الأرض الغليظة التى اختلطت رملها بالطين والحجارة إلا أن أبرق خترب اسم أرض صخرية فى مرعى ضريّة. يروون أن هذه الصخور من معدن الفضة ، وأبرق الداث أرض صخرية فى مجرى نهر راشا الكبير فى مرعى ضرية.

أبرق العزاف : أرض حجرية بين المدينة وقرية ربذة وعلى بعد عشرين ميلا من ربذة ، عزاف اسم ماء مشهور فى بلاد قبيلة أسد بن خزيمة بن مدركة ويجرى من مكان يسمى حومانة الدراج إلى ماء عزاف ومن هناك إلى بطن النخلة ومن هناك إلى محل يسمى طرف ومنها يذهب إلى دار العز المدينة المنورة ، وحول هذا الماء عدة آبار ذات مياه غليظة وقديمة. قال خريم بن فاتك

__________________

(١) من أوقاف سيدة النساء.

مبينا إسلامه «كنت بتّ ليلة فى أربق العزاف حينما أخذ الجو يظلم استولى على الخوف والرهبة استعذت قائلا «أعوذ بعزيز هذا الوادى من سفهته» فسمعت من الهاتف :

عذ يا فتى بالله ذى الجلال

واقرأ بآياته من الأنفال

ووحد الله ولا تبال

فقلت يأيها الهاتف النبى! ماذا تريد أن تقول؟ مرادك أن تضلنى؟ أم أن تهدينى؟ فأخذت الجواب الهاتفى :

النبى عالى الشأن

الذى ظهر فى المدينة

صاحب الخير والإحسان

يدعو الناس إلى طريق النجاة

طريق الإسلام والخير!!

عندما سمعت ذلك استولت على الرغبة فى الإسلام.

ومن اطلع على شرح قصيدة بانت سعاد العصماء لا يخفى عليه أن كعب بن زهير التقى بأخيه بجير فى مرعى أبرق العزاف ، وهذا سبب اعتناقه للإسلام ، وثمة أرض صخرية تقع بجانب حصن القيماء المعروف بالأبلق القرد ويزعم العرب أن سليمان ـ عليه السلام ـ هو بانى هذا الحصن.

أبلى : على وزن حبلى اسم عدة جبال تقع بين السوارقية والرخصية وهو من جبال بنى سالم ، وعلى بعد ثلاثة أو أربعة أيام من المدينة.

الأبواء : على وزن حلواء. اسم قرية وربما أن النهر الذى كان بجانب هذه

القرية قد فاض وتبوأ فى منزل من منازل القرية ومن هنا أطلق على هذه القرية أبواء إلا أن عند البعض أن أبواء اسم جبل على يمين تلك القرية ذات أوبئة كثيرة فأطلق اسم أبواء على تلك القرية عن طريق القلب. وثمة واد بين إثابة وروثة وعرج.

إثابة : اسم بركة فى وادى العقيق بين أراضى عبد الله بن الزبير ونخيل يحيى بن الزبير.

اثيفية : على وزن زبيرية اسم ماء فى وادى العقيق يعرف أيضا بأثيفية.

أثيل : على وزن زبير ، اسم موضع بين قريتى بدر وصفراء ، وكان هنا بئر منسوبة لآل جعفر بن أبى طالب ، وعندما رجع النبى صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر الكبرى نزل هنا وصلى صلاة العصر وقتل نضر بن الحارث مع وجود ميكائيل ، وفى بلاد بنى حمزة أيضا مكان يسمى أثيل.

ذات أجوال : اسم موضع فى مضيق صفراء.

أجرد : أسماء حصن فى مكان يسمى «لصة» ، واسم جبل فى الجهة الشامية من بواط وهو تابع لقبيلة جهينة ، واسم جبل آخر أمام مدلجة تعهن (١) ، أو موقع.

أجشى : اسم حصن ينسب لبنى أنيفة أو أجم بنى ساعدة اسم حصن منسوب لقبيلة بنى ساعدة بالقرب من مكان يسمى ذاب.

وأجم على وزن جرم

إخطار :

والحصون التى ذكرت والتى ستذكر فيما بعد ليست حصونا وقلاعا عادية بل إنها أبراج صنعت للتحصن فيها حسب اقتضاء الحاجة.

أحباب :

على وزن أسباب اسم بلدة بجانب موقع سوارقية.

__________________

(١) تعهن : بضم التاء والعين ، وتشديد الهاء. وأصحاب الحديث يقولونه بكسر التاء وسكون العين. اللسان (تعهن) ص ٤٣٤. ط. دار المعارف.

تطلق أحجار الزيت على أحجار مرتفعة بجانب منازل بنى عبد الأشهل أى بالقرب من ضريح مالك بن سنان رضى الله عنه.

إخطار :

كان الزياتون قبل الهجرة النبوية يضعون فوق هذه الأحجار زيت الزيتون ويتاجرون. ولكن مع انقلابات الزمان ارتفعت أرضية ذلك المكان واندرست الأحجار المذكورة وظلت تحت التراب وأصبح هذا المكان طريقا مستويا على طرف منه سور المدينة وفى الجهة الأخرى بيوت ومحلات ، وحدثت وقعة الحرة المشهورة بالقرب من أحجار الزيت وبجانبه استشهد النفس الزكية.

أحجار المراء :

هو اسم المكان الذى نزل فيه حضرة جبريل فى قرية قباء وأحياء الجهة السفلى من ثنيّة المرّة الواقعة المكان الذى بعث فيه رسول صلى الله عليه وسلم سرية عبيدة بن الحارث (١).

أخزم : على وزن أحمد اسم جبل بين ملل وروحاء ويعرف فى زماننا بخزيم.

وأخضر : اسم منزل بالقرب من تبوك عندما كان النبى صلى الله عليه وسلم ذاهبا إلى غزوة تبوك نزل فى هذا المكان.

أذاخر : اسم ثنية قريبة من مكة المكرمة.

أزين : اسم منزل عند مدخل مضيق صفراء.

أرتد على وزن أحمد اسم وادى أبواء.

أرخصيته اسم قرية ذات آبار ومزارع متعددة فى ناحية أبلى فى محاذاة قرية حجر ، ويقال لها رخصية وبكسر الراء أيضا.

أسقف : اسم جبل فى ناحية رابغ.

أسواف : وقف زيد بن ثابت فى الطرف الشامى للبقيع وفى شارع جبل أحد ، وأساويف اسم آخر لذلك الوقف الذى يتوارثه طائفة عرب زيدون ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم يشرف الأسواف كلما ذهب لزيارة سعد بن ربيع الأنصارى ، وكان يجلس على السجادة التى تفرشها زوجة سعد ، وبشر أبو بكر وعمر وعثمان ـ رضى الله

__________________

(١) انظر : الطبرى ٢ / ٤٠٤.

عنهم ـ بالجنة فى بئر أسواف وكان واسطة التبشير حضرة بلال (١) ، وعلى هذا التقدير فإنهم بشروا بالجنة مرتين.

الأشعر : أحد الجبال التى نالت ثناء النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال خير الجبال أحد والأشعر والورقان.

أشنف : أحد الحصون أمام مسجد الخربة.

إضاءة بنى غفار : اسم موضع فى الجهة الغربية من سوق المدينة ، حيث تلاقى جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا الموقع ، ويقال لجبال جهينة التى تنتهى عند بطحان إضاءة بنى غفار أيضا.

أضاح : على وزن غراب اسم مكان سوق ويبعد عن الموقع المسمى عرفجا مسافة ليلة.

أضافر : جمع ضفير أسماء بعض الربى الرملية بين الحرمين حينما ذهب النبى صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بدر مر بهذه التلال الرملية بعد موضع ذفران ، وتلال الرمال التى تبعد عن الموقع الذى يطلق عليه هرشى يقال أضافر كذلك.

إضم : على وزن عنب اسم وادى ضيقة القديم.

ومياه الأنهار الأخرى تتحد فوق هذا النهر ويلف من ناحية زغابة ، ويطلق على ما بين موضعى ذى خشب وذى المرة على الجبال التى بين هذين الموضعين إضم كذلك ويبعد عن المدينة ثلاثة أميال قد تلاقى النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا المحل أيضا مع جبريل عليه السلام.

أطول : اسم حصن فى محلة بنى عبيد التى تقع فى الجهة القبلية لمسجد الخربة.

أعشار : نهر فى وادى العقيق والأعشار فى مجرى هذا النهر.

أعظم : على وزن هفتم اسم جبل كبير فى الجهة الشمالية من موضع ذات الجيش.

يروى أن فوق هذا الجبل قبر أحد الصالحين أو نبى مجهول الاسم.

__________________

(١) مر فى موضع سابق أن من بشرهم كان أبو موسى الأشعرى ـ رضى الله عنه ـ وعلى ذلك يكون قد بشروا مرتين.

وأعمار : كان اسم أربعة حصون فيما بين مزار وويخل ، كما أنه اسم جبل فى بلاد قبيلة بنى عبيد ، وجهة من جهتى هذا الجبل بلاد بنى حرام والجهة الأخرى بلاد جماعة قبائل بنى عبيد.

أعواف : اسم حديقة نخيل من الأوقاف النبوية يعرف أيضا باسم عواف.

أعوض : على وزن أحمر اسم موضع بين بئر السائب وبئر المطلب فى الجهة الشرقية من المدينة المنورة.

أفراق : على وزن أعمال وعند البعض على وزن إنسان اسم حديقة من حدائق المدينة.

آب : على وزن جو آب اسم نهر من أنهار جبل أشعر أسفل عين العلا والذى يلتقى بمضيق صفرا.

الهان : على وزن مسان كان اسم موضع ينسب إلى بنى قريظة واسم الماء الذى وقفته أم العيال حضرة فاطمة أنا وبجانبه مكان حيث تقام السوق ، وكان هذا الماء تحت إدارة ابن طلحة بن عبد الله ، وقد أنفق المشار إليه ثمانين ألف درهم وغرس عشرين ألف نخلة واعتاد أن يكسب من حاصلاتها أربعة آلاف درهم سنويا ، وبما أن العين المذكورة قد انتقلت فيما بعد لسيدة النساء فوقفتها.

أمج : اسم نهر ينفصل هذا النهر مع نهر غرابة من قيمة بنى سليم ويسير حتى البحر وعلى بعد ميل من نهر أرزق فى جهة مكة وعلى بعد ميلين من منزل خليص من جهة مكة

أمر : على وزن أمل اسم قرية على ثلاث مراحل من المدينة فى جهة فيد أو اسم حديقة ، كان الرسول صلى الله عليه وسلم أقطع هذه الجهة لعوسجة الجهنى.

إمرة : على وزن كسوة وعلى قول على وزن كعبة أسماء الآبار التى تقع بجانب جبل مغارية.

أنعم : اسم جبل يقع على يمين من يأتون من جهة رقيقين من طريق العقيق

واسم جبل آخر قريب من مرعى ضرية وفى موضع بطن عاقل. والجبل الذى على طريق العقيق بضم العين على وزن ينجم ، والجبل الذى فى بطن عاقل على وزن أكرم بفتح العين.

إهاب : على وزن كتاب اسم موضع بجانب الحرة الغربية وبئر أهاب فى هذا المكان.

ذو أوان ، اسم بلدة فى جهة تبوك على بعد ساعة من المدينة المنورة ، عندما عاد النبى صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك نزل فى هذه البلدة واطلع على حيلة مسجد ضرار.

أوساط : اسم موضع بالقرب من قرية سعد بن عبادة والذين كانوا يصلون إلى هذا المكان فى الجاهلية يدخلون تحت حماية سعد بن عبادة وتحت ضمانه وكفالته.

حرف الباء

بئر أرمى : أرمى على وزن أعلا ، اسم بئر على بعد ثلاثة أميال ، حيث وقعت غزوة ذات الرقاع الجليلة.

بئر اليت : على وزن ألبت اسم بئر على بعد يومين من المدينة المنورة.

بئر جشم : على وزن هنر ، على الطرف الغربى من مجرى نهر رانوناء أى فى قرية بنى بياضة وفى مكان يسمى حرف فهو اسم بئر.

بئر خارجة : اسم بئر فى المدينة المنورة ، وقد عرفت باسم رجل أولم وليمة بجانب هذه البئر إلا أنه لا وجود لهذه البئر فى هذا العصر.

بئر خريف : على وزن زبير اسم بئر قريبة من بئر أرمة.

بئر الدريك : دريك على وزن شعيب اسم بئر فى قرية بنى خطمة ، يقال بئر زريق أيضا ،

بئر ذروان : على وزن مروان اسم بئر ، يقال لهذه البئر ذى أروان أيضا. وهذه البئر بئر لبيد ابن الأعصم الذى سحر النبى صلى الله عليه وسلم وهو حليف زريق ، قد

ألقى المنافق المذكور ما أعده من سحر لسحر النبى فى هذه البئر وقد أخبر جبريل النبى صلى الله عليه وسلم بالموضوع فأخرج النبى صلى الله عليه وسلم من البئر السحر الذى صنعه لبيد ، كما سيأتى بيانه فيما يأتى ، ثم سد بئر ذروان بالتراب والحجر ، إن شمس الملة البيضاء أخذت تنشر ضياءها إلى الجهات الستة من الآفاق فاشتعلت فى أعماق اليهودى الدون نار الحقد والحسد فتخيل أنه يمكن أن يضر النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يستطع اليهود أن يصلوا إلى آمالهم بالحيل والدسائس ، وعندئذ تولى الأمر لبيد بن الأعصم وكان من مشاهير السحرة ولم يكن له مثيل فى ميدان الشر وكان فى الفتن رأس الأفعى فسحر وتدا فعقده فى أحد الأماكن منه وغرز فى كل عقدة إبرة ودفنه فى قبر قديم ، ثم أخرجه من هناك وتركه تحت حجر فى بئر ذروان وقد تأثر النبى صلى الله عليه وسلم جسميا من هذا السحر لحكمة ما وأخذ يتخيل أنه فعل الأشياء التى لم يفعلها وأخذ صلى الله عليه وسلم يتضايق من هذه الحالة حينئذ أتى جبريل ـ عليه السلام ـ بسورتى المعوذتين اللتين تحتويان على إحدى عشرة آية.

وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن لبيد بن الأعصم قد وضع الوتد الذى سحره تحت حجر فى بئر ذروان ، وبناء على المعلومات التى استقاها من جبريل ـ عليه السلام ـ أرسل على بن بن أبى طالب ـ رضى الله عنه ـ إلى بئر ذروان فأخرج الوتد المذكور من بئر ذروان.

وبناء على تعليمات جبريل قرأ على الوتد المعوذتين وعقب كل آية كانت عقدة من العقد تنحل ولما انحلت جميع العقد تخلص جسم النبى صلى الله عليه وسلم من قيود الاضطراب الثقيلة واكتسب خفة ونشاطا وسرورا وفى ختام قراءة السورتين الجليلتين أفاق كليا ، ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقرأ السورتين كان يشترك جبريل مع النبى صلى الله عليه وسلم بالدعاء قائلا بسم الله أرقيك والله يشفيك من كل داء فيك.

بئر رآب : رأب على وزن كتاب اسم بئر فى موضع محيص.

بئر ركانة : بئر تقع على طريق العراق وعلى بعد عشرة أميال من المدينة.

بئر زمزم : بئر فى موقع إهاب.

بئر سائب : على بعد يوم واحد من المدينة فى جهة نجد كما أنه اسم جبل أمام موقع شباع وعلى بعد يوم واحد من شقرة ويروون أن حضرة إبراهيم نزل على قمة ذلك الجبل.

بئر عائشة : اسم حصن واقع فى الجانب القبلى لمسجد فصيح.

بئر عذق : عذق على وزن شوق اسم بئر فى جهة قباء وفى داخل محلة بنى أنيف.

بئر عروة : اسم بئر مشهورة فى وادى العقيق.

بئر العقيق :

بئر ذات العلم : اسم بئر أمام موقع الروحاء ينقلون أن على بن أبى طالب قاتل الجن فى نهاية عقبة هرشى القريبة من البئر المذكورة.

بئر عاصر : فى جهة بئر أريس واسم بئر وقفها عثمان بن عفان.

بئر فاطمة : اسم البئر التى حفرتها بالقرب من الحرة الغربية بنت حسين بن على بن أبى طالب فاطمة ـ رضى الله عنهما ـ لما أخرجت المشار إليها من دار والدة حضرة حسين جناب فاطمة ـ رضى الله عنهما ـ صلت بجانب الحرة المذكورة ركعتين من الصلاة وبعدما حفرت المكان الذى صلت فيه أمرت أن يحفر فى هذا المكان بئر ، ووجد حفار البئر الماء فيها بكل سهولة فبنوا حولها.

ولما أراد إبراهيم بن هشام بناء دار فى ذلك المكان ونقل سوق المدينة فى هذا المكان أراد أن يحفر بئرا واسعة كالحوض ليسهل أمور أهل السوق ولكن حينما بدأ بحفر البئر صادف صخرة عظيمة لا يمكن نقبها ولا حفرها مما أدى إلى بقاء الحوض الذى عمق وحفر بدون ماء ، فاشترى البيت الذى بنته حضرة فاطمة بجانب البئر من ابنها عبد الله بن حسن بن حسين بن على ـ رضى الله عنهم ـ وترك البئر لأهل السوق كهدية ، وإن كان من يروى فى وقتنا أن تلك البئر هى بئر زمزم المشهورة إلا أن هذه الرواية خاطئة لأن بئر زمزم بجانب بئر فاطمة.

بئر فجار : ستذكر بئر فجار فى شاطبية.

بئر مدرى : على وزن عندى ، اسم بئر بجانب السد الذى بناه عثمان بن عفان لينقذ الحرم الشريف من فيضان نهر مهزور.

بئر مرق : اسم البئر التى فى حدائق النخيل التى تنسب لبنى ظفر ويطلق على تلك الحدائق فى عصرنا مرقية.

بئر مطلب : اسم بئر على بعد ستة أميال من المدينة المنورة فى جهة نجد على قارعة الطريق ووجه تسميتها أن مطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومى هو الذى أمر بحفرها.

بئر معون : اسم بئر فى موقع الرجيع حيث كانت المذبحة الأليمة.

بئر الملك : اسم بئر فى موضع قناة ، حفرها تبع الحميرى.

بئر الهجيم : اسم بئر بجانب منزل العصبة وبجانبها خرائب حصن قديم.

«بترا» : اسم مكان مر عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فى غزوة بنى لحيان ثم مال متجها إلى اليسار ودخل بين بعض الصخور.

بجرات : اسم المياه التى تتراكم فى جبل شورى.

بحران : على وزن نعمان وعلى قول شعبان وفوق موضع يسمى فرع يروون حدوث غزوة أو سرية فى هذا المكان.

يخرج كان اسم حصن قديم فى قرية قباء.

بدار : اسم موقع بجانب وادى القرى.

بدر : اسم البئر التى حفرها بدر بن قريش بن مخلد ابن النضير من بنى غفار فى ناحية بدر وسميت باسم حافرها ، وقعت غزوة بدر الكبرى بجانب هذه البئر ، وعلى رواية أخرى أن بدر بن قريش ذلك من أفراد قبيلة بنى حمزة ، ووجه تسمية البئر ببدر إقامته بجانب تلك البئر ، ويطلق على ذلك الموضع بدر الموعود بدر القتال بدر الثالثة أيضا ، وقد أعز الله ـ سبحانه وتعالى ـ بهذه المعركة

الموحدين ، استشهد فيها ثلاثة عشر من الصحابة غير عبيدة بن الحارث وتوفى عبيدة مثأثرا بجراحه التى أصيب بها فى بدر فى مكان يسمى صفر حيث دفن.

صدى الطبل فى مذبحة بدر الكبرى :

وبناء على تدقيق وتحقيق المرحوم المرجانى أنه سمع فى مذبحة بدر الكبرى التى حدثت فى أوائل الدولة الإسلامية صوت طبل المعصر وأن هذا الطبل سيدق إلى يوم القيامة ، وهذا ثابت بالآثار الصحيحة.

ويروى أن بعض الذين يمرون من موقع المعركة يسمعون صوت الطبل ويحكى أنه يرى فى ذلك المكان احمرار فى السماء بالليالى.

عجيبة :

يقول نخبة أهل الوثوق ابن مرزوق ـ رضى الله عنه ـ استمعت من أكثر الحجاج أنهم لما مروا بوادى بدر سمعوا أصوات طبل ملكى وأن هذا الصدى دليل انتصار المسلمين ، وإننى لم أستطع أن أصدق هذه القصة أبدا وكبر الموضوع فى ذهنى حتى وصل إلى درجة الإنكار أحيانا وأحيانا عزوت هذا الصوت إلى أصوات حوافر الخيول فى أرض بدر الصلبة الخشنة وصرفت الفكر عن الموضوع. وعرفت فيما بعد أن أرض بدر ساحة رملية لينة ، وأن أكثر الدواب التى تنتقل بين الحرمين جمال وأن أقدام الجمال لا تصدر صوتا حتى فى الأرض الصلبة الخشنة وبناء عليه تخليت عن التأويل السابق واستغرقت فى بحار الحيرة وبقيت مضطربا قلقا إلى أن مررت بنفسى من وادى بدر ، وفى السنة التى سافرت فيها إلى مكة محرما لأداء فريضة الحج كنت نسيت الخواطر التى حول بدر وكان قائد القافلة الموقر قد ساق القافلة إلى وادى بدر فنزلت من على ظهر الجمل وأخذت أسير مترجلا دون أن يكون فى خاطرى الفكرة المشروحة وكانت فى يدى عصا من خشب شجرة أم غيلان وبجانبى غلام من الجمالين حبشى السحنة ، وعند ما وصلنا إلى المكا الذى تحدث عنه بالحجاج قال لى الغلام المذكور هل تسمع

هذا الصوت؟ فذكرنا بالموضوع السابق فاستمعت إليه وفعلا يسمع صوت شبيه بصوت الطبل فتملكتنى رعشة من الهيبة واقشعر شعر جسمى وخرج من ملابسى كالإبر.

ولما كان الجو عاصفا ترددت فى الذى سمعته من صوت الطبل الملائكى وقلت يظهر أن العصا التى فى يدى تصدر صوتا بفعل اصطدام الريح بها فرميت العصا وحصرت سمعى حتى أطلع على حقيقة الحال ، وكان صوت الطبل يسمع مستمرا من جهتى اليمنى ومنذ أن باتت القافلة فى وادى بدر إلى قيامها استمعت إلى ذلك الصوت سالف الذكر فحللت مشكلتى ، ولا شك أن سماع تلك الأصوات غير مقدر لكل شخص.

الإمام القسطلانى «مؤلف المواهب اللدنية» من الذين سمعوا صوت الطبل المذكور إذ يقول المشار إليه فى كتابه كان ينتقل سماع صوت الطبل المعهود فى المكان الذى وقع فيه غزوة بدر الجليلة ، فجربت الاستماع فى الحقيقة سمعت صوت الطبل ، حتى إننى سمعت صوته عندما نزلت فى اليوم الذى نزلت فيه بدرا ، ويقال إن كل شخص لا يستطيع أن يسمع هذا الصوت ، وقد سمعه أيضا مؤلف تاريخ الخميس حسين بن محمد من ديار بكر ، يقول فى تاريخه : أنا أيضا كنت مشتاقا لتجربة هذا الموضوع ، وعندما كنا ذاهبين من المدينة إلى مكة المكرمة بتنا ليلة فى بدر حيث أقمنا فيها يوما وبعدما أدينا صلاة الفجر وصل إلى أذنى صوت طبل كان يوم الأربعاء من أوائل شهر شعبان من السنة المذكورة ، وظننت أن ذلك الصوت يأتى من الجبل المرتفع الذى يقع فى الجهة الشمالية من بدر فأسرعت بالصعود إلى ذلك الجبل ، مع أن مائة من رجال القافلة ونسائها استمعوا إلى الصوت ، ولم أسمع فوق الجبل صوت طبل فنزلت إلى سفح الجبل ، وبدأت أسمع صوت الطبل آتيا من تجاه ذلك الجبل ، والذين سمعوا الصوت ظنوا أن الصوت آت من تجاه ذلك الجبل ، ظللنا هناك مدة طويلة ، وكان ذلك الصوت يأتى أحيانا من تحتنا وأحيانا من فوقنا وأحيانا من خلفنا وأحيانا من أمامنا أحيانا من يميننا وأحيانا من يسارنا.

وعندما استمعنا لهذا الصوت كان الهواء راكدا ولم تكن الريح تهب من آية

ناحية ، والذين يستمعون لهذا الصوت ما كانوا يفرقونه عن صوت الطبل المعهود.

براق خبت : خبت على وزن جهة اسم مكان فى صحراء تبدأ من بدر وتنتهى فى مكة.

برام : على وزن أنام أو على وزن إمام ، اسم جبل مشهور قمته مثل الخيمة وعلى الجهة الغربية منه ترى سلاسل جبال نقيع وعلى الجهة الشرقية منه ترى سلاسل جبال عسيب.

برقة : على وزن دفته أو على وزن نكته اسم موضع من الأوقاف النبوية.

برقة العيران : اسم موضع ذات منظر غاية فى الغرابة من الجمال بين مرعى ضرية وبيسان وله طول وعرض مسافة نصف ساعة.

ويطلق اسم برقة بين العرب على أماكن حجرية ورملية وطينية ولما كانت برقة العيران على خلاف ذلك نالت ثناء الشاعر المشهور امرئ القيس ومدحه.

برك : اسم مكان يقع فى محاذاة موقع يقال له شواحظ فى ناحية سوارقية.

بركة : على وزن عزبة يطلق على مقسم مياه عين الزرقاء.

برمة : على وزن جزمة اسم موقع قريب من موضع بلاكت ما بين وادى القرى وخيبر ، فى هذا المكان مياه كثيرة وحدائق يطلق عليها ذو البيضة.

برود : على وزن حسود اسم مكان ما بين أشعر وملل واسم موضع فى جهة حرة النار.

بزواء : على وزن حلواء اسم بلدة مرتفعة الحرارة بين واديى ودان وجار وأعلى قليلا من الساحل. وكانت قبيلة بنى ضمرة من قبائل كنانة ساكنة فى هذا البلد.

وعزة معشوقة كثيّر بن عبد الرحمن بن أبى جمعة الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعى من الشعراء المشهورين كانت من هذه البلدة.

وإن كان كثير بن عبد الرحمن مشهورا بين الناس لجودة أشعاره ورقتها إلا أنه كان أحمق يظهر عداوته وغيظه للعلويين الذين ينتسبون إلى حضرة على بن أبى طالب.

مضحكة

ينقلون عنه هذه الحكاية دليل بلاهة خلقه ، لازم كثير الفراش يوما وهو مريض ، فذهب بعض ظرفاء العصر لعيادته وأخذوا يستفسرون عن حاله مراعاة لأصول العيادة ، فخاطبهم كثير قائلا الظاهر أننى سأتوفى غالبا. فسألوه قائلين وطيبوا خاطره : لا كلا! إن وفاتك ستتأخر بعض الوقت ، فأجابوا كثيرا بناء على قوله : أرجوكم أيها الإخوة ، إذا كان بين الناس معلومات صحيحة بخصوص طول عمرى ، أخبرونى فقالوا له ردّا على هذا : إن الناس قاطبة يعتقدون أنك دجال! وبما أن ظهور الدجال سيطول قليلا ، فإنك ستعيش مدة طويلة بعد الآن ، فأجابهم قائلا : «نعم! إن قولكم ليس بسيئ اعتقادكم فى محله ، قد أصبت من مدة ليلة بضعف البصر وضعف بصرى هذا يدل على صحة اقتناعكم».

ينقل عن الذين عرفوا كيف عشق كثير عزة ثم بينوا ذلك أنه مر ومعه بعض الأغنام ، ببلاد بنى ضمرة وأخذ فى البيع والشراء. بينما كان يمر بجانب جماعة من النساء فبعثن بعزة طالبات غنما على أن يدفع ثمنه بعد فترة ، وإن كانت عزة بنتا صغيرة فصيحة اللسان متحدثة ذات إفادة عذبة واشتهرت بذلك حتى نساء القبائل.

فذهبت إليه وقالت بأسلوب جميل ولسان عذب فصيح بعثتنى هؤلاء النسوة اللائى أمامك وقلن إذا ما أعطى لنا غنما بالدين فعند رجوعه نؤدى له دينه ، ففتن كثير بمشية عزة ووجهها ، وخاصة سحر حديثها وطريقة أسلوبها ، وأعطى لها من الغنم ما ترغب فيه.

ومرّ كثير بعد فترة بجماعة النساء من بنى ضمرة ورأى أنهن جلسن فى نفس

المحل وتلكأ قليلا ، وكانت النساء قد دبرت ثمن ما أخذن من غنم فأعطين إحداهن وأرسلناها مع النقود إلى كثير ، وأرادت أن تعطى النقود لكثير قائلة هذه نقود الغنم التى اشتريناها من قبل فقال كثير ليس لى دين عند أحد غير البنت التى أخذت منى الغنم وأنشد البيت الآتى :

قضى كل ذى دين فوفى غريمه

وعزة ممطول معنّى غريمها

وعادت المرأة عندئذ وأعطت النسوة دينهن إلى عزة وأرسلنها إلى كثير.

سبب وفاة كثير :

حج زوج عزة وأخذ معه زوجته ، ولما بلغ كثيرا هذا الخبر ذهب ليزور الكعبة المعظمة عله يرى جمال معشوقته مرة أخرى. ولما عرفت عزة أن كثيرا فى مكة خططت لرؤية كثير. وظل كثير يسأل جميع قوافل الحجاج فى مكة فردا فردا باحثا عن عزة ، ولكنه لم يكتب لهما اللقاء ، وفقد كثير جمله بعد عرفات وذهب لناحية ما بينما الحجاج يطوفون طواف الوداع رأت عزة جمل كثير وأظهرت حنينها وشوقها ومسحت ما بين عينى الجمل ولاطفته ودعت له قائلة حييت يا جمل ، ولما عرف كثير الكيفية رجع إلى جانب الجمل إلا أن عزة كانت قد عادت فأنشد القطعة الآتية :

حيتك عزة بعد الحج وانصرفت

فحى ويحك من حياك يا جمل

لو كنت حييتها ما زلت ذا شرف

عندى ولا مسك الإدلاج والعمل

وهكذا أبرز شدة حبه وشوقه لعزة.

وبينما كان كثير يلقى هذه القطعة بكل حماس وجد بجانبه الشاعر المشهور

الفرزدق فسأله قائلا : «أنت من ياترى؟» فأجابه «أنا كثير» فقال له «إذا فأنت الذى يطلقون عليه كثير عزة؟» فقال له «نعم هكذا يسمينى الناس» ، ولكن من تكون أنت؟ فعرف أنه الفرزدق بن غالب التميمى فقال له : هل أنت القائل لهذه الأبيات :

وجدت جمالهم بكل أسيلة

تركت فؤادى هائما مخمولا

لو كنت أملكهم إذا لم يرحلوا

حتى أودع قلبى المتبولا

ساروا بقلبى فى الخدود وغادروا

جسمى يعالج زفرة وعويلا

فلما أخذ الرد بالإيجاب وقد رأى تلك الأبيات تنطبق على حاله فتأثر منها أشد التأثر فقال «يا فرزدق! لو لم أكن أمام البيت المعظم لصحت صيحة عظيمة انزعج منها هشام الذى يجلس على العرش فى سواد الشام ويظن أن القيامة قامت واستولى عليه الفزع ، ولكن ما الفائدة فحرمة بيت الله الجليل تقف دونها!!» ولما تأثر الفرزدق من هذه الكلمات أشد التأثر فقال له «يا كثير ، سأعرض ما قلته على هشام عندما أصل إلى الشام». وفعلا عرض الأمر عليه عندما وصل إلى الشام وبين له شدة حب كثير لعزة ، ولما كان تطليق عزة من زوجها وتزويجها من كثير ممكنا فأمر بأن يدعى كثير إلى الشام ، فبلغ الفرزدق الأمر لكثير كتابة وطلب منه أن يحضر إلى الشام دون تأخر. ولما أخذ كثير الرسالة المبشرة من الفرزدق تحرك من مقر مقره سعيدا وتوجه إلى الشام قاطعا المراحل وطاويا البوادى والمنازل ، ولكنه تصادف أن غرض لناظريه غراب قبل أن يصل إلى الشام بعدة مراحل فتطير ، وكان الغراب الذى أفزعه فوق شجرة بان يفلى ريشه ويسقط شعره. ولما رأى الغراب فى هذه الحالة استولى على قلبه خوف واصفر وجهه. وذهب إلى قبيلة بنى نهد ليسقى دابته وهو فى شدة الحرص على سلامته.

ولما كانت تلك القبيلة من زجرة الطير فقال عجوز وقد استدل من صفرة وجه كثير على خوفه ، يا ابن أخى! هل هناك شىء أخافك؟ «فقال له كثير نعم» وحكى له حكاية الغراب فتشاءم العجوز من هذه الواقعة وقال له هذه الحكاية إشارة على فراقك واغترابك. ولما زاد غم كثير وهمه من هذا القول أرخى عنان دابته حتى لا يصل إلى الشام سريعا ، ولما وصل إلى الشام وجد جنازة موضوعة على حجر المصلى وقام مصليا مقتديا بالإمام ، ولما فرغ من الصلاة قيل له : إننا لا نستطيع ألا نتعجب من غفلتك فى هذا اليوم الحزين فقال لهم أى يوم هذا تتعجبون من غفلتى؟! فقالوا إن عشيقتك عزة توفيت والجنازة التى صليت عليها كانت جنازة عزة فكيف لا نتعجب لحالتك؟! فتأثر كثير من هذه الإجابة ووقع على الأرض مغشيا عليه وبعد أن أفاق قال :

ما أعرف النهدى لادر دره

وأزجره (١) للطير لاعز نصره

رأيت غرابا واقفا فوق بانه

ينتف أعلى ريشه ويطايره

فقال غراب اغتراب من النوى

وبانه بين من حبيب تعاشره

وبعد أن ألقى هذه الأبيات صاح صيحة عظيمة ومات ودفن بجانب عشيقته.

مات كثير فى خلال سنة ١٠٥ الهجرية ، ولما توفى فى نفس اليوم عكرمة غلام ابن عباس فقيل فيهما : توفى اليوم أفقه الناس مع أشعر الناس رحمهما الله.

البضيع : على وزن النصير اسم مشهور أصل ماء قبيلة بنى غفار ، وهو بين جبلين فى وادى العقيق.

__________________

(١) الزجر هو إبعاد الطائر بتخويفه عند الذين يتفاءلون بالطير إذا كان الفأل سيئا. تفصيل هذا مسطور فى الصورة الثامنة من الوجهة الثانية من مرآة مكة.

بطحان : يطلق على الصحراء التى تستقر فيها مساجد الفتح.

بطن نخلة : يطلق على بطن نخلة على حديقة النخيل التى تقع على مسافة يومين من المدينة المنورة فى ناحية فيه ، وحول حديقة النخيل هذه أكثر من ثلاث مائة بئر ذات مياه عذبة والوادى الذى فيه يلتصق بطريق وادى ربذة.

بعاث : الاسم القديم لموضع قوران وفى الجهة العليا للموضع الذى يطلق عليه دلال وعلى بعد ميلين من قرية بنى قريظة من جهة المدينة. وعند البعض اسم حصن منسوب لبنى قريظة أو حديقة نخيل.

بعد أن قتل محمد بن مسلمة واليهودى كعب بن الأشرف مر بقيبيلة بنى قريظة ثم بموقع بعاث وهكذا إلى رنوة عريض ومن هناك عاد إلى المدينة المنورة.

بعبع : كان اسم حصن فى قرية قباء.

بغيبغة : اسم بئر قريبة من موقع رشاء. ويطلق على الساحة التى فيها هذه البئر ب غيبات أيضا.

عند ما شرف على بن أبى طالب ينبع البحر حفر كثيرا من الآبار فى ساحة بغيبات ، ووقفها ، وحدائق النخيل التى غرست فى عهده كانت تسقى من الآبار المذكور ونذر سنويا ألف وسق من البلح.

توضيح :

الوسق : يستوعب ستين صاعا ـ أو يقال لحمل بعير وبناء على القول الأول أن (٣٢٠) رطلا عند الحجازيين و (٤٨) رطلا عند العراقيين والرطل (١٢) أوقية والأوقية (٤١) درهما. ولكن هذا الحساب بناء على الرطل الشامى لأن الرطل العراقى أزيد (١٢٨) درهم.

قد أعطى ريحانة الرسول جناب حسين بن على حدائق نخيل بغيبات لعبد الله بن جعفر بن أبى طالب بشرط ألا يزوج ابنته ليزيد ابن معاوية وقال : «تستطيع أن تسوى بمحاصيل هذه الحدائق ديونك وأن تدبر أمور معيشة أهلك».

وقد تملك واستولى على هذه الحدائق بنو هاشم فيما بعد ولكن عبد الله بن حسن بن وضح الأمر إلى مقام الخلافة فرد إلى وقف على بن أبى طالب وأخذ من يد بنى هاشم. وأن أبا جعفر المنصور قد استولى عليها فى زمن خلافته إلا أن الخليفة المهدى أعادها لحسين بن زيد بن حسن. ويرى البعض أن حدائق بغيبات ظلت إلى عهد المأمون فى يد بنى عبد الله بن جعفر فأعادها المأمون إلى بنى فاطمة وأعطى لبنى عبد الله حديقة نخيل أخرى.

بقال : اسم موضع فى داخل المدينة المنورة ، والمنازل التى فى هذه المنطقة تجاور بعضها بقيع الغرقد وبعضها يجاور بقيع الزبير.

بقعاء : على وزن صفراء اسم ذى القصة القديم والتى تبعد عن دار الهجرة أربعة وعشرين ميلا وهو الموقع الذى جهز أبو بكر فيه الجنود لإرسالهم ضد العرب المرتدين.

بقع : بضم الباء وفتح القاف اسم بئر واقعة فى موضع سقيا.

بقيع بطحان : اسم موضع فى وادى بطحان.

بقيع الجنجنة : اسم شجرة تنبت دون غارس ذاتيا ، حيث أعد طين لبنات المسجد النبوى ، وكان فى ناحية مشهد إبراهيم فى بقيع الغرقد.

بقيع الخيل : اسم موضع فى الجهة الشرقية أو الجنوبية من مصلى العيد (يقال له الآن مسجد النبى ويشتهر الآن ببقيع المصلى.

بقيع الزبير : فى محلة بنى غنم اسم محل حيث كانت منازل الزبير بن العوام فى الجهة الشرقية من موقع البقال سالف الذكر ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد أقطعه للزبير بن العوام ويروى أن الميدان الذى فى طريق الغرقد من المنازل الزبيرية.

بقيع الغرقد : اسم المقبرة التى يقال لها جنة البقيع وكانت ساحة هذه المقبرة قبل الهجرة غابة من أشجار الغرقد. قد أمر النبى صلى الله عليه وسلم بقطع الأشجار واتخذه مقبرة.

بكرات : تطلق على بعض الربا التى فى مرعى ضرية.

بلاكت : على وزن مناظر يطلق على موقع فى بطن إضم.

بلحان : كان اسم حصن بموقع سجيرة.

بليدة : بلدة اسم موقع قريب من مكان يطلق عليه فقير من وديان جبل أشعر ، وينسب لعلى بن أبى طالب.

بواطان : اسم جبلين مدببين فى الجهة الشامية من جبل أشعر وهذان الجبلان جبل واحد فى الواقع ولما كان له قمتان مزدوجتان أطلق عليه هذا الاسم.

بضيعة المثنى : وبين هذه الجبال طريق جبلى ضيق قد سار النبى صلى الله عليه وسلم من هذا الطريق فى غزوة العشيرة.

بويرية : اسم البئر التى حفرها أولاد الحارث بن الخزرج لدى حدائق النخيل.

بويرتة : وان كان بئر صغير بجانب حدائق نخيل بنى النضير ولكن بناء على رواية صحيحة أنه اسم جدول فتح لبئر بويرتة لدى حدائق نخيل القبيلة المذكورة. ولم يكن هذا الجدول فى وقتنا فى بويرتة التى فى الجهة القبلية الغربية من مسجد قباء.

بويلة : على وزن رويدة اسم مرج واقع فى قرية بنى النضير.

بيداء : اسم موقع بين ذى الحليفة ودارة مفرح. وفى هذا المكان علم مركوز ويروى أن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال فى حق هذا العلم «العلامة المركوزة فى موقع بيداء وضعت إشارة أن هذا المكان مخرج الإمام المهدى».

بيسان : على وزن ميدان اسم ماء مر بين خيبر والمدينة المنورة ونزل النبى صلى الله عليه وسلم بجانب تلك البئر فى غزوة ذى قرد وسماه بعمان ووصف حلاوة وعذوبة ذلك الماء فتحول طعم الماء واكتسب لذة وعذوبة وأصبح ماء فى غاية العذوبة واللطف فاشتراه جناب طلحة ووقفه.

حرف التاء

تبوك : على وزن صبور اسم موضع مشهور وعلى اثنتى عشرة مرحلة من دار الهجرة فى جهة الشام ويقع بين الشام ووادى القرى. وفى ذلك المكان حديقة وبستان منسوبان للنبى صلى الله عليه وسلم. ذهب النبى صلى الله عليه وسلم فى السنة التاسعة الهجرية قاصدا غزوة تبوك ونصب خيامه بجانب البئر التى فى موضع تبوك.

حيث قام وأمر أصحابه بألا يمدوا أيديهم للبئر سالفة الذكر إلا أن اثنين من الصحابة الكرام لم يسمعا التنبيه الذى صدر من النبى صلى الله عليه وسلم وبما أنهما قد عرفا أن ماء تلك البئر قليل وغير كاف وأرادا أن يعمقا البئر لإكثار مائه ووجدا عصا وأخذا يقلبان ماءها فرآهما النبى صلى الله عليه وسلم وقال لهما «مازلتما تبكوانها فسميت تلك البئر تبوك».

وبعد أن حذر النبى صلى الله عليه وسلم المشار إليهما ومنعهما من تقليب مياه تلك البئر بقوله «مازلتما تبكواها» ثم ضرب بحربته إلى ثلاثة أماكن من تلك البئر حيث تفجر من هذه الأماكن الثلاثة ماء فى غاية اللذة واللطف فغسل وجهه ثم صب الماء المستعمل فى البئر.

تربان : على وزن عربان موقع بين ذات الجيش وملل.

ترعة : اسم واد فى ناحية فدان وهو من أوقاف على بن أبى طالب ويتصل بالجهة القبلية لموضع إضم.

تسرير : اسم واد فى مرعى ضرية.

تضارع : على وزن مضارع اسم بحيرة بموضع فى العقيق.

تعار : على وزن كبار اسم جبل يقع فى الجهة القبلية لموضع وابلى

تعهن (١) : على وزن دشمن اسم ماء على بعد ثلاثة أميال من موضع سقيا فى جهة مكة.

تمنى : على وزن تغنى موضع فى طريق عقبة هرشى يقال للجبال التى بجانبها جبال بياض.

__________________

(١) تقدّم ضبطه فى أول هذه الصورة. راجع (أجرد).

تناضب : على وزن برابط طريق جبلى يبدأ من منزل داود وينتهى إلى وادى العقيق.

تبدو : على وزن هيئت اسم من أسماء دار الهجرة كما يطلق على واد من وديان أجرد.

كما يطلق على جبل فى بلاد جهينة تبدد وبجانب هذا الجبل عدة آبار.

تيس : على وزنت بيك اسم حصن تتحصن به قبيلة بنى عتبان التى تنتهى إلى بنى ساعدة.

تيم : على وزن كرم اسم جبل يقع فى الجهة الشرقية من المدينة المنورة.

تيماء : بلدة ملحقة بالمدينة المنورة على بعد ثمانى مراحل منها.

حرف الثاء

ثاجة : اسم ماء فى موقعى حرض وحراضى.

ثاقل : اسم جبلين أحدهما صغير والآخر كبير بين الحرمين وبينهما طريق جبلى.

بثار : على وزن صغار اسم موضع مشهور قتل فيه عبد الله بن أنيس الذى وقع فى أسر ابن رزام اليهودى.

زفاف صفية رضى الله عنها تزوج النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة خيبر من زينب بنت حيى بن الأخطب ولما وصل إلى موقع بثار سالف الذكر وهو عائد أراد أن يدخل عليها. فخالفت المشار إليها الإرادة النبوية. ولما وصلا إلى منزل صهبا ومالوا إلى جهة دومة الجندل وانعطفا نحوها فرضيت وأطاعت الرسول صلى الله عليه وسلم قائلة : «أرجو ألا تكون قد غضبت من حركتى الأنانية فى المنزل المذكور ، لأن ذلك المكان كان قريبا من بلاد اليهود فلم يكن بعيدا أن يصل أذى تلك الفئة المكروهة إلى سيد البشر. والآن قد عرفت أن أهالى القرى والبلاد التى تحيط بنا كلهم تحت طاعتك

ولن يستطيع اليهود أن يؤذوك هنا» وهكذا مهدت بهذه الكلمات لجبر خاطر الرسول صلى الله عليه وسلم.

اسم المشار إليها زينب وأبوها حيى بن أخطب بن سعنه بن ثعلبة بن عبيد بن كعب ابن الخزرج بن أبى حبيب ابن النصير بن النحام وأمها برة بنت سموأل. ولما اصطفاها الرسول صلى الله عليه وسلم من غنائم خيبر سماها صفية. ولم ترد جناب صفية أن تسلم فى أول الأمر إلا أنها بعد مرور عدة أيام عرضت رغبتها فى الدخول فى الإسلام ، وكانت خيوط سلسلة نسب أبيها حيى بن أخطب تنتهى مع بنى قريظة وبنى النضير وبنى قينقاع إلى سبط لاوى بن يعقوب أى ترتبط بهارون عليه السلام وكان من عظماء هذه القبائل وفى ليلة زفافها ، تولى حراسة خيمة النبى صلى الله عليه وسلم أبو أيوب الأنصارى مسلحا حتى الصباح.

