
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الإمام الثالث أبي عبد الله الحسين الزكي ع
قال الشيخ كمال الدين
رحمهالله الباب الثالث في أبي
عبد الله الحسين الزكي ع وفيه اثنا عشر فصلا ١ في ولادته ٢ في نسبه ٣ في تسميته ٤ في
كنيته ولقبه ٥ فيما ورد في حقه من النبي ص وإمامته ٦ في شجاعته وشرف نفسه ٧ في كرمه
٨ في كلامه ٩ في أولاده ١٠ في عمره ١١ في خروجه من المدينة إلى مكة إلى العراق ١٢ في
مصرعه ومقتله.
الأول في ولادته ع
ولد بالمدينة بخمس
خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وكانت والدته الطهر البتول فاطمة ع علقت به بعد أن
ولدت أخاه الحسن ع بخمسين ليلة هكذا صح النقل فلم يكن بينه وبين أخيه ع سوى هذه المدة
المذكورة ومدة الحمل ولما ولد وأعلم النبي ص به أخذه وأذن في أذنه.
قيل أذن في أذنه اليمنى
وأقام في اليسرى.
قال الشيخ المفيد رحمهالله ولد بالمدينة في التاريخ
المذكور قال وجاءت به أمه فاطمة ع إلى جده رسول الله ص فاستبشر به وسماه حسينا وعق
عنه كبشا وكذلك قال الحافظ عبد العزيز الجنابذي رحمهالله تعالى.
الثاني في نسبه ع
نسبه نسب أخيه الحسن
ع وقد تقدم ذكره وهو النسب الذي
افترع هام الكواكب
شرفا وعلا وفاق النيرات سنا وسناء فلا حاجة إلى إعادة ذكره.
الثالث في تسميته
قال كمال الدين رحمهالله هذا الاسم سماه به
رسول الله ص فإنه لما أعلم به أخذه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وقال سموه
حسينا فكانت تسميته أخيه بالحسن وتسميته بالحسين صادرة عن النبي ص ثم إنه ص عق عنه
وذبح عنه كبشا وحلقت والدته ع رأسه وتصدقت بوزن شعره فضة كما أمرها رسول الله ص وقد
تقدم ذلك في أخبار الحسن ع.
الرابع في كنيته ولقبه
قال كمال الدين رحمهالله ك نيته أبو عبد الله
لا غير وأما ألقابه فكثيرة الرشيد والطيب والوفي والسيد والزكي والمبارك والتابع لمرضاة
الله والسبط فكل هذه كانت تقال له وتطلق عليه وأشهرها الزكي لكن أعلاها رتبة ما لقبه
به رسول الله ص في قوله عنه وعن أخيه إنهما سيدا شباب أهل الجنة فيكون السيد أشرفها
وكذلك السبط فإنه صح عن رسول الله ص أنه قال حسين سبط من الأسباط وسيأتي هذا الحديث
في الفصل الخامس تلو هذا إن شاء الله تعالى.
قال ابن الخشاب رحمهالله يكنى بأبي عبد الله
لقبه الرشيد والطيب والوفي والسيد والمبارك والتابع لمرضاة الله والدليل على ذات الله
عزوجل والسبط.
الخامس
في إمامته وما ورد في حقه من النبي ص قولا وفعلا
أما إمامته ع فدليلها
النص من أبيه وجده ع ووصيه أخيه
__________________
الحسن ع إليه فكانت
إمامته بعد وفاة أخيه بما قدمناه ثابتة وطاعته لجميع الخلق لازمة وإن لم يدع إلى نفسه
ع للتقية التي كان عليها والهدنة الحاصلة بينه وبين معاوية والتزم الوفاء بها وجرى
في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين وثبوت إمامته بعد النبي ص مع الصموت وإمامة أخيه الحسن
ع بعد الهدنة مع الكف والسكوت وكانوا في ذلك على سيرة نبي الله ص وهو في الشعب محصور
وعند خروجه مهاجرا من مكة فلما مات معاوية وانقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسين
بن علي ع من الدعوة إلى نفسه أظهر أمره بحسب الإمكان وأبان عن حقه للجاهلين به حالا
بحال إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار فدعا ع إلى الجهاد وشمر للقتال وتوجه بولده
وأهل بيته من حرم الله وحرم رسوله ص نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.
وقدم أمامه ابن عمه
مسلم بن عقيل رضي الله عنه وأرضاه للدعوة إلى الله والبيعة له فبايعه أهل الكوفة على
ذلك وعاهدوه وضمنوا له النصرة والنصيحة ووثقوا له في ذلك وعاقدوه ثم لم تطل المدة بهم
حتى نكثوا بيعته وخذلوه وأسلموه وقتل بينهم ولم يمنعوه وخرجوا إلى الحسين ع فحضروه
ومنعوه المسير في بلاد الله واضطروه إلى حيث لا يجد ناصرا ولا مهربا منهم وحالوا بينه
وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه وقتلوه فمضى ع ظمآن مجاهدا صابرا محتسبا مظلوما قد
نكثت بيعته وانتهكت حرمته ولم يوف له بعهد ولا رعيت فيه ذمة عقد شهيدا على ما مضى عليه
أبوه وأخوه ع والصلاة والرحمة.
أقول مناقب الحسين
ع واضحة الظهور وسنا شرفه ومجده مشرق النور فله الرتبة العالية والمكانة السامية في
كل الأمور فما اختلف في نبله وفضله واعتلاء محله أحد من الشيعة ولا الجمهور.
عرف العالمون فضلك
بالعلم
|
|
وقال الجهال بالتقليد
|
وكيف لا يكون كذلك
وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه وظهرت مخائل السؤدد على شمائله وأعطافه وكاد الجلال
يقطر من نواحيه وأطرافه وهذا قول لا أخاف أن يقول مسلم بخلافه الجد محمد المصطفى والأب
علي المرتضى والجدة خديجة الكبرى والأم فاطمة الزهراء والأخ الحسن ذو الشرف والفخار
والعم جعفر الطيار والبيت من هاشم الصفوة الأخيار فهو وأخوه ع صفوة الصفوة ونور الأنوار
وهو في نفسه السيد الشريف والطود المنيف والشجاع الغطريف والأسد الهصور
والفارس المذكور والعلم
المشهور.
أتاه المجد من هنا
وهنا
|
|
وكان له بمجتمع السيول
|
وقد تقدم في أخبار
أبيه وأخيه ما هو قسيمهما فيه فما افترعا غارب
مجد إلا افترعه ولا
جمعا شمل سؤدد إلا جمعه ولا نالا رتبة علاء إلا نالها ولا طالا هضبة عز
إلا طالها وأنا أذكر
في هذا الفصل شيئا مما ورد في وصف فضائله وما ورد فيه التذاذا بتكرير مناقبه ومفاخره
وطربا بعد مزاياه ومآثره وإن كان في تضاعيف هذا الكتاب من نعوته وصفاته ما فيه غنية
كافية لأولي الألباب والله الموفق للصواب.
قال يعلى بن مرة سمعت
رسول الله ص يقول حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط.
وروي عن أبي عوانة
يرفعه إلى النبي ص أنه قال إن الحسن والحسين شنفا العرش
وإن الجنة قالت يا
رب أسكنتني الضعفاء والمساكين فقال الله تعالى لها أما ترضين أني زينت أركانك بالحسن
والحسين قال فماست كما تميس
__________________
العروس فرحا .
وروي عن جعفر بن محمد
الصادق ع قال اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله ص فقال رسول الله ص إيها حسن خذ
حسينا فقالت فاطمة ع يا رسول الله أتستنهض الكبير على الصغير فقال رسول الله ص هذا
جبرئيل يقول للحسين إيها حسين خذ الحسن.
وروي عن أم الفضل بنت
الحارث أنها دخلت على رسول الله ص فقالت يا رسول الله رأيت البارحة حلما منكرا
قال وما هو قالت إنه
شديد قال ما هو قالت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت فوضعت في حجري فقال رسول الله ص رأيت
خيرا تلد فاطمة ع الحسين
قالت وكان في حجري
كما قال رسول الله ص فدخلت يوما على النبي ص فوضعته في حجره ثم حانت مني التفاته فإذا
عينا رسول الله ص تهرقان بالدموع
فقلت بأبي أنت وأمي
يا رسول الله ما لك قال أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا وأتاني بتربة
من تربته حمراء.
وروي عن أم سلمة رضي
الله عنها قالت بينا رسول الله ص ذات يوم جالس والحسن والحسين ع في حجره إذ هملت عيناه
بالدموع
فقلت يا
__________________
رسول الله ما لي أراك
تبكي جعلت فداك فقال جاءني جبرئيل ع فعزاني بابني الحسين وأخبرني أن طائفة من أمتي
تقتله لا أنالهم الله شفاعتي.
وروي بإسناد آخر عن
أم سلمة رضي الله عنها قالت خرج رسول الله ص من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا وعاد
وهو أشعث أغبر ويده مضمومة فقلت يا رسول الله ما لي أراك أشعث مغبرا فقال أسري بي في
هذا الوقت إلى موضع من العراق يقال له كربلاء فأريت فيه مصرع الحسين ابني وجماعة من
ولدي وأهل بيتي فلم أزل ألقط دمائهم فها هي في يدي وبسطها لي فقال لي خذيها فاحتفظي
بها فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر فوضعته في قارورة وسددت رأسها واحتفظت بها فلما
خرج الحسين ع من مكة متوجها إلى العراق كنت أخرج تلك القارورة في كل يوم فأشمها وأنظر
إليها وأبكي لمصابه فلما كان اليوم العاشر من المحرم وهو اليوم الذي قتل فيه ع أخرجتها
في أول النهار وهي بحالها ثم عدت إليها في آخر النهار فإذا هي دم عبيط فصحت في بيتي
وبكيت وكظمت غيظي مخافة أن تسمع أعداؤهم بالمدينة فيسرعوا بالشماتة فلم أزل حافظة للوقت
واليوم حتى جاء الناعي ينعاه فحقق ما رأيت.
وروي أن النبي ص كان
ذات يوم جالسا وحوله علي وفاطمة والحسن والحسين ع فقال لهم كيف أنتم إذا كنتم صرعى
وقبوركم شتى فقال له الحسين ع أنموت موتا أو نقتل قتلا فقال بل تقتل يا بني ظلما ويقتل
أخوك ظلما وتشرد ذراريكم
في الأرض فقال الحسين
ع ومن يقتلنا يا رسول الله قال شرار الناس قال فهل يزورنا بعد قتلنا أحد قال نعم يا
بني طائفة من أمتي يريدون بزيارتكم بري وصلتي فإذا كان يوم القيامة جئتها إلى الموقف
حتى آخذ بأعضادها فأخلصها من أهواله وشدائده
قلت هذا الخبر بهذه السياقة
نقلته من إرشاد الشيخ المفيد رحمهالله تعالى وعندي فيه نظر
فإن الحسين ع كان أصغر الجماعة الذين ذكرهم ع
__________________
فكيف خصه بالسؤال والجواب
دونهم وكيف صدع قلبه على صغره وحداثته بذكر القتل وأزعج قلب الأم ع بما لقي به ولديها
ع وكيف تفرغ الحسين ع مع سماع هذا جميعه إلى أن يسأل عن الزوار والله سبحانه أعلم.
" وروى عبد الله
بن شريك العامري قال كنت أسمع أصحاب محمد ع إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد يقولون
هذا قاتل الحسين بن علي ع وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل.
وروى سالم بن أبي حفصة
قال قال عمر بن سعد للحسين يا با عبد الله إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك فقال
الحسين ع إنهم ليسوا بسفهاء ولكنهم حلماء أما إنه يقر بعيني أنك لا تأكل بر العراق
بعدي إلا قليلا.
" وروى يوسف بن
عبيدة قال سمعت محمد بن سيرين يقول لم نر هذه الحمرة في السماء إلا بعد قتل الحسين
ع.
وروى سعد الإسكاف قال
قال أبو جعفر محمد بن علي ع كان قاتل يحيى بن زكريا ع ولد زنا وكان قاتل الحسين بن
علي ع ولد زنا ولم تحمر السماء إلا لهما.
وروى سفيان بن عيينة
عن علي بن زيد عن علي بن الحسين ع قال خرجنا مع الحسين ع فما نزلنا منزلا ولا ارتحلنا
منه إلا وذكر يحيى بن زكريا ع وقال يوما من الأيام من هوان الدنيا على الله عزوجل أن رأس يحيى بن زكريا
أهدي إلى بغي من بغايا من بني إسرائيل وتظاهرت الأخبار بأنه
لم ينج أحد من قاتل الحسين ع وأصحابه رضي الله عنهم من قتل أو بلاء افتضح به قبل موته.
قال الشيخ كمال الدين
رحمهالله الفصل الخامس فيما
ورد في حقه من جهة النبي ص قولا وفعلا وهو فصل مستحلى الموارد والمصادر ومستعلى المحامد
والمآثر مسفر عن جمل المناقب السوافر مشعر بأن الحسن والحسين ع أحرزا على المعالي وأفخرا
المفاخر فإن رسول الله ص
__________________
خصهما من مزايا العلاء
بأتم معنى ومنحهما من سجايا
الثناء كل مثنى فأفرد وثنى ومدح وأثنى وأنزلهما ذروة السناء الأسنى فأما ما يخص الحسن
ع فقد تقدم في فضله وأما تمام المشترك وما يخص الحسين فهذا أوان إحراز خصله
فمنه حديث حذيفة بن
اليمان رضي الله عنه أخرجه الإمام أحمد بن حنبل والترمذي كل منهما في صحيحه يرويه عنه
بسنده وقد تقدم طرف منه في فضل فاطمة ع
وجملة الحديث أن حذيفة
قال لأمه دعيني آتي رسول الله ص فأصلي معه وأسأله أن يستغفر لي ولك فأتيته وصليت معه
المغرب ثم قام فصلى حتى صلى العشاء ثم انفتل فتبعته فسمع صوتي فقال من هذا حذيفة قلت
نعم قال ما حاجتك قلت تستغفر لي ولأمي فقال غفر الله لك ولأمك إن هذا ملك لم ينزل الأرض
قط من قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة
وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
ومنه ما أخرجه الترمذي
أيضا أن النبي ص أبصر حسنا وحسينا فقال اللهم إني أحبهما فأحبهما.
ومنه ما رواه ابن الجوزي
رحمهالله بسنده في صفة الصفوة
عن رسول الله ص أنه قال إن هذان ابناي فمن أحبهما فقد أحبني يعني الحسن والحسين.
ومن المشترك جملة تقدمت
في فضل الحسن ع فلا حاجة إلى إعادتها هاهنا.
ومنه ما أخرجه أيضا
الترمذي بسنده عن يعلى بن مرة قال قال رسول الله ص حسين مني وأنا من حسين أحب الله
من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط.
" ومنه ما نقله
الإمام محمد بن إسماعيل البخاري والترمذي رضي الله عنهما بسندهما كل واحد منهما في
صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنه وسأله رجل عن دم البعوض
__________________
فقال ممن أنت فقال
من أهل العراق فقال انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن النبي ص وسمعت
النبي ص يقول هما ريحانتاي من الدنيا.
وروي أنه سأله عن المحرم
يقتل الذباب فقال يا أهل العراق تسألوني عن قتل الذباب وقد قتلتم ابن رسول الله ص وذكر
الحديث وفي آخره وهما سيدا شباب أهل الجنة.
" ومنه ما أخرجه
الترمذي رحمهالله في صحيحه بسنده عن
سلمى الأنصارية قالت دخلت على أم سلمة زوج النبي ص وهي تبكي فقلت ما يبكيك قالت رأيت
الآن النبي ص في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب فقلت ما لك يا رسول الله قال شهدت
قتل الحسين آنفا.
" ومنه ما أخرجه
البخاري والترمذي رضي الله عنهما في صحيحيهما كل منهما بسنده عن أنس رضي الله عنه قال
أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين ع فجعل في طست فجعل ينكته فقال في حسنه شيئا قال
أنس فقلت والله إنه كان أشبههم برسول الله ص وكان مخضوبا بالوسمة.
وفي رواية الترمذي
فجعل يضرب بقضيب في أنفه ولقد وفق الترمذي فإنه لما روى هذا الحديث وذكر فعل ابن زياد
زاده الله عذابا نقل ما فيه اعتبار واستبصار فإنه روى في صحيحه بسنده عن عمار بن عمير
قال لما قتل عبيد الله بن زياد وجيء برأسه ورءوس أصحابه ونضدت في المسجد في الرحبة
فانتهيت إليهم والناس يقولون قد جاءت قد جاءت فإذا حية قد جاءت تخلل الرءوس حتى جاءت
فدخلت في منخر عبيد الله بن زياد فمكث هنيئة ثم خرجت فذهبت حتى تغيبت ثم قالوا قد جاءت
ففعلت ذلك مرارا.
قال علي بن عيسى عفا
الله عنه بكرمه ووفقه لتأدية شكر إحسانه ونعمه لا ريب أن هذه موعظة لأولى الأبصار وعجيبة
من عجائب هذه الدار وصغيرة بالنسبة إلى
__________________
ما أعد الله لهؤلاء
الظلمة من عذاب النار فإنهم ركبوا من قتل الحسين وأهله وسبي حريمه ما لا يركب مثله
مردة الكفار ولا يقدم عليه إلا من خلع ربقة الدين وجاهر الله بالعداوة فحسبه جهنم (وَبِئْسَ الْقَرارُ).
قلت وقد ذكره عز الدين
بن الأثير الجزري رحمهالله في تاريخه.
وروى الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي في كتابه معالم العترة الطاهرة مرفوعا إلى عائشة قالت كانت لنا
مشربة فكان النبي ص إذا أراد لقاء جبرئيل ع لقيه فيها فلقيه رسول الله
ص مرة من ذلك فيها وأمر عائشة أن لا يصعد إليه أحد ودخل حسين بن علي ولم تعلم حتى غشيهما
فقال له جبرئيل من هذا فقال رسول الله ص ابني فأخذه النبي ص فجعله على فخذه فقال أما
إنه سيقتل فقال رسول الله ص ومن يقتله قال أمتك فقال النبي ص أمتي تقتله قال نعم وإن
شئت أخبرتك بالأرض التي تقتل فيها فأشار جبرئيل إلى الطف بالعراق وأخذ تربة حمراء فأراه
إياها وقال هذه من تربة مصرعه.
ومن الكتاب المذكور
عن الأصبغ بن نباته عن علي ع قال أتينا معه موضع قبر الحسين فقال علي ع هاهنا مناخ
ركابهم وموضع رحالهم وهاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد ص يقتلون بهذه العرصة تبكي
عليهم السماء والأرض.
ومنه يرفعه إلى عبد
الله بن مسعود قال بينما نحن جلوس عند النبي ص إذ دخل فتية من قريش فتغير لونه فقلنا
يا رسول الله لا نزال نرى في وجهك الشيء نكرهه فقال أنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة
على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي تطريدا وتشريدا.
ومن كتابه مرفوعا إلى
العوام بن حوشب قال بلغني أن رسول الله ص نظر إلى شباب من قريش كأن وجوههم سيوف مصقولة
ثم رئي في وجهه كابة
حتى
__________________
عرفوا ذلك فقالوا يا
رسول الله ما شأنك قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وأني ذكرت ما
يلقى أهل بيتي من بعدي من أمتي من قتل وتطريد وتشريد.
وروى الجنابذي مرفوعا
إلى يحيى بن أبي بكر عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي ع حين أتاه الناس فقام فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس انسبوني وانظروني من أنا ثم ارجعوا أنفسكم
وعاتبوها فانظروا هل يحل لكم سفك دمي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم ص وابن ابن
عمه وابن أولى المؤمنين بالله أوليس حمزة سيد الشهداء عمي أولم يبلغكم قول رسول الله
ص مستفيضا فيكم لي ولأخي أنا سيدا شباب أهل الجنة أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك
حرمتي قالوا ما نعرف شيئا مما تقول فقال إن فيكم من سألتموه لأخبركم أنه سمع ذلك من
رسول الله ص في وفي أخي الحسن سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس بن مالك يحدثكم
أنه سمع ذلك من رسول الله ص في وفي أخي فإن كنتم تشكون في هذا فتشكون في إني ابن بنت
نبيكم ص فو الله ما تعمدت كذبا منذ عرفت إن الله تعالى يمقت على الكذب أهله ويضربه
من اختلقه فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم أنا
ابن بنت نبيكم ص خاصة دون غيره خبروني هل تطلبوني بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته
أو بقصاص من جراحة فسكتوا قال أفقر عباد الله إلى رحمته وشفاعة نبيه وأئمته ع علي بن
عيسى أغاثه الله تعالى يوم الفزع الأكبر كأن الحسين ع فارس الحرب الذي لا يصطلى بناره
ولا تقدم غلب الأسود على شق غباره ولم يقل هذا القول ضراعة ولا خوارا
فإنه كان عالما بما
يئول أمره إليه عارفا بما هو قادم عليه عرف ذلك من أبيه وجده عليهم الصلاة والسلام
واطلع على حقيقته بما خصه الله به من بين الأنام فله الكشف والنظر وهو وأخوه قبله وبنوه
من بعده خيرة
__________________
الله من البشر ينظرون
إلى الغيب من وراء ستر رقيق ويشاهدون بمرايا خواطرهم الصقيلة ويشهدون بعداوة العدو
وصداقة الصديق وإنما كان ذلك القول منه وتكراره إقامة للحجة عليهم ودفعا في صدر من
ربما قال لم أعلم أو كنت مشدوها
أو اشتبه علي الأمر
فلم أهتد لوجه الصواب فنفى هذه الاحتمالات بإنذاره وإعذاره وتركهم ولا حاجز بينهم وبين
عذاب الله وناره (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)
السادس في علمه وشجاعته وشرف نفسه
أقول والله الموفق
للصواب إن علوم أهل البيت ع لا تتوقف على التكرار والدرس ولا يزيد يومهم فيها على ما
كان في الأمس ولا يعلمونها بالقياس والفكر والحدس لأنهم المخاطبون في أسرارهم المكلمون
بما يسألونه قبل ارتداد النفس فسماء معارفهم وعلومهم بعيدة عن الإدراك واللمس فمن أراد
ستر فضائلهم كان كمن أراد ستر وجه الشمس وهذا مما يجب أن يكون ثابتا مقررا في النفس
فهم يرون عالم الغيب في عالم الشهادة ويقفون على حقائق المعارف في خلوات العبادة وتناجيهم
أفكارهم في أوقات أذكارهم بما تسنموا به غارب الشرف والسيادة ويحصلون بصدق توجههم إلى
جنات القدس ما بلغوا به منتهى السؤال والإرادة فهم كما في نفوس أوليائهم ومحبيهم وزيادة
فما تزيد معارفهم في زمان الشيخوخة على معارفهم في زمان الولادة فهم خيرة الخير وزبدة
الحقب وواسطة القلادة وهذه أمور تثبت لهم بالقياس والنظر ومناقب واضحة الحجول بادية
الغرور ومزايا تشرق إشراق الشمس والقمر وسجايا تزين عنوان التواريخ وعيون السير فما
سألهم مستفيد أو ممتحن فوقفوا ولا أنكر منكر أمرا من أمور الدين إلا علموا وعرفوا ولا
جروا مع غيرهم في مضمار شرف إلا سبقوا وقصر مجاروهم وتخلفوا سنة جرى عليها الذين تقدموا
وأحسن اتباعهم الذين خلفوا وكم عانوا في الجلاد والجدال أمورا
__________________
فتلقوها بالرأي الأصيل
والصبر الجميل وما استكانوا ولا ضعفوا فلهذا وأمثاله سموا على الأمثال وشرفوا.
فأيهم اعتبرت أحواله
وتدبرت أقواله وشاهدت جلاده وجداله وجدته فريدا في مآثره وحيدا في مزاياه ومفاخره مصدقا
قديم أوله بحديث آخره فقد أفرغوا في قالب الكمال وتفردوا بجميل الخلال وارتدوا مطارف
المجد والجلال وقالوا فأبانوا وبينوا تقصير كل من قال وأتوا بالإعجاز الباهر في الجواب
والسؤال تقر الشقاشق إذا هدرت شقاشقهم
وتصغي الأسماع إذا
قال قائلهم أو نطق ناطقهم ويكثف الهواء إذا قيست به خلائقهم ويقف كل ساع عن شأوهم فلا
تدرك غايتهم ولا تنال طرائقهم سجايا منحهم بها خالقهم وأخبر بها صادقهم فسر بها أولياؤهم
وأصادقهم وحزن لها مبانيهم ومفارقهم فإنه ص أزال الشبهة والالتباس وصرح بفضلهم لئلا
يفتقر في إيضاحه إلى الدليل والقياس ونطق معلنا بشرفهم الداني الثمار الزاكي الغراس
فقال لو سمع مقاله إنا بني عبد المطلب سادات الناس صلى الله عليه وعليهم أجمعين صلاة
دائمة باقية إلى يوم الدين.
وقد حل الحسين ع من
هذا البيت الشريف في أوجه ويفاعه
وعلا محله فيه علوا
تطامنت النجوم عن ارتفاعه واطلع بصفاء سره على غوامض المعارف فكشفت له الحقائق عند
اطلاعه وسار صيته بالفواضل والفضائل فاستوى الصديق والعدو في استماعه فلما اقتسمت غنائم
المجد حصل على صفاياه ومرباعه فقد اجتمع فيه وفي أخيه ع من خلال الفضل ما لا خلاف في
اجتماعه وكيف لا يكونا كذلك وهما ابنا علي وفاطمة ع بلا فصل وسبطا النبي ص فأكرم بالفرع
والأصل والسيدان الإمامان قاما أو قعدا فقد استوليا على الأمد وحازا الخصل والحسين
ع هو الذي أرضى غرب السنان وحد النصل و
__________________
غادر جثث الأعداء فرائس
الكواسب بالهبر والفصل
وأما شجاعته ع فقد
قال كمال الدين رحمهالله اعلم وفقك الله على
حقائق المعاني ووفقك لإدراكها أن الشجاعة من المعاني القائمة بالنفوس والصفات المضافة
إليها فهي تدرك بالبصيرة لا بالبصر ولا تمكن معرفتها بالحس مشاهدة لذاتها إذ ليست أجساما
كثيفة بل طريق معرفتها والعلم بها مشاهدة آثارها فمن أراد أن يعلم أن زيدا موصوف بالشجاعة
فطريقه أن ينظر إلى ما يصدر منه فإذا أحدقت الرجال وحدقت الآجال وحقت الأوجال وتضايق
المجال وحاق القتال
فإن كان مجزاعا مهلاعا
مرواعا مفزاعا فتراه يستركب الهزيمة ويستبقها ويستصوب الدنية ويتطوقها ويستعذب المفرة
ويستفوقها ويستصحب الذلة ويتعلقها مبادرا إلى تدرع عار الفرار من شبا الشفار
مشيحا عن الفخار
باقتحام الأخطار في
مقر القراع بكل خطار
فذلك مهبول الأم
مخبول الفهم مفلول
الجمع معزول عن السمع مضروب بينه وبين الشجاعة بحجاب مكتوب بينه وبين الشهامة بإبراء
في كتاب ولا تعرف نفسه شرفا ولا تجد عن الخساسة والدناءة منصرفا.
وإن كان مجسارا مجزارا
كرارا صبارا يسمع من أصوات وقع الصوارم نغم المزاهر المطربة ويسرع إلى مصاف التصادم
مسارعته إلى مواصلة النواضر المعجبة خائضا غمرات الأهوال بنفس مطمئنة وعزيمة مطنبة
يعد مصافحة
__________________
الصفاح غنيمة باردة
ومرامحة الرماح فائدة عائدة ومكافحة الكتائب مكرمة زائدة ومناوحة المقانب
منقبة شاهدة يعتقد
أن القتل يلحقه ظلل الحياة الأبدية ويسعفه حلل المحامد السرمدية ويزلفه في منازل الفخار
العلية المعدة للشهداء الأحدية جانحا إلى ابتياع العز بمهجته ويراها ثمنا قليلا جامحا
عن ارتكاب الدنايا وإن غادره جماحه قتيلا.
يرى الموت أحلى من
ركوب دنية
|
|
ولا يغتدي للناقصين
عديلا
|
ويستعذب التعذيب
فيما يفيده
|
|
نزاهته عن أن يكون
دليلا
|
فهذا مالك أزمة الشجاعة
وحائزها وله من قداحها معلاها وفائزها قد تفوق بها لبان الشرف واغتذاه وتطوق درة سحابه
المستحلى وتحلاه وعبق نشر أرجه المنتشر مما أتاه ونطق فعله بمدحه وإن لم يفض فاه وصدق
والله واصفه بالشجاعة التي يحبها الله.
وإذا ظهرت دلائل الآثار
على مؤثرها وأسفرت عن تحقق مثيرها ومشمرها فقد صرح النقلة في صحائف السير بما رأوه
وجزموا القول بما نقله المتقدم إلى المتأخر فيما رووه أن الحسين ع لما قصد العراق وشارف
الكوفة سرب إليه أميرها يومئذ عبيد الله بن زياد الجنود لمقابلته أحزابا وحزب عليه
الجيوش لمقاتلته أسرابا
وجهز من العساكر عشرين
ألف فارس وراجل يتتابعون كتائبا وأطلابا فلما حضروه وأحدقوا به شاكين في العدة والعديد
ملتمسين منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد فإن أبى ذلك فليؤذن بقتال يقطع الوتين
وحبل الوريد ويصعد الأرواح إلى المحل الأعلى ويصرع الأشباح على الصعيد فتبعت نفسه الأبية
جدها وأباها وعزفت عن التزام الدنية فأباها ونادته النخوة الهاشمية فلباها ومنحها بالإجابة
إلى مجانبة الذلة وحباها فاختار مجالدة الجنود ومضاربة ظباها ومصارمة صوارمها وشيم
شباها ولا يذعن
__________________
لوصمة
تسم بالصغار من شرفه
خدودا وجباها.
وقد كان أكثر هؤلاء
المخرجين لقتاله قد شايعوه وكاتبوه وطاوعوه وعاهدوه وتابعوه وسألوه القدوم عليهم ليبايعوه
فلما جاءهم كذبوه ما وعدوه وأنكروه وجحدوه ومالوا إلى السحت العاجل فعبدوه وخرجوا إلى
قتاله رغبة في عطاء ابن زياد فقصدوه فنصب ع نفسه وإخوته وأهله وكانوا نيفا وثمانين
لمحاربتهم واختاروا بأجمعهم القتل على متابعتهم ليزيد ومبايعتهم فاعتلقتهم الفجرة اللئام
ورهقتهم المردة الطغام ورشقتهم النبال والسهام وأوثقتهم من شبا شفارها الكلام.
هذا والحسين ع ثابت
لا تخف حصاة شجاعته ولا تجف عزيمة شهامته وقدمه في المعترك أرسى من الجبال وقلبه لا
يضطرب لهول القتال ولا لقتل الرجال وقد قتل قومه من جموع ابن زياد جمعا جما وأذاقوهم
من الحمية الهاشمية رهقا وكلما
ولم يقتل من العصابة
الهاشمية قتيل حتى أثخن في قاصديه وقتل وأغمد ظبته في أبشارهم وجدل فحينئذ تكالبت طغام
الأجناد على الجلاد وتناسبت الأجلاد في المفاضلة بالحداد وثبت كثرة الألوف منهم على
قلة الآحاد وتقاربت من الأنوف الهاشمية الآجال المحتومة على العباد فاستبقت الأملاك
البررة إلى الأرواح وباء الفجرة بالآثام في الأجساد فسقطت أشلاؤهم المتلاشية على الأرض
صرعى تصافح منها صعيدا ونطقت حالهم بأن لقتلهم يوما (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها
وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) وتحققت النفوس المطمئنة
بالله كون الظالم والمظلوم شقيا وسعيدا وضاقت (الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ) على حرم الحسين ع وأطفاله
إذ بقي وحيدا.
فلما رأى ع وحدته ورزء
أسرته وفقد نصرته تقدم على فرسه إلى القوم حتى واجههم
__________________
وقال لهم. يا أهل الكوفة
قبحا لكم وتعسا حين استصرختمونا والهين فأتيناكم موجفين
فشحذتم علينا سيفا
كان في أيماننا وحششتم علينا نارا
نحن أضرمناها على أعدائكم
وأعدائنا فأصبحتم ألبا
على أوليائكم ويدا
لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم ولا ذنب كان منا إليكم فلكم الويلات هلا إذ كرهتمونا
والسيف ما شيم والجأش ما طاش والرأي لم يستحصد ولكنكم أسرعتم
إلى بيعتنا إسراع الدنيا وتهافتم إليها كتهافت الفراش ثم نقضتموها سفها وضلة وطاعة
لطواغيت الأمة وبقية الأحزاب ونبذ الكتاب ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلونا (أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ). ثم حرك إليهم فرسه وسيفه مصلت في يده وهو آيس من نفسه عازم
على الموت وقال هذه الأبيات.
أنا بن علي الخير
من آل هاشم
|
|
كفاني بهذا مفخر
حين أفخر
|
وجدي رسول الله أكرم
من مشى
|
|
ونحن سراج الله في
الخلق تزهر
|
وفاطمة أمي سلالة
أحمد
|
|
وعمي يدعى ذا الجناحين
جعفر
|
وفينا كتاب الله
أنزل صادقا
|
|
وفينا الهدى والوحي
والخير يذكر
|
ونحن ولاة الحوض
نسقي محبنا
|
|
بكأس رسول الله ما
ليس ينكر
|
وشيعتنا في الناس
أكرم شيعة
|
|
ومبغضنا يوم القيامة
يخسر
|
ثم دعا الناس إلى البراز
فلم يزل يقاتل ويقتل من برز إليه منهم من عيون
__________________
الرجال حتى قتل منهم
مقتلة كثيرة فتقدم إليه شمر بن ذي الجوشن في جمعه وسيأتي تفصيل ما جرى بعد ذلك في فصل
مصرعه ع إن شاء الله.
هذا وهو كالليث المغضب
لا يحمل على أحد منهم إلا نفحه بسيفه
فألحقه بالحضيض فيكفي
ذلك في تحقيق شجاعته وشرف نفسه شاهدا صادقا فلا حاجة معه إلى ازدياد في الاستشهاد آخر
كلام كمال الدين رحمهالله.
قلت شجاعة الحسين ع
يضرب بها المثل وصبره في مأقط الحرب
أعجز الأواخر والأول
وثباته إذا دعيت نزال ثبات الجبل وإقدامه إذا ضاق المجال إقدام الأجل ومقامه في مقابلة
هؤلاء الفجرة عادل مقام جده ص ببدر فاعتدل وصبره على كثرة أعدائه وقلة أنصاره صبر أبيه
ع في صفين والجمل ومشرب العداوة واحد فبفعل الأول فعل الآخر ما فعل فكم من فارس مدل
ببأسه جدله ع فانجدل وكم من بطل طل دمه فبطل وكم حكم سيفه فحكم في الهوادي والقلل فما
لاقى شجاعا إلا وكان لأمه الهبل وحشرهم الله وجازى كلا بما قدم من العمل وإذا علمت
أن شعار الحسين ع وأصحابه أعل يا حق وشعار أعدائه أعل هبل علمت أن هؤلاء في نعيم لا
يزول وأولئك في شقاء لم يزل وكما قتل أبوه وانتقل إلى جوار ربه قتل هو وانتقل وكان
له عند الله مرتبة لا تنال إلا بالشهادة فتم له ما أراد وكمل وباء قاتلوه بنار الله
المؤصدة في الآخرة ولا يهدي الله من أضل وما سلموا من آفات الدنيا بل عجلت لهم العقوبة
فعمت من رضي ومن خذل ومن قتل فتبا لآرائهم الغائلة وعقولهم الذاهلة فلقد أعماهم القضاء
إذ نزل (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وسمعهم وأبصارهم فما
منهم إلا من جار عن الصواب وعدل فما أنصف ولا عدل وضلوا عن الحق فما لهم فيه قول ولا
عمل وقبحا وشقحا
لتلك القلوب التي غطاها
الرين فلم تفرق بين ما علا واستفل وسوأة لتلك الوجوه التي شوهها الكفر والفسوق والعصيان
وسودها الخطأ والخطل وسبة
__________________
لتلك الأحلام الطائشة
التي عذلت لإنكارها الحق بعد معرفة فسبق السيف العدل وغطى على بصائرها حب الدنيا الدنية
فمالت إلى العاجل ففاتها الأجل والعاجل ما حصل وكيف لا تصدر عنهم هذه الأفعال وكبيرهم
المدعو بأمير مؤمنيهم استشهد بشعر ابن الزبعري فكأنما بده به وارتجل
ليت أشياخي ببدر
شهدوا
|
|
وقعة الخزرج من وقع
الأسل
|
لأهلوا واستهلوا
فرحا
|
|
واستحر القتل في
عبد الأشل
|
لعبت هاشم بالملك
فلا
|
|
خبر جاء ولا وحي
نزل
|
والناس على دين ملوكهم
كما ورد في الحديث والمثل.
فلقد ركبوا مركبا وعرا
وأتوا أمرا أمرا وفعلوا فعلا نكرا وقالوا قولا هجرا واستحلوا مزاقا مرا وبلغوا الغاية
في العصيان ووصلوا إلى النهاية في إرضاء الشيطان وأقدموا على أمر عظيم من إسخاط الرحمن
وكم ذكرهم الحسين ع أيام الله فما ذكروا وزجرهم عن تقحم نار الجحيم فما انزجروا وعرفهم
ما كانوا يدعون معرفته فما عرفوا ولا فهموا منذ أنكروا وأمرهم بالفكر في هذا الأمر
الصعب فما ائتمروا في كل ذلك ليقيم عليهم الحجة ويعذر إلى الله في تعريفهم المحجة ف
(أَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا
اسْتِكْباراً) ومما خطاياهم فأدخلوا
نار جهنم (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ
مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) ونادى لسان حال الحسين
ع (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى
الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ
وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) فاستجاب الله دعاءه
ع وخصه بمزيد العناية والإكرام ونقله إلى جواره مع آبائه الكرام ووقع الفناء بعده في
أولئك الطغام ودارت عليهم دوائر الانتقام والاصطلام فقتلوا في كل أرض بكل حسام وانتقلوا
إلى جوار مالك في نار جهنم وأصحاب الحسين ع إلى جوار رضوان في دار السلام فصارت ألوف
هؤلاء الأغنام آحادا وجموعهم أفرادا وألبسوا العار آباء وأولادا فأحياؤهم عار على الغابر
والأولون مسبة للآخر واستولى عليهم الذل والصغار وخسروا تلك الدار وهذه الدار وكان
عاقبة أمرهم إلى النار (وَبِئْسَ الْقَرارُ) وكثر الله ذرية الحسين
ع وأنماها وملأ بها
الدنيا ورفعها وأعلاها
وإذا عرفت أن كل حسيني في الدنيا من ولد علي بن الحسين زين العابدين ع ظهر لك كيف بارك
الله في ذريته الطاهرة وزكاها وإذ فكرت في جموع أعدائهم وانقراضهم تبينت أن العناية
الإلهية تولت هذه العترة الشريفة وأبادت من عاداها وسعدت في الدنيا والآخرة وسعد من
والاها وقد تظاهرت الأخبار أن الله تعالى اختارها واصطفاها واختار شيعتها واجتباها.
ولما رأى الحسين ع
إصرارهم على باطلهم وظهور علائم الشقاء على أخلاقهم وفعائلهم وأن إبليس وجنوده قادوا
في أشطانهم
وحبائلهم علم بسعادة
من قتلوه وشقاوة قاتلهم وتحقق أنه قد (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) فلا ينجع فيهم نصح
ناصحهم ولا عذل عاذلهم فجد في حربهم على بصيرة واجتهد وصبر صبر الكرام على تلك العدة
وذلك العدد وتفصيل ذلك يأتي في باب مصرعه ع.
ويعز علي أن يجري بذكره
لساني أو يسمح بسطره بناني أو أتمثله في خاطري وجناني فإني أجد لذكره ألما وأبكي لمصابه
دمعا ودما وأستشعر لما بلغ منه هما وندما ولكن لا حيلة فيما جرى به القضاء والقدر وإن
ذممنا الورد فإنا نحمد الصدر والله يجازي كلا على فعله ولا يبعد الله إلا من كفر
السابع في كرمه وجوده ع
قال كمال الدين رحمهالله تعالى قد تقدم في الفصل
المعقود لذكر كرم أخيه الحسن ع قصة المرأة التي ذبحت الشاة وما وصلها به لما جاءته
بعد أخيه الحسن ع وأنه أعطاها ألف دينار واشترى لها ألف شاة وقد اشتهر النقل عنه ع
أنه كان يكرم الضيف ويمنح الطالب ويصل الرحم وينيل الفقير ويسعف السائل ويكسو العاري
ويشبع الجائع ويعطي الغارم ويشد من الضعيف ويشفق على اليتيم ويعين ذا الحاجة وقل أن
وصله مال إلا فرقه.
وروى أن معاوية لما
قدم مكة وصله بمال كثير وثياب وافرة وكسوات
__________________
وافية فرد الجميع عليه
ولم يقبل منه وهذه سجية الجواد وشنشنة الكريم
وسمة ذي السماحة وصفة
من قد حوى مكارم الأخلاق فأفعاله المتلوة شاهدة له بصفة الكرم ناطقة بأنه متصف بمحاسن
الشيم وقد كان في العبادة مقتديا بمن تقدم حتى نقل عنه ع أنه حج خمسا وعشرين حجة إلى
الحرم وجنائبه تقاد معه وهو ماش على القدم آخر كلامه ره.
قال الفقير إلى الله
تعالى علي بن عيسى عفى الله عنه اعلم أيدك الله بتوفيقه وهداك إلى سبيله وطريقه أن
الكرم كلمة جامعة لأخلاق محمودة تقول كريم الأصل كريم النفس كريم البيت كريم المنصب
إلى غير ذلك من صفات الشرف ويقابله اللؤم فإنه جامع لمساوئ الأخلاق تقول لئيم الأصل
والنفس والبيت وغيرها.
فإذا عرفت هذا فاعلم
أن الكرم الذي الجود من أنواعه كامل في هؤلاء القوم ثابت لهم محقق فيهم متعين لهم ولا
يعدوهم ولا يفارق أفعالهم وأقوالهم بل هو لهم على الحقيقة وفي غيرهم كالمجاز ولهذا
لم ينسب الشح إلى أحد من بني هاشم ولا نقل عنهم لأنهم يجارون الغيوث سماحة ويبارون
الليوث حماسة ويعدلون الجبال حلما ورجاحة فهم البحور الزاخرة والسحب الهامية الهامرة.
فما كان من خير أتوه
فإنما
|
|
توارثه آباء آبائهم
قبل
|
وهل ينبت الخطي إلا
وشيجه
|
|
وتغرس إلا في منابتها
النخل
|
ولهذا قال علي ع وقد
سئل عن بني هاشم وبني أمية فقال نحن أمجد وأنجد وأجود وهم أغدر وأمكر وأنكر ولقد صدق
ص فإن الذي ظهر من القبيلتين في طول الوقت دال على ما قاله ع.
ولا ريب أن الأخلاق
تظهر على طول الأيام وهذه الأخلاق الكريمة اتخذوها شريعة وجعلوها إلى بلوغ غايات الشرف
ذريعة لشرف فروعهم
__________________
وأصولهم وثبات عقولهم
لأنهم لا يشينون مجدهم بما يصمه ولا يشوهون وجوه سيادتهم بما يخلقها ولأنهم مقتدى الأمة
ورءوس هذه الملة وسروات الناس وسادات العرب وخلاصة بني آدم وملوك الدنيا والهداة إلى
الآخرة وحجة الله على عباده وأمناؤه على بلاده فلا بد أن تكون علامات الخير فيهم ظاهرة
وسمات الجلال بادية باهرة وأمثال الكرم العام سايرة وأن كل متصف بالجود من بعدهم بهم
اقتدى وعلى منوالهم نسج وبهم اهتدى.
وكيف لا يجود بالمال
من يجود بنفسه النفيسة في مواطن النزال وكيف لا يسمح بالعاجل من همه في الآجل ولا ريب
عند العقلاء أن من جاد بنفسه في القتال فهو بالمال أجود ومن زهد في الحياة المحبوبة
فهو في الحطام الفاني أزهد وقد عرفت زهدهم فاعرف به وفدهم فإن الزاهد من زهد في حطامها
وخاف من آثامها ورغب عن حلالها وحرامها ولعلك سمعت بما أتى في هل أتى من إيثارهم على
أنفسهم أليسوا الذين أطعموا (الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) ورغب كل واحد منهم
في الطوى لإرضاء ربه وعرضوا تلك الأنفس الكريمة لمرارة الجوع وأسهروا تلك العيون الشريفة
من الخوى فلم تذق حلاوة الهجوع
وجعلوها لما وجدوه
من الرقة على المسكين واليتيم والأسير غرقى من الدموع وتكرر عليهم ألم فقد الغذاء غدوا
وبكورا وأضرم السغب
في قلوب أهل الجنة
سعيرا وآمنوا حين قالوا (إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا
يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ
نَضْرَةً وَسُرُوراً) وشكرهم من أنعموا عليه
فقالوا (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ
لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً).
والحسين ع وإن كان
فرعا للنبي ص وعلي وفاطمة ع فهو أصل لولده من بعده وكلهم أجواد كرام.
كرموا وجاد قبيلهم
من قبلهم
|
|
وبنوهم من بعدهم
كرماء
|
__________________
فالناس أرض في السماحة
والندى
|
|
وهم إذا عد الكرام
سماء
|
لو أنصفوا كانوا
لآدم وحدهم
|
|
وتفردت بولادهم حواء
|
وقال النبي ص وقد جاءته
أم هانئ يوم الفتح تشكو أخاها عليا ع لله در أبي طالب لو ولد الناس كلهم كانوا شجعانا.
وكان علي ع يقول في بعض حروبه أملكوا عني هذين الغلامين فإني أنفس بهما عن القتل لئلا
ينقطع نسل رسول الله ص.
وقيل لمحمد بن الحنفية
رحمة الله عليه أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين ع فقال هما عيناه وأنا يده
والإنسان يقي عينيه بيده.
وقال مرة أخرى وقد
قيل له ذلك أنا ولده وهما ولدا رسول الله ص.
والحماسة والسماحة
رضيعتا لبان وقد تلازما في الجود فهما توأمان فالجواد شجاع والشجاع جواد وهذه قاعدة
كلية لا تنخرم ولو خرج منها بعض الآحاد ومن خاف الوصمة في شرفه جاد بالطريف والتلاد
وقد قال أبو تمام في الجمع بينهما فأجاد
وإذا رأيت أبا يزيد
في ندى
|
|
ووغى ومبدي غارة
ومعيدا
|
أيقنت أن من السماح
شجاعة
|
|
تدنى وأن من الشجاعة
جودا
|
وقال أبو الطيب
قالوا ألم تكفه سماحته
حتى
|
|
بنى بيته على الطرق
|
فقلت إن الفتى شجاعته
|
|
تريه في الشح صورة
الفرق
|
كن لجة أيها السماح
فقد
|
|
آمنه سيفه من الغرق
|
ولهذا قال القائل
يجود بالنفس إن ضن
الجواد بها
|
|
والجود بالنفس أقصى
غاية الجود
|
وقيل الكريم شجاع القلب
والبخيل شجاع الوجه
ولما وصفهم معاوية
وصف بني هاشم بالسخاء وآل الزبير بالشجاعة وبني مخزوم بالتيه وبني أمية بالحلم فبلغ
ذلك الحسن بن علي ع فقال. قاتله الله أراد أن يجود بنو هاشم
بما في أيديهم فيحتاجون
إليه وأن يشجع آل الزبير فيقتلون وأن يتيه المخزوميون فيمقتوا وأن تحلم بنو أمية فيحبهم
الناس.
وقد تقدم هذا الكلام
آنفا بألفاظ وهي المروية ولعمري لقد صدق في بعض مقاله وإن كان الصدق بعيدا من أمثاله
ولكن الكذوب قد يصدق فإن السماحة في بني هاشم كما قال والشجاعة والحلم فيهم في كل الأحوال
والناس في ذلك تبع لهم فهم عليهم كالعيال فقد حازوا قصبات السبق لما جمعوه من شرف الخلال
فإذا تفرقت في الناس خصال الخير اجتمعت فيهم تلك الخصال وهذا القول هو الحق وما (بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ).
فإذا عرفت حقيقة هذا
التقرير فاحكم لهم بالصفات المحمودة على كل تقدير فإن أضدادها من الصفات المذمومة رجس
وقد طهرهم الله من الرجس تطهيرا واختارهم من تربته واصطفاهم من عباده (وَكانَ اللهُ سَمِيعاً بَصِيراً)
الثامن في ذكر شيء من كلامه ع
قال كمال الدين رحمهالله تعالى كانت الفصاحة
لديه خاضعة والبلاغة لأمره متبعة سامعة طائعة وقد تقدم آنفا من نثره في الفصل السادس
في ذلك المقام الذي لا تفوه فيه الأفواه من الفرق ولا تنطق الألسنة من الوجل والقلق
ما فيه حجة بالغة على أنه في ذلك الوقت أفصح من نطق وأما نظمه فيعد من الكلام جوهر
عقد منظوم ومشهر برد مرقوم.
فمنه قطعة نقلها صاحب
كتاب الفتوح وأنه ع لما أحاط به جموع ابن زياد وقتلوا من قتلوا من أصحابه ومنعوهم الماء
كان له ع ولد صغير فجائه سهم منهم فقتله فزمله الحسين ع
وحفر له بسيفه وصلى
عليه ودفنه وقال
غدر القوم وقدما
رغبوا
|
|
عن ثواب الله رب
الثقلين
|
__________________
قتلوا قدما عليا
وابنه
|
|
حسن الخير كريم الطرفين
|
حسدا منهم وقالوا
أجمعوا
|
|
نقبل الآن جميعا
بالحسين
|
يا لقوم لأناس رذل
|
|
جمعوا الجمع لأهل
الحرمين
|
ثم ساروا وتواصوا
كلهم
|
|
لاجتياحي للرضا بالملحدين
|
لم يخافوا الله في
سفك دمي
|
|
لعبيد الله نسل الفاجرين
|
وابن سعد قد رماني
عنوة
|
|
بجنود كوكوف الهاطلين
|
لا لشيء كان مني
قبل ذا
|
|
غير فخري بضياء الفرقدين
|
بعلي خير من بعد
النبي
|
|
والنبي القرشي الوالدين
|
خيرة الله من الخلق
أبي
|
|
ثم أمي فأنا بن الخيرتين
|
فضة قد صفيت من ذهب
|
|
وأنا الفضة وابن
الذهبين
|
من له جد كجدي في
الورى
|
|
أو كشيخي فأنا بن
القمرين
|
فاطم الزهراء أمي
وأبي
|
|
قاصم الكفر ببدر
وحنين
|
وله في يوم أحد وقعة
|
|
شفت الغل بفض العسكرين
|
ثم بالأحزاب والفتح
معا
|
|
كان فيها حتف أهل
القبلتين
|
في سبيل الله ما
ذا صنعت
|
|
أمة السوء معا في
العترتين
|
عترة البر النبي
المصطفى
|
|
وعلي الورد بين الجحفلين
|
وقال وقد التقاه وهو
متوجه إلى الكوفة الفرزدق بن غالب الشاعر وقال
__________________
له يا ابن رسول الله
كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته
فترحم على مسلم وقال
صار إلى روح الله ورضوانه أما أنه قضى ما عليه وبقي ما علينا وأنشده
وإن تكن الدنيا تعد
نفيسة
|
|
فدار ثواب الله أعلى
وأنبل
|
وإن تكن الأبدان
للموت أنشئت
|
|
فقتل امرئ والله
بالسيف أفضل
|
وإن تكن الأرزاق
قسما مقدرا
|
|
فقلة حرص المرء في
الكسب أجمل
|
وإن تكن الأموال
للترك جمعها
|
|
فما بال متروك به
المرء يبخل
|
هذا آخر كلام كمال
الدين بن طلحة رحمهالله في هذا الفصل.
أقول إنهم ع رجال الفصاحة
وفرسانها وحماة البلاغة وشجعانها عليهم تهدلت أغصانها ومنهم تشعبت أفنانها ولهم انقادت
معانيها وهم معانها ولرياضتهم أطاع عاصيها وأصحب جرانها إذا قالوا بذوا الفصحاء وإذا
ارتجلوا سبقوا البلغاء وإذا نطقوا أذعن كل قائل وأقر لهم كل حاف وناعل
تركت والحسن تأخذه
|
|
تنتقي منه وتنتحب
|
فاصطفت منه محاسنه
|
|
واستزادت فضل ما
تهب
|
بألفاظ تجاري الهواء
رقة والصخر متانة وحلم يوازي السماء ارتفاعا والجبال رزانة أذعنت لهم الحكم وأجابت
ندائهم الكلم وأطاعهم السيف والقلم وصابوا وأصابوا فما صوب الديم
ورثوا البيان كابرا
عن كابر وتسنموا قلل الفضائل تسمنهم متون المنابر وتساووا في مضمار المعارف فالآخر
يأخذ عن الأول والأول يملي عن الآخر.
شرف تتابع كابرا
عن كابر
|
|
كالرمح أنبوبا على
أنبوب
|
__________________
يفوح أرج النبوة من
كلامهم ويعبق نشر الرسالة من نثرهم ونظامهم وتعجز الأوائل والأواخر عن مقالهم في كل
موطن ومقامهم فهم سادات الناس وقادتهم في جاهليتهم وإسلامهم فما ساجلهم في منقبة إلا
مغلب وما شابهم ماجد إلا قيل أطمع من أشعب
شنشنة معروفة في السلف
والخلف وعادة شريفة ينكرها من أنكر ويعرفها من عرف ..
ومن كلامه ع لما عزم
على الخروج إلى العراق قام خطيبا فقال الحمد لله وما شاء الله ولا حول ولا قوة إلا
بالله صلى الله على رسوله وسلم خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما
أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف وخير لي مصرع أنا لاقيه كأني بأوصال يتقطعها
عسلان الفلوات
بين النواويس وكربلاء
فيملأن مني أكراشا جوفا وأجربة سغبا
لا محيص عن يوم خط
بالقلم رضى الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين لن يشذ عن رسول
الله ص لحمته وهي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه ويتنجز لهم وعده من كان فينا
باذلا مهجته وموطنا على لقائنا نفسه فليرحل فإني راحل مصبحا إن شاء الله.
وخطب ع فقال يا أيها
الناس نافسوا في المكارم
وسارعوا في المغانم
ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا وكسبوا الحمد بالنجح ولا تكتسبوا بالمطل ذما فمهما يكن
لأحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته فإنه أجزل عطاء وأعظم
أجرا واعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم
__________________
الله عليكم فلا تملوا
النعم فتحور نقما
واعلموا أن المعروف
مكسب حمدا ومعقب أجرا فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ولو
رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا
مشوها تنفر منه القلوب
وتغض دونه الأبصار.
أيها الناس من جاد
ساد ومن بخل رذل وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجو وإن أعفى الناس من عفى عن قدرة
وإن أوصل الناس من وصل من قطعه والأصول على مغارسها بفروعها تسموا فمن تعجل لأخيه خيرا
وجده إذا قدم عليه غدا ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في
وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه
كرب الدنيا والآخرة ومن أحسن أحسن الله إليه (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
قلت هذا الفصل من كلامه
ع وإن كان دالا على فصاحته ومبينا عن بلاغته فإنه دال على كرمه وسماحته وجوده وهبته
مخبر عن شرف أخلاقه وسيرته وحسن نيته وسريرته شاهد بعفوه وحلمه وطريقته فإن هذا الفصل
قد جمع مكارم أخلاق لكل صفة من صفات الخير فيها نصيب واشتمل على مناقب عجيبة وما اجتماعها
في مثله بعجيب.
وخطب ع فقال إن الحلم
زينة والوفاء مروءة والصلة نعمة والاستكبار صلف والعجلة سفه والسفه ضعف والغلو ورطة
ومجالسة أهل الدناءة شر ومجالسة أهل الفسق ريبة.
ولما قتل معاوية حجر
بن عدي رحمهالله وأصحابه لقي في ذلك
العام الحسين ع فقال يا أبا عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر وأصحابه من شيعة أبيك قال
لا قال إنا قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم فضحك الحسين ع ثم قال خصمك
__________________
القوم يوم القيامة
يا معاوية أما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم
وقد بلغني وقوعك بأبي
حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب وايم الله لقد أوترت غير قوسك ورميت غير غرضك
وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرأ ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما نظر
لك فانظر لنفسك أو دع يريد عمرو بن العاص.
قال أنس كنت عند الحسين
ع فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها أنت حرة لوجه الله فقلت تحييك بطاقة
ريحان لا خطر لها فتعتقها قال كذا أدبنا الله قال الله تعالى (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا
بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها) وكان أحسن منها عتقها.
: وقال يوما لأخيه
الحسن ع يا حسن وددت أن لسانك لي وقلبي لك وكتب إليه الحسن ع يلومه على إعطاء الشعراء
فكتب إليه أنت أعلم مني بأن خير المال ما وقى العرض فانظر أيدك الله إلى حسن أدبه في
قوله أنت أعلم مني فإن له حظا من اللطف تاما ونصيبا من الإحسان وافرا والله أعلم حيث
يجعل رسالاته ..
ومن دعائه ع اللهم
لا تستدرجني بالإحسان ولا تؤدبني بالبلاء.
وهذا دعاء شريف المقاصد
عذب الموارد قد جمع بين المعنى الجليل واللفظ الجزل القليل وهم مالك الفصاحة حقا وغيرهم
عابر سبيل.
ودعاه عبد الله بن
الزبير وأصحابه فأكلوا ولم يأكل الحسين ع فقيل له ألا تأكل قال إني صائم ولكن تحفة
الصائم قيل وما هي قال الدهن والمجمر.
وجنى له غلام جناية
توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب فقال يا مولاي (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال أخلوا عنه فقال
يا مولاي (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال
__________________
قد عفوت عنك قال يا
مولاي (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال أنت حر لوجه الله
ولك ضعف ما كنت أعطيك ..
وقال الفرزدق لقيني
الحسين ع في منصرفي من الكوفة فقال ما وراك يا أبا فراس قلت أصدقك قال ع الصدق أريد
قلت أما القلوب فمعك وأما السيوف فمع بني أمية والنصر من عند الله قال ما أراك إلا
صدقت الناس عبيد المال والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت به معايشهم فإذا محصوا
بالبلاء قل الديانون.
وقال ع من أتانا لم
يعدم خصلة من أربع آية محكمة وقضية عادلة وأخا مستفادا ومجالسة العلماء.
وكان ع يرتجز يوم قتل
ع ويقول :
الموت خير من ركوب
العار
|
|
والعار خير من دخول
النار
|
والله
من هذا وهذا جاري
|
وقال ع صاحب الحاجة
لم يكرم وجهه عن سؤالك فأكرم وجهك عن رده.
وكان يقول حوائج الناس
إليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقما
وقد ذكرناه آنفا.
ولما نزل به عمر بن
سعد لعنه الله وأيقن أنهم قاتلوه قام في أصحابه خطيبا وأثنى عليه وقال إنه قد نزل من
الأمر ما ترون وأن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت حذاء حتى لم يبق منها
إلا صبابة كصبابة الإناء خسيس عيش كالكلاء الوبيل
ألا ترون أن الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن
في لقاء ربه فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما
هذا الكلام ذكره الحافظ أبو نعيم في كتاب حلية الأولياء ..
وقيل كان بينه وبين
الحسن ع كلام فقيل للحسين ع ادخل
__________________
على أخيك فهو أكبر
منك فقال إني سمعت جدي ص يقول أيما اثنين جرى بينهما كلام فطلب أحدهما رضى الآخر كان
سابقه إلى الجنة وأنا أكره أن أسبق أخي الأكبر فبلغ قوله الحسن ع فأتاه عاجلا.
وأنت أيدك الله متى
أردت أن تعرف مناقب هؤلاء القوم ومزاياهم وخلالهم الشريفة وسجاياهم وتقف على حقيقة
فضلهم الجزيل وتطلع من أحوالهم على الجملة والتفصيل وتعلم ما لهم من المكانة بالبرهان
والدليل فتدبر كلامهم في مواعظهم وخطبهم وأنحائهم ومقاصدهم وكتبهم تجده مشتملا على
المفاخر التي جمعوها وغوارب الشرف التي افترعوها وغرائب المحاسن التي سنوها وشرعوها
فإن أفعالهم تناسب أقوالهم وكلها تشبه أحوالهم فالإناء ينضح بما فيه والولد بضعة من
أبيه وليس من يضله الله كمن يهديه ولا من أذهب عنه الرجس وطهره كمن حار في ليل الباطل
فهو أبدا فيه والكريم يحذو حذو الكريم والشرف الحادث دليل على الشرف القديم والأصول
لا تخيب والنجيب ابن النجيب وما أشد الفرق بين البعيد والقريب والأجنبي والنسيب.
فالواحد منهم ع يجمع
خلال الجميع ويدل على أهل بيته دلالة الزهر على الربيع ولو اقتصرت على ذكر مناقب أحدهم
ع لم أك في حق الباقين مقصرا ولناداني لسان الحال اكتف بما ذكرت فدليل على الذي لا
تراه الذي ترى نفعني الله بحبهم وقد فعل وألحقني بتربة أوليائهم ومحبيهم الأول وأوزعني
أن أشكر فضله وإن عظم عن الشكر وجل.
فأما
شعره ع فقد ذكر الرواة له شعرا ووقع إلي شعره ع بخط الشيخ عبد الله
أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب النحوي رحمة الله عليه وفيه قال أبو مخنف لوط بن يحيى
أكثر ما يرويه الناس من شعر سيدنا أبي عبد الله الحسين بن علي ع إنما هو ما تمثل به
وقد أخذت شعره من مواضعه واستخرجته من مظانه وأماكنه ورويته عن ثقات الرجال منهم عبد
الرحمن بن نخبة الخزاعي وكان عارفا بأمر أهل البيت ع ومنهم المسيب بن رافع المخزومي
وغيره
رجال كثير ولقد أنشدني
يوما رجل من ساكني سلع
هذه الأبيات فقلت له
أكتبنيها فقال لي ما أحسن ردائك هذا وكنت قد اشتريته يومي ذاك بعشرة دنانير فطرحته
عليه فأكتبنيها وهي.
قال أبو عبد الله الحسين
بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ع
ذهب الذين أحبهم
|
|
وبقيت فيمن لا أحبه
|
فيمن أراه يسبني
|
|
ظهر المغيب ولا أسبه
|
يبغي فسادي ما استطاع
|
|
وأمره مما أدبه
|
حنقا يدب إلى الضراء
|
|
وذاك مما لا أدبه
|
ويرى ذباب الشر من
|
|
حولي يطن ولا يذبه
|
وإذا جنا وغر الصدور
|
|
فلا يزال به يشبه
|
أفلا يعيج بعقله
|
|
أفلا يتوب إليه لبه
|
أفلا يرى أن فعله
|
|
مما يسور إليه غبه
|
حسبي بربي كافيا
|
|
ما أختشي والبغي
حسبه
|
ولقل من يبغى عليه
|
|
فما كفا الله ربه
|
وقال ع :
إذا ما عضك الدهر
فلا تجنح إلى خلق
|
|
ولا تسأل سوى الله
تعالى قاسم الرزق
|
فلو عشت وطوفت من
الغرب إلى الشرق
|
|
لما صادفت من يقدر
أن يسعد أو يشقي
|
__________________
وقال ع
الله يعلم أن ما
يبدي يزيد لغيره
|
|
وبأنه لم يكتسبه
بغيره وبميره
|
لو أنصف النفس الخئون
لقصرت من سيره
|
|
ولكان ذلك منه أدنى
شره من خيره
|
كذا بخط ابن الخشاب
شره بالإضافة وأظنه وهما منه لأنه لا معنى له على الإضافة والمعنى أنه لو أنصف نفسه
أدنى الإنصاف شره على المفعولية من خيره أي صار ذا خير.
وقال ع
إذا استنصر المرء
امرأ لا يدا له
|
|
فناصره والخاذلون
سواء
|
أنا بن الذي قد تعلمون
مكانه
|
|
وليس على الحق المبين
طخاء
|
أليس رسول الله جدي
ووالدي
|
|
أنا البدر إن خلا
النجوم خفاء
|
ألم ينزل القرآن
خلف بيوتنا
|
|
صباحا ومن بعد الصباح
مساء
|
ينازعني والله بيني
وبينه
|
|
يزيد وليس الأمر
حيث يشاء
|
فيا نصحاء الله أنتم
ولاته
|
|
وأنتم على أديانه
أمناء
|
بأي كتاب أم بأية
سنة
|
|
تناولها عن أهلها
البعداء
|
وهي طويلة ـ
قال أبو مخنف كان مولانا
الحسين بن علي ص يظهر الكراهية لما كان من أمر أخيه الحسن ع مع معاوية ويقول لو حز
أنفي بموسى لكان أحب إلي مما فعله أخي. وقال ع
فما ساءني شيء كما
ساءني أخي
|
|
ولم أرض لله الذي
كان صانعا
|
ولكن إذا ما الله
أمضى قضائه
|
|
فلا بد يوما أن ترى
الأمر واقعا
|
__________________
ولو أنني شوورت فيه
لما رأوا
|
|
قريبهم إلا عن الأمر
شاسعا
|
ولم أك أرضي بالذي
قد رضوا به
|
|
ولو جمعت كل إلى
المجامعا
|
ولو حز أنفي قبل
ذلك حزه
|
|
بموسى لما ألقيت
للصلح تابعا
|
قلت إن صح أن هذه الأبيات
من شعره ع فكل منهما يرى المصلحة بحسب حاله ومقتضى زمانه وكلاهما ع مصيبان فيما اعتمدا
وهما إمامان سيدان قاما أو قعدا فلا يتطرق عليهما مقال وهما أعرف بالأحوال في كل حال
..
وقال وإن تكن الدنيا
تعد نفيسة وقد تقدم ذكرها ..
وقال الموت خير من
ركوب العار وقد سبقت ..
وقال ع :
أنا الحسين بن علي
بن أبي
|
|
طالب البدر بأرض
العرب
|
ألم تروا وتعلموا
أن أبي
|
|
قاتل عمرو ومبير
مرحب
|
ولم يزل قبل كشوف
الكرب
|
|
مجليا ذلك عن وجه
النبي
|
أليس من أعجب عجب
العجب
|
|
أن يطلب الأبعد ميراث
النبي
|
والله
قد أوصى بحفظ الأقرب
|
وقال ع :
ما يحفظ الله يصن
|
|
ما يصنع الله يهن
|
من يسعد الله يلن
|
|
له الزمان إن خشن
|
أخي اعتبر لا تغترر
|
|
كيف ترى صرف الزمن
|
يجزي بما أوتي من
|
|
فعل قبيح أو حسن
|
أفلح عبد كشف
|
|
الغطاء عنه ففطن
|
وقر عينا من رأى
|
|
أن البلاء في اللسن
|
__________________
فماز من ألفاظه
|
|
في كل وقت ووزن
|
وخاف من لسانه
|
|
عزبا حديدا فحزن
|
ومن يك معتصما
|
|
بالله ذي العرش فلن
|
يضره شيء ومن
|
|
يعدي على الله ومن
|
من يأمن الله يخف
|
|
وخائف الله أمن
|
وما لما يثمره الخوف
|
|
من الله ثمن
|
يا عالم السر كما
|
|
يعلم حقا ما علن
|
صل على جدي أبي القاسم
|
|
ذي النور المبن
|
أكرم من حي ومن
|
|
لفف ميتا في الكفن
|
وامنن علينا بالرضا
|
|
فأنت أهل للمنن
|
وأعفنا في ديننا
|
|
من كل خسر وغبن
|
ما خاب من خاب كمن
|
|
يوما إلى الدنيا
ركن
|
طوبى لعبد كشفت
|
|
عنه غيابات الوسن
|
والموعد الله وما
|
|
يقض به الله مكن
|
وهي طويلة.
وقال ع :
أبي علي وجدي خاتم
الرسل
|
|
والمرتضون لدين الله
من قبلي
|
والله يعلم والقرآن
ينطقه
|
|
أن الذي بيدي من
ليس يملك لي
|
ما يرتجى بامرئ لا
قائل عذلا
|
|
ولا يزيغ إلى قول
ولا عمل
|
ولا يرى خائفا في
سره وجلا
|
|
ولا يحاذر من هفو
ولا زلل
|
يا ويح نفسي ممن
ليس يرحمها
|
|
أما له في كتاب الله
من مثل
|
أما له في حديث الناس
معتبر
|
|
من العمالقة العادية
الأول
|
__________________
يا أيها الرجل المغبون
شيمته
|
|
إني ورثت رسول الله
عن رسل
|
أأنت أولى به من
آله فبما
|
|
ترى اعتللت وما في
الدين من علل
|
وفيها أبيات أخر.
وقال ع :
يا نكبات الدهر دولي
دولي
|
|
واقصري إن شئت أو
أطيلي
|
منها
رميتني رمية لا مقيل
|
|
بكل خطب فادح جليل
|
وكل غبء أيد ثقيل
|
|
أول ما رزئت بالرسول
|
وبعد بالطاهرة البتول
|
|
والوالد البر بنا
الوصول
|
وبالشقيق الحسن الجليل
|
|
والبيت ذي التأويل
والتنزيل
|
وزورنا المعروف من
جبريل
|
|
فما له في الزرء
من عديل
|
ما لك عني اليوم
من عدول
|
|
وحسبي الرحمن من
منيل
|
قال تم شعر مولانا
الشهيد أبي عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ع وهو عزيز الوجود.
قلت والأبيات النونية
التي أولها.
غدر القوم وقدما
رغبوا
|
|
عن ثواب الله رب
الثقلين
|
لم يذكرها أبو مخنف
في هذا الديوان الذي جمعه وهي مشهورة والله أعلم
التاسع في أولاده ع
قال كمال الدين كان
له من الأولاد ذكور وإناث عشرة ستة ذكور وأربع إناث فالذكور علي الأكبر وعلي الأوسط
وهو زين العابدين وسيأتي ذكره في بابه إن شاء الله وعلي الأصغر ومحمد وعبد الله وجعفر.
فأما علي الأكبر فإنه
قاتل بين يدي أبيه حتى قتل شهيدا.
وأما علي الأصغر فجاءه
سهم وهو طفل فقتله وقيل إن عبد الله قتل أيضا مع أبيه شهيدا.
وأما البنات فزينب
وسكينة وفاطمة هذا قول مشهور.
__________________
وقيل كان له أربع بنين
وبنتان والأول أشهر.
وكان الذكر المخلد
والبناء المنضد مخصوصا من بين بنيه بعلي الأوسط زين العابدين دون بقية الأولاد آخر
كلامه.
قلت عدد أولاده ع وذكر
بعضا وترك بعضا قال ابن الخشاب ولد له ستة بنين وثلاث بنات ـ علي الأكبر الشهيد مع
أبيه وعلي الإمام سيد العابدين وعلي الأصغر ومحمد وعبد الله الشهيد مع أبيه وجعفر وزينب
وسكينة وفاطمة.
وقال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي ولد الحسين بن علي بن أبي طالب ع ستة أربعة ذكور وابنتان ـ علي
الأكبر قتل مع أبيه وعلي الأصغر وجعفر وعبد الله وسكينة وفاطمة قال ونسل الحسين من
علي الأصغر وأمه أم ولد وكان أفضل أهل زمانه وقال الزهري ما رأيت هاشميا أفضل منه.
قلت قد أخل الحافظ
بذكر علي زين العابدين حيث قال علي الأكبر وعلي الأصغر وأثبته حيث قال ونسل الحسين
من علي الأصغر فسقط في هذه الرواية علي الأصغر والصحيح أن العليين من أولاده ثلاثة
كما ذكر كمال الدين وزين العابدين ع هو الأوسط والتفاوت بين ما ذكره كمال الدين والحافظ
أربعة.
قال الشيخ المفيد باب
ذكره ولد الحسين ع كان للحسين ع ستة أولاد علي بن الحسين الأصغر وكنيته أبو محمد وأمه
شاه زنان بنت كسرى يزدجرد بن شهريار ملك الفرس وعلي بن الحسين الأكبر قتل مع أبيه بالطف
وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفية وجعفر بن الحسين لا بقية له وأمه قضاعية
وكانت وفاته في حياة الحسين ع وعبد الله بن الحسين قتل مع أبيه صغيرا جاءه سهم وهو
في حجر أبيه فذبحه وسكينة بنت الحسين وأمها الرباب بنت إمرئ القيس بن عدي كلبية وهي
أم عبد الله بن الحسين وفاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق بنت طلحة بن عبد الله تيمية.
قلت المفيد رحمهالله قد وافق الحافظ عبد
العزيز على العدة والتفصيل وعلى قولهما فالعليان اثنان والمشهور ثلاثة والله أعلم وعقبه
كله من الإمام زين العابدين وسيأتي ذكره إن شاء الله
العاشر في عمره ع
قال كمال الدين رحمهالله قد تقدم القول في ولادته
ع أنها كانت في سنة أربع من الهجرة وكان انتقاله إلى الدار الآخرة على ما سيأتي تفصيله
وبيانه في سنة إحدى وستين من الهجرة فتكون مدة عمره ستا وخمسين سنة وأشهرا كان منها
مع جده رسول الله ص ست سنين وشهورا وكان مع أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ثلاثين
سنة بعد وفاة النبي ص وكان مع أخيه الحسن بعد وفاة أبيه ع عشر سنين وبقي بعد وفاة أخيه
الحسن ع إلى وقت مقتله عشر سنين ..
قال ابن الخشاب حدثنا
حرب بإسناده عن أبي عبد الله الصادق ع قال مضى أبو عبد الله الحسين بن علي أمه فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين وهو ابن سبع وخمسين سنة في عام الستين من
الهجرة في يوم عاشوراء كان مقامه مع جده رسول الله ص سبع سنين إلا ما كان بينه وبين
أبي محمد وهو سبعة أشهر وعشرة أيام وأقام مع أبيه ع ثلاثين سنة وأقام مع أبي محمد عشر
سنين وأقام بعد مضي أخيه الحسن ع عشر سنين فكان عمره سبعا وخمسين سنة إلا ما كان بينه
وبين أخيه من الحمل وقبض في يوم عاشوراء في يوم الجمعة في سنة إحدى وستين من الهجرة
ويقال في يوم عاشوراء في يوم الإثنين وكان بقائه بعد أخيه الحسن ع إحدى عشرة سنة.
وقال الحافظ عبد العزيز
الحسين بن علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله ص ولد في ليال خلون من شعبان سنة
أربع من الهجرة وقتل بالطف يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة
أشهر.
قلت قد اتفقوا في التاريخ
واختلفوا في الحساب والحق منهما يظهر
لمن اعتبره .
قال الشيخ المفيد في
إرشاده ومضى الحسين ع في يوم السبت العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة بعد
صلاة الظهر منه قتيلا مظلوما ظمآن صابرا محتسبا وسنه يومئذ ثمان وخمسون سنة أقام منها
مع جده رسول الله ص سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين ع ثلاثين سنة ومع أخيه الحسن ع
عشر سنين وكانت مدة خلافته بعد أخيه إحدى عشرة سنة وكان ع يخضب بالحناء والكتم
وقتل ع وقد نصل الخضاب
من عارضيه .
وقد جاء روايات كثيرة
في فضل زيارته بل في وجوبها.
فروي عن الصادق جعفر
بن محمد ع أنه قال زيارة الحسين بن علي ع واجبة على كل من يقر للحسين ع بالإمامة من
الله عزوجل. وقال ع زيارة الحسين تعدل مائة حجة مبرورة ومائة عمرة متقبلة.
وقال رسول الله ص من زار الحسين ع بعد موته فله الجنة والأخبار في هذا الباب كثيرة
وقد أوردنا منها جملة كافية في كتابنا المعروف بمناسك المزار انتهى كلامه.
قلت من أعجب ما يحكى أنهم
اتفقوا أنه ولد ع في سنة أربع من الهجرة وقتل في عاشر المحرم من سنة إحدى وستين واختلفوا
بعد في مدة حياته ما هذا إلا عجيب
وأنت إذا عرفت مولده
وموته عرفت مدة عمره من طريق قريب
__________________
الحادي عشر في مخرجه إلى العراق
قال كمال الدين بن
طلحة رحمهالله هذا فصل للقلم في أرجائه
مجال واسع ومقال جامع وسمع كل مؤمن وقلبه إليه وله مصيخ وسامع لكن الرغبة في الاختصار
تطوي أطراف بساطه والرهبة من الإكثار تصدف عن تطويله وإفراطه وحين وقف على أصله وزائده
خص الأصل بإثباته والزائد بإسقاطه.
وذلك أن معاوية لما
استخلف ولده يزيد ثم مات كتب يزيد كتابا إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وهو يومئذ
والي المدينة يحثه فيه على أخذ البيعة من الحسين ع فرأى الحسين أمورا اقتضت أنه خرج
من المدينة قاصدا إلى مكة وأقام بها ووصل الخبر إلى الكوفة بموت معاوية وولاية يزيد
مكانه فاتفق منهم جمع جم وكتبوا كتابا إلى الحسين يدعونه إليهم ويبذلون له فيه القيام
بين يديه بأنفسهم وأموالهم وبالغوا في ذلك وتتابعت إليه الكتب نحوا من مائة وخمسين
كتابا من كل طائفة وجماعة كتاب يحثونه فيها على القدوم وآخر ما ورد عليه كتاب من جماعتهم
على يد قاصدين من ثقاتهم وصورته:
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) للحسين بن علي أمير
المؤمنين من شيعته وشيعة أبيه علي أمير المؤمنين سلام الله عليك أما بعد فإن الناس
منتظروك ولا رأي لهم غيرك فالعجل العجل يا ابن رسول الله والسلام عليك ورحمهالله.
فكتب ع جوابهم وسير
إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فوصل إليهم وجرت له قضايا ووقائع لا حاجة إلى ذكرها وآل
الأمر إلى أن الحسين توجه بنفسه وأهله وأولاده إلى الكوفة (لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً) وكان عند وصول مسلم
بن عقيل إلى الكوفة واجتماع الشيعة إليه وأخذه البيعة للحسين بن علي ع كتب والي الكوفة
وهو النعمان بن بشير إلى يزيد بذلك فجهز عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فلما قرب منها
تنكر ودخلها ليلا وأوهم أنه الحسين ودخلها من جهة البادية في زي أهل الحجاز فصار يجتاز
بجماعة جماعة فيسلم عليهم ولا
يشكون في أنه هو الحسين
ع فيمشون بين يديه ويقولون مرحبا يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى عبيد الله من
تباشرهم بالحسين ما ساءه وكشف أحوالهم وهو ساكت لعنه الله.
فلما دخل قصر الإمارة
وأصبح جمع الناس وقال وأرعد وأبرق وقتل وفتك وسفك وانتهك وعمله وما اعتمده مشهور في
تحيله حتى ظفر بمسلم بن عقيل وقتله.
وبلغ الحسين ع قتل
مسلم وما اعتمده عبيد الله بن زياد وهو متجهز للخروج إلى الكوفة فاجتمع به ذوو النصح
له والتجربة للأمور وأهل الديانة والمعرفة كعبد الله بن عباس وعمر بن عبد الرحمن بن
الحرث المخزومي وغيرهما ووردت عليه كتب أهل المدينة من عبد الله بن جعفر وسعيد بن العاص
وجماعة كثيرين كلهم يشيرون عليه أن لا يتوجه إلى العراق وأن يقيم بمكة هذا كله والقضاء
غالب على أمره والقدر آخذ بزمامه فلم يكترث بما قيل له ولا بما كتب إليه وتجهز وخرج
من مكة يوم الثلاثاء وهو يوم التروية الثامن من ذي الحجة ومعه اثنان وثمانون رجلا من
أهله وشيعته ومواليه فسار فلما وصل إلى الشقوق وإذا هو بالفرزدق الشاعر وقد وافاه هنالك
فسلم عليه ثم دنا منه وقبل يده فقال له الحسين ع من أين أقبلت يا أبا فراس فقال من
الكوفة فقال له كيف تركت أهل الكوفة فقال خلفت قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية
عليك وقد قل الديانون والقضاء ينزل من السماء و (اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) وجرى بينهما كلام قد
تقدم ذكره في آخر الفصل الثامن.
ثم ودعه الفرزدق في
نفر من أصحابه ومضى يريد مكة فقال له ابن عم له من بني مجاشع يا أبا فراس هذا الحسين
بن علي قال له الفرزدق نعم هذا الحسين بن علي وابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى
ص هذا والله ابن خيرة الله وأفضل من مشى على وجه الأرض الآن وقد كنت قلت فيه قبل اليوم
أبياتا غير متعرض لمعروفه بل أردت بذلك وجه الله والدار الآخرة فلا عليك أن تسمعها
فقال ابن
عمه إن رأيت أن تسمعنيها
أبا فراس فقال قلت فيه وفي أمه وأبيه وجده ع :
هذا الذي تعرف البطحاء
وطأته
|
|
والبيت يعرفه والحل
والحرم
|
هذا ابن خير عباد
الله كلهم
|
|
هذا التقي النقي
الطاهر العلم
|
هذا حسين رسول الله
والده
|
|
أمست بنور هداه تهتدي
الأمم
|
هذا ابن فاطمة الزهراء
عترتها
|
|
في جنة الخلد مجريا
به القلم
|
إذا رأته قريش قال
قائلها
|
|
إلى مكارم هذا ينتهي
الكرم
|
يكاد يمسكه عرفاق
راحته
|
|
ركن الحطيم إذا ما
جاء يستلم
|
بكفه خيزران ريحه
عبق
|
|
بكف أروع في عرنينه
شمم
|
يغضي حياء ويغضى
من مهابته
|
|
فما يكلم إلا حين
يبتسم
|
ينشق نور الدجى عن
نور غرته
|
|
كالشمس تنشق عن إشراقها
الظلم
|
مشتقة من رسول الله
نبعته
|
|
طابت أرومته والخيم
والشيم
|
من معشر حبهم دين
وبغضهم
|
|
كفر وقربهم منجى
ومعتصم
|
يستدفع الضر والبلوى
بحبهم
|
|
ويستقيم به الإحسان
والنعم
|
إن عد أهل الندى
كانوا أئمتهم
|
|
أو قيل من خير أهل
الأرض قيل هم
|
لا يستطيع مجار بعد
غايتهم
|
|
ولا يدانيهم قوم
وإن كرموا
|
بيوتهم في قريش يستضاء
بها
|
|
في النائبات وعند
الحكم إن حكموا
|
فجده من قريش في
أرومتها
|
|
محمد وعلي بعده علم
|
بدر له شاهد والشعب
من أحد
|
|
والخندقان ويوم الفتح
قد علموا
|
وخيبر وحنين يشهدان
له
|
|
وفي قريظة يوم صيلم
قتم
|
مواطن قد علت أقدارها
ونمت
|
|
آثارها لم تنلها
العرب والعجم
|
آخر كلامه.
__________________
قلت وأظنه نقل هذا الكلام
والقصيدة من كتاب الفتوح لابن أعثم فإني طالعته في زمان الحداثة ونسب هذه القصيدة إلى
الفرزدق في الحسين ع والذي عليه الرواة مع اختلاف كثير في شيء من أبياتها وأنها للحر
بن الليثي قالها في قثم بن العباس رضي الله عنه وأن الفرزدق أنشدها لعلي بن الحسين
ولها قصة تأتي في أخباره إن شاء الله تعالى ولو كان هذا وأمثاله من موضوع هذا الكتاب
لذكرت القصيدة ونسبت كل بيت منها إلى قائله ولكنه وضع لغير هذا.
وفي مسير الحسين ع
من المدينة إلى مكة ومنها إلى العراق أحوال وأمور اختصرها الشيخ كمال الدين وهي مشهورة
معلومة منقولة لا يكاد يخلو مصنف في هذا الشأن منها والله تعالى يعلم أني لا أحب الخوض
في ذكر مصرعه ع وما جرى عليه وعلى أهل بيته وتبعه فإن ذلك يفتت الأكباد ويفت في الأعضاد
ويضرم في القلب نارا وارية الزناد ف (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ راجِعُونَ) ولا حول ولا قوة إلا
بالله العلي العظيم ونحن نتبع الشيخ كمال الدين رحمهالله تعالى في اختصاره واقتفاء
آثاره قال :
الثاني عشر في مصرعه ومقتله ع
قال كمال الدين بن
طلحة رحمهالله وهو فضل يسكب مضمونه
المدامع من الأجفان وتجلب الفجائع لإثارة الأحزان ويلهب نيران الموجدة في أكباد ذوي
الإيمان بما أجرته الأقدار للفجرة من اجترائها وفتكها واعتدائها على الذرية النبوية
لسفح دمائها وسفكها واستبائها مصونات نسائها وهتكها حتى تركوا لمم رجالها بنجيعها مخضوبة
وأشلاء جثثها على الثرى مسلوبة ومخدرات حرائر سبايا منهوبة فكم كبيرة من جريمة ارتكبوها
واجترموها وكم من نفس معصومة أرهقوها واخترموها وكم من دماء محرمة أراقوها وما احترموها
وكم من كبد حرى منعوها ورود الماء وحرموها ثم احتزوا رأس سبط رسول الله وحبه الحسين
__________________
بشبا الحداد ورفعوه
كما ترفع رءوس ذوي الإلحاد على رءوس الصعاد واخترقوا به أرجاء البلاد بين العباد واستاقوا
حرمه وأطفاله أذلاء من الاضطهاد وأركبوهم على أخشاب الأقتاب بغير وطاء ولا مهاد هذا
مع علمهم بأنهم الذرية النبوية المسئول لها المودة بصريح القرآن وصحيح الإسناد فلو
نطقت السماء والأرض لرثت لها ورثتها ولو اطلعت عليها مردة الكفار لبكتها وندبتها ولو
حضرت مصرعها عتاة الجاهلية لأنبتها ونعتها ولو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لإعانتها
ونصرتها فيا لها مصيبة أنزلت الرزية بقلوب الموحدين وأورثتها وبلية أحلت الكآبة بنفوس
المؤمنين سلفا وخلفا فأحزنتها فوا لهفاه لذرية نبوية ظل دمها وعترة محمدية قل مخذمها
وعصبة علوية خذلت فقتل مقدمها وزمرة هاشمية استبيح حرمها واستحل محرمها وأنا الآن أفصل
هذا الإجمال وأوضحه وأبين تفصيله وأشرحه.
وهو أن الحسين ع سار
حتى صار على مرحلتين من الكوفة فوافاه إنسان يقال له الحر بن يزيد الرياحي ومعه ألف
فارس من أصحاب ابن زياد شاكين في السلاح فقال للحسين ع إن الأمير عبيد الله بن زياد
قد أمرني أن لا أفارقك أو أقدم بك عليه وأنا والله كاره أن يبتليني الله بشيء من أمرك
غير أني قد أخذت بيعة القوم فقال الحسين ع إني لم أقدم هذا البلد حتى أتتني كتب أهله
وقدمت على رسلهم يطلبوننى وأنتم من أهل الكوفة فإن دمتم على بيعتكم وقولكم في كتبكم
دخلت مصركم وإلا انصرفت من حيث أتيت فقال له الحر والله ما أعلم هذه الكتب ولا الرسل
وأنا فما يمكنني الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا فخذ طريقا غير هذه وارجع فيه حيث شئت
لأكتب إلى ابن زياد أن الحسين خالفني الطريق فلم أقدر عليه وأنشدك الله في نفسك.
فسلك الحسين طريقا
آخر غير الجادة راجعا إلى الحجاز وسار هو وأصحابه طول ليلتهم فلما أصبح الحسين ع وإذا
قد ظهر الحر وجيشه فقال الحسين ما وراك يا ابن يزيد فقال وافاني كتاب ابن زياد يؤنبني
في أمرك وقد سير من
هو معي وهو عين علي
ولا سبيل إلى مفارقتك أو أقدم بك عليه وطال الكلام بينهما ورحل الحسين ع وأهله وأصحابه
فنزلوا كربلاء يوم الأربعاء أو الخميس على ما قيل الثاني من المحرم ..
فقال ع هذه كربلاء
موضع كرب وبلاء هذا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا فنزل القوم وحطوا الأثقال
ونزل الحر بنفسه وجيشه قبالة الحسين ع ثم كتب إلى عبيد الله بن زياد وأعلمه بنزول الحسين
ع بأرض كربلاء.
فكتب عبيد الله كتابا
إلى الحسين ع يقول فيه أما بعد فقد بلغني يا حسين نزولك بكربلاء وقد كتب إلي يزيد بن
معاوية أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى
حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام.
فلما ورد الكتاب إلى
الحسين ع وقرأه ألقاه من يده وقال للرسول ما له عندي جواب فرجع الرسول إلى ابن زياد
فاشتد غضبه وجمع الناس وجهز العساكر وسير مقدمها عمر بن سعد وكان قد ولاه الري وأعمالها
وكتب له بها فاستعفى من خروجه إلى قتال الحسين فقال له ابن زياد إما أن تخرج وإما أن
تعيد علينا كتابنا بتوليتك الري وأعمالها وتقعد في بيتك فاختار ولاية الري وطلع إلى
قتال الحسين بالعساكر.
فما زال عبيد الله
بن زياد يجهز مقدما ومعه طائفة من الناس إلى أن اجتمع عند عمر بن سعد اثنان وعشرون
ألفا ما بين فارس وراجل وأول من خرج إلى عمر بن سعد الشمر بن ذي الجوشن السكوني في
أربعة آلاف فارس ثم زحفت خيل عمر بن سعد حتى نزلوا شاطئ الفرات وحالوا بين الماء وبين
الحسين وأصحابه.
ثم كتب عبيد الله كتابا
إلى عمر بن سعد يحثه على مناجزة الحسين ع فعندها ضيق الأمر عليهم فاشتد عليهم الأمر
والعطش فقال إنسان من أصحاب الحسين ع يقال له يزيد بن حصين الهمداني وكان زاهدا ائذن
لي يا ابن رسول الله لآتي هذا ابن سعد فأكلمه في أمر الماء فعساه يرتدع فقال له ذلك
إليك فجاء الهمداني إلى
عمر بن سعد فدخل عليه
فلم يسلم عليه قال يا أخا همدان ما منعك من السلام علي ألست مسلما أعرف الله ورسوله
فقال له الهمداني لو كنت مسلما كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله ص تريد قتلهم
وبعد هذا ماء الفرات تشرب منه كلاب السواد وخنازيرها وهذا الحسين بن علي وإخوته ونساؤه
وأهل بيته يموتون عطشا قد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه وأنت تزعم أنك تعرف
الله ورسوله فأطرق عمر بن سعد ثم قال والله يا أخا همدان إني لأعلم حرمة أذاهم ولكن
:
دعاني عبيد الله
من دون قومه
|
|
إلى خطة فيها خرجت
لحيني
|
فو الله لا أدري
وأني لواقف
|
|
على خطر لا أرتضيه
ومين
|
أأترك ملك الري والري
رغبة
|
|
أم أرجع مأثوما بدم
حسين
|
وفي قتله النار التي
ليس دونها
|
|
حجاب وملك الري قرة
عين
|
يا أخا همدان ما أجد
نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري فرجع يزيد بن حصين فقال للحسين ع يا ابن رسول الله
قد رضي أن يقتلك بولاية الري.
قلت التوفيق عزيز المنال
ومن حقت عليه كلمة العذاب لم ينجع فيه لوم اللوام وعذل العذال ومن غلبته نفسه تورط
من شهواتها في أعظم من القيود والأغلال وكما أن الجنة لها رجال فالنار لها رجال وكما
أعد الله لقوم الفوز والرضوان أعد للآخرين العقاب والنكال وهذا النحس ابن سعد أبعده
الله عرف سوء فعله ف (أَضَلَّهُ اللهُ عَلى
عِلْمٍ) وهو أقبح أنواع الضلال
وطبع الله على قلبه وختم على لبه (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ
غِشاوَةً) فبئست الأحوال وزهد
في الآجلة وهي إلى بقاء ورغب في العاجلة وهي إلى زوال وطمع في المال فخسر في المآل
فأصلى (ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجارَةُ) ولم يغن عنه رأيه في
الري ولا نفعته الإمارة فخرج في طالع نحس وباع آخرته بثمن بخس وأصبح من سوء اختياره
في أضيق من حبس فإنه عصى الله سبحانه طاعة للفجار واتخذ ابن زياد ربا فأورده النار
(وَبِئْسَ الْقَرارُ) وباء في الدنيا بالعار
وحشر في الآخرة مع مردة الكفار.
صلى لها حيا وكان
وقودها
|
|
ميتا ويدخلها مع
الفجار
|
وكذاك أهل النار
في دنياهم
|
|
يوم القيامة جل أهل
النار
|
ويصدق هذا المدعى:
أن النبي ص سمع وجبة أو هدة فقال أصحابه ما هذا يا رسول الله فقال حجر ألقي في النار
منذ سبعين خريفا فالآن حين استقر في قعرها وقد كان مات في تلك الساعة يهودي عمره سبعون
سنة فكنى عنه بالحجر لعدم انتفاعه بما بلغه من الدعوة وكنى عن مدة حياته بهويه في النار
لأن سعيه مدة حياته سعي أهل النار فكأنه فيها هاو وكنى عن موته باستقراره فيها وكذا
حال هذا الشقي كان يسعى دائما سعي من هذا خاتمته وعاقبته وإلى العذاب الدائم مصيره
والنار غايته فتبا له محلا عن موارد الأبرار وبعدا له وسحقا في هذا الدار وتلك الدار
فلقد أوغل في تمرده وبالغ في وخامة كسب يده وترك الحق وراء ظهره ودبر أذنه إذ لم ينظر
في يومه لغده وعرف الصراط المستقيم فنكب طوعا عن سننه وجدده وصدع قلب الرسول بما صنعه
بولده وأبكى الأرض والسماء بجنايته وأحزن الملائكة الكرام والأنبياء ع ببشاعة فعلته
وقبح ملكته وجاء بها شوهاء عقراء جذعاء تشهد بسوء ظفره وتنطق بردي أثره ولؤم مخبره
وفساد اختياره ونظره كافلة له بالعذاب الأليم ضامنة له الخلود في نار الجحيم مقيما
فيها أبدا إن شاء الله مع الشيطان الرجيم طعامه فيها الزقوم والغسلين وشرابه الحميم
مخصوصا بمقت الله رب العالمين قريبا للعتاة المتمردين والطغاة الكافرين مصاحبا من شايعه
وتابعه ورضى بفعله من الجنة والناس أجمعين هذا وهو مع فعله الذي أوبقه وشرهه الذي قيده
بالخزي وأوثقه وصنيعه الذي أراق ماء وجهه وأخلقه يدعي أنه من أهل الإسلام ومن تابعي
النبي ص وممن يرجو السلامة في دار السلام مع سفكه الدم الحرام في الشهر الحرام وإسخاطه
الله والنبي والإمام وإقدامه على ما يحمد في مثله الإحجام.
دم حرام للأخ المسلم
في
|
|
شهر حرام يا لنعم
كيف حل
|
نعوذ بالله من سوء
الخاتمة.
__________________
ومن العجب أن السيد
والعاقب ومن كان معهم لما دعاهم النبي ص إلى المباهلة وندبهم إلى المساجلة وجاء ص بعلي
وفاطمة والحسن والحسين ضرع النجرانيون إلى الاستسلام وخاموا بعد الإقدام وأعطوا الجزية
عن يد لما شاهدوا أولئك النفر الكرام وأذعنوا حين رأوا وجوها تجلوا جنح الظلام وقالوا
لو دعي الله بهذه الوجوه لأزال الجبال وقال ص لو باهلوني لتأجج الوادي عليهم نارا.
وكما قال وهؤلاء المسلمون
على ظنهم عرفوا هذا الخبر فبالغوا في طمس ذلك الأثر وما دلهم كما دل السيد والعاقب
النظر وأقدموا مع العلم إقدام ذوي الغرر فوقعوا في هوة الخطر وما أصدق قولهم إذا نزل
القضاء عمي البصر.
قال كمال الدين ـ فلما
تيقن الحسين ع أن القوم مقاتلوه أمر أصحابه فاحتفروا حفيرة شبيهة بالخندق وجعلوا لها
جهة واحدة يكون القتال منها وركب عسكر ابن سعد وأحدقوا بالحسين ع وزحفوا وقتلوا ولم
يزل يقتل من أهل الحسين وأصحابه واحدا بعد واحد إلى أن قتل من أهله وأصحابه ما ينيف
على خمسين رجلا.
فعند ذلك ضرب الحسين
بيده على لحيته وصاح أما مغيث يغيثنا لوجه الله أما ذاب يذب عن حرم رسول الله وإذا
بالحر بن يزيد الرياحي الذي تقدم ذكره قد أقبل بفرسه إليه وقال يا ابن رسول الله إني
كنت أول من خرج عليك وأنا الآن في حزبك فمرني أن أكون أول مقتول في نصرتك لعلي أنال
شفاعة جدك غدا ثم كر على عسكر عمر بن سعد فلم يزل يقاتلهم حتى قتل والتحم القتال حتى
قتل أصحاب الحسين ع بأسرهم وولده وإخوته وبنو عمه وبقي وحده وبارز بنفسه إلى أن أثخنته
الجراحات والسهام تأخذه من كل جانب والشمر لعنه الله في قبيلة عظيمة يقاتله ثم حال
بينه ع وبين رحله وحرمه. : فصاح الحسين ع ويحكم يا شيعة الشيطان إن لم يكن لكم دين
ولا تخافون المعاد فكونوا أحرارا وارجعوا إلى أنسابكم إن كنتم أعرابا كما تزعمون أنا
الذي أقاتلكم فكفوا سفهائكم وجهالكم
عن التعرض لحرمي فإن النساء لم يقاتلنكم فقال الشمر لأصحابه كفوا
عن النساء وحرم الرجل واقصدوه في نفسه.
ثم صاح الشمر لعنه
الله بأصحابه وقال ويلكم ما تنتظرون بالرجل وقد أثخنته الجراح وتوالت عليه السهام والرماح
فسقط على الأرض فوقف عليه عمر بن سعد وقال لأصحابه انزلوا فجزوا رأسه فنزل إليه نضر
بن خرشنة الصبابي ثم جعل يضرب بسيفه مذبح الحسين ع فغضب عمر بن سعد وقال لرجل عن يمينه
ويلك انزل إلى الحسين فأرحه فنزل إليه خولي بن يزيد لعنه الله فاجتز رأسه وسلبوه ودخلوا
على حرمه واستلبوا بزتهن.
ثم إن عمر بن سعد أرسل
بالرأس إلى ابن زياد مع بشر بن مالك فلما وضع الرأس بين يدي عبيد الله بن زياد قال
:
املأ ركابي فضة وذهبا
|
|
أنا قتلت الملك المحجبا
|
ومن يصلي القبلتين
في الصبا
|
|
وخيرهم إذ يذكرون
النسبا
|
قتلت
خير الناس أما وأبا
|
فغضب عبيد الله من
قوله ثم قال له إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته والله لا نلت مني خيرا ولألحقنك به ثم
قدمه وضرب عنقه.
قلت صدق الله (وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ
بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) وعلى هذا مضى من شايع
على الحسين ع إما بيد أعداء الله أو بيد أوليائه فما منهم من فاز بحمد الله بمراد ولا
أمل ولا انتفع بقول ولا عمل بل مزقوا كل ممزق وفرقوا كل مفرق واستولى عليهم الحمام
وعوجلوا بالعقاب والانتقام وأبيدوا بالاستئصال والاصطلام وباءوا بعاجل عذاب الدنيا
وعلى الله التمام.
قال ثم إن القوم استاقوا
الحرم كما تساق الأسارى حتى أتوا الكوفة فخرج الناس فجعلوا ينظرون ويبكون وينوحون وكان
علي بن الحسين زين العابدين قد نهكه المرض
فجعل يقول ألا إن هؤلاء
يبكون وينوحون من
__________________
أجلنا فمن قتلنا وكان
اليوم الذي قتل فيه ع قيل الجمعة وهو يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة
ودفن بالطف من كربلاء من العراق ومشهده ع معروف يزار من الجهات والآفاق.
وهذه الوقائع أوردها
صاحب كتاب الفتوح فهي مضافة إليه وعهدتها لمن أراد تتبعها عند مطالعتها عليه فهذا تلخيص
ما نقلته الأذهان والعقول مما أهداه إليها المروي والمنقول وقد ألبس القلوب ثوب جداد
ما لصبغته نصول وعلى الجملة فأقول
ألا أيها العادون
إن أمامكم
|
|
مقام سؤال والرسول
سئول
|
وموقف حكم والخصوم
محمد
|
|
وفاطمة الزهراء وهي
ثكول
|
وإن عليا في الخصام
مؤيد
|
|
له الحق فيما يدعي
ويقول
|
فما ذا تردون الجواب
عليهم
|
|
وليس إلى ترك الجواب
سبيل
|
وقد سؤتموهم في بنيهم
بقتلهم
|
|
ووزر الذي أحدثتموه
ثقيل
|
ولا يرتجى في ذلك
اليوم شافع
|
|
سوى خصمكم والشرح
فيه يطول
|
ومن كان في الحشر
الرسول خصيمه
|
|
فإن له نار الجحيم
مقيل
|
وكان عليكم واجبا
في اعتمادكم
|
|
رعايتهم أن تحسنوا
وتنيل
|
فإنهم آل النبي وأهله
|
|
ونهج هداهم بالنجاة
كفيل
|
مناقبهم بين الورى
مستنيرة
|
|
لها غرر مجلوة وحجول
|
مناقب جلت أن يحاط
بحصرها
|
|
نمتها فروع قد زكت
وأصول
|
مناقب وحي الله أثبتها
لهم
|
|
بما قام منهم شاهد
ودليل
|
مناقب من خلق النبي
وخلقه
|
|
ظهرن فما يغتالهن
أفول
|
ولما وصل القلم في
ميدان البيان إلى هذا المقام أبدت الأيام من إلمام الآلام ما منع من إتمام المرام على
أتم الأقسام ولم ير حزم نظام الكلام دون موقف الاختتام فاختصر مضمون الأبواب واقتصر
منه على اللباب وقصر من إطناب الأطناب وقصر أسباب الإسهاب فجاء محصول فصوله ملخصا في
معانيه ومدلول أصوله مخلصا من تطويل
مبانيه اقتصارا يستغنى
بمحصله عن النهاية فيه وإرشادا يكتفى بمختصره عن بسيطه وحاويه انتهى كلامه رحمهالله وقد كنى في هذا الفصل
الأخير عن أسماء كتب وحيل بها.
قلت فأما تفاصيل ما
جرى للحسين ع وصورة ما جرى بينه وبين أعداء الله ورسوله ومحاربتهم إياه وقتلهم من قتلوه
من أولاده وإخوته وبني أخيه وبني عمه وأصحابه وصورة موقفه ع وما ظهر من نجدته وشجاعته
وبأسه وبسالته وانقياده إلى أمر الله وشدته على أعداء الله وصبره على ما دفع إليه من
فقد الأهل والولد وقلة الناصر والعدد وإزهاق نفسه الشريفة فلها موضع غير هذا الكتاب
فإنه موضوع لذكر مآثرهم وعد مفاخرهم وإن كان قتله ع مما اكتسب به فخرا مضافا إلى فخره
وحوى به قدرا زائدا على شريف قدره فإنه نال بذلك مرتبة الشهادة واختص بما بلغ به غاية
الطلب ومنتهى الإرادة وحصل له بذلك ما لا يحصل بدوام الذكر وطول العبادة وكان في الحياة
سعيدا وكملت له في الممات السعادة وأوجب الله له بسابق وعده الحسنى وزيادة واذكر الآن
شيئا مما يتعلق بأخباره وأنت أيدك الله لا تسأم من إعادة الشيء وتكراره فأني أكرر مرة
لاختلاف الناقل ومرة لاختلاف الرواة وفي كثرة طرق الأخبار ما يؤنس بتصديقها ويقطع بتحقيقها
لا سيما وقد التزمت بالنقل من كتب الجمهور ومرة لأنه يعرض لي سهو واكتب الشيء وأنا
أظن أني لم أكتبه وربما عرفت فذكرت أنه مكرر وربما لم أعرف ولأن هذه هي نسخة الأصل
وما عاودتها ولا راجعتها ووقتي يضيق عن مناقشتها لأني منيت في زمان جمع هذا الكتاب
بأمور تشيب الوليد وتذيب الحديد وتعجز الجليد ونهبت لي كتب كنت قد أعددتها لأنقل منها
في هذا الكتاب والوقت يضيق عن الشكوى والرجوع إلى عالم السر والنجوى والحمد لله على
ما ساء وسر والشكر له سبحانه على ما نفع وضر فأنعمه تعالى لا تعد وعوارفه لا تحصى ولا
تحد.
له أياد علي سابقة
|
|
أعد منها ولا أعددها
|
قال الحافظ عبد العزيز
الجنابذي في كتاب معالم العترة الطاهرة الحسين
بن علي بن أبي طالب
وأمه فاطمة بنت رسول الله ص ولد في ليال خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة وقتل بالطف
يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر وحمل رأسه إلى يزيد بن
معاوية وكان قبره بكربلاء من سواد الكوفة وقتله سنان بن أنس قال الشاعر :
وأي رزية عدلت حسينا
|
|
غداة تبيره كفا سنان
|
ويقال قتله شمر بن
ذي الجوشن الضبابي والذي اجتز رأسه ابن جوان اليمامي وكان أمير الجيش الذين ساروا إلى
الحسين عمر بن سعد أمره عليهم عبيد الله بن زياد.
وقال يرفعه إلى أشياخ
قالوا غزونا أرض الروم فإذا كتاب في كنيسة من كنائسهم بالعربية :
أترجو أمة قتلت حسينا
|
|
شفاعة جده يوم المعاد
|
فقلنا للروم من كتب
هذا قالوا لا ندري.
قال ابن سعد قال الواقدي
قتل الحسين بن علي في صفر سنة إحدى وستين وهو ابن خمس وخمسين سنة.
وقال محمد بن عمر عن
أبي معشر قتل الحسين بن علي لعشر خلون من المحرم سنة إحدى وستين قال الواقدي وهذا أثبت.
وعن الأصبغ بن نباتة
عن علي ع قال أتينا معه موضع قبر الحسين فقال علي ع هاهنا مناخ ركابهم وموضع رحالهم
هاهنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد ص يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض.
وعن عبد الله بن مسعود
قال بينا نحن جلوس عند رسول الله ص إذ دخل فتية من قريش فتغير لونه فقلنا يا رسول الله
لا نزال نرى في وجهك الشيء نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا
وإن أهل بيتي
سيلقون بعدي تطريدا
وتشريدا .
وعن العوام بن حوشب
قال بلغني أن النبي ص نظر إلى شباب من قريش كأن وجوههم سيوف مصقولة ثم رئي في وجهه
كآبة حتى عرفوا ذلك فقالوا يا رسول الله ما شأنك قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة
على الدنيا وإني ذكرت ما يلقى أهل بيتي من بعدي من أمتي من قتل وتطريد وتشريد. "
وعن عاصم عن زر قال أول رأس حمل على رمح في الإسلام رأس الحسين بن علي ع فلم أر باكيا
وباكية أكثر من ذلك اليوم.
وعن يحيى بن أبي بكر
عن بعض مشيخته قال قال الحسين بن علي ع حين أتاه الناس قام فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال أما بعد أيها الناس أنسبوني فانظروا من أنا ثم ارجعوا إلى أنفسكم فعاتبوها فانظروا
هل يحل لكم سفك دمي وانتهاك حرمتي ألست ابن بنت نبيكم ص وابن ابن عمه وابن أولى المؤمنين
بالله أوليس حمزة سيد الشهداء عمي أولم يبلغكم قول رسول الله ص مستفيضا فيكم لي ولأخي
إنا سيدا شباب أهل الجنة أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي وانتهاك حرمتي قالوا ما نعرف
شيئا مما تقول فقال إن فيكم من لو سألتموه لأخبركم أنه سمع ذلك من رسول الله ص في وفي
أخي سلوا زيد بن ثابت والبراء بن عازب وأنس بن مالك يحدثكم أنه سمع هذا القول من رسول
الله ص في وفي أخي فإن كنتم تشكون في ذلك أتشكون في أني
__________________
ابن بنت نبيكم ص فو
الله ما تعمدت الكذب منه منذ عرفت أن الله يمقت على الكذب أهله ويضربه من اختلقه فو
الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ثم إني أنا ابن بنت
نبيكم ص خاصة دون غيري خبروني هل تطلبونني بقتيل منكم قتلته أو بمال استهلكته أو بقصاص
من جراحة فسكتوا.
قلت قد تقدم أن هذا
الكلام منه وتكراره إياه إنما هو لإقامة الحجة عليهم وإزالة الشبهة عنهم في قتاله وتعريفهم
ما يقدمون عليه من عذاب الله ونكاله. وعن منذر قال كنا إذا ذكرنا عند محمد بن علي قتل
الحسين ع قال لقد قتلوا سبعة عشر إنسانا كلهم ارتكض في ولادة فاطمة ع.
" وعن ابن عباس
قال رأيت رسول الله ص في النوم أشعث أغبر معه قارورتان فيهما دم فقلت يا رسول الله
ما هذا فقال دم الحسين وأصحابه لم أزل ألتقطه منذ اليوم قال فحسب ذلك اليوم وإذا هو
يوم قتل الحسين ع وقال غيره فما لبثوا إلا أربعة وعشرين يوما حتى جاءهم الخبر بالمدينة
أنه قتل ذلك اليوم وتلك الساعة.
وعن الزهري قال قال
لي عبد الملك بن مروان أي واحد أنت إن أخبرتني أي علامة كانت يوم قتل الحسين بن علي
قال قلت لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط فقال عبد الملك إني وإياك
في هذا الحديث لقريبان.
وعن عيسى بن الحارث
الكندي قال لما قتل الحسين بن علي ع مكثنا سبعة أيام إذا صلينا العصر نظرنا إلى الشمس
على الحيطان كأنها ملاحف معصفرة من شدة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضا.
قال وسمعت زكريا بن
يحيى بن عمر الطائني قال سمعت غير واحد من مشيخة طي يقول وجد شمر بن ذي الجوشن في ثقل
الحسين ذهبا فدفع بعضه إلى ابنته ودفعته إلى صائغ يصوغ لها منه حليا فلما أدخله النار
صار هباء قال وسمعت غير زكريا يقول صار نحاسا فأخبرت شمرا بذلك فدعا بالصائغ فدفع إليه
باقي الذهب
وقال أدخله النار بحضرتي
ففعل الصائغ فعاد الذهب هباء وقال غيره عاد نحاسا.
وعن أبي خباب قال لقيت
رجلا من طي فقلت له بلغني أنكم تسمعون نوح الجن على الحسين فقال نعم ما تشاء أن تلقى
محرزا ولا غيره ألا أخبرك بذلك فقال أنا أحب أن تخبرني أنت بما سمعت من ذلك قال أما
الذي سمعت فإني سمعتهم يقولون :
مسح الرسول جبينه
فله بريق في الحدود
|
|
أبواه من عليا قريش
وجده خير الجدود
|
وعن أبي حصين عن شيخ
من قومه من بني أسد قال رأيت رسول الله ص في المنام والناس يعرضون عليه وبين يديه طست
فيه دم والناس يعرضون عليه فيلطخهم حتى انتهيت إليه فقلت بأبي والله وأمي ما رميت بسهم
ولا طعنت برمح ولا كثرت فقال لي كذبت قد هويت قتل الحسين قال فأومأ إلي بإصبعه فأصبحت
أعمى فما يسرني أن لي بعماي حمر النعم.
وعن عامر بن سعيد البجلي
قال لما قتل الحسين بن علي ع رأيت النبي ص في المنام فقال لي ائت البراء بن عازب فاقرأه
السلام وأخبره أن قتلة الحسين ع في النار وإن كاد والله أن يسحت أهل الأرض بعذاب أليم
فأتيت البراء فأخبرته فقال صدق الله وصدق رسوله قال رسول الله ص من رآني في المنام
فقد رآني فإن الشيطان لا يتصور في صورتي.
وعن زينب بنت جحش قالت
كان رسول الله ص نائما فجاء الحسين فجعلت أعلله لئلا يوقظه ثم غفلت عنه فدخل فتبعته
فوجدته على صدر رسول الله ص قد وضع ذبه في سرته فاستيقظ رسول الله ص وهو يبول فقال
دعي بني حتى يفرغ من بوله ثم دعا بماء فصبه عليه ثم قال يجرى على بول الغلام ويغسل
بول الجارية ثم توضأ وقام يصلي فلما قام احتضنه
فإذا ركع وضعه ثم جلس
فبسط ثوبه وجعل يقول أرني فقلت يا رسول الله إنك تصنع شيئا ما رأيتك تصنعه قط
__________________
قال حدثني جبرئيل أن
ابني تقتله أمتي وأراني تربة حمراء.
وعن يحيى بن عبد الرحمن
بن أبي لبينة عن جده محمد بن عبد الرحمن قال بينا رسول الله ص في بيت عائشة رضي الله
عنها رقدة القائلة
إذ استيقظ وهو يبكي
فقالت عائشة ما يبكيك يا رسول بأبي أنت وأمي قال يبكيني أن جبرئيل أتاني فقال ابسط
يدك يا محمد فإن هذه تربة من تلال يقتل بها ابنك الحسين يقتله رجل من أمتك قالت عائشة
ورسول الله ص يحدثني وأنه ليبكي ويقول من ذا من أمتي من ذا من أمتي من ذا من أمتي من
يقتل حسينا من بعدي.
وعن عبد الله يحيى
عن أبيه وكان على مطهرة علي قال خرجنا مع علي
إلى صفين فلما حاذانا نينوى نادى صبرا أبا عبد الله بشاطئ الفرات
فقلت يا أمير المؤمنين ما قولك صبرا أبا عبد الله قال دخلت على رسول الله ص وعيناه
تفيضان فقلت بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان دموعا أغضبك أحد قال بل قام
من عندي جبرئيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات فقال هل لك أن أشمك من تربته قلت
نعم فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم تملك عيناي أن فاضتا.
وعن شهر قال سمعت أم
سلمة حين جاء نعي الحسين لعنت أهل العراق وقالت قتلوه قتلهم الله غروه وذلوه لعنهم
الله إني رأيت رسول الله ص جاءته فاطمة غدية ببرمة فيها عصيدة
تحملها على طبق حتى وضعتها بين يديه فقال أين ابن عمك قالت هو
في البيت قال فاذهبي فادعيه وائتيني ببنيه فجاءت تقود ابنيها كل واحد بيد وعلي يمشي
على آثارهم حتى دخلوا على رسول الله ص فأجلسهما في حجره وأجلس عليا عن يمينه وفاطمة
عن يساره قالت أم سلمة
__________________
فاجتذب من تحتي كساء
خيبريا كان يبسط على المنامة فلفهم رسول الله ص جميعا وأخذ بيده اليسرى طرف الكساء
وألوى بيده اليمنى إلى ربه تبارك وتعالى وقال اللهم هؤلاء أهلي أذهب عنهم الرجس وطهرهم
تطهيرا قالها ثلاثا قلت يا رسول الله ألست من أهلك قال بلى فادخلي تحت الكساء بعد قضاء
دعائه لابن عمه وبنيه وابنته فاطمة ع.
وقال عبد الله حدثنا
محمد بن عمرو الشيباني قال قال الفضل بن عباس بن عقبة بن أبي لهب يرثي من قتل مع الحسين
بن علي ع يعني من أهله وكان قبل الحسين والعباس وعمر ومحمد وعبد الله وجعفر بنو علي
بن أبي طالب وأبو بكر والقاسم وعبد الله بنو الحسن بن علي وعلي وعبد الله ابنا الحسن
بن علي ومحمد وعون ابنا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ومسلم بن عقيل بن أبي طالب وعبد
الله وعبد الرحمن وجعفر بنو عقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم
أعيني ألا تبكيا
لمصيبتي
|
|
وكل عيون الناس عني
أصبر
|
أعيني جودي من دموع
غزيرة
|
|
فقد حق إشفاقي وما
كنت أحذر
|
أعيني هذا الأكرمين
تتابعوا
|
|
وصلوا المنايا دارعون
وحسر
|
من الأكرمين البيض
من آل هاشم
|
|
لهم سلف من واضع
المجد يذكر
|
مصابيح أمثال الأهلة
إذ هم
|
|
لدى الجود أو دفع
الكريهة أبصر
|
بهم فجعتنا والفواجع
كاسمها
|
|
تميم وبكر والسكون
وحمير
|
وهمدان قد جاشت علينا
وأجلبت
|
|
هوازن في أفناء قيس
وأعصر
|
وفي كل حي نضحة من
دمائنا
|
|
بني هاشم يعلو سناها
ويشهر
|
فلله محيانا وكان
مماتنا
|
|
ولله قتلانا تدان
وتنشر
|
لكل دم مولى ومولى
دمائنا
|
|
بمرتقب يعلو عليكم
ويظهر
|
فسوف يرى أعداؤنا
حين نلتقي
|
|
لأي الفريقين النبي
المطهر
|
__________________
عن يزيد بن أبي زياد
قال خرج رسول الله ص من بيت عائشة رضي الله عنها فمر على بيت فاطمة ع فسمع حسينا يبكي
فقال ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني.
وقال البغوي يرفعه
إلى أم سلمة قال كان جبرئيل عند النبي ص والحسين معي فتركته فذهب إلى النبي ص فقال
جبرئيل أتحبه يا محمد قال نعم قال أما إن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك تربة الأرض التي
يقتل بها فبسط جناحه إلى الأرض فأراه أرضا يقال لها كربلاء.
وقال البغوي يرفعه
إلى يعلى قال جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله ص فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه
وأخذ الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى فقال هذان ريحانتان من الدنيا من أحبني فليحبهما ثم
قال إن الولد مبخلة مجبنة مجهلة . عن البراء بن عازب قال رأيت رسول الله ص حامل الحسين بن علي
على عاتقه وهو يقول اللهم إني أحبه فأحبه.
وعن أسماء بنت عميس
عن فاطمة بنت محمد أن رسول الله ص أتاها يوما فقال أين ابناي يعني حسنا وحسينا قالت
قلت أصبحنا وليس في بيتنا شيء يذوقه ذائق فقال علي اذهب بهما فإني أتخوف أن يبكيا عليك
وليس عندك شيء فذهبا بهما إلى فلان اليهودي فوجه إليه رسول الله ص فوجدهما يلعبان في
مشربة
بين أيديهما فضل من
تمر فقال يا علي ألا تقلب ابني قبل أن يشتد الحر عليهما قال فقال علي أصبحنا وليس في
بيتنا شيء فلو جلست يا رسول الله ص حتى أجمع لفاطمة تمرات فجلس رسول الله ص وعلي ينزع
لليهودي كل دلو بتمرة حتى اجتمع له شيء من تمر فجعله في حجرته ثم أقبل فحمل رسول الله
ص أحدهما وحمل علي الآخر حتى أقبلهما
__________________
وعن عروة بن الزبير
أن رسول الله ص قبل الحسين ع وضمه إليه وجعل يشمه وعنده رجل من الأنصار فقال الأنصاري
إن لي ابنا قد بلغ ما قبلته قط فقال رسول الله ص أرأيت إن كان الله تبارك وتعالى نزع
الرحمة من قلبك فما ذنبي.
وعن يعلى العامري أنه
خرج مع رسول الله ص إلى طعام دعوا له قال فاشتمل رسول الله ص أمام القوم وحسين ع مع
غلمان يلعب فأراد رسول الله ص أن يأخذه فطفق الصبي يفر هاهنا مرة وهاهنا مرة فجعل رسول
الله ص يضاحكه حتى أخذه قال فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه فوضع فاه على
فيه وقبله وقال حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط .
وعن أبي هريرة قال
خرج علينا رسول الله ص ومعه حسن وحسين ع هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم
هذا مرة وهذا مرة حتى
انتهى إلينا فقال له رجل يا رسول الله إنك لتحبهما فقال من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما
فقد أبغضني.
قال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي رحمهالله ومن مسند الحسين بن
علي ع عن علي بن الحسين عن أبيه قال قال رسول الله ص إن من حسن إسلام المرء تركه ما
لا يعنيه قال كذا ما لك نعم.
وعن علي بن الحسين
عن أبيه ع أن رسول الله ص قال من حسن
__________________
إسلام المرء تركه ما
لا يعنيه.
وعن عمارة بن غزية
الأنصاري قال سمعت عبد الله بن علي بن حسين يحدث عن أبيه علي بن الحسين عن جده حسين
بن علي قال قال رسول الله ص إن البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي ص.
وعن أبي جعفر محمد
بن علي عن أبيه عن جده قال قال وجدت في قائم سيف رسول الله ص صحيفة مربوطة فيها أشد
الناس عذابا القاتل غير قاتله والضارب غير ضاربه ومن جحد نعمة مواليه فقد برئ مما أنزل
الله عزوجل.
أخبرنا عبد الحق بن
عبد الخالق بن أحمد وأبو الحسن علي بن أبو شتكين بن عبد الله الفقيه الجوهري قالا أنبأنا
أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون الحافظ الكوفي أنبأنا الشريف أبو عبد الله محمد بن
علي بن عبد الرحمن وعدهن في يده خمسا
أنبأنا القاضي محمد
بن عبد الله الجعفي وعدهن في يده خمسا أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن مخزوم ببغداد
سنة ثلاثين وثلاثمائة قال حدثني علي بن الحسن السواق وعدهن في يده قال حدثني حرب بن
الحسن الطحان وعدهن في يده قال حدثنا يحيى بن مساور وعدهن في يده قال حدثني عمرو بن
خالد وعدهن في يده قال حدثني زيد بن علي وعدهن في يده قال حدثني أبي علي بن الحسين
وعدهن في يده قال حدثني أبي الحسين بن علي ع وعدهن في يده قال حدثني أبي علي بن أبي
طالب وعدهن في يده قال حدثني رسول الله ص وعدهن في يده قال حدثني جبرئيل وعدهن في يده
فقال جبرئيل هكذا أنزلت به من رب العزة تبارك وتعالى اللهم صل على محمد وآل محمد كما
صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وترحم على محمد وعلى آل محمد كما ترحمت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وتحنن على محمد وعلى آل محمد كما تحننت
على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم وسلم على محمد وعلى
__________________
آل محمد كما سلمت على
إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وعن سعيد بن جبير عن
ابن عباس قال أوحى الله عزوجل إلى محمد ص أني قتلت
بيحيى بن زكريا سبعين ألفا وأني قاتل بابن بنتك سبعين ألفا وسبعين ألفا.
وعن راشد بن أبي روح
الأنصاري قال كان من دعاء الحسين بن علي ع اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة حتى أعرف
صدق ذلك في قلبي بالزهادة مني في دنياي اللهم ارزقني بصرا في أمر الآخرة حتى أطلب الحسنات
شوقا وافرا من السيئات خوفا يا رب هذا آخر كلام الحافظ عبد العزيز رحمهالله هنا.
نذكر هنا أمورا وقعت بعد قتله ع
من كتاب الإرشاد للمفيد
رحمهالله ـ لما وصل رأس الحسين
ع وصل ابن سعد من غد يوم وصوله ومعه بنات الحسين ع وأهله جلس ابن زياد لعنه الله في
قصر الإمارة وأذن للناس إذنا عاما وأمر بإحضار الرأس فوضع بين يديه فجعل ينظر إليه
ويتبسم إليه وبيده قضيب يضرب به ثناياه ع وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله
ص وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله
الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله ص عليهما ما لا أحصيه كثيرة يقبلهما ثم انتحب
باكيا فقال له ابن زياد لعنه الله أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله
لو لا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى
منزله.
وأدخل عيال الحسين
ع على ابن زياد لعنه الله فدخلت زينب أخت الحسين ع في جملتهم متنكرة وعليها أرذل ثيابها
فمضت حتى جلست ناحية من القصر وحف بها إماؤها فقال ابن زياد من هذه التي انحازت ومعها
نساؤها فلم تجبه زينب فأعاد القول ثانية وثالثة يسأل عنها فقال له بعض إمائها هذه زينب
بنت فاطمة بنت رسول الله ص فأقبل عليها ابن زياد وقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم
وأكذب أحدوثتكم فقال زينب الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد ص وطهرنا
__________________
من الرجس تطهيرا إنما
يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله فقال ابن زياد كيف رأيت صنع الله بأهل
بيتك قالت كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون
إليه وتختصمون عنده فغضب ابن زياد واستشاط
فقال له عمرو بن حريث
أيها الأمير إنها امرأة والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذم على خطئها فقال لها
ابن زياد قد شفى الله نفسي من طاغيتك والعصاة من أهل بيتك فرقت زينب ع وبكت وقالت له
لعمري لقد قتلت كهلي وأبرت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي
فإن يشفك هذا فقد اشتفيت
فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسجاعة
إن لي عن السجاعة لشغلا ولكن نفث صدري بما قلت.
قلت من سماع هذه الأقوال
واستفظاع هذه الأفعال كنت أكره الخوض في ذكر مصرعه ع وبقيت سنين لم أسمعه يقرأ في عاشوراء
كما جرت عوائد الناس بقراءته لأني كنت أجد لما جرى عليه وعلى أهل بيته ع ألما قويا
وجزعا تاما وتحرقا مفرطا وانزعاجا بالغا ولوعة مبرحة ثم كان قصارى أن أبكي وألعن ظالميه
وأسبهم ولم أر ذلك مطفيا غليلي ولا مطامنا من غلواء حزني وجزعي ولا مسكنا حركة نفسي
في طلب الانتقام من أعدائه.
ربما أخرج الحزين
جوى
|
|
الثكل إلى غير لائق
بالسداد
|
مثل ما فاتت الصلاة
سليمان
|
|
فأنحى على رقاب الجياد
|
__________________
فلعن الله ابن زياد
فلقد أوغل في عداوته وطغيانه وبالغ في تعديه وعدواته وشمر في استئصال أهل هذا البيت
الشريف بسيف شمره وسنان سنانه وأبان عن دناءة أصله بقبح فعله وفعل أعوانه وركب مركبا
وعرا أطاع فيه داعي سلطانه وشيطانه ورجع إلى أصله الخبيث ونسبه المدخول فجرى على سننه
ومضى لشأنه وثقل وطأته على العترة الهاشمية فقضى ذلك بمروقه عن الدين وخفة ميزانه وليته
أخزاه الله إذ لم يكف عزب سيفه كف عزب لسانه وليته قنع بتلك الأفعال الشنيعة ولم يلق
النساء الكرائم بجبهه وبهتانه ولا عجب من قوله وفعله الدالين على سوء فرعه وأصله فإنه
رجع إلى سنخه الخبيث وطبعه الدني فإن من قديمه ذلك القديم وحديثه هذا الحديث النغل
الأديم فلا بد أن ينزع إلى نسبه وحسبه ويدل بفعله على سوء مذهبه فالإناء ينضح بما فيه
والولد سر أبيه.
ومن هنا ينقطع نسبه
لأن أباه ابن أبيه ورضاه بهذا النسب سلبه النخوة والحمية ونفى عنه المروءة والأريحية
وأقامه على دعوى الجاهلية فالولد للفراش في الشريعة المحمدية والملة الحنيفية ومن هذه
الأوصاف الدنية والنعوت الغير المرضية أبيح دم الحسين ع وسيق أهله وحرمه كما تساق الإماء
في العراق والشام.
وقد غصت البيداء
بالعيس فوقها
|
|
كرائم أبناء النبي
المكرم
|
فما في حريم بعدها
من تحرج
|
|
ولا هتك ستر بعدها
بمحرم
|
__________________
يقول ابن هانئ المغربي
فيها :
بأسياف ذاك البغي
أول سلها
|
|
أصيب علي لا بسيف
ابن ملجم
|
وبالحقد حقد الجاهلية
أنه
|
|
إلى الآن لم يذهب
ولم يتصرم
|
فأبعد الله تلك الأنفس
الخبيثة والعقول المختلة والهمم الساقطة والعقائد الواهية والأديان المدخولة والأحلام
الطائشة والأصول الفاسدة والقلوب التي لا تهتدي إلى رشاد والعيون التي لا تنظر إلى
سداد وقد غطي عليها الغين وفيهم يقال أعمى القلب والعين وصلوات الله على الحسين وأهله
السادات الأفاضل ثمال اليتامى عصمة الأرامل المعروفين بالمعروف والفواضل ليوث الجدال
والجلاد في الجمع الحافل الآمرين بالقسط والناطقين بالحق المتحلين بالصدق العادلين
في الحكم الفارعين بمجدهم الحبال الشم الآخذين بالعفو والحلم المعصومين من الزلل المبرءين
من الخطايا والخطل الضاربين الهام والقلل المعروفين بالمعروف الناهين عن المنكر البدور
الطوالع الغيوث الهوامع السيول الدوافع الفاخرين فلا مساجل ولا منازع القائمين بأمر
الله الراضين بحكم الله الممسوسين في ذات الله الفرحين بلقاء الله.
نجوم طوالع جبال
فوارع
|
|
غيوث هوامع سيول
دوافع
|
مضوا وكأن المكرمات
لديهم
|
|
لكثرة ما أوصوا بهن
شرائع
|
فأي يد مدت إلى المجد
لم يكن
|
|
لها راحة من جودهم
وأضايع
|
بها ليل لو عاينت
فيض أكفهم
|
|
تيقنت أن الرزق في
الأرض واسع
|
إذا خفقت بالبذل
أرواح جودهم
|
|
خداها الندى واستنشقتها
المطامع
|
وعرض عليه علي بن الحسين
ع فقال له من أنت فقال أنا علي بن الحسين فقال أليس الله قد قتل علي بن الحسين فقال
له علي ع قد كان لي أخ يسمى عليا قتله الناس فقال له ابن زياد بل الله قتله فقال علي
بن الحسين ع (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ
حِينَ مَوْتِها) فغضب ابن زياد لعنه
الله فقال له وبك جرأة على جوابي وبك بقية للرد علي اذهبوا به واضربوا عنقه فتعلقت
به زينب عمته وقالت
له يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت والله لا أفارقه فإن قتلته فاقتلني معه
فنظر ابن زياد إليه ساعة ثم قال عجبا للرحم والله وإني لأظنها ودت أني قتلتها معه دعوه
فإني أراه لما به.
ثم قام من مجلسه حتى
خرج من القصر ودخل المسجد فصعد المنبر فقال الحمد لله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير
المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب بن الكذاب وشيعته فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي
وكان من شيعة أمير المؤمنين ع فقال يا عدو الله إن الكاذب أنت وأبوك والذي ولاك وأبوه
يا ابن مرجانة تقتل أولاد النبيين وتقوم على المنابر مقام الصديقين فقال ابن زياد علي
به فأخذته الجلاوزة
فنادى بشعار الأزد
فاجتمع منهم سبعمائة رجل فانتزعوه من الجلاوزة فلما كان الليل أرسل إليه ابن زياد من
أخرجه من بيته فضرب عنقه وصلبه في السبخة رحمهالله عليه.
ولما أصبح ابن زياد
لعنه الله بعث برأس الحسين ع فدير به في سكك الكوفة كلها وقبائلها فروي عن زيد بن أرقم
أنه قال مر به علي وهو على رمح وأنا في غرفة لي فلما حاذاني سمعته يقرأ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ
وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فقف والله شعري
وناديت رأسك والله
يا ابن رسول الله وأمرك أعجب وأعجب.
قلت قد تركت أمورا
جرت من هؤلاء الطغام الأجلاف لعنهم الله وأبعدهم من رحمته عند قتله ع وما فعلوه من
قطع يده ورشقه بالسهام والحراب وذبحه وأخذ رأسه وإيطاء الخيل جسده الشريف وسبي حريمه
وانتزاع ملابسهن إلى غير ذلك من الأفعال التي لا يعتمدها ولا بعضها مسلم ولا يتأتى
لمردة الكفار وفجارهم وطغاتهم الإقدام على مثلها والإصرار عليها وكذلك جرت الحال في
حمل رأسه الكريم وحريمه الطاهرات إلى دمشق كما تحمل الأسرى والسبايا ودخولهم إلى يزيد
بن معاوية على تلك الهيئة المنكرة والأحوال الشاقة وإنفاذ ابن
__________________
زياد يبشر أولياءه
وأصحابه وتابعي رأيه بقتل الحسين ع.
ولما دخل رسوله على
عمرو بن سعيد بن العاص وهو أمير المدينة قال له ما وراك قال ما سر الأمير قتل الحسين
بن علي قال اخرج فناد بقتله فنادى فلم أسمع والله واعية قط كواعية بني هاشم في دورهم
فدخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم إلي ضاحكا ثم أنشأ متمثلا بقول عمرو بن معديكرب.
عجت نساء بني زياد
عجة
|
|
كعجيج نسوتنا غداة
الأرنب
|
ثم قال عمرو هذه واعية
بواعية عثمان ثم صعد المنبر فأعلم الناس بقتل الحسين ع ودعا ليزيد بن معاوية ونزل.
ودخل بعض موالي عبد
الله بن جعفر فنعى إليه ابنيه فاسترجع فقال أبو السلاسل مولى عبد الله هذا ما لقينا
من الحسين ع فحذفه عبد الله بنعله
ثم قال يا ابن اللخناء
أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه والله إنه لمما
يسخى بنفسي عنهما ويعزي عن المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسين له صابرين
معه ثم أقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز علي بمصرع الحسين ع أن لا أكن آسيت حسينا
بيدي فقد آساه ولدي.
