
ربنا تقبل منا إنك
أنت السميع العليم.
تقرب بتجديد هذا
البيت العتيق إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ خادم الحرمين المحترمين وسائق الحجاج من
البرين والبحرين السلطان بن السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان بن السلطان محمد
خان خلد الله ـ سبحانه وتعالى ـ ملكه وأيد سلطنته فى أواخر شهر رمضان المبارك
المنتظم فى سلك سنة أربعين بعد الألف من الهجرة النبوية ـ على صاحبها أفضل التحية
سنة ١٠٤٠.
وفى يوم الأربعاء
الخامس والعشرين من شوال أنهى البناءون أعمالهم.
وفى السبت الخامس
من ذى القعدة صنعوا مئذنة باب الزيارة وبنوا الجدار الذى يواجه صفة باب إبراهيم
وأتموا صبغ حجارة الشادروان وداخل مبانى بئر زمزم وكذلك صبغوا بالكلس مئذنة
السلطان قايتباى المصرى والدار التى ولدت فيها فاطمة الزهراء ـ رضى الله عنها ـ وأتم
البنّاءون صبغ دار ولادة فاطمة رضى الله عنها مهبط الوحى الإلهى ومعبد سيد المرسلين.
وفى يوم الجمعة
الثانى عشر من ذى القعدة أتموا صنع حجر التاريخ ووضعوه فى دار ناظر الحرم.
وفى يوم السبت
الثالث عشر من ذى القعدة طلوا ذلك الحجر بقشرة وزخرفوه بالذهب. وبعد ذلك سدوا
الحفر التى حفرت من أجل الكلس.
وفى يوم الاثنين
الخامس عشر من ذى القعدة أصلحوا قبة العباس والأبنية التى بجانبها ، وفى يوم
الثلاثاء السادس عشر من ذى القعدة أصلحوا قبة الفراشين وبيت زمزم وكمر بابه.
وفى يوم الأربعاء
السابع عشر من ذى القعدة اجتمع رضوان أغا ومعه الشريف عبد الله وقاضى مكة وشيخ
الحرم وأعيان البلد أمامهم جميعا لحمل
القناديل التى
وضعت فى بيته لحفظها ، وكان عشرون منها من ذهب وكان أحدها مرصعا باللآلئ وكان
ثلاثون منها من فضة ، وسلموها جميعا إلى حامل مفاتيح البيت محمد شيبى أفندى ، وقد
تأكد مرافقو رضوان أغا أمام جميع الناس من صحة ما قيد فى الدفاتر من القناديل ، ثم
استقدموا رئيس الوقادين ليعلقها فى أماكن مناسبة.
وبعد ذلك بيومين
فى التاسع عشر من ذى القعدة وضعوا لوحة التاريخ المذهبة السابقة الذكر فى مكان
مقابل الباب الشرقى وثبتوا أطرافها.
وفى يوم السبت
العشرين من ذى القعدة فتحوا باب بيت الله وغسلوه بزمزم ومسحوه بالإسفنج وبخروه بأنواع
الطيب وذبحوا القرابين ووزعوا لحمها لفقراء مكة.
وفى يوم الاثنين
الحادى والعشرين من ذى القعدة تم جلى الأحجار ، وفى يوم الخميس الخامس والعشرين من
ذى القعدة أنزلوا ستارة بيت الله ونظفوا الجدار الذى فيه باب الكعبة وجميع جدران
الناحية الجنوبية.
وفى غرّة ذى الحجة
أصلحوا ما حول الحجر الأسود وغطوا الشقوق وطلوا أطراف الحجر الأسود باللون الأسود
وهكذا أتموا عمليات أبنية المسجد الحرام.
دعا رضوان أغا
الأكابر والأشراف والأعاظم والسادات والعلماء والفقهاء من مكة المكرمة فى اليوم
الذى انتهى فيه من تجديد البيت ، وعرض عليهم العمارة الجيدة لكعبة الله وجعلهم
يعجبون برصانة ما تم عمله فى البيت الحرام وسطحه والمسجد الحرام فى داخله وخارجه
مما أدخل الفرح والابتهاج فى قلوب الناس فانشرحت صدورهم فدعوا للسلطان بطول العمر
له ولدولته.
بعد ما شاهد
المدعوون بيت الله أخذوا يتلون القرآن الكريم وختموه عارضين شكرهم. لله كما دعوا
لقاضى الحاجات بدوام القوة والعزة للدولة.
كما ألبس الشريف
عبد الله خلعا غالية لرؤساء العمال الذين عملوا فى البناء وذلك ليظهر مدى ابتهاجه
بما تم عمله ولم ينس رضوان أغا إذ ألبسه خلعة مفخمة تليق بمكانته.
قال سلطان الشعراء
العثمانيين مولانا عبد الباقى وهو يبين كيف تم تجديد بناء كعبة الله على يد الحجاج
الظالم فى السنة
الرابعة والسبعين الهجرية : (لم يعط مسوغ لتجديد كعبة الله بعد الحجاج حتى لا تكون
كعبة الله ملعبة فى يد الملوك. إلا أنه كان يجب تطهير الكعبة التى هى قبلة المسلمين
والمطاف الذى يجب طوافه على القادرين من المسلمين ـ وكان يلزم إضافة تجديد كعبة
الله إلى هذا السفاك غير المنصف. وخاصة أن تجديد بناء الكعبة لم يعد بيد ابن
الزبير وإن خدمة هدمها وتجديدها سيكون من نصيب أحد الملوك العظام من المسلمين.
وإننى أرجو من
الله أن يفوز بهذه الخدمة أحد سلاطين الدولة العثمانية).
وقد أصاب دعاء
مولانا المشار إليه هدفه واستجيب دعاؤه وقد نال هذا الشرف العظيم السلطان مراد خان
الرابع بينما كان باقى أفندى يتمنى رؤية تجديد البيت الشمالى فقط. قد وفق ذلك
السلطان العظيم فى تجديد جدران كعبة الله الأربعة.
الخاتمة :
إن ما قام به
رضوان أغا من أجل تجديد الأبنية المفخمة للبيت الشريف من خدمات وما بذله من سعى
مخلص ومن جهد جهيد وحسن معاملته أهل كعبة الله المحترمين ومجاملتهم ومداراة عيوبهم
كل هذا يدل على استحقاقه الثناء والشكر وأن يذكرونه دائما بالخير.
يقول سهيل أفندى
صاحب المضبطة الذى كان يقوم بمراقبة الشئون المالية فى نفس الوقت الذى كان رضوان
أغا قائما بتجديد أبنية كعبة الله : «إذا كان المسئول المكلف بتجديد الكعبة غير
رضوان أغا لكان أشراف مكة وطائفة النجارين كسبوا مقدار مائتى ألف قطعة ذهبية من
عمليات بناء وتجديد الكعبة الشريفة وعين عرفات ـ هذا ما اعترفوا به لصاحب المضبطة
ـ إلا أن رضوان أغا استطاع بكياسته أن يسكت الذين فتحوا أفواههم بالكلام بإعطائهم
شيئا قليلا ، كما أخجل الأشراف بحسن معاملتهم ، وهكذا جعلهم كلهم يشاركونه فى رأيه
ويعينونه فى إنهاء الأمور الصعبة ، وكان يقول لهم : سوف أحصل لكم فى نهاية هذا
العمل
العظيم وما
قدمتموه من الخدمات الجليلة على مكافآت من قبل السلطان فى صورة المناصب التى
ترضيكم. كما كان يرضى الآخرين بوعود قد لا تتحقق وهكذا أتم هذا العمل العظيم فى
صورة هينة سهلة. جزاه الله تعالى خيرا كثيرا.
فيا لها من سعادة
سرمدية ويالها من دولة وعزة أن يتم هذا كله فى عهد السلطان مراد بن السلطان أحمد
خان بن محمد خان الغازى السابع عشر من سلاطين آل عثمان خلد الله ـ تعالى ـ ملكه
وجعل بساط البسيطة ملكه ونور الله تعالى مراقد أسلافهم وحفهم بالرحمة والرضوان.
إن إتمام تجديد
كعبة الله وبنائها لدليل عظيم على سعده وحسن طالعه ، قد مضى ألف سنة وتوالى
السلاطين ومع ذلك لم يقدر لأى واحد منهم أن ينال شرف بناء بيت الله ألا يقوم هذا
برهانا قاطعا وأمارة واضحة على أنه سينال السعادة الأبدية والنصرة السرمدية؟.
ونسأل الله أن يجعل عرشه فى سماء العز واليمن والبركات وألا يخلو من سرير الخلافة
جلوسه. آمين بجاه سيد المرسلين.
وبعد عودة رضوان
أغا إلى مصر بعام واحد اقتضت حكمة الله أن يهطل المطر فى مكة وأن يفسد ما فرش على
سطح بيت الله من رخام ، فأصبحت حالة سطح بيت الله حالة سيئة ، وخلع ألواح الفضة من
على الباب فظهر منها الخشب وقد أصاب العطب الخشب إلى حد عدم تماسك المسمار فيه.
وكان مصراعاه قد بليا إلى درجة سيئة لقد خشّبتهما حتى أصبحا غير قابلين للتعمير
والترميم ، ومع ذلك لم يسمح بتجديد الباب ولم يستسغ شرعا من قبل ، ولما كان مقام
إبراهيم فى نفس الحالة من السوء اقتضى الأمر تجديدهما معا.
وقد كتبت إمارة
مكة الجليلة الهاشمية إلى صاحب القرار السلطان مراد ـ جعل الله سلطنته باقية فيه
وفى عقبه إلى يوم التناد ـ تحيطه علما بالحالة ، فما كان من السلطان إلا أن أمر
والى مصر أحمد باشا بأن يبعث إلى مكة المفخمة برضوان أغا الذى كان فى أمانة كعبة
الله أو شخصا آخر متدينا مخلصا مصاحبا معه مهندسا معماريا ذا دين وخلق.
استدعى أحمد باشا
رضوان أغا ورئيس المهندسين عبد الرحمن أفندى الذى كان قد اشترك فى تعمير البيت من
قبل وأطلعهما على الإرادة السلطانية السنية الخاصة بإصلاح سقف بيت الله وتجديد باب
المعلا للكعبة الشريفة وترميم وتعمير مقام إبراهيم. وأن يرسل باب الكعبة القديم
إلى دار السعادة ليحفظ فى الخزانة السلطانية للتبرك به. وأمرهما أن يتجها رأسا إلى
مكة المكرمة للقيام بالمهمة وسلم الوالى رضوان أغا الخطاب السنى الذى وجه إلى الشريف
زيد بن محسن من قبل السلطان وكذلك الرسائل التى كتبت من قبل الولاة المصرية بخصوص
هذا الأمر والمبلغ الكافى من النقود.
ولما اطلع رضوان
أغا على الأمر السلطانى تحرك بأمر الوالى بالموكب المصرى مغادرا القاهرة ومتجها
إلى والى الحجاز ووصل إلى مكة المكرمة فى أوائل ذى الحجة سنة ألف وأربع وأربعين
الهجرية وسلم إلى الشريف زايد بن محسن ـ أمام من يقتضى وجوده من العظماء ـ الأمر
السلطانى وخطاب الوالى. وبعد ما قرأ الشريف الأمر السلطانى قالى إنه سيحرص على
العمل بما جاء فى الفرمان السلطانى.
إن تكليف رضوان
أغا بهذه المهمة كان عاملا لإثارة النزاع بين المعترضين للمرة الثانية. وإن كثيرا
من العقلاء من أهالى مكة أرادوا أن يقضوا على النزاع قائلين قد صدر الأمر السلطانى
بهذا الخصوص فلا يجوز النزاع بعد ذلك. إلا أن بعض الفضلاء قالوا معترضين : إن
تعمير البيت لا يجوز شرعا وهم فى هذه الحالة مخالفين بذلك حتى وصية الشريف ولم
يكون غرضهم من الاعتراض إلا إحداث الفتنة والفساد إلا أنه كان بين المخالفين بعض
المنصفين الذين وافقوا على الأمر السلطانى ، واتحدوا مع العلماء فى الرأى على
تجديد الباب الشريف وإصلاح رخام السقف المنيف لكعبة الله.
وأيقظوا عامة
الناس ونبهوهم إلى أن الكعبة المعظمة قد جددت من قبل مرات
عديدة وذلك بتأييد
من العلماء والفقهاء والفتاوى التى صدرت من قبل مفتىّ المذاهب الأربعة.
وقد استمع الشريف
زيد بن محسن لقراءة الفرمان السلطانى وهو واقف على رجليه وبعد القراءة مسح بالصفحة
التى تحوى الأمر السلطانى وجهه وعينيه ثم استمع إلى ادعاء المعارضين ودفاع الفقهاء
العظام ثم خاطب الناس قائلا : بناء على حكم الفتاوى التى أصدرها مفتيّو المذاهب
الأربعة يجب تنفيذ الأمر السلطانى الذى لا يخالف فتوى المفتين بخصوص ترميم وإصلاح
السقف الشريف وتجديد باب كعبة الله وتعمير وترميم مقام إبراهيم وبناء على هذا أمر
رضوان أغا بأن يسرع فى مباشرة مهمته.
وقد بادر رضوان
أغا فى العمل وأنهى تعمير سطح كعبة الله فى أواسط ذى الحجة من عام ألف وأربعة
وأربعين. وقد قيل من قبل شعراء عصره فى تاريخ انتهاء الترميم كثيرا من الأبيات إلا
أن أحسن ما قيل فى هذا الموضوع هذا البيت :
المجدد لسطح بيت الله هو مولانا مراد
وبعد ترميم السطح
ابتاع رضوان أغا من أحد سكان مكة مقدارا من خشب الساج لاستخدامه فى تجديد باب بيت
الله وتثبيته ولم يبخل فى سبيل ذلك بإنفاق المال اللازم وقبل أن يبدأ فى صنع الباب
الجديد خلع الباب العتيق ووضع مكانه بابا مؤقتا وغطاه بستارة قطنية بيضاء وبعد أن
صنع الباب الجديد وضعه فى مكانه ، وقد تم صنعه على الوجه المرغوب وكان على باب
الكعبة العتيق ثلاثون ألف وثمانمائة درهم من الفضة فصنع منها لوحتين فضيتين وفق
طول وعرض كل من مصراعى الباب الجديد. ثم أمر بتسمير كل واحدة من اللوحتين على أحد
مصراعى الباب وزخرف اللوحتين بنقوش ذهبية وأنفق فى صنع عتبته وحلقاته سبعة وثلاثين ألف درهم وخمسة
وتسعين درهما من الفضة.
__________________
وبعد ما تم وضع
مصراعى باب الكعبة العالى كتب على اللوحة الفضية المثبتة على المصراعين بسم الله
الرحمن الرحيم : (وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (الإسراء : ٨٠)
وكتب تحت الآية الجليلة : (تشرف بتجديد هذا الباب من سبقت له العناية من رب
الهداية مولانا السلطان مراد خان ابن السلطان أحمد خان ابن السلطان سليمان خان ابن
عثمان عز نصره فى سنة خمس وأربعين وألف ١٠٤٥ كما نظم أحد الفضلاء التاريخ الآتى :
لذ بذا الباب
كلما
|
|
خفت ضيق المناهج
|
فهو باب مجرب
|
|
لقضاء الحوائج
|
كان رضوان أغا قد
عرض لوالى مصر ما تم عمله فى مكة المكرمة بمكاتبات خاصة قبل أن يصل إلى القاهرة ،
وقد أنهى مهمته الثانية فى مكة المكرمة وعزم على العودة إلى القاهرة حاملا معه
مصراعى باب الكعبة العتيق.
وكان فى استقبال
ذلك الباب السعيد الوزير حسين باشا وكبار الموظفين والعلماء المميزون وقد دخل إلى
القاهرة فى تعظيم وتوقير.
ثم أمر الباشا أن
يوضع الباب فى مكان مرتفع ليتبرك به الناس وأحاط السلطان علما بأن رضوان أغا عاد
إلى القاهرة وقد أنهى مهمته فى مكة المكرمة وأن أهل مكة قد سروا جميعا مما تم عمله
ودعوا للسلطان تكرارا ومرارا وقد علم بذلك من الرسائل التى ترد من مكة المعظمة.
وبعد فترة سلم مصراعى
الباب العتيق لرضوان أغا لحملهما إلى دار السعادة ليحفظا فى الخزانة السلطانية
ويعرضا للناس.
صورة للأمر
السلطانى المرسل إلى شريف مكة مسعود أفندى بخصوص تجديد بيت الله
إن وزيرى محمد
باشا ـ أدام الله إجلاله ـ الدستور المكرم ، والمشير المفخم ،
ونظام العالم
الكائن فى محافظة مصر ، وقد أرسل إلى سدتى السعيدة وعتبتى العالية وسماء اقتدارى
رسالة مضمونها أن مهبط جبريل الأمين ومحل الوحى وتنزيل رب العالمين والذى نال شريف
الذكر فى النص الشريف (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ
وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أن هذا البيت العتيق قد مال بعض أطرافه إلى الركوع مع مرور
الأيام وكر الدهور والأعوام وأن قده وقامته مالا للسجود وقد قدر لملوك الأزمنة
الماضية وسلاطينها شرف ترميمه وتعميره على قدر إمكاناتهم وفى زمن والدنا الماجد
الساكن جنة الفردوس المرحوم والمفغور له ـ السلطان أحمد خان ، أسكنه الله فى أعلى
غرف الجنان ـ زاد ميل جدرانه للركوع ورئى جواز تعميره والترخيص له.
وحينما أراد أن
ينال شرف القيام بهذا العمل الجليل القدر ويباشر تجديد بناء البيت وإذا بالشريعة
الغراء ـ التى يجب تعظيمها وإطاعتها ـ لا تجيز تجديده وتسوغ ترميم جدرانها السعيدة
وأركانها الركينة فقام به بعد هذا العمل مبعث فخره ومباهاته.
بينما كانت الحالة
على هذه الصورة ساق الله ـ سبحانه وتعالى ـ الفعال لما يريد ـ فى هذا العام العميم
الميمنة ـ أمطارا غزيرة على مكة المكرمة وأطرافها فتكونت السيول واقتحمت حرم بيت
الله وحينئذ قد حان لنا أن نفتخر بخطاب الله الجليل (وَعَهِدْنا إِلى
إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) (البقرة : ١٢٥) ،
والقيام بخدمة التجديد مما يبعثنا على الفخر (وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) (البقرة : ١٢٧)
وقد أحسن الله ـ سبحانه ـ وتعالى إلينا ـ إذ شرفنا بهذه الخدمة الجليلة والشرف
العظيم اللذين لم ينل أحد من آبائى الكرام العظام من قبل مثلهما.
(هذا مِنْ فَضْلِ
رَبِّي) (النمل : ٤٠) (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ). (البقرة : ٢٠٧)
والآن ـ بعد الشكر
على هذه النعمة ـ قد صدر أمرنا إلى وزيرنا المشار إليه فى محافظة مصر بأن مقدارا
كافيا من أموال خراج أقباط مصر المحروسة والمال الحلال يكفى جدران البيت وتثبيت
أساسه وأن يختار رجلا مستقيم السيرة
والسلوك ديّنا
ويعّينه أمينا لبناء البيت ، وأن يرسله إلى مكة حيث يجتمع مع علمائها الأجلاء
وأشرفها وفضلائها الآخرين من أرباب الرأى الرزين وأصحاب الفكر المتين بعد
الاستشارة والاستخارة ، ويعمل بناء على ما تم عليه القرار واستقر عليه الرأى ،
ويقدم على إتمام هذه الخدمة ويسعى على إنهائها على خير وجه.
وبما أننا نثق فيك
ويشتد حسن ظننا بك نرسل بهذه الرسالة التى تحتوى على أمرنا.
عند وصول رسالتنا
هذه عليك أن تعمل بمقتضى ما جبلت عليه من صدق ونجابة وما أودع فيك من رشد وأصالة.
وبعد ما يصل من قبل وزيرنا المشار إليه المال الحلال الكافى لبناء البيت وأمين
البناء ومراقبه أن تبتدر ببناء البيت المعظم وتعميره وذلك بعد ما تستشير العلماء
الأجلاء حسب مدلول القول ما «خاب من استخار وما ندم من استشار» وتأخذ موافقتهم
الشرعية فى كل ما تقدم عليه.
وإذا لم يكف
مخلفات البيت القديم من الطين العطر والحجارة السعيدة لتجديد البناء فعليك ان تجلب
ما يلزم من الحجارة من مواقعها القديمة التى استجلب منها القدماء عند تعمير البيت
وتجديده ، أتمم بناء البيت حسبما تجيزه الشريعة الغراء.
وإننا نتجه
بالدعاء إلى رب العزة ـ تعالى شأنه وعم إحسانه ـ راجين خاشعين مظهرين عجزنا
وقصورنا لله ـ تعالى ـ أن يرضى عنا بخصوص بناء هذا المقام المبارك وفى سائر
أعمالنا وأقوالنا وأن يوفقنا فى إتمام بناء البيت المقدس وييسر لنا إكماله آمين
بحرمة سيد المرسلين سنة ١٠٣٩ ألف وتسع وثلاثين.
صورة البراءة
المقدمة من قبل السلطان لرضوان أغا مقابل خدماته :
هو العزيز الغنى
المغنى الفتاح وعنده مفاتيح الفلاح والنجاح تقدست أسماؤه تتابعت نعماؤه.
صورة الخط
السلطانى المقرونة بالسعادة
تقديما لمقابل
الخدمة المؤادة لمكة المكرمة يعمل بموجب هذه الصورة للخط الهمايونى وليس بعد ذلك
لأحد أن يتدخل فى أى شىء ومن يتدخل ممن ذكروا فليحرم عليهم طعامى وخبزى.
صورة البراءة
العالية :
هذا هو حكم
السلطان سامى المكانة فاتح الدنيا زينة ملوك العالم حفظه الله بالعون الربانى
والصون الصمدانى.
إن رعاية الأمراء
وإكرامهم وحمايتهم واحترام علية القوم العظام ، من جملة الواجبات والمهمات
السلطانية ولا سيما هؤلاء الذين يخدمون الدولة بنية صادقة وعقيدة راسخة ليلا
ونهارا إنهم يسرون بنيل رحمتى ومكارمى السلطانية ، بسهولة كما يفرحون بالوصول إلى
آمالهم بألطافى الملكية. ولا سيما الذين كانوا مثالا فى أيام خلافتى لقول الله
تعالى : (وَكانَ سَعْيُكُمْ
مَشْكُوراً) (الانسان : ٢٢)
بما قدموا من جليل الخدمات.
وبناء على هذا ،
قد استحق رضوان أغا المختص بعناية الملك العلام ، إذ كان من أمراء مصر وقد قام
ببناء الكعبة المكرمة والبيت المعظم عرش مكة المعظمة زادها الله شرفا وتعظيما ،
وأحسن إليه بإحالته إلى المعاش بإيراد ولايته التى كان يتصرف فيها.
وإنه كان قدوة
للأمراء الكرام من ذوى الأقدار والاحترام وقد نشأ ونما فى حرمى السلطانى ، وكان قد
بعث ببعض المهمات والخلع إلى بلاد اليمن والحبشة قد بذل فى ذلك جهده وسعيه ولذا قد
استحق رعايتى بتكليفه بخدمات أخرى فى المستقبل.
وقد هطلت الأمطار
بمشيئة الله ـ سبحانه وتعالى ـ وحكمته على منزل الوحى المبين ومهبط جبريل الأمين
وبلد الله الحرام وأطرافه ، واقتحم السيل العظيم الحرم الشريف ، فأصاب الخلل جدران
بيت الله الحرام ومطاف الأنبياء العظام ومعتكف الملائكة الكرام ، وانهار بعض
جدرانه مما أثار الحزن والهم فى قلوب
عامة المؤمنين
وهذا ما دعا إلى تجديد بنائه وتعميره وفق طرز بنائه القديم وقد أفتى العلماء
والفقهاء ذوى الاحترام متفقين بجواز تجديد بنائه. ومن هنا أصبح بناء البيت من جديد
حسب طرز بنائه القديم واجبا فرضا على ذمتى وعلى همتى العظيمة. إن آبائى الكرام ـ جعل
الله الفردوس مرقدهم ـ وأجدادى العظام ـ أسكنهم الله فسيح جناته ـ قد أشاع كل واحد
منهم الخير وأنفقوا كلهم الأموال فى الأعمال الخيرية وبذلوا الأموال فى إنشاء
الجوامع والمساجد وبناء الصوامع والمعابد وتشييد الحصون والعمائر وتجديد الجسور
والقناطر فهذا معلوم لدى الصغير والكبير عند الشباب والعجائز ولكن الله ـ سبحانه
وتعالى ـ لم ييسر لأى واحد منهم شرف القيام ببناء الكعبة وتجديدها ، الكعبة التى
تتجه نحوها جميع مساجد المسلمين وتتخذها أمة سيد الأنام قبلة لها ، بل شرفنى بأن
يكون هذا العمل من نصيبى ؛ لذا فشكرى لا حد له تجاه الملك المنان (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) (النمل : ٤٠) (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (البقرة : ١٠٥)
وقد عرفت أن هذا فضل عظيم خصنى الله به ، لذا اخترت من طرفى ـ قرين العز والشرف ـ رجلا
مستقيما دينا تقيا وعينته أمينا لتجديد أبنية الكعبة الشريفة وأوصيته ببذل السعى
والجهد لإتمام البناء وكان هذا الرجل رضوان أغا بما يتصف به من الأمانة والتدين
والصدق والاستقامة التى ترشحه بالأحقية فى القيام بهذه الخدمة العظيمة ولياقته
لهذا الأمر.
وعرضت الأمر على
وزيرى محمود باشا الذى كان واليا على مصر فى ذلك الوقت والذى نال الآن شرف العمل
بين وزارتى فنفذ رغبتى بأن عين المشار إليه أمينا على بناء الكعبة الشريفة بمرتب
سنوى قدره مائة ألف أقجة فى خمس مرات وهكذا نال اهتمامى إذ أحيلت إليه كل خدمات
تجديد بيت الله وترك لعهدته وهمته. فما كان من رضوان أغا إلا أن شمر عن ساعد الجد
لإتمام الأمور واستعجل فى إنهاء أعمال البناء بعد أن أخذ من العلماء الكرام
والفقهاء العظام جواز تجديد بيت الله شرعا وهكذا جدد أبنية كعبة الله من أساسها ثم
بدأ فى تعمير الجدران التى تحتاج للترميم فى الحرم الشريف مع القبب ومجارى السيول
والبرك ، وخاصة قلعة جدة بندر الحجاج والزوار ومعبر المسافرين والتجار ، وكثيرا
من المواضع
المباركة والمقامات المتبركة ، طهرها ونظفها ، كما أنه أنفق نقودا من جيبه الخاص
ثم أحضر لنا بذاته كسوة الكعبة الشريفة القديمة لتحفظ فى خزانتى العامرة ، ونال
بذلك شرف المثول بين يدى ، وقد كان قرينا لحسن التفانى فى عمله وعرض على ما قام به
من السعى وما بذله من الجهد فى تجديد كعبة الله بالتفصيل.
وقد كتب لى أيضا
وزيرى خليل باشا والى مصر الحالى وأشراف بلد الله الحرام وأعيانه بما أنجزه رضوان
أغا من أعمال بكل صدق وإخلاص ، وبكل هذا نال رضاى واستحق شكرى ورعايتى السنية وبما
أنه قد خدم السلطنة منذ بلوغه سن التمييز والرشد فى داخل القصر وخارجه وكلف بأداء
الخدمات السلطانية فى الأطراف والجوانب حتى أصاب أعضاءه وجوارحه الضعف بعد القوة.
ففضل التنازل عن
اعتلاء المراتب العالية واثر فراغ البال والحياة فى السكينة والهدوء منزويا فى ركن
العزلة ؛ ليتفرغ للدعاء بطول عمر الدولة ودوام عزتها.
وبما أنه قدم
خدمات جليلة بالإخلاص والعبودية الفائقة فهو يستحق أن ينال مثل أمراء مصر مرتبا
سنويا وريع ولاية. وإنى رأيت أن أحسن إليه ـ وقد اشتعلت شمس كرمى تموج ببحر
امتنانى ـ ابتداء من اليوم العاشر من شهر شوال سنة إحدى وأربعين بعد الألف ، بمنحه
ريع اللواء الذى كان تحت تصرفه على سبيل التقاعد. وبناء على أمرى السلطانى يجب أن
يعفى من جميع الخدمات حتى يتفرغ فى بقية عمره للدعاء بدوام قوة الدولة وشوكتها ،
وقد أصدرت هذه البراءة لتلقى العناية التامة والعمل بها وأمرت بأن يعطى المشار
إليه رضوان أغا دام عزه مائة ألف أقجة فى خمس مرات إحسانا له مقابل خدماته العظيمة
ومعه إيرادات اللواء الذى تحت تصرفه ومعه الجراية والمعلف والفدان من الخزينة
الخاصة حتى يعيش حياة مترفة بفضل عنايتى ويعفى من جميع الخدمات التى يكلف بها
أمراء مصر من خدمة المحافظة وإيفاده إلى اليمن والحبشة ونقل خزنته العامرة فيعيش
مدة حياته صافى القلب صحيح القالب ويتفرغ للدعاء ليلا ونهارا بطول أيام السلطنة
العادلة والثناء على دولة الخلافة.
وفى هذا الخصوص لا
يقف أحد مانعا دون تتفيذ أمرى هذا ولا يتدخل فى هذا الموضوع ولا يجوز لأحد أن يبدل
أو يغير من نص هذا الأمر ، وعلى الكل أن يثق فى أمرى هذا ويعتمد على صحة علامتى
وشاراتى الخاصة من ثمرة أغصان شجرة خلافتى وأفنان جسمى الظليلة من الأولاد العظام
والأحفاد وأركان دولتى القاهرة وأعيان سلطنتى الباهرة من الوزراء والولاة والحكام
من محافظى مصر والأمراء الآخرين ومحاسبى الأموال ومباشرى الأعمال.
تحريرا فى أوائل
شهر شوال المكرم سنة إحدى وأربعين وألف من هجرة من له العز والشرف سنة ١٠٤١.
صورة الفتوى التى
أصدرها علماء مكة الأعلام عقب احتدام الخلاف بينهم وبين العلماء المعترضين
وإصرارهم على مخالفتهم.
صورة السؤال الذى
أورده رضوان أغا وهو يستفتى العلماء :
الحمد لله رب
العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى
يوم الدين.
سؤال
: ماذا يقول السادة
العلماء أئمة الدين ـ نفع الله بعلومهم المسلمين وأحيا بوجودهم شعائر الإسلام وثبت
بهم قواعد الإيمان وشيد مشاعر الإحلال والإحرام بجاه محمد عليه الصلاة والسلام ـ فى
عمارة البيت الشريف ـ زاده الله تعالى تشريفا وتعظيما ـ إذا كانت الحجارة التى
سقطت منه تحتاج إلى إصلاح ومساواة ، بحسب ما تحتاجه الصنعة وإلى زيادة أحجار عليها
، بموجب تكسر شىء من بعضها ولا يمكن إعادة البيت الشريف ـ شرفه الله تعالى ـ إلى
حالته التى كان عليها ، وجعلها على حكمها إلا بزيادة بعض أحجار من جنس الأولى فى
المساواة والنحت والإحكام وما أشبه ذلك ، فهل يجوز فعل ذلك وإصلاح الحجارة
والزيادة عليها بما ذكر أم لا؟ وإذا قلتم بجواز فعل ذلك أو بوجوبه. وكان ذلك يحتاج
إلى مدة طويلة
بموجب قلة
المعلمين العارفين بذلك فى مكة المشرفة وجدة المعمورة والمدينة المنورة ، بل وفى
مصر المحروسة ، وكان فى مكة ـ شرفها الله تعالى ـ من جانب السلطنة ـ أيد الله بها
الدين ـ من هو متعين للنظر فى المصالح العامة للمسلمين ، من إصلاح المسجد الحرام
والشوارع وغيرها وفيما يحتاج إليه الحال فى أوائل عمارة البيت الشريف من تهيئة
المؤن وجمعها وضبط ما يرد لعمارة البيت الشريف من جانب السلطنة ـ أيدها الله ـ فهل
يجوز له أن يشرع فى إصلاح الحجارة الأولى وفى تهيئة الحجارة التى يحتاج الحال إلى
زيادتها وفى عمل نحو نورة وجبس وما أشبه حتى إذا وصل من يريد مباشرة العمارة يجد
ذلك حاضرا مجموعا ومهيئا لتكون العمارة فى مدة يسيرة بدلا من تطويل المدة بعمل ذلك
إذا ورد من يريد مباشرة ، أم لا؟ أفتونا مأجورين ـ أثابكم الله الجنة ـ وبينوا ذلك
بيانا شافيا لازلتم عمدة المسلمين ومرجعا فى إحياء مشاعر الدين وتقبل الله منكم
صالح الأعمال بجاه محمد وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين والحمد لله ربّ
العالمين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
صورة الفتوى الشريفة
التى كتبها الشيخ
عبد العزيز محمد الزمزمى ردا على السؤال الذى طرحه عليه رضوان أغا :
الجواب ـ الحمد
لله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، نعم يجوز إصلاح ومساواة ما سقط من حجارة البيت
الشريف ـ زاده الله تشريفا وتعظيما ـ إذا كان لمصلحة ضرورية أو لحاجة ما يحتاج
إليه من الحجارة حيث توقف إعادته على أسلوبه السابق عليه أو كان فيه تحسينا للبناء
وقد صرح جدى خاتمة المحققين وشيخ الإسلام والمسلمين أحمد شهاب الدين بن حجر ـ تغمده
الله برحمته ، وأعاد علينا من بركته ـ بما يقتضى ذلك أخذا له من كلام أئمة المذاهب
وبين ذلك فى محله بأحسن بيان واستدل على ما ذكره بقول بعض العلماء الذين يقتدى بهم
: لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة لأن كل عصر احتاجت فيه لذلك قد فعل
بها ذلك. إلا الحجر الأسود فلا يغير ومن أعظم الدلائل على جواز تغيير
حجارة البيت
الشريف إذا احتيج لذلك فعلا سنّة عبد الله بن الزبير ـ رضى الله عنه ـ فإنه لما
هدم البيت الشريف وأراد إعادته عزل من حجارته ما يصلح أن يعاد فيه ونقل إليه من
الحجارة ما يحتاجه من الجبل الذى أخذت قريش حجارة البيت منه عند عمارتهم إياه وقد
أقر العلماء ـ رضى الله عنهم ـ والملوك ونحوهم على تغيير باب البيت العظيم وعتبته
وميزابه المرة بعد المرة مع صلاحية ذلك وعدم الاحتياج إلى التغيير لإظهار أبهته
وأنه لا يليق لجلالته بقاء ما خلق أو عتق فيه فلذلك أقدموا على تغيير تلك الأشياء
ولم يقع عليهم إنكار من العلماء الذين كانوا فى زمانهم فإذا جوز العلماء ـ رضى
الله عنهم ـ ذلك التغيير من غير احتياج إليه فمن باب أولى جواز تغييره من حجارته
الساقطة وإصلاحها ومساواتها لتكون على أكمل الوجوه اللائقة بحرمة البيت الشريف
ولإظهار أبهته وجلالته ولا مراء أن بناءه بالأحجار المكسرة مع إمكان إصلاح ما يمكن
إصلاحه منها وعدم تغيير مالا يمكن إصلاحه فيه إسقاط لهيبته من قلوب كثيرة ؛ لأنهم
يرون البيوت المنسوبة إلى أهل الدنيا فى غاية الحسن الصورى وبيت الله بخلاف ذلك ؛
فيؤديهم ذلك إلى غاية الاستحقار بحقه وعدم الاعتناء بشأنه وهذا خرق عظيم يؤدى إلى
غاية الوهن فى الدين ؛ فيجب التخلص مما يؤدى إلى ذلك لفعل ما فيه تعظيم بيت الله ـ
زاده الله تعظيما وتكريما ـ ومنه السعى فى إصلاح حجارته ومساواتها وتغيير ما لا
يصلح بخير منها وفعل كل ما كان فيه تعظيم له وإبقاء لحرمته وأبهته وجلالته ومن قصد
لشىء من ذلك وفعله كان مثابا عليه الثواب الجزيل ومقابلا من الله بمزيد التعظيم
والتبجيل لما فى ذلك من الاعتناء التام والقيام بإظهار عظمة شعائر الله على أكمل
نظام ويجوز للشخص المذكور الشروع فى إصلاح الحجارة وتهيئة المونة المحتاج إليها
لعمارة البيت المكرم ، إذا كان المصرف من مال طيب ليس فيه شبهة قوية لوجوب التحرز
عن بنائه بحرام أو نحوه وما يفعل الساعى فى الخير كفاعله لا سيما إذا غلب على ظنه
عدم ضرر يلحقه أو يلحق بسبب ذلك لما فى فعله من الإشعار بمزيد الاهتمام فى تعظيم
بيت
الله وبذل الجهد
فى القيام بحقه وفى ذلك من قوة الإيمان ما لا يحتاج معه إلى برهان جعلنا الله
أجمعين ممن يقوم بحقوقه فى كل زمن وأن ينور قلوبنا بالإيمان ويثبتها على طاعته فى
السر والإعلان وأن يزيد هذا البيت الشريف تشريفا وتعظيما ومهابة وتكريما وأسبغ
نعمه وأفضاله والله سبحانه وتعالى أعلم.
نمقه الفقير
الحقير عبد العزيز محمد الزمزمى الشافعى.
صورة الفتوى الشريفة
المعطاة من قبل
الشيخ خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله وهو من كبار علماء المالكية ردا على سؤال
رضوان أغا :
الجواب :
الحمد لله ، حاصل
ما سأل عنه السائل. ثلاثة أمور :
الأول
: إن ما احتيج إليه
بالضرورة وما احتيج إليه من حجارة البيت وما تكسر منها هل تؤخذ لها حجارة وهل تصلح
الحجارة المكسورة وتعاد فيها أم لا؟
الثانى
: هل يجوز للناظر
المذكور الشروع فى إصلاح ما تكسر من حجارتها وأخذ ما احتيج إلى بنائه أم لا؟
الثالث
: لم يصرح السائل
فى سؤاله بالمال الذى يصرف على ما احتيج إليه من مقدمات البناء وهو ضرورى لا بد من
السؤال عنه.
أما الأول فما
احتيج إليه من حجارة البيت الكاملة لا بد من أخذه وأخذه ضرورى والكلام فى المحل
الذى تؤخذ منه الحجارة ومحصل كلام العلماء وفاقا وخلافا أنها أخذت حجارتها من اثنى
عشر جبلا وهى حراء وثبير وأبو قبيس وأحد ولبنان وطور سينا وطور زيتا والجبل الأحمر
والجودى والقدس ورقان ورضوى.
ثم الكلام على
تخصيص الأخذ من هذه الجبال يطول إلا أنا نتكلم على ما يمكن الأخذ منه منها (حراء
وأخذت منه حجارتها لأن النبى ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أنزلت
عليه الرسالة وهو
فيه يتحدث وتردد عليه جبريل ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيه وأما أبو قبيس فأخذت منه
لأنه أقرب جبال الحرم إلى البيت وأما ثبير ـ واختلف فيه فقيل هو الجبل الذى على
يسار الذاهب من منى إلى عرفة وهو قول المحدثين وقال الفقهاء إنه الجبل الذى عن
يمين الذاهب من منى إلى عرفة ووجه ما قاله الفقهاء أن النبى ـ صلّى الله عليه وآله
وسلّم ـ أنزلت عليه «والمرسلات» وهو فى غار فى سفحه وهو معروف ، وأما أحد فوجه
الأخذ منه قوله «اثبت أحد فإنما عليك نبى وصديق وشهيدان» وبقية توجيهاتها يطول تتبعه ولا يهمنا لعدم الحاجة إليه
الآن لبعده وللاستغناء عنه بغيره.
وقول الشيخ
العلامة الرحالة شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى إنها تؤخذ من المحل الذى أخذت منه
قريش حجارة البيت كما فعل ابن الزبير غير ظاهر إذ لم يبين ما أخذت منه قريش فهو
إما أن يكون أحد الجبال الاثنى عشر أو غيرها فإن كان أحدهما فنسبته إلى الخليل ـ صلّى
الله عليه وسلّم ـ أولى من نسبته لقريش ، وإن كان من موضع غير الإثنى عشر ففيه
مجال للنظر يعلم بالتأمل ، ومعاذ الله أن ابن الزبير يتبع قريشا ويترك الخليل ـ صلّى
الله عليه وسلّم ـ.
وأما الثانى
فيتضمن ما قلناه قبل بيان الحكم فيه وهو أنه يجوز للناظر المذكور الشروع فى أخذ
حجارتها وقد بينا ما يؤخذ منه وأما إصلاح ما انكسر منها ورده فيها فى الظاهر أنه
غير جائز لأن البيت إن رد المنكسر الناقص إليه لا يتكيف بالكيفية التى كانت بل
يتكيف بكيفية ردئية يمجها أرباب الصنعة وهذا غير لائق بقبلة الإسلام ، ثم إن اضطر
إلى ذلك رد لكن لا ضرورة تدعو إليه.
وأما الثالث وهو
ما يصرف على تلك المقدمات فيجب أن يكون حلالا متيقن الحلية ، ولا يجوز أن يكون
مظنونها وهو ما توهم فيه عدم الحلية ، فإن لم يوجد
__________________
صرف عليه مظنون
الحلية وبقية السؤال قد تكفل المفتى الشافعى بالجواب عنه والله سبحانه أعلم.
نمقه الحقير خالد
بن أحمد ابن محمد بن عبد المالكى.
صورة الفتوى الشريفة
المعطاة من قبل
الشيخ أحمد بن شمس الدين الصديقى السهروردى أفندى وهو من علماء الحنفية :
ردا على السؤال
الذى وجهه رضوان أغا.
الجواب
:
الحمد لله سبحانه
..
«ربنا اغفر لنا
ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا .. وانصرنا على القوم الكافرين».
ما ذكر فى السؤال
عما سقط من أحجار البيت الشريف إذا كانت تحتاج إلى الإصلاح والمساواة بحسب ما
تحتاجه الصنعة وإلى زيادة عليها بموجب تكسر البعض وتلف البعض وجعلها على حكمها فى
المساواة والبحث والإحكام أيجوز أم لا؟ وعلى القول بالجواز إذا كان محتاجا إلى مدة
طويلة بموجب ما شرع فى السؤال وكان بمكة المشرفة من هو متعين للنظر فى المصالح
العامة المتعلقة بهذه البلدة الشريفة من جانب السلطنة المنيفة ـ دامت ظلال عدالتها
الوديعة ـ من إصلاح المسجد وغيره من الشوارع وتنظيفها هل يجوز له الشروع فى إصلاح
الحجارة الأولى وتهيئة ما يحتاج إلى زيادتها وفى عمل نحو نورة وجبس وما شابه ذلك
ليكون مهيئا عند وصول من سيعيّن من الأبواب الشريفة السلطانية لأداء هذه الخدمة
السنية خشية طول المدة؟
فالجواب
: عن ذلك ـ والله
الموفق للصواب ـ جواز إصلاح الساقط ومساواته والمبادرة إليه وتغيير ما تكسر وعدم
الانتفاع به وزيادة ما احتيج إليه من الحجارة مما سهل إحضاره من بعض الجبال التى
بنى منها البيت العتيق كما ساقها الشيخ
المحقق مولانا
الشيخ خالد الجعفرى المالكى ـ نفع الله به ـ والدليل على جواز التغيير عدم إنكار
العلماء من المذاهب الأربعة فى كل عصر على الملوك فى تغيير باب البيت وعتبته سوى
إرادة زيادة إظهار أبهته وإعظامه وإجلاله وقد تكرر من ساداتنا سلاطين آل عثمان ـ خلد
الله دولتهم إلى انقراض الدوران ـ إرسال الأقفال الجديدة إلى البيت وطلب العتيق
ليوضع فى خزانتهم العامرة تبركا به كما وقع فى موسم هذا الحج من غير إنكار عليهم ،
فالمباشرة لتهيئة مؤن عمارة البيت من أهم المهمات وألزم اللوازم فلقد طال الانتظار
لمن يعين ليتعاطى خدمة تعمير البيت من قبل الأبواب العالية واستمرار البيت العتيق
مهدوما هذه المدة كلها غير لائق وقد شكرت مساعى مولانا السيد الشريف الأعظم مسعود
بن إدريس نصره الله تعالى فى بذل الهمة فى خدمة البيت وتدعيمه بالأخشاب من الجهة
الساقطة وستره بكسوة إلى أن جاءت كسوته المعتاد وصولها كل عام من قبل السلطنة
الشريفة فى صحبة أمير الركب الشريف المصرى وقد نور الله باطن هذا الرجل الذى له من
اسمه نصيب حيث رغب فى فعل الخير وتصدى لسؤال العلماء عن ذلك مع ما سبق له من
الاهتمام بتنظيف المسجد والشوارع والبيت الحرام وإصلاح برك الحجاج. وتعمير عين
خليص فله بذلك وبما نواه جزيل الأجر والثواب من الملك الكريم الوهاب ، فمقتضى
قواعد المذهب جواز شروعه فى إصلاح الأحجار وتهيئة المؤن لكن يتعين أن يكون المال
المنصرف على ذلك متيقن حليته. فإن تعذر فلا يكون من مال توهم حليته ، إذ يجب كل
التحرز عن الصرف على ذلك من مال حرام نحوه. وفقه الله ودفع به وعنه كل ضير وأعان
من أعانه ووالى عليه فضله وإحسانه وزاد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة ورفعة
وتكريما وزاد من شرّفه وعظّمه جلالا وكرامة وأسبغ عليه جوده وإنعامه ، والله
سبحانه وتعالى أعلم.
حرره الفقير أحمد
بن محمد بن آق شمس الدين الصديقى السهروردى الحنفى.
صورة الفتوى الشريفة
المعطاة لرضوان
أغا من قبل الشيخ عبد الله بن أبى بكر بن ظهيرة القرشى أفندى من علماء الحنابلة
الجواب
:
المسئول عنه فى
السؤال : هل يجوز إصلاح ما تكسر بالسقوط من أحجار البيت الشريف ـ زاده الله تشريفا
وتعظيما ـ وزيادة عليها من جنس الحجارة الأولى وتهيئة ذلك ومساواته ونحته وتحسين
صنعته وإحكامه أم لا يجوز؟ وإذا قيل بالجواز وكان عمل ذلك يحتاج إلى مدة ، كما ذكر
فى السؤال ، وكان فى مكة المشرفة من جانب السلطان ـ أيده الله تعالى ـ من ذكر
السؤال هل يجوز له الشروع فى ذلك وتهيئته إلى آخر ما فى السؤال؟
فالجواب عما ذكر
وتحرير الحكم الشرعى فيما سطر والله المسئول أن يوفقنا إلى طريق الحق المستقيم ،
وأن يلهمنا الصواب على النهج القويم ، هو أن نقول نعم! يجوز إصلاح ما تكسر من
الأحجار وتعيين ما يحتاج إليه من المال فى تكملة البناء وإعادته كما كان من
الأحجار المناسبة لذلك ويؤخذ ما يسهل أخذه من الجبال التى عمرت الكعبة المشرفة
منها كما نقله العلامة المحقق شيخ الإسلام والمسلمين مولانا الشيخ خالد المفتى
المالكى دام الله النفع به ولا ريب فى ذلك فقد ألف شيخ الإسلام والمسلمين خاتمة
الأئمة والمحققين الشيخ «شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى المكى الشافعى» قدس الله
سره وجعل الفردوس مقره ، مؤلفا فى خصوص هذه المسألة سماه «المناهل العذبة فى إصلاح
ما وهى وانشعث من الكعبة» وبسط الكلام فيه ونقل فيه كلام العلماء من المذاهب
الأربعة مصرحا بجواز ذلك وأشفى الغليل فيه وأوضح المسألة وفصلها أحسن تفصيل ومما
نقل عن أئمتنا علماء الحنابلة ـ رضى الله عنهم ـ قول صاحب الفنون : صح لا بأس
بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة لأن كل عصر احتاجت فيه لذلك قد فعل بها ذلك
ولم يظهر نكير على من فعله ، «نعم الحجر الأسود» لا يجوز نقله من
__________________
مكانه ولا تغييره
إلا بنص من النبى ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فهو كبعض آيات القرآن لا يجوز
نقلها من موضعها إلى مكان آخر. انتهى.
وما أفتى به
العلامة والمحقق الفهامة مولانا الشيخ عبد العزيز المفتى الشافعى أدام الله النفع
بوجوده خلاصة ذلك التأليف وزبدة ما فيه ، وليس فى قواعدنا ما ينافيه ويكون المعوّل
عليه ويرجع فى هذه الحادثة إليه ، وحيث كان إصلاح الحجارة المنكسرة وعمل الحجارة
التى يحتاج الحال إلى زيادتها .. وما أشبه ذلك تحتاج إلى زمن طويل كما جاء فى
السؤال فإنه يجوز لمن هو فى البلد من جانب السلطنة المذكورة ـ أيدها الله تعالى ـ مقام
فى نحو ذلك كما ذكر فى السؤال أن يشرع فى عمل ذلك إذا لم يخف على نفسه أو على غيره
ضررا وينبغى له بذل الهمة فى ذلك كما ظهر منه فى تنظيف المسجد الحرام وإصلاح
الشوارع والبرك التى للحجاج ، وكما فعل فى إصلاح عين مكة المعظمة وفى إجراء عين
خليص وبذل همته فى ذلك ، وتعاطى ذلك بنفسه مع مزيد الاعتناء بسببه والقيام عليه
أجزل الله له الثواب وقابله بالإحسان فى يوم الحساب ، فقد حصل بذلك الرفق العظيم
للزوار والحجاج ولكل من سلك فى تلك الفجاج ، لا شك أنه منور البصيرة ، صافى القلب والسريرة
، إذ وفقه الله تعالى للسؤال عن ذلك والاهتمام فى سلك هذه المسالك ، والاعتناء
بشأن الكعبة المعظمة التى هى فى الأولية والإسلام محترمة ، زادها الله تشريفا
وتكريما ومهابة ، فإذا شرع فى المؤن والأحجار وما يحتاج إليه يجب أن يكون الصرف
على ذلك من مال حلال لا تعلم فيه شبه قوية ويتحرز فى ذلك غاية التحرز مهما أمكن ،
تقبل الله منه السعى الجميل وقابله عليه بالثواب الجزيل ، وخلد دولة هذه السلطنة
العثمانية ، ولا زالت مدى الأيام والليالى محروسة محمية ، وزاد هذا البيت الشريف
تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما وزاد من شرفه وكرمه تشريفا وجلالة وتكريما ،
وألهمنا الصواب فى القول والعمل ووقانا أجمعين من الخطأ والزلل ، بمحمد وآله آمين
، والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________________
نمقه الفقير عبد
الله بن أبى بكر بن ظهيرة القرشى الحنبلى
الخطيب والإمام
والمفتى بالمسجد الحرام
صورة الفتوى الشريفة
المعطاة من قبل
الشيخ محمد عبد العظيم المكى من علماء الحنفية بخصوص تنظيف الحرم الشريف
السؤال :
ما يقول السادة
العلماء أئمة الدين نفع الله بعلومهم المسلمين فيما إذا أدخل السيل إلى المسجد
ترابا وأوساخا بكثرة واحتاج الحال إلى حملها ولزم من ذلك دخول جمال وحمير إلى
المسجد وربما يقع منها روث بول فهل يجوز دخول الحمير والجمال للحاجة لذلك أم لا
يجوز شىء من ذلك؟ والحال أن الوقت ضاق بموجب قرب الموسم والضرورة اقتضت ذلك أفتونا
مأجورين.
الجواب :
إن تحققت يجوز
إدخالها لضرورة وخصوصا لمصلحة المسجد وإذا وقع منها بول أو روث يسارع إلى تنظيفه
وإن اندفعت الضرورة بإدخال الجمال فقط ، فيقتصر عليها للخفة التى فى بولها وللخلاف
فى روثها. والله تعالى أعلم.
حرره محمد عبد
العظيم المكى الحنفى.
صورة الفتوى الشريفة
التى أصدرها الشيخ
خالد بن أحمد بن عبد الله الجعفرى وهو من علماء المالكية بخصوص تنظيف الحرم الشريف
:
الجواب :
أما الإبل فبولها
وبعرها طاهران عندنا. لأن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ طاف على بعيره ولأن إدخال
البعير إلى المسجد مع عدم الأمن والسلامة عما يخرج دليل على طهارة ما يخرج منه
وقال الإمام أبو حنيفة والشافعى بأن ما يخرج من الإبل نجس وأما الحمير فأبوالها
وأرواثها نجسة.
وطريق العمل فى
ذلك أنه إذا اضطر إلى ذلك وأمكن الاكتفاء بالإبل اكتفى بها لكى يطهر المسجد مما
يخرج منها عند الكل وأما الحمير فإن اضطر إليها أدخلت وطهر المسجد مما يصيبه منها
وحيث طهر المسجد فيبادر إلى التطهير ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
نمقه الفقير خالد
بن أحمد بن محمد بن عبد الله. المالكى الجعفرى.
صورة الفتاوى الشريفة
التى أعطيت بخصوص
تغطية الكعبة الشريفة بالستائر عند الإزماع للبدء فى بناء بيت الله.
السؤال
الذى أورده رضوان أغا :
ما قولكم ـ رضى
الله عنكم ونفع بعلومكم المسلمين ـ فى بناء البيت الشريف زاده الله شرفا وكرما هل
يجب ستره عن أعين الناس لأجل البناء والفعال حفاظا للحرمة ورعاية لزيادة الأدب وإن
ضاق الحال بالطائفين على وجه أفضل أم يجوز بناؤه مكشوفا من غير حائل وستر لأن ذلك
فيه كمال الرفق بالمعلمين والبنائين من حيث التمكن من البناء على الوجه المطلوب
وهل الستر من حيث هو واجب أم مندوب مستحب أم كيف الحال بينوا لنا ذلك.
الفتاوى الشريفة
التى أعطيت ردا على أسئلة رضوان باشا
الجواب :
الحمد لله ربنا
اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا ، لا ريب فى كون ستر البيت الشريف ـ زاده الله
شرفا وتعظيما ـ حال بنائه مندوبا إليه ، وذلك غير مانع من حصول كمال فضيلة الطواف
ولا يمنع أيضا من المشاهدة ، وأما بناؤه مكشوفا من غير ستر فغير لائق بوجه من
الوجوه وليس من الأدب ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم ، وهو المسئول أن يستر
عيوبنا ويغفر ذنوبنا.
حرره الفقير أحمد
بن محمد آق شمس الدين المدرس الصديقى الحنفى.
الجواب :
الحمد لله : ستر
البيت عن أعين الناظرين ، حال بنائه مندوب ندبا متأكدا لا واجب ، والطواف وراء الستر ليس مفضولا ، بل الستر قام مقام
البيت فلا يمنع من كمال فضيلة الطواف ، بل ولا يمنع من المشاهدة ، لان كسوة البيت
جعلت لمنع أعين الناظرين إليها ، وهذا الستر كذلك بل هذا آكد ، لأن النظر إلى
البيت حال بنائه أفظع من النظر إليه مستورا ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم.
نمقه الفقير إلى
الله خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.
الجواب :
الحمد لله : ربنا
لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، ستر البيت الشريف أثناء الشروع فى بنائه ، بل
وعند الشروع فى مقدمات ذلك كهدم ما يحتاج إلى هدمه منه مندوب إليه ومما ينبغى وليس
بواجب وذلك اقتداء بفعل سيدنا عبد الله بن الزبير ـ رضى الله عنهما ـ ومن كان فى
عصره من أجلاء الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ فإنه لما عمر الكعبة الشريفة وضع عليها
ساترا بإشارة عبد الله بن عباس ـ رضى الله عنهما ـ وقد نقل ذلك العلامة الأزرقى فى
عدة مواضع من تاريخه ، فقال فى (باب ما جاء فى بناء الزبير للكعبة) ما نصه أنهم
قاموا أعانهم الناس فما ترحلت الشمس حتى ألصقها كلها بالأرض من جوانبها جميعها
فبدأ فى هدمها يوم السبت للنصف من جمادى الآخرة سنة أربع وستين ، ولم يقرب ابن
عباس مكة يوم هدمت الكعبة وحتى فرغ منها أرسل إلى ابن الزبير لا تدع الناس بغير
قبلة وانصب من حول الكعبة أخشابا واجعل عليها الستور حتى يطوف الناس من ورائها
ويصلوا إليها ففعل ذلك ابن الزبير. انتهى.
وقال فى موضع آخر
ما نصه : ونصب الخشب حولها حيث تم سترها وبنوا من وراء الستر. انتهى.
__________________
هذه النصوص كلها
صريحة فى أن الساتر المذكور مندوب إليه وليس فيها دلالة على وجوبه عند الشروع فى
البناء ، بل يحتمل أنه جعل عند الشروع فى مقدمات ذلك كالهدم وهو الظاهر اللائق
بحرمة البيت الشريف التى أمرنا بها ، ولا شك أنه لو هدم وبنى من غير وجود ساتر
بينه وبين الأعين لسقطت هيبته من قلوب كثير من الناس ممن لا ينظرون إلا إلى الصور
ويترتب عليه هتك حرمته ، وقد أجمع العلماء على استحباب كسوة الكعبة واستمرارها
عليها والقصد من ذلك سترها عن الأعين لما يلزم من عدمه من المحذور المذكور فليكن
هذا الساتر ، بل أولى ، لأن رؤية الكعبة المشرفة متهدمة أفضح من رؤيتها مجردة من
أثوابها ، ومن زعم أن الساتر المذكور ، مما ينبغى فعله فقد حاد عن طريق الصواب
وأخطأ من وجوه عديدة ، ولا يسعها هذا الجواب ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
حرره الفقير زين
العابدين بن عبد القادر الحسين الطبرى الشافعى إمام المقام الشريف.
صورة الفتاوى الشريفة
الصادرة على أثر
الخلاف الذى وقع بشأن هدم الجدار الكائن بين الحجر الأسود والركن اليمانى
السؤال الذى طرحه
رضوان أغا :
ما يقول السادة
العلماء أئمة الدين ومرجع الخاص والعام من المسلمين وقطع بوجودهم دابر المفسدين
وعمر بهداهم شعائر الإسلام للمهتدين ، فى الجدار اليمانى من البيت الشريف زاده
الله تعالى تشريفا وتعظيما ، الذى يظهر فى بادئ النظر للعوام أنه مستقيم والحال
أنه مائل دخل أعلاه وبارز أسفله من رأس الركن الذى على الحجر الأسود إلى «المدماك»
الذى تحت الحجر الأسود نصف ذراع ومن نحو نصف الجدار المذكور ذراع كامل ومن محل
وصول الميزاب فى المدماك المذكور إلى أرض المكان قدر الميل ثلث أيضا فيكون الميل
من رأس الركن إلى
أرض المطاف نصف
ذراع وثلث ذراع ومن قرب الحجر الأسود المحل الثانى فى الوزن ذراع كامل ومن المحل
الثالث فى الوزن الذى بالقرب من وسط الجدار ذراع وثلث كل ذلك بذراع القماش الحديد
وقد ظهر كل ما ذكر أعلاه من الميل فى الأماكن الموزونة بالمشاهدة لكل من حضر من
العلماء المهندسين والمعلمين وغيرهم ومهد أرباب الخبرة من المهندسين والمعلمين
والعارفين ببناء عقارات الجدار المذكور وما كان مثله خصوصا من المنحوت إذا مال نحو
سدس ذراع يجب هدمه ولا يجوز بقاؤه سواء كان ذلك فى محل مملوك أو محل موقوف أو مال
يتيم وأنهم يوجبون ذلك ، وذكروا أن هدم الجدار اليمانى من البيت من أوجب الواجبات
لما فى هدمه من المصالح الواجبة فى تعظيم البيت الشريف ـ زاده الله شرفا ـ ولما فى
بقائه من خلاف ذلك ـ نعوذ بالله منه ـ فهل يجوز لمن له ولاية العمارة من جانب
السلطنة العثمانية ـ خلد الله دولتها وأيد صولتها ـ أن يهدم هذا الجدار اليمانى
المذكور ليقيمه ويقيم بناء البيت الشريف جميعه على الوجه الذى يليق به من اتفاق
العمارة وتحسينها الواجب ذلك فى حق البيت الشريف ـ زاده الله مهابة وتكريما وزاد
من عظمته وإكرامه تشريفا وتعظيما ـ أم لا يجوز ذلك والحال ما ذكر؟ أم كيف الحال؟
بينوا ذلك تبيانا شافيا؟ أثابكم الله الجنة بمنه وجزاكم عن الإسلام والمسلمين
خيرا.
صورة الأجوبة
الشريفة المعطاة ردا على السؤال المذكور :
الجواب :
حيث كان الحائط
المذكور بالصفة المذكورة عن العدول المذكورين فى السؤال وأرباب الخبرة من أهل
الصناعة وغيرهم فهدمه وتجديده أولى ، بل متعين لأنه أحق من الهدم الصادر من سيدنا
عبد الله بن الزبير لأن قضية ابن الزبير كانت محتاجة إلى الترميم فقط ، كما أشار
إليه هو ـ رضى الله عنه ـ وهذه محتاجة إلى الهدم والبناء لا سيما مع الانهدام
والهدم الكائنين فى الثلاثة الأرباع ، إذا كان ابن
الزبير ـ رضى الله
عنه ـ ومن خالفه فى القضية يقولون بالهدم فيكون ذلك فى قضيتنا أولى ، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
نمقه الفقير خالد
بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.
الجواب :
الحمد لله ولا حول
ولا قوة إلا بالله ، حيث كان الجدار المذكور من البيت الشريف ـ زاده الله تشريفا
وتعظيما ـ بالجملة المشروحة فى السؤال المشاهدة لأهل العلم من الرجال وشهد بخرابه
أرباب الخبرة الموثوق بهم فى كل حال الذين يغلب على الظن فيهم عدم التهمة فى هدم
ما كان خاليا من البقاء ولا غرض لهم فى تخريب أدنى جزء منه خوفا من الله يوم
اللقاء ، فهدمه بعد تحقق ما ذكر جائز بل واجب على من فوضه السلطان الأعظم ـ خلد
الله سعادته وأيد سيادته وأقام به شعائر الدين وقطع بسيفه رقاب المعتدين ـ عمارة
بيت الله العظيم وإعادته على الأسلوب القديم وبناء جدرانه على ما كانت عليه
وإحكامها بكل وجه يمكن التوصل إليه فذلك من أعظم شعائر الإسلام وبقاء ما كان خرابا
منه على حاله مع إمكان إزالته من موجبات شرور الفجرة الطغاة ، وقد صرح علماؤنا ـ رضى
الله عنهم ـ بجواز هدم ما تحقق خرابه من البيت الحرام وما نصوا عليه لا يجوز
مخالفته ومن خالف أقوال العلماء كان مكروها عند الله وخلقه أعاذنا الله من ذلك
وسلك بنا أحسن المسالك ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
حرره الفقير عبد
العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى.
الجواب :
الحمد لله ربنا
اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا فى أمرنا ، لا ريب فى أن الواجب على كل مسلم تعظيم هذا
البيت الشريف زاده الله من التعظيم والتكريم والتبجيل والتشريف ، وقد شاهدنا نحن
والجم الغفير من العلماء والولاة حقيقة ما ذكر فى
السؤال من الجواب
ولم يزل يبلغنا كل يوم من الثقاة السالكين منهم الصواب أنه تداعى إلى السقوط ما لم
يتدارك أمره مع شهادة المعلمين الموثوق بهم بخرابه وبقاؤه من بنائه إلى حال سقوطه
ألف عام إلا خمسة وعشرين عاما أوفى معجزة ، ولما أراد الله خرابه خرب ، وإذا ما
تحقق ما ذكر ومعلوم أن إبقاء شىء منه على حاله محال وجب هدمه بغاية الإجلال
والاعظام ومزيد التوقير والاحترام وشكرت مساعى من فوضت إليه هذه الخدمة الجليلة
المقدار من قبل من فوض له ذلك مولانا السلطان العظيم الفخار دامت سلطنته العظمى
مادام الفلك الدوار ، وثواب على عمارته وإعادته على الأسلوب الحسن بناء جدرانه على
ما كانت عليه مهما أمكن وغير لائق البقاء ما كان خرابا على حاله مع إمكان إزالته ،
ولقد نص العلماء على جواز هدم ما تحقق خرابه من البيت الشريف إذا لم يمكن بقاؤه ،
نسأل الله أن يوفقنا ومن تشرف بهذه الخدمة إلى ما يحبه ويرضاه ويكون عونا لكل منا
فى أولاه وأخراه وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويوفقنا
لاجتنابه والله أعلم.
نمقه الفير أحمد
بن محمد بن آق شمس الدين المدرس الصديقى الحنفى السهروردى.
الجواب :
الحمد لله ربنا لا
تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ونعم جوابى كذلك
سلك الله بالقائم بخدمة هذا البيت الشريف أحسن المسالك.
الفقير الحقير عبد
الله بن أبى بكر بن ظهيرة القرشى الحنبلى.
صورة السؤال الذى
طرحه رضوان أغا :
السؤال :
ما تقول السادة
العلماء أئمة الدين ـ نفع الله بعلومهم المسلمين ـ فى ما إذا احتاج الحال فى عمارة
البيت الشريف ـ زاده الله تعالى تشريفا وتعظيما ـ إلى إقامة حائل وأخشاب بالطواف
وجعل ألواح عليها وستارة ليمنع ذلك من دخول
نحو كلاب ودواب
غيرها تنجس البنيان وتوسخه ويمنع من دخول من لا فائدة فى دخوله بل ربما من دخوله
ضرر وإقامة ذلك من ضروريات العمارة اللازمة والمعتادة بحيث إنه لا يبنى البناء على
الوجه المطلوب إلا بذلك مع بقاء جانب من الطواف أكثر مما يحجب بهذه الستارة
للطائفين والمصلين يؤدى فيه ذلك فهل يجوز فعل ذلك أم لا يجوز والحال ما ذكر ،
أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة.
الأجوبة الشريفة
المعطاة ردا على سؤال رضوان أغا :
الجواب :
الحمد لله ولا حول
ولا قوة إلا بالله : الذى يؤخذ من كلام علمائنا ـ رضى الله عنهم ـ حيث قالوا يحرم
الجلوس خلف المقام وبسط السجادة وإن لم تجلس عليها لما فى ذلك من منع فضيلة سنة
الطواف فى ذلك المحل للطائفين وحيث قالوا أن ما يفعل بالمسجد من بناء نحو منارة أو
ضرب لبن فيه إن فعل لمصلحة المسجد ولم يضق جاز إلا أنه إن ترتب على وضع الأخشاب
الموضوع عليها الستائر منع فضيلة مشاهدة البيت الشريف أو منع فضيلة القرب منه
للطائف حالة الطواف أو كان فيه تضييق على المصلين لم يجز وضع ما ذكر إلا إن تحقق
دخول شىء من الكلاب وملامستها شىء من أجزاء البيت الشريف مع رطوبة فى أحدهما أو
وصول شىء من النجاسات غير ما ذكر ولم يكن حفظها عن تطرق ذلك إليها إلا بوضع
الأخشاب الساترة فيجوز حينئذ وضعها بل يجب إذا لم تصن إلا بفعل ذلك صيانة لأجزاء
البيت المعظم عن تلطخه بما ذكروا أما السقائل التى تتوقف مباشرة البنيان ـ واتباعهم
للبناء ـ على وضعها ورفع الأحجار إلى محلها على إقامتها فيجوز لما فى ذلك من
المصلحة المتوقف البناء عليها والحاجة الأكيدة إليها ألهمنا الله سلوك طرق الصواب
وكشف عن قلوبنا ظلمة الحجاب ، والله ـ سبحانه وتعالى ـ أعلم.
حرره الفقير إلى
الله عبد العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى حامدا الله ومصليا على نبيه صلى الله
تعالى عليه وسلم.
صورة الفتوى الشريفة
الصادرة والمتعلقة
بعدم جواز تدريس صحيح البخارى داخل بيت الله الحرام.
السؤال :
ما تقول السادة
العلماء أساتذة الدين ـ قمع الله تعالى بهم المفسدين وقطع بسيوف أنظارهم الشريفة
دوائر المبتدعة والملحدين ـ فى الجرأة على بيت الله الحرام ـ زاده الله تعالى
تشريفا واحتراما ومهابة وإجلالا إلى يوم القيامة ـ وهتك حرمته بإدخال أطباق اللوز
والزبيب فى جوفه وتدريس كتاب البخارى فى المدارس وغيرها ما حكم هذا التدريس
المذكور على هذا الأسلوب المذكور فى جوف هذا البيت العتيق المحترم مهبط الرحمة
والنور أفتونا مأجورين أثابكم الله الجنة.
الجواب الذى أعطى
ردا على السؤال المذكور :
الحمد لله لا شك
أن النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بعث بلسان الشرع وقد أمره الله بتبليغ الشرع قال
عز من قائل : (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما
بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ) (المائدة : ٦٧).
أو رسالاته أى وإن لم تبلغ بعض ما أمرت به فحكمك حكم من لم يبلغ شيئا والمبلّغ
الكتاب العزيز والسنة الشريفة التى هى أقواله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأفعاله
وتقريراته وعزمه وهمته ، فكل من الكتاب والسنة مأمور بتبليغه : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) (النحل : ٤٤)
والبيان بالسنة وهى وحى قال الله جلّ ثناؤه : (وَما يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) (النجم : ٣ ، ٤)
وقد بلغ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جميع الموحى إليه من الكتاب والسنة وقد شهد له
المولى ـ جل جلاله ـ بتمام التبليغ فقال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة : ٣)
ودخل ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ البيت الحرام وفاقا وخلافا خمس مرات إلا أن بعضها
متفق على دخوله
فيها وبعضها مختلف فيه ، والصحيح أنه لم يدخل وثبت أنه ـ صلّى الله عليه
وسلّم ـ جلس مجلسا فى البيت صلى فى بعضها ولم يوجد له معارض واختلف فى بعضها هل
صلى أو دعا فقط وهذا الخلاف فى الصحيح وثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان لا
يرفع طرفه إلى البيت ولم يثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان لا يرفع طرفه إلى
البيت ولم يثبت أنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ جلس مجلسا فى البيت للتعليم ولو أقل
جلوس إذ لو ثبت لنقل لتوفير دواعى النقل إليه وكذا لم يثبت عن الخلفاء الأربعة ولا
عن أحد من أعلام الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ وهم القدوة قال ـ صلّى الله
عليه وسلّم ـ : «أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» بل لم يثبت عن أحد من أعلام هذه الأمة كالإمام أبى حنيفة
النعمان بن ثابت وأصحابه وكالإمام أحمد وأصحابه من عصر الصحابة إلى وقتنا هذا
فتبين أن دخول البيت الحرام لدرس التفسير والحديث أو غيرهما بدعة شنيعة وخصلة
ذميمة منكرة محرمة ويدل على تحريمها ما ثبت بطريق العرف بحيث لا ينكر وقوع التبخير
عقب الدرس والشموع وماء الورد وغيره وإنشاد المنشدين وقد يؤتى بأشياء غير متوقعة
كأن يحضر العوام الجهلة الدروس فيبادرون إلى أكل ما ذكر ورمى نواه فى البيت ولا شك
أن هذا مهين للبيت الحرام الذى هو قبلة الإسلام وقد هدمها ابن الزبير ومن تبعه من
الصحابة والتابعين ـ رضى الله تعالى عنهم ـ لا لسبب اقتضاه هدمها سوى ما يقتضيه
ترميمها من أنها دون بيوت الأماثل ، وبرد هذه الخصال الذميمة ، سادت الكعبة
الشريفة على بيوت الأراذل ، فضلا عن الأكابر فيكون الدخول المؤدى إلى ذلك محرم ولا
شك فى جرّ أول دخلة لهذا المقصد للدخلات المقتضية لما تقدم والدخلات تبين أنها
محرمة فكان الدخول الأول الجار إليها محرما ، (رَبَّنا لا تُزِغْ
قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ
أَنْتَ الْوَهَّابُ) ، (آل عمران : ٨) (رَبَّنا وَلا
تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا
__________________
وَلا
تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا
أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (آخر البقرة) ،
ونسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ، وما
توفيقى إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
وسلم.
نمقه الفقير خالد
بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكى الجعفرى.
السؤال الذى طرحه
رضوان أغا :
السؤال :
ما يقول السادة
العلماء ، أساتذة الملة والدين ، وقمع الله تعالى بوجودهم المفسدين وقطع بسيوف
أنظارهم السديدة دابر كل مبتدع وكل ملحد مهين ، فى التجنى على بيت الله الحرام ـ زاده
الله تشريفا وتكريما ومهابة وتعظيما ـ وهتك حرمته بإدخال اللوز والزّبيب ونحوها
وأكلها فى جوفه وكذلك إدخال الفرش والبسط مع جماعة وفرش تلك البسط للجماعة فيه
وإدخال مجامر البخور وإدارتها بين الجماعة فيه كل ذلك لتدريس كتاب البخارى وإلقائه
على الجماعة المذكورين على هيئة تدريسه الكائن فى المدارس وغيرها كل ذلك فى جوف
البيت العتيق والكعبة الشريفة المعظمة لا زالت مبجلة محترمة. ما حكم هذا التدريس
المذكور بهذا الأسلوب المسطور فى جوف هذا البيت العتيق مهبط الرحمة والنور؟
أفتونا مأجورين
أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه.
الجواب الذى أعطى
ردا على السؤال المذكور :
الحمد لله ولا حول
ولا قوة إلا بالله : غير خاف على ذوى العقول السليمة والأفهام المستقيمة أن
السعادة العظمى والكمال الأسنى الأسمى ، فى الاتباع لما فعله النبى ـ صلّى الله
عليه وسلّم ـ والاقتداء بما سلكه الأصحاب الكرام أو من جاء بعدهم من التابعين
والعلماء الأعلام ، ولم ينقل عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ ولا عن أحد ممن جاء
بعده إلى هذا الزمن ، أنه درس شيئا من العلوم وأبدى شيئا من المواعظ وعقد مجلسا
لذكر الله فى وسط الكعبة الشريفة مع احتياج الناس إذ ذاك إلى التعلم ، والالتفات
إلى أفعاله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والاقتداء ، بها ولو كان فعل شىء من ذلك فى
وسط الكعبة مطلوبا
ما تركه ـ عليه الصلاة والسلام ، بل المنقول عنه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وعن من
بعده إنما هو مزيد التواضع والخشية والافتقار والصلاة والدعاء والاستغفار عند
دخوله فيها ، ولذلك حذر علماءنا ـ رضى الله عنهم ـ من الزيادة على صلاة ركعتين
فيها إذا كان خشوعا وخضوعا متوفرا ، وإلا فالأولى أسرع الخروج منها. وقالوا ليس من
الأدب أن يرفع الداخل بصره إلى سقفها لقول عائشة ـ رضى الله عنها ـ كما رواه
البيهقى : «عجبا لمن دخل الكعبة كيف يفعل ـ أى يرفع بصره ـ ليدعه إجلالا لله
وإعظاما ، دخل رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده
حتى خرج منها» .
وقال الإمام أبو
على الزعفرانى من أعظم أئمتنا : من أحب دخوله إلى البيت فليدخل بصدق إخلاص محبته
لله تعالى وتعظيما له بالخشوع والاستكانة والخضوع خائفا راغبا راهبا ذاكرا مستغفرا
داعيا متضرّعا إذا علمت ذلك وأن المعروف من حال النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وأحوال
من بعده عند الدخول فيها ما ذكر ، ونظرت فى قول النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ «من
أحدث ـ أى ابتدع أىّ شئ واخترعه من قبل نفسه ـ فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أى مردود على فاعله لبطلانه وعدم الاعتداد به.
وقوله عليه الصلاة
والسلام : «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من المهتدين عضوا عليها بالنواجذ
وإياكم والمحدثات فإن كل محدثة بدعة» ، وقول إمامنا الشافعى ـ رضى الله عنه ـ : من أحدث وخالف
كتابا أو سنة أو إجماعا أو أثرا فهو البدعة المذمومة ، وفعل هذا الشخص المذكور لما
ذكر على الوجه المذكور بدعة قبيحة شنيعة وتجرؤ منه على بيت الله ـ تعالى ـ لما فيه
من هتك حرمته
__________________
وإساءة الأدب مع
الله ـ تعالى ـ والإخلال بتعظيمه وإجلاله. إذ المراد من تعظيم الكعبة تعظيم من هى
منسوبة إليه والإخلال بحرمتها إخلال بحق الله ـ سبحانه وتعالى ـ وهذا من أقبح
الأفعال ويستحق فاعل ما ذكر التأديب وعظيم النكال اللائق به وبما ارتكبه من إدخال
ما ذكر بيت الله وجلوسه فيه مجلس تدريس غير مطلوب ، ولا نقل عن أحد ممن سبقه وإنما
الحامل له عليه مجرد الشهوة والإرادة والإشاعة.
وقد صرح علماؤنا
بأن المراد بالمحدث الذى هو بدعة وضلالة ما ليس له أصل فى الشرع وإنما الحامل عليه
مجرد التشهى والإرادة ، وبيت الله تعالى يجب تنزيهه عن أن يفعل فيه شىء مما ذكر
لما فيه من الإشعار بالاستحقار بحقه وعدم الاعتناء بشأنه والقيام بحرمته. وهذا خرق
عظيم ووبال على فاعله وخيم ويترتب على السكوت على هذه الداهية العظمى ـ إن لم يزجر
فاعلها ـ امتداد رقاب غيره إلى فعل ما فعله ليكون له شهرة بذلك فيصير بيت الله ـ الذى
عظمه النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بدخوله فيه بغاية التواضع ملعبة إن مكّن طالب
ذلك منه. وإضافة لذلك فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح ـ على تقدير وجودها ـ فكيف
وهذا الفعل على الوجه المذكور ليس إلا هتكا لحرمة بيت الله الذى إجلاله من إجلاله.
ومما دل على ما
ذكرناه من كون فعل هذا الشخص بدعة شنيعة ، إنكار ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ على
الجماعة الذين اجتمعوا فى المسجد يدعون اجتماعهم على هذه الهيئة المخصوصة التى لم
يفعلها النبى ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ والإنكار من هذا الصحابى العظيم على من ذكر
لاجتماعهم على هذه الهيئة ، إشارة بأنهم مفتحو باب الضلالة فلا مراء أن من فعل هذا
فهو من أشنع البدع وأكرهها وأقبحها والإنكار عليه من الأمر اللازم لينزجر هو
وأمثاله عن العود إلى مثل هذا الفعل الغير اللائق بحرمة بيت الله تعالى ، وحديث
الرسول ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لا يشك من له أدنى مكنة فى العلم أنه أفضل ما
يقرأ لكن لما كان المقصود من دخول الكعبة الشريفة الصلاة والدعاء والاستغفار كما
فعل ذلك رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ كان المنع
من القراءة فيها
من اللازم لإحداث أمر لم يكن مطلوبا فيها ، ولم يترتب على ذلك ما ذكرناه وقد صرح
العلماء بأن كل عبادة خصت بمحل لا يفعل غيرها بذلك المحل ، ولذلك قالوا : إن قراءة
القرآن بالطواف خلاف الأولى لاختصاص الطواف بأذكار تقال فيه فمنعهم من اشتغال
الطائفة بقراءة القرآن الذى هو أعظم من غيره يدل على منع المشتغل بقراءة الحديث فى
جوف الكعبة لاختصاصها لما ذكرناه ، فكيف بقراءته على الوجه المذكور المشعر بغاية
الاستحقار والإخلال لعظمتها وحرمتها ، أعاذنا الله من ارتكاب ما لا يليق بجلالة
بيت الله وحرمته ومن تعدى حدوده وانتهاك حرمته ووفقنا لما يحبه ويرضاه بمنه وكرمه.
حرره الفقير عبد
العزيز بن محمد الزمزمى الشافعى.
* * *
الوجهة الثالثة
هذه الوجهة تشمل
صورا ستة :
تبين عدد المرات
التى وسع فيها المسجد الحرام السعيد.
ومن قام بتوسيعه
وترتيبه وكيفية ذلك ومتى بدأ الأهالى الكرام بإرسال الصرر إلى الحرمين الشريفين؟
ومتى أخذت ذلك
عادة؟ وما الأسباب التى أدت إلى زيادتها وما مقدار تلك الصرر التى ترسل؟ ومن الذين
ترسل لهم؟ ومن الذين ينالون الهدايا؟ وما مقدار الوقود ـ وسائر ما تمس الحاجة إليه
فى المسجد الحرام؟ وكذلك القناديل وشتى أنواع الشموع مع بيان مقدارها ونوعها ،
وتبين كذلك أول من أنشأ عين زبيدة ذاكرة مجاريها وقنواتها والذين جددوها وعمروها
وأصلحوها وعدد ذلك.
الصورة الأولى
فى توسيع وتعديل الحرم الشريف لأول مرة
أول من تفضل
بتوسيع الحرم الشريف للمرة الأولى هو عمر بن الخطاب رضى عنه الله الوهاب.
كان ما يحيط
بالمسجد الحرام إلى عصر الخليفة سيدنا «عمر الفاروق» المبارك وزمانه المقرون
بالعدل والقسطاس ساحة رملية شبيهة بالصحراء ، ولم يكن هناك ما نراه اليوم من مبان
، بل كان مساكن فقراء الغرباء المصنوعة من القش والحصير ، وكانت هناك طرق ملتوية
بين الأكواخ للوصول إلى حرم الكعبة المعظمة.
أما المسجد الحرام
وهو توأم حرم الجنة فكان فى تلك الآونة ممتدا إلى ما وراء مقام إبراهيم والمنبر
الشريف ، فأما الذى مازال موجودا إلى اليوم أمام الكمر الذى يسمى اليوم ب «باب
السلام العتيق» قد وضع علامة مميزة لحدود الحرم الشريف القديم.
ولم يغير وضع
الحرم الشريف القديم فى عهد أبى بكر الصديق لقلة المؤمنين وأبقى كما هو. لم توسع
ساحة الحرم الشريف فى ذلك العهد لاستيعابها مسلمى تلك الآونة.
إلا أن عدد
المسلمين قد زاد فى عصر عمر الفاروق المتميز بالعبادة بحيث ضاقت كل الساحة ذات
الفيوضات الإلهية لبيت الله بجموع المسلمين ولم تستوعبهم ، وأصبح توسيع مساحة بيت
الله وتفسحها يتجاوز درجة الوجوب ، وهكذا اشترى عمر بن الخطاب (رضى عنه الله
الوهاب) الأكواخ والدويرات الملتصقة بالمطاف وضمها إلى المسجد الحرام ، ولكن ذلك
التوسيع لم يف بالغرض مما اقتضى ضمّ البيوت الأخرى الكائنة حول الحرم إلى ساحة
الحرم ، وهذا ما دعا الخليفة إلى شراء بعض المنازل التى ستساعد على التوسيع.
وفى هذه المحاولة
الثانية للتوسيع لم يرض أصحاب المنازل بالتنازل عن دورهم ، بل سعوا لإحداث فتنة
بنشر أقوال مغرضة.
حينئذ استدعى عمر
بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ المعترضين على إعطاء بيوتهم وقال لهم : «لم يبن بيت
الله فى وسط بيوتكم ، بل أنتم الذين بنيتم بيوتكم حوله ، وضيقتم الساحة المقدسة
لكعبة الله» ثم دبر المبالغ اللازمة لشراء تلك الدور كما قدر ثمنها أهل الخبرة ،
ووضعها فى خزانة كعبة الله ثم هدم تلك البيوت وألحق أرضها بالمسجد الحرام ، وهكذا
وسع حرم المسجد الحرام على الوجه المطلوب.
ثم أحاط الحرم
الشريف بسور يزيد ارتفاعه على قدمين قليلا من جهاته الأربعة لتوضع عليه القناديل
والشموع ، ثم أمر بفتح بوابات مقابل الطرق التى تركها قصى» بن كلاب للدخول فى
المطاف السعيد. وفى ختام هدم المنازل جاء أصحابها إلى حضرة الفاروق عارضين ندمهم
وأسفهم ، ورجوه أن يعطيهم نقودا كافية لشراء سكن فأعطاهم المبالغ التى وضعها فى
خزانة بيت الله من قبل ، وهكذا أرضاهم وأسكتهم وكان ذلك فى سنة ١٧ الهجرية .
* * *
__________________
التذييل
قد تم التوسيع
المذكور للمسجد الحرام بعد سيل (أم نهشل) بخمس سنوات.
حكمة :
يظهر فى مكة المعظمة
كل عشر سنوات أو اثنى عشرة سنة سيول مرعبة مفزعة ـ لحكمة ما ـ وتعقب السيل بركة
عظيمة ورواج وتقل الأسعار وتعم النعمة الإلهية والكرم اللامتناهى الجبال والبوادى.
انتهى.
قد نكبت مكة
المكرمة بكثير من السيول كالسيل الذى مر ذكره ، وغدت البلدة العظيمة المقدسة خربة
وسكانها حيارى متعبين وهم يبحثون عن حل لنكبتهم.
يقول الإمام
الفاسى وهو يتحدث عن صواعق مكة المكرمة وأخطارها ، ناقلا عن الإمام الأزرقى عن
محمد بن يحيى وابن يحيى عن عبد العزيز.
١ ـ من السيول
الشهيرة التى شهدتها مكة المكرمة «سيل القارة» قد اجتاح هذا السيل المفزع مكة فى
الجاهلية فى زمن سيادة بنى خزاعة وأثناء حكومتهم ، قد ظهر سيل القارة بشكل مفزع
سريع ودخل فى المسجد الحرام واقتلع دوحة عظيمة فى طريقه وجرفها إلى أقصى حدود مكة
المكرمة ، ويروى أن رجلا وامرأة غرقا فى هذا السيل. ولم يعثروا على جثة الرجل
ولكنهم وجدوا جثة المرأة ، وكان اسمها «قارة» وكانت من كريمات نساء قبيلة بنى بكر
المشهورة لذا أطلق على هذا السيل «سيل القارة».
قد نظف صناديد بنى
خزاعة الحرم الشريف بعد انقطاع المياه التى تأتى من الأطراف ، وبنوا حول بيت الله
وحجر إسماعيل حائطا منخفضا تفاديا لما قد يظهر من السيول فيما بعد ، وظل
هذا الحائط إلى عهد حكم قريش.
__________________
٢ ـ من سيول مكة
الشهيرة ـ نوعا ما ـ السيل العظيم الذى وقع عقب «سيل القارة».
قال الإمام
الأزرقى وهو يعرف هذا السيل نقلا عن سعيد بن المسيب : قد وقع فى الجاهلية سيل آخر
مخيف وكان السيل المذكور أشد قوّة من سيل القارة» وبلغ درجة متناهية فى الشدة إذ
غمرت المياه ما بين الجبلين وغابت المنازل عن الأنظار.
٣ ـ من السيول
التى اجتاحت مكة المعظمة «سيل أم نهشل» الثالث من تلك السيول. وحدث هذا السيل فى
السنة الحادية عشرة الهجرية وفى عهد الخليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضى
الله عنه) ، وبدأ ظهوره على نحو مرعب من ناحية بيت (أبى سفيان بن حرب) أى من ناحية
طريق مكة المعظمة الذى ينتهى إلى المعلى ، فتدفق بشكل مخيف داخل الحرم الشريف
وانتزع المقام الشريف من مكانه وجرفه حتى الوادى.
وجرف أم نهشل بنت
عبيدة بن سعيد بن العاصى بن أمية من بنات «عبد شمس بن عبد مناف» أمامه وأغرقها.
لذا عرف ذلك السيل باسم «سيل أم نهشل».
وبعد ما توقف
السيل المخيف وانتهت صولته وجولته وانسحبت المياه الراكدة التى فى داخل المدينة ،
وجرت إلى بطن الوادى ، اتحد سكان مكة المعظمة وطهروا مدينتهم ونظفوها وهم يد واحدة
، وعثروا على المأثر اللطيف للمقام الشريف فى أسفل الوادى وحملوه إلى الحرم الشريف
، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يعينوا مكان الجوهر الثمين لحجر المقام ، ومن هنا
أبلغوا الأمر إلى الخلافة الإسلامية السنية وعرضوا عليها الوضع.
وحينما أطلع
الخليفة الفاروق الأعظم على الأمر اضطرب اضطرابا شديدا ، وأسرع بالسفر إلى مكة
المفخمة ناويا العمرة ، وبمجرد وصوله إلى مكة المكرمة أخذ يبحث عن رجل قدير على
تعيين موضع المقام الشريف.
ووجد ضالته فى «مطلب»
بن أبى وداعة السهمى «الذى يستطيع أن يعين موضع المقام الشريف فاستدعاه
واستفسر منه الكيفية.
وإذا بمطلب بن أبى
وداعة كان قد قاس المسافة بين الباب المعلى للكعبة الشريفة وبين المقام الشريف ،
وكذلك المسافة بين جدران بئر زمزم والمقام المنيف بحبل متوقعا أن يحدث مثل هذا
الحادث ، واحتفظ بالحبل فى مكان أمين فى منزله.
واستدعى حضرة
الفاروق مطلب بن أبى وداعة ، وأجلسه أمامه وطلب منه أن يحضر الحبل المذكور. وبعد
مسح المكان وتعيين موضع المقام الشريف ، وضع أساس البناء العالى الذى يطلق عليه
إلى يومنا هذا «المقام الشريف».
إن الحجر الشريف
الذى وضع فى داخل البناء الذى بناه عمر بن الخطاب هو الحجر الذى كان يضع عليه حضرة
إبراهيم (على نبينا وعليه التعظيم) قدميه فى أثناء رفع قواعد البيت.
وقد فصل فى بحث
الأثر الشريف كل ما يتعلق بهذا الحجر الميمون المبارك ، وأين وجد؟ وكيف حفظ إلى
الآن؟ وأين حفظ؟ كما فصل فى باب قدوم النبى الجليل إلى مكة المكرمة وكيفية سفره
وشكل الحجر الميمون وهيئته المرئية ومبانيه فى هذا المكان الذى يرجى قبول الدعاء
فيه.
بعد ما أنهى ابن
الخطاب (رضى الله عنه) العمليات الخاصة بمبانى المقام الشريف أصلح وعمر الأماكن
الأخرى لحرم المسجد الحرام ، كما أصلح ما خرب
__________________
من السد الذى يطلق
عليه «ردم بنى جمح». إن السيل الذى ظهر بعد تعمير سد «بنى جمح» قد فاض من جهة السد
المذكور ، وأخذ يصب إلى المياه الرمادية التى تراكمت فى سهل وادى إبراهيم ؛ لذا
أطلق على السيل الذى أتى من هذا الطريق اسم «سيل وادى إبراهيم».
إن المياه التى
تتكون من الأمطار التى تنزل عل جبال مكة فى ذلك الوقت تشكل سيلين عظيمين وتدخل فى
داخل المدينة وأحيانا تدخل حتى حرم الله وتخرب الأماكن المقدسة بالحرم.
إن السيل الذى
قلنا عنه وادى إبراهيم أحد هذين السيلين العظيمين ، وكان يظهر من جهة سد بنى جمح
ويمر بوادى إبراهيم المذكور ويجرى نحو شمال الوادى.
هو أحد السيلين
السالف ذكرهما وهو سيل مخيف مرعب. وكان هذا السيلى يهبط من جبال مكة الجنوبية
ويدخل إلى المدينة سالكا طريق محلات جياد ، ويبلغ البركة اليمانية ويرتد من هناك
ويجرى صوب أسفل البلاد.
وكان سد ردم بنى
جمح الذى وقع بين المحلات المسماة فى زماننا «المدعى» فى أوائل ظهور الإسلام كان
بيت الله بجانب السد المذكور الذى كان موجودا انذاك ، كان يبرز جمال هيئته لعشاق
بيت الله وزواره.
ولما كان الدعاء
مقرونا بالاستجابة حال رؤية بيت الله ؛ فإن الحجاج الذين يطئون هذا الموضع كانوا
يجتهدون فى الدعاء.
وفيما بعد حجبت
المنازل والبيوت التى أقيمت فى هذا الموضع رؤية البيت الأعظم ؛ وعلى الرغم من ذلك
ظل الدعاء على حاله كما كان فى الماضى إذ إنه من الثابت أن الرسول صلى الله عليه
وسلم قد وقف للدعاء فى هذا المكان. حتى إنه يشاهد على جانبى الطريق لافتة خاصة
مكتوب عليها : (هنا محل دعاء).
رواية :
قال حافظ الدين فى
كتابه «النافع» نقلا عن صاحب الهداية : «كنت قد نويت الذهاب إلى مكة المعظمة لأداء
مناسك الحج ، وعندما استأذنت من شيخى وطلبت منه الوصية قال لى : إن ثمة مكان مبارك
فى مكة يقال له «سوق الكراع» ، ومن هذا الموقع الشريف تبرز كعبة الله المتعال فى
جمال لا مثيل له ، وعندما تصل إلى هذا المكان وتنال شرف مشاهدة جمال بيت الله ،
فعليك أن تدعو قائلا : «اللهم اجعلنى من عبادك الذين تستجاب دعواتهم» لأن الدعاء
عند رؤية بيت الله رهين الاستجابة. انتهى.
بناء على ما ذكره
أهل العلم والدراية من سكان مكة المكرمة أن سيل جياد يحدث مرة كل عشرة أعوام ،
ويطغى بشدة منقطعة النظير ويفوق سيل «وادى إبراهيم» إلى حد جد بعيد ، ويملأ المسجد
الحرام بالطين والحصى ، ولقد بذل أشراف البلد وأعيانهم من السلف الصالح كل جهدهم
وصرفوا كل همتهم إلى حفر كثير من القنوات تحت الأرض لاستيعاب جريان مياه «سيل جياد»
، ولكن القنوات امتلأت بالمياه على مر الزمان ولم تخطر بذلك دواوين الخلافة ،
فاستمر تدفق السيل فى مجراه القديم تدفقا شديدا ـ حين حدوثه ـ وما زال يهدم البيوت
ويخرب الكثير من المنازل.
٤ ـ سيل الحجاف :
هو السيل الرابع الذى أفزع أهالى مكة المفخمة ، ولقد ظهر هذا السيل فى عهد عبد
الملك بن مروان ، وفى خلال العام الثمانين من الهجرة النبوية.
وقد ظهر ذلك السيل
فى وقت صلاة الصبح وكان الحجّاج ذوى الابتهاج فى وادى مكة ، وبدأ جريان المياه من
قبل صلاة الصبح ، ثم ازدادت شيئا فشيا فجرف السيل الحجاج القائمين فى محل الوقفة
كما جرف أثقالهم وأمتعتهم إلى المسجد الحرام.
وأحاط بالبيت
المعظم وهدم المنازل والحوانيت الكائنة فى ناحية الوادى وخربها ، وأغرق كثيرا من
الناس وأهلكم.
وبما أن الناس قد
لجئوا إلى الجبال لإنقاذ أرواحهم تاركين أمتعتهم وأموالهم أطلق عل ذلك السيل اسم «سيل
الحجاف». وحينما أبلغ هذا الخبر المخيف لعبد الملك ؛ أرسل إلى مكة المعظمة
الموظفين المختصين من قبله لبناء ما تهدم من البيوت ، ولحفر مجارى السيل وتعميقها
، وبناء جدران من الحجارة الكبيرة والمتينة حيث يستدعى البناء ، وقدم للأهالى
أموالا طائلة وأشياء لا تحصى وهكذا عجل بإظهار جوده وسماحته.
٥ ـ السيل الخامس
من سيول مكة «سيل عمر بن عبد العزيز» حدث هذا السيل فى السنة السابعة والتسعين أو
الثامنة والتسعين من الهجرة ، وكان سبب ظهور هذا السيل دعاء عمر بن عبد العزيز ،
لأن عمر بن عبد العزيز كان قد غادر الشام بنية الحج متجها إلى الأراضى الحجازية
الجالية للغفران.
فاستقبله أشراف
مكة وأعيانها وتحدثوا عن الجفاف قائلين : «يا سيدنا إن الحجاز ومكة معرضة للجفاف
فى هذه الأيام ، ويخشى من نقص الماء وإن أهل الحرمين فى أشد الاضطراب من هذا الأمر
وفى شدة الحزن مما سيصيب الحجاج الكرام من العطش فى موسم الحج هذا العام. وهكذا
أجبروا عمر بن عبد العزيز على دعاء الاستسقاء. وفى الحال هم الخليفة بدعاء
الاستسقاء بكل ما أوتى من عقيدة قوية وإيمان صادق بناء على الاتفاق الذى تم بينه
وبين الوفد المكى ، واشترك فى الدعاء قافلة الحجاج التى صاحبته وكذلك الوفد المكى
الذى جاء لاستقباله.
ولحكمة ما انهمرت
الأمطار بطريقة لم يسبق لأهالى البلاد الحجازية أن رأوا مثلها من قبل. وجاءت
السيول من جميع الجهات وأحاطت مكة المعظمة من
جهاتها الأربع ،
وعمر الحجاز بالخيرات وعم الخصب ورخصت الأسعار ؛ وذلك ببركة دعاء عمر بن عبد
العزيز.
٦ ـ السادس من
سيول الحجاز سيل أبو شاكر : وقد ظهر هذا السيل فى السنة السادسة والعشرين بعد
المائة الهجرية وفى عهد هشام بن عبد الملك. وكان «أبو شاكر» من أجلاء رجال الدولة
، وكان ضمن قافلة من قوافل الحجاج وقد اضطرب اضطرابا شديدا من شدة صولة السيل ،
وأظهر قلقا لذا ذكر ذلك السيل العظيم بعد فترة ما «بسيل أبى شاكر».
٧ ـ من السيول
التى خربت مكة المعظمة سيل مخيل : وقع سيل مخيل سنة مائة وثمانين واجتاح المسجد
الحرام بقوة وسبب ضررا غير قليل. ولا يمكن حصر البيوت التى انهارت والأرواح التى
أزهقت.
٨ ـ السيل الثامن
من سيول مكة «سيل حنظلة» ظهر هذا السيل فى سنة مائتين واثنتين وفى عهد الخليفة
المأمون. وبما أن هذا السيل قد ظهر بقوة شديدة نقل مقام إبراهيم الهمام إلى مكان
مرتفع خيفة انتزاع السيل له. وقد خرب هذا السيل المسجد الحرام ، وهدم كثيرا من
المنازل وأهلك بالغرق كثيرا من النفوس. ولما كان والى مكة فى تاريخ ظهور السيل يسمى
«حنظلة» فسمى السيل «سيل حنظلة».
٩ ـ قد ظهر سيل
آخر بعد سيل حنظلة بست سنوات سنة (٢٠٨) ، وقد اقتلع هذا السيل العظيم أركانا كثيرة
من المسجد الحرام ، وهدمها كما سبب غير قليل من الخسائر والمضرات لأهل مكة ، كما
جلب فى ساحة المسجد الحرام السعيد كثيرا من الطين والرمل مما دعا إلى إشراك النساء
فى خدمة تطهير المسجد الحرام. قد ظهر هذا السيل فى عهد الخليفة المأمون ، وفى خلال
السيل العظيم وسيل حنظلة تعرض الناس لمرض شديد ومات ما لا يحصى من الناس.
١٠ ـ ومن السيول
التى أفزعت الناس فى البلاد الحجازية سيلان وقع أحدهما وهو السيل العاشر بمكة سنة
٢٥٣ والثانى وهو الحادى عشر فى مكة فى سنة ٢٦٦. يعتبر السيل الذى وقع ٢٥٣ من
الأحداث المهمة التى حدثت فى البلاد الحجازية ، إذ دخل إلى المسجد الحرام وارتفعت
المياه حتى وصلت إلى الحجر الأسود ، وجلبت للمسجد خسائر عظيمة إلا أن السيل الذى حدث
بعده بخمسة عشر عاما كان أكثر رعبا وفزعا. إن هذا السيل قد خرب المنازل والمدارس
والحوانيت التى فى طريقه ، وبخلاف هذا فقد جرف الرمال التى كانت تفرش ساحة الحرم
الشريف ، وقد بلغ شدة جريانه حدا أنه جرف معه كل ما يقع أمامه من الأجسام الثقيلة
بدون قيد ولا احتراز ، كما أنه اقتلع جميع الحجارة التى فى داخل ساحة المسجد
الحرام.
وبعد هذه الواقعة
أى بعد سيل عام ٢٦٦ ظهرت سيول أخرى خلال ٣٤٤ سنة ، إلا أنه لا يعرف التاريخ أوقات
ظهورها ، ولكن مما يروى أنه فى خلال تلك الفترة هبطت على مكة سيول من الجبال التى
تحيط بها ، وهى سبعة سيول أو ثمانية ، وقيل إنها كانت مفزعة رهيبة ، وقد جرف إلى
ساحة الحرم الشريف الأتربة وعظام الحيوانات وغير ذلك ، وتحول داخل المسجد الحرام
إلى جبال مما سبب لأهل مكة التعب الشديد فى نقل المخلفات وترميم ما خربته السيول
وتعميره.
وقد نقل مؤلف «لطائف
الأخبار» عن قاضى مكة برهان الدين بن ظهير فى ذلك الوقت «أن أشد السيول التى هبطت
هو السيل الذى ظهر فى شدة مخيفة فى يوم الأربعاء الرابع عشر من ذى القعدة عام (٦٨٣)
وكأنه شعبة من المحيط الهادى.
إن السيل الذى
يذكره القاضى برهان الدين قد ملأ ساحة المسجد الحرام ذات الفيوضات الباهرة ، وهدم
كثيرا من أساطينه وخربها ، وأهلك فى داخل الحرم الشريف وخارجه وأغرق خمسائة وسبعين
شخصا.
قد ظل هذا السيل
فى داخل الحرم الشريف ما يقرب من أربعة أيام ، من يوم الأربعاء إلى يوم السبت وظلت
المياه تتزايد بغزارة فى تلك الأيام الأربعة ؛ إلا أنها أخذت فى النقصان يوم السبت
، وقد أصاب أهل مكة من شدة هيجان ذلك السيل فزع شديد».
ويقول القاضى
برهان الدين فى رسالة كتبها وأرسلها إلى مصر بعد أن تحدث عن وقت ظهور السيل ومدة
بقائه فى الحرم الشريف «إن المسنين الذين عاصروا السيل يذكرون أن مثل هذا السيل لم
ير له مثيل لا فى العصور الجاهلية ولا فى العهود الإسلامية.
إن المياه التى
تجمعت فى ساحة المسجد الحرام ، ارتفعت مقدار سبعة أذرع وثلاثة أرباع ذراع» وفى
خاتمة رسالته أومأ إلى أن أهل مكة كانوا على حق فيما أصابهم من شدة الفزع.
١١ ـ من السيول
التى يعرف التاريخ ظهورها السيل العظيم الثانى عشر الذى حدث فى سنة ١٥٣٨ الهجرية.
إن السيل المذكور قد ظهر فى ليلة الخميس العاشر من شهر جمادى الأولى من السنة
المذكورة ، واجتاح ساحة الحرم الشريف من البطحاء وارتفعت المياه قدر ذراع من فوق
عتبة باب بيت الله ، وأوقعت كثيرا من أبواب المسجد الحرام على الأرض.
وكان عدد الغرقى
والموتى لا حصر له ، ولم يكن بين أهالى مكة من رأى مثل هذا السيل العظيم ؛ فلو لم
يكف هطول الأمطار بعناية الله لما كان هناك شك أن كثيرا من حوانيت مدينة مكة
المكرمة كانت ستخرب.
١٢ ـ من السيول
الشهيرة السيل الذى ظهر مثل البحر بعد السيل الثانى عشر بأربع وستين سنة. وقد ظهر
هذا السيل ليلة الخميس العاشر من شهر جمادى الأولى سنة ثمانمائة واثنتين. ودخل فى
المسجد الحرام من جهة وادى إبراهيم واقتلع كثيرا من أبوابه وحطمها ، وكانت كثرة
الأمطار هى
التى تسببت فى
ظهوره وقد اشتد هطول المطر حتى ظن الذى كان يراه كأنه ينسكب من أفواه القرب.
وقد بلغ ارتفاع
المياه التى تجمعت فى المسجد الحرام خمسة أذرع ، وارتفعت بمقدار ذراع ونصف ذراع من
عتبة باب الكعبة المعلى. والماء الذى دخل الحرم بلغ من قوة جريانه أن هدم عمودين
كبيرين ، وهوى السقف الذى يحمله العمودان فمات ستون شخصا ممن كانوا تحته.
١٣ ـ وحدث السيل
الرابع عشر الذى ألحق بأهل مكة أبلغ الأضرار بعد السيل الثالث عشر بثمانية أعوام.
وقد ظهر هذا السيل فى اليوم الثانى والعشرين من شهر ذى الحجة من عام ثمانمائة
وعشرة للهجرة فى وقت الظهيرة ، وهدم السدود التى صنعت لتمنع المياه الفائضة من
القنوات ومجارى العيون فى وقت ظهور السيول ، وأغرق داخل البلد بالمياه وهجمت
المياه بشدة ودخلت فى ساحة الحرم الشريف بشكل مفزع ، وسرعان ما ارتفعت إلى الدرج
الخاص بجلوس الخطباء فى المنبر الشريف.
وبلغ الخبر من قبل
والى الإمارة إلى مقام السلطنة الذى عين مديرا من قبله لإجراء ما يقتضى إجراءه ؛
وأرسله إلى مكة المعظمة ، وبادر المدير فور وصوله بتعمير السدود الخربة وتشييدها
كما عمق قنوات عين زبيدة ومجاريها وجددها.
١٤ ـ من السيول
التى أرهقت أهل مكة والمتهم السيل الخامس عشر الذى وقع فى خلال عام ثمانمائة
وثمانين ، ولم ير مثيل له لا فى خلال أعوام الجاهلية ولا العصور الإسلامية.
وبالنظر لما ينقله
المرحوم الإمام السمهودى فإن السيل المذكور ظهر قبل وصول الحجاج إلى مكة ، وغمر ما
بين الجبلين وارتفع إلى أسطح المنازل الكائنة فى ناحية المعلى ، ومن هناك اجتاح
بقوة خارقة للعادة ساحة المسجد الحرام وألحق به خسائر جمة.
ولا يعلم إلا الله
ـ تعالى ـ عدد ما انهار من البيوت وما حاقت بهم من الخسائر وما فاضت من الأرواح.
وعندما سحبت مياه
السيل من المسجد الحرام أخرجت من تحت أنقاض المسجد الحرام جثث مائة وثمانين رجلا ،
ولم ير الطاعنون فى السن من أهل مكة سيلا يشبه هذا السيل الخطير.
١٥ ـ من السيول
التى جعلت أهل مكة ينتفضون مضطربين : السيل الذى حدث فى اليوم الرابع عشر من شهر
ذى القعدة عام ٨٨٧ للهجرة. وكان سيلا عظيما يخلع القلوب رعبا ، وكان وقوعه فجأة فى
اليوم المذكور واتجه نحو المسجد الحرام وسرعان ما تسرب إلى بيت الله وارتفع بطول
قامة إنسان داخل الكعبة المشرفة ، أما ما ترتب عليه من خسارة فلا يقع تحت الحصر
فانهارت الدكاكين فى أرجاء البلد والمدارس والمنازل ، وانهارت بعض أساطين المسجد
الحرام ولم تقم صلاة الجمعة فيه.
وما كان فى
الإمكان حصر عدد الهالكين تحت ما انهدم من أطراف المسجد الحرام وما بجانبه من
الدكاكين والبيوت والمدارس ، إلا أن سبعين جثة أخرجت من المسجد الحرام.
وكتب قاضى مكة
الذى كان يتولى منصب القضاء إلى حكام مصر قائلا : «إن هذا السيل الذى وقع هذه
المرة كان سيلا مفزعا حقا ، فقد ظلت جدران المسجد الشريف الأربعة مغمورة فى الماء
، وارتفع الماء على امتداد مساحته فى جانبه الأيمن والأيسر إلى سبعة أذرع وربع.
١٦ ـ من السيول
التى أحدثت خسائر عظيمة فى مكة المكرمة السيل السابع عشر من تلك السيول العظيمة.
ولم نستطع أن نعرف فى أى يوم من أى شهر وقع ، إلا أن المياه قد غمرت الصحارى
والسهوب والجبال والأحجار وملأ المسجد الحرام بالطين والحجارة وخربت المياه كثيرا
من الدكاكين والبيوت بما
فيها من أمتعة
وبضائع. وما كان فى مقدرة أحد أن يخمن عدد المتضررين ، أو ما ألحق بالناس من أضرار
هذا السيل ، وبعد انحسار المياه وجدت مائة جثة فأودعت الثرى. ولم يرد منذ عصر
الجاهلية أخبار عن سيل من السيول أبشع وأكثر رعبا من هذا السيل.
١٧ ـ السيل الثامن
عشر ظهر بعد عام من ظهور السيل السابع عشر من سيول مكة. ولا يعرف فى أى يوم من أى
شهر ظهر هذا السيل ، إلا أنه قد تسبب فى ضرر كبير وأدى إلى تلف كثير من ممتلكات
أهل مكة.
١٨ ـ السيل التاسع
عشر وقع بعد السيل الثامن عشر بمائة وخمسين سنة (١٠٣٩) ، وهو من السيول العظيمة
التى أخافت وأرعبت أهل مكة. وقد غرق فى خلال هذا السيل عدد لا يحصى من الناس وأصاب
أهل مكة بخسائر وأضرار لا يستطيع الإنسان أن يخمنها ، وكان سببا فى هدم وسقوط
أبنية الكعبة المفخمة .
١٩ ـ من السيول
التى أحصيت السيل العشرون الذى حدث فى سنة ألف وتسعين أما عدد الحجاج الذين ماتوا
غرقا فى هذا السيل فيفوق الحصر وما أصاب سكان مكة من سوء وخسائر فلا يمكن معرفته
بالتخمين.
٢٠ ـ وبعد مرور عام
على سيل عام (١٠٩٠) ظهر سيل عظيم آخر هو السيل الحادى والعشرون الذى أورد أهل مكة
مورد التهلكة وسبب لهم خسائر كبيرة. وبالنظر إل ما ذكره مؤرخو مكة فإن السيل
المذكور وقع فى اليوم الثالث والعشرين من شهر ذى الحجة عام (١٠٩١) الهجرى. وقد وقع
هذا السيل فى اليوم المذكور بعد صلاة الظهر بنصف ساعة على أثر هطول أمطار
__________________
خفيفة وجاء من
الجبال المتسلسلة التى تحيط بمكة وكان المطر قد انقطع تماما فى أثناء ظهور السيل.
وإن لاح فى بدء
ظهوره سيلا خفيفا إلا أنه أخذ يتزايد بالتدريج ، وتدفق تدفقا مرعبا ودام مدة طويلة
حتى دخل المسجد الحرام ، وجاوز ارتفاع المياه العتبة العليا لباب الكعبة السعيدة
بذراع واحد ، ودامت الحالة هكذا مدة أربع وعشرين ساعة ، وأخذ جريان المياه يقل
شيئا فشيئا حتى انقطعت المياه ووجد فى ساحة الحرم الشريف ما يقرب من خمس وعشرين
جثة.
وكان فى ناحية
المعلى شجرة جوز تحتها مقاهى متعددة ، وعندما بدأ السيل وظهرت المياه تسلقها ما
يقرب من مائة وخمسين نفرا من رواد المقاهى خائفين على أرواحهم من هول المنظر.
وحينما اكتسب
جريان السيل شدة كان فى ظل الشجرة بضعة مقاهى ؛ ولكن السيل المرعب قد اقتلع الدوحة
العظيمة من جذورها وجرفها إلى أمام باب الصفا ، والمساكين الذين لجأوا لأغصانها
حماية لأرواحهم كان مصيرهم الغرق.
كما هلك غير هؤلاء
كل هؤلاء الذين تصادف وجود حوانيتهم ومنازلهم على حافة جريان السيل ، إذ انهدم ما
يقرب من مائة وخمسين من تلك المنازل والحوانيت وفى داخلها أصحابها ولا يحصى عددهم
إلا الله.
وقد امتلأت البركة
اليمانية الكائنة فى الجهة الجنوبية لمكة المعظمة المقدسة بجثث الدواب النافقة وقد
ثبت نفوق خمسة آلاف من الحيوانات التى تصادف وجودها فى طريق السيل.
وبعد انقطاع السيل
المفزع فتح طريق يسمح بالطواف حول البيت وذلك بهمة والى مكة المكرمة وشهامته ،
واستعين بهذا الطريق لتنظيف جميع أرجاء الحرم الشريف وتطهيرها ؛ إلا أن النظافة لم
تصل إلى الحد المطلوب كما أن مجارى
السيل وقنوات عين
زبيدة قد خربت تماما ولم تصلح للاستخدام ، لذا أبلغ الأمر إلى السدة السلطانية
لاستئذانه بتصليح ما خرب ؛ فأرسل السلطان مدير أصطبلاته سليمان أغا ليقوم بالإشراف
على التعمير وقد بادر المذكور بتطهير ساحة الحرم الشريف على الوجه المطلوب ، كما
أصلح مجرى السيل وقنوات عين زبيدة وعمقها وذلك فى سنة ١٠٩٢ الهجرية.
٢١ ـ السيل الثانى
والعشرين الذى أضر أهالى مكة حدث فى سنة (١٢٧٨) وفى خلال أوائل سلطنة السلطان (عبد
العزيز جعل الله مثواه الجنة). وبناء على بعض المعلومات المستقاة من مسنى مكة أن
ذلك السيل كان أشد فزعا وهو لا من سيل عام (١٠١٢).
وظهر ذلك السيل
بينما كان الناس نياما فى ليلة من الليالى واجتاح الحرم الشريف وأحاط بالكعبة
المعظمة هائجا مثل البحر لمدة أسبوع ، وظل يتموج ولا يعرف أحد عدد الغرقى من
الغرباء الذين ماتوا فى فتحة باب السلام.
قد وجد فى مجرى
الماء الذى يبعد عن مكة المعظمة بساعتين أو ثلاث ساعات ظهرت جثث لفترة شهرين أو
ثلاثة كما أنه قد غرق فى داخل المدارس والحوانيت خلق كثير.
وقد غرق جميع
المساكين الذين وجدوا على الساحة المفروشة بالرخام بين بابى ـ باب السلام ـ الداخلى والخارجى ، ولم يبق فرد
يتنفس من الناس الذين كانوا يبيتون فى داخل دكاكينهم فى سوق المسعى الشريف ، أما
الأشخاص الذين كانوا يقضون ليلهم تحت قباب الحرم الشريف فقد غرق أكثرهم. إلا أن
قلة منهم قد تعلقوا بما تدلى من حبال من القباب فصعدوا فوقها بعد ما لقوا فى ذلك
تعبا شديدا ومشقة عظيمة حتى فازوا بالنجاة.
وبعد مضى أسبوع
أخذت المياه تنحسر شيئا فشيئا ، أما الناس شريفهم
__________________
ووضيعهم فشمروا عن
ساعد الجد فى حماسة دافقة ، وأقدموا على تنظيف الحرم الشريف وتطهيره مما جرفه
السيل من الحجارة والتراب وغيرهما ، وبصعوبة شديدة استطاعوا أن يطهروه فى خلال
ثلاثة أشهر.
قد تكون فى داخل
الحرم الشريف بما جلبه السيل من الكناسة والتراب أكوام كأنها تلال وجبال هنا
وهناك.
وتحول كل واحد من
أهالى مكة الكرام إلى فرهاد حافر الجبل ، إذ أخذوا ينقبون تلك الجبال والتلال ويهدمونها ويفتتونها
ثم يحملون الأحجار والأتربة إلى خارج البلد. ولا يعرف عدد من مات من الناس وما نفق
من الحيوانات وما محى من أموال وأمتعة.
٢٣ ـ وفى عام (١٢١٣)
ظهر السيل الثالث والعشرون من تلك السيول التى ألفت مكة أن تشاهدها. وهذا السيل
كان سيلا هائلا ، وما كان شبها للسيل الذى وقع قبله بخمسة عشر عاما إذ لم يتأذ
الناس بأضرار كثيرة.
إذا لم يعمق طريق
المسعى الشريف ـ وهو مجرى السيل كما ينبغى فإن ظهور السيول وجريانها سيكون شيئا
طبيعيا ، وكلما لاحت فى السماء قطعة من السحاب أصبح من المجرب أن يظهر السيل بعد
ساعتين ، وإذا ما أتى السيل نهارا لا يسبب ضررا كبيرا للناس ، ولكنه إذا وقع ليلا
يتسبب فى خسائر عظيمة للناس فى أموالهم وحيواناتهم.
__________________
وعلى ذلك فإن ما
يصيب أهل مكة من أضرار من مياه سيل يتدفق فى العام مرة أو مرتين أصبح أمرا مألوفا
؛ إلا أن ما سبق ذكره من سيول مثل الذى وقع فى عهد (الفاروق الأكرم) المعروف بسيل (أم
نهشل) والسيل الذى وقع بعده بتسعة وستين عاما والذى عرف ب (سيل حجاف) وما ذكر من
سيول وقعت فى عام ثمانمائة وثمانية وثمانين وفى عام ألف وتسعة وثلاثين وعام ألف
وتسعين أضرت بأهل مكة أبلغ الضرر.
ولا سيما السيلان
اللذان وقعا فى عامى ١٠٩٠ و ١٢٧٨ قد تسببا فى غرق وهلاك عدد لا حصر له من الحجيج
وأهل مكة.
* * *
الصورة الثانية
فى توسيع حرم المسجد الحرام للمرة الثانية
بعد سيل «أم نهشل»
الذى سبق التعريف به آنفا بخمسة عشر عاما وفى العام السابع والعشرين من هجرة
النبى. صلى الله عليه وسلم أراد سيدنا عثمان بن عفان (رضى الله عنه المنان) توسيع
ساحة الحرم الشريف أكثر من قبل وأراد شراء بعض البيوت القريبة من الحرم ، إلا أن
أصحاب تلك البيوت جأروا بالشكوى وألحوا فى التمسك بعدم الرضوخ لرغبة الخليفة ،
وأطالوا ألسنتهم بكلام مستهجن لا يليق ، فجمعهم الخليفة وقال لهم : «إنما أطمعكم
فىّ ما أتصف به من حلم وحياء فأخذتم تصيحون وتطيلون ألسنتكم ولم تستطيعوا أن
تخرجوا ألسنتكم بالسوء فى أيام سلفى» واستمر يوبخهم لفترة ما ثم أمر بأن يحبس
ويؤدب كل الذين لا يريدون تسليم منازلهم لتوسيع ساحة المسجد الحرام فجمع كل
المخالفين وقبض عليهم وحبسوا.
إلا أن عبد الله
بن خالد تقدم بالشفاعة لدى الخليفة ووفق فى تخليص جميع المخالفين ، وأدخل الخليفة
الأراضى التى استولى عليها من المخالفين المذكورين ضمن ساحة المسجد الحرام ، فأصبح
طول الحرم الشريف (٢٨٨) قدما و (٨) بوصات ، وعرضه (٢١٢) قدما و (٦) بوصات ، ورفع
سور الجدار الذى بناه عمر بن الخطاب وأضاف إليه كثيرا من الأسقف ، وبذلك اتسعت
مساحة الحرم الشريف على النحو المرغوب ، وبلغت عمارة الحرم الشريف غاية كمالها ،
وعندما استعد للعودة جاء وفد من أهل مكة ورجوه أن ينقل الميناء الكائن فى ساحة «الشعيبية»
إلى جدة إلا أن صلاحية جدة لتكون مرفأ كان لا بد من التأكد منه برؤية العين لذا
تفضل بتشريف جدة بذاته ليكشف صلاحية المكان ويعاينه.
وقد عرف الخليفة
أن شاطئ جدة أقرب إلى مكة المفخمة وطريقه خال من الخطورة ، وأن جعل جدة ميناء أكثر
أمنا وصلاحية من جميع الوجوه ، وبعد أن أجرى فى هذا الخصوص التدقيقات والبحوث
الكاملة بأن يترك تشغيل ميناء «الشعيبية» ويتخذ جدة مرفأ للسفن ، وبما أن
الاستحمام فى البحر كان مفيدا للجسم أمر بأن يستحم من كان معه فى البحر كما أنه
بالذات! استحم فى البحر ثم عاد فى النهاية من طريق (عسفان) إلى قصر الخلافة فى
مهجر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعد هذا التعمير بفترة اشترى حضرة معاوية دار الندوة وضمها إلى ساحة الحرم الشريف
، وفى سنة (٧٥) الهجرية قام عبد الملك بن مروان ببعض الإصلاحات فى الحرم الشريف ،
وكذلك فعل ابنه وليد بن عبد الملك فى سنة (٩١) الهجرية.
وقد أرسل إلى والى
مكة عبد الله القسرى كثيرا من الأعمدة الرخامية ، وكتب له موصيا بأن يعمر الحرم
الشريف بشكل يليق بمكانته وليس هناك قبل الوليد من أرسل أعمدة رخامية لتعمير الحرم
المكى.