وخرج النبى صلى الله عليه وسلم فى فترة ما من خيمته ولما رأى أبا أيوب الأنصارى يتجول حول خيمته متسلحا فسأله عن سبب ذلك. فقال له «يا رسول الله! بما أن صفية حديثة السن. وأنك قد قتلت أقاربها أباها وزوجها ربما تكون متأثرة ومتألمة بهذا وقد تحاول نتيجة لهذا أن تقصدك بشر ولما فكرت فى هذ الأمر جفا النوم عينى وقررت أن أقوم بحراستك تاركا الراحة والنوم». ولما سمع الرسول هذا الرد فرد عليه قائلا «اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظنى».

وظل أبو أيوب الأنصارى طول حياته تحت وقاية ربه الذى لا ينام. ونتيجة لهذا الدعاء أصبح مرقده المقدس تحت حراسة سكان باب السعادة حيث يتوسلون بروحه السامية فيلتمسون البركة والشفاء. يروى أن حتى النصارى كانوا يذهبون إلى قبره متبركين به ويستسقون المطر به وذلك قبل فتح إستانبول.

ثراء : اسم موقع بجانب واد يسمى جى بين موضعى صفراء ورويثة.

ثريا : اسم ماء مشهور لموقع ضبا فى مرعى ضرية. وإن هذا الماء ينسب إلى قبيلة بنى محارب التى تسكن فى جبيل شعبى.

ثعال : اسم طريق بين رويثة والروحاء.

الثمال : اسم المحجر الذى يطلق عليه صخرات اليمام.

الثمغ : اسم ملك بالقرب من كومة بنى الحمراء فى الجهة الشمالية للمدينة وهو من غنائم يهود بنى حارث وكان من حصة عمر بن الخطاب فوقفه بمجرد أن أخذه.

وعلى رواية أن عمر الفاروق وقف الملك المذكور أولا ثم وقف مؤخرا ما اغتنمه من أراضى خيبر.

ورغم أن هذا القول صحيح يحتمل أن يكون ثمغ اسم لموضعين.

ثنية البول : وهو طريق جبلى بين المدينة المنورة وذى خشب.

وثنية الحوض : وهو طريق جبيل يقع أسفل الموقع المدرج فى مجرى وادى العقيق. ولوجود حوض لمروان بن الحكم بجانب الثنية المذكورة. فقد أطلق على هذا الطريق ثنية الحوض.

ثنية الشريد : وهو طريق جبلى فى وادى العقيق ولوجود كثير من بساتين الفاكهة لأحد الأشخاص من بنى سليم إلى جانب ثنية الشريد ، فقد ملكها سيدنا معاوية لفترة. وهى على يمين الطريق الذى سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم فى رحلته إبان رحيله إلى المدينة المنورة.

ثنية العثعث : وهى تل من تلال جبل حفن بالمدينة تقع بين قاعد المدينة المسماة حصن الأمير وجبل سليع.

ثنية مدران : وهى طريق يقع إلى جوار مسجد تبوك.

ثنية مرة : طريق يقع إلى جوار البئر المجاورة للموضع المسمى الأحياء فى ضواحى رابغ ، وقد حارب عبيدة بن الحرث فى هذا الموضع.

ثنية المرار : وهى طريق جبلى ينتهى بالحديبية.

ثنية الوداع : وهى طريق قريب من جبل سلع فى الجهة الشامية لدار الهجرة.

بين مسجد الراية ومشهد النفس الزكية وكان خلف هذا الطريق فى أول أمره سوف يودع جنود المدينة المنورة الذاهبين لغزوة تبوك بجوار هذا الطريق فقدسمى بثنية الوداع. واشتهر بهذا الاسم ويروى أن ثنية الوداع اسم يعود إلى الجاهلية لأنه على حد زعم اليهود فان من يدخلون المدينة فى ذلك الوقت كان يصيبهم المرض ويموتون.

ومن لم يمت وكتبت له النجاة ، فإنه لن يعود أدراجه من الثنية المذكورة ، ولهذا فإنه لو شاهد أهالى يثرب ضيفا عائدا إلى ثنية الوداع ، كانوا يقولون له متفكهين استودعناك الوباء ، فلا يحق من بعد ذلك.

ولدى البعض هو اسم المكان الذى يسلكه الذاهبون من المدينة بالوداع وعل يرأى أنه المكان الذى ودع فيه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته.

وفى عام ١٢١٤ حفر كور يوسف باشا والى جده هذه الثنية وساوها ، وبنى فيها قصرا له ثلاث قباب أطلق عليه قصر يوسف باشا ، وذلك الطريق ممهد ومستوى إلى أقصى درجة.

حرف الجيم

جار : اسم قرية فى جهة البحر الأحمر على مسافة أربعين ساعة بطريق الإبل.

جاعس : كانت قلعة خاصة بقبيلة بنى حرام غرب مساجد الفتح.

جبار : على وزن كبار اسم موضع داخل حدود غطفان.

جبانة : على وزن خردانة جبانة بالقرب من موضع ذباب.

جبل بنى عبيد : جبل يقع فى قرية بنى عبيد فى الجهة الغربية من مساجد الفتح.

جثجانة : على وزن مستانة اسم موضع بالقرب من وادى العقيق.

جحّاف : على وزن شفّاف اسم مزرعة فى الجهة المسماة سميحة بالمدينة المنورة.

جحفة : على وزن مهرة اسم قرية على بعد خمس مراحل من المدينة المنورة.

جداجد : صحراء مستوية للغاية بين الموضعين اللذين يسميان ذى كثب واجرر.

جد الأثافى : بئر قديمة فى وادى العقيق ، وأثافى على وزن منادى جمع أثفية والأثفية تطلق على الحجارة التى تتخذ موقدا ومعناها حجر النار.

ذو الجدار : اسم موقع على بعد ستة أميال من المدينة من جهة قباء ومن هذا المكان يبدأ سيل بطحان.

جذمان : على وزن نعمان اسم موضع فى بلاد أدس ولهم فى هذا المكان حصن متين لما حارب تبع الحميرى أهل المدينة ـ وهذا القتال من نتائج وقعة مالك بن عجلان ، قطع النخيل الذى فى هذا المكان والآن هناك نخلة واحدة يقال لها جرمان ولعلها تصحيف جذمان.

جراديج : اسم القمم السوداء التى بين السويقة والمثغر.

جرف : اسم موقع على بعد ثلاثة أميال من ناحية الشام ويختلط بصحراء بئر روبة.

ووجه تسميته قول تبع اليمانى : «هذا جرف الأرض» بينما كان يمر من هناك قد توفى مقداد بن الأسود فى هذا المكان فنقل إلى البقيع حيث دفن وقد صلى على جنازته عثمان بن عفان.

جر هشام : اسم السبيل الذى بناه هشام بن إسماعيل فى وادى العقيق.

جزل : وإن كان معناه الحطب الجاف إلا أنه اسم نهر يلتقى فى ذى المروة بنهر إضم.

جاف : اسم موقع يضم بساتين مرغوبة ورياض ممدوحة فى عوالى المدينة.

جفر : اسم بئر فى ناحية مرعى ضرية واسم ماء قريب من فرش ملل.

جلس : اسم محل فى الأراضى النجدية.

جماوات : اسم ثلاثة جبال فى وادى العقيق وسطحها مستو الآن معنى جما غير مدببة.

جمدان : اسم جبل فى وادى أزرق بينما كان النبى صلى الله عليه وسلم يمر من وادى أزرق قال أرى حضرة موسى يمر من هذا الطريق ملبيا ويهبط إلى جبل جمدان.

جموم : اسم موضع فى ناحية الموضعين اللذين يطلق عليهما كشب ومران فى ناحية قباء.

جمة : الماء الجارى الذى سماه النبى صلى الله عليه وسلم قسمة الملائكة فى خيبر.

إن قسمين من هذا النهر إلى جهة وقسم منه إلى جهة أخرى ولحكمة ما فى صورة إذا ما رميت فى منبع هذا النهر ثلاث تمرات تذهب اثنتان منهما حيث يجرى الثلث الآخر والغرابة فى أن أحدا لم يستطع أن يزيد أو ينقص المياه فى أحد المجريين بتغيير المجرى أو خلط المياه.

جناب : اسم موضع بين فيد وأراضى خيبر.

جنفا : على وزن معما ماء جار من مياه بنى فزارة بين خيبر وفيد كذلك.

جنينة : على وزن رويده اسم موضع بين وادى القرى وتبوك واسم الحديقة المسمى ب «روضة الجنينة» بين مرعى ضرية وحزن بنى يربوع.

جواء : اسم ماء جار فى مرعى ضرية.

جوانبه : اسم موضع بين جبل أحد والمدينة المنورة وفى جهة الحرة الشرقية.

جيار : اسم مكان فى خيبر.

ذات الجيش : اسم موضع على بعد ستة أو عشرة أميال من ذى الحليفة فى جهة بدر. عندما ذهب النبى صلى الله عليه وسلم إلى بدر فمر بهذا الموقع.

ذو الجيفة : اسم قرية على حدود تبوك.

جى : اسم موضع بين موقعى عرج ورويثة وهنا تنتهى حدود جبل ورقان. كان فى هذا المكان بعض المنازل وبئران مياههما عذبة وقد اقتحمها سيل بينما أهلها نيام وأغرقهم جميعا وتخربت بيوت القرية.

حرف الحاء

حاجر : موضع يقع فى غرب نقاء وهو من أودية العقيق وينتهى إلى تل يسمى بره وهو موضع نزه جميل وكان شعراء السلف يمتدحونه.

وإن كان فى صحراء نقاء موضعان يطلق عليهما حاجز البيداد حاجز الثناء ولكن عندما يطلق حاجز مجردا لا يشمل الآخرين.

حاطب : على وزن طالب اسم طريق بين خيبر والمدينة المنورة.

حبره : على وزن دجلة اسم برج فى داخل دار الهجرة كما أنه اسم قرية منسوبة إلى جماعة بنى قينقاع واسم موقع قريب للعلافين فى المدينة المنورة.

حلس : على وزن عنف اسم الموقع الذى اندلعت منه نار الحجاز المنذرة.

حبيش : على وزن قبيس كان حصنا على جبل قريب من قرية بنى عبيد.

حجاز : يطلق على القطعة المقدسة التى تشتمل على مكة المعظمة والمدينة المنورة وملحقات اليمن وعلى قول الأصمعى يطلق على الأرضى المحاطة بقمم حرة ليلى وحرة واقم وحرة نار ـ وبناء على هذا يلزم أن تكون قرية بنى سليم المحاطة بجبال متصلة ومنفصلة كاملة بداخل قطعة الحجاز ويستدل على هذا المؤرخون القدامى بأن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على ثنية تبوك فأشار إلى جهة الشام قائلا هنا الشام وأشار إلى جهة المدينة وهنا اليمن وبناء على هذا يقتضى أن يكون

الحجاز من القطعة اليمانية إلا أن هناك من يعتقد أن نصف المدينة من الحجاز والنصف الآهر من أراضى تهامة.

حجر : على وزن فكر قرية من محاذاة الموضع المشهور باسم «أوخصيته» وفى هذه القرية آبار كثيرة ومياه جارية منسوبة لبنى سليم ويروون أن أمامها جبل صغير يسمى قنة الحمر وتعرف تلك القرية فى زماننا بحجرية.

حديلة : على وزن جديدة اسم القرية التى تسكنها جماعة بنى حديلة.

حراض : على وزن نحاس اسم واد من وديان أشعر التى تقع على الجهة الشامية من موضع حورة.

حربى : اسم المحل الذى كان يمتد من جنب مسجد القبلتين إلى موقع يسمى بمزاد وهذا الاسم اسمه القديم وقد غيره النبى صلى الله عليه وسلم باسم صلحة.

حرض : الاسم الآخر للوادى الذى يطلق عليه ذو حرض بالقرب من جبل أحد.

حرة أشجع : اسم المحل الذى بجانب حرة النار وهى ذى حجارة سوداء.

إخطار :

يسمى العرب الموضع الذى احترقت حجارته وتفتتت بالحرة ، وبوادى قطعة الحجاز لكل قبيلة حرة خاصة حيث يقيمون فى أيام الصيف ناصبين خيامهم وبعد أن يمضوا فصل الشتاء يعودون إليها مرة أخرى ويسمون الجمال التى ترعى فى هذه الأماكن حرى :

حرة بنى بياضة : بجانب حرة المدينة المنورة الغربية

حرة حقل : فى وادى أزه.

حرة الحوض : بجانب حوض زبالة بن أبيه الذى بين وادى العقيق ودار الهجرة.

حرة راحل : فى بلاد بنى عبس.

حرة رجلة : فى المكان الذى يسمى بلاد بنى القين بين الشام والمدينة والمنورة.

حرة رماح : فى المحل الذى يسمى دهناء.

حرة زهرة : فى حرة واقم.

حرة بنى سليم : فى أسفل المواقع الذى يسمى قاع وعلى الطرف الشرقى من مرعى البقيع.

حكمة

بناء على تدقيق مؤلف نخبة الدهر وبيانه أن غير سواد حجارة حرة بنى سليم فوجوه سكانها أيضا ذو سواد شديد ، حتى حيواناتهم إلى كلابهم سوداء اللون. ولما كانت هذه الحالة من خاصية تلك الحرة فإذا ما أخذ حيوان أبيض من الخارج واستخدم تغير لونه فى فترة قصيرة فيسود والله على كل شىء قدير.

حرة شوران : فى وسط وادى مهزور.

حرة عباد : فى أسفل المدينة المنورة.

حرة عضيدة : فى غرب وادى بطحان.

حرة قباء : فى الجهة القبلية لدار الهجرة.

حرة ليلى : قمة فى بلاد بنى مرة بن غفطان وبين وادى القرى والمدينة المنورة. ولحرة بنى مرة ينابيع كثيرة ومنابت نخيل.

حرة معاصم : فى موقع ذى الجدر ومبدأ مجرى نهر بالحان.

حرة ميطان : جبل فى الطرف الشرقى من بلاد بنى قريظة.

حرة النار : فى ناحية خيبر وفى مكان قريب من حرة ليلى ، وعند البعض بين وادى القرى وبلدة تيماء ومن المحتمل أن تكون حرة فداء.

وقد أطفا خالد بن سنان النار التى اشتعلت فى الحرة المذكورة دون أن تمتد شرارتها إلى الجهات الأخرى.

ويعتقد بعض المؤرخين أن النار المذكورة ظهرت فى الجبل الواقع فى حرة الأشجع وأن هذه النار ـ على حد قول المؤرخين المتقدم ذكرهم ـ قد اشتعلت وتأججت بحيث انبعثت أضواؤها إلى وادى رندة الذى يبعد ثلاث ليال ، بحيث كانت الجمال التى ترعى فى هذا الوادى لا ترى من شدة الضوء.

وإن لم يعين المؤرخون تاريخ ظهور تلك النار ، إلا أنه من المحتمل أن يكون ذلك فى عهد الفاروق عمر ـ رضى الله عنه ـ إذ إنه رأى شخصا غريبا فى المدينة فسأله : «ما اسمك؟» فقال : «أنا حمزة بن شهاب» فقال له وما بلدك؟ ققال «أبى من قبيلة حرقة وأسكن فى حرة النار الكائنة فى ذات اللظى» ، فقال له «إن الحرة قد احترقت». وبهذه الإشارة أخطره بظهور النار. ولما علم حمزة بن شهاب بهذا الخبر عاد إلى قريته دون إبطاء فرآها قد تخربت من جراء النيران المشتعلة.

وحرة واقم : اسم قمة فى الجهة الشرقية من دار الهجرة. وكان بنو الأشهل قد بنو إلى جانب هذه الحرة برجا سموه برج واقم ؛ وإلى هذا مرد تسميتها بذلك الاسم. وتقال لهذه الحرة حرة بنى قريظة وحرة زهرة أيضا والمقتلة الهائلة التى حدثت كانت فى هذا الموقع كما عرف فى الصورة التاسعة من الوجهة الثالثة.

حرة الوبرة : على ثلاثة أميال فى الجهة الغربية من المدينة وتلى وادى العقيق ، وينسب قصر عروة ومزارع هذا القصر فى خيف الوبر الذى ينسب إلى الحرة المذكورة.

حزرة : اسم الوادى الذى يقيم فيه بنو عبد الله بن الحصين الأسلمى وقبيلته.

وفى نهاية قرية بنى عبد الله نهر مشهور والذى ينتهى إلى فقارته من وديان أشعر.

حزن : طريق بين خيبر والمدينة ولم يستصوب النبى صلى الله عليه وسلم أن يسلك هذا الطريق بل طريق مرحب.

حساء : وإن كان معروفا بأنه موضع فى ديار بنى أسد ، ولكن إذا ما نظر إلى شعر عبد الله بن رواحة الآتى ، إذ ذكر المشار إليه حساء لما كان ذاهبا إلى مؤتة من الشام يلزم أن يكون الموضع المذكور فى طريق مؤتة.

إذا أدّيتنى وحملت رحلى

مسيرة أربع بعد الحساء

فشأنك أنعم وخلاك ذمّ

ولا أرجع إلى أهلى ورائى (١)

حسنى : اسم جبل قريب من ينبع البحر ، واسم صحراء بين موضعى عذيبة وخار ، واسم حديقة من الأوقاف النبوية.

حسيكة : محل واقع فى الجهة الغربية من موضع ذباب وكان فى الجاهلية مقر اليهود. تطلق الحسيكة أيضا على الحدائق التى بجانب قصر ابن شمعل والى الناحية التى يوجد فيها قصر ابن عمر فى أراضى ابن ماقية. وكلها أسفل المكان الذى يسمى جرف.

حشاء : الاسم الآخر لجبل الإيوان ويروى أنه اسم موضع فى الجهة اليمنى من وادى آره.

حشان : اسم برج يطل على الجهة اليمنى للذاهبين إلى مقبرة الشهداء فى أحد.

وحشاشين : اسم قرية منسوبة إلى بنى قينقاع وكان حصن طلحة بن أبى طلحة الأنصارى فى بستان متصل ببستان عبد الرحمن بن عوف فى الجهة الشامية من مدينة الرسول.

حضرة : اسم موضع على ثلاث مراحل فى خارج المدينة ، وكان اسمه القديم عفره فبدله الرسول صلى الله عليه وسلم بحضرة. رجا سكان ذلك المكان أن يجدما حلا لعلة الوباء الذى يظهر فى مساكنهم بكثرة وأن ينقذهم منه ، فقال لهم «هاجروا إلى مكان طيب الهواء والماء». فقالوا له : «كيف يمكننا أن نترك مكانا كان موطن أبائنا وأجدادنا؟ وقد دبرنا لأهلنا وعيالنا البساتين والمنازل كما دبرنا مآكل دوابنا وأماكن إيوائها واستطعنا أن نتدبر طريقة معيشتنا إلى درجة ما» وهكذا عرضوا عذرهم فى عدم مغادرة مساكنهم وعندئذ قال لهم عمر بن الخطاب : «إذن فلا بد أن تبحثوا عن مكان قريب من مفازتكم لتنتقلوا هناك وأن تتناولوا فى الصباح قليلا من زيت الزيتون واستعملوا بعض العطور ولا تمشوا حافيى الأقدام ولا تناموا نهارا» ، وبين هلم فى صورة حكيمة أنهم إذا راعوا القواعد الصحية بإمكانهم أن ينجو من الوباء.

__________________

(١) البيتان فى الطبرى ٣ / ٣٨.

حضير : فى أول عقيق وهو موضع ذو آبار ومزارع متعددة وأرض مستوية.

حفياء : موضع على بعد ستة أميال أو على سبعة أميال من المدينة ويروى حيفا أيضا وفى أسفل الموضع المسمى غابة.

حفير : اسم ماء فى ديار بنى سعيد وأطرافه محاطة بحدائق الخيل ، واسم محل بين الحرمين.

وحفير المشهور فى زماننا موقع بين ذى الحليفة وملل.

حقل : يطلق حقل على ثلاثة مواقع يقال للأول «أرة الصحراء» الحقل ، وللآخر روضة حقل ، وللثالث حرة حقل.

حلاء : على وزن نساء عدة جبال جرداء فى القرب من جبل ميطان الواقع فى محاذة موقع شوران لا ينبت فوق هذه الجبال الأشجار أو ما يشبهها.

حلا : بأصعب وهو عبارة عن جبال حلا يرد من هنا سيول نهر بطحان.

حليت : اسم جبل عظيم بجانب مرعى فيد وهذا الجبل أعلى الجبال التى فى هذه الناحية غير جبل شعبى وفوقه منجم ذهب اقتحمه ماء ويروى أن فى القديم قد أخرج من هذا المنجم ذهب وفير.

حليف : على وزن زبير ، اسم منزل فى داخل قطعة نجد وعندما خرج بنو كلاب من المدينة سكنوا فى هذا المنزل.

حليفة : اسم نبات معروف إلا أنه اسم نهر فى وادى العقيق واسم موضع بين ذات العراق وجادة ، واسم منزل بين المدينة وتبوك ، ويحرم حجاج المدينة فى ذى الحليفة. ويطلق أهل المدينة على منزل الحليفة بئر على ويعتقدون أن حضرة على قاتل طوائف الجن فى هذا المنزل ولا أصل لهذه الحكاية. ولما كان الماء الذى فى حليفة بئر جماعة قبيلة مزينة فنسبة هذه البئر إلى على بن أبى طالب خطأ ، ولا يعرف ذلك المنزل بالحليفة فقط بل يشتهر باسم ذى الحليفة إلى المدينة.

قال ابن إسحاق إن المدينة على بعد خمسة أميال ونصف من ذى الحليفة الذى يقع فى جهة مكة ، كما سطر على اللافتة التى ركزت فى ذى الحليفة أن المسافة من المدينة إلى ذى الحليفة خمسة أميال ونصف ميل. وهناك لافتتان فى جهة مكة فى ذى الحليفة وهذا المكان يبعد عن المدينة ستة أميال. لأن فى كل من مدخل ذى الحليفة ومخرجه علمان ولافتتان. وحكم ابن صلاح أن المسافة بين المدينة وذى الحليفة ثلاثة أميال. إلا أن ابن حزم قال : إننى قست المسافة من عتبة باب السلام للمسجد النبوى إلى عتبة مسجد الشجرة فى ذى الحليفة فوجدتها (٩٧٣٢) ذراعا. وإذا ما نظرنا إلى هذا القول نجد أن المسافة بين المدينة وذى الحليفة خمسة أميال وثلثا ميل إلا مائة ذراع. وإن هذه الرواية أقرب إلى الصحة.

استطراد :

توجد طرق متعددة للدخول إلى البلدة النبوية الطاهرة من الخارج فى جهاتها الأربع وكل قافلة تسير وفق الطريق الذى يناسبها ، وكل الطرق فى الجهة الواحدة تتصل فى نقطة واحدة.

الجهة الغربية :

إن الطرق التى توجد فى هذه الجهة هى : سلطانى ، ملف ، فرع ، غابر وكلما تقترب هذه الطرق من المدينة المنورة تلتصق بعضها ببعض وعندما تصل إلى موقع ذى الحليفة (بئر على) تتحد الطرق الأربعة وتكون طريقا واسعا عظيما. وباب العنبرية من أبواب حصن المدينة الخارجى يقع فى هذه الجهة بين تكية المرادية والمعسكر السلطانى. وبناء على هذا فقوافل الحجاج والزوار والتجار تدخل وتخرج على الدوام من هذا الباب ويبيت محمل مصر مع جنوده فى مكان قريب من هذا الباب. والباب الذى فى هذه الجهة من داخل الحصن أجمل وأشهر من الأبواب الأخرى وبما أنه بين بعض الأسواق اشتهر بالباب المصرى.

وإن كان الرصيف الذى بين مسجد السعادة ومسجد الغمامة ممتدا إلى الباب المصرى ؛ إلا أن الجهة التى من مسجد الغمامة إلى الباب المذكور قد اندرست واختلط ترابها بحجارتها لا يعرف أنه رصيف.

ولمسجد السعادة النبوية بابان فى الجهة الغربية وللحجرة المعطرة باب واحد. وأحد أبواب مسجد السعادة باب السلام والآخر باب الرحمة وإذا قارنا بين السلام من حيث الحجم والزينة والأبواب الأخرى فنجد أنه فى الدرجة الأولى وباب الرحمة فى الدرجة الثانية. ويطلق على الباب الذى فى هذه الجهة للحجرة المعطرة : باب الوفود ، وكلما فتح هذا الباب يستخرج من الحجرة المعطرة المصحف العثمانى الذى يحفظ فيها ويتلى. ويشترط فى ذلك أن يكون من يتلوه من العلماء الصالحين. لأن كل من يتلوه يموت فى اليوم الثالث ، إذا لم يمت فى اليوم الثالث يكاد أن يكمل سنة واحدة. وقد تلاه السيد عبد الله الدراجى التونسى والسيد محمد ابن السانوسى الفاسى والشيخ عبد الغنى الهندسى النقشبندى وارتحل الثلاثة فى ظرف سنة واحدة عن دنيانا وكانوا كلهم من العلماء العاملين والمشايخ الكاملين.

وإن يشتهر بين الأهالى أن ذلك المصحف هو المصحف الذى كان فى يد عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ حين استشهاده إلا أن هذا الظن خاطئ. وفى الحجرة المعطرة مصحف آخر يدعون أنه قد كتب من قبل حضرة على بن أبى طالب ـ كرم الله وجهه ـ وقد كتب الاثنان على ورقة خضراء بخط كوفى. إلا أن خط المصحف الذى ينسب إلى سيدنا على أرق وأدق من الآخر.

والمسافرون الذين يقومون من بئر على ذاهبين إلى المدينة المنورة يجعلون جبل عير على يمينهم وقمم جماوات على يسارهم ويمرون من الطرف الشامى لمجرى سيل العقيق ويصلون إلى أراضى أبى بريقة المتصلة بالجهة الشامية من جبل عير.

وهناك حقول مزروعة وحدائق نخيل صغيرة وماء عين السرانى. ولكن مجرى عين السرانى قد حفر حديثا فلم تنبت بعد حدئق النخيل على طرفيها.

فالذين يقومون من منزل أبى بريقه يصلون إلى الحرة الغربية ومن هنا إلى مدرج. وإن كان فى الحرة الغربية بناء قديم يطلق عليه عوام الناس قلعة اليهود إلا أن هذا المبنى قصر بنى فى عهود بنى أمية لحبس شخصية كبيرة وتوقيفه فما يذهب إليه العوام غير صحيح.

كان يقال لمدرجة فى الأوائل نقب بنى دينار والبئر المشهورة التى يطلق عليها بئر عروة فى الجهة اليسرى من منزل مدرج ففى جهة منه أراض لزراعة الشمام والبطيخ والجهة الأخرى مجرى نهر العقيق. ويخرج من هذا المجرى إلى مدرج إلى الأمام ففى الجهة اليمنى بناء قديم وبركة ومزارع غير معمورة يعرف ذلك البناء باسم سبيل قائد.

وعلى القمة التى تقع فى نهاية الموقع الذى يقال له رقيقين من مدرج مسجد المنارتين الذى يطلق عليه قبة الخضر وبعد أن يتجاوز المسافرون قبة الخضر يدخلون إلى أراضى نقاء التى زرع جهاتها اليمنى بالذرة وحديقة أم الرحم وجهاتها اليسرى قد زينت بمزارع بئر الوردى وبئر زمزم ومزارع أخرى والمسجد الذى يطلق عليه قبة الروس مسجد السقيا وهو فى وسط وادى نقا وبئر سقيا أيضا فى الجهة القبلية من ذلك المسجد.

كان شخص من مجاورى المدينة الطاهرة يسمى عبد الله عرب الميمنى اشترى مزرعة صغيرة فى منزل نقا. وقد استصلح هذه المزرعة وبنى على الجهة التى تقابل الطريق منزلا واسعا وحفر حوضا كبيرا. وأقام على جوانب هذا الحوض مساقى صغيرة تشرب منها الدواب كما صنع مخزنا خاصا بالعمال الذين يعملون فى المزرعة على الجهة الغربية من ذلك المنزل. وكان المارون وعابرو السبيل يسقون حيواناتهم ثم يستريحون فى ذلك المنزل ويستظلون.

هناك فى الجهة اليسرى من مسجد السقيا مزرعة وتنسب هذه المزرعة للسيد أحمد الرفاعى والذين يتجاوزون هذه المزرعة يصلون بعد مدة قصيرة إلى باب عنبرية.

وبجانب باب العنبرية ركن المعسكر السلطانى والثكنات. وأمام هذه الثكنات طريق واسع على يمين الثكنات السلطانية مبانى مستشفى الغرباء التى بدأ العمل فيها ولكنها تركت قبل إتمامها ، وعلى شمال تلك المبانى السور الداخلى وحديقة قاضى ينبع السابق إبراهيم عداد وطريق آخر يؤدى إلى سنح والمساجد الأربعة وإلى نواحى جرف وعقاب والقبلتين وإلى المواقع المختلفة فى خارج المدينة.

وإذا ما ترك هذان الطريقان ودخل من باب العنبرية يقع فى الجهة اليمنى من الباب باب ثكنات الجنود وعلى الجهة اليسرى عمارة والى مصر الأسبق محمد على باشا وإذا ما تجاوزناهما نكون قد دخلنا فى العنبرية.

ولما كان شارع العنبرية أوسع طرق البلدة الطاهرة وأكبرها انتظاما فالحجاج والزوار وقوافل التجار يدخلون دائما من هذا الباب ويخرجون ولما كان ماؤه وهواؤه معتدلين وجيدين فهذا المكان دائم الازدحام.

وعلى الطرف القبلى من هذا الطريق : حوش ظوافير الذى يشتمل على ستين حجرة ذات باب تحتانى.

وأمامه حوش الراعى الذى يشتمل على مائتى حجرة (١) وبجانب هذا الحوش مسجد صغير المئذنة رباط جديد ، وفى اتصال الرباط طاحونة آلية ومنزل خاص لمن يديرون هذه الطاحونة من العمال وبجانب المنزل مقهى وتلك الطاحونة مع جميع مشتملاتها وقف أغا باب السعادة المرحوم بهرام أغا.

وكان أمام الطاحونة منزل شيخ الحرم النبوى الأسبق المرحوم خالد باشا. وبما أنه احتيج إليه لوضع مشتملات الطاحونة المذكورة اشتراه بهرام أغا.

وكان أمام المقهى المتصلة بدائرة الطاحونة منزل أحمد أغا من الأهالى ، وكان لهذا الحوش ستون حجرة وفناء واسع.

وبجانب باب حوش أحمد أغا دار زوجة أغا الطابور حافظ أفندى وأمامها منازل كبيرة ملك أسرة ظوافير وحوش طويل ، وحوش أبى جنب ، وفى اتصالهما

__________________

(١) وبعض حجرات حوش ظوافير سفلية ولكن أكثرها علوية.

منازل أسرة ظوافير ومنازل بعض الفرسان وفى الجهة القبلية منها دار فاطمة حازمية ، وفى اتصالها الشرقى دار سيد جعفر الهاشمية ، وأمامها دار على موسى أفندى وبجانبها دار عامر الجعفر العلاف ، وبجانب دار عامر الجعفر طريق حديقة الهاشمية ، وأمام باب هذه الحديقة حوش عبيد (١) ، وأمامه خرابة أبى جود الحمدانى. ولكن بين حوش عبيد وخرابة أبى جود الحمدانى وشارع كاتبية. وحوش معيكة وحوش سنان فى هذا الشارع ، وفى نهايته عدة منازل وطاحونة وزاوية منسوبة إلى الشيخ محمد بن سانوسى ذات مئذنة وزقاق كاتبية مسدود.

وفى اتصال خرابة أبى جود الحمدانى حوش خيارى وأمام هذا الحوش بعض المنازل وطاحونة وعدة دكاكين وخرابة وقف أسعدية. ودور أبى الجود وأمامها دار الشريفة الهاشمية ، وعلى طرفها الشرقى زقاق السلطان ، وفى مدخل زقاق السلطان منزل كبير منسوب إلى المغاربة ، وبقربه منازل حيارى وسمان والشيخ أحمد الفقيه وأحمد الصابغ المصرى والعمارات (٢) المنسوبة لمبرة مراد الرابع العثمانية وبجانب هذه العمارة مجرى سيل أبو جيده ، وفى الجهة الغربية من هذا المجرى مخبز وبجانبه جسر سنان باشا وعندما يصعد فوق الجسر يرى فى مجرى الجسر من الحديد.

وبعض دور المجاروين فى جهة باب قباء لجسر سنان باشا وحوش عميرة (٣) وفى اتصاله زاوية السيد محضار وفى اتصال هذه الزاوية حوش متاع ، وفى الجهة القبلية لباب هذا الحوش مركز شرطة باب قباء وفى الجهة الشامية دار محمد بن صالح الحيدرى ، ومن المجرى إلى الجسر قنوات عين الزرقاء فمياه الثكنات السلطانية وعمارة المرادية ومياه أهالى محلة العنبرية ودور الإيجارية التى فى هذه الناحية والذين يسكنون فى ناحية تجرى وتسير مياهها فى هذه القنوات

__________________

(١) حوش عبيد من مبانى آل خيار المسقفة.

(٢) وإن كانت هذه العمارة فى غاية السعة إلا أنها ظلت فى حالة خراب وقد خصت لسكنى عساكر الهجين والخيالة.

(٣) يتألف حوش عميرة من مائة وخسمين حجرة ومن هذه الحجرات حجرات علوية ذات سطوح.

ومجرى السيل الذى فى الطرف الشامى للجسر من جبل سلع ومن بين طرق عين الزرقاء ومن الجهة الغربية لعين غرابية ثم يلتصق بمجرى سيل حمزة الواسع.

وبجانب جسر سنان باشا المشار إليه بركة القوافل المصرية وبجانب هذه البركة دار لطيف أفندى مترجم خزانة المديرية ، وفى الطرف الشامى من هذا المنزل دار مصطفى بلا جلى فوق مجرى السيل. وبجانبها البيوت العشرة وفى الجهة الغربية دار أحمد أفندى سالف الذكر وخلفها الحوش الكبير الجديد. وفى الطرف الشرقى من هذا الحوش حما مناخه. والبركة التى ذكرت آنفا حوض كبير وعميق وبما أنه كان يملأ أولا من عين الزرقاء سمى ببركة الحج الشامى.

وأمام البيوت العشرة بيوت الصعايدة العالية المنتظمة وخلف هذه البيوت زقاق السلطانية وفى هذا الزقاق بعض بيوت للإيجار وحديقة صيارى ومئذنة قديمة. وإن كانت هذه المئذنة مئذنة مسجد العمارة المرادية وبما أن المسجد قد انهدم واندرست ساحته وانعدمت فلا يؤذن فوق هذه المئذنة.

وهناك طريق يمتد من زقاق السلطانية إلى وادى «سح» ومن هنا إلى زقاق قشاشى وبعده إلى مناخة وزقاق طيار وفى زقاق طيار حديقة عبد القادر خوج وأمام هذه الحديقة دار على الصياد وبجانبها حوش درج فى الطرف الشمالى لحوش أبو شوشة.

وحوش طوطى وأحواش أخرى. ولما كان حوش أبى شوشة فى غاية الكبر ويشمل على أماكن ملاصقة للجهة الشامية من السور الخارجى وغرف كثيرة. وأمام دار المترجم أحمد نظيف أفندى مدرسة خاصكى السلطان وفى الجهة الشرقية من سيل أبى جيده وفى الجهة الشرقية من هذه المدرسة المخبز الميرى وأمامه باب حمام أحمد نظيف أفندى والمنازل التى يسكنها.

وبجانبها بعض المنازل القديمة وفى نهايتها المنزل (١) الذى وقفه المرحوم سليم

__________________

(١) يقيم فى هذا المنزل السيد علوى السقاف شيخ السادات العلوية.

بك من حجاب السلطان عبد المجيد والد السلطان لسبيله وأمامه داران ومدرسة للصبية.

وأصبحت مدرسة خاصكى سلطان فترة ما دائرة حكومية ثم اتخذت مستشفى للعساكر السلطانية وفى داخلها حديقة صغيرة ومسجد ذات مئذنة فى غاية الظرف والجمال.

وفى الطرف الشرقى لتلك المنازل المذكورة ومدرسة الصبية بعض البيوت وفى نهايتها منزل آكاه أفندى من نقباء النظامية وبين المدرسة والمخبز الميرى حوش منصور وأمام هذا الحوش وفى الجهة الشامية من الطريق وبالقرب من جدار مسجد الغمامة (١) الكائن فى ميدان مناخة منازل صغيرة وفى شرق الطريق سالف الذكر دكاكين الخزانة النبوية وأمامها مركز شرطة خالدية وفى الجهة الغربية من مركز الشرطة دكاكين الخزانة النبوية أيضا مع منزل (٢) إمام مسجد غمامة ، وأمامه سبيل سليم بك ، وفى الطرف الشامى من هذا الطريق زقاق طريق حديقة الداودية الخاصة بشيخ الفراشين برى أفندى ، وفى الجهة الشرقية من هذا الزقاق منزل السيد علوى السقاف ، وفى الجهة الشرقية من هذا البيت منزل شيخ الفراشين برى أفندى وأبناء عمه ومن هذا البيت منازل مصفوفة تنتهى إلى باب الكرمة ، وفى الجهة التى تقابل مناخة لهذه المنازل ثلاثة أزقة منفصلة بعضها عن بعض.

وبجانب منزل برى أفندى خرابة خاصة بآل برزنجى وبجانبها مسجد منسوب إلى الصديق الأعظم وبجانبه عين الزرقاء التى تسمى عين مناخة.

وإن كان مسجد الصديق من المساجد التى كانت مصلى النبى صلى الله عليه وسلم وبما أنه من غير منبر لا يصلى فيه صلاة الجمعة وتؤدى صلاة الجمعة فى مسجد السعادة ومسجد غمامة ومسجد قباء ويغلق فى الأذان الأول مصارع بابى المصرى وباب الصغير.

__________________

(١) ولمسجد الغمامة اسم آخر هو مصلى العيد النبوى.

(٢) قد أشرف هذا المنزل على الخراب فجدده السلطان وجعله رصينا متينا

وبجوار عين مناخة منهل آخر خاص بالنساء وبجانب هذا المنهل عدة دكاكين ومقهى.

ومن الدكاكين التى تواجه ميدان مناخة الذى على الطرف الشامى من هذا المقهى إلى مسجد سيدنا على والرباط صف من المنازل موقوفة بشروطه. لإقامة عبيد العين فجميع الذين يستخدمون فى أمور عين الزرقاء وقنواتها يسكنون فى هذه المنازل ، وفى طرف من مسجد على دار مفتى المدينة المنورة السابق عبد الرحمن إلياس بن تاج الدين ، وفى الطرف الآخر الطريق الذى ينقسم إلى زقاق الطيار وزقاق قشاشى.

وزقاق الطيار يمتد إلى حديقة حسين بافقيه العلوى ، وفى هذا الزقاق عدة أزقة مسدودة ، ومنازل تستأجر ومخابز وطواحين وبعض منازل فاخرة.

ولما كان زقاق قشاشى شارعا ينتهى إلى ناحية سح والزقاق السلطانى ويمكن المضى إلى أى مكان منه ، وزاوية قشاشى فى هذا الطريق. وبين زقاق الطيار وزقاق جعفر عدة منازل فى مواجهة السور الداخلى ونهاية زقاق الطيار المتسعة نهايته زقاق جعفر. وهذه النقطة مبدأ ميدان المناخة.

ومنزل قرة باش الذى يستأجر له باب ينفتح على زقاق الطيار وباب كبير ينفتح على ميدان المناخة. بين المنازل التى تواجه السور الداخلى. وهناك طريق يمتد من زقاق جعفر منازل كثيرة ويتجاوز منزل شيخ الفراشين والوصول إلى مسجد الغمامة ، رصيف يسميه أهل المدينة بلاطيا وطول هذا الرصيف بمقياس ذراع اليد من عتبة مسجد غمامة إلى عتبة باب السلام ألف ذراع. ويروى أنه كان فى القديم من باب السويقة إلى عتبة باب مصر رصيف واسع كالرصيف المذكور إلا أن هذا الرصيف قد اندرس الآن وبين مسجد غمامة وباب مصر وبين سبيل فاطمة أسواق عرفت مساحتها ومواقعها فى وجهة خاصة.

ينسب سبيل فاطمة لبعض الملوك إلا أن إدارته فى يد الأوقاف المصرية. وفى

الطريق إلى حرم السعادة على يمين الشارع الذى يؤدى من الباب المصرى إلى باب السلام خمسة أزقة وعلى يساره ستة أزقة.

والأزقة التى على يمين الشارع ثلاثة منها طريق عام والاثنان طريق عام. والأربعة طريق خاص وأحد طرق الجهة اليمنى شارع مقعد بنى حسين. ويتشعب شعبتين تنتهى إحداهما إلى قصر السيد محمد جمل الليل الذى أمام مناخة وتنتهى الأخرى إلى المخازن الأميرية كل واحد منهما منتظمان ومزينان بمنازل منتظمة.

ويعد طريق مقعد بنى حسين بشعبتيه من الطرق الخمسة.

طريق المخزن الأميرى.

ويطلق أهل المدينة على هذا الطريق زقاق الشونة وهو أمام الخان الجديد الذى بناه السيد صافى حديثا ، ويتصل بأحياء الصالحية الذروان. وحارة الأغوات ، وبالطرق التى حول أطراف حرم السعادة الثلاثة ، وبعد زقاق الشونة أزقة الذرندى وبعده سقيفة الرصاص ، وبعده زقاق الحمزاوى.

وإن كان زقاق الذرندى طريق مسدود فشارع سقية الرصاص يؤدى إلى الحمام الذى فى ذروان وإلى الأماكن الأخرى المقصورة وزقاق الحمزاوى يؤدى إلى الأماكن المرغوبة فى الذهاب إليها. ولما كان فى زقاق الحمزاوى بعض دكاكين الخياطين فالاسم الآخر لهذا الشارع شارع الخياطين وإن كان زقاق الحمزاوى قريبا جدا من باب السلام إلا أن بينهما مدرسة بشير أغا.

وطرق الجهة اليسرى ابتداء من الباب المصرى أولها زقاق سوق الشروق ، والثانى زقاق العينية ، والثالث زقاق الدكة ، والرابع زقاق الشقرة والخامس زقاق الكبريت والسادس زقاق العياشة ، ولما كان بائعو العباءات يقيمون أسواقا فى زقاق الشروق قديما فإن الاسم الآخر لهذا الزقاق سوق العباية وما زال حتى الآن يفرش بائعو العباءات بضاعتهم فى هذا الزقاق. ومن سوق العباية يمضى إلى قبر أبى النبى سيدنا عبد الله بن عبد المطلب فى زقاق الطوال. ومرقد مالك بن سنان

الأنصارى فى هذا الزقاق كذلك منازل السادة الأسعدية وأمام مرقد مالك بن سنان زقاق سقيفة الأمير وفى الجهة الشامية منه زقاق حماطة. وكان يطلق على زقاق الحماطه قديما مخاطة ، ومن الممكن الذهاب من هذا الطريق سواء أكان إلى الباب الشامى والباب الصغير أو الأماكن الأخرى.

زقاق الدكة أمام زقاق الشونة الذى يقع أسفل خان السيد صافى الجعفرى وزقاق الشقرة بجوار خان المذكور كذلك ، وزقاق الكبريت فى صف هذه الأزقة إلا أن هذه الأزقة الثلاثة أزقة مسدودة.

سوق العياشة : طريق ينتهى إلى باب الرحمة وساحة الباب الشامى ؛ وبين باب السلام وهذا الطريق منزل الأزميرلى وتحت هذا المنزل عين باب السلام وفى اتصاله المحمودية.

وفى الجهة الشامية من البلدة الطيبة شوارع رخامى ، كنانة ، مخيط وهذه الشوارع الثلاثة تتحد فى موقع ثنية المدينة التى تعرف فى زماننا بقصر يوسف باشا ، وتصبح طريقا متسعا.

وطريق رخامى يمضى إلى جهات حائط وحويط ، جبل شمر ، تيماء وطريق كنانة يمضى إلى وادى حمض ، وطريق مخيط إلى بلاد الشام وينبع البحر ومصر فالقوافل والزوار يسلكون هذا الطريق فى ذهابهم وإيابهم.

الأبواب : وللمدينة المقدسة ثلاثة أبواب : أحدها فى السور الخارجى والاثنان فى السور الخارجى أمام جبل سلع لذا يطلق عليه باب الجبل ، وباب الكرمة ويستخدم هذا الباب فى الدخول والخروج سكان جفرة المتصلة بجبل فقر من قبائل عنابة والمساجد الأربعة وأحامد وأصحاب الحدائق التى فى جهة سح وكذلك زوار غار بنى حرام والمساجد المذكورة. وكذلك الحيوانات التى تساق إلى المذبح الذى بجانب قبة السلام تدخل وتخرج من هذا الباب. يطلق على أحد بابى السور الداخلى : الباب الشامى ، وعلى الآخر باب السحيمى. والباب

الشامى بجانب القلعة السلطانية وفى الجهة الشرقية منها وباب السحيمى مجمع مجارى ميضأة الحرم الشريف وللحجرة الشريفة باب واحد فى هذه الجهة ويعرف ويشتهر بالباب الشامى.