وخرجت أم لقمان بنت
عقيل بن أبي طالب حين سمعت نعي الحسين ع حاسرة
ومعها أخواتها أم هانئ
وأسماء ورملة وزينب تبكي قتلاها بالطف وتقول :
ما ذا تقولون إذ
قال النبي لكم
|
|
ما ذا فعلتم وأنتم
آخر الأمم
|
بعترتي وبأهلي بعد
منقلبي
|
|
منهم أسارى ومنهم
ضرجوا بدم
|
ما كان هذا جزائي
إذ نصحت لكم
|
|
أن تخلفوني بسوء
في ذوي رحمي
|
فلما كان الليل من
ذلك اليوم الذي خطب فيه عمرو بن سعيد بقتل الحسين
__________________
ع بالمدينة سمع أهل
المدينة في جوف الليل مناديا ينادي يسمعون صوته ولا يرون شخصه :
أيها القاتلون جهلا
حسينا
|
|
أبشروا بالعذاب والتنكيل
|
كل من في السماء
يدعو عليكم
|
|
من نبي وملائك وقبيل
|
قد لعنتم على لسان
بن داود
|
|
وموسى وصاحب الإنجيل
|
قلت أجاد ديك الجن
عبد السلام في قوله من قصيدة يرثي بها الحسين ع
ويكبرون بأن قتلت
وإنما
|
|
قتلوا بك التكبير
والتهليلا
|
ومن شعري
إن في الرزء بالحسين
الشهيد
|
|
لعناء يؤدي بصبر
الجليد
|
إن رزء الحسين أضرم
نارا
|
|
لا تني في القلوب
ذات وقود
|
إن رزء الحسين نجل
علي
|
|
هد ركنا ما كان بالمهدور
|
حادث أحزن الولي
وأضناه
|
|
وخطب أقر عين الحسود
|
يا لها نكبة أباحت
حمي
|
|
الصبر وأجرت مدامعا
في خدود
|
ومصابا عم البرية
بالحزن
|
|
وأعزى العيون بالتسهيد
|
يا قتيلا ثوى بقتله
الدين
|
|
وأمسى الإسلام واهي
العمود
|
ووحيدا في معشر من
عدو
|
|
لهف نفسي على الفريد
الوحيد
|
ونزيفا يسقي المنية
صرفا
|
|
ظاميا يرتوي بماء
الوريد
|
وصريعا تبكي السماء
عليه
|
|
فتروي بالدمع ظامي
الصعيد
|
وغريبا بين الأعادي
يعاني
|
|
منهم ما يشيب رأس
الوليد
|
قتلوه مع علمهم أنه
|
|
خير البرايا من سيد
ومسود
|
__________________
واستباحوا دم النبي
رسول
|
|
الله إذ أظهروا قديم
الحقود
|
وأضاعوا حق الرسول
التزاما
|
|
بطليق ورغبة في طريد
|
وأتوها صماء شنعاء
شوهاء
|
|
أكانت قلوبهم من
حديد
|
وجروا في العماء
إلى الغاية
|
|
القصوى أما كان فيهم
من رشيد
|
أسخطوا الله في رضى
ابن زياد
|
|
وعصوه قضاء حق يزيد
|
وأرى الحر كان حرا
ولكن
|
|
ابن سعد في الخزي
كابن سعيد
|
ومن شعر كنت قلته في أيام الحداثة لم أذكر غزلها
وإذا ما الشباب ولى
فما
|
|
أنت على فعل أهله
معذور
|
فاتباع الهوى وقد
وحظ الشيب
|
|
وأودى غصن التصابي
غرور
|
فاله عن حاجز وسلع
ودع
|
|
وصل الغواني فوصلهن
قصير
|
وتعرض إلى ولاء أناس
|
|
حبل معروفهم قوي
مرير
|
خيرة الله في الأنام
ومن
|
|
وجه مواليهم بهي
منير
|
أمناء الله الكرام
وأرباب
|
|
المعالي ففضلهم مشهور
|
المفيدون حين يخفق
سعي
|
|
والمجيرون حين عز
المجير
|
كرموا مولدا وطابوا
أصولا
|
|
فبطون زكية وظهور
|
عترة المصطفى وحسبك
فخرا
|
|
أيها السائل البشير
النذير
|
بعلي شيدت معالم
دين
|
|
الله والأرض بالعناد
تمور
|
وبه أيد الإله رسول
|
|
الله إذ ليس في الأنام
نصير
|
وبأسيافه أقيمت حدود
|
|
صعرت برهة وخرت نحور
|
__________________
وبأولاد الهداة إلى
الحق
|
|
أضاء المستبهم الديجور
|
سل حنينا عنه وبدرا
فما
|
|
يخبر عما سألت إلا
الخبير
|
إذ جلا هبوة الخطوب
وللحرب
|
|
زناد يشب منها سعير
|
أسد ما له إذا استحفل
الناس
|
|
سوى رنة السلاح زئير
|
ثابت الجأش لا يروعه
الخطب
|
|
ولا يعتريه فيه فتور
|
أعرب السيف منه إذ
أعجم
|
|
الرمح لأن العدى
لديه سطور
|
عزمات أمضى من القدر
|
|
المحتوم يجري بحكمه
المقدور
|
ومزايا مفاخر عطر
الأفق
|
|
شذاها ويخال فيها
عبير
|
وأحاديث سؤدد هي
في الدنيا
|
|
على رغم حاسديه تسير
|
وترى المشركين يبغي
رضاء
|
|
الله تعالى وأنه
موتور
|
حسدوه على مآثر شتى
|
|
وكفاهم حقدا عليه
الغدير
|
كتموا داء دخلهم
وطووا كشحا
|
|
وقالوا صرف الليالي
يدور
|
ورموا نجله الحسين
بأحقاد
|
|
تبوخ النيران وهي
تفور
|
لهف نفسي طول الزمان
وينمي
|
|
الحزن عندي إذا أتى
عاشور
|
لهف نفسي عليه لهف
حزين
|
|
ظل صرف الردي عليه
يجود
|
أسفا غير بالغ كنه
ما
|
|
أكفي وحزنا تضيق
عنه الصدور
|
يا لها وقعة لقد
شمل
|
|
الإسلام منها رزء
جليل خطير
|
ليث غاب تغيث فيه
كلاب
|
|
وعظيم سطا عليه حقير
|
__________________
يا بني أحمد نداء
ولي
|
|
مخلص جهرة لكم والضمير
|
لكم صدق وده وعلى
|
|
أعدائكم سيف نطقه
مشهور
|
وهواكم طوق له وسوار
|
|
وعليه من المخاوف
سور
|
أنتم ذخره إذا أخفق
السعي
|
|
وأضحى في فعله تقصير
|
أنتم عونه إذا دهمته
|
|
حادثات وفاجأته أمور
|
أنتم غوثه وعروته
الوثقى
|
|
إذا ما تضمنته القبور
|
وإليكم يهدى المديح
اعتقادا
|
|
وبكم في معاده يستجير
|
بعلي يرجو علي أمانا
|
|
من سعير شرارها مستطير
|
هاتان القصيدتان قلتهما
قديما وكان عهدي بهما بعيدا ولما جرى القلم بجمع هذا الكتاب عزمت على أن أمدح كل واحد
من الأئمة ع بقصيدة لا لأنها تزيد أقدارهم أو ترفع منارهم فهم أعلى رتبة وأسمى مكانة
من أن يزيد هم مجدا على مجدهم الأثيل أو شرفا على شرفهم الأصيل ولكن كان جهد المقل
ونصرة من تعذرت عليه النصرة باليد ولأني أحببت أن أخلد لي ذكرا بذكرهم وحمدهم وأنبه
على أني عبدهم بل عبد عبدهم فلما انتهيت إلى أخبار الحسين ع وأثبت تينك القصيدتين خطر
أنك قلتهما قديما والثواب عليهما حصل أولا ولا بد الآن من قصيدة وفق ما عزمت عليه فسمحت
القريحة بهذه القطعة مع بعد عهد بالشعر وعمله ومن الله أستمد التوفيق فيما أبتغيه والإعانة
على ما يختاره ويرتضيه وهي
يا ابن بنت النبي
دعوة عبد
|
|
مخلص في ولائه لا
يحول
|
لكم محض وده وعلى
|
|
أعدائكم سيف نطقه
مسلول
|
أنتم عونه وعروته
الوثقى
|
|
إذا انكسر الخليل
الخليل
|
وإليكم ينضي ركاب
الأماني
|
|
فلها نحوكم سرى وذميل
|
كرمت منكم وطابت
فروع
|
|
وزكت منكم وطابت
أصول
|
فليوث إذا دعوا لنزال
|
|
وغيوث إذا دعاهم
نزيل
|
__________________
المجيرون من صروف
الليالي
|
|
والمنيلين حين عز
المنيل
|
شرف شائع وفضل شهير
|
|
وعلاء سام ومجد أثيل
|
وحلوم عن الجناة
وعفو
|
|
وندي فائض ورأى أصيل
|
لي فيكم عقيدة وولاء
|
|
لاح لي فيهما وقام
الدليل
|
لم أقلد فيكم وكيف
وقد شاركني
|
|
في ولائكم جبرئيل
|
جزتم رتبة المديح
جلالا
|
|
وكفاكم عن مدحي التنزيل
|
غير أنا نقول ودا
وحبا
|
|
لا على قدركم فذاك
جليل
|
للإمام الحسين أهديت
مدحا
|
|
راق حتى كأنه سلسبيل
|
وبودي لو كنت بين
يديه
|
|
باذلا مهجتي وذاك
قليل
|
ضاربا دونه مجيبا
دعاه
|
|
مستميثا على عداه
أصول
|
قاضيا حق جده وأبيه
|
|
فهما غاية المنى
والسئول
|
فعليهم مني التحية
ما لاح
|
|
سنا بارق وهبت قبول
|
ذكر الإمام الرابع أبي الحسن علي بن الحسين
زين العابدين ع
قال كمال الدين رحمهالله هذا زين العابدين قدوة
الزاهدين وسيد المتقين وإمام المؤمنين شيمته تشهد أنه من سلالة رسول الله وسمته يثبت
مقام قربة من الله زلفا وثفناته تسجل بكثرة صلاته وتهجده وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق
بزهده فيها درت له أخلاف التقوى فتفوقها وأشرقت لديه أنوار التأييد فاهتدى بها وألفته
أوراد العبادة فأنس بصحبتها وحالفته وظائف الطاعة فتحلو بحليتها طال ما اتخذ سهره مطية
ركبها لقطع طريق الآخرة وظمأ الهواجر دليلا استرشد به في مسافة المسافرة وله من الخوارق
والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنه من ملوك الآخرة
فأما
ولادته فبالمدينة في الخميس
الخامس من شعبان سنة ثمان وثلاثين
من الهجرة في أيام
جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع قبل وفاته بسنتين.
وأما نسبه أبا وأما
فوالده الحسين بن علي
وقد تقدم بسط ذلك.
فأما أمه أم ولد اسمها
غزالة وقيل بل كان اسمها شاه زنان بنت يزدجرد وقيل غير ذلك.
وأما اسمه
فعلي وكان للحسين ع
ولد آخر أكبر من هذا فقتل بين يدي والده وقد تقدم ذكره وولد طفل صغير فجاءه سهم فقتله
وقد تقدم ذكر ذلك وكان كل واحد منهم يسمى عليا.
فأما كنيته
فالمشهور أبو الحسن
ويقال أبو محمد وقيل أبو بكر.
وأما لقبه
فكان له ألقاب كثيرة
كلها تطلق عليه أشهرها زين العابدين وسيد العابدين والزكي والأمين وذو الثفنات وقيل
كان سبب لقبه بزين العابدين أنه كان ليلة في محرابه قائما في تهجده فتمثل له الشيطان
في صورة ثعبان ليشغله عن عبادته فلم يلتفت إليه فجاء إلى إبهام رجله فالتقمها فلم يلتفت
إليه فألمه فلم يقطع صلاته فلما فرغ منها وقد كشف الله له فعلم أنه شيطان فسبه ولطمه
وقال له اخسأ يا ملعون فذهب وقام إلى إتمام ورده فسمع صوت لا يرى قائله وهو يقول أنت
زين العابدين حقا ثلاثا فظهرت هذه الكلمة واشتهرت لقبا له ع.
وأما مناقبه ومزاياه وصفاته
فكثيرة ـ فمنها أنه
كان إذا توضأ للصلاة يصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء فيقول
أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟
ومنها أنه كان إذا مشى لا
يجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده وعليه السكينة والخشوع وإذا قام إلى الصلاة أخذته الرعدة
فيقول لمن يسأله أريد أن أقوم بين يدي ربي وأناجيه فلهذا تأخذني الرعدة.
ووقع الحريق والنار
في البيت الذي هو فيه وكان ساجدا في صلاته فجعلوا يقولون له يا ابن رسول الله يا ابن
رسول الله النار النار فما رفع رأسه من سجود حتى
أطفئت فقيل له ما الذي
ألهاك عنها
فقال نار الآخرة
..
ومنها ما نقله سفيان
قال جاء رجل إلى علي بن الحسين ع فقال له إن فلانا قد وقع فيك وأذاك قال فانطلق بنا
إليه فانطلق معه وهو يرى أنه سينتصر لنفسه فلما أتاه قال له يا هذا إن كان ما قلت في
حقا فالله تعالى يغفره لي وإن كان ما قلت في باطلا فالله يغفر لك.
وكان بينه وبين ابن
عمه حسن بن الحسن شيء من المنافرة فجاء حسن إلى علي وهو في المسجد مع أصحابه فما ترك
شيئا إلا قاله له من الأذى وهو ساكت ثم انصرف حسن فلما كان الليل أتاه في منزله فقرع
عليه الباب فخرج حسن إليه فقال له علي يا أخي إن كنت صادقا فيما قلت فغفر الله لي وإن
كنت كاذبا فيه فغفر الله لك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ثم ولى فاتبعه حسن والتزمه
من خلفه وبكى حتى رق له ثم قال له والله لا عدت إلى أمر تكرهه فقال له علي وأنت في
حل مما قلته ..
وكان يقول ع فقد الأحبة
غربة.
وكان يقول اللهم إني
أعوذ بك أن تحسن في لوامح العيون علانيتي وتقبح عندك سريرتي اللهم كما أسأت وأحسنت
إلي فإذا عدت فعد علي.
وكان يقول إن قوما
عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وآخرين عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا
الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
ومنها أنه كان ع لا
يحب أن يعينه على طهوره أحد وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره قبل أن ينام
فإذا قام من الليل
بدأ بالسواك ثم توضأ ثم يأخذ في صلاته.
وكان يقضي ما فاته
من صلاة نافلة النهار في الليل ويقول يا بني ليس هذا عليكم بواجب ولكن أحب لمن عود
منكم نفسه عادة من الخير أن يدوم عليها.
__________________
وكان لا يدع صلاة الليل
في السفر والحضر.
وكان من كلامه ع عجبت
للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة وهو غدا جيفة وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو
يرى خلقه وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى وعجبت كل العجب
لمن عمل لدار الفناء وترك العمل لدار البقاء وكان إذا أتاه السائل يقول مرحبا بمن يحمل
لي زادي إلى الآخرة.
ومنها ما نقل عن ابن شهاب
الزهري أنه قال شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام
فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا
لي فدخلت عليه وهو في قبة والأقياد في رجليه والغل في يديه فبكيت وقلت وددت أني في
مكانك وأنت سالم فقال لي يا زهري أوتظن هذا مما ترى علي وفي عنقي مما يكربني أما لو
شئت ما كان وأنه إن بلغ بك وبأمثالك غمر ليذكر عذاب الله ثم أخرج يده من الغل ورجليه
من القيد ثم قال يا زهري لا جزت معهم على ذا منزلتين من المدينة فما لبثنا إلا أربع
ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه من المدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه فقال لي
بعضهم إنا نراه متبوعا أنه لنازل ونحن حوله لا ننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين
محمله إلا حديدة.
قال الزهري فقدمت بعد
ذلك على عبد الملك بن مروان فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته فقال لي إنه جاءني في
يوم فقده الأعوان فدخل علي فقال ما أنا وأنت فقلت أقم عندي فقال لا أحب ثم خرج فو الله
لقد امتلأ ثوبي منه خيفة قال الزهري فقلت يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين ع حيث
تظن أنه مشغول بربه فقال حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به.
وكان الزهري إذا ذكر
علي بن الحسين يبكي ويقول زين العابدين.
وقال أبو حمزة الثمالي
أتيت باب علي بن الحسين فكرهت أن أصوت فقعدت حتى خرج فسلمت عليه ودعوت له فرد علي ثم
انتهى إلى حائط فقال
__________________
يا أبا حمزة ألا ترى
هذا الحائط فقلت بلى يا ابن رسول الله قال فإني اتكأت عليه يوما وأنا حزين وإذا رجل
حسن الوجه حسن الثياب ينظر في تجاه وجهي ثم قال يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا
حزينا أعلى الدنيا فهو رزق حاضر يأكل منها البر والفاجر فقلت ما عليها أحزن وأنه لكما
تقول فقال أعلى الآخرة فإنه وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر قال قلت ما على هذا أحزن وأنه
لكما تقول فقال وما حزنك يا علي فقلت ما أتخوف من فتنة ابن الزبير فقال لي يا علي هل
رأيت أحدا سأل الله فلم يعطه قلت لا قال فخاف الله فلم يكفه قلت لا فغاب عني فقيل لي
يا علي بن الحسين هذا الخضر ع ناجاك.
وقال سفيان قال لي
علي بن الحسين ما أحب لي بنصيبي من الذل حمر النعم.
وقال أبو حمزة الثمالي
كنت يوما عند علي بن الحسين ع فإذا عصافير يطرن حوله ويصرخن فقال لي يا أبا حمزة هل
تدري ما تقول هذه العصافير قلت لا قال فإنها تقدس ربها وتسأله قوت يومها
ومنها أنه لما مات علي بن
الحسين ع وجدوه يقوت مائة بيت من أهل المدينة كان يحمل إليهم ما يحتاجون إليه.
وقال محمد بن إسحاق
كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم فلما مات علي بن الحسين
ع فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل.
وقال أبو حمزة الثمالي
كان زين العابدين ع يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به ويقول إن صدقة السر
تطفئ غضب الرب ولما مات ع وغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار في ظهره فقالوا ما هذا قيل
كان يحمل جرب الدقيق
على ظهره ليلا ويوصلها
إلى فقراء المدينة سرا
__________________
" وقال ابن عائشة
سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين ع.
" وقال سفيان
أراد علي بن الحسين الخروج إلى الحج فاتخذت له سكينة بنت الحسين أخته زادا أنفقت عليه
ألف درهم فلما كان يظهر الحرة
سيرت ذلك إليه فلم
يزل يفرقه على المساكين.
وقال سعيد بن مرجانة
كنت يوما عند علي بن الحسين فقلت سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله ص من أعتق رقبة
مؤمنة أعتق الله تعالى بكل إرب منها إربا منه من النار حتى أنه ليعتق باليد اليد وبالرجل
الرجل وبالفرج الفرج فقال علي ع أنت سمعت هذه من أبي هريرة فقال سعيد نعم فقال لغلام
له أفره غلمانه وكان عبد الله بن جعفر قد أعطاه بهذا الغلام ألف دينار فلم يبعه أنت
حر لوجه الله تعالى.
وقدم عليه نفر من أهل
العراق فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلما فرغوا من كلامهم قال لهم
ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون (الَّذِينَ أُخْرِجُوا
مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ
اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) قالوا لا قال فأنتم
(الَّذِينَ تَبَوَّؤُا
الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ
فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ
بِهِمْ خَصاصَةٌ) قالوا لا قال أما أنتم
قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم
(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا
بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا) أخرجوا عني فعل الله
بكم.
وقال نافع بن جبير
يوما لعلي بن الحسين ع أنت سيد الناس
__________________
وأفضلهم فتذهب إلى
هذا العبد فتجلس عنده يعني زيد بن أسلم
فقال له ينبغي للعلم
أن يتبع حيث ما كان
ولما حج هشام بن عبد
الملك قبل أن يلي الخلافة اجتهد أن يستلم الحجر الأسود فلم يمكنه وجاء علي بن الحسين
ع فتوقف له الناس وتنحوا حتى استلم فقالوا جماعة هشام لهشام من هذا فقال لا أعرفه فسمعه
الفرزدق فقال لكني أعرفه هذا علي بن الحسين زين العابدين وأنشد هشاما من الأبيات التي
قالها في أبيه الحسين ع وقد تقدم ذكرها
هذا ابن خير عباد
الله كلهم
|
|
هذا التقي النقي
الطاهر العلم
|
هذا الذي تعرف البطحاء
وطأته
|
|
والبيت يعرفه والحل
والحرم
|
يكاد يمسكه عرفان
راحته
|
|
ركن الحطيم إذا ما
جاء يستلم
|
إذا رأته قريش قال
قائلها
|
|
إلى مكارم هذا ينتهي
الكرم
|
إن عد أهل التقى
كانوا أئمتهم
|
|
أو قيل من خير أهل
الأرض قيل هم
|
هذا ابن فاطمة إن
كنت جاهله
|
|
بجده أنبياء الله
قد ختموا
|
وليس قولك من هذا
بضائره
|
|
العرب تعرف من أنكرت
والعجم
|
أي الخلائق ليست
في رقابهم
|
|
لأولية هذا أو له
نعم
|
من يعرف الله يعرف
أولية ذا
|
|
الدين من بيت هذا
قاله الأمم
|
__________________
فزاد فيها هذه الأبيات
لمخاطبته هشاما بذلك فحبسه هشام فقال وقد أدخل الحبس
أيحبسني بين المدينة
والتي
|
|
إليها قلوب الناس
يهوي منيبها
|
يقلب رأسا لم يكن
رأس سيدي
|
|
وعينا له حولاء باد
عيوبها
|
فأخرجه من الحبس فوجه
إليه علي بن الحسين ع عشرة ألف درهم وقال اعذرنا يا با فراس فلو كان عندنا في هذا الوقت
أكثر من هذا لوصلناك به فردها الفرزدق وقال ما قلت ما كان إلا لله ولا أرزأ عليه شيئا
فقال له علي ع قد رأى الله مكانك فشكرك ولكنا أهل بيت إذا أنفذنا شيئا لم نرجع فيه
وأقسم عليه فقبلها.
وقال رجل لسعيد بن
المسيب ما رأيت رجلا أورع من فلان لرجل سماه فقال له سعيد أما رأيت علي بن الحسين فقال
لا فقال ما رأيت أورع منه.
وقال الزهري لم أر
هاشميا أفضل من علي بن الحسين ع.
وقال أبو حازم كذلك
أيضا ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين وما رأيت أحدا كان أفقر منه.
وقال طاوس رأيت علي
بن الحسين ع ساجدا في الحجر فقلت رجل صالح من أهل بيت طيب لأسمعن ما يقول فأصغيت إليه
فسمعته يقول عبدك بفنائك
مسكينك بفنائك سائلك
بفنائك فقيرك بفنائك فو الله ما دعوت بهن
__________________
في كرب إلا كشف عني.
وكان يصلي في كل يوم
وليلة ألف ركعة فإذا أصبح سقط مغشيا عليه وكانت الريح تميله كالسنبلة وكان يوما خارجا
فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال لهم علي مهلا كفوا ثم أقبل على ذلك
الرجل فقال له ما ستر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة يغنيك عليها فاستحيا الرجل فألقى
إليه علي خميصة كانت عليه وأمر له بألف درهم فكان ذلك الرجل بعد ذلك يقول أشهد أنك
من أولاد الرسل.
الخميصة كساء أسود
مربع له علمان فإن لم يكن معلما فليس بخميصة
وكان عنده ع قوم أضياف
فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فأقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود منه على رأس
بني لعلي بن الحسين تحت الدرجة فأصاب رأسه فقتله فقال علي للغلام وقد تحير الغلام واضطرب
أنت حر فإنك لم تعتمده وأخذ في جهاز ابنه ودفنه.
ومنها أنه ع دخل على محمد
بن أسامة بن زيد في مرضه فجعل محمد يبكي فقال له علي ع ما شأنك فقال علي دين فقال له
كم هو فقال خمسة عشر ألف دينار فقال علي بن الحسين هو علي فالتزمه عنه ..
وقال أبو جعفر محمد
بن علي بن الحسين ع أوصاني أبي فقال يا بني لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم
في طريق فقلت جعلت فداك يا أبة من هؤلاء الخمسة قال لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة
فما دونها فقلت يا أبة وما دونها قال يطمع فيها ثم لا ينالها قال قلت يا أبة ومن الثاني
قال لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه قال فقلت ومن الثالث قال
لا تصحبن كذابا فإنه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد قال فقلت ومن
الرابع قال لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك قال قلت يا أبة من الخامس قال
__________________
لا تصحبن قاطع رحم
فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع .
وأما أولاده ع
فقيل كان له تسعة أولاد
ذكور ولم تكن له أنثى وأسماء أولاده محمد الباقر وزيد الشهيد بالكوفة وعبد الله وعبيد
الله والحسن والحسين وعلي وعمر.
وأما
عمره فإنه مات في ثامن عشر المحرم من سنة أربع وتسعين وقيل خمس وتسعين
وقد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمان وثلاثين فيكون عمره سبعا وخمسين سنة وكان منها مع
جده سنتين ومع عمه الحسن عشر سنين وأقام مع أبيه بعد عمه الحسن عشر سنين وبقي بعد قتل
أبيه تتمة ذلك وقبره بالبقيع بمدينة رسول الله ص في القبر الذي فيه عمه الحسن في القبة
التي فيها العباس بن عبد المطلب ع آخر كلام كمال الدين.
قلت إن كمال الدين رحمهالله شرع في الاختصار منذ
ذكر الإمام زين العابدين ع والأخبار التي أوردها في أوصافه ع نقلها من كتاب حلية الأولياء
للحافظ
__________________
أبي نعيم رحمهالله ولم ينقل من غيره إلا
ذكر أولاده ع وقال إنهم تسعة وذكر ثمانية ولعله سهو من الناسخ.
قال الشيخ المفيد رحمهالله تعالى باب ذكر الإمام
بعد الحسين بن علي ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته
وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره والإمام بعد الحسين بن علي بن أبي
طالب ع ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين ص وكان يكنى أيضا أبا الحسن وأمه
شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى ويقال إن اسمها كان شهر بانويه وكان أمير المؤمنين
ع ولى حريث بن جابر الجعفي جانبا من المشرق فبعث إليه ببنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى
فنحل ابنه الحسين ع شاه زنان فأولدها زين العابدين ع ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر رضي
الله عنه فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر فهما ابنا خالة وكان مولد علي بن الحسين
ع بالمدينة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة فبقي مع جده أمير المؤمنين سنتين ومع عمه الحسن
ع اثنتي عشرة سنة ومع أبيه الحسين ع ثلاثا وعشرين سنة وبعد أبيه أربعا وثلاثين سنة
وتوفي بالمدينة سنة خمس وتسعين سنة للهجرة وله يومئذ سبع وخمسون سنة وكانت إمامته عشرين
سنة ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي ع.
وثبتت
له الإمامة من وجوه أحدها أنه كان أفضل خلق الله بعد أبيه علما وعملا فالإمامة للأفضل دون المفضول
بدلائل العقول.
ومنها أنه كان ع أولى
بأبيه الحسين ع وأحقهم بمقامه من بعده بالفضل والنسب والأولى بالإمام الماضي أحق بمقامه
من غيره لدلالة آية ذوي الأرحام وقصة زكريا ع.
ومنها وجوب الإمامة
عقلا في كل زمان وفساد دعوى كل مدع للإمامة في أيام علي بن الحسين ع أو مدعي له سواه
فثبت فيه لاستحالة خلو الزمان من الإمام.
ومنها ثبوت الإمامة أيضا
في العترة خاصة بالنص وبالخبر عن النبي ص وفساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنفية رضي
الله عنه بتعريه من النص عليه بها فثبت أنها في علي بن الحسين ع إذ لا مدعي له الإمامة
من العترة سوى محمد رضي الله عنه وخروجه عنها بما ذكرناه.
ومنها
نص رسول الله ص بالإمامة
عليه فيما روي من حديث اللوح الذي رواه جابر عن النبي ص
ورواه محمد بن علي
الباقر ع عن أبيه عن جده ـ عن فاطمة بنت رسول الله ص ونص جده أمير المؤمنين ع في حياة
أبيه الحسين بما ضمن ذلك من الأخبار ووصية أبيه الحسين ع إليه وإيداعه أم سلمة رضي
الله عنها ماء قبضه على من بعده وقد كان جعل التماسه من أم سلمة علامة على إمامة الطالب
له من الأنام وهذا باب يعرفه من تصفح الأخبار ولم نقصد في هذا الكتاب القول في معناه
فنستقصيه على التمام.
قلت رحم الله شيخنا المفيد
كان يجب أن يورد النص عليه من النبي ص ومن جده وأبيه ع مقدما على غيره فإن إمامته ع
إذا كانت ثابتة بالنص كفتنا المئونة وحطت عنا أعباء المشقة ولم نحتج إلى إثباتها من
طرق أخرى
وقال باب ذكر طرف من
أخبار علي بن الحسين ع. " حدثنا عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده قال كانت أي
فاطمة بنت الحسين ع تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين ع فما جلست إليه قط إلا
قمت بخير قد استفدته إما خشية الله تعالى تحدث في قلبي لما أرى من خشيته الله أو علم
قد استفدته منه.
__________________
وعن ابن شهاب الزهري
قال حدثنا علي بن الحسين وكان أفضل هاشمي أدركناه قال أحبونا حب الإسلام فما زال حبكم
لنا حتى صار شينا علينا.
وعن سعيد بن كلثوم
قال كنت عند الصادق جعفر بن محمد ع فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع فأطراه ومدحه
بما هو أهله ثم قال والله ما أكل علي بن أبي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله
وما عرض له أمران قط هما لله رضى إلا أخذ بأشدهما عليه في دينه وما نزلت برسول الله
ص نازلة قط إلا دعاه ثقة به وما أطاق أحد عمل رسول الله ص من هذه الأمة غيره وإن كان
ليعمل عمل رجل كأن وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ولقد أعتق من
ماله ألف مملوك في طلب وجه الله عزوجل والنجاة من النار مما
كد بيديه ورشح منه جبينه وأنه كان ليقوت أهله بالزيت والخل والعجوة وما كان لباسه إلا
الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمه دعا بالجلم
فقصه ولا أشبهه من
ولده ولا من أهل بيته أحد أقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين ع.
ولقد دخل ابنه أبو
جعفر ع عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد فرآه قد اصفر لونه من السهر
ورمضت عيناه من البكاء
ودبرت جبهته وانخرم
أنفه من السجود
وورمت ساقاه وقدماه
من القيام في الصلاة قال أبو جعفر ع فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء فبكيت رحمة
له وإذا هو يفكر فالتفت إلي بعد هنيهة من دخولي وقال يا بني أعطني بعض تلك الصحف التي
فيها عبادة علي بن أبي طالب ع فأعطيته فقرا فيها شيئا يسيرا ثم تركها من يده تضجرا
وقال من يقوى على عبادة علي بن أبي طالب ع
__________________
وعن عبد الله بن محمد
القرشي قال كان علي بن الحسين ع إذا توضأ يصفر لونه فيقول له أهله ما هذا الذي يغشاك
فيقول أتدرون من أتأهب للقيام بين يديه.
وعن أبي جعفر ع قال
كان علي بن الحسين ع يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة.
وروى سفيان الثوري
عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب
قال ذكر لعلي بن الحسين
فضله فقال حسبنا أن نكون من صالحي قومنا.
وعن طاوس قال دخلت
الحجر في الليل فإذا علي بن الحسين ع قد دخل فقام يصلي فصلى ما شاء الله ثم سجد فقلت
رجل صالح من أهل بيت النبوة وساق الحديث المقدم ذكره وقال عبيدك بفنائك إلى آخرهن.
وعن إبراهيم بن علي
عن أبيه قال حججت مع علي بن الحسين ع فالتاثت الناقة عليه في مسيرها فأشار إليها بالقضيب
ثم قال أوه أوه لو لا القصاص ورد يده عنها.
وبهذا الإسناد قال
حج علي بن الحسين ع ماشيا فسار عشرين يوما وليلة من المدينة إلى مكة.
" وعن زرارة بن
أعين قال سمع قائل في جوف الليل وهو يقول أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الآخرة
فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه ذاك علي بن الحسين ع.
" وعن الزهري
قال لم أدرك أحدا من أهل هذا البيت يعني بيت النبي ص أفضل من علي بن الحسين ع.
وجلس إلى سعيد بن المسيب
فتى من قريش فطلع علي بن الحسين ع فقال القرشي لابن المسيب من هذا يا أبا محمد فقال
هذا سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
__________________
وسكبت عليه الماء جارية
ليتوضأ للصلاة فنعست فسقط الإبريق من يدها فشجه فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية إن
الله عزوجل يقول (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) قال قد كظمت غيظي قالت
(وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال لها عفا الله عنك
قالت (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال اذهبي فأنت حرة
لوجه الله تعالى.
وروي أنه ع دعا مملوكه
مرتين فلم يجبه وأجابه في الثالثة فقال له يا بني أما سمعت صوتي قال بلى قال فما لك
لم تجبني قال أمنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني.
وعن أبي حمزة الثمالي
عن علي بن الحسين ع قال خرجت حتى انتهيت إلى هذا الحائط وساق ما أورده كمال الدين
وقد ذكره الحافظ أبو
نعيم في الحلية وفيه أعلى الدنيا حزنك فرزق حاضر للبر والفاجر قال فقلت ما على هذا
أحزن وأنه لكما تقول فقال على الآخرة فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر
قال قلت ولا على هذا
أحزن وأنه لكما تقول قال فعلى م حزنك قال فقلت أتخوف من فتنة ابن الزبير قال فضحك ثم
قال يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا قط توكل على الله فلم يكفه قلت لا قال يا علي بن
الحسين هل رأيت أحدا قط خاف الله فلم ينجه قلت لا قال يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا
قط سأل الله فلم يعطه قلت لا ثم نظرت فإذا ليس قدامي أحد.
" وعن ابن إسحاق
قال كان بالمدينة كذا وكذا أهل بيت يأتيهم رزقهم وما يحتاجون إليه ولا يدرون من أين
يأتيهم فلما مات علي بن الحسين ع فقدوا ذلك.
وعن عمرو بن دينار
وساق حديث محمد بن أسامة بن زيد وبكائه عند موته بسبب الدين وهو خمسة عشر ألف دينار
فقال ع لا تبك فهي علي وأنت منها بريء وقضاها عنه.
" حدث عبد الملك
بن عبد العزيز قال لما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة
__________________
رد إلى علي بن الحسين
ع صدقات رسول الله ص وعلي بن أبي طالب ع وكانتا مضمونتين فخرج عمر بن علي إلى عبد الملك
يتظلم إليه من نفسه فقال عبد الملك أقول كما قال ابن أبي الحقيق :
إنا إذا مالت دواعي
الهوى
|
|
وأنصت السامع للقائل
|
واصطرع الناس بألبابهم
|
|
نقضي بحكم عادل فاضل
|
لا نجعل الباطل حقا
ولا
|
|
نلط دون الحق بالباطل
|
نخاف أن تسفه أحلامنا
|
|
فتحمل الدهر مع الخامل
|
حدثنا الحسين بن زيد
عن عمه عمر بن علي عن أبيه علي بن الحسين ع أنه كان يقول لم أر مثل التقدم في الدعاء
فإن العبد ليس تحضره الإجابة في كل وقت.
وكان مما حفظ عنه ع
من الدعاء حين بلغه توجه مسرف بن عقبة
__________________
إلى المدينة ـ رب كم
من نعمة أنعمت بها علي قل لك عندها شكري وكم من بلية ابتليتني بها قل لك عندها صبري
فيا من قل عند نعمته شكري فلم يحرمني ويا من قل عند بلائه صبري فلم يخذلني يا ذا المعروف
الذي لا ينقطع أبدا ويا ذا النعماء التي لا تحصى عددا صل على محمد وآل محمد وادفع عني
شره فإني أدرأ بك في نحره وأستعيذ بك من شره.
فقدم مسرف بن عقبة
المدينة وكان يقال لا يريد غير علي بن الحسين ع فسلم منه وأكرمه وحباه ووصله.
وجاء الحديث من غير
وجه أن مسرف بن عقبة لما قدم إلى المدينة أرسل إلى علي بن الحسين ع فأتاه فلما صار
إليه قربه وأكرمه وقال له وصاني أمير المؤمنين ببرك وتمييزك من غيرك فجزاه خيرا ثم
قال أسرجوا له بغلتي وقال له انصرف إلى أهلك فإني أرى أن قد أفزعناهم وأتعبناك بمشيك
إلينا ولو كان بأيدينا ما نقوى به على صلتك بقدر حقك لوصلناك فقال له علي بن الحسين
ع ما أعذرني للأمير وركب فقال مسرف لجلسائه هذا الخير الذي لا شر فيه مع موضعه من رسول
الله ص ومكانته منه.
فهذا طرف مما ورد من
الحديث في فضائل زين العابدين ع. وجاءت الرواية أن علي بن الحسين كان في مسجد رسول
الله ص ذات يوم إذ سمع قوما يشبهون الله بخلقه ففزع لذلك وارتاع له ونهض حتى أتى قبر
رسول الله ص فوقف عنده فرفع صوته يناجي ربه فقال في مناجاته له ـ إلهي بدت قدرتك ولم
تبد هيئة فجهلوك وقدروك بالتقدير على غير ما أنت به شبهوك وأنا بريء يا إلهي من الذين
بالتشبيه طلبوك ليس مثلك شيء إلهي ولم يدركوك وظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو
عرفوك في خلقك يا إلهي مندوحة أن يتأولوك بل سووك بخلقك فمن ثم لم يعرفوك واتخذوا بعض
آياتك ربا فبذلك وصفوك فتعاليت يا إلهي عما به المشبهون نعتوك.
وقد روى فقهاء العامة
عنه من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه
من المواعظ والأدعية
وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء ولو قصدنا
إلى شرح ذلك لطال الخطاب وتقضي به الزمان.
وقد روت الشيعة له
آيات ومعجزات وبراهين واضحات لم يتسع إيرادها في هذا المكان ووجودها في كتبهم المصنفة
تنوب مناب إيرادها في هذا الكتاب والله الموفق للصواب باب ذكر ولد علي بن الحسين
ع
ولد علي بن الحسين
ع خمسة عشر ولدا ـ محمد المكنى أبا جعفر الباقر ع أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي
بن أبي طالب ع وزيد وعمر أمهما أم ولد وعبد الله والحسن والحسين أمهم أم ولد والحسين
الأصغر وعبد الرحمن وسليمان لأم ولد وعلي وكان أصغر ولد علي بن الحسين ع وخديجة أمهما
أم ولد ومحمد الأصغر أمه أم ولد وفاطمة وعلية وأم كلثوم أمهن أم ولد انتهى كلام المفيد
رحمهالله.
وقال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي أبو الحسن ويقال أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن
عبد المطلب بن هاشم بن مناف بن قصي سمع جماعة من الصحابة من الرجال والنساء منهم عمه
الحسن ع وأبوه ع وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس وجابر بن عبد الله وعبد الله
بن الزبير والمسور بن مخزمة وأبو سعيد الساعدي والحارث بن هشام وأسامة بن زيد وبريدة
بن الخصيب وسواهم.
ومن النساء فاطمة وعائشة
وأم سلمة وأم أيمن والربيع بنت مسعود بن عفرا ودرة بنت أبي لهب وغيرهن.
وروى بسنده عن العيزار
بن حريث قال كنت عند ابن عباس فأتاه علي بن الحسين فقال مرحبا بالحبيب بن الحبيب.
وقال ابن سعد كان علي
بن الحسين ع مع أبيه وهو ابن ثلاث وعشرين سنة
وكان مريضا نائما على
فراشه فلما قتل الحسين ع قال شمر بن ذي الجوشن اقتلوا هذا فقال رجل من أصحابه يا سبحان
الله أتقتل فتى مريضا حدثا لم يقاتل قال ابن سعد أخبرنا عبد الرحمن بن يونس عن سفيان
عن جعفر بن محمد قال مات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة قال ابن عمر فهذا يدلك
على أن علي بن الحسين كان مع أبيه وهو ابن ثلاث أو أربع وعشرين سنة وليس قول من قال
إنه كان صغيرا بشيء ولكنه كان مريضا ولم يقاتل وكيف يكون صغيرا وقد ولد له أبو جعفر
محمد بن علي ع وقد لقي أبو جعفر جابر بن عبد الله وروى عنه ومات جابر بن عبد الله سنة
ثمان وتسعين.
وعن أبي فروة قال مات
علي بن الحسين بالمدينة ودفن بالبقيع ـ سنة أربع وتسعين وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء
لكثرة من مات فيها منهم.
حدثني حسين بن علي
بن حسين بن علي بن أبي طالب ع قال مات أبي علي بن الحسين سنة أربع وتسعين وصلينا عليه
بالبقيع وقال غيره مولده سنة ثمان وثلاثين من الهجرة ومات سنة خمس وتسعين وأمه أم ولد
اسمها غزالة.
قال محمد بن سعيد ولعلي
بن الحسين العقب من ولد الحسين وأخوه علي قتل مع أبيه بكربلاء ولم يولد له فولد علي
بن الحسين عبد الله والحسن والحسن بن علي درج والحسين الأكبر درج أيضا ومحمد أبو جعفر
الفقيه وعبد الله أمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب وعمر وزيد المقتول
بالكوفة قتله يوسف بن عمرو الثقفي في خلافة هشام بن عبد الملك وصلبه وعلي بن علي وخديجة
وأمهم أم ولد وكلثوم بنت علي وسليمان لا عقب له ومليكة لأمهات أولاد والقاسم وأم الحسن
وهي حسنة وأم الحسين وفاطمة لأمهات أولاد.
وبإسناده يرفعه إلى
الكلبي قال ولى علي بن أبي طالب ع حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث بنت يزدجرد
بن شهريار بن كسرى فقال علي لابنه الحسين ع دونكها فأولدها علي بن الحسين. وفي حديث
آخر أنه
أنفذ ببنتي يزدجرد
بن شهريار فأعطى الحسين واحدة وأعطى محمد بن أبي بكر الأخرى فأولداهما وقد تقدم ذكر
ذلك.
" وعن أبي حمزة
قال كان علي بن الحسين يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة.
" وعن عبد الله
بن علي بن الحسين قال كان أبي يصلي الليل حتى يزحف إلى فراشه.
وعن أبي عبد الله قال
كان علي بن الحسين يعول سبعين بيتا من أهل المدينة وهم لا يعلمون فلما مات فقدوا أثره.
" وعن الزهري
قال ما رأيت هاشميا أفضل من علي بن الحسين
وقد سبق ذكره
وروى بسنده حديث حج
هشام وقصيدة الفرزدق
هذا الذي تعرف البطحاء
وطأته
|
|
هذا ابن خير عباد
الله كلهم
|
إذا رأته قريش قال
قائلها
|
|
إلى مكارم هذا انتهى
الكرم
|
ينمي إلى ذروة العز
التي قصرت
|
|
عن نيلها عرب الإسلام
والعجم
|
يكاد يمسكه ..
|
|
يغضى حياء ...
|
من جده دان فضل الأنبياء
له
|
|
وفضل أمته دانت له
الأمم
|
ينشق نور الدجى إن
كنت جاهله
|
|
مشقة من رسول الله
نبعته
...
|
هذا ابن فاطمة إن
كنت جاهله
|
|
الله فضله قدما وشرفه
|
جرى بذاك له في لوحه
القلم
|
|
فليس قولك من هذا
بضائره ...
|
كلتا يديه غياث عم
نفعهما
|
|
تستو كفان ولا يعروهما
العدم
|
سهل الخليقة لا يخشى
بوادره
|
|
يزينه اثنان حسن
الخلق والشيم
|
__________________
حمال أثقال أقوام
إذا فدحوا
|
|
حلو الشمائل تحلو
عنده نعم
|
لا يخلف الوعد ميمون
نقيبته
|
|
رحب الفناء أريب
حين يعترم
|
عم البرية بالإحسان
فانقشعت
|
|
عنه الغيابة والإملاق
والعدم
|
من معشر حبهم دين
وبغضهم
|
|
كفر وقربهم منجى
ومعتصم
|
إن عد أهل التقى
...
|
|
لا يستطيع جواد بعد
غايتهم
|
هم الغيوث إذا ما
أزمة أزمت
|
|
والأسد أسد الشرى
والبأس محتدم
|
لا يقبض العسر بسطا
من أكفهم
|
|
سيان ذلك إن أثروا
وإن عدموا
|
يستدفع السوء والبلوى
بحبهم
|
|
مقدم بعد ذكر الله
ذكرهم ...
|
يأبى لهم أن يحل
الذم ساحتهم
|
|
خيم كريم وأيد بالندى
هضم
|
أي الخلائق ليست
في رقابهم ...
|
|
من يعرف الله يعرف
أولية ذا ...
|
قال فغضب هشام وأمر
بحبس الفرزدق القصة إلى آخرها.
وذكر أنه بعث إلى الفرزدق
باثني عشر ألف درهم وأن الفرزدق قال ما قلت ذلك إلا غضبا لله عزوجل ولرسوله ص فقال شكر
الله لك ذلك.
: وكان علي بن الحسين
ع يقول عند النظر إلى الهلال أيها الخلق المنير الدائب السريع المتقلب في منازل التقدير
المتصرف في فلك التدبير آمنت بالذي نور بك
__________________
الظلم وأوضح بك البهم
وجعلك آية من آيات ملكه وعلامة مع علامات سلطانه فامتهنك بالزيادة
والنقصان
والطلوع والأفول والإنارة
والخسوف
سبحانه ما ألطف ما
دبر في أمرك وأحسن ما صنع في شأنك
جعلك الله هلال شهر
حادث لأمر الحادث جعلك الله هلال بركة لا تمحقها الأيام وطهارة لا تدنسها الآثام هلال
أمن من الآفات وسلامة من السيئات اللهم اجعلنا من أرضى من طلع عليه وأزكى من نظر إليه
ووفقنا فيه للتوبة وأعصمنا فيه بالمنة إنك أنت المنان بالجزيل آمين رب العالمين قال
ثم تدعو بما شئت.
وعن أبي الطفيل عامر
بن واثلة قال كان علي بن الحسين ع إذا تلا هذه الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) يقول اللهم ادفعني
في أعلى درجات هذه الندبة وأعني بعزم الإرادة وهبني حسن المستعقب من نفسي وخذني منها
حتى تتجرد خواطر الدنيا عن قلبي من برد خشيتي منك وارزقني قلبا ولسانا يتجاريان في
ذم الدنيا وحسن التجافي منها حتى لا أقول إلا صدقت وأرني مصاديق إجابتك بحسن توفيقك
حتى أكون في كل حال حيث أردت
فقد قرعت بي باب
فضلك فاقة
|
|
بحد سنان نال قلبي
فتوقها
|
__________________
وحتى متى أصف محن الدنيا
ومقام الصديقين وانتحل عزما من إرادة مقيم بمدرجة الخطايا أشتكي ذل ملكة الدنيا وسوء
أحكامها علي فقد رأيت وسمعت لو كنت أسمع في أداة فهم أو أنظر بنور يقظة.
وكلا ألاقي نكبة
وفجيعة
|
|
وكأس مرادات ذعافا
أذوقها
|
وحتى متى أتعلل بالأماني
وأسكن إلى الغرور وأعبد نفسي للدنيا على غضاضة سوء الاعتداد من ملكاتها وأنا أعرض لنكبات
الدهر علي أتربص اشتمال البقاء وقوارع الموت تختلف حكمي في نفسي ويعتدل حكم الدنيا.
وهن المنايا أي واد
سلكته
|
|
عليها طريقي أو علي
طريقها
|
وحتى متى تعدني الدنيا
فتخلف وأئتمنها فتخون لا تحدث جدة إلا بخلوق جدة
ولا تجمع شملا إلا
بتفريق شمل حتى كأنها غيرى
محجبة ضنا تغار علي
الألفة وتحسد أهل النعم.
فقد آذنتني بانقطاع
وفرقة
|
|
وأومض لي من كل أفق
بروقها
|
ومن أقطع عذرا من مغذ
سير أيسكن إلى معرس غفلة بأدواء نبوة الدنيا
ومرارة العيش وطيب
نسيم الغرور قد أمرت تلك الحلاوة على القرون الخالية وحال دون ذلك النسيم هبوات
وحسرات وكانت حركات
فسكنت وذهب كل عالم بما فيه فما عيشة إلا تزيد مرارة ولا ضيقة إلا ويزداد ضيقها فكيف
يرقأ دمع
__________________
لبيب أو يهدأ طرف
متوسم على سوء أحكام
الدنيا وما تفجأ به أهلها من تصرف الحالات وسكون الحركات وكيف يسكن إليها من يعرفها
وهي تفجع الآباء بالأبناء وتلهى الأبناء عن الآباء تعدمهم أشجان قلوبهم
وتسلبهم قرة عيونهم
وترمي قساوات القلوب
بأسهم
|
|
وجمر فراق لا يبوخ
حريقها
|
وما عسيت أن أصف من
محن الدنيا وأبلغ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب ولست أذكر منها
إلا قليلا أفتنة أو مغيب ضريح تجافت عنه فاعتبر أيها السامع بهلكات الأمم وزوال النعم
وفظاعة ما تسمع وترى من سوء آثارها في الديار الخالية والرسوم الفانية والربوع الصموت
وكم عالم أفنت فلم
تبك شجوه
|
|
ولا بد أن تفنى سريعا
لحوقها
|
فانظر بعين قلبك إلى
مصارع أهل البذخ
وتأمل معاقل الملوك
ومصانع الجبارين وكيف عركتهم الدنيا بكلاكل الفناء وجاهرتهم بالمنكرات وسحبت عليهم
أذيال البوار وطحنتهم طحن الرحى للحب واستودعتهم هوج الرياح
تسحب عليهم أذيالها
فوق مصارعهم في فلوات الأرض
فتلك مغانيهم وهذي
قبورهم
|
|
توارثها أعصارها
وحريقها
|
أيها المجتهد في آثار
من مضى من قبلك من الأمم السالفة توقف وتفهم وانظر أي عز ملك أو نعيم أنس أو بشاشة
ألف إلا نغصت أهله قرة أعينهم وفرقتهم
__________________
أيدي المنون وألحقتهم
بتجافيف التراب فأضحوا في فجوات قبورهم يتقلبون وفي بطون الهلكات عظاما ورفاتا وصلصالا
في الأرض هامدون.
وآليت لا تبقى الليالي
بشاشة
|
|
ولا جدة إلا سريعا
خلوقها
|
وفي مطالع أهل البرزخ
وخمود تلك الرقدة وطول تلك الإقامة طفيت مصابيح النظر واضمحلت غوامض الفكر وذم الغفول
أهل العقول وكم بقيت متلذذا في طوامس هوامد تلك الغرفات
فنوهت بأسماء الملوك
وهتفت بالجبارين ودعوت الأطباء والحكماء وناديت معادن الرسالة والأنبياء أتململ تململ
السليم وأبكي بكاء الحزين وأنادي (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ).
سوى أنهم كانوا فبانوا
وأنني
|
|
على جدد قصد سريعا
لحوقها
|
وتذكرت مراتب الفهم
وغضاضة فطن العقول بتذكر قلب جريح فصدعت الدنيا عما التذ بنواظر فكرها من سوء الغفلة
ومن عجب كيف يسكن إليها من يعرفها وقد استذهلت عقله بسكونها وتزين المعاذير وخسأت أبصارهم
عن عيب التدبير وكلما تراءت الآيات ونشرها من طي الدهر عن القرون الخالية الماضية وحالهم
وما بهم وكيف كانوا وما الدنيا وغرور الأيام.
وهل هي إلا لوعة
من ورائها
|
|
جوى قاتل أو حتف
نفس يسوقها
|
وقد أغرق في ذم الدنيا
الأدلاء على طرق النجاة من كل عالم فبكت العيون شجن القلوب فيها دما ثم درست تلك المعالم
فتنكرت الآثار وجعلت في برهة من محن الدنيا وتفرقت ورثة الحكمة وبقيت فردا كقرن الأعضب
وحيدا أقول فلا أجد سميعا وأتوجع فلا أجد مشتكى.
وإن أبكهم أحرض وكيف
تجلدي
|
|
وفي القلب مني لوعة
لا أطيقها
|
__________________
وحتى متى أتذكر حلاوة
مذاق الدنيا وعذوبة مشارب أيامها وأقتفي آثار المريدين وأتنسم أرواح الماضين
مع سبقهم إلى الغل
والفساد وتخلفي عنهم في فضالة طرق الدنيا منقطعا من الأخلاء فزادني جليل الخطب لفقدهم
جوى وخانني الصبر حتى كأني أول ممتحن أتذكر معارف الدنيا وفراق الأحبة.
فلو رجعت تلك الليالي
كعهدها
|
|
رأت أهلها في صورة
لا تروقها
|
فمن أخص بمعاتبتي ومن
أرشد بندبتي ومن أبكى ومن أدع أشجوا بهلكة الأموات أم بسوء خلف الأحياء وكل يبعث حزني
ويستأثر بعبراتي ومن يسعدني فأبكى وقد سلبت القلوب لبها ورقا الدمع وحق للداء أن يذوب
على طول مجانبة الأطباء وكيف بهم وقد خالفوا الأمرين وسبقهم زمان الهادين ووكلوا إلى
أنفسهم يتنكسون في الضلالات في دياجير الظلمات.
حيارى وليل القوم
داج نجومه
|
|
طوامس لا تجري بطيء
خفوقها
|
قلت هذا الفصل من كلامه
ع قد نظمه بعض الشعراء وأجاد في قوله :
قد كنت أبكي على
ما فات من زمني
|
|
وأهل ودي جميع غير
أشتات
|
واليوم إذ فرقت بيني
وبينهم
|
|
نوى بكيت على أهل
المروءات
|
وما حياة امرئ أضحت
مدامعه
|
|
مقسومة بين أحياء
وأموات
|
قال ع وقد انتحلت طوائف
من هذه الأمة بعد مفارقتها أئمة الدين والشجرة النبوية إخلاص الديانة وأخذوا أنفسهم
في مخائل الرهبانية وتغالوا في العلوم ووصفوا الإسلام
بأحسن صفاتهم وتحلوا
بأحسن السنة حتى إذا طال عليهم الأمد و (بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) وامتحنوا بمحن الصادقين
رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى وعلم النجاة يتفسحون تحت أعباء الديانة تفسح
حاشية الإبل تحت
__________________
أوراق البزل
ولا تحرز السبق الرزايا
وإن جرت
|
|
ولا يبلغ الغايات
إلا سبوقها
|
وذهب آخرون إلى التقصير
في أمرنا واحتجوا بمتشابه القرآن فتأولوه بآرائهم واتهموا مأثور الخبر مما استحسنوا
يقتحمون في أغمار الشبهات ودياجير الظلمات بغير قبس نور من الكتاب ولا أثرة علم من
مظان العلم بتحذير مثبطين زعموا أنهم على الرشد من غيهم وإلى من يفزع خلف هذه الأمة
وقد درست أعلام الملة ودانت الأمة بالفرقة والاختلاف يكفر بعضهم بعضا والله تعالى يقول
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) فمن الموثوق به على
إبلاغ الحجة وتأويل الحكمة إلا أهل الكتاب وأبناء أئمة الهدى ومصابيح الدجى الذين احتج
الله بهم على عباده ولم يدع الخلق سدى من غير حجة هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا من فروع
الشجرة المباركة وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وبراهم من
الآفات وافترض مودتهم في الكتاب
هم العروة الوثقى
وهم معدن التقى
|
|
وخير حبال العالمين
وثيقها
|
وعن يوسف بن أسباط
قال حدثني أبي قال دخلت مسجد الكوفة فإذا شاب يناجي ربه وهو يقول في سجوده ـ سجد وجهي
متعفرا في التراب لخالقي وحق له فقمت إليه فإذا هو علي بن الحسين فلما انفجر الفجر
نهضت إليه فقلت له يا ابن رسول الله تعذب نفسك وقد فضلك الله بما فضلك فبكى ثم قال
حدثني عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد قال قال رسول الله ص كل عين باكية يوم القيامة
إلا أربعة أعين عين بكت من خشية الله وعين فقئت في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله
وعين باتت ساهرة ساجدة يباهي بها الله الملائكة يقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده
في طاعتي قد جافى بدنه عن المضاجع يدعوني خوفا من عذابي وطمعا في
__________________
رحمتي اشهدوا أني قد
غفرت له
قلت هكذا أورده الحافظ
في مسجد الكوفة وعلي بن الحسين فيما أظنه لم يصل إلى العراق إلا مع أبيه ع حين قتل
ولما وصل هو إلى الكوفة لم يكن باختياره ولا متصرفا في نفسه فيمشي إلى الجامع ويصلي
فيه وللتحقيق حكم.
وقال كان علي بن الحسين
ع يبخل فلما مات وجدوه يعول مائة أهل بيت.
وروى دخول علي بن الحسين
ع على محمد بن أسامة بن زيد في مرضه وتقبله بالخمسة عشر ألف دينار عنه إلا أنه قال
محمد بن أسامة بن زيد.
" وعن سفيان كان
علي بن الحسين ع يحمل معه جرابا فيه خبز فيتصدق به ويقول إن الصدقة تطفئ غضب الرب.
وعنه قال كان علي بن
الحسين ع يقول ما يسرني بنصيبي من الذل حمر النعم.
وقيل كان هشام بن إسماعيل
أسب شيء لعلي ولأهل بيته ع فعزل وأقيم على الغرائر فجاء علي
بن الحسين ع فقال له يا ابن عم عافاك الله لقد ساءني ما صنع بك فادعنا إلى ما أحببت
فقال (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)
__________________
قال وكان علي بن الحسين
ع خارجا من المسجد فلقيه رجل فسبه فثارت إليه العبيد والموالي فقال علي بن الحسين مهلا
عن الرجل ثم أقبل عليه فقال ما ستر عنك من أمرنا أكثر ألك حاجة نعينك عليها فاستحيا
الرجل ورجع إلى نفسه فألقى عليه خميصة
كانت عليه وأمر له
بألف درهم قال فكان الرجل يقول بعد ذلك أشهد أنك من أولاد الرسل.
وعن عبد الله بن عطاء
قال أذنب غلام لعلي بن الحسين ذنبا استحق به العقوبة فأخذ له السوط ليضربه وقال (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ
لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) فقال الغلام وما أنا
كذلك إني لأرجو رحمة الله وأخاف عذابه فألقى السوط وقال أنت عتيق.
واستطال رجل على علي
بن الحسين ع فتغافل عنه فقال له الرجل إياك أعني فقال له علي بن الحسين ع وعنك أغضي.
وقال أهل المدينة ما
فقدنا صدقة السر حتى فقدنا علي بن الحسين.
وقال ع إنما التوبة
العمل والرجوع عن الأمر وليست التوبة بالكلام.
وعنه ع قال من قال
سبحان الله العظيم وبحمده من غير تعجب كتب الله تعالى له مائة ألف حسنة ومحا عنه ثلاثة
آلاف سيئة ورفع له ثلاثة آلاف درجة.
وروي عن علي بن الحسين
عن أبيه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص انتظار الفرج عبادة ومن رضي بالقليل
من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل.
وعن الزهري قال حدثت
علي بن الحسين بحديث فلما فرغت قال أحسنت بارك الله فيك هكذا سمعناه قال فقلت لا أراني
حدثت حديثا أنت أعلم به مني قال لا تفعل ذلك فليس من العلم ما لم يعرف إنما معنى العلم
ما عرف.
قال وعلي بن الحسين
أمه يقال لها سلامة ويكنى أبا محمد.
وقال أبو نعيم أصيب
سنة اثنتين وتسعين وقال بعض أهله سنة أربع وتسعين.
__________________
وقال إبراهيم بن إسحاق
الحربي أمه غزالة أم ولد وقيل علي يكنى أبا الحسن كناه محمد بن إسحاق بن الحرث وكان
علي بن المدائني ينكر أن يكون علي بن الحسين أفلت يوم كربلاء صغيرا وقال قد روي عن
جابر وابن الحنفية وبإسناده عن رجل من أهل الكوفة وكان صدوقا قال كان علي بن الحسين
يقول في دعائه اللهم من أنا حتى تغضب علي فو عزتك ما يزين ملكك إحساني ولا يقبحه إساءتي
ولا ينقص من خزانتك غنائي ولا يزيد فيها فقري آخر كلامه وقد أسقطت من إيراده بعض ما
تكرر من أخباره ع.
قال الحافظ أبو نعيم
في كتاب الحلية وكان الجماعة منه نقلوا وعلى ما أورده عولوا وأنا أذكر منه ما أظنهم
أهملوه فأما ما ذكروه فلا فائدة في إعادته قال ذكر طبقة من تابعي المدينة فمن هذه الطبقة
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع زين العابدين ومنار القانتين وكان عابدا وفيا وجوادا
حفيا وقيل إن التصوف حفظ الوفاء.
قال كان علي بن الحسين
لا يضرب بعيره من المدينة إلى مكة.
وقال ع من ضحك ضحكة
مج من عقله مجة علم.
وقال إن الجسد إذا
لم يمرض أشر
ولا خير في جسد يأشر.
وقال ع فقد الأحبة
غربة.
وقال ع من قنع بما
قسم الله له فهو من أغنى الناس.
وكان إذ ناول السائل
الصدقة قبله ثم ناوله.
وعن جعفر بن محمد ع
قال سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه قال لا تلوموني فإن يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى
حتى (ابْيَضَّتْ عَيْناهُ) ولم يعلم أنه مات وقد
نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي في غداة واحدة قتلي فترون حزنهم يذهب من قلبي.
وسمع واعية في بيته
وعنده جماعة فنهض إلى منزله ثم رجع فقيل له أمن
__________________
حدث كانت الواعية قال
نعم فعزوه وتعجبوا من صبره فقال إنا أهل بيت نطيع الله فيما يحب ونحمده فيما نكره
وعن أبي حمزة الثمالي
عن علي بن الحسين ع قال إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل فيقوم ناس من
الناس فيقال انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين فيقولون إلى الجنة
قالوا قبل الحساب قالوا نعم قالوا ومن أنتم قالوا أهل الفضل قالوا وما كان فضلكم قالوا
كنا إذا جهل علينا حلمنا وإذا ظلمنا صبرنا وإذا أسيء إلينا غفرنا قالوا ادخلوا الجنة
(فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ثم يقول مناد ينادي
ليقم أهل الصبر فيقوم ناس من الناس فيقال لهم ادخلوا الجنة فتلقاهم الملائكة فيقال
لهم مثل ذلك فيقولون أهل الصبر قالوا وما كان صبركم قالوا صبرنا أنفسنا على طاعة الله
وصبرناها عن معصية الله قالوا ادخلوا الجنة (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ثم ينادي مناد ليقم
جيران الله في داره فيقوم ناس من الناس وهم قليل فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة فتلقاهم
الملائكة فيقال لهم مثل ذلك قالوا وبما جاورتم الله في داره قالوا كنا نتزاور في الله
ونتجالس في الله ونتباذل في الله قالوا ادخلوا الجنة (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ).
وعن علي بن الحسين
قال التارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي
تقاة قلت وما تقاته قال يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى.
وقال ع من كتم علما
أحدا أو أخذ عليه صفدا فلا نفعه أبدا.
وعن الزهري قال دخلت
على علي بن الحسين ع فقال يا زهري فيم كنتم قال تذاكرنا الصوم فأجمع رأيي ورأي أصحابي
على أنه ليس من الصوم شيء واجب إلا صوم شهر رمضان فقال يا زهري ليس كما قلتم الصوم
على أربعين وجها منها عشرة واجبة كوجوب شهر رمضان وعشر خصال منها حرام وأربع عشرة خصلة
صاحبها بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر فصوم النذر واجب وصوم الاعتكاف
__________________
واجب قال قلت فسرهن
لي يا ابن رسول الله قال ع أما الواجب فصوم شهر رمضان وصيام شهرين متتابعين في قتل
الخطإ لمن لم يجد العتق قال الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً
خَطَأً) الآية
وصيام ثلاثة أيام في
كفارة اليمين لمن لم يجد الإطعام قال الله تعالى (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ
إِذا حَلَفْتُمْ) الآية
وصيام حلق الرأس قال
الله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ
مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ) الآية
وصاحبه بالخيار إن
شاء صام ثلاثا وصوم دم المتعة لمن لم يجد الهدي قال الله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ) الآية
وصوم جزاء الصيد قال
الله تعالى (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ
مُتَعَمِّداً) الآية
وإنما يقوم الصيد قيمة
ثم يفض ذلك الثمن على الحنطة
وأما الذي صاحبه بالخيار
فصوم الإثنين والخميس وستة أيام عن شوال بعد رمضان ويوم عرفه ويوم عاشوراء كل ذلك صاحبه
بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وأما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها
وكذلك العبد والأمة وأما صوم الحرام فصوم الفطر.
ويوم الأضحى وأيام
التشريق ويوم الشك نهينا أن نصومه لرمضان وصوم الصمت حرام وصوم نذر المعصية حرام وصوم
الدهر حرام والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه قال رسول الله ص من نزل على قوم فلا
يصومن تطوعا إلا بإذنهم ويؤمر الصبي بالصوم إذا لم يراهق تأديبا ليس بفرض وكذلك من
أفطر لعلة من أول النهار ثم وجد قوة في بدنه أمر بالإمساك وذلك تأديب الله ليس بفرض
وكذلك المسافر إذا أكل من أول النهار ثم قدم أمر بالإمساك
__________________
وأما صوم الإباحة فمن
أكل أو شرب ناسيا بغير تعمد فقد أبيح له ذلك وأجزأه عن صومه
وأما صوم المريض وصوم
المسافر فإن العامة اختلف فيه فقال قوم يصوم وقال قوم لا يصوم وقال قوم إن شاء صام
وإن شاء أفطر وأما نحن فنقول يفطر في الحالين جميعا فإن صام في السفر والمرض فعليه
القضاء قال الله تعالى (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ
أُخَرَ)
آخر كلامه.
وقال في كتاب مواليد
أهل البيت رواية ابن الخشاب النحوي ذكر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص سيد العابدين.
وبالإسناد الذي قبله
عن أبي عبد الله الصادق ع قال ولد علي بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين من الهجرة قبل
وفاة علي بن أبي طالب بسنتين وأقام مع أمير المؤمنين سنتين ومع أبي محمد الحسن عشر
سنين وأقام مع أبي عبد الله الحسين عشر سنين وكان عمره سبعا وخمسين سنة وفي رواية أخرى
أنه ولد سنة سبع وثلاثين وقبض وهو ابن سبع وخمسين سنة في سنة أربع وتسعين وكان بقاؤه
بعد أبي عبد الله ثلاثا وثلاثين سنة ويقال في سنة خمس وتسعين أمه خولة بنت يزدجرد ملك
فارس وهي التي سماها أمير المؤمنين شاه زنان ويقال بل كان اسمها برة بنت النوشجان ويقال
كان اسمها شهربانو بنت يزدجرد كنيته أبو بكر وأبو محمد وأبو الحسن قبره بالمدينة بالبقيع
لقبه الزكي وزين العابدين وذو الثفنات والأمين ولد له ثمان بنين ولم يكن له أنثى أسماء
ولده محمد الباقر وزيد الشهيد بالكوفة وعبد الله وعبيد الله والحسن والحسين وعلي وعمر
آخر كلامه.
وقال أبو عمرو الزاهد
في كتاب اليواقيت في اللغة قال قالت الشيعة إنما سمي علي بن الحسين سيد العابدين لأن
الزهري رأى في منامه كأن يده مخضوبة غمسة قال فعبرها فقيل له إنك تبتلى بدم خطإ قال
وكان عاملا لبني أمية فعاقب
__________________
رجلا فمات في العقوبة
فخرج هاربا وتوحش ودخل إلى غار وطال شعره قال وحج علي بن الحسين ع فقيل له هل لك في
الزهري قال إن لي فيه قال أبو العباس هكذا كلام العرب إن لي فيه لا يقال غيره قال فدخل
عليه فقال له إني أخاف عليك من قنوطك ما لا أخاف عليك من ذنبك فابعث بدية مسلمة إلى
أهله واخرج إلى أهلك ومعالم دينك قال فقال له فرجت عني يا سيدي والله أعلم حيث يجعل
رسالاته.
وكان الزهري
بعد ذلك يقول ينادي
مناد في القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين صلى الله عليهما.
وقال أبو سيعد منصور
بن الحسن الآبي في كتاب نثر الدرر علي بن الحسين زين العابدين ع نظر إلى سائل يبكي
فقال لو إن الدنيا كانت في كف هذا ثم سقطت منه ما كان ينبغي له أن يبكي.
وسئل ع لم أوتم النبي
من أبويه فقال لئلا يوجب عليه حق لمخلوق.
وقال لابنه يا بني
إياك ومعاداة الرجال فإنه لم يعدمك مكر حليم أو مفاجاة لئيم.
وسقط له ابن في بئر
فتفزع أهل المدينة لذلك حتى أخرجوه وكان قائما
__________________
يصلي فما زال عن محرابه
فقيل له في ذلك فقال ما شعرت إني كنت أناجي ربا عظيما.
وكان له ابن عم يأتيه
بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير فيقول لكن علي بن الحسين لا يواصلني لا جزاه
الله عني خيرا فيسمع ذلك ويتحمله ويصبر عليه ولا يعرفه بنفسه فلما مات علي بن الحسين
ع فقدها فحينئذ علم أنه هو كان فجاء إلى قبره وبكى عليه.
وكان يقال له ابن الخيرتين
لقول رسول الله ص إن لله من عباده خيرتين فخيرته من العرب قريش ومن العجم فارس وكانت
أمه بنت كسرى وبلغه ع قول نافع بن جبير في معاوية حيث قال كان يسكته الحلم وينطقه العلم
فقال كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه البتر .
وقيل له من أعظم الناس
خطرا قال من لم ير الدنيا خطرا لنفسه.
قال وروى لنا الصاحب
رحمهالله عن أبي محمد الجعفري
عن أبيه عن عمه عن جعفر عن أبيه ع قال قال رجل لعلي بن الحسين ما أشد بغض قريش لأبيك
قال لأنه أورد أولهم النار وألزم آخرهم العار قال ثم جرى ذكر المعاصي فقال عجبت لمن
يحتمي من الطعام لمضرته ولا يحتمي من الذنب لمعرته .
وقيل له يوما كيف أصبحت
قال أصبحنا خائفين برسول الله وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به.
وقال ابن الأعرابي
لما وجه يزيد بن معاوية عسكره لاستباحة أهل المدينة ضم علي بن الحسين ع إلى نفسه أربعمائة
منافية يعولهن إلى أن تفرق جيش مسرف بن عقبة وقد حكي عنه مثل ذلك عند إخراج ابن الزبير
بني أمية من الحجاز.
__________________
وقال ع وقد قيل له
ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة فقال أكره أن آخذ برسول الله ص ما لا أعطي
مثله
وقال رجل لرجل من آل
الزبير كلاما أقذع فيه
فأعرض الزبيري عنه
ثم دار الكلام فسب الزبيري علي بن الحسين فأعرض عنه ولم يجبه فقال له الزبيري ما يمنعك
من جوابي قال ع ما يمنعك من جواب الرجل.
ومات له ابن فلم ير
منه جزع فسئل عن ذلك فقال أمر كنا نتوقعه فلما وقع لم ننكره.
قال طاوس رأيت رجلا
يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب يدعو ويبكي في دعائه فجئته حين فرغ من الصلاة فإذا
هو علي بن الحسين ع فقلت له يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا ولك ثلاثة أرجو أن
تؤمنك الخوف أحدها أنك ابن رسول الله ص والثاني شفاعة جدك والثالث رحمة الله فقال يا
طاوس أما أني ابن رسول الله ص فلا يؤمنني وقد سمعت الله تعالى يقول (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا
يَتَساءَلُونَ) وأما شفاعة جدي فلا
تؤمنني لأن الله تعالى يقول (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا
لِمَنِ ارْتَضى) وأما رحمة الله فإن
الله تعالى يقول إنها قريبة من المحسنين ولا أعلم أني محسن.
وسمع ع رجلا كان يغشاه
يذكر رجلا بسوء فقال إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار.
ومما أورده محمد بن
الحسن بن حمدون في كتاب التذكرة من كلامه ع قال لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال شهادة أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وشفاعة رسول الله ص وسعة رحمة الله عزوجل خف الله عزوجل لقدرته عليك واستح
منه لقربه منك وإذا صليت فصل صلاة مودع وإياك وما تعتذر منه وخف الله خوفا ليس بالتعذر.
وقال ع إياك والابتهاج
بالذنب
فإن الابتهاج به أعظم
من ركوبه
__________________
ووقع إلي كتاب دلائل
رسول الله ص تأليف أبي العباس عبد الله بن جعفر الحميري فنقلت منه قال دلائل أبي محمد
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع كان علي بن الحسين في سفر وكان يتغذى وعنده رجل
فأقبل غزال في ناحية يتقمم
وكانوا يأكلون على
سفرة في ذلك الموضع فقال له علي بن الحسين ادن فكل فأنت آمن فدنى الغزال فأقبل يتقمم
من السفرة فقام الرجل الذي كان يأكل معه بحصاة فقذف بها ظهره فنفر الغزال ومضى فقال
له علي بن الحسين أخفرت ذمتي لا كلمتك كلمة أبدا.
وعن أبي جعفر قال إن
أبي خرج إلى ماله ومعنا ناس من مواليه وغيرهم فوضعت المائدة لنتغذى وجاء ظبي وكان منه
قريبا فقال له يا ظبي أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وأمي فاطمة بنت رسول الله
ص هلم إلى هذا الغذاء فجاء الظبي حتى أكل معهم ما شاء الله أن يأكل ثم تنحى الظبي فقال
له بعض غلمانه رد علينا فقال لهم لا تخفروا ذمتي قالوا لا فقال له يا ظبي أنا علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب وأمي فاطمة بنت رسول الله هلم إلى هذا الغذاء وأنت آمن في
ذمتي فجاء الظبي في الحال حتى قام على المائدة يأكل معهم فوضع رجل من جلسائه يده على
ظهره فنفر الظبي فقال علي بن الحسين أخفرت ذمتي لا كلمتك كلمة أبدا.
وتلكأت عليه ناقته
بين جبال رضوى فأناخها ثم أراها السوط والقضيب ثم قال لتنطلقن
أو لأفعلن فانطلقت وما تلكأت بعدها.
وبإسناده قال بينا
علي بن الحسين جالسا مع أصحابه إذ أقبلت ظبية من الصحراء حتى قامت بحذاه وضربت بذنبها
وحمحمت فقال بعض القوم يا ابن رسول الله ما تقول هذه الظبية قال تزعم أن فلان بن فلان
القرشي أخذ خشفها بالأمس
وأنها لم ترضعه منذ
أمس شيئا فوقع في قلب رجل من القوم شيء فأرسل علي بن الحسين
__________________
إلى القرشي فأتاه فقال
له ما لهذه الظبية تشكوك قال وما تقول قال تقول إنك أخذت خشفها بالأمس في وقت كذا وكذا
وأنها لم ترضعه شيئا منذ أخذته وسألتني أن أبعث إليك فأسألك أن تبعث به إليها لترضعه
وترده إليك فقال الرجل والذي بعث محمدا بالحق لقد صدقت علي قال له فأرسل إلى الخشف
فجيء به قال فلما جاء به أرسله إليها فلما رأته حمحمت وضربت بذنبها ثم رضع منها فقال
علي بن الحسين للرجل بحقي عليك إلا وهبته لي فوهبه له ووهبه علي بن الحسين لها وكلمها
بكلامها فحمحمت وضربت بذنبها وانطلقت وانطلق الخشف معها فقالوا يا ابن رسول الله ما
الذي قالت قال دعت لكم وجزتكم خيرا.
وعن أبي عبد الله قال
لما كان في الليلة التي وعد فيها علي بن الحسين قال لمحمد يا بني ابغني وضوءا قال فقمت
فجئته بماء قال لا تبغ هذا فإن فيه شيئا ميتا قال فخرجت وجئت بالمصباح فإذا فيه فأرة
ميتة فجئته بوضوء غيره فقال يا بني هذه الليلة التي وعدتها فأوصى بناقته أن يحط عليها
خطاما وأن يقام لها علف فجعلت فيه فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها
ورغت وهملت عيناها
فأتي محمد بن علي فقيل له إن الناقة قد خرجت فجاءها فقال قومي بارك الله فيك فلم تفعل
فقال دعوها فإنها مودعة فلم تمكث إلا ثلاثا حتى نفقت
قال وكان يخرج عليها
إلى مكة فيعلق السوط بالرحل فما يفرعها حتى يدخل المدينة.
وعن أبي جعفر قال لما
قتل الحسين بن علي جاء محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فقال له يا ابن أخي أنا عمك
وصنو أبيك وأنا أسن منك فأنا أحق بالإمامة والوصية فادفع إلي سلاح رسول الله ص فقال
علي بن الحسين يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك فإني أخاف عليك نقص العمر وشتات الأمر
فقال له محمد بن الحنفية أنا أحق بهذا الأمر منك فقال له علي بن الحسين يا عم فهل لك
إلى حاكم نحتكم إليه فقال
__________________
من هو قال الحجر الأسود
قال فتحاكما إليه فلما وقفا عنده قال له يا عم تكلم فأنت المطالب قال فتكلم محمد بن
الحنفية فلم يجبه قال فتقدم علي بن الحسين فوضع يده عليه وقال اللهم إني أسألك باسمك
المكتوب في سرادق البهاء وأسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة وأسألك باسمك المكتوب
في سرادق القوة وأسألك باسمك المكتوب في سرادق الجلال وأسألك باسمك المكتوب في سرادق
السلطان وأسألك باسمك المكتوب في سرادق السرائر وأسألك باسمك المكتوب في سرادق المجد
وأسألك باسمك الفائق الخبير البصير رب الملائكة الثمانية ورب جبرئيل وميكائيل وإسرافيل
ورب محمد خاتم النبيين لما أنطقت هذا الحجر بلسان عربي فصيح يخبر لمن الإمامة والوصية
بعد الحسين بن علي قال ثم أقبل علي بن الحسين على الحجر فقال أسألك بالذي جعل فيك مواثيق
العباد والشهادة لمن وافاك إلا أخبرت لمن الإمامة والوصية بعد الحسين بن علي قال فتزعزع
الحجر حتى كاد أن يزول من موضعه وتكلم بلسان عربي مبين فصيح يقول يا محمد سلم سلم إن
الإمامة والوصية بعد الحسين بن علي لعلي بن الحسين قال أبو جعفر فرجع محمد بن الحنفية
وهو يقول بأبي علي.
وروي عن أبي عبد الله
أنه التزقت يد رجل وامرأة على الحجر في الطواف فجهد كل واحد منهما أن ينزع يده فلم
يقدرا عليه وقال الناس اقطعوهما قال فبينا هما كذلك إذ دخل علي بن الحسين فأفرجوا له
فلما عرف أمرهما تقدم فوضع يده عليهما فانحلا وتفرقا
__________________
وعن أبي عبد الله قال
لما ولى عبد الملك بن مروان الخلافة كتب إلى الحجاج بن يوسف (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) من عبد الملك بن مروان
أمير المؤمنين إلى الحجاج بن يوسف أما بعد فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها واجتنبها
فإني رأيت آل أبي سفيان لما ولغوا فيها لم يلبثوا إلا قليلا والسلام قال وبعث بالكتاب
سرا وورد الخبر على علي بن الحسين ساعة كتب الكتاب وبعث به إلى الحجاج فقيل له إن عبد
الملك قد كتب إلى الحجاج كذا وكذا وإن الله قد شكر له ذلك وثبت ملكه وزاده برهة قال
فكتب علي بن الحسين (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) إلى عبد الملك بن مروان
أمير المؤمنين من علي بن الحسين أما بعد فإنك كتبت يوم كذا وكذا من ساعة كذا وكذا من
شهر كذا وكذا بكذا وكذا وأن رسول الله ص أنبأني وخبرني وأن الله قد شكر لك ذلك وثبت
ملكك وزادك فيه برهة وطوى الكتاب وختمه وأرسل به مع غلام له على بعيره وأمره أن يوصله
إلى عبد الملك ساعة يقدم عليه فلما قدم الغلام أوصل الكتاب إلى عبد الملك فلما نظر
في تاريخ الكتاب وجده موافقا لتلك الساعة التي كتب فيها إلى الحجاج فلم يشك في صدق
علي بن الحسين وفرح فرحا شديدا وبعث إلى علي بن الحسين بوقر راحلته دراهم ثوابا لما
سره من الكتاب.
وعن المنهال بن عمرو
قال حججت فدخلت على علي بن الحسين فقال لي يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي قلت
تركته حيا بالكوفة قال فرفع يديه ثم قال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار
قال فانصرفت إلى الكوفة وقد خرج بها المختار بن أبي عبيدة وكان لي صديقا فركبت لأسلم
عليه فوجدته قد دعا بدابته فركبها وركبت معه حتى أتى الكناسة
فوقف وقوف منتظر لشيء
__________________
__________________
وكان قد وجه في طلب
حرملة بن كاهل فأحضر فقال الحمد لله الذي مكنني منك ثم دعا بالجزار فقال اقطعوا يديه
فقطعتا ثم قال اقطعوا رجليه فقطعتا ثم قال النار النار فأتي بطن قصب
ثم جعل فيها ثم ألهب
فيه النار حتى احترق فقلت سبحان الله سبحان الله فالتفت إلي المختار فقال مم سبحت فقلت
له دخلت على علي بن الحسين فسألني عن حرملة فأخبرته أني تركته بالكوفة حيا فرفع يديه
وقال اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار فقال المختار الله الله أسمعت علي بن
الحسين يقول هذا قلت الله الله لقد سمعته يقول هذا فنزل مختار فصلى ركعتين ثم أطال
ثم سجد وأطال ثم رفع رأسه وذهب ومضيت معه حتى انتهى إلى باب داري فقلت له إن رأيت أن
تكرمني بأن تنزل وتتغذى عندي فقال يا منهال تخبرني أن علي بن الحسين دعا الله بثلاث
دعوات فأجابه الله فيها على يدي ثم تسألني الأكل عندك هذا يوم صوم شكرا لله على ما
وفقني له.
وسئل علي بن الحسين
ع بأي حكم تحكمون قال بحكم آل داود فإن عيينا عن شيء تلقانا به روح القدس.
وقال ع هلك من ليس
له حكيم يرشده وذل من ليس له سفيه يعضده.
قال أفقر عباد الله
إلى رحمته وشفاعة نبيه وأئمته ـ علي بن عيسى أغاثه الله في الدنيا والآخرة وجعل تجارته
رابحة يوم يكون بعض التجارات خاسرة مناقب الإمام علي بن الحسين تكثر النجوم عددا ويجري
واصفها إلى حيث لا مدى وتلوح في سماء المناقب كالنجوم لمن اهتدى وكيف لا وهو يفوق العالمين
إذا عد عليا وفاطمة والحسن والحسين ومحمدا وهذا تقديم لسجع في الطبع فلا تكن مترددا
ومتى أعطيت الفكر حقه وجدت ما شئت فخارا وسؤددا فإنه ع الإمام الرباني والهيكل النوراني
بدل الأبدال وزاهد الزهاد وقطب الأقطاب وعابد العباد ونور مشكاة الرسالة ونقطة دائرة
الإمامة
__________________
وابن الخيرتين والكريم
الطرفين قرار القلب وقرة العين علي بن الحسين وما أدراك ما علي بن الحسين الأواه الأواب
العامل بالسنة والكتاب الناطق بالصواب ملازم المحراب المؤثر على نفسه المرتفع في درجات
المعارف فيومه يفوق على أمسه المتفرد بمعارفه الذي فضل الخلائق بتليده وطارفه وحكم
في الشرف فتسنم ذروته وخطر في مطارفه وأعجز بما حواه من طيب المولد وكرم المحتد وزكاء
الأرومة وطهارة الجرثومة عجز عنه لسان واصفه وتفرد في خلواته بمناجاته فتعجب الملائكة
من مواقفه وأجرى مدامعه خوف ربه فأربى على هامي الصوب وواكفه فانظر أيدك الله في أخباره
والمح بعين الاعتبار عجائب آثاره وفكر في زهده وتعبده وخشوعه وتهجده ودءوبه في صلاته
وأدعيته في أوقات مناجاته واستمراره على ملازمة عباداته وإيثاره وصدقاته وعطاياه وصلاته
وتوسلاته التي تدل مع فصاحته وبلاغته على خشوعه لربه وضراعته ووقوفه موقف العصاة مع
شدة طاعته واعترافه بالذنوب على براءة ساحته وبكائه ونحيبه وخفوق قلبه من خشية الله
ووجيبه وانتصابه وقد أرخى الليل سدوله وجر على الأرض ذيوله مناجيا ربه تقدست أسماؤه
مخاطبا له تعالى ملازما بابه عزوجل مصورا نفسه بين يديه
معرضا عن كل شيء مقبلا عليه قد انسلخ من الدنيا الدنية وتعرى من الجثة البشرية فجسمه
ساجد في الثرى وروحه متعلقة بالملإ الأعلى يتملل إذا مرت به آية من آيات الوعيد حتى
كأنه المقصود بها وهو عنها بعيد تجد أمورا عجيبة وأحوالا غريبة ونفسا من الله سبحانه
وتعالى قريبة وتعلم يقينا لا شك فيه ولا ارتياب وتعرف معرفة من قد كشف له الحجاب وفتحت
له الأبواب أن هذه الثمرة من تلك الشجرة كما أن الواحد جزء العشرة وأن هذه النطفة العذبة
من ذلك المعين الكريم وأن هذا الحديث من ذلك القديم وأن هذه الدرة من ذلك البحر الزاخر
وأن هذا النجم من ذلك القمر الباهر وأن هذا الفرع النابت من ذلك الأصل الثابت وأن هذه
النتيجة من هذه المقدمة وأنه ع خليفة محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة المكرمة المعظمة
هذا أصله الطاهر.
وأما فرعه فما أشبه
الأول بالآخر فهم ع مشكاة الأنوار وسادة الأخيار والأمناء الأبرار والأتقياء الأطهار
كل واحد منهم في زمانه علم يهتدي به من وفقه الله وسدده وأمده بعنايته وعضده وهداه
إلى سبيله وأرشده وأنجده بلطفه وأيده وعلي بن الحسين ع دوحتهم التي منها تتشعب أغصانهم
وإرم بني الحسين فمنه بسقت أفنانهم ولساني يقصر في هذا المقام عن عد مفاخره ووصف فضله
وعبارتي تعجز عن النهوض بما يكون كفاء لشرفه ونبله وكيف لمثلي أن يقوم بواجب نعت مثله
وأين الثريا والثرى وإنما يقدر على وصفه من كان يرى ما يرى لكني أقول على قدر علمي
لا على قدره ونيتي أبلغ من قولي عند ذكره وقد قلت أبياتا في مدحه ولا لائمة على من
قال بعد إيضاح عذره.
مديح علي بن الحسين
فريضة
|
|
علي لأني من أقل
عبيده
|
إمام هدى فاق البرية
كلها
|
|
بأبنائه خير الورى
وجدوده
|
فطارفه في فضله وعلائه
|
|
وسؤدده من مجده كتليده
|
له شرف فوق النجوم
محله
|
|
أقر به حتى لسان
حسوده
|
ونعمى يد لو قيس
بالغيث بعضها
|
|
تبينت بخلا في السحاب
وجوده
|
وأصل كريم طاب فرعا
فأصبحت
|
|
تحار العقول من نضارة
عوده
|
ونفس برأها الله
من نور قدسه
|
|
فأدركت المكنون قبل
وجوده
|
جرى فونى عن جريه
كل سابق
|
|
وقصر عن هادي الفعال
رشيده
|
وأحرز أشتات العلى
بمآثر
|
|
بدا مجدها في وعده
ووعيده
|
من القوم لو جاراهم
الغيث لانثنى
|
|
حسيرا فلم تسمع زئير
رعوده
|
هم النفر العز الكرام
الذي بهم
|
|
ورى زند دين الله
بعد صلوده
|
__________________
أقاموا عمود الحق
فاتضح الهدى
|
|
ولولاهم أعشى قيام
عموده
|
بهم وضحت سبل المعالي
فسل بهم
|
|
تجد كل بان للعلاء
مشيده
|
سمت بهم حال إلى
مرتقى علا
|
|
تقاصرت الشهب العلى
عن صعوده
|
بهم تدفع اللأواء
عند حلولها
|
|
وينهل صوب الغيث
بعد جموده
|
أمولاي زين العابدين
إصاخة
|
|
إلى ذي ولاء أنت
بيت قصيده
|
مقيم على دين الولاء
محافظ
|
|
يناديك من نأى المحل
بعيده
|
يحبك حبا صادقا فهو
لا يني
|
|
إليك مع الأيام لافت
جيده
|
يود بأن يسعى إليك
مبادرا
|
|
إلى جوب أغوار الفلا
ونجوده
|
يقبل إجلالا مكانا
حللته
|
|
ويكحل عينيه بترب
صعيده
|
__________________
ذكر الإمام الخامس أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب ع
قال كمال الدين هو
باقر العلم وجامعه وشاهر علمه ورافعه ومتفوق دره وراضعه ومنمق دره وواضعه صفا قلبه
وزكا عمله وطهرت نفسه وشرفت أخلاقه وعمرت بطاعة الله أوقاته ورسخت في مقام التقوى قدمه
وظهرت عليه سمات الازدلاف وطهارة الاجتباء فالمناقب تسبق إليه والصفات تشرف به.
فأما ولادته ع فبالمدينة في ثالث صفر سنة سبع وخمسين للهجرة قبل قتل جده الحسين
بثلاث سنين وقيل غير ذلك فأما نسبه أبا وأما فأبوه زين العابدين علي بن الحسين ع وأمه فاطمة بنت الحسن بن
علي بن أبي طالب وتدعى أم الحسن وقيل أم عبد الله. وأما
اسمه فمحمد وكنيته أبو جعفر
وله ثلاث ألقاب باقر العلم والشاكر والهادي وأشهرها الباقر وسمي بذلك لتبقره في العلم
وهو توسعه فيه.
وأما مناقبه الحميدة وصفاته الجميلة فكثيرة منها قال أفلح مولى أبي جعفر قال خرجت مع محمد بن علي
حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت بأبي أنت وأمي إن الناس
ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا فقال لي ويحك يا أفلح ولم لا أبكي لعل الله تعالى
أن ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا قال ثم طاف بالبيت ثم جاء حتى ركع عند المقام
فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من كثرة دموع عينيه وكان إذا ضحك قال اللهم
لا تمقتني.
" وقال عبد الله
بن عطاء ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علما منهم عند أبي
جعفر ولقد رأيت الحكم
عنده كأنه متعلم.
وروى عنه ولده جعفر
ع قال كان أبي يقول في جوف الليل في تضرعه أمرتني فلم آتمر ونهيتني فلم أنزجر فها أنا
عبدك بين يديك ولا أعتذر.
وقال جعفر فقد أبي
بغلة له فقال لئن ردها الله تعالى لأحمدنه بمحامد يرضاها فما لبث أن أتي بها بسرجها
ولجامها فلما استوى عليها وضم إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء فقال الحمد لله فلم يزد
ثم قال ما تركت ولا بقيت شيئا جعلت كل أنواع المحامد لله عزوجل فما من حمد إلا وهو
داخل فيما قلت.
أقول صدق وبر ع فإن
الألف واللام في قوله الحمد لله يستغرق الجنس وتفرده تعالى بالحمد.
ونقل عنه ع أنه قال
ما من عبادة أفضل من عفة بطن وفرج وما من شيء أحب إلى الله من أن يسأل ولا يدفع القضاء
إلا الدعاء وأن أسرع الخير ثوابا البر وأسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء عيبا أن
يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يفعله وأن ينهى الناس عما
لا يستطيع التحول عنه وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
وقال عبد الله بن الوليد
قال لنا أبو جعفر يوما أيدخل أحدكم يده كم صاحبه فيأخذ ما يريد قلنا لا قال فلستم إخوانا
كما تزعمون.
وقالت سلمى مولاة أبي
جعفر كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويكسوهم الثياب
الحسنة ويهب لهم الدراهم فأقول له في ذلك ليقل منه فيقول يا سلمى ما حسنة الدنيا إلا
صلة الإخوان والمعارف
__________________
وكان ع يجيز بخمسمائة
والستمائة إلى الألف وكان لا يمل من مجالسة إخوانه.
وقال الأسود بن كثير
شكوت إلى أبي جعفر الحاجة وجفاء الإخوان فقال بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا
ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم فقال استنفق هذه فإذا فرغت فأعلمني.
وقال أعرف المودة لك
في قلب أخيك بما له في قلبك.
ونقل عن ابن الزبير
محمد بن مسلم المكي أنه قال كنا عند جابر بن عبد الله فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه
محمد وهو صبي فقال علي لابنه قبل رأس عمك فدنا محمد بن علي من جابر فقبل رأسه فقال
جابر من هذا وكان قد كف بصره فقال له علي هذا ابني محمد فضمه جابر إليه وقال يا محمد
محمد رسول الله يقرأ عليك السلام فقالوا لجابر كيف ذلك يا با عبد الله فقال كنت مع
رسول الله ص والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال يا جابر يولد لابني الحسين ابن يقال له
علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين فيقوم علي بن الحسين ويولد لعلي
ابن يقال له محمد يا جابر إن رأيته فاقرأه مني السلام واعلم أن بقاءك بعد رؤيته يسير
فلم يعش جابر بعد ذلك إلا قليلا ومات وهذه وإن كانت منقبة واحدة فهي عظيمة تعادل جملا
من المناقب.
وأما أولاده فكان له ثلاثة من الذكور وبنت واحدة وأسماء أولاده جعفر وهو
الصادق وعبد الله وإبراهيم وأم سلمة وقيل كان أولاده أكثر من ذلك.
ونقل الثعلبي في تفسيره
وأن الباقر ع كان قد نقش على خاتمه هذه ظني بالله حسن وبالنبي المؤتمن وبالوصي ذي المنن
وبالحسين والحسن رواها في تفسيره بسنده متصلا إلى ابنه الصادق ع
وأما عمره فإنه مات في سنة سبع عشرة ومائة وقيل غير ذلك وقد نيف على الستين
وقيل غير ذلك أقام مع أبيه زين العابدين ع بضعا وثلاثين سنة من عمره وقبره بالمدينة
بالبقيع بالقبر الذي فيه أبوه وعم أبيه الحسن
بالقبة التي فيها العباس
رضي الله عنه وقد تقدم ذكر ذلك آخر كلام كمال الدين رحمهالله.
وقال الحافظ عبد العزيز
الجنابذي أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم
الباقر وأمه أم عبد الله بنت حسن بن علي بن أبي طالب وأمها
أم فروة بنت القاسم
بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان كثير العلم.
وعن جعفر بن محمد قال
سمعت محمد بن علي يذاكر فاطمة بنت الحسين شيئا من صدقة النبي ص فقال هذه توفي لي ثمان
وخمسين سنة ومات فيها.
وقال محمد بن عمرو
أما في روايتنا فإنه مات سنة سبع عشرة ومائة وهو ابن ثمان وسبعين سنة وقال غيره توفي
سنة ثمان عشرة ومائة.
وقال أبو نعيم الفضل
بن دكين توفي بالمدينة سنة أربع عشرة ومائة.
وقال محمد بن سعيد
عن ليث عن أبي جعفر قال لا تجالسوا أصحاب الخصومات فإنهم الذين يخوضون في آيات الله.
وعن أبي جعفر ع قال
سمعت جابر بن عبد الله يقول أنت ابن خير البرية وجدك سيد شباب أهل الجنة وجدتك سيدة
نساء العالمين.
وعن أبي جعفر محمد
بن علي ع قال دخل علي جابر وأنا في الكتاب فقال لي اكشف عن بطنك فكشفت له فألصق بطنه
ببطني وقال أمرني رسول الله ص أن أقرأك السلام.
وعن سفيان بن عيينة
عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي ع وهو ابن ثمان وخمسين سنة وقتل الحسين وهو ابن
ثمان وخمسين سنة ومات
__________________
علي بن الحسين وهو
ابن ثمان وخمسين سنة وأنا اليوم ابن ثمان وخمسين سنة. وعن عمرو بن خالد قال حدثني زيد
بن علي وهو آخذ بشعره عن علي بن الحسين وهو آخذ بشعره عن الحسين بن علي وهو آخذ بشعره
قال من آذى شعرة مني فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله تعالى لعنه الله
ملء السماوات والأرض.
" وعن الحكم بن
عيينة في قوله تعالى (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ) قال كان والله محمد
بن علي منهم.
وعن سلمى مولاة أبي
جعفر قالت كان يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ويلبسهم
الثياب الحسنة ويهب لهم الدراهم قالت فأقول له في بعض ما يصنع فيقول يا سلمى ما يؤمل
في الدنيا بعد المعارف والإخوان.
وعن الأسود بن كثير
وقد تقدمت وفيه فإذا نفذت فأعلمني.
وعن الحجاج بن أرطاة
قال قال أبو جعفر يا حجاج كيف تواسيكم قلت صالح يا با جعفر قال يدخل أحدكم يده في كيس
أخيه فيأخذ حاجته إذا احتاج إليه قلت أما هذا فلا فقال أما لو فعلتم ما احتجتم.
عن أبي حمزة الثمالي
قال حدثني أبو جعفر محمد بن علي ع قال لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا تصاحبهم في طريق
وقد سبق ذكره في أخبار أبيه ع.
وعن حسين بن حسن قال
كان محمد بن علي يقول سلاح اللئام قبيح الكلام.
وعن جابر الجعفي قال
قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب قلت وما حزنك وما شغل قلبك
قال يا جابر إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه يا جابر ما الدنيا وما
عسى أن يكون إن هو إلا مركب ركبته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها يا جابر إن المؤمنين
لم يطمئنوا إلى الدنيا لبقاء فيها ولم يأمنوا قدوم الآخرة عليهم ولم يصمهم عن ذكر الله
ما
__________________
سمعوا بآذانهم من الفتنة
ولم يعمهم عن نور الله ما رأوا بأعينهم من الزينة ففازوا بثواب الأبرار وإن أهل التقوى
أيسر أهل الدنيا مئونة وأكثرهم لك معونة إن نسيت ذكروك وإن ذكرت أعانوك قوالين بحق
الله عزوجل قوامين بأمر الله قطعوا
محبتهم لمحبة ربهم ونظروا إلى الله وإلى محبته بقلوبهم وتوحشوا من الدنيا بطاعة مليكهم
وعلموا أن ذلك منظور إليه من شأنهم فأنزل الدنيا بمنزل نزلت به وارتحلت عنه أو كمال
أصبته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شيء احفظ الله ما استرعاك من دينه وحكمته.
قلت قوله ع فأنزل الدنيا
هو معنى قول النبي ص : ما لي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب قال
تحت شجرة ساعة ثم فارقها
ومضى ومنبع الكلامين واحد وهذا الولد من ذلك الوالد.
وروى عن أبي جعفر بسند
رفعه إليه قال إذا أردت أن تلقي الحب في الأرض فخذ قبضة من ذلك البذر ثم استقبل القبلة
ثم قل (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) ثم تقول لا بل الله
الزارع لا فلان وتسمي باسم صاحبه ثم قل اللهم صل على محمد وآل محمد واجعله مباركا وارزقه
السلامة والسرور والعافية والغبطة ثم ابذر البذر الذي بيدك وسائر البذر.
١٤ ـ وعن أبي جعفر
ع عن جابر بن عبد الله قال سمعت النبي ص يقول كان فيما أعطى الله عزوجل موسى ع في الألواح
الأول (اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) أقيك المتألف وأنسئ
لك في عمرك وأحيك حياة طيبة وأقلبك إلى خير منها آخر كلامه الذي أوردته.
قال الشيخ المفيد رحمهالله في إرشاده باب ذكر
الإمام القائم بعد علي بن الحسين ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته
ووقت وفاته وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره وكان الباقر محمد بن علي
بن الحسين ع من بين إخوته خليفة أبيه علي بن الحسين ع والقائم بالإمامة
__________________
من بعده وبرز على جماعتهم
بالفضل في العلم والزهد والسؤدد وكان أنبههم ذكرا وأجلهم في العامة والخاصة وأعظمهم
قدرا ولم يظهر عن أحد من ولد الحسن والحسين ع من علم الدين والآثار والسنن وعلم القرآن
والسيرة وفنون الآداب ما ظهر عن أبي جعفر ع.
وروي عنه معالم الدين
دون بقايا الصحابة ووجوه التابعين ورؤساء فقهاء المسلمين وصار بالفضل علما لأهله تضرب
به الأمثال وتسير بوصفه الآثار والأشعار وفيه يقول القرطي :
يا باقر العلم لأهل
التقى
|
|
وخير من لبى على
الأجبل
|
وقال مالك بن أعين
الجهني يمدحه ع من قصيدة :
إذا طلب الناس علم
القرآن
|
|
كانت قريش عليه عيالا
|
وإن قيل أين ابن
بنت النبي
|
|
نلت بذاك فروعا طوالا
|
نجوم تهلل للمدلجين
|
|
جبال تورث علما جبالا
|
وولد ع بالمدينة سنة
سبع وخمسين من الهجرة وقبض ع بها سنة أربع عشرة ومائة وسنه يومئذ سبع وخمسون سنة وهو
هاشمي من هاشميين علوي من علويين
وقبره بالبقيع من مدينة
الرسول ص.
وروى ميمون القداح
عن جعفر بن محمد عن أبيه ع قال دخلت على جابر بن عبد الله رحمة الله عليه فسلمت عليه
فرد علي السلام ثم قال لي من أنت وذلك بعد ما كف بصره فقلت محمد بن علي فقال يا بني
ادن مني فدنوت منه فقبل يدي ثم أهوى إلى رجلي ليقبلها فتنحيت عنه فقال لي إن رسول الله
ص يقرؤك السلام فقلت وعلى رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته وكيف ذلك يا جابر فقال
كنت معه ذات يوم فقال لي يا جابر لعلك أن تبقى إلى أن تلقى
رجلا من ولدي يقال
له محمد بن علي بن الحسين يهب الله له النور والحكمة
__________________
فاقرأه مني السلام.
وكان في وصية أمير
المؤمنين ع إلى ولده ذكر محمد بن علي والوصاة به وسماه رسول الله ص وعرفه بباقر العلم
على ما رواه أصحاب الآثار.
ومما روي عن جابر بن
عبد الله في حديث مجرد أنه قال قال لي رسول الله ص يوشك أن تبقى حتى تلقى ولدا من الحسين
يقال له محمد يبقر علم الدين بقرا فإذا لقيته فاقرأه مني السلام.
وروت الشيعة في خبر
اللوح الذي هبط به جبرئيل على رسول الله ص من الجنة وأعطاه فاطمة ع وفيه أسماء الأئمة
من بعده فكان فيه محمد بن علي الإمام بعد أبيه.
وروت فيه أيضا أن الله
عزوجل أنزل إلى نبيه كتابا
مختوما باثني عشر خاتما وأمره أن يدفعه إلى أمير المؤمنين ع ويأمره أن يفض أول خاتم
فيه ويعمل بما تحته ثم يدفعه بعد وفاته إلى ابنه الحسن ع ويأمره بفض الخاتم الثاني
والعمل بما تحته ثم يدفعه عند حضور وفاته إلى أخيه الحسين ع ويأمره أن يفض الخاتم الثالث
ويعمل بما تحته ثم يدفعه الحسين عند وفاته إلى ابنه علي بن الحسين ع ويأمره بمثل ذلك
ويدفعه علي بن الحسين عند وفاته إلى ابنه محمد بن علي الأكبر ويأمره بمثل ذلك ثم يدفعه
محمد إلى ولده حتى ينتهي إلى آخر الأئمة عليهمالسلام أجمعين.
ورووا أيضا نصوصا كثيرة
عليه بالإمامة بعد أبيه ع عن النبي ص وعن أمير المؤمنين ع وعن الحسن والحسين وعلي بن
الحسين ع. وقد روى الناس من فضائله ومناقبه ما يكثر به الخطاب إن أثبتناه وفيما نذكره
منه كفاية فيما نقصده في معناه إن شاء الله.
عن عطاء المكي قال
ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ولقد رأيت
الحكم بن عيينة مع جلالته في القوم بين يديه كأنه صبي بين يدي معلمه وقد تقدم مع خلاف
في العبارة.
وكان جابر بن يزيد
الجعفي إذا روى عن محمد بن علي ع شيئا قال حدثني وصي الأوصياء ووارث علم الأنبياء محمد
بن علي بن الحسين ع.
وروى مخول بن إبراهيم
عن قيس بن الربيع قال سألت أبا إسحاق عن المسح على الخفين قال أدركت الناس يمسحون حتى
لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين فسأله عن المسح فنهاني
عنه وقال لم يكن علي أمير المؤمنين ع يمسح وكان يقول سبق الكتاب المسح على الخفين
قال أبو إسحاق فما
مسحت منذ نهاني عنه قال قيس بن الربيع وما مسحت أنا منذ سمعت أبا إسحاق.
وعن أبي عبد الله ع
أن محمد بن المنكدر كان يقول ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين يدع خلفا لفضل علي بن
الحسين حتى رأيت ابنه محمد بن علي ع فأردت أن أعظه فوعظني فقال له أصحابه بأي شيء وعظك
قال خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة فلقيت محمد بن علي وكان رجلا بدينا
وهو متكئ على غلامين
له أسودين أو موليين له فقلت في نفسي شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحالة
في طلب الدنيا أشهد لأعظنه فدنوت منه فسلمت عليه فسلم علي بنهر
وقد تصبب عرقا فقلت
أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا لو جاءك الموت
وأنت على هذه الحال قال فخلى عن الغلامين من يده ثم تساند وقال لو جاءني والله الموت
وأنا في هذه الحال جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس وإنما
كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله فقلت يرحمك الله أردت أن أعظك
فوعظتني
__________________
وعن معاوية بن عمار
الدهني عن محمد بن علي بن الحسين ع في قوله جل اسمه (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ
إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)
قال نحن أهل الذكر.
وقد روى أبو جعفر ع
أخبار المبتدأ وأخبار الأنبياء وكتب الناس عنه المغازي وآثروا عنه السير والسنن واعتمدوا
عليه في مناسك الحج التي رواها عن النبي ص وكتبوا عنه تفسير القرآن وروت عنه الخاصة
والعامة الأخبار وناظر من كان يرد عليه من أهل الآراء وحفظه عن الناس كثيرا من علم
الكلام.
وروى الزهري قال حج
هشام بن عبد الملك ـ فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم مولاه ومحمد بن علي بن الحسين
ع في المسجد فقال له سالم يا أمير المؤمنين هذا محمد بن علي بن الحسين قال المفتون
به أهل العراق قال نعم قال اذهب إليه فقال له يقول لك أمير المؤمنين ما الذي يأكل الناس
ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة فقال له أبو جعفر ع يحشر الناس على أرض مثل
قرص نقي
فيها أنهار متفرقة
يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب قال فرأى هشام أنه قد ظفر به فقال الله أكبر اذهب
إليه فقل له ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ فقال له أبو جعفر ع هي في النار أشغل
ولم يشتغلوا عن أن قالوا (أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ
الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ)
فسكت هشام لا يرجع كلاما.
وروى العلماء أن عمرو
بن عبيد
وفد على محمد بن علي
بن الحسين ع
__________________
ليمتحنه بالسؤال فقال
له جعلت فداك ما معنى قوله تعالى (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما) ما هذا الرتق والفتق فقال له أبو جعفر ع كانت السماء رتقا لا
تنزل القطر وكانت الأرض رتقا لا تخرج النبات فانقطع عمرو ولم يجد اعتراضا ومضى.
ثم عاد إليه فقال له
أخبرني جعلت فداك عن قوله تعالى (وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ
غَضَبِي فَقَدْ هَوى)
ما غضب الله تعالى
فقال أبو جعفر ع غضب الله عقابه يا عمرو من ظن أن الله يغيره شيء فقد كفر.
وكان مع ما وصفناه
به من الفضل في العلم والسؤدد والرئاسة والإمامة ظاهر الجود في الخاصة والعامة مشهور
الكرم في الكافة معروفا بالفضل والإحسان مع كثرة عياله وتوسط حاله.
يروى عن الحسن بن كثير
قال شكوت إلى أبي جعفر محمد بن علي ع الحاجة وجفاء الإخوان فقال بئس الأخ أخ يرعاك
غنيا ويقطعك فقيرا ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم وقال استنفق هذه فإذا
نفدت فأعلمني.
وعن عمرو بن دينار
وعبد الله بن عبيد بن عمير أنهما قالا ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي ع إلا وحمل إلينا
النفقة والصلة والكسوة ويقول هذه معدة لكم قبل أن تلقوني.
" وعن سليمان
بن قرم قال كان أبو جعفر محمد بن علي يجيزنا بالخمسمائة درهم إلى الستمائة درهم إلى
الألف درهم وكان لا يمل من صلة إخوانه وقاصديه ومؤمليه وراجيه.
وروي عن آبائه ع أن
رسول الله ص كان يقول أشد الأعمال ثلاثة مواساة الإخوان في المال وانصاف الناس من نفسك
وذكر الله تعالى على كل حال
__________________
قال الحسن بن صالح
سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول ما شيب شيء بشيء أحسن من حلم بعلم.
وروي عنه ع أنه سئل
عن الحديث يرسله ولا يسنده فقال إذا حدثتكم بالحديث فلم أسنده فسندي فيه أبي عن جدي
عن أبيه عن جده رسول الله ص عن جبرئيل عن الله تعالى.
وكان ع يقول بلية الناس
علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا.
وكان ع يقول ما ينقم
الناس منا أهل بيت الرحمة وشجرة النبوة ومعدن الحكمة وموضع الملائكة ومهبط الوحي.
وتوفي ع وخلف من الولد
سبعة أولاد وكان لكل واحد من إخوته فضل وإن لم يبلغ فضله ع لمكانه من الإمامة ورتبته
عند الله في الولاية ومحله من النبي ص في الخلافة وكانت مدة إمامته وقيامه مقام أبيه
في خلافة الله تعالى على العباد تسع عشرة سنة.
ذكر طرف من أخبارهم
ع وكان عبد الله بن علي بن الحسين أخو أبي جعفر ع يلي صدقات رسول الله ص وصدقات أمير
المؤمنين ع وكان فاضلا فقيها وروي عن آبائه عن رسول الله ص أخبارا كثيرة وحدث الناس
عنه وحملوا عنه الآثار.
فمن ذلك ما هو مرفوع
إلى عمارة بن غزيه عن عبد الله بن علي بن الحسين أنه قال : قال رسول الله ص إن البخيل
كل البخيل الذي إذا ذكرت عنده لم يصل علي ص.
وعن عبد الله بن سمعان
قال لقيت عبد الله بن علي بن الحسين فحدثني عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين ع أنه
كان يقطع يد السارق اليمنى في أول سرقته فإن سرق ثانية قطع رجله اليسرى فإن سرق ثالثة
خلده السجن.
وكان عمر بن علي بن
الحسين فاضلا جليلا وولى صدقات النبي ص وصدقات أمير المؤمنين ع وكان ورعا سخيا.
" روى الحسين
بن زيد قال رأيت عمي عمر بن علي بن الحسين يشترط على من ابتاع صدقات علي ع أن يثلم
في الحائط كذا وكذا ثلمة ولا يمنع من دخله أن يأكل منه.
" وعن عبيد الله
بن حرير القطان قال سمعت عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول المفرط في حبنا
كالمفرط في بغضنا لنا حق بقرابتنا من نبينا ع وحق جعله الله لنا فمن تركه ترك عظيما
أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به ولا تقولوا فينا ما ليس فينا إن يعذبنا الله فبذنوبنا
وإن يرحمنا فبرحمته وفضله.
وكان زيد بن علي بن
الحسين عين إخوته بعد أبي جعفر ع وأفضلهم وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا فظهر بالسيف
يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطلب بثارات الحسين ع.
عن أبي الجارود زياد
بن المنذر قال قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي قيل لي ذاك حليف القرآن.
وروى هشام قال سألت
خالد بن صفوان عن زيد بن علي وكان يحدثنا عنه فقلت أين لقيته فقال بالرصافة
فقلت أي رجل كان فقال
كان ما علمت يبكي من خشية الله حتى تختلط دموعه بمخاطه.
واعتقد كثير من الشيعة
فيه الإمامة وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف يدعو إلى الرضا من آل محمد فظنوه
يريد بذلك نفسه ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه الإمامة من قبله ووصيته عند
وفاته إلى أبي عبد الله ع ـ وكان سبب خروج أبي الحسين زيد بن علي رضي الله عنه بعد
الذي ذكرناه من غرضه في الطلب بدم الحسين ع أنه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع
له هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس حتى لا يتمكن من الوصول إلى قربه فقال
له زيد إنه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصى بتقوى الله ولا من عباده أحد دون أن يوصي
__________________
بتقوى الله وأنا أوصيك
بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتقه فقال له هشام أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها
وما أنت وذاك لا أم لك وإنما أنت ابن أمة فقال له زيد إني لا أعلم أحدا أعظم عند الله
منزلة من نبي بعثه الله وهو ابن أمة فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو إسماعيل
بن إبراهيم ع فالنبوة أعظم أم الخلافة يا هشام ـ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله
ص وهو ابن علي بن أبي طالب أن يكون ابن أمة.
فوثب هشام عن مجلسه
ودعا قهرمانه وقال لا يبيتن هذا في عسكري فخرج زيد وهو يقول لم يكره قوم قط حر السيوف
إلا ذلوا فلما وصل الكوفة اجتمع إليه أهلها فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب ثم
نقضوا بيعته وأسلموه فقتل رحمة الله عليه. وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم ولا
يغير بيد ولا لسان ـ ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله الصادق ع كل مبلغ وحزن له حزنا
عظيما حتى بان عليه وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار.
روى ذلك أبو خالد الواسطي
قال سلم لي أبو عبد الله ع ألف دينار وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد فأصاب
عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الريان منها أربعة دنانير وكان مقتله يوم الإثنين
لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة وكان سنه يوم قتل اثنتين وأربعين سنة.
وكان الحسين بن علي
بن الحسين ورعا فاضلا وروى حديثا كثيرا عن أبيه علي بن الحسين ع وعمته فاطمة بنت الحسين
وأخيه أبي جعفر ع ..
" وروى أحمد بن
عيسى قال حدثنا أبي قال كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين يدعو فكنت أقول لا يضع يده
حتى يستجاب له في الخلق جميعا.
" وروى حرب الطحان
قال حدثني سعيد صاحب الحسن بن صالح قال لم أر أحدا أخوف من الحسن بن صالح لله تعالى
حتى قدمت المدينة فرأيت الحسين بن علي بن الحسين ع فلم أر أحدا أشد خوفا منه كأنما
أدخل النار ثم أخرج منها لشدة خوفه.
وعن الحسين بن علي
بن الحسين قال كان إبراهيم بن هشام المخزومي واليا على المدينة وكان يجمعنا يوم الجمعة
قريبا من المنبر ثم يقع في أمير المؤمنين علي ع ويشتمه قال فحضرت يوما وقد امتلأ ذلك
المكان فلصقت بالمنبر فأغفيت فرأيت القبر وقد انفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بياض فقال
لي يا با عبد الله ألا يحزنك ما يقول هذا قلت بلى والله قال افتح عينيك فانظر ما يصنع
الله به فإذا هو قد ذكر عليا ع فرمي من فوق المنبر فمات لعنه الله
باب ذكر ولد أبي جعفر محمد بن علي ع وعددهم وأسمائهم
قد ذكرنا فيما سلف
أن ولد أبي جعفر ع سبعة نفر أبو عبد الله جعفر بن محمد ع وكان يكنى به وعبد الله بن
محمد أمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وإبراهيم وعبيد الله درجا أمهما
أم حكيم بنت أسد بن المغيرة الثقفية وعلي وزينب لأم ولد وأم سلمة لأم ولد ولم يعتقد
في أحد من ولد أبي جعفر الإمامة إلا في أبي عبد الله جعفر بن محمد ع خاصة وكان أخوه
عبد الله رضي الله عنه يشار إليه بالفضل والصلاح وروي أنه دخل على بعض بني أمية فأراد
قتله فقال له عبد الله رحمة الله عليه لا تقتلني فأكون لله عليك عونا ولكن لك على الله
عونا يريد بذلك أنه ممن يشفع إلى الله بذلك فيشفعه فلم يقبل ذلك منه وقال له الأموي
لست هناك وسقاه السم فقتله رضي الله عنه آخر قول الشيخ المفيد رحمهالله في هذا الباب.
قال الحافظ أبو نعيم
في كتاب حلية الأولياء ومنهم الإمام الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن
علي الباقر وكان من سلالة النبوة وجمع حسب الدين والأبوة تكلم ع في العوارض والخطرات
وسفح الدموع والعبرات ونهى المراء والخصومات وقيل إن التصوف التعزز بالحضرة والتميز
للخطرة.
عن خلف بن حوشب عن
أبي جعفر محمد بن علي ع قال الإيمان ثابت في القلب واليقين خطرات فيمر اليقين بالقلب
فيصير كأنه زبر الحديد ويخرج منه فيصير كأنه خرقة بالية
وعنه ع أنه قال ما
دخل قلب أحد شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل ما دخله من ذلك قل ذلك أو كثر.
وعن سفيان الثوري قال
سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي بن الحسين ع يقول الغناء والعز يجولان في قلب المؤمن
فإذا وصلا إلى مكان فيه التوكل أوطناه.
وعن زياد بن خثيمة
عن أبي جعفر ع قال الصواعق تصيب المؤمن وغير المؤمن ولا تصيب الذاكر.
وعن ثابت عن محمد بن
علي بن الحسين ع في قوله تعالى (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ
الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا) قال الغرفة الجنة بما
صبروا على الفقر في دار الدنيا.
وعن أبي حمزة الثمالي
عن أبي جعفر ع في قوله (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا
جَنَّةً وَحَرِيراً) قال بما صبروا على
الفقر ومصائب الدنيا.
وعن جابر يعني الجعفي
قال قال لي محمد بن علي يا جابر إني لمحزون وإني لمشتغل القلب وقد تقدمت قبل.
وعن سعد الإسكاف عن
أبي جعفر محمد بن علي ع قال عالم ينتفع بعلمه أفضل من ألف عابد.
وعنه عن أبي جعفر ع
قال والله لموت عالم أحب إلى إبليس من موت سبعين عابدا.
وعن يونس بن يعقوب
عن أخيه عن أبي جعفر ع قال شيعتنا ثلاثة أصناف صنف يأكلون الناس بنا وصنف كالزجاج يتهشم
وصنف كالذهب الأحمر كلما أدخل النار ازداد جوده.
وعن الأصمعي قال قال
محمد بن علي لابنه يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد
حقا وإن ضجرت لم تصبر على حق
__________________
وعن حجاج عن أبي جعفر
ع قال أشد الأعمال ثلاثة ذكر الله على كل حال وإنصافك من نفسك ومواساة الأخ في المال.
وعن جابر عن أبي جعفر
ع قال إن الله عزوجل يلقي في قلوب شيعتنا
الرعب فإذا قام قائمنا وظهر مهدينا كان الرجل أجرأ من ليث وأمضى من سنان.
وعن جابر عن أبي جعفر
قال شيعتنا من أطاع الله.
وعن جعفر عن أبيه محمد
ع قال إياكم والخصومة فإنها تفسد القلب وتورث النفاق
قلت قد صدق ع وبر ومثله
من زاد على الناس وأبر وهذه الخصومة يريد بها ع الخصومة في المذاهب والجدل في الاعتقادات
فإن المتخاصمين في هذا إما أن يتساووا في القوة فتفسد قلوبهم ويتحاربون دائما وإما
أن يضعف قوم عن قوم فيحتاجون إلى النفاق ليكف القوي بما يراه من إظهار الضعف من التودد
إليه ولو قيل في كل الخصومات الواقعة بين الناس جاز لاحتمال المعنى لها والله أعلم.
وعن الحكم عن أبي جعفر
قال الذين يخوضون في آيات الله هم أصحاب الخصومات.
وقال ع كان نقش خاتم
أبي القوة لله جميعا.
وعن أحمد بن بجير قال
قال محمد بن علي ع كان لي أخ في عيني عظيم وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه.
قلت هذا الكلام طويل
وهو منسوب إلى أمير المؤمنين علي ع وهو من محاسن الكلام ومختاره وقد أورده السيد الشريف
الرضي الموسوي رضي الله عنه في نهج البلاغة.
وعن ابن المبارك قال
قال محمد بن علي بن الحسين ع من أعطي الخلق والرفق فقد أعطي الخير والراحة وحسن حاله
في دنياه وآخرته ومن حرم الخلق والرفق كان ذلك سبيلا إلى كل شر وبلية إلا من عصمه الله.
: وأسند أبو جعفر محمد
بن علي ع عن جابر بن عبد الله الأنصاري.
وروى عن ابن عباس وأبي
هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعن الحسن والحسين ع وأسند عن سعيد بن المسيب
وعبد الله بن أبي رافع.
وروى عنه من التابعين
عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح وجابر الجعفي وأبان بن تغلب وروى عنه من الأئمة الأعلام
ابن جريج وليث بن أبي سليم وحجاج بن أرطاة في آخرين عن سفيان بن سعيد الثوري.
حدثنا جعفر بن محمد
عن أبيه عن جابر بن عبد الله أن النبي ص أمر النفساء أن تحرم وتفيض الماء عليها وعن
الثوري أمر أسماء بنت عميس.
وبالإسناد قال كان
رسول الله ص يقول في خطبته نحمد الله عزوجل ونثني عليه بما هو
له أهل ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له إن أصدق الحديث
كتاب الله وأحسن الهدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل
ضلالة في النار ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه
وعلا صوته واشتد غضبه كأنه نذير جيش صبحتكم ومستكم ثم قال من ترك مالا فلأهله من ترك
ضياعا أو دينا فإلي أو علي أنا ولي المؤمنين صحيح ثابت من حديث محمد بن علي رواه وكيع
وغيره عن الثوري.
وبالإسناد قال قال
رسول الله ص كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه صاحب الحوت وحنا جبهته وأصغى بسمعه وينتظر
متى يؤمر فينفح قالوا يا رسول الله فما تأمرنا قال قولوا (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) غريب من حديث الثوري
عن جعفر تفرد به الرملي عن القرباني ومشهورة ما رواه أبو نعيم وغيره عن الثوري عن الأعمش
عن عطية عن أبي سعيد الخدري.
وعن جابر عن جعفر بن
محمد قال سمعت رسول الله ص يقول إن ابن آدم لفي غفلة عما خلقه الله له إن الله لا إله
غيره إذا أراد خلقه قال للملك اكتب رزقه وأثره وأجله واكتب شقيا أو سعيدا ثم يرتفع
ذلك الملك ويبعث إليه ملك
فيحفظه حتى يدرك ثم
يبعث إليه ملكين يكتبان حسناته وسيئاته فإذا جاءه الموت ارتفع ذانك الملكان ثم جاءه
ملك الموت يقبض روحه فإذا أدخل حفرته رد الروح في جسده ثم يرتفع ملك الموت ثم جاءه
ملكا القبر فامتحناه ثم يرتفعان فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات
وانتشطا كتابا معقودا في عنقه ثم حضرا معه واحد سائق والأخرى شهيد ثم قال الله تعالى
(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ
مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ).
قال رسول الله ص وقول
الله تعالى (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً
عَنْ طَبَقٍ) قال حالا بعد حال ثم قال النبي ص إن قدامكم أمرا عظيما فاستعينوا
بالله العظيم. وعن أبي جعفر ع عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله ص من كان حسن
الصورة في حسب لا يشينه متواضعا كان من خالص الله عزوجل يوم القيامة.
وعن أبي عبد الله عن
أبيه أبي جعفر عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال
قال رسول الله ص من نقله الله عزوجل من ذل المعاصي إلى
عز التقوى أغناه بلا مال وأعزه بلا عشيرة وآنسه بلا أنيس ومن خاف الله أخاف الله منه
كل شيء ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء ومن رضي من الله باليسير من الرزق رضي
الله منه باليسير من العمل ومن لم يستحي من طلب المعيشة خفت مئونته ورخي باله ونعم
عياله ومن زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وأخرجه من الدنيا
سالما إلى دار القرار غريب لم يروه مسندا مرفوعا إلا العترة الطاهرة خلفها عن سلفها.
وعن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي حدثني علي بن موسى الرضا حدثني أبي موسى بن
جعفر حدثني أبي جعفر بن محمد حدثني أبي محمد بن علي حدثني أبي علي بن الحسين حدثني
أبي الحسين بن علي حدثني أبي علي بن أبي طالب ع
__________________
قال حدثنا رسول الله
ص عن جبرئيل ع قال قال الله عزوجل من قائل إني أنا الله
الذي لا إله إلا أنا فاعبدوني من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل
في حصني ومن دخل في حصني أمن من عذابي ثابت مشهور بهذا الإسناد برواية الطاهرين عن
آبائهم الطيبين وكان بعض سلفنا من المحدثين إذا روى بهذا الإسناد حديثا قال لو قرئ
هذا الإسناد على مجنون لأفاق قال الأنصاري وقال لي أحمد بن رزين ـ سألت الرضا عن الإخلاص
فقال طاعة الله.
قلت قد نقلت الحديث
المذكور عن الرضا عن آبائه ع من طريق آخر وأنا أذكره إن شاء الله عند بلوغي إلى ذكره
ع هذا آخر ما أردت نقله من كتاب حلية الأولياء.
قال الشيخ العالم أبو
محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب رحمهالله ذكر محمد الباقر بن
علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع.
وبالإسناد الأول عن
محمد بن سنان ولد محمد ع قبل مضي الحسين بن علي بثلاث سنين وتوفي وهو ابن سبع وخمسين
سنة سنة مائة وأربع عشرة من الهجرة وأقام مع أبيه علي بن الحسين خمسا وثلاثين سنة إلا
شهرين وأقام بعد مضي أبيه تسع عشرة سنة وكان عمره سبعا وخمسين سنة وفي رواية أخرى قام
أبو جعفر وهو ابن ثمان وثلاثين سنة وكان مولده سنة ست وخمسين وقد أدركه جابر بن عبد
الله الأنصاري وهو صغير في الكتاب وأقرأه عن رسول الله ص السلام وقال هكذا أمرني رسول
الله ص. رواه أبو الزبير قال كنا عند جابر بن عبد الله فأتاه علي بن الحسين ومعه ابنه
محمد بن علي فقال علي لمحمد قبل رأس عمك فدنا محمد من جابر فقبل رأسه فقال جابر من
هذا فقال ابني محمد فضمه جابر إليه وقال يا محمد محمد رسول الله ص يقرأ عليك السلام
فقيل لجابر وكيف ذاك فقال كنت مع رسول الله والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال يا جابر
يولد لابني الحسين ابن يقال له علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين
فيقوم
علي بن الحسين ويولد
لعلي ابن يقال له محمد يا جابر فإن رأيته فاقرأه مني السلام واعلم أن بقاءك بعد رؤيته
يسير فما أتى على جابر أيام يسيرة حتى مات.
قال علي بن عيسى أثابه
الله هذه فضيلة من فضائلهم ع ودليل من دلائلهم باق على مر الأيام ومنقبة من مناقبهم
المروية على لسان الخاص والعام وعجيبة من عجائبهم التي يشهد بها كل الأقوام.
قال فيه البليغ ما
قال ذو العي
|
|
فكل بفضله منطيق
|
وكذاك العدو لم يعد
أن
|
|
قال جميلا كما يقول
الصديق
|
قال حدثنا بذلك صدقة
بن موسى بن تميم بن ربيعة بن ضمرة ثم قال حدثنا أبي عن أبيه عن أبي الزبير عن جابر
بذلك.
أم محمد فاطمة أم الحسن
بنت الحسن بن علي لقبه باقر العلم والهادي والشاكر ولد له ثلاث بنين وابنة أسماء بنيه
ع جعفر الإمام الصادق وعبد الله وإبراهيم وأم سلمة فقط قبره بالبقيع يكنى بأبي جعفر
آخر كلامه.
ومن كتاب الدلائل للحميري
عن يزيد بن أبي حازم قال كنت عند أبي جعفر فمررنا بدار هشام بن عبد الملك وهي تبنى
فقال أما والله لتهدمن أما والله لينقلن ترابها من مهدمتها أما والله لتبدون أحجار
الزيت وأنه لموضع النفس الزكية فتعجبت وقلت دار هشام من يهدمها فسمعت أذني هذا من أبي
جعفر قال فرأيتها بعد ما مات هشام وقد كتب الوليد في أن تستهدم وينقل ترابها فنقل حتى
بدت الأحجار ورأيتها.
وبالإسناد قال كنت
مع أبي جعفر فمر بنا زيد بن علي فقال أبو جعفر أما والله ليخرجن بالكوفة وليقتلن وليطافن
برأسه ثم أتى به فنصب في ذلك الموضع على قصبة فتعجبنا من القصبة وليس في المدينة قصب
أتوا بها معهم.
وعن أبي بصير قال قال
أبو جعفر كان فيما أوصى أبي إلي أن قال يا بني إذا أنا مت فلا يلي غسلي أحد غيرك فإن
الإمام لا يغسله إلا إمام واعلم أن عبد الله أخاك سيدعو
الناس إلى نفسه فدعه
فإن عمره قصير فلما مضى أبي وغسلته كما أمرني وادعى عبد الله الإمامة مكانه فكان كما
قال أبي وما لبث عبد الله إلا يسيرا حتى مات وكانت هذه من دلالته يبشر بالشيء قبل أن
يكون فيكون وبها يعرف الإمام.
وعن فيض بن مطر قال
دخلت على أبي جعفر ع وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل في المحمل قال فابتدأني فقال
كان رسول الله ص يصلي على راحلته حيث توجهت به.
عن سعد الإسكاف قال
طلبت الإذن على أبي جعفر فقيل لي لا تعجل إن عنده قوما من إخوانكم فما لبثت أن خرج
علي اثنا عشر رجلا يشبهون الزط وعليهم أقبية ضيقات وخفاف فسلموا ومروا فدخلت على أبي
جعفر فقلت له ما عرفت هؤلاء الذين خرجوا من عندك من هم قال هؤلاء قوم من إخوانكم الجن
قال قلت ويظهرون لكم فقال نعم يغدون علينا في حلالهم وحرامهم كما تغدون.
وعن أبي عبد الله قال
سمعت أبي يقول ذات يوم إنما بقي من أجلي خمس سنين فحسبت ذلك فما زاد ولا نقص.
وعن محمد بن مسلم قال
سرت مع أبي جعفر ما بين مكة والمدينة وهو على بغلة وأنا على حمار له إذ أقبل ذئب يهوي
من رأس الجبل حتى دنا من أبي جعفر فحبس البغلة ودنا الذئب حتى وضع يده على قربوس سرجه
وتطاول بخطمه إليه
وأصغى إليه أبو جعفر
بإذنه مليا
ثم قال اذهب فقد فعلت
فرجع الذئب وهو يهرول فقال لي تدري ما قال فقلت الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال إنه
قال لي يا ابن رسول الله إن زوجتي في ذلك الجبل وقد عسر عليها ولادتها فادع الله أن
يخلصها ولا يسلط أحدا من نسلي على أحد من شيعتكم قلت قد فعلت
__________________
وعن عبد الله بن عطاء
المكي قال اشتقت إلى أبي جعفر وأنا بمكة فقدمت المدينة ما قدمتها إلا شوقا إليه فأصابني
تلك الليلة مطر وبرد شديد فانتهيت إلى بابه نصف الليل فقلت أطرقه الساعة أو أنتظره
حتى يصبح فإني لأفكر في ذلك إذ سمعته يقول يا جارية افتحي الباب لابن عطاء فقد أصابه
في هذه الليلة بردا وأذى قال فجاءت ففتحت الباب ودخلت.
وعن أبي عبد الله قال
كنت عند أبي محمد بن علي في اليوم الذي قبض فيه فأوصاني بأشياء في غسله وكفنه وفي دخوله
قبره قال فقلت يا أبة والله ما رأيتك مذ اشتكيت أحسن هيئة منك اليوم ما أرى عليك أثر
الموت فقال يا بني أما سمعت علي بن الحسين ينادي من وراء الجدار يا محمد تعال عجل.
وعن حمزة بن محمد الطيار
قال أتيت باب أبي جعفر أستأذن عليه فلم يأذن لي وأذن لغيري فرجعت إلى منزلي وأنا مغموم
فطرحت نفسي على سرير في الدار فذهب عني النوم فجعلت أفكر وأقول إلى من إلى المرجئة
يقول كذا والقدرية تقول كذا
والحرورية تقول كذا
والزيدية تقول كذا فيفسد عليهم قولهم
__________________
فأنا أفكر في هذا حتى
نادى المنادي فإذا الباب يدق فقلت من هذا فقال رسول أبي جعفر فخرجت إليه فقال أجب فأخذت
ثيابي علي ومضيت فلما دخلت إليه قال يا ابن محمد لا إلى المرجئة ولا القدرية ولا إلى
الزيدية ولا إلى الحرورية ولكن إلينا إنما حجبتك لكذا وكذا ففعلت وقلت به.
وعن مالك الجهني قال
كنت قاعدا عند أبي جعفر فنظرت إليه وجعلت أفكر في نفسي وأقول لقد عظمك الله وكرمك وجعلك
حجة على خلقه فالتفت إلي وقال يا مالك الأمر أعظم مما تذهب إليه.
وعن جابر قال سمعت
أبا جعفر يقول لا يخرج على هشام أحد إلا قتله فقلنا لزيد هذه المقالة فقال إني شهدت
هشاما ورسول الله ص يسب عنده فلم ينكر ذلك ولم يغيره فو الله لو لم يكن إلا أنا وآخر
لخرجت عليه.
وعن أبي الهذيل قال
قال لي أبو جعفر يا أبا الهذيل إنه لا تخفى علينا ليلة القدر إن الملائكة يطيفون بنا
فيها.
وعن أبي عبد الله قال
كان في دار أبي جعفر فاختة فسمعها وهي تصيح فقال تدرون ما تقول هذه الفاختة قالوا لا
قال تقول فقدتكم فقدتكم نفقدها قبل أن تفقدنا ثم أمر بذبحها آخر ما أردت إثباته من
كتاب الدلائل
__________________
ونقلت من كتاب جمعه
الوزير السعيد مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن محمد بن علي بن العلقمي رحمهالله تعالى قال ذكر الأجل
أبو الفتح يحيى بن محمد بن حياء الكاتب قال حدث بعضهم قال كنت بين مكة والمدينة فإذا
أنا بشبح يلوح من البرية يظهر تارة ويغيب أخرى حتى قرب مني فتأملته فإذا هو غلام سباعي
أو ثماني فسلم علي فرددت عليهالسلام وقلت من أين قال من
الله فقلت وإلى أين قال إلى الله قال فقلت فعلى م فقال على الله فقلت فما زادك قال
التقوى فقلت ممن أنت قال أنا رجل عربي فقلت أبن لي قل أنا رجل قرشي فقلت أبن لي فقال
أنا رجل هاشمي فقلت أبن لي قال أنا رجل علوي ثم أنشد
فنحن على الحوض ذواده
|
|
نذود ويسعد وراده
|
فما فاز من فاز إلا
بنا
|
|
وما خاب من حبنا
زاده
|
فمن سرنا نال منا
السرور
|
|
ومن ساءنا ساء ميلاده
|
ومن كان غاصبنا حقنا
|
|
فيوم القيامة ميعاده
|
ثم قال أنا محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ثم التفت فلم أره فلا أعلم أهل صعد إلى السماء أم
نزل في الأرض
ووقع إلي عند الانتهاء
إلى أخبار مولانا أبي جعفر محمد بن علي الباقر ع كتاب جمعه الإمام قطب الدين أبو الحسين
سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي رحمهالله وسماه كتاب الخرائج
والجرائح في معجزات النبي والأئمة ع ولعلي مع مشية الله اختار منه ما أراه في أخبار
النبي ص وعلي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ع وآتيت كلا في بابه.
قال الباب السادس في
معجزات محمد الباقر ع. عن عباد بن كثير البصري قال قلت للباقر ما حق المؤمن على الله
فصرف وجهه فسألته عنه ثلاثا فقال من حق المؤمن على الله أن لو قال لتلك النخلة أقبلي
لأقبلت فنظرت والله إلى النخلة التي كانت هناك قد تحركت مقبلة فأشار إليها قري فلم
أعنك.
ومنها ما روي عن أبي
الصباح الكناني قال صرت يوما إلى باب محمد الباقر فقرعت
الباب فخرجت إلي وصيفة
ناهد
فضربت بيدي إلى رأس
ثديها وقلت لها قولي لمولاك إني بالباب فصاح من داخل الدار ادخل لا أم لك فدخلت فقلت
يا مولاي ما قصدت ريبة ولا أردت إلا زيادة ما في نفسي فقال صدقت لئن ظننتم أن هذه الجدران
تحجب أبصارنا كما تحجب أبصاركم إذن فلا فرق بيننا وبينكم فإياك أن تعاود إلى مثلها.
ومنها أن حبابة الوالبية
دخلت على الباقر ع فقال الباقر لها ما الذي أبطأ بك عني فقالت بياض عرض في مفرق رأسي
شغل قلبي قال أرنيه فوضع الباقر يده عليه فإذا هو أسود ثم قال هاتوا لها المرآة فنظرت
وقد اسود ذلك الشعر.
ومنها ما روي عن أبي
بصير قال كنت مع الباقر ع في مسجد رسول الله ص قاعدا حدثان ما مات علي بن الحسين ع
إذ دخل المنصور وداود بن سليمان قبل أن أفضي الملك إلى ولد العباس وما قعد إلا داود
إلى الباقر فقال ما منع الدوانقي أن يأتي قال فيه جفاة قال الباقر لا تذهب الأيام حتى
يلي أمر هذا الخلق فيطأ أعناق الرجال ويملك شرقها وغربها ويطول عمره فيها حتى يجمع
من كنوز الأموال ما لم يجتمع لأحد قبله فقام داود وأخبر الدوانقي بذلك فأقبل إليه الدوانقي
وقال ما منعني من الجلوس إليك إلا إجلالك فما الذي أخبرني به داود قال هو كائن قال
وملكنا قبل ملككم قال نعم قال ويملك بعدي أحد من ولدي قال نعم قال فمدة بني أمية أكثر
أم مدتنا قال مدتكم أطول وليتلقفن هذا الملك صبيانكم ويلعبون به كما يلعبون بالكرة
هذا ما عهده إلي أبي فلما ملك الدوانقي تعجب من قول الباقر.
ومنها ما روي عن أبي
بصير قال قلت يوما للباقر أنتم ذرية رسول الله قال نعم قلت ورسول الله وارث الأنبياء
كلهم قال نعم ورث جميع علومهم قلت وأنتم ورثتم جميع علم رسول الله قال نعم قلت وأنتم
تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرءوا الأكمه والأبرص وتخبروا الناس بما يأكلون وما يدخرون
في بيوتهم قال
__________________
نعم بإذن الله ثم قال
ادن مني يا با بصير فدنوت منه فمسح بيده على وجهي فأبصرت السهل والجبل والسماء والأرض
ثم مسح بيده على وجهي فعدت كما كنت لا أبصر شيئا قال أبو بصير فقال لي الباقر إن أحببت
أن تكون هكذا كما أبصرت وحسابك على الله وإن كنت تحب كما كنت وثوابك الجنة فقلت أكون
كما كنت والجنة أحب إلي.
ومنها ما قال جابر
كنا عند الباقر ع نحو من خمسين رجلا إذ دخل عليه كثير النواء
وكان من المعامرة
فسلم وجلس ثم قال إن
المغيرة بن عمران عندنا بالكوفة يزعم أن معك ملكا يعرفك الكافر من المؤمن وشيعتك من
أعدائك قال ما حرفتك قال أبيع الحنطة قال كذبت قال وربما أبيع الشعير قال ليس كما قلت
بل تبيع النوى قال من أخبرك بهذا قال الملك الرباني يعرفني شيعتي من عدوي ولست تموت
إلا تائها قال جابر فلما انصرفت إلى الكوفة ذهبت في جماعة نسأل عن كثير فدللنا على
عجوز فقالت مات تائها منذ ثلاثة أيام.
__________________
ومنها وقد اختصرت ألفاظها
قال عاصم بن أبي حمزة ركب الباقر ع يوما إلى حائط له وأنا معه وسليمان بن خالد فسرنا
قليلا فلقينا رجلان فقال ع هما سارقان خذوهما فأخذهما عبيده فقال استوثقوا منهما وقال
لسليمان انطلق إلى ذلك الجبل مع هذا الغلام واصعد رأسه تجد في أعلاه كهفا فادخله واستخرج
ما فيه وحمله الغلام فهو قد سرق من رجلين فمضى وأحضر عيبتين فقال صاحباهما حاضر ثم
قال ع وعيبة أخرى أيضا في الجبل وصاحبها غائب سيحضر واستخرج عيبة أخرى من موضع آخر
في الكهف وعاد إلى المدينة فدخل صاحب العيبتين وقد كان ادعى على جماعة أراد الوالي
يعاقبهم فقال الباقر ع لا تعاقبهم وردهما إلى الرجل وقطع السارقين فقال أحدهما لقد
قطعنا بحق فالحمد لله الذي أجرى قطعي وتوبتي على يدي ابن رسول الله فقال لقد سبقتك
يدك التي قطعت إلى الجنة بعشرين سنة فعاش بعد قطعها عشرين سنة وبعد ثلاثة أيام حضر
صاحب العيبة الأخرى فقال له الباقر ع أخبرك بما في عيبتك فيها ألف دينار لك وألف دينار
لغيرك وفيها من الثياب كذا وكذا فقال إن أخبرتني بصاحب الألف وما اسمه وأين هو علمت
أنك الإمام المفترض الطاعة قال هو محمد بن عبد الرحمن وهو صالح كثير الصدقة والصلاة
وهو الآن على الباب ينتظرك فقال الرجل وهو بربري نصراني آمنت بالله الذي لا إله إلا
هو وأن محمدا عبده ورسوله وأسلم.
