

ق
قائلية
ـ قالوا (الكرامية)
: إنّ الله تعالى لم يزل متكلّما قائلاً ، ثم فرّقوا بين الاسمين في المعنى ،
فقالوا : إنّه لم يزل متكلّما بكلام هو قدرته على القول ، ولم يزل قائلاً بقائلية
لا بقول ، والقائلية قدرته على القول ، وقوله حروف حادثة فيه ، فقول الله تعالى
عندهم حادث فيه ، وكلامه قديم (ب ، ف ، ٢١٩ ، ١١)
قائم بنفسه
ـ معنى الشيء أنّه
الثابت الموجود ؛ وقد يكون جسما إذا كان مؤلّفا ، ويكون جوهرا إذا كان جزءا منفردا
، ويكون عرضا إذا كان مما يقوم بالجوهر ؛ ومعنى القائم بنفسه هو أنّه غير محتاج فى
الوجود إلى شيء يوجد به ؛ ومعنى ذلك أنّه مما يصح له الوجود ، وإن لم يفعل صانعه
شيئا غيره ، إذا كان محدثا ؛ ويصح وجوده ، وإن لم يوجد قائم بنفسه سواه إذا كان
قديما (ب ، ت ، ١٥١ ، ١٣)
قابل الوجود
ـ إنّ الماهيّة ،
من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة. وإنّما يمكن أن يكون من حيث هي هي علّة لصفة
معقولة لها ، كما أنّ ماهيّة الاثنين علّة لزوجيّتها. أمّا كونها من حيث هي هي
علّة لوجود ، أو لموجود ، فمحال ، لأنّ بديهة العقل له حاكمة بوجوب كون ما هو علّة
لوجود موجودا. وليس كذلك فى قبول الوجود ، فإنّ قابل الوجود يستحيل أن يكون موجودا
، وإلّا فيحصل له ما هو حاصل له (ط ، م ، ٩٨ ، ١)
قادر
ـ إنّ القادر على
الفعل هو القادر على تركه. فإذا صحّت القدرة على أمر من الأمور صحّت على تركه ،
وإذا انتفت عن تركه انتفت عنه (خ ، ن ، ١٧ ، ٢٣)
ـ إنّ الفاعل لا
بدّ من أن يكون قبل فعله عالما بكيف يفعله وإلّا لم يجز وقوع الفعل منه ، كما أنّه
لم يكن قادرا على فعله قبل أن يفعله لم يجز وقوع الفعل منه أبدا. ألا ترى أن من لم
يحسن السباحة لم يجز منه وقوعها ، وكذلك من لم يحسن الكتابة لم يجز منه وقوعها ؛
فإذا تعلّمها وعلم كيف يكتب جاز وقوع الكتابة منه ، وكذلك الذي يحسن يسبح إذا
تعلّم السباحة وعلم كيف يسبح جاز وقوعها منه. وهذا حكم كل فاعل : لا بدّ من أن
يكون قبل فعله عالما به وإلّا لم يجز وقوعه منه (خ ، ن ، ٨١ ، ١٨)
ـ قوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ
وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص : ٥٦)
فإنّما أخبر نبيّه عليهالسلام أنّه" لا يقبل منك من تحب قبوله منك ، ولكنّ الله
قادر على أن يدخل في الإيمان من يشاء من حيث يجبره عليه ويضطرّه إليه".
وقالوا فيها وجها
آخر قالوا : " إنّك لا تحكم بالهداية لمن تحب لأنّك لا تعلم باطن الخلق ،
ولكن الله يحكم لمن يشاء (وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل : ١٢٥) أي
من علم منه أن باطنه كظاهره فذلك المهتدي عنده ، وإنّما عليك أنت الحاكم
بالظاهر" (خ ، ن ، ٩٠ ، ٢)
ـ قال أكثر
المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا
بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه
قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر
وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى
معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٤ ، ١٤)
ـ قال" أبو
الهذيل" : هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حيّ بحياة هي هو ،
وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزّته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته
لذاته ، وكان يقول : إذا قلت أنّ الله عالم ثبّتّ له علما هو الله ونفيت عن الله
جهلا ودللت على معلوم كان أو يكون ، وإذا قلت قادر نفيت عن الله عجزا وأثبتّ له
قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور ، وإذا قلت لله حياة أثبت [له] حياة وهي الله
ونفيت عن الله موتا (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٥)
ـ قال"
عبّاد" : هو عالم قادر حيّ ولا أثبت له علما ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعا
ولا أثبت بصرا وأقول : هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حيّ لا بحياة وسميع لا بسمع
وكذلك سائر ما يسمّى به من الأسماء التي يسمّى بها لا لفعله ولا لفعل غيره (ش ، ق
، ١٦٥ ، ١٤)
ـ قال"
ضرار" : معنى أنّ الله عالم أنّه ليس بجاهل ومعنى أنّه قادر [أنه] ليس بعاجز
ومعنى أنّه حيّ أنّه ليس بميّت (ش ، ق ، ١٦٦ ، ١٤)
ـ قال آخرون من
المعتزلة : إنّما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها ، وذلك
إنّا إذا قلنا أنّ الله عالم أفدناك علما به وبأنّه خلاف ما لا يجوز أن يعلم ،
وأفدناك اكذاب من زعم أنّه جاهل ودللنا [ك] على أنّ له معلومات ، هذا معنى قولنا
أنّ الله عالم ، فإذا قلنا إنّ الله قادر أفدناك علما بأنّه خلاف ما لا يجوز أن
يقدر واكذاب من زعم أنّه عاجز ودللناك على أنّ له مقدورات ، ... وهذا قول"
الجبّائي" قاله لي (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١٤)
ـ كان (عبد الله بن
كلّاب) يقول : معنى أنّ الله عالم أنّ له علما ومعنى أنّه قادر أنّ له قدرة ومعنى
أنّه حيّ أنّ له حياة وكذلك القول في سائر أسمائه وصفاته (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١١)
ـ اختلفت المعتزلة
هل يقال لله علم وقدرة أم لا. وهم أربع فرق : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّا
نقول للبارئ علما ونرجع إلى إنّه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنّه قادر لأنّ
الله سبحانه أطلق العلم فقال : (أَنْزَلَهُ
بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦)
وأطلق القدرة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا
أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (فصلت : ١٥) ، ولم
يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حيّ ولا سميع بمعنى سميع
وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط ، والقائل بهذا"
النظّام" وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداديين. والفرقة الثانية
منهم يقولون : لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أنّ الله قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) (البقرة : ٢٥٥)
أراد : من معلومه ، والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا : هذه قدرة الله أي مقدوره ،
ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلّا في العلم والقدرة. والفرقة الثالثة منهم
يزعمون أن لله علما هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعا هو هو ، وكذلك قالوا في
سائر صفات الذات ،
والقائل بهذا القول" أبو الهذيل" وأصحابه. والفرقة الرابعة منهم يزعمون
أنّه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا [لا]
قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذه المقالة"
العبّادية" أصحاب" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ١٨٧ ، ١٥)
ـ قال أكثر
المعتزلة : قد يكون الإنسان قادرا على أشياء عاجزا عن أشياء (ش ، ق ، ٢٤٠ ، ٣)
ـ اختلفت المعتزلة
هل تكون القدرة في الإنسان ولا يقال إنّه قادر : فزعم" عبّاد" إنّ حال
المعاينة فيه قدرة ولا يقال إنّه قادر ، وأنكر أكثر المعتزلة أن توجد قدرة لا
بقادر (ش ، ق ، ٢٤٠ ، ٤)
ـ قادر أن يفعل
إخبار أنّه قادر وأنّه يفعل كالقول عالم أنه يفعل (ش ، ق ، ٥٥٣ ، ١٤)
ـ لا يجوز أن تحدث
الصنائع إلّا من قادر حيّ ، لأنّه لو جاز حدوثها ممّن ليس بقادر ولا حيّ لم ندر
لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ، فلمّا استحال ذلك دلّت
الصنائع على أنّ الله تعالى حيّ قادر (ش ، ل ، ١١ ، ١)
ـ إنّ القادر منّا
على الكلام في حال قدرته عليه متكلم لا محالة (ش ، ل ، ٢١ ، ٢٠)
ـ إن قال : ما
أنكرت أن يكون القادر على الشيء قادرا على ضدّه كما كان العاجز عن الشيء عاجزا عن
ضدّه ، قيل له لو كانت القوّة على الشيء قوة على ضدّه قياسا على العجز للزم أن
يكون العون على الشيء عونا على ضدّه قياسا على أنّ العجز عن الشيء عجز عن ضدّه. وأيضا
فلو كانت القدرة على الشيء قدرة على ضدّه قياسا على العجز لأنّ العجز عن الشيء عجز
عن ضدّه ، لوجب في القدرة ما وجب في العجز من أنّه يتأتّى بها الشيء وضدّه ، كما
يتعذّر بالعجز الشيء وضدّه ، ولكان العجز إذا (وجد) عدم الشيء وضدّه المعجوز عنهما
مع وجوده فلم يكن الإنسان مكتسبا لهما (و) لكان يلزم في القدرة مثله إذا وجدت وهي
قدرة على الشيء وضدّه ، أن يوجد الشيء وضدّه معها ، لأنّه يجب من وجود الضدين مع
وجودها بخلاف ما يحكم به في العجز ، لأنّ العجز يحكم فيه بعدم المعجوز عنه وضدّه
مع وجوده (ش ، ل ، ٥٩ ، ٦)
ـ إنّ في كون
الاستطاعة كون الفعل فإذا كان قادرا على إقدارهم على الإيمان فهو قادر على أن يفعل
ما لو فعله بهم لآمنوا (ش ، ل ، ٧٠ ، ١١)
ـ لا يوجد قادر
غير فاعل البتّة ، كما لا يوجد عاجز فاعلا ، لم يجز القضاء بالقدرة ، ونفي الفعل ،
كما لا يجوز العجز وجوده ، إذ هما جميعا في الخروج عن الموجود واحد (م ، ح ، ٢٦١ ،
١٢)
ـ قالوا (المعتزلة)
: يقدر الله جلّ ثناؤه على حركات العباد وسكونهم ، فلمّا أقدرهم على تلك الحركات
والسكون زالت عنه القدرة عليها ، فيكون قادرا في التحقيق بغيره ؛ إذ هو بذاته على
ما كان عليه (م ، ح ، ٢٧٧ ، ١١)
ـ القادر من يصح
منه الفعل ، وقد شاهدنا أفعاله كتصريف الليل والنهار والإماتة والاحياء ، وقد قال
تعالى : (لَهُ مُلْكُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحديد : ٢) (ع ،
أ ، ١٢ ، ١٥)
ـ إنّه تعالى قادر
على جميع المقدورات. والدليل
عليه قوله تعالى :
(وَهُوَ عَلى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة : ١٢٠)
ولأنّا نعلم قطعا استحالة صدور الأفعال من عاجز لا قدرة له ، ولمّا ثبت أنّه فاعل
الأشياء ثبت أنّه قادر (ب ، ن ، ٣٥ ، ١٠)
ـ إنّ من حق
القادر على الشيء إذا خلص داعيه إليه أن يقع لا محالة (ق ، ش ، ٩١ ، ٢)
ـ إنّه تعالى قد
صحّ منه الفعل ، وصحّة الفعل تدلّ على كونه قادرا (ق ، ش ، ١٥١ ، ٨)
ـ أمّا الذي يدلّ
على أنّ صحة الفعل دلالة على كونه قادرا ، فهو أنّا نرى في الشاهد جملتين ؛
إحداهما ، صحّ منه الفعل كالواحد منا ؛ والأخرى تعذّر عليه الفعل ، كالمريض
المدنف. فمن صحّ منه الفعل فارق من تعذّر عليه بأمر من الأمور ، وليس ذلك إلّا صفة
ترجع إلى الجملة وهي كونه قادرا. وهذا الحكم ثابت في الحكيم تعالى ، فيجب أن يكون
قادرا ، لأنّ طرق الأدلّة لا تختلف شاهدا غائبا (ق ، ش ، ١٥١ ، ١٧)
ـ إنّ القادر له
تعلّق بالمقدور ، والعالم له تعلّق بالمعلوم ، والعدم يحيل التعلّق (ق ، ش ، ١٧٧ ،
١٥)
ـ قد ثبت أنّه
تعالى قادر ، والقادر لا يصحّ منه الفعل إلّا إذا كان موجودا ، كما أنّ القدرة لا
يصحّ الفعل بها إلّا وهي موجودة (ق ، ش ، ١٨٠ ، ٨)
ـ إنّ من حقّ
القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضدّه إذا كان له ضدّ ، ومن حقّه أيضا أن
يحصل مقدوره إذا حصل داعيه إليه ولا منع (ق ، ش ، ٢٧٨ ، ٧)
ـ قد ثبت أنّه
تعالى قادر على أن يخلق فينا العلم الضروريّ ، فيجب أن يكون قادرا على أن يخلق
بدله الجهل ، لأنّ من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضدّه إذا كان له
ضدّ والجهل قبيح. وإن شئت فرضت الكلام في أهل الجنّة فتقول : إنّه تعالى قادر على
خلق الشهوة فيهم ، فيجب أن يكون قادرا على أن يخلق فيهم النفرة ، لأنّ من حق
القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضدّه إذا كان له ضدّ ، ومعلوم أنّه تعالى
لو خلق فيهم النفرة لكان قبيحا (ق ، ش ، ٣١٤ ، ٢)
ـ ليس يجب في كل
من قدر على الشرّ أن يوقعه لا محالة ، ألا ترى أنّ أحدنا مع قدرته على القيام ربما
يكون قاعدا ، ومع قدرته على الكلام ربما يكون ساكتا ، فكيف أوجبتم في القادر على
الشيء أن يوقعه بكل وجه؟ وكذلك فالقديم تعالى قادر على أن يقيم القيامة الآن ، ثم
إذا لم تقم لم يقدح في كونه قادرا (ق ، ش ، ٣١٥ ، ٧)
ـ إنّ القادر له
حالتان : حالة يصحّ منه إيجاد ما قدر عليه ، وحالة لا يصحّ ذلك ؛ والأسماء تختلف
عليه بحسب اختلاف هاتين الحالتين ، ففي الحالة الأولى يسمّى مطلقا مخلّى ، وفي
الثانية يسمّى ممنوعا (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ٨)
ـ إن قيل : لم لا
يجوز أن يكون المؤثّر في كون الكلام أمرا وخبرا إنّما هو كونه قادرا؟ قلنا : لأنّ
تأثير القادر لا يتعدّى طريقة الإحداث ، وكون الكلام أمرا وخبرا أمر زائد على ذلك (ق
، ش ، ٤٣٨ ، ٥)
ـ إنّ من ليس
بقادر على الشيء لا يوصف بالإباء والامتناع ، كما لا يوصف بالإيثار والاختيار ،
ولذلك لا يقال في الزمن : إنّه أبى المشي ، وفي الأخرس : إنّه يأبى الكلام ، وإنما
يقال ذلك في المتمكّن (ق ، م ٢ ، ٤٢٨ ، ٩)
ـ أوّل ما يمكن
العلم به من صفات الله تعالى كونه قادرا ، لأنّ ما دلّ على أنّه المحدث للعالم دلّ
على أنّه قادر. ألا ترى إنّا إنّما نعلم أنّه محدث لوقوع الأجسام وغيرها منه
لوقوعه مطابقا لقصده وما يجري مجرى الداعي له ، ونفس هذا هو الدالّ على أنّه قادر
، فلهذا صار أوّل ما نعلم من صفاته تعالى كونه قادرا. ولا بدّ من أن تكون هذه
الصفة معقولة ليصحّ إثباتها لله عزوجل ، لأنّ إيراد الدلالة على إثبات الشيء فرّع على كونه
معقولا في نفسه. وعلى هذا قلنا" للمجبرة" : إنّكم بقولكم إنّ أفعال
العباد مخلوقة فيهم من جهة الله شدّدتم على أنفسكم طريق العلم بأنّ أحدنا قادر ،
فلم يصحّ منكم إثباته تعالى قادرا (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ٣)
ـ جعلنا كون
القادر قادرا من يختصّ بحال لكونه عليها يصحّ منه الفعل إذا لم يكن منع ، وهذا هو
مدلول الدلالة على أنّه قادر. فأمّا الدلالة على أنّ القادر قادر فهي صحّة الفعل
منه ، وهذه الصحّة وإن لم يمكن العلم بها إلّا بعد العلم بالوقوع فهي الوجه في
الدلالة دون الوقوع ، حتى لو أمكن العلم بها من دون العلم به لكانت دليلا ، ولهذا
يراعى الفرق في ذلك بين من يصحّ منه الفعل وبين من يتعذّر عليه ولا يثبت التعذّر
إلّا مطابقا للصحّة دون الوقوع (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ٢١)
ـ إنّا لا نعرف
القدرة وكون القادر قادرا بها إلّا بعد العلم بكون العبد محدثا لتصرّفه. والذي
يحصل لنا العلم به ابتداء في كون العبد محدثا هو في العالم لاعتبار طريقة القصود
والدواعي ، لأنّ العلم بذلك يسبق العلم بكونه محدثا لتصرّفه. ثم إذا عرفنا أنّه
يصحّ منه الفعل ويتعذّر على غيره عرفنا اختصاصه بصفة. ثم عللنا تلك الصفة بوجود
معنى. ثم إذا ثبت لنا بقاؤه وأنّ السهو لا ينافيه ولا يدافعه ، عرفنا ثباته في
الساهي ، فعرفناه قادرا ، وأمكننا أن نعرف أنّ فعله حادث من جهته لوقوعه بحسب
القدرة التي كانت فيه عند ما كان عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٢٧)
ـ إنّ أحدنا قادر
بما عرفنا من صحّة الفعل من جملة مع السلامة ، وتعذّره على جملة أخرى مساوية لها
في صفاتها مع السلامة. ثم ... لا بدّ عند ذلك من أمر به تقع المفارقة بين هاتين
الجملتين ، وأنّ ذلك الأمر لا يصحّ رجوعه إلى وجودها وبنيتها وما فيها من الحياة (ق
، ت ٢ ، ١٦ ، ٣)
ـ قد اختلف الناس
في الوجه الذي منه صار القادر منّا قادرا. فالذي تقتضيه مذاهب من ينفي الأعراض إذا
قالوا بإثبات الفاعل أن يجعلوا كون القادر قادرا بالفاعل ، كما سلكوا مثل هذه
الطريقة في المتحرّك وغيره. فأمّا النظّام والأسواري ومن تبعهما فإنّهم ذهبوا إلى
أنّ القادر منّا قادر لنفسه. وإن كان قد حكى في الكتاب عن الأصمّ مثل هذا القول ،
والأشبه بطريقته أن يجعله قادرا بالفاعل. فأمّا ضرار فقد حكى عنه في الكتاب أنّه
يذهب إلى أنّ الاستطاعة بعض المستطيع. وليس هذا بموقوف على هذا الموضع فإنّ خلافه
في غير ذلك من الأعراض نحو هذا الخلاف لأنّه يجعل الجسم من أبعاض مجتمعة وربما
عبّروا عنها بالأعراض المجتمعة. والذي عندنا أنّه قادر لمعنى من المعاني ....
فالذي يدلّ على ما قلناه أنّ أحدنا قد حصل قادرا مع جواز أن لا يكون كذلك ، وحالته
في كونه حيّا واحدة فلا بدّ من اختصاصه بأمر وذلك الأمر هو
وجود معنى (ق ، ت
٢ ، ٢١ ، ٦)
ـ يجب لو كان
أحدنا قادرا لنفسه أن يكون حكم القادرين منّا أجمع كذلك ، وهذا يزيل التفاضل بينهم
مع علمنا بصحّة ذلك فيهم لأنّ صفات الذوات لا يقع فيها تزايد. وأيضا فكان يجب أن
لا ينحصر مقدور أحدنا في الجنس والعدد كما لم ينحصر مقدور القديم جلّ وعزّ في هذين
الوجهين لمّا كان قادرا لذاته ، وهذا يوجب جواز الممانعة بيننا وبينه تعالى عن
ذلك. فثبت بطلان هذه المقالة (ق ، ت ٢ ، ٢٣ ، ١٥)
ـ قد عرفنا صحّة
كون أحدنا قادرا في حال بقائه على وجه تتجدّد له هذه الصفة كما يصحّ أن يكون عليها
في حال الحدوث. ويلزم على هذا القول أيضا نحو ما تقدّم لأنّا نقول : كان ينبغي أن
لا يقع التفاضل بين القادرين في كثرة المقدور وقلّته لأنّ الجاعل في كلي الحالين
قد جعل هذه الجملة قادرة. ولا يمكن أن يجعل انحصار المقدور معلّقا على انحصار
الصفة ، لأنّا قد عرفنا أنّ القديم تعالى له بكونه قادرا صفة واحدة ، ومع هذا فليس
ينحصر مقدوره ، فيجب أن يكون سبب انحصار مقدورنا استناد هذه الصفة إلى القدرة (ق ،
ت ٢ ، ٢٤ ، ٩)
ـ اعلم أنّ في
العلماء من حكي عنه في الحيّ أنّه محلّ الحياة ، ويجب على هذه القاعدة أن يقول إنّ
القادر هو محلّ القدرة. وليس الغرض بهذا الكلام خلاف ابن أبي بشر ، وإنّما الغرض
ما يحكى عن الإسكافي مما يشير إلى ذلك. والذي عندنا أنّ هذه الجملة بكمالها هي
القادرة دون كل بعض منها. والدلالة عليه أنّ الطريق إلى إثبات القادر إذا كان
إنّما هو صحّة الفعل منه فمعلوم أنّ هذا الحكم يرجع إلى الجملة دون الأجزاء
والأبعاض ، فيجب أن يكون المختصّ بهذه الصفة الجملة بكمالها (ق ، ت ٢ ، ٢٦ ، ٣)
ـ إنّ الفعل إنّما
يقع من أحدنا لمكان الدواعي ولولاها لم يقع ، فيجب أن يكون القادر من يصحّ اختصاص
الدواعي به. وقد عرفنا أنّ الداعي إنّما يرجع إلى الجملة لأنّ المرجع بها إلى
العلوم وما يجري مجراها وإنّما تختصّ الجملة بذلك (ق ، ت ٢ ، ٢٦ ، ١٠)
ـ إنّ الطريق الذي
به نعلم إثبات القدرة هو الطريق الذي به نعلم تعلّقها بالضدّين. وذلك لأنّا إنّما
نثبت القدرة بكون الواحد منّا قادرا ، وكونه قادرا إنّما يثبت بكونه فاعلا ومحدثا.
والذي به نعرف أنّه محدث لأفعاله هو وجوب وقوع تصرّفه بحسب أحواله. وقد علم أنّ
ذلك ليس بمقصور على فعل دون فعل ، لأنّا ما لم نتصوّر في الواحد منّا أنّه يجوز
منه أن يتحرّك يمنة ويسرة ويأتي بأفعال مختلفة ومتضادّة لم نعلمه فاعلا على
الحقيقة. فإذا كان ما به يثبت قادرا يقتضي كونه قادرا على الضدّين فينبغي فيما
أوجب كونه قادرا أن يطابقه في التعلّق ، وهذا يقتضي أن تكون القدرة متعلّقة
بالضدّين. ويجب إذا كان حكم القادرين أجمع فيما ذكرناه سواء أن تتّفق أحوال القدر
أيضا فيما بيّنا (ق ، ت ٢ ، ٤٨ ، ٧)
ـ إنّا نعرف
العاجز عاجزا ضرورة لا على ما تقولون إنّا نحتاج إلى اعتبار حال القادر أوّلا. وربّما
ادّعوا أنّا نعلم القادر قادرا ضرورة. وليس يصحّ عندنا أن نعلم القادر قادرا
باضطرار فضلا عن كونه عاجزا الذي يترتّب عليه وفضلا عن أن نعلم ضرورة أنّه إذا لم
يكن قادرا فيجب أن يكون عاجزا ، بل طريق ذلك أجمع هو الاستدلال. ألا ترى أن القادر
إذا
كان معناه من
يختصّ بصفة لأجلها يصحّ الفعل منه عند ارتفاع الموانع فكيف تدّعى الضرورة في ذلك؟
وإذا رجعنا في العاجز إلى من يختصّ بصفة معها يتعذّر الفعل عليه فدعوى الضرورة فيه
أيضا لا يمكن. وإذا رجعنا به إلى زوال كونه قادرا فالنفي يتفرّع عن الإثبات (ق ، ت
٢ ، ٦٤ ، ١٩)
ـ إنّ القادر يقدر
على إيجاد الفعل على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه. والمختلفان قد يصحّ اجتماعهما
وكذلك المثلان يصحّ دخولهما في الوجود وليس كذلك الضدّان (ق ، ت ٢ ، ٩١ ، ١٣)
ـ إنّ القدرة تثبت
بكون القادر قادرا ، وكونه قادرا يثبت بكونه محدثا وفاعلا. والطريق إلى ذلك وجوب
وقوع فعله بحسب دواعيه. فإن كانت القدرة متى وجدت وجب وجود الفعل عندها فلا معنى
لاعتبار الدواعي ، وكان ينبغي أن يقع الفعل مع سلامة الأحوال وإن كانت الدواعي
منتفية ، وهذا لا يصحّ. فليس بعد ذلك إلّا أن يصحّ وجود القدرة وثبات كونه قادرا
وليس بفاعل ثمّ يصير فاعلا عند الدواعي ، وهذا لا يتمّ إلّا على أصلنا (ق ، ت ٢ ،
١١٦ ، ٢٢)
ـ إنّ القادر لا
بدّ من أن يؤثّر في تحصيل صفة لم تكن ، وهذا إنّما يتأتّى في الإحداث. فأمّا
الإعدام فلا يصحّ ذلك فيه إذ ليس للمعدوم بكونه معدوما صفة. وعلى هذا الأصل قلنا
للمجبرة : إذا لم يصحّ أن تكون للفعل صفة يرجع بها إلى كونه كسبا فيجب أن لا يصحّ
تعليقه بالفاعل (ق ، ت ٢ ، ٢٩٥ ، ١١)
ـ إنّ القادر منّا
يفعل الفعل على وجهين : أحدهما يبتديه بالقدرة في محلّها ، والآخر يفعله بواسطة من
الأسباب ، وما يفعله بالسبب لا يصحّ أن يوقعه على الوجه الذي يصحّ أن يبتدئ عليه!
يبيّن ذلك أن الواحد منّا لو أراد أن يبتدئ بالإصابة وتحريك الأجسام البائنة منه
لتعذّر عليه ، وإن صحّ أن يفعله على جهة التوليد. ولو أراد أن يفعل الفعل على الوجه
الذي يفعله بالاعتماد عند المصاكة من التراجع لتعذّر عليه (ق ، غ ٤ ، ١١٦ ، ١٣)
ـ إنّ القدر ، وإن
اختلفت فإنّ مقدوراتها في الجنس يجب أن تتّفق ، وإنّما يحسب أن تتغاير مقدوراتها
في الأعيان ؛ لأنّ ذلك يحقّق القول باختلافها ، لأنّا لو قلنا إنّ مقدوراتها ليست
بمتغايرة في الأعيان ، لأدّى إلى صحّة كون مقدور القدر ، واحدا ، وذلك يوجب
تماثلها. فإذا صحّ بما بيّناه من قبل ذلك ، وجب القضاء بأنّ قدرة اليد هي قدرة على
العلم والإرادة ، وإن كان لا يصحّ وجودهما بها لكون المحل غير محتمل لها ، ولا فصل
بين امتناع وجود الشيء لكون المحل غير محتمل له وبين امتناع وجوده لأجل وجود ضدّه
في المحل إذا كان وجود الضدّ أولى من وجوده ، فصحّ بذلك أنّ القادر يصحّ كونه
قادرا على الشيء وإن تعذّر وجوده لمنع أو غيره (ق ، غ ٤ ، ٣٣٣ ، ١٦)
ـ لسنا نحدّ
القادر بأنّه الذي لا يتعذّر عليه الفعل مرسلا ، فيكون ما قدّمناه ناقضا له ؛
لكنّا نقول هو الذي لا يتعذّر عليه إيجاد مقدوره من غير منع أو وجه معقول يوجب
تعذّره ؛ وهذا كقولنا إن من حق الجوهر أن يصحّ وجود العرض فيه إلّا لوجه يوجب
امتناع ذلك فيه ، وكقولنا في السبب إن من حقّه أن يوجب المسبّب إذا لم يكن هناك
منع أو ما يجري مجراه ، وكقولنا إن الحي هو الذي يصحّ أن يدرك إذا وجد المدرك
وارتفعت الموانع ؛ وكل ذلك يبيّن أن الصفة قد
تقتضي بعض الأحكام
بشروط ، فلا يمتنع حصولها ، وامتناع ذلك الحكم عند فقد تلك الشروط أو بعضها (ق ، غ
٤ ، ٣٣٤ ، ١٧)
ـ اعلم أنّ القديم
، عزوجل ، يوصف بأنّه قادر ، والمراد بذلك أنّه يختصّ بحال لكونه
عليها يصحّ منه إيجاد الأفعال. وإنّما نحتاج أن نحدّ بأنّ القادر هو الذي يصحّ
الفعل منه ما لم يكن هناك منع أو ما يجري مجراه في القادر منّا ، لأنّ المنع وسائر
ما يقتضي تعذّر الفعل يصحّ إليه. وأمّا القديم تعالى فكل ما يقدر عليه يصحّ منه
إيجاده ويستحيل المنع عليه ، لأنّ المقصد بذكر حدّ القادر لما كان الشمول وجب
الاحتراز فيه ، إذا كان قصدنا به التعميم ، فإن كان الكلام في القديم خاصة ، لم
يجب ذلك (ق ، غ ٥ ، ٢٠٤ ، ٥)
ـ حقيقة القادر
أنّه بصفة معها يصحّ الفعل منه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥ ، ١١)
ـ يحدّ القادر :
بأنّه الذي يصحّ منه الفعل إذا لم يكن هناك منع (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٧ ، ١)
ـ يجب أن يكون
القادر على الحسن قادرا على القبيح ، كما أنّ القادر على الحسن يقدر على الحسن من
جنسه ؛ لأنّه ليس للحسن والقبيح تأثير في الوجه الذي يتناوله قدرة القادر ، لأنّ
القادر إنّما يقدر على إيجاد الجنس. يبيّن ذلك أن حكم القادرين لا يختلف إذا قدروا
على الجنس ، فلا يصحّ أن يختصّ بعضهم بالقدرة على القبيح منه دون الحسن ، كما لا
يختصّ بعضهم بالقدرة على الخروج عن واحد دون آخر ، والكون في محل دون غيره ، وفعل
الألم في جسم دون غيره. فإذا صحّ ذلك ، وكان القبيح مثل الحسن ، فيجب أن يكون
القادر على الجنس قادرا على كل ضروبه من حسن وقبيح ، كما يقدر على ضروب المحسّنات
منه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٩ ، ١٠)
ـ إنّ القدرة لا
يمتنع تعلّقها بجنس دون جنس ، ومتى تعلّقت بجنس مخصوص لم يصحّ أن تختصّ بأن تتعلّق
بضرب منه لوجوب تعلّقها بإيجاد ذلك الجنس على أي وجه وجد. فكذلك القول في حال
القادر. يبيّن ذلك جواز اختصاص الأعيان في دخولها تحت مقدور القادر ، وإن لم يصحّ
ذلك في الوجوه التي يقع عليها ما يقدر عليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣٠ ، ١٨)
ـ إن قيل : هلا
قلتم إنّ كون الفعل قبيحا يوجب خروجه من كونه مقدورا له تعالى كوجود المقدور
وتقضّي وقته فيما لا يبقى؟ قيل له : هذا يوجب أن لا يقدر الواحد منّا على إيجاد
القبيح ، كما لا يقدر على ما وجد من مقدوره ، وتقضّي وقته وفي صحّة كونه قادرا على
ذلك دلالة على انّ كونه قبيحا لا يوجب خروجه من كونه مقدورا. وأحد ما يدلّ على ذلك
أنّ الدلالة قد دلّت على أنّ القادر على الشيء قادر على جنس ضدّه ، إذا كان له
ضدّ. فإذا صحّ ذلك ، وكان تعالى قادرا على أن يخلق فينا العلم به وبصفاته ، فيجب
أن يقدر على ضدّه ، وهو الجهل به. وكذلك فهو قادر على أن يفعل فينا كراهة الحسن
بدلا من إرادته ، وإرادة القبيح بدلا من كراهته. وإنّما لا يوصف تعالى بالقدرة على
ضدّ مقدوره إذا كان مقدورا لغيره ، لاستحالة كونه مقدورا له ؛ فما لم يحصل فيه وجه
يحيل كونه كذلك ، فيجب كونه قادرا عليه. وهذه الدلالة تختصّ ما له يجب كونه قبيحا (ق
، غ ٦ / ١ ، ١٣١ ، ٨)
ـ جوّزنا كون
القادر قادرا على الضدّين وإن لم يصحّ أن يفعلهما. فإذا لم يدلّ كونه غير مختار
لأحدهما على أنّه
لم يقدر عليه ، فكذلك لا يدلّ ما قالوه على أنّه لا يقدر على القبيح (ق ، غ ٦ / ١
، ١٣٦ ، ١٣)
ـ من حقّ القادر
على الشيء على جهة الاختراع والابتداء أن يقدر عليه على جهة التوليد ، وإنّما صحّ
من الواحد منّا أن يقدر على أشياء على جهة التوليد ، ولا يقدر عليها على جهة
الابتداء ؛ كما يصحّ منه إيجاد بعض الأفعال بآلة ، ولا يصحّ منه على جهة الابتداء.
وليس كذلك حاله تعالى ، لأنّه سبحانه يصحّ أن يوجد الأفعال على كل وجه يصحّ أن
يوجد عليه ؛ فيجب من هذا الوجه كونه قادرا على الاعتمادات ، إذا صحّ كونه فاعلا
للأكوان على جهة التوليد ، لأنّه لا سبب لها غيره. وأيضا فلأنّ الاعتماد اللازم لا
يكون إلّا من فعله تعالى ، لأنّه هو الذي يصحّ أن يوجده على الوجه الذي يلزم به
ومعه ؛ فإذا صحّ ذلك فيه وجب كونه قادرا على جميع أنواعه ، لأنّ من حق القادر على
الشيء أن يكون قادرا على نوعه ، كما يجب ذلك في مثله وضدّه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٨ ، ٧)
ـ إنّ جملة العلوم
نوع واحد ، لاشتراكها في قضية واحدة ، ومن حقّ القادر على الشيء أن يكون قادرا على
نوعه ، كما يجب ذلك في الجنس والضدّ ؛ وهذا مضطرد (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٧٢ ، ٨)
ـ إنّ كل فعل علم
القادر علّته ، أنّه لا نفع له فيه ولا غرض ، فإنّه لا يجوز مع علمه بذلك من حاله
أن يختاره (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٠٤ ، ١٣)
ـ إنّ القادر إذا
قدر على جعل الشيء على صفة من الصفات ، فالواجب أن يختصّ بالقدرة على إيجاده. وهذا
يبيّن أنّ الجاعل القول خبرا ، يجب أن يكون هو الموجد له ، وأنّ إرادته لا تؤثّر
في فعل غيره. فأمّا كونه مريدا ، فقد يؤثّر في فعله ، وإن كانت الإرادة من فعل
غيره فيه ، كما يؤثّر إذا كانت من فعله ، لأنّ المعتبر هو كونه مريدا ، كما أنّ
كونه عالما بالفعل يؤثّر فيه ، كان العلم من فعله أو فعل غيره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٢ ،
٣)
ـ إنّ القادر يقدر
على ما يتعذّر عليه فعله ، لمنع ، أو ما يجري مجراه ، لأنّه يصحّ ممن هذه حاله
الفعل على بعض الوجوه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٣٨ ، ١٢)
ـ يحدّ الإنسان
بأنّه هذه الجملة المبنية هذا الضرب من البنية ؛ ولذلك ينبه ـ عند ذكر حال القادر ـ
على الحكم الموجب عنه ؛ لأنّه ينكشف به المراد ، فنقول : هو الذي يختصّ بالصفة
التي معها يصحّ الفعل منه مع السلامة (ق ، غ ٧ ، ١٣ ، ٩)
ـ إنّ القادر قد
يفعل الفعل لكونه قادرا من غير قصد وداع (ق ، غ ٨ ، ٥٢ ، ٨)
ـ إذا علمنا أنّ
الدواعي هي العلوم والاعتقاد والظنون دون غيرها ، لأنّ سائر ما لا يتعلّق بالفعل
لا مدخل له في ذلك ؛ وقد علمنا أنّ ذلك لو حصل ، ولم يحصل قادرا ، لم يصح الفعل
منه ؛ ومتى حصل قادرا ، صحّ ذلك منه ؛ فيجب أن يكون هو المصحّح للفعل دون الدواعي (ق
، غ ٨ ، ٥٢ ، ١٧)
ـ إنّ القادر
يفعله لكونه قادرا. كما نقول : إنّ القادر يفعل التأليف ، عند تجاور الجسمين ،
ولولاه لما صحّ أن يفعله ، لا لأنّ الذي صحّح وجود الاجتماع هو تجاورهما مع كونه
قادرا ، لأنّ تجاورهما لا يوجب له حالا. فكذلك القول في ارتفاع الموانع. وكذلك
القول ، في وجود الآلات والأسباب ، إنّه يصل فيهما إلى
إيجاد ما يقدر
عليه ، فالفعل إنّما يصحّ لكونه قادرا دونهما. ولذلك يجب أن يكون المصحّح للفعل هو
كونه قادرا ، دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٣ ، ١٣)
ـ إنّ القادر
يفعله لكونه قادرا. كما نقول : إنّ القادر يفعل التأليف ، عند تجاور الجسمين ،
ولولاه لما صحّ أن يفعله ، لا لأنّ الذي صحّح وجود الاجتماع هو تجاورهما مع كونه
قادرا ، لأنّ تجاورهما لا يوجب له حالا. فكذلك القول في ارتفاع الموانع. وكذلك القول
، في وجود الآلات والأسباب ، إنّه يصل فيهما إلى إيجاد ما يقدر عليه ، فالفعل
إنّما يصحّ لكونه قادرا دونهما. ولذلك يجب أن يكون المصحّح للفعل هو كونه قادرا ،
دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٣ ، ١٨)
ـ اعلم أنّ القادر
من حقّه أن يصحّ منه الفعل ، وأن تنفصل حاله فيما يحدثه من حال الموجبات على بعض
الوجوه. لأن حدوث مقدوره على سبيل الإيجاب يخرجه من كونه مقدورا له ، وينقض كونه
قادرا عليه ، على ما سنبيّنه في باب الاستطاعة ، وإن كنّا قد ذكرنا من قبل ما يدلّ
عليه. لأنّه إذا كان حدوثه من جهته بحسب قصده ، ومعلوم من حاله أنّه كان يجوز أن
لا يقصد إليه وتتغيّر دواعيه ، فلا يقع منه ذلك ، بل يقع خلافه. فيجب القضاء بأنّ
حدوثه من جهته غير واجب وأنّه مفارق في ذلك الوجوب الصفات عن العلل ، ووجوب
المسبّب عن السبب (ق ، غ ٨ ، ٥٩ ، ٤)
ـ إنّ من حق
القادر أن يصحّ حدوث مقدوره ، ولا يجب ؛ لكنّا نعلم أنّه وإن كان كذلك ، فقد تقوى
دواعيه إلى الفعل ، حتى لا يقع منه خلافه ، وإن كان قادرا عليه. وهذا كالملجإ إلى
الهرب من السبع أنّه لا يقع منه الوقوف ، لكنّا نعلم من حاله أن ما يقع منه يقع
باختياره ، ولذلك يختار في الهرب سلوك طريق دون غيره (ق ، غ ٨ ، ٥٩ ، ١٢)
ـ من حق القادر أن
يصحّ منه الشيء وتركه ، وإن وجب كونه قادرا عليهما. ولهذا يصحّ كونه قادرا على
المتولّدات وفاعلا لها ، وإن لم يصحّ منه فعل ضدّها في بعض الأحوال (ق ، غ ٨ ، ٦١
، ٧)
ـ إنّ القادر
إنّما يصحّ منه إحداث الفعل فقط (ق ، غ ٨ ، ٦٤ ، ١٢)
ـ إنّ القادر
إنّما يقدر على الشيء على وجه الحدوث فقط (ق ، غ ٨ ، ٦٥ ، ٩)
ـ أمّا صفات
الأجناس ، فقد دللنا من قبل على أنّها لا تكون بالفاعل على وجه من الوجوه ،
وتقصّينا القول فيه. وقد اعتمد شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، على ذلك بأن قال : لو جاز أن يقدر القادر على الشيء على
غير جهة الأحداث ، لصحّ أن يقدر على ما يستحيل حدوثه. وقد علمنا أنّ ما استحال
حدوثه ، يستحيل كونه قادرا عليه ؛ وما صحّ حدوثه ، يصحّ كونه قادرا عليه ؛ وما
استحال حدوثه من جهة قادر مخصوص ، يستحيل كونه قادرا عليه ، وإن صحّ من غيره أن
يقدر عليه ؛ وما بقي من الأفعال ، يستحيل كونه مقدورا في حال بقائه من حيث استحال
حدوثه. وذلك يبيّن أنّ القادر إنّما يقدر على الشيء من جهة الإحداث (ق ، غ ٨ ، ٦٨
، ١٢)
ـ القادر إنّما
يقدر على الصفة التي متى صحّت على الفعل ، صحّ كونه مقدورا ؛ ومتى استحالت ،
استحال كونه مقدورا ، وهي الحدوث (ق ، غ ٨ ، ٦٩ ، ١)
ـ إنّ من حقّ
القادر أن يصحّ منه فعل مقدوره ، إذا صحّ وجوده ، وكانت الموانع وما يجري مجراها
مرتفعة. ودللنا على ذلك بأنّه لو لم يجب ذلك فيه ، لأدّى إلى نقض حقيقة القادر
وفساد الطريق المؤدّي إلى معرفته قادرا. لأنّا إنّما نعلمه قادرا لصحّة الفعل منه
، فنعلمه بذلك على صفة لاختصاصه بها يصحّ منه الفعل مع السلامة (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ٣)
ـ إنّ كل قادر يجب
كون الشيء مقدورا له عند العدم ، يجب كونه مفعولا له عند الوجود. فلا يصحّ ، لو
كان المقدور الواحد مقدورا لقادرين ، أن يحصل عند الوجود فعلا لأحدهما دون الآخر.
لأنّه لا يخلو القول فيه ، لو لم يكن فعلا لهما جميعا ، من وجهين : إمّا أن يقال :
إنّه يجوز وقوعه منهما جميعا ، لو أحدثاه على وجه واحد ؛ أو يقال : إنّه يحدث ،
منهما ، على وجهين. ولا يجوز أن يقال بالوجه الثاني ، لأنّا قد دللنا ، في باب قبل
هذا ، على استحالة حدوث الشيء من وجهين ؛ فلو صحّ حدوثه ، منهما ، على وجهين ،
لوجب ما قدّمناه من صحة كونه موجودا معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ١٦)
ـ قال شيخنا أبو
علي ، رحمهالله : لو صحّ كونه مقدورا من قادرين ، لوجب كونه مفعولا
متروكا. وهذا لازم على طريقته ، لأنّه يجب متى فعله أحدهما من وجه ، ولم يفعله
الآخر ، أن يكون فاعلا لتركه على قوله : إنّ القادر منّا المخلّى لا يخلو من الأخذ
والترك. ويجب على طريقتنا أيضا ، أن يجوز من أحدهما أن يتركه في حال كون الآخر
فاعلا له ؛ فيؤدّي ذلك إلى وجود الشيء وضدّه. والأولى ، على القولين جميعا ، أن لا
يذكر الترك (ق ، غ ٨ ، ١١٠ ، ٩)
ـ القادر منّا لا
يصحّ أن يفعل في غير محل قدرته إلّا بسبب (ق ، غ ٨ ، ١٢٨ ، ٢)
ـ إنّ القادر على
الجسم هو القادر لنفسه ، فلا يصحّ أن يكون فاعل الأجسام إلّا قديما إلها ، فلذلك
وجب على قائل هذا القول أن يكون مثبتا لإله ثان مع الله (ق ، غ ٨ ، ١٤٣ ، ١٧)
ـ إنّ وقوع تصرّفه
(زيد) بحسب قصده يدلّ على أنّه قادر عليه (ق ، غ ٨ ، ١٧٨ ، ٢)
ـ من حق القادر
على الشيء أن يصحّ منه إيجاده مع زوال الموانع (ق ، غ ٨ ، ١٧٨ ، ١٦)
ـ إنّا لا نقول
إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ منه فعل تركه ، بل نقول إنّ من حق القادر على
الشيء أن يصحّ منه ألّا يفعله على بعض الوجوه ، كما يصحّ منه أن يفعله ثم ينظر.
فإن كان متى لم يفعله لم يصحّ أن يفعل تركه ، صحّ أن يتركه وإلّا لم يجب ذلك فيه ،
وقد ذكر ذلك بعينه شيخانا أبو علي وأبو هاشم رحمهماالله (ق ، غ ٩ ، ٣٩ ،
١٧)
ـ اعلم أنّ القادر
على الشيء قد تختلف أحواله ، فمتى كان المقدور مبتدأ وجب كونه قادرا عليه قبله
بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده ، وإلّا لم يصحّ لأنّ تقدّم القدرة قبله بأوقات يحيل
إيجاده إذا انقضى وقته بحال واحدة. فأمّا ما يفعله متولّدا فيجب أن يراعى ، فإن
كان مما يضام السبب في الوجود فيجب أن تكون القدرة متقدّمة له بحال واحد لما
ذكرناه ، وإن كان يتأخّر عن السبب كالعلم فيجب أن تكون القدرة متقدّمة له بوقتين ،
وإن كان مما يقع عن سبب بعد سبب فيجب كونه قادرا عليه في الوقت الذي قدر على السبب
الأوّل ، لأنّ سائر ما يوجده بعده يتعلّق بوجوده ، وإنّما كان كذلك
لأنّ المسبّب
بوجود السبب يصير في حكم الواقع وفي حدّ ما لا يقدر عليه مما مضى وقته ، ولذلك لا
يصحّ منه أن يفعله ويتركه وقد وجد السبب ، وإذا صحّ ذلك وجب أن يكون القادر يراعى
كونه قادرا عليه بسببه (ق ، غ ٩ ، ٧١ ، ٨)
ـ قد قال الشيخان رحمهماالله في غير موضع إنّ من حق القادر على الشيء أن يصحّ أن يفعله
ويصحّ ألّا يفعله ، وأن ذلك يستمرّ في كل قادر وكل مقدور ، فأمّا أن يجعل حدّ
القادر ما يصحّ أن يتركه بدلا من أن يفعله فذلك مما لا يصحّ ، وأوضح ذلك شيخنا أبو
هاشم رحمهالله بأن قال : كونه قادرا على الشيء لا يتعلّق بغيره من ترك
وضدّ ، بل يجب أن يكون له حكم معه ولا ضدّ له كما يكون له معه الحكم وله ضدّ ،
وذلك الحكم ما قدّمناه من أنه يصحّ أن يفعله وألّا يفعله مع السلامة (ق ، غ ٩ ، ٧٣
، ٩)
ـ إنّ الذي يجب في
القادر أن يصحّ منه إيجاد مقدوره ويصحّ منه الانصراف عنه ، وأن لا يوجده على الوجه
الذي يصحّ منه ، فمتى كان المقدور مما يوجده ابتداء صحّ أن لا يفعله من غير تعلّق
بغيره ، ومتى كان مما يفعل بواسطة صحّ أن لا يفعله بأن لا يفعل ما يتعلّق وجوده
بوجوده ، لأنّه إذا اختلف حاله في إيجاد مقدوره فمنه ما يوجده بنفسه ومنه ما يوجده
بواسطة ، فكذلك في أن لا يوجده (ق ، غ ٩ ، ٧٨ ، ٥)
ـ فإن قيل : إن
كان المسبّب يقع منه لكونه قادرا عليه فقولكم إنّ السبب يوجبه لا يصحّ ، وإن صحّ
ذلك بطل القول بأنّه يوجد منه لكونه قادرا عليه ، قيل له : لا تناقض بين هذين
القولين ؛ لأنّ الغرض بقولنا إنه يوجد من جهة القادر أنّه تراعى في صحّة وجوده
أحواله وأنّه يقع بحسبها كالمباشر ، ولو لا أنّ ذلك كذلك لم يجب أن يقع بحسب قدره
ودواعيه وعلومه وقصوده ، وأن يؤثّر العجز والسهو في وجوده أو وجوده على وجه ،
والغرض بقولنا إنّ السبب يوجبه أنّ الفاعل بعد إيجاده السبب لا يحتاج إلى أن
يبتدئه كحاجته في المباشر ، بل يحصل في حكم الفاعل له بإيجاد السبب ، وإن لم
يتناقض القولان وجب سقوط ما سأل عنه (ق ، غ ٩ ، ٧٩ ، ١١)
ـ إنّ من حق
القادر على الشيء أن يصحّ منه فعله على الوجه الذي قدر عليه على بعض الوجوه ، فإذا
تعذّر ذلك فيهما ابتداء وجب كونهما مقدورين لنا على جهة التوليد. ولا فرق بين من
قال إنّه يصحّ أن يفعلهما على جهة الابتداء وإن تعذّر إيجادهما إلّا مع اعتماد يقع
بحسبه ، وبين من قال فيما يفعله في غير محلّ القدرة من الأكوان وغيرها أنّ ذلك
مبتدأ وإن استحال منّا إيجاده إلّا مع غيره ، وفي هذا فساد طريق معرفة الفصل بين
المتولّد والمباشر (ق ، غ ٩ ، ١٢٧ ، ١٢)
ـ دللنا في صدر
باب العدل على أنّه تعالى قادر على ما لو وقع لكان قبيحا ، وإن علم أنّه لا يختاره
، وأنّه قادر على إقامة القيامة الآن ، وإن كان المعلوم أنّه لا يقع ولا يختاره.
وقد بيّنا أن أصل الكلام في إثبات تعلّق الفعل بالفاعل يقتضي ما قلناه ، لأنّه إذا
وجب وقوعه (بحسب وانتفاؤه بحسب دواعيه وكراهته) فيجب أن يكون قادرا على ما يصحّ أن
يقع بأن يختاره على ما لا يقع بل يختار تركه (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ١٩)
ـ قد بيّنا في باب
البدل أنّ العالم بأن الشيء يكون لا يوجب كونه ، ولا علمه بأن الشيء لا يكون لا
يحيل كونه. وبيّنا أنّ العلم يتعلّق
بالشيء على ما هو
به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالعلم ، وأنّه كالدلالة والصدق في هذا الوجه.
وبيّنا أنّ القول بخلافه يوجب زوال الذمّ والمدح عن الفاعل في الحسن والقبيح من
حيث يجب كونه مضطرّا إلى فعلهما ؛ لعلم العالم بوقوعهما ، ويوجب كون القديم تعالى
على ما هو به لمعلومنا ، وأن يكون العالم منّا جعله كذلك ؛ وفي هذا من الجهالات ما
لا خفاء به. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع كون العبد قادرا على قتل غيره ، وإن جعل الله
أجله مؤخّرا عن ذلك الوقت ، لأنّ علمه تعالى بأنّه يعيش مائة سنة ، أو نصبه
الدلالة على ذلك ، أو كتبه ذلك في اللوح المحفوظ على جهة المصلحة للملائكة ، لا
يخرج القادر من أن يكون قادرا على نقض بنيته من قبل ، كما لا يخرج ذلك القديم
تعالى من أن يكون قادرا على إماتته من قبل (ق ، غ ١١ ، ٥ ، ١٣)
ـ إنّ من حقّ
القادر أن يصحّ الفعل منه على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه ؛ لأنّ الإيجاد من جهته
كالفرع على صحّة وجوده في نفسه ، ولذلك نحيل كونه قادرا على الشيء إذا استحال
وجوده في نفسه. وهذه القضيّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، فلذلك أثبتناه تعالى
قادرا لم يزل. وإن استحال وقوع الفعل منه على وجه يصحّ وصفه بأنّه في الثاني أو في
الثالث ولا ينقض ذلك كونه قادرا ، كما يصحّ أن يقدر أحدنا على ما يفعله بعد سنة ،
وإن استحال وجوده في الأمقاط قبله ، ولا ينقض ذلك كونه قادرا. وليس كذلك العلّة ؛
لأنّ وجودها ولا (أثر لها) يوجب الحكم بنقض كونها علّة ؛ من حيث وجب فيها أن تكون
موجبة (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٦)
ـ إنّما صحّ لنا
القول بأنّ القادر ترد عليه الموانع والآفات فيتعذّر عليه ما لولاه كان يتأتّى منه
من حيث بيّنا أنّ صحّة وجود الفعل كما تفتقر إلى كونه قادرا فكذلك تفتقر إلى ألّا
يكون هناك ضدّ هو أولى بالوجود منه أو ما يجري مجراه ، فإذا طرأ عليه ما هذه صفته
لم يمتنع أن نثبته قادرا ونحكم بتعذّر الفعل عليه (ق ، غ ١١ ، ٣٢٥ ، ٣)
ـ إنّ القادر منّا
قد يجب فيه الثبات على بعض الأفعال ، إذا استمرّت به الدواعي في الثبات عليه. وقد
يجب أن لا يختار إلّا بعض ما يقدر عليه ، لأمر يرجع إلى الدواعي. وقد بيّنا ، أن
ذلك غير ممتنع في القادر ، لأنّه إذا جاز أن يبلغ إلى حدّ الإلجاء فلا يجوز أن يقع
منه خلافه ، وإن كان مقدورا له. ويصير كالممنوع من حيث كان بالإلجاء محمولا على
الفعل ، أو في حكم المحمول. فكذلك لا يمتنع أن تقوى دواعيه ولا يبلغ حدّ الإلجاء ؛
فلا يختار إلّا ما تعلّقت به تلك الدواعي ، وإن كان قادرا على غيرها. وبيّنا أنّ
القول بوجوب اختياره لذلك لا يصحّح القول بالطبع ، لأنّه يصحّ أن تتغيّر دواعيه ،
ويقابلها غيرها ، فيتغيّر حاله في الفعل (ق ، غ ١٢ ، ١٢٨ ، ٨)
ـ إنّ من حق
القادر أن يجوز أن لا يفعل مقدوره ، شاهدا كان أو غائبا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٧ ، ٧)
ـ يقول (الجاحظ)
في النظر : إنّه ربما وقع طبعا واضطرارا ، وربما وقع اختيارا. فمتى قويت الدواعي
في النظر ، وقع اضطرارا بالطبع ؛ وإذا تساوت ، وقع اختيارا. فأمّا إرادة النظر ،
فإنّه مما يقع باختيار ، كإرادة سائر الأفعال. وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين
النظر والمعرفة ، وبين إدراك المدركات ، في أنّ جميع ذلك يقع
بالطبع. وكذلك
يقول في التحريكة بعد الاعتماد. لأنّه يذهب في التولّد ، مذهب أصحاب الطبائع.
لكنّه ، فيما يقع من القادر ، يخالف طريقتهم ، لأنّه يقول : إنّما يقع بالطبع عند
الحوادث والدواعي ، فيرجع في ذلك إلى حال للجملة نعتبرها. وليس كذلك طريقة أصحاب
الطبائع (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ١٠)
ـ قد بيّنا في باب
الاستطاعة أنّ من حق القادر أن يتقدّم كونه فاعلا ، وذلك يبطل هذا القول لأنّه (لو)
وجب من حيث كان قادرا أن يكون فاعلا لوجب ذلك في كل حال وكل فاعل ، كما أنّه لما
وجب من حيث كان قادرا أن يكون حيّا استمرّ ، ولما وجب في العلم من حيث كان علما ،
أن يوجب كونه عالما استمرّ. وقد بيّنا أيضا جواز فناء القدرة في حال الفعل ، وذلك
يصحّح أنّه كما قد يكون قادرا ولا يكون فاعلا ، فقد يكون فاعلا ، ولا يكون قادرا ،
وأنّ كونه فاعلا كالمنفصل من كونه قادرا ، وإن كان لا بدّ من تقدّم كونه قادرا (ق
، غ ١٤ ، ٢٠٧ ، ١٩)
ـ إنّ صحّة الفعل
أو وجوبه ، ترجع إلى القادر دون القدرة ، وإنّما تأثيرها أن يصير بها قادرا ، فلو
وجب فيها ألا يخلو من المقدور ، لوجب في القادر ، وقد بيّنا فساد ذلك (ق ، غ ١٤ ،
٢١٠ ، ٨)
ـ الذي كان يقوله
شيخنا أبو علي رحمهالله ، أنّ القادر منّا لا يخلو من أن يفعل الشيء أو ضدّه ، إذا
حصلت شروط : منها أن يكون ذلك مبتدأ ومباشرا. ومنها أن يكون القادر مع كونه قادرا
في الحال ، يستمرّ كونه قادرا. ومنها ألا يحصل في الثاني منع أو ما يجري مجراه. فمتى
حصل كل ذلك وجب ألا يخلو من الفعل أو ضدّه (ق ، غ ١٤ ، ٢١٠ ، ١٧)
ـ اعلم أنّ للقادر
أحوالا ثلاثة ؛ أحدها : أن يفعل للداعي. والثاني : أن يترك الفعل له. والثالث : ألا
يفعل الفعل لأجله. وكل ذلك إنّما يجب في العالم المميّز القاصد ، لأنّ الفعل قد
يقع من القادر مع فقد الداعي ، فلو لا صحّة ذلك ، لما صحّ الفعل من الساهي والنائم
، ولما صحّ أن يقع من القادر ما لا يخطر له على بال. وقد بيّنا في غير موضع من
الكتاب ، أنّ الفعل لو لم يصحّ وقوعه من القادر إلّا بداع ، لبطل تعلّق صحّته
بكونه قادرا ، فأمّا إذا كان عالما ، فإنّه مؤثر لفعل على فعل ، فلا بدّ من داع ،
ولسنا نعني بذلك ، قادرا يدعوه إلى الفعل ، لأنّ ذلك لو وجب لأدّى إلى ما لا نهاية
له ، إن دعا القادر فعل من الأفعال ، وإنّما نعني ما لأجله يختار الفعل ويؤثّره (ق
، غ ١٤ ، ٣٨١ ، ٩)
ـ إن كون القادر
قادرا ، لمّا لم يقتض إلّا صحة الفعل ، لم يكن الدالّ عليه ، عقلا ، إلّا ذلك ؛
ولمّا كان كونه حيّا يصحّح كونه قادرا وعالما ومدركا ، إلى غير ذلك ، لم يمتنع ،
في كل واحد من هذه الأحوال ، أن يدلّ على كونه حيّا (ق ، غ ١٥ ، ١٥٥ ، ٢٢)
ـ إنّ من حق
القادر أن يصحّ الفعل منه. فمن حقّه أن يجب وقوع فعله بحسب دواعيه ، ويفارق في ذلك
غيره. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع أن يدلّ ما ذكرناه على حاجته إليه ، كما لا يمتنع أن
تدلّ صحّته منه على كونه قادرا عليه. يبيّن ذلك أنّ القادر ينفصل بذلك من الأمور
الموجبة ، كالعلل وغيرها. ولا بدّ من أن يشترط في دلالة فعله ما به يتميّز حال
القادر من غيره. ولذلك قلنا : إنّ من قال بالقدرة الموجبة لا يمكنه تثبيت القادر
وتثبيت حال الفعل إلى الفاعل.
وكل ذلك يبيّن أنّ
ما يشترطه ، في هذه الأدلّة ، لا بدّ منه ؛ لأن التعلّق معه يحصل ، أو له تأثير في
وجه الدلالة (ق ، غ ١٥ ، ١٥٦ ، ١٠)
ـ اعلم أنّ كل
قادر ، بما يعلمه العاقل أنّه قادر مميّز ، فإنّه يقدر على إيجاد الأفعال على كل
وجه : من قبح ، وحسن ، ووجوب ، وغير ذلك. وكل قادر ، فإنّا نجوّز منه فعل الحسن ،
إلّا من أخبر الله ورسوله بأنّه لا يفعله. فأمّا القبيح فإنّ الله تعالى لا يفعله
لحكمته. ولا تفعله ملائكته ، لأنّها معصومة منه (ب ، م ، ٣٧١ ، ٣)
ـ إذا علّلنا بأنّ
الفاعل فعله فإنّما نعلّله بكونه قادرا عليه ، فنقول إنّ الفاعل لمكان كونه قادرا
عليه أوجده. وكونه قادرا عليه غير حدوثه ووجوده (ن ، د ، ٢٩ ، ١٤)
ـ أمّا إذا كان
تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار لا يجب ، فكيف ولو كان تأثير
القادر في المقدور على سبيل الإيجاب لخرج القادر من أن يكون قادرا ، ولخرجت العلّة
من أن يكون لها تأثير أيضا ، لأنّ العلّة أيضا فعل من أفعال القادر ؛ فإذا لم يكن
للقادر تأثير فكيف يكون للعلّة تأثير ، مع أنها فعل من أفعاله؟ (ن ، د ، ٣٠ ، ٣)
ـ كون القادر
قادرا لا يتعلّق إلّا بالإحداث وما يتبعه ، وكون الجسم مجتمعا أمر زائد على
الإحداث وما يتبعه. ولأنّ هذه الصفات (كون الجسم مجتمعا مفترقا) لو كانت بالفاعل
لما ثبتت في حال البقاء لفقد الحدوث في حال البقاء. وقد ثبت أنّ تأثير القادر لا
يتعدّى عن الإحداث وما يتبعه ، لعلمنا أنّ هذه الصفات لا تتعلّق بالفاعل (ن ، د ،
٥٠ ، ١٣)
ـ إنّ القادر على
المسبّب يقدر على السبب ، كما أنّ القادر على السبب يقدر على المسبب. ألا ترى أنّ
الواحد منا لمّا كان قادرا على العلم كان قادرا على النظر ، ولما كان قادرا على
الكون والصوت كان قادرا على الاعتماد الذي يولّدهما ـ وفي علمنا بأنّ الواحد منا
لا يقدر على الجوهر دلالة على أنّ الجوهر لا يولّد الكون (ن ، د ، ٨٦ ، ٣)
ـ كون الذات قادرا
يظهر بصحة الفعل منه ، ثم يجوز أن يقدر ولا يصحّ منه الفعل لمانع. وكذلك صفات
الأجناس إنّما تظهر بصفات مقتضاة عنها ، ثم يجوز أن لا تحصل المقتضاة ، لأنّها
مشروطة بالوجود ، ومع ذلك فإنّ هذه الأجناس تحصل على صفاتها في العدم (ن ، د ، ١٧٣
، ٣)
ـ إذا قلنا في
القادر إنّه يجوز منه كل واحد من الضدّين على معنى أنّه يقدر على كل واحد منهما ،
ليس في هذا ما يجب أن يكون جامعا بينهما في الوجود ، لا من جهة اللفظ ولا من جهة
المعنى ، كما يلزم ذلك إذا قلنا إنّه يفعلهما جميعا (ن ، د ، ٢٤١ ، ٤)
ـ إنّ من حق
القادر أن يكون قادرا على الشيء وعلى جنس ضدّه ، إذا كان له ضدّ ، وهذا أيضا لا
شبهة فيه في القادر لذاته ، وإنّما الخلاف في الواحد منا. ولا يكون كذلك إلّا ويجب
أن يكون كونه قادرا متقدما على مقدوره ، فهذا يوجب تقدّم المحدث على هذه الحوادث ،
ومع تقدّم الغير على هذه الحوادث لا يصحّ وصفها بأنّها لا أوّل لها (ن ، د ، ٢٧٢ ،
٤)
ـ أوّل ما يحصل
العلم به من صفاته إنّما هو كونه قادرا ، فإنّه يستدلّ عليه بالفعل أو بصحّته ،
وأمّا ما عدا ذلك من صفاته ، فمما لا يحصل العلم به ابتداء وإنما يحصل العلم به
بعد العلم بكونه
قادرا (ن ، د ،
٤٦٠ ، ١٩)
ـ من حقّ القادر
أن يصحّ منه وقوع ما قدر عليه ، فإذا لم يصحّ منه ما قدر عليه فيما لم يزل فامتناع
كونه قادرا إذا كان لم يقدح ، فإذا صحّ منه وجود المقدور فيجب أن يكون قادرا (ن ،
د ، ٤٦٤ ، ١٢)
ـ إن قيل : فما
الدليل على أنّ الله تعالى قادر؟ قيل له : الدليل على ذلك صحّة وقوع الفعل. فإن
قيل : فلم قلتم إن صحّة وقوع الفعل تدلّ على كونه قادرا؟ قيل له : نردّ ذلك إلى
الشاهد ، فنقول : إنّا وجدنا في الشاهد جملتين صحّ من أحدهما الفعل وتعذّر على
الآخر ، مع تساويهما في سائر الصفات ، فكان يجب أن يكون من صحّ منه الفعل مفارقا
لمن تعذّر عليه بأمر من الأمور ، لولاه لم يكن هو بأن يصحّ منه الفعل أولى من أن
يتعذّر ، ولا صاحبه بأن يتعذّر عليه أولى من أن يصحّ ـ وهذا الموضع هو الذي به
نعلم المؤثّر بأدنى تأمّل (ن ، د ، ٤٦٩ ، ٢)
ـ إنّ كون الذات
قادرا على الشيء لا يتعلّق به إلّا على وجه واحد ، وهو الإيجاد والإحداث. فإذا كان
كذلك يجب أن لا يتعلّق في حالة الوجود ، لأنّ إيجاد الموجود محال. وليس كذلك كونه
عالما ، فإنّه يتعلّق بالشيء على ما هو ، ويستوي في ذلك الموجود والمعدوم. وإذا
ثبت ذلك وثبت أنّه جهة للفعل فلا بدّ من أن يقارن كسائر الوجوه ، اعتبارا بالعلل (ن
، د ، ٥٠٧ ، ١٣)
ـ إن قيل : إنّ
المؤثّر في وقوع الفعل محكما ما هو؟ والذي هو شرط ما هو؟ أتقولون إنّ كونه قادرا
مؤثّر ، وكونه عالما شرط ، أو تقولون إنّ المؤثر كونه عالما وكونه قادرا شرط ، أو
تقولون إنّهما جميعا مؤثران؟ قيل له : إن المؤثّر إنّما هو كونه قادرا ، وكونه
عالما شرط (ن ، د ، ٥٠٨ ، ٤)
ـ إن من حقّ
القادر على الشيء أن يكون قادرا على ضدّه (ن ، م ، ١٦٤ ، ١)
ـ إنّ القادر على
المسبّب يقدر على السبب ، كما أوجبنا لمن يكون القادر على السبب قادرا على المسبّب
(ن ، م ، ١٩٧ ، ١٢)
ـ إنّ من حق
القادر على الشيء ، أن يكون قادرا على أجناس أضداده إذا كانت له أضداد (ن ، م ،
٢٥١ ، ١٢)
ـ إنّ صفات النفس
في كيفية متعلّقها كصفات العلّة. فإذا عرفنا أنّ القديم ، لما هو عليه في ذاته الآن
من كونه قادرا ، يصحّ منه الفعل في المستقبل ، فكذلك الواحد منّا يصحّ منه الفعل
في الوقت العاشر لكونه قادرا ، ولا يصحّ ذلك إلّا إذا صحّ أن تبقى القدرة (ن ، م ،
٢٦٤ ، ٢٠)
ـ إنّ القادر على
الشيء يجب أن يكون قادرا على أجناس أضداده (ن ، م ، ٣٤١ ، ٢٣)
ـ زعمت (القدرية)
أنّ الله قادر بلا قدرة ... وزعم البصريون منهم أنّه لا يقدر على مقدورات غيره ،
وإن كان هو الذي أقدرهم عليها (ب ، أ ، ٩٤ ، ٥)
ـ إنّ كونه قادرا
لا يثبت إلّا وله مقدور ، والعلم به يتضمّن العلم بمقدوره (أ ، ت ، ١٠٧ ، ٧)
ـ الربّ سبحانه في
أزله كان قادرا ، ومن حكم كون القادر قادرا أن يكون له مقدور ، والمقدور هو الجائز
الممكن ، وإيقاع الأفعال في الأزل مستحيل متناقض ، فإذا لم يبعد كونه قادرا أزلا ،
مع اختصاص وقوع المقدور بما لا يزال ، لم يبعد أن يتّصف بكلام هو اقتضاء ممّن
سيكون (ج ، ش ، ١٢٠ ، ١٢)
ـ قالوا (المعتزلة)
: سبيل القادر أن يتخيّر بين
الإقدام على الشيء
والانفكاك عنه ، وإنّما يتحقّق ذلك عند التمكّن من الضدّين. ولو كانت القدرة لا
تتعلّق إلّا بمقدور واحد ، لكان العبد ملجأ إليه غير واجد عنه محيصا (ج ، ش ، ٢٠٢
، ٩)
ـ القادر على
الشيء قادر على مثله. إذا كانت قدرته قديمة بحيث يجوز أن تتعلّق بمقدورين ، وقدرة
كل واحد منهما تتعلّق بعدّة من الأجسام ، والجواهر ، فلم تتقيّد بمقدور واحد ،
وإذا جاوز المقدور الواحد على خلاف القدرة الحادثة ، لم يكن بعض الأعداد بأولى من
البعض ، بل يجب الحكم بنفي النهاية عن مقدوراته ، فيدخل كل جوهر ممكن وجوده في
قدرته (غ ، ق ، ٧٧ ، ٥)
ـ نعني بكونه
قادرا أنّ الفعل الصادر منه لا يخلو : إمّا أن يصدر عنه لذاته أو لمعنى زائد عليه
، وباطل أن يقال صدر عنه لذاته ، إذ لو كان كذلك ، لكان قديما مع الذات فدلّ على
أنّه صدر لزائد على ذاته. فالصفة الزائدة التي بها تهيّأ للفعل الموجود نسمّيها
قدرة ؛ إذ القدرة في وضع اللسان عبارة عن الصفة التي بها يتهيّأ الفعل للفاعل ،
وبها يقع الفعل وهذا الوصف ، مما دلّ عليه التقسيم القاطع الذي ذكرناه ، ولسنا
نعني بالقدرة إلّا هذه الصفة ، وقد أثبتناها (غ ، ق ، ٨١ ، ٢)
ـ إن قلت : كيف
قيل (عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) وفي
الأشياء ما لا تعلّق به للقادر كالمستحيل وفعل قادر آخر. قلت : مشروط في حدّ
القادر أن لا يكون الفعل مستحيلا. فالمستحيل مستثنى في نفسه عند ذكر القادر على
الأشياء كلها ، فكأنّه قيل : على كل شيء مستقيم قدير ، ونظيره فلان أمير على الناس
: أي على من وراءه منهم ولم يدخل فيهم نفسه وإن كان من جملة الناس (ز ، ك ١ ، ٢٢٢
، ٧)
ـ اتّفقوا (المعتزلة)
على أنّ العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها. مستحقّ على ما يفعله ثوابا وعقابا
في الدار الآخرة. والربّ تعالى منزّه أن يضاف إليه شرّ وظلم ، وفعل هو كفر ومعصية
، لأنّه لو خلق الظلم كان ظالما ، كما لو خلق العدل كان عادلا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٨)
ـ إنّ الباري
تعالى عالم بعلم ، وعلمه ذاته. قادر بقدرة ، وقدرته ذاته. حيّ بحياة ، وحياته
ذاته. وإنّما اقتبس (أبو الهذيل العلّاف) هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا أنّ
ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه ، وإنّما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته
، بل هي ذاته ، وترجع إلى السلوب أو اللوازم (ش ، م ١ ، ٤٩ ، ١٧)
ـ لا معنى للعالم
حقيقة إلّا أنّه ذو علم ، ولا للقادر إلّا أنّه ذو قدرة ، ولا للمريد إلّا أنّه ذو
إرادة (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٥)
ـ قال (الأشعريّ)
: والعبد قادر على أفعاله إذ الإنسان يجد من نفسه تفرقة ضروريّة بين حركات الرعدة
والرعشة ، وبين حركات الاختيار والإرادة. والتفرقة راجعة إلى أنّ الحركات
الاختياريّة حاصلة تحت القدرة ، متوقّفة على اختيار القادر (ش ، م ١ ، ٩٦ ، ٢٢)
ـ قد دلّ الفعل
بوقوعه على أنّ الفاعل قادر ، وباختصاصه ببعض الجائزات على أنّه مريد ، وبإحكامه
على أنّه عالم ، وعلم بالضرورة أنّ القضايا مختلفة ، وورد في الشرع إطلاق العلم
والقدرة والإرادة ولا مدلول سواء ما دلّ الفعل عليه ، أو ورد في الشرع إطلاقه (ش ،
ن ، ١٠٧ ، ٨)
ـ الذي صحّح الفعل
من الحيّ كونه قادرا ، هو
علّة لصحّة الفعل
، والعلّة لا تختلف حكمها شاهدا وغائبا ، وكذلك صادفنا إحكاما واتقانا في الأفعال
وسبرنا ما لأجله يصحّ الإحكام والإتقان من الفاعل ، فلم نجد إلّا كونه عالما ،
وكذلك رأينا الاختصاص ببعض الجائزات دون البعض مع تساوي الكل في الجواز ، وسبرنا
ما لأجله يصحّ الاختصاص فلم نجد إلّا كونه مريدا ، ثم لم يتصوّر وجود هذه الصفات
إلّا وأن يكون الموصوف بها حيّا لأنّ الجماد لا يتصوّر منه أن يكون قادرا أو عالما
، فقلنا القادر حيّ ، وأيضا فإنّا لو لم نصفه بهذه الصفات لزمنا وصفه بأضدادها من
العجز والجهل والموت ، وتلك نقائص مانعة من صحّة الفعل المحكم ، ويتعالى الصانع عن
كل نقص (ش ، ن ، ١٧١ ، ٢)
ـ إنّ القادر على
الحقيقة من يكون قادرا على الضدّين ، والكلام معنى له أضداد ، فإذا قالوا المتكلّم
من فعل الكلام ، يلزمهم أن يقولوا الساكت من فعل السكوت حتى لو خلق سكوتا في محل
كان ساكتا ، ولو خلق أمرا في محل كان آمرا ، ولو خلق خبرا في محل كان مخبرا ، ثم
من الأوامر ما يكون خيرا ومنه ما يكون شرّا ومن الأخبار ما يكون صدقا ومنه ما يكون
كذبا ، فيلزمهم إضافة الكل إلى الله تعالى وهو محال (ش ، ن ، ٢٨٥ ، ٦)
ـ ثبت افتقار
العالم إلى مؤثّر ، فذلك المؤثّر إمّا أن يقال صدر الأثر عنه مع امتناع أن لا يصدر
أو صدر مع جواز أن لا يصدر ، والأوّل باطل لأنّ تأثيره في وجود العالم إن لم
يتوقّف على شرط ، لزم من قدمه قدم العالم وقد أبطلناه ، وإن توقّف على شرط فذلك
الشرط إن كان قديما عاد الإلزام ، فإن كان محدثا كان الكلام في حدوثه كالكلام في
الأوّل ولزم التسلسل إمّا معا وهو محال ، أو لا إلى أوّل. فيلزم منه حوادث لا أوّل
لها وهو محال ، ولما بطل هذا القسم ثبت الثاني ولا نعني بالقادر إلّا ذلك (ف ، م ،
١١٩ ، ١٦)
ـ قولنا (الرازي)
: القادر يجب أن يكون متردّدا بين الفعل والترك إنّما يصحّ أن لو كان الفعل والترك
مقدورين ، لكنّ الترك محال أن يكون مقدورا ، لأنّ الترك عدم ، والعدم نفي محض ،
ولا فرق بين قولنا لم يكن مؤثّرا ، وبين قولنا أثّر فيه تأثيرا عدميّا ، ولأنّ
قولنا ما أوجد معناه أنّه بقي على العدم الأصليّ ، فإذا كان العدم الحاليّ عين ما
كان استحال استناده إلى القادر ، لأنّ تحصيل الحاصل محال ، فثبت أنّ الترك غير
مقدور ، وإذا كان كذلك استحال أن يقال القادر هو الذي يكون متردّدا بين الفعل
والترك. فإن قلت الترك هو فعل الضدّ ، فالقادر متردّد بين فعل الشيء وبين فعل ضدّه
، قلت فيلزمك أن لا يخلو القادر عن فعل أحد الضدّين ، فيلزمك إمّا قدم العالم أو
قدم ضدّه وأنت لا تقول به (ف ، م ، ١٢٠ ، ٢٣)
ـ العالم ـ لا
محالة ـ على غاية من الحكمة والإتقان ، وهو ـ مع ذلك ـ جائز وجوده وجائز عدمه ،
فما خصّصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له ، قادرا عليه ، عالما به. كما وقع به
الاستقراء في الشاهد ، فإنّ من لم يكن قادرا لم يصحّ منه صدور شيء عنه ، ومن لم
يكن عالما ، وإن كان قادرا لم يكن ما صدر عنه على نظام الحكمة والإتقان ، ومن لم
يكن مريدا لم يكن تخصيص بعض الجائزات عنه بأحوال وأوقات ، دون البعض بأولى من
العكس إذ نسبتها إليه نسبة واحدة (م ، غ ، ٤٥ ، ٣)
ـ اعلم أنّ القادر
هو الذي يصحّ أن يصدر عنه الفعل وأن لا يصدر ، وهذه الصحّة هي القدرة (ط ، م ، ٢٦٩
، ١٣)
ـ إنّ القادر هو
الذي يصحّ منه أن يفعل وأن لا يفعل. لا أن يفعل الترك (ط ، م ، ٢٧٦ ، ١١)
ـ الصّحيح عند أهل
السنّة أنّ الله تعالى قادر على كلّ الممكنات ، وغير مؤثّر في كلّها. والعبد قادر
على البعض وغير مؤثّر في شيء. فهما إذن قادران على شيء واحد ، مع أنّ المؤثّر فيه
أحدهما دون الآخر. وإنّما كان ذلك كذلك لكون المؤثّر محتاجا مع القدرة إلى القدرة
، والقادر هو الذي له القدرة فقط من حيث هو قادر. وعلى هذا التقدير لا يمتنع أن
يكون في ممكن مؤثّر غير الله تعالى (ط ، م ، ٢٩٩ ، ٢٢)
ـ القادر : هو
الذي يفعل بالقصد والاختيار (ج ، ت ، ٢١٩ ، ٣)
ـ صحّة الفعل دليل
كونه قادرا ، وصحّة الإحكام دليل العالميّة ، وهما دليل كونه قادرا ، حيّا. وتعلّق
الفعل به دليل وجوده ، إذ لا تأثير لمعدوم كالإرادة. ثم لو كان محدثا لاحتاج إلى
محدث ، فيتسلسل. فلزم قدمه (م ، ق ، ٨٣ ، ١١)
قادر بالذات
ـ قادر بالذات لا اختصاص
له بمقدور دون مقدور ، فإذا خلص له الداعي إلى شيء وانتفى الصارف تكوّن من غير
توقّف كتحريكك إصبعك إذا دعاك إليه داع ولم يعترض دونه صارف (ز ، ك ٢ ، ٣٧٢ ، ١٧)
قادر بقدرة
ـ إنّ القادر
بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلّا باعتماد ، والاعتماد مما لا حظ له في توليد
الاعتقاد ، لأنّه لو كان كذلك لوجب إذا اعتمد أحدنا على صدر الغير أن يتغيّر حاله
في الاعتقاد ، ومعلوم أنّه لا يتغيّر (ق ، ش ، ٩١ ، ٣)
ـ القادر بالقدرة
، لا يقدر على فعل الأجسام ، إذ لو صحّ ذلك بما فيه من القدرة لصحّ من الواحد
منّا. ذلك لأنّ القدرة وإن اختلفت فمقدوراتها متجانسة ، فيلزم أن يخلق لنفسه ما
شاء من الأموال والبنين ، والمعلوم خلافه (ق ، ش ، ١٢٢ ، ١)
ـ إنّ القادر
بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلّا بالاعتماد ، والاعتماد مما لا حظّ له في
توليد العلم ، لأنّه لو صحّ ذلك ، لوجب في الواحد منا إذا اعتمد على صدر غيره أن
يوجد هناك العلم ، ومعلوم خلافه (ق ، ش ، ١٨٦ ، ١٠)
ـ إنّ القادر
بالقدرة لا يصحّ منه الفعل إلّا على وجه المباشرة أو التوليد (ق ، ش ، ٢٢٢ ، ١٧)
ـ أمّا الكلام في
أنّ متناهي المقدور قادر بقدرة ، فهو أنّ الذي يحصر المقدورات في الجنس والعدد إنّما
هو القدرة ، فإذا تناهى مقدوره دلّ على أنّه قادر بقدرة (ق ، ش ، ٢٨٠ ، ٥)
ـ مذهب أبي علي ،
وهو أنّه لا يجوز خلوّ القادر بالقدرة من الأخذ والترك إلّا عند مانع ؛ ومذهبه
مفارق لمذهب هؤلاء المجبرة ، فإنّهم لا يجوّزون ذلك البتّة من حيث اعتقدوا أنّها
موجبة. والثاني مذهب أبي هاشم ، وهو أنّه يجوز خلو القادر بالقدرة من الأخذ والترك
، وهو الصحيح الذي اخترناه (ق ، ش ، ٤٢٥ ، ٧)
ـ من حكم كونه (الله)
قادرا لنفسه صحّة الاختراع وأن لا يتناهى مقدوره في الجنس والعدد.
واستحالة المنع
إلى ما شاكل ذلك ، فهذا لا بدّ من ثبوته له تعالى. وبالعكس من هذا حكم كونه قادرا
بقدرة لأنّه لا بدّ من انحصار مقدوره جنسا وعددا. وأن يتعذّر عليه الاختراع
ويستحيل ، وأن يصحّ المنع عليه. وأن لا بدّ من استعمال محل القدرة في الفعل أو في
سببه إلى غير ذلك ، فكل هذا يجب نفيه عنه جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ٢٦)
ـ من شأن القادر
بقدرة أن لا يصحّ منه الفعل فيما بان عنه ، إلّا أن تكون هناك مماسة مخصوصة (ق ، ت
١ ، ١٩٨ ، ١٨)
ـ إنّ القادر
بالقدرة إنّما يفعل على عدد قدره ، فلا يصحّ والقدرة واحدة أن يفعل بها أزيد من
جزء واحد من جنس واحد في محلّ واحد في وقت واحد (ق ، ت ١ ، ١٩٩ ، ١)
ـ إن تناهي
المقدور يقتضي كون القادر قادرا بقدرة (ق ، غ ٤ ، ٢٧٦ ، ٦)
إنّ القادر بقدرة
لا يصحّ أن يكون قادرا بقدرة إلّا وهي حالّة فيه (ق ، غ ٤ ، ٢٧٦ ، ٧)
ـ أمّا ما له قلنا
إنّ تناهي المقدورات يوجب كون القادر قادرا بقدرة ، فهو لأنّ القادر لا يصحّ أن
يكون إلّا قادرا لنفسه ، أو قادرا بقدرة. وقد دللنا على ذلك من قبل ، حيث بيّنا
أنّ القادر إمّا أن يكون قادرا في حال يوجب كونه قادرا ، وذلك يقتضي كونه قادرا
لنفسه ، أو يكون قادرا في حال يصحّ أن لا يكون قادرا فيها ، وذلك يوجب كونه قادرا
بقدرة ، ولا واسطة لهذين يصحّ كون القادر قادرا عليها. وقد بيّنا أيضا أنّ القادر
لا يصحّ أن يكون إلّا القديم سبحانه ، أو الجسم ، وبيّنا أنّ الجسم لا يصحّ كونه
قادرا إلّا بقدرة ، وأنّ القديم لا يصحّ أن يكون قادرا إلّا لذاته. فإذا ثبت ذلك ،
وقد دللنا على أنّ القادر لنفسه يجب أن لا تتناهى مقدوراته ، فيجب أن يكون الذي
تتناهى مقدوراته ليس إلّا القادر بقدرة (ق ، غ ٤ ، ٢٧٨ ، ١٢)
ـ أمّا الذي به
يعلم أنّ القادر بقدرة لا يكون إلّا جسما محدثا ، فهو أنّ القدرة لا يصحّ أن يفعل
بها لكونها قدرة إلّا وهي في محل ، ليبتدأ بها الفعل في محلّها (ق ، غ ٤ ، ٢٨٠ ، ٣)
ـ أمّا العلوم
والاعتقادات فيجب كونه (الله) قادرا عليها ، لأنّه قد ثبت أنّه المختصّ بأنّ فعله
كمال العقل فينا ، وسائر العلوم الضروريّة ؛ لأنّ القادر بقدرة لا يصحّ أن يفعل
ذلك في غيره ، ولا يصحّ أن يفعل العلم لنفسه على جهة الابتداء ، دون أن تتقدّمه
علوم يصحّ معها منه النظر والفكر. فإذا صحّ بذلك كونه قادرا على هذه العلوم ، فيجب
كونه قادرا على جنس الاعتقاد. لأنّ من قدر على إيجاد الشيء على وجه زائد على
الوجود ، كان قادرا على إيجاده فقط. ويجب وكونه قادرا على الجهل لأنّه ضدّه ؛ ومن
قدر على الشيء قدر على ضدّه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٧١ ، ١١)
ـ إنّ الواحد منّا
إنّما يحتاج إلى الآلة في ذلك لكونه قادرا بقدرة لا يصحّ أن يفعل بها إلّا
باستعمال محلّها ، ولذلك يحتاج في الكتابة وغيرها إلى آلة (ق ، غ ٧ ، ٥٧ ، ١)
ـ من حقّ القادر
بقدرة أن لا يصحّ أن يفعل الفعل في غير محل القدرة إلّا بسبب هو الاعتماد ، ولا
بدّ من أن يماسّه محل القدرة أو يماس ما ماسه (ق ، غ ٨ ، ١٢١ ، ٢)
ـ إنّه تعالى يجوز
أن يفعل كل ما يفعله متولّدا على جهة الابتداء من الأجناس ، لأنّ ذلك إنّما صحّ
فيه لكونه قادرا لنفسه ، والقادر بقدرة قد يجب فيه من الأحكام لأمر يرجع إلى القدر
ما
لا يجب في القادر
نفسه ، كما يجب فيه من الأحكام فيما يفعله مباشرا ما لا يجب في القادر لنفسه (ق ،
غ ٩ ، ٥٠ ، ١٧)
ـ الواحد منّا من
حيث كان قادرا بقدرة لا يصحّ أن يفعل إلّا بأن يبتدئ في محلّها أن يفعل في غير
محلها متولّدا عمّا يبتدأ به ، فإن كان ذلك السبب لا جهة له ولّد في محله ، وإن
كان له جهة عدّى عن محلّ القدرة الفعل ، ولذلك لا يصحّ من القادر منّا أن يفعل
الفعل إلّا بأن يماسّه أو يماس ما ماسّه ، ولو صحّ منه أن يخترع لما احتاج إلى هذه
الشريطة (ق ، غ ٩ ، ٨١ ، ٩)
ـ لو كان القديم
تعالى محتاجا إلى السبب لوجب أن يكون قادرا بقدرة ، لأنّ الاحتياج إلى السبب تابع
للاحتياج إلى القدرة الآلة ، فكان يجب أن يكون القديم تعالى قادرا بقدرة ـ وقد
علمنا خلافه (ن ، د ، ٩١ ، ٤)
ـ إنّ القادر
بقدرة هو الذي لا يجوز التقديم والتأخير في مقدوراته (ن ، د ، ٢٧٠ ، ١)
ـ القادر بقدرة لا
يمكنه فعل الجسم ، لأنّ القدرة لا تتعلّق بالجسم (ن ، د ، ٣٧٢ ، ١٨)
ـ إنّ الإرادة لا
يمكن فعلها إلّا مباشرا ، والقادر بقدرة لا يمكن بها أن يفعل ما قدّمنا إلّا بمحل
القدرة عليه. فلهذا الوجه لا يصحّ من أحدنا أن يفعل إلّا في محل ، حتى إنّ أحدنا
لو كان قادرا على الاختراع ، بأن يكون قادرا لنفسه ، لكان يصحّ منه أن يفعل هذه
الإرادة لا في محل ، كما كان يصحّ من القديم تعالى. ولو كان القديم تعالى قادرا
بقدرة لكان لا يمكنه أن يفعل لا في محل (ن ، د ، ٣٨٥ ، ٢)
ـ إنّ المحدث لا
بدّ أن يكون قادرا بقدرة ، وبيّنا أنّ القادر بقدرة لا يمكنه فعل الجسم ، فذلك
يبطل أن يكون محدث الأجسام بعض الأعراض ، فإنّ العرض إذا كان محدثا لا بدّ من أن
يكون قادرا بقدرة ، وبالقدرة لا يمكن فعل الجسم. وبعد فإنّ ذلك العرض إذا كان
محدثا لا بدّ أن يكون قادرا بقدرة على ما بيّنا ، وأن المحدث يجب أن يكون قادرا
بقدرة إذا كان قادرا (ن ، د ، ٤٤٩ ، ٤)
ـ نقول في الفعل :
إنّ أحدنا لا يمكنه أن يفعل فعلا إلّا بآلة ، لأجل أنّه قادر بقدرة ، فلا يمكنه أن
يفعل إلّا بعد استعمال محل القدرة في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ، فيكون
محل القدرة آلة يحتاج إليها ؛ بل ربما يحتاج إلى آلة منفصلة ـ وكل ذلك لأمر يرجع
إلى كونه قادرا بقدرة. فالقديم تعالى لما كان قادرا بذاته صحّ منه أن يفعل ما
يفعله ، وإن لم يكن هناك آلة (ن ، د ، ٥٦٢ ، ١١)
ـ إنّ الحاجة إلى
السبب ، كالتابع للحاجة إلى القدرة ، لأنّ أحدنا إنّما لم يمكنه أن يفعل في غيره
الحركة من غير سبب ، لأمر يرجع إلى كونه قادرا بقدرة ، من جهة أن القدرة لا يصحّ
أن يفعل الفعل بها ، إلّا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه. فثبت بذلك أنّ
الحاجة إلى السبب في الفعل ، كالتابع للحاجة إلى القدرة. فلو كان الله تعالى لا
يجوز منه أن يفعل نوعا من الأفعال من غير سبب ، لكان يجب أن يحتاج إلى القدرة ،
تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أو يقال في أحدنا أنّه يصحّ أن يفعل الصوت مخترعا ،
وكلاهما فاسد (ن ، م ، ١٥٢ ، ٢٠)
ـ أمّا شيخنا أبو
علي فإنّه كان يذهب إلى أنّ الحركات لا يجوز عليها البقاء. ويقول فيما يفعله
القادر بقدرة من السكون المباشر ، أنّ
البقاء لا يجوز
عليه إذا كان القادر غير ممنوع من أضداده وأمثاله. فإن صادف حدوثه ، حدوث العجز عن
أمثاله وأضداده ، أو حدوث المنع ، جاز أن يبقى ويجوز البقاء على السكون المتولّد
من فعلنا ، ويجوز البقاء على ما يفعله الله من السكون (ن ، م ، ١٧٧ ، ١٥)
ـ ذهب أبو هاشم
أنّ القادر بقدرة يجوز أن يخلو من الأخذ والترك معا في الثاني مع ارتفاع الموانع ،
فإذا قوي داعيه إلى أحدهما فإنّه لا يخلو من أحدهما ، لأمر يرجع إلى الدواعي. وقال
أبو علي : لا يجوز أن يخلو من الأخذ والترك مع ارتفاع الموانع. وإلى هذا كان يذهب
أبو القاسم (ن ، م ، ٢٦٦ ، ١١)
ـ إنّ القادر
بقدرة لا يصحّ منه الاختراع وإنّما يفعل في غيره على سبيل التوليد ، ولا بدّ من
وصلة بين الفاعل والمفعول فيه (أ ، ش ٢ ، ٧٢ ، ٧)
ـ إن قلت فإنّ
الإنسان قد يستحقّ الثواب على أن لا يفعل القبيح وهذا يخرم الحصر الذي حصره أمير
المؤمنين ، قلت يجوز أن يكون يذهب مذهب أبي علي في أنّ القادر بقدرة لا يخلو عن
الأخذ والترك (أ ، ش ٤ ، ٢٦٣ ، ٢١)
قادر بنفسه
ـ قالوا (المعتزلة)
: الباري سبحانه وتعالى قادر بنفسه ، والعبد قادر بالقدرة ، والقادر بالنفس يخالف
القادر بالقدرة ، ولذلك يتّصف بالاقتدار على أجناس لا يقدر عليها العباد بالقدرة (ج
، ش ، ٢٠٧ ، ٨)
قادر على الضدين
ـ عن أبي علي رحمهالله فقال : لو لم يكن أحدنا قادرا على الضدّين لم يكن بين
القادر المخلّى وبين الممنوع فصل ، ولم تتميّز حال القادر من حال المضطرّ ، لأنّ
هذا القادر لا يمكنه الانفكاك عن هذا الفعل الواحد إلى خلافه كما لا يمكن الممنوع
والمضطرّ ذلك. وقد عرفنا ثبوت الفرق بينهما ضرورة ، فما أوجب رفع ذلك فيجب بطلانه.
وهذه الطريقة توجب على المستدلّ بها أن يثبت لكل مقدور ضدّا لكي يثبت الفصل الذي
أراده ، وهذا هو الأشبه بطريقة أبي علي. ولكن عندنا قد يكون في المقدورات ما لا
ضدّ له ، فلقائل أن يقول : إنّ الفصل راجع إلى أنّه يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل دون
أن يصرف هذا الفرق إلى إيثار أحد الضدّين على الآخر. ويقول : كما جاز عندكم فيما
لا ضدّ له أن يثبت الفرق بين القادر وبين غيره بهذه الطريقة فكذلك قولي فيما له
ضدّ. وبعد فإنّ الممنوع الذي قد شبّه المستدلّ كلامه به حاله في القدرة على
الضدّين كحال المخلّى. فما الوجه في قوله : لو لم يكن قادرا على الضدّين لم يكن
بينهما فرق ، مع العلم بأنّه لا فرق بينهما في هذا الوجه (ق ، ت ٢ ، ٤٩ ، ٥)
قادر على مقدورات
غيره
ـ قال شيخنا أبو
هاشم ، رحمهالله ، في نقض الإرادة : لا يمتنع أن يوصف ، تعالى ، بأنّه قادر
على مقدورات غيره ، ويراد بذلك أنّه يقدر على المنع منها (ق ، غ ٨ ، ١٤٤ ، ١٠)
قادر في حال العدم
ـ لو كان قادرا في
حال العدم لكان لا يخلو : إمّا أن يكون قادرا لنفسه أو قادرا بقدره. ولا يجوز أن
يكون قادرا بقدرة ، لأنّ القدرة إنّما يجب لها كون الذات قادرا إذا اختصّت بمن
توجب له
الصفة ، والاختصاص
إنما يكون بطريقة الحلول ، والحلول في المعدوم محال. ولا يجوز أن يقال إنه يكون
قادرا بقدرة معدومة ، لأنّ القدرة المعدومة لا تعلّق لها بالقادر ، ولأنّه لا
اختصاص لها ببعض المعدومات دون البعض ، فكان يجب في المعدومات أجمع أن تكون اختصاص
قادره ـ وقد علمنا أن في العدم عرضا كما أنّ فيه جوهرا. ولأنّ القدرة المعدومة لا
يمكن فعل الجسم بها ، لأن الفعل إنما يمكن بالقدرة على أحد الوجهين : إمّا مباشرة
وإمّا توليدا ، وكلا الوجهين لا يمكن به فعل الجسم. والقدرة لا يمكن الفعل بها إلا
بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ، وذلك لا يتأتى في
المعدوم. فإذا لم يجز أن يكون قادرا بقدرة وجب أن يكون قادرا لنفسه ، ولو كان
قادرا لنفسه لوجب في حال الوجود أيضا أن يكون كذلك ، لأنّ الوجود لا يجوز أن يكون
محيلا لهذه الصفة ، كيف وهو مصحّح للأحكام! ولو كان قادرا لنفسه في حال الوجود
لكان يجب أن يكون كل جزء منه قادرا ، لأنّ صفة النفس ترجع إلى الأجزاء والأبعاض ،
فيجب في الجملة أن تكون قادرين كثيرين ضمّ بعضها إلى بعض ، فلا يقع الفعل بداع
واحد وقصد واحد ، وكان يجب أن يصحّ التمانع بين أجزاء الجملة ، وكان يجب في كل جزء
منها أن يصحّ فعل مثله ، لأنّ قضية العقل لا تفصل في ذلك (ن ، د ، ٣٦٥ ، ١٤)
قادر في الغائب
ـ إنّما صحّ في
هؤلاء القادرين أن تتّفق مقدوراتهم لكونهم قادرين بقدر ، لا لشيء آخر ، حتى إنّه
لو كان فيهم من هو قادر لنفسه لكان يجب أن يصحّ من ذلك القادر ما لا يصحّ من غيره
الذي هو قادر بقدرة ، حتى إنّهم كلّهم لو كانوا قادرين لأنفسهم لكان يجب أن تتساوى
مقدوراتهم في التجانس. ولو كان القادر في الغائب قادرا بقدرة لكان يجب أن لا يصحّ
منه إلّا كما يصحّ من هؤلاء. فحيث وقع الافتراق الآن فإنّما هو لأجل أنّ القديم
تعالى قادر لنفسه ، وهؤلاء قادرون بقدرة ، والقدر تقتضي القصر والحصر ، سواء كان
في الجنس أو في العدد (ن ، د ، ٣٨٧ ، ١١)
قادر في كونه
قادرا على الشيء
ـ إنّ القادر في
كونه قادرا على الشيء إنّما يختصّ بوقت على أحد وجهين. إمّا لأنّ المقدور في نفسه
لا يصحّ وجوده إلّا في وقت واحد ، وإمّا لأنّ كونه قادرا يرجع إلى معنى لا يصحّ أن
يتعلّق إلّا بمقدور واحد في وقت واحد في حيّز واحد. وقد ثبت أنّ القديم ـ تعالى ـ يقدر
في كل وقت على ما لا نهاية له ، وأنّ معنى الحصر في مقدوراته لا يصحّ ، وثبت أنّ
الجوهر في نفسه يصحّ وجوده الأوقات الكثيرة فيجب ألّا يختصّ في كونه قادرا على
الجوهر بوقت دون وقت (ق ، غ ١١ ، ٤٥٣ ، ٦)
قادر فيما لم يزل
ـ مرادنا بقولنا
إنّها حالة لصحّة الفعل أنّها حالة لصحّة إيقاع الفعل من القادر في المستقبل على
الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه ، لا على أنّه نوجده في كل حال. فصار ذلك كوصفنا إيّاه
بالقدرة على الضدّين لأنّه يقدر عليهما على أن يوجدا على الوجه الذي يصحّ وجودهما.
ولهذا قد يحتاج الفعل إلى محلّ مخصوص مبنى أو
يحتاج في وجوده
إلى معنى آخر فيوصف القادر بأنّه يقدر على إيجاده على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه.
وهذا مستمرّ فيما يصحّ تقديمه وتأخيره وفيما لا يصحّ ذلك فيه. فلهذا يوصف أحدنا
اليوم بأنّه قادر على صوت يفعله غدا وإن استحال أن يفعل ذلك بعينه الآن. فإذا ثبتت
هذه الجملة وجب أن يكون تعالى قادرا فيما لم يزل لحصول شرطه هذا لو أمكن أن نجعل
صحّة وجود المقدور شرطا في كون القادر قادرا عليه. فكيف والمرجع بصحّة وجود
المقدور هو إلى صحّة إيجاد القادر إيّاه ، لا أنّ له حكما سوى ذلك ، فكان من شرط
كونه قادرا بصحّة وجود المقدور قد حصل الشيء شرطا في نفسه. وبهذا نفارق وجود
المدرك لأنّه أمر منفصل عن كونه مدركا ، فثبت أنّه تعالى يجب كونه قادرا فيما لم
يزل (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ١٥)
قادر كونه قادرا
ـ إنّ لكون القادر
قادرا أو كون الحيّ حيّا حقيقة ينفصل بها من غيره ، فإذا علمنا أنّه مع ارتفاع
الموانع وصحّة وجود الفعل يتعذّر عليه الفعل علمنا خروجه من كونه قادرا على
الحقيقة. ولو جوّزنا ـ والحال هذه ـ أن يكون قادرا وإنّما غمرته الآفات فمنعته من
الفعل لم نأمن كون الجماد قادرا ، بل تكون الأعراض قادرة ، وذلك يؤدّي إلى التباس
حال القادر بغيره ، وإلى ألّا يكون لنا طريق نفصل به بين القادر وغيره (ق ، غ ١١ ،
٣٢٤ ، ١٥)
قادر لا بقدرة
ـ إذا علم أنّه
محدث الأجسام وأنّه قديم فقد علم أنّه قادر لا بقدرة ، وإلّا لم يمكن أن يعلم أنّه
محدث الأجسام وأنّه قديم. بيان ذلك هو أنّا نقول : إذا ثبت حدث الأجسام ، وثبت أنّ
القدرة لا يمكن فعل الجسم بها ، وجب أن يكون محدثها هو القديم الذي لا يكون قادرا
بقدرة وإليه تنتهي الحوادث أجمع (ن ، د ، ٤٦٥ ، ٧)
قادر لذاته
ـ من حق القادر
لذاته أن يكون قادرا على جميع أجناس المقدورات ، وعلى جميع الوجوه التي يصحّ أن
يقدر عليها (ق ، ش ، ٣٦٩ ، ١٧)
ـ إنّه تعالى
إنّما يصحّ أن يخترع الفعل في غيره من غير سبب لأنّه قادر لذاته (ق ، غ ٩ ، ٨١ ، ٨)
ـ من حق القادر
لذاته أنّه لا ينتهي إلى وقت إلّا ويصحّ أن يوجد فيه أضعاف ما أوجده من قبل.
فالقول بخروج جميع
مقدوره إلى الوجود ينقض هذا الأصل ، ويخرجه من أن يكون قادرا (ن ، د ، ٢٦٨ ، ١٦)
قادر للذات
ـ أمّا القادر
للذات فيجب أن يجوز التقديم والتأخير في مقدوراته (ن ، د ، ٢٧٠ ، ٢)
قادر لنفسه
ـ قد ذكر"
أبو هاشم" أنّه إذا عرف كونه قادرا فيما لم يزل ثم عرف أنّ التغيير غير جائز
عليه عرف بالعلم الأوّل أنّه قادر الآن وذلك جائز على طريقته. فأمّا على مذهبنا
فلا بدّ من علم متحدّد نعلم به أنّه تعالى قادر في هذه الأحوال أيضا. وهذه الجملة
تبنى على أنّه تعالى كان قادرا فيما لم يزل. فإذا صحّ ذلك وثبت عندنا
بالدليل أنّه ليس
بقادر لمعنى قديم ، فليس إلّا أن يكون قادرا لنفسه ، فيجب كونه قادرا في كل حال ،
وإنّما تعلم أنّه كان قادرا فيما لم يزل لأنّه لو حصل قادرا بعد أن لم يكن لكانت
الصفة جائزة عليه مؤدّية لمعنى محدث لأجله يقدر على حدّ ما ثبت في أحدنا ، فكان
يلزم أن يكون قادرا بقدرة محدثة ، وهي لا تحدث إلّا وقد سبق كونه قادرا. ولا يتمّ
كونه قادرا إلّا عند حدوث هذه القدرة ، فيقف كل واحد من الأمرين على صاحبه ويؤدّي
إلى أن لا يحصل واحد منهما (ق ، ت ١ ، ١٠٦ ، ١٢)
ـ من حكم كونه (الله)
قادرا لنفسه صحّة الاختراع وأن لا يتناهى مقدوره في الجنس والعدد. واستحالة المنع
إلى ما شاكل ذلك ، فهذا لا بدّ من ثبوته له تعالى. وبالعكس من هذا حكم كونه قادرا
بقدرة لأنّه لا بدّ من انحصار مقدوره جنسا وعددا. وأن يتعذّر عليه الاختراع
ويستحيل ، وأن يصحّ المنع عليه. وأن لا بدّ من استعمال محل القدرة في الفعل أو في
سببه إلى غير ذلك فكل هذا يجب نفيه عنه جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ٢٤)
ـ الذي يحصر
المقدور هو القدرة. فأمّا القادر لنفسه فلا تتناهى مقدوراته بل القدرة متعلّقة
أيضا بما لا يتناهى لتعلّقها بما يتعلّق به لذاتها. فكذلك القادر إذا تعلّق بالشيء
لذاته. وهذا الأصل الذي بيّناه من كونه قادرا على ما لا يتناهى إذا أحكمته أمكنك
إبطال مذاهب كثيرة به على ما ذكره في الكتاب (ق ، ت ١ ، ١٠٩ ، ٩)
ـ قد ذكرنا أنّه
يعدّ في أحكام كونه قادرا لنفسه استحالة المنع عليه. والقول في ذلك بيّن لأنّه إذا
صحّ كونه قادرا لنفسه وقادرا على ما لا يتناهى لم يتصوّر وقوع المنع فيه ، بل يجب
في كل ما يقدر عليه صحّة ظهوره بالفعل. وبيان ذلك هو أنّ المنع لا يقع إلّا بكثرة
الأفعال فيكون الفعل الذي يفعله المانع أكثر مما يفعله الممنوع ، وعلى هذا لا
يتصوّر في المتساوي المقدور أن يمنع أحدهما صاحبه. وفي القادرين لأنفسهما أن يمنع
كل واحد منهما صاحبه لأنّه لا قدر إلّا واحدهما يقدر على الزيادة فيه. وكذلك صاحبه
فكيف يصير أحدهما ممنوعا والآخر مانعا؟ وبهذا يتوصّل إلى نفي ثان قادر لنفسه لأنّه
يؤدّي إلى أن يتعذّر الفعل من دون منع أو وجه معقول. ويؤدّي إلى رفع ما عرفناه من
صحّة أن يمنع أحد القادرين الآخر ، وإنّما يتصوّر وقوع التمانع بين القادرين بقدرة
، أو بين القادر لنفسه والقادر بقدرة ، وإن كان على كل حال يكون المانع هو القادر
لنفسه دون القادر بقدرة. فإذا ثبتت هذه الجملة وكان القديم تعالى لكونه قادر لنفسه
يقدر في كل وقت على أن يفعل أزيد مما فعل حتى لا يقدر فعله بقدر لا يمكنه الزيادة
عليه تعذّر تصوّر المنع فيه ، فوجب أن يكون كل ما قدر عليه يصحّ منه إيجاده (ق ، ت
١ ، ١١٠ ، ٢٥)
ليس من حكم كونه
قادرا لنفسه أن يقدر على كل مقدور كما أنّ من حكمه أن يقدر على كل جنس وعلى ما لا
نهاية له من كل جنس. وذلك لأنّه إنّما يدخل تحت صفة النفس في الوجوب ما يصحّ.
فأمّا المستحيل فلا يدخل تحت الوجوب (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٦)
ـ إنّ حكم القادر
لنفسه أقوى من حكم القادر بقدرة في أنّه لا ينحصر مقدوره في الجنس الواحد. فكذلك
يجب أن لا ينحصر في الأجناس. ألا ترى أنّ أحدنا لمّا انحصر
مقدوره من الجنس
الواحد انحصر من الأجناس لكونه قادرا بقدرة بلا شيء سواه. فإذا كان تعالى قادرا
لنفسه وجب أن لا ينحصر مقدوره في الوجهين جميعا (ق ، ت ١ ، ٢٤١ ، ١٤)
ـ الذي يدلّ على
أنّ القادر لنفسه يجب أن لا تتناهى مقدوراته من الجنس الواحد ، في الوقت الواحد ،
في المحل الواحد ، أن تعلّقه بهذه المقدورات تعلّق القادرين ، من حيث يصحّ منه ،
لما هو عليه في ذاته ، إيجاد الأفعال ، كالقادر منّا. وإذا صحّ ذلك فيه ، وعلم أنّ
القادر لا يختصّ في كونه قادرا بأن يقدر على قدر دون قدر ، بل لا قدر يشار إليه
إلّا ويصحّ كونه قادرا على أكثر منه ، فيجب كون القادر لنفسه قادرا على كل ما يصحّ
كونه مقدورا له ، وأن لا تختصّ مقدوراته بقدر ، وإنّما لا يصحّ من القادر منّا أن
يقدر على ما لا نهاية له من الجنس الواحد ، في الوقت الواحد ، في المحل الواحد ،
لأنّه يقدر بقدر من حقها أن لا تتعلّق إلّا بقدر من المقدور ، وتعلّقه بالمقدورات
يطابق تعلّقها. فإذا وجب أن تكون مقدوراتها محصورة لاستحالة وجود ما لا نهاية له
منها فيه ، فكذلك مقدوراته. وليس كذلك حال القادر لنفسه ؛ لأنّ تعلّقه بما يتعلّق
به من المقدورات لا يجب أن يكون بحسب تعلّق أمر آخر بتناهي مقدوره ، فلا شيء يوجب
كون مقدوراته محصورة (ق ، غ ٤ ، ٢٧٧ ، ٣)
ـ اعلم أنّه لا
يمكن أن يستدلّ على أنّه تعالى يوصف بالقدرة على فعل القبيح ، بأن يقال : إنّه
قادر لنفسه ، فليس بأن يقدر على جنس القبيح أولى من أن يقدر على الحسن ، لأنّه
يقدر لذاته ، فلا يجوز أن تتخصّص حاله في ذلك. وذلك أنّ كونه قادرا لنفسه ، إنّما
يوجب أن يقدر على كلّ ما يصحّ أن يكون مقدورا له (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٥٧ ، ٦)
ـ إنّما يجب لكونه
قادرا لنفسه أن يكون قادرا على ما يصحّ أن يكون مقدورا له ، فمن أين أنّ الأجناس
كلها مقدورة له؟ ولو صحّ لكم التعلّق بما ذكرتموه ، صحّ لمن قال بأنّ مقدورنا
مقدور له التعلّق بمثله (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٠ ، ٣)
ـ إنّه تعالى قد
ثبت أنّه قادر لنفسه على ما يقدر عليه ، كما أنّ القدرة لنفسها تتعلّق بالمقدور. وقد
علم أنّ ما أوجب اختصاص القدرة بجنس دون جنس هو كونها قدرة ، كما أنّ الذي أوجب
اختصاصها بأن تتعلّق بالجزء الواحد ، من الجنس الواحد ، في الوقت الواحد ، هو
كونها قدرة. وقد علمنا أنّ كون القادر قادرا ، وتعلّقه بمقدوره تعلّق القادرين
يوجب مفارقته للقدرة في هذا الوجه ؛ فكذلك يجب مفارقته لها في الوجه الأول. فإذا
صحّ كونه تعالى قادرا على ما لا نهاية له ، في الوقت الواحد ، من الجنس الواحد ،
في المحل الواحد ، وجب مفارقته في ذلك للقدرة من حيث يعلّق تعلّق القادرين ، فكذلك
يجب مفارقته تعالى لها في أنّه يقدر على كل جنس يصحّ كونه مقدورا ؛ لأنّ الذي أوجب
اختصاصها لا يصحّ فيه سبحانه. والذي أوجب أن لا تختصّ بعدد المقدورات ، يوجب أن لا
تختصّ بعدد الأجناس. وإنّما اختصّ القادر منّا بأن قدر على جنس دون جنس لأمر يرجع
إلى القدرة التي بها نقدر. ولو صحّ كونه قادرا لا لمعنى لم يجب ذلك فيه ، كما أنّه
إنّما قدر على عدد دون عدد من الجنس الواحد ، في الوقت الواحد ، في المحلّ الواحد
، لشيء يرجع إليها لا إليه ، فإنّما صحّ
أن يقدر على
مقدورات كثيرة من الجنس الواحد ، في الوقت الواحد ، في المحل الواحد ؛ وإن استحال
ذلك في القدرة ، لأنّه يصحّ أن يوجد فيه من أجزاء القدر العدد الكثير ، فيقدر من
عدد المقدور بحسبها (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٢ ، ١)
ـ قد دللنا على
أنّ من حق القادر لنفسه أن يقدر على كل جنس تتناوله القدرة ، لأنّه لا يجوز أن
يقصر حاله فيما يقدر عليه عن حال القدرة ، مع علمنا بأنّها لا تتعدّى في التعلّق
الجزء الواحد من الجنس الواحد في الوقت الواحد ، وأنّ القادر لنفسه يجب أن يقدر
على ما لا نهاية له من هذا الوجه. فإذا صحّ ذلك وثبت أنّ الكلام يقدر عليه بالقدرة
، فيجب كونه ـ تعالى ذكره ـ قادرا عليه. وإنّما لا نقول إنّه قادر على مقدور غيره
، أو ما يصحّ كونه مقدورا لغيره ، لما يؤدّي إليه من إثبات مقدور واحد لقادرين ،
إلى غير ذلك مما بيّنا فساده. وإثباته قادرا على جنس الكلام لا يؤدّي إلى شيء من
ذلك ، فيجب القضاء بفساده (ق ، غ ٧ ، ٥٥ ، ٣)
ـ إذا كان تعالى
ذكره قادرا لنفسه فيجب أن يصحّ منه إحداث الأفعال في المحالّ من غير آلة ، فإن كان
ذلك الفعل يحتاج إلى المحل فقط أوجده فيه ، وإن احتاج إلى معان فيه أوجدها وأوجد
ذلك المعنى فيه. وإذا جاز أن يفعل العلوم في القلوب ولا تكون آلة له ، ولا تحصل
محتاجا إليها ، فكذلك القول في الكلام إذا أوجده في المحالّ المبيّنة (ق ، غ ٧ ،
٥٧ ، ٣)
ـ القادر إذا كان
قادرا لنفسه ، صحّ أن يقدّم مقدوره ويؤخّره ؛ وفي الوجهين جميعا إنّما يكون فاعلا
له ، بأن يحدثه فقط (ق ، غ ٨ ، ١١٢ ، ١٤)
ـ إنّه تعالى يجوز
أن يفعل كل ما يفعله متولّدا على جهة الابتداء من الأجناس ، لأنّ ذلك إنّما صحّ
فيه لكونه قادرا لنفسه ، والقادر بقدرة قد يجب فيه من الأحكام لأمر يرجع إلى القدر
ما لا يجب في القادر نفسه ، كما يجب فيه من الأحكام فيما يفعله مباشرا ما لا يجب
في القادر لنفسه (ق ، غ ٩ ، ٥٠ ، ١٧)
ـ إن قيل : إذا
صحّ في القدرة نفسها أن تتعلّق بالمقدور في وقت دون وقت وإن كان تعلّقها يرجع إلى
ذاتها فهلّا جاز في القادر لنفسه أن يتعلّق بوقت دون وقت وإن كان قادرا لذاته؟ قيل
له : إنّما وجب ذلك بالقدرة ؛ لأنّها لا تتعلّق إلّا بمقدور واحد من جنس واحد في
وقت واحد ، وذلك يوجب فيها ألّا تتعلّق بالمقدور إلّا في حال دون حال ، والقادر
لنفسه يقدر على ما لا نهاية له ، فتلك العلّة عنه زائلة ، فيجب ألّا يتعلّق كونه
قادرا على الجوهر بوقت دون وقت (ق ، غ ١١ ، ٤٥٣ ، ٢١)
ـ إنّا لو قلنا في
القدر : إنّها تتعلّق بالمقدور في كل حال ، وقد ثبت أنّ لها في كل حال مقدورا
مخصوصا لصحّ أن يفعل بها المقدور الأول والمقدور الثاني ثم كذلك أبدا ، فكان ذلك
يؤدّي إلى أن يصحّ من القادر بالقدرة الواحدة حمل الجسم العظيم. وتعذّر ذلك يبيّن
صحّة ما قدّمناه. وليس كذلك حال القادر لنفسه لأنّه يقدر على ما لا نهاية له ،
فمتى ثبت في أنّه قادر على الجواهر ، وثبت أنّ وجودها في كل وقت يصحّ ، وثبت أنّ
الوجه الذي يقتضي تخصيص كونه قادرا عليها لوقت زائل ، ثبت أنّه يقدر على إحداثها
في كلّ وقت (ق ، غ ١١ ، ٤٥٤ ، ٥)
ـ إنّ الإرادة لا
يمكن فعلها إلّا مباشرا ، والقادر
بقدرة لا يمكن بها
أن يفعل ما قدّمنا إلّا بمحل القدرة عليه. فلهذا الوجه لا يصحّ من أحدنا أن يفعل
إلّا في محل ، حتى إنّ أحدنا لو كان قادرا على الاختراع ، بأن يكون قادرا لنفسه ،
لكان يصحّ منه أن يفعل هذه الإرادة لا في محل ، كما كان يصحّ من القديم تعالى. ولو
كان القديم تعالى قادرا بقدرة لكان لا يمكنه أن يفعل لا في محل (ن ، د ، ٣٨٥ ، ٥)
ـ إذا كان القادر
قادرا لنفسه لا بقدرة ، فليس هناك ما يوجب انحصار مقدوره في الجنس والعدد ، فيجب
أن يكون قادرا على سائر أجناس المقدورات (ن ، م ، ٣٣١ ، ٤)
قادر محدث
ـ لا قادر سوى
الأجسام وسوى القديم تعالى ليصحّ القول في أنّ الأجسام إذا لم يصحّ حدوثها من جسم
فليس محدثها إلّا الله جلّ وعزّ ، وإنّما نحتاج في هذا إلى بيان نفي كون العرض
حيّا قادرا لأنّ الموجود إذا لم يكن قديما فليس إلّا أنّه محدث. والمحدث لا يخرج
عن أن يكون حالّا أو محلّا ، والقادر المحدث لا بدّ من كونه محلّا سواء كان المرجع
بالقادر إلى هذه الجملة أو إلى ما قاله" معمّر" من أنّ الفاعل لأفعال
القلوب جزء من القلب وهو القادر عليها ، والفاعل لأفعال الجوارح هي المحال ، فعلى
كل حال يجب أن يكون القادر المحدث من جنس الأجسام لا غير (ق ، ت ١ ، ٨٨ ، ٢٧)
قادر مختار
ـ القادر المختار
يعلم من نفسه ، أنّه يتأتى منه ما يروم من الحركة في أي جهة شاء (ن ، م ، ٢٥٣ ، ١٧)
قادر مخلّى
ـ من مذهبه (أبو
هاشم) جواز خلوّ القادر المخلّى من الأخذ والترك (ق ، غ ١٤ ، ١٩٩ ، ١٨)
ـ إختلاف
المتكلّمين في أنّ القادر المخلّى متى لم يفعل تحريك جسمه ، هل يجب أن يكون فاعلا
لتسكينه؟ فمنهم من قال : ذلك واجب ، ومنهم من قال : هو غير واجب ، وكلا الفريقين
قال فيما ليس هذا حاله من تحريك الحجر وتسكينه : إنّه قد يجوز ألا يفعلهما جميعا
مع التخلية ، فلمّا فارق ذلك المذهب هذا المذهب ، احتيج إلى عبارة تختصّ ذلك
المذهب ليبيّن بها من هذا المذهب ، فعبّروا عن الضدّين الأولين ، بأنّ أحدهما ترك
للآخر ، ولم يعبّروا بذلك عن الثاني ، وبيّنوا الشروط التي إذا اختصّ الضدّان بها
، يجب ألا يخلو القادر المخلّى من فعل أحدهما (ق ، غ ١٤ ، ٢٠١ ، ١٥)
قادر مطلق
ـ اعلم أنّه إذا
ثبت في الله تعالى أنّه قادر بما ظهر من فعله ، فللقادر بمجرّد كونه قادرا أحكام ،
فلا بدّ من ثبوتها له ، وله بكونه قادرا لنفسه أحكام أيضا ، فلا بدّ من ثبوتها له
إذا صحّ استحقاقه لهذه الصفة للنفس. وإذا كان لكونه قادرا بقدرة أحكام مخصوصة وجب
نفيها عنه تعالى إذا كان قادرا لنفسه ولم يكن قادرا بقدرة. فمن حكم كونه قادرا
مطلقا صحّة إحداث الأفعال وترتيبها إذا كان عالما ، وإيقاعها على وجه دون وجه إذا
كان مريدا أو كارها. وصحّة إحداثه للشيء بدلا من ضدّه لأنّه لا بدّ من كونه قادرا
عليهما في الجنس ، فهذا لا بدّ من ثبوته فيه جلّ وعز (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ٢١)
قادران على مقدور
واحد
ـ اعلم أنّ
المعلوم لا يحصل على صفة من الصفات من جهة العالم به ، لكونه عالما به ، وإنّما
يعلمه العالم على ما هو عليه. فلذلك صحّ أن يعلم العالمان شيئا واحدا. وهذه العلّة
قائمة في كل معلوم ، وكل عالم. وإنّما لا يصحّ كونهما قادرين على مقدور واحد ، من
حيث كان المقدور قد يحصل على صفة من الصفات من جهة القادر ، لأنّ القادر يتعلّق
بالمقدور على ما هو به ، فإذا كانت الصفة التي تحصل من جهة القادر لا يصحّ حصولها
إلّا من جهة قادر واحد ، اختصّ المقدور لهذه العلّة بقادر دون قادر. وليس كذلك
المعلوم ، لأنّه لا يحصل من جهة العالم على صفة لا يصحّ الاشتراك فيها ، فيقضي
لأجل ذلك بأنّه يختصّ بعالم دون عالم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٤ ، ٧)
قادرون
ـ فانظر إلى قوله
: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتابِ) (المائدة : ٦٥) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) (الأعراف : ٩٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ) (المائدة : ٦٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا) (النساء : ٦٦).
وهذا في القرآن كثير يدلّ عند أهل اللغة والمعرفة والنصفة على أنّهم ممكّنون
مفوضون قادرون على ما أمروا به من العمل به والترك لما نهوا عنه ، وكثير مما في
كتاب الله ، عزوجل ، يشهد لنا بما قلنا (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٩)
ـ إنّ أحوال
القادرين مختلفة في القدرة ؛ فبعضهم يكون أقوى بأن يكون ما فيه من القدر أكثر ،
وبعضهم لا يكون كذلك ، وبعضهم في كل محلّ من محال بدنه تكون أجزاء كثيرة من القدر
، وبعضهم يكون أقل من ذلك (ن ، د ، ٤٣٦ ، ١)
قادرون بقدر
ـ إنّ أحوال
القادرين بقدر لا تختلف فيما يصحّ أن يقدروا عليه من الأجناس (ق ، غ ٨ ، ٢٦٦ ، ١٤)
ـ إنّما صحّ في
هؤلاء القادرين أن تتّفق مقدوراتهم لكونهم قادرين بقدر ، لا لشيء آخر ، حتى إنّه
لو كان فيهم من هو قادر لنفسه لكان يجب أن يصحّ من ذلك القادر ما لا يصحّ من غيره
الذي هو قادر بقدرة ، حتى إنّهم كلّهم لو كانوا قادرين لأنفسهم لكان يجب أن تتساوى
مقدوراتهم في التجانس. ولو كان القادر في الغائب قادرا بقدرة لكان يجب أن لا يصحّ
منه إلّا كما يصحّ من هؤلاء. فحيث وقع الافتراق الآن فإنّما هو لأجل أنّ القديم
تعالى قادر لنفسه ، وهؤلاء قادرون بقدرة ، والقدر تقتضي القصر والحصر ، سواء كان
في الجنس أو في العدد (ن ، د ، ٣٨٧ ، ٧)
قادرون لأنفسهم
ـ إنّما صحّ في
هؤلاء القادرين أن تتّفق مقدوراتهم لكونهم قادرين بقدر ، لا لشيء آخر ، حتى إنّه
لو كان فيهم من هو قادر لنفسه لكان يجب أن يصحّ من ذلك القادر ما لا يصحّ من غيره
الذي هو قادر بقدرة ، حتى إنّهم كلّهم لو كانوا قادرين لأنفسهم لكان يجب أن تتساوى
مقدوراتهم في التجانس. ولو كان القادر في الغائب قادرا بقدرة لكان يجب أن لا يصحّ
منه إلّا كما يصحّ من هؤلاء. فحيث وقع الافتراق الآن فإنّما هو لأجل أنّ القديم
تعالى قادر لنفسه ، وهؤلاء قادرون بقدرة ، والقدر تقتضي القصر والحصر ، سواء كان
في الجنس أو في العدد (ن ، د ، ٣٨٧ ، ٩)
قادرية
ـ إنّ القادريّة
إمّا أزليّة فيستدعي صحّة الأثر ، أو حادثة فلها مؤثّر ، وليس مختارا ، وإلّا عاد
البحث ؛ ولا يقال : هي المكنة من الإيجاد فيما لا يزال لحضور المانع ، لأنّا نقول
: إن أمكن ارتفاعه فليفرض ، وإن امتنع فدائما ، وإلّا صار الممتنع واجبا. قلنا :
أزليّة ولأمكنة من الممتنع (خ ، ل ، ٩٧ ، ٩)
ـ له (الله) علم
وقدرة وحياة ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة ، ويوجب العالميّة والقادريّة والحييّة ،
عند مثبتي الحال منّا ؛ وهي نفسها عند نفاتها ، لأنّ الثالث لا دليل عليه. أبو علي
الزائد ثابت معلوم ، وأبو هاشم حال لا نعلم ، ولا يسمّيانه إلّا علميّة (خ ، ل ،
١٠٤ ، ١٦)
قاصد
ـ إنّ شيخنا أبا
هاشم رحمهالله ... قال : إنّ فعله وإن جاز أن يقع من غير أن يقصد إليه
إذا لم يكن عالما ومعتقدا ، فمعلوم من حاله أنّه متى كان عالما بما يدعوه الداعي
إليه أو في حكم العالم ، لا يجوز أن يفعله إلّا وهو قاصد إليه إذا كان مخلّى بينه
وبين القصد والمقصود (ق ، غ ٨ ، ١٤ ، ١٠)
قبائح
ـ إنّ القبائح
ليست منه ، لأنّه نهى عنها وزجر وتوعد عليها ، وخوّف منها وأنذر ، ونقول : إنّها من
الشيطان بمعنى إنّه دعا إليها وأغوى ، ومنى في الغرور (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (فصلت : ٤٦) (ع ، أ
، ٢٢ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ الألم
لو قبح لذاته وجنسه لوجب أن تقبح اللذّة لأنّها قد تكون من جنس الألم على ما
بيّناه من قبل. وذلك ينقض مذهب القوم. ولو قبح لجنسه وذاته ، لكان لا تعلّق لقبح
الفعل بفاعله البتّة. وفي علمنا بأنّ في القبائح ما يتغيّر حاله بمقاصده دلالة على
فساد هذا القول. وقد علمنا أن تناول المأكول بعد الشبع من جنس تناوله قبله ، فكان
يجب إذا قبح أحدهما أن يقبح الآخر ؛ وكان يجب في كل قبيح ـ على هذه الطريقة ـ أن
يقبح لذاته وجنسه ، حتى يقبح الصدق على كل وجه إذا كان جنس الكذب ، وحتى يقبح
المشي إلى ما ينفع كما يقبح إلى ما يضرّ. وفي ذلك قلب العقول ونقض مذاهب القوم (ق
، غ ١٣ ، ٢٨٨ ، ١١)
ـ اعلم أنّ الواقع
من القبائح التي يستحقّ بها الذمّ والعقاب ، على ضربين : أحدهما يحتاج التائب مع
توبته إلى إبطاله ، والآخر لا يحتاج إلى ذلك. وإنّما تصحّ هذه القسمة فيما يبقى من
الأفعال ، أو يمتدّ حدوثه دون ما عداه ، لأن ما يمتدّ حدوثه يصير في حكم الواقع (ق
، غ ١٤ ، ٤٠٩ ، ٨)
ـ نقول إنّ الكفر
والمعاصي هي في أنّها أعراض وحركات خلق لله تعالى ، حسن من خلق الله تعالى كل ذلك
، وهي من العصاة بإضافتها إليهم قبائح ورجس (ح ، ف ٣ ، ١٠٤ ، ١١)
قبائح شرعية
ـ أمّا القبائح
الشرعيّة فلا بدّ من العلم بها على طريق الجملة. فإذا حرّم الله تعالى شيئا أو
أورد عن النبيّ صلّى الله عليه فآله تحريم شيء من الأشياء عرفنا أنّه لو لا كونه
مفسدة لنا لما وجد هذا التحريم. فأمّا أن يكون مفسدة ، أو تركا لواجب ولا يضرّ
الجهل بتفصيل ذلك الوجه ،
لأنّ علم الجملة
يقوم في هذا الباب مقام علم التفصيل (ق ، ت ١ ، ٢٣٥ ، ١٤)
قبائح عقلية
ـ أمّا القبائح
العقلية فهي نحو الظلم أو الكذب والأمر بالقبيح والنهي عن الحسن وإرادة القبيح
وكراهة الحسن والعبث والجهل والمفسدة ، وما يؤدّي إلى الإضرار بالنفس وما لا
يتميّز عن القبيح (ق ، ت ١ ، ٢٣٤ ، ٥)
ـ قد بيّنا في
القبائح العقلية أنّها على ضربين : أحدهما يعلم العاقل قبحه باضطرار ، والآخر
باستدلال عقليّ (ق ، غ ١٤ ، ١٥٠ ، ٦)
ـ القبائح
العقليّة هي في الجملة على أضرب ثلاثة : منها ما يقبح لصفة تخصّه ، نحو كونه ظلما
وكذبا وعبثا. ومنها ما يقبح لكونه مفسدة في غيره. ومنها ما يقبح لأنّه ترك لواجب
معيّن ، وناف لوجوده (ق ، غ ١٤ ، ١٥٤ ، ٢)
ـ يقول (علي) لو
قدّرنا أنّ القبائح العقليّة كالظلم والبغى لا عقاب على فعلها بل في تركها ثواب
فقط ، لم يكن الإنسان معذورا إذا أفرض في ذلك الترك لأنّه يكون قد حرم نفسه نفعا
هو قادر على إيصالها إليه (أ ، ش ٤ ، ١١٦ ، ٩)
قبائح معروفة شرعا
ـ أمّا القبائح
المعروفة شرعا فطريق جميعها الاستدلال لأنّه لا مدخل للضرورة في شيء منها إلّا إذا
أردنا الردّ إلى الأصول. فإذا عرفنا في شيء من الأشياء أنّه مفسدة بالشرع عرفنا
قبحه بالعقل ، كما إذا عرفنا أنّ في شيء من الأشياء دفعا للضرر عرفنا وجوبه عقلا ،
ولكن لا طريق من جهة العقل إلى العلم بأنّ في شيء من الأشياء مفسدة إلّا بعثة من
هو كافر أو فاسق أو كان كذلك من قبل ، وما عدا ذلك وطريق العلم به الشرع ولو عرفنا
عقلا لعرفناه أيضا قبيحا (ق ، ت ١ ، ٢٣٣ ، ٢٦)
قبائح يكلّف المرء
ألا يفعلها
ـ أمّا القبائح
التي يكلّف المرء ألّا يفعلها فلا تخرج عن أقسام : إمّا أن يقبح لصفة تختصّ به ؛
نحو كون الظلم ظلما والكذب كذبا وإرادة القبيح كونها إرادة له إلى ما شاكل ذلك.
وإمّا أن يقبح لما فيه من المضرّة. ويدخل في ذلك القبائح الشرعيّة لأنّها كلها
إمّا أن تقبح لأنّها مفسدة أو لأنّها ينافي وجودها مصلحة يعود حالها إلى أنّها
ضارّة من حيث تؤدّي إلى مضرّة ، أو يقبح لأنّه يتعلّق بما هو حاله من القبائح
وغيرها (ق ، غ ١١ ، ٥٣١ ، ٤)
قبح
ـ إنّا نجد أفعال
العباد تخرج على حسن وقبح ، لا يعلم أهلها أنّها تبلغ في الحسن ذلك ولا في القبح ،
بل هم عندهم نفسهم في تحسينها وتزيينها ، وهي تخرج على غير ذلك ، بأن جعل أفعالهم
على ما هي عليه ليست لهم ، ولو جاز كونها على ذلك لهم ، وهم لا يعرفون مبلغ الحسن
والقبح ، فإذا لا جهل يقبّح الفعل ولا علم يحسّنه ، فثبت أنّ فعلهم من هذا الوجه
ليس لهم (م ، ح ، ٢٣٠ ، ١)
ـ إن الرضا بقضائه
أن تعلم بأنّ الكفر مضمحل قبيح وأنّه شر وفساد وأنّه يوجب مقت صاحبه وتعذيبه إلّا
أن يتوب ، فمن لم يرض بهذا فهو كافر ، فيكون على ما جاء به الخبر. على أن الكفر
والقبح / هو فعل العبد ، ومحال أن يكون هو قضاؤه ، فثبت أن قضاء الله هو ما
ذكرت مما عليه
حقيقة الفعل (م ، ح ، ٣٠٨ ، ٦)
ـ إنّ النهي لا
تأثير له في قبح شيء من الأشياء ، لو لا ذلك وإلّا كان يجب فيمن لا يعرف النهي ولا
الناهي أن لا يعرف قبح هذه المقبّحات من الظلم وغيره ، ومعلوم أنّ هؤلاء الملحدة
يعرفون قبح الظلم مع إنكارهم للأوامر والآمر والناهي (ق ، ش ، ٤٧٩ ، ٨)
ـ إنّ الأفعال ما
من شيء منها إلّا ويجوز أن يقع على وجه فيحسن ، وعلى خلاف ذلك الوجه فيقبح ، وأمّا
أن نحكم على فعل من الأفعال بالقبح والحسن بمجرّده ، فلا (ق ، ش ، ٥٦٤ ، ٢٠)
ـ القبح ليس يختصّ
بفاعل دون فاعل لأنّ قبحه هو لوقوعه على وجه من نحو كونه ظلما وكذبا وعبثا ، فكيف
جاز أن يقولها إنّه يفعله ولا يقبح منه مع ثبات وجه القبح فيه ، وهلّا قبح منه كما
قبح من غيره؟ (ق ، ت ١ ، ٣٨٣ ، ٥)
ـ قد يحدّ (القبح)
ذلك بأن يقال : إنّه ما من حقّه أن يصحّ أن يستحقّ به الذمّ. وهذا لا يلزم عليه
وقوع القبيح من الصبيّ ، ولا القبيح الصغير. لأنّ الذمّ وإن لم يستحقّ بهما ، فلا
يخرج من أن يكون من القبيل الذي يقبح ذلك فيه ، وأنّه مفارق لما لا يستحقّ به
الذمّ على وجه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٧ ، ١٠)
ـ يحدّ (القبح) :
بأنّه مما يستحقّ به الذمّ إذا فعله من يمكنه التحرّز منه ، ولم يكن هناك منع. وهذا
لا يسلّم على ما يقوله شيخنا أبو علي رحمهالله من أنّ المراهق الذي لم يبلغ حدّ التكليف ، قد يعلم القبيح
ولا يستحقّ الذمّ به ، وإن أمكنه التحرّز منه ، وينتقص بالقبيح الواقع من الملجأ
إليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٧ ، ١٥)
ـ إنّ قبح الشيء
يتبع حدوثه ، وما هذا حاله لا يستحقّ للنفس. ولأنّ ما له قبح ، وهو كونه جهلا ،
إذا لم يستحقّ للنفس فبأن لا يستحقّ كونه قبيحا للنفس أولى ؛ ولأنّ حكم القبائح في
استحقاق هذه الصفة لا يختلف ، فلا يصحّ استحقاق بعضها للنفس ؛ ولأنّ سائر الجهل في
أنّه لا يوجد إلّا جهلا ، ولا يوجد مثاله إلّا كذلك ، كالجهل بالله تعالى. فلو جاز
أن يكون ذلك للنفس ، لجاز في سائر الجهل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٨ ، ٨)
ـ إنّ الشيء لا
يجب أن يعتبر في قبحه بحسن ضدّه ، ولا في حسنه بقبح ضدّه ، بل يجب أن يعتبر في
نفسه ، على ما قدّمنا القول فيه ، ويفارق ذلك ما نقوله من أن ترك الواجب المعيّن
يقبح لأنّه تركه. وذلك لأنّا لا نحكم بقبحه لأنّ ضدّه حسن ، لأنّه كان يجب قبح ترك
الفعل والمباح أيضا ، وإنما يحكم بقبحه ، لما فيه من المنع من وجود الواجب
والامتناع منه ، على ما شرحناه من قبل (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ٨)
ـ إنّ هذه الأحكام
التي هي الوجوب والقبح والحسن والندب فإنّها أحكام موجبة عن أحوال الفعل وأحكامها
وهي أحكام أحوالها ، فصارت هذه الأحكام مع أحكام الفعل كالعلل مع المعلول ، فلا
بدّ إذن من أن تضاف هذه الأفعال إلى الفاعل من وجه يكون له في ذلك تأثير ، وليس
ذلك إلّا الحدوث (ن ، د ، ٣١٨ ، ٥)
ـ إنّ العلم بقبح
الظلم ضروريّ ، وإنّما يبيّن أنّه لا تأثير لاختلاف أحوال الفاعلين فيه ، ليزيل
هذه الشبهة ، ثم العلم بقبحه لأجل العلم على جهة الجملة بقبح الظلم (ن ، م ، ٣١٤ ،
٦)
ـ إنّ القبح فيه
ما يكون قبيحا لنفسه ، وفيه ما
يكون قبيحا للقبح
، وكذلك الحسن. ويقول إنّ الجسم حسن لوجود معنى وهو الحسن ، وكان يجوز أن يوجد
فيكون قبيحا بقبح يقوم به.
ويقول : الحسن من
الأعراض حسن لنفسه ، وما يقبح يقبح لنفسه (ن ، م ، ٣٥٥ ، ١٥)
ـ ليس الحسن
والقبح صفتين للقبيح والحسن وجهتين يقعان عليهما ، ولا معنى للحسن والقبح إلّا نفس
ورود الأمر والنهي ؛ فالذي أثبتته المعتزلة ، من كون الحسن والقبيح على صفة وحكم ،
قد أنكرناه عقلا وسمعا (ج ، ش ، ٢٣٠ ، ٤)
ـ إنّ الحسن
والقبح عبارتان عند الخلق كلّهم عن أمرين إضافيين يختلفان بالإضافات لا عن صفات
الذوات التي لا تختلف بالإضافة ، فلا جرم ، جاز أن يكون الشيء حسنا في حقّ زيد ،
قبيحا في حقّ عمرو ، ولا يجوز أن يكون الشيء أسود في حق زيد ، أبيض في حق عمرو.
لمّا لم تكن الألوان من الأوصاف الإضافية (غ ، ق ، ١٦٤ ، ٨)
ـ قال أهل العدل :
المعارف كلها معقولة بالعقل ، واجبة بنظر العقل ، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع
، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٢٣)
ـ اتّفقوا (المعتزلة)
على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب
معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف
للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسّط الأنبياء عليهمالسلام امتحانا واختبارا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٩)
ـ مذهب النظّام
أنّ القبح إذا كان صفة ذاتيّة للقبيح ، وهو المانع من الإضافة إليه فعلا ؛ ففي
تجويز وقوع القبيح منه (الله) قبح أيضا ، فيجب أن يكون مانعا. ففاعل العدل لا يوصف
بالقدرة على الظلم. وزاد أيضا على هذا الاختباط فقال : إنّما يقدر على فعل ما يعلم
أنّ فيه صلاحا لعباده. ولا يقدر على أن يفعل بعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم.
هذا في تعلّق قدرته بما يتعلّق بأمور الدنيا (ش ، م ١ ، ٥٤ ، ٤)
ـ الثنوية
والتناسخيّة والبراهمة والخوارج والكراميّة والمعتزلة فصاروا إلى أنّ العقل يستدلّ
به حسن الأفعال وقبحها على معنى أنّه يجب على الله الثواب والثناء على الفعل الحسن
، ويجب عليه الملام والعقاب على الفعل القبيح ، والأفعال على صفة نفسيّة من الحسن
والقبيح ، وإذا ورد الشرع بها كان مخبرا عنها لا مثبتا لها (ش ، ن ، ٣٧١ ، ٥)
ـ قالوا (المعتزلة)
لو رفعنا الحسن والقبح من الأفعال الإنسانيّة ورددناهما إلى الأقوال الشرعيّة ،
بطلت المعاني العقليّة التي نستنبطها من الأصول الشرعيّة حتى لا يمكن أن يقاس فعل
على فعل وقول على قول ، ولا يمكن أن يقال لم ولأنّه ، إذ لا تعليل للذوات ولا صفات
للأفعال التي هي عليها حتى يربط بها حكم مختلف فيه ويقاس عليها أمر متنازع فيه ،
وذلك رفع للشرائع بالكلّية من حيث إثباتها وردّ الأحكام الدينيّة من حيث قبولها (ش
، ن ، ٣٧٤ ، ١٨)
ـ إنّ من نفى
الأمر الأزليّ لم يمكنه إثبات التكليف على العبد ، ولا أمكنه إثبات حكم في أفعال
العباد من حسن أو قبح ، ويؤدّي ذلك إلى نفي الأحكام الشرعيّة المستندة إلى قول من
ثبت صدقه بالمعجزة فضلا عن العقلية
المتعارضة
المستندة إلى عادات الناس المختلفة بالإضافة والنسب (ش ، ن ، ٣٨٥ ، ١٧)
ـ نقول (الشهرستاني)
لو كان الحسن والقبح والحلال والحرام والوجوب والندب والإباحة والحظر والكراهة
والطهارة والنجاسة راجعة إلى صفات نفسية للأعيان أو الأفعال ، لما تصوّر أن يرد
الشرع بتحسين شيء وآخر بتقبيحه ، ولما تصوّر نسخ الشرائع حتى يتبدّل حظر بإباحة
وحرام بحلال ، وتخيّر بوجوب. ولمّا كان اختلفت الحركات بالنسبة إلى الأوقات تحريما
وتحليلا ، أليس الحكم في نكاح الأخت للأب والأم في شرع أبينا آدم عليهالسلام بخلاف الحكم في الجمع بين الأختين المتباعدتين في شرع
نبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، كيف حلّ ذلك على اتّحاد اللحمة وحرّم هذا على تباعد
اللحمة (ش ، ن ، ٣٨٨ ، ١٤)
ـ إنّ الحظر
والوجوب أحكام لا ترجع إلى الأفعال حتى تكون صفات لها ، ولا الأفعال كانت على صفات
من الحسن والقبح ورد الشرع بتقريرها ، ولا قول الشارع أكسبها صفات لا تقبل الرفع
والوضع ، بل الأحكام راجعة إلى أقوال الشارع ، وتوصف الأفعال بها قولا لا فعلا ،
شرعا لا عقلا ، فيجوز أن يرتفع بعضها ببعض ، وذلك كالحرمة في الأجنبيات ترتفع
بالعقد الصحيح ، والحلّ في المنكوحة يرتفع بالطلاق المبين ، وكأحكام المقيم تخالف
أحكام المسافر ، وأحكام الرجال في بعض الأحوال ، تخالف أحكام ربّات الحجال. وإذا
كانت الأحكام قابلة للرفع والوضع والتغيير والتبديل ، فما المستحيل في وضع أحكام
على أقوام في زمن ، ثم رفعها عن أقوام في زمن آخر (ش ، ن ، ٥٠٢ ، ١)
ـ الحسن والقبح قد
يراد بهما ملاءمة الطبع ومنافرته وكون الشيء صفة كمال ونقصان. وهما بهذين المعنيين
عقليّان ، وقد يراد به كون الفعل موجبا للثواب والعقاب والمدح والذمّ ، وهذا
المعنى شرعيّ عندنا خلافا للمعتزلة (ف ، م ، ١٥٣ ، ٢١)
ـ لو قبح الشيء
لقبح إمّا من الله تعالى أو من العبد ، والقسمان باطلان ، فالقول بالقبح باطل.