لما كانت دكة الأغوات فى الطرف الشامى من هذا الباب تخرج شمعدانات الحجرة المعطرة من هذا الباب فى ليالى رمضان عقب أداء صلاة التراويح.

والأطراف الثلاثة عيون ، جرف ، سيدنا حمزة التى تنتهى إلى مدينة الرسول من هذه الجهة تتحد عند الثنية التى يطلق عليها قرين بجوار داوودية والذى يصلون إلى هذه الثنية يكونون قد اتخذوا جبل سلع على يمينهم.

وبما أن جبل سلع فى موقع يشرف على منظر المدينة المنورة وجهاتها الأربعة وبما أن الأهالى قد تعودوا على الصعود فوقه للتنزه فى مواسم خاصة فعليه دكك كثيرة لجلوس الناس ، والضريح المذكور لسيدنا محمد زكى الدين الذى استشهد فى العصر العباسى فى المحل الذى يسمى أحجار الزيت فى سفوح ذلك الجبل وخلف القبة التى تحيط بمرقده حديقة على أغا العرزانى ، وفى الجهة القبلية منه منهل عين الزكى ، وفى الطرف الشرقى منه حديقة داود باشا والى بغداد الأسبق ، وفى الجهة الشرقية منها طريق سيدنا حمزة ، وفى الجهة الشرقية من هذا الطريق الشارع الذى ينتهى إلى بلدة أحمد بساطى ، وفى الطرف الشرقى من هذا الشارع ناحية صدقة وشارع النخيل الذى فى هذه الجهات وبعد ذلك موقف المحمل الشامى.

وحديقة داود باشا حديقة عظيمة للنخيل فيها قصر فخم وحوض كبير. وبناء على ما يرويه أهل المدينة أنه لا يوجد قصر فخم فى حدائق المدينة الطاهرة يضارع القصر الذى فى داخل حدائق داود باشا. وفى موقع المحمل الشامى مسجد يعرف باسم مسجد السبق وفى سفوح هذا الجبل الذى فى الجهة الغربية من هذا المسجد منازل دكانه.

وفوق قمة هذا الجبل قصر معلى المؤسس على بعض العقود. ولما جدد هذا

القصر شيخ الحرم المرحوم شريف باشا ظل اسم القصر قرين شريف باشا ويذهب إليه الناس من حين لآخر حيث يتنزهون.

وفوق جبل سلع مسجد دكانة الصغير وأسفل هذا المسجد بعض الأكواخ الخاصة بفقراء العربان ، وعلى الجهة اليسرى منها بعض الخرائب وبعدها حديقة السبيل وسبيل والدة السلطان وبركة المحمل الشامى ، وفى الجهة القبلية من حديقة السبيل مقهى القواسين ، وتملأ بركة المحمل الشامى من آبار الحديقة.

فمن يتجاوزون مقهى القواسين كانوا قد وصلوا إلى الباب الشامى ، والباب المذكور من أعظم أبواب السور الداخلى ، وأشهرها ملاصق للقلعة السلطانية التى جددت فى خلال سنة ١٢٦٧ ه‍.

وفى مدخل عقد الباب الشامى مركز شرطة للعساكر النظامية وهذا المركز خاص لإقامة العساكر السلطانية الذين يحرسون هذ الباب وهو فى الجهة اليسرى للذين يدخلون من الباب الشامى إلى المدينة المقدسة.

المخافر : لما انهدم السور الخارجى للمدينة ولم يبق له أثر يسمى السور أنشئ عند كل باب للسور الداخلى مخفر. وقد أنشئت هذه المخافر لتكون مقر إقامة للأفراد الذين يتناوبون الحراسة فوق الأبراج التى فى محيط السور الخارجى. وإلى سنة ١٢٢٢ ه‍ لم يكن هناك سور خارجى للمدينة ولما أراد القائمون بأمور المدينة فى القرون الماضية أن يحافظوا على المدينة من تسلط أشقياء العربان بنوا بعض الأبراج على أطراف مناخة بين كل برج فاصلة قدر مائتى ذراع وعينوا لحراستها بعض المحافظين والحراس.

بنى محمد على باشا والى مصر بين الأبراج جدارا فأخذ مناخة داخل سور خاص وفتح فى الجهة الغربية باب العنبرية وفى الجهة القبلية باب قباء وفى الجهة الشرقية باب العوالى وفى الجهة الشامية باب الكومة ، ولما عين عساكر مصرية لحراسة هذه الأبواب سمى هذا السور بالسور الخارجى ، وكان جداره من اللبن. ولما انهارت كل جهات هذا السور رئى من الضرورى إقامة مخافر عند أبواب

السور الداخلى. وفعلا نفذ هذا الأمر وجعلت المدينة المنورة تحت الحفظ والحراسة.

وقد أنشئت غير المخافر المذكورة ثلاثة مخافر فى ميدان مناخة وهى (١) خالدية ، (٢) سبيل باب الصغير ، (٣) خصكية ، ومخفر آخر فى رباط ابن زمن حيث مستشفى البلدية ، وأقيم فى كل مخفر من قبل محافظة المدينة المنورة عدد كاف من العساكر السلطانية.

ويوجد اليوم فى البلدة الطاهرة ثلاثة طوابير من العساكر السلطانية ويشتمل كل طابور على ثلثمائة وخمسين نفرا من المشاة وهناك طابوران من الضباط أحدهما من الفرسان وراكبى الهجين والآخر من المشاة ، وكل طابور منهما لا يقل عن مائتى نفر. وتصل مهماتهم وأسلحتهم ولوازمهم من باب السعادة عن طريق مرفأ ينبع.

وفى اتصال مخفر الباب الشامى مخبز ومقهى وسبيل عادلة سلطان. وفى اتصال ذلك السبيل حى عادلة سلطان وحدائق منسوبة إليها. ويتصل أحد أطراف حى السلطانة عادلة لمنهل عين الساحة ، والمنازل كلها فى هذا الحى بمشتملاتها من وقف المشار إليها السلطانة عادلة.

وعلى يمين الداخلين من الباب الشامى باب القلعة السلطانية. وبعده باب سجن النساء وبجانبه الدائرة الحكومية وأمام باب منهل عين الساحة. ثلاثة طرق.

والقلعة سالفة الذكر جددها شيخ الحرم أمين باشا بأمر صادر من قبل السلطان عبد العزيز وأقام فيها مخازن للذخيرة ، كما رمم حجرات الجند ومواقدهم الحديدية وحظائر الدواب والصهاريج وغير ذلك ، وفى القلعة نوعان من الماء أحدهما عذب والآخر مر وشرعتان وحديقة صغيرة. وفى اتصال الدائرة الحكومية سجن الذكور مع إدارته ومخالسة الضبطية. ويلقى أصحاب الجنايات

__________________

(١) الاسم الآخر لهذا الشارع الإودية.

(٢) شارع شجرية الذى بجانب المحكمة الشرعية التى صدرت الإرادة بتجديدها.

(٣) اسم الموضع الذى تغسل فيه جنازات الفقراء والغرباء.

حسب القوانين فى هذا السجن إلا أن السادة وخطباء حرم السعادة والأئمة والمؤذنون من الذين يقتضى الأمر سجنهم لا يلقون فى السجن ، هؤلاء يؤدبون باعتقالهم وتوقيفهم فى منازلهم.

يقع أحد الطرق الثلاثة التى أمام عين الساحة على يمين الذين يتوجهون إلى باب العين المذكور وهذا الطريق يسمح بالتوجه إلى مناخة أو الجهات الأخرى.

الثانى من الطرق الثلاثة زقاق الخماطة الذى فى اتصال السور الداخلى ويمضى هذا الطريق إلى زقاق مالك بن سنان ومرقده إلى سقيفة الأميرة وزقاق الطوال وإلى سوق الشروق إلى الباب المصرى ومن الشارع الكبير إلى باب السلام والثلاثة من الأزقة المذكورة طريق حى الساحة الذى يعد أكبر طرق أحياء المدينة. ومنازل أغا باب السعادة تحسين أغا ومدير التعميرات السابق خورشيد والسيد صافى الجفرى وكاتب المحكمة السابق حسين هاشم فى حى الساحة الذى ينتهى إليه هذا الطريق. وإن كان فى هذا الحى منازل فخمة أخرى منتظمة ولكن منازل الأشخاص الذين ذكرت أسماؤهم لا مثيل لها فى المدينة فهى مرتفعة وكاملة.

وبالاتجاه من الساحة إلى باب السلام يقع زقاق حوش برى ، زقاق القفار ، زقاق سقيفة الأمير ، زقاق الطوال ، زقاق المدراسى ، زقاق حوش الجمال ، زقاق كومة حشيفة ، زقاق الوكالة ، زقاق حوش الجبرات على يمين طريق باب السلام ، كما يقع على الجانب الأيسر : زقاق جوارى ، زقاق حوش دكانة ، زقاق دار البيضاء ، زقاق الجيش ، زقاق عنبر أغا زقاق شجرية ، زقاق سقيفة شيخى ، زقاق باب الرحمة ، زقاق المديرية ، زقاق الحنابلة ، زقاق الشامى ، زقاق الفرن ، وزقاق شر شورة ويخرج من هذه الأزقة إلى الشوارع التى يقصد الذهاب إليها.

وفى الجهة الشرقية من البلدة الطيبة شارعان يطلق عليها حناكية ، طريق الخنق وأبو الرشيد نقطة التقاء هذين الطريقين عندما يسد الطريق السلطانى أى عندما يحاصر الأشقياء هذا الطريق فالزوار راكبوا الهجين يسلكون طريق الخنق.

وبابا مسجد السعادة اللذان يسميان باب جبريل وباب النساء ، وكذلك باب

فاطمة الذى يدخل ويخرج منه خدم الحجرة المعطرة صباحا ومساء فى هذه الجهة.

ونقطة التقاء الطرق الشرقى ، موقع بجانب مسجد سيدنا على العرضى. وبعد ما تلتقى هذه الطرق فى أبى الرشيد تشكل بجانب عين السرانية شارعين ، وقوافل الحجاج تسير من الجهة الغربية لهذين الطريقين إلى مسراح حمزة ومنه إلى المدينة الطاهرة ، والمسافرون الآخرون ينزلون إلى زقاق الجنائز من منهل عين السرانية بطريق الحرة الشرقية إلى الموقع المسمى زرب البهتيم (١) بجانب مسجد الإجابة فى نهاية الحرة المذكورة ويقومون من هناك ويسيرون من الطرق التى بين أشجار النخيل والفرجة التى بين بقيع الغرقد وبقيع العمات بمحاذاته باب البقيع.

وهناك طريق آخر يمضى من زقاق الجنائز إلى ميدان مناخة ومن جانب قبة بقيع العمات ومن موقع صدقة إلى الباب المجيدى وأماكن أخرى. إلا أن المسافرين لا يسلكون هذا الطريق ويدخلون إلى المدينة من باب الجمعة رأسا ، وعلى يمين المخفر الذى فى داخل هذا الباب حارة الأغوات وعلى يسار المخفر طرق عدة تنتهى إلى مرقد سيدنا إسماعيل بن جعفر الصادق ومن هناك بطريق الأغوات إلى ذروان ومواقع أخرى.

وباب العوالى ، من جملة أبواب السور الخارجى فى هذه الجهة أيضا وفى الجهة الغربية من جدار بقيع الغرقد. ويسلك هذا الطريق عند الذهاب والإياب إلى قرية العوالى وذلك الباب ، وبين البلدة الطاهرة وقرية العوالى حدائق عديدة ومزارع وأشجار نخيل تنبت دون غرس.

والمنازل التى توجد على جانبى الطريق الذى بين باب الجمعة وحارة الأغوات على يمينها زقاق الرباط ، زقاق الصندل ، زقاق الشرك وعلى الجهة اليسرى زقاق رستمية ، وزقاق الديار العشرة.

__________________

(١) وتعنى زرب الموضع الذى يجتمع فيه البدو ، وثمة موضعين لاجتماع البدو ، أحدهما يسمى «زرب هيثم» والآخر يسمى «زرب بنى على».

والرباط الذى يوجد فى الزقاق الأول ، رباط الشيخ مظهر النقشبندى ، وليس فى المدينة المباركة رباط أكبر منه ، وحول الرباط المذكور كثير من المنازل والاحتفالات التى يقوم بها أغوات حجرة السعادة فى اليوم الرابع من عيد الفطر تقام فى المدرسة الرستمية الكائنة فى زقاق الرباط.

وزقاق الرستمية على الطرف الشرقى من منهل عين الزرقاء الذى فى حارة الأغوات. ودوائر شيخ الحرم النبوى فى شارع الديار العشرة ، ورباط سيدنا عثمان بن عفان وسبيل نور الدين ورباط العجم فى الطرف الشرقى من الشارع المذكور.

ويقع الطرف الشرقى من حرم السعادة أمام باب رباط العجم وركن زاوية سمان التى بين باب جبريل وباب النساء حنفية عشرة صنابير وقد أسست حتى يستطيع أن يجدد من يريدون أن يدخلوا فى المسجد الحرام وضوءهم إذا كانوا من غير وضوء.

الطريق المعروف الذى ينفصل عن شارع الحرة الشرقية إلى قرى قباء ، قربان ، عوالى ، فى الجهة القبلية للبلدة الطاهرة فالباب الصغير الذى فى السور الداخلى وباب قباء الذى فى السور الخارجى يقعان فى هذه الجهة من المدينة المقدسة الشهيرة.

والباب الصغير فى مناخة وبين السورين كما عرف آنفا ، والدائرة الحكومية فوق الباب المذكور والسجون الخاصة بالرجال والنساء بجانب الدائرة الحكومية ولكنها جهة القلعة السلطانية التى أسست فى عصر السلطان بن السلطان سليم خان.

وليس لحرم السعادة باب فى الجهة القبلية ، ولكن له نافذة مشبكة تنظر ناحية حديقة الديار العشرة ، ويطلق عليها نافذة مواجهة السعادة.

كما أن حجرة السعادة ليس لها باب فى هذه الجهة ولكن فوق شبكة حجرة السعادة باب صغير مشبك

محاذى لنافذة مواجهة السعادة وبما أن هذا الباب فى محاذاة الكوكب الدرى يعرف بين الناس بباب التوبة.

ولكن ليس فى زماننا شخص يعرف أن ذلك الباب قد فتح إلى الآن.

ومجمع طرق الذين يأتون إلى البلدة النبوية المباركة منها من الجهة القبلية قرية قباء.

إذا ما أريد الخروج من قرية قباء يمر من أمام حديقة بئر أريس بطريق مسجد قباء ومن هناك إلى سبيل الشهيد نور الدين ومن هنا إلى نخيل بويرة ، بئر عذف ، بئر شدق ، بئر خاتم ، بئر قويم ، بئر برى ، بئر شميلة ، وبئر عصبة وليس لحدائق النخيل هذه مثيل لا فى قرية قباء أو فى المواقع الأخرى لمدينة طيبة المقدسة.

وفى الطرف الشامى لمسجد قرية قباء مقبرة خاصة بأهالى تلك القرية يروى بعض الناس أن ساحة هذه المقبرة عرصة موقع مسجد ضرار وهناك طريق من المقبرة المذكورة وينتهى إلى قرية قربان وفى الطرف الشامى لهذا الطريق إلى البوابة التى يطلق عليها باب قباء فى سور المدينة أراضى مزينة بكثير من الحدائق مزروعة بالنخيل أو أشجار النخيل التى تنبت ذاتيا وكل هذه ذات مناظر ساحرة تجلّ عن الوصف.

والمسافرون الذين يأتون من قرية قربان يمرون من بطحان الذى يعد مجرى سيل الوجيدة ، من باب قرية تحسين أغا التى فى طريق قباء ومن الجهة الغربية من طريق بلاد عمر زاهد الذى يقال له مغيسلة ومن الجهة القبلية لحديقة محمد بدوى ومن بين مجارى سيل رانون وسيل أبى جيده المرجلين ومن الحدائق العديدة التى تقع فى الجهة الشرقية من هذا الطريق ومن خرابة شيخ الحرم المرحوم أمين باشا. ويصلون إلى باب السور الخارجى وهذه الأماكن والجهات الخلفية للبعض حجرات حوش منصور وخاصة مسجد عمر الفاروق ودار خضر أفندى وعمارة مخاصلى التى اتخذت مستشفى للعساكر السلطانية. وتقع هذه الأماكن على يمين من يستقبلون مسجد السعادة من أمام باب السور الخارجى ويقع على يسارهم مخفر باب قباء وحوش متاع وحوش عميرة والمنازل التى تمتد إلى جسر سنان باشا.

والذين يريدون أن يذهبوا من هذا المكان إلى حرم المسجد النبوى يعبرون جسر سنان باشا ويسيرون بطريق الجهة الشرقية إلى سوق الحبابة ومن هنا إلى الباب المصرى ثم يصلون إلى الحرم الشريف ، ومن يريدون أن يخرجوا من باب العنبرية بعد ما يعبرون الجسر سالف الذكر يسلكون بطريق الجهة الغربية باب العنبرية. انتهى.

حمام اله : اسم موضع بالقرب من بليدة حمام على وزن زكام موقع بين فرس وملل يشتهر باسم عميس الحمام.

حماضة : اسم بستان فى ديار بنى بياضه.

حمت : الاسم الآخر لجبل ورقان واسم عقبة فى طريق القدس الشريف.

حمراء الأسد : اسم موضع على بعد ثمانية أميال من المدينة فى جهة مكة المكرمة. واسم أشجار النخيل القريبة من قرية صفراء.

حنان : اسم تل رملى جبلى يقع على يمين من يذهبون إلى بدر.

حنذ : القرية التى كان يسكنها أحيحة (١) بن جلاح.

حورتان : اسم حورتين إحداهما حورة يمانية والأخرى حورة شمالية والحورة الشمالية فى جهة عفرة من وادى أشعر يقال لها حويرة.

والحورة اليمانية فى واد يطلق عليه ذى الهدى وكان اسمه القديم ذو الضلالة ، وأهدى شداد بن أمية الذهبى للنبى صلى الله عليه وسلم مقدارا من العسل فسأله النبى صلى الله عليه وسلم من أين أنت فقال له ما يشير إلى أنه من وادى ذو الضلالة فقال له النبى صلى الله عليه وسلم كلا كلا أنت من وادى الهدى وظل بعد ذلك اسم ذلك الوادى ذو الهدى.

حوضى : حوض فى تبوك.

حوض مروان : حوض فى وادى العقيق.

حوض هشام : حوض فى الحرة الغربية للمدينة.

__________________

(١) انظر : الإصابة ١ / ٢١ ـ ٢٢.

حرف الخاء

خاخ : اسم قرية معروفة بروضة خارخ على يمين حمراء الأسد ، وكانت مقر محمد بن جعفر وعلى بن موسى الرضا ـ رضى الله عنهم ـ وأئمة آخرين ، وبناء على رأى الواقدى قرية «ظعينة» التى فى خارج المدينة المنورة أى قرية المرأة التى حملت الرسالة التى كتبها حاطب بن أبى بلتعة يخبر سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل بأن النبى صلى الله عليه وسلم يستعد للسفر إلى مكة المكرمه لفتحها ولكنّها قبض عليها وأخذت منها الرسالة.

استطراد :

قال بعض المؤرخين : إن حاطب بن أبى بلتعة كان قد أرسل رسالة مع مغنية تسمى سارة وكانت المغنية المذكورة جارية أبى عمرو بن هاشم بن عبد مناف ، وقد ذهبت إلى بلدة الرسول فى أثناء تجهيز النبى للجنود للرحلة الميمونة لفتح مكة ويعد لوازم السفر وقد أجابت على سؤال النبى الذى قال لها : «هل أتيت لتسلمى أم أتيت مهاجرة إلى المدينة».

فأجابت : «بعد أن مات صاحبى أصبحت فى ضيق من العيش» فأومأ النبى صلى الله عليه وسلم أن ما تقوله غير قابل للتصديق لأن مشركى قريش يراعون المغنيات وحديثها عن حاجتها غير مقنع ، فقالت المشار إليها «نعم أن ما تقوله صحيح إلا أن بعد موقعة بدر الكبرى لم يبق فى بيوت مكة ومنازل بكة مجال للفرح والسرور والبهجة. وقد تحول فرحهم وسرورهم وابتهاجهم إلى الغم والهم والكدر» ، وهكذا أظهرت المسكنة وبينت أحوال أهالى مكة وحكت أقوالهم ونالت عطايا النبى صلى الله عليه وسلم.

وإن كان حاطب بن أبى بلتعة كتب رسالته وأعطاها إياها وأخفت المذكورة الرسالة بين شعر رأسها ، وتحركت من المدينة المنورة متوجهة إلى مكة المكرمة إلا أن جبريل أنزل باسطا أجنحته وأخبر الرسول بالموضع كما أخبر أن سارة لم تصل بعد إلى منزل ذى الحليفة فاستدعى النبى صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب والزبير بن العوام ومقداد بن أسود فأمرهم كلهم معا وقال لهم : توجهوا الآن ناحية مكة

وعند ما تصلون إلى روضة خاخ ستلقون سارة المغنية ومعها رسالة من حاطب بن أبى بلتعة بين فيها استعداداتنا وتدابير سفرنا نحو مكة ، لا بد وأن تأخذوها وتعودوا بها إلينا» ، وفعلا وصل المشار إليهم إلى روضة خاخ حيث تلاقوا مع سارة وأخذوا الرسالة وعادوا كما ذكرت فى كتب السير (١) بالتفصيل. وبناء على هذا فرواية الواقدى موضع نظر.

صورة الرسالة التى كتبها حاطب بن أبى بلتعة :

من حاطب بن أبى بلتعة إلى أهل مكة اعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه إليكم بجيش كالليل يسير كالسيل وأقسم بالله لو سار إليكم وحده لينصرنه الله تعالى عليكم فإنه منجز له ما وعده فيكم ، فإن الله تعالى نصيره ووليه وقد أحببت أن تكون لى يد بكتابى إليكم.

وإن كانت صورة هذه الرسالة منقولة بشكل آخر ولما كانت هذه الصورة مسطورة فى صفحة ٣٦٧ من محمود السير فلم نجد حاجة لبيانها. انتهى.

خاص : واد فى خيبر فمزارع قصدى ، وحيدة ، سلالم ، كثيبة ، وطيخ فى هذا الوادى.

خب : نهر من وديان موضع كاثب فينزل من الموضع المذكور إلى أسفل ويمر من خلف حرة كثب يتصل بجانب قرية قباء من الأسفل.

خبان : اسم جبل بين معدن بقرة وفدك.

خبراء الغدق : اسم موضع فى ناحية صمان يشتمل على عشب سدر وهو كثير الماء الزرع.

خبراء صائف : اسم منزل بين الحرمين.

خرار : مكان فى الناحية الشامية من وادى مشعر وقعت هنا معركة سرية سعد بن أبى وقاص.

خزباء : منزل خاص ببنى سلمة بين مسجد القبلتين وموقع مزاد وقد سماه النبى صلى الله عليه وسلم مؤخرا صالحة.

خزما : اسم بئر فى وادى صفراء. خزيف : اسم واد يبدأ من موقع يقال له جار ويتصل بينبع البحر.

__________________

(١) انظر : الطبرى ٣ / ٤٨ ـ ٤٩ ، سيرة ابن هشام ٢ / ٢٦٦ ـ ٢٦٧ ، الدور ص ٢١٣ ـ ٢١٤.

(خزيم): طريق جبلى بين المدينة وبدر الكبرى. قد عاد النبى صلى الله عليه وسلم من غزوة بدر من هذا الطريق.

خشب : اسم واد يقع على بعد ليلة من المدينة إلى جهة تبوك يقال له ذو خشب أيضا ، وكان لمروان بن الحكم قصر فى هذا الوادى.

«خشرمة» : واد قريب من ينبع البحر يمتد حتى ساحل البحر.

«خشين» : جبلان أحدهما أصغر من الآخر فى أراضى خشين.

خصى : كانا برجين فى الجهة الشرقية من مسجد قباء لبنى سليم وبنى الحارث.

خضيرة : اسم موضع خاص لبنى محارب فى قطعة نجد ، كانت سرية أبى قتادة أرسلت لهذا الموضع ـ وعلى رأى ـ اسم قرية من قرى جبل آره ـ وبناء على رأى ـ كان يقال لموضع خضرة فى الجاهلية عفرة فسماه النبى صلى الله عليه وسلم خضرة كما سمى شعب الضلالة شعب الهدى وبنى الزينة ب بنى الرشد.

«خضينت» : اسم نهر وقرية بين المدينة وينبع البحر. وعند البعض طريقان ينتهى أحدهما إلى ينبع والآخر إلى خشرمة.

«خفية» : اسم نهر فى وادى العقيق.

«خلائق» : جمع خليقة ، خلائق هذه ملك عبد الله بن أبى أحمد بن جحش وغير خليةة آل زبير وآل أبى أحمد أراض بعيدة من المدينة مقدار اثنى عشر ميلا. ولكل جزء منها يقال خليةة. ونهر العقيق يسقى أراضى خلائق هذه وكل خليقة تشتمل على مزارع كثيرة وأشجار نخيل وآبار عذبة لطيفة.

خلص : صحراء واسعة يروى موثوقا أن حكيم بن حزام رأى الملائكة ينزلون فى هذا الوادى يوم بدر.

«خل» : اسم منزل بين الحرمين وقريب من مزحج. ولما كان الطريق الذى ينتهى إلى قصر حرة ينفصل من هذا المنزل يقال لهذا القصر المذكور قصر خل أيضا.

«خم» : اسم بحيرة قريبة من جحفة والذى يسمى بغدير خم. ولما كان أحد الشجعان العرب يسكن بجانب تلك البحيرة ويستضيف المارين والعابرين سمى

بهذا الاسم. وعند البعض اسم واد قريب من جحفة ولما كان هذا الوادى مشهورا عند أهل الجاهلية بأنه مقر الوباء ومركز الحمى كان أهاليه ينتقلون إلى البلاد والوديان الأخرى. حتى إن حافظ مندى قال : فالذى يولد فى قرية واقعة فى هذا الوادى إذا لم ينتقل إلى محل آخر لا يمكنه أن يعيش.

إلا أن جميع هذه الشرور قد زالت من أرض يثرب بعد الهجرة فظهر قدر النبى الجليل مثل الشمس. هناك فى الجهة الشرقية على مسافة ميل من غدير الخم موضع لا ينقطع المطر منه أبدا والسيول التى تتجمع من هذه الأمطار تجرى فى صورة دائمة من الأودية وتصب فى البحر ؛ لذا لا يتعرض من يمرون من هذه الأماكن للعطش.

خندق : اسم الخندق المشهور الذى أمر النبى صلى الله عليه وسلم بحفره قبل غزوة الأحزاب.

صورة حفر الخندق الذى حفر فى عصر الرسول (١) صلى الله عليه وسلم :

يرى المؤرخ المطرى والذين تابعوه من المؤرخين : بناء على المعلومات التى استقرأها من النبى صلى الله عليه وسلم حفر خندقا فى غاية الاتساع والعمق قبل وقوع غزوة الأحزاب الجليلة من فوق وادى البطحان إلى الجهة الغربية منه ، ومن الحرة الغربية إلى مصلى النبى صلى الله عليه وسلم ومن مصلى النبى صلى الله عليه وسلم إلى ساحة مسجد الفتح ، منها إلى الجبلين الصغيرين الواقعين فى الجهة الغربية من وادى البطحان ، وجعل جبل السلع فى الخلف ونصب الخيمة النبوية بجانب مسجد الفتح ـ وعلى قول على جانب من جوانب وادى ذباب ـ وعلى هذا التقدير تكون الجيوش الإسلامية قد ظلوا فى جهة جبل السلع وأحزاب المشركين فى جهة جبل أحد.

ولكن ابن سعد والإمام البيهقى ذهبوا إلى خلاف هذا الرأى وقالوا. قد بدئ فى حفر الخندق من جهة من جانب محلات بنى حارثة حليف بنى عبد الأشهل أى من جهة الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية إلى جانب محلة بنى سلمة التى تقع فى سفح جبل بنى عبيد ومساجد الفتح وقد قسم هذا الموقع أجزاء ووزع كل جزء ليحفره جماعة من الصحابة الكرام.

__________________

(١) انظر فى غزوة الخندق : سيرة ابن هشام ٣ / ٢٢٦ ، مغازى الواقدى ٣٦٢ ، وابن سعد ٢ / ١ / ٤٧ تاريخ الطبرى ٢ / ٥٦٤. وغيرها.

وعلى هذا بدأ المهاجرون الكرام فى الحفر من ناحية راتج إلى موقع ذباب والأنصار من ذباب إلى جبل بنى عبيد موقع منازل بنى سلمة وأفراد بنى دينار من محلة بنى سليمة إلى محاذاة منزل ابن أبى سلول وبنو عبد الأشهل حفروا إلى محلة منازل بنى حارثة التى تقع فى الطرف الشرقى من موقع ذباب وعمقوها. وبناء على هذا التعريف أن الخندق المذكور كان فى الجهة الشامية من المدينة المنورة وهذا المكان يمتد من الحرة الشرقية إلى الحرة الغربية ولما كانت تلك الجهات محاطة بالمبانى والأشجار وجبال متسلسلة فهجوم العدو من تلك الجهة غير ممكن. وما زالت خرائب الخندق الذى حفر فى ذلك الوقت قائمة فالماء الذى جلب من قرية قباء قد أمر من داخل تلك الخرابة وأوصل إلى حديقة سح التى حول مساجد الفتح. وملئت حفرة الخندق وغرس عليها أشجار النخيل وأصبحت أرضها سطحا مستويا. ومن المحقق أن ٣٠٠٠ آلاف من الصحابة قد عملوا فى عمليات الحفر ولكن اختلف فى صورة الفتح. وبناء على أشهر الأقوال وأصحها أن النبى صلى الله عليه وسلم تحرك من المدينة المنورة بثلاثة آلاف صحابى. ونصب خيامه بين جبل سلع ودار السكينة حيث أقام وقرر بناء على عرض جناب سلمان ورأيه حفر خندقا عميقا فى المكان الذى يحتمل هجوم المشركين من جهته على أن يكون عرضه وعمقه خمسة أذرع ، وفرق لكل عشرة أنفار من الصحابة أربعين ذراعا من الأرض ، واستصوب أن يستعير أدوات الحفر من يهود بنى قريظة الذين كانوا فى حالة صلح مع المسلمين ، وكما عرف أعلاه قد عرف كل قبيلة المحل الذى ستحفره بدءوا فى الحفر معا وأتموا الحفر فى ست ليال أو أربع وعشرين أو فى عشرين ليلة وكملوا.

وبناء على هذا الحساب أن طول الخندق كان ٠٠٠ ، ١٢٠ مائة وعشرين ألف ذراع.

ولما تم حفر الخندق وصلت أحزاب المشركين وحاصروا المسلمين خمسة عشر يوما أو عشرين ليلة أو شهرا كاملا وأشعلوا نار الوغى. كما فصل فى كتب السير وفى نهاية الأمر عادوا منهزمين.

إن ما نقله جماهير أئمة السير وما كتبوه تحت عنوان معجزة الخندق الجليلة فى

حق الصخرة التى قاومت الكسر انبثق فى كسرها معجزات غيبية كثيرة وفتوحات عظيمة.

وقد ظهرت تلك المعجزة أسفل الموقع الذى يطلق عليه ذباب أو بجانب جبل بنى عبيد. وكان فى موقع الصخرة التى كانت سببا فى ظهور المعجزة عبد الله بن عمرو بن عوف وسلمان ونعمان بن مقرن ـ رضى الله عنهم ـ فلم يوفقوا فى نقب أو شق تلك الصخرة فأوكلوا المسألة إلى النبى صلى الله عليه وسلم بوساطة حضرة سلمان فشرف النبى صلى الله عليه وسلم وحطم تلك الصخرة كما ذكر فى كتب السير مفصلا وهكذا أظهر معجزة الخندق العظيمة.

والموقع الذى حدثت فيه غزوة الأحزاب هو المكان الذى يستقر فيه الآن المساجد الأربعة على بعد نصف ساعة فى خارج المدينة. والموقع الذى يسمى الآن مسجد الفتح هو المكان الذى نصبت فيه الخيمة النبوية ونزلت فيه سورة الفتح بناء على قول.

والمساجد الثلاثة الأخرى يطلق على واحد منها مسجد أبى بكر الصديق وعلى الآخر مسجد على وعلى الثالث مسجد سلمان كما كتب فى الصورة الثالثة من الوجهة الثالثة.

وبناء على عقيدة أهل المدينة فإن ساحة تلك المساجد الثلاثة كانت المواقع التى نصب عليها المشار إليهم خيامهم. وبما أن مؤرخى المدينة لم ينقلوا أى قول بخصوص هذا الموضوع فنحن نتردد فى قبول ذلك وتصديقه. ولكنه لا شك أن مسجد الفتح قد أقيم على الساحة التى نصب عليها النبى صلى الله عليه وسلم خيمته.

خيبر : بلد لا نظير لها من حيث وجود رياض وفيرة ومزارع وحصون كثيرة وهو ولاية كبيرة على بعد ثلاثة أيام من مدينة الرسول ، وعلى يسار الذاهبين إلى المدينة من الشام. ويظن أن خيبر فى اللغة اليهودية بمعنى قلعة وبناء على ذلك يطلقون على قلاع الولاية المذكورة خيابر وهذا التعبير ليس وجه تسميتها بخيبر ، لأن تسميتها بخيبر يعود إلى أن أخا الشخص الذى يدعى يثرب وهو خيبر بن قائنة بن مهليل بن أرم بن عبيل نزل فى أرض خيبر وأقام فيها ، وأقام النبى صلى الله عليه وسلم

فترة غزوة خيبر ما يقرب من شهر أمام قلاع خيابر وفتح القلاع واحدة تلو الأخرى وسخرها.

ثم عاد بعدما أبقى سكنتها فى أماكنهم بشرط أن يعطوا نصف محاصيل خيبر المتنوعة لبيت المال وكان قد خطط لإجلاء يهود خيبر إلى البلاد الأخرى ونقلهم فقالوا : «يا رسول الله!! نحن نعرف طبيعة هذه الأراضى نرجوك أن تبقينا هنا». فأشفق النبى صلى الله عليه وسلم عليهم ورحمهم وأبقاهم فى أماكنهم على أن يكون نصف محاصيل المزارع لهم كأجور عمل ولم يقرهم على ملكية الأرض. أى على أن يجليهم إلى أماكن أخرى وقت ما شاء.

وبعد فترة وجد أخو عبد الله بن سهل مقتولا فى أرض خيبر وبناء على طلبه كتب النبى صلى الله عليه وسلم رسالة وأرسلها إلى يهود خيبر وكانت الرسالة تتضمن إعطاء دية عبد الله المقتول أو أن يستعدوا للحرب والقتال ، إلا أن اليهود أقسموا بالله وبرءوا ذممهم من قتل عبد الله بن سهل وعلى هذا أعطى النبى صلى الله عليه وسلم من بيت المال مائة جمل وسوى مسألة الدية وبين أنه قد حان الوقت لإخراج غير المسلمين من جزيرة العرب بإخراج النصارى واليهود منها. ولأجل ذلك أجلى عمر بن الخطاب فى عهد خلافته اليهود من خيبر وأسكن مكانهم من يرغب من أهل الإيمان وآواهم ، لأن مطهر بن رافع بينما كان عائدا من الشام مع عشرة من العبيد فى أيام خلافته اختار أن يبيت ليلة فى خيبر التى كانت على طريقه. إلا أن اليهود الملاعين ألّبوا عليه العبيد قائلين : «بينما أنتم عشرة أنفار كيف يذلكم هذا الرجل وتتحملون المشقات الجمة والمتاعب الكثيرة؟ أهذا من شأن العاقل؟! ونقول هذه الكلمات لأننا نرقّ لحالكم ونعطف عليكم. وإلا فما لنا؟! إذا أردتم أن تنجوا من الشقاء الأبدى ، اقتلوا هذا الرجل بعد خروجكم من خيبر بهذا الخنجر الحاد ثم اهربوا كل واحد منكم إلى جهة ما» وبعد هذا التلقين أعطوا لهم الخنجر وقتل هؤلاء المجرمون بناء على تلقين اليهود مطهر بن رافع فى الطريق وعادوا إلى خيبر وأسرع اليهود بإعطائهم زاد طريقهم وإعادتهم إلى سواء الشام وعندما شاع هذا الخبر المؤلم وتردد صداه فى المدينة ذهب عبد الله بن عمر إلى خيبر ليسترد

أموال مطهر بن رافع المتروكة ، وهجم أهل خيبر على عبد الله بن عمر ليلة ما على غفلة ، ولأن ابن عمر نجا فى فترة ما وعاد إلى دار الخلافة إلى المدينة وأبلغ والده بما حدث ؛ صعد حضرة عمر على المنبر دون تأخير وبين أن أهل خيبر قد تجرءوا على أذى عبد الله وقتل مطهر بن رافع وعبد الله بن سهل وتسببوا فى الخسارة وارتكبوا الفظائع وأن النبى صلى الله عليه وسلم قال فى حق هؤلاء الملاعين «أقركم ما أقركم الله» وأنه قد وقت إجلاءهم من قطعة خيبر الفسيحة وأجبر المهاجرين والأنصار على تصديق قراره وقرر عمر لمردهم وعندما وصل ما قرره عمر بن الخطاب إلى خيبر جاء ابن أبى الحقيق إلى المدينة ومسح جبينه على تراب رجلى عمر بن الخطاب مهادنا ثم قال يا عمر ، كيف تريد أن تنفينا وتجلينا من بلدنا وأنت تعرف أن محمدا صلى الله عليه وسلم أبقانا ووطننا فى بلدنا فما سبب ذلك؟ وأنت تريد أن تتصرف خلاف الإرادة النبوية؟ فاستجوبه على هذا النحو. فقال له عمر هل تظن أنى نسيت ما قاله النبى صلى الله عليه وسلم فى حقكم عندما قال «تستطيعون أن تبقوا الآن فى دوركم ودياركم ولكن كيف سيكون حالكم عندما تخرجون من بيوتكم ودوركم؟!» فقال له إن ما صدر من أبى القاسم كان من قبيل الهزل ولم يكن جادا فى قوله ، ولما رأى عمر بن الخطاب أنه يستخدم فى حق النبى صلى الله عليه وسلم لغة الاستهزاء والسخرية قال له : «يا عدو الله ، قد افتريت فجميع أقوال النبى صلى الله عليه وسلم قول فصل وليس بهزل وبناء على هذا قد أهملتكم ثلاثة أيام ما عدا دخولكم وخروجكم!».

وفى هذه المدة غادروا منطقة الحجاز من جزيرة العرب!!!

وعاد وقد تلقى هذه الإجابة وأعطى أمير المؤمنين سواء أكان أثمان أموال يهود خيبر أو نصارى نجران من فيافيهم كلهم إلى الممالك الأخرى ثم وزع أموالهم وأشياءهم بين الأصحاب.

والسبب الذى دعا سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ إلى الصعود على المنبر النبوى وترغيب الصحابة الكرام فى نفى يهود خيبر من بلادهم ووطنهم ما

سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم قوله : «لا يبقى دينان فى جزيرة العرب» وبالنظر إلى معنى الحديث الشريف : «إن عشت إلى قابل لأخرجن اليهود والنصارى من الحجاز» فلفظ جزيرة العرب الذى ورد فى الحديث سالف الذكر المقصود به بلاد الحجاز المقدسة ، ويهود خيبر الذين أجلاهم عمر بن الخطاب كانوا أربعين ألفا من الشجعان المتسلحين وقد سمح لبعضهم بالإقامة فى تيماء وهذا يدل على أن المقصود بالجزيرة العربية التى فى الحديث قطعة الحجاز وإن كانت أرض تيماء فى داخل الجزيرة العربية ولا تعد من أراضى الحجاز لأن بلاد الحجاز تشمل الحرمين واليمامة ، وخيبر مربوط بالمدينة كما أن الطائف مرتبط بمكة المكرمة.

وقد حدثت هذه الوقائع فى السنة التاسعة الهجرية فأجلى يهود خيبر ووادى القرى إلى حدود الشام ، وأهالى نجران إلى أرض الكوفة. وهكذا أخليت بلاد الحجاز من النصارى واليهود بناء على الإرادة النبوية.

وظهرت فى خلال تلك السنة المذكورة نار عالية اللهيب وانتشرت إلى الأطراف والنواحى بذلت جهود جبارة لإطفائها فلم يمكن إطفاؤها.

وعرضوا الأمر على مقام الخلافة ورجوه أن يجد حلا لهذه الكارثة العظمى وأمر الفاروق الأعظم ـ رضى الله عنه ـ بالتصديق واتخذ الإجراءات اللازمة فانطفأت تلك النار فنجا الجميع.

خيط : اسم برج فى الجهة الشرقية لمسجد القبلتين خاص بقبيلة بنى سواد.

«خيل» : اسم محل بجانب دار زيد بن ثابت التى فى سوق المدينة القديمة ، واسم جبل بين موقعى مجنب وضرار ، واسم حديقة فى أراضى نجد ، ويطلق على الحل الذى بجانب دار زيد بن ثابت بقيع الخيل ، وعلى الحديقة التى فى أراضى نجد روضة الخيل.

حرف الدال

دار النخلة : دار قريبة من المحل الذى يقال له «زوراء» فى دار الهجرة ، وجه تسميتها بهذا الاسم انعزالها عن المنازل الأخرى منفردة فى داخل حدائق النخيل.

دبّة : على وزن مكّة اسم محل فى مضيق صفراء يطلق عليه «دبة المستعجلة» واسم موضع بين «وادبى أضافر» وبدر ، واسم قرية قريبة من بدر على وزن نكتة.

درّ : بفتح الدال وتشديد الراء ، اسم بحيرة كائنة تحت حرة بنى سليم وفوق موقع يطلق عليه نقيع.

درك : على وزن سمك اسم موضع كان يقاتل فيه الأوس والخزرج فى الجاهلية. كما يطلق عليه دريك على وزن زبير.

دهنا : على وزن رغيا موقع قريب من ينبع كما يطلق على تلال رمل محاذية لديار تميم ، وما بين كل تلين مزين بكثير من القرى والمدن وإن لم تكن لها مياه وفيرة فمحاصيلها السنوية تفى لعربان البادية وتزيد لطيب هوائها وصفائها لا يشغلون أنفسهم بالحمية.

وتتصل أنهارها بوادى «متعج» وبعده «دوتة».

دوداء : على وزن صحراء موضع قريب من ورقاق.

دوران : على وزن توران واد يقع على جهة جحفة من منزل قديد.

دومة الجندل : قد ضبط هذا الموقع ابن زيد على شكل «دومة الجندل» والموقع المذكور وفق قول ابن فقيه من ملحقات المدينة المنورة سمى باسم ابن حضرة إسماعيل بن إبراهيم وقرية قريبة من جبل «طى» الواقع بين المدينة المنورة وأراضى خطة الشام. وفى هذه القرية حصن حصين يعرف بمارد قلعة الملك المسمى «بأكيدر». أو اسم قرية من قرى وادى القرى وقد بعث النبى صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى الحصن المذكور وقال له ستجد أكيدر وهو يصطاد الثور الوحشى وبناء على قول ابن سعد إن دومة الجندل فى جهة الشام وتبعد عن الشام خمس ليال وعن المدينة المنورة خمس عشرة ليلة. وقد شرف النبى صلى الله عليه وسلم هذه البلدة وظل هناك فترة طويلة وأرسل سرايا إلى البلاد المجاورة من هناك.

دويخل : اسم جبل بنى عبيد وأحد الجبلين اللذين فى الجانب الغربى لمسجد الفتح.

حرف الذال

ذات أجدال : موضع فى مضيق صفراء.

وذات القطب : نهر من أنهار العقيق المشهورة.

ذات النصب : الموضع الذى أنعم به النبى صلى الله عليه وسلم على بلال بن الحارث المزنى عن وأقطعة إياه على أربع مراحل من المدينة فى الجهة القبلية.

ذات الرقاع : بئر من آبار الجاهلية وتقع بين وادى سعد وشقرة أو اسم جبل ملون بألوان بيضاء وحمراء وسوداء. وعلى رواية أخرى اسم شجرة بجانب هذا الجبل.

وعند البعض قد أديت فى المحل المذكور صلاة الخوف أو أن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ـ ربطوا أرجلهم بالخرق فى الغزوة التى وقعت هنا وهذا هو وجه التسمية.

ذباب : اسم الصحراء التى أسس فيها مسجد الراية ويقال لها ذو باب أيضا.

ذرع : اسم بئر بنى خطمه.

ذروان : اسم بئر فى محلة بنى زريق المستقرة خلف البيوت التى فى الجهة القبلية من المدينة المنورة ، وتشتهر باسم بئر ذروان.

حرف الراء

رائع : اسم موضع فى وادى «العقيق»

رابغ : اسم نهر فى جهة جحفة ، واسم بحيرة فى وادى أسقف ، وهذه البحيرة فى جهة غدير سيالة لا يجف ماؤها أبدا وكان يقال لها فى الأوائل رابوغ والآن يطلق عليها حساء.

راتج : اسم أطم يعرف باسم الناحية التى تميل إلى جهة الشام فى الطرف الشرقى لموضع ذباب وكانت محلة أولاد بنى عبد الأشهل وأخوه وبناء على قول المطرى أن «راتج» اسم جبل يقع بجانب جبال بنى عبيد ، وإذا كان ما ذهب إليه المطرى أن هذه الأطم فإنه يقتضى أن يكون غير الأطم سالف الذكر. ومع هذا لم يبق أثر سواء من الأطم أو ساحته.