ومنها ما روى الحسين
بن راشد قال ذكرت زيد بن علي فتنقصته عند أبي عبد الله فقال لا تفعل رحم الله عمي زيدا
فإنه أتى أبي الباقر فقال إني أريد الخروج على هذا الطاغية فقال لا تفعل يا زيد فإني
أخاف أن تكون المقتول المصلوب بظهر الكوفة أما علمت يا زيد أنه لا يخرج أحد من ولد
فاطمة على أحد من السلاطين قبل خروج السفياني إلا قتل ثم قال له يا حسين إن فاطمة أحصنت
فرجها فحرم الله ذريتها على النار وفيهم نزل (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ)
فالظالم لنفسه الذي
لا يعرف
__________________
الإمام والمقتصد العارف
بحق الإمام والسابق بالخيرات هو الإمام ثم قال يا حسين إنا أهل بيت لا نخرج من الدنيا
حتى نقر لكل ذي فضل بفضله.
ومنها ما روى أبو بصير
عن أبي جعفر أنه قال إني لأعرف رجلا لو قام بشاطئ البحر لعرف دواب البحر بأمهاتها وعماتها
وخالاتها.
ومنها أن جماعة استأذنوا
على أبي جعفر قالوا فلما صرنا في الدهليز سمعنا إذا قراءة سريانية بصوت حسن يقرأ ويبكي
حتى أبكى بعضنا وما نفهم مما يقول شيئا فظننا أن عنده بعض أهل الكتاب استقرأه فلما
انقطع الصوت دخلنا عليه فلم نر عنده أحدا فقلنا له قد سمعنا قراءة سريانية بصوت حزين
قال ذكرت مناجاة إليا النبي فأبكتني.
ومنها ما روي عن عيسى
بن عبد الرحمن عن أبيه قال دخل ابن عكاشة بن محصن الأسدي
على أبي جعفر وكان
أبو عبد الله قائما عنده فقدم إليه عنبا فقال حبة حبة يأكله الشيخ الكبير والصبي الصغير
وثلاثة وأربعة يأكله من يظن أنه لا يشبع فكله حبتين حبتين فإنه يستحب فقال لأبي جعفر
لأي شيء لا تزوج أبا عبد الله فقد أدرك للتزويج وبين يديه صرة مختومة فقال سيجيء نخاس
من بربر ينزل دار ميمون فأتى لذلك ما أتى فدخلنا على أبي جعفر فقال ألا أخبركم عن ذلك
النخاس الذي ذكرته لكم فاذهبوا فاشتروا بهذه الصرة جارية فأتينا النخاس فقال قد بعت
ما كان عندي إلا جاريتين أحدهما أمثل من الأخرى قلنا فأخرجهما حتى ننظر
__________________
إليهما فأخرجهما فقلنا
بكم تبيعنا هذه المتماثلة قال بسبعين دينارا قلنا أحسن قال لا انقص من سبعين دينارا
فقلنا نشتريها منك بهذه الصرة ما بلغت وما ندري ما فيها وكان عنده رجل أبيض الرأس واللحية
فقال فكوا الخاتم وزنوا فقال النخاس لا تفكوا فإنها إن نقصت حبة من السبعين لا أبايعكم
قال الشيخ زنوا ففكنا ووزنا الدنانير فإذا هي سبعون لا تزيد ولا تنقص فأخذنا الجارية
فأدخلناها على أبي جعفر وجعفر قائم عنده فأخبرنا أبا جعفر بما كان فحمد الله ثم قال
لها ما اسمك قالت حميدة قال حميدة في الدنيا محمودة في الآخرة أخبريني عنك أبكر أم
ثيب قالت بكر قال فكيف ولا يقع في أيدي النخاسين شيء إلا أفسدوه قالت كان يجيء النخاس
فيقعد مني فيسلط الله عليه رجلا أبيض الرأس واللحية فلا يزال يلطمه حتى يقوم عني ففعل
بي مرارا وفعل الشيخ مرارا فقال يا جعفر خذها إليك فولدت خير أهل الأرض موسى بن جعفر
ع.
ومنها ما روى أبو بصير
عن الصادق ع قال كان أبي في مجلس له ذات يوم إذ أطرق رأسه في الأرض ثم رفع رأسه فقال
يا قوم كيف أنتم إذا جاءكم رجل يدخل عليكم مدينتكم هذه في أربعة آلاف حتى يستعرضكم
بالسيف ثلاثة أيام فيقتل مقاتلتكم وتلقون منه بلاء لا تقدرون أن تدفعوه وذلك من قابل
فخذوا حذركم واعلموا أن الذي قلت لكم هو كائن لا بد منه فلم يلتفت أهل المدينة إلى
كلامه وقالوا لا يكون هذه أبدا فلم يأخذوا حذرهم إلا نفر يسير وبنو هاشم خاصة وذلك
أنهم علموا أن كلامه هو الحق فلما كان من قابل تحمل أبو جعفر ع بعياله وبنو هاشم وخرجوا
من المدينة وجاء نافع بن الأزرق حتى كبس المدينة
فقتل مقاتلتهم وفضح
نساءهم فقال أهل المدينة لا نرد على أبي جعفر شيئا نسمعه منه أبدا بعد ما سمعنا ورأينا
أهل بيت النبوة ينطقون بالحق آخر ما نقلته من كتاب قطب الدين الراوندي رحمهالله تعالى.
وقال الشيخ أبو الفرج
عبد الرحمن بن علي بن محمد بن الجوزي رحمهالله في كتابه
__________________
صفوة الصفوة أبو جعفر
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي
طالب واسم ولده جعفر وعبد الله وأمهما أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وإبراهيم وعلي وزينب وأم سلمة.
وعن سفيان الثوري قال
سمعت منصورا يقول سمعت محمد بن علي يقول الغناء والعز يجولان في قلب المؤمن فإذا وصلا
إلى مكان فيه التوكل أوطناه وقال ما دخل قلب امرئ شيء من الكبر إلا نقص من عقله مثل
ما دخله من ذلك قل أو كثر.
وعن خالد بن أبي الهيثم
عن محمد بن علي بن الحسين ع قال ما اغرورقت عين بمائها إلا حرم الله وجه صاحبها على
النار فإن سالت على الخدين لم يرهق وجهه (قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ) وما من شيء إلا له
جزاء إلا الدمعة فإن الله يكفر بها بحور الخطايا ولو أن باكيا بكى في أمة لحرم الله
تلك الأمة على النار.
وعنه ع أنه قال لابنه
يا بني إياك والكسل والضجر فإنهما مفتاح كل شر إنك إن كسلت لم تؤد حقا وإن ضجرت لم
تصبر على حق.
وعن عروة بن عبد الله
قال سألت أبا جعفر محمد بن علي ع عن حلية السيوف فقال لا بأس به قد حلي أبو بكر الصديق
رضي الله عنه سيفه قلت فتقول الصديق قال فوثب وثبة واستقبل القبلة وقال نعم الصديق
نعم الصديق نعم الصديق فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولا في الدنيا ولا في
الآخرة
__________________
وعن أفلح مولاه قال
خرجت مع محمد بن علي ع حاجا فلما دخل المسجد نظر إلى البيت فبكى حتى علا صوته فقلت
بأبي أنت وأمي إن الناس ينظرون إليك فلو رفقت بصوتك قليلا قال ويحك يا أفلح ـ ولم لا
أبكي لعل الله أن ينظر إلي منه برحمة فأفوز بها عنده غدا ثم قال طاف بالبيت ثم جاء
حتى ركع عند المقام فرفع رأسه من سجوده فإذا موضع سجوده مبتل من دموع عينيه.
وعن أبي حمزة عن أبي
جعفر محمد بن علي ع قال ما من عبادة أفضل من عفة بطن أو فرج وما من شيء أحب إلى الله
عزوجل من أن يسأل وما يدفع
القضاء إلا الدعاء وإن أسرع الخير ثوابا البر وإن أسرع الشر عقوبة البغي وكفى بالمرء
عيبا أن يبصر من الناس ما يعمى عنه من نفسه وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحول عنه
وأن يؤذي جليسه بما لا يعنيه.
قال المصنف أسند أبو
جعفر ع عن جابر بن عبد الله وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وابن عباس وأنس والحسن والحسين
وروى عن سعيد بن المسيب وغيره من التابعين ومات في سنة سبع عشرة ومائة وقيل ثماني عشرة
وقيل أربع عشرة وهو ابن ثلاث وسبعين وقيل ثمان وخمسين وأوصى أن يكفن في قميصه الذي
كان يصلي فيه آخر كلام ابن الجوزي في هذا الباب.
وقال الآبي رحمهالله في كتابه نثر الدر
محمد بن علي الباقر ع قال يوما لأصحابه أيدخل أحدكم يده في كم صاحبه فيأخذ حاجته من
الدنانير قالوا لا قال فلستم إذا بإخوان.
وقال لابنه جعفر ع
إن الله خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئا
فلعل رضاه فيه وخبأ سخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئا فلعل سخطه فيه وخبأ أولياءه
في خلقه فلا تحقرن أحدا فلعله ذلك الولي.
واجتمع عنده ناس من
بني هاشم وغيرهم فقال اتقوا الله شيعة آل محمد وكونوا
النمرقة الوسطى
يرجع إليكم الغالي
ويلحق بكم التالي قالوا له وما الغالي قال الذي يقول فينا ما لا نقوله في أنفسنا قالوا
فما التالي قال الذي يطلب الخير فيريد به خيرا والله ما بيننا وبين الله قرابة ولا
لنا على الله من حجة ولا نتقرب إليه إلا بالطاعة فمن كان منكم مطيعا لله يعمل بطاعته
نفعته ولايتنا أهل البيت ومن كان منكم عاصيا لله يعمل بمعاصيه لم تنفعه ويحكم لا تغتروا
ثلاثا.
وروي أن عبد الله بن
معمر الليثي قال لأبي جعفر ع بلغني أنك تفتي في المتعة فقال أحلها الله في كتابه وسنها
رسول الله ص وعمل بها أصحابه فقال عبد الله فقد نهى عنها عمر قال فأنت على قول صاحبك
وأنا على قول رسول الله ص قال عبد الله فيسرك أن نساءك فعلن ذلك قال أبو جعفر وما ذكر
النساء هاهنا يا أنوك
إن الذي أحلها في كتابه
وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها تكلفا بل يسرك أن بعض حرمك تحت حائك
من حاكة يثرب نكاحا
قال لا قال فلم تحرم ما أحل الله قال لا أحرم ولكن الحائك ما هو لي بكفء قال فإن الله
ارتضى عمله ورغب فيه وزوجه حوراء أفترغب عمن رغب الله فيه وتستنكف ممن هو كفء لحور
الجنان كبرا وعتوا قال فضحك عبد الله وقال ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم فصار
لكم ثمره وللناس ورقه.
وسئل لم فرض الله الصوم
على عباده قال ليجد الغني مس الجوع فيحنو
__________________
على الفقير .
وقال إن قوما عبدوا
الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وإن قوما
عبدوا الله شكرا فتلك عبادة الأحرار.
وقال أبو عثمان الجاحظ
جمع محمد صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين فقال صلاح شأن المعاش والتعاشر ملء مكيال
ثلثان فطنة وثلث تغافل.
وهنأ رجلا بمولود فقال
أسأل الله أن يجعله خلفا معك وخلفا بعدك فإن الرجل يخلف أباه في حياته وموته.
قال الحكم بن عيينة
مررنا بامرأة محرمة قد أسبلت ثوبها قلت لها اسفري عن وجهك قالت أفتاني بذلك زوجي محمد
بن علي بن الحسين ع.
وكان إذا رأى مبتلى
أخفى الاستعاذة.
وكان لا يسمع من داره
يا سائل بورك فيك ولا يا سائل خذ هذا وكان يقول سموهم بأحسن أسمائهم.
وكان يقول اللهم أعني
على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالعفو.
وقال لابنه يا بني
إذا أنعم الله عليك بنعمة فقل الحمد لله وإذا حزنك أمر فقل لا حول ولا قوة إلا بالله
وإذا أبطأ عنك الرزق فقل أستغفر الله.
وقال أدب الله محمدا
ص أحسن الأدب فقال (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) فلما وعى قال (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما
نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
قال أحمد بن حمدون
في تذكرته قال محمد بن علي بن الحسين ع
__________________
ندعو الله فيما نحب
فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله فيما أحب.
وقال توقي الصرعة خير
من سؤال الرجعة.
وقيل له من أعظم الناس
قدرا قال من لا يرى الدنيا لنفسه قدرا وأورد أشياء أخر قد ذكرتها قبل هذا وما أريد
بتكرار ما أورده مكررا إلا ليعلم أنه قد نقل عن غير واحد حتى كاد يبلغ التواتر فيذعن
المنكر ويعترف الجاحد وبالله المستعان.
قال الفقير إلى رحمة
ربه تبارك وتعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى قد أوردت من أخبار سيدنا ومولانا الإمام
أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع وصفاته وذكرت من علائم شرفه وسماته
ورقمت من دلائله وعلاماته ونبهت بجهدي على ما خص به من شرف قبيله وشرف ذاته فتلوت قوله
تعالى (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ
يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) ففيما شرحته وبينته
وأوضحته غنية لمن طلب الحق وأراده وتبينه لمن أراد الله إسعاده فإن مناقبه ع أكثر من
أن يأتي الحصر عليها ومزاياه أعلى من أن تتوجه الإحاطة بها إليها ومفاخره إذا عددت
خرت المفاخر والمحامد لديها لأن شرفه ع تجاوز الحد وبلغ النهاية وجلال قدره استولى
على الأمد وأدرك الغاية ومحله من العلم والعمل رفع له ألف راية وكم له ع من علامات
سؤدد وسيماء رئاسة وآية سماحة وحماسة وشرف منصب وعلو نسب وفخر حسب وطهارة أم وأب والأخذ
من الكرم والطهارة بأقوى سبب لو طاول السماء لطالها أو رام الكواكب في أوجها لنالها
أو حاكمت سيادته عند موفق لقضي لها إذا اقتسمت قداح المجد كان له معلاها أو قسمت غنائم
السمو والرفعة كان له مرباعها وصفاياها أو أجريت جياد السيادة كان له سابقها أو جوريت
مناقبه قصر طالبها ووني لاحقها يقصر لسان البليغ في مضمار مآثره ويظهر عجز الجليد عن
عد مفاخره الأصل طاهر كما عرفت والفرع زاهر كما وصفت وفوق ما وصفت ولده من بعده ع مشكاة
الأنوار ومصابيح الظلام وعصر الأنام ومنتجع العافين إذا أجدب العام والعروة الوثقى
لذوي الاعتصام والملجأ
إذا نبذ العهد وخفر الذمام والموئل الذين بولايتهم ومحبتهم يصح الإسلام والملاذ إذا
عرم الزمان وتنكر الأقوام والوزر الذين تحط بهم الأوزار وتغفر الآثام اللهم صل عليهم
صلاة تزيدهم بها شرفا ومجدا وتوليهم بها فوق رفدك رفدا وتثبت لهم في كل قلب ودا وعلى
كل مكلف عهدا فإنهم ع عبادك الذين اقتفوا آثار نبيك وانتهجوا وسلكوا سبيلك الذي أمرتهم
به فما عرجوا وطاب لهم السرى في ليل طاعتك وعبادتك فأدلجوا لا يأخذهم فيما أمرتهم به
فتور ولا يعتريهم كلال ولا قصور نهارهم صيام وليلهم قيام وجودهم وافر كثير وبرهم زائد
غزير وفضلهم شائع شهير لا يجاريهم مجار ولا يلحق عفو سعيهم سار ولا يماري في سؤددهم
ممار اللهم إلا من سلبه الله هداية التوفيق وأضله عن سواء الطريق اللهم فانفعنا بحبهم
واجعلنا من صحبهم واحسبنا من حزبهم واجعل كسبنا في الدنيا والآخرة من كسبهم ونعمنا
بسلمهم كما أشقيت آخرين بحربهم ولا تخلنا في الدنيا من موالاتهم وفي الآخرة من قربهم
فبهم ع اهتدينا إليك وهم أدلتنا عليك وبحبك أحببناهم وبإرشادك عرفناهم إنك عظيم الآلاء
سميع الدعاء.
وقد جريت على عادتي
ومدحت مولانا الباقر ع بهذه الأبيات وإن كانت قاصرة عن شريف قدره غير محيطة بما يجب
من حمده وشكره وعد مناقب مجده وفخره ولكن إذا جرى القلم بكشف أمر فلا حيلة في ستره
وما قدر مدحي في مدح من يتطامن كل شرف لشرفه وتقر الأوائل والأواخر بعلو قدره وقدر
سلفه ويجري مجراه ومجرى أوليته شريف خلقه فمن فكر في هذه العترة الصالحة وهداه الله
بالتجارة الرابحة وكان له نظر صائب وفكر ثاقب قال ما أشبه الليلة بالبارحة والأبيات
هذه.
يا راكبا يقطع جوز
الفلا
|
|
على أمون جسرة ضامر
|
__________________
كالحرف إلا أنها
في السرى
|
|
تسبق رجع النظر الباصر
|
أسرع في الإرقال
من خاضب
|
|
أعجله الركض ومن
طائر
|
آنسه بالوخد لكنها
|
|
في سيرها كالنقنق
الناقر
|
عرج على طيبة وانزل
بها
|
|
وقف مقام الضارع
الصاغر
|
وقبل الأرض وسف تربها
|
|
واسجد على ذاك الثرى
الطاهر
|
وأبلغ رسول الله
خير الورى
|
|
عني في الماضي وفي
الغابر
|
سلام عبد خالص حبه
|
|
باطنه في الصدق كالظاهر
|
وعج على أرض البقيع
الذي
|
|
ترابه يجلو قذى الناظر
|
وبلغن عني سكانه
|
|
تحية كالمثل السائر
|
قوم هم الغاية في
فضلهم
|
|
فالأول السابق كالآخر
|
هم الأولى شادوا
بناء العلى
|
|
بالأسمر الذابل والباتر
|
وأشرقت في المجد
أحسابهم
|
|
إشراق نور القمر
الباهر
|
وبخلوا الغيث ويوم
الوغا
|
|
راعوا جنان الأسد
الخادر
|
بدا بهم نور الهدى
مشرقا
|
|
وميز البر من الفاجر
|
فحبهم وقف على مؤمن
|
|
وبغضهم حتم على كافر
|
كم لي مديح فيهم
شائع
|
|
وهذه تختص بالباقر
|
إمام حق فاق في فضله
|
|
العالم من باد ومن
حاضر
|
أخلاقه الغر رياض
فما
|
|
الروض غداة الصيب
الماطر
|
__________________
ما ضر قوما غصبوا
حقه
|
|
والظلم من شنشنة
الجائر
|
لو حكموه فقضى بينهم
|
|
أبلج مثل القمر الزاهر
|
فرع زكا أصلا وأصل
سما
|
|
فرعا علاء الفلك
الدائر
|
جرى على سنة آبائه
|
|
جرى الجواد السابق
الضامر
|
وجاء من بعد بنوه
على
|
|
آثاره الوارد كالصادر
|
فخارة ينقله منجد
|
|
مصدق في النقل عن
غابر
|
قد كثرت في الفضل
أوصافه
|
|
وإنما العزة للكاثر
|
لو صافحت راحته ميتا
|
|
عاش ولم ينقل إلى
قابر
|
حتى يقول الناس مما
رأوا
|
|
يا عجبا للميت الناشر
|
محمد الخير استمع
شاعرا
|
|
لولاكم ما كان بالشاعر
|
قد قصر المدح على
مجدكم
|
|
وليس في ذلك بالقاصر
|
يود لو ساعده دهره
|
|
تقبيل ذاك المقبر
الفاخر
|
ذكر الإمام السادس جعفر الصادق بن محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
قال كمال الدين محمد
بن طلحة رحمهالله هو من عظماء أهل البيت
وساداتهم ع ذو علوم جمة وعبادة موفورة وأوراد متواصلة وزهادة بينة وتلاوة كثيرة يتتبع
معاني القرآن الكريم ويستخرج من بحره جواهره ويستنتج عجائبه ويقسم أوقاته على أنواع
الطاعات بحيث يحاسب عليها نفسه رؤيته تذكر بالآخرة واستماع كلامه يزهد في الدنيا والاقتداء
بهداه يورث الجنة نور قسماته شاهد أنه من سلالة النبوة وطهارة أفعاله تصدع بأنه من
ذرية الرسالة نقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعة من أعيان الأئمة وأعلامهم مثل
يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريج ومالك بن أنس والثوري وابن عيينة و
__________________
أبي حنيفة وشعبة وأيوب
السختياني وغيرهم وعدوا أخذهم منه منقبة شرفوا بها وفضيلة اكتسبوها.
أما ولادته
فبالمدينة سنة ثمانين
من الهجرة وقيل سنة ثلاث وثمانين والأول أصح.
وأما نسبه أبا وأما
فأبوه أبو جعفر محمد
الباقر وقد تقدم بسط نسبه وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله
عنه.
وأما اسمه
فجعفر وكنيته أبو عبد
الله وقيل أبو إسماعيل وله ألقاب أشهرها الصادق ومنها الصابر والفاضل والطاهر.
وأما مناقبه وصفاته
فتكاد تفوق عدد الحاصر
ويحار في أنواعها فهم اليقظ الباصر حتى أن من كثرة علومه المفاضة على قلبه من سجال
التقوى صارت الأحكام التي لا تدرك عللها والعلوم التي تقصر الأفهام عن الإحاطة بحكمها
تضاف إليه وتروى عنه وقد قيل إن كتاب الجفر الذي بالمغرب يتوارثه بنو عبد المؤمن هو
من كلامه ع وإن في هذا المنقبة سنية ودرجة في مقام الفضائل علية.
قلت كتاب الجفر مشهور
وفيه أسرارهم وعلومهم وقد ذكره مصرحا
__________________
الإمام علي بن موسى
الرضا ع حين عهد إليه عبد الله المأمون رحمهالله فقال ع والجفر والجامعة
يدلان على خلاف ذلك وسأذكر العهد عند ذكره ع.
وقال كمال الدين رحمهالله وهذه نبذة يسيرة مما
نقل عنه ع.
قال مالك بن أنس قال
جعفر يوما لسفيان الثوري يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها فأكثر من
الحمد والشكر عليها فإن الله عزوجل قال في كتابه العزيز
(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وإذا استبطأت الرزق
فأكثر من الاستغفار فإن الله عزوجل يقول في كتابه (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً
يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) يعني في الدنيا (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) في الآخرة يا سفيان
إذا حزنك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها مفتاح
الفرج وكنز من كنوز الجنة.
وقال ابن أبي حازم
كنت عند جعفر بن محمد ع إذ دخل آذنه
__________________
فقال سفيان الثوري
بالباب فقال ائذن له فدخل فقال له جعفر يا سفيان إنك رجل يطلبك السلطان وأنا أتقي السلطان
قم فاخرج غير مطرود فقال سفيان حدثني حتى أسمع وأقوم فقال جعفر حدثني أبي عن جدي أن
رسول الله ص قال من أنعم الله عليه نعمة فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله
ومن حزنه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله فلما قام سفيان قال جعفر خذها يا سفيان
ثلاثا وأي ثلاث.
وقال سفيان دخلت على
جعفر بن محمد وعليه جبة خز دكناء
وكساء خز فجعلت أنظر
إليه تعجبا فقال لي يا ثوري ما لك تنظر إلينا لعلك تعجب مما ترى فقلت له يا ابن رسول
الله ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك قال يا ثوري كان ذلك زمان إقتار وافتقار وكانوا
يعملون على قدر إقتاره وافتقاره وهذا زمان قد أسبل كل شيء عزاليه
ثم حسر ردن جبته
فإذا تحتها جبة صوف
بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن وقال يا ثوري لبسنا هذا لله تعالى وهذا
لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه.
وقال الهياج بن بسطام
كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء وكان يقول ع لا يتم المعروف إلا بثلاثة
تعجيله وتصغيره وستره.
وسئل ع لم حرم الله
الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف.
وذكر بعض أصحابه قال
دخلت على جعفر وموسى ولده بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منه أن قال
يا بني احفظ وصيتي واحفظ
مقالتي فإنك
__________________
إن حفظتها تعش سعيدا
وتمت حميدا يا بني إنه من قنع بما قسم له استغنى ومن مد عينه إلى ما في يده غيره مات
فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله له عزوجل اتهم الله تعالى في
قضائه ومن استصغر زلة نفسه استعظم زلة غيره ومن استعظم زلة نفسه استصغر زلة غيره يا
بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورات نفسه ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر به لأخيه
بئرا سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل السوء اتهم
يا بني قل الحق لك وعليك وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال يا بني
إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه فإن للجود معادن وللمعادن أصولا وللأصول فروعا وللفروع
ثمرا ولا يطيب ثمر إلا بفرع ولا فرع إلا بأصل ولا أصل إلا بمعدن طيب يا بني إذا زرت
فزر الأخيار ولا تزر الفجار فإنهم صخرة لا ينفجر ماؤها وشجرة لا يخضر ورقها وأرض لا
يظهر عشبها قال علي بن موسى ع فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن مات.
وقال أحمد بن عمرو
بن المقدام الرازي وقع الذباب على المنصور فذبه عنه فعاد فذبه عنه حتى أضجره فدخل عليه
جعفر بن محمد ع فقال له المنصور يا با عبد الله لم خلق الله تعالى الذباب فقال ليذل
به الجبابرة.
ونقل أنه كان رجل من
أهل السواد يلزم جعفرا ففقده فسأل عنه فقال له رجل يريد أن يستنقص به أنه نبطي فقال
جعفر ع أصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون فاستحى ذلك القائل.
وقال سفيان الثوري
سمعت جعفر الصادق ع يقول عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فإن تكن في شيء فيوشك أن تكون
في الخمول فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت فإن طلبت في الصمت فلم
توجد فيوشك أن تكون في التخلي فإن طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف
الصالح والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها.
وحدث عبد الله بن الفضل
بن الربيع عن أبيه قال حج المنصور سنة سبع و
أربعين ومائة فقدم
المدينة وقال للربيع ابعث إلى جعفر بن محمد من يأتينا به متعبا قتلني الله إن لم أقتله
فتغافل الربيع عنه لينساه ثم أعاد ذكره للربيع وقال ابعث من يأتينا به متعبا فتغافل
عنه ثم أرسل إلى الربيع رسالة قبيحة أغلظ فيها وأمره أن يبعث من يحضر جعفرا ففعل فلما
أتاه قال له الربيع يا با عبد الله اذكر الله فإنه قد أرسل إليك بما لا دافع له غير
الله فقال جعفر لا حول ولا قوة إلا بالله ثم إن الربيع أعلم المنصور بحضوره فلما دخل
جعفر عليه أوعده وأغلظ له وقال أي عدو الله اتخذك أهل العراق إماما يجبون إليك زكاة
أموالهم وتلحد في سلطاني وتبغيه الغوائل قتلني الله إن لم أقتلك فقال له يا أمير المؤمنين
إن سليمان ع أعطي فشكر وإن أيوب ابتلي فصبر وإن يوسف ظلم فغفر وأنت من ذلك السنخ فلما
سمع ذلك المنصور منه قال له إلي وعندي يا أبا عبد الله أنت البريء الساحة السليم الناحية
القليل الغائلة جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم ثم تناول يده
فأجلسه معه على فراشه ثم قال علي بالطيب فأتي بالغالية فجعل يغلف لحية جعفر بيده حتى
تركها تقطر ثم قال قم في حفظ الله وكلاءته ثم قال يا ربيع ألحق أبا عبد الله جائزته
وكسوته انصرف أبا عبد الله في حفظه وكنفه فانصرف.
قال الربيع ولحقته
فقلت له إني قد رأيت قبلك ما لم تره ورأيت بعدك ما لا رأيته فما قلت يا با عبد الله
حين دخلت قال قلت اللهم احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام واغفر
لي بقدرتك علي ولا أهلك وأنت رجائي اللهم أنت أكبر وأجل مما أخاف وأحذر اللهم بك أدفع
في نحره وأستعيذ بك من شره ففعل الله بي ما رأيت.
قلت هذه القضية له
ع مع أبي جعفر المنصور مشهورة قد نقلها الرواة والدعاء الذي دعا به ع ذكروه بروايات
مختلفة لو لا خوف الإطالة لأوردتها ولكني اكتفيت بما ذكره كمال الدين ولعله يرد في
موضع آخر من أخباره.
وقال قال الليث بن
سعد حججت سنة ثلاث عشرة ومائة فأتيت مكة فلما صليت العصر رقيت أبا قبيس وإذا أنا برجل
جالس وهو يدعو فقال يا رب يا رب حتى انقطع نفسه ثم قال رب رب حتى انقطع نفسه ثم قال
يا الله يا الله حتى انقطع نفسه ثم قال يا حي يا حي حتى انقطع نفسه ثم قال يا رحيم
يا رحيم حتى انقطع نفسه ثم قال يا أرحم الراحمين حتى انقطع نفسه سبع مرات ثم قال اللهم
إني أشتهي من هذا العنب فأطعمنيه اللهم وإن بردي قد أخلقا قال الليث فو الله ما استتم
كلامه حتى نظرت إلى سلة مملوءة عنبا وليس على الأرض يومئذ عنب وبردين جديدين موضوعين
فأراد أن يأكل فقلت له أنا شريكك فقال لي ولم فقلت لأنك كنت تدعو وأنا أؤمن فقال لي
تقدم فكل ولا تخبئ شيئا فتقدمت فأكلت شيئا لم آكل مثله قط وإذا عنب لا عجم له فأكلت
حتى شبعت والسلة لم ينقص ثم قال لي خذ أحد البردين إليك فقلت أما البردان فإني غني
عنهما فقال لي توار عني حتى ألبسهما فتواريت عنه فاتزر بالواحد وارتدى بالآخر ثم أخذ
البردين اللذين كانا عليه فجعلهما على يده ونزل فاتبعته حتى إذا كان بالمسعى لقيه رجل
فقال اكسني كساك الله فدفعهما إليه فلحقت الرجل فقلت من هذا قال هذا جعفر بن محمد قال
الليث فطلبته لأسمع منه فلم أجده فيا لهذه الكرامة ما أسناها ويا لهذه المنقبة ما أعظم
صورتها ومعناها.
قال أفقر عباد الله
إلى رحمته ـ علي بن عيسى وفقه الله لمراضيه حديث الليث مشهور وقد ذكره جماعة من الرواة
ونقلة الحديث وأول ما رأيته في كتاب المستغيثين تأليف الفقيه العالم أبي القاسم خلف
بن عبد الملك بن مسعود بن بشكواك وهذا الكتاب قرأته على الشيخ العدل رشيد الدين أبي
عبد الله محمد بن أبي القاسم بن عمر بن أبي القاسم وهو قرأه على الشيخ العالم محيي
الدين أستاد دار الخلافة أبي محمد يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وهو يرويه عن
مؤلفه إجازة وكانت قراءتي في شعبان من سنة ست وثمانين وستمائة بداري المطلة على دجلة
ببغداد
__________________
عمرها الله تعالى وقد
أورد هذا الحديث جماعة من الأعيان وذكره الشيخ الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمهالله في كتابه صفوة الصفوة
وكلهم يرويه عن الليث وكان ثقة معتبرا.
وقال كمال الدين وأما
أولاده فكانوا سبعة ستة ذكور وبنت واحدة وقيل أكثر من ذلك وأسماء أولاده موسى وهو الكاظم
وإسماعيل ومحمد وعلي وعبد الله وإسحاق وأم فروة ـ.
وأما عمره فإنه مات
في سنة ثمان وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر المنصور وقد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمانين
فيكون عمره ثمان وستين سنة هذا هو الأظهر وقيل غير ذلك.
وقبره بالمدينة بالبقيع
وهو القبر الذي فيه أبوه الباقر وجده زين العابدين وعمه الحسن بن علي ع فلله دره من
قبر ما أكرمه وأشرفه وأعلى قدره عند الله تعالى انتهى كلامه.
وقال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي رحمهالله ـ أبو عبد الله جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الصادق وأمه أم فروة واسمها قريبة بنت
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي
بكر الصديق ولذلك قال جعفر ع ولقد ولدني أبو بكر مرتين ولد عام الجحاف
سنة ثمانين ومات سنة
ثمان وأربعين ومائة.
ولد جعفر بن محمد ع
إسماعيل الأعرج وعبد الله وأم فروة وأمهم فاطمة بنت الحسين الأثرم بن الحسن بن علي
بن أبي طالب ع وموسى بن جعفر الإمام وأمه حميدة أم ولد وإسحاق ومحمد وفاطمة تزوجها
محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس فماتت عنده وأمهم أم ولد ويحيى
والعباس وأسماء
__________________
وفاطمة الصغرى وهم
لأمهات أولاد شتى.
وقال محمد بن سعيد
لما خرج محمد بن عبد الله بن حسن هرب جعفر إلى ماله بالفرع فلم
يزل هناك مقيما حتى
قتل محمد فلما قتل محمد واطمأن الناس وأمنوا رجع إلى المدينة فلم يزل بها حتى مات سنة
ثمان وأربعين ومائة في خلافة أبي جعفر وهو يومئذ ابن إحدى وسبعين سنة.
وقال غيره ولد جعفر
عام الجحاف سنة ثمانين ومات سنة ثمان وأربعين ومائة.
" وعن أبي عمرو
بن المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبوة.
وقال البرذون بن سيف
[شبيب] النهدي واسمه جعفر قال سمعت جعفر بن محمد يقول احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح
في اليتيمين قال (وَكانَ أَبُوهُما صالِحاً).
وقال إبراهيم بن مسعود
قال كان رجل من التجار يختلف إلى جعفر بن محمد يخالطه ويعرفه بحسن حال فتغيرت حاله
فجعل يشكو إلى جعفر ع فقال له
فلا تجزع وإن أعسرت
يوما
|
|
فقد أيسرت في زمن
طويل
|
فلا تيأس فإن اليأس
كفر
|
|
لعل الله يغني عن
قليل
|
ولا تظنن بربك ظن
سوء
|
|
فإن الله أولى بالجميل
|
وروي عن جعفر بن محمد
الصادق ع أنه قال لمولاه نافذ إذا كتبت رقعة أو كتابا في حاجة فأردت أن تنجح حاجتك
التي تريد فاكتب رأس الرقعة بقلم غير مديد (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) إن الله وعد الصابرين
المخرج مما يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون جعلنا الله وإياكم من الذين لا (خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال نافذ فكنت أفعل
ذلك فتنجح حوائجي.
وعن صالح بن الأسود
قال سمعت جعفر بن محمد يقول سلوني قبل أن تفقدوني
__________________
فإنه لا يحدثكم أحد
بعدي بمثل حديثي.
وعنه ع (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) قال محمد وعلي.
وعن عبد الله بن أبي
يعفور عن جعفر بن محمد قال بني الإنسان على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة
والكذب.
وروى معاوية بن عمار
عن جعفر بن محمد قال من صلى على محمد وأهل بيته مائة مرة قضى الله تعالى له مائة حاجة.
١٤ ـ وعن جعفر بن محمد
عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله ص من قال جزى الله عنا محمدا ما هو أهله أتعب
سبعين كاتبا ألف صباح.
وروى محمد بن محبب
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده ع ورفعه قال ما من مؤمن أدخل على قوم سرورا إلا خلق
الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله ويوحده ويمجده فإذا صار المؤمن في قبره أتاه السرور
الذي أدخله عليه فيقول أما تعرفني فيقول ومن أنت فيقول أنا السرور الذي أدخلتني على
فلان أنا اليوم الذي أونس وحشتك وألقنك حجتك وأثبتك بالقول الثابت وأشهد بك مشاهد القيامة
وأشفع لك إلى ربك وأريك منزلتك من الجنة.
وعن سليمان بن بلال
قال حدثني جعفر بن محمد عن أبيه قال سمعت جابر بن عبد الله يقول كانت خطبة رسول الله
ص يوم الجمعة يحمد الله ويثنى عليه ثم يقول على أثر ذلك وقد علا صوته واشتد غضبه واحمرت
وجنتاه كأنه منذر جيش صبحكم أو مساكم ثم يقول بعثت والساعة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى
التي تلي الإبهام ثم يقول إن أفضل الحديث كتاب الله عزوجل وخير الهدي هدي محمد
ص وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة فمن ترك مالا فلأهله ومن ترك دينا أو ضياعا
فالي.
ووقع بين جعفر بن محمد
وعبد الله بن حسن كلام في صدر يوم فأغلظ له في القول عبد الله بن حسن ثم افترقا وراحا
إلى المسجد فالتقيا على باب المسجد فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد لعبد الله بن حسن
كيف أمسيت يا أبا محمد قال بخير كما يقول المغضب فقال يا با محمد أما علمت أن صلة الرحم
يخفف الحساب فقال
__________________
لا تزال تجيء بالشيء
لا نعرفه فقال إني أتلو عليك به قرآنا قال وذلك أيضا قال نعم قال فهاته قال قول الله
عزوجل (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ
ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ)
قال فلا تراني بعدها
قاطعا رحما.
وعن جميل بن دراج قال
كنت عند أبي عبد الله فدخل عليه بكير بن أعين وهو أرمد فقال له أبو عبد الله الظريف
يرمد فقال وكيف يصنع قال إذا غسل يده من الغمر
مسحها على عينيه قال
ففعلت ذلك فلم أرمد.
١٤ ـ وعن سعيد بن سليمان
عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر أن النبي ص كان يقول إن الله عزوجل مع المديون حتى يقضي
دينه ما لم يكن في معصية أو فيما يكره الله عزوجل.
١٤ ـ وعنه عن أبيه
عن جابر قال قال رسول الله ص للمهاجرين والأنصار عليكم بالقرآن فاتخذوه إماما فإنه
كلام رب العالمين الذي منه بدأ وإليه يعود.
وعن مالك بن أنس عن
جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص من قال في كل يوم
مائة مرة لا إله إلا الله الملك الحق المبين كان له أمان من الفقر وأمن من وحشة القبر
واستجلب الغنى وفتحت له أبواب الجنة.
وعن جعفر بن محمد عن
أبيه عن جده أن النبي ص نهى عن جذاذ الليل وحصاده
قال جعفر بن محمد إنما
كره ذلك لأنه لا يحضره الفقراء والمساكين. وبالإسناد قال قال رسول الله ص إذا رأيتم
الحريق فكبروا فإن الله تعالى يطفئه.
وعنه ع قال من لم يكن
لأخيه كما يكن لنفسه لم يعط الأخوة حقها ألا ترى كيف حكى الله تعالى في كتابه أنه يفر
المرء من أبيه والأخ من أخيه ثم ذكر في ذلك الموقف شفقة الأصدقاء يقول (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)
__________________
وعنه ع قال لما دفعت
إلى أبي جعفر المنصور انتهرني وكلمني بكلام غليظ ثم قال لي يا جعفر قد علمت بفعل محمد
بن عبد الله الذي تسمونه النفس الزكية وما نزل به وإنما أنتظر الآن أن يتحرك منكم أحد
فألحق الكبير بالصغير قال فقلت يا أمير المؤمنين حدثني محمد بن علي عن أبيه علي بن
الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب ع أن النبي ص قال إن الرجل ليصل رحمه وقد
بقي من عمره ثلاث سنين فيمدها الله إلى ثلاث وثلاثين سنة وإن الرجل ليقطع رحمه وقد
بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيبترها الله تعالى إلى ثلاث سنين قال فقال لي والله
لقد سمعت هذا من أبيك قلت نعم حتى رددها علي ثلاثا ثم قال انصرف.
وعن جابر بن عون قال
قال رجل لجعفر بن محمد إنه وقع بيني وبين قوم منازعة في أمر وإني أريد أن أتركه فيقال
لي إن تركك له ذل فقال له جعفر بن محمد إن الذليل هو الظالم
ذكر من روى من أولاده ع
موسى بن جعفر عن أبيه
جعفر بن محمد عن جده محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب قال أخذ النبي ص بيد
حسن وحسين فقال من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة.
" محمد بن جعفر
عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن جابر أن النبي ص لبى بحجة وعمرة معا.
إسماعيل بن جعفر بن
محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال قال رسول
الله ص من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
إسحاق بن جعفر بن محمد
عن أبيه جعفر بن محمد حدث أبو الحسين يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبد الله بن الحسين
بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص قال كتب إلي عباد بن يعقوب يخبرني عن محمد بن
إسحاق بن جعفر بن محمد عن أبيه قال دخل جعفر بن محمد على أبي جعفر المنصور فتكلم فلما
خرج من عنده أرسل إلى جعفر بن محمد فرده فلما رجع حرك شفتيه بشيء فقيل له ما قلت قال
قلت
اللهم إنك تكفي من
كل شيء ولا يكفى منك شيء فاكفنيه فقال له ما يقرك عندي فقال له أبو عبد الله قد بلغت
أشياء لم يبلغها أحد من آبائي في الإسلام وما أراني أصحبك إلا قليلا ما أرى هذه السنة
تتم لي قال فإن بقيت قال ما أراني أبقي قال فقال أبو جعفر احسبوا له فحسبوا فمات في
شوال آخر كلامه.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله باب ذكر الإمام القائم
بعد أبي جعفر محمد بن علي ع من ولده وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته
ووقت وفاته وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره.
وكان الصادق جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين ع من بين إخوته خليفة أبيه ووصيه والقائم بالإمامة من بعده وبرز
على جماعتهم بالفضل وكان أنبههم ذكرا وأعظمهم قدرا وأجلهم في العامة والخاصة ونقل الناس
عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل العلماء عن أحد
من أهل بيته ما نقل عنه ولا لقي أحد منهم من أهل الآثار ونقلة الأخبار ولا نقلوا عنهم
ما نقلوا عن أبي عبد الله ع فإن أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات
على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف رجل وكان له ع من الدلائل الواضحة
في إمامته ما بهرت العقول وأخرست المخالف عن الطعن فيها بالشبهات.
وكان مولده بالمدينة
سنة ثلاث وثمانين ومضى ع في شوال من سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة ودفن
في البقيع مع أبيه وجده وعمه الحسن ع وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر وكانت
إمامته ع أربعا وثلاثين سنة ووصى إليه أبو جعفر ع وصية ظاهرة ونص عليه بالإمامة نصا
جليا.
فروى محمد بن أبي عمير
عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال لما حضرت أبي الوفاة قال يا جعفر
أوصيك بأصحابي خيرا قلت جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل
أحدا.
وروى أبان بن عثمان
عن أبي الصباح الكناني قال نظر أبو جعفر إلى ابنه أبي عبد الله ع وقال أترى هذا من
الذين قال الله تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ
عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوارِثِينَ).
وروى هشام بن سالم
عن جابر بن يزيد الجعفي قال سئل أبو جعفر الباقر ع عن القائم بعده فضرب يده على أبي
عبد الله ع فقال هذا والله بعدي قائم آل محمد.
وروى علي بن الحكم
عن طاهر صاحب أبي جعفر قال كنت عنده فأقبل جعفر ع فقال أبو جعفر هذا خير البرية.
وعن أبي عبد الله ع
قال إن أبي ع استودعني ما هناك فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهودا فدعوت له أربعة
من قريش منهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال اكتب هذا ما أوصى به يعقوب بنيه (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ
فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) وأوصى محمد بن علي
إلى أبي عبد الله جعفر بن محمد وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه الجمعة وأن
يعممه بعمامة وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع وأن يحل أطماره
عنه عند دفنه ثم قال
للشهود انصرفوا رحمكم الله قلت له يا أبة ما كان في هذا بأن يشهد عليه فقال يا بني
كرهت أن تغلب وأن يقال لم يوص إليه فأردت أن تكون لك الحجة وأشباه هذا الحديث في معناه
كثير.
وقد جاءت الرواية التي
قدمنا ذكرها في خبر اللوح بالنص عليه من الله تعالى بالإمامة ثم الذي قدمناه من دلائل
العقول أن الإمام لا يكون إلا الأفضل يدل على إمامته ع لظهور فضله في العلم والزهد
والعمل على إخوته وبني عمه وسائر الناس من أهل عصره ثم الذي يدل على فساد إمامة من
ليس بمعصوم كعصمة الأنبياء ع وليس بكامل في العلم وتعري من سواه ممن ادعى له الإمامة
في وقته
__________________
عن العصمة وقصورهم
عن الكمال في علم الدين يدل على إمامته ع إذ لا بد من إمامة معصوم في كل زمان حسب ما
قدمناه ووصفناه.
وقد روى الناس من آيات
الله جل اسمه الظاهرة على يده ع ما يدل على إمامته وحقه وبطلان مقال من ادعى الإمامة
لغيره.
فمن ذلك ما رواه نقلة
الآثار من خبره ع مع المنصور لما أمر الربيع بإحضاره فأحضره. فلما بصر به المنصور قال
قتلني الله إن لم أقتلك أتلحد في سلطاني وتبغيني الغوائل فقال له أبو عبد الله ع والله
ما فعلت ولا أردت فإن كان بلغك فمن كاذب وإن كنت فعلت فقد ظلم يوسف فغفر وابتلي أيوب
فصبر وأعطي سليمان فشكر فهؤلاء أنبياء الله وإليهم يرجع نسبك فقال له المنصور أجل ارتفع
هاهنا فارتفع فقال إن فلان بن فلان أخبرني عنك بما ذكرت فقال أحضروه يا أمير المؤمنين
ليوافقني على ذلك فأحضر الرجل المذكور فقال له المنصور أنت سمعت ما حكيت عن جعفر فقال
نعم فقال له أبو عبد الله ع فاستحلفه على ذلك فقال له المنصور أتحلف قال نعم وابتدأ
باليمين فقال له أبو عبد الله ع دعني يا أمير المؤمنين أحلفه أنا فقال له افعل فقال
أبو عبد الله للساعي قل برئت من حول الله وقوته والتجأت إلى حولي وقوتي لقد فعل كذا
وكذا جعفر وقال كذا وكذا جعفر فامتنع هنيهة ثم حلف بها فما برح حتى ضرب برجله فقال
أبو جعفر جروه برجله وأخرجوه لعنه الله قال الربيع وكنت رأيت جعفر بن محمد ع حين دخل
على المنصور يحرك شفتيه وكلما حركهما سكن غضب المنصور حتى أدناه منه ورضي عنه فلما
خرج أبو عبد الله ع من عند أبي جعفر اتبعته فقلت إن هذا الرجل كان من أشد الناس غضبا
عليك فلما دخلت عليه كنت تحرك شفتيك وكلما حركتهما سكن غضبه فبأي شيء كنت تحركهما قال
بدعاء جدي الحسين بن علي ع قلت جعلت فداك وما هذا الدعاء قال يا عدتي عند شدتي ويا
غوثي عند كربتي احرسني بعينك التي لا تنام واكنفني بركنك الذي لا يرام قال الربيع فحفظت
هذا الدعاء فما نزلت بي شدة قط إلا دعوت
به ففرج عني.
قال وقلت لأبي عبد
الله جعفر بن محمد ع لم منعت الساعي أن يحلف بالله قال كرهت أن يراه الله يوحده ويمجده
فيحلم عنه ويؤخر عقوبته فاستحلفته بما سمعت فأخذه الله تعالى (أَخْذَةً رابِيَةً).
وروي أن داود بن علي
بن عبد الله بن العباس
قتل المعلى بن خنيس
مولى جعفر بن محمد ع وأخذ ماله فدخل عليه جعفر وهو يجر ردائه فقال له قتلت مولاي وأخذت
ماله أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحرب
أما والله لأدعون الله
عليك فقال له داود بن علي أتهددنا بدعائك كالمستهزئ بقوله فرجع أبو عبد الله ع إلى
داره فلم يزل ليله كله قائما وقاعدا حتى إذا كان السحر سمع وهو يقول في مناجاته يا
ذا القوة القوية ويا ذا المحال الشديد ويا ذا العزة التي كل خلقك لها ذليل اكفني هذه
الطاغية وانتقم لي منه فما كانت إلا ساعة حتى ارتفعت الأصوات بالصياح وقيل مات داود
بن علي.
وروى أبو بصير قال
دخلت المدينة وكانت معي جويرية لي فأصبت منها ثم خرجت إلى الحمام فلقيت أصحابنا الشيعة
وهم متوجهون إلى أبي عبد الله جعفر ع فخشيت أن يسبقوني ويفوتني الدخول إليه فمشيت معهم
حتى دخلت الدار فلما مثلت بين يدي أبي عبد الله نظر إلي ثم قال يا أبا بصير أما علمت
أن بيوت الأنبياء وأولاد الأنبياء لا يدخلها الجنب فاستحييت وقلت يا ابن رسول الله
إني لقيت أصحابنا فخشيت أن يفوتني الدخول معهم ولن أعود مثلها وخرجت وجاءت الرواية
مستفيضة بمثل ما ذكرناه من الآيات والأخبار بالغيوب مما يطول تعداده.
وكان يقول ع علمنا
غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الأسماع
__________________
وإن عندنا الجفر الأحمر
والجفر الأبيض ومصحف فاطمة ع وإن عندنا الجامعة فيها جميع ما يحتاج الناس إليه فسئل
عن تفسير هذا الكلام فقال أما الغابر فالعلم بما يكون وأما المزبور فالعلم بما كان
وأما النكت في القلوب فهو الإلهام وأما النقر في الأسماع فهو حديث الملائكة ع نسمع
كلامهم ولا نرى أشخاصهم وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله ص ولن يخرج حتى
يقوم قائمنا أهل البيت وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود
وكتب الله الأولى وأما مصحف فاطمة ع ففيه ما يكون من حادث وأسماء كل من يملك إلى أن
تقوم الساعة وأما الجامعة فهو كتاب طوله سبعون ذراعا إملاء رسول الله ص من فلق فيه
وخط علي بن أبي طالب
ص بيده فيه والله جميع ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة حتى أن فيه أرش الخدش والجلدة
ونصف الجلدة.
وكان ع يقول حديثي
حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وحديث علي
حديث رسول الله ص وحديث رسول الله قول الله عزوجل.
وروى أبو حمزة الثمالي
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ع قال سمعته يقول ألواح موسى ع عندنا وعصى موسى عندنا
ونحن ورثة النبيين.
وروى معاوية بن وهب
عن سعيد السمان قال كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد ع إذ دخل عليه رجلان من الزيدية
فقالا أفيكم إمام مفترض الطاعة قال فقال لا قال فقالا قد أخبرنا عنك الثقات أنك تقول
به وسموا قوما وقالوا هم أصحاب ورع وتشمير وهم ممن لا يكذب فغضب أبو عبد الله وقال
ما أمرتهم بهذا فلما رأى الغضب في وجهه خرجا فقال لي أتعرف هذين قلت نعم وهما من أهل
سوقنا وهما من الزيدية وهما يزعمان أن سيف رسول الله ص عند عبد الله بن الحسن فقال
كذبا لعنهما الله والله ما رآه عبد الله بن الحسن بعينيه ولا بواحدة من عينيه ولا رآه
أبوه اللهم إلا أن يكون رآه عند علي بن الحسين
__________________
ع فإن كانا صادقين
فما علامة في مقبضه وما أثر في موضع مضربه فإن عندي لسيف رسول الله ص وإن عندي لراية
رسول الله ص ودرعه ولامته
ومغفره فإن كانا صادقين
فما علامة في درع رسول الله ص وإن عندي لراية رسول الله ص المغلبة وإن عندي ألواح موسى
وعصاه وإن عندي لخاتم سليمان وإن عندي الطست التي كان يقرب موسى فيها القربان وإن عندي
الاسم الذي كان رسول الله ص إذا وضعه بين المسلمين والمشركين لم يصل من المشركين إلى
المسلمين نشابة
وإن عندي لمثل الذي
جاءت به الملائكة ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني إسرائيل كان أي بيت وجد فيه
التابوت على بابهم أوتوا النبوة ومن صار السلاح إليه منا أوتي الإمامة ولقد لبس أبي
درع رسول الله ص فخطت عليه الأرض خطيطا ولبستها أنا فكانت وكانت وقائمنا إذا لبسها
ملأها إن شاء الله تعالى.
وروى عمرو بن أبان
قال سألت أبا عبد الله ع عما يتحدث الناس أنه دفع إلى أم سلمة رحمة الله عليها صحيفة
مختومة فقال إن رسول الله ص لما قبض ورث أمير المؤمنين علي ع علمه وسلاحه وما هناك
ثم صار إلى الحسن ثم صار إلى الحسين ع قال فقلت ثم صار إلى علي بن الحسين ثم إلى ابنه
ثم انتهى إليك قال نعم والأخبار في هذا المعنى كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية في الغرض
الذي نؤمه إن شاء الله.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله تعالى باب ذكر طرف
من أخبار أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع وكلامه قيل إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا
بالأبواء وفيهم إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وأبو جعفر المنصور وصالح
بن علي وعبد الله بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم ومحمد بن عبد الله بن عمرو بن
__________________
عثمان فقال صالح بن
علي قد علمتم أنكم الذين يمد الناس إليهم أعينهم وقد جمعكم الله في هذا الموضع فاعقدوا
لرجل منكم بيعة تعطونه إياها من أنفسكم وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين
فحمد الله عبد الله بن الحسن وأثنى عليه ثم قال قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلم
فلنبايعه وقال أبو جعفر لأي شيء يخدعون أنفسكم والله لقد علمتم ما الناس إلى أحد أصور
أعناقا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى يريد محمد بن عبد الله قالوا قد والله صدقت
إن هذا الذي نعلم فبايعوا محمدا جميعا ومسحوا على يده.
قال عيسى بن عبد الله
بن محمد وجاء رسول عبد الله بن حسن إلى أبي أن ائتنا فإنا مجتمعون لأمر وأرسل بذلك
إلى جعفر بن محمد ع وقال غير عيسى إن عبد الله بن الحسن قال لمن حضر لا تريدوا جعفرا
فإنا نخاف أن يفسد عليكم أمركم قال عيسى بن عبد الله بن محمد فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا
له فجئتهم ومحمد بن عبد الله يصلي على طنفسة رحل مثنية
فقلت لهم أرسلني أبي
إليكم أسألكم لأي شيء اجتمعتم فقال عبد الله اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبد الله
قال وجاء جعفر بن محمد فأوسع له عبد الله بن حسن إلى جنبه فتكلم بمثل كلامه فقال جعفر
بن محمد لا تفعلوا فإن هذا الأمر لم يأت بعد إن كنت ترى أن ابنك هذا هو المهدي فليس
به ولا هذا أوانه وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبا لله تعالى وليأمر بالمعروف وينهى
عن المنكر فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر فغضب عبد الله وقال
لقد علمت خلاف ما تقول وو الله ما أطلعك الله على غيبه ولكنك يحملك على هذا الحسد لابني
فقال والله ما ذلك يحملني ولكن هذا وإخوته وأبناءهم دونكم وضرب بيده على ظهر أبي العباس
ثم ضرب بيده على كتف عبد الله بن حسن وقال إيها والله ما هي إليك ولا إلى ابنك ولكنها
لهم وإن ابنيك لمقتولان ثم نهض وتوكأ على يد عبد العزيز بن عمران الزهري وقال أرأيت
صاحب الرداء الأصفر يعني أبا جعفر فقال له نعم فقال
__________________
إنا والله نجده يقتله
فقال له عبد العزيز أيقتل محمدا قال نعم قال فقلت في نفسي حسده ورب الكعبة قال ثم والله
ما خرجت من الدنيا حتى رأيته قتلهما قال فلما قال جعفر ذلك ونهض القوم وافترقوا تبعه
عبد الصمد وأبو جعفر فقالا يا أبا عبد الله تقول هذا قال نعم أقوله والله وأعلمه.
وعن بجاد العابد
قال كان جعفر بن محمد
ع إذا رأى محمد بن عبد الله بن حسن تغرغرت عيناه
ثم يقول بنفسي هو إن
الناس ليقولون فيه وإنه لمقتول ليس هو في كتاب علي من خلفاء هذه الأمة
فصل وهذا حديث مشهور كالذي
قبله لا يختلف العلماء بالأخبار في صحتهما وهما مما يدلان على إمامة أبي عبد الله جعفر
بن محمد الصادق ع وأن المعجزات كانت تظهر على يده لإخباره بالغائبات والكائنات قبل
كونها كما كان يخبر الأنبياء ع فيكون ذلك من آياتهم وعلامات نبوتهم وصدقهم على ربهم
عزوجل.
وعن يونس بن يعقوب
قال كنت عند أبي عبد الله ع فورد عليه رجل من أهل الشام فقال له إني رجل صاحب كلام
وفقه وفرائض وقد جئت لمناظرة أصحابك فقال له أبو عبد الله كلامك هذا من كلام رسول الله
ص أو من عندك فقال من كلام رسول الله ص بعضه ومن عندي بعضه فقال له أبو عبد الله ع
فأنت إذا شريك رسول الله ص قال لا قال فسمعت الوحي عن الله قال لا قال فتجب طاعتك كما
تجب طاعة رسول الله ص قال لا فالتفت أبو عبد الله ع إلي وقال يا يونس بن يعقوب هذا
رجل قد خصم نفسه قبل أن يتكلم ثم قال يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته قال يونس فيا
لها من حسرة فقلت جعلت فداك سمعتك تنهى عن الكلام وتقول ويل لأصحاب الكلام يقولون هذا
ينقاد وهذا
__________________
لا ينقاد وهذا ينساق
وهذا لا ينساق وهذا نعقله وهذا لا نعقله فقال أبو عبد الله ع إنما قلت ويل لقوم تركوا
قولي وذهبوا إلى ما يريدون ثم قال اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله
قال فخرجت فوجدت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام ومحمد بن النعمان الأحول وكان متكلما
وهشام بن سالم وقيس الماصر وكانوا متكلمين فأدخلتهم عليه فلما استقر بنا المجلس وكنا
في خيمة لأبي عبد الله ع على طرف جبل بالحرم وذلك قبل أيام الحج بأيام أخرج أبو عبد
الله رأسه من الخيمة فإذا هو ببعير يخب
فقال هشام ورب الكعبة
قال فظننا أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبد الله ع فإذا هشام بن
الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته
وليس فينا إلا من هو
أكبر سنا منه قال فوسع له أبو عبد الله ع وقال ناصرنا بقلبه ولسانه ويده ثم قال لحمران
كلم الرجل يعني الشامي فكلمه حمران فظهر عليه ثم قال يا طاقي كلمه فكلمه فظهر عليه
محمد بن النعمان ثم قال يا هشام بن سالم كلمه فتعارفا ثم قال لقيس الماصر كلمه فكلمه
وأقبل أبو عبد الله ع يتبسم من كلامهما وقد استخذل الشامي في يده ثم قال للشامي كلم
هذا الغلام يعني هشام بن الحكم فقال له نعم ثم قال الشامي لهشام يا غلام سلني في إمامة
هذا يعني أبا عبد الله ع فغضب هشام حتى أرعد ثم قال يا هذا ربك أنظر لخلقه أم هم لأنفسهم
فقال الشامي بل ربي أنظر لخلقه قال ففعل لهم بنظره في دينهم ما ذا قال كلفهم وأقام
لهم حجة ودليلا على ما كلفهم وأزاح في ذلك عللهم فقال له هشام فما هذا الدليل الذي
نصبه لهم قال الشامي هو رسول الله ص قال له هشام فبعد رسول الله ص من قال الكتاب والسنة
فقال له هشام فهل نفعنا اليوم الكتاب والسنة فيما اختلفنا فيه حتى رفعا عنا الاختلاف
ومكننا من الاتفاق قال الشامي نعم قال له هشام فلم اختلفنا نحن وأنت وجئتنا من الشام
تخالفنا وتزعم أن الرأي
__________________
طريق الدين وأنت مقر
بأن الرأي لا يجمع على القول الواحد المختلفين فسكت الشامي كالمفكر.
فقال له أبو عبد الله
ما لك لا تتكلم قال إن قلت إنا ما اختلفنا كابرت وإن قلت إن الكتاب والسنة ترفعان بيننا
الاختلاف أبطلت لأنهما يحتملان الوجوه ولكن لي عليه مثل ذلك فقال له أبو عبد الله ع
سله تجده مليا فقال الشامي لهشام من أنظر للخلق ربهم أم أنفسهم قال هشام بل ربهم أنظر
لهم فقال الشامي فهل أقام لهم من يجمع كلمتهم ويرفع اختلافهم ويبين لهم حقهم من باطلهم
قال هشام نعم قال من هو قال هشام أما في ابتداء الشريعة فرسول الله ص وأما بعد النبي
ص فغيره قال الشامي ومن هو غير النبي ص القائم مقامه في حجته قال هشام في وقتنا هذا
أم قبله قال الشامي بل في وقتنا هذا قال هشام هذا الجالس يعني أبا عبد الله ع الذي
تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء وراثه عن أب عن جد قال الشامي وكيف لي بعلم
ذلك قال له هشام سله عما بدا لك قال الشامي قطعت عذري فعلي السؤال فقال له أبو عبد
الله ع أنا أكفيك المسألة يا شامي أخبرك عن مسيرك وسفرك خرجت يوم كذا وكان مسيرك على
طريقك كذا ومر بك كذا ومررت على كذا فأقبل الشامي وكلما وصف له شيئا من أمره يقول له
صدقت والله ثم قال أسلمت لله الساعة فقال له أبو عبد الله ع بل آمنت بالله الساعة لأن
الإسلام قبل الإيمان وعليه يتوارثون ويتناكحون والإيمان عليه يثابون قال الشامي صدقت
فأنا الساعة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك وصي الأوصياء
وهذا الخبر مع ما فيه
من إثبات حجة النظر ودلالة الإمامة يتضمن من المعجز لأبي عبد الله ع بالخبر عن الغائب
مثل الذي يتضمنه الخبران المتقدمان ويوافقهما في معنى البرهان.
وروى أنه اجتمع نفر
من الزنادقة فيهم ابن أبي العوجاء وابن طالوت وابن الأعمى وابن المقفع وأصحابهم كانوا
مجتمعين في الموسم بالمسجد الحرام وأبو
عبد الله جعفر بن محمد
الصادق ع فيه إذ ذاك يفتي الناس ويفسر لهم القرآن ويجيب عن المسائل بالحجج والبينات
فقال القوم لابن أبي العوجاء هل لك في تغليط هذا الجالس وسؤاله عما يفضحه عند هؤلاء
المحيطين به فقد ترى فتنة الناس به وهو علامة زمانه فقال لهم ابن أبي العوجاء نعم ثم
تقدم ففرق الناس وقال يا أبا عبد الله إن المجالس أمانات ولا بد لكل من كان به سعال
أن يسعل أفتأذن في السؤال فقال له أبو عبد الله ع سل إن شئت فقال له ابن أبي العوجاء
إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطين والمدر
وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر من فكر في هذا وقدر علم أنه فعل غير حكيم ولا ذي
نظر فقل إنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسه ونظامه فقال له الصادق ع إن من أضله الله
وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه وصار الشيطان وليه وربه يورده مناهل الهلكة وهذا
بيت استعبد الله به خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله قبلة
للمصلين له فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجمع
العظمة والجلال خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام فأحق من أطيع كما أمر وانتهى عما
زجر الله المنشئ للأرواح والصور فقال ابن أبي العوجاء ذكرت أبا عبد الله فأحلت على
غائب فقال الصادق ع كيف يكون يا ويلك غائبا من هو مع خلقه شاهد وشهيد وإليهم أقرب (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) يسمع كلامهم ويعلم
أسرارهم ولا يخلو منه مكان ولا يشتغل به مكان ولا يكون من مكان أقرب من مكان تشهد له
بذلك آثاره وتدل عليه أفعاله والذي بعثه بالآيات المحكمة والبراهين الواضحة محمد ص
جاءنا بهذه العبادة فإن شككت في شيء من أمره فاسأل عنه أوضحه لك قال فأبلس ابن أبي
العوجاء
ولم يدر ما يقول فانصرف
من بين يديه فقال لأصحابه سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة فقالوا له
اسكت فو الله لقد فضحتنا بحيرتك وانقطاعك وما رأينا أحقر منك اليوم في
__________________
مجلسه فقال ألي تقولون
هذا إنه ابن من حلق رءوس من ترون وأومأ بيده إلى أهل الموسم.
وروي أن أبا شاكر الديصاني
وقف ذات يوم على مجلس أبي عبد الله ع فقال له إنك لأحد النجوم الزواهر وكان آباؤك بدورا
بواهر وأمهاتك عقيلات عباهر
وعنصرك من أكرم العناصر
وإذا ذكر العلماء فعليك تثني الخناصر فخبرنا أيها البحر الزاخر ما الدليل على حدوث
العالم فقال له أبو عبد الله ع إن أقرب الدليل على ذلك ما أذكره لك ثم دعا ببيضة فوضعها
في راحته وقال هذا حصن ملموم
داخله غرقئ رقيق
يطيف به كالفضة السائلة
والذهبة المائعة أتشك في ذلك قال أبو شاكر لا شك فيه قال أبو عبد الله ع ثم إنه ينفلق
عن صورة كالطاوس أدخله شيء غير ما عرفت قال لا قال فهذا الدليل على حدث العالم فقال
أبو شاكر دللت أبا عبد الله فأوضحت وقلت فأحسنت وذكرت فأوجزت وقد علمت إنا لا نقبل
إلا ما أدركناه بأبصارنا وسمعناه بآذاننا أو ذقناه بأفواهنا أو شممناه بأنوفنا أو لمسناه
ببشرنا فقال أبو عبد الله ع ذكرت الحواس الخمس وهي لا تنفع في الاستنباط إلا بدليل
كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح يريد ع أن الحواس بغير عقل لا توصل إلى معرفة الغائبات
وأن الذي أراه من حدوث الصورة معقول بني العلم به على محسوس.
ومما حفظ عنه ع في
وجوب المعرفة بالله عزوجل وبدينه. قوله وجدت
علم الناس كلهم في أربع أولها أن تعرف ربك والثاني أن تعرف ما صنع بك والثالث أن تعرف
ما أراد منك والرابع أن تعرف ما يخرجك عن دينك وهذه أقسام تحيط بالمفروض من المعارف
لأنه أول ما يجب على العبد معرفة ربه جل جلاله فإذا علم أن له إلها وجب أن يعرف صنعه
إليه فإذا عرف صنعه عرف به نعمته
__________________
فإذا عرف نعمته وجب
عليه شكره فإذا أراد تأدية شكره وجب عليه معرفة مراده ليطيعه بفعله فإذا وجبت طاعته
وجب عليه معرفة ما يخرجه من دينه ليجتنبه فتخلص لربه طاعته وشكر إنعامه.
ومما حفظ عنه ع في
التوحيد ونفي التشبيه. قوله لهشام بن الحكم إن الله لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكل
ما وقع في الوهم فهو بخلافه.
ومما حفظ عنه ع من
موجز القول في العدل. قوله لزرارة بن أعين يا زرارة أعطيك جملة في القضاء والقدر قال
نعم جعلت فداك قال إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق سألهم عما عهد إليهم
ولم يسألهم عما قضى عليهم. ومما حفظ عنه ع في الحكمة والموعظة. قوله ما كل من نوى شيئا
قدر عليه ولا كل من قدر على شيء وفق له ولا كل من وفق أصاب له موضعا فإذا اجتمعت النية
والقدرة والتوفيق والإصابة فهنالك تمت السعادة.
ومما حفظ ع في الحث
على النظر في دين الله عزوجل والمعرفة لأولياء الله
عزوجل. قوله ع أحسنوا النظر فيما لا يسعكم جهله وانصحوا لأنفسكم وجاهدوها
في طلب معرفة ما لا عذر لكم في جهله فإن لدين الله أركانا لا ينفع من جهلها شدة اجتهاده
في طلب ظاهر عبادته ولا يضر من عرفها فدان بها حسن اقتصاده ولا سبيل لأحد إلى ذلك إلا
بعون من الله تعالى.
ومما حفظ عنه ع في
الحث على التوبة قوله ع تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله
هلكة والإصرار على الدنيا أمن لمكر الله ولا يأمن (مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخاسِرُونَ).
والأخبار فيما حفظ
عنه ع من العلم والحكمة والبيان والحجة والزهد والموعظة وفنون العلم كله أكثر من أن
يحصى بالخطاب أو يحوى بالكتاب وفيما أثبتناه منه كفاية في الغرض الذي قصدناه والله
الموفق للصواب.
وفيه ع يقول السيد
ابن محمد الحميري رضي الله عنه وقد رجع عن قوله بمذهب الكيسانية لما بلغه إنكار أبي
عبد الله مقاله ودعاؤه له إلى القول
بنظام الإمامة.
أيا راكبا نحو المدينة
جسرة
|
|
عذافرة تطوي له كل
سبسب
|
إذا ما هداك الله
عاينت جعفرا
|
|
فقل لولي الله وابن
المهذب
|
ألا يا ولي الله
وابن وليه
|
|
أتوب إلى الرحمن
ثم تأوبي
|
إليك من الذنب الذي
كنت مطنبا
|
|
أجاهد فيه دائبا
كل معرب
|
وما كان قولي في
ابن خولة دائبا
|
|
معاندة مني لنسل
المطيب
|
ولكن روينا عن وصي
محمد
|
|
ولم يك فيما قال
بالمتكذب
|
بأن ولي الله يفقد
لا يرى
|
|
سنين كفعل الخائف
المترقب
|
فتقسم أموال الفقيد
كأنما
|
|
تغيبه بين الصفيح
المنصب
|
فإذ قلت لا فالحق
قولك والذي
|
|
تقول فحتم غير ما
متعصب
|
بأن ولي الله والقائم
الذي
|
|
تطلع نفسي نحوه وتطربي
|
له غيبة لا بد أن
سيغيبها
|
|
فصلى عليه الله من
متغيب
|
وفي هذا الشعر دليل
على رجوع السيد رحمهالله عن مذهب الكيسانية
وقوله بإمامة الصادق جعفر بن محمد ع ووجود الدعوة ظاهر من الشيعة في أيام أبي عبد الله
ع إلى إمامته والقول بإمامة صاحب الزمان وغيبته ع وأنها إحدى علاماته وهو صريح قول
الإمامية الاثني عشرية.
قلت رجوع السيد عن
كيسانيته بقول الصادق ع أمر مشهور وبالسنة الرواة ونقلة الآثار مذكور في ديوان شعره
مثبت مسطور وفي صحائف الدهر مرقوم مزبور وكفى قوله شاهدا على صحة هذه الدعوى تجعفرت
باسم الله والله أكبر وهي مشهور منقولة.
__________________
وقال المفيد رحمهالله باب ذكر أولاد أبي
عبد الله ع وعددهم وأسمائهم وطرف من أخبارهم وكان لأبي عبد الله ع عشرة أولاد إسماعيل
وعبد الله وأم فروة وأمهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
وموسى ع وإسحاق ومحمد لأم ولد والعباس وعلي وأسماء وفاطمة لأمهات أولاد شتى.
وكان إسماعيل أكبر
إخوته وكان أبوه ع شديد المحبة له والبر به والإشفاق عليه وكان قوم من الشيعة يظنون
أنه القائم بعد أبيه والخليفة له من بعد إذ كان أكبر إخوته سنا ولميل أبيه إليه وإكرامه
له فمات في حياة أبيه ع بالعريض
وحمل على رقاب الرجال
إلى أبيه بالمدينة حتى دفن بالبقيع وروي أن أبا عبد الله ع جزع عليه جزعا شديدا وحزن
عليه حزنا عظيما وتقدم سريره بغير حذاء ولا رداء وأمر بوضع سريره على الأرض قبل دفنه
مرارا كثيرة وكان يكشف عن وجهه وينظر إليه يريد بذلك تحقيق أمر وفاته عند الظانين خلافته
له من بعده وإزالة الشبهة عنهم في حياته.
ولما مات إسماعيل رحمهالله انصرف عن القول بإمامته
بعد أبيه من كان يظن ذلك فيعتقده من أصحاب أبيه ع وقام على حياته شرذمة لم تكن من خاصة
أبيه ولا من الرواة عنه وكانوا من الأباعد والأطراف.
فلما مات الصادق ع
انتقل فريق منهم إلى القول بإمامة موسى ع بعد أبيه وافترق الباقون فرقتين فريق منهم
رجعوا عن حياة إسماعيل وقالوا بإمامة ابنه محمد بن إسماعيل لظنهم أن الإمامة كانت في
أبيه وأن الابن أحق بمقام الإمامة من الأخ وفريق ثبتوا على حياة إسماعيل وهم اليوم
شذاذ لا يعرف اليوم منهم أحد يومأ إليه وهذان الفريقان يسميان الإسماعيلية والمعروف
منهم الآن يقولون إن الإمامة في إسماعيل ومن بعده في ولده وولد ولده إلى آخر الزمان.
وكان عبد الله بن جعفر
أكبر إخوته بعد إسماعيل ولم تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام وكان
متهما بالخلاف على أبيه في الاعتقاد
__________________
ويقال إنه كان يخالط
الحشوية ويميل إلى المرجئة وادعى بعد أبيه الإمامة واحتج بأنه أكبر إخوته الباقين فاتبعه
على قوله جماعة من أصحاب أبي عبد الله ع ثم رجع أكثرهم بعد ذلك إلى القول بإمامة أخيه
موسى ع لما تبينوا ضعف دعواه وقوة أمر أبي الحسن ع ودلائل حقه وبراهين إمامته وأقام
نفر يسير منهم على أمرهم ودانوا بإمامة عبد الله وهم الفطحية وإنما لزمهم هذا اللقب
لقولهم بإمامة عبد الله وكان أفطح الرجلين أي عريضهما ويقال إنهم إنما لقبوا بذلك لأن
داعيتهم إلى إمامة عبد الله كان يقال له عبد الله بن أفطح وكان إسحاق بن جعفر من أهل
الفضل والصلاح والورع والاجتهاد.
وروى عنه الناس الحديث
والآثار وكان ابن كاسب إذا حدث عنه يقول حدثني ثقة الرضي إسحاق بن جعفر وكان إسحاق
رضي الله عنه يقول بإمامة أخيه موسى ع وروى عن أبيه النص بالإمامة على أخيه موسى ع
وكان محمد بن جعفر سخيا شجاعا وكان يصوم يوما ويفطر يوما ورأى رأي الزيدية في الخروج
بالسيف. وروي عن زوجته خديجة بنت عبد الله بن الحسين أنها قالت ما خرج من عندنا محمد
قط في ثوب حتى يكسوه وكان يذبح في كل يوم كبشا لأضيافه.
وخرج على المأمون في
سنة تسع وتسعين ومائة بمكة وتبعه الزيدية الجارودية فخرج لقتاله عيسى الجلودي ففرق
جمعه وأخذه فأنفذه إلى المأمون فلما وصل إليه أكرمه المأمون وأدنى مجلسه منه ووصله
وأحسن جائزته وكان مقيما معه بخراسان يركب إليه في موكب من بني عمه وكان المأمون يحتمل
منه ما لا يحتمله السلطان من رعيته.
وروي أن المأمون أنكر
ركوبه إليه في جماعة من الطالبيين الذين خرجوا على المأمون في سنة المائتين فآمنهم
فخرج التوقيع إليهم لا تركبوا مع محمد بن جعفر واركبوا مع عبيد الله بن الحسين فأبوا
أن يركبوا ولزموا منازلهم فخرج التوقيع أن اركبوا مع من أحببتم فكانوا يركبون مع محمد
بن جعفر إذا ركب إلى المأمون وينصرفون بانصرافه.
وذكر عن موسى بن سلمة
أنه قال أتي إلى محمد بن جعفر فقيل له إن غلمان ذي الرئاستين قد ضربوا غلمانك على حطب
اشتروه فخرج متزرا ببردتين ومعه هراوة
وهو يرتجز ويقول الموت
خير لك من عيش بذل وتبعه الناس حتى ضرب غلمان ذي الرئاستين وأخذ الحطب منهم فرفع الخبر
إلى المأمون فبعث إلى ذي الرئاستين فقال له ائت محمد بن جعفر واعتذر إليه وحكمه في
غلمانك قال فخرج ذو الرئاستين إلى محمد بن جعفر قال موسى بن سملة فكنت عند محمد بن
جعفر جالسا حين أتي فقيل له هذا ذو الرئاستين فقال لا يجلس إلا على الأرض وتناول بساطا
كان في البيت فرمى به هو ومن معه ناحية ولم يبق في البيت إلا وسادة جلس عليها محمد
بن جعفر فلما دخل عليه ذو الرئاستين وسع له محمد على الوسادة فأبى أن يجلس عليها وجلس
على الأرض فاعتذر إليه وحكمه في غلمانه.
وتوفي محمد بن جعفر
بخراسان مع المأمون فركب المأمون ليشهده فلقيهم وقد خرجوا به فلما نظر إلى السرير ترجل
ومشى حتى دخل بين العمودين ولم يزل بينهما حتى وضع فتقدم فصلى عليه ثم حمله حتى بلغ
به إلى القبر ثم دخل قبره فلم يزل فيه حتى بني عليه ثم خرج فقام على القبر حتى دفن
فقال له عبد الله بن الحسين ودعا له يا أمير المؤمنين إنك قد تعبت فلو ركبت فقال له
المأمون إن هذه رحم قد قطعت من مائتي سنة.
وروي عن إسماعيل بن
محمد بن جعفر أنه قال قلت لأخي وهو إلى جنبي والمأمون قائم على القبر لو كلمناه في
دين الشيخ فلا نجده أقرب منه في وقته هذا فابتدأنا المأمون فقال كم ترك أبو جعفر من
الدين فقلت خمسة وعشرين ألف دينار فقال قد قضى الله عنه دينه إلى من أوصى قلنا إلى
ابن له يقال له يحيى بالمدينة فقال ليس هو بالمدينة هو بمصر وقد علمنا بكونه فيها ولكن
كرهنا أن نعلمه بخروجه من المدينة لئلا يسوءه ذلك لعلمه بكراهتنا لخروجهم عنا.
__________________
وكان علي بن جعفر رضي
الله عنه راوية
للحديث سديد الطريق
شديد الورع كثير الفضل ولزم أخاه موسى بن جعفر ع وروى عنه شيئا كثيرا.
وكان العباس بن جعفر
رحمهالله فاضلا نبيلا
وكان موسى بن جعفر
أجل ولد أبي عبد الله ع قدرا وأعظمهم محلا وأبعدهم في الناس صيتا ولم ير في الناس وفي
زمانه أسخى منه ولا أكرم نفسا وعشرة وكان أعبد أهل زمانه وأورعهم وأفقههم وأعلمهم واجتمع
جمهور شيعة أبيه على القول بإمامته والتعظيم لحقه والتسليم لأمره ورووا عن أبيه الصادق
ع نصوصا عليه بالإمامة وإشارات إليه بالخلافة وأخذوا عنه معالم دينهم ورووا عنه من
الآيات والمعجزات ما يقطع بها على حجته وصواب القول بإمامته انتهى كلام الشيخ المفيد
رضي الله عنه.
وقال الحافظ أبو نعيم
رحمهالله ومنهم الإمام الناطق
أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع أقبل على العبادة والخضوع وأثر العزلة والخشوع
ولها عن الرئاسة والجموع وقيل إن التصوف انتفاع بالنسب وارتفاع بالسبب ـ عن عمرو بن
أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.
وروى عن مالك بن أنس
عن جعفر بن محمد ع أن سفيان الثوري دخل عليه وسأله الحديث فقال جعفر أحدثك وما كثرة
الحديث لك بخير يا سفيان إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقائها ودوامها فأكثر من
الحمد والشكر الحديث إلى قوله ع ثلاث وأي ثلاث .
وعن محمد بن بشير عن
جعفر بن محمد ع أوحى الله إلى الدنيا أن اخدمي من خدمني وأتعبي من خدمك.
وعنه ع (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)
قال للمتفرسين وكان
__________________
يقول كيف أعتذر وقد
احتججت وكيف أحتج وقد علمت.
وكان ع يطعم حتى لا
يبقى لعياله شيء. وسئل لم حرم الله الربا قال لئلا يتمانع الناس المعروف. وقال بني
الإنسان على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبني على الخيانة والكذب.
وقال ع الفقهاء أمناء
الرسل فإذا رأيتم الفقهاء قد ركبوا إلى السلاطين فاتهموهم.
وعن الأصمعي قال قال
جعفر بن محمد ع الصلاة قربان كل تقي والحج جهاد كل ضعيف وزكاة البدن الصيام والداعي
بلا عمل كالرامي بلا وتر واستنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا أموالكم بالزكاة وما عال امرئ
اقتصد والتقدير نصف العيش والتودد نصف العقل وقلة العيال إحدى اليسارين ومن حزن والديه
فقد عقهما ومن ضرب بيده على فخذه عند المصيبة فقد حبط أجره والصنيعة لا تكون صنيعة
إلا عند ذي حسب أو دين والله عزوجل ينزل الصبر على قدر
المصيبة وينزل الرزق على قدر المئونة ومن قدر معيشته رزقه الله ومن بذر معيشته حرمه
الله.
وعن بعض أصحاب جعفر
ع قال دخلت عليه وموسى ع بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية فكان مما حفظت منها أن قال
يا بني اقبل وصيتي واحفظ مقالتي فإنك إن حفظتها تعش سعيدا وتمت حميدا يا بني من قنع
بما قسم له استغنى ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله
له اتهم الله في قضائه ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه ومن استصغر زلة نفسه استعظم
زلة غيره يا بني من كشف عن حجاب غيره تكشفت عورات بيته ومن سل سيف البغي قتل به ومن
احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل
السوء اتهم يا بني إياك أن تزري بالرجال فيزرى بك
وإياك والدخول فيما
لا يعنيك فتزل يا بني قل الحق لك وعليك تستشار من بين
__________________
أقرانك يا بني كن لكتاب
الله تاليا وللإسلام فاشيا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا ولمن قطعك واصلا ولمن سكت
عنك مبتدئا ولمن سألك معطيا وإياك والنميمة فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال وإياك
والتعرض لعيوب الناس فمنزلة المتعرض لعيوب الناس كمنزلة الهدف يا بني إذا طلبت الجود
فعليك بمعادنه فإن للجود معادن وللمعادن أصولا وللأصول فروعا وللفروع ثمرا ولا يطيب
ثمر إلا بفرع ولا فرع إلا بأصل ولا أصل ثابت إلا بمعدن طيب يا بني إذا زرت فزر الأخيار
ولا تزر الفجار فإنهم صخرة لا يتفجر ماؤها وشجرة لا يخضر ورقها وأرض لا تظهر عشبها.
قال علي بن موسى ع
فما ترك أبي هذه الوصية إلى أن توفي.
قلت قد نقلت هذه الوصية
آنفا ونقلتها الآن لزيادة في هذه الرواية.
وقال جعفر بن محمد
ع لا زاد أفضل من التقوى ولا شيء أحسن من الصمت ولا عدو أضر من الجهل ولا داء أدوى
من الكذب.
وعن شيخ من أهل المدينة
كان من دعاء جعفر بن محمد ع اللهم اعمرني بطاعتك ولا تخزني بمعصيتك اللهم ارزقني مواساة
من قترت عليه رزقك بما وسعت علي من فضلك قال غسان فحدثت بهذا سعيد بن مسلم فقال هذا
دعاء الأشراف.
وعن نضر بن كثير قال
دخلت أنا وسفيان على جعفر بن محمد ع فقلت إني أريد البيت الحرام فعلمني ما أدعو به
فقال إذا بلغت الحرم فضع يدك على الحائط وقل يا سابق الفوت يا سامع الصوت يا كاسي العظام
لحما بعد الموت ثم ادع بما شئت فقال له سفيان شيئا لم أفهمه فقال له يا سفيان إذا جاءك
ما تحب فأكثر من الحمد لله وإذا جاءك ما تكره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله وإذا
استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار.
وعن عبد الله بن شبرمة
قال دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد ع فقال لابن أبي ليلى من هذا معك فقال هذا
رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين
قال لعله الذي يقيس
الدين برأيه قال نعم إلى آخرها. وإنما لم أذكرها لأن الصادق ع كان أعلى شأنا وأشرف
مكانا وأعظم بيانا وأقوى دليلا وبرهانا من أن يسأل مثل أبي حنيفة مع دقة نظره وفرط
ذكائه وقوة عارضته وشدة استخراجه عن هذه المسائل الواضحة ثم إن المسائل الأولى إنما
ينظر فيها ويعللها الطبيب وليست من تكليف الفقيه والعهدة على الناقل وأنا أستغفر الله.
وعن عنبسة الخثعمي
وكان من الأخيار قال سمعت جعفر بن محمد ع يقول إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل
القلب وتورث النفاق.
وقال ع إذا بلغك عن
أخيك شيء يسوؤك فلا تغتم فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت وإن كانت على غير ما
يقول كانت حسنة لم تعملها. قال وقال موسى ع يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير
قال ما فعلت ذلك لنفسي. قال الحافظ أبو نعيم أسند جعفر بن محمد ع عن أبيه وعن عطاء
بن أبي رباح وعكرمة وعبيد الله بن أبي رافع وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم.
وروى عن جعفر عدة من
التابعين منهم يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وأبان بن تغلب وأبو عمر بن العلا
ويزيد بن عبد الله بن الهاد وحدث عنه من الأئمة الأعلام مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج
وسفيان الثوري وابن جريح وعبيد الله بن عمرو وروح بن القاسم وسفيان بن عيينة وسليمان
بن بلال وإسماعيل بن جعفر وحاتم بن إسماعيل وعبد العزيز بن المختار ووهب بن خالد وإبراهيم
بن طهمان.
وأخرج عنه مسلم بن
الحجاج في صحيحه محتجا بحديثه عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر في
حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي حليفة أن رسول الله ص أمر أبا بكر رضي الله عنه يأمرها
أن تغتسل وتهل : حديث ثابت أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي غسان محمد بن عمرو عن حريز ويحيى
بن سعيد هو الأنصاري من تابعي أهل المدينة إلى هنا نقلت مما ذكره الحافظ أبو نعيم رحمهالله.
قال ابن الخشاب رحمهالله ذكر أبي عبد الله الصادق
جعفر بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلىاللهعليهوآله أجمعين وبالإسناد الأول
عن محمد بن سنان مضى أبو عبد الله وهو ابن خمس وستين سنة ويقال ثمان وستين سنة في سنة
مائة وثمان وأربعين وكان مولده سنة ثلاث وثمانين من الهجرة في إحدى الروايتين وفي الرواية
الثانية كان مولده سنة ثمانين من الهجرة وكان مقامه مع جده علي بن الحسين اثنتي عشرة
سنة وأياما وفي الرواية الثانية كان مقامه مع جده خمس عشرة سنة وكان مقامه مع أبيه
بعد مضي جده أربع عشرة سنة وتوفي أبو جعفر ع ولأبي عبد الله أربع وثلاثون سنة في إحدى
الروايتين وأقام بعد أبيه أربعا وثلاثين سنة وكان عمره في إحدى الروايتين خمسا وستين
سنة وفي الرواية الأخرى ثمان وستين سنة قال لنا الذارع والأولى هي الصحيحة وأمه أم
فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر يعني الصديق رضي الله عنه وكان له ست بنين وابنة
واحدة إسماعيل وموسى الإمام ومحمد وعلي وعبد الله وإسحاق وأم فروة وهي التي زوجها من
ابن عمه الخارج مع زيد بن علي بن الحسين لقبه الصادق والصابر والفاضل والطاهر قبره
بالمدينة بالبقيع يكنى بأبي عبد الله وبأبي إسماعيل انتهى كلامه.
ونقلت من كتاب الدلائل
عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا
رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا
وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
قال أبو عبد الله أما
والله لربما وسدنا لهم الوسائد في منازلنا.
وعن الحسين بن أبي
العلا القلانسي قال قال أبو عبد الله ع يا حسين وضرب بيده إلى مساور في البيت
فقال مساور طالما والله
اتكأت عليها الملائكة و
__________________
ربما التقطنا من زغبها.
" وعن عبد الله
النجاشي قال كنت في حلقة عبد الله بن الحسن فقال يا ابن النجاشي اتقوا الله ما عندنا
إلا ما عند الناس قال فدخلت على أبي عبد الله فأخبرته بقوله فقال والله إن فينا من
ينكت في قلبه وينقر في أذنه وتصافحه الملائكة فقلت اليوم أو كان قبل اليوم فقال اليوم
والله يا ابن النجاشي.
وعن جرير بن مرازم
قال قلت لأبي عبد الله ع إني أريد العمرة فأوصني فقال اتق الله ولا تعجل فقلت أوصني
فلم يزدني على هذا فخرجت من عنده من المدينة فلقيني رجل شامي يريد مكة فصحبني وكان
معي سفرة فأخرجتها وأخرج سفرته وجعلنا نأكل فذكر أهل البصرة فشتمهم ثم ذكر أهل الكوفة
فشتمهم ثم ذكر الصادق ع فوقع فيه فأردت أن أرفع يدي فأهشم أنفه وأحدث نفسي بقتله أحيانا
فجعلت أتذاكر قوله اتق الله ولا تعجل وأنا أسمع شتمه فلم أعد ما أمرني.
وعن أبي بصير دخلت
على أبي عبد الله ع وأنا أريد أن يعطيني من دلالة الإمامة مثل ما أعطاني أبو جعفر ع
فلما دخلت وكنت جنبا قال يا أبا محمد أما كان لك فيما كنت فيه شغل تدخل علي وأنت جنب
فقلت ما عملته إلا عمدا فقال (أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) قلت (بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) قال نعم يا أبا محمد
قم فاغتسل فقمت واغتسلت وصرت إلى مجلسي وقلت عند ذلك إنه إمام.
وعن عبد الله بن يحيى
الكاهلي قال قال لي أبو عبد الله إذا لقيت السبع ما تقول له قلت ما أدري قال إذا لقيته
فاقرأ في وجهه آية الكرسي وقل عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة محمد رسول الله ص وعزيمة
سليمان بن داود وعزيمة علي أمير المؤمنين والأئمة من بعده فإنه ينصرف عنك قال عبد الله
الكاهلي فقدمت إلى الكوفة فخرجت مع ابن عم لي إلى قرية فإذا سبع قد اعترض لنا في الطريق
فقرأت في وجهه آية الكرسي وقلت عزمت عليك بعزيمة الله وعزيمة محمد رسول الله وعزيمة
سليمان بن داود وعزيمة أمير المؤمنين والأئمة من بعده إلا تنحيت
__________________
عن طريقنا ولم تؤذنا
فإنا لا نؤذيك فنظرت إليه وقد طأطأ رأسه وأدخل ذنبه بين رجليه وتنكب الطريق راجعا من
حيث جاء فقال ابن عمي ما سمعت كلاما قط أحسن من كلام سمعته منك فقلت إن هذا الكلام
سمعته من جعفر بن محمد ع فقال أشهد أنه إمام مفترض الطاعة وما كان ابن عمي يعرف قليلا
ولا كثيرا فدخلت على أبي عبد الله من قابل فأخبرته الخبر وما كنا فيه فقال أتراني لم
أشهدكم بئس ما رأيت إن لي مع كل ولي أذنا سامعة وعينا ناظرة ولسانا ناطقا ثم قال لي
يا عبد الله بن يحيى أنا والله صرفته عنكما وعلامة ذلك أنكما كنتما في البداءة على
شاطئ النهر وأن ابن عمك أثبت عندنا وما كان الله يميته حتى يعرفه هذا الأمر فرجعت إلى
الكوفة فأخبرت ابن عمي بمقالة أبي عبد الله ففرح وسر به سرورا شديدا وما زال مستبصرا
بذلك إلى أن مات.
قال علي بن عيسى أثابه
الله انظر بعين الاعتبار إلى شرف هؤلاء القوم ومحلهم ومكانتهم من المعارف الإلهية وفضلهم
وارتفاعهم في درجات العرفان ونبلهم فإن تعريفه ع إياه بما يقوله إذا لقي السبع فيه
إشعار بأنه يلقى السبع وإلا لم يكن في الحديث إلا تعليمه ما يقوله متى لقيه وليس في
ذلك كثير طائل.
وعن شعيب العقرقوفي
قال دخلت أنا وعلي بن أبي حمزة وأبو بصير على أبي عبد الله ع ومعي ثلاثمائة دينار فصببتها
قدامه فأخذ منها أبو عبد الله قبضة لنفسه ورد الباقي علي وقال يا شعيب رد هذه المائة
دينار إلى موضعها الذي أخذتها منه قال شعيب فقضينا حوائجنا جميعا فقال لي أبو بصير
يا شعيب ما حال هذه الدنانير التي ردها عليك أبو عبد الله قلت أخذتها من عروة أخي سرا
منه وهو لا يعلمها فقال لي أبو بصير يا شعيب أعطاك أبو عبد الله والله علامة الإمامة
ثم قال لي أبو بصير وعلي بن أبي حمزة يا شعيب عد الدنانير فعددتها فإذا هي مائة دينار
ولا تزيد دينارا ولا تنقص دينارا.
وعن سماعة بن مهران
قال دخلت على أبي عبد الله ع فقال لي مبتدئا يا سماعة ما هذا الذي كان بينك وبين جمالك
في الطريق إياك أن تكون فحاشا أو
صخابا أو لعانا فقلت
والله لقد كان ذلك وذلك أنه كان يظلمني فقال لئن كان ظلمك لقد أربيت عليه إن هذا ليس
من فعالي ولا آمر به شيعتي ثم قال أبو عبد الله استغفر ربك يا سماعة مما كان وإياك
أن تعود فقلت إني أستغفر الله مما كان ولا أعود.
وعن أبي بصير قال كنت
عند أبي عبد الله ذات يوم جالسا إذ قال يا أبا محمد هل تعرف إمامك قلت إي والله الذي
لا إله إلا هو وأنت هو ووضعت يدي على ركبته أو فخذه فقال صدقت قد عرفت فاستمسك به قلت
أريد أن تعطيني علامة الإمام قال يا أبا محمد ليس بعد المعرفة علامة قلت أزداد إيمانا
ويقينا قال يا أبا محمد ترجع إلى الكوفة وقد ولد لك عيسى ومن بعد عيسى محمد ومن بعدهما
ابنتان واعلم أن ابنيك مكتوبان عندنا في الصحيفة الجامعة مع أسماء شيعتنا وأسماء آبائهم
وأمهاتهم وأجدادهم وأنسابهم وما يلدون إلى يوم القيامة وأخرجها فإذا هي صفراء مدرجة.
وعن أبي بصير قال دخلت
على أبي عبد الله قال لي يا أبا محمد ما فعل أبو حمزة الثمالي قلت خلفته صالحا قال
فإذا رجعت فاقرأه مني السلام وأعلمه أنه يموت في شهر كذا في يوم كذا قال أبو بصير لقد
كان فيه أنس وكان لكم شيعة قال صدقت يا أبا محمد وما عندنا خير له قلت شيعتكم معكم
قال نعم إذا هو خاف الله وراقب الله وتوقى الذنوب كان معنا في درجتنا قال أبو بصير
فرجعنا تلك السنة فما لبث أبو حمزة الثمالي إلا يسيرا حتى مات.
وعن زيد الشحام قال
قال لي أبو عبد الله يا زيد كم أتى لك سنة قلت كذا وكذا قال يا أبا أسامة أبشر فأنت
معنا وأنت من شيعتنا أما ترضى أن تكون معنا قلت بلى يا سيدي وكيف لي أن أكون معكم فقال
يا زيد إن الصراط إلينا وإن الميزان إلينا وحساب شيعتنا إلينا والله يا زيد إني أرحم
بكم من أنفسكم والله لكأني أنظر إليك وإلى الحارث بن المغيرة النضري في الجنة في درجة
واحدة.
وعن عبد الحميد بن
أبي العلا وكان صديقا لمحمد بن عبد الله بن الحسين
وكان به خاصا فأخذه
أبو جعفر فحبسه في المضيق زمانا ثم إنه وافى الموسم فلما كان يوم عرفة لقيه أبو عبد
الله في الموقف فقال يا أبا محمد ما فعل صديقك عبد الحميد فقال أخذه أبو جعفر فحبسه
في المضيق زمانا فرفع أبو عبد الله يده ساعة ثم التفت إلى محمد بن عبد الله فقال يا
محمد قد والله خلى سبيل صاحبك قال محمد فسألت عبد الحميد أي ساعة أخرجك أبو جعفر قال
أخرجني يوم عرفة بعد العصر.
وعن رزام بن مسلم مولى
خالد بن عبد الله القسري قال إن المنصور قال لحاجبه إذا دخل علي جعفر بن محمد فاقتله
قبل أن يصل إلي فدخل أبو عبد الله فجلس فأرسل إلى الحاجب فدعاه فنظر إليه وجعفر قاعد
عنده قال ثم قال له عد إلى مكانك قال وأقبل يضرب يده على يده فلما قام أبو عبد الله
وخرج دعا حاجبه فقال بأي شيء أمرتك قال لا والله ما رأيته حين دخل ولا حين خرج ولا
رأيته إلا وهو قاعد عندك.
وعن عبد العزيز القزاز
قال كنت أقول فيهم بالربوبية فدخلت على أبي عبد الله ع فقال لي يا عبد العزيز ضع لي
ماء أتوضأ ففعلت فلما دخل قلت في نفسي هذا الذي قلت فيه ما قلت يتوضأ فلما خرج قال
يا عبد العزيز لا تحمل على البناء فوق ما يطيق فينهدم أنا عبيد مخلوقون.
وعن جابر عن أبي جعفر
وسعيد أبي عمر الجلاب عن أبي عبد الله كلاهما رويا عنهما معا أن اسم الله الأعظم على
ثلاثة وسبعين حرفا وإنما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلم به فخسف بالأرض ما بينه وبين
سرير بلقيس ثم تناول السرير بيده ثم عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة عين وعندنا نحن
من الاسم الأعظم اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله استأثر به في علم الغيب.
وقيل أراد عبد الله
بن محمد الخروج مع زيد فنهاه أبو عبد الله وعظم عليه فأبى إلا الخروج مع زيد فقال له
لكأني والله بك بعد زيد وقد خمرت كما يخمر النساء وحملت في هودج وصنع بك ما يصنع بالنساء
فلما كان من أمر زيد ما كان
جمع أصحابنا لعبد الله
بن محمد دنانير وتكاروا له وأخذوه حتى إذا صاروا به إلى الصحراء وشيعوه فتبسم فقالوا
له ما الذي أضحكك فقال والله تعجبت من صاحبكم أني ذكرت وقد نهاني عن الخروج فلم أطعه
وأخبرني بهذا الأمر الذي أنا فيه وقال لكأني بك وقد خمرت كما تخمر النساء فجعلت في
هودج فعجبت.
وعن مالك الجهني قال
إني يوما عند أبي عبد الله جالس وأنا أحدث نفسي بفضل الأئمة من أهل البيت إذ أقبل علي
أبو عبد الله ع فقال يا مالك أنتم والله شيعتنا حقا لا ترى أنك أفرطت في القول في فضلنا
يا مالك إنه ليس يقدر على صفة الله وكنه قدرته وعظمته (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) وكذلك لا يقدر أحد
أن يصف حق المؤمن ويقوم به كما أوجب الله له على أخيه المؤمن يا مالك إن المؤمنين ليلتقيان
فيصافح كل واحد منهما صاحبه فلا يزال الله ينظر إليهما بالمحبة والمغفرة وإن الذنوب
لتتحات عن وجوههما حتى يفترقا فمن يقدر على صفة من هو هكذا عند الله تعالى.
وعن رفاعة بن موسى
قال كنت عند أبي عبد الله ذات يوم جالسا فأقبل أبو الحسن إلينا فأخذته فوضعته في حجري
وقبلت رأسه وضممته إلي فقال لي أبو عبد الله يا رفاعة أما إنه سيصير في يد آل العباس
ويتخلص منهم ثم يأخذونه ثانية فيعطب في أيديهم.
عن عائذ الأحمسي قال
دخلت على أبي عبد الله وأنا أريد أن أسأله عن الصلاة فقلت السلام عليك يا ابن رسول
الله فقال وعليك السلام والله إنا لولده وما نحن بذوي قرابته حتى قالها ثلاثا ثم قال
من غير أن أسأله إذا لقيت الله بالصلوات المفروضات لم يسألك عما سوى ذلك.
وعن أبي حمزة الثمالي
قال كنت مع أبي عبد الله بين مكة والمدينة إذ التفت عن يساره فرأى كلبا أسود فقال ما
لك قبحك الله ما أشد مسارعتك فإذا هو شبيه الطائر فقال هذا عثم بريد الجن مات هشام
الساعة وهو يطير ينعاه في كل بلد.
وعن إبراهيم بن عبد
الحميد قال اشتريت من مكة بردة وآليت على نفسي ألا
تخرج عن ملكي حتى تكون
كفني فخرجت فيها إلى عرفة فوقفت فيها الموقف ثم انصرفت إلى جمع فقمت إليها في وقت الصلاة
فرفعتها وطويتها شفقة مني عليها وقمت لأتوضأ ثم عدت فلم أرها فاغتممت لذلك غما شديدا
فلما أصبحت وقمت لأتوضأ أفضت مع الناس إلى منى فإني والله لفي مسجد الخيف إذ أتاني
رسول أبي عبد الله ع فقال لي يقول لك أبو عبد الله أقبل إلينا الساعة فقمت مسرعا حتى
دخلت إليه وهو في فسطاط فسلمت وجلست فالتفت إلي أو رفع رأسه إلي فقال يا إبراهيم أتحب
أن نعطيك بردة تكون كفنك قال قلت والذي يحلف به إبراهيم لقد ضاعت بردتي قال فنادى غلامه
فأتى ببردة فإذا هي والله بردتي بعينها وطيي بيدي والله قال فقال خذها يا إبراهيم واحمد
الله.
وعن شعيب العقرقوفي
أنه بعث معه رجل بألف درهم فقلت إني أريد أن أعرف فضل أبي عبد الله فأخذت خمسة دراهم
ستوقة
فجعلتها في الألف درهم
وأخذت عوضها خمسة فصيرتها في لبنة قميصي ثم أتيت أبا عبد الله فأخذها ونثرها وأخذ الخمسة
منها وقال هات خمستك وهات خمستنا.
وعن بكر بن أبي بكر
الحضرمي قال حبس أبو جعفر أبي فخرجت إلى أبي عبد الله فأعلمته ذلك فقال إني مشغول بابني
إسماعيل ولكن سأدعو له قال فمكث أياما بالمدينة فأرسل إلي أن أرحل فإن الله قد كفاك
أمر أبيك فأما إسماعيل فقد أبى الله إلا قبضه قال فرحلت فأتيت مدينة ابن هبيرة فصادفت
أبا جعفر راكبا فصحت إليه أبي أبو بكر الحضرمي شيخ كبير فقال إن ابنه لا يحفظ لسانه
خلوا سبيله.
وعن مرازم قال قال
لي أبو عبد الله وهو بمكة يا مرازم لو سمعت رجلا يسبني ما كنت صانعا قال قلت كنت أقتله
قال يا مرازم إن سمعت من يسبني فلا تصنع به شيئا قال فخرجت من مكة عند الزوال في يوم
حار فألجأني الحر أن
__________________
صرت إلى بعض القباب
وفيها قوم فنزلت معهم فسمعت بعضهم يسب أبا عبد الله فذكرت قوله فلم أقل شيئا ولو لا
ذلك لقتلته
قال أبو بصير كان لي
جار يتبع السلطان فأصاب مالا فاتخذ قيانا
وكان يجمع الجموع ويشرب
المسكر ويؤذيني فشكوته إلى نفسه غير مرة فلم ينته فلما ألححت عليه قال يا هذا أنا رجل
مبتلى وأنت رجل معافى فلو عرفتني لصاحبك رجوت أن يستنقذني الله بك فوقع ذلك في قلبي
فلما صرت إلى أبي عبد الله ذكرت له حاله فقال لي إذا رجعت إلى الكوفة فإنه سيأتيك فقل
له يقول لك جعفر بن محمد دع ما أنت عليه وأضمن لك على الله الجنة قال فلما رجعت إلى
الكوفة أتاني فيمن أتى فاحتبسته حتى خلا منزلي فقلت يا هذا إني ذكرتك لأبي عبد الله
فقال أقرئه السلام وقل له يترك ما هو عليه وأضمن له على الله الجنة فبكى ثم قال الله
أقال لك جعفر هذا قال فحلفت له إنه قال لي ما قلت لك فقال لي حسبك ومضى فلما كان بعد
أيام بعث إلي ودعاني فإذا هو خلف باب داره عريان فقال لي يا أبا بصير ما بقي في منزلي
شيء إلا وقد أخرجته وأنا كما ترى فمشيت إلى إخواننا فجمعت له ما كسوته به ثم لم يأت
عليه إلا أيام يسيرة حتى بعث إلي أني عليل فأتني فجعلت أختلف إليه وأعالجه حتى نزل
به الموت فكنت عنده جالسا وهو يجود بنفسه ثم غشي عليه غشية ثم أفاق فقال يا أبا بصير
قد وفى صاحبك لنا ثم مات فحججت فأتيت أبا عبد الله ع فاستأذنت عليه فلما دخلت قال لي
ابتداء من داخل البيت وإحدى رجلي في الصحن وأخرى في دهليز داره يا أبا بصير قد وفينا
لصاحبك.
وعن عمر بن يزيد قال
اشتكى أبو عبد الله شكاة شديدة خفت عليه قلت في نفسي أسأله عن الإمام بعده قال لي مبتدئا
ليس علي من وجعي هذا بأس.
وعنه قال دخلت على
أبي عبد الله وهو متكئ على فراشه ووجهه إلى الحائط وظهره إلى الباب فقال من هذا فقلت
عمر بن يزيد فقال غمز رجلي
__________________
فقلت في نفسي أسأله عن الإمام
بعده أعبد الله أم موسى فرفع رأسه إلي وقال إذا والله لا أجيبك.
وعن هشام بن أحمر قال
كتب أبو عبد الله رقعة في حوائج لأشتريها وكتب إذا قرأت الرقعة خرقها فاشتريت الحوائج
وأخذت الرقعة فأدخلتها في زنفيلجتي
وقلت أتبرك بها قال
وقدمت عليه فقال يا هشام اشتريت الحوائج قلت نعم قال وخرقت الرقعة قلت أدخلتها زنفيلجتي
وأقفلت عليها الباب أطلب البركة وهو ذا المفتاح في تكتي قال فرفع جانب مصلاه وطرحها
إلي وقال خرقها فخرقتها ورجعت ففتشت الزنفيلجة فلم أجد فيها شيئا.
وعن عبد الله بن أبي
ليلى قال كنت بالربذة مع المنصور وكان قد وجه إلى أبي عبد الله فأتي به وبعث إلى المنصور
فدعاني فلما انتهيت إلى الباب سمعته يقول عجلوا علي به قتلني الله إن لم أقتله سقى
الله الأرض من دمي إن لم أسق الأرض من دمه فسألت الحاجب من يعني قال جعفر بن محمد فإذا
هو قد أتي به مع عدة جلاوزة
فلما انتهى إلى الباب
قبل أن يرفع الستر رأيته قد تململت
شفتاه عند رفع الستر
فدخل فلما نظر إليه المنصور قال مرحبا يا ابن عم مرحبا يا ابن رسول الله فما زال يرفعه
حتى أجلسه على وسادته ثم دعا بالطعام فرفعت رأسي وأقبلت أنظر عليه ويلقنه جدبا باردا
وقضى حوائجه وأمره بالانصراف فلما خرج قلت له قد عرفت موالاتي لك وما قد ابتليت به
في دخولي عليهم وقد سمعت كلام الرجل وما كان يقول فلما صرت إلى الباب رأيتك قد تململت
شفتاك وما أشك أنه شيء قلته ورأيت ما صنع بك فإن رأيت أن تعلمني ذلك فأقوله إذا دخلت
عليه قال نعم قلت ما شاء الله ما شاء الله لا يأتي بالخير إلا الله ما شاء الله ما
شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما شاء الله كل نعمة فمن الله
__________________
ما شاء الله ما شاء
الله لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن المفضل بن عمر
قال كنا جماعة على باب أبي عبد الله ع فتكلمنا في الربوبية فخرج إلينا أبو عبد الله
بلا حذاء ولا رداء وهو ينتفض وهو يقول لا يا خالد لا يا مفضل لا يا سليمان لا يا نجم
بل عبيد (مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ
بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) فقلت لا والله لا قلت
فيك بعد اليوم إلا ما قلت في نفسك.
وعن صفوان الجمال قال
كنت عند أبي عبد الله بالحيرة إذ أقبل الربيع فقال أجب أمير المؤمنين فلم يلبث أن عاد
فقلت دعاك فأسرعت الانصراف فقال إنه سألني عن شيء فالق الربيع فاسأله عنه كيف صار الأمر
الذي سألني عنه قال صفوان وكان بيني وبين الربيع لطيف فخرجت فأتيت الربيع فسألته عما
دعا المنصور أبا عبد الله لأجله فقال الربيع أخبرك بالعجب إن الأعراب خرجوا يجتنون
الكمأة فأصابوا في البدو خلقا ملقى فأتوني به فأدخلته على المنصور لأعجبه منه فوضعته
بين يديه فلما رآه قال نحه وادع لي جعفر بن محمد فدعوته فقال يا أبا عبد الله أخبرني
عن الهواء ما فيه فقال في الهواء موج مكفوف فقال فيه سكان قال نعم قال وما سكانه قال
خلق أبدانهم خلق الحيتان رءوسهم رءوس الطير ولهم أعراف كأعراف الديكة
ونغانغ كنغانغ الديكة
وأجنحة كأجنحة الطير
في ألوان أشد بياضا من الفضة المجلوة فقال المنصور هلم الطست قال فجئت بها وفيها ذلك
الخلق فإذا هو والله كما وصف جعفر بن محمد فلما نظر إليه جعفر قال هذا هو الخلق الذي
يسكن الموج المكفوف فأذن له بالانصراف فلما خرج قال ويلك يا ربيع هذا الشجا
المعترض في حلقي من أعلم الناس.
وعن عبد الأعلى وعبيد
بن بشير قالا قال أبو عبد الله ابتداء منه والله إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض
وما في الجنة وما في النار وما كان وما يكون إلى
__________________
أن تقوم الساعة ثم
سكت ثم قال أعلمه من كتاب الله أنظر إليه هكذا ثم بسط كفه وقال إن الله يقول فيه تبيان
كل شيء.
وعن إسماعيل بن جابر
عن أبي عبد الله أن الله بعث محمدا نبيا فلا نبي بعده أنزل عليه الكتاب فختم به الكتب
فلا كتاب بعده أحل فيه حلاله وحرم فيه حرامه فحلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام
إلى يوم القيامة فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وفصل ما بينكم ثم أومأ بيده إلى صدره
وقال نحن نعلمه.
وعن يونس بن أبي يعفور
عن أخيه عبد الله عن أبي عبد الله قال مروان خاتم بني مروان وإن خرج محمد بن عبد الله
قتل.
وعن إسحاق بن عمار
قال قلت لأبي عبد الله إن لنا أموالا ونحن نعامل الناس وأخاف إن حدث حدث أن تتفرق أموالنا
فقال له اجمع مالك في شهر ربيع الأول قال علي بن إسماعيل فمات إسحاق في شهر ربيع.
وعن إسحاق بن عمار
الصيرفي قال دخلت على أبي عبد الله وكنت تركت التسليم على أصحابنا في مسجد الكوفة وذلك
لتقية علينا فيها شديدة فقال لي أبو عبد الله يا إسحاق متى أحدثت هذا الجفاء لإخوانك
تمر بهم فلا تسلم عليهم فقلت له ذلك لتقية كنت فيها فقال ليس عليك في التقية ترك السلام
وإنما عليك في التقية الإذاعة إن المؤمن ليمر بالمؤمنين فيسلم عليهم فترد الملائكة
سلام عليك ورحمة الله وبركاته أبدا.
عن مالك الجهني قال
كنا بالمدينة حين أجلبت الشيعة وصاروا فرقا فتنحينا عن المدينة ناحية ثم خلونا فجعلنا
نذكر فضائلهم وما قالت الشيعة إلى أن خطر ببالنا الربوبية فما شعرنا بشيء إذا نحن بأبي
عبد الله واقف على حمار فلم ندر من أين جاء فقال يا مالك ويا خالد متى أحدثتما الكلام
في الربوبية فقلنا ما خطر ببالنا إلا الساعة فقال اعلما أن لنا ربا يكلئنا بالليل والنهار
نعبده يا مالك ويا
خالد قولوا فينا ما شئتم واجعلونا مخلوقين فكررها علينا مرارا وهو واقف
__________________
على حماره.
قال أفقر عباد الله
تعالى إلى رحمته جامع هذا الكتاب أثابه الله في هذا الكلام وأمثاله من أقوال الغلاة
وإن كانت باطلة دلالة على علو شأن الأئمة ع وإتيانهم بالخوارق للعادات وإخبارهم بالأمور
المغيبات وتفننهم في إبراز الكرامات والمعجزات فإنهم يرونها منهم مشاهدة وعيانا مرة
بعد أخرى ويصادف ذلك أذهانهم وفيها قصور في النظر وضعف في التمييز فيعتقدون هذا الاعتقاد
الفاسد المذموم نعوذ بالله تعالى كما جرى للنصارى فإنهم نظروا إلى المسيح عليه أفضل
الصلاة والسلام وما يجيء به من الخوارق كإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وإطعام
الجمع الكثير الطعام القليل وغير ذلك من معجزاته ع فاعتقدوه ربا واتخذوه إلها تعالى
الله وتقدس فنظروا جانبا وأهملوا النظر في جانب لضعف تمييزهم فإنهم لو فكروا في أنه
ولد من امرأة وأنه كان صغيرا فتنقل في أطوار الخلقة وأنه كان يأكل ويشرب ويبول ويغوط
وينام ويسهر ويصح ويسقم ويخاف ويحذر وأنه صلب على زعمهم وأنه كان يصلي ويصوم ويجتهد
في العبادة والخضوع لعلموا أن هذه الصفات منافية لصفات الملك فضلا عن الله رب العالمين
الذي (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
وَلا نَوْمٌ) الذي (يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) تعالى الله عما يقول
الظالمون والجاحدون علوا كبيرا والمعبود كيف يعبد والموجود كيف يجحد ولنفي هذا الاحتمال
قال الله تعالى (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ) لئلا تحملهم ما يرونه
من معجزاته وآياته على مثل ما يتخيله النصارى نعوذ بالله تعالى ونسأله العصمة وحسن
الخاتمة بمنه ورحمته.
وعن أبي حمزة قال دخلت
على أبي عبد الله وهو متخل فدخلت فقعدت في جانب البيت فقال لي إن نفسك لتحدثك بشيء
وتقول لك إنك مفرط في حبنا أهل البيت وليس هو كما تقول إن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه
فيقبل الله عليهما بوجهه وتتحات الذنوب عنهما حتى يفترقا.
وعن أبي بكر الحضرمي
قال ذكرنا أمر زيد وخروجه عند أبي عبد الله
فقال عمي مقتول إن
خرج قتل فقروا في بيوتكم فو الله ما عليكم بأس فقال رجل من القوم إن شاء الله.
وعن داود بن أعين قال
تفكرت في قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قلت خلقوا للعبادة
ويعصون ويعبدون غيره والله لأسألن جعفرا عن هذه الآية فأتيت الباب فجلست أريد الدخول
عليه إذ رفع صوته فقرأ (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ثم قرأ (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذلِكَ أَمْراً) فعرفت أنها منسوخة.
عن عمار السجستاني
عن أبي عبد الله قال كنت أجيء فأستأذن عليه فجئت ذات ليلة فجلست في فسطاطه بمنى فاستؤذن
لشباب كأنهم رجال زط وخرج علي عيسى شلقان فذكرني له فأذن لي فقال يا عمار متى جئت قلت
قبل أولئك الشباب الذين دخلوا عليك وما رأيتهم خرجوا قال أولئك قوم من الجن سألوا عن
مسائل ثم ذهبوا هذا آخر ما أردت إثباته من كتاب الدلائل للحميري.
قال الراوندي الباب
السابع في معجزات جعفر بن محمد الصادق ع. روي عن المفضل بن عمر قال كنت أمشي مع أبي
عبد الله بمكة أو بمنى إذ مررنا بامرأة بين يديها بقرة ميتة وهي مع صبية لها يبكون
فقال ما شأنك قالت كنت وصبياني نعيش من لبن هذه البقرة وقد ماتت فتحيرت في أمري قال
أفتحبين أن يحييها الله لك فقالت أوتسخر مني مع مصيبتي قال كلا ما أردت ذلك ثم دعا
بدعاء وركضها برجله وصاح بها فقامت البقرة مسرعة سوية فقالت عيسى ابن مريم ورب الكعبة
فدخل الصادق ع بين جمع من الناس فلم تعرفه المرأة.
قال علي بن أبي حمزة
حججت مع الصادق ع فجلسنا في بعض الطريق تحت نخلة يابسة فحرك شفتيه بدعاء لم أفهمه ثم
قال يا نخلة أطعمينا مما جعل الله فيك من رزق عباده فنظرت إلى النخلة وقد تمايلت نحو
الصادق وعليها أعذاقها
وفيها الرطب فقال ادن
وسم وكل فأكلنا منها رطبا أعذب رطب
__________________
وأطيبه وإذا نحن بأعرابي
يقول ما رأيت كاليوم أعظم سحرا من هذا فقال الصادق نحن ورثة الأنبياء ليس فينا ساحر
ولا كاهن بل ندعو الله فيجيب وإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلبا فتهتدي إلى منزلك
فتدخل عليهم فتبصبص لأهلك فعلت قال الأعرابي بجهله نعم فدعا الله فصار كلبا في الوقت
ومضى على وجهه فقال لي الصادق اتبعه فاتبعته حتى صار إلى حيه فدخل إلى منزله فجعل يبصبص
لأهله وولده فأخذوا له العصا حتى أخرجوه فانصرفت إلى الصادق فأخبرته بما كان فبينا
نحن في هذا الحديث إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق وجعلت دموعه تسيل وأقبل يتمرغ في
التراب ويعوي فرحمه فدعا له فصار أعرابيا فقال له الصادق هل آمنت يا أعرابي قال نعم
ألفا وألفا.
ومنها ما روي عن يونس بن
ظبيان قال كنت عند الصادق ع مع جماعة قلت قول الله لإبراهيم (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ
إِلَيْكَ)
أكانت أربعة من أجناس
مختلفة أو من جنس واحد قال أتحبون أن أريكم مثله قلت نعم قال يا طاوس فإذا طاوس طار
إلى حضرته فقال يا غراب فإذا غراب بين يديه ثم قال يا بازي فإذا باز بين يديه ثم قال
يا حمامة فإذا حمامة بين يديه ثم أمر بذبحها كلها وتقطيعها ونتف ريشها وأن يخلط ذلك
كله بعضه ببعض ثم أخذ برأس الطاوس فقال يا طاوس فرأينا لحمه وعظامه وريشه يتميز من
غيره حتى التزق ذلك برأسه وقام الطاوس بين يديه حيا ثم صاح بالغراب فقام حيا وبالبازي
والحمامة فقامتا كذلك حتى قامت كلها أحياء بين يديه.
ومنها ما روى هشام بن الحكم
أن رجلا من أهل الجبل أتى أبا عبد الله ومعه عشرة آلاف درهم وقال اشتر لي بها دارا
أنزلها إذا قدمت وعيالي بعدي ثم مضى إلى مكة فلما حج وانصرف أنزله الصادق إلى داره
وقال اشتريت لك دارا في الفردوس الأعلى حدها الأول إلى رسول الله ص والثاني إلى علي
والثالث إلى الحسن والرابع إلى الحسين وكتبت الصك به فلما سمع الرجل ذلك قال رضيت
__________________
ففرق الصادق تلك الدنانير
على أولاد الحسن والحسين وانصرف الرجل فلما وصل إلى منزله اعتل علة الموت فلما حضرته
الوفاة جمع أهل بيته وحلفهم أن يجعلوا الصك معه في قبره ففعلوا ذلك فلما أصبحوا وغدوا
إلى قبره وجدوا الصك على ظهر القبر وعلى ظهره وفى لي ولي الله جعفر بن محمد بما وعدني.
ومنها أن حماد بن عيسى سأل
الصادق أن يدعو له ليرزقه الله ما يحج به كثيرا ويرزقه ضياعا حسنة ودارا حسنة وزوجة
حسنة من أهل البيوتات وأولادا أبرارا فقال ع اللهم ارزق حماد بن عيسى ما يحج به خمسين
حجة وارزقه ضياعا حسنة ودارا حسناء وزوجة صالحة من قوم كرام وأولادا أبرارا قال بعض
من حضره دخلت بعض السنين على حماد بن عيسى في داره بالبصرة فقال أتذكر دعاء الصادق
لي قلت نعم قال هذا داري وليس في البلد مثلها وضياعي أحسن الضياع وزوجتي أخذتها من
قوم كرام وأولادي من تعرفهم وقد حججت ثمانيا وأربعين حجة قال فحج حجتين بعد ذلك فلما
خرج في الحجة الحادية والخمسين ووصل إلى الجحفة وأراد أن يحرم دخل واديا ليغتسل فأخذه
السيل ومر به فتبعه غلمانه فأخرجوه من الماء ميتا فسمي حماد غريق الجحفة هذا آخر ما
أردت نقله من كتاب الراوندي.
قال الشيخ جمال الدين
أبو الفرج بن الجوزي رحمهالله في كتابه صفة الصفوة
ـ جعفر بن محمد بن علي بن الحسين يكنى أبا عبد الله أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد
بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم وكان مشغولا بالعبادة عن حب الرئاسة. " وعن عمرو
بن أبي المقدام قال كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين.
وروى حديث سفيان الثوري
حين قال له إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر
إلى آخره وقد تقدم.
وعن سفيان أيضا وقد
قال له أنت رجل يطلبك السلطان إلى آخره وقد تقدم.
وعنه لا يتم المعروف
إلا بثلاثة بتعجيله وتصغيره وستره.
وعن الهياج بن بسطام
قال كان جعفر بن محمد يطعم حتى لا يبقى لعياله شيء وسئل لم حرم الله الربا قال لئلا
يتمانع الناس بالمعروف.
وروى وصيته لابنه موسى
ع وكل هذه أوردتها فيما مضى من الأخبار وإنما أعيدها في بعض الأوقات ليعلم من ينكرها
أو يشك فيها أنها قد وردت من طرق متعددة وروى حديث المنصور والذباب.
وعن الحسن بن سعيد
اللخمي عن جعفر بن محمد قال من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة.
وقال ع أصل الرجل عقله
وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون.
وروى حديث سفيان وقول
الصادق ع له عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها إلى آخره وما أحسن قوله ع في آخر الحديث
والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها
وروى حديث المنصور
حين أمر الربيع بإحضاره ع متعبا.
وروى حديث الليث بن
سعد والعنب والبردين وقد تقدم ذكره.
قال أسند جعفر بن محمد
عن أبيه وعن عطاء بن أبي رباح وعكرمة في آخرين.
وروى عنه من التابعين
جماعة منهم أيوب السختياني ومن الأئمة مالك والثوري وشعبة في آخرين وتوفي بالمدينة
سنة ثمان وأربعين ومائة.
وقال الآبي سئل جعفر
بن محمد ع لم صار الناس يكلبون في أيام الغلاء على الطعام ويزيد جوعهم على العادة في
الرخص قال لأنهم بنو الأرض فإذا قحطت قحطوا وإذا أخصبت أخصبوا.
وشكا إليه رجل جاره
فقال اصبر عليه فقال ينسبني الناس إلى الذل فقال إنما الذليل من ظلم.
وقال أربعة أشياء القليل
منها كثير النار والعداوة والفقر والمرض.
وقال وقد سئل لم سمى
البيت العتيق فقال لأن الله أعتقه من الطوفان.
وقال له أبو جعفر المنصور
إني قد عزمت على أن أخرب المدينة ولا أدع بها نافخ ضرمة
فقال يا أمير المؤمنين
لا أجد بدا من النصاحة لك فاقبلها إن شئت أو لا قال قل قال إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف
أيوب ابتلي فصبر وسليمان أعطي فشكر ويوسف قدر فغفر فاقتد بأيهم شئت قال قد عفوت.
قلت قد تقدم هذا بغير
ذكر المدينة.
وقال ع وقد قيل بحضرته
جاور ملكا أو بحرا فقال هذا كلام محال والصواب لا تجاور ملكا ولا بحرا لأن الملك يؤذيك
والبحر لا يرويك.
وسئل عن فضيلة لأمير
المؤمنين ع لم يشركه فيها غيره قال فضل الأقربين بالسبق وسبق الأبعدين بالقرابة.
وعنه ع قال (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ) تيجان العرب وقال صحبة
عشرين يوما قرابة.
وقف أهل مكة وأهل المدينة
بباب المنصور فأذن الربيع لأهل مكة قبل أهل المدينة فقال جعفر ع أتأذن لأهل مكة قبل
أهل المدينة فقال الربيع مكة العش فقال جعفر عش والله طار خياره وبقي شراره.
وقيل له إن أبا جعفر
المنصور لا يلبس منذ صارت الخلافة إليه إلا الخشن ولا يأكل إلا الجشب
فقال يا ويحه مع ما
قد مكن الله له من السلطان وجبى إليه من الأموال فقيل له إنما يفعل ذلك بخلا وجمعا
للأموال فقال الحمد لله الذي حرمه من دنياه ما له ترك دينه ولما قال الحكم بن عباس
الكلبي.
صلبنا لكم زيدا على
جذع نخلة
|
|
ولم أر مهديا على
الجذع يصلب
|
وقستم بعثمان عليا
سفاهة
|
|
وعثمان خير من علي
وأطيب
|
فبلغ قوله أبا عبد
الله فرفع يديه إلى السماء وهما ترعشان فقال اللهم إن
__________________
كان عبدك كاذبا فسلط
عليه كلبك فبعثه بنو أمية إلى الكوفة فافترسه الأسد واتصل خبره بالصادق ع فخر ساجدا
وقال الحمد لله الذي أنجزنا ما وعدنا
قلت هذا الحكم أبعده الله
جار في حكمه ونادى على نفسه بكذبه وظلمه والأمر بخلاف ما قال على رغمه وبيان ذلك أن
زيدا رضي الله عنه لم يكن مهديا ولو كان لم يكن ذلك مانعا من صلبه فإن الأنبياء ع قد
نيل منهم أمور عظيمة وكفى أمر يحيى وزكريا ع وفي قتلات جرجيس ع المتعددة كفاية وقتل
الأنبياء والأوصياء وصلبهم وإحراقهم إنما يكون طعنا فيهم لو كان من قبل الله تعالى
فأما إذا كان من الناس فلا بأس فالنبي ص شج جبينه وكسرت رباعيته ومات بأكلة خيبر مسموما
فليكن ذلك قدحا في نبوته ع وأما قوله وقستم بعثمان عليا فهذا كذب بحت وزور صريح فإنا
لم نقسه به ساعة قط وأما قوله وعثمان خير من علي وأطيب فإنا لا نزاحمه في اعتقاده ويكفيه
ذلك ذخيرة لمعاده فهو أدري بما اختاره من مذهبه وقد جنى معجلا ثمرة كذبه والله يتولى
مجازاته يوم منقلبه.
فدام لي ولهم ما
بي وما بهم
|
|
ومات أكثرنا غيظا
بما يجد
|
وإذا كان القتل والصلب
وأمثالهما عنده موجبا للنقيصة وقادحا في الإمامة فكيف اختار عثمان وقال بإمامته وقد
كان من قتله ما كان وبالله المستعان على أمثال هذه الهذيان فقد ظهر لك أيدك الله ميل
الحكم وبعده من الرشد حين حكم وتعديه الحق في النظم الذي نظم فليته كالصغاني حين وصل
إلى بكم.
وقال لأبي ولاد الكاهلي
أرأيت عمي زيدا قال نعم رأيته مصلوبا ورأيت الناس بين شامت خنق وبين محزون محترق فقال
أما الباكي فمعه في الجنة وأما الشامت فشريك في دمه.
وقال إذا أقبلت الدنيا
على امرئ أعطته محاسن غيره وإذا أعرضت عنه سلبته محاسن نفسه.
ومر به رجل وهو يتغدى
فلم يسلم فدعاه إلى الطعام فقيل له السنة أن يسلم ثم يدعى وقد ترك السلام على عمد فقال
هذا فقه عراقي فيه بخل.
وقال القرآن ظاهره
أنيق وباطنه عميق.
وقال من أنصف من نفسه
رضي حكما لغيره.
وقال أكرموا الخبز
فإن الله أنزل له كرامة قيل له وما كرامته قال أن لا يقطع ولا يوطأ وإذا حضر لم ينتظر
به سواه.
وقال حفظ الرجل أخاه
بعد وفاته في تركته كرم.
وقال ما من شيء أسر
إلي من يد أتبعتها الأخرى لأن منع الأواخر يقطع لسان شكر الأوائل.
وقال ع إني لأملق
أحيانا فأتاجر الله
بالصدقة.
وقال لا يزال العز
قلقا حتى يأتي دارا قد استشعر أهلها اليأس مما في أيدي الناس فيوطنها.
وقال إذا دخلت على
أخيك منزله فاقبل الكرامة كلها ما خلا الجلوس في الصدر.
وقال كفارة عمل السلطان
الإحسان إلى الإخوان.
واشتكى مرة فقال اللهم
اجعله أدبا لا غضبا.
وقال ع البنات حسنات
والبنون نعم والحسنات يثاب عليها والنعم مسئول عنها.
وقال إياك وسقطة الاسترسال
فإنها لا تستقال.
وقيل له ما طعم الماء
فقال طعم الحياة.
وقال ع من لم يستحي
من العيب ويرعوي
عند الشيب ويخشى الله
بظهر الغيب فلا خير فيه.
__________________
وقال إن خير العباد
من يجتمع فيه خمس خصال إذا حسن استبشر وإذا أساء استغفر وإذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر
وإذا ظلم غفر.
وقال وإياكم وملاحاة
الشعراء فإنهم يضنون بالمدح
ويجودون بالهجاء. وقال
إني لأسارع إلى حاجة عدوى خوفا أن أرده فيستغني عني.
وكان يقول اللهم إنك
بما أنت له أهل من العفو أولى مني بما أنا له أهل من العقوبة.
وقال من أكرمك فأكرمه
ومن استخف بك فأكرم نفسك عنه.
وأتاه أعرابي وقيل
بل أتى أباه الباقر ع فقال أرأيت الله حين عبدته فقال ما كنت لأعبد شيئا لم أره قال
كيف رأيته قال لم تره الأبصار بمشاهدة العيان ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان لا يدرك
بالحواس ولا يقاس بالناس معروف بالآيات منعوت بالعلامات (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فقال الأعرابي الله
أعلم حيث يجعل رسالاته.
وقال يهلك الله ستا
بست الأمراء بالجور والعرب بالعصبية والدهاقين بالكبر والتجار بالخيانة وأهل الرستاق
بالجهل والفقهاء بالحسد.
وقال منع الجود سوء
الظن بالمعبود.
وقال صلة الأرحام منسأة
في الأعمار وحسن الجوار عمارة للديار وصدقة السر مثراة للمال
وقال له أبو جعفر يا
با عبد الله ألا تعذرني من عبد الله بن حسن وولده يبثون الدعاة ويريدون الفتنة قال
قد عرفت الأمر بيني وبينهم فإن أقنعتك مني آية من كتاب الله تلوتها عليك قال هات قال
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا
يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ
لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) قال كفاني وقبل بين
عينيه.
وقال لرجل أحدث سفرا
يحدث الله لك رزقا وألزم ما عودت منه الخير
__________________
وقال دعا الله الناس
في الدنيا بآبائهم ليتعارفوا وفي الآخرة بأعمالهم ليجازوا فقال (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا يا أَيُّهَا
الَّذِينَ كَفَرُوا) وقال من أيقظ فتنة
فهو أكلها.
وقال إن عيال المرء
أسراؤه فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على أسرائه فإن لم يفعل أوشك أن تزول تلك النعمة.
وكان يقول السريرة
إذا صلحت قويت العلانية.
وقال ما يصنع العبد
أن يظهر حسنا ويسر شيئا أليس يرجع إلى نفسه فيعلم أن ليس كذلك والله عزوجل يقول (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ).
وقال له أبو حنيفة
يا با عبد الله ما أصبرك على الصلاة فقال ويحك يا نعمان أما علمت أن الصلاة قربان كل
تقي وأن الحج جهاد كل ضعيف ولكل شيء زكاة وزكاة البدن الصيام وأفضل الأعمال انتظار
الفرج من الله والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر فاحفظ هذه الكلمات يا نعمان استنزلوا
الرزق بالصدقة وحصنوا المال بالزكاة وما عال امرؤ اقتصد والتقدير نصف العيش والتودد
نصف العقل والهم نصف الهرم وقلة العيال أحد اليسارين ومن أحزن والديه فقد عقهما ومن
ضرب يده على فخذه عند المصيبة فقد حبط أجره والصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي حسب
أو دين والله ينزل الرزق على قدر المئونة وينزل الصبر على قدر المصيبة ومن أيقن بالخلف
جاد بالعطية ولو أراد الله بالنملة خيرا لما أنبت لها جناحا.
زاد ابن حمدون في روايته
ومن قدر معيشته رزقه الله ومن بذر معيشته حرمه الله ولم يورد ولو أراد الله بالنملة
خيرا : وقد تقدم عن الأصمعي نحوا من هذه الألفاظ.
وقيل له ع ما بلغ بك
من حبك ابنك موسى قال وددت أن ليس لي ولد غيره حتى لا يشركه في حبي له أحد.
وقال ثلاثة أقسم بالله
أنها الحق ما نقص مال من صدقة ولا زكاة ولا ظلم أحد بظلامة فقدر أن يكافئ بها فكظمها
إلا أبدله الله مكانها عزا ولا فتح عبد على نفسه
__________________
باب مسألة إلا فتح
الله عليه باب فقر.
وقال ثلاثة لا يزيد
الله بها المرء المسلم إلا عزا الصفح عمن ظلمه والإعطاء لمن حرمه والصلة لمن قطعه.
وقال من اليقين أن
لا ترضى الناس بما يسخط الله ولا تذمهم على ما لم يؤتك الله ولا تحمدهم على رزق الله
فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يصرفه كره كاره ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من
الموت لأدركه الرزق كما يدركه الموت.
وقال مروءة الرجل في
نفسه نسب لعقبه وقبيلته.
وقال من صدق لسانه
زكى عمله ومن حسنت نيته زيد في رزقه ومن حسن بره في أهل بيته زيد في عمره.
وقال خذ من حسن الظن
بطرف تروح به قلبك ويرخ به أمرك.
وقال المؤمن إذا غضب
لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل والذي إذا قدر لم يأخذ أكثر مما
له.
ومن تذكرة ابن حمدون
قال الصادق ع تأخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتلال على الله عزوجل هلكة والإصرار أمن
ولا يأمن (مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ
الْخاسِرُونَ).
وقال وما كل من أراد
شيئا قدر عليه ولا كل من قدر على شيء وفق له ولا كل من وفق له أصاب له موضعا فإذا اجتمع
النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك تجب السعادة.
وقال صلة الرحم تهون
الحساب يوم القيامة قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ
ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ).
وقال ابن حمدون كتب
المنصور إلى جعفر بن محمد لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس فأجابه ليس لنا ما نخافك
من أجله ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ولا أنت في نعمة فنهنيك ولا تراها نقمة
فنعزيك بها فما نصنع عندك قال فكتب إليه
__________________
تصحبنا لتنصحنا فأجابه
ع من أراد الدنيا لا ينصحك ومن أراد الآخرة لا يصحبك فقال المنصور والله لقد ميز عندي
منازل الناس من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة وأنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا
قال أفقر عباد الله
تعالى إلى رحمته عبد الله علي بن عيسى عفا الله عنه :
مناقب الصادق ع فاضلة
وصفاته في الشرف كاملة ومننه لأوليائه شاملة وبأغراضهم الأخروية كافلة وغرر شرفه وفضله
على جبهات الأيام سائلة والجنة لمواليه ومحبيه حاصلة وأندية المجد والعز بمفاخره ومآثره
آهلة صاحب الإمرة والزعامة مركز دائرة الرسالة والإمامة له إلى جهة الآباء محمد المصطفى
وإلى جهة الأبناء المهدي وكفى به خلفا فذاك موضح المحجة وهذا الخلف الحجة وحسبك به
شرفا فهو الواسطة بين المحمدين العالم بأسرار النشأتين المنعوت بالكريم الطرفين جرى
على سنن آبائه الكرام وأخذ بهداهم عليه وعليهمالسلام ووقف نفسه الشريفة
على العبادة وحبسها على الطاعة والزهادة واشتغل بأوراده وتهجده وصلاته وتعبده لو طاوله
الفلك لتزحزح عن مكانه وعاقه شيء عن دورانه ولو جاراه البحر لنطقت بقصوره ألسنة حيتانه
ولو فاخره الملك لأذعن لعلو شأنه وسمو مكانه ابن سيد ولد آدم وابن سيد العرب الماجد
الذي يملأ الدلو إلى عقد الكرب الجواد الذي صابت راحتاه بالنضار والغرب السيد بن السادة
الأطهار الإمام أبو الأئمة الأخيار الخليفة وكلهم خلفاء أبرار كشاف أسرار العلوم الهادي
إلى معرفة الحي القيوم صاحب المقام والمقال فارس الجلاد والجدال الفارق بين الحلال
والحرام المتصدق حتى بقوت العيال السابق في حلبات الفضل والإفضال الجاري على منهاج
إله فنعم الجاري ونعم الآل الكاشف لحقائق التنزيل الواقف على دقائق التأويل العارف
لله تعالى بالبرهان والدليل الصائم في النهار الشامس القائم في الليل الطويل بحر الحكم
ومصباح الظلم الأشهر من نار على علم البالغ الغاية في كرم الأخلاق والشيم الناظر إلى
الغيب من وراء ستر المخاطب في باطنه بما كان من سر الملقى في روعة ما تجدد من أمر وارث
آبائه الكرام ومورث أبنائه عليهم أفضل السلام سلسلة
ذهب ولا كرامة للذهب
وسبب ونسب متصلان فنعم السبب والنسب إليهم الحوض والشفاعة ولهم منا السمع والطاعة بموالاتهم
نرجو النجاة في العقبى وهم أحد السببين وأولو القربى الأجواد الأمجاد الأنجاد الأئمة
الأبدال الأوتاد زندهم في الشرف وار وصيتهم في المجد سار وليس لهم في فضائلهم ممار
إلا من كان في الآخرة (عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ) فالله بكرمه يبلغهم
عنا أفضل الصلاة والتسليم وإياه سبحانه نحمد على أن هدانا من موالاتهم إلى النهج القويم
والصراط المستقيم أنه جواد كريم.