أمّا أنّه لا يقبح من الله فمتّفق عليه ، وأمّا أنّه لا يقبح من العبد فلأنّ ما
صدر عن العبد صادر عنه على سبيل الاضطرار لما بيّنا أنّه يستحيل صدور الفعل عنه
إلّا إذا أحدث الله فيه الداعي إلى ذلك الفعل ، ومتى أحدث الله الداعي فيه إليه
كان الفعل واجبا ، وبالاتفاق لا يقبح من المضطرّ شيء (ف ، م ، ١٥٤ ، ٢)
ـ اعلم أنّ مذهبنا
أنّ الحسن والقبح ثابتان في الشاهد بمقتضى العقل ، وأما في حقّ الله تعالى فهو غير
ثابت البتّة (ف ، أ ، ٦٦ ، ١٥)
ـ إنّ القائلين
بالتحسين والتقبيح بحسب الشرع فسّروا القبح بأنّه الذي يلزم من فعله حصول العقاب ،
فيقال لهم وهل تسلّمون أنّ العقل يقتضي وجوب الاحتزاز عن العقاب أو تقولون أنّ هذا
الوجوب لا يثبت إلّا بالشرع. فإن قلتم بالأوّل فقد سلّمتم أنّ الحسن والقبح في
الشاهد ثابت بمقتضى العقل ، وإن قلتم بالثاني فحينئذ لا يجب عليه الاحتزاز عن ذلك
العقاب إلّا بإيجاب آخر ، وهذا الإيجاب معناه أيضا ترتيب العقاب ، وذلك يوجب
التسلسل في ترتيب هذه العقابات وهو باطل ، فثبت أنّ العقل يقضي بالحسن والقبح في
الشاهد (ف ، أ ، ٦٧ ، ٦)
ـ معتقد المعتزلة
: أنّ الحسن والقبح للحسن والقبيح صفات ذاتيّات ، ووافقهم على ذلك الفلاسفة ومنكرو
النبوات ، ثم اختلف هؤلاء في مدارك الإدراك لذلك ، فقالت المعتزلة والفلاسفة :
المدرك قد يكون عقليّا وقد يكون سمعيّا ، فما يدرك بالعقل منه بديهيّ كحسن العلم
والإيمان وقبح الجهل والكفران ، ومنه نظريّ كحسن الصدق المضرّ ، وقبح الكذب
النافع. وما يدرك بالسمع فكحسن الطاعات وقبح ارتكاب المنهيّات (م ، غ ، ٢٣٣ ، ١٣)
ـ أمّا أهل الحق
فليس الحسن والقبح عندهم من الأوصاف الذاتية للمحالّ ، بل إنّ وصف الشيء بكونه
حسنا أو قبيحا فليس إلّا لتحسين الشرع أو تقبيحه إيّاه ، بالإذن فيه أو القضاء
بالثواب عليه ، والمنع منه أو القضاء بالعقاب عليه. أو تقبيح العقل له باعتبار
أمور خارجيّة ، ومعان مفارقة من الأعراض ، بسبب الأغراض والتعلّقات ، وذلك يختلف
باختلاف النسب والإضافات. فالحسن إذا : ليس إلّا ما أذن فيه أو مدح على فعله شرعا
، أو ما تعلّق به غرض ما عقلا. وكذا القبيح في مقابلته (م ، غ ، ٢٣٤ ، ٥)
ـ قبّح الله فلانا
أي نحّاه عن الخير فهو مقبوح (أ ، ش ١ ، ٢٦١ ، ٢٨)
ـ الأكثر : وإنّما
يقبح الفعل لوقوعه على وجه من كونه ظلما أو كذبا أو مفسدة. إذ متى علمناه كذلك
علمنا قبحه. وإن جهلنا ما جهلنا ، ومتى لا فلا ، وإن علمنا ما علمنا (م ، ق ، ٩١ ،
٢)
ـ يستقلّ العقل
بإدراك الحسن والقبح باعتبارين اتّفاقا : الأول ، بمعنى ملائمته للطبع ، كالملاذ ،
ومنافرته له ، كالآلام. والثاني ، بمعنى كونه صفة كمال ، كالعلم ، وصفة نقص ،
كالجهل. أئمتنا ، عليهمالسلام ، وصفوة الشيعة ، رضي الله عنهم ، والمعتزلة ، والحنفيّة ،
والحنابلة ، وبعض الأشعريّة : وباعتبار كونه متعلّقا للمدح والثواب عاجلين ،
والذمّ والعقاب. كذلك أئمتنا ، عليهمالسلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة ، وغيرهم : باعتبار كونه
متعلّقا للمدح عاجلا والثواب آجلا ، والذمّ عاجلا ، والعقاب آجلا .... لنا : في
جميع ذلك تصويب العقلاء من مدح أو أحسن إلى المحسن ، ولو تراخى ، ومن ذمّ أو عاقب
المسيء ، ولو تراخى وعدم حكمهم بأيّها في حق من استظلّ تحت شجرة لا مالك لها ، أو
تناول شربة من ماء غير مجاز (ق ، س ، ٥٠ ، ١٩)
ـ أئمتنا ، عليهمالسلام ، وموافقوهم : ولا يقبح الفعل إلّا لوقوعه على وجه من
الظلم ونحوه ، إذ الأصل في مطلق الأفعال الإباحة. البغداديّة وبعض الإماميّة
والفقهاء : بل لعينه لأنّ الأصل في مطلقها الحظر. قلنا : لا يذمّ العقلاء من تناول
شربة من الماء ، ولا يصوب من عاقبة قبل معرفة الشرع. الأشعريّة وبعض الشافعية : بل
للنهي إذ لا يعلم حسن الفعل ولا قبحه (ق ، س ، ١٠١ ، ٥)
قبح الترك
ـ إنّ الإرادة لا
تؤثّر في قبح الترك ، لأنّه إنّما يقبح لأنّه ترك لواجب ، فحاله كحال قبح الظلم (ق
، غ ١٤ ، ٢٩٠ ، ٧)
قبح التكليف
ـ اعلم ، أنّ من
حق الفعل متى صحّ وقوعه من المكلّف على الوجه الذي وجب عليه ، أن يحسن من المكلّف
أو يكلّفه ، وأن يصحّ أن
يعرف المكلّف
وجوبه عليه ، ويتمكّن من فعله وتركه. لأنّه إنّما يجب عليه أن يؤدّيه على الوجه
الذي وجب ولزم ، فإذا تمكّن من ذلك ففقد سائر الشرائط لا يؤثّر في هذا الباب. وقد
علمنا أنّ إيجاد الشيء على الوجه الذي وجب عليه قد يمكن أن يفعله ابتداء وقد يمكن
بأن يفعل ما يجب وجوده بوجوده. ولا فرق بين هذين الطريقين في أنّ معهما يمكن
الأداء ، لأنّ الغرض أن يؤدّي ما وجب عليه بأن يوجده ، فإذا أمكنه أن يوجده بإيجاد
سببه الذي يجب وجوده عنده فهو بمنزلة أن يتمكّن من إيجاده ابتداء. فإذا صحّت هذه
الجملة ، وعلمنا أن الذي يوجده على جهة الابتداء ، إنّما يتمكّن من أدائه على
الوجه الذي وجب بأن يعرفه بعينه وبما يختصّ به من صفاته ، فلا بدّ من أن يعرف ذلك
ليصحّ منه أن يفعله. ومتى لم يعلم ذلك أو لم يتمكّن من معرفته ، فإيجابه عليه
بمنزلة إيجاب ما لا يقدر عليه. ولذلك قلنا : إنّ تكليف الصبي والمجنون الأفعال
التي لا يصحّ منهما أن يعرفاها ، بمنزلة تكليف ما لا يطاق في القبح. لأنّ مع
المعرفة بعين هذا الفعل ، يصحّ الوصول إلى إيقاعه على الوجه الذي وجب ، كما يصحّ
ذلك فيه مع القدرة والآلة ؛ فإذا وجب بفقدهما ، قبح تكليفه ؛ فكذلك القول مع فقد
المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٦ ، ١٤)
ـ من مذهبهم (المعتزلة)
إنّ الرب إذا علم أنّ في تكليفه عبدا من العباد فساد الجماعة فإنّه يقبح تكليفه
لأنّه استفساد لمن يعلم أنّه يكفر عند تكليفه (ش ، ن ، ٤٠٩ ، ٢)
قبح الظلم
ـ لو كان الظلم
يقبح لعلّة لوجب أن لا يقبح لاستحالة العلل عليه ، لأنّها لا تختصّ به ، من حيث
يستحيل عليه الحلول وما يجري مجراه؟. ولوجب في الظلم أن يجوز أن يحسن إذا زالت تلك
العلّة ، أو وجدت العلّة المضادّة لها. وبطلان ذلك يبيّن فساد هذا القول. فيجب أن
يكون إنّما يقبح لكونه ظلما ، لأنّه لا يمكن أن يقال إنّما يقبح لفاعله ، ولا يراد
به هذا الوجه ، لأنّه كان يجوز أن يحسن ـ وهو ظلم ـ على بعض الوجوه. فلمّا بطل ذلك
، صحّ ما ذكرناه ، وصار قبح الظلم في أنّه واجب لكونه ظلما بمنزلة كون الخبر خبرا
وصدقا ، في أنّه إنّما يكون كذلك لوقوعه على بعض الوجوه. وإذا كانت الوجوه معقولة
، لم يمتنع تعلّق الأحكام بها. وهذه الأحكام تجري مجرى الأحكام التابعة للحدوث
بالفاعل لا لعلّة ، فيجب أن يصحّ منه أن يوقعه على وجه دون وجه. ولذلك ترجع أحكام
القبح والحسن إلى الفاعل من حيث تتعلّق به ؛ ولذلك يحكم فيه بأنّه يقبح منه أن
يحدثه ، وأنّ القبح يختصّ حال الحدوث دون حال البقاء ليصحّ ما ذكرناه في قبحه ،
فما الذي يمنع في الظلم من أن يقبح لكونه ظلما ، ويكون الدليل على ذلك أنّ عند
العلم بكونه ظلما ، يعلم العاقل قبحه ، ومتى لم يعلمه كذلك ، لم يعلم قبحه ، بل
يجوز أن يعلمه حسنا. فيجب أن يكون الوجه في قبحه ما عند العلم به يعلم قبحه على ما
بيّنا (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٩ ، ٥)
قبح عقلي
ـ إنّ البشر جبل
على طبيعة وعقل ، وما يحسّنه العقل غير الذي ترغب فيه الطبيعة ، وما يقبّحه غير
الذي ينفر عنه الطّبع ، أو يكون بينهما مخالفة مرّة ، وموافقة ثانيا ، لا بدّ من
النظر في كل أمر والتأمل ليعلم حقيقة أنّه في أيّ فن ونوع
مما ذكرنا (م ، ح
، ١١ ، ١)
ـ ما حسّنه العقل
وقبّحه ليس له زوال ولا تغيّر من حال إلى حال ، وما حسّنته الطبيعة وقبّحته هو في
حد الانقلاب والتغيّر من حال إلى حال بالرياضة والقيام على ذلك بالكف عما ألفه ،
والصرف إلى ما ينفر عنه يحسن القيام عليه ، على ما يحتمل الطبع قبوله نحو المعروف
من أمر الطيور والبهائم ، إنّها بطبعها تنفر عمّا أريد بها من أنواع منافع البشر ،
ثم يحسن قيام أهل البصر بذلك ليصير مما طبع عليه بالميل إليه كالمستوحش ، ومما /
طبع على النّفار عنه كالمطبوع عليه (م ، ح ، ٢٢٣ ، ١٣)
قبح القبيح
ـ (قال المعتزلة)
الدليل على أنّ قضايا العقول تحسّن وتقبّح علمنا بأنّ من أمكنه التوصل إلى غرضه
بالصدق والكذب وجب عليه أن يتوصل إليه بالصدق دون الكذب ، وأنّه لا يقع منه إلّا
ذلك ؛ وليس يترك التّوصّل إلى الغرض في هذه الأمور بالكذب إلى الصدق إلا لحسن
الصدق وقبح الكذب ؛ فوجب قضاء العقل على حسن الحسن وقبح القبيح (ب ، ت ، ١١٠ ، ٥)
قبح الكذب
ـ بيّنا أنّ قبح
الكذب العاري عن اجتلاب نفع أو دفع ضرر معلوم بالاضطرار ، ولا يجوز أن نعلم حكم
ذات من الذوات أو صفة من الصفات ثم لا نعلم الذات الموصوفة بها بالاضطرار ، لا على
سبيل الجملة ولا التفصيل. ونحن نعلم قبح الكذب العاري من اجتلاب نفع أو دفع ضرر
بالاضطرار ، فيجب أن يكون الكذب معلوما كذلك ، فيجب أن يكون الكذب هو هذا المسموع
، لأنّه هو الذي يعلم بالاضطرار ، وما عداه فإنّه لا يعلم باضطرار ولا باستدلال.
فإذا كان الكذب هو هذا المسموع وجب أن يكون من فعلنا حتى يكون حكمه متعلقا بنا (ن
، د ، ٣٣ ، ١)
قبح ما يعلم قبحه
باضطرار
ـ إنّ العلم بقبح
ما يعلم قبحه باضطرار ، لا يجب كونه مبنيّا إلّا على جملة تعلّق الأفعال بنا ، دون
تفصيله ، وهذه الجملة ضروريّة ، فيصحّ أن يعلم ما ذكرناه من حالها باضطرار ، وإذا
عرفنا بالدليل أنّ الفاعل منا يحدثها ، علم على التفصيل أنّه يقبح منه إحداثها.
وكذلك القول في سائر ما يعلمه باستدلال ، أنّه بعد الاستدلال يعلم الحال في قبحه
على هذين الوجهين. وهذه الأفعال ففيها ما يعلم باضطرار كالآلام والكلام ، وفيها ما
يعلم أحكامها باضطرار ، نحو ما يجده الإنسان من كونه مريدا ومعتقدا ، ونحو ما
يعلمه من الفصل بين المتحرّك والساكن ، والمعتمد في جهة وخلافه. فما نعلمه باضطرار
فالحال فيه على ما بيّناه ، من أنه إنما يجب أن يعلم تعلّقه به على طريقه العقليّة
، وما عداه يستدلّ أولا على إثباته ، ثم على هذا الحكم (ق ، غ ١٤ ، ١٦٠ ، ٣)
قبر
ـ إنّ موضع كل روح
يسمّى قبرا فتعذّب الأرواح حينئذ وتسأل حيث كانت (ح ، ف ٤ ، ٦٩ ، ١)
قبلية
ـ لا معنى لقبليّة
الشيء إلّا أنّه لم يكن فكان (م ، غ ، ٢٢ ، ١٤)
قبيح
ـ لم يكن الكفر
كفرا ولا قبيحا إلّا بفاعله ومحدثه وهو الكافر ، وإنّما كان بالله عند إبراهيم
تقبيح الكفر وهو الحكم بأنّه قبيح فأمّا نفس الكفر فبالكافر كان لا بغيره (خ ، ن ،
٢٩ ، ١٦)
ـ الشيء إنّما
يقبح منّا لأنّا تجاوزنا ما حدّ ورسم لنا وآتينا ما لم نملك إتيانه. فلمّا لم يكن
الباري مملكا ولا تحت آمر لم يقبح منه شيء (ش ، ل ، ٧١ ، ١٦)
ـ ليس في خلق الله
قبيح (م ، ت ، ١٨٥ ، ١١)
ـ لو لم يكن في
خلق الله قبيح لم يكن لتحويل صورتهم ـ من صورة الإنسان ، إلى أقبح صورة ـ معنى ؛
ليروا قبح أنفسهم ؛ عقوبة لهم بما عصوا أمر الله ، ودخلوا في نهيه (م ، ت ، ١٨٥ ،
١٢)
ـ إنّ كل شيء حسّنه
العقل فهو لا يقبح بحال ، وكذلك القبيح من الحسن ، وكل شيء قبح لنفار الطبع بما
يتوهّم حلوله في جوهر المتوهم فينفر طبعه لألمه ، ثم هذا قد يجوز أن يذهب ذلك
بالاعتياد نحو القصابين والذين اعتادوا القتال ، فثبت أنّ النهي عنه طبيعي لا عقلي
، فتغيّر ذلك من العادة يزول ، وذلك نحو جواهر من الحيوان طبعه التوحّش ، وعلى ذلك
طبع الجميع عن الأحمال الثقيلة ، ثم تصير بالرياضة وتعويد غيره كأنّها على ذلك
طبعت ، فعلى ذلك أمر الحيوان (م ، ح ، ٢٠١ ، ١٤)
ـ زعموا (المعتزلة)
أنّ فعل الكفر قبيح شرّ من جميع الوجوه (م ، ح ، ٢٣٤ ، ٢٠)
ـ الحسن ما وافق
الأمر من الفعل ، والقبيح ما وافق النهي من الفعل ، وليس الحسن حسنا من قبل الصورة
، ولا القبيح قبيحا من قبل الصورة (ب ، ن ، ٤٩ ، ١)
ـ القبيح : ما
قبّحه الشرع وحرّمه ، ومنع منه ، لا من حيث الصورة (ب ، ن ، ٥٠ ، ٤)
ـ الجملة أنّ
الأمر منّا ، والنهي منّا ، والفعل منّا ، والإرادة منّا إنّما توصف تارة بكونها
حسنة ، وتارة بكونها قبيحة ، إنّما ذلك لمعنى ، وهو أنّ كل ما كان منا مخالفا لأمر
الرب تعالى فهو قبيح ، وإن كانت صورته حسنة من حيث الحس والنظر والسمع ، ونحو ذلك
؛ وأنّ كلّ ما كان منّا حسنا إنّما كان ذلك لأنّه موافق لأمر الربّ تعالى ، لا من
حيث الصورة والحسن (ب ، ن ، ١٦٨ ، ١٢)
ـ إنّ القبيح
إنّما كان قبيحا منّا لتعلّق نهي الله تعالى عنه به ونهيه كلامه وكلامه غير مخلوق
، فيجب أن يكون جاريا مجرى كونه معلوما في باب أنّه يتعلّق بعلم ليس بفعل ، فلا
يصحّ أن يكون معلوما بفاعل ، لمّا كان كونه معلوما يرجع فيه إلى تعلّق علم قديم به
، وما يقتضي وصف المعلوم من الحدث يقتضي حدث العلم به ، فإذا كان العلم به غير
محدث لم يجز أن يقال إنّه معلوم بمحدثه. كذلك إذا كان قبيحا لتعلّق نهي الله تعالى
به وجرى كونه قبيحا مجرى كونه منهيّا عنه ، ولم يجز أن يكون النهي عنه محدثا ،
فكذلك لا يجوز أن يقال إنّه وجد قبيحا بمحدثه أو هو قبيح بمن جعله كذلك (أ ، م ،
٩٤ ، ٢١)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ وصفنا لبعض الأكساب بأنّه قبيح منّا ولبعضها بأنّه حسن منّا إنّما يستحقّ
ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه. وكذلك يجري مجراه في وصفنا له بأنّه
طاعة ومعصية في باب أنّه إنّما يجري عليه ذلك لأجل الأمر والنهي (أ ، م ،
٩٦ ، ٢٣)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد في أنّه إنّما يجتنب القبيح لما
فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله ، ويختار الفعل الحسن والحكمة لما فيه من
النفع والجمال العائد إلى فاعله. فلا وجه فيما يفعل له الفعل في الشاهد أو يترك
إلّا ذلك أو نحوه. فإن وجب أن لا يكون فاعلا لما هو من غيره قبيح لأنّ القبيح لا
يؤثّر فعله إلّا محتاج أو جاهل بقبحه ، وجب أن لا يكون فاعلا للحسن لأنّه لا
يؤثّره إلّا منتفع به متزيّن. وأراهم أنّه يتعذّر عليهم أن يروه حكيما في الشاهد
يؤثّر فعل الحكمة مع خلوّه من هذه الأسباب (أ ، م ، ١٤١ ، ٢٢)
ـ القبيح هو ما
إذا فعله القادر عليه استحق الذمّ على بعض الوجوه ، وقوله على بعض الوجوه احتراز
من الصغيرة ؛ فإنّها قبيحة ومع ذلك فإنّه لا يستحق الذم عليها بكل وجه ، ولكن
يستحق الذم عليها على بعض الوجوه ، وهو أن لا يكون لفاعلها من الثواب قدر ما يكون
عقاب هذه الصغيرة مكفرا في جنبه ، وكذلك فإنّه احتراز من القبائح الواقعة من
الصبيان والمجانين والبهائم ، فإنّها على قبحها لا يستحق الذم عليها بكل وجه ،
ولكن يستحق الذم عليها على بعض الوجوه ، وهو أن تقع ممن يعلم قبحها ، أو يتمكن من
العلم بذلك ، فلو لا هذا الاحتراز لانتقض الحدّ ، ولا نقض مع اعتباره (ق ، ش ، ٤١
، ٦)
ـ إنّ كل ترك منع
الواجب من وجوده فهو قبيح (ق ، ش ، ٤١ ، ١٤)
ـ تقرر في العقل
وجوب التحرّز من القبيح. فإذا كان لا يمكن التحرّز من هذا القبيح إلّا بالمعرفة ،
وجب أن يقضى بوجوبها (ق ، ش ، ٤٣ ، ٢)
ـ إنّ القبيح
إنّما يقبح لوقوعه على وجه ، فمتى وقع على ذلك الوجه وجب قبحه سواء وقع من الله
تعالى ، أو من الواحد منّا (ق ، ش ، ٣٠٩ ، ١٦)
ـ عندنا (عبد
الجبّار) أنّ القبيح إنّما يقبح لوقوعه على وجه نحو كونه ظلما ، وعند أبي قاسم
البلخيّ أنّ القبيح إنّما يقبح لوقوعه بصفته وعينه ، وإلى هذا ذهب بعض المجبرة ،
وعند بعضهم أنّ القبيح إنّما يقبح للرأي ، أو لكوننا مملوكين مربوبين محدثين إلى
أمثال هذا ، والحسن إنّما يحسن للأمر. ونحن قبل الاشتغال بإفساد هذه المذاهب نصحّح
ما نقوله. فالذي يدلّ على ذلك هو أنّا نعلم أنّ الظلم قبيح ، وإنّما قبح لكونه
ظلما ، بدليل أنّا متى عرفناه ظلما عرفنا قبحه وإن لم نعرف أمرا آخر ، ومتى لم
نعرف كونه ظلما لم نعرف قبحه وإن عرفنا ما عرفنا. فبان أنّ الظلم إنّما قبح لوقوعه
على وجه وهو كونه ظلما ، هذا لأنّ العلم بالقبح فرع على العلم بوجه القبح إمّا على
جملة أو تفصيل ، فيجب متى وقع على ذلك الوجه أن يكون قبيحا ، سواء وقع من الله
تعالى أو من العباد ، لأنّ الحال فيه كالحال في الحركة وإيجابها كون الجسم متحرّكا
، فكما لا يختلف ذلك بحسب اختلاف الفاعلين لمّا كانت علّة ، كذلك في مسألتنا (ق ،
ش ، ٣٠٩ ، ١٩)
ـ إن قيل : لم لا
يقبح القبيح بصفته وعينه على ما يقوله شيخكم أبو القاسم البلخي؟ قيل له : لأنّ
الفعل الواحد يجوز أن يقع قبيحا مرّة ، بأن يقع على وجه مسبّبا وأخرى بأن يقع على
خلاف
ذلك الوجه ، ألا
ترى أنّ دخول الدار مع أنّه شيء واحد لا يمتنع أن يقبح مرة ، بأن يكون لا عن إذن ،
ويحسن أخرى بأن يكون عن إذن ، وكذلك فالسجدة الواحدة لا يمتنع أن تحسن بأن تكون
سجدة لله تعالى ، وتقبح بأن تكون سجدة للشيطان ، ففسد ما قاله أبو القاسم (ق ، ش ،
٣١٠ ، ١٣)
ـ إنّ فعل العالم
بما يفعله المميّز بينه وبين غيره إذا لم يكن ملجأ لا يخلو من أمرين : إمّا أن
يكون له فعله ، أو لا. فإن كان له فعله فهو الحسن ، وهو ما لفاعله أن يفعله ولا
يستحقّ عليه ذمّا. وإن لم يكن له فعله ، فهو القبيح (ق ، ش ، ٣٢٦ ، ١٨)
ـ إنّ أقسام
القبيح تنقسم إلى : ما يكون صغيرا ، وإلى ما يكون كبيرا. وما يكون كبيرا ينقسم إلى
: ما يكون كفرا ، وإلى ما لا يكون كفرا. والكلام في حقيقة هذه الألفاظ وحدودها
يعود في باب الوعيد إن شاء الله تعالى. ثم إنّ القبائح تنقسم إلى : ما يتغيّر حاله
بالإكراه ، وإلى ما لا يتغيّر حاله بالإكراه. فالأول ، هو كل ما يتعدّى عنه إلى
غيره ، وذلك كإظهار كلمة الكفر ، فإنّ ذلك قبيح ولا إكراه. ثم إذا أكره عليه يجوز
له أن يقول ذلك ، لا على الاعتقاد له والتديّن به ، بل على أنّكم كلّفتموني إظهاره
والقول به ، أو على أنّ النصارى يقولونه. والثاني من هذين القسمين ، هو ما يتعدّى
ضرره إلى الغير ، وذلك نحو قتل الغير وما شاكل ذلك ، فإنّ ما هذا سبيله لا يتغيّر
بالإكراه ، بل لزم المكره أن يضع مع نفسه أنّ عقاب الله تعالى أعظم من عقاب هذا
المكره ، فلو أقدمت على ما يكرهني عليه استحققت عقوبة أشدّ من هذا. وتنقسم القبائح
أيضا إلى : ما لا يمكنه الانفكاك عنه إلّا بأن لا يفعله ، وإلى ما يمكنه الانفكاك
عنه بأن يفعله على وجه آخر مخالف له. فالأوّل كالجهل ، فإنّ الانفكاك منه لا يمكن
إلّا بأن لا يفعله ، والثاني كالخبر الكذب ، فإنّه يمكنه الانفكاك عنه بأن يوقعه
على وجه الصدق ، وكالسجدة ، فإنّه يمكن الانفكاك منه بأن يوقعه سجدة للرحمن ولا
يوقعه سجدة للشيطان (ق ، ش ، ٣٣٠ ، ٤)
ـ إنّ الفعل إنّما
يحسن لوقوعه على وجه ويقبح لوقوعه على وجه وذلك تابع للحدوث (ق ، ش ، ٤١٣ ، ١٢)
ـ أمّا أفعال
العباد فعلى ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، والآخر ليس له صفة
زائدة على ذلك ، وما هذا سبيله فإنّه تعالى لا يريده ولا يكرهه. وما له صفة زائدة
على حدوثه وصفة جنسه فعلى ضربين : أحدهما قبيح والآخر حسن ، فما كان قبيحا فإنّه
لا يريده البتّة بل يكرهه ويسخطه. وما كان حسنا فهو على ضربين : أحدهما له صفة
زائدة على حسنه ، والآخر ليس له صفة زائدة على حسنه. وهذا الثاني إنّما هو المباح
، والله تعالى لا يجوز أن يكون مريدا له على ما سنبيّنه من بعد إن شاء الله تعالى.
وأمّا الأول ، وهو ما يكون له صفة زائدة على حسنه فهو الواجب والمندوب إليه ، وكل
ذلك مما يريده الله تعالى ، بدليل أنّ غاية ما يعلم به مراد الغير إنّما هو الأمر
، وقد صدر من جهة الله الأمر وما يكون أكبر من الأمر ، لأنّه تعالى كما أمر بذلك
فقد رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعّد عليه
بالعقاب العظيم ، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله (ق ، ش ، ٤٥٧ ، ٥)
إنّه لا بدّ من
تردّد الدواعي ولا تثبت الدواعي والصوارف إلّا إلى الفعل أو إلى أن لا نفعل ، وفي
كل واحد من الفعل وأن لا نفعل يتناول التكليف فيه على طريقين ، ففي الفعل يستوي
جميعه في استحقاق المدح والثواب به إذا فعل على وجه مخصوص. ثم يفترقان في وجه آخر
وهو أنّه قد يكون الذي يستحقّ الثواب لفعله له مدخل في استحقاق العقاب بأن لا
يفعله وقد لا يكون كذلك. فالأوّل الواجب ، والثاني الندب. وأما في أن لا يفعل
يستوي جميعه في استحقاق الثواب أن لا يفعل على وجه مخصوص. ثم يقع الفرق من وجه آخر
وهو أنّه قد يستحقّ العقاب بفعل شيء منه دون غيره. فالأول هو القبيح والثاني هو ما
الأولى له أن لا نفعله من ترك المطالبة بالدين ولا يخرج كل ما يتناول التكليف بأن
يفعل وبأن لا يفعل عن ذلك (ق ، ت ١ ، ٣ ، ١)
ـ اعلم أنّ القبيح
ليس بقبيح إلّا لوقوعه على وجه ، لأنّ ما عدا ذلك من الصفات والأحكام الراجعة إليه
وإلى فاعله وإلى وجود معنى أو عدمه لا يتأتّى ذكره هاهنا ، فليس إلّا أنّه يقبح
لوقوعه على وجه ، ولأجل ذلك إذا عرفناه واقعا على هذه الوجوه عرفناه قبيحا وإن لم
نعلم أمرا سواه ، وإن لم نعرفه واقعا على هذا الوجه لم نعرف قبحه وإن عرفنا كل أمر
مما قالوه ، فعرفنا أنّ قبحه هو لهذا الوجه (ق ، ت ١ ، ٢٣٤ ، ١٠)
ـ أمّا القبيح
فالذي يصحّ وصفه تعالى بالقدرة عليه بعد بيان ضروب القبائح هو ما يقبح لتعلّقه
بالغير دون ما يقبح لتعلّقه بالفاعل. فإنّ هذا لا يصحّ فيه تعالى نحو ما يقبح
لكونه مفسدة في الدين وضررا بالنفس أو مقوّيا للنفع ، كما أنّ ما يجب عليه لا
يتأتى فيه ما يتعلّق وجوبه بما يرجع إلى الفاعل نحو دفع الضرر ، فعلى ذلك تجري حال
الأفعال. وهكذا لا يحسن منه ما هو بمنزلة الحسن منّا المختصّ بصفة زائدة على الحسن
إلّا على وجه يتعدّى إلى الغير. فأمّا فيما نعدّه معدّ النوافل فمحال فيه تعالى (ق
، ت ١ ، ٢٤٤ ، ٢٢)
ـ القبيح ضرب من
ضروب الأفعال فيجب أن يكون تعالى قادرا عليه كما قدر على الواجب والحسن والتفضّل ،
لأنّ ضروب الأفعال لا تختصّ ببعض القادرين دون بعض ، فلا قادر إلّا وهو يقدر على
سائر ضروب الأفعال. فتثبت بهذه الجملة من جهة العقل قدرته على القبيح وقد أكّد هذا
الفصل في الكتاب بقوله تعالى (وَلَوْ لا أَنْ
يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (الزخرف : ٣٣) وهو
نظير قوله (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ
الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (الشورى : ٢٧) إلى
ما شاكل هذا من الآيات فدلّ بها على أنّه قادر على ما إذا وقع كان فسادا ، وأنّه
لا يفعله لصلاحهم ، فهذا يقتضي وصفه بالقدرة على القبيح وإلّا كان لا يقع التمدّح
بذلك (ق ، ت ١ ، ٢٤٨ ، ٢٢)
ـ إنّ القبيح على
كل حالاته يقبح ولوقوعه على وجه ، ولكن ذلك الوجه من حيث قد يتبع صفة يؤثّر فيها
القادر ، وما هو عليه من الأحوال قد يضاف إلى الفاعل ، كما يقال في كونه كذبا لمّا
كان يؤثّر فيه كونه خبرا كونه مريدا. ونحو هذا في الحسن الذي هو الصدق وما شاكله.
فلمّا كان لا يحصل كونه كذبا ولا صدقا إلّا وكونه خبرا حاصل ، وكان الذي يؤثّر في
كونه كذلك هو حال القادر ، أمكن أن يقال فيما حلّ هذا
المحل أنه قبح به.
فأمّا ما كان قبحه لازما له ويكون لوجه يختصّه كالجهل وما أشبهه فلن يضاف إلى
الفاعل (ق ، ت ١ ، ٣٧٠ ، ١٥)
ـ القبيح هو
بالضدّ من الواجب فيستحقّ الذمّ والعقاب بفعله والمدح والثواب بأن لا يفعله أو
يتركه على بعض الوجوه. وما خرج عن ذلك من المباح وما أشبهه فلا مدخل له في التكليف
لأنّه لا تحصل فيه البغية التي يقف التكليف عليها وهو تعريض المكلّف للثواب (ق ، ت
٢ ، ٢٧٢ ، ١٠)
ـ من حق القبيح أن
يستحقّ الذمّ بفعله ، فلا يصحّ أن لا يكون إثباته نقصا ، فلذلك لا نجيز أن يفعل
جلّ وعزّ شيئا من القبائح ، كما لا نجيز أن لا يفعل بعض الواجبات (ق ، غ ٤ ، ١٥٥ ،
١٣)
ـ قد علم أنّ
القبيح من حقّه أن يستحقّ بفعله الذمّ ، والحسن لا يستحقّ به ذلك ، فلا بدّ من أن
يحصل لهما حكم زائد على الوجود ، لأنّه لو لم يحصل لهما ذلك ، لم يكن أحدهما بأن
يكون حسنا أولى من صاحبه ، ولا الآخر بأن يكون قبيحا أولى منه ، لأنّ الوجود قد
حصل لهما جميعا على سواء. وإن قبح القبيح منهما لوجوده فقط ، فيجب قبح كلّ فعل ،
وإن حسن الحسن لوجوده فقط ، فكمثل. وذلك يوجب كون الفعل حسنا قبيحا ؛ وهذا معلوم
فساده بأوّل العقل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩ ، ٤)
ـ إنّ القبيح يقبح
لوقوعه على وجوه ، نحو كونه كذبا وظلما ، وأمرا بقبيح ، وجهلا ، وإرادة لقبيح. وكل
ذلك يقتضي فيه اختصاصه بحكم زائد على الوجود (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠ ، ١٦)
ـ الذي يذهب إليه
الشيخ أبو عبد الله أنّ ما كان من فعله ضررا لا نفع فيه ، ولا دفع ضرر ، ولا
استحقاق ، فإنّه يقبح ، لأنّه ظلم ؛ لأنّ الظلم إنّما قبح لاختصاصه بهذه الصفة ؛
لا لأنّه قصد به وجها مخصوصا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ١)
ـ جملة ما نحصّله
في حدّ القبيح أنّه ما إذا وقع على وجه من حق العالم بوقوعه كذلك من جهته ،
المخلّى بينه وبينه ، أن يستحقّ الذمّ إذا لم يمنع منه مانع. وهذا مستمرّ في كل قبيح
، لأنّه وإن وقع ممن ليس بعالم ، فلا يخرج من أن يكون ما ذكرناه معلوما من حاله.
والصغير من القبائح داخل في الحدّ ، لأنّه إنّما لم يستحقّ به الذمّ لمانع (ق ، غ
٦ / ١ ، ٢٦ ، ٩)
ـ في كلام شيخنا
أبي هاشم ، رحمهالله ، أنّ القبيح ما يستحقّ به الذمّ إذا انفرد ، يتحرّز بذلك
عن الصغير ، لأنّه إنّما لم يستحقّ به الذمّ لأنّه لم ينفرد (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٦ ،
١٤)
ـ ربما مرّ في
الكتب أنّ القبيح هو الذي ليس لفاعله أن يفعله. وهذا لا يستمر ؛ لأنّ فيها ما لا
يصحّ ذلك فيه ، وهو ما يقع ممن لا يصحّ أن يتحرّز منه كالطفل والنائم. ولأنّ العلم
بأنّه ليس لفاعله أن يفعله كالتابع للعلم بقبحه ، ولأنّه لا يكشف عمّا له قبح ،
ولا ينبه على الحكم المتعلّق به ، فما قدمنا إذن أصحّ. وكذلك إذا حدّ بأنّه ما ليس
لفاعله أن يفعله إذا علمه على وجه مخصوص ، لأنّ ما ذكرناه من الوجهين يبيّن أنّ
التحديد بما قدّمناه أولى (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٧ ، ٣)
ـ قد يعبّر عن
القبيح بعبارات تقاربه في الفائدة ، وإن كانت مخالفة له في أصل الموضوع. فيقال فيه
إنّه محظور ، ويراد به أنّ حاظرا حظّره ودلّ على ما على الفاعل فيه من المضرّة ،
أو أعلمه ذلك من حاله. ولذلك لا يقال في فعل البهيمة والصبي بأنّه محظور ، لمّا لم
يصحّ ذلك فيه.
ولذلك تقول إنّه
تعالى لو فعل الظّلم لكان قبيحا منه ، ولا نقول فيه أنّه كان محظورا عليه. وقد
يعبّر عنه بأنّه محرّم ، ومعناه عند شيخنا أبي هاشم رحمهالله أنّه قبيح ومحظور جميعا. ولذلك لا يقال في أفعال البهائم ذلك.
وقد يعبّر عنه بأنّه باطل ، وفائدته أنّه وقع من فاعله على وجه لا ينتفع به. ولذلك
لا يستعمل في البهائم ، من حيث كان لا يصحّ منها القصد إلى الأفعال على وجوه
مخصوصة. ولذلك قيل في الأفعال الحسنة إذا وقعت من العاقل من غير تمام ، ولم يحصل
به المقصود ، أنّه باطل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٨ ، ٨)
ـ قد يوصف القبيح
بأنّه فاسد ، وإن كان الأصل فيه ضرر قبيح ؛ ولذلك يوصف فاعل الفساد بأنّه مفسد ،
ويجري ذلك عليه على جهة الذمّ (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ٨)
ـ قد يوصف القبيح
بأنّه شرّ ، إذا كان ضررا ، ولو كان نفعا قبيحا لم يوصف بذلك ؛ وله موضع مستقصى
فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ١٣)
ـ قد يوصف القبيح
بأنّه خطأ ، ويراد به أنّه قبيح ممن يمكنه التحرّز منه ، ولذلك لا يستعمل ذلك في
البهيمة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ١٥)
ـ أمّا وصف القبيح
بأنّه معصية فمعناه : أنّ المعصيّ قد كرهها (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٠ ، ١٠)
ـ يقال في القبيح
إنّه منهيّ عنه ، ويعقل بالتعارف أنّه جلّ وعزّ نهى عنه ؛ فلذلك يفيد قبحه. ولا
يقال فيما يقع من القبيح ممن ليس بمكلّف ، أنّه معصية ، ومنهيّ عنه (ق ، غ ٦ / ١ ،
٣٠ ، ١٧)
ـ قلنا في القبيح
إنّه لا بدّ من اختصاصه بحال لكونه عليها صار قبيحا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٢ ، ٨)
ـ إنّ القبيح على
ضربين : أحدهما يقبح لأمر يختصّ به ، لا لتعلّقه بغيره ، وذلك نحو كون الظلم ظلما
، والكذب كذبا ، ونحو إرادة القبيح ، والأمر بالقبيح ، والجهل ، وتكليف ما لا يطاق
، وكفر النعمة. والثاني يقبح لتعلّقه بما يؤدّي إليه ، وذلك كالقبائح الشرعيّة
التي إنّما تقبح من حيث تؤدّي إلى الإقدام على قبيح عقليّ أو الانتهاء عن بعض
الواجبات (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٨ ، ٦)
ـ اعلم أنّ الحسن
يفارق القبيح فيما له يحسن ، لأنّ القبيح يقبح لوجوه معقولة ، متى ثبتت اقتضت قبحه
، والحسن يحسن متى انتفت هذه الوجوه كلها عنه ، وحصل له حال زائدة على مجرّد
الوجود يخرج بها من أن يكون في حكم المعدوم. ولذلك لا يصحّ عندنا أن نعلم الحسن
حسنا إلّا مع العلم بانتفاء وجوه القبح عنه. ومتى ثبت كونه حسنا ، فإنّما يحصل
ندبا لحال زائدة ، وواجبا لحال زائدة. ولا يصحّ أن يكون ما له قبح القبيح جنسه ولا
وجوده أو حدوثه ، ولا وجود معنى نحو الإرادة وغيرها ولا انتفاء معنى (ق ، غ ٦ / ١
، ٥٩ ، ١)
ـ إنّما يقبح
الشيء في حال حدوثه لأنّ المستفاد بذلك يختصّ بحال الحدوث ، وإن لم يمتنع عندنا أن
يسمّى قبيحا في حال بقائه ، ولا يمتنع في الوجوه التي يقع عليها الشيء وتقتضي فيه
حكما أن تقتضي ذلك فيه في ابتداء حال حدوثه ، وإن كانت تلزمه في حال الحدوث
والبقاء ؛ ولا يمتنع خلافه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٦٨ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ أكثر
كلام الشيخين رحمهماالله في كتبهما يدلّ على أنّ الحسن يحسن لوجوه يحصل عليها ، كما
أنّ القبيح يقبح لذلك. وربما قالا : إنّ وجه الحسن والقبح إذا اجتمعا في الفعل
فالقبح أولى به (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٠ ، ٥)
إنّ الفعل لا يحسن
ولا يقبح لجنسه أو وجوده أو حدوثه أو انتفاء معنى غيره. اعلم أنّ الظلم لو قبح
لجنسه ، لوجب أن يقبح كل ضرر وألم ، وفي علمنا بأنّ فيه ما يحسن دلالة على فساد
هذا القول (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٧ ، ٢)
ـ إنّ القبيح لا
يقبح للإرادة أو الكراهة ولا الحسن والواجب يختصّان بذلك لهما. اعلم أنّ الظلم متى
علم ضررا لا نفع فيه ، ولا هو مستحقّ ، ولا دفع ضرر أعظم منه ، ولا يظنّ فيه ذلك ،
علم قبحه. فلو كان إنّما يقبح بالإرادة لما علم قبحه مع الجهل بها ، بل كان يجب لو
منع الله تعالى القادر منّا من الإرادة ، وأقدم على الظلم العظيم أن لا يكون ذلك
قبيحا ، ولا يستحقّ به ذمّا. ولا فصل بين من قال بذلك وبين من أبى قبحه ، وإن قصد
إليه ، لأنّ العقلاء يعلمون قبح ذلك وحسن ذمّه ، كما يعلمون ذلك إذا وقع من القاصد
(ق ، غ ٦ / ١ ، ٨١ ، ٢)
ـ الإرادة إنّما
تؤثّر في كون الكذب خبرا ، لا في كونه كذبا ، وإنّما يقبح لكونه كذبا ، وليس
للإرادة في ذلك حظّ. وإنّما يقع كذلك لكون مخبره على لا ما تناوله الخبر ، فكيف
يقال إنّه يقبح بالإرادة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٣ ، ١٧)
ـ إنّ القبيح لا
يعلم قبيحا حتى يعلم ما له ولأجله قبح (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٩ ، ١)
ـ إنّ القبيح لا
يجوز أن يقبح منّا لأنّا منهيّون عنه أو تجاوزنا به ما حدّ ورسم لنا. يدلّ على ذلك
: أنّه لو قبح منّا الفعل للنهي عنه ، لوجب أن يكون كلّ نهي يؤثّر في قبح الفعل
كنهيه تعالى ، وهذا يوجب قبح كلّ ما نهى عنه العباد ، ويوجب فيما نهى عنه أحدهم
وأمر به الآخر ، أو نهى الله تعالى عنه وأمر به أن يكون قبيحا حسنا. وفساد ذلك
يوجب فساد ما أدّى إليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٢ ، ٢)
ـ إنّ معنى القبيح
أنّ فاعله يستحقّ الذمّ عليه إذا كان يتهيّأ له الاحتراز منه ، إذا لم يكن هناك
منع. على أنّ ذلك لا يصحّ ، لأنّه لو شكّ في الكذب أصغيرة هي أم كبيرة ، وهو مجتنب
للكبائر ، لكان مع علمه بقبحه ، وأنّه غني عن فعله ، لا يختاره البتّة (ق ، غ ٦ /
١ ، ٢٠١ ، ٧)
ـ لا يمتنع أن
يقال : إنّ القبيح لا يجوز كونه لطفا في التكليف أصلا ، كان من فعله تعالى أو من
فعل غيره ؛ لأنّ اللطف هو ما يختار عنده الواجب ، والحسن على وجه لا يخرج التكليف
عن الصحّة ، ومتى جوّز أن يفعل تعالى القبيح خرج التكليف عن الصحّة ولم يوثق بوعده
ووعيده ، ولا أنّه يثيب على الطاعة. وذلك يوجب فساد كلّ تكليف وتدبير (ق ، غ ١١ ،
٢٢٠ ، ١١)
ـ أمّا القبيح
فإنّه مستحقّ الذمّ لوجهين فقط : أحدهما أن يكون قبيحا والثاني أن يكون عالما
بقبحه أو متمكّنا من معرفة قبحه فيصحّ منه التحرّز من فعله مع العلم ومع التمكّن. والخلاف
في أنه يجب أن يشرط في ذلك أن يكون فاعله كامل العقل (ق ، غ ١١ ، ٥١٥ ، ١١)
ـ القبيح : إنّه
ما إذا وقع من فاعله ، مع تمكّنه من التحرّز منه ، يستحقّ الذم. فذكرنا ، في جملة
حدّه ، استحقاق الذمّ الراجع إلى فاعل القبيح. لكن لمّا كان إنّما يستحقّه لأمر
يرجع غلى نفس القبيح ، لم يمتنع ذكره على جهة الكشف (ق ، غ ١٢ ، ١٤ ، ١٢)
ـ بيّنا بوجوه
كثيرة أنّ القبيح والحسن والواجب لا يجوز أن يختصّ بذلك من جهة السمع ، وأنّ من لا
يعرف السمع ولم يستدلّ على صحّته ،
ويعرف أحكام هذه
الأفعال ولو لم يتقدّم له العلم بها ، لم يكن ليصحّ أن يعرف السمعيّات أصلا ، بل
كان لا يصحّ أن يعرف النبوّات (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١١)
ـ إنّ معنى القبيح
في العقل هو ما يستحقّ به الذمّ على بعض الوجوه ، ولا معتبر فيه بنفار الطبع (ق ،
غ ١٣ ، ٢٨٧ ، ٣)
ـ قد بيّنا من قبل
أنّ الحسن ليس بحسن لوجه يقتضي حسنه ، كما أن القبيح يقبح لثبوت وجه يقتضي قبحه ،
ودللنا على ذلك بأنّه لا وجه يشار إليه يحسن لأجله إلّا وقد ثبت. ولا يكون حسنا
لحصول وجه من وجوه القبح فيه. وبيّنا أنّ فائدة كونه حسنا تتضمّن النفي ، وفائدة
كونه قبيحا تتضمّن الإثبات. فيجب فيما يتضمّن الإثبات طلب وجه يثبت لأجله دون ما
يتضمّن النفي. ألا ترى أنّ كونه قبيحا يقتضي صحّة استحقاق الذمّ بفعله ، وكونه
حسنا يقتضي أن لا يستحقّ ذلك ، فيجب أن يعتبر في حسنه انتفاء وجوه القبح عنه إذا
وقع على وجه يكون لوجوده من الحكم ما ليس لعدمه. وإذا ثبت ذلك صحّ ما قلناه من أنّ
الضرر عند بعض هذه الوجوه يحسن من حيث يتضمّن ذلك زوال وجوه القبح ، لا لأنّه وجه
لحسنه ؛ كما أنّ الصدق إذا حصل فيه نفع يحسن لا لأنّه وجه لحسنه ، لكن لأنّه
يتضمّن زوال وجوه القبح عنه (ق ، غ ١٣ ، ٣١٦ ، ١١)
ـ إنّ للقبيح حكما
يناقض حكم الواجب ، لأنّه بأن يفعل يستحقّ الذمّ عليه ، والواجب أن يستحقّ الذمّ
فيه بألّا يفعل (ق ، غ ١٤ ، ١٦ ، ٣)
ـ إنّ القبيح لا
يثبت قبيحا بقول الرسول ، وإنّما يكشف قوله عن حاله ، فيكون كالدلالة عليه (ق ، غ
١٤ ، ١٥٧ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ القبيح
قد يستحقّ به الذمّ والعقاب ، وإذا كان إساءة إلى الغير يستحقّ به ضربا آخر من
الذمّ ، وقد يستحقّ به العوض ، وقد يلزم عنده الاعتذار ، وقد يستحقّ بالقبيح إسقاط
المدح والثواب بواسطة ، على ما نبيّنه في باب الإحباط والتكفير ، وقد يلزم عنده
التوبة ، فيصير في حكم المستحقّ به (ق ، غ ١٤ ، ١٧٢ ، ١١)
ـ لا يجوز أن يحدّ
القبيح بأنّ له ترك واجب ينصرف عنه إليه (ق ، غ ١٤ ، ١٩٦ ، ٧)
ـ أمّا ما لم يقع
من القبيح فعلى ضربين : أحدهما لم يقع ، ولا وقع سببه ، فالتوبة لا تصحّ ولا تجب
منه ، لأنّه لم يستحقّ على ذلك العقاب ، ولا هناك خوف من عقاب يحصل لا محالة
والثاني : أن يكون قد وقع سببه ، وذلك على ضربين : أحدهما يقع سببه على طريق السهو
والخطأ ، فهذا مما لا يجب التوبة منه. والثاني : يكون قاصدا بفعل السبب إليه ،
وعالما بأنّ المسبّب سيحصل ، أو ظانّا لذلك إن لم يقع منه منع. فإذا حصلت هذه
الشروط ، فالتوبة قد تصحّ منه ، عند وقوع السبب وبعده ، على حسب تراخي المسبّب (ق
، غ ١٤ ، ٤١٥ ، ٥)
ـ إنّ الخبر الصدق
إذا كان الغرض فيه حصول دلالته على ما يدلّ عليه ، وظهور فائدته التي هي مراد
المتكلّم ، وما يدلّ مراده عليه فلا بدّ من أن يقبح متى لم يحصل فيه ما ذكرناه من
الغرض ، ولا فرق بين أن لا يحصل ذلك فيه لأمر يرجع إلى المواضعة ، أو إلى المخبر
والمخاطب ، لأنّ في الوجهين جميعا يصير الخبر كلّا خبر ، ويصير الكلام كالسكوت ،
ويقدح ذلك في طريقة البيان والإفادة بالكلام ، وما هذا حاله لا
بدّ من أن يكون
قبيحا ، في الشاهد والغائب ، لكنّ الشاهد يخالف الغائب من حيث نضطرّ إلى قصد
المتكلّم ، ومن القديم تعالى لا يصحّ ذلك على ما قدّمنا القول فيه ، فلا يخرج خطاب
أحدنا في الشاهد ، وإن صيّر بعض أخباره في حكم السكوت (من أن يقع) البيان به على
طريقة الاضطرار ، أو إذا تغيّرت الحال ، وليس كذلك حال القديم تعالى ، لأنّا متى
جوّزنا في بعض أخباره ما ذكرناه ، أدّى إلى أن يكون كل كلامه مما لا يقع به البيان
، وأن يكون وجوده كعدمه. وإذا كان كون الفعل عبثا يقتضي قبحه ، فبأن يجب قبحه إذا
اقتضى فيه وفي غيره أن يكون عبثا ولا يقع الغرض به ، أولى (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ١٧)
ـ يقال في القبيح
: إنّه لا يجوز فعله من حيث إذا فعله تلحقه تبعة (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ١٣)
ـ يقال في القبيح
: إنّه غير مقبول من حيث لا يستحقّ به الثواب ، فرقا بينه وبين الواجب والندب
اللذين يستحقّ بهما الثواب ؛ وقد يقال فيه : إنه ذنب ويراد بذلك أنه واقع ممن
يستحقّ به العقاب ، ولذلك لو وقع القبيح من غير المكلّف لم يوصف بذلك (ق ، غ ١٧ ،
٩٦ ، ١٨)
ـ يقال في القبيح
: إنّه ظلم ، إذا كان فاعله يستحقّ العقاب ، لأنّه يكون ظالما به لنفسه ، وقد يكون
ظالما به غيره ، فإذا تعدّى القبيح إلى الغير وصار إساءة يوصف بأنّه إساءة وظلم ،
وتعدّ ، وعدوان إلى ما شاكل ذلك (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ٤)
ـ قد يوصف القبيح
بأنّه كفر وفسق إذا بلغ حدّا في العظم ، على ما نبيّنه في باب : الأسماء والأحكام.
وقد يوصف بأنّه صغيرة إذا كان دون ثواب فاعله ، على ما نبيّنه في الوعيد ؛ وعلى
هذا الحدّ يوصف بأنّه مكروه ، ويراد بذلك أنّه تعالى كرهه ، وما كرهه لا يكون إلّا
قبيحا (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ٨)
ـ إنّ القبيح هو
ما يقع على وجه يقتضي في فاعله ، قبل أن يفعله أنّه ليس له فعله ، إذا علم حاله ،
وعند فعله يستحقّ الذمّ إذا لم يكن يمنع (ق ، غ ١٧ ، ٢٤٧ ، ٤)
ـ في قسمة أفعال
المكلّف إلى أحكامها. اعلم أنّا نقسّم الأفعال هاهنا ضروبا من القسمة : أحدها
تقسيمها بحسب أحكامها في الحسن والقبح. والآخر بحسب تعلّق أحكامها على فاعليها ،
وغير فاعليها. والآخر بحسب كونها شرعيّة ، وعقليّة ، وكونها أسبابا في أحكام أفعال
أخر. أمّا الأوّل فهو أنّ الإنسان إمّا أن يصدر عنه فعله وليس هو على حالة تكليف ،
وإما أن يكون على حالة تكليف. فالأوّل نحو فعل الساهي ، والنائم ، والمجنون ،
والطفل. وهذه الأفعال ، لا يتوجّه نحو فاعليها ذمّ ولا مدح ، وإن كان قد تعلّق بها
وجوب ضمان وأرش جناية في مالهم. ويجب إخراجه على وليّهم. والثاني ضربان : أحدهما
أن يكون مما ليس للقادر عليه ، المتمكّن من العلم به ، أن يفعله. وإذا فعله ، كان
فعله له مؤثّرا في استحقاق الذمّ ؛ فيكون قبيحا. والضرب الآخر أن يكون ، لمن هذه
حاله ، فعله. وإذا فعله ، لم يكن له تأثير في استحقاق الذمّ ؛ وهو الحسن (ب ، م ،
٣٦٤ ، ٩)
ـ القبيح ضربان :
أحدهما صغير ، والآخر كبير. والصغير هو الذي لا يزيد عقابه وذمّه على ثواب فاعله
ومدحه. والكبير هو ما لا يكون لفاعله ثواب أكثر من عقابه ، ولا مساو له.
والكبير ضربان :
أحدهما يستحقّ عليه عقاب عظيم ؛ وهو الكفر. والآخر يستحقّ عليه دون ذلك القدر من
العقاب ؛ وهو الفسق (ب ، م ، ٣٦٤ ، ١٠)
ـ أمّا القبيح فهو
ما ليس للمتمكّن منه ومن العلم بقبحه أن يفعله. ومعنى قولنا" ليس له أن
يفعله" ، معقول لا يحتاج إلى التفسير. ويتبع ذلك أن يستحقّ الذمّ بفعله.
ويحدّ أيضا بأنّه الذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذمّ. وإنّما لم نحد"
القبيح" بأنّه : " الذي يستحقّ من فعله الذمّ". لأنّ القبيح لو وقع
ممّن قد استحقّ ، فيما تقدّم ، من المدح أكثر مما يستحقّ على ذلك القبيح من الذمّ
، لكان ما يستحقّه من المدح مانعا من استحقاق الذمّ على ذلك القبيح (ب ، م ، ٣٦٥ ،
١٦)
ـ إنّا لا نسلّم
أنّ كون الفعل حسنا أو قبيحا أنّه يتعلّق بالفاعل ، بل إنّما يكون حسنا أو قبيحا
لوقوعه على وجه ، فإذا وقع على ذلك الوجه وجب كونه حسنا أو قبيحا شاء الفاعل أو
كره ، كما بيّنا في كون الاعتقاد علما (ن ، د ، ٢٠٨ ، ١٢)
ـ إن سلّمنا بأنّ
كونه حسنا أو قبيحا يتعلّق بالفاعل ، فإنّه لا يصحّ من الفاعل أن يجعل الفعل حسنا
وقبيحا ، لأنّ بينهما ما يجري مجرى التنافي ، وهو أنّ الفعل إنّما يكون حسنا إذا
حصل فيه غرض مثله وتعرّى عن سائر وجوه القبح. وإنّما يكون قبيحا لوقوعه على وجه من
وجوه القبح ، فيستحيل أن يكون واقعا على وجه وأن لا يكون واقعا عليه ، فبينهما ما
يجري مجرى التنافي من هذا الوجه (ن ، د ، ٢٠٨ ، ١٧)
ـ إن قيل : ما
أنكرتم أنّه (الفعل) يحتاج إلينا في الأحكام الثابتة للفعل من الوجوب والقبح
والندب والكراهة والحسن والإباحة ونحو ذلك؟ قيل له : لا يجوز ذلك لوجهين : أحدهما
: أنّ هذه الأحكام تابعة للحدوث ، فلو احتاج الفعل إلينا لأجلها لكان لا يجب أن
يحتاج إلينا لأجل الحدوث. والثاني أنّ هذه الأحكام مما لا تأثير للفاعل فيها ولا
تتعلّق به ولا تضاف إليه على وجه الحقيقة ، بل هي ثابتة بحدوث الفعل على وجه ،
فإذا حدث الفعل على ذلك الوجه الذي له ولأجله يصير حسنا أو قبيحا وجب كونه حسنا أو
قبيحا ، أراد الفاعل أم كره ، لا تأثير له في ذلك (ن ، د ، ٣١٨ ، ٣)
ـ إنّ العلم بكل
ما يقبح منه من جملة كمال العقل يبيّن ذلك ويوضّحه أنّ أهل الجنّة يفصلون بين ما
يقبح منهم وبين ما لا يقبح ، مع أنّه لا تكليف عليهم ، وإنّما وجب ذلك لكونهم
عقلاء (ن ، د ، ٤٤٨ ، ٢)
ـ أنّا قد علمنا
أنّ أحدنا يعلم بعض ما يقبح ، ويفصل بينه وبين ما لا يقبح منه ، والعلم بذلك من
كمال العقل فينا ، أن ينظر أنّه لما ذا وجب ذلك؟ فنقول : إنّه إنّما وجب ذلك لأنّه
يتعلّق به على وجه الصحة مع ارتفاع الموانع واستمرار المدّة ـ لا شيء هاهنا سوى
ذلك ، فهذا حاصل في سائر ما يصحّ ، فيجب أن يكون عالما به من حيث أنّه كامل العقل
، لأنّ هذا كالعلّة ، فيجب أن يتبعها حكمها ، ولا عبرة بأن يكون الصانع جسما أو
ليس بجسم (ن ، د ، ٤٤٨ ، ١٢)
ـ زعم أبو القاسم
أن الحركة التي وقعت قبيحة ، كان لا يجوز أن تقع حسنة. وعنده أنّ القبيح من الحركة
لا يكون مثلا للحسن منها. وكذلك يقول في كل فعلين ، أحدهما حسن ، والآخر
قبيح ، إنّهما يجب
أن يكونا مختلفين (ن ، م ، ٢١٠ ، ١٩)
ـ إنّ نفس ما هو
قبيح من الحركة ، كان يجوز أن يقع فيكون حسنا. والحركتان إذا كانتا في جهة واحدة
كانتا مثلين ، وإن كانت إحداهما حسنة والأخرى قبيحة (ن ، م ، ٢١٠ ، ٢٠)
ـ قالت المجبرة
إنّ القبيح يقبح للنهي (ن ، م ، ٢١٢ ، ٥)
ـ لو جاز أن يقع
الفعل مرّة حسنا ومرّة قبيحا ، لوجب أن يكون قبيحا لوجود معنى (ن ، م ، ٢١٢ ، ١٤)
ـ القبيح من
الأعراض ، فإنّه لا يجوز أن يكون قبيحا لعينه ، لوجوه : ـ أحدها أنّا قد بيّنا
أنّه كان يجوز أن يوجد ولا يكون قبيحا. ـ والثاني أنّه لو كان قبيحا لعينه ، لكان
يجب أن يكون العلم بقبحه ، تابعا للعلم بما هو عليه تلك الذات في نفسها وجنسها.
وقد علمنا أنّه قد نعلم تلك العين على ما هي عليه ولا تكون قبيحة (ن ، م ، ٣٥٦ ،
٢٣)
ـ إنّ القبيح لو
كان قبيحا لذاته ، لوجب أن يكون في العدم قبيحا ، لما بيّنا أنّ صفة الذات تلزم
الموصوف في العدم والوجود جميعا. وبعد ، فإنّ القبح من توابع الحدوث ، حتى لو قدر
أن لا حدوث ، لكان محال أن يتصوّر قبحه ، وما هذه حاله لا يجوز أن يكون الذات. على
أنه لو كان كذلك ، لوجب أن تكون القبائح كلّها متماثلة ، لأنّها مشتركة في صفة
واحدة من صفات الذات ، وكان يجب أن يستحيل أن يكون فعلان مثلان ، أحدهما حسن
والآخر قبيح ، وهذا كلّه بيّن ظاهر (ن ، م ، ٣٥٧ ، ٤)
ـ زعمت المعتزلة
والبراهمة أنّ العقول طريق إلى معرفة الواجب والمحظور ، وزعم أكثرهم أنّ القبيح في
العقل هو الضرر الذي ليس فيه نفع ولا هو مستحقّ (ب ، أ ، ٢٦ ، ٢)
ـ كذا نقول إنّ
الإنسان لا يفعل شيئا إلّا الحركة أو السكون والاعتقاد والإرادة والفكر ، وكل هذه
كيفيات وأعراض حسن خلقها من الله عزوجل ، قد أحسن رتبتها وإيقاعها في النفوس والأجساد ، وإنّما
قبح ما قبح من ذلك من الإنسان ، لأنّ الله تعالى سمّى وقوع ذلك أو بعضها ممّن وقعت
منه قبيحا ، وسمّى بعض ذلك حسنا ، كما كانت الصلاة إلى بيت المقدس حركة حسنة
إيمانا ثم سمّاها تعالى قبيحة كفرا ، وهذه تلك الحركة نفسها ، فصحّ أنّه ليس في
العالم شيء حسن لعينه ولا شيء قبيح لعينه ، لكن ما سمّاه الله تعالى حسنا فهو حسن
وفاعله محسن قال الله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ
أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) (الإسراء : ٧)
وقال تعالى : (هَلْ جَزاءُ
الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن : ٦٠) ،
وما سمّاه الله تعالى قبيحا فهو حركة قبيحة ، وقد سمّى الله تعالى خلقه لكل شيء في
العالم حسنا فهو كله من الله تعالى حسن ، وسمّى ما وقع من ذلك من عباده كما شاء ،
فبعض ذلك قبّحه فهو قبيح ، وبعض ذلك حسّنه فهو حسن ، وبعض ذلك قبّحه ثم حسّنه فكان
قبيحا ثم حسن ، وبعض ذلك حسّنه ثم قبّحه فكان حسنا ثم قبح كما صارت الصلاة إلى
الكعبة حسنة بعد أن كانت قبيحة ، وكذلك جميع أفعال الناس التي خلقها الله تعالى
فيهم (ح ، ف ٣ ، ٦٦ ، ١٠)
ـ إذا لا سبيل إلى
أن يكون مع الباري تعالى في الأزل شيء موجود أصلا قبيح ولا حسن ، ولا عقل يقبح فيه
شيء أو يحسن ، فقد وجب يقينا أن لا يمتنع من قدرة الله تعالى وفعله شيء
يحدثه لقبح فيه ،
ووجب أن لا يلزمه تعالى شيء لحسنه ، إذ لا قبح ولا حسن البتّة فيما لم يزل ،
فبالضرورة وجب أنّ ما هو الآن عندنا قبيح فإنّه لم يقبح بلا أوّل ، بل كان لقبحه
أوّل لم يكن موجودا قبله ، فكيف أن يكون قبيحا قبله ، وكذلك القول في الحسن ولا
فرق (ح ، ف ٣ ، ١٠١ ، ١)
ـ لا قبيح إلّا ما
قبّح الله ولا حسن إلّا ما حسّن الله ، وأنّه لا يلزم لأحد على الله تعالى حق ولا
حجّة ، ولله تعالى على كل من دونه وما دونه الحق الواجب والحجّة البالغة ، لو عذّب
المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلّدين لكان ذلك له ، ولكان عدلا وحقّا
منه ، ولو نعم إبليس والكفّار في الجنّة مخلّدين كان ذلك له وكان حقّا وعدلا منه ،
وإنّ كل ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنّه لا يفعله صار باطلا وجورا وظلما (ح ، ف
٣ ، ١٠٥ ، ٦)
ـ نسألهم فنقول :
عرّفونا ما هذا القبيح في العقل ، أعلى الإطلاق ، فقال قائلون من زعمائهم منهم
الحارث بن علي الوراق البغدادي وعبد الله ابن أحمد بن محمود الكعبي البلخيّ
وغيرهما ، إنّ كل شيء حسن بوجه ما قلت يمتنع وقوع مثله من الله تعالى لأنّه حينئذ
يكون حسنا ، إذ ليس قبيحا البتّة على كل حال ، وأمّا ما كان قبيحا على كل حال فلا
يحسن البتّة فهذا منفيّ عن الله عزوجل أبدا ، قالوا ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك ما لا
تريد أن يفعل بك ، وتكليف ما لا يطلق ثم التعذيب عليه (ح ، ف ٣ ، ١٠٦ ، ١)
ـ لا قبيح إلّا ما
قبّح الله ، ولا محسن إلّا ما حسّن ، وهذا قولنا ، ولم يقبّح الله تعالى قط خلقه
لما خلق وإنّما قبح منّا كون ذلك الذي خلق من المعاصي فينا فقط وبالله تعالى
التوفيق (ح ، ف ٣ ، ١٢٨ ، ١٧)
ـ العقل لا يدلّ
على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف ، وإنّما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد
الشرع وموجب السمع. وأصل القول في ذلك أنّ الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة
له ، وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة
أحكام صفات النفس. فإذا ثبت أنّ الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة
نفس ، فالمعنى بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، والمراد بالقبيح ما ورد
الشرع بذمّ فاعله (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ٨)
ـ ذهبت المعتزلة
إلى أنّ التحسين والتقبيح من مدارك العقول على الجملة ، ولا يتوقّف إدراكهما على
السمع ، وللحسن بكونه حسنا صفة ؛ وكذلك القول في القبيح عندهم. هذه قاعدة مذهبهم (ج
، ش ، ٢٢٨ ، ١٠)
ـ إنّ أئمتنا
تجوّزوا في إطلاق لفظة ، فقالوا : لا يدرك الحسن والقبح إلّا بالشرع. وهذا يوهم
كون الحسن والقبح زائدا ، والقبح زائدا على الشرع ، مع المصير إلى توقّف إدراكه
عليه. وليس الأمر كذلك ؛ فليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به ، وإنّما هو
عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله ، وكذلك القول في القبيح. فإذا وصفنا
فعلا من الأفعال بالوجوب أو الحظر ، فلسنا نعني بما نبيّنه تقدير صفة للفعل الواجب
يتميّز بها عمّا ليس بواجب (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٧)
ـ المعتزلة قسّموا
الحسن والقبيح ، وزعموا أنّ منها ما يدرك قبحه وحسنه على الضرورة والبديهة من غير
احتياج إلى نظر ، ومنها ما
يدرك الحسن والقبح
فيه بنظر عقلي. وسبيل النظر عندهم اعتبار النظريّ من المحسنات والمقبحات بالضروريّ
منها ؛ بل يعتبر مقتضى التقبيح والتحسين في الضروريّات فيلحق بها ، ثم يرد إليها
ما يشاركها في مقتضياتها. فالكفر عندهم معلوم قبحه على الضرورة ، وكذلك الضرر
المحض الذي لا يتحصّل فيه غرض صحيح ، إلى غير ذلك من تخيّلاتهم (ج ، ش ، ٢٢٩ ، ١)
ـ أمّا الحسن ،
فحظ المعني منه أنّ الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يوافقه
أي يلائم غرضه ، والثاني أن ينافر غرضه والثالث أن لا يكون له في فعله ، ولا في
تركه غرض ، وهذا الانقسام ثابت في العقل. فالذي يوافق الفاعل يسمّى حسنا في حقّه ،
ولا معنى لحسنه إلّا موافقته لغرضه ، والذي ينافي غرضه يسمّى قبيحا ، ولا معنى
لقبحه إلّا منافاته لغرضه ؛ والذي لا ينافي ولا يوافق يسمّى عبثا أي لا فائدة فيه
أصلا ، وفاعل العبث يسمّى عابثا ، وربّما يسمّى سفيها (غ ، ق ، ١٦٣ ، ٥)
ـ مذهب أهل الحق
أنّ العقل لا يدلّ على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا على معنى أنّ
أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم
عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله
المساوي له في جميع الصفات النفسيّة ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله
ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ش ، ن ، ٣٧٠ ، ١٠)
ـ إنّ الصدق
والكذب على حقيقة ذاتيّة لا تتحقّق ذاتهما إلّا بأن كان تلك الحقيقة ، مثلا كما
يقال إنّ الصدق إخبار عن أمر على ما هو به ، والكذب إخبار عن أمر على خلاف ما هو
به ، ونحن نعلم أنّ من أدرك هذه الحقيقة عرف التحقّق ولم يخطر بباله كونه حسنا أو
قبيحا ، فلم يدخل الحسن والقبيح إذا في صفاتهما الذاتيّة التي تحقّقت حقيقتهما ولا
لزمتهما في الوهم بالبديهة كما بيّنا ، ولا لزمها في الوجود ضرورة فإنّ من الأخبار
الصادقة ما يلام عليها كالدلالة على نبيّ هرب من ظالم. ومن الأخبار التي هي كاذبة
ما يثاب عليها مثل إنكار الدلالة عليه ، فلم يدخل كون الكذب قبيحا أن يعدّ من
الصفات الذاتيّة التي تلزم النفس وجودا وعدما عندهم ، ولا يجوز أن يعد من الصفات
التابعة للحدوث ، فلا يعقل بالبديهة ولا بالنظر (ش ، ن ، ٣٧٢ ، ١٢)
ـ إنّ القصد إلى
الإضرار بالحيوان من غير استحقاق ولا منفعة يوصل إليها بالمضرّة قبيح ، تعالى الله
عنه ، فثبت أنّه سبحانه إنّما خلق الحيوان لنفعه ، وأمّا غير الحيوان فلو لم يفعله
لينفع به الحيوان لكان خلقه عبثا ، والباري تعالى لا يجوز عليه العبث ، فإذا جميع
ما في العالم إنّما خلقه لينفع به الحيوان ، فهذا هو الكلام في علّة خلق العالم (أ
، ش ١ ، ٤٧٥ ، ٢)
ـ إنّ الكذب قبيح
عقلا ، والباري تعالى يستحيل منه من جهة الدّاعي والصارف أن يفعل القبيح ، وقوله عليهالسلام وارتفع عن ظلم عباده هذا هو مذهب أصحابنا المعتزلة ، وعن
أمير المؤمنين عليهالسلام أخذوه وهو أستاذهم وشيخهم في العدل والتوحيد (أ ، ش ٣ ،
١٩٥ ، ٢٨)
ـ مذهب أصحابنا
أنّ الله تعالى لمّا كلّف العباد
التكاليف الشاقّة
وقد كان يمكنه أن يجعلها غير شاقّة عليهم بأن يزيد في قدرهم ، وجب أن يكون في
مقابلة تلك التكاليف ثواب ، لأنّ إلزام الشاقّ كإنزال المشاقّ ، فكما يتضمّن ذلك
عوضا وجب أن يتضمّن هذا ثوابا ، ولا بدّ أن يكون في مقابلة فعل القبيح عقاب ،
وإلّا كان سبحانه ممكّنا الإنسان من القبيح مغريا له بفعله ، إذ الطبع البشريّ
يهوى العاجل ولا يحفل بالذمّ ، ولا يكون القبيح قبيحا حينئذ في العقل ، فلا بدّ من
العقاب ليقع الانزجار (أ ، ش ٤ ، ٤٠٨ ، ٢٦)
ـ القبيح على ضروب
: فمنه ما يقبح من كل مكلّف وعلى كل حال كالظلم. ومنه ما يقبح من كل مكلّف على وجه
دون وجه كالرمي بالسهام وتصريف الحمام والعلاج بالسلاح ، لأنّ تعاطي ذلك لمعرفة
الحرب والتقوّي على العدو ولتعرف أحوال البلاد بالحمام حسن لا يجوز إنكاره ، وإن
قصد بالاجتماع على ذلك الاجتماع على السخف واللهو ومعاشرة ذوي الريب والمعاصي فهو
قبيح يجب إنكاره. ومنه ما يقبح من مكلّف ويحسن من آخر على بعض الوجوه كشرب النبيذ
والتشاغل بالشطرنج ، فأمّا من يرى حظرهما أو يختار تقليد من يفتي بحظرهما فحرام
عليه تعاطيهما على كل حال ، ومتى فعلهما حسن الإنكار عليه ، وأمّا من يرى إباحتهما
أو من يختار تقليد من يفتي بإباحتهما فإنّه يجوز له تعاطيهما على وجه دون وجه ،
وذلك أنّه يحسن شرب النبيذ من غير سكر ولا معاقرة ، والاشتغال بالشطرنج للفرجة
وتخريج الرأي والعقل ، ويقبح ذلك إذا قصد به السخف وقصد بالشرب المعاقرة والسكر ،
فالثاني يحسن إنكاره ويجب ، والأوّل لا يحسن إنكاره لأنّه حسن من فاعله. ومنها أن
يعلم المنكر أنّ ما ينكره قبيح لأنّه إذا جوّز حسنه كان بإنكاره له وتحريمه إيّاه
محرّما لما لا يأمن أن يكون حسنا ، فلا يأمن أن يكون ما فعله من النهي نهيا عن حسن
، وكل فعل لا يأمن من فاعله أن يكون مختصّا بوجه قبيح فهو قبيح ، ألا ترى أنّه
يقبح من الإنسان أن يخبر على القطع بأنّ زيدا في الدار إذا لم يأمن أن لا يكون
فيها لأنّه لا يأمن أن يكون خبره كذبا. ومنها أن يكون ما ينهي عنه واقعا ، لأنّ
غير الواقع لا يحسن النهي عنه ، وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله. ومنها
أن لا يغلب على ظنّ المنكر أنّه إن أنكر المنكر فعله المنكر عليه وضمّ إليه منكرا
آخر ولو لم ينكر عليه ، لم يفعل المنكر الآخر ، فمتى غلب على ظنّه ذلك قبح إنكاره
لأنّه يصير مفسدة نحو أن يغلب على ظنّنا أنّا إن أنكرنا على شارب الخمر شربها وقرن
إلى شربها القتل ، وإن لم ينكر عليه شربها ولم يقتل أحدا. ومنها أن لا يغلب على
ظنّ الناهي عن المنكر أنّ نهيه لا يؤثّر ، فإن غلب على ظنّه ذلك قبح نهيه عند من
يقول من أصحابنا إنّ تكليف من المعلوم منه أنّه يكفر لا يحسن إلّا أن يكون فيه لطف
لغير ذلك المكلّف ، وأمّا من يقول من أصحابنا إن تكليف من المعلوم منه أنّه يكفر
حسن وإن لم يكن فيه لطف لغير المكلّف ، فإنّه لا يصحّ منه القول بقبح هذا الإنكار (أ
، ش ٤ ، ٤١١ ، ٣٠)
ـ النظّام : فعل
القبيح محال لدلالته على الجهل أو الحاجة. قلنا : بل يفعل ما شاء ؛ ولو سلّم
فالامتناع من جهة الداعي فقط ، فإنّ انجزام إرادة الترك داع إلى منع الفعل. عبّاد
: الأفعال إمّا واجبة ، أو ممتنعة للعلم. ـ قلنا : فلا
مقدور إذا ؛ وأيضا
فليسا ذاتيّين ، وأيضا العلم بالوقوع تابع له ، فيتأخّر عن القدرة ، فلا يبطلها.
البلخيّ : لا يقدر على مثل مقدورنا ، إمّا طاعة أو سفه أو عبث وهو محال. قلنا : الفعل
حركة أو سكون وتلك أحوال من حيث صدورها عنّا. أبو علي وابنه وأتباعهما ؛ يقدر على
مثل مقدورنا لا على نفسه ، وإلّا فإذا أراده وكرهناه ، يوجد للداعي ويمتنع للصارف.
ـ قلنا : العدم للصارف إن لم يخلقه سبب آخر (خ ، ل ، ١٠٤ ، ٤)
ـ الحسن والقبيح
بمعنى الملائمة والكمال وضدّيهما عقليّان اتّفاقا ، وبمعنى إيجاب الثواب والعقاب
شرعيّان خلافا للمعتزلة. لنا وجوه : أ : لو قبح تكليف ما لا يطاق ، فما فعله ـ تعالى
ـ لكنّه كلّف الكافر مع علمه بأنّه لا يؤمن وأبا لهب ؛ ومن الإيمان التصديق بكفره.
ولقائل أن يقول : لا منافاة بين التكليف من حيث الاختيار ومعه للعلم. ب : أنّ
القبح ليس من الله ـ تعالى ـ اتّفاقا ؛ ولا من العبد لأنّه مضطرّ ، لاستحالة صدوره
إلّا للداعيّ. ج : أنّ الكذب يحسن إذا تضمّن إنجاء نبيّ (خ ، ل ، ١١٣ ، ١٨)
ـ القبيح : هو ما
يكون متعلّق الذمّ في العاجل والعقاب في الآجل (ج ، ت ، ٢٢٠ ، ٥)
ـ يقبح ويحسن
والذات واحدة ، كالسجود للصنم ولله (م ، ق ، ٩١ ، ١١)
ـ عقاب غير
المستحقّ قبيح (م ، ق ، ١٢٦ ، ٨)
قبيح باضطرار
ـ إنّ الكذب الذي
لا نفع فيه ولا دفع ضرر قبيح باضطرار (ق ، غ ٦ / ١ ، ٦٦ ، ١٠)
قبيح للنهي
ـ كل معصية كان
يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي ، وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها
الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه ، وكذلك كل ما جاز أن لا
يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلّا أن يأمر به فهو حسن لنفسه ،
وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ٧)
قبيح لنفسه
ـ كل معصية كان
يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي ، وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها
الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه ، وكذلك كل ما جاز أن لا
يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلّا أن يأمر به فهو حسن لنفسه ،
وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ٨)
ـ قال"
الاسكافي" في الحسن من الطاعات حسن لنفسه والقبيح أيضا قبيح لنفسه لا لعلّة ،
وأظنّه كان يقول في الطاعة إنّها طاعة لنفسها وفي المعصية إنّها معصية لنفسها (ش ،
ق ، ٣٥٦ ، ١٢)
قبيح من وجه
ـ فاعل القبيح
أعني الفعل الذي يتضرّر به يسمّى سفيها. واسم السفيه أصدق منه على العابث. وهذا
كلّه إذا لم يلتفت إلى غير الفاعل ، أو لم يرتبط الفعل بغرض غير الفاعل. فإن ارتبط
بغير الفاعل وكان موافقا لغرضه سمّي حسنا في حق من وافقه ؛ وإن كان منافيا سمّي
قبيحا ، وإن كان موافقا لشخص دون شخص سمّي في حق أحدهما حسنا ، وفي حق الآخر
قبيحا. إذ اسم
الحسن ، والقبيح
بالموافقة ، والمخالفة ، وهما أمران إضافيان يختلفان بالأشخاص ويختلف في حق شخص
واحد بالأحوال ، ويختلف في حال واحد بالأغراض ، فربّ فعل يوافق الشخص من وجه ،
ويخالفه من وجه ، فيكون حسنا من وجه ، وقبيحا من وجه (غ ، ق ، ١٦٣ ، ١٤)
قتل
ـ القتل هو الحركة
التي تكون من الضارب كنحو الوجبة والرمية وما أشبه ذلك التي يكون بعدها خروج الروح
، وأنّها لا تسمّى قتلا ما لم تخرج الروح ، فإذا خرجت الروح سمّيت قتلا (ش ، ق ،
٤٢١ ، ١٢)
ـ الحركة التي
تخرج بعدها الروح عند الله قتل ، لأنّه يعلم أنّ الروح بعدها تخرج ، وهي قتل في
الحقيقة ، ولكن لا يعلم أنّه قتل حتى تخرج ، وأبى هذا القول أصحاب القول الأوّل ،
وزعم الفريقان أنّ القتل قائم بالقاتل ، وأنّ المقتول مقتول بقتل في غيره (ش ، ق ،
٤٢٢ ، ٨)
ـ القتل هو خروج
الروح عن سبب من الإنسان ، وخروج الروح لا عن سبب يكون من الإنسان موت وليس بقتل ،
وزعم هؤلاء إنّ القتل يحلّ في المقتول لا في القاتل (ش ، ق ، ٤٢٢ ، ٩)
ـ القتل إبطال
البنية ، وهو كل فعل لا تكون الحياة في الجسم إذا وجد ، كنحو قطع الرأس وفلق
الحنجرة ، وكل فعل لا يكون الإنسان حيّا مع وجوده وهو يحلّ في المقتول (ش ، ق ،
٤٢٢ ، ١٢)
ـ الضرورة علمنا
أنّ من عمّر مائة عام وعمّر آخر ثمانين سنة ، فإنّ الذي عمّر ثمانين نقص من عدد عمر
الآخر عشرين عاما ، فهذا هو ظاهر الآية ومقتضاها على الحقيقة ، لا ما يظنّه من لا
عقل له من أنّ الله تعالى جار تحت أحكام عباده ، إن ضربوا زيدا أماته ، وإن لم
يضربوه لم يمته ، ومن أنّ علمه غير محقّق ، فربما أعاش زيدا مائة سنة ، وربما
أعاشه أقلّ ، وهذا هو البداء بعينه ، ومعاذ الله تعالى من هذا القول بل الخلق كلّه
مصرّف تحت أمر الله عزوجل وعلمه ، فلا يقدر أحد على تعدّي ما علم الله تعالى أنّه
يكون ولا يكون البتّة ، إلّا ما سبق في علمه أن يكون ، والقتل نوع من أنواع الموت
، فمن سأل عن المقتول لو لم يقتل لكان يموت أو يعيش فسؤاله سخيف ، لأنّه إنّما
يسأل لو لم يمت هذا الميت أكان يموت أو كان لا يموت ، وهذه حماقة جدّا لأنّ القتل
علّة لموت المقتول ، كما أنّ الحمّى القاتلة والبطن القاتل وسائر الأمراض القاتلة
علل للموت الحادث عنها ، ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ٨٤ ، ٢٢)
قدر
ـ اعلم ـ علمك
الله الخير ـ أنّ أبا موسى كان يزعم أنّ من قال : إنّ الله يرى بالأبصار ، على أي
وجه قاله فمشبه لله بخلقه ، والمشبّه عنده كافر بالله. فكذلك من وصف الله بأنّه
يقضي المعاصي على عباده ويقدّرها فمسفّه لله في فعله والمسفّه لله كافر به ،
والشاك في قول المشبه والمجبر فلا يدري أحق قوله أم باطل؟ كافر بالله أيضا ، لأنّه
شاكّ في الله لا يدري أم شبه هو لخلقه أم ليس بمشبه لهم ، أسفيه هو فعله أم ليس
بسفيه؟ وكذلك الشاك في الشاك أبدا ، إذا كان شكه إنّما كان في نفس التشبيه
والإجبال أحق هما أم باطل؟ هذا قول أبي موسى المعروف؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ٢)
ـ إنّ الذنوب من
العباد بالاختيار والاستحباب منهم ، وأنّه قد هداهم فاستحبوا الكفر وآثروه على ما
فعل بهم من الهدى ، ثم قال : (وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدى) (الأعلى : ٣) ، أي
ابتدأ الخلق بما ذكرنا من الدلالة لهم على الخير والهدى (ي ، ر ، ٤٢ ، ٤)
ـ إن قال قائل فهل
قضى الله تعالى المعاصي وقدّرها ، قيل له نعم بأن خلقها وبأن كتبها وأخبر عن كونها
كما قال (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤)
يعني أخبرناهم وأعلمناهم وكما قال (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) يريد
كتبناها وأخبرنا أنها من الغابرين. ولا نقول قضاها وقدّرها بأن أمر بها (ش ، ل ،
٤٥ ، ١١)
ـ إن قال قائل أفترضون
بقضاء الله وقدره الكفر ، قيل له نرضى بأن قضى الله تعالى الكفر قبيحا وقدّره
فاسدا ، ولا نرضى بأن كان الكافر به كافرا ، لأنّ الله تعالى نهانا عن ذلك ، وليس
إذا أطلقنا الرضى بلفظ القضاء وجب أن نطلقه بلفظ الكفر (ش ، ل ، ٤٦ ، ١٥)
ـ يقال للقدريّة :
هل يجوز أن يعلّم الله عزوجل عباده شيئا لا يعلمه؟ فإن قالوا : لا يعلّم الله عباده
شيئا إلّا وهو به عالم. قيل لهم : فكذلك لا يقدرهم على شيء إلّا وهو عليه قادر ،
فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. فيقال لهم : فإذا أقدرهم على الكفر فهو قادر على أن
يخلق الكفر لهم ، وإذا قدر على خلق الكفر لهم فلم أثبتم خلق كفرهم فاسدا متناقضا
باطلا ، وقد قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ) (هود : ١٠٧
والبروج : ١٦) وإذا كان الكفر مما أراد فقد فعله وقدّره (ش ، ب ، ١٣٣ ، ١٢)
يقال لهم (للقدرية)
: إذا كان من أثبت التقدير لله عزوجل قدريا ، فيلزمكم إذا زعمتم أنّ الله عزوجل قدّر السموات والأرض وقدّر الطاعات أن تكونوا قدريّة ،
فإذا لم يلزم هذا فقد بطل قولكم وانتقض كلامكم (ش ، ب ، ١٤٦ ، ١٣)
ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ
فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال
: (يُضِلُّ بِهِ
كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦)
فأخبر أنّه يضلّ ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧)
فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه
وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما
تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦)
فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤)
يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ،
ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربّهم
وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم
ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)
ـ إن قيل : أتقولون
أنّ الله تعالى قضى المعاصي وقدّرها ، كما أنّه خلقها ، قلنا له : أجل : نقول ذلك
بمعنى أنّه خلقه وأوجده على حسب قصده وإرادته ، ولا نقول إنّه قضاه بمعنى أنّه أمر
به ، ولا رضيه دينا وشرعا ، وأنّه يمدحه ويثيب عليه (ب ، ن ، ١٦٦ ، ٣)
ـ أما قوله تعالى
: (وَجَعَلْنا
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا
فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا) (سبأ : ١٨) فليس
فيه أكثر من أنّه قدّر السير ، وذلك لا يدلّ على أنّه من خلقه ؛ لأنّ"
قدّر" كما يراد به ذلك ، فقد يراد به البيان والتعريف والحكم بمقادير مخصوصة.
وإنّما أراد تعالى بذلك أنّه غيّر مسالكهم عن الحالة التي كانت عليها في الخصب
والعمارة ، إلى خلافه ، وقدّر فيها خلاف ما كان في سيرهم (ق ، م ٢ ، ٥٦٩ ، ٤)
ـ إنّ قوله جلّ
وعزّ (مِنْ نُطْفَةٍ
خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) المراد
به أنّه خلقه على صفة بعد أن خلقه على أخرى ، فلذلك كرّره (ق ، غ ٧ ، ٢٢١ ، ٨)
ـ إنّ قولنا قدّر
كذا قد يقال بمعنى خلقه بمقدار ، كقوله تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها) (فصلت :
١٠) ، (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ
تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) ،
وقد يراد به أنّه بيّن مقدار الشيء وما يحتاج إليه فيه ، وأنّه عرف أحواله وكتب ذلك
، وهو المراد بقوله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (الحجر : ٦٠) وقد
يقول الإنسان قدرت في داري هذه خمسة أبيات أبنيها ، وقال الشاعر : وأعلم بأنّ ذا
الجلال قد قدّر في الصحف الأولى التي كان قدّر ، وقد يقول الخياط : قدّرت هذا
الثوب بمعنى بيان حال ما يجئ منه ، فمعنى قوله وقدّرنا فيها السير أنّا عرفنا
ابتداءه وانتهاءه ، وما يؤدّي إليه ويستعان به عليه (ق ، غ ٨ ، ٣١٣ ، ١٤)
ـ إن قلت : في
الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢)
كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه
التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا
الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي
الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة
الحكمة والتدبير فقدّره لأمر ما ، ومصلحة مطابقا لما قدّر له غير متجاف عنه ، أو
سمّي إحداث الله خلقا لأنّه لا يحدث شيئا لحكمته إلّا على وجه التقدير من غير
تفاوت ، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه
الاشتقاق ، فكأنّه قيل وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل
له غاية ومنتهى ، ومعناه : فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ١٠)
ـ (قَدَّرْناها) (النمل : ٥٧)
قدّرنا كونها (من الغابرين) كقوله ـ قدّرنا إنها لمن الغابرين ـ فالتقدير واقع على
الغبور في المعنى (ز ، ك ٣ ، ١٥٤ ، ٥)
ـ (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (القمر : ١٢) على
حال قدّرها الله كيف شاء. وقيل على حال جاءت مقدّرة مستوية ، وهي أنّ قدر ما أنزل
من السماء كقدر ما أخرج من الأرض سواء بسواء. وقيل على أمر قد قدّر في اللوح أنّه
يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان (ز ، ك ٤ ، ٣٧ ، ٢٢)
ـ القدر والقدر
والتقدير وقرئ بهما : أي خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتّبا على حسب ما اقتضه
الحكمة ، أو مقدّرا مكتوبا في اللوح معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه (ز ، ك
٤ ، ٤١ ، ٢٢)
ـ (قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ) (الواقعة : ٦٠)
تقديرا وقسّمناه عليكم قسمة الرزق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا ، فاختلفت
أعماركم من قصير
وطويل ومتوسط ، وقرئ قدّرنا بالتخفيف. سبقته على الشيء إذا أعجزته عنه وغلبته عليه
ولم تمكّنه منه (ز ، ك ٤ ، ٥٦ ، ٢١)
ـ (وقدّر) في نفسه
ما يقوله وهيّأه (ز ، ك ٤ ، ١٨٣ ، ٥)
ـ قرئ قوارير من
فضة بالرفع على هي قوارير (قَدَّرُوها) (الإنسان : ١٦)
صفة لقوارير من فضة ، ومعنى تقديرهم لها أنّهم قدّروها في أنفسهم أن تكون على
مقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدّروا (ز ، ك ٤ ، ١٩٨ ، ١٦)
ـ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) فهيّأه
لما يصلح له ويختصّ به ، ونحوه ـ وخلق كل شيء فقدّره تقديرا ـ نصب السبيل بإضمار
يسر وفسّره بيسر ؛ والمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه ، أو السبيل الذي
يختار سلوكه من طريق الخير والشر بإقداره وتمكينه كقوله (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (الإنسان : ٣) وعن
ابن عباس رضي الله عنهما : بيّن له سبيل الخير والشرّ (ز ، ك ٤ ، ٢١٩ ، ١٠)
ـ يقول عليهالسلام إنّه تعالى قدّر الأشياء التي خلقها فجعلها محكمة على حسب
ما قدّر ، وألطف تدبيرها أي جعله لطيفا ، وأمضى الأمور إلى غاياتها وحدودها
المقدّرة لها فهيّأ الصقرة للاصطياد والخيل للركوب والطراد والسيف للقطع والقلم
للكتابة والفلك للدوران ونحو ذلك ، وفي هذا إشارة إلى قول النبيّ صلىاللهعليهوآله كل ميسّر لما خلق له فلم تتعدّ هذه المخلوقات حدود منزلتها
التي جعلت غايتها ، ولا قصّرت دون الانتهاء إليها (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٩)
ـ إنّه تعالى قدّر
الأمور كلها بغير رويّة أي بغير فكر ولا ضمير ، وهو ما يطويه الإنسان من الرأي
والاعتقاد والعزم في قلبه (أ ، ش ٣ ، ٢١ ، ٢٧)
ـ إنّ الله تعالى
قدّر الأجل وقضى الرزق ولا سبيل لأحد أن يقطع على أحد عمره أو رزقه ، وهذا الكلام
ينبغي أن يحمل على أنّه حثّ وحضّ وتحريض على النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ،
ولا يحمل على ظاهره لأنّ الإنسان لا يجوز أن يلقي بنفسه إلى التهلكة معتمدا على
أنّ الأجل مقدّر وأنّ الرزق مقسوم ، وأنّ الإنسان متى غلب على ظنّه أنّ الظالم
يقتله ويقيم على ذلك المنكر ويضيف إليه منكرا آخر لم يجز له الإنكار (أ ، ش ٤ ،
٤١١ ، ١٥)
قدر
ـ قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَدْراً) (الطلاق : ٣) غير
دالّ على أنّ الأشياء حادثة من قبله تعالى ، وذلك أنّ جعله لها قدرا ، لا ينبئ عن
أنّ ذاتها موجودة من جهته ؛ لأنّ المقدّر والمدبّر قد يريد فعل غيره ، وفعل نفسه ،
ويقدرهما. فالتعلّق بظاهره لا يصحّ. ولا يمتنع من أنّه تعالى قد قدّر أفعال العباد
، وجعل لها مقادير بالحبر والكتابة (ق ، م ٢ ، ٦٥٧ ، ١٦)
ـ القدر يستعمل
على طريقة الفعليّة كقوله عزوجل : (وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها) (فصلت : ١٠)
وبمعنى الاخبار كقوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْناها) (النمل : ٥٧) (ق ،
ت ١ ، ٤٤٠ ، ٨)
ـ (بمقدار) بقدر
واحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) (ز ،
ك ٢ ، ٣٥١ ، ١٩)
ـ إن قلت : فما
معنى قوله (بِقَدَرِها) (الرعد :
١٧)؟ قلت :
بمقدارها الذي عرف الله أنّه نافع للممطور عليهم غير ضارّ (ز ، ك ٢ ، ٣٥٦ ، ١٣)
ـ أراد بالخلق
السموات كأنّه قال : خلقناها فوقهم (وَما كُنَّا) (المؤمنون : ١٧)
عنها (غافِلِينَ) (المؤمنون : ١٧)
عن حفظها وإمساكها أن تقع فوقهم بقدرتنا ؛ أو أراد به الناس وأنّه إنّما خلقها
فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها وينفعهم بأنواع منافعها وما كان غافلا
عنهم وما يصلحهم (بقدر) بتقدير يسلمون معه من المضرّة ويصلون إلى المنفعة ، أو
بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ٢٠)
ـ (بقدر) بتقدير
يقال قدره قدرا وقدرا (ز ، ك ٣ ، ٤٦٩ ، ١٩)
قدر
ـ ألم تر إلى قوله
: (قُلْ هاتُوا
بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (النمل : ٦٤) ،
فافهم أيها الأمير ما أقوله ، فإنّ ما نهى الله فليس منه ، لأنّه لا يرضى ما يسخط
هو من العباد ، فإنّه تعالى يقول : (وَلا يَرْضى
لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر : ٧) فلو
كان الكفر من قضائه وقدره لرضي ممن عمله ، وقال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
وقال تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدى) (الأعلى : ٣) ،
ولم يقل قدّر فأضلّ ، لقد أحكم الله آياته وسنّة نبيه فقال : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ
عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ : ٥٠) ، وقال
تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ
شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (طه : ٥٠) ، ولم
يقل : أضلّ ، وقال : (إِنَّ عَلَيْنا
لَلْهُدى) (الليل : ١٢) ،
ولم يقل : علينا إلّا ضلال ، ولا يجوز أن ينهي العباد عن شيء في العلانية ويقدّره
عليهم في السر. ربنا أكرم من ذلك وأرحم ، فلو كان الأمر كما يقول الجاهلون ما كان
يقول تعالى : (اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) ،
ولقال : اعملوا ما قدرت عليكم ، ولو كان الأمر كما قال المخطئون لما كان لمتقدّم
حمد فيما عمل ولا على متأخر لوم ، ولقال : جزاء بما عمل بهم ، ولم يقل : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) (ب
، ق ، ١١٨ ، ١٦)
ـ الفرقة السادسة
من العجاردة" الخازميّة" والذي تفرّدوا به أنّهم قالوا في القدر
بالإثبات وبأنّ الولاية والعداوة صفتان لله عزوجل في ذاته ، وأنّ الله يتولّى العباد على ما هم صائرون إليه
وإن كانوا في أكثر أحوالهم مؤمنين (ش ، ق ، ٩٦ ، ٤)
ـ هذا شرح قول المعتزلة
في القدر : أجمعت المعتزلة على أنّ الله سبحانه لم يخلق الكفر والمعاصي ولا شيئا
من أفعال غيره ، إلّا رجلا منهم فإنّه زعم أنّ الله خلقها بأن خلق أسماءها
وأحكامها ، حكي ذلك عن" صالح قبّة". وأجمعت المعتزلة إلّا"
عبّادا" أنّ الله جعل الإيمان حسنا والكفر قبيحا ، ومعنى ذلك أنّه جعل
التسمية للإيمان والحكم بأنّه حسن والتسمية للكفر والحكم بأنّه قبيح وأنّ الله خلق
الكافر لا كافرا ثم إنّه كفر وكذلك المؤمن. وأنكر" عبّاد" أن يكون الله
جعل الكفر على وجه من الوجوه أو خلق الكافر والمؤمن (ش ، ق ، ٢٢٧ ، ٩)
ـ زعمت القدريّة
أنّا نستحق اسم القدر ، لأنّا نقول : إنّ الله عزوجل قدّر الشر والكفر ، فمن يثبت القدر كان قدريا دون من لم
يثبته (ش ، ب ، ١٤٥ ، ١٤)
ـ خلق الأفعال
يثبت القضاء بكونها والقدر لها
على ما عليها من
حسن وقبح ، ويوجب أن يكون مريدا لها أن تكون خلقا له (م ، ح ، ٣٠٥ ، ١٥)
ـ أما القدر فهو
على وجهين : أحدهما الحدّ الذي عليه يخرج الشيء ، وهو جعل كل شيء على ما هو عليه
من خير أو شر ، من حسن أو قبح ، من حكمة أو سفه ، وهو تأويل الحكمة أن يجعل كل شيء
على ما هو عليه ، ويصيب في كل شيء الأولى به ، وعلى مثل هذا قوله : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ
بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩).
والثاني بيان ما
عليه يقع كل شيء من زمان ومكان ، وحق وباطل ، وما له من الثواب والعقاب ، وعلى مثل
أحد هذين المروي عن رسول / الله عند سؤال جبريل فالأوّل نحو خلق الشيء على ما هو
عليه قائم ، ذلك في أفعال الخلق من خروجها على ما لا يبلغ أوهامهم من الحسن والقبح
ولا يقدّرها عقولهم ، فثبت أنها خرجت على ذلك بالله سبحانه. والثاني أيضا لا يحتمل
منهم تقدير أفعالهم من الزمان والمكان ولا يبلغه علمهم ، فمن ذلك الوجه أيضا لا
يحتمل أن يكون بهم ، وهي غير خارجة عن الله ، وقال الله تعالى : (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) (سبأ : ١٨) ، وقال
: (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (الحجر : ٦٠) (م ،
ح ، ٣٠٧ ، ٣)
ـ قال الفقيه رحمهالله : مما ذكر من قول المسلمين فهو كذب ، بل يقولون : قدر
الخير والشر من الله ، وقدر الشر ليس هو الشر ، ولا كان القول في شأن الزنادقة
لكان إذا قبيح إضافة الشر إلى الحكيم العليم ، بل [من] فعله الشر فهو شرير ، ومن
فعله الإفساد فهو مفسد (م ، ح ، ٣١١ ، ١٥)
ـ المعتزلة يردّون
قدر أفعالهم لأنفسهم (م ، ح ، ٣١٦ ، ٨)
ـ ما شاء الله كان
وما لم يشأ لم يكن. فوقع الإجماع من الخاص والعام أنّ الأمور كلّها بمشيئة وقدر من
الله تعالى (ب ، ن ، ١٦١ ، ٤)
ـ كان (الأشعري)
يذهب في معنى القدر إلى أنّه ذو أقسام في اللغة ووجوه. منها أنّ القدر بمعنى الخبر
، منه قوله عزوجل (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (الحجر : ٦٠)
أي" أخبرنا". ومنها القدر بمعنى الضيق ، كقوله عزوجل (اللهُ يَبْسُطُ
الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (الرعد : ٢٦)
أي" يضيّق" ، (وَمَنْ قُدِرَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ) (الطلاق : ٧)
أي" ضيّق". ومنها القدر بمعنى التقدير ، كقوله عزوجل (وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها) (فصّلت : ١٠)
أي" جعل أقواتها على مقادير ما يصلح لأبدانهم وتقوم به أرماقهم". والقدر
أيضا بمعنى القدرة. ذكر بعض أهل اللغة أنّ مصدر" قدر يقدر" قدر ، ثم
يقال" قدرة" كما يقال" قعدة" و" ركعة" و"
جلسة" ، وهو اسم المرّة الواحدة من الفعل أو اسم لنوع من الفعل أو لهيئة
الفاعل (أ ، م ، ٩٠ ، ٢٠)
ـ يقول (الأشعري)
في القدر إنّه إذا كان بمعنى التقدير فيرجع إلى عين المقدّر ، وذلك أنّه كما قال
إنّ الفعل هو المفعول والخلق هو المخلوق والقضاء إذا كان بمعنى الخلق فهو عين
المقضيّ والتقدير هو عين المقدّر إذا كان يرجع إلى معنى فعل الشيء مقدّرا. وإذا
كان بمعنى الخبر والتضييق فإنّه غير المقدّر (أ ، م ، ٩٩ ، ١)
ـ معنى القدر في
اللغة العربية الترتيب والحدّ الذي ينتهي إليه الشيء ، تقول قدرت البناء
تقديرا إذا رتّبته
وحدّدته قال تعالى : (وَقَدَّرَ فِيها
أَقْواتَها) (فصلت : ١٠) بمعنى
رتّب أقواتها وحدّدها وقال تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) يريد
تعالى برتبة وحدّ (ح ، ف ٣ ، ٥٢ ، ٨)
ـ قوله في القدر (المردار)
إنّ الله تعالى يقدر على أن يكذب ويظلم ، ولو كذب وظلم كان إلها كاذبا ظالما ،
تعالى الله عن قوله (ش ، م ١ ، ٦٩ ، ٣)
ـ أصحاب هشام بن
عمرو الفوطي ، ومبالغته في القدر أشدّ وأكثر من مبالغة أصحابه ، وكان يمتنع من
إطلاق إضافات أفعال إلى الباري تعالى وإن ورد بها التنزيل. منها قوله : إنّ الله
لا يؤلّف بين قلوب المؤمنين ، بل هم المؤتلفون باختيارهم وقد ورد في التنزيل (ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ
وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) (الأنفال : ٦٣)
ومنها قوله : إنّ الله لا يحبّب الإيمان إلى المؤمنين ، ولا يزيّنه في قلوبهم ،
وقد قال تعالى : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات : ٧)
ومبالغته في نفي إضافات الطبع والختم والسدّ وأمثالها أشدّ وأصعب. وقد ورد بجميعها
التنزيل ، قال الله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ) (البقرة : ٧) وقال
: (بَلْ طَبَعَ اللهُ
عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (النساء : ١٥٥) (ش
، م ١ ، ٧٢ ، ٢)
ـ هذا قوله (جعفر
الصادق) في القدر : هو أمر بين أمرين : لا جبر ولا تفويض (ش ، م ١ ، ١٦٦ ، ١٥)
ـ القدر : تعلّق
الإرادة الذاتيّة بالأشياء في أوقاتها الخاصّة ، فتعليق كل حال من أحوال الأعيان
بزمان معيّن وسبب معيّن عبارة عن القدر (ج ، ت ، ٢٢٢ ، ١٢)
ـ القدر : خروج
الممكنات من العدم إلى الوجود واحدا بعد واحد مطابقا للقضاء ، والقضاء في الأزل
والقدر فيما لا يزال ، والفرق بين القدر والقضاء هو أنّ القضاء وجود جميع
الموجودات في اللوح المحفوظ مجتمعة ، والقدر وجودها متفرّقة في الأعيان بعد حصول
شرائطها (ج ، ت ، ٢٢٢ ، ١٦)
ـ القدر بمعنى
القدرة والأحكام. قال تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) ،
وبمعنى العلم. قال تعالى : (وَلكِنْ يُنَزِّلُ
بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) (الشورى : ٢٧) ،
وبمعنى القدر ، قال تعالى : (فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ
بِقَدَرِها) (الرعد : ١٧)
وبمعنى الإعلام. قال العجّاج : واعلم بأنّ الله ذا الجلال قد قدّر في الصّحف
الأولى التي كان سطّر وبمعنى الأجل. قال تعالى : (إِلى قَدَرٍ
مَعْلُومٍ) (المرسلات : ٢٢) ،
وبمعنى الحتم. قال تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ
قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب : ٣٨).
فيجوز أن يقال الواجبات بقدر الله ، بمعنى حتمه. العدليّة : لا بمعنى خلقها بقدرته
، خلافا للمجبرة. لنا : ما مرّ. العدليّة : ولا المعاصي ، بمعنى خلقها بقدرته أو
حتمها ، خلافا للمجبرة. لنا : ما مرّ. وقدّر ، مشدّدا ، بمعنى خلق. قال : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (فصلت : ١٠) ،
وبمعنى أحكم. قال تعالى : (وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) ،
وبمعنى قاس وماثل ، يقال : قدرت ذا على ذاك ، أي قسمته به وجعلته مثله. وبمعنى فرض
، يقال : قدّر ما شئت ، أي افرض وأوجب ، فيجوز أن يقال إنّ الله تعالى قدّر الطاعة
، بمعنى فرضها ، وقدّر الطاعة والمعصية بمعنى بيّنها. العدليّة : لا بمعنى خلقهما
، خلافا للمجبرة (ق ، س ، ١١٨ ، ٣)
قدر
ـ إنّه يلزم
القدرية إذا كان من قدر أن يؤمن قدر أن يكفر ، أن لا يكون الباري تعالى موصوفا
بالقدرة على الأمر الذي لو فعله لكانوا مؤمنين لا محالة ، لأنّهم يقدرون عندهم على
أن (لا) يكفروا عند نزول الآيات الملجئات إلى الإيمان ، كما يقدرون أن يؤمنوا قبل
ذلك ، ومن قدر على الكفر عند نزول الآية لم يؤمن وقوعه عنه (ش ، ل ، ٢٧ ، ١٦)
ـ إنّ من قدر أن
يفعل فعلا على غير مثال سابق ، فهو أقدر أن يفعل فعلا محدثا فهو أهون عليه فيما
بينكم وتعارفكم ، وأمّا الباري جل ثناؤه وتقدّست أسماؤه فليس خلق شيء بأهون عليه
من الآخر (ش ، ل ، ٩٠ ، ١٢)
ـ من مذهبه أنّ
الله تعالى كان غير خالق ولا رحمن ، وقدر على أن يجعل ذاته خالقا رحمانا ، ويجوز
أن نعبد الرحمن الخالق ، فيكون على قوله قدر على أن يجعل للخلق معبودا ، وذلك اسم
تقع عليه القدرة ، فيصير في الحقيقة يعبد غير الله. وهو أيضا من وجه هذه الأسماء
محدث من حيث كانت مما تقع عليه القدرة (م ، ح ، ٥٣ ، ٤)
ـ ليس إذا قدر
القادر على مقدور أن يكون قادرا على غيره من المقدورات ، وليس في قدرته تعالى على
إقدارنا على هذه التصرّفات سوى كونه قادرا على خلق القدرة فينا ، فمن أين يجب إذا
قدر على القدرة أن يكون قادرا على تصرّفاتنا؟ هذا مما لا يجب (ق ، ش ، ٣٧٧ ، ١)
ـ إنّ الواحد منا
لو قدر أن يجعل الجسم على صفة كونه مجتمعا لوجب أن يقدر على إيجاده ، لأنّ من قدر
أن يجعل الذات على صفة من الصفات من دون معنى يفعل فيه قدر على إيجاده. الدليل
عليه كلام نفسه ، لمّا قدر أن يجعله على صفة من صفاته ككونه خبرا وأمرا ونهيا قدر
على إيجاده ، وأن في كلام الغير لمّا لم يقدر على أن يجعله أمرا وخبرا ونهيا لم
يقدر على إيجاده (ن ، د ، ٣٠ ، ١٢)
ـ إنّ كل جنس يقدر
عليه القادر لا تختصّ قدرته عليه وإيقاعه في حال دون حال ، بل لا بدّ أن تكون
قدرته ، لو كان أو كانت ثابتة في حال لا يكون كامل العقل ، ففي حال كمال العقل
أولى ، لأنّه حال الدواعي والصوارف. وهذا يبطل قول من يقول إنّه يجوز أن يقع ما
يحسن منه وما يقبح في حال السهو ، فلا يتعلّق به التكليف ، فلا يجب أن يكون فاصلا
بينهما. فإنّا نجوّز أن يكون في حال السهو ما يقبح منه وما يحسن منه
، ولكن لا يجوز في جنس من الأجناس أن يكون وقوعه أبدا في حال السهو (ن ، د ، ٤٤٧ ،
٥)
ـ من فضائح النظام
: فأولها : قوله بأنّ الله عزوجل لا يقدر أن يفعل بعباده خلاف ما فيه صلاحهم ، ولا يقدر على
أن ينقص من نعيم أهل الجنّة ذرّة لأنّ نعيمهم صلاح لهم ، والنقصان مما فيه الصلاح
ظلم عنده ، ولا يقدر أن يزيد في عذاب أهل النار ذرّة ، ولا على أن ينقص من عذابهم
شيئا. وزعم أيضا أنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخرج أحدا من أهل الجنّة عنها ،
ولا يقدر على أن يلقي في النار من ليس من أهل النار (ب ، ف ، ١٣٣ ، ٨)
ـ زعم الأسواري
منهم أنّ الله إنّما يقدر على إحداث ما قد علم أنّه يحدثه ، ولا يقدر على إحداث ما
علم أنّه لا يحدثه (ب ، أ ، ٩٤ ، ١٦)
ـ من قدر على شيء
قدر على جنس ضدّه (م ،
ق ، ٩٢ ، ١٢)
قدر
ـ إنّ القدر وإن
اختلفت فمقدوراتها متجانسة ، حتى ما من قدرة يصحّ أن يفعل بها جنس إلّا وغيرها من
القدر يصحّ ذلك الجنس بها (ق ، ش ، ٢٢٢ ، ١٤)
ـ إنّ لفظة"
القدر" قد تطلق على أفعال العباد ، على بعض الوجوه ، من حيث أخبر تعالى عنه
وحكم به (ق ، م ٢ ، ٤٣١ ، ١٠)
ـ اعلم أنّ القدر
مختصّة من بين سائر أجناس الأعراض بأن لا مثل لها ولا ضدّ أيضا على الصحيح من
المذهب بل الكلّ مختلف. وقد كان أبو علي يذهب أوّلا إلى أنّ في القدر ما يتجانس.
وحكي مثله عن أبي الحسين الخيّاط. وكان من قال بذلك أشار إلى أنّ قدر القلوب جنس
وقدر الجوارح جنس. ثم رجع أبو علي إلى ما قلناه وهو الصحيح. والذي به نعرف أوّلا
أن لا تضادّ في القدر ما قد عرفنا من صحّة وجود قدر كثيرة في محلّ واحد ، ولأجل
هذا تتفاضل أحوال القادرين على ما سبق القول فيه (ق ، ت ٢ ، ٣٨ ، ٢)
ـ إنّ القدر لا
يفترق حكمها في تعلّقها على الوجوه التي تتعلّق به بين حال الحدوث والبقاء لمّا
اتّفقت الحالتان جميعا في صحّة الفعل بالقدرة. وإنّما كان كذلك لأنّ تعلّقها هو
لأمر يرجع إلى ذاتها ، وذلك لا يتغيّر بالحدوث والبقاء. ولأجل هذا لم يصحّ إثبات القادر
قادرا إلّا والفعل صحيح منه على وجه ما. وعلى هذا يجري حكم القديم جلّ وعزّ في
كونه قادرا لذاته. فصار كما يجب أن لا نسلب القدرة والقادر حقيقتهما في صحّة الفعل
على الإطلاق أن لا نسلبهما كيفية التعلّق في كل حال. وعلى ذلك تجري أحكام المعاني
المتعلّقة بأغيارها نحو العلم وما أشبهه. فأمّا إذا قلنا ببقائه أو قدّرنا باقيا
لم يختلف حكمه في الوجهين (ق ، ت ٢ ، ١٠٠ ، ١٨)
ـ اعلم أنّ القدرة
وإن اختصّت في تعلّقها بالأعيان فإنّها غير مختصّة بالأجناس التي تعدّ من مقدور
العباد. ومعنى ذلك هو أنّ القدرة الواحدة يصحّ أن يفعل بها من كل جنس من هذه
الأجناس على الحدّ الذي يصحّ بغيرها من القدر ، وإن افترقت في أعيان المتعلّقات.
وهذه قضية تختصّ بها القدر وتفارق بها غيرها من المعاني. ألا ترى أنّه لا قادر
يقدر على جنس الإرادة إلّا وهو يقدر على الاعتقاد والظنّ والفكر؟ وكذلك فلا يقدر
على الحركات إلّا وهو يقدر على الاعتمادات وعلى تأليف الأجسام على وجه ما؟ ثمّ
كذلك في سائر هذه الأنواع؟ فلو لا شياع القدرة في تعلّقها بهذه الأجناس ووجوب أن
تكون القدر أجمع متساوية في هذه القضية لجاز أن يكون في القادرين من يقدر على
تحريك الثقيل دون الخفيف ، وأن يقدر على أفعال الجوارح ولا يقدر على شيء من أفعال
القلوب ، وأن يقدر على بعض أفعال القلوب دون بعض (ق ، ت ٢ ، ١٠٢ ، ٥)
ـ إنّ القدر ، وإن
اختلفت فإنّ مقدوراتها في الجنس يجب أن تتّفق ، وإنّما يحسب أن تتغاير مقدوراتها
في الأعيان ؛ لأنّ ذلك يحقّق القول باختلافها ، لأنّا لو قلنا إنّ مقدوراتها ليست
بمتغايرة في الأعيان ، لأدّى إلى صحّة كون مقدور القدر ، واحدا ، وذلك يوجب
تماثلها. فإذا صحّ بما بيّناه من قبل ذلك ، وجب القضاء بأنّ قدرة اليد هي قدرة على
العلم والإرادة ،
وإن كان لا يصحّ
وجودهما بها لكون المحل غير محتمل لها ، ولا فصل بين امتناع وجود الشيء لكون المحل
غير محتمل له وبين امتناع وجوده لأجل وجود ضدّه في المحل إذا كان وجود الضدّ أولى
من وجوده ، فصحّ بذلك أنّ القادر يصحّ كونه قادرا على الشيء وإن تعذّر وجوده لمنع
أو غيره (ق ، غ ٤ ، ٣٣٣ ، ٩)
ـ إنّ القدر كلها
قد صحّ فيها أنّها تشترك في التعلّق بأجناس مخصوصة ، ولا يصحّ أن تختلف حالها في
ذلك (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٣ ، ٨)
ـ إنّ القدر كلها
، وإن وجب اشتراكها في الأجناس ، فغير واجب اشتراكها في الأعيان ؛ فكذلك القول في
القادر لنفسه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٣ ، ١٨)
ـ إنّ الأسباب
الكثيرة لا يجوز أن تولّد مسبّبا واحدا ؛ كما أن القدر الكثيرة لا يجوز أن نفعل
بها مقدورا واحدا (ق ، غ ٧ ، ١٩٥ ، ١٤)
ـ إنّا لو قلنا في
القدر : إنّها تتعلّق بالمقدور في كل حال ، وقد ثبت أنّ لها في كل حال مقدورا
مخصوصا لصحّ أن يفعل بها المقدور الأول والمقدور الثاني ثم كذلك أبدا ، فكان ذلك
يؤدّي إلى أن يصحّ من القادر بالقدرة الواحدة حمل الجسم العظيم. وتعذّر ذلك يبيّن
صحّة ما قدّمناه. وليس كذلك حال القادر لنفسه لأنّه يقدر على ما لا نهاية له ،
فمتى ثبت في أنّه قادر على الجواهر ، وثبت أنّ وجودها في كل وقت يصحّ ، وثبت أنّ
الوجه الذي يقتضي تخصيص كونه قادرا عليها لوقت زائل ، ثبت أنّه يقدر على إحداثها
في كلّ وقت (ق ، غ ١١ ، ٤٥٤ ، ١)
ـ إنّ القدر
تتعلّق بما لا يتناهى ، فصلا بينها وبين العلوم المفصّلة ، فإنّها لا تتعلّق إلّا
بمعلومات منحصرة (ن ، د ، ٢٦٨ ، ١)
ـ إن قيل : فلم
قلتم إنّ القدرة لا تتعلق بالجسم؟ قيل له : لأنّ قدرة من القدر لو أمكن فعل الجسم
بها لأمكننا أن نفعل الأجسام بما فينا من القدرة ـ وقد علمنا خلاف ذلك. فإن قيل : فلم
قلتم إنّه لو أمكن فعل الجسم بقدرة من القدر لكان يجب أن يمكننا أن نفعل الأجسام
بما فينا من القدرة؟ قيل : لأنّ القدر مختلفة ، ومع اختلافها فمقدوراتها متجانسة.
وقد علمنا أنّ هذه القضية وهي تجانس المتعلّقات إنّما وجبت بالقدر دون غيرها من
الأعراض فكانت معلّلة بنوعها وقبيلها ـ وقد علمنا أنّ القدرة التي نثبّتها
فمخالفتها ليست بأكثر من مخالفة هذه القدر بعضها لبعض ، فكان يجب فيما يصحّ بها من
الأجناس أن يصحّ بهذه القدر. فلما لم يصحّ فعل الجسم بهذه علمنا أن القدرة التي
يثبّتها المخالف ويدعي أن الجسم يفعل بها مما لا حصول له. وهذه الدلالة مبنيّة على
أصول : أحدها : أنّ القدر مختلفة. والثاني : أنّها وإن اختلفت فمقدوراتها متجانسة.
والثالث : أن هذه القضية ، وهي تجانس المقدور ، معلّلة بكون القدر قدرا (ن ، د ،
٣٧٣ ، ٦)
ـ قد قيل إنّ
الواحد منا لا يجب أن يفعل فعلا بجميع قدره ، بل يجوز أن يكون في محلّ واحد أجزاء
كثيرة من القدر ، ثم يفعله ببعضها دون بعض ، على ما كان يختاره الشيخ أبو عبد الله
البصري. فيجوز على هذا المذهب أن يقال إنّ أحدنا لا يفعل اعتمادا بجميع قدره ؛
وإنّما يفعل ببعضها ، فلا يؤدّي إلى اجتماع اعتمادات كثيرة في جهة واحدة ، فكان
يجب أن يحصل الجوهر ـ وقد علمنا خلاف ذلك (ن ، د ، ٤٣١ ، ١١)
ـ يقال إنّ القدر مصحّحة
للفعل ، فكثرتها إن لم تؤثّر في كثرة الفعل لا يجوز أن يقال إنّها تؤثّر في عدم
الفعل ، فكان يجب أن تحصل من تلك القدر اعتمادات وتحصل الجواهر. إلّا أنّ هذا أيضا
لا يصحّ ، لأنّ لقائل أن يقول : إنّي لا أقول : إنّ المانع من ذلك إنّما هو كثرة
الفعل ، بل أقول : إنّ المانع من ذلك إنّما هو تكافؤ الاعتمادات بعضها ببعض ،
فيكون سبيل تلك الاعتمادات سبيل الاعتمادين إذا كانا في جهتين وتكافئا ؛ فإنّه لا
يحصل التوليد من واحد منهما ، وإنّما يحصل بحصول التكافؤ لا لكثرة القدر ولا
لقلّتها (ن ، د ، ٤٣٣ ، ١٣)
ـ ذهب أبو الحسين
الخيّاط وأبو القاسم ، أن القدرتين قد تكونان مختلفتين وقد تكونان متشابهتين
واعتبروا في تماثلهما أن يصحّ أن يفعل بإحداهما ، ما هو من جنس ما يفعل بالأخرى ،
ومتى لم يصحّ ذلك كانتا مختلفتين. مثاله أن القدر على الإرادات متماثلة ، وكذلك
القدر على الكلام ، وعلى المشي. والقدرة على المشي مخالفة للقدرة على الكلام ، لأن
الإرادة لا تصحّ باللسان ، ولا الكلام بالقلب. وعندنا أن القدر مختلفة (ن ، م ،
٢٤٣ ، ٢١)
ـ الدليل على أنّ
القدر وإن كانت مختلفة فمقدوراتها متجانسة. هو أنّ قدر القلوب لا شكّ في اختلافها.
وقد دلّلنا عليه من قبل. ولا شبهة في تجانس مقدوراتها. فلذلك صحّ أن نفعل ببعضها
مثل ما يصحّ أن نفعل بسائرها. وكذلك قدر الجوارح. وإنّما وجبت هذه القضية فيها.
لأمر يرجع إلى أنّها قدر. فيجب أن يكون ذلك مستمرا في كل قدرة. فيجب أن تكون قدر
القلوب قدرا على أفعال الجوارح. وكذلك قدر الجوارح قدرا على أفعال القلوب (ن ، م ،
٢٤٥ ، ٨)
قدر بمعنى
ـ وإذا صحّ أن
يقدر بمعنى غير له ، فمن حكمه أن يكون موجودا ليصدر عنه إيجاب هذه الصفة ، لأنّ
المعدوم لا يختصّ بالصفة التي تصدر عنها الأحكام التي قد عرفنا أنّها تثبت عند
الوجود. ولو لا صحّة هذه الطريقة لجاز أن يوصف أحدنا بالقدرة على ما لا يتناهى من
الجنس الواحد إذا كان الوقت والمحلّ واحدا ، لأنّ المعدوم لا حصر له. وقد عرفنا أن
هذا يزيل التفاضل بين القادرين. وأيضا فلو كان هذا المعنى معدوما لم يكن ليجب
اعتبار حال المحلّ في وجوب استعماله في الفعل أو في سببه ، فيجب أن تكون تلك
القدرة موجودة في ذلك المحلّ لكي يصحّ اعتبار حال المحلّ فيما يروم إيجاده. ولأنّ
العدم يرفع الاختصاص فلا يكون العليل المدنّف بأن يكون قادرا أولى من الصحيح. فثبت
أنّه لا بدّ من وجوده (ق ، ت ٢ ، ٢٩ ، ٤)
قدر الجوارح
ـ يقال في قدر
الجوارح ، لا يجوز أن تكون قدرا على أفعال القلوب؟ وقال : لو صيّر الله اليد بمثل
صفة اللسان ، لما كانت هذه الصحّة التي هي الآن في اليد ، هي الصحة التي كان يجوز
أن يخلقها فيها لو جعلها لسانا ، بل كان يجب أن تكون صحّة أخرى ، وذلك على أصله
أنّ القدرة هي الصحّة (ن ، م ، ٢٤٥ ، ٣)
قدر من الجوارح
ـ إنّ أي قدر من
الجوارح فإنّه بالاتصال في حكم الشيء الواحد ، فسواء قيل بأنّه يوجد في كل
جزء من ذلك القدر
من الجارحة قدرة واحدة أو قدر كثيرة أو يحصل من كل ما يكون في كل جزء من القدر
اعتماد واحد أو اعتمادات كثيرة ، فإنّه لا بدّ من أن تحصل اعتمادات كثيرة في جهة
واحدة ـ وهذه الحال لا تخرج عنها الاعتمادات المعقولة رأسا (ن ، د ، ٤٤٠ ، ١٢)
قدرة
ـ إنّ الله تعالى
جعل فيهم (عباده) من القدرة ما يتقدّمون بها ويتأخرون ، وابتلاهم لينظر كيف يعملون
، وليبلو أخبارهم. فلو كان الأمر كما يذهب إليه المخطئون لما كان إليهم أن
يتقدّموا ولا يتأخّروا ، ولما كان لمتقدّم أجر فيما عمل ولا على متأخّر لوم فيما
لم يعمل ، لأنّ ذلك بزعمهم ليس منهم ولا إليهم ولكنّه من عمل ربهم (ب ، ق ، ١١٣ ،
١٠)
ـ أبو الهذيل لمّا
نفى القدرة عن أحد الضدّين نفاها عن الضدّ الآخر. وهذا هو سبيل القدرة : إذا صحّت
على فعل صحّت على ضدّه ، وإذا انتفت عن فعل انتفت عن ضدّه (خ ، ن ، ١٨ ، ٣)
ـ إنّ من المنع ما
يجامع القدرة ، ومنه ما ينفيها ولا يجامعها. فأمّا ما ينفيها ولا يجامعها فالعجز
والزمانة. وأمّا ما يجامعها ولا ينفيها فالقيد وما أشبهه. وذاك أنّ القيد لو كان
ينفي القدرة لجاز أيضا أن ينفي الصحة والسلامة ، لأنّ القدرة هي صحّة الجوارح
وسلامتها من الآفات فكأنّ المقيد غير صحيح الرجل بأن كان زمنا. ولو كان كذلك لم
يكن لتقييده وجه ، بل تقييده يدلّ على أنّه إنّما منع مما هو قادر عليه أن يفعله
لو لم يمنع منه لفعله. وهذا أمر واضح لا يخفى على عاقل (خ ، ن ، ٦٢ ، ٢٥)
ـ ألا ترى كيف
يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي
مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ
وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ،
ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ
أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ
لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ
مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ،
ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ
وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي
، ر ، ٥٢ ، ١١)
ـ قال أكثر المعتزلة
والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم
وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ،
ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما
قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم
وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٣)
ـ القدرة مع الفعل
وهي تصلح للشيء وتركه في حال حدوثها ، وجائز كون الشيء في حال وجود تركه بأن لا
يكون كان فتركه (؟) ، وهذا قول" ابن الراوندي" (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ١٥)
ـ اختلفوا (المعتزلة)
هل يوصف الإنسان بالقدرة على ما يكون في الوقت الثالث أو إنما يوصف بالقدرة على ما
يكون في الثاني على مقالتين : فقال قائلون : الإنسان قادر بقدرته على أن يفعل في
الثاني ، ولا يوصف بالقدرة في حال حدوثها أنّه قادر بها على ما يكون في الثالث ،
وقال قائلون : هو قادر بقدرته على الفعل في
الثاني والثالث
وعلى ما لا يتناهى من الأفعال أن يأتي به في أوقات لا تتناهى إن بقيت قدرته ،
وأحال هؤلاء أن يكون ما يقدر عليه في الثالث يفعله في الثاني ، وما يقدر عليه في
الرابع يفعله في الثالث (ش ، ق ، ٢٣٦ ، ١)
ـ قال قوم :
القدرة التي يكون بها الكلام باللسان هي التي بها يكون المشي بالرجل ومحلّهما واحد
، وإنّما امتنع الكلام بالرجل لاختلاف الموانع. وقال قوم : القدرة على الكلام غير
القدرة على المشي ، ومحلّ كل قدرة غير محلّ القدرة الأخرى ، فقدرة المشي في الرجل
وقدرة الإرادة في القلب وقدرة النظر في العين (ش ، ق ، ٢٣٧ ، ١٠)
ـ اختلف الذين
قالوا بتغاير القدرة على الإرادة والمشي والكلام ، هل القدرة على ذلك جنس واحد أم
لا على مقالتين : فقال قائلون : كلّها من جنس واحد ، وقد يجوز أن تكون قدرة الكلام
من جنس قدرة المشي وإن لم يتجانس المقدور عليه. وقال قائلون : لا يجوز أن تكون
قدرة الكلام من جنس قدرة المشي (ش ، ق ، ٢٣٨ ، ٢)
ـ الدليل على أنّ
لله تعالى قدرة وحياة كالدليل على أنّ لله تعالى علما (ش ، ل ، ١٣ ، ١٨)
ـ إن قال : ولم
زعمتم أنّ القدرة لا تبقى ، قيل له لأنّها لو بقيت لكانت لا تخلو أن تبقى لنفسها
أو لبقاء يقوم بها. فإن كانت تبقى لنفسها وجب أن تكون نفسها بقاء لها وأن لا توجد
إلّا باقية وفي هذا ما يوجب أن تكون باقية في حال حدوثها. وإن كانت تبقى ببقاء
يقوم بها والبقاء صفة فقد قامت الصفة بالصفة والعرض بالعرض وذلك فاسد (ش ، ل ، ٥٥
، ٤)
ـ إنّ القدرة لا
تكون قدرة إلّا على ما يوجد معها في محلّها ، فلو كانت قدرة واحدة على حركتين لم
تخل أن تكون قدرة على حركتين أن توجدا معها في حال حدوثها أو على حركتين أن تكون
واحدة بعد أخرى. فإن كانت قدرة على حركتين أن تكونا معا ، فقد وجدت حركتان في موضع
واحد في وقت واحد. ولو جاز هذا لجاز ارتفاع إحدى الحركتين إلى ضدّها من السكون
فيكون الجوهر متحرّكا عن المكان ساكنا فيه في وقت واحد ، وهذا محال (ش ، ل ، ٥٦ ،
٧)
ـ إنّ من مذاهب
القدرية أنّهم لا يقولون إنّ الله يقدر أن يخلق الكفر ، فقد أثبتوا القدرة أخص من
العلم ، فينبغي لهم أن يقولوا على اعتلالهم إنّ لله قدرة (ش ، ب ، ١١١ ، ٢)
ـ قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة : ٦٣).
قيل : خذوا
التوراة بالجد والمواظبة. وقيل : " بقوّة" يعني بالطاعة له والخضوع. ثم
احتج بعض المعتزلة بهذه الآية على تقدّم القدرة الفعل ؛ لأنّه أمرهم ـ عزوجل ـ بالقبول له ،
والأخذ والعمل بما فيها. فلو لم يعطهم قوّة الأخذ والقبول له ـ قبل الأخذ له
والفعل ـ لكان لا يأمرهم بذلك ، لأنّهم يقولون : لا قوّة لنا على ذلك ؛ فدلّ أنه
قد أعطاهم قبل ذلك (م ، ت ، ١٨١ ، ٧)
ـ إنّ الذي لا
يعدو الواقع بفعله وقت الوصف له بالفعل وصف عجز ، والذي يعدوه ويقع عنده وصف قدرة
، كمن / يكون منه فعل الشيء وضدّه المتمكن منه أنّه أتم من جهة فعله. وكذلك من لا
يعد [و] فعله حيّزه هو دون من يقع فعله في كل حيّز ، كذلك وصف الله بالذي ذكرت ؛
إذ هو وصف التمام. مع ما لا يقع فعل العبد لغير وقته لأنّه عن شغله بالفعل يكون
وبالآلات ، والله
سبحانه بنفس يفعل ، وذلك كما علم سبحانه بذاته وقدر بذاته ، وكل من سواه بغير الذي
[ذكرت] لو لا ذلك ما قام به فعل ، والله هو ينشئ من لا شيء (م ، ح ، ٤٨ ، ٢)
ـ إنّ خروج
الأفعال المتتابعة على حسن النظام والإحكام هي أدلّة العلم بها والقدرة عليها لا
أنّها أدلّة من ليس بجاهل ولا عاجز ؛ إذ غير واحد بما وصفه لا يكون منه فعل البتّة
ولا اتساق ، نحو الأعراض كلها (م ، ح ، ١٢٩ ، ٩)
ـ القدرة للفعل
مخلوقة ، وهي سبب جعله مختارا لا مضطرّا (م ، ح ، ٢٣٩ ، ١٨)
ـ قال الشيخ رحمهالله : الأصل عندنا في المسمّى باسم القدرة أنّها على قسمين : أحدهما
سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدّم الأفعال ، وحقيقتها ليست بمجعولة للأفعال ،
وإن كانت الأفعال لا تقوم إلّا بها ، لكنها نعم من الله أكرم بها من شاء ثم
يستأديهم شكرها عند احتمالهم درك النّعم وبلوغ عقولهم الوقوف عليها ... والثاني
معنى لا يقدر على تبيّن حدّه بشيء يصار إليه سوى أنّه ليس إلّا للفعل ، لا يجوز
وجوده بحال إلا ويقع به الفعل عند ما يقع معه. وعند قوم قبله ، أعني فعل الاختيار
الذي بمثله يكون الثواب والعقاب ، وبه يسهل الفعل ويخفّ (م ، ح ، ٢٥٦ ، ٨)
ـ إن القدرة لو لم
تكن لها فعل وهي موجودة ويكون بها فعل وهي غير موجودة فتكون سببا لفعل إذا عدم
القدرة في التحقيق ، فيصير القول به قولا بوجود الفعل بعدم القدرة ، فيكون الفعل
دليلا أن ليس الفاعل بقادر ، وبه استدلوا على أنّ الله قادر ، فبطل موضع الاستدلال
بالشاهد ؛ إذ الحقّ فيه أن يعلم أنّه كان غير قادر وقت الفعل ، فيصير الفعل دليل
نفي القدرة ، وفي ذلك إبطال التوحيد (م ، ح ، ٢٦٢ ، ٩)
ـ الأصل عندنا (أبو
منصور الماتريدي) في المسألة أنّ وجود الفعل ولا قوّة لمن له الفعل عليه يبطل معنى
الفعل ويصرفه إلى غيره ، وكذلك وجود الفعل ممن هو جاهل به ، وهو غير جائز ، ثم كان
الخطاب لازما بسبب العلم ، وإن لم يكن حقيقته مما لو طلب يظفر به ، فكذلك القدرة ،
والفاجر بالذي لا يلزمه الكلفة لفوت ما به يطاق به ، كما لا يلزم المجنون لفوت ما
يعلم (م ، ح ، ٢٦٦ ، ١)
ـ إنّ القدرة محال
كونها لا للفعل ، وكذلك العجز لا عن فعل ، ثم قد يجوز أن يكون قادرا في وقت للفعل
، يعجز في الوقت الثاني ؛ إذ معلوم وجود مثله ، فيكون الله تعالى معطيا القوة لشيء
يستحيل كونه ، وفي ذلك فساد كون القوة للفعل ، فألزم ما أوجبه / العقل إنّها لا
تكون إلّا للفعل إحال [ة] القول بالتقدّم ، ولا قوّة إلّا بالله (م ، ح ، ٢٧٤ ، ١٠)
ـ لو لم يكن أمر
ولا نهي كان القول بيؤمن ويكفر ويقدر ولا يقدر لا معنى له ، ولا قوة إلّا بالله. وبعد
، فإنّ القدرة ثمرتها الفعل ، وبه يكون الذي ذكر ، لا بالأمر ؛ لذلك لم يصر الأمر
بالأمر أمرا بالذي ذكرت ، فبالإقدار يصير ملكا غنيا مستخلفا لما إذا تم كان ربّا
إلها ، ولا قوة إلا بالله (م ، ح ، ٢٧٦ ، ٤)
ـ لا توجد قدرة لا
تضيع فوجودها يوجب الفعل الذي يقصد (م ، ح ، ٢٧٦ ، ١٤)
ـ إنّ القدرة إذ
ليست إلّا للفعل ، وقد تخلو عنه وقتا جاز أن تخلو عنه أوقاتا ، وقد حققت هذا الوصف
لله. والثاني أنّه للوقت الثاني من وقت القدرة ليس بواجد لها ، وجاز الفعل بها ،
لم لا
كان للوقت العاشر
كذلك؟ وإن لم يجدها ، أو إذ لم يجز الفعل بها بعد فنائها بأوقات وجب أن لا يجوز
بوقت (م ، ح ، ٢٧٨ ، ٦)
ـ الحركة والسكون
هما اسما البقاء ، فمحال وجودهما في أوّل أحوال الجسم لإحالة البقاء ؛ إذ السكون
هو القرار حيث الوجود ، والحركة الانتقال عنه ، والقدرة ليست إلّا للفعل ، ولو جاز
وجودها ولا فعل وقتا واحدا لجاز أوقاتا ؛ إذ هي له ، والجسم ليس للحركة ولا للسكون
، وهما معنيان لا يقتضيان الحال. ألا يرى لأوقات البقاء لا يخلو عنهما ، ثم القدرة
لا تبقى ، فيجب أن لا يخلو منه عند الوجود (م ، ح ، ٢٧٨ ، ٢١)
ـ كان (الأشعري)
يثبت للمحدث اختيارا على الحقيقة بمعنى الإرادة ، كما يثبت له قدرة واستطاعة ،
ويقول إنّ اختياره وقدرته عن اختيار الله تعالى وقدرته ، وإنّ الله تعالى جعل
المختار مختارا والكاره كارها والمستطيع مستطيعا والعاجز عاجزا على معنى أنّه جعل
هذه المعاني وخلقها له بعد ما لم تكن (أ ، م ، ٧٦ ، ١٢)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّه لا ينكر أن يريد الإنسان فعل غيره على الحقيقة ، وينكر أن يقدر على فعل
غيره ممّا لا يكون في محلّ قدرته ، ويفرّق بين الإرادة والقدرة في ذلك. وبها كان
يفرّق بين القول بأنّ الإرادة لا تقتضي وجود المراد معها لأجل الإرادة ، وأنّ
القدرة تقتضي وجود المقدور معها لأجل القدرة ، وأنّ ما يوجد من المراد مع الإرادة
فلأجل اقتضاء القدرة مقدورها معها لا لأجل الإرادة (أ ، م ، ٧٨ ، ١٤)
ـ يقول (الأشعري)
إنّ القدرة محال وجودها إلّا مع وجود الكسب (أ ، م ، ٩٤ ، ٥)
ـ إنّ قول من قال
إنّ القدرة على الشيء غير القدرة على ضدّه توسّع ، وحقيقة الجواب عن ذلك أن
التغاير إنّما يكون بين شيئين موجودين ، فإذا وجدت القدرة على الشيء لم يجز أن
توجد القدرة على ضدّه ، بل القدرة على الشيء لا يقدر بها إلّا عليه وحده (أ ، م ،
١١٨ ، ١٨)
ـ إنّ القدرة التي
يخلقها في الإنسان ويخلق معها مقدورها فليست القدرة مولّدة للمقدور ولا موجبة له ،
وإن كان لا يأبى التسمية بأنّها علّة له. فإنّه (الأشعري) كان يجوّز أن لا توجد
القدرة ويوجد من جنس مقدورها مع عدم القدرة ، وإن لم يكن مقدورا (أ ، م ، ١٣١ ، ١٠)
ـ إنّ القدرة وإن
اختلفت مقدوراتها متجانسة ، حتى لا جنس يفعل بقدرة إلّا ويصحّ أن يفعل مثله بقدرة
أخرى (ق ، ش ، ١٢٠ ، ١)
ـ قد ثبت أنّه
تعالى قادر ، والقادر لا يصحّ منه الفعل إلّا إذا كان موجودا ، كما أنّ القدرة لا
يصحّ الفعل بها إلّا وهي موجودة (ق ، ش ، ١٨٠ ، ٨)
ـ إنّ القدرة لا
يصحّ الفعل بها إلّا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال (ق
، ش ، ٢٠١ ، ٣)
ـ أمّا الكلام في
أنّ متناهي المقدور قادر بقدرة ، فهو أنّ الذي يحصر المقدورات في الجنس والعدد
إنّما هو القدرة ، فإذا تناهى مقدوره دلّ على أنّه قادر بقدرة (ق ، ش ، ٢٨٠ ، ٤)
ـ المجبرة ، إنّهم
يقولون إنّ القدرة موجبة ، وأنّ المؤمن لا يقدر إلّا على الإيمان ، والكافر لا يقدر
إلّا على الكفر. وهذا هو أحد وجوه المضاهاة بين مذهب المجوس لأنّهم يقولون :
النور مطبوع على
الخير ولا يقدر على الشرّ البتّة ، والظلمة مطبوعة على الشرّ ولا تقدر إلّا عليه.
وهذا مذهب القوم بعينه (ق ، ش ، ٢٨٧ ، ١٣)
ـ النّظام وأبي
علي الأسواري والجاحظ ؛ فإنّهم ذهبوا إلى أنّه تعالى غير موصوف بالقدرة على فعل ما
لو فعله لكان قبيحا ، وإلى هذا ذهبت المجبرة ؛ فإنّ من مذهبهم ، أنّ الله تعالى
غير موصوف بالقدرة على التفرّد بالقبيح ، وإن قدر على أن يجعله كسبا للعبد. إلّا
أنّ حالهم بخلاف حال النّظام وطبقته لأنّهم ناقضوا من حيث أضافوا إلى الله تعالى
كل قبيح ، والنّظام لم يناقض (ق ، ش ، ٣١٣ ، ١١)
ـ إن شئت فرضت
الكلام في فعل يجوز أن يقع فيكون قبيحا ، ويقع فيكون حسنا ، فتقول : إذا قدر على
إيقاعه على أحد الوجهين ، فيجب قدرته على أن يوقعه على الوجه الآخر ، لأنّ القدرة
إنّما تتعلّق بالإيجاد والإحداث دون وجوه الأفعال. يبيّن ذلك ، أنّ أحدنا كما يقدر
على أن يقول زيد في الدار وهو فيها ، يقدر على أن يقول ذلك وليس هو فيها. وكذلك
الحال في القديم تعالى إذا قدر على الصدق وجب قدرته على الكذب ، لأنّهما شيء واحد
لا يختلفان إلّا بحسب اختلاف المخبر عنه ، وذلك مما لا يوجب تغيّر القدرة عليه.
وكذلك إذا قدر على إحياء الميت عقب دعوى المدعي للنبوّة وهو صادق ، وجب قدرته على
إحيائه عقب دعواه وهو كاذب (ق ، ش ، ٣١٤ ، ١٠)
ـ الكلام في أنّ
القدرة متقدّمة لمقدورها غير مقارنة له. ووجه اتّصاله بباب العدل ، أنّه يلزم على
القول بمقارنتها للمقدور تكليف ما لا يطاق ، وذلك قبيح ، ومن العدل أن لا يفعل
القبيح (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ١٠)
ـ ليس إلّا أن
يقال إنّ صحّة الفعل ووقوعه إنّما هو لكونه قادرا ، وكونه قادرا لا يصحّ إلّا
بالقدرة ، فثبتت القدرة بهذه الطريقة (ق ، ش ، ٣٩٢ ، ١٢)
ـ إنّ من مذهبنا
أنّ القدرة متقدّمة لمقدورها ، وعند المجبرة أنّها مقارنة له (ق ، ش ، ٣٩٦ ، ١)
ـ إنّه لو كانت
القدرة مقارنة لمقدورها لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق ،
إذ لو أطاقه لوقع منه ، فلمّا لم يقع منه دلّ على أنّه غير قادر عليه ، وتكليف ما
لا يطاق قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح (ق ، ش ، ٣٩٦ ، ٧)
ـ إنّ القدرة
صالحة للضدّين ، فلو كانت مقارنة لهما لوجب بوجودها وجود الضدّين ، فيجب في الكافر
وقد كلّف الإيمان أن يكون كافرا مؤمنا دفعة واحدة ، وذلك محال (ق ، ش ، ٣٩٦ ، ١١)
ـ أحد ما يدلّ على
أنّ القدرة لا تتعلّق بالموجود ، هو أنّه لو تعلّقت قدرتنا بالموجود ، لوجب أن
تتعلّق أيضا قدرة الله تعالى به ، فكان يجب صحة أن يوجد أحدنا وهو بالري في الحالة
الثانية بالصين ، ومعلوم خلافه (ق ، ش ، ٤١٣ ، ١٧)
ـ اعلم ، أنّ
القدرة عندنا متعلّقة بالمتماثل والمختلف والمتضادّ ، ولا يفترق الحال في ذلك بين
قدرة القوي والضعيف ، وإنّما يفترقان من حيث أنّ أحدهما يمكنه أن يفعل في كل جزء
من الثقيل الذي يريد رفعه بعدد ما فيه من الاعتماد وجزءا آخر زائدا على ذلك ، وليس
كذلك الآخر (ق ، ش ، ٤١٥ ، ١٧)
ـ أمّا في المباشر
، فلأنّ الفعل إنّما يحتاج إلى القدرة لخروجه من العدم إلى الوجود ، فلو لم
تتقدّمه ، بل توجد في حالة وقوع الفعل ، فإنّه لا يحتاج إليها بل يستغني عنها.
وأمّا في المتولّدات فأظهر ، ألا ترى أنّ الرامي ربما يرمي ويخرج عن كونه قادرا
قبل الإصابة ، بل عن كونه حيّا (ق ، ش ، ٤٢٤ ، ٨)
ـ إنّ القدرة إن
ردّت إلى شيء فإنّما يجب ردّها إلى ما هو كالوصلة إلى الفعل ، فإنّها إنّما يحتاج
إليها لإخراج الفعل من العدم إلى الوجود (ق ، ش ، ٤٢٦ ، ١١)
ـ أمّا في القدرة
فلو ثبت العجز معنى لأجرينا الكلام في ذلك على نحو ما أجريناه في العلم والجهل ،
وإذ قد تعذّر ذلك ففيه طريقان : أحدهما إنّ القدرة إذا لم تكن بدّ من وجودها لا في
محل فقد صارت موجودة على حدّ لا يصحّ الفعل بها لأنّه قد فقد فيها الشرط الذي معه
يصحّ الفعل من استعمال المحل على ما مضى بيانه. فكان هذا المثبت أثبت قدرة يقدر
القادر بها ولا يصحّ منه الفعل لأجلها ، وهذا ينقض وجودها وكون القادر قادرا بها.