تعريف البرج الذى يقال له «أطم» بين أهالى المدينة القدماء :

«أطم» بضم الهمزة والطاء وسكون الميم بمعنى جوسق عادى وقصر إلا أن الأغنياء من أسلاف المدينة اعتادوا أن يبنوا بيوتهم أبراجا مستحكمة حسب إمكانات عصورهم ويحيطون أسطحها بمتاريس بطول قامة رجل ويجعلون لتلك المتاريس فتحات يتقون بها ما يطلق عليهم ، ويتحصنون فى داخل هذه الأبراج عند اللزوم ويطلقون على مثل هذه المبانى أطم ويجمعونها على آطام. وكانت حصون تلك الأزمنة وقلاعهم من هذا القبيل إلا أنها كانت بالنسبة للآطام أكثر استحكاما وكانت لها عدة أبراج وكانت لكل قبيلة عدة آطام والقبيلة التى تنهزم فى ميدان القتال كان يدخل أفرادها داخل هذه الحصون ويدافعون عن أنفسهم ويتحملون هجمات الأعداء مدة طويلة ، لأنهم كانوا يدخرون فى داخل هذه الحصون من الأغذية ما تكفى لمعيشة ما يستوعبه الحصن من الأشخاص عدة شهور. وكانت القبائل تشن الغارات وتحارب الأخرى مستندة على هذه الحصون ولم تكن الحصون التى فى الجاهلية مثل ما نعرفه اليوم من القلاع والحصون التى تقاوم الأسلحة النارية. انتهى

رادان : اسم ناحية مشهورة ملحقة بالمدينة المنورة.

رامة : اسم منزل على بعد مرحلة من المدينة المنورة فى جهة طريق حجاج العراق وهناك قمتان على شكل نهدى امرأة.

رانوناء : على وزن عاشوراء اسم واد.

راية الأعمى : اسم نهر فى وادى «العقيق».

رباب : على وزن كباب جعل فى الجهة القبلية للمدينة.

ربا : على وزن دعا اسم منزل بين الحرمين وبين أبواء وسقيا.

ربّذة : بتشديد الباء على وزن مكة اسم قرية على مسافة أربعة أيام من المدينة فى جهة نجد قد اتخذ عثمان ـ رضى الله عنه ـ هذه القرية مرعى لإبل الصدقة.

ربيع : اسم ناحية من نواحى المدينة وبما أن الأوس والخزرج تقاتلوا فى هذا المكان قتالا عظيما يذكرون هذا القتال ب «يوم الربيع».

رجام : على وزن خرام اسم جبل مستطيل على بعد ثلاثة عشر ميلا من مرعى ضرية فى جهة ديار أضاح.

رجيع : وهو واد قريب من خيبر ، وقد نزل النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا الوادى فى موقعة خيبر وكان غرضه منع قبائل غطفان من تقديم العون والمدد لأهل خيبر.

وبين مكة المعظمة وبلدة الطائف واد منسوب لبنى هذيل يطلق على هذا الوادى رجيع أيضا ، إلا أن الرجيع ليس اسم الوادى المنسوب إلى بنى هذيل بل هو اسم ماء يقع فى هذا الوادى ، وهذا الماء فى بلاد قبيلة هذيل ، وعلى بعد سبعة أميال من هذا الموضع وادى عسفان وقد وقعت سرية سيدنا عاصم ـ رضى الله عنه ـ على رأس هذا الماء ، حيث استشهد سيدنا عاصم ـ رضى الله عنه ـ ، ومرثد بن أبى مرثد ، والآخرون من الصحابة غدرا وقد قبض على خبيب بن عدى وزيد بن الدثنة أحياء وقتلا صلبا فى مكة المعظمة.

سرية عاصم بن ثابت ـ رضى الله عنه (١) :

قد نال بعض الناس من قبيلتى عضل وقاره شرف المثول بين يدى الرسول صلى الله عليه وسلم ورجوا منه أن يرسل لهم بعضا من أصحابه الكرام ليعلموهم أحكام الشريعة ، فأرسل إليهم النبى صلى الله عليه وسلم عاصم بن ثابت ومرثد بن أبى مرثد وخبيب بن عدى

__________________

(١) انظر : تاريخ الطبرى ٢ / ٥٣٨ ، سيرة ابن هشام ٢ / ١٦٧ ـ ١٦٨.

وزيد بن الدّثنة من الأشخاص الكرام ، وكانوا كلهم من قراء القرآن ، وعندما وصل المشار إليهم إلى ساحة ماء الرجيع هجم عليهم أفراد بنى هذيل على غفلة فقتلوا أغلبهم بسيف الغدر والخيانة ، وقبضوا على خبيب بن عدى وزيد بن الدّثنة أحياء وساقوهما إلى مكة فقتلا صلبا فى جبل تنعيم. ولما حدثت هذه الواقعة الأليمة جهارا فالذين يريدون أن يطلعوا على صورة وقوعها عليهم أن يطالعوا صفحة مائتين وعشرين من كتاب محمود السير (١).

ركابة : على وزن جفادة اسم موضع فى ديار بنى بياضة.

رجية : على وزن نرده اسم موضع قريب من وادى القرى وسقيا الجزل الواقعين فى بلاد عذرة.

رحقان : على وزن عسان اسم واد يمتد إلى ناحية بنى سال عندما يمضى الطريق من وادى نازية إلى مضيق مستعجلة ويقع على الجهة اليمنى من هذا الطريق.

رحيب : على وزن زبير اسم جبل معروف بالقرب من أراين.

رحية : على وزن رؤية اسم بئر بين المدينة والجحفة.

رديهة : على وزن نليجة اسم نهر بوادى العقيق.

رس : اسم ماء فى الجهة القبلية من دار الهجرة واسم واديين فى أراضى نجد أو اسم موضعين ، واسم ماء بجانب وادى آذر بابجان وفى الوادى الذى فى ناحية آذر بابجان كان فى وقت ما ينتج الرمان والزبيب بدرجة لا مثيل لهما وهى قرى منتظمة.

ولما عصى وبغى أهالى تلك القرى وكذبوا نبيهم أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ جبلين من جبال الطائف أن يقوما بتأديب هؤلاء القوم المذمومين وقد انهار الجبلان المذكوران فوق سكان تلك القرى فهلكوا جميعا ولم يبق لهم أثر.

__________________

(١) وانظر أيضا الطبرى ٢ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.

وكان لقوم ثمود بئر باسم رس ألقوا نبيهم فى هذه البئر وسدوا فوهتها بالحجر.

رشاد : كان واديا فى بلاد أجرد كان اسمه القديم عون فبدله الرسول صلى الله عليه وسلم برشاد ولما وصل إلى قبيلة جهينة جامل أفراد بطن بنى عنان قائلا أنتم بنو رشدان.

ذات الرضم : موضع على بعد ستة أميال من وادى القرى.

رضمة : وادى بالقرب من وادى صفراء.

رضوى : جبل مشهور مبارك فى مكان يبعد عن المدينة أربعة أيام وعن ينبع البحر يوما واحدا ويستخرج من فوقه منجم لحجر المسن ، قد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أنه من جبال الجنة.

رعل : اسم برج فى قرية بنى عبد الأشهل.

رقمتان : اسم ساحتى رمل بجانب الحرة الغربية للمدينة المنورة ، ولونها أصفر مائل إلى الحمرة ، موضعان مشهوران فى ديار بنى أسد كما أن هنا قريتين بهذا الاسم إحداهما فى وادى القرى والأخرى فى الأراضى النجدية.

رقم : تقال للمنزل الذى يسكن فيه أربد بن الصيفى فى الجهة الشرقية من المدينة. واربد هذا جاء إلى المدينة بقصد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن فى ذلك البيت فترة ما ثم يئس من قتله ـ عليه السلام ـ فعاد وفى أثناء عودته أصابته الصاعقة ومضى إلى جهنم وكان قد أطلق على هذا المكان الذى هلك فيه هذا الرجل سهام الرقميات ، وما زال معروفا بهذا الاسم إلى الآن. كما أن فى بلاد بنى غطفان جبل باسم رقم بجانب هذا الجبل مجرى ماء يعرف بنفس الاسم.

رقيبة : اسم جبل طويل فى خيبر.

ركابيه : اسم موضع على بعد عشرة أميال من المدينة من عرج وهى عقبة فى غاية الصعوبة عند الطلوع عليها.

وبجانب هذه العقبة عقبة عائز قد مر النبى صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من هذه العقبة

ومن الغرابة بمكان أن ابن حجر عندما عرف نار الحجاز قال إن عقبة ركوبه فى الطرف الشامى من المدينة وقد مر النبى صلى الله عليه وسلم بهذه العقبة فى وقعة تبوك وأنها عقبة صعبة الصعود ووصف وعرف عقبة ركوبه طولا وعرضا وحددها ، وإذا كانت رواية ابن حجر صحيحة فمن المحتمل أن يكون فى ذلك المكان عقبة أخرى باسم ركوبة.

تطلق العقبة على الجبال الوعرة صعبة التسلق لما يقال على الجبال والهضاب ذات طلوع ونزول كما أن ثنية بمعنى عقبة.

رمة : صحراء يمتد طولها سبع ليال فى أراضى نجد فى جهة منها حرة فدك والجهة الأخرى أرض قصيم.

وإن كان هناك موقع يطلق عليه. بطن الرم إلا أن هذا المكان فى طريق المدينة المنورة التى تنتهى إلى فيد وفى داخل بلاد بنى غطفان.

روادة : اسم بحيرة كبيرة تمر منها سيول العقيق.

روايتان : اسم هذه البحيرة أيضا.

الروحاء : موضع يبعد عن المدينة المنورة اثنين وأربعين ميلا ، وذهب بعض المؤرخين إلى أنها على بعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة والبعض الآخر على أنها ثلاثين ميلا من المدينة المنورة وهذا الاختلاف يعود إلى أن المؤرخين قاس بعضهم من أولها والآخرون من وسطها والبعض الآخر من نهايتها ولما كانت الروحاء واديا بيرا ففى أولها لافتتان كما أن فى آخرها أيضا لافتتان فالذين قالوا أنها تبعد ثلاثين ميلا قاسوا المسافة من مدخل الوادى والذين قالوا أنها تبعد ستة وثلاثين ميلا قاسوا المسافة من وسط الوادى والذين قالوا أن المسافة اثنين وأربعين ميلا قاسوا من مخرج الوادى ، وبناء على هذا التقدير فطول الوادى يمتد على طول اثنى عشر ميلا.

ووجه تسمية الوادى بهذا الاسم أنه واد فى غاية الاتساع أو أن الملك «تبع» قد استراح فى هذا الوادى ويوصى أكثر الرواة بأن القول الثانى أحق بالاعتماد عليه أى أن وجه تسميته استراحة الملك تبع قليلا فى وادى الروحاء بعد أن قاتل

يهود المدينة وهذا يؤيد القول الثانى ولا ينفى أيضا إمكان صحة القول الأول. كان فى وادى الروحاء قصران ومسجد ، والعديد من الآبار. والمحل الذى دفن فيه إبراهيم بن الرسول ـ عليه السلام ـ فى بقيع الغرقد روحاء أيضا.

روضة الأحوال : اسم حديقة فى ناحية ودان.

روضة الأجواد : قرية كائنة فى ديار بنى غطفان وفى إحدى وديان قصيبة وفى الطرف القبلى من هذه القرية خيبر وفى طرفها الشرقى أراضى عصيرة.

روضة أحام : فى وادى العقيق.

وروضة الخزرج : موضع فى داخل المدينة وروضة الخزرج تنسب لبنى خزرج.

روضة الحماط : المحل الذى يطلق عليه ذات الحماط فى العقيق.

روضة الصهباء : اسم حديقة تقع على بعد ثلاثة أيام من المدينة فى ناحية الشام.

روضة عربتة : واد فى ناحية رخصية ، وكان هذا الوادى قد اتخذ مرعى لرعى الخيول فى الجاهلية وأوائل العهد الإسلامى.

روضة العقيق : فى وادى العقيق.

وروضة مرخ : اسم حديقة فى داخل المدينة.

ذو رولان : اسم واد ينسب لقبيلة بنى سليم بالقرب من رخصية.

رويثة : اسم منزل على بعد ستة أميال فى جهة مكة المكرمة «رهاط» اسم دار الصنم المسمى بسواع الذى اتخذه بنى هذيل إليها وهى فى داخل أراضى البحر ، كما أنه اسم قرية بجانب جبل شمنصبر. والذين يريدون أن يتعرفوا على ذلك الصنم أكثر من هذا يستطيعون أن يطالعوا صحائف مرآة مكة.

ريان : اسم برجين منسوبين لقبلتى بنى حارثة وبنى زريق واسم ماء كائن أسفل الجبل الأحمر الطويل الذى فى مرعى ضرية واسم واد بجانب الجبل المذكور واسم جبل فى ديار بنى عامر واسم قصور متعددة فى منجم بنى سليم.

ريدان : على وزن ميدان كان اسم برج خاص ببنى واقف من القبائل الأوسية وفى الجهة القبلية من مسجد الفضيح.

ريم : اسم الوادى الذى فى بلاد مزينة والذى يصل جبل ورقان بوادى العقيق ويبدأ هذا الوادى على ثلاثة أميال من المدينة المنورة وينتهى على بعد ثمانية وأربعين ميلا.

حرف الزاى

زبالة : اسم موضع مشهور بجانب التل الترابى الذى فى بلاد حمراء الأسد وفى مبدأ حدود أرض يثرب من جهة الشام ، وفى عصر الجاهلية غمر هذا الموضع الماء فهلك معظم ساكنيه ، وعلى قول أن زبالة بنت مسعود من بقية العمالقة نزلت فى هذا الموضع وأقامت قرية هناك وهذا هو وجه تسمية ذلك الموضع باسم زبالة.

زج : اسم موضع فى مرعى ضرية وقد أقطع النبى صلى الله عليه وسلم هذا الموضع لعداء بن خالد من قبيلة ربيعة بن عامر.

زرود : اسم موضع بالقرب من أبرق العذاف أو اسم موضع قريب من منزل ثعلبية فى طريق فيد الذى يعد من منازل حجاج العراق ، وعندما أرسل سيدنا عمر الفاروق سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ إلى العراق مضى سعد أولا إلى «فيد» حيث أقام مدة شهر ثم عاد إلى منزل «زرود» سالف الذكر.

زغابة : موقع سيول وادى العقيق أى فى الموقع الذى تتجمع فيه مياه وادى العقيق الذى فى الجهة الغربية من مقبرة سيدنا حمزة ـ رضى الله عنه ـ وفى أعلى المكان الذى يطلق عليه «إضم» ، وأسفل المكان الذى يطلق عليه «شظات» ، لأن الوادى الذى يضم المدينة المنورة المقدسة يطلق عليه «إضم» وكان هذا الوادى يجمع بين مواضع متعددة وكان يطلق على المكان الذى فيه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم «قناة» وعلى أعلى هذا الموقع أى على المكان الذى بجانب سد القناة «شظاة» وعلى المكان الأسفل «إضم».

زمزم : بئر فى داخل المدينة كما وضح فى فصل الآبار وسبب تسميتها بهذا الاسم هو توزيع مياهها إلى أطراف المدينة للتبرك.

زهرة : اسم قرية بين الحرة الشرقية وموقع سافلة.

زور : اسم واد أو جبل بجانب السوارقية.

زوراء : اسم موضع بجانب ضريح حضرة مالك بن سنان وفى مكان السوق القديم كما جاء فى مبحث الأسواق وكان فى هذا المكان دارا لعثمان بن عفان تسمى زوراء وكانوا يعلنون حلول وقت صلاة الجمعة من هذا المكان فى عهد خلافته ، كما يطلق على الموضع الذى يوجد فيه مرقد ابن رسول الله إبراهيم عليه السلام.

زين : اسم مزرعة فى موقع جرف.

حرف السين

سائر : اسم ناحية فى المدينة المنورة تعرف أيضا باسم سائرة.

سافلة : الجهة المقابلة للموضع الذى يطلق عليه العالية فى المدينة المنورة ؛ وذلك لإطلاق على جهة من جهات المدينة العالية وعلى الجهة الأخرى السافلة وتبدأ العالية من المسجد الشريف وتنتهى فى وادى سخ وهذا المكان يمتد قدر ميل فى ناحية قباء ونقطة الاتصال هذه ابتداء السافلة وعلى هذا يقتضى أن تكون جهة المدينة المنورة الشامية العالية وإن كان بعض الناس يطلقون على جهة من المدينة المقدسة العالية وعلى الجهة الأخرى السافلة فهم مخطئون فى قولهم هذا.

ساهية : اسم واد من وديان العقيق.

ساية : اسم الوادى فى سفوح جبل شمنصير ، وهذا الوادى صحراء جسيم يشتمل على آبار كثيرة وحدائق نخيل. كما أن الرمان والعنب والموز من جملة فواكه هذه الحدائق.

ستار : اسم جبل خلف مرعى ضرية واسم جبل فى ديار بنى سليم كما أنه اسم جبال ذات حجارة سوداء على بعد ثلاث مراحل من ينبع البحر.

سجاسج : الاسم الآخر لوادى الروحاء ولما كان هواؤه معتدلا أطلق عليه سجاسيج. لأن سجسج يطلق على الجو المعتدل الخالى من الحرارة.

السد : اسم السد الذى أقامه عبد الله بن عمرو بن عثمان ليقطع سيل رانوناء.

سراة : اسم الجبل العظيم الذى يفصل بين نجد وتهامة. وذلك الجبل من أعاظم الجبال ويبدأ من قعر اليمن ويمتد إلى أطراف الشام. ولما كانت بلاد الحجاز على الجهة الشرقية من هذا الجبل يطلق العرب عليها الحجاز.

«ذو السرج» اسم نهير قريب من وادى ملل.

سر : اسم موقع خاص بأفراد قبيلة بنى أسد واسم منزل فى بلاد تميم. وكانت سرارة اسم حديقة فى قرية بنى بياضة ويطلق عليها فى زماننا سرارة إلا أن هذه الحديقة ليست حديقة بنى بياضة ولكنها حديقة أخرى.

سرغ : اسم قرية فى وادى تبوك على ثلاث مراحل من المدينة وهذه القرية أبعد منزل لمدينة النبى صلى الله عليه وسلم ومبدأ حدود بلاد الحجاز المقدسة وعلى بعد مرحلة من تبوك.

سرير : على وزن زبير اسم نهير بجانب قرية جار واسم الصحراء التى توجد فيها. نطاة وشق من القلاع الخيرية.

سعد : اسم سوق تقام فى طريق «فيد» ، وأسماء الجبال التى على بعد ثلاثة أميال من وادى كرير ، وفى القرب من قرية ذات الرقاع ، وعلى جبل سعد منازل كثيرة.

سقا : على وزن صفا ناحية من نواحى المدينة.

سقان : اسم مجرى النهر الذى يوصل سيل إضم إلى البحر.

سفوان : اسم ناحية من نواحى بدر حيث وقعت غزوة بدر الأولى.

سقاية سليمان بن عبد الملك : فى محل يسمى جرف حيث ينفصل حجاج الشام إلى طريق الشام.

سقيا : على وزن رؤيا الاسم القديم لوادى جزل الذى يبعد عن مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سبع مراحل وبالقرب من وادى القرى واسم «سقياء» سعد فى الحرة الغربية واسم بئر على بعد يومين من المدينة المنورة بناء على قول الإمام قتيبة.

وبناء على رواية أخرى أنها اسم قرية على طريق مكة القديم وبما أن أهالى هذه القرية قد اعتادوا سقى الحجاج بالماء العذب فقد سميت بهذا الاسم.

وعند البعض أن تبع الحميرى نزل فى هذه القرية وعطش ولم يجد فى جوارها ماء صالحا للشرب وإذا بمطر يمطر فجأة وينال مرامه لذا أطلق على ذلك المحل سقيا.

سقيفة بنى ساعدة : يطلق على بنيان الديوان الذى اجتمع فيه للتشاور فى مبايعة أبى بكر الصديق خليفة. ويطلق «سقيفة» على كل صفة بنيت على أربعة أعمدة مكشوفة الجوانب وكانت صفات منازل البلاد الرومية من هذا القبيل. وقد قال الإمام السمهودى إن سقيفة بنى ساعدة كانت فى الطرف الغربى لبئر بضاعة إلا أنه لا يوجد أحد فى زماننا يعرف ساحة تلك السقيفة.

سكاب : اسم جبل من جبال المدينة القبلية.

سلاح : على وزن فلاح أسفل خيبر لما كان بشير بن سعد الأنصارى ذاهبا إلى اليمن تلاقى فى هذا المكان مع الغطفانيين (١) ، كما أنه اسم ماء مر فى ديار بنى كلاب وكل من كان يشرب من هذا الماء كان يتقيأ.

سلاسل : اسم ماء فى مكان يطلق عليه أرض الجذام وهى التى تقع خلف وادى القرى ويبعد عن المدينة بمسيرة عشرة أيام.

سلالم : حصن فى خيبر.

ذو السلاسل : اسم نهر بين المدينة ووادى فروع.

سلع : اسم جبل فى مواجهة مسجد الفتح وكهف بنى جذام فوق هذا الجبل.

سليع ، على وزن زبير : اسم جبل مقابل جبل السلع ، وقد بنى حجاز بن شيخه فوق ذلك الجبل حصنا رصينا فى سنة ٦٧٠ حيث سكن. وانتقلت هذه القلعة مع مرور الأيام إلى أمراء المدينة لذلك عنيت بها أعظم عناية وحرست فى الليالى من قبل الجنود إلا أنها تركت فيما بعد لسبب غير معروف ، يروون أن المنازل التى كانت تخص جماعة أسلم بن قصى كانت فى هذا الجبل.

__________________

(١) الخبر فى الطبرى ٣ / ٢٣.

وقد بنى فى زماننا على سفوح الجبل التى تمتد ناحية المدينة المقدسة بعض البيوت من اللبن ونصب كثير من الخيام حيث أسكن الغرباء الذين انفصلوا عن قبائلهم البدوية ، كما أسكن فى البيوت بعض الجماعات. ويتعايش سكان الخيم على رعى الإبل والأبقار والثيران وبيعها وبحراسة البساتين ، كما أن أعيان البلد وأغنياءها يمدون إليهم يد العون.

استطراد :

هناك ثلاثة جبال بعضها منفصل عن البعض على الطريق الذى يمتد إلى ناحية جرف من الجبال المذكورة ويطلق على أحد منها جبل «حصانية» وهذا الجبل أقرب الجبال إلى المساجد الأربعة. ويطلق على الآخر جبل «فته» وهو الجبل الذى يقع فى الجهة الشامية من حصانة والجبل الذى يقع على الجهة الغربية من جبل فته يقال له جبل «أم منيع» وهذه الجبال الثلاثة فى الجهة الشامية من البلدة الطاهرة وفى داخل المنطقة التى حرمها النبى صلى الله عليه وسلم.

والجبال التى يسميها الأهالى «الجماعات» ثلاثة فى الطرف الغربى للحرة الغربية حيث مجرى العقيق الذى يطلق عليه جرف والجبل الذى بجانب الحرة الغربية يقال له «عصيفرين» ويقال للجبل الذى فى الطرف القبلى ل «مدرح» أى فى وسط الحرة الغربية «الضليع الأحمر».

ضليع البرى : إنه فى جهة العيون وفى الطرف الشامى للبركة وجبال منخفضة خلف المواقع التى تسمى هريسة وعين صدقة وعين ريان وأم هجول التى خلف الجبل الذى لا اسم له. والأهالى لا يعرفون أسماء هذه الجبال والجبل الذى ذكر اسمه فى الحديث الشريف وهو «جبل عير» هو الجبل الذى يمتد إلى آبار على. ولونه أسود. وهناك جبل طويل مظلم فى الطريق الذى يأتى من جهة «غائر» وفرع فلا يعد هذا الجبل من جبل عير ، وهناك جبل «ثور» أيضا وهو جبل صغير أحمر وفى نهاية مجرى ماء صادقية من الجهة الشامية ، والأراضى التى خلف هذه الجبال ظلت خارج المنطقة التى حرمت. والحرة التى فى الجهة الشرقية وإن

كانت خارج حدود الحرم فنصف هذا الجبل ملتصق بالحدود الشريفة فنصفه الخارجى قد احترق عندما اشتعلت نار الحجاز المنذرة ، فى الناحية الشمالية للمدينة أراض تعرف ب عورة وهذه الأراضى تنقسم قسمين فالجهة التى تؤدى إلى ضريح حمزة ـ رضى الله عنه ـ فأكثر ترابها أبيض ، حتى إن البنائين والنقاشين يحرقون الكلس فى هذا المكان. وبعض أماكنها موحلة ، ولما كان كل جهاته مزروعة ولما كان المهاجرون والمجاورون يتكاثرون فى هذه الفترة فقد أخذوا فى إعمار هذه الأماكن ببناء منازل عشوائية. والجهات القبلية لهذه الأراضى تنسب إلى جماعة من قبائل مسروح والذين يقيمون فى طريق غاير وفرع ، والأراضى التى بين المدينة وقباء من ممتلكات قبلية ، فهذه وقرية قربان التى بين قباء وعوالى أراضيها خاصة بجماعة من قبائل «وهوب» و «غردة» وقرية «عوالى» التى تقع فى الجهة الشرقية من القربان خاصة بقبيلة بنى على وأفرادها.

والأراضى التى تقع على الجهة الشرقية من طريق مشهد حمزة هى أراضى صدقة ، عين حازمية ، تعرع ، سرائية ، عين حسين ، شربوقة وهى تتكون من الأراضى التى تمتد إلى سفوح جبل أحد. وهذه الأراضى تابعة لبنى على سالفى الذكر.

والمواقع التى على غرب طريق مشهد حمزة إلى جبل فته ديار قبيلة أشراف بنى حسين وأراضى أشراف بنى حسين إلى مجرى عين الزرقاء الجهة الشامية منها ديار قبيلة حنانية ، والجهة القبلية من هذا الموقع ديار قبيلة خوارزم وأراضى العيون التى تقع فى جهة الشام ومزارع الجرف التى تقع على الجهة الغربية لهذه الأراضى ، وجهات أبى بريقه ، ذى الحليفة ، وسيطة ، علاوة أيضا على جبل الحمراء بلاد أفراد بنى عمر من المسروحين ، فهذه الأماكن تسمى بأسماء تلك القبائل المذكورة. وإن كانت فى هذه المواقع أموال القبائل الأخرى أيضا إلا أن أسماءهم لا تذكر ، لأن أراضى جزيرة العرب قد قسمت قديما وقد قرر أن تذكر قطعة الأرض والتى كانت من نصيب أية قبيلة باسم وكنية تلك القبيلة واتخذ

ذلك قانونا ، وبناء عليه وإن انتقلت بعض أجزاء تلك الأراضى إلى الآخرين عن طريق الشراء أو الإرث ، تذكر تلك الأراضى بأسمائها القديمة حسب القانون.

سليل ، اسم صحراء العقيق.

سليلة : اسم موضع فى وادى.

سليم : على وزن زبير : اسم النهر الذى يسمى ذات السليم فى صحراء العقيق.

سمران : على وزن عثمان اسم الجبل الذى فى خيبر حيث صلى على قمته النبى صلى الله عليه وسلم.

ذو سمر : اسم ماء فى وادى العقيق.

سميحة : اسم بئر قديمة فى المدينة المنورة.

سنح : يقال لأطم زيد بن الحارث الذى يقع على بعد ميل من المسجد النبوى فى جهة العالية ، وبما أن النقطة التى يوجد فيها هذا الأطم نهاية حدود جهة العالية للمدينة فسموا تلك الناحية بسخ. كانت زوجة حضرة أبى بكر الصديق الأنصارية من ساكنات ناحية سنح.

إن أطم كما ذكر أعلاه هى الأبراج التى كان يقيمها سراة عرب الجاهلية فوق سطوح منازلهم ، إلا أن الأطم الذى يطلق عليه «سنح» لم يكن من قبيل تلك الآطام بل كانت أبنية متينة تشبه الحصون وتبنى خارج القرى للتحصن بها وقت الحاجة.

وتوجد مثل هذه المبانى فى بلاد الروم ويطلق عليها أهاليها كلمة «برج» و «خاى».

وعندما يقتضى الأمر فإنهم يتحصنون فى داخلها بأولادهم وعيالهم ويقاومون الأعداء.

وليس هذا فى العصر الذى نتباهى بإدراكه فى عصر السلطان الذى يستقر فيه السلام والأمن بل كان فى أيام أمراء الإقطاع.

وكان فى تلك الأوقات لكل مدينة أمير وكان الأمراء يغيرون على بعضهم ويتقاتلون من حين لآخر.

وتوجد أبراج وما يشبه القلاع فى أكثر الممالك إلا أنها بنيت بقصد حماية الأموال والعيال ضد قطاع الطرق واللصوص كما يروى أن بعض أغنياء البلاد المختلفة يبنون فى الأماكن ذات الهواء الجيد منازل يصطافون فيها عندما يشتد الحر.

سن : على وزن جن اسم جبل فى محاذاة جبلين يطلق عليهما «ميطان» و «شوران».

سواج : على وزن قماش جبل من جبال مراعى ضرية يشتهر بأنه مساكن الجن.

سوارق : اسم ماء فى غاية العذوبة بالقرب من سوارقية.

سوارقية : اسم قرية تشتهر بوفرة فواكهها وكثرة رياضها ولم يكن فرد من بنى سليم فى هذه القرية غير مالك لشىء.

سوق بنى قينقاع : اسم مكان سوق تقام عند جسر بطحان ، وكان عرب الجاهلية يقيمون سوقا فى هذا المكان عدة مرات فى سنة واحدة وكان جماعات القبائل العربية يحتشدون فيها فوجا متباهين وينشدون الأشعار ، اجتمع سيدنا حسان بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ مع نابغة بنى ذبيان فى هذه السوق.

ونابغة : اسم امرأة من بنى ذبيان تنتسب إلى نساء قينقاع وتشتهر بالبلاغة والفصاحة ، وإن كان يقال نابغة لكل شاعر فصيح إلا أن نوابغ الأسلاف ثمانية من الشعراء لا مثيل لهم وأسماؤهم :

١ ـ زياد بن معاوية الذبيانى

٢ ـ قيس بن عبد الله الجعدى.

٣ ـ عبد الله بن مخارق الشيبانى.

٤ ـ يزيد بن إبان الحارثى.

٥ ـ نابغة بن القنوى

٦ ـ حارث بن بكر اليربوعى.

٧ ـ حارث بن عدوان التغلبى

٨ ـ نابغة العدوانى.

سويداء : اسم موضع فى جهة ذى خشب على بعد ليلتين من المدينة.

سويد : برج فى الطرف الشامى لحديقة حماضة فى قرية بنى بياضية.

سويقة : اسم موضع على بعد ثلاثين ميلا من مرعى ضرية له بئر ماؤها فى غاية من العذوبة واللطافة ، وبين الحرمين ناحية تسمى سويقة ولما كانت هذه الناحية من جملة أوقاف سيدنا على ـ كرم الله وجهه وتقع على يمين من يتجهون من وادى السيالة. كان بعض الرجال من آل على يقيمون فى تلك الناحية. وكانت تلك الناحية فى غاية العمار فى أوائل عهودها وكانت مشهورة جدا فى تلك النواحى إلا أنها قد خربت فى عهد المتوكل بالله العباسى وأخذ عمارها يقل يوما بعد يوم ، لأن محمد بن صالح الحسنى الذى رفع راية العصيان فى عهد المتوكل بالله العباسى جهز جنوده ورتب أمورهم فى هذه الناحية.

وبعدما انتصر المتوكل على محمد بن صالح قتل أكثر جنوده وأحرق مساكنهم ومعاقلهم وخربها كما أحرق حدائق نخيله فجعلها مأوى للبوم والغربان فلم تعمر بعد ذلك. وبين ينبع البحر والمدينة الميمونة جبل يطلق عليه «سويقة» ولما أقام إبراهيم بن عبد الله فى هذا الجبل فإنه يطلق على هذا الجبل فى عصرنا سويقة منازل بنى إبراهيم.

سى : اسم الناحية التى قاتل فيها الشجاع وهب مع قبيلة هوازن على بعد خمس ليال من المدينة المنورة.

سيالة : اسم الوادى الذى يوجد فيه مسجد شرف الروحاء. ومنتهى هذا الوادى على بعد ثلاثين ميلا من المدينة المنورة يعرف باسم شرف.

سيح : الجهة الغربية لمساجد الفتح يظهر أنها ناحية سنح سالف الذكر.

سير : اسم الموضع الذى قسم فيه غنائم بدر وهو بجانب وادى صفراء ونازية على بعد نصف فرسخ من مضيق مستعجلة ، ويطلق فى زماننا على المكان الذى يسمى فركات الخيف سيرا وبجانب هذا المكان حوض قديم.

حرف الشين

شابة : اسم جبل بين وادى ربذة ووادى سليلة.

شاش : كان شاش برج بنى عطية بن زيد فى ساحة مسجد قباء الرملية.

شبا : اسم واد فيه بئر خيف الشبا فى ديار أيثل.

شباع : اسم جبل مقابل لبئر ثابت.

شباك : اسم موضع كان بين المدينة المنورة وأبرق العذاف. واسم منزل فى وادى شفوان.

شبعان : اسم برج فى مكان يسمى بشمغ شبكة اسم مزرعة فى موضع إضم والتى تتبع ذى خشب.

شجرة : اسم الشجرة المشهورة فى مسجد ذى الحليفة ، تقال أيضا شجرة لمزرعة منسوبة لجماعة بنى قريظة.

شذخ : اسم واد والمنزل الذى يطلق عليه نخلة كان فى داخل هذا الوادى.

شراة : اسم جبل فى غاية العلو على شمال وادى عسفان.

شرج : اسم موضع شجرة العجوز فى خارج المدينة المنورة حيث قتل اليهودى كعب بن الأشرف ، واسم مجرى ماء فى أراضى نجد ، وكذلك اسم دار فى ديار فزارة وفى وادى فزارة بئر مشهورة أيضا.

شرة عبى : كان اسم برج أسفل وادى ذباب.

شرف : مكان مرتفع بين واديى الروحاء والسيالة يقال لهذا المكان شرف الروحاء وشرف السيالة أيضا.

شريق : اسم مجرى ماء من أنهار وادى العقيق.

شطأن : اسم بئر واد من وديان المدينة.

شطون : اسم بئر فى وادى مثعر.

شظاة : اسم نهر قناة شعب واد ينتهى إلى صفراء حيث كثير من أشجار النخيل.

شعاب : «شعب أحد» قد شرّف النبى صلى الله عليه وسلم هذا الشعب يوم غزوة أحد.

شعب العجوز : المكان الذى قتل فيه اليهودى كعب بن أشرف فى خارج المدينة.

شعب المشاش : خلف جماء العاقل فى وادى العقيق.

شعب الشوكة : يقال له شعب على أيضا وهى طرق عديدة والشعب يقال لمكان مكشوف بين الجبلين أو على رأى آخر يطلق على الطريق الجبلى الضيق صعب المرور.

شعبة : اسم بئر قريب من وادى يليل واسم مجرى ماء فى وادى أبلى.

شعث : على وزن كرز موضع بين منجم بنى سليم وقرية السوارقية.

شعر : على وزن جسر اسم جبل مقابل منجم مأوان.

شعبى : اسم قرية بين أراضى أيلة والمدينة ، واسم منزل سقيا التى تقع فى نقطة اتصال الطرق التى تؤدى من مصر والشام.

شفر : اسم ماء فى وادى ربذة واسم جبل لمنجم مأوان.

شقرة : موضع يقع فى طرق فيد وبين الجبال التى يطلق عليها مجرا كان بعض

منهزمى غزوة أحد قد هربوا إلى هذه الأماكن التى تبعد عن المدينة مسافة يومين.

شق : اسم قلعة من قلاع الخيابر.

شلول : اسم ناحية فى المدينة.

شماح : كان اسم برج فى الجهة القبلية من بيوت بنى سالم.

شمنصبر : اسم جبل مشهور فى وادى ساية.

شناصير : ناحية من نواحى المدينة.

شنولة : اسم جبل على ميل من شرف الروحاء وفى مقابل الطريق الذى يقال له شعب على.

شواجد : جبل فى قرية سوارقية قد حدثت مقاتلة عظيمة فى هذا الجبل فى جاهلية العرب وهى فى داخل وقائع العرب فى الجاهلية.

شوران : جبل فى محاذاة جبل ميطان وتنسب حرة شوران لهذا الجبل وحرة شوران لما كانت مراعى أطرافها الأربعة خصبة فالإبل التى ترعى هنا تسمن وتكتسب ضخامة .. حتى إن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى شوران جملا سمينا فسأل «أين رعيتم هذا الجمل؟» ولما قيل رعيناه فى حرة شوران ، تفضل قائلا : «بارك الله فى شوران».

شوط : اسم موضع بالقرب من منازل بنى ساعدة.

الشيخان : برجان فى جهة والج يطلق على أحدهما الشيخ وعلى الآخر الشيخة لما كان هذان البرجان فى الطريق الذى يؤدى إلى أحد عن طريق الحرة الشرقية ولما مضى النبى صلى الله عليه وسلم إلى معركة أحد كان قد صلى فى الأرض المستوية بين البرجين ، وكان شجعان وقعة أحد باتوا ليلة فى هذه الساحة المستوية.

حرف الصاد

صاخة : اسم أحد التلال الخمسة التى فى وادى العقيق لا ينبت العشب فوق هذه التلال.

صارى : اسم جبل فى الجهة القبلية للمدينة المنورة.

صخرة : اسم موضع فى الجهة الغربية للبقيع.

صحت : جبل فى أعلى السوارقية على قمة بئر كثيرة الحجارة.

صدار : اسم موضع فى وادى الروحاء يعرف ب صدارة.

صرار : كان برجا فى الطرف الشامى لدار الهجرة. كما يطلق على المحل الذى وزعت فيه غنائم غزوة قرقرة الكدر وعلى بعد ثلاثة أميال من المدينة كما يسمى جبل من جبال المدينة القبلية وبئر قريبة من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم التى بقيت من أيام الجاهلية صرار أيضا. وهذه البئر فى الجهة الشرقية من المدينة المنورة قد شيع عمر بن الخطاب إلى هذه البئر المجاهدين الذين ساقهم إلى الكوفة.

صعبة : تطلق على المزارع المنسوبة إلى بنى سليم بالقرب من جبل أملى وفى هذا المكان آبار عديدة ذات مياه عذبة.

صفاح : اسم موضع فى وادى الروحاء.

صفا : صف اسم موضع بين سد عبد الله العثمانى ومنزل عصية.

صفراء : وادى يضم كثيرا من حدائق النخيل وفيه آبار كثيرة ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد شرف هذ المكان عدة مرات.

صفر : جبل أحمر فى وادى «فرش ملل» وعليه مبنى لحسن بن زيد.

صفنة : كانت دارا منسوبة لنبى عطية فى الساحة الرملية لمسجد قباء.

صفينة : على وزن دفينه دار بين منازل بنى سالم وبيوت قباء ـ وعلى رواية ـ كان بلدا فى ديار بنى سليم.

صلحه : على وزن نسخة اسم دار فى داخل قرية بنى سلمة.

صلصل : على وزن أكمل ، جبل معروف على بعد سبعة أميال من المدينة فى الجهة القبلية وهو قريب من ذى الحليفة والآية الخاصة بالتيمم نزلت فى هذا الجبل. كما يروى.

صلاصل : اسم مكان فى وادى بطحان.

صمد : اسم ماء قريب من المدينة واسم موضع فى قرية قباء.

صمان : على وزن دساس اسم الجبل الأحمر القريب من سبعة جبال رملية فى دهناء التى فى أراضى ديار تميم. وبالقرب من جبل رمل عالج من الجبال السبعة.

صوار : اسم موضع فى المدينة.

صورى : اسم مجرى ماء فى أودية النقيع يطلق عليه فى زماننا صعورية.

صوران : على وزن دوران الموضع الذى يشمل على حدائق النخيل فى نهاية مقبرة بقيع الغرقد. كان النبى صلى الله عليه وسلم مر بهذا المكان عندما توجه إلى غزوة بنى قريظة.

ذو صويرة : واد قريب من مجرى ماء الصورى من وديان العقيق. كان أعلم الناس عبد الله بن عباس قد وقف مزرعته التى فى هذا المكان.

صياصى : أربعة عشر برجا فى قرية قباء ، مفردها ، صيصة.

حرف الضاد

ضاحك : على وزن ناطق جبل فى وادى فرش ملل. وبين هذا الجبل.

ضويحك : مجرى ماء.

ضارج : اسم موضع بجانب ماء عذيب واسم منزل فى بلاد اليمن.

ضأس : اسم واد بين ينبع البحر والمدينة.

ضاف : اسم واد فى جهة بقيع جوانبه محاطة بالجبال.

ضباء : قرية من قرى المدينة ماؤها عذب كثيرة الآبار ، وفيها أشجار يطلق عليها مقل.

ضبع : اسم ماء من أنهار العقيق.

ضبوعة : منزل قريب من موضع بليل وبين وادى مثيرب وحلائق.

ضجنان : اسم موضع على مسافة يومين من قديد من جهة مكة.

ضحبان : اسم برج فى منزل عصية لأحيحة بن الجلاح.

ضرعاء : اسم موضع بجانب جبل شمنصير.

ضريه : قرية على بعد سبعة عشر ميلا من المدينة فى جهة البصرة لها بئر تسمى ببئر ضرية.

ضرى : اسم بئر فى مرعى ضرية بقيت من قوم عاد.

ضع دزع : كان برجا بجانب بئر بنى خطمة.

ضفن : بئر بنى فيد وخيبر لقبيلة بنى فزارة وبجانبها الحديقتان المعروفتان باسمى كرانيف وحائط.

ضفر : مكان قريب من المدينة حيث دفن أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة ابن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى.

حكاية :

كان أبو عبيدة هذا من أجواد العرب المطعمين. وقد ذكر إبراهيم بن هشام وهو فى طريقه إلى المدينة أن أبا عبيدة كان رجلا كريما جوادا ، مر ببيته وقال له : «إننى لن أنتظر ، إذا كان لديكم طعام جاهز فهذا يسرنى وإذا لم يكن عندك طعام أستمر فى طريقى حتى لا أتأخر» فقال له : «ليس عندى طعام يكفى لإطعام من معك من الناس ، وإنى أستعد الآن لأنحر عدة بقرات حتى أعد لهم طعاما ،

فأرجوكم أن تظلوا هذه الليلة عندى فى داركم». وعرض عليه أن يظل ضيفا عنده تلك الليلة.

ولما كان عرض إبراهيم بن هشام اختبار مدى جود أبى عبيدة فقد قال «لا لا لا بد من ذهابى».

فرد إبراهيم على هذا اقتضى إحضار الموجود من الطعام أحضر تسعين من كرشة الأبقار وكان بجانبها تسعون من رأس الأبقار المشوى. فتعجب إبراهيم من هذه الحالة وقال يظهر أن هذا الرجل يذبح كل يوم تسعين بقرة لإطعام الضيوف الواردين وهكذا أثنى عليه ومدحه.

ضفيرة : تضفير ضفر اسم واديين من وديان العقيق وتقال الضفرة على أكوام الرمل التى ينهار بعضها فوق البعض وينعقد وهناك فى وادى العقيق أكوام رمال متراكمة نتيجة للسيول التى تجرف الرمال وضفيرة اسم واحد من تلك الأكوام.

ضلع الشيطان : منزل احتشاد طائفة من مشركى الجن وضلع بنى مالك موقع احتشاد بطن من الجن المؤمنين بناء على ما يروى. ويحكى أيضا أن هذين الضلعين اسما جبلين فى مرعى ضرية وبين هذين الجبلين وادى تسرير الذى يمتد اثنتى عشرة ساعة ويزعم العرب أن هاتين الطائفتين من الجن تقاتلا فى هذا الوادى. إن سكنة وادى تسرير يرعون دوابهم فى ضلع بنى مالك ويصطادون ولكنهم يتجرءون لا على الرعى ولا على الصيد فى ضلع الشيطان.

حرف الطاء

طاشا : على وزن باشا اسم واد من وديان جبل أشعر الذى ينتهى إلى وادى صفراء.

طخفة : جبل أحمر مستطيل فى مرعى ضرية ، فى محاذاته لسقى الدواب آبار متعددة.

طرف : على وزن شرف اسم بئر تبعد عن المدينة المنورة خمسة وعشرين ميلا

فى جهة العراق وأسفل الحديقة التى يقال لها «نخيل» ، وتبعد عن بطن النخلة عشرين ميلا. وعلى جوانب هذا الماء الأربعة هناك العديد من الآبار والكثير من البرك.

طفيل : يقال لجبل صغير بجانب بزوا.

طوبلع : اسم موضع فى المدينة من المنورة أو فى أراضى نجد.

حرف الظاء

ظاهرة : اسم الجهة التى يطلق عليها نقا بجانب الحرة الغربية.

ظبية : اسم موضع فى ديار جهينة كان النبى صلى الله عليه وسلم أعطى الموضع المذكور حتى حدود ذى المروة لعوسجة الجهنى. كما أنه موقع بين ينبع وغيقة والذى يمتد إلى شاطئ البحر ، واسم ماء فى أراضى الحجاز طبية أيضا. كما أن ظبية اسم علم أو علامة تسمى «عرق الظبية» بين الحرمين كما أنها اسم نوع من الشجر التى تشبه شجرة «قتادة».

ظهار : على وزن كبار حصن من حصون خيبر.