وقد مدحت مولانا الصادق
ع ومدائحه مذكورة بلسان عدوه ووليه ومربية على قطر السحاب ووسميه ووبليه بشعر يقصر
عن مداه ولا ينهض بأدنى ما يجب من وصف علاه فما قدر نظمي ونثري ومبلغ كلامي وشعري عند
من تعجز الفصحاء عن عد مفاخره وحد مآثره ولكني أتبع العادة على كل تقدير ولي ثواب النية
وعلى عهده التقصير والله (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ
النَّصِيرُ).
مناقب الصادق مشهورة
|
|
ينقلها عن صادق صادق
|
سما إلى نيل العلى
وادعا
|
|
وكل عن إدراكه اللاحق
|
جرى إلى المجد كآبائه
|
|
كما جرى في الحلبة
السابق
|
وفاق أهل الأرض في
عصره
|
|
وهو على حالاته فائق
|
سماؤه بالجود هطالة
|
|
وسيبة هامى الحيا
دافق
|
وكل ذي فضل بإفضاله
|
|
وفضله معترف ناطق
|
له مكان في العلى
شامخ
|
|
وطود مجد صاعد شاهق
|
من دوحة العز التي
فرعها
|
|
سام على أوج السها
سامق
|
__________________
نائله صوب حيا مسبل
|
|
وبشره في صوبه بارق
|
صواب رأي إن عدا
جاهل
|
|
وصوب غيث إن عرا
طارق
|
كأنما طلعته ما بدا
|
|
لناظريه القمر الشارق
|
له من الإفضال حاد
على
|
|
البذل ومن أخلاقه
سائق
|
يروقه بذل الندى
واللهى
|
|
وهو لهم أجمعهم رائق
|
خلائق طابت وطالت
على
|
|
أبدع في إيجادها
الخالق
|
شاد المعالي وسعى
للعلى
|
|
فهي له وهو لها عاشق
|
إن أعضل الأمر فلا
يهتدى
|
|
إليه فهو الفاتق
الراتق
|
يشوقه المجد ولا
غرو أن
|
|
يشوقه وهو له شائق
|
مولاي إني فيكم مخلص
|
|
إن شاب بالحب لكم
ماذق
|
لكم موال وإلى بابكم
|
|
أنضى المطايا وبكم
واثق
|
أرجو بكم نيل الأماني
إذا
|
|
نجا مطيع وهوى مارق
|
__________________
ذكر الإمام السابع
أبي الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي
زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع
قال كمال الدين أثابه
الله هو الإمام الكبير القدر العظيم الشأن الكثير التهجد الجاد في الاجتهاد والمشهود
له بالكرامات المشهور بالعبادة المواظب على الطاعات يبيت الليل ساجدا وقائما ويقطع
النهار متصدقا وصائما ولفرط حلمه وتجاوزه عن المعتدين عليه دعي كاظما كان يجازي المسيء
بإحسانه إليه ويقابل الجاني عليه بعفوه عنه ولكثرة عباداته كان يسمى بالعبد الصالح
ويعرف في العراق بباب الحوائج إلى الله لنجح المتوسلين إلى الله تعالى به كراماته تحار
منها العقول وتقضي بأن له عند الله قدم صدق ولا يزول.
أما
ولادته فبالأبواء سنة ثمان وعشرين ومائة من الهجرة وقيل تسع وعشرين
ومائة.
وأما
نسبه أبا وأما فأبوه جعفر الصادق بن محمد الباقر وقد تقدم القول فيه وأمه أم
ولد يسمى حميدة البربرية وقيل غير ذلك.
وأما
اسمه فموسى وكنيته أبو الحسن وقيل أبو إسماعيل وكان له ألقاب متعددة
الكاظم وهو أشهرها والصابر والصالح والأمين.
وأما
مناقبه فكثيرة ولو لم يكن
منها إلا العناية الإلهية لكفاه ذلك منقبة
__________________
ولقد نقل عن الفضل
بن الربيع أنه أخبر عن أبيه أن المهدي لما حبس موسى بن جعفر ففي بعض الليالي رأى المهدي
في منامه علي بن أبي طالب ع وهو يقول له يا محمد (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ
تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) قال الربيع فأرسل إلي
ليلا فراعني وخفت من ذلك وجئت إليه وإذا هو يقرأ هذه الآية وكان أحسن الناس صوتا فقال
علي الآن بموسى بن جعفر فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه وقال يا أبا الحسن رأيت أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ع في النوم فقرأ علي كذا فتؤمني أن تخرج علي أو على أحد من
ولدي فقال والله لا فعلت ذلك ولا هو من شأني قال صدقت يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار
ورده إلى أهله إلى المدينة قال الربيع فأحكمت أمره ليلا فما أصبح إلا وهو في الطريق
خوف العوائق.
ورواه الجنابذي وذكر
أنه وصله بعشرة آلاف دينار.
وقال خشنام بن حاتم
الأصم قال قال لي أبو حاتم قال قال لي شقيق البلخي رضي الله عنهم خرجت حاجا في سنة
تسع وأربعين ومائة فنزلنا القادسية فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم فنظرت
إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف فوق ثيابه ثوب من صوف مشتمل بشملة في رجليه نعلان
وقد جلس منفردا فقلت في نفسي هذا الفتى من الصوفية يريد أن يكون كلا على الناس في طريقهم
والله لأمضين إليه ولأوبخنه فدنوت منه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ثم تركني ومضى فقلت
في نفسي إن هذا الأمر عظيم قد تكلم بما في نفسي ونطق بإثمي وما هذا إلا عبد صالح لألحقنه
ولأسألنه أن يحالني فأسرعت في أثره فلم ألحقه وغاب عن عيني.
فلما نزلنا واقصة وإذا
به يصلي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري فقلت هذا صاحبي أمضي إليه وأستحله فصبرت حتى جلس
وأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا قال يا شقيق اتل (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ
تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) ثم تركني ومضى فقلت
إن هذا الفتى لمن الأبدال لقد تكلم على سري مرتين
فلما نزلنا زبالة إذا
بالفتى قائم على البئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء فسقطت الركوة من يده في البئر
وأنا أنظر إليه فرأيته وقد رمق السماء وسمعته يقول :
أنت ريي إذا ظمئت
إلى الماء
|
|
وقوتي إذا أردت الطعاما
|
اللهم سيدي ما لي غيرها
فلا تعدمنيها قال شقيق فو الله لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماءها فمد يده وأخذ الركوة
وملأها ماء فتوضأ وصلى أربع ركعات ثم مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة
ويحركه ويشرب فأقبلت إليه وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت أطعمني من فضل ما أنعم الله
عليك فقال يا شقيق لم تزل نعمة الله علينا ظاهرة وباطنة فأحسن ظنك بربك ثم ناولني الركوة
فشربت منها فإذا هو سويق وسكر فو الله ما شربت قط ألذ منه ولا أطيب ريحا فشبعت ورويت
وبقيت أياما لا أشتهي طعاما ولا شرابا ثم إني لم أره حتى دخلنا مكة فرأيته ليلة إلى
جنب قبة الشراب في نفس الليل قائما يصلي بخشوع وأنين وبكاء فلم يزل كذلك حتى ذهب الليل
فلما رأى الفجر جلس في مصلاه يسبح ثم قام فصلى الغداة وطاف بالبيت أسبوعا فخرج فتبعته
وإذا له غاشية وموال
وهو على خلاف ما رأيته
في الطريق ودار به الناس من حوله يسلمون عليه فقلت لبعض من رأيته يقرب منه من هذا الفتى
فقال هذا موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع فقلت قد عجبت
أن تكون هذه العجائب إلا لمثل هذا السيد.
ولقد نظم بعض المتقدمين
واقعة شقيق معه في أبيات طويلة اقتصرت على ذكر بعضها فقال :
سل شقيق البلخي عنه
وما
|
|
عاين منه وما الذي
كان أبصر
|
قال لما حججت عاينت
شخصا
|
|
شاحب اللون ناحل
الجسم أسمر
|
__________________
سائرا وحده وليس
له
|
|
زاد فما زلت دائما
أتفكر
|
وتوهمت أنه يسأل
الناس
|
|
ولم أدر أنه الحج
الأكبر
|
ثم عاينته ونحن نزول
|
|
دون فيد على الكثيب
الأحمر
|
يضع الرمل في الإناء
ويشربه
|
|
فناديته وعقلي محير
|
اسقني شربة فناولني
|
|
منه فعاينته سويقا
وسكر
|
فسألت الحجيج من
يك هذا
|
|
قيل هذا الإمام موسى
بن جعفر
|
فهذه الكرامات العالية
المقدار الخارقة للعوائد هي على التحقيق حلية المناقب وزينة المزايا وغرر الصفات ولا
يؤتاها إلا من أفاضت عليه العناية الربانية أنوار التأييد ومرت له أخلاق التوفيق وأزلفته
من مقام التقديس والتطهير (وَما يُلَقَّاها إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).
ولقد قرع سمعي ذكر
واقعة عظيمة ذكرها بعض صدور العراق أثبتت لموسى ع أشرف منقبته وشهدت له بعلو مقامه
عند الله تعالى وزلفى منزلته لديه وظهرت بها كراماته بعد وفاته ولا شك أن ظهور الكرامة
بعد الموت أكثر منها دلالة حال الحياة.
وهي أن من عظماء الخلفاء
مجدهم الله تعالى من كان له نائب كبير الشأن في الدنيا من مماليكه الأعيان وكان في
ولاية عامة طالت فيها مدته وكان ذا سطوة وجبروت فلما انتقل إلى الله تعالى اقتضت عناية
الخليفة له أن تقدم بدفنه في ضريح مجاور لضريح الإمام موسى بن جعفر ع بالمشهد المطهر
وكان بالمشهد المطهر نقيب معروف ومشهود له بالصلاح كثير التودد والملازمة للضريح والخدمة
له قائم بوظائفها فذكر هذا النقيب أنه بعد دفن هذا المتوفى في ذلك القبر بات بالمشهد
الشريف فرأى في منامه أن القبر قد انفتح والنار تشتعل فيه وقد انتشر منه دخان ورائحة
قتار
ذلك المدفون فيه إلى
أن ملأت المشهد وأن الإمام موسى ع واقف فصاح لهذا النقيب
__________________
باسمه وقال له تقول
للخليفة يا فلان وسماه باسمه لقد آذيتني بمجاورة هذا الظالم وقال كلاما خشنا فاستيقظ
ذلك النقيب وهو يرعد فرقا وخوفا ولم يلبث أن كتب ورقة وسيرها منهيا فيها صورة الواقعة
بتفصيلها فلما جن الليل جاء الخليفة إلى المشهد المطهر بنفسه واستدعى النقيب ودخلوا
إلى الضريح وأمر بكشف ذلك القبر ونقل ذلك المدفون إلى موضع آخر خارج المشهد فلما كشفوه
وجدوا فيه رماد الحريق ولم يجدوا للميت أثرا وفي هذه القضية زيادة استغناء عن تعداد
بقية مناقبه واكتفاء عن بسط القول فيها.
وأما أولاده فقيل ولد
له عشرون ابنا وثمان عشرة بنتا وأسماء بنيه ع علي الرضا زيد إبراهيم عقيل هارون الحسن
الحسين عبد الله إسماعيل عبيد الله عمر أحمد جعفر يحيى إسحاق العباس حمزة عبد الرحمن
القاسم ـ جعفر الأصغر ويقال موضع عمر محمد.
وأسماء بناته خديجة
أم فروة أسماء علية فاطمة فاطمة أم كلثوم أم كلثوم ـ آمنة زينب أم عبد الله زينب الصغرى
أم القاسم حكيمة أسماء الصغرى محمودة أمامة ميمونة وقيل غير ذلك.
وأما عمره فإنه مات
لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة للهجرة وقد تقدم ذكر ولادته في سنة ثمان وعشرين
وقيل تسع وعشرين فيكون عمره على القول الأول خمسا وخمسين سنة وعلى القول الثاني أربعا
وخمسين سنة وقبره بالمشهد المعروف بباب التين من بغداد المحروسة انتهى كلام كمال الدين.
قلت القصة التي أوردها
عن شقيق البلخي قد أوردها جماعة من أرباب التأليف والمحدثين ذكرها الشيخ ابن الجوزي
رحمهالله في كتابيه إثارة العزم
الساكن إلى أشرف الأماكن وكتاب صفة الصفوة وذكرها الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي
وحكى إلى بعض الأصحاب أن القاضي بن خلاد الرامهرمزي ذكرها في كتابه كرامات الأولياء.
"
وقال الجنابذي أبو الحسن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أمه أم ولد ولد له علي الرضا وزيد
وعقيل وهارون والحسن والحسين وعبد الله وإسماعيل وعبيد الله وعمر وأحمد وجعفر ويحيى
وإسحاق والعباس وحمزة وعبد الرحمن والقاسم وجعفر الأصغر ويقال موضع عمر محمد وأبو بكر.
ومن البنات خديجة وأم
فروة وأسماء وعلية وفاطمة وفاطمة وأم كلثوم وأم كلثوم وآمنة وزينب وأم عبد الله وزينب
الصغرى وأم القاسم وحكيمة وأسماء الصغرى ومحمودة وأمامة وميمونة عشرون ذكرا وثمان عشرة
أنثى. ويقال كنيته أبو إبراهيم واسم أمه حميدة الأندلسية مولده سنة ثمان وعشرين ومائة
توفي سنة ثلاث وثمانين ومائة فيكون عمره خمسا وخمسين سنة.
وروى إسحاق بن جعفر
قال سألت أخي موسى بن جعفر قلت أصلحك الله أيكون المؤمن بخيلا قال نعم قلت أيكون جبانا
قال نعم قلت أفيكون خائنا قال لا ولا يكون كذابا ثم قال حدثني أبي جعفر بن محمد عن
آبائه عن أبيه علي بن أبي طالب ع قال سمعت رسول الله ص يقول على كل خلة يطوي المؤمن
ليس الخيانة والكذب.
حدث عيسى بن محمد بن
مغيث القرطي وبلغ تسعين سنة قال زرعت بطيخا وقثاء وقرعا في موضع بالجوانية على بئر
يقال لها أم عظام فلما قرب الخير واستوى الزرع بيتني الجراد وأتى على الزرع كله وكنت
عزمت على الزرع ثمن جملين ومائة وعشرين دينارا فبينا أنا جالس إذ طلع موسى بن جعفر
بن محمد فسلم علي ثم قال أيش
حالك قلت أصبحت كالصريم
بيتني الجراد فأكل زرعي قال كم غرمت قلت مائة وعشرين دينارا مع ثمن الجملين قال فقال
يا عرفة إن لأبي الغيث مائة وخمسين دينارا فربحك ثلاثون دينارا والجملان فقلت يا مبارك
ادع لي فيها بالبركة فدخل ودعا وحدثني عن رسول الله ص أنه قال تمسكوا ببقاء
__________________
المصائب
ثم علقت عليه الجملين
وسقيته فجعل الله فيه البركة وزكت فبعت منها بعشرة آلاف.
حدث أحمد بن إسماعيل
قال بعث موسى بن جعفر ع إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت أنه لن ينقضي عني يوم من البلاء
إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون
قال وذكر الخطيب قال
ولد موسى بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدي
بغداد ثم رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد فقدم الرشيد بالمدينة فحمله معه
وحبسه ببغداد إلى أن توفي بها لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة.
إسماعيل عن أبيه موسى
بن جعفر عن أبيه عن جده علي بن الحسين عن أبيه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله
ص نظر الولد إلى والديه حبا لهما عبادة.
وروي أن موسى بن جعفر
أحضر ولده يوما فقال لهم يا بني إني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها إن أتاكم آت
فأسمعكم في الأذن اليمنى مكروها ثم تحول إلى الأذن اليسرى فاعتذر وقال لم أقل شيئا
فاقبلوا عذره.
وعن موسى بن جعفر عن
آبائه ع قال الحسين جاء رجل إلى أمير المؤمنين ع يسعى بقوم فأمرني أن دعوت له قنبرا
فقال له علي ع اخرج إلى هذا الساعي فقل له قد أسمعتنا ما كره الله تعالى فانصرف في
غير حفظ الله تعالى آخر كلام الجنابذي رحمهالله تعالى.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله تعالى باب ذكر الإمام
القائم بعد أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ع من ولده وتاريخ مولده ودلائل إمامته
ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر
__________________
من أخباره.
وكان الإمام كما قدمناه
بعد أبي عبد الله ع ابنه أبا الحسن موسى بن جعفر العبد الصالح ع لاجتماع خلال الفضل
فيه والكمال ولنص أبيه بالإمامة عليه وإشارته بها إليه وكان مولده ع بالأبواء سنة ثمان
وعشرين ومائة وقبض ع ببغداد في حبس السندي بن شاهك ـ لست خلون من رجب سنة ثلاث وثمانين
ومائة وله يومئذ خمس وخمسون سنة وأمه أم ولد ويقال لها حميدة البربرية وكانت مدة خلافته
ومقامه في الإمامة بعد أبيه ع خمسا وثلاثين سنة وكان يكنى أبا إبراهيم وأبا الحسن وأبا
علي ويعرف بالعبد الصالح وينعت أيضا بالكاظم.
فصل
في النص عليه عن أبيه ع ممن روى صريح النص
بالإمامة عن أبي عبد الله الصادق ع على ابنه أبي الحسن موسى ع من شيوخ أصحاب أبي عبد
الله ع وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم المفضل بن عمر الجعفي
ومعاذ بن كثير وعبد الرحمن بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السراج وسليمان بن خالد
وصفوان الجمال وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب.
وقد روى ذلك من إخوته
إسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان.
فروى موسى الصيقل عن
المفضل بن عمر الجعفي رحمهالله قال كنت عند أبي عبد
الله ع فدخل أبو إبراهيم موسى ع وهو غلام فقال أبو عبد الله ع استوص به وضع أمره عند
من تثق به من أصحابك.
وروى ثبيت
عن معاذ بن كثير عن
أبي عبد الله ع قال قلت أسأل الله
__________________
الذي رزق أباك منك
هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها قال قد فعل الله ذلك فقلت من هو جعلت
فداك فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال هذا الراقد وهو يومئذ غلام.
وروى أبو علي الأرجاني
عن عبد الرحمن بن الحجاج قال دخلت على جعفر بن محمد ع في منزله فإذا هو في بيت كذا
من داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر ع يؤمن على دعائه فقلت له جعلني
الله فداك قد عرفت انقطاعي إليك وخدمتي لك فمن ولي الأمر بعدك قال يا عبد الرحمن إن
موسى قد لبس الدرع واستوت عليه فقلت له لا أحتاج بعد هذا إلى شيء.
وروى عبد الأعلى عن
الفيض بن المختار قال قلت لأبي عبد الله ع خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل أبو إبراهيم
وهو يومئذ غلام فقال هذا صاحبكم فتمسك به.
وروى ابن أبي نجران
عن منصور بن حازم قال قلت لأبي عبد الله ع بأبي أنت وأمي إن الأنفس يغدى عليها ويراح
فإذا كان ذلك فمن فقال
أبو عبد الله ع إذا كان ذلك فهو صاحبكم وضرب على منكب أبي الحسن الأيمن وهو فيما أعلم
يومئذ خماسي وعبد الله بن جعفر جالس معنا.
وروى ابن أبي نجران
عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ع عن أبي عبد الله ع قال قلت
له إن كان كون ولا أراني الله ذلك فبمن أئتم قال فأومأ إلى ابنه موسى قلت فإن حدث بموسى
حدث فبمن أئتم قال بولده قلت فإن حدث بولده حدث وترك أخا كبيرا وابنا صغيرا قال بولده
ثم هكذا أبدا.
وروى المفضل عن طاهر
بن محمد عن أبي عبد الله ع قال رأيته يلوم عبد الله ابنه ويعظه ويقول له ما منعك أن
تكون مثل أخيك فو الله إني لأعرف النور في وجهه فقال عبد الله وكيف أليس أبي وأبوه
واحدا وأصلي وأصله واحدا فقال له أبو عبد الله ع إنه من نفسي وأنت ابني
__________________
وروى محمد بن سنان
عن يعقوب السراج قال دخلت على أبي عبد الله ع وهو واقف على رأس أبي الحسن موسى وهو
في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى فرغ فقمت إليه فقال ادن إلى مولاك فسلم عليه فسلمت
عليه فرد علي السلام بلسان فصيح ثم قال لي اذهب فغير اسم ابنتك التي سميتها أمس فإنه
اسم يبغضه الله تعالى وكانت ولدت لي بنت فسميتها
فقال أبو عبد الله
انته إلى أمره ترشد فغيرت اسمها.
وروى ابن مسكان عن
سليمان بن خالد قال دعا أبو عبد الله ع أبا الحسن يوما ونحن عنده فقال لنا عليكم بهذا
بعدي فهو والله صاحبكم.
وروى الوشاء عن علي
بن الحسين عن صفوان الجمال قال سألت أبا عبد الله ع عن صاحب هذا الأمر فقال إن صاحب
هذا الأمر لا يلهو ولا يلعب فأقبل أبو الحسن موسى ع وهو صغير ومعه عناق مكية وهو يقول
اسجدي لربك فأخذه أبو عبد الله ع وضمه إليه وقال بأبي وأمي من لا يلهو ويلعب.
وروى يعقوب بن جعفر
الجعفري
قال حدثني إسحاق بن
جعفر الصادق ع قال كنت عند أبي يوما فسأله علي بن عمر بن علي فقال جعلت فداك إلى من
نفزع ويفزع الناس بعدك فقال إلى صاحب هذين الثوبين الأصفرين والعذيرتين وهو الطالع
عليك من الباب فما لبثنا أن طلعت علينا كفان آخذتان بالبابين حتى انفتحا ودخل علينا
أبو إبراهيم موسى بن جعفر ع وهو صبي وعليه ثوبان أصفران.
وروى محمد بن الوليد
قال سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق ع يقول سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من
خاصته وأصحابه استوصوا بابني موسى خيرا فإنه أفضل ولدي ومن أخلف بعدي وهو القائم مقامي
والحجة لله عزوجل على
__________________
كافة خلقه من بعدي.
وكان علي بن جعفر شديد
التمسك بأخيه موسى والانقطاع إليه والتوفر على أخذ معالم دينه عنه وله مسائل مشهور
عنه وجوابات رواها سماعا منه والأخبار فيما ذكرناه أكثر من أن يحصى على ما بيناه ووصفناه.
باب ذكر طرف من دلائل أبي الحسن موسى ع وآياته ومعجزاته وعلاماته
عن هشام بن سالم قال
كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله ع وأنا ومحمد بن النعمان صاحب الطاق والناس ومجتمعون
على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه فدخلنا عليه والناس عنده فسألناه عن
الزكاة في كم تجب فقال في مائتي درهم خمسة دراهم فقلنا له ففي مائة فقال درهمان ونصف
قلنا والله ما تقول المرجئة هذا فقال والله ما أدري ما تقول المرجئة قال فخرجنا ضلالا
ما ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول فقعدنا في بعض أزقة المدينة
باكين لا ندري إلى
أين نتوجه وإلى من نقصد نقول إلى المرجئة إلى القدرية إلى المعتزلة إلى الزيدية فنحن
كذلك إذ رأيت رجلا شيخا لا أعرفه يومئ إلي بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر
المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس على من يجتمع بعد جعفر من الناس فيؤخذ فتضرب
عنقه فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول فإني خائف على نفسي وعليك وإنما يريدني ليس يريدك
فتنح عني لا تهلك فتعين على نفسك فتنحى عنه بعيدا وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا
أقدر على التخلص منه فما زلت أتبعه وقد عرضت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن
موسى ع ثم خلاني ومضى.
فإذا خادم بالباب فقال
لي ادخل رحمك الله فدخلت فإذا أبو الحسن موسى ع فقال لي ابتداء منه إلي إلي لا إلى
المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الزيدية ولا إلى الخوارج قلت جعلت
فداك مضى أبوك قال
__________________
نعم قلت مضى موتا قال
نعم قلت فمن لنا بعده قال إن شاء الله أن يهديك هداك قلت جعلت فداك إن أخاك عبد الله
يزعم أنه الإمام من بعد أبيه فقال عبد الله يريد أن لا يعبد الله قال قلت جعلت فداك
فمن لنا من بعده فقال إن شاء الله أن يهديك هداك قلت جعلت فداك فأنت هو قال لا أقول
ذلك قال فقلت في نفسي إني لم أصب طريق المسألة ثم قلت له جعلت فداك أعليك إمام قال
لا.
قال فدخلني شيء لا
يعلمه إلا الله تعالى إعظاما له وهيبة ثم قلت له جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك
قال سل تخبر ولا تذع فإن أذعت فهو الذبح قال فسألته فإذا هو بحر لا ينزف قلت جعلت فداك
شيعة أبيك ضلال فألقي إليهم هذا الأمر وادعوهم إليك فقد أخذت علي الكتمان قال من آنست
منه رشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاع فهو الذبح وأشار بيده إلى حلقه.
قال فخرجت من عنده
فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي ما وراءك قلت الهدى وحدثته بالقصة قال ثم لقينا زرارة
وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعا عليه ثم لقينا الناس أفواجا فكل من
دخل عليه قطع بالإمامة إلا طائفة عمار الساباطي وبقي عبد الله لا يدخل عليه من الناس
إلا القليل.
وعن الرافعي قال كان
لي ابن عم يقال له الحسن بن عبد الله وكان زاهدا وكان من أعبد أهل زمانه وكان السلطان
يتقيه لجده في الدين واجتهاده وربما استقبل السلطان في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
بما يغضبه فيحتمل ذلك لصلاحه فلم تزل هذه حاله حتى دخل يوما المسجد وفيه أبو الحسن
موسى ع فأومأ إليه فأتاه فقال له يا با علي ما أحب إلي ما أنت فيه وأسرني به إلا أنه
ليست لك معرفة فاطلب المعرفة فقال له جعلت فداك وما المعرفة قال اذهب تفقه واطلب الحديث
قال عن من قال عن فقهاء المدينة ثم أعرض علي الحديث قال فذهب فكتب ثم جاء فقرأه عليه
فأسقط كله ثم قال اذهب فاعرف وكان الرجل معينا بدينه فلم يزل يترصد أبا الحسن حتى خرج
إلى ضيعة له فلقيه
في الطريق فقال له
جعلت فداك إني أحتج عليك بين يدي الله عزوجل فدلني على ما تجب علي
معرفته قال فأخبره أبو الحسن عليه بأمر أمير المؤمنين ع وحقه وما يجب له وأمر الحسن
والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد ص ثم سكت فقال له جعلت فداك فمن
الإمام اليوم قال إن أخبرتك تقبل قال نعم قال أنا هو قال فشيء أستدل به قال اذهب إلى
تلك الشجرة وأشار إلى بعض شجر أم غيلان وقل لها يقول لك موسى بن جعفر أقبلي قال فأتيتها
فرأيتها والله تخد الأرض خدا حتى وقفت بين يديه ثم أشار إليها بالرجوع فرجعت قال فأقر
به ثم لزم الصمت والعبادة وكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك.
وروى عن أبي بصير قال
قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ع جعلت فداك بم يعرف الإمام قال بخصال أما أولهن فإنه
بشيء تقدم من أبيه وأشار به إليه ليكون حجة ويسأل فيجيب وإذا سكت عنه ابتدأ ويخبر بما
في غد ويكلم الناس بكل لسان ثم قال يا با محمد أعطيك علامته قبل أن تقوم فلم يلبث أن
دخل عليه رجل من خراسان فكلمه الخراساني بالعربية فأجابه أبو الحسن بالفارسية فقال
له الخراساني والله ما منعني أن أكلمك بالفارسية إلا أني ظننتك لا تحسنها فقال سبحان
الله إذا كنت لا أحسن أن أجيبك فما فضلي عليك فيما أستحق به الإمامة ثم قال يا با محمد
إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا منطق الطير ولا كلام شيء فيه روح.
وروى عبد الله بن إدريس
عن ابن سنان قال حمل الرشيد في بعض الأيام إلى علي بن يقطين ثيابا أكرمه بها وكان في
جملتها دراعة خز سوداء من لباس الملوك مثقلة بالذهب فأنفذ علي بن يقطين جل تلك الثياب
إلى أبي الحسن موسى بن جعفر ع وأنفذ في جملتها تلك الدراعة وأضاف إليها مالا كان أعده
على رسم له فيما يحمله إليه من خمس ماله فلما وصل ذلك إلى أبي الحسن ع قبل المال والثياب
ورد الدراعة على يد الرسول إلى علي بن يقطين وكتب إليه
احتفظ بها ولا تخرجها
عن يدك فسيكون لك بها شأن تحتاج إليها معه فارتاب علي بن يقطين بردها عليه ولم يدر
ما سبب ذلك واحتفظ بالدراعة.
فلما كان بعد ذلك بأيام
تغير علي بن يقطين على غلام كان يختص به فصرفه عن خدمته وكان الغلام يعرف ميل علي بن
يقطين إلى أبي الحسن ع ويقف على ما يحمله إليه في كل وقت من مال وثياب وألطاف وغير
ذلك فسعى به الرشيد وقال إنه يقول بإمامة موسى بن جعفر ويحمل إليه خمس ماله في كل سنة
وقد حمل إليه الدراعة التي أكرمه بها أمير المؤمنين في وقت كذا وكذا فاستشاط الرشيد
من ذلك
وغضب غضبا شديدا وقال
لأكشفن عن هذه القضية [الحال] فإن كان الأمر كما تقول أزهقت نفسه وأنفذ في الوقت وطلب
علي بن يقطين فلما مثل بين يديه قال له ما فعلت الدراعة التي كسوتك بها قال هي يا أمير
المؤمنين عندي في سفط مختوم
فيه طيب وقد احتفظت
بها وقل ما أصبحت إلا وفتحت السفط ونظرت إليها تبركا بها وقبلتها ورددتها إلى موضعها
وكلما أمسيت صنعت مثل ذلك فقال أحضرها الساعة قال نعم يا أمير المؤمنين فاستدعى بعض
خدمه فقال له امض إلى البيت الفلاني من داري فخذ مفتاحه من جاريتي وافتحه وافتح الصندوق
الفلاني فجئني بالسفط الذي فيه بختمه فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط مختوما فوضع بين
يدي الرشيد فأمر بكسر ختمه وفتحه فلما فتح نظر إلى الدراعة فيه بحالها مطوية مدفونة
في الطيب فسكن الرشيد من غضبه ثم قال لعلي بن يقطين ارددها إلى مكانها وانصرف راشدا
فلن نصدق عليك بعدها ساعيا وأمر أن يتبع بجائزه سنية وتقدم
بضرب الساعي ألف سوط
فضرب نحو خمسمائة سوط فمات في ذلك.
وروى عن محمد بن الفضل
قال اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين
__________________
في الوضوء هو من الأصابع
إلى الكعبين أم من الكعبين إلى الأصابع فكتب ابن يقطين إلى أبي الحسن موسى ع جعلت فداك
إن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فإن رأيت أن تكتب بخطك بما يكون عملي عليه فعلت
إن شاء الله فكتب إليه أبو الحسن ع فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك
به في ذلك أن تمضمض ثلاثا وتستنشق ثلاثا وتغسل وجهك ثلاثا وتخلل شعر لحيتك وتغسل يديك
إلى المرفقين ثلاثا وتمسح رأسك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك إلى الكعبين
ثلاثا ولا تخالف ذلك إلى غيره فلما وصل الكتاب إلى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه
مما جميع العصابة على خلافه ثم قال مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره فكان يعمل في
وضوئه على هذا الحد ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالا لأمر أبي الحسن ع.
وسعي بعلي بن يقطين
وقيل إنه رافضي مخالف لك فقال الرشيد لبعض خاصته قد كثر عندي القول في علي بن يقطين
والقرف له
بخلافنا وميله إلى
الروافض ولست أرى في خدمته لي تقصيرا وقد امتحنته مرارا فما ظهرت منه على ما يقرب به
وأحب أن أستبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيحترز مني فقيل له إن الرافضة يا أمير المؤمنين
تخالف الجماعة في الوضوء فتخففه ولا ترى غسل الرجلين فاستمحنه من حيث لا يعلم بالوقوف
على وضوئه فقال أجل إن هذا الوجه يظهر به أمره ثم تركه مدة وناطه بشيء من الشغل في
الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته فلما
دخل وقت الصلاة وقف الرشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو
فدعا بالماء للوضوء فتوضأ كما تقدم والرشيد ينظر إليه فلما رآه قد فعل ذلك لم يملك
نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك من الرافضة
وصلحت حاله عنده.
وورد عليه كتاب أبي
الحسن ع ابتداء من الآن يا علي بن يقطين توضأ
__________________
كما أمر الله تعالى
اغسل وجهك مرة فريضة وأخرى إسباغا واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر
قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنا نخاف عليك والسلام.
وروى علي بن أبي حمزة
البطائني قال خرج أبو الحسن موسى ع في بعض الأيام من المدينة إلى ضيعة له خارجة عنها
فصحبته وكان ع راكبا بغلة وأنا على حمار لي فلما صرنا في بعض الطريق اعترضنا أسد فأحجمت
عنه خوفا
وأقدم أبو الحسن ع
غير مكترث به
فرأيت الأسد يتذلل
لأبي الحسن ويهمهم
فوقف له أبو الحسن
ع كالمصغى إلى همهمته ووضع الأسد يده على كفل بغلته وقد همتني نفسي من ذلك وخفت خوفا
عظيما ثم تنحى الأسد إلى جانب الطريق وحول أبو الحسن موسى ع وجهه إلى القبلة وجعل يدعو
ويحرك شفتيه بما لم أفهمه ثم أومأ بيده إلى الأسد أن امض فهمهم الأسد همهمة طويلة وأبو
الحسن ع يقول آمين آمين وانصرف الأسد حتى غاب عنا ومضى أبو الحسن ع لوجهه.
فلما بعدنا عن الموضع
قلت له جعلت فداك ما شأن هذا الأسد فقد خفته والله عليك وعجبت من شأنه معك فقال لي
أبو الحسن ع إنه خرج يشكو إلى عسر الولادة على لبوته
وسألني أن أسأل الله
تعالى أن يفرج عنها ففعلت ذلك فألقي في روعي أنها تلد له ذكرا فخبرته بذلك فقال لي
امض في حفظ الله فلا سلط الله عليك ولا على ذريتك ولا على أحد من شيعتك شيئا من السباع
فقلت آمين.
قال الشيخ المفيد رحمهالله تعالى والأخبار في
هذا الباب كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية على الرسم الذي تقدم والمنة لله وقال
__________________
باب ذكر طرف من فضائله ومناقبه وخلاله التي بان بها في الفضل من غيره ع.
وكان أبو الحسن موسى
ع أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفا وأكرمهم نفسا وروي أنه كان يصلي نوافل الليل
ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخر لله ساجدا فلا يرفع رأسه من الدعاء
والتحميد حتى يقرب زوال الشمس. وكان يدعو كثيرا فيقول اللهم إني أسألك الراحة عند الموت
والعفو عند الحساب ويكرر ذلك وكان من دعائه عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك
وكان يبكي من خشية الله حتى تخضل لحيته بالدموع وكان أوصل الناس لأهله ورحمه وكان يتفقد
فقراء المدينة في الليل فيحمل إليهم العين
والورق والدقيق والتمر
فيوصل ذلك إليهم ولا يعلمون من أي جهة هو.
قال محمد بن عبد الله
البكري قدمت المدينة أطلب دينا فأعياني فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى ع فشكوت إليه
فأتيته بنقمى
في ضيعته فخرج إلي
ومعه غلام ومعه نسف فيه قديد مجزع
ليس معه غيره فأكل
وأكلت معه وسألني عن حاجتي فذكرت له قصتي فدخل ولم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال
لغلامه اذهب ثم مد يده إلي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولى فقمت فركبت
دابتي فانصرفت.
وروى أن رجلا من ولد
عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي أبا الحسن موسى ع ويسبه إذا رآه ويشتم عليا ع فقال
له أصحابه دعنا نقتل هذا الفاجر فنهاهم عن ذلك وزجرهم أشد الزجر.
وسأل عن العمري فذكر
أنه خرج إلى زرع له فخرج إليه ودخل المزرعة بحماره
__________________
فصاح به العمري لا
توطئ زرعنا فتوطأه أبو الحسن ع بالحمار حتى وصل إليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه
وقال كم غرمت على زرعك هذا فقال مائتي دينار قال فكم ترجو أن يحصل منه قال لست أعلم
الغيب قال إنما قلت كم ترجو أن يجيئك فيه قال أرتجي فيه مائتي دينار قال فأخرج له أبو
الحسن ع صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال هذا زرعك على حاله والله يرزقك ما ترجو قال فقام
العمري فقبل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه
فتبسم إليه أبو الحسن
ع وانصرف وراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر إليه قال الله أعلم حيث يجعل
رسالاته.
قال فوثب إليه أصحابه
فقالوا ما قصتك قد كنت تقول غير هذا فقال لهم قد سمعتم ما قلت الآن وجعل يدعو لأبي
الحسن ع فخاصموه وخاصمهم فلما رجع أبو الحسن ع إلى داره قال لأصحابه الذين أشاروا بقتل
العمري كيف رأيتم أصلحت أمره وكفيت شره.
وذكر جماعة من أهل
العلم أن أبا الحسن ع كان يصل بالمائتي دينار إلى الثلاثمائة دينار وكانت صرار
موسى ع مثلا.
وذكر ابن عمار وغيره
من الرواة أنه لما خرج الرشيد إلى الحج وقرب من المدينة استقبله الوجوه من أهلها يقدمهم
موسى بن جعفر ع على بغلة فقال له الربيع ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين
وأنت إن طلبت عليها لم تدرك وإن طلبت عليها لم تفت فقال إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل
وارتفعت عن ذلة العير وخير الأمور أوسطها قالوا ولما دخل الرشيد المدينة توجه إلى زيارة
النبي ص ومعه الناس فتقدم إلى قبر رسول الله ص فقال السلام عليك يا رسول الله السلام
عليك يا ابن عم مفتخرا بذلك على غيره فتقدم موسى ع إلى القبر
__________________
وقال السلام عليك يا
رسول الله السلام عليك يا أبة فتغير وجه الرشيد وتبين الغيظ فيه.
وأخبر عبد الحميد قال
سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى ع بمحضر من الرشيد وهم بمكة فقال أيجوز للمحرم أن
يظلل على محمله نفسه
فقال له موسى لا يجوز
له ذلك مع الاختيار فقال له محمد بن الحسن أفيجوز له أن يمشي تحت الظلال مختارا فقال
له نعم فتضاحك له محمد بن الحسن من ذلك فقال له أبو الحسن موسى ع أتعجب من سنة النبي
ص وتستهزئ بها أن رسول الله كشف ظلاله في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم إن أحكام
الله يا محمد لا تقاس فمن قاس بعضها ببعض فقد ضل عن السبيل فسكت محمد بن الحسن لا يرجع
جوابا.
وقد روى الناس عن أبي
الحسن موسى ع فأكثروا وكان أفقه أهل زمانه كما قدمناه وأحفظهم لكتاب الله عزوجل وأحسنهم صوتا بالقرآن
وكان إذا قرأ يحزن ويبكي ويبكي السامعين وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المتهجدين
وسمي بالكاظم لما كظمه من الغيظ وصبر عليه من فعل الظالمين به حتى مضى قتيلا في حبسهم
ووثاقهم ص.
وقال باب ذكر السبب في وفاته وطرف من الخبر في ذلك.
وكان السبب في قبض
الرشيد على أبي الحسن ع وحبسه وقتله ما ذكره أحمد بن عبيد الله بن عمار عن علي بن محمد
النوفلي عن أبيه وأحمد بن محمد بن سعيد وأبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى عن مشايخهم
قالوا كان السبب في أخذ موسى بن جعفر ع أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن
الأشعث فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك وقال إن أفضت إليه الخلافة زالت دولتي ودولة
ولدي فاحتال على جعفر بن محمد وكان يقول بالإمامة حتى داخله وآنس به وكان يكثر غشيانه
في منزله فيقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه ثم قال
لبعض ثقاته تعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال
__________________
يعرفني ما أحتاج إليه
فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل إليه يحيى بن خالد مالا وكان موسى ع يأنس
بعلي بن إسماعيل ويصله ويبره ثم أنفذ إليه يحيى بن خالد يرغبه في قصد الرشيد ويعده
بالإحسان إليه فعمل على ذلك فأحس به موسى ع فدعا به فقال إلى أين يا ابن أخي قال إلى
بغداد قال وما تصنع قال علي دين وأنا مملق
فقال له موسى ع أنا
أقضي دينك وأفعل بك وأصنع فلم يلتفت إلى ذلك وعمل على الخروج فاستدعاه أبو الحسن ع
فقال له أنت خارج قال نعم لا بد لي من ذلك فقال له انظر يا ابن أخي واتق الله ولا تؤتم
أطفالي وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن
ع لمن حضره والله ليسعين في دمي ويؤتمن أولادي فقالوا جعلني الله فداك وأنت تعلم هذا
من حاله وتعطيه وتصله قال نعم. حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله ص أن الرحم إذا قطعت
فوصلت فقطعت قطعها الله وأنني أردت أن أصله بعد قطعه حتى إذا قطعني قطعه الله.
قالوا فخرج علي بن
إسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر ع ورفعه إلى الرشيد فسأله
عن عمه فسعى به إليه وقال إن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب وإنه اشترى ضيعة
سماه اليسيرية بثلاثين ألف دينار فقال له صاحبها وقد أحضره المال لا آخذ هذا النقد
ولا آخذ إلا نقد كذا وكذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين ألف دينار من النقد الذي
سأل بعينه.
فسمع ذلك منه الرشيد
وأمر له بمائتي ألف درهم تسبب على بعض النواحي فاختار بعض كور المشرق
ومضت رسله لقبض المال
وأقام ينتظرهم فدخل في بعض تلك الأيام إلى الخلاء فزحر زحرة
خرجت منها حشوته كلها
فسقط و
__________________
جهدوا في ردها فلم
يقدروا فوقع لما به وجاءه المال وهو ينزع فقال ما أصنع به وأنا في الموت.
وخرج الرشيد في تلك
السنة إلى الحج وبدأ بالمدينة فقبض على أبي الحسن ع يقال إنه لما ورد المدينة استقبله
موسى ع في جماعة من الأشراف وانصرفوا من استقباله فمضى أبو الحسن ع إلى المسجد على
رسمه وأقام الرشيد إلى الليل وصار إلى قبر رسول الله ص فقال يا رسول الله إني أعتذر
إليك من أمر أريد أن أفعله أريد أن أحبس موسى بن جعفر فإنه يريد التشتيت بين أمتك وسفك
دمائهم ثم أمر به فأخذ من المسجد فأدخل إليه فقيده واستدعى قبتين فجعله في أحدهما على
بغل وجعل القبة الأخرى على بغل آخر وخرج البغلان من داره عليهما القبتان مستورتان ومع
كل واحدة منهما خيل فافترقت الخيل فمضى بعضها مع إحدى القبتين على طريق البصرة والأخرى
على طريق الكوفة وكان أبو الحسن ع في القبة التي مضى بها على طريق البصرة وإنما فعل
الرشيد ذلك ليعمي على الناس الأمر في باب أبي الحسن وأمر القوم الذين كانوا مع قبة
أبي الحسن أن يسلموه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور وكان على البصرة حينئذ فسلم إليه
فحبسه عنده سنة وكتب إليه الرشيد في دمه فاستدعى عيسى بن جعفر بعض خاصته وثقاته فاستشارهم
فيما كتب إليه الرشيد فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه فكتب عيسى بن جعفر
إلى الرشيد يقول له قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي وقد اختبرت حاله ووضعت
عليه العيون طول هذه المدة فما وجدته يفتر عن العبادة ووضعت من يسمع منه ما يقول في
دعائه فما دعا عليك ولا علي وما ذكرنا بسوء وما يدعو إلا بالمغفرة والرحمة لنفسه وإن
أنت أنفذت إلى من يتسلمه مني وإلا خليت سبيله فإني متحرج
من حبسه ..
وروى أن بعض عيون عيسى
بن جعفر رفع إليه أنه سمعه كثيرا يقول في دعائه وهو محبوس عنده اللهم إنك تعلم أني
كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك
__________________
اللهم وقد فعلت فلك
الحمد
فوجه الرشيد من تسلمه
عن عيسى بن جعفر وصير به إلى بغداد فسلم إلى الفضل بن الربيع فبقي عنده مدة طويلة فأراده
الرشيد على شيء من أمره فأبى فكتب إليه بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه وجعله
في بعض حجر دوره ووضع عليه الرصد وكان ع مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله صلاة وقراءة
للقرآن ودعاء واجتهادا ويصوم النهار في أكثر الأيام ولا يصرف وجهه عن المحراب فوسع
عليه الفضل بن يحيى وأكرمه فاتصل ذلك بالرشيد وهو في الرقة فكتب إليه ينكر عليه توسيعه
على موسى ع ويأمره بقتله فتوقف عن ذلك ولم يقدم عليه.
فاغتاظ الرشيد لذلك
ودعا مسرور الخادم فقال له اخرج على البريد في هذا الوقت إلى بغداد وادخل من فورك على
موسى بن جعفر فإن وجدته في دعة ورفاهية فأوصل هذا الكتاب إلى العباس بن محمد ومره بامتثال
ما فيه وسلم إليه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس بن محمد فقدم مسرور
فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى بن جعفر فوجده على ما
بلغ الرشيد فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي بن شاهك فأوصل الكتابين إليهما
فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى
دخل على العباس فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر بالفضل فجرد وضربه السندي بين يديه
مائة سوط وخرج متغير اللون خلاف ما دخل وجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا.
وكتب مسرور بالخبر
إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى ع إلى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلسا حافلا وقال أيها
الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من
كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه وبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب إلى الرشيد فدخل
من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ثم
قال التفت يا أمير
المؤمنين فأصغى إليه فزعا فقال له إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد.
فانطلق وجهه وسر وأقبل
على الناس وقال إن الفضل كان قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه
فقالوا نحن أولياء من واليت وأعداء ما عاديت وقد توليناه ثم خرج يحيى بن خالد على البريد
حتى وافى بغداد فهاج الناس وأرجفوا بكل شيء وأظهر أنه ورد لتعديل السواد والنظر في
أمور العمال وتشاغل ببعض ذلك أياما ثم دعا السندي فأمره فيه بأمره فامتثله وكان الذي
تولى به السندي قتله ع سما جعله في طعامه قدمه إليه ويقال إنه جعله في رطب أكل منه
فأحس بالسم ولبث بعده ثلاثا موعوكا منه
ثم مات في اليوم الثالث.
ولما مات موسى ع أدخل
السندي بن شاهك الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إليه ولا
أثر به من جراح ولا خنق وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك وأخرج ووضع على
الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه
وهو ميت صلوات الله عليه.
وقد كان قوم زعموا
في أيام موسى ع أنه هو القائم المنتظر وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم فأمر
يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت
فانظروا إليه فنظر الناس إليه ميتا ثم حمل ودفن في مقابر قريش من باب التين وكانت هذه
المقبرة لبني هاشم.
وروى أنه ع لما حضرته
الوفاة سأل السندي أن يحضره مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب
ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك ..
قال السندي بن شاهك
وكنت سألته في الإذن لي أن أكفنه وأبى وقال
__________________
إنا أهل بيت مهور نسائنا
وحج صرورتنا
وأكفان موتانا من طاهر
أموالنا وعندي كفن وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه.
قلت بعدا لهذه الأحلام
الهافية والأديان الواهية والعقائد المدخولة والنحل المجهولة والأنفس الظالمة والحركات
الفاسدة والأهواء الغالبة والهمم القاصرة والسيرة القاسطة والطبائع العادية والعقول
الغائبة فلقد أتوها شنعاء شوهاء جذاء تبكي لها الأرض والسماء وأظلم منها النهار تجاوزت
حدها الأقدار ولم يأت بمثلها الكفار هل عرفوا أي دم سفكوا وأي حرمة انتهكوا وبمن فتكوا
حين فتكوا وكيف أساءوا حين ملكوا فما أبقى ولا تركوا لم يخافوا أن تميد بهم الأرض فتهلكهم
بزلزالها وتحل بهم المنايا فتعركهم بثفالها
أو تمطرهم السماء بالعذاب
أو تسد عليهم أبواب الخير في الدنيا ولهم في الآخرة سوء الحساب ألم يعلموا أنهم أراقوا
دم النبي ص ألم يخرقوا بفعلهم هذا حرمة الإسلام ألم يعيدوها أموية ألم ينصبوا جسد النبي
ص كما نصبه أولئك ذرية أما فعل الأواخر بموسى كما فعل الأوائل بالحسين ع أما جهدوا
جميعا في تشتيت الكلمة وتفريق ذات البين ما أشبه الفعل الأول بالآخر وما أقرب نسبه
الخافي إلى الظاهر ويحهم ثم هلا قنعوا بحبسه ولم يقدموا على إزهاق نفسه وتكوير شمسه
هل أنكروا مجده وشرفه أو جهلوا قديمه وسلفه كلا والله بل عرفوه وأنكروه وأساءوا إليه
بعد ما اختبروه فأقدموا منه على ما يوجب سخط الله العظيم والعدول عن النهج القويم والصراط
المستقيم والخلود في العذاب الأليم أما علموا أن الله ادخر للظالمين جحيما أما قرءوا
(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) أتراهم لم يعرفوا إيمانه
ومذهبه ولا تحققوا أصله ونسبه بلى والله ولكن حب
__________________
الفانية أعمى القلوب
والأبصار ووطن الأنفس على دخول النار ولقد أذكرتني حاله ع بيتا أنشدنيه الصاحب الشهيد
السعيد تاج الدين محمد بن نصر بن الصلايا الحسيني قدس الله روحه حين عد المماليك على
الملك المعظم ـ توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل ناصر الدين
محمد بن العادل أبي بكر بن أيوب فقتلوه بمصر في محرم سنة ثمان وأربعين وستمائة وساعدهم
على قتله اثنان من عبيده اسم أحدهما محسن والآخر رشيد وهو :
ومن عجب الدنيا إساءة
محسن
|
|
وغي رشيد وامتهان
معظم
|
وقال
المفيد رحمهالله باب عدد أولاده وطرف من أخبارهم.
وكان لأبي الحسن ع
سبعة وثلاثون ولدا ذكرا وأنثى منهم الإمام علي بن موسى الرضا ع وإبراهيم والعباس والقاسم
لأمهات أولاد شتى وإسماعيل وجعفر وهارون والحسن لأم ولد وأحمد ومحمد وحمزة لأم ولد
وعبد الله وإسحاق وعبيد الله وزيد والحسن والفضل وسليمان لأمهات أولاد وفاطمة الكبرى
وفاطمة الصغرى ورقية وحكيمة ـ وأم أبيها ورقية الصغرى وكلثوم وأم جعفر ولبابة وزينب
وخديجة وعلية وآمنة وحسنة وبريهة وعائشة وأم سلمة وميمونة وأم كلثوم.
وكان أفضل ولد أبي
الحسن موسى ع وأنبههم ذكرا وأعظمهم قدرا وأعلمهم وأجمعهم فضلا أبو الحسن علي بن موسى
الرضا ع وكان أحمد بن موسى كريما جليلا ورعا وكان أبو الحسن موسى ع يحبه ويقدمه ووهب
له ضيعته المعروفة باليسيرية ويقال إن أحمد بن موسى رضي الله عنه أعتق ألف مملوك.
وروى أن محمد بن موسى
صاحب وضوء وصلاة وكان ليله كله يتوضأ ويصلي فيسمع سكب الماء
ثم يصلي ليلا ثم يهدأ
ساعة فيرقد ويقوم فيسمع
سكب الماء والوضوء ويصلي ليلا ثم يرتد سويعة ثم يقول فيسمع سكب الماء والوضوء فلا يزال
__________________
كذلك حتى يصبح.
قال الراوي وما رأيته
قط إلا ذكرت قوله تعالى (كانُوا قَلِيلاً مِنَ
اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ).
وكان إبراهيم بن موسى
شجاعا كريما وتقلد الأمر على اليمن في أيام المأمون من قبل محمد بن زيد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب ع الذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ومضى إليها ففتحها وأقام مدة
إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان وأخذ له الأمان من المأمون.
ولكل واحد من أولاد
أبي الحسن موسى ع فضل ومنقبة مشهورة وكان الرضا ع المقدم عليهم في الفضل حسب ما ذكرناه
آخر كلامه.
قال ابن الخشاب ذكر
الأمين موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي صلوات
الله عليهم أجمعين وبالإسناد الأول عن محمد بن سنان ولد موسى بن جعفر بالأبواء سنة
ثمان وعشرين ومائة وقبض وهو ابن أربع وخمسين سنة في سنة مائة وثلاث وثمانين ويقال خمس
وخمسين سنة وفي رواية أخرى بل كان مولده سنة مائة وتسع وعشرين من الهجرة حدثني بذلك
صدقة عن أبيه عن الحسن بن محبوب.
وكان مقامه مع أبيه
أربع عشرة سنة وأقام بعد أبيه خمسا وثلاثين سنة وفي الرواية الأخرى بل أقام موسى مع
أبيه جعفر عشرين سنة حدثني بذلك حرب عن أبيه عن الرضا.
وقبض موسى وهو ابن
خمس وخمسين سنة ـ سنة مائة وثلاث وثمانين أمه حميدة البربرية ويقال الأندلسية أم ولد
وهي أم إسحاق وفاطمة ولد له عشرون ابنا وثمانية عشر بنتا أسماء بنيه علي الرضا الإمام
وزيد وإبراهيم وعقيل وهارون والحسن والحسين وعبد الله وإسماعيل وعبيد الله وعمر وأحمد
وجعفر ويحيى وإسحاق والعباس وحمزة وعبد الرحمن والقاسم وجعفر الأصغر ويقال موضع عمر
محمد.
وأسماء البنات خديجة
وأم فروة وأسماء وعلية وفاطمة وفاطمة وأم كلثوم وأم كلثوم وآمنة وزينب وأم عبد الله
وزينب الصغرى وأم القاسم وحكيمة وأسماء الصغرى ومحمودة وأمامة وميمونة.
لقبه الكاظم والصابر
والصالح والأمين يكنى بأبي الحسن وأبي إسماعيل قبره ببغداد بمقابر قريش آخر كلام ابن
الخشاب.
ومن كتاب الدلائل قال
دلائل أبي إبراهيم موسى بن جعفر ع روى أحمد بن محمد عن أبي قتادة القمي عن أبي خالد
الزبالي قال قدم أبو الحسن موسى زبالة
ومعه جماعة من أصحاب
المهدي بعثهم في إشخاصه القدمة الأولى قال وأمرني بشراء حوائج له فنظر إلي وأنا مغموم
فقال لي يا أبا خالد ما لي أراك مغموما قلت هو ذا تصير إلى هذا الطاغية ولا آمنه عليك
فقال يا أبا خالد ليس علي منه بأس إذا كان شهر كذا وكذا في يوم كذا وكذا فانتظرني في
أول الليل فإني أوافيك إن شاء الله فما كانت لي همة إلا إحصاء الشهور والأيام حتى كان
ذلك اليوم فغدوت إلى أول الليل في المصر الذي وعدني فلم أزل أنتظره إلى أن كادت الشمس
أن تغيب ووسوس الشيطان في صدري فلم أر أحدا ثم تخوفت أن أشك ووقع في قلبي أمر عظيم
فبينا أنا كذلك وإذا سواد قد أقبل من ناحية العراق فانتظرته فوافاني أبو الحسن أمام
القطار على بغلة له فقال إيه أبا خالد قلت لبيك يا ابن رسول الله قال لا تشكن ود
الشيطان أنك شككت قلت
قد كان ذلك قال فسررت بتخليصه فقلت الحمد لله الذي خلصك من الطاغية فقال يا با خالد
إن لهم إلي عودة لا أتخلص منها.
وعن علي بن أبي حمزة
قال دخلت على أبي الحسن موسى ع في السنة التي
__________________
قبض فيها أبو عبد الله
الصادق ع فقلت له كم أتى لك قال تسع عشرة سنة قال فقلت إن أباك أسر إلي سرا وحدثني
بحديث فأخبرني به فقال لي قال لك كذا وكذا حتى نسق على جميع ما أخبرني به أبو عبد الله
ع.
وعن مولى لأبي عبد
الله ع قال كنا مع أبي الحسن ع حين قدم به البصرة فلما أن كان قرب المدائن ركبنا في
أمواج كثيرة وخلفنا سفينة فيها امرأة تزف إلى زوجها وكانت لهم جلبة فقال ما هذه الجلبة
قلنا عروس فما لبثنا أن سمعنا صيحة فقال ما هذا فقالوا ذهبت العروس لتغترف ماء فوقع
منها سوار من ذهب فصاحت فقال احبسوا وقولوا لملاحهم يحبس فجلسنا وحبس ملاحهم فاتكأ
على السفينة وهمس
قليلا وقال قولوا لملاحهم
يتزر بفوطة
وينزل فيتناول السوار
فنظرنا فإذا السوار على وجه الأرض وإذا ماء قليل فنزل الملاح فأخذ السوار فقال أعطها
وقل لها فلتحمد الله ربها ثم سرنا.
فقال له أخوه إسحاق
جعلت فداك الدعاء الذي دعوت به علمنيه قال نعم ولا تعلمه من ليس له بأهل ولا تعلمه
إلا من كان من شيعتنا ثم قال اكتب فأملأ علي إنشاء يا سابق كل فوت يا سامعا لكل صوت
قوي أو خفي يا محيي النفوس بعد الموت لا تغشاك الظلمات الحندسية ولا تشابه عليك اللغات
المختلفة ولا يشغلك شيء عن شيء يا من لا تشغله دعوة داع دعاه من الأرض عن دعوة داع
دعاه من السماء يا من له عند كل شيء من خلقه سمع سامع وبصر نافذ يا من لا تغلطه كثرة
المسائل ولا يبرمه إلحاح الملحين يا حي حين لا حي في ديمومة ملكه وبقائه يا من سكن
العلى واحتجب عن خلقه بنوره
__________________
يا من أشرقت لنوره
دجاء الظلم
أسألك باسمك الواحد
الأحد الفرد الصمد الذي هو من جميع أركانك كلها صل على محمد وأهل بيته ثم سل حاجتك.
وعن الوشاء قال حدثني
محمد بن يحيى عن وصي علي بن السري قال قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر ع إن علي بن السري
توفي وأوصى إلي فقال رحمهالله فقلت وإن ابنه جعفرا
وقع على أم ولد له وأمرني أن أخرجه من الميراث فقال لي أخرجه وإن كان صادقا فسيصيبه
خبل
قال فرجعت فقدمني إلى
أبي يوسف القاضي فقال له أصلحك الله أنا جعفر بن علي بن السري وهذا وصي أبي فمره أن
يدفع إلي ميراثي من أبي فقال ما تقول قلت نعم هذا جعفر وأنا وصي أبيه قال فادفع إليه
ماله فقلت له أريد أن أكلمك فقال ادنه
فدنوت حيث لا يسمع
أحد كلامي فقلت هذا وقع على أم ولد لأبيه فأمرني أبوه وأوصاني أن أخرجه من الميراث
ولا أورثه شيئا فأتيت موسى بن جعفر ع بالمدينة فأخبرته وسألته فأمرني أن أخرجه من الميراث
ولا أورثه شيئا قال فقال الله إن أبا الحسن أمرك بذلك قلت نعم فاستحلفني ثلاثا وقال
أنفذ ما أمرك به فالقول قوله قال الوصي وأصابه الخبل بعد ذلك قال الحسن بن علي الوشاء
رأيته على ذلك.
__________________
«قلت
: هذا الخبر يحتاج إلى فضل تأمل في معرفة راويه ، فإنه لو صح ذلك عن ابن الميت وجب
عليه الحدّ ولم يسقط ميراثه ، وبلغني بعد ذلك أنه كان من مذهب أبي يوسف ان المجتهد
يقلد من هو أعلم منه ، وروى في كتب أصولهم ان أبا يوسف حكم على إنسان بحكم ما ، فقال
له : قد حكمت على بخلاف ما حكم لي موسى بن جعفر ، قال : فما الذي حكم به؟ ـ
وعن عيسى المدائني
قال خرجت سنة إلى مكة فأقمت بها ثم قلت أقيم بالمدينة مثل ما أقمت بمكة فهو أعظم لثوابي
فقدمت المدينة فنزلت طرف المصلى إلى جنب دار أبي ذر رضي الله عنه فجعلت أختلف إلى سيدي
فأصابنا مطر شديد بالمدينة فأتينا أبا الحسن ع يوما فسلمنا عليه وأن السماء تهطل
فلما دخلت ابتدأني
فقال لي وعليك السلام يا عيسى ارجع فقد انهدم بيتك على متاعك فانصرفت فإذا البيت قد
انهدم على المتاع فاكتريت قوما يكشفون عن متاعي فاستخرجته فما ذهب لي شيء ولا افتقدته
غير سطل كان لي فلما أتيته من الغد مسلما عليه قال هل فقدت شيئا من متاعك فندعو الله
لك بالخلف فقلت ما فقدت شيئا غير سطل كان لي أتوضأ فيه فقدته فأطرق مليا ثم رفع رأسه
إلي فقال لي قد ظننت أنك أنسيته فسل جارية رب الدار وقل لها أنت رفعت السطل فرديه فإنها
سترده عليك فلما انصرفت أتيت جارية رب الدار فقلت لها إني أنسيت سطلا في الخلاء ودخلت
فأخذتيه فرديه أتوضأ فيه قال فردته.
قال علي بن أبي حمزة
كنت عند أبي الحسن ع جالسا إذ أتاه رجل من الري يقال له جندب فسلم عليه ثم جلس فسأل
أبا الحسن فأكثر السؤال ثم قال له يا جندب ما فعل أخوك فقال الخير وهو يقرئك السلام
فقال له أعظم الله أجرك في أخيك فقال له ورد إلي كتابه من الكوفة لثلاثة عشر يوما بالسلامة
فقال له يا جندب والله مات بعد كتابه إليك بيومين ودفع إلى امرأته مالا وقال لها ليكن
هذا المال عندك فإذا قدم أخي فادفعيه إليه وقد أودعته في الأرض في البيت الذي كان يسكنه
فإذا أنت أتيتها فتلطف لها وأطمعها في نفسك فإنها ستدفعه إليك قال علي وكان جندب رجلا
جميلا قال علي فلقيت جندبا بعد ما فقد أبو الحسن ع فسألته
__________________
عما كان قال أبو الحسن
فقال يا علي صدق والله
سيدي ما زاد ولا نقص لا في الكتاب ولا في المال.
وعن خالد قال خرجت
وأنا أريد أبا الحسن ع فدخلت عليه وهو في عرصة داره جالس فسلمت عليه وجلست وقد كنت
أتيته لأسأله عن رجل من أصحابنا كنت سألته حاجة فلم يفعل فالتفت إلي وقال ينبغي لأحدكم
إذا لبس الثوب الجديد أن يمر يده عليه ويقول ـ الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي
وأتجمل به بين الناس وإذا أعجبه شيء فلا يكثر ذكره فإن ذلك مما يهده وإذا كانت لأحدكم
إلى أخيه حاجة أو وسيلة لا يمكنه قضاؤها فلا يذكره إلا بخير فإن الله يوقع ذلك في صدره
فيقضي حاجته قال فرفعت رأسي وأنا أقول لا إله إلا الله فالتفت إلي وقال يا خالد اعمل
ما أمرتك.
وعن إسحاق بن عمار
قال سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه فقلت في نفسي وإنه ليعلم متى يموت الرجل من
شيعته فالتفت إلي شبه المغضب فقال يا إسحاق قد كان رشيد الهجري
وكان من المستضعفين
يعلم علم المنايا
__________________
والبلايا فالإمام أولى
بذلك يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فعمرك قد فنى وأنت تموت إلى سنتين وإخوتك وأهل بيتك
لا يلبثون من بعد إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا ويصيرون لإخوانهم ومن
يعرفهم رحمة حتى يشمت بهم عدوهم قال إسحاق فإني أستغفر الله مما عرض في صدري فلم يلبث
إسحاق بعد هذا المجلس إلا سنتين حتى مات ثم ما ذهبت الأيام حتى قام بنو عمار بأموال
الناس وأفلسوا أقبح إفلاس رآه الناس فجاء ما قال أبو الحسن ع فيهم ما غادر قليلا ولا
كثيرا.
قال هشام بن الحكم
أردت شراء جارية بمنى وكتبت إلى أبي الحسن أشاوره فلم يرد علي جوابا فلما كان في الطواف
مر بي يرمى الجمار على حمار فنظر إلي وإلى الجارية من بين الجواري ثم أتاني كتابه لا
أرى بشرائها بأسا إن لم يكن في عمرها قلة قلت لا والله ما قال لي هذا الحرف إلا وهاهنا
شيء لا والله لا اشتريتها قال فما خرجت من مكة حتى دفنت
وعن الوشاء قال حدثني
الحسن بن علي قال حججت أنا وخالي إسماعيل بن إلياس فكتبت إلى أبي الحسن الأول ع وكتب
خالي أن لي بنات وليس لي ذكر وقد قتل رجالنا وقد خلفت امرأتي حاملا فادع الله أن يجعله
غلاما وسمه فوقع في الكتاب قد قضى الله حاجتك فسمه محمدا فقدمنا إلى الكوفة وقد ولد
له غلام قبل وصولنا إلى الكوفة بستة أيام ودخلنا يوم سابعه فقال أبو محمد هو والله
اليوم رجل وله أولاد.
حدث إسماعيل بن موسى
قال كنا مع أبي الحسن ع في عمرة فنزلنا بعض قصور الأمراء وأمر بالرحيل فشدت المحامل
وركب بعض الغلمان وكان أبو الحسن ع في بيت فخرج فقام على بابه فقال حطوا حطوا قال إسماعيل
وهل ترى شيئا فقال إنه ستأتيكم ريح سوداء مظلمة ترمح
بعض الإبل فحطوا وجاءت
ريح سوداء
__________________
قال إسماعيل بن موسى
فأشهد لقد رأيت جملا كان لي عليه كنيسة كنت أركب فيها أنا وأحمد أخي ولقد قام ثم سقط
على جنبه بالكنيسة.
وعن زكريا بن آدم قال
سمعت الرضا ع يقول كان أبي ممن تكلم في المهد.
وعن الأصبغ بن موسى
قال بعث معي رجل من أصحابنا إلى أبي إبراهيم ع بمائة دينار وكانت معي بضاعة لنفسي وبضاعة
له فلما دخلت المدينة صببت على الماء وغسلت بضاعتي وبضاعة الرجل وذررت عليها مسكا ثم
إني عددت بضاعة الرجل فوجدتها تسعة وتسعين دينارا فأعدت عدها وهي كذلك فأخذت دينارا
آخر لي فغسلته وذررت عليه المسك وأعدتها في صرة كما كانت ودخلت عليه في الليل فقلت
له جعلت فداك إن معي شيئا أتقرب به إلى الله تعالى فقال هات فناولته دنانيري وقلت له
جعلت فداك إن فلانا مولاك بعث إليك معي بشيء فقال هات فناولته الصرة قال صبها فصببتها
فنثرها بيده وأخرج ديناري منها ثم قال إنما بعث إلينا وزنا لا عددا.
وروى هشام بن أحمر
أنه ورد تاجر من المغرب ومعه جوار فعرضهن على أبي الحسن ع فلم يختر منهن شيئا وقال
أرنا فقال عندي أخرى وهي مريضة فقال ما عليك أن تعرضها فأبى فانصرف ثم إنه أرسلني من
الغد إليه وقال قل له كم غايتك فيها قال ما أنقصها من كذا وكذا فقلت قد أخذتها وهو
لك فقال وهي لك ولكن من الرجل فقلت رجل من بني هاشم فقال من أي بني هاشم فقلت ما عندي
أكثر من هذا فقال أخبرك عن هذه الوصيفة إني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة
من أهل الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك فقلت اشتريتها لنفسي فقالت ما ينبغي أن تكون
هذه عند مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض ولا تلبث عنده إلا قليلا
حتى تلد منه غلاما ما يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله يدين له شرق الأرض وغربها قال
فأتيته بها فلم تلبث إلا قليلا حتى ولدت عليا الرضا ع.
وعن أبي حمزة قال سمعت
أبا الحسن ع يقول لا والله لا يرى أبو جعفر بيت الله أبدا فقدمت الكوفة فأخبرت أصحابنا
[بذلك] فلم يلبث أن خرج فلما بلغ الكوفة قال لي أصحابنا في ذلك فقلت لا والله لا يرى
بيت الله أبدا فلما صار في البستان
اجتمعوا إلي أيضا وقالوا
بقي بعد هذا شيء فقلت لا والله لا يرى بيت الله أبدا فلما نزل بئر ميمون
أتيت أبا الحسن ع فوجدته
قد سجد وأطال السجود ثم رفع رأسه إلي فقال اخرج فانظر ما يقول الناس فخرجت فسمعت الواعية
على أبي جعفر فرجعت فأخبرته فقال الله أكبر ما كان ليرى بيت الله أبدا.
وعن عثمان بن عيسى
قال قال أبو الحسن ع لإبراهيم بن عبد الحميد ولقيه سحرا وإبراهيم ذاهب إلى قبا وأبو
الحسن داخل المدينة قال يا إبراهيم قلت لبيك قال إلى أين قلت إلى قبا قال في أي شيء
قلت إنا كنا نشتري في كل سنة هذا التمر فأردت أن آتي رجلا من الأنصار لأشترى من التمر
قال وقد أمنتم الجراد ثم دخل ومضيت أنا فأخبرت أبا الأعز وقلت والله لا أشتري العام
نخلة فما مرت بنا خامسة حتى بعث الله جرادا فأكل عامة ما في النخيل.
وعن إبراهيم بن مفضل
بن قيس قال سمعت أبا الحسن الأول ع وهو يحلف أنه لا يكلم محمد بن عبد الله الأرقط أبدا
فقلت في نفسي هذا يأمر بالبر والصلة ويحلف أن لا يكلم ابن عمه قال فقال هذا من بري
به وهو لا يصبر أن يذكرني ويعيبني فإذا علم الناس أني لا أكلمه لا يقبلون منه أمسك
عن ذكري وكان خيرا له.
وعن محمد بن سنان قال
قبض أبو الحسن ع وهو ابن خمس وخمسين سنة في عام ثلاث وثمانين ومائة عاش بعد أبيه خمسا
وثلاثين سنة.
قال الراوندي رحمهالله تعالى الباب الثامن
في معجزات موسى بن جعفر ع عن أبي الحسن الرضا ع قال قال أبي موسى بن جعفر ع لعلي بن
__________________
أبي حمزة مبتدئا إنك
لتلقى رجلا من أهل المغرب يسألك عني فقل هو الإمام الذي قال لنا أبو عبد الله الصادق
ع فإذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه قال فما علامته قال ع رجل طويل جسيم اسمه يعقوب
بن يزيد وهو رائد قومه وإن أراد الدخول إلي فأحضره عندي قال علي بن أبي حمزة فو الله
إني لفي الطواف إذ أقبل رجل جسيم طويل فقال لي إني أريد أن أسألك عن صاحبك قلت عن أي
الأصحاب قال عن موسى بن جعفر ع قلت فما اسمك قال يعقوب بن يزيد قلت من أين أنت قال
من المغرب قلت من أين عرفتني قال أتاني آت في منامي فقال لي الق علي بن أبي حمزة فسله
عن جميع ما تحتاج إليه فسألت عنك فدللت عليك فقلت اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي
وأعود إليك.
فطفت ثم أتيته فكلمته
فرأيته رجلا عاقلا فطنا فالتمس مني الوصول إلى موسى بن جعفر ع فأوصلته إليه فلما رآه
قال يا يعقوب بن يزيد قدمت أمس ووقع بينك وبين أخيك خصومة في موضع كذا حتى تشاتمتما
وليس هذا من ديني ولا من دين آبائي فلا نأمر بهذا أحدا من شيعتنا فاتق الله فإنكما
ستفترقان عن قريب بموت فأما أخوك فيموت في سفرته هذه قبل أن يصل إلى أهله وتندم أنت
على ما كان منك إليه فإنكما تقاطعتما وتدابرتما فقطع الله عليكما أعماركما فقال الرجل
يا ابن رسول الله فأنا متى يكون أجلي قال كان قد حضر أجلك فوصلت عمتك بما وصلتها في
منزل كذا وكذا فنسأ الله في أجلك عشرين حجة قال علي بن أبي حمزة فلقيت الرجل من قابل
بمكة فأخبرني أن أخاه توفي ودفنه في الطريق قبل أن يصل إلى أهله.
ومنها أن المفضل بن عمر قال
لما مضى الصادق كانت وصيته إلى موسى الكاظم ع فادعى أخوه عبد الله الإمامة وكان أكبر
ولد جعفر في وقته ذلك وهو المعروف بالأفطح فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره وأرسل
إلى أخيه عبد الله يسأله أن يصير إليه فلما صار إليه ومع موسى جماعة من
الإمامية فلما جلس
موسى أمر بطرح النار في الحطب فاحترق ولا يعلم الناس السبب فيه حتى صار الحطب كله جمرا
ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة ثم قام فنفض ثوبه ورجع
إلى المجلس فقال لأخيه عبد الله إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس
قالوا فرأينا عبد الله قد تغير لونه وقام يجر ردائه حتى خرج من دار موسى ع.
ومنها ما قال بدر مولى الرضا
إن إسحاق بن عمار دخل على موسى بن جعفر ع فجلس عنده إذا استأذن عليه رجل خراساني فكلمه
بكلام لم يسمع مثله كأنه كلام الطير قال إسحاق فأجابه موسى بمثله وبلغته إلى أن قضى
وطره من مساءلته وخرج من عنده فقلت ما سمعت بمثل هذا الكلام قال هذا كلام قوم من أهل
الصين وليس كل كلام أهل الصين مثله ثم قال أتعجب من كلامي قلت هو موضع العجب قال أخبرك
بما هو أعجب منه إن الإمام يعلم منطق الطير ونطق كل ذي روح خلقه الله وما يخفى على
الإمام شيء.
ومنها ما قال علي بن أبي
حمزة أخذ بيدي موسى بن جعفر يوما فخرجنا من المدينة إلى الصحراء فإذا نحن برجل مغربي
على الطريق يبكي وبين يديه حمار ميت ورحله مطروح فقال له موسى ما شأنك قال كنت مع رفقائي
نريد الحج فمات حماري هاهنا وبقيت ومضى أصحابي وقد بقيت متحيرا ليس لي شيء أحمل عليه
فقال له موسى لعله لم يمت قال أما ترحمني حتى تلهو بي قال إن عندي رقية جيدة قال الرجل
ما يكفيني ما أنا فيه حتى تستهزئ بي فدنا موسى ع من الحمار ودعا بشيء لم أسمعه وأخذ
قضيبا كان مطروحا فنخسه به
وصاح عليه فوثب قائما
صحيحا سليما فقال يا مغربي ترى هاهنا شيئا من الاستهزاء الحق بأصحابك ومضينا وتركناه
قال علي بن أبي حمزة فكنت واقفا يوما على زمزم وإذا
__________________
المغربي هناك فلما
رآني عدا إلي وقبلني فرحا مسرورا فقلت ما حال حمارك فقال هو والله صحيح سليم ولا أدري
من أين من الله به علي فأحيا لي حماري بعد موته فقلت له قد بلغت حاجتك فلا تسأل عما
لا تبلغ معرفته.
ومنها أن إسحاق بن عمار قال
لما حبس هارون أبا الحسن ع دخل عليه أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبا أبي حنيفة ـ فقال
أحدهما للآخر نحن على أحد أمرين إما أن نساويه وإما أن نشككه
فجلسا بين يديه فجاء
رجل كان موكلا به من قبل السندي فقال إن نوبتي قد انقضت وأنا على الانصراف فإن كانت
لك حاجة فأمرني حتى آتيك بها في الوقت التي تلحقني النوبة فقال ما لي حاجة فلما خرج
قال لأبي يوسف ومحمد بن الحسن ما أعجب هذا يسألني أن أكلفه حاجة ليرجع وهو ميت في هذه
الليلة قال فغمز أبو يوسف محمد بن الحسن فقاما فقال أحدهما للآخر إنا جئنا لنسأله عن
الفرض والسنة وهو الآن جاء بشيء آخر كأنه من علم الغيب ثم بعثنا برجل مع الرجل فقالا
اذهب حتى تلازمه وتنظر ما يكون من أمره في هذه الليلة وتأتينا بخبره من الغد فمضى الرجل
فنام في مسجد عند باب داره فلما أصبح سمع الواعية ورأى الناس يدخلون داره فقال ما هذا
قالوا مات فلان في هذه الليلة فجأة من غير علة فانصرف إليهما فأخبرهما فأتيا أبا الحسن
ع فقالا قد علمنا أنك أدركت العلم في الحلال والحرام فمن أين أدركت أمر هذا الرجل الموكل
أنه يموت في هذه الليلة قال من الباب الذي كان أخبر بعلمه رسول الله ص علي بن أبي طالب
ع فلما ورد عليهما هذا بقيا لا يحيران جوابا.
وروي أن هارون الرشيد
بعث يوما إلى موسى ع على يدي ثقة له طبقا من السرقين الذي هو على هيئة التين وأراد
استخفافه فلما رفع الإزار عنه فإذا هو من أحلى التين وأطيبه فأكل ع وأطعم الحامل منه
ورد بعضه إلى هارون
__________________
فلما تناوله هارون
صار سرقينا في فيه وكان في يده تينا جنيا
قلت عندي في هذا الخبر
نظر فإن الرشيد وإن كان يريد قتل أبي الحسن ع فإنه كان يعرف شرفه ولا يصل به إلى هذا
القدر من الهوان وإن كان يخاف على الملك فلا يلزم من ذلك طلبه إهانته إلى هذه الغاية
وموسى ع لم يكن يقابله بمثل فعله بإعادة الطبق إليه بحيث يجعله في فيه فيعود إلى حاله
لا سيما وهو في حبسه ودينه التقية وهو مسمى بالكاظم والله أعلم.
ومنها ما قال إسحاق
بن عمار أيضا قال أقبل أبو بصير مع أبي الحسن موسى ع من المدينة يريد العراق فنزل زبالة
فدعا بعلي بن أبي حمزة البطائني وكان تلميذا لأبي بصير فجعل يوصيه بحضرة أبي بصير ويقول
يا علي إذا صرنا إلى الكوفة تقدم في كذا فغضب أبو بصير وخرج من عنده فقال لا والله
ما أرى هذا الرجل أنا أصحبه منذ حين ثم يتخطاني بحوائجه إلى بعض غلماني فلما كان من
الغد حم أبو بصير بزبالة فدعا بعلي بن أبي حمزة فقال أستغفر الله مما حل في صدري من
مولاي ومن سوء ظني به كان قد علم أني ميت وأني لا ألحق بالكوفة فإذا أنا مت فافعل بي
كذا وتقدم في كذا فمات أبو بصير بزبالة.
ومنها أن إسماعيل بن
سالم قال بعث إلي علي بن يقطين وإسماعيل بن أحمد فقالا لي خذ هذه الدنانير فائت الكوفة
فالق فلانا فاستصحبه واشتريا راحلتين وامضيا بالكتب وما معكما من مال فادفعاه إلى موسى
بن جعفر ع فسرنا حتى إذا كنا ببطن الرملة وقد اشترينا علفا ووضعناه بين الراحلتين وجلسنا
نأكل فبينما نحن كذلك إذ طلع علينا موسى بن جعفر على بغلة له أو بغل وخلفه شاكري
فلما رأيناه وثبنا
له وسلمنا عليه فقال هاتا ما معكما فأخرجناه ودفعناه إليه وأخرجنا الكتب ودفعناها إليه
فأخرج كتبا من كمه فقال هذه جوابات كتبكم فانصرفوا في حفظ الله تعالى فقلنا قد فنى
زادنا وقد قربنا من المدينة فلو أذنت لنا فزرنا رسول الله ص وتزودنا زادا فقال أبقي
معكما من زادكما شيء فقلنا نعم
__________________
قال ائتوني به فأخرجناه
إليه فقبضه بيده وقال هذه بلغتكم إلى الكوفة امضيا في حفظ الله فرجعنا وكفانا الزاد
إلى الكوفة.
قال ابن الجوزي رحمهالله في صفة الصفوة موسى
بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي أبو الحسن الهاشمي ص كان يدعى العبد الصالح
لأجل عبادته واجتهاده وقيامه بالليل وكان كريما حليما إذا بلغه عن رجل أنه يؤذيه بعث
إليه بمال.
وحدثني أحمد بن إسماعيل
قال بعث موسى بن جعفر ع إلى الرشيد من الحبس برسالة كانت أنه لن يقضي عني يوم من البلاء
إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون
قال المصنف ولد موسى
بن جعفر بالمدينة في سنة ثمان وعشرين وقيل تسع وعشرين ومائة وأقدمه المهدي بغداد ثم
رده إلى المدينة فأقام بها إلى أيام الرشيد فقدم الرشيد المدينة فحمله معه وحبسه ببغداد
إلى أن توفي بها ـ لخمس بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين ومائة آخر كلام ابن الجوزي بعد
أن حذفت منه ما نقلته من كتب غيره كقصة شقيق البلخي رحمهالله وغيرها والله حسبي
(وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
وقال الآبي في كتابه
نثر الدرر موسى بن جعفر ذكر له أن الهادي قد هم به فقال لأهل بيته بما تشيرون قالوا
نرى أن تتباعد عنه وأن تغيب شخصك فإنه لا يؤمن شره فتبسم ثم قال
زعمت سخينة أن ستغلب
ربها
|
|
ولتغلبن مغالب الغلاب
|
ثم رفع يده إلى السماء
فقال إلهي كم من عدو شحذ لي ظبة مديته
وداف لي قواتل سمومه
ولم تنم عني عين حراسته
فلما رأيت ضعفي عن
__________________
احتمال الفوادح
وعجزي عن ملمات الحوائج
صرفت ذلك عني بحولك وقوتك لا بحولي وقوتي فألقيته في الحفيرة التي احتفر لي خائفا مما
أمله في دنياه متباعدا مما رجاه في آخرته فلك الحمد على قدر استحقاقك سيدي اللهم فخذه
بعزتك وافلل حده عني بقدرتك واجعل له شغلا فيما يليه وعجزا عمن يناويه اللهم وأعدني
عليه عدوى حاضرة تكون من غيظي شفاء ومن حقي عليه وفاء وصل اللهم دعائي بالإجابة وانظم
شكايتي بالتغيير وعرفه عما قليل ما وعدت الظالمين وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين
إنك ذو الفضل العظيم والمن الكريم ثم تفرق القوم فما اجتمعوا إلا لقراءة الكتاب الوارد
بموت موسى الهادي ففي ذلك يقول بعضهم في وصف دعائه
وسارية لم تسر في
الأرض تبتغي
|
|
محلا ولم يقطع بها
السير قاطع
|
وهي أبيات مليحة ما
قيل في وصف الدعاء المستجاب أحسن منها.
وسأله الرشيد فقال
لم زعمتم أنكم أقرب إلى رسول الله ص منا فقال ع يا أمير المؤمنين لو أن رسول الله ص
انشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه فقال سبحان الله فكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم
فقال لكنه لا يخطب إلي ولا أزوجه لأنه ولدنا ولم يلدكم.
وروي أنه قال هل كان
يجوز له أن يدخل على حرمك وهن متكشفات فقال لا فقال ولكنه كان يدخل على حرمي كذلك وكان
يجوز له.
وقيل إنه سأله أيضا
لم قلتم إنا ذرية رسول الله ص وجوزتم أن ينسبوكم إليه فيقولوا يا بني رسول الله ص وأنتم
بنو علي وإنما ينسب الرجل إلى أبيه دون جده فقال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِوَمِنْ
ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ)
وليس لعيسى أب وإنما
ألحق بذرية
__________________
الأنبياء من قبل أمه
وكذلك ألحقنا بذرية النبي ع من قبل أمنا فاطمة ع وأزيدك يا أمير المؤمنين قال الله
تعالى (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ
مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ
وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ)
ولم يدع ع عند مباهلة
النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين وهما الأبناء ع.
ومات في حبس الرشيد
وقيل سعى به جماعة من أهل بيته منهم محمد بن جعفر بن محمد أخوه ومحمد بن إسماعيل بن
جعفر ابن أخيه والله أعلم.
وسمع موسى ع رجلا يتمنى
الموت فقال له هل بينك وبين الله قرابة يحابيك
لها قال لا قال فهل
لك حسنات قدمتها تزيد على سيئاتك قال لا قال فأنت إذا تتمني هلاك الأبد.
وقال من استوى يوماه
فهو مغبون ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ومن لم يعرف الزيادة في نفسه فهو في النقصان
ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة.
وروي عنه أنه قال اتخذوا
القيان فإن لهن فطنا وعقولا ليست لكثير من النساء وكأنه أراد النجابة في أولادهن.
فائدة سنية كنت أرى
الدعاء الذي كان يقوله أبو الحسن موسى ع في سجدة الشكر وهو رب عصيتك بلساني ولو شئت
وعزتك لأخرستني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لأكمهتني
وعصيتك بسمعي ولو شئت
وعزتك لأصممتني و
__________________
عصيتك بيدي ولو شئت
وعزتك لكنعتني
وعصيتك بفرجي ولو شئت
وعزتك لأعقمتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي أنعمت
بها علي ولم يكن هذا جزاك مني بخط عميد الرؤساء لعقمتني والمعروف عقمت المرأة وعقمت
وأعقمها الله فكنت أفكر في معناه وأقول كيف يتنزل على ما تعتقده الشيعة من القول بالعصمة
وما اتضح لي ما يدفع التردد الذي يوجبه فاجتمعت بالسيد السعيد النقيب رضي الدين أبي
الحسن علي بن موسى بن طاوس العلوي الحسيني رحمهالله وألحقه بسلفه الطاهر
فذكرت له ذلك فقال إن الوزير السعيد مؤيد الدين العلقمي رحمهالله تعالى سألني عنه فقلت
كان يقول هذا ليعلم الناس ثم إني فكرت بعد ذلك فقلت هذا كان يقوله في سجدته في الليل
وليس عنده من يعلمه.
ثم إنه سألني عنه السعيد
الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي رحمهالله فأخبرته بالسؤال الأول
والذي قلت والذي أوردته عليه وقلت ما بقي إلا أن يكون يقوله على سبيل التواضع وما هذا
معناه فلم تقع مني هذه الأقوال بموقع ولا حلت من قلبي في موضع ومات السيد رضي الدين
رحمهالله فهداني الله إلى معناه
ووفقني على فحواه فكان الوقوف عليه والعلم به وكشف حجابه بعد السنين المتطاولة والأحوال
المحرمة والأدوار المكررة من كرامات الإمام موسى بن جعفر ع ومعجزاته ولتصح نسبة العصمة
إليه ع وتصدق على آبائه وأبنائه البررة الكرام وتزول الشبهة التي عرضت من ظاهر هذا
الكلام.
وتقريره أن الأنبياء
والأئمة ع تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى وقلوبهم مملوة به وخواطرهم متعلقة بالملإ
الأعلى وهم أبدا في المراقبة. كما قال ع اعبد الله كأنك تراه فإن لم تره فإنه يراك
فهم أبدا متوجهون إليه ومقبلون بكلهم عليه فمتى انحطوا عن تلك الرتبة العالية والمنزلة
الرفيعة إلى الإشتغال بالمأكل والمشرب والتفرغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدوه ذنبا
__________________
واعتقدوه خطيئة واستغفروا
منه ألا ترى أن بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد وأكل وشرب ونكح وهو يعلم أنه بمرأى من
سيده ومسمع لكان ملوما عند الناس ومقصرا فيما يجب عليه من خدمة سيده ومالكه فما ظنك
بسيد السادات وملك الأملاك.
وإلى هذا أشار ع. إنه
ليران على قلبي وإني لأستغفر بالنهار سبعين مرة ولفظة السبعين إنما هي لعد الاستغفار
لا إلى الرين وقوله حسنات الأبرار سيئات المقربين ونظيره إيضاحا من لفظة ليكون أبلغ
من التأويل ويظهر من قوله أعقمتني والعقيم الذي لا يولد له والذي يولد من السفاح لا
يكون ولدا فقد بان بهذا أنه كان يعد اشتغاله في وقت ما بما هو ضرورة للأبدان معصية
يستغفر الله منها وعلى هذا فقس البواقي وكلما يرد عليك من أمثالها.
__________________
وهذا معنى شريف يكشف
بمدلوله حجاب الشبهة ويهدي به الله من حسر عن بصره وبصيرته رين العمى والعمة وليت السيد
كان حيا لأهدي هذه العقيلة إليه وأجلو عرائسها عليه فما أظن أن هذا المعنى اتضح من
لفظ الدعاء لغيري ولا أن أحدا سار في إيضاح مشكله وفتح مقفله مثل سيري وقد ينتج الخاطر
العقيم فيأتي بالعجائب وقديما ما قيل مع الخواطئ سهم صائب.
وقال ابن حمدون في
تذكرته قال موسى بن جعفر ع وجدت علم الناس في أربع أولها أن تعرف ربك والثانية أن تعرف
ما صنع بك والثالثة أن
__________________
تعرف ما أراد منك والرابعة
أن تعرف ما يخرجك من دينك معنى هذه الأربع الأولى وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف
الثانية معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر والعبادة الثالثة أن
تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله لتفعله على الحد الذي أراده منك فتستحق
بذلك الثواب الرابع أن تعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه.
قال الفقير إلى الله
تعالى عبد الله علي بن عيسى غفر الله له ذنوبه بكرمه وأجراه على عوائد ألطافه ونعمه
مناقب الكاظم ع وفضائله ومعجزاته الظاهرة ودلائله وصفاته الباهرة ومخائله تشهد أنه
افترع قبة الشرف وعلاها وسما إلى أوج المزايا فبلغ أعلاها وذللت له كواهل السيادة فركبها
وامتطاها وحكم في غنائم المجد فاختار صفاياها واصطفاها.
تركت والحسن تأخذه
تصطفي منه وتنتحب
|
|
فانتفت منه أحاسنه
واستزادت فضل ما تحب
|
طالت أصوله فسمت إلى
أعلى رتب الجلال وطابت فروعه فعلت إلى حيث لا تنال يأتيه المجد من كل أطرافه ويكاد
الشرف يقطر من أعطافه.
أتاه المجد من هنا
وهنا
|
|
وكان له بمجتمع السيول
|
السحاب الماطر قطرة
من كرمه والعباب الزاخر نغبة من نغبه واللباب الفاخر من عد من عبيده وخدمه كأن الشعرى
علقت في يمينه ولا كرامة للشعرى العبور وكأن الرياض أشبهت خلائقه ولا نعمى لعين الروض
الممطور وهو ع غرة في وجه الزمان وما الغرر والحجول وهو أضوأ من الشمس والقمر وهذا
جهد من يقول بل هو والله أعلى مكانة من هذه الأوصاف وأسمى وأشرف عرقا من هذه النعوت
وأنمى فكيف تبلغ المدائح كنه مقداره أو ترتقي همة البليغ إلى نعت فخاره أو تجري جياد
الأقلام في جلباب صفاته أو يسري خيال الأوهام في ذكر حالاته.
كاظم الغيظ وصائم القيظ
عنصره كريم ومجده حادث وقديم وخلق سؤدده وسيم وهو بكل ما يوصف به زعيم الآباء عظام
والأبناء كرام والدين
متين والحق ظاهر مبين
والكاظم في أمر الله قوي أمين وجوهر فضله عال ثمين وواصفه لا يكذب ولا يمين قد تلقى
راية الإمامة باليمين فسما ع إلى الخيرات منقطع القرين وأنا أحلف على ذلك فيه وفي آبائه
وأبنائه ع باليمين.
كم له من فضيلة جليلة
ومنقبة بعلو شأنه كفيلة وهي وإن بلغت الغاية بالنسبة إليه قليلة ومهما عد من المزايا
والمفاخر فهي فيهم صادقة وفي غيرهم مستحيلة إليهم ينسب العظماء وعنهم يأخذ العلماء
ومنهم يتعلم الكرماء وهم الهداة إلى الله (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) وهم الأدلاء على الله
فلا تحل عنهم ولا تنشده وهم الأمناء على أسرار الغيب وهم المطهرون من الرجس والعيب
وهم النجوم الزواهر في الظلام وهم الشموس المشرقة في الأيام وهم الذين أوضحوا شعار
الإسلام وعرفوا الحلال من الحرام من تلق منهم تقل لاقيت سيدا ومتى عددت منهم واحدا
كان بكل الكمالات منفردا ومن قصدت منهم حمدت قصدك مقصدا ورأيت من لا يمنعه جوده اليوم
أن يجود غدا ومتى عدت إليه عاد كما بدا المائدة والأنعام يشهدان بحالهم والمائدة والأنعام
يخبران بنوالهم فلهم كرم الأبوة والبنوة وهم معادن الفتوة والمروءة والسماح في طبائعهم
عزيزة والمكارم لهم شنشنة ونحيزة
والأقوال في مدحهم
وإن طالت وجيزة بحور علم لا تنزف وأقمار عز لا يخسف وشموس مجد لا تكسف مدح أحدهم يصدق
على الجميع وهم متعادلون في الفخار فكلهم شريف رفيع بذوا الأمثال بطريفهم وتالدهم ولا
مثيل ونالوا النجوم بمفاخرهم ومحامدهم فانقطع دون شأوهم العديل ولا عديل فمن الذي ينتهي
في السير إلى أمدهم وقد سد دونه السبيل أمن لهم يوم كيومهم أو غد كغدهم ولو أنفق أحدكم
مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ص صلاة نامية الأمداد باقية على الآباد مدخرة ليوم المعاد
إنه كريم جواد.
وقد اتبعت العادة في
مدحه ع وأنا معتذر كعذري في ما تقدم من الكلام فإن شرفه يعلو عن الأقوال ومن نطق بمدحه
الكتاب العزيز فما
__________________
عسى أن يقال ولكن اتباع
العوائد يوسع المجال ومن اعترف بتقصيره كان كمن بلغ الكمال وهذا الشعر.
مدائحي وقف على الكاظم
|
|
فما على العاذل واللائم
|
وكيف لا امدح مولى
غدا
|
|
في عصره خير بني
آدم
|
ومن كموسى أو كآبائه
|
|
أو كعلي وإلى القائم
|
إمام حق يقتضي عدله
|
|
لو سلم الحكم إلى
الحاكم
|
إفاضة العدل وبذل
الندى
|
|
والكف من عادية الظالم
|
يبسم للسائل مستبشرا
|
|
أفديه من مستبشر
باسم
|
ليث وغى في الحرب
دامي الشبا
|
|
وغيث جود كالحيا
الساجم
|
مآثر يعجز عن وصفها
|
|
بلاغة الناثر والناظم
|
تعد إن قيست إلى
جوده
|
|
معايبا ما قيل عن
حاتم
|
في الحلم بحر ذاخر
مده
|
|
وفي الوغى أمضى من
الصارم
|
يعفو عن الجاني ويولي
الندى
|
|
ويحمل الغرم عن الغارم
|
القائم الصائم أكرم
به
|
|
من قائم مجتهد صائم
|
من معشر سنوا الندى
والقرى
|
|
وأشرقوا في الزمن
القائم
|
وأحرزوا خصل العلى
فاغتدوا
|
|
أشرف خلق الله في
العالم
|
يروي المعالي عالم
منهم
|
|
مصدق في النقل عن
عالم
|
قد استووا في شرف
المرتقى
|
|
كما تساوت حلقة الخاتم
|
من ذا يجاريهم إذا
ما اعتزوا
|
|
إلى علي وإلى فاطم
|
ومن يناويهم إذا
عددوا
|
|
خير بني الدنيا أبا
القاسم
|
صلى عليه الله من
مرسل
|
|
لما أتى من قبله
خاتم
|
يا آل طه أنا عبد
لكم
|
|
باق على حبكم اللازم
|
أرجو بكم نيل الأماني
غدا
|
|
إذا استبانت حسرة
النادم
|
معتصم منكم بود إذا
|
|
ما ضل شانيكم بلا
عاصم
|
وليكم في نعم خالد
|
|
وضدكم في نسب دائم
|
__________________
ذكر الإمام الثامن أبي الحسن علي بن موسى
الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن
علي زين العابدين بن الحسين بن
علي بن أبي طالب ع
قال كمال الدين بن
طلحة رحمهالله الباب الثامن في أبي
الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ع قد تقدم القول في أمير المؤمنين علي
وفي زين العابدين علي وجاء هذا علي الرضا ثالثهما ومن أمعن نظره وفكره وجده في الحقيقة
وارثهما فيحكم أنه ثالث العليين نمى إيمانه وعلا شانه وارتفع مكانه واتسع إمكانه وكثر
أعوانه وظهر برهانه حتى أحله الخليفة المأمون محل مهجته وشركه في مملكته وفوض إليه
أمر خلافته وعقد له على رءوس الأشهاد عقد نكاح ابنته وكانت مناقبه علية وصفاته الشريفة
سنية ومكارمه حاتمية وشنشنته أخزمية وأخلاقه عربية ونفسه الشريفة هاشمية وأرومته الكريمة
نبوية فمهما عد من مزاياه كان ع أعظم منه ومهما فصل من مناقبه كان أعلى رتبه عنه.
أما
ولادته ع ففي حادي عشر ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين ومائة للهجرة بعد وفاة
جده أبي عبد الله جعفر ع بخمس سنين.
وأما
نسبه أبا وأما فأبوه أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ع وقد تقدم ذكر ذلك وأمه أم ولد تسمى
الخيزران المرسية وقيل شقراء النوبية واسمها أروى وشقراء لقب لها.
وأما
اسمه فعلي وهو ثالث العليين
أمير المؤمنين وزين العابدين.
وأما
كنيته فأبو الحسن وأما ألقابه
فالرضا والصابر والرضي والوفي وأشهرها الرضا.
وأما
مناقبه وصفاته فمنها ما خصه الله به ويشهد له بعلو قدره وسمو شأنه وهو أنه لما جعله الخليفة المأمون
ولي عهده وأقامه خليفة من بعده وكان في حاشية المأمون أناس كرهوا ذلك وخافوا خروج الخلافة
عن بني العباس وعودها إلى بني فاطمة على الجميع السلام فحصل عندهم من الرضا نفور وكان
عادة الرضا ع إذا جاء إلى دار المأمون ليدخل عليه يبادر من الدهليز من الحاشية إلى
السلام عليه ورفع الستر بين يديه ليدخل.
فلما حصلت لهم النفرة
عنه تواصوا فيما بينهم وقالوا إذا جاء ليدخل على الخليفة أعرضوا عنه ولا ترفعوا الستر
له فاتفقوا على ذلك فبينا هم قعود إذ جاء الرضا ع على عادته فلم يملكوا أنفسهم أن سلموا
عليه ورفعوا الستر على عادتهم فلما دخل أقبل (بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ
يَتَلاوَمُونَ) كونهم ما وقفوا على
ما اتفقوا عليه وقالوا النوبة الآتية إذا جاء لا نرفعه له.
فلما كان في ذلك اليوم
جاء فقاموا وسلموا عليه ووقفوا ولم يبتدروا إلى رفع الستر فأرسل الله ريحا شديدة دخلت
في الستر فرفعته أكثر مما كانوا يرفعونه فدخل فسكنت الريح فعاد إلى ما كان فلما خرج
عادت الريح ودخلت في الستر فرفعته حتى خرج ثم سكنت فعاد الستر فلما ذهب أقبل بعضهم
على بعض وقالوا هل رأيتم قالوا نعم فقال بعضهم لبعض يا قوم هذا رجل له عند الله منزلة
ولله به عناية ألم تروا أنكم لما لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح وسخرها له لرفع
الستر كما سخرها لسليمان فارجعوا إلى خدمته فهو خير لكم فعادوا إلى ما كانوا عليه وزادت
عقيدتهم فيه.
ومنها أنه كان بخراسان امرأة
تسمى زينب فادعت أنها علوية من سلالة فاطمة ع وصارت تصول على أهل خراسان بنسبها فسمع
بها علي الرضا
فلم يعرف نسبها فأحضرت
إليه فرد نسبها وقال هذه كذابة فسفهت عليه وقالت كما قدحت في نسبي فأنا أقدح في نسبك
فأخذته الغيرة العلوية فقال ع لسلطان خراسان أنزل هذه إلى بركة السباع يتبين لك الأمر
وكان لذلك السلطان بخراسان موضع واسع فيه سباع مسلسلة للانتقام من المفسدين يسمى ذلك
الموضع ببركة السباع فأخذ الرضا ع بيد تلك المرأة فأحضرها عند ذلك السلطان وقال إن
هذه كذابة على علي وفاطمة ع وليست من نسلهما فإن من كان حقا بضعة من علي وفاطمة فإن
لحمه حرام على السباع فألقوها في بركة السباع فإن كانت صادقة فإن السباع لا تقربها
وإن كانت كاذبة فتفترسها السباع.
فلما سمعت ذلك منه
قالت فانزل أنت إلى السباع فإن كنت صادقا فإنها لا تقربك ولا تفترسك فلم يكلمها وقام
ع فقال له ذلك السلطان إلى أين قال إلى بركة السباع والله لأنزلن إليها وقام السلطان
والناس والحاشية وجاءوا وفتحوا باب البركة فنزل الرضا ع والناس ينظرون من أعلى البركة
فلما حصل بين السباع أقعت جميعها إلى الأرض على أذنابها وصار يأتي إلى واحد واحد ويمسح
وجهه ورأسه وظهره والسبع يبصبص له هكذا إلى أن أتى على الجميع ثم طلع والناس ينظرون
إليه فقال لذلك السلطان أنزل هذه الكذابة على علي وفاطمة ع ليتبين لك فامتنعت فألزمها
ذلك السلطان وأمر أعوانه بإلقائها فمذ رآها السباع وثبوا إليها وافترسوها فاشتهر اسمها
بخراسان بزينب الكذابة وحديثها هناك مشهور.
ومنها قصة دعبل بن علي الخزاعي
الشاعر قال دعبل لما قلت مدارس آيات ... قصدت بها أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع وهو
بخراسان ولي عهد المأمون في الخلافة فوصلت المدينة وحضرت عنده وأنشدته إياها فاستحسنها
وقال لي لا تنشدها أحدا حتى آمرك واتصل خبري بالخليفة المأمون فأحضرني وساءلني عن خبري
ثم قال يا دعبل أنشدني مدارس آيات خلت من تلاوة فقلت ما أعرفها يا أمير المؤمنين فقال
يا غلام أحضر أبا الحسن علي بن
موسى الرضا قال فلم
تكن إلا ساعة حتى حضر فقال له يا أبا الحسن سألت دعبلا عن مدارس آيات .... فذكر أنه
لا يعرفها فقال لي أبو الحسن يا دعبل أنشد أمير المؤمنين فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها
وأمر لي بخمسين ألف درهم وأمر لي أبو الحسن علي بن موسى الرضا بقريب من ذلك فقلت يا
سيدي إن رأيت أن تهبني شيئا من ثيابك ليكون كفني فقال نعم ثم دفع إلي قميصا قد ابتذله
ومنشفة لطيفة
وقال لي احفظ هذا تحرس
به ثم دفع إلي ذو الرئاستين أبو العباس الفضل بن سهل وزير المأمون صلة وحملني على برذون
أصفر خراساني وكنت أسايره في يوم مطير وعليه ممطر خز وبرنس منه
فأمر لي به ودعا بغيره
جديد فلبسه وقال إنما آثرتك باللبيس لأنه خير الممطرين.
قال فأعطيت به ثمانين
دينارا فلم تطب نفسي ببيعه ثم كررت راجعا إلى العراق فلما صرت في بعض الطريق خرج علينا
الأكراد فأخذونا وكان ذلك اليوم يوما مطيرا فبقيت في قميص خلق وضر جديد وأنا متأسف
من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومتفكر في قول سيدي الرضا إذ مر بي واحد من
الأكراد الحرامية تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرئاستين وعليه الممطر ووقف
بالقرب مني ليجتمع عليه أصحابه وهو ينشد مدارس آيات خلت من تلاوة ويبكي فلما رأيت ذلك
منه عجبت من لص من الأكراد يتشيع ثم طمعت في القميص والمنشفة فقلت يا سيدي لمن هذه
القصيدة فقال وما أنت وذاك ويلك فقلت لي فيه سبب أخبرك به فقال هي أشهر بصاحبها أن
تجهل فقلت من هو قال دعبل بن علي الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيرا فقلت له والله
يا سيدي أنا دعبل وهذه قصيدتي فقال ويلك ما تقول قلت الأمر أشهر من ذلك.
__________________
فأرسل إلى أهل القافلة
فاستحضر منهم جماعة وسألهم عني فقالوا بأسرهم هذا دعبل بن علي بن الخزاعي فقال قد أطلقت
كلما أخذ من القافلة خلالة فما فوقها كرامة لك ثم نادى في أصحابه من أخذ شيئا فليرده
فرجع على الناس جميع ما أخذ منهم ورجع إلي جميع ما كان معي ثم بذرقنا
إلى المأمن فحرست أنا
والقافلة ببركة القميص والمنشفة.
فانظر إلى هذه المنقبة
ما أشرفها وما أعلاها وقد يقف على هذه القصة بعض الناس ممن يطالع هذا الكتاب ويقرؤه
فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة بمدارس آيات ويشتهي الوقوف عليها وينسبني
في إعراضي عن ذكرها إما إلى أنني لم أعرفها أو أنني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف
عليها فأحببت أن أدخل راحة على بعض النفوس وأن أدفع عني هذا النقص المتطرق إلي ببعض
الظنون فأوردت منها ما يناسب ذلك وهي.
ذكرت محل الربع من
عرفات
|
|
فأسبلت دمع العين
بالعبرات
|
وقل عرى صبري وهاجت
صبابتي
|
|
رسوم ديار أقفرت
وعرات
|
مدارس آيات خلت من
تلاوة
|
|
ومنزل وحي مقفر العرصات
|
لآل رسول الله بالخيف
من منى
|
|
وبالبيت والتعريف
والجمرات
|
ديار علي والحسين
وجعفر
|
|
وحمزة والسجاد ذي
الثفنات
|
__________________
ديار عفاها جور كل
معاند
|
|
ولم تعف بالأيام
والسنوات
|
ديار لعبد الله والفضل
صنوه
|
|
سليل رسول الله ذي
الدعوات
|
منازل كانت للصلاة
وللتقى
|
|
وللصوم والتطهير
والحسنات
|
منازل جبريل الأمين
يحلها
|
|
من الله بالتسليم
والزكوات
|
منازل وحي الله معدن
علمه
|
|
سبيل رشاد واضح الطرقات
|
منازل وحي الله ينزل
حولها
|
|
على أحمد الروحات
والغدوات
|
فأين الأولى شطت
بهم عزبة النوى
|
|
أفانين في الأقطار
مختلفات
|
هم آل ميراث النبي
إذا انتموا
|
|
وهم خير سادات وخير
حمات
|
مطاعيم في الأعسار
في كل مشهد
|
|
لقد شرفوا بالفضل
والبركات
|
إذا لم نناج الله
في صلواتنا
|
|
بذكرهم لم يقبل الصلوات
|
أئمة عدل يهتدى بهداهم
|
|
وتؤمن منهم زلة العثرات
|
فيا رب زد قلبي هدى
وبصيرة
|
|
وزد حبهم يا رب في
حسنات
|
ديار رسول الله أصبحن
بلقعا
|
|
ودار زياد أصبحت
عمرات
|
وآل رسول الله هلب
رقابهم
|
|
وآل زياد غلظ القصرات
|
وآل رسول الله تدمى
نحورهم
|
|
وآل زياد زينوا الحجلات
|
__________________
وآل رسول الله يسبى
حريمهم
|
|
وآل زياد آمنوا السربات
|
وآل زياد في القصور
مصونة
|
|
وآل رسول الله في
الفلوات
|
فيا وارثي علم النبي
وآله
|
|
عليهم سلام دائم
النفحات
|
لقد آمنت نفسي بكم
في حياتها
|
|
وإني لأرجو الأمن
عند مماتي
|
ومما تلقته الأسماع
بالاستماع ونقلته الألسن في بقاع الأصقاع أن الخليفة المأمون وجد في يوم عيد انحراف
مزاج أحدث عنده ثقلا عن الخروج إلى الصلاة بالناس فقال لأبي الحسن علي الرضا ع يا أبا
الحسن قم وصل بالناس. فخرج الرضا ع وعليه قميص قصير أبيض وعمامة بيضاء لطيفة وهما من
قطن وفي يده قضيب فأقبل ماشيا يؤم المصلى وهو يقول السلام على أبوي آدم ونوح السلام
على أبوي إبراهيم وإسماعيل السلام على أبوي محمد وعلي السلام على عباد الله الصالحين
فلما رآه الناس أهرعوا إليه وانثالوا عليه لتقبيل يديه فأسرع بعض الحاشية إلى الخليفة
المأمون فقال يا أمير المؤمنين تدارك الناس واخرج وصل بهم وإلا خرجت الخلافة منك الآن
فحمله على أن خرج بنفسه وجاء مسرعا والرضا ع بعد من كثرة زحام الناس عليه لم يخلص إلى
المصلى.
فتقدم المأمون وصلى
بالناس فلما انقضى ذلك قال هرثمة بن أعين وكان في خدمة المأمون إلا أنه كان محبا لأهل
البيت إلى الغاية يأخذ نفسه بأنه من شيعتهم وكان قائما بمصالح الرضا ع باذلا نفسه بين
يديه متقربا إلى الله تعالى بخدمته قال طلبني سيدي الرضا ع وقال يا هرثمة إني مطلعك
على حالة تكون عندك سرا لا تظهرها وأنا حي فإن أظهرتها حال حياتي كنت خصمك عند الله
تعالى فعاهدته أني لا أعلم بها أحدا ما لم تأمرني
__________________
فقال اعلم أنني بعد
أيام آكل عنبا ورمانا مفتوتا فأموت ويقصد الخليفة بأن يجعل قبري ومدفني خلف قبر أبيه
الرشيد وإن الله لا يقدره على ذلك فإن الأرض تشتد عليهم فلا يستطيع أحد حفر شيء منها
فإنما قبري في بقعة كذا لموضع عينه فإذا أنا مت وجهزت فأعلمه بجميع ما قلت لك وقل له
يتأن في الصلاة علي فإنه يأتي رجل عربي متلثم على بعير مسرع وعليه وعثاء السفر فينزل
عن بعيره ويصلي علي فإذا صلى علي وخملت فاقصد المكان الذي عينته لك فاحفر شيئا يسيرا
من وجه الأرض تجد قبرا معمولا في قعره ماء أبيض فإذا كشفته نضب الماء فهو مدفني فادفني
فيه والله الله أن تخبر بهذا قبل موتي.
قال هرثمة فو الله
ما طالت الإناءة حتى أكل عنبا ورمانا كثيرا فمات فدخلت إلى الخليفة فوجدته يبكي عليه
فقلت له يا أمير المؤمنين عاهدني الرضا ع على أمر أقوله لك وقصصت عليه تلك القصة التي
قالها من أولها إلى آخرها وهو يعجب مما أقوله فأمر بتجهيزه فلما نجز تأنى بالصلاة عليه
وإذا بالرجل قد أقبل على بعير من الصحراء مسرعا فلم يكلم أحدا ثم دخل إلى جنازته فوقف
وصلى عليه وخرج فصلى الناس عليه وأمر الخليفة بطلب الرجل ففاتهم فلم يعلموا له خبرا
ثم أمر الخليفة أن يحفر له قبر خلف قبر أبيه الرشيد فعجز الحافرون عن الحفر فذهب إلى
موضع ضريحه الآن فبقدر ما كشف وجه الأرض ظهر قبر محفور كشفت عنه طوابيقه وإذا في قعره
ماء أبيض كما قال فأعلمت الخليفة المأمون به فحضر وأبصره على الصورة التي ذكرها ونضب
الماء فدفن فيه ولم يزل الخليفة المأمون يعجب من قوله ولم يزل عنه كلمة واحدة عما ذكر
وازداد تأسفه عليه وكلما خلوت في خدمته يقول يا هرثمة كيف قال لك أبو الحسن فأعيد عليه
الحديث فيتلهف عليه.
__________________
فانظروا إلى هذه المنقبة
العظيمة والكرامة البالغة التي تنطق بعناية الله تعالى به وإزلاف مكانته عنده.
وأما
أولاده فكانوا ستة خمسة ذكور وبنت واحدة وأسماء أولاده محمد القانع
الحسن جعفر ـ إبراهيم الحسن
وعائشة.
وأما عمره فإنه مات
في سنة مائتين وثلاث وقيل مائتين وسنتين من الهجرة في خلافة المأمون وقد تقدم ذكر مولده
في سنة ثلاث وخمسين ومائة فيكون عمره تسعا وأربعين سنة وقبره بطوس من خراسان بالمشهد
المعروف به ع وكانت مدة بقائه مع أبيه موسى ع أربعا وعشرين سنة وأشهرا وبقائه بعد أبيه
خمسا وعشرين سنة آخر كلامه.
قلت توهم الشيخ كمال
الدين رحمهالله تعالى أنه إذا لم يذكر
قصيدة دعبل بن علي ظن قوم فيه أنه لا يعرفها عجيب فإنه كان أعلى رتبة من أن يظن فيه
مثل ذلك.
وقال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي رحمهالله تعالى في كتابه أبو
الحسن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع الرضا مولده
ثلاث وخمسين ومائة توفي في خلافة المأمون بطوس وقبره هناك ـ سنة مائتين وسنة أمه سكينة
النوبية له من الولد خمسة رجال وابنة واحدة هم محمد الإمام وأبو محمد الحسن وجعفر وإبراهيم
والحسين وعائشة ويقال ولد بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة وقبض بطوس في صفر سنة ثلاث
ومائتين وهو يومئذ ابن خمس وخمسين سنة وأمه أم ولد اسمها أم البنين وقبره بطوس.
روى عنه عبد السلام
بن صالح الهروي وداود بن سليمان وعبد الله بن العباس القزويني وطبقتهم.
قال عبد الله بن محمد
الجمال الرازي قال كنت أنا وعلي بن موسى بن بابويه
__________________
القمي وفد أهل الري
فلما بلغنا نيسابور قلت لعلي بن موسى القمي هل لك في زيارة قبر الرضا ع بطوس فقال خرجنا
إلى هذا الملك ونخاف أن يتصل به عدو لنا إلى زيارة القبر ولكنا إذا انصرفنا فلما رجعنا
قلت له هل لك في الزيارة فقال لا يتحدث أهل الري إني خرجت من عندهم مرجئا وأرجع إليهم
رافضيا قلت فتنتظرني في مكانك قال أفعل وخرجت فأتيت القبر عند غروب الشمس وأزمعت المبيت
على القبر
فسألت امرأة حضرت من
بعض سدنة القبر هل من حذر بالليل قالت لا فاستدعيت منها سراجا وأمرتها بإغلاق الباب
ونويت أن أختم القرآن على القبر فلما كان في بعض الليل سمعت قراءة فقدرت أنها قد أذنت
لغيري فأتيت الباب فوجدته مغلقا وانطفا السراج فبقيت أسمع الصوت فوجدته من القبر وهو
يقرأ سورة مريم يوم يحشر المتقون إلى الرحمن وفدا ويساق المجرمون إلى جهنم وردا وما
كنت سمعت هذه القراءة فلما قدمنا الري بدأت بأبي القاسم العباس بن الفضل بن شاذان فسألته
هل قرأ أحد بذلك فقال نعم النبي ص وأخرج لي قراءته ص فإذا هي كذلك.
روى داود بن سليمان
القزويني عن علي بن موسى الرضا ع عن آبائه عن علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله
ص ما كان ولا يكون إلى يوم القيامة مؤمن إلا وله جار يؤذيه.
وعن الرضا ع عن آبائه
عن علي ع قال سمعت رسول الله ص يقول عدة المؤمن نذر لا كفارة [لها].
وعنه بإسناده قال قال
رسول الله ص الإيمان إقرار باللسان وعمل بالأركان ويقين بالقلب.
وبإسناده قال قال رسول
الله ص مجالسة العلماء عبادة والنظر إلى علي عبادة والنظر إلى البيت عبادة والنظر إلى
المصحف عبادة والنظر
__________________
إلى الوالدين عبادة.
وبإسناده قال قال علي
بن أبي طالب ع الحياء والدين مع العقل حيث كان.
قال الإمام علي بن
موسى الرضا ع حدثني أبي موسى قال حدثني أبي جعفر قال حدثني أبي محمد قال حدثني أبي
علي قال حدثني أبي الحسين قال حدثني أبي علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص تحشر
ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بدم فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول
يا عدل يا حكيم احكم بيني وبين قاتل ولدي قال فقال رسول الله ص فيحكم لابنتي ورب الكعبة.
وبإسناده عن آبائه
ع عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص في قول الله عزوجل (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ
أُناسٍ بِإِمامِهِمْ)
قال يدعى كل قوم بإمام
زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم.
وعن أبي الحسن [الحسين]
كاتب الفرائض عن أبيه قال حضرنا مجلس الرضا ص فشكا إليه رجل أخاه فأنشأ الرضا ع يقول
:
أعذر أخاك على ذنوبه
|
|
واستر وغط على عيوبه
|
واصبر على بهت السفيه
|
|
وللزمان على خطوبه
|
ودع الجواب تفضلا
|
|
وكل الظلوم إلى حسيبه
|
آخر كلام الجنابذي
وقد حذفت منه أسماء الرجال الذين رووا عن الرضا ع واقتصرت عليه وعلى آبائه ع.
قال الشيخ المفيد رحمهالله باب ذكر الإمام القائم
بعد أبي الحسن موسى ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه ومدة خلافته ووقت وفاته
وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره.
وكان الإمام بعد أبي
الحسن موسى ع ابنه ـ أبا الحسن علي بن موسى
__________________
الرضا ع لفضله على
جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه
ومعرفتهم به منه ولنص أبيه على إمامته من بعده وإشارته إليه بذلك دون جماعة إخوته وأهل
بيته.
وكان مولده ع بالمدينة
سنة ثمان وأربعين ومائة وقبض بطوس من أرض خراسان في صفر سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ
خمس وخمسون سنة وأمه أم ولد يقال لها أم البنين وكانت مدة إمامته وقيامه بعد أبيه في
خلافته عشرين سنة.
(فصل) فممن روى النص
على الرضا علي بن موسى ع بالإمامة عن أبيه والإشارة منه بذلك إليه من خاصته وثقاته
وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته داود بن كثير الرقي ومحمد بن إسحاق بن عمار وعلي
بن يقطين ونعيم القابوسي والحسين بن المختار وزياد بن مروان والمخزومي وداود بن سليمان
ونصر بن قابوس وداود بن زربي ويزيد بن سليط ومحمد بن سنان.
عن داود الرقي قال
قلت لأبي إبراهيم موسى ع جعلت فداك إني قد كبرت سني فخذ بيدي وأنقذني من النار من صاحبنا
بعدك قال فأشار إلى ابنه أبي الحسن علي ع فقال هذا صاحبكم من بعدي.
وعن أحمد بن محمد بن
عبد الله عن الحسن بن أبي عمير عن محمد بن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي الحسن الأول
ع ألا تدلني على من آخذ عنه ديني فقال هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي فأدخلني إلى قبر
رسول الله ص فقال يا بني إن الله جل اسمه قال (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ
خَلِيفَةً)
وإن الله إذا قال قولا
وفى به.
وعن علي بن يقطين قال
كنت عند العبد الصالح ع فقال لي يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته
كنيتي فضرب هشام براحته
جبهته ثم قال ويحك
كيف قلت فقال علي بن يقطين سمعته والله منه كما قلت
__________________
فقال هشام إن الأمر
فيه والله من بعده.
وعن نعيم القابوسي
عن أبي الحسن موسى ع قال ابني علي أكبر ولدي وآثرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في
الجفر
ولم ينظر فيه إلا نبي
أو وصي نبي.
وعن الحسين بن المختار
قال خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن موسى ع وهو في الحبس عهدي إلى أكبر ولدي أن يفعل
كذا ويفعل كذا وفلان لا تنله شيئا حتى ألقاك أو يقضى علي الموت.
وعن زياد بن مروان
القندي قال دخلت على أبي إبراهيم وعنده أبو الحسن ابنه ع فقال لي يا زياد هذا ابني
فلان كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله.
وعن المخزومي وكانت
أمه من ولد جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعث إلينا أبو الحسن موسى ع فجمعنا ثم
قال أتدرون لم جمعتكم فقلنا لا فقال اشهدوا بأن ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي
من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينتجزها منه
ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه.
وعن داود بن سليمان
قال قلت لأبي إبراهيم ع إني أخاف أن يحدث حدث ولا ألقاك فأخبرني من الإمام بعدك فقال
ابني فلان يعني أبا الحسن ع.
وعن نصر بن قابوس قال
قلت لأبي إبراهيم ع إنني سألت أباك من الذي يكون بعدك فأخبرني أنك أنت هو فلما توفي
أبو عبد الله ع ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت بك أنا وأصحابي فأخبرني من الذي يكون بعدك
من ولدك قال ابني فلان يعني عليا.
وعن داود بن زربي قال
جئت إلى أبي إبراهيم ع بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت أصلحك الله لأي شيء تركته عندي
فقال إن صاحب هذا الأمر يطلبه
__________________
منك فلما جاء نعيه
بعث إلي أبو الحسن الرضا ع فسألني ذلك المال فدفعته إليه.
وعن يزيد بن سليط في
حديث طويل عن أبي إبراهيم ع أنه قال في السنة التي قبض ع فيها إني أؤخذ في هذه السنة
والأمر إلى ابني علي سمي علي وعلي فأما علي الأول فعلي بن أبي طالب وأما علي الآخر
فعلي بن الحسين أعطي فهم الأول وحلمه ونصره ووده ودينه ومحنة الآخر وصبره على ما يكره
في الحديث بطوله.
وعن ابن سنان قال دخلت
على أبي الحسن موسى ع من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي
فقال يا محمد إنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال فقلت وما يكون جعلت فداك
فقد أقلقتني قال أصير إلى هذا الطاغية أما إنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي بعده قال
قلت وما يكون جعلني الله فداك قال (يُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) قال قلت وما ذا جعلت
فداك قال من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب ع
إمامته وجحده حقه بعد رسول الله ص قال قلت له والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن
له حقه ولأقرن له بالإمامة قال صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له
بإمامته وإمامة من يكون من بعده قال قلت ومن ذاك قال ابنه محمد قال قلت له الرضا والتسليم
باب ذكر طرف من دلائله وأخباره ع
عن هشام بن أحمر قال
قال لي أبو الحسن الأول ع هل علمت أحدا من أهل المغرب قدم قلت لا قال بلى قد قدم رجل
من أهل المغرب المدينة فانطلق بنا إليه فركب وركبت معه حتى انتهينا إلى الرجل فإذا
رجل من أهل المغرب ومعه رقيق
فقلت له اعرض علينا
فعرض علينا سبع جوار كل ذلك يقول أبو الحسن
__________________
لا حاجة لي فيها ثم
قال اعرض علينا فقال ما عندي إلا جارية مريضة فقال ما عليك أن تعرضها فأبى عليه فانصرف
ثم أرسلني من الغد فقال لي قل له كم كان غايتك فيها فإذا قال لك كذا وكذا فقل له قد
أخذتها به فأتيته فقال ما أريد أن أنقصها من كذا وكذا فقلت قد أخذتها فقال هي لك ولكن
أخبرني من الرجل الذي كان معك بالأمس قلت رجل من بني هاشم قال من أي بني هاشم فقلت
ما عندي أكثر من هذا فقال أخبرك أني اشتريتها من أقصى المغرب فلقيتني امرأة من أهل
الكتاب فقالت ما هذه الوصيفة معك قلت اشتريتها لنفسي فقالت ما ينبغي أن تكون هذه عند
مثلك إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى
تلد له غلاما لم يولد بشرق الأرض ولا غربها مثله قال فأتيته بها فلم تلبث عنده إلا
قليلا حتى ولدت له عليا ع.
قلت قد تقدم ذكر هذه
القصة.
وعن صفوان بن يحيى
قال لما مضى أبو إبراهيم ع وتكلم أبو الحسن الرضا ع خفنا عليه من ذلك فقيل له إنك قد
أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك هذا الطاغية
فقال ليجهد جهده فلا
سبيل له علي.
وعن الغفاري قال كان
لرجل من آل أبي رافع مولى رسول الله ص يقال له فلان له علي حق فتقاضاني وألح علي فلما
رأيت ذلك صليت الصبح في مسجد رسول الله ص ثم توجهت نحو الرضا ع وهو يومئذ بالعريض
فلما قربت من بابه
وإذا هو قد طلع على حمار وعليه قميص ورداء فلما نظرت إليه استحييت منه فلما لحقني وقف
ونظر إلي فسلمت عليه وكان شهر رمضان فقلت جعلت فداك إن لمولاك فلان علي حقا وقد والله
شهرني
وأنا أظن في نفسي أنه
يأمره بالكف عني وو الله ما قلت له كم له علي ولا سميت له شيئا
__________________
فأمرني بالجلوس إلى
رجوعه فلم أزل حتى صليت المغرب وأنا صائم فضاق صدري وأردت أن أنصرف.
فإذا هو قد طلع علي
وحوله الناس وقد قعد له السؤال وهو يتصدق عليهم فمضى فدخل بيته ثم خرج ودعاني فقمت
إليه ودخلت معه فجلس وجلست فجعلت أحدثه عن ابن المسيب وكان كثيرا ما أحدثه عنه فلما
فرغت قال ما أظنك أفطرت بعد قلت لا فدعا لي بطعام فوضع بين يدي وأمر الغلام أن يأكل
معي فأصبت والغلام من الطعام فلما فرغنا قال ارفع الوسادة وخذ ما تحتها فرفعتها فإذا
هي دنانير فأخذتها ووضعتها في كمي وأمر أربعة من عبيده أن يكونوا معي حتى يبلغوني منزلي
فقلت جعلت فداك إن طائف ابن
المسيب يقعد وأكره
أن يلقاني ومعي عبيدك فقال لي أصبت أصاب الله بك الرشاد وأمرهم أن ينصرفوا إذا رددتهم
فلما قربت من منزلي وآنست رددتهم وسرت إلى منزلي ودعوت السراج ونظرت إلى الدنانير وإذا
هي ثمانية وأربعون دينارا وكان فيها دينار يلوح فأعجبني فأخذته وقربته من السراج فإذا
عليه نقش واضح حق الرجل ثمانية وعشرون دينارا وما بقي فهو لك ولا والله ما كنت عرفت
ما له علي بالتحديد.
وعن علي بن إبراهيم
عن أبيه عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الرضا ع أنه خرج من المدينة في السنة التي حج فيها
هارون يريد الحج فانتهى إلى جبل عن يسار الطريق يقال له فارع فنظر إليه أبو الحسن ع
ثم قال يا فارع وهادمه يقطع إربا إربا فلم ندر ما معنى ذلك فلما بلغ هارون ذلك الموضع
نزله وصعد جعفر بن يحيى الجبل وأمر أن يبنى له فيه مجلس فلما رجع من مكة صعد إليه فأمر
بهدمه فلما انصرف إلى العراق قطع جعفر بن يحيى إربا إربا.
وعن إبراهيم بن موسى
قال ألححت على أبي الحسن الرضا ع في شيء طلبته فكان يعدني فخرج ذات يوم يستقبل والي
المدينة وكنت معه فجاء إلى قرب قصر فلان فنزل عنده تحت شجرات ونزلت معه وليس معنا ثالث
فقلت جعلت فداك هذا
__________________
العيد قد أظلنا ولا
والله ما أملك درهما فما سواه فحك بسوطه الأرض حكا شديدا ثم ضرب بيده فتناول منه سبيكة
ذهب ثم قال استنفع بها واكتم ما رأيت.
وعن مسافر قال كنت
مع أبي الحسن الرضا ع بمنى فمر يحيى بن خالد فغطى وجهه من الغبار فقال الرضا ع مساكين
لا يدرون ما يحل بهم في هذه السنة ثم قال وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين وضم إصبعيه
قال مسافر فو الله ما عرفت معنى حديثه حتى دفناه معه
فصل
وكان المأمون قد أنفذ
إلى جماعة من آل أبي طالب ـ يحملهم إليه من المدينة وفيهم الرضا علي بن موسى ع فأخذ
بهم على طريق البصرة حتى جاءوه بهم وكان المتولي لإشخاصهم المعروف بالجلودي فقدم بهم
على المأمون فأنزلهم دارا وأنزل الرضا علي بن موسى ع دارا وأكرمه وعظم أمره ثم أنفذ
إليه أني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها فما رأيك فأنكر الرضا ع هذا الأمر
وقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد فرد عليه الرسالة
فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي فأبى عليه الرضا ع إباء شديدا
فاستدعاه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرئاستين ليس في المجلس غيرهم وقال له إني
قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك فقال له الرضا ع الله
الله يا أمير المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه فقال له فإني موليك العهد
من بعدي فقال له اعفني يا أمير المؤمنين من ذلك فقال له المأمون كلاما فيه كالتهدد
له على الامتناع عليه.
وقال في كلامه إن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
ع وشرط فيمن خالف منهم أن تضرب عنقه ولا بد من قبولك ما أريده منك فإني لا أجد محيصا
عنه فقال له الرضا ع فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر ولا أنهى
ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم فأجابه المأمون إلى
ذلك كله.
أخبرني الشريف أبو
محمد قال حدثنا جدي قال موسى بن سلمة قال كنت بخراسان مع محمد بن جعفر فسمعت أن ذا
الرئاستين خرج ذات يوم وهو يقول وا عجباه وقد رأيت عجبا سلوني ما رأيت فقالوا ما رأيت
أصلحك الله قال رأيت المأمون أمير المؤمنين يقول لعلي بن موسى قد رأيت أن أقلدك أمور
المسلمين وافسخ ما في رقبتي وأجعله في رقبتك ورأيت علي بن موسى الرضا يقول يا أمير
المؤمنين لا طاقة لي بذلك ولا قوة فما رأيت خلافة قط أضيع منها إن أمير المؤمنين يتفصى
منها ويعرضها على علي بن موسى وعلي بن موسى يرفضها ويأبى.
وذكر جماعة من أصحاب
السيرة ورواة الأخبار من أيام الخلفاء أن المأمون لما أراد العقد للرضا ع وحدث نفسه
بذلك أحضر الفضل بن سهل فأعلمه بما عزم عليه وأمره بمشاورة أخيه الحسن واجتمعا في حضرته
وجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في إخراج الأمر من أهله عليه فقال المأمون إني
عاهدت الله أني إن ظفرت بالمخلوع سلمت الخلافة إلى أفضل بني طالب وهو أفضلهم فلما رأيا
عزيمته أمسكا عن معارضته فأرسلهما إلى الرضا فعرضا ذلك عليه فامتنع ولم يزالا به حتى
أجاب فرجعا إلى المأمون فعرفاه فسر وجلس للخاصة يوم خميس وخرج الفضل فأعلم الناس برأي
المأمون في الرضا وأنه ولاه عهده وسماه الرضا وأمرهم بلبس الخضر والعود لبيعته في الخميس
الآخر على أن يأخذوا رزق سنة.
فلما كان ذلك اليوم
ركب الولاة على طبقاتهم وجلس المأمون ووضع للرضا وسادتين عظيمتين فجلس الرضا ع في الخضرة
وعليه عمامة وسيف ثم أمر ابنه العباس بن المأمون أن يبايع أول الناس فرفع الرضا يده
فتلقى بظهرها
__________________
وجه نفسه وببطنها وجوههم
فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا إن رسول الله ص هكذا كان يبايع وبايعه
الناس ويده فوق أيديهم ووضعت البدر
وقام الخطباء والشعراء
وذكروا ما كان من المأمون في أمره وذكروا فضل الرضا ثم دعا أبو عباد بالعباس بن المأمون
فوثب وقبل يد أبيه ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد فدنا من المأمون ولم يقبل يده فأمر
بأخذ جائزته فناداه المأمون ارجع أبا جعفر إلى مجلسك فرجع ثم دعا أبو عباد بالعلويين
والعباسيين فقبضوا جوائزهم حتى نفدت الأموال ..
ثم قال المأمون للرضا
ع اخطب الناس وتكلم فحمد الله وأثنى عليه وقال إن لنا عليكم حقا برسول الله ولكم علينا
حق به فإذا أديتم إلينا ذلك وجب علينا الحكم لكم ولم يذكر عنه غير هذا في هذا المجلس
وأمر المأمون فضربت الدراهم باسمه وزوج إسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه إسحاق بن جعفر
بن محمد وأمره فحج بالناس وخطب للرضا في كل بلد بولاية العهد وخطب عبد الجبار بن سعيد
في تلك السنة على منبر رسول الله ص بالمدينة فقال في الدعاء له ولي عهد المسلمين علي
بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ع.
ستة آباء هم ما هم
|
|
أفضل من يشرب صوب
الغمام
|
وذكر المدائني عن رجاله
قال لما جلس الرضا في الخلع وقام الشعراء والخطباء وخفقت الألوية على رأسه قال بعض
خواصه فنظر إلي وعندي فرح فأشار إلي فدنوت منه فقال لي سرا لا تشتغل قلبك بهذا الأمر
ولا تستبشر به فإنه لا يتم.
وكان فيمن ورد عليه
من الشعراء دعبل فقال إني قد قلت قصيدة وآليت أن لا يسمعها أحد قبلك فأمرني بالجلوس
حتى خف الناس فأنشدته مدارس آيات ...
__________________
حتى أتى إلى آخرها
فلما فرغ أمر له بستمائة
دينار وقال استعن بها على سفرك فطلب شيئا من ثيابه فأعطاه جبة فخرج حتى وصل قم فأعطوه
بالجبة ألف دينار فأبى أن يبيعها وقال لا والله ولا خرقة منها بألف دينار فاخرجوا من
قطع عليه الطريق فأخذوها فرجع إلى قم وكلمهم فيها فقالوا ليس إليها سبيل وأعطوه ألف
دينار وخرقة منها.
قلت هذه غير الرواية الأولى
وتلك نرويها بأخبرنا وحدثنا.
وروى عن ياسر الخادم
والريان بن الصلت أن المأمون لما عقد للرضا ع بولاية العهد أمره بالركوب إلى صلاة العيد
فامتنع وقال قد علمت بما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر فاعفني من الصلاة
فقال المأمون إنما أريد بذلك أن يعرفك الناس ويشتهر فضلك وترددت الرسل بينهم فلما ألح
المأمون عليه قال إن أعفيتني كان أحب إلي وإن أبيت فإني أخرج كما كان يخرج النبي ص
وعلي ع فقال المأمون اخرج كيف شئت وأمر القواد والجند والناس يبكروا بالركوب
إلى باب الرضا ع.
فقعد الناس لأبي الحسن
ع في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار القواد والجند إلى
بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ولبس ثيابه وتعمم بعمامة قطن بيضاء وألقى
طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ومس طيبا وأخذ عكازا
وقال لمواليه افعلوا
كما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف وقد شمر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة
فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبر وكبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب.
فلما رآه القواد والجند
على تلك الصورة سقطوا إلى الأرض وكان أحسنهم
__________________
حالا من كان معه سكين
قطع بها شرابة جاجيلته
ونزعها وتحفى وكبر
الرضا ع وكبر الناس معه فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء
والضجيج لما رأوا وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل إن بلغ الرضا المصلى
على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا على دمائنا فبعث إليه المأمون قد كلفناك شططا
وأتعبناك ولا نحب أن تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم فدعا بخفه فلبسه
وركب ورجع واختلف الناس في ذلك اليوم ولم ينتظم أمر صلاتهم.
وعن ياسر قال لما عزم
المأمون على الخروج من خراسان إلى العراق خرج معه الفضل وخرجنا مع الرضا ع فورد على
الفضل كتاب من أخيه الحسن ونحن في بعض المنازل أني نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه أنك
تذوق في شهر كذا وكذا يوم الأربعاء حر الحديد وحر النار وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين
والرضا ع في ذلك اليوم الحمام وتحتجم فيه وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه فكتب الفضل
إلى المأمون بذلك وسأله أن يسأل الرضا ع ذلك فكتب المأمون إلى الرضا ع فأجابه لست داخلا
الحمام غدا فأعاد إليه الرقعة مرتين فكتب الرضا ع لست داخلا الحمام غدا فإني رأيت رسول
الله ص في هذه الليلة فقال لي يا علي لا تدخل الحمام غدا فلا أرى لك يا أمير المؤمنين
ولا للفضل أن تدخلا الحمام غدا فكتب المأمون صدقت يا أبا الحسن وصدق رسول الله ص ولست
بداخل الحمام غدا والفضل أعلم.