والطريق الثاني إنه إذا لم يصحّ أن يقدر بتلك القدرة على الأجناس التي لا يصحّ أن
تكون مقدورة بالقدر لأن ذلك مستحيل على ما تقدّم فلا بدّ من أن يقال بقدرتها على
الأجناس التي هي متعلّقات القدر. ثم نعتقد أنّه يقدر عليها لنفسه وبقدرة ، وهذا
يقتضي أنّه قد قدر على الشيء الواحد من جهتين. ولو صحّ ذلك لصحّ مقدور واحد بين
قادرين بأن يقدر عليه بقدرتين ، لأنّ هاتين الجهتين حكمهما كحكم الذات والقدرة ،
هذا إذا كان يقدر على هذا الشيء بنفسه وبالقدرة ، فإن قدر عليه بالقدرة فقط فهو
باطل من جهة أخرى لأنّه يقتضي أنّ ما كان يستحيل كونه مقدورا له ، قد قدر عليه
بهذه القدرة ، وما يستحيل كونه مقدورا له يستحيل أن يقدر عليه أصلا (ق ، ت ١ ، ١٩٦
، ٢٦)
ـ إنّا لا نعرف
القدرة وكون القادر قادرا بها إلّا بعد العلم بكون العبد محدثا لتصرّفه. والذي
يحصل لنا العلم به ابتداء في كون العبد محدثا هو في العالم لاعتبار طريقة القصود
والدواعي ، لأنّ العلم بذلك يسبق العلم بكونه محدثا لتصرّفه. ثم إذا عرفنا أنّه
يصحّ منه الفعل ويتعذّر على غيره عرفنا اختصاصه بصفة. ثم عللنا تلك الصفة بوجود معنى.
ثم إذا ثبت لنا بقاؤه وأنّ السهو لا ينافيه ولا يدافعه ، عرفنا ثباته في الساهي ،
فعرفناه قادرا ، وأمكننا أن نعرف أنّ فعله حادث من جهته لوقوعه بحسب القدرة التي
كانت فيه عند ما كان عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٢٧)
ـ إثبات القدرة
فرع على أنّ أحدنا قادر ، وعلى أنّه قدر مع جواز أن لا يقدر. وذلك أيضا فرع على
كونه فاعلا لتصرّفه (ق ، ت ١ ، ٤٣٠ ، ٨)
ـ إنّ القدرة تحلّ
القادر فالمراد به ما بيّناه ، إلّا أن يراد به أن كل بعض منه ففيه القدرة. فأمّا
إن أريد أنّ القدرة وهي معنى واحد تحلّ في جميع أجزاء القادر فمحال ، وإلّا كان يجب
من حيث تعدّت المحلّ الواحد أن تشبه التأليف ، ومن حيث تعدّت المحلّين أن تخالفه
فتصير مثلا للتأليف ومخالفا له. وكان يجب أن تزول القدرة عن الواحد منّا رأسا
بتناقض جزء من أجزائه لأنّها والحال هذه قد عدم ما تحتاج إليه في الوجود ، وقد
عرفنا بطلان ذلك. فثبت أنّها تختصّ به بطريقة الحلول في بعضه (ق ، ت ٢ ، ٢٩ ، ١٤)
ـ إنّ ما لا حياة
فيه لا يصحّ وجود القدرة فيه على ما نعرفه من أحوال الجمادات ، ويصير اتّصاله
بالقادر والحال ما ذكرناه كانفصاله. فيجب إذا أن يكون هذا المحلّ فيه حياة (ق ، ت
٢ ، ٣٠ ، ١)
ـ حكي عن بعض البغداديّين
أنّهم جعلوا القدرة هي الصحّة ، وعندنا أنّها معنى زائد عليها. والخلاف في ذلك :
إمّا أن يكون من جهة المعنى وإمّا أن يكون من جهة اللفظ. فإن أراد المخالف بالصحّة
ما نعقله من تأليف على وجه مخصوص ثم يقضي بأنّ هذه الصفة صادرة عنه فهو خلاف من
جهة المعنى. وإن لم يرد ذلك ويسمّي هذا المعنى بالصحّة والقادر منّا بأنّه الصحيح
فهو خلاف في عبارة (ق ، ت ٢ ، ٣٠ ، ٩)
ـ إنّما ساغ للقوم
أن يصفوا العاجز أنّه ممنوع لاعتقادهم أنّ القدرة بوجودها يوجد مقدورها لا محالة ،
فاعتقدوا أنّه إذا لم يقع الفعل فلعدم القدرة. واعتقدوا أيضا أنّ القدرة لا تزول
إلّا بأن يخلفها عجز. وذلك عندنا باطل لأنّ القدرة يصحّ وجودها عارية عن الفعل
ومتقدّمة عليه بحال وأحوال كثيرة. ولا يجب أيضا لو زالت أن يخلفها عجز لا محالة لو
قدّرنا العجز معنى ، فكيف إذا لم يرجع بالعجز إلى أكثر من زوال القدرة عمّن يصحّ
كونه قادرا؟ والذي يبيّن صحّة ما قلناه التفرقة المعقولة بين المقيّد والزمن لأنّ
هذا الزمن لا يصحّ منه المشي وإن عدم ما عدم ، وهذا المقيّد يصحّ منه المشي بزوال
القيد. فعرفنا بذلك أنّ القدرة ثابتة في هذا المقيّد وإن لم يوجد مقدورها لمانع
عرض. وعلى أصلهم ينبغي أن يستويا جميعا وأن تبطل هذه التفرقة (ق ، ت ٢ ، ٦٢ ، ٥)
ـ اعلم أنّه لمّا
تقدّم القول في أنّ القدرة قدرة على الضدّين والأضداد أراد أن يبيّن تحقيق هذا
الفصل. والأصل فيه أنّ كل مقدور فلا يجب أن يكون له ضدّ بعينه أو ضدّ في جنسه على
ما بيّنّاه من قبل ، بل يجوز أن يكون في أجناس المقدورات ما لا ضدّ له ، نحو ما
نقوله في الاعتماد والتأليف والألم ونحو ما نقوله فيما يقدر تعالى عليه من الأجناس
نحو الحياة والقدرة (ق ، ت ٢ ، ٨٥ ، ٣)
ـ القدرة ليست
موجبة لمقدورها بل هي مقتضية لوقوع الفعل بها على وجه الصحّة والاختيار (ق ، ت ٢ ،
٩٢ ، ١٩)
ـ اعلم أنّ من شأن
القدرة عندنا أن تكون متقدّمة لمقدورها ولا تجب مقارنتها لا محالة. وتفارق بذلك
سائر ما يؤثّر في الفعل وفي غير طريقة الفعل ، نحو ما نقوله في العلم لأنّه يقف في
تأثيره على التقدّم والمقارنة جميعا (ق ، ت ٢ ، ١٠٥ ، ٢)
ـ أمّا القدرة
فإنّها مؤثّرة في حدوث الفعل بها ، ولا تتأتّى فيها هذه الطريقة إلّا مع التقدّم. وهكذا
يجب في القادر أيضا أنّه يجب تقدّمه على وجود مقدوره (ق ، ت ٢ ، ١٠٥ ، ٦)
ـ إنّا نجوّز
القدرة أن توجد أبدا ولا فعل ، سواء كان في الثاني أو في الثالث. وإنّما نحكم
بوقوع الفعل لمكان ما يحصل من الدواعي. فأمّا لو قدّر خلوّ أحدنا من الدواعي إلى
الأفعال لصحّ أن لا يكون فاعلا. وأمّا على طريقة أبي علي إذا لم يجوّز خلوّ القدرة
من الأخذ والترك فإنّ مذهبه يخالف مذهب القوم. لأنّه يجوّز خلوّها من الفعل عند
منع ، وليس قوله كقولهم إنّها موجبة ولا يصحّ انفكاكها عن الفعل (ق ، ت ٢ ، ١١٥ ،
٣)
ـ قد استدلّ بما
قاله أبو علي رحمهالله من أنّ القدرة لو كانت لا تنفكّ من الفعل لوجب أن يكون لها
تأثير الموجبات ، من حيث أحالوا وجودها إلّا والفعل موجود وهذا أبلغ ما يقال في
أحكام الموجبات. فيجب أن يكون الفعل الواقع من فعل فاعلها وأن ترجع أحكامه إليه
دوننا ، لأنّه قد فعل ما يوجب هذا الفعل على أبلغ ما يمكن. فصار حكمه حكم السبب
والمسبّب فكما أنّا نضيف المسبّب إلى فاعل السبب فكذلك يجب في القدرة ومقدورها. وهذا
يخرج فعلنا من أن يكون له تعلّق بنا. وإذا لم يتعلّق بنا لم يرجع حكمه إلينا كما
لا يرجع حكم القدرة إلينا ، لأنّ أحدنا لا يوصف بالمدح والذمّ وما يتبعهما لما
أوجده الله فيه من القدرة ، فكان ينبغي أن يحلّ الفعل محلّها. وقد عرفنا باضطرار
خلاف ذلك فيما فعله من قبيح وحسن. ومتى أخرجوا أحدنا عن كونه فاعلا ولم يثبتوا
تعلّقا لفعله به ، فالقدرة لا يصحّ إثباتها فضلا عن غير ذلك (ق ، ت ٢ ، ١١٦ ، ٣)
ـ إنّ القدرة تثبت
بكون القادر قادرا ، وكونه قادرا يثبت بكونه محدثا وفاعلا. والطريق إلى ذلك وجوب
وقوع فعله بحسب دواعيه. فإن كانت القدرة متى وجدت وجب وجود الفعل عندها فلا معنى لاعتبار
الدواعي ، وكان ينبغي أن يقع الفعل مع سلامة الأحوال وإن كانت الدواعي منتفية ،
وهذا لا يصحّ. فليس بعد ذلك إلّا أن يصحّ وجود القدرة وثبات كونه قادرا وليس بفاعل
ثمّ يصير فاعلا عند الدواعي ، وهذا لا يتمّ إلّا على أصلنا (ق ، ت ٢ ، ١١٦ ، ٢٢)
ـ جوّزنا أن تتعلّق
القدرة بأجزاء كثيرة من التأليف تفعل بها في محل واحد إذا جاوز بها القادر أجزاء
كثيرة ؛ لأنّ هناك قدرا مخصوصا تكون القدرة بأن تتعلّق به أولى من غيره ، فكذلك
القول في العلل (ق ، غ ٤ ، ٣١٤ ، ١٠)
ـ اعلم أنّ الذي
نعتبره في القدرة ، هو أنّها إذا تعلّقت بالمقدور ، متى تعدّت في التعلّق الوجه
الواحد ، لم تنحصر. فأمّا من حيث إثبات الأعداد ، فلا يجب فيه ما ذكرته دون أن
يعلم بدليل مستأنف أنّه لا يتعدّى الواحد في التعلّق ، ولذلك يجوز تعلّق العلم
بمعلومات على جهة الجملة ، وحلول التأليف في المحلّين (ق ، غ ٤ ، ٣٢٥ ، ٨)
ـ إنّ القدرة هي
قدرة على الإرادة ، حصل القادر عالما بالمراد ، أو في حكم العالم به ، أو لم يحصل
كذلك ؛ وهي أيضا قدرة على اعتقاد صفة الشيء ، وإن لم يعلم ذلك الشيء ، ولا يصحّ مع
ذلك أن تفعل مقدوراتها لعدم ما هو كالأصل له ، فلذلك لا يمتنع ما قلناه من كونه
قادرا على الشيء مع المنع من وجوده (ق ، غ ٤ ، ٣٣٤ ، ٨)
ـ حكي عن النظّام
والأسواري والجاحظ أنّ وصفه تعالى بالقدرة على الظلم والكذب وترك الأصلح محال ،
وإن كان يقدر من أمثال الأصلح والحسن على ما لا نهاية له. قالوا : لأنّ ذلك يوجب
النقص والحاجة ، وذلك يستحيل عليه تعالى ؛ فما أوجب ذلك من فعل الظلم يجب
استحالته. وإلى ذلك ذهب أكثر المجبرة ، والحشوية ، والمرجئة ، والروافض ؛ وفيهم من
ارتكب القول بأنّه تعالى لا يوصف بالقدرة على أن يفعل خلاف ما علم أنّه يفعله. وقد
حكي عن أبي علي الأسواري أنّه قال : إذا قرن القول بأنّه جلّ وعزّ عالم بأنّ الشيء
لا يكون مع القول بأنّه يقدر على تكوينه ، كان
ذلك محالا
متناقضا. فإذا أفرد كلّ قول من هذين عن صاحبه ، صحّ الكلام. وقال عبّاد إن علم
الله أنّه يكون ، يقدر تعالى على تكوينه ، ولا يقال يقدر على أن لا يكوّنه ، وما
نعلم أنّه لا يكون ، لا يقال يقدر على أن يكوّنه ، وإن قيل إنّه يقدر عليه (ق ، غ
٦ / ١ ، ١٢٧ ، ٤)
ـ الذي يذهب إليه
شيوخنا أبو الهذيل وأكثر أصحابه ، وأبو علي ، وأبو هاشم رحمهمالله أنّه تعالى يوصف بالقدرة على ما لو فعله لكان ظلما وكذبا ،
وإن كان تعالى لا يفعل ذلك لعلمه بقبحه وباستغنائه عن فعله. وكذلك قولهم في القدرة
على ما علم أنّه لا يكون ، لكنّه حكي عن أبي الهذيل أنّه قال : يستحيل أن يفعل
الظلم وإن كان قادرا عليه ؛ وذلك بعيد متناقض. وحكي عن بشر بن المعتمر أنّه قال :
إنّه تعالى وإن كان قادرا على تعذيب الطفل ، فلو عذّبه لكان بالغا كافرا مستحقّا
للعذاب. وقال غيره : إنّ ذلك غير واجب (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٨ ، ٦)
ـ إنّ القدرة لا
يمتنع تعلّقها بجنس دون جنس ، ومتى تعلّقت بجنس مخصوص لم يصحّ أن تختصّ بأن تتعلّق
بضرب منه لوجوب تعلّقها بإيجاد ذلك الجنس على أي وجه وجد. فكذلك القول في حال
القادر. يبيّن ذلك جواز اختصاص الأعيان في دخولها تحت مقدور القادر ، وإن لم يصحّ
ذلك في الوجوه التي يقع عليها ما يقدر عليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣٠ ، ١٦)
ـ إنّ كل من
وصفناه بالقدرة على أن يدلّ على أنّه بصفة من الصفات ، أن يكون في حال ما وصف
بالقدرة على أن يدلّ على تلك الصفة ، على الوجه الذي تقتضيه الدلالة. فأمّا قبل
ذلك وبعده ، فليس يجب ذلك. أما ترى أنّا إذا وصفناه بالقدرة على أن يدلّ على أنّه
قادر ، فيجب ذلك فيه في حال الوصف ، لا قبله ولا بعده ؛ ... وإذا وصفناه بالقدرة
على أن يدلّ على أنّه في الدار ، فيجب كونه كذلك في حال الوصف لا قبله ولا بعده.
والدلالة في هذا الباب كالخبر الصدق والعلم. وليس يجب إذا قدرنا على أن نعلم أنّ
زيدا قادر أن نخبر عن كونه كذلك ، أن يكون أبدا قادرا ، وإنّما يجب في حال القدرة.
وكذلك إن كانت الدلالة تدلّ على أنّه بتلك الصفة قبل حال وجودها ، أو في حال وجودها
، قضى بذلك. وكذلك إن وصفناه بالقدرة على أن يدلّ على أنّه اليوم قادر ، فيجب أن
يكون اليوم قادرا ، حسنت (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٤٨ ، ٧)
ـ إنّ القدرة
لنفسها تتعلّق بالمقدور. وقد علم أنّ ما أوجب اختصاص القدرة بجنس دون جنس هو كونها
قدرة ، كما أنّ الذي أوجب اختصاصها بأن تتعلّق بالجزء الواحد ، من الجنس الواحد ،
في الوقت الواحد ، هو كونها قدرة. وقد علمنا أنّ كون القادر قادرا ، وتعلّقه
بمقدوره تعلّق القادرين يوجب مفارقته للقدرة في هذا الوجه ؛ فكذلك يجب مفارقته لها
في الوجه الأول (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٢ ، ٣)
ـ إنّ القدرة من حقّها
أن يخرج بها الفعل من العدم إلى الوجود (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٩ ، ٨)
ـ القدرة تؤثّر في
المحلّ حتى لا يصحّ الفعل بها ابتداء إلّا باستعمال محلّها (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٦٧ ،
١٦)
ـ إنّ الدواعي
التي هي الاعتقادات ، قد يكون تعلّقها بما يستحيل وجوده من جهته ، كتعلّقها بما
يصحّ وجوده من جهته. ولو اقتضت صحّة الفعل ، لحلّت محل القدر في استحالة تعلّقها
إلّا بما يحدث من
جهته فقط. يؤيّد ذلك ، أنّ من حق القدرة أن تقتضي لجنسها صحّة الفعل بها. فلو لم
يصحّ ذلك فيها إلّا مع الدواعي ، لأوجب ذلك قلب جنسها. ولا يمكن أن يقال : إن من
شرط صحّة الفعل بها ارتفاع الموانع ، وذلك لأنّ الشيء إنّما يجعل شرطا في غيره متى
دلّ الدليل على ذلك فيه ، وإلّا فالواجب القضاء بحصول ما يقتضيه الشيء لجنسه ، حصل
غيره أو لم يحصل. وإنما جعلنا ارتفاع الموانع شرطا ، لأنّ وجوده يحيل الفعل ، ولم
يثبت في ارتفاع الدواعي أنّه يحيل الفعل ، فيجعل وجودها شرطا. وإذا جاز بقاء الفعل
مع ارتفاع الدواعي ، فكيف يجعل شرطا في حدوثه؟ وإنّما جاز ذلك في ارتفاع الموانع ،
لمّا كان المنع يحيل وجوده على كل حال (ق ، غ ٨ ، ٥٤ ، ٧)
ـ إنّ النوم لا
ينفي القدرة ، ولا يحتاج إلى ما ينفيها ، وأنّ القدرة باقية ؛ فلا يجب إذن أن يحصل
للنائم حالة يتغيّر بها عن حال المستيقظ ، إلّا زوال العلم (ق ، غ ٨ ، ٥٦ ، ٢١)
ـ إنّ القدرة لو
تعلّقت بالإعدام لكانت هي التي تتعلّق بالإيجاد ، وهذا يؤدّي إلى كونها متعلّقة
بالشيء على صفتين ضدّين. فهذا محال ، على ما بيّناه (ق ، غ ٨ ، ٨٢ ، ٣)
ـ إنّ القدرة لا
تتعلّق بإعدام الشيء على وجه (ق ، غ ٨ ، ٨٢ ، ١٢)
ـ إنّ العلم
يتعلّق بالشيء على سائر وجوهه ، وكذلك الاعتقاد والخير. فلا يجب فيه ما ألزمناه في
القدرة ، لأنّها إنّما تتعلّق بالشيء على جهة الحدوث ، ومن حق المقدور أن يكون
معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٤ ، ٥)
ـ إنّ القدرة لما
هي عليه في جنسها تقتضي صحّة التعلّق بأشياء ، وإلّا لم يكن بين القادر والعاجز
والمضطرّ فصل. وتعلّق القدرتين بالمقدور الواحد يؤدّي إلى قلب جنسها من حيث يصحّ
إيجاده بأحدهما وإن عدم الآخر ، أو أن يستحيل وجوده بأحدهما إذا عدم الآخر (ق ، غ
٨ ، ١٤٠ ، ١٤)
ـ إنّ طريق إثبات
القدرة إثبات الفعل محتاجا في بعض صفاته إليها ، أو إلى القادر بها ؛ وإذا لم يصحّ
ذلك ، على قولهم (المجبرة) ، لم يصحّ إثباتها أصلا. وليس كذلك القول في إثبات
المحل ، لأنّا نبيّنه بغير هذا الوجه ، بل لا يصحّ أن يحصل للفعل صفة به ، وإنّما
يحتاج إليه في وجوده وحلوله فيه ، وهذا فرق بيّن بينهما (ق ، غ ٨ ، ١٨٣ ، ٧)
ـ إنّ القدرة ليست
موجبة ، ويصحّ من القادر بها التوصّل بها إلى الإيمان ، كما يصحّ أن يفعل بها
الكفر. فلا يجب بالرضى بها ، الرضى بمقدورها (ق ، غ ٨ ، ٢٥١ ، ١٩)
ـ إنّ القدرة من
حقّها ألّا يصحّ أن يفعل بها الآخر أو أحدا من جنس واحد في محل قدرته في وقت واحد
، فلو جوّزنا أن يعيد القادر بها مقدورها لأدّى إلى أن يجوز أن يعيد أو يؤخّر ما
لم يفعله من مقدوراته ، فيصحّ منه حمل الجبال العظيمة ، وقد علمنا أنّ ذلك متعذّر
فلذلك استحال أن يعيد العبد مقدوره ، ولا يوجب ذلك أن يستحيل أن يوجد فعله ابتداء
، كما لا يجب ذلك فيما لا يبقى من أفعاله تعالى (ق ، غ ٨ ، ٢٩٦ ، ١٧)
ـ اعلم أنّا قد
دللنا من قبل على أنّ القدرة متعلّقة بالضدّين ، وبالمختلف من الأفعال وبالمتماثل
منها. وكلّ ذلك يبيّن أن تعلّقها لا يكون
مقصورا على ما
يعلم أنّه يكون ؛ فإذا يجب أن يقدر الواحد منّا على ما علم كونه ، وعلم أنّه لا
يكون (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ١٤)
ـ إنّ القدرة
إنّما تتناول الشيء على جهة الإحداث (ق ، غ ١١ ، ٥٠٣ ، ٧)
ـ قد بيّنا أنّ
صحّة الفعل أو وجوبه ، ترجع إلى القادر دون القدرة ، وإنّما تأثيرها أن يصير بها
قادرا ، فلو وجب فيها ألا يخلو من المقدور ، لوجب في القادر ، وقد بيّنا فساد ذلك (ق
، غ ١٤ ، ٢١٠ ، ٨)
ـ مما يدلّ على
أنّ القدرة لا تزول بالنوم ، وهو أنّه لو كان كذلك لكان يجب أن تكون عودتها إلى
بدن المنتبه بمجرى العادة ، فيجوز أن تعود ويجوز أن لا تعود ، وأنّها إذا عادت
اختلفت أيضا في البطء والسرعة. فلمّا استمرّ الحال في عودها على وتيرة واحدة لا
تختلف ، علمنا أنها لم تكن قد زالت بل كانت باقية وإنّما كانت قد أمسكت وتقاعدت عن
العمل (ن ، د ، ٣١٦ ، ١٠)
ـ لو كان قادرا في
حال العدم لكان لا يخلو : إمّا أن يكون قادرا لنفسه أو قادرا بقدره. ولا يجوز أن
يكون قادرا بقدرة ، لأنّ القدرة إنّما يجب لها كون الذات قادرا إذا اختصّت بمن
توجب له الصفة ، والاختصاص إنّما يكون بطريقة الحلول ، والحلول في المعدوم محال.
ولا يجوز أن يقال إنّه يكون قادرا بقدرة معدومة ، لأنّ القدرة المعدومة لا تعلّق
لها بالقادر ، ولأنّه لا اختصاص لها ببعض المعدومات دون البعض ، فكان يجب في
المعدومات أجمع أن تكون اختصاص قادره ـ وقد علمنا أن في العدم عرضا كما أنّ فيه
جوهرا. ولأنّ القدرة المعدومة لا يمكن فعل الجسم بها ، لأن الفعل إنّما يمكن
بالقدرة على أحد الوجهين : إمّا مباشرة وإمّا توليدا ، وكلا الوجهين لا يمكن به
فعل الجسم. والقدرة لا يمكن الفعل بها إلا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه
ضربا من الاستعمال ، وذلك لا يتأتى في المعدوم. فإذا لم يجز أن يكون قادرا بقدرة
وجب أن يكون قادرا لنفسه ، ولو كان قادرا لنفسه لوجب في حال الوجود أيضا أن يكون
كذلك ، لأنّ الوجود لا يجوز أن يكون محيلا لهذه الصفة ، كيف وهو مصحّح للأحكام!
ولو كان قادرا لنفسه في حال الوجود لكان يجب أن يكون كل جزء منه قادرا ، لأنّ صفة
النفس ترجع إلى الأجزاء والأبعاض ، فيجب في الجملة أن تكون قادرين كثيرين ضمّ
بعضها إلى بعض ، فلا يقع الفعل بداع واحد وقصد واحد ، وكان يجب أن يصحّ التمانع
بين أجزاء الجملة ، وكان يجب في كل جزء منها أن يصحّ فعل مثله ، لأنّ قضية العقل
لا تفصل في ذلك (ن ، د ، ٣٦٥ ، ١٦)
ـ إنّ القدرة لا
يمكن الفعل بها إلّا بعد استعمال محلّها في الفعل وفي سببه ضربا من الاستعمال ـ وذلك
يقضي ثبوت الحاجة إلى الآلة ، المتّصلة والمنفصلة (ن ، د ، ٣٦٩ ، ٣)
ـ إن قيل : فلم
قلتم إنّ القدرة لا تتعلّق بالجسم؟ قيل له : لأنّ قدرة من القدر لو أمكن فعل الجسم
بها لأمكننا أن نفعل الأجسام بما فينا من القدرة ـ وقد علمنا خلاف ذلك. فإن قيل : فلم
قلتم إنّه لو أمكن فعل الجسم بقدرة من القدر لكان يجب أن يمكننا أن نفعل الأجسام
بما فينا من القدرة؟ قيل : لأنّ القدر مختلفة ، ومع اختلافها فمقدوراتها متجانسة.
وقد علمنا أنّ هذه القضية وهي تجانس المتعلّقات إنّما
وجبت بالقدر دون
غيرها من الأعراض فكانت معلّلة بنوعها وقبيلها ـ وقد علمنا أنّ القدرة التي
نثبّتها فمخالفتها ليست بأكثر من مخالفة هذه القدر بعضها لبعض ، فكان يجب فيما
يصحّ بها من الأجناس أن يصحّ بهذه القدر. فلما لم يصحّ فعل الجسم بهذه علمنا أن
القدرة التي يثبّتها المخالف ويدعي أنّ الجسم يفعل بها مما لا حصول له. وهذه
الدلالة مبنيّة على أصول : أحدها : أنّ القدر مختلفة. والثاني : أنّها وإن اختلفت
فمقدوراتها متجانسة. والثالث : أن هذه القضية ، وهي تجانس المقدور ، معلّلة بكون
القدر قدرا (ن ، د ، ٣٧٣ ، ٢)
ـ إنّ القدرة لا
يمكن فعل الجسم بها ، وتحريره هو أن يقال إنّ القدرة لا يمكن الفعل بها إلّا
مباشرا وإمّا متولّدا. وأمّا الاختراع فمحال بالقدرة ، ولا يمكن فعل الجسم على
الوجهين جميعا (ن ، د ، ٣٩٠ ، ٥)
ـ لا يعقل الفعل
بالقدرة سوى استعمال محلّها في الفعل (ن ، د ، ٤٣٢ ، ٣)
ـ إنّ حكم القدرة
لا يظهر بأن يكون في كل جزء واحد من القدر (ن ، د ، ٤٣٥ ، ١٨)
ـ القدرة تتعلّق
بالمقدور (ن ، د ، ٤٤٩ ، ١٦)
ـ إنّ القدرة لا
يمكن الفعل بها إلّا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ـ وهذا
ظاهر بيّن. أو لا ترى أنّ أحدنا إذا أراد أن يحمل شيئا بيمينه فتعذّر عليه فإنّه
لا يمكنه أن يستعين بالقدرة التي تكون في يساره إلّا بعد أن يستعمل محلّ تلك
القدرة في الفعل أو في سببه؟ وهذا حكم تختصّ به القدرة دون غيرها من الأعراض (ن ،
د ، ٤٥٠ ، ٤)
ـ العلم يمكن به
إيقاع الفعل على وجه الإحكام من دون استعمال محلّه ، وفي القدرة لا يمكن ، فلا بدّ
من أن يكون معلّلا ، من حيث أنّا وجدنا ذاتين إحداهما لا يمكن الفعل بها على الوجه
الذي تؤثّر فيه إلّا بعد استعمال محلّها في ذلك الفعل ، والثانية يمكن ، مع
تساويهما في سائر الأحكام ؛ فلا بدّ من أن تكون مفارقة إحداهما للأخرى بأمر من
الأمور. وليس ذلك إلّا نوع القدرة وقبيلها ، لأنّ ما عدا ذلك من الحدوث والوجود
والعرض وكون الموصوف بهما جسما حاصل في العلم والإرادة ؛ فإذا وجب أن يكون معلّلا
بكونها قدرا وجب أن يشيع هذا الحكم في كل قدرة (ن ، د ، ٤٥٠ ، ١٨)
ـ إن قيل : ما
أنكرتم أنّ القدرة أيضا إنّما وجب حلولها في بعض الواحد منا لأجل أنّها علّة ومن
حق العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص؟ قيل له : قد بيّنا أنّ هذا الحكم ،
وهو أن لا يمكن الفعل بها إلّا مع استعمال محلّها ، معلّل ، وأنّ العلّة ليس إلّا
كونها قدرا ، فيجب أن نثبت هذا الحكم لأجل أنّها كانت قدرة وأن يكون احتياجها إلى
المحل لهذا المعنى ، وأنّ الاحتياج الذي هو لأجل الاختصاص تابع لذلك فلا يبطل أن
يكون احتياجها إلى المحل لأجل هذه العلّة ، لأنّ في ذلك إبطال العلّة مع ثبوت
العلّة (ن ، د ، ٤٥١ ، ١٢)
ـ إنّ القدرة
الواحدة ، لا يجوز أن تتعلّق بأكثر من جزء واحد ، من جنس واحد ، في وقت واحد ، في
محل واحد. ولا ينقلب علينا مثله في الإدراكات ، لأنّها مختلفة. والقدرة الواحدة
تتعلّق بما لا يتناهى من الإرادات المختلفة ، في الوقت الواحد ، في المحل الواحد (ن
، م ، ١٦٥ ، ١٢)
ـ إنّ للقدرة
تأثيرا لا في القدرة ، وتأثيرا في محلّها ، وأنّ مقدورها يكثر بكثرتها وبكثرة
المحال (ن ، م ، ٢٣١ ، ١٧)
ـ اعلم أنّ أبا
القاسم قال في القدرة إنّها هي الصحّة الزائدة ، وأراد بها العافية لا التئام
الأجزاء (ن ، م ، ٢٤١ ، ١٦)
ـ اعلم أنّ
العافية ، إن لم يرد بها اعتدال المزاج وزوال الأمراض ، لم تعقل. والمعقول من
اعتدال المزاج تساوي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة. ولا يجوز أن تكون القدرة
هذه المعاني ، لصحّة وجودها في الجماد ، واستحالة وجود القدرة فيه. ولأنّ هذه
المعاني لا تتعلّق بالغير ، والقدرة تتعلّق بالغير. ولأنّ للقادر بكونه قادرا ،
حالا ترجع إلى جملته ، وأحكام هذه المعاني مقصورة على محالها. على أنّ هذه المعاني
متضادّة ، ويستحيل أن يجب عن المتضاد صفة واحدة. وإن أراد بالعافية زوال المرض
فذلك نفي ، والقادر يكون قادرا لوجود معنى (ن ، م ، ٢٤١ ، ٢٠)
ـ من قال إنّ
القدرة هي التأليف الواقع على وجه ، وهو الذي نسمّيه صحّة. فالذي يبطله أنّ
التأليف يصحّ وجوده في الجماد ، والقدرة يستحيل وجودها في الجماد. ولأنّ التأليف
جنس واحد والقدر مختلفة ، ولأنّ العلّة في إيجابها لا تقف على وقوعها على وجه ،
ولا على شرط منفصل ، لأنّ صفتها الذاتية إنّما تظهر إيجابها ، فلا يجوز أن توجد
ولا توجب (ن ، م ، ٢٤٢ ، ١)
ـ إنّ القدرة لو
كانت غير مختلفة ، لكان يصحّ أن ينفيها عجز واحد ، لأنّ حالها مع الكل سواء ، كما
نقول في البياض الواحد ، إذا طرأ على محلّ فيه أجزاء كثيرة من السواد ، دون أن
ينفيها (ن ، م ، ٢٤٤ ، ١٥)
ـ قال أبو القاسم
، لا يجوز أن يوجد بالقدرة الواحدة ، في الوقت الواحد ، أكثر من فعل واحد مباشر.
ويجوز أن توجد أفعال كثيرة متولّدة ، وتكثر هذه الأفعال وتقلّ ، على حسب حال الجسم
الذي تتولّد فيه ، في صلابته واسترخائه ، وثقله وخفّته ، وذلك أن أجزاءه لنا
كالآلات التي نفعل بها. قال : وقد ضربنا مثل ذلك بالخشبة تحرّك بها جسما فيصعب
علينا تحريكه ، ثم تجفّ وتصلب فيسهل بها تحريك ذلك الجسم بعينه (ن ، م ، ٢٤٦ ، ٤)
ـ إنّ القدرة
الواحدة تتعلّق بأكثر من جزء واحد ، من جنس واحد ، في وقت واحد ، في محل واحد ،
إلّا أنّه لا يقع بها إلّا فعل واحد (ن ، م ، ٢٤٦ ، ٩)
ـ إنّ السبب
الواحد لا يولّد أكثر من جزء واحد. لأنّه لو تعدّى عنه إلى أكثر ولا حاصر ، لتعلّق
بما لا نهاية له. ولذلك لا يصحّ أن يبتدئ بالقدرة ، في كل وقت ، من كل جنس ، في
محلّ واحد ، أكثر من جزء واحد ، لأنّها لو تعدّت عنه ولا حاصر ، لوجب أن تتعلّق
بما لا نهاية له. فلذلك لم يجز أن تتعدّى عن هذين الجزءين إلى ثالث (ن ، م ، ٢٤٨ ،
١٣)
ـ قيل : أليس
أحدنا يحرّك السارية العظيمة بالعتلة ، ويحرّك الجسم الثقيل بآلات معروفة ، فما
أنكرتم أنّ القدرة الواحدة ، قد تعدّت في التعلّق بأكثر من جزء واحد ، في وقت واحد
، في محل واحد (ن ، م ، ٢٤٨ ، ١٨)
ـ المعلوم من حال
القدرة أنّها توجب كون القادر قادرا ، ومعلوم من حال القادر بها في الثاني أنّه قد
يجوز أن يمنع من الفعل بأن يفعل فيه ما
يضادّ مقدوره ، ومعلوم
أنّ ما يفعل فيه لا ينافي في القدرة. فإذا صحّ ذلك ، أوجب مجموع ما قلناه ، أنّه
قد يكون قادرا في حال ما هو ممنوع من الفعل ، ولا يجوز أن يكون قادرا في حال ما هو
عاجز عنه (ن ، م ، ٢٥٣ ، ٢٠)
ـ إنّ القدرة يجوز
عليها البقاء : أحد ما يدلّ على ذلك ، أنّ الحيّ منّا على طريقة واحد. لا يخرج من
كونه قادرا ، إلّا عند طروء الضدّ وما يجري مجراه. فيجب أن يكون لذلك الأمر تأثير
في انتفاء القدرة. ولا يؤثّر في انتفائها ، إلّا والمعلوم من حاله أنّه لولاه
لبقيت. وأنّ القادر منّا لا يخرج عن كونه قادرا ، ما لم يظهر في جسمه تغيّر معلوم
بالاختيار والعادة وادّعى فيه الضرورة جاز (ن ، م ، ٢٥٧ ، ٧)
ـ قد بيّنا أنّ
القدرة لا تكون قدرة على أمر من الأمور ، إلّا ويصحّ إيقاع ذلك الأمر به على بعض
الوجوه. وإلّا لم يتميّز حال القادر ممن ليس بقادر ، ويؤدّي إلى أن يجوز أن تكون
قدرنا متعلّقة بالأجسام ، وإن كان يستحيل إيجادها بها على كل حال (ن ، م ، ٢٦٣ ، ٧)
ـ إنّا نعلم من
أنفسنا ، أنّا وحالتنا هذه ، يصحّ منّا الفعل في سائر الأوقات ، ولا يتمّ هذا
العلم لو لا أنّ القدرة تبقى ولا تتجدّد حالا بعد حال. إذ لو كانت تجدّد ، لكنّا
لا نعلم ضرورة ، أنّه يتأتى منه في كل حال الفعل ، وحالتنا هذه (ن ، م ، ٢٦٣ ، ١٢)
ـ إنّ القدرة
الواحدة بما بيّن في الكتب ، تتعلّق بما لا يتناهى من الإرادات المختلفة ، وبما لا
يتناهى من تروكها من الكراهات (ن ، م ، ٢٧٠ ، ١٩)
ـ قيل : إنّ
القدرة لا تتعلّق بما لا يتناهى لا من الأفعال ولا من التروك. لأنّ القدرة لا
تتعلّق إلّا بما يصحّ فعله (ن ، م ، ٢٧١ ، ١)
ـ إنّ القدرة يجوز
أن توجد ، ولا يقع بها في الثاني الأخذ والترك ، إذا كان هناك منع. فلو كانت
محتاجة إلى الأخذ والترك ، لكان ما يمنع مما تحتاج القدرة إليه يمنع من وجود
القدرة. ولا يجوز أن تكون القدرة مضمّنة بوجود مقدورها من الأخذ والترك ، لأجل
أنّها لو كانت بهذه الصفة لكانت لا تتقدّمه (ن ، م ، ٢٧٤ ، ٨)
ـ لا يجوز أن تكون
القدرة علّة لوجود المقدور ، ولا أن تكون سببا ، لأنّها متعلّقة بالضدّين. وكان
يجب أن يكون بوجودها وجود الضدّين ، وهذا محال. فثبت بهذه الجملة أنّه يصحّ أن
يخلو القادر بقدرة في الوقت الثاني من الأخذ والترك (ن ، م ، ٢٧٤ ، ١٥)
ـ لا خلاف بين
الشيخين ، في أنّ القدرة لا تكون قدرة إلّا على أن يفعل. وقد حكي عن أبي الهذيل
أنّ القدرة تكون قدرة على أن لا يفعل. وذهب قوم من البغداديين إلى أنّ القدرة تكون
قدرة على أن لا يفعل (ن ، م ، ٢٨٤ ، ٧)
ـ إنّ القدرة على
الشيء يجب أن تكون قدرة على ضدّه ، فإذا قال النظام إنّ الله تعالى لا يقدر على
الظلم والكذب لزمه أن لا يكون قادرا على الصدق والعدل ، والقول بأنّه لا يقدر على
العدل كفر (ب ، ف ، ١٣٤ ، ١١)
ـ زعم بعض
الكراميّة أنّ الحياة من جملة القدرة ، وأنّ القدرة اسم جامع لكل ما لا يصحّ الفعل
دونه كالحياة والعلم وصحّة الجارحة (ب ، أ ، ٤٣ ، ٥)
ـ أجمع أصحابنا
على أنّ لله تعالى قدرة واحدة يقدر بها على جميع المقدورات (ب ، أ ، ٩٣ ، ٨)
ـ قد علمنا أنّ
الطاقة والاستطاعة والقدرة والقوة في اللغة العربية ألفاظ مترادفة كلها واقع على
معنى واحد ، وهذه صفة من يمكن عنه الفعل باختياره أو تركه باختياره (ح ، ف ٣ ، ٢٤
، ١٤)
ـ أمّا الكلام في
أنّ القدرة لا يصحّ بها فعل الجسم ، فهو أنّ القدرة لا يصحّ بها الفعل إلّا على
أحد وجهين : إمّا في محلّها ابتداء ، أو بسبب ، أو في غير محلّها بسبب يتعدّى محل
القدرة. وإذا كان الحلول على الجوهر مستحيلا ، لم يصحّ فعله في محلّ القدرة سواه
كان ابتداء أو بسبب. وأمّا في غير محل القدرة فالذي تعدّى به الفعل عنه هو
الاعتماد ، ولا حظّ له في توليد الجوهر على ما سنبيّنه في بابه (أ ، ت ، ١١٠ ، ٣)
ـ ذهبت الجبرية
إلى نفي القدرة ، وزعموا أنّ ما يسمّى كسبا للعبد أو فعلا له ، فهو على سبيل
التوسّع والتجوّز في الإطلاق ، والحركات الاختيارية والإرادية بمثابة الرعدة
والرعشة (ج ، ش ، ١٩٥ ، ٣)
ـ الدليل على
إثبات القدرة ، أنّ العبد إذا ارتعدت يده ، ثم إنّه حرّكها قصدا ، فإنّه يفرّق بين
حالته في الحركة الضروريّة وبين الحالة التي اختارها واكتسبها ، والتفرقة بين
حالتي الاضطرار والاختيار معلومة على الضرورة. ويستحيل رجوعها إلى اختلاف الحركتين
، فإنّ الضرورية مماثلة للاختيارية قطعا ؛ فكلّ واحدة من الحركتين ذهاب في الجهة
الواحدة وانتقال إليها ، ولا وجه لادّعاء افتراقهما بصفة مجهولة تدعى ، فإنّ ذلك
يحسم طريق العلم بتماثل كل مثلين ؛ فإذا لم ترجع التفرقة إلى الحركتين ، تعيّن
صرفها إلى صفة المتحرّك (ج ، ش ، ١٩٥ ، ٦)
ـ ذهبت المعتزلة
إلى أنّ ما يقع مباينا لمحلّ القدرة ، أو للجملة التي محلّ القدرة منها ، فيجوز
وقوعه متولّدا عن سبب مقدور مباشر بالقدرة. فإذا اندفع الحجر عند الاعتماد عليه ،
فاندفاعه متولّد عن الاعتماد القائم بمحلّ القدرة (ج ، ش ، ٢٠٦ ، ١٠)
ـ الصفة الأولى
القدرة : ندّعي أنّ محدث العالم قادر. لأنّ العالم فعل محكم مرتّب متقن منظوم
مشتمل على أنواع من العجائب ، والآيات ؛ وذلك يدلّ على القدرة ، ونرتّب القياس
فنقول : كل فعل محكم فهو إذا صادر من فاعل قادر ؛ والعالم فعل محكم مرتّب ، فهو
إذا صادر من فاعل قادر (غ ، ق ، ٨٠ ، ٥)
ـ نعني بكونه
قادرا أنّ الفعل الصادر منه لا يخلو ، إمّا أن يصدر عنه لذاته أو لمعنى زائد عليه
، وباطل أن يقال صدر عنه لذاته ، إذ لو كان كذلك ، لكان قديما مع الذات فدلّ على
أنّه صدر لزائد على ذاته. فالصفة الزائدة التي بها تهيّأ للفعل الموجود نسمّيها
قدرة ؛ إذ القدرة في وضع اللسان عبارة عن الصفة التي بها يتهيّأ الفعل للفاعل ،
وبها يقع الفعل وهذا الوصف ، مما دلّ عليه التقسيم القاطع الذي ذكرناه ، ولسنا
نعني بالقدرة إلّا هذه الصفة ، وقد أثبتناها (غ ، ق ، ٨١ ، ٥)
ـ أنظر الآن إلى
أهل السنّة كيف وفقوا للسداد ، ورشحوا للإقتصاد في الاعتقاد؟ فقالوا القول بالجبر
محال باطل ، والقول بالاختراع اقتحام هائل ، وإنّما الحقّ إثبات القدرتين على فعل
واحد ، والقول بمقدور منسوب إلى قادرين ، فلا يبقى إلّا استبعاد توارد القدرتين
على فعل واحد ، وهذا إنّما يبعد إذا كان تعلّق القدرتين على وجه واحد ؛ فإن اختلفت
القدرتان
واختلف وجه
تعلّقهما فتوارد التعلّقين على شيء واحد غير محال كما سنبيّنه. فإن قيل فما الذي
حملكم على إثبات مقدور بين قادرين؟ قلنا البرهان القاطع على أنّ الحركة
الاختياريّة مفارقة للرعدة ، وإن فرضت الرعدة مرادة للمرتعد ، ومطلوبة له أيضا ،
ولا مفارقة إلّا بالقدرة ، ثم البرهان القاطع على أنّ كل ممكن فتتعلّق به قدرة
الله تعالى ، وكل حادث ممكن ، وفعل العبد حادث فهو إذا ممكن. فإن لم تتعلّق به
قدرة الله تعالى ، فهو محال. فإنّا نقول الحركة الاختياريّة من حيث أنّها حركة
حادثة ممكنة مماثلة لحركة الرعدة ، فيستحيل أن تتعلّق قدرة الله تعالى بإحداهما ،
وتقصر عن الأخرى ، وهي مثلها ؛ بل يلزم عليه محال آخر وهو أنّ الله تعالى لو أراد
تسكين يد العبد إذا أراد العبد تحريكها ، فلا يخلو إمّا أن توجد الحركة ، والسكون
جميعا ، أو كلاهما لا يوجد ، فيؤدّي إلى اجتماع الحركة والسكون ، إلى الخلو عنهما
، والخلو عنهما مع التناقض يوجب بطلان القدرتين ؛ إذ القدرة ما يحصل بها المقدور
عند تحقّق الإرادة ، وقبول المحلّ. وإن ظنّ أنّ مقدور الله تعالى يترجّح لأنّ
قدرته أقوى ، فهو محال لأنّ تعلّق القدرة بحركة واحدة ، لا تفضل تعلّق القدرة
الأخرى بها ، إذ كانت فائدة القدرتين الاختراع ، وإنّما قوته باقتدار على غيره ،
واقتداره على غيره غير مرجّح في الحركة التي فيها الكلام ، إذ حظ الحركة من كل
واحدة من القدرتين أن تصير مخترعة بها والاختراع يتساوى ، فليس فيه أشدّ ، ولا
أضعف حتى يكون فيه ترجيح. فإذا الدليل القاطع على إثبات القدرتين ساقنا إلى إثبات
مقدور بين قادرين (غ ، ق ، ٩١ ، ٢)
ـ لا يعقل تعلّق
القدرة بالمقدور إلّا من حيث التأثير ، والإيجاد وحصول المقدور بها (غ ، ق ، ٩٢ ،
١٠)
ـ النسبة بين
المقدور والقدرة نسبة المسبّب إلى السبب ، وهو كونه به ، فإذا لم يكن به لم يكن
بينهما علاقة ، فلم تكن قدرة إذ كل ما لا تعلّق له ، فليس بقدرة ؛ إذ القدرة من
الصفات المتعلّقة ، قلنا هي متعلّقة ، وقولكم إنّ التعلّق مقصور على الوقوع بها ،
يبطل بتعلّق الإرادة ، والعلم ؛ وإن قلتم إنّ تعلّق القدرة مقصور على الوقوع بها
فقط ، فهو أيضا باطل ، فإنّ القدرة عندكم تبقى ، وإذا فرضت قبل الفعل ، فهل هي
متعلّقة أم لا؟ فإن قلتم لا ، فهو محال ؛ وإن قلتم نعم ، فليس المعني بها وقوع
المقدور بها ؛ إذ المقدور بعد لم يقع ، فلا بدّ من إثبات أمر آخر من التعلّق سوى
الوقوع بها. إذ التعلّق عند الحدوث يعبّر عنه بالوقوع بها ، والتعلّق قبل ذلك
مخالف له ، فهو نوع آخر من التعلّق ؛ فقولكم : إنّ تعلّق القدرة به نمط واحد ،
خطأ. وكذلك القادريّة القديمة عندهم ، فإنّها متعلّقة بالعلم في الأزل ، وقبل خلق
العالم. فقولنا أنّها متعلّقة صادق ، وقولنا أنّ العالم واقع بها كاذب ، لأنّه لم
يقع بعد ، فلو كانا عبارتين عن معبّر واحد ، لصدق أحدهما حيث يصدق الآخر (غ ، ق ،
٩٢ ، ١٣)
ـ زاد (النظّام)
على القول بالقدر خيره وشرّه منا قوله : إنّ الله تعالى لا يوصف بالقدرة على
الشرور والمعاصي ، وليست هي مقدورة للباري تعالى ، خلافا لأصحابه فإنّهم قضوا
بأنّه قادر عليها لكنّه لا يفعلها لأنّها قبيحة (ش ، م ١ ، ٥٤ ، ٣)
ـ أمّا أمور
الآخرة فقال (النظّام) : لا يوصف
الباري تعالى
بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل النار شيئا ، ولا على أن ينقص منه شيئا. وكذلك لا
ينقص من نعيم أهل الجنّة ولا أن يخرج أحدا من أهل الجنّة ، وليس ذلك مقدورا له.
وقد ألزم عليه أن يكون الباري تعالى مطبوعا مجبورا على ما يفعله. فإنّ القادر على
الحقيقة من يتخيّر بين الفعل والترك. فأجاب إنّ الذي ألزمتموني في القدرة يلزمكم
في الفعل ، فإنّ عندكم يستحيل أن يفعله وإن كان مقدورا ؛ فلا فرق (ش ، م ١ ، ٥٤ ،
٩)
ـ قال (الأسواري)
: إنّ الله تعالى لا يوصف بالقدرة على ما علم أنّه لا يفعله ، ولا على ما أخبر
أنّه لا يفعله ، مع أنّ الإنسان قادر على ذلك ، لأنّ قدرة العبد صالحة للضدّين.
ومن المعلوم أنّ أحد الضدّين واقع في المعلوم أنّه سيوجد دون الثاني (ش ، م ١ ، ٥٨
، ١٣)
ـ يحصل بالعلم
الإحكام والإتقان. ويحصل بالقدرة الوقوع والحدوث. ويحصل بالإرادة التخصيص بوقت دون
وقت ، وقدر دون قدر ، وشكل دون شكل (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٦)
ـ إنّ صلاحية
القدرة الحادثة لم تشمل جميع الموجودات بالاتّفاق ، فلا تصلح لإيجاد الجوهر وكل
عرض ، بل هي مقصورة على حركات مخصوصة ، والقدرة الحادثة فيها مختلفة الصلاحية حتى
يمكن أن يقدر نوعية مخصوصة في القدرة الحادثة لتنوّع الصلاحية ، فلذلك اقتصرت على
بعض الموجودات دون البعض بخلاف قدرة الباري سبحانه فإنّ صلاحيتها واحدة لا تختلف ،
فيجب أن يكون متعلّقها واحدا لا يختلف ، وذلك هو الوجود ، فإذا لم يجز أن يضاف
أخصّ الأوصاف إلى الباري سبحانه لأنّه يؤدّي إلى قصوره في الصلاحية ، كذلك لا يجوز
أن يضاف أعمّ الأوصاف إلى القدرة الحادثة لأنّه يؤدّي إلى كمال في الصلاحية. فلا
ذاك الكمال مسلوب عن القدرة الإلهيّة ولا هذا الكمال ثابت للقدرة الحادثة ، فينعم
النظر فيه لأنّ فيه خلاص ، فلا يجوز أن يضاف إلى الموجد ما يضاف إلى المكتسب حتى
يقال هو الكاتب القائل القاعد القائم ، ولا يجوز أن يضاف إلى المكتسب ما يضاف إلى
الموجد حتى يقال هو الموجد المبدع الخالق الرازق (ش ، ن ، ٧٦ ، ١٩)
ـ عند الخصم (المعتزلة)
القدرة صالحة للأضداد والأمثال وهي متشابهة في القادرين ، فالعبد مستقلّ بالإيجاد
والاختراع ، وليس إلى الباري سبحانه وتعالى من هذه الأفعال إلّا خلق القدرة فحسب ،
واشتراط البنية (ش ، ن ، ٨٩ ، ٩)
ـ إنّ تأثير القدرة
في الوجود فقط ، والقادر لا يعطيه إلّا الوجود ، والممكن في ذاته لا يحتاج إلى
القادر إلّا من جهة الوجود (ش ، ن ، ١٥٥ ، ١٥)
ـ ما أوجده الموجد
فهو ذات الشيء ، والقدرة تعلّقت بذاته كما تعلّقت بوجوده ، وأثّرت في جوهريّته كما
أثّرت في حصوله وحدوثه ، والتميّز بين الوجود وبين الشيئيّة مما لا يؤول إلى معنى
ومعنى بل إلى لفظ ولفظ (ش ، ن ، ١٥٨ ، ٤)
ـ إنّ فعل الفاعل
لا يخرج الشيء عن حقيقته ، فلا يجوز أن يقلب الجوهر عرضا والعرض جوهرا ، فإنّ
القدرة إنّما تتعلّق بما يمكن وجوده ، وهذا من المستحيل ، فنفي الاحتياج إلى محلّ
في حقّ الجوهر لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، كما أنّ إثبات الاحتياج إلى المحلّ في
حق العرض لا يجوز
أن يثبت بالقدرة ، وما ليس يمكن لا يكون مقدورا وما ليس بمقدور يستحيل أن يوجد (ش
، ن ، ٢١٦ ، ١٥)
ـ القدماء منهم (المعتزلة)
قالوا إنّ الإرادة الحادثة توجب المراد ، وخصّصوا الإيجاب بالقصد إلى إنشاء الفعل
لنفسه ، أمّا العزم في حقّنا وإرادة فعل الغير فإنّها لا توجب ، ولم يريدوا
بالإيجاد إيجاب العلّة المعلول ولا إيجاب التولّد ، والإرادة عندهم لا تولد ، فإنّ
القدرة عندهم توجب المقدور بواسطة السبب ، فلو كانت الإرادة مولّدة بواسطة السبب ،
استند المراد إلى سببين ولزم حصول مقدورين قادرين (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ١٧)
ـ إنّ القدرة عرض
فلا تكون باقية ، فلو تقدّمت على الفعل لاستحال أن يكون قادرا على الفعل ، لأنّ
حال وجود القدرة ليس إلّا عدم الفعل ، والعدم المستمرّ يستحيل أن يكون مقدورا وحال
حصول الفعل لا قدرة (ف ، م ، ٨٢ ، ٤)
ـ القدرة لا تأثير
لها في كون المقدور في نفسه جائز الوجود. لأنّ ذلك له لذاته ، وما بالذات لا يكون
بالغير ، فلم يبق إلّا أن يكون تأثيرها في وجود المقدور تأثيرها على سبيل الصحة لا
على سبيل الوجوب (ف ، م ، ١٣٩ ، ١٥)
ـ إنّ القدرة التي
هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنّها حاصلة قبل حصول الفعل ، إلّا
أنّ هذه القدرة لا تكفي في حصول الفعل البتّة ، وإذا انضمّت الداعية الجازمة إليها
صارت تلك القدرة مع هذه الداعية الجازمة سببا مقتضيا للفعل المعيّن. ثم أنّ ذلك
الفعل يجب وقوعه مع حصول ذلك المجموع ، لأنّ المؤثّر التام لا يتخلّف عنه الأثر
البتّة ، فنقول قول من يقول الاستطاعة قبل الفعل صحيح من حيث أنّ ذلك المزاج
المعتدل سابق ، وقول من يقول الاستطاعة مع الفعل صحيح من حيث أنّ عند حصول مجموع
القدرة والداعي الذي هو المؤثّر التام يجب حصول الفعل معه (ف ، أ ، ٦٤ ، ١٣)
ـ قال أبو الحسن
الأشعريّ : القدرة لا تصلح للضدّين ، وعندي إن كان المراد من ذلك المزاج المعتدل
وتلك السلامة الحاصلة في الأعضاء فهي صالحة للفعل والترك والعلم به ضروريّ ، وإن
كان المراد منه أنّ القدرة ما لم تنضمّ إليها الداعية الجازمة المرجّحة فإنّها لا
تصير مصدرا لذلك الأثر ، وأنّ عند حصول المجموع لا تصلح للضدّين (ف ، أ ، ٦٤ ، ٢٣)
ـ إنّ القدرة
عبارة عن الصفة التي يكون الموصوف بها متمكّنا من الإيجاد والتكوين ونقل الشيء من
العدم إلى الوجود (ف ، س ، ١٥٦ ، ٤)
ـ إذا ثبت كونه :
قادرا مريدا عالما وجب أن يكون حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في
الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا غائبا.
ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات
من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في
الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا
(أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة
بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى
غير ذلك من الصفات ،
والعلّة لا تختلف
شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى
الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ،
غ ، ٤٥ ، ١٣)
ـ يجب أن يكون الباري
ـ تعالى ـ قادرا بقدرة ، لضرورة ما أسلفناه من البيان ، وأوضحناه من البرهان ، في
مسألة العلم والإرادة ، ويجب أن تكون صفة وجوديّة قديمة أزليّة قائمة بذات الربّ
تعالى ، متّحدة لا كثرة فيها ، متعلّقة بجميع المقدورات ، غير متناهية بالنسبة إلى
ذاتها ، ولا بالنظر إلى متعلّقاتها (م ، غ ، ٨٥ ، ٣)
ـ ليست القدرة
عبارة عمّا يلازمه الإيجاد بل ما يتأتّى به الإيجاد ، على تقدير تهيّئه ، من غير
استحالة ذلك ، على نحو ما في التمييز والتخصيص بالإرادة ، وبه يتبيّن فساد قول من
ألزم الإيجاد بالقدرة القديمة على من نفى الإيجاد بالذات ؛ حيث ظنّ أنّ القدرة
القديمة يلازمها الإيجاد لا ما يتأتّى بها الإيجاد وإن لم يلازمها (م ، غ ، ٨٥ ، ٧)
ـ القدرة عبارة عن
معنى يتأتّى به الإيجاد بالنسبة إلى كل ممكن (م ، غ ، ٩٩ ، ١٥)
ـ أمّا الأشعرية
فإنّها وإن كانت تمتنع عن إطلاق القول بأنّ الله تعالى يظلم العباد إلّا أنّها
تعطي المعنى في الحقيقة ، لأنّ الله عندهم يكلّف العباد ما لا يطيقونه. بل هو
سبحانه عندهم لا يكلّفهم إلّا ما لا يطيقونه ، بل هو سبحانه عندهم لا يقدر على أن
يكلّفهم ما يطيقونه وذلك لأنّ القدرة عندهم مع الفعل ، فالقاعد غير قادر على القيام
وإنّما يكون قادرا على القيام عند حصول القيام ، ويستحيل عندهم أن يوصف الباري
تعالى بإقدار العبد القاعد على القيام ، وهو مع ذلك مكلّف له أن يقوم (أ ، ش ٣ ،
١٩٥ ، ٣٢)
ـ اعلم أنّ القادر
هو الذي يصحّ أن يصدر عنه الفعل وأن لا يصدر ، وهذه الصحّة هي القدرة (ط ، م ، ٢٦٩
، ١٤)
ـ إنّ القدرة
وحدها لا تكفي في وجود التأثير ، بل يحتاج معها إلى الإرادة (ط ، م ، ٢٩٩ ، ١٦)
ـ التكوين
والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون
الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة
متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود
وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط
، م ، ٣١٢ ، ٢٠)
ـ الصحيح أنّ
القدرة متعلّقة بصحّة وجود المقدور ، والتكوين متعلّق بوجود المقدور ومؤثّر فيه ،
ونسبته إلى الفعل الحادث كنسبة الإرادة إلى المراد. والقدرة والعلم لا يقتضيان كون
المقدور والمعلوم موجودين بهما ، والتكوين يقتضيه وقالوا بأزليّته ، لقولهم
بامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى (ط ، م ، ٣١٣ ، ١)
ـ القدرة مع الفعل
، خلافا للمعتزلة. لنا : الفعل معدوم فلا أثر (خ ، ل ، ٧١ ، ١٦)
ـ الاستطاعة
والقدرة والقوّة والوسع والطاقة : متقاربة المعنى في اللغة ، وأما في عرف
المتكلّمين فهي عبارة عن صفة بها يتمكّن الحيوان من الفعل والترك (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٤)
ـ القدرة : هي
الصفة التي يتمكّن الحي من الفعل
وتركه بالإرادة (ج
، ت ، ٢٢١ ، ١٥)
ـ المعتزلة :
والقدرة متقدّمة للمقدور ، غير موجبة ، صالحة للضدّين. النجاريّة والأشعريّة :
العكس. وعن قوم منهم الورّاق وابن الراوندي : مقارنة ، صالحا للضدّين. لنا : لو
قارنت لما تعلّق الفعل بالفاعل ، ولما احتاج الفعل إليها ، إذ حال الوجود حال
استغنى ، ولو أوجبت لزم ألّا يتعلّق الفعل بالقادر بل بفاعل القدرة ، فتبطل
قادريّة الواحد منا ، ولزم ألّا يكون الكافر قادرا على الإيمان وهو مكلّف به. ولو
لم يصلح للضدّين لجوّزنا أن يقدر على حركة يمنه دون يسره ، ولا مانع ، والضرورة
تدفعه (م ، ق ، ٩٧ ، ١٦)
ـ قلنا : بل محال
أن تتعلّق القدرة بالموجود ، وإنّما تتعلّق بالمعدوم لتحصيله ، لأنّ المقدور ، لو
كان حاصلا حين تعلّق القدرة لتحصيله لأغناه ذلك عن تعلّق القدرة به. قالوا :
تعلّقت القدرة بالحجارة للعمارة ، والحجارة موجودة؟ قلنا : الحجارة من جملة آلة
العمارة ، فتعلّق القدرة بالعمارة إنّما كان حال عدمها بواسطة الآلة. قالوا :
العمارة هي نفس الحجارة ، وإنّما كانت كامنة في نفسها؟ قلنا : هذا هو المحال ،
لأنّ كون الشيء كامنا في نفسه لا يعقل (ق ، س ، ٦٧ ، ٥)
ـ العدليّة :
والقدرة غير موجبة للمقدور خلافا للجبريّة. لنا : ثبوت الاختيار للفاعل المختار
ضرورة والإيجاب ينافيه ، وهي متقدّمة على الفعل. الأشعريّة : بل مقارنة (ق ، س ،
١٠٥ ، ١٥)
ـ العدليّة :
والله تعالى خلق للعباد قدرة يوجدون بها أفعالهم على حسب دواعيهم وإرادتهم. الأشعريّة
: خلق لهم قدرة لا يوجدون بها فعلا. قلنا : فلا فائدة إذن فيها ، ولنا : ما مرّ
وما نذكره الآن إن شاء الله تعالى. الصوفية والجهميّة : لم يخلق لهم قدرة البتّة.
قلنا : إما أن يكون الله تعالى قادرا على أن يخلق لهم قدرة يحدثون بها أفعالهم أو
غير قادر ، ليس الثاني ، لأنّ الله تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠).
وإن كان الأوّل فقد فعل بشهادة ضرورة العقل وصريح القرآن حيث يقول : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ
وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (فصلت : ٤٦)
وشهادة كل عاقل عليهم (ق ، س ، ١٠٦ ، ٣)
قدرة الأفعال
ـ قوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (آل عمران : ٩٧) ،
ومعلوم أنّه لا سبيل إلى حقيقة الأفعال حتى يجد الزاد والرّاحلة ، ولو كان لا يجب
إلّا بوجود حقيقة القدرة قدرة لا فعل لم يكن ليلزم أحدا ذلك ؛ إذ قدرة الأفعال هي
التي تحدث على حدوث الأوقات ، والحج غير واجب حتى ترد هي ، وهي لا ترد إلّا بقطع
الأسفار ، فيكون له التخلّف إذ هو غير واجب. وكذلك أمر الجهاد ؛ إذ لو علم أنّ
الذي معه من قوة الأسباب لا يبلغه لم يعرض عليه الخروج ، ومعلوم أنّ قوة العقل بعد
البلوغ ليست معه للحال ، وقد لزمه فرضه حيث عيّر من قعد. وكذلك نجد القيام والصيام
ونحو ذلك يكون له الخروج من ذلك بالبدل ، وإن كان قدرة حقيقة الفعل قد توجد بالجهد
، ثبت أنّ فرض الأشياء ليس بها ، ولكن بالأحوال. وعلى ذلك جميع العبادات ، من يعلم
أن ليس معه السبب ما يتم به الصلاة أو الصيام أو الحج لم يكلّف ابتداء ذلك (م ، ح
، ٢٥٩ ، ٤)
قدرة الله
ـ قال الماجن (ابن
الروندي) : وأمّا الأسواري فإنّه زعم أنّ الله إذا علم أنّه يكوّن شيئا أو أخبر
أنّه يكوّنه لم يجز في قدرته أن لا يفعله. فإذا قيل له : أفليس الله قد أخبر بدوام
أفعاله في الآخرة؟ قال : بلى! فإذا قيل له : أفيقدر الله ألا يديمها وأن يقطعها
حتى يبقى وحده كما كان وحده؟ قال : هذا محال : وهذا خطأ عن علي الأسواري وكذب عليه
، وقوله المعروف الذي حاول هذا الجاهل حكايته فأخطأ فيها هو أنّك إذا قرنت القول
بأن الله قد أخبر أنّ الله يكوّن شيئا مع القول بأنّه يقدر ألا يكوّنه أحال القول
بذلك. فأمّا إذا أفردت أحد القولين من الآخر لم يحل واحدا منهما. فأمّا أن تزعم
أنّه لا يجوز في قدرة الله أن يفعل ما حكى عنه صاحب الكتاب فخطأ عليه (خ ، ن ، ٢٤
، ٥)
ـ اعلم أنّ صاحب
الكتاب (ابن الروندي) يوافق بشرا في القول باللطف ثم قد عطف عليه ليعيبه به. قال :
وكان يزعم أنّ الله يقدر أن يعذّب الطفل ظالما له في تعذيبه إيّاه ، وأنّه لو فعل
ذلك لكان الطفل بالغا عاصيا مستحقا للعذاب. (قال) فكأنّه قال : يقدر أن يظلم ولو
ظلم لكان عادلا. اعلم أنّه قد زاد في الحكاية عن بشر وحرّف كلامه. إنّما قال بشر :
يقدر الله أن يعذب الطفل ، فقيل له : فلو عذبه؟ قال : لو عذّبه لما عذّبه إلّا وهو
بالغ. فسئل فقيل له : أفليس إذا عذّبه وهو بالغ فهو عادل عليه؟ فكأنّك قلت : يقدر
أن يظلمه ولو ظلمه كان عادلا عليه (خ ، ن ، ٥٣ ، ٥)
ـ إنّما يقدر (الله)
على ما يصحّ كونه مقدورا له ، ومقدور غيره لا يصحّ كونه مقدورا له. فتفارق
المقدورات في هذا الوجه المعلومات ، لأنّه يصحّ كونها معلومة له فوجب أن تكون
معلومة له. وليست العلّة في استحالة قدرته على أعيان المقدورات كونه مقدورة لغيره
، لأنّه قد تستحيل قدرته على ما ليس بمقدور لغيره إذا صحّ كونه مقدورا له ، كما
يستحيل أن يقدر على ما هو مقدور لغيره. فلهذا لا يصحّ أن يكون جلّ وعزّ موصوفا
فيما لم يزل بالقدرة على مقدور يصحّ كونه مقدورا لغيره ، وإن لم يكن في الحال
مقدورا لغيره. وصار هذا حكما واحدا يعلّل تارة بصحّة كونه مقدورا لغيره وتارة
بكونه مقدورا لغيره. ولا نكاد نوجد في الأحكام ما يستحقّ لعلّتين مختلفتين باختلاف
الحالين إلّا ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ١٩)
ـ إنّ قدرة الله
تعالى صفة قديمة واجبة الوجود فيجب تعلّقها بكل ما يصحّ أن يكون مقدورا ، وإلّا
لزم افتقارها في ذلك الاختصاص إلى المخصّص ، لكن المصحّح للمقدوريّة وهو الإمكان.
فهذا يقتضي أن يكون كل ممكن مقدور الله تعالى (ف ، س ، ١٥٦ ، ٧)
قدرة تتقدم بوقتين
ـ إنّ المبتدأ لا
بدّ من قدرته (الفاعل) عليه قبل وجوده بوقت واحد ولا يزيده. وكذلك المتولّد الذي
يصاحب السبب ، فأمّا إذا تأخّر عنه مثل النظر والعلم والاعتماد والحركة فإنّما
يراد بذلك الوقت الواحد ، فسبيل القدرة أن تتقدّم بوقتين. وأمّا إن كان السبب
يولّد أمثاله فالواجب تقدّمه على هذا السبب الأوّل بوقت واحد ، ثم يصحّ أن يعدم
والمسبّب يقع بعد أوقات كثيرة (ق ، ت ١ ، ٤٢٧ ، ١)
قدرة حادثة
ـ القدرة الحادثة
لا تتعلّق عندنا بمحض الوجود ،
بل تتعلّق بالذات
وأحوالها ، والذوات مختلفة بأحوالها فلا يلزمنا من حكمنا بتعلّق القدرة بشيء الحكم
بجواز تعلّقها بما يخالفه ، وإنّما عظم موقع هذا الكلام على المعتزلة من حيث قالوا
: لا تتعلّق القدرة إلّا بالوجود ، ثم الوجود في حقيقته لا يختلف (ج ، ش ، ١٧٧ ،
١٥)
ـ قالوا (المعتزلة)
: القدرة الحادثة لا يتأتّى بها إعادة ما اخترع بها أولا ، ومعلوم أنّ الإعادة
بمثابة النشأة الأولى. ولذلك استدلّ الإسلاميون على اقتدار الرّب على الإعادة
باقتدار ، على ابتداء الفطرة (ج ، ش ، ١٧٧ ، ٢٠)
ـ القدرة الحادثة
تتضمّن إثبات حال للمقدور بها ، وتلك الحال متعلّق الطلب. والخلق على أصول
المعتزلة لا يتضمّن إثبات ذات ، إذ الذوات عندهم ثابتة عدما ووجودا على صفات
أنفسها. وإنّما يتضمّن الاختراع وجود الذات ، وهو حال عند محقّقيهم (ج ، ش ، ١٨٦ ،
١٨)
ـ اختلف أئمتنا في
وجه تعلّق القدرة الحادثة بمقدورها. فصار صائرون إلى أنّ القدرة الحادثة تؤثّر في
إثبات حال للمقدور يتميّز بها المكتسب عن الضروري. فإذا فرضنا حركة ضروريّة إلى
جهة ، وقدّرنا أخرى كسبيّة إلى تلك الجهة ، فالكسبيّة على حالة زائدة هي من أثر
تعلّق القدرة الحادثة بها ، والكسبيّة تتميّز بها عن الضروريّة. وأمّا الحدوث ،
وإثبات الذوات ، فالرّب تعالى مستأثر بها (ج ، ش ، ١٨٨ ، ١٣)
ـ إنّ العبد
يستحيل أن ينفرد بمقدور دون الرّب تعالى ؛ فإن فرضنا للقدرة الحادثة أثرا ، وحكمنا
بثبوته للعبد ، فقد حرمنا اعتقاد وجوب كون الرّب قادرا على كل شيء مقدور. ويستحيل
المصير إلى أنّ الحالة المفروضة تقع بالقدرة القديمة والحادثة ، فإنّ ذلك مستحيل ،
ولو ساغ فرضه لساغ تقدير خلق بين خالقين (ج ، ش ، ١٨٩ ، ١)
ـ إنّ القدرة
الحادثة لا تؤثّر في مقدورها أصلا. وليس من شرط تعلّق الصفة أن تؤثّر في متعلّقها
؛ إذ العلم معقول تعلّقه بالمعلوم مع أنّه لا يؤثّر فيه وكذلك الإرادة المتعلّقة
بفعل العبد لا تؤثّر في متعلّقها (ج ، ش ، ١٨٩ ، ٨)
ـ القدرة الحادثة
عرض من الأعراض عندنا ، وهي غير باقية ، وهذا حكم جميع الأعراض عندنا ، وأطبقت
المعتزلة على بقاء القدرة والدليل على استحالة بقاء جميع الأعراض أنّها لو بقيت
لاستحال عدمها (ج ، ش ، ١٩٦ ، ١٩)
ـ إذا ثبت استحالة
بقاء القدرة الحادثة فإنّها تفارق حدوث المقدور بها ، ولا تتقدّم عليه (ج ، ش ،
١٩٧ ، ١٧)
ـ لمّا ثبت أنّ
القدرة الحادثة لا تبقى ، ترتّب على ذلك استحالة تقدّمها على المقدور ، فإنّها لو
تقدّمت عليه لوقع المقدور مع انتفاء القدرة (ج ، ش ، ١٩٨ ، ٢)
ـ القدرة الحادثة
لا تتعلّق إلّا بمقدور واحد ، وقد ذهبت المعتزلة إلى أنّ القدرة تتعلّق بالمضادّات
، وذهب الأكثرون منهم إلى تعلّقها بالمختلفات التي لا تتضادّ. ثم أصلهم أنّ القدرة
الحادثة تتعلّق بما لا نهاية له من المقدورات على تعاقب الأوقات. وهم متّفقون على
أنّ القدرة الواحدة لا يتأتى بها إيقاع مثلين ، في محلّ واحد جميعا في وقت واحد
وإنّما يقع مثلان كذلك بالقدرتين. فإن كثرت أعداد الأمثال ، مع اتحاد المحلّ
والوقت ، كثرت القدر على عدّتها (ج ، ش ، ٢٠١ ، ٣)
ـ القدرة الحادثة
لا تتعلّق إلّا بقائم بمحلّها ، وما يقع مباينا لمحلّ القدرة فلا يكون مقدورا بها
، بل يقع فعلا للباري تعالى من غير اقتدار العبد عليه. فإذا اندفع حجر عند اعتماد
العبد عليه ، فاندفاعه غير مقدور للعبد عند أهل الحق (ج ، ش ، ٢٠٦ ، ٥)
ـ قوله (جهم بن
صفوان) في القدرة الحادثة : إنّ الإنسان لا يقدر على شيء ، ولا يوصف بالاستطاعة ،
وإنّما هو مجبور في أفعاله ؛ لا قدرة له ، ولا إرادة ، ولا اختيار. وإنّما يخلق
الله تعالى الأفعال فيه على حسب ما يخلق في سائر الجمادات ، وتنسب إليه الأفعال
مجازا كما تنسب إلى الجمادات (ش ، م ١ ، ٨٧ ، ٨)
ـ على أصل أبي
الحسين : لا تأثير للقدرة الحادثة في الإحداث ، لأنّ جهة الحدوث قضية واحدة لا
تختلف بالنسبة إلى الجوهر والعرض. فلو أثّرت في قضية الحدوث لأثّرت في حدوث كل
محدث حتى تصلح لإحداث الألوان ، والطعوم ، والروائح ، وتصلح لإحداث الجواهر
والأجسام ، فيؤدّي إلى تجويز وقوع السماء على الأرض بالقدرة الحادثة. غير أنّ الله
تعالى أجرى سنّته بأن يحقّق عقيب القدرة الحادثة ، أو تحتها ، أو معها : الفعل
الحاصل إذا أراده العبد وتجرّد له ، ويسمّى هذا الفعل كسبا ، فيكون خلقا من الله
تعالى إبداعا وإحداثا ، وكسبا من العبد : حصولا تحت قدرته (ش ، م ١ ، ٩٧ ، ٤)
ـ القاضي أبو بكر
الباقلاني ... قال : الدليل قد قام على أنّ القدرة الحادثة لا تصلح للإيجاد ، لكن
ليست تقتصر صفات الفعل أو وجوهه واعتباراته على جهة الحدوث فقط ، بل هاهنا وجوه
أخر ، هنّ وراء الحدوث من كون الجوهر جوهرا متحيّزا ، قابلا للعرض. ومن كون العرض
عرضا ، ولونا ، وسوادا وغير ذلك. وهذه أحوال عند مثبتي الأحوال. قال : فجهة كون
الفعل حاصلا بالقدرة الحادثة أو تحتها نسبة خاصة ، ويسمّى ذلك كسبا ، وذلك هو أثر
القدرة الحادثة (ش ، م ١ ، ٩٧ ، ١٢)
ـ أثبت القاضي (الباقلاني)
تأثيرا للقدرة الحادثة وأثرها : هي الحالة الخاصّة ، وهي جهة من جهات الفعل حصلت
من تعلّق القدرة الحادثة بالفعل. وتلك الجهة هي المتعيّنة لأن تكون مقابلة بالثواب
والعقاب. فإنّ الوجود من حيث هو وجود لا يستحقّ عليه ثواب وعقاب ، خصوصا على أصل
المعتزلة ، فإنّ جهة الحسن والقبح هي التي تقابل بالجزاء. والحسن والقبح صفتان
ذاتيتان وراء الوجود. فالموجود من حيث هو موجود ليس بحسن ولا قبيح. قال : فإذا جاز
لكم إثبات صفتين هما حالتان ، جاز لي إثبات حالة هي متعلّق القدرة الحادثة. ومن
قال : هي حالة مجهولة ، فبيّنا بقدر الإمكان جهتها وعرفناها إيش هي ، ومثّلناها
كيف هي (ش ، م ١ ، ٩٨ ، ٤)
ـ إنّ صلاحية
القدرة الحادثة لم تشمل جميع الموجودات بالاتّفاق ، فلا تصلح لإيجاد الجوهر وكل
عرض ، بل هي مقصورة على حركات مخصوصة. والقدرة الحادثة فيها مختلفة الصلاحية حتى
يمكن أن يقدر نوعية مخصوصة في القدرة الحادثة لتنوّع الصلاحية ، فلذلك اقتصرت على
بعض الموجودات دون البعض ، بخلاف قدرة الباري سبحانه فإنّ صلاحيتها واحدة لا تختلف
، فيجب أن يكون متعلّقها واحدا لا يختلف ، وذلك هو الوجود. فإذا لم يجز أن يضاف
أخصّ الأوصاف إلى
الباري سبحانه
لأنّه يؤدّي إلى قصوره في الصلاحية ، كذلك لا يجوز أن يضاف أعمّ الأوصاف إلى
القدرة الحادثة لأنّه يؤدّي إلى كمال في الصلاحية ، فلا ذاك الكمال مسلوب عن
القدرة الإلهيّة ولا هذا الكمال ثابت للقدرة الحادثة ، فينعم النظر فيه لأنّ فيه
خلاص. فلا يجوز أن يضاف إلى الموجد ما يضاف إلى المكتسب حتى يقال هو الكاتب القائل
القاعد القائم ، ولا يجوز أن يضاف إلى المكتسب ما يضاف إلى الموجد حتى يقال هو
الموجد المبدع الخالق الرازق (ش ، ن ، ٧٦ ، ١٥)
ـ نجا أبو الحسن رحمهالله حيث لم يثبت للقدرة الحادثة أثرا أصلا غير اعتقاد العبد
بتيسير الفعل عند سلامة الآلات وحدوث الاستطاعة والقدرة ، والكل من الله تعالى (ش
، ن ، ٧٨ ، ٨)
ـ غلا إمام
الحرمين حيث أثبت للقدرة الحادثة أثرا هو الوجود ، غير أنّه لم يثبت للعبد
استقلالا بالوجود ما لم يستند إلى سبب آخر ، ثم تتسلسل الأسباب في سلسلة الترقّي
إلى الباري سبحانه وهو الخالق المبدع المستقلّ بإبداعه من غير احتياج إلى سبب (ش ،
ن ، ٧٨ ، ١١)
ـ الإنسان يحسّ من
نفسه وقوع الفعل على حسب الدواعي والصوارف ، فإذا أراد الحركة تحرّك ، وإذا أراد
السكون سكن ، ومن أنكر ذلك جحد الضرورة ، فلو لا صلاحية القدرة الحادثة لإيجاد ما
أراد لما أحسّ من نفسه ذلك (ش ، ن ، ٧٩ ، ١٢)
ـ نقل عن القاضي (الباقلاني)
ـ رحمهالله ـ أنّه لم يثبت
للقدرة الحادثة أثرا في الفعل ، بل أثبت لها أثرا في صفة زائدة على الفعل ، كما
سنبيّنه ، ثم اختلف قوله في الأثر الزائد ، فقال تارة : إنّه لا أثر للقدرة
القديمة فيه أصلا. وقال تارة : بالتأثير ، وأثبت مخلوقا بين خالقين (م ، غ ، ٢٠٧ ،
١)
ـ ذهب إمام
الحرمين في بعض تصانيفه إلى تأثير القدرة الحادثة في إيجاد الفعل ، ولم يجعل
للقدرة القديمة فيه تأثيرا إلّا بواسطة إيجاد القدرة الحادثة عليه (م ، غ ، ٢٠٧ ،
٧)
ـ لو جاز تأثير
القدرة الحادثة في الفعل بالإيجاد والاختراع لجاز تأثيرها في إيجاد كل موجود ؛ من
حيث إنّ الوجود قضية واحدة لا يختلف وإن اختلفت محاله وجهاته ، والقول بجواز
تأثيرها خلف ، فإنّها لا تؤثّر في إيجاد الأجسام ولا في شيء من الأعراض ما عدا
الأفعال ، كالطعوم والألوان والأراييح ونحو ذلك ، وإن كان التالي باطلا كان
المقدّم باطلا (م ، غ ، ٢١٥ ، ٢٠)
ـ أمّا وقوع
الأفعال على حسب الدواعي والأغراض فذلك مما لا يدلّ على صلاحية القدرة الحادثة
للإيجاد ؛ إذ الخلل لائح في خلاله والزلل واقع في أرجائه ، من حيث إنّ الأشياء ،
منها ما يقع على حسب الدواعي ولا يضاف إلى القدرة الحادثة ، ولا يدلّ على صلاحيتها
للإيجاد ، وذلك كما في حصول الريّ عند الشرب ، والشبع عند الأكل ، وحصول الألوان
في صناعة الصبغ ونحو ذلك ، ومنها ما لا يقع على حسب الداعية والغرض ، وذلك كما في
أفعال النائم والغافل والساهي ونحو ذلك ، ومع ذلك هي مضافة إلى القدرة الحادثة على
أصلهم. وحيث لم يصحّ ما عوّلوا عليه طردا وعكسا لم يجز الاعتماد عليه أصلا (م ، غ
، ٢٢١ ، ٣)
قدرة ذاتيّة
ـ إنّ نفسه وهي
ذاته المتميّزة من سائر الذوات متّصفة بعلم ذاتيّ لا تختصّ بمعلوم دون معلوم فهي
متعلّقة بالمعلومات كلها ، وبقدرة ذاتيّة لا تختصّ بمقدور دون مقدور فهي قادرة على
المقدورات كلها ، فكأنّ حقّها أن تحذر وتتّقي فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن
واجب ، فإنّ ذلك مطلع عليه لا محالة فلا حق به العقاب (ز ، ك ١ ، ٤٢٣ ، ٨)
قدرة العبد
ـ زعم أبو الحسن
الأشعري أنّه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلا بل القدرة والمقدور واقعان
بقدرة الله تعالى (ف ، م ، ١٤٦ ، ٢)
ـ زعم القاضي أنّ
ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى ، وكونه طاعة ومعصية بقدرة العبد (ف ، م ، ١٤٦ ،
٤)
قدرة على أجناس
الأضداد
ـ بيّن رحمهالله أنّ القضية التي ذكرناها في القدرة على أجناس الأضداد غير
موقوفة على أفعال الجوارح دون أفعال القلوب بل يجب أن يتساوى الكل في القضية التي
ذكرناها. فلذلك يجب إذا قدر على إرادة الشيء أن يقدر على كراهته. وكذلك القول في
الاعتقادات والظّنون كما يجب مثله في أفعال الجوارح. فإذا كان الدليل قد وفق بين
جميع ذلك فلا وجه للتفرقة (ق ، ت ٢ ، ٨٧ ، ٦)
قدرة على الاختيار
ـ إنّ القدرة على
الاختيار توجد في القلب ، والقدرة على الفعل المختار توجد في الجوارح (ق ، ت ٢ ،
١٠٨ ، ١٨)
قدرة على إعدام
الشيء
ـ إنّ قدرة القادر
لا تتعلّق بإعدام الشيء ، وإنّما تتعلّق بإحداثه. وقد دللنا من قبل على أنّ القادر
لا يقدر على الشيء إلّا على طريق الحدوث. وبيّنا في فصل مفرد أن القدرة على إعدام
الشيء لا تصحّ. وأوردنا فيه من الأدلّة ما يغني عن ذكره الآن. وبيّنا أن القول بذلك
يؤدّي إلى إثبات مقدور لقادرين من حيث يصحّ منّا إعدام فعل الغير ، وأنّ القادر
على الشيء على بعض الوجوه يجب كونه قادرا عليه على سائر الوجوه المتعلّقة بالفاعل
، وبيّنا أنّه يؤدّي إلى أن يصحّ أن يفعل الحياة وغيرها ممّا يصحّ أن يعدمه (ق ، غ
١١ ، ٤٤٣ ، ٢)
قدرة على الضد
ـ اختلفوا (المعتزلة)
إذا فعل الإنسان أحد الضدّين اللذين كان يقدر عليهما قبل كون أحدهما هل يوصف
بالقدرة على الضدّ الذي لم يفعله أم لا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة : إذا
وجد أحد الضدّين استحال أن يوصف الإنسان بالقدرة عليه أو على الضدّ الآخر. وقال
رجل منهم وهو" الإسكافي" : إذا وجد أحد الضدّين لم يوصف الإنسان بالقدرة
عليه ولكن يوصف بالقدرة على ضدّه الآخر (ش ، ق ، ٢٣١ ، ٨)
ـ الذي يجب في
المقدور إذا كان له جنس يضادّه ، نحو الأكوان والاعتقادات والإرادات وغيرها ، أن
يكون القادر على هذا الجنس يقدر على جنس ضدّه. ولا يجب أن يقال" يقدر على
ضدّه" مطلقا إلّا إذا أريد به الجنس ، وإلّا فقد يكون لهذا الشيء ضدّ هو
مقدور للغير دونه ، فإذا ذكرنا الجنس لم يعترضه هذا
الكلام. ولا فرق
بين أن يكون له جنس واحد يضادّه أو أجناس كثيرة في وجوب قدرته على جميعها ، لأنّ
ما أوجب كونه قادرا على جنس من أجناس أضداده يوجب كونه قادرا على سائر هذه
الأجناس. ولا تختلف فيه حال القادرين أصلا لأنّ الطريقة فيهم وفي هذه الأجناس أجمع
واحدة (ق ، ت ٢ ، ٨٥ ، ١٠)
قدرة على الضدين
ـ إنّ كونه تعالى
قادرا على الضدّين لا يتضادّ فيه تعالى ، وإذا لم يتضادّ فيه لم يتضادّ فينا. ولا
يصحّ إلّا مع القول بأنّ القدرة على الضدّين لا تتضادّ لأنّ تضادّ الموجب يقتضي
تضادّ الموجب (ق ، ت ٢ ، ٥٢ ، ١٠)
قدرة على الفعل
المختار
ـ إنّ القدرة على
الاختيار توجد في القلب والقدرة على الفعل المختار توجد في الجوارح (ق ، ت ٢ ، ١٠٨
، ١٨)
قدرة على ما لا
يتناهى
ـ وجب وصف القديم
تعالى بالقدرة على ما لا يتناهى لأنّ الذي يحصر المقدور هو القدرة ، فثبت قادرا
على كل جنس ومن كل جنس على ما لا غاية له. ثم لا يراد بكونه قادرا على ما لا نهاية
له أن يوجده وإنّما يراد أنّه لا قدر إلّا وهو قادر على أن يفعل مثله أو أزيد منه
، فتراعى في صحّة فعله له صحّة وجوده عليه في نفسه ، فيجري هذا مجرى كونه قادرا
على الضدّين لأنّه لا يوجب وجودهما معا من جهته ، لأنّه لم يوصف بالجمع بينهما
وإنّما يوصف بالقدرة عليهما. فكذلك الحال في الأفعال التي لا يتناهى ، أنّه لا
يراد بذلك أنّه قادر على أن يوجدهما كلّها فلا معترض علينا بذلك (ق ، ت ١ ، ١٠٨ ،
١)
قدرة على مقدور
غيره
ـ الأصل فيما
يستحقّ تعالى من الصفة النفسية أنّها إنّما تجب إذا صحّت ، لأنّ القول بوجوب ما
يستحيل يتناقض ، فلذلك تضمن وجوبها القول بصحّتها. فكل ما ثبت أنّه يصحّ عليه ،
وجب أن يستحقّه ، وكل ما ثبت استحالته عليه ، لم يكن له في هذا الباب مدخل. فلذلك
قلنا : إنّ كونه تعالى غير موصوف بالقدرة على مقدور غيره ، لا يناقض وصفنا له
بأنّه قادر لنفسه في المعنى. ووصفنا له بأنّه غير مريد لبعض المرادات ، ينقض وصفنا
له بأنّه مريد لنفسه في المعنى ، من حيث صحّ كونه مريدا لجميعه. فوجب كونه تعالى
مريدا له ، كما نقوله في المعلوم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٣ ، ١)
قدرة على المناولة
ـ في جواز بقاء
القدر : اعلم أنّ من ذهب إلى أنّ القدرة لا تكون إلّا مع الفعل لم يجوّز بقاءها
أصلا بل أوجب تجدّدها حالا فحالا. وفيمن قال بتقدّمها للفعل من زعم أنّها لا تبقى
، على ما تقوله البغداديون في أن شيئا من الأعراض لا يصحّ عليه البقاء. والذي
اعتمده شيوخنا كلّهم في الدلالة على جواز البقاء على القدرة هو أنّ الواحد منّا
إذا أمر غلامه بمناولة الكوز وبينه وبين الكوز مسافة ، فإذا مضى من الوقت ما يمكن
فيه قطع تلك المسافة فلم يفعل هذه المناولة ، حسن منه ومن سائر العقلاء أن يذمّوه
، مع ما تقرّر في العقول أن ذمّ من لا يقدر
على فعل الشيء لا
يحسن إذا لم يفعله. فيجب أن يقال إنّ القدرة التي فيه وهو في مكانه الأوّل قدرة
على المناولة وإن كان بينه وبينها مسافة ، حتى إذا لم يفعله صار مذموما على أن لم
يفعل ما قدر عليه. وهذا لا يتمّ إلّا بأن تكون القدرة باقية يصحّ أن تقع بها
مناولة الكوز وإن كانت بعد أوقات. وإلّا فإن كانت القدرة على المناولة غير حاصلة
فيه وهو في مكانه الأوّل فيجب أن يكون مذموما على أن لم يفعل ما لم يقدر عليه ،
وهذا قبيح بأوائل العقول (ق ، ت ٢ ، ١٤١ ، ٩)
قدرة الفعل
ـ قدرة الفعل ،
فلو كانت تتقدّم الفعل ، لم يكن لإضافة الفعل إليها معنى ، والله أعلم. والأصل في
ذلك : أنّ الله ـ تعالى ـ قال : (خُذُوا ما
آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة : ٦٣).
ومعلوم أن المراد من ذلك الأخذ (بقوة الآخذ) (م ، ت ، ١٨١ ، ١٤)
قدرة القديم
ـ قال صاحب الكتاب
(ابن الروندي) : لو اقتصرنا على قول أبي الهذيل وحده لأربى على كفره لم تضبطه
العقول ؛ ولو نازعت المعتزلة عابدي الحجارة لم تظفر بهم وأبو الهذيل شيخها ، لأنّ
الحجر لا يقدر أن يفعل بطباعه ، ومن قوله أنّه محال في قدرة القديم أن يفنيه وأن
يعرّيه من أفعاله (خ ، ن ، ١٠٦ ، ٢١)
قدرة قديمة
ـ القادر على
الشيء قادر على مثله. إذا كانت قدرته قديمة بحيث يجوز أن تتعلّق بمقدورين ، وقدرة
كل واحد منهما تتعلّق بعدّة من الأجسام ، والجواهر ، فلم تتقيّد بمقدور واحد ،
وإذا جاوز المقدور الواحد على خلاف القدرة الحادثة ، لم يكن بعض الأعداد بأولى من
البعض ، بل يجب الحكم بنفي النهاية عن مقدوراته ، فيدخل كل جوهر ممكن وجوده في
قدرته (غ ، ق ، ٧٧ ، ٦)
قدرة لا يتغيّر
تعلّقها باختلاف
ـ حكي عن أبي علي
أنّه لم يجعل قدر الجوارح قدرا على أفعال القلوب ولا قدر القلوب قدرا على أفعال
الجوارح. وجعل القدرة متعلّقة على ما يصحّ وجوده في محلّها ، فلمّا لم يصحّ وجود
العلم في اليد لم يجعل القدرة التي فيها قدرة على العلم. لكن هذا الكلام يوجب أن
تجعل قدر القلوب قدرا على أفعال الجوارح ، لأنّ أفعال الجوارح يصحّ وجودها في
القلب نحو الحركات وما أشبهها. والصحيح عندنا ما قاله أبو هاشم إن القدرة لا
يتغيّر تعلّقها باختلاف المحلّ بها. ومعلوم أنّ غير هذه القدرة لو وجدت في القلب
لصحّ بها أفعال القلوب ، ولو نقل الله عزوجل بعض أجزاء اليد بما فيها من القدرة وبناه مع أجزاء أخر
بنية القلب لصحّ بما فيها أفعال القلوب (ق ، ت ٢ ، ١٠٣ ، ١٤)
قدرة متعلّقة
ـ النسبة بين
المقدور والقدرة نسبة المسبّب إلى السبب ، وهو كونه به ، فإذا لم يكن به لم يكن
بينهما علاقة ، فلم تكن قدرة إذ كل ما لا تعلّق له ، فليس بقدرة ؛ إذ القدرة من
الصفات المتعلّقة ، قلنا هي متعلّقة ، وقولكم إنّ التعلّق مقصور على الوقوع بها ،
يبطل بتعلّق الإرادة ،
والعلم ؛ وإن قلتم
إنّ تعلّق القدرة مقصور على الوقوع بها فقط ، فهو أيضا باطل ، فإنّ القدرة عندكم
تبقى ، وإذا فرضت قبل الفعل ، فهل هي متعلّقة أم لا؟ فإن قلتم لا ، فهو محال ؛ وإن
قلتم نعم ، فليس المعني بها وقوع المقدور بها ؛ إذ المقدور بعد لم يقع ، فلا بدّ
من إثبات أمر آخر من التعلّق سوى الوقوع بها. إذ التعلّق عند الحدوث يعبّر عنه
بالوقوع بها ، والتعلّق قبل ذلك مخالف له ، فهو نوع آخر من التعلّق ؛ فقولكم : إنّ
تعلّق القدرة به نمط واحد ، خطأ. وكذلك القادريّة القديمة عندهم ، فإنّها متعلّقة
بالعلم في الأزل ، وقبل خلق العالم. فقولنا أنّها متعلّقة صادق ، وقولنا أنّ
العالم واقع بها كاذب ، لأنّه لم يقع بعد ، فلو كانا عبارتين عن معبّر واحد ، لصدق
أحدهما حيث يصدق الآخر (غ ، ق ، ٩٣ ، ١)
قدرة متعلّقة
بالضدين
ـ إنّ الطريق الذي
به نعلم إثبات القدرة هو الطريق الذي به نعلم تعلّقها بالضدّين. وذلك لأنّا إنّما
نثبت القدرة يكون الواحد منّا قادرا ، وكونه قادرا إنّما يثبت بكونه فاعلا ومحدثا.
والذي به نعرف أنّه محدث لأفعاله هو وجوب وقوع تصرّفه بحسب أحواله. وقد علم أنّ
ذلك ليس بمقصور على فعل دون فعل ، لأنّا ما لم نتصوّر في الواحد منّا أنّه يجوز
منه أن يتحرّك يمنة ويسرة ويأتي بأفعال مختلفة ومتضادّة لم نعلمه فاعلا على
الحقيقة. فإذا كان ما به يثبت قادرا يقتضي كونه قادرا على الضدّين فينبغي فيما
أوجب كونه قادرا أن يطابقه في التعلّق ، وهذا يقتضي أن تكون القدرة متعلّقة
بالضدّين. ويجب إذا كان حكم القادرين أجمع فيما ذكرناه سواء أن تتّفق أحوال القدر
أيضا فيما بيّنا (ق ، ت ٢ ، ٤٨ ، ٩)
قدرة متقدّمة
ـ إنّ القدرة لا
بدّ من أن تكون لها حال حاجة إليها وحال غنى عنها. فلو لم نجعل حال الحاجة حال
العدم لزالت الحاجة جملة. ولو كانت حال الحاجة حال الوجود لاستمرّت الحاجة أبدا
ولم تنقطع. فإذا لم تصحّ في حال وجود الفعل الحاجة إلى القدرة فليس إلّا أنّ
الحاجة إليها في حال عدم الفعل ، وفي ذلك وجوب تقدّمها على الفعل. وتحصيل ذلك أنّ
القدرة يحتاج إليها لإحداث الفعل بها ، فإذا حدث ووجد فقد وقعت الغنية عنها. فإن
لم يسلّم هذا الأصل اقتضى رفع الحاجة إلى القدرة (ق ، ت ٢ ، ١٠٩ ، ١٢)
قدرة محدثة
ـ إن قال : فما
أنكرتم أن تكون القدرة على الشيء قدرة عليه وعلى ضدّه ، قيل له لأنّ من شرط القدرة
المحدثة أن يكون في وجودها وجود مقدورها. لأنّ ذلك لو لم يكن من شرطها وجاز وجودها
وقتا ولا مقدور لجاز وجودها وقتين وأكثر من ذلك ، إذ لا فرق بين وقت ووقتين وأكثر (ش
، ل ، ٥٥ ، ١١)
قدرة معدومة
ـ لو كان قادرا في
حال العدم لكان لا يخلو : إمّا أن يكون قادرا لنفسه أو قادرا بقدره. ولا يجوز أن
يكون قادرا بقدرة ، لأنّ القدرة إنّما يجب لها كون الذات قادرا إذا اختصّت بمن
توجب له الصفة ، والاختصاص إنّما يكون بطريقة
الحلول ، والحلول
في المعدوم محال. ولا يجوز أن يقال إنّه يكون قادرا بقدرة معدومة ، لأنّ القدرة
المعدومة لا تعلّق لها بالقادر ، ولأنّه لا اختصاص لها ببعض المعدومات دون البعض ،
فكان يجب في المعدومات أجمع أن تكون اختصاص قادره ـ وقد علمنا أن في العدم عرضا
كما أنّ فيه جوهرا. ولأنّ القدرة المعدومة لا يمكن فعل الجسم بها ، لأن الفعل إنما
يمكن بالقدرة على أحد الوجهين : إمّا مباشرة وإمّا توليدا ، وكلا الوجهين لا يمكن
به فعل الجسم. والقدرة لا يمكن الفعل بها إلا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في
سببه ضربا من الاستعمال ، وذلك لا يتأتى في المعدوم. فإذا لم يجز أن يكون قادرا
بقدرة وجب أن يكون قادرا لنفسه ، ولو كان قادرا لنفسه لوجب في حال الوجود أيضا أن
يكون كذلك ، لأنّ الوجود لا يجوز أن يكون محيلا لهذه الصفة ، كيف وهو مصحّح
للأحكام! ولو كان قادرا لنفسه في حال الوجود لكان يجب أن يكون كل جزء منه قادرا ،
لأنّ صفة النفس ترجع إلى الأجزاء والأبعاض ، فيجب في الجملة أن تكون قادرين كثيرين
ضمّ بعضها إلى بعض ، فلا يقع الفعل بداع واحد وقصد واحد ، وكان يجب أن يصحّ
التمانع بين أجزاء الجملة ، وكان يجب في كل جزء منها أن يصحّ فعل مثله ، لأنّ قضية
العقل لا تفصل في ذلك (ن ، د ، ٣٦٦ ، ٥)
قدرة الممنوع
ـ إنّ الصحيح أنّ
القدرة الواحدة متعلّقة بهذه الأجناس على كل حال. لكنّ أبا هاشم مع قوله بتعلّق
هذه القدرة امتنع عن وصفها بأنّها قدرة على أفعال القلوب ، وأجراها مجرى المعدوم
في امتناع هذا الوصف. والصحيح أن نجري هذه القدرة مجرى قدرة الممنوع فإنّها التي
يمتنع الفعل بها لبعض الموانع. فأمّا إذا كانت معدومة فالفعل بها محال ولم تحصل
لها الصفة التي يتبعها التعلّق ، فينبغي أن لا نمتنع من هذا الوصف (ق ، ت ٢ ، ١٠٤
، ٦)
قدرة واحدة
ـ قد تقرّر أنّ في
القدرة الواحدة لا يصحّ أن يقدر بها من الجنس الواحد في الوقت الواحد في المحلّ
الواحد أزيد من جزء واحد (ق ، ت ١ ، ٢٧٠ ، ١٩)
قدريّ
ـ القدريّ من يدعي
أنّه يفعل أفعاله مقدّرة دون ربّه ويزعم أنّ ربّه لا يفعل من اكتسابه شيئا (ش ، ل
، ٥٣ ، ١)
ـ القدري هو من
يثبت القدر لنفسه دون ربّه عزوجل ، وأنّه يقدّر أفعاله دون خالقه ، وكذلك هو في اللغة ،
لأنّ الصائغ هو من زعم أنّه يصوغ دون من يقول إنّه يصاغ له ، والنّجار هو من يضيف
النجارة إلى نفسه دون من يزعم أنّه ينجر له ، فلمّا كنتم تزعمون أنكم تقدّرون
أعمالكم وتفعلونها دون ربكم وجب أن تكونوا قدرية ، ولم نكن نحن قدرية ، لأنّا لم
نضف الأعمال إلى أنفسنا دون ربنا عزوجل ، ولم نقل : إنّا نقدّرها دونه ، وقلنا : إنها تقدّر لنا (ش
، ب ، ١٤٦ ، ٣)
ـ كان (الأشعري)
يذهب في معنى اسم القدريّ ووصفه إلى أنّ ذلك موضوع لمن يدّعي أنّه يقدّر أفعاله من
دون الله تعالى أو يدبّرها بقدرته على
التوحّد به. وكان
يقول : " شبّههم الرسول صلى الله عليه بالمجوس لنسبتهم الأفعال إلى أكثر من
فاعل واحد ودعواهم تنزيه الله بنفي إرادة الشرّ عنه". وكان يقول إنّ الإنسان
يصحّ أن يوصف بأنّه مقدّر على الحقيقة ، ولكن تقديره يكون مخلوقا لله تبارك وتعالى
، وهذا كما يصحّ أن يسمّى بانيا وكاتبا ومتحرّكا وضاربا ، وإن كان جميع هذه
المعاني مخلوقة لله تعالى. وكان يقول إنّ الذي نفى عنّا هذا الوصف المذموم مع
إثباتنا غير الله مقدّرا على الحقيقة فهو أنّا لم نجعل ذلك التقدير ممّا انفرد به
غيره بل جعلناه تقديرا لغيره وخلقا له (أ ، م ، ١٠٦ ، ٣)
قدرية
ـ أمّا القدرية ،
فالذين يعملون بالمعاصي ويقولون : هي من عند الله وهو قدّرها علينا (ر ، ك ، ١٤٨ ،
١)
ـ قيل : وما
القدريّة يا رسول الله؟ وما المرجئة؟ ... فقال : أمّا القدرية فهم الذين يعملون
المعاصي ويقولون إنّها من الله ، قضي بها وقدّرها علينا. وأمّا المرجئة فهم الذين
يقولون : الإيمان قول بلا عمل. ثم قال ، صلىاللهعليهوآله : " القدرية مجوس هذه الأمة" (ي ، ر ، ٦٧ ، ٧)
ـ إنّه يلزم
القدريّة إذا كان من قدر أن يؤمن قدر أن يكفر ، أن لا يكون الباري تعالى موصوفا
بالقدرة على الأمر الذي لو فعله لكانوا مؤمنين لا محالة ، لأنّهم يقدرون عندهم على
أن (لا) يكفروا عند نزول الآيات الملجئات إلى الإيمان ، كما يقدرون أن يؤمنوا قبل
ذلك ، ومن قدر على الكفر عند نزول الآية لم يؤمن وقوعه عنه (ش ، ل ، ٢٧ ، ١٣)
ـ إن قالوا لم
سمّيتمونا قدريّة ، قيل لهم لأنّكم تزعمون في أكسابكم أنّكم تقدّرونها وتفعلونها
مقدّرة لكم دون خالقكم. والقدري هو من ينسب ذلك لنفسه ، كما أنّ الصائغ هو من
يعترف بأنّه يصوغ دون من يزعم أنه يصاغ له ، والنجّار هو من يدّعي أنّه ينجر دون
من يعترف بأنّه ينجز له ولا ينجر شيئا (ش ، ل ، ٥٢ ، ١٨)
ـ إن قال يلزمكم
أن تكونوا قدرية لأنّكم تثبتون القدر ، قيل لهم نحن نثبت أنّ الله تعالى قدّر
أعمالنا وخلقها مقدّرة لنا ولا نثبت ذلك لأنفسنا. فمن أثبت القدر لله تعالى وزعم
أنّ الأفعال مقدّرة لربّه لا يكون قدريّا ، كما أنّ من أثبت الصياغة والنجارة
لغيره لا يكون صائغا ولا نجارا. ولو كنّا قدريّة بقولنا أنّ الله فعل أفعالنا
مقدّرة (لنا) لكانوا قدرية بقولهم إنّ الله تعالى فعل أفعاله كلها مقدّرة له. ولو
كنا بقولنا إنّ الله قدّر المعاصي وقدرية لكانوا بقولهم إنّ الله قدّر الطاعات
قدريّة. فلمّا لم يكن ذلك كذلك بطل ما قالوه (ش ، ل ، ٥٣ ، ٣)
ـ القدرية : هي
التي لم تر الله ـ في فعل الخلق ـ تدبيرا ، ولا له ـ عليه ـ قدرة التقدير (م ، ت ،
١٠٠ ، ٨)
ـ فسّرت القدرية
بنفيهم القدر على الله. والأصل في هذا أنّ المرجئة هي التي أرجت حقيقة أفعال الخلق
إلى الله ، والقدرية هي التي نفت عن الله تدبيرها ، وجعلت كل التدبير فيها للخلق
حتى معنى العالم ، وبم على تدبير الخلق هم أفنوا وأبقوا وبه قام تدبير الله من
البعث وأهل الجنة والنار ، ليس لله في ذلك إلا الاختبار ، وكذا لا يحقق له في
العالم أفعال سوى كونه بعد أن لم يكن (م ، ح ، ٣١٨ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ
القدرية عندنا إنّما هم المجبرة
والمشبهة ، وعندهم
المعتزلة ؛ فنحن نرميهم بهذا اللقب ، وهم يرموننا به. وقد حكى عن بعضهم أنّه قال :
إنّ المعتزلة كانت تلقبنا بالقدرية ، فقلبناها عليهم ، وقد أعاننا السلطان على ذلك
(ق ، ش ، ٧٧٢ ، ١٥)
ـ روي عن النبي
صلى الله عليه أنّه قال : لعن الله القدريّة على لسان سبعين نبيّا ، قيل من
القدريّة يا رسول الله ، قال : الذين يعصون الله تعالى ويقولون : كان ذلك بقضاء
الله وقدره (ق ، ش ، ٧٧٥ ، ٥)
ـ المعتزلة
ويسمّون أصحاب العدل والتوحيد ، ويلقّبون بالقدريّة ، والعدليّة. وهم قد جعلوا لفظ
القدريّة مشتركا ، وقالوا : لفظ القدرية يطلق على من يقول بالقدر خيره وشرّه من
الله تعالى ، احترازا من وصمة اللقب ، إذ كان الذمّ به متّفقا عليه لقول النبي
عليه الصلاة والسلام : " القدريّة مجوس هذه الأمّة" ، وكانت الصفاتيّة
تعارضهم بالاتّفاق ، على أنّ الجبريّة والقدريّة متقابلتان تقابل التضادّ ؛ فكيف
يطلق لفظ الضدّ على الضدّ؟ وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : " القدريّة
خصماء الله في القدر" والخصومة في القدر ، وانقسام الخير والشرّ على فعل الله
وفعل العبد لن يتصوّر على مذهب من يقول بالتسليم والتوكّل ، وإحالة الأحوال كلها
على القدر المحتوم ، والحكم المحكوم والذي يعمّ طائفة المعتزلة من الاعتقاد (ش ، م
١ ، ٤٣ ، ١٢)
ـ إن قيل المقدور
هو وجود الفعل ، إلّا أنّه يلزمه ذلك الوجه المكلّف به لا مقصودا بالخطاب. قيل لا
يغنيكم هذا الجواب ، فإنّ التكليف لو كان مشعرا بتأثير القدرة في الوجود ، كان المكلّف
به هو الوجود من حيث هو وجود لا غير ، ولكن تقدير الخطاب أوجد الحركة التي إذا
وجدت يتبعها كونها حسنة ، وعبادة وصلاة وقربة. فما هو مقصود بالخطاب غير موجود
بإيجاده ، فيعود الإلزام عكسا عليكم افعل يا من لا يفعل فليت شعري أي فرق ، بين
مكلّف به لا يندرج تحت قدرة المكلّف ولا يندرج تحت قدرة غيره ، وبين مكلّف به
اندرج تحت قدرة المكلّف من جهة ما كلّف به واندرج تحت قدرة غيره من جهة ما لم
يكلّف به ، أليس القضيتان لو عرضتا على محكّ العقل كانت الأولى أشبه بالجبر ، فهم
قدريّة من حيث أضافوا الحدوث والوجود إلى قدرة العبد إحداثا وإيجادا وخلقا ، وهم
جبريّة من حيث لم يضيفوا الجهة التي كلّف بها العبد إلى قدرته كسبا وفعلا (ش ، ن ،
٨٦ ، ٤)
ـ القدريّة : هم
الذين يزعمون أنّ كل عبد خالق لفعله ولا يرون الكفر والمعاصي بتقدير الله تعالى (ج
، ت ، ٢٢٢ ، ١٤)
ـ القدرية هم
المجبرة. قالوا : لا بل المعتزلة. لنا : الاسم مشتقّ من الإثبات لا من النفي. وهم
المثبتون ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : " قوم يعملون المعاصي ويقولون إنّ الله قدّرها
عليهم". وقوله صلىاللهعليهوسلم : " القدرية مجوس هذه الأمّة" ، وهم أشبه بهم
إذا قالوا : القادر على الخير لا يقدر على الشرّ (م ، ق ، ٩٩ ، ١٩)
ـ القدرية هم
المجبرة لأنّهم يقولون المعاصي بقدر الله ، ونحن ننفي ذلك. والنسبة في لغة العرب
من الإثبات لا من النفي ، كثنوي لمن يثبت إلها ثانيا مع الله لا لمن ينفيه ،
ولأنّهم يلهجون به. ولما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، في المجوس : إنّ رجلا من فارس
جاء إليه وقال :
رأيتهم ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم. فإذا قيل لهم : لم تفعلون ذلك؟ قالوا :
قضاء الله وقدره. فقال ، صلىاللهعليهوآلهوسلم : " أمّا أنّه سيكون من أمّتي قوم يقولون مثل
ذلك". وقال صلىاللهعليهوآلهوسلم : " القدرية مجوس هذه الأمّة. ولا يشبههم أحد من
الأمّة غيرهم" (ق ، س ، ١١٩ ، ٨)
قدريون
ـ القدريون
المفترون يكرهون أن ينسبوا الضلالة إلى أنفسهم والفواحش ، ولا يقرّون"
أنّ" الله ، جل ثناؤه ، ابتدأ عباده بالهدى ولا بالتقوى قبل أن يصيروا إلى
هدي وتقوى ، خلافا لقوله وردا لتنزيله وإبطالا لنعمه ، وهو يقول ، جل ثناؤه : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن : ١٦) ،
يأمرهم بالتقوى إذ كانوا إليها مستطيعين ، ولو لم يكن لهم عليها استطاعة لما أمرهم
بها (ر ، ك ، ١٤٣ ، ٢)
ـ قال القدريون
المفترون إنّ الله ، جلّ ثناؤه ، قدّر المعاصي على عباده ليعملوا بها ، وأدخلهم
فيها وأرادها منهم وقلّبهم فيها كما تقلب الحجارة ، وشاءها لهم وقضاها عليهم حتى
لا يقدرون على تركها (ر ، ك ، ١٤٥ ، ١)
قدم
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ الحدوث أحد وصفي الموجود ، وذلك أن يكون وجودا عن عدم. فأمّا القدم فهو
وجود على شرط التقدّم ، ولم يكن يراعي في ذلك تقدّم الأزل بلا غاية دون تقدّم
بغاية ، بل كان يقول إنّ المحدث يوصف بأنّه قديم على الحقيقة إذ أريد به تقدّمه
على ما حدث بعده ، كقوله (حَتَّى عادَ
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس : ٣٩) ، وإنّ
العرجون كان قديما على الحقيقة على معنى أنّه تقدّم العراجين التي حدثت بعده (أ ،
م ، ٢٧ ، ٢٠)
ـ إنّ القدم إنّما
يكون صفة للنفس على ما ذهب إليه الشيخ أبو علي أو يكون صفة مقتضاة عنها على ما ذهب
إليه الشيخ أبو هاشم. وعلى المذهبين جميعا الاشتراك فيه يوجب التماثل وأنه لا يجوز
خروجه عما هو عليه من الصفة ، كما أن سائر الذوات لا يصحّ خروجها عما هي عليها من
الأوصاف (ن ، د ، ٢٤٦ ، ١٣)
قدوس
ـ يوصف تعالى
بأنّه قدّوس ، ويراد به منزّه عمّا جاز على عباده من اتّخاذ الصاحبة والولد وعمّا
ينسب إليه من العيب الذي يجب تنزيهه عنه (ق ، غ ٥ ، ٢٥٥ ، ٥)
قدير
ـ بيّن شيخنا أبو
علي رحمهالله أنّ قوله (أَنَّ اللهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الطلاق : ١٢) ،
يجب أن يكون أعمّ من قوله (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر : ٦٢) ،
لأنّه يتناول المستقبل وهذا لا يتناوله ، فيجب أن يكون أخصّ منه من حيث كان
المعدوم غير مخلوق وإن كان مقدورا ، وكذلك فعل العباد غير مخلوق وإن كان مقدورا ،
ويمكن أن يقال إنّ كونه خالقا ينبئ عن تقدّم حال مع المقدور ، وهو كونه قادرا عليه
، فما لم يثبت ذلك فيه يجب أن يكون داخلا تحت العموم فيجب أن يدلّ أولا على أنّ
أفعال العباد مقدورة له تعالى حتى يتناوله العموم ، ويمكن أن يحمل ذلك على أنّ
المراد
به أنّه مقدّر كل
شيء ومدبّره ، ولا يمتنع عندنا كونه مقدّرا لأفعال العباد وإن لم تكن من فعله بأن
يبيّن أحواله أو يقدر على إيجاده أو يعدمه (ق ، غ ٨ ، ٣١٠ ، ١٥)
ـ أما الفعل بين
قادرين فمختلف فيه. فإن قلت : مم اشتقاق القدير. قلت : من التقدير ، لأنّه يوقع
فعله على مقدار قوّته واستطاعته وما يتميّز به عن العاجز (ز ، ك ١ ، ٢٢٣ ، ٣)
ـ (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ) (النساء : ١٣٣) من
الإعدام والإيجاد (قَدِيراً) (النساء : ١٣٣)
بليغ القدرة لا يمتنع عليه شيء أراده ، وهذا غضب عليهم وتخويف وبيان لاقتداره (ز ،
ك ١ ، ٥٧٠ ، ٨)
ـ (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) فهو
يقدر على أن يقيم الساعة ويبعث الخلق لأنّه بعّض المقدورات ثم دلّ على قدرته بما
بعده (ز ، ك ٢ ، ٤٢٢ ، ٧)
قديم
ـ لمّا كان القديم
عنده (أبو الهذيل) ليس بذي غاية ولا نهاية ولا يجري عليه بعض ولا كل وجب أن يكون
المحدث ذا غاية ونهاية وأنّ له كلّا وجميعا (خ ، ن ، ١٦ ، ٢٠)
ـ القديم عند
إبراهيم قادر على فعله وعلى تركه مختار له ...... كالحرّ والبرد والسواد والبياض
واليبس والبلّة ، وهذه كلها علامة بأن خلق الخلق صلاح لهم ..... (خ ، ن ، ٢٦ ، ٧)
ـ اختلف المتكلمون
في معنى القول في الله إنّه قديم [فقال بعضهم : معنى القول إنّ الله قديم] أنّه لم
يزل كائنا لا إلى أول وأنّه المتقدّم لجميع المحدثات لا إلى غاية. وقال"
عبّاد بن سليمان" : معنى قولنا في الله إنّه قديم أنّه لم يزل [ومعنى لم يزل]
هو أنّه قديم ، وأنكر" عبّاد" القول بأنّ الله كائن متقدّم للمحدثات
وقال : لا يجوز أن يقال ذلك ، وقال بعض البغداديين : معنى قديم أنّه إله ،
وقال" عبد الله بن كلّاب" : معنى قديم أنّ له قدما ، وقال" أبو
الهذيل" : معنى أنّ الله قديم إثبات قدم لله هو الله ، وحكي عن"
معمّر" أنّه قال : لا أقول أن البارئ قديم إلا إذا حدث المحدث. وحكي عن بعض
المتقدّمين أنه قال : لا أقول أن البارئ قديم على وجه من الوجوه (ش ، ق ، ١٨٠ ، ٤)
ـ معنى أنّ الله
قديم أنّه لم يزل كائنا لا إلى أوّل وأنّه المتقدّم لجميع المحدثات لا إلى غاية ،
وهذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٥١٧ ، ١٠)
ـ معنى قديم أنّه
لم يزل ، ومعنى لم يزل أنّه قديم وقال بعضهم : معنى قديم إله (ش ، ق ، ٥١٧ ، ١٢)
ـ معنى أنّ الله
قديم إثبات قدم لله كان به قديما ، وكذلك معنى عالم عندهم إثبات علم وكذلك القول
في سائر الصفات (ش ، ق ، ٥١٧ ، ١٤)
ـ إنّ القديم لا
يجوز انتقاله وتغيّره وأن يجري عليه سمات الحدث ، لأنّ ما جرى ذلك عليه ولزمته
الضعة لم ينفكّ من سمات الحدث ، وما لم يسبق المحدث كان محدثا مصنوعا ، فبطل بذلك
قدم النطفة وغيرها من الأجسام (ش ، ل ، ٧ ، ١٠)
ـ القديم هو المتقدّم
في الوجود على غيره ، وقد يكون لم يزل ، وقد يكون مستفتح الوجود ، دليل ذلك قولهم
: بناء قديم ، يعنون أنّه الموجود قبل الحادث بعده (ب ، ت ، ٤١ ، ٤)
ـ إنّ الموجودات
كلّها على قسمين. منها : قديم لم يزل وهو الله تعالى ، وصفات ذاته التي لم يزل
موصوفا بها ولا يزال كذلك. وقولهم :
" أقدم ،
وقديم" موضوع للمبالغة في الوصف بالتقدّم وكذلك أعلم وعليم ، وأسمع وسميع. والقسم
الثاني : محدث ، لوجوده أوّل ، ومعنى المحدث ما لم يكن ثم كان ، مأخوذ تلك من
قولهم : حدث بفلان حادث. من مرض ، أو صداع ؛ وأحدث بدعة في الدين ، وأحدث روشنا ،
وأحدث في العرصة بناء ، أي فعل ما لم يكن من قبل موجودا (ب ، ن ، ١٦ ، ٥)
ـ إن حدّ القديم
هو : الذي لا حدّ لوجوده ، ولا آخر لدوامه (ب ، ن ، ٥٥ ، ٣)
ـ صحّ وثبت أنّ من
شرط الصفة قيامها بالموصوف ، والدليل على صحة ذلك أولا : أنّ حدّ القديم ما لا
أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه ، وأنّ القديم لا يدخله الحصر والعد ، ونحن نعلم وكل
عاقل أنّ هذه الأشكال من الحروف لم تكن قبل حركة الكاتب وإنّما يحدثها الله مع
حركة الكاتب شيئا فشيئا. ثم هي مختلفة الصور والأشكال ، ويدخلها الحصر والحدّ ،
وتعدم بعد أن توجد ، وكل ذلك صفة المحدث المخلوق (ب ، ن ، ٩٩ ، ٦)
ـ زعمت المشبهة
أنّ القراءة هي المقروءة ، والتلاوة هي المتلوّ ، وزعموا أنّ القديم يحل في المحدث
ويختلط به ، وتمسّكوا في جميع ذلك بآيات وآثار زعموا أنّها حجة لهم فيما صاروا
إليه من هذه البدعة العظيمة التي جميعها يدلّ على أنّ كلام الله مخلوق محدث (ب ، ن
، ١١٢ ، ٤)
ـ كان يقول إنّ
القديم الذي لم يزل موجودا هو أحد وصفي القدم ونوعي معناه ، وبه كان يبطل قول من
يقول إنّ حقيقة معنى القديم أنّه إله ، وإنّه لو كان كذلك كان يجب له من الإلهيّة
بقدر ما يجب له من التقدّم لكل ما يكون قديما حتى يكون كل ما يوصف بأنّه قديم على
وجه يكون إلها على وجه (أ ، م ، ٢٨ ، ١)
ـ اختلف قوله (الأشعري)
في القديم هل يقتضي معنى بكونه قديما أم لا. فذهب في بعض كتبه إلى أنّ القديم قديم
بقدم ، وهو على نحو ما ذهب إليه المتقدّمون من أصحاب الصفات كنحو عبد الله بن سعيد
وغيره. وقال في كتابه المسمّى بالمختزن" إني أقول : القديم قديم بنفسه لا
بمعنى له كان قديما" ، وذكر أنّ ذلك يجري مجرى وصف تقدّمه بالوجود ، والتقدّم
بالوجود هو أن يوجد الشيء قبل الشيء ، والشيء بكونه موجودا لا يقتضي معنى على جميع
الأحوال (أ ، م ، ٢٨ ، ١٢)
ـ ينظر في أنّ
الحوادث تنتهي إليه (الله) وهو لا ينتهي إلى حدّ ، فيحصل له العلم بكونه قديما (ق
، ش ، ٦٥ ، ١٥)
ـ إنّ القديم باق
، فهو أنّ الباقي ليس إلّا الموجود في حال الخبر عنه بالوجود ، وهذا حال القديم (ق
، ش ، ١٠٩ ، ٣)
ـ الذي يدلّ على
أنّ القديم لا ضدّ له ، فهو أنّه لو كان له ضدّ لكان لا بدّ من أن تكون صفته
بالعكس من صفة القديم ، فيجب إذا كان القديم موجودا لذاته وجب أن يكون ضدّه معدوما
لذاته وذلك مستحيل (ق ، ش ، ١٠٩ ، ٩)
ـ إنّ القديم في
أصل اللغة هو ما تقادم وجوده ، ولهذا يقال بناء قديم ، ورسم قديم ، ... وأمّا في
اصطلاح المتكلّمين ، فهو ما لا أوّل لوجوده ، والله تعالى هو الموجود الذي لا أوّل
لوجوده ، ولذلك وصفناه بالقديم (ق ، ش ، ١٨١ ، ٦)
ـ أمّا كونه قديما
فليس بصفة زائدة على كونه
موجودا ، وإنّما
هو كيفية في صفة الوجود ، فإنّما يمكن في حكمه وهو كيفية في هذه الصفة أن تثبت
كيفيّة في هذه الصفات التي تقف على الوجود ، فتجعل حكم كونه قديما أنّه لولاه كان
لا يستحقّ هذه الصفات ، ويصحّ أن نجعل استحالة أمور كثيرة من حكم كونه قديما (ق ،
ت ١ ، ١٦٠ ، ٣)
ـ إنّ القديم هو
الذي لا أوّل لوجوده ولا ابتداء ، ويجب أن يستغني عن موجود يوجده ، ويجب الوجود له
من غير علّة (ق ، غ ٤ ، ٢٥٠ ، ٥)
ـ حكي عن
الملكانية أنّ القديم جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم ، وأنّ الأقانيم هي الجوهر ،
والجوهر غير الأقانيم ، وليس برابع لها في العدد. ويقولون في الأقانيم إنّها جوهر
بسيط ويمتنعون من كونه جوهرا مركّبا (ق ، غ ٥ ، ٨١ ، ١٩)
ـ يوصف بأنّه
تعالى قديم. وقد اختلف قول شيخنا أبي علي في حقيقة هذه اللفظة ، فقال في بعض كتبه
: إنّه يراد به أنّه لا أوّل لوجوده وأنّ الذي يخصّ بهذه التسمية هو الله تعالى
دون سائر الموجودات (ق ، غ ٥ ، ٢٣٣ ، ١)
ـ قال ، رحمهالله (أبو علي) ، في"
الأسماء والصفات" وغيره من كتبه : إنّ المستفاد بقولنا قديم أنّه متقادم في
الوجود على وجه يستحقّ أن يبالغ له في كونه موجودا ، لأنّ الموجودات على ضربين :
أحدهما متقارب الوجود ، والآخر متراخي الوجود ، فجعل قولنا قديم مفيدا لكونه
متراخيا في الوجود ضربا من التراخي ، وجعل مبالغة في هذه الصفة. وهذا هو الذي
يختاره شيخنا أبو هاشم (ق ، غ ٥ ، ٢٣٣ ، ١٨)
ـ قولنا قديم يفيد
تقادم وجوده (ق ، غ ٥ ، ٢٣٤ ، ١٥)
ـ القديم هو
الموجود الذي لا ابتداء لوجوده (ن ، د ، ٥٧٣ ، ١٠)
ـ اختلفوا أيضا في
معنى القديم : فقال عبد الله بن سعيد والقلانسي إنّه قديم بمعنى قائم به. وقال أبو
الحسن الأشعري إنّه قديم لذاته ، وأجمع أصحابنا على أنّه باق ببقاء يقوم به غير
القاضي أبي بكر بن الطيّب فإنّه قال بأنّ الله باق لنفسه وبه نقول (ب ، أ ، ١٢٣ ،
٧)
ـ إنّ القديم من
صفات المخلوقين فلا يجوز أن يسمّى الله تعالى بذلك ، وإنّما يعرف القديم في اللغة
من القدميّة الزمانيّة ، أي أنّ هذا الشيء أقدم من هذا بمدّة مخصورة ، وهذا منفيّ
عن الله عزوجل وقد أغني الله عزوجل عن هذه التسمية بلفظة أوّل ، فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه
تعالى فيه غيره ، وهو معنى أنّه لم يزل (ح ، ف ٢ ، ١٥٢ ، ٢)
ـ كل موجود استمرّ
وجوده وتقادم زمنا متطاولا ، فإنّه يسمّى قديما في إطلاق اللسان (ج ، ش ، ٥٢ ، ١٥)
ـ الموجود إمّا أن
يكون قديما أو حديثا ، أمّا القديم فهو لا أوّل لوجوده وهو الله سبحانه وتعالى ،
والمحدث ما لوجوده أوّل وهو ما عداه (ف ، م ، ٦٧ ، ١٠)
ـ اتّفق
المتكلّمون على أنّ القديم يستحيل إسناده إلى الفاعل ، واتّفقت الفلاسفة على أنّه
غير ممتنع زمانا (ف ، م ، ٦٨ ، ٢)
ـ القديم : يطلق
على الموجود الذي لا يكون وجوده من غيره ، وهو القديم بالذات ، ويطلق القديم على
الموجود الذي ليس وجوده مسبوقا بالعدم وهو القديم بالزمان ، والقديم بالذات يقابله
المحدث بالذات وهو الذي يكون وجوده
من غيره ، كما أنّ
القديم بالزمان يقابله المحدث بالزمان ، وهو الذي سبق عدمه وجوده سبقا زمانيّا ،
وكل قديم بالذات قديم بالزمان ، وليس كل قديم بالزمان قديما بالذات ، فالقديم
بالذات أخصّ من القديم بالزمان. فيكون الحادث بالذات أعمّ من الحادث بالزمان لأنّ
مقابل الأخصّ أعمّ من مقابل الأعمّ ، ونقيض الأعمّ من شيء مطلق أخصّ من نقيض
الأخص. وقيل القديم ما لا ابتداء لوجوده الحادث ، والمحدث ما لم يكن كذلك فكان
الموجود هو الكائن الثابت والمعدوم ضدّه. وقيل القديم هو الذي لا أوّل ولا آخر له (ج
، ت ، ٢٢٠ ، ١٥)
ـ يسمّى (الله)
قديما ، إجماعا. أبو علي : ولا يوصف به غيره ، إذ معناه الموجود في الأزل. أبو
هاشم : بل معناه المتقدّم على غيره ، فيصحّ. قاضي القضاة : الأوّل أصحّ في عرف
المتكلّمين ، والثاني أصحّ لغة (م ، ق ، ٨٨ ، ١٤)
قراءة
ـ إنّ مع قراءة
القارئ لكلام غيره وكلام نفسه كلاما غيرهما ، وزعمت فرقة أخرى منهم (المعتزلة) أنّ
القراءة هي الكلام (ش ، ق ، ١٩٣ ، ١٤)
ـ إنّ القراءة
كلام لأنّ القارئ يلحن في قراءته وليس يجوز اللحن إلّا في كلام وهو أيضا متكلّم
وإن قرأ كلام غيره ، ومحال أن يكون متكلّما بكلام غيره فلا بدّ من أن تكون قراءته
هي كلامه (ش ، ق ، ١٩٤ ، ١)
ـ القراءة صوت
والكلام حروف والصوت غير الحروف (ش ، ق ، ١٩٤ ، ٥)
ـ القراءة كلام
لأنّ القارئ يلحن في قراءته ، وليس يجوز اللحن إلّا في كلام ، وهو أيضا متكلّم وإن
قرأ كلام غيره ، ومحال أن يكون متكلّما بكلام غيره ، ولا بدّ من أن تكون قراءته هي
كلامه (ش ، ق ، ٦٠١ ، ٧)
ـ الكلام حروف ،
والقراءة صوت ، والصوت عندهم غير الحروف ، وقد أنكر هذا القول جماعة من أهل النظر
وزعموا أن الكلام ليس بحروف (ش ، ق ، ٦٠١ ، ١٠)
ـ قالت"
المعتزلة" : القراءة غير المقروء وهي فعلنا والمقروء فعل الله سبحانه (ش ، ق
، ٦٠٢ ، ٣)
حكى"
البلخي" إنّ قوما قالوا : القراءة هي المقروء كما أنّ التكلّم هو الكلام (ش ،
ق ، ٦٠٢ ، ٥)
ـ أخبر تعالى أنّ
القرآن منه منزل موحى ، وأنّ الرسول يقرؤه ويعلّمه ، فالموحى المنزل المقروء هو
كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته ، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته. وأيضا
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ) (المائدة : ٦٧)
ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة (ب ، ن ، ٨١ ، ٥)
ـ إنّ القراءة فعل
من أفعال العباد ، والمقروء والمتلو لا يجوز أن يكون فعلا من أفعال العباد ، ولا
نقول أيضا إنّه من صفات الفعل لله تعالى بل هو من صفات الذات (ب ، ن ، ١٠٥ ، ١٣)
ـ زعمت المشبّهة
أنّ القراءة هي المقروءة ، والتلاوة هي المتلو ، وزعموا أنّ القديم يحل في المحدث
ويختلط به ، وتمسّكوا في جميع ذلك بآيات وآثار زعموا أنّها حجة لهم فيما صاروا
إليه من هذه البدعة العظيمة التي جميعها
يدلّ على أنّ كلام
الله مخلوق محدث (ب ، ن ، ١١٢ ، ٣)
ـ القراءة عند أهل
الحقّ أصوات القرّاء ونغماتهم ، وهي أكسابهم التي يؤمرون بها في حال إيجابا في بعض
العبادات ، وندبا في كثير من الأوقات ؛ ويزجرون عنها إذا أجنبوا ، ويثابون عليها
ويعاقبون على تركها ، وهذا ممّا أجمع عليه المسلمون ، ونطقت به الآثار ، ودلّ عليه
المستفيض من الأخبار (ج ، ش ، ١٢٧ ، ٣)
ـ أمّا القراءة
فهي في اللسان عبارة عن فعل القارئ الذي ابتدأه بعد أن كان تاركا له ولا معنى
للحادث إلّا أنّه ابتدئ بعد أن لم يكن. فإن كان الخصم لا يفهم هذا من الحادث ،
فلنترك لفظ الحادث ، والمخلوق ، ولكن نقول القراءة فعل ابتدأه القارئ بعد أن لم
يكن يفعله ، وهو محسوس (غ ، ق ، ١٢٥ ، ٨)
قرامطة
ـ ذكر الحسن بن
موسى أنّ الفرقة التي زعمت أنّ محمد بن إسماعيل بن جعفر مات ، وأنّ الإمامة في
ولده هم القرامطة في عصرنا هذا ، وكانوا من قبل يسمّون الميمونية لرئيس لهم يقال
له عبد الله بن ميمون القداح (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١٨٢ ، ٧)
قرآن
ـ فالقرآن عند
إبراهيم حجّة على نبوة النبي صلى الله عليه (خ ، ن ، ٢٨ ، ٢٢)
ـ إنّ معمّرا كان
يزعم أنّ الله هو المكلّم بالقرآن وأنّ القرآن قول الله وكلامه ووحيه وتنزيله لا
مكلّم له سواه ولا قائل له غيره ، وأنّ القرآن محدث لم يكن ثم كان (خ ، ن ، ٤٨ ، ٤)
ـ إنّ القرآن في
المصاحف مكتوب ، غير أنّ سبيل العلم بذلك السمع (خ ، ن ، ٦٤ ، ٢)
ـ إنّ القرآن
مخلوق لله وهو عرض وأبوا أن يكون جسما وزعموا أنّه يوجد في أماكن كثيرة في وقت
واحد : إذا تلاه تال فهو يوجد مع تلاوته ، وكذلك إذا كتبه كاتب وجد مع كتابته ،
وكذلك إذا حفظه حافظ وجد مع حفظه فهو يوجد في الأماكن بالتلاوة والحفظ والكتابة
ولا يجوز عليه الانتقال والزوال ، وهذا قول" أبي الهذيل" وأصحابه ،
وكذلك قوله في كلام الخلق إنّه جائز وجوده في أماكن كثيرة في وقت واحد (ش ، ق ،
١٩٢ ، ١)
ـ أصحاب"
معمّر" يزعمون أنّ القرآن عرض. والأعراض عندهم قسمان : قسم منها يفعله
الأحياء وقسم منها يفعله الأموات ، محال أن يكون ما يفعله الأموات فعلا للأحياء ،
والقرآن مفعول وهو عرض ومحال أن يكون الله فعله في الحقيقة لأنّهم يحيلون أن تكون
الأعراض فعلا لله ، وزعموا أنّ القرآن فعل للمكان الذي يسمع منه إن سمع من شجرة
فهو فعل لها وحيثما سمع فهو فعل للمحلّ الذي حلّ فيه (ش ، ق ، ١٩٢ ، ١٢)
ـ إنّ القرآن كلام
الله غير مخلوق ، والكلام في الوقف واللفظ. من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع
عندهم ، لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ، ولا يقال غير مخلوق (ش ، ق ، ٢٩٢ ، ٩)
ـ إنّ القرآن كلام
الله محدث غير مخلوق ، وأنّ القرآن يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد (ش ، ق ، ٢٩٩
، ٩)
ـ الذي كان يقول
به" أبو الهذيل" إنّ الله عزوجل خلق القرآن في اللوح المحفوظ وهو
عرض ، وأنّ القرآن
يوجد في ثلاثة أماكن : في مكان هو محفوظ فيه ، وفي مكان هو مكتوب فيه ، وفي مكان
هو فيه متلوّ ومسموع (ش ، ق ، ٥٩٨ ، ١٠)
ـ إنّ القرآن كلام
الله غير مخلوق ، وأن من قال بخلق القرآن فهو كافر (ش ، ب ، ٢١ ، ١١)
ـ إن سأل سائل عن
الدليل على أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق. قيل له : الدليل على ذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ
تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (الروم : ٢٥) وأمر
الله هو كلامه ، وقوله فلمّا أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره
، وقال عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤)
فالخلق جميع ما خلق داخل فيه ، لأنّ الكلام إذا كان لفظه لفظا عاما فحقيقته أنّه
عام ، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجّة ولا برهان. فلمّا قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤)
كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال : (وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤)
ذكر أمرا غير جميع الخلق ، فدلّ ما وصفناه على أن أمر الله غير مخلوق (ش ، ب ، ٥١
، ٣)
ـ تقول الباطنية :
إنّ القرآن لم ينزل على رسول الله عليهالسلام بالأحرف التي نقرؤها ، ولكنّه إلهام ، نزل على قلبه ، ثم
هو يصوّره ، ويرسمه ذا الحروف ، ويعبر به ، (ويعربه) بالمعربة التي نقرؤها (م ، ت
، ٢٢٨ ، ٦)
ـ زعمت"
المشبهة" : إنّ القرآن لمّا كان كلام الله فهو قديم مع الله غير مخلوق ، كما
قالت" النصارى" إنّ المسيح ـ عليهالسلام ـ لمّا كان كلمة
الله كان قديما غير مخلوق (ع ، أ ، ١٧ ، ١٤)
ـ قالت"
الموحدة" : هو (القرآن) في الحقيقة كلامه فأحدثه ، إذ لو كان قديما لكان يقول
: لم يزل يا موسى إنّي أنا ربك فاخلع نعليك ، وقالت اليهود عزير ابن الله لكان هذا
عبثا ، وقد قال الله تعالى : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ
ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) (الأنبياء : ٢) (ع
، أ ، ١٧ ، ١٧)
ـ أخبر تعالى أنّ
القرآن منه منزل موحى ، وأنّ الرسول يقرؤه ويعلّمه ، فالموحى المنزل المقروء هو
كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته ، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته. وأيضا
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ) (المائدة : ٦٧)
ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة (ب ، ن ، ٨١ ، ٣)
ـ أمّا تسميته
لكلام الله تعالى قرآنا فإنّه ذكر في كتاب الموجز أنّه إنّما يسمّى قرآنا لأجل أنّ
العبارة عنه قرن بعضها إلى بعض ، وأنّ الجمع والتفرقة في القراءة لا في الكلام ،
وأنّ قوله جلّ وعزّ (إِنَّ عَلَيْنا
جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (القيامة : ١٧)
فمعناه" إنّ علينا جمعه في قلبك حفظا وفهما وحفظ قرآنه عليك حتى لا تسهو في
تبليغها ولا تزلّ". وقال في موضع آخر إنّ كلام الله تعالى سمّي قرآنا لأنّه
يقرأ بالعربية. وكل ذلك ليس على طريق التعليل الجاري المنعكس ، لأنّه ليس كل ما
يقرأ بالعربية قرآنا ، ولا كل ما تقرن العبارة عنه بعضها إلى بعض يستحقّ أن يسمّى
بذلك (أ ، م ، ٦٣ ، ١٠)
ـ في القرآن وذكر
الخلاف فيه : ووجه اتصاله بباب العدل هو ، أنّ القرآن فعل من أفعال الله يصحّ أن
يقع على وجه فيقبح ، وعلى وجه آخر فيحسن وباب العدل كلام في أفعاله ، وما يجوز أن
يفعله وما لا يجوز. وأيضا ، فإنّه له بما كنّا فيه من قبل اتّصالا شديدا ، فإنّه
من أحدى نعم
الله بل من أعظم
النعم ، فإليه يرجع الحلال والحرام ، وبه تعرف الشرائع والأحكام ؛ وقد اختلف الناس
فيه اختلافا كبيرا. فقد ذهبت الحشوية النوابت من الحنابلة إلى أنّ هذا القرآن
المتلو في المحاريب والمكتوب في المصاحف غير مخلوق ولا محدث ، بل قديم مع الله
تعالى. وذهبت الكلابية إلى أنّ كلام الله تعالى هو معنى أزليّ قائم بذاته تعالى ،
مع أنّه شيء واحد توراة وإنجيل وزبور وفرقان ، وأنّ هذا الذي نسمعه ونتلوه ، حكاية
كلام الله تعالى ، وفرّقوا بين الشاهد والغائب ، وما دروا أنّ ذلك يوجب عليهم قدم
الحكاية أو حدوث المحكي ، فإنّ الحكاية والمحكي لا بدّ أن يكونا من جنس واحد ، ولا
يجوز افتراقهما في قدم ولا حدوث. وقالوا : إنّ كلامنا هو الذي نسمعه ؛ وليس هو
بمعنى قائم بذات المتكلّم ككلام الله تعالى ، وإلى هذا المذهب ذهب الأشعريّ ؛ إلّا
أنّه لمّا رأى أنّ قوله : أنّ الذي نتلوه في المحاريب ونكتبه في المصاحف حكاية
كلام الله تعالى يوجب أن يكون كلامه أيضا محدثا وأصواتا وحروفا ، لأنّ الحكاية يجب
أن تكون من جنس المحكي ، قال : إنّ هذا المسموع هو عبارة كلام الله تعالى ؛ ولم
يدر أنّ العبارة يجب أن تكون من جنس المعبّر عنه ، إلّا أنّه قد جرى على القياس
فقال : الكلام معنى قائم بذات المتكلّم من دون فرق بين الشاهد والغائب ، فلقد أصاب
في خطئه هذا (ق ، ش ، ٥٢٧ ، ٢)
ـ أمّا مذهبنا في
ذلك (القاضي) ، فهو أنّ القرآن كلام الله تعالى ووحيه ، وهو مخلوق محدث ، أنزله
الله على نبيّه ليكون علما ودالّا على نبوّته ، وجعله دلالة لنا على الأحكام لنرجع
إليه في الحلال والحرام ، واستوجب منّا بذلك الحمد والشكر والتحميد والتقديس. وإذن
هو الذي نسمعه اليوم ونتلوه ، وإن لم يكن محدثا من جهة الله تعالى فهو مضاف إليه
على الحقيقة ، كما يضاف ما ننشده اليوم من قصيدة امرئ القيس على الحقيقة ، وإن لم
يكن محدثا لها من جهته الآن (ق ، ش ، ٥٢٨ ، ٩)
ـ الذين قالوا :
إنّ القرآن قديم مع الله تعالى ، فهو أن نقول لهم : إنّكم قد بلغتم في الجهالة إلى
أقصى الغاية ، فإنّ القرآن يتقدّم بعضه على بعض ، وما هذا سبيله لا يجوز أن يكون
قديما ، إذ القديم هو ما لا يتقدّمه غيره. يبيّن ذلك أنّ الهمزة في قوله : الحمد
لله ، متقدّمة على اللام ، واللام على الحاء ، وذلك مما لا يثبت معه القدم ، وهكذا
الحال في جميع القرآن ؛ ولأنّه سور مفصّلة وآيات مقطّعة ، له أول وآخر ، ونصف ،
وربع ، وسدس ، وسبع ، وما يكون بهذا الوصف كيف يجوز أن يكون قديما (ق ، ش ، ٥٣١ ،
١١)
ـ إنّ الكلام
عندنا من جملة أفعاله كالإرادة ، فلا يصحّ كونه مريدا لنفسه ولا بإرادة قديمة ، بل
يتبع كونه مريدا كونه فاعلا. فكذلك الحال في كونه متكلّما لا يصحّ أن يكون للنفس
ولا بكلام قديم ، بل يتبع فعله الذي هو الكلام. والمخالفون لنا قد أجروا ذلك على
نحو مذهبهم في الإرادة ، ونحن وإن فرّقنا بين كون المريد مريدا وبين كونه متكلّما
من حيث لا حال له بكونه متكلّما وله بكونه مريدا حال ، فهما من الوجه الذي ذكرناه
متّفقان وإن لم يكن الكلام من هذا الباب معنى ، لو لا أنّ القرآن هو دليل على
الأحكام الشرعية ، ولو لم يكن فعلا من أفعاله جلّ وعزّ لما دلّ ، فوجب عند ذلك
أن يبيّن حكمه (ق
، ت ١ ، ٣١٧ ، ٩)
ـ فقد تقدّم وقد
أطلق" مشايخنا" كلهم في القرآن أنّه مخلوق ، حتى أنّ في كلام"
الجعفرين" ما يقتضي أن الممتنع من إطلاق ذلك يكفر لإيهامه أنّه قديم. وعندنا
أنّ الممتنع من إطلاق ذلك لا يكفر ، كما أنّ القائل بمجرّد الرؤية لا يكفر ، فإن
ضمّ إلى ذلك تشبيها كفر به ، وكذلك إن أضاف إلى ذلك نفى حدوثه أصلا كفر. ومن قال
في القرآن أنّه ليس بمخلوق ونفى حدوثه كلّمناه بما تقدّم. وإن وافق في المعنى
فخلافه بعد ذلك لا يخرج عن وجهين. إمّا أن يقول : ليس معنى المخلوق أنّه فعل
مقدّرا ، ويقول إنّ ذلك وإن كان كذلك في سائر الأفعال ففي الكلام خاصّة يقتضي
الكذب (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ٣)
ـ لا خلاف بين
جميع أهل العدل في أنّ القرآن مخلوق محدث مفعول ؛ لم يكن ثم كان ، وأنّه غير الله عزوجل ، وأنّه أحدثه بحسب مصالح العباد ، وهو قادر على أمثاله ،
وأنّه يوصف بأنّه مخبر به وقائل وآمر وناه من حيث فعله. وكلّهم يقول : إنّه عزوجل متكلّم به (ق ، غ ٧ ، ٣ ، ١٥)
ـ ذهب" هشام
بن الحكم" ، ومن تبعه في القرآن ، إلى أنّه صفة لله تعالى لا يجوز أن توصف ؛
لأنّ الصفات لا توصف (ق ، غ ٧ ، ٣ ، ١٩)
ـ ذهب" ابن
كلاب" إلى أنّ كلام الله عزوجل غير مخلوق ولا محدث ، وأنّه قديم بقدمه ، وإن لم يصف كلامه
بالقدم ولا بالحدوث ؛ لأنّ القديم إنّما يكون قديما بقدم قام به ، ولا يجوز قيام
القدم بالصفة ، ولا يقال في القرآن : إنّه غير الله تعالى ، ولا بعضه ، ولا هو هو (ق
، غ ٧ ، ٤ ، ٣)
ـ ارتكب"
الأشعري" القول بأنّ القرآن قديم ، وقال : لا يقال فيه هو الله ، ولا غير
الله ، ولا هو هو ، ولا غيره (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٥)
ـ حكي عن
بعض" الحشويّة" أنّه قال في القرآن : هو الخالق. وفيهم من قال : هو بعضه
(ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٧)
قد حكي عن بعضهم
في القرآن : أنّه جسم. وعن بعضهم : أنّه ليس بجسم ولا عرض (ق ، غ ٧ ، ٤ ، ٩)
ـ منهم من أحال أن
يكون القرآن في الحقيقة فعله عزوجل ، ممن يقول بالطبائع. ومنهم من جعله حروفا مؤلّفة. ومنهم
من زعم أنّه الحروف ولا نظم فيه. ومنهم من زعم أنّه الحروف والنّظم (ق ، غ ٧ ، ٤ ،
١٣)
ـ لا خلاف بين
الصحابة أنّ القرآن فعل الله سبحانه ، وأنّه أظهره على رسوله صلى الله عليه لينبئه
به من غيره ، ويدلّ به على نبوّته (ق ، غ ٧ ، ٩١ ، ١٨)
ـ القرآن عنده (معمّر)
فعل الجسم الذي حلّ الكلام فيه ، وليس هو فعلا لله تعالى ، ولا صفة له (ب ، ف ،
١٥٢ ، ١٥)
ـ نقول إنّ قولنا
القرآن وقولنا كلام الله لفظ مشترك يعبّر به عن خمسة أشياء : فنسمّي الصوت المسموع
الملفوظ به قرآنا ونقول إنّه كلام الله تعالى على الحقيقة (ح ، ف ٣ ، ٧ ، ١٣)
ـ سمّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم المصحف قرآنا والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمّة ،
فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ، ونسمّي المستقرّ في الصدور قرآنا ،
ونقول إنّه كلام الله تعالى (ح ، ف ٣ ، ٨ ، ٤)
ـ إنّ القرآن هو
كلام الله تعالى وهو علمه وليس شيئا غير الباري تعالى (ح ، ف ٣ ، ٨ ، ١٦)
ـ قالوا (السمناني
وشيوخه) كلّهم إنّ القرآن لم ينزل به قط جبريل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام ،
وإنّما نزل عليه بشيء آخر هو العبارة عن كلام الله ، وأنّ القرآن ليس عندنا البتّة
إلّا على هذا المجاز ، وأنّ الذي نرى في المصاحف ونسمع من القرّاء ونقرأ في الصلاة
ونحفظ في الصدور ليس هو القرآن البتّة ، ولا شيء منه كلام الله البتّة ، بل شيء
آخر ، وأنّ كلام الله تعالى لا يفارق ذات الله عزوجل (ح ، ف ٤ ، ٢١١ ،
٩)
ـ قال السمناني
أيضا إنّ الباقلاني وشيوخه قالوا إنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم وإنّما أطلق القول بأنّ ما أنزل الله هو القرآن وهو كلام
الله تعالى إنّما هو على معنى أنّه عبارة عن كلام الله تعالى ، وأنّه يفهم منه
أمره ونهيه فقط (ح ، ف ٤ ، ٢١١ ، ٢٢)
ـ أطلق معظم
المعتزلة لفظ المخلوق على كلام الله تعالى ، وذهبت الكراميّة إلى أنّ كلام الله
قديم ، والقول حادث غير محدث ، والقرآن قول الله ، وليس بكلام الله ؛ وكلام الله
عندهم القدرة على الكلام (ج ، ش ، ١٠٦ ، ١١)
ـ إذا قيل :
القرآن قديم أو مخلوق؟ قلنا : هو غير مخلوق لقوله صلىاللهعليهوسلم : " القرآن كلام الله غير مخلوق". فإن قال :
فالحروف قديمة أم لا؟ قلنا : في الجواب ، هذه المسألة لم يذكرها الصحابة ولم
يخوضوا فيها ، فالخوض فيها بدعة ، فلا تسألوا عنها (غ ، أ ، ١٠٠ ، ٣)
ـ ما يطلق عليه
اسم القرآن وجوده على أربع مراتب : أوّلها : وهي الأصل وجوده قائما بذات الله
تعالى يضاهي وجود النار في التنور (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ
الْأَعْلى) (النحل : ٦٠) ، ولكن
لا بدّ من هذه الأمثلة في تفهيم العجزة ، والقدم وصف خاص لهذا الوجود. والثانية
وجوده العلمي في أذهاننا عند التعلّم قبل أن ننطق بلساننا ، ثم وجوده في لساننا
بتقطيع أصواتنا ، ثم وجوده في الأوراق بالكتب (غ ، أ ، ١٠٤ ، ٥)
ـ أمّا القرآن فقد
يطلق ويراد به المقروء ؛ فإن أريد به ذلك فهو قديم غير مخلوق ، وهو الذي أراده
السلف بقولهم : القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، أي المقروء بالألسنة. وإن أريد
به القراءة التي هي فعل القارئ ، ففعل القارئ لا يسبق وجود القارئ ، وما لا يسبق
وجود الحادث ، فهو حادث (غ ، ق ، ١٢٥ ، ١١)
ـ قالت المعتزلة :
أجمع المسلمون قبل ظهور هذا الخلاف على أنّ القرآن كلام الله ، واتّفقوا على أنّه
سور وآيات وحروف منتظمة وكلمات مجموعة ، وهي مقروءة مسموعة على التحقيق ، ولها
مفتتح ومختتم ، وأنّه معجزة رسول الله صلىاللهعليهوسلم دالّة على صدقه (ش ، ن ، ٣٠٩ ، ١٦)
ـ نقول القول الحق
إنّا لا ننكر وجود الكلمات التي لها مفتتح ومختتم ، وهي آيات وأعشار وسور ويسمّى
الكل قرآنا ، وما له مبتدأ ومنتهى لا يكون أزليّا وهو من هذا الوجه معجزة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ويسمّى ما يقرأ باللسان قرآنا وما يكتب باليد مصحفا (ش ،
ن ، ٣١١ ، ٨)
ـ إنّ الأمّة من
السلف مجمعة على أنّ القرآن كلام الله ، وهو منتظم من الحروف والأصوات ، ومؤلّف
ومجموع من سور وآيات ، ومن ذلك
سمّي قرآنا ، أخذا
من قول العرب : " قرأت الناقة لبنها في ضرها" أي جمعته (م ، غ ، ٩٥ ، ١٤)
ـ قال الله : (نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً
مُتَشابِهاً) (الزمر : ٢٣) ،
وأصحابنا يحتجّون بهذه اللفظة على أنّ القرآن ليس بقديم ، لأنّ الحديث ضدّ القديم
، وليس للمخالف أن يقول ليس المراد بقوله أحسن الحديث ما ذكرتم بل المراد أحسن
القول وأحسن الكلام لأنّ العرب تسمّي الكلام والقول حديثا ، لأنّا نقول لعمري أنّه
هكذا ، ولكنّ العرب ما سمّت القول والكلام حديثا إلّا أنّه مستحدث متجدّد حالا
فحالا. ألا ترى إلى قول عمرو لمعاوية قد مللت كل شيء إلّا الحديث ، فقال إنّما
يملّ العتيق ، فدلّ ذلك على أنّه فهم معنى تسميتهم الكلام والقول حديثا وفطن لمغزاهم
ومقصدهم في هذه التسمية ، وإذا كنّا قد كلّفنا أن نجري على ذاته وصفاته وأفعاله ما
أجراه سبحانه في كتابه ونطلق ما أطلقه على سبيل الوضع والكيفيّة التي أطلقها ،
وكان قد وصف كلامه بأنّه حديث ، وكان القرآن في عرف اللغة إنّما سمّي حديثا لحدوثه
وتجدّده ، فقد ساغ لنا ان نطلق على كلامه أنّه محدث ومتجدّد وهذا هو المقصود (أ ،
ش ٢ ، ٥٦٨ ، ٢٢)
ـ القرآن : هو
المنزل على الرسول صلىاللهعليهوسلم المكتوب في المصاحف المنقول عنه نقلا متواترا بلا شبهة ،
والقرآن عند أهل الحق هو العلم اللدنيّ الإجماليّ الجامع للحقائق كلّها (ج ، ت ،
٢٢٣ ، ٤)
قرآن مخلوق
ـ لو كان القرآن
مخلوقا لوجب أن يكون مقولا له : (كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ،
ولو كان الله عزوجل قائلا للقول (كُنْ) (النحل : ٤٠) لكان
للقول قولا ، وهذا يوجب أحد أمرين : إمّا أن يؤول الأمر إلى أنّ قول الله غير
مخلوق. أو يكون كل قول واقع بقول لا إلى غاية ، وذلك محال ، وإذا استحال ذلك صحّ
وثبت أنّ لله عزوجل قولا غير مخلوق (ش ، ب ، ٥٢ ، ١٥)
ـ من زعم أنّ
القرآن مخلوق فقد جعله قولا للبشر ، وهذا ما أنكره الله على المشركين ، وأيضا فلو
لم يكن الله متكلما حتى خلق الخلق ثم تكلّم بعد ذلك ، لكانت الأشياء قد كانت لا عن
أمره ، ولا عن قوله ، ولم يكن قائلا لها" كوني" ، وهذا ردّ للقرآن
والخروج عمّا عليه جمهور أهل الإسلام (ش ، ب ، ٥٦ ، ٨)
قرآن منزل
ـ الحديد جسم موات
، وليس يجب إذا كان القرآن منزلا ، أن يكون جسما مواتا ، ولذلك لا يجب إذا كان
القرآن منزلا أن يكون مخلوقا ، وإن كان الحديد مخلوقا (ش ، ب ، ٨٣ ، ١٢)
قرب
ـ إنّ الله عزوجل يقرب من عباده كيف شاء ، كما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ
الْوَرِيدِ) (ق : ١٦) وكما قال
: (ثُمَّ دَنا
فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (النجم : ٨ ـ ٩) (ش
، ب ، ٢٦ ، ٢)
ـ لفظ القرب
والبعد يطلق على كل جوهرين تقاربا أو تباعدا بمقدار ما ، والمقادير بينهما لا
تنحصر في حدّ ، فقيل فعند ذلك تختلف بالنسب والإضافات وهي لا تنحصر (ش ، ن ، ١٧٧ ،
١٨)
قسط
ـ القسط بمعنى
العدل فالفعل منه أقسط وهمزته للسلب : أي أزال القسط وهو الجور (ز ، ك ٣ ، ٥٦٤ ،
٢١)
قصد
ـ أجمعت المعتزلة
إلّا" الجبّائي" أنّ الإنسان يريد أن يفعل ويقصد إلى أن يفعل ، وأنّ
إرادته لأن يفعل لا تكون مع مراده ، ولا تكون إلّا متقدّمة للمراد (ش ، ق ، ٤١٨ ،
٥)
ـ زعم"
الجبّائي" أنّ الإنسان إنّما يقصد الفعل في حال كونه ، وأنّ القصد لكون الفعل
لا يتقدّم الفعل ، وأنّ الإنسان لا يوصف بأنّه في الحقيقة مريد أن يفعل ، وزعم أنّ
إرادة البارئ مع مراده (ش ، ق ، ٤١٨ ، ٨)
ـ زعم"
الجبّائي" أنّ الإرادة التي هي قصد للفعل مع الفعل لا قبله (ش ، ق ، ٤١٨ ، ١٦)
ـ أمّا إذا جعل
القصد إلى النظر أوّل الواجبات فذلك لا يصحّ لأنّ القصد يقع تبعا للمقصود إليه ،
ولا يكون له بنفسه حكم ، فكيف يجعل أوّل الواجبات؟. وتبيّن صحّة ذلك أنّه لو منعه
الله تعالى من القصد وعرف وجوب الفعل عليه لوقع منه ولا قصد هناك ، فكيف يجعل أوّل
الواجبات وحاله ما ذكرناه؟ (ق ، ت ١ ، ٢١ ، ١٥)
ـ أمّا الأفعال
التي يعلم بالعقل وقوعها على وجوه مخصوصة لا يتميّز بعضها عن بعض إلّا بالقصد. فلا
شيء من أفعاله جلّ وعزّ إلّا ويمكن تصوير ذلك ، فإنّك تنظر أوّلا في خلقه للمنتفع
به وللمنتفع فلا يصير محسنا إليه إلّا بالقصد. وكذلك فيما يخلقه فيه من شهوة
القبيح فإنّه إذا خلق فيه الشهوة وتعلّقت بالحسن والقبيح على سواء ، ثم لم يغنه
بالحسن عن القبيح ، فلا بدّ من غرض ، وليس ذلك أن يريد منه الانتهاء عن القبيح
وفعل الواجب ، لأنّه قد يجوز أن نفعله والغرض به الإغراء ، ويجوز الغرض به التعريض
للثواب بالتكليف ، فلا يتميّز أحد الوجهين من الآخر إلّا بما ذكرناه من القصد.