حرف العين

عابد : على وزن ثابت وعيود على وزن ودود عبيد على وزن زبير أسماء ثلاث قطع من الجبال بين وادى «فرش ملل» و «مدفع مريين». وأكبر هذه الجبال عيود على بعد مرحلة من المدينة.

عاص : وعويص اسمان لواديين كبيرين بين الحرمين.

عاصم : اسم برج لبنى عبد الأشهل فى نهاية بيوت بنى النجار وفى موضع فقارة. واسم برج آخر بجانب البئر التى تسمى قباء فى قرية قباء واسم العقد الذى بناه عاصم بن عدى بن العجلان خليف قبائل مزينة عندما نزل إلى البقيع الذى فى وادى أوس والعقيق والذى يعرف باسم ذى عصم.

عاقل : اسم جبل فى مرعى ضرية.

عالية : موضعان أحدهما من البلاد الحجازية الواسعة والآخر من عوالى المدينة.

عالية الحجاز : أعلى البلاد الحجازية وأشرفها.

عالية المدينة : هى قرية قباء التى فى الجهة القبلية من مسجد السعادة وأعالى هذه القرية ومبدؤها على بعد ميل من مسجد السعادة ، ومنتهاها ثلاثة أو أربعة أميال. ولكن هذا التعريف بالنسبة للجهات المعمورة من عالية المدينة منتهى العالية غير عامرة تبعد عن المدينة ستة أميال وعلى قول ثمانية أميال.

عاند : واد قبل الوصول إلى منزل السقيا فى الجهة الأخرى من ناحية فرع على بعد ميل ، وادى العاند ووادى القاحة أسماء أخرى لهذا الوادى.

عاير : طريق جبلى يقع على الجهة اليمنى من عقبة ركوبة وهو صعب الارتقاء والصعود ، وتعرف بثنية العاير.

ثنية ـ يقال للطريق الجبلى أو الطريق المتعرج الذى يصعد منه إلى الجبل ثنية كما أن عقبة تستعمل فى نفس هذا المعنى.

عبابيد : موضع بجانب بئر تعهن يذكر أيضا باسمى عبابيت وعثبانية.

عباثر : جمع نبات عبيثرات اسم مجرى ماء من مجارى جبل أشعر ويقع بين جبل بواط ووادى نخل.

عترة : على وزن فطرة اسم جبل فى الجهة القبلية من المدينة.

عثاعث : عدة من جبال صغيرة سوداء فى مرعى ضرية وتشرف على وادى مهزور.

عدنه : على وزن جملة قمة فى «فرش ملل» واسم موضع فى أراضى شربه.

عزيبة : على وزن رويدة كان برجا بين موضع صفاصف ووادى عصية الواقعان فى موضع عصية فى قرية قباء.

عزيبة : اسم ماء بين قرية جار وبلد ينبع البحر.

عراقيب : اسم منجم فى مرعى ضرية واسم قرية.

عربى : على وزن حبلى الاسم الآخر لوادى نقم.

عرج : اسم قرية كبيرة على ثلاث مراحل من مدينة الرسول. ووجه تسميتها بهذا الاسم حسبما يرى تبع الحميرى أنه عندما وصل إلى هذه القرية وجد بعض الناس أو بعض المسافرين يعرجون فى أعلى هضبة.

ومن روايات تواريخ العرب القديمة أن جبال قرية عرج تمتد إلى جبل لبنان ومن سلسلة جبال لبنان تتصل بجبل لكام فى إنطاكية ومن هناك إلى جبل جزر وعلى هذا يمتد ما يقرب من خمسمائة فرسخ وعلى ظهرها أقوام يتكلمون اثنتين وسبعين لغة.

عرضه : اسم موقع قريب من وادى العقيق.

عرض : على وزن حرص الاسم الآخر لناحية جرف ، وعند البعض إنه اسم المزارع التى فى أطراف مسجد القبلتين التى تقع فى الجهة القبلية من جرف. وعلى كل يطلق على الأماكن الصالحة للزراعة فى المدينة المنورة أو على القرى التى تقع فى مجارى المياه أعراض.

عرفات : قمة على الجهة القبلية من قباء كان النبى صلى الله عليه وسلم يقف على هذه القمة فى أيام الوقفة ويشاهد موقف عرفات.

عريان : على وزن قربان كان اسم برج منسوب لآل نضرة.

عريض : على وزن قبيس اسم مجرى ماء قريب من وادى قناة فى الجهة الشامية من الحرة الشرقية.

عريفتان : اسم مجرى ماء فى وادى ابلى.

عرينة : على وزن رويدة اسم قرية فى طريق المدينة الذى ينتهى إلى الشام.

عراف : على وزن صراف اسم الساحة الرملية لبنى سعد فى القرب من موضع زرود ، واسم الماء الذى يسمى «إبرق العزاف» فى ديار بنى أسد واسم جبل بالقرب من جبال الدهناء السبعة.

عروزى : على وزن حدودى اسم موضع بين الحرمين.

عسس : اسم جبل فى مرعى ضرية فتنسب صحراء عسس إلى ذلك الجبل.

عفان : على وزن نعمان قرية جميلة بين الحرمين على بعد يومين من مكة فى جهة المدينة كان لها فى الأوائل آبار كثيرة وبرك عديدة وبئر عولاء الشهيرة. والآن قد تخربت كافة الآبار وجفت البرك ولم تبق إلا بئر عولاء

عسية : اسم موضع فى ناحية المنجم القبلى.

عس : اسم مجرى ماء فى وادى عيق.

عشيرة : اسم منزل بين الحرمين ، واسم مجرى ماء فى العقيق واسم موضع فى مكان يقال له صمان ، واسم قلعة واقعة بين ينبع البحر وذى المروة يقال لها ذو العشيرة.

عصبة : على وزن تحفة اسم منزل فى الجهة الغربية من مسجد قباء. واسم موضع فى داخل قرية قباء.

عضبة : على وزن فضة اسم جبل فى طريق المدينة الذى ينتهى إلى خيبر ، وعندما ذهب النبى صلى الله عليه وسلم إلى خيبر مر من هذا الجبل.

عظم : على وزن عجم اسم مزرعة منبتة من مزارع خيبر.

عقرب : كان اسم برج خاص ببنى بياضة فى وادى الروحاء.

علاء : على وزن نواء اسم برج أو موضع فى المدينة المنورة واسم قصر فى ناحية وادى القرى.

عمق : على وزن دنك منزل من منازل الحجاج بين منجم بنى سليم وسليلة. واسم مجرى ماء ينتهى إلى أراضى فرع.

عميس : على وزن نفيس اسم واد فى ناحية فرش ملل.

عناب : على وزن رباب اسم الطريق الذى يوصل من المدينة إلى فيد أو اسم جبل فى هذا الطريق وعند البعض أن الجبل المذكور بين سقيا وذى المروة فى طريق الشام وبناء على هذه الرواية فالقول الأول مرجح. عنابس على وزن ملابس تطلق على المزارع التى فى الجهة القبلية من مسجد القبلتين.

عناية : اسم ماء وبركة فى ديار بنى كلاب اسم موضع بالقرب من سميراء عناقة اسم ماء قريب من مرعى ضرية أو هضبته.

إخطار :

تقال هضبة على الجبال المنخفضة والعريضة أو لمثل هذه الربا ، وعلى رأى ، أنها تقال للصخور الجامدة التى تتكون من قطعة واحدة أو على القمم الصعبة الصعود أو الجبال التى انفردت منفصلة عن الأخرى ، وتوجد مثل هذه الجبال أو القمم بين الجبال ذات التراب الأحمر.

عير : على وزن خير اسم جبلين ثبت بالأحاديث الشريفة المروية أنهما من ترع جهنم.

عيص : على وزن تيز مجرى ماء على بعد أربع ليال من المدينة المنورة وفى جهة ذى المروة.

عينان : اسم جبل على الجهة القبلية لمرقد حضرة حمزة ، رضى الله عنه ، وكان النبالة فوقه فى غزوة أحد. وبناء على قول صاحب القاموس يقال لهذا الجبل عينين بكسر العين ولما كان مسجد أحد على الركن الشرقى لهذا الجبل وكان بجانب المسجد قنطرة العين وبجانبها عين الشهداء سمى الجبل عينان.

عين إبراهيم بن هشام : اسم بئر فى فرش ملل.

عين أبى زياد : اسم بئر فى منتهى وادى غابة.

عين أبى نيرز : اسم البئر التى وقفها حضرة على بن أبى طالب فى ينبع وسميت باسم ابن النجاشى ملك الحبشة أبى نيرز الذى اشتراه على بن أبى طالب ثم أعتقه.

وقد رد بعض المؤرخين القول الذى يدعى أن سيدنا على بن أبى طالب اشترى «أبا نيرز» ثم عتقه ، وقالوا : أن «أبا نيرز» قد أدرك النبى صلى الله عليه وسلم ولما كان فى غاية الصغر فتربى فى حجر فاطمة مع الحسنين رضى الله عنهم. ولما كان على بن أبى طالب عينه مؤخرا لحراسة البئر سالفة الذكر فاشتهرت مضافة لاسمه.

عين البحير ؛ وعين بولا : البئران اللتان حفرهما على بن أبى طالب بنفسه.

وهاتان البئران أيضا فى ينبع البحر ومسجد ذى العشرة بجانب هاتين البئرين.

عين تحنس : اسم المنهل الذى اشتراه على بن الحسين ـ رضى الله عنهما ـ فى المدينة بسبعين ألف دينار.

عين الحديد : بئر فى وادى «أضم».

عيون : الحسين بن زيد بن على بن الحسين بن أبى طالب ، وهذه الآبار ثلاثة آبار إحداها فى المضيق والثانية فى ذى المروة والثالثة فى وادى سقيا.

عين الخيف : اسم الماء الذى يسقى المزارع التى فى مناطق مساجد الفتح ويطلق عليه فى عهدنا «شبشب».

عين الشهداء : يقال لها كاطمية أيضا وهى بالقرب من عين جلش ومجرى سيول عالية ولقد كان الأمير ودان قد عمر مجراه وجدده.

عين الفوراء : فى وادى إضم.

عين القشيرى : بئر بين الحرمين وبين وادى سقيا وأبواء كانت حدائق نخيل عبد الله بن الحسين العلوى فى هذا المكان.

عين النبى صلى الله عليه وسلم ذكرت فى فصل الآبار.

حرف الغين

غابة : اسم واد فى الجهة الشامية من المدينة وكان هذا المكان فى الأوائل ، ثم غمرته المياه فخربت أموال الأهالى وأملاكهم. لما مات الزبير بن العوام فبيعت أملاكه التى فى وادى غابة بمليون وستمائة ألف دينار ، وإن لم يكن وادى غابة بعيدا جدا عن المدينة المنورة إلا أن منتهاه ليس بقريب أيضا ومن المتواتر أن العباس ـ رضى الله عنه ـ كان يصعد فوق جبل سلع ويدعو خدمه وإنهم كانوا يجيبون وإن كانوا فى منتهى وادى غابة قائلين لبيك مع أن بينهما مسافة ثمانية أميال. إن كانت هذه الرواية صحيحة يلزم أن يكون الخدم فى مبدأ الوادى وليس فى منتهاه ، لأن إسماع الصوت على بعد ثمانية أميال مستحيل. مع هذا ينقلون أن المشار إليه كان يسمع صوته لمسافة اثنى عشر ميلا ، وفى الواقع كان عباس رضى الله عنه ـ جهورى الصوت حيث أنه صاح بالمنهزمين فى غزوة حنين وأسمع صوته للصحابة الذين كانوا على مسافة بعيدة وكان سببا فى التفافهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم.

ذات الغار : اسم بئر ذات ماء عذب لا ينضب وهى فى مكان على بعد ثلاثة فراسخ من سوارقية واسم غار فى طريق جبل أحد كذلك اسم غار فى شرف السيالة أيضا.

غبيب : يقال لساحة مسجد الجمعة المقدس.

غدير الأشطاط : اسم غدير على بعد ثلاثة أميال من قرية عفان من جهة مكة المكرمة.

غراب : اسم جبل فى الجهة الشامية من المدينة يطلق عليه غراب الصّائلة

وغرابات : اسم مضيق فى طريق رخصية وفى محل يبعد عن المدينة المنورة يوما واحدا.

غرة : كان اسم برج مبنى مكان مئذنة مسجد قباء.

غزة : اسم قرية بنى خطمة. ولما كانت كثيرة السكان ، شبه بغزة الشام وسميت بالاسم المذكور.

غزال : اسم مجرى ماء خاص ببنى خزاعة فى ناحية شمنصير.

غشية : اسم موضع فى الجهة القبلية من ناحية معدن.

ذو الغصن : اسم مجرى ماء فى وادى العقيق.

غضور : موضع بين الحرمين ينسب إلى بنى خزاعة.

ذو الغضوين : موقع مر به الرسول صلى الله عليه وسلم حين هجرته.

غمرة : اسم ماء فى طريق نجد ينسب إلى بنى أسد.

غموض : اسم الحصن الذى بناه اليهودى المسمى بحقيق فى خيبر ، وعند البعض أنه قلعة قموض.

غميم : موضع بين جحفة ورابغ.

ومن المحتمل أن يكون هذا المكان كراع الغميم وقد سمى باسم من يدعى بغميم. وإن قال ابن شهاب إن غميم بين وادى عسفان وضجنان إلا أنه بناء على قول القاضى عياض إنه واد على بعد ثمانية أميال من عسفان بل إنه اسم جبل أسود فى جهة كراع الحّرة ينتهى للوادى المذكور.

غور : اسم موضع فى ديار بنى سليم واسم السيول التى تجرى من الجهة القبلية إلى ينبع واسم سيل يجرى عن طريق تهامة من بين ذات عراق.

غيقة : اسم موضع على شاطئ البحر لقرية جار حيث يتصل بوادى ينبع واسم موضع فى خارج حرة النار التى تنسب لبنى ثعلبة بن سعد.

حرف الفاء

فارع : كان برجا أمام باب الرحمة وكان النبى صلى الله عليه وسلم يجلس تحت ظلها أحيانا ثم انهار فيما بعد وأضيفت ساحته إلى دار جعفر البرمكى ـ كما أنها قرية فى أعلى ناحية من وادى ساية الذى يشتمل على أشجار النخيل والعيون.

فاضجة : اسم أشجار نخيل فى ناحية جفاف واسم واد يبدأ من قرية الشعبى وينتهى إلى مرعى ضرية.

فاضح : اسم جبل فى وادى ريم واسم مجرى ماء فى موضع شريف.

فج الروحاء : اسم موضع ينتهى إلى وادى سيالة.

فحلان : اسم موضع فى جبل أحد.

فحلتان : اسم قناتين عاليتين بجانب الصحراء التى تعرف بفيفاء الفحلتين.

فدك : اسم البلدة التى بات فيها فدك بن حام مع أولاده وعياله ثم أقام فيها واسم البلدة التى قاتل فيها على بن أبى طالب ـ كرم الله وجهه ـ قبيلة بنى سعد بن بكر ، ولها قلعة حصينة باسم «مسروح» بجانب قلاع جيد ، وذهب بعض المؤرخين إلى أنها تبعد عن المدينة عشرة أيام فى ناحية خيبر ، ويذهب الآخرون إلى أنها على بعد ستة أميال ، إلا أن الرأى الأخير يبدو أرجح وأصح قولا. وكان الفدكيون يهودا أصلا. ولما أصبحت القلاع الخيبرية من أملاك الدولة الإسلامية طلبوا الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرط تسليم بلادهم فوافقهم الرسول صلى الله عليه وسلم وبهذا دخلت بلدة فدك ضمن الممتلكات النبوية.

صورة فتح بلدة فدك وتسخيرها :

عندما فتح النبى صلى الله عليه وسلم قلاع خيبر دعا سكانها لاعتناق الدين الإسلامى وإذا رفضوا ذلك سيتعرض بلدهم لاجتياح سنابك خيل المسلمين وأرسل لهم محيصة بن مسعود وحارثة ليعلمهم بذلك.

وسافر محيصة إلى بلدة فدك وقام بأداء الرسلة النبوية ولكن حمقى فدك قالوا إن أبطال خيبر عشرة آلاف من الشجعان وتحت قيادة أبطال مثل عامر وياسر وحارث ومرحب وإنهم منتظرون قدوم فرسان المسلمين فى داخل الحصن ويجب عليكم أن تنقذوا أنفسكم من أيديهم قبل أن تهدونا وترهبونا. فاضطر للعودة أمام هذه الأقوال. ولكن بعض القلقين منهم قالوا له نرجوك أن تنتظر قليلا

حتى نطلع على آراء كبرائنا بعد أن نستشيرهم وبناء على هذا قرر البقاء فى فدك عدة أيام ، وشاع فى تلك الفترة وقوع حصن «ناعم» القوى فى يد الغزاة المسلمين فى الحرب فتعرضت قلوب أهل فدك القاسية لخفقات الخوف والخشية فندموا على الأقوال التى صدرت منهم أولا وتشبثوا بذيول الرجاء وطلبوا الأمان فاختاروا من بينهم بعض اليهود من رؤسائهم الذين اسودت وجوههم مثل قلوبهم وابيض شعر رءوسهم بحيث لا تستطيع أن تفرقه من الكتان وأرسلوهم تحت رئاسة أحد أعيانهم يسمى نون بن يوشع إلى النبى صلى الله عليه وسلم باسطين له ـ عليه السلام ـ بساط الذل والمسكنة فاستطاعوا أن يأخذوا عهدا بالأمان بشرط أن تكون نصف أملاكهم من نصيب بيت مال المسلمين.

واستمرت أملاك فدك إلى خلافة عمر الفاروق ـ رضى الله عنه ـ على النظام الذى سبق بيانه ، وبما أن المشار إليه اشترى النصف الثانى من فدك بخمسة آلاف درهم من بيت المال وبناء على هذا أصبحت فدك من البلاد الإسلامية.

فراء : جبل على الطرف الغربى من جبل عير من جبال وادى العقيق التى تحيط بثنية الشريد بين هذا الجبل وجبل عير.

فرش ملل : موضعان مشهوران على بعد اثنين وعشرين ميلا من المدينة المنورة يفصل بينهما وادى مثغر. وكان فيما مضى مشهورا بكثرة قراه ومنازله.

فرع : بلد واسع جسيم على بعد أربع مراحل من المدينة دار العز وعلى يسار الموقع الذى يطلق عليه سقيا وفى داخل حدوده مسجد ينسب للنبى صلى الله عليه وسلم.

وعندما مضى سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ مع السيدة هاجر إلى مكة المكرمة رأيا هذه البلدة أولا.

وقد قال بعض اللغويين إن فرع تقرأ بفتح الفاء والراء وليس بضمها. إلا أن فرع بفتح الفاء والراء أحد وديان جبل أشعر بالقرب من السويقة على مسافة مرحلة من المدينة المنورة ، ويقال له فرع المسور بن إبراهيم الزهرى فريقات : اسم مجرى ماء ينتهى إلى المحل المسمى هلوان فى وادى العقيق.

فضاء : اسم الصحراء التى ينصب فيها سيول نهر بطحان بالقرب من ماجشونية وفى ديار بنى خطمة حيث تلتقى مجارى مياه مهزور ومذينب مع سيول وادى بطحان.

فقوه : قرية على سفح جبل آره.

فقارة : اسم موقع يقال له فقرة فقير.

فى مدينة الرسول موضعان معروفان باسم فقيران قد أقطعهما النبى صلى الله عليه وسلم لعلى بن أبى طالب ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أقطع لعلى بن أبى طالب لكونه صهره أربعة أماكن ، وبناء على قول جعفر الصادق الاثنان من تلك الأماكن الأربعة الفقيران سالفا الذكر ، أحدهما بئر قيس والآخر شجرة. وبناء على قول ابن شبة ، الفقيران فى جهة العالية من المدينة المنورة حتى إن أحدهما أشجار النخيل التى تقال لها حديقة وكان هذا المكان قريبا من قرية بنى قريظة.

فلجان : تقال لأراضى سقيا فى الحرة الغربية.

فلحة : يقال لوادى على مجرى الماء الذى فى ذى رولان ، ولبعض الحدائق التى جهة سوارقية. وقد حفرت المجارى الكثيرة بجانب الحدائق المذكورة لتجميع السيول التى تتكون من جراء الأمطار وبما أن هذا الموقع قد اشتهر بجودة الهواء فأغنياء دار السكينة يقضون فى هذا المحل مواسم فصل الربيع ، والغدير الذى يطلق عليه الغدير المختبى فى ذلك المحل.

فليج : اسم بئر فى وادى أضم بجانب نقطة التقاء مياه أنهار المدينة.

حرف القاف

قائم : مزرعة فى الجهة القبلية من قرية قباء.

قاحة : اسم واد بعيد على ثلاث مراحل من المدينة وعند البعض اسم واد من وديان عبابيد فى موضع سقيا على بعد ميل منه فى جهة المدينة المنورة ، وعلى رواية اسم ماء فى موضع داره.

قاع : اسم ساحة مسجد بنى حرام الذى فى الجهة الغربية من مساجد الفتح واسم موضع فى طريق مكة. واسم مكان يسمى قاع النقيع فى ديار بنى سليم.

قباء : بضم القاف اسم قرية مباركة مشهورة فى جهة عوالى للمدينة المنورة.

حدود قرية قباء ووجه تسميتها بقباء :

كانت قرية قباء فى أوائل العهد الإسلامى مدينة لا نظير لها متصلة بالمدينة المنورة فحدودها الشرقية والغربية موضعا بئر غرس وغضبة وحدودها القبلية مسجد قباء الشريف وحدودها الشمالية البئر المشئوم التى اشتهرت بقباب وكانت بلدة قباء مشهورة بهذا الاسم فى الأوائل وظلت فترة يطلق عليها هذا الاسم ، وفى النهاية استهجن أهاليها لفظة قباء وحولوها قبا وظلت قبا إلى يومنا هذا معروفة بهذا الاسم.

وقل عدد سكانها على مر الزمان ، فانهدمت منازلها وخربت ودرست وبقيت قرية صغيرة ، ولكن أول مسجد أقيم فيها وهو مسجد قبا ، لذا ستظل معززة مكرمة بين هيئات البلاد الإسلامية المعظمة.

والطريق الممتد من مسجد قبا بين أشجار النخيل التى تقع بين البلدتين وكانت منازل بنى عمرو بن عوف الذى يعد من أقارب النبى صلى الله عليه وسلم كانت بالقرب من البئر المشئومة قباء التى تعد الحدود الشمالية للقرية المذكورة.

يروى المؤرخون أن المسافة بين مسجد السعادة ومسجد قبا ميلان أو ثلاثة أميال.

ولكن الإمام السمهودى من فضلاء مؤرخى المدينة المنورة قد قاس المسافة من عتبة باب عثمان بن عفان الذى يطل على بقيع الغرقد ، إلى عتبة باب مسجد قبا فوجدوها سبعة آلاف ذراع ومائتى ذراع. أو أكثر قليلا. وبناء على هذا يقتضى أن تكون المسافة أكثر من ميلين.

وفى ناحية كشيب من مرعى ضرية قرية تحمل اسم قبا أيضا يروون أن لهذه القرية آبارا كثيرة ومزارع وحدائق نخيل.

قباب : كان اسم برج بنى فى المدينة المنورة. واسمه الآخر قبابة قبلية من نواحى فرع حيث يمر منها الحجاج ، وبناء على قول الزمخشرى أن بين ينبع البحر والمدينة المنورة جبل ويطلق على السيول التى تجرى ناحية ينبع غور وعلى المياه التى تجرى ناحية المدينة تطلق قبلية وأن سيول قبلية تجرى من مجارى الجبال التى بين شرف السيالة وجبال عرك التى يسمى جب فى بلاد جهينة.

قدس : اسم بعض سلاسل الجبال العظيمة المتصلة مع بعضها فى الجهة التى تصادف الطرف الغربى لوادى الضاق فى موضع نقيع. ويسكن أفراد قبيلة مزينة فى هذه الجبال حيث أنبتوا بساتين كثيرة ومزارع وأشجار مثمرة ، وبناء على قول أسدى إن قدس اسم جبل يبدأ من وادى الأعرج ويمتد إلى الجهة اليسرى لماء عين قشيرى التى فى مشرف ، وفى قطعة الحجاز جبلان باسم قدس يطلق على أحدهما قدس أسود وعلى الآخر قدس أبيض.

قدوم : اسم شق مجرى ماء يلتقى عند قبور الشهداء ، واسم عقبة فى وادى سراة ، واسم الموضع الذى ختن فيه حضرة إبراهيم فى وادى نعمان ، واسم جبل فى ديار الدوس.

قدير : اسم قرية بين الحرمين تعرف بكثرة مياهها.

قديمة : اسم جبل من جبال المدينة.

قراصنة : اسم الحديقة التى تنسب إلى جابر بن عبد الله.

قرائن : كانت تطلق على ثلاثة منازل لعبد الرحمن بن عوف ، عندما وسع مسجد السعادة هدمت تلك المنازل وضمت ساحاتها إلى ساحة الحرم النبوى الشريف.

قراقر : اسم موضع ينسب إلى آل حسين بن على فى المدينة.

قران : واد بالقرب من المكان الذى يطلق عليه أبلى.

قورح : موضع على مسافة يوم أو يومين من المدينة فى جهة خيبر.

قرد : موضع على مسافة يوم أو يومين من المدينة فى جهة خيبر.

قرده : اسم ماء فى أراضى نجد ، وحدثت سرية زيد بن حارثة بجانب هذا الماء.

قرقرة الكدر : موضع على بعد ست أميال من خيبر وفيها قتل ابن رزام الذى قام ضد الإسلام.

قسيان : اسم مجرى ماء من أنهار العقيق.

قصر إبراهيم بن هشام : كان قصرا فى وادى ناعمة بجانب قصر بنى حديلة ولم يعد له وجود الآن إلا أن ساحته تعرف بقصر إبراهيم بن هشام.

قصر خل : اسم القصر الذى بناه زيد بن نعمان من أجل حضرة معاوية فى طريق رومة ، ولما كان على قارعة الطريق ولما كانت أطراف هذا الطريق تعرف بخل أطلق عليه قصر خل ، وبناء على قول ابن شبة قد استخدم ذلك القصر للسجن فى فترة ما.

قصر ابن عراك : كان قصرا بجانب مقبرة عبد الأشهل التى فى طريق أحد.

قصور العقيق : التى ثبتت ميزتها بالأحاديث النبوية كانت فى صحراء وادى العقيق ولما كان وادى العقيق معروفا بجودة هوائه وموقعه اللطيف جذب قلوب أمراء المدينة واعتبروا ، مبنى كل واحد منهم قصرا مزينا ولأجل ذلك أطلق على البيوت التى فى وادى العقيق قصور العقيق وكانت تمدح من قبل شعراء العصر.

قصر ابن ماء : أسفل بئر جهنم.

قصر مروان بن الحكم : بالقرب من صدقات النبى ، وقصر نفيس فى حرة واقم وقصر بنى يوسف أسفل قصر مروان بن الحكم.

ذو القصة : كان موضعا فى جهة نجد على بعد بريد من المدينة المنورة وعلى قول على بعد ١٥ ميلا. وعند البعض أن ذو القصة اسم موقع على بعد أربعة

عشر ميلا من المدينة فى طريق ربذة ، وقد تقاتل ابن سعد بن محمد بن مسلمة مع بنى ثعلبة وبنى عوال فى هذا الموقع.

قصيبة : مجرى ماء بين خيبر والمدينة المنورة.

ذو القطب : اسم مجرى ماء فى وديان العقيق.

قف : يطلق على الوادى الذى يجمع الأوقاف النبوية وهى قمم تشبه الجمال التى بركت وهى خالية من الأشجار وممتلئة أطرافها بالحجارة ، والأراضى التى يطلق عليها فى زماننا خمسين هى الوادى الذى يشتمل على الصدقات النبوية وبما أنه فى غاية الخصوبة والإنبات يطلق عليه ثمانين أيضا ، يقول أبو داود : دعا اليهود النبى صلى الله عليه وسلم بهذا الوادى فاستجاب النبى صلى الله عليه وسلم ولبى دعوتهم فصلى فى بيت مدارس وكان بيت مدارس بجانب مشربة أم إبراهيم من الأوقاف النبوية حتى إن واحدا من الأنصار صلى فى حديقة من وادى قف وقال : كان النبى صلى الله عليه وسلم قد صلى فى هذا المكان ، وقد اشترى عثمان بن عفان وادى قف بخمسين ألف دينار ووقفه وهذا هو سبب تسميته بخمسين.

قلادة : اسم الجبل الذى يطلق عليه قلادة العنق فى الجهة القبلية من المدينة المنورة.

قلهيار : حفرة حفرت على شكل صهريج بالقرب من المدينة المنورة ، التى انسحب إليها حضرة سعد بن أبى وقاص منعزلا عن الناس بعد وقعة قتل عثمان بن عفان المحزنة عازما على ألا يتحدث مع أحد ما لم يتصالح المسلمون قائلا : «ما لم تتم المصالحة فلا أريد أن أسمع شيئا» لذا ينسبون هذه الحفرة إلى سعد بن أبى وقاص.

قلهى : قرية منسوبة إلى بنى سليم فى وادى رولان.

قموص : جبل فى خيبر كان حصن يهود بنى حقيق الحصين فوق ذلك الجبل.

قناة : اسم واد مشهور.

قنيع : موضع فى مرعى ضرية.

قوافل : كانت برجا أمام منزل عصية.

قوبع : اسم ماء من أنهار العقيق.

قوران : اسم واد بالقرب من السوارقية.

حرف الكاف

كاظمة : اسم موضع فى المدينة ، أو بين مكة والبصرة أو اسم ماء مر على بعد ثلاث مراحل من البصرة فى جهة مكة.

كبا : اسم موضع فى وادى بطحان.

كتانة : بئر بين واديى صفراء وأثيل.

كتيبة : قلعة فى خيبر ، بعد أن فتح النبى صلى الله عليه وسلم حصنى شق ونطاة فتح كتيبة لأنه كان آمنا وأكثر استحكاما من الحصون الأخرى وتجمع مكان الحصون الأخرى فى هذه القلعة وقاموا مدة ما.

كدر : اسم ناحية منسوبة لمنجم بنى سليم وخلف سد معاوية القريب من موقع رخصية وكانت قرقرة الكدر ملحقة بهذه الناحية.

كديد : اسم واد بالقرب من موضع نخيل ، وماء واقع فى أيمن الطريق الذى يبعد عن خليص بثمانية أميال.

كر : جزيرة على بعد ستة أميال من منزل جحفة.

كفته : الاسم الآخر لمقبرة بقيع الغرقد.

كلاب : اسم ماء فى نواحى مرعى ضرية.

كلب : اسم برج فى المدينة ، كما أنه اسم الجبل الذى يطلق عليه رأس الكلب.

كليته : قرية قريبة من ماء مر يطلق عليه مستورة يبعد عن موضع جحفة اثنى عشر ميلا.

كملى : الاسم الآخر للبئر التى وضع فيها السحر الذى صنع لسيدنا محمد.

كنس حصين : برج قريب من مهراس فى قرية قبا.

كواكب : اسم جبل مشهور ، وعلى قول آخر : اسم جبال بين المدينة وتبوك.

كومة أبى حمراء : كومة معناها التراب المتراكم فكومة أبى حمراء هى كوم التراب المتراكم الذى يطلق عليه كومة المدر والتى فى الجهة الشامية من المدينة.

كوير : جبل فى مرعى ضرية.

كويرة : جبل من جبال المدينة القبلية.

كينفة : السهم الذى أعطاه النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف من أموال بنى النضير. اشترى عثمان بن عفان هذا السهم بأربعين ألف دينار ملكه لزوجات النبى صلى الله عليه وسلم الطاهرات وفقراء المسلمين وأفراد بنى زهرة وقسمه بينهم.

حرف اللام

لايا : على وزن صيفا اسم ناحية من نواحى المدينة لأيتان تثنية لأية أسماء الحرات التى فى جهتى المدينة الشرقية والغربية والحرة بمعنى تل وقمة.

الحيا جمل : جبل على طريق فيد.

لظى : منزل من منازل جهينة فى جهة خيبر يعرف باسم ذات اللظى.

لعباء : موضع كثير الحجارة فى المدينة المنورة.

لفت : اسم عقبة فى طريق مكة أو اسم واد بجانب موضع هرشى.

لعلع : اسم جبل بالقرب من المدينة أو اسم ماء فى الصحراء.

لقف : اسم واد فيه آبار كثيرة عذبة فى ناحية السوارقية الكائنة خلف قوارق.

لوى : اسم برج فى ديار بنى بياضة ، واسم واد فى قرية بنى سليم ، واسم موضع على بعد أربعين ميلا من مرعى ضرية.

حرف الميم

مايه : مزرعة بنى أنيفة فى قبا ، كان بينهما وبين موقع قائم برج.

ماجشونية : حديقة مشهورة فى وادى بطحان.

مثئب : أحد الأوقاف النبوية.

مبرك : المكان الذى ترك فيه جمل النبى صلى الله عليه وسلم فى محلة بنى غنيم ، وكان حول منزل أبى أيوب الأنصارى ـ رضى الله عنه ـ البارى كما يقال مبرك للمكان الذى يطلق عليه ثنية المبرك الذى يقع بين المدينة وينبع البحر ما بين أملى ، ويمتد هذا المكان أربعة أو خمسة أميال.

منصنعة : ما بين موضعى رويته وجى.

مشعر : واد بين حوزة وثاخة.

مثقب : طريق ينتهى إلى مكة من المدينة ومن مكة إلى الكوفة.

مجدل : كان اسم منزل فى ديار بنى هذيل واسم برج أمام سقاته سليمان بن عبد الملك.

مجر : على وزن حجر اسم غدير بين تلال قوران.

محضه : قرية على سفح جبل آره.

مختص : موضع بالمدينة.

مخابل : ثلاثة مجارى مياه فى وادى العقيق.

مختبى : غدير فى وادى العقيق.

مخرا : على وزن صفرا جبل أمام جبل المسلح. حنيما كان النبى صلى الله عليه وسلم ذاهبا إلى غزوة بدر كره أن يمر من بين هذين الجبلين ومر من يمين وادى ذفران.

مخيص : بين الحرمين أحد الجبال الذى صعده النبى صلى الله عليه وسلم.

مدراج المنزل : والبخور الذى يقال له عقبة العرج.

مدجج : واد فى طريق مكة مدرج ينحدر ينزل يقال له فى زماننا عنفة الوادى وعلى قمته خرابة بناء قديم.

مدعا : اسم نهر فى ناحية ضرية يصب فى ذى عثعث كانت بئر جعفر بن كلاب فى هذا الوادى.

مدين : محل محاذ لتبوك بالقرب من البحر الأحمر ، وهو البئر التى أخرج منها موسى ـ عليه السلام ـ الماء لسقى أغنام شعيب.

مذاد : كان برجا خاصا ببنى حرام فى الجهة الغربية لمساجد الفتح.

مذاهب : كان برجا مبنيا فى إحدى نواحى المدينة.

مرابد : موضع فى وادى العقيق.

مراح : مجرى ماء فى وادى العقيق يعرف ب مراح الصخر.

مراض : اسم ناحية على بعد ثلاثين ميلا من المدينة.

مران : قرية كبيرة فى جهة وادى كشب.

مرواح : برج فى قرية قباء.

مربد الغنم : اسم المحل الذى كان يحسب فيه الغنم فى عصر عمر الفاروق على بعد ميلين من المدينة.

مربع : اسم برج ينسب لبنى حارثة ..

مربح : اسم واد بالقرب من المدينة أو إلى ودان على رأى آخر منسوب إلى حسين بن على رضى الله عنهما.

مرجح : أحد المنازل بين الحرمين من منازل الهجرة النبوية.

مرحب : الطريق الذى اختاره النبى صلى الله عليه وسلم عند ذهابه إلى خيبر.

ذو المرخ : اسم موضع قريب إلى ينبع فى ناحية الشاطئ.

ذو مرح : اسم واد فى واد فدك ، واسم موضع فى وادى العقيق.

ذو المرمرة : المحل الأقدس الذى صلّى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فى وادى القرى.

مزيح : برج خاص ببنى قينقاع يظل فى الجهة اليمنى للذين يتوجهون إلى المدينة المنورة فى نهاية جسر بطحان.

مريخ : اسم شجرة يقال لها القرن الأسود فى مكان قريب من ينبع البحر.

مفرض : كان برجا لبنى قريظة فى داخل الحدائق التى فى البقيع وكان بنو قريظة كلما يضطرون دخلوا فى البرج ليدافعوا ضد الأعداء.

معرفة : الطريق الذى فر منه أفراد قريش فى غزوة بدر ينتهى إلى ساحل البحر.

مغسلة : حديقة من حدائق المدينة المشهورة يطلق عليها فى زماننا يغسلة.

مغيث : واد بين معدن النقرة وربذة.

مقوثة : موقع بالقرب من المدينة.

مقاعد عثمان : يطلق على الدكاكين التى بالقرب من منزل عثمان بن عفان بباب جبريل. وقد صلى على جنازة إبراهيم بن الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان.

مقشير : اسم جبل من جبال المدينة القبلية.

ملتد : موقع حديقة النخيل التى فى وادى العقيق.

ملجاء : واد فى العقيق ، ملحة برج منسوب لبنى قريظة.

ملحتان : اسم مبحرين ماء أحدهما ملحة الريث والآخر ملحة المريض فى الجهة الشامية من وادى أشعر.

ملل : واد مشهور فى جهة مكة على بعد عشرين ميلا وعلى رواية على ثمانية

عشر ميلا وبناء على رواية ثالثة على بعد ليلتين من المدينة ، لما كان تبع الحميرى قد تعب فى هذا المكان وملّ ، لذا سمى بهذا الاسم.

مناصع : اسم المكان الذى تخرج إليه نساء المدينة لقضاء حاجتهن ، ولم يكن اتخاذ بيوت الخلاء فى دور المدينة معروفا بعد.

وبناء على ما أورده المؤرخون من المحتمل أن يكون ذلك المكان بجانب الموضع الذى يقال له بئر أبى أيوب ، وكان فى الجهة الشامية لمقبرة بقيع الغرقد وفى الجهة الشرقية لحصن المدينة اليوم يعرف باسم بئر أيوب.

مناقب : جبل من جبال مكة وهو ذات عقبتين.

منجبس : الاسم الآخر لوادى عرج.

منتجز : موضع فى جهة المحل الذى يسمى مثعر لفرش ملل منحنى فى الجانب القبلى لمصلى العيد.

منشد : اسم حمراء النملة التى على الجهة اليمنى من موضع حمراء الأسد واسم المكان الذى بين وادى رضوى والموقع الذى على شاطئ البحر واسم بلدة فى ديار تميم.

منعج : اسم واد فى موضع أضاح واسم امرأة فى مرعى ضرية ، وقد يقال منجع بتقديم الجيم.

منقى : موضع أسفل موقع أعوض وفى الطرف الشرقى للمدينة ، كان المسلمون المنهزمون فى وقعة أحد فروا حتى هذا المكان.

منكثة : اسم مجرى ماء ترد سيوله من واد فى آجرو فى الجهة القبلية من المدينة المنورة. واسم جبل فى ديار جهينة.

منور : اسم جبل خلف حرة بنى سليم ، أو اسم موضع واسم سرج لبنى النضير.

منيع : كان برجا منسوبا إلى سواد فى الجهة اليمانية لمسجد القبلتين.

منيف : كان برجا منسوبا لبنى دينار بن النجار بجانب مسجد بنى النجار.

مريسيع : اسم ماء يصب إلى البحر فى ناحية قديد ، واسم ماء آخر منسوب لخزاعة على بعد يومين من ناحية قديد.

مزاحم : اسم برج خلف منازل بنى حبلّى واسم سوق تقام فى زقاق ابن جبير. وهذه السوق مثل الأسواق الموسمية وكانت تقام فى الجاهلية وأوائل العهد الإسلامى. وتركت مؤخرا.

مزج : غدير فى وادى العقيق والمياه التى تجرى من نهر خضير تصب فى هذا الغدير.

مستظل : كان برج أحيحة بن الجلاح فى بئر الفرس ، وانتقل فيما بعد لبنى عبد المنذر.

مستعجلة : مضيق يبدأ من ناحية نازية وينتهى فى ناحية خيف.

مستنذر : جبل صغير فى المكان الذى تنزل فيه قافلة الشام وعلى الطرف الشرقى من مشهد النفس الزكية. وعلى ذروته خرائب منازل بنى الديل.

مسير : كان برجا منسوبا إلى بنى عبد الأشهل.

مسكبة : موضع على الطرف الشرقى من مسجد قبا وكان البرج المشهور الذى يطلق عليه واقعا فى هذا المكان.

مشاش : مجرى ماء متصل بوادى العقيق.

مشقط : كان برج بنى حديلة الذين كانوا يسكنون فى الطرف الغربى لمسجد أبى.

مشعل : موضع بين الحرمين.

مشفق : واد بين المدينة المنورة وتبوك.

معجزة : هناك ماء جار ينحدر من أعلى بين هذا الوادى ووادى الناقة. فوضع النبى صلى الله عليه وسلم يده الشريفة تحت الماء المذكور. وصب المياه التى تجمعت بين أنامله

الشريفة إلى النهر مرة أخرى ودعا. وفى ختام الدعاء صدر من ذلك الماء صوت يشبه صوت الصاعقة وسمع هذا الصوت جميع الذين كانوا بجانب الرسول صلى الله عليه وسلم ، انتهى.

مشلل : العقبة التى نصب عليها الصنم الذى كان يطلق عليه فى جاهلية العرب «مناة» بجانب قرية قريب.

مصر : واد وادفى أعلى مرعى ضرية.

مصلوق : ماء منسوب إلى بنى عمرو بن كلاب.

مضيق : قرية فى وادى آرة.

مطلوب : بئر فى غاية العمق بالقرب من الجهة الشامية للمدينة هناك بئر تنسب إلى بنى خثعم. تطلق عليها مطلوب أيضا. كان عبد الملك قد وحّد جميع المزارع التى حول هذا الماء وأنشأ مزرعة واحدة فى غاية الكمال.

مطعن : واد بين سقياء وأبواء.

معجب : حديقة النخيل التى وقفها عبد الله بن رواحة يقال لها فى زماننا معجب.

معد الأحسن : موضع فى بلاد المدينة وقرية فى أراضى اليمامة.

معدن بنى سليم : قرية على ثمانية منازل من المدينة فى جهة جدة.

معدن الماء : واد ينتهى إلى وادى مغيث.

معدن النقرة : موضع على بعد يومين من بطن نخلة.

معرس : موضع مسجد المعرس.

مهايع : قرية كبيرة بالقرب من وادى ساسة.

مهراس : حفرة تملأ بمياه المطر فى نهاية مضيق جبل أحد. قد أحضر للنبى صلى الله عليه وسلم فى وقعة أحد الأليمة بعض المياه من تلك الحفرة وكانت رائحتها كريهة بدرجة لا

تصلح للشرب ، فغسل النبى صلى الله عليه وسلم بعض أجزاء جسمه الدامية وصب قليلا منها فوق رأسه.

مهزور : موضع فى سوق المدينة المنورة.

مهروز : واد بالقرب من المدينة ، مهزول واد أم بئر ضرية.

مهيعة : الاسم الآخر لحجفة.

موجاء : كان برجا منسوبا لبنى وائل بن زيد.

ميطان : جبل محاذ لجبل شوران الذى يقع فى الجهة الشرقية لقرية بنى قريظة.

ميفعة : موضع فى وادى بطن نخلة على بعد ستة وتسعين ميلا من المدينة.

حرف النون

نازية : صحراء مشهورة فى غاية الاتساع بين الحرمين ، كما يطلق على البئر التى ملئت بالطين والتراب فى وادى أبلى الواسع.

نازين : موضع فى مضيق صفرا ، حيث مات أبو معاوية عبيدة بن الحارث عند رجوعه من غزوة بدر الغراء ودفن فيه.

ناعم : اسم قلعة من قلاع الخيابر حيث قتل محمد بن مسلمة.

ناعمة : حديقة مشهورة فى عوالى المدينة.

نويعمة : ولما كانت حديقة نويعمة بجانب حديقة ناعمة فيطلقون حيث توجدان نواعم.

نباع : مجرى ماء فى أرض العقيق.

نبيع : موضع فى الجهة القبلية.

نجير : ماء فى محاذاة صفية.

نخل : موضع على مسافة يومين من جهة نجد والذى يطلق عليه شدخ كان النبى صلى الله عليه وسلم قد نزل فى هذا المكان فى غزوة ذات الرقاع.

نخاى : مجرى ماء من مجارى مياه جبل أشعر يصب فى ينبع البحر وفى أسفل هذا الوادى كثير من الآبار لحسن بن حسن.

نخيل : بئر بعيدة خمسة أميال من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم كما يطلقون على منزل فى طريق يعد نجيلا أيضا حيث توجد مياه كثيرة وآبار منسوبة إلى حسين بن على المقتول. فى هذا المنزل مسجد للنبى صلى الله عليه وسلم.

نساز : عدة جبال فى ضرية.

نسر : اسم موضع فى بلاد مزينة.

نسح : بئر تنسب للنبى صلى الله عليه وسلم فى وادى العقيق. نصنع بعض الجبال ذات حجارة سوداء بين الصفراء وينبع.

نطاة : اسم برج من قلاع أراضى خيبر.

نعمان : واد فى ناحية أحد.

نعيم : وإن كان موضعا قريبا من المدينة يقال له نعائم قاصدين ما حوله.

نفاع : كان برجا فى بئر العمارة ينسب إلى قرية بنى خطمة.

ذو نفر : اسم محل على بعد ثلاثة أميال من موضع سليلة ويقع خلف وادى ربذة.