قال ياسر فلما أمسانا
وغابت الشمس قال لنا الرضا ع قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فلم نزل
نقول ذلك فلما صلى الصبح قال لي اصعد إلى السطح فاستمع فلما صعدت سمعت ضجة وكثرت وزادت
وإذا المأمون قد
__________________
دخل من الباب الذي
كان من داره إلى دار الرضا ع فقال يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فإنه دخل
الحمام ودخل عليه قوم فقتلوه وأخذ منهم ثلاثة أحدهم ابن خاله واجتمع الجند والقواد
ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون فقالوا هو اغتاله وشغبوا
وطلبوا بدمه وجاءوا
بالنيران ليحرقوا الباب فقال المأمون لأبي الحسن ع يا سيدي ترى أن تخرج إليهم وترفق
بهم حتى يتفرقوا قال نعم وركب أبو الحسن ع وقال لي يا ياسر اركب فركبت فلما خرجنا من
باب الدار نظر إلى الناس وقد ازدحموا عليه فقال لهم بيده تفرقوا فقال ياسر فأقبل والله
بعضهم يقع على بعض وما أشار إلى أحد إلا ركض ومشى على وجهه.
وعن مسافر قال لما
أراد هارون بن المسيب أن يواقع
محمد بن جعفر قال لي
الرضا اذهب إليه وقل له لا تخرج غدا فإنك إن خرجت غدا هزمت وقتل أصحابك فإن قال لك
من أين علمت فقل له رأيت في النوم فقال نام العبد ولم يغسل استه ثم خرج فانهزم وقتل
أصحابه.
هذه القصص اختصرت ألفاظها
اختصارا لا يخل بمعناها فلا تظنن أني تركتها ناسيا
باب ذكر وفاة الرضا علي بن موسى ع وسببها وطرف من الأخبار في ذلك
وكان الرضا ع يكثر
وعظ المأمون إذا خلا به ويخوفه بالله وتقبح له ما يرتكبه من خلافه وكان المأمون يظهر
قبول ذلك ويبطن كراهته واستثقاله ودخل الرضا ع يوما وهو يتوضأ للصلاة والغلام يصب على
يده الماء فقال لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام وتولى
__________________
تمام الوضوء بنفسه
وزاد ذلك في غيظه ووجده عليه.
وكان ع يزري على الحسن
والفضل ابني سهل عند المأمون إذا ذكرهما ويصف له مساويهما وينهاه عن الإصغاء إلى قولهما
وعرفا ذلك منه
فجعلا يخطيان عليه
عند المأمون ويذكران له عنه ما يبعده منه ويخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك
حتى قلبا رأيه فيه وعمل على قتله فاتفق أنه أكل هو والمأمون طعاما فاعتل منه الرضا
ع وأظهر المأمون تمارضا.
فذكر محمد بن علي بن
حمزة عن منصور بن بشير عن أخيه عبد الله بن بشير قال أمرني المأمون أن أطول أظفاري
على العادة ولا أظهر لأحد ذلك ثم استدعاني فأخرج لي شيئا يشبه التمر الهندي وقال لي
اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام وتركني ودخل على الرضا ع فقال ما خبرك قال له أرجو
أن أكون صالحا قال له وأنا اليوم بحمد الله صالح فهل جاءك أحد من المترفين في هذا اليوم
قال لا فغضب المأمون وصاح على غلمانه قال فخذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى
عنه ثم دعاني فقال ايتنا برمان فأتيته به فقال لي اعتصره بيديك ففعلت وسقاه المأمون
للرضا ع بيده فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث إلا يومين حتى مات ع.
وذكر عن أبي الصلت
الهروي قال دخلت على الرضا ع وقد خرج المأمون من عنده فقال لي يا أبا الصلت قد فعلوها
وجعل يوحد الله ويمجده.
وروي عن محمد بن الجهم
أنه قال ـ كان الرضا ع يعجبه العنب فأخذ له منه
__________________
شيء فجعل في مواضع
أقماعه الإبر
أياما ثم نزعت منه
وجيء به إليه فأكل منه وهو في علته التي ذكرناها فقتله وذكر أن ذلك من ألطف السموم.
ولما توفي الرضا ع
كتم المأمون موته يوما وليلة ثم أنفذ إلى محمد بن جعفر الصادق ع وجماعة من آل أبي طالب
الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وبكى وأظهر حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه
صحيح الجسم وقال يعز علي أن أراك يا أخي في هذه الحال وقد كنت آمل أن أقدم قبلك فأبى
الله إلا ما أراد ثم أمر بغسله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها حتى انتهى إلى
الموضع الذي هو مدفون فيه الآن فدفنه والموضع دار حميد بن قحطبة في قرية يقال لها سناباذ
على دعوة
من نوقان بأرض طوس
وفيها قبر هارون الرشيد وقبر أبي الحسن ع بين يديه في قبلته.
ومضى الرضا ع ولم يترك
ولدا نعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمد بن علي ع وكان سنه يوم وفاة أبيه سبع
سنين وأشهرا آخر كلام الشيخ المفيد رحمهالله تعالى.
قال العبد الفقير إلى
الله تعالى عبد الله علي بن عيسى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى بلغني ممن أثق به
أن السيد رضي الدين علي بن الطاوس رحمهالله كان لا يوافق على أن
المأمون سقى عليا ع ولا يعتقده وكان رحمهالله كثير المطالعة والتنقيب
والتفتيش على مثل ذلك والذي كان يظهر من المأمون من حنوه عليه وميله إليه واختياره
له دون أهله وأولاده مما يؤيد ذلك ويقرره وقد ذكر المفيد رحمهالله شيئا ما يقبله نقدى
ولعلي واهم وهو أن الإمام ع كان يعيب ابني سهل عند المأمون ويقبح ذكرهما إلى غير ذلك
وما كان أشغله بأمور دينه وآخرته
__________________
واشتغاله بالله عن
مثل ذلك وعلى رأي المفيد رحمهالله أن الدولة المذكورة
من أصلها فاسدة وعلى غير قاعدة مرضية فاهتمامه ع بالوقيعة فيهما حتى أغراهما بتغيير
رأي الخليفة عليه فيه ما فيه.
ثم إن نصيحته للمأمون
وإشارته عليه بما ينفعه في دينه لا يوجب أن يكون سببا لقتله وموجبا لركوب هذا الأمر
العظيم منه وقد كان يكفي في هذا الأمر أن يمنعه عن الدخول عليه أو يكفه عن وعظه.
ثم إنا لا نعرف أن
الإبر إذا غرست في العنب صار العنب مسموما ولا يشهد به القياس الطبي والله تعالى أعلم
بحال الجميع وإليه المصير وعند الله تجتمع الخصوم.
__________________
ورأيت في كتاب يعرف
بكتاب النديم لم يحضرني عند جمع هذا الكتاب أن جماعة من بني العباس كتبوا إلى المأمون
يسفهون رأيه في توليه الرضا ع العهد بعده وإخراجه عنهم إلى بني علي ع ويبالغون في تخطئته
وسوء رأيه فكتب إليهم جوابا غليظا سبهم فيه ونال من أعراضهم وقال فيهم القبائح وقال
من جملة ما قال وبقي على خاطري أنتم نطف السكارى في أرحام القيان إلى غير ذلك وذكر
الرضا ع ونبه على فضله وشرفه وشرف نفسه وبيته وهذا وأمثاله مما ينفي عن المأمون الإقدام
على إزهاق تلك النفس الطاهرة والسعي فيما يوجب خسران الدنيا والآخرة والله أعلم.
قال ابن الخشاب رحمهالله ذكر أبي الحسن الرضا
علي بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن
علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين.
وبهذا الإسناد عن محمد
بن سنان توفي وله تسع وأربعون سنة وأشهر في سنة مائتي سنة وستة من الهجرة وكان مولده
سنة مائة وثلاث وخمسين من الهجرة بعد مضي أبي عبد الله بخمس سنين وأقام مع أبيه خمسا
وعشرين سنة إلا شهرين فكان عمره تسعا وأربعين سنة وأشهرا وقبره بطوس بمدينة خراسان
أمه الخيزران المرسية أم ولد ويقال شقراء النوبية وتسمى أروى أم البنين يكنى بأبي الحسن
ولد له خمس بنين وابنة واحدة أسماء بنيه محمد الإمام أبو جعفر الثاني أبو محمد الحسن
وجعفر وإبراهيم والحسن وعائشة فقط.
لقبه الرضا والصابر
والرضي والوفي.
ونقلت من عيون أخبار
الرضا ع تصنيف الشيخ عماد الدين أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي جزاه
الله خيرا عن ياسر الخادم قال سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ع يقول من شبه الله
بخلقه فهو مشرك ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر.
وعنه عن آبائه ع قال
قال الله تعالى ما آمن بي من فسر كلامي
برأيه وما عرفني من
شبهني بخلقي وما على ديني من استعمل القياس في ديني.
وعن الفضل بن شاذان
قال سمعت الرضا ع يقول في دعائه سبحان من خلق الخلق بقدرته وأتقن ما صنع بحكمته ووضع
كل شيء منه موضعه بعلمه سبحان من (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ
وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ).
وعنه ع وقد سئل عن
قوله تعالى (وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ
لا يُبْصِرُونَ)
فقال إن الله تبارك
وتعالى لا يوصف في الشرك كما يوصف خلقه ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال
منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم. وعنه عن آبائه ع قال من زعم أن الله
يجبر عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون فلا تأكلوا ذبيحته ولا تقبلوا شهادته
ولا تصلوا وراءه ولا تعطوه من الزكاة شيئا.
وعن إبراهيم بن محمود
قال قلت للرضا ع يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله
ص أنه قال إن الله تبارك وتعالى ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فقال ع لعن الله المحرفين
للكلم عن مواضعه والله ما قال رسول الله ص كذلك إنما قال ص إن الله تعالى ينزل ملكا
إلى السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي
هل من سائل فأعطيه هل من تائب فأتوب عليه هل مستغفر فأغفر له يا طالب الخير أقبل يا
طالب الشر اقصر فلا يزال ينادي بذلك حتى يطلع الفجر فإذا طلع الفجر عاد إلى محله من
ملكوت السماء حدثني بذلك أبي عن جدي عن آبائه عن رسول الله ص.
وعنه عن آبائه عن علي
ع عن النبي ص أن موسى ابن عمران لما ناجى ربه عزوجل قال يا رب أبعيد أنت
مني فأناديك أم قريب فأناجيك فأوحى الله جل جلاله إليه أنا جليس من ذكرني فقال موسى
يا رب إني أكون في حال أجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى اذكرني على كل حال.
__________________
وسئل ع عن أدنى المعرفة
فقال الإقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير له وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد
وأنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).
وعن عبد العزيز بن
المهتدي قال سألت الرضا ع عن التوحيد قال كل من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وآمن بها فقد عرف التوحيد
فقلت كيف يقرأها قال كما يقرأها الناس وزاد فيها كذلك الله ربي كذلك الله ربي.
وعن الحسين بن خالد
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع أنه دخل عليه رجل فقال له يا ابن رسول الله ما الدليل
على حدث العالم قال أنت لم تكن ثم كنت وقد علمت أنك لم تكون نفسك ولا كونك من هو مثلك.
وعنه عن آبائه ع عن
النبي ص قال من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله
شفاعتي ثم قال إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل.
قال الحسين بن خالد فقلت للرضا يا ابن رسول الله فما معنى قول الله عزوجل (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا
لِمَنِ ارْتَضى)
قال يعني من ارتضى
الله دينه.
وعن جماعة عنه عن آبائه
ع قال دخل رجل من أهل العراق على أمير المؤمنين ع فقال أخبرنا عن خروجنا إلى أهل الشام
أبقضاء من الله وقدره فقال له أمير المؤمنين ع أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة
ولا هبطتم بطن واد
إلا بقضاء من الله وقدره فقال الشيخ عند الله أحتسب عنائي يا أمير المؤمنين
فقال مهلا يا شيخ لعلك
تظن قضاء حتما وقدرا لازما لو كان كذلك
__________________
لبطل الثواب والعقاب
والأمر والنهي والزجر ولسقط معنى الوعد والوعيد ولم يكن على المسيء لائمة ولا للمحسن
محمدة ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن تلك مقالة
عبدة الأوثان وخصماء الرحمن وقدرية هذه الأمة ومجوسها يا شيخ إن الله عزوجل كلف تخييرا ونهى تحذيرا
وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ولم يخلق السماوات والأرض وما
بينهما باطلا
(ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ
كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ)
__________________
قال فنهض الشيخ وهو
يقول
أنت الإمام الذي
نرجو بطاعته
|
|
يوم النشور من الرحمن
غفرانا
|
أوضحت من ديننا ما
كان ملتبسا
|
|
جزاك ربك عنا فيه
إحسانا
|
فليس معذرة في فعل
فاحشة
|
|
قد كنت راكبها فسقا
وعصيانا
|
لا لا ولا قائلا
ناهيه أوقعه
|
|
فيها عبدت إذا يا
قوم شيطانا
|
ولا أحب ولا شاء
الفسوق ولا
|
|
قتل الولي له ظلما
وعدوانا
|
إني محب وقد صحت
عزيمته
|
|
ذو العرش أعلن ذاك
الله إعلانا
|
وعنه عن آبائه عن علي
عن النبي ص يقول قال الله تعالى من لم يرض بقضائي ولم يؤمن بقدري فليلتمس إلها غيري.
وقال رسول الله ص في
كل قضاء لله عزوجل خيرة للمؤمنين.
قال إبراهيم بن العباس
سمعت الرضا ع وقد سأله رجل أيكلف الله العباد م ا لا يطيقون فقال هو أعدل من ذلك قال
أفيقدرون على كل ما أرادوه قال هم أعجز من ذلك.
وعن آبائه عن علي ع
قال الأعمال على ثلاثة أحوال فرائض وفضائل ومعاص فأما الفرائض فبأمر الله وبرضى الله
وبفضل الله وبقضاء الله وتقديره ومشيته وعلمه وأما الفضائل فليست بأمر الله ولكن برضى
الله وبقضاء الله وبقدر الله
__________________
وبمشيئة الله وبعلم
الله وأما المعاصي فليست بأمر الله ولكن لقدر الله وبعلمه ثم يعاقب عليها.
وعن الحسن بن علي الوشاء
عن أبي الحسن الرضا ع قال سألت فقلت الله فوض الأمر إلى عباده قال الله أعز من ذلك
قلت فأجبرهم على المعاصي قال الله أعدل وأحكم من ذلك ثم قال قال الله عزوجل يا ابن آدم أنا أولى
بحسناتك منك وأنت أولى بسيئاتك مني عملت المعاصي بقوتي التي جعلتها فيك.
وسأله رجل وهو في الطواف
أخبرني عن الجواد فقال إن لكلامك وجهين فإن كنت تسأل عن المخلوق فإن الجواد هو الذي
يؤدي ما افترض الله عليه وإن تكن تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى وهو الجواد إن منع
إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له وإن منع منع ما ليس له.
وعن أبي الحسن ع قال
من قال بالجبر فلا تعطوه من الزكاة شيئا ولا تقبلوا له شهادة فإن الله تبارك وتعالى
لا يكلف (نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ولا يحملها فوق طاقتها
(وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ
إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى).
وقال ع وقد ذكر عنده
الجبر والتفويض فقال ألا أعطيكم في هذه أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلا
كسرتموه قلنا إن رأيت ذلك فقال إن الله عزوجل لم يطع بإكراه ولم
يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكه وهو المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم عليه
فإن ائتمر العباد بالطاعة لم يكن الله عنها صادا ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته
فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل فإن لم يحل وفعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيها ثم قال
ع من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه .
__________________
وقال ع للإمام علامات
يكون أعلم الناس وأحكم الناس وأتقى الناس وأحلم الناس وأشجع الناس وأسخى الناس وأعبد
الناس ويولد مختونا ويكون مطهرا ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ولا يكون له ظل وإذا
وقع على الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعا صوته بالشهادتين ولا يحتلم وتنام عينه
ولا تنام قلبه ويكون محدثا ويستوي عليه درع رسول الله ص ولا يرى له بول ولا غائط لأن
الله عزوجل قد وكل الأرض بابتلاع
ما يخرج منه ويكون رائحته أطيب من رائحة المسك ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم وأشفق
عليهم من آبائهم وأمهاتهم ويكون أشد الناس تواضعا لله تعالى ويكون آخذ الناس بما يأمر
به وأكف الناس عما ينهى عنه ويكون دعاؤه مستجابا حتى أنه لو دعا على صخرة لانشقت بنصفين
ويكون سلاح رسول الله ص عنده وسيفه ذو الفقار عنده وتكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعته
إلى يوم القيامة وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى يوم القيامة وتكون عنده الجامعة وهي
صحيفة طولها سبعون ذراعا فيها جميع ما يحتاج إليه ولد آدم ويكون عنده الجفر الأكبر
والجفر الأصغر إهاب ماعز وإهاب كبش فيهما جميع العلوم حتى عرش الخدش وحتى
__________________
الجلدة ونصف الجلدة
وثلث الجلدة ويكون عنده مصحف فاطمة ع.
وفي حديث آخر إن الإمام
مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلما احتاج إليه
للدلالة اطلع عليه ويبسط له فيعلم ويقبض عنه فلا يعلم والإمام يولد ويلد ويصح ويمرض
ويأكل ويشرب ويبول ويتغوط ينكح وينام وينسى ويسهو ويفرح ويحزن ويضحك ويبكي ويحيا ويموت
ويقبر ويزار ويحشر ويوقف ويعرض ويسأل ويثاب ويكرم ويشفع ودلالته في خصلتين في العلم
واستجابة الدعوة وكلما أخبر به من الحوادث التي تحدث قبل كونها فذلك بعهد معهود إليه
من رسول الله ص توارثه عن آبائه ع ويكون ذلك مما عهده إليه جبرئيل عن علام الغيوب عزوجل.
وعنه ع في أوصاف الإمامة
في كتاب عيون أخبار الرضا ع أشياء عجيبة ومقاصد غريبة هي لأغراض الصواب مصيبة وكلما
اشتمل عليه هذا الكتاب أو أكثره نكت وعيون ومنه جملة من أصول الدين ينحدر بتدبرها لثام
الشك عن وجه اليقين ويهتدي بها إلى الحق المبين.
وقال أبو الصلت الهروي
حدثني علي بن موسى الرضا ع وكان والله رضا كما سمي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر
بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه
علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص الإيمان قول وعمل فلما خرجنا قال أحمد بن محمد
بن حنبل ما هذا الإسناد فقال له أبي هذا سعوط المجانين إذا سعط به المجنون أفاق.
وعن عياش
مولى الرضا ع قال سمعته
يقول من قال حين يسمع أذان
__________________
الصبح ـ اللهم إني
أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلاتك وأصوات دعاتك أن تتوب علي اللهم إني أسألك
بأنك التواب الرحيم وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثم مات من يومه أو من ليلته كان
تائبا.
وعنه عن آبائه ع عن
النبي ص أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة المكرم لذريتي من بعدي والقاضي لهم حوائجهم
والساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه والمحب لهم بقلبه ولسانه.
وفي رواية عنه ع والدافع
عنهم بيده.
وعنه عن آبائه عن علي
ع قال قال رسول الله ص لما أسري بي إلى السماء رأيت رحما متعلقة بالعرش تشكو رحما إلى
ربها فقلت لها كم بينك وبينها من أب فقالت نلتقي في أربعين أبا.
وقال ع من صام من شعبان
يوما واحدا ابتغاء ثواب الله دخل الجنة ومن استغفر الله في كل يوم من شعبان سبعين مرة
حشر يوم القيامة في زمرة رسول الله ص ووجبت له من الله الكرامة ومن تصدق في شعبان بصدقة
ولو بشق تمرة حرم الله جسده على النار ومن صام ثلاثة أيام من شعبان ووصلها بصيام شهر
رمضان كتب الله له صوم (شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ).
وقال ع لا يكون المؤمن
مؤمنا حتى يكون فيه ثلاث خصال سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه فالسنة من ربه
كتمان سره قال الله عزوجل (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا
يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ)
وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فإن الله عزوجل أمر نبيه بمداراة الناس
فقال (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ
بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)
وأما السنة من وليه
فالصبر على البأساء والضراء فإن الله عزوجل يقول (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ
__________________
وَالضَّرَّاءِ).
وعنه عن آبائه عن علي
ع قال قال رسول الله ص تعلموا من الغراب خصالا ثلاثا استتاره بالسفاد
وبكوره في طلب الرزق
وحذره.
وعن ياسر الخادم قال
سمعت أبا الحسن الرضا ع يقول إن أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد ويخرج
من بطن أمه فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الآخرة بأهلها ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها
في دار الدنيا وقد سلم الله عزوجل على يحيى في هذه الثلاثة
المواطن وأمن روعته فقال (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ
وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا)
وقد سلم عيسى ابن مريم
على نفسه في هذه الثلاثة المواطن فقال (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ
وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) .
وعنه ع إن الله عزوجل أمر بثلاثة مقرون بها
ثلاثة أخرى أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته وأمر بالشكر له
والوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل
رحمه لم يتق الله عزوجل.
وقال ع من علامات الفقه
الحلم والعلم والصمت إن الصمت باب من أبواب الحكمة إن الصمت يكسب المحبة إنه دليل على
كل خير.
وقال ع صديق كل امرئ
عقله وعدوه جهله.
وسئل ع أتكون الأرض
ولا إمام فيها فقال إذا لساخت بأهلها.
وعنه عن آبائه عن علي
ع قال قال رسول الله ص الشيب في مقدم الرأس يمن وفي العارضين سخاء وفي الذوائب شجاعة
وفي القفاء شوم
__________________
وقال ع لا يجتمع المال
إلا بخصال خمس ببخل شديد وأمل طويل وحرص غالب وقطيعة الرحم وإيثار الدنيا على الآخرة.
وقال ع إذا نام العبد
وهو ساجد قال الله تبارك وتعالى عبدي قبضت روحه وهو في طاعتي.
وعنه عن آبائه ع أنه
قال إن الدنيا كلها جهل إلا مواضع العلم والعلم كله حجة إلا ما عمل به والعمل كله رياء
إلا ما كان مخلصا والإخلاص على خطر حتى ينظر العبد بما يختم له.
وعنه ع قال خرج أبو
حنيفة ذات يوم من عند الصادق فاستقبله موسى ع فقال يا غلام ممن المعصية قال لا تخلو
من ثلاث إما أن تكون من الله عزوجل وليست منه فلا ينبغي
للكريم أن يعذب عبده بما لا يكتسبه وإما أن تكون من الله عزوجل ومن العبد فلا ينبغي
للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف وإما أن تكون من العبد وهي منه فإن عاقبه الله
فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجوده.
وعنه ع قال لا ينبغي
للرجل أن يدع الطيب في كل يوم فإن لم يقدر عليه فيوم ويوم لا فإن لم يقدر ففي كل جمعة
ولا يدع ذلك.
وسئل ع ما بال المتهجدين
بالليل من أحسن الناس وجها قال لأنهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره.
وعنه ع قال لا يزال
العبد يسرق حتى إذا استوفى ثمن يده أظهر الله عليه.
وجاء قوم بخراسان إليه
ع فقالوا إن قوما من أهل بيتك يتعاطون أمورا قبيحة فلو نهيتهم عنها قال لا أفعل فقيل
ولم قال سمعت أبي ع يقول النصيحة خشنة.
وقال ع من رد متشابه
القرآن إلى محكمه (هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ثم قال ع إن في أخبارنا
متشابها كمتشابه القرآن ومحكما كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا
متشابهها دون محكمها فتضلوا.
وقال ع من صام أول
يوم من رجب رغبة في ثواب الله عزوجل وجبت له الجنة ومن
صام يوما في وسطه شفع في مثل ربيعة ومضر ومن صام يوما في آخره جعله الله عزوجل من أملاك الجنة وشفعه
الله في أبيه وأمه وابنه وابنته وأخيه وأخته وعمه وعمته وخاله وخالته ومعارفه وجيرانه
وإن كان فيهم مستوجب للنار.
وعنه عن آبائه عن علي
ع قال قال رسول الله ص لبعض أصحابه يا عبد الله أجب في الله وأبغض في الله ووال في
الله وعاد في الله فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك.
وقال علي بن الحسن
بن علي بن فضال عن أبيه قال سمعت علي بن موسى الرضا ع يقول من استغفر الله تبارك وتعالى
في شعبان سبعين مرة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل عدد النجوم.
وعنه عن آبائه عن علي
ع قال قال رسول الله ص من أحب أن يركب سفينة النجاة ويستمسك (بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ويعتصم بحبل الله المتين
فليوال عليا بعدي وليعاد عدوه وليأتم بالأئمة الهداة من ولده فإنهم خلفائي وأوصيائي
وحجج الله على الخلق بعدي وسادات أمتي وقادة الأنبياء إلى الجنة حزبهم حزبي وحزبي حزب
الله وحزب أعدائهم حزب الشيطان.
وعنه عن آبائه عن علي
ع قال قال رسول الله ص إن شهر رمضان شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات ويمحو الله فيه
السيئات ويرفع فيه الدرجات من تصدق في هذا الشهر بصدقة غفر الله له ومن أحسن فيه إلى
ما ملكت يمينه غفر الله له ومن حسن فيه خلقه غفر الله له ومن كظم فيه غيظه غفر الله
له ومن وصل فيه رحمه غفر الله له ثم قال ع شهركم هذا ليس كالشهور إذا أقبل إليكم أقبل
بالبركة والرحمة وإذا أدبر عنكم أدبر بغفران الذنوب هذا شهر الحسنات فيه مضاعفة وأعمال
الخير فيه مقبولة ومن صلى منكم في هذا الشهر لله عزوجل ركعتين بتطوع فيهما
غفر الله له ثم قال ع إن الشقي حق الشقي من
خرج عنه هذا الشهر
ولم تغفر له ذنوبه ويخسر حين يفوز المحسنون بجوائز الرب الكريم.
قلت فوائد هذا الكتاب كثيرة
وعيون أخباره غزيرة وحاله يقتضي إثبات كل ما فيه فكله فوائد وكله صلات وعوائد ولكن
كتابي هذا لا يحتمل الإكثار وهو مبني على الإيجاز والاختصار لأن مناقبهم ع لا يأتي
الحصر عليها ولا تقوم العبارة بتأدية بعضها والإشارة إليها.
وقال ابن بابويه رحمهالله تعالى قيل لأبي جعفر
محمد بن علي بن موسى ع إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك ع إنما سماه المأمون الرضا
لما رضيه لولاية العهد فقال ع كذبوا والله وفجروا بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا
لأنه كان رضى لله عزوجل في سمائه ورضى لرسوله
والأئمة من بعده ص في أرضه قال فقلت ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين ع رضى لله عزوجل ولرسوله والأئمة من
بعده ع فقال بلى قلت فلم سمي أبوك من بينهم الرضا قال لأنه رضي به المخالفون من أعدائه
كما رضي به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لأحد من آبائه ع فلذلك سمي من بينهم الرضا
ع.
وعن سليمان بن جعفر
المروزي قال كان موسى بن جعفر ع سمى ولده عليا ع الرضا فكان يقول ادعو لي ولدي الرضا
وقلت لولدي الرضا وقال ولدي الرضا وإذا خاطبه قال يا أبا الحسن.
قلت الاعتماد على ما
قاله الجواد ع من أن المأمون لم يسمه بذلك ابتداء فأما ما رواه سليمان المروزي فإن
الكاظم موسى ع يكون قد عرف أنه يسمى بذلك فسماه بما سوف يسمى به فيما بعد فيكون ذلك
من دلائله ع ومن نصوصه فيه ع.
باب مولد الرضا ع من كتاب عيون أخباره
ولد بالمدينة يوم [ليلة]
الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة ثلاث وخمسين ومائة من الهجرة بعد وفاة
أبي عبد الله ع بخمس سنين وتوفي بطوس في قرية يقال لها سناباذ من رستاق نوقان ودفن
في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها الرشيد إلى جانبه مما يلي القبلة وذلك
في شهر رمضان لسبع بقين منه ـ يوم الجمعة سنة ثلاث ومائتين وقد تم عمره تسعا وأربعين
سنة وستة أشهر منها مع أبيه موسى ع تسعا وعشرين سنة وشهرين ـ وبعد أبيه بأيام إمامته
عشرين سنة وأربعة أشهر وكان في أيام إمامته بقية ملك الرشيد وملك الأمين محمد بن زبيدة
وملك المأمون فأخذ البيعة لعلي ع بغير رضاه وذلك بعد أن تهدده بالقتل وألح عليه مرة
بعد أخرى في كلها يأبى عليه حتى أشرف من بأسه على الهلاك.
وقال ع اللهم إنك قد
نهيتني عن الإلقاء بيدي إلى التهلكة وقد أشرفت من قبل عبد الله المأمون على القتل متى
لم أقبل ولاية عهده وقد أكرهت واضطررت كما اضطر يوسف ودانيال ع إذ قبل كل واحد منهما
الولاية لطاغية زمانه اللهم لا عهد لي إلا عهدك ولا ولاية لي إلا من قبلك فوفقني لإقامة
دينك وإحياء سنة نبيك فإنك أنت المولى والنصير (نِعْمَ الْمَوْلى) أنت (وَنِعْمَ النَّصِيرُ) ثم قبل ولاية العهد
من المأمون على أن لا يولي أحدا ولا يعزل أحدا ولا يغير سنة ولا رسما وأن يكون في الأمر
مشيرا من بعيد فأخذ له المأمون البيعة على الخاص والعام.
وكان إذا ظهر للمأمون
من الرضا ع فضل وعلم وحسن تدبير حسده على ذلك وحقده عليه حتى ضاق صدره منه فغدر به
فقتله بالسم ومضى إلى رضوان الله وكرامته.
وعن علي بن ميثم عن
أبيه قال سمعت أمي تقول سمعت نجمة أم الرضا ع تقول لما حملت بابني لم أشعر بثقل الحمل
وكنت أسمع في منامي تسبيحا وتهليلا وتحميدا من بطني فيفزعني ذلك فإذا انتبهت لم أسمع
شيئا فلما وضعته
وقع إلى الأرض واضعا
يده على الأرض رافعا رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم فدخل إلي أبوه موسى بن
جعفر ع فقال هنيئا لك يا نجمة كرامة ربك فناولته إياه في خرقة بيضاء فأذن في أذنه اليمنى
وأقام في اليسرى ودعا بماء الفرات وحنكه به ثم رده إلي فقال خذيه فإنه بقية الله في
أرضه.
قال الفقير إلى الله
تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله بكرمه قال أبو جعفر القمي المذكور رحمهالله تعالى إن الرضا ع ولد
بالمدينة وكذا قال غيره وقال دعا بماء الفرات من ساعته وحنكه به ولعله أراد بماء فرات
أو بالماء الفرات أو كان عندهم ماء الفرات لهذا الأمر وأمثاله أو أتي بماء الفرات من
ساعته فهو سهل بالنسبة إلى معجزاتهم وكراماتهم ودلائلهم وآياتهم ع.
وقال باب في النص عليه
من أبيه موسى بن جعفر ع محمد بن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال دخلت على أبي الحسن موسى
بن جعفر ع وقد اشتكى شكاة شديدة فقلت له إن كان ما أسأل الله أن لا يريناه فإلى من
قال إلى ابني علي فكتابه كتابي وهو وصيي وخليفتي من بعدي.
وعن علي بن يقطين قال
كنت عند أبي الحسن موسى بن جعفر ع وعنده علي ابنه ع فقال يا علي هذا ابني سيد ولدي
وقد نحلته كنيتي فضرب هشام بن سالم يده على جبهته وقال (إِنَّا لِلَّهِ) نعى والله إليك نفسه.
وعن علي بن يقطين قال
كنت عند العبد الصالح موسى بن جعفر ع فدخل عليه ابنه الرضا ع وقال مثله فقال له هشام
ويحك كيف قال فقال سمعت منه كما قلت لك قال هشام أخبرك أن الأمر فيه من بعده.
وعن نعيم بن قابوس
قال قال أبو الحسن ع علي ابني أكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري ينظر في كتاب
الجفر والجامعة ولا ينظر فيهما إلا نبي أو وصي نبي.
وعدد نصوصا كثيرة عن
أبيه ع وقد كان يكفيني هذا الكتاب فيما أريده من أخبار الرضا ع ويغنيني عما سواه ولكني
اتبعت عادتي في النقل
من كتب متعددة وعن
رواة مختلفة ليكون أدعى إلى قبوله وهذا كتاب عيون أخبار الرضا ع قد اشتمل على فرائد
وأوائد أحسن من العقود القلائد في لبات الخرائد فمن أراد أن يسرح طرفه في رياضيه ويروى
ظمأه من نمير حياضه ويعجب من غرائبه وفنونه وحدائقه وعيونه فقد دللته عليه وأهديت عقيلته
إليه فما عليه مزيد في معناه وقد أجاد ما شاء جامعه رحمهالله.
وقال صاحب كتاب الدلائل
عن جعفر بن محمد بن يونس قال كتب رجل إلى الرضا ع يسأله مسائل وأراد أن يسأله عن الثوب
الملحم يلبسه المحرم وعن سلاح رسول الله ص فنسي ذلك وتلهف عليه فجاء جواب المسائل وفيه
لا بأس بالإحرام في الثوب الملحم واعلم أن سلاح رسول الله ص فينا بمنزلة التابوت في
بني إسرائيل يدور مع كل عالم حيث دار.
وعن معمر بن خلاد قال
قال لي الريان بن الصلت بمرو وقد كان الفضل بن سهل بعثه إلى بعض كور خراسان فقال لي
أحب أن أستأذن على أبي الحسن فأسلم عليه وأودعه وأحب أن يكسوني من ثيابه وأن يهب لي
من دراهمه التي ضربت باسمه قال معمر فدخلت على أبي الحسن فقال لي مبتدئا الريان يحب
أن يدخل علي وأن أكسوه من ثيابي وأعطيه من دراهمي فقلت سبحان الله قد والله سألني ذلك
وأن أسألك له فقال يا معمر إن المؤمن موفق
قل له فليجئ قال فأمرته
فدخل عليه وسلم عليه فدعا له بثوبين من ثيابه فدفعهما إليه فلما قام رأيته قد وضع في
يده شيئا فلما خرج قلت له كم أعطاك فإذا في يده ثلاثون درهما.
وعن سليمان بن جعفر
الجعفري قال قال لي الرضا ع اشتر لي جارية من صفتها كذا وكذا فأصبت له جارية عند رجل
من أهل المدينة كما وصف فاشتريتها ودفعت الثمن إلى مولاها وجئت بها إليه فأعجبته ووقعت
منه فمكثت أياما ثم لقيني مولاها وهو يبكي فقال الله الله في لست أتهنأ العيش وليس
__________________
لي قرار ولا نوم فكلم
أبا الحسن يرد علي الجارية ويأخذ الثمن فقلت أمجنون أنت أنا أجترئ أن أقول له يردها
عليك فدخلت على أبي الحسن فقال لي مبتدئا يا سليمان صاحب الجارية يريد أن أردها عليه
قلت إي والله قد سألني أن أسألك قال فردها عليه وخذ الثمن ففعلت ومكثت أياما ثم لقيني
مولاها فقال جعلت فداك سل أبا الحسن يقبل الجارية فإني لا أنتفع بها ولا أقدر أدنو
منها قلت إني لا أقدر أن أبتدئه بهذا قال فدخلت على أبي الحسن فقال يا سليمان صاحب
الجارية يريد أن أقبضها منه وأرد عليه الثمن قلت قد سألني ذلك قال فرد علي الجارية
وخذ الثمن.
وعن الحسن بن أبي الحسن
[الجيش] قال اشتكى عمي محمد بن جعفر شكاة شديدة حتى خفنا عليه الموت فدخل عليه أبو
الحسن الرضا ع ونحن حوله نبكي من بنيه وإخوتي وعمي إسحاق عند رأسه يبكي وهو في حالة
شديدة فجاء فجلس في ناحية ينظر إلينا فلما خرج تبعته فقلت له جعلت فداك دخلت على عمك
وهو في هذا الحال ونحن نبكي وإسحاق عمك يبكي فلم يكن منك شيء فقال لي أرأيت هذا الذي
من مرضه ويقوم ويموت هذا الذي يبكي عليه فقام محمد بن جعفر من وجعه واشتكى إسحاق ومات
وبكى عليه محمد.
ولما خرج محمد بن جعفر
بمكة ودعا لنفسه ويسمى بأمير المؤمنين وبويع له بالخلافة ودخل عليه أبو الحسن الرضا
ع فقال يا عم لا تكذب أباك وأخاك فإن هذا الأمر لا يتم قال الراوي فخرج وخرجت معه إلى
المدينة فلم يلبث إلا قليلا حتى قدم الجلودي فلقيه فهزمه واستأمن إليه محمد بن جعفر
فلبس السواد وصعد المنبر فخلع نفسه وأكذب مقالته وقال إن هذا الأمر للمأمون وليس لي
فيه حق ثم خرج إلى خراسان فمات بمرو .
__________________
وعن صفوان بن يحيى
عن أبي الحسن الرضا ع قال سمعته يقول الأئمة علماء حكماء مفهمون محدثون.
وعن الحسن بن علي الوشاء
قال كنت بخراسان فبعث إلي الرضا ع يوما فقال
__________________
ابعث لي بالحبرة
فلم توجد عندي فقلت
لرسوله ما عندي حبرة فرد إلي الرسول ابعث بالحبرة فطلبت في ثيابي فلم أجد شيئا فقلت
لرسوله قد طلبت فلم أقع بها فرد إلي الرسول الثالث ابعث بالحبرة فقمت أطلب ذلك فلم
يبق إلا صندوق فقمت إليه فوجدت فيه حبرة فأتيته بها وقلت أشهد أنك إمام مفترض الطاعة
وكان سببي في دخولي هذا الأمر.
وقال عبد الله بن المغيرة
كنت واقفا وحججت على ذلك فلما صرت إلى مكة خلج في صدري شيء فتعلقت بالملتزم وقلت اللهم
قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان فوقع في نفسي أن آتي الرضا ع فأتيت
المدينة فوقفت ببابه وقلت للغلام قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداءه وهو
يقول ادخل يا عبد الله بن المغيرة فدخلت فلما نظر إلي قال قد أجاب الله دعوتك وهداك
لدينه فقلت أشهد أنك حجة الله وأمين الله على خلقه.
وعن الحسن بن علي الوشاء
قال قال فلان بن محرز بلغنا أن أبا عبد الله ع كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ
وضوء الصلاة وأحب أن تسأل أبا الحسن الثاني عن ذلك قال الوشاء فدخلت عليه فابتدأني
من غير أن أسأله فقال كان أبو عبد الله ع إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ وضوء الصلاة
وإذا أراد أيضا توضأ للصلاة فخرجت إلى الرجل فقلت قد أجابني عن مسألتك من غير أن أسأله.
وعن حنان بن سدير قال
قلت لأبي الحسن الرضا ع أيكون إمام ليس له عقب فقال أبو الحسن أما إنه لا يولد لي إلا
واحد ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة قال أبو خداش سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة.
وعن الوشاء قال سألني
العباس بن جعفر بن محمد بن الأشعث أن أسأله أن يخرق كتبه إذا قرأها مخافة أن تقع في
يدي غيره قال الوشاء فابتدأني بكتاب قبل أن أسأله أن يخرق كتبه أعلم صاحبك أني إذا
قرأت كتبه خرقتها.
وعن ذروان المدائني
أنه دخل على أبي الحسن الثاني ع يريد أن يسأله عن
__________________
عبد الله بن جعفر فأخذ
بيدي فوضعها على صدره قبل أن أذكر له شيئا مما أردت ثم قال يا محمد بن آدم إن عبد الله
لم يكن إماما فأخبرني بما أردت قبل أن أسأله.
وعن الحسن بن علي الوشاء
عن أبي الحسن الرضا ع قال قال لي ابتداء إن أبي كان عندي البارحة قلت أبوك قال أبي
قلت أبوك قال أبي في المنام إن جعفرا كان يجيء إلى أبي فيقول يا بني افعل كذا يا بني
افعل كذا يا بني افعل كذا قال فدخلت عليه بعد ذلك فقال يا حسن إن منامنا ويقظتنا واحد.
وعن علي بن محمد القاشاني
قال أخبرني بعض أصحابنا أنه حمل إلى الرضا ع مالا له خطر فلم أره سر به فاغتممت لذلك
وقلت في نفسي قد حملت مثل هذا المال وما سر به فقال يا غلام الطست والماء وقعد على
كرسي وقال
بيده للغلام صب علي
الماء فجعل يسيل من بين أصابعه في الطست ذهب ثم التفت إلي وقال من كان هكذا لا يبالي
بالذي حمل إليه.
وعن محمد بن الفضل
قال لما كان في السنة التي بطش هارون بالبرامكة وقتل جعفر بن يحيى وحبس يحيى بن خالد
ونزل بهم ما نزل كان أبو الحسن واقفا بعرفة يدعو ثم طأطأ رأسه فسئل عن ذلك فقال إني
كنت أدعو الله على البرامكة ـ قد فعلوا بأبي ما فعلوا فاستجاب الله لي فيهم اليوم فلما
انصرف لم يلبث إلا يسيرا حتى بطش بجعفر وحبس يحيى وتغيرت حالهم.
وعن موسى بن عمران
قال رأيت علي بن موسى ع في مسجد المدينة وهارون يخطب فقال تروني وأباه تدفن في بيت
واحد.
وقال هشام العباسي
طلبت بمكة ثوبين سعديين أهديهما لأبي فلم أصب بمكة منهما شيئا على ما أردت فمررت بالمدينة
منصرفي فدخلت على أبي الحسن ع فلما ودعته وأردت الخروج دعا بثوبين سعديين على عمل الوشي
الذي كنت طلبت فدفعهما إلي وقال أقطعهما لأبيك.
وعن الحسن بن موسى
قال خرجنا مع أبي الحسن ع إلى بعض أمواله في يوم
__________________
لا سحاب فيه فلما برزنا
قال حملتم معكم المماطر
قلنا لا وما حاجتنا
إليها وليس سحاب ولا نتخوف المطر فقال لكني قد حملت وستمطرون فما مضينا إلا يسيرا حتى
ارتفعت سحابة ومطرنا حتى أهمتنا أنفسنا فما بقي منا أحد إلا ابتل غيره.
وعن الحسن بن منصور
عن أخيه قال دخلت على الرضا في بيت داخل في جوف بيت ليلا فرفع يده فكانت كأن في البيت
عشرة مصابيح فاستأذن عليه رجل فخلى يده ثم أذن له.
وعن موسى بن مهران
قال رأيت أبا الحسن علي بن موسى ع ونظر إلى هرثمة ـ قال فكأني به قد حمل إلى مرو فضربت
عنقه وكان كما قال.
هذا آخر ما أردت نقله
من كتاب الدلائل.
وقال الراوندي في كتاب
الخرائج روى إسماعيل بن أبي الحسن قال كنت مع الرضا ع وقد قال بيده على الأرض كأنه
يكشف شيئا فظهرت سبائك ذهب ثم مسح بيده عليها فغابت فقلت لو أعطيتني واحدة منها قال
لا إن هذا الأمر لم يأن وقته
ومنها ما قال أبو إسماعيل
السندي قال سمعت بالسند أن لله حجة في العرب فخرجت منها في الطلب فدللت على الرضا فقصدته
ودخلت عليه وأنا لا أعرف من العربية كلمة واحدة فسلمت بالسندية فرد علي بلغتي فجعلت
أكلمه بالسندية وهو يجيبني بها فقلت إني سمعت بالسند أن لله حجة في العرب فخرجت في
الطلب فقال قد بلغني ذلك نعم أنا هو ثم قال سل عما تريد فسألته عما أردته فلما أردت
القيام من عنده قلت إني لا أحسن شيئا من العربية فادع الله أن يلهمنيها لأتكلم بها
مع أهلها فمسح يده على شفتي فتكلمت بالعربية من وقتي.
ومنها ما روي عن الحسن
بن علي بن يحيى قال زودتني جارية لي ثوبين ملحمين وسألتني أن أحرم فيهما فأمرت الغلام
بوضعهما في العيبة فلما انتهيت إلى الوقت الذي ينبغي أن أحرم فيه دعوت بالثوبين لألبسهما
ثم اختلج في صدري فقلت ما ينبغي
__________________
لي أن ألبس ملحما وأنا
محرم فتركتهما ولبست غيرهما فلما صرت بمكة كتبت كتابا إلى أبي الحسن وبعثت إليه بأشياء
كانت معي ونسيت أن أكتب إليه أسأله عن المحرم هل يلبس الملحم أم لا فلم ألبث أن جاءني
الجواب بكل ما سألته عنه وفي أسفل الكتاب لا بأس بالملحم أن يلبسه المحرم.
ومنها ما قال سليمان
الجعفري قال كنت مع الرضا ع في حائط له فأنا أحدثه إذ جاء عصفور فوقع بين يديه وأخذ
يصيح ويكثر الصياح ويضطرب فقال أتدري ما يقول قلت الله ورسوله وابن رسوله أعلم قال
قد قال لي إن حية تريد أن تأكل فراخي في البيت فقم وخذ تلك النسعة وادخل البيت واقتل
الحية قال فقمت وأخذت النسعة
ودخلت البيت وإذا حية
تحول في البيت فقتلتها.
ومنها ما روي عن بكر
بن صالح قال أتيت الرضا ع فقلت امرأتي أخت محمد بن سنان بها حمل فادع الله أن يجعله
ذكرا قال هما اثنان قلت في نفسي محمد وعلي بعد انصرافي فدعاني بعد ذلك فقال سم واحدا
عليا والأخرى أم عمر فقدمت الكوفة وقد ولد لي غلام وجارية في بطن فسميت كما أمرني وقلت
لأمي ما معنى أم عمر فقالت إن أمي كانت تدعى أم عمر.
ومنها ما روى الوشاء
أن الرضا ع قال بخراسان إني حيث أرادوا بي الخروج جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي
حتى أسمع ثم فرقت فيهم اثني عشر ألفا ثم قال إني لا أرجع إلى عيالي أبدا.
وعن الوشاء قال لذعتني
عقرب فأقبلت أقول يا رسول الله يا رسول الله فأنكر السامع وتعجب من ذلك فقال له الرضا
ص مه فو الله لقد رأى رسول الله قال وقد كنت رأيت رسول الله ص في النوم ولا والله ما
كنت أخبرت به أحدا
قال الفقير إلى الله
تعالى عبد الله علي بن عيسى غفر الله له برحمته ذنوبه وستر بعفوه
__________________
وتجاوزه عيوبه أن الحافظ
أبا نعيم وصل معنا إلى أخبار أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ع وأضرب صفحا عمن سواه.
وأما ابن الجوزي فإنه
ذكر العبد الصالح موسى بن جعفر ع وما تعداه وهما في كتابيهما يذكران من مجهولي العباد
ومن شذاذ العباد من لا يعرف اسمه ولا نسبه ولا يتحقق طريقه ولا مذهبه فيقولان مثلا
عابد كان باليمن عابدة حبشية إلى أمثال هذا ولا يذكرون مثل موسى الكاظم ولا علي الرضا
ولا محمد الجواد وأبنائهم فأما عبد العزيز الحافظ الجنابذي فإنه وصل إلى الحسن العسكري
ع ووقف حين وصل إلى ذكر الإمام الخلف الصالح مولانا الحجة عليه وعلى آبائه أفضل الصلاة
والسلام فأما كمال الدين بن طلحة رحمهالله فإنه ذكر السلف والخلف
وجرى في مضماره وما وقف وإن أنكر غيره شيئا فقد أقر رحمهالله واعترف ومن أعجب الأمور
أن أبا نعيم متهم بالتشيع وفعله هذا يرفعه عنه غاية الترفع عفا الله عنا وعنهم فكل
قال على قدر اجتهاده وكل منا لسانه من خدم فؤاده فلا يقول إلا بمقتضى مراده.
وقال الآبي في نثر
الدر علي بن موسى الرضا ع سأله الفضل بن سهل في مجلس المأمون فقال يا أبا الحسن الناس
مجبرون فقال الله أعدل من أن يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله أحكم من أن يهمل عبده
ويكله إلى نفسه.
أتي المأمون بنصراني
قد فجر بهاشمية فلما رآه أسلم فغاظه ذلك وسأل الفقهاء فقالوا هدر الإسلام ما قبله فسأل
الرضا ع فقال اقتله لأنه أسلم حين رأى البأس قال الله عزوجل (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا
قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ)
إلى آخر السورة.
قال عمرو بن مسعدة
بعثني المأمون إلى علي ع لأعلمه بما أمرني به من كتاب في تقريظه فأعلمته ذلك فأطرق
مليا وقال يا عمرو إن من أخذه برسول الله لحقيق أن يعطى به.
وسئل عن صفة الزاهد
فقال متبلغ بدون قوته مستعد ليوم موته ومتبرم بحياته
__________________
وسئل عن القناعة فقال
القناعة تجتمع إلى صيانة النفس وعز القدر وطرح مؤن الاستكثار والتعبد لأهل الدنيا ولا
يسلك طريق القناعة إلا رجلان إما متعلل يريد أجر الآخرة أو كريم متنزه عن لئام الناس.
امتنع عنده رجل من
غسل اليد قبل الطعام فقال اغسلها فالغسلة الأولى لنا وأما الثانية فلك فإن شئت فاتركها.
أدخل رجل إلى المأمون
أراد ضرب رقبته والرضا ع حاضر فقال المأمون ما تقول فيه يا أبا الحسن فقال أقول إن
الله لا يزيدك بحسن العفو إلا عزا فعفا عنه.
حدث أبو الصلت قال
كنت مع علي بن موسى الرضا ع وقد دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء فغدا في طلبه علماء
البلد أحمد بن حرب وياسين بن النضر ويحيى بن يحيى وعدة من أهل العلم فتعلقوا بلجامه
في المربعة
فقالوا بحق آبائك الطاهرين
حدثنا بحديث سمعته من أبيك قال حدثني أبي العدل الصالح موسى بن جعفر ع قال حدثني أبي
الصادق جعفر بن محمد قال حدثني أبي باقر علم الأنبياء محمد بن علي قال حدثني أبي سيد
العابدين علي بن الحسين قال حدثني أبي سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي قال سمعت أبي
سيد العرب علي بي أبي طالب قال سمعت رسول الله ص يقول الإيمان معرفة بالقلب وإقرار
باللسان وعمل بالأركان قال وقال أحمد بن حنبل لو قرأت هذا الإسناد على مجنون لبرأ من
جنونه.
وروى عن عبد الرحمن
بن أبي حاتم مثل ذلك يحكيه عن أبيه وأنه قرأه على مصروع فأفاق.
قال الفقير إلى الله
تعالى جامع هذا الكتاب أثابه الله تعالى نقلت من كتاب لم يحضرني اسمه الآن ما صورته
حدث المولى السعيد إمام الدنيا عماد الدين محمد بن
__________________
أبي سعد بن عبد الكريم
الوزان في محرم سنة ست وتسعين وخمسمائة قال أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه
أن علي بن موسى الرضا ع لما دخل إلى نيسابور في السفرة التي فاز فيها بفضيلة الشهادة
كان في مهد على بغلة شهباء عليها مركب من فضة خالصة فعرض له في السوق الإمامان الحافظان
للأحاديث النبوية ـ أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي رحمهماالله فقالا أيها السيد بن
السادة أيها الإمام وابن الأئمة أيها السلالة الطاهرة الرضية أيها الخلاصة الزاكية
النبوية بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون ورويت
لنا حديثا عن آبائك عن جدك نذكرك به فاستوقف البغلة ورفع المظلة وأقر عيون المسلمين
بطلعته المباركة الميمونة فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله ص والناس على طبقاتهم قيام
كلهم وكانوا بين صارخ وباك وممزق ثوبه ومتمرغ في التراب ومقبل حزام بغلته ومطول عنقه
إلى مظلة المهد إلى أن انتصف النهار وجرت الدموع كالأنهار وسكنت الأصوات وصاحت الأئمة
والقضاة معاشر الناس اسمعوا وعوا ولا تؤذوا رسول الله ص في عترته وأنصتوا فأملى ص هذا
الحديث وعد من المحابر أربع وعشرون ألفا سوى الدوي والمستملي أبو زرعة الرازي ومحمد
بن أسلم الطوسي رحمهماالله ..
فقال ص حدثني أبي موسى
بن جعفر الكاظم قال حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر
قال حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين قال حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء
قال حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة قال حدثني أخي وابن عمي محمد
رسول الله ص قال حدثني جبرئيل ع قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول كلمة لا إله
إلا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي صدق الله سبحانه وصدق
جبرئيل وصدق رسوله وصدق الأئمة ع.
قال الأستاذ أبو القاسم
القشيري رحمهالله إن هذا الحديث بهذا
السند بلغ بعض أمراء السامانية فكتبه بالذهب وأوصى أن يدفن معه فلما مات رئي
في المنام فقيل ما
فعل الله بك فقال غفر الله لي بتلفظي بلا إله إلا الله وتصديقي محمدا رسول الله مخلصا
وأنى كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيما واحتراما.
رجع إلى ما ذكره الآبي
في نثر دره. لما عقد المأمون البيعة له بعده قال يا أمير المؤمنين إن النصح واجب لك
والغش لا ينبغي لمؤمن أن العامة تكره ما فعلت بي وأن الخاصة تكره ما فعلت بالفضل بن
سهل فالرأي لك إن تنحينا عنك حتى يصلح أمرك وكان [أبو] إبراهيم بن العباس الصولي يقول
هذا كان والله السبب فيما آل الأمر إليه.
وروى عن بعض أصحابه
قال دخلت عليه بمرو فقلت يا ابن رسول الله روي لنا عن الصادق ع أنه قال لا جبر ولا
تفويض أمر بين أمرين فما معناه قال من زعم أن الله فوض أمر الخلق والرزق إلى حججه فقد
قال بالتفويض والقائل بالجبر كافر والقائل بالتفويض مشرك فقلت يا ابن رسول الله فما
أمر بين أمرين قال وجود السبيل إلى إتيان ما أمروا به وترك ما نهوا عنه.
وقال ليس الحمية من
الشيء تركه ولكن الإقلال منه.
وقال في قول الله تعالى
(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ)
قال عفو بغير عتاب
وفي قوله (خَوْفاً وَطَمَعاً)
قال خوفا للمسافر وطمعا
للمقيم.
وقال المأمون يا أبا
الحسن أخبرني عن جدك علي بن أبي طالب بأي وجه هو قسيم الجنة والنار فقال ع يا أمير
المؤمنين ألم ترو عن أبيك عن آبائه عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله ص يقول
حب علي إيمان وبغضه كفر فقال بلى قال الرضا ع فقسمة الجنة والنار إليه فقال المأمون
لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن أشهد أنك وارث علم رسول الله ص
__________________
قال أبو الصلت الهروي
فلما رجع الرضا إلى منزله أتيته فقلت يا ابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين
فقال يا أبا الصلت أنا كلمته من حيث هو ولقد سمعت أبي يحدث عن آبائه عن علي ع قال قال
لي رسول الله ص يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة تقول للنار هذا لي وهذا لك.
ودخل عليه بخراسان
قوم من الصوفية فقالوا له إن أمير المؤمنين المأمون نظر فيما ولاه الله تعالى من الأمر
فرآكم أهل البيت أولى الناس بأن تأموا الناس ونظر فيكم أهل البيت فرآك أولى الناس بالناس
فرأى أن يرد هذا الأمر إليك والأئمة تحتاج إلى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار
ويعود المريض قال وكان الرضا متكئا فاستوى جالسا ثم قال كان يوسف نبيا يلبس أقبية الديباج
المزردة بالذهب ويجلس على متكئات آل فرعون ويحكم إنما يراد من الإمام قسطه وعدله إذا
قال صدق وإذا حكم عدل وإذا وعد أنجز إن الله لم يحرم لبوسا ولا مطعما وتلا (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي
أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) .
ومن تذكرة ابن حمدون
قال علي بن موسى بن جعفر ع من رضي من الله عزوجل بالقليل من الرزق رضي
الله منه بالقليل من العمل.
وقال لا يعدم المرء
دائرة السوء مع نكث الصفقة ولا يعدم تعجيل العقوبة مع إدراع البغي.
وقال الناس ضربان بالغ
لا يكتفي وطالب لا يجد.
وكان زيد بن موسى بن
جعفر خرج بالبصرة ودعا إلى نفسه وأحرق دورا وعاث
ثم ظفر به وحمل إلى
المأمون قال زيد لما دخلت إلى المأمون نظر إلي ثم قال اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن
علي بن موسى الرضا فتركني بين يديه ساعة واقفا ثم قال يا زيد سوأة لك ما أنت قائل لرسول
الله ص إذا سفكت
__________________
الدماء وأخفت السبيل
وأخذت المال من غير حله لعله غرك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبي ص قال إن فاطمة أحصنت
فرجها فحرمها الله ذريتها على النار إن هذا لمن خرج من بطنها والحسن والحسين فقط والله
ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنك إذا
لأكرم على الله منهم.
قلت ظفر المأمون بزيد
وإنفاذه إياه إلى أخيه وظفره قبل هذا بمحمد بن جعفر وعفوه عنه وقد خرجا وادعيا الخلافة
وفعلا ما فعلا من العيث في بلاده يقوي حجة من ادعى أن المأمون لم يغدر به ع ولا ركب
منه ما اتهم به فإن محمدا وزيدا لا يقاربان الرضا ع في منزلته من الله سبحانه وتعالى
ولا من المأمون ولم يكن له ذنب يقارب ذنوبهما بل لم يكن له ذنب أصلا فما وجه العفو
هناك والفتك هنا والله أعلم.
ووقع إلى حيث انتهيت
إلى هنا كتاب الطبرسي إعلام الورى وقد كانت لي نسخة فشذت قال الباب السابع في ذكر الإمام
المرتضى أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع وهو ستة فصول الفصل الأول في تاريخ مولده ومبلغ
سنه ووقت وفاته ع ـ.
ولد بالمدينة سنة ثمان
وأربعين ومائة من الهجرة ويقال إنه ولد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة ـ يوم الجمعة
سنة ثلاث وخمسين ومائة ـ بعد وفاة أبي عبد الله ع بخمس سنين رواه الشيخ أبو جعفر بن
بابويه وقيل يوم الخميس وأمه أم ولد يقال لها أم البنين واسمها نجمة ويقال سكن النوبية
ويقال تكتم.
وروى الصولي عن عون
بن محمد قال سمعت علي بن ميثم قال اشترت حميدة المصفاة وهي أم أبي الحسن موسى وكانت
من أشراف العجم جارية مولدة واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها
لمولاتها حميدة حتى أنها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالا لها فقالت لابنها موسى
يا بني إن تكتم جارية
ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك أن الله سيطهر نسلها إن كان
لها نسل وقد وهبتها لك فاستوص بها خيرا.
ومما يدل على أن اسمها
تكتم قول الشاعر يمدح الرضا ع
ألا إن خير الناس
نفسا ووالدا
|
|
ورهطا وأجدادا علي
المعظم
|
أتتنا به للعلم والحلم
ثامنا
|
|
إماما يؤدي حجة الله
تكتم
|
وفي رواية أخرى عن
علي بن ميثم عن أبيه قال إن حميدة أم موسى بن جعفر ع لما اشترت نجمة رأت في المنام
رسول الله ص يقول لها يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيلد منها خير أهل الأرض فوهبتها
له فلما ولدت له الرضا سماها الطاهرة.
وقبض ع في طوس بخراسان
في قرية يقال لها سناباذ في آخر صفر وقيل إنه توفي ع في شهر رمضان بسبع بقين منه يوم
الجمعة من سنة ثلاث ومائتين وله يومئذ خمس وخمسون سنة وكانت مدة إمامته وخلافته لأبيه
عشرين سنة وكانت في أيام إمامته بقية ملك الرشيد وملك محمد الأمين بعده ثلاث سنين وخمسة
وعشرين يوما ثم خلع الأمين وأجلس عمه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة أربعة عشر
يوما ثم أخرج محمد ثانية وبويع له وبقي [بعد ذلك] سنة وسبعة أشهر وقتله طاهر بن الحسين
ثم ملك المأمون عبد الله بن هارون بعده عشرين سنة واستشهد ع في أيام ملكه وإنما سمي
الرضا لأنه كان رضي لله عزوجل في سمائه ورضي لرسوله
ورضي للأئمة بعده في أرضه وقيل لأنه رضي به المخالف والموافق.
وذكر في الفصل الثاني
النصوص الدالة على إمامته وقد تقدمت أو بعضها فيما ذكرته من أخباره وكلها نصوص من أبيه
عليه دون أولاده.
ثم ذكر الفصل الثالث
في ذكر دلالاته ومعجزاته ع قال وقد نقلت الرواة من العامة والخاصة كثيرا من دلالاته
وآياته في حياته وبعد وفاته.
فمنها ما حدث به علي
بن أحمد بن الوشاء الكوفي قال خرجت من الكوفة إلى خراسان فقالت لي ابنتي يا أبة خذ
هذه الحلة فبعها واشتر لي بثمنها فيروزجا
قال فأخذتها وشددتها
في بعض متاعي فلما قدمت مرو نزلت في بعض الفنادق فإذا غلمان علي بن موسى الرضا ع قد
جاءوني وقالوا نريد حلة نكفن بها بعض غلماننا فقلت ما عندي شيء فمضوا ثم عادوا وقالوا
مولانا يقرأ عليك السلام ويقول لك معك حلة في السفط الفلاني دفعتها إليك ابنتك وقالت
اشتر لي بثمنها فيروزجا وهذا ثمنها فدفعتها إليهم وقلت والله لأسألنه عن مسائل فإن
أجابني عنها فهو هو فكتبتها وغدوت إلى بابه فلم أصل إليه لكثرة ازدحام الناس عليه فبينما
أنا جالس إذ خرج إلي خادم فقال يا علي بن أحمد هذه جوابات مسائلك التي معك فأخذتها
فإذا هي جواب مسائلي بعينها.
ومنها ما رواه الحاكم
أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن محمد بن عيسى عن أبي حبيب النباجي قال رأيت رسول الله
ص في المنام وقد وافى النباج
ونزل في المسجد الذي
ينزله الحجاج في كل سنة وكأني مضيت إليه وسلمت عليه ووقفت بين يديه فوجدت عنده طبقا
من خوص المدينة فيه تمر صيحاني
وكأنه قبض قبضة من
ذلك التمر فناولني فعددته فكان ثماني عشرة تمرة فتأولت أني أعيش بعدد كل تمرة سنة فلما
كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمر بين يدي للزراعة إذ جاءني من أخبرني بقدوم أبي
الحسن الرضا ع من المدينة ونزوله في ذلك المسجد ورأيت الناس يسعون إليه فمضيت نحوه
فإذا هو جالس في الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي ص وتحته حصير مثل ما كان تحته وبين
يديه طبق من خوص فيه تمر صيحاني فسلمت عليه فرد علي السلام واستدناني فناولني قبضة
من ذلك التمر فعددته فإذا هو بعدد ما ناولني رسول الله ص فقلت زدني يا ابن رسول الله
فقال لو زادك رسول الله ص لزدناك
__________________
ومن ذلك ما أورده الحاكم
أيضا ورواه بإسناده عن سعيد بن سعد
عنه ع أنه نظر إلى
رجل فقال يا عبد الله أوص بما تريد واستعد لما لا بد منه فمات الرجل بعد ذلك بثلاثة
أيام.
وعن الحسين بن موسى
بن جعفر ع قال كنا حول أبي الحسن الرضا ع ونحن شبان من بني هاشم إذ مر علينا جعفر بن
عمر العلوي وهو رث الهيئة فنظر بعضنا إلى بعض فضحكنا من هيئته فقال الرضا ع سترونه
عن قريب كثير المال كثير التبع فما مضى إلا شهر أو نحوه حتى ولى المدينة وحسنت حاله
وكان يمر بنا ومعه الخصيان والحشم.
وبإسناده عن الحسين
بن بشار قال قال لي الرضا ع إن عبد الله يقتل محمدا فقلت أعبد الله بن هارون يقتل محمد
بن هارون قال نعم ـ عبد الله الذي بخراسان يقتل محمد بن زبيدة ـ الذي هو ببغداد فقتله.
حدث أبو أحمد عبد الله
بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني قال خرجت قافلة خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم
الطريق وأخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال فأقاموه في الثلج وملئوا فاه منه فانفسد
فمه ولسانه حتى لم يقدر على الكلام ثم انصرف إلى خراسان وسمع خبر الرضا ع وأنه بنيسابور
فرأى فيما يرى النائم كأن قائلا يقول له إن ابن رسول الله ورد خراسان فسله عن علتك
ليعلمك دواء تنتفع به قال فرأيت كأني قد قصدته وشكوت إليه كما كنت دفعت إليه وأخبرته
بعلتي فقال لي خذ من الكمون والسعتر والملح ودقه وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فإنك
تعافى فانتبه الرجل ولم يفكر في منامه حتى ورد نيسابور فقيل له إن الرضا ع ارتحل من
نيسابور وهو في رباط سعد فوقع في نفسه أن يقصده ويصف له أمره فدخل إليه فقال له يا
ابن رسول الله كان من أمري كيت وكيت وقد انفسد علي فمي ولساني حتى لا أقدر على الكلام
إلا بجهد فعلمني دواء أنتفع به فقال ع ألم أعلمك فاذهب واستعمل ما وصفته لك في منامك
فقال الرجل يا ابن رسول
__________________
الله إن رأيت أن تعيده
علي فقال تأخذ الكمون والسعتر والملح فدقه وخذ منه في فمك مرة أو مرتين أو ثلاثا فإنك
تعافى قال الرجل فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت قال الثعالبي سمعت الصفواني يقول رأيت
هذا الرجل وسمعت منه هذه الحكاية.
وعن حمزة بن جعفر الأرجاني
قال خرج هارون من المسجد الحرام من باب وخرج الرضا ع من باب فقال الرضا ع وهو يعني
هارون ما أبعد الدار وأقرب اللقاء يا طوس يا طوس ستجمعني وإياه وبإسناده عن صفوان بن
يحيى قال ـ لما مضى أبو الحسن موسى ع وتكلم الرضا ع خفنا عليه من ذلك وقلنا إنك قد
أظهرت أمرا عظيما وإنا نخاف عليك هذا الطاغي قال ليجهد جهده فلا سبيل له علي قال صفوان
فأخبرنا الثقة أن يحيى بن خالد قال للطاغي هذا علي ابنه قد قعد وادعى الأمر لنفسه فقال
ما يكفينا ما صنعنا بأبيه من قبل تريد أن نقتلهم جميعا.
وبإسناد عن علي بن
جعفر عن أبي الحسن الطيب قال لما توفي أبو الحسن موسى ع دخل أبو الحسن الرضا ع إلى
السوق فاشترى كبشا وكلبا وديكا فلما كتب صاحب الخير بذلك إلى هارون قال قد أمنا جانبه
وكتب الزبيري أن علي بن موسى قد فتح بابه ودعا إلى نفسه فقال هارون وا عجبا إن علي
بن موسى قد اشترى كلبا وكبشا وديكا ويكتب فيه ما يكتب.
قال الطبرسي رحمهالله وأسانيد هذه الأحاديث
مذكورة في كتاب عيون الأخبار للشيخ أبي جعفر قدس الله روحه.
وأما
ما ظهر للناس بعد وفاته من بركة مشهده المقدس
وعلاماته والعجائب التي شاهدها الخلق فيه فأذعن الخاص والعام له وأقر المخالف والمؤالف
به إلى يومنا هذا فكثير خارج عن حد الإحصاء والعد ولقد برأ فيه الأكمه والأبرص واستجيبت
الدعوات وقضيت ببركته الحاجات وكشف الملمات
وشهدنا كثيرا من ذلك
وتيقناه وعلمناه علما لا يتخالج الشك والريب في معناه فلو ذهبنا نخوض في إيراد ذلك
لخرجنا عن الغرض في هذا الكتاب.
وقال الفصل الرابع
في ذكر طرف من خصائصه ومناقبه وأخلاقه الكريمة ع.
قال إبراهيم بن عباس
ما رأيت الرضا ع سئل عن شيء إلا علمه ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقته
وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان كلامه كله وجوابه وتمثله
انتزاعات من القرآن المجيد وكان يختمه في كل ثلاث. وكان يقول لو أني أردت أن أختمه
في أقرب من ثلاث لختمت لكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شيء أنزلت.
وعنه قال إني ما رأيت
ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا ع وشهدت منه ما لم أشاهد من أحد وما رأيته جفا
أحدا بكلام قط ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه وما رد أحدا عن حاجة قدر عليها
ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط ولا اتكأ بين يديه جليس له قط ولا رأيته يشتم أحدا
من مواليه ومماليكه ولا رأيته تفل قط ولا رأيته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم وكان
إذا خلا ونصبت الموائد أجلس على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس وكان قليل
النوم بالليل كثير الصوم ولا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر ويقول إن ذلك يعدل صيام
الدهر وكان كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر ذلك منه لا يكون إلا في الليالي المظلمة
فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه.
وعن محمد بن أبي عباد
قال كان جلوس الرضا ع على حصير في الصيف وعلى مسح في الشتاء
ولبسه الغليظ من الثياب
حتى إذا برز للناس تزين لهم.
وعن أبي الصلت عبد
السلام بن صالح الهروي قال ـ ما رأيت أعلم من علي
__________________
بن موسى الرضا ع ولا
رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الأديان
وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي منهم أحد إلا أقر له بالفضل
وأقر على نفسه بالقصور. ولقد سمعته ع يقول كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون
فإذا عيي الواحد منهم عن مسألة أشاروا إلي بأجمعهم وبعثوا إلي المسائل فأجيب عنها.
قال أبو الصلت ولقد
حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر ع عن أبيه أن موسى بن جعفر كان يقول لبنيه هذا
أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت أبي
جعفر بن محمد ع يقول لي إن عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سمي أمير المؤمنين.
وعن محمد بن يحيى الفارسي
قال نظر أبو نواس إلى الرضا ع ذات يوم وقد خرج من عند المأمون على بغلة له فدنا منه
وسلم عليه وقال يا ابن رسول الله قد قلت فيك أبياتا وأحب أن تسمعها مني فقال هات فأنشأ
يقول :
مطهرون نقيات ثيابهم
|
|
تجري الصلاة عليهم
أينما ذكروا
|
من لم يكن علويا
حين تنسبه
|
|
فما له في قديم الدهر
مفتخر
|
فأنتم الملأ الأعلى
وعندكم
|
|
علم الكتاب وما جاءت
به السور
|
فقال الرضا ع قد جئتنا
بأبيات ما سبقك إليها أحد يا غلام هل معك من نفقتنا شيء فقال له ثلاثمائة دينار فقال
أعطها إياه ثم قال لعله استقلها يا غلام سق إليه البغلة.
ولأبي نواس أيضا فيه
حين عوتب على الإمساك عن مديحه فقال :
قيل لي أنت أوحد
الناس طرا
|
|
في فنون من الكلام
النبيه
|
لك من جوهر الكلام
بديع
|
|
يثمر الدر في يدي
مجتنيه
|
__________________
فعلى ما تركت مدح
ابن موسى
|
|
والخصال التي تجمعن
فيه
|
قلت لا أهتدي لمدح
إمام
|
|
كان جبريل خادما
لأبيه
|
وقد أورد الطبرسي رحمهالله قصة دعبل بن علي على
زيادات عما ذكرناه فذكرتها عن أبي الصلت الهروي قال دخل دعبل بن علي الخزاعي على الرضا
ع بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي ألا أنشدها
أحدا قبلك فقال الرضا ع هاتها يا دعبل فأنشد
تجاوبن بالأرنان
والزفرات
|
|
نوائح عجم اللفظ
والنطقات
|
يخبرن بالأنفاس عن
سر أنفس
|
|
أسارى هوى ماض وآخر
آت
|
فأسعدن أو أسعفن
حتى تقوضت
|
|
صفوف الدجى بالفجر
منهزمات
|
على العرصات الخاليات
من المها
|
|
سلام شج صب على العرصات
|
فعهدي بها خضر المعاهد
مألفا
|
|
من العطرات البيض
والخفرات
|
__________________
ليالي يعدين الوصال
على القلى
|
|
ويعدي تدانينا على
الغربات
|
وإذ هن يلحظن العيون
سوافرا
|
|
ويسترن بالأيدي على
الوجنات
|
وإذ كل يوم لي بلحظي
نشوة
|
|
يبيت بها قلبي على
نشوات
|
فكم حسرات هاجها
بمحسر
|
|
وقوفي يوم الجمع
من عرفات
|
ألم تر للأيام ما
جر جورها
|
|
على الناس من نقص
وطول شتات
|
ومن دول المستهزءين
ومن غدا
|
|
بهم طالبا للنور
في الظلمات
|
فكيف ومن أنى بطالب
زلفة
|
|
إلى الله بعد الصوم
والصلوات
|
سوى حب أبناء النبي
ورهطه
|
|
وبغض بني الزرقاء
والعبلات
|
وهند وما أدت سمية
وابنها
|
|
أولو الكفر في الإسلام
والفجرات
|
هم نقضوا عهد الكتاب
وفرضه
|
|
ومحكمه بالزور والشبهات
|
ولم تك إلا محنة
كشفتهم
|
|
بدعوى ضلال من هن
وهنات
|
تراث بلا قربى وملك
بلا هدى
|
|
وحكم بلا شورى بغير
هدات
|
رزايا أرتنا خضرة
الأفق حمرة
|
|
وردت أجاجا طعم كل
فرات
|
__________________
وما سهلت تلك المذاهب
فيهم
|
|
على الناس إلا بيعة
الفلتات
|
وما قيل أصحاب السقيفة
جهرة
|
|
بدعوى تراث في الضلال
بنات
|
ولو قلدوا الموصى
إليه أمورها
|
|
لزمت بمأمون على
العثرات
|
أخي خاتم الرسل المصفى
من القذى
|
|
ومفترس الأبطال في
الغمرات
|
فإن جحدوا كان الغدير
شهيده
|
|
وبدر وأحد شامخ الهضبات
|
وآي من القرآن تتلى
بفضله
|
|
وإيثاره بالقوت في
اللزبات
|
وعز خلال أدركته
بسبقها
|
|
مناقب كانت فيه مؤتنفات
|
مناقب لم تدرك بخير
ولم تنل
|
|
بشيء سوى حد القنا
الذربات
|
نجي لجبريل الأمين
وأنتم
|
|
عكوف على العزى معا
ومنات
|
بكيت لرسم الدار
من عرفات
|
|
وأجريت دمع العين
بالعبرات
|
وبان عرا صبري وهاجت
صابتي
|
|
رسوم ديار قد عفت
وعرات
|
مدارس آيات خلت من
تلاوة
|
|
ومنزل وحي مقفر العرصات
|
لآل رسول الله بالخيف
من منى
|
|
وبالبيت والتعريف
والجمرات
|
ديار لعبد الله بالخيف
من منى
|
|
وللسيد الداعي إلى
الصلوات
|
ديار علي والحسين
وجعفر
|
|
وحمزة والسجاد ذي
الثفنات
|
ديار لعبد الله والفضل
صنوه
|
|
نجي رسول الله في
الخلوات
|
__________________
وسبطي رسول الله
وابني وصيه
|
|
ووارث علم الله والحسنات
|
منازل وحي الله ينزل
بينها
|
|
على أحمد المذكور
في السورات
|
منازل قوم يهتدى
بهداهم
|
|
وتؤمن منهم زلة العثرات
|
منازل كانت للصلاة
وللتقى
|
|
وللصوم والتطهير
والحسنات
|
منازل لا تيم يحل
بربعها
|
|
ولا ابن صهاك فاتك
الحرمات
|
ديار عفاها جور كل
منابذ
|
|
ولم تعف للأيام والسنوات
|
قفا نسأل الدار التي
خف أهلها
|
|
متى عهدها بالصوم
والصلوات
|
وأين الأولى شطت
بهم غربة النوى
|
|
أفانين في الأطراف
مفترقات
|
هم أهل ميراث النبي
إذا اعتروا
|
|
وهم خير سادات وخير
حمات
|
إذا لم نناج الله
في صلواتنا
|
|
بأسمائهم لم يقبل
الصلوات
|
مطاعيم في الأقطار
في كل مشهد
|
|
لقد شرفوا بالفضل
والبركات
|
وما الناس إلا غاصب
ومكذب
|
|
ومضطغن ذو إحنة وترات
|
__________________
إذا ذكروا قتلى ببدر
وخيبر
|
|
ويوم حنين أسبلوا
العبرات
|
فكيف يحبون النبي
ورهطه
|
|
وهم تركوا أحشاءنا
وغرات
|
لقد لا ينوه في المقال
وأضمروا
|
|
قلوبا على الأحقاد
منطويات
|
فإن لم تكن إلا بقربي
محمد
|
|
فهاشم أولى من هن
وهنات
|
سقى الله قبرا بالمدينة
غيثه
|
|
فقد حل فيه الأمن
بالبركات
|
نبي الهدى صلى عليه
ملكيه
|
|
وبلغ عنا روحه التحفات
|
وصلى عليه الله ما
ذر شارق
|
|
ولاحت نجوم الليل
مستدرات
|
أفاطم لو خلت الحسين
مجدلا
|
|
وقد مات عطشانا بشط
فرات
|
إذا للطمت الخد فاطم
عنده
|
|
وأجريت دمع العين
في الوجنات
|
أفاطم قومي يا ابنة
الخير فاندبي
|
|
نجوم سماوات بأرض
فلاة
|
قبور بكوفان وأخرى
بطيبة
|
|
وأخرى بفخ نالها
صلوات
|
__________________
وأخرى بأرض الجوزجان
محلها
|
|
وقبر بباخمرى لدى
الغربات
|
وقبر ببغداد لنفس
زكية
|
|
تضمنها الرحمن في
الغرفات
|
وقبر بطوس يا لها
من مصيبة
|
|
ألحت على الأحشاء
بالزفرات
|
إلى الحشر حتى يبعث
الله قائما
|
|
يفرج عنا الغم والكربات
|
علي بن موسى أرشد
الله أمره
|
|
وصلى عليه أفضل الصلوات
|
فأما الممضات التي
لست بالغا
|
|
مبالغها مني بكنه
صفات
|
قبور ببطن النهر
من جنب كربلاء
|
|
معرسهم منها بشط
فرات
|
__________________
توفوا عطاشا بالفرات
فليتني
|
|
توفيت فيهم قبل حين
وفاتي
|
إلى الله أشكو لوعة
عند ذكرهم
|
|
سقتني بكأس الذل
والقصعات
|
أخاف بأن أزدادهم
فتشوقني
|
|
مصارعهم بالجزع والنخلات
|
تقسمهم ريب المنون
فما ترى
|
|
لهم عقرة مغشية الحجرات
|
خلا أن منهم بالمدينة
عصبة
|
|
مدينين أنضاء من
اللزبات
|
قليلة زوار سوى أن
زورا
|
|
من الضبع والعقبان
والرخمات
|
لهم كل يوم تربة
بمضاجع
|
|
ثوت في نواحي الأرض
مفترقات
|
تنكب لأواء السنين
جوارهم
|
|
ولا تصطليهم جمرة
الجمرات
|
وقد كان منهم بالحجاز
وأرضها
|
|
مغاوير نحارون في
الأزمات
|
حمى لم تزره المذبنات
وأوجه
|
|
تضيء لدى الأستار
والظلمات
|
__________________
إذا وردوا خيلا بسمر
من القنا
|
|
مساعير حرب أقحموا
الغمرات
|
فإن فخروا يوما أتوا
بمحمد
|
|
وجبريل والفرقان
والسورات
|
وعدوا عليا ذا المناقب
والعلى
|
|
وفاطمة الزهراء خير
بنات
|
وحمزة والعباس ذا
الهدى والتقى
|
|
وجعفرها الطيار في
الحجبات
|
أولئك لا منتوج هند
وحزبها
|
|
سمية من نوكى ومن
قذرات
|
ستسأل تيم عنهم وعديها
|
|
وبيعتهم من أفجر
الفجرات
|
هم منعوا الآباء
عن أخذ حقهم
|
|
وهم تركوا الأبناء
رهن شتات
|
وهم عدلوها عن وصي
محمد
|
|
فبيعتهم جاءت على
الغدرات
|
وليهم صنو النبي
محمد
|
|
أبو الحسن الفراج
للغمرات
|
ملامك في آل النبي
فإنهم
|
|
أحباي ما داموا وأهل
ثقاتي
|
تحيزتهم رشدا لنفسي
وإنهم
|
|
على كل حال خيرة
الخيرات
|
نبذت إليهم بالمودة
صادقا
|
|
وسلمت نفسي طائعا
لولاتي
|
فيا رب زدني في هواي
بصيرة
|
|
وزد حبهم يا رب في
حسناتي
|
سأبكيهم ما حج لله
راكب
|
|
وما ناح قمري على
الشجرات
|
وإني لمولاهم وقال
عدوهم
|
|
وإني لمحزون بطول
حياتي
|
بنفسي أنتم من كهول
وفتية
|
|
لفك عناة أو لحمل
ديات
|
وللخيل لما قيد الموت
خطوها
|
|
فأطلقتهم منهن بالذربات
|
أحب قصي الرحم من
أجل حبكم
|
|
وأهجر فيكم زوجتي
وبناتي
|
وأكتم حبيكم مخافة
كاشح
|
|
عنيد لأهل الحق غير
موات
|
__________________
فيا عين بكيهم وجودي
بعبرة
|
|
فقد آن للتسكاب والهملات
|
لقد خفت في الدنيا
وأيام سعيها
|
|
وإني لأرجو الأمن
عند وفاتي
|
ألم تر أني مذ ثلاثون
حجة
|
|
أروح وأغدوا دائم
الحسرات
|
أرى فيئهم في غيرهم
متقسما
|
|
وأيديهم من فيئهم
صفرات
|
وكيف أداوي من جوى
بي والجوى
|
|
أمية أهل الكفر واللعنات
|
وآل زياد في الحرير
مصونة
|
|
وآل رسول الله منهتكات
|
سأبكيهم ما ذر في
الأفق شارقا
|
|
ونادى منادي الخير
بالصلوات
|
وما طلعت شمس وحان
غروبها
|
|
وبالليل أبكيهم وبالغدوات
|
ديار رسول الله أصبحن
بلقعا
|
|
وآل زياد تسكن الحجرات
|
وآل رسول الله تدمى
نحورهم
|
|
وآل زياد ربة الحجلات
|
وآل رسول الله تسبى
حريمهم
|
|
وآل زياد آمنوا السربات
|
وآل زياد في القصور
مصونة
|
|
وآل رسول الله في
الفلوات
|
إذا وتروا مدوا إلى
واتريهم
|
|
أكفا عن الأوتار
منقبضات
|
__________________
فلو لا الذي أرجوه
في اليوم أو غد
|
|
تقطع نفسي أثرهم
حسرات
|
خروج إمام لا محالة
خارج
|
|
يقوم على اسم الله
والبركات
|
يميز فينا كل حق
وباطل
|
|
ويجزي على النعماء
والنقمات
|
فيا نفس طيبي ثم
يا نفس فأبشري
|
|
فغير بعيد كلما هو
آت
|
ولا تجزعي من مدة
الجور إنني
|
|
أرى قوتي قد آذنت
بثبات
|
فإن قرب الرحمن من
تلك مدتي
|
|
وأخر من عمري ووقت
وفاتي
|
شفيت ولم أترك لنفسي
غصة
|
|
ورويت منهم منصلي
وقناتي
|
فأني من الرحمن أرجو
بحبهم
|
|
حياة لدى الفردوس
غير تبات
|
عسى الله أن يرتاح
للخلق إنه
|
|
إلى كل قوم دائم
اللحظات
|
فإن قلت عرفا أنكروه
بمنكر
|
|
وغطوا على التحقيق
بالشبهات
|
تقاصر نفسي دائما
عن جدالهم
|
|
كفاني ما ألقى من
العبرات
|
أحاول نقل الصم عن
مستقرها
|
|
وأسماء أحجار من
الصلدات
|
فحسبي منهم أن أبوء
بغصة
|
|
تردد في صدري وفي
لهواتي
|
فمن عارف لم ينتفع
ومعاند
|
|
تميل به الأهواء
للشهوات
|
كأنك بالأضلاع قد
ضاق ذرعها
|
|
لما حملت من شدة
الزفرات
|
فقال دعبل يا ابن رسول
الله لمن هذا القبر بطوس فقال ع قبري ولا تنقضي الأيام والسنون حتى تصير طوس مختلف
شيعتي فمن زارني في غربتي كان معي في درجتي يوم القيامة مغفورا له ونهض الرضا ع وقال
لا تبرح وأنفذ إليه صرة فيها مائة دينار فردها وقال ما لهذا جئت وطلب شيئا من ثيابه
فأعطاه جبة من خز والصرة وقال للخادم قل له خذها فإنك ستحتاج إليها ولا تعاودني فأخذها
وسار من مرو في قافلة فوقع عليهم اللصوص
__________________
وأخذوهم وجعلوا يقسمون
ما أخذوا من أموالهم فتمثل رجل منهم بقوله أرى فيئهم في غيرهم متقسما البيت فقال دعبل
لمن هذا البيت فقال لرجل من خزاعة يقال له دعبل فقال فأنا دعبل قائل هذه القصيدة فحلوا
كتافه وكتاف جميع من في القافلة وردوا إليهم جميع ما أخذ منهم وسار
دعبل حتى وصل إلى قم فأنشدهم القصيدة فوصلوه بمال كثير وسألوه أن يبيع الجبة منهم بألف
دينار فأبى وسار عن قم فلحقه قوم من أحداثهم وأخذوا الجبة منه فرجع وسألهم ردها فقالوا
لا سبيل إلى ذلك فخذ ثمنها ألف دينار فقال على أن تدفعوا إلي شيئا منها فأعطوه بعضها
وألف دينار وعاد إلى وطنه فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما في منزله فباع المائة دينار
التي وصله بها الرضا ع من الشيعة كل دينار بمائة درهم وتذكر قول الرضا ع إنك ستحتاج
إليها.
وعن أبي الصلت الهروي
قال سمعت دعبلا قال لما أنشدت مولانا الرضا ع القصيدة وانتهيت إلى قولي :
خروج إمام لا محالة
خارج
|
|
يقوم على اسم الله
بالبركات
|
يميز فينا كل حق
وباطل
|
|
ويجزي على النعماء
والنقمات
|
بكى الرضا ع بكاء شديدا
ثم رفع رأسه إلي وقال يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من
هذا الإمام ومتى يقوم قلت لا إلا أني سمعت يا مولاي بخروج إمام منكم يملأ الأرض عدلا
فقال يا دعبل الإمام بعدي محمد ابني ومن بعد محمد ابنه علي وبعد علي ابنه الحسن وبعد
الحسن ابنه الحجة القائم المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره ولو لم يبق من الدنيا إلا
يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
وعن إبراهيم بن العباس
قال كان الرضا ع ينشد كثيرا
__________________
إذا كنت في خير فلا
تغرر به
|
|
ولكن قل اللهم سلم
وتمم
|
وعن الريان بن الصلت
قال أنشدني الرضا ع لعبد المطلب :
يعيب الناس كلهم
الزمانا
|
|
وما لزماننا عيب
سوانا
|
نعيب زماننا والعيب
فينا
|
|
ولو نطق الزمان بنا
هجانا
|
وليس الذئب يأكل
لحم ذئب
|
|
ويأكل بعضنا بعضا
عيانا
|
وشكا رجل في مجلسه
رجلا فأنشأ ع يقول :
أعذر أخاك على ذنوبه
|
|
واستر وغط على عيوبه
|
واصبر على بهت السفيه
|
|
وللزمان على خطوبه
|
ودع الجواب تفضلا
|
|
وكل الظلوم إلى حسيبه
|
وقد سبق ذكرها.
وعن أبي الصلت الهروي
قال كان الرضا ع يكلم الناس بلغاتهم وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت
له يوما يا ابن رسول الله إني لأعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها فقال يا أبا
الصلت أنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لا يعرف لغاتهم أوما
بلغك قول أمير المؤمنين ع أوتينا فصل الخطاب وهل فصل الخطاب إلا معرفة اللغات.
وعن الرضا ع أنه قال
له رجل من خراسان يا ابن رسول الله رأيت رسول الله ص في المنام كأنه يقول لي كيف أنتم
إذا دفن في أرضكم بعضي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي
فقال له الرضا أنا
المدفون في أرضكم وأنا بضعة من نبيكم وأنا الوديعة والنجم
ألا فمن زارني وهو
يعرف ما أوجب الله تعالى من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعائه يوم القيامة ومن كنا شفعاءه
نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والإنس ولقد حدثني
__________________
أبي عن جدي عن أبيه
أن رسول الله ص قال من رآني في منامه فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في
صورة أحد من أوصيائي ولا في صوره أحد من شيعتهم وإن الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءا
من النبوة
وأما ما روي عنه ع
من فنون العلم وأنواع الحكم والأخبار المجموعة والمنثورة والمجالس مع أهل الملل والمناظرات
المشهورة فأكثر من أن تحصى.
وقال الفصل الخامس
في ذكر نبذ من أخباره ع مع المأمون ثم ذكر ما قدمناه من أمر العقد له بولاية العهد
على ما أوردناه وحديث خروجه ع إلى صلاة العيد وما جرى فيه وعوده إلى داره دون إتمامها
وقد سبق ذكر حديث كتاب الحسن إلى أخيه الفضل والتحويل ودخول الحمام وقتل الفضل.
الفصل السادس في ذكر
وفاته ع أورد في هذا الفصل ما قدمناه من الأسباب التي كان المأمون يأخذها عليه كما
أورده الشيخ المفيد رحمهالله حذو النعل بالنعل وقال
إن الرضا ع لما دخل إلى داره حين خرج من عند المأمون مغطى الرأس فلم أكلمه وكان قد
أوصاني قبل ذلك أن يحفروا له في الموضع الذي عينه وأن يشق له ضريح فإن أبوا إلا اللحد
فأمرهم أن يجعلوه ذراعين وشبرا فإن الله سيوسعه ما شاء وسترى نداوة فتكلم بما أعلمك
به فإن الماء ينبع حتى يملأ اللحد وترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك
فإنها تلتقطه فإذا لم يبق منه شيء خرجت حوتة كبيرة فالتقطت تلك الحيتان الصغار حتى
لا يبقى منها شيء فإذا غابت فضع يدك على فيك وتكلم بالكلام الذي علمتك فإنه ينضب الماء
فلا يبقى منه شيء ولا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون.
ثم قال غدا أدخل إليه
فإن خرجت مكشوف الرأس فتكلم وإن خرجت مغطى الرأس فلا تكلمني فلم أتكلم حتى دخل الدار
وأمر أن يغلق الباب ثم نام على فراشه فبينا أنا كذلك إذ دخل شاب حسن الوجه قطط الشعر
أشبه الناس بالرضا فبادرت إليه وقلت من أين دخلت والباب مغلق فقال الذي جاء بي من المدينة
هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار والباب مغلق
فقلت ومن أنت قال أنا
حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ثم مضى نحو أبيه ع فدخل وأمرني بالدخول
معه فلما نظر إليه الرضا ع وثب إليه وعانقه وضمه إلى صدره وقبل ما بين عينيه ثم سحبه
سحبا في فراشه وأكب عليه محمد يقبله ويساره بشيء لم أفهمه فرأيت على شفتي الرضا ع زبدا
أشد بياضا من الثلج فرأيت أبا جعفر يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه وصدره فاستخرج
منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر ومضى الرضا ع.
فقال أبو جعفر قم يا
أبا الصلت وائتني بالغسل والماء من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغسل ولا ماء فقال انته
إلى ما أمرتك فدخلت إلى الخزانة فوجدت ذلك فأخرجته وشمرت ثيابي لأغسله معه فقال يا
أبا الصلت إن معي من يعينني غيرك فغسله ثم قال لي أخرج من الخزانة السفط الذي فيه كفنه
وحنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه وكفنه وصلى عليه.
ثم قال ائتني بالتابوت
فقلت له أمضي إلى النجار حتى يصلح تابوتا قال قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت فوجدته
فأتيته به فأخذه ع فوضعه في التابوت بعد ما صلى عليه وصف قدميه وصلى ركعتين لم يفرغ
منهما حتى ارتفع التابوت فانشق السقف فخرج منه ومضى فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا
المأمون ويطالبنا بالرضا فما نصنع فقال لي اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي
يموت في المشرق ويموت وصيه في المغرب إلا جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما فما أتم
الحديث حتى انشق السقف ونزل التابوت فقام ع واستخرج الرضا ع من التابوت ووضعه على فراشه
كأنه لم يغسل ولم يكفن.
ثم قال قم يا أبا الصلت
فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون والغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد
شق جيبه ولطم رأسه وهو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي ثم دخل وجلس عند رأسه وقال خذوا
في تجهيزه فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت أمرني أن أحفر له سبع مراقي وأن أشق له ضريحه
فقال انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح ولكن يحفر له ويلحد فلما رأى ما
ظهر من النداوة والحيتان
وغير ذلك قال لم يزل الرضا يرينا العجائب في حياته حتى أراناها بعد وفاته فقال له قرين
كان معه أتدري ما أخبرك به الرضا ع قال لا قال أخبركم أن ملككم بني العباس مع كثرتكم
وطول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم وذهبت دولتكم سلط الله
تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال له صدقت قلت ما أعجب هذا التأويل ولو جعل
ذلك دليلا على ما جرى من زوال ملكهم كان أغرب.
ثم قال يا أبا الصلت
علمني الكلام الذي تكلمت به قلت والله لقد أنسيته من ساعتي وقد كنت صدقت فأمر بحبسي
وضاق علي الحبس وسألت الله أن يفرج عني بحق محمد وآله فلم أستتم الدعاء حتى دخل علي
محمد بن علي ع وقال لي ضاق صدرك يا أبا الصلت فقلت إي والله قال فقم واخرج ثم ضرب بيده
إلى القيود التي كانت علي ففكها وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمة يرونني
فلم يستطيعوا أن يكلموني وخرجت من باب الدار ثم قال امض في ودائع الله فإنك لن تصل
إليه ولا يصل إليك أبدا قال أبو الصلت فلم ألتق المأمون حتى هذا الوقت ..
" وروى عن إبراهيم
بن العباس قال كانت البيعة للرضا ع لخمس خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين وزوجه
ابنته أم حبيب في أول سنة اثنتين ومائتين وتوفي سنة ثلاث ومائتين والمأمون متوجه إلى
العراق.
وفي رواية هرثمة بن
أعين عن الرضا ع في حديث طويل أنه قال يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله عزوجل ولحوقي بجدي وآبائي
ع وقد بلغ الكتاب أجله فقد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب ورمان مفتوت مفروك فأما
العنب فإنه يغمس السلك
في السم ويجذبه بالخيط في العنب وأما الرمان فيطرح السم في كف بعض غلمانه ويفرك الرمان
به ليطلخ الحب بذلك السم وأنه سيدعوني في اليوم المقبل ويقرب إلي الرمان والعنب ويسألني
أن آكلهما فآكلهما ثم ينفذ الحكم ثم ساق الحديث بطوله قريبا من حديث أبي
__________________
الصلت الهروي في معناه
ويزيد عليه بأشياء.
وكان للرضا ع من الولد
ابنه أبو جعفر محمد بن علي الجواد ع لا غير ولما توفي الرضا ع أنفذ المأمون إلى محمد
بن جعفر الصادق ع وجماعة آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروه نعاه إليهم وأظهر
حزنا شديدا وتوجعا وأراهم إياه صحيح الجسد وقال يا أخي يعز علي بأن أراك بهذه الحال
وقد كنت آمل أن أقدم قبلك ولكن أبى الله إلا ما أراد
آخر ما أورده الطبرسي
وقد تقدم مثل هذا.
قال الفقير إلى الله
تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله وفي سنة سبعين وستمائة وصل من مشهده الشريف
ع أحد قوامه ومعه العهد الذي كتبه المأمون بخط يده وبين سطوره وفي ظهره بخط الإمام
ع ما هو مسطور فقبلت مواقع أقلامه وسرحت طرفي في رياض كلامه وعددت الوقوف عليه من منن
الله وإنعامه ونقلته حرفا فحرفا.
وما هو بخط المأمون
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ)
هذا كتاب كتبه عبد
الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده أما بعد فإن الله
عزوجل اصطفى الإسلام دينا
واصطفى له من عباده رسلا دالين عليه وهادين إليه يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم
حتى انتهت نبوة الله إلى محمد ص (عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) ودروس من العلم وانقطاع
من الوحي واقتراب من الساعة فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم ومهيمنا عليهم وأنزل
عليه كتابه العزيز الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ
مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) بما أحل وحرم ووعد
وأوعد وحذر وأنذر وأمر به ونهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ) وَيَحْيى مَنْ حَيَّ
عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ فبلغ عن الله رسالته ودعا إلى سبيله
بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ثم بالجهاد والغلظة
حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده ص
فلما انقضت النبوة
وختم الله بمحمد ص الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة وإتمامها
وعزها والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها يقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام
وسننه ويجاهد بها عدوه فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده
وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله وأمن السبيل وحقن الدماء
وصلاح ذات البين وجمع الألفة وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم واختلاف ملتهم
وقهر دينهم واستعلاء عدوهم وتفرق الكلمة وخسران الدنيا والآخرة.
فحق على من استخلفه
الله في أرضه وائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ويعتد
لما الله مواقفه عليه ومسائله عنه ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده فإن
الله عزوجل يقول لنبيه داود ع
(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ
خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى
فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ
عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) وقال الله عزوجل (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) وبلغنا أن عمر بن الخطاب
قال لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها وايم الله أن المسئول عن
خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بينه وبين الله ليتعرض على أمر كبير وعلى خطر عظيم
فكيف بالمسئول عن رعاية الأمة وبالله الثقة وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة
والتشديد والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة والفوز من الله بالرضوان والرحمة :
وأنظر الأمة لنفسه
وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه
ع في مدة أيامه وبعدها وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامه المسلمين ورعايتهم
بعده وينصبه علما لهم ومفزعا في جميع ألفتهم ولم شعثهم وحقن دمائهم والأمن بإذن الله
من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم ورفع نزع الشيطان وكيده عنهم فإن الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة
من تمام أمر الإسلام وكماله وعزه وصلاح أهله وألهم خلفائه من
توكيده لمن يختارونه
له من بعدهم ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة
والسعي في الفرقة والتربص للفتنة.
ولم يزل أمير المؤمنين
منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها وثقل محملها وشدة مؤنتها ويجب على من تقلدها
من ارتباط طاعة الله ومراقبته فيما حمله منها فأنصب بدنه وأشهر عينه وأطال فكره فيما
فيه عز الدين وقمع المشركين وصلاح الأمة ونشر العدل وإقامة الكتاب والسنة ومنعه ذلك
من الخفض والدعة ومهنإ العيش علما بما الله سائله عنه ومحبة أن يلقى الله مناصحا له
في دينه وعباده ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده أفضل من يقدر عليه في ورعه
ودينه وعلمه وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه مناجيا لله تعالى بالاستخارة في ذلك ومسألته
إلهامه ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته
من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن أبي طالب فكره ونظره مقتصرا لمن علم حاله ومذهبه
منهم على علمه وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته.
حتى استقصى أمورهم
معرفة وابتلى أخبارهم مشاهدة واستبرأ أحوالهم معاينة وكشف ما عندهم مساءلة فكانت خيرته
بعد استخارته لله وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده في البيتين جميعا علي بن
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما رأى من فضله البارع
وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس وقد استبان
له ما لم تزل الأخبار عليه متواطية والألسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة ولما لم يزل
يعرفه به من الفضل نافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا فعقد له بالعهد والخلافة من بعده
واثقا بخيرة الله في
ذلك إذ علم الله أنه فعله إيثارا له وللدين
__________________
ونظرا للإسلام والمسلمين
وطلبا للسلامة وثبات الحق
والنجاة في اليوم الذي
(يَقُومُ النَّاسُ) فيه (لِرَبِّ الْعالَمِينَ).
ودعا أمير المؤمنين
ولده وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه فبايعوا مسرعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين
طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما وأقرب قرابة وسماه الرضا
إذ كان رضا عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة
من قواده وجنده وعامة المسلمين لأمير المؤمنين وللرضا من بعده كتب بقلمه الشريف بعد
قوله وللرضا من بعده بل آل من بعده
علي بن موسى على اسم
الله وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده بيعة مبسوطة إليها أيديكم منشرحة لها صدوركم عالمين
بما أراد أمير المؤمنين بها وآثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها شاكرين لله على
ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم راجين عائدة
ذلك في جمع ألفتكم وحقن دمائكم ولم شعثكم وسد ثغوركم وقوة دينكم ورغم عدوكم واستقامة
أموركم وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين فإنه الأمن إن سارعتم إليه وحمدتم
الله عليه عرفتم الحظ فيه إن شاء الله و
__________________
كتب بيده يوم الإثنين
بسبع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
صورة
ما كان على ظهر العهد بخط الإمام علي بن موسى الرضا ع.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) الحمد لله الفعال لما
يشاء (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) ولا راد لقضائه (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي
الصُّدُورُ) وصلاته على نبيه محمد
خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين أقول وأنا علي بن موسى الرضا بن جعفر إن أمير المؤمنين
عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل أرحاما قطعت وأمن نفوسا
فزعت بل أحياها وقد تلفت وأغناها إذ افتقرت مبتغيا رضا رب العالمين لا يريد جزاء من
غيره (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) و (لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وإنه جعل إلي عهده
والإمرة الكبرى إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله بشدها وفصم عروة أحب الله إيثاقها
فقد أباح حريمه وأحل محرمه إذ كان بذلك زاريا على الإمام منهتكا حرمة الإسلام بذلك
جرى السالف فصبر عنه على الفلتات ولم يعترض بعدها على الغرمات خوفا من شتات الدين واضطراب
حبل المسلمين ولقرب أمر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز وبائقة تبتدر وقد جعلت الله على نفسي
إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب
خاصة بطاعته وطاعة رسوله ص وأن لا أسفك دما حراما ولا أبيح فرجا ولا مالا إلا ما سفكته
حدود الله وأباحته فرائضه وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا
يسألني الله عنه فإنه عزوجل يقول (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ
كانَ مَسْؤُلاً) وإن أحدثت أو غيرت
أو بدلت كنت للغير مستحقا وللنكال متعرضا وأعوذ بالله من سخطه وإليه أرغب في التوفيق
لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين.
والجامعة والجفر يدلان
على ضد ذلك (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ
بِي وَلا بِكُمْ إِنِ الْحُكْمُ
إِلَّا
لِلَّهِ) يقضي بالحق (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) لكني امتثلت أمر أمير
المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني وإياه وأشهدت الله على نفسي بذلك (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) وكتبت بخطي بحضرة أمير
المؤمنين أطال الله بقاءه والفضل بن سهل وسهل بن الفضل ويحيى بن أكثم وعبد الله بن
طاهر وثمامة بن أشرس وبشر بن المعتمر وحماد بن النعمان في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين.
الشهود على جانب الأيمن
شهد يحيى بن أكثم على
مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين
ببركة هذا العهد والميثاق وكتب بخطه في تاريخ المبين فيه عبد الله بن طاهر بن الحسين
أثبت شهادته فيه بتاريخه شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره وبطنه وكتب بيده في تاريخه
بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك.
الشهود
على الجانب الأيسر
رسم أمير المؤمنين
أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو أن يجوز بها الصراط
ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله ص بين الروضة والمنبر على رءوس الأشهاد بمرأى ومسمع
من وجوه بني هاشم وسائر الأولياء والأجناد بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما أوجب
أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين
و (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ
الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) وكتب الفضل بن سهل
بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه .
__________________
قال الفقير إلى الله
تعالى علي بن عيسى أثابه الله ورأيت خطه ع في واسط سنة سبع وسبعين وستمائة جوابا عما
كتبه إليه المأمون
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) وصل كتاب أمير المؤمنين
أطال الله بقاءه يذكر ما ثبت من الروايات ورسم أن أكتب له ما صح عندي من حال هذه الشعرة
الواحدة والخشبة التي لرحا المد ـ لفاطمة بنت محمد رسول الله صلى الله عليها وعلى أبيها
وزوجها وبنيها فهذه الشعرة الواحدة شعرة من شعر رسول الله ص لا شبهة ولا شك وهذه الخشبة
المد المذكورة لفاطمة ع لا ريب ولا شبهة وأنا قد تفحصت وتحدبت وكتبت إليك فاقبل قولي
فقد أعظم الله لك في هذا الفحص أجرا عظيما وبالله التوفيق وكتب علي بن موسى بن جعفر
عليهماالسلام وعلي سنة إحدى ومائتين
من هجره صاحب التنزيل جدي ص.
قال الفقير إلى الله
تعالى عبد الله علي بن عيسى أثابه الله مناقب الإمام علي بن موسى الرضا ع رضا في المناقب
وأمداد فضله متوالية توالي المقانب وموالاته محمودة المبادئ مباركة العواقب وعجائب
أوصافه من غرائب العجائب وشرفه ونبله قد حلا من الشرف في الذروة والغارب وصيت سؤدده
قد شاع وذاع في المشارق والمغارب فلمواليه السعد الطالع ولشانيه النحس الغارب أما شرف
الآباء فأشهر من الصباح المنير وأضوأ من عارض الشمس المستدير وأما أخلاقه وسماته وسيرته
وصفاته ودلائله وعلاماته ونفسه الشريفة وذاته فناهيك من فخار وحسبك من علو منار وقدرك
من سمو مقدار يجاري الهواء كرم أخلاق ويجاوز السماء طهارة أعراق لو ولج السماء شريف
ولجها بشرفه أو طال الملائكة الكرام لطالهم بنفسه الزاكية وسلفه وفضلهم بولده وخلفه
نور مشرق من أنوار
__________________
وسلالة طاهرة من أطهار
وغصن فخر من سرحة فخار وثمرة جنية من الدوحة الكريمة العليا ونبعة ناضرة قويمة من الشجرة
التي (أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها
فِي السَّماءِ) أخباره ع كلها عيون
وسيرته السرية كاللؤلؤ الموضون ومقالاته ومقاماته قيد القلوب وجلاء الأسماع ونزهة العيون
ومعارفه الإلهية واحدة في العلم بما كان وما يكون محدث في خاطره الشريف بالسر المكتوم
والعلم المكنون ملهم بمعرفة الظاهر المشهور والباطن المخزون مطلع على خفايا لا تتخيلها
الأفكار ولا تخيلها الظنون جار من فضائله وفواضله على طريقة ورثها عن الآباء وورثها
عنه البنون فهم جميعا في كرم الأرومة وزكاء الجرثومة كأسنان المشط متعادلون فشرفا لهذا
البيت العظيم الرتبة العلي المحلة السامي المكانة لقد طال السماء علاء ونبلا وسما على
الثوابت منزلة ومحلا واستوفى صفات الكمال فما يستثني في شيء منه بغير ولا إلا انتظم
هؤلاء الأئمة ع انتظام اللئالي وتناسبوا في الشرف فاستوى المقدم والتالي ونالوا مرتبة
مجد هلك دونها المقصر والعالي وحين اقتسمت شمل مراتب السيادة كان لغيرهم السافل ولهم
العالي كم اجتهد الأعداء في خفض منارهم والله يرفعه وكم ركبوا الصعب والذلول في تشتيت
شمل عزهم والله يجمعه وكم ضيعوا من حقوقهم ما لا يهمله الله ولا يضيعه ومع كثرة عداتهم
وتظاهر الناس عليهم وغلبة شناتهم ومدهم أيدي القهر إليهم لم يزدادوا على الاختبار إلا
صبرا واحتسابا وعلى القتل والتشريد إلا إغراقا في الحمد وإطنابا وتحصيلا للأجر واكتسابا
واعتزاء إلى أعلى منازل الطاعة وانتسابا حتى خلصوا خلوص الذهب من النار وسلموا في أعراضهم
وأديانهم من العاب والعار فالولي والعدو يشهدان لهم بعلو المنصب وسمو المقدار
قال فيه البليغ ما
قال ذو
|
|
العي فكل بفضله منطيق
|
وكذلك العدو لم يعد
أن
|
|
قال جميلا كما يقول
الصديق
|
وهذا الإمام الرضا
هو لله سبحانه رضا وقد قضى من شرفه ومجده بما قضى ونصبه دليلا لمن يأتي وعلى من مضى
فظهر من فضائله وأخباره واشتهر من
صفاته وآثاره ما كان
أمضى من السيف المنتضى وأبى أن يكون هذا النعت الرضى إلا لذلك السيد المرتضى ولم أزل
مذ كنت حدثا أهش لذكره وأطرب لما يبلغني من خلاله وسجاياه وسمو قدره فرزقني الله وله
الحمد أن أثبت شيئا من مناقبه وشاهدت بعين الاعتبار جملة من عجائبه وأعجبتني نفسي حين
عرفت اختيارها في حالة الشباب وسرني أن عددت من واصفي فضله وفضل آبائه وأبنائه في هذا
الكتاب والمنة لله تعالى فهو الذي أمد بالتوفيق وهدى إلى الطريق ولا منة عليهم ع فإن
الواجب على العبد مدح سيده ووصف فخاره وسؤدده والذب عنه بلسانه ويده وقد سمح خاطري
بشعر في مدحه موسوم وبشريف اسمه واسمي مرقوم وأنا أعتذر إلى محله الشريف ومقامه العالي
المنيف من التقصير عما يجب لقدره الخطير ولكن لا مرما جزع أنفه قصير فإني أحب أن أكون
من شعراء مجدهم وإن كنت مقصرا عما يجب لعبدهم أو لأحد من أهل ودهم.
(والشعر)
أيها الراكب المجد
قف العيش
|
|
إذا ما حللت في أرض
طوسا
|
لا تخف من كلالها
ودع التأديب
|
|
دون الوقوف والتعريسا
|
والثم الأرض إن رأيت
ثرى
|
|
مشهد خير الورى علي
بن موسى
|
وأبلغنه تحية وسلاما
|
|
كشذي المسك من علي
بن عيسى
|
قل سلام الإله في
كل وقت
|
|
يتلقى ذاك المحل
النفيسا
|
منزل لم يزل به ذاكر
الله
|
|
يتلو التسبيح والتقديسا
|
دار عز ما انفك قاصدها
|
|
يزجي إليها آماله
والعيسا
|
بيت مجد ما زال وقفا
عليه
|
|
الحمد والمدح والثناء
حبيسا
|
ما عسى أن يقال في
مدح قوم
|
|
أسس الله مجدهم تأسيسا
|
ما عسى أن أقول في
مدح قوم
|
|
قدس الله ذكرهم تقديسا
|
هم هداة الورى وهم
أكرم
|
|
الناس أصولا شريفة
ونفوسا
|
إن عرت أزمة تندوا
غيوثا
|
|
أو دجت شبهة تبدوا
شموسا
|
شرفوا الخيل والمنابر
لما
|
|
افترعوها والناقة
العنتريسا
|
معشر حبهم يجلي هموما
|
|
ومزاياهم تجلي طروسا
|
كرموا مولدا وطابوا
أصولا
|
|
وزكوا محتدا وطالوا
غروسا
|
ليس يشقي بهم جليس
ومن كان
|
|
ابن شورى إذا أرادوا
جليسا
|
قمت في نصرهم بمدحي
لما
|
|
فاتني أن أجر فيه
خميسا
|
ملئوا بالولاء قلبي
رجاء
|
|
وبمدحي لهم ملأت
الطروسا
|
فتراني لهم مطيعا
حنينا
|
|
وعلى غيرهم أبيا
شموسا
|
يا علي الرضا أبثك
ودا
|
|
غادر القلب بالغرام
وطيسا
|
مذهبي فيك مذهبي
وبقلبي
|
|
لك حب أبقي جوي ورسيسا
|
لا أرى داءه بغيرك
يشفي
|
|
لا ولا جرحه بغيرك
يوسى
|
أتمني لو زرت مشهدك
|
|
العالي وقبلت ربعك
المأنوسا
|
وإذا عز أن أزورك
يقظان
|
|
فزرني في النوم واشف
السيسا
|
أنا عبد لكم مطيع
إذا ما
|
|
كان غيري مطاوعا
إبليسا
|
قد تمسكت منكم بولاء
|
|
ليس يلقى القشيب
منه دريسا
|
أترجي به النجاة
إذا ما
|
|
خاف غيري في الحشر
ضرا وبؤسا
|
فأراني والوجه مني
طلق
|
|
وأرى أوجه الشنأة
عبوسا
|
لا أقيس الأنام منكم
بشسع
|
|
جل مقدار مجدكم أن
أقيسا
|
من عددنا من الورى
كان
|
|
مرءوسا ومنكم من
عد كان رئيسا
|
فقد العاملون مثل
الذنابى
|
|
وغدوتم للعالين رءوسا
|
__________________
ذكر الإمام التاسع
أبي جعفر القانع محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين
قال الشيخ كمال الدين
محمد بن طلحة رحمهالله تعالى الباب التاسع
في ذكر أبي جعفر محمد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم ع هذا أبو جعفر محمد الثاني
فإنه تقدم في آبائه ع أبو جعفر محمد وهو الباقر بن علي ع فجاء هذا باسمه وكنيته واسم
أبيه فعرف بأبي جعفر الثاني فهو وإن كان صغير السن فهو كبير القدر رفيع الذكر.
فأما ولادته ففي ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان سنة مائة وخمس وتسعين للهجرة
وقيل عاشر رجب منها.
وأما نسبه أبا وأما فأبوه أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم وقد تقدم ذلك مبسوطا
وأمه أم ولد يقال لها سكينة المرسية وقيل الخيزران.
وأما اسمه فمحمد وأما كنيته فأبو جعفر بكنية جده محمد الباقر وله لقبان
القانع والمرتضى.
وأما مناقبه فما اتسعت له حلبات مجالها ولا امتدت له أوقات آجالها بل قضت
عليه الأقدار الإلهية بقلة بقائه في الدنيا بحكمها وإسجالها فقل في الدنيا مقامه وعجل
القدوم عليه لزيارة حمامه فلم تطل بها مدته ولا امتدت فيها أيامه غير أن الله جل وعلا
خصه بمنقبة متألفه في مطالع التعظيم بارقة أنوارها مرتفعة في معارج التفضيل قيمة أقدارها
بادية لأبصار ذوي البصائر بينة منارها هادئة لعقول أهل المعرفة آية آثارها وهي وإن
كانت صورتها واحدة فمعانيها كثيرة وصيغتها
وإن كانت صغيرة فدلالتها
كبيرة وهي أن هذا
أبو جعفر محمد بن علي
ع لما توفي والده علي الرضا وقدم الخليفة المأمون إلى بغداد بعد وفاته لسنة اتفق أنه
خرج يوما إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه والصبيان يلعبون ومحمد واقف معهم وكان
عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها فلما أقبل المأمون انصرف الصبيان هاربين ووقف أبو
جعفر محمد ع فلم يبرح مكانه فقرب منه الخليفة فنظر إليه وكان الله عز وعلا قد ألقى
عليه مسحة من قبول فوقف الخليفة وقال له يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان فقال
له محمد مسرعا يا أمير المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لأوسعه عليك بذهابي ولم تكن لي
جريمة فأخشاها وظني بك حسن أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت فأعجبه كلامه ووجهه فقال
له ما اسمك قال محمد قال ابن من أنت قال يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا فترحم
على أبيه وساق إلى وجهته وكان معه بزاة فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة
فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة فتعجب
الخليفة من ذلك غاية التعجب ثم أخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل منه
فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة وأبو جعفر
لم ينصرف ووقف كما وقف أولا فلما دنا منه الخليفة قال يا محمد قال لبيك يا أمير المؤمنين
قال ما في يدي فألهمه الله عز وعلا أن قال يا أمير المؤمنين إن الله تعالى خلق بمشيته
في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء فيختبرون بها سلالة أهل بيت النبوة
فلما سمع المأمون كلامه عجب منه وجعل يطيل نظره إليه وقال أنت ابن الرضا حقا وضاعف
إحسانه إليه.
وفي هذه الواقعة منقبة
تكفيه عن غيرها ويستغنى بها عن سواها.
ولده أبو الحسن علي
وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.
وأما عمره فإنه مات
في ذي الحجة من سنة مائتين وعشرين للهجرة في خلافة المعتصم وقد تقدم ذكر ولادته في
سنة مائة وخمس وتسعين فيكون عمره خمسا
وعشرين سنة وقبره ببغداد
في مقابر قريش آخر كلام كمال الدين بن طلحة
أقول إني رأيت في كتاب
لم يحضرني الآن اسمه ولعلي أراه بعد هذا أن البزاة عادت وفي أرجلها حيات خضر وأنه سأل
بعض الأئمة ع فقال قبل أن يفصح عن السؤال إن بين السماء والأرض حيات خضراء تصيدها بزاة
شهب يمتحن بها أولاد الأنبياء وما هذا معناه والله أعلم.
قال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي رحمهالله أبو جعفر محمد بن علي
بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع أمه ريحانة وقيل الخيزران
ولد سنة خمس وتسعين ومائة ويقال ولد بالمدينة في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة
وقبض ببغداد في آخر ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وأمه
أم ولد يقال لها خيزران وكانت من أهل مارية القبطية وقبره ببغداد في مقابر قريش في
ظهر جده موسى ع.
قال محمد بن سعيد سنة
ست وعشرين ومائتين فيها توفي محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد ببغداد وكان قدمها
فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة يعني سنة عشرين ومائتين مولده سنة خمس
وتسعين ومائة فيكون عمره خمسا وعشرين سنة قتل في زمن الواثق بالله قبره عند جده موسى
بن جعفر وركب هارون بن إسحاق فصلى عليه عند منزله أول رحبة أسوار بن ميمون من ناحية
قنطرة البردان وحمل ودفن في مقابر قريش يلقب بالجواد.
حدثنا أحمد بن علي
بن ثابت قال محمد بن علي بن موسى أبو جعفر بن الرضا قدم من المدينة إلى بغداد وافدا
على أبي إسحاق المعتصم ومعه امرأته أم الفضل بنت المأمون وتوفي ببغداد ودفن في مقابر
قريش عند قبر جده موسى بن جعفر ودخلت امرأته أم الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم
وذكر أخبارا رواها الجواد ع عن آبائه ع عن علي ع قال بعثني النبي ص إلى اليمن فقال
لي وهو يوصيني يا علي ما حار من استخار و
لا ندم من استشار يا
علي عليك بالدلجة
فإن الأرض تطوي في
الليل ما لا تطوي بالنهار يا علي اغد باسم الله فإن الله بارك لأمتي في بكورها وقال
ع من استفاد أخا في الله فقد استفاد بيتا في الجنة.
وعنه ع وقد سئل عن
حديث النبي ص أن فاطمة أحسنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فقال خاص للحسن والحسين.
وعنه عن علي ع قال
في كتاب علي بن أبي طالب ع إن ابن آدم أشبه شيء بالمعيار إما راجح بعلم وقال مرة بعقل
أو ناقص بجهل.
وعنه ع قال علي ع لأبي
ذر رضي الله عنه إنما غضبت لله عزوجل فارج من غضبت له إن
القوم خافوك على دنياهم وخفتهم على دينك والله لو كانت السماوات والأرضون رتقا على
عبد ثم اتقى الله لجعل الله له منها مخرجا لا يؤنسنك إلا الحق ولا يوحشنك إلا الباطل.
وعنه عن علي ع أنه
قال لقيس بن سعد وقد قدم عليه من مصر يا قيس إن للمحن غايات لا بد أن ينتهي إليها فيجب
على العاقل أن ينام لها إلى إدبارها فإن مكايدتها بالحيلة عند إقبالها زيادة فيها.
وعنه عنه ع قال من
وثق بالله أراه السرور ومن توكل عليه كفاه الأمور والثقة بالله حصن لا يتحصن فيه إلا
مؤمن أمين والتوكل على الله نجاة من كل سوء وحرز من كل عدو والدين عز والعلم كنز والصمت
نور وغاية الزهد الورع ولا هدم للدين مثل البدع ولا أفسد للرجال من الطمع وبالراعي
تصلح الرعية وبالدعاء تصرف البلية ومن ركب مركب الصبر اهتدى إلى مضمار النصر ومن عاب
عيب ومن شتم أجيب ومن غرس أشجار التقى اجتنى ثمار المنى.
وقال ع أربع خصال تعين
المرء على العمل الصحة والغنى والعلم والتوفيق.
وقال ع إن لله عبادا
يخصهم بالنعم ويقرها فيهم ما بذلوها فإذا منعوها
__________________
نزعها عنهم وحولها
إلى غيرهم
وقال ما عظمت نعمة
الله على عبد إلا عظمت عليه مئونة الناس فمن لم يحتمل تلك المئونة فقد عرض النعمة للزوال.
وقال ع أهل المعروف
إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأن لهم أجره وفخره وذكره فمهما اصطنع الرجل من
معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه فلا يطلبن شكر ما صنع إلى نفسه من غيره.
وقال ع من أمل إنسانا
فقد هابه ومن جهل شيئا عابه والفرصة خلسة ومن كثر همه سقم جسده والمؤمن لا يشتفي غيظه
وعنوان صحيفة المؤمن حسن خلقه وقال في موضع آخر عنوان صحيفة السعيد حسن الثناء عليه.
وقال ع من استغنى بالله
افتقر الناس إليه ومن اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا.
وقال ع عليكم بطلب
العلم فإن طلبه فريضة والبحث عنه نافلة وهو صلة بين الإخوان ودليل على المروءة وتحفة
في المجالس وصاحب في السفر وأنس في الغربة.
وقال ع العلم علمان
مطبوع ومسموع ولا ينفع مسموع إذا لم يكن مطبوع ومن عرف الحكمة لم يصبر على الإزدياد
منها الجمال في اللسان والكمال في العقل.
وقال ع العفاف زينة
الفقر والشكر زينة الغنى والصبر زينة البلاء والتواضع زينة الحسب والفصاحة زينة الكلام
والعدل زينة الإيمان والسكينة زينة العبادة والحفظ زينة الرواية وخفض الجناح زينة العلم
وحسن الأدب زينة العقل وبسط الوجه زينة الحلم والإيثار زينة الزهد وبذل المجهود زينة
النفس وكثرة البكاء زينة الخوف والتقلل زينة القناعة وترك المن زينة المعروف والخشوع
زينة الصلاة وترك ما لا يعنى زينة الورع.
وقال ع حسب المرء من
كمال المروءة وتركه ما لا يحمل به ومن حيائه
أن لا يلقي أحدا بما
يكره ومن عقله حسن رفقه ومن أدبه أن لا يترك ما لا بد له منه ومن عرفانه علمه بزمانه
ومن ورعه غض بصره وعفة بطنه ومن حسن خلقه كفه أذاه ومن سخائه بره بمن يجب حقه عليه
وإخراجه حق الله من ماله ومن إسلامه تركه ما لا يعنيه وتجنبه الجدال والمراء في دينه
ومن كرمه إيثاره على نفسه ومن صبره قلة شكواه ومن عقله إنصافه من نفسه ومن حلمه تركه
الغضب عند مخالفته ومن إنصافه قبوله الحق إذا بان له ومن نصحه نهيه عما لا يرضاه لنفسه
ومن حفظه جوارك تركه توبيخك عند إساءتك مع علمه بعيوبك ومن رفقه تركه عذلك
عند غضبك بحضرة من
تكره ومن حسن صحبته لك إسقاطه عنك مئونة أذاك ومن صداقته كثرة موافقته وقلة مخالفته
ومن صلاحه شدة خوفه من ذنوبه ومن شكره معرفة إحسان من أحسن إليه ومن تواضعه معرفته
بقدره ومن حكمته علمه بنفسه ومن سلامته قلة حفظه لعيوب غيره وعنايته بإصلاح عيوبه.
وقال ع لن يستكمل العبد
حقيقة الإيمان حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.
وقال ع الفضائل أربعة
أجناس أحدها الحكمة وقوامها في الفكرة والثاني العفة وقوامها في الشهوة والثالث القوة
وقوامها في الغضب والرابع العدل وقوامه في اعتدال قوى النفس.
وقال ع العامل بالظلم
والمعين له والراضي به شركاء.
وقال ع يوم العدل على
الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم.
وقال ع اقصد العلماء
للمحجة الممسك عند الشبهة والجدل يورث الرياء ومن أخطأ وجوه المطالب خذلته الجيل والطامع
في وثاق الذل ومن أحب البقاء فليعد للبلاء
قلبا صبورا
__________________
وقال ع العلماء غرباء
لكثرة الجهال بينهم.
وقال ع الصبر على المصيبة
مصيبة على الشامت بها.
وقال ع التوبة على
أربع دعائم ندم بالقلب واستغفار باللسان وعمل بالجوارح وعزم أن لا يعود وثلاث من عمل
الأبرار إقامة الفرائض واجتناب المحارم واحتراس من الغفلة في الدين وثلاث يبلغن بالعبد
رضوان الله كثرة الاستغفار وخفض الجانب وكثرة الصدقة وأربع من كن فيه استكمل الإيمان
من أعطى لله ومنع في الله وأحب لله وأبغض فيه وثلاث من كن فيه لم يندم ترك العجلة والمشورة
والتوكل عند العزم على الله عزوجل.
وقال ع لو سكت الجاهل
ما اختلف الناس.
وقال ع مقتل الرجل
بين لحييه والرأي مع الأناة وبئس الظهير الرأي الفطير.
وقال ع ثلاث خصال تجتلب
بهن المحبة الإنصاف في المعاشرة والمواساة في الشدة والانطواع والرجوع إلى قلب سليم.
وقال ع فساد الأخلاق
بمعاشرة السفهاء وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء والخلق أشكال ف (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) والناس إخوان فمن كانت
أخوته في غير ذات الله فإنها تحوز عداوة وذلك قوله تعالى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ).
وقال ع من استحسن قبيحا
كان شريكا فيه.
وقال ع كفر النعمة
داعية المقت ومن جازاك بالشكر فقد أعطاك أكثر مما أخذ منك
__________________
وقال لا يفسدك الظن
على صديق وقد أصلحك اليقين له ومن وعظ أخاه سرا فقد زانه ومن وعظ علانية فقد شانه استصلاح
الأخيار بإكرامهم والأشرار بتأديبهم والمودة قرابة مستفادة وكفى بالأجل حرزا ولا يزال
العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه
وما أنعم الله عزوجل على عبد نعمة فعلم
أنها من الله إلا كتب الله جل اسمه له شكرها قبل أن يحمده عليها ولا أذنب ذنبا فعلم
أن الله مطلع عليه إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إلا غفر الله له قبل أن يستغفره.
وقال ع الشريف كل الشريف
من شرفه علمه والسؤدد حق السؤدد لمن اتقى الله ربه والكريم [كل الكريم] من أكرم عن
ذل النار وجهه.
وقال ع من أمل فاجرا
كان أدنى عقوبته الحرمان.
وقال ع اثنان عليلان
أبدا صحيح محتم وعليل مخلط موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل وحياته بالبر أكثر
من حياته بالعمر.
وقال ع لا تعالجوا
الأمر قبل بلوغه فتندموا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وارحموا ضعفاءكم واطلبوا
الرحمة من الله بالرحمة لهم.
هذا آخر ما أردت نقله
من كتاب الجنابذي رحمهالله تعالى وقد نقل أشياء
رائقة وفوائد فائقة وآدابا نافعة وفقرا ناصعة من كلام أمير المؤمنين ع مما رواه الإمام
محمد الجواد بن الإمام علي ابن الرضا عن آبائه عنه ع.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله تعالى باب ذكر الإمام
بعد أبي الحسن علي بن موسى الرضا ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته وطرف من أخباره ومدة
إمامته ومبلغ سنه وذكر وفاته وسببها وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره وكان
الإمام بعد الرضا علي بن موسى ع ابنه محمد بن علي المرتضى بالنص عليه والإشارة إليه
وتكامل الفضل فيه وكان مولده ع في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وقبض ببغداد في ذي
القعدة سنة عشرين ومائتين وله يومئذ خمس وعشرون سنة وكانت مدة خلافته لأبيه وإمامته
من بعده سبع عشرة سنة
وأمه أم ولد يقال لها
سبيكة النوبية.
باب ذكر طرف من النص
على أبي جعفر محمد بن علي ع بالإمامة والإشارة إليه بها من أبيه إليه ع فممن روى النص
عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر ع بالإمامة ـ علي بن جعفر بن محمد الصادق وصفوان
بن يحيى ومعمر بن خلاد والحسين بن بشار وابن أبي نصر البزنطي والحسن بن الجهم وأبو
يحيى الصنعاني والخيراني ويحيى بن حبيب الزيات ـ في جماعة كثيرة يطول بذكرهم الكتاب.
قال كان علي بن جعفر
بن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في حديثه ـ لقد نصر الله أبا الحسن
الرضا لما بغى عليه إخوته وعمومته وذكر حديثا طويلا حتى انتهى إلى قوله فقمت وقبضت
على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا وقلت له أشهد أنك إمام عند الله فبكى الرضا ع وقال
يا عم ألم تسمع أبي وهو يقول قال رسول الله ص بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة
يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة فيقال مات أو هلك وأي واد
سلك فقلت صدقت جعلت فداك.
وعن صفوان بن يحيى
قال قلت للرضا ع قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاما
وقد وهبك الله وأقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من فأشار بيده إلى
أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت له جعلت فداك وهذا ابن ثلاث سنين قال وما يضره من
ذلك وقد قام عيسى بالحجة وهو ابن أقل من ثلاث سنين.
وعن معمر بن خلاد قال
سمعت الرضا ع يقول وقد ذكر شيئا فقال وما حاجتكم إلى ذلك هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي
وصيرته مكاني وقال أنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة .
__________________
وكتب ابن قياما الواسطي
إلى أبي الحسن الرضا ع كتابا يقول فيه كيف تكون إماما وليس لك
ولد فأجابه أبو الحسن ع وما علمك أن لا يكون لي ولد والله لا تنقضي الأيام والليالي
حتى يرزقني الله ولدا يفرق بين الحق والباطل.
وعن [ابن] أبي نصر
البزنطي قال قال لي ابن النجاشي
من الإمام بعد صاحبك
فأحب أن تسأله حتى أعلم فدخلت على الرضا ع فأخبرته فقال الإمام بعدي ابني ثم قال هل
يجترئ أحد أن يقول ابني وليس له ولد ولم يكن ولد أبو جعفر ع فلم تمض الأيام حتى ولد.
وعن ابن قياما الواسطي
وكان واقفيا قال دخلت على علي بن موسى فقلت له أيكون إمامان في عصر قال لا إلا أن يكون
أحدهما صامتا فقلت له هو ذا أنت ليس لك صامت فقال لي والله ليجعلن الله مني ما يثبت
به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله ولم يكن في الوقت له ولد فولد له أبو جعفر ع بعد
سنة.
وعن الحسن بن الجهم
قال كنت مع أبي الحسن ع جالسا فدعا بابنه وهو صغير فأجلسه في حجري وقال لي جرده وانزع
قميصه فنزعته فقال لي انظر بين كتفيه قال فنظرت فإذا في إحدى كتفيه شبه الخاتم داخل
في اللحم ثم قال لي أترى هذا مثله في هذا الموضع كان في أبي ع.
وعن أبي يحيى الصنعاني
قال كنت عند أبي الحسن ع فجيء بابنه
__________________
أبي جعفر وهو صغير
فقال هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه.
عن الخيراني عن أبيه
قال كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا ع بخراسان فقال قائل يا سيدي إن كان كون فإلى
من قال إلى أبي جعفر ابني فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن ع إن الله
بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر
ع.
وعن يحيى بن حبيب الزيات
قال أخبرني من كان عند أبي الحسن ع جالسا فلما نهض القوم قال لهم الرضا ع ألقوا أبا
جعفر فسلموا عليه وجددوا به عهدا فلما نهض القوم التفت إلي وقال رحم الله المفضل
إنه كان ليقنع بدون
هذا.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله تعالى باب ذكر طرف
من الأخبار عن مناقب أبي جعفر ع ودلائله ومعجزاته وكان المأمون قد شغف بأبي جعفر ع
لما رأى من فضله مع صغر سنه وبلوغه في الحكمة والعلم والأدب وكمال العقل ما لم يساوه
فيه أحد من مشايخ أهل الزمان فزوجه ابنته أم الفضل وحملها معه إلى المدينة وكان متوفرا
على إكرامه وتعظيمه وإجلال قدره.
عن الريان بن شبيب
قال لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي ع بلغ ذلك العباسيين
فغلظ عليهم ذلك واستنكروه وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا ع فخاضوا
في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه فقالوا له ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن
تقيم على هذا الأمر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فإنا نخاف أن تخرج به عنا
__________________
أمرا قد ملكناه الله
وتنزع عنا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا وما
كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم وقد كنا في وهلة من عملك مع
الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا
واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره.
فقال لهم المأمون أما
ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم وأما
ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم أعوذ بالله من ذلك وو الله ما ندمت على
ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى
(وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً
مَقْدُوراً).
وأما أبو جعفر محمد
بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والأعجوبة
فيه بذلك وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه فقالوا
إن هذا الصبي وإن راقك منه هديه
فإنه صبي لا معرفة
له ولا فقه فأمهله ليتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك فقال لهم ويحكم
إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن هذا من أهل بيت علمهم من الله ومواده وإلهامه ولم يزل
آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال فإن شئتم فامتحنوا
أبا جعفر بما يبين لكم ما وصفت من حاله قالوا له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا
بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فإن أصاب في
الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين
وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب من ذلك في معناه فقال لهم المأمون شأنكم وذلك متى أردتم
:
__________________
فخرجوا من عنده وأجمع
رأيهم على مسألة يحيى ـ بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف
الجواب عنها ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما
للإجماع فأجابهم إلى ذلك واجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم
ـ وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر دست
ويجعل له فيه مسورتان
ففعل ذلك وخرج أبو جعفر ع يومئذ وهو ابن تسع سنين وأشهر فجلس
بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في
دست متصل بدست أبي جعفر ع فقال يحيى بن أكثم للمأمون أتأذن لي يا أمير المؤمنين أن
أسأل أبا جعفر فقال المأمون استأذنه في ذلك. فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال تأذن لي
جعلت فداك في مسألة فقال له أبو جعفر ع سل إن شئت قال يحيى ما تقول جعلت فداك في محرم
قتل صيدا فقال له أبو جعفر ع قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أم جاهلا قتله عمدا
أو خطأ حرا كان المحرم أم عبدا صغيرا كان أو كبيرا مبتدئا كان بالقتل أو معيدا من ذوات
الطير كان الصيد أو من غيرها من صغار الصيد كان أو من كباره مصرا على ما فعل أو نادما
ليلا كان قتله الصيد أو نهارا محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما فتحير
يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره فقال
المأمون الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في هذا الرأي.
ثم نظر إلى أهل بيته
وقال لهم أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ثم أقبل على أبي جعفر فقال له اخطب يا با جعفر
قال نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي وأنا
مزوجك أم الفضل ابنتي وإن رغم قوم لذلك.
__________________
فقال أبو جعفر ع الحمد
لله إقرارا بنعمته ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته
والأصفياء من عترته أما بعد فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام
فقال سبحانه (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى
مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ
اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) ثم إن محمد بن علي
بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة
بنت محمد ع وهو خمس مائة درهم جيادا فهل زوجتنيها يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق
المذكور فقال المأمون نعم قد زوجتك أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل
قبلت النكاح قال أبو جعفر قد قبلت ورضيت به.
فأمر المأمون أن يقعد
الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة قال الريان وأخرج الخدم مثل السفينة من فضة وفيها
الغالية فتطيب الخاصة والعامة ووضعت الموائد فأكلوا وفرقت الجوائز على قدر المراتب
وانصرف الناس وبقي من الخاصة من بقي. قال المأمون لأبي جعفر إن رأيت جعلت فداك أن تذكر
الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده.
فقال أبو جعفر ع نعم
إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة
فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من
اللبن فإذا قتله في الحرم فعليه الحمل قيمة الفرخ وإن كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه
بقرة وإن كان نعامة كان عليه بدنة وإن كان ظبيا فعليه شاة فإن قتل شيئا من ذلك في الحرم
فعليه الجزاء مضاعفا (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) وإذا أصاب المحرم ما
يجب عليه الهدي فيه وكان إحرامه للحج نحره بمنى وإن كان إحرامه للعمرة نحره بمكة وجزاء
الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد له المآثم وهو موضوع عنه في الخطإ والكفارة
على الحر في نفسه وعلى السيد في عبده والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم
يسقط عنه ندمه عقاب الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة فقال له المأمون أحسنت
أبا جعفر أحسن الله
إليك فإن رأيت أن تسأل يحيى عن مسألة كما سألك فقال أبو جعفر ع ليحيى أسألك قال ذلك
إليك جعلت فداك فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك.
فقال له أبو جعفر خبرني
عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه فلما ارتفع النهار
حلت له فلما زال الشمس حرمت عليه فلما كان وقت العصر حلت له فلما غربت الشمس حرمت عليه
فلما دخل وقت عشاء الآخرة حلت عليه فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر
حلت له ما حال هذه المرأة وبما ذا حلت وحرمت عليه فقال له يحيى بن الأكثم لا والله
لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه فإن رأيت أن تفيدناه فقال له أبو
جعفر ع هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما
عليه فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان الظهر أعتقها فحرمت عليه
فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلما
كان وقت عشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه
فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له.