وهكذا الحال في سائر ما يخلقه في المكلّف من الأمور التي هي أسباب التكليف. وهكذا
ما يفعله من الأعراض التي هي مصالح ، وما يفعله من العقاب وما يفعله من التعظيم
والمدح ، وكل ذلك إنّما يصير حكمة وصوابا ومصالح ومفعولة على الوجوه التي يحسن
عليها والإرادة لا غير (ق ، ت ١ ، ٢٧١ ، ٢٢)
ـ أمّا القصد فهو
إرادة من فعل القاصد والمقصود إليه أيضا فعله ، ولا بدّ من مقارنتها أو أن يجري
هذا المجرى ، ولا تعلّق بفعل الغير أصلا ، فلهذا يصحّ في الله تعالى هذا الوصف (ق
، ت ١ ، ٢٩٨ ، ٢٦)
ـ أمّا القصد فهو
إرادة فعل الإنسان في حاله أو حال مسبّبه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ٨)
ـ إنّ القصد لا
يحتاج إلى علم ، بل الاعتقاد يقوم مقامه (ق ، غ ٨ ، ٥٧ ، ٢٠)
ـ قد يعلم العاقل
، عند إدراك الشيء ، غيره ، وإن لم يتناوله الإدراك البتّة ؛ وذلك نحو علمه بقصد
المشير والمخاطب عندهما. لأنّ القصد لا يدرك ، في الحقيقة ، ولا الاعتقاد والدواعي
؛ وإنّما يدرك خطابه وإشارته ، ويعلم ذلك عندهما. وتحقيق هذا الكلام ، أنه يعلم
كونه قاصدا وظانّا. فأما العلم بالقصد نفسه ، فطريقه الاستدلال عنده ؛ وإن كان شيخنا
أبو علي ، رحمهالله ، قد جعله مما يعلم باضطرار ، بل
حكم بأنّه يدرك.
وإنّما اشتبه ذلك عليه ، لمّا رأى الإنسان يعلم ، على وجه ظاهر ، حاله في كونه
قاصدا ومعتقدا ، ولم يتهذّب له القول بأنّه يعلم اختصاصه بحال ، فحكم بأنّه مدرك.
وما بيّناه في باب الإرادة ، يغني عن إعادته. وقد يعلم العاقل ، عند إدراك الأخبار
المخصوصة ، المخبر عنه. فيكون العلم بذلك واقعا عند إدراك غيره. كما أنّ العلم ،
بقصد المخاطب واعتقاده ، يقع عند إشارته وتصرّفه وخطابه (ق ، غ ١٢ ، ٦٣ ، ٣)
ـ إنّ الخبر يحصل
له عند وجوده وجوه ، في تعلّقه بما يتعلّق به ، فكما لو كان خبرا عن الشيء الواحد
لم يحتج إلى قصد واحد ، فكذلك إذا كان خبرا عن أشياء كثيرة ، لأنّه في الحالتين
القصد يتناول نفس الخبر ، ويقع به على بعض الوجوه ، ولذلك يصحّ من المخبر أن يخبر
عمّا لا نهاية له ، كما (لا) يصحّ أن يخبر عن المتناهي (ق ، غ ١٧ ، ١٩ ، ٢)
ـ إنّ ما به يصير
الفعل واقعا على وجه دون وجه يجب أن يكون مقارنا ، أو في حكم المقارن ، حتى يختصّ
بذلك الفعل ما يمكن من الاختصاص ، فلذلك أوجبنا في القصد أن يكون مقارنا للعموم
على الوجه الذي يحصل عليه ، والذي يمكن في ذلك ، إلى أن يكون مقارنا لأول حرف منه
، على ما بيّناه في الخبر (ق ، غ ١٧ ، ٢٨ ، ٦)
ـ وبعد ، فإنّ نفس
القصد يقبح وإن لم يكن مقصودا. فلا يجوز أن يقال بأنّ للقصد تأثيرا في قبح النظر ،
أو قبح المعرفة. ولا يمكن أن يقال أنّ هذا القصد يؤثّر في وقوع المعرفة على وجه.
ثم هي تقبح لذلك الوجه. كما نقول في القصد المتعلّق بالإخبار بالكلام على وجه
الكذب ، أنّه يؤثّر في وقوع الكلام على الوجه الذي يكون كذبا. ثم إذا قبح فإنّما
يقبح لوقوعه على ذلك الوجه (ن ، م ، ٣١٦ ، ٩)
ـ إنّ كل فعل
ينشئه الفاعل ، وهو عالم به وبإيقاعه على صفة مخصوصة في وقت مخصوص ، فلا بدّ أن
يكون قاصدا إلى إيقاعه ؛ ونفى القصد إلى إيقاع فعل ، مع العلم به ، يلزم صاحبه نفي
المقصود إلى إيقاع جميع الأفعال (ج ، ش ، ١٠٢ ، ١٠)
ـ القصد مصدر
بمعنى الفاعل وهو القاصد ، يقال سبيل قصد وقاصد : أي مستقيم كأنّه يقصد الوجه الذي
يؤمّه السالك لا يعدل عنه ، ومعنى قوله (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ
السَّبِيلِ) (النحل : ٩) أنّ
هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه كقوله ـ إنّ علينا للهدى ـ (ز ، ك ٢ ،
٤٠٢ ، ١٦)
قضاء
ـ وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣)
ولم يقل : وقضى ربك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من
المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره بالتخيير من العباد لا من
جهة الجبر لهم على تركها (ي ، ر ، ٤٢ ، ١٩)
ـ القضاء : أمر ،
كما قال ، سبحانه : (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣)
يقول : أمر ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٥)
ـ قضاء : خلق ،
وذلك قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) ،
يقول : خلقهنّ في يومين. فأمّا أن يكون يقضي رب العالمين على خلقه بمعصية ، ثم
يعذّبهم عليها ،
فهذا محال باطل من
المقال (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٧)
ـ من قضاء الله
تعالى الذي هو خلق ما هو حقّ كالطاعات وما لم ينه عنه. ومن قضاء الله تعالى الذي
هو خلق ما هو جور كالكفر والمعاصي لأنّ الخلق منه حق ومنه باطل. وأمّا القضاء الذي
هو أمر والقضاء الذي هو إعلام وإخبار وكتاب ، فحقّ لأنّه غير المقضيّ (ش ، ل ، ٤٥
، ١٦)
ـ الكفر قضاء الله
تعالى بمعنى أنّه خلق الله ولا نقول قضاء الله باطل لأنّه يوهم أن لا حقيقة لقضاء
الله تعالى. وهذا كما نقول الكافر مؤمن بالجبت والطاغوت ولا نقول مؤمن ونسكت لما
فيه من الإبهام (ش ، ل ، ٤٦ ، ٨)
ـ خلق الأفعال
يثبت القضاء بكونها والقدر لها على ما عليها من حسن وقبح ، ويوجب أن يكون مريدا
لها أن تكون خلقا له (م ، ح ، ٣٠٥ ، ١٥)
ـ القضاء في
حقيقته الحكم بالشيء والقطع على ما يليق به ، وأحق أن يقطع عليه ، فرجع مرة إلى
خلق الأشياء ؛ لأنّه تحقيق كونها على ما هي عليه ، وعلى الأولى بكل شيء أن يكون
على ما خلق ؛ إذ الذي خلق الخلق هو الحكيم العليم ، والحكمة هي إصابة الحقيقة لكل
شيء ووضعه موضعه ، قال الله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ) (فصلت : ١٢) ،
وعلى ذلك يجوز وصف أفعال الخلق أن قضى بهنّ ، أي خلقهن وحكم كقوله : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) (طه : ٧٢) ، بمعنى
أحكم ، ومن ثمة سمي العالم قاضيا بما يردّ كل حق إلى محقّه ويبيّن الذي هو حق ذلك
، وكذا قوله : (إِذا قَضى أَمْراً
فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران : ٤٧) ،
وكذلك يجوز أن يقال : حكم الله أنّ فلانا يفعل كذا في وقت كذا فيكون منه كذا في
وقت كذا ، وحق هذا أن يكون حكم بما علم أنّه يكون ، وحكم أيضا بالذي يستحق الفاعل
بفعله من ذم أو مدح ، ثواب أو عقاب (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١)
ـ إن الرضا بقضائه
أن تعلم بأنّ الكفر مضمحل قبيح وأنّه شرّ وفساد وأنّه يوجب مقت صاحبه وتعذيبه إلّا
أن يتوب ، فمن لم يرض بهذا فهو كافر ، فيكون على ما جاء به الخبر. على أنّ الكفر
والقبح / هو فعل العبد ، ومحال أن يكون هو قضاؤه ، فثبت أن قضاء الله هو ما ذكرت
مما عليه حقيقة الفعل (م ، ح ، ٣٠٨ ، ٣)
ـ على أنّ حقيقة
الخير في الأمراض والمصائب ، ألّا يرى أنّ التخليد في النار من قضائه عند المعتزلة
وكذلك الخذلان والإضلال ونحو ذلك ، فليرضى الكعبي لنفسه ذلك ، وإلّا طلب ربا سواه.
والمعتزلة يقولون : ليس لله القضاء بالأمراض والمصائب في الدين ، لا ذنب لهم إلّا
بالعوض ، فإذا هم لا يرضون بها حتى يعطوا عليها العوض (م ، ح ، ٣٠٨ ، ١٠)
ـ العبد يجوز عليه
التغيير من حال إلى حال ، فلذلك صفته متغيّرة ، وأمّا قضاء الله وقدره فلا يتغير
ولا يتبدّل ، والقضاء صفة القاضي ، والمقضي المكتوب في اللوح المحفوظ ، والقضاء
صفة الرب غير محدثة ، والمقضى محدث ، والحكم غير محدث والمحكوم به غير محدث ،
والمقدور محدث ، وتغيّر المقضى عليه لا يوجب تغيّر القضاء (م ، ف ، ١١ ، ١٥)
ـ فإن قيل : فعلى
كم وجه ينقسم القضاء؟ قيل له على وجوه كثيرة ... منها : قضاء يكون بمعنى الخلق ،
وذلك قوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ
فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) يعني
خلقهنّ ، ويكون القضاء بمعنى التسليط. والخلق ، وهو قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) (سبأ : ١٤) يعني
خلقنا وسلّطنا عليه الموت ، ويكون بمعنى الإخبار والإعلام ، وهو قوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي
الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء : ٤)
يعني أعلمناهم وأخبرناهم ، ويكون القضاء بمعنى الأمر ، قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
ويكون القضاء بمعنى الحكم والإلزام ، يقال : قضى القاضي على فلان بكذا ، أي أوجبه
عليه وألزمه إيّاه وحكم به عليه ، فإنّ الله تعالى قضى بالمعاصي والكفر ، بمعنى
أنّه أراده وخلقه ، وقدّره ، ولا يجوز أن يكون بمعنى أمر به واختاره دينا وشرعا ،
ولا مدحه ، ولا يثيب عليه ، ولا فرضه فرضا على أحد ، بمعنى أنّه أوجبه عليه (ب ، ن
، ١٦٦ ، ٧)
ـ كان (الأشعري)
يقول في معنى القضاء إنّه يتصرّف على وجوه. منها الإعلام ، كقوله تعالى (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي
الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء : ٤)
أي" أعلمناهم وأخبرناهم". والقضاء أيضا بمعنى الخلق ، كقوله (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي
يَوْمَيْنِ) (فصّلت : ١٢)
أي" خلقهنّ". والقضاء أيضا بمعنى الأمر ، كقوله (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣)
معناه" أمر ربّك". والقضاء بمعنى الحكم ، كقوله تعالى (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (غافر : ٢٠)
أي" يحكم به". والقضاء أيضا بمعنى الأداء ، كقوله تعالى (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ) (الجمعة : ١٠)
أي" أدّيت" ، وقضى فلان دينه إذا أدّاه. وقضى أيضا بمعنى الفراغ من
الشيء وهو قريب من معنى الأداء ، منه قوله تعالى (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ
مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها) (الأحزاب : ٣٧).
ومنه قضى فلان نحبه إذا مات فشبّه بمن يفرغ من أمره (أ ، م ، ٩١ ، ٦)
ـ إذا قيل له (للأشعري)
" إذا كان الكفر قضاء الله تعالى وقدره فهل تقولون إنّا نرضى بقضاء الله
تعالى وقدره؟ فإن قلتم نعم لزمكم الرضا بالكفر ، وإن أبيتم منعتم ما أجمع على
إطلاقه" فيقول" إنّا نقسّم الكلام ونقول : إن أردتم أنّا نرضى بأن قضى
الله الكفر على معنى أنّه خلقه كفرا لغيره قبيحا منه فلا نأبى ذلك بل هو الواجب.
وليس إذا أطلقنا الرضا بلفظ القضاء وجب أن نطلق بلفظ الكفر ، إذ قد يصحّ أن يطلق
شيء بلفظ ويمنع من لفظ إذا كان في إطلاقه إيهام للخطأ. ومثال ذلك أنّا نقول إنّ
الأعراض دلالات على الله تعالى ثم نقول للحركة منها أنّها بطلت وتلاشت ، ولا نقول
إنّ دلالة الله تعالى بطلت وحجّته زالت بلفظ الحجّة ونقول بلفظ الحركة ، لأنّ
إطلاق ذلك بلفظ الحركة لا يوهم الخطأ وبلفظ الحجّة يوهمه" (أ ، م ، ٩٨ ، ١٥)
ـ كان (الأشعري)
يذهب إلى أنّ القضاء إذا كان بمعنى الخلق وهو عين المقضيّ كما أنّ عين الخلق هو
المخلوق ، وإذا كان القضاء بمعنى الإعلام والحكم والأمر فإنّه غير المقضيّ ،
والرضا به رضا بهذه المعاني المتعلّقة به لا بعين المقضيّ (أ ، م ، ٩٨ ، ٢٣)
ـ في القضاء
والقدر : وجملة القول في ذلك أنّ القضاء قد يذكر ويراد به الفراغ عن الشيء
وإتمامه. قال الله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وقال
: (فَلَمَّا قَضى مُوسَى
الْأَجَلَ) (القصص : ٢٩)
الآية ، وقال أبو ذؤيب : وعليهما مسرودتان قضاهما داود أو صنع التوابع تبع. وقد
يذكر ويراد به الإيجاب. قال الله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء : ٢٣)
وقد يذكر ويراد به الإعلام والإخبار كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً) (الإسراء : ٤)
واستعماله في هذه الوجوه لا يمنع من أن يكون حقيقة في بعضها متعارفا بها في الباقي
، كالإثبات فإنّه حقيقة في الإيجاب ثم قد يذكر بمعنى الخبر عن وجود الشيء ، وقد
يذكر بمعنى العلم (ق ، ش ، ٧٧٠ ، ٩)
ـ إنّ ظاهر قوله :
(وَإِذا قَضى أَمْراً) (البقرة : ١١٧) لا
يدلّ على الخلق ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بالشيء قد يتصرّف على وجوه ، فمن أين
التعلّق بالظاهر؟. وبعد ، فإنّ حقيقة" الأمر" هو قول القائل لغيره :
افعل ، وإنّما يستعمل في سائر الأفعال توسّعا ، فإن تعلّقوا بالظاهر فإنّه يدلّ
على أنّه محدث القول الذي هو الأمر ، بأن يقول له : كن ، ولا يدلّ على ما عداه من
الحوادث. وبعد ، فإنّ الظاهر يدلّ على أنّه يقول له : كن ، وقد قضاه ، فلا يدلّ
على أنّه يصير خالقا بقوله : (كن) وذلك يمنع من تعلّقهم به ، بل يوجب تناقض الكلام
؛ لأنّ أوّله يدلّ على أنّه قد تقدّم قضاؤه له ، وآخره يدلّ على أنّه لا يكون إلّا
بعد أمر آخر (ق ، م ١ ، ١٠٦ ، ١٢)
ـ قد قال بعض
شيوخنا رحمهمالله : إنّ" القضاء" في حقيقة اللغة : هو الفراغ من
الشيء وبلوغ آخره ونهايته ، وإذا استعمل ذلك في الخبر فمن حيث يدلّ من حال الفعل
على ما ذكرناه ، ولهذا يقال فيما يتمّ ويلزم عند حكم الحاكم : إنّه قضاء ، ويقال
في سائر ما خلقه تعالى : " إنّه يقضي به ، من حيث خلقه على تمامه ، فيما
تقتضيه المصلحة ، وهذا هو المراد بقوله : (إِنَّ رَبَّكَ
يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ) (النمل : ٧٨).
ولهذا لا يوصف الخبر بأنّه قضى به إلّا إذا اقتضى في المخبر هذه الفائدة ، فيقال
في خبر الحاكم إذا كان ملزما للحق : هو قضاء منه ، ولا يقال في خبر غيره ذلك. فعلى
هذا يجب أن لا يقال : إنّه تعالى قضى أعمال العباد في الحقيقة ؛ لأنّه لم يخلقها
على تمام ، ويقال في أخباره على أحوالها ذلك ، على جهة التعارف ، لما حقّق ذلك
فيها ، ويقال في إلزامه المكلّف الواجبات ذلك ، لما صار في الحكم بهذه الصفة ؛
لأنّ الإلزام آكد من الإخبار ، ولذلك لم يطلق شيوخنا رحمهمالله على أفعال العباد إنّها بقضاء الله ، دون التقييد ، لئلّا
يوهم الفساد ، وما لا يجوز القول به في الدين (ق ، م ٢ ، ٤٣١ ، ١٦)
ـ قال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي
الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا
كَبِيراً) (الإسراء : ٤).
والجواب عن ذلك : أنّا قد بيّنا أنّ القضاء قد يطلق على الإعلام والإخبار ، وهو
المراد بهذه الآية. يبيّن ذلك أنّه ذكر الفساد على وجه الاستقبال ، والقضاء على
وجه الماضي ، ولو كان المراد له الخلق لما صحّ ذلك ، ولأنّ لفظ" القضاء"
إذا عدّي ب" إلى" فظاهره الخبر ، ومتى أريد به الفعل عدّي بغير ذلك ، أو
لم يعدّ بحرف. فإذا صحّ ذلك دلّ الظاهر على أنّه تعالى خبر بفسادهم الذي يكون ،
ودلّ على ذلك لضرب من المصلحة ، وهذا مما لا ننكره ، وإنّما ندفع القول بأنّه
تعالى يقضي الفساد ؛ بمعنى الخلق والإيجاد ،
والتقدير والتدبير
، لما في ذلك من ارتفاع الحمد والذمّ وبطلان التكليف ، ولما فيه من وجوب الرضا
بالفساد ، أو القول بأنّ في قضائه ما لا يجب الرضا به (ق ، م ٢ ، ٤٥٦ ، ٧)
ـ قالوا : ثم ذكر
بعده ما يدلّ على أنّه يقضي أفعال الخلق ، فقال : (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) (الإسراء : ٢٣)
فإذا صحّ أنّه يقضي الطاعات من فعلهم ، فكذلك المعاصي. والجواب عن ذلك : أنّ
المراد بالقضاء قد يختلف إذا أطلق ، وإنّما يعرف المراد بضرب من التقييد أو
الدلالة. وقد بيّنا ذلك من قبل. فالمراد بهذه الآية : أنّه ألزمهم ذلك وأمرهم به ،
ولذلك خصّ الواجب بالذكر دون غيره ، والكلام في أنّه يقال فيمن ألزم غيره الشيء :
إنّه قضاه ، وقضى به عليه ، مشهور ، وقد تقدّم ذكره (ق ، م ٢ ، ٤٦٤ ، ١٠)
ـ القضاء مستعمل
على وجوه أحدها الفعل وإتمامه. والفراغ منه وعلى هذا قال تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي
يَوْمَيْنِ) (فصلت : ١٢) وقد
يكون بمعنى الإلزام كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣). ويستعمل
بمعنى الإخبار والإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤) (ق
، ت ١ ، ٤٤٠ ، ٤)
ـ قالوا (المجبرة)
وقد قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
فبيّن أنّه قضى العبادة ، فيجب أن يكون قد خلقها ، لأنّ القضاء هو بمعنى الخلق ،
كقوله تعالى : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ) (فصلت : ١٢) يعني
خلقهنّ (ق ، غ ٨ ، ٣١٤ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ القضاء
ينصرف على وجوه بمعنى الخلق وبمعنى الإعلام كقوله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦) ، (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤) ،
وبمعنى الإلزام كقوله : وقضى ربّك ألا تعبدوا إلّا إيّاه ، فالمراد بهذه الآية هو
الأمر والإلزام دون الخلق ، كما يقول القاضي قضيت على فلان بكذا بمعنى ألزمته : (إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ
بِحُكْمِهِ) (النمل : ٧٨) ،
هذا هو المراد به ، ولو كان المراد به الخلق لكان كلهم عابدين ، لأنّه قد خلق فيهم
العبادة ، ولارتفع الأمر بها والنهي عن خلافها ، ولما صحّ أن نقول (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
كما لا يجوز أن يقال وقضى ربّك أن تسودّوا وتبيّضوا ، ولذلك قرنه بالإحسان إلى
الوالدين ، ولو كان تعالى خلق فيهم العبادة لما جاز أن يقضي على بعض أنّه لا يعبد
، وعلى بعض أنّه يعبد ، وإلّا كان ظالما من حيث خلق في بعضهم ضدّ العبادة ليدخلهم
النار ، ولوجب إطلاق القول بأنّ قضاء الله باطل وجور وفساد من حيث كان يخلق ذلك ،
فلن يقبح الرضا بكل ما قضى وأن يجوز أن ننكر قضاءه ونسخط ونكره ، وأن نردّ على
الله تعالى بعض قضائه ، أو أن يجب الرضا بالكفر وأن يلزم قبوله ، وأن جعلوا القضاء
غير المقضي فكان عندهم موجبا له ، فقد عاد الحال إلى ما تقدّم ، وإن جاز أن يقضي
ما لا يوجد فمن أين أنّ المقضي من خلفه وتقديره ، وهذا جاز على هذا الوجه أن يكون
القضاء هو الجبر على ما ذكرناه (ق ، غ ٨ ، ٣١٤ ، ١٤)
ـ متى قال بدلا من
ألزمت : قد حكمت عليك ، وقضيت إلى ما شاكل ذلك دلّ على الوجوب ، كدلالة قوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
وإنّما يعدل عن ذلك لضرب من الدلالة ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بفعل المكلّف
اقتضى ذلك ،
وإنّما يزول عن هذا الوجه إذا علّق بفعله ، جلّ وعزّ ، وخبره (ق ، غ ١٧ ، ١٠٥ ، ١١)
ـ روي رواية ظاهرة
أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : " عليّ أقضاكم" ، فنبّه بذلك على أنّه
أعلم من غيره ؛ لأنّ القضاء يشتمل على سائر العلوم المتعلّقة بالدين فهو أعمّ من
قوله : " زيد أفرضكم ، ومعاذ أعلمكم بالحلال والحرام" وصحّ مع ذلك
اختيار غيره عليه (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢١٠ ، ٩)
ـ قد يوصف القضاء
بمعنى الإلزام ، فلا يمتنع أن يجري عليه تعالى من حيث أوجب الأمور بأنّه قضاها
وأنّه ماض لها ، وإنّما لا يطلق ذلك إلّا مع البيان لما دخل فيه من التعارف (ق ، غ
٢٠ / ٢ ، ٢٠١ ، ٣)
ـ معنى القضاء في
لغة العرب التي بها خاطبنا الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم وبها نتخاطب ونتفاهم ، مرادنا أنّه الحكم فقط ، ولذلك
يقولون القاضي بمعنى الحاكم ، وقضى الله عزوجل بكذا أي حكم به ، ويكون أيضا بمعنى أمر قال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣)
إنّما معناه بلا خلاف أنّه تعالى أمر أن لا تعبدوا إلّا إيّاه ، ويكون أيضا بمعنى
أخبر قال الله تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (الحجر : ٦٦)
بمعنى أخبرناه أنّ دابرهم مقطوع بالصباح وقال تعالى : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي
الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (الإسراء : ٤) أي
أخبرناهم بذلك ، ويكون أيضا بمعنى أراد وهو قريب من معنى حكم قال الله تعالى : (إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ
لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (آل عمران : ٤٧)
ومعنى ذلك حكم بكونه فكوّنه (ح ، ف ٣ ، ٥١ ، ٢٢)
ـ القضاء ما قضيت
وأمضى الحكم بذلك (ز ، ك ٢ ، ٥٧٩ ، ١٦)
ـ القضاء : لغة
الحكم ، وفي الاصطلاح عبارة عن الحكم الكلّي الإلهيّ في أعيان الموجودات على ما هي
عليه من الأحوال الجارية في الأزل إلى الأبد ، وفي اصطلاح الفقهاء القضاء تسليم
مثل الواجب بالسبب (ج ، ت ، ٢٢٦ ، ٩)
قضاء الله
ـ إنّا نقول :
لمّا كان عند حصول القدرة والداعية يجب الفعل ، وعند انتفائهما أو انتفاء أحدهما
يمتنع ، وجب أن يكون الكل بقضاء الله تعالى ، وهذا مما لا سبيل إلى دفعه (ف ، أ ،
٦٣ ، ١٢)
ـ إنّ القائل :
" رضيت بقضاء الله تعالى" ، لا يعني به رضاه بصفة من صفات الله تعالى ،
إنّما يريد به رضاه بما يقتضي تلك الصفة ، وهو المقضيّ (ط ، م ، ٣٣٥ ، ٥)
قضاء وقدر
ـ ألم تر إلى قوله
: (قُلْ هاتُوا
بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (النمل : ٦٤) ،
فافهم أيها الأمير ما أقوله ، فإنّ ما نهى الله فليس منه ، لأنّه لا يرضى ما يسخط
هو من العباد ، فإنّه تعالى يقول : (وَلا يَرْضى
لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر : ٧) فلو
كان الكفر من قضائه وقدره لرضي ممن عمله ، وقال تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
وقال تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ
فَهَدى) (الأعلى : ٣) ،
ولم يقل قدّر فأضلّ ، لقد أحكم الله آياته وسنّة نبيه فقال : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ
عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) (سبأ : ٥٠) ، وقال
تعالى : (الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ
ثُمَّ هَدى) (طه : ٥٠) ، ولم
يقل : أضلّ ، وقال : (إِنَّ عَلَيْنا
لَلْهُدى) (الليل : ١٢) ،
ولم يقل : علينا إلّا ضلال ، ولا يجوز أن ينهي العباد عن شيء في العلانية ويقدّره
عليهم في السر. ربنا أكرم من ذلك وأرحم ، فلو كان الأمر كما يقول الجاهلون ما كان
يقول تعالى : (اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) ،
ولقال : اعملوا ما قدرت عليكم ، ولو كان الأمر كما قال المخطئون لما كان لمتقدّم
حمد فيما عمل ولا على متأخر لوم ، ولقال : جزاء بما عمل بهم ، ولم يقل : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) (ب
، ق ، ١١٨ ، ١٥)
ـ إنّ الخير
والشرّ بقضاء الله وقدره. وإنّا نؤمن بقضاء الله وقدره ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه.
ونعلم أنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وأن العباد
لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلّا ما شاء الله كما قال عزوجل : (قُلْ لا أَمْلِكُ
لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (الأعراف : ١٨٨).
وأنّا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه (ش ، ب ، ٢١
، ٤)
ـ الأصل في القضاء
والقدر والتخليق والإرادة أن لا عذر لأحد بذلك لأوجه ثلاثة : أحدهما أنّ الله
تعالى قضى وخلق ، وما ذكر لمّا علم ، إنّ ذلك يختار ويؤثّر ، وبما أراد وخلق وقضى
يصلون إليه ويبلغون ما أثروه ، فلم يكن لهم الاحتجاج بما هو آثر الأشياء عندهم
وأخيرها ، على ما لم يكن لهم ذلك بالعلم والكتاب والإخبار إذ كانت بالتي يكون منهم
مختارين مؤثرين ، وبالله نستعين. والثاني إنّ جميع ما كان لم / يحملهم على ما هو
فعلوه ، لم يدفعهم إليه ، ولا اضطرّهم بل هم على ما هم عليه ، لو لم يكن شيء من
ذلك ، ويتوهم كونهم بلا ما ذكرت ، وقد مكّنوا أيضا من مضادات ما عملوا ، فما ذلك
إذ لم يضطرهم ولم يحوّل عنهم حقيقة بما علم كل منهم إنّه مختار مؤثر فاعل ممكّن من
التّرك ، لا كخلق سائر الجواهر والأعراض والأوقات والأمكنة التي فيها تقع الأفعال
، وإن لم يحتمل كون شيء من ذلك عذرا لهم أو حجة لم يكن ما نحن فيه حجة أو عذرا ،
والله الموفق. والثالث إنه لم يخطر شيء من ذلك ببالهم ولا كانوا عند أنفسهم وقت
الفعل إنّهم يفعلون لشيء من ذلك ، فالاحتجاج لما ليس لذلك الفعل عند المحتج باطل ،
وكذلك العذر بما لم يكن عند نفسه بالذي يفعل لكان ذلك باطل مضمحل (م ، ح ، ٣٠٩ ، ١)
ـ أمّا القدر فقد
يذكر ويراد به البيان ، قال الله تعالى : (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) ،
وقال الشاعر : واعلم بأنّ ذا الجلال قد قدّر في الصحف الأولى التي كان سطر. أمرك هذا
فاجتنب منه التبر. وإذ قد عرفت ذلك ، وسألك سائل عن أفعال العباد أهي بقضاء الله
تعالى وقدره أم لا؟ كان الواجب في الجواب عنه أن تقول ، إن أردت بالقضاء والقدر
الخلق فمعاذ الله من ذلك ، وكيف تكون أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وهي موقوفة
على قصورهم ودواعيهم ، إن شاءوا فعلوها وإن كرهوا تركوها؟ فلو جاز والحال هذه أن
تكون أفعال العباد من جهتهم لجاز في أفعال الله تعالى ذلك ، فإنّ بهذه الطريقة
يعرف أنّ الفعل فعل لفاعله. وبعد ، فلو كانت مخلوقة لله تعالى لما استحقّ العباد
عليها المدح والذمّ والثواب والعقاب. وأيضا ، فلو كانت أفعال
العباد كلها بقضاء
الله تعالى وقدره للزم الرضا بها أجمع وفيها الكفر والإلحاد ، والرضى بالكفر كفر (ق
، ش ، ٧٧١ ، ٣)
ـ روي في حديث
الأصبغ ابن نباته أنّ عليّا عليهالسلام قال وقد قال له شيخ : ما أرى لي من الأجر شيئا إن كان ذلك
بقضاء ، وقدر ، فقال لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان كذلك لبطل الثواب
والعقاب والأمر والنهي ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء
بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور ، وهم
قدريّة هذه الأمّة ومجوسها (ق ، غ ٨ ، ٣٢٩ ، ١٥)
ـ معنى قضى وقدّر
حكم ورتّب ، ومعنى القضاء والقدر حكم الله تعالى في شيء بحمده أو ذمّه وبكونه
وترتيبه على صفة كذا وإلى وقت كذا فقط (ح ، ف ٣ ، ٥٢ ، ١٢)
ـ المختار عندنا
أنّ عند حصول القدرة والداعية المخصوصة يجب الفعل ، وعلى هذا التقدير يكون العبد
فاعلا على سبيل الحقيقة ، ومع ذلك فتكون الأفعال بأسرها واقعة بقضاء الله تعالى
وقدره. والدليل عليه أنّ القدرة الصالحة للفعل إمّا أن تكون صالحة للترك أو لا
تكون ، فإن لم تصلح للترك كان خالق تلك القدرة خالقا لصفة موجبة لذلك الفعل ، ولا
نريد بوقوعه بقضاء الله إلّا هذا. وأمّا إن كانت القدرة صالحة للفعل وللترك ،
فإمّا أن يتوقّف رجحان أحد الطرفين على الآخر على مرجّح أو لا يتوقّف ، فإن توقّف
على مرجّح ، فذلك المرجّح إمّا أن يكون من الله أو من العبد أو يحدث لا بمؤثّر.
فإن كان الأوّل فعند حصول تلك الداعية يجب الفعل ، وعند عدمه يمتنع الفعل وهو
المطلوب ، وإن كان من العبد عاد التقسيم الأول ، ويحتاج خلق تلك الداعية إلى داعية
أخرى ، ولزم التسلسل. وأمّا إن حدثت تلك الداعية لا بمحدث أو نقول إنّه ترجّح أحد
الجانبين على الآخر لا لمرجّح أصلا ، كان هذا قولا باستغناء المحدث عن المحدث
استغناء الممكن عن المؤثّر ، وذلك يوجب نفي الصانع (ف ، أ ، ٦١ ، ٧)
ـ إذا قلنا بأنّ
المؤثّر في الفعل مجموع القدرة والداعي ، مع أنّ هذا المجموع حصل بخلق الله تعالى
، فقد قلنا بأنّ الكل بقضاء الله تعالى وقدره فهذا هو المختار (ف ، أ ، ٦٢ ، ١٤)
ـ قام شيخ إلى
عليّ عليهالسلام فقال : أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره
، فقال والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا إلّا بقضاء
الله وقدره ، فقال الشيء فعند الله أحتسب عناي ما أرى لي من الأجر شيئا ، فقال مه
أيها الشيخ لقد عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم
منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين. فقال الشيخ
وكيف والقضاء والقدر ساقانا ، فقال ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو
كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة
من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا
المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبّاد الأوثان وجنود الشيطان وشهود
الزور وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها. إنّ الله سبحانه أمر
تخييرا ونهى تحذيرا وكلّف يسيرا ولم يعص مغلوبا
ولم يطع مكرها ،
ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظنّ
الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار. فقال الشيخ فما القضاء والقدر اللذان ما
سرنا إلّا بهما ، فقال هو الأمر من الله والحكم ، ثم تلا قوله سبحانه وقضى ربّك
ألّا تعبدوا إلّا إيّاه فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول : أنت الإمام الذي نرجو بطاعته
يوم النشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربّك عنّا فيه
إحسانا. ذكر ذلك أبو الحسين في بيان أنّ القضاء والقدر قد يكون بمعنى الحكم والأمر
وأنّه من الألفاظ المشتركة (أ ، ش ٤ ، ٢٧٧ ، ٢٧)
قضى
ـ اعلم ـ علمك
الله الخير ـ أنّ أبا موسى كان يزعم أنّ من قال : إنّ الله يرى بالأبصار ، على أي
وجه قاله فمشبه لله بخلقه ، والمشبّه عنده كافر بالله. فكذلك من وصف الله بأنّه
يقضي المعاصي على عباده ويقدّرها فمسفّه لله في فعله والمسفّه لله كافر به ،
والشاك في قول المشبه والمجبر فلا يدري أحق قوله أم باطل؟ كافر بالله أيضا ، لأنّه
شاكّ في الله لا يدري أم شبه هو لخلقه أم ليس بمشبه لهم ، أسفيه هو فعله أم ليس
بسفيه؟ وكذلك الشاك في الشاك أبدا ، إذا كان شكه إنّما كان في نفس التشبيه
والإجبال أحق هما أم باطل؟ هذا قول أبي موسى المعروف؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ٢)
ـ الجماعة التي
قالت : " الصدقة تدفع القضاء المبرم" فلقولها تأويل وهو أنّ من منع زكاة
ماله فقضى الله عليه أنّه فاجر فاسق من أهل الوعيد ، فإذا تصدّق بها وأخرجها أزال
الله عنه ذلك القضاء وقضى له بقضاء غيره وهو أنّه يرتقي من أهل الوعد في الجنّة (خ
، ن ، ٩٥ ، ٤)
ـ قول الله ، عزوجل : (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ) (الإسراء : ٤) أي
تختارون اسم الفساد ، كما قال : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦) ، أي
يقول : أعلمناه (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١٢)
ـ إن قال قائل :
فهل قضى الله تعالى المعاصي وقدّرها ، قيل له : نعم بأن خلقها وبأن كتبها وأخبر عن
كونها كما قال (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (الإسراء : ٤)
يعني أخبرناهم وأعلمناهم وكما قال (إِلَّا امْرَأَتَهُ
قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧) يريد
كتبناها وأخبرنا أنها من الغابرين. ولا نقول قضاها وقدّرها بأن أمر بها (ش ، ل ،
٤٥ ، ١١)
ـ إن قال قائل : أفترضون
بقضاء الله وقدره الكفر ، قيل له : نرضى بأن قضى الله تعالى الكفر قبيحا وقدّره
فاسدا ، ولا نرضى بأن كان الكافر به كافرا ، لأنّ الله تعالى نهانا عن ذلك ، وليس
إذا أطلقنا الرضى بلفظ القضاء وجب أن نطلقه بلفظ الكفر (ش ، ل ، ٤٦ ، ١٥)
ـ قيل : "
وإذا قضى أمرا" ؛ يعني رضي بإهلاك قوم ، واستئصالهم" فإنّما يقول له :
كن فيكون (م ، ت ، ٢٦٨ ، ١)
ـ قضى أي أعلم
وأخبر كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى
بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤) ،
وعلى هذا الوجه أيضا يجوز ثناؤه ، ولا تمانع في جواز ذلك (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١٢)
ـ قضى قد يكون أمر
كقوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ
أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ،
وقوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً) (الأحزاب : ٣٦) ،
وهذا لا يجوز أن
يضاف إلى الله
إلّا في الخيرات (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١٤)
ـ قد يكون في
معنى" فرغ" ، كقوله : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى
الْأَجَلَ) (القصص : ٢٩) ،
لكن هذا النوع لا يجوز أن يضاف إلى الله لإضافة الشغل له بشيء أو فراغ له منه إلّا
على مجاز اللغة في تحقيق انقضاء ما خلق (م ، ح ، ٣٠٦ ، ١٧)
ـ فإن قيل : أتقولون
أنّ الله تعالى قضى المعاصي وقدّرها ، كما أنّه خلقها ، قلنا له : أجل : ذلك بمعنى
أنّه خلقه وأوجده على حسب قصده وإرادته ، ولا نقول إنّه قضاه بمعنى أنّه أمر به ،
ولا رضيه دينا وشرعا ، وأنّه يمدحه ويثيب عليه (ب ، ن ، ١٦٦ ، ٣)
ـ أمّا معنى وصفنا
له بأنّه قضى ويقضي وقاض فعلى وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى الخلق ، كقوله عزوجل (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ
سَماواتٍ) (فصّلت : ١٢)
أي" خلقهنّ". ويكون بمعنى الإعلام ، كما قال تعالى (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي
الْكِتابِ) (الإسراء : ٤)
أي" أعلمناهم". ويكون بمعنى الحكم ، كما قال تعالى (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) (غافر : ٢٠)
أي" يحكم به". ويكون بمعنى الأمر ، كما قال تعالى (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣)
أي" أمر ربّك" (أ ، م ، ٤٨ ، ٢١)
ـ قال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة : ١١٧)
يعني : مخترعهما لا على مثال سبق ، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن ، فيكون ،
يعني : أنّه يكون من دون تراخ ومعاناة ومشقّة ، وأنّه في حدوثه بأيسر مدّة بمنزلة
قول القائل : (كن) ، ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ منه أن يفعل ما يقدر عليه إلّا
ب (كن) ؛ لأنّه لا يجوز أن يحتاج هو في أفعاله إلى أمر يستغني عنه (ق ، م ١ ، ١٠٨
، ٣)
ـ فأمّا قوله
تعالى : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ
ذلِكَ الْأَمْرَ) (الحجر : ٦٦)
فالمراد به الإعلام والإخبار ، ولذلك قال بعده : (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ
مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (الحجر : ٦٦) ولا
يليق ذلك إلّا بأن يكون المراد بما تقدّم : الإخبار دون الإيجاد (ق ، م ٢ ، ٤٣١ ،
١٢)
ـ (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) (إبراهيم : ٢٢)
لما قطع الأمر وفرغ منه ، وهو الحساب وتصادر الفريقين ودخول أحدهما الجنة ودخول
الآخر النار (ز ، ك ٢ ، ٣٧٤ ، ٦)
ـ (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (الإسراء : ٤)
وأوحينا إليهم وحيا مقضيّا : أي مقطوعا مبتوتا بأنّهم يفسدون في الأرض لا محالة (ز
، ك ٢ ، ٤٣٨ ، ١٨)
ـ (وَقَضى رَبُّكَ) (الإسراء : ٢٣)
وأمر أمرا مقطوعا به (ز ، ك ٢ ، ٤٤٤ ، ١٠)
ـ قضى أوفى
الأجلين : أي سبق في قضائي وقدري أن أكلّمك وأستنبئك في وقت بعينه وقد وقّته لذلك
فما جئت إلّا على ذلك القدر غير مستقدم ولا مستأخر. وقيل على مقدار من الزمان يوحي
فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة (ز ، ك ٢ ، ٥٣٧ ، ٢٢)
ـ قضى لكم وقسّم ،
لأنّ قضاياه وقسمه موصوفة بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح كل كائن يكون (ز ، ك
٣ ، ٣٨٨ ، ١٢)
قطع
ـ إبراهيم (النظّام)
يثبت لكل قطع أولا ابتدئ منه لا أوّل قبله (خ ، ن ، ٣٤ ، ١)
قلب
ـ قال أكثر أهل
النظر بإنكار قلب الأعراض أجساما ، والأجسام أعراضا وقال : ذلك محال لأنّ القلب
إنّما هو رفع الأعراض وإحداث أعراض ، والأعراض لا تحتمل أعراضا (ش ، ق ، ٣٧١ ، ٧)
قلب التسوية
ـ إنّ نفي الرؤية
عن الله تعالى لا يؤدّي إلى حدوثه ، ولا إلى حدوث معنى فيه ، ولا تشبيهه بخلقه ،
ولا إلى تجويره في حكمه ، ولا إلى تكذيبه في خبره ، فيجب أن ننفي عنه الرؤية ،
وهذه الطريقة تسمّى قلب التسوية (ق ، ش ، ٢٧٥ ، ١٩)
قنومية
ـ قالوا (الملكية)
: ليس الجوهر موافقا للأقانيم من كل جهة ، وإنّما يوافقها بالجوهرية ؛ لأنّ جوهرها
من جوهره ، وإنّما يخالفها في القنوميّة ، قيل لهم : فالجهة التي وافقها بها وهي
الجوهريّة هي الجهة التي خالفها بها وهي القنوميّة ؛ فإن قالوا : نعم ، جعلوا معنى
الجوهريّة هو معنى القنوميّة : وقيل لهم فما أنكرتم أن يكون الجوهر أقنوما لجوهر آخر
ولنفسه؟ وذلك ترك قولهم (ب ، ت ، ٨٤ ، ٧)
قوة
ـ إنّ القوّة قبل
الفعل إذ كان الفعل لا يكون إلّا بالقوّة ، وكل ما كان بشيء يكون" أو
به" يقوم ، فالذي يكون الشيء أو يقوم به فهو قبله ، كذلك الأشياء كلها بالله
، جل ثناؤه ، كانت ، وبه قامت ، وهو قبلها ، وكذلك القوّة فينا قبل فعلنا ، إذ كان
الفعل لا يكون ولا يقوم ولا يتم إلّا بها ، وكذلك يقول الناس : بقوة الله فعلنا ،
لا كما تقول القدرية المشركون أن الله ، جل ثناؤه ، لم يبتدئ العباد بالقوّة فأنعم
عليهم بها قبل فعلهم ولكنها كانت منه مع فعلهم. ففيما وضعنا دليل وبرهان أنّ القوة
من الله ، جل ثناؤه ، في عباده قبل فعالهم ، إذ كان بطاعته لهم آمرا وعن معصيته
لهم ناهيا ، نعمة أنعمها عليهم وأحسن بها إليهم (ر ، ك ، ١٤٣ ، ١٣)
ـ القوّة عندنا
على الأعمال هي الصحة والسلامة من الآفات في النفس والجوارح وكل ما"
يوصل" به إلى الأفاعيل ، إذ كانت الصحة والسلامة تثبت الفرض ، وإذا زالت زال
الفرض ، وذلك موجود في المعقول وفي أحكام الله ، جل ثناؤه ، وسنة رسوله ، صلى الله
عليه وعلى أهله ، وفي إجماع الأمة ، لا يعرفون غير ذلك ولا يدينون إلّا به ، فليتق
الله عبد وليعلم أنّ الله ، جلّ ذكره ، يبتدئ العباد بالنعم والبيان ولا يبتدئهم
بالضلال والطغيان (ر ، ك ، ١٤٣ ، ٢٢)
ـ قال قائلون : لا
يجوز وقوع الفعل بقوّة معدومة ، وأنّ القوّة يحتاج إليها في حال الفعل للفعل ،
وأنّها إن كانت قوّة عليه قبله وعلى تركه فهي قوّة عليه في حال كون تركه ، وأنكر
قائل هذا أن يكون الإنسان يفعل فعلا على طريق التولّد ، وهذا قول" أبي الحسين
الصالحي" وقال بعض من مال إلى هذا القول أنّ الإنسان قادر عليه في حاله وعلى
تركه بدلا منه (ش ، ق ، ٢٣٣ ، ١)
ـ قوله : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) (البقرة : ٦٣). قيل
: خذوا التوراة بالجد والمواظبة. وقيل : " بقوّة" يعني بالطاعة له
والخضوع. ثم احتج
بعض المعتزلة بهذه
الآية على تقدّم القدرة الفعل ؛ لأنّه أمرهم ـ عزوجل ـ بالقبول له ،
والأخذ والعمل بما فيها. فلو لم يعطهم قوّة الأخذ والقبول له ـ قبل الأخذ له
والفعل ـ لكان لا يأمرهم بذلك ، لأنّهم يقولون : لا قوّة لنا على ذلك ؛ فدلّ أنه
قد أعطاهم قبل ذلك (م ، ت ، ١٨١ ، ٩)
ـ إنّ القوّة إذ
ليست هي من أجزاء الجسم فهي عرض في الحقيقة ، والأعراض لا تبقى ؛ إذ لا يجوز بقاء
ما يحتمل الفناء إلّا ببقاء هو غيره ، والعرض لا يقبل الأغيار بما لا قيام له
بذاته ، ومحال بقاء الشيء ببقاء في غيره ، فبطل البقاء. ثم فساد حقيقة الأفعال
بأسباب متقدّمة إذا لم تكن هي وقت الفعل ، فمثله قوة الفعل ، فيلزم القول بالكون
مع الفعل (م ، ح ، ٢٦٠ ، ١٧)
ـ المعنى في وصفه
بالقوّة والمتانة أنّه القادر البليغ الاقتدار على كل شيء (ز ، ك ٤ ، ٢١ ، ١٤)
قوة الدواعي
ـ اعلم ، أنّه متى
صحّ أنّ النظر من فعل الناظر إذا تساوت الدواعي ، وواقع بحسب قدرته ، فكذلك يجب
وإن قويت الدواعي. لأنّ قوّة الدواعي لا تغيّر حال القدرة عمّا كانت عليه ، لا من
جهة الانتفاء ، ولا من جهة أن الفعل يستحيل بها. لأنّ قوة الدواعي لا تنافي القدرة
، لأنّه اعتقاد ، ومن حق الاعتقاد والظنّ أن لا ينافيا القدرة. وقد علمنا أن لا
يجوز ، وهي موجودة ، أن لا يصحّ الفعل بها مع ارتفاع الموانع ؛ وقوة الدواعي ليس
بمانع من خلاف ما يقتضيه. فإذا كان الأمر كذلك ؛ فيجب ، إذا كان قادرا على النظر
متى كانت الدواعي متساوية ، أن يكون قادرا عليه ، وإن كانت قوته تختصّ بأنّها
داعية إلى النظر فقط (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ١٥)
ـ إنّ الإلجاء لا
يخرج الملجأ من أن يكون على الفعل قادرا ، وباختياره متعلّقا. لأنّ المشاهد للسبع
إذا خاف على نفسه ، فهو ملجأ إلى الهرب ، وهربه يقع باختياره. لأنّه متى عرض له في
الهرب طرق ، اختار سلوك أحدها ، وفعل ذلك بحسب قدرته ، لأنّه يعدو على حسب ما يقدر
عليه في السرعة والإبطاء ، ويفعل السلوك بحسب علمه في قرب الطريق وبعده. فليس
يخرجه الإلجاء أن يكون قادرا على ما يقع منه ، وإن صرفه من فعل إلى فعل ، كما قوي
في نفسه من العلم بالمضرّة والخوف الشديد. فيجب ، إن سلك القوم في الطبع هذا
المسلك ، أن يقولوا : إنّ قوة الدواعي إلى النظر ، تصرف القادر عن ترك النظر إلى
النظر ، ولا يخرج هو من أن يكون واقعا باختياره وقدرته. وهذا قولنا ، فالإلجاء بأن
يقوّي ما نقوله أولى. ولعلّ من تعلّق منهم به ، ظنّ أننا نوافقهم ، ونجعل الفعل
عنده واقعا بالطبع ، فأراد أن يحمل ما يحصل عند الدواعي القوية عليه. وقد أخطأ في
ذلك ، لأنا نسوّي بين الأمرين ، وإن جعلنا للإلجاء من الحكم ما لا نجعله من
الدواعي القويّة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٧ ، ١٣)
ـ إنّ ما يقع عند
قوّة الدواعي يقع في العدد بحسب ما عهد من قدرته. فكما يجب فيما يختاره والحال هذه
أن يكون من فعله ، فكذلك ما يقع عند قوّة الدواعي قهرا ؛ لأن الأمر ، كما قلناه ،
كان لا يمتنع في الأعجمي الأمّي الذي لم يتعاط كتابة قطّ أن تقوى دواعيه ، فتقع
منه
على نهاية الاتساق
، لأنّ المحل يحتمله ، ومنه يقع بالطبع في الجملة بالقدرة فما المانع من وقوعها ،
والحال هذه ، لو لا أنّ الأمر كما نقوله من أنّها تقع من الجملة بقدرتها واختيارها؟
فمتى لم تكن عالمة بكيفيتها ، لم يصحّ وقوعها من قبله. وهذا قريب مما ألزمناه
المجبرة على قولهم بالقدرة الموجبة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٨ ، ٨)
قوة الدواعي إلى
الفعل
ـ قد بيّنا أنّ
أبا عثمان الجاحظ ، رحمهالله ، ربما تعلّق في دفع تكليف النظر والمعرفة بما نذهب إليه
من الكلام في الطبع ، ويقول : إنّهما يقعان منه بطبعه ، فلا يجوز أن يكلّف فعلهما.
وقد بيّنا ، من قبل في أبواب تقدّمت في ذكر الطبائع ، فساد هذا القول. وبيّنا أنّ
الأفعال كلها لا تقع إلّا من جهة القادر وعلى طريقة الاختيار من العقلاء. وبيّنا
فيما تقدّم من هذه الفصول أنّ قوّة الدواعي إلى الفعل لا تخرجه من أن يكون واقعا
من فاعله ، لكونه قادرا عليه ، وإن تدخّل ذلك يجب تكليفه ويستحقّ عليه الحمد
والذمّ. وكل ذلك ، يبطل ما تعلّق به (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٦ ، ٧)
قوة مفكّرة
ـ ما يسمّيه الناس
كلام النفس ، وحديث النفس ، هو العلم بنظم الألفاظ ، والعبارات ، وتأليف المعاني
المفهومة المعلومة على وجه مخصوص ، فليس في القلب إلّا معاني معلومة ، وهي العلوم
، وألفاظ مسموعة هي معلومة بالسماع ، وهو أيضا علم معلوم اللفظ ، وينضاف إليه
تأليف المعاني ، والألفاظ على ترتيب. وذلك فعل يسمّى فكرا ، وتسمّى القدرة التي
عنها يصدر الفعل قوّة مفكّرة. فإن أثبتّم في النفس شيئا ، سوى نفس الفكر الذي هو
ترتيب الألفاظ ، والمعاني ، وتأليفها ، وسوى القوّة المفكّرة التي هي قدرة عليها ،
وسوى العلم بالمعاني ، مفترقها ، ومجموعها ، وسوى العلم بالألفاظ المرتّبة من
الحروف ، ومفترقها ، ومجموعها ، فقد أثبتّم أمرا منكرا لا نعرفه. وإيضاحه أنّ
الكلام أمّا أمر ، أو نهي ، أو خبر ، أو استخبار (غ ، ق ، ١١٧ ، ١١)
قول
ـ لا بدّ ... في
الفعل من قرينة تتقدّم ، لأجلها تقدير ما وقعت عليه المواضعة ؛ كما لا بدّ في
القول من مواضعة (ق ، غ ١٧ ، ٢٥١ ، ٧)
ـ إنّ مدلول
التكاليف من حيث الحدود والأحكام قضية وراء العلم والقدرة والإرادة ، وذلك ما
عبّرنا عنه بالقول والكلام وعبّر التنزيل عنه بالأمر والخطاب (ش ، ن ، ٢٧٥ ، ١١)
قول الله
إنّ قول الله
تعالى هو غير كلامه وغير تكليمه ، لكن يقول كل كلام وتكليم فهما قول ، وليس كل قول
منه تعالى كلاما ولا تكليما بنص القرآن ، ثم نقول وبالله تعالى التوفيق إنّ الله
تعالى أخبرنا أنّه كلّم موسى وكلّم الملائكة عليهمالسلام ، وثبت يقينا أنّه كلّم محمدا صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء (ح ، ف ٣ ، ١٢ ، ١)
قوّى
ـ قال أبو القاسم
في عيون المسائل : لا يجوز أن يقال : قوّى الله تعالى الكافر على المعصية والكفر.
وذكر إن هذا قول جمهور أهل العدل.
وقال : لأنّ معنى
قوّاه على كذا ، ليس هو أنّه أعطاه قوّة تصلح له ، بل معناه أنّه أعطاه قوّة تصلح
له ليفعله. والله تعالى لم يعط الكافر القوة التي تصلح للكفر ليكفر بها. بل أعطاه
ليتركه (ن ، م ، ٢٥٦ ، ١٣)
ـ إنّ الإقدار هو
فعل القدرة. وكما يجوز أن يقال : " أقدر الكافر على الكفر" فكذلك يجوز
أن يقال" قوّاه عليه". وليس يفيد" قوّاه عليه" ، أنه خلق
القوّة له ليكفر ، كما لا يقتضي ذلك قولنا : " أقدره". وإنما يفيد ذلك
إذا قيل : " أعانه على الكفر". وليس يمكن أن يدعى بعارف في قول
القائل" قوّاه على الكفر" ، إنه يفيد فعل القوّة لكي يكفر. وأنه صحّ أنّ
فيه تعارفا ، فالواجب أن نتجنّب إطلاقه (ن ، م ، ٢٥٦ ، ١٩)
قياس
ـ اعلم ـ أنّ
للقياس صورة في العقليّات لا يصحّ أن يثبت في الشرع إلّا على ذلك الحدّ ؛ فنحن
نعلم أنّ الكذب ، الذي لا نفع فيه ولا دفع مضرّة ، قبيح ، ويشتبه علينا الحال في
الكذب إذا كان فيه نفع أو دفع ضرر ، فإذا استدللنا فعلمنا أنّ الأوّل قبيح لكونه
كذبا ، لا لتعرّيه من نفع ودفع مضرّة ، حملنا عليه الثاني ؛ وعلى هذا الوجه نقيس
الجسم على العرض في باب الحدوث ، وإن لم نعلم حدوث العرض إلّا باستدلال ، فلا فرق
بين أن نعلم حكم الأصل باضطرار أو استدلال ، في أن قياس غيره عليه ممكن ، إذا
شابهه فيما له وجب ذلك الحكم ؛ فلا معتبر باختلاف حكم الأصل ، في باب العلم ، لأنّ
الضروريّ فيه كالمكتسب ؛ وكذلك فلا فرق بين اختلاف الوجوه التي بها نعلم علّة
الحكم ، أو ثبات العلّة ، في أنّ عند جميعه يصحّ منّا قياس ما لا نعلمه على ما
علمنا في حاله ؛ فإذا صحّ ذلك لم يمتنع استعمال مثله في الأحكام الشرعية ، بأن
يعلم في بعض الأصول أنّه محرّم ، وتشتبه علينا حال غيره ، فإذا عرفنا علّة الأصل
قسناه عليه ؛ وذلك مثل نصّه ، جلّ وعزّ ، على الإماء في تنصيف الحدّ ، فإذا علمنا
أنّ العلّة في ذلك الرقّ قسنا عليهنّ العبيد ؛ وإذا علمنا تحريم الخمر لم يمتنع أن
نعلم أنّ علّته موجودة في النبيذ فنقضي بتحريمه (ق ، غ ١٧ ، ٢٨٠ ، ٣)
ـ قد بيّنا أنّه
لا بدّ في القياس من أصل ، والذي يحصل من الخلاف في ذلك ليس إلّا أحد مذهبين ؛
أمّا القول بأنّ الأصل هو الحكم الثابت بالشرع ؛ أو يقال : إنّه الدلالة الواردة
من كتاب أو سنّة أو إجماع ؛ فالأوّل طريقة من يحصل من الفقهاء ، وإن كان فيهم من
يبعد عن التحصيل فيقول : إنّ الأصل في الربا البر أو الحكم الواقع. وكلام شيوخنا
المتكلّمين ، يدلّ على أنّ الأصل في ذلك الدلالة لأنّها المعتبرة في باب القياس ؛
فيقال : ما الذي أراده ، صلى الله عليه ، بقوله : البر بالبر ربا؟ هل أراد تعلّق
الحكم بالاسم ، أو ببعض الصفات؟. فإذا علم تعلّقه ببعض الصفات فليس عليه ؛ وغير
بعيد الجمع بين المذهبين ؛ فيقال : لا بدّ من اعتبار الحكم الذي وارد به الدليل ،
كما لا بدّ من اعتبار نفس الدليل ؛ والدليل بانفراده لا يقتضي القياس ، حتى ينضاف
إليه الدلالة الدالّة على صحّة القياس ، وبيان طريقه ؛ فلا بدّ من كل ذلك ؛ فإذا
وجب ذلك ، فإن كان الأصل هو الدليل فلم صار هو الأصل دون ما دلّ عليه إثبات القياس؟
وهذا يبيّن أنّ الأولى في ذلك
أن يكون الأصل ما
ثبت بالدليل من الحكم ، لأنّا لو لم نعلم إلّا الحكم ، وعلمنا الدلالة على الجملة
أو التفصيل ، أو لم نعلمها ، وقد ثبت صحّة القياس لصحّ القياس على ذلك ؛ ولو حصلت
الدلالة ولم يعلم الحكم المعتبر ، بأن يكون جملة دون تفصيل لما صحّ القياس (ق ، غ
١٧ ، ٣٢٦ ، ٣)
ـ اختلف الناس في
حدّ القياس ... حدّه الشيخ أبو هاشم بأنّه" حمل الشيء على غيره ، وإجراء حكمه
عليه" (ب ، م ، ٦٩٧ ، ٥)
ـ حدّه قاضي
القضاة رحمهالله (القياس)
بأنّه" حمل الشيء على الشيء في بعض أحكامه لضرب من الشبه" (ب ، م ، ٦٩٧
، ١٥)
ـ يجوز أن يحدّ
القياس بحدّ يشتمل قياس الطرد والعكس ، فنقول" القياس هو تحصيل الحكم في
الشيء باعتبار تعليل غيره". وهذا الحدّ يشتمل على كلا القياسين : أمّا قياس
الطرد ، فقد حصل الحكم في فرعه باعتبار تعليل الأصل : وأمّا قياس العكس ، فإنّه قد
اعتبر تعليل الأصل لنفي حكمه من الفرع لافتراقهما في العلّة (ب ، م ، ٦٩٩ ، ٨)
ـ يدعون (المعتزلة)
أنّهم ينكرون التشبيه ثم يركبونه أتمّ ركوب فيقولون : لمّا لم يكن الفعّال عندنا
إلّا حيّا عالما قادرا وجب أن يكون الباري الفاعل للأشياء حيّا عالما قادرا ، وهذا
نص قياسهم له على المخلوقات وتشبيهه تعالى بهم ، ولا يجوز عند القائلين بالقياس أن
يقاس الشيء إلّا على نظيره. وإمّا أن يقاس الشيء على خلافه من كل جهة وعلى ما لا
يشبهه في شيء البتّة فهذا ما لا يجوز أصلا عند أحد ، فكيف والقياس كلّه باطل لا
يجوز (ح ، ف ٢ ، ١٥٨ ، ١٤)
ـ الدليل والمدلول
: إمّا أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا. إذا استدللنا بشيء على شيء فإمّا أن
يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا يكون ، والأوّل على قسمين ، لأنّه إمّا أن
يستدلّ بالعامّ على الخاصّ وهو القياس في عرف المنطقيين أو بالعكس وهو الاستقراء.
وأما الثاني فلا يمكن الاستدلال بأحدهما على الآخر إلّا إذا اندرجا تحت وصف مشترك
بينهما ، فيستدلّ بثبوت الحكم في إحدى الصورتين على أنّ المناط هو المشترك ، ثم
يستدلّ بذلك على ثبوته في الصورة الأخرى وهو القياس في عرف الفقهاء ، وهو في الحقيقة
مركّب من القسمين الأولين (ف ، م ، ٤٥ ، ٢١)
ـ الاستدلال
بالعامّ على الخاصّ قياس ، في عرف المنطقيّين وبالعكس استقراء : وبأحد المندرجين
تحت وصف على الآخر ، بعد تحقيق أنّه المناط قياس في عرف الفقهاء (خ ، ل ، ٤٧ ، ١)
ـ القياس في اللغة
: عبارة عن التقدير ، يقال قست النعل بالنعل إذا قدّرته وسوّيته ، وهو عبارة عن
ردّ الشيء إلى نظيره ، وفي الشريعة عبارة عن المعنى المستنبط من النص لتعدية الحكم
من المنصوص عليه إلى غيره ، وهو الجمع بين الأصل والفرع في الحكم (ج ، ت ، ٢٣٠ ،
٢١)
ـ القياس لغة ،
التقدير ، واصطلاحا : تحصيل مثل حكم الأصل أو ضدّه في الفرع لاشتراكهما في علّة
باعثة على حكم الأصل ولافتراقهما فيها. وله أقسام ، تفصيلها في كتب الأصول. وأقسامه
أربعة : الأصل وحكمه والفرع والعلّة. ولها حقائق وشروط وترجيحات ، وللعلّة طرق
وأقسام ، تفصيلها في كتب الأصول ، وثمرته
إثبات مثل حكم
الأصل للفرع (ق ، س ، ١٥١ ، ١٥)
قياس جليّ
ـ قياس جليّ : وهو
الذي يكون فرعه أولى بحكمه من أصله كتحريم ضرب الأبوين لقياسه على ما حرّم الله عزوجل من قول الولد لهما أفّ (ب ، أ ، ١٨ ، ٩)
قياس خفيّ
ـ القسم الثالث من
القياس الشرعيّ قياس شبه في فرع بين أصلين متعلّق بأكثرهما شبها ، وقياس خفيّ
كالعلّة في فروع الربا إذا قيس فيه الفروع منها على الحنطة والشعير والتمر والملح
والذهب والورق ، وهذه وجوه مدارك أحكام الشريعة على أصول أهل السنّة قياس علّة من
أصل واحد كالعلّة في الربا على اختلاف القائسين في علّة الربا (ب ، أ ، ١٨ ، ١٨)
قياس شبه
ـ القسم الثالث من
القياس الشرعي قياس شبه في فرع بين أصلين متعلّق بأكثرهما شبها ، وقياس خفيّ
كالعلّة في فروع الربا إذا قيس فيه الفروع منها على الحنطة والشعير والتمر والملح
والذهب والورق ، وهذه وجوه مدارك أحكام الشريعة على أصول أهل السنّة قياس علّة من
أصل واحد كالعلّة في الربا على اختلاف القائسين في علّة الربا (ب ، أ ، ١٨ ، ١٧)
قياس شرعي
ـ القياس الشرعيّ
لا يخالف القياس العقليّ ، إلّا أنّ العلل في القياس العقليّ تكون موجبة ومؤثّرة ،
كما أنّ حكمنا كالموجب ، وليس كذلك العلل الشرعيّة ؛ لأنّه لا يجوز في العلل أن
تكون موجبة ؛ والحكم يتبع المصلحة ، والاختيار ، فكل واحد منهما تحصل عليه في
موضوعه مطابقة لحكمه ، لأنّه متى لم تحصل كذلك تناقض ؛ وهذا بيّن في الشاهد ،
لأنّا لو قلنا : إنّ كون العالم منّا عالما : لمعنى يجري مجرى الدواعي ، لتناقض كما
لو قلنا : إنّ اختيار الآكل الحموضة على الحلاوة لعلّة موجبة ، لتناقض ؛ وقد علمنا
أنّ الأحكام الشرعيّة موضوعها المصالح والألطاف ؛ ولهما تعلّق كالدواعي ، ولعللهما
مدخل في هذا الباب ؛ فلا يجوز في علّتهما أن تجري مجرى العلل العقلية إلى الأمور
المؤثّرة فيها ، ولا توجب مفارقة أحدهما الآخر بينهما اختلافا ، في صورة القياس
وطريقته ، كما لا يجب إذا استعملنا القياس في الأسماء ونظرنا في علّة وضعها أن
تكون الطريقة مخالفة لطريقة القياس في العقل ، وإن كان لا مدخل له في طريقة
الإيجاب ، ومتى أجرى كل ذلك على حدّ واحد انتقض ؛ لأنّا لو قلنا : إنّ إيجاب
العلّة في حكمها كإيجاب السبب للمسبّب ؛ أو قلنا : إنّ إيجاب السبب للمسبّب يجري
مجرى وقوع الفعل ابتداء عن القادر ؛ أو قلنا : إنّ ذلك يجري مجرى إثبات الفعل
للدواعي وللحاجة ؛ أو قلنا : إنّ ذلك يجري مجرى تعلّق بعض الأمور ببعض ، على طريق
العادة ، لا تنقض ترتيب العقول ، عمّا ترتّبت عليه فلا بدّ من تقدّم علمنا لبعض
العلل على ما يقتضيه الدليل ويكون الفرع فيه تابعا لأصله (ق ، غ ١٧ ، ٢٨٢ ، ٤)
قياس الطرد
ـ يجوز أن يحدّ
القياس بحدّ يشتمل قياس الطرد والعكس ، فنقول" القياس هو تحصيل الحكم في الشيء
باعتبار تعليل غيره". وهذا الحدّ يشتمل على كلا القياسين : أمّا قياس الطرد ،
فقد حصل الحكم في فرعه باعتبار تعليل الأصل : وأمّا قياس العكس ، فإنّه قد اعتبر
تعليل الأصل لنفي حكمه من الفرع لافتراقهما في العلّة (ب ، م ، ٦٩٩ ، ١٠)
قياس العكس
ـ قياس العكس هو تحصيل
نقيض حكم الشيء في غيره لافتراقهما في علّة الحكم (ب ، م ، ٦٩٩ ، ١٤)
قياس علة
ـ القسم الثالث من
القياس الشرعي قياس شبه في فرع بين أصلين متعلّق بأكثرهما شبها ، وقياس خفيّ
كالعلّة في فروع الربا إذا قيس فيه الفروع منها على الحنطة والشعير والتمر والملح
والذهب والورق ، وهذه وجوه مدارك أحكام الشريعة على أصول أهل السنّة قياس علّة من
أصل واحد كالعلّة في الربا على اختلاف القائسين في علّة الربا (ب ، أ ، ١٩ ، ٢)
قياس الغائب بعلّة
الحدوث
ـ ما نقول في
احتياج التصرّف إلى الواحد منّا ، فإنّ هذا الاحتياج معلوم ضرورة ، وإن لم يقع إلى
أي صفة تحتاج إلينا. ثم إنّ الاحتياج الذي هو تأثير أحوالنا فيه تعليله بالحدوث ،
فنقول : إنّ الحدوث هو الذي يثبت فيه تأثير أحوالنا. وهذا التعليل ليس لإثبات
الحكم في هذا الموضع ، فإنّ الحدوث معلوم لدلالة ، والاحتياج معلوم ضرورة. ولكن
غرضنا بهذا التعليل قياس الغائب عليه بعلّة الحدوث ، بأن نقول إذا ثبت في تصرّفنا
أنّه يحتاج إلينا لحدوثه ، وثبت الحدوث في الأجسام ، وجب أن يثبت فيها الاحتياج
إلى محدث. وإن كان إثبات المحدث للأجسام الذي يتقاضى العقل إثباته لا يتمّ إلّا
بهذا التعليل صار ذلك ملجئا إلى التعليل أو دليلا دالّا إلى تعليله (ن ، د ، ٤٨٥ ،
٣)
قياس الغائب على
الشاهد
ـ إن قيل : كيف
يمكنكم قياس الغائب على الشاهد ، ومعلوم أنّ أحدنا كما لا يختار القبيح إلّا لجهله
بقبحه وحاجته إلى ذلك ، كذلك لا يختار الحسن إلّا لجرّ منفعة أو دفع مضرّة ،
فقولوا مثله في الغائب. ولئن فرّقتم بين الموضعين في تلك المسألة ، فافرقوا بينهما
في هذه المسألة. ولنا في الجواب عن ذلك طريقان : إحداهما طريقة جدليّة ، وهي أن
نقول : إنّ ما ذكرتموه من النفع غير ما استدللنا به وبمعزل عمّا أوردناه ، فلا
يلزمنا الجواب عن طريق الجدل. والثانية طريقة علميّة ، وهي أن نقول تبرّعا ، إنّ
أحدنا كما يختار الحسن لما ذكرتموه من النفع ودفع الضرر ، فقد يختاره لحسنه ولكونه
إحسانا. والذي يدلّ على ذلك وجوه : منها ما ذكره شيخنا أبو هاشم ، وهو أنّ أحدنا
لو خيّر بين الصدق والكذب وكان النفع في أحدهما كالنفع في الآخر ، فإنّه يختار
الصدق والكذب ، لا ذلك إلّا لحسنه وكونه إحسانا ، وإلّا فالنفع فيهما سواء. ومنها
ما ذكره شيخنا أبو الهذيل ، واستدلّ به أبو إسحاق
بن عيّاش ، وغيره
من مشايخنا ، وهو قولهم قد ثبت أنّ الله تعالى فاعل للحسن وعالم به ، فلا يخلو ؛
إمّا أن يفعله لاحتياجه إليه وذلك مستحيل عليه ، أو يفعله لحسنه وكونه إحسانا على
ما نقوله. وهذا لأنّ العالم لما يفعله لا يفعل إلّا لهذين الوجهين ، فإذا بطل أحد
الوجهين نفي الآخر. وقد ذكر قاضي القضاة أنّ أحدنا لو لم يفعل الحسن إلّا لجرّ
منفعة أو دفع مضرّة لوجب أن لا يوجد في عالم الله تعالى منعم على غيره ، لأنّ
المنعم إنّما يكون منعما إذا قصد بالمنفعة وجه الإحسان إلى الغير ، حتى لو لم يكن
كذلك لم يكن منعما. وعلى هذا فإنّ البزاز إذا قدم الثياب الفاخرة إلى المشترين
ليأخذ في مقابلها الذهب فإنّه لا يكون منعما عليه لمّا كان غرضه به نفع نفسه لا
نفع المشتري ، وقد قيل : إنّ كل عاقل يستحسن بكمال عقله إرشاد الضال ، وأن يقول
للأعمى وقد أشرف على بئر يكاد يتردّى فيه : يمنة أو يسرة لا ذاك إلّا لحسنه وكونه
إحسانا فقط (ق ، ش ، ٣٠٦ ، ١٨)
ـ إنّ إثبات حركة
اضطراريّة ينبي على إثبات محدث في الغائب ، وإثبات المحدث في الغائب يترتّب على
إثبات محدث في الشاهد ، لأنّ الطريق الذي يتوصّل به إلى ذلك ليس إلّا أن يقاس
الغائب على الشاهد فيقال : إنّ هذه التصرّفات محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا ، وإنّما
احتاجت إلينا لحدوثها ، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى
محدث وفاعل ، فالأجسام قد شاركتها في الحدوث ، فيجب أن تشاركها في الحاجة إلى محدث
، ومحدثها لا يجوز أن يكون الواحد منا ولا مثله ، فيجب أن يكون لها فاعل مخالف لنا
وهو الله تعالى (ق ، ش ، ٣٧٢ ، ١٦)
ـ إنّ قياس الغائب
على الشاهد لا يصحّ في مجرّد الحكم بل لا بدّ من علّة لذلك الحكم معلومة في الشاهد
فيها يقع التوفيق بينهما وبعدمهما يفرق بينهما. وعندنا إنّ العلّة التي اقتضت هذا
الحكم في الشاهد غير ثابتة في الغائب ، بل هي مقصورة على الشاهد. وذلك أنّ أحدنا
لا يتكلّم إلّا بآلة فهي إذا اختصّت بآفة وضرب من ضروب المنع وصف الحيّ بأنّه أخرس
، وإن كانت صحيحة ، ولكنّه كفّها عن الأسباب المولّدة للكلام وصف بأنّه ساكت. ومتى
كان بالصفة التي تصحّ أن يتكلّم وزال عنه الأمران اللذان ذكرناهما وما يجري
مجراهما فلا بدّ من انتقاله إلى الوصف الثالث ، فصارت العلّة أن هذه الأوصاف
تتعاقب على اللسان. فإذا كان القديم ممن يتكلّم لا بآلة وجارحة فيقول : إذا لم يكن
في الآلة منع ولا آفة ولا كان قد كفّها عن الكلام ، فيجب كونه متكلّما بها بطل
قياس الغائب على الشاهد لزوال العلّة التي ننظّمها ، وليس يكاد تستمرّ هذه الطريقة
إلّا على قول من أثبته تعالى متكلّما بفم ولسان. فنقول إنّ حكم الغائب وحكم الشاهد
مستويان. فأمّا من حكم بغناه في كونه متكلّما عن ذلك فكيف يصحّ له هذا الكلام؟
وحلّ هذا في بابه محل ما تقول" المجسّمة" أنّه تعالى يجب أن يكون جسما
إذا كان قادرا وفاعلا كالواحد منّا. فكما نقول لهم إنّ ذلك واجب في أحدنا لعلّة
وهي كونه قادرا بقدرة لا بدّ لها من محلّ. فإذا كان المحلّ هو الجسم وجب أن يكون
القادر منّا جسما. فأمّا القديم إذا كان قادرا لذاته فهذه القضية لا تجب فيه (ق ،
ت ١ ، ٣٤٩ ، ١٤)
ـ اعتمد مثبّتو
الأحوال على الدلالة والإلزام : أمّا
الدلالة فهو أنّهم
قالوا : الذوات المختلفة كالسواد والبياض مثلا لا محالة أنّهما متّفقان في شيء وهو
اللونيّة ، ومختلفان في شيء وهو السواديّة والبياضيّة ، وليس ما به وقع الاتّفاق ،
هو ما به وقع الاختلاف ، وإلّا كانا شيئا واحدا ؛ فإذا هما غيران وهو المقصود. وأمّا
ما اعتمدوه إلزاما ، فهو أنّهم قالوا : القول بإنكار الأحوال يفضي إلى إنكار القول
بالحدود والبراهين ، وأن لا يتوصّل أحد من معلوم إلى مجهول. ولا سيّما صفات الربّ
تعالى ؛ إذ منشأ القول بها ليس إلّا قياس الغائب على الشاهد. وهذا كلّه محال (م ،
غ ، ٣١ ، ٧)
ـ إنّ من قياس
الغائب على الشاهد هاهنا (في إثبات الصفات) فهو يعترف بأنّه ليس في الشاهد فاعل
موجد على الحقيقة ، بل الموجود في حقّه ليس إلّا الاكتساب ، بخلاف ما في الغائب.
فإذا ما وجد في الشاهد لم يوجد في الغائب ، وما وجد في الغائب لم يوجد في الشاهد ،
فأنّى يصحّ القياس (م ، غ ، ٤٧ ، ١)
قياس الفقهاء
ـ أمّا قياس
الفقهاء فظنّي أيضا ، لأنّ ثبوت الحكم في إحدى الصّورتين لا يدلّ على أنّ علّة ذلك
الثّبوت هو الأمر المشرك. ولو ثبت أنّ المشرك علّة لذلك الثّبوت فمن الجائز أن
يكون علّيته خاصّة بتلك الصّورة ، أعني يكون خصوصيّة الصّورة شرطا في علّيتها.
أمّا إن ثبت أنّ علّيته للحكم عامّ حيث كان ، رجع هذا القسم إلى القسم الأوّل ،
أعني الاستدلال بالكلّي على جزئيّاته ، وصار ذكر الصّورة بكون الحكم فيها ثابتا ،
حشوا لا تأثير له أصلا (ط ، م ، ٧٠ ، ٢)
قياس في الشرعيات
ـ أمّا القياس في
الشرعيات فإنّما يستدرك به معرفة حكم الشيء الذي ليس في نصّ ولا إجماع على حكمه (ب
، أ ، ١٨ ، ٧)
قياس في معرفة
الأصل
ـ قياس في معرفة
الأصل المقيس عليه من كل وجه كقياس العبد على الأمة في تنصيف الحدّ لتساويهما في
الرّقّ ، وقياس الأمة على العبد في التّقوّم على أحد الشريكين إذا أعتق نصيبه منه
وهو موسر ، وكما حرّم الله عزوجل البيع في وقت النداء للجمعة ثم قسنا عليه عقد الإجارة
وسائر العقود في ذلك الوقت ، وليس الأصل في هذه الأحكام بأكثرهما شبها (ب ، أ ، ١٨
، ١١)
قياس مقسّم
ـ القياس المقسّم.
كقولنا : " العدد إمّا زوج وإمّا فرد" ، وكلّ زوج يعدّ بالواحد ، وكلّ
فرد يعدّ بالواحد ، فكلّ عدد يعدّ بالواحد ، وهذا يقينيّ. فإن لم تكن الجزئيّات
محصورة فذلك الحكم يكون ظنيّا ، لاحتمال أن يكون جزئيّ آخر غير ما ذكر بخلاف ما
ذكر. والمثال المشهور فيه الحكم بأنّ" كلّ حيوان يحرّك فكّه الأسفل عند
المضغ" ، لكون النّاس وجميع البهائم والسّباع كذلك. وذلك الحكم غيري يقينيّ ،
ربما يقع فيه تخلّف في جزئيّ غير هذه الجزئيّات ، كالتّمساح ، فإنّه يحرّك الفك
الأعلى عند المضغ (ط ، م ، ٦٩ ، ١٨)
قياس وتفريع
ـ الذي يجب
الإمساك عنه القياس والتفريع ، مثل
أن يرد لفظ اليد ،
فلا يجوز إثبات الساعد والعضد والكف مصيرا إلى أنّ هذا من لوازم اليد ، وإذا ورد
الأصبع لم يجز ذكر الأنملة كما لا يجوز ذكر الجسم واللحم والإصبع والعصب ، وإن
كانت اليد المشهورة لا تنفكّ عنه. وأبعد من هذه الزيادة إثبات الرجل عند ورود اليد
، وإثبات الفم عند ورود العين أو عند ورود الضحك ، وإثبات الأذن والعين عند ورود
السمع والبصر ، وكل ذلك محال وكذب وزيادة ، وقد يتجاسر الحمقى من المشبهة الحشوية
فلذلك ذكرناه (غ ، أ ، ٦٦ ، ١)
قيام بالشيء
ـ القيام بالشيء
أعمّ من الافتقار إليه ، فإنّ الشيء قد يكون قائما بالشيء وهو مفتقر إليه في وجوده
، افتقار تقويم ، كافتقار الأعراض إلى موضوعاتها. وقد يكون قائما به وهو غير مفتقر
إليه افتقار تقويم ، وذلك كما يقوله الفيلسوف في الصور الجوهريّة بالنسبة إلى
المواد ، وهي ليست بأعراض ولا لها خصائص الأعراض. والمقصود من هذا ليس إلّا أنّ
القيام بالشيء أعمّ من الافتقار إليه (م ، غ ، ٤٤ ، ٥)
قيامة
ـ القيامة اسم
لوقت البعث والنشور والحساب والجزاء (ق ، س ، ٢٠٣ ، ٢)
قيد
ـ إنّ من المنع ما
يجامع القدرة ، ومنه ما ينفيها ولا يجامعها. فأمّا ما ينفيها ولا يجامعها فالعجز
والزمانة. وأمّا ما يجامعها ولا ينفيها فالقيد وما أشبهه. وذاك أنّ القيد لو كان
ينفي القدرة لجاز أيضا أن ينفي الصحة والسلامة ، لأنّ القدرة هي صحة الجوارح
وسلامتها من الآفات فكأنّ المقيد غير صحيح الرجل بأن كان زمنا. ولو كان كذلك لم
يكن لتقييده وجه ، بل تقييده يدل على أنّه إنّما منع مما هو قادر عليه أن يفعله لو
لم يمنع منه لفعله. وهذا أمر واضح لا يخفى على عاقل (خ ، ن ، ٦٢ ، ٢٤)
قيّوم
ـ القيّوم من يكون
قائما بنفسه مقوّما لغيره ، فكونه قائما بنفسه عبارة عن كونه غنيّا عن كل ما سواه
، وكونه مقوّما لغيره عبارة عن احتياج كل ما سواه إليه (ف ، س ، ٣٠ ، ٥)
ك
كائن
ـ يوصف تعالى
بأنّه كائن ويراد به أنّه موجود ، لأنّ كل موجود يستحقّ أن يوصف بذلك. فأمّا الوصف
له بأنّه كائن على الوجه الذي يوصف الجوهر بذلك ، من حيث اختصّ بأنّه كائن في
محاذاة دون أخرى فلا يصحّ ، لأنّه يتعالى عن جواز هذه الصفة عليه ، لما دللنا عليه
من قبل ، فيجب أن لا يوصف بذلك. ومتى أوهم إطلاق هذه الصفة هذا الوجه لم يطلق ذلك
ويجب تقييده ، ومتى لم يوهم ذلك جاز أن يوصف بذلك ويراد به أنّه موجود (ق ، غ ٥ ،
٢٣٢ ، ١٠)
كائن من جهة
ـ إنّ الذي نعنيه
بقولنا متحيّز هو ما له ولأجله تتعاظم الأجزاء بانضمام البعض إلى البعض. وهذا مما
يثبته. وإن كان يمتنع من تسميته بأنه متحيّز. وكذلك نريد بقولنا كائن من جهة ، أنه
لو وجد جوهر آخر لكان لا يجوز أن يحصل بحيث هو. وإنّما يكون عن يمينه أو يساره أو
تحته أو فوقه أو خلفه أو أمامه (ن ، م ، ٦١ ، ٨)
كائنية
ـ أمّا الكائنيّة
المعلّلة بالحصول في الحيّز ، ككون الجوهر متحرّكا أو ساكنا أو مجتمعا أو متفرّقا
، فهي معلّلة بالأكوان التي هي الحركة والسّكون والاجتماع والافتراق بشرط الوجود ،
والاتّصاف بالوجود يكون بالفاعل (ط ، م ، ٨٤ ، ١٧)
كاذب
ـ إنّ الظالم من
قام به الظلم ، والكاذب من قام به الكذب ، لا من فعله (ب ، ف ، ١٢٥ ، ٣)
كاره
ـ أمّا الدلالة
على أنّه (الله) كاره فمخصوصة بالنهي وما يجري مجراه ، ولا يوجد في أفعاله ما يدلّ
على كونه كارها لأنّه ليس يصحّ كونه كارها لشيء من أفعال نفسه ويصحّ ، بل يجب أن
يريد جميع أفعاله إلّا ما نقوله في الإرادة نفسها. فصار ما يدلّ على كونه كارها
ينقص عمّا يدلّ على كونه مريدا وإن كانت الطريقة في الاستدلال لا تختلف ، أعني
باعتبار الوجوه (ق ، ت ١ ، ١٤٩ ، ٩)
كافر
ـ كل من أتى كبيرة
من الكبائر ، أو ترك شيئا من الفروض المنصوصة ، على الاستحلال لذلك ، فهو كافر
مرتد ، حكمه حكم المرتدين ، ومن فعل شيئا من ذلك اتباعا لهواه وإيثارا لشهواته كان
فاسقا فاجرا ما أقام على خطيئته ، فإن مات عليها غير تائب منها كان من أهل النار
خالدا فيها وبئس المصير (ر ، ك ، ١٥٤ ، ٢)
ـ من قول عبّاد
إنّ من زعم أنّ الله لم يخلق الكافرين والمؤمنين فقد نفى عن الله خلق الإنسان ،
لأنّ الكافر عنده إنسان وكفر ، والمؤمن عنده إيمان وإنسان ، فإذا نفى عن الله خلق
الكافر والمؤمن فقد نفى عنه خلق
الإنسان وخلق
إيمانه وكفره. ونفي خلق الإنسان عند عبّاد شرك بالله وكفر به. وقد كان يقول : إنّ
الله خلق المؤمن والكافر أي خلق الإنسان المؤمن والإنسان الكافر (خ ، ن ، ٦٩ ، ١٤)
ـ الكافر"
هو" كل من ارتكب معاصي الله وخالف أمره وضادّ حكمه ، فهو كافر لنعم الله
ومعاند لله يجب البراء منه والمعاداة له (ي ، ر ، ٩٣ ، ١٠)
ـ زعمت الأزارقة
أنّ من أقام في دار الكفر فكافر لا يسعه إلا الخروج (ش ، ق ، ٨٩ ، ١٢)
ـ الفرقة الخامسة
عشرة من العجاردة (خوارج) وهي الخامسة من الثعالبة" المكرميّة"
أصحاب" أبي مكرم" ومما تفرّدوا به أنّهم زعموا أنّ تارك الصلاة كافر
وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر ولكن من قبل جهله بالله ، وكذلك قالوا في سائر
الكبائر ، وزعموا أنّ من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وبتلك الجهالة كفر لا
بركوبه المعصية ، وقالوا بالموافاة وهي أنّ الله سبحانه إنّما يتولّى عباده
ويعاديهم على ما هم صائرون إليه لا على أعمالهم التي هم فيها فبرئت منهم الثعالبة (ش
، ق ، ١٠٠ ، ٩)
ـ من الخوارج طائفة
يقولون : ما كان من الأعمال عليه حدّ واقع فلا يتعدّى بأهله الاسم الذي لزمهم به
الحدّ ، وليس يكفر بشيء ليس أهله به كافرا كالزنا والقذف ، وهم قذفة زناة ، وما
كان من الأعمال ليس عليه حدّ كترك الصلاة والصيام فهو كافر ، وأزالوا اسم الإيمان
في الوجهين جميعا (ش ، ق ، ١٠٢ ، ١)
ـ من
الخوارج" الإباضيّة" الفرقة الأولى منهم يقال لهم" الحفصيّة"
كان إمامهم" حفص بن أبي المقدام" زعم أنّ بين الشرك والإيمان معرفة الله
وحده ، فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنّة أو نار أو عمل بجميع
الخبائث ، من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرّم الله سبحانه من فروج النساء
فهو كافر بريّ من الشرك ، وكذلك من اشتغل بسائر ما حرّم الله سبحانه مما يؤكل
ويشرب فهو كافر بريّ من الشرك ، ومن جهل الله سبحانه وأنكره فهو مشرك ، فبرئ منه
جلّ الاباضية إلا من صدّقه منهم (ش ، ق ، ١٠٢ ، ٧)
ـ ندين بأن لا
نكفّر أحدا من أهل القبلة بذنب يرتكبه كالزنا والسرقة وشرب الخمر ، كما دانت بذلك
الخوارج وزعمت أنّهم كافرون. ونقول : إنّ من عمل كبيرة من هذه الكبائر مثل الزنا
والسرقة وما أشبههما مستحلّا لها غير معتقد لتحريمها كان كافرا (ش ، ب ، ٢٢ ، ٩)
ـ فإذا تقرّرت هذه
الجملة (قبح تكليف ما لا يطاق) عدنا إلى الفروق التي يروم القوم بها الفصل بين
الكافر وبين العاجز ويرومون بها إثبات حسن تكليف هذا الكافر وإن كان غير مطيق.
فأورد في الكتاب أوّلا أنّهم يقولون في الفصل بينها إنّ العاجز إنّما أتي في أن لم
يقدر على ذلك الفعل من قبل غيره لا من قبل نفسه فقبح تكليفه. والكافر إنّما أتي في
أن لم يقدر من قبل نفسه حيث اشتغل بالكفر فخرج عن كونه قادرا على الإيمان. وقال في
الجواب إنّهما إذا استويا في عدم القدرة فالفرق من وراء ذلك لا يؤثّر. وبيّن أنّ
قولهم في هذا الفرق اعتراف منهم بأنّ حال الكافر كحال العاجز في أنّهما غير مطيقين
للفعل. ومثل هذا الفرق لا يكون فرقا على الحقيقة بل هو التزام لما ألزموا من تكليف
ما لا يطاق الذي ثبت قبحه عقلا وشرعا (ق ، ت ٢ ، ٥٧ ، ١٢)
ـ من جملة ما
يفرّقون به بين الكافر والعاجز قولهم إنّ الكافر متوهّم منه الإيمان وليس كذلك
العاجز. وهذا في الفساد كالأوّل ، وذلك لأنّه يقال لهم : أيتوهّم منه الإيمان
وحالته هذه أو بأن تتغيّر حاله؟ فإن قالوا : يتوهّم منه وحالته هذه ، فقد توهّموا
المستحيل الممتنع لأنّ مع عدم القدرة لو جاز أن يتوهّم منه الإيمان لجاز أن يتوهّم
من العاجز. وإن قالوا : بأن تتغيّر حاله ، قلنا : فقد زال الفرق بينه وبين العاجز
لأنّ العاجز أيضا لو تغيّرت حاله لصحّ منه الإيمان. وبعد فإنّ التوهّم ظنّ ولهذا
لا يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم أن النبيّ صلّى الله عليه يدخل الجنّة ، لمّا كان
ذلك مقطوعا به. وكذلك فلا نتوهّم أن فرعون يدخل النار لمّا كان مقطوعا به. فإذا
ثبت أن التوهّم ظنّ فكيف يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم الإيمان من الكافر ، مع القطع
على أنّه لا يقع منه الإيمان وحاله على ما هو عليه؟ وأيضا فإذا كان التوهّم ظنّا
فمعلوم أنّه لا يقع منه الإيمان بهذا الظنّ ولو توهّم متوهّم في العاجز أنّه يصحّ
منه الإيمان لم يصر كذلك بتوهّمه ، فصار إنّما يصحّ وقوع الإيمان منه لقدرة قد
عدمها لا لتوهّم الذي يتوهّم ذلك. وقد عدم الكافر هذه القدرة. فبطل ما راموه من
الفرق (ق ، ت ٢ ، ٦٠ ، ١)
ـ مما يذكرونه من
الفرق بين الكافر والعاجز قولهم إن هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا
افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف
الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في
وصفه بذلك مجرّد وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد
بأنّه مخلّى مع أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو زال القيد لصحّ منه المشي.
فكيف ساغ للقوم أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن ثبات القدرة
وعن أمر زائد عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب أن يجوز وصف
العاجز بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به فكذلك لا يصحّ وصف
العاجز بأنّه ممنوع ، لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان يصحّ منه
الفعل وحالته تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن أيضا
وإنّما يقال ذلك في المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع عدم
القدرة عنه أن يكون ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل
الممنوع منه ، وهذا يرجع فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق
، ت ٢ ، ٦١ ، ١٠)
ـ أمّا الكافر ،
فإنّما يوصف بذلك ، لا لأنّه فعل الكفر ، لكن لأنّه استحقّ العقاب. ولذلك يوصف
بأنّه كافر الآن ، وإن تقدّم وقوع الكفر منه ، لما كان مستحقّا للعقاب الآن. ولذلك
لو تاب ، لم يوصف بذلك ، وإن كانت التوبة لا تؤثّر في وقوع الكفر منه (ق ، غ ٨ ،
٢٤٢ ، ١٢)
ـ إنّ الكافر يقدر
على الإيمان وإن كان المعلوم أنّه لا يؤمن (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ١٨)
ـ مستحقّ العقاب
إذا كان عقابه عظيما ، يوصف بأنّه كافر (ق ، غ ١٤ ، ٣٠١ ، ١٥)
ـ قال أبو شمر :
الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه
الأمّة ، كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ ، وتحريم الميتة ، والدم ، ولحم
الخنزير ، ووطء
المحارم ونحو ذلك
، وما عرف بالعقل من عدل الإيمان وتوحيده ونفي التشبيه عنه ، وأراد بالعقل قوله
بالقدر ، وأراد بالتوحيد نفيه عن الله صفاته الأزلية. قال : كل ذلك إيمان ، والشاك
فيه كافر ، والشاك في الشاك أيضا كافر ، ثم كذلك أبدا. وزعم أنّ هذه المعرفة لا
تكون إيمانا إلّا مع الإقرار (ب ، ف ، ٢٠٦ ، ٦)
قال أبو محمد :
اختلف الناس في هذا الباب ، فذهبت طائفة إلى أنّ من خالفهم في شيء من مسائل
الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو كافر ، وذهبت طائفة إلى أنّه كافر في بعض
ذلك فاسق غير كافر في بعضه على حسب ما أدّتهم إليه عقولهم وظنونهم ، وذهبت طائفة
إلى أنّ من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر ، وأنّ من خالفهم في مسائل الأحكام
والعبادات فليس كافرا ولا فاسقا ولكنّه مجتهد معذور ، وإن أخطأ مأجور بنيّته ،
وقالت طائفة بمثل هذا فيمن خالفهم في مسائل العبادات ، وقالوا فيمن خالفهم في
مسائل الاعتقادات إن كان الخلاف في صفات الله عزوجل فهو كافر ، وإن كان فيما دون ذلك فهو فاسق ، وذهبت طائفة
إلى أنّه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وأنّ كل من اجتهد
في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحق فإنّه مأجور على كل حال ، إن أصاب الحق
فأجران ، وإن أخطأ فأجر واحد ، وهذا قول بن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان
الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم (ح ، ف ٣ ، ٢٤٧ ، ٨)
ـ أمّا عباد بن
سليمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أنّ الله تعالى لا يقدر على غير ما
فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال أنّ الله خلق المؤمنين ولا أنّه خلق الكافرين ،
ولكن يقال خلق الناس وذلك زعم ، لأنّ المؤمن عنده إنسان وإيمان ، والكافر إنسان
وكفر ، وإنّ الله تعالى إنّما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر ،
وكان يقول إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق ، وأنّه تعالى لم يخلق
المجاعة ولا القحط (ح ، ف ٤ ، ١٩٦ ، ١٦)
ـ ذهبت الخوارج
إلى أنّ من قارف ذنبا واحدا ، ولم يوفق للتوبة ، حبط عمله ومات مستوجبا للخلود في
العذاب الأليم وصاروا إلى أنّه يتّصف بكونه كافرا ، إذا اجترم ذنبا واحدا. وصارت
الأباضية منهم إلى أنّه يتّصف بالكفر المأخوذ من كفران النعم ، ولا يتّصف بالكفر
الذي هو الشرك. وذهبت الأزارقة منهم إلى أنّ العاصي كافر بالله تعالى كفر شرك (ج ،
ش ، ٣٢٤ ، ١٢)
ـ ما الإيمان
الصحيح؟ قلت : أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله ، فمن أخلّ بالاعتقاد
وإن شهد وعمل فهو منافق ، ومن أخلّ بالشهادة فهو كافر ومن أخلّ بالعمل فهو فاسق (ز
، ك ١ ، ١٢٩ ، ٣)
ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ
كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن : ٢)
يعني فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ٣)
ـ إنّ الكافر كفر
، وإنسان ، والله تعالى لا يخلق الكفر (ش ، م ١ ، ٧٣ ، ٨)
ـ البيهسيّة أتباع
أبي بيهس. ومذهبهم أنّ من لا يعرف الله تعالى وأسماءه وتفاصيل الشريعة فهو كافر (ف
، غ ، ٤٧ ، ٦)
ـ من أخلّ
بالشهادة فهو كافر (ج ، ت ، ٦٤ ، ٤)
ـ الكافر من
يستحقّ أعظم أنواع العقاب.
والفاسق دونه ، إذ
لا يسمّى الفاضل نبيّا ولا العاصي كافرا (م ، ق ، ١٣٢ ، ١٩)
كامن
ـ قلنا : بل محال
أن تتعلّق القدرة بالموجود ، وإنّما تتعلّق بالمعدوم لتحصيله ، لأنّ المقدور ، لو
كان حاصلا حين تعلّق القدرة لتحصيله لأغناه ذلك عن تعلّق القدرة به. قالوا :
تعلّقت القدرة بالحجارة للعمارة ، والحجارة موجودة؟ قلنا : الحجارة من جملة آلة
العمارة ، فتعلّق القدرة بالعمارة إنّما كان حال عدمها بواسطة الآلة. قالوا :
العمارة هي نفس الحجارة ، وإنّما كانت كامنة في نفسها؟ قلنا : هذا هو المحال ،
لأنّ كون الشيء كامنا في نفسه لا يعقل (ق ، س ، ٦٧ ، ١٤)
كبائر
ـ إنّ واصل بن
عطاء رحمهالله لم يحدث قولا لم تكون الأمّة تقول به فيكون قد خرج من
الإجماع ، ولكنّه وجد الأمّة مجمعة على تسمية أهل الكبائر بالفسق والفجور ، مختلفة
فيما سوى ذلك من أسمائهم ، فأخذ بما أجمعوا عليه وأمسك عمّا اختلفوا فيه (خ ، ن ،
١١٨ ، ١١)
ـ جمهور"
الإباضيّة" قالوا إنّ كل طاعة إيمان ودين وأنّ مرتكبي الكبائر موحّدون وليسوا
بمؤمنين (ش ، ق ، ١٠٥ ، ٤)
ـ اختلفت المرجئة
في الصغائر والكبائر على مقالتين. فقالت الفرقة الأولى : كل معصية فهي كبيرة ،
وقالت الفرقة الثانية : المعاصي منها كبائر ومنها صغائر (ش ، ق ، ١٥٠ ، ١٠)
ـ إنّ المعاصي على
ضربين : منها صغائر ومنها كبائر ، وأنّ الكبائر على ضربين منها ما هو كفر ومنها ما
ليس بكفر ، وأنّ الناس يكفرون من ثلاثة أوجه : رجل شبّه الله سبحانه بخلقه ، ورجل
جوّره في حكمه أو كذّبه في خبره ، ورجل ردّ ما أجمع المسلمون عليه عن نبيّهم صلىاللهعليهوسلم نصّا وتوقيفا (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٤)
ـ الكبائر الواقعة
من أهل القبلة : إنّها نفاق ، وإنّ صاحب الكبيرة منافق وعابد للشيطان وإن كان من
أهل الصلاة. وزعم (بكر) أيضا أنّه ـ مع كونه منافقا ـ مكذّب لله تعالى جاحد له ،
وأنّه يكون في الدّرك الأسفل من النار مخلّدا فيها ، وأنّه مع ذلك مسلم مؤمن ، ثم
إنّه طرد قوله في هذه البدعة فقال في علي وطلحة والزبير : إن ذنوبهم كانت كفرا ،
وشركا. غير أنّهم كانوا مغفورا لهم ؛ لما روى في الخبر" أنّ الله تعالى اطّلع
على أهل بدر فقال : (اعْمَلُوا ما
شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) فقد
غفرت لكم (ب ، ف ، ٢١٣ ، ٤)
ـ عن عليّ رضي
الله عنه" الكبائر سبع : الشرك ، والقتل ، والقذف ، والزنا ، وأكل مال اليتيم
، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة" وزاد : ابن عمر" السحر ،
والاستحلال البيت الحرام" وعن ابن عباس أن رجلا قال له : الكبائر سبع ، فقال
هي إلى سبعمائة أقرب ، لأنّه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار (ز ، ك ١
، ٥٢٢ ، ٢١)
ـ أئمتنا ، عليهمالسلام وجمهور المعتزلة والشافعيّ وبعض الخوارج : والكبائر محبطات
للإيمان ، فلا يبقى مؤمنا من ارتكب كبيرة خلافا لمن مرّ. لنا : ما مرّ (ق ، س ،
١٨٦ ، ١٧)
كبير
ـ كل ما أتى فيه
الوعيد فهو كبير ، وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير (ش ، ق ، ٢٧٠ ، ١٥)
ـ كل ما توعّد
الله تعالى عليه بالنار ، أو توعّد عليه رسوله صلىاللهعليهوسلم بالنار فهو كبير ، وكل ما نصّ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم باستعظامه فهو كبير ، كقوله عليهالسلام اتّقوا السبع الموبقات الشرك والسحر والقتل والزنا وذكر
الحديث ، وكقوله عليهالسلام عقوق الوالدين من الكبائر ، وكل ما لم يأت نص باستعظامه
ولا جاء فيه وعيد بالنار فليس بكبير ، ولا يمكن أن يكون الوعيد بالنار على الصغائر
على انفرادها لأنّها مغفورة باجتناب الكبائر (ح ، ف ٤ ، ٥٧ ، ٢١)
كبيرة
ـ أجمعت الخوارج
على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أن حكّم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا
، وأجمعوا على أنّ كل كبيرة كفر إلّا" النجدات" فإنها لا تقول ذلك ،
وأجمعوا على أنّ الله سبحانه يعذّب أصحاب الكبائر عذابا دائما إلّا"
النجدات" أصحاب" نجدة" (ش ، ق ، ٨٦ ، ٤)
ـ الإباضيّة
يقولون إنّ جميع ما افترض الله سبحانه على خلقه إيمان ، وأنّ كل كبيرة فهي كفر
نعمة لا كفر شرك ، وأنّ مرتكبي الكبائر في النار خالدون مخلّدون فيها (ش ، ق ، ١١٠
، ١٤)
ـ قال" جعفر
بن مبشر" : كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمّدا لها فهو مرتكب لكبيرة (ش ،
ق ، ٢٧١ ، ٦)
ـ إنّ الكبيرة في
عرف الشرع هو ما يكون عقاب فاعله أكثر من ثوابه إمّا محقّقا وإمّا مقدّرا (ق ، ش ،
٦٣٢ ، ٧)
ـ لا يقال كبيرة
إلّا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها ، والكبائر أيضا تتفاضل ، فالشرك أكبر مما دونه
، والقتل أكبر من غيره (ح ، ف ٤ ، ٥٧ ، ١٢)
ـ الكبيرة
والصغيرة إنّما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إمّا إلى طاعة أو معصية أو ثواب
فاعلهما (ز ، ك ١ ، ٥٢٢ ، ١٩)
ـ اتّفقوا (المعتزلة)
على أنّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة ، استحقّ الثواب والعوض.
والتفضّل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها ، استحقّ
الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخفّ من عقاب الكفّار. وسمّوا هذا النمط : وعدا
ووعيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٥)
ـ صاحب الكبيرة
إذا خرج من الدنيا من غير توبة يكون حكمه إلى الله تعالى ، إمّا أن يغفر له برحمته
، وإما أن يشفع فيه النبي صلىاللهعليهوسلم إذ قال : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي" وإما
أن يعذّبه بمقدار جرمه ، ثم يدخله الجنّة برحمته (ش ، م ١ ، ١٠١ ، ١١)
ـ اجتمعت الأزارقة
على أنّ من ارتكب كبيرة من الكبائر كفر كفر ملّة ، خرج به عن الإسلام جملة ، ويكون
مخلّدا في النار مع سائر الكفّار. واستدلّوا بكفر إبليس ، وقالوا : ما ارتكب إلّا
كبيرة حيث أمر بالسجود لآدم عليهالسلام فامتنع ، وإلّا فهو عارف بوحدانية الله تعالى (ش ، م ١ ،
١٢٢ ، ٦)
ـ قيل إنّ أول من
قال بالإرجاء : الحسن بن محمد بن عليّ بن أبي طالب ، وكان يكتب فيه الكتب إلى
الأمصار. إلّا أنّه ما أخّر العمل عن الإيمان كما قالت المرجئة اليونسيّة ،
والعبيديّة ،
لكنّه حكم بأنّ
صاحب الكبيرة لا يكفر ، إذ الطاعات وترك المعاصي ليست من أصل الإيمان حتى يزول
الإيمان بزوالها (ش ، م ١ ، ١٤٤ ، ٥)
ـ صاحب الكبيرة
عندنا مؤمن مطيع بإيمانه عاص بفسقه. وعند المعتزلة لا يسمّى مؤمنا ولا كافرا (ف ،
م ، ١٨٢ ، ٢٤)
ـ قلت إنّا وإن كنّا
نذهب إلى أنّ صاحب الكبيرة لا يسمّى مؤمنا ولا مسلما ، فإنّا نجيز أن يطلق عليه
هذا اللفظ إذا قصد به تمييزه عن أهل الذمّة وعبّادي الأصنام ، فيطلق مع قرينة حال
أو لفظ يخرجه عن أن يكون مقصودا به التعظيم والثناء والمدح ، فإنّ لفظة مسلم ومؤمن
تستعمل في أكثر الأحوال كذلك ، وأمير المؤمنين عليهالسلام لم يقصد بذلك إلّا تميّزهم من كفّار العرب وغيرهم من أهل
الشرك ، ولم يقصد مدحهم بذلك ، فلم ينكر مع هذا القصد إطلاق لفظ المسلمين عليهم (أ
، ش ٢ ، ٢٦٤ ، ١٧)
ـ صاحب الكبيرة
عندنا لا يسمّى مؤمنا ، وأمّا المنافق فهو الذي يظهر الإسلام ويبطّن الكفر (أ ، ش
٤ ، ٢٦٤ ، ١٢)
ـ الكبيرة : هي ما
كان حرما محضا شرع عليها عقوبة محضة بنصّ قاطع في الدنيا والآخرة (ج ، ت ، ٢٣٣ ، ٨)
كتاب
قال يحيى بن
الحسين ، صلوات الله عليه : تفسير" الكتاب" في القرآن على وجوه شتى : فوجه
منها : علم ، كما قال الله تبارك وتعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ
مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) (فاطر : ١١) ...
والوجه الثاني : من كتاب الله قوله سبحانه : (وَكَتَبْنا
عَلَيْهِمْ فِيها) (المائدة : ٤٥) ،
يقول : فرضنا عليهم : (أَنَّ النَّفْسَ
بِالنَّفْسِ) (المائدة : ٤٥)
إلى آخر الآية. والوجه الثالث : قوله ، عزوجل : (إِنَّا أَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الْكِتابَ) (الزمر : ٢) ،
يعني القرآن. والوجه الرابع : " قوله"(كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ
الرَّحْمَةَ) (الأنعام : ١٢)
يقول : أوجب على نفسه الرحمة ، أنّهم إذا تابوا رحمهم ، وأوجب لهم على نفسه الرحمة
، فالكاتب والمكتوب عليه في هذا الموضع واحد ، وهو الله رب العالمين (ي ، ر ، ١٠٧
، ٢)
ـ الكتاب : اسم كل
مكتوب (م ، ت ، ١٥٤ ، ٦)
ـ وقوله تعالى : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ
فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) يدلّ على
أنّ الكتاب محدث ، وأن كلامه مفعول ؛ لأنّه تعالى وصفه بأنه (أحكم) والإحكام لا
يكون إلّا في الفعل الذي ينفصل حاله بالإحكام من حال المختل المنتقض من الأفعال.
وقوله تعالى : (ثُمَّ فُصِّلَتْ) (هود : ١) يدلّ
أيضا عليه ؛ لأنّ التفصيل لا يصحّ في القديم ، وإنّما يصحّ في الفعل المدبّر إذا
فعل على وجه يفارق الأفعال المجملة التي لم تنفصل بالتدبير والتقدير. وقوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) يدلّ
أيضا على حدوثه ؛ لأنّ القديم لا يجوز أن يضاف إلى أنّه من لدن غيره ، وإنّما يطلق
ذلك في الأفعال الصادرة عن الفاعل ، فيقال : إنها من لدنه ، ومن قبله ، ولو كان
الكتاب والقرآن قديما لم يكن بأن يضاف إلى الله تعالى وأنّه من لدنه ، بأولى من أن
يكون تعالى مضافا إليه ، على هذا الوجه (ق ، م ١ ، ٣٧٣ ، ٣)
ـ الكتاب هو
القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وفيه عام وخاص ومجمل ومفسّر
ومطلق ومقيّد وأمر ونهي وخبر
واستخبار وناسخ
ومنسوخ وصريح وكناية ، وفيه أيضا دليل الخطاب ومفهومه وكل هذا لوجوه منه أدلّة على
مراتبها وإن كان بعضها في الاستدلال به على مدلوله أجلى من بعض (ب ، أ ، ١٧ ، ٨)
ـ المراد بالكتاب
اللوح المحفوظ تعظيما للمتلوّ عليهم (ز ، ك ١ ، ٥٦٧ ، ١٣)
ـ الكتاب هو
القرآن وهو المتواتر تلاوته (ق ، س ، ١٤٤ ، ١٨)
كتابة
ـ اعلم أنّ الذي
يبطل القول بأنّ في المكتوب كلاما وفي المحفوظ كلاما ، أن تبيّن حقيقة الكتابة
وحقيقة الحفظ. والأصل إنّ للكتابة إمارة ودلالة على هذه الحروف التي ننطق بها. يبيّن
هذا أنّ من عرف المواضعة فيها أمكنه أن يستدلّ بها على هذه الحروف ، ومن لم يعرف
المواضعة فيها لا يمكنه ذلك ، ولو كان هناك كلام لم يقف على العلم بمواضعة ثانية ،
بل كانت المواضعة الأولى على الحروف كافية. ومعلوم أنّ عند العلم بما ذكرناه من
المواضعة على أشكال الحروف تمكن القراءة سواء قدرنا أنّ هناك كلاما أو لم يكن ،
فلا وجه لإثبات الكلام في المكتوب مع أنّ الحال ما ذكرناه. وليس من الواجب من حيث
أمكنت معرفة مراد المتكلّم بالكتابة أن تثبت في كتابته كلاما. فإنّ ذلك يوجب أن
يكون مع الإشارة ومع عقد الأصابع على ما يتعاطاه الطريقيون كلام من حيث تفهم البعض
عن البعض بذلك غرضه ومراده. وربّما وقعت هذه المواضعة على المشي والخطى ولم يوجب
ثبوت كلام معهما. فلا وجه لما ذهب إليه" أبو علي" ، وبمثل هذه الجملة
يعرف أنّه لا كلام مع الحفظ ، لأنّ معناه العلم بكيفية إيراد الكلام على ضرب من
النظام مع سلامة الآلة. فإذا حصل كذلك أمكنه أن يقرأ سواء تصوّرنا هناك كلاما أو
لم يكن (ق ، ت ١ ، ٣٤٢ ، ٢٠)
كذب
ـ الكذب الإخبار
عنه (الشيء) بخلاف حقيقته بعلم وقع أم بغير علم (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ٣)
ـ الكذب هو
الإخبار عنه (الشيء) بخلاف حقيقته ، وزاد سائرهم في الكذب الخبر عن الشيء بخلاف ما
هو عليه بغير علم (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ٧)
ـ الكذب ذو شروط
أيضا منها علم الحقيقة والعلم باعتماد نفيها ومنها النهي من الله عنه ، فأمّا ما
وقع بغير علم فهو خبر عاثر لا يسمّى صدقا ولا كذبا (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ١٠)
ـ أمّا الكذب ،
فهو كل خبر لو كان له مخبر لكان مخبره لا على ما هو به. وقولنا لو كان له مخبر ،
هو أنّ في الأخبار ما لا مخبر له أصلا ، كالخبر بأنّ لا ثاني مع الله تعالى ولا
بقاء ، وغير ذلك (ق ، ش ، ١٣٥ ، ١٢)
ـ إنّ الكذب إنّما
هو هذا المسموع المنتظم من الحروف ، فيجب أن يكون من فعلنا (ن ، د ، ٣٢ ، ١٣)
ـ بيّنا أنّ قبح
الكذب العاري عن اجتلاب نفع أو دفع ضرر معلوم بالاضطرار ، ولا يجوز أن نعلم حكم
ذات من الذوات أو صفة من الصفات ثم لا نعلم الذات الموصوفة بها بالاضطرار ، لا على
سبيل الجملة ولا التفصيل. ونحن نعلم قبح الكذب العاري من اجتلاب نفع أو دفع ضرر
بالاضطرار ، فيجب أن يكون الكذب
معلوما كذلك ،
فيجب أن يكون الكذب هو هذا المسموع ، لأنّه هو الذي يعلم بالاضطرار ، وما عداه
فإنّه لا يعلم باضطرار ولا باستدلال. فإذا كان الكذب هو هذا المسموع وجب أن يكون
من فعلنا حتى يكون حكمه متعلقا بنا (ن ، د ، ٣٣ ، ٦)
ـ للكرّامية في
هذه المسألة بدع ما سبقوا إليها. منها أنّ بعضهم زعم أنّ حقيقة الصدق هو الخبر
الذي تحته معنى والكذب هو الخبر الذي لا معنى تحته (ب ، أ ، ٢١٧ ، ١٧)
ـ إنّه ليس في
العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتّة ، وإنّما الظلم بالإضافة ، فيكون قتل زيد إذا
نهى الله عنه ظلما ، وقتله إذا أمر الله بقتله عدلا ، وأمّا الكذب فهو كذب لعينه
وبذاته ، فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو فهو كاذب ، إلّا أنّه لا يكون ذلك إثما ولا
مذموما إلّا حيث أوجب الله تعالى فيه الإثم والذمّ فقط ، وكذلك القول في الجهل والعجز
إنّهما جهل لعينه وعجز لعينه ، فكل من لم يعلم شيئا فهو جاهل به ولا بدّ ، وكل من
لم يقدر على شيء فهو عاجز عنه ولا بدّ ، والوجه الثاني أنّ بالضرورة التي بها
علمنا من نواة التمر لا يخرج منها زيتونة ، وأنّ الفرس لا ينتج جملا ، بها عرفنا
أنّ الله تعالى لا يكذب ولا يعجز ولا يجهل ، لأنّ كل هذه من صفات المخلوقين عنه
تعالى منفيّة إلّا ما جاء نص بأن يطلق الاسم خاصّة من أسمائها عليه تعالى فيقف
عنده (ح ، ف ٣ ، ٧٤ ، ٢٣)
ـ ما علم كونه
كذبا قطعا فهو ما يخالف مخبره المعلوم ضرورة ونظرا فهو كالإخبار عن المحسوسات على
خلاف حكم تعلّق الحواس بها ، وكالأخبار عن قدم العالم مع قيام الأدلّة القاطعة على
حدثه. وما يتردّد من الأخبار ، فهو ما يتعلّق بجائز لا يستحيل فيه تقدير النفي ولا
تقدير الإثبات (ج ، ش ، ٣٤٧ ، ١١)
ـ الكذب : الإخبار
عن الشيء على خلاف ما هو به وهو قبيح كله (ز ، ك ١ ، ١٧٨ ، ٦)
كرامات الأولياء
ـ أمّا كرامات
الأولياء فجائز عقلا ووارد سمعا ، ومن أعظم كرامات الله تعالى على عباده تيسير
أسباب الخير لهم ، وتعسير أسباب الشرّ عليهم ، وحيثما كان التيسير أشدّ وإلى الخير
أقرب ، كانت الكرامة أوفر ، وما ينقل عن بعضهم من خوارق العادات وصحّ النقل وجب
التصديق ، ولا يجوز الإنكار عليه (ش ، ن ، ٤٩٧ ، ٤)
كرامة
ـ اعلم أنّ
المعجزات والكرامات متساوية في كونها ناقضة للعادات. غير أنّ الفرق بينهما من
وجهين : أحدهما تسمية ما يدلّ على صدق الأنبياء معجزة ، وتسمية ما يظهر على
الأولياء كرامة للتمييز بينهما. والوجه الثاني أن صاحب المعجزة لا يكتم معجزته بل
يظهرها ويتحدّى بها خصومه ويقول إن لم تصدقوني فعارضوني بمثلها. وصاحب الكرامة
يجتهد في كتمانها ولا يدّعي فيها (ب ، أ ، ١٧٤ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ كل
كرامة تظهر على يد وليّ فهي بعينها معجزة لنبيّ إذا كان الوليّ في معاملاته تابعا
لذلك النبيّ ، وكل ما يظهر في حقّه فهو دليل على صدق أستاذه وصاحب شريعته ، فلا
تكون الكرامة قط قادحة في المعجزات ، بل هي مؤيّدة لها دالّة عليها راجعة عنها
وعائدة إليها (ش ، ن ، ٤٩٧ ، ١٨)
كراهة
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ الكراهة لا تضادّ الإرادة على الإطلاق ، بل الإرادة هي الكراهة على وجه.
وذلك أنّه إذا أراد كون شيء فقد كره فقده ، وإذا أراد فقده فقد كره كونه ، وأنّ
إرادته لكون الشيء هو نفس الكراهة لفقده ، كما كان نفس الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه
ونفس النهي عن ضدّه نفس الأمر به إذا كان الأمر به إيجابا له (أ ، م ، ٧١ ، ١٣)
ـ الإرادة هو ما
يوجب كون الذات مريدا ، والكراهة ما يوجب كونه كارها. والواحد منّا إذا رجع إلى
نفسه فصل بين أن يكون على هذه الصفة وبين أن يكون على غيرها من الصفات ، وأجلى
الأمور ما يجده الإنسان من نفسه (ق ، ش ، ٤٣١ ، ١٣)
ـ إنّ الإرادة غير
الشهوة ، وبمثله يبطل القول بأنّ الكراهة هي نفور الطبع ، ويسقط بذلك قول من يقول
إنّه تعالى لا يوصف بإرادة كون ما لا يكون ، لأنّ ذلك شهوة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣٦ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ الواحد
منّا يعلم أنّه إذا كره الشيء فقد سخطه ، وإذا سخطه فقد كرهه ، فيجب أن يكون السخط
هو الكراهة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦٠ ، ٤)
ـ قد دللنا في
كتاب الإرادة على أنّ الإرادة لا توجب المراد ولا يولّدها ، فلا وجه لإعادة القول
فيه ، فيجب القضاء بهذه الجملة على أنّ الإرادة لا تكون سببا ولا يكون غيرها سببا
لها ، فكذلك الكراهة ، والقول في الكراهة أبين ، لأنّها تصرّف عن فعل المكروه ويجب
عند حصولها أن لا يوجد ، وهذا بالضدّ مما يقتضيه التوليد ، إلا أن يقال إنّها إذا
صرفت من شيء ولدت تركه وضدّه ، وقد دلّ الدليل على خلافه (ق ، غ ٩ ، ١٣٢ ، ٢٢)
كرسي
ـ الكرسيّ عبارة
عن علمه تعالى ، لأنّ الكرسيّ في أصل اللغة العلم ، ولوحظ في استعمالها. قال أبو
ذويب : يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداد هو بيت. أي أهل كراسي أي علوم.
ومنه قيل للصحيفة التي فيها العلم كرّاسة (ق ، س ، ٧٦ ، ١٦)
كسب
ـ زعم بعضهم
وهو" الشحّام" أنّ الله يقدر على ما أقدر عليه عباده ، وأن حركة واحدة تكون
مقدورة لله وللإنسان ، فإن فعلها الله كانت ضرورة وإن فعلها الإنسان كانت كسبا (ش
، ق ، ١٩٩ ، ٩)
ـ كان" ضرّار
بن عمرو" يزعم أنّ الإنسان يفعل في غير حيّزه وأنّ ما تولّد عن فعله في غيره
من حركة أو سكون فهو كسب له خلق لله عزوجل ، وكل أهل الإثبات غير" ضرّار" يقولون : لا فعل
للإنسان في غيره ويحيلون ذلك (ش ، ق ، ٤٠٨ ، ٥)
ـ معنى الكسب أن
يكون الفعل بقدرة محدثة ، فكل من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ، ومن
وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١)
ـ من" أهل
الإثبات" من يقول إنّ الله يفعل في الحقيقة بمعنى يخلق ، وأنّ الإنسان لا
يفعل في الحقيقة وإنّما يكتسب في التحقيق لأنّه لا يفعل إلّا من يخلق ، إذ كان
معنى فاعل في اللغة معنى خالق ، ولو جاز أن يخلق الإنسان بعض كسبه لجاز أن يخلق كل
كسبه ، كما أنّ القديم لمّا خلق بعض فعله خلق كل فعله (ش ، ق ، ٥٤١ ، ٧)
ـ إن قال قائل فلم
لا دلّ وقوع الفعل الذي هو كسب على أنّه لا فاعل له إلّا الله ، كما دلّ على أنّه
لا خالق (له) إلّا الله تعالى ، قيل له كذلك نقول. فإن قال فلم لا دلّ على أنّه لا
قادر عليه إلّا الله عزوجل ، قيل له لا فاعل له على حقيقته إلّا الله تعالى ، ولا قادر
عليه أن يكون على ما هو عليه من حقيقته أن يخترعه إلّا الله تعالى (ش ، ل ، ٣٩ ،
١٠)
ـ الأفعال لا بدّ
لها من فاعل على حقيقتها لأنّ الفعل لا يستغني عن فاعل ، فإذا لم يكن فاعله على
حقيقته الجسم ، وجب أن يكون الله تعالى هو الفاعل له على حقيقته. وليس لا بدّ للفعل
من مكتسب يكتسبه على حقيقته ، كما لا بدّ من فاعل يفعله على حقيقته ، فيجب إذا كان
الفعل كسبا كان الله تعالى هو المكتسب له على حقيقته (ش ، ل ، ٣٩ ، ١٩)
ـ إذا كان الكسب
دالّا على فاعل فعله على حقيقته ، لم يجب أن يدل على أنّ الفاعل له على حقيقته هو
المكتسب له ، ولا على أنّ المكتسب له على الحقيقة هو الفاعل له على حقيقته ، إذ
كان المكتسب مكتسبا للشيء لأنّه وقع بقدرة له عليه محدثة ، ولم يجز أن يكون ربّ
العالمين قادرا على لا شيء بقدرة محدثة ، فلم يجز أن يكون مكتسبا للكسب وإن كان
فاعلا له في الحقيقة (ش ، ل ، ٤٠ ، ٥)
ـ إنّ حقيقة الكسب
أنّ الشيء وقع من المكتسب له بقوّة محدثة لافتراق الحالين في الحركتين ، ولأنّ
إحداهما بمعنى الضرورة وجب أن تكون ضرورة ، ولأنّ الأخرى بمعنى الكسب ، وجب أن
تكون كسبا ، ودليل الخلق في حركة الاضطرار وحركة الاكتساب واحد ، فلذلك وجب إذا
كانت إحداهما خلقا أن تكون الأخرى خلقا (ش ، ل ، ٤٢ ، ١)
ـ إنّ الاستطاعة
مع الفعل للفعل ، إنّ من لم يخلق الله تعالى له استطاعة محال أن يكتسب شيئا. فلمّا
استحال أن يكتسب الفعل إذا لم تكن استطاعة ، صحّ أنّ الكسب إنّما يوجد لوجودها ،
وفي ذلك إثبات وجودها مع الفعل للفعل (ش ، ل ، ٥٦ ، ١٩)
ـ إنّ الحياة إذا
عدمت ، عدمت القدرة. فلعدم القدرة ما استحال الكسب لا لعدم الحياة. ألا ترون أنّ
الحياة تكون موجودة وثم عجز فلا يكون الإنسان مكتسبا ، فعلم إنّ الكسب لم يعدم
لعدمها ولا يوجد لوجودها (ش ، ل ، ٥٧ ، ١١)
ـ منهم من حقق
الأفعال للخلق ، وبها صاروا عصاة تقاة ، وجعلوها لله خلقا اعتبارا بما سبق من
الإضافة إلى الله جلّ ثناؤه مرّة وإلى العباد ثانيا ، والمذكور المضاف إلى العباد
هو المضاف / إلى الله تعالى لا غير ، بمعنى يؤدي إلى اختلاف الجهة في العقل نحو
الإضلال وو الإزاغة ، والهداية والعصمة ، ثم الإنعام والامتنان ، ثم الخذلان
والمدّ ثم الزيادة من الوجهين ، ثم الطبع والتيسير ، ثم التشرح والتضييق ، ومحال
وجود هذه الأحوال ، على وجود مضادّات ما يوصف بها ، وإضافة الاهتداء والضلالة ،
والرشد والغيّ ، والاستقامة والزيغ إلى الخلق ، وكان في وجود أحد الوجهين تحقيق
الآخر ، إذ لا يضاف الذي أضيف إلى الله مطلقا ، مع إضافة أضداد الواقع عليه
معانيها ، ثبت أنّ حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ، والله من طريق
الخلق (م ، ح ، ٢٢٨ ، ١٦)
ـ إنّ العاقل منّا
يفرّق بين تحرّك يده جبرا وسائر
بدنه عند وقوع
الحمّى به ، أو الارتعاش ، وبين أن يحرّك هو عضوا من أعضائه قاصدا إلى ذلك
باختياره ، فأفعال العباد هي كسب لهم وهي خلق الله تعالى. فما يتصف به الحق لا
يتصف به الخلق ، وما يتصف به الخلق لا يتصف به الحق ، وكما لا يقال الله تعالى
إنّه مكتسب ، كذلك لا يقال للعبد إنّه خالق (ب ، ن ، ٤٦ ، ٦)
ـ إنّ العلوم على
ضربين : منها مقدور ومنها غير مقدور ، فما وقع منها عن النظر والفكر كسب وما وقع
خاليا عن ذلك فليس بكسب (أ ، م ، ١٩ ، ١)
ـ يقول"
الأشعري" إنّ كسب العبد فعل الله تعالى ومفعوله وخلقه ومخلوقه وإحداثه ومحدثه
وكسب العبد ومكتسبه ، وإنّ ذلك وصفان يرجعان إلى عين واحدة يوصف بأحدهما القديم
وبالآخر المحدث ، فما للمحدث من ذلك لا يصلح للقديم وما للقديم من ذلك لا يصلح
للمحدث. وكان يجري ذلك مجرى خلقه للحركة في أنّه عين الحركة فيتّصف الله تعالى
منها بوصف الخلق ويتّصف المحدث منها بوصف التحرّك ، فتكون حركة للمحدث خلقا لله
تعالى ، ولا يصلح أن تكون حركة لله تعالى وخلقا للمحدث (أ ، م ، ٩١ ، ٢٢)
ـ كان (الأشعري)
يذهب في تحقيق معنى الكسب والعبارة عنه إلى أنّه هو ما وقع بقدرة محدثة. وكان لا
يعدل عن هذه العبارة في كتبه ولا يختار غيرها من العبارات عن ذلك. وكان يقول إنّ
عين الكسب وقع على الحقيقة بقدرة محدثة ووقع على الحقيقة بقدرة قديمة ، فيختلف
معنى الوقوع فيكون وقوعه من الله عزوجل بقدرته القديمة إحداثا ، ووقوعه من المحدث بقدرته المحدثة
اكتسابا (أ ، م ، ٩٢ ، ٦)
ـ يقول (الأشعري)
إنّ الكسب يوجد بالقدرة المحدثة أو يحدث بها ويعبّر عن ذلك بعبارة الوقوع ، ويقول
إنّه يقع بالقدرة المحدثة كسبا ويقع بالقدرة القديمة خلقا (أ ، م ، ٩٤ ، ٧)
ـ إنّ الكسب هو
الواقع بالقدرة المحدثة. وحالة المكتسب فيه أنّه لو أراد الخروج منه إلى ضدّه لم
يمتنع ذلك عليه ، كحالة أحدنا في قيامه وقعوده وذهابه يمينا وشمالا. وحالة العجز
والضرورة كحالة المرتعش والمرتعد ، وهو أن يكون بحالة لو أراد الانفكاك منها لم
يقع مراده بحسب إرادته. وذلك كالمقعد والقاعد وكحركات العروق الباطنة وحركات ظاهر
الجسد ، في أنّ حركات الظاهر مكتسبة تقع بحسب القدر والإرادات والاختيار لها دون
حركات الباطن ، فإنّها تقع لا على حسب القصد ولا تنقطع عند اختيار الانقطاع ولا
تتغيّر بحسب تغيّر الإرادة لها. وكل ما جرى هذا المجرى فليس بكسب ، وما جرى المجرى
الأوّل فكسب. وكل ما صحّ أن يجري المجرى الأوّل وهو الذي يصحّ أن يكتسب جنسه ، وإن
كان في الوقت ضرورة لم يتّصف به (أ ، م ، ١٠٠ ، ١٧)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ الكسب يوصف أنّه كسب لا ضدّ له ، كما أنّ الفعل يوصف أنّه فعل لا ضدّ له
، وإنّ التضادّ يقع في نوع المكتسب بالوصف الأخصّ ، كما يقع في الفعل بالوصف
الأخصّ لا بوصف أنّه فعل (أ ، م ، ١٠١ ، ٢٣)
ـ اعلم ، أنّ
الكسب كل فعل يستجلب به نفع ، أو يستدفع به ضرر. يدلّك على ذلك ، هو أنّ
العرب إذا اعتقدوا
في فعل أنّه يستجلب به نفع أو يستدفع به ضرر سمّوه كسبا ، ولهذا سمّوا هذه الحرف
مكاسب ، والمتحرّف بها كاسبا ، والجوارح من الطير كواسب. ومتى قيل إنّ هذه حقيقة
الكسب من طريق العربية ، وليس الكلام إلّا في الكسب الاصطلاحي ، قلنا : الاصطلاح
على ما لا يعقل غير ممكن ، لأنّ الشيء يعقل معناه أولا ، ثم إن لم يوجد له اسم في
اللغة يصطلح عليه ؛ فأمّا والمعنى لم يثبت بعد ولم يعقل فلا وجه للاصطلاح عليه. وأيضا
فلا بدّ من أن يكون للاصطلاح شبه بأصل الوضع ، وما يقوله مخالفونا لا شبه له بأصل
الوضع (ق ، ش ، ٣٦٤ ، ٢)
ـ إنّا نقول لهم (القائلون
بالكسب) : عقّلونا معنى الكسب وخبّرونا عنه ، فإن اشتغلوا بالتحديد ، قلنا : الشيء
يعقل أولا ثم يحدّ ، لأنّ التحديد ليس إلّا تفصيل لفظ مشكل بلفظ واضح ، فكيف
توصّلتم إلى معناه بطريق التحديد. ثم يقال لهم : وما هو الذي حدّدتم به الكسب؟ فإن
قالوا : ما وقع بقدرة محدثة ، قلنا : ما تعنون بقولكم ما وقع بقدرة محدثة؟ فإن
أردتم به ما حدث فهو الذي نقوله ، وإن أردتم به ما وقع كسبا فعن الكسب سألناكم
فكيف تفسّرونه بنفسه ، وهل هذا إلّا إحالة بالمجهول على المجهول؟ وأيضا ، فإنّ
قولكم ما وقع بقدرة محدثة ، ينبني على إثبات القدرة ، وإثبات القدرة يترتّب على
كون الواحد منّا قادرا ، وذلك ينبني على كونه فاعلا ، ومن مذهبكم أنّه لا فاعل في
الشاهد. وأيضا ، فإنّ هذا يقتضي أن يكون للفاعل وقدرته فيه تأثير ، وذلك خلاف ما
ذهبتم إليه ؛ لأنّ عندكم أنّ هذا الفعل يتعلّق بالله تعالى ، إن شاء أبصره مع
القدرة ، وإن شاء أبصره ولا قدرة. وأيضا ؛ فلو جاز أن يقال : هذه الأفعال كسب لنا
مع أنّها متعلّقة بالله تعالى على سائر وجوهها ، لجاز في القدرة مثله. فيقال :
إنّها كسب لنا وإن لم تتعلّق بنا البتّة. فإن قالوا : إنّ الكسب ما وقع وكانت
القدرة قدرة عليه على ما يقوله بعضهم ، فإنّ ما ذكرناه في الحدّ الأوّل يعود هاهنا
فلا معنى لإعادته (ق ، ش ، ٣٦٦ ، ١٦)
ـ إنّ الكسب عبارة
عن فعل واقع على وجه ، وهو أن يستجلب به نفعا أو يستدفع به ضررا (ق ، ش ، ٣٧١ ، ١٣)
ـ قالوا (أصحاب
الكسب) : لا يجب أن يسمّى القديم تعالى مكتسبا ، لأنّ الكسب اسم لمن يفعل الكسب
بآلة ، والقديم تعالى لم يفعله بآلة (ق ، ش ، ٣٧٦ ، ٧)
ـ قلنا (القاضي) :
قد ذكرنا أنّ الذي يستحقّه الفاعل من الاسم يجب أن يجري عليه ، سواء فعله بآلة أو
لم يفعله بآلة ، فلا يصحّ ما ذكرتموه. وبعد ، فإنّ مجرّد الكسب مما لا يحتاج إلى
آلة ، وأكثر ما فيه أنّه لا يوجد إلّا في محل القدرة ، وليس إذا لم يوجد إلّا في
محل القدرة مما يجب أن يكون واقعا بآلة ، لو لا ذلك وإلّا كان يجب أن تكون الحياة
بآلة في العلم ، فإنّه لا يصحّ وجود العلم إلّا في محل فيه حياة ، ولكان يجب في
الجسم أن يكون آلة للأكوان ، فإنّها لا يصحّ وجودها إلّا في محل ، وهذا يوجب على
مرتكبه القول بأنّه تعالى فاعل بآلة ، وقد عرف فساده (ق ، ش ، ٣٧٦ ، ١١)
ـ إنّهم أرادوا (مشايخنا)
أن يفصلوا بين الفعل الذي يقع على ضرب من التقدير مطابق للحاجة وبين الفعل الذي
ليس هذا سبيله بأن يقع مسهوا عنه أو زائدا على ما يحتاج إليه أو ناقصا عنه.