نقاب : موضع فى ملحقات المدينة المنورة فى هذا المكان طريقان يؤدى أحدهما إلى وادى القرى والآخر إلى وادى المياه.

نقاء : منزل بين بئر الالمحام ووادى بطحان.

نقيب بنى دينار بن النجار : طريق فى الحرة الغربية أى بجانب سقيا بنى سعد.

كما أن نقيب المدينة اسم آخر لهذا الطريق ؛ لأن من المدينة إلى بدر طريقان أحدهما طريق الوادى. وهو الطريق الذى نطلق عليه نقيب مدينة. والآخر شارع فيفاء الجنار قد سلك النبى صلى الله عليه وسلم فى غزوة بدر هذا الطريق الذى يرافقه النصر.

نقعاء : اسم ماء خلف الوادى الذى فى مرعى النقيع فى ديار مزينة.

نقيع : مشهور بين الأنام باعتدال هوائه وعذوبة مائه وعلى بعد ثمانية وأربعين ميلا من المدينة المنورة. وأراضيه خصبة ومناظر مراعيه تسر الناظرين ، وكل من شاهده فتن بجماله ولا يمكن لإنسان أن يرى من يسير بين أعشابه ونباتاته ولو كان فارسا ، وهو مرغوب منقطع النظير فى الجمال. وقد جعله النبى صلى الله عليه وسلم مرعى لخيول المسلمين لما رآه أنه يفوق جميع مراعى المدينة المنورة من حيث جمال المنظر وخصوبة أراضيه وبما أن أمراء بنى أمية وسعوا ذلك المرعى فأصبح أوسع مراعى المدينة المنورة.

نقيع الخصمات : الخصمة هى النبقة اللينة والأراضى التى تنبت النباتات اللينة ، إلا أن نقيع الخصمات اسم المرعى الذى حفظه من جهاته الأربعة وهو فى داخل بلاد مزينة.

نمرة : موضع فى جهات قديد.

نملى : اسم ماء بالقرب من المدينة ، أو اسم سلسلة من الجبال بناء على قول آخر.

نوبة : اسم موضع على بعد مسافة ثلاثة أميال من المدينة واسم قمة ربوة رملية ذات لون أحمر. فى أرض بنى بكر بن كلاب.

نير : اسم عدة جبال فى مرعى ضرية واسم جبل فى أعالى أراضى نجد.

نيق : العقاب موضع قريب من جحفة.

حرف الهاء

هجر : اسم قرية بالقرب من المدينة واسم ناحية فى البحرين.

هدبيه : ثلاث آبار لأراضى السوارقية المكشوفة.

هدن : اسم ماء ماوى وادى القرى.

هرشى : تلال رمل فى صحراء مستوية وعلى الجهة الشرقية من وادى ودان.

وما بين هذه التلال الرملية والوادى سالف الذكر صحراء مستوية أخرى تتصل بشاطئ البحر وثنية هرشى فوق تلال الرمال المذكورة.

علامة نصف طريق الحرمين ، على الأماكن المكشوفة من ثنية هرشى بميل علم مركوز وهذا العلم علامة أن تلك النقطة منتصف طريق الحرمين : وإن كان بجانب ذلك العلم طريق يشعب إلى جهتين إلا أن كلا جهتى الطريق يوصلان لمكان واحد وفق ما يفيده البيت الآتى :

خذ ألف هرشى أوقفا فإنما

كلا جانبى هرشى لهن طريق

هكر : موضع على أربعين ميلا من المدينة ذات ماء عذب جميل.

هكران : جبل فى محاذاة قرية قباء وفى داخل ناحية كشب.

همميح : موضع يشمل على كثير من الآبار والحدائق فى ناحية وادى القرى.

هيفاء : موضع على بعد سبعة أميال من المدينة المنورة وعلى ميل واحد من بئر مطلب.

حرف الواو

وايل : اسم موضع فى أعالى المدينة.

وادى : بدون إضافة مجرى ماء فى وادى الروحاء إلا أنه على رأى البعض أن هذا المجرى فى جهة خيبر أو تبوك.

وادى أبو بكر : ابتداء الحفرة التى فى أعلى مسجد.

وادى أزرق : موضع أمام المكان الذى يطلق عليه فج روحاء بميل.

وادى بطحان : اسم مجرى ماء فى داخل المدينة.

وادى الجزل : مجرى ماء بالقرب من ذى المروة

وادى السمك : ماء جار فى ناحية الصفراء.

وادى القرى : واد يضم قرى متعددة. أو بلدة بين الشامة والمدينة على بعد سبع ليال من المدينة المنورة.

واسط : اسم برج منسوب لبنى خدرة ، وبنى حزيمة ، وبنى مازن من القبائل ، واسم موضع بين بدر وينبع البحر ، كما يطلق على الجبل الذى يتكون عنده سيول العقيق وأن مجارى مياه وادى العقيق تتجمع فى الجبل المذكور وتجرى ناحية جثجاثة.

وأقم : اسم برج خاص ببنى عبد الأشهل واسم برجين فى قرية قباء.

والج : حديقة فى الجهة الشامية من المدينة وبئر فوق جبلى بره وآرة. وقرية حول جبال بعان وآرة.

وحيدة : موضع بين الحرمين.

ودان : قرية واقعة على بعد مرحلة من محلة جحفة.

ودعان : موضع فى ينبع.

هضب الوران : جبل فى مرعى ضرية.

ورقان : جبل كبير بين الحرمين ويظل على يسار من يتجهون إلى مكة ورقان على يمينهم وكذلك سيالة وروحاء ورويثة. وفى جبل ورقان كل أنواع الأشجار المثمرة وغير المثمرة وعيون متعددة وسكانه من جماعة بنى أوس ، والجبل المذكور من جبال الجنان.

وسط : جبل فى مرعى ضرية.

وطيح : قلعة كبيرة من قلاع خيبر تسمى باسم رجل من قوم ثمود.

وظيف الحمار : محل بين سقاية عبد الملك ووادى زغابة.

وعيره : موضع فى حدود الحرم النبوى الشريف.

حرف الياء

يثرب : اسم مدينة الرسول القديم.

يدبع : ناحية بين فدك وخيبر ذات مياه متعددة وعيون كثيرة مقر قبيلة بنى فزارة.

يراجم : غدير فى وادى النقيع. قد توضأ النبى صلى الله عليه وسلم من هذا الغدير وخاطب سكان القرى التى حوله إنكم تسكنون فى بقعة مباركة.

يرعة : موضع فى ديار فزارة بين موقعى ثويبة وصراخه.

يلين : يقال له ألين أيضا. اسم غدير فى نقيع الحمار.

يليل : اسم نهير ينصب فى البحر الأحمر وناحية صفراء.

والبئر الذى يطلق عليه نجير فى ذلك الوادى ينبع ماؤه من الرمل. وهناك موضع آخر يسمى.

يليل : بين عقنقل وناحية بدر وبالقرب من صنبوعة.

ينبع : على أربعة أيام فى ناحية شاطئ البحر من المدينة وهو بلد عظيم على ساحل بحر السويس على خط العرض الشمالى (٢٤ درجة وخمس دقائق) وعلى (٣٦ درجة) فى الطول الشرقى وعدد سكانها ثمانية آلاف تقريبا. ومرفأ المدينة الرئيسى ويشمل على ١٧٠ منهلا وعيون كثيرة ولذلك عرف وسمى ينبع.

يقال لبحر السويس «بحر القلزم» والبحر الأحمر ويقال له فى اللغة التركية بحر الشاب وخليج العرب ويحيط بالساحل الغربى للجزيرة العربية ويفصل بين قارتى آسيا وإفريقيا.

وقد أقطع النبى صلى الله عليه وسلم موضع ذى العشيرة من بلدة ينبع لصهره على بن أبى طالب ، كما أن عمر الفاروق قد أضاف لهذه المواضع محلات أخرى ، فوقف على بن أبى طالب هذه الأماكن والأماكن الأخرى التى اشتراها بنفسه ، وبناء على هذا ظلت أكثر مواضع ينبع تحت إدارة أشراف بنى حسن.

يهيق : هذا هو ما جاء فى الحديث النبوى عندما قال ما معناه : «يظهر أن بيوت المدينة ستمتد حتى تتصل بيهيق» وهو موقع مشهور بالقرب من دار العزّ المدينة المنورة.

يين : واد على اثنى عشر ميلا من المدينة المنورة فيه ماء واحد فقط.

مناجاة وقصيدة .. ودعاء

هلم أيها القلب ليتفتح بعين الشهود قلبنا والعينان ..

حسبنا عمانا بدل ما لم وما كان ..

على هواها نفسنا تابعنا ..

وفى طريق من النجاد والوهاد أبلينا قدمنا ..

ما هذه المتاهة التى نسلكها من طمعنا؟

وأى جدوى لما يقلقنا؟

لقد حفيت كذلك فى الرغبة قدمنا ..

ليت شعرى ما جدوى هذا من صنيعنا؟!

عمرنا يومان ونحن على أهبة الرحيل ..

فعجبا لفكرنا فى البقاء الطويل ..

إذا لم تبلغ بك القدس قدماك ..

فأنت حبيس وجود فى دنياك ..

ليكن وضوءنا دمع الندم.

ولنعفر جبين الدعاء على ما للسجود من قدم ..

لنذب سويداء قلبنا ..

ونجعلها دما فى دمعنا ..

حسان هو أنا جعلن فى حريم قلبنا ..

مذبلة الوثنين وسومنات الهند لنا ..

فى قيد ما سوى الله اختلج طائر قلبنا ..

وفى جعالة أخرى تردى هوى نفسنا ..

أى خلاص يحتمل لنا ..

مادامت رغائبنا قيودا لنا ..

إن طول الأمل فى قلبى خيال ..

وفى رأسى أغلوطة المال ..

يستوى فى أذن الروح فى حيرتها.

نواح النائح وما للأوتار من نغمتها ..

إن فى دار الفتنة هذه إنما كان حرصى على عمرى. يزيد ويزيد.

من طبع جبلت عليه عنيد ..

ما بالك أيها الغافل الغر ..

إن مثل هذا الفكر الفاسد من الفتنة يكثر ..

ما جدواك من خسة طبعك ..

لما كانت عبادة هواك من عبادتك ..

لقد خدعت فلا تؤمل السراب ..

إنما مسح أهل الجاه ناصيتهم بالتراب ..

أطلب من الله ما لديك من مأمول ..

فاللعرش الأعظم منه حسن القبول ..

تقدم بكل ما أنت تريد ..

إلى ما يحبه الله المجيد ..

ذلك الذى يقتعد من الفلك السرير ..

وله من الملائكة جند كثير ..

المقيم فى خيمة الجبروت وله كلام الكليم.

ونديم محبة الله العظيم ..

من نال شرف منزلة هى مقام القرب.

ومن نال ذروة العلياء باللقب.

خاتم النبوة وأميرها ..

ومن هو يوم القيامة للشفاعة لبشيرها ..

ملاذ للأمم وموئل ..

ومن يوم الحشر يؤمل ..

طه يزين المنبر وهو خطيب ..

وصاحب الوحى المقرب الحبيب ..

مآل الناسوت والجوهر

وعلة هذا الخلق التى لا تنكر

النبى الأكرم محمد المحمود

كريم الذات وصفوة هذا الوجود

من شرف بالرسالة مطلق الذات

جاء تلك الدنيا بالهدى

وما امتلك قط مالا لبدا

حمى الوطيس فى غزواته

وكل من خالفوه من عصاته

وبلطفه لا ينال المسيئ بسوء

وكأى من مذنب بذنبه ينوء

أى جدوى لوفرة حسناته

ما دمت لا تحظى بمرضاته

يا حبذا كرمه ومنه القطرة ..

تخمد من نار جهنم كل شررة

لو كان الناموس الأكبر عن عتبته طريدا

كان عن باب القرب مردودا

لو تعلق بذيل شفاعته الشيطان.

دخل من الرحمة فى إيوان

إن هذه الدنيا لمن تردوا فى الحجيم ..

ومن ساروا فى خطى الشيطان الرجيم ..

هذه الدنيا للجنة والناس

والمنتبهون من غفلتهم .. فجرت الدموع مدرارا من مقلتهم

فى ذلك اليوم الذى فيه الجبار العنيد .. يعرف النار ذات الوقود

فى ذلك اليوم الذى عاتقه تحت الأمان ناء .. إن يوم أدار الأمانة جاد

وتضيف منته ضعفا شديدا .. فيشبه فى جموده جلمودا

أدرك يا رسول الله هذه الأمة أدركها .. قبل أن يوضع قيد النار فى عنقها

نج هذه الأمة من البلاء وكن لها مجير .. قبل أن تتحرق فى السعير

وخذ بيد العالمين من نار وحجارة هم فيها من المتمردين

وكن الشفيع للخلائق يوم الجزاء .. وهم من عذاب النار فى أشد بلاء

أدرك فى ذلك اليوم العالمين .. فى جهنم صاعدين هابطين

وفى أنامل كرمك لى أمل .. فحل بها ما تعقد لى فى سمطى العمل

ولنبك قليلا ونتضرع .. فباب اللطف هذا الأهل مؤهل الفقر يقرع

بحقه وهو الغفار ذو الجود.

والمهيمن المعبود

إنه الأوحد فى هذا الوجود كريم الصفات .. حى ودود

باسمه وهو ذو الغفران .. الذى يأله إليه الإنس والجان

برمز آية قاف وبحكمة حم .. لسورة هود وسر نون العظيم

وبفضل من يعتكفون الأربعين .. يضعف الدخان وقوة الصخر الرصين

بقصة الكهف العجيبة .. وقصة الأخدود الرهيبة

بانقياد الذبيح وبموضع ثراه .. بنار النمرود للخليل وبلواه

بأصحاب الرس وخسفهم .. وبعقابهم وأحجارهم

بعز ملك سليمان والخيل المطهمات .. باستماع الطير وما لداود من نغمات بشدة الهموم .. وبما لا ينتهى من غموم

بيأس مسار الفراق وأمل صبح التلاق .. بصد الدلال بعد رغبة الوصال

بقدر سيد المرسلين.

بفوز هذا الرائد الأغر ..

واجعلنا إلى طريق رضوان من المهتدين .. فنحن بالضلالة من الهالكين

فهذه الدنيا إلى فناء .. وكل ما فيها إلى انتهاء

بالسهو لا تجعل قد منا تذل .. حينما قدمنا على الصراط ننقل

ليكن لهذا الفقير زاد النجاة .. إذا تحركت بالنعت الشريف منه شفاه

ولما كانت هذه القصيدة لأحد أصحاب الطريق المعنوى والذى أنشدها فى أثناء استقرائه عندما وصل لمقام الغناء فى الرسول وهى قصيدة نادرة فريدة قد رأينا أن ندرجها هنا متبركين بها.

القصيدة

هذا الجناب الذى تشفى به الكرب

ويذهب البؤس والآلام والنصب

هذا الجناب الذى تشتاقه أبدا

هذا منى النفس هذا السؤال والطلب

فعفر الخد ذلا فوق تربته

والثم ثراه وخل الدمع ينسكب

وقر عينا وطب نفساو ته فرحا

لقد بلغت الذى ترجو وترتقب

قد كنت صابه لا تستفيق جوى

يهزك الشوق من ذكراه والطرب

إن هبت الريح من تلقاء كاظمة

أو لاح برق الحمى تبكى وتنتحب

وإن ترنم حادث رحت ذا قلق

فالعقل مختبل والقلب مكئتب

ترعى نجوم الدجى وجدا وفرط أسى

والجفن يهمل والأحشاء تلتهب

هذا الحبيب الذى ترجو شفاعته

فليهنك القرب زال الهم والتعب

فاخنع على سائق الأظعان معتذرا

حشاشة شفها التبريح والوصب

وهب له النفس شكرانا وما ملكت

فذاك فى حقه بعض الذى يجب

منازل كنت تهوى قربها أبدا

فالنوم شوقا لها والصبر مستلب

انزل هنيئا مريئا خير منزلة

علت فدون علاها السبعة الشهب

واقر السلام على المختار من مضر

من اهتدى بهداه العجم والعرب

محمد خير خلق الله قاطبة

المصطفى الطهر من زالت به الريب

أزكى النبيين أعلى الخلق منزلة

من قد علت بمعالى قدره العرب

طه البشير الذى تجرى مواهبه

ومن زكا قوله والفعل والنسب

بر رؤوف رحيم قد علا شرفا

من هاشم وبنى عدنان منتخب

وبشرت سائر الرسل الكرام به

وأعربت عن معالى وصفه الكتب

له العلا والنهى والفضل منتسب

والعلم والحلم والآلاء والأدب

إذا بدا فبدور التم كاسفة

والبحر متصف بالنقص إذ يهب

بنانه قصرت عن فيضها السحب

وعنده عرف المعروف والحسب

أسرى به الله تشريفا لرتبته

وقال سل فلك العلياء والأرب

دنا وشاهد رب العرش وارتفعت

من دونه حين ناجى ربه الحجب

وبالملائك صلى رفعته وعلا

وهو الشفيع إذا اشتدت بنا النوب

أتى بمعجز قرآن غدا عجبا

وكم له معجزات كلها عجب

تظله الشمس من حر النهار ولم

تزل على رفعة فى ظله السحب

وخمسة إذ تشكى القوم من ظمأ

غدت ومنها الزلال العذب ينسكب

أطعم الجيش إذ باتوا على سغب

نزر الطعام فزال الجهد والسغب

والبدر شق له والوحش خاطبه

والوجود والبر من علياء يكتسب

وكان بالرعب والأملاك منتصرا

ولم يزل لعداه الويل والحرب

وانشق إيوان كسرى عند مولده

وأحرقت سارقى سمع السماء الشهب

وأصبحت سائر الأصنام ناكثة من

بعد عز علاها الذل والعطب

فى كفه سبحت صم الحصى علنا

والجذع حن له إذ قام يحتطب

بنى صدق ورضوان ومغفرة

لكل خير وإحسان هو السبب

هو الذى جلّ أن تحصى فضائله

حدث عن البحر ما شئت لا عجب

هو الحبيب الذى سحت مكارمه

هو الرسول الذى تعظيمه يجب

هو الذى طابت الدنيا بمولده

هو النبى الذى عزت به العرب

هو الذى جاء بالبيضاء ساطعة

هو النجيب الصفى الفرد لا كذب

شعاره الزهد والإجمال والرهب

والذكر والفكر والإرشاد والرغب

صام النهار وقاما الليل محتسبا

ولم يثبت جده لهو ولا لعب

تشرف الكون وانجابت حنادسه

ببعثه وأزهرت أبوابه القشب

يا من يؤمل أن يحصى مدائحه

لقد حكيت ولكن فاتك الشعب

هو الذى نزل القرآن يمدحه

فما عسى أن يقول الشاعر الدرب

إليك ها يا رسول الله زاهرة

من دونها لعلاك الدر والذهب

تجلو مناقبك الحسنى التى بهرت

تثنى القلوب وللألباب تختلب

وذو الرجاء أبو بكر منظمها

عبد لبابك أمسى وهو منتسب

فاشفع له كرما يا خير ذى كرم

ومن فضائله فى الكون تنسكب

وإن ما يبيت منك يرجوا العطف ممتدحا

فما لصارم العضب بعد السل ينتدب

عبد بفضلك قد أمسى أخاثقة

على جميلك بعد الله يحتسب

فكن له شافعا فضلا ومرحمة

إذا جهنم قد جادت لها لهب

ووالديه فجد واشفع لهم كرما

فإن فضلك للراجين مقترب

وأنت أرحم من لاذ المسئ به

وخير من يرتجى إن جلت الكرب

شوقى إليك شديد لا يفارقنى

حتى أرى سائرا والنعش لى قتب

صلى عليك إله العرش ما طلعت

شمس وأصبح نجم وهو محتجب

ولاح برق أهاج الشوق لامعة

وهب نشر الصبا فاهتزت القصب

وألك الغر والصحب الذين غدوا

هم السادة الكرام والسادة النجب

أجل آل وصحب فضلوا شرفا

زكوا وطابوا فلا لغو ولا صخب

هم نجوم الهدى والفائزون غدا

ومن فضلهم والنهى يملى ويكتتب

القصيدة

التى يقرؤها أهل المدينة فى حضرة السعادة

يا رحمة للخلق يا واصل

يا بحر جود ما له ساحل

يا من به لا يحرم السائل

أنت شفيع الخلق حصن النزيل

أيا رسول الله! إنى دخيل

يا من عليه الضب قد سلما

والظبى تعظيما له كلما

يا من رويت الجيش بعد الظما

ماءا فراتا من نبات يسيل

أيا رسول الله! إنى دخيل

يا من عليه الله قد أنزلا

ذكرا حكيما معجزا للملا

كن لى معينا فى البلا

لا سيما فى الحشر عند الجليل

أيا رسول الله! إنى دخيل

يا من له تجلى جميع الكروب

لهوت عن موقف يوم الخطوب

ما فقت حتى أو بقتنى الذنوب

وما بقى فى العمر إلا القليل

أيا رسول الله! إنى دخيل

جاوزت خمسينا ولم أنتبه

بين حرام عشت والمشتبه

آمنت بالله وما جئت به

وبالذى حدثت عن جبريل

أيا رسول الله! إنى دخيل

أزكى صلاة الله طول المدى

إليك تهدى يا نبى الهدى

وآلك الأمجاد أهل الندى

جارك يرجو بك سترا جميل

أيا رسول الله! إنى دخيل

استطراد

إن هذه القصيدة التى اعتاد أهل المدينة حفظها قصيدة بليغة تنسب إلى عثمان البصير الحموى قصيدة للثناء والمدح.

وعثمان البصير من قرية دير سمعان (١) التابعة لمدينة معرة النعمان وأخذ الإنابة من المرحوم ابن الجندى شيخ الصلحاء الشيخ عبد الرحمن والشيخ اسحق ، وضرب مثلا فى فضله وكماله فى ديار الشام وحلب ، وكان متفوقا فى العلوم والفنون العربية مع كونه ضريرا ، وتاريخ ولادته ليس مضبوطا ، ولكن وفاته بعد سنة ١٢٥٠ الهجرية.

وكان الأديب المشار إليه قد يئس من قرار الأطباء وحزن أشد الحزن وبعد الحزن الشديد ترك اللجوء إلى الأسباب الظاهرية واختار مسلك الإمام البوصيرى «عليه رحمة الله القوى».

إذ مسح النبى صلى الله عليه وسلم فى رؤياه جسم عثمان البصير العليل المشلول بيمناه الكريمة ولمسه ولم يبق أثر من مرض الشلل فى جسمه واستيقظ من نومه وقام وأخذ يسير ويمشى.

ولما كان الشيخ عثمان البصير شخصا فاضلا يحب المرح والتحدى فبعدما شفى من مرضه واطمان تمام الطمأنينة على زواله فاستدعى الطبيب المسيحى الذى وعى عدم وجود دواء لمرض الشلل قائلا الفالج لا تعالج وطلب منه أن يعالج مرضه ولكن الطبيب المعالج قال إننى وجدت دواء سريع التأثير وأنشد القصيدة التى نظمها تلك الليلة وهو يتمشى وانبهت ذلك الطبيب وتحيره.

وأجبرت هذه القصيدة الطبيب المتحير على التصديق بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يظهر إسلامه خائفا من ضياع ما فى يده من الثروة والغنى. إلا أنه مات على الإسلام هذا ما يرويه العارفون بالتواتر انتهى.

__________________

(١) دفن عمر بن عبد العزيز فى هذه القرية.

فضائل المدينة خواص تراب المدينة المنورة وفواكهها

يلزم أن يكون معلوما لدى الذين سافروا فى الأراضى الحجازية المقدسة وقاموا بالسياحة ولا سيما الذين اطلعوا على الأحاديث النبوية والذين يعتقدون فيها أن الغبار الصحى من قبل الله ـ للمدينة المنورة يشفى من علتى «الجذام والبرص» ، والعلل الأخرى المزمنة المخيفة ، ومن المروى المحقق أن الذين يستخدمون تراب المدينة بإخلاص تام وعقيدة صحيحة يشفون من أمراضهم إن الذين حملوه إلى بلاد الروم والممالك الأخرى واستعملوه فى أى علة من العلل شفوا وأفاقوا من عللهم ، إذ قال شافى مرضى المعصية عليه أقوى التحية : «غبار المدينة شفاء من الجذام» وبهذا الحديث الشريف بين أن غبار المدينة ذو رائحة عنبرية وترابها دواء شاف من مرض الجذام.

عندما كان الرسول صلى الله عليه وسلم داخلا إلى المدينة عائدا من غزوة تبوك الغراء استقبله بعض الذين لم يستطيعوا أن يشتركوا فى تلك الغزوة لأسباب مختلفة من سكان دار الهجرة ، استقبلوا الجيش الظافر النبوى ، وعند ما تلاقى المستقبلون بصفوف الغزاة ارتفع الغبار نتيجة لحركات أقدام الجمال والخيول وزاد عن حد الاعتدال فأزكم أنوف الغزاة ، فانزعج الأصحاب الكرام وأمسكوا أنوفهم ؛ فلما رأى قائد فرسان الأنبياء «عليه أكمل التحايا» ذلك قال : «والذى نفسى بيده إن غبار المدينة الطاهر دواء لكل داء وهو شفاء لمرضى الجذام والبرص». وبهذه البشارة نشر فى نفوس الصحابة التسلية والحبور.

خاطرة

إن مثل هذه الكلمات التى تطيب خاطر الجنود تلقى لتهدئتهم ودفع الملل والضجر عنهم ، حتى إن قواد الجيوش والفيالق يلقون بعض الخطب الحماسية

وبعض الكلمات المثيرة للشوق والحماس للجنود الذين تحت قيادتهم حتى يزيلوا ما فى نفوسهم من الضجر والانزعاج ، وأن يشحنوا نفوسهم بالغيرة والشوق الجديد ، إذا ما قيل هذا ، فتقول لهم : إن ما يسرده قواد الجيوش فى خطبهم من الأدلة وما يستندون إليه من النقاط والحجج والمسائل ليست خالية من النفع والفائدة ، ولكن أليست هذه الأدلة التى يأتون بها تذكر بالنعم الإلهية التى بشرت بها الأحاديث الشريفة؟ وإذا اشتملت هذه الخطب لبعض درجات الوعود وإذا ما تحققت مقاصد القواد بحمية الجنود وهممهم وغيرتهم فإذا ما قيل لا يبق لتلك الوعود أى قيمة وكأنها لم تكن فهذا صحيح وهو محقق كذلك.

ولكن هل يقاس منزلة القواد لدى الملوك بالمكانة التى يتمع بها النبى صلى الله عليه وسلم عند الله سبحانه وتعالى؟

وهل يتصور قائد لم يكذب على الأقل مرة واحدة؟ وأين هو ذلك القائد الذى قدم جنده على نفسه؟! ومع هذا فمن المحقق أن الملوك يلون بدون تردد شكر قوادهم وشكاياتهم فى أثناء الحرب ، وعندما يساق الجنود لإنقاذ شرف الدولة والمحافظة عليها ، وليس فقط فى مثل هذه النقاط المهمة حتى الآن يقبل شكر القواد وشكاياتهم ولا يرد.

وبما أن الأقوال الصادرة من فم النبى صلى الله عليه وسلم المحسن تقترن بالوحى الإلهى ، فالأحاديث الشريفة مهما كان موضوعها ومحتواها فيجب أن يبعد عن الذهن عدم صحتها ، أعاذنا الله تعالى من مثل هذه الأمور ؛ فالذين يتخيلون مثل ذلك يقتضى عليهم أن يصححوا عقائدهم وأن يجددوا إيمانهم. انتهى.

قد حدث ذات يوم أن قام بعض الأفراد من قبيلة بنى الحارث بالتظاهر بالمرض والضعف وقالوا إنهم فى غاية الضعف والتعب من جراء مرض الحمى ، فنالوا شرف المثول بين يدى النبى صلى الله عليه وسلم ، فأخذ كاشف الغمة «عليه السلام والتحية» بعضا من التراب من مكان يقال له حصيب ووضعه فى مقدار من الماء ثم قال لهم فليتفل واحد منكم وينفخ فى هذا الماء قائلا : «بسم الله من تراب أرضنا ، بريق

بعضنا ، شفاء لمريضنا ، بإذن ربنا» ، ثم يشرب كل واحد منكم من هذا الماء ، ففعلوا مثل ما أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنجوا من مرضهم ، إن هذا الحديث يكفى للدلالة على أن تراب المدينة شفاء محض.

فائدة

كان قريبا من حديقة «مدشونية» حفرة ، وكان أهل المدينة يأخذون من هذه الحفرة قليلا من التراب وكانوا يسقونه لمرضى الحمى كما ذكر فى الحديث الشريف ، قال ابن النجار : إننى قد رأيت تلك الحفرة ، وما زال الناس يأخذون ترابها ويرسلونه إلى أطراف البلاد بأمل الشفاء ، ويروون أن من يتداوى به يشفون من أمراضهم ، وقد استعملته بنفسى.

وقال الإمام السمهودى : «إن الحفرة المذكورة ما زالت فى زمنه وإن الناس يأخذون من ترابها ويرسلونه إلى بلاد بعيدة ، كما أن علماء السلف قد أروا تلك الحفرة لتلاميذهم فاكتسبوا الشفاء باستعماله وكثيرون من الصالحين استعملوه وشفوا».

ثم قال : إننى تأكدت من صحة ما يقال باستعماله شخصيا «ثم أضاف : كان أحد أقاربى تعرض لمرض الحمى ولم يستطع أن يتخلص منها مدة عام كامل ، فأخذت مقدارا من التراب وضعته فى ماء كما سبق توضيحه وسقيته بعد التفل ، قد شفى المريض فى ذلك اليوم وقام على رجليه» وبكلامه هذا أكد رواية ابن النجار وصدقها.

ويبتدر بعض الناس الآن غسل المريض بالحمى بأخذ تراب من حفرة ما معتقدين أنها تلك الحفرة المذكورة ويخلطونه بمقدار من الماء ولكن الأولى أن يستخدم وفقا للرواية التى سبق ذكرها آنفا ، ثم الاغتسال بعد ذلك حتى يشفى وفق مفهوم الحديث سالف الذكر ، والله الشافى.

أنا المؤلف لم أوفق فى زيارة حفرة المدشونية ، ولكننى رأيت بعض الناس يأخذون تراب تلك الحفرة وبعد التخمير يمهرونه بمهر خاص بتراب بتراب خاص ويوزعونه على الحجاج مقابل عطاياهم ، إنه تراب مائل إلى اللون الأبيض ، وإذا

ما نظر إلى شفاء الذين يستعملون ذلك التراب بعد التخمير يمكن الحكم بأنه مأخوذ من حفرة «المدشونية» التى عرفها الإمام السمهودى.

المدشونية : اسم بستان جميل يقع فى جهة المدينة المنورة من البساتين التى يطلق عليها العوالى ، وفى داخل هذ البستان الجميل عدة حفر قديمة ومع خلو هذا البستان من سور يحميه فاللصوص لا يستطيعون أن يصلوا إلى محاصيله ويسرقوها ، مع أن البساتين المحاطة بالأسوار وفى داخلها عدة حراس تنقذ محاصيلها من البلح بصعوبة كبيرة ، وعلى هذا يمكن أن يعد عدم دخول اللصوص فى بستان المدشونية من جملة خصائصه. انتهى.

وكان النبى صلى الله عليه وسلم كلما أحضر له مريض أو مجروح يتلو الدعاء سالف الذكر ثم يأخذ من الأرض قليلا من الغبار بأصابعه المباركة ويمسح به المريض ؛ جاءه يوما مريض يشتكى من جرح رجله وعرض عليه أنه لا يستطيع أن يتحمل الأوجاع فما كان من النبى صلى الله عليه وسلم مداوى جروح أمته إلا أن رفع قطعة الحصير التى كان يجلس عليها وأخذ قليلا من الغبار بسبابته (١) المباركة ومزجه بريقه السعيد ثم قال : «بسم الله ريق بعضنا يشفى سقيمنا» ثم مس به جرح الجريح ، وبناء على ما نقله من كان فى مجلس النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم قد التئم جرح المجروح وعوفى من علته وعاد سالما معافى.

كما أن بلح المدينة يفيد من شفاء بعض العلل والأمراض ، إذ ترى مرضى البلدة الطاهرة يشفون بتناول سبعة أعداد من العجوة صباحا فى سبعة أيام ، وإذا ما سئل عن سبب يشفون يقولون : «إن الصديقة ـ رضى الله عنها ـ نبهت المصابين بعلة (٢) «الدوام والدوار» يأكل فى كل صباح سبعة تمرات وينقل عن سعد بن أبى وقاص أنه قال : «قد مرضت فى فترة ما وشرفنى إذ ذاك طبيب مرضى القلوب من أمته ـ رضى الله عنه ـ فى منزلى ووضع يده السعيدة بين نهدى وطيب خاطرى بلفتة كريمة تساوى الدنيا بما فيها قائلا «إنك رجل شجاع»

__________________

(١) يطلق السبابة على إصبع الشهادة.

(٢) دوام دوار : يعنى الصداع المزمن يقال للصداع المزمن فى الاصطلاح الطبى دوار الرأس.

وإذ ذاك ورد من الأطباء الحذاق الحارث بن كلدة ، فأحضر عدد سبع حبات من بلح العجوة واسحقها وأخذ ماءها وبدأ يعالجنى بها وسقانى من ذلك الماء ، وفى الواقع أن بلح المدينة المنورة يجمع خصائص عديدة فمن يأكلونه فى الأوقات التى عينتها الأحاديث الشريفة لا يؤثر فيهم لا السحر ولا سمّ هلاهل المهلك ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال : «ومن تصبح بسبع تمرات من العجوة لم يضره يومئذ سم ولا سحر» و «من أكل سبع تمرات عجوة ما بين لابتى (١) المدينة على الريق لم يضره فى يومه ذلك شىء حتى يمسى وإن أكلها حين يمسى لم يضره شىء حتى يصبح» و «من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر» «حديث شريف».

و «اعلموا أن الكمأة (٢) دواء العين» و «إن العجوة من فاكهة الجنة ، والكمأة من المن وماءها شفاء للعين ، والعجوة من الجنة وهى شفاء السم». «حديث شريف».

البرنى :

وبما أن البلح المسمى بالبرنى كان من البلح المرغوب لدى الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل ذلك مدحه النبى صلى الله عليه وسلم قائلا : «يا أهالى المدينة إن أفضل أنواع البلح الذى ينبت فى بلدكم البرنى» «حديث شريف» إنه يخرج الأمراض والعلل من بطن آكله وإنه غير مضر ولا يجلب العلل» والحديث الشريف الذى يشمل ذلك المعنى «خير تمركم البرنى يخرج الداء ولا داء فيه» ، ولا نعرف حكمة تخصيص الشفاء بسبعة أعداد من بلح العجوة ولا سره ، ولكنه يلزم الاعتقاد بكل إخلاص وطمأنينة لحكم الحديث الشريف وأن يعتمد على أن البلح العجوة يجمع الفيض والبركة ، لأن الذين داوموا على أكله قد تواتر شفاؤهم.

إن العجوة معروفة لدى أهل مكة ، إنها نوع من البلح يحتوى على الشفاء المحصن ، لأنها خلقت من بقايا طين حضرة أبى البشر (٣) وتجمع بين جميع

__________________

(١) لابتى : معناه التل والربوة.

(٢) كمأة : نوع من عش الغراب ينبت فى أماكن ظليلة وجمعها أكماء. وانظر فى هذه الأحاديث كتاب الطب النبوى لابن القيم ص ٢١١٤ وما بعدها. ط ١٤ دار الوعى ـ حلب بتحقيق الدكتور عبد المعطى أمين قلعجى.

(٣) جاء فى الحديث الشريف : «أكرموا عماتكم النخلة ..». انظر تفصيل ذلك فى كتاب النخلة للسجستانى.

الخواص لذا ينقل أنها أنفع الفواكه جميعا للإنسان ، وبناء على قول ابن الأثير ، إن هذا البلح من نوع أكبر من «الصيحانى» ولكن لونه مائل إلى السواد. وإن كان الإمام داود يذهب إلى أن العجوة أوسط أنواع البلح من إنتاج المدينة وذهب بعض المؤرخين إلى أنها من أنواع بلح مكة ، إلا أن الإمام البزار قال : «إن بلح العجوة من جنس البلح الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم بنفسه» لذلك رجّح أهالى المدينة قول الإمام البزار على سائر الأقوال وينقلون أن اليهود قد أحرقوا نواة تمرة ثم قدموها إلى النبى صلى الله عليه وسلم قائلين يا محمد : أغرس هذه النواة قإذا ما نمت وترعرعت نصدق نبوتك» فأخذها النبى صلى الله عليه وسلم وابتدر بغرس النواة بنفسه ومن هذه النخلة نشأت العجوة وأثمرت الشجرة فى الحال» ، وفى سبيل تأييد مدعاهم استدلوا على ذلك بالرائحة الخاصة التى تمتاز بها العجوة ، وفى الواقع أن ما يدعيه أهالى المدينة الطيبة مقترن بالصحة إذ يحس فى حين تناولها برائحة طيبة.

ومع هذا ليس هذا البلح عين ما غرسه صاحب المعجزات بيديه السعيدتين من البلح.

ولم يبق فى عصرنا شىء من التمر الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم بيده المؤيدة بالإعجاز ، هناك من يدعى وجود نخلة واحدة بين نخيل المدينة المنورة من جنس التمر الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم إلا أن هذا الادعاء من قبيل الظنيات ، وإن كان بلح العجوة موجودا الآن إلا أنه ليس من نوع البلح الذى غرسه النبى صلى الله عليه وسلم ولكنه نوع متفرع من بلح يسمى «الجادى». ويلزم أن يكون تمر النبى من صنف البلح الذى يعرف ب «الحلية» إلا أن العجوة نوع من البلح بين الحلية ، وحجمها يشبه حجم الحادى ولونها يشبه لون البلح المسمى «غراب» وطعمها يشبه للحلية ، وحجمها يشبه حجم الجادى ، لذلك يظن الذين لا يعرفون أشياء عن أجناس البلح أن العجوة بلح النبى صلى الله عليه وسلم ، كما أن الذين لا يعرفون عن حقيقة بلح الحلية شيئا يدعون أنه لم يبق بلح من جنس بلح النبى صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر آنفا إلا أن أهل الخبرة أثبتوا مدعاهم بكثير من الأدلة المقنعة والتى تؤكد على أن لهم خبرة ومهارة فى تعيين جنس البلح أثبتوا أن بلح الحلية من جنس بلح النبى صلى الله عليه وسلم.

ولما كان النبى صلى الله عليه وسلم يحب العجوة حبا جمّا أمر ورغب أهالى مكة فى أكل هذا البلح ، ولما كان الأصحاب الكرام يعملون بموجب الأمر النبوى أحبوا بلح العجوة وأقبلوا على أكله وفق تعليمات النبى صلى الله عليه وسلم ، وما زال أهل المدينة يراعون هذه الأصول إذ يجمعون بلحهم فى موسم الجنى ويملئون به أزيار ويأكلونه فى أيام الشتاء وإنهم يحرصون على حفظ البلح أكثر من أى شئ آخر ، وليس هناك مدنى لم يحفظ فى أيام الصيف ما يكفيه من العجوة لأيام الشتاء.

وفى إستانبول يعد الناس الحطب والفحم ، وفى البلاد العثمانية الأخرى يعدو للشتاء جريش البر المسلوق «برغل ، وما يلزم لحساء «طارخنة» (١) والذين لا يخزنون هذه الأشياء فى مواسمها يعانون كثيرا فى الشتاء ويتعبون ، هكذا يعانى من لم يخزن بلح العجوة فى الشتاء من سكان دار السكينة ويتعبون كثيرا ، وما زالت هذه العادة قائمة إلى الآن بين أهالى المدينة ، ولكن ما جمعوه وادخروه من البلح على أنه عجوة ليست من العجوة المأثورة ، ويطلع على ما يدخرونه من البلح «مجلات وحشية» وهو خليط ومزيج من هجين نوع من البلح ، ولما كان هذ النوع من البلح أرخص ثمنا فعربان البوادى والفقراء من الناس يرغبون فى تخزينه ظنا منهم أنهم يخزنون بلح العجوة ، أما الأغنياء من الناس يخزنون للشتاء بلحا من جنس «حلية ، شقرى ، بيض ، حلوة» وثمن هذه الأنواع أغلى بالنسبة للبلح المخلوط.

ويبين مؤرخو المدينة الطيبة سبق تسمية بلحها بأسماء معينة ويقولون فى تعريف بلح الصيحانى : إن نخلة قد صاحت مصدقة للنبوة أو أن البلح نبت أولا فى حديقة يطلق عليها الصيحانى ، والذى نقل القول الأول هو جابر بن عبد الله الأنصارى ، ولما كان هذا القول يروى مستندا إلى أسانيد جيدة يرجح على القول الثانى وتؤتى هذه الرواية بكرامة أهل البيت وقربتهم وشرفهم.

وقال حضرة جابر وهو يبين سبب تسميته بلح الصيحانى ، كنت قد ذهبت يوما

__________________

(١) نوع من الحساء يصنع من الزبادى أو الحليب المتخمر ويخلط بالدقيق أو بماء اللحم ثم ينشف فيطحن.

مع النبى ـ عليه صلوات الله الملك المنان ـ إلى بساتين النخيل ، وكان معنا على بن أبى طالب وكانت يده المؤيدة بالفيض فى يد النبى صلى الله عليه وسلم.

وكان كلاهما أمامى بعدة خطوات ، ومرا بجانب نخلة وكانت تلك النخلة موزونة القامة فصاحت صيحة شوق وابتهاج وقالت «إن ذلك الشخص سيد الأنبياء محمد «عليه صلوات الأحد» وبجانبه سيد الأولياء أبو الأئمة الطاهرين» كذلك نطقت إحدى النخيل القريبة منها وقالت صائحة : «إن هذا الشخص محمد رسول الله وبجانبه على سيف الله» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا على «فلتسم هذه الأشجار بعد هذا «بصيحانى» ، وانتشر الخبر بين الأهالى وشاع وأخذوا يطلقون لهذا الجنس من النخيل «الصيحانى» انتهى.

وإن كان بلح المدينة كثير الأجناس مختلف الأنواع إلا أننى استطعت أن أعد ما يقرب من مائة وثلاثين نوعا «ولا يشبع للطاقة نوعى العجوة والبرنى وحلاوة مذاقها».

بناء على ما فصل فى الصورة الثانية من الوجهة الأولى لم تبق من أنواع البلح فى زماننا القدر الذى ذكره المرحوم السمهودى ، لذا قرر أن يطلق على جميع أنواع البلح «اللون» (١) ما عدا الأسماء التى ذكرت فى الوجهة المذكورة وعددت.

__________________

(١) روى فى بعض كتب التاريخ أن أول من غرس النخلة هو شيث عليه السلام.

فى بيان وتعريف نجاة سكنة دار السكينة

من مضرة الطاعون والدجال

قال النبى صلى الله عليه وسلم ليبين مدى حبه القلبى للمدينة المنورة «اللهم حبب لنا المدينة كحب مكة أو أشد» ، وبهذه الطريقة كرر النبى صلى الله عليه وسلم الدعاء للمدينة ، وسبب تكراره يومئ بزيادة رغبته ـ عليه السلام ـ ، والداعى لهذا الدعاء ما قاله بلال بن رباح الحبشى اللهم العن عتبة بن ربيعة وشيبة بن أبى ربيعة وأمية بن خلف إنهم أخرجونا من بلادنا وكانوا سببا فى الهجرة إلى بلد كثيرة الوباء.

قال بعض الأئمة : «إن النبى صلى الله عليه وسلم قد كرر الدعاء المذكور مرات عديدة ؛ مع أن استجابته قد ظهرت بعد أول مرة» ، إن الحكمة من هذا التكرار هى وفرة الوفرة فى أوزان دار الهجرة وأكيالها على شكل محسوس ، إذ أن الفيض والبركة اللذين فى مد أوصاع المدينة المنورة لا يظهران فى أكيال وأوزان سائر البلاد ، لأن النبى صلى الله عليه وسلم كلما عاد من سفر إلى المدينة المنورة كان يمد نظره إلى جدران تلك المدينة وأحجارها وأسواقها وأشجارها ويرخى النظر بالفرح والابتهاج إليها ، ثم يدعو عارضا دعاءه إلى واهب الآمال إذ يقول : «يا رب قدر لنا القرار فى المدينة ويسر لنا سبل المعيشة بالرزق الحسن ، يا رب! بارك فى المدينة بضعفى بركة مكة ، اللهم اجعل مد المدينة وصواعها وأكيالها مباركا لهم».

وكما هو معلوم لدى من يدققون النظر أن الفيض والبركة اللذين يسودان المدينة فى يومنا هذا هما أثر من آثار استجابة الله ـ سبحانه وتعالى ـ لذلك الدعاء إن مؤونة إدارة المدينة المنورة لسنة كاملة تقابل مؤونة إدارة البلاد الأخرى لستة أشهر ، إذ يحدث أحيانا أن طعاما يرى غير كاف لإشباع نفر واحد يشبع عدة أشخاص ثم يفيض أيضا ، إن هذه الأمور الدقيقة معروفة سواء أكان عند أهالى

المدينة أو كان لدى المجاورين والمسافرين الواردين ، كما أن المدققين من الزوار يزيدون من محبتهم ورعايتهم لأهل المدينة إذا جربوا ذلك ورأوا بأعين رءوسهم ذلك الفيض وتلك البركة.