* * *
__________________
الصورة الثالثة
فى توسيع حرم المسجد الحرام للمرة الثالثة
بما أن حرم المسجد
الحرام قد أهمل خلال إحدى وأربعين سنة ولم يلتفت إليه بعد عمارة وليد بن عبد الملك
، لذا بنيت الأسقف التى أقامها عثمان بن عفان وكذلك الأماكن التى أقامها عبد الله
بن الزبير ، كما بنيت الحجارة الرخامية التى أرسلها وليد بن عبد الملك ، وزاد عدد
أهل الإيمان فاقتضى توسيع ساحة المسجد الحرام ، وبلغ الأمر إلى أبى جعفر عبد الله
المنصور البغدادى ؛ فما كان منه إلا أن وسع الحرم الشريف من ناحية جداره الشامى ،
وبدأ من حذاء المقام الحنفى إلى دار الندوة ، كما وسع من جهة باب العمرة وأوصل إلى
باب العمرة فى سنة ١٣٩ الهجرية.
أراد أبو جعفر أن
يجدد الجهة الجنوبية من الجدار الذى يتصل بمسيل الوادى ؛ ولكنه تركها على حالها
حينما رأى أن تعميره غير قابل للإصلاح اشترى المنازل القريبة من الجدار الشرقى
وهدمها ، وألحق أرضها بالمسجد الحرام وبنى فى أماكنها مئذنة لا نظير لها. وزين أبو
جعفر عقب ذلك جهات المسجد الحرام الأربعة بالذهب والفضة الخالصة والفسيفساء النفيسة ، وفرش داخل الحطيم الكريم بالرخام المجلى ، وزينه
وأتم التعمير فى خلال ثلاث سنوات ثم سجل كل ما تم صنعه فى زمانه على لوحة رخامية
وعلقها على كمر فوق باب بنى جمح الكائن فى ناحية باب الصفا.
فى نفس العام الذى
تم فيه التعمير وبلغ غايته من الكمال سافر «أبو جعفر»
__________________
لأداء فريضة الحج
وزيارة الحرمين ، ورأى ما تم توسيعه وزيادته فى حرم المسجد الحرام فعبر عن ابتهاجه
وسروره البالغ.
وكان أبو جعفر
يتصف بصفة البخل الدنيئة ، فكان يضرب به المثل فى شدة البخل إلا أنه ـ لحكمة ما ـ فاق
ما قدمه من البر والإحسان جميع الكرماء الذين ظهروا من قبله إذ أكرم سكان الحرمين
ومجاورى المسجدين وأحسن إليهم إحسانا عظيما ثم ذهب لزيارة القدس الشريف.
وكان المنصور
معروفا ـ بجانب بخله وتقطيره ـ بالظلم ، ويروى أنه قتل فى أثناء حكمه الذى دام
اثنتين وعشرين سنة ستمائة ألف من المسلمين وأيديهم مغلولة ؛ كل ذلك ليقرب الناس
منه وليحطم أصحاب الثروة والنفوذ فى الدولة وليخوفهم ، وفى أواخر أيامه بيت سوء
النية لقتل «سفيان الثورى» ـ رضى الله عنه ـ إلا أنه عندما خرج لأداء فريضة الحج
للمرة الخامسة متجها إلى مكة المعظمة ووصل إلى المكان المعطر الذى دفنت فيه أمنا
ميمونة ـ رضى الله عنها ـ ، أمر والى مكة بإعداد مشنقة لشنق سفيان الثورى وفعلا قد
تم إعداد المشنقة واتخذت جميع تدابير الشنق.
وعندما شاع هذا
الخبر فى مكة كان سفيان الثورى قد امتد متوجها إلى الكعبة واضعا رأسه فوق ركبتى
الفضيل بن عياض ورجليه فوق ركبتى سفيان بن عيينة.
قال أحد أولياء
الله المحبين الصالحين : يا سفيان قد جاء المنصور قاصدا صلبك وإعدامك ووصل إلى بئر
ميمونة وكتب إلى حكومة مكة حتى تعد مشنقة لصلبك ، وقد أعدت فعلا مشنقة لذلك ، وإذا
ما استطاع هذا العدو الحاقد أن يضع يديه على جسمك الشريف إننا نتعرض لشماتة
الأعداء ، ونقع فريسة للمصائب والاضطرابات فقام سفيان من مكانه منتفضا ، والتصق
بستارة الكعبة المعظمة وقال بصوت مرتفع «لو وصل المنصور لهذا المكان فإننى لن أذكر
الكعبة
__________________
طول عمرى» ثم امتد
مرة أخرى واضعا رأسه على ركبتى فضيل ورجليه على ركبتى سفيان بن عيينة .
وعقب ذلك وصل خبر
هلاك المنصور وهو أنه كان يركب حصانا ووقع منه ، وتناولت الأفواه الخبر فى أرجاء
مكة. وبما أن دعاء سفيان قد استجيب فقد تحرك المنصور من بئر ميمونة ووصل إلى «الحجونين»
الكائن بين جبلين حذاء مقبرة المعلى وسقط من فوق حصانه على عنقه ومات متأثرا بذلك.
يقول مؤلف (لطائف
الأخبار) عمر بن فهد : ولما كان المنصور متسلطا على الناس يضطهدهم ؛ خاف رجال
السلطة من انتقام الشعب من جثته وأمروا بحفر مئة قبر ودفنوه فى القبر المائة ،
وأخفوا عن الناس القبر الذى دفن فيه وكتموا أمره. وكان سبب رغبة المنصور فى إعدام
حضرة سفيان واستثقاله ما وجهه إليه من النصائح والوصايا.
اتفق ذات يوم أن
التقى سفيان بالمنصور فى (منى) وقال له «يا منصور اتق الله رب الكائنات واذكر ما رفعك
إليه من منزلة ، لقد بلغت هذه المنزلة العالية بفضل سيوف المهاجرين والأنصار
وأولادهم وأحفادهم وما بذلوه من جهد ، والآن قد عصفت بهم صروف الدهر ، وأما أنت
فشحيح ممسك ولم يستطع عمر بن الخطاب أن ينفق أكثر من خمسة عشر دينارا
فى أثناء حجه ، ومثله مثل الحجاج قد قنع بالجلوس تحت ظل شجرة ، وأنا أعرف أن الرجل
الحق هو من إذا ما ازدانت ذاته بالعلم والعمل أصلح حال الأمة وهذا الرجل هو من
أتجه إليه بالخطاب فرد عليه المنصور فى حدة وغضب «هل تريد أن تساوى نفسك بى»
فأجابه الشيخ قائلا «لا ، لا يجب أن تكون فى منزلة أقل مما أنت فيها وأنا فوق ما
أنا عليها» فطرده المنصور من مجلسه.
__________________
سفيان الثورى :
إنه سفيان بن سعيد
بن مسروق ، أبو عبد الله الكوفى من قبيلة «ثور» بن عبد مناة بن أد بن طابخة ،
ويكنى بأبى عبد الله ، ولد فى السنة الخامسة والتسعين الهجرية ، واستجاب لدعوة ربه
فى سنة مائة وستين ، يروى أنه دفن فى البصرة إلا أن قبره فى النجف الأشرف ، وبناء
على هذا يقتضى وفاته فى النجف الأشرف رحمة الله عليه.
* * *
__________________
الصورة الرابعة
فى توسيع المسجد الحرام وتزيينه للمرة الرابعة
قد وسع المسجد
الحرام للمرة الرابعة «محمد المهدى العباسى وذلك حينما رأى فى أثناء حجه أن المسجد
الحرام فى حاجة إلى التوسيع. وقد سافر بنية أداء الحج وزيارة الروضة النبوية
المطهرة ، واتجه إلى الحجاز الجالب للفيض الإلهى والمغمور بالغفران ، وعندما وصل
إلى مكة المكرمة أقام فى «دار الندوة» الخاصة بالخلفاء العباسيين ، وهناك اطلع على
أن الحرم الشريف فى حاجة للتوسيع والتعمير وظهرت لديه الرغبة فى إجراء ذلك. وفى
أثناء ذلك شرف بالمثول بين يديه عبد الله بن عثمان بن إبراهيم من خدم الكعبة
المعظمة.
وقال له «يا مولاى
: أريد أن أقدم لك هدية لم تقدم لأحد من الخلفاء قبلك ، وقدم له حجر (مقام إبراهيم)
المبارك لأجل زيارته. سر (المهدى) من صنع (عبد الله بن عثمان) فأمسك بالحجر الشريف
ومسح به عينيه ووجهه ثم قبله. ثم أمر أن يملأ أثر القدم فوق الحجر بماء زمزم وشربه
، ثم بعث بالحجر الشريف إلى قصر حريمه فتشرفن برؤيته والتبرك به ، ثم أعاده إلى
عبد الله بن عثمان ليعيده إلى مكانه.
وعقب ذلك مثل بين
يديه بعض الأشخاص من كبار خدمة البيت وقالوا له «مولاى! كثرت الكسا على كعبة الله
، ومن المحتمل أن تنهار جدران الكعبة تحت ثقلها» وكأنهم كانوا يلوحون بأنه قد حان
وقت تغيير الكسوة وتجديدها.
فأمر الخليفة
بإزاحة ما تراكم على الكعبة من أكسية ، ثم أمر بتعطير الكعبة بدء من أسطحها
وداخلها وخارجها بالمسك والعنبر والعطور الأخرى ، ثم ألبسها بثلاث طبقات من كساء
ذا بهاء ، ثم أمر بأن تبدل سلاسل القناديل التى فى داخل
كعبة الله بالذهب
، ثم قدم عطايا وفيرة ثم اشترى المنازل التى بين المسجد الحرام والمسعى الشريف ،
وأمر بأن تلحق بالحرم الشريف وعاد.
وبناء على ما
يرويه المؤرخون الذين اهتموا بما وزعه المهدى وأعطاه لأهل مكة من العطايا الملكية
ونوعها ومقدارها فى ذلك العام إذ أنفق الخليفة فى تلك السنة ستمائة ألف ذهب جعفرى.
وثلاثة ملايين درهم وخمسة عشر ألف ثوب من الثياب البغدادية الفاخرة وحمل خمسمائة
جمل من الثلج والجليد ، وهكذا حرر كل أهل مكة مما أثقلهم من الفاقة والخصاصة.
إن الشخص الذى عين
فى مديرية بناء الحرم الشريف للقيام بإنجاز الأمر الصادر من قبل المهدى ، استدعى
أصحاب البيوت التى يقتضى هذا الأمر شراؤها ، بعد عودة الخليفة وأوصاهم بأن يدفع
لهم مقدار ثمانية وخمسين ألف مثقال من ذهب ، ثم هدم المنازل المشتراة وضم عرصاتها
إلى الحرم الشريف ، وهكذا وسع الجدار الغربى للحرم الشريف إلى باب العمرة والجدار
الجنوبى إلى «قبة الشرابة» المعروفة بقبة العباس وذلك فى سنة (١٦١ ه).
وإن كان متولى أمر
البناء يرغب فى توسيع الجهة الجنوبية من الحرم الشريف أكثر ، إلا أن المكان الذى
يلزم إلحاقه كان متصلا بمسيل الوادى ولما كان إرساء الأساس فى مجرى السيل من
الصعوبة بمكان فلم يستطع توسيعه ، ومع هذا قد اتسع ما بين كعبة الله المعظمة وجدار
الحرم الشريف الجنوبى قدر (٦٣) قدما.
بعد ما أتم متولى
أمر البناء جلب كل ما ينقص الحرم الشريف من مصر جلب أربعمائة وثمانين عمودا حجريا
، وركزها فى الأماكن الخاصة وصنع فوقها أربعمائة وثمان وتسعين قبة ، وهكذا أحكم
قبب الحرم الشريف التى تحيط به.
ثم أنشأ بين
المسعى اللطيف والحرم الشريف بقعة غاية فى الزينة التى تعرف «بدار القوارير» وفى
ختام التعمير عرض الأمر على مقام الخلافة العالى.
وكان قد بقى ميدان
صغير عقب التعمير بين المسجد الشريف والمسعى اللطيف ، فأخذ جعفر بن يحيى البرمكى
وزير «هارون الرشيد» عهدة هذا الميدان ، وفيما بعد استقطع عدة بيوت ومساكن ثم ساحة
(دار القوارير) وأقام فى المتسع دارا منقطعة النظير.
وبعد مدة انهارت
كل هذه المبانى ما عدا دار القوارير. واندرست أسسها وضاع أثرها وأقيمت فى مواضعها
ربط حصينة ، كما أن هذه الربط انهدمت على مر الزمان ، ولكن السلطان (قايتباى)
المصرى ابتاع هذه الربط بتمامها وهدم ما تبقى من آثارها ، وبنى المدرسة والرباطان
اللذان ينسبان لاسمه ، وبنى بعض العقارات وأو وقف ريعها للإنفاق على ترميم المدرسة
والرباط المذكورين وتعميرهما.
والبيت الأنيق
الذى بنى على أرض دار القوارير انتقل بمرور الزمان ليد جواد البربرى ، وفرش جواد
داخل ذلك البيت وزينه بالزجاج الملون ، كما زين خارجه بالرخام المصقول المختلف
الألوان ، لكن ذلك البيت فقد قيمته بوفاة جواد ، وانتقل المنزل من يد لأخرى ثم
انهار وبنى مكانه الربط والمدارس.
ولما أبلغ متولى
أمر المبانى (المهدى) بإتمام تعمير المسجد الحرام ؛ رغب الخليفة فى زيارة أبنية
المسجد الحرام الجديدة ، وتوجه إلى مكة المعظمة ورأى أن ناحية مسيل الوادى لم توسع
، وأن هناك فاصلة كبيرة بين البقعة المقدسة لبيت الله وبين الجدار الجنوبى للحرم
الشريف ، ورأى أنه إذا ما وسعت هذه الجهة سيضيف هذا إلى المسجد رونقا وجمالا زائدا
، وستتوسط الأبنية المربعة للبيت الأعظم مساحة مسجد الحرام ، واستدعى الموكلين
ببناء المسجد ، وأطلعهم على ما يجول فى خاطره وأمرهم بأن يجددوا ذلك المكان وفق
اقتراحه ورأيه ؛ ولكن متعهدى البناء قالوا إذن يجب أن تهدم جميع البيوت التى على
الضفة المقابلة لمسيل الوادى ، ويحفر مجرى آخر ويضم المسيل القديم كلّه إلى الحرم
الشريف ، وهذا الأمر فى منتهى الصعوبة بل مستحيل.
لأنه يلاحظ أن
السيول التى سترد من وادى إبراهيم ستهدم جميع الأبنية
الجديدة التى
ستبنى بعد تغيير المجرى من أساسه ، وستدخل المسجد الحرام وتخرب جدرانه ؛ لهذا يجب
شراء منازل كثيرة أخرى وهدمها حتى ترسى أسس جدران مجرى السيل الجديد ، وهذا يقتضى
مصروفات باهظة ونفقات لا تعد ولا تحصى.
وأرادوا أن يعلقوا
رغبة المهدى إلى المستحيل بمثل هذه المغالطات الفكرية.
إلا أن (المهدى)
أصر على رأيه وأكده قائلا : «إن التفكير فى النفقات من شأنى أنا وعليكم أن تبادروا
من الآن أن تقوموا بعمل ما بينت لكم فقوموا بتقدير مساحة الموضع ووفقا للخريطة
التى سترسمونها» وقد رأى القائمون بالبناء أن الخليفة لا ينثنى عن رأيه ، فوجدوا
أنفسهم مضطرين للقيام بالقياس ، فركزوا الأعمدة فى المواضع التى ينبغى تركيزها
فيها ومدوا الحبال.
وعينوا مقدار
توسيع الحرم الشريف ، ثم قدموا كل ما قيدوه فى مضابطهم مع الخريطة التى رسموها
للموقع إلى الخليفة ، ثم صعد الخليفة فوق جبل أبى قبيس ورأى أن أبنية الكعبة
المعظمة قد توسطت الأعمدة التى ركزت وحددت بالحبال ، أى أن الكعبة أصبحت فى وسط
المسجد الحرام كما رأى عدد البيوت التى ستشترى وتهدم ، ثم أمرهم بأن يبادروا فى
تجديد الجدار بموجب خطه فى الخريطة ، ثم عاد.
وبناء على هذا جلب
العدد الكافى من العمال وشرعوا فى شراء المنازل التى توجد فى الأماكن التى يلزم
ضمها وإلحاقها بالمسجد الحرام ، وهدمت تلك المنازل ، وهكذا وسعوا المسجد الشريف من
باب (هاشم) إلى باب (أم هانئ) وبهذا أصبحت الفاصلة بين الكعبة المعظمة والجدار
الجنوبى لحرم المسجد الحرام (١٢٧) قدم وست بوصات.
قد تمت هذه
العمارة فى ظرف أربع سنوات كاملة ، وكان فى ضمن البيوت التى اشتريت (دار أرزق)
ودار (خيرة بنت سالم الخزاعى) وبيت (جبير بن
مطعم) ودار (شيبة
بن عثمان) وقد ضمّت أراضيها إلى ساحة الحرم الشريف ذات الفيوضات ، وهكذا وصلت
الفسحة ، ووسع الحرم الشريف بهذا القدر.
إن بنيان وتعمير
الخليفة المهدى وصل إلى غايته وانتهى قبل أن ينتهى تعمير أبنية المسجد الحرام ؛
إلا أن ابنه حينما اعتلى كرسى الخلافة وهو (موسى الهادى) أمر بإتمام تعمير أبنية
المسجد الحرام ، واستعجل ذلك فتم البناء فى أواخر سنة (١٦٩) .
* * *
__________________
الصورة الخامسة
فى شتى ضروب تعمير المسجد الحرام وتزيينه العرض والبيان
الباب
المعلا ـ خلعت عضادة باب
كعبة الله المكفت بالذهب بمعرفة الحكومة ، فى عهد الفتنة التى قامت عام ٢٥١ هجرية
، وألواحه الذهبية كذلك فى عام ٢٦١ هجرية وصرفتها للإنفاق منها للقضاء على الفتن
والاضطرابات ، وقد حفر جب عميق فى الجاهلية لتحفظ فيه الأموال والهدايا الثمينة
المرسلة من قبل أكاسرة الفرس وملوكهم تعظيما للكعبة وتفخيما لها بغية حمايتها من
نهب الأشرار المغيرين ثم غطى الجب. وكما أن المجوهرات الثمينة المتنوعة المهداة
منذ عصر إبراهيم (عليه الصلاة والتسليم) وضعت فى داخل هذا الجب إلا أن هذا الجب لم
يكن (الأخسف) الذى حفره إبراهيم ـ عليه السلام ـ بل كان حفرة أخرى ، فى داخل كعبة
الله.
وقد عثر عليه قائد
المجاهدين ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى عام الفتح وأمر بفتحه ، وأخرج منه أشياء
ثمينة من ذهب وغيره لا تعد ولا تحصى من هدايا الملوك والأمم.
واستصوب أن تحفظ
في خزينة بيت الله الأعظم وكان مقصد سلطان الأنبياء من هذا تعليم أمته أنه يجب ألا
تمتد الأيدي على أموال كعبة الله.
كما أنه هدم بيت
الله وبناه من جديد ليؤلف قلوب قريش. قد استصوب حيدرة الكرار ـ رضي الله عنه ـ استخراج تلك الأموال وإنفاقها في
أمور الجهاد ، وكان ذلك في أول مرة في عصر النبوة السعيدة وفي المرة الثانية في
عهد الصديق ـ رضي الله عنه ـ واضطر أن يسكت إذ أخذ الرد بالنفي من كليهما.
__________________
وأراد الفاروق
الأعظم في عهد خلافته أن يقسمها بين المسلمين وأن يوزعها عليهم إلا أن أبا شيبة بن
عثمان ـ رضي الله عنه المنان ـ قال له :
«يا عمر : كيف
تتنكب أثر النبي الكريم والصديق المحترم؟ وقد نبتا في حياتهما على الاحتفاظ بتلك
الأموال فى خزينة بيت الله «فصدق على قوله قائلا : «إنهما قدوة الأنام وإمامان
واجبا الاحترام ويجب علينا أن نقتدي بآثارهما «وقرر على حفظ تلك الأموال فى خزينة
كعبة الله.
وفي الواقع لم
تمتد يد إلى خزانة بيت الله فترة طويلة بناء على القرار السابق ، ولكن وآ أسفاه أن
الثائر «حسين الأفطس» هجم على مكة المشرفة واستولى عليها بتحريض خبيث من بعض
السفلة وأخذ الأموال المحفوظة في خزينة بيت الله منذ الفتح قائلا : ما جدوى هذه
الأموال للكعبة؟ إننى سآخذها وأنفقها فى أمور الجهاد ، ثم ابتدر في تبذيرها
وتوزيعها كما يحلو له منذ ذلك الوقت انقطع إرسال الهدايا إلى خزينة بيت الله من
قبل الملوك إذ غلبت عليهم فكرة ظهور غاصب آخر يستولى على الهدايا المرسلة لبيت
الله المعظم.
وبعد نهب حسين
الأفطس الأموال التي كانت مدخرة في خزينة بيت الله المعظم وإنفاقها باثنين وخمسين
سنة بعد هذا الحادث ، ظهرت فتنة إسماعيل السفاك.
قد رفع السفاك
المذكور علم العصيان بغتة وهجم على مكة ففرّ واليها ثم اقتحم مقر الحكومة ونهب كل
ما يخص من أموال الوالى وأتباعه وأشياعه وكسوة كعبة الله وخزينتها وجمع من الأهالى
مائتى ألف قطعة ذهبية بالقوة واتجه إلى دار الهجرة وهو يقصد قتل حاكم المدينة
المنورة إلا أن الحاكم قد عرف قدومه فاختفى عن الأعين فعاد السفاك يائسا آيسا إلى
مكة حيث ضيق على أهلها وحاصرهم فكان سببا فى موت كثير من الأبرياء من العطش
والجوع. وأغار فى فترة ما على جدة ونهب أموال التجار وتجرأ على أن يقطع طريق مكة
وأن يعلن الحرب على الحجاج الذين ذهبوا إلى عرفات لأداء شعائر الحج وقتل منهم ألف
__________________
ومائة نفر
فاستشهدوا وهم يلبسون ملابس الإحرام. ونهب أموال المسلمين الذين لجئوا إلى قمم
الجبال فى هذه الاضطرابات والفتن فى سنة (٢٥١) ، أما المسجد الحرام فقد أهملت
العناية به بسبب هذه الاضطرابات إحدى وعشرين سنة ، وبناء على هذا ظهر الخلل المفضى
إلى الانهيار فى الجدار للمسجد الحرام ، كما أن البيت الذى أقامته السيدة زبيدة
زوجة هارون الرشيد قد تقادم وأوشك على الخراب ، وكانت هذه الدار متصلة بالجدار
الغربى للحرم الشريف وبدا فيها البلى جليا ، مما أفضى إلى انهياره بغتة فتسبب بذلك
فى هدم الجدار الغربى للحرم الشريف وخربه فمات تحت أنقاضه عشرة أشخاص. وقد بلغ
الأمر لحكومة بغداد بالتفصيل ، وحينئذ أمر الخليفة (الموفق بالله العباسى) بهدم
الجدار من أساسه ليقام من جديد كما ينبغى أن يكون وذلك فى عام ٢٧٢.
أما (دار الندوة)
التى أقيمت لسكنى خلفاء بغداد فيها ، فأصبحت ميدانا تراكم فيه القمامة بعد أن
تهدمت وأصبحت أطلالا مستقبحة المنظر وكان السيل الذى يأتى بين الفينة والفينة
تتجمع مياهه فى ذلك الميدان وتجرف معها الكناسات إلى ساحة المسجد الحرام فتملؤها
وتفسدها ، كما أن سقوف الحرم الشريف تقادمت وقد امتزج المطر فى أماكن مجرى السيل ،
وعلت فأصبحت مياه السيل تفيض وتدخل فى داخل الحرم الشريف وتزيل حصى جدران الكعبة
الداخلية وفسد الرخام على سطحها حتى أصبحت إقامة الصلاة فى داخل المسجد الحرام فى
حكم المستحيل.
إن اللوحة الفضية
المزخرفة التى ألصقت بدلا من اللوحات الذهبية لباب كعبة الله ذات الفيوضات التى
كانت قد انتزعت من قبل واستخدم ثمنها لدفع الفتن والزخارف الثمينة قد محيت فى
أثناء تضرعات الحجاج وتوسلاتهم فأصبح أعلى الباب فى لون وأسفله فى لون آخر ، كما
فسد رخام الحطيم وأرضية المطاف الرخامية كذلك داخل البيت الحرام وخارجه وجميع جهات
ساحة المسجد الحرام قد تضررت.
قد أخبر الشريف عج
ابن حج بالاتفاق مع (محمد بن عبد الله) شيخ مكة المعتمد بالله العباسى بجلية الأمر
كما ابتدر بعض خدمة كعبة الله بالذهاب إلى بغداد وبينوا الوضع شفهيا للخليفة
وأوضحوا له أن هذه الحالة تدمى قلوب أهل الإيمان ، وأنه إذا ترك الحال كما هو
فالمظنون أنه سيفتح بابا لمصروفات كبيرة فى الأيام القادمة.
وكان لهذا القول
أثر كبير فى نفس الخليفة ، فأمر بتعمير الأماكن المتضررة من المسجد الحرام وكذلك
البقعة المقدسة لكعبة الله وهدم دار الندوة وبناء مسجد مكانها كما أمر بحفر وتطهير
مجرى السيل المتصل بالجدران الشرقية والجنوبية ، حتى يصل إلى عمقه القديم وذلك
لحماية الحرم الشريف من مياه السيول التى يتوقع حدوثها. وبعث مبالغ طائلة مع مندوب
خاص له.
وبمجرد ما وصل
رجال الخليفة من بغداد إلى مكة ابتدءوا فى تعمير المسجد الحرام فى خلال سنة (٢٨١).
وغطوا باب كعبة
الله بصفائح ذهبية خالصة العيار كما كان من قبل. ثم أخذوا فى حفر الأماكن التى سبق
شرحها. ثم حفروا سبعة أدراج من السلم المطل على مجرى السيل والتى كانت قد غاصت فى
الطين إلى أن ظهر الدرج الأخير. ثم هدموا أبنية دار الندوة وبنوا فوق أرضها مسجدا
منفصلا ثم قسموا الجدار الذى ظل بين هذا المسجد والمسجد الحرام وفتحوا ست بوابات
كبيرة الارتفاع كل واحدة منها سبعة عشر قدما وعرضها سبعة أقدام وبوصة واحدة ، كما
فتحوا أبوابا صغيرة بين كل اثنين من البوابات ارتفاع كل واحد منها أحد عشر قدما
وأربع لنيات وعرضه ثلاثة أقدام وثلاث لنيات. وفتحوا للخروج من مسجد الندوة بابين
بابا من جانبه الشمالى وبابا واحدا من جانبه الغربى ثم غطوا فوق الأبواب بأسقف عالية
وأروقة معينة ثم صنعوا له مئذنة. إن هذا التعمير قد اكتمل سنة (٢٨٤) وظل شكله كذلك
اثنتين وعشرين سنة ، ولكن رئى مؤخرا أنه يوضع بشكل أجمل وبناء على الأمر الذى صدر
من دار الخلافة إلى والى
مكة المعظمة
القاضى محمد بن موسى بتجديد مسجد دار الندوة فقام به ، كما عمر وقوى كمر الأبواب
التى فتحت فى جدار الحرم الشريف ، وقد فعل ذلك بحيث يمكن لمن يقف فى داخل الأرض
الزائدة عن دار الندوة يستطيع أن يرى الكعبة المعظمة بكل سهولة.
ثم ركز أعمدة
مستديرة مصنوعة من الحجارة السوداء المنحوتة ، وربط ما بين الأعمدة بالأكمار
القوية المستحكمة وصنع سقفا منقوشا من خشب الساج الملون بألوان مختلفة ، وضم مسجد
دار الندوة لساحة المسجد الحرام فى سنة (٣٠٦) وإن ظل الحرم الشريف إلى عهد المقتدر
بالله على شكله الذى عرفناه دون زيادة أو نقصان ودون تغيير أو تبديل. إلا أن
الخليفة المشار إليه اشترى الأرض الزائدة عند باب إبراهيم عند استعلائه العرش.
وضمها للحرم الشريف ثم أنفق لسكان الحرمين المحترمين من الزوار (٣١٥٤٢٦) عددا من
الذهب الفيلورى ثم اتخذ لنفسه عادة إرسال ذلك القدر من الصرة كل عام سنة
٣١١ .
زيادة :
إن باب إبراهيم
منسوب إلى شخص اشتغل بالخياطة ويسمى «إبراهيم» كان لهذا الشخص بجانب الباب المذكور
حانوت كبير نوعا ما وكانت شهرته فى صنعته ذائعة.
وقبل أن تلحق
الأرض الزائدة لباب إبراهيم كان هناك قرب (باب حزورة) باب (الخياطين) المتصل برواق
الحرم الشريف ، وكان بجانب هذا الباب بابان شهيران باسم (حجج) وكان خارج هذين
البابين دار السيدة (زبيدة) زوجة هارون
__________________
الرشيد. ومع مرور
الزمن قد مال ما بين منازل زبيدة وباب حجج للخراب ، وقد تهدمت تلك الأماكن فى عهد
الدولة العثمانية الباعثة للتعمير ، واتخذت شكلا آخر ولم يبق الآن أثر لأى من دار
السيدة زبيدة ولا من الميدان الواسع الذى سبق ذكره. انتهى.
وظل الحرم الشريف
بعد تعمير المقتدر بالله العباسى ما يقرب من خمسين عاما على نفس الحالة.
وفى خلال هذه
المدة لم تمتد يد التعمير إلى الأماكن التى تحتاج إلى الإصلاح ، فتلف معظم رخام
المطاف فاستحالت الصلاة عليه ، كما لم يكن فى الإمكان السير عليه ، لذا بدل معظم
رخام المطاف الشريف فى عهد المستنصر بالله العباسى وعمر تعميرا جيدا ثم كتب فوق
قطعة رخام هذه السطور :
(بسم الله الرحمن
الرحيم ، أمر بعمارة هذا المطاف الشريف ، سيدنا ومولانا الإمام الأعظم مقتضى
الطاعة على سائر الأمم أبو جعفر منصور المستنصر بالله أمير المؤمنين ، بلغه الله
آماله وزين بالصالحات أعماله ، وذلك فى شهور سنة إحدى وستين وثلاثمائة وصلى الله
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم).
ثم علقت وألصقت
على الجدار الشرقى الملاصق لحفرة مقام جبريل والكائن فى جهة مقام إبراهيم لكعبة
الله. فى سنة ٣٦١.
وبعد مرور ست
سنوات على العمارة التى قام بها المستنصر بالله العباسى وفى عام ٣٦٧ ه بنى فاعل
خير يسمى الأمير شرف الدين على يمين الداخل من باب السلام مدرسة لا عيب فيها وألحق
بها دار كتب وملأ أصونتها بكتب متنوعة لا حصر لها .
وفى سنة ٥٤٢ أصلح
المقتفى بالله العباسى السلم الذى يؤدى إلى سطح
__________________
الكعبة المشرفة.
وبعد عشرة أعوام من تعمير الخليفة المقتفى بالله تقادم باب الكعبة وانكشفت أخشابه
واستوجب الإصلاح. وفى خلال عام ٥٥٢ أمر الخليفة المقتفى بالله بتغليف الباب
المذكور وتزيينه بصفائح الذهب والفضة وبسبب الزلزال الذى وقع بعد سبع سنوات تعرض
الجدار اليمانى لبيت الله المعظم للسقوط والانهدام فبادر المستنجد بالله بن
المقتفى بالله بإصلاحه وتعميره فى سنة ٥٥٩.
وقوع حريق فى
الحرم الشريف للبيت العتيق :
فى ليلة السبت من
أواخر شهر شوال عام (٨٥٢) هجرية اندلعت النار فجأة من غرف رباط رامشت المتصل بباب
حزورة وباب زيادة إبراهيم ، وامتدت النار إلى جهة الشمال والغرب للحرم الشريف ،
وأحرقت سقوفه مع (١٣٦) عمود من الأعمدة الرخامية ، وانطفأت النار بجانب باب العجلة
، لأن السيل الذى حدث قبل الحريق المذكور قد دخل فى المسجد الحرام وأوقع كمر
عمودين صلبين عند الباب السالف الذكر وخربه فحدث فاصل كان سببا فى انطفاء الحريق ،
ولو لم يكن ذلك الفاصل موجودا كان من المحتمل أن يستمر الحريق ويمتد ، وأبدى موظفو
الحكومة وأهل البلاد همة عظيمة فى إخماد الحريق ولكن جميع الجهود ضاعت سدى ولم
تنفع فى إخماد الحريق ، ولم تعد الأماكن المحترقة صالحة لأداء الصلاة فامتنع المصلون
عن الصلاة فى تلك الأماكن مدة طويلة.
ويرى بعض المدققين
أن ظهور السيل العظيم الذى هدم العمودين بالقرب من باب العجلة محدثا الفجوة التى
سبق ذكرها كان مقدمة لهذا الحريق ؛ لأن هذا السيل بدخوله الحرم الشريف ارتفع إلى
محاذاة القناديل المعلقة بالأعمدة التى تحيط بالمطاف الشريف ، ودخلت المياه فى
داخل البيت الحرام من خلال مصراعى باب الكعبة وأسقط العمودين بكمرهما بالكائنين
بجانب باب العجلة كما خرب كثيرا من البيوت الرصينة فى داخل المدينة ، وقد سكت بعض
المؤرخين عن تعيين سبب الحريق ، وقال بعضهم إن أحد سكان رباط رامشت أوقد مصباحه
وخرج خارج حجرته ، وعقب ذلك ظهرت نار من تلك الحجرة ، وأحاطت بالأطراف
وأحرقت الحرم
الشريف ، وإذا نظرنا لهذه الحالة فعلينا أن نفهم أن فأرا قد حمل فتيل ذلك المصباح
المشتعل وتسلق سقف الحجرة وانتشرت النار من ذلك الفتيل إلى أطراف السقف وتسبب فى
الحريق.
تجديد المسجد
الحرام :
ذاع خبر الحريق فى
جميع البلاد الإسلامية وتأثر الجميع من هذه الواقعة التى تنفطر لها الأفئدة ، فلما
سمع بذلك الملك الناصر أبو السعادات فرج بن برقوق وهو من ملوك الشراكسة فى مصر
أراد تجديد الحرم الشريف وإصلاح أماكنه الأخرى ؛ فعين الأمير ببسق الظاهرى أميرا
للحج ، وعهد إليه بوظيفة أمانة الأبنية المقدسة السامية وأرسله إلى مكة المكرمة فى
سنة ٨٠٣.
ووصل الأمير ببسق
إلى مكة المكرمة وقام بتنفيذ ما عهد إليه فأمر بتطهير ساحة المسجد الحرام وتنظيفها
وكذا الأماكن التى تعرضت للحريق وتعميق حفر الأسس ، ثم بادر إلى جلب ما تمس الحاجة
إليه من الأحجار والأخشاب ، وأسرع بتجديد البناء وتحتم تجديد الجدران فى أواخر عام
سنة ٨٠٤ ه ، وفى ظرف ثلاث أعوام أتم تجديد السقوف ثم أخذ يجدد السلاسل التى تعلق
بها القناديل وفعلا علق القناديل التى أعدها من قبل ، ثم أصلح وعدل مقامات الأئمة
الأربعة والمواقع التى تحتاج إلى التعمير على خير وجه ، ثم عاد
وكان قد جلب الأخشاب التى استخدمها لإصلاح السقوف الشريفة من قاهرة مصر فى سنة (٨٠٧).
وكان الأمير ببسق
المصرى قد ترك أرض «رباط رامشت» المحترق على حاله
__________________
وإن كان بقاء هذه
الأرض المحترقة فى حالة خراب سيؤدى إلى أن تكون مقلبا لقمامة الحوانيت التى حولها
، كما أنها ستحول دون النظام والنظافة المرجوان فى مكة المكرمة ، فأراد الشريف حسن
بن عجلان أن ينظم أزقة مكة المكرمة على قدر المستطاع.
كما أنه جدد
الرباط المذكور وطهر جوانبه ونظفه رغبة فى البر والخير ولإيواء المحتاجين
والمجاورين ، ثم جعله وقفا لسكنى الغرباء فى سنة (٨٠٧).
كان السلطان غياث
الدين المعظم أرسل النقود التى صرفها الشريف ابن عجلان مع رسول يسمى ياقوت وأمره
بصرف جزء منها فى إنشاء مدرسة ورباط والتصدق بالجزء الآخر على الفقراء ، وكان مع
ياقوت هذا رسالة موجهة إلى الشريف حسن بن عجلان يبين فيها السلطان أن ياقوت قد
ألحقه بمأمورية خاصة ، كما أنه قد أذن له بإنفاق النقود التى أرسلها ، ولما وصل
ياقوت إلى مكة المعظمة أعطى الرسالة المذكورة إلى الشريف حسن بن عجلان ، كما أنه
ترك النقود التى رخص له بإنفاقها أمام الشريف الذى نحى ثلث النقود جانبا ووزع
الباقى على الفقراء. وبنى ياقوت بالثلث الموقوف من النقود مدرسة ورباطا ، وعين
أربعة من علماء المذاهب الأربعة مدرسين على ستين طالبا من الذين اختارهم وهيأ لهم
جميع ما يحتاجون إليه من المعونات.
كما أنه أصلح طرق «عين
بازان» والبركة الخربة فى المعلى وأجرى مياه العين المذكورة إلى هذه البركة ؛ وذلك
وفق تعليمات شهاب الدين الذى عينه الشريف حسن مساعدا له.
ويروى أن الشريف
حسن بن عجلان أخذ من ياقوت لبناء الرباط والمدرسة باسم السلطان غياث الدين سبعة
آلاف مثقال من الذهب ، كما أخذ لتعمير العيون خمسة آلاف مثقال من الذهب ، كما أنه
استولى على الصدقات التى أرسلت إلى أهالى المدينة المنورة.
وسبب ذلك إصرار
محافظ المدينة ألا يكون تحت إمارة الشريف وفق الأصول الجارية فى ذلك العصر. ومن
عادات زمن إمارة الشريف حسن بن عجلان أن يأخذ ربع الأموال والأمتعة التى يمكن
إخراجها إلى البر من السفن التى ترسو على الشاطئ فى سواحل جدة والشعيبية ويقتسمها
مع الأشراف.
إن السفينة التى
كانت تحمل الأموال التى بعثها الملك غياث الدين الأعظم قد تعرضت لحادث إلا أنه
أمكن إنقاذ معظم حمولتها ، وأخذ حسن بن عجلان ربع الأموال التى أنقذت وفقا لعادات
ذلك الوقت ، إلا أنه اغتصب جميع الأموال التى أرسلت إلى دار الهجرة ، وهكذا ظلم
أهالى المدينة المنورة وغدر بهم.
إن تجرؤ الشريف
حسن بن عجلان على التصرف بشكل يخالف عادات الأشراف كان سببا فى عصيان محافظ
المدينة المنورة السيد حجاز وطغيانه ، ولكن لشدة الأسف أن هذا العجلان قد كان سببا
فى خذلان عامة أهل المدينة ، وبعد مرور أربعة أعوام على تجديد هذا الرباط انهارات
قنطرة المروة فأصلحها الناصر فرج الذى كان من ملوك الشراكسة فى مصر وفق طرازها
القديم فى سنة (٨١١) ه .
* * *
__________________
في العام الذي
انهار كمر المروة وسقط اشترى ملك البنغال الشاه غياث الدين بن إسكندر الأعظم
منزلين متصلين بباب أم هانئ ، وأسس أربعة مدارس مكية من أجل علماء المذاهب الأربعة
، ورتب لها وقفا لشراء كثير من العقارات ، وعين لكل مدرسة مدرسا من المذاهب
الأربعة وخمسة عشر طالبا لكل مدرسة ، وتكفل بإعاشتهم.
وأصلح طرق عين
عرفات وعين بازان وبركة المعلى ونظفها كما ينبغي فأجرى المياه إلى مكة المكرمة في
سنة ٨١١.
فائدة :
إن بلاد البنغال
الآن من مستعمرات إنجلترا الشرقية وتقع بين خطي عرض (١٦) و (٣١) شمالا وبين خطي
طول (٤٧) و (٩٦) شرقا ومساحتها (٣٥٨٧٦٩) ميلا مربعا ، وعدد سكانها (٩٧١٠٠٠) وهي
ولاية كبيرة ومهمة ، وتنقسم إلى ثلاث أقسام (العليا ، الوسطى ، السفلى) ، وتشمل
مدنا كثيرة مثل كلكتا ، باتنة ، مرشد اباد ، دكاو ، بناري ، بريلي ، عصم واراقان ،
وتحد البلاد المذكورة شمالا نابول والبوتان ، وشرقا عصم وجنيخ ، وجنوبا خليج
البنغال وأجزاء من ممالك أوربا ، وأراقان ، كما تحدها من الغرب ولاية بهار التي
تحيطها بأراضيها ، كما أن نهر غنخ يفصل هذه البلاد من الشمال الغربي إلى الجنوب
الشرقي.
مدينة كلكتا وهي
حاضرة بلاد البنغال ومقر حكومة الهند ، وفي الجهة الشرقية من وادي حو تملي الفرع
الغربي لنهر غنج ، وتبعد عن شاطئ المحيط بما يقرب من مائة ميل ، ويبلغ عدد سكانها (٧٠٠٠٠٠)
نسمة وفق الإحصاء الذي أجري سنة
(١٨٤٢) الميلادية
، ولذا سميت هذه المدينة الشهيرة قالكوتة لوجود كوتة معبد الهنود الشهير فيها
والذي يضم في داخله الصنم المسمي ب «قالي» من الهة الهندوس القديمة ، من هنا اقتضي
إطلاق اسم قالكوتة على المدينة. انتهي.
وبعد سقوط كمر باب
المروة بثلاث سنوات أصلح سطح بيت الله وبعض المواضع من المسجد الحرام في عام ٨١٤ ،
وذلك لأن سطح كعبة الله المقدسة وكذلك أماكن كثيرة من المسجد الحرام آلت إلى
الخراب.
ولما لم يعمر سطح
بيت الله الحرام منذ (١٥٣) عاما لحق به الخراب إلى حد بعيد ، وبهطول الأمطار أخذت
المياه تنفذ داخل الكعبة من بعض مواضع السطح ؛ لذا أصبح لزاما أن تمتد يد الإصلاح
والتعمير إلى معظم مواضع الحرم الشريف ، واقتضى الأمر إلى معاينة سطح الكعبة
والمواضع التي ينبغي إصلاحها في المسجد الحرام فتم الترميم والإصلاح على الوجه
المطلوب.
وبعد مرور سنة على
ذلك الترميم تعرضت المدينة المقدسة إلى القحط واكتوت بناره ، وقد وصل ثمن حمل بعير
متوسط من الغلة إلى عشرين قطعة ذهبية ، وبيع البطيخ الواحدة بقطعة ذهبية وذلك في
سنة (٨١٥).
عجيبة :
حدث في أواخر شهر
ذي الحجة أن حمل أحد الجمالين الذي عرف بتحميل جمله حملا فوق طاقته والذي كان يلقب
ب «القارونى» أراد الجمل أن يتخلص من ظلم صاحبه ، وبطريقة ما دخل إلى المسجد
الحرام وأخذ يدور ويطوف ببيت الله وقد طاف حول كعبة الله المعظمة إحدى وعشرين مرة ، ومسح
وجهه
__________________
بالحجر الأسود ثم
وقف أمام المقام الحنفي أي حذاء الميزاب الذهبي فترة ما ، ثم برك على الأرض وأسلم
روحه وهو يسكب دموعا مثل حبات الحمص.
قد أثار الحدث عجب
الناس وحدتهم ، وشد انتباههم ثم رفعت جثة الجمل ودفن في مكان في شارع المروتين أي
في محل وسط المسعى الشريف وذلك في سنة (٨١٥) ، وبعد وقوع هذه العجيبة بعام واحد
ابتاع الشريف حسن ابن عجلان ساحة المستشفى التي أقامها المستنصر بالله الكائن في
جهة الشمال من جدار المسجد الحرام ، ثم جدد المستشفى وأوقفه على علاج المرضى
الفقراء ، كما أصلح وجدد كمر بابين أوشكا على السقوط في الجهة الجنوبية من جدار
الحرم الشريف في سنة (٨١٦) ، كما أن الملك المؤيد زين ألواح مصراعي باب كعبة الله
بأن طلاها بالذهب في خلال تلك السنة أى (٨١٦).
زيادة :
قد انهدمت
المستشفى التي جددها الشريف عجلان بعد (١١٠) سنة ، واشترى السلطان سليمان خان من
سلاطين العثمانيين ساحة المستشفى المذكور وخرائب تكايا أحمد كجراوي من سلاطين
الهند والشيخ طاهر وكذلك المنازل المتصلة بها ، وبنى أربع مدارس كبيرة لعلماء
المذاهب الأربعة وجعلها وقفا. إن هذه المدارس الأربعة مازالت قائمة إلى يومنا هذا
وعامرة كما سيأتي ذكرها فيما بعد.
قد اتخذ جلبي
سلطان بن سلطان يلديرم بايزيد خان ـ عليهما الرحمة والرضوان ـ إرسال صرة إلى أهالى الحرمين الشريفين من ريع أوقافه الخاصة ، كما
اقتفى نجله النجيب السلطان مراد خان آثار أبيه ـ جعل الله مثواه الجنة ـ فأرسل إلى
أهالي الحرمين ما مقداره (٥٠٠ ، ٣) من الذهب الفيلوري واتخذت هذه العادة حكم
القانون في سنة ٨١٧ ، وترسل كل سنة ، كما أرسل السلطان مراد الثاني في سنة (٨٥٥)
لجميع أهالي الحرمين (٨٠١) كيس من النقود.
__________________
وقبل عامين من هذا
كان الملك المؤيد قد طلا باب كعبة الله بالذهب وزخرفه ، كما أرسل منبرا ثمينا
وسلما جديدا ، وضع السلم في داخل كعبة الله للصعود إلى سطح البيت ، كما وضع المنبر
في مكانه الخاص في سنة (٨١٨).
وبعد أربعة أعوام
من هذا انهارت مظلة المذهب الشافعي ، أي قبة زمزم فجأة وأصبحت قطعا وخرابا
ولكنها جددت فأصبحت بناء محكما بديعا رائعا في عام ٨٢٢ ه ، وفي نفس العام طهرت
ووسعت أحواض ماء زمزم وعين بازان التي خربت من السيل ، كما نظفت وعمقت قنواتها
ومجاريها التي امتلأت بالطين والتراب في سنة (٨٢٣). إن السطح الشريف لبيت الله
الذي كان قد رمم وأصلح قبل أربعة عشر عاما قد جدد مرة أخرى ، كما أصلحت الأماكن
المحتاجة للإصلاح من المسجد الحرام ، فبدلت قطع الرخام التي كانت مفروشة في داخل
بيت الله بأخرى جديدة. وبدلت الصفائح التي كانت على طلاء جدران الكعبة الداخلية ثم
أعيد كل شىء إلى مكانه بعد تغيير ما لزم تغييره وإصلاح ما أمكن إصلاحه. وأراد
السلطان برسباي سلطان مصر تغيير زخارف الأعمدة الداخلية لكعبة الله ، وعرض الأمر
على والى مكة وبتوجيه من أمانة الأبنية المقدسة أرسل إلى الحجاز ذات المناقب
السنية الأمير (مقبل) في سنة ٨٢٤ ه. وصل الأمير مقبل في أوائل السنة المذكورة إلى
مكة المكرمة ، وابتدر في أداء مهمته بعون مادي ومعنوي من قبل والى مكة ، فرمم
وأصلح الأماكن المحتاجة للتعمير والترميم من الحرم ثم هم وأصلح سطح بيت الله على
الوجه المطلوب ، واقتلع قطع الرخام التي تغطي أرضية كعبة الله كما اقتلع الصفائح
التي تغطي جدران كعبة الله ، فبدل قديمها وأصلح ما يمكن إصلاحه ثم وضع كل شىء في
مكانه ، وهكذا جدد من هيئة بيت الله القديمة فأعاد له رونقه وجماله.
وبعد أن زخرف
الأمير مقبل الأعمدة التي في داخل كعبة الله وجدد قطع
__________________
الرخام التي في
داخل الحطيم الكريم وخارجه أصلح وجدد كمر باب الجنائز وكان يطلق على باب الجنائز
قديما (باب العباس) ولما أصبح إدخال توابيت الموتى من هذا الباب عادة أهل البلد
أطلق عليه (باب الجنائز). إن أهالي الحرمين كانوا يدخلون جنازاتهم أولا في الحرم
الشريف حيث يصلى عليها ثم يدفنونها في مقابرهم.
إن التوابيت التي
يستخدمها أهل مكة المشرفة لا تشبه التوابيت المستخدمة عندنا فإنها قطعة خشب
مستطيلة مثل الطوق وهي عادة باقية من عهد الجاهلية بناء علي اعترافهم ، وتغطي جثة
الميت الذكر بقطعة قماش مستوية بينما تغطّى جنازة الأنثى بقطعة قماش مقوسة.
وأخيرا جدد عدة
عقد في الطرف الشمالى من المسجد الحرام ، ثم جدد مداخل باب العباس وباب علي ، كما
جدد مدخل (باب الصفا) الأوسط ومواقع (باب العجلة) و (باب الندوة الزائد) وأضاف إلى
(باب الزيادة) ثلاثة كمرات.
ثم رفع الأعمدة
التي تحمل هذه العقد ، وأصلح ما يجب إصلاحه من الأبواب الأخري ، وغير الستارة
الحمراء التي في داخل الكعبة ، ثم ألصق وعلق اللوحات الرخامية المزخرفة والتي أمر
السلطان برسباي بتذهيبها وترتيبها على جدران كعبة الله الداخلية ، وأنهى مهمته في
صفر الخير من سنة ٨٢٥ ، وعاد إلى مصر وقد جدد السلطان برسباي بواسطة الأمير مقبل
قطع الرخام التي في داخل بيت الله كما بدل وجدد طلاء جدران بيت الله الداخلية كما
عمر باب الجنائز.
كما أنه أنعم وأحسن
إلى الحجاج الذين حجوا بالقافلة المصرية إحسانا جما ، وكان يبعث من المحمل المصري
مظلات يقيمها حيث يبيت الناس ليظلل عليهم ، ويروى أن هذا الشخص كان يأمر بذبح كثير
من الأغنام وتوزيع لحمها مع الخبز والبقسماط على الحجاج.
وبعد عودة الأمير
مقبل بسنة بعث الملك المظفر من ملوك اليمن المنقرضة مبلغا من المال مع رسوله الخاص
، ورجا أن يعمر ويصلح ما يقتضي الأمر إصلاحه من مواقع الحرم الشريف. واتصل الرسول
بوالي مكة المعظمة واستصدر إذنا من الحكومة المصرية بواسطة الوالي للقيام بمهمته ،
ولما كان سطح كعبة الله في حاجة إلى التعمير والإصلاح ؛ فعمر قطع رخام السطح
وأصلحها ثم سجل ما قام به على لوحة رخامية وألصقها على الجدار الغربي للكعبة
المعظمة في سنة ٨٢٦.
وظلت كعبة الله
والمسجد الحرام على حالهما بعد إصلاح الأمير مقبل ثمانية عشر عاما ولم يظهر فيهما
ما يوجب إصلاحهما شرعا ؛ إلا أن الحال لم يستمر طويلا بعد ذلك واحتاجت بعض أماكن
البقعة المقدسة للتعمير بل وصل هذا إلى درجة الوجوب ، فأرسل الملك جاقمق العلائي
من ملوك الشراكسة في مصر الأمير سودون محمد من أمراء مصر لتعمير قطع الرخام التي
فوق سطح كعبة الله وما يقتضي الأمر تعميره من الحرم الشريف وذلك في سنة (٨٤٣) ولما
وصل (سودون محمد) إلى مكة المعظمة بدل رخام سطح الكعبة الشريف كما غير الألواح
الخشبية التي لم تعد صالحة في السقف العالي لكعبة الله ، ثم عمر وشيد المآذن التي
آلت للسقوط ، ثم خلع كسوة الكعبة الشريفة ووضعها في داخل البيت الحرام. ثم أصلح
وسوى الجدران الخارجية لبيت الله بطريقة جيدة خلال يومين ، وجدد قطع رخام الحطيم
الكريم كما جدد باب المعلى لكعبة الله وجميع الأماكن المحتاجة للتعمير من الحرم
الشريف السقوف والرفوف ، ثم عمر قباب مقام إبراهيم والمقام الحنفي وباب زيادة
إبراهيم وطهرها ، وركب في المحل الكائن في شارع المسعى الشريف والملاصق لدار
العباس وفي مقابل بازان ميلين أخضرين ومع هذين الميلين علق فوق كمري الصفا والمروة
قنديلين ، وبهذا أنار شارع المسعى الشريف وزينه ثم عمر ورمم جميع المساجد النبوية
التي في طريق عرفات الذي يبدأ من مقبرة المعلا وينتهي عند جبل الرحمة ، وطهر طريق
عرفات بأن قطع الأشجار والأشواك التي في حذاء طريق المأزمين ؛ وهكذا أنقذ الحجاج
المسلمين من هجمات
أشقياء العربان وتسلطهم.
كان المعتصم بالله
البغدادى أمر بأن توقد مشاعل في قوافل عرفات لإنقاذ الحجاج من هجمات الأشقياء
ولحمايتهم وذلك في سنة (٢١٩) وإلى ذلك الوقت كانت الوسيلة للإنارة هي إشعال شمعة
على سنام الجمل. كما أمر سودون محمد بقطع الأشجار البرية والكلأ الشائك والنباتات
البرية التى كانت كثيفة وعالية لدرجة أنها كانت تقطع أقمشة السرج التي صنعت لجلوس
الحجاج فوق ظهر الجمال ، كما كانت مكمنا للصوص الذين كانوا يختفون في داخل هذه
الأشجار ويفرقون قوافل الحجاج ، وقد أنقذ سودون محمد الحجاج من القلق والاضطراب إذ
قطع تلك الأشجار وحطم الحجارة ، ووسع طريق المأزمين ، وبعد فترة نمت الأشجار التي
قطعها الأمير سودون محمد وارتفعت حتى تحولت إلى غابة فاتخذها أشقياء القبائل
البدوية مكان اجتماع واحتشاد ، وأخذوا يمدون أيديهم لسرقة أبناء السبيل والحجاج
كما كان يحدث في العهود السابقة ؛ لذلك أمر محافظ جدة المعمورة بأن تقطع تلك
الأشجار وتحطم الصخور التي قد يكمن خلفها اللصوص ووسع طريق المأزمين أكثر من ذي قبل
، ولهذا لم يترك للصوص مأوى يختبئون فيه وتوفي في سنة (٩٥٠).
التذييل
إن شغدف ـ كما هو
معلوم لدى أهل المعرفة ـ مخترع للجلوس في داخله وهو ثلاثة أنواع :
النوع
الأول : من الشغدف يطلق
عليه هودج على وزن جوهر.
ويطلق على النوع الثاني : منه (محفّة) على وزن معدّة.
ويطلق على النوع الثالث : منه شغدف بضم الشين وسكون الغين ، ولكن الأتراك حرفوا
الكلمة فجعلوها شوطوف.
والصحيح أن يقال :
الشغدف ، وبما أن الهودج ذو قبة عالية ومغطى فهو خاص بالنساء ، أما المحفة مثل
الهودج إلا أنه مكشوف لذا فهو خاص بالرجال ، أما الشغدف فهو مقعد خاص للرجال
والنساء.
يصنع الهودج
والمحفة من الخشب ، ولكن الشغدف يصنعه النجار من خشب سمكه ربع قدم وله رجلان
والمقعد الذى سيجلس عليه ينسج من قشر سعف النخيل كأنه كرسى ، ويغطى فى شكل نصف قبة
يشبه عربة الثيران وله غطاء من قماش القلاع أو من جلد أو بساط أو حصير. إن الشغدف
وإن كان يصنع على الشكل الذى بيناه إلا أنه لا يمكن استخدامه إلا إذا أحكم ربط
اثنين منهما فوق الجمل ، ويغطيان ببساط أو قماش آخر ويحمل فيهما حاجان ، بعد حمل
الشغدفان على الجمل كما بينا وبالتصاق قبتيهما يأخذ شكل قبة المحفة المستوية ،
ويصعد إليه حينما يكون الجمل واقفا بواسطة سلم له أربع أو خمس درجات ويجلس فيه ،
إن الشغدف يستخدم فى طريق الحرمين كما أن الهودج والمحفة يستخدمان فى طرق مصر
والشام. انتهى.
قد أسدى الملك
جاقمق إلى الحرمين خدمات أخرى كثيرة وأصلح وأنشأ بركة المعلى التى مازالت قائمة فى
خلال عام (٨٠٦) وقد خربت تلك البركة فيما بعد فأحيتها كريمة السلطان سليمان (مهر
ماه) عندما أرسل سودون محمد إلى مكة المكرمة لترميم المسجد الحرام وتعميره. أرسلت
كسوة مزينة من قبل شاه الفرس شاهرخ إلى القاهرة لتكسى كعبة الله ، وأرسلت تلك
الكسوة فى نفس العام بالقافلة المصرية إلى مكة المكرمة ، وعلقت فى عيد الأضحى داخل
كعبة الله وذلك لاتفاق تم بين الملك جاقمق وشاه الفرس الملك شاهرخ ، إن الأمير
جاقمق أمير اصطبل الملك الأشرف المصرى عندما اعتلى عرش سلطنة مصر بضربة حظ كان قد
أرسل أحد أمراء الشراكسة يسمى (جيج كيوفا) إلى هراة لعقد اتفاق مع شاه الفرس فى
سنة ٨٤٢ ، وقد سر (شاهرخ) من هذا الاتفاق الذى تم بين الحكومتين العربية والفارسية
أعظم سرور فأرسل تلك الكسوة الشريفة لتعلق على الكعبة ليظهر شكره ، كما استجلب
الدعوات بإرسال الصرر لسكان الحرمين فى سنة (٨٤٣).
كانت قلة سبل
الماء فى داخل مدينة مكة المكرمة تسبب كثيرا من الضيق والمشقة عندما كانت المدينة
تزدحم بالحجاج فى موسم الحج ، وكان أولو الأمر يتعرضون لكثير من المشاق والتعب
لدفع ما يحدث من الشرور لقلة المياه. وأراد ناظر الحرم الشريف الشيخ بيرام إنقاذ
الحجاج من العطش لقلة المياه ، وفى نفس الوقت أراد أن يوفر المياه فى مكة المكرمة
فأنشأ سبيلا فى حى المعلى وعدة أحواض متينة فى ساحة عرفات وملأها بالمياه ، فروى
عطاش المؤمنين فى سنة (٨٥٣) ومع مرور الوقت خرب السبيل والأحواض التى أنشأها الشيخ
بيرام ، وابتلى الناس مرة أخرى وقوافل الحجاج بالعطش فقامت (مهر وماه سلطان) زوجة
فاتح اليمن رستم باشا بإنفاق أموال طائلة ، وعمرت ذلك السبيل والأحواض المذكورة
سنة (٩٦٧) كما أنشأت كثيرا من السبل فى داخل مكة المكرمة فأراحت سكان بلدة الله
كما سبق ذكره فى صورة إحياء عين زبيدة بالتفصيل ، وبعد سنتين من إتمام إنشاء الحوض
المذكور أصلح الشيخ بيرام ورمم بعض الأماكن ، فأصلح ونظف بعد ذلك بأربع سنوات بناء
على الأمر الذى تلقاه من الحكومة المصرية الأحواض التى فى ساحة عرفات والتى امتلأت
بالطين والتراب ، كما طهر مجرى عين حنين وعمر مسجد نمرة ومسجد الخيف المباركين ، كما أصلح سلسلة عقود السبعة
أروقة التى آلت للسقوط والكائنة فى الجهة الشمالية من المسجد الحرام وجدار المسجد
الحرام وفى الجهة الشرقية مقابل تكية السلطان قايتباى ، وجدد دور خلوة الشيخ عفيف
الدين بن أسد اليافعى والشيخ جمال الدين محمد بن إبراهيم المرشد بعد أن بدل
شبكاتها فى سنة (٨٥٦) ، وقد أرسل الملك الظاهر بعد تسعة أعوام كسوة مزينة غالية ،
وقد صنعت أطرافها التى تقابل الجهة الشرقية والشمالية من بيت الله الحرام من
الحرير الأبيض ، وزخرفت كل جهاتها بالخيوط الذهبية وعلقت على الكعبة يوم وصولها فى
سنة (٨٦٥).
__________________
وكان المشار إليه
قد أرسل بعد ثلاث سنوات سلما ظريفا للصعود على سطح الكعبة الشريف ، وما أن وصل
السلم المذكور إلى مكة المعظمة حتى حضر أشراف البلاد والوجهاء وجميع موظفى الدولة
ليكونوا فى شرف استقباله بكل تعظيم وتقدير ، ووضع فى مكانه وذلك عام (٨٦٨).
بعد مرور أربع
سنوات خلع السلطان (قايتباى) سلطان مصر على أمير مكة (محمد بن بركات بن أحمد بن
عجلان) وسائر الأشراف والأعيان خلعا فاخرة ، كما بعث إليهم بمال كثير ليقتسموه
فيما بينهم كما أرسل رسالة بمنع الظلم والعدوان ، وأمر بكتابتها على الأعمدة
المواجهة لباب السلام ، وأصدر الأمر بتعمير وإصلاح مساجد النبى صلى الله عليه وسلم
، وجميع الأماكن المقدسة وكذلك أمر بتطهير مجرى (عين عرفات) وذلك عام (٨٧٢).
وبعد مرور عامين
أصلح مسجد الخيف ومسجد نمرة والمسجد الحرام وجميع العيون والآبار وبرك عرفات وذلك
فى عام (٨٧٤). وبعد خمسة أعوام أرسل إلى المسجد الحرام منبرا فى غاية الروعة مزينا
بالذهب الخالص وذلك فى عام (٨٧٩).
وبعد عامين أمر
بإصلاح السقوف داخل باب السلام وحجر إسماعيل ورخام المسعى الشريف ، وكذلك ما فى
داخل بيت الله الشريف من الرخام كما أصلح مئذنة باب النبى صلى الله عليه وسلم
وعمرها وذلك فى سنة (٨٨١) ، وأمر بكتابة بيان بذلك على لوحة من رخام وألصقها فى
موضع داخل الحرم الشريف ، كما أنه اشترى قطعة من الأرض المتصلة بالحرم الشريف
وأنشأ عليها أربع مدارس وتكية وذلك فى سنة (٨٨٢). وقد استغرق إكمال ما ينقص تلك
المبانى سنتين وبعد إتمامها أسكن فيها من يقتضى الأمر إسكانهم ، بعد ما انتهى
السلطان قايتباى من بناء تلك المدارس والرباط بعث إلى إمارة مكة المعظمة الجليلة
يقول «رأيت حادثة فى رؤياى وجعلت العلماء يفسرونها ، فقالوا : «يجب غسل داخل
الكعبة وخارجها وعندما يصل رسولى يجب أن تنظفوا خارج البيت الحرام وداخله ، وأن
تطهروه» وذلك فى عام (٨٨٤).
وتلا على شريف مكة
وأشراف بلد الله وأعيانه مرسوم السلطان قايتباى وبادر
إلى تنفيذ ما جاء
فيه من أمر فغسل كعبة الله خارجها وداخلها إلى ارتفاع قامة إنسان ، وطهر ونظف
المطاف الشريف وسائر مواضع الحرم ، وأرسل إلى السلطان قايتباى يخبره بما تم ، وعقد
السلطان نيته على أداء فريضة الحج فى نفس العام الذى تم فيه تطهير الكعبة الشريفة
بأمره. وسافر إلى مكة المكرمة وتجرأ على أن يدخل الحرم من «باب السلام» وهو ممتط
جواده ولكن ذل حافر الفرس فسقطت عمته عن رأسه وبقى حاسرا ؛ إذ يجب على الداخل إلى
الحرم محرما أن يكون مكشوف الرأس للقيام بالطواف والنسك ، إنما تلك الجسارة كانت
لملوك الشراكسة أمارة البله وضعف الإدراك ، فالشراكسة المصريون كانت لهم بزة خاصة
وهندام غريب يثير ضحك من يقع نظره عليهم لأول مرة.
ألبسة ملوك
الشراكسة المصريين الرسمية :
إن السلاطين الشراكسة
الذين تربعوا على عرش مصر اختاروا لأنفسهم ثيابا رسمية تشبه ملابس الأيوبيين ، إلا
أنهم أضافوا بعض الأشياء الخاصة بهم مما جعل لهم هيئة مثيرة للضحك ، وإن ما جرت به
العادة فى بلد من البلاد وما اتخذ من الأصول والقواعد ليس غريبا أن يثير الضحك
والسخرية فى بلاد أخرى.
وكان الملوك
الشراكسة يتعممون بعمائم غاية فى الطول ، ويثبتون على هذه العمائم ستة قرون مدببة
؛ إلا أنها كانت مصنوعة من بز رقيق فى شكل مدبب ، وجرت العادة فى الاستقبالات
الرسمية أن تحمل فوق رءوسهم مظلات على هيئة الخيام ، وعلى هذه المظلات صورة طائر باسط
جناحيه ، وكان حامل هذه المظلة أعلى الأمراء المصريين رتبة ويسمى
بولى العهد ، وكان فى مصر فى هذه الحقبة من الزمن أربعة وعشرين وزيرا يلقب الواحد
منهم بالأمير الكبير ، وكانت
__________________
الموسيقى تعزف على
أبوابهم صباحا ومساء ، وكان كل واحد منهم يعمم بعمامة عليها أربعة قرون ، أما من
لم يحوزوا رتبة الأمير الكبير من الأمراء فكانوا يعممون بعمامة بها قرنان ، أما من
هم دونهم فى الرتبة فكانت عمائمهم خالية من القرون وطرفها مدلى إلى حناجرهم أما
رؤساء الجنود فكانوا يضعون على رءوسهم قلنسوة من الجوخ الأحمر ويسايرون ركاب
السلطان على أرجلهم ، وعلى هذا الطراز وهذه الهيئة كانت الثياب الرسمية لملوك
الشراكسة فى مصر ، فمن كان منهم ذا رتبة لبس العمائم ذات القرون وكانوا يستنكفون
من عمائمهم. كما يستنكفون من لبس ملابس الإحرام متجردين من ثيابهم ويعتبرونه من
الأمور المعيبة لذا لم يستطع السلطان أن يحمل نفسه على الترجل ولبس ملابس الإحرام.
انتهى.
وقد أقام السلطان
الغورى من ملوك الشراكسة فى مصر فوق باب إبراهيم (كمرا) عقدا فى غاية الزينة فريدا
من نوعه وبنى قصرا وعلى جانبيه عدة مساكن ، وأوصل بها عدة منازل وجعلها وقفا وذلك
فى عام (٨٨٨) وبما أنها كانت أعلى من الحرم الشريف فقد أفتى أكثر العلماء بعدم
جواز وقفها. يقيم الآن فى هذا القصر والمساكن التى بجانبه المستأجرون كما أن
الحجاج يستأجرونها أحيانا. وأصلح السلطان الغورى المضايق التى فى طريق مصر كما رمم
حجر إسماعيل الشريف كما أنه بنى سور جدة.
إرسال الصرة إلى
الحرمين :
جرت عادة السلطان
الغازى بايزيد خان الثانى بن السلطان محمد الفاتح خان بأن يرسل كل سنة صرة تحتوى
على أربعة عشر ألف قطعة ذهبية ، على أن يوزع نصف المبلغ لعلماء مكة الأعلام والنصف
الآخر لعلماء المدينة الأعلام وذلك فى سنة (٨٨٦) ، وبما أن سماحة خلق المشار إليه
قد ذاعت بين أهالى الحرمين فقد نظم شاعر من شعراء المدينة يسمى أحمد بن حسين
العليف قصيدة مدح وثناء ضمنها مناقب الخليفة المختارة وقدمها للسلطان.
إن الشاعر المذكور
هو الشيخ شهاب الدين أحمد بن حسين العليف ، وكان أحسن الناس فى زمانه وقد شرف دار
السيادة بزيارته فى صحبة الشيخ محيى الدين بن عبد القادر بن عبد الرحمن العراقى من
خطباء مكة المكرمة. إن القصيدة البليغة التى قدمها إلى السدة السلطانية كانت مؤلفا
نفيسا بعنوان «الدّرّ المنظوم فى مناقب السلطان بايزيد ملك الروم» وكان مطلع
القصيدة البديعة هذا البيت البليغ :
خذوا من ثناياى
موجب الحمد والشكر
|
|
ومن در لفظى طيب
النظم والنثر
|
فأمر السلطان سديد
الرأى لهذا الشاعر جائزة بألف من الذهب جائزة وأوعده بإرسال صرة بمائة دينار كل
سنة ، وقد نال الشاعر المذكور إلى آخر عمره صرة بمائة دينار كل سنة.
كان الدينار فى
تلك الأوقات نوع من عملة ذهبية وسنعرف فى موضوع الصرة الهمايونية مزيدا عن قيمة
هذه العملة فى زماننا ، ومتى ضربت وقطعت؟ ومما صحت روايته أن الذى خصص له الملك
صرة فى كل عام هو أحمد بن العليف وكانت ترسل كذلك إلى أبنائه وأحفاده إلى انقطاع
نسله.
قد احتاج قطع رخام
الحطيم الكريم للتسوية والترميم ، فما كان من أبى النصر الغورى إلا أن غيرها كلها
، وفى نفس الوقت زخرف داخل الحطيم وخارجه وفرش أرضه وذلك فى عام (٩١٧) ، وبعث
السلطان سليم بن السلطان بايزيد خان إلى أهالى الحرمين الشريفين أضعاف ما كان
يرسله والده كثيرا ، وضم هذه المبالغ إلى العطايا المقررة لسكان الحرمين الذين
يردون إلى دار السعادة ، فكان ما يكفيهم وذلك فى سنة (١١٨) وفتح السلطان سليم بلاد
مصر ، وأدخل أهلها طاعته فخضعوا جميعا لأوامره وأدخل فى حوزته بلاد الحرمين
الشريفين ونشر فيها أنوار العدل ، وكان يعيش فى ذلك العهد فى مصر الخليفة المتوكل
على الله الثالث العباسى ، ولم يكن له من أمر الخلافة إلا شيئا
معنويا وهو أن يؤخذ إذنه
__________________
عندما يتبادل
الأمراء منصب السلطنة ، وكان يمضى أيامه بإدارة وقف السيدة نفيسة وقد تنازل عن الخلافة للسلطان سليم ودخل تحت حمايته.
وقد أرسل الشريف
سيد بركات الذى كان حاكم الحرمين فى ذلك الوقت أبا عن جد ولكنه كان تابعا لملوك
مصر الشراكسة ابنه أبا نمى الذى كان فى الثالثة عشرة من عمره إلى مصر ، ومعه
المخلفات النبوية المباركة مع مفتاح بيت الله وسلم كل هذه الأشياء إلى السلطان
سليم مصدقا بخلافته ومبايعا له ، وقدم له بعض الهدايا الحجازية مباركا بالخلافة
وذلك فى سنة ٩١٣.
وقد اشتكى السيد
بركات فى الشكوى التى قدمها إلى السلطان سليم من جور وظلم والى جدة الأمير حسين
الكردى للأشراف الكرام ، فأكرم السلطان الشريف أبا نمى إكراما بالغا ، وخلع على
والده سيد بركات وعليه خلعة غالية الثمن لكل واحد منهما ورد إليهما اعتبارهما ومكانتهما
ووقرهما ، ثم أعاده إلى مكة المكرمة وفى اليوم الذى كان سيدخل فيه الشريف أبو نمى
إلى مكة زين أهلها الأزقة والأسواق واحتفلوا عظيم الاحتفال ، ولبس السيد بركات
وابنه الخلع السلطانية التى أنعم بها السلطان وجلسا فى المقام الحنفى بعد أن طافا
بالبيت ، حيث وفد الناس يزفون التهانى وعلى أثر تلقى التهانى استقدم الأمير حسين
الكردى وأبلغه الأمر السلطانى بشأنه ، وأركبه زورقا مضى به تجاه السويس ولكنه ألقى
به فى البحر وغرق فى مكان يسمى بيت العجين.
لازمة :
إننا لم نستطع أن
نحصل على كتاب تاريخ يبين لنا ما قدمه الشريف أبو نمى إلى السلطان سليم بن بايزيد
خان من المخلفات المقدسة المباركة : نوعها وعددها إلا أن هذه المقدسات المباركة
توجد ضمن الأشياء المباركة الجميلة التى تحتوى عليها حجرة الأمانات الشريفة
الفاخرة ، وقد قدم بعض هذه المقدسات المباركة من قبل الأمير المشار إليه ثم حصل
على البعض الآخر فيما بعد.
__________________
المقدسات المباركة
التى تحتوى عليها غرفة الأمانات الشريفة
نوعها وعددها
رباعية النبى صلى
الله عليه وسلم ، الحجر الشريف الذى يحمل أثر القدم الشريفة للنبى صلى الله عليه
وسلم ، فرد واحد للنعلين الشريفين ، الخرقة النبوية الشريفة ، سجادة الرسول صلى الله عليه وسلم ، سجادة الصديق ، لواء
النبى صلى الله عليه وسلم ، قبضة سيف النبى صلى الله عليه وسلم ، قوس النبى صلى الله
عليه وسلم ، عدد ٢ عصا النبى صلى الله عليه وسلم ، قدر حضرة نوح عليه السلام ، مرجل إبراهيم عليه السلام ،
قميص يوسف عليه السلام الملطخ بالدماء ، رأس زكريا عليه السلام ، قبضة سيف داود
عليه السلام ، قميص سيد الشهداء الملطخ بالدماء ، قميص فخر النساء ، ألوية الخلفاء
الأربعة ، عمائم الخلفاء الأربعة ، سبح الخلفاء الأربعة ، سيوف الخلفاء الأربعة ،
قبضة سيوف العشرة المبشرين وهى ست ، السيف الصارم لجعفر الطيار ، قبضة سيف خالد بن
الوليد ، قبضة سيف معاذ بن جبل ، سيف شر حبيل بن حسنة ، سيف أبى طلحة ، لواءان
للإمامين ، تاج أويس القرنى ،
__________________
مصحف عثمان بن
عفان ، الكلام القديم بخط الإمام الليلى ، المصحف الشريف بخط زين العابدين ، مفتاح
البيت الأعظم ، الميزاب الذهبى ، مصراع باب التوبة ، الغطاء الفضى لمقام إبراهيم ،
الطين ، ماء الغسل النبوى.
إن الأمانات
والمقدسات المباركة كل واحدة منها فى داخل غلاف فضى ، أما الخرقة الشريفة فى داخل
صندوق فضى صغير وهى فى غرفة العرش ، أما الأمانات الأخرى فقد وضعت فى رفوف جدران
تلك الحجرة بكل عناية.
التذييل :
إن الميزاب الذهبى
القديم بدل سنة (١٥٢٢) و (الكوكب الدرى) الذى اكتسب شرفا بمجاورته الغرفة المعطرة
فترة طويلة والأخشاب القديمة التى اقتلعت من أماكنها عند تعمير سطح كعبة الله التى
صنعت هدية نفيسة للسلطان بايزيد خان كل هذه الأشياء حفظت فى الأماكن الخاصة التى
فى حجرة العرش.
ولما سافر قبودان
الغازى حسين باشا إلى مصر بمهمة القضاء على ثورة القاهرة عرف أنه فى ضريح السلطان
الغورى مخلفات نبوية مباركة وهى قطعة قميص وعصا شريفة ومرودا ، وفى خلال شهر ربيع
الأول من سنة (١٢٠٣) نقلت هذه المقدسات المباركة من مبنى محكمة مصر ، وبادر
بتطييبها وتعطيرها حين زيارتها ، ووضعها فى داخل صرة ووضع الصرة فوق كرسى مزخرف
وأعادها إلى مكانها فى موكب خاص اشترك فيه علماء مصر كافة ، وحملت هذه الآثار على
الرءوس بكل تعظيم وصلاة وسلام ، ووضعت فى صندوقها الخاص فى مكانها القديم.
وقد سطر جودت باشا
فى تاريخه أن الأشياء المذكورة مازالت محفوظة فى ضريح السلطان الغورى إلى الآن
يستطيع أن يزورها من أراد ذلك ، وقد سر السلطان سليم سرورا بالغا بحصوله على
الأمانات النبوية المقدسة المبروكة لذا راعى جانب الشريف محمد أبا نمى مراعاة
عظيمة وطيب خاطره بإلباسه الخلع ، كما بعث إلى والده الشريف أبى البركات هدايا
كثيرة وأكرم أهل الحرمين الشريفين كما ينبغى ، وكل هذا لحصوله على الأمانات
النبوية. وفى خطبة عرفة
(٩٢٣) ذكر اسمه
كخليفة وبلغ الأمر إلى جميع سكان الحجاز وتهامة ، وأراد السلطان العظيم أن يبين
شكره على ذكر اسمه فى خطبة عرفات فأرسل إلى أهالى الحرمين مائتى ألف قطعة ذهب
فيلورى وقدرا كافيا من الحبوب المتنوعة ، وأرسل الأمير مصلح الدين وفى رفقته
قاضيان لتوزيع تلك العطايا ، كما أعطى للرسول المذكور دفتر قد زخرف عاليه بكتاب ما
أرسل إلى مولانا الشريف أبى نمى من خمسمائة قطعة ذهبية ، وكان السلطان سليم اعتاد
أن يرسل الصرة التى تحتوى على الذهب الفيلورى فى كل سنة ، وأصدر أمره السلطانى
بإرسال الصدقات المصرية التى كان يبعثها ملوك الشراكسة كما جرى فى السابق على أن
تتحمل الخزينة السلطانية العامرة نفقاتها ، وجعل ذلك قواعد يجب اتباعها كل سنة.
وقد غمر الفرح
نفوس أهل الحجاز لصنيع هذا السلطان ، وعلى أثر ذلك أطلقوا على ما ترسله السلطنة
السنية الصدقات الرومية للتفريق بينها وبين الصدقات المصرية.
* * *
__________________
بيان كيفية توزيع وتقسيم الصرّة المرسلة
من قبل السلطان سليم بن بايزيد
عندما وصل الأمير
مصلح الدين إلى مكة المكرمة أخذ يوزع نقود الصدقة الرومية وفق ما سجل فى الدفتر
الذى معه ، وأوصى الذين نالوا العطايا أن يستمروا فى رفع أكفهم بالدعاء للسلطان
ودوام عزه ثم جمع العلماء الأعلام والأعيان والأشراف الكرام الذين وردت أسماءهم فى
سجل العطايا ، وجعلهم يختمون تلاوة القرآن الكريم ويوجهون إلى الله ـ سبحانه
وتعالى ـ دعواتهم بإطالة عمر السلطان وزيادة قوته.
بعد ما أتم
العلماء المجتمعين فى داخل الحطيم ختم القرآن الكريم اختار الأمير مصلح الدين
ثلاثين من الحفاظ الصلحاء وكلفهم بختم القرآن الكريم مرة كل يوم بناء على
التعليمات التى يحملها من السلطان ، على أن يأخذ كل واحد منهم اثنى عشر قطعة ذهبية
فى السنة ، كما اختار بعض العلماء وكلفهم بقراءة البخارى والشفاء الشريف على الدوام ثم استدعى الفقراء الذين يحتاجون إلى
الصدقة فى الحقيقة وسجل أسماءهم فى السجل ، وأعطى لكل واحد منهم ثلاث قطع ذهبية
كعطية سلطانية ، ثم ذكر بأن السلطان سيبعث كل سنة ثلاث صرر من الذهب ، وأحصى أفراد
أسر الفقهاء وسجلهم فى سجله ، وقرر أن يعطى لكل فرد منهم ثلاثمائة قطعة ذهبية ثم
قيد المبالغ اللازمة لهم باسم صرة البيوت. ثم جمع كل الذين أظهروا حاجتهم للعطية
وأعطى لكل واحد منهم قطعة ذهبية ، وأشار إليها فى سجله بالصرة العامة ، وفى آخر
شهر ذى الحجة جمع العلماء والصلحاء وأخذهم إلى جبل التنعيم وبعد لبسهم ملابس
الإحرام جعلهم يعتمرون لوالدة السلطان ، وأدرج ما أنفقه فى هذا السبيل فى سجل باسم
صدقات العمرة ،
__________________
وفى أثناء إنهاء
أداء العمرة وصلت إلى ميناء جدة السفن المصرية محملة بالمرتبات الحجازية من الحبوب
والصدقات وتحمل كذلك أمرا سلطانيا للأمير سابق الذكر بكيفية توزيع الحبوب وتقسيمها
، وقد تبين عند البحث والتحقيق أن الحبوب المذكورة : ألفا إردب منها لأهالى
المدينة المنورة ، وخمسة آلاف أردب منها لسكان مكة المكرمة ، كانت كلها سبعة آلاف
أردب من المؤونة والغلال.
الذيل
الأردب كيل خاص
بالبلاد العربية ويستوعب ست ويبات ، وعند اللغويين الويبة تساوى ستة أصواع ،
والصاع أربعة أمداد والمد يساوى رطلا وثلث رطل. وبناء على هذا التعريف يقتضى أن
يعدل الأردب ١٥٣ أوقية و ١٠٠ درهم ؛ إلا أن استخدامات الأردب فى بلاد العرب تختلف
فعند المصريين الأردب الواحد يساوى ١٢ ويبة ، والويبة الواحدة تساوى ست كيلات إستانبولية قديمة ، وتعدل الويبة ١٠
أوقيات. وقالوا إن الأردب يساوى ١٢٠ أوقية ، أما الحجازيون فيعتبرون الأردب والأردب
١١ أوقية و ١٠٠ درهم أما أهل البلاد الأخرى فيختلفون فى تحديد مقدار الأردب
اختلافا كبيرا كذلك يكاد أن يكون تقدير مقدار الأسلوب كثير الصعوبة إن لم يكن
مستحيلا ونظرا لورود الغلال من مصر يجب اعتبار الأردب ١٢٠ أوقية ، وقد سمع بأن تقى
الدين باشا والي الحجاز الأسبق ساوى بين أوزان وأكيال البلاد الحجازية بالأوزان
والأكيال التى تستخدم فى جميع البلاد التابعة للسلطة العثمانية ، لكننا نظن أن
تعميم هذه القاعدة فى البلاد الحجازية غير قابل للتطبيق.
الغلال الواردة
حتى لا يقع الخطأ
فى تقسيم تلك الغلال وتوزيعها اتفق الأمير مصلح الدين مع الأشراف والأعيان على
تعداد سكان مكة المكرمة ، واستثنى منهم التجار ومتوسطى الحال والجند فوجد عدد
المحتاجين من المسنين والشباب والأطفال
__________________
الذكور والإناث (١٢٠٠٠)
نفر ، وبناء على رأى السيد جمال الدين محمد بركات شريف مكة ، استصوب توزيعها على
المحتاجين المذكورين كل واحد منهم ربع أردب من الحنطة وقطعة ذهبية ثم أعطى مفتىّ
المذاهب الأربعة لكل واحد منهم ثلاثة أرادب غلة وهكذا أجرى قواعد العدالة.
أول ما وزع من
الأرزاق التى أرسلها السلاطين العثمانيين على أهل الحرمين هى ما وزعه مصلح الدين
أفندى من سبعة آلاف أردب من مختلف الغلال وقد زاد مقدار هذه الغلال من سنة لأخرى
لحاجة الناس إليها حتى وصلت فى عهد السلطان محمود العادل إلى (١٧٠٠٠) أردب من
الحنطة ، وكان هذا القدر كافيا لتغطية حاجات الناس ومن هنا لهجت ألسنتهم بطول بقاء
الدولة العثمانية. واستطاع فيما بعد ذوى الحيلة أن ينال كل واحد منهم مائتى
أردب من الحنطة مدعين انتسابهم لجهة من الجهات ؛ وبهذا تركوا كثيرا من الفقراء لا
ينالون ، شيئا ولما استحال جلب هذه الغلال من مصر أخذ الناس يتقاضون من خزانة
الدولة ثمن ما يستحقون من حنطة.
ترميم المقام الحنفى
كان الأمير مصلح
الدين مكلفا أيضا بتعمير الحرم الشريف وترميمه ولما رأى أن المقام الحنفى فى شدة الحاجة
إلى التعمير قال مخاطبا أعيان بلد الله وعظماءهم إن هذا المقام المبارك الذى أنشىء على أربعة أعمدة مسقفا بناء مبارك ،
ومحرابه فى وسطه ، وقد بنى من أجل أئمة المذهب الحنفى الكرام كما تعرفون جميعا أنه
بنى فى سنة (٨١١) ، وفى سنة (٨٤٣) غطيت قبته بالقصدير من قبل السلطان المصرى جاقمق
وبالنظر إلى شكله الحالى وكثرة الحجاج والضيوف الذين يفدون للحج قد تجاوز وجوب
توسيعه مع إنشاء قبة له درجة الوجوب.
لذا يقتضى الأمر
تهيئة مقام أوسع يستطيع الحجاج الذين على المذهب الحنفى
__________________
أداء صلواتهم عند
حلول أوقات الصلاة دون أن يزعجوا جماعات المذاهب الأخرى فى أثناء صلاتهم مقتدين
بإمامهم.
وبهذه المقدمة قد
جعل ما فى ضميره من عزمه على توسيع المقام موضع الاستشارة والبحث ؛ إلا أنه لم
يستطع أن يحصل على الموافقة فى ذلك اليوم ، وفى اليوم الثانى كون لجنة حتى يستطيع
أن يبنى المقام المذكور وفقا لخريطة أفكاره ، وقد حصل على موافقة العامة على
البناء ، وفعلا بنى مقاما فخما وفق ما رسم خياله فى ذهنه من رسم مطبوع وشكل مرغوب
، كما رفع فوقه قبة جديدة ثم عمر وأصلح ما يجب تعميره ، وهكذا شيد وبنى الحرم
الشريف على شكله ذاك فى أيامه وذلك فى سنة (٩٢٣).
قد دام المقام
الشريف الذى شيده مصلح الدين أفندى فترة طويلة إلا أنه احتاج للتعمير والترميم
بفعل الزمن لذا هدمه حاكم جدة (خوش كلدى) من أساسه ، وبنى مكانه مقاما مربعا لا
يدانى فى الجمال من طابقين ، وخصص الطابق الأعلى للمؤذنين والطابق الأسفل لجماعات
الحنفية ، وما زال ذلك المقام قائما بالطرز الذى بناه عليه (خوش كلدى بك) ولكنه
وسع وجدد فى سنة (١٠١٧) ، وأصلح وعمر فى سنة (٢٥٩) كما ذكر فى الصورة الثانية من
الوجهة الخامسة.
عندما وفق (خوش
كلدى بك) فى تجديد البناء العالى للمقام الحنفى فنظم غبارى أفندى تاريخا لطيفا.
قطعة
المقام الخاص
بسلطان الأئمة
|
|
إذا أصبح معمورا
بمحامد ومحامد
|
طاف بسمعى من
العاكفين بكعبة الأنس
|
|
اسمه هو (خير
المساجد)
|
إذا لم يكن هو
خير المساجد
|
|
فلم يكن التاريخ
خير المساجد
|
سنة ٩٤٩
بعد أن فرغ الأمير
مصلح الدين من تعمير وترميم المقام الشريف وغيره من الأبنية مضى إلى المدينة
المنورة وأخذ فى إحصاء عدد السكان ثم وزع ألفى أردب من الغلال السالفة الذكر على
أربعة آلاف نسمة من السكان الذين قيدهم فى سجلاته عقب الإحصاء ، وهكذا استجلب
الدعوات الخيرة للسلطان العالى الشأن وذلك فى سنة (٩٢٣) وإن كان ما وزعه الأمير
مصلح الدين من الغلال فى سنة (٩٢٣) كفى أهالى الحرمين الكرام فى ذلك الوقت إلا أن
عدد سكان الحرمين زاد عاما بعد عام ، وأصبحت المرتبات الحجازية لا تفى بحاجة الناس
؛ لذا أوصل السلطان فى عام ٩٢٦ العطايا إلى حد الكفاية.
واعتاد أن يرسل
المخصصات بواسطة مصلحة الصرة ، وإلى الآن ترسل المخصصات بهذه الصورة وتوزع كل سنة على
سكان مكة أمام البيت الشريف بحيث يعود الذين استلموا عطاياهم المخصوصة فرحين
مسرورين داعين لسلطان الزمان العثمانى وأهله بطول بقاء دولتهم عليهم الرحمة
والرضوان ، قد سددوا ديونهم التى تراكمت خلال السنة الحالية.
إن ما يطلق عليه
الصدقات الرومية من هذه المبالغ هى قوام حياة أهالى الحرمين الشريفين لم يكن يرسل
على عهد الملوك القدامى سواء من قبل ملوك الشراكسة أو الخلفاء العباسيين أو أسلاف
السلاطين العثمانيين على هذا النحو ، ولم يوفق أحدهم إلى مثل ما بعث السلطان
سليمان.
والصدقات التى
كانت تخصص فى عهد السلطان سليمان ، لأى واحد كانت تؤول إلى أولاده بعد مماته ،
وإذا كان المتوفى بدون وارث كانت هذه الصدقات تعطى لأحد الفقراء المحتاجين.
وكان فى مكة
المكرمة مخازن خاصة لوضع وحفظ الغلال التى ترد تباعا ، وعندما ترد تلك الغلال كانت
تحفظ فى تلك المخازن ، وكان فى بعض حجرات مدرسة الشريف عجلان بالقرب من باب العجلة
أى فى داخل الحرم الشريف مصلحة فى مديرية الحرم الشريف وهى التى تعطى إيصالات
الاستحقاقات
لأصحاب الشأن ،
وترسلهم إلى أمانة تلك المخازن فيأخذ كل واحد حقه وفق الإيصال الذى يحمله ، وهذا
النظام باق إلى يومنا هذا ومرعى الجانب.
مقدار وقيمة الصرة السنية
المعتاد إرسالها إلى الحرمين
فى زماننا هذا
كلما زاد سكان الحرمين وتكاثر المجاورون زاد ما تضمه الصرة السلطانية إلى أن وصل
فى العصر السلطانى الذى نفتخر ببلوغه وإدراكه مقدار الصدقات إلى (٣٥٠٣٦١٣) قرش
وإذا ما أضيف لهذا المبلغ (١٢٢٦٢٦٢) قرشا تنزيلا بنسبة ٣٥% تصل قيمة الصرة السلطانية إلى (٤٧٢٠٨٧٧) قرشا
وهذا يساوى على التقريب (٩٠٠٤٥٩) كيسا و ٣٧٧ قرشا وهذه المبالغ مع ما أضيف إليها هى لمكة المكرمة (١٠٧٤٨٨٦٠)
قرش ، ولأهالى المدينة المنورة (٢٤١٦٧٠٧١) قرش ، و (١١٥٤٧) قرش للقدس الشريف ولمن فى
طريق الحج والقائمين على صيانة أحواض الماء كما قدم إلى بعض وجهاء القوم شيلان صوف
هدايا دائمة.
ولا ترسل الآن صرة
الهدايا هذه وتقدم قيمتها نقدا إلى مستحقيها ، وتبلغ صرة سكان مكة (١٠٧٤٨٦٥) قرش
والمرتبات القديمة (٢٠٧٠٦٩) وأضيف إليها جديدا (٨٦٧٧٩٦) قرش. أما مخصصات المدينة
وهى (٧٤٩٢٤٦) قرش فهى الصرة القديمة أضيف إليها مبلغ (١٦٦٧٤٥٥).
الصرة الخاصة بأهل مكة
القرش
|
نوع الوقف
|
محل الصرف
|
٧٢٣١٣
|
من خزينة
الحرمين الشريفين
|
أهل مكة المكرمة
قد منحوا ذلك قديما ثم آل بعد ذلك إلى أولادهم وأولاد أولادهم وأحفادهم وبعد
انقطاع نسلهم تصرف إلى المستحقين من الفقراء.
|
٣٧٥٤٤
|
من خزينة
الأوقاف السلطانية
|
٥ ، ٣٣٢ / من
وقف مجهول النظارة
|
__________________
القرش
|
نوع الوقف
|
محل الصرف
|
٣٢٣
|
من خزينة
المالية
|
|
٣٠٠
|
من خزينة
الحرمين الشريفين
|
|
٤٧١٥٣
|
من أموال حوالى
الشام
|
|
٥، ٢٣٧٣
|
من خزينة
السلطان الخاصة
|
|
١٧١٣٣٩
|
المجموع
|
|
٦٥٤٦٦
|
من خزينة
المالية
|
هذه المبالغ
الرواتب السنوية وهى الصرة القديمة وما ضم إليها جديدا
|
١٧١٩٠٠
|
الصرة القديمة
من الأوقاف المضبوطة
|
|
٣٢١٩١
|
من خزينة
المالية
|
وتصرف لموظفى
الإدارة بالحرم الشريف والأئمة والخطباء ومسجد بيعة الرضوان والأشراف الكرام
والآخرين والقائمين بخدمة الحرم المحترم
|
٨٢٠٩٠
|
الصرة القديمة
من الأوقاف المشروطة
|
|
٨١٢٧٠٧
|
المجموع
|
|
٢٠٠٠
|
من وقف السلطان
عبد المجيد
|
وتصرف لموظفى
مكة المكرمة من أبناء مكتبة الحرم الشريف والذين يعينون أوقات الصلاة والذين
يعنون بالساعات والذين يكبرون ومؤذنى الحرم الشريف والقائمين بتطهير بيوت الخلاء
والإيجار منازل أمناء الكتب ، ولبعض فقراء التكايا والمحتاجين والمجاورين
ولمرتبات مستشفى الغرباء
|
١٢٢٠٠
|
كذلك
|
|
٤٦٣٥
|
كذلك
|
|
٤٥٦٠
|
كذلك
|
|
١٦٦٨٠
|
كذلك
|
|
٣٤٩٢
|
كذلك
|
|
٦١٨٠
|
كذلك
|
|
١٥٦٠٠
|
كذلك
|
|
٧٢٠٠
|
كذلك
|
|
٨٨٥٢٥٤
|
المجموع
|
|
٨٨٥٢٥٤
|
المجموع السابق
|
رواتب الذين
يتلون أجزاء من القرآن الكريم كل يوم عقب صلاة الفجر فى المقام الحنفى ، وحارس
ضريح السيدة ميمونة «رضى الله عنها وكذلك
|
٣٦٠٠
|
من وقف السلطان
محمد الثانى
|
|
٣٨٤٠
|
من وقف سلطانى
الوالدة بزم عالم
|
|
٤٨٠
|
كذلك
|
|
٤٥٠٠
|
كذلك
|
مكبرى المقام
الحنفى ومؤذنيه ومن يقدمون ماء زمزم فى موسم الحج وفراشى المسعى الشريف.
|
١٥٠٠
|
كذلك
|
|
٩٦٠
|
كذلك
|
|
٢١٠٠
|
كذلك
|
|
٩٠٢٢٣٤
|
المجموع
|
|
٢٤٩٦
|
من الأوقاف
المشروطة
|
|
١٢٤٨
|
بإيجاد مقابلة
|
|
١٢٨٨١٣
|
تعويضا من خزينة
المالية
|
|
٤٠٠٧٤
|
من خزينتى
المالية والحرمين
|
|
١٠٧٤٨٦٥
|
المجموع
|
|
إن مجموع هذه
المبالغ المذكورة فى ذلك الجدول (٧٤٩٦٠ ، ٥) قرش و (٧٩٦ ، ٠٠٤) قرش إضافات جديدة.
(٠٦٩ ، ٠٧٠ ، ١)
قرش من الصرة القديمة ، و (٣٣٩ ، ٠٧٦ ، ٣) ترسل أكياس مختومة ، و (٥٣٠ ، ٣٧٤) قرش
تعطى بالحوالة من أموال الشام ، ٣٩٩٦ قرش تحجز فى حجرة أوراق الحلى فى استانبول
على أن تعطى لبعض الذوات.
ملحوظة :
جاءت فى جداول
المؤلف كلمة (يوك) فى الأرقام وتساوى نصف مليون.
قرش
|
نوع الوقف
|
محل الصرف
|
٥، ١٤٨٥٠١
|
من وقف الحرمين
الشريفين
|
خصص لأهل
المدينة المنورة قديما من الصرة السلطانية وآلت من الأباء إلى الأبناء والأحفاد
وبعد انقطاع نسلهم صرفت إلى الفقراء.
|
٤٣١٠٨
|
من خزينة
الأوقاف السلطانية
|
|
٥ ، ٤٢٠٧
|
من وقف مجهول
النظارة
|
|
٨٨٦
|
من خزينة
المالية
|
|
١٧٦٤٨
|
من خزينة
السلطان الخاصة
|
|
١٠٦٨٥٢
|
من المالية
تعويضا عن الحوالة الشاملة
|
|
١٣٢١٢٠٣
|
المجموع
|
|
١٦٨٠٠٠
|
من الأوقاف
المضبوطة
|
من الزيادات
القديمة والجديدة مخصصة لإدارة مديرية الحرم النبوى وشيخ الحرم النبوى وموظفى
دفتر اليومية للخزينة النبوية وتؤخذ من أوقاف الحرمين فى بغداد والبصرة
|
٩٩٩٠٠
|
من خزينة
المالية
|
|
٩٢٨٨٠
|
من خزينة
الأوقاف السلطانية
|
|
٦٨١٩٨٣
|
المجموع
|
|
٥٤٩٦٠٠
|
من خزينتى
المالية والأوقاف
|
خصصت رواتب
سنوية من الأوقاف المخصوصة لخدمة الحرم الشريف والخصيان والساده أبناء على وخدمه
مسجد الفاروق الأعظم ومسجد قباء والرواتب السنوية لقراء القرآن الكريم والشفاء
الشريف والبخارى.
|
٥٥٣٨٦٠
|
كذلك
|
|
٦٧٠٠٥
|
من وقف عبد
المجيد خان
|
|
٢٤٠٠
|
من خزينة
الأوقاف السلطانية
|
|
٢٤٠٠
|
من الأوقاف المضبوطة
|
|
١٨٥٧٢٤٨
|
المجموع
|
|
١٣٦٨٠
|
من الأوقاف
المشروطة
|
رواتب ومخصصات
من الأوقاف المضبوطة لمدرسى مدرسة الحميدية وبعض المستحقين من الفقراء
والصالحين.
|
٤٣٨٠
|
من وقف السلطان
عبد الحميد المخلوطة
|
|
٢٩٩٤٠
|
من وقف السلطان
محمود الثانى
|
|
١٥٠٠
|
من الوقف
المجهول النظارة
|
|
٢٦٤٥٨٨
|
من خزينة
السلطان الخاصة
|
|
٤٠٩٧٨
|
كذلك
|
|
٢٢١٢٣١٤
|
المجموع
|
|
٥ ، ٤٤٣٧
|
من وقف السلطان
محمود الثانى
|
رواتب مدرسى
المدرسة المحمودية وأمين مكتبتها ومرضى المستشفى المجيدية وخدمها وسائر موظفيها.
|
٥ ، ١٤٣٧
|
كذلك
|
|
٨٥٣٠
|
كذلك
|
|
٢٢٢٦٧١٩
|
المجموع
|
|
٣٠٠٠
|
من وقف عبد المجيد
خان
|
المعاشات
السنوية لأمناء مكتبة مدرسة السلطان عبد المجيد خان ووكيل الشريفة وخدام المدارس
التى أنشئت حديثا وسقائى الصنابير وأطباء وصيادلة وجراحى المستشفيات ونظار
المدارس سالفة الذكر
|
٤٨٠٠٠
|
كذلك
|
|
٣٤٥٦٠
|
كذلك
|
|
٣١٧٣٤
|
كذلك
|
|
٤١٩٢
|
كذلك
|
|
٢٣٤٩٠٠٥
|
المجموع
|
|
١٩٧٢٠
|
من وقف والدة
السلطان بزم عالم
|
رواتب السنوية
لقراء سورتى تبارك والفجر لروح والدة السلطان بزم عالم ووظائف مشيخة المدينة
المنورة
|
٤٧٩٧٦
|
من خزانتى
المالية والأوقاف
|
|
٢٤١٦٧٠١
|
المجموع
|
|
الصرة الخاصة بأهل المدينة المنورة
إن المجموع الكلى
لهذه المبالغ المقيدة بهذا الجدول (١٢٠١٦٧٠٠) ، (٤٥٥ ، ٠٦٧ ، ٨) قرش زيادات جديدة
كما أن مبلغ (٢٤٦ ، ٥٤٩ ، ٣) قرش من الصرة القديمة ، ومبلغ (٢٠٣ ، ٥٦٦ ، ٧) قروش
ونصف من هذه النقود تسلم إلى أمانة الصرة موضوعة فى أكياس مختومة مغلفة ، كما أن
مبلغ (٥١٧ ، ٣٩ ، ٤) قرشا ونصف قرش من أموال الشام ترسل بواسطة الحوالة ١٨٩٩٠ قرشا
تعطى إلى الأشخاص المقيمين فى إستانبول.
إجراءات الصرة للموظفين القائمين على
أحواض المياه فى القدس الشريف وطريق الحج.
٥ ، ٧٧٨٠
|
من الأوقاف
المضبوطة المقررة
|
تعطى لموضفى
القدس الشريف وموظفى النزل التى تكون على طريق الحج وتعطى عادة لمشايخ العربان.
|
١٠
|
من وقف عمر بك
|
|
٦٧٥
|
من وقف الحرمين
الشريفين
|
|
٦٠٠
|
من وقف الحاج
أدهم أفندى
|
|
١٩٣٤
|
من الأوقاف
المضبوطة المقررة
|
|
٤٠٠
|
من وقف السلطان
عبد الحميد
|
|
٥ ، ١٤٧
|
من الخزينة
المالية الجلية
|
|
١١٥٤٧
|
المجموع
|
|
مجموع الصرة السلطانية من حيث المجموع الكلى
الصرة القديمة
|
الصرة الجديدة
|
مجموع الصرر
|
٢٧٠٠٦٩
|
٧٤٩٣٤٦
|
١١٥٤٧ التى كانت
تمنح لمكة المكرمة.
|
٨٠٤٧٩٦
|
١٦٦٧٤٥٥
|
٢٤١٦٧٠ التى
كانت تمنح للمدينة المنورة.
|
١١٥٤٧
|
|
١١٥٤٧ التى كانت
تمنح للقدس الشريف ..
|
١٠٣٠٨٦٢
|
٢٤٧٢٢٥١
|
٣٥٠٣١١٣
|
صورة العلم والخبر
إن الصرة القديمة
التى أعتاد إرسالها إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة والأماكن الأخرى أخذت من
خزائن أوقاف الحرمين والأوقاف السلطانية والخزائن الأخرى لسنة كذا .. على أن تعطى
لأصحابها الكرام فى أماكن إقامتهم شهرا بشهر ، حسب النظام المتبع وإرسالها مقدما
مخصوما من الرواتب الجديدة لسنة كذا .. موضوعة كوديعة فى أمانة الصرة السلطانية
كما هو مقيد فى البند الأول من سجل الحساب والمصروفات ؛ لذلك تم إرسالها إلى مكة
المكرمة ـ شرفها الله تعالى إلى يوم القيامة ـ مع الإضافات الجديدة وهى مبلغ (٨٦٥
، ٥٠٠٧٤) قرش وإلى المدينة المنورة (نورها الله تعالى إلى يوم الآخرة) مبلغ (٧٠١ ،
٠١٦ ، ١٢) قرش كما هو مقيد فى البند الثانى ، وإلى القدس الشريف وما فى طرق الحج
من أحواض الماء صرتها الخاصة محسوبا لسنة كذا .. والتى تساوى (١١١٥٤٧) قرش ، والتى
يبلغ مجموعها (١١٣ ، ٢٥٣ ، ١٢) قرش مبينا مقدار المبالغ الخاصة بالصرة القديمة
وسنتها ومقدار المبالغ الخاصة بالصرة الجديدة وسنتها ، ورواتب أى سنة هى.
أوضح كل هذا فوق
بنوده كما عرف مجموعها فى خاناتها الخاصة وخصم منها المبالغ المذكورة لتسوية
الإيرادات مع المصروفات مبلغ (١٤١٧٦) قرش ثم أعد ودبر مبلغ (١٣٩ ، ٠٨٦ ، ١٧) قرش
ما بقى بعد الخصم فى ظل الرعاية السلطانية نقدا.
وحتى تصرف تلك
المبالغ التى أشير إليها مقيدة فى خانات المجموع ، نقدا من خزينة وزارة الأوقاف
السلطانية يجب أن يبين أماكن صرفها وكيف تم تعويضها ، ثم تقيد فى دائرة المحاسبة
ولإتمام الإجراءات الأخرى حتى تمر بإدارة الإيرادات وقلم المحاسبات اليومية.
ولا يدخل فى هذا
الحساب نقود المحروقات واللوازم الأخرى الضرورية ، ويبعث ما اعتادت بلاد الحرمين
استهلاكه سنويا من المحروقات والضروريات عينا وبطريقة مستقلة.
وإن لزم إضافة
مجموع أثمان هذه الأشياء للحساب العام إلا أن هذا سبب فى زيادة مقدار الصرة مليونى
قرش بالتخمين. وبناء على ذلك سيصل ما يرسل إلى الحرمين فى كل سنة إلى (١١٣ ، ٩٠٣ ،
٣) قرش ، وإذا ما أضيف إليه الرواتب الأخرى التى تساوى (٥٧٦ ، ١٣٦ ، ٤) قرش ،
سيكون إجمالى المبلغ (٨٨٩ ، ٠٣٩ ، ٨) قرش أى ما يعادل (١٦٠٧٩) كيسا و (٣٨٩) قرش.
إن مبلغ (٠٠٠ ، ١٠٠ ، ٤) قرش وكذا التى يطلق عليها الرواتب الأخرى هى المبالغ التى
تصرف على أمناء لصرة المبشرين ورياسة الخلع ومرتبات إمارة مكة المكرمة ومخصصات بعض
الموظفين وقيمة ما يرسل من البخور مستقلا ، ومصروفات الطريق التى يتقاضاها أشراف
المدينة عندما يخرجون لاستقبال المحمل الشريف ، وأجر جمالهم وما بقى من الصرة ثمنا
للخيام ، ولتعمير الزكائب التى تحفظ فيها أكياس الرزق ، وأكياس الفراشة ومصروفات
صنع الخلع التى ترسل إلى أمير مكة ، والخلع التى تقدم فى الطريق من الشام إلى مكة
المكرمة وأشياء أخرى ، والمبالغ التى تمنح إلى أهالى الحرمين باسم الجوالى وتموين
الحج وحراس القوافل السلطانية من البدو.
وقد أوضحت كمية
هذه المبالغ وكيفية توزيعها فى الجدول الذى يحتوى على رواتب الصرة السلطانية
العامة كل شىء على حدة.
الرواتب العامة للصرة السلطانية
القروش
|
المواد
|
٥٢٣٢٥٠
|
مخصصات أمناء
الصرة
|
٢٠١٤٨٣
|
مخصصات المبشرين
|
٤٧٨٥٦
|
مخصصات المبشر
|
٢٢٧٥٠
|
مخصصات رياسة
الخلعة
|
٣٥٠٢٣
|
رواتب إمارة مكة
المكرمة الجليلة
|
١٨٠٦١٢٠
|
مخصصات من بعض
الموظفين
|
٢٤٨٧٥٢٠
|
ثمن ما يرسل من
بخور
|
٢٦٧٤١
|
أجرة جمل
ومصروفات الطريق للشريف الذى يرسل من مكة المكرمة لاستقبال المحمل الشريف من
المدينة المنورة
|
١٩٥٧٠
|
مصروفات لتعمير
المكان الذى يحفظ فيه ما أعطى لأمناء الصرة من الخيم وأكياس الفراشة والزورق
|
٣٤٩٥٨
|
المصروفات لصنع
الخلعتين اللتين ترسلان من إستانبول إلى أمير مكة
|
٥٦٤٦٤٠
|
الخلع والأشياء
الأخرى التى تقدم فى مكة المكرمة والمدينة المنورة ولأهالى الشام فى طريق الحج
وبدل العطية الريفية والتى تعرف بجوالى .
|
٣٦٠٠٠٠٠
|
مخصصات تموين
الحج وحراس القافلة السلطانية
|
٩٨٤٩٠٨١٦
|
رواتب مكة
المكرمة
|
١٩٢٢٣٧٣٣٠
|
رواتب المدينة
المنورة
|
١١٣١٩٢٠
|
رواتب القدس
الشريف
|
٨٠٣٩٨٨٩٢
|
المجموع
|
تطلق المرتبات
الحجازية على المؤنة التى يتصدق بها الملوك العثمانيين حسب الحاجة إلى أهالى
الحجاز الكرام ، وإلى الآن تشترى من قبل الخزانة المالية كل عام وترسل إلى البلاد
الحجازية ، ويعطى هذا المبلغ خارج مبلغ (٨٨٩ ، ٠٣٩ ، ٨) قرش (٢٦) بارة هو المجموع
الكلى لجدول الصرة السلطانية ومقداره (٨٠٣ ، ٤٩٨ ، ١٨) قروش ، وهذا يعنى أنه يصرف
من خزينة وزارة المالية
__________________
للرواتب الحجازية
سنويا (٩٩٦ ، ٣٦) كيسا و (١٠٣) قرش كما وضح ذلك فى بند الميزانية من عدد (١٤٢٢) من
الصحيفة الملغاة. وعندما أدرج هذا المبلغ إلى مجموع الصرة السلطانية يوضح ويؤكد أن
وزارة المالية العثمانية ترسل إلى أهالى الحجاز (٦٩٢ ، ٥٣٨ ، ٢٦) قرش و (٢٦) بارة
، وإذا كان هناك تفاوت بين المبالغ المقيدة فى جداول الصرة السلطانية وجداول
الأوقاف السلطانية من حيث المبالغ التى صرفت لأهالى الحرمين ولموظفى أحواض الماء
التى فى طريق القدس الشريف قدره (٤٣١ ، ٥٨٤) قرش ١٤ (بارة) ؛ فهذا الفرق هو معاشات
موظفى مديرى مكة المعظمة والمدينة المنورة وخصيان الحرمين وموظفى المكتبات
الميقاتية ومستشفى الغرباء وأثمان أرزاق من يعنون بحدائق العمارات السلطانية
ومشايخ الحرمين وكاتب الحسابات اليومية للخزينة النبوية وموظفى مستشفى المجيدية
وأمناء مكتبات ومدرسى المدرستين الحميدية والمحمودية ، فإذا ما أضيف هذا المبلغ
إلى جدول الصرة السلطانية نرى أن الجدولين قد تقابلا وتوازنا.
ويمنح الأهالى
الكرام المجاورون مبلغ (٤١٠ ، ٠١٣ ، ٢) فى كل عام باسم (بدل الشهادة) من خزينة
الأوقاف السلطانية يحصل على هذا المبلغ من عشر راتب شهر مارس من الموظفين الذين
يتقاضون راتبا قدره (٢٥٠٠) قرش فما فوقه ، فخزينة الأوقاف السلطانية تضم لوارداتها
عشر راتب شهر مارس الذى يرسل إليها من الدوائر الحكومية وتؤدى بهذا بدل الشهادة.
وتعطى هذه النقود
إلى الذين يحملون الشهادة من أهالى الحرمين من إدارة الترجمة للحرمين وبما أنها
كانت توزع بطريقة لا ترضى أصحاب الشهادة وتنسبب فى مشاكل كثيرة وقد انزعج كل أهالى
الحجاز من هذه الحالة وقدموا الطلبات إلى المقامات العالية مشتكين من هذه الحالة
حتى إنهم أوصلوا صيحات شكاياتهم إلى سمع السلطان.
ولم يرض السلطان
الذى ذاعت رحمته فى الآفاق أن ينزعج أهالى الحرمين
إلى الحد الذى
رفعوا معه أصواتهم بالشكوى ، فأمر بتشكيل لجنة خاصة تتسلم ما يستقطع من رواتب
موظفى الدولة وتوزع هذه النقود وحسنت إدارتها فى سنة ١٢١٧.
وازنت اللجنة
المكونة ما تراكم من الديون بسبب الواردات والمصروفات ، وتبين أنها (٩٩٨ ، ٥٨٧)
قرش ونصف قرش. أى أكثر من الإيرادات فى السنين السابقة ، وأصبحت خزينة الأوقاف
الجليلة مديونة لأهالى الحرمين فى بدل الشهادة والإكرامية بمبالغ كبيرة ، وعرفت
أنه باستمرار هذه الحالة لن يمكن تسديد الديون المتراكمة فضلا عن إعطاء البدلات
المذكورة سنة بسنة لأصحابها لذلك قررت إعطاء أهالى الحرمين ما تعودوا أن يأخذوه
سنويا فى وقته دون إجبارهم على الشكوى وكذلك تسديد الديون المتراكمة آملة فى زيادة الإيرادات بتخصيص صندوق يوضع فيه
ما زاد من الإيرادات وذلك بتصفية (٢٠٠ ، ٠٤٦ ، ١) قرش سنويا من المجموع الكلى
للبدلات والإكراميات ومقداره (٧٥ ، ٥٣٤ ، ٣) قرش ، وذلك بعد التخابر مع مجلس
الشورى للدولة وإعداد المضبطة اللازمة والتى تحتوى على مقدار المقررات القديمة بعد
التصفية وعرضت اللجنة كل هذا على ملاذ الخلافة مع الجداول الخاصة.
وبعد دراسة ما جاء
فى قرار المضبطة التى عرضت على اللجنة دراسة عميقة دقيقة وتوضيح موادها المترجمة
وتحقيقها صدور الإرادة السلطانية بإجراء ما يلزم بلغ الأمر كله إلى وزارة الأوقاف
السلطانية مع التأشيرة السلطانية لإجراء اللازم فى سنة (١٢١٨). وكانت وزارة
الأوقاف اعتادت أن تودع تلك المبالغ بواسطة إدارة الحرمين لأجراء ولكنها أخذت
توزعها الآن بواسطة اللجنة المذكورة.
إن مجموع العشر
الذى يستقطع من راتب شهر مارس فى سنة ٩٧ كما جاء
__________________
فى المضبطة التى
عرضتها دائرة الداخلية للدولة وصل إلى (٥٤٦٠٧٥١ ، ٢) قرش ونصف قرش ، وكان مبلغ (٢٥٠٠٠)
قرش منه مقابل الديون التى تراكمت قبل صدور الأمر السلطانى بتشكيل لجنة خاصة ومبلغ
(١٢٤١) قرشا ونصف قرش ، وقد حجزت وخصصت مبالغ (١٥٠٠) قرش لرئيس كتاب اللجنة
المذكورة ، و (٥٧٠٠) قرش لمعاش الفراشين والخدمة والمتقاعدين ، و (٣٠٠) قرش ثمن ما
استهلكته اللجنة من الأوراق ومع هذا لم تكن تلك الإيرادات متساوية فى كل السنوات
بل تزيد سنة وتنقص سنة.
وكان مجموع ما
استقطع من المعاشات فى شهر مارس سنة ١٢٩٧ (٩٨٦ ، ٠٠٦ ، ٣) قرش ، وبناء على هذا
التقدير يزيد عما استقطع من عشر شهر مارس لسنة ٩٧ مقدار (٦٠٢٣٤) قرش و (٢٠) بارة.
جدول ترتيب بدلات الشهادات
المقدار السنوى
لكل طائفة
|
المقدار السنوى
لكل فرد
|
|
|
عدد أفراد الطائفة
|
تقسيم
الطوائف
|
الطائفة القروش العتيقة
|
القروش
الجديدة
|
الخصم
|
القروش
العتيقة
|
القروش الجديدة
|
الخصم
|
٨٢٥٠٠
|
٥٤٩٠٠
|
٢٧٦٠٠
|
٥٥٠٠
|
٣٦٦٠
|
١٨٤٠
|
١٥
|
صف أول الشرفاء
|
١٢٦٥٠٠
|
٨٤١٨٠
|
٤٢٣٢٠
|
٥٥٠٠
|
٣٦٦٠
|
١٨٤٠
|
٢٣
|
الطائفة الأولى
مكة
|
٤٥٥٠٠
|
٣٠٢٩٠
|
١٥٢١٠
|
٣٥٠٠
|
٢٣٣٠
|
١١٧٠
|
١٣
|
الطائفة الثانية
مكة
|
١٠٠٠٠٠
|
٦٦٤٠٠
|
٣٣٦٠٠
|
٢٥٠٠
|
١٦٦٠
|
٨٤٠٠
|
٤٠
|
الطائفة الثالثة
مكة
|
٤٠٠٠٠
|
٢٦٦٠٠
|
١٣٤٠٠
|
٢٠٠٠
|
١٣٣٠
|
٦٧٠
|
٢٠
|
الطائفة الثالثة
ـ الأهالى
|
١٢٠٠٠
|
٨٠٠٠
|
٤٠٠٠
|
١٥٠٠
|
١٠٠٠
|
٥٠٠
|
٨
|
الطائفة الثالثة
المجاورين
|
٤٠٦٥٠٠
|
٢٧٠٣٧٠
|
١٣٦١٢٠
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
١١٩
|
|
١٤٥٠٠٠
|
٦٩٥٤٠
|
٧٥٤٦٠
|
٥٥٠٠
|
٣٦٦٠
|
١٨٤٠
|
١٩
|
الطائفة الأولى
المدينة
|
٥٦٠٠٠
|
٣٧٢٨٠
|
١٨٧٢٠
|
٣٥٠٠
|
٢٣٣٠
|
١١٧٠
|
١٦
|
الطائفة الثانية
المدينة
|
٣٢٥٠٠
|
٢١٥٨٠
|
١٠٩٢٠
|
٢٥٠٠
|
١٦٦٠
|
٨٤٠
|
١٣
|
الطايفة الثالثة
المدينة
|
١٦٠٠٠
|
١٠٦٤٠
|
٥٣٦٠
|
٢٠٠٠
|
١٣٣٠
|
٦٧٠
|
٨
|
الطائفة الثالثة
ـ الأهالى
|
٦٠٠٠
|
٤٠٠٠
|
٢٠٠٠
|
١٥٠٠
|
١٠٠٠
|
٥٠٠
|
٤
|
الطائفة الثالثة
المجاورين
|
٦٦٢٠٠٠
|
٤١٣٤١٠
|
٢٤٨٥٩٠
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
١٧٩
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
إن مبلغ (٤١٣٤١٠)
قرش الذى وضع فى هذا الجدول خاص بأصحاب الشهادة الذين رتبوا مقسمين على خمس طوائف
وطبقات.
ويمنح لسبعة
وخمسين شخصا من الطبقة الأولى مبلغ (٣٦٦٠) قرش كل سنة ، وعلى تسعة وعشرين شخصا من
الطبقة الثانية يمنح لكل واحد منهم سنويا (٣٣٣٠) قرش ، وعلى ثلاثة وخمسين من
الطبقة الثالثة يمنح لكل واحد منهم مبلغ (١٦٦٠) قرش ، وعلى ثمانية وعشرين شخصا من
الطبقة الرابعة يمنح لكل واحد منهم (١٣٣٠) قرش و (١٠٠٠) قرش لكل واحد من الطبقة
الخامسة.
الطبقة الأولى هم
الأشراف الكرام والسادات ذوى الاحترام والأئمة والخطباء ، والطبقة الثانية هم
الممتازون من الأهالى الذين يقال لهم أبناء الأسر ، والطبقة الثالثة هم خدم الحرم
الشريف ، والطبقة الثالثة من الأهالى والمجاورين ، وقد عد الطبقة الثالثة من
الأهالى والمجاورين كل واحد منهما طبقة مستقلة إن ١٧٩ شخصا من الذين يكون الطبقات
المذكورة ١١٩ منهم مكى وستون منهم من المدينة ، وتطبع كل سنة بمعرفة وزارة الأوقاف
شهادات بالعدد المذكور من قبل اللجنة المذكورة كل شهادة بالختم الخاص بطبقتها ثم
تسلم إلى أمانة الصرة السلطانية ، وترسل إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة على أن
توزع بالقرعة ، ثم توضع عليها أرقامها وتختم أسفلها من إدارة الحرمين المحترمين
وتسلم إلى أصحابها ، تفوض إمارة مكة فى توزيع خمس عشرة شهادة من مجموع مائة وتسع
شهادات هى الخاصة بمكة المشرفة ، ومتولى رياسة الإمارة يعطى خمس عشرة شهادة إلى من
يراه مناسبا من الأشراف ، والباقى من الشهادات وعددها أربع ومائة شهادة توزع على
الأهالى بالقرعة الشرعية ، وبناء على العادة المرعية من قديم يدخل الفرد الواحد فى
القرعة مرة كل أربعة أعوام ، كما أن خمسا وعشرين من مجموع الشهادات الخاصة
بالمدينة المنورة توزع على السادة العلويين والحسنيين والأئمة والخطباء وتعطى لهم
بقاعدة التناوب ، والباقى وعددها خمس
وأربعون شهادة
تعطى للأشخاص الذين أصابتهم القرعة والتى تجرى مرة واحدة كل أربع سنوات.
ويأخذ الشخص الذى
ينتسب إلى طبقة من الطبقات المذكورة كل اثنتى عشرة سنة شهادة حسب قاعدة التناوب.