فقالوا فيما كان
بسبيل الأوّل أنّه مخلوق ، كما أنّهم لما رأوا أنّ في الأفعال ما يستدفع به ضررا
أو يستجلب به نفع سمّوا ما هذا سبيله كسبا. ويدلّ عليه ما ظهر من حال أهل اللغة
أنّهم فسّروا الخلق بالتقدير ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠)
وقوله : (وَتَخْلُقُونَ
إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧). وقوله
: (فَتَبارَكَ اللهُ
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤).
وقول الشاعر : " ولا ثبط بأيدي الخالقين" إلى ما شاكل ذلك. فدلّ أنّهم
استعملوه من التقدير المخصوص. وهذه فائدة وصفنا لله تعالى بأنّه خلق السماوات
والأرض وخلق الموت والحياة. وقد كان لو لا ورود الشرع بالمنع من أن يطلق في غير
الله أنّه خالق لكنّا نطلق في أفعالنا بأنّها مخلوقة. وفي أحدنا بأنّه خالقها إذا
وقعت مقدّرة. ولكن السمع مانع من ذلك كما منع من إطلاق لفظ" الربّ" في
غيره عزوجل ، وإن كان لفظه يقتضي المالك والسيّد وعلى ما تقتضيه طريقة
اللغة (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ١٤)
ـ أمّا الطريقة
التي عليها ما يكون الفعل كسبا فقد يصحّ من القديم تعالى إيجاد الفعل عليها ، ولكن
النفع أو دفع الضرر يرجع إلى غيره لا إليه لاستحالتهما عليه. يبيّن ذلك أنّه كما
يصحّ من العبد أن يتقدّم إلى الطعام والشراب يصحّ من الله تعالى أن يقدّمهما إليه فيكون
قد وجد ما هو بصورة الكسب ، ولكنّ النفع عائد إلى العبد لا إليه تعالى. ولهذا
قال" أبو هاشم" : لو كان للفعل صفة بكونه كسبا لقدر تعالى عليه كقدرتنا.
وأمّا كونه خلقا فاللغة لا تمتنع من هذه التسمية ، فمتى وجد المعنى صحّ أن يتبعه
الاسم ، ولكن الشرع قد منع من الإطلاق في العباد على ما تقدّم ذكره (ق ، ت ١ ، ٣٧١
، ١٧)
ـ حدث قوم جعلوا
حقيقة الكسب ما لا يتعدّى محلّ القدرة ، فخصّوا بها المباشر دون المتولّد الذي قد
يتعدّى محلّها ، وفي هؤلاء من لا يضف العبد فاعلا على الحقيقة وإنّما يصفه بذلك
مجازا (ق ، ت ١ ، ٤٢٩ ، ٢٠)
ـ إنّ السبب
الملجئ إلى ذكر الكسب ، إذا كان ما قالوه من أنّ الأحكام الراجعة إلى العبد
متعلّقة به لأجله من أمر ونهي وذمّ ومدح إلى غير ذلك مما ذكرناه ، فيجب أن يكون
حدّه ينتظم ما يرجع إلى الجملة المأمورة المنهيّة ليصحّ تعليق هذه الأحكام به ،
وإلّا لم يكن وجوده إلّا كعدمه. وكان تعلّقهم به ، كتعلّق الجهمي بأنّ العبد محلّ
للفعل ، كما أنّه محلّ للإرادة. ومن أصوله أنّه يجب أن يفسّر الكسب بأمر يرجع إلى
الفعل ، وإثبات صفة له زائدة على ما يحصل له لو لم يكن كسبا وكان خلقا مجرّدا ولا
يرجع فيه إلى محلّه أو مقارنة غيره له. لأنّ كل ذلك لا يفيد فيه ما يصحّ تعلّق
الأحكام به (ق ، غ ٨ ، ٨٥ ، ٥)
ـ حدّه (الكسب)
بعضهم بأنّه الذي حلّه مع القدرة عليه ؛ وهذا فاسد. لأنّ الحلول يرجع إلى المحل ،
دون العبد الذي يتعلّق به الذمّ والمدح. وقد بيّنا أنّ ما لا يرجع إلى الجملة لا
يصحّ أن يحدّ به الكسب ، ولأنّ إثبات القدرة عليه لا يصحّ إلّا بعد ما عقل كونه
كسبا. فيقال : إنّ القدرة تتناوله على هذا الوجه ؛ فكيف تدخل في حدّه؟ وقد قال
شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، لو قيل لهم : على أي وجه تناولته القدرة ؛ لقالوا : من
حيث كان كسبا ؛ وإذا قيل لهم : ما حقيقة الكسب؟ قالوا : لأنّ
حلّه ، مع القدرة
عليه ؛ فيفسّرون كل واحد منهما بصاحبه. ولأنّ إثباته قادرا ، لا سبيل إليه إلّا
بعد أن عقل له وجه حصل عليه به ؛ ثم يمكن إثبات القدرة ، وأنّها حالّة في بعضه ،
وأنّها في محلّ الكسب ؛ فكل ذلك لا يصحّ لهم. ولأنّ الكسب لا يحلّ المكتسب ،
وإنّما يحلّ بعض أجزائه ؛ فقولهم : حلّه مع القدرة عليه ، باطل. ولأنّه كان يجب أن
لا يعرفه ، كسبا له ولا أنّه يحسن أمره به ونهيه عنه وذمّه ومدحه لأجله ، إلّا من
عرف القدرة وحلولها في محلّ الكسب. وهذا باطل ، لأنّ قبل معرفة ذلك ، نعرف ما ذكرناه
من الأحكام ؛ ولأنّ ما يقع به الكسب والفعل لا يدخل تحت حدّه ، كما لا يدخل تحت
حدّ الضرب ما يقع به من الآلة ، وكما أنّه لا يذكر في حدّ الكتابة ما يقع من
الآلات وما يجري مجراها. وهذه الوجوه تبطل قولهم ، في الكسب ، أنّه الذي حدث فيه
مع القدرة عليه ، أو أنّه الذي يحرّك به القادر عليه ، أو أنّه يحرّك به مع القدرة
عليه وإن كان ذكرهم الحركة لا يصحّ ، لأنّه يوجب أن لا يكتسب غيرها (ق ، غ ٨ ، ٨٦
، ١١)
ـ قول من حدّه (الكسب)
، بأنّه الذي فعله بقدرة محدثه ، خطأ لأنّه إن أراد بقوله فعله ، أحدثه بقدرة ؛
فقد ترك قوله. وإن أراد بقوله : فعله ، أكسبه ؛ فهو الذي طولب بتفسيره. ولأنّ قوله
: بقدرة محدثه ، يقتضي أنّه حصل على بعض الصفات بها ، وذلك لا يتمّ إلّا بعد بيان
تلك الصفة ، ويبطل بأكثر الوجوه التي قدمناها أيضا. وقول من حدّه : بأنّه ما وقع
بقدرة محدثه ، يبطل بما قدّمناه ؛ لأنّه لا تأثير للقدرة في وقوعها ، فكيف يقال :
إنّه بها وقع على مذهبهم إن أراد بقوله : وقع ، حدث ووجد؟ وإن أراد أنّه أكسبه
بقدرة محدثه ؛ فقد بيّنا أنّ ذلك رجوع منهم في تفسير الكسب إلى أمر لا بدّ أن
يفسّر بالكسب ، ويبطل سائر ما قدّمناه (ق ، غ ٨ ، ٨٧ ، ٢١)
ـ قول من حدّه (الكسب)
: بأنّه ما وقع باختياره وإرادته في محلّ القدرة عليه ، يبطل بما بيّناه من أنّه
لا سبيل لهم إلى إثبات القدرة ولا إلى أنّها قدرة عليه ؛ ويبطل أيضا : بأنّ
اختياره لا تأثير له في وقوعه أكثر من الله سبحانه أحدثه في قلبه عند إحداث الفعل.
وكل ذلك لا يرجع إلى المأمور المنهي ، فلا يصحّ تعلّقهم به. ويجب في جميع ذلك أن
يعلقوا ، الذمّ والمدح والأمر والنهي ، بمحل القدرة دون الجملة. ومتى ارتكبوا ذلك
، لزم عليه الجهالات التي ذكرناها في باب الكلام (ق ، غ ٨ ، ٨٨ ، ١٠)
ـ قول من حدّه (الكسب)
: بأنّه ما وقع باختياره في محل القدرة عليه من غير أن يتعلّق وجوده بأمر يحدث على
مقداره ؛ فلا يصحّ ، لما قدّمناه من الوجوه كلّها أو أكثرها. لأنّهم في هذا الحدّ
أيضا ، زادوا زيادة احترزوا بها عن المتولّد ، وذلك لا يعصم من سائر وجوه الفساد.
ولا يصحّ ، على قولهم : ما احترزوا به ، لأنّ وجود الشيء بحسب غيره إنّما يصحّ إذا
حصل سببا له. وعندهم أنّه يحدث على جهة الابتداء من الله تعالى ، وإن كان قد أجرى
العادة فيه بأن يفعله عند غيره (ق ، غ ٨ ، ٨٨ ، ١٨)
ـ قول من حدّه (الكسب)
: بأنّه ما يجترّ به منفعة أو يدفع به مضرّة ، لا يصحّ ، على قولهم. لأنّه ليس
بفعل له ، ولا له به تعلّق ، فكيف يجترّ به منفعة (ق ، غ ٨ ، ٨٩ ، ٤)
ـ قول من حدّه (الكسب)
: بأنّه ما يوجد على الوجه الذي توجد عليه قدرته وعجزه ، باطل.
لأنّ ذلك يرجع إلى
المحل ، لأنّ وجوده فيه ، ولأنّه لا يصحّ لهم إثبات القدرة ولا إضافتها إليها.
لأنّه يقال لهم : لم صارت قدرة له؟ فلا بدّ من أن يقولوا : لأنّه يكتسبه بها ؛ وعن
ذلك سئلوا. وذلك رجوع منهم في تفسير كل واحد من الأمرين إلى صاحبه ؛ ويوجب أن لا
يعرف الكسب وأحكامه من جهل المقدرة والعجز (ق ، غ ٨ ، ٨٩ ، ١٢)
ـ قول من حدّه (الكسب)
: بأنّه ما وقع وهو مختار له وأنّه وقع وهو غير مكره عليه أو وقع من غير جهل
وإكراه ؛ فاسد. لأنّ وقوعه وهو مختار لا يبيّن كسبه من كسب غيره ، لأنّ كل ذلك يقع
وهو غير مريد له ؛ فإن رجع إلى أنّه يقع منه وهو مختار له ، بطل بما قدّمناه من
الكشف عن الغرض بقولهم : وقع منه. لأنّهم إن أرادوا الحدوث ، فقد تركوا قولهم
ورجعوا إلى ما نذهب إليه ؛ وإن أرادوا به الكسب ، فهو الذي حاولوا تفسيره. ولأنّ ،
على مذهبم ، لا يصحّ أن يكون مختارا للفعل ؛ لأنّ ذلك إنّما يصحّ في القادر على
الشيء وضدّه ، فيختار الشيء على غيره. فأمّا إذا استحال أن يريد إلّا شيئا مخصوصا
، لم يصحّ كونه مختارا. ولأنّ من قولهم : إنّ ما لا يريده ، لا يمكنه الانفكاك منه
، وقد فعل فيه القدرة الموجبة له. وكيف يقال : إنّه باختياره؟ ولا يصحّ لهم القول
: بأنّه غير محمول عليه ولا مكره ؛ بل يلزمهم كونه مضطرّا وممنوعا من غيره ، على ما
نبيّنه من بعد. فكيف يصحّ لهم الاعتماد على ذلك في تحديد الكسب؟ (ق ، غ ٨ ، ٨٩ ،
١٨)
ـ قول من حدّه (الكسب)
: بأنّه ما يجب أن يفارق في الحدوث القدرة في محلّها ؛ لا يصحّ ، لما قدّمناه من
أنّ إثباتهم القدرة على قولهم : لا يصحّ. ومن أنّه كان يجب أن لا يعرف الكسب
وأحكامه ، من لا يعرف القدرة وأنّها حالة في محلّه. ولأنّه قد يقارن في الحدوث
القدرة في محلّها اللون وغيره ، ولا يجب كونه كسبا (ق ، غ ٨ ، ٩٠ ، ١٠)
ـ أمّا الكسب ،
فهو كل شيء من المنافع والمضارّ ، اجتلب بغيره. فلذلك يسمّى الربح كسبا للتاجر ؛
وسمّى الله ، تعالى ، ما اجتلبوا به عقاب النار ، كسبا. فقال (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) (الحج : ١٠)
والفعل ، إذا وقع على هذا الوجه ، يسمّى كسبا ؛ ويسمّى المجتلب أيضا به كسبا (ق ،
غ ٨ ، ١٦٣ ، ١٤)
ـ قال (أبو علي) :
وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال
؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في
أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم
والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل
في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا
يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ
الخالق لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ،
ويدلّ على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ،
ويطلب بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه
اكتساب. ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١٨)
ـ كون الفعل كسبا
جهة لا تعقل ، فلا يجوز أن
يقال إنّه يحتاج
إلينا في تلك الجهة ، وهي غير معقولة. والدليل على أنّها غير معقولة أنّها لو كانت
معقولة لوجب أن يمكننا معرفة تلك الجهة من دون اعتبار حال الفاعل ، لأنّ هذا هو
الواجب فيما عليه الفعل من الجهات والصفات ، كما نقول في الحدوث ونحوه ، بل ذاك هو
الواجب في الأحكام الثابتة لها من الوجوب والقبح ، أنّه لا يعتبر في معرفة شيء من
ذلك حال الفاعل. ومعلوم أن القوم لا يمكنهم الإشارة في بيان تلك الجهة سوى أن يقال
إن أحدنا يفصل بين أن يقوم طائعا وبين أن يقوم مكرها ، والمرجع بتلك التفرقة إلى
الكسب ، وهو اعتبار بحال الفاعل. يزيد ما ذكرناه وضوحا أنّ العلم بوجه الفعل يجب
أن يكون سابقا للعلم بما يتعلّق به من غيره أو يتعلّق غيره به. أو لا ترى أنّ كون
الجوهر متحركا لما كان صفة له فإنّه يسبق لنا العلم إلى تلك الصفة من دون أن نعلم
تعلّقها بالحركة؟ فكذلك الفعل لو كان له صفة أو جهة بكونه كسبا لكان يجب أن يحصل
لنا العلم بتلك الصفة أو الجهة من دون العلم بما يتعلّق به من الفاعل. يبيّن ذلك
أن يجب أولا أن نعلم تلك الجهة للفعل ، ثم نعلم بعد ذلك أنا قادرون على تلك الجهة
وفاعلون لها ، كما نقول بمثل ذلك في الحدوث ، فإنّه يعلم أولا ما هو ثم نتكلّم في
كوننا قادرين عليه (ن ، د ، ٣١٨ ، ١٠)
ـ إنّ المكتسب ليس
له بكونه مكتسبا حال ، لأنّه لو كان معقولا لما زاد حاله على الحدوث ـ وقد علمنا
أنّ الحدوث لا يوجب للمحدث حالا ، فالكسب إن كان معقولا أولى بذلك ، وهو دون
الحدوث (ن ، د ، ٣٢٠ ، ٩)
ـ قال أبو القاسم
في مسألة الوعيد من الكتاب الذي سمّاه كتاب المسائل الواردة إن علم الإنسان بما
يحسّه قد يكون فعلا له وكسبا ، إذا كان سببه من قبله ، يعني أنّه إذا كان هو
الفاتح لعينه فإدراكه بعينه كسبه ، وعلمه بذلك كسبه. ولو أنّ غيره فتح عينه ، لكان
إدراكه في الحالة الثانية من حال الفتح ، فعل الذي تولّى فتح عينه ، وكذلك القول
في سائر الحواس عنده (ن ، م ، ٣٠٥ ، ١١)
ـ زعمت القدريّة
إنّ الكسب الذي يقول به أهل السنّة غير معقول لهم وقالوا لا وجه لنسبة الفعل إلى
مكتسبه غير إحداثه له (ب ، أ ، ١٣٣ ، ٨)
ـ الكسب إنّما هو
استضافة الشيء إلى جاعله أو جامعه بمشيئة له ، وليس يوصف الله تعالى بهذا في
أفعالنا ، فلا يجوز أن يقال هي كسب له تعالى ، وبه نتأيّد (ح ، ف ٣ ، ٨٢ ، ١٩)
ـ اختراع الله
تعالى للحركة في يد العبد معقول دون أن تكون الحركة مقدورة للعبد ، فمهما خلق
الحركة وخلق معها قدرة عليها ، كان هو المستبد بالاختراع للقدرة والمقدور جميعا ،
فخرج منه أنّه منفرد بالاختراع ، وأنّ الحركة موجودة ، وأنّ المتحرّك عليها قادر ،
وبسبب كونه قادرا عليها فارق حاله حالة المرتعد ، فاندفعت الإشكالات كلّها. وحاصله
أنّ القادر الواسع القدرة ، هو قادر على اختراع القدرة ، والمقدور معا. ولمّا كان
اسم الخالق ، والمخترع مطلقا على من أوجد الشيء بقدرته ، وكانت القدرة والمقدار
جميعا بقدرة الله تعالى سمّي خالقا ، ومخترعا ، ولم يكن المقدور بقدرة العبد ؛ وإن
كان معه ، فلم يسمّ خالقا ، ولا مخترعا ، ووجب أن يطلب لهذا النمط من النسبة اسم
آخر مخالف ، فطلب له
اسم الكسب تيمّنا
بكتاب الله تعالى ، فإنّه وجد إطلاق ذلك على أعمال العباد في القرآن ، وأمّا اسم
الفعل فتردّد في إطلاقه ، ولا مشاحة في الأسامي بعد فهم المعاني (غ ، ق ، ٩٢ ، ٥)
ـ أمّا من أثبت
للقدرة الحادثة أثرا ما في الفعل ، وسمّى ذلك كسبا فليس بجبريّ (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٥)
ـ على أصل أبي
الحسين : لا تأثير للقدرة الحادثة في الإحداث ، لأنّ جهة الحدوث قضية واحدة لا
تختلف بالنسبة إلى الجوهر والعرض. فلو أثّرت في قضية الحدوث لأثّرت في حدوث كل
محدث حتى تصلح لإحداث الألوان ، والطعوم ، والروائح ، وتصلح لإحداث الجواهر
والأجسام ، فيؤدّي إلى تجويز وقوع السماء على الأرض بالقدرة الحادثة. غير أنّ الله
تعالى أجرى سنّته بأن يحقّق عقيب القدرة الحادثة ، أو تحتها ، أو معها : الفعل
الحاصل إذا أراده العبد وتجرّد له ، ويسمّى هذا الفعل كسبا ، فيكون خلقا من الله
تعالى إبداعا وإحداثا ، وكسبا من العبد : حصولا تحت قدرته (ش ، م ١ ، ٩٧ ، ٩)
ـ القاضي أبو بكر
الباقلاني ... قال : الدليل قد قام على أنّ القدرة الحادثة لا تصلح للإيجاد ، لكن
ليست تقتصر صفات الفعل أو وجوهه واعتباراته على جهة الحدوث فقط ، بل هاهنا وجوه
أخر ، هنّ وراء الحدوث من كون الجوهر جوهرا متحيّزا ، قابلا للعرض. ومن كون العرض
عرضا ، ولونا ، وسوادا وغير ذلك. وهذه أحوال عند مثبتي الأحوال. قال : فجهة كون
الفعل حاصلا بالقدرة الحادثة أو تحتها نسبة خاصة ، ويسمّى ذلك كسبا ، وذلك هو أثر
القدرة الحادثة (ش ، م ١ ، ٩٧ ، ١٦)
ـ الكسب هو
المقدور بالقدرة الحادثة ويلزمه حكم وشرط ، أمّا الحكم فأن يتغيّر المكتسب بالكسب
، فيكسبه صفة ويكتسب عنه صفة ، وأمّا الشرط فأن يكون عالما ببعض وجوه الفعل ، أو
نقول يلزمه التغيير ، ولا يشترط العلم به من كل وجه (ش ، ن ، ٧٧ ، ١٣)
ـ إنّ كل فعل وقع
على التعاون كان كسبا للمستعين ، وحقيقة الكسب من المكتسب هو وقوع الفعل بقدرته مع
تعذّر انفراده به (ش ، ن ، ٧٨ ، ١)
ـ قال الأستاذ أبو
بكر إنّ الكسب هو أن تتعلّق القدرة به على وجه ما وإن لم تتعلّق به من جميع الوجوه
، والخلق هو إنشاء العين وإيجاد من العدم (ش ، ن ، ٧٨ ، ٤)
ـ في الكسب قولان.
أحدهما : أنّ الله تعالى أجرى عادته بأنّ العبد متى ضمّ عزمه على الطاعة فإنّه
تعالى يخلقها ، ومتى ضمّ عزمه على المعصية فإنّه يخلقها ، وعلى هذا التقدير يكون
العبد كالموجد ، وإن لم يكن موجدا فلم لا يكفي هذا القدر في الأمر والنهي. وثانيهما
: أنّ ذات الفعل وإن حصلت بقدرة الله تعالى ولكن كونها طاعة ومعصية صفات تحصل لها
وهي واقعة بقدرة العبد ، فلم لا يكفي هذا في صحة الأمر والنهي (ف ، م ، ١٥٠ ، ١١)
ـ أمّا الكسب :
فأحسن ما قيل فيه : إنّه المقدور بالقدرة الحادثة. وقيل : هو المقدور القائم بمحلّ
القدرة (م ، غ ، ٢٢٣ ، ٣)
ـ الكسب : هو
الفعل المفضي إلى اجتلاف نفع أو دفع ضرر ، ولا يوصف فعل الله بأنّه كسب لكونه
منزّها عن جلب نفع أو دفع ضرر (ج ، ت ، ٢٣٥ ، ٢)
ـ الكسب الذي
يدّعيه المجبرة غير معقول مع
إضافتهم الفعل
بجميع صفاته إلى الله تعالى. وقولهم معناه حلوله فيه مع القدرة عليه فاسد ، إذ
القدرة إن أثّرت في حدوثه فهو قولنا ، وإن أثّرت في كسبه فغير معقول (م ، ق ، ٩٥ ،
١٠)
كسب بين مكتسبين
ـ كان (الأشعري)
يحيل أن يكتسب المكتسب فعل غيره أو يكتسب في غيره. وكان يقول إنّ الله تعالى يفعل
في غيره ولا يصحّ أن يفعل في نفسه ، والمكتسب لا يصحّ أن يكتسب إلّا في نفسه.
ويحيل كسبا بين مكتسبين وفعلا بين فاعلين وإحداثا بين محدثين. ويفرّق بين ذلك وبين
جواز مقدور بين قادرين أحدهما يخلقه والآخر يكتسبه بفروق (أ ، م ، ١٠٢ ، ٩)
كشف
ـ اشترط في الكشف
المشيئة ، وهو قوله إن شاء إيذانا بأنّه إن فعل كان له وجه من الحكمة ، إلّا أنّه
لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه (ز ، ك ٢ ، ١٨ ، ١٣)
كفّ
ـ في الكفّ بعد
الإمساك ، وأعني بالكفّ كفّ الباطن عن التفكّر في هذه الأمور ، فذلك واجب عليه كما
وجب عليه إمساك اللسان عن السؤال والتصرّف ، وهذا أثقل الوظائف وأشدّها ، وهو واجب
كما وجب على العاجز الزمن أن لا يخوض غمرة البحار ، وإن كان يتقاضاه طبعه أن يغوص
في البحار ويخرج دررها وجواهرها. ولكن لا ينبغي أن يغرّه نفاسة جواهرها مع عجزه عن
نيلها ، بل ينبغي أن ينظر إلى عجزه وكثرة معاطبها ومهالكها ، ويتفكّر أنّه إن فاته
نفائس البحار فما فاته إلّا زيادات وتوسّعات في المعيشة وهو مستغن عنها ، فإن غرق
أو التقمه تمساح فاته أصل الحياة (غ ، أ ، ٦٩ ، ٢)
كفّار
ـ الكفار عند
ثمامة هم العارفون بما أمروا به ونهوا عنه ، القاصدون إلى الكفر بالله والمعصية
له. فمن كان كذلك فهو كافر ، فأما من لم يقصد إلى المعصية لله فليس بكافر عنده (خ
، ن ، ٦٦ ، ١١)
كفر
ـ إنّ الكفر لم
يكن كفرا قبيحا بالكافر ولكن بالله وحده ، لأنّه إنّما كان كذلك بالاسم والحكم. والاسم
والحكم من الله لا من الكافر. وهذا قول الضراريّة بعينه (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٢)
ـ لم يكن الكفر
كفرا ولا قبيحا إلّا بفاعله ومحدثه وهو الكافر ، وإنّما كان بالله عند إبراهيم
تقبيح الكفر وهو الحكم بأنّه قبيح ، فأمّا نفس الكفر فبالكافر كان لا بغيره (خ ، ن
، ٢٩ ، ١٤)
ـ الضراريّة : إنّ
الكفر بالله كان كفرا وبه كان قبيحا ، ومعناها في ذلك أنّ الله أنشأ عين الكفر
وأحدثه كفرا قبيحا (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٧)
ـ إنّ من أظهر
الكفر فهو كافر وعيدي ، إن كانت معه المعرفة والقصد ، وإلّا فليس هذا الاسم له
لازما (خ ، ن ، ٦٦ ، ٢٠)
ـ قوله ، عزوجل : (وَلا يَرْضى
لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر : ٧) ،
معنى الكفر هاهنا : الجحود له ولنعمه وفضله عليهم الذي ابتدأهم به ، وإن يشكروا أي
يطيعوا فيعملوا بطاعته يرضى ذلك الفعل منهم ويثيبهم عليه (ي ، ر ، ٤١ ، ١٩)
ـ قال يحيى بن
الحسين ، صلوات الله عليه : الكفر ، في كتاب الله ، على معنيين : أحدهما : كفر
جحود وإنكار وتعطيل ، وذلك قول الله ، سبحانه ، يحكي عن قوم من خلقه : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا
الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) (الجاثية : ٢٤) ،
فهؤلاء الدهريّون المعطلون ، الزنادقة ، الملحدون. والكفر الثاني : كفر النعمة ،
وذلك قوله ، سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي
لَشَدِيدٌ) (إبراهيم : ٧) (ي
، ر ، ٩٣ ، ٣)
ـ زعموا أنّ الكفر
بالله هو الجهل به ، وهذا قول يحكى عن" جهم بن صفوان" ، وزعمت"
الجهمية" أنّ الإنسان إذا أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه أنّه لا يكفر بجحده
وأنّ الإيمان لا يتبعّض ولا يتفاضل أهله فيه ، وأنّ الإيمان والكفر لا يكونان إلّا
في القلب دون غيره من الجوارح (ش ، ق ، ١٣٢ ، ٨)
ـ الفرقة الثانية
من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، فلا
إيمان بالله إلّا المعرفة به ولا كفر بالله إلّا الجهل به (ش ، ق ، ١٣٢ ، ١٤)
ـ الفرقة السادسة
من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها
والخضوع له بجميع ذلك ، والإقرار باللسان ، فمن جهل شيئا من ذلك فقامت به عليه
حجّة أو عرفه ولم يقرّ به كفر (ش ، ق ، ١٣٥ ، ١٠)
ـ الفرقة الأولى
منهم يزعمون أنّ الكفر خصلة واحدة وبالقلب يكون وهو الجهل بالله ، وهؤلاء هم"
الجهمية" (ش ، ق ، ١٤١ ، ١٥)
ـ الفرقة الثانية
منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الكفر خصال كثيرة ويكون بالقلب وبغير القلب (ش ، ق ،
١٤٢ ، ١)
ـ الفرقة الرابعة
منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الكفر بالله هو التكذيب والجحد له والإنكار له باللسان
، وأنّ الكفر لا يكون إلّا باللسان دون غيره من الجوارح ، وهذا قول" محمد بن
كرّام" وأصحابه (ش ، ق ، ١٤٣ ، ١)
ـ الفرقة الخامسة
منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الكفر هو الجحود والإنكار والستر والتغطية وأن الكفر
يكون بالقلب واللسان (ش ، ق ، ١٤٣ ، ٤)
ـ إنّ المعاصي على
ضربين : منها صغائر ومنها كبائر ، وأنّ الكبائر على ضربين منها ما هو كفر ومنها ما
ليس بكفر ، وأنّ الناس يكفرون من ثلاثة أوجه : رجل شبّه الله سبحانه بخلقه ورجل
جوّره في حكمه أو كذّبه في خبره ورجل ردّ ما أجمع المسلمون عليه عن نبيّهم صلىاللهعليهوسلم نصّا وتوفيقا (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٥)
ـ قال" عبّاد
بن سليمان" : الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغّب فيه
من النفل ، والإيمان على وجهين : إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه
كافرا كالملّة والتوحيد ، والإيمان لله إذا ترك تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه
ضلالا وفسقا ومنه ما يكون تركه صغيرا ، وكل أفعال الجاهل بالله عنده كفر بالله (ش
، ق ، ٢٦٨ ، ١٢)
ـ الذي تفرّد
به" جهم" القول بأنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان ، وأنّ الإيمان هو
المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط (ش ، ق ، ٢٧٩ ، ٣)
ـ إنّ معصية
العاصي وكفر الكافر ليسا بمشيئة الله وإرادته ، لأنّه لو أراد معصية العاصي وكفر
الكافر ثم عذّب عليهما ، كان ذلك جورا منه (م ، ف ، ٤ ، ١)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ الإيمان والكفر أمارتان للثواب والعقاب وليسا بعلّتين موجبتين لهما.
وربّما اعتلّ في ذلك بأنّهما لو كانا موجبين للثواب والعقاب وكانا علّة لهما لم
يجز أن يتأخّر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب ، لأنّ العلّة لا يجوز أن تتقدّم
المعلول ولا أن تتأخّر عنه ، كالعلم الذي هو علّة في كون العالم عالما لا يصحّ أن
يوجد العلم ولا يكون العالم به عالما كما لا يصحّ أن يعدم ويكون العالم عالما (أ ،
م ، ٩٩ ، ٢١)
ـ يقول (الأشعري)
في الكفر إنّ أصل معناه في اللغة الستر والتغطية ، ومنه يقال للّيل"
كافر" لأنّه يستر بظلمته ، وللنهر" كافر" لأنّه يستر بما يجري فيه (أ
، م ، ١٥٠ ، ١٩)
ـ اعلم أنّ الكفر
في أصل اللغة إنّما هو الستر والتغطية ، ومنه سمّي الليل كافرا لما ستر ضوء الشمس
عنّا وقال الشاعر : حتى إذا ألقيت ذكاء يمينها في كافر. وقال آخر : حتى إذا ألقت
يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها. ومنه سمّي الزّراع كافرا لستره البذر في
الأرض ، قال الله تعالى : (لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ) (الفتح : ٢٩) أي
الزّراع ، هذا في اللغة. وأمّا في الشرع فإنّه جعل الكافر اسما لمن يستحقّ العقاب
العظيم ، ويختصّ بأحكام مخصوصة نحو المنع من المناكحة والموارثة والدفن في مقابر
المسلمين ، وله شبه بالأصل ، فإنّ من هذه حالة صار كأنّه جحد نعم الله تعالى عليه
وأنكرها ورام سترها (ق ، ش ، ٧١٢ ، ٣)
ـ القبيح ضربان :
أحدهما صغير ، والآخر كبير. والصغير هو الذي لا يزيد عقابه وذمّه على ثواب فاعله
ومدحه. والكبير هو ما لا يكون لفاعله ثواب أكثر من عقابه ، ولا مساو له. والكبير
ضربان : أحدهما يستحقّ عليه عقاب عظيم ؛ وهو الكفر. والآخر يستحقّ عليه دون ذلك
القدر من العقاب ؛ وهو الفسق (ب ، م ، ٣٦٤ ، ١٤)
ـ زعم الصالحي أنّ
الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، والكفر هو الجهل به فقط (ب ، ف ، ٢٠٧ ، ٨)
ـ الجهميّة :
أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات
كلها ، وزعم أنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضا أنّ الإيمان هو المعرفة
بالله تعالى فقط ، وأنّ الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير
الله تعالى ، وإنّما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ، كما يقال : زالت
الشّمس ، ودارت الرّحى ، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لم وصفتا به. وزعم
أيضا أنّ علم الله تعالى حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنّه شيء أو حيّ أو عالم
أو مريد ، وقال : لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيء ، وموجود ، وحي ، وعالم
، ومريد ، ونحو ذلك. ووصفه بأنّه قادر ، وموجد ، وفاعل ، وخالق ، ومحيي ، ومميت ،
لأنّ هذه الأوصاف مختصّة به وحده ، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية
، ولم يسمّ الله تعالى متكلّما به (ب ، ف ، ٢١١ ، ٩)
ـ معنى الكفر في
اللغة الستر ، وإنّما سمّي جاحد ربّه والمشرك به كافرين ، لأنّهما سترا على
أنفسهما نعم الله تعالى عليهما ، وسترا طريق معرفته على الأغمار. والعرب تقول كفرت
المتاع في الوعاء أي سترته ... وسمّي الليل كافرا لأنّه يستر كل شيء بظلمته (ب ، أ
،
٢٤٨ ، ٧)
ـ الكفر عنده (الأشعري)
هو التكذيب ، وإلى هذا القول ذهب ابن الراوندي والحسين بن الفضل البجلي (ب ، أ ،
٢٤٨ ، ١٦)
ـ إنّ الكفر لا
يقبح إلّا بعد أن قبّحه الله عزوجل ، ولا يحسن الإيمان إلّا بعد أن حسّنه الله عزوجل (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ،
٢)
ـ إنّ الكفر في
اللغة التغطية ، وسمّي الزّارع كافرا لتغطيته الحبّ ، وسمّي الليل كافرا لتغطيته
كل شيء ... ثم نقل الله تعالى اسم الكفر في الشريعة إلى جحد الربوبية وجحد نبوّة
نبي من الأنبياء صحّت نبوّته في القرآن ، أو جحد شيء مما أتى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم مما صحّ عند جاحده بنقل الكافة ، أو عمل شيء قام البرهان
بأنّ العمل به كفر (ح ، ف ٣ ، ٢١١ ، ٩)
ـ إنّ اسم الإيمان
والكفر منقولان في الشريعة عن موضوعهما في اللغة بيقين لا شكّ فيه ، وأنّه لا يجوز
إيقاع اسم الإيمان المطلق على معنى التصديق بأي شيء صدّق به المرء ، ولا يجوز
إيقاع اسم الكفر على معنى التغطية لأي شيء غطّاه المرء ، لكن على ما أوقع الله
تعالى عليه اسم الإيمان واسم الكفر ولا مزيد ، وثبت يقينا أنّ ما عدا هذا ضلال
مخالف للقرآن وللسنن ولإجماع أهل الإسلام أوّلهم عن آخرهم (ح ، ف ٣ ، ٢١١ ، ٢٤)
ـ اختلف الناس في
الكفر والشرك فقالت طائفة هي اسمان واقعان على معنيين ، وأنّ كل شرك كفر وليس كل
كفر شركا ، وقال هؤلاء لا شرك إلّا قول من جعل لله شريكا ، قال هؤلاء اليهود
والنصارى كفّارا لا مشركون ، وسائر الملل كفّار مشركون وهو قول أبي حنيفة وغيره ،
وقال آخرون الكفر والشرك سواء ، وكل كافر فهو مشرك ، وكل مشرك فهو كافر وهو قول
الشافعي وغيره (ح ، ف ٣ ، ٢٢٢ ، ٥)
ـ إنّ الشرك
والكفر اسمان لمعنى واحد ، وقد قلنا إنّ التسمية لله عزوجل لا لنا (ح ، ف ٣ ، ٢٢٢ ، ٢٣)
ـ الكفر والشرك
لفظتان منقولتان عن موضوعهما في اللغة لأنّ الكفر في اللغة التغطية ، والشرك أن
تشرك شيئا مع آخر في أي معنى جمع بينهما ، ولا خلاف بين أحد من أهل التمييز في أنّ
كل مؤمن في الأرض في أنّه يغطّي أشياء كثيرة ، ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في
أنّه لا يجوز أن يطلق عليه من أجل ذلك الكفر ولا الشرك ، ولا أن يسمّى كافرا ولا
مشركا ، وصحّ يقينا أنّ الله تعالى نقل اسم الكفر والشرك إلى إنكار أشياء لم
تعرفها العرب ، وإلى أعمال لم تعرفها العرب قط كمن جحد الصلاة أو صوم رمضان أو غير
ذلك من الشرائع التي لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله تعالى بها وحيه ، أو كمن
عبد وثنا ، فمن أتى بشيء من تلك الأشياء سمّي كافرا أو مشركا ، ومن لم يأت بشيء من
تلك الأشياء لم يسمّ كافرا ولا مشركا (ح ، ف ٣ ، ٢٢٧ ، ٨)
ـ الكفر هو تكذيب
الرسول صلوات الله عليه في شيء ممّا جاء به. والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به (غ
، ف ، ٥٥ ، ٨)
ـ إنّ الكفر حكم
شرعي كالرقّ والحريّة مثلا ، إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود في النار ،
ومدركه شرعي ، فيدرك إمّا بنص وإمّا بقياس على منصوص (غ ، ف ، ٥٥ ، ١١)
ـ ابن الراوندي ،
وبشر المريسي ، قالا : الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا ، والكفر
هو الجحود
والإنكار ، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنّه علامة الكفر (ش ،
م ١ ، ١٤٤ ، ١٧)
ـ أما الصالحيّ
فقال : الإيمان هو المعرفة بالله تعالى على الإطلاق ، وهو أنّ للعالم صانعا فقط ،
والكفر هو الجهل به على الإطلاق (ش ، م ١ ، ١٤٥ ، ٦)
ـ إنّ الكفر ـ وإن
كان في اللغة عبارة عن التغطية والستر ـ فهو في عرف أهل الحق من المتكلّمين عبارة
عن : الستر والتغطية للقدر الذي يصير به المؤمن مؤمنا لا غير (م ، غ ، ٣١٠ ، ٣)
ـ الكفر إنكار ما
علم بالضرورة مجيء الرسول به. فلا يكفر أحد من أهل القبلة إذ إنّما أنكروا النظريّ
(خ ، ل ، ١٢٩ ، ١٢)
ـ الكفر والشرك
سواء ، فالمنافق مشرك. الأباضيّة : بل الشرك غير الكفر ، والمنافق كافر لا مشرك.
قلنا : الكفر اسم لمن يستحقّ أعظم أنواع العذاب ، فعمهما (م ، ق ، ١٣٥ ، ٣)
ـ الكفر ، لغة :
التغطية ، وفي عرفها : الإخلال بالشكر. قال الشاعر : نبئت عمرا غير شاكر نعمتي /
والكفر مخبثة لنفس المنعم. ودينا : عصيان مخرج لمرتكبه من ملّة الإسلام. والنفاق
لغة : الرياء ، ودينا : إظهار الإسلام وإبطان الكفر ... قلنا : المراد ما يكون
إليه دون الإيمان (ق ، س ، ١٨٦ ، ٢١)
كفران النعم
ـ ذهبت الخوارج
إلى أنّ من قارف ذنبا واحدا ، ولم يوفق للتوبة ، حبط عمله ومات مستوجبا للخلود في
العذاب الأليم وصاروا إلى أنّه يتّصف بكونه كافرا ، إذا اجترم ذنبا واحدا. وصارت
الأباضية منهم إلى أنّه يتّصف بالكفر المأخوذ من كفران النعم ، ولا يتّصف بالكفر
الذي هو الشرك. وذهبت الأزارقة منهم إلى أنّ العاصي كافر بالله تعالى كفر شرك (ج ،
ش ، ٣٢٤ ، ١٣)
كل
ـ إنّ صاحب الكتاب
(ابن الروندي) سأل أبا الهذيل في عمومة الكلّ للأشياء المحدثات بسؤال سأله عنه
جعفر بن حرب في كتابه" كتاب المسائل في النعيم". فويل لصاحب الكتاب! كيف
يعيب المعتزلة ويخبر بضعفها في الكلام ، ثم لا نجده يلجأ في مسألة ولا جواب إلّا
إلى مسائلها وجواباتها؟. فقال : هل دخل هو تعالى في هذا الكل الذي وصف الله نفسه
بالعلم به؟ فإن قال : نعم! فقل له : أوليس القديم ليس بذي نهاية؟ فمن قوله : بلى! (قال)
فقيل له : أفلا ترى أنّ الكل قد وقع على ما ليس بذي نهاية؟ وهذا هدم عليك. فما
أنكرت إذ كان هذا هكذا أن يكون ما وصف الله نفسه بالعلم به غير متناه وإن كان
واقعا تحت الكل؟ (قال) وإن زعم أنّ الله لم يدخل في هذا الخبر لأنّه ليس بمتناه
والكل لا يقع إلّا على متناه ، وإنّما دخل فيه ما يكون في الدنيا لأنّه محدود
متناه (خ ، ن ، ٩١ ، ١٤)
ـ كل مركّب من
أجزاء متناهية ذات أوائل فليس هو شيئا غير أجزائه ، إذ الكل ليس هو شيئا غير
الأجزاء التي ينحلّ إليها ، وأجزاءه متناهية كما بيّنا ذات أوائل (ح ، ف ١ ، ١٥ ،
٥)
ـ معنى الجزء
إنّما هو أبعاض الشيء ، ومعنى الكل إنّما هو جملة تلك الأبعاض ، فالكل
والجزء واقعان في
كل ذي أبعاض ، والعالم ذو أبعاض ، هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها ، فالعالم
كل لأبعاضه وأبعاضه أجزاء له ، والنهاية كما قدّمنا لازمة لكل ذي كل وذي أجزاء (ح
، ف ١ ، ١٧ ، ١١)
ـ الكلّ هو جزءان.
والجزء هو أحدهما ولا يحتاج في أنّ الشّيء مع غيره أكثر منه وحده إلى أن يعرف أنّ
لأحد الجزءين أثرا أو لا (ط ، م ، ٢٨ ، ١٧)
كلابية
ـ مذهب الكلابيّة
أبلغ في الفساد ، لإثباتهم مع الله تعالى من المعاني بعدد ما يستحقّه من الصفات ،
فقد زادوا في إثبات القدماء على النصارى (ق ، غ ٥ ، ٨٨ ، ٥)
كلام
ـ اختلفت المعتزلة
في الكلام هل هو حروف أم لا على مقالتين : فزعمت فرقة منهم أنّ كلام الله سبحانه
حروف ، وزعم آخرون منهم أنّ كلام الله سبحانه ليس بحروف (ش ، ق ، ١٩٤ ، ٨)
ـ إنّ القرآن كلام
الله غير مخلوق ، والكلام في الوقف واللفظ. من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم
، لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ، ولا يقال غير مخلوق (ش ، ق ، ٢٩٢ ، ٩)
ـ الكلام حروف ،
والقراءة صوت ، والصوت عندهم غير الحروف ، وقد أنكر هذا القول جماعة من أهل النظر
وزعموا أن الكلام ليس بحروف (ش ، ق ، ٦٠١ ، ١٠)
ـ إنّ كلام الله
غير مخلوق ، وإنّه لم يخلق شيئا إلّا وقد قال له : كن فيكون ، كما قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا
أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) (ش ،
ب ، ١٩ ، ١٠)
ـ اعلم أنّ
المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ،
والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٣)
ـ إنّ كلام الله
تعالى صفة لذاته لم يزل ولا يزال موصوفا به وأنّه قائم به ومختص بذاته ، ولا يصحّ
وجوده بغيره ، وإن كان محفوظا بالقلوب ومتلوا بالألسن ، ومكتوبا في المصاحف ،
ومقروءا في المحاريب ، على الحقيقة لا على المجاز وغير حالّ في شيء من ذلك ، وأنّه
لو حلّ في غيره لكان ذلك الغير متكلما به ، وآمرا وناهيا (ب ، ن ، ٢٦ ، ١٢)
ـ إنّ الكلام
شاهدا أو غائبا معنى غير الحروف والأصوات ، وأنّه لا يصحّ أن يقوم إلّا بالحيّ. وما
ذكره في تأويل قوله تعالى (قالَتا أَتَيْنا
طائِعِينَ) (فصّلت : ١١) من أنّ
ذلك قول على الحقيقة محمول على أنّه كان مقرونا بالحياة. وكذلك مقتضى مذهبه في
كلام الذراع المشويّة أنّه وجد فيها مع الحياة (أ ، م ، ٦٧ ، ١٩)
ـ نذكر حقيقة
الكلام ، وأنّه الحروف المنظومة والأصوات المقطّعة. إلّا أنّ هذا لا يصحّ إيراده
على طريق التحديد ، لأنّ الحروف المنظومة هي الأصوات المقطّعة ، والأصوات المقطّعة
هي الحروف المنظومة على الصحيح من المذهب ، الذي اختاره شيخنا أبو هاشم ، فيكون في
محد تكرار لا فائدة فيه. يبيّن ذلك ، أنّ الأصوات المقطّعة لو كانت أمرا زائدا على
الحروف المنظومة لصحّ فيها طريقة الانفصال إذ لا علاقة ، ولأنّ الحروف جمع ، وأقلّ
الجمع ثلاثة ، وهذا يقتضي أن لا يكون الحرفان كلاما ؛ وليس كذلك ، فإنّ قولنا :
مرّ ، وسس ، وقل ،
وكل ، حرفان مع أنه كلام. فالأولى أنّ نقول في حدّه : هو ما انتظم من حرفين فصاعدا
، أو ما له نظام من الحروف مخصوص. فلا يلزم على هذا أن لا يكون قولهم ق ، وع ،
كلاما ؛ لأنّ ق ، وع ، حرفان. يبيّن لك ذلك ، إذا وقفت عليه ، فإنّك تقول في الوقف
: قه ، وعه. يدلّك على هذا هو أنّهم نصّوا على أنّه لا يصحّ الابتداء إلّا
بالمتحرّك ، ولا الوقف إلّا على الساكن ، فلو لا أنّ : ق وع حرفان ، وإلّا فكيف
يصحّ الابتداء به والوقف عليه ، فصحّ ما قلناه. ولا يعاب علينا تحديدنا الكلام بما
له نظام ، فإنّ أكثر ما في ذلك أنّه تحديد بالمجاز ، وذلك سائغ. ولا يجب أن يكون
مفيدا ، بخلاف ما ذهب إليه شيخنا أبو هاشم ، وإلّا كانوا لا يعدون المهمل من أقسام
الكلام وقد عرّوه منه. وأيضا فلو كان الكلام هو ما يفيد ، على ما يحكى عن أبي هاشم
، لكان يجب في عقد الأصابع والإشارة بالرأس أنّه يكون كلاما ، ومعلوم خلافه. فهذا
هو حقيقة الكلام (ق ، ش ، ٥٢٨ ، ١٦)
ـ إنّ الكلام لا
يدلّ على ما يدلّ عليه لأمر يرجع إليه ، وإنّما يدلّ لكون فاعله حكيما ، ولذلك لم
يدلّ كلام النبي صلىاللهعليهوسلم على الأحكام إلّا بعد العلم بأنّه رسول حكيم لم يظهر
المعجز عليه إلّا لكونه صادقا في سائر ما يؤدّيه ، وليس كذلك دلالة الفعل على أنّ
فاعله قادر ، ولأنّه إنّما يدلّ لأمر يرجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وهو أن
الفعل إذا صحّ من واحد وتعذّر على من هو بمثل حاله فلا بدّ من أن يختصّ بأمر له
صحّ الفعل منه ، وهذه الجملة لا تتعلّق بالاختيار ، فلذلك يصحّ أن يستدلّ بالحوادث
التي لا يجوز أن تحدث من الأجسام على الله تعالى وعلى أنّه قادر عالم ، وليس كذلك
حال القرآن (ق ، م ١ ، ٣ ، ٦)
ـ إنّ الكلام
عندنا من جملة أفعاله كالإرادة ، فلا يصحّ كونه مريدا لنفسه ولا بإرادة قديمة ، بل
يتبع كونه مريدا كونه فاعلا. فكذلك الحال في كونه متكلّما لا يصحّ أن يكون للنفس
ولا بكلام قديم ، بل يتبع فعله الذي هو الكلام. والمخالفون لنا قد أجروا ذلك على
نحو مذهبهم في الإرادة ، ونحن وإن فرّقنا بين كون المريد مريدا وبين كونه متكلّما
من حيث لا حال له بكونه متكلّما وله بكونه مريدا حال ، فهما من الوجه الذي ذكرناه
متّفقان وإن لم يكن الكلام من هذا الباب معنى ، لو لا أنّ القرآن هو دليل على
الأحكام الشرعيّة ، ولو لم يكن فعلا من أفعاله جلّ وعزّ لما دلّ ، فوجب عند ذلك أن
يبيّن حكمه (ق ، ت ١ ، ٣١٧ ، ٣)
ـ بدأ بحدّ الكلام
فجعله ما يحصل من الحروف المعقولة له نظام مخصوص. والأصل في ذلك أنّ الشيء لا يصير
معقولا باسمه ، بل يجب أن يكون معقولا أوّلا ثم يتبعه الاسم ، فصارت الفائدة في
المسمّى غير معقودة بالاسم. فإذا لم يعقل الشيء امتنعت تسميته باسم وصار ذلك
بمنزلة قولنا : " عالم" لأنّا إن لم نعقل صحّة الفعل المحكم لم يجز أن
نعبّر عنه بقولنا : " عالم". فإذا ثبتت هذه الجملة فيجب أن يتقدّم لنا
العلم بما تريد تسميته بأنّه كلام. والذي عقلناه في ذلك هو إن تكلّم أحدنا في هذا
الوقت بحرف ثم انقطع عن الحرف الثاني فأتى به بعد زمان ، لم يعدّ ما فعله كلاما.
فما جرى هذا المجرى هو الذي نعرفه كلاما ونسمّيه بذلك ، وعلى هذا لو نطق بحرف واحد
فقط لم يعدّ متكلّما ولا عدّ ما فعله كلاما. وهذا الحدّ
أولى وأسلم من قول
من قال : هو الحروف المنظومة والأصوات المقطّعة لأنّ في ذلك إخراجا لما يتألّف من
حرفين أن يكون كلاما. وفيه أيضا ضرب من التكرار فإن الأصوات المقطّعة هي الحروف لا
غير. وفيه أيضا أنه لا يسلم على قول بعض الشيوخ. فإنّ" أبا علي" يمنع أن
يكون الكلام من جنس الأصوات. فإذا اقتصرت على ذكر الحروف فقط سلم على مذهبه أيضا (ق
، ت ١ ، ٣١٧ ، ١١)
ـ المعقول من
الكلام ليس إلّا هذه الحروف ، والحال في حدوث هذه الحروف ظاهرة. ومتى أثبتوا
الكلام لا على هذا الحدّ ، فقد أثبتوا ما لا يعقل وكفى بذلك إبطالا لقولهم. وإذا
كان الذي يرومون إثباته مما لا أصل له ، فالكلام في حدوثه وقدمه لغو (ق ، ت ١ ،
٣٣٢ ، ٥)
ـ الذي نختاره في
حدّ الكلام : أنّه ما حصل فيه نظام مخصوص من هذه الحروف المعقولة ، حصل في حرفين
أو حروف. فما اختصّ بذلك وجب كونه كلاما ، إلّا إذا وقع ممن يفيد أو يصحّ أن يفيد
، فلذلك لا يوصف منطق الطير كلاما ، وإن كان قد يكون حرفين أو حروفا منظومة (ق ، غ
٧ ، ٦ ، ١١)
ـ من قول"
أبي عليّ" رحمهالله : إنّ الحروف غير الأصوات ، وإنّ الكلام هو الحروف. فعلى
طريقته الاقتصار في حدّه على أنّه الحروف أولى ، لأنّ عنده أنّها الكلام دون
الأصوات. ولذلك يقول في المكتوب والمحفوظ : إنّهما كلام ، وإن لم يقارنهما الصوت (ق
، غ ٧ ، ٧ ، ١٥)
ـ إنّ الكلام هو
الصوت الواقع على بعض الوجوه (ق ، غ ٧ ، ٢١ ، ٢)
ـ إنّ الكلام ليس
بجسم (ق ، غ ٧ ، ٢٤ ، ٢)
ـ اعلم أنّ حكم
الكلام حكم سائر المدركات ، في أنّه يوجد في المحل ويستحيل وجوده لا في محل ، ولا
يوجب لمحله حالا ولا للحيّ ، وإنّما يضاف إلى فاعله على جهة الفعليّة. والذي يدلّ
أوّلا على أنّه يوجد في المحل : أنّه يتولّد من اعتماد الجسم على الجسم ومصاكّته
له ، ولا يجوز أن يولّد اعتماد المحل على المحل ما يولّده إلّا في المحل الذي
اعتمد عليه. يدلّ على ذلك توليد الاعتماد سائر ما يولّده من الأكوان على اختلافها
، ولو لا أنّ ذلك كذلك لم يمتنع أن يولد الاعتماد ، وإن لم يماس محلّه محل آخر (ق
، غ ٧ ، ٢٦ ، ٤)
ـ كان شيخنا أبو
عليّ ـ رحمهالله ـ يقول في الكلام
: إنّه يحتاج في وجوده في المحل إلى بنية مخصوصة وإلى حركة ، ويسوّي في ذلك بين ما
يوجد من فعله تعالى ، أو من فعلنا ؛ كما يقوله في حاجة العلم إلى الحياة (ق ، غ ٧
، ٣١ ، ٤)
ـ إنّ الكلام لا
يصحّ وجوده مع كل حركة ، وإنّما يصحّ مع الحركة التي تحصل على وجه يولّد ، أو يصحّح
توليد الاعتماد له. وذلك يبيّن من حالها أنّه إنّما احتيج إليها من الوجه الذي
ذكرناه (ق ، غ ٧ ، ٣٦ ، ١)
ـ اعلم ... أنّ
الكلام من جملة الأفعال المحكمة التي لا تصحّ إلّا من العالم بكيفيتها ، فلا يصحّ
وقوعه من كل قادر ؛ وإنّما يتأتّى ذلك من القادر ، إذا كان عالما بكيفيّتها ،
ولذلك يصحّ من العالم بالعربيّة أن يتكلّم بها ، ولا يتأتّى منه أن يعبّر عن ذلك
المعنى بالفارسيّة ؛ فإن كان يعلم المواضعة الفارسيّة أمكنه أن يعبّر بها عن ذلك
المعنى ، وتعذّر ذلك منه بالعربيّة (ق ، غ ١٦ ، ١٩١ ، ٤)
ـ إنّ الكلام ،
فيما يدلّ عليه ، لا بدّ من أن يدلّ على وجهين : أحدهما : بمجرّده ، والآخر : به
وبالقرينة .. وهذه الطريقة هي الواجبة في اللغة ؛ لأنّ المواضعة وقعت على اختلاف
حال الكلام ، بالتفريق ، والجمع ، والزيادة والنقصان ، وعلى أنه قد يبنى في فائدة
على تقدّم وعهد ؛ وهذا بيّن (ق ، غ ١٦ ، ٣٦٠ ، ٨)
ـ الكلام هو ما
انتظم من الحروف المسموعة المتميّزة ، المتواضع على استعمالها في المعاني. وإذا
حدّدنا الكلام بهذا ، كان الكلام كلّه مستعملا قسّمناه هكذا : الكلام منه ما يفيد
صفة فيما استعمل فيه ، ومنه ما لا يفيد صفة فيما استعمل فيه. وإن حدّدناه بالحدّ
الأول قلنا في قسمته : الكلام ضربان : مهمل ومستعمل. فالمهمل لم يوضع في اللغة
لشيء ؛ والمستعمل هو ما وضع ليستعمل في المعاني. وهو ضربان : أحدهما يفيد صفة فيما
استعمل فيه ، والآخر لا يفيد صفة فيما استعمل. فالأول كقولنا" أسود"
و" طويل". والثاني ضربان : أحدهما فيه معنى الشمول ، والآخر ليس فيه
معنى الشمول. أمّا الأوّل فكقولنا : " شيء" ، فإنّه وضع لكل ما يصحّ أن
يعلم. والآخر أسماء الأعلام ، كقولنا : " زيد". وذلك أنّ من سمّى ابنه
زيدا ، فإنّه لا يجب أن يشارك بينه وبين غيره في الاسم (ب ، م ، ١٥ ، ١٣)
ـ الكلام على
ضربين : أحدهما مستعمل بوضع أهل اللغة وليس بلقب ، والآخر لقب. فاللقب لا يدخله
الحقيقة والمجاز ، على ما سنذكره. وما ليس بلقب يدخله الحقيقة والمجاز (ب ، م ، ١٦
، ٧)
ـ زعم (النجّار)
أنّ كلام الله تعالى عرض إذا قرئ ، وجسم إذا كتب ، وأنّه لو كتب بالدم صار ذلك
الدم المقطّع تقطيعا حروف الكلام كلاما لله تعالى بعد أن لم يكن كلاما حين كان دما
مسفوحا ؛ فهذه أصول النّجارية (ب ، ف ، ٢٠٩ ، ٣)
ـ الزعفراني الذي
كان بالرّيّ ، وكان يناقض بآخر كلامه أوّله ، فيقول : إنّ كلام الله تعالى غيره ،
وكل ما هو غير الله تعالى مخلوق (ب ، ف ، ٢٠٩ ، ١٨)
ـ قالوا (الكرامية)
: إنّ الله تعالى لم يزل متكلّما قائلا ، ثم فرّقوا بين الاسمين في المعنى ،
فقالوا : إنّه لم يزل متكلما بكلام هو قدرته على القول ، ولم يزل قائلا بقائلية لا
بقول ، والقائلية قدرته على القول ، وقوله حروف حادثة فيه ، فقول الله تعالى عندهم
حادث فيه ، وكلامه قديم (ب ، ف ، ٢١٩ ، ١٠)
ـ إنّ كلام الله عزوجل صفة له أزليّة ، وأنّه غير مخلوق ولا محدث ولا حادث (ب ، ف
، ٣٣٧ ، ٥)
ـ كلام الله تعالى
صفة له أزلية قائمة وهي أمره ونهيه وخبره ووعده ووعيده (ب ، أ ، ١٠٦ ، ٦)
ـ زعمت القدرية إنّ
كلام الله حادث في جسم من الأجسام (ب ، أ ، ١٠٦ ، ٩)
ـ نقول كلام الله
في المصحف مكتوب وفي القلب محفوظ وباللسان متلو ، ولا يقال إنّه في المصاحف مطلقا
ولا نقول على الإطلاق إنّ كلام الله سبحانه في محل ، ولكن نقول على التقييد إنّه
مكتوب في المصاحف وقالوا أيضا أنّ نظم القرآن معجز (ب ، أ ، ١٠٨ ، ٦)
ـ حكي عن إبراهيم
النّظام أنّه جعل الصوت جسما يتقطّع بالحركة فنسمعه بانتقاله إلى الأذن ، وأنّ
الكلام هو بحركة اللسان (أ ، ت ، ٣٣١ ، ٨)
ـ اعلم أنّ الكلام
هو الأصوات المخصوصة ، لا معنى سواها يخالفها. هذا قول الشيخ أبي هاشم. وذهب الشيخ
أبو علي إلى أنّه معنى زائد على الأصوات ، فجعل الكلام والحروف سواء ، وجعل الحرف
غير الصوت. وذهب إلى بقاء الكلام دون الأصوات وأثبته مسموعا عند مقارنة الصوت له.
وذكر عنه أنّه يجعله باقيا إذا ابتدئ مكتوبا دون أن يبتدأ مسموعا (أ ، ت ، ٣٦٢ ، ٣)
ـ الأشعرية تذهب
في الكلام إلى أنّه معنى في النفس ، ولم تفصل بين الشاهد والغائب وتجعله قائما
بالمتكلّم (أ ، ت ، ٣٦٢ ، ٨)
ـ أمّا الكلابيّة
فقد أثبتت الكلام شاهدا بصفة الحروف وقالت بأنّ في الغائب كلاما يخالف ذلك. ففصلت
بين الشاهد والغائب (أ ، ت ، ٣٦٢ ، ١٠)
ـ اعلم أنّه إذا
ثبت في المتكلّم أنّه فاعل الكلام ، فإن كان القول في الله تعالى صحّ منه أن يوجد
كلامه في كل محل على ما تقدّم. وإن كان القول في أحدنا فلا يمكن إلّا أن يفعله في
مبنى بنية مخصوصة ، وهو أن يتشكّل بشكل الفم واللهوات فيكون وجود كلامه على وجهين
: أحدهما بأن يوجده في لسانه ، وثانيهما بأن يوجده في الصدى (أ ، ت ، ٤١١ ، ١٧)
ـ أمّا إثبات كلام
في المكتوب فباطل لأنّه قد صحّ في الكلام أنّه من باب الأصوات الواقعة على وجه.
وهذا يوجب كونه مسموعا كما وجب مثله في الأصوات أن تكون مسموعة. ولو كان في
المكتوب كلام لوجب سماعه لحصول المدرك والمدرك جميعا على الشروط المعتبرة فيهما ،
ولا مانع هناك. ولهذا لو وجد في الورقة صوت لسمعناه ، فلو كان فيها كلام لوجب أن
نسمعه أيضا. وليس يجب في الشيء إذا كان مدركا في ذاته أن يقف إدراكه على مقارنة
غيره له ، على ما نعلمه من حال سائر المدركات. ولا يجوز لأحد أن يقول : إنّ الحرف
وإن كان مدركا فإدراكه موقوف على مقارنة الصوت إيّاه (أ ، ت ، ٤٢٠ ، ١١)
ـ إنّ الكلام حروف
منتظمة ، وأصوات متقطّعة ، دالّة على أغراض صحيحة (المعتزلة) (ج ، ش ، ١٠٧ ، ١١)
ـ الحدّ ما يحوي
آحاد محدود ، والحرف الواحد قد يكون كلاما مفيدا ، فإنّك إذا أمرت من"
وقى" و" وشى" قلت" ق" و" ش" ، وهذا كلام وليس
بحروف وأصوات (ج ، ش ، ١٠٧ ، ١٤)
ـ نقول : الكلام
هو القول القائم بالنفس ، وإن رمنا تفصيلا ، فهو القول القائم بالنفس ، الذي تدلّ
عليه العبارات وما يصطلح عليه من الإشارات (ج ، ش ، ١٠٨ ، ١٥)
ـ زعموا (المعتزلة)
أنّ الكلام : هو الأصوات المتقطّعة ، والحروف المنتظمة ، ونصّوا كلاما قائما
بالنفس سوى العبارات الآئلة إلى الحروف والأصوات (ج ، ش ، ١٠٩ ، ٣)
ـ ذهب الجبائي إلى
أنّ الأصوات المتقطّعة على مخارج الحروف ليست بكلام ، وإنّما الكلام الحروف
المقارنة للأصوات ، وهي ليست بأصوات ولكنّها تسمع إذا سمعت الأصوات (ج ، ش ، ١٠٩ ،
٨)
ـ المتكلّم عند
أهل الحق من قام به الكلام. والكلام عند مثبتي الأحوال منهم يوجب لمحلّه حالا وهي
كونه متكلّما ، وينزل الكلام في ذلك منزلة العلوم والقدر ونحوها من الصفات الموجبة
لمحالها الأحكام (ج ، ش ، ١١٢ ، ٣)
ـ إنّ الكلام عند
أهل الحقّ معنى قائم بالنفس ليس بحرف ولا صوت ، والكلام الأزليّ يتعلّق بجميع
متعلّقات الكلام على اتّحاده ، وهو أمر بالمأمورات ، نهي عن المنهيّات ، خبر عن
المخبرات ، ثم يتعلّق بالمتعلّقات المتجدّدات ولا يتجدّد في نفسه (ج ، ش ، ١٢٤ ،
١٤)
ـ إنّ الكلام الذي
نريده معنى زائد على هذه الجملة ، ولنذكره في قسم واحد من أقسام الكلام وهو الأمر
حتى لا يطول الكلام (غ ، ق ، ١١٨ ، ١٥)
ـ اتّفقوا (المعتزلة)
على أنّ كلامه محدث مخلوق في محل. وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه.
فإنّ ما وجد في المحل عرض قد فنى في الحال. واتّفقوا على أنّ الإرادة والسمع
والبصر ليست معاني قائمة بذاته ، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ، ومحامل معانيها كما
سيأتي (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١)
ـ إنّهما (أبو علي
الجبائي وابنه أبو هاشم) حكما بكونه تعالى متكلّما بكلام يخلقه في محل ، وحقيقة
الكلام عندهما أصوات مقطّعة ، وحروف منظومة ، والمتكلّم من فعل الكلام ، لا من قام
به الكلام. إلّا أنّ الجبائي خالف أصحابه خصوصا بقوله : يحدث الله تعالى عند قراءة
كل قارئ كلاما لنفسه في محل القراءة ، وذلك حين ألزم أنّ الذي يقرؤه القارئ ليس
بكلام الله. والمسموع منه ليس من كلام الله ، فالتزم هذا المحال من إثبات أمر غير
معقول ولا مسموع ؛ وهو إثبات كلامين في محلّ واحد (ش ، م ١ ، ٨٠ ، ٨)
ـ الكلام عند
الأشعريّ معنى قائم بالنفس سوى العبارة. والعبارة دلالة عليه من الإنسان. فالمتكلّم
عنده من قام به الكلام (ش ، م ١ ، ٩٦ ، ١٠)
ـ الأشعريّة قالوا
: دلّ العقل على كون الباري تعالى حيّا ، والحي يصحّ منه أن يتكلّم ويأمر وينهي ،
كما يصحّ منه أن يعلم ويقدر ويريد ويسمع ويبصر ، فلو لم يتّصف بالكلام أدّى إلى أن
يكون متّصفا بضدّه وهو الخرس والعي والحصر ، وهي نقائص ويتعالى عنها (ش ، ن ، ٢٦٨
، ٨)
ـ سلك الأستاذ أبو
إسحاق الأسفرايني رحمهالله منهاجا آخر فقال : دلّت الأفعال بإتقانها وأحكامها على
أنّه تعالى عالم ، ويستحيل أن يعلم شيئا ولا يخبر عنه ، فإنّ الخبر والعلم
يتلازمان ، فلا يتصوّر وجود أحدهما دون الثاني ، ومن لا خبر عنده عن معلومه لا
يمكنه أن يخبر غيره عنه ، ومن المعلوم أنّ الباري يصحّ منه التكليف والتعريف
والإخبار والتنبيه والإرشاد والتعليم ، فوجب أن يكون له كلام وقول يكلّف ويعرّف
ويخبّر وينبّه بذلك ، فإذا ثبتت هذه الدلائل كونه متكلّما (ش ، ن ، ٢٦٩ ، ٩)
ـ إنّ مدلول
التكاليف من حيث الحدود والأحكام قضية وراء العلم والقدرة والإرادة ، وذلك ما
عبّرنا عنه بالقول والكلام ، وعبّر التنزيل عنه بالأمر والخطاب (ش ، ن ، ٢٧٥ ، ١١)
ـ الإرادة التي
تتعلّق بفعل الغير حتى يفعله ، إرادة تضمّنت اقتضاء وحكما ، وإلّا كانت تمنيا
وتشهيا ، وذلك الذي يسمّى أمرا ونهيا وسمّيتموه إرادة وكراهية ، فإذا مدلول ذلك
الفعل الذي أشاروا إليه هو الذي نسمّيه الشرع ، كلاما وأمرا ونهيا (ش ، ن ، ٢٧٧ ،
٦)
ـ نقول (الأشاعرة)
ليس يشكّ العاقل أنّ الكلام معنى من المعاني سواء كان ذلك المعنى عبارة
منظومة من حروف
منظومة وأصوات مقطّعة أو كان صفة نفسية ونطقا عقليّا من غير حرف وصوت. وكل معنى
قائم بمحل وصف المحل به لا محالة ، وذلك المعنى من حيث هو مخلوق مفعول ينسب إلى
الفاعل ، ومن حيث هو معنى قام بمحل فينسب إلى المحل ، فمحل المعنى موصوف به لا
محالة ، فالذي وصف الفاعل به هو وجه حدوثه منتسبا إلى قدرته ، حتى يقال محدث ،
والذي وصف المحل به وجه تحقّقه منتسبا إلى ذاته القابلة له الموصوفة به ، وهذان
وجهان معقولان ليس يتمارى فيهما عاقل ، فجعلهما وجها واحدا حتى يكون معنى كونه
فاعلا هو معنى كونه موصوفا به خروج عن المعقول ومكابرة العقل ، ولا يرتفع المعنى
المعقول بالاصطلاح على أنّ معنى المتكلّم هو الفاعل للكلام (ش ، ن ، ٢٨٢ ، ١)
ـ إنّ القادر على
الحقيقة من يكون قادرا على الضدّين ، والكلام معنى له أضداد ، فإذا قالوا المتكلّم
من فعل الكلام ، يلزمهم أن يقولوا الساكت من فعل السكوت حتى لو خلق سكوتا في محل
كان ساكتا ، ولو خلق أمرا في محل كان آمرا ، ولو خلق خبرا في محل كان مخبرا ، ثم
من الأوامر ما يكون خيرا ومنه ما يكون شرّا ومن الأخبار ما يكون صدقا ومنه ما يكون
كذبا ، فيلزمهم إضافة الكل إلى الله تعالى وهو محال (ش ، ن ، ٢٨٥ ، ٧)
ـ ذهبت الأشعرية
إلى أنّ كلام الباري تعالى واحد وهو مع وحدته أمر ونهي وخبر واستخبار ووعد ووعيد (ش
، ن ، ٢٨٨ ، ٣)
ـ ذهبت الكراميّة
إلى أنّ الكلام بمعنى القدرة على القول معنى واحد ، وبمعنى القول معان كثيرة قائمة
بذات الباري تعالى ، وهي أقوال مسموعة وكلمات محفوظة تحدث في ذاته عند قوله
وتكلّمه ، ولا يجوز عليها الفناء ولا العدم (ش ، ن ، ٢٨٨ ، ٥)
ـ ذهبت المعتزلة
إلى أنّ الكلام حروف منظومة وأصوات مقطّعة شاهدا وغائبا ، لا حقيقة للكلام سوى ذلك
، وهي مخلوقة قائمة بمحل حادث إذا أوجدها الباري تعالى سمعت من المحل وكما وجدت فنيت
، وشرط أبو علي الجبائي البنية المخصوصة التي يتأتى منها مخارج الحروف شاهدا
وغائبا ، ولم يشترط ذلك ابنه أبو هاشم في الغائب (ش ، ن ، ٢٨٨ ، ٨)
ـ المشهور من مذهب
أبي الحسن أنّ الكلام صفة واحدة لها خاصّية واحدة ، ولخصوص وصفها حدّ خاص ، وكونه
أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا خصائص أو لوازم تلك الصفة ، كما أنّ علمه تعالى صفة
واحدة تختلف معلوماتها وهي غير مختلفة في أنفسها فيكون علما بالقديم والحادث
والوجود والعدم وأجناس المحدثات ، وكما لا يجب تعدّد العلم بعدد المعلومات ، كذلك
لا يجب تعدّد الكلام بعدد المتعلّقات ، وكون الكلام أمرا ونهيا أوصاف الكلام لا
أقسام الكلام ، كما أنّ كون الجوهر قائما بذاته قابلا للعرض متحيّزا ذا مساحة وحجم
أوصاف نفسيّة للجوهر وإن كانت معانيها مختلفة ، كذلك كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا
واستخبارا أوصاف نفسيّة للكلام وإن كانت معانيها مختلفة ، وليس اشتمال معنى الكلام
على هذه المعاني كانقسام العرض إلى أصنافه المختلفة وانقسام الحيوان إلى أنواعه
المتمايزة ، فأقسام الشيء غير ، وأوصاف الشيء غير ، وكل ما في الشاهد للكلام من
الأقسام ، فهو في
الغائب للكلام أوصاف (ش ، ن ، ٢٩١ ، ٧)
ـ إنّ المعنى قد
يكون واحدا في ذاته ويكون له أوصاف هي اعتبارات عقليّة ، ثم الاعتبارات العقليّة
قد تكون من جهة النسب والإضافات ، وقد تكون من جهة الموانع واللواحق ، أليست
الإرادة قد تسمّى رضى إذا كان فعل الغير واقعا على نهج الصواب ، وقد تسمّى هي
بعينها سخطا إذا كان الفعل على غير الصواب ، كذلك يسمّى أمرا إذا تعلّق بالمأمور
به ، ويسمّى نهيا إذا تعلّق بالمنهى عنه ، وهو في ذاته واحد وتختلف أساميه من جهة
متعلّقاته حتى قيل إنّ الكلام بحقيقته خبر عن المعلوم ، وكل عالم يجد من نفسه خبرا
عن معلومه ضرورة ، فإن تعلّق بالشيء الذي وجب فعله سمّي أمرا ، وإذا تعلّق بالشيء
الذي حرّم فعله سمّي نهيا ، وإن تعلّق بشيء ليس فيه اقتضاء وطلب سمّي خبرا
واستخبارا ، فهذه أسامي الكلام من جهة متعلّقاته كأسامي الربّ تعالى من جهة أفعاله
(ش ، ن ، ٢٩٢ ، ٩)
ـ قالت الأشعريّة
ذهب شيخنا الكلابيّ عبد الله بن سعيد إلى أنّ كلام الباري في الأزل لا يتّصف بكونه
أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا إلّا عند وجود المخاطبين واستجماعهم شرائط التكليف ،
فإذا أبدع الله العباد وأفهمهم كلامه على قضية أمر وموجب زجر أو مقتضى خبر ، اتّصف
عند ذلك بهذه الأحكام. فهي عنده من صفات الأفعال بمثابة اتّصاف الباري تعالى فيما
لا يزال بكونه خالقا ورازقا ، فهو في نفسه كلام لنفسه أمر ونهي وخبر وخطاب وتكليم
، لا لنفسه بل بالنسبة إلى المخاطب ، وحال تعلّقه. وإنّما يقول ، كلامه في الأزل
يتّصف بكونه خبرا لأنّا لو لم نصفه بذلك خرج الكلام عن أقسامه ، ولأنّ الخبر لا
يستدعي مخاطبا فإنّ الرب تعالى مخبر لم يزل عن ذاته وصفاته ، وعمّا سيكون من
أفعاله ، وعمّا سيكلّف عباده بالأوامر والنواهي (ش ، ن ، ٣٠٣ ، ١٧)
ـ عند أبي الحسن
الأشعريّ كلام الباري تعالى لم يزل متّصفا بكونه أمرا ونهيا وخبرا ، والمعدوم على
أصله مأمور بالأمر الأزليّ على تقدير الوجود (ش ، ن ، ٣٠٤ ، ١٠)
ـ قالت السلف
والحنابلة قد تقرّر الاتّفاق على أنّ ما بين الدفّتين كلام الله ، وأنّ ما نقرأه
ونسمعه ونكتبه عين كلام الله ، فيجب أن يكون الكلمات والحروف هي بعينها كلام الله
، ولمّا تقرّر الاتّفاق على أنّ كلام الله غير مخلوق فيجب أن تكون الكلمات أزليّة
غير مخلوقة (ش ، ن ، ٣١٣ ، ٦)
ـ ذهب النظّام إلى
أنّ الكلام جسم لطيف منبعث من المتكلّم ويقرع أجزاء الهوى فيتموّج الهوى بحركته
ويتشكّل بشكله ، ثم يقرع العصب المفروش في الأذن فيتشكّل العصب بشكله ، ثم يصل إلى
الخيال فيعرض على الفكر العقلي فيفهم (ش ، ن ، ٣١٨ ، ٣)
ـ صار أبو الهذيل
والشحّام وأبو علي الجبائي إلى أنّ الكلام حروف مفيدة مسموعة مع الأصوات غير
مسموعة مع الكتابة ، وصار الباقون من المعتزلة إلى أنّ الكلام حروف منتظمة ضربا من
الانتظام ، والحروف أصوات مقطّعة ضربا من التقطيع (ش ، ن ، ٣٢٠ ، ١١)
ـ صار أبو الحسن
الأشعريّ إلى أنّ الكلام معنى قائم بالنفس الإنسانيّة وبذات المتكلّم ، وليس بحروف
ولا أصوات ، وإنّما هو القول الذي يجده العاقل من نفسه ويجيله في خلده ، وفي
تسمية الحروف التي
في اللسان كلاما حقيقيا تردّد ، أهو على سبيل الحقيقة أم على طريقة المجاز ، وإن
كان على طريق الحقيقة فإطلاق اسم الكلام عليه وعلى النطق النفسي بالاشتراك (ش ، ن
، ٣٢٠ ، ١٦)
ـ حقيقة الكلام هي
الخبر والأمر ، والنهي أيضا خبر ، لأنّه إخبار عن ترتّب الثواب والعقاب على الفعل
والترك (ف ، م ، ١٣٨ ، ١٦)
ـ الكلام صفة
مغايرة لهذه الحروف والأصوات. والدليل عليه وهو أنّ الألفاظ الدالّة على الأمر
مختلفة بحسب اختلاف اللغات. وحقيقة الأمر ماهيّة واحدة ، فوجب التغاير (ف ، أ ، ٤٨
، ١١)
ـ من المثبتين من
زعم أنّ الكلام قد يطلق على القدرة على التكلّم ، وقد يطلق على الأقوال والعبارات.
وعلى كلا الاعتبارين فهو قائم بذات الربّ ـ تعالى ، لكن إن كان بالاعتبار الأول ،
فهو قديم متّحد لا كثرة فيه ، وإن كان بالاعتبار الثاني كان حادثا متكثّرا. وهؤلاء
هم الكراميّة (م ، غ ، ٨٩ ، ١)
ـ إنّ الكلام قضية
واحدة ، ومعلوم واحد قائم بالنفس ، وإنّ اختلاف العبارات والتعبيرات عنه ، إنّما
هو بسبب اختلاف المتعلّقات والنسب والإضافات. كما حقّقناه. فما يقع به التضادّ أو
الاختلاف أو التعدّد فليس إلّا في المتعلّقات والتعلّقات لا في نفس المتعلّق ، ولا
أنّ ما وقع به الاختلاف أو التضادّ بين الأمر والنهي وغيره من أخصّ صفات الكلام ،
بل كل ذلك خارج عنه (م ، غ ، ١١٥ ، ١٧)
ـ قال الله : (نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً
مُتَشابِهاً) (الزمر : ٢٣) ،
وأصحابنا يحتجّون بهذه اللفظة على أنّ القرآن ليس بقديم ، لأنّ الحديث ضدّ القديم
، وليس للمخالف أن يقول ليس المراد بقوله أحسن الحديث ما ذكرتم بل المراد أحسن
القول وأحسن الكلام لأنّ العرب تسمّي الكلام والقول حديثا ، لأنّا نقول لعمري أنّه
هكذا ، ولكنّ العرب ما سمّت القول والكلام حديثا إلّا أنّه مستحدث متجدّد حالا
فحالا. ألا ترى إلى قول عمرو لمعاوية قد مللت كل شيء إلّا الحديث ، فقال إنّما
يملّ العتيق ، فدلّ ذلك على أنّه فهم معنى تسميتهم الكلام والقول حديثا وفطن
لمغزاهم ومقصدهم في هذه التسمية ، وإذا كنّا قد كلّفنا أن نجري على ذاته وصفاته
وأفعاله ما أجراه سبحانه في كتابه ونطلق ما أطلقه على سبيل الوضع والكيفيّة التي
أطلقها ، وكان قد وصف كلامه بأنّه حديث ، وكان القرآن في عرف اللغة إنّما سمّي
حديثا لحدوثه وتجدّده ، فقد ساغ لنا ان نطلق على كلامه أنّه محدث ومتجدّد وهذا هو
المقصود (أ ، ش ٢ ، ٥٦٨ ، ٢٤)
ـ الكلام : علم
يبحث فيه عن ذات الله تعالى وصفاته وأحوال الممكنات من المبدأ والمعاد على قانون
الإسلام ، والقيد الأخير لإخراج العلم الإلهيّ للفلاسفة ، وفي اصطلاح النحويين هو
المعنى المركّب الذي فيه الإسناد التام (ج ، ت ، ٢٣٦ ، ٥)
ـ المعتزلة : وهو
تعالى متكلّم بكلام. برغوث : وقيل لذاته : قلنا : إثبات صفة لا دليل عليها ، إذ
معنى التكلّم فعل الكلام ، ولا يعقل غيره ، وإذا لزم كون ذاته على صفة الحروف (م ،
ق ، ٩٤ ، ٢)
ـ كلام الله فعله
الحروف والأصوات (م ، ق ، ٩٤ ، ٨)
ـ في الكلام : وهو
كلام الله تعالى اتّفاقا. أئمتنا
(عليهمالسلام) والجمهور : وهو هذا المسموع. الأشعريّة : بل معنى في نفس
المتكلّم. المطرفيّة : بل في نفس الملك. قالوا : وهذا عبارة عنه. قلنا : قوله
تعالى : (فَأَجِرْهُ حَتَّى
يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (التوبة : ٦)
والمعنى ليس بمسموع. قالوا : ذلك مجاز. قلنا : خلاف المجمع عليه من أهل اللسان
العربيّ ولعدم الاحتياج إلى نصب القرينة عند إطلاقه على المسموع ولو سلّم لزم أن
يجعل للتفاسير ما له من الأحكام إذ هي عبارة عنه ولا قائل به. العدليّة وغيرهم :
وهو محدث. الأشعريّة والحشويّة : بل قديم. الأشعريّة : وهو هذا المتلوّ. قلنا :
يلزم الثاني مع الله تعالى ، كما مرّ ، وإن سلّم فما جعل أحد القديمين كلاما
والآخر متكلّما بأولى من العكس ، وأيضا هو مرتّب منظوم ، وما تقدّم على غيره فقد
دلّ على حدوث ما بعده (ق ، س ، ١٤٨ ، ٤)
كلام الله
ـ إنّ كلام الله
جسم وأنّه مخلوق وأنّه لا شيء إلّا جسم (ش ، ق ، ١٩١ ، ٨)
ـ إنّ كلام الله
عرض وأنّه مخلوق وأحالوا أن يوجد في مكانين في وقت واحد ، وزعموا أنّ المكان الذي
خلقه الله فيه محال انتقاله وزواله منه ووجوده في غيره ، وهذا قول" جعفر بن
حرب" وأكثر البغداديين (ش ، ق ، ١٩٢ ، ٨)
ـ إنّ كلام الله
عرض مخلوق وأنّه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد ، وهذا قول" الاسكافي"
(ش ، ق ، ١٩٣ ، ٣)
ـ إن قال قائل لم
قلتم أنّ الله تعالى لم يزل متكلما وأنّ كلام الله تعالى غير مخلوق ، قيل له قلنا
ذلك لأنّ الله تعالى قال (إِنَّما قَوْلُنا
لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠). فلو
كان القرآن مخلوقا لكان الله تعالى قائلا له كن ، والقرآن قوله ، ويستحيل أن يكون
قوله مقولا له لأنّ هذا يوجب قولا ثانيا ، والقول في القول الثاني وفي تعلّقه بقول
ثالث كالقول في القول الأول وتعلّقه بقول ثان ، وهذا يقتضي ما لا نهاية له من
الأقوال وذلك فاسد ، وإذا فسد ذلك فسد أن يكون القرآن مخلوقا (ش ، ل ، ١٥ ، ٤)
ـ إن سأل سائل عن
الدليل على أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق. قيل له : الدليل على ذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ
تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (الروم : ٢٥) وأمر
الله هو كلامه ، وقوله فلمّا أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره
، وقال عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ
وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤)
فالخلق جميع ما خلق داخل فيه ، لأنّ الكلام إذا كان لفظه لفظا عاما فحقيقته أنّه
عام ، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجّة ولا برهان. فلمّا قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) (الأعراف : ٥٤)
كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال : (وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤)
ذكر أمرا غير جميع الخلق ، فدلّ ما وصفناه على أنّ أمر الله غير مخلوق (ش ، ب ، ٥١
، ٣)
ـ زعمت الجهمية ...
أنّ كلام الله مخلوق حلّ في شجرة ، وكانت الشجرة حاوية له (ش ، ب ، ٥٥ ، ٢)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ كلام الله تعالى مكتوب على الحقيقة بكتابة حادثة في اللوح ، وما يكتب فيه
، وإنّه يكون مكتوبا عند حدوث الكتابة ، كما قلنا في وصفه بأنّه مقروء متلوّ.
فأمّا القول بأنّه
موجود مع الكتابة في محلّها فمحال عنده ، لأجل أنّه ليس شرط كون الشيء مكتوبا كونه
مع الكتابة في محلّها في المعاني المحدثة ، فكيف فيما هو لم يزل قديما ولا يجوز
عليه الحلول في المحدث (أ ، م ، ٦١ ، ٢٢)
ـ كان يقول (الأشعري)
في تسمية كلام الله تعالى توراة وزبورا وإنجيلا إنّه إنّما يسمّى بذلك عند حدوث
هذه العبارات على اختلاف اللغات ، وإنّه لا يستحقّ هذه التسميات في الأزل (أ ، م ،
٦٣ ، ١٧)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ كلام الله تعالى خبر عن كل ما يصحّ أن يخبر عنه على الوجه الذي يصحّ أن
يخبر عنه على ما هو به ، ولا يجوز أن يكون خبرا عن مخبر بخلاف ما هو به ، وإنّ
كونه صدقا من صفات نفسه ولا يجوز أن يكون كذبا بحال (أ ، م ، ٦٥ ، ٣)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ كلام الله تعالى لم يزل خبرا عمّا يكون بأنّه سيكون قبل كونه ، فإذا كان
، يكون خبرا عنه بأنّه كائن ، وإذا تقضّى يكون خبرا عنه بأنّه كان فتقضّى. والوصف
يختلف على خبره بتغيّر حال المخبر عنه ويكون الخبر واحدا في نفسه ، كما أنّ علمه
بأن سيكون الشيء قبل كونه علم بأنّه سيكون ، فإذا كان المعلوم فهو علم بأنّه كائن
، فإذا كان وتقضّى فهو علم بأنّه تقضّى وكان ، فالعلم واحد والمعلوم متغيّر
الأوصاف بالحدوث عن العدم والعدم بعد الحدوث. وإذا كان كذلك لم يكن ذلك دليلا على
حدث العلم ، فكذلك مثله في الخبر (أ ، م ، ٦٥ ، ١٢)
ـ كان يجري القول
عنده (الأشعري) بأنّ كلام الله تعالى لا يخلو من أن يكون أمرا أو نهيا أو خبرا أو
استخبارا مجرى القول بجواز خلوّ الحيّ من أن يكون متكلّما أو ساكتا أو مئوفا.
ويخطّئ قول من قال من أصحابنا إنّ كلام الله تعالى في الأزل خلا من أن يكون أمرا
أو نهيا أو خبرا أو استخبارا ، ويقول إنّ خروج الكلام من هذه الأوصاف غير معقول
شاهدا أو غائبا ، وإنّه حيث وجد الكلام فلنفسه يكون على هذه المعاني ، إلّا أنّ
العبارات المختلفة تدلّ عليه والمعبّر عنه على هذه الأحكام (أ ، م ، ٦٦ ، ٢٠)
ـ وبعد فالكلام
إذا ثبت له تعالى ولم يكن بدّ من كونه كلاما مفيدا ، فمعلوم أنّ إفادته تقف على
المواضعة ، بدلالة أنّ من عرف مواضعة قوم أمكنه معرفة مرادهم بكلامهم ، ومن لم
يعرف ذلك لم يمكنه أن يستفيد شيئا بكلامهم ، ومعلوم أنّ المواضعة على الشيء الواحد
ممتنعة ، بل لا بدّ من أشياء تترتّب على وجه مخصوص ، ثم لا بدّ فيها من أن تكون
حوادث بل حوادث مخصوصة حتى تكون مدركة أو في حكم المدركة. ومتى لم يكن كلام الله
عندهم بهذا الوصف خرج عن الإفادة وصار في حكم الهادي. تعالى الله عن ذلك (ق ، ت ١
، ٣٣٢ ، ٢)
ـ الذي يذهب إليه
شيوخنا : أنّ كلام الله عزوجل من جنس الكلام المعقول في الشاهد ، وهو حروف منظومة وأصوات
مقطّعة. وهو عرض يخلقه الله سبحانه في الأجسام على وجه يسمع ، ويفهم معناه ،
ويؤدّي الملك ذلك إلى الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ بحسب ما يأمر به
عزوجل ويعلمه صلاحا ؛ ويشتمل على الأمر والنهي والخبر وسائر
الأقسام ، ككلام العباد (ق ، غ ٧ ، ٣ ، ٤)
ـ قالت المعتزلة
إنّ كلام الله تعالى صفة فعل مخلوق ، وقالوا إنّ الله عزوجل كلّم موسى بكلام أحدثه في الشجرة (ح ، ف ٣ ، ٥ ، ٣)
ـ قال أهل السنّة
إنّ كلام الله عزوجل هو علمه لم يزل ، وأنّه غير مخلوق وهو قول الإمام أحمد بن
حنبل وغيره رحمهمالله (ح ، ف ٣ ، ٥ ، ٥)
ـ قالت الأشعرية
كلام الله تعالى صفة ذات لم تزل غير مخلوقة ، وهو غير الله تعالى وخلاف الله تعالى
، وهو غير علم الله تعالى وأنّه ليس لله تعالى إلّا كلام واحد (ح ، ف ٣ ، ٥ ، ٧)
ـ نقول إنّ قولنا
القرآن وقولنا كلام الله لفظ مشترك يعبّر به عن خمسة أشياء : فنسمّي الصوت المسموع
الملفوظ به قرآنا ونقول إنّه كلام الله تعالى على الحقيقة (ح ، ف ٣ ، ٧ ، ١٣)
ـ أمّا علم الله
تعالى فلم يزل وهو كلام الله تعالى وهو القرآن ، وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى
أصلا ، ومن قال أنّ شيئا غير الله تعالى لم يزل مع الله عزوجل فقد جعل لله عزوجل شريكا ، ونقول أنّ لله عزوجل كلاما حقيقة ، وأنّه تعالى كلّم موسى ومن كلّم من الأنبياء
والملائكة عليهمالسلام تكليما حقيقة لا مجازا (ح ، ف ٣ ، ٩ ، ١٢)
ـ وجدناه تعالى قد
سمّى ما تأتينا به الرسل عليهمالسلام تكليما انتقل منه للبشر ، فصحّ بذلك أنّ الذي أتتنا به
رسله عليهمالسلام هو كلام الله ، وأنّه تعالى قد كلّمنا بوحيه الذي أتتنا به
رسله عليهمالسلام ، وأنّنا قد سمعنا كلام الله عزوجل الذي هو القرآن الموحى إلى النبي بلا شكّ والحمد لله ربّ
العالمين ، ووجدناه تعالى قد سمّى وحيه إلى أنبيائه عليهمالسلام تكليما لهم ، ووجدناه عزوجل قد ذكر وجها ثالثا وهو التكليم الذي يكون من وراء حجاب ،
وهو الذي فضّل به بعض النبيين على بعض ، وهو الذي يطلق عليه تكليم الله عزوجل دون صلة ، كما كلّم موسى عليهالسلام (ح ، ف ٣ ، ١٢ ،
١٢)
ـ أمّا الإسكافي
فقد فصل بين كلام الله عزوجل وبين كلام الواحد منّا ، فأثبت كلامه تعالى باقيا دون
كلامنا وهذا أبعد المذاهب (أ ، ت ، ٤١٧ ، ١٦)
ـ أطلق معظم
المعتزلة لفظ المخلوق على كلام الله تعالى ، وذهبت الكراميّة إلى أنّ كلام الله
قديم ، والقول حادث غير محدث ، والقرآن قول الله ، وليس بكلام الله ؛ وكلام الله
عندهم القدرة على الكلام (ج ، ش ، ١٠٦ ، ١٠)
ـ ذهبت الحشوية
المنتمون إلى الظاهر إلى أنّ كلام الله تعالى قديم أزلي ، ثم زعموا أنّه حروف
وأصوات ، وقطعوا بأنّ المسموع من أصوات القرّاء ونغماتهم عين كلام الله تعالى ،
وأطلق الرعاع منهم القول بأنّ المسموع صوت الله تعالى ، وهذا قياس جهالاتهم (ج ، ش
، ١٢٥ ، ١٤)
ـ كلام الله تعالى
مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، وليس حالا في مصحف ، ولا قائما بقلب.
والكتابة قد يعبّر بها عن حركات الكاتب ، وقد يعبّر بها عن الحروف المرسومة ،
والأسطر المرقومة ، وكلّها حوادث (ج ، ش ، ١٢٨ ، ٨)
ـ كلام الله تعالى
مكتوب في المصاحف ، محفوظ في القلوب ، مقروء بالألسنة. وأمّا الكاغد ، والحبر ،
والكتابة ، والحروف ، والأصوات كلّها حادثة. لأنّها أجسام ،
وأعراض في أجسام ،
وكل ذلك حادث (غ ، ق ، ١٢٤ ، ٦)
ـ كلام الله تعالى
قديم ويدلّ عليه المنقول والمعقول. أمّا المنقول فقوله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ
بَعْدُ) (الروم : ٤) ،
فأثبت الأمر لله من قبل جميع الأشياء. فلو كان أمر الله مخلوفا لزم حصول الأمر من
قبل نفسه وهو محال (ف ، أ ، ٤٨ ، ٢١)
ـ قال الأكثرون من
أهل السنّة كلام الله تعالى واحد ، والمعتزلة أظهروا التعجّب منه وقالوا الأمر
والنهي والخبر والاستخبار حقائق مختلفة (ف ، أ ، ٥٠ ، ٢٢)
كلام الإنسان
ـ كلام الإنسان
صوت وهو عرض وقد يكون باللسان مسموعا وفي القرطاس مكتوبا وفي القلوب محفوظا ، فهو
حالّ في هذه الأماكن بالكتابة والحفظ والتلاوة (ش ، ق ، ٤٢٥ ، ٣)
ـ كلام الإنسان
ليس بصوت وهو عرض وكذلك الصوت عرض ولا يوجب إلّا باللسان (ش ، ق ، ٤٢٥ ، ٦)
ـ الصوت جسم لطيف
وكلام الإنسان هو تقطيع الصوت وهو عرض ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ،
٤٢٥ ، ٨)
ـ هو معنى قائم
بالنفس لا يحلّ في اللسان وهو عرض وهو غير الصوت (ش ، ق ، ٤٢٥ ، ١٠)
كلام الباري
ـ ذهبت المعتزلة ،
والخوارج ، والزيديّة ، والإماميّة ، ومن عداهم من أهل الأهواء ، إلى أنّ كلام
الباري ، تعالى عن قول الزائغين ، حادث مفتتح الوجود (ج ، ش ، ١٠٦ ، ٦)
كلام الخالق
ـ إنّ كلام الخالق
جسم وأنّ ذلك الجسم صوت مقطّع مؤلّف مسموع وهو فعل الله وخلقه ، وإنّما يفعل
الإنسان القراءة ، والقراءة الحركة وهي غير القرآن ، وهذا قول" النظّام"
وأصحابه ، وأحال" النظّام" أن يكون كلام الله في أماكن كثيرة أو في
مكانين في وقت واحد وزعم أنّه في المكان الذي خلقه الله فيه (ش ، ق ، ١٩١ ، ١١)
كلام الخلق
ـ إنّ كلام الخلق
عرض وهو حركة لأنّه لا عرض عندهم إلّا الحركة (ش ، ق ، ١٩١ ، ١٠)
كلام في الشاهد
ـ إنّ الكلام في
الشاهد يكون أمارة ، لما يريده المتكلّم ، إذا لم يعلم مراده باضطرار ، ويكون
أمارة للأمر المراد ؛ وقد علمنا أن كونه أمارة في القوّة والضعف ، يختلف بحسب
علمنا واعتقادنا ، في حال المتكلّم ؛ فإذا قوي عندنا أنّه ممن لا يلبس ، ولا يكذب
، قوي في كونه أمارة ؛ فلو لم يكن من حقّه أن يدلّ إذا علم من حال المتكلّم ما وصفنا
لم يجب أن يقوي الظن عنده ؛ لأنّ كونه أمارة في هذا الوجه كالتابع لكونه دلالة ،
أو لكونه طريقا للعلم (ق ، غ ١٦ ، ٣٥٠ ، ٤)
كلام قائم بالنفس
ـ ذهب أهل الحق
إلى إثبات الكلام القائم بالنفس ، وهو الفكر الذي يدور في الخلد ، وتدلّ عليه
العبارات تارة وما يصطلح عليه من الإشارات ونحوها أخرى (ج ، ش ، ١٠٩ ، ١٠)
كلام محدث
ـ ما دللنا به على
أنّ حقيقة المتكلّم أنّه فاعل للكلام ، يوجب أن يكون متكلّما بكلام يحدثه هو ،
لأنّا قد بيّنا أنّ تعلّق كلامه به هو من حيث الفعليّة لا غير. وبعد فإذا لم يكن
متكلّما بكلام يحدثه ، وكان ذلك مستندا إلى كونه حيّا ، وجب أن يكون كوننا أحياء
يوجب كوننا متكلّمين ، وفي هذا نفي الكلام أصلا (ق ، ت ١ ، ٣٣٤ ، ١٠)
كلام مخلوق
ـ الكلام المخلوق
هو الذي يبديه المتكلّم تخرّصا من غير أصل (ج ، ش ، ١٠٦ ، ٨)
كلام المخلوقين
ـ كلام المخلوقين
اعتمادهم على الصوت لإظهاره وتقطيعه ، والاعتماد عندهم حركة ، وقال بعضهم : هو
إرادة لتقطيع الصوت وليست الإرادة عندهم حركة (ش ، ق ، ٦٠٣ ، ١٤)
كلام مفيد
ـ الكلام المفيد
إيصال بعض المعاني ببعض ، وتعلّق بعضها ببعض إمّا أن يكون اسما مع اسم ، وإمّا أن
يكون اسما مع فعل. أمّا الأسماء ، فإنّه لا يمتنع أن يكون فوائد بعضها صفاتا لبعض
، فيفهم من اتّصالها فوائدها بعضها ببعض. كقولنا : زيد أحول ، وزيد طويل. وأمّا
الفعل مع الاسم ، فإنّه لا يمتنع أن يكون فائدة الفعل مستندة إلى فائدة الاسم ،
فيستفاد من اتّصال الفعل الاسم إسناد الفعل المسمّى بذلك الاسم ، تقدّم اسم أم
تأخّر. كقولك : " زيد يضرب" ، أو" يضرب زيد" (ب ، م ، ٢٠ ، ٨)
كلام النفس
ـ يثبت ابن
الجبائي كلام النفس ، ويسمّيه الخواطر ، ويزعم أنّ تلك الخواطر يسمعها ويدركها
بحاسّة السمع (ج ، ش ، ١٠٩ ، ٦)
ـ ما يسمّيه الناس
كلام النفس ، وحديث النفس ، هو العلم بنظم الألفاظ ، والعبارات ، وتأليف المعاني
المفهومة المعلومة على وجه مخصوص ، فليس في القلب إلّا معاني معلومة ، وهي العلوم
، وألفاظ مسموعة هي معلومة بالسماع ، وهو أيضا علم معلوم اللفظ ، وينضاف إليه
تأليف المعاني ، والألفاظ على ترتيب. وذلك فعل يسمّى فكرا ، وتسمّى القدرة التي
عنها يصدر الفعل قوّة مفكّرة. فإن أثبتّم في النفس شيئا ، سوى نفس الفكر الذي هو
ترتيب الألفاظ ، والمعاني ، وتأليفها ، وسوى القوّة المفكّرة التي هي قدرة عليها ،
وسوى العلم بالمعاني ، مفترقها ، ومجموعها ، وسوى العلم بالألفاظ المرتّبة من
الحروف ، ومفترقها ، ومجموعها ، فقد أثبتّم أمرا منكرا لا نعرفه. وإيضاحه أنّ
الكلام أمّا أمر ، أو نهي ، أو خبر ، أو استخبار (غ ، ق ، ١١٧ ، ٦)
كلّف
ـ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة : ٢٨٦) ،
وإنّما خلق الجنّ والإنس لعبادته ، فجعل لهم أسماعا وأبصارا وأفئدة يطيقون بها
أضعاف ما كلّفهم الله من عبادته ، فمن أطاع منهم فيما أمر به فقد شرح الله صدره
للإسلام ثوابا منه بطاعته في العاجل من الدنيا ، ويخفف به عليه أعمال البر ويثقل
به الكفر عليه والفسوق والعصيان. فإن كان في حاله تيك مطيقا لجميع ما أمر به ونهى
عنه ، وكذلك حكم
الله في كل من بلغ من الطاعة مبلغه من شريف أو وضيع ، ومن ترك ما أمره الله به من
الطاعة ، وتمادى في كفره وضلاله عاجل الدنيا ، وهو مع ذلك مطيق للانابة والتوبة ،
جعل الله صدره ضيّقا حرجا ، كأنما يصعد في السماء ، عقوبة منه له بكفره وضلالته في
عاجل الدنيا (ب ، ق ، ١١٦ ، ٦)
ـ لم يكلّف الرحيم
الكريم أحدا من عباده ما لا يستطيع ، بل كلّفهم دون ما يطيقون ولم يكلّفهم كل ما
يطيقون ، وعذرهم عند ما فعل بهم من الآفات التي أصابهم بها ، ووضع عنهم الفرض فيها
، فقال ، لا شريك له : (لَيْسَ عَلَى
الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) (النور : ٦١) ،
لأنّهم لا يقدرون أن يؤدوا ما فرض الله عليهم ، ولم يقل ، جلّ ثناؤه : ليس على
الكافر حرج ، ولا على الزاني حرج ، ولا على السارق حرج ، وذلك أنّه لم يفعل بهم
ولا يدخلهم فيه ولم يقض ذلك ولم يقدّره ، لأنه جور وباطل ، والله ، جل ثناؤه لا
يقضي جورا ولا باطلا ولا فجورا (ر ، ك ، ١٣٩ ، ٨)
ـ قال بعضهم بل
جلّهم (الإباضيّة من الخوارج) : الاستطاعة والتكليف مع الفعل وأنّ الاستطاعة هي
التخلية ، وقال كثير منهم : ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنى في كونه كون
الفعل وبه يكون الفعل ، وأنّ الاستطاعة لا تبقى وقتين ، وأنّ استطاعة كل شيء غير
استطاعة ضدّه. وأنّ الله كلّف العباد ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه ،
وأنّ قوّة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان ولطف ، وأنّ استطاعة الكفر ضلال
وخذلان وطبع وبلاء وشرّ (ش ، ق ، ١٠٨ ، ٢)
ـ اختلفوا (المعتزلة)
هل كان يجوز أن يبتدئ الله الخلق في الجنّة ويتفضّل عليهم باللذات دون الاذوات ،
ولا يكلّفهم شيئا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لأنّ الله سبحانه
لا يجوز عليه في حكمته أن يعرّض عباده إلّا لأعلى المنازل ، وأعلى المنازل منزلة
الثواب وقال : لا يجوز أن [لا] يكلّفهم الله المعرفة ويستحيل أن يكونوا إليها
مضطرّين ، فلو لم يكونوا [بها] مأمورين لكان الله قد أباح لهم الجهل به وذلك خروج
من الحكمة. وقال قائلون : كان جائزا أن يبتدئ الله سبحانه الخلق في الجنّة
ويبتدئهم بالتفضّل ، ولا يعرّضهم لمنزلة الثواب ولا يكلّفهم شيئا من المعرفة
ويضطرّهم إلى معرفته ، وهذا قول" الجبّائي" وغيره (ش ، ق ، ٢٤٨ ، ١٣)
ـ منع صاحب هذا
القول (الجبّائي) أن تكون القوّة على اكتساب العلم عقلا ، غير أنّه وإن لم تكن
عنده عقلا ، فليس بجائز أن يكلّف الإنسان حتى يتكامل عقله ، ويكون مع تكامل عقله
قويّا على اكتساب العلم بالله (ش ، ق ، ٤٨١ ، ٧)
ـ إن قال قائل أليس
قد كلّف الله تعالى الكافر الإيمان ، قلنا له نعم. فإن قال فيستطيع الإيمان ، قيل
له لو استطاعه لآمن ، فإن قال فكلّفه ما لا يستطيع ، قيل له هذا كلام على أمرين.
إن أردت بقولك أنّه لا يستطيع الإيمان لعجزه عنه فلا. وإن أردت أنّه لا يستطيعه
لتركه واشتغاله بضدّه فنعم (ش ، ل ، ٥٨ ، ١٧)
ـ إن قالوا فيجوز
أن يكلّف الله تعالى الشيء مع عدم الجارحة ووجود العجز ، قيل لهم (لا) لأنّ
المأمور إنّما يؤمر ليقبل أو ليترك ومع عدم الجارحة لا يوجد أخذ ولا ترك. وكذلك
العجز لا يوجد معه أخذ ولا ترك لإ (نّه) عجز عن الشيء وعن ضدّه. وأيضا فلو وجب إذا
أمر الله
تعالى الإنسان
بالشيء مع عدم قدرته أن يأمر به مع عدم القدرة كلّها ، لوجب إذا أمر الله تعالى
الإنسان مع عدم بعض العلوم وهو العلم بالله تعالى وبأنّه آمر ، أن يأمره بالفعل مع
عدم العلوم كلها. فإن لم يجب هذا لم يجب إذا أمر الإنسان مع عدم القدرة على ما
أمره به ، أن يأمر مع عدم الجارحة التي إذا عدمت ، عدمت القدرة كلها ، ومع وجود
العجز الذي لم تعدم القدرة بوجوده (ش ، ل ، ٥٩ ، ١٩)
ـ يقال لهم (للمعتزلة)
: أليس قد كلّف الله عزوجل الكافرين أن يستمعوا الحق ويقبلوه ؛ ويؤمنوا بالله؟ فلا
بدّ من نعم. فيقال لهم : فقد قال الله عزوجل : (ما كانُوا
يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) (هود : ٢٠) وقال :
(وَكانُوا لا
يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (الكهف : ١٠١) وقد
كلّفهم استماع الحق (ش ، ب ، ١٤٢ ، ٢)
ـ قالت"
المجبرة القدريّة" إنّ الله كلّف العباد ما لا يطيقون ، وذلك بادعائها أنّ
الله خلق الكفر في الكفّار ولا يقدرهم على الإيمان ثم يأمرهم به ، فإذا لم يفعلوا
الإيمان الذي لم يقدره عليهم وفعلوا الكفر الذي خلقه فيهم وأراده منهم وقضاه عليهم
عاقبهم عقابا دائما (ع ، أ ، ٢٤ ، ١٨)
ـ قالت"
العدليّة" : معاذ الله. إنّ الله لا يكلّف العباد ما لا يتسعون له ـ الوسع :
دون الطاقة ـ ، إذ تكليف ما لا يطاق ظلم وعبث ، وأنّه لا يظلم ولا يعبث ، ولو جاز
أن يكلّف من لا يقدره على الإيمان لجاز أن يكلّف من لا مال له بإخراج الزكاة ، وأن
يكلّف المقعد بالمشي والعدو (ع ، أ ، ٢٥ ، ٢)
ـ قال تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا
وُسْعَها) (البقرة : ٢٨٦) ،
فهو لا يكلّف من لا يستطيع قبل الفعل أن يفعل ، قال تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ـ إلى آخره ـ (آل
عمران : ٩٧) ، فهو يأمر بالحج قبل الحج فكذلك استطاعته قبل أن يحج (ع ، أ ، ٢٥ ، ٦)
ـ إنّ المقصد
بإدلاء الحبل إلى من المعلوم أنّه يخنق به نفسه إن كان سلامته من الخنق والقتل ،
فقد بيّنا أنّه ليس بنفع يحصل له بالإدلاء ، وأنّ الإدلاء فيه بمنزلة الحمل على
الضرر ، ليتخلّص المحمول عليه منه ، فإن كان سلامته من الغرق مع العلم بأنّه يختار
خنق نفسه وقتلها فيجب كونه قبيحا لأمرين ، أحدهما أنّه مفسدة ، والثاني لأنّه قد
قصد به من المنافع ما لا يوفي على المضرّة التي تحصل عنده ، لأنّ المقصد هو
التخلّص من الغرق الذي نهاية ما فيه الهلاك ، مع تجويز التخلّص من دون الإدلاء.
فإذا علم أنّه يقتل نفسه عند إدلاء الحبل عليه فقد كلّف أمرا ليتخلّص من ضرر مجوّز
، مع العلم بأنّه يختار مثل ذلك الضرر على وجه القطع (ق ، غ ١١ ، ٢٢٣ ، ١٦)
ـ أمّا إذا كان
الفعل مباشرا فإنّه يصحّ أن يكلّفه قبل حال الفعل بوقت واحد ؛ لأنّه متى حصل قادرا
في هذه الحال أمكنه إيجاده في الثاني. هذا إذا كان الفعل واحدا. فأمّا إذا كان
أفعالا كثيرة فإن كانت تجتمع في حال واحدة فالحكم فيه ما ذكرناه. وإن كانت توجد
حالا بعد حال على جهة التوالي فيجب كونه قادرا على الجميع قبل وجود أوّلها. وأمّا
إذا كان الفعل متولّدا فإن كان ذلك المتولّد ممّا يقارن السبب المباشر وجب كونه
قادرا قبله بوقت ، وإن كان ممّا يتأخّر عن المباشر ويوجد عقيبه وجب كونه قادرا قبل
حال سببه بوقت ، وقبله بوقتين. وإن
كان المتولّد
أفعالا كثيرة فإن كانت تترتّب في الحدوث وجب تقدّم كونه قادرا حال سببه أو أوّل
أسبابه بوقت. وإن كانت تجتمع في حالة واحدة فالحكم فيه كالحكم في المتولّد
والمتراخي إذا كان واحدا. وقد بيّنا من قبل على أن الواحد منّا يقدر على أن يفعل
المتولّد ؛ كما يقدر على المباشر ، فيجب صحّة ما بنينا الكلام عليه في هذا الباب (ق
، غ ١١ ، ٣٦٩ ، ١٦)
ـ ألا ترى أنّ
العلم بالثواب والعقاب وكيفية استحقاقهما وفعل القديم ، تعالى ، لهما لا يصحّ
حصوله إلّا بعد معرفة الله بتوحيده وعدله وأنّه حكيم لا يفعل القبيح. لأنّه إن لم
يعلم حكيما جوّز أن يكلّف ولا يثبت ، وجوّز أن يكلّف ويسوّى بين العاصي والطائع ؛
بل يجوز أن يثبت العاصي ويعاقب الطائع ، على حسب ما يلزم المجبرة في هذا الباب ،
لإضافتها القبائح إلى الله ، تعالى ، فإذا صحّ ذلك ، فلا بدّ من أن نعلمه حكيما ،
لنعلم أنّه إنّما كلّف لأجل النفع ، وأنّه لا يجوز أن يكلّف الواجب مع ما فيه من
المشقّة إلّا وفي تركه مضرّة ، وإلّا قبح إيجابه. فإذا صحّ ذلك ، فلا بدّ من وجوب
هذه المعارف من حيث لا يتمّ وجود العلمين اللذين ثبت أنّهما لطف إلّا بوجودهما
وحصولها ، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به من فعل العبد يجب كوجوبه (ق ، غ ١٢ ،
٤١٥ ، ٢٠)
ـ إنّه تعالى متى
كلّف الفعل ، فلا بدّ من أن يكلّف ما هو لطف في ذلك الفعل ، قلّ أم كثر من
الأفعال. فأمّا إذا كلّف اللطف ، فلا يجب أن يكلّف كل ما يصحّ أن يكون لطفا فيه ،
بل متى كلّفه تعالى فعلا واحدا فقد دخل ذلك التكليف في الحكمة (ق ، غ ١٢ ، ٤١٩ ،
١١)
إن قيل : فيجب إذا
كلّف تعالى العبد المعارف أن لا يجوز أن يخترمه قبل أن يفعلها ، لأنّه يؤدّي إلى
أن كلّفه ما هو لطف ولم يكلّف ما بعده مما هو لطف فيه. قيل له : كذلك تقول إنّه
تعالى إذا كلّف أول المعارف ، فلا بدّ من أن يكلّفه ما بعده من المعارف على
الترتيب ، إلى أن يكلّفه المعرفة باستحقاق العقاب على القبائح والثواب على الطاعة
، فيكون عن فعل القبيح أبعد. ولا بدّ مع ذلك من أن يبقيه بعد ذلك القدر الذي يكون
فيه مكلّفا للأفعال ، ولا يحسن أن يخترمه قبل هذه الأوقات. ولا نقول : إنّه لا
يحسن أن يخترمه قبل أن يفعل ما لزمه من المعارف ، لأنّه تعالى إذا بقّاه هذه
الأوقات فقد أزاح علّته فيما كلّفه ، وإن عصى هو فيما فعل أو ترك فيحسن اخترامه ،
فالمعتبر هو بتمكينه من هذه المعارف وما بعدها من الأوقات ، دون كونه فاعلا لما
وجب عليه أو مخلّا بذلك (ق ، غ ١٢ ، ٤١٩ ، ١٨)
ـ اعلم ، أنّ الذي
مرّ في كلام شيخنا أبي علي ، رحمهالله ، أنّه تعالى إذا كلّف المعرفة لم يجز أن يخترمه حتى تمرّ
عليه الأوقات التي يجوز معها أن يعرف الله ، تعالى ، ويجوز أن يخترمه قبل أن ينظر
في معرفة العدل وما يجوز أن يفعله تعالى وما لا يجوز. وفرّق بين التوحيد والعدل في
هذا الباب ، فجوّز أن يخترمه قبل الوقت الذي يصحّ أن يعرف العدل ، ولم يجوّز أن
يخترمه قبل الوقت الذي يصحّ أن يعرف العدل ، ولم يجوّز أن يخترمه قبل الأوقات التي
يمكنه فيها معرفة التوحيد. قال : لأنّ علوم التوحيد هي علوم بذاته وما يختصّ به من
الصفات ، فلا يجوز أن يكلّفه أوّل المعارف إلّا ويكلّفه تمامها. فأمّا العلم
بالعدل ، فهو علم
بغيره لا به ، فلا
مدخل له في هذا الباب. فأمّا شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، فقد اختلفت ألفاظه في ذلك ، فربما مثل ما حكيناه ؛ وربما
قال إن اخترامه يحسن إذا عرف الله ، فيذكر هذا فقط ؛ وربما أومأ إلى ما فصلناه ،
وهو الواجب على قوله. لأنّ المعارف التي تلزم قبل معرفة الله الغرض بها الوصول إلى
معرفته ، ومعرفته تعالى الغرض بها أن يعرفه على ما يختصّ به ، ثم يعرف أنّه حكيم
لا يفعل القبيح ليعرف بعده العدل ، وأنّه لا يكلّف إلّا المنفعة ولا يوجب إلّا
وعلى العبد بالإخلال بالواجب مضرّة ، ويعرف صفة تلك المضرّة وأنّها العقاب ليكون
عن فعل القبيح أبعد. فكل تلك المعارف لا بدّ من أن يمكّنه تعالى منها لتحصل هذه
المعرفة التي هي بعينها لطف ، وليصحّ حصولها على الوجه الذي هو لطف ، ثم يبقيه من
الوقت القدر الذي يصحّ منه الإقدام على القبيح والامتناع منه وفعل الواجب وتركه ،
حتى يحصل منه المقصود بذلك اللطف. فقد بان لك تعلّق بعض هذا التكليف ببعض على وجه
لا يجوز منه تعالى أن يكلّفه إلّا معا. فكيف يجوز أن يخترمه تعالى قبل هذه الأوقات؟
أو ليس ذلك يؤدّي إلى أنّه تعالى كلّف أمرا والغرض به سواه ، ثم اخترمه قبل
التمكّن منه؟ ولو جاز ذلك ، لجاز أن يكلّفه النظر ، والغرض هو المعرفة ، ثم يخترمه
قبل الوقت الذي يصحّ وجودها فيه. وقد علمنا فساد ذلك أجمع (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٠ ، ٧)
ـ لا يمتنع أن
يكلّف تعالى الإيمان مع عدم اللطف ، ويكون على هذا الوجه أشقّ والثواب عليه أعظم (ق
، غ ١٣ ، ١٧٣ ، ٤)
ـ كذلك كل ما
كلّفه عباده وما عملوه من الأعمال فغير ضائع عنده بل هو مثبت لديه في كتاب ، يريد
اللوح أو صحيفة الأعمال ناطق بالحق لا يقرءون منه يوم القيامة إلّا ما هو صدق وعدل
لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحدا ، أو أراد أن الله لا يكلّف إلّا الوسع
، فإن لم يبلغ المكلّف أن يكون على صفة هؤلاء السابقين بعد أن يستفرغ وسعه ويبذل
طاقته فلا عليه ، ولدينا كتاب فيه عمل السابق والمقتصد ، ولا نظلم أحدا من حقه ولا
نحطّه دون درجته (ز ، ك ٣ ، ٣٥ ، ٢٣)
ـ (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) (الحشر : ١٨) يعلم
ما في ضمائركم ولا يخفى عليه شيء من سرائركم ، وإنّه فاضحكم لا محالة ومجازيكم على
نفاقكم. صرف الكلام عن الغيبة إلى الخطاب على طريقة الالتفات وهو أبلغ في تبكيتهم.
يريد فإن تتولّوا فما ضررتموه وإنّما ضررتم أنفسكم ، فإنّ الرسول ليس عليه إلّا ما
حمله الله وكلّفه من أداء الرسالة ، فإذا أدّى فقد خرج عن عهدة تكليفه ، وأمّا
أنتم فعليكم ما كلّفتم من التلقي بالقبول والإذعان ، فإن لم تفعلوا وتولّيتم فقد
عرّضتكم نفوسكم لسخط الله وعذابه ، وإن أطعتموه فقد أحرزتم نصيبكم من الخروج عن
الضلالة إلى الهدى ، فالنفع والضرر عائدان إليكم ، وما الرسول إلّا ناصح وهاد ،
وما عليه إلّا أن يبلغ ماله نفع في قبولكم ولا عليه ضرر في توليكم (ز ، ك ٣ ، ٧٣ ،
١٦)
ـ قام شيخ إلى
عليّ عليهالسلام فقال أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره ،
فقال والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا إلّا بقضاء
الله وقدره ، فقال الشيء فعند الله أحتسب عناي ما أرى لي من
الأجر شيئا ، فقال
مه أيها الشيخ لقد عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم
منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين. فقال الشيخ
وكيف والقضاء والقدر ساقانا ، فقال ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو
كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة
من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا
المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبّاد الأوثان وجنود الشيطان وشهود
الزور وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها. إنّ الله سبحانه أمر
تخييرا ونهى تحذيرا وكلّف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل
إلى خلقه عبثا ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظنّ الذين كفروا ،
فويل للذين كفروا من النار. فقال الشيخ فما القضاء والقدر اللذان ما سرنا إلّا
بهما ، فقال هو الأمر من الله والحكم ، ثم تلا قوله سبحانه وقضى ربّك ألّا تعبدوا
إلّا إيّاه فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول : أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النشور
من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا. ذكر
ذلك أبو الحسين في بيان أنّ القضاء والقدر قد يكون بمعنى الحكم والأمر وأنّه من
الألفاظ المشتركة (أ ، ش ٤ ، ٢٧٨ ، ١)
كلفة
ـ إنّ الخلق يعطي
بعضهم بعضا بالكلفة والمشقّة وثقل العطيّة على القلوب ، والله يعطي بلا كلفة.
ولهذه العلّة جمع بين الشكر له ، والشكر لذوي النعم من خلقه (ج ، ر ، ٥ ، ٦)
كلّم
ـ أنّ معنى أنّ
الله عزوجل كلّم موسى أنّه خلق كلاما كلّمه به في الشجرة (ش ، ب ، ٦١
، ١٦)
ـ نقول كلّم الله
جميع الأنبياء بالوحي إليهم ، ونقول ... كلّمنا الله تعالى في القرآن على لسان
نبيّه عليهالسلام بوحيه إليه ، ونقول قال لنا الله عزوجل : (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (النور : ٥٦)
ونقول أخبرنا الله تعالى عن موسى وعيسى وعن الجنّة والنار في القرآن وفيما أوحى
الله إلى رسوله صلىاللهعليهوسلم (ح ، ف ٣ ، ١٢ ،
٢٠)
كلمة
ـ اختلفوا (النصارى)
فقال بعضهم : إنّ الكلمة هي العلم ؛ وقال بعضهم : إنّ المراد بالكلمة العلم ؛
وإنّما سمّي ذلك لأنّه يظهر بالنطق. ومن قول بعضهم : إنّ الكلمة والنطق ليسا
العلم. وحكى عن بعضهم أنّه قال في الروح إنّها قدرة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١١)
كلمة الله
ـ قال شيخنا أبو
علي : إنّ الغرض بوصفه عيسى بأنّه كلمة الله أنّ الناس يهتدون به كاهتدائهم بالكلمة.
ومعنى قولنا إنّه روح الله أنّ الناس يحيون به في دينهم كما يحيون بأرواحهم
الكائنة في أجسادهم. وذلك توسّع وتشبيه له بالكلمة التي هي الدلالة والروح الذي
يحتاج الحيّ منّا إليه (ق ، غ ٥ ، ١١١ ، ١٧)
كلمة ربك
ـ وقرئ كلمة ربك :
أي ما تكلّم به ، وقيل هي القرآن (ز ، ك ٢ ، ٤٦ ، ١٥)
كلّي
ـ كلّي ، أي صالح
أن يشترك فيه كثيرون (م ، غ ، ٣١ ، ١٦)
كليات
ـ أمّا الكلّيات
فالحسّ لا يعطيها البتّة ، فإنّ الحسّ لا يشاهد إلّا هذا الكل وهذا الجزء ، فأمّا
وصف الأعظميّة فهو غير مدرك بالحسّ ، وبتقدير أن يكون ذلك الوصف مدركا ، لكنّ المدرك
هو أنّ هذا الكل أعظم من هذا الجزء ، فأمّا أنّ كلّ" كلّ" فهو أعظم من
جزئه فغير مدرك بالحسّ ، ولو أدرك كل ما في الوجود من الكلّيات والأجزاء (ف ، م ،
٢٩ ، ١٦)
كم
ـ إن اقتضى (العرض)
قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد
خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد.
وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير
والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ،
أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٣)
كم متصل
ـ أمّا العرض الذي
يقتضي القسمة فإمّا أن يكون بحيث ينقسم إلى أجزاء مشتركة في حدّ واحد وهو الكمّ
المتّصل أو لا يشترك في حدّ واحد وهو الكمّ المنفصل (ف ، م ، ٧٠ ، ١٤)
كم منفصل
ـ أمّا العرض الذي
يقتضي القسمة فإمّا أن يكون بحيث ينقسم إلى أجزاء مشتركة في حدّ واحد وهو الكمّ
المتّصل أو لا يشترك في حدّ واحد وهو الكمّ المنفصل (ف ، م ، ٧٠ ، ١٤)
كمال العقل
ـ قد ذكر أنّ كمال
العقل ينقسم إلى ثلاثة أنواع من العلوم : فأحدها العلم بأصول الأدلّة. والثاني
العلم بما يعرف معه المطلوب بالأدلّة. والثالث ما لا يتمّ العلمان المتقدّمان إلّا
به. وأنت إذا نظرت في العلوم التي تفصّل في باب العقل تبيّنت أن جميعها لا يخرج عن
هذه الجملة (ق ، ت ٢ ، ٢٦١ ، ١)
ـ إنّ العلوم
المتعلّقة بالمقبّحات أو المحسّنات على جهة الجملة هي من كمال العقل ، فلا يصحّ أن
يختصّ بها عاقل دون غيره من العقلاء. ألا ترى أن العلم بقبح الظلم على الجملة لمّا
كان ضروريّا وقع فيه الاشتراك ، وكذلك العلم بقبح الكذب العاري من نفع ودفع مضرّة (ق
، غ ١١ ، ١٩٨ ، ٢١)
ـ من كمال العقل
أن يعرف بعض المقبّحات ، وبعض المحسّنات ، وبعض الواجبات ، فيعرف قبح الظلم وكفر
النعمة والكذب الذي لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ويعلم حسن الإحسان والتفضّل ، ويعلم
وجوب شكر النعم ووجوب ردّ الوديعة عند المطالبة ، والإنصاف ، ويعلم حسن الذمّ على
القبيح إذا لم يكن هناك منع ، وحسن الذمّ على الإخلال بالواجب مع ارتفاع
الموانع. وإنّما
يجب حصول هذه العلوم ؛ لأنّها لو لم تحصل لم يحصل للمكلّف الخوف من ألّا يفعل
النظر ، وابتداء التكليف متعلّق به ، ولأنّه لا يصحّ منه العلم بالعدل إلّا معه ؛
لأنّه متى لم يعرف الفرق بين الحسن والقبيح لم يصحّ منه أن ينزّه القديم ـ تعالى ـ
عن المقبّحات ، ويضيف إليه المحسّنات. وكثير من الألطاف والمصالح لا تتمّ إلّا
معه. ولا يصحّ أن يعلم سائر القبائح المكتسبة عقلا وسمعا إلّا بأن تحصل هذه العلوم
له فيقيس عليها غيره (ق ، غ ١١ ، ٣٨٤ ، ١٢)
ـ من جملة كمال
العقل العلم بكثير من الدواعي ؛ لأنّ معرفة الألطاف لا تصحّ إلّا معه. فمتى لم
يعلم المضارّ والمنافع وأنّ الضرر المحض يجب أن ينصرف عنه ، والنفع المحض يحسن منه
الإقدام عليه لم يصحّ له مبادئ التكليف ، ولا سائر ما يبنى عليه ، ولا أن يفرّق
بين الإلجاء والتخلية ، وبين ما يجوز أن يتوجّه معه الذمّ والمدح إليه ، وبين ما
يزول ذلك عنه. فهذا القدر ممّا لا بدّ لكل مكلّف منه (ق ، غ ١١ ، ٣٨٥ ، ١)
ـ اختلف شيخانا ـ رحمهماالله ـ فأمّا أبو عليّ ـ
رحمهالله ـ يقول : إنّ
العلم لمخبر الأخبار من كمال العقل كالعلم بالمدركات. وكثيرا ما يجري شيخنا أبو
هاشم ـ رحمهالله ـ الكلام في كتبه
على هذا الوجه. وقال في بعض الإلهام : إنّ ذلك ليس من كمال العقل ، وإنّ العقل
يكمل دونه ويصحّ التكليف مع عدمه. وبيّن أنّه لو كان من كمال العقل لكان الخبر في
أنّه طريق العلم ؛ بالمخبر عنه كالإدراك ، فكان لا يحتاج إلى تكرّره على السامع
ليعلمه. فدلّ ذلك على أنّه بالعادة وإن لم تختلف العادة في عدد المخبرين إذا تساوت
أوصافهم. ويجب على هذا القول أن يكون حفظ المدروس والعلم بالصنائع عند ممارستها
بالعادة للحاجة فيها إلى التكرّر ؛ إلّا أنّ ذلك وإن كان بالعادة فلا بدّ منه في
التكليف السمعيّ ؛ خاصّة إذا كان المكلّف غائبا عن الرسول أو موجودا بعد موته ؛
لأنّ بالخبر يصل إلى معرفة شرائعه وعلمه. ولا بدّ في كثير من التكليف الشرعيّ من
الحفظ ليصحّ أن يؤدّي ما كلّف أداءه ، إلى غير ذلك ، ويقوم بأداء ما كلّف على
الوجه الذي كلّف. فأما ذكر الإنسان لأحواله السالفة وللأمور العظيمة إذا حدثت
فمنزلة استمراره على العلم بالمدركات وإن تقضّى الإدراك في أنّ ذلك من كمال العقل (ق
، غ ١١ ، ٣٨٥ ، ٧)
ـ أن يقال إنّ
الواحد منا لو كان قادرا على الجسم لوجب أن يكون عالما ، وأن يكون له سبيل إلى ذلك
، لأنّ كمال العقل يقتضي التفرقة بين ما يصحّ منه وبين ما لا يصحّ منه ، لأنّه لا
بدّ من أن يكون عالما بما يصحّ منه وبما يحسن والفرق بينهما ، حتى يكون مرغبا بما
يحسن منه ومزجورا عمّا يقبح ، والعلم بذلك فرع على العلم بما يصحّ منه ، فلا بدّ
من أن يكون عالما بما يصحّ منه (ن ، د ، ٤٤٦ ، ٤)
ـ إنّ الذي يرجع
به إلى كمال العقل إنّما هو علوم مخصوصة (ن ، د ، ٥٠٤ ، ١٣)
كمون
ـ الظهور خروج إلى
مكان ، والكمون انتقال عنه وكون في غيره من الأماكن واستتار ببعض الأجسام (ب ، ت ،
٦٩ ، ١٧)
ـ أمّا الكمون
فإنّ طائفة ذهبت إلى أنّ النار كامنة في الحجر ، وذهبت طائفة إلى إبطال هذا ،
وقالت أنّه لا نار
في الحجر أصلا ، وهو قول ضرّار بن عمرو (ح ، ف ٥ ، ٦١ ، ٢٢)
كمون وظهور
ـ اعلم أنّه (الأشعري)
كان يقول إنّ الكمون والظهور من صفات الأجسام. ولا يصحّ وصف الأعراض بذلك على
الحقيقة لأنّ هذه الصفة تختصّ بما يكون متحيّزا يجوز عليه الحركة والسكون ، وذلك
من أوصاف الجوهر. وكان يقول إنّ معنى كون الشيء في الشيء قد يكون على وجهين ،
أحدهما بمعنى المجاورة والمماسّة وذلك ككون حلول الجسم في الجسم ، وقد يكون على
معنى أنّ الشيء حاو له فيكون ظرفا له ووعاء له. فأمّا القول بأنّ العرض في الجوهر
والصفة في الموصوف ، فكان يأبى ذلك ويقول إنّ ما لا يصحّ أن يحلّ الشيء فلا يصحّ
أن يكون فيه ، لأنّ كون الشيء في الشيء إنّما يصحّ إذا صحّ حلول فيه. وقد بيّنا
أنّه كان يقول إنّ الحلول من صفات الجوهر ، وإنّ العرض لا يصحّ أن يكون حالّا في
الشيء ولا الصفة حالّة في الموصوف (أ ، م ، ٢٧٠ ، ٧)
ـ من مذهبه (النظّام)
أنّ الله تعالى خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هي عليه الآن معادن ، ونباتا ،
وحيوانا ، وإنسانا. ولم يتقدّم خلق آدم عليهالسلام خلق أولاده ؛ غير أنّ الله تعالى أكمن بعضها في بعض.
فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من مكانها دون حدوثها ووجودها. وإنّما أخذ
هذه المقالة من أصحاب الكمون والظهور من الفلاسفة (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ١٤)
كميات
ـ إن اقتضى (العرض)
قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد
خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد.
وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير
والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ،
أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٧)
كمية
ـ الكمّية أعداد
مركّبة من الآحاد (ح ، ف ١ ، ٢٧ ، ١٩)
كن
ـ إن قال قائل لم
قلتم أنّ الله تعالى لم يزل متكلّما وأنّ كلام الله تعالى غير مخلوق ، قيل له قلنا
ذلك لأنّ الله تعالى قال (إِنَّما قَوْلُنا
لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠). فلو
كان القرآن مخلوقا لكان الله تعالى قائلا له كن ، والقرآن قوله ، ويستحيل أن يكون
قوله مقولا له لأنّ هذا يوجب قولا ثانيا ، والقول في القول الثاني وفي تعلّقه بقول
ثالث كالقول في القول الأول وتعلّقه بقول ثان ، وهذا يقتضي ما لا نهاية له من
الأقوال وذلك فاسد ، وإذا فسد ذلك فسد أن يكون القرآن مخلوقا (ش ، ل ، ١٥ ، ٦)
ـ لا يجوز أن يكون
قول الله للأشياء كلّها كوني هو الأشياء ، لأنّ هذا يوجب أن تكون الأشياء كلّها
كلام الله عزوجل ، ومن قال ذلك فقد أعظم الفريّة ، لأنّه يلزمه أن يكون كل
شيء في العالم من إنسان وفرس وحمار وغير ذلك كلام
الله ، وفي هذا ما
فيه. فلمّا استحال ذلك صحّ أنّ قول الله للأشياء كوني غيرها ، وإذا كان غير
المخلوقات فقد خرج كلام الله عزوجل عن أن يكون مخلوقا (ش ، ب ، ٥٣ ، ١٢)
ـ كان (الأشعري)
يخطّئ قول من قال من أصحابنا إنّ قوله للشيء" كن" خلق له أو فعل له.
وكان يقول إنّ خلق الشيء هو الشيء المخلوق وفعله هو الشيء المفعول ، وإنّ القول
غيره (أ ، م ، ٦٦ ، ١٧)
ـ اعلم أنّ من
مذهب شيخنا أبي الهذيل أنّه تعالى إذا أراد الإحداث ، فإنّه إنّما يحدثه بقوله كن
، وهذه طريقته في الإعادة والإفناء ، لكنّه ليس يلزمه ما يقوله هؤلاء المجبرة
بأنّه كان يجب أن لا يمكنه إحداث كن إلّا بكنت آخر ثم كذلك فلا ينقطع ، لأنّ غرضه
بذلك أنّه تعالى إذا أراد فعلا من الأفعال فإنّما يفعله بأن يقول له هذا القول لا
أنّه لا يقدر على إحداثه إلّا بهذه الطريقة ؛ وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا
قال : عطيتي لمن زارني درهم ، فكما أنّه لا يقتضي ذلك أن يعطي كل من زاره ، وإنّما
يقتضي أنّه إن أعطى فإنّما يعطي هذا القدر ، كذلك في مسألتنا (ق ، ش ، ٥٦٢ ، ٤)
ـ وبعد ، فإنّ
الظاهر يدلّ على أنّ (كن) التي هي الكاف والنون ، والكاف فيها متقدّمة للنون ،
فالنون فيها حادثة بعد الكاف ، هو الذي تكوّن به الأشياء ، فيجب أن يكون ما هذا
صورته قديما. وهذا يوجب كونه قديما محدثا ؛ لأنّ توالي حدوث هذين الحرفين ـ على ما
بيّناه ـ يوجب حدوثهما ، وما ذكره يوجب قدمهما ، وهذا محال. ويوجب الاستحالة من
وجه آخر : وهو أنّ النون إنّما تتّصل بالكاف على وجه يكون النطق به قولنا"
كن" بأن يحدث بعده ، لأنّهما لو حدثا معا ، لم يكن بأن يقول : "
كن" أولى من أن يقول : نك ، وهذا يوجب كون النون حادثة ، فإن حدثت الكاف
وحدها فقد تركوا الظاهر ، وإن حدث بكن آخر ، فالقول فيه وفي نونه كالقول في هذا ،
وذلك يلزمهم ما لا نهاية له. وإن قالوا : هي حادثة لا بشيء ، فقد تركوا الظاهر.
وكل هذا يبيّن جهل القوم في تعلّقهم بذلك وأمثاله. وإنّما أراد تعالى بهذا الكلام
أن يبيّن أنّه في باب الاقتدار واستحالة المنع عليه ، بخلاف سائر القادرين الذين
يحتاجون إلى زمان في الأفعال ويصحّ عليهم المنع ، فقال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة : ١١٧)
يعني : مخترعهما لا على مثال سبق ، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن ، فيكون ،
يعني : أنّه يكون من دون تراخ ومعاناة ومشقّة ، وأنّه في حدوثه بأيسر مدّة بمنزلة
قول القائل : (كن) ، ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ منه أن يفعل ما يقدر عليه إلّا
ب (كن) ؛ لأنّه لا يجوز أن يحتاج هو في أفعاله إلى أمر يستغني عنه (ق ، م ١ ، ١٠٧
، ٦)
ـ زعم ابن كرّام
وأتباعه أنّ معبودهم محلّ للحوادث. وزعموا أنّ أقواله ، وإرادته ، وإدراكاته
للمرئيات ، وإدراكاته للمسموعات ، وملاقاته للصفحة العليا من العالم ، أعراض حادثة
فيه ، وهو محل لتلك الحوادث الحادثة فيه. وسمّوا قوله للشيء : " كن"
خلقا للمخلوق ، وإحداثا للمحدث ، وإعلاما للذي يعدم بعد وجوده ، ومنعوا من وصف
الأعراض الحادثة فيه بأنّها مخلوقة أو مفعولة أو محدثة (ب ، ف ، ٢١٧ ، ١٢)
ـ زعم أبو الهذيل
إنّ قوله للشيء كن عرض حادث لا في محلّ ، وسائر قوله حادث في
جسم ما (ب ، أ ،
١٠٦ ، ١٠)
ـ قالت الأشعريّة
كلّها إنّ الله عزوجل لم يزل قائلا لكل ما خلق أو يخلق في المستأنف كن ، إلّا
أنّ الأشياء لم تكن إلّا حين كونها (ح ، ف ٤ ، ٢١٢ ، ٢٣)
ـ بيّن الله تعالى
أنّه لا يقول للشيء كن إلّا إذا أراد تكوينه ، وأنّه إذا قال له كن كان الشيء في
الوقت بلا مهلة ، لأنّ هذا هو مقتضى الفاء في لغة العرب التي بها نزل القرآن (ح ،
ف ٤ ، ٢١٣ ، ١)
ـ (كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) من كان
التامة التي بمعنى الحدوث والوجود : أي إذا أردنا وجود شيء فليس إلّا أن نقول له
احدث فهو يحدث عقيب ذلك لا يتوقّف ، وهذا مثل لأنّ مرادا لا يمتنع عليه ، وأنّ
وجوده عند إرادته تعالى غير متوقّف كوجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد
على المأمور المطيع الممتثل ، ولا قول ثم ، والمعنى : أنّ إيجاد كل مقدور على الله
تعالى بهذه السهولة فكيف يمتنع عليه البعث الذي هو من شقّ المقدورات (ز ، ك ٢ ،
٤١٠ ، ٨)
ـ (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير
المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير
المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إنّما
شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) إذا
دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ
كُنْ) (يس : ٨٢) أن
يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث :
أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٧)
كهانة
ـ الكهانة التي هي
من استراق الشياطين السمع من السماء فيرمون بالشهب الثواقب (ح ، ف ٥ ، ١٧ ، ١٥)
كواسب
ـ قال (أبو علي) :
وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال
؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في
أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم
والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل
في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا
يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ الخالق
لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ، ويدلّ
على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ، ويطلب
بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه اكتساب.
ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١٩)
كوامن
ـ " ضرار بن
عمرو" قال : الأشياء منها كوامن ومنها غير كوامن ، فأمّا اللواتي هنّ كوامن
فمثل الزيت في الزيتون والدهن في السمسم والعصير في العنب ، وكل هذا على غير
المداخلة التي ثبّتها إبراهيم ، وأمّا اللواتي ليست بكوامن فالنار في الحجر وما
أشبه ذلك [ومحال] أن تكون النار في الحجر إلّا وهي محرقة له ، فلمّا رأيناها غير
محرقة له علمنا أنّه لا نار فيه (ش ، ق ، ٣٢٨ ، ٦)
كوامن في الطبع
ـ النفس في طبعها
حبّ الراحة والدعة والازدياد والعلوّ والعزّ والغلبة والاستطراف والتنوّق وجميع ما
تستلذّ الحواسّ من المناظر الحسنة والروائح العبقة والطعوم الطيّبة والأصوات
المونقة والملامس اللذيذة ومما كراهته في طباعها أضداد ما وصفت لك وخلافه. فهذه
الخلال التي يجمعها خلّتان غرائز في الفطر وكوامن في الطبع ، جبلّة ثابتة وشيمة
مخلوقة. على أنّها في بعض أكثر منها في بعض ، ولا يعلم قدر القلّة فيه والكثرة
إلّا الذي دبّرهم. فلما كانت هذه طبائعهم أنشأ لهم من الأرض أرزاقهم وجعل في ذلك
ملاذّ لجميع حواسّهم ، فتعلّقت به قلوبهم وتطلّعت إليه أنفسهم. فلو تركهم وأصل
الطبيعة ـ مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة في طبائعهم ـ صاروا إلى طاعة الهوى
وذهب التعاطف والتبارّ (ج ، ر ، ١٢ ، ٤)
كون
ـ كان ينكر (أبو
علي الجبّائي) قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول : هذه عبارة فاسدة لأنّ
كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل : الأشياء أشياء قبل كونها فكأنّه قال
: أشياء قبل أنفسها (ش ، ق ، ١٦٢ ، ٦)
ـ إن قال قائل أليس
قد قال الله تعالى (جِداراً يُرِيدُ أَنْ
يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧) ولا
إرادة للجدار في الحقيقة ، وإنّما قال يريد توسّعا والمعنى أنّه ينقضّ. قيل له نعم
، فإن قال فما أنكرتم أن يكون معنى" أن نقول له كن" أي نكوّنه فيكون ،
قيل له الفرق بين ذلك أنّ الجماد يستحيل مع جماديته أن يكون مريدا والباري تعالى
في الحقيقة لا يستحيل عليه أن يريد أو يقول ، فلذلك لم يكن قوله (أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠)
بمعنى نكوّنه (ش ، ل ، ١٦ ، ١١)
ـ إنّ الكون معنى
له يكون الكائن كائنا وبه يكون في المكان إذا كان مكان ، وإنّ الجوهر لا يجوز أن
يخلو من الكون كما لا يجوز أن يخلو من اللون ، وإنّ الجوهر المنفرد فيه كون وهو
المعنى الذي لو كان مكان كان به الكائن كائنا في المكان (أ ، م ، ٢٤٣ ، ١٠)
ـ إنّ الكون إذا
وقع على وجه مخصوص فهو حركة وإذا وقع على وجه آخر كان سكونا (أ ، م ، ٢٤٣ ، ١٣)
ـ قولنا : كون
وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في
الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه كونا مطلقا إذا وجد ابتداء لا بعد غيره
، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن نسمّيه سكونا إذا بقي.
وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى به الجوهر في جهة
واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو أوجب كون الجسم كائنا
في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه محاورة مقارنة وقربا إذا
كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما. وتارة نسمّي بعضه مفارقة
ومباعدة وافتراقا إذا وجد على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت ١ ، ٣٣ ، ٥)
ـ إنّ الكون من
الحركات وغيرها موجود من جهته جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١٠٨ ، ٢٣)
ـ قد ثبت بالدليل
أنّ الكون يجوز عليه البقاء ولا ينتفي عن المحلّ مع وجوده إلّا بضدّ! لأنّه لا
يحتاج في وجوده
إلى أمر سوى محلّه ، فلا يصحّ مع وجود المحلّ أن ينتفي الكون إلّا ويخلفه كون غيره
، فكيف يقال : إنّ المحلّ ينتفي بانتفائه. فأمّا البقاء فقد بيّنا فيما تقدّم أنه
لا دليل يقتضي ثبوته ، بل الدلالة قد دلّت على أنّ الجواهر تبقى ويستمرّ بها
الوجود من غير معنى (ق ، غ ١١ ، ٤٤٢ ، ٥)
ـ الدليل على أنّ
الكون يولّد التأليف ما قد ثبت أنّ الله تعالى لا يجوز أن يخلق جوهرين متجاورين
إلّا ويجب أن يكون فيهما تأليف (ن ، د ، ٨٠ ، ٧)
ـ لا يجوز أن يكون
بينهما (تعلق) احتياج في الوجود ، لأنّ الكون لا يحتاج في وجوده إلى التأليف ؛ إذ
لو كان كذلك لوجب أن لا يصحّ وجوده في الجزء المنفرد. وقد علمنا أنّ الكون يوجد في
الجزء المنفرد ، وإن استحال وجود التأليف فيه (ن ، د ، ٨٠ ، ١٤)
ـ أمّا الشيخ أبو
علي ، حيث ذهب إلى القول بأنّ الكون من جنس السكون ، والسكون من قبيل الأكوان ،
وأنّ الحركة جنس برأسه (ن ، د ، ١٣٢ ، ١)
ـ إنّ الكون يحتاج
إلى الجوهر في وجوده ، والجوهر يحتاج إلى الكون في كونه كائنا ، فقد اختلف وجه
الحاجة (ن ، د ، ١٥١ ، ٣)
ـ إنّ الكون هو
الذي يخصّص الذات في جهة دون جهة ، وأن يكون ذلك الكون حالا فيه لما قد ثبت أنّ
الكون الحالّ في محل آخر ، وموجودا لا في محل ، لا يوجب كون الذات كائنا في جهة (ن
، د ، ٤١٣ ، ١٩)
ـ إنّ الكون لا
يحلّ إلّا متحيّزا (ن ، د ، ٤١٤ ، ٢)
ـ إنّ الجوهر لا
يحتاج في وجوده إلى الكون ، وإنّما يحتاج في كونه كائنا في جهة مخصوصة ، إلى وجود
الكون فيه في تلك الجهة ، والكون يحتاج في وجوده إلى وجود الجوهر. فقد اختلف وجه
الحاجة ، فلا يلزم أن يكون محتاجا إلى نفسه (ن ، م ، ٦٦ ، ١٨)
ـ إنّ الكون لمّا
كان حكمه مقصورا على محلّه ، لم يحتج في وجوده إلى أكثر من محلّه. وإنّما لم يحتج
في وجوده إلى أكثر من محلّه ، لأنّ حكمه مقصور على المحل ، بدلالة أنّ العلم
والقدرة ، لمّا لم يكن حكمهما مقصورا على محلّهما ، احتاجا في وجودهما إلى أكثر من
محلّهما (ن ، م ، ١٥١ ، ١٥)
ـ إنّ الاعتماد
لاختصاصه بالجهة ، يصير في الحكم كأنّه موجود في الجسم الذي يضرب عليه محلّه ،
فلذلك صحّ أن يكون مشروطا في التوليد بمعنى يوجد في ذلك المحل. وليس كذلك الكون ،
لأنّه لا يصير في الحكم ، كأنّه موجود في المحلّ الآخر ، حتى يقال إنّه مشروط في
التوليد بالمعنى ، الذي يوجد في المحل الآخر (ن ، م ، ٢٢٥ ، ٢)
ـ لا يخلو الجوهر
من جنس الكون ، فإن كان مجتمعا مع غيره فالكون الذي فيه ، اجتماع وتأليف. وإن كان
في مكان فالكون الذي فيه سكون أو تحوّل إلى مكان آخر ، فأوّل كون له في المكان
الثاني سكون فيه وحركة عن الأوّل. هذا قول شيخنا أبي الحسن الأشعري (ب ، أ ، ٤٠ ،
١١)
ـ زعم أبو الهذيل
وأتباعه من القدريّة أنّ الكون معنى غير الحركة والسكون والاجتماع والافتراق.
واجتهد في أن يجعله معنى معقولا فلم يجد إليه سبيلا (ب ، أ ، ٤١ ، ١)
ـ الكون هو ما
يوجب كون الجوهر كائنا في جهة ، والأسامي تختلف عليه وإن كان الكل من
هذا النوع ، فمتى
حصل عقيب ضدّه فهو حركة ، وإذا بقي به الجوهر كائنا في جهة أزيد من وقت واحد أو
وجد عقيب مثله فهو سكون. ومتى كان مبتدأ لم يتقدّمه غيره فهو كون فقط ، وهو
الموجود في الجوهر حال حدوثه. فإن حصل بقرب هذا الجوهر جوهر آخر سمّي ما فيهما
مجاورة. ومتى كان على بعد منه سمّي ما فيهما مفارقة ومباعدة. وقد نعلم هذا المعنى
ضرورة على الجملة وإن كان مما لا يدرك. وهو ما نتصرّف فيه من قيام وقعود وغيرهما ،
لأنّا نعلم قبح الظلم من أنفسنا ضرورة (أ ، ت ، ٤٣٢ ، ٣)
ـ اعلم أنّ المعنى
الذي يوجد في الجوهر حال الحدوث هو الكون فقط وليس بمخالف للحركة والسكون في جنسه
، بل هو في معناهما لكن لا يسمّى بذلك ، هذا قول أبي هاشم (أ ، ت ، ٤٤٨ ، ١٠)
ـ وقوع الكون منّا
هو على وجهي الابتداء والتوليد : إمّا في محل القدرة أو متعدّ عنها ، وإن كان في
كلا الحالين يكون الاعتماد هو الذي يولّده ، وفي الأكوان ما لا يصحّ منّا أن نفعله
أصلا في الجوهر ، وهو الموجود في الجوهر حال الحدوث فإنّ القديم هو المختصّ
بالقدرة عليه لأنّ الذي يفعله في غير محل القدرة من شأنه أن تكون هناك مماسّة بين
محل الاعتماد وبين محل الكون ، ومحال مماسّة المعدوم. وهذه الطريقة جعلناها دلالة على
أنّ أحدنا لا يقدر على الجوهر ، وإلّا قدر على الكون الذي به يصير كائنا عند حال
الحدوث ، لأنّ القادر على إيجاده على الصفات التي يحصل عليها على ما بيّنا في كون
الكلام خبرا (أ ، ت ، ٤٧٦ ، ٤)
(وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير
المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير
المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إنّما
شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) إذا
دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ
كُنْ) (يس : ٨٢) أن
يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث :
أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٨)
ـ الأعراض النسبية
وهي أنواع. الأوّل : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ حصول الأوّل
في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأوّل هو السكون ، وحصول
الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في حيّزين لا يتخلّلهما
ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف ، أ ، ٢٦ ، ٢٠)
كون الشيء في غيره
ـ الكلام على من
قال : إنّ الإنسان جزء لا يتجزّأ ، وهو في القلب. اعلم أنّ هذا القائل لا يخلو من
أن يجعل هذا الجزء عرضا حالّا فيه ، أو جوهرا مجاورا ؛ لأنّ كون الشيء في غيره لا
يصحّ إلّا على هذين الوجهين ، وأيّهما قال فقد أبطلناه بالأدلّة التي ذكرناها في
نصرة ما نذهب إليه ، على أنّ الجزء في القلب إن كان هو الحيّ المريد القادر فيجب
أن يكون هو المصرّف للجملة ، ولو كان كذلك لوجب ألّا يصحّ أن يبتدئ الفعل في
أطرافه ، بل كان يجب أن تحصل الحركات فيها بجذب من القلب أو دفع ، وبطلان ذلك
يبيّن فساد هذا القول (ق ، غ ١١ ، ٣٢٩ ، ١٦)
كون في حال الحدوث
ـ قال أبو القاسم
في عيون المسائل في الكون في حال الحدوث أنّه معنى غير الحركة والسكون ، وإلى ذلك
ذهب أبو الهذيل ، وأبو علي أولا ، ثم رجع عنه وقال : أنّ ذلك المعنى مخالف للحركة
، وهو من جنس السكون ، وجعل الحركة كونا آخر. وعند شيخنا أبي هاشم أنّ ذلك معنى
الحركة والسكون (ن ، م ، ٢٠٢ ، ١١)
كون مع الفعل
ـ إنّ القوّة إذ
ليست هي من أجزاء الجسم فهي عرض في الحقيقة ، والأعراض لا تبقى ؛ إذ لا يجوز بقاء
ما يحتمل الفناء إلّا ببقاء هو غيره ، والعرض لا يقبل الأغيار بما لا قيام له
بذاته ، ومحال بقاء الشيء ببقاء في غيره ، فبطل البقاء. ثم فساد حقيقة الأفعال
بأسباب متقدّمة إذا لم تكن هي وقت الفعل ، فمثله قوة الفعل ، فيلزم القول بالكون
مع الفعل (م ، ح ، ٢٦٠ ، ٢١)
كيف
ـ قيل (عن الله) :
ليس بذي كيف ، لأنّ" كيف" يراد به كأي شيء هو ، والله تعالى لا مثال له
، ولو كان له مثل لكان محدثا ، ولو كان محدثا لاحتاج واتصل هو إلى ما لا نهاية له (ع
، أ ، ١٤ ، ١٧)
ـ أمّا العرض الذي
لا يقتضي قسمة ولا نسبة فهو الكيف وأقسامه أربعة أحدها : المحسوسات بالحواس الخمس.
وثانيها الكيفيّات النفسانيّة. وثالثها التهيّؤ إمّا للدفع وهو القوة أو للتأثّر
وهو اللاقوّة ، ورابعها الكيفيّات المختصّة بالكمّيات ، أمّا المتّصلة كالاستقامة
والانحناء ، وأمّا المنفصلة كالأوليّة والتركّب والتقدّم والتأخّر (ف ، م ، ٧٠ ،
١٨)
كيف هو
ـ إنّ السؤال بما
هو الشيء غير السؤال بكيف هو الشيء ، وإنّ المسئول عنه بإحدى اللفظتين المذكورتين
غير المسئول عنه بالأخرى ، وإنّ الجواب عن إحداهما غير الجواب عن الأخرى ، وبيان
ذلك أنّ السؤال بما هو إنّما هو سؤال عن ذاته واسمه ، وأنّ السؤال بكيف هو إنّما
هو سؤال عن حاله وأعراضه وهذا لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى (ح ، ف ٢ ، ١٧٥ ،
١٤)
كيفية
ـ فإن قيل : كيف
يرى؟ قيل : بلا كيف ؛ إذ الكيفيّة تكون لذي صورة ، بل يرى بلا وصف قيام وقعود ،
واتكاء وتعلّق ، واتصال وانفصال ، ومقابلة ومدابرة ، وقصير وطويل ، ونور وظلمة ،
وساكن ومتحرّك ، ومماس ومباين ، وخارج وداخل ، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره
العقل لتعاليه عن ذلك (م ، ح ، ٨٥ ، ١٦)
ـ الكيفية نوع من
الأعراض وهي التركيب والهيئة (أ ، م ، ٨٢ ، ١٠)
ـ إن اقتضى (العرض)
قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد
خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد.
وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير
والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ،
أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٦)
ل
لا امتناع
ـ اللاامتناع إذا
حمل على المعدوم لا يكون ذلك الحمل كلّيا ، فإنّ بعض المعدومات غير ممتنع وبعضها
ممتنع ، ولا يلزم من كون اللاامتناع عدميّا كون الامتناع وجوديّا (ط ، م ، ٣٦ ، ١٣)
لا شيء
ـ إنّ قول
القائل" لا شيء" من أعمّ ألفاظ النفي (أ ، م ، ٢٥٢ ، ١١)
ـ بيّن شيخنا أبو
هاشم ... إنّ قولنا" شيء" ليس بإثبات ؛ لأنّه يقع على المعدوم كوقوعه
على الموجود ؛ فليس بأنّه يقال ، وحاله هذه ، إنّه إثبات بأولى من أن يقال إنه نفي
؛ فلقائل أن يقول إنّه تعالى لا يسمّى بذلك ، وإن كان مثبتا ، فليس في نفي الاسم
نفيه ، كما ليس في إثباته. وبيّن أيضا أنّ قولنا" لا شيء" لا يفيد دون
أن يقرن بغيره ، فيقال : لا شيء محدثا ، ولا شيء جسما أو مذكورا. وبيّن أنّه يصحّ
أن يقال : إنّه جلّ وعزّ ، لا شيء جسم ولا شيء محدث ، فتنفى بذلك عنه الجسميّة
والحدوث. وأما القول بأنّه لا شيء بانفراده فإنّه لا يصحّ. وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ
تَكُ شَيْئاً) (مريم : ٩) فإنّما
أفاد ، لأنّ في الكلام حذف ولم تك شيئا مذكورا أو بيّنا ، لأن مخرج الكلام
الامتنان عليه ، فلا يصحّ أن يراد به إلّا ما قلناه ، فوجب أن يكون ، جلّ وعزّ ،
إنّما يوصف بأنّه شيء ، من حيث صحّ أن يعلم ويخبر عنه على ما قلناه (ق ، غ ٥ ، ٢٥١
، ٧)
ـ إنّ الموجود هو
الشيء ، فإذ هو الشيء فبضرورة العقل أنّ اللاشيء هو المعدوم (ح ، ف ٥ ، ٤٤ ، ٧)
لازم ذاتي
ـ ربّ لازم ذاتيّ
للشيء ، وربّ لازم ليس بذاتيّ للشيء. وأعني بالذاتي ما يجب ببطلانه بطلان الشيء :
فإن بطل في الوجود بطل وجود الشيء وإن بطل في العقل بطل وجود العلم به في العقل.
والحيّز ليس ذاتيّا للجوهر (غ ، ق ، ٣٠ ، ٣)
لازم عرضي
ـ الذي نثبّته أنّ
الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود
وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد
من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه
الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى
الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد
بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى وانحرف
كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ١٣)
لازمات
ـ أمّا اللازمات
التي ليست شرطا ، فعندنا يجوز أن تنفكّ عن الافتراق بما هو لازم له ، بل لزومه
بحكم طرد العادة ،
كاحتراق القطن عند مجاورة النار ، وحصول البرودة في اليد عند مماسّة الثلج ، فإنّ
كل ذلك مستمرّ بجريان سنّة الله تعالى (غ ، ق ، ٩٧ ، ٧)
لذات
ـ الآلام واللذات
لا تقع مقدورة لغير الله تعالى ، فإذا وقعت من فعل الله تعالى فهي منه حسن ، سواء
وقعت ابتداء أو حدثت منه مسمّاة جزاء. ولا حاجة عند أهل الحقّ في تقديرها حسنة إلى
تقدير سبق استحقاق عليها أو استيجاز التزام أعواض عليها ، أو روح جلب نفع أو دفع
ضرر موفيين عليها. بل ما وقع منهما فهو من الله تعالى حسن ، لا يعترض عليه في حكمه
(ج ، ش ، ٢٣٧ ، ١٤)
لذة
ـ إنّ أصل المنافع
هو الملاذّ. ولذلك يستحيل الانتفاع على من تستحيل اللذّة عليه. وكون الملتذّ
ملتذّا يتبع كونه مدركا لما يشتهيه ، لأنّه لو أدرك الشيء ولمّا يشتهيه لم يلتذّ
به على ما بيّناه من قبل. فإذا صحّ ذلك وجب كون اللذّة تابعا للشهوة وللإدراك. وقد
علمت أن العاقل قد يؤثر كثير الملاذّ آجلا على يسيرها عاجلا ، بل قد يستحسن تحمّل
المشقّة لملاذّ عظيمة في المستقبل ؛ فلو لا أن ذلك منافع لم يكن ليؤثره على النفع
الحاضر القليل ، ولا كان يتحمّل المضرّة لأجله ، فلذلك جعلنا ما يؤدّي إلى الملاذّ
نفعا ، وألحقناه باللذّة الحاضرة ، وإذا جاز في اللذّة أن تكون ضررا إذا أعقبت
مضرّة عظيمة ، نحو تناول الخبيص المسموم الذي يعدّ مطعمه مسيئا ، فما الذي ينكر من
القول بأن المشقّة تكون نفعا إذا أدّت إلى نفع عظيم ، ولو لا أنّ الأمر على ما
ذكرناه لم يكن القديم تعالى بالتكليف نافعا ؛ ولا بالآلام التي يستحقّ بها الأعواض
، وإنّما يصحّ القول بأنّه منعم بذلك على الأصل الذي بيّناه ، ولذلك يستحسن
العقلاء تعريض أولادهم بإلزام المشاقّ للرتب العالية ، والمنازل الرفيعة ، ويعدّون
ذلك من أعظم النعم (ق ، غ ١١ ، ٧٨ ، ٨)
ـ الألم هو معنى
يحدث في الحيّ منّا عند التقطيع ، ويتعلّق به النفار ، وهو من المدركات. ولا يمكن
المنع من ثبوت معنى مدرك ، وإنّما يقع الكلام في إثباته مفصّلا على الحدّ الذي
نذكره. والحال في اللّذة يجري على هذا النحو. وإنّما يفترق الحال فيهما لافتراق ما
يقترن بهما وإلّا فهما من نوع واحد (أ ، ت ، ٣٠٧ ، ٥)
ـ نفى الشيخ أبو
إسحاق بن عيّاش أن يكون الألم معنى على الحدّ الذي نثبته. وقال : ليس هو إلّا خروج
الجسم عن الاعتدال وجعل اللّذة حصول الاعتدال في الجسم وزوال أجزاء عنه كانت
بمنزلة حمل الثقيل ، فأدّاه هذا القول إلى أن نفي النفار. ويلزمه نفي الشهوة إذا
جعلناه لذّة على بعض الوجوه (أ ، ت ، ٣٠٧ ، ٨)
ـ قد ذهب أبو علي
إلى أنّ اللّذة مقدورة للقديم جلّ وعزّ خاصة دوننا. وقد أراد بذلك المعنى الذي
يثبته هو عند إدراك الباقيات ، فقد بيّنا أنّه ليس هناك معنى فضلا عن أن يوصف أحد
من القادرين بالقدرة عليه. وإن أراد المعنى الذي يجده الحاكّ بجربه على ما يقتضيه
ظاهر كلامه ، فقد ثبت أنّ الطريقة فيه وفي الألم الذي نجده عند التقطيع واحدة.
فالفرق بينهما متعذّر (أ ، ت ، ٣٢٦ ، ٩)
ـ الألم نقصان ،
ثم هو محوج إلى سبب ، هو ضرب ، والضرب مماسّة تجري بين الأجسام ، واللذّة ترجع إلى
زوال الألم ، إذا حقّقت ؛ أو ترجع إلى درك ما هو محتاج إليه ، ومشتاق إليه (غ ، ق
، ١١٣ ، ٣)
لسان
ـ اللسان أداة
مستعملة لا حمد له ولا ذمّ عليه ، وإنما الحمد للحلم واللوم على الجهل (ج ، ر ، ٤٠
، ١)
لطف
ـ القول باللطف
وهو أنّ بشرا كان يزعم أنّ عند الله لطفا لو أتي به الكفار لآمنوا طوعا إيمانا
يستحقون به الثواب الدائم في جنّات النعيم ، فلم يفعله بهم. فأنكرت المعتزلة ذلك
عليه وناظرته فيه حتى رجع عنه وتاب منه قبل موته (خ ، ن ، ٥٢ ، ٢٢)
ـ إنّ الله لو لطف
للكافرين لآمنوا ، وأنّ عنده لطفا لو فعله بهم لآمنوا طوعا ، وأنّ الله لم ينظر
لهم في حال خلقه إيّاهم ولا فعل بهم أصلح الأشياء لهم ، ولا فعل بهم صلاحا في
الدين وأنّه أضلّهم وطبع على قلوبهم ، وهذا قول" يحيى بن كامل" و"
محمد بن حرب" و" إدريس الاباضيّ" (ش ، ق ، ١٠٨ ، ٥)
ـ قال" بشر
بن المعتمر" ومن قال بقول : عند الله سبحانه لطف لو فعله بمن يعلم أنّه لا
يؤمن لآمن ، وليس يجب على الله سبحانه فعل ذلك ، ولو فعل الله سبحانه ذلك اللطف
فآمنوا عنده لكانوا يستحقّون من الثواب على الإيمان الذي يفعلونه عند وجوده ما
يستحقّونه لو فعلوه مع عدمه (ش ، ق ، ٢٤٦ ، ٥)
ـ قال جمهور
المعتزلة : ليس في مقدور الله سبحانه لطف لو فعله بمن علم أنّه لا يؤمن آمن عنده ،
وأنّه لا لطف عنده لو فعله بهم لآمنوا ، فيقال يقدر على ذلك ولا يقدر عليه ، وأنّه
لا يفعل بالعباد كلّهم إلّا ما هو أصلح لهم في دينهم وادعى لهم إلى العمل بما
أمرهم به ، وأنّه لا يدّخر عنهم شيئا يعلم أنّهم يحتاجون إليه في أداء ما كلّفهم
اداءه إذا فعل بهم أتوا بالطاعة التي يستحقّون عليها ثوابه الذي وعدهم (ش ، ق ،
٢٤٧ ، ٣)
ـ إنّ الله يقدر
أن يصلح الكافرين ، ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ، ولكنّه أراد أن يكونوا كافرين
كما علم ، وأنّه خذلهم وطبع على قلوبهم (ش ، ب ، ٢١ ، ١)
ـ في اللطف. يقال
لهم : أليس الله عزوجل قادرا على أن يفعل بخلقه من بسط الرزق ما لو فعله بهم
لبغوا؟ وأن يفعل بهم ما لو فعله بالكفّار لكفروا؟ كما قال : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ
لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) (الشورى : ٢٧)
وكما قال : (وَلَوْ لا أَنْ
يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ
لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) (الزخرف : ٣٣).
فلا بدّ من نعم. فيقال لهم : فما أنكرتم من أنّه قادر على أن يفعل بهم لطفا لو
فعله بهم لآمنوا أجمعون ، كما أنّه قادر على أن يفعل بهم أمرا لو فعله بهم لكفروا
كلّهم (ش ، ب ، ١٣٣ ، ١٤)
ـ اعلم أنّه كان (الأشعري)
يقول إنّ اللطف في فعل الطاعة هو المعنى الذي إذا فعله الله تعالى بالمكلّف كان
مطيعا لا محالة ، وذلك هو قدرة الطاعة. وكان لا يجعل ما عداها من المعاني لطفا في
فعل الطاعة ، لأجل أنّ جميع ذلك ممّا لا يستحيل أن يوجد مع عدم الطاعة. وإنّما
يكون اللطف في فعل
الشيء ما إذا وجد (وجد) ما هو لطف في فعله ووجوده ، ولا يختصّ شيء من المعاني بهذا
الحكم إلّا القدرة فقط لأنّها هي التي بوجودها يوجد مقدورها لا محالة ، ولا يصحّ
أن يقارنها منع أو عجز عن وجود مقدورها (أ ، م ، ١٢٤ ، ١٨)
ـ الدليل على أنّ
معرفة الله تعالى واجبة هو أنّها لطف في أداء الواجبات واجتناب المقبّحات ، وما
كان لطفا كان واجبا لأنّه جار مجرى دفع الضرر عن النفس. وإنّما قلنا إنّها لطف ،
لأنّ اللطف ليس بأكثر من أن يكون المرء عنده أقرب إلى أداء الواجبات وترك
المقبّحات ، على وجه لولاه لما كان بهذه المثابة ؛ ومعرفة الله تعالى بهذه الصفة.
ألا ترى أنّ الإنسان إذا عرف أن له صانعا صنعه ومدبّرا دبّره إن أطاعه أثابه وإن
عصاه عاقبه ، كان أقرب إلى أداء الواجبات ، وترك المقبّحات. وإن كنّا إذا حققنا
قلنا : فاللطف هو العلم باستحقاق الثواب والعقاب لأنّه الذي يثبت له حظ الدعاء
والصرف ، إلّا أنّ ذلك لمّا ترتّب على العلم بالله ، عدّ العلم بالله تعالى في
اللطف لمّا لم يتم اللطف إلّا به (ق ، ش ، ٦٤ ، ٨)
ـ إنّ اللطف هو كل
ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنّب القبيح ، أو ما يكون عنده أقرب إمّا إلى
اختيار أو إلى ترك القبيح. والأسامي تختلف عليه فربّما يسمّى توفيقا ، وربما يسمّى
عصمة ، إلى غير ذلك (ق ، ش ، ٥١٩ ، ١)
ـ ذهبوا (بشر بن
المعتمر وأصحابه) إلى أنّ اللطف لا يجب على الله تعالى ، وجعلوا العلّة في ذلك ،
أنّ اللطف لو وجب على الله تعالى لكان لا يوجد في العالم عاص ، لأنّه ما من مكلّف
إلّا وفي مقدور الله تعالى من الألطاف ما لو فعل به لاختار الواجب وتجنّب القبيح ،
فلما وجدنا في المكلّفين من عصى الله تعالى ومن أطاعه ، تبيّنا أنّ ذلك اللطف لا
يجب على الله تعالى (ق ، ش ، ٥٢٠ ، ٧)
ـ إنّ اللطف إمّا
أن يكون متقدّما للتكليف ، أو مقارنا له ، أو متأخّرا عنه ، فإن كان متقدّما فلا
شكّ في أنّه لا يجب ، لأنّه إذا كان لا يجب إلّا لتضمّنه إزاحة علّة المكلّف ، ولا
تكليف هناك حتى يجب هذا اللطف لمكانه. وأيضا فإنّه إذا جرى مجرى التمكين ، ومعلوم
أنّ التمكين قبل التكليف لا يجب ، فكذلك اللطف. وإذا كان مقارنا له فلا شبهة أيضا
في أنّه لا يجب ، لأنّ أصل التكليف إذا كان لا يجب ، بل القديم تعالى متفضّل به
مبتدأ ، فلأن لا يجب ما هو تابع له أولى ، فصحّ أنّ مراد المشايخ بذلك الإطلاق ما
ذكرناه. ثم لا يفترق الحال بين ما إذا كان لطفا في الواجبات ، وبين ما إذا كان
لطفا في النوافل ، فإنّه تعالى كما كلّفنا الواجبات فقد كلّفنا النوافل أيضا ، فكان
يجب عليه اللطف سواء كان لطفا في فريضة أو في نافلة ، خلاف الواحد منّا ؛ إذا ثبت
هذا ، فالذي يدلّ على صحّة ما اخترناه من المذهب ، هو أنّه تعالى إذا كلّف المكلّف
وكان غرضه بذلك تعريضه إلى درجة الثواب ، وعلم أنّ في مقدوره ما لو فعل به لاختار
عنده الواجب واجتنب القبيح فلا بدّ من أن يفعل به ذلك الفعل ، وإلّا عاد بالنقض
على غرضه ، وصار الحال فيه كالحال في أحدنا إذا أراد من بعض أصدقائه أن يجيبه إلى
طعام قد اتّخذه ، وعلم من حاله أنّه لا يجيبه إلى طعام قد اتّخذه ، وعلم من حاله
أنّه لا يجيبه إلى طعامه إلّا إذا بعث إليه بعض أعزّته من ولد أو غيره ، فإنّه يجب
عليه أن
يعبث ، حتى إذا لم
يفعل عاد بالنقض على غرضه ، كذلك هاهنا (ق ، ش ، ٥٢٠ ، ١٩)
ـ أمّا اللطف
والمصلحة فواحد ، ومعناهما ما يختار المرء عنده واجبا أو يجتنب عنده قبيحا على وجه
لولاه لما اختار ولما اجتنب ، أو يكون أقرب إلى أداء الواجب واجتناب القبيح. ثم
إنّ ما هذا حاله ينقسم إلى ما يكون من فعلنا فيلازمنا فعله سواء كان عقليّا أو
شرعيّا لأنّه يجري مجرى دفع الضرر ، وإلى ما يكون من فعل القديم جلّ وعزّ ولا بدّ
من أن يفعله الله تعالى ليكون مزيحا لعلّة المكلّف ولكي لا ينتقض غرضه بمقدمات
التكليف (ق ، ش ، ٧٧٩ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ اللطف
هو ما عنده يختار المكلّف ما كلّفه ، ولولاه لكان يخلّ به. فما علم ذلك من حاله
وصفناه لطفا ، وربما يذكر في جملة اللطف ما يكون المكلّف عنده أقرب إلى فعل ما
كلّف ، أو يكون فعل ما كلّف أسهل عليه ، وأقرب إلى وقوعه منه ، ولا يؤثّر فيما
ذكرناه بين الفعل والكف ؛ لأنّه إذا كان إنّما يختار ما كلّف عند أمر ما ، ولولاه
كان لا يختاره ، وجب فعله. وكذلك إن كان لا يكف عن المعاصي إلّا عند أمر ، ولولاه
كان يفعلها ، فلا بدّ من أن يفعله تعالى أو يمكن منه (ق ، م ٢ ، ٧١٩ ، ٤)
ـ إنّما قلنا في
اللطف : إنّه واجب لا بدّ منه ؛ لأنّه تعالى إذا قصد بالتكليف تعريض المكلّف
للثواب ، وعلم أنّه لا يتعرّض للوصول إليه إلّا عند أمر لولاه لكان لا يتعرّض ،
فلو لم يفعله لنقص ذلك الغرض الذي له كلّف. كما أنّ أحدنا لو كان غرضه من زيد إذا
دعاه إلى طعامه أن يحضره فيأكل طعامه ، وعلم أنّه لا يختار ذلك إلّا عند اللطف في
مسألة ، فلو لم يفعله لنقض ذلك الغرض الذي دعاه إلى طعامه ، ويحلّ بإخلاله بذلك
محل أن يمنعه من نفس تناول الطعام. وكذلك لو لم يفعل تعالى اللطف الذي ذكرناه ،
كان بمنزلة أن لا يمكّن العبد مما كلّفه من قبح التكليف (ق ، م ٢ ، ٧١٩ ، ١١)
ـ قد يدخل في
اللطف النوافل ، لا لأنّ عندها يختار الواجب لا محالة ، لكن لأنّه يكون أقرب إلى
ذلك ، فتكون مقوّية لدواعيه ، ومسهّلة سبيل الإقدام عليه ، فلا يمتنع أن يقال فيما
يرد من الخاطر : إنّه لطف ، ويقال في هذا الوجه أيضا إنّه لطف ، لأنّهما ينبعثان
من حيث ذكرنا اللطف الذي بيّناه أولا. فلا تخرج الألطاف عن هذه الوجوه الثابتة
فيه. وليس الغرض العبارات. فإذا ثبت من جهة المعنى أن حالها سواء ، فقد ثبت ما
أردناه (ق ، م ٢ ، ٧٢٢ ، ٩)
ـ اللطف في
الحقيقة هو ما يثبت له حظ الدعاء والصرف. وهذه صفة العلم باستحقاق الثواب والعقاب.
لكن تحصيل ذلك لا يتمّ إلّا بعد العلم بالله تعالى ، فوجب لوجوبه فصار وجوب
المعرفة لكونها لطفا (ق ، ت ١ ، ٢٤ ، ٤)
ـ اللطف من
أفعالنا جار مجرى دفع الضرر (ق ، ت ١ ، ٢٤ ، ٧)
ـ الأصل في ذلك ما
قد تقرّر أنّ هاهنا ما لا يصحّ الفعل دونه ، وهو الذي يسمّى تمكينا. ومنه ما يختار
عنده ولولاه لم يختر وإن كانت الصحّة ثابتة مع فقده ، فهو الذي يسمّى لطفا. ولا
فرق فيما هذا حاله بين أن يعلم من حاله أنه يختار عند ما لولاه كان لا يختار أصلا
أو يكون أقرب إلى الاختيار إن لو اختار وإن كان لا يقع منه هذا الفعل. فعلى كلي
الوجهين يسمّى لطفا
(ق ، ت ٢ ، ٣٢٨ ،
٤)
ـ ما كان لطفا من
جهة الله تعالى فإنّه ينقسم إلى قسمين. أحدهما نقضي بوجوبه وهو الذي يتقدّمه
التكليف فيكون تعالى قد التزم بالتكليف فعل اللطف كما التزم فعل التمكين والثواب. والثاني
هو الذي يقارن التكليف فما هذا حاله لا يجب ، لأنّه إذا كان التكليف غير واجب ،
فما يقترن به من اللطف الذي يحتاج إليه في التكليف لا يجب أيضا. وهكذا نقول في
سائر ما يقوم هذا المقام من التمكين وغيره (ق ، ت ٢ ، ٣٢٩ ، ١٧)
ـ قال مشايخنا إنّ
اللطف من فعله تعالى يجري مجرى إزاحة العلّة ، ومن فعل المكلّف يجري مجرى دفع
المضرّة (ق ، ت ٢ ، ٣٣٠ ، ١٤)
ـ من الأسماء
الجارية على اللطف قولنا" عصمة" ، لأنّها تستعمل على مثل ما يستعمل
التوفيق عليه. فكل لطف صار سببا لامتناع المكلّف من قبيح على حدّ لولاه لم يكن
ليمتنع يسمّى ذلك اللطف" عصمة". وأصله من المنع (ق ، ت ٢ ، ٣٣٤ ، ١)
ـ إنّ اللطف إنّما
يجب عليه تعالى فعله متى كان في المعلوم ما يطيع المكلّف عنده ، فأمّا إذا علم
أنّه لا لطف له في فعل ما كلّف على وجه من الوجوه ، فليس هناك ما يصحّ وصفه تعالى
بالقدرة عليه ، فيقال بأنّه بألّا يفعله لا يكون مزيحا لعلّته ، أو لا يصحّ أن
يسوّى بينه وبين من المعلوم أنّه يؤمن فيه. ولا يمتنع عندنا في كثير ممن يعلم من
حاله أنّه يؤمن ألّا يكون له لطف ، بأن يعلم أنّه يختار الإيمان على كل حال ليصحّ
تكليفه ، وإن لم يلطف له فيما كلّف ، وذلك يبيّن أنّ اللطف ليس بشرط في التكليف
على كلّ حال ، وأنّ التسوية بين من المعلوم أنّه يكفر وبين من المعلوم أنّه يؤمن
في سائر شروط التكليف صحيحة على ما بيّنا القول فيه (ق ، غ ١١ ، ١٦٥ ، ٨)
ـ إنّ اللطف ليس
بشرط في حسن الأمر على كل حال ، فلذلك حسن من الواحد منّا الأمر وإن لم يلطف
للمأمور في فعل ما أمره به ، وإنّما يجب ذلك متى غلب على ظنّه أنّه يطيع عند بعض
الأمور. فأمّا مع فقد العلم وغالب الظنّ فلن يجب ذلك على وجه. وإن كان مع غلبة
الظنّ إنّما يجب ذلك على بعض الوجوه ؛ لأنّه لا بدّ من اعتبار حال ما أمر به ، فإن
كان الغرض به أن ينتفع بذلك الفعل ، وكان الذي عليه في فعل اللطف من الضرر يوفي
عليه لم يلزم ذلك ، وإنّما يلزم متى لم يكن فيه مضرّة أو ما جرى هذا المجرى (ق ، غ
١١ ، ١٨٠ ، ٢١)
ـ لا يمتنع أن
يقال : إنّ القبيح لا يجوز كونه لطفا في التكليف أصلا ، كان من فعله تعالى أو من
فعل غيره ؛ لأنّ اللطف هو ما يختار عنده الواجب ، والحسن على وجه لا يخرج التكليف
عن الصحّة ، ومتى جوّز أن يفعل تعالى القبيح خرج التكليف عن الصحّة ولم يوثق بوعده
ووعيده ، ولا أنّه يثيب على الطاعة. وذلك يوجب فساد كلّ تكليف وتدبير (ق ، غ ١١ ،
٢٢٠ ، ١٢)
ـ إنّ اللطف يجب على
القديم كما يجب علينا مصالح أنفسنا لا على جهة قياسه عليه ، لكن لأنّ كونه مكلّفا
مع أنّ الغرض به وصول المكلّف إلى المنافع يقتضي أن يزيح علّته بالألطاف كما
يزيحها بالتمكين : ولذلك فصلنا بينه وبين غير المكلّف في هذا الوجه (ق ، غ ١١ ،
٢٥٥ ، ١٩)
ـ إنّ اللطف هو
الأمر الذي عنده يختار المكلّف
ما لولاه لم يكن
يختاره ، فلا يصحّ إلّا في المنتظر من الأفعال دون الواقع. فلا يصحّ أن يقال : إنّ
إدامة تكليفه لطف فيما تقدّم ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه لطف في نفس التوبة ؛ لأنّ
الكلام في هل يجب أن يكلّفه التوبة أم لا. فلا يصحّ أن يجعل العلّة في ذلك أنّها
لطف ؛ لأنّ كونها لطفا في نفسها لا يصحّ (ق ، غ ١١ ، ٢٥٨ ، ٨)
ـ إن سائر وجوه
التمكين لا يصحّ كونها لطفا ؛ لأنّ به يتمكّن من الفعل ، وقد بيّنا أنّ اللطف
بمنزلة الداعي في أنّه يجب كونه متمكّنا من الفعل وضدّه سابقا ، ليصحّ أن يلطف له
، كما يصحّ أن يقوي دواعيه إلى إيثار الفعل أو خلافه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٩ ، ١)
ـ إنّ اللطف في
التخلّص من العقاب هو اللطف في الفعل الذي به يتخلّص من العقاب ؛ لأنّ زوال العقاب
واستحقاقه ليس بفعل للمكلّف ، فما يقال : إنّه لطف في زواله يجب كونه لطفا في
الفعل الذي به يزال وهو التوبة. وقد بيّنا أنّ الكلام في هل يجب أن يكلّف التوبة
أم لا ، فلا يصحّ أن يجعل العلّة في وجوب تكليفه إيّاها أنّها لطف وأنّ غيرها لطف
فيها ، ولما كلّف المكلّف أصلا (ق ، غ ١١ ، ٢٥٩ ، ٦)
ـ إنّ هذه المعارف
إنّما تجب من حيث كانت ألطافا ، واللطف منها هو العلم بأنّه يستحقّ على فعل الطاعة
ثوابا وعلى فعل القبيح عقابا ، لأنّ هذا العلم هو الذي عنده يكون أقرب إلى فعل
الواجب والامتناع من القبيح رجاء النفع ومخافة المضرّة. لأنّه قد تقرّر في العقول
أنّ ما يستحقّ به النفع يكون أقرب إلى فعله. وما يخاف في فعله المضرّة يكون أبعد
من فعله ، والذي يختصّ من المعارف بكونه لطفا هو هذان العلمان دون غيرهما (ق ، غ
١٢ ، ٤١٥ ، ٨)
ـ إنّ العلوم التي
بها يكمل العقل ومعها يصحّ النظر ، هي بمنزلة القدرة والتمكين ، لأنّه لولاها لما
صحّ من المكلّف هذا الفعل على الوجه الذي يجب عليه ، وما حلّ محل التمكين لا يكون
لطفا. وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح
أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله ، فقد حصل فيه
معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين (ق ، غ ١٢ ،
٤١٨ ، ١)
ـ إن قيل : فيجب
في كل ما يفعلونه (العباد) من العلوم أن يكون لطفا. قيل له : إن كان مما لا يتمّ
معرفة العقاب والثواب ، وما عنده تصحّ معرفتهما إلّا معه ، فكذلك نقول فيه : فإن
استغنى عنه في ذلك على كل وجه ، فهو بمنزلة العلم بالصناعات إلى غير ذلك ، في أنّه
لا مدخل له في هذا الباب. ولهذا لا يعدّ العلم بالحساب واللغة لطفا ، وليس كذلك
حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ،
ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما
نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين. فأمّا ما به تقوى المعارف التي
ذكرناها أو تنحلّ عنده الشبه الداخلة في باب التوحيد والعدل ، فلا يمتنع أن يكون
لطفا. لأنّ من حقّه أن يثبت العلوم التي ذكرناها معه ، ولولاه كانت تزول ولا تثبت.
فلهذا يجب على العاقل النظر في حال الشبه ، كما يجب عليه النظر في الأدلّة ، لأنّ
موقع هذا العلم كموقع ذلك العلم في الحاجة إليه ، من
الوجه الذي
بيّناه. وإن كان متى لم تعرض الشبهة لا يلزمه النظر ، فيختلف لزوم ذلك بحسب اختلاف
حال العاقل فيما ورد على قلبه (ق ، غ ١٢ ، ٤١٨ ، ١٠)
ـ إنّ اللطف قد يكون
لطفا في الفعل بأن يكون الفاعل أقرب عنده إلى أن يفعله ، وإن كان لا يختاره لغرض
آخر ، ولا يخرجه ذلك من أن يكون لطفا. وقد يكون لطفا بأن يختار الفعل عنده لا
محالة. وكل واحد منهما معقول في بابه ، فلا يجوز قصر اللطف على أحدهما دون الآخر.
فيحسن منه تعالى أن يلطف للمكلّف من كلا الوجهين. وسنبيّن ، من بعد ، أنه يلزمه
تعالى بالتكليف أن يلطف على الوجهين (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٣ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ المراد
بذلك (لطف) عند شيوخنا ، رحمهمالله ، ما يدعو إلى فعل الطاعة على وجه يقع اختيارها عنده ، أو
يكون أولى أن يقع عنده. فعلى هذين الوجهين يوصف الأمر الحادث بأنّه لطف. وكلاهما
يرجع إلى معنى واحد ـ وهو ما يدعو إلى الفعل ـ لكن طريقة الدواعي إليه تختلف على
الوجهين اللذين ذكرناهما. وعلى هذا الوجه يستعمل في اللغة والتعارف ؛ لأنهم يقصدون
بهذه اللفظة إلى ما يدعو إلى الفعل : فيقال في الوالد إنّه يلطف لولده في التعلّم
والتأدّب ؛ إذا قوّى دواعيه بما عنده يتعلّم أو يكون أقرب عنده إلى أن يتعلّم ،
على حسب ظنّه وتقديره ، فاستعمله شيوخنا فيما يدخل في التكليف على هذا الحدّ (ق ،
غ ١٣ ، ٩ ، ٥)
ـ إنّ المفهوم من
جهة الاصطلاح من هذه اللفظة (اللطف) هو كل حادث جنس يختار عنده ما تناوله التكليف
من واجب أو ندب ، أو يكون المكلّف عنده إلى اختياره أقرب ، والامتناع من القبيح في
هذا الباب بمنزلة الواجب ، ولا معتبر بجنسه ولا سائر صفاته ، ولا بحال الفاعل ، بل
يوصف بذلك على اختلاف أحواله في جميع ما ذكرناه من أوصافه (ق ، غ ١٣ ، ١١ ، ١٨)
ـ اعلم أنّه يفيد
فيه موافقة الطاعة له ، بأن دخلت في الحدوث والوقوع. فمتى حصل للطف هذا الحكم ،
وصف بأنّه توفيق ؛ ومتى لم يحصل له ذلك لم يوصف بهذه الصفة ، ولذلك لا نصف اللطف
في حال حدوثه بأنّه توفيق لإفراده بحدوثه عن حدوث الطاعة ، حتى إذا حدثت الطاعة من
بعد يوصف بذلك ، وكذلك لا نصف اللطف الذي لا تحدث الطاعة عنده البتّة بأنّه توفيق
في حال من الأحوال نحو اللطف الذي لا يعلم من حاله أنّه ستختار الطاعة عنده لا
محالة. لكنه إنّما يكون لطفا بأن يكون مقرّبا لفاعله ، ويكون أقرب إلى أن يختاره
عنده. لكن المعلوم أنه يعدل عن اختياره لسوء تدبيره. وهذه اللفظة (التوفيق) في
أنّها من جهة الاصطلاح أخصّ منها من جهة اللغة بمنزلة اللطف فيما قدّمناه ، لأنّ
أهل اللغة لا يخصّون بذلك ما ذكرناه دون غيره. ولهذا استعمل شيوخنا رحمهمالله التوفيق فيما تختار عنده الطاعة ، ولم يستعملوه فيما يختار
عنده القبيح أو المباح ، وإن كان لا فرق بين ذلك أجمع من حيث اللغة (ق ، غ ١٣ ، ١٢
، ٤)
ـ إنّ المعقول من
اللطف ما يكون المكلّف عنده أقرب لا ما عنده يجب أن يكون فاعلا لا محالة ، ومحال
ألّا يكون فاعلا ؛ ولذلك يستعملون هذه اللفظة في الرفق والمعونة وغير ذلك مما
يأمرون به ، ولا يستعملونها في الآلات التي بها يتمكّن من الفعل ، مع
اعتقادهم أنّ
الآلة لا توجب ، فكيف بها لو كانت موجبة (ق ، غ ١٣ ، ١٣ ، ٨)
ـ من شأن اللطف أن
يكون مستقبل التأثير ، فلذلك نرغب إلى الله تعالى في اللطف والتوفيق ، كما يلطف لغيرنا
في الأمور المتوقّعة (ق ، غ ١٣ ، ١٣ ، ١٩)
ـ إنّ اللطف كما
قد يدعو إلى اختيار الواجب والندب على ما ذكرنا ، فقد يكون لطفا في الامتناع من
القبيح في أن لا يفعله ، وكما إذا وافقت الطاعة اللطف في الحدوث يفعلها العبد
لأجله ويختارها لمكانه ، يوصف بأنّه توفيق ، فكذلك متى امتنع من القبيح لمكانه وصف
بأنّه عصمة ؛ ومتى حدث اللطف ولم يحصل منه الامتناع لم يوصف بأنّه عصمة (ق ، غ ١٣
، ١٥ ، ٤)
ـ في وصف معنى
اللطف بأنّه إزاحة لعلّة المكلّف : اعلم أنّ شيوخنا ، رحمهمالله ، يستعملون ذلك كثيرا في الألطاف على حدّ استعمالهم له في
التمكين ، والوجه في ذلك أنّ المكلّف لمّا احتاج مع التكليف إلى القيام بما كلّف
ليفوز بما عرض له ، وإلى التحرّز من ترك ما كلّف ليتخلّص ويسلم من العقاب ،
واشتدّت حاجته إلى ذلك ، وعلم أن وصوله إلى هذين الغرضين لا يتمّ مع شدّة الحاجة
إلّا بأنواع التمكين ، قيل في المكلّف : إنّه لا بدّ من أن يزيح علّته فيها لكي
يمكنه الوصول إلى هذا الغرض ، وكذلك إذا كان لا يختار ما يكلّف من الواجب
والامتناع من القبيح ، ولا تقوى دواعيه إليه إلّا عند أمر يفعله تعالى أو بتنبيه
له ، فالواجب أن يقال : إنّه تعالى يزيح علّته فيه ؛ لأنّ إزاحة العلّة إنّما
استعمل في الوجه الأوّل للحاجة إلى ذلك ، والحاجة إلى الألطاف على ما بيّناه
كالحاجة إلى التمكين ، فالواجب أن يقال ذلك فيها (ق ، غ ١٣ ، ١٩ ، ٢)
ـ اعلم أنّ وصفه (اللطف)
بأنّه صلاح بعيد أن يقع ؛ لأنّ الصلاح هو النفع ، و (هو) إمّا أن يكون لذّة وسرورا
أو يؤدّي إلى ذلك ، لأنّ الضرر المؤدّي إلى ما ذكرناه لا يعدّ إلّا نفعا. فلمّا
كان اللطف ينفع من جهة الدين ، من حيث يختار عنده ما يستحقّ به الثواب ، قيل فيه :
إنّه صلاح. وعلى هذا الوجه يوصف بأنّه مصلحة (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ٤)
ـ قد يقيّد (اللطف)
فيقال : هو صلاح في الدين ومصلحة فيه ، ويراد به أنّ الوجه الذي عليه يقع هو في
الدين لا في الدنيا ؛ ليتبيّن اختصاصه بذلك. ولهذه الجملة لا يقال ذلك فيمن ليس
بمكلّف ، ولا في المكلّف فيما يعود النفع عليه في الدنيا (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ٩)
ـ أمّا وصفه (اللطف)
بأنّه استصلاح ، فإنّه يفيد أنّ غيره قصد بفعله صلاحه ؛ لأنّ كل ما هذا حاله يوصف
بذلك ، وما خرج عنه لا يوصف به. وعلى هذا الوجه نصف القديم تعالى بأنّه قد استصلح
المكلّف بالألطاف وغيرها. وإنما جاز إطلاق ذلك لأنّه يفيد فعل الصلاح به ، ولا
يفيد أنّ المكلّف قد صلح بذلك (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ١٣)
ـ أمّا وصف اللطف
بأنّه أصلح فلا يستعمل إلّا مقيّدا ، بأن يقال : إنّه أصلح الأشياء للمكلّف في باب
الدين ، أو الأصلح له فيما كلّف ، إلى ما شاكل ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٢١ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ ما
يختار عنده القبيح أو الامتناع من الواجب ؛ قد بيّنا أنّه على وجه التقييد يوصف
بأنّه لطف في القبيح ، من حيث يختار عنده ذلك لأجله ، أو يكون المكلّف إلى اختيار
ذلك
أقرب (ق ، غ ١٣ ،
٢٣ ، ٥)
ـ اعلم أنّ اللطف
ينقسم إلى وجوه ثلاثة : أحدها ما يكون من فعله تعالى ، والثاني ما يكون من فعل
المكلّف الذي اللطف له. والثالث ما يكون من غير فعل الله تعالى وغير فعل المكلّف.
فأما الذي يكون من فعله سبحانه : فإن كان مفعولا مع تكليف الفعل الذي هو لطف فيه ،
فإنّه لا يكون واجبا ولا يوصف بذلك. وما يفعله تعالى بعد حال تكليف الفعل الذي هو
لطف فيه ، فإنّه واجب فعله عليه تعالى. وكذلك القول في التمكين ووجوبه ، فاعتبرهما
اعتبارا واحدا (ق ، غ ١٣ ، ٢٧ ، ٤)
ـ أمّا ما يكون
لطفا من فعل غيره سبحانه وغير المكلّف ، فمن حقه أن يكون المعلوم من حاله أنّه يقع
ويحدث على الوجه الذي هو لطف ، وفي الوقت الذي هو لطف ، فيحسن لأجل ذلك أن يكلّف
تعالى الفعل الذي هو لطف فيه. ومتى لم يكن هذا حاله صحّ التكليف. هذا إذا لم يكن
له بدل من فعله تعالى يسدّ مسدّه. فلا يمتنع أن يكلّف تعالى ويلطف بفعله ، وتكون
الشروط فيه ما قدّمناه (ق ، غ ١٣ ، ٣٠ ، ٦)
ـ أمّا ما يكون من
ذلك لطفا من فعل نفس المكلّف ؛ فمن حقه إذا كان لطفا في واجب أن يكون بمنزلته في
الوجوب ؛ وإن كان لطفا في النفل فهو بمنزلته (ق ، غ ١٣ ، ٣٠ ، ١١)
ـ إنّ اللطف متى
وصف بأنّه قبيح فقد تناقض القول فيه ، فمحال كونه لطفا قبيحا (ق ، غ ١٣ ، ٦٧ ، ١٣)
ـ إنّ المقدور لا
يكون لطفا من حيث كان مقدورا ، وإنّما يدخل في كونه لطفا بدخوله تحت الحدوث (ق ، غ
١٣ ، ٦٩ ، ١)
ـ إنّ اللطف لا
يكون جهة في حسن التكليف وإن أوجبه التكليف (ق ، غ ١٣ ، ٧٠ ، ٢)
ـ اعلم أنّ شيخنا
أبا علي ، رحمهالله ، يقول فيه (اللطف) : إنّه جهة لحسن التكليف. ويقول : لو
لم يفعله تعالى لدلّ على أنّه لم يرد من المكلّف فعل ما كلّف. فإذا كان لو لم يرد
ذلك منه لم يكن مكلّفا ، ولا حسن منه أن يجعله على صفات المكلّف ، فكذلك إذا لم
يلطف ، ويجعل اللطف بمنزلة التمكين وبمنزلة الإبانة ؛ فكما لو كلّف مع العلم بأنّه
لا يستقبح التكليف ، فكذلك القول في اللطف (ق ، غ ١٣ ، ٧٠ ، ٤)
ـ أمّا شيخنا أبو
هاشم ، رحمهالله ، فإنّه يقول في اللطف وفي التمكين جميعا : إنّ التكليف
متى صحّ ووقع على شروط حسنة يقتضي وجوبهما ؛ إلّا أنّ التكليف بهما أو بأحدهما
يحسن ، وكذلك يقول في نفس الإبانة. ويقول : متى كلّفه فيجب أن يكون عالما بأنّه
سيثيب المكلّف إذا أطاع ، وسيمكنه ويلطف له ، ويجعل ما يجري مجرى الجهة لحسنه أن
يكون عالما بهذه الأمور دون حدوثها وكونها. وهذا بيّن ، لأنّ من حق اللطف أن يجوز
تأخّره عن حال التكليف. وما يحدث بعد التكليف لا يجوز أن يكون جهة لحسن التكليف ؛
لأن ما له يحسن الشيء يجب أن يضامّه ، أو يكون في حكم المقترن به (ق ، غ ١٣ ، ٧٠ ،
٩)
ـ إنّ اللطف لا
يجوز أن يكون جهة للطاعة الواقعة من المكلّف. اعلم أنّا قد بيّنا أنّ المكلّف
يختار الطاعة عند اللطف الواقع إمّا منه أو من غيره. فالوجه الذي له تحسن الطاعة
أو تجب ، لا يجوز أن يكون هو اللطف أو للطف فيه مدخل. يبيّن ذلك أنّ اللطف من حقّه
أن يكون متقدّما ـ كما لا يصحّ في الإرادة
المؤثّرة أن
تتقدّم الفعل (ق ، غ ١٣ ، ٧٢ ، ٢)
ـ إنّ اللطف لا
يكون لطفا في الشيء في حال وجوده. اعلم أنّ شيوخنا لا يختلفون في ذلك ، لأنّ
الموجود متى وجد فكما يستغنى عن القدرة وسائر ما يتمكّن به منه ، فكذلك يستغني عن
الألطاف ، ولأنّ اللطف هو الداعي إلى اختيار الفعل ، فمتى وجد استغنى عمّا يدعو
إلى اختياره (ق ، غ ١٣ ، ٨٠ ، ٢)
ـ اعلم أنّ اللطف
في كونه لطفا في الأفعال يجري مجرى الدواعي ، لأنّه يختار عنده ما لولاه كان لا
يختاره (ق ، غ ١٣ ، ٩١ ، ١)
ـ اعلم أنّ اللطف
عبارة عن حادث مخصوص يقتضي في المكلّف اختيار إحداث أمر آخر مخصوص ، من غير أن
يكون الأوّل تمكينا من الثاني أو وجها لحسنه أو الوجه الذي يوجد عليه. وقد علمنا
أنّ الواجب فيه أيضا أن يكون كالطريق إلى استجلاب المنفعة ودفع المضرّة. فإذا ثبتت
هذه الجملة فالواجب جوازه على كل حيّ تجوز عليه المنافع والمضار وتختلف دواعيه.
فأمّا القديم سبحانه فذلك يستحيل فيه ؛ لأنّ ما يختاره من الأفعال يختاره لما هو
عليه لا لحدوث حركة ، وكذلك فيما لا يختاره من القبائح إنّما لا يختاره لما هو
عليه لا لحدوث حادث. فقد صارت الحوادث غير مؤثّرة فيما يفعله تعالى أو لا يفعله ،
فيجب أن لا يجوز عليه اللطف تعالى عن ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٩٣ ، ٣)
ـ إنّ اللطف عبارة
عما يختار المكلّف عنده فعل ما كلّف فعله ، أو الانتهاء مما كلّف الانتهاء عنه ؛
والإلجاء يمنع من ذلك (ق ، غ ١٣ ، ١١٣ ، ٧)
ـ إنّ كون اللطف
لطفا لا يتناول جنس المقدور ولا الوجوه الراجعة إلى كونه مقدورا ، أو إلى حال
القادر ، وإنّما يتناول حال المكلّف فيما يختاره أو لا يختاره (ق ، غ ١٣ ، ١٨٩ ،
١٠)
ـ ذكر شيخنا أبو
هاشم رحمهالله في التعداديّات : أنّ اللطف والإبانة لا يصحّ كونهما جهة
لحسن التكليف ، وما لا يكون جهة لحسنه قد يقع التكليف على شروط حسنة (ق ، غ ١٤ ،
١٨٧ ، ٢)
ـ اللطف عند
المعتزلة ، هو الفعل الذي علم الرّب تعالى أنّ العبد يطيعه عنده ، ولا يتخصّص ذلك
بجنس ، وربّ شيء هو لطف في إيمان زيد ، وليس بلطف في إيمان عمرو (ج ، ش ، ٢٥٦ ، ٣)
ـ قد يطلق اللطف
مضافا إلى الكفر ، فيسمّى ما يقع الكفر عنده لطفا في الكفر. ثم من أصل المعتزلة
أنّه يجب على الله تعالى أقصى اللطف بالمكلّفين ، وقالوا على منهاج ذلك : ليس في
مقدور الله تعالى لطف لو فعله بالكفرة لآمنوا (ج ، ش ، ٢٥٦ ، ٦)
ـ أمّا أهل الحقّ
، فاللطف عندهم خلق قدرة على الطاعة ، وذلك مقدور لله تعالى أبدا (ج ، ش ، ٢٥٦ ،
١٠)
ـ قال (بشر) : إنّ
عند الله تعالى لطفا لو أتى به لآمن جميع من في الأرض إيمانا يستحقّون عليه الثواب
، استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده وأكثر منه. وليس على الله تعالى أن يفعل ذلك
بعباده ولا يجب عليه رعاية الأصلح لأنّه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح ، فما من
أصلح إلّا وفوقه أصلح ، وإنّما عليه أن يمكن العبد بالقدرة والاستطاعة ويزيح العلل
بالدعوة والرسالة (ش ، م ١ ، ٦٥ ، ٣)
ـ اللطف هو وجه
التيسير إلى الخير ، وهو الفعل
الذي علم الربّ
تعالى أنّ العبد يطيع عنده ، وليس في مقدور الله تعالى لطف وفعل لو فعله لآمن
الكفّار (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٥)
ـ ليس كل أفعال
الباري سبحانه واجبة عليه ، بل معظمها ما يصدر على وجه الإحسان والتفضّل ، فيجوز
أن يفعله ويجوز أن لا يفعله ، فإن قلت فهل يسمّى فعل الواجب الذي لا بدّ للقديم
تعالى من فعله إجابة لدعاء المكلّف ، قلت لا ، وإنّما يسمّى إجابة إذا فعل سبحانه
ما يجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله كالتفضّل. وأيضا فإنّ اللطف والمصلحة قد يكون
لطفا ومصلحة في كل حال ، وقد يكون لطفا عند الدعاء ، ولو لا الدعاء لم يكن لطفا
وليس بممتنع في القسم الثاني أن يسمّى إجابة للدعاء ، لأنّ للدعاء على كل حال
تأثيرا في فعله (أ ، ش ٢ ، ٦٤ ، ١٠)
ـ لا حاكم إلّا
الشرع ؛ ولأنّ اللطف ما يفيد ترجيح الداعية ، وهي ممكنة ، فتوجد ابتداء ؛ ولو وجب
العوض لقبح دفع الألم ، ولأنّه سبق من النعم ما يحسن معه التكليف ؛ ولو وجب الأصلح
لما خلق الفقر الفقر (هكذا) الكافر ؛ ولأنّ العقاب حقّه فيحسن إسقاطه (خ ، ل ، ١١٤
، ١١)
ـ أبو علي وأبو
عبد الله وقاضي القضاة : واللطف واجب على الله ، وإلّا نقض الغرض بالتكليف ، كمن
صنع لغيره طعاما ولم يدعه. بشر بن المعتمر : لا يجب إلّا التمكين ، واللطف تفضّل ،
ولا مكلّف إلّا والله قادر على اللطف به حتى يؤمن ، لكن لا يجب. الخيّاط : قد رجع
بشر عن ذلك. وقيل : يفعله لا محالة وإن لم يجب ، لأنّ التكليف يقتضيه. جعفر بن حرب
وعن أبي هاشم : إن استحقّ من الثواب مع عدم اللطف أكثر مما يستحقّه إذا آمن معه لم
يجب كزيادته التكليف وإلّا وجب. لنا : منع اللطف فيه بعض الغرض بالأمر كالمنع من
الفعل (م ، ق ، ١٠٥ ، ١)
ـ اللطف تذكير
بقول أو غيره حامل على فعل الطاعة أو ترك المعصية. والالتطاف : العمل بمقتضاه (ق ،
س ، ١٣٣ ، ٧)
ـ المهدي ، عليهالسلام ، وأبو هاشم : ويجوز كون فعل زيد لطفا لعمرو ، ويجوز تقدّم
اللطف بأوقات ، ولو قبل بلوغ المكلّف ما لم يصر ذلك في حكم المنسيّ ، خلافا لأبي
علي (ق ، س ، ١٣٣ ، ١٤)
لطف في القبيح
ـ إنّ في الشاهد
يحسن من الواحد منّا إدلاء الحبل إلى الغريق وإن كان يغلب على الظنّ أنّه يترك
التشبّث به ، ولا يحسن إدلاؤه إليه إذا كان المعلوم أنّه يقتل به نفسه على وجه
لولاه كان يتخلّص من القتل. فكما تجب التفرقة بين هذين في الشاهد فكذلك في الغائب.
ولذلك جعلنا التمكين من القبح والحسن أصلا مخالفا للاستفساد واللطف في القبيح ،
فقلنا : إنّ اللطف في القبيح في حكمه ، والتمكين من القبيح لا يجب أن يكون في
حكمه. بل متى وقع على الوجه الذي قدّمناه كان حسنا. وليس لأحد أن يلزمنا حمل
التمكين على المفسدة ، من حيث ثبت أنّ الشاهد قد فرّق بين الأمرين ، ولأنّ ما
قدّمناه قد أوجب افتراقهما ، ولأنّ التمكين من الكفر هو بنفسه تمكين من الإيمان
وإنّما يصير تعريضا لأحدهما دون الآخر بالقصد ، وليس كذلك اللطف في القبيح لأنّه
لا يجب أن يكون لطفا في الحسن فصحّ القضاء
بأنّ حكمه حكم ما
هو لطف فيه في الحسن والقبح ، وإن كنّا نعلم أنه متى اختصّ بكونه لطفا في القبيح
يجب قبحه ، وإن كان لطفا في الحسن أيضا ؛ لأنّ ثبوت وجه من وجوه القبح فيه يحيل
كونه حسنا ، كما نقوله في الكذب المختصّ بأنّ فيه نفعا أو دفع ضرر (ق ، غ ١١ ، ٢١٧
، ١٥)
لطف واجب
ـ صار الرزق
منقسما إلى وجهين. أحدهما يكون إحسانا من الله تعالى وتفضّلا ، فما هذا حاله ليس
يجب. وربّما كان مما يعلم اختيار العبد عنده الطاعة أو التحرّز من القبيح ، فذلك
هو اللطف الواجب (ق ، ت ٢ ، ٤٣١ ، ٦)
لطيف
ـ معنى اللطيف :
استخراج الأمور الخفية وظهورها له ؛ كقوله : (إِنَّها إِنْ تَكُ
مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) إلى قوله ـ (لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان : ١٦) (م ،
ت ، ١٧ ، ٨)
ـ إنّ اللطيف حرف
يدل على البرّ والعطف. والرقة على رقّة الشيء التي هي نقيض الغلظ والكثافة ، كما
يقال فلان رقيق القلب. وإذا قيل : فلان لطيف فإنّما يراد به بارّ عاطف ، فلذلك
يجوز لطيف ولا يجوز رقيق ، وكذلك فسّر من فسّر الرحمن بالعاطف على خلقه بالرزق (م
، ت ، ١٧ ، ١٠)
لطيفة
ـ قال صاحب الكتاب
(ابن الروندي) : والمعتزلة تكفره (بشر بن المعتمر) لقوله : إنّ عند الله لطيفة لو
أتاها الخلق لآمنوا ، وقوله : إنّ ابتداء الخلق في الجنّة كان أصلح لهم من
ابتدائهم في الدنيا ، وإنّ إماتة الله من علم أنّه يكفر خير له من تبقيته (خ ، ن ،
٥٢ ، ١٨)
لفظ
ـ اللفظ للمعنى
بدن والمعنى للفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا
حركة له وشيئا لا حسّ فيه وشيئا لا منفعة عنده (ج ، ر ، ٨٥ ، ٩)
ـ لا يكون اللفظ
اسما إلّا وهو مضمّن بمعنى ، وقد يكون المعنى ولا اسم له ولا يكون اسم إلّا وله
معنى. في قوله جلّ ذكره : (وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها) (البقرة : ٣١) ،
إخبار أنّه قد علّمه المعاني كلّها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطعوم
والأراييح وتضاعيف الأعداد التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار
المصلحة ونهاية الوهم اسم ، إلّا أن تدخله في باب العلم فتقول شيء (ج ، ر ، ٨٥ ،
١١)
ـ إن قال :
حدّثونا عن اللفظ بالقرآن كيف تقولون فيه؟ قيل له : القرآن يقرأ في الحقيقة ويتلى
، ولا يجوز أن يقال يلفظ به ، لأنّ القائل لا يجوز له أن يقول إنّه كلام ملفوظ به ،
لأنّ العرب إذا قال قائلهم : لفظت باللقمة من فمي ، معناه : رميت بها ، وكلام الله
عزوجل لا يقال يلفظ به ، وإنما يقال : يقرأ ويتلى ويكتب ويحفظ. وإنّما
قال قوم : لفظنا بالقرآن ليثبتوا أنّه مخلوق ، ويزيّنوا بدعتهم (ش ، ب ، ٨١ ، ١٤)
لفظة
ـ إنّ اللفظة إذا
قصد بها في اللغة معنى ، وظاهرها موضوع في اللغة لغيره ، فقد تستعمل
على ما يقتضيها
اللفظ تارة ، وعلى ما يقتضي معناها أخرى ، وهذا كقوله عزوجل : (وَكَأَيِّنْ مِنْ
قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ) (الطلاق : ٨) ،
فأعمل اللفظ وأنث ، ثم قال في آخره : (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ
عَذاباً شَدِيداً) (الطلاق : ١٠) ،
فأعمل المعنى المراد. فكذلك لا يمتنع أن يكون سبحانه أجرى في الخطاب على ما يقتضيه
لفظ" ناظر" فعداه بإلى دون ما يقتضي المعنى (ق ، غ ٤ ، ٢٠٨ ، ١٧)
ـ إنّ اللفظة إذا
أفادت في اللغة أمرا وتجوز بها في غيره ، فيجب أن نستعمل في المجاز على الوجه الذي
وضعت له في الحقيقة ، فتكون مستعارة فيه على الحدّ الذي هو حقيقة في غيره ، ومتى
غيّرت عمّا تستعمل عليه في حقيقتها لم تكن هي المستعارة. فلمّا كان قولنا"
ناظر" يستعمل في الحقيقة في نظر العين معدّى بإلى ، صحّ أن يتجوّز به في
الانتظار على هذا الحدّ ، وإن كان لو صرّح بلفظ" الانتظار" بدلا منه لم
يعدّ بإلى ، وهذا كقولنا : " إنّ زيدا يحب عمرا" بمعنى الإرادة ، ولو
صرّح بلفظ الإرادة لم يسغ دون أن يذكر نفس المراد الذي هو منافعه ، فيقال : "
إنّ زيدا يريد منافع عمرو" (ق ، غ ٤ ، ٢٠٩ ، ٤)
لقاء
ـ إنّ من لقي
إنسانا أدركه وأبصره ، فكان المراد من اللقاء هو الرؤية إطلاقا لاسم السبب على
المسبّب (ف ، س ، ١١٩ ، ١)
ـ إنّ الرجل إذا
حضر عند ملك ولقيه دخل هناك تحت حكمه وقهره دخولا لا حيلة له في دفعه ، فكان ذلك
اللقاء سببا لظهور قدرة الملك عليه على هذا الوجه. فلمّا ظهرت قدرته وقوّته وقهره
وشدّة بأسه في ذلك اليوم ، عبّر عن تلك الحالة باللقاء (ف ، س ، ١١٩ ، ٥)
لقب
ـ إنّ اللقب إنّما
يحسن لأنّه يحتاج إلى استعماله عند غيبة الملقّب ليصحّ الإخبار عنه بالإشارة إليه
عند الحضور ، ولذلك وجب في أصل موضوعه ألّا يلقّب به إلّا واحد في العالم ليقع
معنى التعريف به كوقوعه بالإشارة. لكنه وقع الاشتراك فيه إمّا لأنّ الأشخاص كثرت
وقلّت الأسماء ، أو وقع ذلك من غير قصد ، فعند ذلك احتيج إلى ضمّ الصفة إلى اللقب
ليقع معنى التعريف بهما ، ولو لا الاشتراك لأغنى اللقب بمجرّده عن ضمّ الصفة إليه.
فإذا صحّ ذلك ، وكان ماله يحسن تعذّر الإشارة عند الغيبة ، ولو أمكنه الإشارة في
كل حال ، لم يحسن ذلك. فيجب أن لا يحسن إجراء اللقب عليه ، جلّ وعزّ ، لأنّ له من
الأوصاف التي يبين بها من غيره ما يقوم مقام الإشارة ، وتلك الأوصاف ممكنة في كل
حال. فيجب القضاء بأنّه لا يصحّ تلقيبه بزيد ولا عمرو ، لأنّ ذلك لا فائدة فيه (ق
، غ ٥ ، ١٩٩ ، ٤)
لم يزل هو
ـ إنّ الذي لم يزل
هو الذي لا فاعل له ولا مخرج له من عدم إلى وجود ، فلو كان العالم لم يزل لكان لا
محرج له ولا فاعل له ، وقد أقرّ أهل هذه المقالة بأنّ العالم لم يزل وأنّ له فاعلا
لم يزل يفعل وهذا عين المحال والتخليط (ح ، ف ١ ، ٢٤ ، ١٧)
لواحق الأحكام
ـ كلّ ما هو محسوس
لا يمكن أن يوصف ، من حيث كونه محسوسا ، بكونه يقينيّا أو غير
يقينيّ ، أو حقّا
أو باطلا ، أو صوابا أو غلطا ، فإنّ جميع هذه الأوصاف من لواحق الأحكام ، اللهم
إلّا إذا قارن المحسوس حكم غير مأخوذ من الحسّ ، وحينئذ يوصف بهذه الأوصاف من حيث
كونه حكما ، ويقال له حكم حسّي ، يقينيّ أو غير يقينيّ (ط ، م ، ١٢ ، ٢١)
لوح محفوظ
ـ إن قال قائل :
حدّثونا ، أتقولون إنّ كلام الله في اللوح المحفوظ؟ قيل له : كذلك نقول لأنّ الله عزوجل ، قال : (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ
مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج : ٢١ ـ ٢٢)
فالقرآن في اللوح المحفوظ ، وهو في صدور الذين أوتوا العلم ، قال الله عزوجل : (بَلْ هُوَ آياتٌ
بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) (العنكبوت : ٤٩)
وهو متلوّ بالألسنة ، قال الله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ
لِسانَكَ) (القيامة : ١٦)
والقرآن مكتوب في مصاحفنا في الحقيقة ؛ محفوظ في صدورنا في الحقيقة ؛ متلوّ
بألسنتنا في الحقيقة ؛ مسموع لنا في الحقيقة ؛ كما قال عزوجل : (فَأَجِرْهُ حَتَّى
يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ) (التوبة : ٦) (ش ،
ب ، ٨١ ، ٦)
لون
ـ اعلم أنّ اللون
هو الهيئة التي يدرك عليها الجسم. ولا شبهة في ثبوته من جهة الإدراك بالعين.
فالطريقة فيه كالطريقة في إدراك الجوهر بحاسّة العين (أ ، ت ، ٢٤٨ ، ٤)
ـ اعلم أنّ اللون
مما يختصّ القديم تعالى بالقدرة عليه دوننا. فإذا حدث فمن جهته يحدث. يبيّن هذا
أنّا لو قدرنا عليها لتأتّى منّا تغيير ألواننا إلى ما نشتهيه ، وتعذّره معلوم (أ
، ت ، ٢٨٤ ، ٣)
ـ ذهب بعض
البغداديين إلى أنّ اللون مقدور لنا. والشبهة فيه أنّ أحدنا يضرب على جسم الحيّ
فتظهر هناك حمرة كما يظهر الألم ، فيجب تولّدهما جميعا عن الضرب (أ ، ت ، ٢٨٤ ، ١٦)
ـ ليس اللون مما
يقع متولّدا عن غيره ولا هو من باب ما يولّد غيره. أمّا الأول فلأنّ الأسباب
المعروفة لا حظّ لها في توليد اللون ، وهذه حال كل ما يختصّ القديم تعالى بالقدرة
عليه. أنّ وقوعه يكون على حدّ الابتداء. ولا يتولّد عن لون سواه على ما يقوله
البغداديون لأنّه لو ولّده لولّده في الحال. إذ لا وجه لتراخيه إلى الثاني على ما
نقوله في النظر والاعتماد ، وإذا ولّد لونا آخر في حاله ، وذلك اللون الآخر يولّد
في تلك الحال مثله : أدّى إلى وجود ما لا يتناهى في حالة واحدة. وكان يلزم لتزايد
الألوان أن يقوى إدراكنا لها سيّما والبقاء صحيح عليها (أ ، ت ، ٢٨٦ ، ١٦)
ليس
ـ إنّ أصل
معنى" ليس" النفي والإخبار عن العدم ووصف الشيء بأنّه غير ممّا يقتضي
وجود الموصوف به (أ ، م ، ٢٦٨ ، ١٢)
ليس بمكلّف
ـ اعلم أنّ
الفاعلين منّا على ضربين. أحدهما مكلّف والثاني غير مكلّف. فمن ليس بمكلّف إنّما
يتأتّى فيه حكمان من هذه الأحكام ، القبيح وما ليس له صفة زائدة على الحسن ، فيكون
في حكم المباح وإن كنّا لا نسمّيه بذلك لعدم التعريف والدلالة فيه ، فالقبيح الذي
يقع من غير المكلّف هو ما يقع من الساهي والنائم والمجنون والبهيمة والطفل ، فإنّ
عندنا أنّه وإن
لم يثبت فيهم حكم
القبيح من استحقاق الذمّ لفقد الشرط فيهم وهو كمال العقل ، فقد يقع منهم ما هو
قبيح. خلافا لما قاله" الشيخان" من أن فعل من ليس بعاقل لا يوصف بالقبح
، ثم الذي يقع من هؤلاء من القبائح ، هو ما كان قبحه لصفة ترجع إليه كنحو الظلم
والكذب وغيرهما ، لأنّه إنّما يقبح لهذا الوجه الجاري مجرى العلّة لقبحه ، فلا
يصحّ مع قبحه إلّا أن يكون قبحا (ق ، ت ١ ، ٢٤٣ ، ٣)
ليس كمثله شيء
ـ معتقد أهل الحق
أنّ الباري لا يشبه شيئا من الحادثات ولا يماثله شيء من الكائنات ، بل هو بذاته
منفرد عن جميع المخلوقات ، وأنّه ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض ، ولا تحلّه الكائنات
، ولا تمازجه الحادثات ، ولا له مكان يحويه ، ولا زمان هو فيه ، أوّل لا قبل له ،
وآخر لا بعد له ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (م ، غ ، ١٧٩ ، ٧)
ليس من شرط
المكلّف
ـ اعلم أنّه ليس
من شرط المكلّف أن يعلم كونه مكلّفا الفعل. قبل أن يفعله ؛ لأنّ ذلك لو كان من
شرطه لقطع على أنّه سيبقى لا محالة وقد ثبت خلافه ؛ لأنّ الواحد منّا يجوّز على
نفسه الاخترام في كل حال ، ولأنّ القطع على ذلك يجري مجرى الإغراء بالمعاصي ، فيجب
ألّا يكون ذلك شرطا ؛ لما ذكرناه أوّلا ، وألّا يجوز أن يحصل في المكلّف ؛ لما
ذكرناه ثانيا (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ١٧)
ـ ليس من شرط
المكلّف أن يكون في حال التكليف عاقلا عالما يمكنه معرفة الخطاب ؛ لمثل ما قدّمناه
من العلّة. ولذلك جوّزنا في المعدوم والعاجز أن يكون ـ سبحانه ـ آمرا لهما ، ومكلّفا
إذا كان هناك من يتحمّل التكليف ، ويكون تقديم الخطاب مصلحة له. فإذا صحّ ذلك ثبت
أنه ليس من شرطه أن يكون موجودا في تلك الحال ؛ لأنّه لو اعتبر ذلك لوجب أن يعتبر
من حيث يجب كونه بصفات المكلّف ؛ لأنّ الوجود وحده لا معتبر به. وقد بيّنا أن ذلك
لا يصحّ (ق ، غ ١١ ، ٤٠٢ ، ١١)
ـ ليس من شرط
المكلّف أن يعلم أنّه يطيع لا محالة ؛ لأنّا قد دللنا على حسن تكليف من يعلم أنّه
يكفر ، فلا يجب إذا أن يكون عالما بأنّه يؤمن ؛ كما لا يجب أن يعلم بأنّه يكفر. وكذلك
فلا يجب أن يكون عالما بأنّه يكفر ، إلّا أن يعلم أنّ في ذلك صورا من الإغراء (ق ،
غ ١١ ، ٤٠٢ ، ١٧)
ـ ليس من شرط
المكلّف متى كلّف بعض الأفعال أن يعلم أنّه لا يزول ذلك التكليف عنه ما دام نصفه
بصفة المكلّف إلى خلافه ؛ لما سنبيّنه من بعد في باب نسخ الشرائع. وإنما يجب في
العقليات أن يعلم أنّها لا تتغيّر ؛ لأنّ الدلالة دلّت على أنها لا تختلف في الوجه
الذي له كلّف ، لا لأنّ ذلك شرط في التكليف ، ولذلك يصحّ أن يكون مكلّفا وإن لم
يستدلّ على ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤٠٢ ، ٢١)
ـ ليس من شرط
المكلّف أن يعلم أنّ له مكلّفا ؛ لأنّه إذا علم وجوب الواجب عليه وقبح القبيح منه
كفى ذلك فيما يصحّ منه من أداء ما كلّف وإن لم يعلم أنّ له مكلّفا قد أعلمه ذلك أو
أمره به أو أراده. وإنّما يجب أن يعلم ذلك في السمعيّات خاصّة ؛ لأنّ طريق معرفته
بوجوبها الأمر ، وبقبح ما يقبح النهي ، فلا بدّ من أن
يتقدّم له المعرفة
بالمكلّف ليعرف أمره ونهيه على وجه يصحّ أن يستدلّ معها على ما يلزم فعله أو تركه.
ولذلك قلنا : إنّ في حال ما يلزمه النظر هو مكلّف وإن لم يصحّ أن يكون عالما
بالمكلّف ؛ لأنّه لو علمه لم يكن ليلزمه النظر الذي يصل به إلى معرفته ـ تعالى ـ (ق
، غ ١١ ، ٤٠٣ ، ١١)
ـ ليس من شرط
المكلّف أن يطلب رضاه فيما كلّف. ولذلك يجب على الإنسان الانقياد في أداء العبادة
وأن يزول عن السخط له. ولو كان متعلّقا باختياره لم يكن لتجب هذه الطريقة (ق ، غ
١١ ، ٤٠٤ ، ١)
ـ ليس من شروط
المكلّف أن تكون المنافع التي يستحقّها على الطاعات له حاصلة أو في حكم الحاصل
كالمعاوضات في الشاهد ؛ لأنّ حصولها مع كونها غير متناهية يستحيل وحصول ما
يستحقّها في هذه الأوقات لا يصحّ ؛ لأنّه يخرج الطاعة من أن تكون مفعولة على وجه
يستحقّ الثواب بها إلى أن تكون مفعولة على وجه الإلجاء لمنافع حاضرة. وهذا لا يصحّ
على ما نبيّنه من بعد (ق ، غ ١١ ، ٤٠٥ ، ٨)
ـ ليس من شروط
المكلّف أن يعلم أنّ الثواب سيحصل له ؛ لأنّه لو علم ذلك لقطع على أنّه سيبقى إذا
كان في الحال فاسقا ، وهذا إلى أن يكون فسادا في التكليف أقرب ، وكان يجب في
المؤمن أن يقطع على أنّه يموت على إيمانه ، وهذا كالأوّل فيما ذكرناه. وعلى كل حال
يجب ألّا يكون هذا العلم محتاجا إليه وإن لم يكن في حصوله مفسدة (ق ، غ ١١ ، ٤٠٥ ،
١٦)
ـ ليس من شرط
المكلّف أن يعلم في كل حال أنّه قد أدّى ما لزمه (ق ، غ ١١ ، ٤٠٥ ، ٢٠)
ـ ليس من شرط
المكلّف أن يكون مريدا لفعل ما كلّف ؛ لأنّ من جملة ما كلّف الإرادة ، ولو وجب أن
يريدها لأدّى إلى ألّا يمكنه الخروج ممّا وجب عليه. وإنّما يجب في كثير من الأفعال
أن يريدها ؛ لأنّها لا تقع على الوجه الذي يكون طاعة إلّا بالإرادة ، وقد يقع منه
ما ليس بإرادة ولا يريده أيضا من المسبّبات. وإن كان فيها ما لا بدّ من أن يريده
إمّا على جملة أو على تفصيل. وقد بيّنا أنّه ليس من شرط المكلّف أن يكون نافر
الطبع عن كل ما كلّف ، ولا أن يكون مشتهيا لكل ما كلّف مجانبته ، فلا وجه لإعادة
القول فيه (ق ، غ ١١ ، ٤٠٦ ، ٣)
ليلة القدر
ـ معنى ليلة القدر
: ليلة تقدير الأمور وقضائها من قوله تعالى (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ
أَمْرٍ حَكِيمٍ) (الدخان : ٤) وقيل
سمّيت بذلك لخطرها وشرفها على سائر الليالي (وَما أَدْراكَ ما
لَيْلَةُ الْقَدْرِ) (القدر : ٢) يعني
ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علوّ قدرها. ثم بيّن له ذلك بأنّها خير من ألف
شهر. وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينيّة التي
ذكرها من تنزّل الملائكة والروح وفصل كل أمر حكيم. وذكر في تخصيص هذه المدة"
أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر
، فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت إليهم أعمالهم ، فأعطوا ليلة هي خير من مدّة ذلك
الغازي" وقيل إنّ الرجل فيما مضى ما كان يقال له عابد حتى يعبد الله ألف شهر
، فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحقّ بأن يسمّوا عابدين من أولئك العبّاد (ز ، ك ٤
، ٢٧٣ ، ١٠)
م
مؤثّر
ـ لا معنى لكون
الشيء مؤثّرا في الغير إلّا صدور الأثر عنه على ما تقدّم ، فقبل صدور الأثر عنه يستحيل
أن يكون مؤثّرا (ف ، م ، ١١١ ، ٢٣)
ـ إنّ المؤثّر لا
يفعل إلّا على سبيل الإيجاد (ف ، م ، ١٢٢ ، ٤)
ـ إنّ جميع
الممكنات واقع بقدرة الله تعالى ، أمّا المعارضة بنفس الإرادة فقوية ، وجوابها أنّ
مفهوم كون الشيء مرجّحا غير مفهوم كونه مؤثّرا ، وذلك يوجب الفرق بين القدرة
والإرادة ، ويتوجّه عليه أنّ المفهوم من كونه عالما بهذا السواد غير المفهوم من
كونه عالما بذلك ، فيلزم أن يكون له بحسب كل معلوم علما ، وقد التزمه الأستاذ أبو
سهل الصعلوكي منّا وهو الوجه ليس إلّا (ف ، م ، ١٢٦ ، ٢٧)
ـ المؤثّر هو كلّ
موجود يحصل منه موجود هو أثره. ولهذا ذهبت المعتزلة إلى أنّ الإعدام يكون بإيجاد
ضدّ الموجود ، حتّى مشايخهم قالوا : إنّ الله تعالى قبل القيامة يخلق عرضا هو
الفناء لا في محلّ ، وهو ضدّ جميع ما سوى الله تعالى ، فيفنى بوجوده ما سوى الله
تعالى وهو لا يبقى زمانين فينتفي ، ولا يبقى غير وجه الله ذي الجلال والإكرام.
وذهب النظّام إلى أنّ جميع الأجسام والأعراض غير باق زمانين ، بل يحدثها الله حالا
فحالا. وذهبت الأشاعرة إلى مثل هذا القول في الأعراض (ط ، م ، ٤٠ ، ٤)
ـ الصّحيح عند أهل
السنّة أنّ الله تعالى قادر على كلّ الممكنات ، وغير مؤثّر في كلّها. والعبد قادر
على البعض وغير مؤثّر في شيء. فهما إذن قادران على شيء واحد ، مع أنّ المؤثّر فيه
أحدهما دون الآخر. وإنّما كان ذلك كذلك لكون المؤثّر محتاجا مع القدرة إلى القدرة
، والقادر هو الذي له القدرة فقط من حيث هو قادر. وعلى هذا التقدير لا يمتنع أن
يكون في ممكن مؤثّر غير الله تعالى (ط ، م ، ٢٩٩ ، ٢١)
ـ لا مؤثّر حقيقة
إلّا الفاعل. المعتزلة والفلاسفة وغيرهم : بل العلّة والسبب وما يجري مجراهما ،
وهو الشرط والداعي. البهشميّة وغيرهم : والمقتضي. والعلّة عندهم ذات موجبة لصفة أو
حكم ، وشرطها أن لا يتقدّم ما أوجبته وجودا بل رتبة ، وشرط الذي أوجبته أن لا
يختلف عنها. والسبب عندهم ذات موجبة لذات أخرى ، كالنظر الموجب للعلم. والشرط
عندهم ما يترتّب صحّة غيره عليه ، أو صحّة ما يجري مجرى الغير ، وهو نحو الوجود ،
فإنّه شرط في تأثير المؤثّرات ، وشرطه أن لا يكون مؤثّرا (بالكسر) في وجود المؤثّر
(بالفتح) (ق ، س ، ٥٩ ، ١٦)
مؤثّر في استحقاق
المدح والثواب
ـ أمّا المؤثّر في
استحقاق المدح والثواب ، فهو فعله للواجب واجتنابه للقبيح وما يجري هذا المجرى ،
وما عداه شرط فيه. وإذ قد عرفت هذه الجملة ، فاعلم أنّه تعالى إذا كلّفنا الأفعال
الشاقّة فلا بدّ من أن يكون في مقابلها من الثواب ما يقابله ، بل لا يكفي هذا
القدر حتى يبلغ في الكثرة حدّا لا يجوز الابتداء بمثله ولا التفضّل به ، وإلّا كان
لا يحسن التكليف لأجله (ق ، ش ، ٦١٤ ، ١١)
مؤثّر في كوننا
قادرين
ـ إنّ من حقّ
الدليل أن يكشف ولا يؤثّر ، فوقوعه بحسب الدواعي يكشف عن اختصاص الفعل بنا وحدوثه
من جهتنا. ثم يحتاج إلى نظر في أنّه المؤثّر أو غيره. وتبيّن صحّة ذلك أنّ المؤثّر
في كوننا قادرين هو وجود القدرة ، ثم الدلالة على أنّا قادرون هي صحّة الفعل فكذلك
الحال فيما قلناه (ق ، ت ١ ، ٣٦١ ، ١١)
مؤمن
ـ من قول عبّاد
إنّ من زعم أنّ الله لم يخلق الكافرين والمؤمنين فقد نفى عن الله خلق الإنسان ،
لأنّ الكافر عنده إنسان وكفر ، والمؤمن عنده إيمان وإنسان ، فإذا نفى عن الله خلق
الكافر والمؤمن فقد نفى عنه خلق الإنسان وخلق إيمانه وكفره. ونفي خلق الإنسان عند عبّاد
شرك بالله وكفر به. وقد كان يقول : إنّ الله خلق المؤمن والكافر أي خلق الإنسان
المؤمن والإنسان الكافر (خ ، ن ، ٦٩ ، ١٤)
ـ روى (الماتريدي)
في قصة جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه
ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد
أن لا إله إلا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في
الأوّل : فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح
، ٣٩٣ ، ١٤)
ـ إنّه من البعيد
عن العقول أن يأتي المرء بجميع شرائط الإيمان ثم لا يكون مسلما ، أو يأتي بجميع
شرائط الإسلام ثم لا يكون [مؤمنا] ، ثبت أنّهما في الحقيقة واحد. ومعلوم أنّ الذي
يسع له التسمّي بأحدهما يسع بالآخر ، وأن الذي به يختلف الأديان / إنّما هو
الاعتقاد لا بأفعال سواه ، وبالوجود يستحق كل الاسم المعروف ؛ لذلك وجب ما قلنا.
وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران : ١٩) ،
وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران : ٨٥) (م
، ح ، ٣٩٦ ، ٢)
ـ إن أقرّ بجملة
الإسلام في أرض الترك لا يعلم شيئا من الفرائض ولا شرائع الإيمان ولا الكتاب ولا
يقرّ بشيء منها ، فإنّه مؤمن وإن كان لا يعلم شيئا ولم يعمل به (م ، ف ، ٨ ، ٧)
ـ إنّ هاهنا
اختلاف آخر بيننا وبين المرجئة أنّها قالت أنّ المؤمن في الجنّة ولو ارتكب الكبائر
والمعاصي ، وأنّها لا تضرّ مع الإيمان (م ، ف ، ١٦ ، ١٣)
ـ مستحقّ الثواب
يوصف بأنه مؤمن ، وما شاكله من الأسماء (ق ، غ ١٤ ، ٣٠١ ، ١٤)
ـ إنّ قولنا مؤمن
، يفيد استحقاق الثواب ، ولا يستحقّ الثواب بألّا يفعل القبائح ، دون أن يتضمّن
إلى ذلك فعله للواجبات ، فمتى تكامل استحقّ الثواب ، فلذلك لم يوصف لتعرّيه من
القبائح ، بأنّه مؤمن. ولذلك لا يصفه من خالفنا بأنّه مؤمن ، من فعل واجب واحد ،
حتى يتكامل الجمع ، وينضاف إليه ترك القبائح ، وليس كذلك حال وصفنا له بأنّه كافر
وفاسق ، لأنّ الخصلة الواحدة قد تكون كفرا وفسقا ، وإن لم يقترن غيرها بها (ق ، غ
١٤ ، ٣٠٢ ، ٨)
ـ المؤمن بالله هو
المصدّق لله في خبره ، وكذلك المؤمن بالنبي مصدّق له في خبره. والله مؤمن لأنّه
يصدّق وعده بالتحقيق (ب ، أ ، ٢٤٧ ، ١٦)
ـ قد يكون المؤمن
في اللغة مأخوذا من الأمان ، والله مؤمن أوليائه من العذاب (ب ، أ ، ٢٤٨ ، ٢)
ـ صحّ أنّ كل من
اعتقد الإسلام بقلبه ونطق به لسانه فهو مؤمن عند الله عزوجل ومن أهل الجنّة سواء كان ذلك عن قبول أو نشأة ، أو عن
استدلال وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٤ ، ٤٤ ، ٧)
ـ أمّا عبّاد بن
سليمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أنّ الله تعالى لا يقدر على غير ما
فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال أنّ الله خلق المؤمنين ولا أنّه خلق الكافرين ،
ولكن يقال خلق الناس وذلك زعم ، لأنّ المؤمن عنده إنسان وإيمان ، والكافر إنسان
وكفر ، وإنّ الله تعالى إنّما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر ،
وكان يقول إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق ، وأنّه تعالى لم يخلق
المجاعة ولا القحط (ح ، ف ٤ ، ١٩٦ ، ١٦)
ـ ما المؤمن؟ هو
في اللغة المصدّق ، وأمّا في الشريعة فقد اختلف فيه على قولين : أحدهما أنّ كل من
نطق بالشهادتين مواطئا قلبه لسانه فهو مؤمن ، والآخر أنّه صفة مدح لا يستحقها إلّا
البرّ التقي دون الفاسد الشقي (ز ، ك ٣ ، ٢٥ ، ٧)
ـ المؤمن : المصدق
بالله ورسوله وبما يجب أن يصدّق به (ز ، ك ٣ ، ٢٦١ ، ١٢)
ـ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ
كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (التغابن : ٢)
يعني فمنكم آت بالكفر وفاعل له ، ومنكم آت بالإيمان وفاعل له (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ٤)
ـ من أتى بالمعرفة
ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده ، لأنّ العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد ، فهو مؤمن ،
قال (جهم بن صفوان) : والإيمان لا يتبعّض أي لا ينقسم إلى : عقد ، وقول وعمل (ش ،
م ١ ، ٨٨ ، ٦)
ـ قلنا : المؤمن ،
لغة ، " المصدّق" ، وقد صار لمن أتى بالواجبات واجتنب المقبحات (ق ، س ،
٩٠ ، ١١)
مؤمن بالله تعالى
ومؤمن عند الله
ـ كان في أصحابنا
من فرّق بين القول" مؤمن بالله تعالى" و" مؤمن عند الله
تعالى". وكان يجعل المؤمن عند الله هو الذي يعلم من عاقبة حاله الإيمان ،
والمؤمن به من يكون ذلك الظاهر من حاله على ما عندنا من حكمه واسمه. فأمّا شيخنا
أبو الحسن رحمهالله فإنّه لم يفرّق بين ذلك لفظا ، وإن فرّق بينهما في المعنى
على هذا المراد الذي أشار إليه هذا القائل. وأجاز اختلاف الحال في الحكم على ما
يقول إنّه عندنا وعند الله ، وأن يفترق الأمر فيه على هذين الوجهين الذين بيّناهما
(أ ، م ، ١٦١ ، ٢٢)
مؤمن حقيقي
ـ ويجوز أن يسمّى
إيمانا حقيقة على وجه ، ومجازا على وجه : ومعنى ذلك : أنّ العبد إذا صدّق قلبه بما
قلنا وأقرّ بلسانه ، وعملت جوارحه فهو المؤمن الحقيقي عند الله وعندنا (ب ، ن ، ٥٥
، ١٩)
مؤمن مجازا
ـ أمّا من كذب
بقلبه وأقرّ بالوحدانيّة بلسانه وعمل الطاعات بجوارحه فهذا ليس بمؤمن حقيقة ،
وإنّما هو مؤمن
مجازا ، لأنّ ذلك يمنع دمه وماله في أحكام الدنيا ، لأنّه مؤمن من حيث الظاهر ،
وهو عند الله غير مؤمن (ب ، ن ، ٥٥ ، ٢١)
ما به يصير
المكلّف معرّضا للثواب
ـ اعلم أنّ
المكلّف إنّما يصير معرّضا للثواب متى صار بالصفة التي لكونه عليها يصحّ منه أن
يتوصّل إلى استحقاق الثواب ، بالإقدام على الفعل أو اجتنابه. وعلى هذا الوجه يوصف
الواحد منّا بأنّه عرّض غيره لطريقة من المنافع إذا جعله بحيث يمكنه أن يصل إلى
نيلها. ولذلك يبعد في المنافع المحضة الواصلة إلى الغير أن يقال : إنّه عرّض لها
مع حصولها له من غير تسبّب إليها بغيرها. وإنّما لم يوصف بذلك والحال ما قلناه ؛
لأنّ المنافع حاصلة لا تحتاج إلى تكلّف بعض الأفعال ليصل إليها. وفي ذلك من أعظم
الدلالة على أنّه إنّما يقال : عرّض للمنافع متى لم تكن حاصلة ، وصحّ منه أن
يتوصّل إلى تحصيلها أو استحقاقها. وقد علمنا أن المكلّف لا يصير بهذه الصفة إلّا
إذا حصل ممكّنا من الطاعة ، وارتفع عنه الإلجاء ، ولم يغن بالحسن عن القبيح ، على
ما سنبيّنه من بعد ، فمتى حصل كذلك ، وورد عليه ما يقتضي الخوف من ترك النظر ، فقد
حصل عالما بوجوب الأمور الشاقّة ، فيجب أن يصحّ منه التوصّل إلى استحقاق الثواب
بفعلها. وكما يصحّ منه ذلك فقد يصحّ منه التوصّل إلى استحقاق العقاب بالإخلال
بالواجب ، والإقدام على القبيح (ق ، غ ١١ ، ١٧٤ ، ٨)
ـ ليس من شرط كون
المكلّف معرّضا للثواب أن يكون تعالى معرّضا له ؛ كما أنّه ليس من شرط كون الواجب
واجبا عليه أن يكون تعالى موجبا له ؛ لأنّه متى حصل المكلّف بالصفة التي قدّمناها
أمكنه التوصّل إلى الثواب بالطاعة ، سواء أراد القديم تعالى ذلك منه أم لا. وإنّما
يصير تعالى معرّضا له للثواب بالإرادة التي لاولها وما يجري مجراها لم يكن بأن
يكون معرّضا له للثواب أولى من العقاب ، لأنّه قد مكّنه من الأمرين على وجه لا
مزيّة لأحدهما على الآخر ، فلو كان معرّضا له لأجل التمكين لم يكن أحدهما أولى
بذلك من الآخر. وليس له أن يقول : إنّه بنفس التمكين لا يكون معرّضا للثواب ،
وإنّما يكون معرّضا لذلك متى أكمل عقله ، وعرف الفرق بين الحسن والقبيح ، وجعل
مشتهيا للقبيح ، نافر الطبع عن الحسن الواجب. ومتى كان القديم تعالى جاعلا له بهذه
الصفة التي تدعو إلى الواجب كان معرّضا له للثواب دون العقاب ، وإن تمكّن من
الأمرين. فإذن قد ثبت أنّ ما به يصير معرّضا به يصير القديم تعالى معرّضا. وفي ذلك
إبطال ما ذكرتموه. وذلك لأنّ المكلّف لا يتمكّن في الحقيقة من فعل الطاعة على
الوجه الذي يستحقّ به الثواب إلّا وحاله ما ذكرته. فتصير جميع هذه الوجوه بمنزلة
التمكين له من الوصول إلى ذلك. وكذلك أيضا فالمعلوم أنّه لا يستحقّ العقاب بالقبيح
إلّا إذا كان حاله ما ذكرته ، فصار ذلك في حكم التمكين له من التوصّل إلى الأمرين
، وكلّ فعل صحّ وقوعه على وجهين فإنّما يقع على أحدهما دون الآخر للإرادة على ما
نقوله في الخبر وغيره من الأفعال (ق ، غ ١١ ، ١٧٦ ، ١)
ما لا متعلّق له
ـ أمّا ما لا
متعلّق له (صفات الله) فسبيل العالم به منّا أن يعلم كونه عليها لم يزل ولا يزال.
وأنّ
خلاف هذه الصفة لا
يجوز عليه ما نقوله في كونه حيّا وموجودا وعلى ما نقوله فيما هو عليه في ذاته ،
ولا شيء في التفصيل أبلغ من ذلك ، ويدخل في ذلك كونه سميعا بصيرا لأنّه راجع إلى
كونه حيّا لا آفة به (ق ، ت ١ ، ١٠١ ، ١٠)
ما لا يتناهى
ـ كل ما حصره
الوجود وكان قابلا للنهاية فهو متناه ضرورة ، وما لا يتناهى لا يتصوّر وجوده سواء
كان له ترتيب وضعيّ أو طبيعيّ أو لم يكن (ش ، ن ، ٢٤ ، ١١)
ما لا يجب على كل
مكلّف
ـ إثبات الأعراض
وتناهيها وحدّتها وكون الجسم غير متقدّم لها وما يأتي فيه من الشروط وغيرها ، مما
لا يجب على كل مكلّف. لأنّ غرضنا في أكثره هو إزالة شبه المخالفين بذكره في ابتداء
الدليل (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٩ ، ١٠)
ما لا يفعله قادر
منا إلا مباشر
ـ ما سوى ذلك من
أفعال القلوب فإنّه لا يصحّ أن يفعله إلّا مباشرا فقط كالإرادة وغيرها (ق ، غ ٩ ،
١٢٤ ، ١٠)
ما لا يفعله قادر
منا إلّا متولّدا
ـ اعلم أنّ
الأصوات والآلام والتأليف مما لا يصحّ أن يفعله القادر منّا إلّا متولّدا ، وإن
كان شيخنا أبو هاشم رحمهالله قد ذكر في التأليف خاصة في كتاب الإنسان أنّه قد يكون
مباشرا ومتولّدا جاريا فيه على طريقة أبي علي رحمهالله ، والذي حصله آخرا ما قدّمناه فيه وفي الأصوات والآلام (ق
، غ ٩ ، ١٢٤ ، ٤)
ما لعدمه أول
ـ كل ما لعدمه
أوّل ، أن يكون بالفاعل وإن وجب عدمه (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٩)
ما له حسن الحسن
ـ لا يجوز أن يكون
ما له حسن الحسن الأمر ، وأنّا لم نتجاوز به ما حدّ ورسم لنا. ولا يجوز أن يكون
الموجب لحسن أفعاله جلّ وعزّ أنّه ربّ مالك ناه آمر ، ناصب للدليل ، متفضّل (ق ، غ
٦ / ١ ، ٥٩ ، ١٢)
ما له متعلّق
ـ أمّا ما له
متعلّق (صفات الله) ففي كونه قادرا لا بدّ من أن نعرف ما ذكرناه من كونه كذلك فيما
لم يزل ولا يزال. ولا بدّ من أن نعرف أنّه لا ينحصر مقدوره في الجنس والعدد إذا
صحّ كونه مقدورا له. فأمّا ما لا يصحّ كونه مقدورا له بأن يكون مقدورا لغيره أو
يصحّ كونه مقدورا لغيره فلا يصحّ فيه تعالى أن يقدر عليه. ويجب أن نعرف أن المنع
عليه غير جائز ، وأنّ كل ما يقدر عليه فلا بدّ من أن يصحّ منه إيجاده على الوجه
الذي يصحّ وجوده عليه (ق ، ت ١ ، ١٠١ ، ١٤)
ما له يجب الواجب
على المكلّف
ـ جملة ما له يجب
الواجب على المكلّف لا يخرج عن أقسام ثلاثة : إمّا أن يجب لصفة تختصّ به متى علم
علّتها عقلا علم وجوبه ؛ نحو كونه ردّا للوديعة ، وقضاء للدين ، وشكرا للمنعم مع
زوال الإحباط. وإمّا أن يجب على طريق التحرّز من المضرّة. ويدخل في ذلك الواجبات
السمعيّة ، لأنّها تجب للمصالح ولحقيقة تعود إلى التحرّز من المضرّة ، وإن
كان طريق العلم في
السمعيّ يخالف طريق ذلك في العقليّ ويتحرّز من المضارّ ببعضه بوسائط ، وبعضه
يتحرّز بنفسه من المضارّ ، وببعضه يتوقّى من مضرّة هي في حكم الحاضرة ، وببعضه من
مضرّة آجلة ، وكلّ ذلك لا يخرجه عن هذا القسم الواحد ، أو يجب لأنّه إرادة الفعل
الذي وصفناه أو علم به أو تمكّن منه ؛ لأنّ ما أدّى إلى الواجب حتى لا يصحّ أداؤه
إلّا معه واجب لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٥٣٠ ، ٩)
ما له يصير
الاعتقاد علما
ـ ما له يصير (الاعتقاد)
علما ، إمّا علّة ، أو وقوعه على بعض الوجوه. وقد علمنا أنّ العلل لا تصحّ على
الأعراض ، لفقد اختصاصها بها على وجه يكون علّة دون غيره. فيجب أن يكون علما ،
لوقوعه على بعض الوجوه. ولا يجوز أن يكون ذلك الوجه غير معقول ، لما فيه من ارتكاب
الجهالات. ووجدنا المعقول من ذلك ، ليس إلّا ما نعلم أنّه إذا وقع عليه سكنت النفس
إلى المعلوم عنده. كما أنّ وجوه القبح هي ، ما إذا وقع القبيح عليه ، اقتضى في
فاعله استحقاق الذمّ. والذي يختصّ بهذا الحكم ، هو وقوعه عن نظر ، وعند تذكّر
النظر ، ومن فعل العالم بالمعتقد ، وأن يعلم أنّ الشيء لا يختصّ بصفة إلّا ويختصّ
بأخرى ، فمتى علم ما اختصّ بالأولى فعل العلم باختصاصه بالأخرى. فيكون وقوعه ،
والحال هذه ، يقتضي كونه علما ، نحو علمه بأنّ الظلم لا يكون إلّا قبيحا ، والمحدث
لا يكون إلّا من محدث. فإذا علم ظلما مفصّلا ومحدثا معيبا ، فعل اعتقاد قبحه
وحاجته إلى محدث ، لأجل تقدّم العلم للأول. وبيّنا أنّه قد يكون علما ، بأن يذكر
العلم المتقدّم بالشيء ، فيفعل العلم في الحال. وقد يكون علما ، بأن يصير المعتقد
به عالما ، وإن لم يكن في حال فعله عالما. وكل ذلك مما بيّناه ، من قبل ، وأبطلنا
سائر الوجوه التي قال فيها بعضهم : إن الاعتقاد يكون علما لأجله. نحو قولهم : إنه
يكون علما ، لكونه مدركا لما علمه ، أو لمشاهدته الأدلّة ، أو لعلمه بها ، أو لأنّ
الطبع اقتضى ذلك فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤ ، ٧)
ما له يقبح القبيح
ـ لا يجوز أن يكون
الموجب لقبحه أحوال الفاعل منّا ، نحو كون الواحد منّا محدثا مربوبا مملوكا مقهورا
مغلوبا. ولا يجوز أن يكون ما له يقبح القبيح منّا النهي ، ولا أنّا نتجاوز به ما
حدّ به ورسم لنا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١١)
ما لوجوده أول
ـ إنّ كل ما
لوجوده أوّل ، فهو بالفاعل وإن وجب وجوده ، كالمسببات التي يجب وجودها عند وجود
أسبابها (ق ، غ ٨ ، ٧٧ ، ١٧)
ما ليس بعلم
ـ اعلم ، أنّه إذا
ثبت أنّه قد يوجد من جنس العلم ما ليس بعلم ، وهو الاعتقاد الذي معتقده على ما هو
به ؛ وعلمنا أنّ العلم يبيّن منه ، بأنّه يقتضي سكون النفس ؛ فلا بدّ من أمر لأجله
يختصّ بذلك. وإذا لم يجز أن يختصّ بذلك ، لا لوجه ، لأنّه كان لا يكون بأن يختصّ
هو بهذا الحكم أولى من أمثاله ، فيجب أن يكون لأمر ما ، ولا يجوز لوجوده وحدوثه ،
لأنّ ذلك حاصل للاعتقاد الذي ليس بعلم ، ولا يجوز أن
يكون لمعنى منفصل
منه ، ولا لأمر يرجع إلى الوجود من تواليه وكيفية وجوده. فيجب أن يكون إنّما اختصّ
بذلك ، لأنّه في نفسه على حال ، وجب كون العالم به ساكن النفس إلى ما علمه (ق ، غ
١٢ ، ٣٠ ، ٣)
ما وجب وجوده
للعلة
ـ لا يصحّ إثبات
قديم بأن يقال : إنّه علّة في حدوث الأشياء ، ولأنّ كونه علّة في حدوثها يوجب
إبطال حدوثها وكونها قديمة. وبعد ، فإنّ ما خلقه وأحدثه لو كان حادثا لعلّة لنقض
ذلك كونه حادثا بالفاعل ؛ لأنّ ما وجب وجوده للعلّة استغنى في وجوده عن القادر ؛
كما أنّ ما وجد من جهة أحد القادرين يستغني في وجوده من جهته عن القادر الثاني.
وقد ثبت أنّه تعالى قادر فاعل مختار ، فيجب إبطال ما يؤدّي إلى نقض ذلك فيه (ق ، غ
١١ ، ٩٤ ، ١١)
ما يتراخى المسبّب
فيه عن السبب
ـ إنّ من المتقرّر
أنّ السبب قد يصحّ وجوده ويعرض عارض من وجود المسبّب. فإذا ثبتت هذه الجملة قلنا :
فكل ما يفعله الله تعالى من الأسباب قد يصحّ أن يعرّى عن التوليد بأن يفعل ما يصير
منعا له عن التوليد ، فيوجد السبب ولا يوجد مسبّبه ، وهذا ظاهر فيما يتراخى
المسبّب فيه عن السبب. وقد يصحّ فيما نقارنه أيضا بضرب من المنع ، ولكن على كل حال
فيما يتراخى يصحّ من الله تعالى المنع من وقوع المسبّب. والواحد منّا قد يصحّ منه
على بعض الوجود أن يمنع مثل أن يرمي بإحدى يديه ويأخذ باليد الأخرى ، ولكنّ في
السهم إذا انفصل عن القوس لا يتأتّى ذلك. وعلى هذا إذا أنفذ السهم عن القوس لم يجد
طريقا في تلافي ذلك إذا كان يصيب مسلما سوى أن يندم على ما كان منه ويكره وقوع هذه
الإصابة ، ولو قدر أنّه جلّ وعزّ يفعل ما هذا حاله لكان الواجب عليه بعد وجود
السبب أن يمنع السبب من التوليد ، لأنّ الواحد منّا لو أمكنه أن يصير غير فاعل لما
فعله كان هذا هو الواجب ، ولكن عند تعذّر ذلك أقيم الندم مقامه (ق ، ت ١ ، ٤١٩ ،
١٧)
ما يتعلّق بغيره
ـ إذا عدمت القدرة
استحال الفعل بها لخروجها عن التعلّق ولخروجها عن أن توجب الصفة للقادر ، فبطل ما
ظنّه الخصم. وليس يلزمنا إذا جعلنا العدم موجبا لزوال التعلّق أن يكون كل موجود متعلّقا
أو كل ما لا يتعلّق لا يكون موجودا ، لأنّ كل ذلك عكس. والطرد في هذا الباب أنّ كل
ما يتعلّق بغيره فلا بدّ من أن يكون موجودا. فهو كما يجعل من شرط العلّة الموجبة
الوجود ثم لا يجب في كل ما هو موجود أن يكون موجبا ، وفي كل ما ليس بموجب أن لا
يكون موجودا (ق ، ت ١ ، ١٣٤ ، ٢٣)
ما يتعلّق التكليف
به
ـ إنّه قد تقرّر
في العقل أنّ من فعل القبيح وهو عالم بقبحه وعالم بأنّه معصية للمنعم عليه ، يكون
ذنبه أعظم من ذنب من أقدم عليه والحال بخلافه. ولسنا نجعل ما يعظم به الفعل مما
يتعلّق به ، ألا ترى أنّا قد نوجب عظم العقل بأمور ترجع إلى غيره ، كنحو تأسّي
الغير به فيما سنّه من قبيح أو حسن؟ فإذا جاز ، فيما لا يتعلّق
به أصلا ، أن يكون
وجها لعظم الفعل ، لم يمتنع مثل ذلك في علمه بقبح المعصية. وليس كذلك حال ما
يتعلّق التكليف به ، لأنّ من شأنه أن يكون متّصلا بفعله وبحاله ، ولا يقوم فعل
غيره في ذلك مقامه. فإذا تمكّن من أن يعلم القبيح ، فلم يعلمه ، وأقدم عليه ،
استحقّ العقوبة ، لكن فقد علمه ببعض عقاب القبيح (ق ، غ ١٢ ، ٣١٣ ، ٢١)
ما يتولّد عن
النظر
ـ إنّ العلم قد
يكون علما وإن لم يكن المعلوم مدركا ، فأبطلنا قول من لم يصحّح العلم إلا بالمدرك
، وبيّنا أن قولهم يقارب قول السّوفسطائية ، ودللنا على أن ما يتولّد عن النظر علم
في الحقيقة ، وأن العلم بالله سبحانه وبسائر ما يلزم المكلّف علم صحيح (ق ، غ ١٤ ،
١٢٩ ، ١٩)
ما يجب تقدّمه على
التكليف
ـ قد قسم ما يجب
تقدّمه على التكليف من قبيل الله تعالى إلى قسمين : أحدهما ما يكمل به العقل
والثاني ما هو أصول الأدلّة. والكلام في العلوم التي يعبّر عنها بالعقل مذكورا في
غير موضع. وأمّا أصول الأدلّة فهي أيضا علوم ضروريّة وفي الغالب لا ينفكّ كمال
العقل عنه. فإنّ أصل الدلالة على أنّ العبد محدث هو تعلّق فعله به ووجوب وقوعه
بحسب قصده وداعيه وذلك من جملة كمال العقل. وكذلك فأصل الدلالة على إثبات الأكوان
حصول الجسم مجتمعا مع جواز أن يبقى مفترقا ، وذلك لم يعرف ضرورة ولكن إنّما فصل
بين ذلك وبين ما هو من كمال العقل والله أعلم (ق ، ت ١ ، ٦ ، ٢٢)
ما يجب عن السبب
ـ إنّ ما يجب عن
السبب هو مقدور للقادر عندنا وإن كان يفعله بواسطة ، فكما لا تمتنع الشروط في
القادر حتى يصحّ أن يفعل على وجه دون وجه ، فكذلك لا يمتنع مثله في السبب ، ولذلك
قلنا إنّ السبب في الحقيقة لا يوجب المسبّب ، وإنّما يجب وجوده عند وجوده من جهة
القادر ، وليس كذلك الطبع لو كان معقولا ، لأنّ إيجابه لما يوجبه لا يرجع إلى
اختيار مختار على وجه ، فلذلك يجب فيه ما يلزمهم من أن يوجب الفعل على كل حال وأن
لا يتعلّق بشرط (ق ، غ ٩ ، ٤٩ ، ١٧)
ما يحتاج القادر
منا
ـ إنّ أحدنا قد
يحتاج في كثير من أفعاله إذا أوقعه على وجه مخصوص إلى آلات ، كما قد يحتاج إلى
القدر وإلى العلم. لكن بين حاجته إلى العلم وبين حاجته إلى القدرة والآلة فصل.
فإنّه لا بدّ في العلم من أن يتقدّم ويقارن وليس كذلك القدرة. وأمّا الآلات فهي
مختلفة على ما قدّمناه. وقد بيّن أنّ الحاجة إلى العلم تكون من وجهين ، أحدهما لترتيب
الأفعال وإيقاعها محكمة ، والثاني لما يرجع إلى استحقاق المدح والثواب ، فإنّه ما
لم يكن عالما بما يفعله ويعلم أنّه واجب أو مندوب إليه لم يستحقّ على ذلك مدحا.
وقد تقدّم ذلك في أوّل الكتاب. ومن جملة ما يحتاج القادر منّا إليه في وقوع فعله
على وجه مخصوص هو الإرادة أو كون المريد مريدا. وإن كان قد حقّق ذلك في الكتاب
فقال : إنّما يحتاج إلى أن يتمكّن من الإرادة التي توجب كونه مريدا فتؤثّر هذه
الصفة في حكم من أحكام كلامه أو غير ذلك من أفعاله.
وإلّا فإنّا نعلم
أنّ الإرادة لو تقدّمت وكذلك كونه مريدا لم يكن لها تأثير. ولو حصلت ضرورة فيه لم
تؤثّر على حدّ ما تؤثّر إذا كانت واقعة من جهته باختياره. ففارقت الإرادة العلم ،
فإنّه لا فرق في العلم بين أن يكون من قبله أو من قبل غيره ، وليس كذلك الإرادة (ق
، ت ٢ ، ١٥٢ ، ١٤)
ما يحسن من الله
خلقه ابتداء
ـ في ذكر أقل ما
يحسن من الله تعالى خلقه في الابتداء مفردا من غيره. اعلم أنّ أوّل ما يحسن منه
تعالى أن يخلقه ابتداء ، خلق حيّ وخلق الشهوة لمدرك موجود على وجه يدركه فيلتذّ
به. ولا يجب أن يكون ذلك المدرك غيره ؛ لأنّه لا يمتنع أن يشتهي الحيّ إدراك بعضه
، أو إدراك ما يحلّ في بعضه من لون أو غيره. وقد بيّنا من قبل أنّ الشهوة يصحّ
تعلّقها بالمدركات. فإذا كان الجوهر نفسه مدركا من جهة الرؤية واللمس لم يمتنع منه
تعالى أن يخلق الحيّ ويجعل شهوته في إدراك بعضه ، فلا يجب على هذا القول أن يخلق
فيه لونا ولا غيره ، بل يجوز أن يخلو ذلك الحيّ من جميع الأعراض سوى الألوان على
ما دللنا عليه من قبل. فأمّا خلق الشهوة فلا بدّ منها ، لأنّ الانتفاع لا يصحّ
إلّا معها على ما بيّناه في باب الصفات ، وما لا يصحّ وجود حياته إلّا معه من
البنية وغيرها فلا بدّ من أن يخلقه تعالى من حيث يجب خلق الحياة التي معها يصحّ التنعّم
، ولولاها لم تحصل النعم أصلا ، ولو صحّ وجود الحياة مع عدم البنية لم يجب خلقها ؛
لأنّ الانتفاع كان يصحّ من الحيّ مع عدمها (ق ، غ ١١ ، ٧٢ ، ١١)
ما يحسن منه تعالى
أن يخلقه أولا
ـ في ذكر صفة ما
يحسن منه تعالى أن يخلقه أوّلا ، وما لا يحسن منه ، وما يصحّ ذلك فيه وما لا يصحّ.
اعلم أنّه لا يصحّ منه تعالى أن يخلق أوّلا الواجب ، أو ما لا صفة له زائدة على
حسنه كالعقاب ؛ لأنّ صحّتهما تقتضي تقدّم خلق غيرهما : من المكلّف والتكليف وغير
ذلك ، فلا يجوز منه تعالى إذا أن يفعلهما أوّلا. ولسنا نعني بذلك أنّه لا يجوز مثل
الثواب أو العقاب في الجنس أوّلا ، لأنّه قد يجوز أن يفعلهما مع أوّل من يخلقه من
الأحياء ، وإنّما نعني أنّه لا يجوز أن يفعلهما على الوجه الذي يكونان عليه ثوابا
وعقابا ، وأنّه لا يجوز أن يفعلهما أولا مفردين لتعلّقهما في صحّة الوجود بغيرهما.
فأمّا بعد خلق الحيّ فقد يصحّ أن يفعلهما وإن قبح ذلك ، وإن كانت ألفاظ شيوخنا رحمهمالله ربما تختلف في ذلك ، فيقال في موضع ، إنّ الثواب لا يصحّ
كونه ثوابا إلّا وهو مستحقّ ، وربما يقال : إنّه لا يحسن إلّا مع الاستحقاق ،
والذي يصحّ وجوده من أفعاله تعالى أوّلا ليس إلّا العبث أو الظلم ، ويتعالى عن
فعله ، نحو خلق الجماد أو الحي لكي يضرّه ، أو النفع والإحسان ، وهو خلقه للأحياء
لينفعهم والجماد لينفعهم به. فهذا الوجه هو الذي يحسن منه تعالى أن يخلقه أولا ؛
فقد اجتمع فيه الصحّة والحسن ، وليس كذلك ما تقدّم من القبيح ؛ لأنّه وإن صحّ منه تعالى
أن يحدثه أولا فإنّه لا يحسن ذلك (ق ، غ ١١ ، ٦٩ ، ٢)
ما يحصل بالفاعل
ـ إنّ ما يحصل
بالفاعل يجوز أن يحصل عليه ، وأن لا يحصل ، بحسب اختياره وبحسب وجود
القدرة (ق ، غ ٨ ،
٧٧ ، ١٣)
ما يدخله التضاد
من مقدور العباد
ـ أنّا قد بيّنّا
من قبل حصر الأجناس التي تدخل تحت مقدور العباد. وهذه الأجناس على ضربين ، أحدهما
لا يدخله الاختلاف بل كلّه متماثل نحو التأليف والألم ، والثاني يختلف. ثمّ هذا
المختلف على ضربين ، أحدهما يختلف فقط ولا يكون له حكم زائد على الاختلاف ،
والثاني يدخله التضادّ مع الاختلاف. فالذي يقطع على اختلافه من مقدور العباد مما
لا يدخله التضادّ هو الاعتماد ، فإنّه يشتمل على متماثل ومختلف ومختلفه لا يتضادّ.
وكذلك الإرادة والكراهة لا يقع في كل واحد من نوعيهما تضادّ. وكذلك النظر من أفعال
القلوب يلحق بما ذكرناه. فأمّا الأصوات فالصحيح أن لا يقطع على ثبوت التضادّ فيها
ولا على نفي التضادّ فيها بل يتوقّف فلا تدخل في هذا الفصل ولا فيما بعده. فأمّا
ما يدخله التضادّ من مقدور العباد فنوع الأكوان ، فإنّه يقع فيها المختلف ومختلفه
يتضادّ. والاعتقادات يدخلها التضادّ وإن لم يكن كل مختلف منها متضادّا. وإنّما
يثبت التضادّ هناك وفي الظّنون أيضا بطريقة النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ، ١٢)
ما يستحق لعلتين
مختلفتين
ـ إنّما يقدر (الله)
على ما يصحّ كونه مقدورا له ، ومقدور غيره لا يصحّ كونه مقدورا له. فتفارق
المقدورات في هذا الوجه المعلومات ، لأنّه يصحّ كونها معلومة له. فوجب أن تكون معلومة
له وليست العلّة في استحالة قدرته على أعيان المقدورات كونه مقدورة لغيره ، لأنّه
قد تستحيل قدرته على ما ليس بمقدور لغيره إذا صحّ كونه مقدورا له ، كما يستحيل أن
يقدر على ما هو مقدور لغيره. فلهذا لا يصحّ أن يكون جلّ وعزّ موصوفا فيما لم يزل
بالقدرة على مقدور يصحّ كونه مقدورا لغيره ، وإن لم يكن في الحال مقدورا لغيره.
وصار هذا حكما واحدا يعلّل تارة بصحّة كونه مقدورا لغيره وتارة بكونه مقدورا
لغيره. ولا نكاد نوجد في الأحكام ما يستحقّ لعلّتين مختلفتين باختلاف الحالين إلّا
ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٢٢)
ما يعلم صدقه
استدلالا
ـ ما يعلم صدقه
استدلالا فهو كالخبر بتوحيد الله تعالى وعدله ونبوّة نبيّه عليهالسلام وما يجري هذا المجرى ، وكالخبر عمّا يتعلّق بالديانات إذا
أقرّ النبي صلّى الله عليه المخبر عليه ولم يزجره عنه ولا أنكر عليه ، فإنّا نعلم
صدق ما هذا حاله من الأخبار استدلالا ، وطريقة الاستدلال عليه ، هو أنّه لو كان
كذبا لأنكره النبيّ صلّى الله عليه ، فلما لم ينكره دلّ على صدقه فيه (ق ، ش ، ٧٦٨
، ١٤)
ما يفعله الله
تعالى بسبب
ـ إنّ ما يفعله
الله تعالى بسبب لا يصحّ ، وكان لا يصحّ وجوده إلّا عن سبب ، ولا يجوز وجوده ابتداء.
واختلف قول أبي هاشم في ذلك : قال بما ذكرناه في الأبواب ، وهو الصحيح. وقال في
الجامع : إنّ عين ما يفعله الله تعالى بسبب يصحّ أن يفعله ابتداء. ودلّ كلامه على
أنّه يستوي بين أن يكون السبب قد وجد ، وبين أن لا يكون قد وجد ، لأنّه حين علّل
بجواز ذلك قال : إنّ الذي يخرج المقدور من كونه مقدورا
وجوده وتقضي وقته
، وهذا السبب لم يوجد ولا تقضّى وقته. ولمّا قال بهذا القول سأل نفسه عن صحّة هذا
الحكم في أحدنا ، فمنع من ذلك وقال : لا يجوز فيما يفعله أحدنا متولّدا أن يفعله
مبتدأ أصلا ، وجعل الفرق بين القديم جلّ وعزّ وبيننا أنّ أحدنا يقدر بقدرة ولا
يصحّ أن يتعدّى حكمها في التعلّق بالجزء الواحد على الشروط المذكورة إلى أزيد منه.
فلو أنّه إذا فعل السبب تعلّقت قدرته بذلك المسبّب أن يوجده ابتداء ، كما تتعلّق
بإيجاد مثله مبتدأ ، لكانت قد تعدّت في تعلّقها الجزء الواحد. فإذا لم يصحّ ذلك ،
وجب أن تزول قدرته عن هذا المسبّب في وقت وجوده. فإذا كان القديم تعالى قادرا
لنفسه ، لم يمتنع فيه أن يوجد نفس ما هو متولّد مبتدأ ؛ فإنّ مقدوره لا ينحصر في
الوقت الواحد على الشرائط المذكورة. وهذا مذهب خطأ ، لأنّ الشيء يخرج عن كونه
مقدورا بغير ما ذكره من الوجهين. فإذا جعل وجود سببه وجها في خروجه عن كونه مقدورا
، بطل ما جوّزه (أ ، ت ، ٥٩٠ ، ٣)
ما يقتضي التكليف
وجوبه
ـ الكلام في بيان
جملة ما يقتضي التكليف وجوبه اعلم أنّ التكليف منه ـ تعالى ـ كما لا يحسن إلّا بعد
شروط تختصّه وتختصّ المكلّف ، فكذلك يقتضي وجوب أمور عليه ـ تعالى ـ لو لا التكليف
لما وجب ليصير بالتكليف ملتزما له. وذلك غير ممتنع ؛ لأنّه قد يجب الفعل لمكان فعل
تقدّمه ؛ ألا ترى أنّ الواحد منّا قد يجب عليه إذا ألزم غيره الشاقّ العوض ، وإذا
عقد مع غيره عقد معاوضة البدل (ق ، غ ١١ ، ٤٢٦ ، ١٧)
ما يقتضي قبح
القبيح
ـ اعلم أنّ ما
يقتضي قبح القبيح من كون القول كذبا ، والألم ظلما ، يجري في أنّه يجب أن يقتضي
ذلك مجرى العلل الموجبة. فكما يستحيل حصول العلّة ، ولا يوجب موجبها ، كذلك يستحيل
حصول وجه القبح ولا يوجب كون الفعل قبيحا. يبيّن ذلك أنّ تجويز حصوله من غير أن
يوجب كون القبيح قبيحا ، يوجب إخراجه من أن يكون موجبا للقبح ، كما أنّ تجويز حصول
الدلالة من غير حصول المدلول ، يوجب خروجها من كونها دلالة. وكذلك القول في سائر
وجوه القبح. وقد قال شيخنا أبو هاشم رحمهالله : لو جوّزنا أن يقبح القبيح من العالم بقبحه ، ولا يستحقّ
مع ذلك ذمّا ، لأدّى إلى أن لا يستحقّ عليه الذمّ على وجه من الوجوه ، لأنّ ما
أوجب استحقاقه قد حصل ، والاستحقاق زائل. وكذلك القول فيما قدّمناه في وجوه القبح
، أنّ في جواز حصوله ، ولا يكون قبيحا ، إخراجه له من كونه وجها للقبيح. وإنّما
يصحّ خلاف ما ذكرناه فيما يتعلّق باختيار مختار (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٢ ، ٥)
ما يقع عنده
القبيح
ـ إنّ ما يقع عنده
القبيح يختلف. فمنه ما يكون إلجاء إليه ، ومنه ما يقع باختيار الفاعل من غير
إلجاء. وما هذا حاله ينقسم. فمنه ما يقع عنده على وجه يكون دخولا في ضرر لا يعقب
نفعا. فما هذا حاله يقبح لا محالة. وذلك نحو أن يحمل أحدنا على غيره بسيف ليقتله ،
فمتى اختار الوقوف فقتله أو أضرّ به فما اختاره يقبح ؛ لما قدّمناه ، ولأنّه يلزمه
التحرّز من هذه المضرّة بالهرب ، فمتى وقف فقد ترك الواجب
عليه. ويفارق ذلك
من يعلم أنّه يكفر ، لأنّه قد عرّض لمنافع عظيمة ، وليس التكليف بإدخال له في ضرر
لا يعقب نفعا. فلذلك افترقا ، وإن كان كل واحد منهما في حكم الإيجاب والإلزام ،
وصار ما قدّمناه في باب القبح أولى من المفسدة (ق ، غ ١١ ، ٢٢١ ، ٨)
ما يكون بالفاعل
ـ من حقّ ما يكون
بالفاعل أن يكون وجوده عن ابتداء ، ومن حقّ القديم أن لا يكون لوجوده أبدا ولا
يجوز أن يكون قديما لمعنى لا يتوقّت ، لأنّ ذلك يقتضي في المعنى نفسه أن يكون
قديما لمعنى آخر على ما تقدّم القول فيه (ق ، ت ١ ، ١٣٩ ، ١٩)
ـ إنّ صفات
الأجناس لا تتعلّق بالفاعل ، ما قد ثبت أنّ كل ذات لا بدّ أن يصحّ تعلّق العلم بها
على طريق التفصيل ، والعلم بها على طريق التفصيل لا يتعلّق إلّا على صفة تتميّز
بها عن غيرها ، وتلك الصفة لا بدّ لها من حكم تظهر به ، وحكمها ما نقوله إنّه
مقتضى عنها ، وحصوله مشروط بالوجود. والمخالف يقول إنّه بالفاعل ، فكونه مقتضى على
الصفة الذاتية يمنع من أن يكون بالفاعل ، لأن ما يكون مقتضى يجب حصوله بحصول
الوجود ، وما يكون بالفاعل ويكون موقوفا على اختياره ، يجوز أن يحصل وأن لا يحصل ،
وإن حصل الوجود (ن ، د ، ٢٢٢ ، ٥)
ما يكون مقتضى
ـ إنّ صفات
الأجناس لا تتعلّق بالفاعل ، ما قد ثبت أنّ كل ذات لا بدّ أن يصحّ تعلّق العلم بها
على طريق التفصيل ، والعلم بها على طريق التفصيل لا يتعلّق إلّا على صفة تتميّز
بها عن غيرها ، وتلك الصفة لا بدّ لها من حكم تظهر به ، وحكمها ما نقوله إنّه
مقتضى عنها ، وحصوله مشروط بالوجود. والمخالف يقول إنّه بالفاعل ، فكونه مقتضى على
الصفة الذاتية يمنع من أن يكون بالفاعل ، لأن ما يكون مقتضى يجب حصوله بحصول
الوجود ، وما يكون بالفاعل ويكون موقوفا على اختياره ، يجوز أن يحصل وأن لا يحصل ،
وإن حصل الوجود (ن ، د ، ٢٢٢ ، ٥)
مائية
ـ في الشاهد لا
يفهم من قول الرجل" شيء" مائيّة الذات ، ولا من قوله" عالم
وقادر" الصفة ، وإنّما يفهم من الأول الوجود والهستيّة ، ومن الثاني أنّه
موصوف ، لا أنّ فيه بيان مائية الذات كقول الرجل" جسم" ، إنّه ذكر
مائيّة أنّه ذو أبعاد أو ذو جهات أو محتمل للنهاية وقابل للأعراض ، وكذا ذا في
الإنسان وسائر الأعيان (م ، ح ، ٤٢ ، ٩)
ـ قال أبو محمد
والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أنّ له مائيّة هي إنّيته نفسها ، وأنّه لا
جواب لمن سأل ما هو الباري إلّا ما أجاب به موسى عليهالسلام إذ سأله فرعون وما ربّ العالمين ، ونقول أنّه لا جواب
هاهنا لا في علم الله تعالى ولا عندنا إلّا ما أجاب به موسى عليهالسلام ، لأنّ الله تعالى حمد ذلك منه وصدق فيه ، ولو لم يكن
جوابا صحيحا تامّا لا نقص فيه لما حمده الله (ح ، ف ٢ ، ١٧٤ ، ٢)
ـ احتجّ من أنكر
المائيّة بأن قال لا تخلو المائيّة من أن تكون هي الله أو تكون غيره ، فإن كانت
غيره والمائيّة لم تزل فلم يزل مع الله تعالى
غيره ، وهذا شرك
وكفر ، قالوا وإن كانت هو هي وكنّا لا نعلمها فقد صرنا لا نعلم الله عزوجل ، وهذا إقرار بأنّنا نجهله والجهل بالله تعالى كفر به ،
وقالوا لو أمكن أن تكون له مائيّة لكانت له كيفيّة (ح ، ف ٢ ، ١٧٤ ، ٧)
ـ مائيّة الشيء
إنّما هي الجواب في سؤال السائل بما هو ، وهذا سؤال عن حقيقة الشيء وذاته ، فمن
أبطل المائيّة فقد أبطل حقيقة الشيء المسئول عنه بما هو ، لكنّ أوّل مراتب الإثبات
فيما بيننا هي الإنيّة ، وهي إثبات وجود الشيء فقط ، وهذا أمر قد علمناه وأحطنا به
، ولا يتبعّض العلم بذلك فيعلم بعضه ويجهل بعضه ، ثم يتلوا الإنيّة التي هي جواب
السائل بهل فيما بيننا السؤال بما هو ، وأمّا في الباري تعالى فالسؤال بما هو ، هو
السؤال بهل هو ، والجواب في كليهما واحد فنقول ، هو حق واحد أوّل خالق لا يشبهه
شيء من خلقه وإنّما اختلفت الإنيّة والمائية في غير الله تعالى لاختلاف الأعراض في
المسئول عنه ، وليس الله تعالى كذلك ولا هو حامل أعراضا أصلا ، هاهنا تقف ولا نعلم
أكثر ، ولا هاهنا أيضا شيء غير هذا إلّا ما علّمنا ربّنا تعالى من سائر أسمائه
كالعليم والقدير والمؤمن والمهيمن وسائر أسمائه ، وقد أخبر تعالى على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم أنّ له تسعة وتسعين اسما (ح ، ف ٢ ، ١٧٤ ، ١٣)
مائية المكلّف
ـ دللنا على أنّ
الحيّ القادر هو هذا الشخص ، وأبطلنا قول من قال : إنّه معنى فيه أو معنى مدبّر له
وإن لم يكن فيه ، أو هو الشخص ومعنى فيه. وهذا القدر كاف في الوجه الذي قصدناه ؛ لأنّا
رمنا بذلك بيان مائيّة المكلّف (ق ، غ ١١ ، ٣٥٩ ، ١)
مالك
ـ لم يصحّ أن يوصف
تعالى في الحقيقة بأنّه يملك أفعال العباد ، لأنّه ليس بقادر عليها ، لكن شيوخنا رحمهمالله يحملون الإطلاق في ذلك إذا صحّ عن المسلمين على أنّ المراد
به أنّه يملك المنع منها وإعدامها والإقدار عليها. فلمّا كان جلّ وعزّ هو المالك
لما لوجوده يوجد ، ولما لعدمه يعدم ، جاز أن يقال إنّه مالكها ، كما يقال إنّه
يملك السماء والأرض مع وجودهما ، والمراد به أنّه يملك إعدامهما وتصريفهما من حال
إلى حال بالجمع والتفريق ، فلا يمتنع ذلك عندنا أن يقال إنّه مالك لكل شيء على هذا
الوجه. ولا بدّ للخصم من أن يتأوّل ذلك ، لأنّ عنده أنّه لا يملك قلب الأعيان (ق ،
غ ٨ ، ٢٩٣ ، ٤)
ـ ولما قدّمناه في
حدّ الرزق قلنا : إنّه تعالى لا يوصف بأنّه مرزوق ، وإنّ الشيء رزق له ، لاستحالة
الانتفاع عليه ، وإنّما يوصف بذلك من يصحّ أن ينتفع. ولذلك صحّ أن يوصف تعالى
بأنّه مالك لمّا لم يقتض ذلك صحّة الانتفاع بالشيء على الحدّ الذي اقتضاه الرزق ،
ولذلك قد يوصف ما لا يملكه الإنسان بأنّه رزقه إذا أبيح له تناوله والانتفاع به ،
وإن كان قبل التناول غير مالك له ؛ كالأمور المباحة ، وكبذل الطعام للغير ، إلى ما
شاكله (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ٧)
ـ قد بيّنا من قبل
أنّ الملك هو القدرة ، وأنّ المالك هو القادر ، فكلّ من قدر على شيء ولم يكن لأحد
منعه منه على الوجه الذي يقتضي
قدرته التعرّف فيه
وصف بهذه الصفة. ولذلك وصف تعالى بأنّه مالك لم يزل ، ووصف نفسه بأنّه مالك يوم
الدين ؛ وبيّنّا أن وصفهم لسيّد العبد بأنّه مالكه قد حذف منه ذكر التصرّف ؛ لأنّ
ملك العتق لا يعقل له معنى إذا لم يصرف ذلك إلى التصرّف المخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ،
١١)
مالك أفعال العباد
ـ إنّ الموجود إذا
قيل إنّه تعالى مالكه فهو مجاز ، لأنّ القدرة على الموجود تستحيل ، وإنما يراد به
أنّه يملك أمرا سواه له به تعلّق ، كما يراد بقولنا : إنّ زيدا يملك الدار ، أنّه
يملك التصرّف فيها ، وهو تعالى لا يمتنع أن يوصف بأنّه مالك أفعال العباد ، بمعنى
أنّه يقدر على إعدامها ، أو يقدر فيما لم يوجد منها على المنع منها ، وليس في ذلك
ما يدلّ على ما توهّموه (ق ، م ١ ، ٢٠٦ ، ٥)
ـ قد بيّنا من قبل
أنّا لو قلنا : إنّه تعالى مالك لأفعال العباد ، من حيث يقدر على تمكينهم منها
ومنعهم منها لصحّ ، ولجرى ذلك على طريق الحقيقة ، لأنّ المراد بالملك في المملوك
على ما ذكرناه ، قد يختلف (ق ، م ٢ ، ٤٨٥ ، ١١)
ـ قد جوّز شيخنا
أبو هاشم رحمهالله أن يوصف تعالى بأنّه مالك لأفعالنا من حيث يقدر على
إبطالها ومنعنا منها ، ويوصف الأقدر منّا بأنّه مالك لفعل غيره على هذا الوجه ،
ويقال فيه تعالى : إنّه مالك لنا بمعنى أنّه يقدر على إفنائنا وعلى التصرّف فينا.
ولذلك لا يمتنع أن يكون العبد مملوكا لاثنين إذا صحّ تصرّفهما فيه ولم يكن لأحد
منعهما من ذلك ، ولا لأحدهما منع الآخر منه. ولذلك قلنا : إنّ كل ما نملكه فهو
تعالى المملّك لنا ، لأنّه قد حصلنا بالقدرة على التصرّف ، وبأن خلق المتصرّف فيه
، وجعله بحيث يصحّ أن ينتفع به ، ومنه الغير من أن يمنعنا منه (ق ، غ ١١ ، ٢٩ ، ٥)
مالك لفعل غيره
ـ قد جوّز شيخنا
أبو هاشم رحمهالله أن يوصف تعالى بأنّه مالك لأفعالنا من حيث يقدر على
إبطالها ومنعنا منها ، ويوصف الأقدر منّا بأنّه مالك لفعل غيره على هذا الوجه ،
ويقال فيه تعالى : إنّه مالك لنا بمعنى أنّه يقدر على إفنائنا وعلى التصرّف فينا.
ولذلك لا يمتنع أن يكون العبد مملوكا لاثنين إذا صحّ تصرّفهما فيه ولم يكن لأحد
منعهما من ذلك ، ولا لأحدهما منع الآخر منه. ولذلك قلنا : إنّ كل ما نملكه فهو
تعالى المملّك لنا ، لأنّه قد حصلنا بالقدرة على التصرّف ، وبأنّ خلق المتصرّف فيه
، وجعله بحيث يصحّ أن ينتفع به ، ومنه الغير من أن يمنعنا منه (ق ، غ ١١ ، ٢٩ ، ٦)
مأمور
ـ العلوم كثيرة
منها اضطرار ، وأنّه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان
الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل ، كنحو تفكّر
الإنسان إذا شاهد الفيل أنّه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته ، فنظر في ذلك وفكّر فيه
حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته ، فإذا تكاملت هذه العلوم
في الإنسان كان بالغا ، ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمّل الله سبحانه له العقل
ويخلقه فيه ضرورة ،
فيكون بالغا كامل
العقل مأمورا مكلّفا (ش ، ق ، ٤٨١ ، ٥)
ـ إن قالوا فيجوز
أن يكلّف الله تعالى الشيء مع عدم الجارحة ووجود العجز ، قيل لهم (لا) لأنّ
المأمور إنّما يؤمر ليقبل أو ليترك ومع عدم الجارحة لا يوجد أخذ ولا ترك. وكذلك
العجز لا يوجد معه أخذ ولا ترك لإ (نّه) عجز عن الشيء وعن ضدّه. وأيضا فلو وجب إذا
أمر الله تعالى الإنسان بالشيء مع عدم قدرته أن يأمر به مع عدم القدرة كلها ، لوجب
إذا أمر الله تعالى الإنسان مع عدم بعض العلوم وهو العلم بالله تعالى وبأنّه آمر ،
أن يأمره بالفعل مع عدم العلوم كلّها. فإن لم يجب هذا لم يجب إذا أمر الإنسان مع
عدم القدرة على ما أمره به ، أن يأمر مع عدم الجارحة التي إذا عدمت ، عدمت القدرة
كلّها ، ومع وجود العجز الذي لم تعدم القدرة بوجوده (ش ، ل ، ٥٩ ، ٢٠)
ـ اختلفوا في صفة
المأمور ، فمن أجاز تكليف العاجز وتكليف المحالات قال يجب أن يكون المأمور كامل
العقل ليصحّ كونه عالما بأنّه مأمور. ومن أحال من أصحابنا تكليف العاجز وتكليف
المحالات قال يحتاج المأمور في حال تضييق الوجوب عليه إلى ... كمال العقل ، وإلى
أن يكون قادرا إمّا على الفعل وإمّا على تركه لكي يصحّ منه الطاعة بفعل المأمور به
أو المعصية بتركه. ويجب على هذا القول أن يكون عالما بصفات ما أمر به وشروطه ، وفي
حكم العالم بذلك من يصحّ منه النظر المؤدّي إلى المعرفة. ويجب على هذا القول أن
يكون الدليل منصوبا على ما كلّف به (ب ، أ ، ٢١٢ ، ١١)
ـ قالت القدريّة
من شرطه (المأمور) أيضا أن يكون قادرا على المأمور به وعلى جنس ضدّه في حال ورود
الأمر. ولم يوجبوا كونه قادرا عليه في حال وقوعه. وقال أصحابنا بوجوب كونه قادرا
على ما أمر به في حال كونه فاعلا له. ولم يوجبوا كونه قادرا عليه قبل ذلك. وأوجبوا
أيضا كون المأمور قادرا على فعل الإرادة للفعل المأمور به. وليس هذا من شرطه عندنا
لأنّه يجوز أن يخلق الله تعالى فيه إرادة ضروريّة يريد بها فعل المأمور به (ب ، أ
، ٢١٣ ، ١)
ـ المأمور الذي
علم وقوعه ، والمنهيّ الذي علم الانتهاء عنه هو المراد ، أمّا ما علم انتفاؤه فليس
بمراد الوجود ، وإن كان مأمورا به ، وما علم وجوده فليس بمراد الانتفاء وإن كان
منهيّا عنه ، وإلّا كان فيه إبطال أخصّ وصف الإرادة ، وهو تأتّي التمييز بها ، وهو
ممتنع. وأمّا ما يطلق عليه اسم الإرادة مع عدم حصول التمييز به فليس في الحقيقة
إرادة بل شهوة تمنّيا ، فإذا الإرادة أعمّ من الأمر من جهة أنّها توجد ولا أمر ،
والأمر أعمّ منها من جهة أنّه قد يكون ولا إرادة ، وليس ولا واحد منهما يلزم الآخر
لزوما معاكسا ولا غير معاكس. وعند ذلك فلا يلزم من الأمر بالوجود وإرادة العدم ما
تخيّلوه من التناقض. وعلى هذا القول في النهي أيضا (م ، غ ، ٦٦ ، ١٤)
ماهيات نوعية
ـ قالوا :
الماهيّات النوعيّة تشرك في الأجناس ، فإنّ السواد والبياض يشتركان في اللونيّة
وليس الاسم ، لأنّا نجد بينهما ما لا نجد بين أحدهما والحركة ، لو كان اسمهما
واحدا ؛ ولأنّه لا يطّرد في اللغات بخلاف هذا (خ ، ل ، ٥٠ ، ٩)
ماهية
ـ أجمعت المعتزلة
على إنكار القول بالماهيّة وأنّ لله ماهيّة لا يعلمها العباد وقالوا : اعتقاد ذلك
في الله سبحانه خطأ وباطل (ش ، ق ، ٢٠٦ ، ١٦)
ـ كان يزعم (ضرّار
بن عمرو) أنّ الله سبحانه يخلق حاسّة سادسة يوم القيامة للمؤمنين يرون بها ماهيّته
أي ما هو وقد تابعه على ذلك" حفص الفرد" وغيره (ش ، ق ، ٢٨٢ ، ٧)
ـ أقول : قوله (الرازي):
" إنّ مجموع أجزاء الماهيّة هو نفس الماهيّة" ليس بصحيح ، لأنّ الجزء
متقدّم على الكلّ بالطّبع. والأشياء الّتي كلّ واحد منها متقدّم على شيء متأخّر
عنها يمتنع أن تكون نفس المتأخّر ، ويجوز أن تصير عند الاجتماع ماهيّة هي
المتأخّرة ، فيتحصّل معرفتها بها. كما أنّ العلم بالجنس والفصل وبالتركيب
التقييديّ متقدّم على العلم بالجنس المقيّد بالفصل ، وهي أجزاؤه ، وبها يحصل العلم
به (ط ، م ، ٧ ، ٢١)
ـ إنّ من الجائز
أن تكون الأجزاء كلّها أو بعضها معرّفة للماهيّة ، ولا يلزم منه أن يكون معرّفا
لجميع أجزاء الماهيّة حتى لنفسه ، فإنّا بيّنا أنّ الماهيّة مغايرة للأجزاء كلّها.