وإذا كانت الأشياء محسوبة لهذا البلد هذا القدر من الفيض والبركة لا شك فى أن أهالى ذلك البلد يفضلون الآخرين فى أمور دينهم وآخرتهم وبناء على هذا فإن طاعات وعبادات سكنة دار الهجرة تستلزم تضاعف أجرها ومثوبتها.

وكان أهالى دار الهجرة فى عصر النبوة عند ما ينضج التمر ويصل إلى كماله ، يأخذ كل واحد منهم عنقودا من التمر ويقدمونه لعتبة رسول الله حتى ينالوا دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمسك التمر بيديه المباركتين ويدعو لأهل المدينة بسبب ما يؤخذ إليه من البلح الطازج قائلا : اللهم أنعم على مدينتنا وأكيالها بالبركة ، يا رب كان إبراهيم عبدك ورسولك ، وإننى عبدك ورسولك ، وقد دعا إبراهيم لمكة المكرمة ، وأنا أدعو أن تنعم بمثل ما أنعمت على مكة المكرمة من الفيض والبركة على المدينة المنورة ، وشرف فى يوم ما مع على بن أبى طالب المحل الذى كان يسكنه سعد بن أبى وقاص فى «حرة سقيا» وتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم فى هذا المكان ثم استقبل القبلة ودعا قائلا : اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك ودعاك لأهل مكة بالبركة ، وأنا عبدك ورسولك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك فى مدهم وصاعهم مثلى ما باركت لأهل مكة مع البركة بركتين ، وقال ابن شبّة : إن ملك السرائر المصطفى ـ عليه من الصلوات أصفاها ـ قد كبر فى خاتمة دعائه.

وخرج رئيس ينابيع الفيض والبركة ـ عليه أصفى التحية ـ فى يوم ما للذهاب إلى مكان يقال له «بيرحاء» فى نواحى المدينة المنورة ، وكان فى معيته أبو هريرة ـ رضى الله عنه ـ ، وعند ما وصلا إلى المكان المذكور استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه حتى ظهر بياض إبطيه تحت منكبيه وقال : يا رب كان إبراهيم خليلك ودعا لأهل مكة ، أنا أيضا رسولك ، أدعو لأهل المدينة طالبا الفيض

والبركة ، وكما أحسنت إلى أهل مكة فألق ببركتك لمد سكان المدينة وصواعهم وضاعف قليلهم وكثيرهم ضعفين ، يا رب كل من يقصد أهل المدينة بالسوء فألجه وأذبه كما يذيب الماء الملح (١)» «حديث شريف» هذه الرواية منقولة عن أبى هريرة بالتواتر.

نقل علة الحمى خارج المدينة المنورة

تعرض بعض أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى ابتداء الهجرة المستلزمة للحكمة لعلة الحمى واشتكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصعد شافى الأمة من أدوائها ـ عليه أجمل التحية ـ المنبر وقال : «اللهم أنقل عنا الوباء» وبهذا الدعاء رجا من الله ـ سبحانه وتعالى ـ الحكيم المطلق العلة إلى نقل العلة إلى أو إلى أماكن أخرى وفى الغد قال : قد جاءتنى الليلة عجوز فى ملابس سوداء وقالت لى : إن العلة التى دعوت لنقلها هذه هى فأين تريد أن أنقلها من المدينة المنورة؟ فأجبتها ، أن تنقلها إلى «خم» وبهذا أخبر بأن علة الحمى قد نقلت إلى موقع «خم» وبعده بيوم مثل أحد أبناء السبيل أمامه آتيا من جهة مكة ، فسأله قائلا : من الذى قابلته فى الطريق؟ فأخذ الرد الذى يقول «لم أقابل أحدا غير عجوز منكوشة الشعر فى ملابس سوداء» فقال المطلع على السرائر ـ عليه سلام الله القادر ـ إن تلك العجوز علة الحمى وإنها لن تستطيع أن تعود إلى المدينة مرة أخرى.

وهكذا نقل ما جرى ، وعلى هذا فعلة الحمى بين حرات قريضة وعريض ، اللهم أحمنا فى المدينة وأنقل حماها إلى مهيعة (١)! وإذا بقى منها شىء أبقه خلف مشعط (٢) ، وقال إذا كان فى جزء من المدينة وباء فهو فى «ظل مشعط» (٣) وكل من شرب ماء فى جحفة بعد هذا الدعاء تعرض للحمى ، وكل طائر طار من فوق نواحى هذه القرية أصيب بمرض ووقع على الأرض.

وجاء فى سيرة ابن هشام ، أن تلك الأحاديث تومئ إلى أنه قد ظل فى المدينة نوع من المرض قليل الخطر وهو المرض الذى فى المدينة الآن ، ولكن هذا المرض

__________________

(١) تقدم تخريج هذه الأخبار.

(١) تقدم تخريج هذه الأخبار.

(٢) مهيعة اسم آخر للجحفة.

(٣) مشعط على وزن مرفق اسم قلعة فى بلاد بنى هذيل وفى الجانب الغربى من مسجدهم وبالقرب من «بقيع الغرقد».

ليس بشىء خطير نتيجة لاستجابة دعاء الرسول الكريم ، ولكنه مرض رجع فى عصر الرسول لكفارة الذنوب وهو مرض خفيف ، وهذا المرض هو حمى «أم ملدم» وبناء على الرواية التى نقلت عن جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنه ـ أن حكيم الأنبياء ـ عليه أفضل التحايا ـ حينما دعا ، فى الصورة المشروحة ، رأى ذلك المرض ورغب أن يرحل إلى نواحى «قباء» وكان المرضى الذى رآه الحمى المسمى ب «أم ملدم» الذى اتجه ناحية قباء رأسا ، بناء على الأمر الذى صدر له من النبى صلى الله عليه وسلم ، وأخذ يزعج سكانها ، ولم يكن فى استطاعة مخلوق أن يفهم سر هذا الحكم وقد انزعج سكان قرية قباء من الحمى العارضة لبلدهم ، وذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يعرضون عليه ما حدث وطلبوا منه أن يدفع عنهم تلك الحمى.

فرد عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا : «الدعاء لرفع الحمى وإزالتها ممكن ولكن تحملكم لها كفارة لذنوبكم» فقالوا : «إننا نتحمل المرض بأمنية كفارة الذنوب ثم عادوا».

إخطار

وإذا قيل بما أن المرض من الأشياء المحسوسة فكيف يظهر على شكل امرأة عجوز؟ يقال لهؤلاء : إن أقوال النبى صلى الله عليه وسلم وأفعاله إخضاعها لقواعد العلوم المضبوطة والفنون المعلومة من جهة ، ومن هنا يجب أن تنحى فكرة التحليل والتطبيق جانبا تأدبا ، ومن جهة أخرى ينبغى أن يقبل كل ما يروى عن النبى صلى الله عليه وسلم دون تردد ، وأن يصدق. انتهى.

إن النبى صلى الله عليه وسلم المطلع على أسرار الحكمة قد تفضل قائلا : قد أرانى جبريل الطاعون والوباء ومرض الحمى ، وكلفنى أن أبقى واحدا من هذه العلل فى المدينة ، وإننى أبقيت على الحمى ورددت الطاعون ، وإن كان الطاعون باعث استشهاد لأمتى إلا أنه زاجرا للكفار ، وهذا ما ينقل عن النبى صلى الله عليه وسلم ويروى ؛ لذا لا يقدر لا الطاعون ولا الوباء الدخول فى المدينة المنورة ، أما الحمى فهى ليست وباء ولكنها رحمة من الله.

قد فكر علماء الحديث فى هذا الموضوع ورتبوا هذا الحوار الذى يشتمل على السؤال والجواب :

السؤال : إذا كان الطاعون سببا فى الاستشهاد ، فهل يصح أن يدعو النبى صلى الله عليه وسلم بعد دخوله إلى المدينة؟

الجواب : الطاعون عبارة عن طعن الجن ، مع أن دخول الشيطان والكفار من الممنوعات من الدخول فى المدينة ، وإن دخلا فلا يقدران على ضرر أحد ، وهذا مما يدعو إلى الثناء والمدح للمدينة ؛ لأجل ذلك دعى بعدم دخولهما ، أو أن الطاعون فى المدينة لا يصل إلى شدة الطاعون الذى ظهر فى «عمواس ، وجارف».

الحكم :

مع الاحتمالات الموجودة فى هذه الإجابة ليس هناك تاريخ يخبرنا بدخول الطاعون فى المدينة ، والطاعون الذى أجرى حكمه فى سنة ٧٤٩ فى جميع أرجاء البلاد العربية حتى فى مكة المكرمة لم يدخل المدينة المنورة الميمونة ، انتهى.

لما كانت الحمى فى المدينة مرضا بدلا من الطاعون فلا شك فى استشهاد فيمن يموتون فيها ، ومن الخطأ أن يورد إنسان فى خاطره سؤال ، يا ترى ماذا كانت الحكمة فى اختيار حاذق الأنبياء صلى الله عليه وسلم علة الحمى من أجل أهل المدينة؟

عندما دعت الحاجة إلى الجهاد وحرب مشركى الحجاز وقتالهم ونزلت الآيات الجليلة تدعو إلى القتال كانت علة الحمى أضعفت الأصحاب الكرام فتفضل النبى صلى الله عليه وسلم بالدعاء لنقل الحمى إلى الجحفة ، وقد أصبحت المدينة المنورة التى كانت مركز العلل والأمراض أصبحت بفضل دعاء النبى صلى الله عليه وسلم أصح بلاد الله وأصلحها ، وقد اختيرت علة الحمى حتى ينال مرتبة الشهادة من لم يستشهدوا فى الجهاد وماتوا بسبب الحمى ، ولم يقدر وباء الطاعون أن يدخل المدينة المنورة بعد دعاء النبى صلى الله عليه وسلم وبهذا تحقق أن دعاء النبى صلى الله عليه وسلم كان رهن الاستجابة. وإن جاء وقت لبيان آراء أطباء عصرنا فى وباء الحرمين ومناقشة هذه الآراء إلا أننا تركنا ذلك لذيل الصورة.

وإنه قد عين من قبل الله سبحانه وتعالى كثير من الملائكة فى طريق المدينة ليحولوا دون دخول الطاعون والدجال فيها ، كما جاء فى الخبر ، وإن كان الدجال سيقدم إلى قرب سور المدينة إلا أنه لن يستطيع الدخول فى داخل المدينة ، ليس هناك بلاد مصونة من دخول الدجال غير الحرمين ، وليس فى الحرمين شارع يخلو من حراس من الملائكة ، وسيتوجه بالدجال عن طريق الشرق إلى المدينة الأمينة وسيتعرب من خلف جبل أحد وعندما يصل إلى هذا الجبل سيعيده الملائكة إلى مكان ظهوره ويهلكونه ، وسيكون للمدينة فى ذلك الوقت سبعة مداخل وسيكون فى كل باب ملكان والمنافقون سيخرجون من هذه المداخل ويبايعتون الدجال.

ووقف النبى صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام بين رايتين وخاطب أصحابه قائلا : «ما أجمله من مكان المدينة المنورة ، عندما يخرج الدجال فى يوم الضلالة ستحمى الملائكة شوارع المدينة وأطرافها ، ولن يدخلوه إلى المدينة ، وإنه لن يبقى منافق لا يبايع الدجال فى ذلك اليوم وسيكون معظمهم من طائفة النساء ، إن اسم ذلك اليوم يوم «الخلاص» وفى يوم الخلاص ستطرد المدينة المنورة المنافقين وتزيلهم عن المدينة كما يزيل كير الحداد وسخ الحديد وينقيه ، وسيكون مخيم الدجال فى ذلك الوقت فى مكان يسمى «مجمع السيول» وسيكون معه سبعون ألفا يهوديا مسلحا ، وخاطبهم فى يوم آخر قائلا : «يا أهل المدينة! تذكروا يوم الخلاص!» وأجاب على سؤال الصحابة» أى يوم ، يوم الخلاص؟» هو اليوم الذى سيتوجه فيه الدجال إلى المدينة المنورة ، ويأخذ المنافقين والمشركين فى دائرة بيعته ويظل المؤمنون وحدهم إذ تخلصوا منهم».

لم يتفق الأئمة الكرام فى تعيين المحل الذى سينزل فيه الدجال فى المدينة المنورة فقال الإمام أحمد بن حنبل : إنه سينصب خيامه فى ممر محل يطلق عليه «جرف» ، وقال ابن ماجه إنه سيعسكر فى مكان ينتهى إلى ممر جرف من الطريق

الأحمر. وقال الزبير بن بكار إنه سينصب خيامه فى موقع «مجمع السيول» ومع هذا فالثلاثة صادقون فى أقوالهم ، وإن ظهرت الأماكن التى ذكروها مختلفة إلا أن كلها فى ساحة الميدان فالألفاظ مختلفة ولكن مفادها واحد.

وأينما نصب الدجال فى المدينة سيمنع من قبل الملائكة كما ورد فى الحديث الشريف ، ولن يدخل المدينة المنورة وسيعرض المشركون والمنافقون بيعتهم على الدجال وقد أصابهم الهلع والقلق من حركات الأرض وبهذا لن يبقى داخل أسوار المدينة إلا المسلمون الخلص وبهذا سيتضح أن المدينة المنورة الطيبة تنفى الخبث وتزيل الوسخ ، ويرون أن أكثر من سيعرض بيعته للدجال من الطوائف النساء والجوارى.

مهمة

دجال مأخوذ من كلمة «دجل» بمعنى سحار وكذاب ، وبناء على عقيدة أهل السنة أنه سيظهر فى آخر الزمان وإنه سيحكم ما يقرب من أربعين يوما ما بين الشرق والغرب ، وستظهر على يديه بعض الخوارق مثل ، إنزال المطر ، وتنمية العشب ، إحياء الموتى ، الكشف عن الكنوز ، وإنه سيدعو الذين بايعوه إلى عبادته ويأمرهم مدعيا الألوهية ، وعندئذ سينزل عيسى بن مريم على الأرض بقدرة القادر المطلق وسيقتل الدجال بجانب «لد» من جبال الشام وعلى قول إن الدجال حينما يرى حضرة عيسى ـ على نبينا وعليه التحايا ـ سيذوب مثل الملح والذين بايعوه سيتعرضون جميعا للقتل ويزالون من الوجود.

إن الأخبار الصحيحة والأسرار الخفية التى ذكرت من الغوامض الشرعية التى أنبأ بها النبى صلى الله عليه وسلم ما هى إلا وحى من الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومن التبليغات العلمية التى أبلغنا بها الأولياء الكرام والصلحاء ذوى الاحترام بعد الاطلاع على الآثار النبوية ، وإن هذه التبليغات الشرعية خارج الاطلاعات البشرية والإيمان بها يعد من الضرورات الدينية وحسن تلقيها من الوظائف المذهبية ، كما هو معلوم لدى أربابها.

ذيل

سئل أحد الذين أجلوا أداء فريضة الحج لوقت شيخوخته وهو مالك للقدرة الشرعية للذهاب إلى دار الأمن حرم الله محرما «لما ذا تتردد فى إيفاء الحج وما هو السبب؟» ولا شك أنه سيجيب قائلا : «إننى مازلت فى طور الشباب! إذا ما ذهبت إلى الحج لن أستمزج بماء البلاد الحجازية وهوائها ، ولا سيما الازدحام والكثرة يسببان انتشار الأمراض المعدية ، ومن المحتمل أن أصاب بهذه الأمراض وأموت فى شرخ شبابى ، وإذا فرض بأننى نجوت من الأمراض المعدية فإننى سأتبع هواى وأرتكب الذنوب بطيش الشباب وعندئذ أكون قد أنفقت النقود فى لا شئ ، كما أننى أكون قد ضاعفت عصيانى لله.

ولكن الحجاج الذين يعودون سالمين يجب عليهم أن يتصفوا بمحاسن الأخلاق! ولا يكون هذا إلا باجتناب ارتكاب المعاصى والآثام وبالاحتراز من الاختلاط بالذين تعودوا على ارتكاب الآثام ، ولما كان أصدقائى قد تغلبت عليهم حظوظهم النفسية ومادمت أننى سأختلط بهم عند عودتى فلن أتمكن من القيام بالأعمال الصالحة ، لأن بلية الشباب لن تمكننى من الابتعاد عن بؤرة الفساد».

يرى فى هذا الجواب غير المعقول ، كما لا يخفى على أهل التدقيق ، أن هناك سببان مستقلان فى عدم ذهاب شبابنا» أقصد بهم من تجاوز الثلاثين : «السبب الأول عدم قدرتهم على مقاومة الأهواء النفسية بعد الرجوع من الحج ، والثانى : وجود الأمراض فى الحرمين» وهو زعم فاسد.

وفى الواقع أن هذا الجواب يجذب الانتباه ؛ فالذين يعتقدون فى القدرة الإلهية يتحاشون من تلك الإجابة ويجتنبونها ، وإن كان هذا السؤال يبدو موافقا لعقائد الموحدين ، إلا أن أغلب شباب زماننا يحملون فى رءوسهم هذه الأفكار.

قد ألقيت ـ أنا جامع هذه الحروف ـ هذا السؤال سالف الذكر على الكثير من الناس وتلقيت منهم إجابات أبشع من ذى قبل ، ولكننى وفقت فى تصحيح عقائد

غير قليلين منهم ، ويجب ألا يخفى علينا أن هذه الإجابات ليست ثمار أذهانهم بل هى محاصيل بعض أشخاص ذوى أفكار فاسدة واعتقادات مضرة ، والتى بذرت فى مزارع قلوب بعض المسلمين السذج ، وكأن البلاد الحجازية ذات المغفرة مستعدة لإنبات الأمراض المعدية وإنه عندما يرد إليها الحجاج فى موسم الحج فمن المحال ألا تظهر فيها بسبب الازدحام الشديد ، وباء الكوليرا ، والأمراض الأخرى المعدية المخيفة وأن ذهاب الشباب إليها فى هذه الحالة يستدعى سفرهم حتى الآخرة أليست هذه العقيدة غريبة؟!.

وما يؤسف له ، بينما كان تراب الحرمين الشريفين محفوظا من قبل الله سبحانه وتعالى ـ وأن الأوبئة والطواعين والعلل الأخرى المعدية قد طردت نتيجة لدعاء النبى صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة ، إلا أن ما ينشره الأجانب ذوو الأغراض السيئة يتلقى قبولا حسنا ويعتقد فى صحته التامة! مع أن عمر الإنسان مقدر من قبل الله لا يزيد دقيقة ولا ينقص ثانية ، كما يؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف : ٣٤).

إن كشوف أطباء أوربا الوهمية أن أراضى الحجاز المقدسة موطن ومولد مرض الطاعون قد دفعت بعض أهالى أوربا فى أوائل القرن الحالى إلى تصديق ادعاءاتهم ، ونتيجة لهذا التصديق تطرق خلل لعقائد قصار النظر من العوام ، إلا أن عدم استناد الكشفيات المشكوكة لهؤلاء الأطباء إلى أساس لم يثبت حتى فى تلك الأوقات ، وإن كشفهم ما هو إلا وهم مطلق.

ليس هناك أحد من هؤلاء الأطباء الحاذقين قد زار أراضى الحرمين الشريفين حتى تؤخذ تجاربه وكشوفه مأخذ الجد ، وترقى إلى كونها حكما.

ولما كان فن الطب قد تقدم فى عصرنا إلى أقصى حد ، وقد وجد أطباء أوربا منشأ الطاعون ومولده وخطئوا أسلافهم وقد أجروا فى هذا الخصوص تدقيقات كاملة ونشروا الحقيقة فى مؤلفات عديدة.

وإن كان الله ـ سبحانه وتعالى ـ الحكيم يعمل على تصديق فكرنا الصائب إلا أن بعض المسلمين السذج الذين بذر فى قلوبهم بذور الفساد لم يستطيعوا أن يخرجوا من مستنقع آرائهم العتيقة ، فما أغرب أن يعتقد فيما قاله أطباء أوربا غير مشهورين إن أراضى الحرمين تنبت العلل المعدية ، ثم يتردد فى تصديق ما قاله أطباء أوربا الحذاق «من : أن منشأ مرض الطاعون هو الهند وهذا ثابت قطعيا» وتردد أطباء الإسلام فى تصديق ما قاله الأوربيون : إن الحرمين منبت العلل المعدية أى أن منشأ الطاعون البلاد الحجازية المقدسة ، وأخذوا يتحرون عن جهات ظهور تلك العلة وأسبابها ويفحصون ، وعندما أثبت «جاقود» أحد أساتذة مدرسة الطب الفرنسية وأحد مشاهير أطباء أوربا المتسم بالحذاقة والمتحلى بالرزانة الفكرية والفصاحة العلمية والمصدق لدى الجميع ، إذ استنبط من المؤلفات التى كتبها علماء المدرسة المتمدنة فيم كتب عن الأمراض الباطنية أن مرض الطاعون «الكوليرا» المخيف يظهر فى أراضى الهند ويعرف الأسباب التى توجب ظهوره وذلك بالأدلة ، وقد صدق أطباء الإسلام بلا تردد ما جاء فى ذلك الكتاب وقرروا أن منشأ ظهور مرض الطاعون الهند.

ولما نال أثر «جاقود» هذا ورأيه الرزين إعجاب الجميع قد رأينا من الواجب ترجمة هذه الرأى آملين بأنه سيكون سببا فى تصحيح أفكار الشباب المسلمين وعقائدهم :

أسباب تولد الطاعون وظهوره

يقول جاقود : إن السم القاتل المتسبب فى تولد الطاعون يتولد فى الأراضى الهندية ثم يندس فى البدن ويتغلغل فيه ليظهر المرض المخيف وإن كان السم القاتل فى أول ظهوره يشبه الأمراض البلدية فى قوته إلا أنه ينتقل من إنسان لآخر وهذا دليل قاطع على أنه من الأمراض المعدية ، ولم يعرف إلى الآن سبب ظهور هذا السم فى مواطنه.

والحال أنه إذا ما حلل تراب المكان الذى يجرى فيه حكمه كأنه مرض محلى

عادى فأكثر أراضيه مستنقعات يرى فى هذا التراب مواد نباتية وحيوانية بوفرة! وحينما ينزل المطر وينخل تراب تلك الأراضى المذكورة يشتد تأثير تلك المواد النباتية والحيوانية الطبيعية ، وإذا ما نزل المطر لفترة يومين بعد جفاف دام فترة ما ، يجدد المطر وينبه الطاعون الذى قل أو نمى كليا.

ومع ذلك فطبيعة السم والأسباب الأخرى للمرض مجهولة إلا أن لإقامة الناس فى الأراضى الزراعية مزدحمين غير مهتمين بالنظافة دخل كبير فى تولد علة الطاعون ومن البواعث التى تنضم إلى المؤثرات الإقليمية التى تولد الطاعون هى عدم الاهتمام بالطهارة والنظافة وعدم الاعتدال فى الشرب والأكل بين الزوار الذين يجتمعون محتشدين فى مصب نهر «غنج» وفى موقع يطلق عليه «جمته» (١).

ومع هذا ليس من الجائز أن نحكم أن المرض مربوط بالأراضى ذات الطبيعة المعينة والأراضى الزراعية نظرا لوجود المرض الدائم فيها ، وأن كل هذه الأسباب العديدة سبب يولد مرض ، لأنه قد تحقق وجود المرض كمرض محلى فى الأماكن الأخرى من الأراضى الهندية حيث لا يزدحم الزوار والناس.

يطلق على المجتمعين من الهنود فى مصب نهر «غنج» وموقع «جمنة» حجاج ، ولما ثبت يقينا ظهور الطاعون بينهم فتعبير «يظهر الطاعون فى الحجاج» نشأ من هنا وبهذه القرينة قد أطلق على البلاد الحجازية المباركة «مولد الطاعون».

فالذين يتذكرون بعد المسافة بين نهر غنج والبلاد الحجازية والذين يعرفون أن مدينة الله آباد (٢) حيث يلتقى النهر المذكور بنهر جمنة تبعد عن ميناء «جدة» ألف وخمسين ميلا جغرافيا فمن المحال ألا يعتقدون أن ما يدعيه أطباء أوربا ما هو إلا وهم مطلق ومن هنا لزم مد القراء ببعض المعلومات عن ذلك النهر المذكور ، إن نهر «غنج» على وزن «كنج» نهر يستغنى عن تعريفه لدى أربابه ، ينبع من جبال

__________________

(١) إن هذه الأماكن بسبب رطوبة المجرى تظل فى حالة المستنقعات.

(٢) تقع مدينة الله آباد فى الجهة الغربية الشمالية من مدينة «قالكوته» وعلى بعد ٤٧٠ ميلا منها وعلى ٢٨ درجة طولية شرقية و ٢٥ درجة وعلى ٤٥ دقيقة فى العرض الشمالى.

«هيمالايا» المستورة بالثلوج فى صورة دائمة وينصب فى خليج «البنغال» وهو نهر غاية فى العظمة والكبر ، ويرتفع منبعه عن سطح البحر ب «١٣٨٠٠) قدما فهو أعظم أنهار الهند وأهمها سواء أكان من الناحية التجارية أو من حيث الاتساع ، وبما أن منبعه ومصبه فى بلاد واحدة أى فى داخل الهند فهو مرجح على الأنهار الأخرى التى تنبع من بلد وتصب فى بلد آخر ، فمجرى ذلك النهر على العموم من البنجاب الذى يقع فى الجهة الشرقية الشمالية إلى «البنغال» والمياه الجارية التى فى أطرافها وأكنافها تتحد مع بعضها مثل عروف الأشجار وأوراقها ثم تلتقى كلها بنهر غنج ويشكل منظرها هيئة غريبة على شكل أوراق الأشجار ، وإلى أن ينزل مجرى نهر الغنج من منبعه إلى هضبة مستوية شديدة الانحدار ومن مبدأ هذه الهضبة إلى خليج «البنغال» ١٣٠٠ ميل.

وعندما يصل هذا النهر للهضبة المذكورة المستوية ، يساعد على سير الفلائك المحلية وبعدها بمائة ميل على سير مراكب كبيرة نوعا ما ، وفى داخل مصبه بأربعمائة وسبعين ميلا عند مدينة «الله أباد» يتحد بنهر «جمنة» على وزن عمرة ويكون اتساعه ما يقرب من ميل إلا أن اتساعه فيما بعد وعمقه يختلفان درجة بعد درجة ، وفى داخل مصب هذين النهرين اللذين يكتسبان الضخامة باتحادهما ب ٢٨٠ ميلا وفى الجهة اليمنى منها تتشعب مياه صغيرة وتكون نهر «هولى» الذى يقع عند مدينة» قالكوته «ولكن مجراه القديم يتحد بنهر براهمة بوتره» الذى يقع فى الجهة السفلى من قالكوتة وكلما آقترب من البحر انقسم إلى شعب متعددة وصبّ فى البحر من عشرين مصبّا تقريبا.

والجزر التى تتكون بين هذه المصبّات تكون فى كل المواسم فى حالة المستنقعات هواؤها ردئ مهلك ومضر للإقامة وغير صالحة للحياة.

وتقع مدينة الله أباد عند نقطة التقاء نهرى غنج وجمنة ولما كان هذا الموقع مكانا غاية فى السعد والقداسة بناء على اعتقاد الهندوس ، فمن المستحيل تعيين الزوار الذين يأتون ويذهبون إلى المدينة ، ويطلق الهندوس على الذين يزورون نقطة التقاء النهرين «الحجاج» والذين يدينون بمذهب «البراهمة» يعدون من يزور

نهر «براهمه بوترا» من أعزة الناس ، والهندوس الذين يعتقدون فى هذا ولا سيما من يتبعون مذهب البراهمة يزيد احترامهم لتلك الأنهار المذكوة ويقدمون مدينة الله آباد ونهر براهمة بوتره حتى إنهم يعبدونها كمعبود مطلق ويرمون جنازاتهم فيها بعد أن يربطوها بأشياء ثقيلة.

مطالعة

إن ما يطلق عليهم أطباء أوربا «الحجاج» هم بعض الهنود الذين يزورون مدينة الله آباد ، ولما كان هؤلاء الناس يميلون إلى القذارة بطبيعتهم ولما كانت الأماكن التى يزورونها فى حالة من القذارة ومستنقعات ، فلا يحتاج إلى إقامة دليل أنها ستكون مواطن أمراض ، والجدير بالدقة والانتباه أن الزوار الذين يجتمعون فى مصب نهر غنج وأراضى جمنه ينقلون أمراضهم إلى أوطانهم الأصلية عند عودتهم ، وبعضهم ينقلونها إلى البلاد الحجازية المستورة.

إن تحول حكم مرض البلد عند عودة الزوار يعنى اشتداد المرض وظهور الأمراض المعدية عند وجود الزوار يفهم من الفرق الذى يلاحظ كل سنة.

وإن كان أثر السم الذى يولد الطاعون يظهر عقب إصابته ببضع ساعات إلا أن تفريخه «أى ظهوره تدريجيا فى حكم مرض مخيف» يمتد من ثلاثة أيام إلى خمسة أيام فالشخص الذى يصاب بذلك السم ينقله من مكان إصابته إلى مكان آخر فى أثناء انفراخ المرض وعندما تنتهى المدة المعينة يتبين بأنه أصيب بالمرض إذ تظهر آثاره عليه ، وفى بعض الحالات فإن العدوى لا تؤثر فى المريض بحيث تمنعه من الحركة فى الحياة اليومية ، إلا أنه يرى بعض الأعراض وحسب وإن هاتين الحالتين المضرتين تجعل القافلة تظن أنها عادت سالمة من إقليم المرض ولكن أفراد القبيلة ينقلون العدوى من مكان ظهورها إلى أماكن أخرى وبلاد مختلفة ، إن انتشار الطاعون على الوجه المحرر يعنى انتقال العلة بواسطة الوسائل المشروحة هنا وهناك أصبح منبعا جديدا لعدوى ذلك السم إذ يهاجر المرض من موقعه الأصلى إلى أماكن أخرى مع القافلة التى تتحرك وإن ظن ملأ القافلة أنهم تركوا الطاعون فى مكانه :

شكر الخاتمة

هذا الكتاب الذى تزدان ديباجته بصفات السلطان عبد الحميد الثانى ـ الذى لا زال محفوفا بالتوفيق الصمدانى استوجب أن تتضمن خاتمته نبذة عن حميد صفاته وهذا ما أراه سعادة لى وفخرا وإبراء للذمة.

ما كان من سلطان مثله فى عدله

ها هى آثاره البديعة وتلك آثار السلف

بنور عدل هذا السلطان العظيم المنشور

أصبحت مرآة العالم من الظلم محرر

ولا ريب أن صفات السلطان الملكية مجتلى حكمة الله بديعة التدبير. وكيف يرتاب فى ذلك؟! وقد اعتلى العرش العثمانى وجسم الدولة الجسيمة قد أوشك على الانهيار ولكنه استطاع بمنة الله أن يضع يده على نقطة الداء بتدابيره الحكيمة وهمته الملكية وأن يشفيه ويبرئه فى مدة وجيزة فرفعت الدولة رأسها قائمة على رجليها مما جعل كبار رجال الدولة يلهجون بالشكر والحمد أمام هذه الأعمال الفجائية العظيمة فضلا على الأجانب الذين وقفوا مبهوتين مستغربين مما حدث.

وبفضل هذه التدابير الحكيمة ونتائجها المثمرة كسبت عاصمة ملكه إستانبول الأهمية السياسية وأصبحت مركزا موازنا لأوربا كلها. ونظم الجيش على نحو لم يسبق له مثيل قبل هذا. واستطاعت خزانة الدولة التى كانت تمر بأزمة مالية نتيجة للظروف السيئة أن تتخلص قليلا من مشاكلها وأن تمد يد العون لرفاهية الرعايا فى أنحاء المملكة الشاسعة كما أن بذل الجهود لتطبيق أحكام العدل فى الممالك السلطانية فى جميع أرجائها زاد من الأمن والاستقرار مما ألهج الألسنة بالشكر والعرفان وانتشرت العلوم والفنون فى جميع أطراف السلطنة وبهذا نجا أفراد الرعايا من ظلام الجهل والأمية.

ولما رأى أصحاب الفضل والكمال وأرباب القلوب الزكية والأدباء وأرباب الفنون ما فى دار الخلافة من مأمن واستقرار اتخذوها ملجئا وملاذا.

وطبعت فى العصر السلطانى كتب كثيرة تتضمن موضوعات مادية ومعنوية وتجمع بين فوائد عظيمة دينية ودنيوية وآثار ممتازة أخرى.

وأراد هذا العبد العاجز (١) أن يسعد بالاشتراك فى أفكار السلطان التى تشجع الرقى فى المعارف والعلوم فألفت مرآة الحرمين حيث أسست الكعبة فتحدثت عن المناسك والمعاملات وما تحملت البلدتان المباركتان من صدمات منذ مطلع النور كذلك ما تحمل أهالى حوالى تلك المنطقة من المصاعب وضمنت كتابى كل ما يديم الطمأنينة فى قلوب الموحدين ، وفصلت كل شئ ومستمدا العون من شمس السلطان التى تنير دنيا العالم الإسلامى.

إقرار النعمة :

أليس التوفيق فى استجلاب الدعاء من ألسنة المؤمنين للعبد المخلص الصادق السلطان الذى كان سببا فى الدنيا والآخرة شرف عظيم ومجلبة شكر وثناء وحمد؟!.

وبما أننى منذ أن أمسكت القلم بيدى وقفت نفسى لخدمة النبى صلى الله عليه وسلم وإن كان كل ما نشرت من آثار كانت مختارات فريدة فى الدين والرسائل الشرعية.

إلا أن كتابى مرآة الحرمين يحتوى على الأسرار المجلية والأحكام الخفية التى لم يطلع عليها حتى المتبحرون من علماء الإسلام وعرضت كل الأحداث بأدلة متقنة يستطيع حتى الأطفال استيعابها ، لذا فالكتاب مستجلب الدعاء لأمير المؤمنين من المسلمين فى جميع أنحاء العالم. وجاءتنى بهذا الخصوص رسائل كثيرة وهذا يبشر بأن للسلطان أمير المسلمين منزلة عظيمة عزيزة لدى الله ـ سبحانه وتعالى ـ وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أن المؤلف كان واسطة لإظهار هذه المكانة فهو يفتخر بذلك ويشكر الله ـ سبحانه وتعالى ـ على توفيقه. «المنة لله تعالى وفقط»

__________________

(١) يعنى المؤلف بكلمة العاجز نفسه تواضعا منه لله عز وجل.

عرض العذر :

وإن لسانى ليعجز عن تعبير الشكر لحضرة السلطان ولو جزء من الألف لما رأيته بعينى من عطفه على كما أن قدرتى تعجز فى التعبير عما أشعر به من الشكر والامتنان نحو جلالة السلطان ، وأمام هذا العجز لم أستطع إلا أن أتوجه إلى الله سبحانه وتعالى ـ أن يوفق السلطان فى قيادة الدولة العثمانية وأن يشترك فى رجائى هذا أفراد مملكة الدولة العثمانية المعظمة.

دعاء مفروض الأداء

يا مليك ملك الاستغناء .. مليك الحقيقة والمناء

يا أحكم الحاكمين ومالك من أشباه يا حاكما يحكم بعدل الإله

يا مالك ملك قباب الفلك ويا نافذ الأمر فى الأنس والجن والملك

أعز ملك السلام بالنصر وسهل له كل أمر

اللهم اجعل مليك الزمان السلطان عبد الحميد خان

اجعل له على الأعداء النصر المطلق ولدولته على الدوام الرونق

ما أعظم ما له من بر وإحسان وما رأى أحد مثله فى ملوك الزمان

له طالع المشترى ومن القمر طلعة ومن الفلك رتبة ومن الملك خصلة الفارس المغوار حارس الأوطان ذو الفضل وعظيم الشان

مسعود الطالع حكيم التدبير ولا مع التنوير

اللهم أطل عمره واجعل ملكه المعمور وأدم على رعيته الرضا والسرور

ألق عليه ظل الأمان واجعل الأمن للعباد فى كل آن

منّ على وزرائه بالتوفيق .. ومنّ على آماله بالتحقيق

وليجد الناس فى عصره كل الرخاء ولتلهج له الألسنة بالدعاء

اجعل من يضمر له السوء ذليلا .. واجعل عدو دينه مخذولا

ومد ظله على الأيام .. واغمر بالرخاء كل الأنام

اللهم خلصنى من حبائل الشيطان .. واجعلنى لك خيرة العبدان ..

واجعل الشيطان قاطعا منى الأمل ..

واجعل آخر كلامى كلمة التوحيد حين يأتينى الأجل ..

من شره وكيده يا رحمن ..

صن مالى من إيمان ..

اللهم جد علينا برضوانك ..

واجعلنا فى حرزك وأمانك ..

وتفضل علينا بجودك وإحسانك .. بمجاورة حبيبك المصطفى فى الدارين ..

والفوز من اتباع سنته بما تقرّ به العين ..

وثبت قلوبنا على الهدى .. وسلمنا من الزيغ والردى ..

ونجنا من الفتن .. وخلصنا من كدورات هذه الحياة الدنيا.

ووفقنا للقيام بما أمرتنا قولا وفعلا .. وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

وسامحنا وأساتذتنا وإخواننا أخواتنا وأحبابنا وجميع المسلمين

ولا سيما من اشتغل بهذا الكتاب ورغب به من الطلاب والكتاب.

«آمين بحرمة من جاء رحمة للعالمين»

فرغت من ترتيب هذا الكتاب بعون الله الملك الوهاب فى اليوم المبارك الرابع والعشرين من الربيع الأول سنة تسعة وتسعين ومائتين بعد الألف من أعوام هجرة صاحب أكمل الوصف وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا وسيد العالمين محمد وعلى آله وصحبه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وآل كل أجمعين والحمد لله رب العالمين.

تقديم........................................................................... ٧

الوجهة الأولى

فى تعريف الأحوال الجغرافية للمدينة المنورة ، وعادات أهلها ١١

الصورة الأولى : فى ذكر أحوال المدينة الجغرافية ، وأوضاع أسوارها وطرزها............. ١٣

موقع المدينة المنورة بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض.......................... ١٣

سورها وأبوابه............................................................... ١٤

درب المصلى............................................................... ١٤

الدرب الصغير.............................................................. ١٥

الدرب الشامى.............................................................. ١٥

درب البقيع................................................................. ١٥

الصورة الثانية : وجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم.............. ٢٢

الصورة الثالثة : كيفية دفن من أدركه الأجل فى المدينة............................... ٢٥

الصورة الرابعة : كيف يستقبل شهر رمضان وكيف يكون بالمدينة..................... ٢٨

أداء صلاة التراويح.......................................................... ٢٩

موكب الشموع.............................................................. ٢٩

الصورة الخامسة : موكب الشموع بعد صلاة التراويح................................ ٣١

الصورة السادسة : صلاة الفجر وصلاة عيد الفطر................................. ٣٣

الصورة السابعة : الهيئة الكاملة لمسجد السعادة.................................... ٣٥

الصورة الثامنة : فى بيان أبواب حجرة السعادة وقناديلها وشمعداناتها وخدمها ومعنى الفراشة .. الخ  ٤١

سبب وتاريخ استخدام الأغوات فى الحجرة المنيفة............................... ٤٣

تعريف مقدار خدمة الفراشة الشريفة........................................... ٤٥

مقام أبى بكر وعمر ـ رضى الله عنهما.......................................... ٤٦

صورة غسل حجرة السعادة................................................... ٤٧

الخدمة الدائمة للخدم........................................................ ٤٧

تأديب الأغوات............................................................. ٤٨

تسكين الأغوات............................................................ ٥٢

خدمات مسجد السعادة الدائمة والمؤقتة....................................... ٥٤

الخطباء والأئمة فى الحرم النبوى الشريف........................................ ٥٤

مكبرو الحرم الشريف......................................................... ٥٥

سقاء والحرم الشريف........................................................ ٥٦

الوجهة الثانية

فى شد الرحال إلى المدينة وزيارة المسجد الشريف

وفضل المجاورة بالمدينة وفضل المنبر والروضة الشريفة ٦٣

الصورة الأولى : فى ذكر الأحاديث الواردة فى شد الرحال إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفصيل

ذلك.......................................................................... ٦٤

الصورة الثانية : فى فضائل مسجده ومنبره وروضته صلى الله عليه وسلم............... ٧٣

مواقع يتضاعف الأجر والثواب فيها فى المدينة المنورة............................. ٧٧

المصلى النبوى وبيان حدوده.................................................. ٧٩

الوجهة الثالثة

فى تعريف أسماء المدينة ، وفضائلها وبعض أحكامها ٨٥

الصورة الأولى : فى بيان أسماء المدينة وألقابها....................................... ٨٧

الصورة الثانية : فى فضل المدينة على سائر الممالك................................. ٩٥

الصورة الثالثة : ما ورد فى الذين اختاروا المدينة دارا لهم ، ومن أبدعوا البدع فيها...... ١٠٠

الوجهة الرابعة

فى أوائل حال المدينة المنورة وسكانها وما كان بينهم

من حروب قبل الإسلام ١١١

الصورة الأولى : فى أحوال المدينة الأولى وسكانها القدماء.......................... ١١٣

الصورة الثانية : فى ذكر من كان بالمدينة وقت أن هاجر إليها الأوس والخزرج......... ١١٨

ظهور مالك بن عجلان على يهود المدينة.................................... ١٢٤

الصورة الثالثة : قرى ومجال قبائل الأوس بالمدينة.................................. ١٢٧

الصورة الرابعة : قرى ومنازل الخزرج بالمدينة...................................... ١٣٠

الصورة الخامسة : ما كان من ملاحم وحروب بين قبائل الأنصار قبل الإسلام........ ١٣٣

وقعة سمير................................................................. ١٣٣

يوم الرحابة............................................................... ١٣٤

سلمى................................................................... ١٣٦

يوم حرب حصين.......................................................... ١٣٨

يوم ربيع الظفرى........................................................... ١٣٨

يوم فارع.................................................................. ١٣٩

يوم الجسر................................................................ ١٣٩

يوم الربيع................................................................. ١٤٠

حرب الفجار............................................................. ١٤١

يوم الحدائق............................................................... ١٤١

يوم المعبس والمضرس....................................................... ١٤٢

يوم الفجار الثانى.......................................................... ١٤٣

يوم بعاث................................................................ ١٤٤

الوجهة الخامسة

فى إرسال مصعب بن عمير ـ رضى الله عنه ـ

إلى المدينة ووقائع الهجرة النبوية ١٤٧

الصورة الأولى : فى ذكر بيعة السابقين من الأنصار ودعوة مصعب أهل المدينة إلى الإسلام ١٤٩

حكمة كون النبى صلى الله عليه وسلم أنصاريا من الخزرج....................... ١٥٥

الصورة الثانية : هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة................... ١٥٧

الصورة الثالثة : فى بيان وقائع سنين الهجرة إجمالا................................. ١٧٥

السنة الأولى للهجرة........................................................ ١٧٦

السنة الثانية للهجرة........................................................ ١٨٠

السنة الثالثة للهجرة........................................................ ١٨٢

السنة الرابعة.............................................................. ١٨٣

السنة الخامسة............................................................. ١٨٣

السنة السادسة............................................................ ١٨٤

السنة السابعة............................................................. ١٨٥

السنة الثامنة.............................................................. ١٨٦

السنة التاسعة............................................................. ١٨٧

السنة العاشرة الهجرية...................................................... ١٨٨

السنة الحادية عشرة........................................................ ١٨٨

الوجهة السادسة

فى توسيع وتجديد المسجد الشريف ودار فاطمة ـ رضى الله عنها ـ

ومحراب النبى صلى الله عليه وسلم وصفة اصحاب النبى ١٨٩

الصورة الأولى : فى تأسيس مسجد السعادة وكيف بنى أولا........................ ١٩١

الصورة الثانية : توسيع مسجد السعادة وتحويل المحراب............................ ١٩٦

الصورة الثالثة : الأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم وموقعها من المسجد الشريف     ١٩٨

مؤسس محراب المسجد الشريف............................................. ١٩٩

الصورة الرابعة : تعريف جزعة مسجد السعادة.................................... ٢٠٢

الصورة الخامسة : سبب تأسيس المنبر وصورته وحنين الجزع........................ ٢١٢

الصورة السادسة : عدد المرات التى عمر فيها المنبر أو جدد........................ ٢١٩

الصورة السابعة : أساطين المسجد فى عصر السعادة.............................. ٢٣٠

الأسطوانات المختلفة....................................................... ٢٣٠

أسطوانة عائشة............................................................ ٢٣٠

أسطوانة التوبة............................................................. ٢٣٢

أسطوانة السرير............................................................ ٢٣٥

أسطوانة المحرس............................................................ ٢٣٦

أسطوانة الوفود............................................................ ٢٣٦

أسطوانة مربعة القبر........................................................ ٢٣٨

أسطوانة التهجد........................................................... ٢٣٩

محراب باب الجنائز......................................................... ٢٣٩

الصورة الثامنة : الصفة وأهل الصفة............................................. ٢٤٧

كيفية إعاشتهم............................................................ ٢٥٦

الصورة التاسعة : فى تعريف الحجرة النبوية الشريفة................................ ٢٥٩

الصورة العاشرة : دار فاطمة ـ رضى الله عنها ـ.................................... ٢٦٢

الصورة الحادية عشرة : إغلاق الأبواب التى كانت تواجه مسجد السعادة فى عصر السعادة ٢٦٤

الوجهة السابعة

فى عدد مرات تجديد مسجد السعادة ومن جدده والزيادة

فى حدوده وكذلك الحجرة الشريفة ٢٦٧

الصورة الأولى : توسيع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة............... ٢٦٩

الصورة الثانية : توسيع وتجديد المسجد للمرة الثانية............................... ٢٧٢

مقصورة المسجد........................................................... ٢٧٧

الصورة الثالثة : توسيع وتجديد المسجد للمرة الثالثة................................ ٢٧٩

أداه صلاة الجنازة فى المسجد وسبب منعها زمن عمر بن عبد العزيز.............. ٢٩١

موازنة تاريخية بين معاملة سلاطين آل عثمان لأهل البيت ومعاملة سابقيهم من الأمراء والخلفاء  ٢٩٧

الصورة الرابعة : تجديد وتوسيع المسجد للمرة الرابعة............................... ٣١٠

الصورة الخامسة : فى تعريف الحجرة المعطرة والقبور الثلاثة......................... ٣١٣

مواقع القبور الثلاثة........................................................ ٣٢٥

الهيئة المرئية للقبور الثلاث فوق الأرض....................................... ٣٢٧

شبكة قبر السعادة......................................................... ٣٢٧

الوجهة الثامنة

تذكر علامات الرأس الشريف ، ومقام جبريل وكيفية حفظ وتعليق

الهدايا الواردة ، وتاريخ تأسيس القبة الخضراء والمقصورة ٣٢٩

الصورة الأولى : فى ذكر العلامة الدالة على جهة رأس الرسول صلى الله عليه وسلم.... ٣٣١

الصورة الثانية : علامة جهة وجه النبى صلى الله عليه وسلم........................ ٣٣٥

الصورة الثالثة : تعريف مقام جبريل وتعيينه....................................... ٣٣٧

الصورة الرابعة : مربع القبر الجليل وتجديد فرش حجرة السعادة...................... ٣٣٨

الصورة الخامسة : فى تعريف ستارة الحجرة المعطرة................................. ٣٤١

أصول تعليق ستارة القبر وتجديدها........................................... ٣٤٣

الجوهر الشريف............................................................ ٣٤٣

تعريف حجرة السعادة إجمالا................................................ ٣٤٤

الحجرة المعطرة............................................................. ٣٤٤

الصورة السادسة : تخليق (١) حجرة السعادة وكيفيته............................... ٣٤٧

__________________

* يعنى تطييبها بالخلوق ، وهو خليط من أنواع الطيب المختلفة.