وفى كل سنة يقيد
أسماء الأشخاص الذين أعطوا شهادة فى سجل خاص ، سواء كان عن رأى شريف مكة أو وفقا
لقاعدة التناوب أو بإجراء القرعة الشرعية ، ويرسل السجل إلى وزارة الأوقاف الجليلة
وتتولى إدارة المصروفات فى تلك الوزارة تحويله إلى اللجنة الخاصة ، وقد تكون
لهؤلاء الأشخاص إيرادات أخرى أو معاشات.
بعد ما تعطى
الشهادات إلى أصحابها فى الحرمين الشريفين وفق الأصول المرعية وتقيد فى السجل
وترسل إلى إدارة المصروفات العمومية ، يتوجه بعض أفراد الطبقات الخمس إلى إستانبول
ليتسلموا بدل شهاداتهم بالذات من خزينة الأوقاف السلطانية ، وبعضهم يبيعون
شهاداتهم ليقضوا حاجاتهم ، وبعضهم يرسلون الوكلاء عنهم وكل من يأتى إلى باب
السعادة ويبرز شهادته فاللجنة المذكورة تطابق الشهادة بما عندها ثم تكتب مذكرة
وتبعث إلى وزارة الأوقاف بعد أن تعطى صورة منها لإدارة المصروفات العامة.
عندما كانت توزع
الشهادات والمنح من قبل إدارة الحرمين للترجمة كان يحدث سوء تصرف ، وقد اتخذت لجنة
التوزيع تحت الرعاية السلطانية قاعدة لا يمكن وقوع التلاعب فيها عند التوزيع ، وقد
قيدت وضبطت جميع الأشياء المرسلة من عشر المعاش كنوعها ومقدارها ولا سيما أثمان
المسكوكات ، وبهذا النظام لن يشتكى أهالى الحرمين من موظفى خزينة الأوقاف
السلطانية إلا إذا ألغيت اللجنة المذكورة واستشاراتها ، أو إذا أوقفت مبالغ شهر
مارس أو نقصت.
المنحة
يعطى لأهالى
الحرمين سنويا مبلغ (٧٥١٠٠) قرش بدل المنحة وهذا المبلغ أيضا يؤخذ من عشر رواتب
شهر مارس. والذين يأخذون بدل المنحة من سكان الحجاز ينقسمون إلى خمس طبقات ،
والذين يشكلون الطبقات الخمس المذكورة (٨٠) منهم من مكة المكرمة و (٤٥) منهم من
المدينة ، وعددهم الإجمالى (١٢٠) شخصا ، الطبقة الأولى من هؤلاء ٦ ، والطبقة
الثانية ٢٢ ، والطبقة الثالثة ٤٣ ، والطبقة الرابعة ٣٧ ، والطبقة الخامسة ١٢ نفرا.
وبما أنه يشترط أن
يشمل هؤلاء المجاورين أيضا ، فإن المجاورين يشكلون الطبقة الخامسة ويمنح لكل واحد
من أصحاب الطبقة الأولى (١٠٠٠) قرش ، وكل واحد من أصحاب الطبقة الثانية (٨٣٠) قرشا
، والطبقة الثالثة (٦٦٠) والطبقة الرابعة (٥٠٠) والطبقة الخامسة (٣٣٠) قرشا عائدا
سنويا.
وحتى فبراير من
السنة المالية (٩٦) لم يكن صرف المنح محددا ولا مقننا وكانت تعطى بالنسبة للذين
يذهبون إلى إستانبول ، بالأحرى الذين يعرفون كيف يقيدون أسماءهم فى دفتر التوزيع.
وقد قرر إعطاء (٧٥١٠٠)
قرش بدل المنحة اعتبارا من شهر مارس للسنة المالية (٩٧) كما هو مسطر فى الجدول
الآتى الذكر وقد صدر الأمر السلطانى بتوزيع تلك المبالغ بموجب الأوراق التى طبعت
من قبل اللجنة وإرسال تلك المبالغ إلى الحرمين المحترمين بمعرفة أمانة الصرة
السلطانية ، وإن كانت اللجنة قد طبعت الأوراق المذكورة وأرسلتها ، إلا أن المبلغ
المذكور آنفا وهو (٧٥١٠٠) قرش لم يرسل فى وقته لأجل ذلك قد صدر الأمر السلطانى
بإعطاء بدلات المنح كعهدها القديم فى باب السعادة. والآن تعطى فيها.
وأصبح من أحكام
القواعد الموضوعة إعطاء تذكرة مرور لمن يستحقون المنح من أهل مكة من الولاية
الحجازية الجليلة ، ولمن يستحقونها من أهل المدينة من محافظة المدينة المنورة ،
ومع هذا لا تعطى المنح لمن لا يحملون تذكرة المرور أو من يفتقدون الشروط اللازمة
لنيل المنح.
الجدول الذى ينظم البدلات التى ينبغى صرفها اعتبارا من عام ٩٧
المقدار السنوى
لكل طائفة
|
المقدار السنوى
لكل فرد
|
|
|
عدد أفراد الطائفة
|
تقسيم
الطوائف
|
الطائفة القروش العتيقة
|
القروش
الجديدة
|
الخصم
|
القروش
العتيقة
|
القروش الجديدة
|
الخصم
|
٦٠٠٠
|
٤٠٠٠
|
٢٠٠٠
|
١٥٠٠
|
١٠٠٠
|
٥٠٠
|
٤
|
صف أول الشرفاء
|
١٧٥٠٠
|
١١١٠٠
|
٥٩٠٠
|
١٢٥٠
|
٨٣٠
|
٤٢٠
|
١٤
|
الطائفة الأولى
مكة
|
٢٩٠٠
|
١٩١٤٠
|
٩٨٦٠
|
١٠٠٠
|
٦٦٠
|
٣٤٠
|
٢٩
|
الطائفة الثانية
مكة
|
١٨٨٧٥٠
|
١٢٥٠٠
|
٦٢٥٠
|
٧٥٠
|
٥٠٠
|
٢٥٠
|
٢٥
|
الطائفة الثالثة
مكة
|
٤٠٠٠
|
٢٦٤٠
|
١٣٦٠
|
٥٠٠
|
٣٣٠
|
١٧٠
|
٨
|
الطائفة الثالثة
ـ الأهالى
|
٧٥٢٥٠
|
٤٩٨٨٠
|
٢٥٣٧٠
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
٨٠
|
الطائفة الثالثة
المجاورين طبقة الشرفاء
|
٣٠٠٠
|
٢٠٠٠
|
٤٠٠٠
|
١٥٠٠
|
١٠٠٠
|
٥٠٠
|
٢
|
طبقة الشرفاء
|
١٠٠٠٠
|
٦٦٤٠
|
٣٣٦٠
|
١٢٥٠
|
٨٣٠
|
٤٢٠
|
٨
|
الطائفة الأولى
المدينة
|
١٤٠٠٠
|
٩٢٤٠
|
٤٧٦٠
|
١٠٠٠
|
٦٦٠
|
٣٤٠
|
١٤
|
الطائفة الثانية
المدينة
|
٩٠٠٠
|
٦٠٠٠
|
٣٠٠٠
|
٧٥٠
|
٥٠٠
|
٢٥٠
|
١٢
|
الطايفة الثالثة
المدينة
|
٢٠٠٠
|
١٣٢٠
|
٦٨٠
|
٥٠٠
|
٧٣٠
|
١٧٠
|
٤
|
الطائفة الرابعة
المجاورين
|
١١٣٢٥٠
|
٧٥٠٨٠
|
٣٨١٧٠
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
ـ ـ
|
١٢
|
الطائفة الخامسة
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
الصحيفة الخاصة بمنح الطبقة الثانية
قد ختم فى هذا
المكان مبينا ما أخذته من منحة خاصة بى وهى ... قرشا من خزينة مديرية الحرم الشريف
وذلك بعلم اللجنة ، وبما أن المدعو عبد الرحمن بن محمد الفقيه من أبناء العلماء
والمقيد فى الجدول أعلاه ضمن الطبقة الثانية أراد هذه المرة ـ حسب المقتضى ـ السفر
إلى العاصمة السلطانية ، وبما أنه أعطى له الإذن من قبل الإمارة والولاية بذلك وقد
أعطى له بمعرفتى مبلغ ... قرش منحته الخاصة من خزينة مديرية الحرم الشريف وعليه
عند وصوله إلى الباب العالى أن
يسلم الرخصة إلى
لجنة إدارة الحرمين المحترمين ، وإذا اقتضى الأمر أن يعطى له تذكرة المرور وكل ما
يخص هذا الموضوع فالأمر فى يد من له الأمر.
فى جمادى الآخر
.... سنة.
العضو العضو العضو
العضو المفتى رئيس الإدارة
صورة الأمر والقانون
خاص بسكان الحرمين
المحترمين الذين يريدون أن يأتوا إلى الباب العالى السلطانى بنية الاستعطاف ، إذا
كان المشار إليه من الأشراف والشرفاء يجب عليه أن يختم طلبه فى المكان الخالى
بالختم من نقيب الأشراف ، وإذا كان من السادات يختمه من نقيب السادات ، وإذا كان
من الأئمة والخطباء يختمه من شيخ الخطباء ، وإذا كان من المطوفين يختمه من رئيس
الأدلاء ، وإذا كان سقاء يختمه من رئيس السقائين ، وإذا كان من خدمة الحرم الشريف
فليختمه من نائب الحرم ، وإذا كان من الأهالى والمجاورين يختمه من المحتسب ، ولن
تعطى منح لمن ليس لهم حق فى طلب المنح عند وصولهم إلى الباب العالى ، ولن تعطى
المنح لموظفى ولاية الحجاز ومديرية الخزانة وكتبتها والآخرين وللأطفال صغار السن
والعبيد والخدمة والأهالى والمجاورين الذين يشتغلون بالتجارة ، ولن تعطى المنح
للذين أعطى لهم بدل الشهادة فى السنة المذكورة. ولن تعطى هذه المنحة للذين اتخذوها
تجارة ويذهبون كل سنة إلى الباب العالى للاستعطاف ، وإنما ستعطى للذين يجيئون كل
سنتين مرة.
وعندما توزع أوراق
المنح هذه على أصحابها سيقدم إلى وزارة الأوقاف السلطانية من قبل اللجنة والمديرية
سجلا يحتوى على أسمائهم وشهرتهم وأرقامهم مثل الشهادة ، مع إذن الصرف.
(ملحوظة) أول من بعث الصرة إلى الحرمين هو المقتدر بالله العباسى
وأصبح
ذلك عادة ، وكان
مقدار الصرة التى أرسلها المقتدر بالله (٣١٥٤٢٦) (٣١٥٤٢) ذهبا فيلوريا ، وقبل المقتدر بالله بواحد وثمانين عاما أو اثنين وثمانين
عاما كان الواثق بالله قد أرسل إلى فقراء الحرمين المنح والهبات ، إلا أنها لم تكن
تبعث سنة بعد سنة بل كانت توزع فى موسم الحج فقط ، كان الواثق بالله مثل المأمون
كان يكرم ويعز ويوقر السادات العلوية والحسينية. وفى العام الذى يحج فيه كان يبذل
العطاء لفقراء الحرمين إلى حد الإثراء ؛ وذلك البذل العظيم كان بسبب اعتبار فقراء
الحرمين من سلالة أبناء الحسنين رحمة الله عليهما.
وكان الثانى فى
إرسال الصرر بعد المقتدر بالله السلطان محمد خان جلبى. إذ أرسل صرة فيها الكفالة
ونال شرف الترتيب الثالث فى إرسال الصرر نجله النجيل مراد خان الثانى أسكنه الله
الفردوس.
أما الصرة المرسلة
للمرة الثالثة فكان مقدارها (٣٥٥٠٠) فيلورى من الذهب جرى العرف بإرسالها فى كل
عام.
وأرسل السلطان
مراد خان الثانى فى سنة (٧١٧) الصرة الرابعة وتصادف إرسال الصرة للمرة الخامسة عام
(٨٥٥) للهجرة.
وكان مقدار الصرة
التى أرسلت سنة (٨٥٥) ٨٠٠ كيس وكان شاه إيران «شاهرخ» أيضا قد أرسل فى سنة (٨٤٣)
مقدارا من الصرر.
قد اعتاد السلطان
بايزيد خان الثانى ابن السلطان محمد خان من سنة (٨٨٦) إرسال صرر سنوية مقدارها (١٤٠٠٠)
قطعة ذهبية على أن يكون نصفها لأهل مكة ونصفها الآخر لأهل المدينة المنورة وزاد
بعد ذلك مقدار الصرة سنة بعد سنة إلى أن وصل للمقدار الحالى.
مطالعة
الذين يعرفون
أهمية موقع الحرمين الشريفين وحرمتهما والذين يكنون الحب لهما بحكم دينهم يجب ألا
يستكثروا المبالغ التى تقدم لها ، ومع هذا فأى شخص
__________________
من أهل مكة
المكرمة أو المدينة المنورة فكر فى أوقات تخصيص هذه الرواتب ، ويجب أن نعترف أن ما
يمنح من الرواتب فى حاجة إلى التخصيص والتعديل.
وبما أن الصعوبات
التى كانت تعترض حياة أهل الحرمين وطريق الحجاج فى العصور السابقة قد انخفضت وسهلت
فى ظل الرعاية السلطانية إلى درجة كبيرة بحيث لم يبق هناك سبب للتبذير عند خروج
موكب الحج وعودته ، ومثال ذلك إعطاء أمناء الصرة الذين يتقاضون (٥٠٠٠٠٠) قرش رواتب
مقننة وإعطاؤهم (١٠٠) قرش ثمن البغل ، (٢٥٠) قرش مصروفات الطريق وإعداد المبيت ،
وإذا ما وجد الجمع بين أمانة الصرة وبين وظيفة القيام بالحفظ على المؤونة ، وإذا
ما دفعت وسويت أجور الجمال لحمل أحمال الصرة السلطانية وزكائب الفراشة والرواتب
الأخرى من هذه المخصصات وسدد مبلغ (٦٠٠٠) قرش الخاص بالحفظ والمحافظة مع مصروفات
الطريق ومعاشات الحراسة ومعوناتها من إدارة المؤونة للحج وأعطى لهذه الإدارة (١٥٠٠٠٠)
فيمكن أن يدخر مبلغا يصل إلى (٣٧٣٢٥٠) قرش من مجموع ما يستقطع من مخصصات أمانة
الصرة و (٢٠٠٠٠) من ثمن أجور البغال و (٣٢٥٠) قرش من مصروفات ونفقات معدى أماكن
البيات فى الطريق.
ويرى فى جدول
الصرة السلطانية مبلغ (٢٠١٤٨٣) قرش وإن هذا المبلغ مجموع النفقات الآتية : (٨٣٠ ،
١٠٩) قرش منها لنفقات الطريق والباقى وهو (١٩٠٦٢) قرش منها نفقات السقاة و (٩٠٠٠)
قرش أجرة نقل زكائب فراشة مكة المكرمة و (٥٠٠٠) قرش عطايا و (٥٤٠٠٠) قرش أجور
الجمال و (٤٥٩١) قرش النفقات المعتادة.
وبما أن هذه
النفقات المذكورة تدفع مستقلة لنقل زكائب الفراشة والزورق فإذا ما نقلت هذه
الأشياء مع الصرة يمكن إدخار المبالغ المذكورة كلها. وإن كان مبلغ (٤٩٨٥٦) قرش يرى
مستقلا فى الجدول السابق الذكر إلا أن مبلغ (٣٥٥٤٤) قرش منه يعطى كنفقات الطريق
ومبلغ (١٠٠٠) قرش كمنح معتادة ومبلغ
(١٣٣١٢) قرش
كعطايا. ومهمة هذا الموظف الذهاب إلى مكة المكرمة مع الصرة السلطانية وفى أثناء
العودة يحيد عن الطريق ويذهب إلى الشام مع الرسول الخاص ، ويعطى للولاية السورية
الرسائل التى وجهت من الإمارة ثم العودة إلى دار السعادة ، بما أن الرسول الخاص
كان يمكنه أن يتم بالبرق كل ما يحدث الآن من تبليغ الرسائل من الولاية إلى باب
السعادة فلا ضرورة لبقاء هذه الوظيفة.
وبإلغاء الوظيفة المذكورة
ترسل الرسائل المذكورة إلى والى سوريا برسول خاص. وإلى باب السعادة بالبرق ، بناء
على هذا فمبلغ (٨٥٦ ، ٤٩) قرش أجر الموظف المذكور يظل فى خزينة المالية.
ويشار فى جدول
الصرة السلطانية إلى مبلغ (٧٥ ، ٢٢) قرش. إن (١٥٠٠٠) ألف من هذا المبلغ لنفقات
الطريق ، (٧٥٥٧) قرش منه يعطى كمنحة معتادة لأحد الموظفين. إن مهمة هذا الموظف
كانت مصاحبة الخلع التى كانت تصنع من جانب الخلافة كل سنة وما ترسله وزارة الأوقاف
، بإعطائه نفقات الطريق وقدرها (٣٠٠٠) قرش سالكا طريق البحر ويسلم ما معه إلى
الجهات المختصة والآن تحت ظل التسهيلات التى حدثت فى العهد السلطانى لم تعد هناك
حاجة لهذه الوظيفة.
والموظف سالف
الذكر الذى كان يتقاضى مبلغا قدره (٢٢٧٥٠) قرش يناله من إمارة مكة المعظمة عطية
خاصة ، كما كان يأخذ من خزينة مصر منحة قدرها (٢٥٠٠٠). وكانت من عادة وزارة
الأوقاف السلطانية قديما أن ترسل زيوتا بواسطة موظف خاص تدفع أجره خزانة الأوقاف ،
وإذ أرسلت بعد الآن أيضا بواسطة موظف خاص وأرسلت الخلع بواسطة أمناء الصرة فيمكن
إدخار المبالغ المذكورة وكل ما كان يدفع له من العطايا من قبل الإمارة وما يدفع له
من خزانة مصر وهو مبلغ قدره (٢٥٠٠٠). إن مبلغ (٠٢٣ ، ٣٥) قرشا الذى أشير إليه فى
جدول الصرة السلطانية كرواتب إمارة مكة الجليلة لا لزوم له ، ويجب أن يصرف النظر
عنه حتى يدخر ذلك المبلغ.
وكان إرسال هذه
الرواتب من موجبات عادة قديمة ولكننا الآن يلزمنا ألا نراعى تلك العادة : لأن مبلغ
(٥٢٠٠) قرش منه كان بدل الخيل ، ومبلغ (١٥٣٧١) قرشا كان خاصا بسرجين فضيين للخيل ،
ومبلغ (٠٢٢ ، ٤) بدل اثنى عشر من الجوخ ، ومبلغ (٢٤٧) قروش ثمنا للفواكه ، ومبلغ (٠٢٣
، ٢) قرشا بدل الحلوى ، ومبلغ (٥٠٠٠) منه هبات يجب ألا يرسل أى قرش منه وخاصة ما
يرسل منه لبعض الموظفين كمخصصات وهى مبلغ (٠٦١ ، ١٨) ونصف قرش لم يعد له أى مبرر.
إن مبلغ (٦١٣ ، ٣)
قرش من هذه النقود نفقات ترسل من باب السعادة إلى ولاية الحجاز كل سنة ، ومبلغ (٨٥٧٧٠)
قرش لموظفى أمانة الصرة وللمبشرين والآخرين ونفقات صنع الجبب والمعاطف من الفراء ،
ومبلغ (٥ ، ٢١٤) قرش بدل الفواكه التى أرسلتها أمانة الصرة السلطانية للموظفين ،
ومبلغ (٥ ، ١٩١٩) قرش بدل ضيافة الشريف وموظفى الإحرام الذين استقبلوا موكب الحج ،
(٨١٤) قرشا بدل طعام الشريف الذى كلف بتوديع موكب الحج ، و (٥ ، ٢٩٢٦) قرش ثمن ما
أرسل من مكة المكرمة لأمناء الصرة السلطانية من الشيلان ولإجراءات ونفقات سفر
الموظفين الذين أحضروا هذه الأشياء ، إذا كان إرسال هذه المبالغ من العادات
القديمة وإذا ما صرف النظر عن إرساله بعد الآن يمكن إدخار تلك المبالغ.
هناك فى دفتر
الصرة السلطانية مبلغ (٥ ، ٨٧٥ ، ٢٤) قرش بدل ما أرسل من البخور وغيره ويمكن أن
يدخر من هذا المبلغ ما قدره (٥ ، ٧٨٧٥) قرش ، لأن مبلغ (٠٠٠ ، ٢٤) والكسور يشمل
على (٢٠٠٠) منه ثمن البخور (٥٢٥٠) قرش منه ثمن ما اشترى من مخمل لصنع أكياس
الخزينة ، و (٥ ، ١٨٧٥) قرش لتعمير الصناديق وثمن الأقفال ونفقات نثرية (١٢٠٠) قرش
منه ثمن ما يرسل إلى مكة المكرمة من أربعمائة مثقال من دهن الورد ، و (٣٧٥) قرشا
منه ثمن العود والعنبر الذى يرسل إلى حامل مفتاح البيت المعظم شيبة أفندى.
وإن كان إرسال دهن
الورد والعود والعنبر من الأشياء اللازمة لكن لا حاجة لنفقات تعمير الصناديق وشراء
الأقفال وغيرها من النفقات ، كل هذه المبالغ ومبلغ
(١٢٥٠) قرش ثمن
المخمل الذى سيشترى لأكياس الخزينة وفيه كفاية ؛ لذا يمكن أن يوفر منه مبلغ (٤٠٠٠)
قرش ويقتضى ألا يرسل مبلغ (٢٠٠٠) قرش بدل البخور بالمرة.
وإذا ما خفض من
مبلغ (٢٤٠٠٠) قرش والكسور السالفة الذكر والمقدار الذى سبق ذكره يمكن أن يوفر مبلغ
(٧٨٧٥) قرش ونصف قرش.
وإن كان إرسال
البخور إلى الحرمين فى درجة الوجوب إلا أن ما يرسل من مقادير كثيرة من البخور كل
سنة من خزينة الأوقاف السلطانية إلى الحرمين وهو محقق يغنى عن إرسال بدل البخور.
كما أن نفقات
الصناديق ضمن النفقات التى تدخل تحت نفقات الأشياء العينية ، وبما أن تلك الأشياء
قد تحولت إلى البدلات فلا حاجة إلى هذا النوع من النفقات ، قد أشير فى جدول الصرة
السلطانية إلى مبلغ قدره (٢٦٧٤١) قرش وهو ما تدفعه الخزانة المالية كنفقات الطريق
وأجور الجمال للذين تعينهم لاستقبال المحمل الشريف من المدينة المنورة.
وقد خصص مبلغ (٦٣٩١)
قرش أجورا للجمال والباقى وهو (١٧٥ ، ١٠) قرش نفقات الذهاب و (١٧٥ ، ١٠) قرش نفقات
العودة ، وبما أن إعطاء نفقات الذهاب والعودة لموظف وفوقها أجور الجمال ينافى أصول
خزينة الصرف إذن يجب خفض أجور الجمال وتحويل الباقى من النفقات إلى خزينة الحجاز
رعاية للتصرفات السابقة واتخاذ ذلك قاعدة ، يمكن عندئذ توفير مبلغ (٧٤١ ، ٢٦) قرش
الذي سبق ذكره.
إذا ما ضمت أمانة
الصرة إلى أمانة تموين الحج فسيستغنى عن نفقات إقامة الخيم وبهذا سيوفر سنويا ما
يعطى لأمناء الصرة كنفقات لتعمير الخيم وقدره (١٠٠ ، ١٨) قرش ، ويباع كذلك الخيم
الموجودة ويخفض من مبلغ (١٤٧٠٠) قرش التى تعطى لإصلاح الزكائب الكبيرة الموجودة فى
الخزينة لأجل حفظ أكياس الفراشة والزورق إلى (١٠٠٠) قرش فقط يمكن أن يوفر
من هذا مقدار (٤٧٠)
قرش وبهذا يظل فى الخزينة الجليلة مبلغ (١٨٥٧٥) قرش ويمكن تخفيض مبلغ (١١٠٢١٥) قرش
وهى مخصصات تموين الحج وجند الأعراب الخاص لحراسة موكب الحج.
وتبين لنا عند
اطلاعنا على سجلات تموين الحج أنه يعطى لنفر من كتبة الخزينة مبلغ (٠٣٠ ، ٣٤) قرش
، ولكاتب التموين (٩٩٩) قرش راتبا ولكاتب نفقات الطريق وتموين الحج مبلغ (٣٠٣٢٤)
قرش لرفيقه (٢٨٥) قرش معاشا و (١٩٠٠٠) قرش مصروفات طريق الحج و (١٢٨١) قرش ثمن
الأوراق و (٦٧٥) قرش لرئيس جمالى المحمل الشريف وأفراد الجمالين كنفقات الطريق و (١٢٦٠٠٠)
قرش أجر الجمال لنقل الشعير من مزريب إلى مداين صالح و (٩٠٠٠) قرش نفقات الطريق
لكاتب الكتيبة البدوية السلطانية (٤٥٠٠) قرش نظير مكان لتموين الحج الشريف ويتولى
كاتب الخزينة مسك دفاتر النفقات فى طريق الحج.
ومدة وظيفته أربعة
أشهر أو خمسة ، فمخصصاته لا تتناسب مع نفقاته لذا يجب خفض راتبه إلى (١٠٠٠) قرش ،
ونفقات سفره إلى (١٣٠٠٠) قرش ، وإذا ما أجريت هذه التخفيضات فإنه يتوفر منها مبلغ (٣٠٠
، ١٢) قرش ، ولعدم وجود حاجة ملحة لاستخدام كاتب المؤن فينخفض راتبه إلى (٢٥٠)
قرشا ونفقات طريقه إلى (٣٥٠٠) يمكن توفير مبلغ (٣٩٩٠) قرش فى حالة استخدامه.
بما أن كاتب تموين
الحج معين على ألا يذهب إلى الحجاز فتبدأ مهمته اعتبارا من تحرك الصرة من الشام
بكتابة التقارير عند اللزوم ويقدم الحساب مرة واحدة فى السنة إلى إدارة محاسبة
الولاية ، ويضم بعض الأشياء لمخصصات هذه الوظيفة يمكن تحميلها إلى كاتب الخزينة ،
فيعطى لكاتب الخزينة (٦٣٢٤) قرش ويوفر الباقى وهو (٢٤٠٠٠) قرش وبما أن كاتب
التموين يقوم بعمل رفيقه يجب أن يحمل كل هذه الأعمال كلها لكتاب الخزينة فيصرف
النظر عن اسخدامه ويجب توفير معاشه وهو مبلغ (٢٨٥٥) قرشا.
وما يمكن توفيره
من نفقات طريق الحج وهو مبلغ (٩٠٥٠) قرش من ثمن القرطاسية (٧٧١) قرش ومن نفقات
طريق رئيس الجمالين وأفراده (٦٧٥٥) قرشا ما يعطى لنقل الشعير من المزاريب إلى
مداين صالح فى صورة قانونية وهو مبلغ (١٢٦٠٠٥) قرش ومن أجور الجمال (٦٣٠٠٠) قرش ،
والمبلغ الذى سيوفر بإلغاء وظيفة كاتب جنود البدو السنية وقدره (٩٠٠٠) وبقطع مبلغ (٤٥٠)
قرش وذلك بتخصيص محل لحفظ مؤنة تموين الحج فى دائرة حكومية أو داخل القلعة.
وبهذه الصورة
سيوفر مبلغ قدره (٠٢٨ ، ٨٨) قرش ينفق كل عام مبلغ (٩٣٤٩٥) قرشا وذلك ثمن مصنعية
قطعتين من الجبب اللتين ترسلان من باب السعادة إلى أمير الحجاز وإحدى هاتين
الجبتين مزركشة وثقيلة نوعا ما ويكلف صنعها (٣٣٢٥) قرش والأخرى ليوم الجمعة (١٦١٢)
قرش.
وإذا ما صرف النظر
عن إرسالهما بعد الآن سيتوفر المبلغ المذكور فى خزينة المالية للدولة. ويرى فى
جدول الصرة السلطانية التى سبق ذكرها فى خانة مخصوصة مبلغ (٦٤ ، ١١٤ ، ٣) قرش خاصة
بخلع أهالى الحرمين ومن فى طريق الحرمين وأهالى الشام وبدلات وعطايا ونقود ذهبية
على أنها وظائف متنقلة وقتية ، إن (١٠٠٣٥١) قرش من المبالغ المذكورة خصصت للوظائف
المتنقلة الوقتية الخاصة بأهالى مكة المكرمة والمدينة المنورة (٧٣٥٥) قرش لسكان
مكة المكرمة (٢٣٦٣٥) قرش لسكان المدينة المنورة من طرف رئاسة الوزارة بدل هبة
الربعية وهى نقود ذهبية.
ينفق مبلغ (١٧٣٨٢٠)
قرش ونصف قرش إلى المدينة المنورة و (٨٠٤٩٧) قرش إلى مكة المكرمة ، و (٦٦٣٥٧) قرش
ونصف قرش لأمور خاصة فى الشام.
تعطى نفقات
الوظائف التى عرضناها مرتبة من خزينة المالية كما هو مبين فى سجلات وزارة الأوقاف
وديوان التشريفات ؛ إلا أن تلك الخزينة ليس لها أدنى علم عن الأشخاص الذين يعطى
لهم ، ومقدار ما يأخذون (٧٥٠) وقد تحقق
إعطاء (٧٥٠) قرشا
من هذه النقود إلى المبشر الذى ألغيت وظيفته و (٢٥٠) قرش للأشخاص الذين يرسلهم شيخ
الحرم النبوى لأمناء الصرة على أنه ثمن الفواكه و (٢٠٠) قرش لرؤساء جمالى الصرة
السلطانية.
وبما أنه لا يجوز
تكرار صرف النقود لأشياء لا لزوم لها ، فيجب أن تخصم المبالغ التى ذكرت وقيدت فى
ثلاثة أشهر فى الجدول من مبلغ (٥٦٤٦٤٠) قرش ، وبعد الخصم يجب إجراء تحقيقات كاملة
والعمل وفق ما أسفر عنه التحقيق والتدقيق.
وقد وصل إلى سمعنا
من بعض الذين يؤمن على صحة أقوالهم أن بعض أهل باب السعادة يشاركون فى هذه النقود
أصحابها ، كما أن الهبات التى جرت العادة بإعطائها للعربات تصرف لهم ناقصة ،
والخصم الباقى يجد سبيله إلى جيوب المنتفعين وإذا ما استمر إجراء التحقيقات بخصوص
هذه النقود ووضعت الخزينة ما التزمت به فى قضية تصرفات بعض الموظفين المهمة تحت
المراقبة ؛ يؤمل توفير مبلغ (٥٠٠٠٠٠) قرش.
وننقل الكلام إلى
مبلغ (٠٠٠ ، ٦٠٠) قرش المخصص لتموين الحج جند العربان يعطى مبلغ (٥٩٩ ، ١٣٣) قرشا
من هذه النقود لشيخ قبيلة حسنة و (٠٩٠ ، ٢٣٥) قرشا لشيخ قبيلة ولد على وعنزة و (١٣٣٧)
قرشا لشيوخ قبائل بنى صخر و (١٩٣٥٧٥) قرش لمشايخ العربان الذين يسكنون الخيم بعد
قلعة مزاريب. ورواتب هؤلاء القديمة تبلغ (٧٠٠ ، ٢٧) قرش الذى تعود أن يأخذه شيخ
قبيلة رولة : طعلال الشعلان. وقد ثبت بما قاله سعيد باشا محافظ تموين الحجاج أن
هذه الرواتب أكثر من نصابها ، ويمكن أن يكتفى بإعطاء قبيلة حسنة (٨٠٠٠) ولقبيلة
ولد على مع قبيلة عنزه (١٤٠٠٠) ، ولقبيلة بنى صخر (٨٠٠٠٠) وللعربان سكان الخيم
ولشيخ رولة (٢٠٠٠٠) قرش وإذا ما قرر إعطاء المبالغ السابقة يمكن توفير (٢٨٣٧١) قرش
من هذه الأقسام الخمس. ويصل التوفير الكلى إلى (٥ ، ١٢٥٤) قرش ، وإذا ما فتح لهذا
الموضوع أهمية عظمى فإن مقدار المتوفرات يزيد ويربو على هذا. «انتهى».
وكان من القواعد
القديمة المقررة إرسال رسالة سلطانية مع قافلة الشام تخاطب أمير إمارة مكة المعظمة
، وقد حصلنا على صورة من الرسالة التى دبجها والد السلطان كثير المحامد جعل الله
مسواه الجنة السلطان عبد المجيد خان قبل خمسة وثلاثين عاما إلى سنى المناقب الشريف
محمد بن عون . لذا رأينا أن نسطر تلك الرسالة المفعمة باللفتة السلطانية
الكريمة وندرجها فى هذا المكان.
صورة الرسالة السلطانية
إلى صاحب الإمارة
مكتسب السعادة المنتسب للسيادة ذى النسب الطاهر والحسب الظاهر ، مستجمع جميع
المعالى والمفاخر كابرا عن كابر ، جمال السلالة الهاشمية فرع الشجرة الزكية
النبوية ، طراز العصابة العلوية ، المصطفوية زبدة آل الرسول وقرة عين الزهراء
البتول ، المحفوف بصنوف عواطف خالق الكون الشريف (محمد بن على) دام سعده.
إذا ما وصلت
رسالتنا السلطانية إليكم ليكن معلوما لديكم ، بما لكم من نقاء جوهركم العدنانى ،
وصفاء طوية الفطرة القحطانية ، منذ أن كان لكم فى مقام السيادة قعود ، وإلى إمارة
مكة صعود بذلتم الجهد فى خدمة الحرمين الشريفين وسعيتم فى رخاء أهلهما والمجاورين
لهما ، وحققتم لهم كلهم فراغ البال وجعلتم بها الأمر الأهم وأقمتم فى بلاد الحجاز
دعائم النظام ووطدتم الأمن لقوافل الحجاج القادمين من كل فج عميق ، وحققتم
الطمأنينة للتجارة وأبناء السبيل ، ومهدتم لهم مهاد الراحة وسعيتم فى رعايتهم فى
ذهابهم وعودتهم ، بإلهام من وفدنا السلطانى ، والمأمول أن تستمروا فى بذل الهمة
وفى إنجاز جميع المهام وحسب رغبتنا السلطانية ولكل هذا جعلتم شمس مقامنا تشرق من
جديد ، وبذلك زركشتم ثياب مناقبكم وزينتموها ، فأهدينا إليكم قباء أخضر يشد على
عروتيه زران محليان بالماس ، وهذه الرسالة السلطانية تحيطكم علما بذلك ، وقد أرسلت
مع رئيس كتاب ديواننا السلطانى حافظ أحمد ، فعليكم أن تلبسوا هذه
__________________
الخلعة فى حفل
رسمى بعد تلقيها معلنين ولاءكم وإخلاصكم لنا وداوموا على ما أنتم عليه بفضل
نجابتكم وأصالتكم فيما يختص بإمارتكم.
والآن يخرج إلى
الحج والى الشام وأمير الحج وأميرنا عثمان نورى باشا ، فعليكم حماية الزوار
والتجار من عدوان العرب ، وتأمين طرق الحرمين الشريفين والعمل على راحة ورخاء سكان
ومجاورى المقامين الشريفين ، وأن ترغبوا جميع أهل التقوى والصلاح فى تلك الأماكن
المقدسة فى الدعاء بالخير لنا ، وأن ترعوا مصالح المسلمين قاطبة ، أن تحموا قوافل
الحجاج ابتداء من مدائن صالح بأن تكونوا فى استقبالهم عند القدوم وعند الرجوع ،
حتى تمنعوا عنهم أذى العربان والطوائف الأخرى المضرة بما عرف عنكم من الشجاعة
والحماسة والفروسية ، وذلك طبقا لرغبتنا ومساعينا السلطانية ، ووفقا لشهامتكم
الهاشمية وعليكم أن تتجهوا مع الواقفين عند زمزم والمقام ، والمعتكفين فى بيت الله
الحرام بالدعاء لنا بدوام دولتنا وعزتها وطول بقائها ، وهذا ما سيطيب خاطرنا.
تحريرا فى أوائل شهر
جمادى الآخرة لسنة ١٢٦٥ ه بمقام دار السلطنة العلية بالقسطنطينية المحروسة ١٢٦٥.
مقدار الوقود واللوازم الأخرى للحرم الشريف
ما يرسل إلى
الكعبة المعظمة كل سنة من باب السعادة والشام وقاهرة مصر من الزيوت والشموع
لإنارتها مبين بمفرداته فيما يأتى :
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
ـ
|
١٣٤٣٢
|
ـ
|
زيت زيتون من
باب السعادة
|
ـ
|
٤٤٥٩
|
ـ
|
زيت زيتون من
مصر
|
ـ
|
١٤٥
|
٤٤٦
|
شمع كافورى
|
١٢٠
|
٥٨٠
|
ـ
|
شمع أبيض من دهن
الحوت
|
٣٠٠
|
ـ
|
ـ
|
دهن الورد
|
ـ
|
٢٥٠٠
|
١
|
قرص معطر
|
ـ
|
٢٥٠٠
|
٦
|
بخور
|
__________________
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
ـ
|
١٠
|
٤٠
|
شمع أبيض
|
ـ
|
١٥٠
|
١١٠
|
قنديل ذو قدح
على هيئة كروية مثل البطيخ
|
١٢
|
ـ
|
٢٠٠
|
شمع أبيض
|
ـ
|
٣١٠
|
ـ
|
شمع أبيض صغير
|
ـ
|
١٦
|
ـ
|
زيت زيتون خاص
بأيام عادية
|
ـ
|
٢٧١
|
ـ
|
خاص بليلتى
الجمعة والاثنين والشهور الثلاثة
|
* مقادير وكميات
ما يرسل من قبل باب السعادة والشام والخديوية المصرية من زيت الزيتون وغيره من
الأشياء الأخرى التى ترسل إلى الحرم الشريف والمساجد الأخرى شهرا بشهر.
ما يرسل من باب السعادة
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
١٠٠
|
٤٤٣١
|
ـ
|
زيت زيتون
|
ـ
|
٤٦٨٠
|
٦٠
|
الشمع الأبيض
|
* الشموع
الكافورية المطروحة للمساجد التى كتبت أسماؤها فيما يأتى بناء على شرط الواقف على
أن يكون كل شمعة أوقية ونصف أوقية وعلى أن يعطى كل ثلاثة أشهر.
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
ـ
|
ـ
|
٩
|
بخور
|
ـ
|
٥٧
|
ـ
|
ورق معطر
|
١٨٠
|
ـ
|
ـ
|
دهن الورد
|
ـ
|
٧١٤
|
ـ
|
شمع
|
__________________
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
ـ
|
٢
|
ـ
|
شمع المحاريب
|
ـ
|
٣٨٠
|
ـ
|
مكانس
|
ـ
|
١٧٧
|
ـ
|
اسفنج
|
ـ
|
٢٥٠٠
|
ـ
|
بخور
|
١١٢
|
ـ
|
ـ
|
دهن الورد
|
٣٠٠
|
١٤٠٠
|
ـ
|
ورق معطر
|
ما يرسل من جانب الإدارة الخديوية
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
ـ
|
٣٤٤
|
٨
|
شمع
|
ـ
|
٤١
|
ـ
|
شمع
|
٢٠
|
ـ
|
ـ
|
شمع
|
ـ
|
٢
|
ـ
|
شمع
|
ـ
|
٤٠٠
|
ـ
|
حصير
|
ـ
|
٤٧٢٢
|
١٢
|
زيت زيتون
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
قناديل بللورية
|
ـ
|
٣٠
|
ـ
|
شمع العسل
|
ما هو مقرر أن يرسل من الشام الشريف
الدرهم
|
الأوقية
|
عدد
|
صندوق
|
ـ
|
٤٩٤١
|
ـ
|
زيت الزيتون
|
ـ
|
ـ
|
٨
|
الشمع الأبيض
|
__________________
مقدار الزيت المقرر للحجرة المعطرة
وداخل الحرم الشريف وسائر المساجد فى كل شهر
زيت زيتون أوقية
|
زيت زيتون أوقية
|
٦٩٨ للحرم
الشريف
|
٩٨٩ للحرم
السعيد
|
والحجرة المعطرة
|
١١١٦ لمآذن
الحرم السعيدة
|
٢٢٣ للمساجد
|
٢٠٤ مآذن
المساجد الأخرى
|
١٧ للفقراء
المحتاجين
|
١٨ لساحة الحرم
السعيدة
|
٩٥٦ المجموع
|
٢٥٦٧ المجموع
|
* الشموع
الكافورية الممنوحة للمساجد التى كتبت أسماؤها فيما يأتى بناء على شرط الواقف على
أن تكون كل شمعة أوقية ونصف أوقية وعلى أن يعطى كل ثلاثة أشهر.
عدد الشموع
٢
|
للمسجد النبوى
|
٢
|
لمسجد سيدنا أبى
بكر الصديق
|
٢
|
لمسجد سيدنا عمر
الفاروق
|
٢
|
لمسجد سيدنا
عثمان بن عفان
|
٢
|
لمسجد سيدنا على
المرتضى
|
٢
|
لمسجد سيدنا
عباس
|
٢
|
لمسجد قباء
|
٢
|
لمسجد بلال
الحبشى
|
٢
|
لمسجد الشيخ
السيواسى
|
٢
|
لمسجد الشيخ
الباخورى
|
٢٠
|
المجموع
|
__________________
٤ شمعات صغيرة
تقدم ثلاث مرات فى كل شهر إلى كل واحد من المحراب النبوى والمحراب السليمانى.
شمعتان كبيرتان
لمحراب النبى يقدم كل سنة مرة واحدة.
ما يبخر فى الحجرة السعيدة والحرم الشريف
عنبر
|
شجرة العود
|
ورق معطر
|
بخور
|
|
٨ درهم
|
٣٠٠ درهم
|
عدد ٤
|
٢١ دستة
|
لشيخ الحرم
|
..
|
٢٥٧ درهم
|
..
|
..
|
ومن يقومون
بالتبخير
|
٨
|
٥٥٧
|
٤
|
٢١
|
المجموع
|
توقد القناديل
المعلقة فى الحجرة السعيدة من المساء إلى الصباح ويصرف لكل قنديل خمسة وعشرين
درهما من زيت الزيتون ، وتوقد فى داخل الحرم الشريف القناديل المعلقة من المساء
إلى الثلث الأخير من الليل ومن الثلث الأخير من الليل حتى وقت صلاة الصبح ، ويصرف
لكل قنديل عشرين درهما من زيت الزيتون ، وقد خصص لكل واحد من هذه القناديل ثمانية
عشر درهما من زيت الزيتون ، كما قيد فى الخزانة النبوية ؛ ولكن استخدام مقياس لا يعرف
له المقدار يظن أن مقدار هذا الزيت عشرون درهما ، وتصرف ثلاثمائة وثلاث عشرة شمعة
لتوقد فى الثريات والشمعدانات المعلقة فى داخل الحرم السعيد كل يوم بعد يوم ، كما
يوزع على بعض الأشخاص فى رمضان كل سنة عدد (١٠٤١) شمعة.
* وقد قرر إعطاء
الأشياء الآتية عند غسل الحجرة النبوية المعطرة :
دهن الورد
|
عنبر
|
الورق المعطر
|
بخور
|
شجرة العود
|
درهم
|
درهم
|
عدد
|
دستة
|
درهم
|
١٧٠
|
٢
|
٧
|
١
|
٩٠
|
* مقدار ما فى
الحجرة المعطرة والروضة المطهرة للنبى عليه الصلاة والسلام
__________________
وفى داخل الحرم
الشريف من الشمعدانات والثريات البلورية والقناديل البلورية على شكل كروى ،
والقناديل الزجاجية المعلقة فى المآذن.
ما يوقد بشمع العسل
الشمعدان
عدد
٢ شمعدان مرصع
بالجواهر ومصنع فى غاية الجمال فى الحجرة المعطرة.
٢ كذلك مصنع من
الذهب الخالص وكبير نوعا ما (فى الحجرة المعطرة).
١ كذلك مصنوع من
الذهب وكبير نوعا ما (فى الحجرة
المعطرة).
٥ المجموع
كل هذه الشمعدانات
ذات شمعة واحدة وتوقد صباحا ومساء فى داخل الحجرة المعطرة أمام سيد البشر فائض
النور.
وإن كان فى الحجرة
السعيدة عشرة أعداد من الشمعدانات الفضية إلا أنها توقد فى ليالى رمضان.
المشعدان
عدد
٢ خاص بالشمعدانات
الكبيرة لمحراب النبى.
٢ خاص بالشمعدانات
الصغيرة لمحراب النبى .
٢ خاص بالشمعدانات
الكبيرة للمحراب السليمانى.
٢ خاص بالشمعدانات
الصغيرة للمحراب السليمانى.
٨ المجموع
هذه الشمعدانات
الثمانية ذات شمعة واحدة وتوقد كل الليالى.
__________________
الشمعدان المصبوب
ذو الفانوس
عدد ٨
هذه الشمعدانات
ذات شمعة واحدة وتوقد كل ليلة فى داخل الروضة المطهرة.
الشمعدان البلورى
عدد
١ فى الروضة
المطهرة النبوية وهو ذو ثمان وعشرين شمعة.
٢ كذلك فى الروضة
المقدسة النبوية ذو ثمانى وعشرين شمعة أيضا.
١ أمام المحراب
السليمانى وهو ذو إحدى وثلاثين شمعة.
١ موضوع فوق كرسى
ذى أرجل ثلاث وثمانى شمعات وأهداه الغازى الهندى متبركا.
٥ المجموع
توقد هذه
الشمعدانات بالشمعات البيضاء.
الثريات البلورية
عدد
١ معلقة فى الحرم
الشريف وذات حجم كبير يوقد فيها أربع وسبعون شمعة.
١ معلقة فى جهة
القدم الشريفة وكبيرة ذات أربعة وعشرين شمعة .
٢ معلقة أمام
المحراب السليمانى وذات ست عشرة شمعة.
٢ معلقة أمام
المحراب السليمانى وذات ست عشرة شمعة كذلك .
١ معلقة فى الروضة
المطهرة ذات شمعة واحدة .
١ معلقة أمام باب
الوفود وذات شمعة واحدة .
٨ المجموع
كل هذه الثريات
توقد بالشمع الأبيض كل الليالى.
__________________
الثريات الفضية
عدد
٢ معلقة أمام الحجرة المطهرة وفى داخل
الحرم الشريف .
١ معلقة أمام
الحجرة المطهرة وفى داخل الحرم الشريف .
١ معلقة أمام
الحجرة المطهرة وفى داخل الحرم الشريف .
٤ المجموع
توقد هذه الثريات
الأربعة كل الليالى.
الثريات البلورية
عدد
٣ هذه الثريات من هبات والي مصر
الأسبق عباس باشا تبركا .
١٥ قدمت من بعض
أصحاب الخير .
١٦ قدمت من بعض
أصحاب الخير .
٣٤ المجموع
كل هذه الثريات
الأربعة وثلاثين توقد بالشمع الأبيض.
الثريات الفضية
عدد
١ معلقة أمام المحراب العثمانى
ومهديها مجهول.
١ معلقة أمام
القبة العثمانية وذات ست وثلاثين شمعة مهداة من السلطان محمود.
١ معلقة أمام
الحجرة المطهرة وذات ست وثلاثين شمعة مهداة من السلطان محمود.
٢ معلقة أمام
الحجرة المطهرة وذات شموع مهداة من السلطان محمود.
١ معلقة أمام
الحجرة المطهرة وذات شمعتين ومهداة من السلطان محمود.
٦ المجموع
توقد الثريات
الستة كلها بالشمع الأبيض ليلا.
__________________
الثريات البلورية
عدد
١ ذات اثنين
وثلاثين شمعة وهبها المرحوم رضا باشا للتبرك.
٢ ذات أربعين شمعة
حمراء اللون واقفهما مجهول.
١ ثريا ذات طراز
هندى ولا يعرف واقفها.
٤ المجموع
وإن كانت هذه
الثريات معلقة فى داخل الحرم الشريف إلا أنها لا توقد لعدم إرسال الشموع.
* مقدار القناديل
التى تسرج وهى على شكل كروى ومن الزجاج.
عدد القناديل
٧٠ البلور ذات
السلسلة الذهبية كروى الشكل.
٢ الزجاج ذات
سلسلة ذهبية.
١٠ شمعدان من
الزجاج فى الشجرة الفضية.
٨٤ المجموع
إن هذه القناديل
فى داخل الحجرة المعطرة وتوقد كل ليلة وسلاسلها كلها من هبة الخاقان محمود عدلى
رحمه الله تعالى.
* القناديل
الزجاجية لمآذن المسجد السعيد
عدد
٢٢٧ فى المئذنة الرئيسية
٣١٢ فى المئذنة
العزيزية
٢٢٨ فى المئذنة
المجيدية
١٨٦ فى مئذنة باب
الرحمة
٢١٦ فى مئذنة باب
السلام
١١٦٩ مجموع عدد
القناديل
* القناديل
المعلقة بالحرم وخارجه
٤٥٢ كروى الشكل له
سلاسل فضية صفراء
١٦ كروى الشكل له
سلاسل عادية ومعلق فى باب الحرم الشريف
٨٤ زجاجى فى
الثريات على شكل الشجرة ومعلقة فى داخل الحرم الشريف
٢١ زجاجى فى داخل
الحرم السعيد وفى اللوحات المزينة
٢٤ زجاجى معلقة
على الأطراف الأربعة الخارجية للحرم الشريف
١١ زجاجى معلق فى
أماكن أخرى
٦٠٨ مجموع عدد
القناديل.
عدد الشمعدانات
والثريات والقناديل من حيث المجموع :
عدد
٣٥ الشمعدان
٦٠ الثريات
البلورية مع الشجرة الفضية
١٨٦١ قناديل
زجاجية على شكل كروى.
٢٤٣١ مجموع
القناديل والشموع كلها.
عين زبيدة
من مآثر السلطان
سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد خان (عليهم الرحمة والغفران) ومن خيراته
العظيمة تعمير مجرى عين زبيدة وإحيائها.
وإن كان فى مدينة
مكة المكرمة بعض السبل للماء الذى جلبته عين السيدة «زبيدة» من جبل المشلّل وكذلك
بعض الآبار يمكن شرب مائها إلا أن أهل مكة.
كانوا يعانون من
قلة تلك السبل والآبار ذات المياه العذبة ، إلى أن أجرى السلطان سليمان مياه عين
زبيدة فى داخل مكة المعظمة.
__________________
عين زبيدة : هى
الماء الزلال الذى أجرته ـ كما سيذكر فيما بعد ـ السيدة أم جعفر زبيدة بنت جعفر بن
المنصور زوج هارون الرشيد ، بإنفاق مبالغ طائلة من واد يبعد ثلاثة أيام إلى مدينة
مكة الله الشهيرة ، إلا أنها أهملت بعد تطهيرها فى سنة (٩٢٦) بإهمال طرقها ،
ومجاريها آلت إلى الخراب وضاع ذلك الماء الذى تقوم عليه الحياة.
وكان ذلك الماء
المذكور فى غاية الغزارة والعذوبة وكان يشبه ماء تقسيم فى إستانبول ، وإن كان اسمه عين عرفات ؛ إلا أنه أطلق
عليها عين زبيدة اعترافا لما بذلته السيدة زبيدة من همة عظيمة لجلبها.
كانت السيدة زبيدة
بنت جعفر بن أبى جعفر الذى يقال له جعفر الأكبر وحفيدة أبى جعفر المنصور ثانى
الخلفاء العباسية وبنت عم زوجها هارون الرشيد وكانت شهرتها القديمة «أمة العزيز» ،
وكانت اعتادت فى صغر سنها أن تؤنس جدها بالرقص أمامه ، وسماها المنصور بهذا الاسم
قال لها يا ابنتى إنك زبيدة فعرفت بهذا الاسم. إن السيدة زبيدة الممدوحة كانت
امرأة ذات مناقب جليلة ومآثر ممدوحة وصاحبة بر وإحسان ، وقد جلبت عين حنين
وأوصلتها إلى مكة المفخمة بعد أن أنفقت أموالا طائلة وخزائن وفيرة وذلك فى سنة ٢١٣
الهجرية ، إن مدينة مكة المكرمة المفخمة تقع بين سلسلة جبال سوداء جرداء خالية من
المياه الجارية وفى واد غير ذى زرع غير صالح للزراعة ، لذا كان سكان حرم الله
يديرون أمورهم بمياه الأمطار ، ويعانون غالبا من مشكلة قلة المياه وذلك قبل إحياء
عين حنين. ويقول المؤرخون إن السيدة زبيدة قد أنفقت (١٧٠٠٠٠٠) مثقال ذهبا وأمرت بنقب جبال حنين الراسيات وجمعت المياه فى سفح الجبل
الواقع فى ساحة (منى) أرض الحل ، وهكذا أروت حرم الله وأزالت منه العطش.
حكاية
بعد أن أجريت
المياه إلى مكة ومهدت طرقها وصارت رصينة منيعة ، وتم عمل
__________________
كل شىء على أحسن
ما يرام ، أراد أحد الموظفين الذين كانوا يعملون فى هذا العمل الخيرى أن يعرض كل
ما أنفق فى هذا العمل مقيدا الحسابات فى دفتر ، وقدمه للسيدة زبيدة راجيا أن تلقى
نظرة لتسوية الحساب وهى فى قصرها المبنى على نهر دجلة ، فأخذت الدفتر وألقته بين
المياه ، واستدعت الموظف المذكور وقالت له تركت تسوية حساب هذا العمل إلى يوم
الحساب ، إذا كان هناك فى ذمتك بعض المبالغ فإننى تنازلت عنها كهدية ، أما إذا كان
لك طلب فقله شفويا حتى أؤديه لك ، ثم ألبست الموظف ومن معه حلة فاخرة وطيبت خاطره «انتهى».
قد اتفق جميع
المؤرخين على أن تلك السيدة العظيمة صاحبة العصمة قد أجرت المياه إلى مدينة مكة
المكرمة من مسافة تبعد ثلاثة أيام منها ؛ إلا أنه من الثابت أن السيدة زبيدة قد
غادرت أرض الفناء ، واتجهت إلى حجرتها المفروشة بالإستبرق وذلك فى سنة (٢١٢) وظل ذلك العمل ناقصا إلى عهد السلطان
سليمان بن السلطان سليم.
ولما آل الأمر إلى
السلطان المشار إليه بذلت كريمة السلطان السعيد الحظ مهرماه بعون والدها كل جهدها
لإتمام ذلك العمل ، وأوصلت المياه إلى مكة المكرمة. وبنت عدة عيون فى المسعى الشريف وبهذا أحيت أهالى مكة
المكرمة بلد الله الأمين كما سيوضح فيما يأتى.
وبناء على هذا فإن
قصة تقديم دفتر المحاسبة إلى السيدة زبيدة لا أصل لها فهى مختلقة.
إن منبع ماء حنين
الذى أجرته السيدة زبيدة إلى مكة فى سفح جبل «ثنية» إلى جبل «طاد» العاليان أشد
العلو والواقعان فى طريق الطائف. ويفيض هذا الماء من منبعه نحو حقول قرى حنين ،
وبعد ما يروى نخيل القرى الواقعة على طرفيه يستمر فى جريانه إلى أن يصل إلى حائط
حنين . إن السيدة زبيدة اشترت كل
__________________
حقول تلك القرى
ومنعت زراعة تلك البساتين ، وأقامت على الأماكن المناسبة من الجبال التى حولها
سدودا متينة وحفرت مجارى لانتقال مياه الأمطار من سد إلى سد ، وتمتلئ تلك السدود
بمياه الأمطار وتتحول إلى نهيرات صغيرة مثل عين حنين ، وتجرى بواسطة المجارى
والقنوات حتى تصب فى أنهار مشاش ، ميمونة ، غفران ، برود ، طارقى ، ثقبه ، وخزيان
، وكلها تتجمع فى مجرى وادى حنين الواسع ، ومن هنا إلى خزان «بئر زبيدة» التى حفرت
فى صحراء منى. وبعد ما أجرت السيدة زبيدة عين حنين إلى منى أوصلت ماء وادى النعمان
إلى عرفات ، ثم جمعت مياه حنين ومياه وادى نعمان وأجرتها إلى البئر العميق الكبير
عن طريق جبل ضاب الكائن خلف المأزمين بطريق المزدلفة وعاد والمرسلات من خلف
جبل من جبال صحراء منى ، وهذا الماء يجرى من جبل كرا (يقال له جبل قرى أيضا) إلى
ساحة عرفات بواسطة المجرى الكبير الواسع المصنوع ، ويملأ أحواض جبل الرحمة ثم يملأ
خزان بئر زبيدة الذى سبق ذكره.
قد اتخذت بئر
زبيدة خزانا ومقسما لمياه عرفات وحنين ؛ لأجل ذلك غطيت بصخور عظيمة ليس فى قدرة
الإنسان نقلها أو تقليبها من جهة إلى أخرى ، وذلك لتفادى أذى عربان البادية
وتأمينها من أضرارهم.
إن الماء الذى جلب
من وادى النعمان ينبع من سفوح الجبل الذى عرف بين الأهالى (بجبل قرا) أو (كدا) أو (كرا)
إن هذا الجبل قائم فوق جبلين فى ارتفاع جبل الرحمة" لذا فهو بالغ الارتفاع
والمساحة من قمة هذا الجبل إلى الطائف نصف يوم. إن الذين يصعدون على هذا الجبل أو
يهبطون منه مرة يبلغ بهم التعب حتى لا يقدرون الصعود إليه أو الهبوط منه فى نفس
اليوم. والماء المعروف بعين عرفات يجرى من صحراء النعمان ولذلك تجد الأماكن التى
تجرى فيها تتأثر برطوبتها وتنبت أنواع الأشجار. وأقسام النباتات والأزهار فيما
حولها وتتحول إلى رياض منتظمة.
__________________
وبناء على ما ذكره
المؤرخون الأعلام فإن طول المجرى الذى حفرته السيدة زبيدة يبلغ (١٤٣٠٣٨) قدما
وأربع بوصات وقد صرف فى حفرها وتسويتها مليونا وسبعمائة مثقال ذهب كاملا كما سبق
ذكره.
لطيفة
قد رأى أحد
الصلحاء فى رؤياه السيدة زبييدة فى رياض الجنة وقال لها «هل غفر لك لتوصيلك المياه
إلى مكة المكرمة» فأجابت قائلة : «إن ما أنفقته من المبالغ لأجل الماء كانت من
حقوق العباد وما حدث منها من الأجر والثواب وزع على أصحاب الحقوق ، ولكننى كنت
يوما فى مجلس الأنس والشراب فسمعت الأذان المحمدى ، فتركت الشرب واستشهدت من خلف
المؤذن ، إن عملى هذا قد حاز رضا ربى الرحيم وقال مخاطبا الملائكة : «إذا لم يكن
توحيد ألوهيتى راسخا فى قلب زبيدة لما أسرعت فى الاعتراف بوحدانيتى بترك مجلس
الهناء والسرور فاشهدوا أننى رضيت عنها وغفرت لها «وبصدور هذا الخطاب الإلهى
الجليل وصلت لما أنا عليه من مرتبة عالية وإننى الآن فى أحسن حال». هذا كان ردها
للشيخ الصالح. انتهى «روح البيان».
وقد أنقذت السيدة
زبيدة أهل مكة من ضائقة الماء ، إذ أوصلت هذه المياه إليها وكذلك خدمت الحجاج
الكرام خدمة عظيمة بهذا العمل الجليل.
إلا أن السيول
التى تنهمر من الجبال قد خربت قنوات هذه المياه ومجاريها مع مرور الأيام ، كما أن
تقلبات الزمن وقلة الأمطار قد محت وخربت جميع الطرق وقضت عليها ، وأجبرت سكان
المدينة الشهيرة مكة المكرمة على أن يجلبوا الماء من أماكن بعيدة ، كما أن مياه
الآبار أخذت تنضب فى سنة ٢٤١ فأجهد الظمأ الناس أيما إجهاد ، وفى أثناء ذلك أوصل
الخليفة العباسى المتوكل المياه التى جلبتها السيدة زبيدة إلى عرفات إلى مكة
المكرمة حافرا مجرى آخر ، وبهذا نال الأجر والثواب وكأنه أحيا جيران كعبة الله من
جديد إلا أن المجرى الذى حفره فسد
__________________
وخرب بعد مائتين
وخمسين عاما ، وهكذا ابتلى سكان بلدة الله مرة أخرى بالظمأ.
قد أصلح وعمر
قنوات هذه المياه ومجاريها كل من الملك المظفر بن كوكبورى بن على فى عام (٥١٤)
وصاحب أردبيل مظفر الدين فى سنة (٦٠٥) والمستنصر بالله العباسى عام (٦١٥) وفى سنة (٧٢٦)
ملك العراق أبو سعيد خدابنده الأمير جوبان وفى سنة (٨١١) الشريف حسن بن عجلان أمير مكة المعظمة وفى
سنة (٨٢١) أبو النصر الشيخ محمود من ملوك الشراكسة وفى سنة (٧٧٥) السلطان قايتباى
المصرى ، وفى سنة (٩١٧) عمقها الغورى وطهرها كما أصلح مواضعها الخربة ونظفها وأنقذ
أهالى مكة المعظمة الكرام من شح الماء إلى حد ما.
وبعد فترة تقلبت
أحوال الزمان وتخربت مجارى المياه بأكملها وتوارى ماء حنين وعرفات الذى يشبه ماء
الحياة فى ظلمات التراب ؛ وكابد أهل مكة شح المياه إلى حد أنهم اضطروا فى أيام
عرفات إلى جلب الماء من الوديان القاصية.
وهذا واقع صحيح.
__________________
وإن كان جلب الماء
من الوديان البعيدة التى تحيط بها المهالك والمعاطب اقتصر على السّراة من أصحاب
الثروات الطائلة فقد انصرفت طائفة الفقراء والمستضعفين عن طلب كسرة الخبز ولم يعد
لهم من مطلب سوى الماء.
فضلا على استحواذ
المحتكرين من الأثرياء على الماء الذى يجلبه السقاءون ، وكانوا يبيعونه بباهظ
الأثمان فأفعموا جعبة حرصهم وبخلهم.
وفى أواخر عام ٩٣٠
جرى قضاء الله بأن تنقطع كذلك مياه الأودية البعيدة ولذا بيعت القربة الصغيرة من
الماء التى يمكن حملها بإصبع بدينار من ذهب ، ووقف الموحدون فى ساحة السعادة فى
جبل الرحمة وقد نال منهم الظمأ حد أنهم كانوا على استعداد للتضحية بأرواحم فى سبيل
الحصول على الماء.
ولما بلغ شح الماء
ذلك الحد لزم الحجاج ـ الذين أحرقت أكبادهم من نار الظمأ ـ والسكون يغمرهم
الاستغفار وما كان إلا أن انتظروا نزول رحمة الرحمن الرحيم ، وبدءوا يبسطون أكف
الضراعة بدعاء الاستسقاء ، ووقع دعاء الحجاج موقع القبول والاستجابة لدى ربهم ،
فانهمر المطر مدرارا كما لم ينهمر من قبل وبصورة لم يسمع عنها الشيوخ من قبل ،
وجرى السيل تحت أرجلهم ، وأخمدوا نار ظمئهم ، وبعد أن ملأوا قربهم وسقوا حيواناتهم
ودوابهم انخرطوا فى شديد البكاء.
وعندما نما إلى
علم السلطان سليمان خان سلطان الزمان معاناة المؤمنين شح المياه واضطرابهم فى ساحة
عرفات وتخرب مجارى المياه على النحو الذى أسلفناه أصدر أوامره بتطهير طرق عين
عرفات وعين حنين وتسويتهما. وأسند هذه المهمة لمن يسمى مصلح الدين أفندى وهو من
مجاورى بلدة الله ، ثم أخطرت إمارة مكة المكرمة من قبل الباب العالى وأحضرت علامات
الإمارة إلى مصلح الدين أفندى ، وعهد إليه بالمهمة المذكورة بتفويض من السلطان
عالى المقام.
وفى عام ٩٣١ بدأ
مصلح الدين أفندى يعد العدة لتلك المهمة فطهر مجارى مكة وعمرها على خير وجه ، ثم
أصلح البرك والأحواض فى عرفات مكة
المكرمة وروى
بالأجر سكان الحرم من عين حنين واشترى مصلح الدين أفندى طائفة من العبيد السود ، وركب سفينة من ميناء السويس وكانت قد أعدت ليمضى بها إلى
الآستانة ليعرض على الباب العالى كيفية توظيف هذه الطائفة فى مهمة تطهير مجرى
القنوات ، ومات ـ رحمة الله عليه ـ غرقا فى عباب بحر القلزم.
بينما كان مصلح
الدين أفندى يقوم بإصلاح مجارى عينى حنين وعرفات عين مهندسا وكاتبا يرأسهما ناظر ،
وذلك من أجل سرعة إصلاح أى جزء يلحق به الخراب من المجارى والقنوات ، وبعد ذلك بنى
قبة حجرية فوق موضع تفرع المجرى ، ووضع ميزابا من خمسة وأربعين لوحا حتى إذا ما
فنيت مياه أى لوح أو نقصت يعرف أن ثمة خراب قد لحق بمجرى تلك الناحية فيتم إصلاحه
في الحال.
وبفضل الترتيب
المذكور لم يتعرض أهل مكة لشح الماء لفترة وعلى الرغم من ذلك فإنه بعد وفاة مصلح
الدين أفندى بما يقرب من ثلاثين عاما طغى سيل من جرائه تخربت أغلبية مواضع المجارى
المائية ، ومن ثم بدأت مياه الينابيع فى مكة فى النقصان ، وبدأ سكانها الكرام
يلقون التعب والمشقة بسبب شح الماء ، وعندما رفعت الإمارة الجليلة لمكة الأمر إلى
الباب العالى وتلقت الإمارة المذكورة الرد وأخطرت بالمواضع الواجب إصلاحها
وتعميرها ، وبعد الكشف والمعاينة استدعى شريف مكة أشرافها وأعيانها للتشاور ، وقرأ
عليهم الأمر الوارد من الباب العالى.
وعلى أثر ذلك
اجتمع قاضى مكة عبد الباقى بن على المغربى أفندى ومتصرف جدة خير الدين بك وطائفة
مثلهم من أرباب الدراية والمعرفة. وعقدوا مجلسا للتشاور وتبادلوا الآراء والمشورة
بشأن طرق المياه مكة المكرمة ، ومن بعد اتفقوا رأيا على أن عيون عرفات أبرك من
باقى العيون ، ومجاريها معلومة. وإذا ما
__________________
نظرنا إلى ما أفاد
به الخبراء فإن هذا الماء على الرغم من أنه ينبع من موضع يسمى «أوجر» يمر من منى
عن طريق وادى النعمان وعرفات ، ويحضر إلى بئر زبيدة. وإذا ما طهرت مجاريها وطرقها على الوجه الأقوم فإنه سيتكلف (٠٠٠
، ٣٠) دينار من ذهب ، وقالوا إنهم سوف يقومون بتسوية وإصلاح وتنظيم ما يقرب من (٠٠٠
، ٤٥) ذراع معمارى فى وادى مكة وقد وقع هذا الرأى موقع القبول لدى هيئة الشورى ،
وعرضوا ما توصلوا إليه من قرارات على الإمارة المشار إليها مرفقة بتقرير.
ومن ثم عرض شريف
مكة المذكور الصورة الأخيرة لما سيكون عليه المجرى بعد الإصلاح والقرار المذكور
على الباب العالى وذلك على الوجه المفصل.
ولقد ورد التزام
من كريمة السلطان صاحبة الخيرات ، إكليلة المخدرات ، تاج المحصنات بتعمير المواضع
الخربة ، وإجراء الماء داخل مكة ، وإنشاء العيون فى المواضع القريبة من حرم الكعبة
؛ وذلك لإحياء أهالى بلدة الله ، ولأن ذلك عادة من المبرات السلطانية فقد صرف (٠٠٠
، ٥٠) دينار لإبراهيم بك دفتر دار (وزير مالية) مصر القاهرة الأسبق ، وأرسل إلى
مكة المكرمة ، وفى يوم الجمعة الثانى والعشرين من ذى القعدة عام (٩٦٤) أو (٩٦٧)
وقبل عام (٩٧٠) قدم إبراهيم بك إلى جدة ، وفى اليوم التالى وصل إلى حضرة سيد حسن
بن نمى شريف مكة فى وادى مر الظهران ، ومضى فى معية المشار إليه إلى مكة وبعد الطواف
نزل فى دار أعدت له خصيصا.
وفى غضون خمسة
وعشرة أيام وبفضل كثير من العمال بذل الجهد فى تطهير وتعميق الآبار التى غاض ماؤها
ومجرى عين عرفات ، وبعد الحج نصبت الخيام فى وادى عرفات من أجل تعمير طريق جبل
الرحمة ، واستخدم ما يقرب من أربعمائة عامل فى أعمال تنظيف المجرى ، واستقدم
إبراهيم بك مهندسين أكفاء وكثرة من البنائين وزاد من عدد العمال يوما بعد يوم ،
وأصلح المجارى حتى بئر عين زبيدة ، ولكنه لم يستطع أن يعثر على المجرى القديم الذى
يمتد بعد بئر عين زبيدة.
وكان العمال الذين
استخدمهم (إبراهيم بك) عددهم أربعمائة نفر من جنس العبيد وكانوا يصلحون لعمليات
الحفر فعمقوا وطهروا مجارى العيون من (أوجر) إلى حدود (المزدلفة ولما كانت عمليات
الحفر بعد (المزدلفة) أشق طلبوا مزيدا من العمال وأبلغ إبراهيم بك عدد العمال إلى
ألف وبذل جهودا جبارة وأظهر مروءة عظيمة ، وأنفق أكثر من ألف قطعة ذهبية ، إلا أن
العمل أخذ يتأخر يوما بعد يوم ويتباطأ ، ولما رأى أن حفر وتعميق المجرى الكائن بين
المزدلفة ومكة المكرمة فى حكم المستحيل ، عرض الأمر إلى الجهات العالية ، واستقدم من صعيد مصر والشام وحلب واليمن
وباب السعادة إستانبول عمالا متخصصين فى حفر الآبار ومجارى المياه والحدادة
والبناء ووزع لكل واحد منهم عمله لإجراء التعميق ، إلا أنه فهم أن مجرى الماء
ينتهى عند بئر زبيدة وراح فى تفكير عميق فى الندامة والحيرة ؛ لأن السيدة زبيدة لم
تستطع أن تحفر مسافة ألف ذراع معمارى بعد البئر الذى ينسب لها فتركته وأجرت مياه
عرفات إلى مجرى حنين ووحدت بين الجدولين ، واستطاعت أن تدبر مقدارا من المياه يكفى
لأهل مكة ولم توحد بين عين عرفات ومجرى عين حنين بتغيير مجراهما ؛ كان عليها أن
تنشغل بنقب وثقب قطعة واحدة من الصخرة التى يبلغ طولها ألف ذراع معمارى وعرضها مع
عمقها خمسين ذراعا.
وكان فى هذا إنفاق
للمال عبثا ، وأكد فكرة أن إنجاز هذا العمل خارج طاقة الإنسان ولأجل ذلك تركت ذلك
المكان ، وقررت أن توجد بين مجرى عرفات ومجرى مياه حنين وتوصلت إلى هدفها عن طريق
أوفق لغايتها.
وأراد إبراهيم بك
من شدة حيرته واضطرابه أن يقوم بعمل لم تستطع أن تقوم به السيدة زبيدة ، وتخيل أنه
يستطيع أن يثقب ذلك الطريق الحجرى بطريقة أو بأخرى فحفر أولا وعمق مكانا ليبلغ
طوله سبعة أذرع وعرضه خمسة أذرع وأمر برفع ما عليه من التراب ، ثم جلب من جبل جزل
حمل مائة بعير من الحطب وأراد أن يعمق بحرق الحطب فى داخل ما تم حفره ما مقداره
خمسين ذراعا إلا أنه لم يستطع أن يحفر فى ليلة كاملة إلا مقدار إصبعين كسره بأدوات
حديدية ،
وأدرك أن تعميق
مكان طوله ألف ذراع مقدار خمسين ذراعا يحتاج إلى عمر نوح ومال قارون ، إلا أنه
أنفق أموالا لا تحصى بفكرة إنقاذ الشرف السلطانى الساذجة ، ولم يبخل من بذل أقصى
الجهود لحفر المجرى إلا أنه لم يستطع أن يتجاوز أكثر من عشرين ذراعا ، وفى النهاية
أنهى جميع نقوده وأرسل إلى باب السعادة رسلا لعرض الأمر وليستأذنه فى كيفية التصرف
بعد هذا الفشل ، ولكن الرسل الذين بعثهم إلى إستانبول غرقت سفينتهم فى البحر
الأحمر ، وفى هذه الفترة مات ثلاثة من أبنائه واحدا تلو الآخر ، كما مات وكيل
أعماله وكثير من عبيده وعقب ذلك ارتحل أيضا إلى قصور الجنة سنة (٩٧٤) ليلة الاثنين
الثانى من رجب ودفن فى قبره الذى كان قد هيّأه قبل وفاته .
وبعد وفاة (إبراهيم
بك) عهد إلى قاسم بك حاكم جدة بمهمة تطهير المجرى ولحكمة ما توفى هو أيضا بعد مرور
سنتين من تعيينه ، فأحيلت تلك المهمة المقدسة لمفتى مكة المكرمة الشافعى القاضى
حسين أبى بكر الحسينى.
وقد قام الشيخ
حسين بمهمته أحسن قيام واستطاع أن ينهى عمله في ظرف خمسة أشهر على أحسن وجه وأنجز
ما لم يستطع أن يقوم به من سبقوه فى اثنى عشر عاما.
واستطاع أن ينهى
العمل الذى بذل فيه الجهود الحميدة منذ عهد السلطان سليمان خان الغيور على دينه ،
أى العمل الذى استغرق سبعة عشر عاما فى الحفر والتعميق وأوصل عين عرفات إلى مكة
المكرمة وبإمرارها من نفس الطريق الذى أراده المرحوم إبراهيم بك وذلك فى سنة (٩٧٦)
على قول أو سنة (٩٧٩) على قول آخر ، أو فى الأيام العشرة الأخيرة من ذى القعدة سنة
(٩٨١) وفقا للرواية الثالثة.
وأنشأ فى داخل
المدينة أحواضا كبيرة وصهاريج عظيمة وملأها بالماء ، وأحيا العالم الإسلامى ، إن
العمل الذى بدأ لإنشاء مجارى المياه وقنواتها فى عهد
__________________
السلطان سليمان
انتهى فى عهد السلطان سليم ، وغبطت بلدة الله بكثرة مياهها ، ودخل ماء عرفات فى
داخل المدينة ، وروى الحجاج العطاش وأخذ أهالى مكة المكرمة والمجاورون ذوى
الاحترام يحتفلون ، ويحث بعضهم البعض على الدعاء بالخير للسلطانين المشار إليهما
ويقولون : إن الأعمال الخيرة الجميلة التي لم يقدر على القيام بها أى واحد من
السلاطين السابقين والخلفاء المعتمدين ، قد قدرت ويسرت لهذين السلطانين العظيمين.
وفى اليوم الذى
وصل فيه الماء إلى المدينة المقدسة مكة الله أقام المفتى السابق الذكر حسين بن أبى
بكر الحسينى فى رياض الأبطح لجميع الأهالى وليمة عظيمة ، وذكر جهود السلطان وفتح
صنابير جميع الينابيع وملأ مستودعات مياه الينابيع بحلو الشراب وسقى الأهالى ،
واستجلب الدعوات لطول بقاء الدولة العثمانية.
ومما يروى عن ثقة
أن الأطعمة التى قدمت فى هذه الوليمة كانت عظيمة وافرة إذ نحر مائة جمل ومثلها من
الأغنام ، وأقيمت الخيام لجلوس القوم كل حسب مكانه وشرفه ودعا إليها أعيان القوم
وأشرافهم وعلماءهم وصلحاءهم ، وقدم لهم الطعام وبعد الطعام ألبس المهندسين ومهرة
العمال الخلع ، ووزع على الآخرين العطايا السنية وأبلغ بكل ما تم عمله لجلب قلوب
الناس إلى السلطان الموصوف بمكارم الأخلاق ، فما كان من السلطان إلا أن أرسل الخلع
الفاخرة وعطايا كثيرة من إستانبول لتوزيعها على الذين خدموا فى توصيل العين
المذكورة بجد وصدق من الأهالى. أما المفتى الشافعى القاضى حسين بن أبى بكر الحسينى
المشهود له عند الجميع بجهوده العظيمة وعظيم بلائه فقد كرم أعظم تكريم مما ملأ
قلبه بالعظمة والسرور ، وفى حقيقة الأمر إن أهل مكة كانت حاجتهم شديدة إلى ماء جار
مثل عرفات ؛ لو لم توصل كريمة السلطان مهرماه عين زبيدة إلى مكة المكرمة لما بقى
لأهل مكة إلا واحدا من الحلين الاثنين : إما أن ينتقل أهل مكة إلى بلاد أخرى
يهاجروا إليها ، وإما أن يتحدوا جميعا ويصرفوا كل ما فى جهدهم ليطهروا مجرى عين
زبيدة والعمل على جلبها من جبل الرحمة.
ولما كان الحل
الثانى غير قابل للتنفيذ بل مستحيلا كان عليهم أن يبتلوا بالفراق عن الوطن وأن
يتفرقوا فى بلاد شتى وأن يحترقوا بنار فراق كعبة الله ثم يفنوا.
وجلب ماء عرفات
إلى الحرم الشريف رد الحياة لأهل مكة وذريتهم فبقوا فى موطنهم القديم ، والآن ما
من أحد فى مكة إلا وقلبه يمتلئ غبطة ومسرّة ولسانه يلهج داعيا بالبقاء للدولة
العثمانية.
فيما يلى من
كلامنا وصف لماء عرفات من حيث صفائه وعذوبته ومدى حاجة أهل مكة لهذا الماء ، وهذا
ما جعل هذا الأمر موضع بر الأميرة مهرماه وإحسانها بين المحسنين.
مقال
إن ماء عرفات ماء
جار كأنه ماء الكوثر وعين الحياة وماء تسنيم ، ويجرى بالقرب من موقف عرفات ويبحث
عن حرم مكة العطشانة ليمسح وجهها ويطفى ظمأ أهل مكة المشتاقين بمائه الزلال.
أبيات
إن رغبة أهل هذا
البلد إلى الماء الجارى لأمر عجب ما أن يشاهده الظمآن منهم إلا وجرى ريقه.
فأجرت الأميرة (مهرماه).
بنت سلطان العالم
السلطان سليمان خان .. صاحبة الخيرات هذه العين إلى داخل المدينة .. منفقة الأموال
الطائلة.
وهكذا سقت
المسلمين العطشى.
والحق أن ما قامت
به من همة عظيمة.
ليغار عليها خلفاء
سكان المغرب ودار السلام.
وحكام اليمن
وسلاطين مصر والشام
وفى نار الحيرة
يحترقون ..
ولقد أسدت خدمة
عظيمة.
تجعل ملوك الربع
المسكون ..
من العالم وملوك
سوالف القرون ..
من رغبتهم فى لجة
يغرقون واستهل العمل فى سنة ٩٧٠ .
ومع الاستعانة
بالمهندسين المعامرين الذين يتمتعون بذهن ثاقب وذكاء خارق الذين حطموا الصخور
الصماء بهمة كأنها فأس فرهاد.
وأنهوا العمل فى
تسعة أعوام وأنفقوا النقود كالماء السائل حتى ظهر ذلك الجدول الجميل
وكأنه فضة مذابة.
شكر الله سعى
مجريها.
انتهى «ذيل
الشقائق النعمانية».
وبما أن عين زبيدة
احتاجت للتعمير والتطهير مرة أخرى فى عهد السلطان مصطفى بن السلطان أحمد سنة (١١٨١)
بإشعار من إمارة مكة المكرمة فأرسل من قبل السلطنة السنية موظف يسمى فيض الله
أفندى الذى طهر العين كما ينبغى ، عمر وسوى الأماكن التى تحتاج للتعمير ، وأنفق فى
سبيل ذلك (٠٠٠ ، ٨٨٦) قرش وأتم العمل فى ظرف ثلاث سنوات فى سنة (١١٨٤).
__________________
إلا أنه فى تلك
المدة لم يكلف بإصلاح مجرى عين زبيدة فقط بل شمل التعمير والإصلاح مجارى عين عرفات
والعيون الأخرى ، كما أصلحت مجارى جميع العيون الواقعة بين عين حنين وعرفات ،
وهكذا زادت المياه فى جميع المجارى.
ودام هذا التعمير
أربعا وخمسين سنة ، وفى خلال هذه المدة لم يكابد أهل مكة من نقص المياه ، ولكن فى
عام (١٢٣٥) مست الحاجة إلى تعمير بعض العيون لما كان السلطان محمود خان أصدر الأمر
إلى والى مصر محمد باشا بأن يبادر بإصلاح أى مكان فى الحرم الشريف دون استئذان منه
، فأصلح الباشا المذكور مجارى المياه التى تحتاج إلى إصلاح وأحيا عين زبيدة من
جديد ، وأبلغ الأمر إلى باب السعادة سنة (١٢٣٥).
وبعد تعمير محمد
على باشا قد انضمت إلى مجرى عين زبيدة مياه عين أخرى يقال لها زعفران ، ولهذا زادت
مياه عين زبيدة وكان ذلك بهمة زائر هندى كريم من أصحاب البر والإحسان يقال له «الماس
أغا» وشرع هذا الرجل فى حفر بئر بالقرب من مجرى عين زبيدة ، وعمق البئر حتى يزيد
من مياهه بينما هو يعمق هذا البئر ظهر مجرى ماء تحت التراب ، فسماه عين الزعفران
وأجراها إلى مجرى عين زبيدة ، فوحد بين الماء وبين ذلك البئر سنة (١٢٦٣).
وأهمل ما رممه
وجدده محمد على باشا والى مصر تحت رعاية السلطان محمود خان ، وفى غضون خمسة
وثلاثين عاما وتهدمت عدة مواقع مما جدد ورمم ، وظهرت مشكلة ندرة المياه فى مواسم
الحج ، ولم يبلغ الأمر إلى السلطان ومقام الخلافة الإسلامية ، فبدأ أهالى
الحرمين يتوجسون خيفة من انقطاع ماء عين زبيدة كلية ؛ إلا أن أحد الزوار الهنود من
قبيلة ميمن وهو «الشيخ عبد الرحمن سراج» طهر وعمر ذلك المجرى مستخدما مائتى نفر
يوميا فى ظرف شهرين ، وهكذا نفث عن الناس كربتهم وذلك عام (١٢٩٥).
__________________
وبما أن الشيخ عبد
الرحمن سراج كان محبا للخير لم يقتنع بتعمير وتطهير مجرى عين زبيدة ؛ بل امتد عمله
إلى إجراء زمزم الشريف الذى كان يستعمل فى داخل الحرم الشريف إلى محل بعيد عن
الحرم ، لأن المجرى الكبير المديد الذى أنشئ فى صدر الإسلام أصابه التلف والخراب
مع مرور العصور ، فرممه على أحسن وجه وعمره ، ثم عمر وسوى الأماكن التى فى حاجة
لذلك فى خارج الحرم وداخله وبهذا خدم الجماعة الإسلامية أعظم خدمة.
وكان الشيخ عبد
الرحمن سراج كما يروى يشرف بنفسه على العمال ، وكان يرجوهم أن يقوموا بأعمالهم على
أحسن وجه حتى يتم العمل فى متانة ورصانة ويوصيهم بذلك ، واستطاع أن ينتهى سواء من
مجرى زمزم أو المواقع الأخرى فى ظرف ثلاثة أشهر أو أربعة مستخدما يوميا ما بين
مائتى عامل أو ثلاثمائة منهم .. ألا فليرض الله ـ سبحانه وتعالى ـ عنه وليوفقه فى
القيام بأعمال خير أخرى.
وبعد سنتين من
إصلاح الشيخ عبد الرحمن سراج الهندى للمجرى المذكور قدم غنى أفندى من حكام
الولايات فى الهند مبلغا قدره (٤٠٠٠) ليرة عثمانية وذلك من أجل إتمام تعمير وتعميق
المجرى المذكور ، وقد حفظ هذا المبلغ فى خزينة المديرية للإنفاق منه حينما تستدعى
الحاجة وذلك فى عام ١٢٩٧.
آخر تعمير لعين زبيدة
وقد رمم مجرى عين
زبيدة فى عهد والى مصر محمد باشا كما سبق ذكره آنفا ، إلا أن هذا التعمير كان
جزئيا يشبه إصلاح الطرق هنا وهناك.
قد تهدمت مجارى
الماء بسبب السيول التى تتعاقب بكثرة فى البلاد الحجازية نتيجة لخصائص جو هذه
البلاد ، واحتاجت إلى تعمير شامل ولكن انشغال أولياء أمور الدولة بهمومها
المتوالية حال دون الاهتمام بمصالح أمور الحجاز لذا لم يعمر مجرى عين زبيدة فترة
طويلة ، وبقاء المجارى دون تعمير بعد تهدمها تدريجيا وترك العقود والدعائم دون
ترميم أدى إلى نقص المياه يوما بعد يوم ، وهى قوام حياة الأهالى.
ودب الخراب فى
المجرى وتصدع فضاع الماء الذى تسرب من بين الصدوع والشقوق ، ولو بقيت القنوات على
تلك الحال فترة أطول سوف يؤدى ذلك فى المستقبل إلى ابتلاء أهل مكة بضيق شديد من
قلة المياه ، ولما أدرك الكل ما ينتظرهم عرضوا الأمر على مقام الخلافة ، فجاء
الأمر السلطانى بتكوين لجنة من أعيان مكة وجدة تعنى بتعمير مجرى عين زبيدة
وتسويتها وترميمها ، وعين لرياسة تلك اللجنة الشيخ عبد الرحمن سراج أفندى الذى كان
عمر وأحيا عين زعفران بإنفاق مئات من الليرات الفرنسية وذلك فى المحرم سنة (١٢٩٦).
وكان من أهم ما
كلفت اللجنة به تعمير ذلك المجرى بطريقة متينة ورصينة ، وأخذ نفقات التعمير من
خزينة الدولة ودون إحداث خلل عند الإنفاق ، وبما أن الخزينة المالية للدولة تمر
بأزمة حادة رأت تلك اللجنة ألا تكون حملا على خزينة الدولة وأن تدبر أمورها على
هذا الأساس ، وكان الممولون المسلمون يتمنون من فترة أن يشتركوا فى تعمير عين
زبيدة ، وعلى هذا جمعت كثير من المعونات المالية من أهالى جدة ومكة بحثّ اللجنة
وسعيها الحثيث.
وأعطى الرئيس
المذكور الشيخ عبد الرحمن سراج بمفرده خمسمائة روبية (٥٠٠٠ قرش) كما أن أصحاب
الخيرات من الممالك الإسلامية أرسلوا معونات مناسبة لثرواتهم : فأرسل على خان من ولاة الهند وحاكم (رانبور) (١٠٠٠٠٠) روبية وملكة (بهوبال)
«السيدة جيهان بيكم» (٢٠٠٠٠) روبية والشيخ «عبد الغنى بهادر» من مشاهير أصحاب
الخيرات وابنه «محمد أحسن الله» خان بهادر كل واحد منهما (٢٠٠٠٠) روبية وسيد عبد
الواحد المقيم فى (كلكتا) ألفين وخمسمائة روبية وأرسلوا كل هذه المبالغ مع «الحاج نور محمد زكريا» وكيل
صحيفة الجوائب فى الهند.
وهذه الإعانات من
قبل حكام الهند الكرام غمرت نفوس أهل مكة بالبهجة والسرور ، ولما وصلت الإعانة
الهندية إلى جدة وكان مقدارها (١٦٣٥٠٠٠)
__________________
قرش وقد ذكر أعضاء
اللجنة وجمع غفير من الأهالى المحسنين بالحسنى ودعوا لهم بكل خير أن اللجنة الخاصة
التى تشكلت فى مكة للإشراف على إصلاح وتعمير مجرى عين زبيدة كما سبق ذكره أعلنت
بمهمتها الجهات الأربعة من أقطار الممالك الإسلامية ، وفى ذلك الوقت تشكلت فى مصر
المعروفة برجالها المحسنين لجنة من وزارة المعارف المصرية ، دبروا لها فروعا فى
مديريات البلاد المصرية كما فعل مسلمو الهند ، واستطاعت أن تجمع فى فترة قصيرة (١٥١٦٧)
قطعة ذهبية مصرية وكسورا وأرسلتها إلى مكة المكرمة.
وهذه المبالغ هى
مبلغ (٤٢٠٠) ليرة من مديرية الغربية و (١٦٠٠) ليرة من المنوفية و (١٢٢٦) ليرة من
القليوبية و (٦٠٠) ليرة من قنا و (٧٨) ليرة من الجيزة والباقى من موظفى الدوائر
الخديوية وأرباب الحمية من رجال القاهرة.
وبناء على الأخبار
التى أعلنتها الصحافة المصرية أنه يؤمل أن تصل إعانة مديرية الغريبة إلى (٥٠٠٠)
ليرة كما أن المديريات الأخرى التى لم ترسل المعونات بعد ينتظر أن تصل منها معونات
كثيرة.
وبناء على أخبار
التحقيقات التى نشرتها صحيفة وقت فى نسختها الصادرة فى ٢٦ ذى الحجة سنة ٩٧ أن
أهالى الهند المسلمين قد جمعوا إلى الآن مبلغ (٦٠٠٠٠٠) روبية ومازالوا يجمعون. وقد
نشرت صحيفة حوادث مستقية أخبارها من صحيفة الوطن المصرية وبناء على الفقرات التى
أدرجتها فى نسختى ٤٤٨٩ و ٤٥٠٣ أن المعونة الهندية وصلت إلى (٦١٠٠٠) قطعة ذهبية
مصرية وأن رئيس الجمعية الهندية للمعونات عبد اللطيف خان بعث ابنه إلى السويس لعقد
مقاولة مع الجمعية المصرية للمعونات ، كما أوفدت جمعية الإعانة المصرية أحمد ناشد
بك إلى مكة المعظمة لتقديم النفقات اللازمة لتعمير عين زبيدة ، وبناء على الرسالة
التى بعثها أحمد ناشد بك الذي أرسل من إمارة مصر للتحقيق فى تعميرات عين زبيدة
ونشرتها صحيفة الجوائب ، أن المسافة من جبل عرفات الذى
فيه عين زبيدة إلى
مكة المكرمة تبلغ ستة آلاف ذراع تقريبا ، وقد عهد بإصلاح مجارى عين زبيدة فى هذه
المسافة للمهندس الذى عينته الجمعية.
أما المواضع التى
أصلحت علاوة على ذلك فهى المسافة الممتدة من عرفات حتى وادى النعمان وقدرها (٣٣٥٠)
ذراعا كما تم الاتفاق مع المهندس المذكور على أن تكون تكاليف كل ذراع ١٦ ريالا
وثلاثة أرباع الريال ، وقد أنجز تلك المهمة على الوجه الأكمل وكان ذلك فى ٢٩ رجب
سنة ١٣٠٠ ه.
قد بلغ ما جمع من
حجاج الهند وأهالى مكة وغيرهم من المعونات إلى هذا التاريخ مبلغ (٨٢١٦٨) قطعة
ذهبية وأرسل (٦٧٠٠) قطعة ذهبية منها من صندوق بومباى.
وقد أنفق مبلغ (٢٨٧
، ٥٥) قرشا لإصلاح وتعمير مجرى عين زعفران التى ضمت لعين زبيدة وذلك بشرط أن يحسب
الريال بثمانية وعشرين قرشا ولليرة خمسة عشر قرشا والباقى من المبلغ صرف لطرق عين
زبيدة وإصلاح مجاريها.
والسبب فى اضطرار
اللجنة إلى إنفاق هذه المبالغ الطائلة من الدنانير الذهبية هو انسداد وانغلاق
المنبع البالى لعين زبيدة ، يعنى انسداد مجمع مياه وادى حنين ووادى النعمان
وانغلاق ذلك المجرى الواسع وأيلولته للخراب.
إن ذلك المجرى
يأتى إلى قهوة عرفات من تحت الأرض وعن طريق وادى النعمان ، وبعد ذلك يجرى على وجه
الأرض أحيانا ومن داخل الأرض حتى يصل إلى مجرى مغطى يسمى فقير الدبيلو «خومة
وخاسرة» حتى يصل إلى قناة صناعية تسمى «بازان الجديد» وهنا يخرج على سطح الأرض
ويمر بقناتين صناعيتين قنطرة العابدية والمزدلفة ، ويصل إلى رقم الوبره ومنه إلى
مفجرة وبعده بازان الجنة الواقعة فى منى وعقب ذلك إلى القناة الصناعية «بازان
القاضى».
وبعد ذلك يهبط
بحذاء دار الشريف عبد المطلب ويصل إلى مكة المعظمة ، وإذا ما قيست هذه المسافة فهى
تصل إلا ثلاثين كيلومترا.
__________________
وقد قسمت اللجنة أعمال إنشاء عين زبيدة
وتعميرها إلى قسمين القسم الداخلى والقسم الخارجى.
القسم الأول :
المواقع التى يعمر خارجها :
وقد بدئ فى تعمير
هذا القسم من جهة وادى النعمان حتى المجرى. إن مقدار خمسة عشر مترا من المجرى
المذكور قد هبط واندرس وانمحى ، وبدأت اللجنة أعمالها من هناك وفتحت مجرى جديدا
يصل طوله لأربعمائة متر تقريبا ، وأوسع من الأول ويسع داخله أن يمشى فيه إنسان
ويتحرك ، وبنى بشكل متين ورصين.
وبعد ما أنهت
اللجنة أعمال المجرى على خير وجه أمر بفتح جميع أطراف المجرى ابتداء من وادى
النعمان إلى قهوة عرفات. ومن هناك إلى جبل الرحمة ومن هنا إلى حومة وخاسرة وبازان
الجديدة وقنطرة العابدية إلى المزدلفة ، ومن المجرى أجزاء قد آلت إلى الخراب بحيث
لا يمكن بقاء المياه فى داخلها فتركت هذه المجارى القديمة ، وأمر بحفر مجارى جديدة
كما أنها عاينت المواقع التى يمكن إصلاحها بعد أن أفرغتها من المياه وتفقدتها من
الداخل ومن الخارج ، «ثم أمرت بتعميرها واستخدمت الأسمنت فى تغطية جدران المجارى ،
وهكذا شيدته تشييدا رصينا.
ثم أمرت بتغطيتها
بأغطية حجرية وفتحت فى بعض مواقع المجرى ما يشبه الأحواض حتى يستقى منها عربان
البوادى ، ويسقون دوابهم بعد أن أصلح المجرى حتى بئر زبيدة كما سبق شرحه.
فأخذت المياه تجرى
فيه بغزارة حتى خربت بعض الأماكن الضيقة من المجرى ، ورئى أن تفتح مثل هذه الأماكن
وتوزع مياهها ؛ ولأجل ذلك فتح بجانب مسجد المزدلفة وبين المزدلفة وعرفات حوضان
عميقان للهبوط والصعود على جانبيهما ، كما بنى منبع عظيم يهبط إليه ويصعد منه
بالسلم وتركت الينابيع القديمة على حالها بعد تعميرها وتقويتها.
ونتيجة لإصلاح
المجرى وتعميره بهذا الشكل أخذت تجرى إلى مكة فى كل دقيقة (٥٠٠٠) أوقية ماء وبما
أن نصف هذه الكمية من المياه تكفى لإرواء كل أهالى مكة وسقيهم ، فالمياه الباقية
تجرى إلى بركة الأماجد حيث تكونت حولها بساتين شاسعة.
القسم الثانى :
تعمير المواقع الداخلية :
أقيمت فى مكة تسعة
صهاريج احتياطية وعدد من خزانات المياه ذات الصنابير ، وشرع فى إنشاء الصهاريج
الاحتياطية حيث أنشئ صهريج عظيم فى اتساع مائة وخمسون مترا مربعا ، إن هذا الصهريج
في حجم يكفى لاستيعاب (٤٤٧٠) أوقية من الماء بعد ما تم إنشاء هذا الصهريج ، أنشئ صهريج
آخر فى الحى المتصل بالموقع المسمى بالشيخ محمود يعنى فى حارة الباب ، واتساعه
أربعة وستون مترا مربعا ، ويستوعب هذا الصهريج (٢٠٠٠) أوقية من ماء وبعد ذلك أنشىء
الصهريج الذى فى حى جياد هذا الصهريج فى اتساع ٢٢٠ مترا مربعا ويستوعب (١٢٩٤٠٠٠)
أوقية ماء وهو أكبر الصهاريج حجما ، وبعد الانتهاء من صهريج جياد أنشئ عقب ذلك
الصهريج الذى يسمى دكة الحارة المتصل بحى حارة الباب ، وسطح هذا الصهريج فى اتساع
ستة وثلاثين مترا مربعا ويستوعب (١٥٠٠٠٠) أوقية ماء ثم أنشئ الصهريج الذى فى حى
الشامية باتساع (١٨٠) مترا مربعا ويستوعب صهريج الشامية (٢٦٠٠٠٠) أوقية ماء.
وبعد الانتهاء من
بناء هذا الصهريج أقاموا صهريج شعب عامر ، إن هذا الصهريج خلف مسكن السيد الشريف
عون رفيق باشا وفى اتساع أربعة وثمانين مترا مربعا ويستوعب (٨٥٤) أوقية ماء.
وبعد إكمال صهريج
شعب عامر أقيم خزان فى حى كشاشية على مساحة ثمانية وأربعين مترا وسعة هذا الخزان (٤٠٠٠٠٠)
أوقية من الماء ، وبعد ذلك أقيم خزان فى شعب بنى هاشم ، وكان هذا فى حجم شعب عامر
ويستوعب نفس الكمية من الماء ، وبعد إقامة تلك الخزانات التسع المذكورة تهدمت
خزانة
باب العمرة فأعيد
تجديدها ، وبعد ذلك أقيمت ثلاثة صهاريج كبيرة بجانب فرن أميرى الواقعة أسفل قلعة
جياد ، وسواء خزانة أميرى أو هذه الخزائن أنشئت علي طرفيها أحواض ، وبنى تحت الأرض
صهريج كبير ووضع في جهة المسعى خمسة عشر صنبورا متوسطا ، ووضع فى جهة عمارة أربعة
صنابير كبيرة ثم حفر وصنع حوضين ذوى فسقية واحدة بجانب مركز الشرطة الجديد وفى
القسم السفلى منه والكائن فى باب الصفا.
وفى النهاية ركبوا
فى جهة باب الصفا سبعة صنابير وفي جدران مكتبة شروانى محمد رشدى باشا الكائنة فى
المدرسة التى تحت باب الصفا اثنين وعشرين صنبورا ، وفى الجهة الخارجية من باب
الوداع ستة وأربعين صنبورا ، فى موقع قريب من باب العمرة عشرين صنبورا ، وفى وسط
المدرسة الداودية خمسة وعشرين صنبورا ، كما أنشئوا ستة أبنية ذات صنابير حجرية
دائمة الجريان.
ولما كانت مبانى
هذه الصنابير فى غاية الرصانة والمتانة فأهل الإيمان وهم يتوضئون منها فى الأوقات
الخمسة ، يرطبون ألسنتهم بالدعاء بازدياد قوة الإسلام وشوكته وعزته ، وبعد ما
انتهت عمليات تركيب الصنابير أمدّ بالماء الخزان الكائن وسط العمارة المصرية التى
وضعت أسسها فى مكان مواجه لباب الصفا ، ومن هذا الخزان إلى الحوض ذو الفسقية
بواسطة أنابيب رصاصية ، أمدت مستشفى الغرباء بمقدار كاف من الماء بالأنابيب
الحديدية من الخزان الذى أنشئ فوق سوق الليل ، وركبت فى مطبخها وصيدليتها وحمامها
ومغسل ملابسها صنابير كبيرة دائمة الجريان.
كما أنشئوا فى
الحديقة التى يتنزه فيها المرضى حوضا ، ومن هنا إلى عمارة السلطان الخاصة بالذين
يعنون بالحدائق والبساتين ، وحولوا تلك الأماكن إلى جنة وتحولت عين زبيدة الآن إلى
نهر صغير فالمياه الجارية فى داخل مكة يضيع نصفها عبثا ، وأوصلت اللجنة المجرى إلى
حارة الباب المتصلة بالشيخ محمود ، وأنشأت هناك صهريجا احتياطيا واستفاد أهل مكة
من توصيل المياه إلى هذا المكان ، وأخذوا
يبنون المنازل
والدكاكين فى الأماكن الممتدة نحو ميدان الشيخ محمود ، وقد تحولت تلك الضاحية من
المدينة بعد وصول المياه إلى مدينة صغيرة مستقلة.
وبهذا قد أدركت
اللجنة أن مكة الله ستتسع إلى تلك الأماكن ولذلك تقرر مد مجرى عين زبيدة إلى ميدان
الشيخ محمود وشرع فورا فى تنفيذ ما هو لازم ، وقد أنفقت (٧٥٠٠٠) قطعة ذهبية مصرية
إلى أن وصلت عطيات الإنشاء إلى هذا المكان ، إن تزيين تلك المدينة في جميع جهاتها
على هذا النحو لم يكن بسعى من لجنة عين زبيدة فقط بل كذلك بفضل عثمان نورى باشا
والى الحجاز والمهندس صادق بك.
المدارس الأربعة
التي أقامها السلطان سليمان
في مكة وكيفية إدارتها وتوجيهها
بعد ما فرغ
السلطان ـ طاب ثراه ـ من تعمير عين زبيدة بنى أربعة مدارس ضخمة خاصة بعلماء
المذاهب الأربعة وأودع في كل واحدة من تلك المدارس خمسة عشر طالبا ومدرسا ، وجعل
أجر المدرس سنويا خمسين قطعة ذهبية عثمانية ، وللمعيدين أربع قطع ، وللطلاب
والفراشين قطعتين ذهبيتين.
وجعل الإشراف على
إدارة المدرسة الخاصة بالمالكية والبوابين للقاضي حسين بن أبى بكر بن الحسين الذى نصب
ناظرا للحرم الشريف بضم خمسين قطعة ذهبية لأجر وظيفته الأصلية ، وتعد المدرسة
المالكية أكبر المدارس الأربع وجعل لإدارة مدرسة المذهب الحنفي الشيخ القطب المكي
المفتي الحنفي المذهب ومن مؤرخى مكة المعظمة ، ووجهت إدارة
المدرسة
__________________
الشافعية إلى عبد
العزيز الزمزمي من علماء المذهب الشافعي ، واشترط أن يدرس في المدرسة الحنفية علم
التفسير وعلم الطب وعلم أصول الفقه ، وأن يدرس في المدرسة الشافعية الفقه الشافعي
، وفي المدرسة الحنبلية كتب الحديث الستة وذلك في سنة (٩٧٢).
إن إحدي هذه
المدارس التي بناها السلطان سليمان جعلت لإقامة قضاة مكة كما ذكر آنفا ، ولكن
المدارس الأخري قد استولي عليها متسلطو الزمن ، ولم يبق أي حكم لشروط واقفها ،
وبينما كان أحمد باشا ابن أخت محمد علي باشا والي مصر محافظ مكة استطاع تخليص تلك
المدارس من أيدي مغتصبيها ، واشتراها بصورة نهائية ، وبني هناك عمارة عظيمة وجعلها
وقفا لمجاوري الحرم من المسلمين وجعلها سكنا خاصا لإقامة المجاورين ـ رحمه الله تعالى
ـ جزاء ما قدم.
وللمدرسة
السليمانية ست وأربعون حجرة ولكل حجرة جراية قدرها ثلاثة أرادب حنطة ، وللمدرسة
الداودية سبع وأربعون حجرة ولكل حجرة جراية قدرها ثلاثة أرادب حنطة أيضا ، ولمدرسة
الشهيد محمد باشا ست عشرة حجرة ولها نفس المقدار من الجراية ، ويقيم في بعض
حجراتها طلبة العلم وفي الأخري ، من لا مأوي لهم من الغرباء والفقراء يتعيشون من
الرواتب الموقوفة للحجرات ، وفي مكة المعظمة ثلاث تكايا إحداها للخالدية والأخرى
للشاذلية والثالثة للنقشبندية ، التكية الخالدية فوق جبل أبي قبيس ، والنقشبندية
كذلك فوق جبل أبي قبيس ، والتكية الشاذلية في ناحية جياد.
* * *
__________________
الصورة السادسة
تجديد حرم المسجد الحرام فى عصر السلطان سليم
بما أن أروقة
الحرم الشريف وسقفه كانت كلها من الخشب ولم تعمر منذ زمن طويل أشرف كثير من
مواضعها على الانهيار ، وتخلخلت مجموعة من أخشاب أسقفها ومالت للانهيار فى ساحة
الحرم الشريف ، كما أن الأروقة التى فى الجدران الشرقية مالت نحو كعبة الله ومداخل
أسقفها انفصلت عن الجدران وأوشكت على الانهيار.
وقد غرزت بعد
المساند تحت السقوف المذكورة وفقا للمسوغ الشرعى ، وأمكن الاحتفاظ بها على حالتها
القديمة ، إلا أن السقف آل للسقوط يوما بعد يوم حتى أصبحت الصلاة تحت هذا السقف
غير ممكنة ، وبما أن دوام هذه الحالة لن يخلو من الخطر فعرض الأمر من قبل إمارة
مدينة مكة ونظارة الحرم الشريف والكعبة المعظمة على العتبة السلطانية ، فصدر الأمر
السلطانى من قبل السلطان سليم خان الثانى بن سليمان خان ببناء الحرم الشريف متينا
رصينا ، بعد هدم السقوف والأروقة المصنوعة من الخشب كلها وإقامة أعمدة الرخام
مكانها وتذهيب أعلاها ، وأبلغ الأمر السلطانى من قبل مقام الصدارة العظمى إلى أمير
أمراء مصر سنان باشا طالبا منه أن يعين شخصا مناسبا لأمانة الأبنية المقدسة ،
وتدبير الأشياء اللازمة لذلك ، وعهد بأمانة الأبنية المقدسة لأحمد بك من أمراء مصر
ودبر كل ما يلزم لمهمات البناء ، وأبلغ كل ذلك إلى مقام الصدارة وأرسل إلى الأمير
المذكور بتوجيه من محافظة جدة الأمر العالى بإحالة أمانة البناء العظيمة إليه ،
وأخذ الأمير معه الأمر السلطانى وما تم تدبيره من لوازم البناء وتوجه إلى بندر
السويس ، وركب السفينة المجهزة ووصل إلى جدة المعمورة فى أواخر سنة (٩٧٩) ثم إلى
مكة المكرمة حيث تلاقى مع من عين فى الفرمان للإشراف على
أمور البناء ، وهو
ناظر الحرم الشريف القاضى حسين بن أبى بكر الحسينى ، وشرع فى الاستعداد لهدم
البناء القديم ، وبناء الجديد ، وبناءا على رأى المهندس محمد أفندى من ضباط الباب
العالى والذى أرسل للإشراف على العمارة وذلك فى أواسط شهر ربيع الأول سنة (٩٨٠) هدم الجدار الشرقى للمسجد الحرام من باب على إلى باب
السلام كاملا ، ومهدت أرضه ، وفى جمادى الأولى من نفس السنة وفى يوم الجمعة وضع
حجر الأساس بعد أن دعا أمام جميع الأهالى بالتوفيق.
وبما أن الأزقة
التى كانت تحيط بالجوانب الأربعة للحرم الشريف فى ذلك التاريخ كانت على نسق واحد ،
وهو السقوف الخشبية المرفوعة على الأعمدة الرخامية ، وبناء على الأمر السلطانى كان
المقرر أن تبنى فوق السقوف قبب لا تبدل ولكن الأساطين القديمة لم تكن تتحمل ثقل
تلك القبب ؛ حتى وإن كانت صغيرة فلن تصل رصانة البناء ومتانته إلى الحد المطلوب ،
فرأى محمد أفندى المذكور أن يهدم الأعمدة ويبنى قوائم من حجر شمليس أصفر اللون بعد
كل ثلاثة أعمدة ، وقرر أن يثبت سقف الحرم الشريف ويحكم بناءه فأنشأ قببا مزخرفة
جميلة.
ووفق هذا القرار
واصل عمله من باب على إلى باب السلام ، ومن هنا إلى باب عمر الواقع فى آخر الجدار
الشمالى وهكذا أتم عمله بالكمال بعد أن بنى الجهتين الشرقية والشمالية للمسجد
الحرام وذلك فى سنة (٩٨٢) وفى أثناء ذلك آل بناء عمر السلطان سليم إلى نهايته ،
وخلفه على العرش السلطان مراد الثالث طاب ثراه ، وتوقفت عمليات البناء مدة من
الزمن ولكن أحمد بك تلقى أمر السلطان باستئناف المهمة وشرع فى العمل من جديد ، وفى
غضون عامين بلغ بالبناء حد الكمال ، وزين باب الحرم الشريف وجدرانه وأحجاره باسم
جناب السلطان ، وحلى باب المعلى وما حوله من السقوف والأروقة بالنقوش الذهبية
المتنوعة وكان ذلك فى سنة (٩٨٤).
__________________
وكانت التعليمات
التى تلقاها أحمد بك من مقام الخلافة عندما جددت مهمته تشمل زخرفة الأماكن
المناسبة من المسجد الحرام بالخطوط النفيسة المذهبة ، وبناء على ذلك أمر بكتابة
اسم الجلالة واسم الرسول وأسماء الخلفاء الراشدين على طلاء الجدار الشرقى من
الداخل ، بسمك أربعة أصابع بحروف جلية ونفيسة بعد إتمام عمليات المسجد الحرام ،
كما أمر بكتابة الآيات المناسبة على الجدران بين العلامتين الخضراوين ، وهكذا زخرف
داخل المسجد الحرام وخارجه كما أمر بكتابة الآيات الخاصة بأبواب المسجد فوق عقود
الأبواب ، واسم الله واسم نبى الله وأسماء الخلفاء الراشدين أعلى الأعمدة التى تقع
فى الصف الأول من الساحة الرملية. وكتب تلك الكتابات بخط جميل نفيس وزخرفت بالذهب
، وقد نظمت الكتابة بطريقة بديعة بحيث كتب أعلى كل عمود خامس اسم النبى صلى الله
عليه وسلم.
ولم يسع الذين
شاهدوا تلك الزخارف إلا أن يعترفوا بأن المسجد الحرام لم يزين فى أية مرة عند
تعميره وتجديده كما زين هذه المرة ، وفى هذه المرة قد عمّرت رمّمت المآذن التى فى
باب عمر وباب الوداع بشكل جميل ، يسرّ الناظرين ، وقد حفر أحمد بك خارج جدران
المسجد الحرام الجنوبية بإنفاق مبالغ طائلة ، وذلك قبل هدم جدران الحرم الشريف
الجنوبية والغربية ، وذلك لتوسيع مجرى السيل لأن مجرى السيل قد امتلأ مع مرور
الزمن وارتفعت أرض المجرى إلى الدرج الثانى عشر للأبواب الجنوبية ؛ لذا كان الدخول
فى الحرم الشريف يتم عن ثلاثة أدراج.
وإن كان من المستحيل
ألا يملأ السيل المجرى ويخربه إلا أنه كان يتم حفر المجرى وتعميقه كل عشر سنوات ،
ونقل ترابه إلى خارج المدينة وكان ذلك من
قاعدة العمل فى
الأزمنة القديمة ، ولكن ترك تطهير المجرى ما يقرب من ثلاثين سنة وامتلاء المجرى ،
واقتراب السيل من الدخول فى الحرم الشريف ملأ قلوب الناس بالقلق والاضطراب حتى إن
السيل المخيف الذى ظهر فى ليلة الأربعاء فى اليوم الخامس أو العاشر من جمادى
الأولى لسنة (٩٨٣) دخل داخل الحرم الشريف وحجبت المياه المتجمعة الحجر الأسود وباب
الكعبة حتى قفلته ، وظلت فى داخل الحرم يوما وليلة واحدة ، ومنعت الناس من أداء
الصلاة فى داخل الحرم يوما وليلة واحدة ، ومنعت الناس من أداء الصلاة فى سبعة
أوقات ، وعندما زالت هجمات السيل المخيف وأمكن السير فى داخل المسجد الحرام طهر
مجرى السيل والطريق القديم للسيل وأخرجت الأحجار والأوحال التى تراكمت هنا وهناك ،
وغسلت الأماكن الكثيرة الكائنة داخل الحرم وخارجه ، وفرش داخل ساحة الحرمين
بالرمال والحصى.
وقد ظهر السيل
المذكور قبل تعميق المجرى فاستصوب رأى أحمد بك الذى سبق ذكره ، وعمق حفرة المجرى
بحيث لا تدخل مياه السيول فى داخل الحرم ، وذلك بتدبير من شريف مكة وسادتها
وأعيانها وأهاليها ، واتخذوا تطهير المجرى وتنظيفه كل سنتين مرة قاعة لا يحيدون
عنها.
وما كان القيام
بهذا العمل ميسرا لكائن من كان سواء من سلاطين العثمانيين أو خلفاء بغداد أو ملوك
مصر ، ولذلك عد إنجاز هذا العمل من أعظم آثار هذين السلطانين العثمانيين وثمرة هذا
المسعى. وتم هذا العمل بعد أربعة أعوام ، وينقل عن أحمد بك نقلا موثوقا أن ما أنفق
من الخزينة الخاصة للسلطان (١١٠٠٠) قطعة ذهبية لإتمام هذا العمل ما عدا ما أرسل
إلى أحمد بك من جانب الإدارة المصرية من الآلات والمسامير الحديدية وأشياء أخرى
خشبية والعلامات الذهبية التى وضعت فوق القباب ، وكلها خارج الحساب وبعد أن تم
ترميم الحرم الشريف وتطهير المجرى ، أرسل بيان بكل ما تم عمله إلى استانبول ، وسرت
منه جماعات المسلمين سرورا عظيما ونظمت أبيات شعرية تؤرخ تمام هذا العمل العظيم
بلغات مختلفة وقدمت إلى أعتاب السلطان.
ولما كان تعليق
هذه التواريخ المنظومة كلها فوق أبواب المسجد الحرام يخالف الأصول المرعية ، اختير
أجمل ما كتب فى هذا الشأن وأرسل إلى إمارة مكة المكرمة من قبل السلطان السنى
المناقب ليعلق أو يحك فى مكان مناسب من المسجد الحرام.
وقد أعجب علماء
مكة بالتاريخ المنظوم المرسل من مقام الخلافة الجليلة وحفر على لوحة رخامية ، وبعد
تزيينها وتذهيبها علقوها على الجدار الشرقى للمسجد الحرام فى مكان بين باب على
وباب عباس امتثالا للأمر السلطانى ، وقد رأينا أنه من المناسب أن نكتب الثلاث
أبيات الأخيرة من تاريخ سليس ؛ لأنها أنشدت أمام السلطان وإن كانت مقدمته منثورا
ولكنه يعتبر من الآثار الأدبية القيمة.
صورة تاريخ سليس
هذا التاريخ لا
نظير له وعلق على الجدار الشرقى للمسجد الحرام نظم عندما تم تعمير المسجد الحرام
فى عهد السلطان مراد خان الثالث.
الحمد لله الذى
أسس بناء الدين المتين بنبى الرحمة والرشاد ، وخصصه بمزيد الفضل والكرامة والإسعاد
، وجعل حرم مكة مطافا لطواف الطائفين من أقاصى الممالك والبلاد ، صلى الله عليه
وسلم وعلى أصحابه الأجلاء والأمجاد ، ووفق عبده المعتدّ بأحكام الشريعة وتشييد
أركانها على الوجه المراد ، والمدخر ذخر المستزيد من زاد المعاد ، ظله الممدود على
مفارق العباد ، السلطان ابن السلطان ابن السلطان مراد خان جعل الله الخلافة فيه
وفى عقبه إلى يوم التناد ، ولتجديد معالم المسجد الحرام الذى سواء العاكف فيه
والباد ، فى فاتحة سلطنته العظمى لازال للحرمين المحترمين خادما ، ولأساس الجور
والاعتساف هادما ، وتجدد حرم بيت الله ـ عز وجل ـ بأمر العزيز المبجل ، وعمّر عامر
جوده ، ما تضعضع من أركانه ، بعد ما انتقض على جدرانه ، مجدد جدران حرم البيت
العتيق وسوره بأكمل الزينة وأجمل صورة ، بعدما أبلاها الجديدان وأكل عيدان سقفها
الأرضة والديدان ،
فرفع القباب موضع
السطوح المبنية بالأخشاب ، وابتهج بهذه الحسنة الكبرى كل شيخ وشاب ، فأذعنوا له
بالشرف الباهر ، والمجد الفاخر تالين قوله تعالى : (إِنَّما يَعْمُرُ
مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (التوبة : ١٨)
داعين له بالثواب الجزيل والذخر الزاخر ، قائلين أدام الله فى سرير الخلافة محروسا
بحفظك من كل آفة وظافر اعلا مشيد المجالس والمدارس ، مجدد كل منهدم ودارس ، واجعل
بابه للراجين حرما آمنا وجنابه للمحتاجين كفيلا ضامنا ، يأتون إليه من كل فج عميق
بحرمة البيت العتيق ، تقبل الله معطى السؤال بجاه الرسول ، هذا الدعاء الحرى
بالقبول ، فلما أسس بنيانه على التقوى من الله والرضوان جاء مشيد الأركان ، محاكيا
روضات الجنان ، وصار هذا عنوان خلافته وبراعة استهلال النشور لسعادته وفى سنة أربع
وثمانين وتسعمائة من الهجرة ، وكان الابتداء بذلك التجديد ، بأمر والد الماجد الدارج
إلى مدارج المجد السلطان السعيد.
(يَوْمَ لا يَنْفَعُ
مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى
اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء : ٨٨ :
٨٩).
السلطان سليم ابن
السلطان بايزيد بن السلطان محمد بن السلطان مراد بن السلطان جلبى سلطان محمد بن
السلطان يلديرم بايزيد بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان ، مكنهم الله تعالى
سرور الجنان إلى انقراض الزمان ، وكان الشروع فى الرابع عشر من ربيع الأول من شهور
سنة ثمانين وتسعمائة.
فلما سلم السلطان
سليم وديعته بأحسن التسليم ، وارتحل من دار القصور إلى ما هيأ الله فى الجنة من
القصور قبل تمام ما رام من تجديد المسجد الحرام ، وأجلس على سرير الخلافة نجله
النجيب أحسن إجلاس ، وجعل حرمه (مثابة للناس) ، يسر له إتمامه بلطفه إقبال وجوه
الليالى والأيام وأنام الأنام فى مهد ، عدله إلى قيام الساعة وساعة القيام ونظم
راقم هذا الأرقام تاريخا يليق أن يكتب فى هذا المقام وهو هذا :
نظم
جدد السلطان
مراد بن سليم
|
|
مسجد البيت
العتيق المحترم
|
سر منه المسلمون
كلهم
|
|
دام منصور
اللواء والعلم
|
قال روح القدس
فى تاريخه
|
|
عمر السلطان
مراد (هذا الحرم)
|
سنة ٩٨٤
وهذه صورة التاريخ
اللطيف الذى كتبه مولانا سيد حسين بن أبى بكر الحسينى مفتى مكة المكرمة الشافعى ،
وكتبه منثورا وقد أعجب به أهل مكة المعظمة لبلاغته السلسة ، وعلق على جدران المسجد
الحرام الشرقية أيضا.
عربى
باسمه سبحانه : (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ
آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ
يَخْشَ إِلَّا اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة : ١٨) فى
عمارة هذا المسجد الشريف وتجديده من اختار الله سبحانه من خلقه وعبيده المقدس
المرحوم المغفور له الشهيد سلطان الإسلام والمسلمين ، خاقان خواقين العالمين ،
العازم بفضل الله ظلال دار النعيم حضرة الملك الأعظم السلطان سليم نور الله تعالى
ضريحه ، وروح بروائح الجنات روحه ، وأتم بناءه وأكمله ولقنه ونقشه وجمله ، وارث
الأفخم الإمام الأعظم وشقيقه الأكبر المعظم ، والملك القاهر العرمرم ، من ملكه الله
تعالى شرق البلاد وغربها ، وجعل طلوع يديه عجم الرعايا وعربها ، وأطلعه سراجا
منيرا فى المشارق والمغارب ، وملكا مرفوع المقام على هرم الكواكب ، ومشيد الإسلام
حصنا حصينا محيطا ، وجعل ظله يخيم على كافة الأنام بسيطا ، وعدله الفريد فى جميع
الوجود مبسوطا ، وقمع سلطنته
الشريفة طوائف
الكفر والغلاء ، وجمع له بين اليائس والنداء ، وصار ملكه الشريف بعون الله سبحانه
مفردا خليفة الله على كافة العباد ، ورحمته الشاملة بجميع البلاد ، سلطان سلاطين
الزمان ، خلاصة خواقين آل عثمان السلطان ابن السلطان السلطان الخنكار الأعظم مراد
خان لازال الوجود بدووام خلافته عامرا ، وبدا برج الإيمان فى أيام سلطنته قويا
ظاهرا ، زاده الله قوة ونصرا ، وشد بملائكته الكرام له إزرا ، فتاريخ إتمامه قد
جاء (أطال الله من أتمه عمرا) فى سنة ٩٨٤.