قال فأقبل المأمون
على من حضره من أهل بيته فقال لهم هل فيكم أحد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب
ويعرف القول فيما تقدم من السؤال قالوا لا والله إن أمير المؤمنين أعلم بما رأى فقال
لهم ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من بين الخلق بما ترون من الفضل وإن صغر السن فيهم
لا يمنعهم من الكمال أما علمتهم أن رسول الله ص افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب ع وهو ابن عشر سنين وقبل منه الإسلام وحكم له به ولم يدع أحدا في سنه غيره
وبايع الحسن والحسين وهما أبناء دون الست سنين ولم يبايع صبيا غيرهما أفلا تعلمون الآن
ما اختص الله به هؤلاء القوم وأنهم ذرية (بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) يجري لآخرهم ما يجري
لأولهم قالوا صدقت والله يا أمير المؤمنين ثم نهض القوم.
فلما كان من الغداء
أحضر الناس وحضر أبو جعفر ع وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي
جعفر فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة وفيها بنادق مسك وزعفران معجون في أجواف تلك البنادق
وقاع مكتوبة بأموال جزيلة وعطايا سنية وإقطاعات فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته
فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق له ووضعت البدر فنثر
ما فيها على القواد وغيرهم وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا وتقدم المأمون
بالصدقة على كافة المسلمين ولم يزل مكرما لأبي جعفر ع معظما لقدره مدة حياته يؤثره
على ولده وجماعة أهل بيته.
وقد روى الناس أن أم
الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول إنه يتسرى علي ويغيرني
فكتب إليها المأمون
يا بنية إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها.
ولما توجه أبو جعفر
ع من بغداد منصرفا من عند المأمون ومعه أم الفضل قاصدا بها المدينة صار إلى شارع باب
الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس فنزل ودخل المسجد
وكان في صحنه نبقة
لم تحمل بعد فدعا بكوز
فيه ماء فتوضأ في أصل النبقة وقام فصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الأولى الحمد و
(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ
وَالْفَتْحُ) وقرأ في الثانية الحمد
و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وقنت قبل ركوعه فيها
وصلى الثالثة وتشهد وسلم ثم جلس هنيئة يذكر الله تعالى وقام من غير أن يعقب فصلى النوافل
أربع ركعات وعقب بعدها وسجد سجدتي الشكر فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت
حملا حسنا فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها فوجدوه نبقا حلواء لا عجم له وودعوه ومضى ع من
وقته إلى المدينة فلم يزل بها إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة عشرين ومائتين إلى بغداد
فأقام بها حتى توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة
__________________
ودفن في ظهر جده أبي
الحسن موسى ع.
وعن علي بن خالد قال
كنت بالعسكر
فبلغني أن هناك رجلا
محبوسا أتي به من الشام مكبولا
وقالوا إنه تنبأ
قال فأتيت الباب ودفعت
شيئا للبوابين حتى وصلت إليه فإذا رجل له فهم وعقل فقلت له يا هذا ما قضيتك قال إني
كنت رجلا بالشام أعبد الله في الموضع الذي يقال إنه نصب فيه رأس الحسين ع فبينا أنا
ذات ليلة في موضعي مقبل على المحراب أذكر الله تعالى إذ رأيت شخصا بين يدي فنظرت إليه
فقال لي قم فقمت معه فمشى بي قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة فقال لي تعرف هذا المسجد
فقلت نعم هذا مسجد الكوفة قال فصلى وصليت معه ثم انصرف وانصرفت معه ومشى قليلا فإذا
نحن بمسجد الرسول ص فسلم على رسول الله ص وصلى وصليت معه ثم خرج وخرجت معه فمشى قليلا
وإذا نحن بمكة فطاف بالبيت وطفت معه ثم خرج فمشى قليلا فإذا أنا بموضعي الذي كنت فيه
أعبد الله بالشام وغاب الشخص عني فبقيت متعجبا حولا مما رأيت.
فلما كان في العام
المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به فدعاني فأجبته ففعل كما فعل في العام الماضي فلما
أراد مفارقتي بالشام قلت له سألتك بالحق الذي أقدرك على ما رأيت منك إلا أخبرتني من
أنت فقال أنا محمد بن علي بن موسى بن جعفر فحدثت من كان يصير إلي بخبره فرقي
ذلك إلى محمد بن عبد
الملك الزيات فبعث إلي من أخذني وكبلني في الحديد وحملني إلى العراق وحبست كما ترى
وادعي علي المحال فقلت له فأرفع عنك قصة إلى محمد بن عبد الملك
__________________
الزيات وشرحت أمره
قال افعل فكتبت عنه قصة إلى محمد بن عبد الملك الزيات وشرحت أمره فيها ودفعتها إلى
محمد فوقع في ظهرها قل للذي أخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة ومنها إلى المدينة ومنها
إلى مكة ومنها إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا قال علي بن خالد فغمني ذلك من أمره ورققت
له وانصرفت محروما عليه فلما كان من الغد باكرت الحبس لأعلمه بالحال وآمره بالصبر والعزاء
فوجدت الجند وأصحاب الحرس وصاحب السجن وخلقا عظيما من الناس يهرجون
فسألت عن حالهم فقيل
إن محمول من الشام المتنبئ افتقد البارحة من الحبس فلا ندري أخسفت الأرض أو اختطفته
الطير وكان هذا الرجل أعني علي بن خالد زيديا فقال بالإمامة لما رأى ذلك وحسن اعتقاده.
وعن محمد بن علي الهاشمي
قال دخلت على أبي جعفر محمد بن علي ع صبيحة عرسه ببنت المأمون وكنت تناولت من الليل
دواء فأول من دخل عليه في صبيحته أنا وقد أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء فنظر أبو
جعفر ع في وجهي وقال أراك عطشان قلت أجل قال يا غلام اسقنا ماء فقلت في نفسي الساعة
يأتونه بماء مسموم واغتممت لذلك فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثم قال يا غلام
ناولني الماء فتناول فشرب ثم ناولني وتبسم فشربت وأطلت عنده فعطشت فدعا بالماء ففعل
كما فعل في المرة الأولى وشرب ثم ناولني وتبسم قال محمد بن حمزة فقال لي محمد بن علي
الهاشمي والله إني لأظن أن أبا جعفر يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة.
وعن المطرفي قال مضى
أبو الحسن الرضا ع ولي عليه أربعة آلاف درهم لم يكن يعرفها غيري وغيره فأرسل إلي أبو
جعفر ع إذا كان في الغد فأتني فأتيته فقال لي مضى أبو الحسن ولك عليه أربعة آلاف درهم
فقلت نعم فرفع المصلى فإذا تحته دنانير فدفعها إلي فكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف
درهم.
وعن معلى بن محمد قال
خرج علي أبو جعفر ع حدثان موت أبيه فنظرت
__________________
إلى قده لأصف قامته
لأصحابنا فقعد ثم قال يا معلى إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).
وعن داود بن القاسم
الجعفري قال دخلت على أبي جعفر ع ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت علي فاغتممت فتناول
أحدها وقال هذه رقعة ريان بن شبيب ثم تناول الثانية فقال هذه رقعة فلان فبهت أنظر إليه
فتبسم وأخذ الثالثة فقال هذه رقعة فلان فقلت نعم جعلت فداك فأعطاني ثلاثمائة دينار
وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه ثم قال أما إنه سيقول لك دلني على حريف يشتري لي
بها متاعا فدله عليه قال فأتيته بالدنانير فقال لي يا أبا هاشم دلني على حريف يشتري
لي بها متاعا فقلت نعم وكلمني في الطريق جمال سألني أن أخاطبه في إدخاله مع بعض أصحابه
في أموره فدخلت عليه لأكلمه فوجدته يأكل ومعه جماعة فلم أتمكن من كلامه فقال يا أبا
هاشم كل ووضع بين يدي ما آكل منه ثم قال ابتداء من غير مسألة يا غلام انظر الجمال الذي
أتانا به أبو هاشم فضمه إليك.
قال أبو هاشم ودخلت
معه يوما بستانا فقلت له جعلت فداك إني مولع بأكل الطين فادع الله لي فسكت ثم قال لي
بعد أيام ابتداء منه يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين قال أبو هاشم فما من شيء
أبغض إلي عنه اليوم والأخبار في هذا المعنى كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية فيما قصدناه
إن شاء الله.
باب ذكر وفاة أبي جعفر ع وموضع قبره وذكر ولده
قد تقدم القول في مولد
أبي جعفر ع وذكرنا أنه ولد بالمدينة وأنه قبض ببغداد وكان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم
له من المدينة فورد ببغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين وتوفي بها في
ذي القعدة من هذه السنة وقيل إنه مضى مسموما ولم يثبت بذلك عندي خبر فأشهد به.
ودفن في مقابر قريش
في ظهر جده أبي الحسن موسى بن جعفر ع
__________________
وكان له يوم قبض خمس
وعشرين سنة وأشهر وكان منعوتا بالمنتجب والمرتضى وخلف بعده من الولد عليا ابنه الإمام
من بعده وموسى وفاطمة وأمامة ابنتيه ولم يخلف ذكرا غير من سميناه آخر كلامه.
قال ابن الخشاب ذكر
أبي جعفر المرتضى محمد بن علي الرضا بن موسى الأمين بن جعفر الصادق بن محمد الباقر
بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب ص وبهذا الإسناد عن محمد بن سنان
قال مضى المرتضى أبو جعفر الثاني محمد بن علي وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني
عشر يوما في سنة مائتين وعشرين من الهجرة وكان مولده سنة مائة وخمس وتسعين من الهجرة
فكان مقامه مع أبيه سبع سنين وثلاثة أشهر وقبض في يوم الثلاثاء لست ليال خلون من ذي
الحجة سنة مائتين وعشرين وفي رواية أخرى أقام مع أبيه تسع سنين وأشهرا.
ولد في رمضان ليلة
الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت منه سنة خمس وتسعين ومائة وقبض في يوم الثلاثاء لخمس خلون
من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين أمه أم ولد يقال لها سكينة مريسة ويقال لها حريان والله
أعلم لقبه المرتضى والقانع وقبره في بغداد بمقابر قريش يكنى بأبي جعفر.
قلت أخل الشيخ بذكر
أولاده ع.
ومن كتاب الدلائل عن
أمية بن علي قال كنت مع أبي الحسن بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار إلى خراسان ومعه
أبو جعفر وأبو الحسن يودع البيت فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده فصار أبو
جعفر على عنق موفق
يطوف به فصار أبو جعفر
إلى الحجر فجلس فيه فأطال فقال له موفق قم جعلت فداك فقال ما أريد أن أبرح من مكاني
هذا إلا أن يشاء الله واستبان في وجهه الغم فأتى موفق أبا الحسن فقال له جعلت فداك
قد جلس أبو جعفر
__________________
في الحجر وهو يأبى
أن يقوم فقام أبو الحسن فأتى أبا جعفر فقال قم يا حبيبي فقال ما أريد أن أبرح من مكاني
هذا قال بلى يا حبيبي ثم قال كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعا لا ترجع إليه فقال له قم
يا حبيبي فقام معه.
وعن ابن بزيع العطار
قال قال أبو جعفر الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا قال فنظرنا فمات بعد ثلاثين شهرا.
وعن معمر بن خلاد عن
أبي جعفر أو عن رجل عن أبي جعفر الشك من أبي علي قال قال أبو جعفر يا معمر اركب قلت
إلى أين قال اركب كما يقال لك قال فركبت فانتهيت إلى واد أو إلى وهدة
الشك من أبي علي فقال
لي قف هاهنا قال فوقفت فأتاني فقلت له جعلت فداك أين كنت قال دفنت أبي الساعة وكان
بخراسان قال القاسم بن عبد الرحمن وكان زيديا قال خرجت إلى بغداد فبينا أنا بها إذ
رأيت الناس يتعادون ويتشرفون ويقفون فقلت ما هذا فقالوا ابن الرضا فقلت والله لأنظرن
إليه فطلع على بغل أو بغلة فقلت لعن الله أصحاب الإمامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة
هذا فعدل إلي وقال يا قاسم بن عبد الرحمن (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً
نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) فقلت في نفسي ساحر
والله فعدل إلي فقال (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ
عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) قال فانصرفت وقلت بالإمامة
وشهدت أنه حجة الله على خلقه واعتقدته.
وعن عمران بن محمد
الأشعري قال دخلت على أبي جعفر الثاني فقضيت حوائجي وقلت إن أم الحسن تقرؤك السلام
وتسألك ثوبا من ثيابك أجعله كفنا لها فقال لي قد استغنت عن ذلك قال فخرجت لست أدري
ما معنى ذلك فأتاني الخبر أنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر يوما.
وعن دعبل بن علي أنه
دخل على الرضا ع فأمر له بشيء فأخذه ولم يحمد الله فقال له لم لم تحمد الله قال ثم
دخلت بعده على أبي جعفر فأمر له بشيء فقلت الحمد لله فقال تأدبت
__________________
وعن علي بن إبراهيم
عن أبيه قال استأذن على أبي جعفر قوم من أهل النواحي فأذن لهم فدخلوا وسألوه في مجلس
واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب وله عشر سنين
__________________
«الأول»
: ان الكلام محمول على المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة فان عد مثل ذلك مستبعد جدا
«الثاني» يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة ، فلما أجاب (ع) عن واحد فقد
أجاب عن الجميع «الثالث» أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة
على الاحكام الكثيرة وهذا وجه قريب «الرابع» أن يكون المراد بوحدة المجلس الوحدة النوعية
أو مكان واحد كمنى وان كان في أيّام متعدّدة «الخامس» أن يكون مبنيا على بسط الزمان
الذي تقول به الصوفية لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات «السادس» أن يكون اعجازه اثر في
سرعة كلام القوم أيضا ، أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم قبل سؤالهم «السابع» ما
قيل إن المراد السؤال بعرض المكتوبات والطومارات فوقع الجواب بخرق العادة «انتهى كلامه
رفع مقامه».
وعن محمد بن سنان قال
قبض أبو جعفر محمد بن علي وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوما توفي
في يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين عاش بعد أبيه تسع عشرة سنة
إلا خمسة وعشرين يوما.
وعن أمية بن علي القيسي
قال دخلت أنا وحماد بن عيسى على أبي جعفر بالمدينة لنودعه فقال لنا لا تخرجا اليوم
وأقيما إلى غد فلما خرجنا من عنده قال لي حماد أنا أخرج فقد خرج ثقلي فقلت أما أنا
فأقيم فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيالة آخر ما نقلت من كتاب
الدلائل.
وقال الراوندي رحمهالله الباب العاشر في معجزات
محمد التقي ع عن محمد بن ميمون أنه كان مع الرضا بمكة قبل خروجه إلى خراسان قال فقلت
له إني أريد أن أتقدم إلى المدينة فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر فتبسم وكتب وصرت إلى
المدينة وكان قد ذهب بصري فأخرج الخادم أبا جعفر إلينا يحمله من المهد فناولته الكتاب
فقال لموفق الخادم فضه وانشره ففضه ونشره بين يديه فنظر فيه ثم قال لي يا محمد ما حال
بصرك فقلت يا ابن رسول الله اعتلت عيناي فذهب بصري كما ترى فمد يده فمسح بها على عيني
فعاد إلي بصري كأصح ما كان فقبلت يده ورجله وانصرفت من عنده وأنا بصير.
وروي عن حكيمة بنت
الرضا ع قالت ـ لما توفي أخي محمد بن الرضا صرت يوما إلى امرأته أم الفضل لسبب احتجت
إليها فيه قالت فبينا نحن نتذاكر فضل محمد وكرمه وما أعطاه الله من العلم والحكمة إذ
قالت امرأته أم الفضل أخبرك عن أبي جعفر بعجيبة لم يسمع مثلها قلت وما ذاك قال إنه
ربما كان أغارني مرة بجارية
__________________
ومرة بتزويج فكنت أشكوه
إلى المأمون فيقول يا بنية احتملي فإنه ابن رسول الله فبينا أنا ذات ليلة جالسة إذ
أتت امرأة فقلت من أنت وكأنها قضيب بان أو غصن خيزران [فقلت من أنت] فقالت أنا زوجة
أبي جعفر بن الرضا وأنا امرأة من ولد عمار بن ياسر قالت فدخل علي من الغيرة ما لم أملك
نفسي فنهضت من ساعتي فدخلت إلى المأمون وكان ثملا من الشراب وقد مضى من الليل ساعات
فأخبرته بحالي وقلت إنه يشتمك ويشتمني ويشتم العباس وولده قالت وقلت ما لم يكن فغاظه
ذلك فقام وتبعته ومعه خادم وجاء إلى أبي جعفر وهو نائم فضربه بالسيف حتى قطعه إربا
إربا وذبحه وعاد فلما أصبح عرفناه ما كان بدا منه وأنفذ الخادم فوجد أبا جعفر قائما
يصلي ولا أثر فيه فأخبره أنه سالم ففرح وأعطى الخادم ألف دينار وحمل إليه عشرة آلاف
دينار واجتمعا واعتذر إليه بالسكر وأشار عليه بترك الشراب فقبل.
وهذه القصة عندي فيها
نظر وأظنها موضوعة فإن أبا جعفر ع إنما كان يتزوج ويتسرى حيث كان بالمدينة ولم يكن
المأمون بالمدينة فتشكو إليه ابنته فإن قلت إنه جاء حاجا قلت لم يكن ليشرب في تلك الحال
وأبو جعفر ع مات ببغداد وزوجته معه فأخته أين رأتها بعد موته وكيف اجتمعتا وتلك بالمدينة
وهذه ببغداد وتلك الامرأة التي من ولد عمار بن ياسر رضي الله عنه في المدينة تزوجها
فكيف رأتها أم الفضل فقامت من فورها وشكت إلى أبيها كل هذا يجب أن ينظر فيه والله أعلم.
ومنها ما روي عن الشيخ
أبي بكر بن إسماعيل قال قلت لأبي جعفر بن الرضا إن لي جارية تشتكي من ريح بها قال ائتني
بها فأتيته بها فقال لها ما تشكين يا جارية قالت ريحا في ركبتي فمسح يده على ركبتها
من وراء الثياب
__________________
فخرجت وما اشتكت وجعا
بعد ذلك.
ومنها ما روي عن علي بن جرير
قال كنت عند أبي جعفر ع جالسا وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه
يقولون أنتم سرقتم الشاة فقال لهم أبو جعفر ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم
الشاة في دار فلان فأخرجوها من داره فخرجوا فوجدوها في داره فأخذوا الرجل وضربوه وخرقوا
ثيابه وهو يحلف إنه لم يسرق هذه الشاة إلى أن صاروا به إلى أبي جعفر ع فقال ويحكم ظلمتم
الرجل فإن الشاة دخلت داره وهو لا يعلم ثم دعاه فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه وضربه.
ومنها ما روي عن محمد
بن عمير بن واقد الرازي قال دخلت على أبي جعفر بن الرضا ومعي أخي وبه بهر شديد
فشكا إليه ذلك البهر
فقال عافاك الله مما تشكو فخرجنا من عنده وقد عوفي فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات.
قال محمد بن عمير كان
يصيبني وجع في خاصرتي في كل أسبوع ويشتد ذلك بي أياما فسألته أن يدعو لي بزواله عني
فقال وأنت فعافاك الله فما عاد إلى هذه الغاية.
ومنها ما روي عن القاسم
بن المحسن قال كنت فيما بين مكة والمدينة فمر بي أعرابي ضعيف الحال فسألني شيئا فرحمته
وأخرجت له رغيفا فناولته إياه فلما مضى عني هبت ريح شديدة زوبعة
فذهبت بعمامتي من رأسي
فلم أرها كيف ذهبت وأين مرت فلما دخلت على أبي جعفر بن الرضا ع فقال لي يا قاسم ذهبت
عمامتك في الطريق قلت نعم قال يا غلام أخرج إليه عمامته فأخرج إلي عمامتي بعينها قلت
يا ابن رسول الله كيف صارت إليك قال تصدقت على الأعرابي فشكر الله لك ورد عمامتك و
(إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)
__________________
ومنها ما روي عن إسماعيل
بن عياش [عباس] الهاشمي قال جئت إلى أبي جعفر يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلى
وأخذ من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها فخرجت بها إلى السوق فكان فيها ستة عشر مثقالا
من ذهب هذا آخر ما نقلته من كتاب الراوندي رحمهالله وقال الآبي في نثر
الدر محمد بن علي بن موسى ع. نذر المتوكل في علة إن وهب الله له العافية أن يتصدق بمال
كثير فعوفي فأحضر الفقهاء واستفتاهم فكل منهم قال شيئا إلى أن قال محمد إن كنت نويت
الدنانير فتصدق بثمانين دينارا وإن كنت نويت الدراهم فتصدق بثمانين درهما فقال الفقهاء
ما نعرف هذا في كتاب ولا سنة فقال بلى قال الله عزوجل (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ
فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ)
فعدوا وقائع رسول الله
ص ففعلوا فإذا هي ثمانون.
وقال هذه القصة إن
كانت وقعت للمتوكل فالجواب لعلي بن محمد فإن محمدا لم يلحق أيام المتوكل ويجوز أن يكون
له مع غيره من الخلفاء.
وقال عبد الله علي
بن عيسى أثابه الله تعالى هذا لا أظنه يصح عن أحد من الأئمة ع أن يجيب بهذا الجواب
لأن كل شيء له كثرة بحسبه فمواطن القتال إذا كانت ثمانين بل خمسين بل عشرين كانت كثيرة
فكثيرا من الملوك العظماء لا يتفق لهم ذلك عشر مرات فأما المال فلا تستكثر للملك الألوف
الكثيرة ألا ترى لو أنا قلنا إن الملك له عشرون ألف فرس كانت تستكثر ولو قيل إن له
خمسمائة ألف دينار لم يستعظم له ذلك وعلى هذا وأمثاله فقس. وأتاه ع رجل فقال له أعطني
على قدر مروءتك فقال لا يسعني فقال على قدري قال أما ذا فنعم يا غلام أعطه مائة دينار.
وقال أحمد بن حمدون
قال محمد بن علي بن موسى كيف يضيع من الله كافله وكيف ينجو من الله طالبه ومن انقطع
إلى غير الله وكله الله إليه ومن عمل على غير علم أفسد أكثر مما يصلح. وقال القصد إلى
الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب
__________________
الجوارح بالأعمال.
قال الطبرسي رحمهالله في إعلامه الباب الثامن
في ذكر الإمام التقي أبي جعفر محمد بن علي الرضا ع وفيه أربعة فصول :
الفصل الأول في تاريخ
مولده ومدة إمامته ووقت وفاته ولد ع في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشرة
ليلة مضت من الشهر وقيل للنصف منه ليلة الجمعة وفي رواية ابن عياش ولد يوم الجمعة لعشر
خلون من رجب وقبض ع ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين ومائتين وله يومئذ خمس وعشرون
سنة وكانت مدة خلافته وولايته سبع عشرة سنة وكانت في أيام إمامته بقية ملك المأمون
وقبض في أول ملك المعتصم وأمه أم ولد يقال لها سبيكة ويقال درة ثم سماها الرضا خيزران
وكانت نوبية.
ولقبه التقي والمنتجب
والجواد والمرتضى ويقال له أبو جعفر الثاني ودفن ع بمقابر قريش في ظهر جده موسى بن
جعفر ع.
الفصل الثاني في ذكر
النصوص الدالة على إمامته ع يدل على إمامته بعد طريقة الاعتبار وطريقة التواتر اللتين
تقدم ذكرهما في إمامة آبائه ع ما ثبت من إشارة أبيه إليه بالإمامة ورواية الثقات من
أصحابه وأهل بيته مثل عمه علي بن جعفر الصادق ع وعدد الجماعة الذين ذكرهم الشيخ المفيد
رحمهالله تعالى والنصوص التي
رويت فيه عن أبيه ع.
الفصل الثالث في طرف
من دلائله ومعجزاته ع وذكر الطبرسي رحمهالله في هذا الفصل ما ذكره
المفيد رحمهالله وزاد فيه ما أنا ذاكره.
عن أمية بن علي قال كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر وأبو الحسن بخراسان وكان
أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه فدعا يوما بجارية فقال لها قولي لهم يتهيئون
للمأتم فلما تفرقوا قالوا هلا سألناه مأتم من فلما كان من الغد فعل مثل ذلك فقالوا
مأتم من قال خير من على ظهرها فأتانا خبر أبي الحسن بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في
ذلك اليوم.
قال محمد بن الفرج
كتب إلي أبو جعفر احملوا إلي الخمس فإني لست آخذه منكم سوى عامي هذا فقبض ع في تلك
السنة ذكر أن ذلك منقول من كتاب نوادر الحكمة.
الفصل الرابع في ذكر
بعض مناقبه وفضائله ع كان ع قد بلغ في وقته من الفضل والعلم والحكم والآداب مع صغر
سنه منزلة لم يساوه فيها أحد من ذوي الأسنان من السادات وغيرهم ولذلك كان المأمون مشعوفا
به لما رأى من علو رتبته وعظيم منزلته في جميع الفضائل فزوجه ابنته أم الفضل وحملها
معه إلى المدينة وكان متوفرا على إعظامه وتوقيره وتبجيله وذكر بعد هذا مناظرته بين
يدي المأمون وسؤال يحيى بن أكثم له وأمورا ذكرتها آنفا وقال مضى ع إلى المدينة ولم
يزل بها حتى أشخصه المعتصم إلى بغداد في أول سنة عشرين ومائتين فأقام بها حتى توفي
في آخر ذي القعدة من السنة وقيل إنه مضى ع مسموما وخلف من الولد عليا ابنه الإمام وموسى
وفاطمة وأمامة ابنتيه ولم يخلف غيرهم انتهى كلامه.
قال الفقير إلى الله
تعالى عبد الله علي بن عيسى عفى الله عنه بمنه وكرمه ـ الجواد ع في كل أحواله جواد
وفيه يصدق قول اللغوي جواد من الجودة من أجواد فاق الناس بطهارة العنصر وزكاء الميلاد
وافترع قلة العلاء فما قاربه أحد ولا كاد مجده عالي المراتب ومكانته الرفيعة تسمو على
الكواكب ومنصبه يشرف على المناصب إذا أنس الوفد نارا قالوا ليتها ناره لا نار غالب
له إلى المعالي سمو وإلى الشرف رواح وغدو وفي السيادة إغراق وعلو وعلى هام السماك ارتفاع
وعلو وعن كل رذيلة بعد وإلى كل فضيلة دنو تتأرج المكارم من أعطافه ويقطر المجد من أطرافه
وتروى أخبار السماح عنه وعن أبنائه وأسلافه فطوبى لمن سعى في ولائه والويل لمن رغب
في خلافه إذا اقتسمت غنائم المجد والمعالي والمفاخر كان له صفاياها وإذا امتطيت غوارب
السؤدد كان له أعلاها وأسماها يباري الغيث جوادا وعطية ويجاري الليث نجدة وحمية ويبذ
السير سيرة رضية
مرضية سرية إذا عدد
آباءه الكرام وأبناءه ع نظم اللآلئ الأفراد في عده وجاء بجماع المكارم في رسمه وحده
وجمع أشتات المعالي فيه وفي آبائه من قبله وفي أبنائه من بعده فمن له أب كأبيه أو جد
كجده فهو شريكهم في مجدهم وهم شركاؤه في مجده وكما ملئوا أيدي العفاة برفدهم ملأ أيديهم
برفده.
بدور طوالع جبال
فوارع
|
|
غيوث هوامع سيول
دوافع
|
بها ليل لو عاينت
فيض أكفهم
|
|
تيقنت أن الرزق في
الأرض واسع
|
إذا خففت بالبذل
أرواح جودهم
|
|
حداها الندى واستنشقتها
المطامع
|
بهم اتضحت سبل الهدى
وبهم سلم من الردى وبحبهم ترجى النجاة والفوز غدا وهم أهل المعروف وأولو الندى كل المدائح
دون استحقاقهم وكل مكارم الأخلاق مأخوذة من كريم أخلاقهم وكل صفات الخير مخلوقة في
عنصرهم الشريف وأعراقهم فالجنة في وصالهم والنار في فراقهم وهذه الصفات تصدق على الجمع
والواحد وتثبت للغائب منهم والشاهد وتتنزل على الولد منهم والوالد حبهم فريضة لازمة
ودولتهم باقية دائمة وأسواق سؤددهم قائمة وثغور محبيهم باسمة وكفاهم شرفا أن جدهم محمد
وأبوهم علي وأمهم فاطمة فمن يجاريهم في الفخر أو من يسابقهم في علو القدر وما تركوا
غاية عز إلا انتهوا إليها سابقين ولا مرتبة سؤدد إلا ارتفقوها آمنين من اللاحقين وهذا
حق اليقين بل عين اليقين الناس كلهم عيال عليهم ومنتسبون انتساب العبودية إليهم عنهم
أخذت المآثر ومنهم تعلمت المفاخر وبشرفهم شرف الأول والآخر ولو أطلت في صفاتهم لم آت
بطائل ولو حاولت حصرها نادتني أين الثريا من يد المتناول وكيف تطيق حصر ما عجز عنه
الأواخر والأوائل وهذا مقام يلبس فيه سحبان وائل فهاهة باقل
فكففت عنان القلم وكففت
من
__________________
انثيال الكلم
واتبعت العادة في مدحه
ع بشعر يزيد قدري وينقص عن قدره ويخلد ذكري بخلود ذكره وهو :
حماد حماد للمثني
حماد
|
|
على آلاء مولانا
الجواد
|
إمام هدى له شرف
ومجد
|
|
علا بهما على السبع
الشداد
|
إمام هدى له شرف
ومجد
|
|
أقر به الموالي والمعادي
|
تصوب يداه بالجدوى
فتغني
|
|
عن الأنواء في السنة
الجماد
|
يبخل جود كفيه إذا
ما
|
|
جرى في الجود منهل
الغواد
|
بنى من صالح الأعمال
بيتا
|
|
بعيد الصيت مرتفع
العماد
|
وشاد من المفاخر
والمعالي
|
|
بناء لم يشده قوم
عاد
|
فواضله وأنعمه غزار
|
|
عهدن أبر من سح العهاد
|
ويقدم في الوغى إقدام
ليث
|
|
ويجري في الندى جري
الجواد
|
فمن يرجو اللحاق
به إذا ما
|
|
أتى بطريف فخر أو
تلاد
|
من القوم الذين أقر
طوعا
|
|
بفضلهم الأصادق والأعادي
|
أياديهم وفضلهم جميعا
|
|
قلائد محكمات في
الهوادي
|
بهم عرف الورى سبل
المعالي
|
|
وهم دلوا الأنام
على الرشاد
|
وهم أهل المعالي
والمعاني
|
|
وهم أهل العطايا
والأيادي
|
سموا في الحلم قيسا
وابن قيس
|
|
وإن قالوا فمن قس
الأيادي
|
__________________
وهذا مذهب في الشعر
جار
|
|
وأين من الربا خفض
الوهاد
|
لهم أيد جبلن على
سماح
|
|
وأفعال طبعن على
سداد
|
وهم من غير ما شك
وخلف
|
|
إذا أنصفت سادات
العباد
|
أيا مولاي دعوة ذي
ولاء
|
|
إليكم ينتمي وبكم
ينادي
|
يقدم حبكم ذخرا وكنزا
|
|
يعود إليه في يوم
المعاد
|
جرى بمديح مجدكم
لساني
|
|
فأصبح ديدني فيكم
وعادي
|
ففيكم رغبتي وعلى
هواكم
|
|
محافظتي وحبكم اعتقادي
|
إذا محض الوداد الناس
قوما
|
|
محضتكم وإن سخطوا
ودادي
|
وكيف يجوز عن قصد
لساني
|
|
وقلبي رائح بهواك
غادي
|
ومما كانت الحكماء
قالت
|
|
لسان المرء من خدم
الفؤاد
|
وقد قدمتكم زادا
لسيري
|
|
إلى الأخرى ونعم
الزاد زادي
|
فأنتم عدتي إن ناب
دهر
|
|
وأنتم إن عرى خطب
عتادي
|
__________________
ذكر الإمام العاشر
أبي الحسن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا بن موسى بن
جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين
قال كمال الدين بن
طلحة رحمهالله تعالى الباب العاشر
في أبي الحسن علي المعروف بالعسكري الملقب بالمتوكل بن أبي جعفر محمد القانع بن علي
الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ص.
أما مولده ففي رجب من سنة مائتين وأربع عشرة للهجرة
وأما نسبه أبا وأما فأبوه أبو جعفر محمد القانع بن علي الرضا بن موسى وقد تقدم ذكر
ذلك مبسوطا وأمه أم ولد اسمها سمانة المغربية وقيل غير ذلك وأما
اسمه فعلي.
وأما ألقابه فالناصح والمتوكل والفتاح والنقي والمرتضى وأشهرها المتوكل وكان
يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن يعرضوا عنه لكونه كان لقب الخليفة أمير المؤمنين المتوكل
يومئذ.
وأما مناقبه فمنها ما حل في الآذان محل حلاها بأشنافها واكتنفه شغفا به اكتناف
اللآلئ الثمينة بأصدافها وأشهد لأبي الحسن أن نفسه موصوفة بنفائس أوصافها وأنها نازلة
من الدوحة النبوية ذري أشرافها وشرفات أعرافها وذلك. أن أبا الحسن ع كان يوما قد خرج
من سر من رأى إلى قرية لمهم عرض له فجاء رجل من الأعراب يطلبه فقيل له قد ذهب إلى الموضع
الفلاني فقصده فلما وصل إليه قال له ما حاجتك فقال أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين
بولاء جدك علي
بن أبي طالب وقد ركبني
دين فادح
أثقلني حمله ولم أر
من أقصده لقضائه سواك فقال له أبو الحسن طب نفسا وقر عينا ثم أنزله فلما أصبح ذلك اليوم
قال له أبو الحسن أريد منك حاجة الله الله أن تخالفني فيها فقال الأعرابي لا أخالفك
فكتب أبو الحسن ورقة بخطه معترفا فيها أن عليه للأعرابي مالا عينه فيها يرجح على دينه
وقال خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سر من رأى أحضر إلي وعندي جماعة فطالبني به وأغلظ القول
علي في ترك إيفائك إياه الله الله في مخالفتي فقال أفعل وأخذ الخط فلما وصل أبو الحسن
إلى سر من رأى وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم حضر ذلك الرجل وأخرج
الخط وطالبه وقال كما أوصاه فألان أبو الحسن له القول ورفقه وجعل يعتذر إليه ووعده
بوفائه وطيبة نفسه فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن ثلاثون
ألف درهم فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل فقال خذ هذا المال فاقض منه دينك وأنفق
الباقي على عيالك وأهلك وأعذرنا فقال له الأعرابي يا ابن رسول الله والله إن أملي كان
يقصر عن ثلث هذا ولكن الله أعلم حيث يجعل رسالاته وأخذ المال وانصرف وهذه منقبة من
سمعها حكم له بمكارم الأخلاق وقضى له بالمنقبة المحكوم بشرفها بالاتفاق.
ولده أبو محمد الحسن
وسيأتي ذكره بعده إن شاء الله تعالى.
وأما عمره فإنه مات
في جمادى الآخر لخمس ليال بقين منه من سنة أربع وخمسين ومائتين في خلافة المعتز وقد
تقدم ذكر ولادته في سنة أربع عشرة ومائتين فيكون عمره أربعين سنة غير أيام وكان مقامه
مع أبيه ست سنين وخمسة أشهر وبقي بعد وفاة أبيه ثلاثا وثلاثين سنة وشهورا وقبره بسر
من رأى آخر كلامه.
وقال الحافظ عبد العزيز
بن الأخضر الجنابذي رحمهالله أبو الحسن علي بن [محمد
بن] علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ع مولده سنة
أربع عشرة ومائتين ومات سنة أربع وخمسين ومائتين فكان عمره أربعين
__________________
سنة قبره بسر من رأى
دفن بها في زمن المنتصر يلقب بالهادي وأمه سمانة ويقال إنه ولد بالمدينة للنصف من ذي
الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وقبض بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله
يومئذ إحدى وأربعون سنة وستة أشهر وقبره بسر من رأى في داره.
قال علي بن يحيى بن
أبي منصور قال كنت يوما بين يدي المتوكل ودخل علي بن محمد بن علي بن موسى ع فلما جلس
قال له المتوكل ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب قال ما يقول ولد أبي يا أمير
المؤمنين في رجل فرض الله تعالى طاعة نبيه على خلقه وفرض طاعته على نبيه ص انتهى كلامه.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله تعالى باب ذكر الإمام
بعد أبي جعفر محمد بن علي ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته ومبلغ سنه وذكر وفاته وسببها
وموضع قبره وعدد أولاده ومختصر من أخباره.
وكان الإمام بعد أبي
جعفر ابنه ـ أبا الحسن علي بن محمد ع لاجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله وأنه لا
وارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة وبالإشارة إليه من أبيه بالخلافة وكان
مولده بصريا من مدينة الرسول ص ـ للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وتوفي بسر
من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله يومئذ إحدى وأربعون سنة وأشهر وكان المتوكل
قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى فأقام بها حتى مضى لسبيله
وكانت مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة وأمه أم ولد يقال لها سمانة.
باب طرف من الخبر في النص عليه بالإمامة والإشارة إليه بالخلافة
عن إسماعيل بن مهران
قال لما خرج أبو جعفر ع من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه قلت له عند
خروجه جعلت فداك إني أخاف عليك من هذا الوجه فإلى من الأمر بعدك قال فكر بوجهه إلي
ضاحكا وقال ليس حيث
ظننت في هذه السنة
فلما استدعي به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر
من بعدك فبكى حتى خضبت لحيته ثم التفت إلي فقال في هذه يخاف علي الأمر من بعدي إلى
ابني علي.
وعن الخيراني عن أبيه
أنه قال ـ كنت ألزم باب أبي جعفر ع للخدمة التي وكلت بها وكان أحمد بن محمد بن عيسى
الأشعري يجيء في السحر من آخر كل ليلة لتعرف خبر علة أبي جعفر ع وكان الرسول الذي يختلف
بين أبي جعفر وبين الخيراني إذا حضر قام أحمد وخلا به قال الخيراني فخرج ذات ليلة وقام
أحمد بن عيسى عن المجلس وخلا بي الرسول واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام فقال الرسول
إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم بعدي
ما كان لي عليكم بعد أبي ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال ما الذي قال لك قال
خيرا قلت قد سمعت ما قال وأعاد علي ما سمع فقلت له قد حرم الله عليك ما فعلت لأن الله
يقول (وَلا تَجَسَّسُوا) فإذا سمعت فاحفظ الشهادة
لعلنا نحتاج إليها يوما ما وإياك أن تظهرها إلى وقتها قال وأصبحت وكتبت نسخة الرسالة
في عشر رقاع وختمتها ودفعتها إلى عشرة من وجوه أصحابنا وقلت إن حدث بي حدث الموت قبل
أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها.
فلما مضى أبو جعفر
ع لم أخرج من منزلي حتى عرفت أن رؤساء العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن الفرج يتفاوضون
في الأمر فكتب إلي محمد بن الفرج يعلمني باجتماعهم عنده ويقول لو لا مخافة الشهرة لصرت
معهم إليك فأحب أن تركب إلي فركبت وصرت إليه فوجدت القوم مجتمعين عنده فتجارينا في
الباب فوجدت أكثرهم قد شكوا فقلت لمن عندهم الرقاع وهم حضور أخرجوا تلك الرقاع فأخرجوها
فقلت هذا ما أمرت به فقال بعضهم كنا نحب أن يكون معك في هذا الأمر آخر ليتأكد القول
فقلت لهم قد أتاكم الله بما تحبون هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة
فاسألوه فسأله القوم فتوقف عن
الشهادة فدعوته إلى
المباهلة فخاف منها وقال قد سمعت ذلك وهي
مكرمة كنت أحب أن تكون
الرجل من العرب فأما مع المباهلة فلا طريق إلى كتمان الشهادة فلم يبرح القوم حتى سلموا
لأبي الحسن ع.
والأخبار في هذا الباب
كثيرة إن عملنا على إثباتها طال بها الكتاب وفي إجماع العصابة على إمامة أبي الحسن
ع وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتبس الأمر فيه غنى عن إيراد الأخبار بالنصوص على
التفصيل.
باب طرف من دلائل أبي الحسن علي بن محمد وأخباره وبراهينه وبيناته
عن الوشاء عن خيران
الأسباطي قال قدمت على أبي الحسن علي بن محمد ع بالمدينة فقال لي ما خبر الواثق عندك
قلت جعلت فداك خلفته في عافية أنا من أقرب الناس عهدا به وعهدي به منذ عشرة أيام قال
فقال لي إن أهل المدينة يقولون إنه مات فقلت أنا أقرب الناس به عهدا قال فقال لي إن
الناس يقولون إنه مات فلما قال لي إن الناس يقولون علمت أنه يعني نفسه ثم قال لي ما
فعل جعفر قلت له تركته أسوء الناس حالا في السجن قال فقال أما إنه صاحب الأمر ثم قال
لي ما فعل ابن الزيات قلت الناس معه والأمر أمره فقال أما إنه شؤم عليه قال ثم سكت
وقال لي لا بد أن يجري مقادير الله وأحكامه يا خيران مات الواثق وقد قعد جعفر المتوكل
وقد قتل ابن الزيات قلت متى جعلت فداك قال بعد خروجك بستة أيام.
وعن علي بن إبراهيم
بن محمد الطائفي قال مرض المتوكل من خراج خرج به فأشرف منه على الموت فلم يجسر أحد
أن يمسه بحديد فنذرت أمه إن عوفي أن تحمل إلى أبي الحسن علي بن محمد مالا جليلا من
مالها وقال له الفتح بن خاقان لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته فإنه ربما
كان عنده صفة شيء يفرج الله به عنك فقال ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع فقال خذوا
__________________
كسب الغنم وديفوه
بماء الورد وضعوه على
الخراج فإنه نافع بإذن الله إن شاء الله فجعل من يحضره المتوكل يهزأ من قوله فقال لهم
الفتح وما يضر من تجربة ما قال فو الله إني لأرجو الصلاح به فأحضر الكسب وديف بماء
الورد ووضع على الخراج فانفتح وخرج ما كان فيه وبشرت أم المتوكل بعافيته فحملت إلى
أبي الحسن عشرة ألف دينار تحت ختمها واستبل المتوكل
من علته.
فلما كان بعد أيام
سعى البطحاني بأبي الحسن ع إلى المتوكل وقال عنده أموال وسلاح فتقدم المتوكل إلى سعيد
الحاجب أن يهجم عليه ليلا ويأخذ ما يجده عنده من الأموال والسلاح ويحمله إليه قال إبراهيم
بن محمد فقال لي سعيد الحاجب ـ صرت إلى دار أبي الحسن ع بالليل ومعي سلم فصعدت منه
إلى السطح ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني
أبو الحسن ع من الدار يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت
فوجدت عليه جبة صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال
لي دونك البيوت فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئا ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل
وكيسا مختوما معها فقال لي أبو الحسن ع دونك المصلى فرفعته فوجدت سيفا في جفن ملبوس
فأخذت ذلك وصرت إليه فلما رأى خاتم أمه على البدرة بعث إليها فخرجت فسألها عن البدرة
فأخبرني بعض الخادم الخاصة أنها قالت كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي
عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمك على الكيس ما حركها وفتح الكيس الآخر فإذا
فيه أربعمائة دينار فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي احمل ذلك إلى أبي الحسن
واردد السيف والكيس عليه بما فيه فحملت ذلك إليه واستحييت منه فقلت يا سيدي عز علي
دخولي دارك بغير إذنك ولكني مأمور فقال لي (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ
ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
__________________
قال لي محمد بن الفرج
الرخجي إن أبا الحسن ع كتب إلي يا محمد اجمع أمرك وخذ حذرك فقال أنا في جمع أمري لست
أدري ما أراد بما كتب إلي حتى ورد علي رسول حملني من مصر مصفدا بالحديد وضرب علي كلما
أملك فمكثت في السجن ثماني سنين ثم ورد علي كتاب منه وأنا في السجن يا محمد لا تنزل
في ناحية الجانب الغربي فقرأت الكتاب وقلت في نفسي يكتب أبو الحسن بهذا إلي وأنا في
السجن إن هذا لعجب فما مكثت إلا أياما يسيرة حتى أفرج عني وحلت قيودي وخلي سبيلي قال
فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله أن يرد ضياعي علي قال فكتب إلي سوف ترد عليك
وما يضرك أن لا ترد عليك قال علي بن محمد النوفلي فلما شخص محمد بن الفرج الرخجي إلى
العسكر كتب له برد ضياعه عليه فلم يصل الكتاب حتى مات.
وكتب علي بن الخضيب
إلى محمد بن الفرج بالخروج إلى العسكر فكتب إلى أبي الحسن يشاوره في ذلك فكتب إليه
أبو الحسن ع اخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات.
أبو يعقوب قال رأيت
محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا وقد استقبل أبا الحسن ع فنظر إليه
نظرا شافيا فاعتل محمد بن الفرج من الغد فدخلت عليه عائدا بعد أيام من علته فحدثني
أن أبا الحسن قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجا تحت رأسه قال فكفن فيه والله.
قال أبو يعقوب رأيت
أبا الحسن ع مع أحمد بن الخضيب يتسايران وقد قصر أبو الحسن ع عنه فقال له ابن الخضيب
سر جعلت فداك فقال أبو الحسن أنت المقدم فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الدهق
على ساق ابن الخضيب
وقتل.
قال وألح عليه ابن
الخضيب في الدار التي كان نزلها وطالبه بالانتقال منها إليه فبعث إليه أبو الحسن ع
لأقعدن بك والله مقعدا لا تبقى لك معه باقية
__________________
فأخذه الله في تلك
الأيام.
وقال أبو الطيب يعقوب
بن ياسر كان يقول المتوكل ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي أو ينادمني
فامتنع وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها فقال له بعض من حضر إن لم تجد من
ابن الرضا ما تريد من هذا الحال فهذا أخوه موسى قصاف عزاف
يأكل ويشرب ويعشق ويتخالع
فأحضره واشهره فإن الخبر يشيع عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه وبين أخيه ومن
عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله فقال اكتبوا بإشخاصه مكرما فأشخص مكرما وتقدم المتوكل أن
يلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس وعمل على أنه إذا رآه أقطعه قطيعة وبنى له
فيها وحول إليها الخمارين والقيان
وتقدم بصلته وبره وأفرد
له منزلا سريا يصلح أن يزوره هو فيه فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف
وهو موضع يتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه ثم قال له إن هذا الرجل قد أحضرك
ليهتكك ويضع منك فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط واتق الله يا أخي أن ترتكب محظورا فقال
له موسى إنما دعاني لهذا فما حيلتي قال فلا تضع من قدرك ولا تعص ربك ولا تفعل ما يشينك
فما غرضه إلا هتكك فأبى عليه موسى فكرر عليه أبو الحسن ع القول والوعظ وهو مقيم على
خلافه فلما رأى أنه لا يجيب قال له أما إن المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمع
عليه أنت وهو أبدا فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم إلى باب المتوكل ـ فيقال له قد
تشاغل اليوم فيروح ثم يعود فيقال له قد سكر ويبكر فيقال له إنه قد شرب دواء فما زال
على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه على شراب.
وروى زيد بن علي بن
الحسين بن زيد قال ـ مرضت فدخل الطبيب علي ليلا ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا
يوما فلم يمكني تحصيله من الليل
__________________
وخرج الطبيب من الباب
وورد صاحب أبي الحسن ع في الحال ومعه صرة فيها ذلك الدواء بعينه فقال أبو الحسن يقرئك
السلام ويقول خذ هذا الدواء كذا وكذا يوما فأخذته وشربته فبرأت فقال محمد بن علي فقال
لي زيد بن علي يا محمد أين الغلاة عن هذا الحديث.
باب ذكر ورود أبي الحسن ع من المدينة إلى
العسكر ووفاته بها وسبب ذلك وعدد أولاده وطرف من أخباره.
وكان سبب شخوص أبي
الحسن ع إلى سر من رأى أن عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول
ع فسعى بأبي الحسن ع إلى المتوكل وكان يقصده بالأذى وبلغ أبا الحسن سعايته به فكتب
إلى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد ويكذبه فيما سعى به فتقدم المتوكل بإجابته
عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من القول والفعل فخرجت نسخة الكتاب:
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) أما بعد فإن أمير المؤمنين
عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح به حالك
وحالهم ويثبت عزك وعزهم ويدخل الأمن عليك وعليهم ويبتغي بذلك رضا ربه وأداء ما افترض
عليه فيك وفيهم وقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى من الحرب
والصلاة بمدينة الرسول ص إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعند ما
قرنك به ونسبك إليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك في برك
وقولك وأنك لم تؤهل نفسك لما فرقت بطلبه وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد
بن الفضل وأمره بإكرامك وتبجيلك والانتهاء إلى أمرك ورأيك والتقرب إلى الله وإلى أمير
المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق إليك يحب إحداث العهد بك والنظر إليك فإن نشطت
لزيارته والمقام قبله ما أحببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على محله
و
طمأنية ترحل إذا شئت
وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت وإن أحببت أن يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن
معه من الجند يرحلون برحيلك ويسيرون بسيرك والأمر في ذلك إليك وقد تقدمنا إليه بطاعتك
فاستخر الله تعالى حتى توافي أمير المؤمنين فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته
ألطف منزلة ولا أحمد له أثرة ولا هو لهم أنظر وعليهم أشفق وبهم أبر وإليهم أسكن منه
إليك [والأمر في ذلك إليك] والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب إبراهيم بن العباس
في شهر كذا من سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
فلما وصل الكتاب إلى
أبي الحسن ع تجهز للرحيل وخرج معه يحيى بن هرثمة حتى وصل إلى سر من رأى فلما وصل إليها
تقدم المتوكل أن يحجب عنه في يومه فنزل في خان يعرف بخان الصعاليك
وأقام فيه بقية يومه
ثم تقدم المتوكل بإفراد دار له فانتقل إليها.
وعن صالح بن سعيد قال
دخلت على أبي الحسن ع يوم وروده فقلت له جعلت فداك في كل الأمور أرادوا إطفاء نورك
والتقصير بك حتى أنزلوك هذا الخان الأشنع خان الصعاليك فقال هاهنا أنت يا ابن سعيد
ثم أومأ بيده فإذا بروضات أنيقات
وأنهار جاريات وجنات
فيها خيرات عطرات وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون فحار بصري وكثر عجبي فقال لي حيث كنا
فهذا لنا يا ابن سعيد لسنا في خان الصعاليك
وأقام أبو الحسن ع
مدة مقامه بسر من رأى مكرما في ظاهر الحال يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به فلا يتمكن
من ذلك وله معه أحاديث يطول
__________________
بذكرها الكتاب فيها
آيات له وبينات إن قصدنا لإيرادها خرجنا عن الغرض فيما نحوناه وتوفي أبو الحسن في رجب
سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بسر من رأى وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه
وهو الإمام من بعده والحسين ومحمد أو جعفر وابنته عائشة وكان مقامه بسر من رأى إلى
أن قبض عشر سنين وأشهرا وتوفي وسنه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعون سنة.
قال الشيخ ابن الخشاب
رحمهالله تعالى ذكر أبي الحسن
العسكري علي بن محمد المرتضى أبي جعفر القانع بن علي الرضا بن موسى الأمين بن جعفر
الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله
عليهم أجمعين.
وبإسناده قال ولد أبو
الحسن العسكري علي بن محمد في رجب سنة مائتين وأربع عشرة سنة من الهجرة وكان مقامه
مع أبيه محمد بن علي ست سنين وخمسة أشهر ومضى في يوم الإثنين لخمس ليال بقين من جمادى
الآخر سنة مائتين وأربع وخمسين سنة من الهجرة وأقام بعد أبيه ثلاثا وثلاثين سنة وسبعة
أشهر إلا أياما وكان عمره أربعين سنة إلا أياما.
قبره بسر من رأى أمه
سمانة ويقال متفرشة المغربية
لقبه الناصح والمرتضى
والنقي والمتوكل يكنى بأبي الحسن.
قال صاحب كتاب الدلائل
دلائل علي بن محمد العسكري ع عن الحسن بن علي الوشاء قال حدثتني أم محمد مولاة أبي
الحسن الرضا بالخبر وهي مع الحسن بن موسى قالت جاء أبو الحسن قد رعب حتى جلس في حجر
أم أبيها بنت موسى فقالت له ما لك فقال لها مات أبي والله الساعة فقالت له لا تقل هذا
قال هو والله ما أقول لك قال فكتبنا ذلك اليوم فجاءت وفاة أبي جعفر في ذلك اليوم.
وكتب إليه محمد بن
الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على
__________________
الزجاج قال فلما نفذ
الكتاب حدثت نفسي أنه مما أنبتت الأرض وأنهم قالوا لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض
قال فجاء الجواب لا تسجد عليه وإن حدثتك نفسك أنه مما أنبتت الأرض فإنه من الرمل والملح
والملح سبخ.
وعن علي بن محمد النوفلي
قال سمعته يقول اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفا وإنما كان عند آصف منه حرف واحد
تكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتى صيره إلى سليمان
ثم بسطت له الأرض في أقل من طرفة عين وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا وحرف عند الله جل
وعز استأثر به في علم الغيب.
وعن فاطمةابنة الهيثم
قالت كنت في دار أبي الحسن في الوقت الذي ولد فيه جعفر فرأيت أهل الدار قد سروا به
فصرت إليه فلم أر به سرورا فقلت يا سيدي ما لي أراك غير مسرور فقال هوني عليك وسيضل
به خلق كثير.
وحدث محمد بن شرف قال
كنت مع أبي الحسن ع أمشي بالمدينة فقال لي ألست ابن شرف قلت بلى فأردت أن أسأله عن
مسألة فابتدأني من غير أن أسأله فقال نحن على قارعة الطريق وليس هذا موضع مسألة.
" محمد بن الفضل
البغدادي قال كتبت إلى أبي الحسن أن لنا حانوتين
خلفهما لنا والدنا
رضي الله عنه وأردنا بيعهما وقد عسر علينا ذلك فادع الله لنا يا سيدنا إن يتيسر الله
لنا بيعهما بإصلاح الثمن ويجعل لنا في ذلك الخيرة فلم يجب فيهما بشيء وانصرفنا إلى
بغداد والحانوتان قد احترقا.
أيوب بن نوح قال كتبت
إلى أبي الحسن أن لي حملا فادع الله أن يرزقني ابنا فكتب إلي إذا ولد لك فسمه محمدا
قال فولد لي ابن فسميته محمدا قال وكان ليحيى بن زكريا حمل فكتب إليه أن لي حملا فادع
الله أن يرزقني ابنا فكتب إليه رب ابنة خير من ابن فولدت له ابنة.
أيوب بن نوح قال كتبت
إلى أبي الحسن قد تعرض لي جعفر بن عبد الواحد
__________________
القاضي وكان يؤذيني
بالكوفة أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى فكتب إلي تكفى أمره إلى شهرين فعزل عن الكوفة
في شهرين واسترحت منه.
قال فتح بن يزيد الجرجاني
قال ضمني وأبا الحسن الطريق حين منصرفي من مكة إلى خراسان وهو صائر إلى العراق فسمعته
وهو يقول من اتقى الله يتقى ومن أطاع الله يطاع قال فتلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه
فرد علي السلام وأمرني بالجلوس وأول ما ابتدأني به أن قال يا فتح من أطاع الخالق لم
يبال بسخط المخلوق ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق وإن الخالق
لا يوصف إلا بما وصف به نفسه وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه والأوهام
أن تناله والخطرات أن تحده والأبصار عن الإحاطة به جل عما يصفه الواصفون وتعالى عما
ينعته الناعتون نأى في قربه وقرب في نأيه فهو في نأيه قريب وفي قربه بعيد كيف الكيف
فلا يقال كيف وأين الأين فلا يقال أين إذ هو منقطع الكيفية والأينية هو الواحد الأحد
(الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ
وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) فجل جلاله أم كيف يوصف
بكنهه محمد ص وقد قرنه الجليل باسمه وشركه في عطائه وأوجب لمن أطاعه جزاء طاعته إذ
يقول (وَما نَقَمُوا إِلَّا
أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ)
وقال يحكي قول من ترك
طاعته وهو يعذبه بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها (يا لَيْتَنا أَطَعْنَا
اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)
أم كيف يوصف بكنهه
من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث قال (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)
وقال (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى
أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ)
وقال (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)
__________________
وقال (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ
لا تَعْلَمُونَ) .
يا فتح كما لا يوصف
الجليل جل جلاله والرسول والخليل وولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم لأمرنا ـ
فنبينا أفضل الأنبياء وخليلنا أفضل الأخلاء ووصيه أكرم الأوصياء اسمها أفضل الأسماء
وكنيتهما أفضل الكنى وأجلاها لو لم يجالسنا إلا كفو لم يجالسنا أحد ولو لم يزوجنا إلا
كفو لم يزوجنا أحد أشد الناس تواضعا أعظمهم حلما وأنداهم كفا وأمنعهم كنفا ورث عنهما
أوصياؤهما علمهما فاردد إليهم الأمر وسلم إليهم أماتك الله مماتهم وأحياك حياتهم إذا
شئت رحمك الله.
قال فتح فخرجت فلما
كان من الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت يا ابن رسول الله
أتأذن لي في مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي قال سل وإن شرحتها فلي وإن أمسكتها فلي
فصحح نظرك وتثبت في مسألتك واصغ إلى جوابها سمعك ولا تسأل مسألة تعينت واعتن بما تعتني
به فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد مأموران بالنصيحة منهيان عن الغش وأما الذي
اختلج في صدرك ليلتك فإن شاء العالم أنبأك إن الله لم يظهر (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى
مِنْ رَسُولٍ) فكلما كان عند الرسول
كان عند العالم وكلما اطلع عليه الرسول فقد اطلع أوصياؤه عليه لئلا تخلو أرضه من حجة
يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك
فأوهمك في بعض ما أودعتك وشككك في بعض ما أنبأتك حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه
المستقيم فقلت متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب معاذ الله أنهم مخلوقون مربوبون مطيعون
لله داخرون راغبون فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به فقلت له
جعلت فداك فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب
__________________
قال فسجد أبو الحسن
وهو يقول في سجوده راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا قال فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي ثم
قال يا فتح كدت أن تهلك وتهلك وما ضر عيسى إذا هلك من هلك فاذهب إذا شئت رحمك الله.
قال فخرجت وأنا فرح
بما كشف الله عني من اللبس بأنهم هم وحمدت الله على ما قدرت عليه فلما كان في المنزل
الآخر دخلت عليه وهو متك وبين يديه حنطة مقلوة
يعبث بها وقد كان أوقع
الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك آفة والإمام غير مئوف فقال
اجلس يا فتح فإن لنا بالرسل أسوة كانوا يأكلون ويشربون (وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ) وكل جسم مغذو بهذا
إلا الخالق الرازق لأنه جسم الأجسام وهو لم يجسم ولم يجز ابتناءه ولم يتزايد ولم يتناقص
مبرأ من ذاته ما ركب في ذات من جسمه الواحد الأحد الصمد الذي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ
لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) منشئ الأشياء مجسم
الأجسام وهو السميع العليم اللطيف الخبير الرءوف الرحيم تبارك وتعالى عما يقول الظالمون
علوا كبيرا لو كان كما وصف لم يعرف الرب من المربوب ولا الخالق من المخلوق ولا المنشئ
من المنشأ ولكنه فرق بينه وبين من جسمه وشيأ الأشياء إذ كان لا يشبهه شيء يرى ولا يشبه
شيئا.
محمد بن الريان بن
الصلت قال كتبت إلى أبي الحسن أستأذنه في كيد عدو لم يمكن كيده فنهاني عن ذلك وقال
كلاما معناه تكفاه فكفيته والله أحسن كفاية ذل وافتقر ومات في أسوء الناس حالا في دنياه
ودينه.
علي بن محمد الحجال
قال كتبت إلى أبي الحسن أنا في خدمتك وأصابني علة في رجلي لا أقدر على النهوض والقيام
بما يجب فإن رأيت أن تدعو الله أن يكشف علتي ويعينني على القيام بما يجب علي وأداء
الأمانة في ذلك ويجعلني من تقصيري من غير تعمد مني وتضييع مال أتعمده من نسيان يصيبني
في حل ويوسع علي وتدعو لي بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيه ع فوقع كشف الله عنك
وعن أبيك قال
__________________
وكان بأبي علة ولم
أكتب فيها فدعا له ابتداء.
وعن داود الضرير قال
أردت الخروج إلى مكة فودعت أبا الحسن بالعشي وخرجت فامتنع الجمال تلك الليلة وأصبحت
فجئت أودع القبر فإذا رسوله يدعوني فأتيته واستحييت وقلت جعلت فداك إن الجمال تخلف
أمس فضحك وأمرني بأشياء وحوائج كثيرة فقال كيف تقول فلم أحفظ مثل ما قال لي فمد الدواة
وكتب ـ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) أذكر إن شاء الله والأمر
بيدك كله فتبسمت فقال لي ما لك فقلت له خير فقال أخبرني فقلت له ذكرت حديثا حدثني رجل
من أصحابنا أن جدك الرضا كان إذا أمر بحاجة كتب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) أذكر إن شاء الله فتبسم
وقال يا داود لو قلت لك إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا.
وعن علي بن مهزيار
قال أرسلت غلاما لي إلى أبي الحسن في حاجة وكان سقلابيا
قال فرجع الغلام إلي
متعجبا فقلت ما لك يا بني فقال لي وكيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالسقلابية كأنه واحد
منا.
قال قطب الدين الراوندي
رحمهالله تعالى الباب الحادي
عشر في معجزات علي النقي ع.
حدث جماعة من أهل أصفهان
منهم أبو العباس أحمد بن النصر وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا كان بأصفهان رجل يقال
له عبد الرحمن وكان شيعيا فقيل له ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة علي النقي
دون غيره من أهل الزمان فقال شاهدت ما يوجب علي ذلك وذلك أني كنت رجلا فقيرا وكان لي
لسان وجرأة فأخرجني أهل أصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين فجئنا إلى باب المتوكل متظلمين
وكنا بباب المتوكل يوما إذ خرج الأمر بإحضار علي بن محمد بن الرضا فقلت لبعض من حضر
من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره فقيل هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ثم قيل ونقدر
أن المتوكل يحضره للقتل فقلت لا أبرح من
__________________
هاهنا حتى أنظر إلى
هذا الرجل أي رجل هو قال فأقبل راكبا على فرس وقد قام الناس صفين يمنة الطريق ويسرتها
ينظرون إليه فلما رأيته وقفت فأبصرته فوقع حبه في قلبي فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع
الله عنه شر المتوكل فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا يلتفت وأنا دائم
الدعاء له فلما صار إلي أقبل علي بوجهه وقال استجاب الله دعاءك وطول عمرك وكثر مالك
وولدك قال فارتعدت ووقعت بين أصحابي فسألوني ما شأنك فقلت خير ولم أخبرهم فانصرفنا
بعد ذلك إلى أصفهان ففتح الله علي وجوها من المال حتى أني أغلق بابي على ما قيمته ألف
ألف درهم سوى مالي خارج داري ورزقت عشرة من الأولاد وقد بلغت من عمري نيفا وسبعين سنة
وأنا أقول بإمامة هذا الذي علم ما في قلبي واستجاب الله دعاءه لي.
ومنها ما روي عن يحيى
بن هرثمة
قال دعاني المتوكل
وقال اختر ثلاثمائة رجل ممن تريده واخرجوا إلى الكوفة فخلفوا أثقالكم فيها واخرجوا
على طريق البادية إلى المدينة فاحضروا علي بن محمد الرضا ع إلى عندي مكرما معظما مبجلا
قال ففعلت وخرجنا وكان في أصحابي قائد من الشراة
وكان لي كاتب متشيع
وأنا على مذهب الحشوية فكان الشاري يناظر الكاتب وكنت أستريح إلى مناظرتهما لقطع الطريق
فلما صرنا وسط الطريق قال الشاري للكاتب أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب ع ليس
من الأرض بقعة إلا وهي قبر أو ستكون قبرا فانظر إلى هذه البرية العظيمة أين يموت فيها
حتى يملأها الله قبورا كما تزعمون قال فقلت للكاتب أهذا من قولكم قال نعم فقلت أين
من يموت في هذه البرية حتى تمتلئ قبورا وتضاحكنا ساعة إذا نخذل الكاتب في
__________________
أيدينا وسرنا حتى دخلنا
المدينة.
فقصدت باب أبي الحسن
فدخلت إليه وقرأ كتاب المتوكل وقال انزلوا فليس من جهتي خلاف فلما صرت إليه من الغد
وكنا في تموز
أشد ما يكون من الحر
فإذا بين يديه خياط وهو يقطع من ثياب غلاظ خفاتين له ولغلمانه
وقال للخياط اجمع عليها
جماعة من الخياطين واعمل من الفراغ منها يومك هذا وبكر بها إلي في هذا الوقت ونظر إلي
وقال يا يحيى اقضوا وطركم من المدينة في هذا اليوم واعمل على الرحيل غدا في هذا الوقت
فخرجت من عنده وأنا أتعجب منه من الخفاتين وأقول في نفسي نحن في تموز وحر الحجاز وبيننا
وبين العراق عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب وقلت في نفسي هذا رجل لم يسافر وهو يقدر
أن كل سفر يحتاج إلى هذه الثياب وأتعجب من الروافض حيث يقولون بإمامة هذا مع فهمه هذا.
فعدت إليه في الغد
في ذلك الوقت فإذا الثياب قد أحضرت وقال لغلمانه ادخلوا وخذوا لنا معكم لبابيد وبرانس
ثم قال ارحل يا يحيى فقلت في نفسي وهذا أعجب من الأول يخاف أن
يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه اللبابيد والبرانس.
فخرجت وأنا أستصغر
فهمه فسرنا حتى إذا وصلنا إلى موضع المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت وأرعدت
وأبرقت حتى إذا صارت على رءوسنا أرسلت على رءوسنا بردا مثل الصخور وقد شد على نفسه
ع وعلى غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس وقال لغلمانه ادفعوا إلى يحيى لبادة
وإلى الكاتب برنسا وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا وزالت وعاد
__________________
الحر كما كان فقال
لي يا يحيى انزل من بقي من أصحابك فادفن من مات منهم فهكذا يملأ الله هذه البرية قبورا.
قال فرميت بنفسي عن
دابتي وغدوت إليه فقبلت رجله وركابه وقلت أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ص
عبده ورسوله وأنكم خلفاء الله في أرضه فقد كنت كافرا وقد أسلمت الآن على يديك يا مولاي
قال يحيى وتشيعت ولزمت خدمته إلى أن مضى.
ومنها أن هبة الله
بن أبي منصور الموصلي قال ـ كان بديار ربيعة كاتب لها نصراني يسمى يوسف بن يعقوب وكان
بينه وبين والدي صداقة قال فوافانا فنزل عند والدي فقال له والدي فيم قدمت في هذا الوقت
قال دعيت إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة
دينار وقد حملتها لعلي بن محمد الرضا ع معي فقال له والدي قد وفقت في هذا وخرج إلى
حضرة المتوكل وجاءنا بعد أيام قلائل فرحا مسرورا مستبشرا فقال له والدي حدثني حديثك
قال صرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط فنزلت في دار وقلت يجب أن أوصل هذه المائة دينار
إلى ابن الرضا قبل مصيري إلى دار المتوكل وقبل أن يعرف أحد قدومي وعرفت أن المتوكل
قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره فقلت كيف أصنع رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا
لا آمن أن ينذر بي فيكون ذلك زيادة فيما أحاذره قال ففكرت ساعة في ذلك.
فوقع في قلبي أن أركب
حماري وأخرج في البلد فلا أمنعه حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا
فجعلت الدنانير في كاغذ وجعلتها في كمي وركبت وكان الحمار يتخرق في الشوارع والأسواق
يمر حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار فوقفت الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل فقلت للغلام
سل لمن هذه الدار فسأل فقيل دار ابن الرضا فقلت الله أكبر دلالة والله مقنعة قال فإذا
خادم أسود قد خرج فقال أنت يوسف بن يعقوب قلت نعم قال فانزل فأقعدني في الدهليز ودخل
فقلت هذه دلالة أخرى من أين عرف اسمي واسم أبي
وليس في البلد من يعرفني
ولا دخلته قط فخرج الخادم فقال المائة دينار التي في كمك في الكاغذ هاتها فناولته إياها
وقلت هذه ثالثة وجاء فقال ادخل فدخلت وهو وحده فقال يا يوسف ما آن لك
فقلت يا مولاي قد بان
لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى فقال هيهات أنك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان
وهو من شيعتنا يا يوسف إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالك كذبوا والله أنها
لتنفع امض فيما وافيت له فإنك سترى ما تحب فمضيت إلى باب المتوكل فنلت كلما أردت وانصرفت.
قال هبة الله فلقيت
ابنه بعد هذا وهو مسلم حسن التشيع فأخبرني أن أباه مات على النصرانية وأنه أسلم بعد
موت أبيه وكان يقول أنا مؤمن ببشارة مولاي ع.
ومنها ما قال أبو هاشم
الجعفري إنه ظهر برجل من أهل سر من رأى برص فتنغص عيشه فأشار إليه أبو علي الفهري بالتعرض
لأبي الحسن وأن يسأله الدعاء فجلس له يوما فرآه فقام إليه فقال تنح عافاك الله وأشار
إليه بيده تنح عافاك الله ثلاث مرات فانخذل ولم يجسر أن يدنو منه فانصرف ولقي الفهري
وعرفه ما قال له قال قد دعا لك قبل أن تسأله فاذهب فإنك ستعافى فذهب وأصبح وقد برأ.
وعن زرافة
حاجب المتوكل قال وقع
مشعبذ هندي يلعب بالحقة لم ير مثله وكان المتوكل لعابا فأراد أن يخجل عليا ع فقال المتوكل
إن أخجلته فلك ألف دينار قال فتقدم أن يخبز رقاق خفاف تجعل على المائدة وأنا إلى جنبه
ففعل وحضر علي ع للطعام وجعل له مسورة عليها صورة أسد وجلس اللاعب إلى جنب المسورة
فمد علي ع يده إلى رقاقة فطيرها اللاعب كذا ثلاث
__________________
مرات فتضاحكوا فضرب
علي ع يده على تلك الصورة وقال خذه فوثبت الصورة من المسورة وابتلعت الرجل وعادت إلى
المسورة فتحيروا ونهض علي بن محمد فقال له المتوكل سألتك بالله إلا جلست ورددته فقال
والله لا يرى بعدها أتسلط أعداء الله على أوليائه وخرج من عنده ولم ير الرجل بعدها.
وأتاه رجل من أهل بيته
اسمه معروف وقال جئتك وما أذنت لي قال ما علمت بك وأخبرت بعد انصرافك وذكرتني بما لا
ينبغي فحلف ما فعلت وعلم أبو الحسن أنه كاذب فقال اللهم إنه حلف كاذبا فانتقم منه فمات
من الغد.
ومنها قال أبو هاشم
الجعفري كان للمتوكل بيت فيه شباك وفيه طيور مصوتة فإذا دخل إليه أحد لم يسمع ولم يسمع
فإذا دخل علي ع سكتت جميعا فإذا خرج عادت إلى حالها.
وروى حديث زينب الكذابة
التي ذكرناها في أخبار الرضا ع عن الهادي ع والله أعلم.
ومنها ما روى ابن أرومة
قال خرجت إلى سر من رأى أيام المتوكل فدخلت إلى سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن
ع إليه ليقتله فقال لي أتحب أن تنظر إلى الهلك فقلت سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار
فقال الذي تزعمون أنه إمامكم ـ قلت ما أكره ذلك قال قد أمرت بقتله وأنا فاعله غدا فإذا
خرج صاحب البريد فادخل عليه فخرج ودخلت وهو جالس وهناك قبر يحفر فسلمت عليه وبكيت بكاء
شديدا فقال ما يبكيك قلت ما أرى قال لا تبك أنه لا يتم لهم ذلك وأنه لا يلبث أكثر من
يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه فو الله ما مضى غير يومين حتى قتل.
ومنها أن أبا محمد
الطبري قال تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده ع فجاءني نصر الخادم بدرهمين فصنعتهما خاتما
ودخلت على قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي فشربت قدحا وقدحين وكان ضيقا في إصبعي لا يمكنني
إدارته للوضوء فأصبحت
وقد افتقدته فتبت إلى
الله تعالى.
ومنها أن المتوكل عرض
عسكره وأمر أن كل فارس يملأ مخلاة فرسه طينا ويطرحوه في موضع واحد فصار كالجبل واسمه
تل المخالي وصعد هو وأبو الحسن ع وقال إنما طلبتك لتشاهد خيولي وكانوا لبسوا التجافيف
وحملوا السلاح وقد عرضوا بأحسن زينة وأتم عدة وأعظم هيئة وكان
غرضه كسر قلب من يخرج عليه وكان يخاف من أبي الحسن أن يأمر أحدا من أهل بيته بالخروج
عليه فقال له أبو الحسن فهل أعرض عليك عسكري قال نعم فدعا الله سبحانه فإذا بين السماء
والأرض من المشرق إلى المغرب ملائكة مدججون
فغشي على المتوكل فلما
أفاق قال له أبو الحسن نحن لا ننافسكم في الدنيا فإنا مشغولون بالآخرة فلا عليك شيء
مما تظن ..
ومنها ما روي عن محمد
بن الفرج قال قال لي علي بن محمد إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها وضع الكتاب تحت مصلاك
ودعه ساعة ثم أخرجه وانظر فيه قال ففعلت فوجدت جواب المسألة موقعا فيه.
ومنها ما رواه أبو
سعيد سهل بن زياد قال حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن بداره بسر
من رأى فجرى ذكر أبي الحسن ع فقال يا أبا سعيد أحدثك بشيء حدثني به أبي قال كنا مع
المنتصر وأبي كاتبه فدخلنا والمتوكل على سريره فسلم المنتصر ووقف ووقفت خلفه وكان إذا
دخل رحب به وأجلسه فأطال القيام وجعل يرفع رجلا ويضع أخرى وهو لا يأذن له في القعود
ورأيت وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ويقول للفتح بن خاقان هذا الذي يقول فيه ما تقول ويرد
عليه القول والفتح يسكنه ويقول هو مكذوب عليه وهو يتلظى
__________________
ويستشيط ويقول والله
لأقتلن هذا المرائي الزنديق وهو الذي يدعي الكذب ويطعن في دولتي ثم طلب أربعة من الخزر
أجلافا ودفع إليهم أسيافا وأمرهم أن يقتلوا أبا الحسن إذا دخل وقال والله لأحرقنه بعد
قتله وأنا قائم خلف المنتصر من وراء الستر فدخل أبو الحسن وشفتاه يتحركان وهو غير مكترث
ولا جازع فلما رآه المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه وانكب عليه يقبل بين عينيه ويديه
واحتمل شقه بيده وهو يقول يا سيدي يا ابن رسول الله يا خير خلق الله يا ابن عمي يا
مولاي يا أبا الحسن وأبو الحسن ع يقول أعيذك يا أمير المؤمنين بالله من هذا فقال ما
جاء بك يا سيدي في هذا الوقت قال جاءني رسولك قال كذب ابن الفاعلة ارجع يا سيدي يا
فتح يا عبيد الله يا منتصر شيعوا سيدكم وسيدي فلما بصر به الخزر خروا سجدا فدعاهم المتوكل
وقال لم لم تفعلوا ما أمرتكم به قالوا شدة هيبته ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر
أن نتأملهم وامتلأت قلوبنا من ذلك فقال يا فتح هذا صاحبك وضحك في وجهه وقال الحمد لله
الذي بيض وجهه وأنار حجته انتهى ما أردت نقله من كتابه رحمهالله تعالى.
وقال الطبرسي في كتابه
إعلام الورى الباب التاسع في ذكر الإمام النقي أبو الحسن علي بن محمد بن موسى ع وفيه
أربعة فصول:
الفصل الأول في ذكر
مولده ومبلغ سنه ووقت وفاته وموضع قبره ع ولد ع بصريا من المدينة في النصف من ذي الحجة
سنة اثنتي عشرة ومائتين وفي رواية ابن عياش يوم الثلاثاء الخامس من رجب وقبض بسر من
رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله يومئذ إحدى وأربعون سنة وأشهر وكان المتوكل
قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى فأقام بها حتى مضى لسبيله
ومدة إمامته ثلاث وثلاثون سنة وأمه أم ولد يقال لها سمانة.
وألقابه النقي والعالم
والفقيه والأمين والطيب ويقال له أبو الحسن الثالث وكانت في أيام إمامته بقية ملك المعتصم
ثم ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر وملك المتوكل أربع عشرة سنة ثم ملك ابنه المنتصر
ستة أشهر
ثم ملك المستعين وهو
أحمد بن محمد بن المعتصم سنتين وتسعة أشهر ثم ملك المعتز وهو الزبير بن المتوكل ثماني
سنين وستة أشهر وفي آخر ملكه استشهد ولي الله علي بن محمد ع ودفن في داره بسر من رأى.
الفصل الثاني في طرف
من النص الدال على إمامته ع.
وذكر أخبارا قد تقدمت
تتضمن النص من أبيه ع وقال والأخبار في هذا الباب كثيرة وفي إجماع العصابة على إمامته
وعدم من يدعيها لغيره غنى عن إيراد الأخبار في ذلك وضرورة أئمتنا ع في هذه الأزمنة
في خوفهم من أعدائهم وتقيتهم أحوجت شيعتهم في معرفة نصوصهم على من بعدهم إلى ما ذكرنا
من الاستخراج حتى أن أوكد الوجوه عندهم في ذلك دلائل العقول الموجبة للإمامة وما اقترن
إلى ذلك من حصولها لولد الحسن ع وفساد أقوال ذوي النحل الباطلة وبالله التوفيق.
الفصل الثالث في ذكر
طرف من دلائله ع ومعجزاته وبيناته قد ذكر في هذا الفصل شيئا مما أوردته وأنا أذكر من
قوله ما انفرد بروايته.
فمنها قال أبو هاشم
الجعفري كنت بالمدينة حين مر بها بغاء أيام الواثق في طلب الأعراب فقال أبو الحسن ع
اخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبئة هذا التركي فخرجنا فمر بنا تعبيته ومر بنا تركي فكلمه
أبو الحسن بالتركية فنزل عن فرسه وقبل حافر دابته قال فقلت للتركي ما قال لك قال أنبي
هو قلت لا قال دعاني باسم سميت أمي به في صغري في بلاد الترك ما علمه أحد إلى الساعة.
وعنه قال دخلت إلى
أبي الحسن ع فكلمني بالهندية فلم أحسن أن أرد عليه وكان بين يديه حصا فأخذ حصاة وتركها
في فمه ومصها ثلاث مصات ودفعها إلي فوضعتها في فمي فو الله ما برحت من عنده حتى تكلمت
بثلاثة وسبعين لسانا أولها الهندية.
وعنه قال خرجت معه
ع إلى ظاهر سر من رأى يتلقى بعض الطالبيين
فأبطأ فطرحت له غاشية
السرج فجلس عليها ونزلت فجلست بين يديه وهو يحدثني فشكوت إليه قصور يدي فأهوى بيده
إلى رمل كان عليه جالسا فناولني منه أكفا وقال اتسع بهذا يا أبا هاشم اكتم ما رأيت
فخبأته معي ورجعنا فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهبا أحمر فدعوت صائغا إلى منزلي
وقلت له اسبك لي هذا سبيكة فسبكه وقال ما رأيت ذهبا أجود من هذا وهو كالرمل فمن أين
لك هذا فما رأيت أعجب منه قلت هذا لنا من قديم مدخر.
وحدث أبو طاهر الحسين
بن عبد القاهر الطاهري قال حدثنا محمد بن الحسين الأشتر العلوي قال كنت على باب المتوكل
وأنا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي إلى عباسي إلى جندي وكان إذا جاء أبو الحسن
ترجل الناس كلهم حتى يدخل فقال بعضهم لبعض لم نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا
بأكبرنا سنا والله لا ترجلنا له فقال له أبو هاشم الجعفري والله لترجلن له صاغرين إذا
رأيتموه فما هو إلا أن أقبل حتى ترجلوا أجمعين فقال أبو هاشم أليس زعمتم أنكم لا تترجلون
فقالوا والله ما ملكنا أنفسنا حتى ترجلنا.
قال وأولم بعض أولاد
الخلفاء وليمة فدعا أبا الحسن ودعا الناس فلما رأوه أنصتوا إجلالا له وجعل شاب في المجلس
لا يوقره ويتحدث ويضحك فأقبل عليه وقال يا هذا أتضحك بملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت
بعد ثلاث من أهل القبور قال فقلنا هذا دليل ننظر ما يكون فأمسك الفتى وكف وطعمنا وخرجنا
فلما كان بعد يوم اعتل الفتى ومات في اليوم الثالث ودفن فيه.
وقال سعيد اجتمعنا
في وليمة لبعض أهل سر من رأى وأبو الحسن معنا فجعل رجل يعبث ويمزح ولا يرى له جلاله
فأقبل على جعفر وقال أما إنه لا يأكل من هذا الطعام وسيرد عليه من خبر أهله ما ينغض
عيشه فلما قدمت المائدة قال جعفر ليس بعد هذا خبر فو الله لقد غسل الرجل يده وأهوى
إلى الطعام فدخل غلامه وهو يبكي ويصرخ وقال الحق أمك فقد وقعت من السطح وهي في الموت
قال جعفر فقلت والله لا وقفت بعد هذا فيه وقطعت عليه والروايات في هذا الباب كثيرة
وفيما
أوردناه كفاية.
الفصل الرابع في ذكر
طرف من خصائصه ع وأخباره ذكر في هذا الفصل حديث إشخاصه من المدينة وحديث خان الصعاليك
الذي أنزل فيه عند قدومه سر من رأى قال وكان المتوكل يجتهد في إيقاع حيلة به فلا يتمكن
من ذلك وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب فيها آيات ودلالات ذكرنا بعضها وفي إيراد
جميعها خروج عن الغرض في الإيجاز.
وله من الأولاد ابنه
أبو محمد الحسن الإمام بعده والحسين ومحمد وجعفر الملقب بالكذاب وابنته غالية وكان
مقامه بسر من رأى إلى أن توفي ع عشرين سنة وأشهرا.
قال أفقر عباد الله
تعالى إلى رحمته ـ علي بن عيسى أغاثه الله في الدنيا والآخرة برحمته شرف مولانا الهادي
ع قد ضرب على المجرة قبابه ومد على النجوم أطنابه ووصل بأسباب السماء أسبابه فما تعد
منقبة إلا وله نخيلتها ولا تذكر كريمة إلا وله فضيلتها ولا تورد حسنة إلا وله تفصيلها
وجملتها ولا تستعظم حالة سنية إلا وتظهر عليه أدلتها استحق ذلك بما في جوهر نفسه من
كرم تفرد بخصائصه ومجد حكم فيه على طبعه الكريم فحفظه من الشوب حفظة الراعي لقلائصه
فكانت نفسه مهذبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة
ومباره إلى العفاة واصلة ورباع العرف بوجوده وجودة أهله جرى من الوقار والسكينة والسكون
والطمأنينة والعفة والنزاهة والخمول في النباهة والشفقة والرأفة والحزم والحصافة والحنو
على الأقارب والأباعد والحدب على الولي والحاسد على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس
قدسية لا يقاربها أحد من الأنام ولا يدانيها وطريقة لا يشاركه فيها خلق ولا يطمع فيها.
إن السري إذا سرا
فبنفسه
|
|
وابن السري إذا سرا
أسراهما
|
إذا قال بذ الفصحاء
وحير البلغاء وأسكت العلماء إن جاد بخل الغيث
__________________
وإن صال جبن الليث
وإن فخر أذعن كل مساجل وسلم إليه كل مناضل وأقر لشرفه كل شريف وإن طاول الأفلاك ونافر
الأملاك واعترف أنه ليس هناك وإن ذكرت العلوم فهو ع موضح أشكالها وفارس جلادها وجدالها
وابن نجدتها وصاحب أقوالها وأطلاع نجادها وناصب أعلام أعقالها.
هذه صفاته التي تتعلق
بذاته وعلاماته الدالة على معجز آياته فإن أتى الناس بآبائهم أتى بقوم أخبر بشرفهم
هل أتى ودلت على مناصبهم آية المباهلة وإن عتا عن قبولها من عتا ونطق القرآن الكريم
بفضلهم ونبه الرسول ص على نبلهم ولم يسأل على التبليغ أجرا إلا ودهم وبالغ في العهد
بأحسنوا خلافتي في أهلي فما حفظوا عهده ولا عهدهم فهم ع أمناء الله وخيرته وخلفاؤه
على بريته وصفوته المشار إليهم بآداب القرآن المجيد المخاطبون ب (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ
قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) الذين هم على أولياء
الله أرق من الماء وعلى أعدائه أقسى من الحديد وأجواد والسحاب باخل أيقاظ في اللقاء
والليث ذاهل قلوبهم حاضرة ووجوههم ناضرة وألسنتهم ذاكرة وإذا كان لغيرهم دنيا فلهم
دنيا وآخرة صلى الله عليهم صلاة يقتضيها كرم الله واستحقاقهم الكامل وهذان سببان يوجبان
الحصول لوجود الفاعل والقابل وقد مدحت مولانا أبا الحسن ع بما أرجو ثوابه في العاجل
والآجل وأنا معترف بالتقصير والله عند لسان كل قائل وهو
يا أي هذا الرائح
الغادي
|
|
عرج على سيدنا الهادي
|
واخلع إذا شارفت
ذاك الثرى
|
|
فعل كليم الله في
الوادي
|
وقبل الأرض وسف تربة
|
|
فيها العلى والشرف
العادي
|
وقل سلام الله وقف
على
|
|
مستخرج من صلب أجواد
|
مؤيد الأفعال ذو
نائل
|
|
في المحل يروي غلة
الصادي
|
يفوق في المعروف
صوب الحيا
|
|
الساري بإبراق وإرعاد
|
في البأس يردي شأفة
المعتدي
|
|
بصولة كالأسد العادي
|
وفي الندى يجري إلى
غاية
|
|
بنفس مولى العرف
معتاد
|
يعفو عن الجاني ويعطي
المنى
|
|
في حالتي وعد وإيعاد
|
كأن ما يحويه من
ماله
|
|
دراهم في كف نقاد
|
مبارك الطلعة ميمونها
|
|
وماجد من نسل أمجاد
|
من معشر شادوا بناء
العلى
|
|
كبيرهم والناشئ الشادي
|
كأنما جودهم واقف
|
|
لمبتغي الجود بمرصاد
|
عمت عطاياهم وإحسانهم
|
|
طلاع أغوار وأنجاد
|
في السلم أقمار وإن
حاربوا
|
|
كانت لهم نجدة آساد
|
ولاؤهم من خير ما
نلته
|
|
وخير ما قدمت من
زاد
|
إليهم سعيي وفي حبهم
|
|
ومدحهم نصي وإسنادي
|
يا آل طه أنتم عدتي
|
|
ووصفكم بين الورى
عادي
|
وشكركم دأبي وذكري
لكم
|
|
همي وتسبيحي وأورادي
|
ويعجب الشيعة ما
قلته
|
|
فيكم ويستحلون إيرادي
|
بدأتم بالفضل وارتحتم
|
|
إلى العلى والفضل
للبادي
|
ولي أمان فيكم جمة
|
|
تقضي بإقبالي وإسعادي
|
وواجب في شرع إحسانكم
|
|
أنالني الخير وإمدادي
|
لا زال قلبي لكم
مسكنا
|
|
في حالتي قرب وإبعادي
|
ذكر الإمام الحادي عشر
أبي محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا
بن موسى الكاظم بن الصادق جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن
الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين
قال الشيخ كمال الدين
محمد بن طلحة رحمهالله تعالى الباب الحادي
عشر في أبي محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا ع مولده
سنة إحدى وثلاثين ومائتين
للهجرة.
وأما نسبه أبا وأما فأبوه أبو الحسن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا وقد
تقدم القول في ذلك وأمه أم ولد يقال لها سوسن.
وأما اسمه فالحسن وكنيته أبو محمد ولقبه الخالص.
وأما مناقبه فاعلم أن المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصه الله جل وعلا
بها فقلده فريدها ومنحه تقليدها وجعلها صفة دائمة لا يبلى الدهر جديدها ولا تنسى الألسن
تلاوتها وترديدها أن المهدي من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه وبضعته المنفصلة
عنه وسيأتي في الباب الذي يتلو هذا الباب شرح مناقبه وتفصيل أحواله إن شاء الله تعالى.
وكفى أبا محمد الحسن
تشريفه من ربه أن جعل محمد المهدي من كسبه وأخرجه من صلبه وجعله معدودا من حزبه ولم
يكن لأبي محمد ولد ذكر سواه وحسبه ذلك منقبة وكفاه لم تطل من الدنيا أيام مقامه ومثواه
ولا امتد أمد حياته فيها ليظهر للناظرين مآثره ومزاياه.
وأما
عمره فإنه توفي في الثامن
من ربيع الأول من سنة ستين ومائتين للهجرة
في خلافة المعتمد وقد
تقدم ذكر ولادته في سنة إحدى وثلاثين ومائتين فيكون عمره تسعا وعشرين سنة كان مقامه
مع أبيه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا وبقي بعد أبيه خمس سنين وشهورا وقبره بسر من رأى آخر
كلام كمال الدين.
وأنا أعجب من كونه
مع فضله ومكانه من العلم وميله إلى تصنيف هذا الكتاب لم ينقب عن فضائلهم ولم يبالغ
في إيضاح أخبارهم ودلائلهم فاقتصر على هذا القدر من ذكره وذكر أبيه من قبله واعتذر
بقصر عمره عن عد فضله ولو طلب ذلك واجتهد لحصل ما أراد ووجد وسعى إلى حيث لا أمد فإن
مناقبهم ع لا تدخل تحت العدد وهي متزايدة مع الأبد واضحة الجدد.
وقال الحافظ عبد العزيز
الجنابذي رحمهالله تعالى أبو محمد الحسن
بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ع يلقب بالعسكري مولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين توفي سنة ستين ومائتين فيكون عمره
تسعا وعشرين سنة في زمن المعتز وقبره بسامراء وقيل مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
وقبض بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وكان سنه يومئذ ثمان
وعشرين سنة وأمه أم ولد يقال لها حربية وقبره إلى جانب قبر أبيه بسر من رأى.
وروى عن رجاله قال
القاضي أبو عبد الله الحسين بن علي بن هارون الضبي إملاء قال وجدت في كتاب والدي حدثنا
جعفر بن محمد بن حمزة العلوي قال كتبت إلى أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن الرضا
أسأله لم فرض الله تعالى الصوم فكتب إلي فرض الله تعالى الصوم ليجد الغني مس الجوع
ليحنو على الفقير.
وروى عن رجاله عن الحافظ
البلاذري حدثنا الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى إمام عصره عند الإمامية بمكة قال
حدثني أبي علي بن محمد المفتي قال حدثني أبي محمد بن علي السيد المحجوب قال حدثني أبي
علي بن موسى الرضا قال حدثني أبي موسى بن جعفر المرتضى قال حدثني أبي جعفر بن محمد
الصادق قال حدثني أبي محمد بن علي الباقر قال حدثني أبي علي بن الحسين السجاد
زين العابدين قال حدثني
أبي الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة قال حدثني أبي علي بن أبي طالب سيد الأوصياء
قال حدثني محمد بن عبد الله سيد الأنبياء قال حدثني جبرئيل سيد الملائكة قال قال الله
عزوجل سيد السادات إني (أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) فمن أقر لي بالتوحيد
دخل حصني ومن دخل حصني أمن من عذابي وقال الحاكم ولم نكتبه إلا عن هذا الشيخ تم كتاب
معالم العترة والحمد لله.
قال شيخنا المفيد رحمهالله تعالى في إرشاده باب
ذكر القائم بعد أبي الحسن علي بن محمد ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته والنص عليه من
أبيه ومبلغ سنه ومدة خلافته وذكر وفاته وموضع قبره وطرف من أخباره.
وكان الإمام بعد أبي
الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي ع لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على
كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرئاسة من العلم والزهد وكمال العقل
والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الأعمال المقربة إلى الله جل اسمه ثم لنص أبيه ع عليه
وإشارته بالخلافة إليه وكان مولده بالمدينة في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
وقبض يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان
وعشرون سنة ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه ع وأمه أم ولد يقال
لها حديثة وكانت مدة خلافته ست سنين.
باب ذكر طرف من الخبر الوارد بالنص عليه
من أبيه ع والإشارة إليه بالإمامة من بعده.
عن يحيى بن يسار العنبري
قال أوصى أبو الحسن علي بن محمد إلى ابنه الحسن ع قبل مضيه بأربعة أشهر وأشار إليه
بالأمر من بعده وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي.
وعن علي بن عمرو النوفلي
قال كنت مع أبي الحسن ع في صحن داره فمر بنا محمد ابنه فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا
بعدك فقال لا صاحبكم
بعدي الحسن.
وعن عبد الله بن محمد
الأصفهاني قال قال أبو الحسن ع صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال ولم نعرف أبا محمد قبل
ذلك قال فخرج أبو محمد بعد وفاته فصلى عليه.
وعن علي بن جعفر قال
كنت حاضرا أبا الحسن ع لما توفي ابنه محمد فقال للحسن يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث
فيك أمرا.
وعن أحمد بن محمد بن
عبد الله بن مروان قال كنت حاضرا عند مضي أبي جعفر محمد بن علي فجاء أبو الحسن ع فوضع
له كرسي فجلس عليه وحوله أهل بيته وأبو محمد ع قائم في ناحية فلما فرغ من أمر أبي جعفر
التفت إلى أبي محمد ع فقال مثله.
وعن علي بن مهزيار
قال قلت لأبي الحسن ع إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من قال عهدي إلى الأكبر من ولدي
يعني الحسن ع.
وعن علي بن عمرو العطار
قال دخلت على أبي الحسن ع وابنه أبو جعفر بحياة وأنا أظن أنه الخلف من بعده فقلت له
جعلت فداك من أخص من ولدك فقال لا تخصوا أحدا حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد
فيمن يكون هذا الأمر قال فكتب إلي في الأكبر من ولدي وكان أبو محمد ع أكبر من أبي جعفر.
وعن جماعة من بني هاشم
منهم الحسن بن الحسين الأفطس أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد في دار أبي الحسن
ع وقد بسط له في صحن داره والناس حوله جلوس فقالوا قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب
وبني العباس وقريش مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي
بعد ساعة من قيامه وقد جاء مشقوق الجيب وقف على يمينه ونحن لا نعرفه فقال له يا بني
أحدث لله شكرا فقد أحدث الله فيك أمرا فبكى الحسن ع واسترجع فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وإياه أسأل تمام نعمه
علينا و (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا
إِلَيْهِ راجِعُونَ) فسألنا عنه فقيل لنا
هذا الحسن بن علي ابنه وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين
سنة ونحوها فيومئذ
عرفناه وعلمنا أنه أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه.
وعن محمد بن يحيى قال
دخلت على أبي الحسن ع بعد مضي أبي جعفر ابنه فعزيته عنه وأبو محمد جالس فبكى أبو محمد
فأقبل عليه أبو الحسن ع فقال إن الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله.
وعن أبي هاشم الجعفري
قال كنت عند أبي الحسن ع بعد ما مضى ابنه أبو جعفر وأني لأفكر في نفسي أريد أن أقول
كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى وإسماعيل ابني جعفر بن
محمد ع وإن قصتهما كقصتهما فأقبل علي أبو الحسن قبل أن أنطق فقال نعم يا أبا هاشم بدا
لله في أبي محمد بعد أبي جعفر ما لم يكن يعرف له كما بدا له في موسى بعد مضي إسماعيل
ما كشف به عن حاله وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون أبو محمد ابني الخلف من بعدي
عنده علم ما يحتاج إليه ومعه آلة الإمامة.
وعن أبي بكر الفهفكي
قال كتب أبو الحسن ع إلي : أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة وهو الأكبر
من ولدي وهو خليفتي وإليه تنتهي عرى الإمامة وأحكامها فما كنت سائلي عنه فاسأله عنه
فعنده ما تحتاج إليه.
وعن شاهويه بن عبد
الله قال كتب إلي أبو الحسن ع في كتاب أردت أن تسأل عن الخلف بعد أبي جعفر وقلقت لذلك
فلا تقلق فإن الله لا يضل (قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ
حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) صاحبك أبو محمد وعنده
ما تحتاجون إليه يقدم الله ما يشاء ويؤخر و (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ
أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) وفي هذا بيان وإقناع
لذي عقل يقظان.
وعن داود بن القاسم
الجعفري قال سمعت أبا الحسن ع يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف
فقلت ولم جعلني الله فداك فقال إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت فكيف
نذكره قال قولوا الحجة من آل محمد ع. والأخبار في هذا الباب كثيرة يطول بها الكتاب
__________________
باب ذكر طرف من أخبار أبي محمد ع ومناقبه
وآياته ومعجزاته عن الحسن بن محمد الأشعري
ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا كان أحمد بن عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج بقم
فجرى يوما في مجلسه ذكر العلوية ومذاهبهم وكان شديد النصب والانحراف عن أهل البيت ع
فقال ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا
في هديه وسكونه وعفافه ونبله وكبرته عند أهل بيته وبني هاشم كافة وتقديمهم إياه على
ذوي السن منهم والخطر وكذلك كانت حاله عند القواد والوزراء وعامة الناس فأذكر إني كنت
يوما قائما على رأس أبي وهو يوم مجلسه للناس إذ دخل حجابه فقالوا أبو محمد بن الرضا
بالباب فقال بصوت عال ائذنوا له فعجبت مما سمعت منهم ومن جسارتهم أن يكنوا رجلا بحضرة
أبي ولم يكن يكنى عنده إلا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يكنى عنده فدخل رجل
أسمر اللون حسن القامة جميل الوجه جيد البدن حديث السن له جلالة وهيبة حسنة.
فلما نظر إليه أبي
قام فمشى إليه خطوات ولا أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم والقواد فلما دنا منه عانقه
وقبل وجهه وصدره وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا عليه
بوجهه يكلمه ويفديه بنفسه وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل الحاجب فقال الموفق قد جاء
وكان الموفق إذا دخل على أبي يقدمه حجابه وخاصة قواده فقاموا بين مجلس أبي وبين باب
الدار سماطين
إلى أن يدخل ويخرج
فلم يزل أبي مقبلا على أبي محمد يحدثه حتى نظر إلى غلمانه الخاصة فقال حينئذ إذا شئت
جعلني الله فداك ثم قال لحجابه خذوا به من خلف السماطين لا يراه هذا يعني الموفق فقام
وقام أبي وعانقه ومضى فقلت لحجاب أبي وغلمانه ويلكم من هذا الذي كنيتموه بحضرة أبي
وفعل به هذا الفعل فقال هذا علوي يقال له الحسن بن علي يعرف
__________________
بابن الرضا فازددت
تعجبا ولم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبي وما رأيته منه حتى كان الليل
وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر ما يحتاج إليه من المؤامرات وما يرفعه إلى
السلطان.
فلما صلى وجلس جئت
فجلست بين يديه وليس عنده أحد فقال يا أحمد ألك حاجة قلت نعم يا أبة فإن أذنت سألتك
عنها قال قد أذنت قلت يا أبة من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الإجلال
والكرامة والتبجيل وفديته بنفسك وأبويك فقال يا بني ذاك إمام الرافضة الحسن بن علي
المعروف بابن الرضا ثم سكت ساعة وأنا ساكت ثم قال يا بني لو زالت الإمامة عن خلفاء
بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غيره لفضله وعفافه وهديه وصيانته وزهده وعبادته
وجميل أخلاقه وصلاحه ولو رأيت أباه رأيت رجلا جزلا نبيلا فاضلا فازددت قلقا وغيظا وتفكرا
على أبي وما سمعت منه فيه ورأيته من فعله فلم تكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره
والبحث عن أمره فما سألت أحدا من بني هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر
الناس إلا وجدته عنده في غاية الإجلال والإعظام والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم
له على جميع أهل بيته ومشايخه فعظم قدره عندي إذ لم أر له وليا ولا عدوا إلا وهو يحسن
القول فيه والثناء عليه.
فقال له بعض من حضر
مجلسه من الأشعريين فما خبر أخيه جعفر وكيف كان في المحل فقال ومن جعفر فيسأل عن خبره
أويقرن إلى الحسن جعفر معلن بالفسق فاجر شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم
لنفسه خفيف قليل في نفسه ولقد ورد على السلطان وأصحابه في وقت وفاة الحسن بن علي ما
تعجبت منه وما ظننت أنه يكون منه وذلك أنه لما اعتل بعث إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل
فركب من ساعته إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلا ومعه خمسة من خدم أمير المؤمنين كلهم
من ثقاته وخاصته وفيهم نحرير وأمرهم بلزوم دار الحسن وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر
من المتطببين وأمرهم بالاختلاف إليه وتعهده
صباحا ومساء فلما كان
بعد ذلك بيومين أو ثلاثة أخبر أنه قد ضعف فركب حتى بكر إليه ـ فأمر المتطببين بلزوم
داره وبعث إلى قاضي القضاة فأحضره مجلسه وأمره أن يختار عشرة ممن يوثق به بدينه وورعه
وأمانته فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا فلم يزالوا هناك
حتى توفي ع.
فلما ذاع خبر وفاته
صارت سر من رأى ضجة واحدة وعطلت الأسواق وركب بنو هاشم والقواد والكتاب والقضاة والمعدلون
وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ شبيها بالقيامة فلما فرغوا من تهيئته
بعث السلطان إلى أبي عيسى بن المتوكل فأمره بالصلاة عليه فلما وضعت الجنازة للصلاة
عليه دنا أبو عيسى منه فكشف عن وجهه فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد
والكتاب والقضاة والمعدلين وقال هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على
فراشه وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن القضاة فلان وفلان ومن المتطببين
فلان وفلان ثم غطى وجهه وصلى عليه وأمر بحمله.
ولما دفن جاء جعفر
أخوه إلى أبي فقال له اجعل لي مرتبة أخي وأنا أوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار
فزبره أبي وأسمعه ما كره وقال له يا أحمق السلطان أطال الله بقاءه
جرد سيفه في الذين يزعمون أن أباك وأخاك أئمة ليردوهم عن ذلك فما تهيأ له ذلك فإن كنت
عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم ولا غير سلطان وإن
لم تكن عندهم بهذه المنزلة لا تنالها بنا فاستقله أبي عند ذلك واستضعفه وأمر أن يحجب
عنه فلم يأذن له في الدخول عليه حتى مات أبي وخرجنا وهو على تلك الحال والسلطان يطلب
أثر ولد الحسن بن علي اليوم وهو لا يجد إلى ذلك سبيلا وشيعته مقيمون على أنه مات وخلف
ولدا يقوم مقامه بالإمامة
__________________
وكتب أبو محمد ع إلى
أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو عشرين يوما ألزم بيتك حتى يحدث
الحادث فلما قتل تريخة
كتب إليه قال حدث الحادث
فما تأمرني فكتب إليه ليس هذا الحادث الحادث الآخر فكان من المعتز ما كان قال وكتب
إلى رجل آخر يقتل محمد بن داود قبل قتله بعشرة أيام فلما كان في اليوم العاشر قتل.
وعن محمد بن علي بن
إبراهيم بن موسى بن جعفر قال ـ ضاق بنا الأمر فقال لي أبي امض بنا حتى نصير إلى هذا
الرجل يعني أبا محمد فإنه قد وصف عنه سماحة فقلت تعرفه قال ما أعرفه ولا رأيته قط قال
فقصدناه فقال أبي وهو في طريقه ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمسمائة درهم مأتي درهم
للكسوة ومأتي درهم للدقيق ومائة درهم للنفقة وقلت في نفسي ليته أمر لي بثلاثة مائة
درهم مائة أشتري بها حمارا ومائة للنفقة ومائة للكسوة فأخرج إلى الجبل قال فلما وافينا
الباب خرج إلينا غلامه فقال يدخل علي بن إبراهيم ومحمد ابنه فلما دخلنا عليه وسلمنا
قال لأبي يا علي ما خلفك عنا إلى هذا الوقت قال يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال
فلما خرجنا من عنده جاءنا غلامه فناول أبي صرة فيها دراهم وقال هذه خمسمائة درهم مائتان
للكسوة ومائتان للدقيق ومائة للنفقة وأعطاني صرة وقال هذه ثلاثمائة درهم اجعل مائة
في ثمن حمار ومائة للكسوة ومائة للنفقة ولا تخرج إلى الجبل وصر إلى سوراء
قال فصار إلى سوراء
وتزوج امرأة منها فدخله اليوم ألفا دينار ومع هذا يقول بالوقف.
قال محمد بن إبراهيم
الكردي فقلت له ويحك أتريد أمرا أبين من هذا قال فقال صدقت ولكنا على أمر جرينا عليه.
قلت هذا هو التقليد
الذي ذمه الله عز وعلا في شريف كتابه فقال حكاية
__________________
عن الكفار (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا
عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) ولا شبهة أن عذاب هؤلاء
الذين بلغتهم الدعوة ورأوا الأدلة والمعجزات أشد بأضعاف مضاعفة بل لا نسبة لهم إلى
من لم تبلغه الدعوة ولا قامت عليه الحجة وهذا العلوي لو لم يرى أمارة ولا سمع دلالة
كان أحسن حالا منه بعد ذلك و (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ
مَنْ يَشاءُ).
حدث أحمد بن الحرث
القزويني قال ـ كنت مع أبي بسر من رأى وكان أبي يتعاطى البيطرة
في مربط أبي محمد ع
قال وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا وكان يمنع ظهره واللجام وكان قد جمع
عليه الرواض
فلم تكن لهم حيلة في
ركوبه فقال له بعض ندمائه يا أمير المؤمنين ألا تبعث إلى الحسن بن علي ابن الرضا حتى
تجيء فإما أن يركبه وإما أن يقتله قال فبعث إلى أبي محمد ومضى أبي معه فلما دخل أبو
محمد الدار كنت مع أبي فنظر أبو محمد إلى البغل واقفا في صحن الدار فعدا إليه فوضع
يده على كفله قال فنظرت إلى البغل قد عرق حتى سال العرق منه ثم صار إلى المستعين فسلم
عليه فرحب به وقربه وقال يا با محمد ألجم هذا البغل فقال أبو محمد لأبي ألجمه يا غلام
فقال له المستعين ألجمه أنت فوضع أبو محمد طيلسانه وقام فألجمه ثم رجع إلى مجلسه وجلس
قال له يا با محمد أسرجه فقال لأبي يا غلام أسرجه فقال المستعين أسرجه أنت فقام ثانية
فأسرجه ورجع إلى مجلسه فقال له ترى أن تركبه فقال أبو محمد نعم فركبه من غير أن يمتنع
عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله على الهملجة
فمشى أحسن مشى يكون
ثم رجع فنزل فقال له المستعين كيف رأيته قال ما رأيت مثله حسنا وفراهة فقال له المستعين
فإن أمير المؤمنين قد حملك عليه فقال أبو محمد لأبي يا غلام خذه فأخذه أبي فقاده
__________________
وعن أبي هاشم الجعفري
قال شكوت إلى أبي محمد الحسن بن علي ع الحاجة فحك بسوط الأرض فأخرج منها سبيكة نحو
الخمسمائة دينار وقال خذها يا أبا هاشم وأعذرنا.
وعن أبي علي المطهري
أنه كتب إليه من القادسية يعلمه بانصراف الناس عن المضي إلى الحج وأنه يخاف العطش إن
مضى فكتب ع امضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله فمضى من بقي سالمين لم يجدوا عطشا.
وعن علي بن الحسين
بن الفضل اليماني قال نزل بالجعفري من آل جعفر خلق كثير لا قبل له بهم فكتب إلى أبي
محمد ع يشكو ذلك فكتب إليه تكفونهم إن شاء الله قال فخرج إليهم في نفر يسير والقوم
يزيدون على عشرين ألف نفس وهو في أقل من ألف فاستباحهم.
وعن محمد بن إسماعيل
العلوي قال حبس أبو محمد ع عند علي بن أوتامش وكان شديد العداوة لآل محمد ع غليظا على
آل أبي طالب وقيل له افعل به وافعل فما أقام إلا يوما حتى وضع خديه له وكان لا يرفع
بصره إليه إجلالا وإعظاما وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولا فيه.
حدث أبو هاشم الجعفري
قال شكوت إلى أبي محمد ع ضيق الحبس وكلب القيد
فكتب إلي أنت تصلي
الظهر اليوم في منزلك فأخرجت وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال وكان مضيقا فأردت أن
أطلب منه معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت فلما صرت إلى منزلي وجه إلي مائة دينار
وكتب إلي إذا كانت لك حاجة فلا تستحي ولا تحتشم واطلبها فإنك على ما تحب إن شاء الله.
وعن أبي حمزة نصير
الخادم قال سمعت أبا محمد ع غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم وفيهم ترك وروم وصقلابية فتعجبت
من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ولا رآه أحد فكيف هذا
أحدث نفسي بذلك فأقبل علي وقال إن الله جل اسمه بين حجته من سائر خلقه وأعطاه معرفة
كل
__________________
شيء وهو يعرف اللغات
والأسباب والحوادث ولو لا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق.
وقال الحسن بن طريف
اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما إلى أبي محمد ع فكتبت إليه أسأله عن القائم
إذا قام بم يقضي وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس وأردت أن أسأله عن شيء لحمى الربع
فأغفلت ذكر الحمى فجاء بالجواب سألت عن القائم فإذا قام قضى
بين الناس بعلمه كقضاء داود ع لا يسأل البينة وكنت أردت أن تسأل عن حمى الربع فأنسيت
فاكتب في ورقة وعلقه على المحموم (يا نارُ كُونِي بَرْداً
وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) فكتبت ذلك وعلقته على
محموم فبرأ وأفاق.
قال إسماعيل بن محمد
بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العباس قال قعدت لأبي محمد ع على ظهر الطريق
فلما مر بي شكوت إليه الحاجة وحلفت له أنه ليس عندي درهم واحد فما فوقه ولا غداء ولا
عشاء قال فقال تحلف بالله كاذبا وقد دفنت مائتي دينار وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية
أعطه يا غلام ما معك فأعطاني غلامه مائة دينار ثم أقبل علي فقال إنك تحرم الدنانير
التي دفنتها أحوج ما تكون إليها وصدق ع وذلك أني أنفقت ما وصلني به واضطررت ضرورة شديدة
إلى شيء أنفقه وانغلقت علي أبواب الرزق فنبشت عن الدنانير التي كنت دفنتها فلم أجدها
فنظرت فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها وهرب فما قدرت منها على شيء.
قال علي بن زيد بن
علي بن الحسين كان لي فرس وكنت به معجبا أكثر ذكره في المحافل فدخلت على أبي محمد ع
يوما فقال ما فعل فرسك فقلت ها هو على بابك الآن نزلت عنه فقال استبدل به قبل المساء
إن قدرت على مشتر لا تؤخر ذلك ودخل علينا داخل فانقطع الكلام فقمت من مكاني مفكرا ومضيت
إلى منزلي فأخبرت أخي قال لي ما أدري ما أقول في هذا وشححت به ونفست
__________________
على الناس ببيعه وأمسينا
فلما صلينا العتمة جاءني السائس
فقال نفق
فرسك الساعة فاغتممت
وعلمت أنه عنى هذا بذلك القول ثم دخلت على أبي محمد بعد أيام وأنا أقول في نفسي ليته
أخلف علي دابة فلما جلست قال قبل أن أحدث بشيء نعم نخلف عليك يا غلام أعطه برذوني الكميت
ثم قال هذا خير من
فرسك وأوطأ وأطول عمرا.
قال أحمد بن محمد كتبت
إلى أبي محمد ع حين أخذ المهتدي في قتل الموالي يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنك فقد
بلغني أنه يتهددك ويقول والله لأخلينهم عن جديد الأرض فوقع أبو محمد ع بخطه ذاك أقصر
لعمره وعد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس بعد هوان واستخفاف بموته فكان
كما قال.
قال دخل العباسيون
على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمد ع فقالوا له ضيق عليه ولا توسع فقال صالح ما
أصنع به قد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى
أمر عظيم ثم أمر بإحضار الموكلين فقال لهما ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل فقالا
له ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كله لا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا
نظر إلينا أرعدت فرائصنا وأدخلنا ما لا نملكه من أنفسنا فلما سمع العباسيون ذلك انصرفوا
خائبين.
وعن علي بن محمد عن
جماعة من أصحابنا قالوا سلم أبو محمد ع إلى نحرير وكان يضيق عليه ويؤذيه فقالت له امرأته
اتق الله فإنك لا تدري من في بيتك وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت إني أخاف عليك منه
فقال والله لأرمينه للسباع ثم استأذن في ذلك فأذن له فرمى به إليها ولم يشكوا في أكلها
له فنظروا
__________________
إلى الموضع ليعرفوا
الحال فوجدوه ع قائما يصلي وهي حوله فأمر بإخراجه إلى داره والروايات في هذا المعنى
كثيرة وفيما أثبتناه منها كفاية فيما نحوناه إن شاء الله.
وقال باب ذكر وفاة
أبي محمد الحسن بن علي ع وموضع قبره وذكر ولده.
ومرض أبو محمد ع في
أول شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين ومات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر في
السنة المذكورة وله يوم وفاته ثمان وعشرون سنة ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه من
دارهما بسر من رأى وخلف ابنه المنتظر لدولة الحق وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة
الوقت وشدة طلب سلطان الزمان له واجتهاده في البحث عن أمره ولما شاع من مذهب الشيعة
الإمامية فيه وعرف انتظارهم له فلم يظهر ولده ع في حياته ولا عرفه الجمهور بعد وفاته.
وتولى جعفر بن علي
أخو أبي محمد أخذ تركته وسعى في حبس جواري أبي محمد ع واعتقال حلائله وشنع على أصحابه
بانتظارهم وولده وقطعهم بوجوده والقول بإمامته وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشردهم وجرى
على مخلفي أبي محمد ع بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذل
ولم يظفر السلطان منهم بطائل وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد ع واجتهد في القيام عند
الشيعة مقامه ولم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقده فيه فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة
أخيه وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به فلم ينتفع بشيء من ذلك.
ولجعفر أخبار كثيرة
في هذا المعنى رأيت الإضراب عن ذكرها لأسباب لا يحتمل الكتاب شرحها وهي مشهورة عند
الإمامية ومن عرف أخبار الناس من العامة وبالله التوفيق.
قال ابن الخشاب ولد
أبو محمد الحسن بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي
الرضا بن موسى الأمين
بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي
طالب ع في سنة إحدى وثلاثين ومائتين وتوفي في يوم الجمعة وقال بعض الرواة في يوم الأربعاء
لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأول سنة مائتين وستين فكان عمره تسعا وعشرين سنة منها
بعد أبيه خمس سنين وثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما قبره بسر من رأى أمه سوسن.
ومن كتاب الدلائل الحسن
بن علي العسكري ع عن محمد بن عبد الله قال لما أمر سعيد بحمل أبي محمد إلى الكوفة قد
كتب إليه أبو الهيثم جعلت فداك بلغنا خبر قلقنا وبلغ منا فكتب بعد ثلاث يأتيكم الفرج
فقتل المعتز يوم الثالث. قال وفقد له غلام صغير فلم يوجد فأخبر بذلك وقال اطلبوه من
البركة فطلب فوجد في بركة الدار ميتا.
قال وانتهبت خزانة
أبي الحسن بعد ما مضى فأخبر بذلك فأمر بغلق الباب ثم دعا بحرمه وعياله فجعل يقول لواحد
واحد رد كذا وكذا ويخبره بما أخذ فردوا حتى ما فقد شيئا.
حدث هارون بن مسلم
قال ولد لابني أحمد ابن فكتبت إلى أبي محمد وذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته أسأله
أن يسميه ويكنيه وكان محبتي أن أسميه جعفرا وأكنيه بأبي عبد الله فوافاني رسوله في
صبيحة اليوم السابع ومعه كتاب سمه جعفرا وكنه بأبي عبد الله ودعا لي :
وحدثني القاسم الهروي
قال خرج توقيع من أبي محمد إلى بعض بني أسباط قال كتبت إليه أخبره عن اختلاف الموالي
وأسأله إظهار دليل فكتب إلي وإنما خاطب الله عزوجل العاقل وليس أحد يأتي
بآية ويظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد المرسلين فقالوا ساحر وكاهن وكذاب
وهدى الله من اهتدى وغير أن الأدلة يسكن إليها كثير من الناس وذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم ويمنع
فنصمت ولو أحب أن لا يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين يصدعون بالحق في حال الضعف
والقوة وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره وينفذ حكمه
الناس في طبقات شتى
المستبصر على سبيل نجاة متمسك بالحق متعلق بفرع أصل غير شاك ولا مرتاب لا يجد عنه ملجأ
وطبقة لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه ويسكن عند سكونه وطبقة (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) شأنهم الرد على أهل
الحق ودفع الحق بالباطل (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) فدع من ذهب يذهب يمينا
وشمالا فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في أهون السعي وذكرت ما اختلف فيه موالي
فإذا كانت الرفعة والكبر فلا ريب ومن جلس مجالس الحكم فهو أولى بالحكم أحسن رعاية من
استرعيت وإياك والإذاعة وطلب الرئاسة فإنهما يدعوان إلى الهلكة ذكرت شخوصك إلى فارس
فاشخص خار الله لك وتدخل مصر إن شاء الله آمنا واقرأ من تثق به من موالي السلام ومرهم
بتقوى الله العظيم وأداء الأمانة وأعلمهم أن المذيع علينا حرب لنا قال فلما قرأت وتدخل
مصر إن شاء الله آمنا لم أعرف معنى ذلك فقدمت بغداد وعزيمتي الخروج إلى فارس فلم يتهيأ
ذلك فخرجت إلى مصر.
وعن علي بن محمد بن
زياد أنه خرج إليه توقيع أبي محمد فتنة تخصك فكن حلسا من أحلاس بيتك
قال فنابتني نائبة
فزعت منها فكتبت إليه أهي هذه فكتب لا أشد من هذه فطلبت بسبب جعفر بن محمد ونودي على
من أصابني فله مائة ألف درهم.
حدث محمد بن علي السمري
قال دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد ع فيها إني نازلت
الله في هذا الطاغي يعني الزبيري وهو أخذه بعد ثلاث فلما كان في اليوم الثالث فعل به
ما فعل.
وعنه قال كتب إلي أبو
محمد فتنة تظلكم فكونوا على أهبة فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين بني هاشم وكانت لهم
هنة لها شأن فكتبت إليه أهي هذه قال لا ولكن غير هذه فاحترسوا فلما كان بعد أيام كان
من أمر المعتز ما كان
__________________
وعن أبي هاشم الجعفري
قال كنت عند أبي محمد إذ دخل عليه شاب حسن الوجه فقلت في نفسي من هذا فقال أبو محمد
هذا ابن أم غانم صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي وقد جاءني أطبع فيها هات حصاتك فأخرج
حصاة فإذا فيها موضع أملس فطبع فيها بخاتم معه فانطبع قال واسم اليماني مهجع بن سفيان
بن علم ابن أم غانم اليمانية.
قال خرج أبو محمد في
جنازة أبي الحسن وقميصه مشقوق فكتب إليه أبو عون قرابة نجاح بن سلمة من رأيت أو بلغك
من الأئمة شق ثوبه في مثل هذا فكتب إليه أبو محمد يا أحمق وما يدريك ما هذا قد شق موسى
على هارون.
وعن جعفر بن محمد القلانسي
قال كتب محمد أخي إلى أبي محمد وامرأته حامل مقرب أن يدعو الله أن يخلصها ويرزقه ذكرا
ويسميه فكتب يدعو الله بالصلاح ويقول رزقك الله ذكرا سويا ونعم الاسم محمد وعبد الرحمن
فولدت اثنين في بطن أحدهما في رجله زوائد في أصابعه والآخر سوى فسمى واحدا محمدا والآخر
صاحب الزوائد عبد الرحمن.
وعن جعفر بن محمد القلانسي
قال كتبت إلى أبي محمد مع محمد بن عبد الجبار وكان خادما يسأله عن مسائل كثيرة ويسأله
الدعاء لأخ له خرج إلى أرمنية يجلب غنما فورد الجواب بما سأل ولم يذكر أخاه فيه بشيء
فورد الخبر بعد ذلك إن أخاه مات يوم كتب أبو محمد جواب المسائل فعلمنا أنه لم يذكر
لأنه علم بموته.
وعن أبي هاشم الجعفري
قال كنت عند أبي محمد فقال إذا خرج القائم أمر بهدم المنار والمقاصير التي في المساجد
فقلت في نفسي لأي معنى هذا فأقبل علي وقال معنى هذا أنها محدثة مبتدعة لم يبنها نبي
ولا حجة.
وعن داود بن القاسم
الجعفري قال سألت أبا محمد عن قول الله عزوجل (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ
الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ
وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ)
قال كلهم من آل محمد
الظالم لنفسه الذي
__________________
لا يقر بالإمام قال
فدمعت عيني وجعلت أفكر في نفسي في عظم ما أعطى الله آل محمد على محمد وآله السلام فنظر
إلي أبو محمد فقال الأمر أعظم مما حدثتك نفسك من عظيم شأن آل محمد فاحمد الله فقد جعلت
متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم فأبشر يا أبا هاشم فإنك
على خير.
وعن أبي هاشم قال سأل
محمد بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ
وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ)
فقال أبو محمد هل يمحو
الله إلا ما كان وهل يثبت إلا ما لم يكن فقلت في نفسي هذا خلاف ما يقول هشام بن الحكم
لا يعلم الشيء حتى يكون فنظر إلي أبو محمد فقال تعالى الجبار الحاكم العالم بالأشياء
قبل كونها الخالق إذ لا مخلوق والرب إذ لا مربوب والقادر قبل المقدور عليه فقلت أشهد
أنك ولي الله وحجته والقائم بقسطه وأنك على منهاج أمير المؤمنين وعلمه.
وقال أبو هاشم كنت
عند أبي محمد فسأله محمد بن صالح الأرمني عن قول الله (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ
مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قالُوا بَلى شَهِدْنا)
قال أبو محمد ثبتت
المعرفة ونسوا ذلك الموقف وسيذكرونه ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه
قال أبو هاشم
__________________
فجعلت أتعجب في نفسي
من عظيم ما أعطى الله وليه وجزيل ما حمله فأقبل أبو محمد علي فقال الأمر أعجب مما عجبت
منه يا أبا هاشم وأعظم ما ظنك بقوم من عرفهم عرف الله ومن أنكرهم أنكر الله فلا مؤمن
إلا وهو بهم مصدق وبمعرفتهم موقن.
وقال أبو هاشم سمعت
أبا محمد يقول من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل ليتني لم أؤخذ إلا بهذا فقلت في نفسي
إن هذا لهو الدقيق وقد ينبغي للرجل أن يتفقد من نفسه كل شيء فأقبل علي فقال صدقت يا
أبا هاشم ألزم ما حدثتك نفسك فإن الإشراك في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفاء في
الليلة الظلماء ومن دبيب الذر على المسح الأسود.
وعن أبي هاشم قال سمعت
أبا محمد يقول إن في الجنة لبابا يقال له المعروف لا يدخله إلا أهل المعروف فحمدت الله
في نفسي وفرحت بما أتكلفه من حوائج الناس فنظر إلي أبو محمد قال نعم فدم على ما أنت
عليه فإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة جعلك الله منهم يا أبا هاشم
ورحمك.
وعنه قال سمعت أبا
محمد يقول (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ ـ) أقرب إلى اسم الله
الأعظم من سواد العين إلى بياضها.
وعنه قال سأل محمد
بن صالح الأرمني أبا محمد عن قول الله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ
قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ)
فقال أبو محمد له الأمر
من قبل أن يأمر به وله الأمر من بعد أن يأمر بما شاء فقلت في نفسي هذا قول الله (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ
اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)
قال فنظر إلي وتبسم
ثم قال (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ
تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ).
وعن أبي هاشم قال سئل
أبو محمد ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين فقال إن
المرأة ليست عليها جهاد ولا نفقة
__________________
ولا عليها معقلة إنما
ذلك على الرجل فقلت في نفسي قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجاء سأل أبا عبد الله عن
هذه المسألة فأجابه بهذا الجواب فأقبل أبو محمد علي فقال نعم هذه مسألة ابن أبي العوجاء
والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا جرى لآخرنا ما جرى لأولنا وأولنا وآخرنا
في العلم سواء ولرسول الله ع ولأمير المؤمنين فضلهما.
وعنه قال كتب إليه
بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاء فكتب إليه أن ادع بهذا الدعاء ـ يا أسمع السامعين ويا
أبصر المبصرين ويا عز الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا ارحم الراحمين ويا أحكم الحاكمين
صل على محمد وآل محمد وأوسع لي في رزقي ومد لي في عمري وامنن علي برحمتك واجعلني ممن
تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري قال أبو هاشم فقلت في نفسي اللهم اجعلني في حزبك
وفي زمرتك فأقبل علي أبو محمد فقال أنت في حزبه وفي زمرته إذ كنت بالله مؤمنا ولرسوله
مصدقا ولأوليائه عارفا ولهم تابعا فأبشر ثم أبشر.
قال أبو هاشم سمعت
أبا محمد يقول إن لكلام الله فضلا على الكلام كفضل الله على خلقه ولكلامنا فضل على
كلام الناس كفضلنا عليهم.
وعن محمد بن الحسن
بن ميمون قال كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في نفسي أليس قد قال أبو عبد الله الفقر
معنا خير من الغنى مع غيرنا والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا فرجع الجواب إن الله
عزوجل محص أولياءنا إذا تكاثفت
ذنوبهم بالفقر وقد يعفو عن كثير منهم كما حدثتك نفسك الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا
والقتل معنا خير من الحياة مع عدونا ونحن كهف لمن التجأ إلينا ونور لمن استبصر بنا
وعصمة لمن اعتصم بنا من أحبنا كان معنا في السنام الأعلى ومن انحرف عنا فإلى النار.
وعن أبي هاشم قال دخلت
على أبي محمد وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به فجلست وأنسيت ما جئت له
ثم ودعته ونهضت فرمى إلي بخاتم فقال لي
أردت فضة فأعطيناك
خاتما ربحت الفص والكراء
هناك الله يا أبا هاشم
فقلت يا سيدي أشهد أنك ولي الله وإمامي الذي أدين الله بفضله وطاعته فقال يغفر الله
لك يا أبا هاشم.
وعن علي بن عمر النوفلي
قال كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمر علينا جعفر فقلت له جعلت فداك هذا صاحبنا قال
لا صاحبكم الحسن.
وعن الحجاج بن سفيان
العبدي قال خلفت ابني بالبصرة عليلا وكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فكتب رحم الله
ابنك إنه كان مؤمنا قال حجاج فورد علي كتاب من البصرة أن ابني مات في اليوم الذي كتب
إلي أبو محمد بموته وكان ابني شك في الإمامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة.
وعن محمد بن درياب
الرقاشي قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن المشكاة
وأن يدعو الله لامرأتي
وكانت حاملا على رأس ولدها أن يرزقني الله ولدا ذكرا وسألته أن يسميه فرجع الجواب المشكاة
قلب محمد ع ولم يجبني عن امرأتي بشيء وكتب في آخر الكتاب عظم الله أجرك وأخلف عليك
فولدت ولدا ميتا وحملت بعده فولدت غلاما.
قال عمر بن أبي مسلم
كان سميع المسمعي يؤذيني كثيرا ويبلغني عنه ما أكره وكان ملاصقا لداري فكتبت إلى أبي
محمد أسأله الدعاء بالفرج منه فرجع الجواب أبشر بالفرج سريعا وأنت مالك داره فمات بعد
شهر واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته.
عن محمد بن عبد العزيز
البلخي قال أصبحت يوما فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمد قد أقبل من منزله يريد دار
العامة فقلت في نفسي ترى إن صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه يقتلوني فلما
دنا مني أومأ بإصبعه السبابة علي فيه أن اسكت
__________________
ورأيته تلك الليلة
يقول إنما هو الكتمان أو القتل فاتق الله على نفسك.
وحدث محمد بن الأقرع
قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الإمام هل يحتلم وقلت في نفسي بعد ما فصل الكتاب الاحتلام
شيطنة وقد أعاذ الله أولياءه من ذلك فرد الجواب الأئمة حالهم في المنام حالهم في اليقظة
لا يغير النوم منهم شيئا قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان
كما حدثتك نفسك.
وعن أبي بكر قال عرض
علي صديق أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتى فكتبت إلى أبي محمد أشاوره فكتب لا
تدخل في شيء من ذلك ما أغفلك عن الجراد والحشف فوقع الجراد فأفسده وما بقي منه تحشف
وأعاذني الله من ذلك
ببركته.
حدثني الحسن بن ظريف
قال كتبت إلى أبي محمد أسأله ما معنى قول رسول الله ص لأمير المؤمنين ع من كنت مولاه
فهذا مولاه قال أراد بذلك أن يجعله علما يعرف به حزب الله عند الفرقة.
قال وكتبت إلى أبي
محمد وقد تركت التمتع منذ ثلاثين سنة وقد نشطت لذلك وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال
فمال قلبي إليها وكانت عاهرا
لا تمنع يد لامس فكرهتها
ثم قلت قد قال تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال فكتبت إلى أبي محمد أشاوره
في المتعة وقلت أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع فكتب إنما تحيي سنة وتميت بدعة فلا بأس
وإياك وجارتك المعروفة بالعهر وإن حدثتك نفسك أن آبائي قالوا تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها
من حرام إلى حلال فهذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة الخبر فيها
فتركتها ولم أتمتع بها وتمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا فاشتهر بها
حتى علا أمره وصار إلى السلطان وأغرم بسببها مالا نفيسا
__________________
وأعاذني الله من ذلك
ببركة سيدي.
وعن سيف بن الليث قال
خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها وابنا لي آخر شرا منه هو كان وصيي وقيمي على
عيالي وفي ضياعي فكتبت إلى أبي محمد وسألته الدعاء لابني العليل فكتب إلي قد عوفي الصغير
ومات الكبير الذي هو وصيك وقيمك فاحمد الله ولا تجزع فيحبط أجرك فورد علي الكتاب بالخبر
أن ابني الصغير عوفي من علته ومات ابني الكبير يوم ورد علي جواب أبي محمد ع.
وعن محمد بن حمزة السروري
قال كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري وكان لي مواخيا إلى أبي محمد أسأله
أن يدعو لي بالغنى وكنت قد أملقت
فأوصلها وخرج الجواب
على يده أبشر فقد أجلك الله تبارك وتعالى بالغنى مات ابن عمك يحيى بن حمزة وخلف مائة
ألف درهم وهي واردة عليك فاشكر الله وعليك بالاقتصار وإياك والإسراف فإنه من فعل الشيطنة
فورد علي بعد ذلك قادم معه سفاتج من حران وإذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع إلي
أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد فاستغنيت وزال الفقر عني كما قال سيدي فأديت حق الله
في مالي وبردت إخواني وتماسكت بعد ذلك وكنت رجلا مبذرا كما أمرني أبو محمد ع.
وعن محمد بن صالح الخثعمي
قال كتبت إلى أبي محمد أسأله عن البطيخ وكنت به مشعوفا فكتب إلي لا تأكله على الريق
فإنه يولد الفالج وكنت أريد أن أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة
فنسيت حتى نفذ كتابي
إليه فوقع
__________________
صاحب الزنج ليس من
أهل البيت.
محمد بن الربيع الشيباني
قال ناظرت رجلا من الثنوية بالأهواز ثم قدمت سر من رأى وقد علق بقلبي شيء من مقالته
فإني لجالس على باب أحمد بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد من دار العامة يوم الموكب فنظر
إلي وأشار بسبابته أحد أحد فوحده فسقطت مغشيا علي.
وعن علي بن زيد بن
علي بن الحسين بن زيد قال دخلت على أبي محمد وإني لجالس عنده إذ ذكرت منديلا كان معي
فيه خمسون دينارا فقلقت لها فقال أبو محمد ع لا بأس هي مع أخيك محفوظة إن شاء الله
فأتيت منزلي فدفعها إلي أخي
علي بن محمد بن الحسن
قال وافت جماعة من الأهواز من أصحابنا وخرج السلطان إلى صاحب البصرة فخرجنا نريد النظر
إلى أبي محمد ع فنظرنا إليه ماضيا معه وقد قعدنا بين الحائطين بسر من رأى ننتظر رجوعه
فرجع فلما حاذانا وقرب منا وقف ومد يده إلى قلنسوته فأخذها عن رأسه وأمسكها بيده وأمر
يده الأخرى على رأسه وضحك في وجه رجل منا فقال الرجل مبادرا أشهد أنك حجة الله وخيرته
فقلنا يا هذا ما شأنك قال كنت شاكا فيه فقلت في نفسي إن رجع
__________________
وأخذ القلنسوة من رأسه
قلت بإمامته.
وعن أبي سهل البلخي
قال كتب رجل إلى أبي محمد يسأله الدعاء لوالديه وكانت الأم غالية والأب مؤمنا فوقع
رحم الله والدك.
وكتب آخر يسأل الدعاء
لوالديه وكانت الأم مؤمنة والأب ثنويا فوقع رحم الله والدتك والتاء منقوطة بنقطتين
من فوق.
وعن جعفر بن محمد بن
موسى قال كنت قاعدا بالعشي فمر بي وهو راكب وكنت أشتهي الولد شهوة شديدة فقلت في نفسي
ترى أرزق ولدا فقال برأسه أي نعم فقلت ذكرا فقال برأسه لا فولدت لي ابنة.
وحدث أبو يوسف الشاعر
القصير شاعر المتوكل قال ـ ولد لي غلام وكنت مضيقا فكتبت رقاعا إلى جماعة استرفدهم
فرجعت بالخيبة قال قلت أجيء فأطوف حول الدار طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه
صرة سوداء فيها أربع مائة درهم فقال يقول لك سيدي أنفق هذه على المولود بارك الله لك
فيه.
وعن بدل مولاة أبي
محمد قال ـ رأيت عند رأس أبي محمد نورا ساطعا إلى السماء وهو نائم.
حدث أبو القاسم كاتب
راشد قال خرج رجل من العلويين من سر من رأى في أيام أبي محمد إلى الجبل يطلب الفضل
فتلقاه رجل بحلوان فقال من أين أقبلت قال من سر من رأى قال هل تعرف درب كذا وموضع كذا
قال نعم فقال عندك من أخبار الحسن بن علي شيء قال لا قال فما أقدمك الجبل قال طلب الفضل
قال فلك عندي خمسون دينارا فأقبضها وانصرف معي إلى سر من رأى حتى توصلني إلى الحسن
بن علي فقال نعم فأعطاه خمسين دينارا وعاد العلوي معه فوصلا إلى سر من رأى فاستأذنا
على أبي محمد فأذن لهما فدخلا وأبو محمد قاعد في صحن الدار فلما نظر إلى الجبلي قال
له أنت فلان بن فلان قال نعم قال أوصى إليك أبوك وأوصى لنا بوصية فجئت تؤديها ومعك
أربعة آلاف دينار هاتها فقال الرجل نعم فدفع إليه المال ثم نظر إلى العلوي فقال خرجت
إلى الجبل تطلب الفضل فأعطاك هذا الرجل خمسين دينارا فرجعت معه ونحن نعطيك خمسين دينارا
فأعطاه.
وولد أبو محمد الحسن
بن علي في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض يوم الجمعة لثمان خلون من
شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين سنة هذا ما أردت نقله من كتاب
الدلائل.
قال قطب الدين الراوندي
في كتابه روى أحمد بن محمد عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال حججت سنة فدخلت على أبي
محمد بسر من رأى وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال فأردت أن أسأله إلى من أدفعه
فقال قبل أن قلت ذلك ادفع ما معك إلى المبارك خادمي ففعلت وقلت شيعتك بجرجان يقرءون
عليك السلام قال أولست منصرفا بعد فراغك من الحج قلت بلى قال فإنك تصير إلى جرجان من
يومك هذا إلى مائة وتسعين يوما وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال مضين من شهر ربيع الآخر
في أول النهار فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار فامض راشدا فإن الله سيسلمك
ويسلم ما معك فتقدم على أهلك وولدك ويولد لولدك الشريف ابن فسمه الصلت وسيبلغ ويكون
من أوليائنا فقلت يا ابن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجلختي وهو من شيعتك كثير
المعروف إلى أوليائك يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم وهو أحد المبتلين
في نعم الله بجرجان فقال شكرا لله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه إلى شيعتنا
وغفر له ذنوبه ورزقه ذكرا سويا قائلا بالحق فقل له يقول لك الحسن بن علي سم ابنك أحمد
فانصرفت من عنده وحججت وسلمني الله حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة أول النهار لثلاث
ليال مضين من شهر ربيع الآخر على ما ذكر ع وجاءني أصحابي يهنئوني فأعلمتهم أن الإمام
وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهبوا لما تحتاجون إليه وأعدوا مسائلكم وحوائجكم
كلها فلما صلوا الظهر والعصر اجتمعوا كلهم في داري فو الله ما شعرنا إلا وقد وافى أبو
محمد ع فدخل ونحن مجتمعون فسلم هو أولا علينا فاستقبلناه وقبلنا يده ثم قال إني كنت
وعدت جعفر بن الشريف أن أوافيكم آخر هذا اليوم فصليت الظهر والعصر بسر من رأى وصرت
إليكم لأجدد بكم عهدا وها أنا قد جئتكم الآن فاجمعوا مسائلكم و
حوائجكم كلها فأول
من انتدب لمسألته النضر بن جابر فقال يا ابن رسول الله إن ابني جابرا أصيب ببصره فادع
الله أن يرد عينيه قال فهاته فجاء به فمسح يده على عينيه فعاد بصره ثم تقدم رجل فرجل
يسألونه حوائجهم فأجابهم إلى كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع ودعا لهم بخير وانصرف
من يومه ذلك.