الصورة السابعة : قناديل الحجرة الشريفة......................................... ٣٤٨

الصورة الثامنة : الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة رضى الله عنها. ٣٦٠

شكل الشبكة وما عليها من خطوط......................................... ٣٦٤

الصورة التاسعة : قبة حجرة السعادة............................................ ٣٦٨

الوجهة التاسعة

فى ذكر المعلقات والأشياء النفيسة الخاصة بالمسجد والحجرة النبوية

والتى حفظت فى أماكن مخصوصة لاستخدامها وقت الأقتضاء

وأسماء من أهدوها أو وقفوها ٣٧١

الصورة الأولى : المصاحف والأجزاء والأدعية الموجودة فى الخزينة النبوية.............. ٣٧٣

الصورة الثانية : تفصيل الأشياء النفيسة المحفوظة داخل حجرة السعادة.............. ٣٩٦

الصورة الثالثة : جنس ومقدار الأشياء التى تبرع بها وعلّقت داخل الحجرة المعطرة..........

الصورة الرابعة : أطقم البخور والمسكوكات من الذهب والفضه المحفوظة داخل الحجرة المعطرة ٤١٢

الصورة الخامسة : الشمعدانات والأشياء الأخرى................................. ٤٢٠

الصورة السادسة : الأشياء الفضية النفيسة....................................... ٤٣٠

الصورة السابعة : الستائر والأغطية التى تغطى أبواب حجرة السعادة والمقامات الأخرى ٤٣٥

الصورة الثامنة : الشمعدانات والتعليقات والثريات وأسماء من أهداها الموضوعة فى المحاريب الشريفة ومواجهة الروضة الشريفة وحجرة السعادة..................................................................... ٤٣٧

الوجهة الحادية عشر

فى تحويل سقف حجرة السعادة إلى قبة ، وتجديد مربع

القبر الشريف وجناية محاولة نقل النعوش الثلاثة ٤٤٧

الصورة الأولى : فى تعريف هيئة الحجرة المعطرة.................................... ٤٤٩

الآثارات المخصوصة داخل مسجد السعادة................................... ٤٥٦

إحاطة حجرة السعادة بجدار من الرصاص.................................... ٤٦١

ماذا لو تعرضت الحجرة الشريفة لسوء قصد................................... ٤٦٧

محاولة إخراج نعش أبى بكر الصديق (رضى الله عنه)........................... ٤٦٨

الوجهة الثانية عشرة

فى ذكر احتراق المسجد النبوى وتجديده ٤٧٥

الصورة الأولى : فى كيفية احتراق مسجد السعادة وكيف جدد للمرة الأولى........... ٤٧٧

الصورة الثانية : احتراق المسجد للمرة الثانية وكيفية تجديده......................... ٤٨٣

معجزة باهرة.............................................................. ٤٨٥

ظهور السيل بجوار المسجد................................................. ٤٨٦

تجديد المسجد............................................................ ٤٨٦

عرض خدمات سلاطين آل عثمان للمسجد النبوى الشريف................... ٤٩١

نص كتاب السلطان إلى محافظ مصر والخاص بنظارة الدشيشة المبعوثة إلى أهالى الحرمين من مصر        ٥٠٦

انعقاد مجالس الاحتفالات بالمولد النبوى...................................... ٥١٣

إنشاء مديرية الخزانة الخاصة بالمدينة المنورة.................................... ٥٢٧

خارقة.................................................................... ٥٣٤

دخول السلطان عبد المجيد فى حجرة السعادة................................. ٥٣٥

الصورة الرابعة : فى تعريف كيفية تعمير حرم السعادة وتجديدة فى المرة السابقة......... ٥٤٠

الحوادث المحلية............................................................ ٥٤٠

حال مسجد السعادة والمواقع التى أنشأها محمد رائف

باشا..................................................................... ٥٥٥

تفصيلات مهمة فى أثناء تعمير الحجرة الشريفة................................ ٥٨٢

صورة الأمر السلطانى فى كيفية إعمار الأبنية العالية المشرفة...................... ٥٩١

صورة الفرمان العالى الصادر بخصوص تعيين عريانى زاده مشرفا على الأبنية العالية المشرفة ٥٩٦

الوجهة الثالثة عشر ٦٠١

الصورة الأولى : فى ذكر حجرات مسجد السعادة................................. ٦٠٣

ظهور المذهب الحنفى...................................................... ٦٠٨

الصورة الثانية : فرش مسجد السعادة وتعليق القناديل فيه.......................... ٦١٢

الصورة الثالثة : فيمن عطروا المسجد الشريف.................................... ٦١٥

مساحة حرم السعادة....................................................... ٦١٧

الوجهة الرابعة عشرة

فى ذكر الأبواب العتيقة والجديدة ، والأماكن القديمة

حوله وأصحابها ، والمكان الذى اتخذ سوقا فى عصر النبوة ٦٢١

الصورة الأولى : فى تعريف أبواب المسجد القيمة والجديدة......................... ٦٢٣

الباب العثمانى............................................................ ٦٢٣

باب ريطة (النساء)........................................................ ٦٢٨

باب عاتكة (الرحمة)....................................................... ٦٣٠

باب السلام.............................................................. ٦٣٢

باب مروان............................................................... ٦٤٢

باب بيت زيت الفناديل.................................................... ٦٤٢

باب المقصورة............................................................. ٦٤٢

باب خوخة آل عمر....................................................... ٦٤٢

باب على................................................................ ٦٤٢

ـ باب النبى صلى الله عليه وسلم............................................. ٦٤٣

باب أسماء................................................................ ٦٤٣

باب خالد بن الوليد....................................................... ٦٤٣

باب زفاق دار المناصع..................................................... ٦٤٣

باب أبيات الصوافى........................................................ ٦٤٣

باب دار الضيافة.......................................................... ٦٤٤

باب دار الحميد........................................................... ٦٤٤

باب أبيات خالصة........................................................ ٦٤٤

باب بقية أبيات خالصة.................................................... ٦٤٤

باب بقية أبيات خالصة.................................................... ٦٤٤

باب دار منيرة............................................................. ٦٤٥

باب بقية دار منيرة........................................................ ٦٤٥

الصورة الثانية : فى ذكر المنازل القديمة المحيطة بالمسجد النبوى من جهاته الأربعة...... ٦٤٦

الصورة الثالثة : فى ذكر الأرصفة التى كانت تحيط المسجد النبوى ، وبيوت الصحابة رضى الله عنهم ٦٥٦

الصورة الرابعة : السوق التى أرادها النبى صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة............ ٦٥٩

أسواق أهل المدينة......................................................... ٦٦٠

الوجهة الخامسة عشرة

فى ذكر مصلى العيد والمساجد والمنازل القائمة فى ممرات بهذه

المساجد ومسجد قباء ، والضرار ، والمعابد النبوية المعلومة وغير المعلومة ٦٦٣

الصورة الأولى : فى الأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم العيد ، ومنازل الصحابة التى فى طريقها          ٦٦٥

الصورة الثانية : مسجد قباء.................................................... ٦٧٠

مسجد الضرار............................................................ ٦٨٠

الصورة الثالثة : مواقع المساجد النبوية التى تزار اليوم............................... ٦٨٧

١ ـ مسجد الجمعة......................................................... ٦٨٧

٢ ـ مسجد الفضيح........................................................ ٦٨٨

٣ ـ مسجد بنى قريظة...................................................... ٦٨٩

٤ ـ مسجد مشربة أم أبراهيم................................................ ٦٩٠

٥ ـ مسجد بنى ظفر....................................................... ٦٩٠

٦ ـ مسجد الإجابة........................................................ ٦٩٢

٧ ـ كيف سلع............................................................ ٦٩٥

٨ ـ مسجد القبلتين........................................................ ٦٩٧

٩ ـ مسجد السقيا......................................................... ٦٩٨

١٠ ـ مسجد الذبابة....................................................... ٦٩٨

١١ ـ مسجد أحد......................................................... ٦٩٩

١٢ ـ ركن جبل عينين...................................................... ٧٠٠

١٣ ـ مسجد الوادى....................................................... ٧٠٠

١٤ ـ مسجد السافلة...................................................... ٧٠٢

١٥ ـ مسجد البقيع........................................................ ٧٠٣

الصورة الرابعة : فى المسجد التى تعرف جهاتها ولا تعرف مواضعها.......................

١ ـ مسجد جديله......................................................... ٧٠٤

٢ ـ مسجد بنى حرام....................................................... ٧٠٤

٣ ـ مسجد الخربة.......................................................... ٧٠٤

٤ ـ مسجد جهينة......................................................... ٧٠٤

٥ ـ مسجد بيوت المطر..................................................... ٧٠٥

٦ ـ مسجد بنى زريق....................................................... ٧٠٥

٧ ـ مسجد بنى ساعدة..................................................... ٧٠٦

٨ ـ مسجد بنى ساعدة الآخر............................................... ٧٠٦

٩ ـ مسجد بنى خذارة...................................................... ٧٠٦

١٠ ـ مسجد راتج......................................................... ٧٠٦

١١ ـ مسجد بنى عبد الأشهل.............................................. ٧٠٧

١٢ ـ مسجد القرصة....................................................... ٧٠٧

١٣ ـ مسجد بنى حارثة.................................................... ٧٠٧

١٤ ـ مسجد الشيخين..................................................... ٧٠٧

١٥ ـ مسجد بنى دينار..................................................... ٧٠٨

١٦ ـ مسجد بنى عدى بن النجار........................................... ٧٠٨

١٧ ـ مسجد دار نابغة..................................................... ٧٠٨

١٨ ـ مسجد بنى مازن بن النجار............................................ ٧٠٩

١٩ ـ مسجد بنى عمرو بن مبذول البّحّارى................................... ٧٠٩

٢٠ ـ مسجد بقيع الزبير.................................................... ٧٠٩

٢١ ـ مسجد صدقة الزبير.................................................. ٧٠٩

٢٢ ـ مسجد بنى خذرة الخزرجية............................................ ٧٠٩

٢٣ ـ مسجد بنى الحارث بن الخزرج ومسجد السخ............................ ٧٠٩

٢٤ ـ مسجد بنى الحبلى.................................................... ٧١٠

٢٥ ـ مسجد بنى بياضة.................................................... ٧١٠

٢٦ ـ مسجد بنى فاطمة ومسجد العجوز أوس................................ ٧١٠

٢٧ ـ مسجد بنى أمية بن زيد الأوس......................................... ٧١٠

٢٨ ـ مسجد بنى وائل الأوس............................................... ٧١٠

٢٩ ـ مسجد بنى واقف.................................................... ٧١٠

٣٠ ـ مسجد بنى أنيف..................................................... ٧١١

٣١ ـ مسجد دار سعد بن خيثمة........................................... ٧١١

٣٢ ـ مسجد التوبة........................................................ ٧١١

٣٣ ـ مسجد النور......................................................... ٧١١

٣٤ ـ مسجد عتبان بن مالك............................................... ٧١٢

٣٥ ـ مسجد مثيب........................................................ ٧١٢

٣٦ ـ مسجد المنارتين...................................................... ٧١٢

٣٧ ـ مسجد فيفاء الجنادر.................................................. ٧١٢

٣٨ ـ مسجد بنى جثجاثة ، وبئر شداد....................................... ٧١٣

الوجهة السادسة عشرة

فى فضائل البقيع والمدفونين بها من شهداء أحد ٧١٥

الصورة الأولى : فى فضائل مقبرة بقيع الغرقد..................................... ٧١٧

الصورة الثانية : فى من دفن فى البقيع من الصحابة وآل البيت وكبار التابعين......... ٧١٩

الصورة الثالثة : مشهد النفس الزكية وهو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على رضى الله عنه ٧٣٨

الصورة الرابعة : فى ذكر جبل أحد وشهداء غزوة أحد............................. ٧٤٦

الوجهة السابعة عشرة

مواسم المدينة وأسواقها وآبارها وعيونها المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ٧٥٩

الصورة الأولى : أسواق المدينة ومواسمها على مدى ١٢ شهرا ومحاسن أهلها.......... ٧٦١

الصورة الثانية : فى تعريف الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم........... ٧٧٢

١ ـ بئر أريس............................................................. ٧٧٢

٢ ـ بئر الأعواق........................................................... ٧٧٥

٣ ـ بئر أناء............................................................... ٧٧٥

٤ ـ بئر مالك بن النضر.................................................... ٧٧٥

٥ ـ بئر إهاب............................................................. ٧٧٦

٦ ـ بئر البصة............................................................. ٧٧٦

٧ ـ بئر بضاعة............................................................ ٧٧٧

٨ ـ بئر جاسوم............................................................ ٧٧٨

٩ ـ بئر جمل.............................................................. ٧٧٨

١٠ ـ بئر حساء........................................................... ٧٧٨

١١ ـ بئر حلوة............................................................ ٧٧٩

١٢ ـ بئر ذرع............................................................. ٧٧٩

١٣ ـ بئر رومة............................................................. ٧٧٩

١٤ ـ بئر سفيا............................................................ ٧٨١

١٥ ـ بئر العقبة............................................................ ٧٨١

١٦ ـ بئر عتبة............................................................. ٧٨١

١٧ ـ بئر العهن........................................................... ٧٨٢

١٨ ـ بئر غرس............................................................ ٧٨٢

١٩ ـ بئر القراضة.......................................................... ٧٨٣

٢٠ ـ بئر القريضة.......................................................... ٧٨٣

٢١ ـ بئر اليسيرة........................................................... ٧٨٣

الصورة الثالثة : فى ذكر العيون المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم................ ٧٨٧

١ ـ عين كهف حرام....................................................... ٧٨٨

٢ ـ عين الخفيف.......................................................... ٧٨٨

٣ ـ عين الأزرق........................................................... ٧٨٩

٤ ـ عين النبى............................................................. ٧٨٩

٥ ـ مسير العين............................................................ ٧٩٠

٦ ـ عين الوادى........................................................... ٧٩٠

الأسبلة فى المدينة.......................................................... ٧٩٤

المياه المرة................................................................. ٧٩٥

المياه التى فى الجهة القبلية من المدينة.......................................... ٧٩٥

عين الأغوات............................................................. ٧٩٧

عين سيد هاشم........................................................... ٧٩٧

عين الصدقة.............................................................. ٧٩٧

العين الجديدة............................................................. ٧٩٧

عين عامرة................................................................ ٧٩٧

عين الحازمية.............................................................. ٧٩٨

عين مصرع............................................................... ٧٩٨

عين شربونى............................................................... ٧٩٩

عين الثنايا................................................................ ٧٩٩

عين السلامة.............................................................. ٧٩٩

عين مشرابية.............................................................. ٧٩٩

الوجهة الثامنة عشرة

فيما ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من الأوقاف الشريفة والمساجد التى بين

الحرمين والمساجد التى أدى فيها الصلاة فى أثناء الغزوات ٨٠٣

الصورة الأولى : ما ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من صدقات............... ٨٠٥

الصورة الثانية : المسجد النبوية التى بين الحرمين................................... ٨١١

١ ـ مسجد الشجرة........................................................ ٨١١

٢ ـ مسجد المعرس......................................................... ٨١٢

٣ ـ مسجد شرف الروحاء.................................................. ٨١٢

٤ ـ مسجد عرق الظبية..................................................... ٨١٣

٥ ـ مسجد الروحاء........................................................ ٨١٤

٦ ـ مسجد المنصرف....................................................... ٨١٤

٧ ـ مسجةد الروينة........................................................ ٨١٥

٨ ـ مسجد ثنية ركوبة...................................................... ٨١٥

٩ ـ مسجد الإقابة......................................................... ٨١٥

١٠ ـ مسجد الغرس....................................................... ٨١٥

١١ ـ مسجد طرف تلعة.................................................... ٨١٥

١٢ ـ مسجد حى جمل..................................................... ٨١٦

١٣ ـ مسجد القيا......................................................... ٨١٦

١٤ ـ مسجد مدلجة تعهن.................................................. ٨١٦

١٥ ـ مسجد الرمادة....................................................... ٨١٦

١٦ ـ مسجد الأبواء....................................................... ٨١٦

١٧ ـ مسجد البيضة....................................................... ٨١٧

١٨ ـ مسجد عقبة الهرش................................................... ٨١٧

١٩ ـ مسجد الجحفة...................................................... ٨١٧

٢٠ ـ مسجد القديد....................................................... ٨١٧

٢١ ـ مسجد حرة......................................................... ٨١٨

٢٢ ـ مسجد خليص....................................................... ٨١٨

٢٣ ـ مسجد بطن مر الظهران.............................................. ٨١٨

٢٤ ـ مسجد سرف........................................................ ٨١٨

٢٥ ـ مسجد التنعيم....................................................... ٨١٩

٢٦ ـ مسجد ذى طوى.................................................... ٨١٩

الصورة الثالثة : فى تعريف المساجد التى فى طريق الحجاج.......................... ٨٢٠

١ ـ مسجد ذات أجدال.................................................... ٨٢٠

٢ ـ مسجد بدر........................................................... ٨٢١

٣ ـ مسجد العشيرة........................................................ ٨٢٢

٤ ـ مسجد الفرع.......................................................... ٨٢٢

الصورة الرابعة : فى ذكر المساجد التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم فى غزواته.. ٨٢٣

١ ـ مسجد عامرة.......................................................... ٨٢٣

٢ ـ مسجد صهباء......................................................... ٨٢٣

٣ ـ مسجد منزلة.......................................................... ٨٢٣

٤ ـ مسجد شمران.......................................................... ٨٢٤

٥ ـ مساجد تبوك.......................................................... ٨٢٤

٦ ـ مسجد الحديبية........................................................ ٨٢٦

٧ ـ مسجد ذات عرق...................................................... ٨٢٦

٨ ـ مسجد جعرانة......................................................... ٨٢٦

٩ ـ مسجد ليه............................................................ ٨٢٦

١٠ ـ مسجد الطائف...................................................... ٨٢٧

الوجهة التاسعة عشرة

فى ذكر أودية وأحراش وجبال وأماكن تنسب إلى المدينة ٨٢٩

الصورة الأولى : أودية المدينة................................................... ٨٣١

١ ـ وادى العقيق.......................................................... ٨٣١

٢ ـ وادى بطحان.......................................................... ٨٣٣

٣ ـ وادى رانوناء........................................................... ٨٣٣

٤ ـ وادى قناة............................................................. ٨٣٣

٥ ـ وادى مذينب.......................................................... ٨٣٦

الصورة الثانية : فى ذكر أحراش المدينة........................................... ٨٣٨

١ ـ حمى النّقيع............................................................ ٨٣٨

٢ ـ مرعى حمى الرندة...................................................... ٨٣٩

٣ ـ مرعى حمى الشرف..................................................... ٨٣٩

٤ ـ مرعى حمى الضربة...................................................... ٨٤٠

٥ ـ مرعى حمى فيد........................................................ ٨٤٢

الصورة الثالثة : فى ذكر الجبال والأماكن والقرى التى تنسب إلى المدينة مرتبة على حروف الهجاء (الفبائيا)    ٨٤٤

مناجاة وقصيدة ودعاء..................................................... ٩٥٧

القصيدة التى يقرأها أهل المدينة فى حضرة السعادة............................. ٩٦٧

فضائل المدينة وخواص ترابها وفاكهتها........................................ ٩٦٩

نجاة أهل المدينة من الطاعون والدجال....................................... ٩٧٧

نقل علة الحمى خارج المدينة................................................ ٩٧٩

شكر الخاتمة.............................................................. ٩٩١

الفهرس.................................................................. ٩٩٥

موسوعة مرآة الحرمين الشريفين وجزيرة العرب - ٤

المؤلف: أيوب صبري باشا
الصفحات: 572
  • تقديم 7
  • الوجهة الأولى
  • فى تعريف الأحوال الجغرافية للمدينة المنورة ، وعادات أهلها 11
  • الصورة الأولى : فى ذكر أحوال المدينة الجغرافية ، وأوضاع أسوارها وطرزها 13
  • موقع المدينة المنورة بالنسبة لخطوط الطول ودوائر العرض 13
  • سورها وأبوابه 14
  • درب المصلى 14
  • الدرب الصغير 15
  • الدرب الشامى 15
  • درب البقيع 15
  • الصورة الثانية : وجوب مراعاة حق جيران رسول الله صلى الله عليه وسلم 22
  • الصورة الثالثة : كيفية دفن من أدركه الأجل فى المدينة 25
  • الصورة الرابعة : كيف يستقبل شهر رمضان وكيف يكون بالمدينة 28
  • أداء صلاة التراويح 29
  • موكب الشموع 29
  • الصورة الخامسة : موكب الشموع بعد صلاة التراويح 31
  • الصورة السادسة : صلاة الفجر وصلاة عيد الفطر 33
  • الصورة السابعة : الهيئة الكاملة لمسجد السعادة 35
  • الصورة الثامنة : فى بيان أبواب حجرة السعادة وقناديلها وشمعداناتها وخدمها ومعنى الفراشة .. الخ  41
  • سبب وتاريخ استخدام الأغوات فى الحجرة المنيفة 43
  • تعريف مقدار خدمة الفراشة الشريفة 45
  • مقام أبى بكر وعمر ـ رضى الله عنهما 46
  • صورة غسل حجرة السعادة 47
  • الخدمة الدائمة للخدم 47
  • تأديب الأغوات 48
  • تسكين الأغوات 52
  • خدمات مسجد السعادة الدائمة والمؤقتة 54
  • الخطباء والأئمة فى الحرم النبوى الشريف 54
  • مكبرو الحرم الشريف 55
  • سقاء والحرم الشريف 56
  • الوجهة الثانية
  • فى شد الرحال إلى المدينة وزيارة المسجد الشريف
  • وفضل المجاورة بالمدينة وفضل المنبر والروضة الشريفة 63
  • الصورة الأولى : فى ذكر الأحاديث الواردة فى شد الرحال إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفصيل
  • ذلك 64
  • الصورة الثانية : فى فضائل مسجده ومنبره وروضته صلى الله عليه وسلم 73
  • مواقع يتضاعف الأجر والثواب فيها فى المدينة المنورة 77
  • المصلى النبوى وبيان حدوده 79
  • الوجهة الثالثة
  • فى تعريف أسماء المدينة ، وفضائلها وبعض أحكامها 85
  • الصورة الأولى : فى بيان أسماء المدينة وألقابها 87
  • الصورة الثانية : فى فضل المدينة على سائر الممالك 95
  • الصورة الثالثة : ما ورد فى الذين اختاروا المدينة دارا لهم ، ومن أبدعوا البدع فيها 100
  • الوجهة الرابعة
  • فى أوائل حال المدينة المنورة وسكانها وما كان بينهم
  • من حروب قبل الإسلام 111
  • الصورة الأولى : فى أحوال المدينة الأولى وسكانها القدماء 113
  • الصورة الثانية : فى ذكر من كان بالمدينة وقت أن هاجر إليها الأوس والخزرج 118
  • ظهور مالك بن عجلان على يهود المدينة 124
  • الصورة الثالثة : قرى ومجال قبائل الأوس بالمدينة 127
  • الصورة الرابعة : قرى ومنازل الخزرج بالمدينة 130
  • الصورة الخامسة : ما كان من ملاحم وحروب بين قبائل الأنصار قبل الإسلام 133
  • وقعة سمير 133
  • يوم الرحابة 134
  • سلمى 136
  • يوم حرب حصين 138
  • يوم ربيع الظفرى 138
  • يوم فارع 139
  • يوم الجسر 139
  • يوم الربيع 140
  • حرب الفجار 141
  • يوم الحدائق 141
  • يوم المعبس والمضرس 142
  • يوم الفجار الثانى 143
  • يوم بعاث 144
  • الوجهة الخامسة
  • فى إرسال مصعب بن عمير ـ رضى الله عنه ـ
  • إلى المدينة ووقائع الهجرة النبوية 147
  • الصورة الأولى : فى ذكر بيعة السابقين من الأنصار ودعوة مصعب أهل المدينة إلى الإسلام 149
  • حكمة كون النبى صلى الله عليه وسلم أنصاريا من الخزرج 155
  • الصورة الثانية : هجرة النبى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة 157
  • الصورة الثالثة : فى بيان وقائع سنين الهجرة إجمالا 175
  • السنة الأولى للهجرة 176
  • السنة الثانية للهجرة 180
  • السنة الثالثة للهجرة 182
  • السنة الرابعة 183
  • السنة الخامسة 183
  • السنة السادسة 184
  • السنة السابعة 185
  • السنة الثامنة 186
  • السنة التاسعة 187
  • السنة العاشرة الهجرية 188
  • السنة الحادية عشرة 188
  • الوجهة السادسة
  • فى توسيع وتجديد المسجد الشريف ودار فاطمة ـ رضى الله عنها ـ
  • ومحراب النبى صلى الله عليه وسلم وصفة اصحاب النبى 189
  • الصورة الأولى : فى تأسيس مسجد السعادة وكيف بنى أولا 191
  • الصورة الثانية : توسيع مسجد السعادة وتحويل المحراب 196
  • الصورة الثالثة : الأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم وموقعها من المسجد الشريف     198
  • مؤسس محراب المسجد الشريف 199
  • الصورة الرابعة : تعريف جزعة مسجد السعادة 202
  • الصورة الخامسة : سبب تأسيس المنبر وصورته وحنين الجزع 212
  • الصورة السادسة : عدد المرات التى عمر فيها المنبر أو جدد 219
  • الصورة السابعة : أساطين المسجد فى عصر السعادة 230
  • الأسطوانات المختلفة 230
  • أسطوانة عائشة 230
  • أسطوانة التوبة 232
  • أسطوانة السرير 235
  • أسطوانة المحرس 236
  • أسطوانة الوفود 236
  • أسطوانة مربعة القبر 238
  • أسطوانة التهجد 239
  • محراب باب الجنائز 239
  • الصورة الثامنة : الصفة وأهل الصفة 247
  • كيفية إعاشتهم 256
  • الصورة التاسعة : فى تعريف الحجرة النبوية الشريفة 259
  • الصورة العاشرة : دار فاطمة ـ رضى الله عنها ـ 262
  • الصورة الحادية عشرة : إغلاق الأبواب التى كانت تواجه مسجد السعادة فى عصر السعادة 264
  • الوجهة السابعة
  • فى عدد مرات تجديد مسجد السعادة ومن جدده والزيادة
  • فى حدوده وكذلك الحجرة الشريفة 267
  • الصورة الأولى : توسيع مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة 269
  • الصورة الثانية : توسيع وتجديد المسجد للمرة الثانية 272
  • مقصورة المسجد 277
  • الصورة الثالثة : توسيع وتجديد المسجد للمرة الثالثة 279
  • أداه صلاة الجنازة فى المسجد وسبب منعها زمن عمر بن عبد العزيز 291
  • موازنة تاريخية بين معاملة سلاطين آل عثمان لأهل البيت ومعاملة سابقيهم من الأمراء والخلفاء  297
  • الصورة الرابعة : تجديد وتوسيع المسجد للمرة الرابعة 310
  • الصورة الخامسة : فى تعريف الحجرة المعطرة والقبور الثلاثة 313
  • مواقع القبور الثلاثة 325
  • الهيئة المرئية للقبور الثلاث فوق الأرض 327
  • شبكة قبر السعادة 327
  • الوجهة الثامنة
  • تذكر علامات الرأس الشريف ، ومقام جبريل وكيفية حفظ وتعليق
  • الهدايا الواردة ، وتاريخ تأسيس القبة الخضراء والمقصورة 329
  • الصورة الأولى : فى ذكر العلامة الدالة على جهة رأس الرسول صلى الله عليه وسلم 331
  • الصورة الثانية : علامة جهة وجه النبى صلى الله عليه وسلم 335
  • الصورة الثالثة : تعريف مقام جبريل وتعيينه 337
  • الصورة الرابعة : مربع القبر الجليل وتجديد فرش حجرة السعادة 338
  • الصورة الخامسة : فى تعريف ستارة الحجرة المعطرة 341
  • أصول تعليق ستارة القبر وتجديدها 343
  • الجوهر الشريف 343
  • تعريف حجرة السعادة إجمالا 344
  • الحجرة المعطرة 344
  • الصورة السادسة : تخليق (1) حجرة السعادة وكيفيته 347
  • الصورة السابعة : قناديل الحجرة الشريفة 348
  • الصورة الثامنة : الشبكة الشريفة التى تحيط بالحجرة المعطرة ودار فاطمة رضى الله عنها. 360
  • شكل الشبكة وما عليها من خطوط 364
  • الصورة التاسعة : قبة حجرة السعادة 368
  • الوجهة التاسعة
  • فى ذكر المعلقات والأشياء النفيسة الخاصة بالمسجد والحجرة النبوية
  • والتى حفظت فى أماكن مخصوصة لاستخدامها وقت الأقتضاء
  • وأسماء من أهدوها أو وقفوها 371
  • الصورة الأولى : المصاحف والأجزاء والأدعية الموجودة فى الخزينة النبوية 373
  • الصورة الثانية : تفصيل الأشياء النفيسة المحفوظة داخل حجرة السعادة 396
  • الصورة الثالثة : جنس ومقدار الأشياء التى تبرع بها وعلّقت داخل الحجرة المعطرة
  • الصورة الرابعة : أطقم البخور والمسكوكات من الذهب والفضه المحفوظة داخل الحجرة المعطرة 412
  • الصورة الخامسة : الشمعدانات والأشياء الأخرى 420
  • الصورة السادسة : الأشياء الفضية النفيسة 430
  • الصورة السابعة : الستائر والأغطية التى تغطى أبواب حجرة السعادة والمقامات الأخرى 435
  • الصورة الثامنة : الشمعدانات والتعليقات والثريات وأسماء من أهداها الموضوعة فى المحاريب الشريفة ومواجهة الروضة الشريفة وحجرة السعادة 437
  • الوجهة الحادية عشر
  • فى تحويل سقف حجرة السعادة إلى قبة ، وتجديد مربع
  • القبر الشريف وجناية محاولة نقل النعوش الثلاثة 447
  • الصورة الأولى : فى تعريف هيئة الحجرة المعطرة 449
  • الآثارات المخصوصة داخل مسجد السعادة 456
  • إحاطة حجرة السعادة بجدار من الرصاص 461
  • ماذا لو تعرضت الحجرة الشريفة لسوء قصد 467
  • محاولة إخراج نعش أبى بكر الصديق (رضى الله عنه) 468
  • الوجهة الثانية عشرة
  • فى ذكر احتراق المسجد النبوى وتجديده 475
  • الصورة الأولى : فى كيفية احتراق مسجد السعادة وكيف جدد للمرة الأولى 477
  • الصورة الثانية : احتراق المسجد للمرة الثانية وكيفية تجديده 483
  • معجزة باهرة 485
  • ظهور السيل بجوار المسجد 486
  • تجديد المسجد 486
  • عرض خدمات سلاطين آل عثمان للمسجد النبوى الشريف 491
  • نص كتاب السلطان إلى محافظ مصر والخاص بنظارة الدشيشة المبعوثة إلى أهالى الحرمين من مصر        506
  • انعقاد مجالس الاحتفالات بالمولد النبوى 513
  • إنشاء مديرية الخزانة الخاصة بالمدينة المنورة 527
  • خارقة 534
  • دخول السلطان عبد المجيد فى حجرة السعادة 535
  • الصورة الرابعة : فى تعريف كيفية تعمير حرم السعادة وتجديدة فى المرة السابقة 540
  • الحوادث المحلية 540
  • حال مسجد السعادة والمواقع التى أنشأها محمد رائف
  • باشا 555
  • تفصيلات مهمة فى أثناء تعمير الحجرة الشريفة 582
  • صورة الأمر السلطانى فى كيفية إعمار الأبنية العالية المشرفة 591
  • صورة الفرمان العالى الصادر بخصوص تعيين عريانى زاده مشرفا على الأبنية العالية المشرفة 596
  • الوجهة الثالثة عشر 601
  • الصورة الأولى : فى ذكر حجرات مسجد السعادة 603
  • ظهور المذهب الحنفى 608
  • الصورة الثانية : فرش مسجد السعادة وتعليق القناديل فيه 612
  • الصورة الثالثة : فيمن عطروا المسجد الشريف 615
  • مساحة حرم السعادة 617
  • الوجهة الرابعة عشرة
  • فى ذكر الأبواب العتيقة والجديدة ، والأماكن القديمة
  • حوله وأصحابها ، والمكان الذى اتخذ سوقا فى عصر النبوة 621
  • الصورة الأولى : فى تعريف أبواب المسجد القيمة والجديدة 623
  • الباب العثمانى 623
  • باب ريطة (النساء) 628
  • باب عاتكة (الرحمة) 630
  • باب السلام 632
  • باب مروان 642
  • باب بيت زيت الفناديل 642
  • باب المقصورة 642
  • باب خوخة آل عمر 642
  • باب على 642
  • ـ باب النبى صلى الله عليه وسلم 643
  • باب أسماء 643
  • باب خالد بن الوليد 643
  • باب زفاق دار المناصع 643
  • باب أبيات الصوافى 643
  • باب دار الضيافة 644
  • باب دار الحميد 644
  • باب أبيات خالصة 644
  • باب بقية أبيات خالصة 644
  • باب بقية أبيات خالصة 644
  • باب دار منيرة 645
  • باب بقية دار منيرة 645
  • الصورة الثانية : فى ذكر المنازل القديمة المحيطة بالمسجد النبوى من جهاته الأربعة 646
  • الصورة الثالثة : فى ذكر الأرصفة التى كانت تحيط المسجد النبوى ، وبيوت الصحابة رضى الله عنهم 656
  • الصورة الرابعة : السوق التى أرادها النبى صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة 659
  • أسواق أهل المدينة 660
  • الوجهة الخامسة عشرة
  • فى ذكر مصلى العيد والمساجد والمنازل القائمة فى ممرات بهذه
  • المساجد ومسجد قباء ، والضرار ، والمعابد النبوية المعلومة وغير المعلومة 663
  • الصورة الأولى : فى الأماكن التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم العيد ، ومنازل الصحابة التى فى طريقها          665
  • الصورة الثانية : مسجد قباء 670
  • مسجد الضرار 680
  • الصورة الثالثة : مواقع المساجد النبوية التى تزار اليوم 687
  • 1 ـ مسجد الجمعة 687
  • 2 ـ مسجد الفضيح 688
  • 3 ـ مسجد بنى قريظة 689
  • 4 ـ مسجد مشربة أم أبراهيم 690
  • 5 ـ مسجد بنى ظفر 690
  • 6 ـ مسجد الإجابة 692
  • 7 ـ كيف سلع 695
  • 8 ـ مسجد القبلتين 697
  • 9 ـ مسجد السقيا 698
  • 10 ـ مسجد الذبابة 698
  • 11 ـ مسجد أحد 699
  • 12 ـ ركن جبل عينين 700
  • 13 ـ مسجد الوادى 700
  • 14 ـ مسجد السافلة 702
  • 15 ـ مسجد البقيع 703
  • الصورة الرابعة : فى المسجد التى تعرف جهاتها ولا تعرف مواضعها
  • 1 ـ مسجد جديله 704
  • 2 ـ مسجد بنى حرام 704
  • 3 ـ مسجد الخربة 704
  • 4 ـ مسجد جهينة 704
  • 5 ـ مسجد بيوت المطر 705
  • 6 ـ مسجد بنى زريق 705
  • 7 ـ مسجد بنى ساعدة 706
  • 8 ـ مسجد بنى ساعدة الآخر 706
  • 9 ـ مسجد بنى خذارة 706
  • 10 ـ مسجد راتج 706
  • 11 ـ مسجد بنى عبد الأشهل 707
  • 12 ـ مسجد القرصة 707
  • 13 ـ مسجد بنى حارثة 707
  • 14 ـ مسجد الشيخين 707
  • 15 ـ مسجد بنى دينار 708
  • 16 ـ مسجد بنى عدى بن النجار 708
  • 17 ـ مسجد دار نابغة 708
  • 18 ـ مسجد بنى مازن بن النجار 709
  • 19 ـ مسجد بنى عمرو بن مبذول البّحّارى 709
  • 20 ـ مسجد بقيع الزبير 709
  • 21 ـ مسجد صدقة الزبير 709
  • 22 ـ مسجد بنى خذرة الخزرجية 709
  • 23 ـ مسجد بنى الحارث بن الخزرج ومسجد السخ 709
  • 24 ـ مسجد بنى الحبلى 710
  • 25 ـ مسجد بنى بياضة 710
  • 26 ـ مسجد بنى فاطمة ومسجد العجوز أوس 710
  • 27 ـ مسجد بنى أمية بن زيد الأوس 710
  • 28 ـ مسجد بنى وائل الأوس 710
  • 29 ـ مسجد بنى واقف 710
  • 30 ـ مسجد بنى أنيف 711
  • 31 ـ مسجد دار سعد بن خيثمة 711
  • 32 ـ مسجد التوبة 711
  • 33 ـ مسجد النور 711
  • 34 ـ مسجد عتبان بن مالك 712
  • 35 ـ مسجد مثيب 712
  • 36 ـ مسجد المنارتين 712
  • 37 ـ مسجد فيفاء الجنادر 712
  • 38 ـ مسجد بنى جثجاثة ، وبئر شداد 713
  • الوجهة السادسة عشرة
  • فى فضائل البقيع والمدفونين بها من شهداء أحد 715
  • الصورة الأولى : فى فضائل مقبرة بقيع الغرقد 717
  • الصورة الثانية : فى من دفن فى البقيع من الصحابة وآل البيت وكبار التابعين 719
  • الصورة الثالثة : مشهد النفس الزكية وهو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن على رضى الله عنه 738
  • الصورة الرابعة : فى ذكر جبل أحد وشهداء غزوة أحد 746
  • الوجهة السابعة عشرة
  • مواسم المدينة وأسواقها وآبارها وعيونها المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم 759
  • الصورة الأولى : أسواق المدينة ومواسمها على مدى 12 شهرا ومحاسن أهلها 761
  • الصورة الثانية : فى تعريف الآبار التى تنسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم 772
  • 1 ـ بئر أريس 772
  • 2 ـ بئر الأعواق 775
  • 3 ـ بئر أناء 775
  • 4 ـ بئر مالك بن النضر 775
  • 5 ـ بئر إهاب 776
  • 6 ـ بئر البصة 776
  • 7 ـ بئر بضاعة 777
  • 8 ـ بئر جاسوم 778
  • 9 ـ بئر جمل 778
  • 10 ـ بئر حساء 778
  • 11 ـ بئر حلوة 779
  • 12 ـ بئر ذرع 779
  • 13 ـ بئر رومة 779
  • 14 ـ بئر سفيا 781
  • 15 ـ بئر العقبة 781
  • 16 ـ بئر عتبة 781
  • 17 ـ بئر العهن 782
  • 18 ـ بئر غرس 782
  • 19 ـ بئر القراضة 783
  • 20 ـ بئر القريضة 783
  • 21 ـ بئر اليسيرة 783
  • الصورة الثالثة : فى ذكر العيون المنسوبة إلى النبى صلى الله عليه وسلم 787
  • 1 ـ عين كهف حرام 788
  • 2 ـ عين الخفيف 788
  • 3 ـ عين الأزرق 789
  • 4 ـ عين النبى 789
  • 5 ـ مسير العين 790
  • 6 ـ عين الوادى 790
  • الأسبلة فى المدينة 794
  • المياه المرة 795
  • المياه التى فى الجهة القبلية من المدينة 795
  • عين الأغوات 797
  • عين سيد هاشم 797
  • عين الصدقة 797
  • العين الجديدة 797
  • عين عامرة 797
  • عين الحازمية 798
  • عين مصرع 798
  • عين شربونى 799
  • عين الثنايا 799
  • عين السلامة 799
  • عين مشرابية 799
  • الوجهة الثامنة عشرة
  • فيما ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من الأوقاف الشريفة والمساجد التى بين
  • الحرمين والمساجد التى أدى فيها الصلاة فى أثناء الغزوات 803
  • الصورة الأولى : ما ينسب إلى النبى صلى الله عليه وسلم من صدقات 805
  • الصورة الثانية : المسجد النبوية التى بين الحرمين 811
  • 1 ـ مسجد الشجرة 811
  • 2 ـ مسجد المعرس 812
  • 3 ـ مسجد شرف الروحاء 812
  • 4 ـ مسجد عرق الظبية 813
  • 5 ـ مسجد الروحاء 814
  • 6 ـ مسجد المنصرف 814
  • 7 ـ مسجةد الروينة 815
  • 8 ـ مسجد ثنية ركوبة 815
  • 9 ـ مسجد الإقابة 815
  • 10 ـ مسجد الغرس 815
  • 11 ـ مسجد طرف تلعة 815
  • 12 ـ مسجد حى جمل 816
  • 13 ـ مسجد القيا 816
  • 14 ـ مسجد مدلجة تعهن 816
  • 15 ـ مسجد الرمادة 816
  • 16 ـ مسجد الأبواء 816
  • 17 ـ مسجد البيضة 817
  • 18 ـ مسجد عقبة الهرش 817
  • 19 ـ مسجد الجحفة 817
  • 20 ـ مسجد القديد 817
  • 21 ـ مسجد حرة 818
  • 22 ـ مسجد خليص 818
  • 23 ـ مسجد بطن مر الظهران 818
  • 24 ـ مسجد سرف 818
  • 25 ـ مسجد التنعيم 819
  • 26 ـ مسجد ذى طوى 819
  • الصورة الثالثة : فى تعريف المساجد التى فى طريق الحجاج 820
  • 1 ـ مسجد ذات أجدال 820
  • 2 ـ مسجد بدر 821
  • 3 ـ مسجد العشيرة 822
  • 4 ـ مسجد الفرع 822
  • الصورة الرابعة : فى ذكر المساجد التى صلى فيها النبى صلى الله عليه وسلم فى غزواته.. 823
  • 1 ـ مسجد عامرة 823
  • 2 ـ مسجد صهباء 823
  • 3 ـ مسجد منزلة 823
  • 4 ـ مسجد شمران 824
  • 5 ـ مساجد تبوك 824
  • 6 ـ مسجد الحديبية 826
  • 7 ـ مسجد ذات عرق 826
  • 8 ـ مسجد جعرانة 826
  • 9 ـ مسجد ليه 826
  • 10 ـ مسجد الطائف 827
  • الوجهة التاسعة عشرة
  • فى ذكر أودية وأحراش وجبال وأماكن تنسب إلى المدينة 829
  • الصورة الأولى : أودية المدينة 831
  • 1 ـ وادى العقيق 831
  • 2 ـ وادى بطحان 833
  • 3 ـ وادى رانوناء 833
  • 4 ـ وادى قناة 833
  • 5 ـ وادى مذينب 836
  • الصورة الثانية : فى ذكر أحراش المدينة 838
  • 1 ـ حمى النّقيع 838
  • 2 ـ مرعى حمى الرندة 839
  • 3 ـ مرعى حمى الشرف 839
  • 4 ـ مرعى حمى الضربة 840
  • 5 ـ مرعى حمى فيد 842
  • الصورة الثالثة : فى ذكر الجبال والأماكن والقرى التى تنسب إلى المدينة مرتبة على حروف الهجاء (الفبائيا)    844
  • مناجاة وقصيدة ودعاء 957
  • القصيدة التى يقرأها أهل المدينة فى حضرة السعادة 967
  • فضائل المدينة وخواص ترابها وفاكهتها 969
  • نجاة أهل المدينة من الطاعون والدجال 977
  • نقل علة الحمى خارج المدينة 979
  • شكر الخاتمة 991
  • الفهرس 995