الذيل
وبعد مرور ستة
وثلاثين عاما على عمارة السلطان مراد للمسجد الحرام أمر السلطان أحمد خان الأول
بتعمير جهات المسجد الحرام لاقتضاء الحاجة إلى ترميمها وذلك فى سنة ١٠٢٠ .
وبعد قيام السلطان
أحمد الأول بهذا التعمير بمدة وجيزة ، لزم تعمير بعض المواضع فى أبنية الكعبة
المعظمة والحرم الشريف ، وعرض الأمر على السلطان مصطفى الثانى ، فأصدر أمره بترميم
ما يلزم ترميمه ، وكانت خمسة مداخل فى السقف الشريف قد بليت فبدلت كلها ، وجدد
السلم الذى يفضى إلى سطح الكعبة بأن جعل سبع درجات من درجاته من الرخام ، كما محا
آثار البلى عن جوانب الحجر الأسود الأربعة ، فهدمت وجددت وقد قدمت والدة السلطان
كل ما أنفق لهذه العمليات.
وفى عصر السلطان
عبد الحميد الأول بليت بعض أعمدة المسجد الحرام وبعض قبابه ، فأمر السلطان بتغيير
هذه الأعمدة وتعمير القباب ، كما رممت مئذنة باب العمرة والمآذن الأخرى بعض الشىء
، إلا أن معالم المسجد الحرام احتاجت إلى الإصلاح والتعمير والتسوية بعد فترة.
__________________
وفى السنة
الميمونة التى وفق فيها السلطان مراد على تعمير بيت الله ، وتم إصلاح وتعمير
الأماكن التى احتاجت إلى التعمير والإصلاح وذلك فى سنة (١٠٤٥).
وبعد ما أجرى مراد
الرابع من إصلاح ـ أى من عام (١٠٤٥) إلى عام (١٠٨٠) ـ عمرت الأماكن التى قد اقتضى
الأمر تصليحها شرعا ، ولم يترك فيها موضع للإصلاحات الكبيرة ، وقد اهتم بكل شىء
سواء أكانت مبانى المسجد الحرام ، أو كانت المواقع الأخرى من مدينة مكة المعظمة
وما فيها من المآثر اللطيفة.
أمر السلطان محمود
والى مصر محمد على باشا بإجراء كل ما يلزم إصلاحه فى الأماكن المقدسة التى دعت إلى
تعميرها الضرورة الشرعية توا بلا استئذان ، وفى أواسط عام (١٢٣٥ ه) عرف محمد على
باشا أن الخلل طرأ على سقف الكعبة إذ تخلخلت بعض الألواح الرخامية ، وأخذت المياه
المجتمعة فوق سطح الكعبة طريقها إلى داخل بيت الله ، وتبين وجوب ترميم وإصلاح كثير
من المواضع خارج الحرم الشريف ، وفرش سقف كعبة الله بالرخام المجلى الذى أرسل من
إستانبول بناء على الطلب الذى قدم هناك ، ودفنت الحجارة القديمة التى كانت تغطى
سطح البيت فى حفرة حفرت بالقرب من بئر زمزم ، وذلك بناء على رأى الشيخ عمر عبد
الرسول وهو من الصلحاء المشهورين.
وبعد تعمير المسجد
الحرام عمرت قبة مسجد الخيف الكائن فى منى ومئذنة مسجد المشعر الحرام ومسجد نمرة الذى يطلق عليه اسم مسجد إبراهيم ، ومسجد غار المرسلات ومسجد الإجابة ومسجد الجن ومسجد التنعيم
__________________
ومسجد الحديبية ومسجد مولد النبى ومقبرة خديجة الكبرى ومقبرة آمنة ودار السيدة خديجة الكبرى مع أضرحتها وقبابها ودار خيزران وضريح ميمونة كل هذه المآثر قد جددت بإحكام ، وفرشت من الداخل بطنافس
غالية وزينت من الخارج بنقوش ملونة ، وفى النهاية بدلت عدة أعمدة من أعمدة المسجد
الحرام التى أوشكت على الخراب وذلك فى سنة (١٢٣٥).
وكان السلطان عبد
المجيد خان ابن السلطان محمود خان العادل قد بدل الأحجار التى تخلخلت داخل كعبة
الله وحول الحجر الأسود الأسعد. كما جدد بعض القباب والأعمدة التى تحمل هذه القباب
وأنشأ الأرصفة التى تؤدى إلى باب على والمدرسة السليمانية والتى تمتد عبر
الساحة القبلية للحرم الشريف ، وبعد ذلك بسنة أرسل أربعة شمعدانات عالية على شكل
النخلة لتوضع على الجهات الأربعة من الساحة القبلية للمسجد الحرام ، وهكذا أنار
الحرم الشريف وقبل إرسال هذه الشمعدانات كان الناس يؤدون صلواتهم فى الظلام ليلا ،
وبعدما أنار السلطان عبد المجيد أطراف الكعبة المعظمة كما ذكر ، شيد بإحكام بعض
أعمدة القباب التى آلت إلى الخراب وجدد الجدران التى حول مقبرة المعلى دائرا ما
دار ، كما أصلح الجدار الخارجى للحطيم.
وبما أن جدار
الحطيم كان جديدا رأى الأهالى أنه لا مساغ شرعا لتجديده ، إلا أن والى جدة عثمان
باشا (وكان أمين البناء) فى ذات الوقت لم يهتم بما يقوله الأهالى ، فجدد ذلك
الجدار كما يحلو له ، وبعد ما أتم عثمان باشا إصلاح جدار
__________________
الحطيم أتجه إلى
مخزنين للمهمات فى ساحة المسجد الحرام وعمرهما ، وجعل أحدهما دارا
للميقاتى والآخر مكتبة وجلب لها كتبا كثيرة من إستانبول ، وهكذا زين تلك المبانى
وفى النهاية جدد مبانى مسجد الخيف ، ثم جدد المسجد الكائن فى الطائف ، وضريح عبد
الله بن عباس (رضى الله عنهما) كما جدد بإحكام مقبرتى (طاهر) بن الرسول صلى الله
عليه وسلم ومحمد حنفى بن على (رضى الله عنهم) وذلك فى عام (١٢٦٢).
بعد العصر المذكور
بمدة صدر الأمر السلطانى بتجديد الدار التى شهدت مولد النبى صلى الله عليه وسلم ،
ومسقط رأس الصديق ، وسقط رأس على بن أبى طالب رضى الله عنهما ، وكذلك الأضرحة
ومقابر الشهداء التى فى طريق العمرة ، وضريح السيدة ميمونة صلى الله عليه وسلم
ومسجد مذبح إسماعيل (عليه السلام) ، وعمر سبيل باب الصفا الذى كان قد اتخذ دار خلاء ، فجعل
دار أبى جهل وأبى اللهب فى باب النبى دارين للخلاء ، وجدد غطاء مقبرة أم المؤمنين
ميمونة (رضى الله عنها) ، وبنى سبيلين أمام ضريحها ، وألحق بعض الحجر بالدار التى
ولد فيها أبو بكر رضى الله عنه ، واختصها بالخدم ، وجدد منازل الخدم التى تتصل
بمسقط رأس حمزة (رضى الله عنه) وذلك فى سنة (١٢٦٢).
رؤيا عثمان باشا
بينما كان عثمان
باشا ينهى عمليات ترميم دار مسقط رأس حمزة ، رأى فى منامه أن حمزة ـ رضى الله عنه
ـ قد شرف داره بالزيارة ، وفسر الذين سئلوا عن تفسير الرؤيا ما رآه عثمان باشا فى
منامه بأن حمزة ـ رضى الله عنه ـ قد سر وابتهج من تعمير مسقط رأسه ، وعلى هذا قد
ذبح الباشا المذكور كثيرا من القرابين على أنها من قبل السلطان ، ووزع لحومها على
الفقراء والمساكين ، وبما
__________________
أن مذبح إسماعيل
كان خاليا من الجدار فأحيا ذلك المكان ببناء الجدار ، كما أنه هدم البيت الخاص
ببنى شيبة ، وأنشأه من جديد ، وبهذا استجلب دعوات الأهالى والزوار بالخير للسلطان
سنى المناقب وذلك فى سنة (١٢٦٢) وظلت مبانى المسجد الحرام بفضل هذه العمارة أربعة
وثلاثين عاما بعيدة عن الخلل ؛ إلا أن رخام المطاف وأماكن أخرى احتاجت إلى التعمير
، وبناء على هذا جدد الرخام المذكور وكذلك الأحجار التى فرشت بها تحت القباب ،
وكذلك الأحجار التى فرشت بها أرضية بيت الله أو أصلحت إلا أن مبانى المسجد الحرام
ظلت بعيدة عن المساس وذلك فى سنة (١٢٩٣) وفى تعمير أحجار داخل الكعبة وتجديدها نظم
مفتى مكة الشافعى أحمد دحلان أفندى هذا التاريخ :
لسلطاننا عبد
المجيد محاسن
|
|
ومن ذا الذى
بالحصر يقوى عدد
|
وقد حاز تعمير
الباطن كعبة
|
|
وتاريخه بيت
مزيد يجدد
|
بناء بدا زهوا
لداخل كعبة
|
|
وسلطاننا عبد
الحميد المجدد
|
ورأى مهندس
البلدية الذى عهد إليه بالتعمير أن بعض الأماكن المقدسة أشرفت على الخراب ، وعرض
ذلك على المسئولين مع الخريطة التى رسمها للأماكن التى يلزم تعميرها.
ولكن الزمن لم يكن
مساعدا لكل هذا العمل والتزم ألا يفتح الباب لنفقات باهظة لتعمير سطحى وتسوية
قليلة. وفى الخريطة التى وضحت الأماكن التى تحتاج إلى التصليح فى المسجد الحرام
رئى تجديد وترميم عدة أعمدة قائمة أمام محفل الشافعية والمدرسة الداودية وباب
إبراهيم (الزيادة) ، ليعنى إصلاح أربعة أعداد من الأعمدة الرخامية التى تحمل القبب
الحجرية التى فى الساحة الرملية
من باب العمرة ،
وكذلك ثلاث قبب ملاصقة للمدرسة اليمانية التى تلاصق باب إبراهيم (الزيادة) ، يعنى
أن الأعمدة الثلاثة التى تعد كأرجل تحمل عقود القبب التى قد برزت عن مستواها
وأوشكت على الانهيار بغتة ، وكما بدا أن ترميم تلك الدعائم سوف يكلف (٧٥٠٠٠) قرش
ولذلك صرف النظر عن إصلاح المظلة الشافعية ، ورئى أن يدعم الأعمدة الثلاثة التى
أمام المدرسة الداودية والثلاثة أعمدة الواقعة بجانب قصر نقيب السادات بدعامات
وقتية ومساند ؛ لأن إبقاءها على حالها كان خطرا ، وفعلا اتخذ الإجراءات اللازمة
لذلك وبهذا أعيد للناس ما سلب منهم من الشعور بالأمن وذلك فى سنة (١٢٩٦).
وقد أدرك بعد
تنفيذ القرار السابق بعامين أن الأعمدة الستة ستنهار بغتة ، وأن إبقاءها على تلك
الحالة فى المسجد الحرام غير لائق ، وسيثير قلق المسلمين ولا سيما أولئك الذين
يعيشون تحت إدارة الدول الأجنبية من إخوان الدين.
لذا رأى عثمان
نورى باشا والى الحجاز وقائد جيش الدولة العثمانية فى الحجاز أن يكشف وأن يعاين
بدقيق الفحص تلك الأعمدة من قبل ضباط أركان الحرب من جديد ، ثم بعث بنتيجة الفحص
مع الخريطة السابقة التى رسمت من قبله إلى الباب السلطانى ، واستأذنه فى تعمير تلك
الأعمدة ، ولما وصل الإذن السلطانى أمرا بهدم تلك الأماكن عين القائم مقام صادق بك
كبير مهندسى عين زبيدة للقيام بالبناء.
وفى غرة رجب عام (١٢٩٩)
شرع صادق بك فى إيفاء ما كلف به فهدم القباب المذكورة وبسهولة جر الأعمدة الرخامية
التى ترفع العقود بواسطة آلات الجر وربطها فى أماكنها بأوتار حديدية ربطا محكما ،
ثم أقام عليها القباب طبق أصول الفن المعمارى ، وبذلك رفع الخطر الذى كان يهدد
الناس فى داخل الحرم الشريف وذلك فى سنة (١٣١١).
بينما كان صادق بك
مشغولا بإقامة القباب المذكورة رأى أن الأعمدة التى تحمل القبتين اللتين أمام باب
على ومتصلتين بالساحة الرملية تزحزحت
أعمدتهما ، فأخبر
بذلك عثمان باشا وتلقى منه الأمر بالإصلاح فهدمها وأقامها وفق الفن المعمارى
والقاعدة الهندسية بصورة متينة رصينة وذلك فى سنة (١٣١٩).
وقبل الدخول إلى
الحرم الشريف من باب إبراهيم كان هناك ثلاث درجات وفى وسط القبتين حجر فى طرفيه
درجات الارتقاء والنزول ، وقد جعلت بطريقة سيئة مما كان يسبب لجماعات المسلمين فى
طلوعهم ودخولهم مشقة كبيرة ، وعند إدخال الجنازات فى الحرم كان بعض المسنين
الضعفاء يسقطون على الأرض تحت الأقدام ويضجون بالصراخ.
ولما أبلغ الأمر
من الأهالى والمجاورين إلى عثمان باشا أمر بهدم ذلك المكان وتجديده وتوسيعه ، فجدد
كما ينبغى فسهل الصعود والنزول وذلك فى عام (١٢٩٩).
وكان فى الطرف
الشرقى للكعبة وبالقرب من بئر زمزم فى جهة باب على قبتان يرجع عهدهما إلى زمن
قدماء الملوك ، وكانت مساحة كل قبة ستة أمتار مربعة فأمر السلطان عبد المجيد والد
السلطان فى عام ١٢٦٢ بتحويل أحد القبتين إلى بيت للميقاتى والأخرى إلى مكتبة ،
ولكن وجود هاتين القبتين كان يضر بالحرم الشريف ، ويحول دون رؤية المصلين الذين
يصلون أمام باب على وباب عباس للكعبة الشريفة.
كما أن مياه السيول
المتراكمة فى وادى إبراهيم عندما تهطل الأمطار كانت تدخل إلى داخل الحرم الشريف
وتتلف كتب المكتبة القيمة ، وبناء على ذلك وقبل سبعة عشر عاما أى فى عام (١٢٨٤)
أفتى شيوخ المذاهب الأربعة بهدم هذه الأبنية ونقل ساعات الميقاتى وكتب المكتبة إلى
أماكن مأمونة ، وتخصيص ذلك المكان لأداء الصلاة فيه ورغم أن الفتوى كانت بإجماع
الآراء وقد حازت موافقة السلطان ؛ إلا أنها لم تنفذ إلى الآن لسبب مجهول ، ولكن
عثمان باشا أمر بنقل مكتبة المدرسة السليمانية ودار التوقيت إلى مكان مناسب فى
ناحية باب النبى ، وتسوية أرضيهما وفرشها بالرمال وذلك فى سنة (١٣١٩).
إن المكان الذى
نقلت إليه المكتبة قبة كبيرة تقع فى الجهة اليمنى عند الدخول إلى المدرسة
السليمانية ، وكانت هذه القبة تعرف بدار الحديث ، ولكنها تعرف الآن بدار أحمد
باشا.
وبناءا على ذلك
عمر ما يجب تعميره من دار الحديث ، وجلب لها القدر الكافى من الدواليب والرفوف
الزجاجية ، ووسع بابها ووضعت اللوحة الرخامية التى عليها التاريخ والتى كانت
موضوعة فوق باب المكتبة القديمة فوق باب المكتبة الجديدة ، هكذا أصبحت المكتبة
الجديدة مكتبة جميلة مزينة بالنسبة للمكتبة القديمة .
تاريخ المكتبة
إن الدعاء واجب
ليل نهار على أهل الإسلام كافة وهم يشهدون آثار خير السلطان عبد المجيد خان إن ذلك
الوزير المجتبى يسعى على الدوام مسعاه فيجلب دعاء الخير لأسرة آل عثمان إنه شريف
باشا الأكرم الملقب بشيخ الحرم ففى كل أيام ينال الخير والإحسان يا لحسن دار الكتب
تلك التى أحسن فيها توسيع المكان أذاع شوقى لها التاريخ جوهرا مخبرا بفتح المكتبة
أهل العرفان فى عام ١٢٦٢.
__________________
فى تلك المكتبة (٣٥٥٣)
كتابا أرسلت من قبل السلطان عبد المجيد ، ويتولى أمانة هذه الدار الشيخ محمود
أفندى من مدرسى الحرم الشريف يعاونه رفيقان من الموظفين.
وإن كان للصدر
الأعظم الأسبق محمد رشدى باشا الشروانى (١٣٦٢) مجلدا من الكتب تحت حفظ أمين
المكتبة محمد رشدى الداغستانى وسيد على ، إلا أن هذه الكتب مودعة فى مدرسة خاصة فى
مواجهة الحرم الشريف.
وتقع دار التوقيت
فى اتصال السلم الذى فى داخل الحرم الشريف ، ويدخل فيها من هذا السلم وقد بنيت
مبانى دار التوقيت ، فهى تحت الرواق وفوق دكة النساء وعلى بعد مترين من جدار الحرم
الشريف ، وقد أسس على شكل شبه منحرف وعلى هيئة غاية فى الجمال.
ولدار التوقيت
ثلاث نوافذ ويبلغ عرض كل واحدة منها مترا وطولها مترين ، وقد فتحت إحداها بثقب
جدار الحرم الشريف ، وترى منها مدرسة الخاصكية ، وفتحت نافذتان منها ، ينظر منها
إلى كعبة الله من داخل الحرم الشريف ، فالذين يمرون بالمسعى يضبطون ساعاتهم ناظرين
من النافذة التى تواجه مدرسة الخاصكية ، والذين فى داخل الحرم الشريف يضبطونها
ناظرين من النافذتين اللتين فى ناحية كعبة الله.
إن حجر التاريخ
القديم الخاص بدار التوقيت قد وضع فوق النافذة التى تطل على شارع المسعى ، وقد
جددت زخرفته وألوانه كما جددت زخرفة وألوان حجر التاريخ الذى وضع فوق باب المكتبة.
بما أن ألوان طلاء
الرواق المطل على الساحة الرملية قد محيت وتعذرت قراءة خطوطه ، وبذلك قبح منظره
داخل الحرم ، وذلك عند تعمير وإصلاح أعمدة القباب التى فى ناحية باب العمرة وباب
إبراهيم زيادة وباب على ، ولتغيير هذا المنظر جدد طلاء الرواق وأسماء الجلالة التى
بين الرواقين مع الخطوط الكائنة فى
ناحية باب السلام
وباب إبراهيم ، وطليت أرضيتها بلون أخضر داكن وأسماء الجلالة مع الخطوط طليت بلون
أصفر شبيه باللون الذهبى ، ورمم وأصلح طلاء الجدران وذلك فى سنة (١٢٩٩).
وبعد ما وفق عثمان
باشا فى ترميم هذه الأماكن جعل المقام الحنبلى الذى كان يواجه الحجر الأسود بين
الحجر الأسود والركن اليمانى ، أو مقابل المقام الحنفى ، ورمم وأصلح الأماكن
الأخرى من حرم المسجد الحرام على أحسن وجه ، وطلا جميع جهات الحرم الشريف وذلك فى
سنة (١٣٠٠).
إن الحرم الشريف
الآن فى شكل مستطيل ، وإن الكعبة المعظمة تقع فى وسط المسجد الحرام ، وبئر زمزم فى
الجهة الشرقية الجنوبية لباب كعبة الله ، ومقام إبراهيم فى الجهة الشمالية من باب
الكعبة ، وحجر إسماعيل فى الجهة الشمالية للبقعة المفخمة ، والمقام الحنفى مقابل
ذلك ، والمقام الشافعى خلف مقام إبراهيم ، والمقام المالكى فى الجهة الغربية من
البيت الشريف ، والمقام الحنبلى فى الجهة الجنوبية من البيت المنير الشريف فى
اتصال مقام إبراهيم من الجهة الغربية ، وكان فى ناحية باب أجياد وفى اتصال العمارة
المصرية المدرسة المجيدية غير تام الإنشاء ، وقد حول عثمان باشا هذه المدرسة إلى
دائرة حكومية لسكنى المواطنين ، وحول القلعة الهندية إلى معسكر يسمى غيرتيه ، وجدد
المعسكر السلطانى للمدفعية وقسم الشرطة الكائن أمام باب على ، وخصصهما كلهما
لإقامة جنود السلطان الموعود بالنصر. إن معسكر غيريته فوق الهضبة التى تتصل بجبل
الترك الواقع فى الجهة الغربية من مكة المكرمة ، وقلعة جياد فوق هضبة واقعة فى
الجهة الجنوبية من مكة المكرمة والعسكر السلطانى للمدفعية كأنه فى وادى المعسكر
الواقع فى جياد مستشفى قلعة الفلفل فى الجهة الشرقية من جبل الترك ، وقسم الشرطة
الرئيسى فى الصفا ، والمعسكر الحميدى السلطانى والدوائر الحكومية الضخمة الكائنة
فى مكان قريب من باب أم هانئ.
* * *
الوجهة الرابعة
تحتوى على أربع صور تعرف بالتفصيل
بالهدايا والتزيينات وأصحاب المعلقات العتيقة والكساوى والقناديل والأشخاص الذين
أهدوا لتلك البقعة المقدسة هدايا ثمينة والذين شرحوا مسائل جواز إهداء الكسوة ومما
يتكون المحمل الشريف وماذا يعنى فى لسان العامة؟
الصورة الأولى
فى ذكر الذين قدموا الهدايا لكعبة الله وزينوها
والذين رمموها وعمروها عند الضرورة
وكان باب كعبة
الله قبل أن يهاجر النبى صلى الله عليه وسلم ، إلى المدينة المنورة بأربعمائة عام
تقريبا من غير مصراع ، وقد ركب أبو كرب بن أسعد الحميرى من ملوك اليمن قبل الهجرة
النبوية بسبعمائة عام على باب كعبة الله مصراعا فوقه قفل.
وكان الباب الذى
ركبه أبو كرب قطعة واحدة ويشق استعماله ، وأراد قصى بن كلاب أن يزيل الصعوبة ويسهل
الفتح والغلق ، فقسم ذلك الباب إلى جناحين ، لكن الذين أتوا بعد قصى حولوه لقطعة
واحدة.
ولما جدد عبد الله
بن الزبير كعبة الله جعل باب الكعبة بمصراعين ، وطلا باب كعبة الله والأعمدة
الداخلية للكعبة وسطح الكعبة وسقفها بالذهب ، وصنع مفتاحا من ذهب لقفل باب الكعبة
فى سنة ٦٤ هجرية.
وغير الحجاج
الظالم مصراعى باب كعبة الله اللذين صنعهما عبد الله بن الزبير ، ورفع عتبة باب
الكعبة عن الأرض ستة أقدام وأربع بوصات.
وجعل طول الباب
تسعة أقدام وبوصتين وزخرفه ، وزخرف «عبد الملك بن مروان» من ملوك بنى أمية باب الكعبة
المعلى للمرة الثالثة ، كما أرسل ابنه الوليد إلى خالد بن عبد الله والى مكة ستة
وثلاثين ألف دينارا ليجدد زخارف الميزاب اللطيف وأعمدة باب الكعبة الداخلية فى سنة
٨٩ ، كما أن محمد الأمين بن هارون الرشيد من الخلفاء العباسيين أرسل إلى واليه فى
مكة سالم بن الجراح
__________________
ثمانية عشر ألف
دينارا ذهبيا ، ليجعل مسامير باب الكعبة وحلقاته من الذهب الخالص وذلك فى سنة ١٩٥
، ثم اقتلع ذهب الأعمدة التى أمر وليد بن عبد الملك بتذهيبها وأعاد تذهيبها على
شكل أفضل.
وإن كان سالم بن
الجراح قد عمر وزين الأماكن التى سبق ذكرها بثمانى عشرة ألف قطعة ذهبية أرسلت من
بغداد ، إلا أنه أذاب الألواح الذهبية التى تغطى مصراعى باب الكعبة ، واستعملها
وقد صرف على الألواح التى ركبت ثلاثا وثلاثين ألف قطعة ذهبية ، وغطى مصراعى الباب
وقت اقتلاع الألواح بستارة من قماش أصفر ، وإلى عهد المتوكل بالله العباسى ، كانت زاويتا الكعبة فى الداخل الزوايتين الفضيتين من ذهب
أيضا ، فاستجاب المتوكل بالله وأرسل إسحاق بن سلمة وهو صانع بارع فرصع زوايا كعبة
الله الأربع على نسق واحد كان ذلك عام ٢٤٤ ، وزين الستارة الداخلية بحزام من فضة
عرضه ثلاثة أذرع ثم أدخل إلى الحزام مقطعا من ذهب خالص ، كما أنه أصلح عتبة باب
الكعبة المصنوعة من خشب الساج وغلفها بألواح فضية.
وبناء على ما يروى
من الصانع المذكور أنه قد أنفق على الزوايا الأربع والمنطق الذهبى ثمانين مثقالا
ذهبا ، وللحزام وألواح الباب ستين أوقية ونصف يعنى (١٤٢٠) درهما من الفضة.
وما أرسل إلى بيت
الله من الهدايا وأدوات التزيين الغالية تعظيما له بعد المتوكل بالله ، ما فى
الأبواب والزوايا من ألواح ذهبية وفضية اقتلعها ولاة مكة وحولوها إلى ذهب ونقود ،
وأرادوا أن يخمدوا الثورة التى اندلعت فى سنة ٢٨١ ، وبهذه الطريقة تركوا كعبة الله
فى مثل البناء العادى وقد جدد المعتضد بالله أول ما اقتلع ، وصرف من تزيينات كعبة
الله وأعادها إلى حالتها السابقة وذلك فى سنة ٢٨٣.
كما أن لؤلؤ غلام
والدة الخليفة المقتدر بالله قد جدد وعمر داخل بيت الله وخارجه وأعمدته اللطيفة
بإيعاز من سيدته وذلك فى عام ٣١٠.
__________________
كما أن جمال الدين
جواد من وزراء الملوك المصريين أرسل خمسة آلاف قطعة ذهبية ، فنظم وذهب الطلاء
الداخلى لكعبة الله ، وجدد أبواب المسجد الحرام كلها وذلك فى سنة ٥٤٩.
كما أن جمال الدين
جواد قد جدد مصراعى باب الكعبة اللذين كانا ركبهما الحجاج بن يوسف الثقفى.
وبناء على الأمر
الوارد التقى قاضى مكة مع ناظر الحرم الشريف وأرسل الباب القديم بناء على توصية
أمير الحرمين قاسم ابن هاشم إلى حاكم مصر المقتفى بالله ووهب الخليفة المشار إليه ما انتزع من فضة من فوق ذلك
الباب إلى أمير مكة المعظم قاسم بن هاشم.
وقد وصى المقتفى
بالله أن يصنع من ذلك الباب تابوتا ويدفن معه متبركا به وفعلا قد نفذت وصيته عند
وفاته.
وفى عام ٩٥٦ ذهب
وزخرف البقعة المباركة لكعبة الله حاكم اليمن الملك المظفر الغسانى ، وبعده حفيد
الملك المظفر الملك المجاهد.
وفى سنة ٧٣٥ أرسل
ملك مصر ناصر بن محمد قلاوون الصالحى خمسة وثلاثين ألفا من ذهب مصرى ، وفى سنة ٧٧٠ حفيد الملك
ناصر أشرف صرف نقودا لا تحصى ، وهكذا جدد كل واحد منهم عقب الآخر الطلاء الذهبى
لكعبة الله وزخرفوها ، وجدد ناصر بن محمد بن قلاوون الصالحى الباب الذى صنعه الملك
المظفر ، كما أن الملك المظفر الغسانى كان قد جدد الباب الذى صنعه جمال الدين ابن
جواد.
__________________
وقد تحدث القطب
المكى من مؤرخى مكة عن مصراعى باب الكعبة اللتين غلفهما الملك الأشرف بألواح فضية
، وبعد أن وصف بالتفصيل متانة مصراعى الباب وجمال صناعتهما فى تاريخه القيم الذى
ألفه ، قال : «كان بعض اللصوص يتحينون فرصة ليسرقوا ألواح باب كعبة الله الفضية
بعد قلعها ، وقد سرقت عتبة بيت الله وأصبحت عارية ، وقد قبض على اللصوص المتجاسرين
مرات وأخذوا بالعقاب ، إلا أن استمرار سرقة زينة بيت الله الخارجية وأيلولة سطح
بيت الله إلى الخراب ، وأصبحت قطرات المطر تنفذ من سقف البيت ، جعل بعض أهل
البصيرة الذين اطلعوا على حقيقة الأمور يرفعون أصواتهم جازعين هالعين.
ولذا أتى إلى مكة
المكرمة شيخ القاهرة حمد الله أفندى بنية الحج ورأى ما حل بالسطح الشريف من خراب ، وذلك فى عام
٩٥٨ أو ٩٦١ هجرية ، لقى قاضى مكة محمود جلبى أخا زوجه وتشاور معه ورأيا أن الأمر
يجب أن يعرض على باب السعادة ، وأوصيا إمارة مكة المكرمة وولاية الحجاز بذلك ،
وسعى مسئولو الإمارة والولاية بإبلاغ أمر وجوب التعمير إلى الباب السلطانى وما كان
من السلطان سليمان بن السلطان سليم خان إلا أن استصدر فتوى تنطق بضرورة تعمير بيت
الله من سلطان العلماء أبو السعود أفندى ، وأرسل هذه الفتوى إلى أمير أمراء مصر ،
وأمره بأن يعمل على تعمير بيت الله سريعا بمجرد ورود الأمر السلطانى ، وفتوى
المشيخة السلطانية.
وبادر على باشا
أمير الأمراء بإرسال الأمر السلطانى والفتوى الشرعية إلى قاضى مكة أحمد جلبى ،
وذلك فى سنة ٩٥٩ ، وتشاورا كثيرا بخصوص الموضوع ثم استدعيا وجمعا أعيان مكة
وأكابرها وعلماء المذهب الحنفى والشافعى الفضلاء ، وتليا الأمر السلطانى الوارد
عليهم ثم أخذوا يتذاكرون كيفية تنفيذ الأمر السلطانى ، ثم قرروا معاينة وكشف السطح
الشريف عقب صلاة الجمعة ١٤ من شهر ربيع الأول سنة ٩٥٩ ، وقال أحد الموظفين الذى
عين للكشف
__________________
بموافقة الجميع
بعد المعاينة ، قطعة من العمود الخشبى هبطت اثنى عشر خطا عن سائر الأرضيات ، كما
أن خشبة من طرف الباب تخلخلت عن مكانها وهبطت تسعة خطوط عن مكانها ولم تعد صالحة
للاستعمال ، وإذا لم تصلح وتعمر من الآن فمن الممكن أن يسقط السقف كاملا فجأة وصدق
زميله الآخر على ما قاله ، وبناء على ذلك شرعوا فى تعمير السطح الشريف يوم السبت
الخامس عشر من ربيع الأول سنة ٩٥٩.
وخالف بعض علماء
مكة موضوع التعمير قائلين يجب أن يترك البيت المعظم بدون تعمير وتصليح ما لم تسقط
على الأقل جهة من جهاته توقيرا للبيت ، وحثوا عامة الناس على النزاع وأرادوا أن
يوفقوا بين مدّعاهم والأقوال الأخرى ، وكادت أن تحدث فتنة عظيمة ؛ إلا أن مولانا
الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمى الشافعى ألف كتابا أسماه «المناهل العذبة فى
إصلاح ما وهى من الكعبة» رد فيه على آراء المخالفين ، وخرج مسائلهم ونقل فى كتابه
المسائل التى تجيز التعمير فى كتاب «استقصاء البيان فى مسألة الشادروان» للمحب
الطبرى والكتب الأخرى للسلف الصالح.
كما أضاف إلى
كتابه ما روى عن أم المؤمنين عائشة ـ رضى الله عنها ـ من الحديث الشريف الذى يجيز
تعمير كعبة الله المعظمة ، إلا أنه لم يستطع إسكات الذين يؤيدون العلماء المخالفين
وإقناعهم ، وعنذئذ أبلغوا الأمر إلى أمير الحجاز مولانا سيد شريف أحمد بن أبى نمى
الذى كان فى البرية ، فعاد من البرية واستدعى إليه مولانا الشيخ محمد ابن الشيخ
أبى الحسن البكرى ، وطلب منه أن يفسر الآية الجليلة (وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ) (البقرة : ١٢٧)
أمام كعبة الله.
وحضر هذا المجلس
الشيخ شهاب الدين أحمد بن حجر الشافعى الذى سبق ذكره والشيخ نور الدين بن إبراهيم
العسلى والقاضى الحسنى بن فايز بن ظهير ومفتى الحنفية قطب الدين بن علاء الدين.
وبناء على رجاء
سيد شهاب الدين أحمد بن أبى نمى أخذ الشيخ أبو الحسن البكرى يفسر الآية التى سبق
ذكرها بلسان فصيح ، وبيان صحيح وختم التفسير
ببيان المسائل
التى تجيز التعمير ، ثم قام عقب ذلك ناظر الحرم الشريف وقدم إلى الأمير الأمر
السلطانى والفتوى الشريفة للمشيخة السلطانية ، وفتح الشيخ المشار إليه الأمر
السلطانى والفتوى وقرأهما على ملأ من الناس ، ثم تساءل قائلا من هم الذين يخالفون
أحكام هذه الفتوى ويتجرءون على تشويش أذهان الجمهور وتخديشها ، إن هذه الفتوى ما
هى إلا تعزيز لصحة تعمير السقف الشريف واستصواب ذلك ، إن حكم هذه الفتوى وما تحتوى
عليه يوافق تماما أحكام الشرع الشريف ويجب أن يبادر بتنفيذ ما جاء فيها والبدء فى
العمليات الإنشائية بدقة. وبناء على ذلك صعد العمال الذين اختيروا من قبل وعاينوا
الأماكن التى أشير إليها فى ورقة الكشف ، وعمروا بعض مداخل الأعمدة الخشبية على السطح والأماكن التى هبطت
عن مستواها ، مما يؤدى إلى سقوط السقف كله ، كما بين ذلك المهندسون الذين كشفوا
ذلك ، كما سووا قطع الرخام التى على أرض المطاف والتى كانت فى حاجة إلى التعمير
والإصلاح ، وغيروا الرمال ذات الحصى الموجودة حول المطاف وعرضوا الأمر على الباب
العالى ، وقد شرح مولانا قطبى أفندى لذلك فى مصراع بديع قائلا :
مجدد بيت الله مالك الدول سليمان
وبعد ما أرسل
الباب العالى قدرا كافيا من الفضة لتعمير المحراب الشريف وباب الكعبة المعلى
بالأمر السلطانى ، جددت ألواح باب الكعبة الفضية بتلك الفضة ، وسوى سطح الباب
بمسامير فضية ثمينة ، كما ركبت عليه أربع قطع من حلقات فضية ، وغلف ميزاب الرحمة
بالفضة وزخرفوا سطحه ، وهكذا نفذوا الإرادة السنية للخلافة وذلك فى سنة ٩٥١ ، وفى
سنة ٩٦٠ أرسلت قطعة فضية للميزاب وعند وصولها رفع الميزاب القديم ، ووضعوا مكانه
الميزاب الفضى الجديد وأرسل الميزاب القديم إلى باب السعادة للاحتفاظ به تبركا فى
خزينة السلطان ، كما سيبين فى الأمر السلطانى الذى سيأتى ذكره فيما بعد ، وعرضوا
الانتهاء من تعمير تلك البقعة المفخمة.
__________________
التاريخ اللطيف
الذى نظمه غبارى أفندى الشهير عند تجديد الميزاب
قطعة
يا مولاى أنت
فيض العالم
|
|
بدا فى هذا
الميزاب غيض
|
أرونى من ميزاب
فيضك
|
|
فقد أصبح تاريخ (ميزاب
الفيض)
|
وعند وصول الميزاب
الفضى بدأ تعمير رخام المطاف والحرم الشريف والمنزل الذى ولد فيه النبى صلى الله عليه
وسلم وأتموا ذلك فى ٩٦٢.
هذه هى صورة
الخطاب السلطانى الذى أرسله السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان يتضمن إرساله
قطعا من الفضة لتجديد ميزاب كعبة الله وقطعتين من الثياب الثمينة إلى أمير مكة
المكرمة السيد الشريف شهاب الدين أحمد أبى نمى تكريما له ، وأن تحققت للأمير رغبته
فى إرسال الميزاب القديم للتبرك. «.... وإلى الآن من يخرجون إلى أداء فريضة الحج
وزيارة الروضة المطهرة بعون الله المتعال من الحجاج المسلمين يرغبون فى نيل سعادة
مسح وجوههم بتراب الحرم النبوى الطاهر ، ويسعون لتحقيق الدعوة الكريمة» (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ
لِلَّهِ) (البقرة : ١٩٦).
بكل نقاء روحى
ويصلون إلى الحرمين الشريفين والمقامين المتينين مهبط الروح الأمين ومنزل الوحى ،
قاطعين المسافات وطاوين المراحل ، يصلون إلى أعظم بقعة حيث يمسحون وجوههم على ساحة
المطاف المعظم ، وهم يتضرعون فى عبودية تامة وخضوع شديد ، ويشعر عندئذ كل واحد
منهم كأنه سلطان الدنيا وملك العالم ، وأنه علا فوق كل شىء ومع كل هذا يقف أمام
المقام الإلهى بكل خضوع وذلة ، متجردا من ملابسه التى يفتخر بها ، ملتفا بملابس
الإحرام داعيا متضرعا مستغيثا ، والمسلمون فى تلك الحالة الروحية السابقة عليكم أن
تعظوهم بالاستمرار فى الأدعية المستجابة لدوام دولتنا وعزنا وقوتنا ، وعليكم أن
تبذلوا
سعيكم فى وضع
الميزاب الجديد ومستلزماته فى أماكنها ، وذلك فى احتفال عظيم يحضره العلماء
الصالحون والأشراف والأتقياء وأطفال المسلمين ، وحسب العادة يتلون القرآن الكريم
ويختمونه ، ثم يتوجهون إلى الله ضارعين داعين لانتصار جيوشنا فى البر والبحر ،
وخذل أعدائنا اللئام وعندما يصل إلى مينائى جدة ينبع من مصر القاهرة ما أنعمنا به
من الغلال والخيرات وما تقرر إرساله من جانبنا من صدقات ونذور ، تحت وصاية أمير
أمراء الحبشة المالى ، وأميرنا الموثوق به عليكم أن تبذلوا كل الهمة لاستلامها ،
ونقلها على ظهور الجمال إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ، وحسن توزيعها على
فقراء الحرمين حتى تنتظم معيشتهم ويستقرون وأرجو أن تبذلوا سعيكم لترميم بيت الله
، وإتمامه على النحو الذى سبق توضيحه.
ولما أنكم نلتم
رضانا أكثر من أجدادكم الكرام ، ونالت أعمالكم استحساننا على ما أوفى إلينا رجالنا
الموثوق بهم ، فاستوجب كل هذا الثناء عليكم ، وأملنا أن تظلوا راعين جانبنا خاضعين
لنا كأجدادكم العظام ، وأن تعملوا دائما على بذل الجهد لخير دولتنا ، وإذ فاض كرمنا
نحوكم رأينا أن نرسل لكم خلعتين فخمتين إحداهما من السمور ، وهى خلعة فخمة عظيمة
يحملها مع رسالتنا السلطانية قدوة الأماجد والأكارم مصطفى أغا من المسئولين عن
مطابخنا دام مجده.
وعندما تصل هذه
الأشياء عليكم أن تلقوها بكل عناية ، وأن تلبسوا الخلعتين بكل فخر مظهرين خضوعكم
وصداقتكم لدولتنا ، وفق ما جبلتم عليه أبا عن جد ، وأن تضعوا لوح الميزاب المبارك
فى مكانه فى ساعة مباركة ميمونة ، وأن ترسلوا إلينا بالميزاب القديم لنحتفظ به
تبركا ، وبناء على عاداتكم المرضية أن تداوموا مع الأشراف والعلماء وعامة الصلحاء
بالدعاء لاستمرار دولتنا عزيزة قوية ، وأن تعتنوا برعاية الحرمين الشريفين
وصيانتهما بكل دقة وعناية حتى تنالوا رضانا التام ، واحترامنا الموفور». انتهى.
وبعد تحويل
الميزاب الشريف إلى الفضة بإحدى وستين سنة ، بدله المرحوم السلطان أحمد خان من فضة
مزخرفة بذهب خالص ، وبعد ذلك باثنين وعشرين عاما زخرفه وزينه من جديد ، وبعد مرور
مائتين واثنين وستين عاما جدده
بالذهب والد
السلطان الكثير المحامد المرحوم عبد المجيد خان فى سنة ١٢٧٣ وأمر بكتابة التاريخ
الآتى :
التاريخ
جدد هذا الميزاب
المنير لوجه الله الكريم الخبير سلطان البرين والبحرين المفتخر بخدمة الحرمين
الشريفين ، السلطان الغازى عبد المجيد خان ابن السلطان الغازى محمود خان ابن
السلطان عبد الحميد خان ، بعد ما وهن الميزاب الذى جدده جده السلطان الأعلى أحمد
خان ـ عليه رحمة الله المنان ـ فى سنة ١٠٢١. اللهم رب أدم هذا البيت الحرام ببقاء
دولة الإسلام ، ما طاف ببيتك الأنام واحفظه من جميع الآلام ، بجاه نبينا (عليه
الصلاة والسلام) وهذا التجديد سنة ثلاث وسبعين ومائتين وألف (١٢٧٣).
وفى ختام هذا
الإصلاح غطّى مصراعا باب البيت بألواح من الفضة ثم ركب عليه خشبة مزخرفة بنقوش
ذهبية وأربع حلقات فضية وكتب على أحد مصراعى الباب عبارة :
(بسم الله الرحمن
الرحيم)
(وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (الإسراء : ٨٠).
كما كتب على الآخر
هذه العبارة البليغة البديعة :
«أمر بتجديد هذا
الباب العالى الجناب الفقير إلى الله تعالى الملك الوهاب ، عبده الذى من عليه
بسلطنة العرب والعجم وجعله خادما بهذا للحرم السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم
خان فى سنة تسع وخمسين وتسعمائة ٩٥٩».
نظم أحد شعراء
الزمان عند تجديد باب الكعبة المعلى هذا التاريخ السلس.
النظم
فاز مولانا
سليمان الذى جدد
|
|
باب بيت الله فض
وصفحا
|
فى زمان قيل فى
تاريخه
|
|
قف فى باب الله
علك تفلحا
|
فى سنة ٩٦٠
وقد كتبت فوق عتبة
باب البيت العلوية بعد أن وفق السلطان سليمان فى تجديده بخط مثنى جلى الجملة
المنجية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، وكان فى ذلك الوقت لباب بيت الله قفل
حديدى ذو حجم كبير ومسدس الشكل طويل ، وعمر السلطان سليمان هذا القفل بألواح فضية
وأمر بكتابة الجملة الدعائية بخط مثنى (يا مفتح الأبواب أفتح لنا باب رحمتك
ومغفرتك) ، وعندما تم تعمير السقف الشريف والمطاف اللطيف كلف غبارى أفندى أحد
شعراء العصر بنظم هذا التاريخ السلس باللغة العربية ، وقيد فيما يأتى وحفر فوق
لوحة رخامية وذهب ثم علق على مكان مناسب فى داخل الحرم الشريف.
صورة التاريخ
الحمد لله رب
العالمين قال الله تعالى :
(وَلِلَّهِ عَلَى
النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (آل عمران : ٩٧).
تقرب إلى الله
تعالى بتعمر بيت الله الحرام ، من اختاره الله تعالى لخدمة الحرمين الشريفين ،
سلطان البرين والبحرين خادم الحرمين الشريفين ، ملك العرب والعجم والروم والعراقين
، السلطان ابن السلطان ابن السلطان العاشر من سلاطين آل عثمان ، الملك المظفر أبو
الفتوحات السلطان سليمان بن السلطان سليم بن السلطان بايزيد خان تقبل الله أعماله
وبلغ فى الدارين آماله.
البيت
خان سليمان خادم الحرمين
عمر بالعطاء قبلته
وفى سنة ٩٦١
وقد جدد باب كعبة
الله فى سنة (١٥٤٥) السلطان مراد خان الرابع بن السلطان أحمد خان الغازى ، كما كتب
فى الصورة الثالثة عشرة من الوجهة الثانية ، لأن مصراعى باب البيت لم يجددا تجديدا
كاملا بل عمرا وزينا على أحسن وجه وفى سنة (١٠٤٥) ، وكان رضوان أغا قد كلف بتجديد
مبانى بيت الله ، وأمر أيضا بتجديد مصراعى باب بيت الله تعالى ، ونحى جانبا بعض
أشجار الصفصاف التى كان قد اشتراها من أهل مكة لتعمير سقف البيت الحرام ، وفصل من
هذه الأشجار مصراعى باب الكعبة ، وعندما انتزع المصراعين القديمين علق على فتحة
باب الكعبة ستارة مصنوعة من القطن.
وقد اقتلع من فوق
مصراعى الباب المنتزعين (٨٠٠ ، ٣١) فضة ، فأذاب رضوان أغا هذه الفضة وصنع منها
لوحين ، وسمر أحد اللوحين ، على واحد من المصراعين والآخر على المصراع الثانى ، ثم
صرف ألف قطعة ذهب وزخرفهما. وأنفق (٣٧٠٩٥) درهم فضة فى صنع عتبة وحلقتين لذلك
الباب ، وهكذا زين باب كعبة الله المفخمة على أحسن وجه.
وبناء على هذا
الحساب يكون باب الكعبة قد جدد تسع مرات ، وذهب بالذهب الخالص اثنتى عشرة مرة ، أى
أنه جدد ثمانى مرات قبل السلطان مراد الرابع ، وذهب بعده ثلاث عشرة مرة.
وطول الباب الشريف
ستة أذرع وعشرة أصابع ، وعرضه ثلاثة أذرع وثمانى عشرة أصبعا.
سبب تسمية ميزاب الرحمة بالميزاب الذهبى
إن الذى ساعد على
تجديد بيت الله للمرة العاشرة هو الوليد بن عبد الملك ،
فعندما تولى عرش
الحكم بعث إلى خالد بن عبد الله القسرىّ ثلاثين ألف قطعة ذهبية ، وأمره بأن يذيب هذه النقود
الذهبية ، ويصنع منها ألواحا يغطى بها مصراعى باب كعبة الله وميزاب الرحمة ، خضع
خالد بن عبد الله وبادر بإذابة قطع الذهب ، وصنع كثيرا من الألواح الذهبية وغلف
بها ميزاب الرحمة ، أولا ثم مصراعى باب كعبة الله ، وزين الأعمدة التى فى داخل
كعبة الله وطلا الأركان الأربعة الداخلية للكعبة بما زاد من ذهب.
وبتغليف ميزاب
الرحمة بالألواح الذهبية قد اكتسب منظرا لامعا مشعا ، فأعجب الناس بهذا التذهيب
الظاهرى وأخذوا يطلقون على ميزاب الرحمة الميزاب الذهبى ، وظل ميزاب الرحمة يعرف
بالميزاب الذهبى على ألسن الناس لفترة طويلة.
جدد المقتفى بالله
العباسى تلك الألواح فى سنة (٥٤٢) ، وفيما بعد حول الملك المؤيد الميزاب الشريف
إلى خشب ، وفى سنة (٨٤٣) جدد الأمير زين الدين الميزاب الخشبى إثر الملك المؤيد
بخشب أيضا ، إلا أنه زخرفه بطلاء ذهبى وزينه ، وأصبح من عادة الملوك بعد ذلك تجديد
الميزاب من حين لآخر ، ولما زينه السلطان سليمان ـ طاب ثراه ـ بألواح فضية فى سنة (٩٦٠)
أطلق عليه اسم الميزاب الفضى ، إلا أن المرحوم السلطان أحمد انتزع الميزاب ذا الألواح الفضية فى سنة ١٠٢١ ، وصنع
ميزابا غلف فوق الفضة بالذهب وفسيفساء بنفسجية اللون ، وكان تحفة فنية رائعة ،
وعندما وضع ذلك الميزاب فى مكانه أصبح اسمه مرة أخرى الميزاب الذهبى.
ولما كان السلطان
أحمد هو الذى قدم للكعبة الميزاب الجديد كان من إرادته السنية أن يرسل الميزاب
القديم إلى باب السعادة للتبرك به ، ولأجل ذلك أرسل مع أمير حج قافلة الشام التى
جهزها بكل عناية ، ووضع عليها الميزاب القديم ،
__________________
وسترها بكسوة
المحمل المذهبة ، ونهض من مدينة مكة المكرمة وأمامه الكثير من جنود المسلمين ، وفى
اليوم الذى تحركت فيه قافلة الشام خرج وجهاء القوم فى مكة وعلماءها وسادتها كلهم
وأهلها ومجاوروها قاطبة ليكونوا فى توديع الميزاب القديم ، وساروا مع القافلة المذكورة
، فارتفعت الروح المعنوية فى داخل المدينة وسادتها حالة عجيبة ، حتى قال مؤلف «لطائف
الأخبار» الشيخ محمد بن إسحاق الذى جاء فى تلك السنة مع المحمل
المصرى لأداء فريضة الحج «لا قدرة لى على وصف وتصوير ما شاهدته فى ذلك اليوم».
وأخرج السلطان
مراد خان ذلك الميزاب الذهبى من مكانه فى سنة (١٠٤٣). وزخرفه بالذهب وأعاده إلى
مكانه ولما كان والد السلطان كثير المحامد السلطان عبد المجيد خان قد جدده بالذهب
أيضا فى سنة (١٢٧٣) ؛ ظل يطلق على ميزاب الرحمة إلى الآن «الميزاب الذهبى».
وبناء على بيان
المؤرخين ورواياتهم فإن الذهب الذى أرسله وليد بن عبد الملك إلى خالد بن عبد الله
لميزاب الرحمة قد أذيب من الأوانى الذهبية التى اغتنمت فى معركة «طليطلة» وهذه
الأوانى هى المنضدة التى تنسب إلى سليمان عليه السلام يعنى المائدة السليمانية ،
ويقول المؤرخون إن هذه المنضدة كانت مصنوعة من أنواع اليواقيت والزبرجد وكانت
مرصعة وفى غاية الجمال.
وعلى رواية أنها
من صنع سليمان بن داود ـ عليهما السلام ـ ، وقد حفظت فى خزينة المسجد الأقصى وعرضت
هناك ، ثم نقلت إلى خزائن ملوك بنى إسرائيل وعندما فتح بخت نصر القدس اغتنمت من
قبل الملوك المتحالفين معه ، لأن الأشرار من بنى إسرائيل تجرأوا على قتل زكريا
ويحيى «عليهما السلام» فعاقبهم الله ـ سبحانه وتعالى ـ بأن سلط عليهم بخت نصر الذى
تحالف مع الملوك المجاورين ، وساق كتائبه وجحافله إلى بلاد بنى إسرائيل فخرب القدس
الشريف ، ونهب وقتل سكانه ، وبما أن الملوك المتحالفين كانوا معه فوزع ما اغتنم من
الأموال على الكل.
__________________
وفى هذا التقسيم
كانت مائدة سليمان ـ عليه السلام ـ النادرة من نصيب حاكم أسبانيا ، وحلة آدم مع
عصا موسى من نصيب ملك الروم ، وعرش بلقيس من نصيب ملك إنطاكية ، وياقوتة ذى
القرنين من حصة ملك أرمنية.
وحسب أقوال بعض
المؤرخين أن بخت نصر عندما اغتنم تلك المائدة أخذها معه إلى بابل ، ولما تغلب كسرى
على بابل وأنهى أسر اليهود ؛ رد تلك المائدة مرة أخرى إلى بنى إسرائيل مجاملة منه
، وبعدما فتح تيتوس ـ من قياصرة الروم ، القدس خربها وطرد بنى إسرائيل إلى بلاد
أخرى ، ونقل مائدة سليمان إلى خزينة الروم ، ثم وقعت فى يد القوط.
ويدعى أغلب
المؤرخين أن هذه المنضدة وقعت فى يد الغاصب ليبن بواسطة الوندال الذين نهبوا روما
؛ إلا أن هذا الحكم لا يمكن قبوله لضعف روايته. ولهذا يلزم أن يكون كما قرر مراد
بك مؤلف (التاريخ العام) إما أن يكون ملك القوط الغربيين الأربك اغتنم هذه المائدة
عندما دخل روما ونهبها ، وإما أن يكون «آنا لوف» الذى خلف الأربك وجدها ضمن جهاز
أخت القيصر التى تزوجته ، ووضعها فى خزينته ، وعلى كل حال فموسى بن نصير اغتنم مائدة سيدنا سليمان عندما فتح الأندلس ، وبعثها إلى
الشام ، كما أن وليد بن عبد الملك بعثها إلى والى مكة المكرمة خالد بن عبد الله
القسرى ليذهب بها ميزاب الرحمة.
وإذا صحت هذه
الرواية فيكون وليد بن عبد الملك قد قام بخدمة حسنة جدا.
__________________
إفادة خاصة
النقود الإسلامية
أردنا أن نبين وزن
وقيمة العملات التى سبق ذكرها وعين عددها مثل الدينار والدرهم حسب المناسبة فى بعض
وجهات المرآة ، حتى يمكن تخمين قيمة النقود التى أنفقها السلاطين العظام من أجل
تعمير أبنية الحرمين وتجديدها.
لأجل ذلك استصوبنا
أن نعطى بعض المعلومات عن الأسباب القهرية التى أدت إلى قطع تلك العملات ، وتواريخ
ضربها.
يطلق اسم سكة على النقش المخصوص الذى يضرب فوق النقود الرائجة من الذهب
والفضة. وفى أوائل ظهور الإسلام أطلق على المسكوكات الذهبية اسم الدينار ، وعلى
المسكوكات الفضية اسم الدرهم ، والمؤرخون متفقون على أن اليونانيين هم الذين صنعوا
المسكوكات قبل هذا ب (٢٦٠٠ عام) وكانت على المسكوكات التى ضربت سواء أكانت فى أيام
اليونانيين أو فى أيام ملوك الأمم الأخرى بعض صور الحكام ، وعلى بعضها صورة حيوان أو صورة
قلعة أو شكل آخر.
وعندما ظهرت
المسكوكات الإسلامية ذات العيار الصحيح وكسدت دنانير سوق الكفر ، وفسدت دراهم
المشركين المنتشرة ، وكانت طوائف العرب فى بداوتهم الذين تركوا اهتمامهم بالدنيا
يتعاملون قبل البعثة المحمدية بنقود غير مسكوكة ، وأخذوا يتداولون النقود المسكوكة
من الذهب والفضة بالوزن ، فكل النقود العربية غير مسكوكة ، وجرى حكم هذا التعامل
فترة غير قليلة ، حتى إن النقود التى اغتنمت فى عصر سيدنا عمر من بلاد الفرس لم
ينظر إلى قيمتها الرائجة بل كانت ترد إلى الوزن ويتعاطونها بهذا الشكل. ولكن
النقود التى ضربت فى مضارب الملوك الأوائل تختلف فى الوزن والنوع ، وكانت النقود
التى يتداولها
__________________
العرب الذين
يعيشون حول الحرمين المحترمين يطلق عليها البغلى والطبرى واليمنى ، وكان وزن
المسكوكة البغلية يساوى ثمانية دوانق والطبرية ست دوانق والمسكوكة اليمنية تساوى
درهمين ولأجل ذلك يتعبون كثيرا عند تحويل النقود المسكوكة إلى الذهب والفضة.
وأراد عمر الفاروق
أن يسهل الأمر على الناس فرد المسكوكات الرائجة بين أهالى الحرمين وهى الطبرية
والبغلية إلى نصف وزنها وثقلها ، وهو ست دوانق وفقا للمثل القائل «خير الأمور
أوسطها» واعتبرها درهما واحدا ، وقسم الدرهم الواحد إلى أربعة عشر جزءا ، وضم
ثلاثة أسباع حاصل التقسيم إلى ست الدوانق ، ورفع الدرهم إلى مثقال ، وأسقط ثلاثة
أعشار المثقال ، وأنزل المثقال إلى الدرهم ، واستصوب أن يكون استخدام النقود
الرائجة فى البلاد الإسلامية بهذا الوجه ، والذى دفع عمر بن الخطاب رضى الله عنه
إلى اتخاذ القرار بجعل المسكوكات المتداولة على وزن معين معلوم هو عدم تطابق
النقود المضروبة فى عهد الملوك السابقين للمعاملات الشرعية ، لأن النقود التى كان
يتعامل بها الناس فى عهود ملوك الفرس قد سكّ بعضها على وزن عشرين قيراطا ، وبعضها
على اثنى عشر قيراطا ، وبعضها على وزن عشرة قراريط مع الاتحاد فى الثمن.
وبما أن إعطاء
الزكاة فى النقود التى تتحد فى الثمن وتختلف فى الوزن وهى إما ذهبية أو فضية غير
مشروع ، لذا اعتبر عمر الفاروق كل قيراطين قيراطا ، وأنزل الستة قراريط إلى ست
دوانق ، وحول وزن القيراط القديم المتعارف بين الناس لتقديم المثقال الواحد ،
وألحق ستة قراريط إلى أربعة عشر قيراطا التى تكون درهما واحدا. وهكذا أبلغ مجموع
القراريط إلى عشرين قيراطا ، واعتبر مجموعها مثقالا واحدا ، ودام القرار الذى أخذه
الفاروق الأعظم بشأن المسكوكات إلى سنة ٢٨ من الهجرة ، وزادت الصعوبة فى تحويل
المسكوكات الفضية والذهبية إلى الذهب الخالص غير المسكوكين بزيادة عدد المسلمين ،
وسلب هذا الأمر راحة الذين يبيعون ويشترون من أصحاب الحوانيت وأفراد
القبائل ، مما دعا
عثمان بن عفان (رضى الله عنه) إلى ضرب مسكوكات كافية من النقود وأزال من أذهان
الناس قلقها بخصوص الأخذ والعطاء وكان ذلك فى مدينة هرتك . أن أول ما ضرب من مسكوكات فى العصر الإسلامى هى تلك
النقود.
سكت فريق المؤرخين
عن المسكوكات التى ضربت فى السنة المذكورة والسنوات الهجرية ٣٧ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ه
وقالوا إن أول من سك العملة فى العصر الإسلامى هو عبد الله بن الزبير ، إذ عين
أخاه مصعب بن الزبير واليا من قبله على البلاد العراقية فى عام (٦٩) هجرى ، وسمح
له بسك النقود ، وسك مقدارا كافيا من النقود وعرضها فى سوق التعامل ، وكانت تلك
العملة تحمل على أحد وجهيها كلمة «بركة» وعلى الآخر كلمة «الله» ، وبعد سنة أبطل
الحجاج بن يوسف الثقفى سك هذا النوع من العملة ، وسك عملة على شكل آخر وجعل على
أحد وجهها كلمة «بركة» وعلى الوجه الآخر «الحجاج بن يوسف الثقفى» ، ويحتمل أن يكون
عبد الله بن الزبير أول من سك العملة وذهبوا إلى أن أول من سك النقود من الملوك
المسلمين هو عبد الملك بن مروان.
وتزعم الفرقة
الثانية أن عبد الملك بن مروان عندما اعتلى عرش الممالك الإسلامية كثر تداول
العملات الخاصة بحكومات الروم والفرس والهند ، وكثر الغش والفساد بين أنواعها
المختلفة ، واختل التعامل فأمر عبد الملك بسك عملة خاصة بالمسلمين خالية من الصور والأشكال التى على مسكوكات الأمم السابقة ، وبذلك
ألغى التعامل بالنقود الرومية والكسروية والهندية ، وضربت دنانير ودراهم تزدان
بنقوش إسلامية وكتب على وجه العملة كلمة «الله أحد» وعلى الوجه الآخر «الله الصمد»
، ويستند الفريق الثانى فى قولهم هذا على قول
__________________
صاحب مؤلف «محاضرة
الأوائل» ، إلا أن صاحب كتاب «وفية الأسلاف وتحية الأخلاف» يخرج ويرد ادعاءات
الفريق الأول والفريق الثانى ، ويقول : «إن أول من سك العملة هو عثمان بن عفان ـ رضى
عنه الله المنان ـ» ، وأثبت مدعاه ببعض الأدلة المقنعة.
وبناء على تدقيق
وتحقيق مؤلف «محاضرة الأوائل» أن العملة التى سكت فى عصر عبد الملك بن مروان كان
مكتوبا على أحد وجهيها جملة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وعلى وجهها الآخر
كتب ونقش اسمه ، وفيما بعد أضاف الحجاج الظالم بعد كلمة «محمد رسول الله» كلمة «أرسله
بالهدى».
وبناء على ما
يزعمه صاحب كتاب «تحية الأخلاف» أن أحدا من ملوك الأمويين لم يكتب اسمه على النقود
التى سكها غير الحجاج ، بل اكتفى ببيان مكان سكها وتاريخ ضربها سواء فى عصر عبد
الملك بن مروان أو عصر عثمان أو على أو عبد الله بن الزبير «رضى الله عنهم».
كانت العملة التى
ضربت وتعامل بها الناس من دنانير ودراهم وفق ما قرره عمر بن الخطاب لها من وزن
وقيمة بفرض ستة دوانق وكل ستة دوانق درهما ، وعدد درهم مع إضافة ثلاثة أسباع درهم
له من حيث الوزن ، وقسمت العشرة دراهم إلى سبعة أجزاء ، وأضيف إلى كل حاصل الأجزاء
ثلاثة أسباع درهم ، فاعتبر مجموع ذلك مثقالا واحدا.
وبناء على هذا
الحساب يزيد المثقال الواحد على الدرهم بمقدار ثلاثة أسباع درهم ، ويقتضى أن يعادل
كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم. وإن الأصول والقواعد التى أخذ بها فى ضرب النقود قد
أرضت الناس ، وتلقوها بقبول حسن ، كما أنه قد عدل وأصلح شكل العملة وصورتها فى عصر
عبد الملك ، فأصبح ضرب العملة على هذا الوجه عصرا بعد عصر قانونا خاصا فى الأماكن
التى تضرب فيها النقود فى البلاد الإسلامية.
إن الدينار
والدرهم اللذين أصلح شكلهما كانا مستديرين ، وعلى وجه كل واحد من النوعين دوائر
صغيرة وكبيرة متداخلة ومتناسقة وعلى الدوائر جمل التهليل والتمجيد مع اسم عبد
الملك وزمن ضربها وقطعها.
واستمر هذا القرار
إلى أن اعتلى الموجودون عرش السلطنة ، وعندما كان يضرب من جديد كان يغير اسم
الخليفة وتاريخ سكها ومكانه.
وقد غير الملوك
الموحدين شكل الدرهم فجعلوه مربعا وشكل الدينار جعلوه مستديرا ، بتصويب مؤسس
حكومتهم محمد بن تومرت ، ورسموا فى وسط الدينار شكلا مربعا ثم كتبوا سواء كان فوق
الدرهم أم الدينار جملا تتضمن التهليل والتمجيد ، وعلى الوجه الآخر اسم ملك العصر
وذيلوه باسم الخليفة وأبقوا وزن النقود ومقدارها كما كان من قبل.
ويدعى بعض
المؤرخين أن العملة التى سكت فى عصر محمد المهدى كان مكتوبا على أحد وجهيها جملة «بلغت
حجة الله» على الوجه الآخر جملة «تفرق أعداء الله» وإذا حسبت القطعة الذهبية
العثمانية المجيدية مائة قرش يلزم أن تكون قيمة الدينار ثلاثة وثلاثين قرشا تقريبا
، وكان ثقل الدينار ثمان وأربعين شعيرة يعنى أنه كان يساوى حوالى اثنى عشر جزءا من ستة عشر
جزءا من الدرهم. إلا أن العيار الحقيقى للدينار القديم غير معروف فتقدير ثمنه
تقديرا صحيحا ليس فى الإمكان.
ويدعى بعض العلماء
أن كلمة الدينار حرفت من كلمة «ديناروس» وكان يتداول فى وقت ما بقيمة (عشرة) آس في
روما ثم بقيمة ستة عشر آس فى أوربا وكان مضروبا عليه رقم (خمسة عشر).
وبعد عهد شارلمان
خلط بقليل من النحاس فقلت قيمته ، وفيما بعد قلب نحاسا كاملا. يقال إن الفيلورى
اسم آخر للدينار ، ولكن فيلورى ليس اسم الدينار القديم بل اسم الذهب البندقى ،
والذى يعادل الذهب المزخرف والذى راج التعامل به فى جميع الجهات ، وبما أن العملات
قد تغيرت فيما بعد ففشا اسم
__________________
الفيلورى وكان
الذهب البندقى الذى أطلق عليه فيلوريا كان يساوى عشرة قروش فى تلك الأوقات ، ولعله
يساوى الآن ما يقرب من خمسين قرشا. والدرهم معرب من دراخما اليونانية كما تنقله
الكتب الفلسفية ، وكان وزنه مرتب على أن يكون في ثمان وأربعين شعيرة ، والفضة
المجيدية كانت فى قيمة عشرين قرشا ، ويلزم على هذا أن تكون قيمة الدرهم الواحد
قرشين ، وإن العملة الفضية التى أطلق عليها درهما كانت نقدا خالص العيار تداوله
القدماء فى تعاملهم. وقال ابن فضل وهو يعرف التعامل المصرى إن المعاملات المصرية
تتم بالدرهم والدرهم المتداول كان نصفه فضة ونصفه الآخر نحاسا ، وكان وزن كل درهم
يساوى ثمان عشرة حبة خروب وكانت كل خروبة تزن ثلاث قمحات وقيمته الشرائية تساوى
خمسة وأربعين فلسا.
وعندما ضربت
المسكوكات القديمة سواء أكانت دينارا أو درهما كانت الثمان وأربعين شعيرة تساوى
درهما ، والدرهم يساوى سبعة دوانق ، والدانق يساوى قيراطين ، والقيراط يساوى
طسوجين ، والطسوج يساوى حبتين ، والحبة الواحدة كانت تعادل جزءا واحدا من ثمانية
وأربعين جزءا من أجزاء الدرهم.
وعلى هذا الحساب
يقتضى أن يكون الدينار نقدا مسكوكا فى وزن أربعة وعشرين حبة أو ستة دوانق ، وتساوى
أربعة وعشرين حبة ، و ٢٨٨ خردلة ، و ٢٨٨ خردلة تساوى ٣٤٥٦ فلسفا وهذه تساوى ٢٠٧٣٦
فتيلة و ٢٠٧٣٦ فتيلة تساوى ١٢٤٤١٦ نقيرة ، و ١٢٤٤١٦ نقيرة تساوى ١٩٥٣٢٥ قطمير ، و ١٩٥٣٢٥
قطمير يساوى ١٩٤٣٩٣٦ ذرة ، والدينار الواحد يتساوى فى الوزن مع درهم واحد.
وخطوط وأشكال
النقود القديمة كان يكتب فوق العملات التى سكت فى عام ٢٨ هجرى فى فترة خلافة عثمان
بن عفان ـ رضى الله عنه ـ بالخط الكوفى جملة «بسم الله ربى» ، وفوق العملات التى
ضربت فى العام الثلاثين عبارة «ولى الله». وعلى وجه العملات التى ضربت فى سنة ٣٨ ،
٣٩ جملة «بسم الله
ربى» ، وعلى الوجه
الآخر جملة «ولى الله» ، وفى وسط أحد وجهى العملات التى سكت فى العام الأربعين
الهجرى سورة الإخلاص. وعلى أطرافها الدائرية جملة «محمد رسول الله أرسله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» ، وفى وسط الوجه الآخر «لا إله
إلا الله وحده لا شريك له» ، وحولها دائرا ما دار عبارة ضرب هذا الدرهم بالبصرة فى
سنة ٤٥ ، وكل هذه العملات ضربت فى عهد خلافة على بن أبى طالب رضى الله عنه.
وكتب على أحد وجهى
العملات التى ضربت عام ٧٠ ه فى مدينة «جرد» وما ضربت فى عام ٧١ ه فى مدينة «يزد»
بالخط الكوفى «بسم الله» ، وعلى الوجه الآخر بالخط الفارسى «عبد الله بن الزبير
أمير المؤمنين» وما ضرب من عملة عام ٧٩ ه فى «هرمز» وما ضرب عام ٨٠ ه فى مدينة
الرى ، ما ضرب عام ٩١ و ٩٥ ه فى مدينة جود ، وما ضرب عام ٩٧ و ٩٨ ه فى مدينة
أردشير وحرة ، وما ضرب عام ٩٦ ه فى مدينة «نمرة» ، وما ضرب عام ٩٧ ه فى مدينة «مرو»
، وما ضرب عام ٩٨ ه فى مدينة «جرد» وما ضرب عام ١٠٣ ه فى مدينة «قرمان» ، وكل
هذه العملات المتنوعة نقش فى وسط وجه منها سورة الإخلاص ، وعلى أطرافها «محمد رسول
الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» ، وفى وسط
الوجه الآخر «لا إله إلا الله لا شريك له» وحول هذه العبارة كتب تاريخ ضرب العملة
ومكانه.
وفى عهد الخليفة
العباسى «السفاح» عام ١٣٤ ه ضرب نوع من الدراهم كتب حوله «بسم الله» ضرب هذا
الدرهم بالبصرة سنة أربع وثلاثين ومائة ، وفى وسطه «لا إله إلا الله وحده لا شريك
له» ، وعلى أطراف الوجه الآخر فى ثلاثة أسطر «محمد رسول الله» ، وكتب وسط هذه
الدائرة «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون». وفى سنة ١٣٦ ه ضرب فى الكوفة نوعين من الدراهم على نفس شكل الدراهم
التى سبق ذكرها ، وضرب منصور الدوانقى فى عام ١٤٤ ه فى البصرة وعام ١٥١ ه فى
بغداد دراهم كتب فى وسطها «مما أمر به الأمير المهدى محمد بن أمير المؤمنين» ،
وضرب الخليفة
المهدى فى بغداد درهما فى وسطه عبارة «محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم» للخليفة
المهدى سنة ستين ومائة.
وكتب فى وسط درهم «ضرب
فى زمن الهادى بمدينة السلام سنة سبعين ومائة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
للخليفة الهادى» ، وفى عهد هارون الرشيد نقش على بعض النقود. بالمحمدية سنة ست
وسبعين ومائة «محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، للخليفة الرشيد بهلول ، وعلى
بعضها الآخر «بمدينة السلام سنة تسع وسبعين ومائة» ، وفى الوسط على وجه هذه النقود
«محمد رسول الله مما أمر به الأمير الأمين محمد بن أمير المؤمنين جعفر» ، وعلى
الوجه الآخر بالوسط» بالمحمدية سنة ست وسبعين ومائة» ، وفى بعضها الآخر «بالمحمدية
سنة ثمانين ومائة مما أمر به الأمير الأمين محمد بن أمير المؤمنين فى ولاية محمد
بن يحيى جفر» ، وفى بعضها بالمحمدية سنة تسعين ومائة ، وفى وسط هذه الدراهم «محمد
رسول الله» ، وكتب على بعض ما ضرب فى زمان المأمون من نقود «ضرب بمدينة بلخ سنة
خمس وسبعين ومائة محمد رسول الله مما أمر به أمير المؤمنين المأمون ولى عهد
المسلمين عبد الله ابن أمير المؤمنين الفضل» وعلى بعضها كذلك «بمدينة بلخ سنة ست
وثمانين ومائة محمد رسول الله ولى عهد المسلمين» ، وكتب وسط العملات التى ضربت فى
أثناء خلافة الأمين العباسى : «يا سيدى محمد رسول الله الأمين الخليفة محمد أمير
المؤمنين» وفى أواسط أطرافها» ضرب بمدينة سمرقند سنة تسع وتسعين ومائة لا إله إلا
الله وحده لا شريك له «وعلى هامشه الآخر «الله محمد رسول الله» وقد كتب فى وسط نوع
من العملة التى ضربت فى أثناء خلافة المأمون «لا إله إلا الله وحده لا شريك له بن
إبراهيم» وعلى أطرافها «بسم الله ضرب هذا الدرهم بهرات سنة ست ومائتين» ، كما كتب
فى وسط الوجه الآخر «محمد رسول الله» ، وعلى أطرافها «رسول الله أرسله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون». وعلى وسط وجه نوعين من العملة «لا
إله إلا الله وحده لا شريك له» ، وعلى أطرافها «بسم الله ضرب هذا الدرهم
__________________
بمرو سنة سبع عشرة
ومائتين» ، وخارج هذا الخط وفى داخل دائرة كتب «لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ
يفرح المؤمنون بنصر الله» ، وعلى وسط الوجه الآخر «محمد رسول الله» ، وعلى أطرافها
«محمد رسول الله أرسله بالهدى والدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون»
، وعلى طرفها دائرا ما دار «ضرب سمرقند سنة تسع ومائتين» ، وفى وسطها «لله محمد
رسول ، المأمون خليفة الله طلحة» لكنه لم يذكر اسم المأمون ولا طلحة على عملة ضربت
فى دار السك فى سمرقند سنة ٢١٧ ه.
وقد كتب فى دوائر
نقود ضربت فى عهد الواثق بالله «بالمحمدية فى سنة عشرين ومائتين» فى وسطها «لله
محمد رسول الله الواثق بالله» وكتب فى وسط الدنانير التى ضربت فى عهد القاهر بالله
«لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وعلى دوائرها الخارجية كتبت «لله الأمر من قبل
ومن بعد يومئذ يفرح المؤمنون» وفى دوائرها الداخلية «بسم الله ضرب هذا الدينار
بنيسابور سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة» وفى وسط الوجه الثانى «محمد رسول الله القاهر
بالله نصر أحمد» وفى دائرتها «محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون».
وكتبت على نوع من
فلس «ضرب فى عهد المطيع بالله «بسم الله ضرب هذا الفلس ببخارى سنة ثمان وخمسين
وثلاثمائة» وفى وسطها مكتوب «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» ، وعلى الوجه الآخر»
محمد رسول الله منصور بن نوح».
وقد أخبر مؤلف «تحية
الأخلاف» أن كل هذه المسكوكات قد كشفت فى قرية من قرى إقليم قزان فى سنة (١٢٨٠ ه)
والمسكوكات القديمة عبارة عن النقود التى سبق ذكرها.
وكلما تباعد عصر
السعادة اختلفت النقود وتعددت نقوشها وشكلها حسب أمر وجه أهل العصر ، ولا سيما فى
عصر الدولة العلية ـ صانها الله تعالى من الآفاق والعاهات والبلية ـ قد كثرت أنواع
النقود التى أخرجت لسوق التعامل شكلا ونوعا ، مما يجذب الأنظار وظلت العملات التى
راجت فى البلاد العثمانية إلى عهد السلطان «أورخان» الغازى مسكوكة بأسماء السلاطين
السلجوقية ، ولكن
وجوه الدراهم
والدنانير زينت وأنيرت بأسماء سلاطين الدولة العثمانية فى خلال عام (٧٣٩) وعلى وجه
من وجهى المسكوكات العثمانية نقشت طغراء السلطان الغراء ، وتحتها رقم تاريخ سكها
بالنسبة لتاريخ جلوس السلطان ، وعلى الوجه الآخر كتبت عبارة «ضرب فى قسطنطينية أو
فى بروسة أو فى أدرنة أو فى مصر عز نصره» وفى ذيل هذه العبارة تاريخ جلوس السلطان
، والخطوط المذكورة كلها محاطة ومزينة برسم زهرة رقيقة دقيقة.
إن النقود
العثمانية المتداولة التى عرفنا رسمها وشكلها من محاسن عصر والد السلطان الكثير
المحامد ، وضربت المسكوكات الذهبية على خمسة أنواع ، والفضية على ستة أنواع ويطلق
عليها كلها «المجيدية» وفى الجدول كتبت الأنواع الأحد عشر وأوزانها وقيمتها
ومقاديرها.
المسكوكات العثمانية
الذهب
|
وزنها
|
الذهب
|
قيمتها
|
قيراط
|
درهم
|
القرش
|
العدد
|
العدد
|
العدد
|
٥٠٠
|
١
|
٤
|
١١
|
٢٥٠
|
١
|
١٠
|
٥
|
١٠٠
|
١
|
٤
|
٢١
|
٥٠
|
١
|
٢
|
|
٢٥
|
١
|
٩
|
٠
|
|
|
|
|
٠٠
|
٥
|
..
|
..
|
الفضة
٢٠
|
١
|
٨
|
٧
|
١٠
|
١
|
١٢
|
٣
|
٥
|
١
|
١٤
|
١
|
٢
|
١
|
١٢
|
٠
|
١
|
١
|
٦
|
٠
|
ـ
|
١
|
٣
|
٠
|
٠٠
|
١١
|
٠٠
|
٠٠
|
إن هناك مسكوكات
أخرى لم تدرج فى هذا الجدول مثل الذهب العتيق للسلطان محمود ذهب السلطان مصطفى ذهب
مصر باريون والجنيه المصرى والخيرية العتيقة والجديدة.
وغيرها من النقود
العثمانية المتعارف عليها بأسماء أخرى ، وبما أنها تختلف فى الوزن والعيار بعضها
عن بعض فلا قيمة كبيرة لها ولا رواج فى الشراء والبيع مثل المسكوكات الجديدة ، إن
النقود المذكورة تتداول حسب عيارها الذى ذكر فى مجال التعريف ، ولما كانت العملات
القديمة التى ضربت فى دور ضرب المسكوكات فى القاهرة وبغداد لا يوافق عيارها الجدول
الذى عرفت فيه قيمة العملات ولا يطابقها فيتم تداولها كأنها نقود غير مسكوكة.
إن المسكوكات
الأجنبية التى تتداول بين الناس مختلفة بعضها عن بعض فى العيار والوزن والقيمة ،
لأجل ذلك فهى تستخدم وفق قائمة التعريف ، وبما أن النقود الرائجة الأجنبية قد حولت
إلى أثمان المسكوكات العثمانية الجديدة ، فالناس لا يجدون صعوبة فى تداولها مثل
المسكوكات المغشوشة.
الدرهم الشرعى
إن تسوية
المعاملات النقدية الشرعية أصبحت رهنا للتعامل بالمسكوكات ، ولما كانت النقود
القديمة المتداولة ليست على نسق واحد من حيث الوزن والعيار فى كل عصر ومصر ، كما
فصل فيما سبق ، فاختلف تداولها باختلاف العصر والمكان ، ولما لزم أن يوافى وزن
الدينار والدرهم ومقدارهما وجودتهما وعيارهما لمعيار الدين القويم عشرة أمثال من
النقود مساويا وموازنا إذا كان صحيح العيار إلى سبعة مثاقيل ذهب أو فضة ، واعتبر
ذلك درهما شرعيا واحدا وإن قيمة الذهب والفضة التى توزن بهذا الدرهم غير متساوية
ولكنهم جعلوهما متساويين باعتبار الوزن والمقدار.
وأقروا ذلك بإجماع
الأمة واتفاقها ، ثم سموا ٤٠ درهما شرعيا أوقية وعلى
هذا التقدير يقتضى
أن يكون الدرهم الشرعى سبعة أعشار المثقال الشرعي ، والمثقال الواحد يساوى درهما
وسبعة أرباع الدرهم ، أى أن وزن المثقال يساوى ثقل سبع شعيرات متوسطة ، واعتبر
سبعة أعشار المثقال درهما واحدا ، ويترتب على ذلك اعتبار الدرهم الواحد ثقل خمس
حبات شعير وخمسين من حبة واحدة.
وقد قرر فى عصر
السلطان أورخان الغازى وعهده اعتبار ربع الدرهم العرفى درهما شرعيا واحدا ،
واعتبار الدرهم ونصف العرفى واحدا ٢٦٦ مثقالا ، واعتبار ٤٠٠ درهم عرفى أوقية
واحدة.
ومن فروع ذلك
القرار اعتبار الذرتين قطميرا ، والقطميرين نقيرا ، والنقيرين فتيلا ، و ٤ فتائل
حبة حنطة ، و ٤ حبات حنطة تساوى قيراطا ، و ٤ قراريط تساوى درهما ، وبناء على هذا
التقدير إن مائة الودرة تساوى قنطارا ، و ٤ قناطير تساوى جكّيا واحدا وأن الجكى
الواحد يساوى مائة وستا وستين أوقية عتيقة.
* * *
الصورة الثانية
تعرف من قدم إلى الكعبة المعظمة المعلقات والستائر القيمة
إن ملوك العجم
كانوا يوقرون الكعبة المعظمة ويعظمونها بتقديم الهدايا وما يعلق عليها ، وإن كان
أول من قدم الهدايا إلى كعبة الله توقيرا لها وتعظيما لشأنها مجهولا فى نظر
التاريخ ، إلا أنه من المحقق أن من أرسل ما يطلق عليه العرب «غزالتى الكعبة» هو
اسفنديار أو على قول ساسان بن بابك من ملوك الفرس ، وكانتا من ذهب خالص.
حتى إن العرب
يعتقدون اعتقادا جازما أن أول ما قدم من هدايا إلى الكعبة المعظمة هما هاتان
الغزالتان ، كما أن العرب يروون أن بابك أهدى إلى الكعبة المعظمة غير الغزالتين
الذهبيتين أنواعا من الهدايا الذهبية والجواهر.
كما أنهم يروون
بالأدلة أن أول من أهدى من العرب إلى الكعبة المعظمة من الهدايا هو كلاب بن مرة بن
كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة من قبيلة قريش إذ علق على
الكعبة سيفين مذهبين.
وقد دعا كلاب بن
مرة قبل جميع سكان الجزيرة العربية وأعيانها إلى إحراز شرف تقديم الهدية إلى
الكعبة. إن أبا زوجه قدم له سيفا ذا قيمة مذهبا ومشهورا لدى العرب. وكان «أسد بن
سيل بن حمالة بن عوف بن غنم بن عامر بن الحارث بن عمليق بن خشعمة بن يشكر بن بشير
بن صعب بن دهمان بن نضر بن الأزد» الذى اشتهر بترصيع السيوف ، واختراع هذا النوع
من السيوف المذهبة ، قد صنع هذين السيفين وأهدى أحدهما إلى ابنته فاطمة ، والآخر
لزوج ابنته كلاب بن مرة وهما أهديا هذين السيفين إلى الكعبة المفخمة ليحفظا فى
خزينة بيت الله.
إن هذين السيفين
المخترعين لم يكن للعرب عهد بصنعهما ، لذا زادت فى عيون شجعان العرب الذين يفتخرون
بعمل أجمل الأسلحة.
وعد إهداؤهما إلى
الكعبة تضحية عظيمة من قبل كلاب بن مرة ، ومن أجل ذلك علت مكانته فوق صناديد العرب
والأشراف. وإن لم يقدم بعد كلاب بن مرة إلى عصر عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف
هدية إلى الكعبة ، إلا أن عبد المطلب بن هاشم حينما أخرج من بئر زمزم الغزالتين
الذهبيتين وسيفا ثمينا مرصعا وكثيرا من الذهب أهداها كلها إلى الكعبة المعظمة محبة
لها ، وكانت الغزالتان هما اللتان أهداهما ساسان بن إسفنديار إلى الكعبة كما سبق
ذكره.
وأول من زين بيت
الله فى الدولة الإسلامية هو عمر الفاروق ، وبعده عبد الله بن الزبير وقد علق عمر
الفاروق ما اغتنمه فى أثناء فتح المدائن من هلالين ذهبيين في داخل كعبة الله ، كما
كسا عبد الله بن الزبير أساطين الكعبة بصفائح من ذهب ، وجعل مفتاح الكعبة من الذهب
الخالص.
وقد أهدت مارية
بنت أرقم من بنات ملوك بنى حنيفة زوجا من القرط الغالى النفيس ، وكان هذا القرط من
در نادر من حجم بيضة الحمامة ، ويساويان أربعين ألف دينار تقريبا ، وبما أن أحدهما
كان لا نظير له سميت صاحبته بذات القرطين. وقد انتقل هذان القرطان فيما بعد إلى
أيدى الملوك ، حتى انتهى الأمر إلى عبد الملك بن مروان الأموى وعندما زوج ابنته
فاطمة من عمر بن عبد العزيز أعطاها هذين القرطين. وأخذ عمر بن عبد العزيز فى عهد
خلافته هذين القرطين ووضعهما فى خزينة الدولة.
ولما توفى عمر بن
عبد العزيز وتولى السلطة يزيد بن عبد الملك ، أخذ القرط ورده إلى أخته فاطمة ، إلا
أنها لم تقبله ، وعندئذ أهدى يزيد القرط إلى زوجته ولا يعرف بعد ذلك إلى أين انتقل
ذلك القرط ومن الذى امتلكه.
وقد بين «الإمام
تقى الدين» من مؤرخى الكعبة الأوائل كيف زين كلاب بن مرة الكعبة معلقا سيفا محلى.
ثم ذكر ناقلا من تاريخ الإمام الأزرقى أسماء الذين قدموا أشياء ثمينة متنوعة لتلك
البقعة المقدسة واحدا تلو الآخر.
ومن ضمن ما ذكره
الهلالان الذهبيان من غنائم بلاد كسرى ، وكأسا مزينة بالزبرجد غالى الثمن أهداها «سفاح بن زائد» من خلفاء بنى العباس.
كما أن هارون
الرشيد علق في سقف كعبة الله فى سنة ١٨٦ ه قطعة حجة منمقة كتب عليها تجديد عهد
وميثاق لابنيه محمد الأمين ، وعبد الله المأمون بعد توقيعها من رجال دولته وذلك فى
أثناء حجه.
الاستطراد
حينما علقت تلك
الحجة فى المكان الذى رآه هارون الرشيد مناسبا وسقطت على الأرض بطريقة ما وشاع
الأمر بين الناس ، قالوا «إن ما تحتويه الحجة المذكورة لا يوافق حكم القدر». وفعلا
هذا ما حدث إذ محا محمد الأمين عقب وفاة ولده ، وبرأى «فضل بن الربيب» وتدبيره مسح
اسم المأمون من تلك الحجة ، ووضع مكانه اسم ابنه الصغير «موسى» ، أو على قول آخر
مزق التعهد القديم ووضع مكانه التعهد الجديد.
وأرسل «محمد
الأمين» بن هارون الرشيد بعد وفاة والده (١٨٠٠) قطعة من ذهب لتزيين الكعبة وذلك فى
سنة ١١٥ ه وعند وصول هذا المال إلى مكة الله أخذ أهل مكة صفائح الفضة التى كانت
على باب الكعبة ، وزينوا مصراعى الباب وجعلوا حلقاته من الذهب الخالص. أما المأمون
العباسى فعلق على باب الكعبة ياقوتة ثمينة فى سلاسل من ذهب ، كما أن المتوكل علق
على واجهة الكعبة حلية تشبه الشمس مرصعة بأنواع الياقوت والزبرجد ، وكان إرسال ذلك فى موسم الحج سنة ٢٤٤ ه.
وزين الخليفة
المتوكل بالله بناء على طلب صاحب مفتاح البيت زوايا كعبة الله بالذهب ، وعلق فوق
الستارة الداخلية للكعبة حزاما من الفضة طوله ثلاثة أذرع ، وكان لهذا الحزام كمر
من الذهب.
__________________
وغلفت بعد ذلك
عتبة باب بيت الله بلوح فضى ، وبلغ ثمن الشريط السابق الذكر واللوح الفضى ثمانية
عشر مثقالا من الذهب.
وأمر المعتصم
بالله العباسى بصنع قفل ثمين بألف مثقال من الذهب ، وأرسله إلى واليه في مكة
المكرمة «صالح بن عباس» طالبا منه أن يضع القفل فى مكانه القديم ، وأن يرسل القفل
العتيق إليه ليتبرك به وذلك عام ٢٦٧ ه إلا أن خدم البيت بعد التشاور بينهم لم
يستصوبوا إرسال القفل العتيق إلى الخليفة ، وأخبروا بذلك صالح بن عباس والى مكة
المكرمة ليبلغه بدوره إلى الخليفة الذى رضى برأى الخدم ، وسمح أن يبقى القفل
العتيق فى مكانه وأهدى القفل الجديد إلى الخدم.
وأرسل حاكم إقليم «السند»
منطقا جميلا ليعلق على كعبة الله ، وكان ذلك المنطق مرصعا بالزمرد والياقوت وكان
أثرا لامعا مشعا فعلق على وجه بيت الله اللطيف سنة ٢٥٩ ه.
استطراد
يطلق السند على
إقليم كبير فى الهند ويحده من الغرب إيران ، ومن الجهة الشمالية «قندهار» ، ومن
الجهة الشرقية الشمالية الصحراء الكائنة فى الجهة الشرقية من إقليم سيق ، وتحاط من
الجهة الجنوبية بمواقع قج ويقع بين الدرجة العرضية ٢٥ و ٢٦ شمالا وإن طول هذا
الإقليم (١٦٠) ميلا ، ويمر من وسط أشهر بلاده نهر السند ، وبما أنه يحاذى مجرى هذا
النهر العظيم ويمتد إلى موقع «مولتان» البعيد عن منبعه مسافة (٣٠٠) ميل عرف باسم
السند.
إن نهر السند
الكبير الذى يمتاز بعذوبة مياهه ونفعه العميم يعرف أيضا باسم نهر «هندوس» ، وينبع
هذا النهر من مكان يسمى تبد الذى يقع بين خطى عرض (٣٨ ، ٣١) شمالا.
__________________
وفى سلسله جبال «بولور»
التى تفصل تاتارستان عن البلاد الصينية ، ثم يجرى نحو الغرب الجنوبى ويفيض
عند وصوله إلى الأراضى الهندية في خط عرض (٣٥) شمالا ، ويعد بمثابة الخط الدفاعى
عندما تتعرض البلاد الهندية للاعتداء من الجهة الغربية. ويفيض فى مدينة «كابل»
البعيدة عن منبعه بستين ميلا بدرجة لا تسمح بالمرور ، وعندما يصل إلى الإقليم الذى
يتفرع فيه إلى فرعين والذى يسمى باسمه والفرع الأكبر الذى يقع فى الناحية الغربية
، ويتفرع إلى شعب وفروع ، ويشكل عند مصبه شكل مثلث الشكل مثل نهرى «النيل والبنج» إن علماء طبقات الأرض يطلقون على ذلك الشكل اسم الدلتا
والعرب يسمونه دالية .
إن مجارى فروعه
التى سبق ذكرها غير عميقة ، ولا تسمح بسير المراكب والسفن ويمكن للقوارب الصغيرة
السير فيها.
إن المسافة بين
منبع نهر السند ومصبه تصل إلى (١٣٥٠) ميلا ، وأكثر أجزاء هذا النهر عميقة تسمح
بسير سفن كبيرة حمولتها مائتى طن ، ولما كان سكان شاطئيه جهلة فى فن تجارة الأنهار
قلت تجارتهم عبر النهر «انتهى».
وعقب وصول الحزام
الذى أرسله حاكم السند إلى مكة المعظمة ، صنع المعتمد بالله العباسى صندوقا صغيرا
فضيا جميل الشكل ، ووضع فى داخل هذا الصندوق حجة ولاية عهد الخلافة بعده لابنه
جعفر أولا ولأخيه «الموفق» بعده من وراء الخلافة وأرسله إلى كعبة الله مع «فضل بن
عباس» وذلك فى سنة ٢٦١ ه وكان ذلك الصندوق على شكل مقلمة داخل وعاء فضى ، علق
داخل كعبة الله بثلاث سلاسل فضية مزخرفة بآلة لا مثيل لها.
وإن كان المؤرخون
يخبروننا عن أشياء كثيرة نفيسة قيمة أهديت إلى كعبة الله ، إلا أن ذكر هذه الأشياء
على حدة سيجلب الملل والسأم للقراء لذا اكتفى بذكر أشهرها.
__________________
ولكن لشدة الأسف
أن ما ذكر من الهدايا القيمة أو ما لم يذكر قد أنفقت واستهلكت من قبل ولاة الحرمين
لإطفاء نار الفتن والشغب التى شبت فى الحرمين ، وهكذا خلت خزينة بيت الله مدة
طويلة من هدايا الملوك والسلاطين.
وكان السلطان مراد
خان الثالث ابن السلطان سليم الثانى قد أرسل ثلاث قطع من القناديل لا مثيل لها فى النفاسة وجمال الشكل. واستقبل أهالى مكة
المكرمة «محمد جاوش» حامل القناديل المذكورة بكل حفاوة وأوصلوه إلى حرم المسجد
الحرام ، حيث قرئ الأمر السلطانى السنى فوق كرسى خاص لذلك ، وكسى خلعا فاخرة لبعض
الناس الذين اعتيد حضورهم قراءة الأمر السلطانى ، وبهذا غمرهم الفرح والسرور وذلك
فى سنة ٩٨٥ ه كان محمد جاوش كاتبا للأبنية المقدسة فى عمارة السلطان سليم ، ثم أصبح
بعد ذلك مربيا للسلطان مراد خان الثالث ، ولما أريد مكافأته لخدماته الكثيرة كلف
بحمل القناديل المذكورة وتوصيلها إلى مكة المكرمة ، ومعها الخلع الفاخرة التى أنعم
بها السلطان على الشريف «أبو نمى بن بركات» والقاضى «حسين بن أبى بكر الحسينى»
وشيخ مكة «لطفى بك زاده» وأمين المبانى «أحمد» بك ووصل إلى مكة فى خلال سنة ٩٨٤ ه
.
الذيل
وقد أصبح استقبال
الهدايا السلطانية المرسلة إلى كعبة الله بكل توقير وحفاوة عظيمة في حكم العادة
لدى أهالى مكة المكرمة ، وكذلك قراءة الأمر السلطانى على كرسى فخم سلطانى ، وكانت
مراسم تبادل الولاة تتم على نفس الصورة.
وقد حضرت أنا جامع
حروف هذا المؤلف فى سنة ١٢٨٩ مراسم قراءة الأمر السلطانى السنى الذى يتضمن تعيين
محمد باشا واليا على الحجاز.
__________________
وقد اجتمع أهل مكة
كلهم أمام المقام الحنبلى الكائن بين ركن «الحجر الأسود» وبئر زمزم ، وانتظروا
قدوم شريفا مكة المكرمة. وعندما قدم المشار إليهما محاطين برجال الشرطة ومعهما
كثيرون من ضباط الجيش ، ومر الجميع بكل عظمة واحتشام ونظام من أمام باب السلام ،
وقفوا أمام الجماعات المجتمعة ، واعتلى موظف مكلف بقراءة الأمر السلطانى كرسيا وضع
من قبل بين البيت المعظم وبئر «زمزم» ، قرأه أولا باللغة العربية ثم باللغة
التركية ، وبينما كان يقرأ الأمر السلطانى ألبس مفتيّو المذاهب الأربعة والعلماء
الذين حضروا الحفل خلعا فاخرة.
وعقب الانتهاء من
قراءة الأمر السلطانى اعتلى واحد من أعلم العلماء وأصلح الصلحاء الكرسى ، وبينما
كان حامل مفتاح الكعبة فى داخل بيت الله أخذوا يدعون الله ـ سبحانه وتعالى ـ بطول
عمر السلطان ، وللوالى الجديد بالتوفيق فى عمله ، وسواء أكان أثناء قراءة الأمر
السلطانى أو الدعاء بطول عمر السلطان ودوام ملكه كان باب كعبة الله مفتوحا.
وكان القارئ
والداعى يتجهان نحو مقام إبراهيم العالى ، لذا كان بيت الله الأعظم فى يسارهما
وكان بئر زمزم فى يمينهما ، وفى ختام الدعاء طاف جميع المشاهدين ورجال الحكومة
بالبيت المعظم ، وكان الشريف عبد الله باشا والوالى المشار إليه من ضمن الطائفين
انتهى.
وبعد انتهاء مراسم
استقبال القناديل التى قدمها السلطان مراد خان الثالث إلى الكعبة طاف بالكعبة
الشريفة الشريف «حسن بن أبى نمى» ، وعليه الخلعة السلطانية كما طاف رئيس المؤذنين
ودعوا الله سبحانه وتعالى ـ بطول دولة السلطان.
وبعد طواف الشريف
بالكعبة دخل مع الأشراف والعلماء الكعبة ، واعتلى السلم الذى كان قد جهز من قبل ،
وعلق القنديلين واقفا في المكان الذى صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ـ يوم فتح
مكة ، أى المكان الأول الذى تقع عليه عين الداخل فى الكعبة ، ودعا بالأدعية المناسبة
بدوام بقاء الدولة العثمانية.
وبعد ذلك سلم
الموظف المذكور قنديلا آخر ليعلق فى الحجرة النبوية المعطرة حسب التعليمات ، وأرسل
إلى المدينة المنورة وفى رفقته كثير من الموظفين لتبليغ محافظ المدينة المنورة ،
بالأمر والإسراع فى اتخاذ ما يلزم إجراؤه.
والسلطان مراد خان
الثالث أول من نال من السلاطين العثمانيين شرف تعليق القناديل فى الحرمين
الشريفين. وبعد ما أرسل ذلك السلطان المغفور له ثلاث قناديل أرسل مع دفتردار مصر
إبراهيم بك قنديلا عجيب الشكل مصنوعا من الذهب الخالص.
وكان فى داخل هذا
القنديل عرضحال مسطور بيد السلطان وملفوف بمنديل مزركش بالذهب ، ووصل القنديل
المذكور إلى مكة المعظمة فى سنة ٩٩٨ فى أوائل شهر المحرم وعلق فى داخل بيت الله.
وأرسل السلطان «أحمد
خان» الأول فى سنة ١٠٣٤ قطعتين من الماس ، على أن تعلقا فى داخل الكعبة المعظمة.
وأرسلت والدة
السلطان عبد العزيز خان بن السلطان محمود الغازى كثيرا من الشمعدانات على أن تعلق
بعضها أمام المقامات الأربعة وبعضها فى الساحة الرملية للحرم الشريف ، وأحال داخل
المسجد الحرام إلى سماء ذات نجوم زاهرة وذلك فى سنة ١٢٨٩ ه.
وقد أرسلت إلى بيت
الله أشياء أخرى نفيسة وغالية غير ما ذكر ولكن مع مرور الوقت نسى واقفوها ومهدوها
وأسماؤها ولهذا لم يكن فى الإمكان التحقق من شخصياتهم.
قد أفتى علماء
السلف بخصوص تزيين الكعبة بالمعلقات المصنوعة من الذهب أو الفضة على وجهين أحدهما
بالتحريم والآخر بالجواز. وعلى هذا التقدير فإن تزيين بيت الله والحجرة النبوية
المعطرة بناء على ذلك جائز.
__________________
الصورة الثالثة
تذكر وتفصل كيف
علقت الكسوة على كعبة الله ومن الذين نالوا شرف كسوتها مؤخرا وما هو نوع القماش
الذي كسيت به وكيف تم الحصول عليه وكيف تجرى الاحتفالات فيى مختلف المناسبات؟
إن أول من كسا
البيت الملك اليمنى من ملوك التبابعة «كرب بن أسعد بن عمر» سؤال ذى الأزعار بن
أبرهة ذى المنارين الرايش بن عدى بن حيفى بن سبأ الأصغر بن كعب بن زيد الجمهور بن
سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن قطنى غريب بن
زهير بن هميسع بن العرفج حمير بن سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وكان حاكم اسمه «فيطون»
سببا فى كساء كرب بن أسعد الكعبة المعظمة ، وبناء على ما نقله أحد المؤرخين يروى
أن أوسا وأخاه «الخزرج» بن الحارث بن ثعلبة العتيق هاجرا إلى المدينة المنورة قبل
هجرة النبى (عليه أفضل التحية) بسبعمائة سنة. وقد كثر أولاد وأحفاد الأوس والخزرج
وهما من آباء أجداد الأنصار الكرام ، وشكل كل واحد منهما قبيلة وكان حاكم المدينة
فى ذلك الوقت رجل اسمه «فيطون».
وكان فيطون الدنئ
هذا يهوديا من أشرار اليهود ، ولم يكن يسمح لأية واحدة من فتيات اليهود بالزواج
إلا إذا أزال بكارتها بنفسه ، ثم حاول أن يطبق عادته المستكرهة هذه على فتيات
الأوس والخزرج ، إلا أن هذا الأمر قد اشتد على بواسل رجال قبائل الأوس والخزرج ،
وأخذوا يفكرون في طريقة للتخلص من فيطون هذا ، وحدث فى ذلك الوقت أن حان وقت زواج
أخت «مالك بن عجلان من حفيدات الخزرج ، وبناء على هذا اقتضى الأمر أن ترسل الأخت
إلى بيت فيطون المنكوب.
وفكر مالك في أن
يجد طريقة للتخلص بها من فيطون فلبس زى النساء ،
وذهب إلى دار
فيطون وهناك استطاع أن يقضى عليه فى مكان ضيق من البيت ، إلا أنه تأكد بعد ذلك أنه
لا حياة له فى يثرب ، فارتحل إلى اليمن وعرض الأمر على ملك اليمن فى ذلك الوقت وهو
«تبع أسعد بن أسعد».
وكان تبع أسعد
رجلا سديد الرأى عادلا فاستاء كثيرا مما أخبره به ابن عجلان من أخبار مثيرة منفرة
، وعقد العزم على أن يزيل ريح يهود يثرب ويسوى دورهم بالأرض هدما ، فأعد العدة
للرحيل وساق جيشه إلى حدود يثرب والبطحاء ، وعندما بلغ تلك المدينة أعمل السيف فى
ثلاثمائة من وجهاء القوم.
وبذلك ألقى الرعب
فى قلوب من تبقى من اليهود ، واستأذن يهودى يسمى شامول بلغ من العمر مائتين وخمسين
عاما فى الدخول إلى مجلس الملك ، وعندما أذن له بالدخول قال أيها الملك : قد جاء
فى الكتب المقدسة أن هذا البلد سيكون مهجرا لنبى آخر الزمان ، وإن اسمه الشريف «أحمد»
، وهو من مكة المكرمة ومن صلب إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام ، وسيبطل جميع
الأديان الأخرى وسيشتهر بلقب «خاتم الأنبياء».
وبناء على ذلك
فنيّتك الملكية في تدمير البلد وتخريبه تخالف تقدير الله ، لذا يجب عليك أن تتخلى
عن فكرتك هذه ، وأن تظهر الندامة وهذا أولى بك وأجدر.
وهكذا نطق اليهودى
بما أوجب القدر النطق به ، وبما أن نطق شامول الذى خاطب به الملك قد أثر فيه ،
وأضاء نور المحبة المصطفوية جنبات فؤاده ، ترك حرب اليهود وأكرم أهل المدينة
المنورة ببذل العطايا لهم ، وأظهر المحبة التى فى قلبه نحو حبيب الله ، ثم اصطحب
ذلك اليهودى ـ أو على رواية أخرى ـ اصطحب ثلاثة من أحبار اليهود الزهاد ، وسار نحو
الكعبة المعظمة لابسا ملابس الإحرام ، وبعد الزيارة توجه نحو بلاد اليمن عائدا
مصطحبا معه ابن يامين بن عميرى من أحبار قبيلة بنى نضير وعلى ما سبق ذكره ، وأخذ
معه «شامول» أو «سحيت وبامين».
ويلزم بناء على
هذه الرواية أن يكون مقدم طائفة اليهود إلى المدينة المنورة منذ زمن بعيد وقال : «بينما
كانت المدينة المنورة واديا خاليا من آثار العمارة قدم إليها (تبع) من ملوك اليمن.
وكان ملكا ذا شأن
، قدم إليها مع حاشيته وجنوده وطلب منه العلماء اليهود الذين كانوا معه أن يسمح
لهم بالإقامة فى هذا المكان ، واستغرب تبع من طلب اليهود الذين يتسمون بالفطنة فى
رغبتهم فى الإقامة فى هذا المكان الموحش ، واستوضح منهم غرضهم من هذه الإقامة ،
فقالوا له : قد استنبطنا من آيات التوراة أن هذا المكان سيكون مهجرا لنبى عالى
المنزلة ، هو نبى آخر الزمان ، ومن الواضح والمؤكد أننا لن ندرك زمن ظهور هذا
النبى ، إلا أننا أردنا أن نوصى أحفادنا الذين سيدركون هذا النبى باعتناق ذلك
الدين الحنيف ، وأن يفدوا بأرواحهم فى سبيل الدفاع عن هذا الدين».
وقد تأثر الملك من
هذا الرد العجيب ، وعرف صفات باعث إيجاد الماء والطين «عليه سلام الله المعين»
بالسؤال والبحث ، فسمح لأربعمائة من العلماء بالبقاء فى هذا المكان ، وبما بزغ فى
قلبه من حب النبى صلى الله عليه وسلم أمر ببناء منزل فخم يعادل «الخورنق» لكل واحد
منهم كما أمر بإعطاء جارية لا مثيل لها لكل واحد منهم.
وأنشد تبع الأبيات
الآتية وسلمها لأفضل هؤلاء العلماء اليهود وأكثرهم تبحرا فى العلم ، والذى كان مع
الملك المشار إليه ورغب فى البقاء فى أرض يثرب من شدة إخلاصه لسلطان الأنبياء «عليه
أذكى التحايا».
شهدت على أحمد
أنه
|
|
رسول من الله
بارى النسم
|
فلو مد عمرى إلى
عمره
|
|
لكنت له وزيرا
وابن عم
|
وأودع هذه الأبيات
بعد أن كتبها فى لوحة مزينة إلى ذلك الفاضل السالف الذكر ، وألقى خطبة يبين فيها
إيمانه بما جاء به صلى الله عليه وسلم قبل بعثة بسبعمائة سنة.
صورة خطبة الملك تبع
«يا أيها الفاضل
فريد عصره إن هذه الدار العظيمة التى هيأتها لمحمد صلى الله عليه وسلم ذات
صفات عالية ،
فلتسكن أنت وأولادك وأحفادك فى هذه الدار ، وأى واحد من نسلك يدرك البعثة النبوية
ليقدم هذه اللوحة التى تركتها أمانة فى يدك إلى النبى اللامع النور ، وليعرض عليه
إخلاصى وصدق إيمانى به راجيا منه أن يقبلنى أنا ـ أضعف العباد ـ ضمن أمته».
وبناء على رواية
ابن إسحاق فإن اللوحة المذكورة وصلت إلى يد خالد بن زيد «رضى الله عنه» ، من نسل
المشار إليه وقدمها إلى النبى صلى الله عليه وسلم ، وبهذا حصل على شرف ضيافة
الرسول صلى الله عليه وسلم فى داره ، إلا أن مؤلف «خلاصة الوفا» الإمام السمهودى
يرد هذا القول ، ويقول كما ورد فى بعض فصول «مرآة المدينة» : لا يصدق كثيرا أن
خالد بن زيد من نسل ذلك الفاضل ؛ لأن أجداد الأنصار الكرام كلهم من أبناء العرب ،
وجملة فروعهم أنسابهم صحيحة ، فإن ما ذهب إليه ابن إسحاق غير صحيح ، وقوله أن
أجداد الأنصار قد اختلطوا باليهود سهو صريح ، لأن أبا خالد هو زيد بن كليب بن
ثعلبة بن عبد عوف بن غنم بن مالك ابن النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن خزرج ،
وأمه «هند بنت سيد وأباها عمرو بن امرئ القيس بن مالك بن كعب ابن الخزرج ، وهذا
يدل على أن خالد ليس من نسل علماء اليهود.
ومع كل هذا قد رد
على القارى فى كتابه المسمى ب «الدرر المضيئة» كل الأقوال السابقة ، وروى أن
سليمان «على نبينا وعليه سلام الله المستعان» بينما كان يمر من صحراء المدينة
المنورة قال : «إن نبى آخر الزمان سيدفن هنا ، وترك هناك أربعمائة من أحبار بنى
إسرائيل العلماء ؛ ليكونوا فى انتظار البعثة النبوية ، ولكن للأسف عندما هاجر
سلطان رسل الأمصار «عليه أعظم التحية» إلى المدينة أنكره أحفاد علماء بنى إسرائيل
، وأظهروا له وجوه المخالفة.
إن أئمة الأسلاف
اختلفوا كثيرا فى مسألة إيمان الملك تبع. إلا أن وهب بن منبه ادعى إيمان المشار إليه. وقال إنه آمن بإبراهيم عليه سلام
الله الرحيم.
__________________
وروى الإمام
السهيلى الحديث الشريف الذى يقول «لا تسبوا تبعا فإنه كان مؤمنا» (حديث شريف)
وبهذا حكم على إيمانه بالنبى صلى الله عليه وسلم!! وذهب بعض المؤرخين إلى أن الملك
الذى آمن قبل البعثة هو «تبع أبو كرب بن أسعد الحميرى» الذى علق الكسوة على الكعبة
ووالده هو أبو كرب بن أسعد الحميرى ووفق قسم من المؤرخين بين الأقوال المختلفة
قائلين «إن المنزل الذى وضع أساسه تبع واللوحة المذكورة انتقلتا إلى خالد بن زيد
الأنصارى بطريقة ما ، وقدم خالد منزله واللوحة إلى النبى صلى الله عليه وسلم ولهذا
نال شرف ضيافة النبى عليه السلام. ومهما كان من الأمر فحقيقة الأمر يعرفها عالم
السر والخفايا ، وأن غرضنا من حكاية كل هذه الأقوال كان التحقق من تزيين تبع
الحميرى للكعبة المعظمة بتعليق الكسوة عليها.
إن الملك تبع الذى
اختلف المؤرخون فى اسمه وإيمانه وتجادلوا فيما بينهم كثيرا بخصوص هذين الموضوعين
كما سبق ذكره فيما سلف ووصل إلى مكة المكرمة عند عودته من المدينة ، وفى نفس اليوم
طاف بالبيت وذبح أضحية وحلق شعره وأقام بمكة ستة أيام ، وعلى قول آخر عشرة أيام ،
ودعا جميع أهل مكة إلى وليمة ، وأسرع بعد الطعام بإلباس الخلع الغالية لبعضهم ،
وفى أثناء إقامته بمكة أمر فى رؤياه بكساء الكعبة المعظمة ، وفى صباح تلك الليلة
ألبس الكعبة كسوة مصنوعة من قماش يطلق عليه حصيف ، ولكنه رأى فى رؤياه فى الليلة
التالية أن يغير كسوة الكعبة بقماش أغلى من «الحصيف». وفى اليوم الثانى كسا الكعبة
بقماش يقال له «مغافر» بعد أن أنزل الكسوة المصنوعة من الحصيف ، ولكنه مع هذا رأى
فى منامه فى الليلة التالية أن يغير كسوة الكعبة المصنوعة بقماش غالى الثمن ذى هدب
وأغلق باب بيت الله بقفل وأنشأ يقول :
عربى
وكسوت البيت
الذى حرم الله
|
|
ملاء مغافرا
وبرودا
|
أقمنا من الشهر
عشرا
|
|
وجعلنا إليه
إكليلا
|
وخرجنا منه توأما
سهيلا
|
|
قد رفعنا لواءنا
منصورا
|
ثم سافر متوجها
نحو بلاده ..
وإن كان الإمام
الواقدى قد نقل عن أبى هريرة أن أول من علق الكسوة على الكعبة ذلك الملك السعيد
إلا أن عبد الرزّاق قال ناقلا عن ابن جريج ، أن الذى علق الكسوة على الكعبة قبل
جميع الناس هو إسماعيل (عليه السلام).
وادعى «زبير بن
بكار» بناء على أخبار بعض أئمة الرواة أن أول من كسا الكعبة المعظمة هو «عدنان» أو
رجل آخر عاش فى عصره «انتهى».
وبعد عودة الملك
تبع شرع فى إرسال الكساء إلى البيت المكرم من جميع أقطار العالم. وكانت بعض الكسا
تعلق على الكعبة وبعضها تحفظ فى خزانة الكعبة وكانت ، تجدد من حين لآخر. وكانت
الكسا تعلق بعضها فوق بعض ، ولم يكن تعليق الكسا خاصا بالرجال بل هناك نساء كسين
الكعبة.
إن والدة عباس بن
عبد المطلب «نتيلة» أو «نتلة» كانت أولى النساء اللاتى كسين الكعبة. ولم تنل هذا
الشرف من نساء قدماء العرب غيرها ، وكان سبب نيلها هذا الشرف نذرها لابنها وهى
نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر ، وكان ابنها عباس ضاع منها فى
صغره ، فنذرت قائلة إن وجدت ابنى سأقدم كسوة إلى الكعبة ولما وجدت ابنها أوفت
بنذرها بأن كست الكعبة بالديباج وأنواع أخرى من الأقمشة الغالية.
وقرر القرشيون
كساء الكعبة عن طريق المناوبة ، وذلك بفرض الضريبة على القبائل ، والنقود التى
تجمع منها تنفق فى كساء الكعبة ، وقد راعوا هذا القرار ابتداء من عهد قصى «بن كلاب
بن مرة إلى عصر أبى ربيعة بن المغيرة بن عبد الله ابن مخزوم ، ولكن «أبا ربيعة»
أقنع أفراد القبيلة بأن تكون كسوة الكعبة سنة بين جميع أفراد القبائل ، وسنة تكون
على حسابه ، كما ذكرنا سابقا ولذا كان القرشيون كلهم يكسون الكعبة سنة ويكسوها «أبو
ربيعة» بمفرده سنة ، واستمرت هذه الحالة إلى أن توفى أبو ربيعة.
وكانت الكسا التى
تعلق على الكعبة من أقمشة مختلفة وكانت تصنع فى زمن تبع الحميرى من أقمشة مثل
الحصيف والمغافر والحصايل والعصب والمسوح
والسراء والتطابح.
وفى عهد جاهلية العرب من المنسوجات مثل «الخطارف والخزن والخضر والصفر والكرار
والنمارق العراقية والحبرات اليمانية وفيما بعد أطلق على الجزء السفلى من الكسوة
والذي يلى أرضية المطاف «الإزار» كما سيرد فيما بعد.
والكسا التى تعلق
فى أيامنا ليست قطعتين كما كانت من قبل بل قطعة واحدة ، والكسوة البيضاء التى
نرتديها وقت الإحرام تتكون من قطعتين لأن البيت الأعظم يكسى بالإحرام ، بينما يخرج
الحجاج إلى عرفات أى تعلق على الكعبة قبل حلول عيد الأضحى بأيام كسوة بيضاء ، واسم
هذه الكسوة البيضاء بناء على تعبير عرف البلد إحرام ، وهى بدل الكسوة التى كان
يطلق عليها قديما «الإزار» وغيرت الكسوة فى عهد نبينا السعيد ، مجدد بنيان الشريعة
(عليه أقوى التحية) بالأقمشة اليمانية ، وفى أيام الخلفاء الراشدين غيرت بالديباج
المزركش ، وأخذت تغير مرتين فى السنة فى يوم «التروية» ويوم «عاشوراء» وهذا
التجديد أصبح عادة متبعة.
روى أبو عروبة أن
النبى صلى الله عليه وسلم علق على الكعبة كسوة مصنوعة من قماش يسمى القباط كما
يروى بعضهم أن عمر وعثمان ـ رضى الله عنهما ـ علقا كسوة على الكعبة.
وروى الإمام «الباقر»
أن الذى حول ستارة الكعبة إلى الديباج هو يزيد بن معاوية.
وينقل أن الذى غير
كسوة الكعبة إلى الديباج هو عبد الله ابن الزبير ويقول الإمام الفاكهى «إن أول من علق الديباج الأبيض على
الكعبة هو هارون الرشيد.
وكان صنع الكسوة
من الديباج الأبيض من القواعد الجارية إلى عهد محمود سبكتكين». وبدل محمود سبكتكين
الكسوة إلى الديباج ذا اللون الأصفر ، كما بدلها ناصر العباسى بقماش أخضر ، وفيما
بعد بدلها بالقماش الأسود كما سنبين فيما يأتى.
يطلق يوم التروية
على اليوم الذى قبل يوم عرفة ، وكان قديما يعلق على سطح
__________________
بيت الله أنواع من
الديباج الغالى الثمن ، ولم يكن يحاك كالكسوة حتى لا تخسر من ملامسة الأيادى ، ولم
يكن الأزرار يدرج فيها ، وفى يوم عاشوراء كانت الأقمشة التى علقت يوم التروية تحاك
بعضها ببعض ، وتأخذ شكل الكسوة وتظل على هذا الشكل إلى اليوم السابع والعشرين من
شهر رمضان ، وتعلق فوق هذه الكسوة كسوة أخرى من قماش القباطى السميك.
وقد قرر فى عهد
المأمون العباسى تغيير الكسوة الشريفة ثلاث مرات فى السنة ، فكانت تعلق فى يوم
التروية كسوة مصنوعة من قماش أحمر ، وفى غرة رجب كسوة مصنوعة من القباطي السميك ،
وفى أول أيام عيد الفطر المبارك تعلق كسوة من ديباج أبيض ، وأخيرا اتخذ تغيير
الملاصق للديباج الأحمر فى يوم عاشوراء عادة متبعة ، إلا أن هذا الإزار كان مصنوعا
من قماش رقيق ولا يتحمل سنة واحدة ؛ ولذا رئى تغييره فى يوم عيد الفطر المبارك مع
تجديد الديباج الأبيض.
وفى عهد المتوكل
بالله تمزق الإزار المذكور إربا من أيدى المتوسلين ولم يتحمل إلى شهر رجب.
فأرسل من بغداد
عاصمة دار الخلافة إزارين ، وتقرر أن يصل الديباج الأحمر الذى يطلقون عليه «القميص»
إلى الأرض ويلامسها وأن يجدد الإزار مرة كل شهرين.
وسبب تجديد الإزار
مرة كل شهرين كون القميص غاية فى القصر لأن قطعة الستارة التى يطلق عليها القميص
كان قد صنع قصيرا جدا بحيث لا تصل إليه الأيادى ، وذلك فى عصر المتوكل بالله وكان
الناس مضطرين أن يتوسلوا بالإزار ، لذا كان الإزار يتمزق سريعا ويصير قطعا صغيرة.
وكانت ستارة
الكعبة فى العصور الإسلامية ولا سيما في عصر المتوكل بالله تصنع من قطعتين : «القميص»
و «الإزار» وكان الجزء العلوى من هذه القطع يطلق عليه قميص والجزء الأسفل إزار
تشبيها لهما بالقميص والإزار.
لازمة
إن ما يستر النصف
الأسفل من الجسم يسمى بالإزار بكسر الهمزة ، أما الثوب الذى يستر ما فوق الخصر
فيسمى الرداء. ولما كان لبس الرداء والإزار من القواعد المرعية فى الجزيرة العربية
، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبسهما أيضا ، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم
عند ما ودعنا لعالم الغيب كان يلبس رداءا مرقعا وإزارا منسوجا من خيوط غليظة ،
وكان الإزار الذى يكتسيه الرسول صلى الله عليه وسلم يصل إلى نصف ساقه ويرى أن استعمال إزار أطول من هذا مكروها.
وأشار النبى صلى
الله عليه وسلم وهو يشرح يوما لحذيفة بن اليمان ما يجب أن يكون عليه طول الإزار
لساق المشار إليه أو لساقه عليه السلام : «هاهنا موضع الإزار» حديث شريف. إذا أردت
أن تعمل بالأفضل يمكن أن يكون طول الإزار ما بعد نصف الساق وفوق الكعب وإذا أردت
أن تنزل الإزار إلى الكعبين فإن هذا غير جائز لأن الإزار لا حق له فى الكعبين.
واختلف العلماء فى
تعيين مدى طول إزار النبى صلى الله عليه وسلم بالأذرع ، فقال ابن الجوزى : «إن طول
الإزار الذى كان يرتديه الرسول صلى الله عليه وسلم كان أربعة أذرع وذراعين ونصف فى
العرض «أما ابن القيم فقال «إن طوله كان أربعة أذرع وشبرا وعرضه ذراعين» ، وقال
الواقدى «إن طوله كان ستة أذرع وثلاثة أذرع وشبرا فى العرض».
إن ما قيل فى طول
الإزار وما يجب أن يكون عليه خاص بالرجال ، وأما إزار النساء فيلزم أن يكون أطول
من إزار الرجال شبرا أو ذراعا ويسرى هذا الحكم على القميص وسائر الملابس. وبما أن
الإزار والرداء معروف لدى الحجاج فإن قطعة القماش التى يلفون بها خصورهم يطلق
عليها الإزار ، وما غطوا به ظهورهم يطلق عليه الرداء.
وكانت الكسا التى
تعلق على الكعبة من عهد المأمون العباسى إلى عهد الناصر لدين الله أى فترة ٣٧٠
عاما تصنع من ديباج أبيض. وفى عصر الناصر لدين الله
__________________
قرر اتخاذ الكسا
من نسيج مصنوع من قماش أسود ، والآن تصنع من قماش أسود.
نكتة
حينما بدل لون
الكسوة الشريفة إلى الأسود سر الكل من هذا التغيير وفق ما فهمه ، وكان سببا فى
كثير من القيل والقال وحمل الفاضل القسطلانى هذا التغيير إلى نكتة وقال «إن البيت
المعظم حينما رأى قلة زواره لبس ملابس الحزن» انتهى.