ومنها ما روي عن علي
بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين قال صحبت أبا محمد في دار العامة
إلى منزله فلما صار إلى داره وأردت الانصراف قال أمهل ودخل فأذن لي فدخلت فأعطاني مائة
دينار وقال صيرها في ثمن جارية فإن جاريتك فلانة ماتت وكنت خرجت من المنزل وعهدي بها
أنشط ما كانت فمضيت فقال الغلام ماتت جاريتك فلانة الساعة قلت ما حالها قال شربت ماء
فشرقت فماتت.
وعن علي بن زيد قال
اعتل ابني أحمد فكتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء فخرج توقيعه أما علم علي أن (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) فمات الابن.
ومنها ما روي عن المحمودي
قال كتبت إلى أبي محمد أسأله الدعاء أن أرزق ولدا فوقع رزقك الله ولدا وأجرا فولد لي
ابن ومات.
وعن محمد بن علي بن
إبراهيم الهمداني قال كتبت إلى أبي محمد أسأله أن يدعو الله أن أرزق ولدا ذكرا من ابنة
عمي فوقع رزقك الله ذكرانا فولد لي أربعة.
ومنها ما روي عن عمر
بن محمد بن زياد الصيمري قال دخلت على أبي أحمد عبد الله بن طاهر وبين يديه رقعة أبي
محمد ع وفيها إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين وهو آخذه بعد ثلاث فلما كان
اليوم الثالث خلع وكان من أمره ما كان.
ومنها ما قال يحيى
بن المرزبان التقيت رجلا من أهل السيب سيماه الخير وأخبرني أنه كان له ابن عم ينازعه
في الإمامة والقول في أبي محمد وغيره فقلت لا أقول به أو أرى علامة فوردت العسكر في
حاجة فأقبل أبو محمد فقلت في نفسي متعنتا إن مد يده إلى رأسه فكشفه ثم نظر إلي ورده
قلت به فلما حاذاني مد يده
إلى رأسه فكشفه ثم
برق عينيه في ثم ردها ثم قال يا يحيى ما فعل ابن عمك الذي تنازعه في الإمامة فقلت خلفته
صالحا فقال لا تنازعه ومضى.
ومنها ما روي عن أبي الفرات
قال كان لي على ابن عم لي عشرة آلاف درهم فطالبته بها مرارا فمنعنيها فكتبت إلى أبي
محمد أسأله الدعاء فكتب إلي أنه راد عليك مالك وهو ميت بعد جمعة قال فرد ابن عمي علي
مالي فقلت له ما بدا لك في رده وقد منعتنيه قال رأيت أبا محمد في المنام فقال إن أجلك
قد دنا فرد على ابن عمك ماله.
ومنها ما روي عن علي بن الحسن
بن سابور قال قحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير فأمر المتوكل بالخروج إلى الاستسقاء
فخرجوا ثلاثة أيام يستسقون ويدعون فما سقوا فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء
ومعه النصارى والرهبان فكان فيهم راهب فلما مد يده هطلت السماء بالمطر وخرجوا اليوم
الثاني فهطلت السماء فشك أكثر الناس وتعجبوا وصبوا إلى دين النصرانية
فأنفذ المتوكل إلى
الحسن وكان محبوسا فأخرجه من حبسه وقال ألحق أمة جدك فقد هلكت فقال إني خارج من الغد
ومزيل الشك إن شاء الله فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه وخرج الحسن ع في
نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مد يده أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى
ويأخذ ما بين إصبعيه ففعل وأخذ منه عظما أسود فأخذه الحسن بيده وقال استسق الآن فاستسقى
وكانت السماء مغيمة فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء فقال المتوكل ما هذا العظم يا با محمد
فقال ع هذا الرجل عبر بقبر نبي من أنبياء الله فوقع في يده هذا العظم وما كشف عن عظم
نبي إلا هطلت السماء بالمطر.
ومنها ما روي عن أحمد بن
محمد بن مطهر قال كتب بعض أصحابنا من أهل الجبل إلى أبي محمد يسأله عمن وقف على أبي
الحسن موسى أتولاهم أم أتبرأ منهم فكتب إليه لا تترحم على عمك لا رحم الله عمك وتبرأ
منه أنا إلى الله منه بريء
__________________
فلا تتولهم ولا تعد
مرضاهم ولا تشهد جنائزهم (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ
مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) من جحد إماما من الله
أو أزاد إماما ليست إمامته من الله كان كمن قال (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) إن الجاحد أمر آخرنا
جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا وكان السائل لا يعلم أن عمه منهم
فأعلمه ذلك آخر ما نقلته من كتاب الراوندي.
وقال الطبرسي في كتابه
إعلام الورى الباب العاشر في ذكر الإمام الزكي أبي محمد الحسن بن علي ع وفيه أربعة
فصول.
الفصل الأول في تاريخ
مولده ومبلغ سنه ووقت وفاته ع كان مولده بالمدينة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر
ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض بسر من رأى لثمان خلون من شهر ربيع الأول
سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون سنة وأمه أم ولد يقال لها حديث وكانت مدة خلافته
ست سنين ولقبه الهادي والسراج والعسكري وكان هو ع وأبوه وجده يعرف كل منهم في زمانه
بابن الرضا وكانت في سني إمامته بقية ملك المعتز أشهر ثم ملك المهتدي أحد عشر شهرا
وثمانية وعشرين يوما ثم ملك أحمد المعتمد على الله ابن جعفر المتوكل عشرين سنة وأحد
عشر شهرا وبعد مضي خمس سنين من ملكه قبض الله أبا محمد ع ودفن في داره بسر من رأى في
البيت الذي دفن فيه أبوه ع وذهب كثير من أصحابنا إلى أنه ع مضى مسموما وكذلك أبوه وجده
وجميع الأئمة ع خرجوا من الدنيا بالشهادة واستدلوا على ذلك. بما روي عن الصادق ع والله
ما منا إلا مقتول أو شهيد والله أعلم بحقيقة ذلك.
قلت قد تقدم قبل هذا
أنه ع كتب أني نازلت الله في هذا الطاغي يعني المستعين والطبرسي لم يعد المستعين من
الخلفاء الذين كانوا في زمانه ع وكان هذا وأمثاله من غلط الرواة والنساخ فإن المستعين
بويع له في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان وأربعين ومائتين وكانت مدة ملكه ثلاث سنين وتسعة
أشهر وقيل ثمانية أشهر فلا يكون ملكه في أيام إمامة أبي محمد ع فكيف ينازل الله فيه
فإما أن يكون غير المستعين أو يكون المنازل أبو الحسن أبوه ع وللتحقيق حكم.
الفصل الثاني في ذكر
النصوص الدالة على إمامته ع يدل على إمامته بعد طريقي الاعتبار والتواتر اللذين ذكرناهما
في إمامة من تقدمه من آبائه ع وذكر النصوص التي تقدم ذكرها من تعيين أبيه عليه ع.
الفصل الثالث في ذكر
طرف من آياته ومعجزاته ع.
قلت أذكر من هذا الفصل
ما لم أكن ذكرته فيما تقدم. : فمن ذلك ما قال أبو هاشم الجعفري كنت عند أبي محمد ع
فاستؤذن لرجل من أهل اليمن فدخل رجل جميل طويل جسيم فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول
وأمره بالجلوس فجلس إلى جنبي فقلت في نفسي ليت شعري من هذا فقال أبو محمد هذا من ولد
الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي فيها ثم قال هاتها فأخرج حصاة في جانب منها
موضع أملس فأخذها وأخرج خاتمه وطبعها فانطبع وكأني أقرأ الخاتم الساعة الحسن بن علي
فقلت لليماني ما رأيته قط قبل هذا فقال لا والله وإني منذ دهر حريص على رؤيته حتى كان
الساعة أتاني شاب لست أراه فقال قم فادخل فدخلت ثم نهض وهو يقول (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ
أَهْلَ الْبَيْتِ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ) أشهد أن حقك لواجب
كوجوب حق أمير المؤمنين والأئمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وإليك انتهت الحكمة
والإمامة وأنك والله لا عذر لأحد في الجهل به فسألت عن اسمه فقال اسمي مهجع بن الصلت
بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن أم غانم الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي ختم بها
أمير المؤمنين.
وقال أبو هاشم الجعفري
في ذلك
بدرب الحصى مولى
لنا يختم الحصى
|
|
له الله أصفى بالدليل
وأخلصا
|
وأعطاه آيات الإمامة
كلها
|
|
كموسى وفلق البحر
واليد والعصا
|
وما قمص الله النبيين
حجة
|
|
ومعجزة إلا الوصيين
قمصا
|
فمن كان مرتابا بذاك
فقصره
|
|
من الأمر أن يتلو
الدليل ويفحصا
|
قال أبو عبد الله بن
عياش هذه أم غانم صاحبة الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة وهي أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية
الأسدية والثالثة التي طبع فيها رسول الله
ص وأمير المؤمنين ع
فهي أم سليم وكانت وارثة الكتب ولكل واحدة منهم خبر قد رويته ولم أطل الكتاب بذكره.
قلت وإنما ذكرت هذه
لأنه أتم مما تقدم.
وحدث أبو هاشم داود
بن القاسم الجعفري قال كنت في الحبس المعروف بحبس حسيس
في الجوسق الأحمر أنا
والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان إذ دخل علينا أبو محمد
الحسن وأخوه جعفر فخففنا له
وكان المتولي لحبسه
صالح بن وصيف وكان معنا في الحبس رجل جمحي يقول إنه علوي قال فالتفت أبو محمد فقال
لو لا أن فيكم من ليس منكم لأعلمتكم متى يفرج عنكم وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج فقال
أبو محمد هذا ليس منكم فاحذروه فإن في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره فيها بما
تقولون فيه فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة وكان الحسن ع يصوم
فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله غلامه إليه في جونة مختومة
وكنت أصوم معه فلما
كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة
وما شعر والله به أحد
ثم جئت فجلست معه فقال لغلامه أطعم أبا هاشم شيئا فإنه مفطر فتبسمت فقال ما يضحك يا
أبا هاشم إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه فقلت صدق الله ورسوله وأنتم
فقال لي أفطر ثلاثا فإن المنة لا ترجع
إذا نهكها الصوم في
أقل من ثلاث فلما كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرج عنه
__________________
جاءه الغلام فقال يا
سيدي أحمل فطورك فقال احمل وما أحسب أنا نأكل منه فحمل الغلام الطعام للظهر وأطلق عنه
عند العصر وهو صائم وقال كلوا هنأكم الله.
قال وكان مرضه الذي
توفي فيه في أول شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين وتوفي ع يوم الجمعة لثمان خلون من
هذا الشهر وخلف ولده الحجة القائم المنتظر لدولة الحق وكان قد أخفى مولده لشدة طلب
السلطان له واجتهاده في البحث عنه وعن أمره فلم يره إلا الخواص من شيعته على ما نذكره
بعد وتولى أخوه جعفر أخذ تركته وسعى إلى السلطان بمخلفيه كما تقدم فيما أورده الشيخ
المفيد رحمهالله تعالى.
قلت مناقب سيدنا أبي
محمد الحسن بن علي العسكري دالة على أنه السري بن السري فلا يشك في إمامته أحد ولا
تمتري واعلم أنه متى بيعت مكرمة أو اشتريت فسواه بايعها وهو المشتري يضرب في السورة
والفخار بالقداح الفائزة وإذا أجيز كريم للشرف والمجد فاز بالجائزة واحد زمانه غير
مدافع ونسيج وحده غير منازع وسيد أهل عصره وإمام أهل دهره فالسعيد من وقف عند نهيه
وأمره فله العلاء الذي علا على النجوم الزاهرة والمحتد الذي قرع العظماء عند المنافرة
والمفاخرة والمنصب الذي ملك به معادتي الدنيا والآخرة فمن الذي يرجو اللحاق بهذه الخلال
الفاخرة والمزايا الظاهرة والأخلاق الشريفة الطاهرة أقواله سديدة وأفعاله رشيدة وسيرته
حميدة وعهوده في ذات الله وكيدة فالخيرات منه قريبة والشرور عنه بعيدة إذا كان أفاضل
زمنه قصيدة كان ع بيت القصيدة وإن انتظموا عقدا كان مكان الواسعة والفريدة وهذه عادة
قد سلكها الأوائل وجرى على منهاجها الأفاضل وإلا كيف تقاس النجوم بالجنادل وأين فصاحة
قس من فهاهة باقل فارس العلوم الذي لا يجارى ومبين غامضها فلا يجادل ولا يماري كاشف
الحقائق بنظره الصائب مطهر الدقائق بفكره الثاقب المطلع بتوقيف الله على أسرار الكائنات
المخبر بتوفيق الله عن الغائبات المحدث في سره
بما مضى وبما هو آت
الملهم في خاطره بالأمور الخفيات الكريم الأصل والنفس والذات صاحب الدلائل والآيات
والمعجزات مالك أزمة الكشف والنظر مفسر الآيات مقرر الخبر وارث السادة الخير ابن الأئمة
أبو المنتظر فانظر إلى الفرع والأصل وجدد النظر واقطع بأنهما ع أضوأ من الشمس وأبهى
من القمر وإذا تبين زكاء الأغصان تبين طيب الثمر فأخبارهم ونعوتهم ع عيون التواريخ
وعنوان السير.
شرف تتابع كابر عن
كابر
|
|
كالرمح أنبوبا على
أنبوب
|
ووالله أقسم قسما برا
أن من عد محمدا جدا وعليا أبا وفاطمة أما والأئمة آباء والمهدي ولدا لجدير أن يطول
السماء علاء وشرفا والأملاك سلفا وذاتا وخلفا والذي ذكرته من صفاته دون مقداره فكيف
لي باستقصاء نعوته وأخباره ولساني قصير وطرف بلاغتي حسير فلهذا يرجع عن شأو صفاته كليلا
ويتضاءل لعجزه وقصوره وما كان عاجزا ولا ضئيلا وذنبه أنه وجد مكان القول ذا سعة فما
كان قئولا ورأى سبيل الشرف واضحا وما وجد إلى حقيقة مدحه سبيلا فقهقر وكان من شأنه
الإقدام وأحجم مقرا بالقصور وما عرف منه الإحجام ولكن قوي الإنسان لها مقادير تنتهي
إليها وحدود تقف عندها وغايات لا تتعداها يفنى الزمان ولا يحيط بوصفهم أيحيط ما يفنى
بما لا ينفد وقد نظمت على العادة شعرا في مدحه غرضي فيه ما قدمته في مدح آبائه ع ولأخلد
لي ذكرا مع ذكرهم على بقايا الأيام وهو
يا راكبا يسري على
جسرة
|
|
قد غبرت في أوجه
الضمر
|
عرج بسامراء والثم
ثرى
|
|
أرض الإمام الحسن
العسكري
|
عرج على من جده صاعد
|
|
ومجده عال على المشتري
|
على الإمام الطاهر
المجتبى
|
|
على الكريم الطيب
العنصر
|
على ولي الله في
عصره
|
|
وابن خيار الله في
الأعصر
|
على كريم صوب معروفه
|
|
يربى على صوب الحيا
الممطر
|
على إمام عدل أحكامه
|
|
يسلط العرف على المنكر
|
وبلغا عن عبد آلاءه
|
|
تحية أزكى من العنبر
|
وقل سلام الله وقف
على
|
|
ذاك الجناب الممرع
الأخضر
|
دار بحمد الله قد
أسست
|
|
على التقى والشرف
الأظهر
|
من جنة الخلد ثرى
أرضها
|
|
وماؤها من نهر الكوثر
|
حل بها شخصان من
دوحة
|
|
أغصانها طيبة المكسر
|
العسكريان هما ما
هما
|
|
فطول التقريض أو
قصر
|
غصنا علاء قمرا سدقة
|
|
شمسا نهار فارسا
منبر
|
من معشر فاقوا جميع
الورى
|
|
جلاله ناهيك من معشر
|
هم الأولى شادوا
بناء العلى
|
|
بالأبيض الباتر والأسمر
|
هم الأولى لولاهم
في الورى
|
|
لم يعرف الحق ولم
ينكر
|
هم الأولى لولاهم
في الورى
|
|
لم يؤمن العبد ولم
يكفر
|
هم الأولى سنوا لنا
منهجا
|
|
بواضح من سعيهم نير
|
هم الأولى دلوا على
مذهب
|
|
مثل الصباح الواضح
المسفر
|
فاتضح الحق لوراده
|
|
ولاح قصد الطالب
المبصر
|
أخلاقهم أنى أتى
سائل
|
|
مثل الربيع اليانع
المزهر
|
يا سادتي إن ولائي
لكم
|
|
من خير ما قدمت للمحشر
|
أرجو بكم نيل الأماني
غدا
|
|
في مبعثي والأمن
في مقبري
|
فأنتم قصدي وحبي
لكم
|
|
تجارتي والربح في
متجري
|
والحمد لله على أنه
|
|
وفقني للفرض الأكبر
|
ذكر الإمام الثاني عشر
وهو مولانا الإمام المنتظر الخلف الحجة صاحب الزمان محمد
بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي
الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن
علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب
صلوات الله عليهم أجمعين
إذا ما وصل الجمع
إلى أخبار مولانا
|
|
فما أجدرنا بالشكر
لله وأولانا
|
إمام نتولاه فطوبى
لو تولانا
|
|
رآنا الله في عطل
وبالمهدي خلانا
|
وأولانا به لطفا
وتأييدا وإحسانا
|
|
ونرجو أننا نلقاه
في الدنيا ويلقانا
|
عسى
يروى به قلب به ما زال ظمآنا
|
قال الشيخ كمال الدين
بن طلحة رحمهالله الباب الثاني عشر في
أبي القاسم محمد الحجة بن الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع بن علي الرضا
عليهمالسلام والتحية
فهذا الخلف الحجة
قد أيده الله
|
|
هداه منهج الحق وآتاه
سجاياه
|
وأعلى في ذرى العليا
بالتأييد مرقاه
|
|
وآتاه حلي فضل عظيم
فتحلاه
|
وقد قال رسول الله
قولا قد رويناه
|
|
وذوا العلم بما قال
إذا أدرك معناه
|
ترى الأخبار في المهدي
جاءت بمسماه
|
|
وقد أبداه بالنسبة
والوصف وسماه
|
ويكفي قوله مني لإشراق
محياه
|
|
ومن بضعته الزهراء
مجراه ومرساه
|
ولن يبلغ ما أوتيه
أمثال وأشباه
|
|
فإن قالوا هو المهدي
ما ماتوا بما فاهوا
|
قد وقع من النبوة في
أكناف عناصرها ووضع من الرسالة أخلاف أواصرها ونزع من القرابة بسجال معاصرها وبرع في
صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها واقتنى من الأنساب شرف نصابها واعتلى عند الانتساب
على شرف أحسابها واجتنى جنى الهداية من معادنها وأسبابها فهو من ولد الطهر البتول المجزوم
بكونها بضعة من الرسول فالرسالة أصله وأنها لأشرف العناصر والأصول.
فأما مولده بسر من رأى في ثالث عشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين
للهجرة
. وأما نسبه أبا وأما فأبوه أبو محمد الحسن الخالص بن علي المتوكل بن محمد القانع
بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن
الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا.
وأمه أم ولد تسمى صقيل(٢) وقيل حكيمة وقيل غير ذلك.
وأما اسمه فمحمد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجة والخلف الصالح وقيل المنتظر.
وأما ما ورد عن النبي ص في المهدي من الأحاديث
الصحيحة فمنها ما نقله الإمامان
أبو داود والترمذي رضي الله عنهما كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ص يقول المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف
يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما ويملك سبع سنين.
ومنها ما أخرجه أبو
داود بسنده في صحيحه يرفعه إلى علي بن أبي طالب ع قال قال رسول الله ص لو لم يبق من
الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي
__________________
يملأها عدلا كما ملئت
جورا.
ومنها ما رواه أيضا
أبو داود رحمهالله يرفعه بسنده في صحيحه
إلى أم سلمة زوج النبي ص ورضي عنها قالت سمعت رسول الله ص يقول المهدي من عترتي من
ولد فاطمة.
ومنها ما رواه القاضي
أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي رضي الله عنه في كتابه المسمى بشرح السنة وأخرجه الإمامان
البخاري ومسلم رضي الله عنهما كل واحد منهما بسنده في صحيحه يرفعه إلى أبي هريرة رضي
الله عنه قال قال رسول الله ص كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
ومنها ما أخرجه أبو
داود والترمذي رضي الله عنهما بسندهما في صحيحيهما يرفعه كل واحد منهما بسنده إلى عبد
الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد
لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلا مني أو من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي واسم أبيه
اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
وفي رواية أخرى أن
النبي ص قال يلي رجل من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي.
هذه الروايات عن أبي
داود والترمذي رضي الله عنهما.
ومنها ما نقله الإمام
أحمد بن إسحاق بن محمد الثعلبي رضي الله عنه في تفسيره يرفعه بسنده إلى أنس بن مالك
قال قال رسول الله ص نحن ولد عبد المطلب سادة الجنة أنا وحمزة وجعفر وعلي والحسن والحسين
والمهدي.
فإن قال معترض هذه
الأحاديث النبوية الكثيرة بتعدادها المصرحة بجملتها وأفرادها متفق على صحة أسنادها
ومجمع على نقلها عن رسول الله ص وإيرادها وهي صحيحة صريحة في كون المهدي ع من ولد فاطمة
ع وأنه من رسول الله ص ومن عترته وأهل بيته وأن اسمه يواطي اسمه وأنه يملأ الأرض قسطا
وعدلا وأنه من ولد عبد المطلب وأنه من سادات الجنة وذلك مما لا نزاع فيه غير
أن ذلك لا يدل على
أن المهدي الموصوف بما ذكره ص من الصفات والعلامات هو هذا أبو القاسم محمد بن الحسن
الحجة الخلف الصالح ع فإن ولد فاطمة ع كثيرون وكل من يولد من ذريتها إلى يوم القيامة
يصدق عليه أنه من ولد فاطمة وأنه من العترة الطاهرة وأنه من أهل البيت ع فتحتاجون مع
هذه الأحاديث المذكورة إلى زيادة دليل يدل على أن المهدي المراد هو الحجة المذكور ليتم
مرامكم.
فجوابه أن رسول الله
ص لما وصف المهدي ع بصفات متعددة من ذكر نسبه واسمه ومرجعه إلى فاطمة ع وإلى عبد المطلب
وأنه أجلى الجبهة أقنى الأنف وعدد الأوصاف الكثيرة التي جمعتها الأحاديث الصحيحة المذكورة
آنفا وجعلها علامة ودلالة على أن الشخص الذي يسمى بالمهدي ويثبت له الأحكام المذكورة
هو الشخص الذي اجتمعت تلك الصفات فيه ثم وجدنا تلك الصفات المجعولة علامة ودلالة مجتمعة
في أبي القاسم محمد الخلف الصالح دون غيره فيلزم القول بثبوت تلك الأحكام له وأنه صاحبها
وإلا فلو جاز وجود ما هو علامة ودليل ولا يثبت ما هو مدلوله قدح ذلك في نصبها علامة
ودلالة من رسول الله ص وذلك ممتنع.
فإن
قال المعترض لا يتم العمل بالدلالة
والعلامة إلا بعد العلم باختصاص من وجدت فيه بها دون غيره وتعيينه لها فأما إذا لم
يعلم تخصصه وانفراده بها فلا يحكم له بالدلالة ونحن نسلم أنه من زمن رسول الله ص إلى
ولادة الخلف الصالح الحجة ع ما وجد من ولد فاطمة ع شخص جمع تلك الصفات التي هي الدلالة
والعلامة لكن وقت بعثة المهدي وظهوره وولادته هو في آخر أوقات الدنيا عند ظهور الدجال
ونزول عيسى ابن مريم ص وذلك سيأتي بعد مدة مديدة ومن الآن إلى ذلك الوقت المتراخي الممتد
أزمان متجددة وفي العترة الطاهرة من سلالة فاطمة ع كثيرة يتعاقبون ويتوالدون إلى ذلك
الإبان فيجوز أن يولد من السلالة الطاهرة والعترة النبوية من يجمع تلك الصفات فيكون
هو
المهدي المشار إليه
في الأحاديث المذكورة ومع هذا الاحتمال والإمكان كيف يبقى دليلكم مختصا بالحجة المذكور
ع.
فالجواب أنكم إذا اعترفتم أنه
إلى وقت ولادة الخلف الصالح وإلى زماننا هذا لم يوجد من جمع تلك الصفات والعلامات بأسرها
سواه فيكفي ذلك في ثبوت تلك الأحكام له عملا بالدلالة الموجودة في حقه وما ذكرتموه
من احتمال أن يتجدد مستقبلا في العترة الطاهرة من يكون بتلك الصفات لا يكون قادحا في
أعمال الدلالة ولا مانعا من ترتب حكمها عليها فإن دلالة الدليل راجحة لظهورها واحتمال
تجدد ما يعارضها مرجوح ولا يجوز ترك الراجح بالمرجوح فإنه لو جوزنا ذلك لامتنع العمل
بأكثر الأدلة المثبتة للأحكام إذ ما من دليل إلا واحتمال تجدد ما يعارضه متطرق إليه
ولم يمنع ذلك من العمل به وفاقا.
والذي يوضح ذلك ويؤكده
أن رسول الله ص فيما أورده الإمام مسلم بن الحجاج رضي الله عنه في صحيحه يرفعه بسنده
قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يأتي عليك من أمداد أهل اليمن أويس بن عامر بن مراد
ثم من قرن كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم له والدة هو بها بر لو أقسم على الله
لأبر قسمه فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فالنبي ص ذكر اسمه ونسبه وصفته وجعل ذلك علامة
ودلالة على أن المسمى بذلك الاسم المتصف بتلك الصفات لو أقسم على الله لأبر قسمه وأنه
أهل لطلب الاستغفار منه وهذه منزلة عالية ومقام عند الله تعالى عظيم ولم يزل عمر رضي
الله عنه بعد وفاة النبي ص وبعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه يسأل أمداد أهل اليمن عن
الموصوف بذلك حتى قدم وفد من اليمن فسألهم فأخبر بشخص متصف بذلك فلم يتوقف عمر رضي
الله عنه في العمل بتلك العلامة والدلالة التي ذكرها رسول الله ص بل بادر إلى العمل
بها واجتمع به وسأله الاستغفار وجزم بأنه المشار إليه بالحديث النبوي لما علم تلك الصفات
فيه مع وجود احتمال أن يتجدد في وفود اليمن مستقبلا من يكون بتلك الصفات فإن قبيلة
مراد كثيرة والتولد فيها كثير وعين ما ذكرتموه من الاحتمال موجود.
وكذلك قضية الخوارج
الذين وصفهم رسول الله ص بصفات ورتب عليها حكمهم ثم بعد ذلك لما وجد علي ع تلك الصفات
موجودة في أولئك في واقعة حرورا والنهروان جزم بأنهم هم المرادون بالحديث النبوي وقاتلهم
وقتلهم فعمل بالدلالة عند وجود الصفة مع احتمال أن يكون المرادون غيرهم وأمثال هذه
الدلالة والعمل بها مع قيام الاحتمال كثيرة فعلم أن الدلالة الراجحة لا تترك لاحتمال
المرجوح نزيده بيانا وتقريرا فنقول بثبوت الحكم عند وجود العلامة والدلالة لمن وجدت
فيه أمر يتعين العمل به والمصير إليه فمن تركه وقال بأن صاحب الصفات المراد بإثبات
الحكم ليس هو هذا بل شخص غيره سيأتي وقد عدل عن النهج القويم ووقف نفسه موقف اللئيم
ويدل على ذلك أن الله عز وعلا لما أنزل في التوراة على موسى ص أنه يبعث النبي العربي
في آخر الزمان خاتم الأنبياء ونعته بأوصافه وجعلها علامة ودلالة على إثبات حكم النبوة
وصار قوم موسى ص يذكرونه بصفاته ويعلمون أنه يبعث فلما قرب زمان ظهوره وبعثه صاروا
يهددون المشركين به ويقولون سيظهر الآن نبي نعته كذا وصفته كذا نستعين به على قتالكم
فلما بعث ص وجدوا العلامات والصفات بأسرها التي جعلت دلالة على نبوته أنكروه وقالوا
ليس هو هذا بل هو غيره وسيأتي فلما جنحوا إلى الاحتمال وأعرضوا عن العمل بالدلالة الموجودة
في الحال أنكر الله تعالى عليهم كونهم تركوا العمل بالدلالة التي ذكرها لهم في التوراة
وجنحوا إلى الاحتمال.
وهذه القصة من أكبر
الأدلة وأقوى الحجج على أنه يتعين العمل بالدلالة عند وجودها وإثبات الحكم لمن وجدت
تلك الدلالة فيه فإذا كانت الصفات التي هي علامة ودلالة لثبوت تلك الأحكام المذكورة
موجودة في الحجة الخلف الصالح محمد ع تعين إثبات كونه المهدي المشار إليه من غير جنوح
إلى الاحتمال بتجدد غيره في الاستقبال.
فإذا
قال المعترض نسلم لكم أن الصفات
المجعولة علامة ودلالة إذا وجدت تعين العمل بها ولزم إثبات مدلولها لمن وجدت فيه لكن
نمنع وجود تلك العلامة والدلالة في الخلف الصالح محمد ع فإن من جملة الصفات المجعولة
علامة ودلالة
أن يكون اسم أبيه مواطئا
لاسم أبي النبي ص هكذا صرح به الحديث النبوي على ما أوردتموه وهذه الصفة لم توجد فيه
فإن اسم أبيه الحسن واسم أب النبي ص عبد الله وأين الحسن من عبد الله فلم توجد هذه
الصفة التي هي جزء من العلامة والدلالة فإذا لم يثبت جزء العلة فلا يثبت حكمها إذ النبي
ص لم يجعل تلك الأحكام ثابتة إلا لمن اجتمعت تلك الصفات كلها له التي جزءها مواطاة
اسمي الأبوين في حقه وهذه لم تجتمع في الحجة الخلف الصالح فلا يثبت تلك الأحكام له
وهذا إشكال قوي.
فالجواب لا بد قبل الشروع في
تفصيل الجواب من بيان أمرين يبنى عليهما الغرض.
فالأول أنه سائغ شائع في لسان
العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال الله (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ)
وقال تعالى حكاية عن
يوسف ع (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ
آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ)
ونطق ص بذلك النبي
ص وحكاه عن جبرئيل ع في حديث الإسراء أنه قال قلت من هذا قال أبوك إبراهيم فعلم أن
لفظة أب تطلق على الجد وإن علا فهذا أحد الأمرين.
الأمر الثاني أن لفظة
الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في
الأحاديث حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم رضي الله عنهما كل واحد منهما يرفع ذلك
بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أنه قال عن علي ع والله إن رسول الله ص
سماه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحب إليه منه فأطلق لفظة الاسم على الكنية ومثل ذلك.
قول الشاعر
أجل قدرك أن تسمى
مؤننة
|
|
ومن كناك فقد سماك
للعرب
|
ـ ويروى ومن يصفك فأطلق
التسمية على الكناية أو الصفة وهذا شائع ذائع في
__________________
كلام العرب فإذا وضح
ما ذكرنا من الأمرين فاعلم أيدك الله بتوفيقه أن النبي ص كان له سبطان أبو محمد الحسن
وأبو عبد الله الحسين ع ولما كان الحجة الخلف الصالح ع من ولد أبي عبد الله وكانت كنية
الحسين أبا عبد الله فأطلق النبي ص على الكنية لفظة الاسم لأجل المقابلة بالاسم في
حق أبيه وأطلق على الجد لفظة الأب فكأنه ع قال يواطئ اسمه اسمي فأنا محمد وهو محمد
وكنية جده اسم أبي إذ هو أبو عبد الله وأبي عبد الله لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة
لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبد الله الحسين بطريق جامع موجز فحينئذ تنتظم
الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمد ع وهذا بيان شاف كاف في إزالة
ذلك الإشكال فافهمه.
قلت رحم الله الشيخ
كمال الدين وأثابه الجنة بحثه أولا مع قوم يشاهدون الإمام ع فينكرونه ويدفعون العلائم
والدلالات التي وصف بها ولا يحتاج إلى البحث مع هؤلاء فإنهم إذا رأوه وشاهدوه كان هو
ع قيما بإثبات حجته دالا لهم على اقتفاء محجته وإنما البحث معهم في بقائه ووجوده ع
فإنهم مجمعون أو أكثرهم على ظهوره ومختلفون في أنه ولد أو سيولد.
وجوابنا لمخالفينا
إن القائلين بوجوده قائلون به فلا يحتاجون إلى دليل لما ثبت عندهم من نقل رجالهم عن
أئمتهم ع وأما المنكرون لوجوده
__________________
فقائلون بإمكانه فقد
ترجح جانب الوجود وعبارة كمال الدين فيها طول.
وقال وأما ولده فلم
يكن له ولد ليذكر وأما عمره ففي أيام المعتمد على الله خاف فاختفى إلى الآن فلم يمكن
ذكر ذلك إذ من غاب وإن انقطع خبره لا توجب غيبته وانقطاع خبره الحكم بمقدار عمره ولا
بانقضاء حياته وقدرة الله تعالى واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامة ولو رام عظماء
العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدره لم يجدوا إلى ذلك سبيلا ولا تقلب طرف تطلعهم
إليه حسيرا وحده كليلا وأملى عليهم لسان عجزهم عن الإحاطة به (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً).
وليس ببدع ولا مستغرب
تعمير بعض عباد الله الصالحين المخلصين ولا امتداد عمره إلى حين فقدمه الله أعمار جمع
كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه فمن الأصفياء عيسى ع
ومنهم الخضر ع وخلق
آخر من الأنبياء ع طالت أعمارهم حتى جاز كل واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح ع وغيره.
وأما من الأعداء والمطرودين
ـ فإبليس والدجال ومن غيرهم كعاد الأولى وكان منهم من يقارب عمره الألف وكذلك لقمان
صاحب لبد وكل هذا البيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه فأي مانع يمنع من
امتداد عمر الخلف الصالح إلى أن
__________________
يظهر فيعمل ما حكم
الله تعالى له به.
وحيث وصل الكلام إلى
هذا المقام وانتهى جريان القلم بما خطه من هذه الأقسام الوسام فلنختمه ب (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فإنها كلمة مباركة
جعلها الله سبحانه وتعالى آخر دعوى أهل جنانه وخصها بمن اختاره من خليفته فكساه ملابس
رضوانه فهذا آخر ما حرره القلم من مناقبهم السنية وسطره من صفاتهم الزكية ونثره من
مزاياهم العلية وإن ذلك وإن كثر لقليل في جنب شرفهم الشامخ ويسير فيما آتاهم الله من
فضلهم الراسخ وأنا أرجو من كرم الله عز وعلا أن يشملني ببركتهم ويدخلني في زمرتهم ويجعل
هذا المؤلف مسطورا في صحيفة حسناتي المعدودة من حسنتهم فقد بذلت جهدي في جميع مزاياهم
بذل المجد الطالب ولم آل جهدا في تأليفها وجمعها قضاء لحقهم اللازم اللاذب ولسان الحال
يقرع باب الأسماع لإسماع كل شاهد وغائب.
رويدك إن أحببت نيل
المطالب
|
|
فلا تعد عن ترتيل
آي المناقب
|
مناقب آل المصطفى
قدوة الورى
|
|
بهم يبتغى مطلوبة
كل طالب
|
مناقب آل المصطفى
المهتدى بهم
|
|
إلى لقم التقوى ورعنا
الرغائب
|
مناقب تجلى سافرات
وجوهها
|
|
ويجلو سناها مدلهم
الغياهب
|
عليك بها سرا وجهرا
فإنها
|
|
تحلل عند الله أعلى
المراتب
|
وجد عند ما يتلو
لسانك آيها
|
|
بدعوة قلب حاضر غير
غائب
|
لمن قام في تأليفها
واعتنى به
|
|
ليقضى من مفروضهم
كل واجب
|
عسى دعوة تزكو بها
حسناته
|
|
فيخطئ من الحسنى
بأسنى المواهب
|
فمن سأل الله الكريم
أجابه
|
|
وجاوره الإقبال من
كل جانب
|
آخر كلام كمال الدين
رحمهالله وكتابه (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). قال الشيخ المفيد رحمهالله في كتابه الإرشاد باب
ذكر الإمام بعد أبي محمد ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره وغيبته وسيرته
عند قيامه ومدة دولته.
وكان الإمام بعد أبي
محمد ع ابنه المسمى باسم رسول الله ص المكنى بكنيته ولم يخلف أبوه ولدا ظاهرا ولا باطنا
غيره وخلفه أبوه غائبا مستترا على ما قدمنا ذكره.
وكان مولده ليلة النصف
من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وأمه أم ولد يقال لها نرجس وكان سنه عند وفاة أبيه
ع خمس سنين آتاه الله فيها الحكمة وفصل الخطاب وجعله آية للعالمين وآتاه الحكمة كما
آتاها يحيى صبيا وجعله إماما في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى ابن مريم ع في المهد
نبيا.
وقد سبق النص عليه
في ملة الإسلام من نبي الهدى ع ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع ونص عليه الأئمة
ع واحد بعد واحد إلى أبيه الحسن ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته وكان الخبر بغيبته
ثابتا قبل وجوده وبدولته مستفيضا قبل غيبته وهو صاحب السيف من أئمة الهدى ع والقائم
بالحق والمنتظر لدولة الإيمان وله قبل قيامه غيبتان إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت
بذلك الأخبار فأما القصرى فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وعدم
السفراء بالوفاء وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف قال الله عزوجل (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ
عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ
الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما
مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)
وقال جل اسمه (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ
الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) .
وقال رسول الله ص لم
تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلا
وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
وقال ص لو لم يبق من
الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم
__________________
حتى يبعث الله فيه
رجلا من ولدي يواطئ اسمه اسمي يملأها عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
باب ذكر طرف من الدلائل
على إمامته القائم بالحق ابن الحسن ع فمن الدلائل على ذلك ما يقتضيه العقل والاستدلال
الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كل زمان لاستحالة
خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد وحاجة الكل من
ذوي النقصان إلى مؤدب للجناة مقوم للعصاة رادع للغواة معلم للجهال منبه للغافلين محذر
من الضلال مقيم للحدود منفذ للأحكام فاصل بين أهل الاختلاف ناصب للأمراء ساد للثغور
حافظ للأموال حام عن بيضة الإسلام جامع للناس في الجمعات والأعياد وقيام الأدلة على
أنه معصوم من الزلات لغناه بالاتفاق عن إمام واقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب ووجوب
النص على من هذه سبيله من الأنام وظهور المعجز عليه لتمييزه عمن سواه وعدم هذه الصفات
من كل أحد سوى من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن علي ع وهو ابنه المهدي على ما بيناه وهذا
أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الأخبار لقيامه
بنفسه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال.
ثم قد جاءت روايات
في النص على ابن الحسن ع من طرق تنقطع بها الأعذار وأنا بمشية الله وعونه مورد طرفا
منها على السبيل التي سلفت في الاختصار إن شاء الله.
باب ما جاء من النص على إمامة صاحب الزمان
الثاني عشر من الأئمة ع في مجمل ومفسر على البيان.
عن أبي حمزة الثمالي
عن أبي جعفر ع قال إن الله عز اسمه أرسل محمدا ص إلى الجن والإنس وجعل من بعده اثني
عشر وصيا منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة فالاوصياء الذين من بعد محمد
ع على سنة أوصياء عيسى ع وكانوا اثني عشر وكان أمير المؤمنين على سنة المسيح
عليه السلام.
وعن الحسن بن العباس
عن أبي جعفر الثاني ع عن آبائه عن أمير المؤمنين ع قال قال رسول الله ص آمنوا بليلة
القدر فإنه ينزل فيها أمر السنة وإن لذلك الأمر ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد
عشر من ولده.
وبهذا الإسناد قال
قال أمير المؤمنين ع لابن عباس رضي الله عنه إن ليلة القدر في كل سنة وإنه ينزل في
تلك الليلة أمر السنة ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله ص فقال له ابن عباس من هم قال
أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون.
وعن أبي جعفر محمد
بن علي ع عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال دخلت على فاطمة بنت محمد ص وبين يديها لوح
فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها فعددت اثني عشر اسما آخرهم القائم من ولد فاطمة
ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي.
وعن زرارة قال سمعت
أبا جعفر ع يقول الاثني عشر الأئمة كلهم من آل محمد كلهم محدث علي بن أبي طالب وأحد
عشر من ولده ورسول الله وعلي هما الوالدان.
وعن أبي بصير عن أبي
جعفر ع قال يكون بعد الحسين ع تسعة أئمة تاسعهم قائمهم.
وعن زرارة قال سمعت
أبا جعفر ع يقول الأئمة اثنا عشر إماما منهم الحسن والحسين ثم الأئمة من ولد الحسين
ع.
وعن محمد بن علي بن
بلال قال خرج إلي من أبي محمد الحسن بن علي العسكري ع قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف
من بعده ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده
__________________
وعن أبي هاشم الجعفري
قال قلت لأبي محمد الحسن بن علي ع جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك فقال
سل قلت يا سيدي هل لك ولد قال نعم قلت فإن حدث حدث فأين أسأل عنه قال بالمدينة.
وعن عمرو الأهوازي
قال أراني أبو محمد ابنه ع وقال هذا صاحبكم بعدي.
" وعن العمري
قال مضى أبو محمد ع وخلف ولدا له.
وعن أحمد بن محمد بن
عبد الله قال خرج عن أبي محمد ع حين قتل الزبيري لعنه الله هذا جزاء من اجترى على الله
في أوليائه زعم أنه يقتلني وليس لي عقب فكيف رأى قدرة الله فيه قال محمد بن عبد الله
وولد له ولد.
وعن داود بن القاسم
الجعفري قال سمعت أبا الحسن علي بن محمد ع يقول الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف
من بعد الخلف قلت لم جعلني الله فداك فقال لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه فقلت
فكيف نذكره قال قولوا الحجة من آل محمد عليهم السلام.
وهذا طرف يسير مما
جاء من النصوص على الثاني عشر من الأئمة ع والروايات في ذلك كثيرة قد دونها أصحاب الحديث
من هذه العصابة وأثبتوها في كتبهم فممن أثبتها على الشرح والتفصيل ـ محمد بن إبراهيم
المكنى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنفه في الغيبة فلا حاجة بنا مع ما ذكرناه
إلى إثباتها على التفصيل في هذا المكان.
باب ذكر من رأى الإمام الثاني عشر ع وطرف
من دلائله وبيناته.
عن محمد بن إسماعيل
بن موسى بن جعفر وكان أسن شيخ من ولد رسول الله ص بالعراق قال رأيت ابن الحسن بن علي
بن محمد بين المسجدين وهو غلام. وعن حكيمة بنت محمد بن علي فهي عمة الحسن أنها رأت
القائم ع ليلة مولده وبعد ذلك.
وعن علي بن محمد بن
همدان القلانسي قال قلت لأبي عمرو العمري قد مضى
أبو محمد فقال لي قد
مضى أبو محمد ولكن قد خلف فيكم من رقبته مثل هذه وأشار بيده.
وعن فتح مولى الزراري
قال سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه رآه ووصف له قده.
وعن خادمة لإبراهيم
بن عبيدة النيسابوري وكانت من الصالحات أنها قالت ـ كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا
فجاء صاحب الأمر ع حتى وقف معه وقبض على كتاب مناسكه وحدثه بأشياء.
وعن أبي عبد الله بن
الصالح أنه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه وهو يقول ما بهذا أمروا.
وعن أحمد بن إبراهيم
بن إدريس عن أبيه أنه قال ـ رأيته ع بعد مضي أبي محمد ع حين أيفع
وقبلت رأسه ويده.
وعن القشيري
قال جرى حديث جعفر
بن علي فقال لي نقدمه
فقلت فليس غيره قال
بلى قلت فهل رأيته قال لم أره ولكن غيري رآه قلت من غيرك قال قد رآه جعفر مرتين.
وعن أبي نصر طريف الخادم
أنه رآه ع.
وأمثال هذه الأخبار
في معنى ما ذكرناه كثيرة والذي اختصرناه منها كاف فيما قصدناه إذ العمدة في وجوده وإمامته
ع ما قدمناه والذي يأتي من بعد ذلك زيادة في التأكيد ولو لم نورده لكان غير مخل بما
شرحناه والمنة لله تعالى.
باب طرف من دلائل صاحب الزمان ع وبيناته
وآياته.
عن محمد بن إبراهيم
بن مهران قال شككت عند مضي أبي محمد الحسن بن علي ع واجتمع عند أبي مال جليل قال فحمله
وركبت معه السفينة مشيعا له فوعك وعكا شديدا
فقال
__________________
يا بني ردني فهو الموت
وقال لي اتق الله في هذا المال وأوصى إلي ومات بعد ثلاثة أيام فقلت في نفسي لم يكن
أبي ليوصي بشيء غير صحيح أحمل هذا المال إلى العراق وأكتري دارا على الشط ولا أخبر
أحدا بشيء فإن وضح لي كوضوحه في أيام أبي محمد أنفذته وإلا أنفقته في ملاذي وشهواتي
فقدمت العراق واكتريت دارا على الشط وبقيت أياما فإذا أنا برقعة مع رسول فيها يا محمد
معك كذا وكذا حتى قص علي جميع ما معي وذكر في جملته شيئا لم أحط به علما فسلمته إلى
الرسول وبقيت أياما لا يرفع لي رأس فاغتممت فخرج إلي قد أقمناك مقام أبيك فاحمد الله.
وروى محمد بن أبي عبد
الله السياري قال أوصلت أشياء للمرزباني الحارثي فيها سوار ذهب فقبلت ورد علي السوار
وأمرت بكسره فكسرته فإذا في وسطه مثاقيل حديد ونحاس وصفر فأخرجته وأنفذت الذهب بعد
ذلك فقبل.
وعن علي بن محمد قال
أوصل رجل من أهل السواد مالا فرد عليه وقيل له أخرج حق ولد عمك منه وهو أربع مائة درهم
وكان الرجل في يده ضيعة لولد عمه فيها شركة قد حبسها عنهم فنظرنا فإذا الذي لابن عمه
من ذلك المال أربعمائة درهم فأخرجها وأنفذ الباقي فقبل.
القاسم بن العلاء قال
ولد لي عدة بنين فكنت أكتب وأسأل الدعاء لهم فلا يكتب إلي شيء في أمرهم فماتوا كلهم
فلما ولد لي الحسين ابني كتبت أسأل الدعاء له فأجبت فبقي والحمد لله.
وعن أبي عبد الله بن
صالح قال خرجت سنة من السنين إلى بغداد واستأذنت في الخروج فلم يؤذن لي فأقمت اثنين
وعشرين يوما بعد خروج القافلة إلى النهروان فأذن لي بالخروج يوم الأربعاء وقيل لي اخرج
فخرجت وأنا آيس من القافلة أن ألحقها فوافيت النهروان والقافلة مقيمة فما كان إلا أن
علفت جملي حتى رحلت القافلة ورحلت وقد دعي لي بالسلامة فلم ألق سوءا والحمد لله.
عن محمد بن يوسف الشاشي
قال خرج بي ناسور
فأريته الأطباء وأنفقت
__________________
عليه مالا فلم يصنع
الدواء فيه شيئا فكتبت رقعة أسأل الدعاء فوقع ألبسك الله العافية وجعلك الله معنا في
الدنيا والآخرة فما أتت علي جمعة إلا وقد عوفيت وصار الموضع مثل راحتي فدعوت طبيبا
من أصحابنا وأريته إياه فقال ما عرفنا لهذا دواء وما جاءتك العافية إلا من قبل الله
بغير حساب.
عن علي بن الحسين اليماني
قال كنت ببغداد فتهيأت قافلة اليمانيين فأردت الخروج معهم فكتبت ألتمس الإذن في ذلك
فخرج لا تخرج معهم فليس لك في الخروج معهم خيرة وأقم بالكوفة قال فأقمت وخرجت القافلة
فخرج عليهم بنو حنظلة فاجتاحوهم
قال وكتبت أستأذن في
ركوب الماء فلم يؤذن لي فسألت عن المراكب التي خرجت تلك السنة في البحر فعرفت أنه لم
يسلم منها مركب خرج عليهم قوم يقال لهم البوازخ فقطعوا عليها.
علي بن الحسين قال
وردت العسكر فأتيت الدرب مع المغيب ولم أكلم أحدا ولم أتعرف إلى أحد فأنا أصلي في المسجد
بعد فراغي من الزيارة فإذا الخادم قد جاءني فقال لي قم فقلت إلى أين فقال لي إلى المنزل
قلت من أنا لعلك أرسلت إلى غيري فقال لا ما أرسلت إلا إليك أنت علي بن الحسين وكان
معه غلام فساره فلم أدر ما قال حتى أتاني بجميع ما أحتاج إليه وجلست عنده ثلاثة أيام
واستأذنته في الزيارة من داخل الدار فأذن لي فزرت ليلا.
الحسين بن الفضل
الهماني قال كتب أبي
بخطه كتابا فورد جوابه ثم كتب بخطي فورد جوابه ثم كتب بخط رجل جليل من فقهاء أصحابنا
فلم يرد جوابه فنظرنا فإذا ذلك الرجل قد تحول قرمطيا.
وذكر الحسين بن الفضل
قال وردت العراق وعملت أن لا أخرج إلا عن بينة من أمري ونجاح من حوائجي ولو احتجت أن
أقيم بها حتى أتصدق قال وفي خلال
__________________
ذلك يضيق صدري بالمقام
وأخاف أن يفوتني الحج قال فجئت يوما إلى محمد بن أحمد وكان السفير يومئذ أتقاضاه فقال
لي سر إلى مسجد كذا وكذا فإنه يلقاك رجل قال فصرت إليه فدخل علي رجل فلما نظر إلي ضحك
وقال لا تغتم فإنك ستحج في هذه السنة وتنصرف إلى أهلك وولدك سالما قال فاطمأننت وسكن
قلبي وقلت هذا مصداق ذلك.
قال ثم وردت العسكر
فخرجت إلي صرة فيها دنانير وثوب فاغتممت وقلت في نفسي جزائي
عند القوم هذا واستعملت
الجهل فرددتها وكتبت رقعة ثم ندمت بعد ذلك ندامة شديدة وقلت في نفسي كفرت بردي على
مولاي وكتبت رقعة أعتذر من فعلي وأبوء بالإثم واستغفرت من زللي وأنفذتها وقمت أتطهر
للصلاة وأنا إذ ذاك أفكر في ذلك وأقول إن ردت علي الدنانير لم أحلل شدها ولم أحدث فيها
شيئا حتى أحملها إلى أبي فإنه أعلم مني فخرج إلي الرسول الذي حمل الصرة وقال أسأت إذ
لم تعلم الرجل أنا ربما فعلنا ذلك بموالينا ابتداء وربما سألونا ذلك يتبركون به وخرج
إلي أخطأت في ردك برنا فإذا استغفرت الله فالله يغفر لك وإذا كانت عزيمتك وعقد نيتك
فيما حملناه إليك ألا تحدث فيه حدثا إذا رددناه عليك ولا تنتفع به في طريقك فقد صرفناه
عنك فأما الثوب فخذه لتحرم فيه قال وكتبت في معنيين وأردت أن أكتب في الثالث فامتنعت
مخافة أن يكره ذلك فورد جواب المعنيين والثالث الذي طويت مفسرا والحمد لله.
قال وكنت وافقت جعفر
بن محمد النيسابوري بنيسابور على أن أركب معه إلى الحج وأزامله فلما وافيت بغداد بدا
لي وذهبت أطلب عديلا فلقيني ابن الوجناء وكنت قد صرت إليه وسألته أن يكتري لي فوجدته
كارها فلما لقيني قال أنا في طلبك وقد قيل لي إنه يصحبك فأحسن عشرته واطلب له عديلا
وأكتر له.
وعن الحسن بن عبد الحميد
قال شككت في أمر حاجز
فجمعت شيئا
__________________
ثم صرت إلى العسكر
فخرج إلي ليس فينا شك ولا فيمن يقوم مقامنا بأمرنا رد ما معك إلى حاجز بن يزيد.
وعن محمد بن صالح قال
لما مات أبي وصار الأمر إلي كان لأبي على الناس سفاتج
من مال الغريم يعني
صاحب الأمر ع قال الشيخ وهذا رمز كانت الشيعة تعرفه قديما بينها ويكون خطابها عليه
للتقية قال وكتبت إليه أعلمه فكتب إلي طالبهم واستقض عليهم فقضاني الناس إلا رجل واحد
كانت عليه سفتجة بأربعمائة دينار فجئت إليه أطلبه فمطلني واستخف بي ابنه وسفه علي
فشكوته إلى أبيه فقال
وكان مارا فقبضت على لحيته وأخذت برجله فسحبته
إلى وسط الدار فخرج
ابنه مستغيثا بأهل بغداد ويقول قمي رافضي قد قتل والدي فاجتمع علي منهم خلق كثير فركبت
دابتي وقلت أحسنتم يا أهل بغداد تميلون مع الظالم على الغريب المظلوم أنا رجل من أهل
همدان من أهل السنة وهذا ينسبني إلى قم ويرميني بالرفض ليذهب بحقي ومالي قال فمالوا
عليه وأرادوا أن يدخلوا إلى حانوته حتى سكنتهم وطلب إلي صاحب السفتجة أن آخذ مالي وحلف
بالطلاق أنه يوفيني في الحال فاستوفيته منه.
وعن أحمد بن الحسن
قال وردت الجبل وأنا لا أقول بالإمامة ولا أحبهم جملة إلى أن مات يزيد بن عبد الله
فاوصى في علته أن يدفع الشهري السمند
وسيفه ومنطقته إلى
مولاه فخفت إن لم أدفع الشهري إلى أذكوتكين نالني منه استخفاف فقومت الدابة والسيف
والمنطقة بسبعمائة دينار في نفسي ولم أطلع عليه أحدا ودفعت الشهري إلى أذكوتكين وإذا
الكتاب قد ورد علي من العراق أن وجه السبعمائة دينار التي لنا قبلك من ثمن الشهري والسيف
والمنطقة.
__________________
علي بن محمد قال حدثني
بعض أصحابنا قال ولد لي ولد فكتبت أستأذن في تطهيره يوم السابع فورد لا تفعل فمات يوم
السابع أو الثامن ثم كتبت بموته فورد سيخلف غيره وغيره فسم الأول أحمد ومن بعد أحمد
جعفرا فجاء كما قال قال وتهيأت للحج وودعت الناس وكنت على الخروج
فورد نحن لذلك كارهون
والأمر إليك قال فضاق صدري واغتممت وكتبت أني مقيم على السمع والطاعة غير أني مغتم
بتخلفي عن الحج فوقع لا يضيقن صدرك فإنك ستحج قابلا إن شاء الله فلما كان من قابل كتبت
فاستأذنت فورد الإذن وكتبت أني عادلت محمد بن العباس وأنا واثق بديانته وصيانته فورد
الأسدي
نعم العديل فإن قدم
فلا تختر عليه أحدا فقدم الأسدي وعادلته.
وعن الحسن بن عيسى
العريضي قال لما مضى أبو محمد الحسن بن علي ع ورد رجل من مصر بمال إلى مكة لصاحب الأمر
فاختلف عليه وقال بعض الناس إن أبا محمد قد مضى من غير خلف وقال آخرون الخلف من بعده
جعفر وقال الآخرون الخلف من بعده ولده فبعث رجلا يكنى أبا طالب إلى العسكر يبحث عن
الأمر وصحته ومعه كتاب فصار الرجل إلى جعفر وسأله عن برهان فقال له جعفر لا يتهيأ في
هذا الوقت فصار الرجل إلى الباب وأنفذ الكتاب إلى أصحابنا الموسومين بالسفارة فخرج
إليه آجرك الله في صاحبك فقد مات وأوصى بالمال الذي كان معه إلى ثقة يعمل فيه بما يحب
وأجيب عن كتابه وكان الأمر كما قيل له.
وعن علي بن محمد قال
ـ حمل رجل من أهل آبة
شيئا يوصله ونسي سيفا
كان أراد حمله فلما وصل الشيء كتب إليه بوصوله وقيل له في الكتاب ما خبر السيف الذي
أنسيته.
__________________
وعن محمد بن شاذان
النيسابوري قال ـ اجتمع عندي خمسمائة درهم تنقص عشرين درهما فلم أحب أن أنفذها ناقصة
فوزنت من عندي عشرين درهما وبعثت بها إلى الأسدي ولم أكتب مالي فيها فورد الجواب وصل
خمسمائة درهم لك فيها عشرون درهما.
الحسن بن محمد الأشعري
قال كان يرد كتاب أبي محمد ع في الإجراء على الجنيد قاتل فارس بن حاتم بن ماهويه وأبي
الحسن وأخي فلما مضى أبو محمد ع ورد استئناف من الصاحب ع بالإجراء لأبي الحسن وصاحبه
ولم يرد في أمر الجنيد شيء قال فاغتممت لذلك فورد نعي الجنيد بعد ذلك.
قال كتب علي بن زياد
الصيمري يسأل كفنا فكتب إليه أنك تحتاج إليه في سنة ثمانين فمات في سنة ثمانين وبعث
إليه بالكفن قبل موته.
وعن محمد بن هارون
بن عمران الهمداني قال ـ كان للناحية علي خمسمائة دينار فضقت بها ذرعا ثم قلت في نفسي
حوانيت اشتريتها بخمسمائة دينار وثلاثين دينارا قد جعلتها للناحية بخمسمائة دينار ولم
أنطق بذلك فكتب إلى محمد بن جعفر اقبض الحوانيت من محمد بن هارون بالخمسمائة دينار
التي لنا عليه.
وعن علي بن محمد قال
خرج نهي عن زيارة مقابر قريش والحائر على ساكنيهما السلام فلما كان بعد أشهر دعا الوزير
الباقطاني
فقال له الق بني الفرات
والبرسيين
وقل لهم لا تزوروا
مقابر قريش فقد أمر الخليفة أن يتفقد كل من زار فيقبض عليه والأحاديث في هذا المعنى
كثيرة وهي موجودة في الكتب المصنفة المذكورة فيها أخبار القائم ع فإن ذهبت إلى إيراد
جميعها طال بذلك الكتاب وفيما أثبتناه منها مقنع والمنة لله.
باب ذكر علامات قيام القائم ع ومدة أيام
ظهوره وشرح سيرته وطريقة
__________________
أحكامه وطرف مما يظهر
في دولته
قد جاءت الآثار بذكر
علامات لزمان قيام القائم المهدي ع وحوادث تكون أمام قيامه وآيات ودلالات فمنها خروج
السفياني وقتل الحسني واختلاف بني العباس في الملك وكسوف الشمس في النصف من رمضان وخسوف
القمر في آخر الشهر على خلاف العادات وخسف بالبيداء وخسف بالمغرب وخسف بالمشرق وركود
الشمس من عند الزوال إلى وسط أوقات العصر وطلوعها من المغرب وقتل نفس زكية تظهر في
سبعين من الصالحين وذبح رجل هاشمي بين الركن والمقام وهدم حائط مسجد الكوفة وإقبال
رايات سود من قبل خراسان وخروج اليماني وظهور المغربي بمصر وتملكه الشامات ونزول الترك
الجزيرة ونزول الروم الرملة وطلوع نجم بالمشرق يضيء كما يضيء القمر ثم ينعطف حتى تكاد
يلتقي طرفاه وحمرة تظهر في السماء وتلتبس في آفاقها ونار تظهر بالمشرق طولا وتبقى في
الجو ثلاثة أيام أو سبعة أيام وخلع العرب أعنتها وتملكها البلاد وخروجها عن سلطان العجم
وقتل أهل مصر أميرهم وخراب بالشام واختلاف ثلاث رايات فيه ودخول رايات قيس والعرب إلى
مصر ورايات كندة إلى خراسان وورود خيل من قبل المغرب حتى تربط بفناء الحيرة وإقبال
رايات سود من المشرق نحوها وثبق
في الفرات حتى يدخل
الماء أزقة الكوفة وخروج ستين كذابا كلهم يدعي النبوة وخروج اثنا عشر من آل أبي طالب
كلهم يدعي الإمامة لنفسه وإحراق رجل عظيم القدر من شيعة بني العباس بين جلولا وخانقين
وعقد الجسر مما يلي الكرخ بمدينة بغداد وارتفاع ريح سوداء بها في أول النهار وزلزلة
حتى ينخسف كثير منها وخوف يشمل أهل العراق وموت ذريع فيه ونقص من الأنفس والأموال والثمرات
وجراد يظهر في أوانه وفي غير أوانه حتى يأتي على الزرع والغلات وقلة ريع
ما يزرعه الناس واختلاف
العجم وسفك دماء كثيرة فيما
__________________
بينهم وخروج العبيد
عن طاعة ساداتهم وقتلهم مواليهم ومسخ لقوم من أهل البدع حتى يصيروا قردة وخنازير وغلبة
العبيد على بلاد السادات ونداء من السماء يسمعه أهل الأرض كل أهل لغة بلغتهم ووجه وصدر
يظهران للناس في عين الشمس وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون
فيها ويتزاورون ثم يختم ذلك بأربع وعشرين مطرة تتصل فتحيا الأرض بعد موتها وتعرف بركاتها
وتزول بعد ذلك كل عاهة من معتقدي الحق من شيعة المهدي ع فيعرفون عند ذلك ظهوره بمكة
فيتوجهون نحوه لنصرته كما جاءت بذلك الأخبار.
ومن جملة هذه الأحداث
محتومة وفيها مشترطه والله أعلم بما يكون وإنما ذكرنا هنا على حسب ما ثبت في الأصول
وتضمنها الأثر المنقول وبالله نستعين وإياه نسأل التوفيق.
قال أفقر عباد الله
تعالى إلى رحمته ـ علي بن عيسى أثابه الله برحمته لا ريب أن هذه الحوادث فيها ما يحيله
العقل وفيها ما يحيله المنجمون ولهذا اعتذر الشيخ المفيد رحمهالله في آخر إيراده لها
والذي أراه أنه إذا صحت طرقات نقلها وكانت منقولة عن النبي أو الإمام ع فحقها أن تتلقى
بالقبول لأنها معجزات والمعجزات خوارق للعادات كانشقاق القمر وانقلاب العصا ثعبانا
والله أعلم.
وقال الشيخ المفيد
رحمهالله أخبرني أبو الحسن علي
بن بلال المهلبي يرفعه إلى إسماعيل بن الصباح قال سمعت شيخا من أصحابنا يذكر عن سيف
بن عميرة قال ـ كنت عند أبي جعفر المنصور فقال لي ابتداء يا سيف بن عميرة لا بد من
مناد ينادي من السماء باسم رجل من ولد أبي طالب فقلت جعلت فداك يا أمير المؤمنين تروي
هذا فقال إي والذي نفسي بيده لسماع أذني له فقلت يا أمير المؤمنين إن هذا الحديث ما
سمعته قبل وقتي هذا فقال يا سيف إنه لحق فإذا كان فنحن أول من يجيبه أما إن النداء
إلى رجل من بني عمنا فقلت إلى رجل من ولد فاطمة فقال نعم يا سيف لو لا أنني سمعت أبا
جعفر محمد بن علي يحدثني به وحدثني به أهل الأرض
كلهم ما قبلته منهم
ولكنه محمد بن علي.
وعن ابن عمر قال قال
رسول الله ص لا تقوم الساعة حتى يخرج القائم المهدي من ولدي ولا يخرج المهدي حتى يخرج
ستون كذابا كلهم يقول أنا نبي.
وعن أبي حمزة قال قلت
لأبي جعفر ع خروج السفياني من المحتوم قال نعم والنداء من المحتوم وطلوع الشمس من مغربها
محتوم واختلاف بني العباس في الدولة محتوم وقتل النفس الزكية محتوم وخروج القائم من
آل محمد محتوم قلت وكيف يكون النداء قال ينادي مناد من السماء في أول النهار ألا إن
الحق مع علي وشيعته ثم ينادي إبليس في آخر النهار من الأرض ألا إن الحق مع عثمان وشيعته
فعند ذلك يرتاب المبطلون ـ قلت لا يرتاب إلا جاهل لأن منادي السماء أولى أن يقبل من
منادي الأرض.
وعن أبي خديجة عن أبي
عبد الله ع قال لا يخرج القائم حتى يخرج قبله اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه.
عن علي بن محمد الأزدي
عن أبيه عن جده قال قال أمير المؤمنين ع بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض وجراد في
حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم فأما الموت الأحمر فالسيف وأما الموت الأبيض فالطاعون.
وعن جابر الجعفي عن
أبي جعفر ع قال ألزم الأرض ولا تحرك يدا ولا رجلا حتى ترى علامات أذكرها لك وما أراك
تدرك ذلك اختلاف بني العباس ومناد ينادي من السماء وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية
ونزول الترك الجزيرة ونزول الروم الرملة واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى تخرب الشام
ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصحب وراية الأبقع وراية السفياني.
وعن علي بن أبي حمزة
عن أبي الحسن موسى ع في قوله عز اسمه (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي
الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّهُ
الْحَقُ) قال الفتن في آفاق
الأرض والمسخ في أعداء الحق.
__________________
وعن أبي بصير قال سمعت
أبا جعفر ع يقول في قوله تعالى (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ)
قال سيفعل الله ذلك
بهم قلت من هم قال بنو أمية وشيعتهم قلت وما الآية قال ركود الشمس ما بين زوال الشمس
إلى وقت العصر وخروج صدر ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه وذلك في زمان السفياني
وعنده يكون بواره وبوار قومه.
وعن سعيد بن جبير ـ
أن السنة التي يقوم فيها القائم ع تمطر الأرض أربعا وعشرين مطرة وترى آثارها وبركاتها.
عن ثعلبة الأزدي قال
قال أبو جعفر ع آيتان تكونان قبل قيام القائم كسوف الشمس في النصف من رمضان والقمر
في آخره قال قلت يا ابن رسول الله القمر في آخر الشهر والشمس في النصف فقال أبو جعفر
أنا أعلم بما قلت إنهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام.
وعن صالح بن ميثم قال
سمعت أبا جعفر ع يقول ليس بين قيام القائم وقتل النفس الزكية أكثر من خمس عشرة ليلة.
قلت ينظر في هذا فإما
أن يراد بالنفس الزكية غير محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع وقتل في
رمضان من سنة خمس وأربعين ومائة وإما أن يتطرق الطعن إلى هذا الخبر.
وعن جابر قال قلت لأبي
جعفر ع متى يكون هذا الأمر فقال أنى يكون ذلك يا جابر ولما تكثر القتلى بين الحيرة
والكوفة.
عن الحسين بن المختار
عن أبي عبد الله ع قال إذا هدم حائط مسجد الكوفة مما يلي دار عبد الله بن مسعود فعند
ذلك زوال ملك القوم وعند زواله خروج القائم عليه السلام.
وعن بكر بن محمد عن
أبي عبد الله ع قال خروج الثلاثة السفياني والخراساني واليماني في سنة واحدة في شهر
واحد في يوم واحد وليس فيها راية أهدى من راية اليماني
__________________
لأنه يدعو إلى الحق.
وعن أحمد بن محمد بن
أبي نصر عن أبي الحسن الرضا ع قال لا يكون ما تمدون أعناقكم إليه حتى تميزوا وتمحصوا
فلا يبقى منكم إلا القليل ثم قرأ (الم أَحَسِبَ النَّاسُ
أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ثم قال إن من علامات
الفرج حدثا يكون بين المسجدين ويقتل فلان من ولد فلان خمسة عشر كبشا من العرب.
وعن ميمون بن خلاد
عن أبي الحسن ع قال كأني برايات من مصر مقبلات خضر مصبغات حتى تأتي الشامات فتهدى إلى
ابن صاحب الوصيات.
وعن أبي بصير عن أبي
عبد الله ع قال لا يذهب ملك هؤلاء حتى يستعرضوا الناس بالكوفة في يوم الجمعة لكأني
أنظر إلى رءوس تندر
فيما بين باب الفيل
وأصحاب الصابون.
وعن الحسن بن الجهم
قال سأل رجل أبا الحسن ع عن الفرج فقال تريد الإكثار أم أجمل لك فقال بل تجمل قال إذا
ركزت رايات قيس بمصر ورايات كندة بخراسان.
وعن أبي بصير عن أبي
عبد الله ع قال إن لولد فلان عند مسجدكم يعني مسجد الكوفة لوقعة في يوم عروبة
يقتل فيها أربعة آلاف
من باب الفيل إلى أصحاب الصابون فإياكم وهذا الطريق فاجتنبوه وأحسنهم حالا من أخذ في
درب الأنصار.
وعنه ع قال إن قدام
القائم ع لسنة غيداقة
يفسد فيها الثمر في
النخل فلا تشكوا في ذلك.
عن جعفر بن سعد عن
أبيه عن أبي عبد الله ع قال سنة الفتح تنبثق الفرات حتى
__________________
تدخل أزقة الكوفة.
وفي حديث محمد بن مسلم
قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن قدام القائم بلوى من الله قلت وما هو جعلت فداك فقرأ
(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ
مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ
وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)
ثم قال الخوف من ملوك
بني فلان والجوع من غلاء الأسعار ونقص الأموال من كساد التجارات وقلة الفضل فيها ونقص
الأنفس بالموت الذريع
ونقص الثمرات بقلة
ريع الزرع وقلة بركة الثمار ثم قال (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) عند ذلك بتعجيل خروج
القائم ع.
وعن منذر الخوزي عن
أبي عبد الله ع قال سمعته يقول يزجر الناس قبل قيام القائم ع عن معاصيهم بنار تظهر
في السماء وحمرة تجلل السماء وخسف ببغداد وخسف ببلد البصرة ودماء تسفك بها وخراب دورها
وفناء يقع في أهلها وشمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار.
فصل فأما السنة التي
يقوم فيها القائم ع واليوم بعينه فقد جاءت فيه آثار عن الصادقين ع.
عن أبي بصير عن أبي
عبد الله ع قال لا يخرج القائم ع إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو
سبع أو تسع.
وعنه ع قال ينادى باسم
القائم ع في ليلة ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين
ع لكأني به في يوم السبت العاشر من المحرم قائما بين الركن والمقام ـ جبرئيل على يمينه
ينادي البيعة لله فيصير إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه فيملأ
الله به الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما.
فصل وقد جاء الأثر
بأنه ع يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على
__________________
نجفها ثم يفرق الجنود
منها إلى الأمصار.
وعن أبي بكر الحضرمي
عن أبي جعفر الباقر ع قال كأني بالقائم ع على نجف الكوفة وقد سار إليها من مكة في خمسة
آلاف من الملائكة ـ جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله والمؤمنون بين يديه وهو يفرق
الجنود في البلاد.
وفي رواية عمرو بن
شمر عن أبي جعفر ع قال ذكر المهدي فقال يدخل الكوفة وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفوا
له ويدخل حتى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء فإذا كانت الجمعة
الثانية سأله الناس أن يصلي بهم الجمعة فيأمر أن يخط له مسجد على الغري ويصلي بهم هناك
ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين ع نهرا يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء إلى النجف
ويعمل على فوهته
القناطر والأرحاء فكأني
بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الأرحاء فتطحنه بلا كراء.
وفي رواية صالح بن
أبي الأسود عن أبي عبد الله ع قال ذكر مسجد السهلة فقال أما إنه منزل صاحبنا إذا قدم
بأهله.
وفي رواية المفضل بن
عمر قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إذا قام قائم آل محمد ع بنى في ظهر الكوفة مسجدا
له ألف باب واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء
فصل آخر وقد وردت الأخبار
بمدة ملك القائم ع وأيامه وأحوال شيعته فيها وما تكون عليه الأرض ومن عليها من الناس.
روى عبد الكريم الخثعمي
قال قلت لأبي عبد الله ع كم يملك القائم ع قال سبع سنين تطول له الأيام والليالي حتى
تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم فيكون سنو ملكه سبعين سنة من سنيكم هذه
وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرا لم ير الخلائق مثله فينبت
الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم فكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل
__________________
جهينة ينفضون شعورهم
من التراب.
وروى المفضل بن عمر
قال سمعت أبا عبد الله ع يقول إن قائمنا إذا قام أشرقت الأرض بنوره واستغنى العباد
عن ضوء الشمس وذهبت الظلمة ويعمر الرجل في ملكه حتى يولد له ألف ذكر لا يولد له فيهم
أنثى وتظهر الأرض كنوزها حتى يراها الناس على وجهها ويطلب الرجل منكم من يصله بماله
ويأخذ منه زكاته فلا يجد أحدا يقبل ذلك منه استغنى الناس بما رزقهم الله من فضله.
فصل وقد جاء الأثر
بصفة القائم وحليته ع.
عن جابر الجعفي قال
سمعت أبا جعفر ع يقول سأل عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ص فقال أخبرني عن المهدي ما
اسمه فقال أما اسمه فإن حبيبي عهد إلي أن لا أحدث به حتى يبعثه الله قال فأخبرني عن
صفته قال هو شاب مربوع
حسن الوجه حسن الشعر
يسيل شعره على منكبيه ويعلو نور وجهه سواد شعر لحيته ورأسه بأبي ابن خيرة الإماء.
فصل فأما سيرته ع عند
قيامه وطريقة وأحكامه وما يبينه الله تعالى من آياته فقد جاءت الآثار به حسب ما قدمناه.
فروى المفضل بن عمر
الجعفي قال سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ع يقول إذا أذن الله عزوجل للقائم في الخروج صعد
المنبر فدعا الناس إلى نفسه وناشدهم الله ودعاهم إلى حقه وأن يسير فيهم بسنة رسول الله
ص ويعمل فيهم بعمله فيبعث الله تعالى جبرئيل ع حتى يأتيه فينزل على الحطيم ويقول له
إلى أي شيء تدعو فيخبره القائم ع فيقول جبرئيل ع أنا أول من يبايعك ابسط يدك فيمسح
على يده وقد وافاه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فيبايعونه ويقيم بمكة حتى يتم أصحابه عشرة
آلاف ثم يسير منها إلى المدينة.
وروى محمد بن عجلان
عن أبي عبد الله ع قال إذا قام القائم ع دعا الناس إلى الإسلام جديدا وهداهم إلى أمر
قد دثر فضل عنه الجمهور وإنما سمي القائم
__________________
مهديا لأنه يهدي إلى
أمر مضلول عنه وسمي بالقائم لقيامه بالحق.
وروى عبد الله بن المغيرة
عن أبي عبد الله ع قال إذا قام القائم من آل محمد ع أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم
ثم أقام خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات قلت ويبلغ عدد هؤلاء هذا قال نعم منهم ومن
مواليهم.
وروى أبو بصير قال
قال أبو عبد الله ع إذا قام القائم هدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه وحول المقام
إلى الموضع الذي كان فيه وقطع أيدي بني شيبة
وعلقها بالكعبة وكتب
عليها هؤلاء سراق الكعبة.
وروى عن أبي الجارود
عن أبي جعفر ع في حديث طويل أنه إذا قام القائم فيخرج منها بضعة عشر ألف نفس يدعون
البترية عليهم السلاح فيقولون له ارجع من حيث جئت فلا حاجة بنا إلى بني فاطمة فيضع
عليهم السيف حتى يأتي على آخرهم ثم يدخل الكوفة فيقتل بها كل منافق مرتاب ويهدم قصورها
ويقتل مقاتلتها حتى يرضى الله عزوجل.
وروى أبو خديجة عن
أبي عبد الله ع أنه قال إذا قام القائم ع جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله ص في بدو
الإسلام إلى أمر جديد.
وروى علي بن عقبة عن
أبي عبد الله ع قال إذا قام القائم ع حكم بالعدل وارتفع في أيامه الجور وأمنت به السبل
وأخرجت الأرض بركاتها ورد كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعترفوا
بالإيمان أما سمعت الله عزوجل يقول (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)
وحكم في الناس بحكم
داود وحكم محمد ص فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها فلا يجد الرجل منكم يومئذ
موضعا لصدقته ولا لبره لشمول الغنى جميع المؤمنين ثم قال إن دولتنا آخر الدول ولم يبق
أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا
__________________
لئلا يقولوا إذا رأوا
سيرتنا إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء وهو قول الله عزوجل (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).
وروى أبو بصير عن أبي
جعفر ع في حديث طويل أنه قال إذا قام القائم ع سار إلى الكوفة فيهدم بها أربعة مساجد
ولم يبق على وجه الأرض مسجد له شرف إلا هدمها وجعلها جما ووسع الطريق الأعظم وكسر كل
جناح خارج في الطريق وأبطل الكنف والمآزيب
إلى الطرقات ولا يترك
بدعة إلا أزالها ولا سنة إلا أقامها يفتح قسطنطنية والصين وجبال الديلم فيمكث على ذلك
سبع سنين مقدار كل سنة عشر سنين من سنيكم هذه ثم (يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) قال قلت له جعلت فداك
فكيف تطول السنون قال يأمر الله تعالى الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك
والسنون قال قلت له إنهم يقولون إن الفلك إن تغير فسد قال ذلك قول الزنادقة فأما المسلمون
فلا سبيل لهم إلى ذلك وقد شق الله القمر لنبيه ع ورد الشمس من قبله ليوشع بن نون وأخبر
بطول يوم القيامة وأنه (كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا
تَعُدُّونَ).
وروى جابر بن عبد الله
عن أبي جعفر ع أنه قال إذا قام قائم آل محمد ع ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على
ما أنزله الله جل جلاله فأصعب ما يكون على من حفظه لأنه يخالف التأليف.
وروى المفضل بن عمر
عن أبي عبد الله ع أنه قال يخرج القائم من ظهر الكوفة سبعة وعشرين رجلا خمسة عشر من
قوم موسى ع الذين كانوا (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ
وَبِهِ يَعْدِلُونَ) وسبعة من أهل الكهف
ويوشع بن نون وسلمان وأبا دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصارا
وحكاما.
وروى عبد الله بن عجلان
عن أبي عبد الله ع أنه قال إذا قام قائم آل محمد ع حكم بين الناس بحكم داود ولا يحتاج
إلى بينة يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه ويخبر كل قوم بما استبطنوه ويعرف وليه من عدوه
بالتوسم قال الله عزوجل
__________________
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ).
وقد روي أن مدة دولة
القائم ع تسع عشرة سنة تطول أيامها وشهورها على ما قدمناه وهذا أمر مغيب عنا وإنما
ألقي إلينا منه ما يفعله الله جل اسمه بشرط يعلمه من المصالح المعلومة له جل اسمه فلسنا
نقطع على أحد الأمرين وإن كانت الرواية بذكر سبع سنين أظهر وأكثر وليس بعد دولة القائم
ع لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من قيام ولده إن شاء الله ذلك فلم يرد على القطع
والبتات وأكثر الروايات أنه لن يمضي مهدي الأئمة ع إلا قبل القيامة بأربعين يوما يكون
فيها الهرج والمرج وعلامة خروج الأموات وقيام الساعة للحساب والجزاء والله أعلم بما
يكون وهو ولي التوفيق للصواب وإياه نسأل العصمة من الضلال ونستهدي به إلى سبيل الرشاد.
وقد أوردنا في كل باب
من هذا الكتاب طرفا من الأخبار بحسب ما احتملته الحال ولم نستقص ما جاء في كل معنى
منه كراهية الانتشار في القول ومخافة الإملال به والإضجار وأثبتنا من أخبار القائم
المهدي ع ما يشاكل المتقدم منها في الاختصار وأضربنا عن كثير من ذلك لمثل ما ذكرناه
فلا ينبغي أن ينسبنا أحد فيما تركناه من ذلك إلى الإهمال ولا يحمله على عدم العلم منا
به أو السهو عنه والإغفال وفيما رسمناه من موجز الاحتجاج على إمامة الأئمة ع ومختصر
من أخبارهم كفاية فيما قصدناه والله ولي التوفيق وهو حسبنا (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) هذا آخر كتابه رحمهالله تعالى وأثابه.
ووقع إلي أربعون حديثا
جمعها الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله رحمهالله في أمر المهدي ع أوردتها
سردا كما أوردها واقتصرت على ذكر الراوي عن النبي ص.
الأول عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه عن النبي ص أنه قال يكون من أمتي المهدي إن قصر عمره فسبع سنين وإلا فثمان
وإلا فتسع تتنعم أمتي في زمانه
__________________
نعيما لم يتنعموا مثله
قط البر والفاجر يرسل الله السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الأرض شيئا من نباتها.
الثاني في ذكر المهدي وأنه
من عترة الرسول ع. وعن أبي سعيد الخدري عن النبي ص أنه قال تملأ الأرض ظلما وجورا فيقوم
رجل من عترتي فيملأها قسطا وعدلا يملك سبعا أو تسعا.
الثالث وعنه قال قال النبي
ص لا تنقضي الساعة حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت قبله جورا
يملك سبع سنين.
الرابع في قوله لفاطمة ع المهدي
من ولدك. عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه ع أن رسول الله ص قال لفاطمة ع المهدي
من ولدك.
الخامس قوله ع إن منهما مهدي
هذه الأمة يعني الحسن والحسين ع. عن علي بن هلال عن أبيه قال دخلت على رسول الله ص
وهو في الحالة التي قبض فيها فإذا فاطمة عند رأسه فبكت حتى ارتفع صوتها فرفع رسول الله
ص إليها رأسه وقال حبيبتي فاطمة ما الذي يبكيك فقالت أخشي الضيعة من بعدك فقال يا حبيبتي
أما علمت أن الله عزوجل اطلع على أهل الأرض
اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ثم اطلع اطلاعة فاختار منها بعلك وأوحى إلى
أن أنكحك إياه يا فاطمة ونحن أهل بيت قد أعطانا الله عزوجل سبع خصال لم يعط أحدا
قبلنا ولا يعطي أحدا بعدنا أنا خاتم النبيين وأكرم النبيين على الله عزوجل وأحب المخلوقين إلى
الله عزوجل وأنا أبوك ووصيي خير
الأوصياء وأحبهم إلى الله عزوجل وهو بعلك وشهيدنا خير
الشهداء وأحبهم إلى الله عزوجل وهو حمزة بن عبد المطلب
عم أبيك وعم بعلك ومنا من له جناحان يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء وهو ابن عم
أبيك وأخو بعلك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك الحسن والحسين وهما سيدا شباب أهل الجنة
وأبوهما والذي بعثني بالحق خير منهما يا فاطمة والذي بعثني بالحق إن منهما مهدي هذه
الأمة إذا صارت الدنيا هرجا ومرجا و
تظاهرت الفتن وانقطعت
السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيرا ولا صغير يوقر كبيرا فيبعث الله عند
ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوبا غلفا يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت به
في آخر الزمان ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي فإن الله
عزوجل أرحم بك وأرأف عليك
مني وذلك لمكانك مني وموقعك من قلبي قد زوجك الله زوجك وهو أعظمهم حسبا وأكرمهم منصبا
وأرحمهم بالرعية وأعدلهم بالسوية وأبصرهم بالقضية وقد سألت ربي عزوجل أن تكوني أول من يلحقني
من أهل بيتي.
قال علي ع فلما قبض
النبي ص لم تبق فاطمة بعده إلا خمسة وسبعين يوما حتى ألحقها الله به ع.
السادس في أن المهدي هو الحسيني.
وبإسناده عن حذيفة رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله ص فذكرنا ما هو كائن ثم قال لو
لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله عزوجل ذلك اليوم حتى يبعث
رجلا من ولدي اسمه اسمي فقام سلمان رضي الله عنه فقال يا رسول الله من أي ولدك هو قال
من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين ع. السابع في القرية التي يخرج منها المهدي .. وبإسناده
عن عبد الله بن عمر رضي الله نه قال قال النبي ص يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة.
الثامن في صفة وجه المهدي
.. بإسناده عن حذيفة قال قال رسول الله ص المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري.
التاسع
في صفة لونه وجسمه.
بإسناده عن حذيفة قال قال رسول الله ص المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم
إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى في
خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو.
العاشر في صفة جبينه. بإسناده
عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص المهدي منا أجلى الجبين أقنى الأنف.
الحادي
عشر في صفة أنفه. بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي
ص أنه قال المهدي منا أهل البيت رجل من أمتي أشم الأنف يملأ
الأرض عدلا كما ملئت
جورا.
الثاني
عشر في خاله على خده الأيمن .. وبإسناده عن أبي أمامة الباهلي قال
قال رسول الله ص بينكم وبين الروم أربع هدن يوم الرابعة على يد رجل من آل هرقل يدوم
سبع سنين فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان يا رسول الله من إمام
الناس يومئذ قال المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال
أسود عليه عباءتان قطوانيتان
كأنه من رجال بني إسرائيل
يستخرج الكنوز ويفتح مدائن الشرك.
الثالث
عشر قوله ع المهدي أفرق الثنايا. بإسناده عن عبد الرحمن بن عوف قال
قال رسول الله ص ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض عدلا
يفيض المال فيضا.
الرابع
عشر في ذكر المهدي وهو إمام صالح. بإسناده عن أبي أمامة رضي الله
عنه قال خطبنا رسول الله ص وذكر الدجال وقال فتنفي المدينة الخبث كما ينفي الكير خبث
الحديد ويدعى ذلك اليوم يوم الخلاص فقالت أم شريك فأين العرب يومئذ يا رسول الله قال
هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس إمامهم المهدي رجل صالح.
الخامس
عشر في ذكر المهدي وأن الله يبعثه غياثا للناس .. وبإسناده عن أبي
سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله ص قال يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثا
للناس تنعم الأمة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا.
السادس
عشر في قوله ع على رأسه غمامة. وبإسناده عن عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما قال قال رسول الله ص يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي
خليفة الله فاتبعوه.
__________________
السابع
عشر في قوله ع على رأسه ملك. وبإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما قال قال رسول الله ص يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي هذا المهدي فاتبعوه.
الثامن
عشر في بشارة النبي ص أمته بالمهدي. وبإسناده عن أبي سعيد الخدري
قال قال رسول الله ص أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ
الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال
صحاحا فقال له رجل وما صحاحا قال السوية بين الناس.
التاسع
عشر في اسم المهدي. وبإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
قال قال رسول الله ص لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي يملأ
الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
العشرون في كنيته. وبإسناده
عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث
الله فيه رجلا اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله.
الحادي
والعشرون في ذكر اسم أبيه. وبإسناده عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال
رسول الله ص لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه
اسم أبي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
الثاني
والعشرون في ذكر عدله. وبإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال
قال رسول الله ص لتملأن الأرض ظلما وعدوانا ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطا
وعدلا كما ملئت جورا وعدوانا.
الثالث
والعشرون في خلقه. وبإسناده عن زر بن عبد الله قال قال رسول الله ص يخرج
رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي وخلقه خلقي يملأها قسطا وعدلا.
__________________
الرابع
والعشرون في عطائه. وبإسناده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص
يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي يكون عطاؤه هنيئا.
الخامس
والعشرون في ذكر المهدي وعمله بسنة النبي ص. بإسناده عن أبي سعيد الخدري
رضي الله عنه قال قال رسول الله ص يخرج رجل من أهل بيتي ويعمل بسنتي وينزل الله له
البركة من السماء وتخرج له الأرض بركتها وتملأ به الأرض عدلا كما ملئت ظلما وجورا ويعمل
على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس.
السادس
والعشرون في مجيئه وراياته. وبإسناده عن ثوبان أنه قال قال رسول الله
ص إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبوا على الثلج فإن فيها
خليفة الله المهدي.
السابع والعشرون في
مجيئه من قبل المشرق. وبإسناده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال بينا نحن عند رسول
الله ص إذ أقبلت فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ص اغرورقت عيناه
وتغير لونه فقالوا
يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة
على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق
ومعهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون وينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلون
حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم
ولو حبوا على الثلج.
الثامن والعشرون في
مجيئه وعود الإسلام به عزيزا. وبإسناده عن حذيفة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله ص
يقول ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم
فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويفر منهم بقلبه فإذا أراد الله عزوجل أن يعيد الإسلام عزيزا
قصم كل جبار
__________________
عنيد وهو القادر على
ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها فقال ع يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد
لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام
لا يخلف وعده (وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
التاسع
والعشرون في تنعم الأمة في زمن المهدي ع. وبإسناده عن أبي سعيد الخدري
عن النبي ص قال تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط يرسل الله السماء
عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته.
الثلاثون في ذكر المهدي وهو
سيد من سادات الجنة. وبإسناده عن أنس بن مالك أنه قال قال رسول الله ص نحن بنو عبد
المطلب سادات أهل الجنة أنا وأخي علي وعمي حمزة وجعفر والحسن والحسين والمهدي.
الحادي
والثلاثون في ملكه. وبإسناده عن أبي هريرة قال قال رسول الله ص لو لم يبق
من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي.
الثاني
والثلاثون في خلافته. بإسناده عن ثوبان قال قال رسول الله ص يقتل عند كنزكم
ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تجيء الرايات السود فيقتلونهم قتلا
لم يقتله قوم ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله
المهدي.
الثالث
والثلاثون في قوله ع إذا سمعتم بالمهدي فأتوه فبايعوه. وبإسناده عن ثوبان
قال قال رسول الله ص تجيء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد فمن سمع
بهم فليأتهم فبايعهم ولو حبوا على الثلج.
الرابع
والثلاثون في ذكر المهدي وبه يؤلف الله بين قلوب العباد. وبإسناده عن علي
بن أبي طالب ع قال قلت يا رسول الله أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا فقال رسول الله
ص لا بل منا يختم الله به الدين كما فتح بنا وبنا ينقذون من الفتن كما أنقذوا من الشرك
وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة إخوانا كما ألف بينهم بعد عداوة الشرك
وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخوانا في دينهم.
الخامس
والثلاثون في قوله ع لا خير في العيش بعد المهدي. وبإسناده عن عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله
تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطا
وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ويقسم المال بالسوية ويجعل الله الغنى في قلوب هذه الأمة
فيملك سبعا أو تسعا لا خير في عيش الحياة بعد المهدي.
السادس
والثلاثون في ذكر المهدي وبيده تفتح القسطنطنية. وبإسناده عن أبي هريرة
عن النبي ص قال لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطنية وجبل الديلم
ولو لم يبق إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها.
السابع
والثلاثون في ذكر المهدي وهو يجيء بعد ملوك جبابرة. وبإسناده عن قيس بن
جابر عن أبيه عن جده أن رسول الله ص قال سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن
بعد الأمراء ملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
الثامن
والثلاثون في قوله ع منا الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم. وبإسناده عن أبي
سعيد الخدري قال قال رسول الله ص منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه.
التاسع
والثلاثون وهو يكلم عيسى ابن مريم ع. وبإسناده عن جابر بن عبد الله رضي
الله عنه قال قال رسول الله ص ينزل عيسى ابن مريم ع فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا
فيقول ألا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة من الله عزوجل لهذه الأمة.
الأربعون في قوله ع في المهدي.
وبإسناده يرفعه إلى محمد بن إبراهيم الإمام حدثه أن أبا جعفر المنصور أمير المؤمنين
حدثه عن أبيه عن جده عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله ص لن
تهلك أمة أنا في أولها وعيسى
ابن مريم في آخرها
والمهدي في وسطها تمت.
وقال ابن الخشاب رحمهالله تعالى ذكر الخلف الصالح
ع ..
حدثنا صدقة بن موسى
حدثنا أبي عن الرضا ع قال الخلف الصالح من ولد أبي محمد الحسن بن علي وهو صاحب الزمان
وهو المهدي.
وحدثني أبو القاسم
طاهر بن هارون بن موسى العلوي عن أبيه هارون عن أبيه موسى قال قال سيدي جعفر بن محمد
الخلف الصالح من ولدي وهو المهدي اسمه محمد وكنيته أبو القاسم يخرج في آخر الزمان يقال
لأمه صقيل.
قال لنا أبو بكر الذراع
وفي رواية أخرى بل أمه حكيمة وفي رواية ثالثة يقال لها نرجس ويقال بل سوسن والله أعلم
بذلك ويكنى بأبي القاسم وهو ذو الاسمين خلف ومحمد يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة
تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادى بصوت فصيح هذا المهدي.
حدثني محمد بن موسى
الطوسي قال حدثنا أبو مسكين عن بعض أصحاب التاريخ أن أم المنتظر يقال لها حكيمة ـ.
حدثني محمد بن موسى
الطوسي حدثني عبيد الله بن محمد عن القاسم بن عدي قال يقال كنية الخلف الصالح أبو القاسم
وهو ذو الاسمين آخر كتاب التاريخ.
وقد كنت ذكرت في المجلد
الأول أن الشيخ أبا عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي عمل كتاب كفاية الطالب
في مناقب علي بن أبي طالب وكتاب البيان في أخبار صاحب الزمان وحملهما إلى الصاحب السعيد
تاج الدين محمد بن نصر بن الصلايا العلوي الحسيني سقى الله عهده صوب العهاد فقرأنا
الكتابين على مصنفهما المذكورة في مجلسين آخرهما يوم الخميس سادس عشرة جمادى الآخرة
من سنة ثمان وأربعين وستمائة بإربل وذكرت ما تهيأ ذكره من أخبار الكتاب الأول. في أخبار
مولانا أمير المؤمنين ع وها أنا أذكر ما يلائم غرض هذا الكتاب من أخبار مولانا المهدي
ع (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا
بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).
قال إني جمعت هذا الكتاب
وعريته من طرق الشيعة ليكون الاحتجاج به آكد
الباب
الأول في ذكر خروجه في آخر الزمان.
بإسناده عن زر بن عبد
الله قال قال رسول الله ص لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه
اسمي : وفي رواية قال يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ـ رواه الترمذي في جامعه.
وقال ع لا تذهب الدنيا
حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ـ أخرجه أبو داود في سننه.
وعن علي عن النبي ع
لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا
ـ هكذا أخرجه أبو داود في سننه.
وأخبرنا الحافظ إبراهيم
بن محمد الأزهر الصريفيني بدمشق والحافظ محمد بن عبد الواحد المقدسي بجامع جبل قاسيون
قالا أنبأنا أبو الفتح نصر بن عبد الجامع بن عبد الرحمن القاضي بهراة أنبأنا محمد بن
عبد الله بن محمود الطائي أنبأنا عيسى بن شعيب بن إسحاق السنجري أنبأنا أبو الحسن علي
بن بشر السنجري أنبأنا الحافظ أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم الآبري
في كتاب مناقب الشافعي ذكر هذا الحديث وقال فيه وزاد زائدة في روايته لو لم يبق من
الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ
اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
وقال الكنجي وقد ذكر
الترمذي الحديث في جامعه ولم يذكر واسم أبيه اسم أبي وذكره أبو داود في معظم روايات
الحفاظ والثقات من نقلة الأخبار اسمه اسمي فقط والذي روي واسم أبيه اسم أبي فهو زائدة
وهو يزيد في الحديث وإن صح فمعناه واسم أبيه اسم أبي أي الحسين وكنيته أبو عبد الله
فجعل الكنية اسما كناية منه أنه من ولد الحسين دون الحسن ويحتمل أن يكون الراوي توهم
قوله ابني فصحفه فقال أبي فوجب حمله على هذا جمعا بين الروايات.
قال علي بن عيسى عفى
الله عنه أما أصحابنا الشيعة فلا يصححون هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه واسم أبيه
ع وأما الجمهور فقد نقلوا أن زائدة كان يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنه من زيادته
ليكون جمعا بين الأقوال والروايات.
الباب
الثاني في قوله ص المهدي من عترتي من ولد فاطمة.
عن سعيد بن المسيب
قال كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي فقالت سمعت رسول الله ص يقول المهدي من ولد فاطمة
أخرجه ابن ماجة في سننه.
وعنه عنها رضي الله
عنهما قالت سمعت رسول الله ص يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة ـ أخرجه الحافظ أبو
داود في سننه.
وعن علي ع قال قال
رسول الله ص المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة.
الباب
الثالث في أن المهدي من سادات أهل الجنة. وعن أنس بن مالك قال
سمعت رسول الله ص يقول نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن
والحسين والمهدي ـ أخرجه ابن ماجة الحافظ في صحيحه.
الباب
الرابع في أمر النبي ع بمبايعة المهدي ع.
عن ثوبان قال قال رسول
الله ص يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات
السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا لا أحفظه قال رسول الله
ص فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ـ أخرجه الحافظ
ابن ماجة القزويني في سننه.
الباب
الخامس في ذكر نصرة أهل المشرق للمهدي.
عن عبد الله بن الحرث
بن جزء الزبيدي قال قال رسول الله ص يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه
ـ هذا حديث
حسن صحيح روته الثقات
والأثبات أخرجه الحافظ أبو عبد الله ابن ماجة القزويني في سننه.
وعن علقمة بن عبد الله
قال بينما نحن عند رسول الله ص إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي ص اغرورقت
عيناه وتغير لونه
قال فقلت ما نزال نرى
في وجهك شيئا نكرهه قال إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي
سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق ومعهم رايات سود فيسألون
الخير ولا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا ولا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل
من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملئوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على
الثلج.
وروى ابن أعثم الكوفي
في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين ع أنه قال ويحا للطالقان فإن لله عزوجل بها كنوزا ليست من
ذهب ولا فضة ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أيضا أنصار المهدي في آخر
الزمان
الباب
السادس في مقدار ملكه بعد ظهوره ع.
. عن أبي سعيد الخدري
قال خشينا أن يكون بعد نبينا حدث فسألنا نبي الله ص فقال إن في أمتي المهدي يخرج يعيش
خمسا أو سبعا أو تسعا زيد الشاك قال قلنا وما ذاك قال سنين قال فيجيء إليه الرجل فيقول
يا مهدي أعطني قال فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله قال الحافظ الترمذي حديث حسن
وقد روي من غير وجه أبي سعيد عن النبي ص.
وعن أبي سعيد أن النبي
ص قال يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع تنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموه مثلها
قط تؤتي الأرض أكلها
ولا تدخر منهم شيئا
والمال يومئذ كدوس يقوم الرجل فيقول يا مهدي
__________________
أعطني فيقول خذه.
وعن أم سلمة زوج النبي
ص قالت قال ع يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه
ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث الشام
فتخسف بهم البيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل
العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك
بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ص ويلقي
الإسلام بجرانه إلى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون قال أبو داود
قال بعضهم عن هشام تسع سنين وقال بعضهم سبع سنين وعن قتادة بهذا الحديث وقال تسع سنين
قال أبو داود وقال غير معاذ عن هشام تسع سنين قال هذا سياق الحفاظ كالترمذي وابن ماجة
القزويني وأبي داود.
الباب السابع في بيان أنه يصلي بعيسى ع.
أبو هريرة قال قال
رسول الله ص كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم قال هذا حديث صحيح حسن متفق
على صحته من حديث محمد بن شهاب الزهري رواه البخاري ومسلم في صحيحهما.
وعن جابر بن عبد الله
قال سمعت رسول الله ص يقول لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم
القيامة قال فينزل عيسى ابن مريم ص فيقول أميرهم تعال صل بنا فيقول ألا إن بعضكم على
بعض أمراء تكرمة من الله لهذه الأمة قال هذا حديث حسن صحيح أخرجه مسلم في صحيحه وإن
كان الحديث المتقدم قد أول فهذا لا يمكن تأويله لأنه صريح فإن عيسى ع يقدم أمير المسلمين
وهو يومئذ المهدي ع فعلى هذا يبطل تأويل من قال معنى قوله وإمامكم منكم أي يؤمكم بكتابكم.
قال فإن سأل سائل وقال
مع صحة هذه الأحاديث وهي أن عيسى يصلي خلف
المهدي ع ويجاهد بين
يديه وأنه يقتل الدجال بين يدي المهدي ع ورتبة المتقدم في الصلاة معروفة وكذلك رتبة
المتقدم للجهاد وهذه الأخبار مما تثبت طرقها وصحتها عند السنة وكذلك ترويها الشيعة
على السواء وهذا هو الإجماع من كافة أهل الإسلام إذ من عدا الشيعة والسنة من الفرق
فقوله ساقط مردود وحشو مطرح فثبت أن هذا إجماع كافة أهل الإسلام ومع ثبوت الإجماع على
ذلك وصحته فأيما أفضل الإمام أو المأموم في الصلاة والجهاد معا.
والجواب عن ذلك أن
نقول هما قدوتان نبي وإمام وإن كان أحدهما قدوة لصاحبه في حال اجتماعهما وهو الإمام
يكون قدوة للنبي في تلك الحال وليس فيهما من تأخذه في الله لومة لائم وهما أيضا معصومان
من ارتكاب القبائح كافة والمداهنة والرياء والنفاق ولا يدعو الداعي لأحدهما إلى فعل
ما يكون خارجا عن حكم الشريعة ولا مخالفا لمراد الله ورسوله ص وإذا كان الأمر كذلك
فالإمام أفضل من المأموم لموضع ورود الشريعة المحمدية بذلك. بدليل قول النبي ص يأم
بالقوم أقرأهم فإن استووا فأعلمهم فإن استووا فأفقههم فإن استووا فأقدمهم هجرة فإن
استووا فأصبحهم وجها فلو علم الإمام أن عيسى ع أفضل منه لما جاز له أن يتقدم عليه لإحكامه
علم الشريعة ولموضع تنزيه الله تعالى له من ارتكاب كل مكروه وكذلك لو علم عيسى أنه
أفضل منه لما جاز له أن يقتدي به لموضع تنزيه الله له من الرياء والنفاق والمحاباة
بل لما تحقق الإمام أنه أعلم منه جاز له أن يتقدم عليه وكذلك قد تحقق عيسى أن الإمام
أعلم منه فلذلك قدمه وصلى خلفه ولو لا ذلك لم يسعه الاقتداء بالإمام فهذه درجة الفضل
في الصلاة ثم الجهاد وهو بذل النفس بين يدي من يرغب إلى الله تعالى بذلك ولو لا ذلك
لم يصح لأحد جهاد بين يدي رسول الله ص ولا بين يدي غيره والدليل على صحة ما ذهبنا إليه
قول الله سبحانه وتعالى (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ
فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ
وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ولأن الإمام نائب الرسول
في أمته ولا يسوغ لعيسى
ع أن يتقدم على الرسول فكذلك على نائبة.
ومما يزيد هذا القول
ما رواه الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة القزويني في حديث طويل في نزول عيسى
ع فمن ذلك ما قالت أم شريك بنت أبي العكر يا رسول الله فأين العرب يومئذ قال هم يومئذ
قليل وجلهم ببيت المقدس وإمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذا نزل بهم عيسى ابن مريم
ص فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقري ليتقدم عيسى ع يصلي بالناس فيضع عيسى ع يده بين
كتفيه ثم يقول له تقدم. قال هذا حديث حسن صحيح ثابت أخرجه ابن ماجة في كتابه عن أبي
أمامة الباهلي قال خطبنا رسول الله ص وهذا مختصره
الباب
الثامن في تحلية النبي ص المهدي ع
. عن أبي سعيد الخدري
قال قال رسول الله ص المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما
ملئت جورا وظلما يملك سبع سنين قال هذا حديث ثابت حسن صحيح أخرجه الحافظ أبو داود السجستاني
في صحيحه ورواه غيره من الحفاظ كالطبراني وغيره.
وذكر ابن شيرويه الديلمي
في كتاب الفردوس في باب الألف واللام بإسناده عن ابن عباس قال قال رسول الله ص المهدي
طاوس أهل الجنة.
وبإسناده أيضا عن حذيفة
بن اليمان عن النبي ص أنه قال المهدي من ولدي وجهه كالقمر الدري اللون لون عربي والجسم
جسم إسرائيلي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل السماوات وأهل الأرض
والطير في الجو يملك عشرين سنة.
الباب
التاسع في تصريح النبي ص بأن المهدي من ولد الحسين
ع
عن أبي هارون العبدي
قال أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له هل شهدت بدرا قال نعم فقلت له ألا تحدثني بشيء مما
سمعته من رسول الله ص في علي وفضله فقال بلى أخبرك أن رسول الله ص مرض مرضة نقه منها
فدخلت
__________________
عليه فاطمة ع تعوده
وأنا جالس عن يمين رسول الله ص فلما رأت ما برسول الله من الضعف خنقتها العبرة حتى
بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله ص ما يبكيك يا فاطمة قالت أخشى الضيعة يا رسول
الله فقال يا فاطمة أما علمت أن الله اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منهم أباك فبعثه
نبيا ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا أما علمت أنك
بكرامة الله إياك زوجك أغزرهم علما وأكثرهم حلما وأقدمهم سلما فاستبشرت فأراد رسول
الله ص أن يزيدها مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد وآل محمد فقال لها يا فاطمة
ولعلي ثمانية أضراس يعني مناقب إيمان بالله ورسوله وحكمته وزوجته وسبطاه
الحسن والحسين وأمره
بالمعروف ونهيه عن المنكر يا فاطمة إنا أهل بيت أعطنا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين
ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا نبينا خير الأنبياء وهو أبوك ووصينا خير الأوصياء
وهو بعلك وشهيدنا خيرنا الشهداء وهو حمزة عم أبيك ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ومنا
مهدي الأمة الذي يصلي عيسى خلفه ثم ضرب على منكب الحسين فقال من هذا مهدي الأمة قال
هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح والتعديل.
الباب
العاشر في ذكر كرم المهدي ع
وبإسناده عن أبي نضرة
قال كنا عند جابر بن عبد الله فقال يوشك أهل العراق أن لا يجيء إليهم قفيز ولا درهم
قلنا من أين ذلك قال من قبل العجم يمنعون ذلك ثم قال يوشك أهل الشام أن لا يجيء إليهم
دينار ولا مد قلنا من أين ذاك قال من قبل الروم ثم سكت هنيئة ثم قال قال رسول الله
ص يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثيا
لا يعده عدا قال قلت
لأبي نضرة وأبي العلا أتريان أنه عمر بن عبد العزيز قالا لا قال هذا حديث حسن صحيح
أخرجه مسلم في صحيحه
__________________
وبإسناده عن أبي نضرة
عن أبي سعيد قال قال رسول الله ص من خلفائكم خليفة يحثو المال حثيا لا يعده عدا قال
هذا حديث ثابت صحيح أخرجه الحافظ مسلم في صحيحه.
وعن أبي سعيد وجابر
بن عبد الله قالا قال رسول الله ص يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده ـ
قال هذا لفظ مسلم في صحيحه.
وعن أبي سعيد الخدري
قال قال رسول الله ص أبشركم بالمهدي يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل يملأ
الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال
صحاحا فقال رجل ما صحاحا قال بالسوية بين الناس ويملأ الله قلوب أمة محمد غنى ويسعهم
عدله حتى يأمر مناديا ينادي يقول من له في المال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل واحد
فيقول أنا فيقول ائت السدان يعني الخازن فقل له إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالا فيقول
له أحث حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم فيقول كنت أجشع أمة محمد نفسا
أعجز عما وسعهم فيرده
ولا يقبل منه فيقال له إنا لا نأخذ شيئا أعطيناه فيكون كذلك سبع سنين أو ثمان سنين
ثم لا خير في العيش بعده أو قال ثم لا خير في الحياة بعده قال هذا حديث حسن ثابت أخرجه
شيخ أهل الحديث في مسنده وفي هذا الحديث دلالة على أن المجمل في صحيح مسلم هو هذا المبين
في مسند ابن حنبل وفقا بين الروايات.
وبإسناده عن أبي سعيد
الخدري قال قال رسول الله ص يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له
المهدي عطاؤه هنيئا قال هذا حديث حسن أخرجه أبو نعيم الحافظ.
الباب
الحادي عشر في الرد على من زعم أن
المهدي هو المسيح عيسى ابن مريم.
وبإسناده عن علي بن
أبي طالب ع قال قلت يا رسول الله أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا فقال رسول الله ص
لا بل منا يختم الله به الدين كما
__________________
فتح بنا وبنا ينقذون
من الفتنة كما أنقذوا من الشرك وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف
بين قلوبهم بعد عداوة الشرك وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخوانا كما أصبحوا بعد عداوة
الشرك إخوانا في دينهم قال هذا حديث حسن عال رواه الحفاظ في كتبهم فأما الطبراني فقد
ذكره في المعجم الأوسط وأما أبو نعيم فرواه في حلية الأولياء وأما عبد الرحمن بن حماد
فقد ساقه في عواليه.
وعن جابر قال قال رسول
الله ص ينزل عيسى ابن مريم ص فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول ألا إن بعضكم على
بعض أمراء تكرمة من الله تعالى لهذه الأمة قال هذا حديث حسن رواه الحرث بن أبي أسامة
في مسنده ورواه الحافظ أبو نعيم في عواليه وفي هذه النصوص دلالة على أن المهدي غير
عيسى ومدار الحديث لا مهدي إلا عيسى ابن مريم ـ علي بن محمد بن خالد الجندي مؤذن الجند
قال الشافعي المطلبي كان فيه تساهل في الحديث.
قال قد تواترت الأخبار
واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى ص في المهدي وأنه يملك سبع سنين ويملأ الأرض عدلا
وأنه يخرج مع عيسى ابن مريم ويساعده في قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين وأنه يؤم هذه
الأمة وعيسى يصلي خلفه في طول من قصته وأمره وقد ذكر الشافعي في كتاب الرسالة ولنا
به أصل ونرويه ولكن يطول ذكر سنده قال وقد اتفقوا على أن الخبر لا يقبل إذا كان الراوي
معروفا بالتساهل في روايته.
الباب
الثاني عشر في قوله ص لن تهلك أمة أنا في أولها
وعيسى في آخرها والمهدي في وسطها.
وبإسناده عن ابن عباس
قال قال رسول الله ص لن تهلك أمة الحديث قال هذا حديث حسن رواه الحافظ أبو نعيم في
عواليه ـ وأحمد بن حنبل في مسنده ومعنى قوله وعيسى في آخرها لم يرد به ص أن عيسى يبقى
بعد المهدي
ع لأن ذلك لا يجوز
لوجوه.
منها أنه قال ص ثم
لا خير في الحياة بعده وفي رواية ثم لا خير في العيش بعده كما تقدم.
ومنها أن المهدي ع
إذا كان إمام آخر الزمان ولا إمام بعده مذكورا في رواية أحد من الأمة وهذا غير ممكن
أن الخلق يبقى بغير الإمام.
فإن قيل إن عيسى يبقى
بعد إمام الأمة.
قلت لا يجوز هذا القول
وذلك أنه ص صرح أنه لا خير بعده وإذا كان عيسى في قوم لا يجوز أن يقال لا خير فيهم
وأيضا لا يجوز أن يقال إنه نائبه لأنه جل منصبه عن ذلك ولا يجوز أن يقال إنه يستقل
بالأمة لأن ذلك يوهم العوام انتقال الملة المحمدية إلى الملة العيسوية فهذا كفر فوجب
حمله على الصواب وهو أنه ص أول داع إلى ملة الإسلام والمهدي أوسط داع والمسيح آخر داع
فهذا معنى الخبر عندي ويحتمل أن يكون معناه المهدي أوسط هذه الأمة يعني خيرها إذ هو
إمامها وبعدها ينزل عيسى مصدقا للإمام وعونا له ومساعدا ومبينا للامة صحة ما يدعيه
الإمام فعلى هذا يكون المسيح آخر المصدقين على وفق النص.
قال الفقير إلى الله
تعالى علي بن عيسى أثابه الله بمنه وكرمه قوله المهدي أوسط الأمة يعني خيرها يوهم أن
المهدي ع خير من علي ع وهذا لا قائل به والذي أراه أنه ص أول داع والمهدي ع لما كان
تابعا له ومن أهل ملته جعل وسطا لقربه ممن هو تابعه وعلى شريعته وعيسى ع لما كان صاحب
ملة أخرى ودعا في آخر زمانه إلى شريعة غير شريعته حسن أن يكون آخرا والله أعلم.
الباب
الثالث عشر في ذكر كنيته وأنه يشبه
النبي ص في خلقه.
وبإسناده عن حذيفة
قال قال رسول الله ص لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلا اسمه اسمي وخلقه
خلقي يكنى أبا عبد الله قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله ومعنى قوله ص خلقه
خلقي من أحسن الكنايات عن انتقام المهدي ع من الكفار لدين الله تعالى كما كان النبي
ص وقد قال
تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
قال الفقير إلى الله
تعالى ـ علي بن عيسى عفى الله عنه العجب من قوله من أحسن الكنايات إلى آخر الكلام ومن
أين يحجر على الخلق فجعله مقصورا على الانتقام فقط وهو عام في جميع أخلاق النبي ص من
كرمه وشرفه وعلمه وحلمه وشجاعته وغير ذلك من أخلاقه التي عددتها صدر هذا الكتاب وأعجب
من قوله ذكره الآية دليلا على ما قرره.
الباب
الرابع عشر في ذكر اسم القرية التي
منها يكون خروج المهدي ع.
وبإسناده عن عبد الله
بن عمر قال قال رسول الله ص يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة
قال هذا حديث حسن رزقناه
عاليا أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني في عواليه كما سقناه.
الباب
الخامس عشر في ذكر الغمامة التي
تظل المهدي ع عند خروجه.
وبإسناده عن عبد الله
بن عمر قال قال رسول الله ص يخرج المهدي وعلى رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي
خليفة الله قال هذا حديث حسن ما رويناه عاليا إلا من هذا الوجه.
الباب
السادس عشر في ذكر الملك الذي يخرج
مع المهدي ع.
عن عبد الله بن عمر
أنه قال قال رسول الله ص يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه قال
هذا حديث حسن روته الحفاظ والأئمة من أهل الحديث ـ كأبي نعيم والطبراني وغيرهما.
الباب
السابع عشر في ذكر صفة المهدي ولونه
وجسمه وقد تقدم مرسلا وبإسناده عن حذيفة
أنه قال قال رسول الله ص المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على
خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا يرضى بخلافته أهل الأرض
وأهل السماء والطير في الجو قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا بحمد الله عن جم غفير من
أصحاب الثقفي
وسنده معروف عندنا
الباب
الثامن عشر في ذكر خاله على خده
الأيمن وثيابه وفتحه مدائن الشرك
وبإسناده عن أبي أمامة
الباهلي قال قال رسول الله ص بينكم وبين الروم أربع هدن في يوم الرابعة على يدي رجل
من آل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل من عبد القيس يقال له المستورد بن غيلان يا رسول
الله من إمام الناس يومئذ قال المهدي من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في
خده الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان كأنه من رجال بني إسرائيل يستخرج الكنوز
ويفتح مدائن الشرك قال هذا سياق الطبراني في معجمه الأكبر
الباب
التاسع عشر في ذكر كيفية أسنان المهدي
ع عن عبد الرحمن بن عوف
قال قال رسول الله ص ليبعثن الله من عترتي رجلا أفرق الثنايا أجلى الجبهة يملأ الأرض
عدلا ويفيض المال فيضا قال هكذا أخرجه الحافظ أبو نعيم في عواليه
الباب
العشرون في ذكر فتح المهدي ع القسطنطنية وجبل الديلم.
عن أبي هريرة عن النبي
ص قال لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطنية وجبل الديلم ولو لم
يبق إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يفتحها قال هذا سياق الحافظ أبي نعيم وقال هذا
هو المهدي بلا شك وفقا بين الروايات.
الباب
الحادي والعشرون في ذكر خروج المهدي ع
بعد ملك الجبابرة وبإسناده عن جابر بن
عبد الله أن رسول الله ص قال سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء
ملوك جبابرة ثم يخرج المهدي من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا قال هكذا رواه الحافظ
أبو نعيم في فوائده والطبراني في معجمه الأكبر.
الباب
الثاني والعشرون في قوله ص المهدي إمام
صالح.
وبإسناده عن أبي أمامة
قال خطبنا رسول الله ص وذكر الدجال وقال فيه إن المدينة لتنقي خبثها كما ينقي الكير
خبث الحديد ويدعى
ذلك اليوم يوم الخلاص
فقالت أم شريك فأين العرب يومئذ يا رسول الله قال هم يومئذ قليل وجلهم ببيت المقدس
وإمامهم مهدي رجل صالح قال هذا حديث حسن هكذا رواه الحافظ أبو نعيم الأصفهاني.
الباب
الثالث والعشرون في ذكر تنعم الأمة في
زمن المهدي ع.
وبإسناده عن أبي سعيد
الخدري عن النبي ص قال تتنعم أمتي في زمن المهدي نعمة لم يتنعموا مثلها قط يرسل السماء
عليهم مدرارا ولا تدع الأرض شيئا من نباتها إلا أخرجته قال هذا حديث حسن المتن رواه
الحافظ أبو القاسم الطبراني في معجمه الأكبر.
الباب
الرابع والعشرون في إخبار رسول الله ص
بأن المهدي خليفة الله تعالى وبإسناده عن ثوبان قال قال رسول الله ص يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم
لا يصير إلى واحد منهم ثم تجيء الرايات السود فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم يجيء
خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه فإنه خليفة الله المهدي قال هذا حديث
حسن المتن وقع إلينا عاليا من هذا الوجه بحمد الله وحسن توفيقه وفيه دليل على شرف المهدي
بكونه خليفة الله في الأرض على لسان أصدق ولد آدم وقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) الآية.
الباب
الخامس والعشرون في الدلالة على كون المهدي
حيا باقيا مذ غيبته إلى الآن ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى والخضر وإلياس من أولياء الله تعالى وبقاء
الدجال وإبليس اللعين من أعداء الله تعالى وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنة وقد
اتفقوا ثم أنكروا جواز بقاء المهدي وها أنا أبين بقاء كل واحد منهم فلا يسمع بعد هذا
العاقل إنكار جواز بقاء المهدي لأنهم إنما أنكروا بقاءه من وجهين أحدهما طول الزمان
والثاني أنه في سرداب من غير أن يقوم أحد بطعامه وشرابه وهذا ممتنع عادة.
قال مؤلف الكتاب محمد
بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بعون الله نبتدئ
أما عيسى ع فالدليل
على بقائه قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ
إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ولم يؤمن به مذ نزول
هذه الآية إلى يومنا هذا ولا بد أن يكون ذلك في آخر الزمان.
وأما السنة فما رواه
مسلم في صحيحه عن النواس بن سمعان في حديث طويل في قصة الدجال قال فينزل عيسى ابن مريم
عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعا كفه على أجنحة ملكين وأيضا ما تقدم
من قوله ص كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.
وأما الخضر وإلياس
فقد قال ابن جريرالطبري والخضر وإلياس باقيان يسيران في الأرض. وأيضا فما رواه مسلم
في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال حدثنا رسول الله ص حديثا طويلا عن الدجال فكان فيما
حدثنا قال يأتي وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة فينتهي إلى بعض السباخ التي تلي
المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس فيقوله له أشهد أنك الدجال
الذي حدثنا رسول الله ص حديثه فيقول الدجال أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته أتشكون في
الأمر فيقولون لا قال فيقتله ثم يحييه فيقول حين يحييه والله ما كنت فيك قط أشد بصيرة
مني الآن قال فيريد الدجال أن يقتله ثانيا فلا يسلط عليه. قال أبو إسحاق إبراهيم بن
سعيد يقال إن هذا الرجل هو الخضر ع.
قال هذا لفظ مسلم في
صحيحه كما سقناه سواء وأما الدليل على بقاء الدجال فإنه أورد حديث تميم الداري والجساسة
الدابة التي تكلمهم وهو حديث صحيح ذكره مسلم في صحيحه وقال هذا صريح في بقاء الدجال.
قال وأما الدليل على
بقاء إبليس اللعين فآي الكتاب العزيز نحو قوله
__________________
تعالى (قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ).
وأما بقاء المهدي ع
فقد جاء في الكتاب والسنة أما الكتاب فقد قال سعيد بن جبير في تفسير قوله عزوجل (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال هو المهدي من عترة
فاطمة وأما من قال إنه عيسى ع فلا تنافي بين القولين إذ هو مساعد للإمام على ما تقدم
وقد قال مقاتل بن سليمان ومن شايعه من المفسرين في تفسير قوله عزوجل (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) قال هو المهدي يكون
في آخر الزمان وبعد خروجه يكون قيام الساعة وأماراتها.
وأما السنة فما تقدم
في كتابنا هذا من الأحاديث الصحيحة الصريحة وأما الجواب عن طول الزمان فمن حيث النص
والمعنى أما النص فما تقدم من الأخبار على أنه لا بد من وجود الثلاثة في آخر الزمان
وأنهم ليس فيهم متبوع غير المهدي بدليل أنه إمام الأمة في آخر الزمان وأن عيسى ع يصلي
خلفه كما ورد في الصحاح ويصدقه في دعواه والثالث هو الدجال اللعين وقد ثبت أنه حي موجود.
وأما المعنى في بقائهم
فلا يخلو من أحد قسمين إما أن يكون بقاؤهم في مقدور الله تعالى أو لا يكون ومستحيل
أن يخرج من مقدور الله تعالى لأن من بدء الخلق من غير شيء وأفناه ثم يعيده بعد الفناء
لا بد أن يكون البقاء في مقدوره تعالى فلا يخلو من قسمين إما أن يكون راجعا إلى اختيار
الله تعالى أو إلى اختيار الأمة ولا يجوز أن يكون راجعا إلى اختيار الأمة لأنه لو صح
ذلك منهم لجاز لأحدنا أن يختار البقاء لنفسه ولولده وذلك غير حاصل لنا غير داخل تحت
مقدورنا ولا بد أن يكون راجعا إلى اختيار الله سبحانه ثم لا يخلو بقاء هؤلاء الثلاثة
من قسمين أيضا إما أن يكون لسبب أو لا يكون لسبب فإن كان لغير سبب كان خارجا عن وجه
الحكمة وما يخرج عن وجه الحكمة لا يدخل في أفعال الله تعالى فلا بد من أن يكون لسبب
تقتضيه حكمة الله تعالى.
قال وسنذكر سبب بقاء
كل واحد منهم على حدته أما بقاء عيسى ع لسبب وهو قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ
بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) ولم يؤمن به مذ
نزل هذه الآية إلى
يومنا هذا أحد فلا بد من أن يكون هذا في آخر الزمان.
وأما الدجال اللعين
لم يحدث حدثا مذ عهد إلينا رسول الله ص أنه خارج فيكم الأعور الدجال وإن معه جبالا
من خبز تسير معه إلى غير ذلك من آياته فلا بد من أن يكون ذلك في آخر الزمان لا محالة
وأما الإمام المهدي ع مذ غيبته عن الأبصار إلى يومنا هذا لم يملأ الأرض قسطا وعدلا
كما تقدمت الأخبار في ذلك مشروطا بآخر الزمان فقد صارت هذه الأسباب لاستيفاء الأجل
المعلوم فعلى هذا اتفقت أسباب بقاء الثلاثة فلا بد أن يكون ذلك لصحة أمر معلوم في وقت
معلوم وهما صالحان نبي وإمام وطالح عدو الله وهو الدجال وقد تقدمت الأخبار من الصحاح
بما ذكرناه في صحة بقاء الدجال مع صحة بقاء عيسى ع فما المانع من بقاء المهدي ع مع
كون بقائه باختيار الله وداخلا تحت مقدوره سبحانه وهو آية الرسول ص فعلى هذا هو أولى
بالبقاء من الإثنين الآخرين لأنه إذا بقي المهدي ع كان إمام آخر الزمان يملأ الأرض
قسطا وعدلا كما تقدمت الأخبار فيكون بقاؤه مصلحة للمكلفين ولطفا بهم في بقائه من عند
رب العالمين والدجال إذا بقي فبقائه مفسدة للعالمين لما ذكر من ادعائه الربوبية وفتكه
بالأمة ولكن في بقائه ابتلاء من الله تعالى ليعلم المطيع منهم من العاصي والمحسن من
المسيء والمصلح من المفسد وهذا هو الحكمة في بقاء الدجال وأما بقاء عيسى فهو سبب إيمان
أهل الكتاب به للآية والتصديق بنبوة سيد الأنبياء محمد خاتم النبيين ورسول رب العالمين
ص ويكون تبيانا لدعوى الإمام عند أهل الإيمان ومصدقا لما دعا إليه عند أهل الطغيان
بدليل صلاته خلفه ونصرته إياه ودعائه إلى الملة المحمدية التي هو إمام فيها فصار بقاء
المهدي ع أصلا وبقاء الاثنين فرعا على بقائه فكيف يصح بقاء الفرعين مع عدم بقاء الأصل
لهما ولو صح ذلك لصح وجود المسبب من دون وجود السبب وذلك مستحيل في العقول.
وإنما قلنا إن بقاء
المهدي ع أصل لبقاء الاثنين لأنه لا يصح وجود عيسى
ع بانفراده غير ناصر
لملة الإسلام وغير مصدق للإمام لأنه لو صح ذلك لكان منفردا بدولة ودعوة وذلك يبطل دعوة
الإسلام من حيث أراد أن يكون تبعا فصار متبوعا وأراد أن يكون فرعا فصار أصلا. والنبي
ص قال لا نبي بعدي. وقال ص الحلال ما أحل الله على لساني إلى يوم القيامة والحرام ما
حرم الله على لساني إلى يوم القيامة فلا بد من أن يكون له عونا وناصرا ومصدقا وإذا
لم يجد من يكون له عونا ومصدقا لم يكن لوجوده تأثير فثبت أن وجود المهدي ع أصل لوجوده.
وكذلك الدجال اللعين
لا يصح وجوده في آخر الزمان ولا يكون للأمة إمام يرجعون إليه ووزير يعولون عليه لأنه
لو كان كذلك لم يزل الإسلام مقهورا ودعوته باطلة فصار وجود الإمام أصلا لوجوده على
ما قلناه.
وأما الجواب عن إنكارهم
بقاءه في السرداب من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فعنه جوابان أحدهما بقاء عيسى ع في
السماء من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه وهو بشر مثل المهدي ع فكما جاز بقاؤه في السماء
والحالة هذه فكذلك المهدي في السرداب.
فإن قلت إن عيسى ع
يغذيه رب العالمين من خزانة غيبه.
قلت لا تفنى خزائنه
بانضمام المهدي إليه في إغذائه.
فإن قلت إن عيسى خرج
عن طبيعة البشرية؟
قلت هذه دعوى باطلة
لأنه قال تعالى لأشرف الأنبياء (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ).
فإن قلت اكتسب ذلك
من العالم العلوي قلت هذا يحتاج إلى توقيف ولا سبيل إليه.
والثاني بقاء الدجال
في الدير على ما تقدم بأشد الوثاق مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد
وفي رواية في بئر موثوق وإذا كان بقاء الدجال ممكنا على الوجه المذكور من غير أحد يقوم
به فما المانع من بقاء المهدي
ع مكرما من غير الوثاق
إذ الكل في مقدور الله تعالى فثبت أنه غير ممتنع شرعا ولا عادة.
ثم ذكر بعد هذه الأبحاث
خبر سطيح وأنا أذكر منه موضع الحاجة إليه ومقتضاه أنه يذكر الذي جدن الملك وقائع وحوادث
تجري وزلازل من فتن ثم إنه ذكر خروج المهدي ع وأنه يملأ الأرض عدلا وتطيب الدنيا وأهلها
في أيام دولته ع.
وروى عن الحافظ محمد
بن النجار أنه قال هذا حديث من طوالات المشاهير الذي ذكره الحفاظ في كتبهم ولم يخرج
في الصحيح آخر البيان في حديث صاحب الزمان.
قال الفقير إلى الله
تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى برحمته هذه الأبحاث لا تثبت لنا حجة ولا تقطع الخصم
ولا تضره لما يرد عليها من الإيرادات وتطويله في إثبات بقاء المسيح ع وإبليس والدجال
فهي مثل الضروريات عند المسلمين فلا حاجة إلى التكلف لتقريرها والجواب المختصر ما ذكرته
آنفا وهو أن النقل قد ورد به من طرق المؤالف والمخالف والعقل لا يحيله فوجب القطع به
فأما قوله إن المهدي ع في سرداب وكيف يمكن بقاؤه من غير أحد يقوم بطعامه وشرابه فهذا
قول عجيب وتصور غريب فإن الذين أنكروا وجوده ع لا يوردون هذا والذين يقولون بوجوده
لا يقولون إنه في سرداب بل يقولون إنه حي موجودة يحل ويرتحل ويطوف في الأرض ببيوت وخيم
وخدم وحشم وإبل وخيل وغير ذلك وينقلون قصصا في ذلك وأحاديث يطول شرحها.
وأنا أذكر من ذلك قصتين
قرب عهدهما من زماني وحدثني بهما جماعة من ثقات إخواني كان في البلاد الحلية شخص يقال
له إسماعيل بن الحسن الهرقلي من قرية يقال لها هرقل مات في زماني وما رأيته حكى لي
ولده شمس الدين قال حكى لي والدي أنه خرج فيه وهو شباب على فخذه الأيسر توثة
مقدار قبضة الإنسان
وكانت في كل ربيع تشقق ويخرج منها دم وقيح ويقطعه ألمها عن
__________________
كثير من أشغاله وكان
مقيما بهرقل فحضر الحلة يوما ودخل إلى مجلس السعيد رضي الدين علي بن طاوس رحمهالله وشكا إليه ما يجده
منها وقال أريد أن أداويها فأحضر له أطباء الحلة وأراهم الموضع فقالوا هذه التوثة فوق
العرق الأكحل وعلاجها خطر ومتى قطعت خيف أن ينقطع العرق فيموت فقال له السعيد رضي الدين
قدس روحه أنا متوجه إلى بغداد وربما كان أطباؤها أعرف وأحذق من هؤلاء فاصحبني فأصعد
معه وأحضر الأطباء فقالوا كما قال أولئك فضاق صدره فقال له السعيد إن الشرع قد فسح
لك في الصلاة في هذه الثياب وعليك الاجتهاد في الاحتراس ولا تغرر بنفسك فالله تعالى
قد نهى عن ذلك ورسوله فقال له والدي إذا كان الأمر على ذلك وقد وصلت إلى بغداد فأتوجه
إلى زيارة المشهد الشريف بسر من رأى على مشرفه السلام ثم أنحدر إلى أهلي فحسن له ذلك
فترك ثيابه ونفقته عند السعيد رضي الدين وتوجه قال فلما دخلت المشهد وزرت الأئمة ع
ونزلت السرداب واستغثت بالله تعالى وبالإمام ع وقضيت بعض الليل في السرداب وبت في المشهد
إلى الخميس ثم مضيت إلى دجلة واغتسلت ولبست ثوبا نظيفا وملأت إبريقا كان معي وصعدت
أريد المشهد.
فرأيت أربعة فرسان
خارجين من بات السور وكان حول المشهد قوم من الشرفاء يرعون أغنامهم فحسبتهم منهم فالتقينا
فرأيت شابين أحدهما عبد مخطوط وكل واحد منهم متقلل بسيف وشيخا منقبا بيده رمح والآخر
متقلد بسيف وعليه فرجية
ملونة فوق السيف وهو
متحنك بعذبته فوقف الشيخ صاحب الرمح يمين الطريق ووضع كعب في الأرض ووقف الشابان عن
يسار الطريق وبقي صاحب الفرجية على الطريق مقابل والدي ثم سلموا عليه فرد عليهمالسلام فقال له صاحب الفرجية
أنت غدا تروح إلى أهلك فقال نعم فقال له تقدم حتى أبصر ما يوجعك قال فكرهت ملامستهم
وقلت في نفسي أهل البادية ما يكادون يحترزون من النجاسة وأنا قد خرجت من الماء وقميصي
مبلول ثم إني بعد ذلك تقدمت إليه فلزمني بيده و
__________________
مدني إليه وجعل يلمس
جانبي من كتفي إلى أن أصابت يده التوثة فعصرها بيده فأوجعني ثم استوى في سرجه كما كان
فقال لي الشيخ أفلحت يا إسماعيل فعجبت من معرفته باسمي فقلت أفلحنا وأفلحتم إن شاء
الله قال فقال لي الشيخ هذا هو الإمام قال فتقدمت إليه فاحتضنته وقبلت فخذه.
ثم إنه ساق وأنا أمشي
معه محتضنه فقال ارجع فقلت لا أفارقك أبدا فقال المصلحة رجوعك فأعدت عليه مثل القول
الأول فقال الشيخ يا إسماعيل ما تستحيي يقول لك الإمام مرتين ارجع وتخالفه فجبهني
بهذا القول فوقفت فتقدم
خطوات والتفت إلي وقال إذا وصلت بغداد فلا بد أن يطلبك أبو جعفر يعني الخليفة المستنصر
رحمهالله فإذا حضرت عنده وأعطاك
شيئا فلا تأخذه وقل لولدنا الرضي ليكتب لك إلى علي بن عوض فإنني أوصيه يعطيك الذي تريد
ثم سار وأصحابه معه فلم أزل قائما أبصرهم إلى أن غابوا عني وحصل عندي أسف لمفارقته
فقعدت إلى الأرض ساعة ثم مشيت إلى المشهد فاجتمع القوام حولي وقالوا نرى وجهك متغيرا
أأوجعك شيء قلت لا قالوا أخاصمك أحد قلت لا ليس عندي مما تقولون خبر لكن أسألكم هل
عرفتم الفرسان الذين كانوا عندكم فقالوا هم من الشرفاء أرباب الغنم فقلت لا بل هو الإمام
ع فقالوا الإمام هو الشيخ أو صاحب الفرجية فقلت هو صاحب الفرجية فقالوا أريته المرض
الذي فيك فقلت هو قبضه بيده وأوجعني ثم كشفت رجلي فلم أر لذلك المرض أثرا فتداخلني
الشك من الدهش فأخرجت رجلي الأخرى فلم أر شيئا فانطبق الناس علي ومزقوا قميصي فأدخلني
القوام خزانة ومنعوا الناس عني وكان ناظرا بين النهرين بالمشهد فسمع الضجة وسأل عن
الخبر فعرفوه فجاء إلى الخزانة وسألني عن اسمي وسألني منذ كم خرجت من بغداد فعرفته
أني خرجت في أول الأسبوع فمشى عني وبت في المشهد وصليت الصبح وخرجت وخرج الناس معي
إلى أن بعدت عن المشهد ورجعوا عني ووصلت إلى
__________________
أوانا
فبت بها وبكرت منها
أريد بغداد فرأيت الناس مزدحمين على القنطرة العتيقة يسألون من ورد عليهم عن اسمه ونسبه
وأين كان فسألوني عن اسمي ومن أين جئت فعرفتهم فاجتمعوا علي ومزقوا ثيابي ولم يبق لي
في روحي حكم وكان ناظر بين النهرين كتب إلى بغداد وعرفهم الحال ثم حملوني إلى بغداد
وازدحم الناس علي وكادوا يقتلونني من كثرة الزحام وكان الوزير القمي رحمهالله تعالى قد طلب السعيد
رضي الدين رحمهالله وتقدم أن يعرفه صحة
هذا الخبر.
قال فخرج رضي الدين
ومعه جماعة فوافينا باب النوبى فرد أصحابه الناس عني فلما رآني قال أعنك يقولون قلت
نعم فنزل عن دابته وكشف عن فخذي فلم ير شيئا فغشي عليه ساعة وأخذ بيدي وأدخلني على
الوزير وهو يبكي ويقول يا مولانا هذا أخي وأقرب الناس إلى قلبي فسألني الوزير عن القصة
فحكيت له فأحضر الأطباء الذين أشرفوا عليها وأمرهم بمداواتها فقالوا ما دواؤها إلا
القطع بالحديد ومتى قطعها مات فقال لهم الوزير فبتقدير أن تقطع ولا يموت في كم تبرأ
فقالوا في شهرين وتبقى في مكانها حفيرة بيضاء لا ينبت فيها شعر فسألهم الوزير متى رأيتموه
قالوا منذ عشرة أيام فكشف الوزير عن الفخذ الذي كان فيه الألم وهي مثل أختها ليس فيها
أثر أصلا فصاح أحد الحكماء هذا عمل المسيح فقال الوزير حيث لم يكن عملكم فنحن نعرف
من عملها.
ثم إنه أحضر عند الخليفة
المستنصر رحمهالله تعالى فسأله عن القصة
فعرفه بها كما جرى فتقدم له بألف دينار فلما حضرت قال خذ هذه فأنفقها فقال ما أجسر
آخذ منه حبة واحدة فقال الخليفة ممن تخاف فقال من الذي فعل معي هذا قال لا تأخذ من
أبي جعفر شيئا فبكى الخليفة وتكدر وخرج من عنده ولم يأخذ شيئا.
قال أفقر عباد الله
تعالى إلى رحمته ـ علي بن عيسى عفا الله عنه كنت في بعض الأيام أحكي هذه القصة لجماعة
عندي وكان هذا شمس الدين محمد ولده عندي و
__________________
أنا لا أعرفه فلما
انقضت الحكاية قال أنا ولده لصلبه فعجبت من هذا الاتفاق وقلت هل رأيت فخذه وهي مريضة
فقال لا لأني أصبو عن ذلك ولكني رأيتها بعد ما صلحت ولا أثر فيها وقد نبت في موضعها
شعر وسألت السيد صفي الدين محمد بن محمد بن بشر العلوي الموسوي ونجم الدين حيدر بن
الأيسر رحمهماالله تعالى وكانا من أعيان
الناس وسراتهم وذوي الهيئات منهم وكانا صديقين لي وعزيزين عندي فأخبراني بصحة هذه القصة
وأنهما رأياها في حال مرضها وحال صحتها وحكى لي ولده هذا أنه كان بعد ذلك شديد الحزن
لفراقه ع حتى أنه جاء إلى بغداد وأقام بها في فصل الشتاء وكان كل أيام يزور سامراء
ويعود إلى بغداد فزارها في تلك السنة أربعين مرة طمعا أن يعود له الوقت الذي مضى أو
يقضى له الحظ بما قضى ومن الذي أعطاه دهره الرضا أو ساعده بمطالبه صرف القضاء فمات
رحمهالله بحسرته وانتقل إلى
الآخرة بغصته والله يتولاه وإيانا برحمته بمنه وكرامته.