وإنّما وقع هذا الغلط من عدم التّمييز بين الماهيّة وبين أجزائها كلّها (ط ، م ، ٨
، ٩)
ـ إنّ الماهيّة من
غير اعتبار شيء معها لا تكون موجودة ولا معدومة ، فلا يلزم من اتّصافها بالوجود
قيام الوجود بالماهيّة المعدومة (ط ، م ، ٣٤ ، ٣)
ـ الماهيّة لا
تكون موجودة إلّا في زمان الوجود ، أمّا في زمان العدم فلا ماهيّة إلّا في التصوّر
العقليّ (ط ، م ، ٣٧ ، ٢٢)
ـ إنّ الماهيّة ،
من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة. وإنّما يمكن أن يكون من حيث هي هي علّة لصفة
معقولة لها ، كما أنّ ماهيّة الاثنين علّة لزوجيّتها. أمّا كونها من حيث هي هي
علّة لوجود ، أو لموجود ، فمحال ، لأنّ بديهة العقل حاكمة بوجوب كون ما هو علّة
لوجود موجودا. وليس كذلك في قبول الوجود ، فإنّ قابل الوجود يستحيل أن يكون موجودا
، وإلّا فيحصل له ما هو حاصل له (ط ، م ، ٩٧ ، ٢٠)
ـ الماهيّة لا
تخلو عن الوجود أو العدم في الخارج ، أمّا عند العقل فتخلو عن اعتبارهما ،
والإمكان صفة لها من حيث هي كذلك مسندة إلى الوجود أو إلى العدم (ط ، م ، ١١٠ ، ٥)
ـ إنّا نعقل
الماهيّة من غير أن يفرض معها وجود أو عدم. ثم نقول : إنّ تلك الماهيّة المعقولة
يمكن أن يكون مع الوجود الخارجيّ ويمكن أن لا يكون معه (ط ، م ، ٢٤٣ ، ٢٠)
ـ إنّ الماهيّة لا
تخلو عن الوجود والعدم ، وهي مع أحدهما تنافي الآخر وإمكانه. وقد يقرّر بأنّ
الممكن إن حضر سببه وجب ، وإلّا ، امتنع (خ ، ل ، ٥٦ ، ٧)
ـ الماهيّة : تطلق
غالبا على الأمر المتعقّل مثل المتعقّل من الإنسان ، وهو الحيوان الناطق مع قطع
النظر عن الوجود الخارجيّ ، والأمر المتعقّل من حيث إنّه مقول في جواب ما هو يسمّى
ماهيّة ، ومن حيث ثبوته في الخارج يسمّى حقيقة ، ومن حيث امتيازه عن الأغيار هويّة
، ومن حيث حمل اللوازم له ذاتا ، ومن حيث يستنبط من اللفظ مدلولا ، ومن حيث إنّه
محل الحوادث جوهرا ، وعلى هذا (ج ، ت ، ٢٤٧ ، ١٢)
ـ قلنا : الماهيّة
ما يتصوّر في الذهن ، وقد امتنع
أن يتصوّره الخلق
حيث لا يتمكّنوا إلّا من تصوّر المخلوقات اتّفاقا بيننا وبينهم. وعلم الله تعالى
ليس يتصوّر ، اتّفاقا كذلك ، فإذا أرادوا بذلك ذاتا لا يحيط بها مخلوق علما فصحيح (ق
، س ، ٨٥ ، ١١)
ماهية الشيء
ـ ماهية الشيء :
ما به الشيء هو هو وهي من حيث هي هي لا موجودة ، ولا معدومة ، ولا كلّيّ ، ولا
جزئيّ ، ولا خاص ، ولا عام. وقيل منسوب إلى ما ، والأصل المائيّة قلبت الهمزة هاء
لئلّا يشتبه بالمصدر المأخوذ من لفظ ما ، والأظهر أنّه نسبة إلى ما هو جعلت
الكلمتان ككلمة واحدة (ج ، ت ، ٢٤٧ ، ٨)
مايية
ـ أمّا ما ذهب
إليه" ضرّار" من إثبات مايية لا يعلمها إلّا الله ، وقوله إنّه إذا رأى
في الآخرة يرى عليها. فالذي أدّاه إلى ذلك قوله إنّه قد اتّفقت الأمّة على أنّه
تعالى أعلم بنفسه منّا ، فلو لم تكن إلّا هذه الصفات التي عرفناها لما صحّ هذا
الإجماع ، فيجب أن تكون هناك صفة أخرى غير هذه الصفات. وربما يجعل الوجه في كونه
اعلم بنفسه منّا أنّه تعالى في كونه عالما بهذه الصفات في حكم من يجد من نفسه كونه
عالما ومريدا ومدركا وما شاكل ذلك. فكما أنّه يجد لنفسه مزية على ما يعرفه غيره
منه من هذه الصفات لا سيّما إذا كان الغير يعرف كونه على هذه الصفات بدلالة وهو
يجدها من نفسه من دون دلالة ، فكذلك يجب في القديم تعالى. ولن يتمّ ذلك إلّا بما
قلته من المائية (ق ، ت ١ ، ١٥٤ ، ١٩)
ـ الأصل في إبطال
هذه المقالة (مقالة ضرّار في المائية) ، أنّ إثبات صفة له تعالى من دون دلالة
الفعل عليها بنفسه أو بواسطة تؤدّي إلى الجهالات ، وتقتضي أن لا نقتصر على ماييّة
واحدة دون ماييات كثيرة. ومعلوم أنّ الفعل بمجرّده أو بوقوعه على وجه دالّ على
كونه قادرا وعالما ومريدا وكارها ، وبواسطة دالّ على كونه حيّا موجودا ، وبواسطتين
على كونه مدركا (ق ، ت ١ ، ١٥٥ ، ٢)
مباح
ـ نعرف الأمر
والنهي ، والوعد والوعيد ، فيما ليس بمحسوس دليله ، لا وجه لإدراكه إلّا بالخبر ،
وذلك نحو المباح / والمحظور ، وما فيه كل شيء من مختلف الأحوال ، فيلزم في نحو هذا
القول بالخبر ، وفيه إيجاب القول بالرسالة (م ، ح ، ١٨٣ ، ٢٠)
ـ إنّ الحسن ينقسم
قسمين : فإمّا أن تكون له صفة زائدة على حسنه ، وإمّا أن لا يكون كذلك. فالأوّل هو
الذي يستحقّ عليه المدح ، والثاني هو الذي لا يستحقّ بفعله المدح ويسمّى مباحا ،
وحدّه : ما عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا لا توصف أفعال القديم تعالى
بالمباح ، وإن وجد فيها ما صورته صورة المباح كالعقاب. وأما ما يستحقّ عليه المدح
فعلى قسمين : إمّا أن يستحقّ بفعله المدح ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل ، وذلك
كالنوافل وغيرها ؛ وإما أن يستحقّ المدح بفعله والذمّ بأن لا يفعل ، وذلك
كالواجبات (ق ، ش ، ٣٢٧ ، ٢)
ـ أمّا الذي يجري
مجرى المباح فهو ما لا صفة له زائدة على حسنه وهذا هو نحو العقاب والذمّ (ق ، ت ١
، ٢٤٤ ، ١١)
ـ أمّا المباح فلا
يريده تعالى ولا يكرهه لمّا لم تكن لفعله مزيّة على تركه. فلو أراده لصارت إرادته
باعثة لنا على الفعل ، ولو كرهه لضرّ فينا عن فعله ، وعلى هذا لم يأمر به ولم ينه
عنه.
وهذا ظاهر إذا لم
يكن فيما يجري مجرى المباح ما هو مستحقّ. فأمّا إذا ثبت فيه وجه من وجوه الاستحقاق
جاز أن يريده تعالى وهذا هو كالأكل والشرب ونحوهما من فعل أهل الآخرة في الجنّة
لأنّ" مشايخنا" اختلفوا. فأبى" أبو علي" أن يكون الله تعالى
مريدا له وقال إن قوله (كُلُوا وَاشْرَبُوا) (الطور : ١٩) هو
إباحة لا أمر ، وقاس ذلك على ما يقع من أهل الدنيا. والأولى ما اختاره" أبو
هاشم" من أنّه تعالى يختاره لأنّه قد حصل في ذلك في الآخرة من الغرض ما لا
يحصل في الدنيا ، وهو أنّه يستحقّ الثواب على أبلغ ما يكون ، ومتى علم أهل الجنّة
أنّ الله تعالى قد أراد أكلهم وشربهم كان ذلك أدخل في سرورهم فصحّ أن يريده (ق ، ت
١ ، ٢٩٣ ، ١٧)
ـ القبيح هو
بالضدّ من الواجب فيستحقّ الذمّ والعقاب بفعله والمدح والثواب بأن لا يفعله أو
يتركه على بعض الوجوه. وما خرج عن ذلك من المباح وما أشبهه فلا مدخل له في التكليف
لأنّه لا تحصل فيه البغية التي يقف التكليف عليها وهو تعريض المكلّف للثواب (ق ، ت
٢ ، ٢٧٢ ، ١١)
ـ ما يقع على وجه
يحسن ينقسم أقساما : فمنها ما لا صفة له زائدة على حسنه ، وفعله له وأن لا يفعله
فيما يتعلّق بالذمّ والمدح سواء ، فيكون مباحا. ومنها ما يستحقّ بأن يفعله المدح ،
إذا لم يمنع منه مانع ، ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه ندب ، ومرغّب
فيه. ومنها ما يستحقّ به الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه واجب (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧
، ١٦)
ـ أمّا المباح فهو
كله حسن ، لا صفة له زائدة على حسنه ، كالتنفّس في الهواء الذي نعيش دونه ، ونيل
المأكول الذي لا يلحقه بفعله مضرّة ، ولا هو ملجأ إلى تناوله. فما هذا حاله يوصف
بأنّه مباح ، إذا أعلم أو دلّ على أنّه لا صفة له زائدة على حسنه ، وأنّ فعله له
وأن لا يفعله سواء في أنّه لا يستحقّ ذمّا ولا مدحا. فلذلك يقال في أفعال العاقل
أنّه مباح ، ولا يستعمل ذلك في فعل البهيمة ولا في أفعاله تعالى. ولذلك قال شيخنا
أبو هاشم رحمهالله : إنّ أفعال أهل الجنّة لا توصف بذلك ، لما أعلموا من
حالها ما قدّمناه ، وإن لم يدلوا عليه. ولذلك يقول في كثير من المنافع أنّها على
الإباحة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣١ ، ١٠)
ـ أمّا المباح
الذي لا صفة له زائدة على حسنه فلا يجوز أن يدخل تحت التكليف ؛ لأنّه لا يستحقّ
بفعله المدح ولا الثواب على وجه. والأصل في هذا الباب أن تكليفه ـ تعالى ـ لا
يصيّر للفعل صفة ليست له ، وإنّما يدلّ على حال الفعل ، وأنّه بالصفة التي يقتضي
العقل له الأحكام المخصوصة (ق ، غ ١١ ، ٥٠٣ ، ٨)
ـ قال (أبو علي) :
لأنّ المباح لا صفة له أزيد من أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، والمبيح إنّما يوصف
بذلك لأنّه مزيل للمضرّة عن الفعل ، على ما نعقله من إباحة الإنسان لغيره دخول
داره. وهذه الدلالة سنبيّن أنها لا تصحّ ، فيما بعد عند الدلالة على أنّه تعالى قد
أوجب النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٨ ، ٧)
ـ المحسنات
العقليّة هي على ضربين : أحدهما (ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي
يسمّى مباحا ، من
حيث عرف فاعله أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، ولا في ألّا يفعل ، ولا يستحقّ به
المدح ، وما هذا حاله لا مدخل له في التكليف ، كما لا مدخل له فيه الواقع من
الساهي ، وعلى حدّ الإلجاء. والضرب الثاني : ما يختصّ بصفة زائدة على حسنه ، تقتضي
دخوله في أن يستحقّ به المدح. وهذا على ضربين : أحدهما يحصل كذلك لصفة تخصّه ،
والآخر لأنّه يسهّل فعل غيره من الواجبات ، فالأوّل كالإحسان والتفضّل ، واجتلاب
المنفعة لنفسه ، والثاني كالنوافل الشرعيّة ، ويدخل فيه النهي عن المنكر من جهة
العقل ، ويدخل فيه مدح من فعل الواجب ، لأنّ ذلك مما لا يجب على أهل العقول ، كما
يلزمهم الفصل بين المحسن والمسيء ، لأنّ هناك إنّما وجب الفصل لأمر يتعلّق به ،
وليس كذلك حال الوجه الأوّل (ق ، غ ١٤ ، ١٧١ ، ٧)
ـ أمّا الحسن فقد
يوصف بأنّه مباح إذا عرف فاعله بأنّه لا تبعة عليه فيه ، وأنه لا يستحقّ به الذمّ
ولا المدح (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٤)
مباح وهو : الذي
لا صفة له زائدة على حسنه ، إذا كان قد أعلم ذلك من حاله ، أو دلّ عليه ، فلذلك لم
تدخل الإباحة في أفعاله ، جلّ وعزّ ، وفي أفعال البهائم (ق ، غ ١٧ ، ٢٤٧ ، ٩)
ـ أما الحسن ،
فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق المدح
والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل
في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ،
وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب.
وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف
بأنّه فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون
مقصورا على فاعله ؛ فيوصف بأنّه مندوب إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان
إلى الغير (ب ، م ، ٣٦٤ ، ٢٤)
ـ إذا لم يكن
للحسن صفة زائدة على حسنه ، وصف بأنّه" مباح". ويفيد أنّ مبيحا أباحه. ومعنى
الإباحة هو إزالة الحظر ، والمنع بالزجر والوعد وغيرهما ممّن يتوقّع منه المنع (ب
، م ، ٣٦٦ ، ١٠)
ـ إطلاق
قولنا" مباح" يفيد أنّ الله تعالى أباحه بأن أعلمنا ، أو دلّنا على حسنه
، ولم يمنع منه. ويوصف بأنّه" حلال" و" طلق". ويفيد ما يفيد
وصفنا بأنّه مباح. ولذلك لم يوصف أفعال الله الحسنة بأنّها مباحة ، وإن كانت حسنة
نحو تعذيب من استحقّ العقاب (ب ، م ، ٣٦٦ ، ١١)
ـ من حقّ المباح
أن لا يستحقّ على فعله ثواب. لأنّه لو استحقّ عليه ثواب ، كان فعله أولى من تركه ،
ولكان على صفة يترجّح بها فعله على تركه ، ولرغّب الله تعالى في فعله (ب ، م ، ٣٦٦
، ١٥)
ـ المباح : ما ليس
في فعله ثواب ولا عقاب ، ولا في تركه ثواب ولا عقاب (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٨)
ـ المباح من أفعال
المكلّفين ما لم يكن في فعله ولا تركه ثواب ولا عقاب. وهذا المعنى حاصل في أفعال
الصبيان والمجانين والبهائم ولا يقال لها مباحة. والجواز تجمّعها كلّها (ب ، أ ،
١٩٩ ، ١١)
ـ قالت المعتزلة :
الرّب تعالى مريد لأفعاله سوى
الإرادة والكراهة
وهو مريد لما هو طاعة وقربة من أفعال العباد ، كاره للمحظورات من أفعالهم. وأمّا
المباح منها ، وما لا يدخل تحت التكليف من مقدورات البهائم والأطفال ، فالربّ
عندهم لا يريدها ولا يكرهها (ج ، ش ، ٢١٣ ، ١)
ـ المباح : من
استوى طرفاه بين فعله وتركه (ج ، ت ، ٢٤٩ ، ١١)
مباحات
ـ قالت المعتزلة
القائلون بإرادات حادثة إنّ الباري تعالى مريد لأفعاله الخاصّة بمعنى أنّه قاصد
إلى خلقها على ما علم ، وتتقدّم إرادته على المفعول بلحظة واحدة ، ومريد لأفعال
المكلّفين ما كان منها خيرا ليكون وما كان منها شرّا لا يكون ، وما لم يكن خيرا
ولا شرّا ولا واجبا ولا محظورا وهي المباحات فالرب تعالى لا يريدها ولا يكرهها ،
ويجوز تقديم إرادته وكراهيته على أفعال العباد بأوقات وأزمان ، ولم يجعلوا له حدّا
أو مرادا (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ١١)
مباشر
ـ قال بعضهم : من
الإقدام ما يحتاج إلى خاطر وهو المباشر وكثير من المتولّدات ، وأكثر المتولّدات
يستغني عن الخاطر ، ولكن قد أترك لا لخاطر يدعو إلى الترك ، وزعموا أيضا أنّهم
يتركون ما لا يعرفونه قط ولم يذكروه (ش ، ق ، ٣٨٠ ، ١٣)
ـ قال"
الاسكافي" : كل فعل يتهيّأ وقوعه على الخطإ دون القصد إليه والإرادة له فهو
متولّد ، وكل فعل يتهيّأ إلّا بقصد ويحتاج كل جزء منه إلى تجديد وعزم وقصد إليه
وإرادة له ، فهو خارج من حدّ التولّد داخل في حدّ المباشر (ش ، ق ، ٤٠٩ ، ٦)
ـ منهم (المجبرة)
من قال : إنّ المباشر خلق الله تعالى فينا متعلّق بنا من حيث الكسب ، وأمّا
المتولّد فإنّ الله تعالى منفرد بخلقه (ق ، ش ، ٣٢٤ ، ٨)
ـ لكونه (أحدنا)
قادرا بقدرة اختصّ الوجه الذي يصحّ أن يفعل عليه وأن يخرج ذلك عن طريقين : أحدهما
أن يكون مباشرا. والآخر أن يكون متولّدا. فالذي نسمّيه مباشرا هو ما نفعله ابتداء
في محلّ القدرة من دون فعل سواه (ق ، ت ١ ، ٣٦٧ ، ٦)
ـ إنّ كونه (الفعل)
مباشرا لا يفيد فيه صفة ولا حكما وإنّما ينبي عنه وجوده في محلّ القدرة عليه. وليس
القديم قادرا بقدرة بل هو كذلك لنفسه (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ١٥)
ـ سأل رحمهالله نفسه عن الإمارة التي تفرّق بين أن يكون الشيء متولّدا عن
غيره ، وبين أن لا يكون كذلك ، لمّا جرى في كلام الشيوخ من قبل أنّ المباشر هو
الذي يحلّ محلّ القدرة ، والمتولّد ما يتعدّاه. وجعلوا ذلك فصلا بين الأمرين ،
وليس الأمر عندنا كذلك. فقد يكون المتولّد في محلّ القدرة كالمباشر ، وقد يكون مما
يتعدّى وإن كان مما هو مباشر لا يصحّ أن يتجاوز محلّ القدرة. تبيّن صحّة ذلك أنّ
العلم المتولّد عن النظر لا يتعدّى محلّ القدرة بل يوجد فيها من حيث لم يختصّ بجهة
، كما نقوله في الاعتماد. وكذلك فالتأليف يوجد في محلّ القدرة كما يوجد في غير
محلّها وهو متولّد ، والاعتماد قد يحصل في محلّ القدرة مع أنه متولّد ، كما إذا
رمى أحدنا حجرا إلى حائط
صلب فتراجع
بالصكّة ، فما يوجد من الاعتماد في كفّنا هو متولّد ، وإن كان في محلّ القدرة. وكذلك
فلو رمى حجرا فدفعه إلى يده قادر آخر ، لكان متولّدا وهو في محلّ القدرة ، فبطل أن
الفرق بين الأمرين ما قالوه. فإذا يجب أن يجعل الدلالة الفاصلة بين هذين الفعلين ،
إنّ ما يجعل متولّدا هو الذي يقع بحسب فعل آخر ، حتى أنّه ربما تعذّر به إيجادنا
له إلّا كذلك. وربما صحّ ولكنّه إذا وقع على هذا الحدّ وما تتعذّر الإشارة إلى شيء
يقع هذا بحسبه نجعله واقعا ابتداء (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ٥)
ـ إنّ الغرض
بقولنا : إنّه مباشر ، إبانة فعل من فعل. لأنّا لمّا علمنا أنّ العبد يفعل على
وجهين : أحدهما ، بأن يبتدئه بالمقدرة في محلّها ، والآخر ، بأن يفعل مقدوره
بواسطة يوجد بحسبها. واحتجنا إلى أن نجد أحدهما بما يفارق به الآخر ، فحدّدنا
المباشر بما ذكرناه ، لأنّه به بان من المتولّد ؛ وجعلنا كلا الفعلين متعلّقا
بالجملة من حيث كان فعلا ، وجعلناه حادثا من جهته. والأحكام التي تتعلّق بالفعل ،
إنّما تتعلّق به من حيث كان محدثا له والمباشر كالمتولّد في ذلك. ولا يجب أن نذكر
في حدّ المباشر ذلك ، إذا كان المقصد به إبانة من فعل من فعل ؛ كما لا يجب ذكر ذلك
في أجناس الأفعال (ق ، غ ٨ ، ٩١ ، ٧)
ـ ليس لأحد أن
يقول إن وقوع المباشر بحسب قصده إنّما دالّا على أنّه فعله من حيث وقع من جهته
ابتداء ولم يتعلّق وجوده بغيره ، وهذا المعنى لا يصحّ في المتولّد ، فلم يجب أن
يشاركه في الحكم ، وذلك لأنّ الذي له علمنا أنّ المباشر فعله هو وقوعه بحسب قصده
على ما بيّناه دون حدوثه ابتداء ، لأنّ اللون الحالّ فينا والمرض والصحّة قد توجد
ابتداء ، ولم يجب كونه فعلا له ، وإنّما فارق المباشر هذه الأمور من حيث وجب وقوعه
بحسب قصده لا لأنّه وجد مبتدأ ، فإذا كانت هذه الطريقة موجودة في المتولّد فيجب
كونه فعلا له أيضا. والمتولّد وإن فارق المباشر في كيفيّة وجوده فلا يجب كونه
مفارقا له فيما به نعلم أنّه حادث من جهة القادر ، لأنّ طريق العلم بالشيء قد
يتّفق وإن كان حكمه في نفسه يختلف في الوجود. ألا ترى أن أحكام الأفعال المباشرة
قد تختلف في الوجود ، ففيها ما يحتاج إلى محلّه فقط ، وفيها ما يحتاج إلى محلّ على
صفة ، ولم يمنع ذلك من اشتراكهما في أنّ ما به يعلم أحدهما فعلا لفاعله يعلم الآخر
فعلا له (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ١٠)
ـ ما قدّمناه في
المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا
وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه
فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب
ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٤)
ـ إنّ الدلالة قد
دلّت على أنّ الواحد منّا يجوز أن يفعل المباشر وهو عاجز لأنّ فناء القدرة في حال
الفعل لا يمتنع عندنا على ما سندلّ عليه من بعد. وإذا جاز مع فنائها الفعل لم
يمتنع أيضا مع وجود العجز ، وكذلك يصحّ أن يفعل مع الموت كل فعل لا يحتاج في وجوده
إلى الحياة ، ولذلك يصحّ من القادر منّا أن يقتل نفسه فيكون فاعلا للقتل في حال
يستحيل كونه حيّا وقادرا ، وإنّما يستحيل أن يفعل أفعال القلوب في حال الموت
لحاجتها في الوجود
إلى الحياة ،
فلذلك فارقت الحركات وغيرها من أفعال الجوارح. وإذا صحّ ذلك في المباشر فتجب صحّته
في المتولّد وإن كان يختصّ المتولّد بأنّه لا يحلّ بعضه ، فيصحّ لأجل ذلك وجوده مع
فنائه لو صحّ في الأجسام فناء بعضها مع بقاء سائرها (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ٦)
ـ إنّ الفعل لا
يحتاج إلى كون فاعله موجودا إذا لم يكن حالّا في بعضه ، وإنّما يقتضي وجوده متى
حلّ في بعضه لأنّ من حق المحل أن يكون موجودا ، وإنّما يحتاج الفعل إلى تقدّم كون
فاعله قادرا ، فإن كان مباشرا متولّدا يقارن السبب وجب أن يتقدّم كونه قادرا قبله
بوقت ، وإن كان متولّدا يتأخّر عن السبب وجب تقدّم كونه قادرا قبل وجود سببه الأول
بوقت ، ومتى لم يكن الفعل حالّا في بعضه فوجوده كعدمه في أنّه لا يحل بصحّة الفعل (ق
، غ ٩ ، ٦٥ ، ١٥)
ـ إنّ المباشر لا
يجوز أن يفعل القادر منه وقد عجز أو مات إلّا أقلّ قليل الفعل ، لأنّه يبتدئه
بالقدرة في الثاني ، فإذا عجز لم يصحّ أن يفعل مثله في الثالث فلا يصحّ أن يوجد
منه إلّا أقلّ الفعل ، هذا إذا كان ذلك الفعل مما لا يحتاج في وجوده إلى الحياة ،
كأفعال القلوب. فأمّا إذا كان يحتاج إلى الحياة فإنّها مما لا يصحّ أن يفعلها وهو
ميت ، وإن صحّ أن يفعلها وهو عاجز ، لأنها لا تحتاج في وجودها إلى القدرة كحاجتها
إلى الحياة (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ٢٢)
ـ اعلم أنّ الأصل
في مقدور القادر أنّه يصحّ منه إيجاده لكونه قادرا عليه ، فإذا ثبت أنّه يحتاج إلى
سبب في إيجاده حكم به وإلّا وجب استغناؤه عنه ، فما ثبت وجوب وجوده بحسب فعل له
آخر حكم بأنّه متولّد ، وما امتنع ذلك فيه لم يصحّ وجوده إلّا مباشرا (ق ، غ ٩ ،
٨٠ ، ٥)
ـ قد ثبت أنّ ما
حلّ في غير محلّ القدرة عليه لا يكون إلّا متولّدا لاستحالة حصول هذه الصفة
للمباشر ، وصحّ أنّ ما حلّ محلّ القدرة عليه قد يكون متولّدا كالعلم والحركة ، وقد
يكون مباشرا وبأن يجعله متولّدا من حيث اختصّ بحكم يحصل إلّا للمتولّد أولى بأن
يجعله مباشرا لاختصاصه بحكم قد يحصل للمتولّد كما يحصل للمباشر (ق ، غ ٩ ، ١٢٩ ، ٩)
ـ إنّما نقول في
المتولّد إنّه قد يحلّ محلّ القدرة عليه لا أنّ ذلك يجب فيه ، وإنّما يحلّ العلم
المتولّد عن النظر في محلّ القدرة عليه لأنّ سببه لا جهة له ، فلا يجوز أن يولّد
إلّا في محلّه. ومن حق العلم أن لا يوجد إلّا في محلّ واحد ، وما يولّده فينا
الحجر عند تراجعه ومصادمته مكانا صلبا في محل القدرة ، فإنّما يولّده فيه من حيث
حصل ذلك المحل مماسا لمحلّ القدرة ثانيا ، كما كان محل القدرة مماسا له أولا
ومعتمدا عليه. فما أوجب كون الاعتماد الأول مولّدا فيه يوجب كون اعتماده مولّدا في
محلّ قدرتنا. وليس كذلك حال التأليف لأنّه لم يحصل له من حيث وجد في محلّ القدرة
حال توجب كونه متولّدا ، وحلوله في غير محل القدرة على ما بيّناه لا يمنع من كونه
مباشرا لما قدّمناه ، فكيف يقال فيه أنه من حيث وجد في غير محلّ القدرة يجب أن
يكون متولّدا؟ فأما ما سوى هذين الضربين فيجب ألا يكون من فعلنا إلّا مباشرا ،
ولذلك يصحّ منّا أن نبتدئ فنفعل الإرادة والكراهة والاعتقاد من غير أن نفعل قبلها
أو معها غيرها. والمتولّد يستحيل ذلك فيه لوجوب تعلّقه بالسبب ، فيجب في كل فعل
يصحّ فيه ما ذكرناه أن يكون مباشرا. والذي يلتبس الحال فيه هو كل فعل لا يوجد إلّا
مع
غيره في حاله أو
متقدّم له مثل التأليف الذي يقال إنّه يولّد التأليف والاعتماد إنّه يولّد مثله
وإن كان محلّه ساكنا (ق ، غ ٩ ، ١٣٠ ، ٢٤)
ـ حدّ (أبو هاشم)
المباشر بأنّه ما وجد من غير مقدّمة ، وحدّ المتولّد بأنّه كل فعل تقدّمه أو حدث
معه سبب لولاه لم يوجد (ق ، غ ٩ ، ١٣٨ ، ٢١)
ـ المباشر لا يكون
تركا للمتولّد ، من حيث يجب وجوده بوجوب سببه. ومن حق الترك والمتروك أن يصحّ من
القادر ، في كل واحد منهما ، أن يبتدئه وأن يبتدئ ضدّه (ق ، غ ١٢ ، ٢٨١ ، ١)
ـ المباشر هو ما
يحلّ محلّ القدرة عليه ، والمتولّد ما يوجد في غير محلّ القدرة (ن ، د ، ٣٩٠ ، ١٠)
ـ الصحيح من الحدّ
أن يقال في المباشر : ما يفعل مبتدأ بالقدرة في محلّها (ن ، د ، ٣٩١ ، ٦)
مباشرة
ـ اعلم أنّه كان (الأشعري)
يحيل قول من قال" فعل متولّد" ، و" فعل مباشر". ويقول إنّ
المباشرة أصله من إلصاق بشرة ببشرة ولا يصحّ أن تكون للفعل بشرة. وكذلك يحيل قول
من يقول للفعل إنّه متولّد أو مولّد (أ ، م ، ١٣١ ، ٢)
ـ إنّ المباشرة هو
أن يفعل الفعل مبتدأ بالقدرة في محلّها ، فلو فعل الجسم بهذه الطريقة لزم حلول
الجسم في الجسم ، وذلك محال (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ٩)
مباعدة
ـ إنّ المباعدة
عبارة عن كون الجوهرين على سبيل البعد (ن ، د ، ٧٦ ، ١١)
مباينة
ـ إنّ كل جسمين
تحرّك أحدهما دون الآخر لا بدّ أن تقع بينهما مباينة (ن ، د ، ١٤٩ ، ١٦)
مبتدئ
ـ قال (الإسكافي)
: إنّما تبتدأ الأشياء وتستأنف من أوائلها لا من أواخرها ، فلو لم يكن تبتدأ منه
لا شيء قبله أوّل استحال وقوع شيء منها. وفي صحة وجودها ما يدلّ على أنّ لها أولا
ابتدئت منه. وإذا كان المبتدئ لها من لا يجوز عليه التغيير جاز أن يديمها أبدا ولا
يقطعها (خ ، ن ، ١٩ ، ٩)
مبتدئ بالفعل
ـ قد ذكر شيخنا
أبو هاشم ـ رحمهالله ـ أن من يفعل
الحسن لا لحسنه في عقله لا يستحقّ به الثواب. لأنّه يصير في حكم المبتدئ بالفعل ،
فكما لو ابتدأه من غير إيجاب وتكليف لم يستحقّ الثواب به فكذلك إذا فعله لا للوجه
الذي وجب. وهذا بيّن في الثواب من حيث يرجع استحقاقه (الثواب) إلى إيجاب الموجب
وليس كذلك المدح ، ولذلك يستحقّه القديم ـ تعالى ـ كالواحد منّا (ق ، غ ١١ ، ٥١٤ ،
٥)
مبتدأ
ـ إنّ المقدورات
على ضربين : مبتدأ كالإرادة ، ومتولّد كالصوت. فالمبتدأ يجب أن تكون القدرة
متقدّمة عليه بوقت ، ثم في الثاني يصحّ منه فعله. والمتولّد على ضربين : أحدهما
يتراخى عن سببه كالإصابة مع الرمي ، والثاني لا يتراخى كالمجاورة مع التأليف. أمّا
ما لا يتراخى عن سببه فإنّ حاله كحال المبتدأ ،
والمتراخي عن سببه
فإنّه لا يمنع أن تتقدّمه القدرة بأوقات ، وإن كان لا يجب أن يتقدّم سببه إلّا
بوقت (ق ، ش ، ٣٩١ ، ١)
ـ كيفية وقوع
الفعل من القادر. فجملة القول في ذلك أنّ القادر إمّا أن يفعل الفعل على وجه
يختصّه أو يفعله على وجه لا يختصّه. فإن فعله على وجه يختصّه فذلك على ضربين :
أحدهما أن لا يكون هناك إلّا مجرّد هذا الفعل الواحد الذي يخصّه وذلك هو كل ما
يفعله مبتدأ في محلّ قدرته. والثاني أن يكون هناك فعل سوى هذا الفعل. ثم هذا على
ضربين : أحدهما أن يكونا جميعا مختصّين به. وهذا هو المتولّد الذي يوجد في محل
القدرة كالنظر والعلم وما شاكل ذلك. والثاني أن يكون أحدهما هو المختصّ به وهذا هو
ما يتولّد عن الاعتماد في غير محلّ القدرة فيكون نفس السبب مخصوصا بالفاعل والمسبب
يتعدّاه. فهذه قسمة ما يختصّ بالفاعل. فأمّا ما لا يختصّ بالفاعل بحال فليس إلّا
المخترع وهو الذي يصحّ من الله عزوجل دون غيره. والوجوه الأولى التي تقدّمت تصحّ منّا (ق ، ت ١
، ٨٠ ، ١٥)
ـ إنّا إنّما نثبت
المبتدأ فعلا لنا لوقوعه بحسب أحوالنا ودواعينا. وهذا قائم في المتولّد لأنّ
الكلام والكتابة والآلام وغيرها تقع بحسب ما نحن عليه من الأحوال فيجب أن يكون
أيضا فعلنا (ق ، ت ١ ، ٤٠٠ ، ١٥)
ـ اعلم أنّ في
أفعالنا ما هو متولّد كما أنّ في أفعالنا ما هو مبتدأ ، فكما أنّ جملة مقدوراتنا
تنقسم إلى ما يكون من أفعال القلوب ومن أفعال الجوارح ، فالمتولّد منها يثبت في
أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فأمّا أفعال القلوب فليس يحصل شيء منها مسبّبا إلّا
العلم. وأمّا أفعال الجوارح فثبت التوليد في الآلام والتأليف والأصوات والأكوان
والاعتماد ، وليس يخرج جميع أفعال الجوارح عن هذه الخمسة ، وفي كلّها يثبت التوليد
وإن كان بعضها كما يثبت متولّدا يثبت مبتدأ. وبعضها لا يصحّ أن يقع إلّا متولّدا ،
وليس إلّا الأصوات والتأليف والآلام. وأفعال القلوب ما كان منه متولّدا فإنّه يصحّ
وقوع جنسه مبتدأ وهو العلم. وأمّا الذي يولّد فهو الاعتماد والكون من أفعال
الجوارح ، والنظر من أفعال القلوب فقط. والذي يولّده الاعتماد هو اعتماد آخر.
والكون من حركة أو سكون والصوت. والذي يولّده الكون هو التأليف والآلام ، والذي
يولّده النظر هو العلم. وما خرج عن هذه الجملة فليس يجوز وقوعه إلّا مبتدأ نحو
الإرادة والكراهة والظنّ والفكر. ثم تنقسم هذه المسبّبات ففيه ما يتولّد عن السبب
في الثاني ، ومنه ما يتولّد في الحال ، والذي يولّد في الثاني ليس إلّا النظر
والاعتماد ، وما يتولّد عن الكون فإنّه يجاوز ولا يتراخى. والطريقة التي بها يعرف
أنّ الشيء يولّد أن يحصل غيره بحسبه. وإمارة توليده أن يحصل بحسب غيره. فكل ما
يثبت فيه هذا الوجه قضينا بأنّه متولّدا. وما ليس هذا حاله أخرجناه عن هذه الجملة.
وإمارة ما يتعذّر فعله منّا إلّا بسبب هو أنّه لا يتمكّن من فعله إلّا عند فعل آخر
نوقعه بحسبه إذا زالت الموانع (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٣)
ـ إنّ الفاعل
إنّما يصحّ أن يفعل على الوجه الذي يصحّ وجود الفعل في نفسه عليه. فلهذا ما كان
مبتدأ من الأفعال من نحو الإرادة وغيرها لا يصحّ وجوده إلّا في مثل تنبّه القلب ،
ولا فرق في ذلك بين القادرين. وعلى هذه الطريقة لم
يصحّ منا إيجاد
كثير من الأفعال إلّا بآلات (ق ، ت ١ ، ٤١٤ ، ٤)
ـ إنّ المبتدأ لا
بدّ من قدرته (الفاعل) عليه قبل وجوده بوقت واحد ولا يزيده. وكذلك المتولّد الذي
يصاحب السبب ، فأمّا إذا تأخّر عنه مثل النظر والعلم والاعتماد والحركة فإنّما
يراد بذلك الوقت الواحد ، فسبيل القدرة أن تتقدّم بوقتين. وأمّا إن كان السبب
يولّد أمثاله فالواجب تقدّمه على هذا السبب الأوّل بوقت واحد ، ثم يصحّ أن يعدم
والمسبّب يقع بعد أوقات كثيرة (ق ، ت ١ ، ٤٢٦ ، ٢٦)
ـ أمّا المبتدأ
فعند وجوده وكذلك المسبّب الذي يصاحب السبب يزول تعلّقه عند وجود سببه. وهكذا إن
ولّده في الثاني. فأما القديم تعالى فالمبتدأ من فعله إن صحّت إعادته لم يزل
تعلّقه به ، وفي المسبّب إذا تولّد عن سبب لا يبقى زال تعلّقه به عند وجود سببه
بلا إشكال. فأمّا إن كان مما يبقى سببه فهو مبني على صحّة الإعادة فيه وقد مضى ذكره
في موضعه. فإن قلنا بأن السبب باق ويقع مبتدأ فأعيد ، فلا بدّ من أن يكون له مسبّب
في حال الإعادة غير ما كان في حال البدء ، هذا إن كانت تلك المسبّبات التي له في
حال الابتداء قد وقعت ، ويحتمل أن يقال : إن كانت لم تقع ولدت هذه المسبّبات
بأعبائها وفيه نظر (ق ، ت ١ ، ٤٢٧ ، ٨)
ـ نظرنا في حال
الفعل فقلنا : ما كان مبتدأ فلا بدّ عند وجوده من تقدّم كونه قادرا عليه قبل الفعل
بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده في الثاني. وما كان متولّدا ينظر فيه : فإن كان
المسبّب متّصلا بالسبب فحكمه حكم المبتدأ في وجوب قدرته عليهما قبل الفعل بوقت
واحد. وما كان من باب المسبّب الذي يوجد في الثاني من حال سببه فيجب تقدّم كونه
قادرا عليه بوقتين وعلى السبب بوقت واحد ثمّ ينظر. فإن كان هذا المسبّب سببا في
نفسه يولّد غيره حتى يتّصل بعض ذلك ببعض ما لم يكن هناك منع. فقد يجوز تقدّم
القدرة على هذه المسبّبات المتراخية بأوقات كثيرة ، على ما نقوله في رمي السهم
والحجر وما أشبه ذلك. فلا يجب إجراء الأفعال كلّها مجرى واحدا في هذا الحكم (ق ، ت
٢ ، ١٣٢ ، ٦)
ـ إنّ كل ما جاز
أن يفعل مبتدأ ، فإنّه لا يجوز أن يفعله بسبب ، لأنّ هذا يوجب أن يكون له في
الحدوث وجهان. ولو جاز ذلك ، لكان يجب إذا لم يوجد السبب ، وحاول أن يبتدئ بإيجاده
، أن يكون هناك وجهان : أحدهما يقتضي وجوب وجوده ، والآخر يقتضي وجوب عدمه ، وهو
فقد السبب ، وهذا محال. فإذا صحّت هذه الأصول علمنا أنّه كان يصحّ منه أن يفعل
الحركة في ذلك الجسم حالا بعد حال من غير سبب (ن ، م ، ١٩٨ ، ١٢)
ـ إنّا نعلم في
الجملة ، أنّ القادر يصحّ منه الفعل على وجه الاضطرار ، فيصحّ في كيفيّته أن يعلم
على وجه الاضطرار ، ولا يعلم ماله يصير الجبل ثقيلا ، وماله تصير الخردلة لها حظ
من الثقل. فكلّ ذلك يعلم باستدلال ، ولهذا صحّ في كثير من المتكلّمين ، أن يقولوا
في هذه الحركات أنها مبتدأة ، لا أنها واجبة عن اعتماد في الجسم ، حتى جوّز شيخنا
أبو علي فيما يتحرّك بالرياح الشديدة ، أنّه مبتدأ وليس بمتولّد. وفي المتكلّمين
عالم ينفون التولّد أصلا (ن ، م ، ٢٣١ ، ١٤)
ـ أبو علي وأبو
هاشم (قالا) : والمتولّد هو
المسبّب ،
والمبتدأ ما يفعل بالقدرة في محلّها لا بواسطة. أحد أقوال البصريّة : لا متولّد ،
بل يفعله الله ابتداء. لنا : وجود الدلالة على وجود المبتدأ والمتولّد (م ، ق ، ٩٦
، ١)
مبتدأ من الفعل
ـ إنّ المبتدأ من
الفعل يجب أن يحلّ في محلّ القدرة عليه ، والمتولّد في هذا الوجه يحلّ في غير محلّ
القدرة (ق ، غ ٩ ، ١١٣ ، ٩)
مبتدع
ـ كيف ما كان فلا
ينبغي أن يكفّر كل فريق خصمه ، بأن يراه غالطا في البرهان ، نعم يجوز أن يسمّيه
ضالّا ومبتدعا. أمّا ضالا فمن حيث أنّه ضلّ عن الطريق عنده ، وأمّا مبتدعا فمن حيث
أنّه أبدع قولا لم يعهد من السلف التصريح به (غ ، ف ، ٦٧ ، ١٤)
مبخّت
ـ إنّ المبخّت
والمقلّد قد يعتقدان الشيء على ما هو به ، ولا يكونان عالمين. ولذلك يجدان حالهما
كحال الظان والشاك (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ٢٠)
ـ الكلام موضوع
للفائدة. ولا وجه لاختلاف العبارات مع اتّفاقها ؛ لأنّ الفروق إذا عقلت صحّت
التفرقة بين العبارات. فأمّا إذا كان لا فرق البتّة فلا وجه في ذلك ، سيّما إذا لم
يقترن بذلك ما يتّصل بدواعي التكليف. فإذا ثبت ذلك ، وعلمنا أنّ بين أن تسكن نفس
المعتقد إلى معتقده ، وبين ألا تسكن نفسه إليه ، فرقا ، صحّ أن نصف الأول بأنّه عالم
، والثاني بأنّه معتقد وليس بعالم. ثم وجدنا من لم تسكن نفسه إلى ما اعتقد يكون
معتقده على ما هو به ، وعلى ما ليس هو به ؛ والحكم في ذلك مختلف ، كما أنّ الحقيقة
مختلفة. فوصفنا الأول بأنّه مقلّد أو مبخّت ، والثاني بأنّه جاهل ، ووصفنا المعاني
بحسب ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٨ ، ١)
مبدع
ـ البديع والمبدع
واحد ؛ وهو الذي لم يسبقه أحد في إنشاء مثله ؛ ولذلك سمّي صاحب الهوى مبتدعا ؛
لمّا لم يسبقه في مثل فعله أحد (م ، ت ، ٢٦٧ ، ٧)
ـ إنّه لا خالق
إلّا الله. ولا مبدع إلّا هو. وأنّ الإبداع والخلق لجميع الحادثات ، لا يكون إلّا
عن إرادة واختيار ، لا عن طبع واضطرار ، كيف وإنّه لو لم تتعلّق إرادته بجميع
الكائنات لكان كمال واجب الوجود بالنسبة إلى ما لم تتعلّق به إرادته من الكائنات
أنقص بالنسبة إلى حال من تعلّقت به إرادته من المختارين ، وهو محال (م ، غ ، ٦٤ ،
١)
متأخّر
ـ المتأخّر كما لا
يبطل المتقدّم لا يوجبه أيضا ، بل المتقدّم هو الذي يوجب المتأخّر إذا كان التقدّم
بالعلّية (ط ، م ، ٣٠١ ، ١٤)
متحرّك
ـ إنّ حركة
الاضطرار تدل على أنّ الله تعالى هو الفاعل لها على حقيقتها ، ولا تدل على أنّ
المتحرّك بها في الحقيقة هو الله تعالى إذا كانت حركة ، كما كان هو الفاعل لها في
الحقيقة ، ولا يجب أن يكون المتحرّك المضطر إليها
فاعلا لها على
حقيقتها إذا كان متحرّكا بها على الحقيقة ، إذ كان معنى المتحرّك أنّ الحركة حلّته
ولم يكن جائزا على ربنا تعالى (ش ، ل ، ٤٠ ، ٤)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ حقيقة المتحرّك من قامت به الحركة ، وإنّ الجزء من الجملة لا يصحّ أن
يكون متحرّكا بحركة الجملة بل كل جزء قامت به الحركة متحرّك. فإذا قيل للجملة
إنّها متحرّك بحركة في بعضها فتوسّع. وكان يسوّي بين المتحرّك والعالم أنّه هو من
قامت به الحركة والعلم (أ ، م ، ٢٦٢ ، ٢٠)
ـ إنّ معنى المتحرّك
هو ما يتجدّد كونه كائنا في الجهات ، ومعنى الساكن هو ما يتوالى كونه كائنا في جهة
، فيستحيل في شيء واحد أن يكون في حالة واحدة مستمرّ الصفة ومتجدّد الصفة (ن ، د ،
١٤٣ ، ١٨)
ـ إنّ المتحرّك هو
المنتقل من حالة إلى حالة ومن جهة إلى جهة ، ولا تعلم حالة معقولة له قبل ما لم
يزل (ن ، د ، ٢٤٨ ، ٥)
ـ إنّ المتحرّك هو
الكائن في جهة ، بعد أن كان في غيرها (ن ، م ، ١٨٧ ، ١)
ـ بنى أبو القاسم
، رحمهالله ، على قوله إنّ المتحرّك لا يتحرّك إلّا في مكان ، وجعل
المكان ما أحاط بغيره ، فلما قال بذلك زعم أنّ الذي فارق ما أحاط به هو الصفحة
العليا لمفارقتها الهواء المحيط بها دون الأجزاء الباطنة من حيث أنّها لم تفارق ما
أحاط بها ، بل هي بحالها. ونحن لا نقول في المتحرّك أنّه المفارق لما أحاط به ، بل
نعني به أنّه الكائن في جهة عقيب كونه في جهة غيرها ، فيبطل ما بنى عليه. وأما من
جهة الاسم فمعلوم أنّ أهل اللغة يسمّون الطائر متحرّكا في الجو وإن لم يعتقدوا
هناك هواء هو مكان له ، فليست حقيقته إلّا ما قلناه (أ ، ت ، ٤٩٣ ، ١٥)
متحيّز
ـ إنّ الذي نعنيه
بقولنا متحيّز هو ما له ولأجله تتعاظم الأجزاء بانضمام البعض إلى البعض. وهذا مما
يثبته. وإن كان يمتنع من تسميته بأنه متحيّز. وكذلك نريد بقولنا كائن من جهة ، أنه
لو وجد جوهر آخر لكان لا يجوز أن يحصل بحيث هو ، وإنّما يكون عن يمينه أو يساره أو
تحته أو فوقه أو خلفه أو أمامه (ن ، م ، ٦١ ، ٦)
ـ المتحيّز هو
المختصّ بحال لكونه عليها يتعاظم بانضمام غيره إليه أو يشغل قدرا من المكان ، أو
ما يقدر تقدير المكان ، فيكون قد حاز ذلك المكان ، أو يمنع غيره من أمثاله عن أن
يحصل بحيث هو. فهذه وما أشبهها أحكام المتحيّز. فأفراد ما هذا حاله تسمّى جوهرا.
ومن هذه الأعيان تتركّب الأجسام ، فلهذا تجعل الجواهر أصول الأجسام (أ ، ت ، ٤٧ ،
٤)
ـ أمّا المتحيّز
فقد قال المتكلّمون إنّه إمّا أن يكون قابلا للانقسام أو لا يكون ، والأوّل هو
الجسم ، والثاني هو الجوهر الفرد (ف ، م ، ٧٤ ، ١٣)
ـ أمّا المتحيّز
فجوهر فرد ، إن لم ينقسم ، وإلّا فجسم وأقلّه جوهران ، وعند المعتزلة ثمانية
والبحث لفظيّ (خ ، ل ، ٦٦ ، ١٤)
ـ لا يوجد جوهر
إلّا متحيّزا ، ولا متحيّز إلّا كائنا يكون (م ، ق ، ٨٢ ، ١)
متشابه
ـ قال يحيى بن
الحسين ، صلوات الله عليه : اعلم أنّ القرآن محكم ومتشابه ... فالمحكم كما قال
الله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ)
(الإخلاص : ٤) ، و
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ) (الشورى : ١١) و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (الأنعام : ١٠٣)
ونحو ذلك والمتشابه مثل قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة ، ٢٢ ـ ٢٣)
، معناها بيّن عند أهل العلم ، وذلك أنّ تفسيره عندهم : أنّ الوجوه يومئذ تكون
نضرة مشرقة ناعمة ، إلى ثواب ربها منتظرة ، كما تقول : لا أنظر إلّا إلى الله وإلى
محمد ، ومحمد غائب ، ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة ، معناه : لا يبشرهم برحمته
ولا ينيلهم ما أنال أهل الجنة من الثواب ، فعند ما لا ينظر الله إليهم يوم القيامة
، يراهم (ي ، ر ، ١٠٢ ، ١)
ـ كان (الأشعري)
يقول في وصف المحكم والمتشابه إنّ ذلك يرجع إلى العبارة التي تبيّن عن المعنى
بنفسه ، والمتشابه يرجع إلى العبارة المشتبهة التي تحتمل الشيء وخلافه (أ ، م ، ٦٤
، ٨)
ـ أمّا إذا كان
الكلام مما يدلّ على الحلال والحرام فلا بدّ من أن يكون للمحكم مزية على المتشابه
من الوجه الذي قدّمناه ، وهو في أن يدلّ ظاهره على المراد ، أو يقتضي ما يضامّه
أنّه مما لا يحتمل إلّا الوجه الواحد من حمل الأدلّة ، وليس كذلك المتشابه ، لأنّ
المراد به يشتبه على العالم باللغة ويحتاج إلى قرينة محدّدة في معرفة المراد به :
إمّا بأن يحمل على المحكم ، أو بأن يدلّ عليه كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إلى ما يجري مجراه. فالمزية له قد ظهرت في هذا الباب (ق
، م ١ ، ٩ ، ٨)
ـ لا يجب أن يكون
المتشابه مما لا يعلم المكلّف تأويله (ق ، م ١ ، ١٥ ، ١٢)
ـ أمّا المتشابه
فهو الذي جعله عزوجل على صفة تشتبه على السامع ـ لكونه عليها المراد به ـ من
حيث خرج ظاهره عن أن يدلّ على المراد به ، لشيء يرجع إلى اللغة أو التعارف ، وهذا
نحو قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ) (الأحزاب : ٥٧)
إلى ما شاكله ، لأنّ ظاهره يقتضي ما علمناه محالا ، فالمراد به مشتبه ويحتاج في
معرفته إلى الرجوع إلى غيره من المحكمات (ق ، م ١ ، ١٩ ، ١٣)
ـ أمّا المتشابه
فقد بيّنّا : أنّه لا يدلّ ، بل العقل يدلّ على المراد به ، أو المحكم ؛ فأمّا
المجمل الذي يتناول الأحكام فلا بدّ من كونه دالّا على المراد به ؛ لكنّه يدلّ على
الجملة ، وعلى القدر الذي يتضمّنه ، دون عداه (ق ، غ ١٦ ، ٣٦٠ ، ١٤)
ـ زعم الإسكافي
أنّ المحكمات كل آية لها معنى لا يحتمل غيره ، والمتشابه ما احتمل تأويلين أو أكثر
(ب ، أ ، ٢٢٢ ، ١٢)
ـ اختلف أصحابنا
في إدراك علم تأويل الآيات المتشابهة. فذهب الحارث المحاسبي وعبد الله بن سعيد
وأبو العبّاس القلانسي إلى أنّ المتشابه هو الذي لا يعلم تأويله إلّا الله. وقالوا
منها حروف الهجاء في أوائل السور. وهذا قول مالك والشافعي وأكثر الأمّة (ب ، أ ،
٢٢٢ ، ١٥)
ـ أمّا المحكم في
اللغة فالعرب تقول حكمت وأحكمت وحكمت بمعنى رددت ومنعت ، والحاكم يمنع الظالم عن
الظلم ، وحكمة اللجام يمنع الفرس عن الاضطراب ، وفي حديث النخعي أحكم اليتيم كما
تحكم ولدك أي أمنعه عن الفساد ، وقوله أحكموا سفهاءكم أي امنعوهم ، وبناء محكم أي
وثيق يمنع من تعرّض له. وسمّيت الحكمة حكمة لأنّها تمنع
الموصوف بها عمّا
لا ينبغي. وأمّا المتشابه فهو أن يكون أحد الشيئين مشابها للآخر بحيث يعجز الذهن
عن التميّز ... ويقال لأصحاب المخاريق أصحاب الشبهات ، وقال عليهالسلام : " الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور
متشابهات" وفي رواية أخرى متشابهات. فهذا تحقيق الكلام في المحكم والمتشابه
بحسب أصل اللغة (ف ، س ، ٢١٨ ، ١٠)
ـ أمّا في عرف
العلماء فاعلم إنّ الناس قد أكثروا في تفسير المحكم والمتشابه وكتب من تقدّم منّا
مشتملة عليها ، والذي عندي فيه أنّ اللفظ الذي جعل موضوعا لمعنى فإمّا أن يكون
محتملا لغير ذلك المعنى أو لا يكون ، فإن كان موضوعا لمعنى ولم يكن محتملا لغيره
فهو النص ، وإن كان محتملا لغير ذلك المعنى فإمّا أن يكون احتماله لأحدهما راجحا
على الآخر ، وإمّا أن لا يكون ، بل يكون احتماله لهما على السويّة. فإن كان
احتماله لأحدهما راجحا على احتماله للآخر فكان ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجع ظاهرا
وبالنسبة إلى المرجوح مؤوّلا. وأمّا إن كان احتماله لهما على السوية كان اللفظ
بالنسبة إليهما معا مشتركا ، وبالنسبة إلى كل واحد منهما على المعنيين محتملا.
فخرج من هذا التقسيم أنّ اللفظ إمّا أن يكون نصّا أو ظاهرا أو مجملا أو مؤوّلا ،
فالنصّ والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، إلّا أنّ النصّ راجح مانع من النقيض ،
والظاهر راجح غير مانع من النقيض ، فالنص والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، فهذا
القدر هو المسمّى بالمحكم. وأمّا المجمل والمؤوّل فهما يشتركان في أنّ دلالة اللفظ
غير راجحة إلّا أنّ المجمل لا رجحان فيه بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين ،
والمؤوّل فيه رجحان بالنسبة إلى طرف المشترك وهو عدم الرجحان بالنسبة إليه ، وهو
المسمّى بالمتشابه ، لأنّ عدم الفهم حاصل فيه (ف ، س ، ٢١٩ ، ١)
ـ إنّ حمل اللفظ
على معناه الراجح هو المحكم ، وحمله على معناه الذي ليس راجحا هو المتشابه (ف ، س
، ٢٢٤ ، ٢)
ـ المحكم ما لا
يحتمل أكثر من معنى واحد أو يدلّ على معان. امتنع قصر دلالته على بعضها دون بعض ،
نحو : " وأمر بالمعروف". ويصمى النص ، أو يكون أحد معانيه أظهر لسبقه
إلى الفهم ولم يخالف نصّا ولا إجماعا ولا يثبت ما قضى العقل ببطلانه ويسمّى
الظاهر. والمتشابه ما عداهما (ق ، س ، ١٤٦ ، ٢٠)
متشابهات
ـ متشابهات وهو
كنحو ما أنزل الله من أنّه يبعث الأموات ويأتي بالساعة وينتقم ممن عصاه أو ترك آية
أو نسخها مما لا يدركونه إلّا بالنظر فيتركون هذا ويقولون : (ائْتِنا بِعَذابِ اللهِ) (العنكبوت : ٢٩) ،
في كل هذا عليهم شبهة حتى يكون منهم النظر فيعلمون أنّ لله أن يعذّبهم متى شاء
وينقلهم إلى ما شاء (ش ، ق ، ٢٢٣ ، ١٠)
ـ متشابهات وهي
الآيات التي يحتمل ظاهرها في السمع المعاني المختلفة (ش ، ق ، ٢٢٤ ، ٣)
متشابهان
ـ إنّ الأجسام
كلّها من جنس واحد من حيث كان كلّ واحد منها يسدّ مسدّ الآخر وينوب منابه ، ويجوز
عليه من الوصف مثل ما جاز عليه من
الحركة والسّكون
والاجتماع والافتراق والزيادة والنّقصان وغير ذلك من الأوصال. وليس معنى المثلين
المتشابهين أكثر من ذلك ، فلو كان بعض الأجسام نورا مع اشتباهها وتماثلها لكانت
كلّها نورا ؛ وكذلك لو كان منها ما هو ظلام لكانت كلّها ظلاما ؛ كما أنّه لو كان
منها ما هو حركة أو سكون أو امتزاج أو تباين أو إرادة أو علم لكانت كلها كذلك مع
تماثلها. وفي فساد هذا دليل على أنّ الأجسام كلّها جنس واحد مشتبه غير متضادّ ولا
مختلف ، ليس معها نور ولا ظلام ، ولا اجتماع ولا افتراق ، ولا حركة ولا سكون ، ولا
ظهور ولا كمون. وبان بذلك أن النّور والظّلام هما السّواد والبياض اللّذان يوجدان
بالأجسام ، وأنّهما من جملة الأعراض وبعض العالم ، وليس بكلّ العالم (ب ، ت ، ٦٩ ،
٣)
ـ إنّ الشيئين لو
كانا متشابهين وجب استواؤهما في جميع اللوازم ، فيلزم من توقّف وجود هذا على وجود
الثاني توقّف وجود الثاني على وجود الأوّل ، بل توقّف كل واحد منهما على نفسه وذلك
محال في بداية العقول. فثبت أنّه لا يتوقّف وجود الشيء على وجود نظير له فلا يلزم
من نفى النظير نفيه (ف ، س ، ١٨ ، ١)
متصرّف باختياره
ـ إنّ المطبوع
المجبول على الفعل من شأنه أن يكون ما يضطرّ إليه سجيّة واحدة ؛ وليس كذلك
المتصرّف باختياره ؛ لأنّه يفعل الشيء وضدّه وخلافه (ب ، ت ، ٦٤ ، ٦)
متصل
ـ إن اقتضى (العرض)
قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد
خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد.
وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير
والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ،
أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٣)
متصورات في
الأذهان
ـ إنّ أسباب
الماهيّة غير ، وأسباب الوجود غير ، ولمّا سمعت المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين
القسمين ظنّوا أنّ المتصوّرات في الأذهان هي اشياء ثابتة في الأعيان ، فقضوا بأنّ
المعدوم شيء ، وظنّوا بأنّ وجود الأجناس والأنواع في الأذهان هي أحوال ثابتة في
الأعيان ، فقضوا بأنّ المعدوم شيء ، وأنّ الحال ثابت (ش ، ن ، ١٦٣ ، ١)
متضايفات
ـ تكون العلاقة
متكافية كالعلاقة بين اليمين ، والشمال ، والفوق ، والتحت. فهذا مما يلزم فقد
أحدهما عند تقدير فقد الآخر ، لأنّهما من المتضائفات التي لا تقوم حقيقة أحدهما
إلّا مع الآخر (غ ، ق ، ٢٢٣ ، ١)
متضاد
ـ إنّ المختلف من
الأكوان متضادّ ، والمتضادّ على ضربين : منه ما يكون متضادا على الجنس. ومنه ما
يكون متضادا ، على الحقيقة. فالأوّل : كلّ كونين موجودين في محلّين متغايرين ،
فإنّهما متضادّان على الجنس ، على معنى أنّ من جنسهما ما يجوز
أن يطرأ على كل
واحد منهما فينفيه. والثاني : هو كل ما يمتنع وجوده لأجل وجود صاحبه (ن ، د ، ١٣٣
، ٤)
متعلّق
ـ إنّ المتعلّق
متى تغاير زال التضادّ عن المتعلّق فضلا عن أن يكون هذا المتغاير متضادا. فصار
الشرط في تضادّ ما يتعلّق بغيره أن يكون المتعلّق واحدا ، ويتعلّق هذان الأمران به
على وجهين متنافيين ، وبهذا يتحقّق التضادّ في العلم والجهل بعد تعلّقهما بمعلوم
واحد على وجه واحد (ق ، ت ٢ ، ٩٢ ، ١)
متعلّق بالقادر
ـ إنّ ما كان
متعلّقا بالقادر فهو موقوف على اختياره ولا تدخله طريقة الإيجاب (ق ، ت ٢ ، ٩٠ ،
١٤)
متعلّق التكليف
ـ المأمور بالقيام
منهى عن تركه ؛ فلئن كان القاعد ، في حال قعوده ، غير قادر على القيام المأمور به
، فهو قادر على القعود المنهى عنه ، وهو متعلّق التكليف (ج ، ش ، ٢٠٣ ، ١٦)
متعلّق الرؤية
ـ بعض الأصحاب ...
قال : إنّ الجواهر والأعراض متعلّق الرؤية ، ولا محالة أنّ بينهما اتّفاقا
وافتراقا ، فمتعلّق الرؤية ومصحّحها إمّا ما به وقع الاتفاق أو الافتراق ، أو هما
معا : لا جائز أن يكون المصحّح ما به الاتّفاق والافتراق معا أو الافتراق فقط ؛ إذ
المصحّح يكون في الجملة مختلفا ، والحكم الواحد في المعقولات يستحيل أن تكون له
علل مختلفة أو أن يكون المعلول أعمّ منه. فبقي أن يكون المصحّح ما به الاتّفاق فقط
، وما تخيّل الاشتراك فيه بين الجواهر والأعراض ليس إلّا الوجود والحدوث لا غير ،
والحدوث لا يصلح أن يكون هو المصحّح لتعلّق الإدراك بالشيء ؛ فإنّه قد يدرك لا في
حالة حدوثه ، كيف وأنّ بعض الجواهر وبعض الأعراض حادثة عند الخصم ولا يتعلّق بها
الإدراك؟ فيمتنع أن يكون هو المصحّح ، ثم إنّ معنى الحدوث ليس إلّا كون الشيء
موجودا بعد العدم أي لم يكن فكان ، أو أنّه ما لا يتمّ وجوده بنفسه ، وكل هذه سلوب
وأعدام لا سبيل إلى القول بتعلّق الإدراك بها ، فبقي أن يكون المصحّح للإدراك
إنّما هو الوجود فقط ، وواجب الوجود موجود ، فوجب القول بجواز تعلّق الإدراك به (م
، غ ، ١٦١ ، ١٥)
متعلّقات القدر
ـ أمّا في القدرة
فلو ثبت العجز معنى لأجرينا الكلام في ذلك على نحو ما أجريناه في العلم والجهل ،
وإذ قد تعذّر ذلك ففيه طريقان. أحدهما إنّ القدرة إذا لم تكن بدّ من وجودها لا في
محلّ فقد صارت موجودة على حدّ لا يصحّ الفعل بها لأنّه قد فقد فيها الشرط الذي معه
يصحّ الفعل من استعمال المحل على ما مضى بيانه. فكان هذا المثبت أثبت قدرة يقدر
القادر بها ولا يصحّ منه الفعل لأجلها ، وهذا ينقض وجودها وكون القادر قادرا بها.
والطريق الثاني إنه إذا لم يصحّ أن يقدر بتلك القدرة على الأجناس التي لا يصحّ أن
تكون مقدورة بالقدر
لأن ذلك مستحيل
على ما تقدّم فلا بدّ من أن يقال بقدرتها على الأجناس التي هي متعلّقات القدر. ثم
نعتقد أنّه يقدر عليها لنفسه وبقدرة ، وهذا يقتضي أنّه قد قدر على الشيء الواحد من
جهتين. ولو صحّ ذلك لصحّ مقدور واحد بين قادرين بأن يقدر عليه بقدرتين ، لأنّ
هاتين الجهتين حكمهما كحكم الذات والقدرة ، هذا إذا كان يقدر على هذا الشيء بنفسه
وبالقدرة ، فإن قدر عليه بالقدرة فقط فهو باطل من جهة أخرى لأنّه يقتضي أنّ ما كان
يستحيل كونه مقدورا له ، قد قدر عليه بهذه القدرة ، وما يستحيل كونه مقدورا له
يستحيل أن يقدر عليه أصلا (ق ، ت ١ ، ١٩٧ ، ٤)
متغايران
ـ إنّ معنى
المتغايرين أن يكون أحدهما لا بعينه ممّا لا يستحيل أن يفارق صاحبه بوجه من الوجوه
إمّا بمكان أو زمان أو وجود أحدهما مع عدم صاحبه (أ ، م ، ٢٦٧ ، ١)
ـ المتغايران هما
ذاتان. والذات لا تغاير صفتها. لأنّ صفتها لا تكون مغايرة بالذات لها ، إذ لا ذات
لها ، ولمثل ذلك لا تتغاير الصفات (ط ، م ، ٣٠٥ ، ١٧)
متفضّل
ـ الذي ينتحله
البصريون أنّ الله تعالى متفضّل بإكمال العقل ابتداء ، ولا يتحتّم عليه إثبات
أسباب التكليف ، فإذا كلّف عبدا فيجب بعد تكليفه تمكينه وإقداره ، واللطف به بأقصى
الصلاح ؛ فهذا معنى قول الأئمة في نقل مذهبهم (ج ، ش ، ٢٤٨ ، ٩)
ـ الله تعالى
متفضّل بإيجاد الخلق مع إظهار الحكمة. العدليّة : خلق الله المكلّف ليعرضه على
الخير. المجبرة : بل للجنّة أو النار. لنا : قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ
إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : ٥٦)
وإلزامه تعالى لهم عبادتهم إيّاه عرض على الخير الذي هو الفوز بالجنّة والسلامة من
النار إذ لا يكون ذلك لأحد من المكلّفين إلّا لمن عبده تعالى ، لما سيأتي إن شاء
الله تعالى (ق ، س ، ١٢٠ ، ١١)
متفضّل بالتكليف
ـ إنّه تعالى
متفضّل بالتكليف ، فقد يجوز أن يجعل بعض الأحياء بصفة المكلّفين دون بعض. وإنّما
الممتنع أن يجعل الكلّ بصفة المكلّفين ثمّ لا يكلّفهم وإنّما يكلّف بعضهم دون بعض
، وهذا عندنا لا يصحّ. وإنّما تتفاوت أحوال المكلّفين في التكاليف لأنّها مصالح
لهم وأحوال الناس تختلف فيما يجري هذا المجرى ، على ما نذكره في باب النبوّات (ق ،
ت ٢ ، ١٩٨ ، ٣)
ـ قد دللنا على
أنّه تعالى قادر على ما لا نهاية له من الإحسان وأعدادها ، فالصحيح أنّه تعالى
قادر على أن يجعل كل جماد مكلّفا ، ويخلق من الأجسام ما لا حصر له ، ويجعلها بصفة
المكلّف ، لكنّ ذلك غير واجب عليه ، لأنّه متفضّل بالتكليف ، وابتداء الخلق للمنافع
، فله أن يفعل ما يتفضّل به ، وله ألّا يفعله : وإنّما لا يجوز أن يخلق الأحياء
ويكلّفهم ، ولا يخلق كثيرا من الجمادات كرما لا يتمّ كون الحيّ حيّا إلّا معه.
فأمّا ما عدا ذلك فغير ممتنع أن يجعله حيّا وبصفة المكلّف ، وإن لم يجب ذلك على ما
قدّمناه. وكما يحسن منه أن يخلق بعض الأحياء دون بعض ، ويجعل بعض الأجسام
حيّة دون بعض من
حيث لم يتقدّم ما يوجب عليه خلق الكلّ ، فغير ممتنع أن يجعل بعضهم مكلّفا دون بعض
، ولا يوجب ذلك كونه بخيلا ، لأنّ هذه الصفة تفيد الإخلال بالواجب ، وقد بيّنا أنّ
التكليف غير واجب عليه (ق ، غ ١١ ، ١٥٤ ، ٧)
ـ إنّه تعالى
متفضّل بالتكليف ، وإنّما يكلّف المكلّف لينفعه بالثواب الذي يصحّ أن يصل إليه
بفعل ما كلّفه. ولذلك قلنا إنّه لو صحّ أن يصل إلى الثواب من دون التكليف لما حسن.
وإنّما يحسن لأنّه لا يصحّ للمكلّف التوصّل إلى الثواب إلّا به. فلو جاز التفضّل
بالثواب نفسه لم يكن للتكليف وجه ؛ كما لا يحسن من الواحد منّا إن يتعب نفسه أو
غيره لمنفعة يتمكّن من الوصول إليها ابتداء. وعلى هذا الوجه يبنى القول بكون
الآلام مصلحة ولطفا ، وإلّا لم تحسن فإذا صحّ ذلك حسن منه تعالى أن يريد وصول
المكلّف إلى قدر من الثواب دون قدر ؛ كما يحسن منه ألّا يكلفه أصلا ، ويقتصر به
على منزلة التفضّل (ق ، غ ١١ ، ٢٣٨ ، ٩)
متفضّل بالتكليف
ابتداء
ـ قد بيّنا من قبل
أنّ له تعالى أن يريد به (التكليف) قدرا من المنفعة ، ولا يريد ما زاد عليها.
وبيّنا أنّه تعالى إذا كان متفضّلا بالتكليف ابتداء فيجب كونه متفضّلا بمقاديره ،
وبيّنا أنّ الغرض بالتكليف وصوله إلى المنافع ، فيجب أن يحسن منه تعالى أن يعرّضه
بقدر دون قدر ؛ لأنّه بذلك يتفضّل. فإذا صحّ ذلك كان له تعالى في الابتداء أن
يكلّفه المدّة التي يعلم أنه يعصي فيها ، ولا يزيد في تكليفه عليها ؛ لأنّ علمه
بأنّه لو كلّفه المدّة الثانية كان يؤمن لا يخرجه إذا اقتصر به على المدّة الأوّلة
أن يكون قد عرّضه لمنفعة لا ينالها إلّا به ، ولا يقوم مقام ذلك التكليف في تلك
المنفعة غيره. فيجب أن يحسن الاقتصار به في التكليف عليه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٦ ، ١٣)
ـ قد بيّنا من قبل
أنّ له تعالى أن يريد به (التكليف) قدرا من المنفعة ، ولا يريد ما زاد عليها.
وبيّنا أنّه تعالى إذا كان متفضّلا بالتكليف ابتداء فيجب كونه متفضّلا بمقاديره ،
وبيّنا أنّ الغرض بالتكليف وصوله إلى المنافع ، فيجب أن يحسن منه تعالى أن يعرّضه
بقدر دون قدر ؛ لأنّه بذلك يتفضّل. فإذا صحّ ذلك كان له تعالى في الابتداء أن
يكلّفه المدّة التي يعلم أنه يعصي فيها ، ولا يزيد في تكليفه عليها ؛ لأنّ علمه
بأنّه لو كلّفه المدّة الثانية كان يؤمن لا يخرجه إذا اقتصر به على المدّة الأوّلة
أن يكون قد عرّضه لمنفعة لا ينالها إلّا به ، ولا يقوم مقام ذلك التكليف في تلك
المنفعة غيره. فيجب أن يحسن الاقتصار به في التكليف عليه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٦ ، ١٦)
متّق
ـ إنّ وصف المتّقي
بأنّه متّق لا يصحّ إلّا بأن يختار التحرّز من المضار ، فيكون متّقيا ، ومتى لم
يختر ذلك لم يوصف به ، فإن لم يكن للعبد فعل البتّة ، فكيف يوصف بذلك؟! (ق ، م ١ ،
٤٩ ، ٨)
متقابلان
ـ أمّا المتقابلان
: فهما ما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة. وهذا إمّا أن يكون في اللفظ أو في
المعنى. فإن كان في المعنى فإمّا
أن يكون بين وجود
وعدم ، أو بين وجودين ؛ إذ الأعدام المحضة لا تقابل بينها. فإن كان القسم الأوّل
فهو تقابل السلب والإيجاب وذلك كقولنا الإنسان فرس ، الإنسان ليس بفرس وهو مما
يستحيل اجتماع طرفيه في الصدق أو الكذب. وإن كان من القسم الثاني ، فإمّا أن لا
يعقل واحد منهما إلّا مع تعقّل الآخر أو ليس : فإن كان الأول فيسمّى تقابل
المتضايفين ، وذلك كما في الأبوّة والبنوّة ونحوهما. ومن خواص هذا التقابل ارتباط
كل واحد من الطرفين بالآخر في الفهم ، وإن كان الثاني فيسمّى تقابل الضدّين ، وذلك
كالتقابل الواقع بين السواد والبياض ونحوه. ومن خواص هذا التقابل جواز انتقال
طرفيه بالحركة إلى واسطة تكون بينهما. وأمّا إن كان من القسم الثالث فيسمّى تقابل
العدم والملكة ، والمراد بالملكة هاهنا كل قوّة على شيء ما مستحقّة لما قامت به
إمّا لذاته أو لذاتيّ له. وذلك كما في قوة السمع والبصر ونحوه للحيوان ، والمراد
بالعدم هو رفع هذه القوّة على وجه لا تعود ، وسواء كان في وقت إمكان القوى عليه أو
قبله ، وذلك كما في العمى والطرش ونحوه للحيوان (م ، غ ، ٥٠ ، ٩)
متقدّم
ـ معنى قولنا
متقدّم هو : أنّه تعالى دلّ بالعقل على أنّه لا يخاطب بالتكليف والتعبّد العاجز ،
ومن لا يفعل ، فيرد قوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١)
مرتّبا على ذلك ، لا أنّا نريد بذلك أنّ العقل متقدّم للخطاب ، لأنّ العقل مقارن
له في الحقيقة أيضا ـ فالمراد بذلك ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٢٨ ، ١٥)
ـ المتأخّر كما لا
يبطل المتقدّم لا يوجبه أيضا ، بل المتقدّم هو الذي يوجب المتأخّر إذا كان التقدّم
بالعليّة (ط ، م ، ٣٠١ ، ١٤)
متكلّم
ـ اختلفت المعتزلة
في ذلك فمنهم من أثبت البارئ متكلّما ، ومنهم من امتنع أن يثبّت البارئ متكلّما
وقال : لو ثبّته متكلّما لثبّتّه متفعّلا والقائل بهذا" الاسكافي"
و" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ١٨٥ ، ١٢)
ـ مما يدل من
القياس على أنّ الله تعالى لم يزل متكلّما ، أنّه لو كان لم يزل غير متكلّم وهو
ممن لا يستحيل عليه الكلام ، لكان موصوفا بضدّ من أضداد الكلام من السكوت أو
الآفة. ولو كان لم يزل موصوفا بضدّ الكلام ، لكان ضدّ الكلام قديما. ولو كان ضدّ
الكلام قديما لاستحال أن يعدم وأن يتكلّم الباري ، لأنّ القديم لا يجوز عدمه كما
لا يجوز حدوثه ، فكان يجب أن لا يكون الباري تعالى قائلا ولا آمرا ولا ناهيا على
وجه من الوجوه ، وهذا فاسد عندنا وعندهم. وإذا فسد هذا ، صحّ وثبت أنّ الباري لم
يزل متكلّما قائلا (ش ، ل ، ١٧ ، ١٢)
ـ إنّ المتكلّم لا
يخلو ؛ إمّا أن يكون متكلّما لأنّه فعل الكلام ، أو لأنّ الكلام أوجب له حالة أو
صفة ، أو لأنّ الكلام حلّه أو بعضه ، أو لأنّ الكلام أثر في آلته على معنى أنّه
الخرس والسكوت عنه ، أو لأنّه موجود به ، والأقسام كلها باطلة ، فلم يبق إلّا أن
يكون المتكلّم إنّما كان متكلّما لأنّه فاعل الكلام على ما نقوله (ق ، ش ، ٥٣٦ ، ٨)
ـ اعلم أنّ
المتكلّم عندنا هو فاعل الكلام ، وإنّما
يعرف أنّ هذا
حقيقته بمثل ما به نعرف في شيء من أسماء الفاعلين أنّه يفيد فعلا من الأفعال ،
وهذا نحو الضارب والكاسر والمنعم وغيرهما. ومعلوم أنّ الطريق الذي به ثبتت هذه
الأوصاف مفيدة للفعليّة بدليل أنّك لا تعلم كذلك إلّا عند وقوع هذه الأفعال منه
بحسب أحواله. فإن لم تعرف ذلك لم تعرف متكلّما ، ومتى عرفت هكذا عرفت متكلّما فجرى
مجرى ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ٣٢٠ ، ٢)
ـ اعلم أنّه إذا
كان المتكلّم يعنى به أنّه فعل الكلام ، فقد كفى في صحّة كونه متكلّما كونه قادرا
على هذا النوع ، كما أنّ سائر الأوصاف التي تتبع الفعليّة يكفي في صحّتها كونه
تعالى قادرا عليه. فإذا أحدث الكلام ثبت كونه متكلّما ، كما إذا أحدث النعمة كان
منعما ، وليس الذي لأجله كان أحدنا موصوفا بأنّه متكلّم إلّا فعله للكلام فقط دون
أن يقال : إنّما وصف بذلك لفعله له بآلة ولسان ، ذلك لأنّ الحدّ لا تدخله الآلات
التي بها تقع الأفعال. فلهذا لو فعل الله تعالى الكتابة لسمّي كاتبا ، ولو فعل
الحركة لسمّي محرّكا ، وإن كنّا نعلم أن أحدنا يفعل ذلك بآلات والقديم تعالى لا
يفعله بآلة ، فعلى هذا إذا أردنا تحديد المحرّك والكاتب لم تدخل تحت الحدّ الآلة ،
وعلى هذا صحّ وصفه تعالى بالقول وإن كنّا نعلم أن أحدنا لا يكون قائلا إلّا بآلة (ق
، ت ١ ، ٣٢٧ ، ٣)
ـ اعلم أنّ إثبات
المتكلّم متكلّما على وجه ينقض حقيقة هذا الوصف ، يجب أن يبطل ، وقد بيّنا أنّ
حقيقة ذلك أنّه فعل الكلام. فإذا لم تكن هناك حاله ولم يرجع بهذا إلى أكثر مما
ذكرناه ، فالقول بأنّه متكلّم لنفسه أو بكلام قديم ناقض لذلك ، لأنّ في القول
بأنّه للنفس رفعا للكلام أصلا. وفي القول بأنّ كلامه قديم إثبات له غير فعل ولا
يصحّ واحد من هذين ، فبطل القولان جميعا. فأمّا من أثبت كلاما قديما فإنّه نكلّمه
بما كلّمناهم به في باب الصفات من وجوب كون ذلك الكلام مثلا لله تعالى من حيث
اشتركا في القدم (ق ، ت ١ ، ٣٢٩ ، ٢)
ـ ما دللنا به على
أنّ حقيقة المتكلّم أنّه فاعل للكلام ، يوجب أن يكون متكلّما بكلام يحدثه هو ،
لأنّا قد بيّنا أنّ تعلّق كلامه به هو من حيث الفعليّة لا غير. وبعد فإذا لم يكن
متكلّما بكلام يحدثه ، وكان ذلك مستندا إلى كونه حيّا ، وجب أن يكون كوننا أحياء
يوجب كوننا متكلّمين ، وفي هذا نفي الكلام أصلا (ق ، ت ١ ، ٣٣٤ ، ٩)
ـ ما يدلّ به على
أنّ المتكلّم منّا إنّما يصير متكلّما لأنّه فعل الكلام ، يبطل القول بأنّه يوجب
للجملة حالا (ق ، غ ٧ ، ٤٧ ، ١٥)
ـ قد علم أنّ أهل
اللغة متى علموا وقوع الكلام بحسب قصد زيد وإرادته ودواعيه وصفوه بأنّه متكلّم ،
ومتى لم يعلموا ذلك من حاله لم يصفوه به ، فيجب أن يكون وصفهم له بأنّه متكلّم
يفيد أنّه فعل الكلام ، ولسنا نعني بذلك أنّهم أفادوا به أنّه المحدث له ، لأنّ
ذلك مما يعلم باستدلال ، ولا يكاد ينتهي إليه إلّا أهل النظر ، وإنّما نريد بذلك
أنّهم متى علموه متعلّقا به ، وواقعا بحسب قصده ، وصفوه متكلّما ، فيجب أن يكون
ذلك فائدة هذه الصفة ، وإن كان لا يمتنع ـ متى علمنا أنّ هذا التعلّق يقتضي حدوثه
من جهته ـ أن نقول : إنّ حقيقة المتكلّم أنّه فعل الكلام وأحدثه ، وننتهي في تلخيص
فائدة هذه الصفة إلى غاية ما يمكن فيها على
التفصيل ، لعلمنا
بأنّ أهل اللغة إلى ذلك قصدوا وإن لم يعلموه ، وأنّهم لو علموه لجعلوه حقيقة كونه
متكلّما ، ولما اقتصروا في فائدته على الجملة دون التفصيل (ق ، غ ٧ ، ٤٨ ، ٩)
ـ قيل : إنّ أهل
اللغة إنّما سمّوه متكلّما لوجود الكلام في لسانه ، كان من فعله أو من فعل غيره ،
فلا يصحّ ما ادّعيتموه في حقيقة المتكلّم (ق ، غ ٧ ، ٤٩ ، ٧)
ـ المتكلّم عند
أهل الحق من قام به الكلام. والكلام عند مثبتي الأحوال منهم يوجب لمحلّه حالا وهي
كونه متكلّما ، وينزل الكلام في ذلك منزلة العلوم والقدر ونحوها من الصفات الموجبة
لمحالها الأحكام (ج ، ش ، ١١٢ ، ٣)
ـ ذهبت المعتزلة ،
وكل قائل بأنّ كلام الله تعالى حادث ، إلى أنّ كون المتكلّم متكلّما من صفات
الأفعال ، والمتكلّم عندهم من فعل الكلام. ثم ليس للفاعل من فعله حكم يرجع إلى
ذاته ، إذ المعنى بكون الفاعل فاعلا عندهم وقوع الفعل منه ، وعلى موجب ذلك لم
يشترطوا قيام الكلام بالمتكلّم ، كما لا يجب قيام الفعل بالفاعل (ج ، ش ، ١١٢ ، ٧)
ـ نقول الإنسان
يسمّى متكلّما باعتبارين ؛ أحدهما بالصوت والحرف ؛ والآخر بكلام النفس الذي ليس
بصوت ، ولا حرف ، وذلك كمال ، وهو في حق الله تعالى غير محال ، ولا هو دالّ على
الحدوث ، ونحن لا نثبت في حقّ الله تعالى إلّا كلام النفس ؛ وكلام النفس لا سبيل
إلى إنكاره في حقّ الإنسان زائدا على القدرة ، والصوت حتى يقول الإنسان زوّرت
البارحة كلاما في نفسي ، ويقال في نفس فلان كلام ، وهو يريد أن ينطق به (غ ، ق ،
١١٦ ، ٨)
ـ حكى الأشعري عن
عبّاد أنّه زعم أنّه لا يقال إنّ الله تعالى لم يزل قائلا ولا غير قائل ، ووافقه
الإسكافي على ذلك ، قال ولا يسمّى متكلّما (ش ، م ١ ، ٧٤ ، ١)
ـ إنّهما (أبو علي
الجبائي وابنه أبو هاشم) حكما بكونه تعالى متكلّما بكلام يخلقه في محل ، وحقيقة
الكلام عندهما أصوات مقطّعة ، وحروف منظومة ، والمتكلّم من فعل الكلام ، لا من قام
به الكلام ، إلّا أنّ الجبائي خالف أصحابه خصوصا بقوله : يحدث الله تعالى عند
قراءة كل قارئ كلاما لنفسه في محلّ القراءة ، وذلك حين ألزم أنّ الذي يقرؤه القارئ
ليس بكلام الله. والمسموع منه ليس من كلام الله ، فالتزم هذا المحال من إثبات أمر
غير معقول ولا مسموع ؛ وهو إثبات كلامين في محل واحد (ش ، م ١ ، ٨٠ ، ٩)
ـ الكلام عند
الأشعريّ معنى قائم بالنفس سوى العبارة. والعبارة دلالة عليه من الإنسان. فالمتكلّم
عنده من قام به الكلام (ش ، م ١ ، ٩٦ ، ١١)
ـ قالت المعتزلة
نحن نوافقكم على أنّ الباري تعالى متكلّم ، لكن حقيقة المتكلّم من فعل الكلام ،
فهو فاعل الكلام في محلّ بحيث يسمع ويعلم أنّه كلامه ضرورة ، لأنّه لو كان
المتكلّم من قام به الكلام كما ذهبتم إليه ، وجب أن يكون كلامه إمّا قديما وإمّا
حادثا ، وإن كان قديما ففيه إثبات القديمين ... (ش ، ن ، ٢٧٩ ، ١٧)
ـ اتّفق المسلمون
على إطلاق لفظ المتكلّم على الله تعالى ولكنّهم اختلفوا في معناه : فزعمت المعتزلة
أنّ معناه تعالى موجدا لأصوات دالّة على معان مخصوصة في أجسام مخصوصة. وأعلم أنّا
لا ننازعهم في المعنى ، لأنّا نعتقد أنّ
جميع الحوادث
واقعة بقدرة الله تعالى ، ونسلّم أنّ خلق الأصوات في الأجسام الجماديّة
والحيوانيّة جائز ، وإذا ثبت ذلك فقد ساعدتهم على المعنى وبقي هاهنا النزاع إطلاق
اسم المتكلّم هل يقع في اللغة لهذا المعنى أم لا ، وهذا البحث لغويّ لا حظّ للعقل
البتّة فيه ، والمتكلّمون من الفريقين قد طوّلوا فيه ولا فائدة فيه. أمّا أصحابنا
فقد اتّفقوا على أنّ الله تعالى ليس بمتكلّم بالكلام الذي هو الحروف والأصوات ، بل
زعموا أنّه متكلّم بكلام النفس ، والمعتزلة ينكرون هذه الماهيّة ، وبتقدير
الاعتراف بها ينكرون إنصاف ذات الباري ، وبتقدير ذلك ينكرون كونها واحدة ، فالحاصل
أنّ الذي ذهبوا إليه فنحن من القائلين به (ف ، م ، ١٢٨ ، ١٧)
ـ ذهب أهل الحق من
الإسلاميين إلى كون الباري ـ تعالى ـ متكلّما بكلام قديم أزليّ نفسانيّ ، أحديّ
الذات ، ليس بحروف ولا أصوات ، وهو ـ مع ذلك ـ ينقسم بانقسام المتعلّقات ، مغاير
للعلم والقدرة والإرادة وغير ذلك من الصفات (م ، غ ، ٨٨ ، ٣)
ـ (المعتزلة)
قالوا : معنى كونه متكلّما وأنّ له كلاما أنّه فاعل للكلام ، وذلك صفة فعليّة لا
صفة نفسيّة (م ، غ ، ٩٤ ، ١٢)
ـ (الله) متكلّم
اتّفاقا ، ومعناه عند المعتزلة إيجاد أصوات دالّة على معان مخصوصة في أجسام مخصوصة
، والنزاع هل هو موضوعه اللغويّ. وعند أصحابنا بكلام النفس القائم به القديم
الواحد وأنكرته المعتزلة (خ ، ل ، ١٠١ ، ٥)
متلو
ـ إنّ التلاوة فعل
الرسول وهو المأمور بها ، والمتلو كلامه القديم ، ولم يأمره أن يأتى بكلامه القديم
؛ لأنّ ذلك لا يتصوّر الأمر به ولا يدخل تحت قدرة مخلوق ، إنّما أمر بتلاوة كلامه
، كما أمر بعبادته ، وعبادته غيره ، فكذلك تلاوة كلامه غير كلامه ، فحصل من هذا :
تال. وهو الرسول عليهالسلام وتلاوته صفة له. ومتلو : وهو كلام الله القديم الذي هو صفة
له. ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ
الْقُرْآنَ) (النحل : ٩٨). ففرق
بين القراءة والمقروء : وأيضا قوله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ
إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) (الكهف : ٢٧) فذكر
قراءة ومقروءا ، وتلاوة ، ومتلوا ، وعند الجاهل أن ذلك شيء واحد (ب ، ن ، ٨١ ، ١٥)
متماثل
ـ إنّا قد بيّنّا
من قبل حصر الأجناس التي تدخل تحت مقدور العباد. وهذه الأجناس على ضربين ، أحدهما
لا يدخله الاختلاف بل كلّه متماثل نحو التأليف والألم ، والثاني يختلف. ثمّ هذا
المختلف على ضربين ، أحدهما يختلف فقط ولا يكون له حكم زائد على الاختلاف ،
والثاني يدخله التضادّ مع الاختلاف. فالذي يقطع على اختلافه من مقدور العباد مما
لا يدخله التضادّ هو الاعتماد ، فإنّه يشتمل على متماثل ومختلف ، ومختلفه لا
يتضادّ. وكذلك الإرادة والكراهة لا يقع في كل واحد من نوعيهما تضادّ. وكذلك النظر
من أفعال القلوب يلحق بما ذكرناه. فأمّا الأصوات فالصحيح أن لا يقطع على ثبوت
التضادّ فيها ولا على نفي التضادّ فيها بل يتوقّف فلا تدخل في هذا الفصل ولا فيما
بعده. فأمّا ما يدخله التضادّ من مقدور العباد فنوع الأكوان فإنّه يقع فيها
المختلف ومختلفه يتضادّ. والاعتقادات يدخلها التضادّ وإن لم يكن كل مختلف منها
متضادا. وإنّما
يثبت التضادّ هناك
وفي الظّنون أيضا بطريقة النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ، ٥)
متماثل الأكوان
ـ اعلم أنّ متماثل
الأكوان يختصّ بحكم من بين سائر المتماثلات ليس إلّا له وهو استحالة وجوده والوقت
واحد في محال متغايرة. وإنّما يصحّ في محلّ واحد متى كان الوقت واحد ، وفي المحال
يوجد على البدل ، لأنّه إذا امتنع في الجواهر الكثيرة أن تحصل في محاذاة واحدة
وكان تماثل الأكوان موقوفا على أنّ المحاذاة واحدة ، فليس إلّا ما ذكرنا من حصول
الأكوان الكثيرة في الجوهر الواحد ، وأن يوجد جوهر واحد في محاذاة بكون ثم ينتقل
ويوجد مكانه جوهر آخر. فيكون الموجود فيه مثل ما وجد أولا ، تمّ كذلك. وليس هكذا
حال المتماثلات أجمع ، لأنّ في الوقت الواحد يوجد سواد في محل وسواد آخر في محل
سواه ، وكذلك في الطعوم وغيرها. فهذا حكم يختصّ به الكون ويختصّ مماثله بحكم آخر
وهو صحّة وقوع التمانع به ، وذلك مفقود في غيره لأنّه يقع بالأمور المتضادّة أو
الجارية مجراها (أ ، ت ، ٤٦٢ ، ١٦)
متماثلان
ـ إنّ الشيئين
المتماثلين يجب أن يكون تأثيرهما والموجب عنهما واحدا. ألا ترى أنّه لمّا كان كون
القمر في برج الحمل من جنس كون الشمس فيه ، وجب أن يصير كل واحد من الكونين في تلك
المحاذاة وذلك البرج بعينه؟ فكذلك يجب أن يكون سائر موجبات الكونين واحدا. وكذلك
السوادان المتماثلان يجب أن يكون تأثيرهما في المحل والمنظر تأثيرا واحدا ؛ ولا
يجوز أن يكون أحدهما مسوّدا والآخر مبيّضا (ب ، ت ، ٦٥ ، ٩)
متمكّن
ـ إنّ من ليس
بقادر على الشيء لا يوصف بالإباء والامتناع ، كما لا يوصف بالإيثار والاختيار ،
ولذلك لا يقال في الزمن : إنّه أبى المشي ، وفي الأخرس : إنّه يأبى الكلام ، وإنما
يقال ذلك في المتمكّن (ق ، م ٢ ، ٤٢٨ ، ١١)
متناه
ـ إنّه متناه ، أي
أنّ له ابتداء وأنّه تجوز الزيادة عليه (ن ، د ، ٢٥٤ ، ١٢)
ـ كل ما حصره
الوجود وكان قابلا للنهاية فهو متناه ضرورة ، وما لا يتناهى لا يتصوّر وجوده سواء
كان له ترتيب وضعيّ أو طبيعيّ أو لم يكن (ش ، ن ، ٢٤ ، ١٠)
ـ إنّ كل متناه
فهو ممكن ، فذلك لأنّ كل ما كان متناهيا فإنّ فرض كونه أزيد قدرا أو أنقص قدرا أمر
ممكن ، والعلم بثبوت هذا الإمكان ضروريّ ، فثبت أنّ كل متناه فهو في ذاته ممكن (ف
، س ، ٤٥ ، ٧)
متناهي المقدور
ـ إنّ متناهي
المقدور لا بدّ من أن يكون قادرا بقدرة (ق ، ش ، ٢٧٩ ، ٢)
متواتر
ـ المتواتر هو
الذي يستحيل التواطؤ على وضعه وهو موجب للعلم الضروري بصحّة مخبره (ب ، أ ، ١٢ ،
١٠)
ـ حدّ المتواتر ما
لا يمكن الشكّ فيه كالعلم بوجود الأنبياء ووجود البلاد المشهورة وغيرها ، وأنّه
متواتر في الأعصار كلّها عصرا بعد عصر إلى زمان النبوّة ، أم يتصوّر أن يكون قد
نقص عدد التواتر في عصر من الأعصار.
وشرط التواتر أن
لا يحتمل ذلك كما في القرآن ، أمّا في القرآن فيغمض مدرك ذلك جدّا ولا يستقلّ
بإدراكه إلّا الباحثون عن كتب التواريخ وأحوال القرون الماضية وكتب الأحاديث
وأحوال الرجال وأغراضهم في نقل المقالات. إذ قد يوجد عدد التواتر في كل عصر ولا
يحصل به العلم ، إذ كان يتصوّر أن يكون للجمع الكثير رابطة في التوافق لا سيّما بعد
وقوع التعصّب بين أرباب المذاهب (غ ، ف ، ٧٧ ، ١٠)
ـ المتواتر ،
مثاله أنّا نقول : محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ صادق ، لأنّ كل
من جاء بالمعجزة فهو صادق ، وقد جاء هو بالمعجزة فهو إذن صادق (غ ، ق ، ٢١ ، ٦)
ـ المتواتر : هو
الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب لكثرتهم أو لعدالتهم
كالحكم بأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم ادّعى النبوّة وأظهر المعجزة على يده سمّي بذلك لأنّه لا
يقع دفعة بل على التعاقب والتوالي (ج ، ت ، ٢٥٢ ، ٥)
متوسط بين تواتر
وآحاد
ـ أمّا المتوسّط
بين التواتر والآحاد فإنّه شارك التواتر في إيجابه للعلم والعمل ويفارقه من حيث
أنّ العلم الواقع عنه يكون مكتسبا والعلم الواقع عن التواتر ضروري غير مكتسب (ب ، أ
، ١٢ ، ١٥)
متولّد
ـ اختلفت المعتزلة
في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة إنّها تبقى ، وهذا
قول" أبي الهذيل" و" هشام" و" عبّاد" و" جعفر
بن حرب" و" جعفر بن مبشّر" و" الاسكافي" وأكثر المعتزلة.
وقال قائلون : لا تبقى وقتين وأنّه يستحيل بقاؤها وأنّ الفعل يوجد في الوقت الثاني
بالقدرة المتقدّمة المعدومة ، ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت
الثاني قدرة ، فيكون الفعل واقعا بالقدرة المتقدّمة ، وهذا قول" أبي القاسم
البلخي" وغيره من المعتزلة. وهذا قولهم في الفعل المباشر ، فأمّا المتولّد
فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه
ميّتا أو عاجزا (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ٩)
ـ اختلفت المعتزلة
في المتولّد ما هو. فقال بعضهم : هو الفعل الذي يكون بسبب منّي ويحلّ في غيري ،
وقال بعضهم : هو الفعل الذي أوجبت سببه فخرج من أن يمكنني تركه وقد أفعله في نفسي
وأفعله في غيري. وقال بعضهم : هو الفعل الثالث الذي يلي مرادي ، مثل الألم الذي
يلي الضربة ، ومثل الذهاب الذي يلي الدفعة (ش ، ق ، ٤٠٨ ، ١٣)
ـ قال"
الاسكافي" كل فعل يتهيّأ وقوعه على الخطإ دون القصد إليه والإرادة له فهو
متولّد ، وكل فعل يتهيّأ إلّا بقصد ويحتاج كل جزء منه إلى تجديد وعزم وقصد إليه
وإرادة له ، فهو خارج من حدّ التولّد داخل في حدّ المباشر (ش ، ق ، ٤٠٩ ، ٤)
ـ أجمعوا (المعتزلة)
أنّ الإرادات لا تقع متولّدة ، واختلفوا فيما بعدها. فقال قوم : قد يجوز أن
تكون كلّها
متولّدة ، وقال قوم : المتولّد منها ما حلّ في الفاعل ، وما فعل في نفسه فليس
بمتولّد ، وقال قوم إنّ المتولّد هو ما جاز أن يقع على طريق السهو والخطإ وما سوى
ذلك فليس بمتولّد ، وقال قوم : قد تحدث في الإنسان أفعال غير الإرادة متولّدة
وأفعال غير متولّدة (ش ، ق ، ٤١٤ ، ٤)
ـ إنّه يوجد من
العبد الفعل المتولّد ، يقع الفراغ بعده بأوقات كالرمي والجنايات ، يستحقّ اسم
القاتل والجاني والمصيب بعد انقضاء حقيقة فعله ، فمثله مستقيم من الله ، وإن كان
لا يوصف فعله بالطّباع والتولّد ؛ لما أنّ خروج أحد الوجهين في الشاهد لم يمنع من
تحقيق الفعل ، فمثله في الغائب ، وإن لم يكن من ذلك الوجه على ما بيّنا من إثبات
شيء ليس بجسم ، على جواز القول في الله بالشيء ، وإن لم يكن عرضا ، وكل شيء في
الشاهد غير جسم فهو عرض بحق الوجود لا أنّ ذلك اسمه ، فمثله الأول (م ، ح ، ٤٨ ،
١٠)
ـ تقع في العالم
الأكاذيب ولا تقع إلّا متولّدة عن الاعتمادات ، وعندكم (النجاريّة) أنّ المتولّد
لا يتعلّق بالعبد أصلا لا اكتسابا ولا إحداثا فقد تفرّد الله تعالى بها ، فكيف
تقولون إنّه غير موصوف بالقدرة على التفرّد بالقبيح؟ (ق ، ش ، ٣٢٢ ، ١)
ـ منهم (المجبرة)
من قال : إنّ المباشر خلق الله تعالى فينا متعلّق بنا من حيث الكسب ، وأمّا
المتولّد فإنّ الله تعالى منفرد بخلقه (ق ، ش ، ٣٢٤ ، ٩)
ـ إنّ المتولّد
إذا كان مما يثبت لأحوالنا فيه تأثير حتى يقف على قصدنا ودواعينا ويثبت فيه المدح
والذم كما في المبتدأ سواء ، فما وجه الفرق؟ وكيف يعلّق المراد بالطبع والإرادة
باختيار الفاعل مع أنّ الحالة فيهما على سواء. فإمّا أن يعلّقا جميعا بالطبع ، أو
يضافا إلى الفاعل. فأمّا أن يجعل أحدهما واقعا بالطبع ، والآخر باختيار الفاعل فلا
(ق ، ش ، ٣٨٨ ، ١٤)
ـ إنّ المقدورات
على ضربين : مبتدأ كالإرادة ، ومتولّد كالصوت. فالمبتدأ يجب أن تكون القدرة
متقدّمة عليه بوقت ، ثم في الثاني يصحّ منه فعله. والمتولّد على ضربين : أحدهما
يتراخى عن سببه كالإصابة مع الرمي ، والثاني لا يتراخى كالمجاورة مع التأليف. أمّا
ما لا يتراخى عن سببه فإنّ حاله كحال المبتدأ ، والمتراخي عن سببه فإنّه لا يمنع
أن تتقدّمه القدرة بأوقات ، وإن كان لا يجب أن يتقدّم سببه إلّا بوقت (ق ، ش ، ٣٩١
، ٢)
ـ كيفية وقوع
الفعل من القادر. فجملة القول في ذلك أنّ القادر إمّا أن يفعل الفعل على وجه
يختصّه أو يفعله على وجه لا يختصّه. فإن فعله على وجه يختصّه فذلك على ضربين :
أحدهما أن لا يكون هناك إلّا مجرّد هذا الفعل الواحد الذي يخصّه وذلك هو كل ما
يفعله مبتدأ في محلّ قدرته. والثاني أن يكون هناك فعل سوى هذا الفعل. ثم هذا على
ضربين : أحدهما أن يكونا جميعا مختصّين به. وهذا هو المتولّد الذي يوجد في محل
القدرة كالنظر والعلم وما شاكل ذلك. والثاني أن يكون أحدهما هو المختصّ به وهذا هو
ما يتولّد عن الاعتماد في غير محلّ القدرة فيكون نفس السبب مخصوصا بالفاعل والمسبب
يتعدّاه. فهذه قسمة ما يختصّ بالفاعل. فأمّا ما لا يختصّ بالفاعل بحال فليس إلّا
المخترع وهو الذي يصحّ من الله عزوجل
دون غيره. والوجوه
الأولى التي تقدّمت تصحّ منّا (ق ، ت ١ ، ٨٠ ، ١٧)
ـ المتولّد على
ضربين : أحدهما أن يكون كالمباشر في كونه في محلّ القدرة كما نقوله في العلم
المتولّد عن النظر لأنّه من حيث لا يختصّ بجهة يوجد مسبّبه في محلّه. والثاني
يتعدّى محل القدرة. وإن كان السبب يوجد في محلّ القدرة وهذا هو نحو ما يتولّد عن
الاعتماد من الحركات في الأجسام النائية عنّا. ثم ينقسم ذلك إلى ما لا بدّ من
تحديد الأسباب لتوحّد المسبّبات حالا فحالا ، وإلى ما لا يحتاج إلى ذلك بل يتولّد
البعض عن البعض (ق ، ت ١ ، ٣٦٧ ، ٧)
ـ إنّا إنّما نثبت
المبتدأ فعلا لنا لوقوعه بحسب أحوالنا ودواعينا. وهذا قائم في المتولّد لأنّ
الكلام والكتابة والآلام وغيرها تقع بحسب ما نحن عليه من الأحوال فيجب أن يكون
أيضا فعلنا (ق ، ت ١ ، ٤٠٠ ، ١٦)
ـ اعلم أنّ في
أفعالنا ما هو متولّد كما أنّ في أفعالنا ما هو مبتدأ ، فكما أنّ جملة مقدوراتنا
تنقسم إلى ما يكون من أفعال القلوب ومن أفعال الجوارح ، فالمتولّد منها يثبت في
أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فأمّا أفعال القلوب فليس يحصل شيء منها مسبّبا إلّا
العلم. وأمّا أفعال الجوارح فثبت التوليد في الآلام والتأليف والأصوات والأكوان
والاعتماد ، وليس يخرج جميع أفعال الجوارح عن هذه الخمسة ، وفي كلّها يثبت التوليد
وإن كان بعضها كما يثبت متولّدا يثبت مبتدأ. وبعضها لا يصحّ أن يقع إلّا متولّدا ،
وليس إلّا الأصوات والتأليف والآلام. وأفعال القلوب ما كان منه متولّدا فإنّه يصحّ
وقوع جنسه مبتدأ وهو العلم. وأمّا الذي يولّد فهو الاعتماد والكون من أفعال
الجوارح ، والنظر من أفعال القلوب فقط. والذي يولّده الاعتماد هو اعتماد آخر.
والكون من حركة أو سكون والصوت. والذي يولّده الكون هو التأليف والآلام ، والذي
يولّده النظر هو العلم. وما خرج عن هذه الجملة فليس يجوز وقوعه إلّا مبتدأ نحو
الإرادة والكراهة والظنّ والفكر. ثم تنقسم هذه المسبّبات ففيه ما يتولّد عن السبب
في الثاني ، ومنه ما يتولّد في الحال ، والذي يولّد في الثاني ليس إلّا النظر
والاعتماد ، وما يتولّد عن الكون فإنّه يجاوز ولا يتراخى. والطريقة التي بها يعرف
أنّ الشيء يولّد أن يحصل غيره بحسبه. وإمارة توليده أن يحصل بحسب غيره. فكل ما
يثبت فيه هذا الوجه قضينا بأنّه متولّدا. وما ليس هذا حاله أخرجناه عن هذه الجملة.
وإمارة ما يتعذّر فعله منّا إلّا بسبب هو أنّه لا يتمكّن من فعله إلّا عند فعل آخر
نوقعه بحسبه إذا زالت الموانع (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٤)
ـ سأل رحمهالله نفسه عن الإمارة التي تفرّق بين أن يكون الشيء متولّدا عن
غيره ، وبين أن لا يكون كذلك ، لمّا جرى في كلام الشيوخ من قبل أنّ المباشر هو
الذي يحلّ محلّ القدرة ، والمتولّد ما يتعدّاه. وجعلوا ذلك فصلا بين الأمرين ،
وليس الأمر عندنا كذلك. فقد يكون المتولّد في محلّ القدرة كالمباشر ، وقد يكون مما
يتعدّى وإن كان مما هو مباشر لا يصحّ أن يتجاوز محلّ القدرة. تبيّن صحّة ذلك أنّ
العلم المتولّد عن النظر لا يتعدّى محلّ القدرة بل يوجد فيها من حيث لم يختصّ بجهة
، كما نقوله في الاعتماد. وكذلك فالتأليف يوجد في محلّ القدرة كما يوجد في غير
محلّها وهو متولّد ،
والاعتماد قد يحصل
في محلّ القدرة مع أنه متولّد ، كما إذا رمى أحدنا حجرا إلى حائط صلب فتراجع
بالصكّة ، فما يوجد من الاعتماد في كفّنا هو متولّد ، وإن كان في محلّ القدرة. وكذلك
فلو رمى حجرا فدفعه إلى يده قادر آخر ، لكان متولّدا وهو في محلّ القدرة ، فبطل
أنّ الفرق بين الأمرين ما قالوه. فإذا يجب أن يجعل الدلالة الفاصلة بين هذين
الفعلين ، إنّ ما يجعل متولّدا هو الذي يقع بحسب فعل آخر ، حتى أنّه ربما تعذّر به
إيجادنا له إلّا كذلك. وربما صحّ ولكنّه إذا وقع على هذا الحدّ وما تتعذّر الإشارة
إلى شيء يقع هذا بحسبه نجعله واقعا ابتداء (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ٤)
ـ لا يمتنع فيما
يوجد مولّدا من شروط نحتاج إليها. ثم الشرط تارة يرجع إلى الوجود وتارة إلى
الإيجاب. فإذا تكلّمنا في أنّ النظر مولّد للعلم فالشرط في توليده له وإيجابه هو
أن يعلم الناظر الدليل على الوجه الذي يدلّ ، والشرط في وجوده أن لا يكون عالما
بالمدلول ، لأنّه لو علمه لتعذّر عليه النظر. فصار كل ما يصحّ وجود السبب من دونه
فهو شرط في الإيجاب ، وصار كل ما لا يصحّ وجوده فهو شرط في الوجود (ق ، ت ١ ، ٤١٤
، ٦)
ـ إذا كان كذلك
نظرنا في حال الفعل فقلنا : ما كان مبتدأ فلا بدّ عند وجوده من تقدّم كونه قادرا
عليه قبل الفعل بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده في الثاني. وما كان متولّدا ينظر فيه :
فإن كان المسبّب متّصلا بالسبب فحكمه حكم المبتدأ في وجوب قدرته عليهما قبل الفعل
بوقت واحد. وما كان من باب المسبّب الذي يوجد في الثاني من حال سببه فيجب تقدّم
كونه قادرا عليه بوقتين وعلى السبب بوقت واحد ثمّ ينظر. فإن كان هذا المسبّب سببا
في نفسه يولّد غيره حتى يتّصل بعض ذلك ببعض ما لم يكن هناك منع ، فقد يجوز تقدّم
القدرة على هذه المسبّبات المتراخية بأوقات كثيرة ، على ما نقوله في رمي السهم
والحجر وما أشبه ذلك. فلا يجب إجراء الأفعال كلّها مجرى واحدا في هذا الحكم (ق ، ت
٢ ، ١٣٢ ، ٧)
ـ اعلم أنّ
الدلالة لا يجوز أن تختصّ فتدلّ في موضع دون موضع ، لأنّ ذلك يحيل كونها دلالة في
كل موضع ، وقد بيّنا أنّ وقوع الفعل المباشر بحسب قصده وإرادته ، وانتفاءه بحسب
كراهته على طريقة واحدة مع السلامة يدلّ على أنّ ذلك فعل له. وقد علمنا أنّ ذلك موجود
في المتولّد الذي يفعل في غير محل قدرته كالكتابة والنساجة والبناء وغيرها من
الأفعال ، فيجب أن يكون ذلك دالّا على أنّه فعله أيضا (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ٧)
ـ ليس لأحد أن
يقول إنّ وقوع المباشر بحسب قصده إنّما دالّا على أنّه فعله من حيث وقع من جهته
ابتداء ولم يتعلّق وجوده بغيره ، وهذا المعنى لا يصحّ في المتولّد ، فلم يجب أن
يشاركه في الحكم ، وذلك لأنّ الذي له علمنا أنّ المباشر فعله هو وقوعه بحسب قصده
على ما بيّناه دون حدوثه ابتداء ، لأنّ اللون الحالّ فينا والمرض والصحّة قد توجد
ابتداء ، ولم يجب كونه فعلا له ، وإنّما فارق المباشر هذه الأمور من حيث وجب وقوعه
بحسب قصده لا لأنّه وجد مبتدأ. فإذا كانت هذه الطريقة موجودة في المتولّد فيجب
كونه فعلا له أيضا ، والمتولّد وإن فارق المباشر في كيفية وجوده فلا يجب كونه
مفارقا له فيما به نعلم أنّه حادث من جهة القادر ، لأنّ طريق العلم بالشيء قد
يتّفق
وإن كان حكمه في
نفسه يختلف في الوجود. ألا ترى أنّ أحكام الأفعال المباشرة قد تختلف في الوجود ،
ففيها ما يحتاج إلى محلّه فقط ، وفيها ما يحتاج إلى محلّ على صفة ، ولم يمنع ذلك
من اشتراكهما في أنّ ما به يعلم أحدهما فعلا لفاعله يعلم الآخر فعلا له (ق ، غ ٩ ،
٣٧ ، ١١)
ما قدّمناه في
المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا
وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه
فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب
ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٦)
ـ إنّ الدلالة قد
دلّت على أنّ الواحد منّا يجوز أن يفعل المباشر وهو عاجز لأنّ فناء القدرة في حال
الفعل لا يمتنع عندنا على ما سندلّ عليه من بعد ، وإذا جاز مع فنائها الفعل لم
يمتنع أيضا مع وجود العجز ، وكذلك يصحّ أن يفعل مع الموت كل فعل لا يحتاج في وجوده
إلى الحياة ، ولذلك يصحّ من القادر منّا أن يقتل نفسه فيكون فاعلا للقتل في حال
يستحيل كونه حيّا وقادرا. وإنّما يستحيل أن يفعل أفعال القلوب في حال الموت
لحاجتها في الوجود إلى الحياة ، فلذلك فارقت الحركات وغيرها من أفعال الجوارح.
وإذا صحّ ذلك في المباشر فتجب صحّته في المتولّد وإن كان يختصّ المتولّد بأنّه لا
يحلّ بعضه فيصحّ لأجل ذلك وجوده مع فنائه لو صحّ في الأجسام فناء بعضها مع بقاء
سائرها (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ٦)
ـ إنّ الفعل لا
يحتاج إلى كون فاعله موجودا إذا لم يكن حالّا في بعضه ، وإنّما يقتضي وجوده متى
حلّ في بعضه ، لأنّ من حق المحل أن يكون موجودا ، وإنّما يحتاج الفعل إلى تقدّم
كون فاعله قادرا. فإن كان مباشرا متولّدا يقارن السبب وجب أن يتقدّم كونه قادرا
قبله بوقت ، وإن كان متولّدا يتأخّر عن السبب وجب تقدّم كونه قادرا قبل وجود سببه
الأول بوقت ، ومتى لم يكن الفعل حالّا في بعضه فوجوده كعدمه في أنّه لا يحل بصحّة
الفعل (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ١٦)
ـ أمّا المتولّد
فعلى ضربين : أحدهما يوجد كل جزء منه بسبب غير سبب صاحبه كالكلام الذي يحلّ في
اللسان ، فلا يصحّ أن يفعل من ذلك مع العجز إلّا حرفا واحدا لأنّ وجوده متعلّق
بوجود المباشر. والثاني يتولّد عن السبب الأوّل حالا بعد حال نحو الإصابة ونفوذ
السهم ، وهذا لا يمتنع وجوده بعد العجز والموت لأنّ وجود آخره لا يتعلّق بوجود
المباشر. والكلام الموجود في الضدّ قد وجد سبب جملته ، فلا يمتنع وجود جميعه مع
العجز والموت ، وإنّما لم يجز وجود الفعل مع المنع لأنّه يجري مجرى المضادّ له ،
فلذلك فارق العجز والموت اللذين لا يضادّان الفعل الذي ذكرناه على وجه (ق ، غ ٩ ،
٦٦ ، ٤)
ـ لا يمتنع عندنا
أن يستحق على الفعل المتولّد الذمّ أو المدح ، والعقاب أو الثواب ، لأنّه كالمباشر
عندنا في هذا الوجه إذا فعله وهو عالم بحاله أو متمكّن من العلم بذلك وما له يقال
باستحقاق ذلك على المباشر قائم في المتولّد ، فالتفرقة بينهما فيه لا تصحّ ،
وإنّما قلنا في الساهي إنّه لا يستحقّ الذمّ على فعله أو المدح لأنّ تحرّزه من
الفعل وهو ساه يتعذّر ، وليس كذلك المتولّد ، لأنّه قد كان يمكنه التحرّز منه
بألّا يفعل سببه إذا كان عالما بأنّ
ذلك الفعل يتولّد
عنه أو ظانّا له (ق ، غ ٩ ، ٦٧ ، ٥)
ـ المتولّد ...
على ضربين : أحدهما لا ضدّ له أصلا ، فبأن لا يكون له ترك أولى ، وهذا كالتأليف
والألم ، ولا يصحّ أن يكون ضدّ سببهما ضدّا لهما لأنّه يؤدّي إلى كونه ضدّا لشيئين
مختلفين غير متضادّين ، وهما التأليف والمجاورة ، وهذا فاسد. والثاني له ضدّ وليس
لسببه ضدّ ، وهو ما يتولّد عن النظر والاعتماد لأنّه لا ضدّ لهما ، وإن كان
المتولّد عنهما له ضدّ كالعلم والأكوان والأصوات ، فلا يصحّ أن يقال إنّ ضدّ
سببهما ضد لهما إذا لم يكن للسبب ضدّ أصلا. ولا يمكن أن يقال في ضدّ الكون
المتولّد عن الاعتماد أنّه ترك له ، لأنّه لا يصحّ من القادر أن يوجده بدلا منه ،
وقد وجد سببه لأنّ مسبّب السبب بالوجود أولى ، ولأنّ ضدّه إذا وجب كونه حالّا في
محلّه لم يصحّ أن يفعله إلّا بسبب ، ولا يصحّ أن يكون سببه مجامعا له وإن كان مما
يصحّ أن يبتدئه كان منعا من وجود مسبّب السبب ، فلا يصحّ أن يقال إنّه ترك له لأنّ
من حق الترك والمتروك أن يكون حالهما مع القادر سواء في صحّة الإيجاد (ق ، غ ٩ ،
٧٣ ، ٢٣)
ـ بيّنا أنّ
المتولّد في أنّه يقع بحسب قصده ودواعيه كالمباشر ، فيجب إثباتهما فعلا له ، وإذا
وجب ذلك لم يصحّ معه إلّا القول بأنّ المباشر يبتدئه بالقدرة في محلّها والمتولّد
بفعله عن سبب يقع بحسبه ، لأنّا لو قلنا إنّ المتولّد يبتدئ به لخرج من أن يكون
متولّدا. وقد بيّنا أنّه لا يصحّ أن يخترع الفعل في غير محل قدرته فلا يصحّ إذن أن
يستغني في المتولّد عن السبب ، ولا يصحّ في المباشر أن يحتاج في إيجاده إلى أمر
سواه ، لأنّ ذلك يوجب تعلّق كل فعل منه بفعل آخر ، وهذا يوجب إثبات ما لا نهاية
له. فإذا بطل ذلك وجب القضاء بأنّ المباشر يبتدئه بالقدرة فقط ، وأنّ المتولّد لا
يصحّ أن يفعله إلّا بواسطة تقع بحسب وجوده (ق ، غ ٩ ، ٧٧ ، ٩)
ـ اعلم أنّ الأصل
في مقدور القادر أنّه يصحّ منه إيجاده لكونه قادرا عليه ، فإذا ثبت أنّه يحتاج إلى
سبب في إيجاده حكم به وإلّا وجب استغناؤه عنه ، فما ثبت وجوب وجوده بحسب فعل له
آخر حكم بأنّه متولّد ، وما امتنع ذلك فيه لم يصحّ وجوده إلّا مباشرا (ق ، غ ٩ ،
٨٠ ، ٤)
ـ الصحيح عندنا
أنّ كل ما يقع متولّدا يستحيل وقوعه مبتدأ من فعل أي فاعل كان ، وهو آخر ما قاله
شيخنا أبو هاشم (ق ، غ ٩ ، ٨١ ، ٢٢)
ـ إنّ ما يفعله
الواحد منّا متولّدا لا يخلو من قسمين : إمّا أن يكون محل السبب والمسبّب واحدا أو
يتغاير محلاهما ، فإن كان متغايرا نحو الألم والوهى وغيرهما فلا شبهة في أنّه لا
يصحّ أن يبتدئه ، لأنّ المبتدأ من الفعل يجب أن يحلّ في محلّ القدرة عليه ،
والمتولّد في هذا الوجه يحلّ في غير محلّ القدرة ، ولا يجوز فيما يحلّ في محلّ أن
يفعله في محلّ آخر ، ولا يجوز أن يبتدئ بالقدرة في غير محلّها ، فإذن يجب ألّا
يجوز فيما يفعله متولّدا عن سبب في محلّ القدرة في غير محلّها أن يفعلها ابتداء. فأمّا
المتولّد إذا حلّ في محل السبب فهو على ضربين : أحدهما يحصل في محلّ واحد ومحلّ
القدرة وغيرهما ، وذلك كالألم الذي يتولّد عن الوهى ، لأنّه لا يصحّ أن يفعل
بالقدرة التي يحلّ الألم في محلّها الوهى والألم ابتداء ، وإن لم يمتنع أن يولّد
ذلك فيه بأن يتراجع الحجر إليه
وإنّما يوهي بعضوه
عضوا له آخر (ق ، غ ٩ ، ١١٣ ، ٧)
ـ قد ثبت أنّ ما
حلّ في غير محلّ القدرة عليه لا يكون إلّا متولّدا لاستحالة حصول هذه الصفة
للمباشر ، وصحّ أنّ ما حلّ محلّ القدرة عليه قد يكون متولّدا كالعلم والحركة ، وقد
يكون مباشرا ، وبأن يجعله متولّدا من حيث اختصّ بحكم يحصل إلّا للمتولّد أولى بأن
يجعله مباشرا لاختصاصه بحكم قد يحصل للمتولّد كما يحصل للمباشر (ق ، غ ٩ ، ١٢٩ ، ٨)
ـ إنّما نقول في
المتولّد إنّه قد يحلّ محلّ القدرة عليه لا أنّ ذلك يجب فيه ، وإنّما يحلّ العلم
المتولّد عن النظر في محلّ القدرة عليه لأنّ سببه لا جهة له فلا يجوز أن يولّد
إلّا في محلّه ، ومن حق العلم أن لا يوجد إلّا في محل واحد ، وما يولّده فينا
الحجر عند تراجعه ومصادمته مكانا صلبا في محل القدرة فإنّما يولّده فيه من حيث حصل
ذلك المحل مماسا لمحلّ القدرة ثانيا كما كان محلّ القدرة مماسا له أولا ومعتمدا
عليه ، فما أوجب كون الاعتماد الأول مولّدا فيه يوجب كون اعتماده مولّدا في محل
قدرتنا. وليس كذلك حال التأليف لأنّه لم يحصل له من حيث وجد في محلّ القدرة حال
توجب كونه متولّدا ، وحلوله في غير محلّ القدرة على ما بيّناه لا يمنع من كونه
مباشرا لما قدّمناه ، فكيف يقال فيه أنه من حيث وجد في غير محلّ القدرة يجب أن
يكون متولّدا؟ فأما ما سوى هذين الضربين فيجب ألا يكون من فعلنا إلّا مباشرا ،
ولذلك يصحّ منّا أن نبتدئ فنفعل الإرادة والكراهة والاعتقاد من غير أن نفعل قبلها
أو معها غيرها ، والمتولّد يستحيل ذلك فيه لوجوب تعلّقه بالسبب ، فيجب في كل فعل
يصحّ فيه ما ذكرناه أن يكون مباشرا. والذي يلتبس الحال فيه هو كل فعل لا يوجد إلّا
مع غيره في حاله أو متقدّم له مثل التأليف الذي يقال إنّه يولّد التأليف والاعتماد
إنّه يولّد مثله وإن كان محلّه ساكنا (ق ، غ ٩ ، ١٣٠ ، ١٢)
ـ أمّا المتولّد
فلا يجوز وجوده ولمّا حصل المولّد ، وقد يجوز وجود المولّد ولا يحصل المتولّد إذا
كان هناك منع أو كان المحلّ غير محتمل له ، ولا يكون في ذلك نقض كونه مولّدا ،
لأنّ المولّد لا يوجب لذاته وجود المتولّد إيجاب العلل للمعلول ، لأنّ ذلك يوجب
إخراج بعض المحدثات من أن يكون متعلّقا بالمحدث ، ولأنّ من حق الموجب أن لا يوجب
ما انفصل عنه من حدوث وغيره ، وإنّما يوجب لغيره حكما وحالا كما يقتضي ذلك في نفسه
متى وجد ، فإذا بطل كون السبب موجبا إيجاب العلّة للمعلول لم يبق إلّا أنّه يتوصّل
به إلى إيجاد المسبّب ويكون حدوثه راجعا إلى القادر لكنّه يفعله بواسطة ، فلو قلنا
إنّه يبتدئه بعد وجود السبب لكان في ذلك نقض لكونه سببا (ق ، غ ٩ ، ١٣٥ ، ١٦)
ـ حدّ (أبو هاشم)
المباشر بأنّه ما وجد من غير مقدّمة ، وحدّ المتولّد بأنّه كل فعل تقدّمه أو حدث
معه سبب لولاه لم يوجد (ق ، غ ٩ ، ١٣٨ ، ٢٢)
ـ إنّا قد بيّنا
أنّ للمتولّد من الأفعال من الحكم ما ليس للمباشر أو ما هو في حكمه ، لأنّه لا يقع
باختيار فاعله وإنّما يجب وجوده من حيث وجد سببه ، فيجب أن يعتبر فيه بالسبب. فإذا
علم الإنسان حسن النظر ووجوبه ، علم في الجملة أنّه لا يوجب القبيح ولا يولّده ،
فيحسن منه فعله وفعل ما تولّد عنه ، ويصير هذا العلم
بمنزلة العلم بأنّ
الاعتقاد علم به. وليس كذلك ما يبتدئه من الاعتقاد ، لأنّه لا وجه له يؤمّنه من
كونه جهلا على جملة ولا على تفصيل (ق ، غ ١٢ ، ١٨٦ ، ١٤)
ـ لو كان عند قوّة
الدواعي يكون ذلك الفعل للمحلّ بطبعه ، لوجب أن لا يفتقر إلى أحوال الجملة ، وأن
لا يقع بحسبها. ولمثل هذا الوجه ، قضينا أنّ المتولّد فعل العبد ، وإن حلّ في
الأجسام المنفصلة ، كما أنّ ما يحلّ ، بعضه من فعله (ق ، غ ١٢ ، ٣١٨ ، ٥)
ـ المباشر هو ما
يحلّ محلّ القدرة عليه ، والمتولّد ما يوجد في غير محل القدرة (ن ، د ، ٣٩٠ ، ١١)
ـ أمّا المتولّد
فقد قيل فيه : إنّه ما يحدث عند فعل آخر على وجه لو لا حدوث الأوّل لما حدث الثاني
، ويقلّ بقلّته ويكثر بكثرته (ن ، د ، ٣٩١ ، ٨)
ـ إن قيل : فلم
قلتم إنّ الجوهر لا يمكن أن يفعل متولّدا؟ قيل له : لأنّ المتولّد لا يخلو : إمّا
أن يحلّ محلّ القدرة أو يوجد متعدّيا عن محل القدرة. فالأوّل لا يجوز لما بيّناه ،
والثاني لا يجوز لأنّ الذي تعدّى به الفعل عن محلّ القدرة لا بدّ من أن يختصّ
بجهة. والذي له اختصاص بجهة دون جهة ليس إلا الاعتماد ، والاعتماد لا حظّ له في
توليد الجوهر (ن ، د ، ٣٩٦ ، ٩)
ـ قال (أبو القاسم)
إنّ معنى متولّد هو أنّه يتولّد عن فعل بقدرة قلبه ، وبينها في مكانه ما كان
متولّدا عن غيره ، فصحّ بذلك أن ما يقع لا بقدرة قلبه في مكانه ، بل إنّما أوجبه ،
فعلى هذا سبيله. والموجب الذي ليس بمولّد وإن كان موجبا لغيره ، فلا بدّ من قدرة
ثانية بها يفعل ذلك ، كالمعرفة ويوجبها الجزء من النظر ، والحركة في اليد الصحيحة
توجبها الإرادة ، وهما تستغنيان عن قدرة في مكانهما بها فعلا. والمتولّد كحركة
اليد الشلّاء إذا حرّكت أو احتكّت باليد الصحيحة ، فإنّ حركتها موجبة ، وهي مع ذلك
لا تحتاج إلى قدرة في مكانها بها يفعل ، بل إنّما تولّدت عن حركة اليد الصحيحة.
قال : وجملة هذا أنّ الموجب الذي ليس بمتولّد لا يوجد إلّا في خارجه قد وجدت
القدرة فيها قبل وجودها. والمتولّد لا يحتاج لى ذلك ، بل قد يوجد في خارجه لا قدرة
فيها في حال وجوده ، ولم تكن فيها قبل وجوده (ن ، م ، ٣٥٧ ، ١٣)
ـ أجاز المعروف
منهم ببشر بن المعتمر أن يكون السمع والرؤية وسائر الإدراكات وفنون الألوان
والطعوم والروائح متولّدة عن فعل الإنسان ، فالمتولّد عنه من فعله. ومتى كان السبب
من فعل الله عزوجل فالمتولّد أيضا من فعله (ب ، أ ، ١٣٨ ، ٥)
ـ قال أصحابنا :
إنّ جميع ما سمّته القدريّة متولّدا من فعل ... الإنسان ، وليس الإنسان مكتسبا
وإنّما يصحّ من الإنسان اكتساب فعله في محلّ قدرته. وأجازوا أن يمدّ الإنسان الوتر
بالسهم ويرسل يده ولا يذهب السهم. وأجازوا أيضا أن يقع سهمه على ما أرسله ولا
يكسره ولا يقطعه. وأجازوا أيضا أن يجمع الإنسان بين النار والحلفاء فلا تحرقها على
نقض العادة ، كما أجرى العادة بأن لا يخلق الولد إلا بعد وطئ الوالدين ولا السمن
إلّا بعد العلف ، ولو أراد خلق ذلك ابتداء لقدر عليه (ب ، أ ، ١٣٨ ، ٧)
ـ ذهبت المعتزلة
إلى أنّ ما يقع مباينا لمحلّ القدرة ، أو للجملة التي محلّ القدرة منها ،
فيجوز وقوعه
متولّدا عن سبب مقدور مباشر بالقدرة. فإذا اندفع الحجر عند الاعتماد عليه ،
فاندفاعه متولّد عن الاعتماد القائم بمحلّ القدرة (ج ، ش ، ٢٠٦ ، ١٠)
ـ المتولّد عندهم (المعتزلة)
فعل لفاعل السبب ، وهو مقدور له بتوسّط السبب ومن المتولّدات ما يقدّم بمحلّ
القدرة كالعلم النظري المتولّد عن النظر القائم بمحلّ القدرة (ج ، ش ، ٢٠٦ ، ١١)
ـ إن قيل لم
تدلّوا على بطلان التولّد ، ولكن أنكرتم فهمه ، وهو مفهوم ، فإنّا لا نريد به
ترشّح الحركة من الحركة بخروجها من جوفها ، ولا تولّد برودة من برودة الثلج بخروج
البرودة من الثلج ، وانتقالها ، أو بخروجها من ذات البرودة ، بل نعني به وجود
موجود عقيب موجود ، وكونه موجودا ، وحادثا به ، فالحادث نسمّيه متولّدا ، والذي به
الحدوث نسمّيه مولّدا ، وهذه التسمية مفهومة (غ ، ق ، ٩٨ ، ٧)
ـ زعم (بشر بن
المعتمر) أنّ اللون والطعم والرائحة والإدراكات كلّها من السمع ، والرؤية يجوز أن
تحصل متولّدة من فعل العبد ، إذا كانت أسبابها من فعله (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ٥)
ـ قال الأشعريّ :
إنّ الله يخلق العلم بعد النظر على سبيل إجراء العادة ، وليس بممتنع أن لا يخلقه
بعده. وقال المعتزليّ : إنّه يحصل من الناظر بتوسّط النظر على سبيل التّوليد ، فهو
متولّد واجب وقوعه بعد النظر وقوع المعلول بعد العلّة التّامة (ط ، م ، ٦٠ ، ٢١)
ـ البصريّة :
والمتولّد فعل العبد كالمبتدإ. الجاحظ : لا فعل للعبد إلّا الإرادة ، وما عداها
متولّد بطبع المحل (م ، ق ، ٩٥ ، ١٧)
ـ لنا : (المتولّد)
وجوده بحسب القصد والداعي دلّ على تولّده من فعلنا. والطبع غير معقول إلّا أن
يريدوا الاعتماد ، فهو فعلنا (م ، ق ، ٩٥ ، ٢٣)
ـ أبو علي وأبو
هاشم (قالا) : والمتولّد هو المسبّب ، والمتبدأ ما يفعل بالقدرة في محلّها لا
بواسطة. أحد أقوال البصريّة : لا متولّد ، بل يفعله الله ابتداء. لنا : وجود
الدلالة على وجود المتبدأ والمتولّد (م ، ق ، ٩٦ ، ١)
ـ أصحابنا :
والمتولّد غير مقدور عليه عند وجود سببه. عبّاد : بل مقدور. قلنا : عند وجود سببه
لا يقف على القصد (م ، ق ، ٩٦ ، ٨)
ـ لا متولّد في
أفعال القلوب إلّا العلم لوقوعه بحسب النظر ، ولا يعقل التولّد فيما عداه. والمتولّد
من أفعال الجوارح الكون والاعتماد والتأليف والصوت والألم ، إلّا أنّ الثلاثة
المتأخّرة لا تصحّ من فعلنا إلّا متولّدة (م ، ق ، ٩٦ ، ١٩)
ـ أصحابنا :
والمتولّد هو الفاعل ، وقيل السبب. الحاكم : هو خلاف في عبارة ، إلّا أنّ إضافة
الفعل إلى الفاعل أقوى (م ، ق ، ٩٧ ، ٢)
ـ أبو علي : لا
متولّد في أفعال الله تعالى لاستلزامه الحاجة إلى حيث كان لا يقدر عليه إلّا به ،
والله تعالى يقدر عليه ابتداء ، فهو فاعل مختار (ق ، س ، ١٠٥ ، ١٠)
متولّد على جهة
الابتداء
ـ إنّه تعالى يجوز
أن يفعل كل ما يفعله متولّدا على جهة الابتداء من الأجناس ، لأنّ ذلك إنّما صحّ
فيه لكونه قادرا لنفسه ، والقادر بقدرة قد يجب فيه من الأحكام لأمر يرجع إلى القدر
ما لا يجب في القادر نفسه ، كما يجب فيه من الأحكام فيما يفعله مباشرا ما لا يجب
في القادر لنفسه (ق ، غ ٩ ، ٥٠ ، ١٦)
متولّد يصاحب
السبب
ـ إنّ المبتدأ لا
بدّ من قدرته (الفاعل) عليه قبل وجوده بوقت واحد ولا يزيده. وكذلك المتولّد الذي
يصاحب السبب ، فأمّا إذا تأخّر عنه مثل النظر والعلم والاعتماد والحركة فإنّما
يراد بذلك الوقت الواحد ، فسبيل القدرة أن تتقدّم بوقتين. وأمّا إن كان السبب
يولّد أمثاله فالواجب تقدّمه على هذا السبب الأوّل بوقت واحد ، ثم يصحّ أن يعدم
والمسبّب يقع بعد أوقات كثيرة (ق ، ت ١ ، ٤٢٦ ، ٢٧)
متولّدات
ـ إنّ المتولّدات
وما يحلّ في الأجسام من حركة وسكون ولون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة
فهو فعل للجسم الذي حلّ فيه بطبعه ، وأنّ الموات يفعل الأعراض التي حلّت فيه بطبعه
، وأنّ الحياة فعل الحيّ ، وكذلك القدرة فعل القادر ، وكذلك الموت فعل الميّت (معمّر)
(ش ، ق ، ٤٠٥ ، ٦)
ـ أمّا المتولّدات
ففيها نوع آخر من الاختلاف غير ما قدّمناه. ففي الناس من علّقها بالطبع على ما
قاله أبو عثمان الجاحظ في أفعال الجوارح والمعرفة ، ولم يجعل الواقع عند الاختيار
سوى الإرادة دون الحركات وما شاكلها. وفيهم من قال : إنّ هذه الحوادث التي تحدث في
الجمادات فإنّها تحصل فيها بطبع المحل ، وهو النظّام ، وإليه ذهب معمّر. فأمّا
ثمامة بن الأشرس ، فإنّه جعل هذه الحوادث ما عدا الإرادة حدثا لا محدث له (ق ، ش ،
٣٨٧ ، ١٤)
ـ إنّ المتولّدات
مما للاختيار فيه مدخل ، فيقع مرّة بأن يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه ، ولا يقع
أخرى بأن لا يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه. يزيد ذلك توضيحا ، أنّ السبب لا
يمتنع حصوله ثم لا يحصل المسبّب ، بأن يعرض عارض فيمنعه من التوليد ، ومتى وجب
حصوله عند حصول السبب وزوال الموانع فإنّ حاله كحال المبتدأ عند تكامل الدواعي ،
فإنّه يحصل لا محالة ، فمن أين الفرق بينهما (ق ، ش ، ٣٨٨ ، ٧)
ـ لا تخرج جملة
المتولّدات عن أقسام ثلاثة. فإمّا أن يقال : لا يصحّ وجوده إلّا في محلّ القدرة
كما قلناه في النظر والعلم. وإمّا أن يصحّ وجوده في غير محلّ القدرة كما نقوله في
الحركات الموجودة في هذه الأجسام عن الاعتماد الذي نفعله في أيدينا. وإمّا أن يكون
بين محلّ القدرة وبين غيره كالتأليف الذي يصحّ وجوده بين محلّين. ثم لا فرق بين أن
يكونا جميعا محل القدرة ، وبين أن يكون أحدهما محلّ القدرة. والآخر في غير محلّها
على الصحيح من مذهبنا في أنّه لا يخرج عن التوليد. فيكون السبب في أحد المحلّين
والمسبّب يوجد فيه وفي غيره. وكما أنّ هذه القضية واجبة في المسبّبات فالأسباب
حكمها ذلك أيضا ، فقد نفعله في محلّ القدرة وقد نفعله في غير محلّها (ق ، ت ١ ،
٣٦٧ ، ١٨)
ـ قد ثبت أن
المتولّدات أجمع تقع بحسب ما يفعله الفاعل من الأسباب ، فلو لا أنّها فعله لما وجب
أن تقع بحسب فعله. ألا ترى أنّ فعل الغير لمّا لم يحدث من جهته لم يقع بحسب فعله؟
ويبيّن ذلك أنه إذا حدث هذا المسبّب ولم يكن له بدّ من محدث فأولى من تصرّف حدوثه
إليه هو فاعل السبب لأنّه به أخصّ من غيره (ق ، ت ١ ، ٤٠١ ، ٨)
إنّ المتولّدات
منفصلة عن السبب حادثة كحدوث نفس السبب ، فأمكن أن يقال إنّه حدث من جهة القادر ،
وموجب العلّة ليس بأمر يحدث ، فتصحّ إضافته إلى الفاعل ، بل ليس ينفصل عن المعلول
فافترقا. وتبيّن صحّة ذلك أنّ مع وجود السبب يصحّ وجود عارض يمنع من وجود المسبّب
فلا يثبت له حظ الإيجاب على الحقيقة ، بل يكون حكمه حكم ما يقع بالدواعي أنّه
يتصوّر أن يقابله داع آخر فلا يقع. فصحّت إضافته إلى المحدث منّا ، وموجب العلّة
مما لا يقع فيه منع فلم تصحّ إضافته إلى الفاعل (ق ، ت ١ ، ٤٠١ ، ٢١)
ـ اعلم أنّ"
لشيوخنا البغداديين" وغيرهم طريقة في إثبات المتولّدات غير ما نقوله. فإنّهم
يجعلون الإدراك معنى ويجعلونه مقدورا للعباد. وكذلك يجعلون اللون والطعم والحرارة
وما شاكلها مقدورا للعباد. فقالوا : إنّه عند حضور المدرك وفتح الجفن وزوال
الموانع وغير ذلك يحصل الإدراك ويحصل العلم أيضا ، فيجب أن يكون بحركته قد أوجب
الإدراك والعلم. وكذلك فعند ضرب الدبس يحصل البياض في الناظف ، وعند حكّ بعض الجسم
ببعض تحصل الحرارة ، وعند قدح الحجر تحصل النار ، وعند خلط الزاج بالعفص يحصل
السواد. وكذلك الحال فيما شاكله في الألوان (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٢١)
ـ لا يمكنهم أيضا
أن يدّعوا أنّ المتولّدات كلّها تقترن بأسبابها ، لأنّا قد بيّنا أنّ فيها ما
يتراخى وفيها ما يقارن. وعلى ذلك بنينا الإلزام فيما يظهر تراخيه من الإصابة بعد
الرمي. وليس يجب إذا كنّا نفصل بين المبتدأ والمتولّد في مقدار الأوقات التي يلزم
تقدّم القدرة عليها أن نفصل بينهما في وجوب تقدّمها رأسا ، لأنّا إنّما فرّقنا
بينهما في هذا الوجه لعلّة تحصل في أحد الموضعين دون الآخر وهما متساويان في وجوب
تقدّمها على الجملة (ق ، ت ٢ ، ١٢٣ ، ١٠)
ـ إنّ المتولّدات
التي هي الحركات تقع بحسب قدرة ، لأنّه إنّما يصحّ أن يحرّك ويحمل الثقيل بحسب ما
فيه من القدرة ، ولذلك تتفاوت أحوال القادرين منّا في ذلك بحسب قدرهم ، وإن
اشتركوا في إرادة ذلك في بعض الأحوال (ق ، غ ٩ ، ٤٠ ، ٤)
ـ أمّا المتولّدات
التي تعدّيها عن محل القدرة عليها يولّدها الاعتماد فقط دون الحركات ، وهو الذي
أراده شيخنا أبو هاشم رحمهالله بقوله في البغداديّات وغيرها ، ولا يثبت غير الاعتماد سببا
من أفعال الجوارح فقد مرّ في كلامه مفصّلا في الجامع أنّ التأليف يتولّد عن
الاعتماد ، ويولّده على وجهين : أحدهما بأن يولّد الكون ويولّد التأليف من بعد
الكون ، والثاني أن يفعل فيه تأليفا بعد تأليف بالاعتمادات وإن لم يفعله بعد الكون
، كرجل جمع أصابعه وفعل فيها عند شدّة الاعتمادات تأليفا (ق ، غ ٩ ، ١٣٨ ، ٤)
ـ فإن قيل : فيجب
أن يكون العلم بتولّده عن النظر ، أن يقدر هذا الناظر عليه ، وأن يقدر على تركه.