وفعلا إن نكتة
الفاضل القسطلانى تطابق الواقع. إلا أن غرض الناصر لدين الله العباسى لم يكن
الإيماء إلى تلك النكتة ، بل كان يريد أن يعلم الناس شعار العباسيين القديم. لأنه عندما
أفل نجم الدولة الأموية وتلألأ بدر الدولة العباسية أعلن العباسيون شروق شمس
دولتهم بالرايات السوداء ، حتى أنهم اتخذوا استعمال جبة سوداء وعمامة سوداء أيضا
عادة لهم.
وسبب هذا عندما
مات إبراهيم بن محمد فى سجن مروان لبس المحزونون عليه ملابس المأتم السوداء ، لأنه
عندما ثار أبو مسلم الخراسانى بكل عنف طالبا من الناس البيعة لإبراهيم بن محمد ،
قبض مروان على «إبراهيم وسجنه ، وعندما علم الخراسانى أنه لا خلاص لإبراهيم من بئر
مروان ، أخذ يدعو الناس ليبايعوا السفاح بن محمد ، وفى ذاك الوقت خنق مروان الحمار
محمد بن إبراهيم ورمى جثته ، وعندئذ لبس المبايعون للسفاح ومحبو العباس بن عبد
المطلب الملابس السوداء إظهارا لحزنهم ، وأخذوا يدعون الناس لأخذ الثأر رافعين
الرايات السوداء.
وبناء على ما سبق
ذكره أصبح لبس الجبة السوداء والعمامة السوداء من شعار الخلفاء العباسيين إلى عهد
المأمون بن هارون. لأن المأمون أراد أن يظهر حبه لآل الرسول فبايع الإمام على
الرضا ، وزوجه ابنته ، واتخذه وليا للعهد ، وخلع الملابس السوداء شعار العباسيين ،
ولبس جبة خضراء ، وأعلن بذلك أنه يجب
على الأشراف
والسادة وعظماء العباسيين والجعافرة وسائر فرق المسلمين لبس الملابس الخضراء ؛ إذا
أرادوا أن يمتازوا على الآخرين.
عندما اختص
المأمون السادات الكرام بلبس جبة خضراء وعمامة خضراء أيضا كان المسلمون مختلفين فى
حرمة لبس العباسيين الملابس السوداء وسائر المسلمين الملابس البيضاء ، واليهود
الملابس الصفراء كما يخبرنا به «ابن حجر» فى كتابه الصواعق .. ، ولذلك اختار
المأمون من أجل السادة الكرام اللون الأخضر ، ولما بقيت الخلافة فى بنى العباس
استمر أشراف العلويين فى لبس ملابس خضراء. إن اعتمام الأشراف منهم بعمامة خضراء
عادة بقيت من أيام المأمون ، وللأسف الشديد توفى الإمام بعد فترة قصيرة فلبس
المأمون جبة سوداء حزنا عليه.
ويتفق أكثر الرواة
على أن المأمون حينما لبس الجبة الخضراء كان فى خراسان ، عندما مات الإمام رجع إلى
بغداد مرتديا الملابس الخضراء التى اختارها ، ولكنه لبس الملابس السوداء بعد عودته
إلى بغداد بثمانية أيام وذلك بعد إلحاح عليه من بعض وزرائه.
ويذهب ابن خلكان
إلى أن المأمون قد أمر المسلمين بعدم ارتداء الملابس السوداء ، وشاع فى هذه الفترة
أنه ينفر من لبس الملابس السوداء شعار العباسيين. ولكنه فى النهاية لبس الملابس
السوداء نتيجة وفاة أحد أقاربه وأصدقائه وذلك فى سنة ٢٠٤ ه.
وادعى فريق من
المؤرخين أن اعتمام المأمون بالعمامة الخضراء لم يكن ناشئا من حبه لآل وأبناء
الرسول ، بل نشأ من حرصه على ألا يقع زمام السلطنة فى أيدى العلويين ، وأيدوا
ادعاءهم قائلين : «قام العلويون فى عهد المأمون يطلبون الخلافة متفقين ، فأراد
المأمون أن يصلح ما بين العباسيين والعلويين ، وأراد بذلك أن يتنازل العلويون عن
مطالبهم ، وبعث بأخى والدته رجاء بن الضحاك إلى المدينة المنورة لدعوة الإمام على
الرضا بن موسى الكاظم إلى بغداد وعندما وصل إلى بغداد جمع جميع العباسيين
والعلويين فى مجلسه ، وخاطبهم قائلا : «يا أيها المسلمون : لأننى لم أجد بين آل
عباس وآل الإمام على من هو أولى بولاية العهد من الإمام على ولذلك عينته وليا
للعهد ، ثم كتب حجة فى صحيفة وقدمها إلى
الإمام على ، ثم
زوج ابنته أم الفضل من محمد تقى ابن الإمام ، وخلع الجبة السوداء الخاصة
بالعباسيين ولبس جبة خضراء جاعلا لبسها خاصّا بالسادة الكرام ، ثم ألبس الإمام
عليا جبة خضراء وأمر جميع السادات بلبس ملابس خضراء.
وهذا ما وقع موقع
الرضا والقبول من أهل الإيمان فلهج بمدحه والثناء عليه كل لسان ، ولكن فرقة «ذيلة»
من رؤساء القبائل التابعة للعباسيين ، أرادوا أن يسقطوا المأمون من عرش الخلافة ،
وأطمعوا عمه إبراهيم فى الخلافة ؛ وهذا الخبر المفزع أقلق المأمون الذى كان فى ذلك
الوقت فى خراسان ، فعاد إلى بغداد بينما سافر الإمام علي إلى طوس.
حينما دخل المأمون
بغداد كان يرتدى جبة خضراء ، وإن كان الناس جددوا البيعة له إلا أنهم لم يعجبوا
بعمامته وجبته ، فخلع جبته وعمامته الخضراوين بإيعاز من أهله وأصدقائه ، ولبس
الملابس السوداء وأعلن أن يستمر العلويون فى ارتداء الملابس الخضراء.
ومما لم يغب عن
أذهان أهل الدقة والفكر أن ما ذهب إليه ذلك الفريق من المؤرخين مخطئون فى
ادعاءاتهم ؛ لأن محبة المأمون لأهل البيت ثابتة بأقوال هؤلاء المؤرخين أنفسهم.
وبما أن المأمون قد وضع نظام ارتداء العلويين العمامة الخضراء ، فقد اعتاد
العلويون أن يعتموا بالعمائم الخضراء. وقد تركت تلك العادة فيما بعد ، وهكذا أصبح
أبناء الرسول لا يتميزون عن الآخرين.
إلا أن الملك الأشرف
«شعبان» بن حسن من الملوك الشراكسة فى مصر أظهر حبه وحرمته لآل البيت إذ جدد عادة
الاعتمام بالعمامة الخضراء ولبس الجبة الخضراء القديمة وذلك فى ستة ٧٧٢ ه.
عندما قرر اعتمام
أولاد النبى بعمائم خضراء أنشد أبو عبد الله الأندلسى من شعراء الزمان العظماء القطعة الآتية :
__________________
جعلوا لأبناء
الرسول علامة
|
|
إن العلامة شأن
من لم يشهر
|
نور النبوة فى
كريم وجوههم
|
|
يغنى الشريف عن
الطراز الأخضر
|
وأيد شمس الدين
محمد بن إبراهيم بن بركة الدمشقى من أدباء دمشق صواب رأى الملك بإنشاد القطعة
الآتية.
القطعة
أطراف تيجان أتت
من سندس
|
|
خضر بأعلام على
الأشراف
|
والأشرف السلطان
خصهم بها
|
|
شرفا ليفرقهم من
الأطراف
|
استصواب رأى :
يجب على الناس
جميعا استصواب ما ذهب إليه الملك الأشرف المصرى ، لأنه لا شك فى أن السادات الكرام
يجب احترامهم. حتى إن حضرة مولانا قتادة قدس الله سره كان يقول : إذا ما رأيت فى
مجلس شخصا من آل الرسول تحيرت فى كيفية إكرامه وتوقيره. وقد أطنب ابن حجر فى
رسالته التى تسمى «الصواعق» فى ذكر ما يجب على الإنسان من توقير آل الرسول
واحترامهم ، ولكنه أشار أيضا أنه يجب عليهم أن يبتعدوا عن ارتكاب المعاصى.
والأبيات التالية من آثار صاحب كتاب «كمنجيه راز» أى خزانة الأسرار ونوردها فى هذا
المقام لأنها تناسبه.
الأبيات :
لتكن لهذا الرب
على الدوام الصلوات
|
|
فمنها الظهور
للحسنات
|
ومن الآل رمز
وتنبيه
|
|
إلى أن الولد سر
أبيه
|
__________________
ومن الحق بعيد
من كذب على الآل
|
|
ومن غصين لا
يثمر حتى الثمر محال
|
إن الضال بخداعه
لا يفلح
|
|
والحجر الأسود
ياقوتا لا يصبح
|
«عن فرح الروح»
إن لبس الملابس
والاعتمام بسود العمائم كان قبل عهد الخلافة بزمن طويل ويقول المؤرخون إن على بن
أبى طالب والحسن ـ رضى الله عنهما ـ وكثير من وجهاء القوم كانوا يكتسون سود الثياب
، كما أن عثمان بن عفان كان يكتسى ثيابا سودا يوم استشهاده ، كما يروى أن على بن
أبى طالب قد ألقى خطبة بليغة وهو لابس ملابس سوداء ومعتم بعمامة سوداء.
وكان عبد الله بن
الزبير يقيم العمامة سوداء حينما كان يخطب ، كما أن أنس بن مالك وعبد الله بن
مسعود وعمار بن ياسر «رضى الله عنهم» كانوا يلبسون جببا وعمائم ومناديل الرأس
السوداء.
كما أن ابن المسيب
كان يرتدى فى أيام الأعياد ملابس سوداء ، ويعتم بعمامة سوداء أيضا ، كما أن عبد
الله بن عباس كان يلبس ملابس سوداء ويعتم بعمامة سوداء أيضا حينما يجلس فى ملجس
تلقى العلوم.
ورد فى الخبر أن
جبريل ـ عليه السلام ـ أتى يوما أمام النبى صلى الله عليه وسلم بملابس وعمة سوداء.
وقد أظهر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عجبه له قائلا : ما هذه الصورة؟ فإنى إلى
الآن لم أكن قد رأيتك من قبل بهذه الملابس السوداء! فقال له إن هذه الهيئة هى زى
أولاد ابن عمك عباس الذين سيعتلون كرسى الحكم فسأله ثانية هل هم على حق؟ فرد عليه
قائلا : نعم. فدعا لهم قائلا «اللهم اغفر للعباس».
وكان هذا الأمر
سبب آخر لارتداء العباسيين الملابس السوداء إذ قال النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعمه
العباس بن عبد المطلب وزوجته أم الفضل «يبدو أن أولادكم
وأحفادكم سيعتلون
منبر الخلافة المنير» وبهذا أبلغهما ما أخبره به جبريل ـ عليه السلام ـ وقد دفعهما
هذا الخبر إلى انتظار ذلك الوقت «انتهى».
كان تعليق الكساء
إلى سنة ٥٣٣ خاصا وحصرا للملوك والسلاطين إلا أنهم فى تلك السنة شغلوا بدفع
الأعداء وتهيئة ما يلزم من القوت للجيوش ؛ ولذا لم يستطيعوا أداء خدمة تعليق
الكسوة على الكعبة ؛ لذا رتب كساء الكعبة من طرف التجار بطريقة اشتراك كل واحد
منهم بدفع حصته اللازمة.
إن الرياح التى
أخذت تهب فى أواخر سنة ٦٤٣ ه بشدة قد مزقت كسوة الكعبة وجعلتها قطعا فى يوم
الثلاثاء الخامس عشر من شهر ربيع الآخر سنة ٦٤٤ ه وبعد هذا ظلت الكعبة بدون كسوة
ما يقرب من واحد وعشرين يوما.
هناك مقترحات
وأسباب كثيرة لسقوط الدولة العباسية وانقراضها إلا أن الناس عدوا تمزيق الكسوة
بهذا الشكل مقدمة لزوال اللون الأسود شعار العباسيين وانقراض دولتهم ، وفعلا قد
سقطت الدولة العباسية بعد ذلك بفترة يسيرة.
وبعد ذلك الحادث
بثمانية أعوام ظهرت نار فى «عدن» من سلسلة جبال مكة ، وكانت هذه النار تسرى نحو
البحر وتخرج ليلا دخانا أسود ، وقد خاف الناس من ظهور هذه النار وقلقوا واضطربوا
وأخذوا يديمون الدخول إلى الحرم الشريف للتوبة وللاستغفار ، وتركوا الظلم والفسق
والفساد وأخذوا يؤدون زكاتهم وصدقاتهم متجهين لعمل الخير. «حسن المحاضرة فى أخبار
مصر والقاهرة».
محاصيل القرى السبع الموقوفة للكسوة الشريفة
حينما أخذت شمس
خلافة آل عباس تتوارى بين سحب الانقراض والزوال ، انتقل تجديد كسوة الكعبة إلى
السلاطين المجاورة من ملوك اليمن وغيرهم. فكانت كسوة الكعبة الشريفة لملوك اليمن
حينا ولغيرهم من السلاطين حينا آخر.
وفى خلال عام ٧٥٠
أوقف الملك الصالح إسماعيل ، ابن الناصر محمد
المصرى ، ربع
أراضي القليوبية الخاصة بقرى سندس ، وأبو الغيث ، ويبنون على صنع الكسوة الشريفة ،
وعلى هذا أمر سلاطين مصر أهالى تلك القرى بصنع كسوة سوداء فى كل عام ، ويرسلونها
إلى مكة المعظمة ، وعندما يتبدل السلاطين كانوا يضيفون إلى الستارة السوداء ستارة
أخرى حمراء لتعلق على جدران الكعبة الداخلية.
وكان من العادة أن
ينسج على الستارة الحمراء عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» الكلمة المنجية
، ولكن أحيانا كانت تكتب آيات قرآنية جليلة وأسماء أصحاب المعالى ، وفى عيد جلوس
السلاطين المصريين ترسل إلى الروضة المطهرة للنبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ قطعا من
أقمشة خضراء ، وحينما خلص السلطان سليم بن بايزيد خان «عليهما الرحمة والغفران»
مصر من أيدى ملوك الشراكسة وجبت خدمته للحرمين الشريفين.
فكسا الحجرة
النبوية المعطرة بأشكال ذات ألوان ، وكسا الكعبة بكسوة سوداء على نحو ما كان عليه
الحال فى السابق.
لأن السلطان سليم
أزال الخلافة العباسية التي فى مصر ونصب الملوك العثمانيين خلفاء العالم الإسلامى
واستولى على البلاد الحجازية المقدسة فجعل البلاد العثمانية قبلة المسلمين واستصوب
أن يسير على آثار الملوك الشراكسة ورأى أن يصنع كسوة الكعبة أهالى القرى التى
وقفها الملك الصالح لذلك ، ورجح السلطان سليمان ـ جعل الله مثواه الجنة ـ أن يظل
صنع الكسوة الشريفة فى يد أهالى القرى التى سبق ذكرها ولكن القرى التى أمر الملك
الصالح أهلها بصنع الكسوة أشرفت على الخراب وقلت مواردها فقرر أن تكمل نفقات
الكسوة من خزينة الدولة المصرية ثم أمر أن توقف قرى أخرى حتى تصل الواردات إلى
نصابها لصنع الكسوة وأملى أن ترسل الكسوة الشريفة مصنوعة من وقف الملك الصالح.
القرى التى ضمها
السلطان سليمان إلى وقف الملك الصالح كانت سبع قرى
ونحن استطعنا أن
نحصل على صورة لحجة الوقفية التى أرسلت فى ذلك الوقت إلى والى مصر والتى تبين
موارد تلك القرى فى ذلك العصر وقيمتها وكيفية إنفاقها وإدارتها بعد أن قيدت في
سجلات مصلحة الأوقاف وقد رأينا إدراجها هنا تبركا بها.
صورة وقف الكسوة الشريفة
بسم الله الرحمن
الرحيم. الحمد لله الذى رفع القبة الخضراء ووضع بساط الخير وسمك فى سمائه الأفلاك
، ملك فى أرضه الأملاك ، ففتح مناهج الملك والدولة الغراء بيمن وقاية السلاطين
وحسن رعاية الأمراء ، وجعل الكعبة البيت الحرام لشعائر الدين الزهراء (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلا جُناحَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٥٨)
واستعد بحجة يوم الجمرات ثم الصلاة والسلام على سيد الأنبياء محمد أعلم الرسل
الأعلام والأبناء وعلى آله الكرام الأتقياء وأصحابه العظام الأصفياء.
نمقه العبد
المحتاج إلى عفو ربه محمد بن قطب الدين محمد القاضى بالعساكر المظفرة المنصورة فى
ولاية الأناضول.
أما بعد فهذه
وثيقة أنيقة بديعة المعانى والبيان ، بليغة المبانى والتبيان ، توارى عبارتها راحا
رحيقا ، بل هى أصفى ، وتجارى استعاراتها مسكا سحيقا بل هى أزكى ، يشعر عما هو الحق
القاطع ، ما حواه فحواها ، ويجير عما هو الصدق الساطع ، ما أداه مؤداها ، وهو أنه
قد بان لكل ذى عقل سديد أن الدّنيا الدنية قنطرة العابرين ورباط المسافرين ، يحل
هذا ويرحل ذاك ، ولا يدرى أحد إلا ويمتطى صهوتى أدهم الليل وأشهب النهار ، ويسير
مع السائرين إلى منتهى الآجال والأعمار ، وهى موعظة ما قال سيد الكائنات عليه أفضل
الصلوات «اسمعوا وعوا من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت ، فلا ريب أن العاقل
من اعتبر من الرواحل واتخذ فيها لرحيله ذخيرة وزاد ، وادخر لمقامه الباقى عدة
وعتاد بالصدقات التى ينال بها النجاة ، ويتوسل بها إلى الجنات على ما نطق به
القرآن وحديث رسول الرحمن ، حيث قال عز من قائل : (إِنَّ اللهَ يَجْزِي
الْمُتَصَدِّقِينَ) (يوسف ٨٨) وقال
عليه الصلوات التامات : «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به أو
ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية» (حديث
شريف) ألا وهى
الوقف فلما تذكر فى جميع ذلك السلطان الأعظم ، والخاقان الأكمل الأكرم ، ظل الله
فى أرضه وخليفة على خليفة فى رفعه وخفضه ؛ علوى العلا من آل عثمان عثمانى المحيا ،
من سلاطين الزمان سلطان البحرين والبرين ، والعرض القائم بالسنة والفرض ، عاشر
المجددين لدين الإسلام بأحسن المعاشر ، وعاشر السلاطين كالعقد العاشر السلطان ابن
السلطان ابن السلطان سليمان شاه بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد خان لا
زالت حديقة حقيقة العالمين منضرة بماء حياته ، ونماء ذاته وحدقة العالمين منورة
بضياء صفاته ، وبضياء سناء حسناته ، وبلغ أرواح آبائه وأجداده الرحمة ، وسقاهم
بالكوثر وأسبغ عليهم نعم غفرانه ، وأنذر منها ورأى فى نفسه النفيسة نعم الله تعالى
جزيلة لا يسع شكرها على ذاته الكريمة منه منة جميلة ليس من طوقه ذكرها أراد
استقرارها بالأوقات القارة واستمرارها بالإرادة الدارة متفكرا فى قول الملك الخلاق
، (ما عِنْدَكُمْ
يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) (النحل : ٩٦) ونظر
فى قول (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) (حديث شريف) دعا لما بان تعظيم
الكعبة المستورة بالأستار العالية وتشريفها فى الحج يوجب الجنة ، ويصل الهدف
الساتر من العذاب والجنة ، وسيما في قلبه من قول الرسول «من زارنى وجبت له شفاعتى»
(حديث شريف) أن يستشفع منه بتكريم قبره بالأستار بل بتشريف مراقد الاتباع وستر
مراصد الأشباع ، أيضا بالإزار تنزيلا أية منزلة الزيارة الدائمة ، والخدمة القائمة
على مر الدهور فإن تلك المواضع وإن كانت جرت العادة بسترها لكنها كانت بالأموال
المتطرقة المتفرقة ، فأحب أن يكون ما يصرف إلى هذه الآثار الشرييفة ، من الأموال
المتميزة المنيفة ، فعين لهذه أجمل أملاكه وأسبابه ، وأجمل أكسابه ، فلذلك قد قال
لدى المولى الفاضل ، النحرير الكامل ، مصباح رموز الدقائق ، مفتاح كنوز الحقائق ،
كشاف المشكلات ، حلال المعضلات ، الموقع أعلى هذا الكتاب ، يسر الله له حسن المآب
بقوله الشريف ولطفه اللطيف ، العارى عن الاعتساف ، الحاوى على الإقرار والإعتراف ،
الذى يجوزه الشرع لاحتوائه على ما يغير الأصل والفرع ، وحكى بأنه قد أوقف سبلها ،
وحبس أملاكها ، وكملها
على النمط الأكفأ
الأشمل ، وعلى الطريق الأكمل ، لتكون لهذه المصلحة أوقافا قارة ، وإدارات دارة ،
فى الدنيا العاجلة ، ومفيدة له فى يوم الجزاء والآجلة ، وتكون عدة معدة لغده عن
أمسه ، ومزية منورة لا تفارقه فى رمسه وتصيرها جسره من العذاب ، وحجة ويكون جزاءها
مثل جزاء الحج المبرور ، وتكون باعثة للرفاعة ، وموجبة للشفاعة ، منها جميع القرى
المسماة ببسوس وأبو الغيث وحوص بقمص الواقعة بالولاية المصرية التى كان يحصل منها
فى السنة الواحدة مبلغ (٨٩٠٠٠) درهم ومنها جميع القرى الجديدة الواقعة فى الولاية
الشرقية بالديار المصرية أولها قرية (سلكة) حصل منها فى تلك السنة مبلغ (٣٠٤٩٦)
درهما ، وثانيها : قرية (سيرو نجنجة) حاصل ما فيها مبلغ (٧١٨٢٠) درهما ، وثالثها
قرية قريس الحجر حاصل ما فيها مبلغ (٥١٣٠٤) درهما ، ورابعها قرية المنايل وكوم
ريحان حاصل ما فيها مبلغ (٣٧٨٤٠) ، وخامسها قرية (بيجام) حاصل ما فيها (١٤١٣٤)
درهما ، وسادسها قرية (منية النصارى) وحاصل ما فيها (٦٠٨٥٨) درهما ، وسابعها قرية (بطاليه)
وحاصل ما فيها (١٠٤٨٤) درهما ، وجميع النقود المذكورة فى تلك السنة المسفورة مبلغ (٣٦٥١٥٢)
درهما فضيا محاذيا بنصف القطعة رائجا فى الوقت أيد الله تعالى دولته من سكها باسمه
السامى ، ورفه رعاياه بعدله المتوفر النامى ، وقف جميع القرى المزبورة المستغنية
عن التحديد والتعريف والتبيين والتوصيف لشهرتها فى مكانها عند أهاليها وجيرانها ،
ولكونها مشروحة ومعلومة في الدفاتر السلطانية والمناشير الخاقانية بجملة مالها ،
الحدود والحقوق وما ينسب إليها بالأصالة والحقوق والمراسم والمرافق والمداخل
والطرائق ، خلا ما يستثنى منها شرعا من المساجد والمعابد والمراقد والمقابر
والأملاك والأوقاف ، وسائر ما يعرف مبينا بينه بالأسامى والأوصاف ، وسلم جميعها
إلى من ولاه عليها بموجب الشرع المنصوص للخدمة بالأمانة والاستقامة فى هذا الخصوص
، وتسلمها هو منه للتصرف بالوجه السداد ، على ما هو المراد ، تسليما وتسلّما
صحيحين شرعيين.
ثم عين السلطان
الفائق على حذافير السلاطين فى الآفاق ، بالاستهلاك والاستحقاق والسابق فى مضامير
التدابير بمكارم الأخلاق ، ومراسم الإشفاق
لا زالت شموس
سعادته أبدية الإشراق ، وما برحت نجوم سلطنته محمية عن الانمحاق ، مما يحصل من تلك
القرى الموقوفة المذكورة لى حسب التخمين التى مدرها حصل السنة المشروحة المزبورة
فالتعيين على هذه النسبة فى جميع الأعوام ، وقلت المحصولات وحلت بتفاوت الشهور
والأيام مبلغ مائتى ألف درهم وستة وسبعين ألف ومائتى وستة عشر درهما لأستار ظاهر
الكعبة الشريفة شرفها الله تعالى فى مرة على ما جرت به العادة القديمة فى السنين
الماضية القديمة طبقا على هذا التخمين بعد الصرف المذكور فى السنة مبلغ ثمانية
وثمانين ألف درهم وتسعمائة درهم وثلاثين درهما ، وشرط أن يحفظ ذلك الباقى بحفظ
المتولى تمام خمسة عشر عاما ، فيكون عدد الجمع فى هذا العام على التخمين التام
مبلغ ثلاثة عشر مرة مائة ألف وأربعين درهم ، فعين من هذا الباقى فى المحفوظ المجموع
المسطور لأستار المواضيع التى تجدد فى كل خمسة عشر عاما مرة.
وبعد تجديدها
المزبور لا تجدد كل سنة بل تروح إلى انقضاء خمسة عشر عاما آخر ثم تجدد مرة أخرى
كذلك ثم فثم إلى أن ينقضى الدهر ويتم لكل مرة من تلك المرات وفى كل كرة من هذه
الكرات بالتخمين المزبور ، والتعيين المذكور مبلغ ألف درهم واحد وخمسين ألف درهم
وثلاثمائة درهم وسبعين درهما فضيا رائجا ، وتلك المواضع التى يصرف إليها هذا
المقدار فى خمسة عشر عاما مرة داخل الكعبة الشريفة ، وو الروضة المطهرة المنيفة
أعنى بها التربة المنورة لسيد الكونين ورسول الثقلين نبينا محمد (عليه أفضل الصلاة
والسلام) إلي يوم القيامة بالمدينة المنورة ، والمقصورة المعمورة فى الحرم الشريف
، والمنبر المنيف ومحرابه محراب التهجد ، والأستار الأربعة لنفس الحرم الشريف ،
ومحراب ابن العباس وقبر عقيل بن أبى طالب ، وحضرة الحسن ، وحضر عثمان بن عفان ،
وفاطمة بنت أسد (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) ، وما زاد بعد هذا وهو مبلغ
خمسمائة ألف درهم واثنين وثمانين ألف درهم وستمائة وسبعين درهما لاحتمال أن يقع
بعض السنين النقصان ، بسبب الشراقى وطوارق الحدثان ، لأن هذا بالتخمين وإن لزم فى
بعض السنين ، جبر النقصان فليجبر من هذا الفضل ذاك
الزمان ، وإن وجد
فى انقضاء المدة وبعد الصرف شىء مما يزيد ويفضل سواء كان هذا المقدار أو أكثر منه
أو أقل فليشتر بالموجود المذكور الملك المناسب للوقف من العقار الواقع فى موضع
الرغبة والاشتهار ليكثر محصول الوقف وتوفير مواضع الصرف بإلحاق هذا المشترى
والمتاع بسائر الأوقاف واستغلاله معها بل وصرف غلاته إلى المصاريف المبينة
بالأوصاف ، وتنمية الوقف وتقويته بهذا التكثير ، وتمشيته وتوسعته بذلك التوفير ،
وهذا بعد رعاية شرط أنه إن وقعت المضايقة فى هذا الوقف أو فى الوقف الآخر الذى
وقفه السلطان أيضا على مصالح الفقراء الذاهبين إلى الحجاز وعلى جمالهم وعلى سائر
مهماتهم وكتب له وقفية مستقلة مشتملة على هذه الشروط والقيود تكون مرعية بالخلود
والأبود ، يلزم أن يعين كل واحد الآخر من الجانبين بزوائده ، وبفاضل عوائده ،
بإتمام ما به ويلزم له وبتكميله لدفع مضايقته ، وضرورته وإسعاده واجتهاده إقرارا
واعترافا صحيحين شرعيين مصدقين محققين مرعيين وقفا صحيحا شرعيا وحبسا صريحا مرعيا
حاويا على الحكم بصحته أصلا وفرعا ، على وجه يعتد به دينا وشرعا ، وغب رعايته
شرائط الحكم والتبجيل وفى حصول الوقف والتسبيل ، لدى المولى الفاضل النحرير الكامل
الموقع أعلاه الصك الدينى ، والحفظ اليقينى ، وفتح الله أبواب الحقوق بمفاتيح
أقلامه ، وأحكم الأمور بثبوت أحكامه ، فصار وقفا لازما مسلسلا متفق عليه على مقتضى
الشرع ومرتضى أحكامه بحيث لا يرتاب صحته وابترامه لوقوع حكم المولى المومى إليه
على رأى من رآه من الأئمة الماضين المجتهدين (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين)
عالما بالاختلاف الجارى فى مسألة الوقف فعلم خلوده بخلود السموات وأبوده بأبود
الكائنات إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فلا يحل بعد ذلك لأحد
يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر أن ينقصه أو يعطله أو يحوله أو يبدله فلا يملك بعد
ذلك المؤمن أو الخائف من الله المهيمن بعد ينقصه أو يعطله أو يحوله ما سمع قول
الرب (أَلا لَعْنَةُ اللهِ
عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود : ١٨) وأجر
الواقف بعد ذلك على أرحم الراحمين.
جرى ذلك ، وحرر
بالأمر العالى الخاقانى لا زال عاليا في صفر المظفر المنخرط
فى سلك شهور سنة
سبع وأربعين وتسعمائة من هجرة من لا نبى بعده وصلى الله عليه وآله وصحبه والذين
وفوا عهده.
الذيل
مما يدرك من تلك
الحجة الوقفية المذكورة أعلاه أن واردات تلك القرى الثلاث التى وقفها الملك الصالح
قد بلغ ربعها فى عهد السلطان سليمان (٨٩٠٠٠) وربع ما وقفه العاهل المشار إليه من
أربع قرى معمورة كان كالآتى : فقرية «سلكه» ريعها (٣٠٤٩٦) أقجه ، وقرية (وسير
ونجنجة) ريعها (٧١٠٢٨) أقجة ، أما قرية قريس الحجر فريعها (٥١٣٠٤) وكوم ريحان (٣٧٤٨)
وبيجام (١٤٩٣٤) وقرية منية النصارى (٦٠٨٥٨) والبطالية (١٠٤٨٤) أقجة ومجموع ريع هذه
القرى جميعها فى العام (١٥٢ ، ٣٦٥) أقجة.
وصدر أمر السلطان
سليمان بأن يخصص مبلغ (٢٧٦٢١٦) أقجة لتجديد كسوة بيت الله الخارجية سنويا ، وأمر
بترك المبلغ الباقى وقيمته (٨٨٩٣٦) أقجة فى خزانة إدارة الأوقاف لتنميته عن طريق
المرابحة فى خلال السنة المحددة إلى (١٣٣٤٠٤٠) أقجة وإذا ضم إليها مبلغ (٦٦٤٠٠٠)
أقجة نقود التنمية تقريبا يلزم أن يتجمع فى خزينة الكسوة الشريفة في نهاية خمسة
عشر عاما مبلغ (٤٠ ، ٠٠٠ ، ٢) أقجة ويخصم منه مبلغ (٢٧٦٢١٦) لتجديد المواضع التى
جرت العادة تجديدها مرة كل خمسة عشر عاما مرة ويخصم من مبلغ (١٢٤٨٦٧) أقجة لتجديد
القصور ، (٥٧٢٦٤٠) لتجديد ستائر الأضرحة الأخرى لاحتمال تناقص الواردات ، واشترط
أن تعمر القرى الموقوفة (٦٦٦٠٠٠) أقجة وأن تعان الأماكن الأخرى المنسوبة للسلطان
المشار إليه ، وإن أحكام هذا الوقف المكتوبة مازالت مرعية الجانب إلى يومنا هذا.
الأماكن التى تجدد كل خمسة عشر عاما
داخل كعبة الله
الروضة المطهرة ، مقصورة الحرم النبوى ، المنبر النبوى ، محراب التهجد ، أبواب
الروضة المطهرة ، محراب ابن عباس ، ضريح عقيل بن أبي طالب ، ضريح الحسن بن على ،
ضريح عثمان بن عفان ، ضريح فاطمة بنت أسد والأضرحة الأخرى المنيفة.
ومنذ أن تلقب
السلاطين العثمانيون بلقب خادم الحرمين الشريفين إلى عهد السلطان أحمد خان ـ عليه
الرحمة والغفران ـ كان كل واحد منهم ـ مادام معتليا عرش الخلافة ـ يرسل الستائر
الداخلية للكعبة المعظمة والحجرة النبوية المعطرة ، بعد أن تصنع فى القرى التى سبق
ذكرها ، لأن هذا أصبح قانونا منذ أقدم العصور ، إلا أنه كان يتساهل فى دقة صنعها ؛
لذلك أمر السلطان أحمد خان بصنع تلك الأقمشة في مصانع دار السلطنة حتى تراعى الدقة
فى صنعها ؛ وفعلا نسجت أستار الكعبة المعظمة الداخلية فى غاية الإبداع ، وأرسلت في
أواخر شهر جمادى الأولى سنة ١٠١٨ ه وأرسلت إلى البلاد الحجازية عن طريق مصر ،
كانت تلك الستارة الشريفة التى أمر بصنعها السلطان المشار إليه تزن (٤٨٠٠) درهم
وقد نسجت من حرير حلبى لا نظير له في بداعة الصنع ، وكان طول الحرير المستخدم (١٠٦٠)
ذراعا وكانت جميلة إلى درجة أنه قيل إن باب السعادة لم ير مثيلا لها من قبل.
وقد شرع فى السنة
المذكورة فى صنع شرائط ضريح السيدة فاطمة (رضى الله عنها) وكسوته وكسا الأساطين الداخلية للكعبة المعظمة وتم وضعها كلها فى خلال عام (١٠١٩)
وجعلت كل كسوة داخل صندوق خاص بها.
وفى الخامس عشر من
شهر ربيع الآخر من السنة المذكورة أرسلت إلى الكعبة بواسطة مندوب خاص.
إن نطاق الكعبة
المعظمة من أربع قطع طول القطعة منه واحد وخمسون ذراعا ، وعرضها ذراعا وأربعة
أخماس ذراع ، وكسوة الروضة المطهرة التى تتألف من إحدى وخمسين قطعة طولها جميعا (٧٤٥)
ذراعا ، وعرضها ستة أذرع وربع ذراع أما كسوة ضريح السيدة فاطمة فتتألف من عشر قطع
وطول قماشها (١٠٠) ذراع وشريط هذا الضريح عشرة أذرع وربع ذراع ، وعرضه ثلاثة أذرع
وربع ذراع
__________________
وعقدة ، فيكون العدد
(١٧٦٩٢) وقد أنفق (٥٤٩) مثقالا خالصا من الصرة المزركشة الذهبية لزركشة الكسوة
الغالية التى تتكون من ثلاث قطع قماش مذهب لكساء الاسطوانات التى فى داخل البيت
المعظم والتى يبلغ طول كل واحد منها خمسة عشر ذراعا.
وعدد أساطين
الكعبة المعظمة ثلاثة ، وقد كتب فوق كسوة كل واحدة منها نسجا «الحنان والمنان»
الأسماء الجليلة ، ولذا عرفت هذه الأساطين بين الناس بأعمدة الحنان والمنان.
وترسل الكسا
الخاصة بداخل البيت المعظم والحجرة النبوية المعطرة وضريح فخر النساء السيدة فاطمة
(رضى الله عنها) من باب السعادة وترسل الكسوة الخارجية السوداء للكعبة الشريفة ـ كما
كان فى الماضى ـ من الخديوية المصرية لحساب خزينة الأوقاف الهمايونية السلطانية
محمولة على جمال المحفة التى تسير في مقدمة قوافل الحجاج الشامية والتى تحمل أشياء
نفيسة أخرى مع الكسا ، والتى يطلق عليها خطأ المحمل بين عوام الناس ، ويصنع كيس
مفتاح باب الكعبة والكساء الخاصة بمقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ والستارة الخاصة
به فى نفس المكان الذى تصنع فيه كسوة بيت الله الأكرم ، ويلقى صنع هذه الأشياء
المباركة عناية بالغة ، وبعد إتمام صنعها ترسل إلى القاهرة حيث تحفظ فى مكان هيئ
لها من قبل من ديوان محافظة القاهرة ، وعند حلول الوقت المعين ترسل مع المحمل
الشريف إلى مكة المكرمة.
نطاق كعبة الله
حزام فى وسط الستارة الشريفة عرضه ذراع وأربعة أخماس ذراع ، ويتكون هذا الحزام كما
سبق ذكره من أربع قطع ، قطعة لكل وجه من وجوه كعبة الله ، وفى وسط كل قطعة دائريا
كتب فى داخلها «يا حنان يا منان يا سبحان يا ديان» بعضها تحت بعض ، وإن كانت خلفية
الحرم سوداء اللون على لون الكسوة الشريفة ؛ إلا أن الكلمات قد سطرت بخيوط ذهبية
مسماة بصرمة وقد كتبت على الوجه المقابل لمقام الشافعى الآية الآتية :
__________________
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَإِذْ بَوَّأْنا
لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي
النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ
فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا
مَنافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما
رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ
الْفَقِيرَ (٢٨) ثُمَّ لْيَقْضُوا
تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج : ٢٦ ـ ٢٨)
وعلى القطعة التى
تقابل المقام الحنبلى :
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَإِذْ جَعَلْنَا
الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ
مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ
لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ
إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ
الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ
فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا
إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)
رَبَّنا
وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ
وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة : ١٢٥ ـ ١٢٧)
وعلى الوجه
المقابل للمقام المالكى كتب :
بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ صَدَقَ اللهُ
فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥)
إِنَّ
أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً
لِلْعالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آياتٌ
بَيِّناتٌ مَقامُ
__________________
إِبْراهِيمَ
وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ
الْعالَمِينَ) (آل عمران : ٩٥ ـ ٩٦)
وكتبت على القطعة
التى تواجه المقام الحنفى السلطان الأعظم والخاقان المعظم مالك العرب والعجم
السلطان الغازى عبد الحميد خان بن الغازى السلطان عبد المجيد خان بن الغازى محمود
خان بن عبد الحميد خان بن أحمد خان بن الغازى محمد خان بن إبراهيم خان بن مراد خان
بن عثمان . وقد كبت على أماكن أخرى غير الحزام المذكور بالحرير
الأسود الجملة المنجية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
__________________
موكب الكسوة الشريفة فى مصر
إن موكب كسوة
الكعبة الشريفة والنفائس الأخرى إلى مكة المعظمة يحتفل به فى مصر بشكل ملفت للنظر
ويستحق رؤيته.
عندما يتم صنع
الكسوة المباركة التى تتكون من ثمانى قطع ، وأحزمتها المزركشة ، وستارتى باب بيت
الله المذهبتين ، وكسوة مقام إبراهيم (على نبينا وعليه التكريم) ، وستارة باب
المقام المذكور ، وكيس مفتاح بيت الله يهيأ مكان فى ديوان المحافظة المصرية لحفظ الأشياء
المذكورة ، وفى اليوم المقرر لنقلها يستدعى مشايخ الطرق الصوفية ، وعلماء مصر
المفخمين ، ويرسل عدد كاف من العساكر والشرطة إلى مكان صنع تلك الأشياء المباركة ،
ويأخذ الموظفون المكلفون والجند والحراس الأشياء المذكورة من مواقع نسجها بكل
توقير وتعظيم ، ويوصلونها إلى موضعها بين ذكر وتهليل وتوقير المارين العابرين إلى
المكان الذى هىء من قبل من ديوان المحافظة ، وعند اقتراب الموكب من ديوان المحافظة
يستقبله الباشا المحافظ متبركا بالمقدسات المحمولة ، ويضعونها فى مكانها المهيأ من
قبل ، وبعد ذلك يشترك الحاضرون من المشايخ والمشتركون فى الموكب فى الدعاء للخليفة
بطول عمر دولته ، غير ناسين الخديوى فى الدعاء ، وتحيى ليلة اليوم الذى تنقل فيه
الكسوة الشريفة إلى دائرة ديوان المحافظة.
ويدعا فى يوم
الاحتفال العلماء الأعلام والمشايخ العظام ، والذوات الفضلاء ، والموظفون المدنيون
ووجهاء البلاد وأعيانها إلى دائرة ديوان المحافظة الفاخرة ، وبعد تقديم الطعام
يبدأ مشاهير القراء المدعوون فى تلاوة القرآن ، وفى غد ذلك اليوم ترفع تلك الأشياء
وهى كسوة الكعبة المعظمة وكيس مفتاح باب الكعبة والأشياء الأخرى من مكانها فى
دائرة ديوان المحافظة فى موكب عظيم ، وتوضع فى مقر الجمعية الكائنة فى ميدان محمد
على ، وتترك الكسوة الشريفة وستارة
المحمل النفيسة
مكشوفتين ليجلو الناس عيونهم بمشاهدتها ، ويبتهجون برؤيتها ، وبعد إجراء العادة
المرعية قديما من التسليم والتسلم ، تطلق المدافع ثم تحمل إلى المسجد المسمى بمسجد
الحسين فى موكب منظم غاية التنظيم. إن الجامع المذكور كائن فى الجهة الجنوبية من
خان الخليلى المشهور.
وتجرى الاحتفالات
على صورة كاملة جميلة بانتظام تام ، ويتقدم الموكب العظيم الجنود النظاميون وتمر
بعدهم الكسوة الشريفة للبيت المعظم بأجزائها الثمانية وثمانى قطع من الأحزمة
المزركشة ، وقطعتين من الستائر المذهبتين ، وكساء مقام إبراهيم (على نبينا وعليه
التسليم) ، وستارة بابه وكل واحدة منها فوق ألواح خشبية ، وهذه الألواح محمولة فوق
الأعناق حرمة وتوقيرا لها ، وتمضى مجموعة بعد مجموعة ، وعقب ذلك يمضى صناع الكسوة
الشريفة وموظفو تلك الهيئة حاملين كيس مفتاح باب الكعبة المعظمة المنسوج ، ويمضى
وكيل ديوان المحافظة والضباط الآخرون راكبين خيولهم وممتطين جيادهم ، ويمر بعدهم
مشايخ الطرق بأعلامهم متعددة الألوان مهللين مكبرين منشدين الأناشيد الدينية
والأشعار. وإن كان منذ وقت طويل يجرى الاحتفال بهذا الموكب يعنى منذ أن اعتادت
الدولة العلية تجديد كسوة الكعبة الشريفة كانت تنسج فى القاهرة مصر ، وترسل مع
قافلة حجاج مصر ، وعندما استولى الفرنسيون على مصرفى سنة (١٢١٣) قد صنعت تلك
الكسوة حول شادروان مسجد السلطان أحمد ، ونقلت فى الحادى عشر من شهر رجب سنة (١٢١٣)
فى موكب خاص عظيم إلى القصر السلطانى ، ثم نقلت مع الصرة السلطانية إلى اسكودار غد
ذلك اليوم ، وهكذا أجرى الاحتفال بموكب المحمل فى تلك السنة فى باب السعادة ،
ولكنه الآن يجرى فى مصر القاهرة على ما كان عليه فى السابق.
صورة دخول المحمل الشريف إلى مكة المكرمة
يقوم المحمل
الشريف المصرى من القاهرة مصر برا ، ويمضى إلى مكة المعظمة دون أن يمر
بالمدينة المنورة ، وعندما يصل الشخص الذى أنيط به سوق
__________________
المحمل وتوصيله
إلى وادى فاطمة يخبر أهالى مكة باليوم والساعة التى سيدخل فيها إلى مكة المكرمة.
ويخرج أمير مكة
ومعه الجنود النظاميون وجنود الشرطة يوم وصول المحمل لاستقباله ، كما يصاحبه أغلب
الموظفين يستقبلونه عند مسجد عائشة ، ويأتون به إلى ميدان ذى طوى ، وينصب مندوب المحمل خيمة فى ساحة ذى طوى الواسعة بعد أن
يصل إليها من مسجد عائشة وهو يطلق البنادق والمدافع فى سيره ، ويظل منتظرا حتى
وصول المحمل الشامى.
وبما أن المحمل
الشامى قد أخبر ساعة وصوله إلى أهل مكة مثل المحمل المصرى يخرج الأهالى الكرام لاستقبال المحمل الشامى مثل المحمل
المصرى عند مسجد عائشة. ويستقبلونهما من مسجد عائشة ويوصلونهما إلى مكان خاص أمام
قبور الشهداء ويشترك فى إقامة مراسم الحفاوة والترحيب الباشا الوالى
والأشراف والأعيان.
وبعد أن يضرب هذين
المحملين خيامهما فى الأماكن الخاصة التى ذكرت ، وبعد الانتهاء من مراسم الاحتفال
والترحيب يتجهان إلى صحراء منى الساكنة فى موكب عظيم فخم من خارج حرم المسجد
الحرام بالذكر والتهليل أمامه الجنود السلطانية وخلفه الداعون للسلطان فى سكون
ووقار ، ومن هناك يمضى الموكب إلى عرفات وبعد وقفة عرفات يرجع إلى المزدلفة ، ومن هناك إلى منى حيث يقف ثلاثة أيام بلياليها ، وتجرى
الاحتفالات السارة ، وإلى أن يصل الموكب من عرفات إلى المزدلفة توقد المشاعل
المتعددة ، وتطلق المدافع والبنادق طلقات لا حصر لها بينما يستمر الدعاء الواجب
أداؤه للسلطان بدوام الرفعة والشوكة والعز.
__________________
التوضيح :
ويمضى إلى مكة
المعظمة محملان يسمى أهل مكة أحدهما (المحمل المصرى) ، والآخر (المحمل الشامى) ،
وعلى ما سبق ذكره يصل المحمل المصري إلى مكة قبل المحمل الشامى ، وينصب خيامه في
مكان يسمّى ذى طوى الذى يقع أمام موقع يسمى الشيخ محمود ، ويطلقون عددا كثيرا من
المدافع إعلانا بقدوم الموكب ، ثم يصل المحمل الشامى فتنصب خيامه أمام قبور
الشهداء ـ حيث يوجد مدفن عبد الله بن عمر ـ والذى يسمى زاهر ، وهذا المحمل يعلن
وصوله بإطلاق عدة طلقات من المدافع ، ويتحرك المحمل المصرى من مكة فى صبيحة اليوم
الثامن من شهر ذى الحجة ويصل إلى عرفات بعد الزوال ، وكذلك يغادر المحمل الشامى
مكة ظهر اليوم المذكور ، ويواصل السير إلى ساحة جبل الرحمة حتى وقت العصر من يوم
الوقفة ، وفى جبل عرفات يتحركان معا متجهين نحو المزدلفة محتفلين بإطلاق المدافع
والبنادق ، وعندما يصل المحمل المصرى إلى مكة يدخل الحرم الشريف ، وفى اليوم
السابع والعشرين من ذى الحجة يزين الجمل الذى يحمله ، ويؤتى به أمام مبنى الحكومة
ويسلم إلى الباشا الوالى وهو فى الحلة الرسمية فيمسك بزمام الجمل وهو من المخمل
والصرمة ، ويرفع صوته بالتكبير ، وبعد أن يتجول به يسلمه إلى يد أمير الحج المصرى
ويشيعه بضع خطوات وبعد ذلك يقوم المحمل المصرى ويتجه نحو المدينة
ويعود من هناك إلى القاهرة.
وفى العباسية يستقبله
الأعيان وعلية القوم ، ويجتمع كبار الموظفين والعلماء وينطلقون مع المحمل إلى
ميدان محمد على حيث تطلق المدافع إعلانا للشكر.
وبعد أن يغادر
المحمل المصرى مكة يغادر فى اليوم الثامن من شهر ذى الحجة مكة المحمل الشامى ويجرى
له نفس الاحتفالات التى أجريت للمحمل المصرى ويمضى نحو المدينة. وسواء أكانت
الاحتفالات التى تقام للمحمل المصرى أو الشامى يصطف الجنود السلطانية ، ويقفون في
موقف الانتباه والسلام فى أثناء
__________________
الاحتفال ، وعند
إدخال المحمل فى الحرم الشريف كان الطواف بالكعبة من العادات القديمة واستمرت تلك
العادة إلى سنة (١٢٩٢) وهى خاصة بالمحمل المصرى ، وإلى تلك السنة لم يكن المحمل
الشامى يدخل في الحرم الشريف ولم يكن يطوف بالبيت الحرام.
وفى سنة (١٢٩٢)
أدخل المحمل الشامى إلى الحرم الشريف بهمة وسعى والى الحجاز «تقى الدين باشا» وبعد
الطواف بالكعبة شيعه الوالى المذكور وأصبح هذا من الأمور التى يرعى جانبها. وأصبح
من العادات التى ترعى لدى سكان الحجاز أن يسبق المحمل المصرى الذى يحمل كسوة البيت
الشريف وسائر الأماكن الأخرى المباركة المحمل الشامى ، سواء أكان فى الدخول إلى
مكة المكرمة أو المدينة المنورة أو عرفات.
ورسخت هذه العادة
فى قلوب أهالى الحجاز ؛ لذا كانوا يتمنون دائما أن يسبق المحمل المصرى الشامى ؛
وإذا ما حدث أن دخل المحمل الشامى قبل المحمل المصرى ؛ يطلق الناس على هذه السنة
عام القحط.
لائحة
هذه اللائحة خاصة
بشرح معنى المحمل الشريف ، ووقت إيجاده. إن ما يتردد على ألسنة الناس من كلمة محفل
تحريف لكلمة محمل ، كما يطلق على القاعدة التى تصنع على شكل محفة خاصة لجلوس شخصين
فوق الجمل اسم المحمل ، بعد ما يركب هذا الشئ المكون من قطعتين على الجمل قد يركب على
جهة منهما شخص واحد.
وكان يطلق اسم
المحمل الشريف على الهودج الذى يحمل خرقته الشريفة صلى الله عليه وسلم وسواكه
اللطيف وإبريق وضوئه ونعليه المباركين والأشياء المباركة الخاصة به فى أسفاره.
وكانت أمهات
المؤمنين اللائى يرافقن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى سفره يركبن فى ذلك
الهودج.
وفيما بعد أعد
جملا تبركا للمحمل ليحمل ستارة الكعبة الشريفة وبعض الهدايا. واستصوب أن يرسل أمام
قوافل الحجاج الكرام. والآن يبعث بمحملين أحدهما من مصر ، والآخر من باب السعادة ،
وينسب المحمل الذى يخرج من مصر لاسم «فاطمة» ، والذى يخرج من باب السعادة لاسم
عائشة الصديقة رضى الله عنهما.
ورتب فى سنة (٩٦٧)
إرسال محمل من اليمن وابتداء إرساله فى عهد ولاية المرحوم مصطفى باشا. وكان لهذا
المحمل أمير الحج وقائد وشيخ من قبيلة بنى مرزوق ، وكان حجاج اليمن من قبل ذلك
يذهبون ويرجعون بقوافل سريعة ، وكان اسم المحمل الذى أخرج من اليمن «حيسى» وسمى
كذلك لأنه كان يخرج من مدينة «حيس» الشهيرة كانت حيس مدينة معمورة واقعة على بعد
مرحلة من جنوب مدينة زبيد ، وقد اخترعت تلك المحامل من قبل (أبو الحسن أحمد بن
محمد بن القاسم بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل المحاملى من المحدثين الكرام وولداه
«محمد ويحيى» وأخوه «أبو القاسم» ، وفى عهد الحجاج الظالم وكان أعلاه مخروطى الشكل
وتحسن شكله بمرور الأيام ، وزين فى عهد فاتح مصر والشام السلطان سليم بكسا مذهبة
وستائر لطيفة.
وجهز السلطان سليم
في سنة (٩٢٣) وفى الثامن من شهر شوال فى مدينة دمشق الشام محملا لا مثيل له فى
العظمة والأبهة ، وسلمه لقافلة الحجاج التى ذهبت فى ذلك العام ، وأرسله إلى مكة
المكرمة ، والقلم يعجز عن وصف ما كان عليه ذلك المحمل من نظام وأبهة وعظمة.
إن أول محمل أرسل
إلى الحجاز فى الدولة العثمانية العلية لهو ذلك المحمل المذكور الذى جهزه السلطان
المشار إليه ، ومازال إلى الآن يرسل على نفس الهيئة والشكل.
والمحمل الذى أمر
السلطان سليم بصنعه كان محفة ذات أربعة أركان عليها قبة وأركانها الأربعة مزينة
وقبتها كرة من الفضة ، وعلى الكرة التى فوق القبة علم ذهبى ، وقد كتب على قماش
ستارة القبة منسوجا العبارة المنجية (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ، وفى
زماننا عندما ترسل هذه المحفة إلى الحجاز تبعث معها
الصرة السلطانية
جريا على العادة المعهودة المرعية ، وفى ذلك اليوم تخرج المحفة فى احتفالات عظيمة
من قصر السلطان الساحلى ، وتحمل على سفينة خاصة إلى شاطئ اسكدار فى نفس اليوم
لوداع العطايا السنية لبعض الذوات الذين جرت العادة على نفحهم العطايا السلطانية.
وصول الصرة إلى أرض الشام وخروجها منها
يستريح أمين الصرة
فترة قصيرة بعد ما يضع الصرة السلطانية التى وضعت فى عهدته فى المكان الخاص الذى
عين له في دمشق ، ثم يسرع بالخروج إلى الطريق مستصحبا موكب الحج ، ويبتدر بالتوجه
إلى الجهة المقصودة.
وبما أن تشييع
موكب الحج من العادات المستحسنة للبلد ، ففى اليوم الذى يخرج فيه المحمل الشريف من
الشام تذهب هيئة مكونة من مؤذنى الجامع الأموى ، وموظفى الدولة وخدمها والجنود
النظاميين ورجال الشرطة السلطانية ـ بناء على عادة قديمة متبعة ـ إلى المكان
المبارك الذى تحفظ فيه الراية المحمدية المقدسة ، والذى يقع فى داخل قلعة الشام ،
ويمرون بها من أمام الدائرة الحكومية ، ويوصلونها إلى المكان الذى أعد لها من قبل
فى دائرة المشيرية العالية ، وفى غير ذلك اليوم يسير جميع الموظفين المدنيين
والأمراء والضباط والعلماء ذوى المكانة والوجهاء مرتدين ملابسهم الرسمية ذاكرين
الله قارئين الأدعية المنجية مكبرين مهللين أمام موكب المحمل ، بينما تعزف فرقة
الموسيقى السلطانية الألحان الموسيقية المناسبة ، ويوصلون المحمل إلى الخيمة التى
أقيمت بالقرب من قرية قدم شريف ، وهى على بعد ساعة من دمشق حيث يستقبلهم الوالى
والأعيان وكبار موظفى الدولة الذين كانوا فى انتظار المحمل الشريف ، وهناك تجرى
مراسم للتسليم والتسلم ، ثم يبعث بالمحمل إلى أراضى الحجاز المقدسة. وكانت من
العادات المتبعة عندما تخرج الصرة السلطانية من باب السعادة أن يوزع السلطان (١٤٤٤٦)
قرشا ونصف قرش ، وكان ذلك المبلغ يوزع على النحو التالى : (١٥٢٥) قرشا لموظفى
أمانة الصرة ، (٦٠٠) قرشا لبعض الجمالين ، (٧٢٠٠) قرشا للعاملين فى إدارة السندات
النقدية ، (٥١٢١) قرشا للذين اجتمعوا في داخل القصر السلطانى وقت خروج المحمل.
إن مبلغ (٧٢٠٠)
قرش الخاصة بإدارة المصارف والسندات المالية يعطى (٥٠٠) من (١٠٠٠) لموظفى قيد
الحجاز من قبل أمانة الصرة ويعطى (٣٧٠) قرشا من (١٢٠٠) قرش الخاص بموظفى إدارة
المصارف والأقلام الأخرى إلى كتبة إدارة السندات وحراسها ، كما يعطى (٨٠) قرشا
لرفيقة قيد الحجاز ، و (٧٥٠) قرشا عطايا قديمة لموظفى الصرافة للخزينة ورفقائهم.
إن مبلغ (٥١٢٠) قرشا السلطانى ونصف قرش السابق الذكر اعتبر صرفه فى داخل القصر
السلطانى خاص بمؤذنى العصر والحراس وخدم القصر.
ويتصدق بمبلغ (٤٩٠٠)
قرش عند إخراج الصرة السلطانية إلى الأراضى الحجازية على الفقراء الذين يجتمعون
أمام الباب الأوسط للقصر السلطانى على غير تعيين ويصل مجموع المبالغ التى توزع عقب
إخراج الصرة السلطانية إلى (١٩٣٤٦) قرشا إلا أن النقود التى اعتيد صرفها لمشايخ
التكايا والأئمة والخطباء خارج هذا الحساب.
ويمكن أن تصل
المبالغ التى اعتيد صرفها من قبل أمانة الصرة منذ خروج الصرة السلطانية من القصر
السلطانى إلى اسكدار ومنها إلى أراضى الشام إلى (١٧٨٦٠) قرش ، إن المبلغ المذكور (١٧٠٠٠)
وكسور قرش خاص من قديم بالذين ينزهون جمال المحمل أمام السلطان وبرؤساء المصفقين
وخدم الطريق وخدم الإسطبل السلطانى الخاص وللرقباء المصفقين وبأنفار الطريق وبوابى
الحرم السلطانى وبالذين يحضرون الدواب ، وبالأنفار الذين يصاحبون موكب الصرة
السلطانية ، وخدمة دائرة الباشا ، ورؤساء الجمالين وموظفى صناديق البخور ومترجمى
الحرمين وخدمة البوابة والحراس ، والأوقاف السلطانية ، والذين يعينون على وضع
المحفة على الحيوانات ، وبعض حراس الأضرحة الآخرين ممن يجب تقديم المعونة لهم.
صورة إجراء حفل موكب المحمل فى مصر
من السنن القديمة
التى يؤخذ بها فى مصر إعداد موكب عظيم للمحمل الذى يبعث به من مصر إلى الحجاز فى
أواخر شهر شوال ، وعندما يحل الموسم
الخاص بذلك يحضر
فى المكان الخاص لاستقبال موكب المحمل فى ميدان محمد على وزراء الداخلية والجهادية
والأشغال ومحافظ مصر والباشوات والوجوه والأعيان بينما يصطف فى أركان ذلك الميدان
جنود نظاميون واقفين في حالة الانتباه والسلام ، ويسلم المحمل الشريف بكل وقار
وأدب إلى يدى الشخص الذى نصب أمير الحج.
وتطلق المدافع
إيذانا لذلك الأمر ثم يشيعون موكب المحمل الشريف إلى مكان يطلق عليه «العباسية».
ويسير خلفهم
كتيبتان من الجنود وعلى ظهورهم آلاتهم الموسيقية وبعدهم الضباط الحربيون ، وبعدهم
المحمل الشريف ، وبعدهم الفرسان وتزدحم الطرق بالمشاهدين ازدحاما شديدا ، ويقوم
رجال الشرطة بالمراقبة والحراسة تحسبا لما قد يقع مما يخل بالآداب العامة.
وإن كان الاحتفال
بموكب المحمل الشريف من العادات القديمة إلا أنه لم يكن منظما ، وقد اعتنى فيما
بعد بهذا الاحتفال أعظم عناية ولا سيما فى هذا الزمن الذى ترقى فيه الناس ، وقد
وصل المحمل المصرى فى نظامه وعظمته وجلاله إلى درجة تحير العقول.
وقد صنعت ستارة
المحمل الشريف في سنة (١٢٩٣) فى ظل المبرة السلطانية في غاية الجمال ونقشت الآيات
الكريمة والأحاديث الشريفة التى على الستارة نسجا فى غاية الجمال ، وكانت الخطوط
التى كتب بها الآيات والأحاديث تقليدا لخط عبد الله زهدى بك وهو من كبار الخطاطين
ولا شك أن منظرها الجميل كان يفوق سابقتها بمراحل.
ولا سيما وضع
الطغراء السلطانية التى تتوسط الكسوة والتى تحمل صفات السلطان الحميدة كان مستحيلا
ألا يوجب تعجب الناس.
وإن كان المحمل
الشريف مثل القفص ومصنوعا من الخشب إلا أن غطاؤه كان نوعا من الحرير الأسود ،
وعليه بعض الآيات الجميلة منسوجة «بالصرمة»
(الخيوط الذهبية)
وفى الجهة الأمامية صورة مكة المعظمة وفى أعلاها الطغراء وقد نقشت على سطح جهاته
الأربعة أزهار بالخيوط الذهبية ، وبعض أماكنه نسج بخيوط حريرية خضراء وحمراء
كالحواشى.
أما أطرافه فقد
زينت بأهداب من خيوط ذهبية خالصة ، ووضعت في أركانه الأربعة وفوق وسطه كرات من
الفضة وفوق كل واحدة منها راية ذهبية ، ووضع فوق المركز الرأسى محفظة مذهبة جميلة
ووضع داخلها مصحفان.
الذيل :
إن المحمل الشريف
الذى حاز إعجاب الناس قد جددت كسوته بما بذله السلطان من نقوده الخاصة ، ولا يسعنا
إلا أن نحكم ـ إذا ما رجعنا إلى ضمائرنا ـ أن كل هذا قد تم بالهمّة السلطانية التى
وهبها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لذاته السلطانية.
إن ما بذله هذا
السلطان بايزيد من نقود للآثار الخيرية نتيجة لمروءته وهى من أشرف الخلال والصفات
وهى التى تدفعه إلى نيل شرف الاهتداء إلى صنع المحاسن فى كل زمان ومكان. والسلطان
الذى له صفات عمر الفاروق لا حاجة له فى وصف مزاياه ولا الإطناب فى سجاياه ، ونحن
فى هذا الصدد نغض النظر عن وصف بره وإحسانه مكتفين بذكر ما اختص بالمحمل الشريف
حتى وصل إلى هذه الدرجة من الإتقان والجمال.
وإننا نسأل صاحب
اللطف والعطايا أن يقر السلطان الغازى خادم الحرمين الشريفين وحامى حمى الدين
المبين : السلطان عبد الحميد خان الثانى بمزيد من العظمة والقوة والشوكة على عرشه
، ويديم ملكه حتى يملأ قلوب سكنة الحرمين الشريفين بالفرحة والسرور ، ويجلى عيون
الموحدين بالفرح والحبور ، وهو ينشر أنوار عدله على الأراضى الحجازية.
* * *
الصورة الرابعة
فى مسألة تقسيم كسوة كعبة الله وبيانها
كان يوجد فيى
جاهلية العرب فوق الكعبة أشياء غالية متراكمة ، وفى أوائل الدولة الإسلامية قد
هيئت كسوة من قبل بيت مال المسلمين ، فأنزلت الأشياء الغالية من فوق كعبة الله
وقسمت بين المسلمين ، وكان عمر بن الخطاب فى عهد خلافته يقوم بتجهيز كسوة جديدة
لبيت الله ، ويعلقها عليه ، ويقسم الكسوة القديمة علي الحجاج المسلمين للتبرك بها
وأظهر عثمان بن عفان تعظيما لكعبة الله بأن كساها بقطعتين من الكسا ، وأرسل معاوية
بن أبى سفيان بعض الأقمشة الغالية من الشام ، وأمر شيبة بن عثمان (رضى الله عنه)
بأن ينزل كسوة الكعبة العتيقة ويعلق الكسوة الجديدة على الكعبة ، بعد تنظيف جدران
كعبة الله الأربعة ، وبعد تعليق الأقمشة الجديدة الواردة إلى الكعبة قطع الستارة
القديمة قطعا صغيرة أمام ابن عباس ـ رضى الله عنه ـ ووزعها على سكان حرم الله
وقسمها.
ولم يستكره عبد
الله بن عباس ولم يستهجن ما صنع شيبة ابن عثمان من تقسيم الكسوة الشريفة وتوزيعها
، إيماء إلى جواز ذلك ورأى بعضهم أنه لا كراهية فى ذلك.
ذهب شيبة بن عثمان
لما كثرت كسا كعبة الله إلى أم المؤمنين زوج النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ السيدة
عائشة ـ رضى الله عنها ـ وقال لها : يا عائشة كثرت كسا بيت الله عليه ، ما رأيك لو
خلعنا الكسا القديمة ودفناها حتى لا يكتسيها الجنب من الرجال ، والحائض من النساء»
فقالت المشار إليها : إن كنتم لم تفعلوا ذلك إلى الآن فلا تفعلوه بعد ذلك ، فلا
بأس فى أن يأخذ قطع هذه الكسا من يأخذ وليفعل بها ما يشاء ، ولكن إذا ما بعتم هذه
الكسا القديمة وأنفقتم ثمنها فى وجوه الخير أفضل».
وقال أئمة المذهب
الحنفى : الرأى فى التصرف فى كسوة بيت الله متروك للسلطان.
قال القاضى الخانى
: عند ما تقدم كسوة كعبة الله فليأخذها سلطان الزمن ، ولينفق ثمنها فى أمور بيت
الله.
وقال الإمام محمد
إذا ما قدم لإنسان ما قطعة ثمينة من كسوة الكعبة الشريفة فليأخذها ولا بأس فى أخذ
الفضة إذا كان ثمنها قليلا» كما قيد فى تتمة الفتاوى.
وقال الإمام
الزركشى وهو من أئمة المذهب الشافعى بعد أن منع بيع ستارة بيت الله : أوصى بأن
يردها من أخذها. وقال ابن الصلاح هذا الموضوع متروك لرأى ملك ذلك العصر وإرادته ،
لأن الملوك السابقين كانوا يهدون الكسا القديمة لبنى شيبة ، وهؤلاء كانوا يبيعونها
وينفقون ثمنها فى أمورهم الخاصة ، وأشار بهذا إلى أنه لا كراهة في بيع الكسوة.
وبناء على رأى
القطب المكى وحكمه ؛ إذا كانت الكسوة قد صنعت بالإنفاق من بيت مال المسلمين فالأمر
فى الكسوة القديمة متروك لرأى الملك ، وإذا كانت الكسوة قد صنعت بأموال وزارة
الأوقاف فالحكم فى الكسوة متروك لشرط الواقف ، وينفذ شرطه وإذا كان شرط الواقف غير
مشروع تنفذ أحكام الوقف السابقة ، ويجرى عليها حكم الكسوة السابقة ، ولما كانت الكسوة
الشريفة في عصرنا هذا تبعث من خزانة وزارة الأوقاف السلطانية ، وكان شرط الواقف
مجهولا يبقى الحكم كما كان قديما فتعلق الكسوة الجديدة ، وتخلع الكسوة القديمة
وتقطع قطعا وتباع.
وقد جرت العادة أن
تكون ستارة كعبة الله المزركشة وحزامها القديم من نصيب الشخص الذى يشغل منصب شريف
مكة ، وكسوة بيت الله الشريفة من حق حامل مفتاح بيت الله السيد شيبة.
إن ستارة باب كعبة
الله ترسل إلى باب السعادة فى سنين الحج الأكبر ، وتباع للصياغ فى الأعوام التالية
، والخواتم التى تجلب من مكة تصنع من الخيوط
الذهبية لهذا
الحزام ، ويمكن رؤية ستارة باب كعبة الله عليه ولكننا رأينا أن نصفها بالإجمال.
وصف الستارة
الشريفة
إنها مصنوعة من
أطلس أخضر وفى أطرافها خط من أوراق بلوط منسوج بالخيوط الذهبية ، وفى الداخل كتبت
سورة الفاتحة وآيات أخرى وزين ما بين آيات سورة الفاتحة بأسماء الجلالة المتعددة ،
وقد كتبت في الجزء الأعلى من الستارة في جهة باب كعبة الله الآية :
(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها) (البقرة : ١٤٤)
وفى ذيلها (إِنَّهُ مِنْ
سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (النمل : ٣٠).
(وَقُلْ رَبِّ
أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ
لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً) (الإسراء : ٨٠).
وتحتها (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ
الرُّؤْيا بِالْحَقِ) (الفتح : ٢٧)
وفى طرفى هذه
الآيات كتب (بسم الله) مزدوجا في أربعة أماكن فى شكل قطع ناقص ، وبعده كتبت آية
الكرسى علي أربعة أسطر وفى سطر هذه الخطوط كتبت سورة الإخلاص بشكل قطع ناقص ، وفى
نهاية آية الكرسى كتبت سورة الإخلاص على سطرين ، وكتب تحتها اسم السلطان عبد
الحميد وشهرته ، وعلى طرفيه كتبت الجمل. لا إله إلا الله الملك الحق المبين محمد
رسول الله الصادق الوعد الأمين.
* * *
الوجهة الخامسة
تجمع أربع صور توضح وتعرف أوضاع مبانى
المسجد الحرام القديمة وأبوابها وعددها وأعداد أعمدتها وشرفاتها وصورها.
* * *
الصورة الأولى
فى تعريف وضع المسجد الحرام القديم
حينما أسس إبراهيم
ـ عليه السلام ـ كعبة الله لم يكن حولها منازل ولا بيوت ولا حوانيت ، كما أن طوائف
العمالقة والجراهمة وأقوام خزاعة لم يرغبوا فى بناء المساكن حول الكعبة ، ولكن (قصى)
بن كلاب حينما استولى على تدبير أمور بيت الله ، وأصبح واليا على المدينة الشهيرة
، وأخذ مفتاح كعبة الله فى يده القوية. وتولى على عاتقه تدبير شئون القبائل ، جمع
أفراد قبيلة قريش ونصحهم بأن يسكنوا فى أطراف كعبة الله المفخمة ، وأسس بنفسه مبنى
دار الندوة كما جاء فى الصورة الثامنة من الوجهة الثانية.
وكان المكان الذى
بنى فيه قصى بن كلاب دار الندوة جهة الزاوية التى يطلق عليها الركن الشامى ، وفى
الساحة التى يوجد فيها المقام الحنفى المتصل بأرض المطاف ، حيث يصلى إمام المذهب
الحنفى الصلوات الخمس داخل هذا المقام ، وأخذ القرشيون فى بناء منازلهم حول
الجوانب الأربعة لكعبة الله حتى زاد عددها عن العدد والحصر ، وأصبحت مكة المكرمة
مدينة عظيمة كثرت شعابها ومحالها كما نراها اليوم.
ولد النبى صلى
الله عليه وسلم فى منزل يقال له مولد النبى ، وهو فى الحى المشهور بشعب على «ثم
شرف دار خديجة الكبرى رضى الله عنها الواقعة فى شعب بنى هاشم بالسكن فيها.
* * *
الصورة الثانية
فى عدد أعمدة المسجد الحرام القديمة وذكرها
كان بالمسجد
الحرام قبل التجديد (٤٩٦) عمود ، بإخراج أعمدة باب دار الندوة الزائد وأعمدة دار
إبراهيم الزائد ، وكانت سبعة وعشرين منها فى أبواب المسجد و (٤٦٩) منها تحت سقوفها
وكانت ثمانية وثمانون عمودا من تلك الأعمدة فى الجهة الشرقية (١٤٥) منها فى الجهة
الشمالية (٨٧) منها فى الجهة الغربية و (٨٧) من أعمدة الجهة الشرقية كانت من قطعة
واحدة من الرخام وعمود كان من الطوب اللبن المحروق ، و (١٤) عمودا فى الجهة
الشمالية كانت من الحجر المنحوت ، (٢٥) عمودا فى الجهة الجنوبية كانت من الحجر
المنحوت ، وكذلك جميع أعمدة الجهة الغربية وأما الباقى فكان من الرخام.
وكان حول الجوانب
الأربعة لدار الندوة الزائدة (٦٦) عمودا وكانت كلها مصنوعة من الحجر العادى ، إلا
أنها أشبهت الرخام بطلائها بمؤنة جيدة. وكان السلطان الغورى المصرى قد أرسل خيرى
بك من كبار موظفى الدولة المصرية فى عام (٩١٧) لتصليح وتعمير بعض أجزاء المسجد
الحرام المحتاجة إلى الترميم ، وعمر خيرى بك باب إبراهيم الزائد وأسس فوقه قصر
يعادل الخورنق ، ومسجدا وعدة منازل أضاف إليها ما تحتاجه المنازل من المغاسل
وخزانات المياه ، ووقفها باسم السلطان ، وبنى على طرفى الباب المذكور الزائد غرفا
من طابقين لإيواء الفقراء والصلحاء من الناس ، وأنشأ صهريجا يملأ عند نزول المطر
فى الجهة الجنوبية من الباب وكذلك أنشأ سبيلا لا مثيل له.
وأنشأ خوش كلدى بك
بأمر تلقاه من السلطان سليمان فى سنة (٩٤٧) مخزنا من غرفتين لحفظ قناديل بيت الله والأشياء الخاصة بالمقام الحنفى.
__________________
الذى كان بنى فى
خلال عام (٨١٥) وعقب ذلك بنى أعمدة باب إبراهيم الزائد مصنوعة من الرخام.
إن الأعمدة التى
أمر بصنعها خوش كلدى بك ، فى باب إبراهيم الزائد كانت أحد عشر من أعمدتها فى الجهة
التى يقع فيها الرواق الجنوبى ، وستة فيها فى الجهة التى يقع فيها الرواق الشمالى
، وكانت كلها من الحجر المنحوت فى المقام الحنفى بعد سنة من تعمير المقامات
المذكورة ، لأن مبانى المقام الحنفى كانت أكبر نسبيا بالنسبة للمقامات الأخر ، وقد
شرع فى تجديده سنة (٩٤٧) وأتمه فى سنة (٩٤٩) ، بينما أتم تعمير المقامات الأخرى فى
سنة (٩٤٨) ، وأمكن استخدام مبانى مقام إبراهيم التى هى أثر من آثار (خوش كلدى) بك (٦٨)
عاما ، إلا أن رواد المقام الحنفى وجماعاته زادت سنة بعد سنة وضاق بهم ، ولما أبلغ
الأمر إلى باب السعادة هدم محمد باشا والى مصر ذلك المقام وأنشأه من جديد بناء على
الفرمان السلطانى الذى تلقاه.
كما أنه قد رمم
قطع رخام المطاف ونظف مجرى عرفات وجدد كسا الأعمدة الداخلية للبيت المعظم ونظف
كعبة الله بأن رفع أكوام الكناسة التى حول الكعبة.
وبما أن محراب
المقام الحنفى الذى وسعه محمد باشا كان قد أسس فوق ساحة المطاف الشريف ، فكانت
صفوف المسلمين المصلين فى داخل الحرم ترى غير منتظمة من خارج الحرم وفى سنة (١٣٠١)
أى بعد توسيع المقام الحنفى بمائتين وأربع وثمانين سنة ، أخرج والى الحجاز عثمان
باشا الجهة التى تقع بالمحراب فى ساحة المطاف وحركها نحو جهة باب إبراهيم الزائد ،
وانتظم الصف الذى يقع فى هذه النقطة ، وهكذا نال ثواب هذا العمل الذى أتمه ، بناء
على الأمر السلطانى ، ومازال عثمان باشا واليا على الحجاز.
لازمة
إن المقامات الأربعة
الخاصة بأئمة المذاهب الأربعة من جملة المستحدثات التى
لا محل لها فى
الشريعة الإسلامية ، وقد أنشئت فى سنة (٨١٥ ه) حينما كان يحكم مصر فرج بن برقوق
بن أنس من ملوك الشراكسة. وأراد شاه إيران نادر شاه أن يزيد المقامات إلى خمسة
بإنشاء مقام خاص للمذهب الجعفرى ، إلا أنه لم ينل مطلبه وخاب فى مسعاه.
* * *
الصورة الثالثة
تعرف عدد شرفات المسجد الحرام القديمة وهيئتها
الشرفات جمع كلمة
شرفة وهى نوع من أنواع الزينة فى المبنى يطلق على الأماكن البارزة العالية فوق
جدران القلاع ، وقد يجمع على شرف أيضا ويتوارى الجنود خلفها فى أثناء الحروب ،
وكان للمسجد الحرام قبل التجديد أربعمائة من الشرفات الكاملة ، وسبعة من الشرفات
النصفية الداخلية ، واثنين وخمسين من الشرفات الخارجية الكاملة ، وشرفة واحدة
خارجية غير تامة ، وسواء أكانت الشرفات الخارجية أو الشرفات الداخلية ما كانت تتجمع
فى مكان واحد أو اثنين ، بل كانت متفرقة فوق أبواب المسجد الحرام.
وكان فى كل باب
عدة شرفات ، وقد بنيت بين الشرفات مساكن ومنازل وأربطة ومدارس ، وهذه الأماكن تخلو
من الشرفات ، وكان لدار الندوة الزائدة (٢٧) شرفة ولباب إبراهيم الزائد (٤٤) شرفة
وكانت كلها ترى من داخل الحرم الشريف.
ليس هناك مؤرخ إلى
عصر وليد بن عبد الملك يعرف شيئا عن وجود الشرفات فى المسجد الحرام لذا حكم أن
تزيين الحرم الشريف بالشرفات أثر من آثار وليد بن عبد الملك.
* * *
الصورة الرابعة
تعرف أبواب المسجد الحرام القديمة وتبين عددها
كان للمسجد الحرام
مقدما تسعة عشر بابا عاليا مبنيا على عقدين وكان باب أقيم على كمرين مثل جسر ، ذو
فتحتين ومازالت بعض هذه الأبواب ، محتفظة بأشكالها القديمة وهى معروفة لدى الناس.
وكل باب كان له فتحتان إلا أن الاثنين يطلق عليهما اسم واحد. ويطلق مثلا على
البابين المجاورين اسم باب السلام ، وعلى هذا الحساب يجب أن يصل عدد طاقات الأبواب
وكمرها إلى ثمانية وثلاثين كمرا ، إلا أن معمار المدرسة السليمانية قد أضاف فوق
أحد هذه الأبواب كمرا عاليا ، وهكذا أوصل كمر الأبواب إلى تسعة وثلاثين كمرا.
* * *
الوجهة السادسة
وقد رتبت على ست صور وتجمع قباب المسجد
الحرام وأبوابه على هيئتها الجديدة وتبين عددها وشكلها وخريطة مسطحة مع بعض
الجداول.
* * *
الصورة الأولى
تعرف ما حدث للمسجد الحرام بعد تجديده من تغيير فى الشكل
وإن كان رسم
المسجد الحرام القديم على شكله الذى ذكرته فى الوجهة القديمة ، إلا أن طوله فى
زماننا من باب السلام إلى باب العزة (٥٣٧) قدما ، وعرضه من باب الصفا إلى باب دار
الندوة الزائدة (٥٠٠) قدما ، و ٦٧ منه فى الشرق ، ٨١ منه فى الشمال ، ٣٦ منه فى
الغرب ، ٣٣ منه فى الجنوب ، وخمسة منه فى جهة دار الندوة ، ٦٠ منه فى باب إبراهيم
الزائد ، وله ٢١٨ عمودا رخاميا والأعمدة التى فى الجهة الغربية عددها ٦ ، و ١١
عمودا فى الجهة الجنوبية ، وأحد أعمدة باب دار الندوة مصنوع من حجر الصوان ،
والباقى كله من الرخام.
ويبلغ عدد الأعمدة
المصنوعة من حجر يطلق عليه الشمليس بعد أن يقطع وينحت قطعا ٢٤٤ عمودا ، وشكل هذه
الأعمدة حسب ما يقتضى موقعها مسدس الشكل أو مثمن ، وكل عمود حجرى ابتداء من الأرض
يصنع من قطع حجرية صغيرة يطلق عليها حجر الصوان ، وأعلاها يصنع من قطع حجارة صفراء
كبيرة منحوتة. إن الأعمدة الحجرية الموجودة ابتداء من الجهة المقابلة لبيت الله أى
فى الجهة الشرقية عددها ٣٠ عمودا ، وتحت القبة التى فى الجهة الشمالية المقابلة
للميزاب الذهبى ٤٤ عمودا ، وفى الجهة الغربية باب مقابل الباب المسدود ومقابل
المستجار ٣٦ عمودا ، وفى الجهة الجنوبية تحت القبب التى تقابل الحجر الأسود ٧٦
عمودا ، وفى دار الندوة الزائدة ٣٦ عمودا ، وفى باب إبراهيم الزائد ١٨ عمودا ، وفى
كل ركن من أركان المسجد أربعة أعمدة ، وعند الحساب لا شك أن عددها سيبلغ ٢٤٤
عمودا.
الصورة الثانية
تبين عدد قبب المسجد الحرام وشكلها
إن للمسجد الحرام
خمسمائة قبة لطيفة ويطلق أهل مكة على (١٥٠) منها قبة ، وعلى ٢٨٠ منها طواجن ، وعلى
٦٢ منها مصليات ، ، إن ٢٤ منها فى الشرق ، و ٣٦ منها فى الشمال ، و ٣٦ منها فى
الجنوب ، و ٢٢ منها فى الغرب ، وواحدة منها فى ناحية مئذنة الحزورة ، وقبة فى
ناحية مئذنة دار الندوة ، و ١٦ منها فى ناحية باب إبراهيم الزائد وكلها تبلغ ١٥٠
قبة.
الطواجن جمع كلمة طاجن
وهو اسم نوع من القبب. الطاجن على وزن دامن تطلق على صحن يطلق عليه تابه أو طاوه
والمراد منه القبب التى صنعت على شكل (تابه) ، وعددها الكلى (٢٨٨) طاجنا. (٣٨)
منها فى الشرق ، (٥٩) منها فى الشمال ، و (٣٤) منها فى الغرب ، و (٦٤) منها فى
الجنوب ، وعددان منهما تحت مئذنة باب السلام ، وعدد منها فى ركن المسجد فى جهة باب
السلام ، وعدد منها فى باب العمرة ، و (٢٤) منها فى باب دار الندوة الزائد ، و (٤٧)
منها فى باب إبراهيم الزائد.
والقبب المسماة
المصليات تقع ثلاث منها فى الشرق ، (٢٤) منها فى الشمال ، و (١٨) منها فى الغرب ، و
(١٧) منها فى الجنوب ويبلغ مجموعها (٦٢) مصلية ، لا يمكن وصف هيئاتها وشكلها
بالكتابة فلا بد من رؤيتها.
* * *
الصورة الثالثة
تبين شرفات المسجد الحرام وعددها
للمسجد الحرام (٦١٢)
شرفة فى الجهة الشرقية ، و (٣٤١) شرفة فى الجهة الشمالية ، و (١٥٤) منها فى الغرب
، و (١٤٠) منها فى باب إبراهيم الزائد ، و (١٩١) فى دار الندوة الزائدة ، والبقية
فى الجهة الجنوبية ، ومجموع عددها (١٣٨٠) شرفة ، إن الشرفات الموجودة فى الشرق صنع
٢٧ منها من الرخام ، و (١٣٥) منها من حجر الشمليس وإحدى الشرفات الرخامية أعلى من
الشرفات الأخرى ، والشرفات التى فى الشمال (٧٨) منها من الرخام والقبة من حجر
الشمليس ، والثلاث الشرفات الرخامية أعلى من الأخريات ٢٢ من الشرفات التى فى الجهة
الغربية من الرخام والبقية من الزيادتين والتى فى الجهة الجنوبية كلها مصنوع من
حجر الشمليس.
* * *
الصورة الرابعة
فى بيان عدد أبواب المسجد الحرام وهيئاتها
والجهات الكائنة فيها وعدد شرفات أبوابه
وما هى الأسماء التى عرفت بها فى العهد الجاهلى
للمسجد الحرام ١٩
بابا عظيما ويفتح أربعة من هذه الأبواب إلى الجهة الشرقية وسبعة منها فى الجنوب
وثلاثة منها فى الغرب وخمسة منها فى الجهة الشمالية.
الأبواب الشرقية :
١ ـ باب السلام ٢ ـ باب النبى ٣ ـ باب
العباس ٤ ـ باب على.
ولكل باب من هذه
الأبواب تسع درجات داخلية وخمس درجات خارجية سواء أكان مراقى هذه الأبواب أو مراقى
الأبواب الأخرى أظهرها سليمان ، وكانت عتبات الأبواب الخارجية على مستوى الأرض ،
فإذا نزل قليل من المطر كان داخل الحرم الشريف يمتلئ بالماء.
١ ـ باب السلام :
كان فى الجاهلية
يشتهر باسم باب بنى عبد شمس بن عبد مناف ، وإن كان يعرف الآن بباب بنى شيبة ، إلا
أن اسمه الشهير هو باب السلام ، وله ثلاثة عقود ولما كان بناؤه القديم فى منتهى
الرصانة والمتانة فبقى على حاله القديم عند التجديد.
وكان الخلفاء
الذين يذهبون إلى مكة المكرمة لأداء الحج وأمراء مكة والأشراف يدخلون إلى المسجد
الحرام من باب السلام ، كما هو مسطور فى تاريخ الإمام الأزرقى.
٢ ـ باب النبى :
ويطلق على باب
النبى باب النساء وباب الجنائز أيضا. وإن لهذا الباب عقدين و ٢٤ شرفة ، وخربت هذه
الشرفات القديمة ، وعند تجديد الباب اكتفى بتجديد الشرفات فقط ، والشرفات الحالية
من آثار التعمير الجديد ، وبما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يشرف دار السيدة
خديجة ـ رضى الله عنها ـ خارجا من هذا الباب سمى بباب النبى.
٣ ـ باب العباس :
أسس باب العباس
على ثلاثة عقود ويعرف بباب الجنائز أيضا ، وبما أنه كان يقابل دار العباس بن عبد
المطلب لذا سمى فى وقتنا هذا باب العباس ، وما يطلق عليهما الميلان الأخضران قد
وضعا خارج هذا الباب.
٤ ـ باب على :
لباب على ثلاثة
عقود و ١٥ شرفة. ويشتهر بين المؤرخين بباب بنى هاشم ، وجدد على أكمل وجه ، إلا أن
كتب التاريخ تخبرنا بأن حالته القديمة كانت فى شكل أكثر نظاما ومتانة.
الأبواب الجنوبية
١ ـ باب بازان ٢ ـ باب البغلة ٣ ـ باب
الصفا ٤ ـ باب الجياد ٥ ـ باب مجاهد ٦ ـ باب مدرسة الشريف عجلان ٧ ـ باب أم هانئ.
لكل واحد منها تسع
درجات داخلية وخمس درجات خارجية.
١ ـ باب بازان :
وقد اشتهر هذا
الباب بباب بازان لقربه من البئر الذى يطلق عليها عين بازان ، وكان يطلق عليه فى
الجاهلية باب بنى عائذ كما هو مذكور فى كتب التاريخ القديمة. ولباب بازان عقدان و
(١٦) شرفة وقد جدد على شكل جميل.
٢ ـ باب البغلة :
وكان يطلق على هذا
الباب فى صدر الإسلام باب بنى سفيان بن أسد وباب الخياطين. ولباب البغلة عقدان
وبدون شرفة.
٣ ـ باب الصفا :
وكان أصل اسمه باب
بنى مخزوم ، وهو مواجه لباب الصفا لذا أطلق عليه باب الصفا ، ولهذا الباب ٥ أكمار
و ٣٩ شرفة. ومن ينظر إلى شكله يتأكد أن هذا الباب أعظم أبواب الحرم الشريف من حيث
الشكل ومتانة البناء والحسن والكبر.
٤ ـ باب الجياد :
لباب الجياد كمران
و ١٩ شرفة ، وقد جدد على شكل جديد ، يطلق على هذا الباب بين الأهالى باب الجياد
الصغير.
٥ ـ باب مجاهد :
لباب مجاهد كمران
و ٢٠ شرفة ، وباب الرحمة ، اسم آخر لهذا الباب ، وهذا الباب قد جدد تماما مثل باب
الجياد. بما أن هذا الباب أو باب الجياد كانا ينسبان لقبيلة بنى مخزوم فكان أفراد
هذه القبيلة يدخلون ويخرجون من هذين البابين.
٦ ـ باب مدرسة الشريف
عجلان :
ولهذا الباب كمران
وعشرون شرفة ، وكان فى القديم يسمى بباب بنى تميم وباب العلاقين ، وبما أنه كان
متصلا بالمدرسة التى بناها الشريف عجلان اشتهر بباب مدرسة الشريف عجلان ، وجدد على
شكل فى غاية الجمال.
٧ ـ باب أم هانىء :
كان اسم هذا الباب
قديما باب ملاعين وباب الولوج وباب العروج وباب
الجياد الكبير وباب أبى جهل. وبما أنه كان متصلا بدار أم هانئ بنت أبى
طالب ـ رضى الله عنها ـ أطلق عليه فيما بعد اسم باب أم هانئ ، وعندما جدد عمّر
بطريقة متينة وله كمران وثلاث عشرة شرفة.
كانت دار أم هانئ
متصلة بالجهة الجنوبية ، ويسار هذا الباب وفى النهاية بنى على أرضها مدسة ، وبما أن معجزة المعراج قد وقعت فى الليلة التى كان النبى
صلى الله عليه وسلم نائما فى هذه الدار لذا فزيارة هذه الدار واجبة لعشاق محمد صلى
الله عليه وسلم ، أم هانئ المشار إليها أخت سيدنا على وكريمة عم النبى صلى الله
عليه وسلم ، أبى طالب ، اسمها الحقيقى هند أو جميلة أو عاتكة أو حمامة أو رملة أو
فاطمة أو فاختة ولكنها اشتهرت بكنيتها لابنها هانئ من زوجها هبيرة بن عمرو
المخزومى ، وقد هرب هبيرة بن عمرو فى يوم فتح مكة رافضا الإسلام إلا أنه دخل فى
الإسلام فى نفس اليوم. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم ، ٤٦ حديثا.
ولما كان زوج أم
هانئ مشركا عزم على البقاء فى مكة فأراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يطيب خاطرها
بعرض شرف الزواج به إلا أنها اعتذرت عن الزواج خوفا من عدم قيامها بواجبات الزوجة
لكثرة أولادها.
الأبواب الغربية :
الأبواب الغربية هى ١ ـ باب خزورة ٢ ـ باب
إبراهيم ٣ ـ باب العمرة.
ولكل هذه الأبواب
٤ درجات خارجية ١١ درجة داخلية.
١ ـ باب حزورة :
وله كمران وليست
له شرفات ، وبما أنه لم يكن فى حاجة للتعمير ترك على
__________________
حاله القديم ،
وحزورة اسم والدة وكيع بن سلمة من أمراء مكة المكرمة ، عندما توفيت أم وكيع دفنها
بالقرب من ذلك الباب ؛ ولذلك اشتهر هذا الباب بباب حزورة. وكان اسمه القديم باب
بنى حكيم بن حزام ، باب بنى الزبير بن العوام وباب الخزاميه وأطلق عليه مؤخرا اسم
باب حزورة ، وفيما بعد باب الوداع وعند البعض كانت حزورة اسم سوق فى الجاهلية
وعندما وسعت ساحة المسجد الحرام ضمت أرض هذه السوق إلى المسجد الحرام ، ولما بنيت
مئذنة باب الوداع على ساحة هذه السوق فقيل للباب الذى كان متصلا بالمئذنة باب
حزورة.
ويقال فى رواية
أخرى إن (وكيع) بن سلمة كان والى مكة واقتضى الأمر أثناء ولايته تعمير بعض أماكن
الحرم الشريف ، ولما كلف بأعمال البناء بنى لنفسه بجانب باب حزورة قصرا خاصا به ،
وقد اعتاد أن يقيم فى هذا القصر من حين لآخر لأداء مهمته ، وكان قد عين غلاما يسمى
حزورة لحراسة هذا القصر لذا اشتهر ذلك الباب باسم هذا الغلام ، وبما أن الحجاج
يخرجون من هذا الباب بعد أداء طواف الوداع كان ذلك سببا بتسميته بباب الوداع ، ومن
الأصول المرعية الآن أن يغادر الحجاج مكة المكرمة بعد إتمام طواف الوداع بشرط ألا
يدخلوا الحرم الشريف بعد ذلك.
من معتقدات الأداء
والمطوفين أن الشخص الذى يتم طواف الوداع عند باب الوداع ، ثم يعود من داخل الحرم
إلى باب إبراهيم ويخرج منه ثم يسافر إلى بلاده فهذا يجعل هذا الحاج يعود مرة أخرى
لأداء الحج ، هذا العمل من الأمور المجربة والذين يراعون هذا النظام لابد أن
يعودوا مرة أخرى لأداء الحج ، ومن الأمور التى لا تحتاج إلى الدليل أو البرهان أن
الأشخاص الذين يرون تلك الأماكن المقدسة رؤية العين يتمنون أن يروا تلك الأماكن
مرات عديدة.
ولذا يخرج الأدلاء
الحجاج من باب إبراهيم.
وأنا مؤلف هذا
الكتاب وإن كنت ودّعت البيت خارجا من ذلك الباب ،
ولكننى إلى الآن
لم أنل أملى فى زيارة بيت الله مرة أخرى. وأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يقدر لى
ذلك.
٢ ـ باب إبراهيم :
كان يقال لهذا
الباب باب إبراهيم أبو عبيدة البكرى ، ويشتهر باسم شخص كان يمارس الحياكة بجانبه
اسمه إبراهيم ، وكان الشيخ سعد الدين الإسفرائينى صاحب كتاب نسبة الأعمال ومؤلفه
مقتنعا أن الحائك إبراهيم كان من أصفهان ، ولكن بعض الأفاضل قالوا إن المقصود
بإبراهيم هنا هو حضرة الخليل (عليه السلام) ، ولكن الإمام الأزرقى سمع هذا القول
قائلا إن الباب المذكور كان معروفا بباب الخياطين عند الأوائل ، وبناء على ادعاء
الإمام الأزرقى أن اسم ذلك الباب كان باب الخياطين قديما وكان له مدخلان وبنى
أخيرا فى عهد السلطان الغورى فوق كمرتين قصر مشيد ، وعند عمارته قد جدد طبقا لشكله
القديم وله الآن مدخل ذو كمر واحد والقصر الذى فوقه خصص لإقامة رؤساء السادات.
٣ ـ باب العمرة :
إن لهذا الباب كمر
وثمانى شرفات وكان اسمه القديم باب بنى سهم ، وبما أنه أصبح من عادة البلد أن يخرج
ويدخل الحجاج الذين يذهبون إلى التنعيم من هذا الباب يسمى ذلك الباب بباب العمرة ،
وقد جدد على أجمل شكل وأحسن هيئة.
الأبواب الشمالية
الأبواب الشمالية وهى : ١ ـ باب السدة ٢
ـ العجلة ٣ ـ باب القطبى ٤ ـ باب دار الندوة الزائد ٥ ـ باب الدريبة.
ولكل واحد من هذه
الأبواب ثلاث عشرة درجة داخلية وأربع درجات خارجية.
١ ـ باب السدة :
كان يطلق على هذا
الباب قديما باب عمرو بن العاص ، الباب العتيق ، والآن يعرف باسم (باب السدة) ،
وله ثمانى شرفات وكمر واحد وعند تعمير الحرم الشريف قد هدم تماما وبني من جديد.
٢ ـ باب العجلة :
يعرف هذا الباب
بباب البسيطة أيضا لوجوده متصلا بمدرسة عبد الباسط. وله كمر واحد وتسع شرفات وقد
بنى من جديد فى عصر السلطان سليمان خان.
٣ ـ باب القطبى :
إن هذا الباب مبنى
تحت كمر واحد وفى الجهة الغربية من باب الندوة الزائد ، وبما أنه لم يكن فى حاجة
إلى الترميم ترك على حاله القديم.
٤ ـ باب الندوة
الزائد :
لهذا الباب كمران
و ٢٢ شرفة ، ويقع بالجانب الشمالى لباب القطبى ، وقد أضاف قاسم بك الذى كان أمين
البناء عند بناء المدارس الأربع السليمانية كمرا آخر فتغير شكله القديم. وعندما
كان يجدد الحرم الشريف انهارت تلك الأكمار الثلاثة فبنى على كمرين وفق الرسم
القديم ، وصنع له اثنين وعشرين شرفة بغية التزيين.
وبما أن شيبة بن
عثمان قد اعتاد أن يدخل ويخرج من ذلك الباب قد عرف فى الأول «بباب دار بنى شيبة بن
عثمان».
٥ ـ باب الدريبة :
إنه باب تحت مبانى
المدرسة السليمانية ذو كمر واحد وقريب من باب السلام وفى اتصال المدرسة
السليمانية. وقد جدده أمين بناء المدرسة السليمانية على كمر واحد.
الصورة الخامسة
تعريف مفصل لمآذن المسجد الحرام
وعددها ومقدميها وعدد مآذن مكة المعظمة وأماكن وجودها
للمسجد الحرام سبع
مآذن فى زماننا وتسمى مئذنة ، باب العمرة ، ومئذنة باب السلام ، ومئذنة باب على ،
ومئذنة باب الوداع ، ومئذنة باب الندوة الزائدة ، ومئذنة قايتباى ، ومئذنة
السليمانية ، وجميع هذه المآذن موجودة الآن ويؤذن فوقها الأذان المحمدى.
١ ـ مئذنة باب العمرة
:
وإن لم ليكن
معروفا الذى بنى مئذنة باب العمرة إلا أن أول من جددها (١) هو أبو جعفر المنصور
الدانقى من خلفاء بنى العباس. وقد أصلحها ودعمها محمد الجواد بن على بن منصور
الأصفهانى وزير صاحب الموصل فى سنة مائة خمس وخمسين ، وهدمها السلطان سليمان خان
فى سنة (٩٣١) وجددها السلطان مراد الثالث ، وكان شكلها قبل هدمها مثل مآذن مصر
القاهرة إلا أنها كانت قديمة فهدمت حتى أسسها الأرضية ، وبنيت على طرز مآذن
الممالك الرومية ، وللمئذنة الجديدة شرفتان وعلى شكل مسدس وفى غاية الجمال من حيث
البناء.
وفى عهد الإمام
الفاكهى كان رئيس مؤذنى الحرم الشريف يبدأ الأذان من مئذنة باب العمرة ، وكان
مؤذنو سائر المآذن يقتدون به واستمرت هذه الحالة إلى عهد تقى الفاسى المكى من
المؤرخين الكرام ، وأخذ المؤذن الإمام من ذلك العهد يؤذن من فوق مئذنة باب السلام
والآخرون يقتدون به ، وفى عصرنا هذا يؤذن
رئيس المؤذنين
الشافعى المذهب من المحفل الشافعى الكائن فوق بئر زمزم وبعده مؤذن باب الوداع
ويقتدى بقية المؤذنين بهما.
والمنظومات
الجميلة الحسنة الشاملة مثل التسبيح والتمجيد والتذكير والتوديع تجرى مثل ما هو
مكتوب.
الأوراد التى تقرأ
على المآذن فى الليالى
قد حصلت على نسخة
تحتوى على الأوراد والأذكار التى تقرأ فوق مآذن الحرم الشريف قرب الصبح. ولما
توقعت أن تكون مفيدة رأيت إدراجها وكتابتها.
* * *
الصورة الصحيحة للذكر والتهليل
اللتين يقرؤهما
المؤذنون فى آخر الليالى على مآذن الحرم الشريف
لا إله إلا الله
سيدنا محمد رسول الله (٣ مرات) ، لا إله إلا الله ولا نؤمن إلا بالله (٣ مرات) ،
لا إله إلا الله ولا نتوكل إلا على الله (٣ مرات) ، لا إله إلا الله ولا نستعين
إلا بالله (٣ مرات) ، لا إله إلا الله أمانا وخوفا من عذاب الله (٣ مرات) ، لا إله
إلا الله يا قومنا أجيبوا داعى الله (٣ مرات) ، لا إله إلا الله الكريم الذى إذا
سئل أعطى إذا استعين أعان لا إله إلا الله الحكيم الكريم الذى إذا قطر قطرة من بحر
جوده وكرمه ملأ بها الأكوان.
لا إله إلا الله
الحكيم الكريم الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، لا إله إلا الله يا
سعادة من قام من منامه ولذيذ أحلامه وذكر الله العظيم بقلبه ولسانه ، وقال لا إله
إلا الله سيدنا محمد رسول الله النبى الصادق الفاتح الخاتم ، وسيلتنا العظمى إلى
الله يوم العرض على الله ، هذه الشهادة عليها نحيا وعليها نموت وبها نبعث إن شاء
الله من الآمنين الفائزين المستبشرين برحمة الله وكرمه ، ما شاء كان وما لم يشأ
ربنا الكريم لم يكن ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
إخطار :
فى ختام التكبير
سالف الذكر يقرأ الاستغفار الذى سيكتب فيما بعد ، وبعد الاستغفار يدور بالمئذنة
عشرين مرة وفى كل دورة يقرأ التسابيح الشريفة وعقب الدورة العشرين يؤذن أذان
الصباح. انتهى.
الصورة الشريفة للاستغفار
أستغفر الله
العظيم الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأتوب إليه ، وأسأله التوبة والمغفرة لى
ولوالدى ولمن أحسن لى ولمن أساء إلى ولأصحاب الحقوق على ، ولجميع المؤمنين
والمؤمنات المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا مولانا يا رب سميع
قريب مجيب الدعوات ، القائل تعالى فى محكم الآيات البينات على لسان محمد سيد
السادات (إِنَّ الْحَسَناتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ
وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها
أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التوبة : ٢١ ـ ٢٢).
١ ـ تسبيح الدورة
الأولى :
سبحانه وتعالى إله
عزيز جبار وملك عفو غفور قوى قادر مقتدر قهار.
للذنوب غافر
|
|
وللعيوب ساتر
|
وللقلوب
المنكسرة جابر وناصر
|
|
سبحانه وعلى
الجبابرة ملك جبار
|
٢ ـ تسبيح الدورة الثانية :
سبحان من أوهب
الليل وأوجد النهار
|
|
وأظهر العلامة
وشعشع الأنوار
|
الرعد يسبحه
بصوته الهدار
|
|
والبرق يلمع من
خيفته كلما أومض واستنار
|
يتجلى ربنا فى
الأسحار
|
|
وينادى المنادى
جلّ المنادى
|
أيا عبادى! أنا
الغفار
|
|
يا عبادى! أنا
الستار
|
يا عبادى! أنا
القهار
|
|
يا عبادى! أنا
خالق الليل والنهار
|
العارفون واقفون
على قدم الخوف والافتقار
|
|
لا يستقر لهم
قرار
|
كلما جدوا وجدوا
وكلما جاهدوا
|
|
شاهدوا جمال
وكمال من لا تدركه الأبصار
|
٣ ـ تسبيح الدورة الثالثة :
سبحان من لا
تدركه الأبصار
|
|
ولا تحيط بعظمته
الأفكار
|
ولا يغيره الليل
ولا يبدله النهار
|
|
وهو يدرك
الأبصار وهو اللطيف الخبير
|
الحليم المنعم
الستار وهو مولانا
|
|
ومولاكم ، فنعم
المولى ونعم النصير
|
٤ ـ تسبيح الدورة الرابعة :
أحاط ربنا
الكريم بكل شىء علما
|
|
ووسعت رحمته كل
شىء عددا وكرما
|
ومغفرة منه
وحلما
|
|
سبحانه رفع
السماء قدرته
|
وبسط الأرضين
بحكمته
|
|
وأجرى السماء
|
وعلم آدم
الأسماء
|
|
سبحانه أحصى كل
شىء عددا
|
٥ ـ تسبيح الدورة
الخامسة :
يقول إله العرش
جل جلاله
|
|
لعبد نشأه فى
العبادة انتشاء
|
تذكر جميلى مذ
خلقتك مضغة
|
|
ولا تنس تصويرى
ولطفى فى الحشاء
|
وسلم إلى الأمر
وأعلم بأننى
|
|
أنفذ أحكامى ،
وأفعل ما أشاء
|
(إِنَّ
اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٥) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ
فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ) آل عمران (٥ ـ ٦).
٦ ـ تسبيح الدورة
السادسة :
فعال لما يريد
قادر ربنا الكريم على ما يشاء
|
|
له الملك
والقضاء
|
وله الحمد
والثناء
|
|
وله العزة
والبقاء
|
وبيده الخير
والجود والتوفيق والعطاء
|
|
ونسأله العفو
عما سلف ومضى
|
وهو سريع الرضا
|
|
سبحانه لا دافعا
لله فيما قضى.
|
٧ ـ تسبيح الدورة السابعة :
كن عن همومك
معرضا
|
|
أسلم سلم أمورك
للقضاء
|
وابشر بخير عاجل
|
|
تنسى به ما قد
مضى
|
فلربما اتسع
المضيق
|
|
وربما ضاق الفضا
|
ولرب أمر متعب
لك فى عواقبه رضا
|
|
الله عودك
الجميل فقس على ما قد مضى
|
الله يفعل ما
يشاء
|
|
فلا تكن معترضا
|
٨ ـ تسبيح الدورة الثامنة :
يا من إذا
أبصرنى معرضا
|
|
وليس فعلى عنده
مرتضى
|
بحرمة التوحيد
ويا سيدى! يا رب : أنت
|
|
الذى تسمع لى
بالرضا
|
دبر أمورى أنا
وجميع المسلمين ، يا رب!
|
|
يا من إذا دبر
أمرا قضى.
|
٩ ـ تسبيح الدورة التاسعة :
يأيها الراضى
بأحكامنا
|
|
لا بد أن تحمد
عقبى الرضا
|
فوضى إلينا
الأمر مسلما
|
|
فالراحة العظمى
لمن قد فوضا
|
إن تعلقت
بأسبابنا
|
|
فلا تكن عن
بابنا معرضا
|
من كل من يأتى
وما قد مضى
|
|
لا ينعم المرء
|
حتى
يرى الخيرة فيما مضى.
|
١٠ ـ تسبيح الدورة
العاشرة :
العمر ولى
والزمان قد انقضى
|
|
أترى يسامحنا
الكريم بما مضى
|
وعلى دين قد
عجزت عن الوفاء.
|
|
ومتى ديونى يا
إلهى تقتضى؟
|
وأفوز من ذاك
الجناب بنظرة
|
|
وأرى سواد الصحف
أصبح أبيضا
|
يا قلب مالك
راحم إلا الذى
|
|
لما أسأت وثبت
عامل بالرضا
|
يا قلب لا تغفل
إذن عن بابه
|
|
إياك عن أبوابه
أن تعرض
|
لو كنت لازمت
الوقوف ببابه
|
|
لكساك من إحسانه
حلل الرضا
|
لكن غفلت وبات
طرفك نائما
|
|
يا ليته عن ربه
لا يغمضا
|
١١ ـ تسبيح الدورة الحادية عشرة :
إليك بسطت الكف
، أسألك الرضا
|
|
أنت الذى تعفو
وتغفر ما مضى
|
أنت الذى ترجى
لكل مهمة
|
|
إذا ضاقت
الأفلاك متسع الفضا.
|
١٢ ـ تسبيح الدورة الثانية عشرة :
أتيت إلى مولاى
أسأله الرضا
|
|
ووقفت على
أبوابه متعرضا
|
وقدمت تقصيرى
وذلى وفضاحتى
|
|
وما كان منى فى
الزمان الذى مضى
|
فعاملنى مولاى
بلطف
|
|
وقال لك البشرى
غفرت الذى مضى
|
فمن مثله فى
الكون يخشى ويرتجى
|
|
إذا ضاق
بالملهوف متسع الفضا
|
يعذب تعذيبا
ويعفو تكرما
|
|
وليس للمخلوق أن
يتعرضا
|
ويا سيدى قد ضاع
عمرى باطلا
|
|
وولى زمانى فى
المعاصى وانقضى
|
فإن كان ذنبى عن
جنابك معرضا
|
|
فعفوك يأتى
بالأمان وبالرضا
|
ومالى شفيع غير
جاه محمد
|
|
نبى الهدى أزكى
رسول ومرتضى
|
عليه سلام الله
ما هبت الصبا
|
|
وما لاح نجم فى
السماء وقد أضا
|
١٣ ـ تسبيح الدورة الثالثة عشرة
لا دافعا لله فيما
قضاه وحكم
|
|
ولا مانعا له
فيما أعطاه وقسم
|
ربنا يفعل فى
ملكه ما يريد
|
|
وبحكم فى خلقه
بما يشاء ويرضى
|
جل
سبحانه فسبحان الله
|
١٤ ـ تسبيح الدورة الرابعة عشرة :
ليس لله شريك فى
الملك
|
|
ولا مدبر له فى
الأمور
|
لا
يرجو ثوابا
|
ولا يهاب عقابا
ولا على باب
جوده وكرمه حاجبا ولابوابا
|
|
كل نعمة من الله
الكريم فضل
|
وكل نعمة منه
عدل
|
|
ولا يسأل عما
يفعل وهم يسألون
|
١٥ ـ تسبيح الدورة الخامسة عشرة :
لا إله إلا الله
تبارك
|
|
وتعالى واحد
مفرد فى ملكه
|
لا شريك له ولا
صنو له ولا ند له
|
|
هو الحنان
المنان الرحيم الرحمن
|
الذى لا إله إلا
هو الحى
|
|
جل الباقى
سبحانه وما سواه
|
١٦ ـ تسبيح الدورة السادسة عشرة :
يا رب عفوك أسأل
حلمك أسال
|
|
جودك أسال رضاك
أسال
|
وبسيدنا محمد
أتوسل
|
|
يا رب عبد ضعيف
واقف ببابك يسأل
|
وبالذنوب مثقل
اغفر ذنوبى
|
|
وسامح يا خالقى
وتفضل.
|
١٧ ـ تسبيح الدورة السابعة عشرة :
قم فى الدّياجى
وناجى مولاك ما شئت فاسأل
|
|
وادع بقلب سليم
لعلك تنجو وتقبل
|
واصف وصافى
ووحّد مولى علينا أنعم وتفضّل
|
|
معطى العطايا
كريم بالخير أنعم فأجزل
|
١٨ ـ تسبيح الدورة
الثامنة عشرة :
سبحان من أنعم
فأجزل
|
|
حكم فعدل ولم
يبخل
|
وجاد ربنا
الكريم على عباده وتفضل
|
|
يقول القائل فى
حق عظمته ولا يتأول
|
سبحان ربنا
الحليم الكريم
|
|
العظيم هو الأول
|
١٩ ـ تسبيح الدورة التاسعة عشرة :
يا أول قبل كل
أول
|
|
وآخر ، ما له
محول
|
سبحان الكريم
فلا يبخل
|
|
سبحان القديم
فلا يتحول
|
يا رب عبد ضعيف
واقف بالباب يسأل
|
|
أنعم علينا
بجودك وإحسانك يا خالقى وتفضل
|
يا
من هو قبل كل أول.
|
٢٠ ـ تسبيح الدورة العشرين :
أول بلا بداية
|
|
وآخر ما له
نهاية
|
سبحان رب
البرايا
|
|
سبحان معطى
العطايا
|
سبحان كاشف الضر
والبلايا
|
|
سبحان من له
اللطف والعناية
|
وبيده الخير
والجود والتوفيق والهداية
|
|
سبحان من له فى
كل شىء آية
|
تدل على أنه هو (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ
وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحديد : ٣) ، (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ
حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ
وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الزمر ٧٥) ، (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا
تَسْلِيماً) (الأحزاب : ٥٦).
لازمة
قد اتخذ الجهر
بالتسبيح عادة متبعة فى عهد موسى (عليه السلام) واستمرت هذه العادة الطيبة إلى عهد
داود (عليه السلام).
وكان داود (عليه
السلام) يعين من يقومون بالتسبيح من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر ، واستمرت
هذه السنة إلى أن خرب بيت المقدس ، وقد أبطل اليهود العمل بالشريعة اليهودية ، إذ
قاموا ضد السيد المسيح رافضين دعوته ، وأوقفت هذه السنة الطيبة إلى أن اعتكف مسلمة
بن مخلد بن صامت بن نيار الصحابى الجليل فى مسجد عمرو بن العاص فى مصر.
عين مسلمة فى سنة
٤٤٨ الهجرية واليا على مصر من قبل معاوية فذهب فى حينه إلى مصر ، ورأى أن جامع عمرو بن
العاص فى حاجة إلى تعمير وتصليح فعمره جيدا ، وألحق به مئذنة وعقب ذلك اعتكف فى المسجد إلا أنه انزعج من صوت الناقوس ،
وقص ذلك لشرحبيل بن عامر الذى فكر فى حل فريد إذ أخذ يؤذن من منتصف الليل إلى
الصباح ، إذ هو كان مؤذن المسجد ، وهكذا أبهج مسلمة بن مخلد ، ودامت هذه العادة
إلى عهد أحمد بن طولون الذى عين أشخاصا كثيرين بأجر من الأوقاف ، ووضع سنة قراءة
الذكر والتسبيح إلى الصباح ، ولما ترك صلاح الدين الأيوبى الحرية لمؤذنى المساجد ؛
أخذوا يسبحون ويذكرون وفق المذهب الأشعرى.
__________________
وإن كان المؤذنون
إلى الآن يذكرون ويسبحون من فوق المآذن فى مصر والشام إلا أنهم لا يؤذنون من
المساء إلى الصباح كما كان يحدث فى عهد صلاح الدين ، بل يسبحون قبيل الفجر بقليل ،
وفى مكة المكرمة يبدءون الذكر فى آخر الليل ، ولا توجد فى البلاد الإسلامية الأخرى
عادة الذكر والتسبيح ، إلا أنهم يمجدون الله فى ليالى رمضان. «محاضرة الأوائل».
٢ ـ مئذنة باب السلام
:
بانى هذه المئذنة
غير معروف وكان المهدى بن منصور من الخلفاء العباسيين حينما وسع المسجد الحرام فى
سنة (١٦٢) قد جدد هذه المئذنة أيضا جاعلا لها شرفتين ، إلا أن بعض المؤرخين ادعوا
أن المهدى لم يجدد هذه المئذنة بل بناها إذ لم تكن هناك مئذنة من قبل.
ولما كانت هذه
المئذنة قد خربت مع مرور الزمن هدمها الملك الناصر فرج بن برقوق وبناها من جديد فى
سنة (٨١٠ ه) ، وجددها وعمرها السلطان مراد خان الثالث (٩٣٨ ه) ، ومازالت تلك
المئذنة محتفظة بطرز بنائها الذى بناها عليه المشار إليه.
وهى مستديرة إلا
أن قلنسوتها على طرز مآذن البلاد العربية ، وعلمها مثل أعلام مساجد إستانبول ، لذا
كان شكلها غريبا.
خبر مهم
إن وجود هلال على
قلنسوات المآذن ليس من الأمور الشرعية بل هو عادة اتخذت من قبل ظهور الإسلام ، وقد
صادف هجوم الملك فليبوس أبى الاسكندر الأكبر على مدينة إستانبول الليلة التى طلع
فيها الهلال ، وسر سكنتها من هذا وعدوا طلوع الهلال فألا حسنا ، فأصبح من عاداتهم
اتخاذ رسم هلال على أعلامهم ، وانتقلت هذه العادة إلى القياصرة ، وبعدهم إلى
سلاطين المسلمين فاتخذوا هلالا على راياتهم وعلى قمة قلنسوات المآذن ، وقد انتشرت
هذه العادة بالتدريج فى جميع الممالك الإسلامية. انتهى.
٣ ـ مئذنة على
:
وإن كان باب على
مجهولا ، إلا أنها كانت قديما ذات شرفة واحدة ، وقد عمر المهدى العباسى مئذنة باب
على حينما عمر مئذنة باب العباس فى سنة (١٦٢ ه). وإن أشار بعض المؤرخين أن بانى
هذه المئذنة هو المهدى العباسى إلا أنهم لم يستطيعوا أن يؤيدوا أقوالهم بأدلة
قوية. وانهارت تلك المئذنة بفعل الزمان ، وبناها السلطان سليمان بحجر الشمليس
الأصفر على طرز مآذن بلاد الروم بعد أن هدمها تماما ، وهى الآن على ذلك الشكل.
٤ ـ مئذنة باب الوداع
:
بناها المهدى
العباسى من خلفاء بنى العباس. وهى ذات شرفتين وقد عمرت المئذنة فى عهد شعبان بن
حسين صاحب الموصل جزءا فجزءا ، وفى سنة (٧٧١ ه) انهارت هذه المئذنة من نفسها دون
أن تسبب أضرارا لأحد. وقد بدأ حاكم الموصل أشرف بن شعبان فى تجديدها فى نفس السنة
، وأتمها فى شهر المحرم الحرام سنة (٧٧٢ ه) وعمرت فى سنة (٩٨٣ ه) فى عهد السلطان
مراد خان الثالث ، ومازالت محتفظة بشكلها الذى صنعت عليه ، وهى مثمنة الشكل غاية
فى الجمال.
٥ ـ مئذنة باب
الزيارة :
بانى مئذنة باب
الندوة الزائد هو المعتضد بالله العباسى وهى ذات شرفتين.
وقد هدمها الملك
الأشرف برسباى المصرى فى سنة (٨٣٨ ه) وبناها من جديد وعمرها وأصلحها السلطان مراد
خان الثالث فى سنة (٩٨٣ ه) تصليحا جيدا ، ومازالت قائمة على حالها بعد أن عمرت
وأصلحت.
__________________
٦ ـ مئذنة قايتباى :
مئذنة السلطان
قايتباى فوق عقد باب مدرسة قايتباى الذى يواجه المسعى ، وإنها فى غاية من الجمال
ولها شرفتان.
٧ ـ مئذنة السليمانية
:
مئذنة السليمانية
ذات ثلاث شرف ، وهى بالنسبة للمآذن الأخرى أطولها ، وهى بين باب السلام وباب
الزيادة ومتصلة بالمدرسة السليمانية ، وقد بنيت من الحجر الشمسى ، وزخرفت بالذهب الأحمر. إن هذه المئذنة هى آخر المآذن
التى أنشئت فى الحرم ، وقد بنيت تحت إشراف محافظ جدة وأمين بناء المدرسة
السليمانية وتم بناؤها فى سنة (٩٧٣ ه). والمآذن السبعة حول المسجد الحرام يؤذن
عليها فى الأوقات الخمس.
ويقول الإمام
الفاكهى كان فوق باب إبراهيم الزائد مئذنة على شكل صومعة ، وبما أنها كانت فى
مواجهة منازل بعض أشراف مكة هدموها.
كما يخبرنا ابن
جبير عن وجود مئذنة فوق باب الصفا ، وبما أنها كانت ضيقة يشق الصعود والنزول منها
فهدمت.
وقد بين الإمام
الفاكهى وجود مئذنة بين الميلين الأخضرين ، إلا أنه لم يخبر شيئا عن بانيها ولا عن
هادمها.
إن المؤلفين الذين
سبق ذكرهم أخبرونا عن وجود كثير من المآذن فى مدينة مكة الله إلا أنه لم يبق لهذه
المآذن فى وقتنا هذا اسم ولا رسم.
إننا لم نقدر أن
نحصل على تاريخ يحدثنا عن المآذن التى ادعى وجودها المؤرخون القدماء ، إلا أننا لا
نستبعد احتمال وجود بعض المآذن القصيرة فى الأحياء البعيدة عن المسجد الحرام ،
لأنه يروى أنه عندما فتح النبى صلى الله عليه وسلم مكة المكرمة ركز راية نصره فوق
مسجد الراية ، وكان له مئذنة ذات شرفتين وكانت
__________________
القناديل توقد
عليها فى ليالى شهر رمضان إعلانا للموحدين بحلول وقت الإفطار ، ويؤذن عليها أذان
المغرب ، وتطفأ القناديل بعد السحور.
وبناء على قول تقى
الفاسى كانت فى مكة مآذن غير مآذن المسجد الحرام فى مواقع محدودة ، وكان لها
موظفون مكلفون بأداء مهمة الآذان ، وكان بانى هذه المآذن هارون الرشيد العباسى
بناء على أصح الأقوال. وسواء أكانت تلك المآذن المذكورة أو المآذن القائمة فوق جبل
أبى قبيس وعلى قمة الجبل الذى يقابل جبل الأجياد أو على جانبه وفى المكان الذى
يواجه المجزر وفى شعب بنى عامر وجبل التناجة وعلى الجبل الأحمر يبلغ عددها ٥٣
مئذنة ، وبما أن تقلبات الزمن التى لا تبقى على أى شىء قد أفنت هذه المآذن لم يبق
لها اسم ولا أثر.
وفى أوائل ظهور
الإسلام كان يؤذن فوق كل هذه المآذن وكانت القناديل توقد عليها إحياءا لليالى
رمضان ، ولا أثر لهذه المآذن فى زماننا هذا ، إلا أنه فى الليالى التى يثبت فيها
قدوم شهر رمضان كان يعلن ذلك بإطلاق المدافع من فوق القلاع السلطانية ، ويتبع نظام
قنة لتبليغ ذلك لعربان البادية ، أى بإيقاد الشموع والنيران فوق الجبال من هنا
وهناك ، ولا يبعد أن يكون هذا النظام قد اتخذ بدلا من إيقاد القناديل فوق المآذن
وفى سنة (١٢٧٥ ه) بنى أحد الهنود فوق جبل أبى قبيس مسجدا ذا مئذنتين ، كما أن أحد
محاسبى ولاية الحجاز بنى على موضع شق صدر النبى الذى فوق جبل النور مسجدا جميلا ،
ولكن قراءة الأذان من فوق هذه المآذن ليست معتادة.