وحكى لي السيد باقي
بن عطوة العلوي الحسيني أن أباه عطوة كان به أدرة وكان زيدي المذهب وكان ينكر على بنيه
الميل إلى مذهب الإمامية ويقول لا أصدقكم ولا أقول بمذهبكم حتى يجيء صاحبكم يعني المهدي
فيبرئني من هذا المرض وتكرر هذا القول منه فبينا نحن مجتمعون عند وقت عشاء الآخرة إذا
أبونا يصيح ويستغيث بنا فأتيناه سراعا فقال ألحقوا صاحبكم فالساعة خرج من عندي فخرجنا
فلم نر أحدا فعدنا إليه وسألناه فقال إنه دخل إلي شخص وقال يا عطوة فقلت من أنت فقال
أنا صاحب بنيك قد جئت لأبرئك مما بك ثم مد يده فعصر قروتي ومشى ومددت يدي فلم أر لها
أثرا قال لي ولده وبقي مثل الغزال ليس به قلبه واشتهرت هذه القصة وسألت عنها غير ابنه
فأخبر عنها فأقر بها والأخبار عنه ع في هذا الباب كثيرة وأنه رآه جماعة قد انقطعوا
في طرق الحجاز وغيرها فخلصهم وأوصلهم إلى حيث أرادوا ولو لا التطويل لذكرت منها جملة
ولكن هذا القدر الذي قرب عهده من زماني كاف.
قال قطب الدين الراوندي
في كتاب الخرائج والجرائح الباب الثاني عشر
في معجزات صاحب الزمان
ع.
عن حكيمة قالت دخلت
يوما على أبي محمد قال بيتي عندنا الليلة فإن الله سيظهر الخلف فيها قلت وممن فلست
أرى بنرجس حملا قال يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى لم يظهر حملها به إلا وقت ولادتها
فبت أنا وهي فلما انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة الليل فقلت في نفسي قد قرب الفجر ولم
يظهر ما قال أبو محمد فناداني أبو محمد لا تعجلي فرجعت إلى البيت خجلة فاستقبلتني نرجس
ترتعد فضممتها إلى صدري وقرأت عليها (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وآية الكرسي فأجابني
الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي قالت وأشرق نور في البيت فنظرت وإذا الخلف تحتها ساجدا
إلى القبلة فأخذته فناداني أبو محمد من الحجرة هلمي بابني إلي يا عمة قالت فأتيته به
فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه فقال له انطق يا بني بإذن الله فقال أعوذ بالله
من الشيطان الرجيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ
أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ
فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ) صلى الله على محمد
المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر
بن محمد وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي أبي.
قالت وغمرتنا طيور
خضر فنظر أبو محمد إلى طائر منها فدعاه فقال خذه فاحفظه حتى يأذن الله فيه ف (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) قالت حكيمة قلت لأبي
محمد ما هذا الطائر وما هذه الطيور قال هذا جبرئيل وهذا ملائكة الرحمة ثم قال يا عمة
رديه (إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ
عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ
لا يَعْلَمُونَ) فرددته إلى أمه قالت
ولما ولد كان نظيفا مفروغا منه وعلى ذراعه الأيمن مكتوب (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ
الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً).
ومنها ما روى السياري قال
حدثتني نسيم ومارية قالتا لما خرج صاحب الزمان من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه رافعا
بسبابتيه نحو السماء
فعطس فقال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) وصلى الله على محمد
وآله عبدا داخرا غير مستنكف ولا مستكبر ثم قال زعمت الظلمة إن حجة الله داحضة ولو أذن
الله لنا في الكلام لزال الشك.
ومنها ما روي عن طريف أبي
نصر الخادم قال دخلت على صاحب الزمان وهو في المهد فقال لي علي بالصندل الأحمر فأتيته
به فقال أتعرفني قلت نعم أنت سيدي وابن سيدي فقال ليس عن هذا سألتك فقلت فسر لي فقال
أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء من أهلي وشيعتي.
ومنها ما روي عن أبي نعيم
محمد بن أحمد الأنصاري قال وجه قوم من المفوضة كامل بن إبراهيم المدني إلى أبي محمد
قال فقلت في نفسي لما دخلت عليه أسأله عن الحديث المروي عنه ع لا يدخل الجنة إلا من
عرف الله معرفتي وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل فجاءت الريح فكشفت طرفه وإذا أنا
بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربع سنين أو مثلها فقال لي يا كامل بن إبراهيم فاقشعررت
من ذلك وألهمت أن قلت لبيك يا سيدي قال جئت إلى ولي الله تسأله لا يدخل الجنة إلا من
عرف معرفتك وقال بمقالتك قلت إي والله قال إذا والله يقل داخلها والله إنه ليدخلنها
قوم يقال لهم الحقية قلت ومن هم قال هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه ولا يدرون ما
حقه وفضله أي قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملة لا تفصيلا من معرفة الله ورسوله
والأئمة ونحوها ثم قال وجئت تسأل عن مقالة المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشية الله
فإذا شاء الله تعالى شئنا والله يقول (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ)
فقال لي أبو محمد ما
جلوسك فقد أنبأك بحاجتك.
ومنها ما روي عن رشيق حاجب
المادراني قال بعث إلينا المعتضد وأمرنا أن نركب ونحن ثلاثة نفر ونخرج محفين على السروج
ونجنب أخرى وقال ألحقوا بسامراء واكبسوا دار الحسن بن علي فإنه توفي ومن رأيتم في داره
فأتوني
__________________
برأسه فكبسنا الدار
كما أمرنا فوجدناها دارا سرية كأن الأيدي رفعت عنها في ذلك الوقت فرفعنا الستر وإذا
سرداب في الدار الأخرى فدخلناها وكأن بحرا فيها وفي أقصاه حصير وقد علمنا أنه على الماء
وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلي فلم يلتفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا فسبق
أحمد بن عبد الله ليتخطى فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه فخلصته وأخرجته
فغشي عليه وبقي ساعة وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك فناله مثل ذلك فبقيت مبهوتا فقلت
لصاحب البيت المعذرة إلى الله وإليك فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من نجيء وأنا تائب
إلى الله فما التفت إلي بشيء مما قلت فانصرفنا إلى المعتضد فقال اكتموه وإلا ضربت رقابكم.
ومنها أن علي بن زياد الصيمري
كتب يلتمس كفنا فكتب إليه أنك تحتاج إليه في سنة ثمانين فمات في سنة ثمانين وبعث إليه
بالكفن قبل موته.
ومنها ما روى عن نسيم خادم
أبي محمد ع قال دخلت على صاحب الزمان ع بعد مولده بعشرة أيام فعطست عنده فقال يرحمك
الله قال ففرحت بذلك فقال لي ألا أبشرك في العطاس هو أمان من الموت ثلاثة أيام.
ومنها ما روي عن حكيمة قالت
دخلت على أبي محمد بعد أربعين يوما من ولادة نرجس فإذا مولانا الصاحب يمشي في الدار
فلم أر لغة أفصح من لغته فتبسم أبو محمد وقال إنا معاشر الأئمة ننشأ في كل يوم كما
ينشأ غيرنا في الشهر وننشأ في الشهر كما ينشأ غيرنا في السنة قالت ثم كنت بعد ذلك أسأل
أبا محمد عنه فقال استودعناه الذي استودعت أم موسى ولدها.
ومنها ما روي عن أبي الحسن
المسترق الضرير قال كنت يوما في مجلس الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة فتذاكرنا
أمر الناحية قال كنت أزري عليها
إلى أن حضرت مجلس عمي
الحسين يوما فأخذت أتكلم في ذلك فقال يا بني قد كنت أقول بمقالتك هذه إلى أن ندبت
إلى ولاية قم حين استصعبت
على السلطان و
__________________
كان كل من ورد إليها
من جهة السلطان يحاربه أهلها فسلم إلي جيش وخرجت نحوها فلما خرجت إلى ناحية طر وخرجت
إلى الصيد ففاتني طريدة فاتبعتها وأوغلت في أثرها حتى بلغت إلى نهر فسرت فيه فكلما
سرت يتسع النهر فبينا أنا كذلك إذ طلع علي فارس تحته شهباء وهو متعمم بعمامة خز خضراء
لا أرى منه سواد عينيه وفي رجليه خفان أحمران فقال لي يا حسين وما أمرني ولا كناني
فقلت ما ذا تريد فقال لم تزري على الناحية ولم تمنع أصحابي خمس مالك وكنت رجلا وقودا
لا أخاف شيئا فأرعدت وتهيبته وقلت له أفعل يا سيدي ما تأمر به فقال إذا أتيت إلى الموضع
الذي أنت متوجه إليه فدخلته عفوا وكسبت ما كسبته فيه تحمل خمسه إلى مستحقه فقلت السمع
والطاعة فقال امض راشدا ولوى عنان دابته وانصرف فلم أدر أي طريق سلك فطلبته يمينا وشمالا
فخفي علي أمره فازددت رعبا وانكفأت راجعا إلى عسكري وتناسيت الحديث فلما بلغت قم وعندي
أنني أريد محاربة القوم خرج إلي أهلها وقالوا كنا نحارب من يجيئنا لخلافهم لنا وأما
إذا وافيت أنت فلا خلاف بيننا وبينك ادخل البلدة فدبرها كما ترى فأقمت فيها زمانا وكسبت
أموالا زائدة على ما كنت أقدر ثم وشي القواد بي إلى السلطان وحسدت على طول مقامي وكثرة
ما اكتسبت فعزلت ورجعت إلى بغداد فابتدأت بدار السلطان فسلمت وأقبلت إلى منزلي وجاءني
فيمن جاءني محمد بن عثمان العمري فتخطى رقاب الناس حتى اتكأ على تكأتي فاغتظت من ذلك
ولم يزل قاعدا لا يبرح والناس يدخلون ويخرجون وأنا أزداد غيظا فلما تصرم المجلس
دنا إلي وقال بيني
وبينك سر فاسمعه فقلت قل فقال صاحب الشهباء والنهر يقول قد وفينا بما وعدنا فذكرت الحديث
وارتعدت من ذلك وقلت السمع والطاعة فقمت وأخذت بيده وفتحت الخزائن فلم يزل يخمسها إلى
أن خمس شيئا كنت قد أنسيته مما كنت قد جمعته وانصرف ولم أشك بعد ذلك وتحققت الأمر فأنا
منذ سمعت هذا من عمي أبي عبد الله زال ما كان اعترضني من شك.
__________________
ومنها ما روي عن أبي القاسم
جعفر بن محمد بن قولويه قال لما وصلت بغداد في سنة سبع وثلاثين للحج وهي السنة التي
رد القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت كان أكبر همي بمن ينصب الحجر لأنه مضى في
أثناء الكتب قصة أخذه وأنه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان كما في زمن الحجاج وضعه
زين العابدين ع في مكانه فاستقر فاعتللت علة صعبة خفت فيها على نفسي ولم يتهيأ لي ما
قصدت له فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدة عمري وهل
تكون المنية في هذه العلة أم لا وقلت همي إيصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه
وأخذ جوابه وإنما أندبك لهذا فقال المعروف بابن هشام لما حصلت بمكة وعزم على إعادة
الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه أقمت
معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم فأقبل غلام
أسمر اللون حسن الوجه فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه وعلت لذلك الأصوات
فانصرف خارجا من الباب فنهضت من مكاني أتبعه وأدفع الناس عني يمينا وشمالا حتى ظن بي
اختلاط في العقل والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتى انقطع عني الناس وكنت أسرع الشدة
خلفه وهو يمشي على تؤدة
ولا أدركه فلما حصل
بحيث لا يراه أحد غيري وقف والتفت إلي فقال هات ما معك فناولته الرقعة فقال من غير
أن ينظر فيها قل له لا خوف عليك في هذه العلة ويكون ما لا بد منه بعد ثلاثين سنة قال
فوقع علي الزمع
حتى لم أطق حراكا وتركني
وانصرف قال أبو القاسم فأعلمني بهذه الجملة فلما كانت سنة سبع وستين اعتل أبو القاسم
فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره وكتب وصيته واستعمل الجد في ذلك فقيل له ما
هذا الخوف وترجو أن يتفضل الله بالسلامة فما عليك مخوفة فقال هذه السنة التي وعدت وخوفت
__________________
منها فمات في علته.
ومنها ما روي عن علي بن إبراهيم
بن هاشم عن أبيه عن عيسى بن شج قال دخل الحسن بن علي العسكري علينا الحبس وكنت به عارفا
فقال لي لك خمس وستون سنة وشهر ويومان وكان معي كتاب دعاء عليه تاريخ مولدي وأني نظرت
فيه فكان كما قال وقال هل رزقت ولدا فقلت لا قال اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا فنعم
العضد الولد ثم تمثل ع.
من كان ذا عضد يدرك
ظلامته
|
|
إن الذليل الذي ليست
له عضد
|
قلت يا مولاي ألك ولد
قال إي والله سيكون لي ولد يملأ الأرض قسطا فأما الآن فلا ثم تمثل عليه السلام
لعلك يوما أن تراني
كأنما
|
|
نبي حوالي الأسود
اللوائد
|
فإن تميما قبل أن
تلد الحصا
|
|
أقام زمانا وهو في
الناس واحد
|
آخر ما نقلته من كتاب
الخرائج للراوندي رحمهالله.
وقال الطبرسي في كتابه
الركن الرابع من الكتاب في ذكر الأئمة الاثني عشر والإمام الثاني عشر ع المطلب الأهم
والغرض الأتم من هذا الكتاب في تصحيح إمامة صاحب الزمان بن الحسن القائم الحجة مهدي
الأمة وكاشف الغمة على الجملة والتفصيل بثابت البرهان وواضح الدليل.
ثم إن ذلك يدور على
قسمين أحدهما ذكر البراهين والبينات من جهة النصوص الدالة على إمامة الاثني عشر الذي
هو خاتمهم وقائمهم عليه وعليهم أجمعين أفضل الصلاة والسلام وقد رواها الخاصة والعامة
وأطبق على نقلها الفرقتان المتباينتان والطائفتان المختلفتان عن النبي ص وما يؤيد ذلك
من الأدلة التي تجملهم وتعمهم وتشملهم والآخر ذكر الدلالات الواضحة في إمامته ع خاصة
على التعيين والتفصيل والإفراد له بالدليل بعد إشراكه ع في دلالة الاعتبار مع ذكر طرف
من الأخبار في ذكر مولده وغيبته وعلامات وقت قيامه ومدة دولته وبيان سيرته.
ذكر القسم الأول من
الركن الرابع وهو القول في الدلالة على الإمامة للاثني عشر
من آل محمد ع ويشتمل
على ثلاثة فصول.
الفصل الأول في ذكر
بعض الأخبار التي جاءت في النص على عدد الأئمة الاثني عشر من الأئمة من طريق العامة
على طريق الإجمال.
اعلم أن الخبر إذا
رواه المعترف بصحته الدائن بصدقه ووافقه على ذلك المنكر لمضمونه الدافع لما اشتمل عليه
فقد أسفر فيه الحق عن وجه الدلالة لاتفاق المتضادين في المقالة إذ لو كان باطلا لما
توفرت دواعي المنكر له على نقله وهو حجة عليه بل كانت منه الدواعي متوفرة في دفعه على
مجرى العرف والعادة لا سيما وقد سلم من بعض معارضة فسقط الحجة به أو دعوى تكافيه في
الظاهر فتمنع من العمل عليه والاعتقاد به وإذا كانت الأخبار الواردة في أعداد الأئمة
ع بهذه الصفة فقد وجب القطع على صحتها.
فمما جاء من الأخبار
التي نقلها أصحاب الحديث غير الإمامية في ذلك وصححوها ما روى مرفوعا إلى جابر بن سمرة
قال سمعت من رسول الله ص يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول لا يزال الدين قائما حتى تقوم
الساعة ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش وسمعته يقول أنا الفرط على الحوض رواه
مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن أبي شيبة وقتيبة بن سعد.
قال أفقر عباد الله
تعالى إلى رحمته علي بن عيسى عفا الله عنه هذا الحديث ذكرته في صدر هذا الكتاب من عدة
طرق وهو في صحيح مسلم وذكرت أيضا نقلا من مسند أحمد بن حنبل رحمهالله أن عبد الله بن مسعود
سئل هل أخبركم نبيكم بعدة الخلفاء من بعده في كلام هذا معناه فقال نعم قال كعدة نقباء
بني إسرائيل.
قال الطبرسي ومما ذكره
الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في كتابه قال ومن ذلك ما روي عن
ابن مسعود في كتابه وذكر الحديث وأنا نقلته من مسند أحمد بن حنبل.
ومما ذكره الشيخ أبو
عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد الدوريستي رحمهالله في
الرد على الزيدية مرفوعا
إلى ابن عباس قال سألت رسول الله ص حين حضرته الوفاة فقلت إذا كان ما نعوذ بالله منه
فإلى من فأشار بيده إلى علي ع فقال إلى هذا فإنه مع الحق والحق معه ثم يكون من بعده
أحد عشر إماما مفترضة طاعتهم كطاعته.
وعن المفيد مرفوعا
إلى عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كم خليفة يكون لرسول الله ص فقالت أخبرني رسول الله
ص أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة قال فقلت لها من هم فقالت أسماؤهم عندي مكتوبة بإملاء
رسول الله ص فقلت لها فاعرضيه فأبت.
وبإسناده عن العباس
بن عبد المطلب رضي الله عنه أن النبي ص قال له يا عم يملك من ولدي اثنا عشر خليفة ثم
تكون أمور كريهة وشدائد عظيمة ثم يخرج المهدي من ولدي يصلح الله أمره في ليلة فيملأ
الأرض عدلا كما ملئت جورا ويمكث في الأرض ما شاء الله ثم يخرج الدجال.
هذا بعض ما جاء من
الأخبار من طريق المخالفين ورواياتهم في النص على عدد الأئمة الاثني عشر ع وإذا كانت
الفرقة المخالفة قد نقلت ذلك كما نقلته الشيعة الإمامية ولم تنكر ما تضمنه الخبر فهو
أدل دليل على أن الله تعالى هو سخرهم لروايته إقامة لحجته وإعلاء لكلمته وما هذا الأمر
إلا كالخارق للعادة والخارج من الأمور المعتادة ولا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى
الذي يذلل الصعب ويقلب القلب ويسهل العسير (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ).
الفصل الثاني في ذكر
بعض الأخبار التي جاءت من طرق الشيعة الإمامية في النص على إمامة الاثني عشر من آل
محمد ع هذه الأخبار على ضربين أحدهما يتضمن النص على عدد الاثني عشر من آل محمد ع على
الجملة والثاني يتضمن النص على أعيان الأئمة الاثني عشر على التفصيل.
فأما الضرب الأول منهما
فنحو" ما رواه محمد بن يعقوب الكليني مرفوعا إلى جابر بن عبد الله الأنصاري قال
دخلت على فاطمة ع وبين يديها لوح
مكتوب فيه أسماء الأوصياء
من ولدها فعددت اثني عشر آخرهم القائم ثلاثة منهم محمد وأربعة منهم علي.
وبإسناده يرفعه إلى
أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر ع قال إن الله عزوجل أرسل محمدا ص إلى الجن
والإنس وجعل من بعده اثني عشر وصيا منهم من سبق ومنهم من بقي وكل وصي جرت به سنة والأوصياء
الذين من بعد محمد ص على سنة أوصياء عيسى وكانوا اثني عشر وكان أمير المؤمنين ع على
سنة المسيح.
وبإسناده يرفعه إلى
أبي سعيد الخدري قال كنت حاضرا لما مات أبو بكر رضي الله عنه واستخلف عمر رضي الله
عنه وشهدت إذ أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب تزعم يهود المدينة أنه أعلم زمانه حتى
رفع إلى عمر فقال له يا عمر إني جئتك أريد الإسلام فإن أخبرتني عما أسألك عنه فأنت
أعلم أصحاب محمد بالكتاب والسنة وجميع ما أريد أن أسأل عنه فقال له عمر إني لست هناك
ولكني أرشدك إلى من هو أعلم أمتنا بالكتاب والسنة وجميع ما تسأل عنه وهو ذاك وأومأ
بيده إلى علي ع وساق الحديث إلى أن قال قال له أمير المؤمنين ع سل عما بدا لك فقال
أخبرني عن ثلاث وثلاث وواحدة فقال له علي لم لم تقل سبعة فقال له اليهودي إنك إن أخبرتني
بالثلاث سألتك عن البقية وإلا كففت ثم قال أخبرني عن أول حجر وضع على وجه الأرض وأول
شجرة غرست في الأرض وأول عين نبعت على وجه الأرض فأخبره أمير المؤمنين ع ثم قال له
اليهودي أخبرني عن هذه الأمة كم يكون لها من إمام هدى وأخبرني عن نبيكم محمد أين منزله
في الجنة ومن يسكن معه في منزله فقال له ع إن لهذه الأمة اثني عشر إماما من ذرية نبيها
وهم مني وأما منزلة نبينا في الجنة فهي أفضلها وأشرفها جنة عدن وأما من يسكن معه في
منزله فهؤلاء الاثنا عشر من ذريته وأمهم وجدتهم أم أمهم وذراريهم لا يشركهم فيها أحد
الخبر بتمامه
وأعاد هذا الخبر ثانية
بألفاظ أتم
__________________
من هذه والموضع المطلوب
سؤال اليهودي عن عدة الأئمة ع فإن أمير المؤمنين ع عينها كما تقدم وأسلم اليهودي.
وعن أبي حمزة قال سمعت
الإمام علي بن الحسين ع يقول إن الله تعالى خلق محمدا واثني عشر من أهل بيته من نور
عظمته وأقامهم أشباها في ضياء نوره يعبدونه ويسبحونه ويقدسونه وهم الأئمة من بعد محمد
ص.
وعن زرارة قال سمعت
أبا جعفر ع يقول من آل محمد اثنا عشر إماما كلهم محدث ورسول الله ص وعلي هما الوالدان.
وعن علي بن أبي طالب
ع قال قال رسول الله ص اثنا عشر من أهل بيتي أعطاهم الله فهمي وعلمي وحلمي وخلقهم من
طينتي فويل للمتكبرين عليهم بعدي القاطعين فيهم صلتي ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي.
وعن سيد العابدين علي
بن الحسين ع عن أبيه عن جده ع قال قال رسول الله ص الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم أنت
يا علي وآخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها.
وعن الصادق عن أبيه
عن جده ع قال قال رسول الله ص الأئمة من بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم
القائم هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي وحجج الله على أمتي المقر بهم مؤمن والمنكر لهم
كافر.
وعن ابن عباس قال قال
رسول الله ص إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثني عشر أولهم أخي وآخرهم
ولدي قيل يا رسول الله من أخوك قال علي بن أبي طالب قيل فمن ولدك قال المهدي الذي يملأها
قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بشيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم
واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي وينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي
خلفه وتشرق (الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) وبلغ سلطانه المشرق
والمغرب والأخبار في هذا الفن كثيرة فلنقتصر على ما أوردناه ففيه كفاية ومقنع فيما
نحوناه.
وأما الضرب الثاني
ذكر في هذا الضرب حديث اللوح الذي كان عند فاطمة ع فيه أسماء الأئمة واحدا بعد واحد
على التعيين وهو من طرق أصحابنا والذي أراه أن هذه الأحاديث لا فائدة في ذكرها طائلة
لأنه إن كان المراد بها إثبات أسمائهم وحصرهم في هذه العدة عند الشيعة فذلك أمر مفروق
منه ثابت لا يحتاج إلى دليل ولا يفتقر إلى برهان ويكفى فيه عندهم النقل الذي تداولوا
وإن كان المراد به ثبوته عند المخالفين فهذه الأحاديث عندهم لا تنصر دعوى ولا تثبت
حجة وقد أوردت أنا في تضاعيف هذا الكتاب من طرقهم ما فيه بلاء ولا يسع العقلاء إنكاره
إلا من أراد الجدال وكان في طبعه عناد أو نشأ على أمر ويضعف طبعه عن مفارقته والعدول
عنه إلى ضده وفي ذلك صعوبة على الأنفس الضعيفة وقد أجاد أبو الطيب في قوله
يراد من القلب نسيانكم
|
|
وتأبى الطباع على
الناقل
|
وروي عن سليم بن قيس
الهلالي قال سمعت عبد الله بن جعفر الطيار يقول كنا عند معاوية أنا والحسن والحسين
وعبد الله بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فذكرنا حديثا جرى بينه وبين معاوية
وأنه قال لمعاوية سمعت رسول الله ص يقول أنا (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ثم أخي علي ع (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإذا استشهد فابني
الحسن (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ثم ابني الحسين (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فإذا استشهد فابنه
علي بن الحسين (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وستدركه يا علي ثم
ابني محمد بن علي (أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وستدركه يا حسين ثم
تكمله اثنا عشر إماما تسعة من ولد الحسين قال عبد الله ثم استشهدت الحسن والحسين وعبد
الله بن عباس وعمر بن أبي سلمة وأسامة بن زيد فشهدوا لي عند معاوية.
قال سليم بن قيس الهلالي
وقد كنت سمعت من سلمان وأبي ذر والمقداد وأسامة بن زيد أنهم سمعوا ذلك من رسول الله
ص.
وعن سلمان الفارسي
رضي الله عنه قال دخلت على النبي ص فإذا
الحسين على فخذيه وهو
يقبل عينيه ويلثم فاه وهو يقول أنت سيد بن سيد أبو سادة أنت إمام بن إمام أبو أئمة
أنت حجة بن حجة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم.
وعن الصادق عن أبيه
عن جده علي بن الحسين عن أبيه ع قال سئل أمير المؤمنين ع عن معنى قول رسول الله ص إني
مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي فقيل له من العترة فقال أنا والحسن والحسين والأئمة
التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم وقائمهم لا يفارقون كتاب الله ولا يفارقهم حتى
يردوا على رسول الله ص حوضه.
وعن عبد الله بن عباس
قال سمعت رسول الله ص يقول أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون.
وعنه قال قال رسول
الله ص أنا سيد النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين وأن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم
علي بن أبي طالب ع وآخرهم القائم.
وعن جابر بن يزيد الجعفي
قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما أنزل الله تعالى على نبيه ص (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا
اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)
قلت يا رسول الله عرفنا
الله ورسوله فمن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك فقال ع هم خلفائي من بعدي
يا جابر وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين
ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فأقرئه مني
السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد بن علي ثم علي
بن محمد ثم الحسن بن علي ثم سميي وكنيي حجة الله في أرضه وبقيته في عباده محمد بن الحسن
بن علي ذلك الذي يفتح الله عزوجل على يديه مشارق الأرض
ومغاربها وذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته
__________________
إلا من امتحن الله
قلبه للإيمان قال جابر فقلت يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته فقال
ع إي والذي بعثني بالحق إنهم ليستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس
بالشمس وإن علاها سحاب يا جابر هذا من مكنون سر الله ومخزون علم الله فاكتمه إلا عن
أهله إلى آخر الخبر.
وعن ابن عباس قال قال
رسول الله ص إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض اطلاعة ثم اختارني منها فجعلني نبيا
ثم اطلع الثانية فاختار منها عليا وجعله إماما ثم أمرني أن أتخذه أخا ووصيا وخليفة
ووزيرا ـ فعلي مني وأنا من علي وهو زوج ابنتي وأبو سبطي الحسن والحسين ألا وإن الله
تبارك وتعالى جعلني وإياهم حججا على عباده وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ويحفظون
وصيتي التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله
يظهر بعد غيبة طويلة وحيرة مضلة فيعلن أمر الله ويظهر دين الله ويؤيد بنصر الله وينصر
بملائكة الله فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.
وعن أبي حمزة الثمالي
عن الصادق عن آبائه ع قال قال رسول الله ص حدثني جبرئيل عن رب العزة جل جلاله أنه قال
من علم أن لا إله إلا أنا وحدي وأن محمدا عبدي ونبيي وأن علي بن أبي طالب خليفتي وأن
الأئمة من ولده حججي أدخلته الجنة برحمتي ونجيته من النار بعفوي وأبحت له جواري وأوجبت
له كرامتي وأتممت عليه نعمتي وجعلته خاصتي وخالصتي إن ناداني لبيته وإن دعاني أجبته
وإن سألني أعطيته وإن سكت ابتدأته وإن أساء رحمته وإن فر مني دعوته وإن شهد بذلك ولم
يشهد أن علي بن أبي طالب خليفتي أو شهد بذلك ولم يشهد أن الأئمة من ولده حججي فقد جحد
نعمتي وصغر عظمتي وكفر بآياتي وكتبي إن قصدني حجبته وإن سألني حرمته وإن ناداني لم
أسمع نداءه وإن دعاني لم أجب دعاءه وإن رجاني خيبته وذلك جزاؤه مني (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فقام جابر بن عبد الله
الأنصاري فقال يا رسول الله ومن الأئمة من ولد علي بن أبي طالب فقال الحسن والحسين
سيدا شباب أهل الجنة
ثم سيد العابدين في
زمانه علي بن الحسين ثم الباقر محمد بن علي وستدركه يا جابر فإذا أدركته فأقرئه مني
السلام ثم الصادق جعفر بن محمد ثم الكاظم موسى بن جعفر ثم الرضا علي بن موسى ثم التقي
محمد بن علي ثم النقي علي بن محمد ثم الزكي الحسن بن علي ثم ابنه القائم مهدي أمتي
الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما هؤلاء يا جابر خلفائي وأوصيائي وأولادي
وعترتي من أطاعهم فقد أطاعني ومن عصاهم فقد عصاني ومن أنكرهم أو أنكر واحدا منهم فقد
أنكرني بهم (يُمْسِكُ) الله (السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا
بِإِذْنِهِ) وبهم يحفظ الله الأرض
أن تميد بأهلها.
وعن أبي حمزة الثمالي
عن الباقر عن آبائه ع عن الحسين بن علي قال دخلت أنا وأخي على جدي رسول الله ص فأجلسني
على فخذه وأجلس أخي الحسن على فخذه الأخرى ثم قال لنا بأبي أنتما من إمامين صالحين
اختاركما الله مني ومن أبيكما وأمكما واختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم
كلهم في الفضل والمنزلة سواء.
قال محمد بن عمران
سمعت أبا عبد الله ع يقول نحن اثني عشر محدثا فقال له أبو بصير تالله لقد سمعت ذلك
من أبي عبد الله ع فحلف مرة أو مرتين أنه سمعه منه فقال أبو بصير لكني سمعته من أبي
جعفر ع.
قال وأمثال هذه الأخبار
كثيرة لا يحتمل هذا الكتاب أكثر مما ذكرناه وقد ذكر كثيرا منها الشيخ أبو جعفر بن بابويه
في كتاب كمال الدين وتمام النعمة في إثبات الغيبة وكشف الحيرة فمن أراد الزيادة فليطلب
من هناك وقد صنف الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان في ذلك كتابا مفردا
ذكر فيه الأخبار الواردة في هذا المعنى بأسانيدها.
الفصل الثالث من القسم
الأول في ذكر جمل من الدلائل على إمامة أئمتنا ع سوى ما ذكرناه فيما تقدم من الكتاب
أحد الدلائل على إمامتهم ع ما ظهر عنهم من العلوم التي تفرقت في فرق العالم فحصل في
كل فرقة منهم فن
واجتمعت فنونها وسائر
أنواعها في آل محمد ع ألا ترى إلى ما روي عن أمير المؤمنين ع في أبواب التوحيد والكلام
الباهر المفيد من الخطب وعلوم الدين وأحكام الشريعة وتفسير القرآن وغير ذلك ما زاد
على جميع كلام الخطباء والعلماء والفصحاء والحكماء والبلغاء حتى أخذ منه المتكلمون
والفقهاء والمفسرون ونقل عنه أهل العربية أصول الإعراب ومعاني اللغات وقال في الطب
ما استفاد منه الأطباء وفي الحكم والوصايا والآداب ما أربى على جميع كلام الحكماء وفي
النجوم وعلم الآثار ما استفاده من جهته جميع أهل الملل والآراء ثم قد نقلت الطوائف
عمن ذكرناه من عترته وأبنائه ع مثل ذلك من العلوم في جميع الأنحاء ولم يختلف في فضلهم
وعلو درجتهم في ذلك من أهل العلم اثنان فقد ظهر عن الباقر والصادق ع من الفتاوي في
الحلال والحرام والمسائل والأحكام وروى الناس عنهما من علوم الكلام وتفسير القرآن وقصص
الأنبياء والمغازي والسير وأخبار العرب وملوك الأمم ما سمي أبو جعفر ع لأجله باقر العلم.
وروي عن الصادق ع من
مشهوري أهل العلم أربعة آلاف إنسان وصنف من جواباته في المسائل أربعمائة كتاب هي معروفة
بكتب الأصول رواها أصحابه وأصحاب أبيه وأصحاب ابنه موسى ع ولم يبق فن من فنون العلم
إلا روي عنه ع فيه أبواب وكذلك كانت حالة ابنه موسى من بعده في إظهار العلوم حتى حبسه
الرشيد ومنعه من ذلك وقد انتشر للرضا ع وابنه أبي جعفر من ذلك ما شهرة جملته تغني عن
تفصيله وكذلك كانت سبيل أبي الحسن وأبي محمد العسكريين ع وإنما كانت الرواية عنهما
أقل لأنهما كانا محبوسين في عسكر السلطان ممنوعين من الانبساط في الفتيا وأن يلقاهما
كل أحد من الناس.
وإذا ثبت بما ذكرناه
بينونة أئمتنا ع بما وصفناه عن جميع الأنام ولم يمكن أحدا أن يدعي أنهم أخذوا العلم
عن رجال العامة أو تلقنوه من رواتهم وفقهائهم لأنهم لم يروا قط مختلفين إلى أحد من
العلماء في تعلم شيء من العلوم ولأن ما نقل عنهم من العلوم فإن أكثره لا يعرف إلا منهم
ولم يظهر إلا عنهم فعلمنا
أن هذه العلوم بأسرها
قد انتشرت عنهم مع غناهم عن سائر الناس وتيقنا زيادتهم في ذلك على كافتهم ونقصان جميع
العلماء عن رتبتهم.
فثبت أنهم أخذوها عن
النبي ص خاصة وأنه أفردهم بها ليدل على إمامتهم وافتقار الناس إليهم فيما يحتاجون إليه
وغناهم عنهم ليكونوا مفزعا لأمته في الدين وملجئا لهم في الأحكام وجروا في هذا التخصيص
مجري النبي ص في تخصيص الله سبحانه له بإعلامه أحوال الأمم السالفة وإفهامه ما في الكتب
المتقدمة من غير أن يقرأ كتابا أو يلقى أحدا من أهله.
هذا وقد ثبت في العقول
أن الأعلم الأفضل أولى بالإمامة من المفضول وقد بين الله ذلك في كتابه بقوله (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ
أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى)
وقوله (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ
لا يَعْلَمُونَ)
ودل بقوله سبحانه في
قصة طالوت (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي
الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)
وأن التقدم في العلم
والشجاعة موجب للتقدم في الرئاسة وإذا كانت أئمتنا ع أعلم الأمة بما ذكرناه فقد ثبت
أنهم أئمة الإسلام الذين استحقوا الرئاسة على الأنام بما قلناه.
دلالة
أخرى ومما يدل على إمامتهم ع إجماع الأمة على طهارتهم وظاهر عدالتهم
وعدم التعلق عليهم أو على أحد منهم بشيء يشينه في ديانته مع اجتهاد أعدائهم وملوك أزمنتهم
في الغض منهم
والوضع من أقدارهم
والتطلب لعثراتهم حتى أنهم كانوا يقربون من يظهر عداوتهم وينفون ويقتلون من يتحقق بولايتهم
وهذا أمر ظاهر عند من سمع بأخبار الناس فلو لا أنهم ع كانوا على صفات الكمال من العصمة
والتأييد من الله تعالى وأنه سبحانه منع بلطفه كل أحد من أن
__________________
يتحرس عليهم باطلا
أو يقول فيهم لما سلموا ع من ذلك على الوجه الذي شرحناه لا سيما وقد ثبت أنهم لم يكونوا
ممن لا يؤبه بهم ولا ممن لا يدعو الداعي إلى البحث عن أخبارهم وانقطاع آثارهم بل كانوا
على مرتبة من تعظيم الخلق إياهم وفي الرتبة العالية والدرجة الرفيعة التي يحسدهم عليها
الملوك ويتمنونها لأنفسهم لأن شيعتهم مع كثرتها في الخلق وغلبتها في أكثر البلاد اعتقدت
فيهم الإمامة التي تشارك النبوة وظهرت عليهم الآيات والمعجزات والعصمة عن الزلازل حتى
أن الغلاة قد اعتقدت فيهم النبوة والإلهية وكان أحد أسباب اعتقادهم ذلك فيهم حسن آثارهم
وعلو أحوالهم وكمالهم في صفاتهم وقد جرت العادة فيمن حصل له جزء من هذه النباهة أن
لا يسلم من ألسنة أعدائه ونسبتهم إياه إلى بعض العيوب القادحة في الديانة والأخلاق
فإذا ثبت أن أئمتنا ع نزههم الله عن ذلك ثبت أنه سبحانه هو المتولي لجميع الخلائق على
ذلك بلطفه وجميل صنعه ليدل على أنهم حججه على عباده والسفراء بينه وبين خلقه والأركان
لدينه والحفظة لشرعه وهذا واضح لمن تأمله.
دلالة
أخرى ومما يدل أيضا على إمامتهم ع ما حصل من الاتفاق على برهم وعدالتهم
وعلو قدرهم وطهارتهم وقد ثبت معرفتهم ع بكثير ممن يعتقد إمامتهم ويدين الله تعالى بعصمتهم
والنص عليهم ويشهد بالمعجز لهم ووضح أيضا اختصاص هؤلاء بهم وملازمتهم إياهم ونقلهم
الأحكام والعلوم عنهم وحملهم الزكوات والأخماس إليهم من أنكر هذا أو دفع كان مكابرا
دافعا للعيان بعيدا عن معرفة أخبارهم وقد علم كل محصل بطرق الأخبار أن هشام بن الحكم
وأبا بصير وزرارة بن أعين وحمران وبكر ابني أعين ومحمد بن النعمان الذي يلقبه العامة
شيطان الطاق وبريد بن معاوية العجلي وأبان بن تغلب ومحمد بن مسلم الثقفي ومعاوية بن
عمار الدهني وغير هؤلاء ممن قد بلغوا الجمع الكثير والجم الغفير من أهل العراق والحجاز
وخراسان وفارس كانوا في وقت جعفر بن محمد ع رؤساء الشيعة في الفقه ورواية
الحديث والكلام وقد
صنفوا الكتب وجمعوا المسائل والروايات وأضافوا أكثر ما اعتمدوه من الرواية إليه وإلى
أبيه محمد الباقر ع لكل إنسان منهم أتباع وتلامذة في المعنى الذي يتفردوا به وأنهم
كانوا يدخلون من العراق إلى الحجاز في كل عام إذا كثروا أو قلوا ثم يرجعون ويحكون عنه
الأقوال ويسندون إليه الدلالات وكانت حالهم في وقت الكاظم والرضا على هذه الصفة وكذلك
إلى وقت وفاة أبي محمد العسكري ع وحصل العلم باختصاص هؤلاء بأئمتنا ع كما يعلم اختصاص
أبي يوسف ومحمد بن الحسن بأبي حنيفة وكما يعلم اختصاص المزني والربيع بالشافعي واختصاص
النظام بأبي الهذيل والجاحظ والأسواري بالنظام :
ولا فرق بين من دفع
الإمامة عما ذكرناه وبين من دفع من سميناه عمن وصفناه في الجهل بالأخبار والعناد والإنكار
وإذا كان الأمر على ما ذكرناه لم تخل الإمامية في شهاداتها من أن تكون كاذبة أو صادقة
فإن كانت محقة صادقة في نقل النص عنهم من خلفائهم ع مصيبة فيما اعتقدته فيهم من العصمة
والكمال فقد ثبت إمامتهم على ما قلناه وإن كانت كاذبة في شهاداتها مبطلة في عقيدتها
فلن يكون كذلك إلا ومن سميناهم من أئمة الهدى ع ضالون برضاهم بذلك فاسقون بترك النكير
عليهم مستحقون للبراءة منهم من حيث تولوا الكذابين مضلون لتقريبهم إياهم واختصاصهم
بهم من بين الفرق كلها ظالمون في أخذ الزكوات والأخماس عنهم وهذا ما لا يطلقه مسلم
فيمن يقول بإمامته وإذا كان الإجماع المقدم ذكره حاصلا على طهارتهم وعدالتهم ووجوب
إمامتهم ثبتت إمامتهم بتصديقهم لمن أثبت عندهم ذلك وبمن ذكرناه من اختصاصهم بهم وهذا
واضح والمنة لله.
(دلالة
أخرى) ومما يدل أيضا على إمامتهم ع وأنهم أفضل الخلق بعد النبي ص ذكر
في هذا الفصل كلاما طويلا أنا ألخصه وأذكر معناه قال ما معناه إن الله غرس لهم في القلوب
من الإجلال والتعظيم ما كان يعظمهم لأجله
الولي والعدو مع اختلاف
الأهواء وتباين الآراء فلا يجحد عدوهم شرفهم وعلو مكانهم وعظيم مقدارهم هذا معاوية
مع مبارزته لأمير المؤمنين ع ونصبه له العداوة وما جرى بينهم من الوقائع لم يمكنه يوما
أن يدفع شرفه ولا يضع منزلته ولا يقدح في حال من أحواله وأمر من أموره وقد كان يسمع
من أصحابه ع ومن ابن عباس رضي الله عنه ومن الوافدين عليه والوافدات ما يقذي عينه ويصم
سمعه من تفضيل علي ع عليه وعد مناقبه ووصف خلاله وذكر مأثره فما نقل أنه أنكر ذلك ولا
أمكنه رده ولا النكير على قائله مع محاربته له ومنازعته إياه الخلافة وسبه إياه على
المنابر فكان كما قيل فأخرجه إلى السفه العياء.
وقد أجاد مهيار في
قوله.
ما لقريش ما ذقتك
عهدها
|
|
ودا محبتك ودها على
دخل
|
وطالبتك بقديم حقدها
|
|
بعد أخيك بالتراب
والذحل
|
وكيف ضموا أمرهم
واجتمعوا
|
|
واستوردوا الرأي
وأنت منعزل
|
وليس منهم قادح بريبه
|
|
فيك ولا فاض عليك
بوهل
|
وكذا كانت الحال مع
ناكثي بيعته فإنهم لم يتمكنوا من إنكار فضله ومجد شرفه وكذا كانت أحوال الحسن والحسين
ع بعده من تعظيم الناس لهم واعترافهم لهم بعلو المنزلة حتى أن يزيد بن معاوية لقاه
الله غب أفعاله الوخيمة وجزاه بما يستحقه على أعماله الذميمة فلم يسعه أن يقول في الحسين
ع ما يغض من شرفه أو يطعن في ثغرة مجده ولم يحفظ عنه ذمة ولا استزادته وكان همه الدنيا
وطلب الولاية فلها ترك الصواب وعليها دخل النار من كل الأبواب وكان يظهر الحزن عليه
والندم على قتله وإنكار أنه أمر بذلك أو رضي به وما زال يعظم زين العابدين ع ولما أنفذ
مسلم بن عقبة وجرت وقعة الحرة أوصاه باحترامه ع وإكرامه وصيانة جانبه معهم ومعرفتهم
بحقه وقدره.
والصادق ع كان مكرما
معظما عند بني مروان وبمثل ذلك عامله السفاح والمنصور.
وموسى بن جعفر ع كان
مراعى الحال معروف القدر والمكانة رفيع المنزلة والمحل الذي جرى في حقه من الرشيد كان
ينكره ويعتذر منه وما زال في حال حياته في زمن الهادي والرشيد على أتم ما ينبغي إلى
أن جرى له ع ما جرى وأحضر الرشيد الشهود يشهدون أنه مات موتا ولم يقتل كل ذلك تفصيا
من قتله وإنكار أن يكون أمر به.
وحال المأمون مع الرضا
ع مشهورة فيما كان يعامله به من الإعزاز التام به والإكرام البالغ حتى زوجه بابنته
وأوصى له بولاية عهده وأسخط لأجله أهل بيته وأولاده وبني أبيه وبني عمه وبذلك عامل
ابنه أبا جعفر ع مع صغر سنه حتى زوجه بابنته أم الفضل وعرف محله وكان يشيد بذكر أبيه
وذكره ويعلي ما أعلى الله من قدر أبيه وقدره ويرفعه في مجلسه على أهله وبني عمه وأولاده
وقضاته.
وكان المتوكل يعظم
علي بن محمد ع مع عداوته لعلي أمير المؤمنين ومقته له وطعنه على آل أبي طالب.
وكذلك كان المعتمد
مع أبي محمد ع في إكرامه والمبالغة فيه هذا والأئمة الذين عددناهم في قبضة من عددنا
من الملوك على الظاهر وتحت طاعتهم وقد اجتهدوا كل الاجتهاد في أن يعثروا لهم على عيب
يتعلقون به في الحط من منازلهم وأمعنوا في البحث عن أسرارهم وأحوالهم في خلواتهم فعجزوا
ولم يظفروا بشيء أصلا.
فعلمنا أن تعظيمهم
إياهم مع ظاهر عداوتهم لهم وشدة محبتهم للغض منهم وإجماعهم على ضد مرادهم من إكرامهم
وتبجيلهم منحة من الله سبحانه لهم ليدل بذلك على اختصاصهم منه جلت قدرته بالمعنى الذي
يوجب طاعتهم على جميع الأنام وما هذا إلا كالأمور الغير المألوفة والأشياء الخارقة
للعادة.
ويؤيد ما ذكرناه تسخير
الله سبحانه الخلق لتعظيم من ذكرناه من الطوائف
المختلفة والفرق المتباينة
في المذاهب والآراء وأجمعوا على تعظيم قبورهم وقصد مشاهدهم حتى أنهم يقصدونها من البلاد
الشاسعة ويلمون بها ويتقربون إلى الله بزيارتها ويستنزلون عندها من الله الأرزاق ويستفتحون
الأغلاق ويطلبون ببركتها الحاجات ويستدفعون الملمات وهذا هو المعجز الخارق للعادة وإلا
فما الحامل للفرقة المنحازة عن هذه الجبهة المخالفة لها على ذلك ولم يفعلوا بعض ذلك
بمن ذكرناه ممن يعتقدون إمامته وفرض طاعته وهو موافق لهم مساعد غير مخالف.
ألا ترى أن ملوك بني
أمية وخلفاء بني العباس مع كثرة شيعتهم وكونهم أضعاف أضعاف شيعة أئمتنا ع وكون أكثر
الدنيا في أيديهم ما حصل لهم من تعظيم الجمهور في حياتهم والسلطنة على العالمين والخطبة
على المنابر في شرق الأرض وغربها لهم بإمرة المؤمنين لم يلم أحد من شيعتهم وأوليائهم
فضلا عن أعدائهم بقبورهم بعد وفاتهم ولا قصد أحد تربة لهم متقربا بذلك إلى ربه ولا
نشط لزيارتهم وهذا لطف من الله سبحانه بخلقه في الإيضاح عن حقوق أئمتنا ع ودلالة على
علو منزلتهم منه جل اسمه لا سيما ودواعي الدنيا ورغباتها معدومة عند هذه الطائفة وموجودة
عند أولئك فمن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا ولا يقال إنهم فعلوه
للتقية لأن التقية ليست مذهبا لهم ولا يخافونهم فيتقونهم فلم يبق إلا دواعي الدين.
وهذا هو الأمر العجيب
الذي لا ينفذ فيه إلا قدرة القادر القاهر الذي يذلل الصعاب ويسبب الأسباب ليوقظ به
الغافلين ويقطع عنه عذر المتجاهلين وأيضا فقد شارك أئمتنا ع من غيرهم أولاد النبي ع
في نسبهم وحسبهم وقرابتهم وكان لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهد وعلم ولم يحصل من الإجماع
على تعظيمهم وزيارة قبورهم ما وجدناه قد حصل لهم ع فإن من عداهم من صلحاء العترة يميل
إليهم فريق من الأمة ويعرض عنهم فريق ولا يبلغ بهم من التعظيم الغاية التي تعامل بها
أئمتنا ع وهذا يدل على أن الله سبحانه خرق في أئمتنا ع العادات وقلب الحالات للإبانة
عن علو درجتهم و
التنبيه على شرف مرتبتهم
والدلالة على إمامتهم.
قال الفقير إلى الله
تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى حكى لي بعض الأصحاب أن الخليفة المستنصر رحمهالله تعالى مشى مرة إلى
سر من رأى وزار العسكريين ع وخرج فزار التربة التي دفن فيها الخلفاء من آبائه وأهل
بيته وهم في قبة خربة يصيبها المطر وعليها زرق الطيور وأنا رأيتها على هذه الحال فقيل
له أنتم خلفاء الأرض وملوك الدنيا ولكم الأمر في العالم وهذه قبور آبائكم بهذه الحال
لا يزورها زائر ولا يخطر بها خاطر وليس فيها أحد يميط عنها الأذى وقبور هؤلاء العلويين
كما ترونها بالستور والقناديل والفرش والزلالي والفراشين والشمع والبخور وغير ذلك فقال
هذا أمر سماوي لا يحصل باجتهادنا ولو حملنا الناس على ذلك ما قبلوه ولا فعلوا وصدق
رحمهالله فإن الاعتقادات لا
تحصل بالقهر ولا يتمكن أحد من الإكراه عليها.
وقال ذكر القسم الثاني
من الركن الرابع وهو الكلام في إمامة صاحب الزمان الثاني عشر من الأئمة ـ أبي القاسم
بن الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ع وتاريخ مولده ودلائل إمامته وذكر طرف من أخباره
وغيبته وعلامات وقت قيامه ومدة دولته ووصف سيرته ويشتمل على خمسة أبواب.
الباب
الأول في ذكر اسمه وكنيته ولقبه ومولده ع واسم
أمه ومن شاهده وفيه ثلاثة فصول.
الأول في ذكر اسمه وكنيته ولقبه ع هو المسمى باسم رسول الله ص المكنى بكنيته وقد جاء في الأخبار
أنه لا يحل لأحد أن يسميه باسمه ولا أن يكنيه بكنيته إلى أن يزين الله الأرض بظهور
دولته ويلقب ع بالحجة والقائم والمهدي والخلف الصالح وصاحب الزمان والصاحب وكانت الشيعة
في غيبته الأولى تعبر عنه وعن جنبته بالناحية المقدسة وكان ذلك رمزا بين الشيعة يعرفونه
به وكانوا أيضا يقولون على سبيل الرمز والتقية الغريم يعنونه ع.
قال أفقر عباد الله
تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى من العجب أن الشيخ
الطبرسي والشيخ المفيد
رحمهماالله تعالى قالا إنه لا
يجوز ذكر اسمه ولا كنيته ثم يقولان اسمه اسم النبي ص وكنيته كنيته ع وهما يظنان أنهما
لم يذكرا اسمه ولا كنيته وهذا عجيب والذي أراه أن المنع من ذلك إنما كان للتقية في
وقت الخوف عليه والطلب له والسؤال عنه فأما الآن فلا والله أعلم.
الفصل الثاني في ذكر مولده واسم أمه ع ولد ع بسر من رأى ليلة النصف من الشعبان سنة خمس وخمسين ومائتين
من الهجرة وذكر الأحاديث التي أوردها المفيد رحمهالله في مولده ع عن حكيمة
عمة أبي محمد ع.
الفصل الثالث لم نذكره
الباب الثاني من الركن الرابع في ذكر النصوص
الدالة على إمامته ع مما تقدم ذكره في جملة الاثني عشر وفيه ثلاثة فصول :
الفصل الأول في ذكر إثبات النص على إمامته
ع من طريق الاعتبار إذا ثبت بالدليل وجوب
الإمامة واستحالة أن يخلي الحكيم سبحانه عباده المكلفين وقتا من الأوقات من وجود المعصوم
من القبائح ويكون كاملا غنيا عن رعاياه في العلوم ليكونوا بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد
من الفساد وثبت وجود النص على من نص عليه من إمام معصوم أو ظهر المعجز الدال عليه المميز
له عمن سواه وعدم هذه الصفات من كل أحد بعد وفاة أبي محمد الحسن بن علي العسكري ع ممن
ادعيت له الإمامة في تلك الحال سوى من أثبت إمامته أصحابه ع وهو ابنه القائم مقامه
وثبتت إمامته ع وإلا أدى إلى خروج الحق عن أقوال الأمة وهذا أصل لا يحتاج معه في الإمامة
إلى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الروايات والأخبار لقيامه بنفسه في قضية العقل
وثبوته بصحيح الاعتبار على أنه قد سبق النص عليه من النبي ص ثم من أمير المؤمنين ع
ثم من الأئمة ع واحدا بعد واحد إلى أبيه ع وإخبارهم بغيبه قبل وجوده وبدولته والفصل
بعد غيبته ونحن نذكر ذلك الفصل الذي يلي هذا الفصل ثم نذكر بعد ذلك الأخبار الواردة
في أنه نص عليه أبوه ع عند خواصه وثقته وشيعته وأشار إليه بالإمامة استظهارا
في الحجة وتثبيتا على
المحجة
الفصل الثاني ذكر فيه الأخبار التي تقدم ذكره عن آبائه ع سوى ما ذكره فيما
تقدم من الكتاب قال حذفنا أسانيدها تحريا للاختصار فمن أراد فيطلبها من كتاب كمال الدين
لأبي جعفر.
ثم ذكر بعد ذلك. ما
رواه جابر الجعفي عن جابر الأنصاري قال قال رسول الله ص المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته
كنيتي أشبه الناس بي خلقا وخلقا تكون له غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب
الثاقب فيملأها عدلا كما ملئت جورا وأمثال هذه الأخبار قد تقدمت وأذكر فيها ما أظن
أني لم أذكره.
وعن ابن عباس قال قال
رسول الله ص إن علي بن أبي طالب إمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ومن ولده القائم المنتظر
الذي يملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما والذي بعثني بالحق بشيرا إن
الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر فقام إليه جابر بن
عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة قال إي وربي (وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ
الْكافِرِينَ) يا جابر إن هذا أمر
من أمر الله وسر من سر الله علته مطوية عن عباد الله فإياك والشك فإن الشك في الله
كفر.
وعن الرضا ع عن آبائه
عن علي ع أنه قال للحسين ع التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق والمظهر للدين والباسط
للعدل قال الحسين ع فقلت له وإن ذلك لكائن فقال إي والذي بعث محمدا بالنبوة واصطفاه
على جميع البرية ولكن بعد غيبة وحيرة لا يثبت فيها على دينه إلا المخلصون المباشرون
لروح اليقين الذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا و (كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ
الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ).
ومما جاء فيه عن الحسن
بن علي بن أبي طالب ع لما صالح الحسن بن علي ع معاوية دخل الناس عليه ولامه بعض الشيعة
على بيعته فقال ع ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير
لشيعتي مما طلعت عليه
الشمس أو غربت ألا تعلمون أني إمامكم ومفترض الطاعة عليكم وأحد سيدي شباب أهل الجنة
بنص من رسول الله ص علي قالوا بلى قال أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة وقتل الغلام
وأقام الجدار كان ذلك سخطا لموسى ع إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك وكان عند الله حكمة
وصوابا أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلا القائم الذي
يصلي روح الله عيسى ابن مريم ع خلفه فإن الله عزوجل يخفي ولادته ويغيب
شخصه لئلا يكون في عنقه بيعة إذا خرج ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء
يطيل الله عمره في غيبته ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة ذلك ليعلم (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
ومما جاء فيه عن الحسين
بن علي بن أبي طالب ع ما رواه الصادق عن آبائه عن الحسين ع قال في التاسع من ولدي سنة
من يوسف وسنة من موسى بن عمران ع وهو قائمنا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة واحدة.
وعن الحسين ع قال في
القائم منا سنن من الأنبياء سنة من نوح وسنة من إبراهيم وسنة من موسى وسنة من عيسى
وسنة من أيوب وسنة من محمد ص فأما من نوح فطول العمر وأما من إبراهيم فخفاء الولادة
واعتزال الناس وأما من موسى فالخوف والغيبة وأما من عيسى فاختلاف الناس فيه وأما من
أيوب فالفرج بعد البلوى وأما من محمد ص فالخروج بالسيف.
قال وسمعته يقول القائم
منا يخفى عن الناس ولادته حتى يقولوا لم يولد بعد ليخرج حين يخرج وليس لأحد في عنقه
بيعة.
وقال علي بن الحسين
زين العابدين ع من ثبتت على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء
بدر وأحد.
وروى عبد الله بن عطاء
قال قلت لأبي جعفر ع إن شيعتك بالعراق
كثيرة وو الله ما في
أهلك مثلك فقال لي يا عبد الله قد أمكنت الحشو من أذنيك
والله ما أنا بصاحبكم
قلت فمن صاحبنا قال أنظر من يخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم.
وعن محمد بن مسلم قال
دخلت على أبي جعفر ع وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد فقال مبتدئا يا محمد
بن مسلم إن في القائم من آل محمد شبها من خمسة من الرسل يونس بن متى ويوسف بن يعقوب
وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم أجمعين فأما شبهه من يونس فرجوعه من غيبته وهو
شاب بعد كبر السن وأما شبهه من يوسف فالغيبة من خاصته وعامته واختفاؤه عن إخوته وإشكال
أمره على أبيه يعقوب النبي ع مع قرب المسافة بينهما وأما شبهه من موسى ع فهو دوام خوفه
وطول غيبته وخفاء مولده على عدوه وحيرة شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى
أن يأذن الله في ظهوره وأيده على عدوه وأما شبهه من عيسى ع فاختلاف من اختلف فيه حتى
قالت طائفة ما ولد وطائفة قالت مات وطائفة قالت صلب وأما شبهه من جده محمد ص فتجريده
السيف وقتله أعداء الله وأعداء رسوله والجبارين والطواغيت وأنه ينصر بالسيف والرعب
وأنه لا ترد له راية وأن من علامات خروجه خروج السفياني من الشام وخروج اليماني وصيحة
من السماء في شهر رمضان ومناد ينادي باسمه واسم أبيه.
وعن الصادق ع قال من
أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد نبوة محمد ع فقيل له
يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك قال الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا
يحل لكم تسميته.
وعن يونس بن عبد الرحمن
قال دخلت على موسى بن جعفر ع فقلت له يا ابن رسول الله أنت القائم بأمر الله فقال أنا
القائم بالحق ولكن القائم الذي
__________________
يطهر الأرض من أعداء
الله ويملأها عدلا كما ملئت جورا وهو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفا على نفسه
ويرتد فيها قوم ويثبت فيها آخرون.
وقال ع طوبى لشيعتنا
المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا الثابتين على موالاتنا والبراءة من أعدائنا أولئك
منا ونحن منهم قد رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة فطوبى لهم ثم طوبى لهم وهم والله معنا
في درجتنا يوم القيامة.
وعن أيوب بن نوح قال
قلت للرضا إنا نرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يسلمه الله إليك من غير سيف فقد بويع
لك وضربت الدراهم باسمك فقال ما منا أحد اختلفت إليه الكتب وسئل عن المسائل وأشارت
إليه الأصابع وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عزوجل لهذا الأمر رجلا خفي
المولد والمنشأ غير خفي في نسبه.
وعن ريان بن الصلت
قال قلت للرضا ع أنت صاحب هذا الأمر فقال أنا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملأها
عدلا كما ملئت جورا وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني فإن القائم هو الذي إذا خرج
خرج في سن الشيوخ ومنظر الشباب يكون قويا في بدنه حتى لو مد يده إلى أعظم شجرة على
وجه الأرض لقلعها ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها ويكون معه عصا موسى وخاتم سليمان
ذاك الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء ثم يظهره فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما
ملئت جورا وظلما كأني بهم آيس ما كانوا إذ نودوا نداء يسمع من بعد كما يسمع من قرب
يكون رحمة للمؤمنين وعذابا للكافرين.
وعن الحسين بن خالد
قال قال الرضا ع لا دين لمن لا ورع له ولا إيمان لمن لا تقية له و (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فقيل له يا ابن رسول
الله إلى متى قال (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ
الْمَعْلُومِ) وهو يوم خروج قائمنا
فمن ترك التقية قبل خروج قائمنا فليس منا فقيل له يا ابن رسول الله من القائم منكم
أهل البيت قال الرابع من ولدي ابن سيدة الإماء يطهر الله به الأرض من كل جور ويقدسها
من كل ظلم وهو الذي يشك الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة قبل خروجه و
إذا خرج أشرقت الأرض
بنوره ووضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحدا وهو الذي تطوى له الأرض ولا يكون
له ظل وهو الذي ينادي مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض بالدعاء إليه يقول ألا إن
حجة الله قد ظهر عند بيت الله فاتبعوه فإن الحق معه وفيه وهو قول الله عزوجل (إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ
عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ).
ومثله ما رواه عبد
العظيم بن عبد الله الحسني قال دخلت على سيدي علي بن محمد ع فلما بصر بي قال لي مرحبا
بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا فقلت له يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني
فإن كان مرضيا ثبت عليه إلى أن ألقى الله عزوجل فقال هات يا أبا القاسم
فقلت إني أقول إن الله تبارك وتعالى واحد (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) خارج عن الحدين حد
الإبطال وحد التشبيه وأنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر بل هو مجسم الأجسام ومصور
الصور وخالق الأعراض والجواهر ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ـ وأن محمدا خاتم النبيين
ولا نبي بعده إلى يوم القيامة وأن شريعته خاتمة الشرائع فلا شريعة بعدها إلى يوم القيامة
وأقول إن الإمام والخليفة وولي الأمر بعده أمير المؤمنين ع ثم الحسن ثم الحسين ثم علي
بن الحسين ثم محمد بن علي ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ثم علي بن موسى ثم محمد
بن علي ثم أنت يا مولاي فقال ع ومن بعدي الحسن ابني فكيف يكون للناس بالخلف من بعده
قال فقلت وكيف ذلك يا مولاي قال لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأها
عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا قال فقلت أقررت وأقول إن وليهم ولي الله وإن عدوهم
عدو الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله وأقول المعراج حق والمساءلة في القبر
حق وإن الجنة حق وإن النار حق وإن الصراط حق وإن الميزان حق (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها
وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) وأقول إن الفرائض الواجبة
بعد الولاية الصلاة والزكاة و
__________________
الصوم والحج والجهاد
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال علي بن محمد ع يا أبا القاسم هذا والله دين
الله الذي ارتضاه لعباده فاثبت عليه ثبتك الله (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ
فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) والآخرة.
الفصل الثالث في ذكر النص عليه من جهة أبيه
الحسن ع عن أحمد بن إسحاق وسعد
الأشعري قال دخلت على أبي محمد الحسن بن علي العسكري ع وأنا أريد أن أسأله عن الخلف
بعده فقال لي مبتدئا يا أحمد بن إسحاق إن الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم
ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة الله على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض وبه
ينزل الغيث وبه تخرج بركات الأرض قال فقلت يا ابن رسول الله فمن الخليفة والإمام بعدك
فنهض ع مسرعا فدخل البيت ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر من أبناء
ثلاث سنين وقال يا أحمد بن إسحاق لو لا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني
هذا إنه سمي رسول الله وكنيه الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يا أحمد
بن إسحاق مثله في هذه الأمة مثل الخضر ع ومثله مثل ذي القرنين والله ليغيبن غيبة لا
ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبته الله تعالى على القول بإمامته ووفقه للدعاء بتعجيل
فرجه.
قال أحمد بن إسحاق
فقلت يا مولاي فهل من علامة تطمئن بها قلبي فنطق الغلام بلسان عربي فصيح فقال أنا بقية
الله في أرضه والمنتقم من أعداء الله فلا تطلب أثرا بعد عين يا أحمد بن إسحاق قال أحمد
فخرجت فرحا مسرورا فلما كان من الغد عدت إليه فقلت يا ابن رسول الله لقد عظم سروري
بما مننت به علي فما السنة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين قال طول الغيبة يا أحمد
بن إسحاق فقلت له يا ابن رسول الله إن غيبته لتطول قال إي وربي حتى يرجع عن هذا الأمر
أكثر القائلين به فلا يبقى إلا من أخذ الله عهده بولايتنا وكتب في قلبه الإيمان وأيده
(بِرُوحٍ مِنْهُ) يا أحمد بن إسحاق هذا
أمر من أمر الله وسر من سر الله وغيب من غيب الله (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) واكتمه (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) تكن معنا غدا في عليين.
وعن جابر بن يزيد الجعفي
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال سمعت رسول الله ص يقول إن ذا القرنين كان عبدا صالحا
من عباد الله جعله الله حجة على عباده فدعا قومه إلى الله عزوجل وأمرهم بتقوى الله
فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل مات أو هلك وبأي واد سلك ثم ظهر ورجع إلى
قومه فضربوه على قرنه الآخر وفيكم من هو على سنته وأن الله عزوجل مكن لذي القرنين في
الأرض وجعل له (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) وبلغ المشرق والمغرب
وأن الله تعالى سيجري سنته في القائم من ولدي ويبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقى
منهل ولا موضع من سهل أو جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها
وينصره بالرعب ويملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.
وعن يقعوب بن منقوش
قال دخلت على أبي محمد ع وهو جالس في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل فقلت له يا
سيدي من صاحب هذا الأمر فقال ارفع الستر فرفعته فخرج علينا غلام خماسي له عشر أو ثمان
أو نحو ذلك واضح الجبين أبيض الوجه دري المقلتين في خده الأيمن خال وله ذؤابة فجلس
على فخذ أبي محمد ع فقال لي هذا صاحبكم ثم وثب وقال له يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم
فدخل إلى البيت وأنا أنظر إليه ثم قال لي يا يعقوب انظر من في هذا البيت فدخلت فلم
أر أحدا.
وعن أبي هاشم الجعفري
قال قلت لأبي محمد جلالتك تمنعني من مسألتك أفتأذن لي أن أسألك قال سل فقلت يا سيدي
هل لك ولد قال نعم قلت فإن حدث أمر فأين أسأله عنه قال بالمدينة.
وعن محمد بن عثمان
العمري قال كنا جماعة عند أبي محمد ع وكنا أربعين رجلا فعرض علينا ولده وقال هذا إمامكم
من بعدي وخليفتي عليكم فأطيعوه ولا تتفرقوا بعدي فتهلكوا في أديانكم أما إنكم لا ترونه
بعد يومكم هذا قال فخرجنا من عنده فما مضت إلا أيام قلائل حتى مضى أبو محمد ع.
وعن موسى بن جعفر بن
وهب البغدادي قال سمعت أبا محمد الحسن بن علي ع
يقول كأني بكم وقد
أخلفتم بعدي في الخلف مني أما إن المقر بالأئمة بعد رسول الله ص المنكر لولدي كمن أقر
بجميع أولياء الله ورسله ثم أنكر رسول الله ص لأن طاعة آخرنا كطاعة أولنا والمنكر لآخرنا
كالمنكر لأولنا أما إن لولدي غيبة يرتاب فيها الناس إلا من عصمه الله.
وعن محمد بن عثمان
العمري قال سمعت أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن
آبائه ع أن الأرض لا تخلو من حجة الله على جميع خلقه إلى يوم القيامة وأن من مات ولم
يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فقال إن هذا حق كما أن النهار حق فقيل له يا ابن رسول
الله فمن الحجة والإمام بعدك فقال ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي فمن مات ولم يعرفه
مات ميتة جاهلية أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ويكذب فيها
الوقاتون ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
الباب الثالث في بيان وجه الاستدلال بهذه
الأخبار الواردة في النصوص على إمامته وذكر أحوال غيبته وما شوهد من دلالاته وبيناته
وبعض ما خرج من توقيعاته أربعة فصول :
الفصل الأول في ذكر الدلالة على إثبات غيبته
ع وصحة إمامته من جهة الأخبار.
يدل على إمامته ع ما
أثبتناه من أخبار النصوص وهي ثلاثة أوجه أحدها النص على عدد الأئمة الاثني عشر وقد
جاءت تسميته ع في بعض تلك الأخبار ودل البعض على إمامته بما فيه من ذكر العدد من قبل
أنه لا قائل بهذا العدد في الأمة إلا من دان بإمامته وكلما طابق الحق فهو الحق الوجه
الثاني النص عليه من جهة أبيه ع خاصة.
الوجه الثالث النص
عليه بذكر غيبته وصفتها التي تحصرها ووقوعها على الحد المذكور من غير اختلاف حتى لا
تحرم منه شيئا وليس يجوز في العادات أن
يولد جماعة كذبا فيكون
خبرا غير كائن فيتفق في ذلك حسب ما وصفوه فإذا كانت أخبار الغيبة قد سبقت زمان الحجة
ع بل زمان أبيه وجده حتى تعلقت الكيسانية بها في إمامة ابن الحنفية والناووسية والممطورة
في أبي عبد الله وأبي الحسن موسى ع وخلدها المحدثون من الشيعة في أصولهم المؤلفة في
أيام السيدين الباقر والصادق ع وآثروها عن النبي ص والأئمة ع واحدا بعد واحد صح بذلك
القول في إمامة صاحب الزمان ع بوجود هذه الصفة له والغيبة المذكورة في دلائله وإعلام
إمامته وليس يمكن أحدا دفع ذلك.
ومن جملة ثقات المحدثين
والمصنفين من الشيعة الحسن بن محبوب الزراد وقد صنف المشيخة الذي هو في أصول الشيعة
أشهر من كتاب المزني وأمثاله قبل زمان الغيبة بأكثر من مائة سنة فذكر فيه بعض ما أوردناه
من أخبار الغيبة فوافق الخبر المخبر وحصل كلما تضمنه الخبر بلا اختلاف.
ومن جملة ما رواه عن
إبراهيم بن الحارثي وعن أبي بصير عن أبي عبد الله ع قال قلت كان أبو جعفر ع يقول ـ
لقائم آل محمد غيبتان واحدة طويلة والأخرى قصيرة قال فقال لي نعم يا أبا بصير إحداهما
أطول من الأخرى ثم لا يكون ذلك يعني ظهوره حتى يختلف ولد فلان وتضيق الخليفة ويظهر
السفياني ويشتد البلاء ويشمل الناس موت وقتل ويلجئون منه إلى حرم الله تعالى وحرم رسوله
ص.
فانظر كيف حصلت الغيبتان
لصاحب الأمر ع على حسب ما تضمنته الأخبار الواردة السابقة لوجوده عن آبائه وجدوده ع
أما غيبته القصرى منهما فهي التي كانت فيها سفراؤه ع موجودين وأبوابه معروفين لا تختلف
الإمامية القائلون بإمامة الحسن بن علي ع فيهم منهم أبو هاشم داود بن القاسم الجعفري
ومحمد بن علي بن بلال وأبو عمرو عثمان بن سعيد السمان وابنه أبو جعفر محمد بن عثمان
رضي الله عنهما وعمر الأهوازي وأحمد بن إسحاق وأبو محمد الوجناني وإبراهيم بن مهزيار
ومحمد بن إبراهيم في جماعة أخرى ومن
يأتي ذكرهم عند الحاجة
إليهم في الرواية عنهم.
وكانت مدة الغيبة أربعا
وسبعين سنة وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه بابا لأبيه وجده ع من
قبل وثقة لهما ثم تولى من قبله وظهرت المعجزات على يده ولما مضى لسبيله قام ابنه أبو
جعفر محمد مقامه بنصه عليه ومضى على منهاج أبيه رضي الله عنه في آخر جمادى الآخرة من
سنة أربع أو خمس وثلاثمائة وقام مقامه أبو القاسم الحسين بن روح من بني نوبخت بنص من
أبي جعفر محمد بن عثمان عليه فأقامه مقام نفسه ومات رضي الله عنه في شعبان سنة ست وعشرين
وثلاثمائة وقام مقامه أبو الحسن علي بن محمد السمري بنص من أبي القاسم عليه وتوفي في
النصف من شعبان سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
وروي عن أبي محمد الحسن
بن أحمد المكتب أنه قال كنت بمدينة السلام في السنة التي مات فيها علي بن محمد السمري
فحضرته قبل وفاته بيوم وأخرج إلى الناس توقيعا نسخته.
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ
الرَّحِيمِ) يا علي بن محمد أعظم
الله أجر إخوانك فيك فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم
مقامك بعد وفاتك فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى وذلك بعد
طول الأمد وقسوة القلب وامتلاء الأرض جورا وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة ألا فمن
يدعي المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر ولا حول ولا قوة إلا بالله
العلي العظيم.
قال فاستنسخنا هذا
التوقيع وخرجنا من عنده فلما كان في اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه فقيل له
من وصيك فقال لله أمر هو بالغه وقضى. فهذا آخر الكلام الذي سمع منه ثم حصلت الغيبة
الطولى التي نحن في أزمانها والفرج يكون في آخرها بمشية الله تعالى.
الفصل الثاني في ذكر بعض ما روي من دلائله
ع وبيناته.
وذكر في هذا الفصل
أخبارا قد تقدم ذكرها من أمور أخبر عنها ع مثل
الدراهم التي حملت
إليه ورد منها أربع مائة درهم وقال أخرج منها فإنها حق ابنك ففعل ذلك وأمثالها وقد
تقدمت.
الفصل الثالث في ذكر بعض التوقيعات الواردة
منه ع.
. قال محمد بن عثمان
العمري خرج توقيع بخط أعرفه من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة الله. قال
أبو علي محمد بن همام وكتبت أسأله عن ظهور الفرج متى يكون فخرج التوقيع كذب الوقاتون.
إسحاق بن يعقوب قال
سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتابا سألت فيه عن مسائل أشكلت
علي فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان ع أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك من أمر
المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله وبين أحد قرابة ومن أنكرني
فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح ع.
وأما سبيل عمي جعفر
وولده فسبيل إخوة يوسف ع
وأما الفقاع فشربه
حرام ولا بأس بالشلماب
وأما أموالكم فما نقبلها
إلا لتطهر فمن شاء فليصل ومن شاء فليقطع فما آتانا الله (خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ).
وأما ظهور الفرج فإنه
إلى الله تعالى ذكره وكذب الوقاتون.
وأما قول من زعم أن
الحسين ع لم يقتل فكفر وتكذيب وضلال
وأما الحوادث الواقعة
فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.
__________________
وأما محمد بن عثمان
العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي وأما محمد بن علي بن مهزيار
الأهوازي فيصلح الله قلبه ويزيل عنه شكه.
وأما وصلتنا به فلا
قبول عندنا إلا لما طاب وطهر وثمن المغنية حرام.
وأما محمد بن شاذان
بن نعيم فهو رجل من شيعتنا أهل البيت.
وأما أبو الخطاب محمد
بن أبي ربيب الأجذع فهو ملعون وأصحابه ملعونون فلا تكلموا أهل مقالته فإني منهم بريء
وآبائي ع منهم براء وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل
النيران.
وأما الخمس فقد أبيح
لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث.
وأما ندامة قوم شكوا
في دين الله على ما وصلونا به فقد أقلنا من استقال ولا حاجة لنا في صلة الشاكين.
وأما علة ما وقع من
الغيبة فإن الله عزوجل يقول (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ
لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنه لم يكن أحد من
آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من
الطواغيت في عنقي.
وأما وجه الانتفاع
بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبتها السحاب عن الأبصار وإني لأمان أهل الأرض
كما أن النجوم أمان لأهل السماء فاغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم ولا تكلفوا علم ما
قد كفيتم وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم والسلام عليك يا إسحاق بن يعقوب
و (عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى)
الفصل الرابع في ذكر أسماء الذين شاهدوا الإمام ع ورأوا دلائله وخرج إليهم توقيعاته
وبعضهم وكلاؤه.
الشيخ أبو جعفر قدس
الله روحه عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي أنه ذكر عدد من انتهى إليه ممن وقف على معجزات
صاحب الزمان ع ورآه من الوكلاء ببغداد العمري وابنه وحاجز والبلالي والعطار ومن الكوفة
العاصمي ومن
أهل الأهواز محمد بن
إبراهيم بن مهزيار ومن أهل قم محمد بن إسحاق ومن أهل همدان محمد بن صالح ومن أهل الري
البسامي والأسدي يعني نفسه ومن أهل آذربيجان القاسم بن العلاء ومن نيسابور محمد بن
شاذان ومن غير الوكلاء من أهل بغداد أبو القاسم بن أبي حابس
وأبو عبد الله الكندي
وأبو عبد الله الجنيدي وهارون القزاز والنيلي وأبو القاسم بن رئيس وأبو عبد الله بن
فروخ ومسرور الطباخ مولى أبي الحسن ع وأحمد ومحمد ابنا الحسن وإسحاق الكاتب من بني
نوبخت وصاحب الفراء وصاحب الصرة المختومة ومن همدان محمد بن كشمرد وجعفر بن حمدان ومن
الدينور حسن بن هارون وأحمد أخوه وأبو الحسن ومن أصفهان ابن باذشالة ومن الصيمرة زيدان
ومن قم الحسن بن نصر ومحمد بن محمد وعلي بن محمد بن إسحاق وأبوه والحسن بن يعقوب ومن
أهل الري القاسم بن موسى وابنه وابن محمد بن هارون وصاحب الحصاة وعلي بن محمد ومحمد
بن محمد الكليني وأبو جعفر الرقا ومن قزوين مرداس وعلي بن أحمد ومن فارس
رجلان ومن شهر زور
ابن الحال [ابن الجمال] ومن قدس
المجروح ومن مرو صاحب
الألف دينار وصاحب المال والرقعة البيضاء وأبو ثابت ومن نيسابور محمد بن شعيب بن صالح
ومن اليمن الفضل بن يزيد والحسن ابنه والجعفري وابن الأعجمي والشمشاطي ومن مصر صاحب
المولودين وصاحب المال بمكة وأبو رجاء ومن نصيبين أبو محمد بن الوجناء ومن أهل الأهواز
الحصيني.
الباب الرابع في ذكر علامات قيام القائم
ع ومدة أيام ظهوره وطريقه وأحكامه وسيرته عند قيامه وصفته وحليته وهو أربع فصول :
أول في ذكر علامات خروجه ع ذكر رحمهالله في هذا الفصل بعض ما
تقدم ذكره من العلامات التي أوردوها متقدمة على ظهوره.
__________________
الفصل الثاني في ذكر السنة التي يقوم فيها
الإمام القائم ع.
عن أبي عبد الله ع
قال لا يخرج القائم إلا في وتر من السنين سنة إحدى أو ثلاث أو خمس أو سبع أو تسع.
وقال أبو عبد الله
ع ينادى باسم القائم في ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ويقوم يوم عاشوراء وهو اليوم
الذي قتل فيه الحسين ع كأني به يوم السبت العاشر من المحرم قائم بين الركن والمقام
ـ جبرئيل ع بين يديه ينادي بالبيعة ليمضين إليه شيعته من أطراف الأرض تطوى لهم طيا
حتى يبايعوه فيملأ الله به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا.
الفصل الثالث في ذكر نبذ من سيرته عند قيامه
وطريقة أحكامه ووصف زمانه ومدة أيامه ع.
ذكر رحمهالله في هذا الفصل ما تقدم
ذكره من خروجه ووصف وصوله النجف والملائكة معه وإنفاذه الجنود إلى الأمصار ودخوله الكوفة
وبها الرايات واضطرابها وأنها تصفوا له ع ويأتي المنبر فلا يدرى ما يقول من البكاء
ويحيط مسجدا على الغري فيصلي بالناس الجمعة وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا.
وعن أبي جعفر ع قال
القائم منا منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوى له الأرض وتظهر له الكنوز ويبلغ سلطانه المشرق
والمغرب ويظهر الله دينه (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) فلا يبقى على وجه الأرض
خراب إلا عمر وينزل روح الله عيسى ابن مريم فيصلي خلفه قال الراوي فقلت له يا ابن رسول
الله ومتى يخرج قائمكم قال إذا تشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال واكتفى الرجال
بالرجال والنساء بالنساء وركب ذوات الفروج السروج وقبلت شهادات الزور وردت شهادات العدول
واستخف الناس بالرياء وارتكاب الزناء وأكل الربا واتقي الأشرار مخالفة ألسنتهم وخرج
السفياني من الشام واليماني من اليمن خسف بالبيداء وقتل غلام من آل محمد بين الركن
والمقام اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية وجاءت صيحة من السماء بأن الحق معه ومع شيعته
فعند ذلك خروج قائمنا
فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فأول ما ينطق
به هذه الآية (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ثم يقول أنا بقية الله
وخليفته وحجته عليكم فلا يسلم عليه مسلم إلا قال السلام عليك يا بقية الله في الأرض
فإذا اجتمع له العقد عشرة آلاف رجل فلا يبقى في الأرض معبود من دون الله من صنم إلا
وقعت فيه نار فاحترق وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به وقد
تقدم هذا وأمثاله
الفصل الرابع في ذكر صفة القائم وحليته ع
روى في ذلك ما أوردناه
آنفا كسؤال عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن اسمه وصفته.
الباب الخامس في ذكر مسائل يسأل عنها أهل
الخلاف في غيبة صاحب الزمان وحل الشبهات فيها بواضح الدليل ولائح البرهان وهي سبع مسائل
مسألة قالوا ما الوجه في
غيبته ع عن الاستمرار والدوام حتى صار ذلك سببا لإنكار وجوده ونفي ولادته وكيف يجوز
أن يكون إماما للخلق وهو لم يظهر قط لأحد منهم وآباؤه ع وإن لم يظهروا الدعاء إلى نفوسهم
فيما يتعلق بالإمامة فقد كانوا ظاهرين يفتون في الأحكام لا يمكن أحد نفي وجودهم وإن
نفى إمامتهم.
الجواب قد ذكر الأجل
المرتضى قدس الله روحه في ذلك طريقا ولم يسبقه إليها أحد من أصحابنا فقال إن العقل
إذا دل على وجوب الإمامة فإن كل زمان كلف فيه المكلفون الذين يقع منهم القبيح والحسن
وتجوز عليهم الطاعة والمعصية لا يخلو من إمام لأن خلوه من الإمام إخلال بتمكينهم وقادح
في حسن تكليفهم ثم دل العقل على أن ذلك الإمام لا بد أن يكون معصوما من الخطإ مأمونا
من كل قبيح وثبت أن هذه الصفة التي دل العقل على وجوبها لا توجد إلا فيمن تدعي الإمامية
إمامته ويعرى منها كل من تدعى له الإمامة سواء.
فالكلام في علة غيبته
وسببها واضح بعد أن تقررت إمامته لأنا إذا علمنا أنه الإمام دون غيره ورأيناه غائبا
عن الأبصار علمنا أنه لم يغب مع عصمته وتعين فرض
الإمامة فيه وعليه
إلا لسبب اقتضى ذلك ومصلحة استدعته وضرورة حملت عليه وإن لم يعلم وجهه على التفصيل
لأن ذلك مما لا يلزم علمه وجرى الكلام في الغيبة ووجهها مجرى العلم بمراد الله تعالى
من الآيات المتشابهات في القرآن التي ظاهرها الجبر والتشبيه فإنا نقول إذا علمنا حكم
الله سبحانه وأنه لا يجوز أن يخبر بخلاف ما هو عليه من الصفات علمنا على الجملة أن
لهذه الآيات وجوها صحيحة بخلاف ظاهرها وتطابق مدلول أدلة العقل وإن غاب عنا العلم بذلك
مفصلا فإن تكلفنا الجواب عن ذلك وتبرعنا بذكره فهو فضل منا غير واجب علينا وكذلك الجواب
لمن سأل عن الوجه في إيلام الأطفال وجهة المصلحة في رمي الجمار والطواف وما أشبه ذلك
من العبادات على التفصيل والتعيين فإنا إذا عولنا على حكمة القديم سبحانه وأنه لا يجوز
أن يفعل قبيحا فلا بد من وجه حسن في جميع ذلك وإن جهلناه بعينه فليس يجب علينا بيان
ذلك الوجه وفي هذا سد الباب على مخالفينا في سؤالاتهم وقطع التطويلات عليهم والإسهابات
إلا إنا نتبرع بإيراد.
الوجه في غيبته ع على
سبيل الاستظهار وبيان الاقتدار وإن كان ذلك غير واجب علينا في حكم النظر والاعتبار
فنقول الوجه في غيبته هو خوفه على نفسه ومن خاف على نفسه احتاج إلى الاستتار فأما لو
كان خوفه على ماله أو على الأذى في نفسه لوجب عليه أن يحمل ذلك كله ليروح عليه المكلفون
في تكليفهم وهذا كما نقوله في النبي ص في أنه يجب عليه أن يحمل كل أذى في نفسه حتى
يصح منه الأداء إلى الخلق ما هو لطف لهم وإنما يجب عليه الظهور وإن أدى إلى قتله كما
ظهر كثير من الأنبياء وإن قتلوا لأن هناك كان في المعلوم أن غير ذلك النبي يقوم مقامه
في تحمل أعباء النبوة وليس كذلك حال إمام الزمان ع فإن الله تعالى علم أنه ليس بعده
من يقوم مقامه في باب الإمامة والشريعة على ما كانت عليه واللطف بمكانه لم يتغير فلا
يجوز ظهوره إذا أدى إلى القتل وإنما كان آباؤه ع ظاهرين بين الناس بعيونهم يعاشرونهم
ولم يظهر هو لأن خوفه ع أكثر لأن الأئمة الماضين من آبائه ع أسندوا إلى شيعتهم أن صاحب
السيف هو الثاني عشر منهم وأنه الذي يملأ
الأرض عدلا وشاع ذلك
في مذهبهم حتى ظهر ذلك القول بين أعدائهم فكان السلاطين الظلمة يتوقفون عن إتلاف آبائه
لعلمهم بأنهم لا يخرجون ويتشوقون إلى حصول الثاني عشر ليقتلوه ويبيدوه.
ألا ترى أن السلطان
في الوقت الذي توفي فيه الحسن بن علي العسكري ع وكل بداره وجواره من يتفقد حملهن لكي
يظفر بولده وبقيته كما أن فرعون موسى لما علم أن ذهاب ملكه على يد موسى ع منع الرجال
من أزواجهم ووكل بذوات الأحمال منهن ليظفر به وكذلك نمرود لما علم أن ملكه يزول على
يد إبراهيم ع وكل بالحبالى من نساء قومه وفرق بين الرجال وأزواجهم فستر الله ولادة
إبراهيم وموسى ع كما ستر ولادة القائم ع لما علم في ذلك من التدبير وأما كون غيبته
سببا لنفي ولادته فإن ذلك لضعف البصيرة والتقصير عن النظر وعلى الحق فيه دليل واضح
لمن أراده ظاهر لمن قصده.
قال الفقير إلى الله
تعالى علي بن عيسى أثابه الله تعالى ومما يؤيد ما ذكره الشيخ عن السيد رحمهماالله تعالى أن النبي ص احتمل
الأذى في نفسه الكريمة وكذب فيما ادعاه وبالغ كفار قريش واليهود في ذمه والوقيعة فيه
بأنواع من الأذى حتى قال ما أوذي نبي مثل ما أوذيت وكان يحتمل ذلك ويصبر عليه فلما
أرادوا قتله وإعدامه أمره الله بالهجرة ففر إلى الغار ونام علي ع على فراشه وإنما لم
يصبر ولو قتل كما صبر غيره من الأنبياء وقتلوا لأنه كان ع خاتم الأنبياء ولم يكن له
بعده من يقوم مقامه في تأدية الرسالة والتبليغ فلهذا غاب عنهم وهذه أشبه الأحوال بحال
الإمام ع في غيبته والعجب إخلال السيد رحمهالله به مع دلالته على ما
أصله.
مسألة
ثانية قالوا إذا كان الإمام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق ولا
ينتفع به فما الفرق بين وجوده وعدمه وألا جاز أن يميته الله أو يعدمه حتى إذا علم أن
الرعية تمكنه وتسلم له أوجده وأحياه كما جاز أن يبيحه الاستتار حتى يعلم منهم التمكين
له فيظهره.
الجواب أول ما نقوله إنا لا
نقطع على أن الإمام لا يصل إليه أحد فهذا أمر غير معلوم ولا سبيل إلى القطع به ثم إن
الفرق بين وجوده غائبا عن أعدائه للتقية وهو في أثناء تلك الغيبة منتظر أن يمكنوه فيظهر
ويتصرف وبين عدمه واضح وهو أن الحجة لازمة لله تعالى وهاهنا الحجة لازمة للبشر لأنه
إذا أخيف فغيب شخصه عنهم كان ما يفوتهم من المصلحة عقيب فعل كانوا هم السبب فيه منسوبا
إليهم فيلزمهم في ذلك الذم وهم المؤاخذون به الملومون عليه وإذا أعدمه الله تعالى كان
ما يفوت من مصالحهم ويحرمونه من لطفهم وانتفاعهم به منسوبا إلى الله تعالى ولا حجة
فيه على العباد ولا لوم يلزمهم لأنه لا يجوز أن يكون إخافتهم إياه لا يجوز فعلا لله
تعالى. قال الفقير إلى الله تعالى ـ علي بن عيسى أثابه الله وعفا عنه إن قال قائل كيف
يقول الطبرسي رحمهالله تعالى إنا لا نقطع
على أن الإمام لا يصل إليه أحد إلى آخره ويلزمه القطع بذلك لأنه قال قبل هذا بقليل
فيما حكاه عن توقيعاته ع فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر
والذي أراه أنه إن كان يراه أحد فقد علم منهم أنهم لا يدعون رؤيته ومشاهدته وأن الذي
يدعيها كذاب فلا مناقضة إذا والله أعلم.
مسألة
ثالثة قالوا فالحدود التي تجب على الجناة في حال الغيبة ما حكمها فإن
قلتم تسقط عن أهلها فقد صرحتم بنسخ الشريعة وإن كانت ثابتة فمن الذي يقيمها والإمام
مستتر غائب.
الجواب الحدود المستحقة ثابتة
في حياته فإن ظهر الإمام ومستحقوها
__________________
باقون أقامها عليهم
بالبينة والإقرار فإن فات ذلك بموتهم كان الإثم في تفويت إقامتها على المخيفين للإمام
المحوجين له إلى الغيبة وليس هذا بنسخ للشريعة لأن الحد إنما يمكن إقامته مع التمكن
وزوال الموانع وسقوط فرض إقامته مع الموانع وزوال التمكن لا يكون نسخا للشرع المقرر
لأن الشرط في الوجوب لم يحصل وإنما يكون نسخا لو سقط فرض إقامتها من الإمام مع تمكنه
على أن هذا يلزم مخالفينا إذا قيل لهم كيف الحكم في الحدود في الأحوال التي لا يتمكن
فيها أهل الحل والعقد من اختيار الإمام ونصبه وهل يبطل أو يثبت تعذر إقامتها وهل يقتضي
هذا القدر نسخ الشريعة فكلما أجابوا به عن ذلك فهو جوابنا بعينه. قال الفقير إلى الله
تعالى ـ علي بن عيسى أثابه الله تعالى لا معنى لإيرادهم الحدود وإقامتها في زمانه ع
دون أزمنة آبائه ع فإنهم كانوا حاضرين مشاهدين وأيديهم مكفوفة عن الأمور ولم يكن كف
أيديهم قدحا فيهم ولا قال قائل إن سكوتهم عن إقامتها نسخ الشريعة فكيف يقال عنه وهو
أشد خوفا من آبائه ع وعلي ع في أيام خلافته وأمره لم يتمكن من كثير من إرادته فليسع
المهدي ع من العذر ما وسعهم فإنه لا ينسب إلى الساكت قول وهذا واضح.
مسألة
رابعة فإن قالوا فالحق مع غيبته كيف يدرك فإن قلتم لا يدرك ولا يوصل
إليه فقد جعلتم الناس في حيرة وضلالة مع الغيبة وإن قلتم لا يدرك الحق إلا من جهة الأدلة
المنصوص بها عليه فقد صرحتم بالاستغناء عن الإمام بهذه الأدلة وهذا يخالف مذهبكم.
الجواب أن الحق على ضربين
عقلي وسمعي فالعقلي يدرك بالعقل ولا يؤثر فيه وجود الإمام ولا فقده والسمعي عليه أدلة
منصوبة من أقوال النبي ص ونصوصه وأقوال الأئمة الصادقين ع وقد بينوا ذلك وأوضحوه غير
أن ذلك وإن كان على ما قلناه فالحاجة إلى الإمام مع ذلك ثابتة لأن وجه الحاجة إليه
المستمرة في كل عصر وعلى كل حال هو كونه لطفا لنا في فعل الواجب العقلي من
الإنصاف والعدل واجتناب
الظلم والبغي وهذا مما لا يقوم غيره مقامه فيه فأما الحاجة إليه من جهة الشرع فهي أيضا
ظاهرة لأن النقل الوارد عن النبي والأئمة ع يجوز أن يغفل الناقلون عن ذلك إما بتعمد
أو اشتباه فينقطع النقل أو يبقى فيمن ليس نقله حجة ولا دليلا فيحتاج حينئذ إلى الإمام
ليكشف ذلك ويبينه وإنما يثق المكلفون بما نقل إليهم وأنه جميع الشرع لعلمهم بأن وراء
هذا النقل إماما متى اختل سد خلله وبين المشتبه فيه فالحاجة إلى الإمام ثابتة مع إدراك
الحق في أحوال الغيبة من الأدلة الشرعية على أنا إذا علمنا بالإجماع أن التكليف لازم
لنا إلى يوم القيامة ولا يسقط بحال علمنا أن النقل الشرعية لا ينقطع في حال تكون تقية
الإمام فيها مستمرة وخوفه من الأعداء باقيا ولو اتفق ذلك لما كان إلا في حال يتمكن
فيها الإمام من البروز والظهور والإعلام والإنذار.
مسألة
خامسة قالوا إذا كانت العلة في غيبته خوفه من الظالمين واتقاؤه من
المخالفين فهذه العلة منفية عن أوليائه فيجب أن يكون ظاهرا لهم أو يجب أن يسقط عنهم
التكليف الذي إمامته لطف فيه.
الجواب أنه قد أجاب
أصحابنا عن هذا السؤال بأجوبة.
أحدها أن الإمام ليس
في تقية عن أوليائه وغاب عنهم كغيبته عن أعدائه لخوفه من إيقاعهم الضرر به وعلمه أنه
لو ظهر لهم لسفكوا دمه وغيبته عن أوليائه لغير هذه العلة والاحتجاج بوجوده فيؤدي ذلك
إلى علم أعدائه بمكانه فيعقب علمهم بذلك ما ذكرناه من وقوع الضرر به.
وثانيها أن غيبته عن
أعدائه للتقية منهم وغيبته عن أوليائه للتقية عليهم والإشفاق من إيقاع الضرر بهم إذ
لو ظهر للقائلين بإمامته وشاهده بعض أعدائه وأذاع خبره وطولب أولياؤه به فإذا فات الطالب
بالاستتار أعقب ذلك عظيم الضرر بأوليائه وهذا معروف في العادات.
وثالثها أنه لا بد
أن يكون في المعلوم أن في القائلين بإمامته من لا يرجع عن الحق من اعتقاد إمامته والقول
بصحتها على حال من الأحوال فأمره الله تعالى
بالاستتار وليكون المقام
على الإقرار بإمامته مع الشبه في ذلك وشدة المشقة أعظم ثوابا من المقام على الإقرار
بإمامته والمشاهدة له فكانت غيبته عن أوليائه لهذا الوجه ولم تكن للتقية منهم.
ورابعها وهو الذي عول
عليه المرتضى قدس الله روحه قال نحن أولا لا نقطع على أنه لا يظهر لجميع أوليائه فإن
هذا أمر مغيب عنا ولا يعرف كل منا إلا حال نفسه فإذا جوزنا ظهوره لهم كما جوزنا غيبته
عنهم فنقول العلة في غيبته عنهم أن الإمام عند ظهوره من الغيبة إنما يميز شخصه وتعرف
عينه بالمعجز الذي يظهر على يديه لأن النصوص الدالة على إمامته لا تميز شخصه من غيره
كما ميزت أشخاص آبائه والمعجز إنما يعلم دلالته بضرب من الاستدلال والشبه تدخل في ذلك
فلا يمتنع أن يكون كل من لم يظهر له من أوليائه فإن المعلوم من حاله أنه متى ظهر له
قصر.
على أن أولياء الإمام
وشيعته منتفعون به في حال غيبته لأنهم مع علمهم بوجوده بينهم وقطعهم بوجوب طاعته عليهم
لا بد أن يخافوه في ارتكاب القبيح ويرهبوا من تأديبه وانتقامه ومؤاخذته فيكثر منهم
فعل الواجب ويقل ارتكاب القبيح أو يكونوا إلى ذلك أقرب فيحصل لهم اللطف به مع غيبته
بل ربما كانت الغيبة في هذا الباب أقوى لأن المكلف إذا لم يعرف مكانه ولم يقف على موضعه
جوز فيمن لا يعرفه أنه الإمام يكون إلى فعل الواجب أقرب منه إلى ذلك لو عرفه لو لم
يجوز فيه كونه إماما.
فإن قالوا إنه هذا
تصريح منكم بأن ظهور الإمام كاستتاره في الانتفاع به والخوف منه.
فالقول إن ظهوره لا
يجوز أن يكون في المنافع كاستتاره وكيف يكون ذلك وفي ظهوره وقوة سلطانه انتفاع الولي
والعدو والمحب والمبغض ولا ينتفع به
__________________
في حال غيبته الأولية
دون عدوه وأيضا فإن في انبساط يده منافع كثيرة لأوليائه وغيرهم ولأنه يحمي حوزتهم ويسد
ثغورهم ويؤمن طرقهم فيتمكنون من التجارات والمغانم ويمنع الظالمين من ظلمهم فتتوفر
أموالهم وتصلح أحوالهم غير أن هذه منافع دنيوية لا يجب إذا فاتت بالغيبة أن يسقط التكليف
معها والمنافع الدينية الواجبة في كل حال بالإمامة قد بينا أنها ثابتة لأوليائه مع
الغيبة فلا يجب سقوط التكليف بها.
مسألة
سادسة قالوا لا يمكن أن يكون في العالم بشر له من السن ما تصفونه لإمامكم
وهو مع ذلك كامل العقل صحيح الحس وأكثروا التعجب من ذلك وشنعوا به علينا.
الجواب أن من لزم طريق النظر
وفرق بين المقدور والمحال لم ينكر ذلك إلا أن يعدل عن الإنصاف إلى العناد والخلاف وطول
العمر وخروجه عن المعتاد والاعتراض به لأمرين أحدهما إنا لا نسلم أن ذلك خارق للعادة
لأن تطاول الزمان لا ينافي وجود الحياة وأن مرور الأوقات لا تأثير له في العلوم والقدر
ومن قرأ الأخبار ونظر فيما تستطر في كتاب المعمرين علم أن ذلك مما جرت العادة به وقد
نطق القرآن بذكر نوح ع وأنه لبث في قومه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عاماً) وقد صنف الكثير في
أخبار المعمرين من العرب والعجم وقد تظاهرت الأخبار بأن أطول بني آدم عمرا الخضر ع
وأجمعت الشيعة وأصحاب الحديث بل الأمة بأسرها ما خلا المعتزلة والخوارج على أنه موجود
في هذا الزمان حي كامل العقل ووافقهم على ذلك أكثر أهل الكتاب.
ولا خلاف أن سلمان
الفارسي أدرك رسول الله ص وقد قارب أربع مائة سنة.
فهب أن المعتزلة والخوارج
يحملون أنفسهم على دفع الأخبار فكيف يمكنهم دفع القرآن وقد نطق بدوام أهل الجنة والنار
وجاءت الأخبار بلا خلاف بين الأمة بأن أهل الجنة لا يهرمون ولا يضعفون ولا يحدث بهم
نقصان في الأنفس والحواس
ولو كان ذلك منكرا
من جهة العقول لما جاء به القرآن ولا
__________________
حصل عليه الإجماع ومن
اعترف بالخضر ع لم يصح منه هذا الاستبعاد ومن أنكره حجته الأخبار ..
وجاءت الرواية عن أنس
بن مالك قال قال رسول الله ص لما بعث الله نوحا إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتين
سنة ولبث في قومه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا
خَمْسِينَ عاماً) وعاش بعد الطوفان مائتين
وخمسين سنة فلما أتاه ملك الموت قال له يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا
مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا قال مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من
واحد.
وكان لقمان بن عاد
الكبير أطول الناس عمرا بعد الخضر وذلك أنه عاش ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة ويقال
إنه عاش عمر سبعة أنسر وكان يأخذ فرخ النسر الذكر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها
ما عاش فإذا مات أخذ آخر فرباه حتى كان آخرها لبدا فكان أطولها فقيل أتى عبد على لبد.
وعاش الربيع بن ضبع
الفرازي ثلاثمائة سنة وأربعين سنة وأدرك النبي ص وهو الذي يقول.
ها أنا ذا آمل الخلود
وقد
|
|
أدرك عمري ومولدي
حجرا
|
أما إمرؤ القيس قد
سمعت به
|
|
هيهات هيهات طال
ذا عمرا
|
وهو القائل
إذا عاش الفتى مائتين
عاما
|
|
فقد أودى المسرة
والغناء
|
وله حديث طويل مع عبد
الملك بن مروان.
وعاش المستوعر بن ربيعة
ثلاثمائة وثلاثا وثلاثين سنة وهو القائل
ولقد سئمت من الحياة
وطولها
|
|
وعمرت من بعد المائتين
سنينا
|
مائة جدتها بعدها
مائتين لي
|
|
وعمرت من عدد المشهور
مائينا
|
وعاش أكثم بن صيفي
الأسدي ثلاثمائة وستا وثلاثين سنة وهو الذي يقول
وإن امرأ قد عاش
تسعين حجة
|
|
إلى مائة لم يسأم
العمر جاهل
|
خلت مائتين بعد عشر
وفائها
|
|
وذلك من عدي ليال
قلائل
|
وكان ممن أدرك النبي
ص وآمن به ومات قبل أن يلقاه.
وعاش دريد بن زيد أربعمائة
سنة وستا وخمسين سنة فلما حضره الموت قال
ألقى علي الدهر رجلا
ويدا
|
|
والدهر ما يصلح يوما
أفسدا
|
يفسد
ما أصلحه اليوم غدا
|
وعاش دريد بن الصمة
مائتي سنة وقتل يوم حنين.
وعاش صيف بن رياح بن
أكثم مائتي سنة وسبعين سنة لا ينكر من عقله شيئا وهو ذو الحلم زعموا فيه ما قال المتلمس
:
لذي الحلم قبل اليوم
ما يقرع العصا
|
|
وما علم الإنسان
إلا ليعلما
|
وعاش نضر بن دهمان
بن سليم بن أشجع مائة وتسعين سنة حتى سقطت أسنانه وابيض رأسه فاحتاج قومه إلى رأيه
فدعوا الله أن يرد إليه عقله فعاد إليه شبابه واسود شعره فقال في ذلك سلمة بن الخرشب
الأنماري :
كنضر بن دهمان الهنيدة
عاشها
|
|
وتسعين عاما ثم قام
فانصاتا
|
وعاد سواد الرأس
بعد بياضه
|
|
وراجعة شرخ الشباب
الذي فاتا
|
وعاد مليا في رجاء
وغبط
|
|
ولكنه من بعد ذا
كله ماتا
|
وعاش ضبيرة بن سعيد
السهمي مائتين وعشرين سنة وكان أسود الشعر صحيح الأسنان.
وعاش عمرو بن جبعة
الدوسي أربعمائة سنة وهو الذي يقول
كبرت وطال العمر
حتى كأنني
|
|
سليم يراعي ليلة
غير مودع
|
فلا الموت أفناني
ولكن تتابعت
|
|
علي سنون من مصيف
ومرتع
|
ثلاث مئات قد مررن
كواملا
|
|
وها أنا ذا أرتجي
مر أربع
|
وروى الهيثم بن عدي
عن مجاهد عن الشعبي قال ـ كنا عند ابن عباس في قبة زمزم وهو يفتي الناس فقام إليه أعرابي
فقال قد أفتيت أهل الفتوى فأفت أهل الشعر فقال قل فقال ما معنى قول الشاعر :
لذي الحلم قبل اليوم
ما يقرع العصا
|
|
وما علم الإنسان
إلا ليعلما
|
فقال ذاك عمرو بن جبعة
الدوسي قضا على العرب ثلاثمائة سنة فلما كبر ألزموه السادس أو السابع من ولد ولده فقال
إن فؤادي بضعة مني فربما تغير علي في اليوم مرارا وأمثل ما أكون فهما في صدر النهار
فإذا رأيتني قد تغيرت فاقرع العصا فكان إذا رأى منه تغيرا قرع العصا فراجعه فهمه.
وعاش زبير بن جناب
بن عبيد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة سنة وعشرين سنة وكان سيدا مطاعا شريفا في قومه.
وعاش الحرث بن مضاض
الجرهمي أربع مائة سنة وهو القائل :
كأن لم يكن بين الحجون
إلى الصفا
|
|
أنيس ولم يسمر ببكة
سامرا
|
بلى نحن كنا أهلها
فأبادنا
|
|
صروف الليالي والحدود
والعواثر
|
وعاش عامر بن الطرب
العدواني مائتي سنة وكان من حكماء العرب وله يقول ذو الإصبع.
ومنا حكم يقضى
|
|
ولا ينقص ما يمضى
|
وهذا طرف يسير مما
ذكرناه من المعمرين وفي إيراد أكثرهم إطالة في الكتاب.
وإذا ثبت أن الله سبحانه
قد عمر خلقا من البشر ما ذكرناه من الأعمار وبعضهم حجج الله تعالى وهم الأنبياء وبعضهم
غير حجة وبعضهم كفار ولم يكن ذاك محالا في قدرته ولا منكرا في حكمته ولا خارقا للعادة
بل مألوفا على الأعصار معروفا عند جميع أهل الأديان فما الذي ينكر من عمر صاحب الزمان
أن يتطاول إلى غاية عمر بعض من سميناه وهو حجة الله على خلقه وأمينه على سره وخليفته
في أرضه وخاتم أوصياء نبيه ص. وقد صح عن رسول الله ص أنه قال كلما كان في الأمم السالفة
فإنه يكون في هذه الأمة مثله حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة. هذا وأكثر المسلمين يعترفون
ببقاء المسيح حيا إلى هذه الغاية شابا قويا وليس في وجود الشباب مع طول الحياة إن لم
يثبت ما ذكرناه أكثر
من أنه نقض للعادة
في هذا الزمان وذلك غير منكر على ما نذكره.
والأمر الآخر إن نسلم
مخالفينا أن طول العمر إلى هذا الحد مع وجود الشباب خارق للعادات عادة زماننا هذا وغيره
وذلك جائز عندنا وعند أكثر المسلمين فإن إظهار المعجزات عندنا وعندهم يجوز على من ليس
بنبي من إمام أو ولي لا ينكر ذلك من جميع الأمة إلا المعتزلة والخوارج وإن سمى ذلك
بعض الأمة كرامات لا معجزات ولا اعتبار بالأسماء بل المراد خرق العادة ومن أنكر ذلك
في باب الأئمة فإنا لا نجد فرقا بينه وبين البراهمة في إنكارهم إظهار المعجزات ونقض
العادات لأحد من البشر وإلا فليأت القوم بالفصل وهيهات
المسألة
السابعة قالوا إذا حصل الإجماع على أن لا نبي بعد رسول الله ص وأنتم
قد زعمتم أن القائم إذا قام لم يقبل الجزية من أهل الكتاب وأنه يقتل من بلغ العشرين
ولم يتفقه في الدين ويأمر بهدم المساجد والمشاهد وأنه يحكم بحكم داود ع لا يسأل عن
بينة وأشباه ذلك بما ورد فيما أخباركم وهذا يكون نسخا للشريعة وإبطالا لأحكامها فقد
أثبتم معنى النبوة فإن لم تتلفظوا باسمها فما جوابكم عنها :
والجواب إنا لا نعرف ما تضمنه
السؤال من أنه ع لا يقبل الجزية من أهل الكتاب وأنه يقتل من بلغ العشرين ولم يتفقه
في الدين فإن كان ورد بذلك خبر فهو غير مقطوع به فأما هدم المساجد والمشاهد فقد يجوز
أن يهدم من ذلك ما بني على غير تقوى الله وعلى خلاف ما أمر الله به سبحانه وهذا مشروع
قد فعله النبي ص وأما ما روي من أنه ع يحكم بحكم داود ع لا يسأل البينة فهذا أيضا غير
مقطوع به وإن صح فتأويله أنه يحكم بعلمه فيما يعلمه وإذا علم الإمام والحاكم أمرا من
الأمور فعليه أن يحكم بعلمه ولا يسأل البينة وليس في هذا نسخ للشريعة.
على أن هذا الذي ذكروه
من ترك قبول الجزية واستماع البينة لو صح لم يكن ذلك نسخا للشريعة لأن النسخ هو ما
تأخر دليله عن الحكم المنسوخ
ولم يكن مصاحبا له
فأما إذا اصطحب الدليلان فلا يكون أحدهما ناسخا لصاحبه وإن كان يخالفه في الحكم ولهذا
اتفقنا على أن الله سبحانه لو قال ألزموا السبت إلى وقت كذا ثم لا تلزموه أن ذلك لا
يكون نسخا لأن الدليل الرافع مصاحب للدليل الموجب وإذا صحت هذه الجملة وكان النبي ص
قد أعلمنا بأن القائم من ولده يجب اتباعه وقبول أحكامه فنحن إذا صرنا إلى ما يحكم به
فينا وإن خالف بعض الأحكام المتقدمة غير عاملين بالنسخ لأن النسخ لا يدخل فيما يصطحب
الدليل وهذا واضح.
وقال ره هذا ما أردنا
أن نبين من مسائل الغيبة وجواباتها واستقصاء الكلام في مسائل الإمامة والغيبة يخرج
عن الغرض المقصود في هذا الكتاب ومن تأمل كتابنا هذا فنظر فيه بعين الإنصاف وتصفح ما
أثبتناه من الفصول والأبواب وصل إلى الحق والثواب ونحن نحمد الله سبحانه وتعالى أن
يجعل ما عملناه خالصا لوجهه وموصلا إلى ثوابه ومنجيا من عقابه ويلحقنا دعاء من أوغل
في شعابه وغاص في درر الثمينة من لجج عبابه واستفاد الغرر الثمينة من خلل أبوابه هذا
آخر كتاب الطبرسي ره.
قال الفقير إلى الله
علي بن عيسى أثابه الله تعالى مناقب المهدي ع ظاهرة النور منيرة الظهور سافرة الإشراف
مشرفة السفور مسورة بالعلاء عالية السور آمرة بالعدل عادلة في الأمور يكاد المداد أن
يبيض من إشراق ضيائها وتذعن الثوابت لارتفاعها وعلائها وتتضاءل الشموس لآلائها نور
الأنوار وسلالة الأخيار وبقية الأطهار وذخيرة الأبرار والثمرة المتخلفة من الثمار صاحب
الزمان حاوي خصل الرهان الغائب عن العيان الموجود في كل الأزمان الذخيرة النافعة والبقية
الصالحة والموئل والعصر والملجأ والوزر المساعد بمعاضدة القضاء والقدر وصاحب الأوضاح
والغرر القوي في ذات الله الشديد على أعداء الله المؤيد بنصر الله المخصوص بعناية الله
القائم بأمر الله المنصور بعون الله قد تعاضدت الأخبار على ظهوره وتظاهرت
الروايات على إشراق
نوره وستسفر ظلم الأيام والليالي بسفوره وتنجلي به الظلم انجلاء الصباح عن ديجوره ويخرج
من سرار الغيبة فيملأ القلوب بسروره ويسير عدله في الآفاق فيكون أضوأ من البدر في مسيره
ويعيد الله به دينه ويوضح منهاج الشرع وقانونه ويصدع بالدلالة ويقوم بتأييد الإمامة
والرسالة ويرد الأيام حالية بعد عطلتها وقوية بعد ضعف قوتها ويجدد الشريعة المحمدية
بعد اندحاضها ويبرم عقدها بعد انتقاضها ويعيدها بعد ذهابها وانقراضها ويبسطها بعد تجعدها
وانقباضها ويجاهد (فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ) ويطهر من الأدناس أقطار
بلاده ويصلح من الدين ما سعت الأعداء في إفساده ويحيي بجده واجتهاده سنة آبائه وأجداده
ويملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا ويخلق للظلم دورا ويجدد للعدل دورا يردي الطغاة المارقين
ويبيد العتاة والمنافقين ويكف عادية الأشرار والفاسقين ويسوق الناس سياقة لم ير من
قبله من أحد من السائقين السابقين ولا ترى بعده من اللاحقين فزمانه حقا زمان المتقين
وأصحابه هم المأمور بالكون معهم في قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) خلصوا بتسليكه من الريب
وسلموا بتزيينه من العيب وأخذوا بهداه وطريقه واهتدوا من الحق إلى تحقيقه ووفقهم الله
إلى الخيرات بتسديده وتوفيقه به ختمت الخلافة والإمامة وإليه انتهت الرئاسة والزعامة
وهو الإمام من لدن مات أبوه إلى يوم القيامة فأوصافه زاد الرفاق ومناقبه شائعة في الآفاق
تهزم الجيوش باسمه وينزل الدهر على حكمه فالويل في حربه والسلامة في سلمه يجدد من الدين
الرسوم الدارسة ويشيد معالم السنن الطامسة ويخفض منار الجور والعدوان ويرفع شعار أهل
الإيمان ويعطل السبت والأحد ويدعو إلى الواحد الأحد المنزه عن الصاحبة والولد ويتقدم
في الصلاة على السيد المسيح كما ورد في الخبر الصحيح والحق الصريح صلوات الله والسلام
والتحية والإكرام على المأموم والإمام وأنا أعتذر إلى كرمه من تقصيري وأسأل مسامحته
قبول معاذيري فمن أين أجد لسانا ينطق بواجب حمده وما على المجتهد جناح بعد
بذل جهده وقد كنت عملت
أبياتا من سنين أمدحه وأتشوقه ع وهي
عداني عن التشبيب
بالرشأ الأحوى
|
|
وعن بانتي سلع وعن
علمي حزوى
|
عزامي بناء عن عزامي
وفكرتي
|
|
تمثله للقلب في السر
والنجوى
|
من النفر الغر الذين
تملكوا
|
|
من الشرف العادي
غايته القصوى
|
هم القوم من أصفاهم
الود مخلصا
|
|
تمسك في أخراه بالسبب
الأقوى
|
هم القوم فاقوا العالمين
مأثرا
|
|
محاسنها تجلي وآياتها
تروى
|
بهم عرف الناس الهدى
فهداهم
|
|
يضل الذي يقلي ويهدي
الذي يهوى
|
موالاتهم فرض وحبهم
هدى
|
|
وطاعتهم قربى وودهم
تقوى
|
أمولاي أشواقي إليك
شديدة
|
|
إذا انصرفت بلوى
أسى أردفت بلوى
|
أكلف نفسي الصبر
عنك جهالة
|
|
وهيهات ربع الصبر
مذ غبت قد أقوى
|
وبعدك قد أغرى بنا
كل شامت
|
|
إلى الله يا مولاي
من بعدك الشكوى
|
ولما شرعت في سطر مناقبه
وذكر عجائبه عملت هذه الأبيات أنا ذاكرها على حرف الميم ثم إني ذكرت أني مدحت الإمام
الكاظم ع بقصيدة على هذا الوزن والروي فتركتها وشرعت في أخرى وها أنا ذا أذكر الميمية
التي لم أتمها وأكتب الأخرى عقيبها (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا
بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وهي.
تحية الله ورضوانه
|
|
على الإمام الحجة
القائم
|
على إمام حكمه نافذ
|
|
إذا أراد الحكم في
العالم
|
خليفة الله على خلقه
|
|
والآخذ للحق من الظالم
|
العادل العالم أكرم
به
|
|
من عادل في حكمه
عالم
|
مطهر الأرض ومحيي
الورى
|
|
العلوي الطاهر الفاطمي
|
ناصر دين الله كهف
الورى
|
|
محيي الندى خير بني
آدم
|
الصاحب الأعظم والماجد
|
|
الأكرم المولى أبو
القاسم
|
وصاحب الدولة يحيا
بها
|
|
ممتحن في الزمن الغاشم
|
__________________
والنافذ الحكم فرعيا
له
|
|
وجادة الوابل من
حاكم
|
من حاتم حتى يوازي
به
|
|
عبيده أكرم من حاتم
|
لو أنني شاهدته مقبل
|
|
في جحفل ذي عيثر
قاتم
|
لقلت من فرط سروري
به
|
|
أهلا وسهلا بك من
قادم
|
والأخرى التي شرعت
فيها هي هذه.
إن شئت تتلو سور
الحمد
|
|
فخبر الأقوال في
المهدي
|
وامدح إماما حاز
خصل العلى
|
|
وفاز بالسؤدد والمجد
|
إمام حق نوره ظاهر
|
|
كالشمس في غور وفي
نجد
|
القائم الموجود والمنتمى
|
|
إلى العلى بالأب
والجد
|
وصاحب الأمر وغوث
الورى
|
|
وحصنهم في القرب
والبعد
|
وناشر العدل وقد
جارت الأيام
|
|
والناس عن القصد
|
والمنصف المظلوم
من ظالم
|
|
والملجأ المرجو والمحتدي
|
وباذل الرفد إلى
أن يرى
|
|
لا أحد يرغب في الرفد
|
جلت أياديه وآلاؤه
|
|
والحمد للواهب عن
عد
|
وأصبحت أيامه لا
نقضت
|
|
ولا تولت جنة الخلد
|
سيرته تهدي إلى فضله
|
|
وهديه يهدي إلى الرشد
|
يمنع بالله ويعطي
به
|
|
موفق في البذل والرد
|
ليس له في الفضل
من مشبه
|
|
ولا له في النبل
من ند
|
العلم والحلم وبذل
الندى
|
|
جاوز فيها رتب الجد
|
قد عمه الله بألطافه
|
|
وخصه بالطالع السعد
|
أدعوه مولاي ومن
لي بأن
|
|
يقول لي إن قال يا
عبدي
|
أدعو به الله وما
من دعا
|
|
بمثله يجبه بالرد
|
أعده ذخرا وأرجوه
في
|
|
بعثي وفي عرضي وفي
لحدي
|
فليت مولاي ومولى
الورى
|
|
يذكرني في سره بعدي
|
وليته يبعث لي دعوة
|
|
يسعد في الأخرى بها
جدي
|
مولاي أشواقي تذكي
الجوى
|
|
لأنها دائمة الوقد
|
أود أن ألقاك في
مشهد
|
|
أشرح فيه معلنا ودي
|
برح بي وجد إلى عالم
|
|
بما أعاينه من الوجد
|
وهمت في حب فتى غائب
|
|
وهو قريب الدار في
البعد
|
فاعطف علينا عطفة
واشف ما
|
|
نلقاه من هجر ومن
صد
|
وأظهر ظهور الشمس
واكشف
|
|
لنا عن طالع مذ غبت
مسود
|
قد تم ما ألفت من
وصفكم
|
|
فجاء كالروضة والعقد
|
ولست فيه بالغا حقكم
|
|
لكن على ما يقتضي
جهدي
|
فإن يكن حسني فمن
عندكم
|
|
أو كان تقصير فمن
عندي
|
ورفدكم أرجوه في
محشري
|
|
يا باذلي الإحسان
والرفد
|
والحمد لله وشكرا
له
|
|
أهل الندى والشكر
والحمد
|
وقلت هذه الأبيات لتكون
خاتمة لهذا الكتاب وهي.
أيها السادة الأئمة
أنتم
|
|
خيرة الله أولا وأخيرا
|
قد سموتم إلى العلى
فافترعتم
|
|
بمزاياكم المحل الخطيرا
|
أنزل الله فيكم هل
أتى
|
|
نصا جليا في فضلكم
مسطورا
|
من يجاريكم وقد طهر
الله
|
|
تعالى أخلاقكم تطهيرا
|
لكم سؤدد يقرره القرآن
|
|
للسامعينه تقريرا
|
إن جرى البرق في
مداكم كبا
|
|
من دون غاياتكم كليلا
حسيرا
|
وإذا أزمة عرت واستمرت
|
|
فترى للعصاة فيها
صريرا
|
بسطوا الندى أكفا
سباطا
|
|
ووجوها تحكي الصباح
المنيرا
|
وأفاضوا على البرايا
عطايا
|
|
خلفت فيهم السحاب
المطيرا
|
فتراهم عند الأعادي
ليوثا
|
|
وتراهم عند العفاة
بحورا
|
يمنحون الولي جنة
عدن
|
|
والعدو الشقي (يَصْلى سَعِيراً)
|
يُطْعِمُونَ الطَّعامَ في العسر واليسر
|
|
يتيما وبائسا وأسيرا
|
لا يريدون بالعطاء جزاء
|
|
محبطا أجر برهم أو شكورا
|
فكفاهم يوما عبوسا وأعطاهم
|
|
على البر نَضْرَةً وَسُرُوراً
|
وجزاهم بصبرهم وهو أولى
|
|
من جزى الخير جَنَّةً وَحَرِيراً
|
وإذا ما ابتدوا لفصل خطاب
|
|
شرفوا منبرا وزانوا سريرا
|
بخلوا الغيث نائلا وعطاء
|
|
واستخفوا يلملما وثبيرا
|
يخلفون الشموس نورا وإشراقا
|
|
وفي الليل يخجلون البدورا
|
أنا عبد لكم أدين بحبي
|
|
لكم الله ذا الجلال الكبيرا
|
عالم أنني أصبت وأن
|
|
الله يؤلي لطفا وطرفا قريرا
|
مال قلبي إليكم في الصبا الغض
|
|
وأحببتكم وكنت صغيرا
|
وتوليتكم وما كان في أهلي
|
|
ولي مثل فجئت شهيرا
|
أظهر الله نوركم فأضاء
|
|
الأفق لما بدا وكنت بصيرا
|
فهداني إليكم الله لطفا بي
|
|
وما زال لي وليا نصيرا
|
كم أياد أولي وكم نعمة أسدي
|
|
فلي أن أكون عبدا شكورا
|
أمطرتني
منه سحائب جود
|
|
عاد حالي بهن غضا نضيرا
|
وحماني من حادثات عظام
|
|
عدت فيها مؤيدا منصورا
|
لو قطعت الزمان في شكر أدنى
|
|
ما حباني به لكنت جديرا
|
فله الحمد دائما مستمرا
|
|
وله الشكر أولا وأخيرا
|
هذا آخر ما جرى القلم
بسطره وأدت الحال إلى ذكره ومناقبهم ع تحتمل بسط المقال والطالب لاستقصاء جميعها طالب
للمحال فإنها تعجز طالبها وتفوت حاصرها وقد أتيت منها بما هو على قدر اجتهادي وبمقتضى
قوتي وأنا أعتذر إليهم ع من تقصير وإخلال وذهول عما يجب وإقلال وكرمهم يقتضي إجابة
هذا السؤال والله تعالى أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم وهاديا إلى الصراط المستقيم
فإليه سبحانه وتعالى نتقرب
بموالاتهم ونلتزم بطاعتهم
ونبالغ في حبهم ونرى الإخلاص في مودتهم وهم ع وسائطنا وشفعاؤنا إلى رحمته التي
وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أنه جواد كريم والْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما
كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ
لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِين.
صورة ما كان على المجلد
الثانية بخط المصنف تغمده الله برحمته
كمل الكتاب وتم بحمدالله وعونه في الحادي
والعشرين من شهر رمضان ليلة القدر من سنة سبع وثمانين وستمأة ، نقلت هذا الكتاب من
عدة كتب ولم أتمكن من مراجعته ولي على الناظر فيه الدّعاء لي بالرحمة ، واصلاح ما زاغ
عنه البصر ولم يؤد اليه النظر ، والذّي نقلته من كتاب الطبرسي ره كان من نسخة مقطوعة
كثيرة الغلط ، والتصحيف والتحريف ، فحققت منها شيئاً بالاجتهاد ، وأعلمت على مواضع
ما عرفتها وأخليت للمفوف منها بياضاً وأنا من وراء طلب نسخة اصحح منها هذه المواضع
، فان حصل فذاك والا فهو مو كول الى من يجري الله ذلك على يده ، وكتب أفقر عباد الله
تعالى الى رحمته عبدالله علي بن عيسى بن أبي الفتح الاربلي عفا الله عنه ، والحمد لله
حق حمده وصلواته وسلامه على محمّد وآله الطاهرين وسلّم وشرّف وكرّم.
صورة القراءة التي قرأها
مجد الدين الفضل على المصنف رضي الله عنهما
قرأت على مولانا ملك الفضلاء وغرة العلماء
وقدوة الادباء نادرة عصره ونسيج وحده المولى الصاحب المعظم في الدنيا والدين فخر الاسلام
والمسلمين جامع شتاب الفضايل ، المبرز في حلبات السبق على الاواخر والاوايل ابي الحسن
علي بن السعيد فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الاربلي أمد الله الكريم في شريف عمره ،
من كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة صلوات الله عليهم الذي جمعه ، وبذّ به كل كتاب جمع
في فنّه من اوله الى قريب من أخبار مولانا زين العابدين صلوات الله عليه وعلى آبائه
الطاهرين ، وكتب أسبغ الله ظله على الجزء الاول بالسماع ، وذكر الجماعة المسلمين فيه
، وأجاز لي رواية ما تخلف من أخبار مولانا زين العابدين
صلوات الله عليه الى آخر
الكتاب ، وكتب العبد الفقير الى الله تعالى المشفق من ذنوبه الفضل يحيى بن علي بن الطيّبي
حامداً لله ومصلياً على محمّد وآله الطاهرين وذلك في شهر ربيع الآخر من سنة اثنى وتسعين
وستمأة الهلالية.
هذا صحيح وأجزت له كلما ذكروا كتب علي بن
عيسى حامداً مصلياً.
نختم الجزء الثاني
من كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة وبتمامه تم الكتاب نقلاً من نسخة نقلتها بخط السعيد
المرحوم مجد الدين بن علي بن المظفر عن الخطيبي الكاتب بواسط العراق ، قدّس الله روحه
ونوّر ضريحه ونسخته المشار اليها نقلت من نسخة بخط المصنف قدّس الله روحه ونوّر ضريحه.
تمّ الجزء الثاني من كتاب كشف الغمة في معرفة الائمة وبه
تم الكتاب بعون الله الملك الوهاب ، وتفرغت من
تصحيحه والتعليق عليه في عشر ليال يقين من ذي
القعدة سنة ١٣٨١ وانا العبد الذليل
الفاني السيد هاشم الرسولي
المحلاتي عفى عنه وعن
والديه بحق محمد وآله
المطبعة العلمية بقم
في ذكر اولاده
عليه السلام..................................................... ٥٢٥
في عمره عليه
السلام.......................................................... ٥٨٣
في وفاته عليه
السلام.......................................................... ٥٨٤
ذكر الامام الثالث
ابى عبد الله الحسين عليه السلام................................... ٣
في ولادته عليه
السلام............................................................ ٣
في تسميته عليه
السلام........................................................... ٤
عليه السلام كنيته
ولقبه........................................................... ٤
في امامته وما ورد
في حقه من النبي صلى الله عليه وآله ولا وفعلا........................ ٤
في علمه وشجاعته وشرف
نفسه عليه السلام....................................... ١٤
في كرمه وجوده
عليه السلام...................................................... ٢٢
في ذكر شيء من
كلامه عليه السلام.............................................. ٢٦
في ما انتسب اليه
عليه السلام من الشعر.......................................... ٣٣
في اولاده عليه
السلام........................................................... ٣٨
في عمره عليه
السلام............................................................ ٤٠
في مخرجه الى
العراق............................................................. ٤٢
في مصرعه ومقلته
عليه السلام.................................................... ٤٥
في امور وقعت بعد
قتله عليه السلام.............................................. ٦٣
في المراثي
المنظومة............................................................... ٦٩
ذكر الامام الرابع ابي الحسن علي بن الحسين عليه السلام
ما ذكره كمال
الدين بن طلحة الشافعي في ولادته ونسبه واسمه وكناه والقابه وفضائله عليه السلام ٧٣
ما ذكره الشيخ
المفيد (ره) في الارشاد في مناقبه وتاريخه عليه السلام.................... ٨٣
ما ذكره الحافظ
عبد العزيز بن الاخضر الجنابذي.................................... ٩٠
ما ذكره الحافظ
ابو نعيم في كتاب الحلية ......................................... ١٠٢
ما قاله في كتاب
مواليد اهل البيت رواية ابن الخشاب النحوي....................... ١٠٥
ما رواء الحميري
في كتاب الدلائل من فضائله ومعاجزه............................. ١٠٩
ذكر الامام الخامس ابي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه
السلام
ما ذكره كمال
الدين بن طلحة في تاريخه وفضائله وكلامه عليه السلام................ ١١٧
ما ذكره الحافظ
عبد العزيز الجنابذي في ذلك..................................... ١٢٠
ما رواه المفيد (ره)
في كتاب الارشار في ذلك...................................... ١٢٢
ما ذكره الحافظ
أبو نعيم في كتاب حلية الاولياء................................... ١٣١
ما ذكره أبو محمد
الخشاب في فضائله وتاريخه عليه السلام.......................... ١٣٦
ما رواه الحميري
في كتاب الدلائل في فضائله ومعاجزه عليه السلام................... ١٣٧
ما رواه الراوندي
في كتاب الخرائج والجرائح من معجزاته عليه السلام.................. ١٣٧
ما ذكره الشيخ أبو
الفرج بن الجوزي في كتاب صفة الصفوة من فضائله عليه السلام.... ١٤٧
ما ذكره الآبي في
كتاب نثر الدرر من فضائلة عليه السلام.......................... ١٤٨
ما قاله ابن حمدون
في التذكرة من تاريخه عليه السلام............................... ١٥٠
ذكر الامام السادس جعفر بن محمد الصادق عليه السلام
ما ذكره كمال
الدين بن طلحة في تاريخه عليه السلام.............................. ١٥٤
ما ذكره الحافظ
عبد العزيز بن الاخضر الجابذي في فضائله عليه السلام.............. ١٦١
ما ذكره الشيخ
المفيد (ره) في أحواله وتاريخه وفضائله عليه السلام................... ١٦٦
ما ذكره الحافظ
أبو نعيم في الحلية في فضائله عليه السلام........................... ١٨٣
ما ذكره ابن
الخشاب والحيمري في فضائله وتاريخه عليه السلام...................... ١٨٧
ما ذكره الراوندي (ره)
في الخرائج................................................ ١٩٩
ما ذكره ابن
الجوزي في كتاب صفة الصفوة........................................ ٢٠١
ذكره الامام السابع ابن الحسن موسى الكاظم (ع)
ولادته ونسبه اسمه
ومناقبه عليه السلام........................................... ٢١٢
النص عليه عن ابيه
عليهما السلام.............................................. ٢١٩
معجزاته عليه
السلام.......................................................... ٢٢٢
فضائله ومناقبه وخلاله
عليه السلام............................................. ٢٢٨
السبب في وفاته
عليه السلام................................................... ٢٣٠
عدد اولاده وطرف
من اخبارهم................................................. ٢٣٦
معجزاته عليه
السلام.......................................................... ٢٣٨
الدعاء الذى كان
يقوله عليه السلام في سجده الشكرو ما فيل فيه.................. ٢٥٢
ذكر الامام الثامن ابي الحسن علي بن موسى الرضا (ع)
اسمه وكنيته ومناقبه
وصفاته عليه السلام.......................................... ٢٦٠
اولاده وعمره عليه
السلام...................................................... ٢٦٧
بعض اخباره عليه
السلام...................................................... ٢٦٨
النص عليه عليه
السلام بالامامة................................................ ٢٧٠
دلائله واخباره
عليه السلام..................................................... ٢٧٢
ولايه عهده عليه
السلام للمأمون............................................... ٢٧٥
وفاته عليه السلام
وسبيلها ..................................................... ٢٨٠
بعض اخباره عليه
السلام...................................................... ٢٨٥
مولده عليه السلام............................................................ ٢٩٧
مولده عليه السلام............................................................ ٢٩٧
اثبات امامته عليه
السلام...................................................... ٢٩٩
خصايصة ومناقبه واخلاقه
عليه السلام.......................................... ٣١٦
العهد الذى كتبه
المأمون....................................................... ٣٣٣
سورة ماعلى ظهر
العهد........................................................ ٣٣٧
شهود العهد.................................................................. ٣٣٨
خط عليه السلام
جواباً عم كتبه اليه المأمون...................................... ٣٣٩
ذكر الامام التاسع ابي جعفر القانع محمد بن علي (ع)
ولادته ونسبه واسمه
ومناقبه عليه السلام.......................................... ٣٤٣
عمره عليه السلام............................................................. ٣٤٥
بعض اخباره عليه
السلام...................................................... ٣٤٦
اثبات امامته والنص
عليه من أبيه عليه السلام.................................... ٣٥١
مسئلة يحيى بن
اكثم وعلمه عليه السلام.......................................... ٣٥٥
معجزاته عليه
السلام.......................................................... ٣٥٩
مناقبه وفضائله
عليه السلام.................................................... ٣٧٠
ذكر الامام العاشر أبي الحسن علي المتوكل بن محمد عليهما
السلام
مولده ونسبه والقابه
ومناقبه عليه السلام......................................... ٣٧٤
النص عليه
بالامامة عليه السلام................................................ ٣٧٦
دلائله وبيناته واخباره
عليه السلام............................................... ٣٧٨
وروده عليه السلام
من المدينة الى العسكر........................................ ٢٨٢
وفاته وموضع قبره وذكر
ولده عليه السلام........................................ ٣٨٤
بعض كلماته عليه
السلام...................................................... ٣٧٦
معجزاته عليه
السلام.......................................................... ٣٨٩
خصائصه عليه
السلام......................................................... ٣٩٩
ذكر الامام الحديعشر ابي محمد الحسن الخالص بن علي (ع)
مولد واسمه ونسبه وعمره
ومناقبه عليه السلام..................................... ٤٥٢
النص عليه من ابيه
عليهما السلام.............................................. ٤٠٤
مناقبه وآياته ومعجزاته
عليه السلام.............................................. ٤٠٧
وفاته وموضع قبره وذكر
ولده عليه السلام........................................ ٤١٥
معجزاته عليه
السلام.......................................................... ٤١٦
شأن آل محمد عليهم
السلام................................................... ٤١٩
معجزاته عليه
السلام.......................................................... ٤٢٨
النصوص الدائله
على امامته عليه السلام......................................... ٤٣١
مناقبه وفضائله
عليه السلام.................................................... ٤٣٣
ذكر الامام الثاني عشر مولينا الامام المنتظر عليه السلام
مولده ونسبه واسمه
وكنيته ولقبه عليه السلام...................................... ٤٣٧
ما ورد في المهدي
عليه السلام من الاحاديث ..................................... ٤٣٨
ما أورد في أحاديث
المهدي عليه السلام من الاعتراضات........................... ٤٣٩
مولد الامام
المنتظر وغيبته عليه السلام........................................... ٤٤٦
النص على امامته
عليه السلام.................................................. ٤٤٧
ذكر من راى الامام
الثانى عشر عليه السلام...................................... ٤٤٩
دلائل صاحب الزمان
عليه السلام.............................................. ٤٥١
علامات قيام
القائم عليه السلام................................................ ٤٥٧
السنة التى يقوم
فيها القائم عليه السلام.......................................... ٤٦٢
مدة ملك القائم
عليه السلام................................................... ٤٦٣
صفة القائم وحليته
وسيرته عليه السلام........................................... ٤٦٤
ما روى في امر
المهدي عليه السلام.............................................. ٤٦٧
ذكر خروج المهدي
في آخر الزمان عليه السلام.................................... ٤٧٦
كون المهدي عليه
السلام من العترة ونصرة اهل المشرق اياه......................... ٢٧٣
مقدار ملك المهدي
عليه السلام................................................ ٤٧٨
صلوة المهدي بعيسى
عليهما السلام............................................. ٤٧٩
تحلية النبي عليه
السلام للمهدي وانه من ولد الحسين عليهما السلام................. ٤٨١
ذكر كنية المهدي وانه
يشبه النبي صلى الله عليه وسلم.............................. ٤٨٥
صفة المهدي ولونه وجسمه
عليه السلام.......................................... ٤٨٦
دلائل كون المهدي
عليه السلام حيا باقيا......................................... ٤٨٨
ذكر قصتين من امر
المهدي عليه السلام......................................... ٤٩٤
معجزات صاحب
الزمان عليه السلام............................................ ٤٩٨
الاخبار الواردة
في النص على عدد الائمة عليهم السلام............................ ٥٠٤
ذكر جمل من
الدلائل على امامة أئمتهنا عليهم السلام............................. ٥١٢
اسم المهدي وكنيته
ولقبه عليه السلام............................................ ٥١٩
الاخبار الواردة
في صاحب الزمان عليه السلام.................................... ٥٢١
ذكر سفراء صاحب
الزمان عليه السلام.......................................... ٥٢٩
ذكر التوقيعات
الواردة منه عليه السلام........................................... ٥٣١
ذكر اسماء الذين
شاهدوا الامام عليه السلام...................................... ٥٣٣
السنة التى يقوم
فيها القائم عليه السلام.......................................... ٥٣٦
ذكر مسائل اهل
الخلاف...................................................... ٥٣٨
ذكر المعمسرين .............................................................. ٥٤٣
ما قاله المصنف من
مناقب المهدي عليه السلام................................... ٥٤٧
اشعار المصنف ره............................................................. ٥٤٩
|