شعر
با من بمالك من
عميم النعم
|
|
وجدت لك القرب
فى الحرم
|
افتح عينيك
وإنها صنع الإله تتملى
|
|
يا له حسنا
أزليا يتجلى
|
وبعين قلبك انقل
فى طريقة القدم
|
|
وبإجلال وتعظيم
ادخل الحرم
|
فى كل أطرافه
عمد من رخام
|
|
وكأنها الملائك
فى قيام
|
يا له بيتا
وعيون الحسان السود
|
|
كل هدب لها عمود
|
فى كل طرف مشاهد
بديعة نور يسطع
|
|
كل مشهد من غيره
أبدع وأروع
|
صعد هذا البيت
إلى طاقات الآفاق
|
|
ومن كل طاق جعل
له الرواق
|
بيت ملئ بالنور
والصفا
|
|
كل حجر فيه جبل الوفا
|
كل ما فيه
باللجين والنضار تحلى
|
|
كل شئ فيه من
غيره أروع وأحلى
|
ظله المقامات
الأربعة فيه
|
|
على رأس هذا
الورى مظلة تحميه
|
اصطف عليه منار
ومنار
|
|
يزرى بنضار
الفلك الدوار
|
ظله إلى أوج
الفلك يرتفع
|
|
وهو بظل الأشجار
مجتمع
|
وظله من السماء
العالية
|
|
ألقى على الفلك
الغاشية
|
وعند تصعيد
الأذان
|
|
جاءه روح القدس
بالألحان
|
وعند تصعيد
الأذان
|
|
جاءه روح القدس
بالألحان
|
وعلى بابه وسقفه
الكمال والسماح
|
|
طاف حولهما
كأنهما الأرياح
|
وردة نضرة من
بستان الخليل
|
|
أنارت منه عين
قنديل الخليل
|
بمجلة الحبيب
يعرف
|
|
وتضوع بما
للحبيب من عرف
|
نور الإله فيك
لم يزل
|
|
فيه الخلود لفيض
الأزل
|
لزمزم كل بقاء
وصفاء
|
|
للمنبر كل رفعة
وسناء
|
ذؤابته جيد
الروح تزيين
|
|
وينير عين
الدنيا بالجبين
|
يهب الظلال
كطوبى أرم
|
|
وخلوته ستار قصر
القدم
|
يمضى الخلق فى
ظلال من كرمه
|
|
ويحمل النيران
المشعل فى حرمه
|
وله أنه متشحا
بالسواد جاء
|
|
إلا أنه جاء على
اليد بالآلاء
|
قدم بطلعه عنبرا
انفحت
|
|
برعمه مسك فى
الجنة نبتت
|
كسوته مسكيّة
منذ الأزل
|
|
ولها فى ظلمة
ماء الخضر المحل
|
أى بيت أقول إنه
جبل نور
|
|
ساتره ستر الله
الغفور
|
خاله الأسود مسك
أزفر
|
|
وبه إنسان العين
تنور
|
إنه ليس نقطة بل
دائرة فى السماء
|
|
ولذا كان له صفة
النقطة السوداء
|
الشمس والقمر
بالرفعة يشتهران
|
|
إلا أنهما لهما
عبدان
|
* * *
الصورة السادسة
تشتمل على مساحات المسجد الحرام فى الداخل والخارج
وعلى خريطة مسطحة لها
الجدول يحتوى على
أبعاد الأبواب المتجاورة بعضها من بعض وقد قيست المسافات من فوق جدران الحرم
الشريف
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
المحيط الداخلى
لجدران الحرم الشريف
|
٦
|
٢١١٩
|
|
من باب السلام إلى
باب النبى
|
ـ
|
٥٩
|
|
من باب النبى
إلى باب العباس
|
ـ
|
٤٥
|
من أبواب الجهة
الشرقية
|
من باب العباسى
إلى باب على
|
ـ
|
٦٧
|
|
من باب على إلى
باب بازان
|
ـ
|
٩٧
|
|
من باب بازان
إلى باب بغله
|
٦
|
٥١
|
|
من باب بغلة إلى
باب الصفا
|
ـ
|
٤٥
|
|
من باب الصفا
إلى باب جياد
|
ـ
|
٤٣
|
من أبواب الجهة
الجنوبية
|
من باب جياد إلى
باب مجاهد
|
ـ
|
٥٨
|
|
من باب مجاهد
إلى باب مدرسة عجلان
|
ـ
|
٤٧
|
|
من باب مدرسة
عجلان إلى باب أم هانئ
|
ـ
|
٣٥
|
|
من باب أم هانئ
إلى باب الوداع
|
ـ
|
٧٢
|
|
من باب الوداع
إلى باب إبراهيم
|
ـ
|
١٤٩
|
من أبواب الجهة
الغربية
|
من باب إبراهيم
إلى باب العمرة
|
ـ
|
٢٦٨
|
|
من باب العمرة
إلى باب السدة
|
ـ
|
١٢٠
|
|
من باب السدة
إلى باب العجلة
|
ـ
|
١٢٠
|
|
من باب العجلة
إلى باب القطبى
|
ـ
|
١٤٥
|
من أبواب الجهة
الشمالية
|
من باب القطبى
إلى باب الزيادة
|
ـ
|
٤٩
|
|
من باب الزيادة
إلى باب الدريبة
|
٢٦٨
|
|
|
من باب الدريبة
إلى باب السلامة
|
٥٦
|
|
|
__________________
جدول مساحة الحرم الشريف الداخلية
البيان
|
قدم
|
ملاحظات
|
من باب السلام
إلى باب العمرة
|
٥٣٧
|
بالطول
|
من باب على إلى
باب الوداع
|
٥٢٥
|
|
من باب العباس
إلى باب إبراهيم
|
٦١١
|
|
من باب السدة
إلى باب أم هانئ
|
٣٨٠
|
بالعرض
|
من باب الزيادة
إلى باب الصفا
|
٥٠٠
|
|
من باب عجلة إلى
باب مجاهد
|
٤٢٠
|
|
من باب قطبى إلى
باب جياد
|
٤٨١
|
|
من باب الدريبة
إلى باب بازان
|
٣٩٨
|
|
جدول مساحة الحرم الشريف سطحا ومتفرقا
البيان
|
قدم مربع
|
ملاحظات
|
تحت القباب
الشرقية
|
١٤٨٥٥
|
المساحة السطحية لقباب الحرم الشريف
|
تحت القباب
الغربية
|
١٣٨٥٥
|
|
تحت القباب
الشمالية
|
٢١٦١٨
|
|
تحت القباب
الجنوبية
|
١٩٤٩٦
|
|
تحت قباب باب
الزيادة
|
٥٤٧٢
|
|
تحت قباب باب
إبراهيم
|
٢١٩٤
|
|
المساحة السطحية
لجميع القباب
|
٢٧٤٨٩
|
مساحة الزيادة
الداخلية
|
باب الندوة
الزائد
|
٥٠٥٨
|
|
باب إبراهيم
الزائد
|
٤٨٤٠
|
|
مساحة الحرم
الداخلية بدون قبب
|
١٤٠٤٧٢
|
|
مساحة الحرم
الشريف الكلية
|
١٧٧٨٦٩
|
الأرصفة وسائر
المبانى فى داخل هذا الحساب
|
الجدول الذى يشمل مساحة قواعد المآذن السطحية للحرم الشريف
البيان
|
قدم مربع
|
ملاحظات
|
مئذنة باب
السلام
|
٤٧٠
|
الجهة الشرقية
|
مئذنة السلطان
قايتباى
|
٥١٧
|
|
مئذنة باب على
|
٣٨٠
|
|
مئذنة باب
الوداع
|
٤٠٠
|
الجهة الغربية
|
مئذنة باب
العمرة
|
٤٣٧
|
|
مئذنة باب
الندوة الزائد
|
٤٢٠
|
الجهة الشمالية
|
المئذنة
السليمانية
|
٤٢
|
|
جدول الساحة الرملية للحرم الشريف
البيان
|
قدم مربع
|
ملاحظات
|
الساحة الرملية
الأولى
|
٤٢٠٧
|
|
الساحة الرملية
الثانية
|
٤٣١٢
|
|
الساحة الرملية
الثالثة
|
٣٤٣٣
|
|
الساحة الرملية
الرابعة
|
١١٢٤١
|
|
الساحة الرملية
الخامسة
|
٢٦٩٩٤
|
إن هذه الساحات
الرملية خارج مساحات قباب الحرم الشريف وأنها حول أرصفة وقد أشير فى الخريطة
برقم خاص لكل الساحات الرملية
|
الساحة الرملية
السادسة
|
١٥٠١٥
|
|
الساحة الرملية
السابعة
|
١٢٣٥٥
|
|
الساحة الرملية
الثامنة
|
٧٦٠٤
|
|
الساحة الرملية
التاسعة
|
١٣٣٤٤
|
|
الساحة الرملية
العاشرة
|
٩٠
|
|
الساحة الرملية
الحادية عشرة
|
١٠٦٢٤
|
|
الساحة الرملية
لباب إبراهيم
|
٢٦٦٦
|
|
|
٩٩٣٥٧
|
المساحة الكلية
لساحات الحرم الشريف الرملية
|
المساحة الخارجية لبيت الله
البيان
|
قدم مربع
|
ملاحظات
|
مساحة كعبة الله
الدائرية من غير حجر إسماعيل
|
١٤٣
|
|
مساحة كعبة الله
الدائرية بحجر إسماعيل
|
١٥٨
|
|
مساحة كعبة الله
الدائرية من خارج الحطيم
|
٣ ، ١٤٧
|
|
جدول مساحة أرصفة الحرم الشريف
البيان
|
قدم مربع
|
ملاحظات
|
الرصيف الأول
|
٨١٠
|
|
الرصيف الثانى
|
٨٩٠
|
|
الرصيف الثالث
|
٣٨
|
|
الرصيف الرابع
|
٧٣٨
|
|
الرصيف الخامس
|
٨٥٥
|
|
الرصيف السادس
|
١٢٣٠
|
|
الرصيف السابع
|
٨١١
|
|
الرصيف الثامن
|
١٠٣٨
|
|
الرصيف التاسع
|
٣٣٠
|
إن مبانى بيت
الله المقدسة والحطيم خارج هذا الحساب
|
الرصيف العاشر
|
٤٧٦
|
|
رصيف المطاف
|
٧٦٧
|
|
الرصيف الواسع
حول المقامات الأربعة
|
١٩٤٤٤
|
يطلق على هذا
الرصيف الواسع بين أهل مكة «بلاط» والمقامات الأربعة وبئر زمزم ومبانى التوقيت
فى داخل هذا الرصيف
|
الرصيف القائم
حول المطاف
|
١٥١٠
|
|
رصيف باب
الزيادة الأربعة
|
١٦٧٢
|
|
رصيف باب
إبراهيم
|
١٣٢
|
|
|
٣٧٥٢٧
|
مساحة مجموع
أرصفة الحرم الشريف
|
__________________
مساحة بيت الله المحترم فى الداخل
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
سطح كعبة الله
فى الداخل
|
ـ
|
٦٥٦
|
|
سطح سلم السطح
الشريف
|
ـ
|
٤٨
|
|
من جدار كعبة
الله الجنوبى إلى العمود الأول
|
١٧
|
٢
|
|
من العمود الأول
إلى الثانى
|
١٧
|
٢
|
|
من العمود
الثانى إلى الثالث
|
٣
|
١
|
|
من العمود
الثالث إلى الجدار الشمالى
|
٤
|
٣
|
|
من الجدار
الشرقى إلى الأعمدة
|
١١
|
٤
|
|
من الجدار
الغربى إلى الأعمدة
|
٨
|
٦
|
|
مساحة شادروان الكعبة
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
عرض شادروان
الكعبة من الجهة الجنوبية
|
٢
|
٤
|
|
عرض شادروان
الكعبة من الجهة الغربية
|
٠
|
٤
|
|
عرض شادروان
الكعبة من الجهة الشمالية
|
٠
|
٣
|
|
عرض شادروان
الكعبة من الجهة الشرقية
|
٠
|
٣
|
|
ارتفاع شادروان
الكعبة من الأرض
|
٩
|
١
|
|
__________________
الأربعة الخارجية لبيت الله
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
ارتفاع جدران
كعبة الله
|
ـ
|
٥٦
|
الطول
|
من الحجر الأسود
إلى الركن العراقى
|
ـ
|
٣٩
|
|
من الركن الشامى
إلى الركن اليمانى
|
ـ
|
٤٢
|
|
من الركن
العراقى إلى الركن الشامى
|
ـ
|
٢٩
|
|
من الركن
اليمانى إلى ركن الحجر الأسود
|
ـ
|
٢٣
|
|
ارتفاع باب
الكعبة
|
ـ
|
٩
|
|
|
|
|
العرض
|
عرض باب الكعبة
|
٨
|
٥
|
يطلق على ما بين
الباب المسدود والركن اليمانى المسجار
|
ارتفاع كعبة
الله من أرض المطاف إلى عتبة الباب
|
٦
|
٥
|
|
ارتفاع الباب
المسدود
|
٩
|
٣
|
|
مساحة الحطيم فى الداخل والخارج
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
ارتفاع جدار
الحطيم الكبير
|
١
|
٤
|
|
عرض جدار الحطيم
|
١١
|
١
|
|
بعد الجدار
الشمالى للكعبة إلى جدار الحطيم
|
١
|
٢٥
|
يطلق الحطيم على جدار شكله نصف دائرى فى طرف المقام
الحنفى
|
البعد بين بابى
الحطيم
|
ـ
|
١٩
|
|
عرض بابى الحطيم
|
ـ
|
١٩
|
|
عرض بابى الحطيم
|
ـ
|
١٠
|
|
الطول الدائرى
لجدران الحطيم من الداخل
|
ـ
|
٣٩
|
|
الطول الدائرى
لجدران الحطيم من الخارج
|
١
|
٤٧
|
|
المساحة السطحية
للحطيم من غير الحجر
|
ـ
|
٦٤٣
|
قدم مربع
|
المساحة السطحية
لقاعدة جدران الحطيم
|
|
١٠٧
|
قدم مربع
|
__________________
مساحة مقام إبراهيم
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
لنية
|
ملاحظات
|
ارتفاع صندوق
المقام الشريف
|
٤
|
١
|
ـ
|
ـ
|
عمق موضع القدم
الشريف
|
ـ
|
ـ
|
٨
|
|
عرض مصلى أئمة
الشافعية
|
٨
|
٧
|
ـ
|
ـ
|
طول مصلى أئمة
الشافعية
|
ـ
|
٧
|
ـ
|
ـ
|
البعد من صندوق
المقام إلى شادروان الكعبة
|
ـ
|
٢٨
|
ـ
|
ـ
|
من صندوق المقام
إلى باب الصفا
|
ـ
|
٤٦٢
|
ـ
|
ـ
|
من صندوق المقام
إلى بئر زمزم
|
ـ
|
٣٥
|
ـ
|
ـ
|
من بئر زمزم إلى
شادروان الكعبة
|
ـ
|
٢٧
|
ـ
|
ـ
|
المساحة السطحية للمقامات الأربعة ودار التوقيت والمكتبة
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
مساحة المقام
الحنفى المربعة
|
ـ
|
٣٧٥
|
|
مساحة المقام
المالكى المربعة
|
ـ
|
٢٥٥
|
|
مساحة المقام
الحنبلى المربعة
|
ـ
|
٢٨٥
|
|
مساحة المقام
الشافعى المربعة
|
ـ
|
٥٨
|
|
مساحة مبانى
زمزم المربعة
|
ـ
|
١٦٢
|
|
مساحة دار
التوقيت المربعة
|
ـ
|
١٢٠
|
|
مساحة مبانى
المكتبة مع دواليبها
|
ـ
|
١٣٨
|
|
مساحة داخل شبكة
المقام الإبراهيمى المربعة
|
٤٨
|
|
|
__________________
بعد البقعة المقدسة لكعبة الله من المواقع المختلفة فى داخل الحرم
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
من تحت ميزاب
الرحمة إلى المقام الحنفى
|
ـ
|
٥٦
|
|
من المقام
المالكى إلى شادروان الكعبة
|
ـ
|
٤٤
|
|
من المقام
الحنبلى إلى شادروان الكعبة
|
ـ
|
٢٠٦
|
|
من الحجر الأسود
إلى باب الصفا
|
ـ
|
٣٧٨
|
|
من حجر إسماعيل
إلى باب الزيادة
|
ـ
|
٣١٦
|
|
من باب الكعبة
إلى باب السلام
|
ـ
|
٥٣
|
|
من باب الكعبة
إلى باب بنى شيبة
|
ـ
|
٢٨٥
|
|
من باب الكعبة
إلى باب على
|
ـ
|
٢٨٢
|
|
من الحجر الأسود
إلى باب على
|
ـ
|
٢٧٥
|
|
من الركن الشامى
إلى باب العمرة
|
ـ
|
٣٠٦
|
|
من الركن
العراقى إلى باب السلام
|
ـ
|
٦
|
|
من الركن
اليمانى إلى باب أم هانئ
|
ـ
|
٢٥٥
|
|
من الركن
العراقى إلى المنبر
|
ـ
|
٢٤
|
|
من باب الكعبة
إلى سلم الكعبة
|
ـ
|
٨٥
|
|
مساحة طول الأضلاع الخارجية لجدران الحرم الشريف
البيان
|
بوصة
|
قدم
|
ملاحظات
|
من باب السلام
إلى مئذنة السلطان قايتباى
|
ـ
|
١١٦
|
|
من مئذنة
السلطان قايتباى إلى مئذنة باب على
|
ـ
|
٢٣٧
|
|
من مئذنة باب
على إلى مئذنة باب الوداع
|
ـ
|
٤٧٨
|
|
من مئذنة باب
الوداع إلى مئذنة باب العمرة
|
ـ
|
٤١٣
|
|
من مئذنة باب
العمرة إلى مئذنة باب الزيادة
|
ـ
|
٤٢٨
|
|
من مئذنة باب
الزيادة إلى المئذنة السليمانية
|
|
١٤٤
|
|
من المئذنة
السليمانية إلى مئذنة باب السلام
|
ـ
|
١٠٠
|
|
المحيط الخارجى
لجدران الحرم الشريف
|
ـ
|
٢٢٢٩
|
|
__________________
المساحة العرضية لمداخل أبواب المسجد الحرام
البيان
|
الطاق الأول
قدم
|
الثانى
قدم
|
الثالث
قدم
|
الرابع
قدم
|
الخامس
قدم
|
باب السلام
|
٧
|
٥
|
ـ
|
ـ ٩
|
ـ
|
باب النبى
|
٦
|
٥
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
باب العباس
|
٥
|
٥
|
٥
|
ـ
|
ـ
|
باب على
|
٧
|
٦
|
٧
|
ـ
|
ـ
|
باب بازان
|
٦
|
٧
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
باب بغلة
|
٦
|
٦
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
باب الصفا
|
٥
|
٤
|
٥
|
٤
|
ـ ٤
|
باب الجياد
|
٥
|
٦
|
ـ
|
ـ
|
|
باب المجاهد
|
٥
|
٥
|
ـ
|
ـ
|
|
باب أم هانئ
|
٦
|
٨
|
ـ
|
ـ
|
|
باب مدرسة
الشريف عجلان
|
٨
|
٧
|
ـ
|
ـ
|
|
باب الوداع
|
٥
|
٥
|
ـ
|
ـ
|
|
باب إبراهيم
|
١٠
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
|
باب العمرة
|
٨
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
٠
|
باب السدف
|
٩
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
|
باب الحجلة
|
٩
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
|
باب الزيادة
|
٧
|
٥
|
ـ
|
ـ
|
|
باب الدريبة
|
٥
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
|
باب القطبى
|
٦
|
ـ
|
ـ
|
ـ
|
|
|
|
|
|
ـ
|
|
__________________
الوجهة السابعة
تشتمل على ثلاث صور
تعرف الأماكن المقدسة والمساجد القديمة
والجبال التى فى مكة المكرمة كما تبين أوقات الدعاء وساعاته.
الصورة الأولى
تذكر وتعرف الأماكن المقدسة والمواقع الميمونة
كتب العلماء
المتقدمون رسائل فى تعريف الأماكن المباركة كل واحد على حدة ، مبينين الساعات التى
يلزم الدعاء فيها والأيام أيضا ، وقد رأينا أن الحسن البصرى قد أبلغ عدد الأماكن
المباركة التى يستجاب فيها الدعاء إلى خمسة عشر مكانا مع ضم منى والجمرة إلى هذه الأماكن وقد عدد صاحب كتاب «النهر» أسماء تلك
الأماكن فى هذا النظم.
دعاء البرايا
يستجاب بكعبة
|
|
وملتزم
والموقفين كذا
الحجر
|
طواف وسعى
مروتين وزمزم
|
|
مقام وميزاب جمرات تعتبر
|
وبين لنا الشيخ
عبد الملك بن جمال الدين الأدعية التى تستجاب فى هذه الأماكن وأيام استجابتها
وساعاتها كما وصل إليها النقاش بعد المناقشة والبحث فى هذه المنظومة.
__________________
وقد ذكر النقاش فى المناسك وهو لعمرى عدة للسالك أن الدعاء فى مكة يقبل
ممن ذكره فى خمسة عشر موضعا وهى ، كما جاء بهذه المنظومة :
إن الدعاء فى
خمسة وعشره
|
|
بمكة يقبل ممن
ذكره
|
وهى : المطاف
مطلقا والملتزم
|
|
بنصف ليل فهو
شرط ملتزم
|
وداخل البيت
بوقت العصر
|
|
بين يدى جذعيه
ذا فاستعر
|
وتحت ميزاب له
وقت سحر
|
|
وهكذا خلف
المقام المفتخر
|
وعند شرب زمزم
شرب الفحول
|
|
إذا دنت شمس النهار
من الأفول
|
ثم الصفا
والمروة والمسعى
|
|
بوقت عصر فهو
قيد يرعى
|
كذا منى فى ليلة
البدر إذا
|
|
انتصف الليل فخذ
ما يحتذى
|
ثم لذى الجمار
والمزدلفة
|
|
عند طلوع الشمس
ثم عرفه
|
لموقف مغيب
الشمس قل
|
|
ثم لذى السدرة
ظهرا وكمل
|
وقد روى هذا الوقوف
طرا
|
|
من غير تقييد
بما قد مرا
|
بحر العلوم حسن
البصرى عن
|
|
خير الورى ذاتا
ووصفا وسن
|
__________________
صلى الله عليه
وسلما
|
|
وآله والصحب ما
غيث هما
|
وقد أضاف مؤلف «لباب
المناسك» إلى الأماكن التى عينها الحسن البصرى ثلاثة أو أربعة أماكن أخرى ، وقد
وصل العلماء عدد الأماكن المقدسة إلى مائة ، وذلك بإضافة كل واحد منهم موقعا مؤيدا
قوله بحديث صحيح متواتر.
وقال مؤلف لباب
المناسك : إن الأدعية التى يدعى بها فى تلك الأماكن تستجاب بفضل الله وتقبل ، ولكن
مع مرور الزمن نسى مواقع تلك الأماكن وجهاتها ، ولقى بعضها فى داخل مقبرة المعلى
والمعروف منها الآن بين الأهالى قد يصل إلى خمسة وسبعين موقعا فقط كما سيذكر فيما
بعد.
المواقع التى اتفق العلماء على أن الدعاء يستجاب فيها
[١] المطاف السعيد
[٢] الملتزم [٣] تحت الميزاب الذهبى [٤] مقام إبراهيم [٥] حفرة المعجن [٦] داخل
كعبة الله [٧] بئر زمزم [٨] الصفا [٩] المروة [١٠] المسعى [١١] منى [١٢] الجمرات
الثلاث [١٣] خلف المقام [١٤] ضريح ابن الزبير [١٥] ضريح ذات النطاقين [١٦] ضريح
عبد الرحمن [١٧] مسجد أبى بكر [١٨] مسجد الصخرة [١٩] مسجد المشعر [٢٠] الحجر
الأسود [٢١] الموقع الذى يرى منه بيت الله [٢٢] حجر إسماعيل [٢٣] المستجار [٢٤] ما
بين الحجر الأسود ومقام إبراهيم [٢٥] جبل الرحمة [٢٦] باب بنى شيبه [٢٧] باب
إبراهيم [٢٨] باب النبى [٢٩] باب الصفا [٣٠] مسجد خيف [٣١] مسجد المنحر [٣٢] مسجد
البيعة [٣٣] غار المرسلات [٣٤] مغارة الفتح [٣٥] دار السيدة خديجة [٣٦] مسجد
الشجرة [٣٧] مسجد النمل [٣٨] الركن اليمانى [٣٩] قبر خديجة [٤٠] قبر سفيان بن
عيينة [٤١] قبر آمنة [٤٢] قبر فضيل ابن عياض [٤٣] باب الجرير [٤٤] دار أرقم [٤٥]
الحجر المتكلم [٤٦] الحجر المتكى [٤٧] رباط موفق [٤٨] مسجد ذى طوى [٤٩] مسجد
التنعيم [٥٠] مسجد عائشة [٥١] مسجد الجن
[٥٢] مسجد الراية
[٥٣] مسجد مدعا [٥٤] قبة اللبن [٥٥] مسجد النمرة [٥٦] مسجد الجعرانة [٥٧] مسجد
الفتح [٥٨] مسجد جنيد [٥٩] مسجد الإجابة [٦٠] جبل أبى قبيس [٦١] جبل النور [٦٢]
غار ثور [٦٣] جبل خندمة [٦٤] جبل ثبير.
الأثر الأول : المطاف الشريف :
هو الرصيف العريض
الذى يحيط بالكعبة المعظمة من جوانبها الأربعة. إن مساحة هذا الرصيف السطحية
المربعة (٢٧٦٢) قدما والمحل الذى يطلق عليه المطاف داخل القناديل التى علقت على
الأعمدة حول الرصيف ، والحجاج الكرام يطوفون عادة فى هذا المكان. إن المسافة كما
وضح فى الوجهة الخامسة من شبكة مقام إبراهيم إلى شادروان الكعبة ٢٨ قدما ، ومن
المقام الحنفى إلى جدار الحطيم ٣٣ ، ومن المقام المالكى إلى شادروان الكعبة ٤٤ ،
ومن المقام الحنبلى إلى شادروان التى تحت الحجر الأسود ٣٥ قدما ، وبناء على هذا
الحساب فإن طرفا المقام المالكى أوسع جهة مطاف الكعبة المشرفة.
الشادروان :
يطلق اسم شادروان
بين أهالى مكة على الجدران التى تلاصق أرض المطاف : إن هذه الحجارة البارزة جدار
صغير لترصين البناء كالسد ، وإنه مثل خلخال العروس الذى يحيط دائرا ما دار بالبيت
الشريف ، ومثل سوار معاصم البكارى ، وعليه حلقات متعددة لربط كسوة الكعبة ، وإن
هذه الحجارة البارزة التى يطلق عليها شادروان تحيط الكعبة من جهاتها الثلاث من
الشرق والغرب والجنوب ، لكن الجهة الشمالية تخلو من الشادروان. وإن كانت بعض
الحجارة تبرز من ناحية حجر إسماعيل. إن هذه الحجارة تعد من داخل الكعبة المعظمة ،
فلا يقال لها شادروان. وارتفاع الشادروان وجدرانه فى بعض الجهات يصل إلى قدم و ١١
بوصة ، وفى بعض
جهاتها إلى ذراع واحد وقدم ٨ بوصات ، وعرض بعض جهاتها يصل إلى ١١ بوصة ، وجهاتها
الأخرى تسعة بوصات.
مسائل مهمة :
وبناء على رأى
أئمة الحنفية فإن الشادروان لا يعد من الكعبة المعظمة ، لأنه حجارة قد ألصقت ببناء
الكعبة لتقويته وتدعيمه ، وبناء على رأى علماء المذهب الشافعى فإن شادروان يعد من
الكعبة المعظمة لأنه امتداد لأساس بيت الله المعظم العريض. حينما جددت طائفة قريش
قد رفعت أساس بيت الله عن الأرض ثلاث أصابع ، ثم رفعوا جدار كعبة الله من الخارج.
إن الطواف ببيت
الله يتوقف على وجود الطائف فى داخل الحرم الشريف ، لأن الطواف من خارج المسجد
الحرام يعد طوافا بالمسجد وليس بالكعبة ولذلك لا يجوز. ولا يطرأ ما يفسد الطواف
للذى يتركه لأداء الصلوات المفروضة أو لأداء صلاة الجنازة أو للوضوء ، فعندما يختم
هذا العمل يبدأ الطواف من حيث تركه ، وفى غير هذه الحالات يبطل الطواف ويجب البدء
من جديد.
إن القناديل حول
المطاف توضع على خمسة وثلاثين عمودا اثنان منها من الرخام والباقى من النحاس
الأصفر.
والأعمدة الرخامية
بالقرب من أبنية مقام إبراهيم ، والباقى يحيط بجوانب الكعبة الأربعة وتعلق عليه
القناديل ، وبما أن الأعلام التى وضعت فوق الأعمدة قد ساء منظرها ، وأوقعت على
الأرض بمرور الزمن فوضعت عليها أعلام من الصفيح ، ونزع أحمد أفندى مدير الحرم
الشريف سنة (١٢٩٦ ه) تلك الأعلام وصب أعلاما جديدة جيدة وضعها فوق الأعمدة كل ذلك
فى ظل المبرة السلطانية.
ولم يكن فى أى جهة
من جهات الكعبة قنديل إلى عهد معاوية ، وفى سنة
(٤٤) أوقد معاوية
العدد الكافى من القناديل ، ومد تلك القناديل بالكمية الكافية من زيت الزيتون
وأصبح هذا عادة.
بعد إحدى وثلاثين
سنة من ذلك ركز عبد الملك بن مروان بالقرب من بئر زمزم عمودا ، وعلق عليه قنديلا
كبيرا لينير المطاف للذين يطوفون بالبيت ليلا.
بعد ما وضع معاوية
بن أبى سفيان نظام إيقاد القناديل ، أعطى أرطال من الطيب لتعطر كعبة الله عقب كل
صلاة ، وأبقى ابن الزبير على هذا النظام ، إلا أنه استصوب أن تعطر الكعبة فى
الأيام العادية برطل من الطيب ، وفى أيام الجمع برطلين.
لم يوقد قنديل ولم
ينصب عمود واحد حول المطاف الشريف إلى عصر الواثق بالله العباسى ، وفى سنة (٢٣١ ه)
نصبت عشرة أعمدة خشبية وعلقت ما بين الأعمدة ثمانية مصابيح كبيرة ، ومنذ ذلك
التاريخ أضيئت الجهة الداخلية للمطاف. وفى (٧٢٠ ه) قد زيدت تلك الأعمدة إلى (٣٢)
عمودا وبلغت القناديل التى تعلق بينها إلى (١١٦) قنديلا ، وبعد تسع وعشرين سنة قد
بدلت جميع هذه الأعمدة بالأعمدة الحجرية ، وإن كانت ريح شديدة هبت فى سنة (٧٥٠ ه)
وأسقطت جميع الأعمدة التى حول المطاف وحطمتها قطعا إلا أنها جددت وبعد مرور وقت
قصير قد بدلت بأعمدة من نحاس أصفر ، وحتى تحفظ تلك الأعمدة من مياه الأمطار التى
قد تظهر فيما بعد مد بين الأعمدة أربطة حديدية سميكة لتعلق عليها القناديل أيضا.
وفى سنة (١٢٧٠ ه) أوصلها السلطان الغازى عبد المجيد خان بن السلطان الغازى محمود
خان إلى (٣٥) عمودا وعدد القناديل (٢١٠) وعلق فوق حدائد القباب من أولها
لآخرها قناديل مثل الأنجم على أن توقد فى خلال موسم الحج وليالى رمضان
وإحياء الليالى المباركة.
__________________
وهكذا أضىء داخل
حرم المسجد الحرام مثل الجنة ، وبعد مرور تسعة عشر عاما أرسلت من قبل والدة
السلطان عبد العزيز خان الطاهرة النقية شمعدانات متعددة حتى توقد أمام المقامات
الأربعة ، وفى الأماكن المناسبة لمساحة الحرم الرملية وذلك فى سنة (١٢٨٩).
بين عمودين من
أعمدة المطاف سبعة قناديل وإذا أحصى عدد القناديل كلها تصل قناديل أعمدة المطاف
إلى (٢١٠) عمودا وإذا أضيف إليها القناديل التى سنذكرها فى الجدول الآتى يصل عدد
القناديل إلى (١٨٢٢) قنديلا :
مواقع وعدد القناديل التى اعتيد إيقادها فى مواسم الحج
عدد القناديل
|
مكان وجودها
|
ملاحظات
|
٣٢٤
|
فى المطاف
السعيد
|
القناديل ال ٨٦
الموقدة فى المقامات الأربعة داخل هذا العدد
|
٣٧٠
|
تحت القباب
|
|
٦٠٠
|
بين الأعمدة
|
|
٥٤
|
فى الأبواب
|
|
٣٦
|
فى النجف
الشبيهة بالأشجار
|
يقال لهذه
القناديل «المصطفة» وهى معلقة تحت الصف الأول من كمر قباب الحرم الشريف الواقعة
فى الساحة الرملية
|
١٠
|
أمام المحكمة
|
|
١٦
|
بين الصفا
والمروة
|
فى كل مئذنة
|
عدد المآذن
|
١٤١٠
|
المجموع
|
٦٤
|
٥
|
١٤١٠
|
المجموع المنقول
|
٤٦
|
٢
|
٤١٢
|
فى المآذن
|
|
٧
|
١٨٢٢
|
المجموع الكلى
|
|
هناك جدار نصف
دائرى حول حجر إسماعيل ويطلق على هذا الجدار «حطيم».
سبب بناء الحطيم وتاريخ تأسيسه
كانت أطراف المطاف
الشريف إلى سنة (٦٤) هجرية ساحة رملية وفى نفس السنة فرش عبد الله بن الزبير.
الجهات الأربعة للمطاف بالأحجار الباقية بعد تجديد البيت الحرام بتوسيعه عشرة
أذرع. وبعد ثمانى سنوات من هذا العمل هدم الحجاج الظالم الجدار الشامى الذى بناه
عبد الله بن الزبير كما ذكر فى مكانه من قبل وأدخله إلى داخل الكعبة قدر ستة أو
سبعة أذرع ، وحتى يحفظ هذا المكان الذى خلا بالهدم من الطائفين بنى ذلك الجدار الذى سبق ذكره أعلاه ، وذلك فى سنة (٨٢ ه).
وقد أدى الجدار
الذى بناه الحجاج الظالم مهمته إلى سنة (٩٤١ ه) بترميمه من حين لآخر ، إلا أنه
ضعف وارتج بشدة عقب السيل الفظيع الذى حدث فى سنة (١٠٣١) وحينئذ هدمه السلطان مراد
الرابع إلى أساسه وبناه من جديد. وجدده السلطان عبد المجيد فى خلال سنة (١٢٦٢ ه)
على أكمل صورة.
كان سطح داخل
الحطيم الكريم مفروشا بحجارة سوداء صغيرة إلى عهد أبى جعفر المنصور. وفى سنة ١٣٩ ه
حينما حج أبو جعفر تأثر حينما شاهد حجارة جدران الحطيم ، وكذلك أرضيته فى الداخل
والخارج غير منظمة وفى حالة سيئة ، استدعى زياد بن عبد الحارث والى مكة وقال له :
إن هذا الجدار قد بنى بحجارة عادية وإننى أريد أن يفرش هذا الموقع المبارك فى هذه
الليلة بحجارة رخامية لامعة منتظمة وابدءوا ما أريد لأننى سأتى غدا صباحا
لمعاينته.
وأحضر زياد بن عبد
الله عددا كبيرا من العمال والحجّارين ، وتحت ضوء المشاعل والقناديل قد جدد الجدار
ثم الأرضية حاملا العمال على بذل الجهود المضنية حتى الصباح ، وانتزع الحجارة
السوداء التى أراد أبو جعفر المنصور تغييرها ، وفرش الأرضية بقطع الرخام المجلوة ،
وفى سنة (١٤١ ه) وبعد عشرين سنة من تجديد أبى جعفر أمر المهدى العباسى فانتزعت
الحجارة التى فى داخل
__________________
الحطيم وخارجه
واحدة واحدة وفرشت الأرضية بقطع الرخام اللامعة وذلك فى سنة (١٦٢ ه).
دامت الإصلاحات
التى أجراها المهدى العباسى فى المطاف الشريف (٤٧٢) سنة ، وفى عام (٥٥١ ه) بعد أن
غير الحجر الأخضر الذى يقال حجر إسماعيل من قبل المستنجد بالله بن المقتفى بالله
احتاج المطاف الشريف إلى ترميم عظيم ، غير المستنصر بالله الحجارة التى جددت فى
عهد المهدى تغييرا كاملا ، ثم كتب ما تم إصلاحه فى عهده فى الحرم الشريف على لوحة
رخامية زرقاء ، ثم ألصقها على جدران بيت الله الحرام ، وكان ذلك عام (٦٣٤ ه).
وإن كان الملك
جاقمق غير ما فرشه المستنصر بالله بعد مائة وتسعين سنة ، وفى سنة (٨٤٣ ه) إلا أن
أكثر رخام المطاف الشريف احتاجت إلى التسوية والإصلاح بعد سبع وثلاثين سنة ، وعلى
ذلك جددها السلطان قايتباى المصرى فى سنة (٨٨١ ه) وبعده بست وثمانين سنة غير
السلطان الغورى المصرى ما فرش فى عهد قايتباى فى سنة (٩١٧ ه). وقد أمر السلطان
سليمان بانتزاع ما تم إصلاحه فى عهد السلطان الغورى أو ما تم فرشه قبل ذلك. وفرش
المطاف الشريف على أحسن وجه فتبدلت أرضية المطاف السعيد الرخامية وانتظمت حالتها
فى سنة (٩٥٩ ه). وبعده بأربع وثمانين سنة غير السلطان مراد خان الرابع قطع رخام
المطاف الشريف ورخام الأماكن الأخرى من الحرم الشريف سنة (١٠٤٣ ه) وقطع الرخام
التى مازالت مفروشة إلى الآن هى الحجارة التى فرشت فى عصر مراد الرابع.
وقد أصبحت هذه
الحجارة بمرور الزمن فى حالة غير منتظمة ، وتحركت من أماكنها حتى اتسعت الشقوق بين
قطع الحجارة قدر إصبع ، فلم تنج أقدام الحجاج من الأذى حين الطواف وفى سنة (١٢٩٦ ه)
أصلح مدير الحرم الشريف السابق أحمد أفندى بأن صب قصديرا بين الشقوق التى فى قطع
رخام المطاف والرخام الذى فى داخل الحطيم.
__________________
واختلف العلماء فى
تحديد مكان الحطيم بالنسبة للمسجد الحرام ، وبناء على بعض الأقوال أن الحطيم فى
داخل الجدار الذى سبق تعريفه ، وباتصال جدار البيت الأعظم الشمالى أى لحجر إسماعيل
، ويطلق على المكان الذى يقع بين ركن الحجر الأسود وبئر زمزم ومقام إبراهيم ، وعند
البعض يطلق على الفراغ الذى بين باب بيت الله ومقام إبراهيم ، وفى قول يطلق على
الميدان الذى يمتد فى ركن الحجر الأسود إلى حدود مقام إبراهيم ، وبما أن القول
الأخير يبدو أقوى من الأقوال الأخرى فالناس يجتمعون فى هذا الميدان للتضرع والدعاء
والمناجاة ، وكان أهل الجاهلية يجتمعون فى هذا الميدان حيث يتعاهدون أو يتحالفون.
والحطيم فى زماننا
ذلك الجدار الميمون المبارك ، وارتفاع جدار الحطيم (٣ قدم و ٤ بوصة) وله مدخلان
وعرض كل مدخل (١٠) قدم ، والفاصل بين الاثنين (٢٩) قدما ، والفاصل بين جدار الكعبة
التى تحت الكسوة وجدار الحطيم (٢٢ قدم ٦ بوصة) ، والمحيط الداخلى لجدار الحطيم
المذكور (٣٥ قدم ، ٥ بوصة) ، والمحيط الخارجى (٤٤ قدم ، ٤ بوصة) وتبلغ مساحة
الأطراف الأربعة لأبنية الكعبة مع إضافة مساحة حجر إسماعيل (١٤٧ قدم ٣ بوصة)
كاملة.
والمقامات الأربعة
التى يؤدى فيها أئمة المذاهب الأربعة صلواتهم تقع فى الأطراف الأربعة للمطاف
الشريف الذى ذكرناه ، فالمقام الحنفى فى الجهة الشمالية لكعبة الله ، ومقابل ميزاب
الرحمة المقام الشافعى فى الجهة الشرقية وخلف المقام الإبراهيمى الذى يواجه الكعبة
، والمقام المالكى فى ظهر كعبة الله ، والمقام الحنبلى فى الجهة الجنوبية فى مكان
يواجه الحجر الأسود ، وكل المقامات متصلة بالحدود الخارجية للمطاف الشريف ، وقد
أدى إمام كل مذهب الصلاة مع المصلين دون ترتيب منذ سنة (٦٣٣ ه) إلى سنة (٧٩٠ ه)
، ولكن بعد سنة (٧٩٠ ه) أخذ إمام المذهب الشافعى يصلى بصلاة الفجر أولا ، وفى
الآخر يصلى إمام المذهب الحنفى ، وفى صلوات الأوقات الأخرى يصلى إمام المذهب
الحنفى وبعده إمام المذهب الشافعى وبعده إمام المذهب الحنبلى ، وفى الآخر يصلى
إمام المذهب المالكى.
قد استصوب أداء
أئمة المسجد الحرام على الوجه المذكور فى خلال سنة (٧٩٠ ه) ومع هذا عند اتخاذ هذا
النظام للصلاة أخذ أئمة المذاهب الأربعة أداء صلاة المغرب معا ، وكان الناس يقتدون
بالأئمة الأربعة فى جهات الحرم الشريف الأربع ، فأخذت الأصوات تختلط مع بعضها مما
قد يؤدى إلى فساد الصلاة.
وقال بعض من خيار
العلماء إذا ما ترك نظام أداء صلاة المغرب مؤقتا بالأئمة الأربعة فى وقت واحد أحسن
، وحاول بهذا أن يقضى على النظام الغير المعقول ، لذا وضع الملك الناصر فرج نظام
أداء صلوات المغرب بإمام واحد فقط ، وبعد ما استمر هذا النظام ما يقرب من إحدى
عشرة سنة اختل ، ولا سيما فى سنة (٨١٦ ه) أخذ أئمة المذاهب الأربعة يؤدون الصلوات
فى وقت واحد وفى النهاية وضعوا النظام الحالى ، والآن تؤدى صلاة التراويح فى أماكن
مختلفة قد تصل إلى أربعين أو خمسين موقعا مع أئمة مختلفة يؤمون جماعات مختلفة ،
وكان هذا النظام مما يؤذى شعور الناس ، إلا أنه قد اتخذ حكم العادة ومن الصعب حمل
الناس على تركها.
والجماعات التى
تصلى التراويح يسلم بعضهم بعد ركعتين ، وبعضهم بعد أربع ركعات ، ويطوفون بالبيت
بعد السلام ، ثم يبادرون لأداء صلاتهم وبعضهم يصلون التراويح بدون طواف وتكاد
الصلاة أن تفسد أحيانا باختلاط الأصوات بعضها مع بعض ، إلا أن وجود فوانيس مختلفة
الألوان أمام الأئمة يضيف للحرم الشريف رونقا وجمالا.
وبناء على الفهرس
الذى أخذ من خزينة مديرية الحرم الشريف أردنا أن ندرج صورة منه فيما يأتى فللمقام
الحنفى (٧٥) وللمقام الشافعى (٢٥) وللمقام المالكى (١٥) وللمقام الحنبلى خمسة
أنفار من الخطباء والأئمة ، وخدمة المسجد الحرام يبلغ عددهم ١٧٢ نفرا غير الأئمة
والخطباء.
الفهرس الذى يبين
الأئمة والخطباء والخدم الآخرين ، وعددهم وأنواعهم ، بالحرم المكى.
عدد الأنفار
|
المقام الحنفى
|
عدد الأنفار
|
المقام الشافعى
|
٢٦
|
أئمة وخطباء
موظف
|
٦
|
خطيب وأئمة موظف
|
٧
|
ملازمو أئمة
|
١٢
|
ملازمو أئمة
|
٤٣
|
المجموع
|
١٨
|
المجموع
|
٣٢
|
ملازمو أئمة غير
موظف
|
٧
|
ملازمو أئمة غير
موظف
|
٧٥
|
المجموع الكلى
|
٢٥
|
المجموع الكلى
|
عدد الأنفار
|
المقام المالكى
|
عدد الأنفار
|
المقام الحنبلى
|
عدد الأنفار
|
المقام الحنفى
|
عدد الأنفار
|
المقام الشافعى
|
٧
|
خطيب وأئمة موظف
|
٢
|
خطيب وأئمة موظف
|
٨
|
ملازمو أئمة غير
موظف
|
٣
|
ملازمو أئمة غير
موظف
|
١٥
|
المجموع
|
٥
|
المجموع
|
__________________
خدمة المسجد الحرام ومدرسوه
عدد الأنفار
|
نوع الوظيفة
|
عدد المدرسين
|
نوع الوظيفة
|
١٥
|
١٥ المؤذنون
|
٦٠
|
أن هؤلاء موظفون
بالبراءة العالية
|
٧
|
٧ المكبرون
|
٦٠
|
وهؤلاء موظفون
بعلم وخبر المدرسين
|
٧
|
٧ المرحمون
|
|
|
٨
|
٨ الوقادون
|
|
|
٣٧
|
٣٧ المجموع
|
|
هؤلاء خاصون
بالحرم الشريف
|
١٢
|
١٢ الفراشون
|
|
|
١٠
|
١٠ المشيدان
|
|
|
٢٠
|
٢٠ الكناسون
|
|
|
٢٦
|
٢٦ البوابون
|
|
|
١٢
|
١٢ الجيادون
|
|
|
١١٧
|
١١٧ المجموع
|
|
|
ويبلغ عدد الأئمة
الكرام والخطباء العظام (١٢٠) نفرا ووظف (٧٠) منهم بالأمر السلطانى ، منهم موظفون
بعلم مديرية الحرم الشريف.
وقد خص المقام
الحنفى بثلاثة وأربعين إماما وخطيبا المعينين بالأمر السلطانى ويعمل بالمقام
الشافعى ثمانية عشر منهم ، والمقام المالكى بسبعة والمقام الحنبلى
__________________
باثنين من السبعين
المكلفين بالأمر السلطانى وإن كان الذين يتمتعون بالأمر العالى ينقسمون إلى قسمين
الأصالة والملازمة إلا أنهم كلهم موظفون. إن الأشخاص الذين يتمتعون بالأمر العالى
ثمانية عشر منهم من خطباء الحنفية ، وأربعة منهم من خطباء الشافعية ، وأربعة منهم
من خطباء المالكية ، وواحد منهم خطيب حنبلى ، ويتقاضى كل واحد منهم شهريا ٢٠٠ قرش.
ولكن الأئمة الذين عينوا بعلم المديرية يعطى شهريا ١٠٠ قرش ، والملازمون المعينون
بعلم المديرية يتقاضى فى الشهر ٤٠ قرشا.
الاستطراد
يوجد مقام خاص لكل
جماعة من جماعات المذاهب الأربعة فى أركان بيت الله الأربعة ليؤدى كل إمام مع
جماعته الصلاة فيه ، ولا يعرف الوقت الذى أقيمت فيه المبانى فوق هذه المقامات
الأربعة ، ولكن أغلب الاحتمال أنها أنشئت فى عصر الملك الظاهر بيبرس البندقدارى ،
لأنه قد عين فى سنة (٦٦٣ ه) فى مكة المكرمة إماما لكل مذهب ، وأقر بين العلماء
على أن يكون لكل إمام مذهب مكان خاص ليصلى به مع جماعاته ، فاختيرت أماكن المقامات
لأئمة المذاهب الأربعة ، ونبهوا بأداء الصلاة كل فى مقامه ، وكما أنه يوجد فى
المسجد الحرام مقام خاص بإمام كل مذهب يوجد مفتى لكل مذهب ، وطبقا لما أفاد به
المؤرخون عن تعيين أول هؤلاء المفتين وفى أى تاريخ لزمت الحاجة إليه ، يمكننا
القول : إن القبائل العربية عندما ذاقت حلاوة الإيمان أرسلت السفراء إلى سيد الخلق
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ترجوه أن يرسل معلما إلى القبيلة التى ينتمون
إليها لتعليم الأحكام الشرعية ، ولإيضاح غوامض المسائل الدينية لهم ، وأسرع علماء
الصحابة الذين استقوا العلم من أشرف الخلق ـ عليه الصلاة والسلام ـ وحفظوا عن
الرسول صلى الله عليه وسلم الأحاديث والآيات القرآنية لتبليغها إلى القبائل ، ولما
كانت الحجج قاطعة والنصوص واضحة فى أيام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحياته وحياة
صحابته الأجلاء لم تكن هناك حاجة للاجتهاد.
وكان أهل الإيمان
فى عصر الرسالة إذا شكوا فى مسألة ما يسألون النبى صلى الله عليه وسلم ، وكانوا
بعد وفاته ـ عليه السلام ـ كانوا يلجأون إلى صحابة النبى صلى الله عليه وسلم ،
طالبين الفتوى منهم مثل عبد الرحمن بن عوف أو عبد الله بن مسعود أو أبى بن كعب
الأنصارى أو معاذ بن جبل أو عمار بن ياسر ، أو حذيفة بن اليمان أو زيد بن ثابت
الأنصارى أو أبى الدرداء أو أبى ذر الغفارى أو أبى موسى الأشعرى أو سلمان الفارسى «رضى
الله عنهم» وإذا لم يستطع هؤلاء حل مشاكلهم يلجأون إلى الخليفة فى ذلك الزمان
مستفتين.
إخطار :
اشتهر بالإفتاء
بعد الخلفاء الراشدين سيد العبادلة عبد الله بن عباس كما أن عبد الله بن عمر أفتى بعد وفاة النبى صلى الله عليه
وسلم ، ستين عاما. انتهى.
واستمرت هذه
الحالة إلى يوم استشهاد عثمان بن عفان ـ رضى الله عنه ـ وبدأت الآراء تختلف بعد
ذلك وكلما ابتعد عصر السعادة وتناقص عدد الأصحاب والتابعين أخذت الآراء تختلف
وتتشتت ، ولا سيما فى وجود كثرة ممن يميلون إلى اتباع آراء الطغاة أدت إلى تغير
أطوار الأمة وأوضاعها ، فكثرت فى المسائل الشرعية الفرعية الآراء ، واستخرج أئمة
الدين الأحكام الشرعية التى تخص الطاعات والعبادات والعقوبات والمعاملات من كتاب
الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تفهم النصوص الظاهرية وسنة رسول
الله بيسر وبشكل واضح لا ينسى ، واتخذ كل واحد منهم مسلكا ومذهبا مختلفا عن الآخر.
وفصلوا بين المعنى العرفى والمعنى اللغوى للآيات القرآنية والأحاديث النبوية ، حتى
يتقى الخطأ فى المسائل الشرعية ، ووضعوا أصولا وقواعد للوصول إلى مرتبة الاجتهاد
الصعبة ، ودونوا علما خاصا يطلق عليه علم أصول الفقه ، وسموا ما جمعوا ورتبوه من
المسائل التى استنبطوها وفقا للقواعد السابقة علم الفقه.
__________________
علم أصول الفقه :
هو استخراج فروع
المسائل الفقهية من الكتاب والسنة والإجماع وفقا لقواعد مخصوصة واستنباطها.
وعلم الفقه :
هو أن يعرف كل
مسلم ما له وما عليه من الأمور.
والذين لهم دراية
بالمسائل المستخرجة والمستنبطة يطلق عليهم الفقهاء. والفقهاء الأجلاء فرقتان :
عراقية وحجازية ، وقدوة الفرقة العراقية هو الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن
ثابت الكوفى ، ورئيسا الفرقة الحجازية هما الإمام مالك بن أنس المدنى والإمام محمد
بن إدريس المطلبى الشافعى.
واتخذ الإمام أحمد
بن حنبل مسلكا جديدا بعد الإمام الشافعى وأصبح رابع أئمة المذاهب الأربعة ، واجتهد
الإمام الأعظم متخذا العقل قبل النقل قاعدة ، واتخذ الإمام مالك النقل قبل العقل
قاعدة وأساسا ، واتخذ الإمام الشافعى العقل مساويا للنقل ، واتخذ الإمام أحمد بن
حنبل النصوص أساسا لكل شىء ، وهكذا ارتقى إلى المرتبة الرابعة بين الأئمة إلا أن
من يقلد مذهبه قليلون.
وقد ظهر بعد
الإمام مالك المذهب الظاهرى ، وقد اعترض من يقلدون هذا المذهب على التباس المسائل
بطريق القياس ، وتركوا العمل بالقياس وأبطلوه ، وأحدث بعدهم مذهب أهل البيت وبما
أنه كان متصفا بالغلو والإفراط ولمخالفته الجمهور اندثر بموت إمامه وإنكار مقلدى
المذاهب الصحيحة له ، وأراد بعض الناس فيما بعد إحياء مذهب أهل البيت ولم يكن له شأن
إلا مخالفته للمذاهب الأربعة ، وهكذا ساد المذهب الحنفى فى العراق والمالكى
والشافعى فى البلاد الحجازية.
انتشر المذهب
الحنفى فى إقليم العراق وممالك الهند والصين وما وراء النهر وبلاد الفرس ، والمذهب
المالكى فى الأندلس والممالك المغربية ، وساد الشافعى
فى بلاد العراق
وخراسان وما وراء النهر فى أول ظهوره ، وانتشر المذهب الحنبلى أولا فى الشام
والعراق وبغداد والبلاد المجاورة لها.
ويعدد حضرة عبد
الوهاب الشعرانى فى كتابه الميزان الكبرى مذاهب أخرى غير المذاهب الأربعة مثل :
مذهب عائشة ، مذهب عبد الله بن مسعود ، مذهب عبد الله بن عمر ، ومذهب عطاء بن أبى
رباح ، ومذهب الإمام الليث ، ومذهب مجاهد بن جبر ، ومذهب داود الأصفهانى ، ومذهب
عمر بن عبد العزيز ، ومذهب سفيان الثورى ، ومذهب سفيان بن عيينة ، ومذهب محمد بن
جرير ، ومذهب الشعبى ، ومذهب إسحاق بن راهويه ، ومذهب الأعمش : أربعة عشر مذهبا
وبهذا يبلغ المذاهب الصحيحة والحقة إلى ثمانية عشر مذهبا ، وقد اندثرت هذه المذاهب
لقلة أتباعها ، أو لا نحصارها فى أصحابها ولم يبق إلا المذاهب الأربعة.
وكان أهالى
الحرمين إلى سنة (٣٥٨ ه) يحلون شبهاتهم فى المسائل الفقهية باللجوء إلى إلى أى
واحد من أئمة المذاهب الأربعة الذى اكتسب ثقتهم.
ووقعت البلاد
المصرية تحت إدارة الملوك الفاطميين وفى خلال العهد الفاطمى الذى دام مائتين وبضع
سنين أسقط العمل باجتهاد الأئمة الأربعة ، وصنفت كتب وفقا لأحكام فقه أهل البيت.
ومنع فى هذه
الفترة حب أصحاب المذاهب الأربعة ، وكان كل من يتبع المذاهب الأربعة مبغوضا منفورا
منه لدى الحكومة.
من الحوادث التى
تلوث تلك الفترة وصحائف تاريخها هذه الحادثة الشنيعة ، وقد علم أن أحدا من أهل
السنة يحتفظ فى مكتبة بكتاب الموطأ ، فأحضر الكتاب وصاحبه ومزق الكتاب المذكور ثم
قيل لصاحبه «لماذا تحتفظ بهذا الكتاب وتحترمه؟» ثم شتم وعذب وضرب ضربا مبرحا.
كان القاضى عبد
الوهاب من فقهاء أهل السنة ساكنا ببغداد وفى أواخر المائة الرابعة أتى إلى مصر
وسعى لنشر المذهب المالكى ، واستطاع أن يدخل كثيرا من
أهل السنة إلى
الدائرة المنجية ، إلا أنه كان يحكم فى مصر والبلاد الحجازية بأحكام مذهب أهل
البيت إلى سنة (٥٦٨ ه) وقد انقرضت الدولة الفاطمية فى تلك السنة ، فعاد علماء
الشافعية إلى مصر ، وهكذا سقط العمل بكتب فقه أهل البيت وانتشر المذهب الشافعى
فيها ، وأخذ الأهالى والملوك وكبار الموظفين العمل متبعين المذهب الشافعى.
وصلاح الدين
الأيوبى واحد من الملوك المصريين الذين قلدوا المذهب الشافعى : وقد أسس هذا الشخص
قلعة جبل المقطم ، وفى نفس السنة أنشأ المدرسة التى تنسب إلى قبر الإمام الشافعى ،
وهكذا أنقذ الناس من البحث عن عالم يعين بالقاهرة مفتيا شافعيا ، واستصوب بعد ذلك
بين العلماء وجود مفتيين على المذهب الشافعى فى مكة المكرمة والمدينة المنورة ونفذ
الأمر.
وقد جعل المفتى
الشافعى الذى عينه صلاح الدين الأيوبى فى القاهرة نوابا له عن باقى مذاهب أهل
السنة حتى يفتوا حسب مذاهبهم ، وهكذا أخذ يزيد أفراد كل مذهب تدريجيا ، وظهرت
المذاهب الأربعة كاملة اضطر أهالى الحرمين ومصر القاهرة وسكنة بلاد الشام فى عهد
صلاح الدين الأيوبى إلى سنة (٦٦٣ ه) أن يلجأوا لمفتى الشافعية ، وبما أنه لا يمكن
للإمام الشافعى أن يفتى وفقا لأحكام المذاهب الأخرى عين الملك الظاهر بيبرس قاضيا خاصا بكل مذهب فى خلال تلك السنة ، وبعد ذلك أصبح أتباع
المذاهب الأربعة يذهب للإمام الخاص به لحل ما يريدونه من المسائل الدينية ، ولكن
فى الممالك الأخرى ظل المفتى الشافعى كما كان فى السابق.
إضافة
وإن كان ثابتا
بالتحقيق أن عمر بن الخطاب هو الذى كان يقوم بأمور القضاء فى عهد خلافة أبى بكر الصديق
، وكان هناك يزيد ابن أخت نمر وشريح فى عهد عمر بن الخطاب ، وكعب بن سوار وفى عهد
خلافة سيدنا على شريح بن الحارث
__________________
يقومون بأمور
القضاء ، إلا أن أول القضاة المعينين فى المدينة المنورة من خارجها هو عبد الله بن
نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، وقد أرسل إليها فى سنة (٤٢ ه) من قبل معاوية.
وفى عهد السلاطين
العثمانيين أول من تولى منصب القضاء شخص يسمى طورسون أفندى وعين من قبل عثمان
الغازى ، أما أول القضاة المعينين لاستانبول فكان القاضى مجد الدين أفندى «محاضرة
الأوائل».
عين الملك الظاهر
مفتيا لكل مذهب من المذاهب الأربعة ، وبعد مضى خمسة وأربعين عاما على هذا التاريخ
أرسل الناصر فرج من ملوك مصر إلى مكة المعظمة مفتيا للحنفية وآخر للمالكية وذلك
عام ٧٥٨ ه ، وبعد فترة وجيزة أرسل مفتيا للحنابلة. ومنذ ذلك الوقت (أى منذ ٧٠٨ ه)
وبعد فترة وجيزة عين مفتيا خاصا لكل مذهب فى مكة المكرمة والمدينة المنورة على حد
سواء.
كان يتم تعيين
واحد للإفتاء لكل مذهب حتى العام المبارك الذى انتقلت فيه أزمة إدارة البقاع
الحجازية المقدسة فى بعض الأحايين ، وفى الأحايين الأخرى كان يعين واحدا أو اثنين
فقط لتسيير الإدارة فى الحرمين ، ولكن بعد عام (٩٢٣ ه) لم ينقص عدد المفتين
الأربعة فى أى وقت.
وفى وقتنا الحاضر
ثمة مفتى حنبلى على الرغم من قلة الحنابلة فى مكة المكرمة بحيث نستطيع القول بأنه
لا وجود لحنبلى واحد فيها.
مطالعة
قبل عهد سلاطين آل
عثمان وفى بعض الأحايين كان يوجد مفتى أو اثنين فى الحرمين ، وسبب ذلك هو إظهار
سلاطين السلف من المسلمين استعدادهم لنجدة كل مسئول من أهل الحرمين ، لأن ملوك
المسلمين كانوا يعتنون كل العناية ببسط نفوذهم على الحرمين ، وكانوا يعتقدون أن أعظم
الأسباب التى تخدم هذا الغرض
هو نجدة مسئول
الأهالى. والرابطة الإسلامية أينما وجدت فإن أساسها الارتباط بالحرمين وكان الحكام
يدركون الفوائد السياسية الكبيرة للاحتفاظ بهاتين البلدتين المسعودتين.
وإن كان هذا
الاعتقاد موضع احترام وتقدير فإنه من الممكن حدوث تجاوز للحدود الشرعية لنجدة كل
مسئول للأهالى ، ولا توجد شبهة فى خطأ الاعتقاد المذكور ، ألم يكن باطلا استيلاء
جيوش الجهالة على الحرمين فى العهد السابق ، وحصول أصحاب المذاهب الباطلة على
الحماية فى البلاد الحجازية ، وانقياد البدو لصناديد القبائل فى الباطن ، وللدولة
فى الظاهر ، والعمل بالأحكام والقوانين التى سنها البدو وليس التى يسنها الولاة والقضاة المعينون من قبل الدولة ،
وإذا ما نظر بإمعان إلى المعاملات الكلية والجزئية التى جرى العمل بها من بداية
ظهور الملوك الإسلاميين وحتى اندثارهم يتبين أن انقراضهم وسقوطهم كان أولا
بالانحراف عن جادة الشرع ، والعمل بالبدع أو لترك الأعمال والتصرفات المشروعة.
أو ليس بقاء
سلاطين آل عثمان المنصوص على أنهم أعدل الملوك فى الكتب الإسلامية المعتبرة كان
بسبب اتخاذهم الأحكام الشرعية أساسا فى الأعمال والحركات ، وعلى الرغم من أنه لم تلتزم
الدقة فى تطبيق أحكام الشريعة بتمامها والتى هى أساس ملكهم الذى قام عليه مما أدى
إلى وقوع بعض الخلل والاضطراب ، وبمرور مدة قصيرة جدا على ذلك جددوا تمسكهم
بالصورة الموافقة لأحكام الشريعة وأساس ملكهم ووصلوا إلى مطالبهم بعد وقت قصير كما
هو مسطور فى الكتب المذكورة وسرى حكمهم إلى أكثر أرجاء الأرض وشملها.
وعندما سيطر
السلاطين العثمانيون على البلاد الحجازية المباركة قضوا على
__________________
جميع العقائد
والأراء الباطلة والأفكار الخاطئة بحسن تدبيرهم ، وهكذا استطاعوا أن يدخلوا سكنة
الحجاز كلهم فى دائرة المذهب الحق مذهب أهل السنة ، والجماعة الفرقة الناجية
وأذنوا لمفتىّ المذاهب الثلاثة الحكم فى مسائل الطلاق والنكاح وغيرهما من المسائل
، ولمفتى المذهب الحنفى الحكم فى المسائل الأخرى المهمة وبناء على أصح أقوال
الفقهاء ، وحكموا وفقا للأحكام الشرعية فى البلاد العربية وخاصة فى الحرمين
الشريفين ، سواء أكان فى العقيدة والآراء أو فى جميع المعاملات والعقوبات الفقهية
متبعين فى ذلك رأى السلطان ورؤيته ، وبهذا فعلا أحيوا الشريعة الأحمدية وحكموا
بالأحكام الإلهية.
وكان المفتى
الشافعى تاج الدين بن بنت الأعز سببا فى تعيين الملك الظاهر مفتيا لجميع المذاهب
فى مصر ، وكان الملك الظاهر يلجأ إلى تاج الدين ابن بنت الأعز فى جميع المسائل
لكونه مفتى الأنام ، وبما أن الشيخ تاج الدين كان يريد أن يجيب على كل مسألة
إجابة صحيحة اتخذ من كل المذاهب نائبا له ، وكان يفتى بعد ما يتفق معهم على
الإجابة.
ولسبب ما امتنع
مرة عن الإجابة للمسألة التى عرضها عليه الملك الظاهر وقال له «إن هذه المسألة
يقتضى سؤالها من النائب الحنفى ، وكأنه بهذا القول أراد أن يشير إلى أن الوقت قد
حان لتعيين مفتى لكل مذهب من المذاهب ، وبادر الملك الظاهر بتعيين مفتى لكل مذهب
حتى لا يحدث خلل فى رابطة الموحدين ، وأطلق عليه لقب قاضى القضاة ، وأمرهم بأن
يرسلوا من قبلهم نوّابا لهم إلى البلاد التى فى حاجة إلى ذلك وحينما عين المفتيين
الأربعة سر صاحب القصيدة المشهورة البردة ـ وكان حيا يرزق ـ من هذا العمل وأنشد
الأبيات الآتية :
غدا جامع بن
العاص كهف أئمة
|
|
فلله كهف الأئمة
جامع
|
__________________
لقد سرنا أن
القضاة ثلاثة
|
|
وأنك تاج الدين
للقوم رابع
|
بهم بنية إسلام
صحت وكيف
|
|
ولا وهم أركانها
والطبائع
|
فهم رخص أبدوا
لنا وعزائم
|
|
هدينا بها فهى
النجوم الطوالع
|
فلا تلتبس إن
وسع الله فى الهدى
|
|
مذاهبنا بالعلم
والله واسع
|
تفرقت الآراء
والدين واحد
|
|
وكل إلى رأى من
الحق راجع
|
فهذا اختلاف جد
للخلق راجع
|
|
كما اختلفت فى
الراحتين الأصابع
|
وتتضمن قصيدة الإمام
البوصيرى معنى الحديث الشريف «اتفاق أمتى حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة».
فضائل الحطيم
يروون تأييدا
بالأحاديث الشريفة أن فى الحطيم بين بئر زمزم والمقام المحترم الذى يمتد إلى الحجر
الأسود قد دفن تسعة وتسعون نبيا بعد أن حجوا توفوا وصعدت أرواحهم إلى الجنات
العالية.
إن الأنبياء الذين
هلك أتباعهم قد أقاموا إلى آخر عمرهم فى مكة المكرمة ، وقضوا حياتهم فى التعبد لله
ـ سبحانه وتعالى ـ ثم توفوا فى تلك المدينة ، وقد نقل ذلك محمد بن السائب نقلا عن
النبى صلى الله عليه وسلم.
ولما كان نوح وهود
وصالح وشعيب من الأنبياء الذين توفوا فى هذه
المدينة ، فقد
دفنوا فى الجهات التى تقابل فيها الكعبة المعظمة مقام إبراهيم وباب الصفا.
الأثر الثانى : المستجار :
يقع الموقع
المبارك الذى يطلق عليه المستجار بين الباب المسدود الكائن فى جدار كعبة الله
الغربى وبين الركن اليمانى وفى مواجهة الملتزم ، وعرضه ستة أقدام. الباب المسدود هو
الباب الذى فتحه عبد الله بن الزبير فى عرض (٤ قدم و ١١ بوصة). وبعد أن قتل الحجاج
السفاك عبد الله بن الزبير سد ذلك الباب.
الأثر الثالث : الملتزم :
يطلق على ما بين
باب كعبة الله والحجر الأسود الملتزم ، إن هذا المقام موقع طاهر مبارك فى عرض ستة
أقدام وأربعة خطوط ، فالذين يكملون الأشواط السبعة للطواف يأتون فى هذا المكان
للتضرع ، وهو فى الجهة التى يقع فيها باب كعبة الله ، ويروى أن النبى صلى الله
عليه وسلم تفضل قائلا : «إن كل من يصلى أربع ركعات مقابل كعبة الله كأنه قد أدى
صلوات جميع العباد ويستغفر له سبعون ألفا من الملائكة». (حديث شريف).
كان من اعتقاد
العرب فى الجاهلية أن كل من يتجادل فى هذا المكان أو يقسم يمينا باطلا أو من يدعى
عليه لا بد وأن ينالوا عقابهم ، وهذا هو وجه تسميته بالملتزم.
مقطوعة
انطلق إلى باب
الحجر
|
|
والتزم بلثم هذا
المقام
|
واحتضنه بشوق
غامر وإذا صعدت
|
|
روحك فلتكن
حياتك بالحبيب
|
__________________
أضرم من قلبك
نار الفراشة
|
|
وألق نفسك فى
تلك النار
|
أليست لك عادة
الفراشة
|
|
تحوم أولا حول
النار ثم تحترق
|
ضع يدك بخشوع
على هذا الستار
|
|
واتكئ على كرم
ذى المنن
|
امسح بوجهك
وصدرك هذا الباب
|
|
وزد من نور
عينيك وقلبك
|
علق يدك فى
أستاره
|
|
وازرف الدمع
لرؤيته
|
ولتأت بذرة
الشوق من الطريق
|
|
أصبحت الوصل
بروج الفراق
|
الأثر الرابع : تحت الميزاب :
الاسم الشهير لتحت
الميزاب هو «حجر إسماعيل» وإنه حجر أخضر يقع فى الجهة التى بها المقام الحنفى
مواجها لكعبة الله. وتحت الميزاب الذهبى وهو نصف دائرة ، يقال إن أكثر مواضعه ـ أو
على قول ـ بعض مواضعه كان داخل الكعبة وحينما جدد القرشيون بناء الكعبة تركوه
خارجها.
رواية
يقال إن كل من
يجلس تحت الميزاب ويدعو الله بقلب طاهر ونية خالصة يستجاب دعاؤه ، ويتخلص من ذنوبه
كأنه قد ولد من جديد ، وكل من يصلى ركعتين فى هذا المكان المبارك ويدعو عند سجوده
لنيل مطلب ما يتحقق أمله.
يجب ألا يشك فى
هذه الرواية ، لأن الجهة الشمالية من جدران الكعبة ومن
ركنيها نحو الحطيم
قدر ستة أذرع قد ثبت بحديث صحيح أنها من داخل الكعبة ، إنه المكان الذى أخبر عنه
بالحديث الشريف ـ يعنى المكان الذى يلزم الدعاء فيه بعد الصلاة ـ وهو المحل الذى
سبق تعريفه وقد أشير إليه بحجر مستدير أخضر اللون إن هذا المكان هو «حجر إسماعيل»
المبارك.
وبناء على حكم
حديث شريف آخر أن كل من يصلى ركعتين فى جهة الركن الشامى لحجر إسماعيل فكأنه قام
سبعين ألف ليلة بالصلاة ، وطاف بالبيت الأعظم طوافا مبرورا مقبولا أربعين مرة ،
وهذا هو قدر أجره وثوابه.
الأثر الخامس : حفرة المعجن :
من الأماكن التى
يستجاب فيها الدعاء المعجن الشريف ، إن الموقع الذى يطلق عليه المعجن حفرة متصلة
بجدار كعبة الله الشرقى ، وطولها سبعة أقدام وعرضها خمسة أقدام وست بوصات ، وعمقها
أكثر من قدم قد خلط إبراهيم عليه السلام طين بيت الله فى هذه الحفرة ، إن هذه
الحفرة اللطيفة هى المكان الذى صلى فيه جبريل ـ عليه السلام ـ الصلوات المفروضة
يومين متتالين مع النبى صلى الله عليه وسلم ، عندما فرضت الصلوات الخمس.
يروى أن جبريل ـ عليه
السلام ـ عندما فرضت الصلوات أم النبى صلى الله عليه وسلم فى أوائل أوقاتها وفى
اليوم الثانى فى أواخر أوقات الصلوات الخمس.
إن فى الجهة التى
تلاصق هذه الحفرة من كعبة الله حجر أحمر ، إن هذا الحجر المبارك دواء مؤثر لمرض
ضعف البصر والمبتلون بهذا المرض إذا مسوا هذا الحجر ثم مسحوا بأيديهم عيونهم يشفون
من هذا المرض.
وقد سرق هذا الحجر
سنة (١٢١٣ ه) وقد تعرض سكان بلدة الله لمرض مفرط ، ومات منهم كثيرون ، وفيما بعد
وجدوا الحجر فى متروكات رجل توفى ، فوضعوه فى محله مرة أخرى.
وهكذا نحو مما
تعرضوا له من المصائب والقحط وهذا الحجر موجود إلى هذا اليوم ، وبناء على قول ابن
حجر كلما سرق من بيت الله حجر أو أشياء أخرى يتعرض أهل مكة لمرض مهلك ينتشر إلى
جميع البلاد الأخرى ، وكان قد سرق فى وقت ما حجر من أحجار بيت الله فظهرت أمراض
مهلكة فى مكة الله وانتشرت إلى أكثر البلاد ، وفى نهاية الأمر خرس لسان السارق
ومات ووجد الحجر المسروق فى ميراث ذلك الرجل وأعيد إلى مكانه ، ورفعت تلك الداهية
الدهياء من فوق العباد.
الأثر السادس : مقام إبراهيم :
يطلق مقام إبراهيم
على ذلك الحجر المبارك الذى استخدمه إبراهيم ـ عليه السلام ـ كسقالة عند بناء كعبة
الله المعظمة.
وبناء على هذا
التعريف فإن هذا الحجر الذى يطلق عليه مقام إبراهيم هو الحجر الذى استخدمه إبراهيم
ـ عليه السلام ـ كسقالة عندما كان يبنى جدران كعبة الله وحينما صعد إبراهيم ـ عليه
السلام ـ فوق هذا الحجر لبناء جدران الكعبة جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ذلك الحجر
كالعجين فغاصت أقدام سيدنا إبراهيم الشريفة فى صدر الحجر حتى كعبها ، وعندما نزل
إبراهيم ـ عليه السلام ـ من فوق الحجر رجع إلى هيئته الأولى جامدا كما كان.
وقد رأى أنس بن
مالك هذا الحجر الشريف فى الآثار المباركة التى تركها إبراهيم ـ عليه السلام ـ كما
يروى صاحب بدائع الزهور بعد التدقيق.
وكان يقول للذين
يسألون : إننى رأيت آثار أقدام خليل الله فوق المقام الشريف ، وكانت آثار أصابع
قدميه ظاهرة. إلا أن هذه الآثار تكاد تمحى من كثرة ملامسة الناس. إن حجر المقام
الشريف الذى يساوى الجواهر لا يشبه الرخام الأبيض ولا الحجارة العادية البيضاء أو
السوداء. وفوقه عروق تميل إلى السواد أو الصفار وإن كان لونه قارب لون السكر الخام
إلا أنه لم ير فى الدنيا حجر لطيف
فى اللون أو
الخلقة أو جدير أن يقال لم يخلق حجر مثله. حجمه الأصلى فى ارتفاع واحد وعشرين
إصبعا ، والجهات التى تحمل آثار قدميه فى عرض ثمانية عشر إصبعا.
إن وسطه أرفع بالنسبة
لطرفيه وأسفله يشبه اللبن ، ومسافة محيطه أكثر من أربعة أقدام قليلا ، إن أثر قدمى
إبراهيم ـ عليه السلام ـ فوق المقام قد غطى بغلاف فضى إلا أنه لا يعرف متى حدث ذلك
ومن قام بتغليفه.
إن الحجر المذكور
محفوظ الآن فى داخل أبنية أنشئت فى الجهة الشرقية لكعبة الله وأمام باب بيت الله.
وكان فى مكان ملاصق لأبنية كعبة الله يوم فتح مكة ، وقد أمر قائد
المجاهدين (عليه سلام الله المعين) بنقله إلى مكانه الحالى ، وهو يبتعد عن شادروان
الكعبة المشرفة ابتداء من الشبكة الحديدية ثمانية وعشرين قدما.
ويبعد عن ركن
الحجر الأسود خمسة وثلاثون قدما ، ومن حدود جبل الصفا مائتين وخمسة وعشرين قدما.
ويوجد تحت الحجر
المبارك صفة مبنية بالحجارة ، وفوق الصفة صندوق وطول الشبكة الحديدية التى تحيط
بهذا الصندوق من يمين مصلى الشافعية ويساره نحو وجه الكعبة خمسة أذرع وعشرة أصابع
، وعرضها ذراع وسبعة أصابع ونصف إصبع ، ومازالت الجهة الشرقية لتلك الشبكة المكان
الذى يصلى فيه أئمة الشافعية مع جماعتهم وهو فوق عمودين رخاميين وفى طول سبعة
أقدام وأربع بوصات.
مسألة
قال جماعة :
المقصود بالمقام فى الآية الكريم (وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (البقرة : ١٢٥) هو
المكان الذى ما بين العمودين الرخاميين.
__________________
وقال جماعة : إن
المقام الشريف حرم المسجد الحرام كله ، حتى إن الإمام مالك كاد أن يذهب إلى فرضية
أداء صلاة الطواف فى ذلك المكان .
بشرى :
ينقل أئمة الدين
الكرام فى روايات صحيحة عن النبى صلى الله عليه وسلم ، أن الذين يصلون خلف مقام
إبراهيم ركعتين يغفر الله لهم جميع آثامهم السابقة وينعم عليهم بحسنات قدر مخلوقاته
والذين يصلون بعدهم ينقذهم من الفزع الأكبر يوم القيامة ، ويأمر جبريل وميكائيل (عليهم
السلام) بأن يستمروا فى الاستغفار لهم إلى يوم القيامة.
كان المبنى القديم
للمقام الإبراهيمى يتكون من مظلة قائمة على شبكة خشبية وكانت مياه السيل الذى ظهر
فى عهد عمر الفاروق ـ رضى الله عنه ـ جرفت هذا المبنى والمقام الشريف إلى الوادى
اليمانى ، وأسس الفاروق مظلة جديدة متينة حسب الحاجة فى زمنه.
وقد زينه فى سنة (١٦٠
ه) الخليفة المهدى البغدادى العباسى وفى سنة (٢٣٥ ه) المتوكل على الله بن
المعتصم وفى سنة (٢٥٦ ه) زين المهتدى بالله بن الواثق المظلة التى أنشأها عمر
الفاروق وأنفق عليها كثيرا من النقود الذهبية.
لم يكتف الخليفة
المهدى بتزيين المقام الشريف بل أنفق كثيرا من النقود الذهبية لإلصاق الجزء
المنكسر من الحجر الذى يطلق عليه مقام إبراهيم ، وقال الإمام الأزرقى نقلا عن عبد
الله بن الشعبى وهو يشير إلى همة المهدى : «بما أن المقام الشريف كان لينا جدا قد
انقطع جزء منه فى أثناء التعمير ، ولما أبلغ الأمر إلى المهدى بن المنصور ألصقه
بإذابة ألف قطعة ذهبية».
__________________
وقد أنفق فى عهد
المتوكل بالله ثمانية آلاف ، وفى عهد المهتدى ألف تسعمائة وتسعين مثقالا من ذهب.
مع أن جعفر بن
فضيل ومحمد بن حاتم ، قد اقتلعا هذه الألواح الذهبية وصنعوا بها عملة ذهبية ،
أنفقاها للمستلزمات الحربية فى فتنة إسماعيل العلوى.
إن الباب الذى
يواجه الكعبة الشريفة لشبكة المظلة المذكورة قد ترك مفتوحا للزوار ، ولم يغير أى
جهة منها ، كان من يرغب فى زيارته يستطيع زيارته ومسح وجهه وعينه بالحجر (المقام
الشريف).
وقد ذكر أن الدعاء
يستجاب بالقرب من المقام الشريف ولذلك كان أصحاب الحاجات يدعون الله ويناجون
عارضين حاجاتهم وينالون أقصى مطالبهم عندما يدعون وباب الشبكة الذى يواجه الكعبة
مفتوحا.
وكما أن الداعين
بقلوب نقية لا يردون يائسين ؛ لذا أخذ بعض المفسدين وذوى النيات السيئة يدعون ضد
الأشراف والصناديد ووجهاء القبائل ، كما ظهرت مساوئ أخرى ، وحينما رأى ذلك شخص
اسمه يوسف الذى حكم البلاد الحجازية واليمانية فترة من الزمان هدم تلك المظلة ،
وأدخل حجر المقام المبارك فى داخل قبة حديدية ، ووضع مكان الشبكة الخشبية شبكة
حديدية ، وفى زماننا قد صنع فوق المقام الشريف صندوق من خشب شجرة الطرفاء ، ويحيط
بهذا الصندوق قفص حديدى ، وذلك القفص تحت قبة حجرية ، وتحيط بهذه القبة من جهاتها
الأربعة شبكة حديدية ، ولذلك الصندوق باب فى الجهة الشرقية ، وهناك قطعة قماش
مزخرفة بالذهب تحيط بهذا الصندوق ، وكلما غيرت كسا الكعبة المفخمة الداخلية غيرت
هذه الستارة أيضا.
وقد غير الملك
الناصر محمد بن قلاوون المصرى الشبكة التى تحيط بالصندوق فى سنة (٧٢٨ ه) وكتب على
إحدى جهاتها اسمه.
وبعد اثنين
وثمانين سنة وفى سنة (٨١٠ ه) قد صنع سقف لطيف لداخل القبة ، وكتب فى أحد أماكنه
اسم صانعه وتاريخ صنعه.
وقد غطى السلطان
جاقمق المصرى القبة المذكورة بالرصاص فى سنة (٨٤٣ ه) ولما احتاجت بعض أماكنها
للتعمير بفعل مرور الزمن عمرها السلطان الأشرف الغورى ، وزينها بالذهب فى سنة (٩١٥
ه) وبعد مرور ثلاث سنوات وفى سنة (٩١٨ ه) غطى القبة بالرصاص.
وإن كان صندوق
المقام الشريف والشبكة الحديدية التى فوقه قد صنعت فى شكل رصين كما ذكر من قبل
وعمرت عدة مرات ، إلى أن أخذ بعض أجزائها فى البلى وزال طلاؤها وسقطت بعض أخشابها
، وصعب حفظ ذلك المقام فأقيمت المبانى بناء على الطلب والاستئذان من السلطان
سليمان بن السلطان سليم فى سنة (٩٤٧ ه).
وصنعت فى شكل محكم
وهيئة متينة. وشبكة القفص المصنوعة من الحديد غيرت بشبكة نحاسية ، وأخذت الأبنية
التى صنعها السلطان المذكور يصيبها البلى بالتدريج ، وأشرفت على السقوط والخراب ،
وعرض الأمر على السلطان مراد الرابع طاب ثراه فبادر إلى تجديدها وتزيينها فى سنة (١٠٤٥
ه) وبعد سبعين سنة من ذلك ساءت حالة الصفة التى تحمل الحجر الذى عليه آثار قدم
إبراهيم ـ عليه السلام ـ فكتب حامل مفتاح الكعبة المعظمة الشيخ محمد الشيبى تقريرا
إلى ولاية مكة ، وأبلغت الولاية الأمر متضمنا التقرير السابق إلى الباب العالى.
فبادر الباب العالى بتجديد تلك الصفة وجدرانها والصندوق الخشبى للمقام المذكور ،
والأماكن الأخرى التى تحتاج إلى التجديد وذلك فى سنة (١١٦٥ ه).
وأكد الشيخ محمد
الشيبى فى تقريره لزوم تجديد الغطاء الفضى الذى يزين الصندوق الفضى وكسوة الصندوق
الذى يحتوى على حجر المقام. وبناء على ما يقتضى عمله فى مكة فلقد أرسل السلطان
مصطفى خان الثانى بن المرحوم محمد خان الرابع بالأمر السلطانى الذى تفتقت به
قريحته ، والذى تجب طاعته إلى إبراهيم أفندى مدير التعمير فى مكة المكرمة ، وبناء
على هذا الأمر السلطانى عاين إبراهيم أفندى مع شريف مكة وقاضيها والآخرين ومن يجب
وجودهم المقام
المذكور ، وبناء
على القرار الذى اتخذوه رمم صندوق المقام ، وبعث بالغطاء الفضى القديم للمقام ،
وبعض العينات من التراب الذى وجد حول الحجر المبارك إلى باب السعادة للتبرك ، وقد
قدمت هذه الأشياء بكل توقير إلى العتبة السلطانية مما أثار فرحة وسرور السلطان ،
وبعد أن رآها أمر بأن تحفظ هذه الأشياء المباركة فى صورة تليق بها ، وهكذا وضعت فى
الخزانة السلطانية لحفظها.
إن التراب المبارك
الذى أخذ من المقام وأرسل إلى باب السعادة كان من الطين الذى تحجر حول آثار قدم
سيدنا إبراهيم عليه السلام ، لأنه كان قد صنع جدير من الجص حول آثار قدمى إبراهيم
عليه السلام فى ارتفاع شبر ، وغلف الجدير بغلاف من الفضة ، وذلك لملئه بماء زمزم
الذى يعد شربه تبركا بآثار قدمى ذلك النبى الكريم ، كما كان يحدث فى أوائل العصور
الإسلامية ، ومازال يحدث فى ذلك الوقت ، وكلما فتح باب الشبكة الحديدية للمقام يصب
الزوار والحجاج فى داخل ذلك الجدير ماء زمزم ويشربونه متبركين.
ثم يضعون فيه بعض
القروش ثم يأخذونها ويضعونها فى أكياس نقودهم للتبرك بها ، وحينما يكون فى داخل
ذلك الجدار ماء زمزم وتوضع فيه النقود ، ثم تؤخذ بعد فترة وتوضع فى كيس النقود ؛
يجلب ذلك البركة واليمن لهذا الشخص.
ولما شاع هذا
الخبر بين الناس أخذ الحجاج يضعون فى داخل هذا الجدير عملة مجيدية صغيرة أو
مسكوكات ذهبية أخرى ، ثم يأخذونها ويضعونها فى أكياس نقودهم معتقدين أن مثل هذا
الكيس الذى يحتوى على مثل هذه النقود لا يخلو فى يوم من الأيام من النقود ، لأن
الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد استجاب لدعاء إبراهيم ـ عليه السلام.
إن مقام إبراهيم
ومبانيه دامت متماسكة مائة وإحدى وثمانين سنة بعد أن عمرها السلطان مراد خان
الرابع فى سنة (١٠٤٣ ه) وبعد أن رممها وأصلحها السلطان مصطفى خان الثانى ابن
السلطان محمد خان الرابع بعده باثنتين وسبعين سنة فى سنة (١١١٥ ه) وظلت مبانى
المقام الشريف متماسكة إلى يومنا هذا بعد
إجراء الترميمات
والإصلاحات من حين لآخر إلا أن مبانيه بليت بغتة وكادت تنهار ، وحينئذ استأذن مدير
الحرم الشريف فى تعمير الصندوق والستارة التى عليه والشبكة التى تحيط به وناحية
المقام الشافعى على قدر الإمكان ، حتى أمكن أن تستمر المبانى متماسكة لفترة ما.
وفى سنة (١٠١٦ ه)
جدد السلطان مراد الرابع مبانى المقام الشريف وفى سنة (١٠٤٣) جدد بابها وأماكن
الشبكة التى صبغها بلون أخضر وطلى الأماكن التى احتاجت للطلاء بالذهب ، إلا أنه
غير وجدد المبانى المذكورة كليا بعد سنة وذلك لشدة الحاجة إلى هذا التجديد.
الأثر السابع : داخل البيت المعظم
ساحة تبلغ (١٨٦٠)
قدم مربع فى داخل كعبة الله المشحونة بالفيوضات الإلهية وقد نقش وزين داخل جدران
البيت الأعظم بقطع رخام ملونة. وللسقف الشريف الذى يحاذى الركن العراقى سلم مثل
سلم المآذن الحلزونى ذى سبع وعشرين درجة ، ومصنوع من الخشب ، ولقد أرسل هذا السلم
من قبل الملك المؤيد من مصر عام (٨١٧ ه).
وبعد مرور إحدى
وخمسين سنة احتاج السلم الذى أرسله الملك المؤيد إلى التجديد ، فصنع الملك خوشقدم
سلما غاية فى الجمال ، وأرسله إلى مكة فى خلال سنة (٨٦٨ ه) ، وجدد السلطان مصطفى
خان سلم الملك الظاهر فى سنة (١١١٥ ه) جاعلا سبعا من درجاته من الرخام والباقى من
الخشب.
وفى داخل بيت الله
كرسى خاص بحامل مفتاح الكعبة السيد الشيبى ، وهذا الكرسى فى غاية الجمال وقد أهداه
السلطان الغورى فى سنة (١٠٤٣ ه) وجدد من قبل السلطان مراد خان الرابع.
وفى يمين الوالجين
داخل البيت الحرام توجد حفرة للخزانة ، إن هذه الحفرة التى نسيت من قبل التاريخ هى
الحفرة التى حفرت لوضع الهدايا التى ترد من قبل الناس لإبراهيم ـ عليه السلام ـ وعلى
الستائر المعلقة على الجدران كلمات طيبة وأدعية مأثورة منسوجة بالحرير ، ولباب
الكعبة فى الداخل ستارة فى طول قامتين ونصف للإنسان وقد شغل عليها بعض الرسوم
بالخيوط الذهبية ، وسواء أكانت هذه الستارة أو الستارة الخارجية تغيران كل سنة
ويقسم قديمهما بين خدمة بيت الله وكمر الستارة وستارة الباب من نصيب السيد الشيبى
فى هذا التقسيم.
إن لبيت الله خدم
زنوج عددهم واحد وخمسون ، ويطلق عليهم بين الناس اسم الأغوات المخصيون.
ولا يجوز أن يزيد
عددهم على الأربعين أو ينقص ، وإذا ما حدث وزاد فهناك كثيرون يلازمون البيت
ليقبلوا ضمن الأغوات حتى بلغ عددهم الآن إلى واحد وخمسين نفرا.
الأوقات التى يفتح فيها باب بيت الله
يفتح باب بيت الله
تسع مرات فى السنة على أن يكون الفتح لمدة ثلاث ساعات فى كل مرة ، وذلك فى :
يوم عاشوراء
العاشر من شهر المحرم.
والثانى عشر من
ربيع الأول.
والثالثة : الخامس
عشر من رجب.
والرابعة : السابع
والعشرين منه.
والخامسة : الخامس
عشر من ذى القعدة.
والسادسة : السابع
والعشرين منه.
والثامنة : العاشر من ذى الحجة. وقد جرت العادة أن يفتح فى المرة
التاسعة
__________________
بعد أداء صلاة
العيد ، وفى المرات السابق ذكرها بعد شروق الشمس ، والجميع يحترمون هذا النظام
وهذه المواعيد.
ويدخل الحجاج داخل
بيت الله لزيارته عندما يفتح باب كعبة الله ولما كانت هذه الزيارة للخير المحض
للجميع قد خص يوم من هذه الأيام لدخول الحجاج ، ويوم آخر لزيارة نساء الحجاج ، ومن
العادات القديمة المستحسنة أن تلبس الكعبة كسوتها فى السابع من ذى الحجة وفى ليلة
الخامس عشر من رجب وليلة اليوم السابع والعشرين يدعو حامل مفتاح بيت الله السيد (الشيبى)
فى داخل بيت الله لأجل السلطان ، وفى ختام الدعاء يلبس الخلعة المهداة من السلطان
، وفى الأيام التى يفتح فيها باب بيت الله يؤتى بالسلم المتحرك الخاص بباب كعبة
الله وبعده يتوجه كل دليل مع الحجاج التابعين له إلى الكعبة ليدخلوا فى بيت الله ،
وهنا يزدحمون ويحاول الحجاج أن يدخلوا كلهم مرة واحدة فيجرح كثيرون.
* * *
سلم بيت الله
لا يعرف من الذى
وضع سلم باب بيت الله لأول مرة. إلا أن الملك المؤيد المصرى قد أرسل فى سنة (٨١٧ ه)
سلما مزينا ومنذ ذلك العهد أخذ يجدد من قبل النواب الهنود ، والآن لباب بيت الله
سلّمان ، أهدى أحدهما فى سنة (١٢٤٠ ه) من حاكم مدراس منور خان وأهدى الآخر فى سنة
(١٢٩٧ ه) من حاكم (رامپور) كلب على خان وقد وضع الجديد منهما فوق عجلتين متحركتين ، وقد صنعت
بعض أجزاءه من الحديد ، وقد غطيت كل جهاته من مراقيه وارتفاعها والدرابزين وكل ما
يرى فى خارجه وكل أماكنه بفضة ، وطليت بماء الذهب ستة من الأصص التى وضعت فى مواضع
ستة من السلم ، والخشبة الموضوعة فوق الدرابزينين الجانبيين ، والفراغات الموجودة
تحت كل درجة ، والفراغ الموجود تحت الدرجة الأخيرة للسلم ، وأطراف فراغات السلم
كافة ، وعامة كل السلم كما يرى فى الصورة الخاصة به ، وبما أن ذلك السلم المزين
زادت زخرفته عن كل حد قرر العلماء بالاتفاق أن يستعمل ذلك السلم فى طلوع النساء
ونزولهن ، وكلما أريد أريد أن يفتح باب الكعبة لزيارة النساء يجلب ذلك السلم أمام
باب كعبة الله ، إن سمك الألواح الفضية لذلك السلم قدر مليمتر واحد وعيار فضته من نفس عيار الروبية الهندية.
قد حك فوق السلم
القديم جملة (عبده منور) وإن بدا بزينة مصنوعة فى غاية الجمال وقد صبت من النحاس
الأصفر وزخرفت بالذهب وقد صنعت أطرافها من خشب الأبنوس وبمهارة فوق تخمين البشر.
__________________
والأقسام التى صبت
من خليط النحاس لما زيد فيها النحاس فالزخرفة التى عليها تلمع كأنها قد زخرفت
اليوم ، ولما كانت مراقى السلم مصنوعة من خشب شجرة الطرفاء فهى متينة جدا ،
الأخشاب التى فى خارج السلم صنعت كالأطراف من خشب الأبنوس فى شكل مزخرف ، ووضع فوق
ثلاث عجلات.
وكان الرسول الذى
أوصل السلم الذى أهداه كلب على خان طلب أن يهدى إليهم السلم الذى أهداه (منور خان)
للتبرك به ولما عرض الأمر على سلطات الخلافة للاستئذان صدر الأمر السلطانى بأن
يحفظ السلمان لاستخدامهما بالتناوب وخصص السلم الذى أهداه (منور خان) لاستخدام
الرجال والسلم الذى أهداه (كلب على خان) لاستخدام النساء كما سبق ذكره أعلاه وعلى
هذا عندما يفتح باب الكعبة للرجال يستخدم السلم الذى أهداه منور خان وعندما يفتح باب
الكعبة للنساء يستخدم السلم الذى أهداه كلب على خان.
نصيحة
لا يمكن لإنسان
ألا يتمنى الدخول فى داخل البيت الحرام ، ولكن يجب أن يراعى الأمور الآتية ، وكل
من لا يراعى هذه الحقيقة ويدخل فى الكعبة على عماه يكون قد ارتكب حراما ورضى أن
يصاب بالإعاقة ونقل صاحب (شفاء الغرام) وأن النبى صلى الله عليه وسلم قد دخل بعد
الهجرة أربع مرات فى البيت الحرام ، وصلى فيه فى أحد تلك الأيام الأربعة ، وهذا
اليوم هو الفتح واليوم الثانى للفتح ، والثالث فى حجة الوداع والرابع فى عمرة
القضاء ، وكان فى ذلك الوقت لبيت الله ستة أعمدة ، وكان مع الرسول صلى الله عليه
وسلم حينما دخل فى الكعبة حضرة بلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة ، وبناءا على ما
يروى هؤلاء أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى داخل الكعبة جاعلا عمودان فى جهته
اليمنى ، وعمودان فى جهته اليسرى ، وثلاثة من الأعمدة خلفه ، وكان الناس فى القديم
يدخلون داخل الكعبة بالأحذية ، ولما خلع وليد بن المغيرة حذاءه عند دخوله الكعبة
أخذ الناس يخلعون أحذيتهم وبعد ذلك لم يدخل الكعبة أحد بحذائه «محاضرة الأوائل».
ول وجهك شطر
الحرم العظيم هذا
|
|
وأقم فيه فى سود
الثياب
|
إن صحن الحرم هو
روضة الخلد المقيم
|
|
فاقعد فى صحنه
المربع
|
إن وجهه هو قبلة
أهل الحسن من العرب
|
|
وسجدة ملاح
العجم نحوه
|
وبما أن الريح
تعلقت بحضنه
|
|
نثرت الغالية فى
جيب الدنيا
|
ولما رفعت الريح
طرف كسوته السوداء
|
|
اكتحلت عين
الروح من حجره
|
«فتوح الحرمين»
مسألة :
إذا ما أمكن
الدخول فى بيت الله حين يخلو المكان من الازدحام بدون مشقة ويمكن الصلاة فيه
بسكينة وهدوء فالصلاة فيه حلال ، ولكن الدخول فيه عندما يزدحم المكان ويضيق فحرام
، وبما أن ستة أذرع من ناحية حجر إسماعيل يعد من داخل البيت الحرام فأولى بالإنسان
أن يدعو فى هذا المكان.
قال الزاهدى وجلبى
فى شرح القدورى والإمام مالك والإمام الشافعى فى بعض أقوالهم : لا يجوز أداء
الفرائض فى داخل كعبة الله ، وأعلن بعض الأئمة عدم جواز التنفل أيضا. مع أن النبى
صلى الله عليه وسلم قد أدى فيه الصلاة أربع مرات.
__________________
والواجب فى هذه
المسألة أن يستقبل الإنسان بعض جهات البيت الأعظم لذا أجاز أئمة المذهب الحنفى
أداء الفرائض أو النوافل ، وبناءا على هذا يجوز أن يصلى فوق كعبة الله أيضا ، إلا
أنه مكروه لأنه إخلال بتعظيم البيت ، حتى إن فوق الكعبة المكان السادس من الأماكن
التى كره فيها النبى صلى الله عليه وسلم ، الصلاة كما جاء فى هذه الأبيات.
نهى الرسول أحمد
خير البشر
|
|
عن الصلاة فى
بقاع تعتبر
|
معاطن الجمال (١)
ثم المقبرة (٢)
|
|
مزبلة (٣)
طريقهم (٤) ومجزره(٥)
|
وفوق بيت الله (٦)
والحمام (٧)
|
|
والحمد لله على
التمام
|
الأثر الثامن : قرب بئر زمزم
هذا المكان بين
مبانى بئر زمزم وشبكة مقام إبراهيم ، ويمكن للإنسان أن يجد فيه مكانا يدعو فيه متى
شاء.
إن عمق بئر زمزم
١٣٤ قدم و ٣ بوصات ، وقطر فتحتها العليا ثمانية أقدام وبوصتان ويبعد من الجدار
الذى على فتحته ناحية جدار الكعبة المعظمة ٤٧ قدم و ٩ بوصات ، ومقام إبراهيم ٢١
قدم و ٩ بوصات.
وقد أعطى النبى
صلى الله عليه وسلم شرف سقاية زمزم إلى عمه عباس بن عبد المطلب ، وكانت السقاية
تنتقل إلى أبناء وأحفاد بنى عباس ، ولما فضل بنو عباس عدم الإقامة فى مكة كانوا
يقومون بهذه الخدمة بتوكيل أحد مشايخ بنى الزبير ، وحينما انتقلت الخلافة إلى بنى
العباس أديت خدمة السقاية فترة طويلة بالوكالة ،
وذهب فيما بعد أحد
مشايخ بنى الزبير ورجا أن تجعل خدمة السقاية فيهم بالأصالة ، ولما حصل على الإذن
بذلك أصبحت السلالة التى تنتهى إلى عبد الله بن الزبير تقوم بخدمة السقاية
الكريمة.
وقد أديرت خدمة
السقاية عدة عصور كما شرحنا من قبل إلا أنه مع كثرة الحجاج وزيادة السكان أصبح حصر
هذه الخدمة كما كان فى عهد بنى عباس ، أو فى عهد شيخ زمزم من أبناء وأولاد الزبير
بن العوام ، فى شخص واحد غير ممكن لإرواء الحجاج والأهالى ، ولذلك اتخذ من قبل شيخ
السقاية فى كل ركن من أركان الحرم الشريف سقاء لإرواء الموجودين ، ولكن بعد عصر من
الزمن رئى أن هذا النظام أيضا لا يكفى لإرواء آلاف الحجاج والأهالى ، فزيد من عدد
السقائين. حتى لا يتعرض الحجاج المسلمون لبلوى العطش ، وحتى يجد بعض الفقراء وسيلة
لكسب مصادر الرزق ، فقد عين لحجاج كل ولاية من الولايات الإسلامية سقاء ، وجعل
هؤلاء السقاءون تحت رياسة الشخص الذى تعهد بالقيام بمهمة السقاية من المشايخ
الزبيرية ، والآن كل بلد إسلامى له سقاء معروف ، وكل واحد من هؤلاء مكلف بحسن
معاملة الحجاج الذين يتبعون له. كما أن حجاج ذلك البلد يلجأون إلى السقاء الذى
عيّن لهم فى أمور السقاية ، وهكذا استراح الحجاج من مشكلة السقاية ، كما أن كثيرا
من أهل مكة وجدوا مصادر رزق فعاشوا فى رفاهية.
ولكل سقاء الآن فى
كل سنة خمسة أو عشرة وأحيانا عشرون وثلاثون أو أكثر من الحجاج ، يأتون إلى مكة
ويذهبون. ولما كان كل سقاء يقوم بإقامة وليمة حسب حاله مرة لحجاجه الجدد لأجل ذلك
يطيب الحجاج خواطر السقائين بإعطائهم بعض النقود عند وصولهم إلى مكة ، وعند حلول
عيد الأضحى ، كما أن كل حاج يحاول أن يرضى سقاءه عند عودته إلى بلاده ، كما أنهم
يساهمون فى تسهيل معيشة أسرة السقاء بإعطائه بعض النقود كل أسبوع.
ويؤوى السقاءون
حجاجهم فى وكالات جيدة ويحرصون على خدمة مرضاهم ، ويأخذون سجاجيد صلواتهم
ويفرشونها فى الأماكن التى يود الحجاج أداء صلواتهم الخمس فيها ، قبل حلول وقتها.
ويجد كل حاج قبل
صلاته سجادته التى فرشت له ، وبهذا يؤدى صلواته الخمس فى هدوء وراحة ، ولذا يجب
على الحاج أن يقابل خدمات سقائه بإعطائه بعض النقود ، كما سبق أن ذكرناه ، كما أن
على السقائين أن يراعوا حجاجهم ويحسنوا معاملتهم ويعدون العدد الكافى من الناس حتى
يقوموا بمهمتهم على أحسن حال.
فهم علاوة على فرش
سجاجيد الصلاة فى الأماكن التى تعود الحاج أداء صلاته فيها حين حلول وقت الصلاة ،
يقدمون لحجاجهم عقب أداء فرائض الصلاة طاسا من ماء زمزم البارد ، كما أنهم يحضرون
الماء لحجرات الحجاج كل صباح من ماء زمزم.
إن شرب زمزم فى
داخل الحرم الشريف ليس حكرا على المواقع التى يوجد بها السقاءون ، لأن هناك فى شرق
المسجد الحرام وغربه سبل يستطيع الحجاج العطشى أن يزيلوا ظمأهم بالشرب من هذه
السبل ، وإذا أرادوا أن يشربوا يستطيعوا أيضا بالشرب من الدلاء التى فى داخل مبانى
بئر زمزم.
وبما أن ما يعطيه
الحجاج لسقائيهم من النقود لا تقابل ما يدفعه السقاءون سواء أكان لضيافة الحجاج أو
للخدمة الذين يستخدمونهم إلا أن الحجاج الذين أسقطوا عن كواهلهم فريضة الحجاج
يرسلون فى كل سنة من بلادهم رسالة ومعها جرة معينة يستطيع السقاءون أن يتعيشوا بها
فى غير مواسم الحج.
ويخجل السقاءون
حجاجهم بأن يقدموا لهم فى الأيام الحارة مياه زمزم مبردة والسبب فى تبريد المياه
هم الحجاج الذين تعودوا أن يرسلوا الرسائل للسقائين.
لأن الحجاج يكتبون
أسماءهم أو أسماء أصدقائهم وهم فى مكة على أوانى
الماء التى يطلق
عليها الزورق بحبر لا يمحى ويتركونها لسقائيهم. وعندما تصل الرسائل التى اعتاد
إرسالها أصحاب الزوارق يملئون هذه الزوارق بماء زمزم ويصفونها على الساحة الرملية
فى الحرم الشريف ، ويغطونها بالحصر فيبرد الماء فى داخلها غاية البرودة وعندما تحل
أوقات الصلاة يوزعون الزوارق على الحجاج الكرام.
إن خدمة السقاية
المباركة تدار الآن بالطريقة التى ذكرت ، يعنى يملئون زوارقهم بماء زمزم ، ويأخذون
بعضها إلى غرف الحجاج كما يبردون كثيرا من الزوارق فى الحرم لسقى الحجاج ، ولما
كانت سقاية الحجاج إلى الآن فى أيدى المشايخ الزبيريين فأبنية بئر زمزم وأبوابها
تفتح من قبل واحد منهم كما أن أحدهم يطلق عليه اسم شيخ زمزم ورئيسه. ولما كان
الإشراف على المؤذنين ورئاستهم فى يد المؤذن الشافعى فشيخ زمزم هو الذى يتولى هذا
الأمر ، ولما كان أول من يبدأ بأداء صلوات الفجر أئمة المذهب الشافعى فشيخ بئر
زمزم يغلق باب بئر زمزم كل ليلة ، ويفتحه كل صباح فى الوقت الذى اعتاد فتحه ،
وبهذا يعلن لسقاة الحرم الشريف أن الوقت قد حان للحصول على ماء زمزم ، والشيخ الذى
يتولى مهمة السقاية يأخذ من بئر زمزم عدة أوان من الماء قبل أن يفتحه للآخرين
لشربه ، أو لتقديمه لأصحابه ، ولما كان هذا الماء زبدة ماء زمزم فطعمه لذيذ جدا
ولونه لامع وصاف ولا يشبه ماء زمزم الذى يأخذه السقاة ، وليكن فى علم الشاربين أن
ماء زمزم كفاية عن خلاصة قطرة واحدة لماء عين تسنيم ، وماء الكوثر ، ماء الحياة
الذى هو زبدة خالصة ومن هنا يستحق أن يطلق عليه الزبدة.
ولما كان الشراب
من زبدة ماء زمزم يفيد فى تصفية الدم ولإدامة صحة الإنسان عامة فمن يريد أن يشرب
من هذا الماء يجب عليه أن يحل عند شيخ زمزم.
شيخ زمزم فى عصرنا
هذا هو الشيخ عبد الله بن على بن محمد بن عبد
__________________
السلام من نسل
سيدنا عبد الله بن الزبير (رضى الله عنهم) وقد تعهدوا بأداء هذه الخدمة المشكورة
سنة ١٢٨٢ ه.
إننى ـ المؤلف ـ قد
تلاقيت مع عبد الله أفندى وحضرت مجالسه ونلت شرف شرب زبدة ماء زمزم كل صباح فى
صحبته ودلالته. كان المرحوم السيد عبد الله من الأشخاص الذين يتمعتون بخصال حميدة
وفضائل جليلة وكان من أذكياء علماء مكة ، شخص خزانة علم ، فريد فى الحلم والحكمة ،
ملكى الصفات ، والسعداء الذين يتشرفون بصحبته يتمنون ألا يفارقون صحبته دقيقة
واحدة.
تطهير بئر زمزم الشريف
نضبت مياه بئر
زمزم فى عهد العباسيين وكادت أن تنقطع وبعد ما عمقها بناء يقال له محمد بن ضحاك
قدر ستة أذرع لم ينقص ماؤها أبدا.
وكان أهل مكة
يعتقدون أن مياه بئر زمزم يفور فى الليالى المباركة ويفيض ، وأن مياه الكوثر تختلط
بمياه زمزم فى تلك الليالى ، وبناء على ذلك كانوا يهجمون على بئر زمزم ويقتحمونها
بقوة حتى يخاف أن يصاب بعضهم بعاهات فى تلك الليالى ، وهم يبذلون الجهد لأخذ مياه
زمزم ولكن تحقيقاتنا لم تثبت ما يدعونه.
وقد حصلنا على
روايتين بخصوص فيضان بئر زمزم.
الرواية الأولى :
اختلاط بعض المياه
الجارية بماء زمزم ولما كان باب بئر زمزم يغلق فى الليالى المباركة من العصر إلى
المساء ؛ لذا كان يزيد الماء الموجود فى البئر قدر شبر.
والرواية الثانية
:
عندما انسدت البئر
المذكورة توارد إلى مكة كثير من الروحانيين ، وفى تلك الليلة تغير طعم ماء زمزم
وردوا ذلك إلى سبب سؤر الروحانين فى البئر. والحكاية الآتية كافية لتصديق هذه
الرواية وتأكيدها.
القصة :
استيقظ أحد
الفضلاء من المشايخ الزبيريين وقام من نومه ظنا أن وقت الترحيم قد حان ، واتجه إلى
الحرم الشريف ، وبعد الطواف بالبيت صعد إلى المكان الخاص برؤساء مؤذنى الشافعية ،
وفوجئ بأن أبواب بئر زمزم قد فتحت ، وأشعلت القناديل ودخل كثير من الناس فى أبنية
بئر زمزم ، وتعجب من الأمر ، لأن من الأصول المتبعة أن يكون مفتاح بئر زمزم معه ،
ولكنه قال لنفسه : لا بد وأننى استيقظت متأخرا وهؤلاء بعثوا إلى بيتى وأخذوا
المفتاح. وبناء على هذه الملاحظة لم يقم من مكانه يتحقق من الأمر ، ومن شدة حيرته
وتعجبه لم يخطر على باله أن ينظر إلى الساعة ، وبعد فترة أدرك أن المؤذنين لم
يصلوا بعد ، فظل جالسا فى هذا المقام قائلا : ما هذه الحال؟! وبينما هو يفكر فى
هذا الأمر غلبه النوم وراح فى سبات ، واستيقظ بعد فترة فإذا بالقناديل مطفئة
وأبواب مبنى بئر زمزم مغلقة ، فبادر بالقيام وأخرج ساعته من جيبه فرأى أن وقت
الترحيم لم يحل بعد ؛ فتوهم من هذا الأمر وخاف ، وأخذ يتلو القرآن ، وبعد ما وصل
والده بفترة قص عليه الحكاية بكل تفصيلها ، فقال له والده ـ يا بنى إن ما تشربونه
صباحا من بئر زمزم من ماء حلو قائلين إنه زبدة ما هو إلا سؤر أولياء الله
الروحانيين ، ولا يشبه ماء زمزم الذى يأخذه السقاة : إذ يأتى أولياء الله الصالحون
بعدما ينسحب الزوار فى الليل ، وبعدما يطوفون بالبيت الحرام يدخلون فى مبنى بئر
زمزم ، ويشربون ماء زمزم حتى الصباح ، ولا يمنعهم لا الباب ولا المدخنة ، وبهذا
الرد اطلع على هذا السر شديد الخفاء. انتهى.
وفى الواقع أن
الماء الذى قلنا عنه الزبدة من ماء زمزم لا يشبه ماء زمزم الذى يؤخذ منها سواء فى
الطعم أو اللون ، إن طعم الزبدة فى غاية اللذة ولونها فى غاية الشفافية يفوق عن
التصوير والتعريف. وقال بعض المدققين إن لماء زمزم الصافى خاصية زيت الزيتون ،
وبما أن ماء زمزم غير قابل للامتزاج بالمياه الجارية الأخرى فعندما يغلق باب أبنية
بئر زمزم فماء زمزم يطفح فوق الماء ، كما يطفح
زيت الزيتون ؛
لذلك يختلف طعم ماء زمزم الذى يؤخذ صباحا. إن هذا التوجيه الوجيه غير قابل
للاعتراض ؛ لأنها خاصية ينفرد بها ماء زمزم عن المياه الأخرى مهما كانت لطيفة
خفيفة لا يمكن منعها من الامتزاج.
فإذا ما أضيف قدح
ماء مر إلى قدحين أو ثلاثة أقداح ماء حلو فيفسد طعم الماء الحلو ، ومهما ترك من
الوقت فالماء الحلو لا يطفح فوق الماء ويسترد لذته الأولى.
إن بئر زمزم
الشريف يقع فى مواجهة باب كعبة الله المعظمة ، وفى داخل مبانى حجرته ولمبانيها ثلاث نوافذ مقابل باب كعبة الله. وينظر باب إلى
الجهة الشرقية وفوقها خاص بمؤذنى الشافعية. ولا سيما شيخ زمزم أى الخاص برؤساء
مؤذنى الشافعية. ومن هنا ينبه لأداء أذان صلوات الأوقات الخمسة.
لم يكن فى الأزمنة
الأولى سور لفتحة بئر زمزم ، وكان يحيط بها سور منخفض. وحدث فى عهد أبى جعفر
المنصور من خلفاء بغداد أن سقط أحد الناس قضاء فى داخله ، وحتى يمنع وقوع مثل هذه
الحوادث قرر أن يبنى على فتحتها سورا بناء على الأمر الوارد من الخليفة. وبعد
البحث والتحرى وجدوا حجرا فى ارتفاع ٦ أقدام و ٣ بوصات واستدارة قطره ٢٥ قدم
فثقبوا وسطه ووضعوه فى فتحة البئر.
ثم أحاطوه دائرا
ما دار بشبكة حديدية ، ومع ذلك بعض العشاق وأصحاب الشوق كانوا يرمون أنفسهم فى
البئر ويغرقون ، ولما أطلع السلطان أحمد خان الأول على هذا الأمر أراد أن يحول دون
أن يقتل الناس أنفسهم ، فأمر بصنع شبكة حديدية فى إستانبول وأرسلها إلى مكة
المكرمة فى سنة (١٠٢٤ ه) فأنزلت تلك الشبكة إلى البئر وربطت بسلاسل حديدية تحت
الماء بعدة أذرع. ولله الحمد لم تقع بعد ذلك حوادث محزنة مثل ما حدث.
__________________
إن مبانى البئر
الشريف الموجودة فى يومنا هذا من آثار السلطان عبد الحميد خان الأول كما هو موضح
فى التاريخ الذى فوق الباب.
وعمق بئر زمزم
المكرم ٩٩ قدما و ٣ بوصات كما ذكر آنفا ، وماؤه فى كل آن وزمان (٤٥ قدما) ، إذا ما
نظرنا إلى أقوال المسنين من السقاة الذين يوثق بهم أنه إذا ما سحب الماء من بئر
زمزم ليلا ونهارا ولفترة طويلة من الصعب أن ينزح ماؤه.
مساحة بيت الله الأكرم
قال المرحوم السيد
غبارى لأحد أحبائه وهو مؤلف كتاب مساحة بيت الله الأكرم : «سقط شخص فى بئر زمزم فى
عهد السلطان سليمان خان ابن السلطان سليم ، وأرادوا أن يطهروا البئر وفقا للشريعة
بأن ينزحوا كل مياه البئر ، وسحبوا المياه وبثمانية دلاء فى خمسة أو عشرة أيام على
الدوام ، ومع ذلك لم يستطيعوا أن ينقصوا المياه ولو بقدر إصبعين ، وكان فى البئر
ذلك الوقت ما يقرب من تسعة أذرع فلم يزد هذا الماء ولم ينقص ، وقد تعجبت من هذه الحالة
وقلت لنفسى ما الحكمة فى عدم نقص المياه فى البئر مع سحبها ليلا ونهارا؟ وأخذت
أسأل عن سبب ذلك ممن أتوسم فيهم الصدق وأثق فيهم دون كلل ، وفى أحد الأيام قابلت
البناء محمود الذى تجاوز المائة من عمره والذى يتوسم فيه قول الصدق.
فسألته وبجانبه
بضعة أشخاص متقدمين فى السن موضحا له زيادة فضولى بهذا الخصوص ، وقد تلقيت منه هذا
الجواب :
جواب غبارى أفندى
كما تلقاه من البناء محمود :
قال غبارى أفندى :
«لم ينزل المطر الذى يسبب سيولا فترة تقرب من إحدى عشرة سنة فى عهد السلطان
قايتباى المصرى ، وجفت مياه جميع آبار مكة المكرمة ، وأخذ الناس يأتون من بعيد
وقريب مضطرين للحصول على المياه من بئر زمزم ، وإننى كنت فى ذلك الوقت شابا ، ولما
كنت متضخم الجسم كنت صبى البناء ، وحدث أن سقط أحد فى البئر كما حدث الآن. ونقصت
المياه بمقدار أربعة
أمتار ، وقرر
الأشراف أن يخرجوا الشخص الذى سقط وأن ينظفوا البئر فى نفس الوقت ، وبناء على رأى
معلمى أحمد البناء قد ركبنا فى بكرات البئر ثمانية دلاء كبيرة ، وأخذنا ننزح البئر
وكنت أعمل بجانب معلمى أحمد ، وبعد فترة استطعنا أن ننقص قليلا من مياه البئر ،
فنزلت مع أستاذى فى قاع البئر لتنظيفه وتطهيره ، وإذا بعيون ماء ثلاث فوق خزانة
ماء البئر ، اثنتان تحاذيان البيت الأعظم ، والأخرى تحاذى جبل أبى قبيس ، وكانت
المياه التى يقال إنها تمتزج بماء زمزم تأتى من هذه العيون.
ويؤيد قول محمود
البناء ما قاله عبد الله بن المبارك : إن عين الماء التى تجرى من ناحية ركن الحجر
الأسود عين ماء ، كما يؤيد قول ابن شعبان : إن الماء الذى ينصب فى بئر زمزم من
ناحية الحجر الأسود عين من عيون الجنة.
قد انخفض ماء
البئر عن العيون التى سبق ذكرها ولذلك كان مزيتا قليلا ، فسددنا تلك العيون سدا
محكما ، ونزحنا الباقى من المياه ثم ملأنا الدلاء بالطين المتراكم ، وطهرنا خزانة
الماء وظهر فى الطين الذى أخرج كأسان من البلور ، وواحدة من الزنك وثلاثة من
النحاس ، وأربعة أعداد من الصحون الصينية ، وعددان من عقد مرصع ، وكان غير ذلك
كثيرا من قطع خشب الأبنوس والخردوات المتنوعة. وبعد أن نظفنا البئر من الطين حتى
أصبح البئر خاليا من قطرة ماء بعد أن طهرناها ونظفناها أدى كل واحد منا فى سطح قاع
البئر ركعتين ، وفتحنا العيون التى سددناها وخرجنا إلى ظاهر البئر ، وبعدما خرجنا
من البئر أخذت المياه تتدفق من العيون التى ذكرناها فى غاية القوة حتى ملأت البئر
فى نفس اليوم ، وتعدت المياه ما كانت عليه من قبل قدر شبر واحد». «انتهى».
وقد صدق الشيوخ
الذين كانوا مع محمود على قوله قائلين : «نعم كل هذه الأقوال صحيحة ، ونحن أيضا
كنا حاضرين فى ذلك الوقت». إن هذه الحكاية تؤيد تماما القول الذى يقول إن مياه
أخرى تمتزج بماء زمزم.
وقد عرف البناء
محمود شكل داخل البئر وقال إن مقدار ٦٦ قدم و ٨ بوصات من البئر ، قد طلى بما يقال
له لوكون ومقدار ١٠ أقدام و ٨ بوصات قد بنى بحجارة منحوتة ، وقال عن
خزانة الماء : إنها حفرة ذات تراب ممتزج بالزيت ، إن التراب الممزوج بالزيت يشبه
كلسه (نوع من الصلصال الذى تستخدمه النساء فى الحمامات).
والعيون الثلاث
تنبع من هذا الطين وأن هذه العيون فى خارج خزانة الماء قليلا. انتهى.
وفى خلف أبنية بئر
زمزم الجسيمة قبة الفراشين ، وخلفها قبة العباس وهما قبتان فى غاية الجمال ، ويحفظ
فى قبة الفراشين قناديل البيت وفى عصر النبى صلى الله عليه وسلم ، كان الماء يوزع
على الحجاج الكرام.
وقبة الفراشين
مخزن متصل بأبنية دار التوقيت والمكتبة من ناحية باب الصفة ، وكان أغوات البيت
الأعظم يحفظون فيها الشمعدانات والمباخر الخاصة بالكعبة المعظمة والشموع وأشياء
أخرى مباركة. وحينما هدموا مبانى المكتبة ودار التوقيت ؛ هدموا هذا المخزن وسووا
مكانه وضموه إلى البيت الحرام ، وهذا المكان ساحة خالية تؤدى فيها الحاجات
المسلمات صلواتهن. والأشياء التى كانت تحفظ فى ذلك المخزن توضع الآن فى قبة العباس
المتصلة بأبنية بئر زمزم.
ولما كان سقف قبة
العباس عاليا ، فحينما هدمت قبة الفراشين فى سنة ١٢٩٩ ه رأى القائم مقام صادق بك
من مهندسى أركان الحرب أن يضيف لقبة العباس ما يشبه طابقا ، ووضع تحت الأشياء
المبروكة الخاصة بالبيت الأعظم فى هذا المكان.
فوق بئر زمزم :
مكان مقبب يطلق
عليه مظلة مؤذنى الشافعية ، هذا المكان محفل مؤذنى
__________________
الشافعية ، وفى
الأول كان له سقف بدون قبة ، ولما سقطت أبنية ذلك المكان مع سقفها ؛ جدده الملك
المؤيد المصرى بشكل جميل.
وبينما كان
السلطان مراد الثالث يجدد المسجد الحرام فى سنة (٩٨٥ ه) ، جدد تلك المظلة أيضا
وبنى عليها قبة جميلة. وبما أنها لم تعمر ولم يعتن بها فترة طويلة مالت فجأة إلى
الانهيار بعد أن أصابها الوهن ، ولأجل ذلك قد عمر وشيد تلك القبة مدير الحرم
الشريف سنة ١٢٩٦ ، كما أنه أصلح وعمر خارج المبنى وداخله وزينه.
وكان المؤذنون إلى
قرب عهد هارون الرشيد ، كانوا يؤذنون تحت الشمس صيفا وشتاء. وقد عين المشار إليه
عبد الله بن محمد بن عمر واليا على مكة فبنى أيضا مظلة صغيرة وهكذا حفظ المؤذنين
من حرارة الشمس.
الأثر التاسع : ما خلف مقام إبراهيم
إن هذا المكان خلف
مبانى مقام إبراهيم المقدس وبين بئر زمزم والمقام الشريف المذكور ، والمكان الذى
يجب أن يدعو فيه الإنسان فوق الحجر الرخامى الذى يقابل مفتاح الباب الذى يدخل منه
إلى ذلك المقام. إن ذلك المكان هو الذى صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودعا
ربه.
يجاور هذا المحل
اللطيف للجهة اليسرى لمنبر الحرم الشريف ، وإن كان أداء الصلاة فيه والدعاء صعبا
ولكن بقليل من الانتظار يمكن للإنسان أن يصل إلى أمله. واستجابة الدعاء فيه سريعا
مشهورة لدى العلماء إذا ما دعا الداعى فى أوقات الفجر فى ذلك المكان اللطيف.
* * *
المنبر الشريف
يقع المنبر فى
الجانب الشمالى لأبنية مقام إبراهيم ، وعلى بعد ثلاثة أذرع تقريبا ، وهو مرتفع
مصنوع من الرخام وفى غاية الزخرفة والجمال.
ولم يكن هناك منبر
فى ساحة المسجد الحرام إلى أن زاره حضرة معاوية آتيا من الشام ، وقد صنع المشار
إليه منبرا ذا ثلاث قوائم ، وقرأ فوقه الخطبة. وفى سنة (٤٤ ه) وقبله سواء أكان
الخلفاء الكرام أو الولاة العظام يلقون خطبهم وهم واقفون سواء أكانوا عند حجر
إسماعيل أو عندما يتجهون إلى كعبة الله المفخمة. (محاضرة الأوائل).
وقد أخرج المنبر
الذى صنعه ابن أبى سفيان من الحرم عندما ورد المنبر الذى بعثه والى مصر فى عهد
هارون الرشيد.
وبدل المنبر
الخشبى فى سنة (٧٦٦ ه) حينما أرسل ملك مصر الملك الأشرف منبرا وفى سنة (٧٩٧ ه)
أرسل الملك برقوق المصرى منبرا ، وسنة (٨١٨ ه) أرسل الملك المؤيد منبرا آخر. وفى
سنة (٨٨١ ه) أرسل السلطان قايتباى منبرا خشبيا أيضا ، وهكذا كان يتغير موقع المنبر وشكله
كلما جددت أبنية المسجد الحرام إلى أن جاء عصر السلطان سليمان ـ طاب ثراه ـ فأرسل
من باب السعادة منبرا فى سنة (٩٥٦ ه) ووضع حيث هو الآن. إن المنبر المذكور قد صنع
من الرخام ، وقد أظهر فى صنعه المهارة اليدوية إلى حد أنه إذا ما رآه من أظهر
المعجزات فى نحت الرخام يظل حائرا مبهوتا أمام هذا المنبر.
الأثر العاشر : الصفا
اسم تل ملتصق بجبل
أبى قبيس وسبب تسميته بهذا الاسم نزول (آدم صفى
__________________
الله فوق هذا التل
عندما جاء إلى مكة أول مرة). ولم يبق الآن أثر للتل وقد أشير إلى محل الأثر بمبنى
ذى طاق وكمر.
لما كانت الصفا
تثير حسد الفلك ووجهك نحو الحجر الأسود اصطفت عليها حشود من الملائكة وظهرك إلى
الجبل ذى الكرم ومن يريد السعى يذهب أولا إلى هذا المكان ويصعد إلى مراقى المبنى
المعروف بطاق الصفا ومن هناك يبدأ السعى.
والمسافة بين طاق
الصفا والكعبة المعظمة مائة وستون ذراعا ، كما أن المسافة بين المروة والصفا
سبعمائة وستون ذراعا ، والشخص الذى يريد أن يدعو فى هذا المكان يصعد إلى درجة من
طاق الصفا ثم يتوجه إلى الكعبة ، ويستدبر الطاق ثم يشرع فى الدعاء ، ويمكن للإنسان
أن يدعو فى هذا المكان متى شاء إلا أن الوقت المفضل للدعاء فيه أوقات العصر.
* * *
الشكل الرابع
والعشرون
الأثر الحادى عشر : المروة
إن المروة فى جهة
مستشفى الغرباء ، وهى جبل فى اتصال السوق الطويلة التى يطلق عليها السويقة أو
الشامية ، وسبب تسميتها بهذا الاسم نزول حواء (عليها السلام) فوق هذا الجبل عندما
جاءت إلى مكة المكرمة. والكلمة محرفة من كلمة مرأة. وسبب تسميتها بهذا الاسم عند
مؤلف القاموس تكون هذا الجبل من حجارة قاسية متينة ، صارمة ويطلق اسم مروة على مثل
هذه الحجارة.
بين المروتين :
عندما يسعى الحجاج
متحركين من الصفا يأتون إلى هذا المكان وهنا أيضا طاق عال عند أسفله بضع درجات ،
والداعى يصعد إلى أعلى درجة ويدعو متوجها إلى الصفا.
نظم
المروة التى
بلغت الفلك الأزرق
|
|
على حافة قمتها
قدح منقلب
|
إذا كان القمر
يطلع مثلك من
|
|
الجبل فإنه يحطم
عظمة الفلك
|
(فتوح الحرمين)
ويمكن للإنسان أن
يدعو فى هذا المكان وقتما شاء إلا أن الوقت المفضل هو وقت العصر ، ومن هنا عرفنا
أن الصفا والمروة جبلان صغيران من جبال مكة.
رواية
يروى أن المشركين
فى زمن الجاهلية قد وضعوا فوق جبل الصفا صنما يسمى إساف وعلى المروة صنما آخر يسمى
نائلة ، وكانوا يطوفون حول هذين الجبلين ،
وعد المسلمون هذه
الفعلة فى يوم فتح مكة من عادات الجاهلية ، ورفضوا القيام به معتبرين هذا العمل
عارا عليهم ، أى أنهم رفضوا أن يسعوا بين المروتين ، وبناء على هذا نزل الأمر
القرآنى (فَلا جُناحَ) (البقرة : ١٥٨)
وأصبح السعى من مناسك الحج الواجبة.
وكان العرب فى
الجاهلية يصعدون فوق سفوح هذين الجبلين بعد انتهاء مناسك الحج ، وكان الذين يجدون
فى أنفسهم ما يفتخرون به يفتخرون بحسبهم ونسبهم ، كما أن بعضهم كانوا يطلبون أمورا
دنيوية.
ولم تكن هناك مبان
فوق هذين الجبلين إلى عهد أبى جعفر المنصور ، وكان الحجاج الذين يريدون أن يسعوا
يصعدون فوق قمتى الجبل وينزلون عند سعيهم ، فبنى أبو جعفر فوق الصفا طاقا ذا اثنتى
عشرة درجة ، وفوق المروة طاقا آخر ذا خمس عشرة درجة حجرية ، وبهذا أنقذ الحجاج من
مشقة الطلوع والنزول فوق الجبلين. سقط طاق المروة فى سنة (٨٠٢ ه) وانهار فجدد
السلطان فرج بن برقوق المصرى طاق المروة المذكور ، وكذلك طاق الصفا وجعلهما فى شكل متناسق.
إن الطاقات التى
صنعت فى عهد أبى جعفر المنصور قد جددت ، فى عهد فرج بن برقوق المصرى عدة مرات
ورممت وعمرت ، ولكنها احتاجت للتعمير والتجديد بفعل الزمان ، لذلك عمر وزخرف مدير
الحرم الشريف السيد أحمد هذين الطاقين ، بعد الاستئذان بشكل جميل وذلك فى سنة (١٢٩٦
ه).
الميلان الأخضران
:
يوجد ما بين
الجبلين ما يطلق عليه ما بين الميلين الأخضرين وهذا مكان مبارك طوله ٢٢ ذراعا
معماريا. إن هذا المكان هو الذى رجعت فيه السيدة هاجر بسرعة لرؤية ابنها إسماعيل ـ
عليه السلام ـ وكان ذلك المكان إلى سنة
__________________
(٣٤٧) مخيفا جدا
لتركه مظلما ، ولم تكن هناك علامات تدل على المكان الذى يجب الجرى فيه.
وفى السنة
المذكورة أرسل الملك جاقمق من ملوك الشراكسة فى مصر إلى مكة رسولا يطلق عليه سودون
المحمدى لتعمير بعض نواحى الحرم الشريف. ورأى سودون المحمدى أن ذلك المكان الذى
يلزم الجرى به وهذا يعدّ من مناسك الحج مجهول من الناس ، فوضع ميلين أخضرين علامة
فى مسافة تمتد بينهما قدر مائة وعشرين ذراعا ، ثم علق فوقهما قنديلين وعين شخصا
لإيقادهما ليلا ، وبهذا أضاء المسعى الشريف وأناره ، كما أنه عين المكان الذى
هرولت فيه هاجر :
ويطلق الآن على ما
بين هاتين العلامتين أى ما بين الميلين الأخضرين.
صورته فى الصفات
قامة الخضر وضفة ماء الحياة أحد أطرافه المروة والطرف الآخر الصفا ليس ساعيه سوى
أهل الوفاء أن الناس قاطبة فى هذا المقام وهم يحثون خطاهم فى المسعى لكثرة تلاحم
أجنحة الملائكة فيه ليس فيه موضع لقدم
الأثر الثانى عشر
: المسعى
إن هذا الطريق ما
بين طرفى الصفا والمروة فهو طريق وسوق ذو مدخلين. ويقع فى الجهة اليمنى بالحرم
الشريف بالنسبة للشخص الذى يتوجه من المروة إلى الصفا ، وفى الجهة اليسرى بالنسبة
للشخص الذى يتجه من الصفا إلى المروة ، ولما كان المكان مزدحما جدا ولا يخلو من
الناس فيستحسن أن يدعو الإنسان فى أثناء السير والحركة.
ويجب أن نقدر هذا
المكان وأن نعظمه غاية التعظيم. وأن نتذكر أن جميع
__________________
الأنبياء العظام
والأولياء الكرام قد سعوا فى هذا المكان ، يجب علينا أن ندعو قائلين : «إلهى بحرمة
أقدام جميع الأنبياء العظام والأولياء الكرام الذين سعوا بهذا المكان».
إنه وادى المسعى
وترابه لرفعة منزلته فأصبح درا وكحلا لأهل السلف إن نقش قدمك على هذه الأرض هو
روضة الفردوس يوم الدين بما أن قدمك فى طريق الصدق والصفاء على أثر قدم المصطفى ما
كان من نبى ولا ولى إلا وطأت قدمه هذا المسعى
رواية
يروى أنه قد دفن
فى المسعى سبعون نبيا ذوو شأن ولأجل هذا فالذى يسعى بين المروتين له أجر كمن أعتق
سبعين عبدا ، ولما كان ما بين الصفا والمروة باب من أبواب الجنة فهذا المكان أيضا
من الأماكن المباركة التى يستجاب فيها الدعاء ، ويجب ألا يشك فى هذا لأنه مؤيد
بالأحاديث النبوية.
استطراد :
ذهبت أنا الفقير
إلى منزل الرجل الورع الحليم الفاضل أحمد خانى أفندى لزيارته ، وذلك بينما كانت
أتعارف مع كرام الناس لجمع المعلومات عن مكة والكعبة ، وقال فى أثناء حديثنا : «وإن
كان أهل مكة الآن يبدون بالنسبة إلى سكان أهل مكة فى العصور السابقة ، أناسا لا
يستحقون رعايتهم واحترامهم ، مع أنهم جيران بيت الله ، يجب علينا أن نعد أقلهم
شأنا أعظم الناس قدرا ، وإننى لا أرى ضرورة لأن أذكر لكم أن من يحملون فى قلوبهم
هذه النية الصادقة سينالون مطالبهم».
يقال :
بناء على رواية
إنسان يوثق فى كلامه : «كان قديما فى مكة بين أهالى مكة شخص تافه حشاش فاضح
للأسرار ، لم يعرف رأسه للسجود طريقا ، ذهب هذا الرجل فى يوم من الأيام إلى مقهى
الحشاشين ، وأعطى ما بيده من المخدرات إلى
صاحب القهوة ،
وطلب منه أن يعد له نارجيلة بما أعطاه ، وبينما صاحب المقهى يعد له نارجيلة قال :
إلهى إننى لم أسجد لك فى طول حياتى إذا ما قلت بأننى أبكى سيكذبنى أهل بلدتى لما
يعرفون عنى» ، وأخذ يندم ويأسف على أنه أمضى حياته عبثا ، ثم صاح قائلا : «الله» ،
ثم لفظ أنفاسه الأخيرة.
وقبل أن يشيع موت
هذا الرجل ألهم أحد الصالحين بالآتى : «قد مات فى مكان فلان أحد الناس ، فإذا ما
جهزت جنازته بشكل حسن وحملت تابوته فإن الله يرضى عنك ويتقبل أعمالك».
وبعد التحقيق عرف
أن الذى مات هو ذلك الحشاش الذى يذمه الجميع ويتحاشاه ، وقد مات فى مقهى الحشاشين
كما بيناه آنفا ، فظن الرجل أن ما ورد لقلبه من الإلهام قد يكون خطأ فتحير لذلك
كثيرا.
وعندما كشف أمره
لبعض الذين يتوسم فيهم حسن الظن عرف أنهم ألهموا نفس ما ألهم به ، وبناء على هذا
لم يبق إلا أن يجهز جنازة الرجل ويغسلها ويكفنها على أحسن وجه وفق السنة بمساعدة
أصحابه ، ثم وصلوا على جنازته ودفنوها فى قبر هيئ فى مقبرة «المعلا».
ولم ير كثرة
المشيعين واختلاف أنواعهم فى أية جنازة من أعيان مكة كما حدث فى تشييع جنازة هذا
الرجل.
وبشر الذين حملوا
التابوت فى طريقهم إلى المعلا بهاتف يقول : «قد غفر لكم».
وبناء على هذه
الرواية فمن الأفضل للإنسان أن يظن خيرا بأهل مكة من أن يظن شرا ناظرا لأحوالهم
وتصرفاتهم الظاهرة. ولم يقع هذ الحادث فى عهدى إلا أننى لا أتردد فى تصديقه ، وقبل
هذا تعرضت مكة المكرمة لمرض وبائى مفزع ، وسواء أكان الحجاج أو أهالى مكة كانوا
يموتون فجأة وهم سائرون فى الطريق. ومن كثرة الجثث أصبح الذهاب إلى المسجد الحرام
غير ممكن ، وفى الأيام التى اشتد فيها المرض قد استولى على أنا الفقير خوف وخشية
شديدين ؛ لذا قررت أن أؤدى الصلوات الخمسة فى بيتى ؛ ولكننى لم أستطع أن أضحى
بصلاة الجماعة ،
فذهب إلى الحرم الشريف لصلاة العصر ، وبعد أداء الصلاة خرجت من باب الصفا كالعادة
واستطعت بصعوبة أن أصل إلى مراقى طاق الصفا ، وقد رقد الناس على طرفى الطريق ولم
يبق فى طريق المسعى مكانا لقدم من كثرة جثث الموتى المسلمين.
ولما رأيت كثرة
الجثث وقد رقد زيد على عمرو فزعت بشدة ، ولم أستطع أن أتقدم خطوة بعد طاق الصفا
وظللت مستندا على مراقى الصفا وكأننى جماد بلا روح.
وبعد فترة صفع
آذانى هاتف يقول : ألا تستحيى؟! ألا تؤمن بما جاء فى الآية الكريمة : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا
يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (الأعراف : ٣٤)
وإنك عالم بقدر ما ، قد قرأت عدة كتب تفسير ، وطالعت كتب الأحاديث إن شجرة الإيمان
قد مدت جذورها فى روضة قلبك ، وإذا ما تخلصت من وهم الخوف الذى استولى عليك وداومت
على قراءة سورة (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (قريش : ١) فلا
تحترز من شىء ، وإذا ما قلت هذ السر لأى واحد تنقذه مما تلقيه الأوهام عليه.
واه! إن هذا لعيب
وإثم كبير أيضا! وكأننى كنت ميتا قبل أن أسمع هذا الصوت ، وكأن الصوت قد نفخ فى
روحا ووهب لجسمى المنتفض الحياة.
فلم يبق أى أثر
لهذه الأفكار التى أصبت بها فنظرت حولى ، فوجدت أن ليس هناك نفر يتنفس ، فوقعت مرة
أخرى فى براثن الأوهام فسبحت فى أمواج بحر الاضطراب.
وفى النهاية فهمت
أن الصوت من التلقينات الإلهامية ، وأخذت فى قراءة السورة المباركة التى سبق ذكرها
، وأخذت الصور العجيبة والأشكال المخيفة التى ألقتها الأوهام فى نفسى تزول تدريجيا
، ولما وجدت فى جسمى قوة كافية للتحرك ، قمت واتجهت إلى بيتى وأنا أقرأ سورة (لِإِيلافِ)
ولما وصلت إلى بيتى نبهت الجميع بلزوم قراءة السورة المذكورة والاستمرار فيها.
ولما رأيت أن أوهام الخوف قد زالت عن أهلى أيضا أصبحت أوصى كل من أصادفه بقراءة
سورة (لِإِيلافِ). ولم يبق فى جميع الذين استمروا فى قراءة هذه السورة آثار
لأوهام الخوف ،
ومنذ ذلك الوقت أصبحت أذهب عقب كل صلاة إلى جبل الصفا وأمكث فى هذا المكان المبارك
الميمون فترة.
نعم :
إن المسعى مكان
غاية فى اللطف والسعد ، وقد دفن فى هذا الطريق أنبياء كثيرون وليس هناك نبى لم يسع
بين المروتين ، ويجب على الذى يسعى فى هذا المكان أو يمر به أن يتذكر الأنبياء
الكرام ويدعو.
ويجب الاستمرار فى
قراءة سورة (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) ليس فقط فى مكة المكرمة ، ولكن فى جميع البلاد وكل الأماكن.
فالذين يعتقدون
بأن هذه السورة تدفع عن الإنسان الفزع والوهم والخوف لا تعتريهم أوهام الخوف».
انتهى.
وتصيب الإنسان
حيرة وهو يرى على جانبى طريق المسعى المحال والدكاكين ، ووسط هذه المحال مكان
للعبادة ، ويدور فى خاطره استحسان رفع هذه السوق من هناك ، وإذا ما لاحظنا أن هذه
السوق كانت موجودة فى أيام النبى صلى الله عليه وسلم ، ولم يأمر بنقلها فلا ينبغى
علينا إلا أن نسكت تأدبا قائلين : لا بد أن هناك حكمة من بقاء هذه السوق وهذا من
الضرورات الدينية التى يجب أن يسلم بها كل مؤمن.
الأثر الثالث عشر : الحجر الأسود
هو ذلك الحجر
السعيد الذى يشبه رأس إنسان والذى وضع فى الركن الشرقى من الكعبة المعظمة على
ارتفاع (٣ أقدام و ١٠ بوصات).
وكانت قطعة من هذا
الحجر سقطت فى عصر القريشيين وحفظت فى بيت واحد من آل شيبة ، وعندما حدد عبد الله
بن الزبير بيت الله فى سنة (٦٤ ه) أحضرها وألصقها بفضة.
وحينما حج هارون
الرشيد أدخله داخل غلاف فضى وفى خلال سنة (٤١٣ ه) كسر أحد الملاحدة المصريين فى
أثناء طوافه ذلك الحجر بضربة دبوس قائلا : إلى متى سيعبد الحجر ويحترم إن حضرة
محمد ـ عليه السلام ـ وعلى ـ رضى الله عنه ـ يمنعاننى من كسر هذا الحجر ، وها أنا
ذا كسرت الحجر الأسود بضربة واحدة ، وهدمت بيت الله الواحد. وهجم الموحدون
الطائفون على ذلك
الرجل وقتلوه. إن
أربعة عشر من الفرسان كانوا ينتظرون إنقاذ هذا الرجل ، ولما رأوا هجوم الموحدين
على القاتل وهلاكه نزلوا من ظهور خيولهم ، وشهروا سيوفهم ، وزحفوا داخل الحرم
الشريف وتكاثروا فيه حتى كونوا جماعة ، وخرّبوا بعض الأماكن وأتلفوا كثيرا من
النفوس. وسقط الحجر الأسود من صندوق على الأرض فى أثناء هذه الفتنة ، وظل فوق
الأرضية الرخامية للمطاف ، وفى اليوم الثالث جمع شجعان بنى شيبة قطع الحجر الأسود
وألصقوها مستخدمين المسك والعجين المسمى لوكون ، ووضعوه فى داخل ظرفه وأعادوه إلى مكانه ، وتعقب أهالى
مكة كلهم القافلة المصرية ونهبوا كل ما يملكونه وقتلوا كثيرين منهم بسيف الشريعة
المسلول.
وكان الشخص الذى
أسقط الحجر الأسود على الأرض بضربة شقيا ذا وجه أحمر ، طويلا سمينا كان خبيثا لا
دين له ولا إيمان. وبناء على الرواية التى حققها محمد على بن عبد الرحمن العلوى إن
هذا الحادث الأليم وقع فى سنة ٤١٣ ه وبناء على قول ابن كثير أنه وقع فى سنة ٤١٤ ه.
وفى سنة ٤٢١ حدث
أن أحد ملاحدة الفرس (من البابيين) دنيئا جهنميا كسر جانبا من الحجر الأسود بضربة
سيف ، ولكنه ألصق بفضة خام وأحاطوا جوانبه الأربعة بحلقة فضية ، وبعد مرور مائة
وإحدى وخمسين سنة نزعه الشريف داود بن عيسى بن فليتة عند فتنته المفزعة وشيده
وسواه السلطان مراد الرابع فى سنة ١٠٤٣ ه من جميع جوانبه بطريقة جيدة كما هو الآن
، كما أن السلطان مصطفى خان هدم جدران جهاته الأربعة وبناها من جديد.
وبعد مرور مائة
وإحدى وستين سنة يعنى فى سنة ١٢٠٤ ه عندما حدث ذلك الحادث المؤلم قد تكسر أحد
جوانبه قدر إصبعين ، إلا أنهم ألصقوه بلوكون الأسود دون أن يظهر الكسر.
__________________
والسبب فى ذلك
الحادث القتال الذى شب بين الشريف غالب وأخيه الشريف عبد الله ، إذ قام قتال عنيف
بين الشريف غالب وابن أخيه الشريف عبد الله فى التاسع والعشرين من شهر صفر الخير.
وفى السنة المذكورة أطلقت من القلعة المدافع والبنادق مدة ثلاثة أيام فلم يؤذن فى داخل
الحرم لثمانية عشر وقتا من أوقات الصلاة ، ولم تصل صلاة جماعة فى تلك الأوقات
المذكورة.
وقد أصابت رصاصة
الحجر الأسود فى أثناء ذلك الحادث وكسرت منه قطعة قدرها ثلاثة أصابع وأسقطتها ،
فألصقت القطعة المكسورة بمادة لوكون ، وفى سنة ١٢٥٩ ه أمر السلطان عبد المجيد
بإدخال الحجر فى ظرف فضى وأعاد تصليح مادة اللوكون بشكل جيد ، وإلى الآن فالحجر
الأسود على هذه الحالة ، ولما كان قد ألصق بمهارة ودقة لا يفرق الإنسان إذا كان
ملصقا أم غير ملصق ، وهيئة الحجر مربع قريب إلى الاستدارة وحجمه أكبر من شبر
وأوسع.
* * *
معلومات دينية عن الحجر الأسود
إن الحجر الأسود
الشهير حجر خرج من خزانة الجنة ، وهو ياقوت مشع ويقال إنه عندما أنزل على وجه
الأرض كان مضيئا وعدوا حدود الحرم الميمونة هى المناطق التى كان يضيئها.
إن الله ـ سبحانه
وتعالى ـ سيبعث الحجر الأسود يوم القيامة بلسان وعينين ، وسوف يشهد الحجر الشريف
بالخير للذين استلموه بإخلاص ونية صافية ، وبالشر للذين استلموه مستهزئين.
إن لمس الحجر
الأسود والركن اليمانى يمحو الخطايا ، وإن هناك بين الركن اليمانى وركن الحجر
الأسود باب من أبواب الجنة ، بناء على قول الحسن البصرى (رحمة الله عليه) ، وكل من
يدعو بين الركنين يستجاب دعاؤه ، كما أن تحت ميزاب الرحمة مكان يستجاب فيه الدعاء.
وبناء على بعض
الأقوال أن بجانب الركن اليمان ملكين ، وبجانب الحجر الأسود عدد لا يحصى من
الملائكة ، وإنهم مأمورون بقول آمين لاستجابة دعاء الداعين ، وثابت بالحديث أن بين
هذين الركنين قد دفن ٩٩ نبيا ، وأن ذلك الموقع روضة من رياض الجنة.
كان الحجر الأسود
فى الأصل ملكا. وعين ليمنع آدم ـ عليه السلام ـ من أكل ثمرة الشجرة المنهية وأن
يصونه. وقيل له «إذا أراد أن يتناول من هذه الشجرة فنبّهه بأنه منع من أكل ثمرة
هذه الشجرة» وبينما شغل ذلك الملك بمشاهدة عجائب الفراديس وجمالها ، أكل آدم ـ لحكمة
ما ـ من ثمرة تلك الشجرة وأخرج من الجنة.
وعقب ذلك وجه إليه
العقاب الربانى مثل الصاعقة : «يا أيها الملك كنت سببا
فى خروج آدم من
الجنة» فتجمد الملك من شدة خوفه حجرا ثم أرسل إلى وجه الأرض.
قد كتبت هذه الرواية
مترجمة فى تاريخ خميس ، ويؤيد هذه الرواية الحديث الشريف الذى يقول بأن الحجر
الأسود سيبعث ملكا ذا عينين ، عندما خلق الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلاق العالم ـ الأرواح
، خاطبها قائلا : ألست بربكم ، وأسرعت الأرواح المخاطبة للإجابة قائلة : بلى ،
وهذا ثابت عند عموم الناس ومصدق.
وحينئذ خلق نهرا
باردا أحلى من العسل ، وأمر بأن تكتب حجة تتضمن إقرار واعتراف الأرواح التى قالت
بلى ، واتخذ قلم القدرة الإلهية النهر السالف الذكر مدادا ، وكتب نتيجة إقرار
الأرواح ، ووضعت تلك الاعترافات فى داخل الحجر الأسود وعبئ بها. واستلام الحجر
الأسود الآن تصديق بذلك الإقرار الأزلى ويذكر به. لأجل ذلك قال الإمام الباقر فى
أثناء استلام الحجر : «اللهم أمانتى أديتها وميثاقى وفيت به ليشهد لى عندك بالوفاء»
وهكذا أيد إقراره الأزلى.
كان لون الحجر
الأسود حينما نزل على الغبراء ناصع البياض نقيا لامعا ، ولكن أخطاء البشر المستمرة
، ولمس واستلام النساء الحوائض للحجر ؛ أدى إلى تغير لونه فأصبح حالك السواد.
قال عبد الله بن
عمر رضى الله عنه : «إن جبريل عليه السلام حمل جوهرة الحجر الأسود من خزانة الجنات
، كلما كان ذلك الجوهر الحجرى فى نفوسكم يزيد الخير والبركة ... فلتحذروا أن
تستهزئوا به وتحقروه وإلا فجبريل ـ عليه السلام ـ يرفعه من هنا ويوصله إلى مكانه
القديم». وهكذا كان ينصح أهل مكة ويبين لهم مزيته وعظمته.
وفى الواقع أن ذلك
الحجر غاب فترة ما فى عهد الجراهمة والعماليق والخزاعيين ، وعندما ترك مضاض بن
عمرو بن الحارث الجرهمى حكومة مكة الله المعظمة لأحفاد بنى إسماعيل ، وتفرق مع
قومه فى البلاد المجاورة ، أخرج حلية جمال كعبة الله ، الخال الأسود ، الحجر
الأسود من مكانه ورماه فى بئر زمزم.
إن الروايات التى
ذكرت ابتداء من اللاحقة كلها صحيحة ؛ لأنها نقلت بالأحاديث الصحيحة والأسانيد
الموثوقة ولا شك فى ذلك.
استطراد :
إن مضاض بن عمرو
بن الحارث الذى رمى الحجر الأسود فى بئر زمزم هو الثانى عشر من الملوك الذين حكموا
القطر الحجازى ، وأول من تربع على العرش من ملوك الجراهمة هو جرهم بن قحطان بن
عابر. بينما كان يعرب أخوه يحكم فى اليمن مكان أبيه استولى جرهم على أرض الحجاز.
وانتقل حكم البلاد
الحجازية للجرهم السابق الذكر وبعد وفاته لابنه (عبد يا ليل) وبعد ارتحاله إلى (جرشم)
بن ياليل وبعد وفاته إلى (عبد المدان) بن جرشم بعده إلى (ثقيلة) ابن عبد المدان
وبعد وفاته إلى (عبد المسيح) بن ثقيلة ، وبعده إلى (مضاض) بن عبد المسيح ، وبعده
إلى (عمرو) بن مضاض ، وبعده إلى أخيه (حارث) بن مضاض ، وبعده إلى (عمرو) بن حارث ،
وبعد وفاته إلى أخيه (بشر) بن الحارث ، وبعد وفاة بشر إلى (مضاض) بن عمرو بن
الحارث ، وانتقل حكم الحجاز فى عهده إلى أيادى الخزاعيين الغالبة.
عجيبة
يحكى أن المستعصم
بالله البغدادى كان يملك حجرا أسود ، وأنه كان يجعل الناس يزورونه وكان بجانب ذلك
الحجر كمرا ، وكان ذلك الحجر فى حجم الحجر الأسود وشكله ، وكان الكمر الذى بجانبه
مستورا بستارة سوداء مصنوعة من قماش الأطلس.
وكان من آيات نخوة
المستعصم أن من كان يريد أن يقابله من السلاطين والملوك لا يلقاه أحدهم قبل أن
يزور ذلك الحجر ، ويقبله كما يزورون الكمر المستور. وقد أرسل فى عهد آتابك سعيد
مظفر الدين أبو بكر قاضى القضاة مجد الدين واسمه إسماعيل إلى المستعصم حاملا رسالة
له ، وفى اليوم الذى حدد للقاء الخليفة طلب منه أن يزور الكمر والحجر ويقبله
مستلما ، ولما كان مجد الدين رجلا تقيا فى غاية التقى وزاهدا أراد أن يعود دون لمس
الحجر ورؤية
المستعصم ، إلا أن
رجال الدولة رجوه ألا يفعل ، فدخل عند المستعصم حاملا فى يده مصحفا ووضع المصحف
فوق الحجر وقبله وهكذا أدى رسالته.
نقل الحجر الأسود إلى ديار هجر
انتزع ملاحدة
القرامطة الحجر الأسود من مكانه فى ركن الكعبة المعظمة سنة (٣١٧ ه) ، وحملوه إلى
ديارهم وأعادوه فى سنة (٣٣٩ ه) إلى مكانه.
كان القرامطة قد
أخذوا الحجر الأسود ظانين أنه مغناطيس البشر ، وأرادوا أن يجذبوا إليهم الناس ،
ولما سئلوا عن سبب ذلك قالوا : أخذنا الحجر الأسود مأمورين وأعدناه مأمورين إلى
مكانه بشرط أن يكون فى المكان الذى وضعه فيه خليل الرحمن.
وقد رأيت أنا
المؤلف الفقير أن الحجر الأسود يجذب البشر ـ رؤية عين ـ رأيت أن العربان الذين
يقطنون فى أطراف مكة ونواحيها يفرون إلى مكة فجأة ، وكلهم يقبلون على طواف كعبة
الله والسعى قبل مضى الحجاج إلى عرفات ببضعة أيام ولسان حالهم يقول :
كأن الحجر
الأسود فى وجه الكعبة خالا
|
|
أنا حاج لتقبيله
أسعى إليها حالا
|
ويقتحمون المكان
بقوة لتقبيل الحجر الأسود ولمسه ، فى حال يظن الرائى من بعيد أن كثيرا من رءوس
الناس تسير فوق العربان ، ثم إن العربان يرضون أن يموتوا دون العودة من غير تقبيل
الحجر الأسود ، أى لا يرضون بالاستلام فقط ، أليس هذا كافيا للدلالة على أن للحجر
الأسود خاصية جذب الناس ، ومن يريد أن يرى قوة جاذبية الحجر الأسود للناس رؤية
العين يقتضى أن يكون فوق المحفل الخاص بمؤذنى الشافعية ، والكائن فوق مبنى بئر
زمزم حينما يفد البدو.
تقول كتب التاريخ
وهى تحكى كيفية نقل الحجر الأسود إلى بلاد هجر : قد ظهرت حركة القرامطة فى عهد
هارون الرشيد أو المأمون ، وعلى قول المقتدر بالله كما سيوضح فيما بعد ، ظهرت فى
هجر وتجرءوا بعد ذلك تدريجيا على الإضرار
بممالك الشام
والعراق والحجاز ، إن رئيس هذه الطائفة الباغية الضالة الشقية أبو طاهر سليمان بن
أبى سعيد جنابى ، بنى بيتا للضلال فى ناحية هجر فى سنة ٣١٣ ه أو على رأى آخر فى سنة ٣٠١ ه.
وسمى هذا البيت «دار
الهجرة» وأراد أن يصيب سوق كعبة الله بالكساد بتحويل طريق الحجاج إلى ناحية هجر ،
وابتدر للاستيلاء على مكة المكرمة بمن تجمع حوله من الأشقياء الخبثاء ، ودخلوا حرم
الله دار الأمن على حين غفلة فى يوم الأحد الذى يوافق يوم التروية فى سنة ٣١٧ ه
وقتل ثلاثين ألفا من أهل مكة ، ومسلمى البلاد الأخرى الذين كانوا فى أرض
المطاف والمسجد الحرام داخله وخارجه ، وخاصة فى داخل كعبة الله المعظمة ، وبعد ما
ألقى بأجسامهم فى داخل بئر زمزم وآبار مكة المكرمة الأخرى ، ثم خاطب الناس بصوت
عال : يا أيها الذين يعتقدون أن من كان فى داخل الحرم آمنا ، انظروا لهذا الأمن
والأمان ، وماذا فعلت بكم؟ وأخذ ينهق مثل الحمار ويهذى بلسان الاستهزاء الملعون.
وفى أثناء ذلك
أمسك أحد الموجودين الشجعان بزمام دابة أبى طاهر غير الطاهر وقال له : يا ظالم
الله ليس معنى الآية الجليلة اللطيف (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ
آمِناً) (آل عمران : ٩٧)
كما تفهمه ، وسكت أبو طاهر غير الطاهر عن الكلمة القذرة ، ووجه مطيته نحو باب
المعلى لكعبة الله ولم يستطع أن ينال ذلك البطل بضرر. ومع ذلك ازدادت جرأته درجة
فدرجة فانتزع بيده ـ شلت يده ـ ألواح كعبة الله المزينة ، ونهب ستارة بيت الله وما
فى خزانة البيت من الهدايا الثمينة ، ووزعها على جنوده الضالين وأمر أحد القرامطة
أن يصعد فوق سطح الكعبة لينزل الميزاب الذهبى ، ولما رأى أنه قد أسقط على الأرض
بسهم أطلق من جبل أبى قبيس أمر بصعود قرمطى آخر.
واللعين الذى صعد
فوق سطح الكعبة فى المرة الثانية وقع رأسا على عقب وهلك ، وحينئذ عرف اللعين أنه
لن يستطيع أن يقتلع الميزاب الذهبى ، وأخذ
__________________
يبحث عن حجر مقام
إبراهيم ولما لم يجده غضب أشد الغضب ، وخرب مبانى بئر زمزم والمبانى الأخرى من
الحرم الشريف ، وبعد العصر اقتلع الحجر الأسود الأمانة الكبرى وفى يوم الثامن من
دخوله فى مكة المكرمة ، وعلى قول فى اليوم الحادى عشر منه ثم مضى متجها نحو هجر.
وفى هذا العام لم
يستطع أحد أن يكمل حجه ذاهبا إلى عرفات غير بضعة من الذين آثروا الموت غير مهتمين
بالحياة.
ولما وصل ذلك
الملعون إلى هجر زاعما أنه قد حقق أمله كتب إلى عبد الله المهتدى من الملوك
الفاطميين يخبره بما فعل ، ويعرض تبعيته له ويذكره فى خطب الجمعة متقربا منه ،
ولكنه تلقى منه الرد الذى يستحقه والذى قال فيه : واعجبا ، إنك ارتكبت فى بلد الله
أنواع الفضائح ، ثم اقتلعت الحجر الأسود من مكانه وأخذته معك إلى ناحية هجر فى
جرأة بالغة ، إنك قد هتكت وأزلت ستارة الكعبة الشريفة التى ظلت معززة ومكرمة منذ
العصر الجاهلى ، ومع هذا تريد أن تذكرنى فى خطبك ألا فليلعنك الله.
وحينما تلقى منه هذا
الرد أعلن عصيانه عليه أيضا ، واحتفظ بالحجر الأسود فى هجر اثنين وعشرين عاما إلا
أربعة أيام ؛ رغبة فى أن يتوجه الحجاج إلى هناك لأجل الزيارة ، ولكنه تعرض لحكم
القضاء الذى يقول «الجزاء من جنس العمل» إذ أصابه مرض الأكلة ، وهلك وألقى فى حفرة البوار.
لاحقة
يروى أن من جملة
أوامر أبى طاهر غير الطاهر بقر بطون الجثث وإخراج الأمعاء وملئها بالخمر بعد
غسلها.
وقطع ألسنة الذين
يطفئون القناديل قائلين «بوف» وإقرار اللواط بعدم الإيلاج ب (فرطا) ، وسحب الذين
يولجون بالإفراط على وجوههم وسحلهم ما يقرب من أربعين ذراعا ، وقتل الشبان الذين
يمتنعون عن اللواط وتعظيم الزنا.
__________________
إعادة الحجر الأسود
إلى مكة المكرمة
ولما رأت طائفة
القرامطة بعد هلاك أبى طاهر أن أفكاره غير قابلة للتنفيذ ، ولا تروج قرروا إرسال
الحجر الأسود مع شخص يسمى ثبير ، أو سنبر بن الحسين إلى مكة المكرمة ، وعرضوا
الأمر على ثبير ونال ذلك القرمطى شرف وضع الحجر الأسود فى مكانه ، إذ وصل إلى مكة
فى يوم النحر بعد أن كان قد بدأ رحلته فى أواخر سنة ٣٣٩ ه.
قد سر المكيون
أعظم سرور بوصول الحجر الأسود ، ووضعوه فى داخل كعبة الله خوفا من حدوث فجيعة أخرى
، وبعده أعدوا طوقا فى ثقل (٣٠٣٧) درهما ووضعوا الحجر فى مكانه القديم.
وكان السلطان عبد
الحميد خان قد جدد ذلك الطوق ومازال عليه طغراء السلطان المشار إليه.
قصة غريبة
قال : ثبير بن
الحسين الذى أحضر الحجر الأسود إلى مكة عندنا حجارة سوداء كثيرة فاختاروا من هذه
الحجارة حجرا أسود لكعبة الله. ووضع على الأرض بضعة من الحجارة السوداء ، وكانت
هذه الحجارة تشبه بعضها بعضا بحيث لا يمكن لإنسان أن يفرق بينها قيد أنملة. لم
يستطع أهالى مكة أن يفرقوا بين تلك الحجارة وعرضوا الأمر على أحد الكرام.
وطلب ذلك العالم
أن ترمى جميع الحجارة فى داخل حوض الماء ، فرسبت جميع الحجارة فى القاع إلا حجر ،
أخذ يطوف فوق الماء وقال عنذئذ هذا هو الحجر الأسود صنوا الجواهر الذى نريده ،
فأشار بإصبعه إليه ، وإذا بالقرمطى ثبير كان قد وضع علامة على الحجارة الأخرى ،
وقد عاين الحجر الذى اختاره العالم الجليل ثم قال نعم هذا هو الحجر الأسود الذى
نقله أبو طاهر إلى بلاد هجر ، لأننى كنت وضعت علامة فوق الحجارة الأخرى.
حكمة
بينما كان
القرامطة ينقلون الحجر الأسود إلى بلادهم التى يسمونها هجر ، قد نفق تحت نقل الحجر
الأسود (٣٠٠) جملا قويا فى مقتبل العمر أو (٥٠٠) جمل بناء على رواية أخرى. وعندما
أعاد ثبير بن الحسين الحجر كان قد حمله فوق جمل نحيل ضعيف ، لم يمت من شدة التعب ،
بل إنه لم يتعب وسمن وتضخم.
وكان العباسيون لم
يستطعيوا أن يردوا الحجر بالحرب مع القرامطة ، وأرادوا أن يعيدوه بدون حرب واعدين
أبا طاهر بخمسين ألف دينار ، إلا أن هذا الملعون الملحد لم يقبل ذلك ، ولكن أعوانه
حملوه بدون أن يأخذوا شروى نقير (والله على كل شىء قدير).
مظالم القرامطة الخبثاء وجرائمهم
أول من خرج من
طائفة القرامطة هو الملعون «أبو سعيد بن بهرام جنابى. ويقول الذين يعرفوننا كيف
ظهر هذا الرجل وأين أوقد نار الشر أولا. إن صاحب مذهب القرامطة ومخترعه هو الخنزير
يحيى بن زكرويه ، إذ جاء هذا الرجل فى سنة ٢٧٨ أو ٢٨٩ إلى بلدة القطيف . ونزل ضيفا عند على بن يعلى من أعيان البلدة ، وأسر له أنه
مبعوث من قبل الإمام محمد المهدى ، وأن وقت ظهور هذا الإمام قد اقترب وأخذ يدعو
أهالى القطيف وسكان الناحية ، واستطاع أن يضمّ إليه بعض الجهلة والحمقى من سكان
القطيف وسكان ناحية البحرين ويخدعهم ، وكما استطاع أن يضم إلى مذهبه أبو سعيد الجنابى
من كبار شيوخ القبائل واختفى بعيدا عن العيون.
ثم ظهر مرة ثانية
وهو يحمل خطابا مزيفا من قبل الإمام المهدى يتضمن أنه قد أمر بدعوة الناس إلى
مذهبه ، وأن يأخذ من كل واحد ممن اتبعوه مبلغ ستة
__________________
دراهم وأربع دوانق
، وبعد أن استطاع أن يدخر بهذه الخدعة مبالغ كبيرة من النقود اختفى فترة أخرى
، ثم ظهر مرة أخرى وفى هذه المرة أظهر لأتباعه رسالة مزيفة أخرى من قبل الإمام ،
حيث أمره بأن يأخذ من أتباعه خمس أموالهم ويسلمها له ، واستطاع أن يحصل على أموال
كثيرة من جميع الأنواع.
واستضيف فى هذه
الفترة من قبل أبى سعيد الجنابى حيث حل فى داره المنكوبة ، وأراد أبو سعيد أن
يكرمه غاية الكرم فأنامه على فراش واحد مع زوجته وقبل أن يكون ديوثا.
وعندما شاع خبر
احتفاء أبى سعيد بيحيى بن زكرويه غاية الحفاوة حتى قدم له زوجته لتنام معه فى فراش
واحد وغيره من مراسم الإلحاد والإباحة وأخذ الناس يتناقلون سيرته ، استدعى يحيى بن
زكرويه من طرف رجال الحكومة وأذل وحقر ، وبعد فترة طرد من حدود البحرين بعد أن نكل
به.
إن هذا الملحد ذو
المزاج الكلبى حط عصا ترحاله من بلاده بنى كلاب وحرص على نشر مذهبه الباطل بينهم
وزادت قوته بعون بعض الناس والأقوام ، فاستولى على أطراف الشام وسفك دماء المسلمين
وهتك أعراض نساء الموحدين.
ووصل إلى ذروة
البغى والشقوة بارتكاب المظالم والفساد ، وعندما وصلت قوة ابن زكرويه وشوكته إلى
درجة ترهيب خلفاء بغداد أخذ يكر على دمشق بالشام بدون توقف ، وهزم الفرقة العسكرية
التى واجهته بقيادة طغج بن جف شر هزيمة ، وحاصر دمشق الشام فى سنة ٢٩٠ ه ، وإن كان
الجيش الذى سيق من الشام قتل ابن زكرويه ؛ إلا أن أخا زكرويه حسين حمد تولى
القيادة ، واستنجد بكثير من القرامطة وشدد الحصار على دمشق ، وفى النهاية انسحب
بناء على رجاء الأهالى وطلبهم بعد أن أخذ مبالغ كبيرة من النقود ، ولكن عندما
انسحب من دمشق هجم أتباعه قوائم الحشرات على حلب واستولوا عليها فى
__________________
الحملة الأولى.
وأعلنوا أن اسم صاحب الشام أمير المؤمنين للعهد ، وبناء على التعليمات التى تلقوها
أمروا بأن يذكروا اسمه فى خطبة الجمعة.
وبعد هذا النصر
اتخذ صاحب الشام ابن عمر عبد الله وليا للعهد ، وسماه المدثر وادعى أن المدثر الذى
ذكر فى القرآن هو عبد الله الذى سبق ذكره ، وأراد بهذه الطريقة أن يخدع الناس
ويبسط سطوته ويوسعها إلا أنه لم يوفق.
وهجم صاحب الشام
بعد ذلك على حماة بعد حلب والمدن والقرى التى حولها ، وأخذ يقتل كل من يصادفه من
الأهالى مع أولادهم وعيالهم ، وأخيرا وصل إلى بلدة سلمية التى استسلم سكانها دون
أن يدافعوا عن أنفسهم فقتلهم جميعا حتى تلاميذ المدارس الصغار .
لما أزعج ما
يرتكبه صاحب الشام من المظالم والغدر مسامع المكتفى بالله البغدادى فتحرك بما جهزه
من العساكر الكثيرة من بغداد وتوجه إلى بلد الرقة.
ومن هنا وجه جنوده
جف وفرق القرامطة ، وتقابل البغداديون مع القرامطة فى مكان يبعد عن حماة اثنى عشر
ميلا وبدأت حرب ضروس.
وإن كان القرامطة
هربوا من شدة صولة البغداديين غير قادرين على صد هجومهم إلا أن جنود بغداد لم
يتعقبوا فلو لهم المنهزمة وقبضوا على صاحب الشام وكذلك ولى عهده المدثر وسلموهما للخليفة الذى كان ينتظر النتيجة.
بعد ما قضى جنود
الخليفة تماما على القرامطة عاد منصورا إلى بغداد حيث صلب صاحب الشام مع رفقاء له
وشهر بهم فى سنة ٢٩١ ه. إن فرقا من القرامطة الذين نجوا من سيوف البغداديين
تربصوا فى طريق العراق ، وكانوا يسيرون ليلا منها ونهارا ، ويهاجمون المارين
وعابرى السبيل ويسببون لهم خسائر كبيرة ، وكانوا يختفون من الجيوش التى أرسلتها
حكومة بغداد فى أماكن خفية.
إن هذه الفرقة
الخبيثة قد هاجمت قافلة حجاج العراق فى سنة ٢٩٤ ه ،
__________________
وقتلت ما يقرب من
عشرين ألفا من الأبرياء ونهبت أموالهم. ولما علم المكتفى بالله بهذا الحادث المفجع
جهز فرقة عسكرية وساقها ضد الفرقة الحقيرة فتعقبت الفرقة البغدادية القرامطة ،
وأسرت كثيرين منهم مع قوادهم بعد ما قهرت ودمرت الباقى ، ولما كان القائد المأسور للفرقة الباغية جريحا مات متأثرا بجرحه بعد ستة
أيام.
بعد ما مات صاحب
الشام انتقلت قيادة جماعات القرامطة عامة إلى أبى سعيد بن بهرام الجنابى الذى
بدوره جهز أفراد الجماعة الخبيثة ، وجمعهم وأخذ ينشرهم كالجراد حول بادية الشام
وفى الحروب التى كانت تقوم بينهم وبين الجنود الذين ترسلهم حكومة بغداد ينهزمون
أحيانا وينتصرون أحيانا.
وتفرقوا إلى فرق
صغيرة وتكاثروا ، وأخذوا يقتلون الناس كلهم حيث تطأ أقدامهم. حتى إنهم فاجأوا
قافلة من القوافل الحجازية بالهجوم وأعملوا سيوفهم فى أفرادها حتى قتلوا عشرين
ألفا من المسلمين ، ولم يبق نفر يتنفس.
وقد زاد بعد هذه
الفاجعة صاحب الشام من غدره وظلمه حتى استطاع أن ينتزع بلدة القطيف من يد
العباسيين بنباح كلاب الإلحاد والإباحة ، ثم نهب البحرين ونواحيها وأخذ يتجرأ فى
إهانة أهل الإيمان فى صورة مستهجنة.
واستولى على
البصرة وملحقاتها وأصبح واليا على حشرات الشقوة التى دخلت فى دائرة الرفض والإلحاد
، ووسع دائرة الإباحية والخيانة .
الاستطراد
البحرين مدينة
غاية فى المتانة والاستحكام وتقع فى غرب جزيرة البحرين التى تقع فى خليج البصرة
فيما بين خطوط الطول ٤١ درجه و ٥ دقائق شرقا ، وخط العرض ٢٦ درجة و ٢٠ دقيقة شمالا
، بطول ٢٥٤ ميلا و ٧٠ ميلا من الجهة
__________________
الشرقية الشمالية
لمكان يسمى لا شر ، ويحدها شرقا بحر الفرس ، وشمالا إقليم البصرة ، وغربا نجد
العارض ، وجنوبا عمان وسكنتها من سلالة عبد قيس.
وبما أن الأنهار
والعيون تكثر فى هذا الموقع تتزيّن أطراف أنهارها بأشجار الحنة والقطن والسوسن ،
وكل مكان يحفر فيه قدر ذراعين يخرج منه الماء ، ومن يشرب ماءها تصفر ملابسه ، وفى
هذه البلاد فاكهة مختلفة ولا سيما البلح والأرز متوفران ، والسكان يذهبون للتنزه
فى الأيام الحارة للحدائق التى تبعد ما يقرب من ميل واحد. فى هذه البلاد رمال
متحركة ، والتى يطلق عليها بحار الرمال ، وما يرى هناك اليوم جبال تراه فى يوم آخر
أرضا منبسطة ، وما كان اليوم معمورا تراه فى الغد خرابا.
والطريق الواسع
الذى يبدأ من البحرين تطمسه الرمال فيستحيل السير فيه ، لذا يذهب الناس ويأتون عن
طريق البحر.
كان البرتغاليون
قد استولوا على ممالك البحرين قديما والآن فى يد الشيخ «أبو شهر» ومع هذا فلا يطلق
البحرين على الجزيرة فقط بل يطلق على الجزر الأخرى التى تحيطها ، والتى يستخرج
سكانها اللآلىء من البحر ، وهناك إقليم يمتد إلى الغرب ويطلق عليه البحرين أيضا ،
وذلك لاتصال البحيرة التى بالقرب من الإحساء ببحر الفرس. انتهى.
بينما كان أبو
سعيد يخرب القرى والبلاد لنشر مذهب الإلحاد ساق المقتدر بالله العباسى الذى كان
خليفة فى تلك العهود عددا من الجنود بقيادة «عباس بن عمرو الغنوىّ» ليفرق جمع أبى
سعيد. وانتصر أبو سعيد عليهم وأسرهم جميعا ثم قتلهم جميعا ، وأبقى عباس حيا ، وقال
: يا عباس إننا القرامطة أناس نعيش فى الصحارى والفيافى ونقنع بالقليل لأنا لسنا
طامعين فى الاستيلاء على البلاد ، فإذا جمعت جميع جنودك وسقتهم على ، أقسم بالله
بأننى أنا المنتصر ، إن جنودنا يتحملون المشاق ويعتقدون أن حياة الرفاهية حرام ،
قد تعود جنودكم على قضاء أوقاتهم فى راحة ورغد عيش والتّنعّم بما طاب من الطعام
ولذ فى ظل الخليفة ،
فإنهم لا يستطيعون
القتال ، فإذا ما خرج جنودكم فى الصحارى تاركين راحتهم يموتون مثل السمك الذى خرج
من الماء.
والعساكر الكثيرة
الذين سقتهم علينا مثل النمل قد أصابهم التعب والضعف منذ خروجهم من بغداد ،
وانهزامهم فى أول حرب أكبر دليل يؤيد رأيى ، إذا ما أرسلتم جنودا أشجع ممن أرسلتم
وأكثر مما سأجهزه أنا من العساكر فإننى أهرب من أمامهم بعد أن أتعبهم ، كما أننى
أتصدى لهم فى مضيق ضيق فأقطع خط رجوعهم ، وأهزمهم وأولى بكم ألا تشغلوا أنفسكم بى
، ولا تهلكوا جنودكم عبثا ، وقد حقنت دمك حتى توصل هذه الأقوال بالتفصيل إلى
الخليفة ، دون أن تنقص منها كلمة ثم أطلق سراحه وخلّى سبيله.
وقد عاد عباس بن
عمرو الغنوى إلى بغداد وهو فى شدة الحيرة من نجاته من يد أبى سعيد. ولما أبلغ عباس
ما قاله أبو سعيد إلى المقتدر بالله بالتفصيل خاف الخليفة ، واضطرب ولم يستطع أن
يذكر اسم القرامطة بلسانه مدة طويلة.
ومع هذا استطاع أن
ينقذ أهالى الكوفة من اعتناق مذهب القرامطة ، إذ ظهرت جماعة من القرامطة وأخذوا فى
إضلال الناس فى الكوفة ، وبعث الخليفة بجنود من مركز الخلافة وقوة عسكرية قضت على
هذه الجماعة.
وانتقل أبو سعيد
فى سنة ٣٠١ ه إلى دار البوار بعد أن ارتكب كثيرا من الجرائم إلى تلك السنة تاركا ميدان
الخباثة والشقاء إلى ابنه الكبير سعيد.
وتولى ابنه سعيد
مكانه بعد وفاته ، إلا أنه ما كان يشبه أباه فى إلحاق الأذى بالناس ، فتولى تدبير
الأمور ابنه الأصغر سليمان أبو طاهر ، وكان ظلوما غشوما سفاحا ، فاستولى على
الإحساء والقطيف وسائر بلاد البحرين ونواحى هجر ، وبعد أعوام عشرة أغار ليلا على
مدينة البصرة ، وأثناء مقامه فيها سبعة عشر يوما قتل كل من صادفه ، وأعمل السلب
والنهب فى الناس جميعا ، وكان ذلك عام ٣١١ ه ، وبعد عام من تلك الواقعة المؤلمة
أغار على قافلة الحجاج ونهبها.
__________________
وكان يسلك الذكور
والإناث فى السلاسل على نحو بشع مهين ، وألحق الهزائم بمن تصدى له من الجند وكان
ذلك عام ٣١٢ ه ، وبعد إغارة أبى طاهر على قافلة الحجاج هجم على معظم سواد الكوفة
، وأعمل السيف فى الخلق فى ظرف ستة أيام ، أقام فيها ونهب واغتصب كل ما وصلت إليه
يداه فى سنة ٣١٣ ه.
وعندما عرض الأمر
على المقتدر بالله استصوب أن يوجه ضد أبى طاهر فرقة عظيمة من الجيش بقيادة يوسف بن
أبى الساج. كان يوسف فى ذلك الوقت فى أذربيجان ، وبمجرد ما أخذ أمر الخليفة توجه
إلى الكوفة بجنوده الذين كانوا مهيئين. وكان قوام جيش ابن أبى الساج أربعين ألفا ،
أما جيش أبى طاهر فكان ألف وخمسمائة جندى منهم سبعمائة فارس.
ودخل يوسف بن أبى
الساج المغرور بكثرة عساكره ، وحاصر القرامطة فى موضع حصين ووجه سفيرا برسالة إلى
أبى طاهر ليحدثه عن كثرة جيشه ، ويوصيه فيها بالدخول فى طاعة الخليفة. فقال أبو
طاهر لأحد أتباعه اقتل نفسك بسلاحك من أجلى ، وبعد أن افتدى هذا الكلب «أبا طاهر»
بالروح ، قال للرسول لقد رأيت بعينيك كيف يطيعون أوامرى!! قل ليوسف أن يستعد ،
وبإذن الله سأقبض عليه غدا وأربطه مع الكلب فى حبل واحد ، وأشار إلى الكلب الذى
كان مربوطا بوتد خيمة.
وصرف الرسول وفى
غد ذلك اليوم استطاع أن يقبض على يوسف بن أبى الساج مع أتباعه ، وربطهم فى سلسلة
ضخمة ، وربط يوسف بجانب الكلب الذى أراه للرسول.
بعد أن كسب أبو
طاهر هذه المعركة بهذا الشكل عبر نهر الفرات بثلاثمائة قرمطى ، واستولى على بلدة
الأنبار التى تقع فى الجهة الغربية من بغداد دار
__________________
الخلافة وفوقها
بستين كيلومتر. استولى عليها بالقوة وهزم الجيوش التى أرسلت ضده مرتين ، وقتل يوسف
بن أبى الساج الذى أسره مع رفقائه ، وهكذا ألقى الرعب فى قلوب الناس الفزعين ،
وبعد أن فرض على كل فرض من أهالى الأنبار خراجا دينارا توجه نحو الأراضى الحجازية
المباركة بنية الاعتداء على مكة المكرمة ، وهجم على المسجد الحرام وداس بقدميه
المشئومتين حرم المسجد الحرام توأم الجنة كما سبق ذكره ، وقتل ثلاثين ألفا من
الأبرياء ، وأكثرهم ملتفون بملابس الإحرام وبعضهم فى داخل كعبة الله ، وبعد أن هدم
مبانى ذلك البلد الغالية وخربها اقتلع الحجر الأسود وعاد إلى بلدة هجر فى سنة ٣١٧
ه.
وقد دامت نار شرور
القرامطة مندلعة تتأجج من سنة ٣٠١ ه إلى سنة ٣٧٣ ه وفى رأى إلى عام ٣٨٤. استطاع
فيها القرامطة إغواء كثير من الناس ، وأدخلوهم فى زمرتهم ومذهبهم ، وأغار هؤلاء
على البلاد وقتلوا ونهبوا وهدموا ، إذ خربوا الكوفة سنة ٢٧٨ ، والبحرين سنة ٢٨٦ ،
والشام سنة ٢٨٩ ، ودمشق ٢٩٠ ، والشام مرة ثانية سنة ٢٩٣ ، والبصرة سنة ٣٠٧ ه ،
والكوفة سنة ٣١٣ ، الأنبار سنة ٣١٥ ، وبعد ذلك بعام الرحبة والرقة والهيط ، ومكة
المعظمة سنة ٣١٧ ، ودمشق مرة ثانية سنة ٣٦٠ ه ، وهجموا على هذه البلاد وقتلوا
سكانها وخربوا منازلها وأخلوا بنظام الأمن فى تلك البلاد.
واستأصلوا حجاج
قوافل العراق فى السنين ٢٩٤ و ٣١٢ و ٣٥٥ و ٣٦١ ، كما أنهم أغلقوا طريق بيت الله العتيق طريق الفيض والنور
فى السنين ٣١٤ و ٣٥٦ و ٣٦٣ و ٣٨٤ ، ووصلوا إلى الذروة فى فن الإجرام إذ منعوا أداء
فريضة الحج مدة تسع سنوات لعنهم الله.
كيفية ظهور طائفة القرامطة
يروى المؤرخون على
اختلاف آرائهم أن ظهور القرامطة كان فى عهد الرشيد أو المأمون ، ولم يظهروا إلا
بعد أن تشكل كيانهم ، وكانوا قبل ذلك يفسدون
__________________
عقول البلهاء
والحمقى وأهل الغفلة بضلالهم فى الخفاء ، ثم وسعوا نطاق دعوتهم شيئا فشيئا.
وقد تضاربت
الأقوال بعض الشىء فى أسباب ظهور القرامطة ومكان ظهورهم ، وكيفية ظهورهم ، كما وقع
الخلاف فى تعيين وتحديد مبادئهم ، وفى هذا أدلى كل واحد برأيه وقال قولته ، وها هى
ذى طائفة من المؤرخين الذين كدوا أذهانهم وأتعبوا أنفسهم يقولون : «إن أول من لوث
الساحة من القرامطة كان رجلا ادعى النبوة ، واتخذ لنفسه كتابا زعم أنه من الكتب
السماوية محاولا أن يصدقه الناس».
وقال بعض المؤرخين
: «إن أول من أعلن وجوده من ملاعين القرامطة شخص ادعى هذا الشخص أنه من الأئمة
الإسماعيلية ، وأنه مرسل من قبل الإمام المهدى ، وأراد أن يقنع الناس بما يدعيه».
وبهذه الرواية أو
تلك يستبين لنا أن المذهب الذى نشره القرامطة وأشاعوه مذهب باطل ، وأنه عبارة عن
توصية للعمل بمبادئ الكفر والضلالة والإلحاد والإباحية ، ولكننا لما رأينا أن
الرواية الثانية أقوى دليلا وأمتن رواية رأينا أن نكتفى ببيانها.
سبب تسمية القرامطة بهذا الاسم
على نحو ما اختلف
المؤرخون فى نشأة القرامطة وكان اختلافهم فى أصل تسميتهم ، ففى بعض الروايات أن
سبب تسميتهم بالقرامطة يرجع إلى من يسمى بأبى سعيد الجنابى القرمط ، ذلك الملحد
الذى سلك بهم سبل الضلال ، وكان قصير القامة لا يدين بدين وكان يقارب بين قدميه فى
السير ، فسمى الذين اقتفوا أثره من الرفض والإلحاد والإباحة بقرامطة.
وفى رواية أخرى :
كان رئيس هذه الطائفة قميئا كريه الخلقة ، وكان يتجول من قرية إلى قرية لنشر دعوته
، ولما بلغ قرية من قرى الكوفة اشتد به المرض فنزل بدار من يسمى «كرميتة» ومعناه
ذو عيون حمراء ، وراح فى سبات ، ولما استيقظ وقام على رجله من مرضه سمى باسم صاحب
الدار ، ونودى بشيخ الكرامته وبعد ذلك خففت لفظة «كرميته» وعربت فصارت قرامطة.
وفى رواية ثالثة :
أن عظيما من هذه الطائفة كان يكتب خطا دقيقا متقارب السطور ، واشتهر بذلك أى كان
مقرمط الخط ، فسميت الطائفة المذكورة بالنسبة له قرمطى.
مذهب القرامطة وطقوسهم
وإن كانت طائفة
القرامطة الملاحدة الخبيثة يعترفون بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ـ رضى
الله عنه ـ وأعلنوا فى الظاهر انتماءهم لمذهب الإسماعيلية ، ولكنهم فى الباطن
كانوا يحلون المحرمات ، ويسفكون دماء المسلمين ، كما أنهم كفروا من ليس على مذهبهم
، ومن كلمات الكفر التى تنسب إليهم قولهم : لما كان المنى أطهر من البول فلماذا
يجب الغسل بعده ولا يجب بعد التبول؟
إن أداء الفرائض
الخمس عندهم طاعة أئمتهم المعصومين ، وإطاعة أوامر الذين يمنعون وينهون عن طريق
الإلحاد والكفر والإباحة من غيرهم بعد البحث عنهم ، والزكاة عندهم إعطاء الإمام
خمس المال وفى رواية أخرى تزكية النفس بالتفوه بكلمات الإلحاد ، «والصوم» عندهم
حفظ أسرار المذهب وكتمها ، والزنا عندهم إفشاء أسرار المذهب بدون مقابل ، ومع هذا
يدعون أنهم يقتدون بالملائكة ويخالفون الشياطين.
ويكنون بالوضوء عن
محبة الإمام ومصاحبته ، والاحتلام هو كشف الأسرار لمن ليس لها أهل ، والكعبة
والصفا كناية عن النبى ، والمروة كناية عن باب على ، والتلبية كناية عن إجادة
المخاطب ، والطواف كناية عن حب الأئمة كذلك ، والجنة كناية عن الاستراحة من
التكاليف الشرعية ، والجهل كناية عن اختيار مشقة التكاليف الشرعية ، يطلقون على
حدة الذين ينسلخون عن الدين كليا «الخلع» ، والخروج عن الدين «السلخ» والذين يصلون
لهذه المرتبة يباح لهم جميع المحرمات ، ولا شك فى أنهم يعترفون بالكفر والإلحاد.
ومن جملة
معتقداتهم الباطلة استحلال شرب الخمر ، وعدم الاغتسال بعد الجنابة ، وحصر الصوم فى
اليومين (فى يوم المهرجان والنوروز) ، واعتبار الحج
إلى القدس فرضا ،
وإضافة قولهم (أشهد أن محمد بن الحنفية رسول الله). كل هذه من جملة اعتقاداتهم الباطلة.
وبناء على ما جاء
فى تاريخ نظام الملك بالتفصيل : إن طائفة القرامطة الحقيرة أينما ظهروا وأينما
امتدت نار شقاوتهم وأينما حلوا فى الآفاق ظهروا بأسماء مختلفة ، فمثلا عرفوا فى
حلب ومصر ب «السبعية» وظهروا فى بغداد وما وراء النهر باسم «قرمطى» ، وظهروا حول الكوفة
باسم «مباركى» واستولوا على البصرة باسم «روندى ، برقعى» وعلى الشام باسم «المبيضة»
وذكروا باسم «سعيدى» عندما هجموا على أرض المغرب ، والجنابى فى الإحساء والبحرين.
وفى أصفهان «الباطنية»
، وأسماء «حرمية ، بابكية ومحمرية» من الأسماء الخاصة بتلك الطائفة ، وسبب تسميتهم
بالحرمية لأنهم أحلوا المحرمات ، و «بابكية» لأنهم اتبعوا أحد الخارجين الذى يسمى «بابك»
، و «المحمرية» لأنهم ارتدوا ملابس حمراء فترة حينما اتبعوا «بابك».
والسبب فى عد
القرامطة أنفسهم من الطائفة الإسماعيلية هو لعين اسمه «عبد الله بن ميمون» الذى كان
من قرناء عبد الإمام محمد بن إسماعيل ، والدنئ كان يسمى مبارك ، وكان الإمام
المذكور قد زار بغداد فى أيام هارون الرشيد.
وبعد ما مات
الإمام محمد بن إسماعيل ، أخذ عبده مبارك يتجول هنا وهناك حزينا مغموما ، ويسكب
الدموع حيثما حل ، وكان مبارك هذا حريصا على أن يكتب بخط باربك فعرف بين أقرانه
بقرمطى. وعرض عبد الله بن ميمون ـ سالف الذكر والذى كان من أفراد قبيلة أهواز ـ صداقته
على مبارك ، واستطاع أن يكسب ثقته بإظهار الصلاح والزهد ولازمه ، بالتدريج استطاع
أن يقنعه بأقواله.
وقال له يوما : «يا
مبارك إن ولى نعمتك وسبب جاهك هو الإمام محمد بن إسماعيل كان صديقى الذى يطلعنى
على جميع أسراره ، ويطلع على جميع أحوالى ، وكم أطلعنى فى حياته على كثير من
الأسرار ، وكم من علوم لقننى ، هذا ما لا تعرفه أنت ، ولا من كان متصلا به» وانخذع
مبارك بأقوال عبد الله وصدقه ، وطلب منه أن يعلمه تلك الأسرار والعلوم فعلمه حروفا
معجمة ،
وكلمات غير مسموعة
وكلمات من أقوال الفلاسفة والأئمة ، فمضى مبارك إلى الكوفة وعبد الله إلى كوهستان
وأطراف العراق حيث أخذا ينشران طقوس الإباحة .
صورة ترتيب الفقهاء
يختار مجلس الشورى
الذى ينعقد تحت رياسة شريف مكة عبد الله باشا الفقهاء الذين سيتم تعيينهم وإرسالهم
إلى القرى ، وفى هذا المجلس يوجد أشخاص يعلمون أحوال الولاة ووجهاء البلدة
والسادات الأشراف وقبائل العربان.
هيئة الشورى :
بعد تحديد عدد
القرى التى تحتاج إلى تعيين الفقهاء يتم انتخاب الفقهاء ويحول أمرهم إلى رأى رئيس العلماء
ويقوم المشار إليه هو والهيئة التى معه بكتابة أسماء الفقهاء وانتخابهم ويقدمهم
إلى الهيئة المحترمة.
ولو توفى أو
استقال أحد الفقهاء الذين تم تعيينهم يتم تعيين فقيه آخر محله بواسطة رئيس العلماء
أى أن تعيين فقيه آخر يتم بعد صدور الأمر من أمراء الولاية الجليلة وهيئة الشورى
ولقد ذكر فى الجداول التالية أسماء الفقهاء الذين تم تعيينهم عام ١٢٨٥.
وهذا الجدول يوضح
اسم القرى التى عين فيها الفقهاء والقبائل التى تسكن فى هذه القرى.
جدول الفقهاء
أسماء الفقهاء
|
أسماء القرى
|
أسماء القبائل
|
ملحوظة
|
الشيخ عبد
الرحيم باقيس
|
دار الغربة
|
|
من هذه الثلاث
عشرة فى الجهة التى تقع فى ناحية مكة المكرمة من الطائف وعلى ثلاث ساعات منها
وعلى سفح الجبل الذى يقال له جبل الفرا والذى يبعد عن مكة المكرمة خمس عشرة ساعة
وعلى ظهر هذا الجبل موقع يسمى هذا والقرى المذكورة فى أطراف هذا الموقع وفى
القرية التى تعرف ب «دار البيضاء» مسجد أثرى.
|
__________________
الشيخ أحمد بن
قاسم
|
مصر وحوله
|
|
|
الشيخ مهدى
اليمانى
|
الكمل النبى
|
|
|
الشيخ عبد
القادر المغربى
|
الخضرة
|
|
|
الشيخ محمد مكى
|
دار البيضاء
|
|
|
الشيخ محمد بن
طالب
|
ملتوى
|
|
|
الشيخ حمد
المغربى
|
مبيريز
|
|
|
الشيخ أحمد
باوزير
|
مملكة
|
|
|
الشيخ فخرى
الصخرى
|
بنى صخرة
|
قريش
|
|
الشيخ صالح
باقيس
|
أعمق
|
|
|
الشيخ محمد
باعماد
|
غديرين
|
|
|
الشيخ صالح
السيفانى
|
شرقة
|
بنى خديله
|
|
الشيخ عبد
القادر باقيس
|
خليصة
|
خديلة
|
|
لشيخ على
المغربى
|
شريف
|
|
|
الشيخ إبراهيم
المغربى
|
قدء
|
|
تقع هذه القرى
فى جهات الشرق والشمال وعلى بعد ساعة أو ساعتين من الطائف.
|
الشيخ حامد
المغربى
|
صفاه صد عين
|
|
|
الشيخ محمد بن
المهدى
|
غنامين نحاتين
|
|
|
الشيخ عبد
الرحمن الفقية
|
بلاد بن شريان
|
|
|
الشيخ إبراهيم
البكرى
|
عرج
|
عتبية
|
|
الشيخ أحمد
العبادى
|
شرب
|
|
|
الشيخ عبد
الحفيظ الربيدى
|
عبيلا
|
|
|
الشيخ سفر بن
سفر
|
جليل
|
|
|
الشيخ محمود بن
سالم المشولى
|
نخب
|
|
|
الشيخ سعيد بن
ناصر
|
مليسةا
|
ثقيف قرآن
|
|
الشيخ على بن
قنا
|
سويد
|
|
|
الشيخ قامد
اليمانى
|
|
|
|
الشيخ محمود
المنصورى
|
مسجد الهادى
|
|
المسجد الهادى ومثناه ووهط على بعد نصف ساعة من الطائف وفى مكان كثير
المياه والبساتين وأهل الطائف يخرجون إليهما متنزهين. وهذه القرى تقع فى جهة
الجنوب من الطائف وعلى بعد ساعتين أو ساعة منها. وبين قرية ال مقبل وقرية عبلة
تمتد عشر قرى وتقع جهة الغرب بعد أربع أو خمس ساعات من الطائف ولها شهرة واسعة
بالعقارب والحيات وقريتا زيما وسولة اللتين مسكنهما قبائل قريش.
|
__________________
|
|
|
أول مرحلة بيات
للمسافرين من مكة إلى الطائف والقرى الأخرى واقعة بجانب وادى فاطمة.
|
الشيخ عبد
العاطى أبو حربة
|
مثناه
|
بنى ثقيف
|
|
الشيخ سعيد بن
على المخاوى
|
وهط
|
|
|
الشيخ محمد
بخروس
|
قلمة
|
|
|
الشيخ عبد
الواحد الحديدى
|
زوران
|
عتيبة
|
|
الشيخ صالح بن سعيد
|
بسل
|
|
|
الشيخ عبد
اللطيف الحديدى
|
كلاخ
|
|
|
الشيخ على بن
محسن اليمان
|
دار الغنم
|
بنى ثقيف
|
|
الشيخ نخيل
الشمالى
|
صخيرة
|
|
|
الشيخ سيف الدين
اليمانى
|
بنى سالم
|
بنى سفيان
|
|
الشيخ صالح بن
عبيل
|
آل مقبل ، آل
زايد
|
آل زايد
|
|
الشيخ عيسى بن
موسى
|
آل طول
|
شمالة
|
|
الشيخ سالم بن
عوض
|
آل ساعد
|
آل خديعة
|
|
الشيخ غالب بن
قارع
|
آل حجة
|
|
|
الشيخ محمد رحيم
|
آل مساعد
|
|
|
الشيخ على بن
عمر المعامدى
|
آل عايشة
|
|
|
الشيخ صالح بن
سميح
|
بجيدى بنى عمر
طلحات آل خالد
|
|
|
الشيخ خالد
اليمانى
|
زيما
|
عتيبة
|
إن معظم قرى
قريش هذه جار ماؤها كثيرة منابت نخيلها بها أشجار الليمون والنارنج ومن ثم يخرج
إليها أهل مكة للتنزه ولا سيما إلى تنسم طيب نسيمها وتتفاوت هذه القرى والقرى
الأخرى فى حجمها ومدى استبحار عمرانها. فمنها ما يشمل ثلاثة أو خمسة أو عشرة
منازل ومنها ما يضم أربعين أو خمسين منزلا وإن كان عدد سكانها وعمرانها فى تزايد
وأكبر هذه القرى قرى : الدار البيضاء ، ووادى فاطمة والحسينية وهق وأجواؤها أطيب
من جوزيما وسولة ومضيق حسين ، وشنابره فى السعدية والقرى التى تسمى شنابرة تلك
تعد مقرا للأشراف والسادات.
|
الشيخ صالح بن
جمال
|
سولة
|
فى وادى هرامز
|
|
الشيخ عباد بن
صالح
|
كضيق
|
|
|
الشيخ محمد بن
أحمد موسى
|
حدا
|
|
|
الشيخ أحمد
العباس
|
هدا
|
|
|
الشيخ عبد
الرحمن الزبيدى
|
بلاد بنى
|
عند بنى ربيع
|
|
الشيخ بشرى
الحيرتى
|
عمر
|
|
|
الشيخ زين
العابدين جمال
|
عمر
|
|
|
الشيخ صالح بن
شعيب
|
برابر محمية
|
|
|
الشيخ وهق بن
رشيدان
|
حراجل
|
فى السعدية
|
|
الشيخ أحمد
الكليبى
|
الفرع
|
|
|
الشيخ صديق بن
عبد القادر
|
أبو شعيب
|
|
|
الشيخ عبد الله
باسميح
|
حميد
|
|
|
الشيخ إبراهيم
حسينية
|
الخادم
|
|
|
|
هنابرة
|
|
|
الأثر الرابع عشر : باب الجرير
ويسمى كذلك (باب
القفص) وهو الباب العالى المسمى باب النبى ، وهو مكان يستجاب فيه الدعاء على حد
قول أبى سهيل النيسابورى.
ولا يعرف الوقت
الذى ينبغى فيه الدعاء فى هذا الموضع ، ويقول الصالحون من الأسلاف : كلما سنحت
الفرصة اذهب وادع بجواره.
الأثر الخامس عشر : بيت خديجة الكبرى السعيد
وهو فى سوق الصاغة
الذى كان يطلق عليه زقاق الحجر ، وكان يسمى زقاق العطار قديما ، وكان دار خلوة
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحين الهجرة
النبوية وهب لعقيل بن أبى طالب رضى الله عنه ، وبعد ذلك أخذه معاوية ووسعه وحوله
إلى مسجد ، وفتح له بابا يؤدى إلى منزل أبيه أبى سفيان.
بيت أبى سفيان ذاك
صار مستشفى للغرباء فى عصر السلطان عبد الحميد. وقد حول بيت زوج الرسول خديجة بنت
خويلد ـ رضى الله عنها ـ إلى مسجد
باسمها ، وقد رممه
الملك المظفر اليمانى والناصر العباسى وملوك الشراكسة المصرية ، وملوك اليمن على
هيئته القديمة.
وفى عام ٩٣٥ ه
عصر سليمان بن سليم عصر البر والإحسان رمم على هيئته القديمة ، وأقيم عليه قبة عظيمة
، وبنى فى داخله محرابان وفى سنة ١٠٤٣ جدد ما يستحق تجديده.
وكان داخل القبة
التى أقامها السلطان سليمان فى سنة ٩٥٣ ه (١٤٤) قدما مربعا ، وكانت كل جهة من
جهاتها الأربع اثنى عشر قدما.
وولدت سيدة النساء
فاطمة الزهراء (رضى الله عنها) فى الحجرة المنيرة التى تقع فى الجهة اليمنى من
الدار السعيدة. ولأن مولد السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ كان فى تلك الحجرة
المنيرة المتصلة بالجهة اليمنى من هذا البيت المسعود ، فقد عين موضع مولدها فى وسط
هذه الحجرة بحجر أبيض مستدير ناقص الشكل ، ووضع فى كوخ مكتس بالخضرة.
إنه موضع مبارك
تحت قبتين جميلتين فى تلك الحجرة العريقة ، وطول هذا الموضع من الشمال إلى الجنوب
ثمانية أقدام ، ومن الشرق إلى الغرب خمسة عشر قدما. وقد حمى الكوخ الذى بنى
لمشاهدة الموضع المنير الذى ولدت فيه السيدة فاطمة بما يقرب من ٣٥٧ عام ، وذلك
بفضل الإصلاحات والترميمات الجزئية التى كانت تجرى من آن لآخر ، وبالرغم من ذلك
تخربت تلك الترميمات ، وبات من اللازم هدمها كلها ، حتى أن جدران بيت خديجة ـ رضى
الله عنها ـ أصبحت محتاجة إلى الترميم والإصلاح ، وفى عام ١٢٩٦ حول أحمد أفندى
مدير المسجد الحرام الكوخ المذكور إلى شبكة مصنوع من خشب الساج ، وأصلح ما مست
الحاجة فيه إلى الإصلاح من جدرانه المسقوفة ، ووضع صندوقا فوق الحجر الأبيض الذى
يشير إلى موضع مولدها ، وغطاء يستر المكان من الحرير المزركش.
وأمام الكوخ
المذكور جدار باهر الأنوار يرتفع بمقدار ذراع ، ويتصل بهذا الجدار من جهة الجنوب بصفة
، يعلو هذه الصفة حجر مدور يميل لونه إلى السواد ، يقول بعض أهالى مكة المكرمة أن
هذا الحجر هو الرحى التى كانت السيدة خديجة تطحن بها القمح.
ويتصل بالجدار
الشمالى للمسجد الشريف حجرة مقدسة كذلك ، ولما بات من المعلوم ـ من خلال آثار
موثوقة الدلالة ـ أن هذه الحجرة كانت خاصة بعبادات النبى صلى الله عليه وسلم
وطاعاته ، أشير إلى موضع سجوده صلى الله عليه وسلم بحجر من الماس مسدس الشكل قطره
كقطر إصبع اليد ، ووضع هذا الحجر وسط المحراب.
الأثر السادس عشر : مولد النبى
بيت يقع فى الجهة
الشرقية لمكة المكرمة وفى شارع شعب أبى طالب الذى يسمى الآن : شعب بنى هاشم وزقاق
المولد.
وهى دار ميمونة
تقع فى سوق الليل وكانت تعرف فى عصر النبوة ب «دار التبابعة». ومن العادات القديمة
أن يخرج العلماء والأعيان الكرام من المسجد ويذهبون إلى الدار المذكورة موقدين
المشاعل والقناديل ، وبعد إقامة مراسم الطاعة والعبادة يعودون إلى حرم كعبة الله.
ومن العادات
المتفرعة من الحفاوة بمولد النبى أن يقوم الناس بعد عودتهم من دار مولد النبى
بالوقوف خلف المقام الشافعى وأمامهم الشخص الذى يتولى رياسة الروم بالدعاء للسلطان
، وبعد أن يلبس بعض كبار الحاضرين الخلع حسب قواعد المراسم يصلون صلاة العشاء ثم
يعودون إلى منازلهم.
ولم تكن هذه
العادة قائمة إلى عهد السلطان مصطفى خان الثانى ابن السلطان محمد الرابع ولم تكن
تلك الاجتماعات تنعقد فيه ، فلما أراد السلطان المذكور أن يستزيد من الغفران وأن
ينال الشفاعة النبوية قام باستحداث هذه الاجتماعات
واتخذها عادة
ميمونة ، لأجل ذلك ينعقد فى مكة المكرمة فى الليلة السابعة عشرة فى رمضان اجتماعات
عظيمة بغية تعظيم بعثة نبى آخر الزمان صلى الله عليه وسلم ، كما تجتمع جماعات
كثيرة فى الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول للاحتفال بمولد رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فى المدينة المنورة وفقا لرغبة السلطان.
ولعقد هذين
المجلسين أمر السلطان بمنح ٣٣٠٠ قرش سنويا من ريع مقاطعة مصر للإنفاق على إقامة
ذلك الاحتفال. وقد صدر ذلك الأمر السلطانى فى سنة ١١١٣ ه ، واستمر إجراء ذلك
الحفل الميمون والاحتفالات السنية فترة ما ، والآن تجرى الاجتماعات فى ليالى
الثانية عشرة من ربيع الأول لسبب ما.
ومازالت نفقات
هذين الاجتماعين ترسل من الخزانة المصرية إلى يومنا هذا ومازالت الاحتفالات تجرى
وفق ما ذكرنا آنفا.
وقد ذكرنا فى
المقال الثالث من الفصل الحادى عشر من مرآة المدينة كيفية الاحتفالات بالمولد
النبوى السعيد.
وكانت العادة
المرعية بين أهالى مكة المكرمة فى ليالى رمضان أن يقرأوا القرآن الكريم فى صلاة
التراويح. وكان الإمام الحنبلى يختم القرآن فى الليلة الحادية والعشرين من رمضان ،
وفى الليلة الخامسة والعشرين الإمام الشافعى ، وفى الليلة السابعة والعشرين الإمام
الحنفى ، وفى الليلة التاسعة والعشرين الإمام المالكى فيختمون القرآن بعد تمام
قراءته.
وكان أتباع الإمام
الذى سيختم القرآن يزينون المسجد الحرام بمصابيح وقناديل وفوانيس مختلفة ، ومازالت
هذه العادة قائمة ولكنها لا تنحصر فى أئمة المذاهب الأربعة لأن الذين يريدون أن
يختموا القرآن يتفقون فيما بينهم ويصلون فى جماعة منفصلة ، ومع هذا تعقد مجالس
عظيمة فى ليلة ختم القرآن الكريم.
وفيما مضى كانت
تعقد المجالس فى ليلة ٢٧ من رمضان فى الجهة الشرقية
للحرم الشريف
وأمام المحكمة الشرعية ، ويقرأ دعاء ختم القرآن وعقبه يوزع على الحاضرين الكرماء
الشراب الحلو ثم يتجهون إلى البيت المعظم حيث يدعون الله ، ويحضر هذا المجلس
الأشراف العظام والسادات الكرام والعلماء الأعلام ، ويوزع نائب الحرم الشريف حلو
الشراب ، وفى أثناء الدعاء يظل باب الكعبة مفتوحا ، ومازال هذا المجلس المشكور
يجتمعون إلى الآن ، كما سبق ذكره ومازالت تلك الإجراءات مرعية الجانب.
الأثر السابع عشر : سوق الليل
إنه مكان فى غاية
اليمن والبركة لأن مولد النبى ، والدار التى ولد فيها على كرم الله وجهه ، ودار
الصديق الأكبر فى هذه السوق وفى كل جهاتها آثار مباركة ظاهرة.
إن عينيك تنبت جنة
من سوق المال ورافع الشوك من طريقه يعجب بالورد تطلع الشمس التى تنير الدنيا منه
كما امتلأت منه روضة الرضوان ومن عجب أن هذا أصبح مقاما ومنزل قرص الشمس والبدر إن
منزل الزهرة فى هذا الشعب وهو على بعد قدم أو قدمين من الصديق إن المشترى والشمس
والقمر اقترن بعضها ببعضها الآخر فهذه المحلة كلها مرتفعات ومنخفضات وفيها يهادى
سرو الدلال
«فتوح الحرمين».
الأثر الثامن عشر : دار الخيزران
كان يعرف هذا
المكان عند الأوائل من المسلمين بدار الأرقم بن أبى الأرقم المخزومى.
إن هذه الدار
النيرة تقع فى الجهة الشرقية من جبل الصفا فى اتصال دار بنى شيبة وفى زقاق ضيق. إن
هذا الموقع أفضل من كل الأماكن وأقدسها فى مكة المكرمة ما عدا دار أم المؤمنين
خديجة رضى الله عنها.
دار الأرقم :
هذا المكان المقدس
هو المكان الذى كان يجتمع فيه النبى صلى الله عليه وسلم مع تسع وثلاثين من صحابته
خفية ، قد تشرف عمر بن الخطاب باعتناق الإسلام فى داخل هذه الدار ، واكتمل به عدد
الصحابة أربعين صحابيا.
وانتقلت تلك الدار
إلى ملكية والدة هارون الرشيد الخيزران وقد اشترتها ولشدة تعلقها وحبها لهذه الدار اشترت الدور
المجاورة لها وألحقتها بهذه الدار.
وانتقلت الدار بعد
ذلك من يد إلى أخرى حتى وصلت إلى أشراف بنى حسن ، وفى نهاية الأمر انتقلت إلى
ملكية دفتر دار مصر القاهرة إبراهيم بك ، فأهداها إلى السلطان سليم خان الثانى
عليه رحمة الله فجددها نجل ذلك السلطان وهو السلطان مراد خان الثالث على شكل مسجد
فى سنة ٩٩٩ ه.
وحينما أراد أن
يجدد ذلك المسجد مصطفى جاويش الذى كان يشغل منصب أمانة البناء وكان أمين بناء جدة
، قد استدعى إلى باب السعادة ، وبهذا لم يستطع أن يأخذ دور الكبراء التى تحيط
بالمسجد ، ولو لم يعزل لفترة ما من منصبه كان سيجدد مسجد دار الخيزران فى هيئة أجمل
وشكل أحسن. إن عرصة مسجد دار الأرقم فى جهاتها الثلاث أربعة عشر قدما إلا الجدار
الشرقى أربعة وعشرون قدما. وله أربع قباب جميلة وله ساحة مكشوفة وله مئذنة.
صخرة المحتبى :
مكان فى داخل
المسجد وعلى يمين من يتوجهون إلى المحراب ، وإلى الآن مرئى وظاهر.
__________________
ومنتهى هذه الصخرة
كان مكانا خاصا للنبى صلى الله عليه وسلم ، عند جلوسه وحوله تسعة وثلاثون من
أصحابه الكرام عندما كان يدعو إلى الإسلام خفية ، من الروايات الموثوقة أنه كان
يمضى أوقاتا تحت هذه الصخرة.
الأثر التاسع عشر : الحجر المتكلم
يقع فى جدار دكان
أبى بكر وفى الجهة التى تواجه الحرم الشريف وقد وضع فى مكان يعلو عن الأرض مترا.
وطول الحجر المتكلم ذراع معمارى ، وقطره ثمانية أصابع ، وهو نصف إسطوانى الشكل
وبارز عن الجدار بمقدار ستة أصابع.
وروى عن النبى صلى
الله عليه وسلم قوله : «إننى أعرف حجرا كان يلقى على السلام قبل البعثة فى المجئ
والذهاب». ويظن أن ذلك الحجر هو المقصود به وكتب عليه البيتين الآتيين :
أنا الحجر
المسلم كل حين
|
|
على خير الورى
فلى البشارة
|
ونلت فضيلة من
ذى المعانى
|
|
خصصت بها وأنى
من الحجارة
|
قد ترك ذلك الحجر
مكشوفا إلى ولاية الحاج عزت باشا الأرزنجانى الأخيرة وقد حفظه الباشا المذكور فى
ولايته الأخيرة بأن غطاه بقفص حديدى وكتب كيفية عمله على حجر آخر ووضعه فوقه.
الأثر العشرون : حجر المتكأ
يقع أمام الحجر
المتكلم وفى صف دار خديجة الكبرى وعلى صفحة هذا الحجر أثر لطيف ، ويقال أنه أثر
مرفق النبى صلى الله عليه وسلم إذ شرف النبى صلى الله عليه وسلم دكان أبى بكر فى
يوم من الأيام واستند على ذلك الحجر وعندما التفت لأبى بكر قائلا : يا
أبا بكر انطبع أثر
مرفقى على ذلك الحجر. كان حجر المتكأ قديما على جدار بيت أبى بكر ثم انتزعوه منه
ووضعوه فى المكان الحالى.
كان المكان الذى
وضع فيه من جدران بيت مصطفى أفندى الحريرى ، واحترق هذا المنزل فى أوائل سنة ١٣٠٠
ه والحجاج فى عرفات ؛ إلا أن الحجر المذكور لم يصب بسوء ، وقد حفظ بأن وضع فى
إطار له غطاء خشبى وعمر تلك الدار.
الأثر الحادى والعشرون : دار العباس
تقع دار العباس فى
شارع المسعى وبالقرب من الميلين الأخضرين وأمام باب العباس ، والآن أصبحت رباط
الفقراء والمساكين والغرباء.
الأثر الثانى والعشرون : رباط الموفق
يقع فى زقاق المقرارية
وشارعه ، وقد اشتراه فى سنة ٦٠٤ ه القاضى الموفق جمال الدين على بن عبد الوهاب
السكندرى وعمره ووقفه. إذا ما دعى فى داخله أو أمام بابه يستجاب.
قال الشيخ عبد
الله بن مطرف من مشاهير أولياء الله : كلما وضعت يدى على حلقات باب رباط الموفق
أحس كأن كثيرا من أيادى أهل الله توضع فيه ، ويسكن الفقراء ومساكين الممالك
المغربية فى ذلك الرباط ويقيمون فيه. وبما أن كثيرا من أهل الله ما زالوا يذهبون
إليه لغرض الزيارة فلا يخلو ذلك المكان من ملازمة الأولياء ومرورهم.
الأثر الثالث والعشرون : منى
تقع «منى» فى
الجانب الشرقى من مكة المكرمة بين غار المرسلات وهذا المكان المقدس مكان جميل
المنظر وصحراء تثير الشوق ، وطوله ٣٠٥ ذراعا ، يبدأ من جمرة العقبة وينتهى فى
الجمرة الثالثة ، ويبعد عن مكة المعظمة أربعة أميال. ومنى
__________________
مدينة تميل إلى
الكبر وتتزين جوانبها بدكاكين كبيرة ومنازل عالية ويحد نهايتها مسجد الخيف ، إلا
أن عمرانها يتوقف على موسم الحج ، ففى غير موسم الحج تخلو المدينة من الناس ،
ويستأجر الحجاج فى منى منازل بعد عودتهم من عرفات ، ويتاجرون مع التجار الذين
وفدوا من الشام وحلب.
وإن كتب أن وقت
الدعاء فى منى محدد فى منتصف الشهور القمرية وليلة ما يستدير الهلال بدرا ، ولكن
بما أن المكان غير معمور فى كل الأوقات فليدع الداعى متى يمكنه الدعاء فيه.
ومنى هى المكان
الذى يرسل بواسطته أمانة الصرة إلى الشريف الهاشمى النسب علنا.
وإننا أدرجنا صورة
من الأمر السلطانى الذى أرسل إلى ذات السيادة الشريف عون الرفيق باشا فى سنة ١٣٠١
ه متيمنا.
صورة الخط السلطانى
الحمد لله الذى
جعل سرة البطحاء صدف درة البيضاء ، وحلى بها أجياد عرائس المصنوعات ، من الثرى إلى
سدرة المنتهى ، وصير أم القرى محتد نبيه المجتبى وصفيه المرتضى ، وأوحى إلى خليه
إبراهيم أن يرفع القواعد من البيت ، وأمرنا أن نتخذ من مقامه مصلى ، وتوجهت الوفود
المتوشحة بوشاح الهدى ، ورفعوا أصواتهم بالتهليل والتلبية ، وقصدوا نحو منى ،
فطوبى لمن سعى بين الصفا والمروة ، وصلى بمقام إبراهيم بخضوع القلب ، وانتهج نهج القربى
والزلفى ، وبيض وجهه باستلام الحجر الأسود متلألئا كسناء ذكاء .
والصلاة والسلام
على من بعث رحمة للورى ، وصارت زيارة قبره من أرقى مدارج السعادة فى الدنيا
والعقبى ، وعلى آله وصحبه الطيبين الذين طهروا الكعبة العليا من أدناس الأوثان ،
وأحكموا بنيان الشريعة المصطفوية بإقامة أحكام القرآن ما ناحت الحمائم بتسبيح الله
تعالى وتقديسه جل وعلا ....
__________________
أما بعد فهذا
خطابنا الشريف الخاقانى وكتابنا المنيف السلطانى النافذ حكمه بعناية الله المعين
فى أقطار الأرضين ، مطاعا لأساطين الملوك والسلاطين ، لازال ناشرا فوايح العدل
والأمان وما برح زاهرا بين حدائق البر والإحسان وما سجعت الطيور ورتعت الغزلان ،
أصدرناه منطويا على فرائد التحيات الرائقة ، ومحتويا على قلائد التسليمات الفائقة
، مظهرا عرف رياحين المحبة والاستئناس ، وممهدا لمبانى المودة المحفوظة عن
الإندراس ، إلى جانب الأمير الأمجد الأوحد المقتفى آثار أسلاف الأشراف من آبائه
الغر صناديد آل عبد مناف وأجداده الحميدى السير الجميلى الأوصاف ، فرع الشجرة
الزكية النبوية ، طراز العصبة العلوية المصطفوية ، المنتمى إلى أشرف جرثومة علا
عنصرها ، والمنتسب إلى أنفس أرومة غلا جوهرها ، زبدة سلالة الزهراء البتول ، عمدة
آل بيت الرسول ، المحفوف بصنوف عواطف الملك الصمد ، من أفاخم وكلاء دولتنا وأعاظم
وزراء سلطنتنا السنية ، الحامل النيشان المرصع بالعثمانية والمجيدية ، أمير مكة
المكرمة الشريف (عون الرفيق باشا) ، لا زالت العناية الربانية له ملاحظة ،
والكلاءة الصمدانية عليه حافظة ، ننهى إلى نادى الشريف أن الله جل شأنه وعز برهانه
، اصطفانا من بين عباده خلفاء للأنام ، وأعطانا سيف الجهاد ، وأمرنا بتأسيس ركن
الإسلام ، وشرفنا على الملوك بسدانة بيت الله الحرام والركن والمقام ، وزين منشور
سلطنتنا بخدمة روضة نبينا وشفيعنا عليه أسنى التحية وأزكى السلام.
نحمد الله على ذلك
بأتم الشكر وأكمل المحامد. ونحلّى ترائب عرائس هذه النعم من جواهر الأثنية بأغلى
القلائد وأنفس الفرائد ، فلا جرم وجهنا وجهة النهمة الواسعة ونخبة الهمة الشائعة ،
لرفع رايات الشكر فوق القمة التاسعة ، وصرفنا أزمة صريمتنا الجليلة إلى طريق إيفاء
ما وهبنا الله من المواهب الجزيلة ، وامتطينا صهوة مطايا الإقدام ، فى تنفيذ مصالح
الشريعة ، جاريا مجارى الجد والاهتمام ، لا سيما مهام الأوقاف المشروطة لفقراء
الحرمين المحترمين ، والأرزاق المعينة المضبوطة للشرفاء شرفهم الله ـ تعالى ـ فى
الدارين ، وللعباد العاكفين فى المقامين المكرمين ، وأرسلنا من شامل عنايتنا على
الرسم القديم فى
العام السابق ـ وهو عام ثلاثمائة وألف من هجرة من أسس قواعد الإسلام ـ صبت على
ضريحه سجال التحية والسلام ـ كافة الأموال المحصلة من ريع الأوقاف الموقوفة
المربوطة ، والنقود المعروفة والوظائف المضبوطة التى خصصت بلائذى الحرم ويثرب ممن
سكن فيهما ، واخترنا الجواد من حيثما المشارق والمغارب ، وجملتها مثبته وأعدادها
مفصلة ومقررة كما هو مسطور ومرقوم فى الدفتر المعلوم والمختوم ، جميعها الدنانير
التضاد والخدمة الصافية من النقود الرائجة فى عام البلاد الدانية والقاصية ،
وسلمنا تلك الصرر إثر ما وضع فى الأكياس الموسومة بختمنا الشريف دفعا للالتباس إلى
يد حامل ذلك المنشور السلطانى ، وناقل هذا المثال الخاقانى ، المنتسب لسدتنا السنية
، من خدام عتبتنا العلية السلطانية ، المأمور لخدمة الحميدية الخاقانية ، الحامل
نيشان المجيدية من الرتبة الرابعة ، أمير الكرام السيد «بسيم باشا» دامت معاليه
وعمدة أصحاب التحرير والتقرير ، كاتب الدفتر قدوة الأماثل والأقران ـ زيد قدره ـ بعد
ما قلدناهما تلك الخدمة الجليلة ، وأعطيناهما دفترا مختوما بختمنا المبارك
السلطانى لازال عنوانه زينة على صحيفة مناشير الأمانى ، مخبرا عن المصاريف المعينة
، متضمنا بالمواهب المقننة ، فأمرناهما بإيصال تلك الصرر إلى خزانة المديرية
المأمورة بالسعى مع الاهتمام على جرى الأصول المؤسسة فى سوالف الأيام فى الصرر
المقررة ، فى مصاريفها المحررة المقدرة ، على ما صرح ونص عليه فى الجريدة التى هى
فى جيد الأمانة (إِنَّ اللهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) (النساء : ٥٨).
واغتراف من مشارب
الأجواد الجزيلة قراح عذبها ، ونهلها وتوزيعها إلى مستحقيها من السادات والعلماء
والضعفاء ساكنى مكة المكرمة ، وقاطنى المدينة المعظمة ، المستمسكين بأذيال سرادقات
بيت الله الحرام ، والمتشرفين بجوار نبينا شفيع الأنام (عليه أفضل الصلاة والسلام).
ورسمنا ألا يفض
خاتم أكياس هذه المبرة ، ولا توزع على أصحابها إلا بمعرفة المأمورين الذين وجب
حضورهم ، ولا يستنسخ دفتر مستقل غير هذا الدفتر ، بل يعلم على اسم كل من وصل إليه
نصيبه بالمداد الأحمر ، فإن غاب واحد منهم أو قضى نحبه ولم يوجد مسميات بعض
الأسماء يعلم على اسمه بالدفتر حسبما يظهر ، وتحفظ حصصهم ونصيبهم مفرزة محرره ،
كيلا يحتال أحد لأخذ الصرة المقررة ، ويؤتى نصيب من توفى أو غاب لأشخاص توافقت
أسماءهم وألقابهم ونسبهم ، وتشابهت الأسماء والألقاب والنسب والأنساب ، هذا وقد
أهدينا إلى جنبكم العالى ، مغرس شجرة المفاخر والمعانى فى صحبة حامل كتابنا اللطيف
وخطابنا المنيف خلعة من تشريفاتنا البهية ، وأكسيتنا السنية تجديدا لمراسم
الموالاة ، وتأكيدا بمعاقدة المصافاة ، فلا بد من استقبالها بتقديم مراسم الإكرام
والتعظيم والتزيين ، والاكتساء بها علامة الاحترام والتكريم ، وبذل القدرة الكاملة
فى رعاية الرعية وصيانة الحجاج والمجاورين والمسافرين والمقيمين من العنت والشقاوة
، لإفاضة الأمن والراحة وحراسة تلك الطرق والممالك ، واستجلاب الأدعية الصالحة من
العلماء العالمين والسادات المهديين ، والفقراء الصالحين ، والمواظبة على الدعوات
بمزيد التضرع والابتهال ، لإعلاء أعلام دولتنا العلية ، وثبات أركان سلطنتنا
السنية ، إنه سبحانه لجدير بالسؤال ، وقدير على تبليغ الأمال ، تعالت ذاته عن
المضاهى ، وجلّ جوده عن التناهى ، وفضله حسب من بجنابه لاذ ، وطوله كفاية من به
استعاذ.
وصلى الله على
سيدنا محمد الذى تأسست قواعد شريعته البيضاء بأركان المواهب الربانية ، ناشرا ظلال
سدتها فوق الثرى ، واستهل بأرجاز نعوته الملائكة المقربون على العرش سربا فسربا ،
وعلى آله وعترته الذين فتحوا بسيوفهم البلاد شرقا وغربا ، ولمن تبعهم من أمته إلى
يوم الدين عجما وعربا ، رضوان الله ـ تعالى ـ عليهم أجمعين.
الأثر الرابع والعشرون : الجمرات الثلاث
الجمرات الثلاث
التى سبق ذكرها قد عينت بعلامات خاصة فى ثلاثة أماكن من منى.
مسألة :
قال علماء المذهب
الحنفى : «عندما تلقى الجمرات عند الجمرة الأولى والجمرة الثانية يعنى عندما يرجم الشيطان الأول والشيطان
الثانى ينبغى أن يتوقف قليلا ، لأنه لا ينبغى الوقوف عند الجمرة الثالثة ، بناء
على هذا القرار الذى اتخذه العلماء يستحبّ ألا يوقف عندها للدعاء ، بل ويدعى فى
أثناء السير لأن الحسن البصرى أوصى أن يدعى فى هذا المكان أيضا ؛ لأنه مكان من ضمن
الأماكن التى يستجاب فيها الدعاء.
جمرة العقبة :
أنها الجمرة
الثالثة وهى بالقرب من قبة الكبش وهى جدى أبيض فى طول خمسة أذرع وذراعين عرضا.
وبما أن الشيطان ظهر لحضرة الخليل لأول مرة فى هذا المكان ورجم فلزم رجمه إلى يوم
القيامة.
الجمرة الثانية :
يطلق على الجمرة
الثانية الجمرة الوسطى أيضا وهى تخمينا على بعد خمسين خطوة من جمرة العقبة ، وفى
ناحية مسجد الخيف وقد ظهر الشيطان لخليل الرحمن مرة ثانية فرجم ، وقد أشير إليها
مثل جمرة العقبة بجدار صغير.
__________________
الجمرة الأولى :
الجمرة الأولى على
بعد مائة خطوة من الجمرة الثانية ، وفى ناحية مسجد الخيف أيضا.
وهو المحل الذى
ظهر فيه الشيطان لإبراهيم ـ عليه السلام ـ للمرة الثالثة فرجم ، وعين مكانها بجدار
صغير مثل الأخريين.
يرمى جميع الحجاج
فى هذه الجمرات الثلاث سبع حصوات ويستحسن أن يكون الرامى مترجلا ويجوز إلقاء
الجمرات راكبا وكان حضرة معاوية أول من ألقى الجمرات وهو راكب.
رواية
ـ يروون حديثا
بمعنى «أن من يقبل حجّه ترفع جمرته» (حديث شريف) وقد سأل أحد أئمة الحديث ـ ولم
يكن قد سمع هذه الرواية ـ سأل سعيد بن جبير «لماذا لم يتكون جبل من كل هذه الحصوات
التى ألقيت إلى الآن؟» فرد عليه قائلا : إن كل من يقبل حجه ترفع جمراته بأمر إلهى
من قبل الملائكة».
قال الإمام مجاهد «قد
علّمت الجمرات التى ألقيتها فى السنة التى سمعت فيها رد سعيد بن جبير بعلامات
معينة ، وبعد الحج بحثت عنها فلم أجدها ، فصدقت ما قاله سعيد بن جبير وأنه يوافق
معنى الحديث.
الاستطراد
يروى لإلقاء هذه
الجمرات فضائل كثيرة. يروى مؤلف «نزهة المجالس» نقلا عن كتاب الحقائق الحكاية
الآتية : «قال أحد المؤمنين صادق النية مخاطبا السبع جمرات التى فى يده عند
إلقائها» أشهد أيتها الجمرات أننى أؤمن بعدم وجود إله آخر غير الله ، وأشهد أن
محمدا رسول الله» وقد حلم هذا الشخص تلك الليلة أن القيامة قد قامت ، وعند
المحاسبة قد زادت سيئاته عن حسناته فيصدر الأمر الإلهى بأن يساق إلى جهنم ، فيؤتى
به فى جهنم. ولكن زبانية جهنم يرون أن باب جهنم قد سد بالجمرات التى ألقاها فى منى
، فيتحيرون كثيرا ويحاولون أن
يفتحوا الباب فلا
يوفقون ، ويذهبون ، تحت عرش الله ـ سبحانه وتعالى ـ ليعرضوا الحالة ، إلا أن
الحجارة كانت قد سبقت الزبانية ، وحصلت على الأمر الإلهى بإدخال هذا الرجل فى
الجنة بعدما غفرت ذنوب الرجل ، ويقف كل حجر فى باب من أبواب الجنة ويقول راجيا :
يا فلان أدخل الجنة من الباب الذى أقف فيه» انتهى.
لاحقة
إلى أواسط سنة
١٣٠٣ ه الهجرية عانى الحجاج مشقة كبيرة من قلة المياه فى منى ، وكان من جملة
فضائل السلطان أن أمر والى الحجاز الحالى عثمان باشا بإقامة صهريج عظيم له ستة عشر
صنبورا. ولقد تم ذلك بفضل همة لجنة عين زبيدة وحسن خدماتهم ، وهكذا نجى الحجاج من
مشقة العطش.
وكنا قد كتبنا
معلومات أولية فى الصورة السادسة من الوجهة الثالثة من المرآة أن عثمان باشا قد
أنشأ فى أرض المدرسة المجيدية بناءا فخما مقرا للحكومة للجيش ، وحول القلعة
الهندية إلى ثكنة عسكرية باسم «غيرتية».
وهدم قسم الشرطة
الرئيسى وثكنة المدينة السلطانية وبناهما من جديد.
ومن هذه المرة
أخبرت فى رسالة واردة من مكة المكرمة والمؤرخة بتاريخ ١ جمادى الآخرة سنة ١٣٠٣ أن
ذلك المقر الحكومى الفخم قد تم بناؤه ، وفرش فرشا جميلا ، كما هدمت بعض جهات قلعة
جياد ، وبنى فى بعض جوانبها مخزن للأسلحة ، ووضع فوق المبنى صادة للصواعق ، وبدأ
فى إنشاء ثكنة عظيمة فى الجانب الآخر.
وقد قسمت أرض عرصة
المدرسة السالفة الذكر من قبل والد السلطان الكثير المحامد السلطان عبد المجيد خان
ـ طيب الله ثراه ـ وبنى على طرف منها مدرسة ، وبجانبها سبيلا ومكتبة وعدة منازل
خاصة بأمناء الكتب ، وفعلا شرع فى الإنشاءات ، ووضعت الأسس وفى هذا الموقف رحل ذلك
السلطان عن دنيانا ، فأوقفت عمليات البناء وأهملت لتتحول تلك الساحة إلى مقلب
قمامة. ولما كان
الجنود السلطانية
الذين يتولون حراسة مكة المكرمة يسكنون تحت الخيم ، وكان هذا مخالفا لآمال السلطان
، لذا انزعج عثمان باشا انزعاجا شديدا وأخذا ضميره يؤنبه ، فقرر أن ينشئ فوق أرض
تلك المدرسة ثكنة عسكرية تستوعب فرقة من الجند السلطانى.
وبعد الاستئذان
شرع فى أواخر سنة ٩٩ المالية فى عمليات الحفر ذاكرا اسم الله ، وقد استصوب فيما
بعد أن تكون الدائرة الحكومية متصلة بالثكنة المذكورة ، وعدلت خريطة الثكنة
السلطانية على أن يكون جانب من المبنى مقرا حكوميا ، والجانب الآخر من المبنى ثكنة
عسكرية ، وهكذا بنيت ثكنة عسكرية متقنة الصنع والبناء وسميت بالحميدية.
وبلغت نفقات إنشاء
الثكنة الحميدية بناء على التقديرات الأولية ألف وأربعمائة ليرة ، وإذا ضمت إليها
نفقات إنشاء الدائرة الحكومية ألف وثمانمائة ليرة ، عرف أن مجموع النفقات يصل إلى
ثلاثة آلاف ومائتى ليرة.
ولكن إذا ما ضم
لهذه النقود ما أنفق لتزيين المبانى من الداخل والخارج تزيينا جميلا ومحكما تصل
النفقات إلى ما يقرب من مليون قرش.
طرحت فكرة إنشاء
ثكنة (الغيرتية) ونفذت فى عهد الشريف غالب ، ووسعت فى عهد تاتار عثمان باشا لتسع
مائة عسكرى من عساكر الشرطة وبنيت فوق خرابة قلعة صغيرة.
وكان لهذه القلعة
أربعة أبراج ، وهدمت الأبراج التى فى الجهة الغربية وحولت إلى ثكنة عسكرية يمكن
الدفاع عنها ، وتتسع لألف من الجنود السلطانية.
وبما أنه تم بناء
تلك الثكنة لما سيقوم به هؤلاء الجنود من خدمات جليلة ، وبما قدمه أصحاب الحمية والكرام
من نقود ، وسميت «غيرتية» لذلك ، وقد صرف على بنائها مائة وعشرين ألف قرش ماعدا
المنح الأخرى.
ثكنة المدفعية
السلطانية :
كانت هذه الثكنة
مكانا محاطا بأربعة جدران ، قد بنى فيه «عنبران» يستوعبان
ما يقرب من مائة
جندى من المدفعية ، وحجرة للقيادة تسع ثلاثة ضباط ومطبخ ، وتم ذلك بهمة عثمان نورى
باشا وسعيه واشتراك الجنود فى العمل. قد اشترك الأصحاب الكرام فى بناء هذه الثكنة
بما دفعوه من مبالغ قريبا من ثمانين ألف قرش.
المخفر الرئيسى :
مبنى متين يتسع
لإيواء أربعين جنديا ، وهناك مخفر غير هذا المخفر فى حارة الباب يتسع لعشرين جنديا
أيضا ، وهما مبنيان رصينان وقد أنفق لبنائهما مائة ألف قرش كاملة.
وفى سنة سنة ١٣٠٢
الهجرية أمر عثمان باشا نورى الأمير الاى صادق بك الذى حضر مع أمانة الصرة المصرية
بأخذ صور فوتو غرافية للأماكن المذكورة ، وقد حصلنا على نسخ هذه الصور وأثبتناها فى
الأجزاء المناسبة من المرآة.
وقد كتب فى صفحة
من المرآة إن مجرى عين زبيدة قد حفر على (حارة الباب) لتجديدها إلى ضريح الشيخ
محمود ، وبناء صهريج احتياطى فى ذلك المكان ، وقد سطر فى هذه الرسالة التى وصلت
والتى مر ذكرها أن ذلك المجرى قد أوصلت مياهه إلى ضريح الشيخ محمود ، وقد أنشئ
أمام الضريح حوض مياه كبير ، وركبت فيه الصنابير ، وأن وصول مياه عين زبيدة إلى
هذا المكان قد أحيا سكان هذه الأماكن ، ووسع مدينة مكة المكرمة.
قيل فى صفحة من
المرآة «يأتى ويذهب كل سنة ما يقرب من ثلاثمائة ألف أو أربعمائة ألف من الحجاج»
وفى الرسالة
الواردة من مكة المكرمة يقول صاحبها : إن عدد الحجاج لم يزد على مائتى ألف حاج حتى
فى سنين الحج الأكبر. إلا أنه لم يدخل فى هذا الحساب عربان البادية والمقيمون من
أهل مكة ، ويقول صاحب الرسالة «إن نظام إقامة وليمة فى مقر الإمارة قد ألغى بعد
وفاة الشريف عبد الله باشا بثلاث أو أربع سنين وهذا شىء يؤسف له.
الصورة الثانية
فى ذكر المساجد المأثورة فى مكة المكرمة
الأثر الخامس والعشرون : مسجد أبى بكر :
المسجد المشهور
بمسجد أبى بكر يقع فى الجهة اليمانية وفى مكان يسمى «مسفلة» عليه قبة وفى داخله
كوخ.
يزور الحجاج هذا المكان
كما أن أهل مكة يزورونه ويقيمون فيه حلقات الذكر ويدعون الله ، بما أن أبا بكر
الصديق قد ولد فى هذا المكان السعيد فإنه يشتهر أيضا باسم «دار أبى بكر» ، وطول
سطح هذا المكان من كل جهة عشرون قدما وعرضه خمسة عشر قدما ، إلا أن له فى الجهة
الجنوبية حديقة محاطة بالسور مساحتها أربعمائة ذراع ، إن النبى صلى الله عليه وسلم
، قد شرف جبل الثور قادما من هذا البيت ، إن هذا الحادث الجلل قد فصل فى المقام
الرابع والعشرين من «محمود السير». وقد أشرفت مبانى ذلك المسجد مع مرور الأيام على
الخراب ، لذا عمره وأصلحه مدير الحرم الشريف أحمد أفندى على أحسن وجه وبشكل رصين
فى سنة (١٢٩٦).
الأثر السادس والعشرون : مسجد ذى طوى :
يقع هذا المسجد فى
الجهة الشمالية من مكة المعظمة وفى الوادى الذى أطلق عليه أهل مكة «ما بين
الحجرتين» وفى المحل الذى خصص لإقامة المحمل المصرى ، وعلى الجهة اليمنى فى طريق
العمرة ، وقد بات قائد الأصفياء ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى هذا المكان فى حجة
الوداع ، وبعد أن صلى فيه صلاة الفجر اتجه إلى مكة المكرمة.
وقد ذكر صاحب «العقد
الثمين» أن بانيته سيدة تسمى زبيدة ، ولكنه لم يبين لنا من هى زبيدة هذه ومتى
بنته.
الأثر السابع والعشرون : مسجد التنعيم :
إن مسجد التنعيم
فى مكان قريب من مسجد عائشة ويبعد عن المسجد الحرام ما يقرب من ثلاثة أميال أو أربعة ، وكل جهة من جهاته عرضها خمسين قدما.
وفى يمينه جبل
نعيم وعلى يساره جبل ناعم ، لذا أطلق على الوادى الذى أسس فيه وادى النعمان ، وإن كان
المؤرخون يخبروننا أن هذا المسجد كان يطلق عليه اسم هليلجة وكانت بجانبه شجرة
قديما إلا أن ابتعاد هذا المسجد عن ميلى الحرم (يعنى ابتعاد مسجد عائشة الذى يوجد
فى ناحية جبل نعيم عن الميلين) فالمسجد الذى قال عنه المؤرخون أنه مسجد هليلجة غير
المسجد الذى يكتسى فيه الحجاج ملابس الإحرام بنية العمرة ، وهو مسجد التنعيم.
ويظهر أنه المكان
الذى يقع فوق قمة الجبال التى خلف صهاريج «سنان باشا» وعلى الجهة الشمالية من مسجد
عائشة والذى أحيط بجدار هو أرض مسجد التنعيم.
وهذا الجدار كثيرا
ما ينهار بصدمات الرياح ويخرب إلا أن الزوار الكرام يبتدرون لتعميره وترميمه.
الأثر الثامن والعشرون : صهاريج سنان باشا
كان فى الزمن
القديم فى هذا المكان صهريج واحد وكانوا يملئونه عند نزول المطر يتوضئون منه ،
وعندما زار سنان باشا مكة المعظمة فى أثناء سنة (٩٨٧ ه) حين عودته من اليمن رأى
أن مياه ذلك الصهريج قد نفذت ، كما أن مياه البئر الذى بجانبه قد انقطعت ، فاحتاج
المعتمرون والحجاج حتى إلى قطرة ماء للوضوء
__________________
وإزالة عطشهم ،
فتأثر من ذلك أشد التأثر ، ثم أمر بحفر البئر المذكورة ، وأوصل الماء إلى الصهريج المذكور
بحفر مجرى ، وعين من يهتم بهما ويسقى الناس ، ولكن لشدة الأسف لم يبق إلى الآن ،
لا السقاءون ولا المجرى ، وعندما تهطل الأمطار يمتلئ ذلك الصهريج ثم يخلو من
المياه مرة أخرى فيظل فارغا.
وبعد ما أمد سنان
باشا ذلك الصهريج بالماء فرش أرض المطاف بالرخام ، وغير رمل الساحة
الرملية للمسجد الحرام ، وأمر بصنع سبيل وحوض فى طريق العمرة ، وحفر فى أماكن
بعيدة آبارا عميقة واسعة لملء السبيل والحوض بالماء بواسطة مجارى حفرها ، وقد
اندرس كل هذا ولم يبق له أثر ، إلا أن الأصحاب الكرام حفروا كثيرا من الآبار فأصبح
المعتمرون لا يعانون من قلة الماء كما كان من قبل.
لاحقة
وقد ثبت أن كل من
يذهب إلى مسجد عائشة بنية العمرة ويلبس هناك ملابس الإحرام وفقا للسنة النبوية ،
ثم يعود مهللا ملبيا إلى الحرم الشريف ويطوف مرملا مضطّبعا يسعى ، فإنه ينال ثواب أداء الحج فى مدينة الرسول صلى الله
عليه وسلم الذى غفر له ، وذلك ثلاث مرات فى شهر رجب ومرتان فى شعبان المعظم ، ومرة
فى رمضان المبارك ، لذلك يقبل الحجاج الكرام على العمرة بكثرة فى تلك الشهور.
تنبيه
ويجب أن يزار
المكان الذى صلب فيه حاتم بن عدى ـ رضى الله عنه ـ الذى يقع فى الجهة الغربية من مسجد
عائشة ، وفى ناحية جدة إذ كان ـ رضى الله عنه
__________________
ـ ورفقاؤه مع عاصم بن ثابت ـ رضى الله عنهم ـ يحاربون
سفيان بن خالد الهزلى وشرذمته فى مكان يسمى «رجيع» ، فأسر حاتم بن عدى وسيق إلى
جبل التنعيم حيث صلب ، وقد أشير إلى المكان الذى صلب فيه حاتم بعلامة على شكل
مئذنة ويطلق عليه أهل الحجاز اسم «ميل».
وإن كان مكان صلب
حاتم بن عدى مجهولا لدى أهل مكة ، إلا أن الأشخاص الذين يذهبون إلى مسجد عائشة
ويزورون الميل الذى بين الجبلين يكونون قد زاروا مصلب حاتم ، لأن هذا الميل علامة
خاصة لمكان الصلب وقد كتب عليه بخط عربى قديم عبارة «هذا مصلب حاتم بن عدى» ، وبما
أنه يطلى كل سنة كانت فالصباغة تمحو الكتابة التى عليه.
ولكن عندما ينزل
المطر ويبتل ذلك الميل تظهر آثار هذا الخط ، وإذا ما أمعن فيها النظر يمكن قراءته
تماما.
وقد استفسرت من
علماء مكة عن مصلب حاتم بن عدى ، ولكننى لم أحظ منهم بإجابة شافية.
فاعتمدت على نفسى
فى الكشف عن هذا المكان ، بينما كنت فى يوم من الأيام فى مسجد عائشة وكان رفيقى
يتوضأ أخذت أجيل النظر فى الجهات الأربعة ، وأنا أفكر فى هذا الموضوع وأقول محدثا
نفسى : يا ترى أين يقع مصلب حاتم بن عدى؟ وعندئذ رأيت ميلا قصيرا على شكل مئذنة فى
جهة جدة ، فسألت رفيقى الذى كان رئيس الخدم والذى يطلقون عليه هنا «شيخ العمرة» ما
هذه العلامة؟! إذا ما قلت أنها ميل الحرم ، يجب أن تكون فى جهة الوادى بالنسبة
للمسجد ، فأما المكان الذى أقف فيه فهو فى ناحية جدة وفى سفح جبلين.
ألا نكون قد أصبنا
عين الصواب إذا ما قلنا أنه علامة مصلب حاتم؟! ولكن شيخ العمرة قال أنا أزاول هنا
مهنة الشياخة منذ ثلاثين عاما ؛ فلم أر أن فى هذا المكان علامة مثل هذه ، كما أننى
لم أسمع من أحد أجدادى ، وانقضى الأمر
بالتوقف قليلا فى
مسجد عائشة احتماء من المطر ، وبتّ شيخ العمرة فى الموضوع مقررا عدم وجود مصلب
حاتم بن عدى فى وادى التنعيم ، وأن العلامة التى أشرت إليها علامة لإشعار المحرمين
بمكان الإحرام ، ولكننى كنت أعلم أن مصلب حاتم كان فى وادى النتعيم نتيجة الاطلاع
فى كتب سير العلماء ، وإن ما يطلق عليه «معلماته» حيث يبدأ الحجاج والمعتمرين لبس
ملابس الإحرام يجب أن يكون عجائب المسجد وفى وسط الطريق ، كما أن هذه العلامة كانت
فى اتصال المسجد من الجهة الشرقية وقائمة فعلا ، إلا أن العلامة التى قال الشيخ
عنها علامة الشروع فى لبس ملابس الإحرام كانت فى جهة حجرة للمسجد المذكور ، وكانت
تختلف عن العلامتين فى الشكل والهيئة ، وكل هذا مما أثار فى نفسى شكوكا كثيرة ،
وانقطع المطر وذهبت إلى تلك العلامة ، وكانت قد ابتلت من المطر وظهرت ظلال جلية
لكتابة ، لكن قد غيرت ألوان تلك العلامة حتى تخالها ألوان الحرباء ، وحال ظلام
الجو دون قراءة الحروف ، فاستصوبت أن انتظر إلى وقت الزوال ، وقد أصاب سهم اجتهادى
مرماه ، وهدانى الله إلى الطريق الصحيح ، إذ انقشع الظلام وزادت حرارة الشمس ، وجف
صدأ العلامة فقرأت عبارة «هذا مصلب حاتم بن عدى» ، وأريتها لشيخ العمرة الذى شكرنى
بدوره كثيرا وسر سرورا عظيما ، وأخذ المعتمرون والحجاج فى الذهاب إلى مصلب حاتم بن
عدى.
الأثر التاسع والعشرون : مسجد الجن
مسجد يقع فى الجهة
الثابتة من مكة المكرمة وفى مقابل جداره مقبرة المعلا الملحقة ببطن الوادى ، أى فى
مواجهة جبل الحجون ، وهو مسجد شريف تحت الأرض.
فالذين ينتهون من
زيارة مقبرة المعلا يعودون إلى ذلك المسجد لأداء ركعتين لتحية المسجد ، وفى طرفيه
شارعان واسعان.
إن كل واحد من
طرفى أرضه فى الشمال والجنوب ثمانية أقدام ، والجهة الشرقية أحد عشر قدما ، وطرفه
الغربى ستة عشر قدما ، وبما أنه مؤسس تحت مكان اسمه «فرهادية» لا قبة له ولا مئذنة
، وقد عرضت طائفة من الجن تبعيتها للنبى صلى الله عليه وسلم ، فوق أرض هذا المسجد
فى ليلة عودته من الطائف.
ودخلوا فى دائرة
الإسلام المنجية ، وبما أن حراس مكة المكرمة يجتمعون فى هذا المكان ليلا أطلق عليه
مسجد الحرس أو موضع الخط.
وسبب إطلاق مسجد
الخط عليه هو أن النبى صلى الله عليه وسلم ، خط عدة خطوط فى تلك الليلة على الرمل
وهو يشير إلى عبد الله بن مسعود المحمود العاقبة ، ومن أسماء هذا المسجد اللطيفة «مسجد
البيعة» إشارة إلى مكان بيعة طائفة الجن ، وهؤلاء سبعة أنفار من الجنة ، ينتسبون
إلى الطائفة من جن بلدة نصيبين وأسماؤهم : حسأ ، مسأ ، سأصبرا ، ناصبرا ، ابنا
الأرب ، ابنين ، أخصم ، وبعض الرواة يضعون بدل «ابنا الأرب» : «ازريان» ومكان «ابنين»
: «أحقب» ، إن هذا المكان هو الذى بايع فيه الجن النبى صلى الله عليه وسلم ، قبل
البعثة ، وقد أماط محيى الدين بن عربى ، اللثام عن هذه الحقيقة.
حتى إن معاذ بن
عبد الله بن معمر ، وهو ممن أيدوا هذه الحقيقة ، روى أن واحدا قد لف جنيا يسمى
عمرو ـ نال الشهادة فى عهد خلافة الفاروق ـ فى خرقته ودفنه والحكاية تالية الذكر
تعود إلى سيدنا معاذ.
حكاية :
قال معاذ رضى الله
عنه : كنت جالسا مع عثمان بن عفان ، فمر علينا رجل وقال : بينما كنا نمضى من ذاك
المكان هبت على طرقنا عاصفة كأنها زوبعة فى مكان قريب منا ، أذرت ما على الأرض من
قش فى الهواء ، ثم أعقبتها زوبعة أخرى غاية فى شدتها ، والتصقت بالزوبعة التى هبت
أول الأمر وتشاجرتا مدة مديدة وكأنهما حيوانان يقتتلان ثم سكنتا ، وهاتان
الزوبعتان كانت كل منهما قد
هبت من سفح جبل ،
ولأن إحداهما حملت على الأخرى قلنا : لا بد من وجود سر فى هذا ، وما كان فى وسعنا
التقدم خطوة أو التأخر خطوة ، لذا توقفنا هنيهة فى مكاننا.
وبعد أن اختفت
إحدى هاتين الزوبعتين التى تخلع القلوب ببشاعتها والأخرى بالجبل لفترة انفصلت كل
منهما عن الأخرى ، وتوجهت كل منهما إلى جبل ولم يعد لهما من أثر.
وعند انفصالهما
بدت إحداهما ضعيفة خائرة القوة ، لذا تملكنا شديد الفضول فمضينا إلى مكان لقائهما
فرأينا كثرة من الحيات وقد نفقت ، وكانت تنبعث منها رائحة ذكية ، ولكى نعرف أى حية
تنفح هذه الرائحة الذكية شرعنا نقلب الحيات النافقة ، وفى النهاية أدركنا أن رائحة
المسك تلك تنفح من بطن حية صفراء الظهر بيضاء البطن.
ويا لها من حية
عجيبة تنفح مسكا لم أر مثلها فى حياتى ، فلففتها حول عصاى وفى قول آخر حول خرقتى
ودفنتها فى طرف الطريق ، ثم قفلت راجعا إلى رفاقى ، وما أن هممنا بالذهاب حتى
تراءت لنا من الجهة الغربية للمكان الذى كنا نجلس فيه أربع نساء قلن لنا : ليعلم
من دفن عمرو ـ أى الحية المقتولة ـ أنه دفن شخصا صوام النهار قوام الليل ، يرعى
أحكام القرآن ، وهذا الرجل قد آمن برسول الثقلين قبل أن تأتيه الرسالة بأربعمائة
عام ، وبعد البعثة لمبايعته وكان يستمع إلى الوحى ، قلن هذا من كلامهن واختفين عن
الأنظار.
كان هذا ما رواه
معاذ رضى الله عنه.
وروى ابن حبّان
هذه الواقعة كذلك فقال : إن الرجل المذكور قص على سيدنا عمر ما حدث فقال له
الفاروق رضى الله عنه : نعم ، فقد قال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، «أن ثمة
من بايعونى قبل بعثتى بأربعمائة عام» صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء فى
كتاب المرجان فى أحكام الجان الذى ألفه أبو البقاء الحنفى إن رسول الثقلين
صلى الله عليه
وسلم ، دعا طائفة الجن إلى الإسلام ست مرات : فى جبل حراء ، وشعب الحجون ، وأعلى
جبال مكة ، وبقيع الغرقد ، وعلى مشارف طيبة الطيبة ، وإحدى رحلاته الشريفة.
ولوجود عبد الله
مسعود فى المرة الرابعة ، وعبد الله بن الزبير فى الخامسة فى خدمة الرسول صلى الله
عليه وسلم ، فقد شاهد كلاهما جنا ممن أسلموا ، حتى إن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ سمع
أصواتهم وشبههم بقوم «الزط» .
الأثر الثلاثون : مسجد الراية :
يقع هذا المسجد فى
الطرف الشمالى من البلدة الطاهرة مكة المكرمة يقع بجانب بئر جبير بن مطعم بن عدى
المشهورة ، وفى الجهة الجنوبية لمسجد البيعة ، وفى جوانبه الأربعة منازل كثيرة
ودكاكين وافرة وسوق عظيم.
والزوار بعدما
يزورون مسجد الجن ، يزورون مسجد الراية حيث يصلون ركعتى تحية المسجد ثم يعودون ،
ومساحته السطحية طولها أربعة وعشرون ذراعا وعرضها عشرة أذرع.
مسجد الراية
الشريف ، إنه المكان الذى ركز فيه النبى صلى الله عليه وسلم ، رايته فى يوم الفتح
المنير وصلى ركعتين تحية له. وبناء على قول الإمام الأزرقى بأن بانى هذا المسجد هو
عبد الله بن عبد الله بن عباس بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم ،
وقد رممه وعمره المعتصم بالله البغدادى.
الأثر الحادى والثلاثون : مسجد المدعا :
إن أرضه طبقا لما
نقله عبد القادر الجيلانى بالقرب من دار أبى سفيان بن حرب ، وهو مكان طوله عشرون قدما
، وعرضه خمسة أقدام ، وكان بيت الله يرى من هذا المكان ، وبما أنه لا شك فى
استجابة الدعاء الذى يرفع إلى الله من مكان ، أول ما يرى الإنسان فيه بيت الله ،
فالدعاء مقبول فيه ، وهو فى هذا المكان من سنة رسول الله السنية.
__________________
نظم
اسمع منى صفة
المدعا
|
|
فقد استجيب
الدعاء هنا
|
على رأس هذا
الطريق عند الوصول
|
|
توقف الرسول من
أجل الدعاء
|
إن تراب طريقه
أفضل من دواء العين
|
|
لعين الروح منه
الجلاء
|
إن ذلك الرمل
الذى وقع فى هذا العمر
|
|
كل حبة منه درة
ثمينة
|
إن شوكه ورود
ورياحين
|
|
إنه إنسان العين
|
هداه يحيى
الموتى
|
|
وهو راحة للخاطر
المحزون
|
أزرف الدمع من
أهداب عينك
|
|
وافتح فاك وسل
الله حاجتك
|
(فتوح الحرمين)
الأثر الثانى والثلاثون : مسجد البيعة :
يقع مسجد البيعة
فى الجهة الشامية من مكة المكرمة وعلى بعد رمية سهم من العقبة التى تشير إلى حدود
منى ، وفى جهة مكة ويظل على شمال الشخص الذى يذهب إلى منى ، وأمام جبل صراصر
ومقبرة أحمد المهدلى ، وإن مساحته من الجهة الشمالية ثمانية وخمسون قدما والجهة
الجنوبية منه ستة وأربعون والجهة الشرقية مائة والجهة الغربية مائة وثمانية أقدام
ومكشوف السقف.
قد بايع النبى صلى
الله عليه وسلم ، فى موقع هذا المسجد سبعون من أعاظم الأنصار الكرام أو ثلاثة
وسبعون ، كما يذكر أصحاب السير ، وكان مع النبى عمه عباس فى السنة الثانية عشرة من
البعثة النبوية ، وعقب ذلك نادى شيطان اسمه «أزب العقبة»
قائلا يا قوم قريش!!
إن حجاج قبيلتى الأوس والخزرج بايعوا محمدا ، وعزموا على تقديم العون له فى كل
الأمور وشوش أفكار قريش تشويشا ، وإن كانت قريش أرادت أن تمد إلى الأنصار يد
الأذية والتسلط.
إلا أن الأصحاب
الكرام دافعوا عن أنفسهم بإلقاء ، خطب تشتمل على التهديد ، وأظهروا الحسام عند
خصامهم لشرذمة المشركين الحقيرة ، وظهروا بأنهم متفقون ومتعاهدون مع كثير من أقوام
العرب والعجم للدفاع عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وهكذا نجوا من شرارة الثأر
التى أوقدها «أزب العقبة» بعون الله خير الحافظين ، وعادوا إلى ديارهم.
وإن كان أهل مكة
يطلقون على هذا المسجد «مسجد العشرة» ويذهبون إلى أن هذا المسجد مسجد «العشرة
المبشرين» إلا أن هذا الرأى ظاهر الخطأ ؛ لأن المسجد المذكور شهد بيعة نقباء
الأنصار الذين أتوا قبل الهجرة من المدينة المنورة وأسلموا وهم : أسعد بن زرارة (١)
وعوف ومعاذ (٢) ابنا عفراء (٣) ، رافع بن مالك (٤) ، العباس بن عبادة (٥) ، منذر
بن عمر (٦) ، عبادة بن الصامت (٧) ، يزيد بن ثعلبة (٨) ، عقبة بن عامر (٩) قطبة بن
عامر بن حديدة (١٠) أبو الهيثم بن التيهان (١١) عويم بن ساعدة ذكوان بن عبد قيس
الزرقى.
إذا ما نظر إلى
حكم الصورة الثانية من الوجهة الخامسة لمرآة المدينة نجد أن حكم هذه الرواية ضعيف
أيضا.
لأن اليوم الذى
بايع فيه النقباء كان معهم ثلاثة وسبعون من رفقائهم ، وإذا كان المراد من مسجد
العشرة نقباء الأنصار العشرة الذين وجدوا فى يوم البيعة ، فإن المكان لم يحظ
بهؤلاء النقباء فقط وفى الواقع إن كلمة العشرة ، تورد على خاطرنا أن أرض هذا
المسجد هى مكان بيعة العشرة أشخاص الذين بايعوا النبى ، وإذا حكمنا بصحة هذه
الخواطر ، فيقتضى الأمر أن يكون هؤلاء من أصحاب البيعة الثانية التى وقعت بعد الولادة النبوية باثنين وخمسين سنة ، لأن
البيعة المذكورة قد تمت فى موقع مسجد العشرة ، وكان عدد المبايعين عشرة أشخاص
__________________
مدنيين ، ولكننا
إذا نظرنا إلى العبارة التى كتبت على حجر ذلك المسجد والتى تقول : إن المنصور
العباسى أمر ببناء هذا المسجد مسجد البيعة الذى شهد أول بيعة بايع بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، نرى أنها تؤيد صحة القول الأول والله أعلم بالصواب.
قد بنى هذا المسجد
أبو جعفر المنصور البغدادى فى سنة ١٤١ ه مكشوف السقف ، وعنى المعتصم بالله
بترميمه وتعميره ، وجدده فى سنة ٩٦٣ ه دفتر دار مصر إبراهيم بك بضم بعض القباب فى
ناحية القبلة من حرارة الشمس ، ومازال إلى الآن مكشوفا إلا أماكن القباب وقد حددت
جهاته الأربعة بحائط متين ولا مئذنة له.
الأثر الثالث والثلاثون : مسجد النحر
هو هذا المعبد
الذى يسمى بمسجد المنحر فى وسط الجهة الشرقية من صحراء منى ، وبين الجمرة الأولى
والجمرة الثانية وفى اتصال دار المنحر ، وطول أرضه ثلاثة وستون قدما ، وعرضها تسعة
وأربعون قدما ، وبما أنه بين الحجرة الأولى والحجرة الثانية يظل فى الجهة اليمنى
للمتوجه إلى عرفات.
وإن كان بانيه
مجهولا فقد عمره فى سنة ٦٤٥ ه صاحب اليمن الملك منصور ، وأقام بالناحية القبلية
صفا من القباب وترك الباقى مكشوفا ، وإذا نظرنا إلى ماحك على الحجر الذى فى داخله
نعرف أن رئيس قافلة الأنبياء (عليه وعليهم التحايا) قد ضحى فى مكان هذا المسجد فى
حجة الوداع بعد أداء صلاة الضحى ونحر بنفسه (٦٣) جملا وضحى بالواسطة (٣٧) جملا.
الأثر الرابع والثلاثون : مسجد الخيف :
مسجد الخيف بين
جبل ثبير والجبال التى تقابله وتواجهه. أى أنه معبد كبير وموجود فى الجهة الشمالية
من ميدان منى وفى وسطه كل من جهتيه الشمالية والغربية أربعمائة وخمسون قدما ، وكل
من جهتيه الشرقية والجنوبية ثلاثمائة وتسعون قدما ، وقد غطيت جهته الجنوبية بقباب
عالية وجهاته الباقية مكشوفة.
وفى وسط ساحته
تماما قبة كبيرة على شكل الخيمة ، ويروون أن تحت القبة
__________________
التى على شكل
الخيمة كان المكان الذى نزل فيه الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنه مدفن أنبياء ،
ولأجل ذلك يطلق على تلك القبة «قبة الأنبياء» وقد رفعت تلك القبة على أعمدة مكشوفة
وداخلها يزار ، وللمسجد مئذنة تقع على شمال الداخل فى المسجد من بابه الكبير
ويزعمون أن آدم ـ عليه السلام ـ مدفون تحت أساس هذه المئذنة.
خبر :
كان قد صلى على
جنازة آدم ـ عليه السلام ـ ابنه «شعيب» عليه السلام ، وأنه قد دفن فى جبل أبى قبيس
أولا ، إلا أن نوح ـ عليه السلام ـ أخذه فى سفينته أثناء الطوفان ، وبعد الطوفان
دفنه فى المكان الذى فيه مسجد الخيف ، ويدعى المؤرخون أن قاعدة تلك المئذنة فوق
سرة آدم عليه السلام.
وكان للمسجد أولا
عشرون بابا ، والآن قد سد ثمانية عشر من أبوابه وبقية نواحى المسجد مجهولة إلا أنه
أصلح وعمر مرة من قبل كل من : أبى جعفر المنصور البغدادى فى سنة ١٥٩ ه ،
والمستنجد بالله ابن المقتفى بالله العباسى فى سنة (٥٥٩ ه) ، وأخيرا من وزير
الملك العادل نور الدين زنكى الذى أحاط المدينة المنورة بسور ، وأنقذ سكانها من
هجمات الأشقياء وهو جمال الدين محمد أبى منصور الأصفهانى ، وجدده السلطان قايتباى
المصرى أيضا فى سنة (٨٨١ ه) فصار رصينا متينا ، وبنى تلك القبة الجميلة التى على
شكل الخيمة ، وأشار إلى أن الأرض التى تحت القبة كانت مصلى للنبى صلى الله عليه
وسلم ، كما أن المرحوم قايتباى هدم الجدران القديمة التى على أطراف المسجد الأربعة
، وبناها من جديد ، وصنع أربعة أبواب متينة ومحرابا ، كما بنى قبة ذات ثلاثة طوابق
للمئذنة ، كما بنى بجوارها دارا لإقامة أمير الحجاج ، وجعل على بابه سبيلا وصنع فى
داخل المسجد صهريجا يملأ بماء المطر ويمد السبيل بالماء ثم صنع له بابا كبيرا يفتح
إلى جبل عرفات وبابا صغيرا يفتح إلى ناحية غار المرسلات ، وقد طرأ تغيير على
الترميمات التى حدثت من قبل وقد تغيرت أطرافه جميعا فى التعميرات التى حدثت فيما
بعد ، ولم يبق فى زماننا هذا إلا باباه وقبابه والقبة التى على شكل الخيمة.
مسجد الخيف معبد
فى غاية اللطف ومكان مبارك مقدس إذ قال النبى صلى الله عليه وسلم ، حسب ما سطر فى
معجم البلدان : «حج إلى بيت الله سبعون نبيا وكلهم طافوا بالكعبة ثم صلوا فى مسجد
الخيف ، إذا استطعتم أن تصلوا فيه كلما أتيحت لكم الفرصة فلا تفوتوا ذلك» كما
اشتهر بين العلماء ما قاله أبو هريرة «ولو كنت من أهل مكة لكنت ذهبت إلى منى كل
ليلة سبت لأداء الصلاة فى مسجد الخيف».
يقول مؤلف بهجة
التقوى : «أربعمائة نبى دفنوا فى مسجد الخيف» كما يروى الإمام الأزرقى أن وسط هذا
المسجد مئذنة ذات إحدى وأربعين درجة وأن لها ثمانى شرفات ، كانت ساحة مسجد الخيف
من الأماكن المقدسة فى جاهلية العرب أيضا ؛ لذا كانوا يجتمعون فيها وفى مكان قريب
منها كانوا يقسمون للقيام بعضهم ضد بعض ، ومن هذا القبيل قد اجتمع فى هذا المكان «بنو
كنانة» وقبائل قريش وتحركوا ضد أبناء بنى هاشم وعبد المطلب وتعهدوا باليمين ألا
يتعاملوا معهم ببيع وشراء وألا يتزاوجوا منهم ، وهكذا أقسموا على الكفر.
الأثر الخامس والثلاثون : مسجد الكبش
يقع مسجد الكبش
على يسار الذاهب من منى إلى عرفات وفى سفوح جبل ثبير وهو مكشوف السقف وجهتاه
الشمالية والجنوبية فى طول ثمانية عشر قدما ، وجهتاه الغربية والشرقية اثنين
وعشرين واثنا عشر قدما ، لما كان الموقع المذكور هو المكان الذى ألقى فيه إسماعيل
على وجهه للذبح ، لذا يعرف بين الأهالى بمذبح إسماعيل ومسجد إسماعيل ، والحجر
الأسود الذى ضربه إبراهيم ـ عليه السلام ـ بسكينة وفلقه قطعتين ظاهر أمام المسجد ،
ويتصل هذا المصلى من جهته الشمالية بغار يسمى غار الفتح ، وخلف مصلى هذا الغار
صخرة كبيرة مجوفة تسمى «صخرة عائشة» والجهات الشمالية والشرقية لداخل هذه الصخرة
واحد وعشرون
قدما ، وجهاته
الغربية والجنوبية عشرون قدما ، ويروى أن النبى صلى الله عليه وسلم ، كان يتعبد فى
داخل الغار المذكور كما أن زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ، كانت تعتكف فى داخل
الصخرة المذكورة.
قبة الكبش :
هى فى الجهة
المكية للمغارة التى سبق ذكرها وفى سفوح جبل ثبير التى تمتد نحو جمرة العقبة ،
وهذه القبة على أربعة أعمدة ومكشوفة الجوانب وبما أن هذه القبة اشتهرت بأنها مكان
نزول كبش إسماعيل فتعرف بين الأهالى بقبة الكبش ، ومساحة المسطح الداخلى لقبة
الكبش أربعة عشر قدما عرضا ، وطولا خمسة عشر قدما ، وأنزل كبش إسماعيل بعد الطوفان
ب ١١٩٢ سنة كما بينه المؤرخون.
الأثر السادس والثلاثون : مسجد المرسلات :
يقع مسجد المرسلات
فى الجهة الجنوبية من مسجد الخيف أى فى الجهة اليمانية لمنى وفى سفح جبل ، وهو
مصلى من غير أبنية ، إنه الساحة التى نزلت فيها سورة المرسلات الجليلة ، جهتاه
الشمالية والجنوبية كل واحدة منهما ستة وعشرون قدما ، والجهة الشرقية ستة عشر قدما
، والجهة الغربية اثنا عشر قدما.
هذا المسجد مغارة
عادية وفى سقفها حجر ، وفى صدر هذا الحجر أثر رأس النبى ، وما زال ظاهرا إلى الآن
، إن الأرض المذكورة جوف صخرة هائلة فى سفح الجبل الذى يقابل جبل ثبير.
حينما شرف الرسول
الكريم ، شمس السماوات ، هذا الغار يوما لمست رأسه الشريفة ذلك الحجر فما كان من
الحجر إلا أن لان مثل العجين حتى لا يؤذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنذ ذلك
ظل أثر رأسه الشريفة فيه ، ويتبرك الزوار بمس ذلك الأثر برءوسهم حتى ينجوها من نار
جهنم ، وكل شىء مأمول من الله سبحانه تعالى.
يروى المحب الطبرى
عن خادم الرسول صلى الله عليه وسلم «عبد الله بن مسعود» أن الرسول صلى الله عليه
وسلم ، حينما كان يشرف «منى» ، كان يقيم فى هذا الغار ، وفى يوم من الأيام
أنزلت على الرسول
صلى الله عليه وسلم ، سورة المرسلات ، وأخذ ابن مسعود يتلقى تلك السورة من فم
الرسول مباشرة ، وفجأة ظهرت أفعى عظيمة الجسم وهجمت على الذين كانوا معه ، وبذل
الجهد لقتل هذه الأفعى إلا أنها نجت بالهروب ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ،
عندئذ «إن الله قد كف شرها عنكم كما كف شركم عنها».
يقول الإمام
الفاسى ، بينما كان مجد الدين فيروزآبادى جالسا مع جماعته فى الغار وكانوا يتلون
سورة المرسلات ظهرت حية ، وهجمت عليهم ولكنها لم تتحمل مقاومة الناس فهربت ، وفى
رواية أخرى أن تلك الأفعى كانت من طائفة الجن فلم يسمح النبى صلى الله عليه وسلم
بقتلها ، فعاشت تلك الحية حتى زمن الشيخ مجد الدين فيروزآبادى.
الأثر السابع والثلاثون : مسجد إبراهيم :
يعرف مسجد إبراهيم
باسم «مسجد نمرة» إن هذا المسجد يقع فى الساحة الواسعة لعرفات وهو المكان المبارك
الذى يصلى فيه الحجاج صلاتى الظهر والعصر جمعا ، وعلى يمين جبل الرحمة.
عمره السلطان
قايتباى المصرى سنة ٨٧٣ ه ، وبنى مظلتين ليستظل تحتهما الحجاج ، كما أنه أمر
بإقامة العلامتين اللتين يطلق عليهما «العلمان» بالقرب من ذلك المسجد لتحديد حدود
عرفات ، والجزء الأمامى الذى يسع لستة صفوف من المصلين مغطى ، والباقى مكشوف ، وفى
الجهة الشرقية ستة أبواب كبيرة وعلى جهاته الأربعة جدار يعلو أربعة أمتار وفوق
محرابه قبة.
ومحيط جهاته
الأربعة مائتان وثمانون قدما. وله صهريج محكم الصنع يسقى الحجاج ويملأ من مجرى عين
زبيدة.
نصيحة
لما كان ذلك
المشهد بعيدا عن محل الوقوف مسافة نصف ساعة ولما كان من الأولى أن يمضى إلى المسجد
فى وقت الزوال حينما تشتد حرارة الشمس فيوصى الذين يذهبون هناك أن يحافظوا على
أجسامهم ؛ لأن الحرارة فى عرفات تصل إلى (٣٩) درجة تحت الخيمة ؛ لذا يصاب الحجاج
بضربة شمس قد تؤدى إلى شرور كثيرة.
حتى يروى أن أحد
الحجاج حينما كان يغسل غياره عاريا انتفخ جلد ظهره كأنه صب عليه ماء مغلى.
الأثر الثامن والثلاثون : مسجد المشعر :
يقال لمسجد المشعر
مسجد آدم أيضا وهو فى مكان مقابل جبل قزحة فى ساحة المزدلفة والتى تبعد عن مسجد
إبراهيم بثلاثة أميال ، أى فى الجهة اليمانية للموقع الذى يطلق عليه المزدلفة ،
وعرض أرضه المباركة عشرة أقدام ، وطوله مائة قدم ، وله محراب ومئذنة وسبعة أبواب ،
وهو مستطيل الشكل ويصعد إليه من جهاته الثلاثة بسلالم وعند البعض أن جبل القزحة
كله يعد من المزدلفة.
المزدلفة :
مأخوذة من
الإزدلاف بمعنى الاجتماع ، وسبب تسميته بذلك أن الحجاج يجتمعون مع بعضهم فى هذا
المكان ، أو أن آدم ـ عليه السلام ـ قد اجتمع بحواء ـ رضى الله عنها ـ فى هذا
المكان ، أو أن الحجاج يصلون إليه فى زلفة من الليل ، فى قمة جبل قزح مكان لإيقاد
النار وكان العرب قديما يوقدون فيه النار ظانين أنه موقد (آدم) عليه السلام.
المأزمين :
مأزم على وزن منزل
وتثنية هذه الكلمة مأزمين ، يطلق المأزم على كل شىء يضيق ويتداخل ، وبما أن ما بين
عرفات والمزدلفة مكان ضيق لذلك سمى بهذا الاسم.
ويطلق على هذا
الموقع اللطيف «المأزمان» بتثنية الكلمة ، ويقال كذلك للموقع الذى بين منى ومكة ، «المأزمان»
لأن طرفيه جبال والحجاج الذين يعودون من عرفات يؤدون صلاة المغرب والعشاء فى
المزدلفة جمعا.
المشاعر :
يطلق المشاعر على
المكان الذى يوجد فى داخل العلامات والأعلام التى وضعت لتحديد حدود عرفات ، وكان
العرب جميعا يقضون وقفة عرفات فى المشاعر بينما قريش كانت تقف فى داخل الحرم
الشريف ، وقد رفض النبى صلى الله عليه وسلم ، أصول أهل الجاهلية وفعلهم ، فأمر بأن
يقف جميع الناس فى داخل المشاعر.
نصيحة :
بما أن هذا المكان
بارد ليلا نوعا ما فيجب أن يحافظ الحاج على نفسه حتى لا يصاب بمرض.
* * *
الأثر التاسع والثلاثون : مسجد الصخرة
مسجد الصخرة فى
عرفات وهو متصل بجبل الرحمة وفى داخل الصخور والمسجد المذكور مصلى فى طول ثلاثين
قدما وعرضه ثمانية أقدام ، ويروى أنه المكان الذى وقف فيه الرسول صلى الله عليه
وسلم.
الأثر الأربعون : مسجد جبل عرفات :
هو المكان الذى
يلقى فيه شيخ مكة المكرمة خطبة عرفات.
لازمة :
يوم الوقفة هو
اليوم التاسع من ذى الحجة من كل سنة ، ولما كانت الأيام العشرة الأولى من أفضل
الأيام ؛ لذا كانت الطاعات والعبادات فيها أفضل من الطاعات والعبادات فى الأيام
الأخرى.
وبناء على القول
الصحيح المنقول عن الإمام النيسابورى أن الأيام العشر من ذى الحجة أفضل الأيام
وأحبها إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ بعد أيام رمضان ، وقد نجا موسى ـ عليه السلام ـ
من فرعون فى هذه الأيام ، وقيل فى هذه الأيام توبة أبى البشر آدم ـ عليه السلام ـ وفداء
إسماعيل ـ عليه السلام ـ وهود ونوح ـ عليهما السلام ـ وقد صادف الأيام العشر
الأولى لذى الحجة رسالة نبينا ، وبيعة الرضوان وفتح خيبر ووقفة الحديبية ، ونزول
الآية الجليلة (لِيَغْفِرَ لَكَ
اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (الفتح : ٢)
واكتساء جميع الحجاج ملابس الإحرام ، إن كل هذا لدليل قاطع على أفضلية هذه الأيام
، إن صيام يوم واحد فى هذه الأيام العشر الأولى يساوى صيام ألف يوم من الأيام
الأخر ، والذى يحيى ليلة واحدة من لياليها تساوى طاعات وعبادات الحجاج والمعتمرين
لسنين طويلة ، وإن
كان صوم هذه
الأيام مستحبا وغاية فى القبول لدى الله ، فيجب ألا يصوم الحجاج فى اليوم التاسع
منها ؛ لأن الصوم سيورث الفتور والضعف للحجاج الكرام ، ويحول دون أداء شعائرهم كما
يجب.
إن خير الأدعية
المأثورة فى هذا اليوم «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو
على كل شىء قدير» وكان نبينا صلى الله عليه وسلم ، والأنبياء جميعا يواظبون على
هذا الدعاء فى يوم عرفه. انتهى.
مساحة مسجد عرفات
ثلاثون قدما فى الطول ، وثمانية وعشرون قدما فى العرض ، ويبدأ من حدود عرفات ويبعد
عن الموقف الشريف ميلا واحدا. إن المكان الذى يطلق عليه موقف الإمام أعلى من سطح
الأرض ، ولم يكن له طريق يصعد إليه وينزل منه بسهولة ؛ لذا جعل جمال الدين
الأصفهانى له سلما ذا خمس درجات أو عشر ؛ وأنقذ الناس من مشقة الصعود إلى الجبل ثم
حفر عدة أحواض ، وأنقذ الناس من مشقة العطش.
وبما أنه لم يكن
فى الأول سلما ولا حوض ماء كان النساء يعانون من العطش ومن الصعود والنزول إلى
مسجد الجبل عند الزيارة.
عرفات :
وعرفة اسم المكان
الذى يقف فيه الحجاج يوم عرفة ، أو هو اسم الجبل الذى بنى عليه مسجد عرفات ويبعد
عن مكة المكرمة اثنى عشر ميلا.
فى قمة هذا الجبل
وفى الجهة الشمالية من مسجد عرفات وهو بناء قديم ، ويعرف هذا المكان على أنه مطبخ
سيدنا آدم ، ويفهم من هذا أن آدم ـ عليه السلام ـ تلاقى مع زوجته حواء ـ رضى الله
عنها ـ فى هذا المكان ، وعندما أتم بناء بيت الله وكان حينئذ قد أتم مائة سنة منذ
أن هبط على وجه الأرض.
إن حجم جبل عرفات
أصغر من جميع جبال الحرمين ، ولكن قدره ومنزلته أعلى من جميع الجبال فى العالم ،
كما يفهم من مضمون هذه القصيدة.
إن هذا الجبل الذى
يسمى «عرفات»
|
|
أكثر انخفاضا من
جميع الجبال
|
وإن كان فى
صورته من الجبال أصغر
|
|
إلا أنه فى
المعنى أكبرها جميعا
|
امتلأ برحمات
الله حجرها
|
|
يجتمع الإنس
والجن حولها
|
إنها قمة كقمة
الجبل سمت
|
|
أقامت خيمة نور
القمر أشعت
|
حولها من الجمال
أفواج وأفواج
|
|
وكأنما هى فى
البحر أمواج
|
أكثر اتساعا من
صدور من يحجون
|
|
وكل من فيها
كلهم بعملهم مغولون
|
ولكن خارج الأرض
الحرام
|
|
لتلك القوافل
مقام كسوة مصر بالتمام
|
وفى الوسط محمل
مسكى آخر
|
|
على رأسه ظله
تظهر
|
لا تحسبن أنك
تشاهد فيه الرمال
|
|
إنما فيه
الجواهر والماء الزلال
|
لقد انبجس من
سفح الجبل ينبوعها
|
|
إن من ماء الصفا
ماؤها
|
مبرة آدم فى
شمال الجبل
|
|
وفيه لسكنى
الفقير محل
|
«فتوح الحرمين»
تصدى الإمام
الكرمانى شارح البخارى لتعريف كلمة عرفات وقال : إن عرفات أماكن متعددة وهو اسم
المكان الذى يقف فيه الحجاج ، وعرفه اسم اليوم الذى يسبق عيد الأضحى ، ولهذا أراد
أن يخصص هذا الاسم لمكان واحد ، لهذا الجبل إلا أنه قد جانب الصواب ، لأن هناك من
نقل روايات كثيرة فى وجه تسمية عرفات منها أن آدم ـ عليه السلام ـ وحواء نزل كل
واحد منهما فى مكان بعيد عن الآخر ، وبعد مدة تلاقيا فى هذا المكان ، ولذا سمى
المكان بعرفات ، وقول
آخر أن جبريل ـ عليه
السلام ـ علم فى هذا المكان آدم ـ عليه السلام ـ مناسك الحج ، ووضح له أن عرفات
آخر مشاعر الحج ، فأراد أن يتأكد من فهمه فسأله قائلا : «أعرفت؟ أعرفت؟» ، فأخذ
الجواب «عرفت ، عرفت» وهذا هو سبب تسميته بعرفات. وقول أخر بما أن عرفات من
الأراضى المقدسة وكأنه قد عرف أى طيّب برائحة طيبة فأطلق عليها هذا الاسم ، وهناك
أقوال أخرى كثيرة فى هذا الموضوع.
وبما أن ذكر غير
هذه الأقوال وتفصيلها سيدعو إلى الملل ، آثرنا أن نكتفى بما ذكرناه.
نصيحة
فى عرفات غير عين «زبيدة
الجارية» عدة أحواض ولكن هناك طائفة تسمى «تكرورى» وغيرها من الجهلة يغسلون فى هذه
الأحواض ملابسهم وقلة منهم أيضا يستحمون فيها مما يكدر مياه الأحواض حتى لا يستطيع
الإنسان أن يمنع نفسه من الاشمئزاز عند رؤيتها. لذا فعلى الحجاج الكرام أن يمتنعوا
قدر الإمكان من الشرب من مثل هذه المياه.
رواية :
إن جبل عرفات جبل
مقدس مبارك إلى أبعد درجة ، ومهما رويت عنه من روايات تصدق مع شدة غرابتها ومع ذلك
فالحجاج يروون عنه بعض الروايات التى لا تستقيم مع ذوى الألباب.
ومن قبيل هذا ما
ذكروا من أنه فى عام ١٣٠٠ وفى يوم عرفة أن حادثا غريبا قد وقع ، وهو أن صاعقة سقطت
على سطح جبل الرحمة فأحرقت بضعة أشخاص وشوتهم ، وعند التدقيق والمعاينة قد تبين أن
المحروقين كانوا من المجوس ، وأضاف حجاج إستانبول أن حكمة سقوط الصاعقة كانت
للقضاء على هؤلاء الأشخاص ، وبما أننى لم أصدق هذا الحادث بأى شكل من الأشكال ،
فبعثت إلى أحد الأشخاص الذين أثق فيهم فى مكة المكرمة أستوضحه الأمر فجاء الرد
كالتالى :
الجواب
استلمت رسالتكم
التى تستوضح عن الصاعقة التى سقطت عند سفح جبل عرفات فى يوم الوقفة ، وعدد من
أهلكتهم وهذه هى حقيقة الأمر :
لم يكن الحجاج قد
وقفوا فى عرفات بعد فقامت السماء ودون أن يكون هناك برق ولا رعد ثم جاءت صاعقة من
ناحية البحر إلى القرب من جبل الرحمة
والأحواض ، حيث
سقطت برعد ودوى شديد وقتلت مسلما هنديا وجملين ، هذه هى حقيقة الحادث أما ما قيل
عن المجوس أو النصرانى فمختلق ، وفى الواقع أننى لم أكن هناك حينما وقع الحادث ،
ولكننى بمجرد أن استلمت رسالتك اهتممت بالأمر ، وتحريت عنه فسألت عن الموضوع من
السيد الوالى والآخرين ممن أثق فيهم. وكان الباشا الوالى يتناول طعامه حينما سقطت
الصاعقة بجانب خيمته ففزع فزعا شديدا».
وقد تحقق لى أن
القصة لا أصل لها من هذه الرسالة التى وصلتنى من مكة.
الأثر الحادى والأربعون : مسجد جعرانة :
يقع مسجد جعرانة
بين مكة المكرمة وبلد الطائف ؛ إلا أنه أقرب إلى مكة من الطائف وعلى بعد ثمانية
عشر ميلا وعلى جانب وادى «جعرانة». وبما أنه لقب ريطة بنت سعد بن زيد بن عبد مناف
والتى أشير إليها بالآية الكريمة (وَلا تَكُونُوا
كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها) (النحل : ٩٢)
وأنها قد اختارت الاستيطان فى هذا المكان ، فالمكان مشهور بلقبها.
وكان يقال لها
الخرقاء كما تصرح بذلك الآية الكريمة لأنها كانت تأمر جواريها من الصبح إلى الظهر
بغزل خيوط الصوف والوبر ، وتنقضها بعد الظهر. وهكذا تقضى أيامها فى الغزل والنقض ؛
لذا اتخذت مثلا للحماقة بين العرب. وزع بطل قوافل الأنبياء (عليه أعظم التحايا)
غنائم غزوة حنين فى العام الثامن الهجرى فى هذا المكان ، وفى يوم الأربعاء الثانى
عشر من ذى القعدة من نفس السنة لبس ملابس الإحرام ، ومضى نحو مكة المكرمة حيث أدى
مناسك العمرة. إنه مكان مبارك سعيد.
وقد ثبت بأقوال
النبى صلى الله عليه وسلم ، أن سبعين نبيا قد أحرموا من هذا المكان للعمرة ، وفى
جعرانة بئر مأثورة مباركة ذات مياه خفيفة عند الشرب وقد حفر النبى صلى الله عليه
وسلم ، هذا النهر بيديه الكريمتين والصحابة الكرام ، وأحاطوها بالحجارة لأنه حينما
حفر فى هذا المكان انبجس الماء ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد حفر فى هذا
المكان قدر شبر فانفجر الماء فروى عطشه ، وأحاط الأصحاب البئر بالحجارة وقد زاد
عمقها يوما بعد يوم حتى أصبحت من الآبار المباركة ، ومازال الناس يتبركون بها إلى
يومنا هذا وليس بالجانب اليمانى من الطائف بئر ماؤها أعزب وأخف من هذه البئر.
الأثر الثانى والأربعون : مسجد الفتح :
يقع فى وادى المر
بالقرب من الحجون. وقد عمر هذا المسجد الشريف صاحب مكة الشريف أبو نمى ، وبعده
السيد حناش بن راجح وقد صلى النبى صلى الله عليه وسلم ، فى هذا المكان المبارك.
الأثر الثالث والأربعون : مسجد المتكأ :
قد خربت أبنية
مسجد المتكأ ولم يتبق أحد يعرف مكانه ، ولكن المحب الطبرى يدعى أنه فى أطراف جهة
تسمى «الجياد» يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى هذا المحل ثم اتكأ إلى
مكان ما واستراح.
الأثر الرابع والأربعون مسجد الجنيد :
يقع مسجد الجنيد
فوق الجبل الأحمر الملاصق لمنازل مكة خلف جبل قعيقعان ، وبناء على قول سعد الدين
الإسفرايينى أن هذا المكان كان مصلى جنيد البغدادى وإبراهيم بن الأدهم (قدس الله
أسرارهما) لذا يستجاب الدعاء الذى يرفع إلى الله فى هذا المكان ، هذا المكان ليس
مسجدا بمعنى الكلمة ولكنه حفيرة على الأرض ، وكان مكان التجلى للجنيد وقد سبق ذكره
فى موضوع جبل أبى قبيس.
الأثر الخامس والأربعون : مسجد الإجابة :
يقع هذا المكان
بالقرب من مكان يسمى (ثنية الأذاخر) الواقع على يسار الذاهب إلى منى أى فى مكان
يقال له «معابدة» فى الناحية الشامية لمكة المكرمة ، وعلى يسار من يستقبلون «ثنية
الأذاخر» وإن كان لم يبق أثر لخرائبه ؛ إلا أن فوق أرضه حجر قد حك عليه عبارة (إنه
مسجد الإجابة) ، ويحتمل أن يكون المحل
الذى يوجد فيه ذلك
الحجر مكان مسجد الإجابة.
وقد بنى فوق أرضه
فى سنة (٧٢٠ ه) مسجد لطيف مازال قائما. وأخذ العربان يبنون حول هذا المكان
المنازل والبيوت حتى تحول إلى حى مما يؤيد رأى الأهالى فى كون هذا المكان ساحة
مسجد الإجابة.
يروى :
أن النبى صلى الله
عليه وسلم قد صلى صلاة العصر على أرض خالية لمسجد كائن فى مكان يطلق عليه كندرة فى
زقاقه القطب.
وقد بنيت فوق هذه
الأرض محال ومنازل ولما لم يسترح سكانها حين إقامتهم فيها وترك المكان خاليا ، ثم
حولت إلى مسجد. وفى (محاطة) و (قرن مقلة) أرض مسجدين ، ويروى أن هذه الأماكن كانت
بيعته لأهل مكة يوم الفتح كما يروون أن المسجد الذى فى داخل مستشفى الغرباء من
المساجد المأثورة.
الزوايا الشريفة
إفادة خاصة :
فى مكة المعظمة
زوايا شريفة وإنها مجمع أولياء الله الصالحين والروحانيين ، لذلك بينا أسماءها
وأماكنها حتى نسهل لمحبى زيارتها طريق زيارتها فى الجدول الآتى :
الزوايا
|
الأسماء
|
الجهات
|
١ ـ
|
على القارى
|
بابها متصل
بمقبرة المعلا والحجون.
|
٢ ـ
|
الشيخ عبد
الوهاب الكبير
|
فى مكان يطلق
عليه حجون.
|
٣ ـ
|
الشيخ عبد
الوهاب الصغير
|
فى شعبة النور
من مقبرة المعلا.
|
٤ ـ
|
ابن عليوان
|
فى المقبرة
السلمانية فى المعلا.
|
٥ ـ
|
العباسيين
|
فى الجهة
الغربية لمكان يسمى تقا.
|
٦ ـ
|
العبادى
|
فى المحل المسمى
فلق.
|
٧ ـ
|
الرفاعى
|
فى الجهة
الغربية لسوق المعلى.
|
الزوايا
|
الأسماء
|
الجهات
|
٨ ـ
|
الامام النسفى
|
فى الجهة
الغربية لسوق المعلى.
|
٩ ـ
|
على البدرى
|
فى الجهة
الغربية لشعب عامر.
|
١٠ ـ
|
عبد القادر
الكيلانى
|
فى الجهة
الغربية للمدعى.
|
١١ ـ
|
الإمام الطبرى
|
فى موضع سوق
الطبرى فى مدعى.
|
١٢ ـ
|
الشيخ السمان
|
فى الجهة
الغربية لباب الزيادة.
|
١٣ ـ
|
العادلى
|
فى حى الشامية.
|
١٤ ـ
|
أحمد البدرى
|
فى جودرية.
|
١٥ ـ
|
صاحب الجوهرة
السلطانى
|
فى اتصال معسكر «غيرتيه»
|
١٦ ـ
|
تاج الدين
|
فى الجهة
الغربية من جب الهندية.
|
١٧ ـ
|
الشيخ المسافر
|
فى حى الشبيكة.
|
١٨ ـ
|
عيد روسى
|
فى حى الشبيكة.
|
١٩ ـ
|
المحجوب
|
فى حى الشبيكة.
|
٢٠ ـ
|
خالد بن الوليد
|
فى الجهة
الغربية لحارة الباب.
|
٢١ ـ
|
الشاه محمود
|
فى الجهة الغربية
لجرول.
|
٢٢ ـ
|
شهداء الفتح
|
فى مقبرة
الشهداء.
|
٢٣ ـ
|
سيدنا عمر
الفاروق
|
فى الجهة
اليمانية لجبل عمر.
|
٢٤ ـ
|
سيد الحداد
|
فى الجهة
اليمانية من جياد.
|
٢٥ ـ
|
محمد بن عيسى
|
كائن فى الصفا.
|
٢٦ ـ
|
الشيخ الجزولى
|
مؤلف دلائل
الخيرات فى القشاشية.
|
٢٧ ـ
|
بهاء الدين
|
واقع فى سوق
الليل.
|
٢٨ ـ
|
الشيخ هارون
|
فى لصق دائرة
الإمارة فى سوق الليل.
|
٢٩ ـ
|
الشيخ الشاذلى
|
فى وادى شطا فى
حى القلعة.
|
* * *
يقول المؤرخ
الأزرقى فى تاريخه أن عدد جبال مكة المكرمة يبلغ اثنى عشر ألفا وكتب مؤلف «البحر
العميق» أن قمم الجبال التى ذكرها الأزرقى تميل ناحية مكة المكرمة وكعبة الله
كأنها تسجد ، وهذه الحقيقة تتضح لمن يلقى نظرة على الكعبة من فوق قمة ثبير ، ويذكر
أنه قد تحقق من ذلك بنفسه.
يقول ابن النقاش
من المفسرين الكرام أن صدور هذه الجبال تكنز الذهب والفضة وكثيرا من المجوهرات
الأخرى وستنكشف لمن وعد من الله ـ سبحانه وتعالى ـ وكتب أغلب المؤرخين مقالات
طويلة فى أوصاف هذه الجبال ومدحها والثناء عليها ولشدة الأسف قد نسيت أسماء هذه
الجبال مع مرور الزمن ، وغفل الناس عن فضائلها لذا فنحن اكتفينا بذكر أشهرها.
الأثر السادس والأربعون : جبل أبى قبيس :
جبل أبى قبيس أحد
الأخشبين وقد سمى بهذا الاسم نسبة لأحد الحدادين من قبيلة «مذحج» الذى صعد فوق هذا
الجبل ونصب خيمة وأقام فيها. وهذا الجبل يقع فى الجهة الجنوبية التى تميل إلى
الشرق من البيت الحرام ، أى فوق جبل الصفا المقدس الذى يقع فى الجهة الشرقية من
مكة المكرمة ، ويروى أنه أقدم الجبال خلقا.
نظم
لعدم ثبات الأرض
جعل ذو الجلال
|
|
جعل فى كل ناحية
الجبال
|
أول جبل على وجه
الأرض استقر
|
|
كأنه الفص فى
الخاتم قر
|
وقد زين أكثر من
نصف هذ الجبل بالمنازل ، واستقر فوق ذروته مسجد يسمو
نحو السماء ، وبما
أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد حفظ الحجر الأسود على قمة هذا الجبل قد عرف قديما
بجبل الأمن ، ويروى المؤرخون فى سبب التسمية ثلاثة أقوال :
الأول
: ما ذكر من أن
الحداد قد أقام فوق قمته.
السبب
الثانى : أن الجبل المذكور
أخبر إبراهيم ـ عليه السلام ـ بوجود الحجر الأسود فيه.
والسبب
الثالث : أن قبيس قد فرق
بين عمرو بن مضاض وعشيقته «منية» وقطعت «منية» صلتها بعمرو الذى كان يحبها حبا
جنونيا فنذر أن يقتل قبيسا ، ويقضى عليه وكان قبيس قد اطلع على نذر عمرو بقتله ،
فهرب من خوفه إلى جبل أبى قبيس ، ولم يعد مرة أخرى فسمى الجبل بجبل أبى قبيس.
والقول المصدق لدى
الجمهور هو القول الأول أما القولان الآخران فلا يعتد بهما لدى أهل مكة ، وخلق هذا
الجبل قبل الجبال الأخرى ، ووقعت معجزة شق القمر فوق هذا الجبل. وبناء على أشهر
الأقوال ، أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد دعا الناس للحج من فوق قمة هذا الجبل.
ومن الأقوال الموثوقة أن الكعبة الشريفة ستزين مثل العروس فوق هذا الجبل مسجد بدون
مئذنة من قبل «إبراهيم القيس» وكل واحد من طولى أرضه ثلاثون قدما ، وكل واحد من
عرض أرضه عشرون قدما ، وقد عمره فى سنة ٩٧٧ أحد الخيرين من الهنود ، وأضاف له
مئذنتين وقبة.
وقد صلى النبى صلى
الله عليه وسلم على ساحة هذا المسجد فى يوم فتح مكة ، كما أن بلالا ـ رضى الله عنه
ـ قد أذن فوقه فى ذلك اليوم البهيج ، وموقع محراب هذا المسجد هو المكان الذى وقف
فيه بلال للأذان كما أن المكان الذى أمامه حيث توجد حجرة هو المكان الذى حفظ فيه
الحجر الأسود فى طوفان نوح ـ عليه السلام ـ وعلى قيد (٢٠٠٠) خطوة من الجهة الشرقية
لذلك المسجد مرتفع محاط بشىء قديم ، ولكن أحد أصحاب البر والإحسان بنى حوله فى سنة
١٢٩١ ه جدارا فى ارتفاع ذراع ، ونصف وهكذا حفظه من كل سوء.
ويروى أن هذا
المكان المقدس جلس فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وقت وقوع معجزة شق القمر ، وكل
جهة من طولى ذلك المرتفع ثلاثون قدما ، وكل جهة عرضية واحد وعشرون قدما ، ويعرف
هذا المصلى بمسجد شق القمر. «فتوح الحرمين»
وبين هذا المسجد
سالف الذكر والمصلى حفرة كبيرة ، ومما يشتهر بين العوام أنّ أكل راس شاة مشوى فى
هذه الحفرة يمنع الصداع طوال العمر ، وهذه القصة قد ترددت على ألسنة أهل مكة ، إلا
أنها لا أصل لها إن هذه الحفرة موقع مناجاة لأولياء الله ، فالجنيد البغدادى ،
وإبراهيم ابن أدهم ، وفريد الدين العطار وأمثالهم كانوا يعتكفون فيها ، ويتعبدون
أربعين يوما ، وعلى قول أن أبا البشر وابنه شيث ـ عليهما السلام ـ مدفونان فى هذه
الحفرة وهذا ما نقله بعض المؤرخين ، طبقا لرواية أخرى أن قبر آدم ـ عليه السلام ـ كان
بالقرب من مكن يعرف ب (غار كنن) بهذا الجبل ، فأخذه نوح ـ عليه السلام ـ وحمله فى
السفينة ثم أعاده إلى موضعه ، وبناء على قول ابن كثير والثقاة من المؤرخين أن آدم
مدفون فى الهند ، ويقول الإمام الأزرقى أن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويوسف (عليهم
السلام) مدفونون إما فى جبل أبى قبيس أو فى بيت المقدس إلا أن كل هذه الروايات
اليست مبنية على سند يصدق.
هناك رواية تنقل
أن آدم ـ عليه السلام ـ وابنه شيث مدفونان تحت مسجد الخيف ، ويدعوان أن هذه
الرواية أقوى الروايات المنقولة فى هذا الموضوع ، ولكن مع هذا لا يمكن الحكم
بصحتها.
اختلف فى المكان
الذى أخذ منه التراب الذى خمر لتكوين قالب جسد ـ آدم عليه السلام ـ كما اختلف فى
مكان قبره ، وبناء على الأقوال التى يعتمد على صدقها ويوثق بها : أن التراب الذى
شكل منه وجه آدم أخذ من تراب الكعبة العطر ، وتراب صدره وظهره من بيت المقدس ،
وتراب فخذيه من أرض الحجاز ، وتراب يديه الحكيمتين من أرض المشرق ، وتراب ذراعيه
من أرض المغرب ، وتراب رأسه من بيت المقدس ، وتراب بشرة رأسه وشعره من الجنة ،
وتراب
رموشه وحاجبيه من
تراب حوض الكوثر الطاهر ، وعلى رواية أخرى أن تراب رئتيه من الموصل ، وتراب طحاله
من الحجاز ، وتراب بشرة جسمه من الطائف ، وتراب جبهته من أرض كنعان ، وتراب محل
عورته من بابل ، وتراب أمعائه وأحشائه من الجزائر ، كما أن عظامه مأخوذة من الجبال
المختلفة.
إن الاختلاف بين
البشر فى الخلق والشكل والهيئة والطباع يرجع لهذا. وانعدام تشابه أولاد آدم وأحفاد
بعضهم البعض يرجع لاختلاف مصادر التراب.
وجبل أبى قبيس ليس
عظيم الارتفاع ، إلا أن ارتفاعه عمودى ، فمن صعد تبين ، ومع ذلك فإن مشاهدة البيت
الأنور من قمته تزيل التعب. وما ذاك إلا أن سطح الكعبة يغمر القلب بغبطة لا سبيل
إلى وصفه ، وسرعان ما يزيل عنه كل ما يشعر به من تعب ونصب.
* * *
الأثر السابع والأربعون : جبل ثور
جبل مبارك يقع على
بعد تسعة أميال وعلى أشهر الأقوال على بعد ثلاثة أميال أو ميلين فى الجهة الجنوبية
من مكة المكرمة. وهذا الجبل أضخم قليلا من جبل النور ويرتفع عن الأرض بمقدار (٢٥٠)
ذراع معمارى ، وسمى باسم من سكنه وهو (ثور بن عبد مناف) ، ويقال إن كل ما فى أرض
الحجاز من أشجار ونباتات وأزهار تنبت فى هذا الجبل وقيل إن فيه شجرة لو يحمل
الإنسان جزءا صغيرا مبريا منها لا تمسه أية حشرة مؤذية.
وبالقرب من ذروة
هذا الجبل كهف ضيق يصعب الدخول فيه ، وقد أقام فيه النبى صلى الله عليه وسلم ،
ثلاثة أيام عندما هاجر إلى المدينة المنورة. وبابه ضيق لدرجة أن طفلا نحيلا لا
يمكنه الدخول فيه ، ولكن من حكمة الله أن أضخم الناس جسما يستطيع دخوله والخروج
منه ، إلا أنه يقتضى الداخل أو الخارج أن يصلى على النبى ويسلم عليه ، وباب الكهف
ـ مع كونه ضيقا ـ مثقوب على شكل المئذنة من اليمين إلى اليسار فالداخل إذا ما
انحرف قليلا إلى اليمين وبعده إلى اليسار يدخله دون أن يلمس شيئا متسربا كمياه
جارية ، فالذين يدخلون فى الغار يخرجون من مخرجه الواسع فى الجهة الشرقية بعد أداء
ركعتين من الصلاة فيه. يتسع لدخول مجموعة من ثلاثة أشخاص معا ، إن هذا المدخل قد
فتحه جبريل عليه السلام بأجنحته عند خروجه من الغار ، لأن النبى صلى الله عليه
وسلم ، دخل فيه من باب الكهف الضيق ، ثم خرج من الباب الذى فتحه جبريل ـ عليه
السلام ـ لذا ترى الزوار يدخلون فى الغار من الباب الذى فى الجهة الغربية منه ،
ويخرجون من المخرج الذى فى الجهة الشرقية منه وذلك للتبرك. «فتوح الحرمين».
ولما كان ارتفاع
جبل ثور عموديا فإنه يصعد من سفحه إلى حيث الكهف فى خمس وأربعين دقيقة ، ولكن من
يجدّون. فى الصعود يستطيعون الوصول إليه فى نصف ساعة وفى الجهة الجنوبية من ذلك
الغار محل مكشوف آخر.
يقال إن عبد الله
بن عباس كتب فيه تفسيره الكبير. وزيارة غار ثور قاصرة بين الأهالى على يوم السبت ،
ولكن الحجاج يمكنهم أن يزوروه فى كل الأيام ، والذين يلجون فى هذا الغار لا يحزنون
ولا يغتمون أبد الدهر. إن للغار بابان كما وضحنا أحدهما ضيق ، والآخر واسع جدا
لأنه فتح بضربة من جناح جبريل ـ عليه السلام ـ ويقال لمن لا يوفق فى دخوله الغار «إنه
ليس ابن أبيه».
قصة :
كان فى الزمن
القديم رجل غنى جدا وفى فترة ما هلك أولاده وعياله وتلف ماله ولم يبق شىء فى كنفه
، ومع هذا لم يكن يحزن أو يغتم ، وقد أثارت هذه الحالة عجب أفراد قبيلته وقالوا له
يا هذا قد فنى جميع أموالك وعيالك وإنك لا تظهر قدرا ولو قليلا من الحزن والهم
كأنك لم تتأثر بما حدث لك؟! ما أعجب حالك؟ وما هذه اللامبالاة؟ وما أصبرك على
الكوارث؟!.
فقال لهم : كنت قد
سمعت من أحد الأشخاص أن الذى يدخل فى غار ثور لا يحزن لما يصيبه من مصائب الدهر
الفانى ؛ لذا دخلت فى هذا الغار بكل صدق وإيمان ؛ ومنذ ذلك اليوم لم أتأثر لأية
مصيبة ولم أتأسف لضياع شئ حتى إننى لا أعرف ما هو الحزن أو الألم بل نسيتهما
فاستعجب قومه.
الأثر الثامن والأربعون : جبل حراء :
هو اسم آخر لجبل
النور الذى بدأ فيه نزول الوحى. ويقع هذا الجبل فيما بين مكة المكرمة ومنى فى
الجهة الشامية من بلدة الله ، وعلى بعد ثلاثة أميال (أو ساعة واحدة) من المسجد
الحرام بين الجبل المذكور وجبل ثبير الذى أمامه واد سعيد ، يعنى أن (جبل النور
وجبل ثبير) كلاهما يظلان على يسار الذاهبين إلى
منى ، وقد حدثت
واقعة شق الصدر فوق جبل النور ، وقد بنى فوق أرض المكان الذى حدث فيه شق الصدر
مسجد لطيف ، وداخل مسطح هذا المسجد ستون قدما مربعا ، والقبة التى فوق مبانيه تظهر
من بعد ساعتين. وفى داخل هذا المسجد صخرة طويلة مجوفة ، ويقال إن هذا المكان كان
متكأ الرسول صلى الله عليه وسلم فى أثناء شق صدره الشريف.
والغار اللطيف
الذى نزلت فيه سورة (اقْرَأْ) يقع على بعد خمسمائة خطوة فى الجهة الجنوبية من مسجد
شق الصدر ، فالزوار ينالون آمالهم بالزيارة سواء أكان الغار المذكور أو المسجد
سالف الذكر ، ولهذا الغار منفذ فى الجهة الجنوبية حيث تظهر منه مكة المكرمة تماما
وقد ثبت بالروايات الموثوقة أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتعبد فى هذا الغار
قبل البعثة.
من الأشياء المهمة
التى اختلف عليها علماء الأسلاف طريقة عبادة النبى صلى الله عليه وسلم قبل البعثة.
إذ قال بعض العلماء إنه كان يفكر فى آيات الله ، وفى الكون ومصنوعاته. وقال البعض
كان يتذكر خلق الكائنات. وقال البعض إنه كان يتنسك ببعض الأعمال غير المنسوخة من
دين موسى. وقال البعض وكان متمسكا بشريعة إبراهيم ـ عليه السلام ـ وقال البعض كان
يتعبد بالأحكام الصحيحة للشرائع السابقة. وإن كان القول الأخير يبدو مرجحا على
الأقوال الأخرى ، ولكن بناء على أصح الأقوال وأوثق الروايات أنه كان يعمل وفق الأحكام
الباقية من شريعة إبراهيم وإسماعيل ـ عليهما السلام ـ لأن طائفة العرب كانوا
يعملون بأحكام من بقايا دين إسماعيل مثل الحج ، والختان ، وإرجاع زوجاتهم بعد
الطلقة الأولى والثانية ، واعتبار فدية الرجل مائة جمل ، والاغتسال من الجنابة ،
والمضمضة والاستنشاق واستخدام السواك ، وتحريم ذات المحارم ، والاستنجاء ، وتقليم
الأظافر ، واستخدام الشفرة ، وقطع اليد اليمنى للص.
وقد عمل نبى آخر
الزمان وفقا لهذا أعمال العرب وعاداتهم ، وكان يجتهد فى الأعمال الأخرى حتى إذا ما
اقتنع بأن ما يفعله من الأعمال حسنا فيعمل به ، ولم
يلتفت النبى صلى
الله عليه وسلم إلى الأصنام والأوثان فى صباه ولم يبال بأقوال الذين كانوا يرجون
ألا يحقر الأصنام.
ويمكن الوصول إلى
مسجد شق الصدر بسير بطئ من سفح الجبل فى نصف ساعة ، ويمكن الصعود إليه فى عشرين
دقيقة بسير معتدل.
كان الاسم الأصلى
لجبل النور (جبل حراء) ، وبما أن نور شمس النبوة أشرقت من هذا المكان وبما أن
النبي صلى الله عليه وسلم قد تعبد فيه مدة طويلة قبل البعثة ؛ أطلق عليه (جبل
النور). وكان العرب يراعون جانب هذا الجبل ، وفوقه صهريج قديم خرب يمتلىء بالمياه
كلما هطلت الأمطار.
ويجدد الزوار
وضوءهم عند ذلك الصهريج ويستريحون جالسين فى المقهى الذى بجانبه ، وليس المقهى مثل
المقاهى المبنية من اللبن والحجارة ولكنه مجرد خيمة عادية.
رواية :
كان النبى صلى
الله عليه وسلم قد اختفى فى جبل ثبير ، فناداه جبل ثبير قائلا : يا رسول الله
ابتعد عنى بما أنه لا مكان للاختفاء على ظهرى وأخاف أن يراك القرشيون فيؤذونك ،
ورجاه أن ينتقل إلى جبل آخر وعقب ذلك سمع صوتا هاتفا من جبل حراء يقول : يا رسول
الله! تفضل عندى إننى أستطيع أن أحافظ عليك. وهذا ما ينقله الإمام السهيلى فى
كتابه «الروض الأنف».
وخرج صاحب «البحر
العميق» قائلا : إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يختف فى مكان آخر غير غار ثور ؛
إلا أن الإمام الأزرقى قال «عندما كانت قريش تبحث عنه كان فوق جبل ثبير ، حتى قال
الجبل (يا رسول الله لا تبق فوقى لأننى أخاف أن يهجم عليك الكفار ، ويقتلونك
فأتعرض لعقاب ربى) وقال جبل حراء : «يا رسول الله أقبل إلى» فترك النبى صلى الله
عليه وسلم جبل ثبير وذهب إلى جبل حراء حيث اختفى من قريش ، وقال أن هذه الواقعة
غير واقعة جبل ثور ، وبهذا أيد الإمام السهيلى وخرج قول صاحب البحر العميق.
ولا نهاية لفضائل
وعجائب جبل النور ، يقول المرحوم مؤلف (بهجة النفوس) إننى كنت أذهب فى بعض الأيام
لزيارة جبل النور وفى يوم الجمعة بعد الظهر من جمادى الأولى سنة ٧٥٣ صعدت فوق قمة
ذلك الجبل لزيارته كالعادة ، ولما وصل إلى سمعى أصوات عجيبة من الأحجار رفعت من
على الأرض بعض الحجارة ، وأخذت الحجارة تصيح فى كفى وكانت الأصوات تسمع من مسافة قدر
طول إنسان. ولما فهمت أن تلك الأحجار تسبح الله وتقدسه ، أخذت أدعو الله قدر
استطاعتى وفى أثناء ذلك غابت الشمس خلف السحب ، ولما ظهرت الشمس بعد فترة انقطعت
صيحات الحجارة ، وعندما غابت الشمس مرة أخرى خلف الغيم أخذت الحجارة كلها تصيح ،
وقد أصبحت تحت ظل السحب. وبما أن الساعة قد وصلت إلى العاشرة لم أستطع أن أبقى
أكثر من ذلك ، فعدت وأصبحت أسمع صيحات الحجارة وأنا بعيد عن سفح الجبل بمائة خطوة
، فرويت لأبى ما سمعت ، فقال لى قد حدث لى أيضا هذا الحال عدة مرات ، إذ كنت أذهب
إلى زيارته مع بعض الرجال ، ورأيت أحد كبراء البلد يلتقط بعض الحجارة من الأرض.
فسألته فأجاب قائلا (كل هذه ذهب خالص ونفقتى السنوية).
يروى أن المرحوم
المرجانى قد زار الجبل مع بعض أصدقائه ، وسمع أن الحجارة تصيح وتسبح كما سمع بعض
أصحابه.
نظم
إنه على بعد ميلين
من «المعلا» إنه جبل نور تناطح قمته الجوزاء إن ياقوت «بدخشان» لا يلتمع أمام
جوهره وقرص الشمس والقمر فى سفحه إن رمله وهج نور يمحو قصة موسى وتجلى الطور ولو
أن الياقوت فى «بدخشان» فان فى هذا الجبل يكن الدر اليتيم فى حبة واحدة أعوام
وشهور والرسول الذى لم يكن قد رأى طلعة جبريل نزل عليه فى هذه الدار فجأة ولما شق
القمر صدره الطاهر
غسله فى هذا البيت
بأنوار الحق ...
«تحفة الحرمين»
الأثر التاسع والأربعون : جبل خندمة :
جبل كبير يقابل
جبال أجياد وشعب عامر خلف جبل أبى قبيس. وقد نقل الإمام الفاكهى عن ابن عباس قال :
قد دفن فى هذا الجبل سبعون نبيا وبسببهم تهطل الأمطار على مكة ببركاتهم.
الأثر الخمسون : جبل ثبير :
هو أعظم الجبال
التى تواجه غار المرسلات الموجود فى منى. ويطلق على الجبل الذى يقع يمين المتجه من
منى إلى مكة المكرمة. كما يطلق على الجبال التى تقع على يسراه «جبل ثقبة» وترتفع
جبال الجهتين عن الأرض ستة أمتار ، وسبب تسميته بذلك الاسم أن واحدا من قبيلة بنى
هذيل المسمى ثبير قد مات فوق ذلك الجبل المبجل.
قال القاضى مجد
الدين الفيروزابادى نقلا عن المفسر النقاش أن هذا الجبل أيضا من المواقع التى
يستجاب فيها الدعاء ، ولكنه لم يبين وقت التوجه بالدعاء ، ولكن الأسلاف الكرام
قالوا يجوز الدعاء فى أى وقت كان.
قال المفسر النقاش
أن جبال : النور والثور وجبل ثبير قطع من جبل الطور فحينما تجلى الله ـ سبحانه
وتعالى ـ على جبل الطور سقطت عدة قطع من ذلك الجبل ، وثلاثة منها سقطت على مكة
المعظمة ، وقد ذكرنا آنفا أن النبى صلى الله عليه وسلم قد شرف غار حراء واختفى من
كفار مكة المخذولين.
إضافة
قد حققت ما قاله
الإمام الأزرقى عن وجود اثنى عشر ألف جبل حول مكة المعظمة ، فتأكدت من صدق قوله
لأن حول بلد الله الأمين ما لا يحصى ولا يعد من الجبال ، وكل هذه الجبال متصلة
متسلسلة ، وقد نسيت أسماء أكثرها كما ذكر فى مبدأ المقال.
والجبال مضبوطة
الأسماء غير التى ذكر من الجبال المأثورة هى : زرود رقمتين ، سلع ، قعيقعانا ، حاجر ، أذاخر ، منحنى ، شامة ، طفيل ، حجون مصافى ، صفا
، مروة ، معترضة ، عرفات ، مأزمين ، قزح ، صراصر ، مفجر ، مضايق ، سبع البنات ، جبل عمر ، جبل الكعبة ، نعيم ، نعيمان ، كدا ، أخشبان ، جبل الكحل ، ثبير الخضراء ، ثبير النضع ، ثبير الزنج ،
ثبير الأعرج ، ثبير أعنيا ، قرا ، جبل أيوب ، جبل سبوع .
لا يوجد فى زماننا
رجل يخبرنا بأسماء الاثنى عشر ألفا من الجبال التى قال عنها الإمام الأزرقى ، كما
أنه لا يوجد كتاب تاريخ مفصل موثوق يدلنا على هذه الجبال ، ولكننا مع ذلك لا نملك
إلا أن نصدق ما قاله صاحب كتاب البحر العميق : بأن من يلقى نظرة من فوق جبل ثبير
على مكة المكرمة يرى أن جميع الجبال منحنية نحو الكعبة المعظمة كأنها تسجد لها.
أوقات الدعاء وساعاته
بين العلماء
الأعلام أوقات الدعاء فى الأماكن المقدسة وساعاته على اختلاف فيما بينهم ، وقالوا
يستجاب الدعاء عند الدخول إلى الحرم الشريف من باب بنى
__________________
شيبة فى أى وقت
كان ، وفى ليالى الجمعة فى بيت السيدة خديجة الكبرى ـ رضى الله عنها ـ وفى أيام
الاثنين عند المولد النبوى وعند الزوال ، وفى أيام الأربعاء عند مسجد الشجرة ، وفى
أيام الأحد فى مسجد المتكأ صباحا ، وعند الظهر يوم السبت عند جبل ثبير ومسجد نمرة
ومسجد نمل ، وفى أوقات السحور عند الميزاب الذهبى ومقام إبراهيم
وخلفه ، وأوقات الفجر عند «الركن اليمانى» ، وفى منتصف النهار عند الحجر الأسود.
وفى منتصف الليالى عند الملتزم ، وفى أوقات العصر عند الصفا والمروة ، وفى أوقات
غروب الشمس فى داخل أبنية بئر زمزم ، وفى دار الأرقم وفى ليالى البدور فى منى ،
وعند طلوع الشمس فى المزدلفة ، وعند غروب الشمس فى مسجد صخرة عرفات ، وعند الطواف
فى المطاف وفى الأماكن الأخرى.
مبرك الناقة :
مكان محدب مثل
القبر قرب باب العمرة. ويزوره الناس على أنه قبر مشهور مع أنه مبرك ناقة السيدة
عائشة ـ رضى الله عنها ـ لأنها عندما اعتمرت أبركوا ناقتها فى هذا المكان ، فنزلت
فيها ودخلت فى الحرم الشريف ، وطافت بالبيت ، وإن زيارة هذا المكان لا تخلو من
فائدة ، إلا أنه يلزم زيارته على أنه مبرك ناقة السيدة عائشة وليس قبر بثبوت لزوم
الإرشاد.
ولما كان هذا
الكتاب يحتوى على مآثر مكة المعظمة التى أنبأتنا بها كتب التاريخ ، فلا يظن أن هذا
سيغنى الحجاج الكرام من اتخاذ الأدلاء ؛ لذا يجب على الذين يلبسون ملابس الإحرام
لأداء فريضة الحج أن يتخذوا دليلا من أهل مكة ، وصحيح أن هؤلاء الأدلاء ليس عندهم
فكرة عن التاريخ ، وعما يخبره المؤرخون ، ولكنهم بحكم وجودهم فى مكة المكرمة
وحياتهم فيها فهم يعرفون آداب السعى والطواف وأركان الحج أكثر من المؤرخين.
__________________
ومهما كان الإنسان
مطلعا على التاريخ وتعلم ما يخص المناسك وكان متبحرا فى العلوم فهو فى حاجة إلى
دليل عند زيارته للمآثر المبروكة ، وأن طفلا من أهل مكة فى الخامسة أو السادسة من
عمره يمكنه أن يخجل فى آداب الزيارة ، وتعيين مواقعها ومعرفة آثار مكة المتبحر
فريد عصره ووحيد دهره ، إن فى عصرنا هذا من المستحيل أن نجد عالما متبحرا فى تحليل
المسائل الفقهية والشرعية ودقائقها مثل الإمام الأعظم أبى حنيفة رحمة الله.
قد أوجب الإمام
الأعظم ـ الذى يسلّم بفضله وكماله ـ اتخاذ دليل للحاج. ولا يقال ما دامت كتب
المناسك فى اليد والمعلومات التاريخية فى الحافظة فما لزوم الدليل؟
وفى الواقع أن كتب
المناسك والمعلومات التاريخية يمكنهما أن تكونا رفيقين شقيقين للحاج ، وهذه حقيقة
غير قابلة للإنكار ، إلا أن الشخص المتبحر الذى تعلم مسائل الحج من كتب المناسك ،
وتعرف على الآثار الشريفة بواسطة كتب التاريخ ، ثم حج معتمدا على هذه الأشياء يشبه
ربان الباخرة ، فمثل هذا الربان لا يستطيع أن يقترب من الشطآن المجهولة معتمدا على
المعلومات الغنية للشخص المكلف بحسابات السفينة ، وما معه من الخرائط ومتانة آلات
الباخرة وسائر أدواتها ، صحيح أنه قد يصل إلى المكان الذى يقصده بدلالة البوصلة
ومتانة الآلات والأدوات الأخرى ، ويمكنه أن يتجافى مخاطر العواصف والأعاصير
المتوقعة ، وأنه قد يصل إلى شاطئ السلامة ، لكن مع كل هذا لا يمكنه أن يستغنى عن
الدليل المرشد الذى يعرف أماكن الجزر والمضايق والرمال التى لا تستقر فيها المرساة
والجرف ، وكل ربان يخرج إلى البحر بدون أن يأخذ معه دليلا بدافع تعنته وغروره
الأنانى ، يكون قد ألقى بأرواح المسافرين معه فى بحر الهلاك.
وكذلك تعطى كتب
المناسك والتاريخ معلومات صحيحة ومكملة ، إلا أنه يحتاج إلى دليل عند زيارة الآثار
، دليل يوضح له الآثار ، وآداب زيارتها وكيفية تصرفه عند وجوده عندها ، لأن الكتب
لا تستطيع أن تؤدى الخدمة التى يؤديها
الدليل. وبناء على
ذلك يقتصر اختيار الدليل على كونه من أهل مكة. وبما أن قبلة الموحدين الكعبة
المعظمة المفخمة تقع فى واد غير ذى زرع ؛ فأغلب سكانها يتعايشون بالدلالة وسقاية
الحجاج. والقليلون منهم يشتغلون بالخياطة والعطارة وغيرها من أعمال البيع والشراء
وتمر الحياة عندهم. وكانت مهنة الدلالة المهمة فى صدر الإسلام وقصرا على خمسة أو
عشرة أشخاص ، وفيما بعد تعددت البلاد الإسلامية وأصبح من الواجب تعيين دليل خاص
لكل بلد من البلاد الإسلامية. وفى زماننا أدلة خاصة سواء أكان للمسالك العثمانية
أو الممالك الموجودة فى البلاد الأجنبية ، فالحاج عندما يصل إلى مكة فمن الأمور
الواجب إتباعها الاتصال بدليل بلاده ومراجعته ، فإذا ما لجأ إلى دليل آخر غير
الدليل الذى عين من أجل بلاده يكون قد ألقى نار الخصومة بين الدليلين ، وقد صدرت
مثل هذه الخصومات فيما مضى كثيرا حتى قام الأهالى بعضهم ضد بعض ، لأجل ذلك قرر أن
يكون لكل دليل وكيل فى مرفأ جده المعمورة ، يستقبل الحجاج التابعين له وكان قرارا
سديدا.
وبما أن للعساكر
السلطانية دليلا بريا ودليلا بحريا معينان بالأمر العالى فهم مستثنون من مراجعة
أدلاء البلاد ، إذا كان الجندى الحاج من الجنود النظاميين يراجع دليل الجنود النظاميين
، وإذا كان بحريا يراجع دليل البحرية ، ودليل الجنود النظاميين الشيخ محمد أفندى ،
ودليل العساكر البحرية الشيخ أحمد حوائى أفندى ، وخدم أحمد حوائى أفندى فى داخل
البيت الأكرم ما يقرب من خمس عشرة عاما ، وقد اضطر أن يختار دلالة البحرية حتى لا
يقصر فى خدمة الحرم الشريف بسبب شيخوخته ، وكان يؤوى جميع ضباط البحرية وأنفارها
الذين يحجون فى منزله دون أجر ، إذ كان رجلا سخيا كريما رغم فقره ، وقد ارتحل عن
دنيانا سنة (١٢٩٩ ه) تاركا مهنته لابنيه عبد الكريم ويوسف وكلاء السادة الأدلاء
فى مدينة جده ، إن وكلاء جده يترقبون وصول البواخر ، وعند ما تأتى البواخر
يستقبلون الحجاج الذين ينتسبون إليهم ، ويأخذونهم إلى البيوت أو المنازل حيث
يؤونهم ، ثم يوصلونهم إلى مكة المكرمة بعد وصولهم بثلاثة أيام أو أربعة
أيام ، بعد أن
يعدوا لهم الجمال التى ستنقلهم إليها ، وبعدما يكونون قد أروهم الأماكن التى تزار
فى جده ، وبعد العصر يذهب إلى مكة المكرمة من جده ، إما بحمار أو جمل ، والذين
يذهبون بالجمال يصلون إلى مكة المكرمة فى ليلتين والذين يركبون الحمير فى ليلة
واحدة ، ويعلم الوكلاء الأدلاء قبل وصول الحجاج المنتسبين إليهم بالبريد ، ويبينون
فى رسالتهم عدد الحجاج وأسماء الجمالين الذين حملوا الحجاج وأسماءهم وينتظرونهم
ليلة وصولهم فى خارج المدينة ويستقبلونهم.
إن استقبال أدلاء
مكة الحجاج قد اتخذ توصيل الحجاج إلى مكة ليلا نظاما لدى الجمالين لذا ترى الدليل
الذى استلم رسالة من جده يخرج إلى ضريح الشيخ محمود قبل وصول قافلة جده بعدة ساعات
، وينتظرون وعندما تصل القافلة يقفون أمام الجمال ويبادرون فى البحث عن حجاجهم
قائلين :
هل السيد الفلانى
من المكان الفلانى موجود هنا؟ والحجاج الذين يجدونهم يبعثونهم إلى منازلهم فى رفقة
أبنائهم أو خدمهم ، ويجد الأدلاء حجاج الممالك التى يتولون دلالتهم ، ويرحبوا بهم
أعظم ترحيب ويرسلونهم إلى منازلهم ، ويضع الأدلاء الأشياء التى على الجمال فى
أماكنها المطلوبة ، ثم يأخذونهم إلى المسجد الحرام حيث يقومون بمناسك الحج من
الطواف والسعى ، وبعد مرور عدة أيام يهيئ لهم الدليل وكالة حيث يأويهم.
ويعتبر حفل
الضيافة الذى يقيمه الأدلاء من العادات الطيبة القديمة لدى الأدلاء. وإقامة وليمة
عظيمة للحجاج بعدما يتم تسكينهم فى الوكالات حتى لو كان حاجا واحدا. ويطوف به
الكعبة طوال وجود الحاج فى مكة المكرمة.
الخدمات التى
يؤديها الأدلاء للحجاج :
لما كان الحجاج
محتاجين لعون أدلائهم سواء كان فى الطواف والزيارة والبيع والشراء فى النهوض
والحركة ، فالأدلاء يفتخرون بأداء هذه الخدمات للحجاج بكل صدق وإخلاص.
ومن هنا ترى أن
الدليل يقابل الحاج منفردا عدة مرات ، ويستفسر عن حاله ويهيئ له ما يحتاج إليه.
كيف يقابل الحجاج
خدمات الأدلاء :
ذكرنا الخدمات
التى يؤديها الأدلاء للحجاج فهم يقابلون هذه الخدمات والترحيب بالنقود ، وكل حاج
يرى دينا عليه أن يدفع عقب الوليمة التى تقام له قدرا من النقود حسب حاله.
وفى عيد الفطر يوم
عودته مقدارا من النقود ، وكذلك ينفحه من أسبوع لآخر عدة قروش ، وبما أنه يلزم
إعطاء وكيل الدليل الذى فى جده بعض النقود يعطى ، الحاج فى اليوم الذى يتحرك من
جده إلى مكة المكرمة مقدارا مناسبا من النقود كهدية ، وكل هذه الهدايا تعد من نوع
الصدقة الشرعية.
وكل هذه الأشياء
يمكن تحقيقها باللجوء إلى ظل السلطان الظليل ، السلطان عبد الحميد الثانى ، إمام
المسلمين ، وخليفة الأرض وبالدعاء إلى الله بمد عمره وزيادة قوة دولته كما هو مبين
فى الخاتمة الآتية الذكر ؛ لأن تأمين الحرمين المحترمين من تسلط المتسلطين
وإخلائهما من اللصوص الناهبين وجعلهما ساحة آمنة مصونة ، يؤدى الحجاج فيهما مناسكهما
فرحين مبتهجين آمنين ؛ متوقف على وجود خليفة ذو صفات قدسية وأولاده وأحفاده إلى
يوم القيامة على وجود خليفة عادل كل همه : خير الأمة الإسلامية.
* * *
الخاتمة
ضرورة وجود السلطان ووجوب الطاعة والانقياد له
إن السلامة
والفلاح سواء أكانت فى هذه الدنيا ساحة تجلى القدرات ، أو فى حياة الآخرة الباقية
يتوقف على وجوب الطاعة والخضوع لأوامر خليفة العصر ونواهى السلطان الذى يصدق عليه
معنى الأثر القائل والسلطان ظل الله فى الأرض ، ويأوى إليه كل مظلوم.
كان علماء السلف
الصالح يرجعون إلى السلاطين أصحاب الإمامة والخلافة فى عصورهم لحل الخلافات ،
وإزالة الشبهات ؛ وهذا يدل دلالة قطعية على وجوب عرض الأمور الهامة على إمام
المسلمين للعصر فى كل آن وزمان ، ولكن حتى تكون الإجابة الصادرة من جانب الخليفة
حائزة لرضا الله ـ سبحانه وتعالى ـ يجب على العلماء أن يوضحوا كل فقرة من فقرات
القضية المفروضة وفقا للقواعد الشريفة القومية ، حتى تصان الأجوبة التى ستصدر
مؤيدة بإلهام إلهى من شائبة الإبهام والشك ، وحتى لا تظهر الإجابة منافية للمقصود
، لعدم وضوح المسائل المعروضة ، ومع هذا فنظرة الخلفاء الثاقبة وأحكامهم تشمل على
خلاصة الأمور الهامة المعروضة عليه ومضمونها العام لأن الخلافة وأعبائها الثقيلة
التى يحملونها فوق أكتافهم تحول دون الاطلاع على مفردات الأمور وجزئياتها.
ولما كان الخلفاء
مطمئنين واثقين من أن تدقيق الأمور وتحقيقها تقع على أكتاف العلماء والوزراء ، كما
أنهم مسئولون عن موافقة المسائل المعروضة للأحكام الشرعية والقوانين العرفية ،
وهذه قاعدة مشروعة متفق عليها بالإجماع ، فتدقيق المسائل وتحقيقها يخرجان عن إطار
مهماتهم المقدسة ، ومن هنا فالمسئولية المادية والمعنوية تقع على كاهل عارضى
المسائل.
فإذا ما اطلع على
أى صحيفة من صفحات كتب التاريخ القديمة فى العالم ،
وإذا ما دقق وحقق
فى المعاملات الجارية للأقوام الذين أتوا إلى الدنيا ، مكمن العبر ثم غادروها
وعمّق النظر فيها لسلّم أن الدنيا ليست دار ثواب وعقاب ، ولكنها نموذج للحياة
الآخرة بكل ما فيها من المجازاة الشرعية وقوانينها العرفية ، هذه هى خلاصة الخلاصة
التى تستنبط من فحوى الكتب الشرعية.
وإن كان لا ينكر
أن الدنيا دار كسب وعمل وتقدم ، إلا أن الحصول على السعادة المطلوبة فى الدنيا
والآخرة والتمتع بالنعم الجليلة والأخذ بالحظ الوافر منهما يتوقف على الانصياع
لأوامر الخليفة المقتدى به وتدابيره. ولما كان منصب الخلافة أصلا قويما يجمع بين
المناصب الدينية والدنيوية فقد فوض تنظيم أمور العباد وفقا للقوانين الشرعية ،
والحكم والتصرف ليد الخليفة القديرة ، فالخدمات الدينية والوظائف التى توجه إلى
رجال الدولة والمصالح العامة برمتها متشعبة من ذلك الأصل ومتفرعة منه.
وإذا لم يخف بنو
البشر من سياسة الخوف والجزاء لأخلوا بالنظام وراحة الناس بحكم طبيعتهم البشرية ،
ولقاموا بارتكاب أعمال غير مرضية. إن ضرورة وجود خليفة مقتدر به فى كل عصر قد ثبت
بالنص الجليل :
(يا داوُدُ إِنَّا
جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص : ٢٦)
إن الله ـ سبحانه
وتعالى ـ خلق ورتب وسائل صيانة صلاح بنى البشر ونظام معاده ومعاشه خاليا وجوده
وبقائه من الفساد والخلل وفق الحكمة الربانية ، وجعل الخليفة وسيلة فى تدبير أموره
لأن ترك بنى البشر لأنفسهم يؤدى إلى الظلم والبغى والتعدى وإفنائهم وانقطاع نسلهم
وانفصامهم.
وهذه الحال تنافى
أحكام المشيئة الإلهية ، لهذا لزم وجود خليفة حكيم قادر على دفع الظلم والعدوان ،
مدبر للشئون محافظة على حياة الإنسانية ، وعلى هذا يجب أن تقوم صلاحية الخليفة
الشرعية وأن نعلم من ذلك الشخص الذى يستحق أن يطلق عليه اسم الخليفة.
وقسم حكماء علماء
الإسلام حكومة الملوك وسياستهم التى تكفل انتظام حياتهم الدنيوية وأحوالها إلى
ثلاثة أقسام هى الخلافة ، السياسة والطبيعية.
الخلافة :
إحدى أقسام
الحكومات الثلاثة ويطلق عليها الإمامة أيضا حكومة الخلافة ، وهى دولة عادلة وسلطنة
فاضلة. ويقوم صاحب هذه الدولة بجعل أحكام الشريعة نصب عينيه فى جميع الأمور العامة
والخاصة. وبما أنه يحكم ويتصرف فى عامة المصالح الدينية والدنيوية وفقا لقوانين
الشرع والعدل فمدار الخلافة الأصلى هو حفظ قواعد الشريعة ، وضبط سياسة الأمة قائما
مقام صاحب الشريعة (عليه أفضل التحية) ، وكائنا سلطانا ذو شوكة وقوة ، وبناء على
هذا سمى هذا النوع من الملك والحكومة : «الخلافة».
٢ ـ يطلق على
القسم الثانى من الحكومات الثلاث حكومة سياسة. لما كان هذا النوع من الحكومة سلطنة
فالهيئة التى تشكل هذه الحكومة تتخذ إعمال الفكر والنظر دستورا لها ، وتدبر دولتها
بما ينظم عقلاؤها وحكماؤها من القوانين والنظم.
إن النظم
والقوانين التى رتبت بناء على العقل البشرى القاصر والفكر الفاتر لا تستطيع أن
تؤمن ما يحتاج إليه الأفراد من سبل المعاش ، وتنظيم أمور المعاد كما يبين ذلك قول
الله ـ سبحانه وتعالى ـ
(يَعْلَمُونَ ظاهِراً
مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) (الروم : ٧)
فمثل هذه السلطنة
التى تنشغل بالمنافع الدنيوية فقط ليست مقبولة لدى الشرعيين.
٣ ـ يسمى النوع
الثالث من الحكومات حكومة طبيعية لا يأخذ المفسرون الساعون إلى تشكيل الحكومة التى
يطلق عليها حكومة طبيعية فى الاعتبار
مقتضيات العقل
والشرع ، وإنما يقصرون حكمهم ـ مثال قطاع الطرق والبغاة الظلمة ـ على العنف وغصب
الأموال وقتل النفوس والحركات غير المشروعة والتعديات الظالمة.
وبما أن هؤلاء قد
سلموا زمام أمرهم وتدبيرهم للنفس الأمارة بالسوء ، ولما كان بصرهم وبصيرتهم فى
غاية الظلام من ناحية الخير ، فهم لا يستهدون إلى الخير أبدا ، ولا يسلمون أبدا من
الخطأ والقتل وفقا لمدلول قول الله تعالى :
(وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ
اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (النور : ٤٠)
وقد أنعم الله ـ سبحانه
وتعالى ـ على البشر بالعقل والقدرة والرشد والبصيرة ، وبين لهم فى الكتب المنزلة
ما ينفعهم ويصلح من شأنهم ، وما يخص معاشهم ومعادهم ، وحذرهم من الانهماك فى
الشرور والمفاسد ، لأن جزاء الخير والشر يعود لفاعله ، وانقراض دول ملوك الطوائف
وبغاة المسلمين الذين لوثت أفعالهم المذمومة صفحات كتب التاريخ لدليل واضح على
إثبات ذلك.
قد انقرضت تلك
الدول بظهور سلاطين الدول الإسلامية الذين حكموا بالعدل ، وكانت القوة والمتانة من
أحلافهم ، وبناء على هذا من واجب الأمة البحث عن إمام عادل تعيش تحت حكومته
العادلة وسلطنته الفاضلة ، وقد ثبت ذلك باتفاق آراء الصحابة العظام والتابعين
الكرام واتفق على هذا علماء المسلمين الأعلام بإجماع الأمة ، وحينما ارتحل النبى
صلى الله عليه وسلم ، عن دنيانا إلى مقر الراحة الأبدية أسرع الصحابة بمبايعة
الصديق الأكبر.
ومازالت البيعة
تجرى على هذا النهج إلى عصرنا هذا ، ولم يترك أحد هذه السنة السليمة الغاية فى أى
عصر من العصور مدعيا الانفراد والاستقلال برأيه ، والإجماع القطعى سند قوى فى
الدلالة على الأحكام الشرعية وصحتها ، وبناءا
على هذا يكون قد
ثبت وجوب انخراط المسلمين فى كل العصور فى سلك إدارة خليفة ثابت بأدلة قطعية لدى
المسلمين.
وطاعة خليفة العصر
والزمان واجبة شرعا ، وكذا الخضوع لكل أوامره ونواهيه التى توافق القوانين العادلة
التى اقتبست من مشكاة أنوار الشريعة الغراء. ومن المصلحة العامة إخراجها إلى حيز
الوجود ، كما يجب شرعا تنفيذ أوامر إمام المسلمين إذا كان ما طلب من الإنسان مباحا
، وكان الخليفة يؤدى مهمة الخلافة وأفعالها وفقا للأحكام الشرعية ويطبقها فقد صرح
له أن يستقل برأيه فى اتخاذ القرارات بناء على قول الله تعالى (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى
اللهِ) (آل عمران : ١٥٩)
وإن كان مأمورا باستشارة عقلاء قومه ، فإن الذى يتولى مقام الخلافة الجليل ملهم من
الله ـ سبحانه وتعالى ـ ومؤيد بأوامره ونواهيه ، وبما أن السلاطين العثمانيين أعدل
من ملوك الأسلاف فى إجراءاتهم الدينية وحركاتهم بأدلة شرعية متعددة ، وإنهم أتم
وأكمل منهم فى خدمة الدين ورعاية جانبه ، وبما أن أساس سلطنتهم مبنى على قواعد
الشرع الكريم ؛ فكل أمر يصدر من مقام الخلافة الجليل وفى أى وقت فالخضوع له
وتنفيذه قد وصل إلى درجة الوجوب ، ويكفى لإيضاح هذه الحقيقة أن سكان الأراضى
الحجازية السعيدة التى كانت مطلع أنوار الإيمان والدين ، وهدف المسلمين وغايتهم
يراجعون دار الخلافة السنية لإزالة شبهاتهم الدينية ، وحل خلافاتهم ، ويستدل على
مراعاة السلاطين العثمانيين فى أعمالهم وأفعالهم الموافقة لتعاليم الدين العديد من
الكتب التى تزين دور الكتب مصنفات الأسلاف القيمة ، حتى أن رمزا من رموز العلوم
الباقية وهو عثمان باشا الغازى كان قد كتب عدة كتب قبل أن يرفع علمه مغادرا الحياة
، يظهر فيها عدالة سلاطين الدولة العثمانية ، وكيفية استهلال حكمهم وكيف يستطيع
رعاياهم أن يعيشوا قريرى العين ، مرفهين آمنين تحت حمايتهم.
وندرج هنا ما كتبه
سيد الآراء والقدسية المعنوية وصدرها السيد «صدر الدين» القنوى فى مقال له فى شرح
الشجرة كما هى حتى نقيم دليلا على مدعانا.
صورة المقالة
واعلم أن لهذه
الدولة تأصيل نسب وعلو مرتبة بأصل صحيح ، يعلم منه شرف مقاماتهم العلية ، وذلك
التأصيل فى الآية الشريفة قوله تعالى :
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا
الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (فاطر : ٣٢)
فقد دخلوا ضمن
الآية الشريفة لكونهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، مع من أشارت إليه الآية
فلا شك أنهم فى سلكها مندرجون ومن التأصيل المشار إليه أيضا قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ
بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أى الصلاحية لهم ، فهم بالنسبة لغيرهم من أصلح الدول بعد
الصحابة والتابعين ؛ لوجود النعت فيهم وانقيادهم للشرع الشريف ، وتمكينهم من رتبة
العبادة والخدمة كالصلاة والصيام والزكاة والحج والجهاد وملازمة الجماعة واتباع
السنة وحسن العقيدة ، وقل أن يوجد ذلك بكماله فى دولة من الدول الذين تقدموا وأما
لفظة (لبلاغا) فهى إشارة تفيد العلم بالوقت المنتظر ، وكفى بذلك توفيقا لمن أيقظه
الله تعالى وفتح عين بصيرته فرأى الصلاح فيهم ظاهرا ، وسيظهر ذلك إن شاء الله
تعالى ونشاهده عند ظهور دولتهم ، فافهم.
فائدة عظيمة ، لا
يستغنى عنها :
اعلم أن ظهور هذه
الدولة قد حكاه ونبه عليه صاحب الأصل فى خطبة البيان بإشارة واضحة. وذكر أن ظهورها
الإحاطى فى (بكلظ) وانتهاء ظهورها فى «دسغ» وإنها ستظهر على غالب المعمور من وجه
البسيطة ويقهرون من ناوأهم ، وينتهى سير جنودهم إلى الجزيرة الكبرى يفتحها الله
على يد (م وح) من المدن
المنسوبة إلى معنى
الإشارة ، وتفتح (م) بالتسليم وأخرى (و) بهول عظيم وأخرى (ح) بحسب رحيم وأخرى برعب
عميم».
(عن شرح شجرة لصدر الدين القنوى)
هذه المقالة
العظيمة التى كتبها أرباب الإيمان بمحض الإلهام من الله ـ سبحانه وتعالى ـ والتى
تتضمن إشارات معنوية مقتبسة من الحقائق الكونية ، والتى تشير إلى الفتوحات.
وفى عام ٩٢٢ ه
دخلت مصر فى حوزة التسخير ، وتلقب سلطان العثمانيين ب «خادم الحرمين» إلى غير ذلك
أيضا مما يشير إلى نبوءات أهل الإيمان ، بظهور أمير المؤمنين سلطان الموحدين
الغازى عبد الحميد خان الثانى الذى تجلى العدل وعم فى عهد سلطنته. وبقطع النظر عن
التبشيرات المعنوية للمقالة المذكورة ؛ فإنه فى الوقت ذاته ، لما كان تجديد قوة
أساس بنيان هذه الدولة المهون بين الدول المتحفزة كان منوطا بالإرادة الجليلة
للمولى عز وجل ، ندعو الله أن يؤيد سلطاننا العادل ، ويديم للخلافة سلطانا عادلا
عاملا ، فهو منذ يوم جلوسه المبارك على عرش الدولة وهو يعمل ليل نهار على إحياء
مجد الدولة ، وراحة رعاياها وذلك بجدية وإيثار ، وغير هذا فآثار خليفة سيد
المرسلين الذى يحمل لقب «خادم الحرمين» ظاهرة فى كل آن وزمان لعيون المسلمين ، كما
أن المجاورين والأهالى يسعدون بما ينعم عليهم من خيرات لا تعد ولا تحصى ، كما أنه
بذل الجهد وأنفق الأموال لتكون مكة المكرمة (شرفها الله تعالى إلى يوم القيامة)
أجمل البلاد ، بل تمتاز عليها جميعها وذلك تقديرا لمكانتها وقداستها ، وكل هذه
الأعمال ظاهرة لأعين الحجاج مما يعجز القلم عن تفصيلها وذكر مفرداتها ، وخلاصة
القول فهؤلاء الذين أدركوا عصر هذا السلطان الذى يصرف كل أفكاره العادلة ويوجهها
لتأييد أحكام
الشريعة الغراء وتطبيقها وتأمين رفاهية الأهالى وسعادتهم وسعادة الخلق جميعا.
وها هو ذا محرر
هذه الحروف أدرك عصر ذلك الخليفة الذى انتشر فيه عدله الملوكى ، وأتم الجزء الأول
من «مرآة الحرمين» وهو «مرآة مكة» وطبعه.
وإننى لأعتبر نفسى
أسعد الناس من الناحية المادية والمعنوية إذا وفقت فى أن أعرض هذا الكتاب ، وأن
أضعه تحت الأنظار السلطانية وهذا شرف أقدمه على جميع أنواع المزايا الجليلة
وقدمتها.
والسلام على من
اتبع الهدى ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وعلى جميع
الأنبياء والمرسلين وآلهم أجمعين وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين والحمد لله
رب العالمين.
* * *
المحتويات
تقديم........................................................................... ٧
هل
كانت كلمة المرآة مقصودة من المؤلف؟ وماذا أراد بها........................... ٩
أسباب تصنيف الموسوعة...................................................... ٩
الكتاب المصنّف............................................................ ١٠
سبب إطلاق أسماء «مكة» عليها............................................. ١٤
مرآة المدينة................................................................. ٢٤
أسماء المدينة................................................................. ٢٩
مرآة جزيرة العرب............................................................ ٣٧
أحوال العرب قبل الإسلام.................................................... ٣٩
عناصر مجلد مرآة جزيرة العرب................................................. ٥٢
مقدمة المصنّف.............................................................. ٥٥
الوجهة
الأولى
إفادة مخصوصة.............................................................. ٦٠
الخلاصة.................................................................... ٦٣
بيت الله (الكعبة)........................................................... ٦٣
الملتزم...................................................................... ٦٤
المستجار................................................................... ٦٤
الحجر الأسود............................................................... ٦٤
داخل الكعبة............................................................... ٦٥
حجر إسماعيل.............................................................. ٦٦
حفرة المعجن................................................................ ٦٧
الشادروان.................................................................. ٦٧
الستارة الشريفة.............................................................. ٦٧
المطاف الشريف............................................................. ٦٧
المنبر اللطيف............................................................... ٦٩
المقامات الأربعة............................................................. ٦٩
المقام الحنفى................................................................ ٦٩
المقام الشافعى............................................................... ٦٩
المقام الجنبلى................................................................ ٦٩
قبة الفراشين................................................................ ٧٠
قبة السقامية................................................................ ٧٠
الصورة الأولى :
التعريف بالأحوال الجغرافية للبلدة المعظمة مكة المكرمة .. إلخ........... ٧١
البلدة المعظمة مكة المكرمة.................................................... ٧٢
إديان العرب فى الجاهلية...................................................... ٧٧
أسماء مكة الله السامية........................................................ ٨١
سبب إطلاق هذه الأسماء على الكعبة......................................... ٨٢
البلدة المرزوقة............................................................... ٨٩
أسباب تلقيب بيت الله بالألقاب الجميلة....................................... ٩٣
أعلام قلاع الحرمين الشريفين................................................. ٩٧
استيلاء طائفة القرامطة على مكة............................................ ١٠٠
الصورة الثانية :
فى ذكر وصف شكل وطراز بيوت مكة ومنازلها ودرجات الحرارة إلخ.... ١٠٢
الحسينية.................................................................. ١٠٤
وادى فاطمة.............................................................. ١٠٤
درجات الحرارة............................................................. ١٠٦
فواكه وخضراوات مكة...................................................... ١٠٩
أسباب ظهور الأمراض فى مكة.............................................. ١١٤
نصائح لمن يذهبون إلى الحجاز............................................... ١١٧
الصورة الثالثة :
لماذا أطلق على البيت المعظم الكعبة............................... ١٢٢
طواف طائر بالبيت المعظم.................................................. ١٢٧
طواف الجن بالبيت المعظم.................................................. ١٢٨
الصورة الرابعة :
التعريف بحدود كعبة الله......................................... ١٣٠
مقام إبراهيم............................................................... ١٣٤
حدود حرم الله ومواقيت كعبة الله
المكانية...................................... ١٤٤
أسماء الذين جددوا أميال المواقيت............................................ ١٤٨
الصورة الخامسة :
إيجار واستئجار بيوت مكة..................................... ١٥٠
خلاصة مسألة إيجار بيوت مكة............................................. ١٥٥
الوجهة
الثانية
فى
تفاصيل بناء مكة وعمارتها ومن بناها وأسباب تجديدها
وتعميرها
وإنقاص مساحتها وتوسيعها ١٥٧
الصورة الأولى :
الأقوال التى ذكرت فى أوليات بناء مكة............................ ١٥٧
الصورة الثانية :
تفصيل وبيان كيفية بناء الكعبة................................... ١٥٩
الصورة الثالثة :
بناء الكعبة للمرة الثانية.......................................... ١٦٣
أقوال الجمهور فى تعريف البيت المعمور........................................ ١٦٦
بشرى لمن طاف بكعبة الله.................................................. ١٧٢
الصورة الرابعة :
تجديد الكعبة للمرة الثالثة........................................ ١٧٤
الصورة الخامسة :
بناء سيدنا إبراهيم للبيت وإقامة أولاد إسماعيل فى بلدة الله المقدسة... ١٧٦
ترجمة حال سيدنا الخليل عليه السلام......................................... ١٧٧
هجرة سيدنا إبراهيم إلى مصر............................................... ٢٠١
سبب سفر الخليل عليه السلام إلى مكة
وكيفيته................................ ٢٠٦
كيف ظهر بئر زمزم........................................................ ٢١٣
الغراب الأعصم............................................................ ٢١٧
أسماء زمزم................................................................. ٢٢٣
هجرة قبائل الجراهمة........................................................ ٢٣٠
زواج إسماعيل وذهاب إبراهيم عليهما
السلام إلى مكة........................... ٢٣١
اختلاف العلماء فى مسألة الدبيح............................................ ٢٣٤
كيفية حدوث قصة الذبح.................................................. ٢٣٦
فداء إسماعيل.............................................................. ٢٤٤
تكليف الخليل ببناء الكعبة.................................................. ٢٤٨
مساحة كعبة الله وساحة البيت المعظم........................................ ٢٥١
انتقال حكومة مكة لبنى خزاعة.............................................. ٢٦٧
الصورة السادسة :
تجديد البيت العتيق للمرة الخامسة ونجاح العمالقة فى ذلك......... ٢٧٥
الصورة السابعة :
طريق تجديد البيت فى المرة السادسة.............................. ٢٧٧
الصورة الثامنة :
طريقة تجديد البيت فى المرة السابعة................................ ٢٧٨
انتقال حكومة مكة إلى قصى بن كلاب...................................... ٢٧٩
الإجازة................................................................... ٢٨٥
جاهلية العرب............................................................. ٢٨٩
تأسيس مدينة مكة المعظمة.................................................. ٢٩٣
قصى يجمع مناصب الجاهلية كلها............................................ ٢٩٥
الحجابة................................................................... ٢٩٩
السقاية................................................................... ٣٠١
الآبار الموجودة فى مكة المعظمة............................................... ٣٠٣
هل يجوز سحب السقابة من بنى العباس؟..................................... ٣٠٥
اللواء..................................................................... ٢٠٦
الندوة (الاجتماع)......................................................... ٣٠٧
السفارة................................................................... ٣٠٧
النظارة................................................................... ٣٠٨
صاحب القبة (ناصب الخيمة)............................................... ٣٠٨
التفاؤل وإجراء القرعة بالأزلام............................................... ٣٠٩
لعب القمار فى الجاهلية..................................................... ٣١٢
خازن الآلات والأموال...................................................... ٣١٣
القيادة................................................................... ٣١٨
اختلاف قريش............................................................ ٣١٨
الكهانة................................................................... ٣٢٥
العرافة.................................................................... ٣٢٦
الزجر والطيرة.............................................................. ٣٢٦
الصورة التاسعة :
كيفية بناء الكعبة للمرة الثامنة................................... ٣٣٠
ظهور حية فوق الكعبة..................................................... ٣٣٣
صورة الأنبياء وقصص مثيرة للعجب والحيرة.................................... ٣٣٨
دخول عبادة الأصنام إلى أرض الحجاز........................................ ٣٤٨
بدء ظهور عبادة الأصنام على وجه الأرض.................................... ٣٥٣
الكلمات المسموعة من أصنام أهل مكة...................................... ٣٥٨
ظهور طقوس الوثنية بين أحقاد إسماعيل....................................... ٣٧٣
أول من اعتنق عبادة الأصنام من بنى
إسماعيل.................................. ٣٧٣
معلومات خاصة بالجن والشياطين............................................ ٣٨١
قصة الفيل................................................................ ٣٩٩
معلومات خاصة فى صورة خلقة الفيل وكيفية
العناية به.......................... ٤١٥
تعريف القليس الذى بناه أبرهة فى صنعاء..................................... ٤١٦
بيت أصنام بنى بغيض...................................................... ٤١٨
هجوم ملك الروم بقصد تخريب الكعبة....................................... ٤١٩
الصورة العاشرة : فى تجديد مبانى الكعبة
للمرة التاسعة.............................. ٤٢٣
خطبة عبد الله بن الزبير..................................................... ٤٢٣
مشاورة ابن الزبير للأعيان والعظماء من
أهل مكة............................... ٤٢٨
الصورة الحادية
عشرة : فى تجديد مبانى الكعبة للمرة العاشرة......................... ٤٣٣
تعريف مراتب وألقاب الخلافة والسلطنة
والمملكة إجمالا......................... ٤٤١
الصورة الثانية
عشرة : تعمير أركان بيت الله وتشييده للمرة العاشرة................... ٤٤٥
الصورة الثالثة
عشرة : تجديد بيت الله للمرة الحادية عشرة........................... ٤٤٩
عين زبيدة................................................................ ٤٥٤
إحدى كرامات بيت الله الحرام............................................... ٤٥٤
مكافأة رضوان أغا الذى أوكل إليه أمر
تجديد البيت الحرام على جهده وإخلاصه... ٤٨٣
(الجزء
الثانى)
صورة
التاريخ الذى تم فيه تجديد الحرم فى عهد السلطان مراد
وذلك
سنة ١٠٤٠ ه ، وكيفية إتمام هذه الأعمال
صورة
الخط السلطانى المقرونة بالسعادة تقديما المقابل ٤٩١
الخدمة المؤداة لمكة المكرمة................................................... ٥٠٠
فتاوى خاصة بإصلاح ما انهدم من بيت الله................................... ٥٠٣
(الوجهة
الثالثة) فى عدد مرات توسيع البيت ومن قام بذلك ، وإرسال
الصرر
، والوقود ، والقناديل والشموع إليهما ٥٢٦
الصورة الأولى :
فى توسيع وتعديل الحرم الشريف لأول مرة.......................... ٥٢٧
الصورة الثانية :
فى توسيع حرم المسجد الحرام للمرة الثانية........................... ٥٤٥
الصورة الثالثة :
فى توسيع حرم المسجد الحرام للمرة الثالثة........................... ٥٤٧
الصورة الرابعة :
فى توسيع المسجد الحرام وتزينيه للمرة الرابعة......................... ٥٥١
الصورة الخامسة :
فى شتى ضروب تعمير المسجد الحرام وتزيينه....................... ٥٥٦
باب المعلّى................................................................ ٥٥٦
وقوع حريق فى الحرم الشريف للبيت العتيق.................................... ٥٦٢
تجديد المسجد الحرام........................................................ ٥٦٣
إنهيار كمر المروة........................................................... ٥٦٦
ألبسة ملوك الجراكسة المصريين............................................... ٥٦٧
إرسال الصرة إلى الحرمين.................................................... ٥٧٧
المقدسات المباركة التى تحتوى عليها
غرفة الأمانات الشريفة....................... ٥٨٠
الميزاب الذهبى............................................................. ٥٨١
كيفية توزيع وتقسيم الصرة المرسلة من
السلطان سليم بن بايزيد................... ٥٨٣
الغلال الواردة إلى الحرمين................................................... ٥٨٤
ترميم المقام الحنفى.......................................................... ٥٨٥
مقدار وقيمة الصرة المرسلة إلى الحرمين........................................ ٥٨٨
الصرة الخاصة بأهل مكة المكرمة............................................. ٥٨٨
الصرة الخاصة بأهل المدينة المنورة............................................. ٥٩٢
صورة العلم والخبر.......................................................... ٥٩٣
الرواتب العامة للصرة السلطانية.............................................. ٥٩٥
ترتيب بدلات الشهادات................................................... ٥٩٨
الصحيفة الخاصة بمخ الطبقة الثانية........................................... ٦٠٢
صورة الأمر والقانون........................................................ ٦٠٣
الرسالة السلطانية للشريف محمد بن عون
أمير مكة............................. ٦١٢
مقدار الوقود واللوازم الأخرى للحرم
الشريف................................... ٦١٣
ما يرسل من باب السعادة................................................... ٦١٤
ما يرسل من جانب الإدارة الخديوية.......................................... ٦١٥
ما هو مقرر أن يرسل من الشام.............................................. ٦١٥
مقدار الزيت المقرر للحجرة المعطرة
وداخل الحرم الشريف وسائر المساجد فى كل شهر ٦١٦
ما يبخر فى الحجرة السعيدة والحرم
الشريف.................................... ٦١٧
ما يوقد بشمع العسل...................................................... ٦١٨
الشمعدانات والثريات والقناديل.............................................. ٦١٩
عين زبيدة................................................................ ٦٢٢
آخر تعمير لها............................................................. ٦٣٧
المدارس الأربعة التى أقامها السلطان
سليم فى مكة وكيفية إدارتها.................. ٦٤٤
الصورة السادسة :
تجديد حرم المسجد الحرام فى عصر السلطان سليم................. ٦٤٦
صورة تاريخ سليس......................................................... ٦٥٠
رؤيا عثمان باشا........................................................... ٦٥٦
تاريخ المكتبة.............................................................. ٦٦٠
(الوجهة
الرابعة) الهدايا والتزيينات وأصحاب المعلقات العتيقة والكساوى
والقناديل
، والأشخاص الذين أهدوا للحرمين ، ومما يتكون المحمل الشريف ٦٦٣
الصورة الأولى : فى ذكر الذين قدموا
الهدايا للكعبة الله وزينوها ، والذين رمموها وعمروها عند الضرورة ٦٦٤
تاريخ تجديد الميزاب........................................................ ٦٧٠
سبب تسميته بالميزاب الذهبى............................................... ٦٧٤
النقود الإسلامية........................................................... ٦٧٨
المسكوكات العثمانية....................................................... ٦٨٧
الدرهم الشرعى............................................................ ٦٨٨
الصورة الثانية :
من قدم إلى الكعبة المعلقات والستائر.............................. ٦٩٠
الصورة الثالثة :
كيف علّقت الكسوة على كعبة الله ومن الذين نالوا شرف كسوتها وكيفية الاحتفالات فى
مختلف المناسبات ٦٩٨
محاصيل القرى السبع الموقوفة للكسوة
الشريفة.................................. ٧١٢
صورة وقف الكسوة الشريفة................................................. ٧١٤
الأماكن التى تجدد كل خمسة عشر عاما...................................... ٧١٩
موكب الكسوة الشريفة فى مصر............................................. ٧٢٤
صورة دخول المحمل الشريف مكة............................................ ٧٢٥
وصول الصرة إلى أرض الشام وخروجها منها................................... ٧٣٠
صورة إجراء حفل موكب المحمل فى مصر...................................... ٧٣١
الصورة الرابعة :
تقسيم كسوة الكعبة وبيانها....................................... ٧٣٤
وصف الستارة الشريفة..................................................... ٧٣٦
(الوجهة
الخامسة) فى أوضاع مبانى المسجد الحرام القديمة وأبوابها
وأعمدتها
وشرفها
٧٣٧
الصورة الأولى :
فى تعريف وضع المسجد الحرام القديم.............................. ٧٣٨
الصورة الثانية :
عدد أعمدة المسجد الحرام القديمة................................. ٧٣٩
الصورة الثالثة :
عدد شرفات المسجد الحرام القديمة................................ ٧٤٢
الصورة الرابعة :
عدد أبواب المسجد الحرام القديمة................................. ٧٤٣
(الوجهة
السادسة) قباب المسجد الحرام الجديدة وهيئتها وعددها وشكلها ،
وبيان
ذلك
الصورة الأولى : ما حدث للمسجد الحرام
بعد تجديده.............................. ٧٤٥
الصورة الثانية :
عدد قبب المسجد الحرام......................................... ٧٤٦
الصورة الثالثة :
عدد شرفات المسجد الحرام....................................... ٧٤٧
الصورة الرابعة :
فى بيان ما مضى ذكر من أبواب المسجد وجهاتها وعدد شرفات المسجد
وأبوابه....................................................................... ٧٤٨
الأبواب الشرقية : (السلام ـ باب النبى
ـ باب العباس ـ باب على)................. ٧٤٨
الأبواب الجنوبية : (باب بازان ، باب
البغلة ، باب الصفا ، باب جياد باب مجاهد ، باب مدرسة الشريف عجلان ، باب أم هانئ)......................................................................... ٧٤٩
الأبواب الغربية : (باب حزورة ، باب
إبراهيم ، باب العمرة)..................... ٧٥١
الأبواب الشمالية : (باب السدة ، العجلة
، القطبى ، دار الندوة ، باب الدريبة).... ٧٥٣
الصورة الخامسة :
مآذن المسجد الحرام وعددها ومآذن مكه وأماكن وجودها........... ٧٥٥
الأوراد التى تقرأ فى المآذن.................................................... ٧٥٧
الصورة السادسة :
مساحات المسجد الحرام فى الداخل والخارج وخريطة مسطحة لها..... ٧٧٤
(الوجهة
السابعة) فى تعريف الأماكن المقدسة والمساجد القديمة والمواضع
الأخرى
، وأوقات استجابة الدعاء ٧٨٣
الصورة الأولى :
الأماكن المقدسة والمواقع الميمونة................................... ٧٨٤
الأثر الأول :
المطاف الشريف.................................................. ٧٨٧
مسائل مهمة.............................................................. ٧٨٨
مواقع وعدد القناديل التى كانت توقد فى
مواسم الحج........................... ٧٩٠
سبب بناء الحطيم وتاريخ تأسيسه............................................ ٧٩١
أئمة وخطباء الحرم الشريف.................................................. ٧٩٥
خدمة المسجد الحرام........................................................ ٧٩٦
علم أصول الفقه وعلم الفقه................................................. ٧٩٩
فضائل الحطيم............................................................. ٨٠٥
الأثر الثانى :
المستجار......................................................... ٨٠٦
الأثر الثالث :
الملتزم........................................................... ٨٠٦
الأثر الرابع :
تحت الميزاب...................................................... ٨٠٧
الأثر الخامس :
حفرة المعجن.................................................... ٨٠٨
الأثر السادس :
مقام إبراهيم................................................... ٨٠٩
الأثر السابع :
داخل البيت المعظم.............................................. ٨١٥
سلم بيت الله.............................................................. ٨١٨
مسألة الصلاة داخل الكعبة................................................. ٨٢٠
الأثر الثامن :
قرب بئر زمزم.................................................... ٨٢١
تطهير بئر زمزم............................................................ ٨٢٥
مساحة بيت الله........................................................... ٨٢٨
فوق بئر زمزم.............................................................. ٨٣٠
الأثر التاسع : ما
خلف مقام إبراهيم............................................. ٨٣١
المنبر الشريف............................................................. ٨٣٢
الأثر العاشر :
الصفا.......................................................... ٨٣٢
الأثر الحادى عشر
: المروة...................................................... ٨٣٤
الميلان الأخضران.......................................................... ٨٣٥
الأثر الثانى عشر
: المسعى..................................................... ٨٣٦
الأثر الثالث عشر
: الحجر الأسود.............................................. ٨٤٠
معلومات عن الحجر الأسود................................................. ٨٤٣
عجيبة................................................................... ٨٤٥
نقل الحجر الأسود إلى بلاد هجر............................................ ٨٤٦
إعادة الحجر الأسود إلى مكة المكرمة......................................... ٨٤٩
مظالم القرامطة الخبثاء....................................................... ٨٥٠
كيفية ظهور طائفة بالقرامطة................................................ ٨٥٧
سبب تسميتهم بالقرامطة................................................... ٨٥٨
مذهب القرامطة وطقوسهم.................................................. ٨٥٩
هيئة شورى العلماء......................................................... ٨٦١
الأثر الرابع عشر
: باب الجرير (باب القفص).................................... ٨٦٤
الأثر الخامس عشر
: بيت خديجة الكبرى........................................ ٨٦٤
الأثر السادس عشر
: مولد النبى................................................ ٨٦٦
الأثر السابع عشر
: سوق الليل................................................ ٨٦٨
الأثر الثامن عشر
: دار الخيزران................................................ ٨٦٨
دار الأرقم................................................................ ٨٦٩
صخرة المحتبى.............................................................. ٨٦٩
الأثر التاسع عشر
: الحجر المتكلم.............................................. ٨٧٠
الأثر العشرون :
حجر المتكأ................................................... ٨٧٠
الأثر الحادى
والعشرون : دار العباس............................................ ٨٧١
الأثر الثانى
والعشرون : رباط الموفق.............................................. ٨٧١
الأثر الثالث
والعشرون : منى................................................... ٨٧١
صورة الخط السلطانى (الكتاب) المتضمن
أمورا خاصة باستحقاقات أهالى الحرمين... ٨٧٢
الأثر الرابع
والعشرون : الجمرات الثلاث......................................... ٨٧٦
الصورة الثانية فى ذكر المساجد المأثورة
فى مكة المكرمة........................... ٨٨١
الأثر السادس والعشرون : مسجد ذى طوى..................................... ٨٨١
الأثر السابع والعشرون : مسجد التنعيم.......................................... ٨٨٢
الأثر الثامن والعشرون : صهاريج سنان
باشا...................................... ٨٨٢
الأثر التاسع والعشرون : مسجد الجن............................................ ٨٨٥
الأثر الثلاثون : مسجد الراية................................................... ٨٨٨
الأثر الحادى والثلاثون : مسجد المدعا........................................... ٨٨٨
الأثر الثانى والثلاثون : مسجد البيعة............................................ ٨٨٩
الأثر الثالث والثلاثون : مسجد النحر........................................... ٨٩١
الأثر الرابع والثلاثون : مسجد الخيف........................................... ٨٩١
الأثر الخامس والثلاثون : مسجد الكبش......................................... ٨٩٣
الأثر السادس والثلاثون : مسجد المرسلات...................................... ٨٩٤
الأثر السابع والثلاثون : مسجد إبراهيم.......................................... ٨٩٥
الأثر الثامن والثلاثون : مسجد المشعر........................................... ٨٩٦
المزدلفة................................................................... ٨٩٦
المأزمين................................................................... ٨٩٦
|