لأنّ من حق القادر على الشيء أن يقدر على تركه. قيل له : إنّ المتولّدات لا تروك
لها ، فلا يجب ما سألت عنه ؛ ولأنّه إذا لم يكن له ترك ، فمحال أن يقال : إنّ
القادر عليه يجب أن يقدر على تركه. ولا يجب أن يكون محمولا عليه ، إذا لم يصحّ أن
ينصرف إلى تركه. لأنّه يمكنه أن لا يفعل العلم بأن لا يفعل النظر ،
وليس ذلك حكم
الملجأ. ويجب ، متى وقع النظر ، أن لا يصحّ أن يمتنع من العلم ؛ لأنّه قد خرج من
كونه مقدورا له بوجود سببه ؛ فلا بدّ إذن من وقوعه (ق ، غ ١٢ ، ٩٨ ، ١٠)
ـ (إنّ)
المتولّدات لا تروك لها ، لأنّها إمّا ألا يكون لها ضدّ ، فبألّا يكون لها ترك
أولى ، وذلك كالتأليف والاعتماد والألم ، وإمّا أن يتأخّر حالها عن حال السبب ،
فما يضادّ السبب لا يضادّها ، ولو ضادّها كان لا يكون تركا لها ، لتغاير الوقت (ق
، غ ١٤ ، ١٩٨ ، ٢)
ـ وبعد ، فإنّ
المتولّدات تنقسم ، ففيها ما لا ضدّ له أصلا ، لأنّ ضدّ سببه ليس بضدّ له ، ألا
ترى أنّ المفارقة تضادّ المجاورة ، ولا تضادّ التأليف ، لأنّها لو ضادّته لوجب
كونها مضادّة لمختلفين غير ضدّين ، وكذلك القول في ضدّ سبب الألم وغيره ، فكيف
يقال إنّ ترك سببه ترك له ، والحال ما قد بيّناه؟ وفيها ما له ضدّ كالألوان ، ولا
يجوز في ترك سببه أن يكون تركا له ، لأنّ سببه الذي هو الاعتماد لا ضدّ له ، فإذا
لم يكن له ضدّ لم يكن له ترك ، فكيف يقال : إنّ تركه ترك لغيره؟ (ق ، غ ١٤ ، ٢٠٦ ،
١)
ـ الجبائي كفّر
النظام في قوله : إنّ المتولّدات من أفعال الله بإيجاب الخلقة (ب ، ف ، ١٣٢ ، ١٧)
ـ محمد بن عيسى
الملقّب ببرغوث ، وكان على مذهب النجّار في أكثر مذاهبه ، وخالفه في تسمية المكتسب
فاعلا ، فامتنع منه ، وأطلقه النجّار وخالفه أيضا في التولّدات فزعم أنّها فعل لله
تعالى بإيجاب الطّبع ، على معنى أن الله تعالى طبع الحجر طبعا يذهب إذا وقع ، وطبع
الحيوان طبعا يألم إذا ضرب ، وقال النجّار في المتولّدات بمثل قول أصحابنا فيها :
إنّها من فعل الله تعالى باختيار ، لا طبع من طبع الجسم الذي سمّوه مولّدا (ب ، ف
، ٢٠٩ ، ١٢)
ـ إنّ المتولّدات
أفعال لا فاعل لها بحال ، وقول معمّر تصريح بأنّ الله عزوجل لم يخلق لونا ولا طعما ولا رائحة ولا سمعا ولا بصرا ولا
سقما ولا مرضا ولا حياة ولا موتا (ب ، أ ، ٨٤ ، ٨)
ـ زعم النظّام
منهم أنّ المتولّدات كلّها من أفعال الله تعالى بإيجاب الخلقة (ب ، أ ، ١٣٩ ، ١)
ـ قوله (ثمامة) :
إنّ الأفعال المتولّدة لا فاعل لها ؛ إذ لم يمكنه إضافتها إلى فاعل أسبابها حتى
يلزمه أن يضيف الفعل إلى ميت ، مثل ما إذا فعل السبب ومات ووجد المتولّد بعده ولم
يمكنه إضافتها إلى الله تعالى ، لأنّه يؤدّي إلى فعل القبيح ، وذلك محال ، فتحيّر
فيه وقال المتولّدات أفعال لا فاعل لها (ش ، م ١ ، ٧١ ، ٤)
متى
ـ إنّ متى سؤال عن
زمان (ح ، ف ٢ ، ١٣٣ ، ٢)
ـ المتى وهو
الحصول في الزمان أو في ظرفه (ف ، م ، ٧٠ ، ٨)
ـ الأعراض
النسبيّة وهي أنواع. الأول : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ
حصول الأول في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأول هو
السكون ، وحصول الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في
حيّزين لا يتخلّلهما ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف
، أ ، ٢٦ ، ٢٤)
ـ أمّا العرض فإن
اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في
المكان ، وهو
الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة أو الانتقال
بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛
أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦١ ،
٢٠)
ـ المتى : هي حالة
تعرض للشيء بسبب الحصول في الزمان (ج ، ت ، ٢٥١ ، ١٩)
مثاب
ـ إنّ الذي دلّ
العقل عليه هو أنّ المثاب يجب أن يستحقّ ما لا يحسن التفضّل بمثله في الكثرة والصفة
أو في الصفة وحدها ، على حسب اختلاف الناس فيه ، ولا دليل في العقل يدلّ على أنّه
لا قدر يستحقّ بطاعة إلا ويجب أن يكون أعظم مما يحسن التفضّل به ؛ بل المعلوم
خلافه ، لأنّ كثيرا من الطاعات لا بدّ من أن يستحقّ به اليسير من الثواب. وأكثر من
ذلك ، قد يتفضّل تعالى به على من يسكنه الجنّة من غير تكليف تقدّم. هذا على ما
يختاره شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، من أنّه لا بدّ من مزية الثواب في القدر والصفة. فأمّا
على ما يقوله شيخنا أبو علي ، رحمهالله ، من أنّه إنّما يتميّز بالصفة فقط ، فالكلام فيه أظهر
لأنّه لا يجوز أن يتفضّل تعالى بمثل قدر الثواب ويكون الثواب ثابتا منه من حيث يقع
منه تعالى على طريق التعظيم والتبجيل (ق ، غ ١٢ ، ٥١٥ ، ١٩)
مثبت
ـ إنّ المثبت هو
الكائن الثابت الغابر (ش ، ق ، ٣٩٨ ، ٧)
ـ المنفيّ لا يكون
إلّا معدوما والمثبت لا يكون إلّا موجودا (أ ، م ، ٢٥٢ ، ١٢)
مثل
ـ الله واحد لا
شبيه له ، دائم قائم لا ضدّ له ولا ند ، وهذا تأويل قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).
وأصل ذلك أنّ كل ذي مثل واقع تحت العدد فيكون أقلّه اثنين ، وكل ذي ضدّ تحت الفناء
إذ يهلك ضدّه ، وعلى ذلك كل شيء سواه له ضدّ يفني به ، وشكل يعدّ له ويصير به زوجا
، فحاصل تأويل قوله : واحد أي في العظمة والكبرياء ، وفي القدرة والسلطان ، وواحد
بالتوحّد عن الأشباه والأضداد ؛ ولذلك بطل القول فيه بالجسم والعرض إذ هما تأويلا
الأشياء (م ، ح ، ٢٣ ، ١٤)
ـ إذا عرفت كيفيّة
المشاهد ، إذا أخبرت بتلك الكيفية لغائب ، علمت أنّه مثله ، لا أنّ ذلك يحقّق
المثل ، وقد يجوز أن يدل على مثله بهذا الوجه وبما عرف يعني الجسم والنار ، فيعرف
كل جسم ونار وإن لم يشهده (م ، ح ، ٢٨ ، ١٣)
ـ معنى المثل أن
يخترع الوجود لعدم لم يسبق له وجود. فهذا معنى الإعادة (غ ، ق ، ٢١٤ ، ١٣)
مثلان
ـ إنّ الأجسام
كلّها من جنس واحد من حيث كان كلّ واحد منها يسدّ مسدّ الآخر وينوب منابه ، ويجوز
عليه من الوصف مثل ما جاز عليه من الحركة والسّكون والاجتماع والافتراق والزيادة
والنّقصان وغير ذلك من الأوصال. وليس معنى المثلين المتشابهين أكثر من ذلك ، فلو كان
بعض الأجسام نورا مع اشتباهها وتماثلها لكانت كلّها نورا ؛ وكذلك لو كان منها ما
هو ظلام لكانت كلّها ظلاما ؛ كما أنّه لو كان منها
ما هو حركة أو
سكون أو امتزاج أو تباين أو إرادة أو علم لكانت كلها كذلك مع تماثلها. وفي فساد
هذا دليل على أنّ الأجسام كلّها جنس واحد مشتبه غير متضادّ ولا مختلف ، ليس معها
نور ولا ظلام ، ولا اجتماع ولا افتراق ، ولا حركة ولا سكون ، ولا ظهور ولا كمون.
وبان بذلك أن النّور والظّلام هما السّواد والبياض اللّذان يوجدان بالأجسام ،
وأنّهما من جملة الأعراض وبعض العالم ، وليس بكلّ العالم (ب ، ت ، ٦٩ ، ٣)
ـ المثلان كل
موجودين سدّ أحدهما مسدّ الآخر ، وربما قيل في حدّهما : هما الموجودان اللذان
يستويان فيما يجب ويجوز ويستحيل ، والأولى العبارة الأولى (ج ، ش ، ٥٥ ، ١)
ـ ذهب ابن الجبائي
ومتأخّرو المعتزلة إلى أنّ المثلين هما الشيئان المشتركان في أخصّ الصفات. ثم
قالوا : الاشتراك في الأخصّ يوجب الاشتراك فيما عداه من الصفات غير المعلّلة (ج ،
ش ، ٥٥ ، ٥)
ـ أمّا المثلان
فحدّوهما بأنّهما اللذان يشتركان في الصفات الذاتيّة ، أو أنّهما اللذان يقوم كل
واحد منهما مقام الآخر أو يسدّ مسدّه ، وهذه العبارة مختلفة لأنّ الاشتراك مرادف
للتماثل ، والقيام مقام الآخر لفظة مستعارة حقيقتها التماثل فيكون ذلك تعريفا
للشيء بنفسه. والحق أنّ هذه الماهيّات متصوّرة تصوّرا أوليّا ، لأنّ كل واحد يعلم
بالضرورة أنّ السواد يماثل السواد ويخالف البياض ، وتصوّر المماثلة والمخالفة جزء
ماهيّة هذا التصديق ، وجزء البديهيّ أولى أن يكون بديهيّا (ف ، م ، ١٠٦ ، ١٣)
مجاز
ـ اعلم أنّ من حق
المجاز إذا استعمل أن لا يراعى معناه كما يراعى ذلك في الحقائق ؛ لأنّ ذلك يوجب
كونه في حكم الحقيقة (ق ، غ ٥ ، ١٨٨ ، ٣)
ـ قال شيخنا أبو
علي ، رحمهالله ، إنّ المجاز لا يقاس كالحقائق (ق ، غ ٥ ، ١٨٨ ، ٨)
ـ لم يحسن أن يجري
على الله سبحانه من الأسماء والأوصاف ما كان مجازا في الشاهد ولا ما ورد الكتاب به
على وجه المجاز ، وإن كنّا نتلوه على الحدّ الذي جاء به الكتاب ، فلذلك لا يحسن في
المخاطبة أن نقول لمن أذى مؤمنا أذانا الله ، ولمن حارب الفضلاء إنّهم حاربوا الله
، إلى ما شاكله (ق ، غ ٥ ، ١٩١ ، ١)
ـ إنّما يقال في
اللفظة : إنّها مجاز إذا ثبت لها حقيقة في موضع ، وتستعمل في غيره على بعض الوجوه.
فأمّا إذا لم يصحّ ذلك فيها فلو جاز أن يقال فيها : إنّها مجاز لجاز في سائر
الأسماء مثله. وفي هذا إبطال الحقائق (ق ، غ ١١ ، ٣٥٩ ، ١٤)
ـ في إثبات
الحقيقة والمجاز وفي حدّها : أمّا إثباتهما في اللغة فظاهر في الجملة ، لقول أهل
اللغة : " هذا الاسم حقيقة ، وهذا الاسم مجاز". وإذا عرفنا ماهيتهما ،
تكلّمنا في إثباتهما على التفصيل. فأمّا حدّهما ، فهو أنّ" الحقيقة" ما
أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به. وقد دخل في هذا الحدّ
الحقيقة اللغويّة ، والعرفيّة ، والشرعيّة." والمجاز" هو ما أفيد به
معنى مصطلحا عليه ، غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب فيها (ب
،
م ، ١٦ ، ١٩)
ـ حدّ الشيخ أبو
عبد الله أخيرا" الحقيقة" بأنّها ما أفيد بها ما وضعت له. وحدّ"
المجاز" بأنّه ما أفيد به غير ما وضع له. وهذا يلزم عليه أن يكون من استعمل
اسم" السماء" في" الأرض" قد يجوّز به ، لأنّه قد أفاد به غير
ما وضع له (ب ، م ، ١٧ ، ١٠)
ـ حدّ الشيخ أبو
عبد الله رحمهالله أولا" الحقيقة" بأنّه ما انتظم لفظها معناها من
غير زيادة ولا نقصان ولا نقل. وحدّ" المجاز" بأنّه ما لا ينتظم لفظه
معناه إما لزيادة أو لنقصان أو لنقل عن موضعه. فالذي لا ينتظم لفظه معناه لأجل
زيادة ، هو الذي ينتظم المعنى إذا أسقطت الزيادة ، نحو قوله سبحانه : ... (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ... (الشورى : ١١).
فإنّ الكاف زائدة.
فمتى أسقطناها صار" ليس مثله شيء". وأمّا الذي لا ينتظم المعنى لأجل
النقصان ، فهو الذي ينتظمه إذا زدنا في الكلام ما نقص منه ، نحو قوله عزوجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ... (يوسف : ٨٢). لأنّه قد أسقط من الكلام" أهل
القرية". ومثال نقل من موضعه ، قول القائل : رأيت الأسد. وهو يعني الرجل
الشجاع (ب ، م ، ١٨ ، ٧)
ـ قاضي القضاة رحمهالله يذهب إلى تصحيح الحدّ الذي ذكره أبو عبد الله أخيرا ،
ويقول : إنّ ما ذكره أولا هو صفة الحقيقة والمجاز ، وليس بحدّ. قال لأنّ الاسم إذا
كان تارة حقيقة أو أفيد به غير ما وضع له ، فيكون مجازا. ولقائل أن يقول : بل
الغير الذي به يكون حقيقة ، هو أن ينتظم لفظه معناه من غير زيادة ولا نقصان ولا
نقل. والذي به يكون مجازا ضدّ ذلك. والذي ينصر به الحدّ ، هو أنّ المجاز مقابل
للحقيقة. فحدّ أحدهما يجب كونه مقابلا لحدّ الآخر. والمفهوم من قولنا"
مجاز" ، هو أنّه قد يجوز به ، ونقل عن موضعه الذي هو ألحق به. وهذا هو معنى
ما حدّدنا به" المجاز". فيجب أن يكون حدّ" الحقيقة" ما لم
ينقل عن موضعه. وهذا معنى ما حدّدنا به" الحقيقة" (ب ، م ، ١٩ ، ٤)
ـ اعلم أنّ من
أحكام الحقيقة والمجاز أنّهما لا يدخلان أسماء الألقاب ، لأنّ الحقيقة هي ما أفيد
بها ما وضعت له. والمجاز هو ما أفيد به معنى غير ما وضع له ، على ما تقدّم. ونعني
بقولنا" ما وضعت له" وضع أهل اللغة. وكون اللفظ حقيقة ومجازا تبعا
لكونها موضوعة لشيء قبل استعمال المستعمل ، حتى إن استعملها المستعمل فيما وضعت له
، كانت حقيقة ؛ وإن استعملها في معنى آخر ، كانت مجازا. وأسماء الألقاب لم تقع على
مسمّياتها المعيّنة بوضع من أهل اللغة ولا من الشرع ، حتى يكون من اتّبعهم فيها في
أصل موضوعهم كان قد استعملها على الحقيقة ؛ ومن استعملها فيه على طريق التبع كان
متجوّزا بها (ب ، م ، ٣٤ ، ١٢)
مجانسة
ـ ذكر (ابن
الروندي) قول إبراهيم في المجانسة فقال : وكان يزعم أنّ الكفر مثل الإيمان وأنّ
العلم مثل الجهل والحب مثل البغض ، وأنّ الله يعذب عبدا ويغفر لمثله. ثم طوّل وأكثر.
وليس يقول إبراهيم بما حكاه عنه صاحب الكتاب. الإيمان عند إبراهيم مخالف للكفر
والعلم عنده ضد الجهل والحب خلاف البغض ، ولكنّه كان يقول في الجملة : إنّ أفعال
الحيوان جنس واحد (خ ، ن ، ٢٩ ، ٥)
مجاورة
ـ قال"
ضرّار" إنّ الجسم من أشياء مجتمعة على المجاورة فتجاورت ألطف المجاورة ،
وأنكر المداخلة وأن يكون شيئان في مكان واحد عرضان أو جسمان (ش ، ق ، ٣٢٨ ، ١)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا
ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث
وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا
لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)
ـ إنّ المجاورة
إنّما تصحّ على الجواهر لأجل أنّها من أحكام التحيّز ، ألا ترى أنّ العرض والمعدوم
لما استحال عليهما التحيّز استحال عليهما المجاورة (ق ، ش ، ٢٩٧ ، ٩)
ـ إنّ المجاورة لا
تقتضي الاتحاد ، فإنّ الجوهرين على تجاورهما لا يخرجان عن أن يكونا جوهرين ، ولا
يصيران جوهرا واحدا (ق ، ش ، ٢٩٧ ، ١٢)
ـ إنّ المجاورة من
صفات الأجسام وإنّ الحلول من أحكام الأعراض ، وإمّا الاتّفاق في المشيئة فعلى أي
وجه قالوه اقتضى أن يكون المتّحد مريدا ، فيجب أن يكون هو الحيّ ، ويرجع الاتّحاد
إليه لا إلى غيره من الأقانيم (ق ، ت ١ ، ٢٢٤ ، ١١)
ـ إنّ المجاورة
تولّد التأليف في محلّها ، لكن من حق التأليف أن يتعدّى محلّها إلى المحل الثاني ،
لأنّ لجنسه يستحيل وجوده إلّا في محلّين ، ولو لا ذلك لصحّ وجوده في محل المجاورة
على ما سألت عنه. ولسنا نقول في المسبب إنّه يجب أن يحلّ محلّ السبب على ما زعمته
، لأنّ الاعتماد يولّد الأكوان وغيرها في غير محلّه ، فغير ممتنع أن تولّد
المجاورة التأليف في محلّها وغير محلها (ق ، غ ٩ ، ٤٧ ، ٧)
ـ إنّ المجاورة
عبارة عن كون الجوهرين على سبيل القرب (ن ، د ، ٧٦ ، ٩)
ـ إنّ المجاورة قد
ثبت أنّها تولّد التأليف ، والسبب إذا وجد والمحل محتمل ولا مانع ، فلا بدّ من
حصول المسبّب (ن ، م ، ٢٢٣ ، ٢٣)
ـ إنّ المجاورة
بين الجسمين تنقسم ثلاثة أقسام ، أحدها أن يخلع أحد الجسمين كيفياته ويلبس كيفية
الآخر كنقطة رميتها في دن خل أو دن مرق أو في لبن أو في مداد أو شيء يسير من بعض
هذه في بعض أو من غيرها ، كذلك فإنّ الغالب منها يسلب المغلوب كيفياته الذاتيّة
والغيريّة ويذهبها عنه ويلبسه كيفيّات نفسه الذاتيّة والغيريّة ، والثاني أن يخلع
كل واحد منهما كيفيّاته الذاتيّة والغيريّة ويلبسا معا كيفيّات أخر كماء الزاج إذا
جاور ماء العفص وكجسم الجير إذا جاور جسم الزرنيخ وكسائر المعاجن كلّها والدقيق
والماء وغير ذلك ، والثالث أن لا يخلع واحد منهما عن نفسه كيفيّة من كيفيّاته لا
الذاتيّة ولا الغيريّة بل يبقى كل واحد منهما كما كان كزيت أضيف إلى ماء وكحجر إلى
حجر وثوب إلى ثوب ، فهذا حقيقة الكلام في المداخلة والمجاورة (ح ، ف ٥ ، ٦١ ، ١٤)
ـ الكون هو ما
يوجب كون الجوهر كائنا في جهة ، والأسامي تختلف عليه وإن كان الكل من هذا النوع ،
فمتى حصل عقيب ضدّه فهو حركة ، وإذا بقي به الجوهر كائنا في جهة أزيد من وقت واحد
أو وجد عقيب مثله فهو سكون.
ومتى كان مبتدأ لم
يتقدّمه غيره فهو كون فقط ، وهو الموجود في الجوهر حال حدوثه. فإن حصل بقرب هذا
الجوهر جوهر آخر سمّي ما فيهما مجاورة. ومتى كان على بعد منه سمّي ما فيهما مفارقة
ومباعدة. وقد نعلم هذا المعنى ضرورة على الجملة وإن كان مما لا يدرك. وهو ما
نتصرّف فيه من قيام وقعود وغيرهما ، لأنّا نعلم قبح الظلم من أنفسنا ضرورة (أ ، ت
، ٤٣٢ ، ٧)
مجاورة توجب
التأليف
ـ قد دلّ شيخنا
أبو هاشم رحمهالله على ذلك بأن قال : لو لم تكن المجاورة توجب التأليف لم يكن
التأليف بأن يحصل فيما جاورناه أولى من أن يحصل في غيره ، لأنّ المجاورة على هذا
القول وجودها كعدمها في أنّ التأليف لا يجب عنها ، وفساد ذلك يدلّ على أنّها توجب
التأليف (ق ، غ ٩ ، ٥١ ، ١٣)
مجاوزة
ـ لو كانت الحركة
مجاوزة للمتحرّك لوجب أن تكون متحيّزة ، لأنّ المجاوزة هي من أحكام المتحيّز حتى
يجري مجرى اختصّ الصفات ، بدلالة أنّ الجوهر الثاني الذي يصحّ مجاوزته لهذا الجوهر
إنّما صحّ لتحيّزه لا غير. ألا تراه أنّه إذا عدم فزال تحيّزه زالت مجاوزته له ،
وحيث صحّ التحيّز صحّت المجاوزة ، ولا يمكن تعليق ذلك بالوجود وإلّا لزم في اللون
أن تصحّ مجاوزته للون آخر ، ويجتمعان على مجاوزة جسم واحد ، فنرى على هيئتين (ق ،
ت ١ ، ٤٢ ، ٧)
مجبر
ـ المجبر يزعم أنّ
الله خلق الخلق لينفع أولياءه ويضرّ أعداءه (خ ، ن ، ٢٦ ، ١٣)
ـ المجبر في اللغة
هو الذي يقع الفعل منه بخلاف اختياره وقصده ، فأمّا من وقع فعله باختياره وقصده
فلا يسمّى في اللغة مجبرا (ح ، ف ٣ ، ٢٣ ، ١٢)
مجبرة
ـ المجبرة تزعم
أنّ الكافر قادر على الكفر الذي هو فيه ، غير قادر على الإيمان الذي تركه (خ ، ن ،
١٧ ، ٢٠)
ـ قالت المجبرة لا
فعل للعبد ، وله فعل على وجه المجاز لا على وجه الحقيقة (م ، ف ، ٩ ، ٢٤)
ـ اعلم أنّ
المجبرة على فرقتين : فرقة تقول : إنّ القدرة مقارنة لمقدورها غير صالحة للضدّين ،
والكلام عليهم ما تقدم. وفرقة تقول : إنّ القدرة مقارنة لمقدورها صالحة للضدّين ،
وهذا إنما أخذوه عن ابن الراوندي (ق ، ش ، ٣٩٧ ، ١٨)
مجتمع
ـ إنّ المجتمع لا
يكون شيئا واحدا لأنّ أقلّ قليل الاجتماع لا يكون إلّا بين شيئين ، لأنّ الشيء
الواحد لا يكون لنفسه مجامعا (ش ، ل ، ١٠ ، ٣)
ـ ذكر شيخنا أبو
القاسم في عيون المسائل أنّ المجتمع هو الأعراض ، إذا اجتمعت في محلّ واحد ، وأنّه
لا يقال في الجسم مجتمع إلّا على طريق المجاز ، ويراد به أنّه متجاور ومؤتلف (ن ،
م ، ٥٥ ، ١٧)
مجتمعان
ـ قال إبراهيم (النظّام)
: وجدت الحرّ مضادا
للبرد ووجدت
الضدّين لا يجتمعان في موضع واحد من ذات أنفسهما ، فعلمت بوجودي لهما مجتمعين أنّ
لهما جامعا جمعهما وقاهرا قهرهما على خلاف شأنهما. وما جرى عليه القهر والمنع
فضعيف ، وضعفه ونفوذ تدبير قاهره فيه دليل على حدثه وعلى أنّ محدثا أحدثه ومخترعا
اخترعه لا يشبهه ، لأنّ حكم ما أشبهه حكمه في دلالته على الحدث ، وهو الله ربّ
العالمين (خ ، ن ، ٤٠ ، ٢٢)
مجمل
ـ أمّا المتشابه
فقد بيّنّا : أنّه لا يدلّ ، بل العقل يدلّ على المراد به ، أو المحكم ؛ فأمّا
المجمل الذي يتناول الأحكام فلا بدّ من كونه دالّا على المراد به ؛ لكنّه يدلّ على
الجملة ، وعلى القدر الذي يتضمّنه ، دون ما عداه (ق ، غ ١٦ ، ٣٦٠ ، ١٥)
ـ قال أصحابنا إنّ
المجمل الذي يحتاج إلى تفسير (ب ، أ ، ٢٢٠ ، ٢)
ـ إنّا قد ذكرنا
أنّ اللفظ المتشابه قسمان المجمل والمؤوّل. أمّا المجمل فهو الذي يحتمل معنيين
فصاعدا احتمالا على التسوية. فنقول إنّه إمّا أن يكون محتملا لمعنيين فقط أو لمعان
أكثر من اثنين ، فإن كان محتملا لمعنيين فقط ثم دلّ الدليل على عدم أحدهما فحينئذ
يتعيّن أنّ المراد هو الثاني ، مثل أنّ الفوق إمّا أن يراد به الفوق في الجهة أو
في الرتبة ، ولمّا بطل حمله على الجهة تعيّنت الرتبة ، أمّا إذا كان لفظ المفهومات
مثله لم يلزم من عدم واحد منها تعيّن الثاني والثالث بعينه ، ولا يمكن أيضا حمل
اللفظ عليهما معا لمّا ثبت أنّ لفظ المشترك لا يجوز استعماله في مفهومين معا. وأمّا
الأوّل فنقول اللفظ إذا كان له حقيقة واحدة ثم دلّ دليل على أنّها غير مرادة وجب
حمل اللفظ على مجازه ، ثم ذلك المجاز إن كان واحدا تعيّن صرف اللفظ إليه صونا عن
التعطيل ، وإن لم يكن معيّنا نفي اللفظ مطرودا في تلك المجازات ، وحينئذ فذلك
الكلام الذي ذكرناه في المجمل عائد هاهنا بعينه (ف ، س ، ٢٢٦ ، ١٦)
مجهول
ـ اختلف الناس في
المعلوم والمجهول. فقال قائلون : الإنسان إذا علم شيئا ـ قديما كان ذلك الشيء أو
محدثا ـ لم يجز أن يجهله في حال علمه على وجه من الوجوه. وقال آخرون : كل ما علمه
الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من وجه من الوجوه (ش ، ق ، ٣٩١ ، ٦)
مجوس
ـ الكلام على
المجوس : حكى الحسن بن موسى أنّهم مختلفون : فبعضهم يقول إنّ الله تعالى ليس بجسم
، وكذلك الشيطان ، وهما قديمان. والله أحدث هذا العالم ، فما فيه من الخيرات فمنه
، وما فيه من الشرّ فمن الشيطان. وقال بعضهم : إنّهما جسمان قديمان. وقال بعضهم : إنّ
الله جسم ، والشيطان ليس بجسم. وقال آخرون : الشيطان جسم ، والله ليس بجسم (ق ، غ
٥ ، ٧١ ، ١)
محاباة
ـ أمّا لفظ المحاباة
فإن أراد المعنى الذي ذكرناه من تفضّله تعالى على واحد دون آخر فالمعنى
صحيح. ولكنّ هذا
اللفظ لا ينبئ عنه ، لأنّ المحاباة مأخوذة من الحباء وهو العطيّة ، فإذا أعطى
أحدنا غيره شيئا ليعطيه مثله قيل إنّه حاباه ، لأنّه مفاعلة من الحباء الذي
ذكرناه. ولا ثبتت هذه الفائدة فيه تعالى ، وليس بعد ذلك إلّا نفس ما نذهب إليه من
جواز تفضّله على واحد دون آخر. وهذا ما يقتضيه مذهبنا إذا نفينا وجوب الأصلح عليه
تعالى (ق ، ت ٢ ، ١٩٨ ، ٧)
محال
ـ المحال ما هو :
فقال قائلون : هو معنى تحت القول لا يمكن وجوده ، ثم اختلف هؤلاء ، فقال قائلون :
هو اجتماع الضدّين ، وكل مذكور لا يتهيّأ كونه ، وقال بعضهم : هو الضدّان يجتمعان
، وقال قوم سوى هؤلاء : هو القول المتناقض (ش ، ق ، ٣٨٧ ، ٧)
ـ كل كلام لا معنى
له فهو محال (ش ، ق ، ٣٨٨ ، ٣)
ـ كل قوم أزيل عن
منهاجه واتّسق على غير سبيله وأحيل عن جهته وضمّ إليه ما يبطله ووصل به ما لا يتصل
به مما يغيّره ويفسده ويقصر به عن موقعه وإفهام معناه فهو محال ، وذلك كقول القائل
أتيتك غدا وسآتيك أمس ، وهذا قول" ابن الراوندي" (ش ، ق ، ٣٨٨ ، ٦)
ـ قال قائلون :
المحال لا يكون كذبا والكذب لا يكون محالا (ش ، ق ، ٣٨٨ ، ٩)
ـ قال قائلون : كل
كذب محال وكل محال كذب ، وقال قائلون : من الكذب ما ليس بمحال والمحال كله كذب ،
ومنهم من يقول : إذا قال : العاجز قادر فلم يحل ولكنّه كذب ، إلّا أن يكون قد وصفه
بالقدرة على ما لا يجوز أن يقدر عليه ، فإذا قال : الغائب حاضر فكذلك وإذا قال :
القديم محدث فهذا محال لأنّ هذا مما لا يجوز أن يكون ، وقد كان يمكن أن يكون
العاجز قادرا والغائب حاضرا (ش ، ق ، ٣٨٨ ، ١٠)
ـ إنّ المحال ليس
بشيء ومع ذلك يتعلّق العلم بكون المحال محالا وإن كان ليس بشيء بالاتفاق (ب ، أ ،
٥ ، ١٣)
ـ إنّ العالم مثلا
، يصدق عليه أنّه واجب ، وأنّه محال ، وأنّه ممكن. أمّا كونه واجبا ، فمن حيث أنّه
إذا فرضت إرادة القديم موجودة ، وجودا واجبا ، كان المراد أيضا واجبا بالضرورة ،
لا جائزا ، إذ يستحيل عدم المراد مع تحقّق الإرادة القديمة. وأمّا كونه محالا ،
فهو أنّه لو قدّر عدم تعلّق الإرادة بإيجاده ، فيكون لا محالة حدوثه محالا ، إذ
يؤدّي إلى حدوث حادث بلا سبب ، وقد عرف أنّه محال. وأمّا كونه ممكنا فهو بأن ينظر
إلى ذاته فقط ، ولا يعتبر معه لا وجود الإرادة ، ولا عدمها ، فيكون له وصف الإمكان
، فإذا الاعتبارات ثلاثة : الأول أن يشترط فيه وجود الإرادة ، وتعلّقها فهو بهذا
الاعتبار واجب. الثاني أن يعتبر فقد الإرادة ، فهو بهذا الاعتبار محال.
الثالث أن يقطع
الالتفات إلى الإرادة ، والسبب ، فلا يعتبر وجوده ، ولا عدمه ؛ ومجرّد النظر إلى
ذات العالم. فيبقى له بهذا الاعتبار الأمر الثالث ، وهو الإمكان ونعني به أنّه
ممكن لذاته ، أي إذا لم نشترط غير ذاته كان ممكنا (غ ، ق ، ٨٤ ، ١١)
ـ نقول المحال غير
مقدور (غ ، ق ، ٩٧ ، ١)
ـ إنّ المحال
لذاته غير مقدور. أمّا المحال لغيره فهو ممكن لذاته ، فكونه مقدورا لا ينافي كونه
محالا لغيره (ط ، م ، ٣٠١ ، ٦)
محاورة مقارنة
ـ قولنا : كون
وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في
الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه كونا مطلقا إذا وجد ابتداء لا بعد غيره
، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن نسمّيه سكونا إذا بقي.
وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى به الجوهر في جهة
واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو أوجب كون الجسم كائنا
في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه محاورة مقارنة وقربا إذا
كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما. وتارة نسمّي بعضه مفارقة
ومباعدة وافتراقا إذا وجد على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت ١ ، ٣٣ ، ١١)
محبة
ـ المحبة هي
الإرادة لأنّها لو كانت معنى سواها لصحّ وقوع الانفصال فيهما. ولأنّ اللفظتين لو
اختلفت فائدتهما لصحّ الإثبات بأحدهما والنفي بالآخر ولا شيء يقول القائل : "
إنّي أحبّه" إلّا ويصحّ أن يقول : " أريده" وهذا مستمرّ في الأفعال
المرادة ، وإنّما تخرج عن ذلك المحبة المتعلّقة بالأشخاص وذلك مجاز لحذف ذكر
المحبوب (ق ، ت ١ ، ٢٩٧ ، ٤)
ـ المحبّة تقع
باشتراك الاسم على إرادة هو مبدأ فعل ، وهو الذي نسبه إلى إرادة الثواب أو الطاعة
، وعلى تصوّر كمال من لذّة أو منفعة أو مشاكلة كمحبّة العاشق لمعشوقه ، والمنعم
عليه لمنعمه ، والوالد لولده ، والصديق لصديقه (ط ، م ، ١٦٩ ، ٩)
محبل
ـ إنّ البارئ بخلق
الحبل محبل ، والقائل بهذا القول" الجبّائي" ومن قال بقوله ، وزعمت فرقة
أخرى منهم أنّ البارئ لا يجوز أن يكون محبلا بخلق الحبل كما لا يكون والدا بخلق
الولد (ش ، ق ، ١٩٤ ، ١٦)
محتاج
ـ اعلم أنّ
المحتاج إنّما يحتاج إلى اجتلاف المنافع وما يتبعه من السرور ، ودفع المضارّ وما
يتبعه من الغموم. وقد يحتاج إلى ما به تجتلب المنفعة وتدفع المضرّة من الأفعال
والآلات وما جرى مجراها (ق ، غ ٤ ، ١١ ، ٣)
محتسب
ـ المحتسب هو
المنصّب للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وشروطه العدالة والذكورة والحرية
والبلوغ والعقل والتدبير والقوّة وسلامة الأطراف والحواس المحتاج إليها وسلامته من
المنفرات ، لما مرّ في الإمامة ، والعلم ليصحّ أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ،
كما مرّ ، وعدم من يصلح للإمامة في ناحيته ، ولا مانع (ق ، س ، ١٧٨ ، ٧)
محدث
ـ لمّا كان القديم
عنده (أبو الهذيل) ليس بذي غاية ولا نهاية ولا يجري عليه بعض ولا كل وجب أن يكون
المحدث ذا غاية ونهاية وأنّ له كلّا وجميعا (خ ، ن ، ١٦ ، ٢١)
ـ قال (ابن
الروندي) : ويزعم صاحب هذا القول (عبّاد) أنّ كل موجود على ظهر الأرض فلم يكن
معدوما قط بوجه من الوجوه ، لأنّ
الموجود عنده ليس
بمعدوم ولم يكن معدوما ولا يكون معدوما أبدا. (ثم قال) وهذا التصريح بأنّ الأجسام
قديمة ، لأنّ المحدث ما وجد بعد عدم وما لم يك معدوما لم يوجد بعد عدم. يقال له :
إنّ صاحب هذا القول يزعم أنّ المحدث ما لم يكن فكان ، فالموجودات عنده من المحدثات
لم تكن فكانت. فخرج من القول بقدم الأجسام بهذا القول (خ ، ن ، ٦٩ ، ٢٠)
ـ ذكر جعفر بن حرب
أنّه سأل السكاك في حدوث العلم وعارضه بحدوث القدرة والحياة فلم يأت بفصل ، فلمّا
لم يتهيأ له الفصل قال له بعض أهل المجلس : وما عليك يا أبا جعفر أن تجيب إلى أنّه
كان غير قادر ولا حي ثم قدر وحيى كما كان غير عالم؟ فأجابه إلى ذلك. فقال له جعفر
: فعلى أي وجه قدر وحيي : أهو أحيا نفسه وأقدرها ، أم غيره أحياه وأقدره؟ وبعد
فإنّما نرجع في إثباتك لله جل ذكره إلى المشاهدة ، فهل شاهدت ميتا عاجزا أحيا نفسه
وأقدرها فتصف الله بذلك؟ فانقطع السكاك. ثم قال له جعفر وأخذ نعله بيده فقال : دلّ
على أنّ هذه النعل لم تصنع العالم إذ كنت قد أجزت أن يصنعه من ليس بحي ولا قادر
ولا عالم! فلم يأت بشيء. وهذا كله لازم لهشام لا حيلة له فيه ولا منجى له منه.
وبعد فأين أحدث العلم : في نفسه أم في غيره أم لا في شيء؟ فإن كان أحدثه في نفسه
فقد صارت نفسه محلا للإحداث ، ومن كان كذلك فمحدث لم يكن ثم كان (خ ، ن ، ٨٢ ، ١٨)
ـ معنى الباقي
أنّه كائن لا بحدوث ، وأنّ القديم لم يزل باقيا لأنّه لم يزل كائنا لا بحدوث ،
والمحدث في حال كونه بالحدوث ليس بباق ، وفي الوقت الثاني هو باق لأنّه كائن في
الوقت الثاني لا بحدوث (ش ، ق ، ٣٦٨ ، ١٢)
ـ اتفق" أهل
الإثبات" على أنّ معنى مخلوق معنى محدث ومعنى محدث معنى مخلوق (ش ، ق ، ٥٤١ ،
١٢)
ـ يستحيل أن يكون
المحدث لم يزل قديما (ش ، ل ، ٧ ، ١٨)
ـ يقال لأهل القدر
أليس قول الله تعالى (بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٩)
يدلّ على أنّه لا معلوم إلّا والله به عالم ، فإذا قالوا نعم ، قيل لهم فما أنكرتم
أن يدلّ قوله تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) على
أنّه لا مقدور إلّا والله عليه قادر ، وأن يدل قوله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) على
أنّه لا محدث مفعول إلّا والله محدث له فاعل خالق (ش ، ل ، ٥١ ، ٢)
ـ المحدث هو
الموجود عن عدم ؛ يدل على ذلك قولهم : حدث بفلان حادث من مرض أو صداع إذا وجد به
بعد أن لم يكن ، وحدث به حدث الموت ؛ وأحدث فلان في هذه العرصة بناء ، أي فعل ما
لم يكن قبل (ب ، ت ، ٤١ ، ١٠)
ـ قد قام الدليل
على أنّ الجسم المحدث لا يصح أن يفعل في غيره ، وأنّه لا توجد أفعاله إلّا في نفسه
(ب ، ت ، ٦٢ ، ٣)
ـ إنّ الموجودات
كلّها على قسمين. منها : قديم لم يزل وهو الله تعالى ، وصفات ذاته التي لم يزل
موصوفا بها ولا يزال كذلك. وقولهم : " أقدم ، وقديم" موضوع للمبالغة في
الوصف بالتقدّم وكذلك أعلم وعليم ، وأسمع وسميع. والقسم الثاني : محدث ، لوجوده
أوّل ، ومعنى المحدث ما لم يكن ثم كان ، مأخوذ تلك من
قولهم : حدث بفلان
حادث. من مرض ، أو صداع ؛ وأحدث بدعة في الدين ، وأحدث روشنا ، وأحدث في العرصة
بناء ، أي فعل ما لم يكن من قبل موجودا (ب ، ن ، ١٦ ، ٩)
ـ إنّ العالم محدث
؛ وهو عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى ، والدليل على حدوثه : تغيّره من حال إلى
حال ، ومن صفة إلى صفة ، وما كان هذا سبيله ووصفه كان محدثا (ب ، ن ، ٣٠ ، ٦)
ـ حدّ المحدث : ما
لم يكن ثم كان ، فكما لم يجز أن تكون صفة القديم محدثة ، فكذلك لا تكون صفة المحدث
قديمة (ب ، ن ، ٥٥ ، ٤)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدوث"
و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل"
و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع"
و" مبدع" و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين"
و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ
المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على
معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث
محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا كما يقتضي
المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٩)
ـ كان (الأشعري)
لا يفرّق بين معنى المخلوق والمحدث والخالق والمحدث ، وكذلك بين الفاعل والمحدث ،
ويقول إنّ كل فعل محدث وكل فاعل محدث وكل خالق محدث ، وإنّ لا خالق ولا محدث ولا
فاعل إلّا الله تعالى على الحقيقة (أ ، م ، ٢٨ ، ١٨)
ـ أمّا معنى
المحدث والذي اختاره من العبارات عن ذلك في كتاب الأصول الكبير أنّه هو الذي تأخّر
وجوده عن وجود ما لم يزل (أ ، م ، ٣٧ ، ٨)
ـ إنّ المحدث
بجميع صفاته الراجعة إلى نفسه وذاته متعلّقة بمحدثها الذي أحدثها عليها (أ ، م ،
٣٨ ، ٥)
ـ كان (الأشعري)
يذهب إلى أنّ الفاعل على الحقيقة هو الله عزوجل ، ومعناه معنى المحدث وهو المخرج من العدم إلى الوجود.
وكان يسوّي في الحقيقة بين قول القائل" خلق" و" فعل" و"
أحدث" و" أبدع" و" أنشأ" ، و" اخترع" و"
ذرأ" و" برأ" و" ابتدع" و" فطر". ويخصّ الله
تعالى بهذه الأوصاف على الحقيقة ، ويقول إنّها إذا أجريت على المحدث فتوسّع ،
والحقيقة من ذلك يرجع إلى معنى الاكتساب. وكان يصف المحدث على الحقيقة أنّه مكتسب
، ويحيل وصف الله تعالى بذلك (أ ، م ، ٩١ ، ١٦)
ـ إذا لم يكن بدّ
من النظر ، فينبغي أن ينظر في هذه الحوادث من الأجسام وغيرها ويرى جواز التغيّر
عليها فيعرف أنّها محدثة ، ثم ينظر في حدوثها ، فيحصل له العلم بأنّ لها محدثا
قياسا على تصرفاتنا في الشاهد ، وهذا أول علم يحصل بالله تعالى على طريقة أبي
الهذيل وهو الصحيح (ق ، ش ، ٦٥ ، ٣)
ـ حقيقة الفعل :
... هو ما يحصل من قادر من الحوادث. وهذا يوهم أنّ الفاعل يجب أن يكون قادرا حال
وقوع الفعل لا محالة وليس كذلك ، فإنّ الرامي ربما يرمي ويموت قبل الإصابة.
فالأولى أن يقال في حقيقة الفعل : هو ما وجد وكان الغير قادرا عليه. فلا يتوجّه
عليه الاعتراض
الذي وجّهناه على الأول. ثم إنّ بين المحدث وبين الفعل فرقا ، وهو أنّ المحدث يعلم
محدثا وإن لم يعلم أنّ له محدثا ، وليس كذلك الفعل ؛ فإنّه إذا علم فعلا علم أنّ
له فاعلا ما وإن لم يعلمه بعينه. ولهذا عاب قاضي القضاة على الأشعري في نقض اللمع
استدلاله على أنّ للعالم صانعا بقوله : قد ثبت أنّ العالم صنع فلا بدّ له من صانع
، فقال : إنّ العلم بأنّ العالم صنع يتضمّن العلم بأنّ له صانعا ، فكيف يصحّ هذا
الاستدلال؟ فحصل من هذه الجملة ، أنّه إذا علم الفعل فعلا يعلم أنّ له فاعلا ما
على الجملة ، وإنّما يقع الكلام بعد ذلك في تعيين الفاعل (ق ، ش ، ٣٢٤ ، ١٦)
ـ الذي يدلّ على
أنّ المحدث لا يجوز كونه مخترعا من وجهين ، أنّه لو صحّ ذلك فيه ، كان لا يمتنع أن
يحدث على أحد الوجهين دون الآخر ، ويجري وجها الحدوث فيه مجرى فعلين ؛ لأنّه لا
يمكن أن يقال إنّ لأحد الوجهين تعلّقا بالآخر على وجه يقتضي أن لا يحصل إلّا وهو
عليها جميعا ؛ لأنّ ذلك يؤدّي إلى حاجته في كونه على كل واحد من الوجهين إلى كونه
على الوجه الآخر ، ولأنّ التعلّق لا يصحّ في حالين مثلين ، كما لا يصحّ في الضدّين
منه. وإذا صحّ ما قلناه ، وقد علمنا أنّ من حق ما يصحّ أن يخترع ويحدث أنّه متى لم
يحدث بقي معدوما ، ولو صحّ كونه محدثا من وجهين ، لوجب إذا حدث على أحدهما دون
الآخر بأن يكون موجودا معدوما ، كما أنّ أحد الفعلين إذا حدث دون الآخر وجب ذلك
فيهما وكون الشيء موجودا معدوما يستحيل ، فما أدّى وجب فساده (ق ، غ ٤ ، ٢٥٤ ، ١٦)
إنّ المحدث لا
يصحّ أن يحصل له في الحدوث إلّا صفة واحدة. فلو قدر عليه قادران ، لكان سبيله في
هذه القضية سبيله إذا قدر عليه قادر واحد لما بيّناه. فإذا ثبت ذلك ، فلو قدر
القادران على مقدور واحد ، لوجب متى وجد أن يكون فعلا لهما جميعا ؛ لأنّه لا صفة
له في الحدوث إلّا صفة واحدة ، فلا يمكن أن يقال إنّ أحدهما يقدر أن يجعله على صفة
، والآخر على صفة أخرى ؛ لأنّنا قد دللنا على إبطال ذلك (ق ، غ ٤ ، ٢٥٩ ، ١)
ـ فإن قيل : إذا
ثبت بالجملة التي ذكرتموها أنّ تصرّف زيد يتعلّق به ويحتاج إليه ؛ فلم قلتم : إنّه
يحتاج إليه في الحدوث ، وإنّه حادث من جهته؟ قيل له : لما بيّناه ، من أنّه لو لم
يكن حادثا من جهته ، لعاد الأمر فيه إلى أنّه لا يتعلّق به ولا يحتاج إليه. وهذه
الجملة تصحّ بأحد وجهين : إمّا بأن نبيّن ابتداء أنّه يحتاج إليه في حدوثه دون
سائر أوصافه المفارقة للحدوث ؛ أو نبيّن أنّ سائر الصفات المعقولة للتصرّف لا
يحتاج فيها إليه ؛ فيجب أن يحتاج إليه في حدوثه ، أو ما يتبع الحدوث. وقد بيّنا في
باب إثبات المحدث كلا الوجهين. والأولى أن نعتمد عليه الوجه الأول ، وهو أن ما
أوجب تعلّقه به هو الذي يوجب حاجته إليه من حيث كان محدثا ، لأنّ حدوثه من الحاصل
بحسب قصده دون سائر أوصافه ، فيجب أن يحتاج إليه في الوجه الذي حصل عليه بحسب
قصده. وقد بيّنا أنّ عدمه وكل صفة تختصّ حال العدم لا تعلّق لها به. وكذلك الصفات
الراجعة إلى ما هو عليه في جنسه لا يحصل عليها بحسب قصده ، وإنّما يحصل حدوثه أو
ما يتبع الحدوث بحسب أحواله ، فيجب أن يحتاج إليه فيها دون غيرها
من الصفات (ق ، غ
٨ ، ٢٢ ، ١٥)
ـ أمّا الاستدلال
على أنّ المحدث يتعلّق بالمحدث من حيث حدث في وقت بعد وقت ، فقد بيّنا من قبل أنّه
لا يصحّ ، سواء استدلّ بحدوثه في وقت دون وقت على أنّه لا بدّ له من محدث يخصّصه
بأحد الوقتين ، أو استدلّ به على وجه آخر وهو : أنّه إذا وجد عن عدم فلا بدّ من
أمر يقتضي وجوده ، وليس إلّا الموجد والمحدث. وسواء استدلّ به على وجه ثالث ، وهو
أنّه وجد في وقت كان يجوز أن لا يوجد بدلا منه ، فلا بدّ له من موجد (ق ، غ ٨ ، ٣٣
، ١٠)
ـ إنّ المحدث
لوجوده بعد أن لم يكن يجب أن يحتاج إلى علّة على هذا القول ، لا لأنّه سمّي محدثا.
لأنّ القديم يصحّ أن يسمّى بذلك ، ثم لا يجب كونه كذلك لعلّة (ق ، غ ٨ ، ١٠٠ ، ٣)
ـ إنّ المحدث لو
كان محدثا لعلّة ، لم يخل من أن تكون متقدّمة له ، أو حادثة في حاله. ولا يجوز
كونها متقدّمة له ، لأنّ العلّة لا يجوز أن تتقدّم المعلول ، إلّا أن يريد بقوله :
إنّها علّة ، إنّها سبب ، فيكون مخالفا لنا في عبارة ، ومخطئا في قوله : إنّ جميع
الحوادث حوادث لعلّة ؛ لأنّ جميع ذلك لا يجوز أن يكون مسبّبا. أو يقول : إنّها
تقارنه في الحدوث ؛ فإن قال ذلك ، فلم صار المحدث بالحاجة في حدوثه إلى تلك العلّة
، بأولى من أن تحتاج تلك في الحدوث إليه؟ ولم صار أحدهما بأن يتعلّق بالقادر أولى
من الآخر؟ ولم صار القادر بأن يوجد أحدهما بالآخر أولى من أن يوجد الآخر به ، مع
تساوي حالهما فيما ذكرناه؟ (ق ، غ ٨ ، ١٠٠ ، ٦)
ـ أنّا لا نجوّز
شيئا لا يعقل ، وإنّما نجوّز ما هو معقول ، والمعقول من المحدث هو ما إذا أضيف
إليه شيء من الأشياء فقيل إنّه أحدثه أنّه وقع ذلك الشيء بحسب قصده وداعيه ،
وينتفي بحسب كراهته وصارفه ، مع سلامة الأحوال ؛ والوقوع على هذا الوجه قد حصل مع
أحدنا على هذا الوجه ، فيجب أن يكون هو المحدث. فإذا ثبت أنّه هو المحدث لم يجز أن
نجوّز أنّ غيره يحدث أيضا لوجهين : أحدهما أنّ كون غيره محدثا لا على هذا الوجه
غير معقول ، فيجب أن ينفي. والثاني أنه إذا ثبت في هذا التصرّف أنّه من قبل أحدنا
لم يجز أن يكون من قبل غيرنا ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى جواز محدث بين محدثين ومقدور
بين قادرين ـ وذلك لا يجوز (ن ، د ، ٣٠٥ ، ١٣)
ـ إنّ المحدث لا
بدّ أن يكون قادرا بقدرة ، وبيّنا أنّ القادر بقدرة لا يمكنه فعل الجسم ، فذلك
يبطل أن يكون محدث الأجسام بعض الأعراض ، فإنّ العرض إذا كان محدثا لا بدّ من أن
يكون قادرا بقدرة ، وبالقدرة لا يمكن فعل الجسم. وبعد فإنّ ذلك العرض إذا كان
محدثا لا بدّ أن يكون قادرا بقدرة على ما بيّنا وأن المحدث يجب أن يكون قادرا
بقدرة إذا كان قادرا (ن ، د ، ٤٤٩ ، ٤)
ـ إنّ المفعول هو
المنتقل من العدم إلى الوجود بمعنى من ليس إلى شيء ، فهذا هو المحدث ، ومعنى
المحدث هو ما لم يكن ثم كان (ح ، ف ١ ، ٢٤ ، ٣)
ـ ذهب عبّاد وهشام
الفوطي إلى أنّ المحدث محدث بإحداث (أ ، ت ، ١٥٤ ، ١٢)
ـ أوجب معمّر أن
يحدث المحدث لمعنى ، وقال في ذلك المعنى أنّه يحدث بمعنى آخر فارتكب ما لا يتناهى
، فلذلك سمّي هو ومن تبعه
أصحاب المعاني (أ
، ت ، ١٥٥ ، ١٦)
ـ من مذهبهم جميعا
(الكراميّة) : جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى ، ومن أصلهم أنّ ما
يحدث في ذاته فإنّما يحدث بقدرته ، وما يحدث مباينا لذاته فإنّما يحدث بواسطة
الإحداث. ويعنون بالإحداث : الإيجاد والإعدام الواقعين في ذاته بقدرته من الأقوال
والإرادات. ويعنون بالمحدث : ما بين ذاته من الجواهر والأعراض (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٢)
ـ إنّ الصفات
الذاتيّة للجواهر والأعراض هي لها لذواتها لا تتعلّق بفعل الفاعل وقدرة القادر ،
إذ أمكننا أن نتصوّر الجوهر جوهرا أو عينا وذاتا ، والعرض عرضا وذاتا وعينا ، ولا
يخطر ببالنا أنّه أمر موجود مخلوق بقدرة القادر ، والمخلوق والمحدث إنّما يحتاج
إلى الفاعل من حيث وجوده إذا كان في نفسه ممكن الوجود والعدم ، وإذا ترجّح جانب
الوجود احتاج إلى مرجّح ، فلا أثر للفاعل بقادريّته أو قدرته إلّا في الوجود فحسب
، فقلنا ما هو له لذاته قد سبق الوجود وهو جوهريّته وعرضيّته ، فهو شيء ، وما هو
له بقدرة القادر هو وجوده وحصوله ، وما هو تابع لوجوده فهو تحيّزه وقبوله للعرض ،
وهذه قضايا عقليّة ضروريّة لا ينكرها عاقل (ش ، ن ، ١٥٥ ، ٨)
ـ الموجود إمّا أن
يكون قديما أو حديثا ، أمّا القديم فهو لا أوّل لوجوده وهو الله سبحانه وتعالى ،
والمحدث ما لوجوده أوّل وهو ما عداه (ف ، م ، ٦٧ ، ١١)
ـ الأجسام قابلة
للعدم لأنّا قد دللنا على أنّ العالم محدث ، والمحدث ما يصحّ عليه العدم ، وتلك
الصحة من لوازم الماهيّات وإلّا لزم التسلسل في صحّة تلك الصحّة ، فوجب بقاء تلك
الصحّة ببقاء تلك الماهيّة ، فثبت أنّها قابلة للعدم (ف ، أ ، ٨٩ ، ١٢)
ـ اتّفقت
الكراميّة على أنّ الباري ـ تعالى ـ محلّ للحوادث ، لكنّهم لم يجوّزوا قيام كل
حادث بذاته ، بل ما يفتقر إليه من الإيجاد والخلق. ثم هؤلاء يختلفون في هذا الحادث
، فمنهم من قال قوله : كن. ومنهم من قال : هو الإرادة. وخلق الإرادة أو القول في
ذاته يستند إلى القدرة القديمة لا أنّه حادث بإحداث ، وأمّا خلق سائر المخلوقات
فإنّه مستند إلى الإرادة أو القول على نحو اختلافهم ، فالمخلوق القائم بذاته
يعبّرون عنه بالحادث ، والمباين لذاته يعبّرون عنه بالمحدث. وقد أطبق هؤلاء على
أنّ ما قام بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدّد له منها اسم ، ولا يعود إليه منها
حكم ، حتى لا يقال ، إنّه قائل بقول : ولا مريد بإرادة ، بل قائل بالقائليّة ،
مريد بالمريديّة ، وهي المشيئة الأزليّة. فعلى هذا ما حدث وهو مباين لذاته يسمّى
محدثا بإحداث. وما حدث في ذاته من الصفات تسمّى حادثة لا بإحداث ، بل بالمشيئة
القديمة (م ، غ ، ١٨٠ ، ١٠)
ـ إنّ الإمكان لا
يكون إلّا مع التمكّن ، والتمكّن لا يصحّ أن يكون إلّا عند ما يصحّ الفعل ، والفعل
لا يصحّ إلّا بعد وجود الفاعل ضرورة ، وما كان بعد غيره فهو محدث (ق ، س ، ٦٥ ، ٤)
محدث
ـ قالت المعتزلة
كلها إلا" الناشي" أنّ الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون
المجاز (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١٢)
ـ إنّ المحدث يجب
أن يتأتّى له الفعل نحو قصده
واختياره وتنتفي
عنه كراهيته (ش ، ل ، ٩٣ ، ٣)
ـ الدليل على أنّ
للعالم محدثا أنّه ثبت حدثه بما بيّنا ، وبما لا يوجد شيء منه في الشاهد يجتمع
بنفسه ويفرّق ، ثبت أنّ ذلك كان بغيره (م ، ح ، ١٧ ، ٦)
ـ نقول بأنّ
العالم محدث وأنّ له محدثا ، والدليل على هذا تغيّر الأشياء وتكوّنها من حال إلى
حال ، من رطوبة إلى يبوسة ، ومن صحة إلى سقم ، ومن قوّة إلى ضعف ، ومن استواء إلى
اعوجاج ، فلو كانت بنفسها لما تغيّرت عن حالها ، فلمّا تغيرت عن حالها دلّ أنّ لها
مغيّرا ومحدثا (م ، ف ، ٢٥ ، ٨)
ـ المعقول من
المحدث هو من يقع الفعل منه بحسب قصده ودواعيه وينتفي بحسب كراهته وصارفه ؛ وعندهم
أنّ هذا المعنى يثبت في أحدنا ولا يكون محدثا ، وإذا كان ذلك كذلك فقد أخرجوه عن
كونه معقولا فكيف يجوّزوه في الغائب. وعلى أنّا إذا علمنا بالدليل أنّ أحدنا محدث
لتصرّفاته نقول : من قال : جوّزوا أن يكون في الغائب محدث أحدثها فيكم لا إنّكم
أنتم المحدثون لها ، يجري مجرى أن يقال : جوّزوا خلاف ما علمتموه ، وذلك خلف من
القول (ق ، ش ، ٣٤٠ ، ١٨)
محدث بإحداث
ـ اتّفقت الكراميّة
على أنّ الباري ـ تعالى ـ محلّ للحوادث ، لكنّهم لم يجوّزوا قيام كل حادث بذاته ،
بل ما يفتقر إليه من الإيجاد والخلق. ثم هؤلاء يختلفون في هذا الحادث ، فمنهم من
قال قوله : كن. ومنهم من قال : هو الإرادة. وخلق الإرادة أو القول في ذاته يستند
إلى القدرة القديمة لا أنّه حادث بإحداث ، وأمّا خلق سائر المخلوقات فإنّه مستند
إلى الإرادة أو القول على نحو اختلافهم ، فالمخلوق القائم بذاته يعبّرون عنه
بالحادث ، والمباين لذاته يعبّرون عنه بالمحدث. وقد أطبق هؤلاء على أنّ ما قام
بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدّد له منها اسم ، ولا يعود إليه منها حكم ، حتى
لا يقال ، إنّه قائل بقول : ولا مريد بإرادة ، بل قائل بالقائليّة ، مريد
بالمريديّة ، وهي المشيئة الأزليّة. فعلى هذا ما حدث وهو مباين لذاته يسمّى محدثا
بإحداث. وما حدث في ذاته من الصفات تسمّى حادثة لا بإحداث ، بل بالمشيئة القديمة (م
، غ ، ١٨٠ ، ١٣)
محدث في الغائب
ـ إن قيل : ما
أنكرتم أنّ هذه التصرّفات يخلقها الله تعالى فيكم مطابقا لقصودكم ودواعيكم بمجرى
العادة ، لا أنّها متعلّقة بكم تعلّق الفعل بفاعله ، قيل له : إنّ كل اعتراض لا
يثبت إلّا بعد ثبات ما اعترض به عليه فهو فاسد ، لأنّه إن صحّ ذلك المذهب المعترض
عليه فالاعتراض عليه فاسد ، وإن لم يصحّ فالاعتراض لا يثبت أصلا ، وهذا الاعتراض
من ذلك القبيل ، لأنّا ما لم نعلم المحدث في الشاهد ، لا يمكننا أن نعلم المحدث في
الغائب ، فإنّ الطريق إلى إثبات المحدث في الغائب ، هو أنّ هذه التصرّفات محتاجة
إلينا ومتعلّقة بنا في الاحتياج إلى محدث وفاعل ، وإنّما احتاجت إلينا لحدوثها ،
فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل (ق ، ش ، ٣٤٠
، ١٣)
محدث لا لعلّة
ـ إن قيل : ومن
أين أنّ المحدث محدث لا لعلّة؟ قيل له : لأنّه لو كان كذلك لعلّة لم يخل حالها
من وجوه ثلاثة :
إمّا أن تكون معدومة أو قديمة أو محدثة. ولو كانت معدومة ـ وليس لعدمها أوّل ـ لوجب
ألّا يكون لوجود المحدث أوّل ، وفي هذا إيجاب قدمه ، ولأنّ المعدوم لا يختصّ
الحادث إلّا كاختصاصه بما لم يحدث ، فلم صار بأن يكون علّة في حدوث ذلك أولى من أن
يكون علّة في حدوث غيره؟ ولو كانت العلّة قديمة لوجب أيضا فيها ما ذكرناه من
الوجهين. وليس هذا من قولنا : إنّ القديم قادر لذاته وإن استحال وجود الفعل فيما
لم يزل بسبيل ، لأنّ القادر لا يمتنع كونه قادرا على ما لا يصحّ أن يوجد إلّا بعد
أحوال ، لأنّ المقدور لا (يكون مقدورا) من جهة على جهة الإيجاب. وليس كذلك المحدث
لو كان محدثا لعلّة ، قديمة ، لأنّ الموجب إذا وجد فيجب حصول الموجب لا محالة ،
سيّما إذا كان ذلك الموجب علّة ولم يكن سببا. وقد ثبت في العلل أن ما منع من الحكم
الموجب عنها ، منع من وجودها ، فكيف يصحّ في القديم أن يقتضي حدوث الشيء ويكون
موجودا لم يزل ، والمحدث يستحيل وجوده لم يزل .... وإن كانت العلّة محدثة فيجب أن
تكون كذلك ، أيضا لعلّة هو حدوث ، وليست بمحدثة فلا يجب كذلك لعلّة وأن يتّصل بما
لا نهاية له ، قيل له : إنّ المحدث لم يكن محتاجا إلى علّة ، لأنّه يسمّى بذلك لا
يستحقّ العلل ، وإنّما يحتاج إليها لأنّه وجد بعد أن لم يكن ، لأنّ المحدث لهذا
يبيّن في المعنى من غيره ، وقد علمنا أن العلّة قد شاركته في ذلك ، فيجب أن تكون
كذلك العلّة. وفي هذا قدّمنا ذكره (ق ، غ ١١ ، ٤٥٦ ، ١٧)
محدث لنفسه
ـ أمّا الكلام في
أنّ الجسم لا يجوز أن يكون محدثا لنفسه ، وهو أنّه لو كان محدثا لنفسه لوجب أن
يكون قادرا قبل إحداثه ، لما قد ثبت أنّ الفعل لا يصحّ إلّا ممّن هو قادر وأنّه لا
بدّ من أن يتقدّم على مقدوره. وهذا يقتضي كونه قادرا في حال العدم ـ وقد تبيّن في
غير موضع أنّ المعدوم لا يجوز أن يكون قادرا ، لأنّ القادر له تعلّق بالمقدور ،
والعدم يمنع التعلّق (ن ، د ، ٣٦٥ ، ٨)
محدث مخلوق
ـ إنّه قد صحّ
وثبت أنّ من شرط الصفة قيامها بالموصوف ، والدليل على صحة ذلك أولا : أنّ حدّ
القديم ما لا أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه ، وأنّ القديم لا يدخله الحصر والعد ،
ونحن نعلم وكل عاقل أنّ هذه الأشكال من الحروف لم تكن قبل حركة الكاتب وإنّما
يحدثها الله مع حركة الكاتب شيئا فشيئا. ثم هي مختلفة الصور والأشكال ، ويدخلها
الحصر والحدّ ، وتعدم بعد أن توجد ، وكل ذلك صفة المحدث المخلوق (ب ، ن ، ٩٩ ، ١٠)
محدث مؤقّت موجود
ـ قد يكون
المتقدّم بوجوده على ما حدث بعده متقدّما إلى غاية ، وهو المحدث المؤقت الموجود (ب
، ت ، ٤١ ، ٦)
محدث مقدور
ـ اعلم أنّا قد
بيّنا ، من قبل ، حدّ المخلوق ، ودللنا على أنّ هذه الصفة تستعمل في غير الله ،
تعالى ، وأنّها تفيد كون المحدث مقدورا ،
فصلا بينه وبين
الفعل الواقع على جهة السهو والتبخيت. وبيّنا أنّ هذا أولى مما سواه من الحدود (ق
، غ ٨ ، ١٦٢ ، ٥)
محدثات
ـ إنّ علم الله هو
الله ، والله عنده ليس بذي غاية ولا نهاية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ) (الشورى : ١١).
وإنّما زعم أنّ المحدثات متناهية محدودة محصاة محاط بها غير خارجة من علم الله (خ
، ن ، ٨٠ ، ٢٠)
ـ إن علم الله عند
أبي الهذيل هو الله ؛ فلو زعم أنّ علم الله متناه لكان قد زعم أنّ الله متناه ،
وهذا شرك بالله وجهل به عند أبي الهذيل. ولكنّه كان يقول : إنّ المحدثات ذات غايات
ونهايات محصاة معدودة لا يخفى على الله منها شيء (خ ، ن ، ٩١ ، ٤)
ـ إنّ للمحدثات
أمثالا ونظائر وأنّها من جنس ونوع وجهات مختلفة كالبياض الذي هو نوع من أنواع
الألوان وله أمثال ونظائر ، فقد يجوز أن يعرفه لونا من لا يدري من أيّ أنواع
الألوان هو (ش ، ق ، ٣٩٢ ، ٥)
ـ دلّت الدلالة
على أنّ كل المحدثات مخلوقات لله تعالى (ش ، ل ، ٢٥ ، ١٥)
ـ المحدثات كلها
تنقسم ثلاثة أقسام : فجسم مؤلّف ، وجوهر منفرد ، وعرض موجود بالأجسام والجواهر (ب
، ت ، ٤١ ، ١٤)
محرّم
ـ إنّ ما ثبت قبحه
بالدليل السمعي يسمّى محظورا ، من حيث حظّره حاظر بالخطاب وما يجري مجراه ، ثم بنى
المتكلّمون على ذلك القبائح العقليّة ، لأنّهم رأوها قبيحة بنصب الله سبحانه
الأدلّة على قبحها ، أو بتعريفه قبحها باضطرار ، فصار ذلك عندهم كالحظر ؛ فإن كان
الأصل في الحظر ما قدّمناه ، ومن جهة السمع يوصف القبيح بأنّه محرّم ، إذا ثبت قبحه
، وحظر الحاظر له ، لأنّ محرّما في مقابله المحلّل ، والمراد بذلك أن محللا حلّله
، وبيّن حاله ، فكذلك القول في المحرّم (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ٣)
محرّمات
ـ أمّا المحرّمات
فقد بيّنا أنّها ليست برزق له ، فلا وجه للكلام في إضافتها إلى الله تعالى أو غيره
، بل يجب أن يحرم إضافتها إليها ، لأنّه يقال قد حظّره ومنعه من التصرّف فيه
والانتفاع به أشدّ منع. فإذا صحّ ذلك وجب المنع من إضافته إلى الله تعالى. ولا
يمتنع أن يقال في الذي يصل إلى الرزق بكدّ وكلفة إنّه حصّل رزق نفسه ووصل إليه ،
فيضاف ذلك إليه ضربا من الإضافة ، من حيث كان لو لا أفعاله في الأغلب لم يصل إلى
ذلك (ق ، غ ١١ ، ٥٤ ، ١٧)
محسّ
ـ إنّ المحسّ يذكر
ويراد به أحد معنيين : إمّا العالم بما يدركه أولا ، وإمّا المدرك بالحاسّة. فإن
أريد به الأوّل لم يجب أن يكون المؤثّر فيه كونه حيّا ، حتى يجب في كل حتى إذا كان
عالما بذلك أن يكون محسّا ، بل إنّما وجب أن يكون عالما بذلك لمكان العلم ... وإن
أريد به الإدراك بالحاسّة فقد بيّنا أنّ أحدنا إنّما يجب أن يكون مدركا بحاسّة ،
لأمر يرجع إلى كونه حيّا بحياة وأنّه لا يمكنه أن يدرك ما يدركه إلّا بمحل الحياة.
فالقديم تعالى إذا كان حيّا لذاته
لم يجب أن يكون
مدركا بحاسّة ، كما أنّ أحدنا لا يمكنه الفعل إلّا بآلة لأمر يرجع إلى كونه قادرا
بقدرة. فالقديم تعالى لمّا كان قادرا لذاته لم يجب أن يكون محتاجا إلى آلة (ن ، د
، ٥٦٤ ، ٧)
محسن
ـ ليس لأحد أن
يقول ، يجب أن يفعل تعالى إرادة خلق ذلك الحيّ لينفعه ، وإلّا لم يحسن منه خلقه.
ويستشهد على ذلك بما نقوله : من أنّ أوّل النعمة هو خلقه تعالى العبد حيّا لكي
ينفعه. وذلك لأنّه تعالى إذا خلق الخلق مع الأمر الذي يتنعّم به في الحال ، ومع
الشهوة التي معها يلتذّ ، فقد حصل منعما بمجرّد ذلك ، ولا يحتاج إلى القصد الذي سأل
عنه ، وإنّما يشرط ذلك في كون الحيّ يخلقه ويبقيه ، فيصحّ أن يضرّه في المستقبل
كما يصحّ أن ينفعه. فأمّا إذا بنى القول على ما قدّمناه فلا وجه لهذا الشرط. ولذلك
قلنا : إنّ من أوصل إلى غيره نفعا مخصوصا فهو محسن ، وإن لم يقصد ذلك ، بل لو كان
ساهيا عن ذلك لم يخرج الفعل من أن يكون حسنا ؛ لأنّ وجه حسنه لا يتعلّق بالقصد ولا
الإرادة تؤثّر فيه ، فإذا صحّ ذلك وجب القضاء بأن خلقه تعالى الحيّ مع الشهوة يكون
حسنا وإن لم يرد ما سأل عنه السائل. وثبت أن إرادته لإيجاد ذلك إنّما يجب وجودها
من حيث (ما) ذكرناه ، لا لأنّها لو عدمت لم يكن الفعل حسنا (ق ، غ ١١ ، ٧٤ ، ٤)
محسّنات عقلية
ـ المحسّنات
العقليّة هي على ضربين : أحدهما (ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي يسمّى
مباحا ، من حيث عرف فاعله أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، ولا في ألّا يفعل ، ولا
يستحقّ به المدح ، وما هذا حاله لا مدخل له في التكليف ، كما لا مدخل له فيه
الواقع من الساهي ، وعلى حدّ الإلجاء. والضرب الثاني : ما يختصّ بصفة زائدة على
حسنه ، تقتضي دخوله في أن يستحقّ به المدح. وهذا على ضربين : أحدهما يحصل كذلك
لصفة تخصّه ، والآخر لأنّه يسهّل فعل غيره من الواجبات. فالأوّل كالإحسان والتفضّل
، واجتلاب المنفعة لنفسه ، والثاني كالنوافل الشرعيّة ، ويدخل فيه النهي عن المنكر
من جهة العقل ، ويدخل فيه مدح من فعل الواجب ، لأنّ ذلك مما لا يجب على أهل العقول
، كما يلزمهم الفصل بين المحسن والمسيء ، لأنّ هناك إنّما وجب الفصل لأمر يتعلّق
به ، وليس كذلك حال الوجه الأوّل (ق ، غ ١٤ ، ١٧١ ، ٥)
محظور
ـ نعرف الأمر
والنهي ، والوعد والوعيد ، فيما ليس بمحسوس دليله ، لا وجه لإدراكه إلّا بالخبر ،
وذلك نحو المباح / والمحظور ، وما فيه كل شيء من مختلف الأحوال ، فيلزم في نحو هذا
القول بالخبر ، وفيه إيجاب القول بالرسالة (م ، ح ، ١٨٣ ، ٢٠)
ـ محظور ، ويراد
به أنّ حاظرا حظره ودلّ على ما على الفاعل فيه من المضرّة ، أو أعلمه ذلك من حاله.
ولذلك لا يقال في فعل البهيمة والصبي بأنّه محظور ، لمّا لم يصحّ ذلك فيه. ولذلك
تقول إنّه تعالى لو فعل الظّلم لكان قبيحا منه ، ولا نقول فيه أنّه كان محظورا
عليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٨ ، ٩)
ـ أمّا المحظور
فهو عبارة عن المحرّم القبيح إذا عرف فاعله أو دلّ على أنّه يجب عليه تجنّبه ....
ولذلك لا يوصف تعالى بالحظر والتحريم ، لمّا اقتضى ذلك التعريف وما يجري مجراه (ق
، غ ١١ ، ٣١ ، ١٣)
ـ إنّ ما ثبت قبحه
بالدليل السمعي يسمّى محظورا ، من حيث حظّره حاظر بالخطاب وما يجري مجراه ، ثم بنى
المتكلّمون على ذلك القبائح العقليّة ، لأنّهم رأوها قبيحة بنصب الله سبحانه
الأدلّة على قبحها ، أو بتعريفه قبحها باضطرار ، فصار ذلك عندهم كالحظر ؛ فإن كان
الأصل في الحظر ما قدّمناه ، ومن جهة السمع يوصف القبيح بأنّه محرّم ، إذا ثبت
قبحه ، وحظر الحاظر له ، لأنّ محرّما في مقابله المحلّل ، والمراد بذلك أن محللا
حلّله ، وبيّن حاله ، فكذلك القول في المحرّم (ق ، غ ١٧ ، ٩٥ ، ١٧)
ـ المحظور : ما
نهى الله عنه ، وفاعله يستحقّ العقاب على فعله (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٥)
ـ زعمت المعتزلة
والبراهمة أنّ العقول طريق إلى معرفة الواجب والمحظور ، وزعم أكثرهم أنّ القبيح في
العقل هو الضرر الذي ليس فيه نفع ولا هو مستحقّ (ب ، أ ، ٢٦ ، ٢)
ـ قال أصحابنا :
كل ما علم الله وجوبه أو تحريمه فالشرع أوجب ذلك فيه. ولو لم يرد الشرع بالخطاب لم
يكن شيء واجبا ولا محظورا ، وكان جائزا من الله عزوجل أن لا يكلّف عباده شيئا (ب ، أ ، ١٤٩ ، ٣)
ـ المحظور ما
يستحقّ بفعله عقابا (ب ، أ ، ١٩٩ ، ١٠)
ـ المراد بالواجب
الفعل الذي ورد الشرع بالأمر به إيجابا ، والمراد بالمحظور الفعل الذي ورد الشرع
بالنهي عنه حظرا وتحريما (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ٢٠)
محك
ـ اعلم أنّ هذه
المقدّمة تقتضي أن نبيّن القول في الحكاية والمحكي ، وأنّ ما نسمعه من القرآن هو
نفس كلام الله تعالى الذي أوجده ابتداء أو هو غير ذلك. وإنّما سمّيناه كلاما له في
الحقيقة للعرف الحاصل فيه وفي أمثاله ، وقد كثر الخلاف في هذا الباب. فالذي كان
يقوله أبو الهذيل العلّاف وأبو علي أنّ الحكاية هي المحكي ، لأنّهما جعلا الكلام
معنى باقيا غير الصوت ، وجعلا المراد بالقراءة الصوت وبالمقروء الحرف الباقي
فأثبتوا أحدهما غير الآخر ، وجعلوا الحكاية والمحكي سواء ، وقالوا بأنّ هذا
المسموع نفس ما أوجده الله تعالى. وأثبت أبو علي الكلام موجودا في المحلّ بغيره ،
كما أوجب وجود الجوهر في جهة بغيره فقال : إذا كان متلوّا وجد مع الصوت ، وإذا كان
محفوظا فمع الحفظ ، وإذا كان مكتوبا فمع الكتابة ، فأثبت مع الحفظ والكتابة كلاما
كما أثبته مع التلاوة (أ ، ت ، ٤١٦ ، ٨)
محكم
قال يحيى بن
الحسين ، صلوات الله عليه : اعلم أنّ القرآن محكم ومتشابه ... فالمحكم كما قال
الله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) (الإخلاص : ٤) ، و
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ) (الشورى : ١١) و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (الأنعام : ١٠٣)
ونحو ذلك (ي ، ر ، ١٠١ ، ١٦)
ـ كذلك كان (الأشعري)
يقول في وصف المحكم والمتشابه إنّ ذلك يرجع إلى العبارة التي تبيّن عن المعنى
بنفسه ، والمتشابه يرجع إلى العبارة المشتبهة التي تحتمل الشيء وخلافه (أ ، م ، ٦٤
، ٧)
ـ نذكر بعد ذلك
حقيقة المحكم والمتشابه ، فالمحكم ما أحكم المراد بظاهره ، والمتشابه ما لم يحكم
المراد بظاهره بل يحتاج في ذلك إلى قرينة ، والقرينة إمّا عقليّة أو سمعية ،
والسمعية إمّا أن تكون في هذه الآية ، إمّا في أوّلها أو آخرها ، أو في آية أخرى من
هذه السورة أو من سورة أخرى ، أو في سنّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
من قول أو فعل ، أو في إجماع من الأمّة. فهذه حال القرينة التي نعرف بها المراد
بالمتشابه ونحمله على المحكم (ق ، ش ، ٦٠٠ ، ١٥)
ـ إنّ المحكم
كالمتشابه من وجه ، وهو يخالفه من وجه آخر : فأمّا الوجه الذي يتّفقان فيه فما
قدّمنا من أنّ الاستدلال بهما أجمع لا يمكن إلّا بعد معرفة حكمة الفاعل وأنّه لا
يجوز أن يختار القبيح ، لأنّ الوجه الذي له قلنا ذلك ، لا يميّز المحكم من
المتشابه ، كما أنّ خطابه صلىاللهعليهوسلم لمّا لم يمكن أن تعلم صحّته إلّا بالمعجز ولم يميّز ذلك
بين المحتمل من كلامه وبين المحكم منه ، حلّا محلّا واحدا في هذا الباب. وأمّا
الوجه الذي يختلفان فيه ، فهو أنّ المحكم إذا كان في موضوع اللغة أو لمضامّة
القرينة ، لا يحتمل إلّا الوجه الواحد ، فمتى سمعه من عرف طريقة الخطاب وعلم القرائن
أمكنه أن يستدلّ في الحال على ما يدلّ عليه. وليس كذلك المتشابه ، لأنّه وإن كان
من العلماء باللغة ويحمل القرائن ، فإنّه يحتاج عند سماعه إلى فكر مبتدأ ونظر
مجدّد ليحمله على الوجه الذي يطابق المحكم أو دليل العقل. ويبيّن صحّة ذلك أنّه عزوجل بيّن في المحكم أنّه أصل للمتشابه ، فلا بدّ أن يكون العلم
بالمحكم أسبق ليصحّ جعله أصلا له ، ولا يتمّ ذلك إلّا على ما قلناه. فأمّا إذا كان
المحكم والمتشابه واردين في التوحيد والعدل فلا بدّ من بنائهما على أدلّة العقول ،
لأنّه لا يصحّ ممن لم يعلم أنّه جلّ وعزّ واحد حكيم لا يختار فعل القبيح ، أن
يستدلّ على أنّه جلّ وعزّ بهذه الصفة بكلامه. فالمحكم في هذا الوجه كالمتشابه ،
وإنّما يختلفان في طريقة أخرى ، وهي أنّ المخالفين في التوحيد والعدل يمكن أن
نحاجّهم بذكر المحكم ونبيّن مخالفتهم لما أقرّوا بصحّته في الجملة ، ويبعد ذلك في
المتشابه (ق ، م ١ ، ٦ ، ٨)
ـ أمّا إذا كان
الكلام مما يدلّ على الحلال والحرام فلا بدّ من أن يكون للمحكم مزية على المتشابه
من الوجه الذي قدّمناه ، وهو في أن يدلّ ظاهره على المراد ، أو يقتضي ما يضامّه
أنّه مما لا يحتمل إلّا الوجه الواحد من حمل الأدلّة. وليس كذلك المتشابه ، لأنّ
المراد به يشتبه على العالم باللغة ويحتاج إلى قرينة محدّدة في معرفة المراد به :
إمّا بأن يحمل على المحكم ، أو بأن يدلّ عليه كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، إلى ما يجري مجراه. فالمزية له قد ظهرت في هذا الباب (ق
، م ١ ، ٩ ، ٦)
ـ إنّ المحكم إنّما
وصف بذلك لأنّ محكما أحكمه ، كما أنّ المكرم إنّما وصف بذلك لأنّ مكرما أكرمه ،
وهذا بيّن في اللغة. وقد علمنا أنه تعالى لا يوصف بأنّه أحكم هذه الآيات المحكمات
من حيث تكلّم بها فقط ، لأنّ
المتشابه كالمحكم
في ذلك ، وفي سائر ما يرجع إلى جنسه وصفته ، فيجب أن يكون المراد بذلك أنّه أحكم
المراد به بأن جعله على صفة مخصوصة ـ لكونه عليها تأثير في المراد ـ وقد علمنا أنّ
الصفة التي تؤثّر في المراد هي أن توقعه على وجه لا يحتمل إلّا ذلك المراد في أصل
اللغة ، أو بالتعارف ، أو بشواهد العقل. فيجب فيما اختص بهذه الصفة أن يكون محكما
، وذلك نحو قوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ
أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) (الإخلاص : ١ ـ ٢)
(ق ، م ١ ، ١٩ ، ٣)
ـ إنّ المحكم له
بكونه محكما حكم زائد على حدوثه. فإذا كان له حكم زائد على حدوثه فلا يقع على ذلك
الحكم إلّا بوجه يؤثّر فيه ، فما يؤثّر فيه من الوجوه لا بدّ أن يقارنه ، كما نقول
في وجه القبح والحسن والوجوب والندب ، إنّها لا بدّ من أن تكون مقارنة لهذه
الأحكام لأنّها كالعلل فيها. وليس كذلك الحدوث ، فإنّه مجرّد الصفة ، وليس هناك
حكم زائد ، ولا يحتاج إلى أمر زائد على كونه قادرا (ن ، د ، ٥٠٧ ، ٣)
ـ أمّا المحكم في
اللغة فالعرب تقول حكمت وأحكمت وحكمت بمعنى رددت ومنعت ، والحاكم يمنع الظالم عن
الظلم ، وحكمة اللجام يمنع الفرس عن الاضطراب ، وفي حديث النخعي أحكم اليتيم كما
تحكم ولدك أي أمنعه عن الفساد ، وقوله أحكموا سفهاءكم أي امنعوهم ، وبناء محكم أي
وثيق يمنع من تعرّض له. وسمّيت الحكمة حكمة لأنّها تمنع الموصوف بها عمّا لا ينبغي
(ف ، س ، ٢١٨ ، ٤)
ـ أمّا في عرف
العلماء فاعلم إنّ الناس قد أكثروا في تفسير المحكم والمتشابه ، وكتب من تقدّم
منّا مشتملة عليها ، والذي عندي فيه أنّ اللفظ الذي جعل موضوعا لمعنى فإمّا أن
يكون محتملا لغير ذلك المعنى أو لا يكون ، فإن كان موضوعا لمعنى ولم يكن محتملا
لغيره فهو النص ، وإن كان محتملا لغير ذلك المعنى فإمّا أن يكون احتماله لأحدهما
راجحا على الآخر ، وإمّا أن لا يكون ، بل يكون احتماله لهما على السويّة. فإن كان
احتماله لأحدهما راجحا على احتماله للآخر فكان ذلك اللفظ بالنسبة إلى الراجع ظاهرا
وبالنسبة إلى المرجوح مؤوّلا. وأمّا إن كان احتماله لهما على السويّة كان اللفظ
بالنسبة إليهما معا مشتركا ، وبالنسبة إلى كل واحد منهما على المعنيين محتملا.
فخرج من هذا التقسيم أنّ اللفظ إمّا أن يكون نصّا أو ظاهرا أو مجملا أو مؤوّلا ،
فالنصّ والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، إلّا أنّ النصّ راجح مانع من النقيض ،
والظاهر راجح غير مانع من النقيض ، فالنص والظاهر يشتركان في حصول الترجيح ، فهذا
القدر هو المسمّى بالمحكم. وأمّا المجمل والمؤوّل فهما يشتركان في أنّ دلالة اللفظ
غير راجحة إلّا أنّ المجمل لا رجحان فيه بالنسبة إلى كل واحد من الطرفين ،
والمؤوّل فيه رجحان بالنسبة إلى طرف المشترك وهو عدم الرجحان بالنسبة إليه ، وهو
المسمّى بالمتشابه ، لأنّ عدم الفهم حاصل فيه (ف ، س ، ٢١٩ ، ١)
ـ إنّ حمل اللفظ
على معناه الراجح هو المحكم ، وحمله على معناه الذي ليس راجحا هو المتشابه (ف ، س
، ٢٢٤ ، ١)
ـ عالم (الله) ،
خلافا لقدماء الفلاسفة. لنا : أفعاله محكمة حسّا ، والكبرى بديهيّة. ـ قيل :
الواسطة. ـ قلنا :
بطلت. قيل : تعنون بالمحكم إمّا المطابق للمنفعة أو المستحسن ، وليس من كلّ الوجوه
للشرور المشاهدة ولإمكان وجود الأكمل ومن بعضها لا يدلّ لأحكام فعل الساهي وإلّا
فاذكروه. قلنا : الترتيب العجيب والتأليف اللطيف. ـ قيل : لا يدلّ على العلم ،
كالجاهل والنحلة. ـ قلنا : البديهة تفرّق ؛ والنحلة تعلم بعلمها فقط. ـ قيل :
معارض بوجهين : أ : إنّه نسبة بينه وبين المعلوم وغير ذاته لا محالة ، فالواحد
فاعل وقابل ، ونسبة القبول الإمكان والفعل الوجوب. ـ قلنا : الإمكان العامّ ولا
ينافي. ولقائل أن يقول : هو هنا بمعنى لا يجب فينافي. ب : إنّه ليس صفة نقص ولا
كمال ، وإلّا فيستكمل. ـ قلنا : خطابيّ وكونه كمالا بديهيّ. ولقائل أن يجيب : بأنّ
كمال العلم مستفاد منه فلا استكمل (خ ، ل ، ٩٨ ، ٧)
ـ المحكم ما لا
يحتمل أكثر من معنى واحد أو يدلّ على معان. امتنع قصر دلالته على بعضها دون بعض ،
نحو : " وأمر بالمعروف". ويصمى النص ، أو يكون أحد معانيه أظهر لسبقه
إلى الفهم ولم يخالف نصّا ولا إجماعا ولا يثبت ما قضى العقل ببطلانه ، ويسمّى
الظاهر. والمتشابه ما عداهما (ق ، س ، ١٤٦ ، ١٦)
محكم من الأفعال
ـ إن قيل : فما
المحكم من الأفعال؟ قيل له : أفعال لها ترتب في الحدوث لا تصحّ من كل قادر. فإذا
ذكرنا الحدّ على هذا الوجه فلا نحتاج إلى أن نقول : " على سبيل الابتداء ، لا
على سبيل الاحتذاء" ، لأنّ ذلك إنّما يذكر احترازا عما يحصل على الدقيق من
الكتابة عند إلقاء اللوح المنقوش عليه ، وذلك يتأتّى من كل قادر (ن ، د ، ٤٩٣ ، ٧)
محكمات
ـ قال" واصل
بن عطاء" و" عمرو بن عبيد" : المحكمات ما أعلم الله سبحانه من
عقابه للفسّاق كقوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ
مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) (النساء : ٩٣) وما
أشبه ذلك من آي الوعيد ، وقوله : (وَأُخَرُ
مُتَشابِهاتٌ) (آل عمران : ٧)
نقول (؟) أخفى الله عن العباد عقابه عليها ولم يبيّن أنّه يعذّب عليها كما بيّن في
المحكم منه (ش ، ق ، ٢٢٢ ، ١٣)
ـ قال" أبو
بكر الأصمّ" : محكمات تعني حججا واضحة لا حاجة لمن يتعمّد إلى طلب معانيها
كنحو ما أخبر الله سبحانه عن الأمم التي مضت ممن عاقبها وما يثبت عقابها ، وكنحو
ما أخبر عن مشركي العرب أنّه خلقهم من النطفة وأنّه أخرج لهم من الماء (فاكِهَةً وَأَبًّا) (عبس : ٣١) وما
اشبه ذلك فهذا محكم كله ، فقال : قال الله سبحانه : (آياتٌ مُحْكَماتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (آل عمران : ٧) أي
الأصل الذي لو فكرتم فيه عرفتم أنّ كل شيء جاءكم به محمد صلىاللهعليهوسلم حقّ من عند الله سبحانه (ش ، ق ، ٢٢٣ ، ٣)
ـ قال"
الإسكافي" في قول الله تعالى : آيات محكمات قال هي التي لا تأويل لها غير
تنزيلها ولا يحتمل ظاهرها الوجوه المختلفة (ش ، ق ، ٢٢٤ ، ١)
ـ زعم قوم من
القدريّة مثل واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ... أنّ المحكمات من القرآن ما فيه من
وعيد الفساق بالعقاب ، والمتشابهات
ما أخفى الله عزوجل عن العباد عقابه وقد حرّمه كالنظرة والكذبة وهي التي لا
يعلم تأويلها إلّا الله ، أي لا يعلم أحد هل يقع العقاب على الصغيرة أم لا إلّا
الله (ب ، أ ، ٢٢١ ، ١٦)
ـ زعم الأصمّ أنّ
المحكمات هي التي احتجّ الله عزوجل بها على المقرّين بوجودها كاحتجاجه على أهل الكتاب بما في
كتبهم من أخبار الأمم الماضية وعقابها على عصيانها وكفرها. وكذلك احتجاجه على
المشركين بأنّه خلقهم من الماء ونقلهم من الأصلاب إلى الأرحام ، وبأنّهم يموتون
ونحو ذلك مما شاهدوه. والمتشابه ما احتجّ به على المشركين في البعث والنشور ونحو ذلك
ممّا يعرف بالنظر والاستدلال فابتغوا فيه الفتنة (ب ، أ ، ٢٢٢ ، ٤)
ـ زعم الإسكافي
أنّ المحكمات كل آية لها معنى لا يحتمل غيره ، والمتشابه ما احتمل تأويلين أو أكثر
(ب ، أ ، ٢٢٢ ، ١٢)
محمول
ـ إنّ ما كان أكثر
من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع
العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في
غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله
محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من
جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من
الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٥ ، ١)
ـ الخلق كله حامل
ومحمول ، فكل حامل فهو منفصل من خالقه ومن غيره من الحاملين بمحموله من فصوله
وأنواعه وجنسه ، وخواصه وأعراضه في مكانه وسائر كيفياته ، وكل محمول فهو منفصل من
خالقه ومن غيره من المحمولات بحامله وبما هو عليه مما باين فيه سائر المحمولات من
نوعه وجنسه وفصله ، والباري تعالى غير موصوف بشيء من ذلك كله (ح ، ف ١ ، ٤٦ ، ١٦)
محيل
ـ لا يصحّ أن يكون
القادر قادرا على شيء ثم يجعل المانع له من إيجاده أمرا يستمرّ ، ولا يصحّ زواله
أصلا ، لأنّ هذا يخرجه عن كونه منعا إلى أن يكون محيلا. ولا بدّ من ثبوت الفرق بين
المانع وبين المحيل من هذه الجهة ، وإلّا صار وصف أحدنا بأنّه قادر على الشيء
محالا وداخلا في قبيل المناقضة (ق ، ت ١ ، ٨٣ ، ٢٠)
مخاطب
ـ إنّ كل مخاطب
يتعلّق الخطاب به فله حكمه حتى كأنّ الخطاب ليس إلّا له ، فيجب أن يكون البيان
واقعا على وجه يصحّ أن يعرفه ، وإلّا أوجب في خطأ مقالي ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٥٣
، ٤)
مخاطب للمعدوم
ـ أمّا وصفه ـ تعالى
ـ بأنّه مخاطب للمعدوم فقد بيّن شيخنا أبو هاشم ـ رحمهالله ـ أنّ ذلك لا يطلق
عليه ، حتى إذا وجد وصار ممّن يفهم منه الخطاب ويحسن منه المخاطبة وصف بذلك. قال ـ
رحمهالله ـ : لأنّ وصفه ـ تعالى
ـ بأنّه
خاطب يقتضي مفاعلة
بين اثنين ، مثل وصفنا بالمقابلة والمحاذاة والمبايعة والمحاربة وغيرها فلا يجوز
أن يستعمل إلّا إذا كان هناك من يشاركه في المخاطبة. فأمّا إذا كان المخاطب معدوما
ولا يصحّ منه الخطاب فغير جائز أن يوصف أمره بأنّه خطاب. وبيّن أن هذه اللفظة تفيد
المفاعلة من جهة المعنى ، وأنّه مفارق لما هو مفاعلة من جهة اللفظ دون المعنى ؛
مثل طارقت النعل إلى ما شاكله. وذلك يوجب ألّا يوصف أمره بأنّه مخاطبة إلّا إذا (كان)
المكلّف بصفة مخصوصة ، ومتى كان ممّن يصحّ أن يجيب ويخاطب أيضا فإنّما يوصف بأنّه
مخاطب متى وقعت منه المخاطبة ، وإذا لم يقع منه ذلك فوصفه بذلك إنّما يصحّ من جهة
التعارف لمّا كان ممّن يصحّ منه الجواب ويصير في الحكم كأنّه مجيب (ق ، غ ١١ ، ٣٦٩
، ٣)
مخاطبة
ـ كما أنّ المكلّم
أخصّ من المتكلّم ، فالمخاطب أخصّ من المكلّم لأنّه يقتضي قصده بالكلام إلى من
تصحّ فيه الإجابة. والخطاب هو الكلام الذي هذه حاله. وغير ممتنع في المسموع الآن
من قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا
الصَّلاةَ) (المزمل : ٢٠) أن يجعل
خطابا لنا لأنّه حادث في الحال وهو كلام الله تعالى بالعرف على تقدير أنّه لو كان
حادثا من قبله تعالى ، لكان خطابا لنا ، والمخاطبة تقع بين اثنين لأنّها مفاعلة ،
فتقتضي أنّ كل واحد منهما له فعل (أ ، ت ، ٤٠٨ ، ٧)
مخالفة
ـ المخالفة لا
تقتضي الاختلاف في جميع الصفات ؛ إذ لا تتحقّق المخالفة إلّا بين موجودين ، فمن
ضرورة إطلاق المخالفة التعرّض لاشتراك المختلفين في الوجود. فلمّا اقتضت المماثلة
تعميم الاشتراك في صفات النفس لم نطلقها ، والاختلاف ليس من موضوعه التباين في كل
الصفات (ج ، ش ، ٥٨ ، ٥)
مخبر
ـ إنّ المخبر خارج
من حكم خبره وأنّه (غير) متناه ووجب أن (يكون) لكل شيء سواه كلّ وأنّه متناه لعموم
الخبر (خ ، ن ، ٩٢ ، ٥)
ـ إنّ المخبر هو
من فعل المعنى الذي يسمّى خبرا ، وأراد كونه خبرا. وهذا أولى ، لما قدّمناه من أنّ
إرادة زيد إذا لم تؤثر في قول عمرو ، فكذلك إرادته لا تؤثر فيما يفعله القديم
تعالى من الخبر في لسانه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩١ ، ١٥)
ـ إنّ الأولى ، أن
يكون المخبر من فعل الخبر ، لا من فعل القصد. فمتى فعله وهو قاصد إلى الإخبار به ،
كان خبرا. والأولى أن لا يعتبر في ذلك ، كون القصد من فعله ، أو من فعل غيره. كما
لا يعتبر في الفعل المحكم ، إلّا كونه عالما فقط ، سواء كان العلم من فعله أو من
فعل غيره (ق ، غ ٨ ، ٢٤١ ، ١٥)
مختار
ـ أمّا من تكون
منه الأشياء المختلفة فهو المختار لأفعاله لا المطبوع عليها (خ ، ن ، ٢٥ ، ١٣)
ـ إبراهيم (النظّام)
لم يزعم أنّ الله جلّ ثناؤه يفعل العدل طباعا فيلزمه أنّه لم يزل فاعلا ، وإنّما
زعم أنّه يفعله باختيار منه لفعله ، والمختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل
ولا بدّ له
من أن يتقدم
أفعاله ويكون موجودا قبلها (خ ، ن ، ٣٩ ، ٢)
ـ إبراهيم يزعم
أنّ الله تعالى مختار لفعله للعدل ولحكمه بالحق وللخير الذي يفعله بعباده ، يقدر
عليه وعلى أمثاله لا إلى غاية ويقدر على تركه. وإنّما أحال قول من زعم أنّ الله
يقدر على الظلم والكذب وهما لا يقعان إلّا من ذي آفة مجتلب لمنفعة أو دافع لمضرّة
، والله عن هذه الصفة الدالّة على حدث من وصف بها متعال (خ ، ن ، ٤٢ ، ٢٠)
ـ ما كان من أفعال
الله له ترك كالأعراض فهو مختار ، وما لا ترك له كالأجسام فهو اختيار وليس بمختار (ش
، ق ، ٤٢٠ ، ٧)
ـ كل ما يريده
الإنسان من غير أن يلجأ إليه فهو مختار له كما يكون مختارا للأكل والشرب ، ولا
يكون مصطفيا لذلك (ش ، ق ، ٥٤٤ ، ١٤)
ـ إنّ كل أحد يعلم
من نفسه أنّه مختار لما يفعله ، وأنّه فاعل كاسب (م ، ح ، ٢٢٦ ، ٢٠)
ـ إنّ كل مختار في
الفعل موصوف بالإرادة ، ولا يجوز أن يقال : هو مأمور ؛ لإحالة وصف الله به (م ، ح
، ٢٩٥ ، ١١)
ـ أمّا من طريق
اللغة فإنّ الإجبار والإكراه والاضطرار والغلبة أسماء مترادفة وكلّها واقع على
معنى واحد لا يختلف وقوع الفعل ممّن لا يؤثّره ولا يختاره ولا يتوهّم منه خلافه
البتّة ، وأمّا من آثر ما يظهر منه من الحركات والاعتقاد ويختاره ويميل إليه هواه
فلا يقع عليه اسم إجبار ولا اضطرار لكنّه مختار ، والفعل منه مراد متعمّد مقصود
ونحو هذه العبارات عن هذا المعنى في اللغة العربية التي نتفاهم بها (ح ، ف ٣ ، ٢٤
، ٦)
ـ المفكّر قبل
ورود السمع يعلم الباري تعالى بالنظر والاستدلال ، وإذا كان مختارا في فعله
فيستغني عن الخاطرين ، لأنّ الخاطرين لا يكونان من قبل الله تعالى ، وإنّما هما من
قبل الشيطان ، والمفكّر الأوّل لم يتقدّمه شيطان يخطر الشكّ بباله ، ولو تقدّم
فالكلام في الشيطان كالكلام فيه (بشر) (ش ، م ١ ، ٦٥ ، ٨)
ـ إنّ المختار
يصحّ منه ترجيح أحد الجائزين على الآخر لا لمرجّح (ف ، م ، ١١٣ ، ٢٢)
ـ إنّ المختار هو
الذي يمكنه الترجيح لا لمرجّح (ف ، م ، ١٢٢ ، ١٣)
ـ المختار هو الذي
يقصد إلى إيجاد النوع المعيّن ، والقصد إلى إيجاد النوع المعيّن مشروط بتصوّر تلك
الماهيّة ، فثبت أنّه تعالى متصوّر لبعض الماهيّات (ف ، أ ، ٤٢ ، ٩)
ـ إنّ المختار لا
بدّ أن يكون قادرا حيّا (أ ، ش ٢ ، ٧٢ ، ٣)
ـ المختار يرجّح
بلا مرجّح (خ ، ل ، ٩٣ ، ٣)
مختار لأفعاله
ـ إنّ ذهاب السهم
عند رمي الرامي ... وليس يجوز أن يكون فعلا لله ، لأنّ الرامي لا يدخل الله جلّ
ثناؤه في أفعاله ولا يضطرّه إليها ، لأنّ الله تعالى مختار لأفعاله فقد كان يجوز أن
يرمي الرامي ولا يحدث الله ذهاب السهم فلا يذهب ، ولو جاز هذا جاز أن يعتمد جبريل عليهالسلام على جوزة فيدفعها فلا يحدث الله ذهابها فلا تذهب. وجاز أن
يعتمد أقوى الخلق بأحدّ ما يكون من السيوف على قناة فلا يحدث الله قطعها فلا تنقطع
(خ ، ن ، ٦١ ، ١)
مخترع
ـ كيفية وقوع
الفعل من القادر. فجملة القول في
ذلك أنّ القادر
إمّا أن يفعل الفعل على وجه يختصّه أو يفعله على وجه لا يختصّه. فإن فعله على وجه
يختصّه فذلك على ضربين : أحدهما أن لا يكون هناك إلّا مجرّد هذا الفعل الواحد الذي
يخصّه وذلك هو كل ما يفعله مبتدأ في محلّ قدرته. والثاني أن يكون هناك فعل سوى هذا
الفعل. ثم هذا على ضربين : أحدهما أن يكونا جميعا مختصّين به. وهذا هو المتولّد
الذي يوجد في محل القدرة كالنظر والعلم وما شاكل ذلك. والثاني أن يكون أحدهما هو
المختصّ به وهذا هو ما يتولّد عن الاعتماد في غير محلّ القدرة فيكون نفس السبب
مخصوصا بالفاعل والمسبب يتعدّاه. فهذه قسمة ما يختصّ بالفاعل. فأمّا ما لا يختصّ
بالفاعل بحال فليس إلّا المخترع وهو الذي يصحّ من الله عزوجل دون غيره. والوجوه الأولى التي تقدّمت تصحّ منّا (ق ، ت ١
، ٨٠ ، ٢٠)
مخترع
ـ قالت المعتزلة
كلها إلّا" الناشي" أن الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون
المجاز (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١٢)
ـ إنّ الله عزوجل خلق الأشياء وابتدعها مخترعا لها لا من شيء ولا على أصل
متقدّم ، وإذ لا شكّ في هذا فليس شيء متوهّم أو مسئول يتعذّر من قدرة الخالق عزوجل ، إذ كل ما شاء كونه كوّنه ولا فرق بين خلقه عزوجل ، كل ذلك في هذه الدار وبين خلقه كذلك في الدار الآخرة (ح
، ف ٢ ، ١٠٧ ، ٣)
ـ اتّفق سلف
الأمّة ، قبل ظهور البدع والأهواء واضطراب الآراء على أنّ الخالق المبدع ربّ
العالمين ، ولا خالق سواه ، ولا مخترع ، إلّا هو ، فهذا هو مذهب أهل الحقّ ؛
فالحوادث كلّها حدثت بقدرة الله تعالى ، ولا فرق بين ما تعلّقت قدرة العباد به ،
وبين ما تفرّد الرّب بالاقتدار عليه. ويخرج من مضمون هذا الأصل ، أنّ كل مقدور
لقادر ، فالله تعالى قادر عليه وهو مخترعه ومنشؤه (ج ، ش ، ١٧٣ ، ٤)
ـ ممّا تمسّك به
أئمتنا أن قالوا : الأفعال المحكمة دالّة على علم مخترعها ، وتصدر من العبد أفعال في
غفلته وذهوله ، وهي على الاتّساق والانتظام ، وصفة الإتقان والإحكام ، والعبد غير
عالم بما يصدر منه ، فيجب أن يكون الصادر منه دالا على علم مخترعه. وإنّما يتقرّر
ذلك على مذهب أهل الحق ، الصائرين إلى أنّ مخترع الأفعال الرّب تعالى ، وهو عالم
بحقائقها (ج ، ش ، ١٧٥ ، ١٥)
ـ أنّا نقول
اختراع الله تعالى للحركة في يد العبد معقول دون أن تكون الحركة مقدورة للعبد ،
فمهما خلق الحركة وخلق معها قدرة عليها ، كان هو المستبد بالاختراع للقدرة
والمقدور جميعا ، فخرج منه أنّه منفرد بالاختراع ، وأنّ الحركة موجودة ، وأنّ
المتحرّك عليها قادر ، وبسبب كونه قادرا عليها فارق حاله حالة المرتعد ، فاندفعت
الإشكالات كلّها. وحاصله أنّ القادر الواسع القدرة ، هو قادر على اختراع القدرة ،
والمقدور معا. ولمّا كان اسم الخالق ، والمخترع مطلقا على من أوجد الشيء بقدرته ،
وكانت القدرة والمقدار جميعا بقدرة الله تعالى سمّي خالقا ، ومخترعا ، ولم يكن
المقدور بقدرة العبد ؛ وإن كان معه ، فلم يسمّ خالقا ، ولا مخترعا ، ووجب أن يطلب
لهذا النمط من النسبة اسم آخر مخالف ، فطلب له اسم الكسب
تيمّنا بكتاب الله
تعالى ، فإنّه وجد إطلاق ذلك على أعمال العباد في القرآن ، وأمّا اسم الفعل فتردّد
في إطلاقه ، ولا مشاحة في الأسامي بعد فهم المعاني (غ ، ق ، ٩٢ ، ٢)
مخترعون
ـ اتّفقت المعتزلة
، ومن تابعهم من أهل الأهواء على أنّ العباد موجدون لأفعالهم ، مخترعون لها
بقدرهم. واتّفقوا أيضا على أنّ الرّب تعالى عن قولهم ، لا يتّصف بالاقتدار على
مقدور العباد ، كما لا يتّصف العباد بالاقتدار على مقدور الرّب تعالى. ثم
المتقدّمون منهم كانوا يمتنعون من تسمية العبد خالقا لقرب عهدهم بإجماع السلف على
أنّه لا خالق إلّا الله تعالى ، ثم تجرّأ المتأخرون منهم وسمّوا العبد خالقا على
الحقيقة. وأبدع بعض المتأخّرين ما فارق به ربقة الدين ، فقالوا : العبد خالق (ج ،
ش ، ١٧٣ ، ٩)
مختص باستحقاق
العبادة
ـ إنّه ـ تعالى ـ المختصّ
باستحقاق العبادة وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ في جملة ما يكلّفه ـ تعالى ـ من
الأفعال ما لا يحسن إلّا إذا وقع على وجه العبادة. فلذلك بيّنا ما له يستحقّ
العبادة ويحسن منّا أن نعبده. قد ثبت أنّ العبادة ضرب من الخضوع والتذلّل للمعبود
على سبيل المبالغة لتعظيمه. فيجب ألّا تحسن إلّا مستحقّة بفعل ؛ كما أنّ الشكر لا
يحسن إلّا مستحقّا بفعل. وقد علمنا أنّه ـ تعالى ـ يستحقّ ذلك علينا للإنعام
العظيم. فيجب أن يكون علّة استحقاقه ذلك دون غيره (ق ، غ ١١ ، ٤١٧ ، ١٠)
مختلف
ـ إنّا قد بيّنّا
من قبل حصر الأجناس التي تدخل تحت مقدور العباد. وهذه الأجناس على ضربين ، أحدهما
لا يدخله الاختلاف بل كلّه متماثل نحو التأليف والألم ، والثاني يختلف. ثمّ هذا
المختلف على ضربين ، أحدهما يختلف فقط ولا يكون له حكم زائد على الاختلاف ،
والثاني يدخله التضادّ مع الاختلاف. فالذي يقطع على اختلافه من مقدور العباد مما
لا يدخله التضادّ هو الاعتماد ، فإنّه يشتمل على متماثل ومختلف ، ومختلفه لا
يتضادّ. وكذلك الإرادة والكراهة لا يقع في كل واحد من نوعيهما تضادّ. وكذلك النظر
من أفعال القلوب يلحق بما ذكرناه. فأمّا الأصوات فالصحيح أن لا يقطع على ثبوت
التضادّ فيها ولا على نفي التضادّ فيها بل يتوقّف فلا تدخل في هذا الفصل ولا فيما
بعده. فأمّا ما يدخله التضادّ من مقدور العباد فنوع الأكوان فإنّه يقع فيها المختلف
ومختلفه يتضادّ. والاعتقادات يدخلها التضادّ وإن لم يكن كل مختلف منها متضادّا.
وإنّما يثبت التضادّ هناك وفي الظّنون أيضا بطريقة النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ،
٦)
مختلفات
ـ حقيقة الوجود
لكلّ حادث لا تختلف ، واختلاف المختلفات يؤول إلى أحوالها الزائدة على وجودها (ج ،
ش ، ١٧٧ ، ٨)
مختلفان
ـ إنّه لا بدّ في
المختلفين من اختصاص أحدهما بصفة ليست للآخر أصلا ، أن نقول : الأصل في معرفة
الاختلاف بين الذوات هو الإدراك ،
وما عداه مرتّب
عليه مشبه به. فنقول : لا بدّ في كل ذاتين مختلفتين من أن تثبتا على وجه لو تناولهما
الإدراك لفرّقنا بينهما ولميّزنا إحداهما من الأخرى. ولا طريق للتمييز بينهما إذا
قدرت الإدراك فيهما إلّا بأن يستبدّ أحدهما بصفة ليست للآخر ، وإلّا فلو وقع
الاشتراك في صفتيها لبطل التمييز ، وبطلان أن التمييز بينهما مع الإدراك بطلان
للخلاف أصلا (ق ، ت ١ ، ١٥٣ ، ١)
ـ المختلفان كل
موجودين ثبت لأحدهما من صفات النفس ما لم يثبت للثاني (ج ، ش ، ٥٥ ، ٣)
ـ المختلفان إمّا
أن يكونا ضدّين ، وهما الوصفان الوجوديّان اللذان يمتنع اجتماعهما لذاتيهما
كالسواد والبياض ، وإمّا أن لا يكونا كذلك كالسواد والحركة (ف ، م ، ١٠٦ ، ١٠)
مؤخّر
ـ أمّا المقدّم
والمؤخّر فمن فعل التقديم والتأخير ، وهو إحداث بعض الحوادث قبل بعض وبعد بعض. وقد
يكون ذلك من طريق الحكم ، فيرجع إلى خبره الذي هو كلامه (أ ، م ، ٥٥ ، ١٤)
مخطئ
ـ إنّ وصف المصيب
أنّه مصيب ، قد يراد به وقوع فعله على ما أراد ، وقد يراد به أنّه فعل حسنا ؛
وكذلك وصفه بأنّه مخطئ. والذي يبنى على الذمّ أو المدح ، من ذلك ، ما أفاد كونه
فاعلا لحسن أو قبيح ، دون ما أراد وقوع المراد على ما أراد ، وعلى خلافه (ق ، غ ٨
، ٢٣٨ ، ٢)
مخلوق
ـ قول"
الشحّام" : ... إنّ الجسم في حال كونه موجود مخلوق (ش ، ق ، ١٦٢ ، ١٦)
ـ كان" عبّاد
بن سليمان" إذا قيل له : أتقول إنّ الخلق غير المخلوق؟ قال : خطأ أن يقال ذلك
، لأنّ المخلوق عبارة عن شيء وخلق ، وكان يقول : خلق الشيء غير الشيء ولا يقول
الخلق غير المخلوق ، وكان يقول إنّ خلق الشيء قول ، كما كان يقول أبو الهذيل ولا
يقول إنّ الله قال له كن ، كما كان أبو الهذيل يقول (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ٨)
ـ إنّ الخلق الذي
هو إرادة وقول لا يقال أنّه مخلوق إلّا على المجاز ، وخلق الله سبحانه للشيء
مؤلّفا الذي هو تأليف ، وخلقه للشيء ملوّنا الذي هو لون ، وخلقه للشيء طويلا الذي
هو طول ، مخلوق في الحقيقة (ش ، ق ، ٥١١ ، ٤)
ـ اتفق" أهل
الإثبات" على أنّ معنى مخلوق معنى محدث ، ومعنى محدث معنى مخلوق (ش ، ق ، ٥٤١
، ١١)
ـ معنى مخلوق أنّه
وقع عن إرادة من الله وقول له كن ، وقال كثير من المعتزلة بذلك منهم" أبو
الهذيل" (ش ، ق ، ٥٤١ ، ١٣)
ـ معنى المخلوق
أنّ له خلقا ، ولم يجعلوا الخلق قولا على وجه من الوجوه ، منهم" أبو
موسى" و" بشر بن المعتمر" (ش ، ق ، ٥٤١ ، ١٦)
ـ زعمت الجهمية ...
أنّ كلام الله مخلوق حلّ في شجرة ، وكانت الشجرة حاوية له (ش ، ب ، ٥٥ ، ٢)
ـ إنّ الشيء
المخلوق إمّا أن يكون بدنا من الأبدان شخصا من الأشخاص ، أو يكون نعتا من نعوت
الأشخاص ، فلا يجوز أن يكون كلام
الله شخصا ، لأنّ
الأشخاص يجوز عليها الأكل والشرب والنكاح ، ولا يجوز ذلك على كلام الله عزوجل ، ولا يجوز أن يكون كلام الله نعتا لشخص مخلوق لأنّ النعوت
لا تبقى طرفة عين ، لأنّها لا تحتمل البقاء ، وهذا يوجب أن يكون كلام الله قد فني
ومضى ، فلمّا لم يجز أن يكون شخصا ولا نعتا لشخص ، لم يجز أن يكون مخلوقا (ش ، ب ،
٦٧ ، ٤)
ـ العبد بجميع
صفاته مخلوق (م ، ف ، ٢٢ ، ١٨)
ـ إنّ المخلوق لا
يفعل في غيرة شيئا (ب ، ت ، ٤٥ ، ٢١)
ـ ما جاز عليه
الذهاب والعدم فإنّه مخلوق (ب ، ن ، ٧٧ ، ١٥)
ـ ما دخله الحصر
والعدّ وكان له أوّل وآخر فهو مخلوق (ب ، ن ، ٧٨ ، ١٨)
ـ إنّ كل ما اتصف
بالبداية والفراغ والحصر والعدّ فإنّما هي صفة المخلوق لا صفة الخالق القديمة
بقدمه الموجودة بوجوده ، التي لا يجوز أن تتقدم عليه ولا تتأخر عنه (ب ، ن ، ٨٠ ،
١٢)
ـ كان (الأشعري)
لا يفرّق بين معنى المخلوق والمحدث والخالق والمحدث ، وكذلك بين الفاعل والمحدث ،
ويقول إنّ كل فعل محدث وكل فاعل محدث وكل خالق محدث ، وإنّ لا خالق ولا محدث ولا
فاعل إلّا الله تعالى على الحقيقة (أ ، م ، ٢٨ ، ١٨)
ـ إنّ الخلق إنّما
هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدّر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا
يزيد عليه ولا ينقص عنه ، لهذا نراهم يقولون : خلقت الأديم هل لحي منه مطهرة أم لا
، وقال الحجاج : إنّي إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت ، وكذلك
فقد قال زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. وكذلك فقد قال
غيره : ولا يئط بأيدي الخالقين ولا أيدي الخوالق إلا جيد الأدم. وهذه الجملة كلها
دلالة على أنّ الخلق إنّما هو التقدير على ما نقوله ، وإذا كان هذا هكذا صحّ وصف
القرآن بأنّه مخلوق على ما ذكرناه (ق ، ش ، ٥٤٦ ، ١٢)
ـ ذهب شيخنا أبو
علي إلى أنّ الخلق إنّما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدّر بالغرض والداعي
المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه (ق ، ش ، ٥٤٨ ، ٨)
ـ أمّا شيخنا أبو
هاشم ، وأبو عبد الله البصري ، فقد ذهبا إلى أنّ المخلوق مخلوق يخلق ، ثم اختلفا :
فذهب أبو هاشم إلى أنّ الخلق إنّما هو الإرادة. وقال أبو عبد الله البصري : بل هو
الفكر ، وقال : لو لا ورود السمع والأذن بإطلاق هذه اللفظة على الله تعالى ، وإلّا
ما كنّا نجوّز إطلاقها عليه تعالى عقلا. وحجّته في هذا الباب قول زهير : ولأنت
تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. قالا : أثبت الخلق ونفى الفري ، فدلّ
على أنّ الخلق معنى على ما نقوله (ق ، ش ، ٥٤٨ ، ١١)
ـ إنّهم أرادوا (مشايخنا)
أن يفصلوا بين الفعل الذي يقع على ضرب من التقدير مطابق للحاجة وبين الفعل الذي
ليس هذا سبيله بأن يقع مسهوا عنه أو زائدا على ما يحتاج إليه أو ناقضا عنه. فقالوا
فيما كان بسبيل الأوّل أنّه مخلوق ، كما أنّهم لما رأوا أنّ في الأفعال ما يستدفع
به ضررا أو يستجلب به نفع سمّوا ما هذا سبيله كسبا. ويدلّ عليه ما ظهر من حال أهل
اللغة أنّهم فسّروا الخلق بالتقدير ويدلّ عليه قوله
تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠)
وقوله : (وَتَخْلُقُونَ
إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧). وقوله
: (فَتَبارَكَ اللهُ
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤).
وقول الشاعر : " ولا ثبط بأيدي الخالقين" إلى ما شاكل ذلك. فدلّ أنّهم
استعملوه من التقدير المخصوص. وهذه فائدة وصفنا لله تعالى بأنّه خلق السماوات
والأرض وخلق الموت والحياة. وقد كان لو لا ورود الشرع بالمنع من أن يطلق في غير
الله أنّه خالق لكنّا نطلق في أفعالنا بأنّها مخلوقة. وفي أحدنا بأنّه خالقها إذا
وقعت مقدّرة. ولكن السمع مانع من ذلك كما منع من إطلاق لفظ" الربّ" في
غيره عزوجل ، وإن كان لفظه يقتضي المالك والسيد وعلى ما تقتضيه طريقة
اللغة (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ١٣)
ـ "
مشايخنا" وإن اتّفقوا في أنّ المخلوق هو المقدّر فقد اختلفوا في أنّ هذا
التقدير هل هو معنى أم لا. فنفى" أبو علي" أن يكون معنى وأوجب أن يكون
المراد به إيقاع الفعل على وجه مخصوص وهو الصحيح. وقال" أبو هاشم" : بل
لا بدّ من معنى يشتقّ منه قولنا" مخلوق". ثم جعل ذلك المعنى إرادة ،
ووصف أفعال الله تعالى من جهة اللغة بأنّها مخلوقة ما خلا الإرادة والكراهة ،
ولكنّ السمع أوجب أن يوصف الكلّ بذلك فوصفها به. وقال الشيخ" أبو عبد
الله" : بل التقدير الذي هو الخلق يرجع به إلى فكر ولو لا ورود السمع لكنا لا
نجري على أفعال الله لفظ الخلق (ق ، ت ١ ، ٣٤٦ ، ١٠)
ـ إنّ كلامه تعالى
محدث ، وأنّه فعله لمصالح العباد ، فإذا صحّ ذلك وثبت أنّه تعالى أحدثه مقدّرا ،
لأنّه تعالى ممن يستحيل أن يفعل الشيء على سبيل السهو ، فلا بدّ من أن يكون قاصدا
إليه وموجدا له ؛ على الوجه الذي تكون عليه مصلحة ودلالة. وإذا ثبت ذلك وجب أن
يجري مجرى سائر أفعاله. وإذا كانت توصف بأنّها مخلوقة فكذلك القول في القرآن ؛
لأنّ الوجه الذي وصفت أفعاله أجمع بأنّها مخلوقة لأجله هو كونها واقعة على سبيل
التقدير. والقرآن بهذه الصفة ، فيجب أن يوصف بأنّه مخلوق (ق ، غ ٧ ، ٢٠٨ ، ١٠)
ـ إنّ الساهي قد
يعمل ويفعل ولا يوصف فعله بأنّه مخلوق ؛ ولأنّ أهل اللغة قد وصفوا مقدّر الأديم
بأنّه خالق له ، والأديم بأنّه مخلوق ، وإن لم يكن معمولا ؛ لأنّه إنّما يحصل
معمولا له إذا قدّره وقطّعه وعمله مزادة أو خفّا (ق ، غ ٧ ، ٢١٣ ، ١٠)
ـ يقول (أبو هاشم)
في الخلق : إنّه ليس مخلوقا ، لأنّه ليس بمراد ؛ لأنّ الإرادة لا يجب أن تراد ،
فلا يؤدّي ذلك إلى ما لا نهاية له. وإنّما أجاب بذلك لأنّ عنده المخلوق مخلوق يخلق
كما أنّه مقدّر بتقدير ، والخلق عنده هو التقدير ، فلذلك أجاب بما قدّمناه (ق ، غ
٧ ، ٢٢٠ ، ١١)
ـ أمّا شيخنا أبو
علي رضي الله عنه فإنّه يقول : إن وصفه (القرآن) بأنّه مخلوق ليس بمشتق من معنى ،
وإنّما يفيد أنّه حدث مقدّرا من فاعله ، ويحيل كون الفاعل خالقا لفعل غيره وإن
أراده وقدّره. وإنّما جعله خالقا لفعل نفسه. ويحيل كون الاثنين خالقين للشيء
الواحد ، كما يحيل فعلا من فاعلين ، ويقول : إنّ قولهم : إنّ زيدا خلق الأديم مجاز
، والمراد به : خلق تقدير الأديم ؛ لأنّ تقديره للأديم هو فعل يحدثه فيه (ق ، غ ٧
، ٢٢٠ ، ١٣)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم ، رحمهالله : إنّما سمّي
الخالق خالقا من
حيث قصد بالفعل إلى بعض الأغراض. وقال : إنّ تسمية المخلوق توجد من معنى هو الخلق
؛ والخلق والتقدير هما إرادتان ، ولا يوصف الخلق بأنّه خلق إلّا والمخلوق موجود ،
ومتى كان معدوما لم يسمّ خلقا ، والتقدير لا يسمّى خلقا إلّا بشرط وجود المقدور ،
ولا مخلوق إلّا محدث ، وقد يكون محدثا ليس بمخلوق ، لأنّه يفيد صفة زائدة على
حدوثه (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ٩)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم ، رحمهالله ، في نقض المرجان وغيره أنّه إنّما يوصف بأنّه مخلوق ، من
حيث حدث من فاعله على مقدار لا على سبيل السهو. وكثير من أهل اللغة لا يصف القديم
، سبحانه ، بأنّه مريد ؛ ويصف أفعاله بأنّها مخلوقة (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ٢)
ـ بيّنا أنّ
المخلوق لا يفيد أنّه مخترع ، ولا أنّه من فعل الله ، تعالى ، فلا طائل في إعادته.
ودللنا على أنّ العبد في الحقيقة يوصف بأنّه يخلق بقوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ،
وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ
أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ،
وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ
الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠).
وبيّنا أنّ التعلّق بقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ
غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣) ،
وقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ
كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) لا
يصحّ ؛ فهذا كلام من جهة العبارة. فأمّا من جهة المعنى ، فإنّما يجب أن نبيّن أنّ
العبد يحدث الشيء ، وأنّه يصحّ أن يحدثه مقدورا ، وأن قول من قال : لا محدث إلّا
الله ، حقّا. فهذا الموضع هو الذي يتناوله الدليل دون غيره (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ٥)
ـ وقولهم (أهل
الكسب) إنّ المخلوق هو المحدث باطل ، لأنّ أهل اللغة خصّوا بذلك ما يقع مقدّرا دون
ما يقع سهوا وتبخيتا ، وقولهم إنّ المخلوق هو المحدث يدلّ على أنّ له محدثا وخالقا
هو الله فغلط ، لأنّه إنّما يدلّ على أنّ له محدثا وخالقا إن كان مقدّرا على
الجملة ، ثم نظر من خالقه ومحدثه ، فما دلّ على إثبات الخالق على الجملة لا يدلّ
على أنّه هو الله ، كما أنّ كون الفعل كسبا عندهم يدلّ على أن له مكتسبا ، ولا
يدلّ على مكتسب معيّن (ق ، غ ٨ ، ٢٨٣ ، ١٤)
ـ قال أبو محمد
وأمّا سائر أفعال الله تعالى فبخلاف ما قلنا في الخلق ، بل هي غير المفعول فيه أو
له أو به أو من أجله ، وذلك الإحياء فهو غير المحيّا بلا شكّ ، وكلاهما مخلوق لله
تعالى ، وخلقه تعالى لكل ذلك هو المخلوق نفسه كما قلنا ، وكالإماتة فهي غير الممات
، ولو كان غير هذا وكان الإحياء هو المحيّا ، والإماتة هي المماتة ، وبيقين ندري
أنّ المحيّا هو الممات نفسه ، لوجب أن يكون الإحياء هو الإماتة وهذا محال ،
وكالإبقاء فهو غير المبقي للبرهان الذي ذكرنا ، وبيقين ندري أنّ الشيء غير أعراضه
التي هي قائمة به وقتا وفانية عنه تارة ، وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ٨)
ـ أما وصف الكلام
وغيره من الأفعال بأنّه مخلوق فمعناه أنّه مفعول على حدّ يطابق الغرض ، لأنّ الخلق
هو التقدير ، فكأنّه قد صار مقدّرا بالغرض والدّاعي. وسائر أفعال الله تعالى
موصوفة بذلك لثبوت ذلك الوجه فيها ، وعلى هذا قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ
كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠)
لما كان مقدّرا. وقال أهل اللغة : خلقت الأديم : إذا قدّرته ، فصارت هذه موضوعة
للتفرقة بين ما يقع على
هذا الحدّ وبين
غيره ، وهذا هو الصحيح وهو قول أبي علي (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ٧)
ـ ذهب البغداديون
إلى أنّ المخلوق هو المفعول من دون آلة ، وهذا لا يصحّ لأنّ أهل اللغة يقولون خلقت
الأديم مع علمهم بالحاجة إلى الآلة وعلى هذا قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠)
وقد كان يقدّر ذلك بالآلة (أ ، ت ، ٤٢٨ ، ١١)
ـ يفرّقون (الكراميّة)
بين الخلق والمخلوق ، والإيجاد والموجود والموجد ، وكذلك بين الإعدام والمعدوم.
فالمخلوق إنّما يقع بالخلق ، والخلق إنّما يقع في ذاته بالقدرة ، والمعدوم إنّما
يصير معدوما بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٤)
ـ إنّ الصفات الذاتيّة
للجواهر والأعراض هي لها لذواتها لا تتعلّق بفعل الفاعل وقدرة القادر ، إذ أمكننا
أن نتصوّر الجوهر جوهرا أو عينا وذاتا ، والعرض عرضا وذاتا وعينا ، ولا يخطر
ببالنا أنّه أمر موجود مخلوق بقدرة القادر ، والمخلوق والمحدث إنّما يحتاج إلى
الفاعل من حيث وجوده إذا كان في نفسه ممكن الوجود والعدم ، وإذا ترجّح جانب الوجود
احتاج إلى مرجّح ، فلا أثر للفاعل بقادريّته أو قدرته إلّا في الوجود فحسب ، فقلنا
ما هو له لذاته قد سبق الوجود وهو جوهريّته وعرضيّته ، فهو شيء ، وما هو له بقدرة
القادر هو وجوده وحصوله ، وما هو تابع لوجوده فهو تحيّزه وقبوله للعرض ، وهذه
قضايا عقليّة ضروريّة لا ينكرها عاقل (ش ، ن ، ١٥٥ ، ٨)
ـ المخلوق هو
المحدث مقدّرا ، وهو كذلك (كلام الله) ولتعدّده وترتّبه (م ، ق ، ٩٤ ، ١٧)
ـ إنّ المخلوق ليس
بكفء للخالق لكونه مملوكا. والمملوك لا يشارك المالك في ملكه (ق ، س ، ٨٤ ، ٤)
مخلوق للسخرة
ـ إنّه ـ لمّا
شاركه أصحاب المعارف في دعواهم أنّ المعارف ضروريّة ـ زعم (ثمامة) أن من لم يضطرّه
الله إلى معرفته لم يكن مأمورا بالمعرفة ولا منهيا عن الكفر ، وكان مخلوقا للسخرة
والاعتبار فحسب كسائر الحيوانات التي ليست بمكلّفة (ب ، ف ، ١٧٢ ، ٨)
مخلوقات
ـ تكلّموا (الكراميّة)
في مقدورات الله تعالى ، فزعموا أنّه لا يقدر إلّا على الحوادث التي تحدث في ذاته
من إرادته ، وأقواله ، وإدراكاته ، وملاقاته لما يلاقيه. فأمّا المخلوقات من أجسام
العالم وأعراضها فليس شيء منها مقدورا لله تعالى ، ولم يكن الله تعالى قادرا على
شيء منها مع كونها مخلوقة ، وإنّما خلق كل مخلوق من العالم بقوله : "
كن" لا بقدرته (ب ، ف ، ٢٢٠ ، ٩)
مخلوقون مختارون
ـ أمّا الفعل
لإحراز منفعة أو لدفع مضرّة فإنّما يوصف به المخلوقون المختارون. وأمّا فعل الطباع
فإنّما يوصف به المخلوقون غير المختارين (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ١٢)
مخيّر
ـ لا بدّ من أن
يكون الضرر الذي يخافه بترك الفعل ، أكثر مما يلحقه من المضرّة بنفس ذلك الفعل ،
حتى يكون دافعا للضرر الكثير بالمشقّة
اليسيرة. فأمّا لو
تكافئا وتعادلا وعلم ذلك من حالهما ، لما وجب الفعل ولكان هذا الناظر مخيّرا
والوجوب ساقطا. وإنّما يجب الفعل ، إذا كان حاله ما ذكرناه. ومتى عظم التفاوت فيما
يزيله من المضرّة لحق ثبات الإلجاء ، وإذا تفاوت لحق ثبات الوجوب ، خصوصا متى كان
الضرر مؤجّلا غير معجّل. فإذا أصبحت هذه الجملة ، وقد صحّ أنّه لا يمتنع في النظر
في باب الدنيا أن يصير بهذه الصفة ، فينبغي أن يكون واجبا ؛ وكذلك النظر في باب
الدين. ويجريان ، متى صارا كذلك ، مجرى كل فعل يحرز به من ضرر عظيم ، لأن اختلاف
الأفعال لا يؤثّر في أنّ الكل منها إذا اتّفق في وجوب الوجوب اتّفق في الوجوب أن
لا معتبر في هذا الباب بجنس الفعل ولا بسائر صفاته ، وإنّما المعتبر بحصول وجه
الوجوب فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٨ ، ١٥)
مداخلة
ـ معنى المداخلة
أن يكون حيّز أحد الجسمين حيّز الآخر وأن يكون أحد الشيئين في الآخر (ش ، ق ، ٣٢٧
، ١١)
ـ بيّنا أنّه (الأشعري)
كان ينكر قول النظّام في المداخلة ، ويقول إنّ الأجسام لا يصحّ فيها التداخل على
معنى أن تكون أجسام كثيرة في حيّز واحد من جهة واحدة من وجه واحد. ويقول إنّ
الأجسام تشغل أماكنها ولا يجوز وجود جسمين في محلّ (أ ، م ، ٢٧٠ ، ١٦)
ـ ذهب القائلون
بأنّ الألوان أجسام إلى المداخلة ، ومعنى هذه اللفظة أنّ الجسمين يتداخلان فيكونان
جميعا في مكان واحد (ح ، ف ٥ ، ٦٠ ، ٢٢)
ـ إنّ الجسم إنّما
يكون في الجسم على سبيل المجاورة ، كل واحد في حيّز غير حيّز الآخر ، وإنّما تكون
المداخلة بين الأعراض والأجسام وبين الأعراض والأعراض (ح ، ف ٥ ، ٦١ ، ١٢)
مدبّر
ـ إبراهيم (النظّام)
يزعم أنّ للأشياء خالقا خلقها ومدبرا دبّرها فقهرها على ما أراد ودبرها على ما أحب
وجمع منها ما أراد جمعه وفرّق منها ما أراد تفريقه. فهذا الفرق بين ما قاله
إبراهيم وما قالته المنانية وهو بيّن لا خفاء به (خ ، ن ، ٣١ ، ١٦)
مدح
ـ إننا لا نقول
أنّ المدح والثواب ، ولا الذمّ والعقاب يحصل بفعل الفاعل منّا ؛ حتى يوجب ذلك كونه
خلقا له واختراعا ، بل نقول : إنّ ذلك يحصل بحكم الله تعالى ، ويجب ويستحق بحكمه
لا [بأن] يوجب الواجب عليه خلق [فعل] أوجبه عليه (ب ، ن ، ١٥٥ ، ٣)
ـ أمّا المدح
فمعناه ، قول : ينبئ عن عظم حال الغير ، وينقسم أيضا إلى : ما يتبعه الثواب من جهة
الله تعالى ، وما لا يتبعه الثواب. وما يتبعه الثواب من جهة الله تعالى فإنّه لا
يستحقّ إلّا على الطاعة ، وحقيقة الطاعة قد مرّ في غير هذا الموضع. وأمّا ما لا
يتبعه الثواب ، فهو المدح المقابل للنعمة ، المستحقّ (ق ، ش ، ٦١٢ ، ٢)
ـ إنّ المدح لا
يحسن إلّا إذا علم أنّ ما فعله حسنا ، وله صفة زائدة على حسنه ، وأنّه لم يفعل ما
يحبطه ، فكل ذلك مما قد يعلم على الجملة ، ويعلم عنده حسن المدح والذمّ (ق ، غ ٨ ،
٣٠ ، ٧)
ـ إنا لا نمتنع من
القول بأنّ للمشقّة تأثيرا في زيادة المدح الذي يستحقّه المكلّف ، بل متى لم يكن
الفعل شاقّا لم يستحقّ الثواب أصلا. فأمّا المدح فإنّه في أصل الاستحقاق لا يتبع
كون الفعل شاقّا ، وإن كان قد يعظم لكونه كذلك ، لكن جميع ذلك لا يؤثّر في أنّ
لكون الفعل نفعا تأثيرا في استحقاق المدح ، ولزيادته تأثير في زيادة ما يستحقّ من
المدح والتعظيم ؛ ألا ترى أنّ المشقّة التي تلحق بحفر البئر في الموضع المسلوك
والطريق المنقطع سواء ، ويستحقّ المدح على أحدهم لمكان انتفاع الناس به أكثر ولذلك
يعظم موقع الفعل إذا كثر افتداء الناس به إذا كان خيرا وطاعة ، على ما نقوله في
وجه تفضيل النبي صلىاللهعليهوسلم على غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم (ق ، غ ١١ ، ١٠٢ ،
١٨)
ـ إنّ المشقّة
إنّما اقتضت استحقاق الثواب من حيث كان لا يحسن من الحكيم أن يجعل الفاعل ممن يشقّ
عليه ما كلّفه وحسّنه في عقله إلّا ويستحقّ عليه نفعا يجري مجرى المدح ؛ كما لا
يحسن منه أن يؤلم إلّا لنفع يوفي عليه. وليس كذلك حال المدح ؛ لأنّه لا يتبع في
الاستحقاق ما ذكرناه ، فلذلك استحقّه من لا يجوز عليه المشاقّ كما يستحقّه من يجوز
ذلك عليه (ق ، غ ١١ ، ١٠٤ ، ١٣)
ـ إنّ استحقاق
الثواب وغيره بالفعل لا يرجع إلى جنسه ، ويصحّ حصول المنع فيه فلا يمتنع حصول
الواجب ممّن لا يستحقّ به الثواب إذا لم يصحّ وقوعه منه على الوجه الذي يستحقّ
الثواب به. فأمّا المدح فإنّما وجب تساوي جميع الواجبات فيه ، لأنّه يتبع كون
الفعل واجبا أو ندبا أو تفضّلا لحق الفاعل بفعله مشقّة أو لم يلحق. فلذلك يستحقّ
تعالى المدح كما يستحقّه الواحد منّا وإن لم يصحّ أن يستحقّ الثواب لما بيّناه (ق
، غ ١١ ، ١٤١ ، ١٢)
ـ إنّ ما يطلب من
الشروط في المدح يجب ثبوته في الثواب ؛ وقد يثبت في الثواب من الشروط ما لا يثبت
في المدح. والعلّة فيه ظاهرة. وذلك لأنّ المدح إنّما يستحقّه الفاعل بالفعل متى
فعله لحسنه في عقله. فأمّا إذا فعل الفعل لدفع المضرّة أو لاجتلاب المنفعة
الحاضرتين فإنّه لا يستحقّ به المدح. وما هو ملجأ إلى فعله إنّما يفعله لمنافعه
ومضارّه فيجب ألّا يستحقّ المدح ولا الثواب. وأيضا فإنّ المدح إنّما يستحقّه من له
إلى فعل غير ما فعله داع فيؤثره عليه ، على تحمّل المشقّة فيه أو ما يجري مجراه.
وذلك لا يصحّ مع الإلجاء وكل ذلك يبيّن أنّ مع الإلجاء لا يحسن التكليف. فإذا يجب
كون المكلّف مخلّى بينه وبين الفعل متردّد الدواعي إلى الأفعال وخلافها (ق ، غ ١١
، ٣٩٣ ، ١٣)
ـ قال شيخانا ـ رحمهماالله ـ : لا يصحّ الإلجاء
إلى المعارف ؛ لأنّه لا يجوز مع فقد معرفته به أن يعلم أنّه لو رام خلاف العلم من
الجهل لمنع منه ، ولأنّه متى علم أنّه لو رام خلافه لمنع منه فقد علم العلم ، وذلك
يغني عن فعل علم بأن يمنع منه ، ولوجوه سنذكرها من بعد. فإذا اضطرّه الله ـ تعالى ـ
إلى معرفة توحيده وعدله وألجأه إلى ألّا يفعل المقبّحات في عقله فقد صار بمنزلة
الممنوع في أنّه لا يحسن أن يكلّف الأفعال ؛ لأنّه إن كلّف أفعال القلوب من ضدّ
العلم فهو ممنوع من ذلك. وإن كلّف أفعال الجوارح فهو ملجأ إلى ألا يفعل المقبّح
منه. وإذا صار فعل القبيح مأيوسا من
جهته لم يستحقّ
المدح على الحسن ؛ كما لا يستحقّ الواحد منّا المدح على تركه قتل نفسه ، وعلى هربه
من السّبع. وإنّما يستحقّ العاقل المدح على الفعل إذا كانت دواعيه متوافرة أو
حاصلة إلى القبيح ويمكنه فعلها ، فإذا امتنع منها مع شهوته لها استحقّ المدح ،
وكذلك القول في الواجب أنّه إنّما يستحقّ المدح به إذا كان له إلى فعل تركه داع
فمتى آثره مع كونه شاقّا عليه استحقّ المدح على خلافه. وليس كذلك حال الملجأ ؛
لأنّ هذه الطريقة متعذّرة فيه فلذلك لم يحسن أن يكلّف ويستحقّ المدح على ما يفعله (ق
، غ ١١ ، ٤٩٢ ، ١٤)
ـ أمّا المدح فإنّه
يستحقّ بوجهين : أحدهما أن يفعل الواجب لوجوبه في عقله ، ويفعل الحسن لحسنه في
عقله. والثاني ألّا يفعل القبيح لقبحه في عقله. وقد بيّنا من قبل أن سائر الوجوه
التي عليها يستحقّ المدح لا بدّ من أن ترجع إلى هذين (ق ، غ ١١ ، ٥٠٨ ، ٢)
ـ اعلم أنّه لا
يستحقّ المدح بالفعل إلّا وله صفة زائدة ولفاعله صفة ، ويفعله على وجه مخصوص.
والإخلال بواحد من هذه الثلاثة الأوجه يؤثّر في استحقاق المدح (ق ، غ ١١ ، ٥١١ ، ٨)
ـ قد تقرّر في
العقول أنّ من حق الذمّ أن يكون مقابلا للقبح والإساءة على وجه يكون جزاء له. وأنّ
من حق المدح أن يكون مقابلا للإحسان على هذا الحدّ. فلما ثبت ذلك عبّرنا عنه بأنّه
مستحقّ ، وجعلنا ذلك كالعلّة في أنّه يحسن فعله إذا تقدّم من المفعول به ، والسبب
الذي من حق هذا الفعل أن يتعلّق به تعلّق الجزاء. وإذا كان ما ذكرناه مفهوما لم
يمتنع أن نجعله مقتضيا لحسنه على ما نذكره في الشكر (في) أنّه يجب لمكان النعمة ،
إلى غير ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٣٤٦ ، ٩)
ـ أمّا المدح
فإنّه يستحقّ بالواجب إذا كان واجبا ، وكان فاعله عالما بوجوبه ، أو وجوب ما يوجد
بوجوده ، ويفعله للوجه الذي له حسن ووجب ، وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى
تكاملت هذه الشروط استحقّ المدح به. وكذلك القول في الندب ، وإنّما قلنا إنّ الفعل
يجب أن يكون واجبا أو ندبا ، لأنّه قد ثبت في القبيح أنّه لا يستحقّ به المدح ،
وفي المباح الذي ينتفع به فاعله ، ويفعله لهذا الوجه كمل ، فلم يبق إلا أنّه يستحق
بالواجب والندب. وإنّما شرطنا كون فاعل الواجب عالما بوجوبه ، لأنّه متى لم يكن
كذلك ، لم يصحّ أن يفعله للوجه الذي له وجب ، فإذا وجب اشتراط هذا الوجه ، فما لا
يتمّ إلّا به يجب كونه شرطا (ق ، غ ١٤ ، ١٧٧ ، ١٦)
ـ أما المدح والذم
واشتقاق اسم الفعل من فعله فليس كما ظنّوا ، لكنّ الحق هو أنّه لا يستحقّ أحد مدحا
ولا ذمّا إلّا من مدحه الله تعالى أو ذمّه (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ٢١)
ـ المدح والذم
يدومان ويدلّان على الثواب والعقاب ، وهما يحبّان بالقلب لا باللسان. أبو رشيد :
بهما. قلنا : إنّما يحبّان باللسان لإزالة التهمة (م ، ق ، ١٢٢ ، ٨)
مدح وثواب على
الفعل
ـ أمّا المدح
والثواب على الفعل ، فمن شرطه أن يكون ذلك الفعل واجبا ، أو مرغّبا فيه ، فيحصل له
صفة زائدة على حسنه ، وعلى كونه مباحا ، أو يجب أن يكون متمكّنا مخلّى بينه وبينه
، والإلجاء مرتفع ، ويجب أن يفعله لحسنه
في عقله ، أو لما
له حسن ، ويستحقّ الثواب عليه ، إذا لحقته المشقّة بفعله (ق ، غ ١٤ ، ٣١٠ ، ١)
مدرك
ـ إنّ المدرك لا
يصحّ أن يكون مدركا إلّا بإدراك هو معنى موجود قائم به شاهدا وغائبا ، وإنّه هو
معنى زائد على العلم وليس هو نفس العلم. وكان يسوّي بينه وبين البصر ، ويقول إنّ
إبصار المرئيّات إدراكها (أ ، م ، ٢٦٣ ، ٢)
ـ ينظر في كونه (الله)
حيّا لا آفة به ، فيحصل له العلم بكونه سميعا بصيرا مدركا للمدركات (ق ، ش ، ٦٥ ،
١٢)
ـ شيوخنا البصريين
أنّ الله تعالى سميع بصير مدرك للمدركات ، وأنّ كونه مدركا صفة زائدة على كونه
حيّا. وأمّا عند مشايخنا البغداديّين ، هو أنّه تعالى مدرك للمدركات على معنى أنّه
عالم بها ، وليس له بكونه مدركا صفة زائدة على كونه حيّا. فعند هذا لا بدّ من بيان
أنّ المدرك له بكونه مدركا صفة ، وأنّ هذه الصفة إنّما يستحقّها الواحد منا لكونه
حيّا بشرط صحة الحاسّة وارتفاع الموانع (ق ، ش ، ١٦٨ ، ٥)
ـ أمّا الدلالة
على أنّ الله تعالى مدرك فلمّا ثبت أنّ أحدنا مدرك للمدركات لكونه حيّا فهو
المقتضى لذلك وما عداه شروط. ثم تنقسم تلك الشروط فربما وجب اعتباره لأمر يرجع
إليه وليس إلّا وجود المدرك لأنّه ما لم يكن موجودا لا يصحّ إدراكه ، لأنّه إنّما
تظهر الصفة التي يتناولها الإدراك بالوجود لا لأنّه لو ثبت في حال العدم لامتنع
إدراكه ، وما خرج عن هذا الشرط فكلّه راجع إلى كيفيّة كون الحيّ حيّا. فمتى كان
حيّا بحياة لم يكن بدّ من محلّ لها وذلك هو الحاسّة ، ثم تختلف بحسب اختلاف
المدركات. وتتبع الحاسّة شروط كثيرة على حسب اختلافها في أنفسها واختلاف المدركات
بها ، كما نقوله في صحّتها وزوال الموانع ووجوه اللبس وما شاكل ذلك. وكل هذا من
توابع الحياة التي بها صار حيّا ، وإلّا فالمقتضى لكونه مدركا كونه حيّا بدلالة
أنّ هذه الصفة ترجع إلى الجملة ، فلا تؤثّر فيها أمور ترجع إلى المحال أو إلى طريقة
في النفي مخصوصة. فإذا كان هو المؤثّر وذلك قائم فيه تعالى فيجب أن يكون مدركا وأن
يكفي في ذلك وجود المدرك لكونه حيّا لنفسه ، فلا شرط في إدراكه للمدركات ما يرجع
إلى الحياة بنفسه أو بواسطة (ق ، ت ١ ، ١٣٠ ، ٦)
ـ إنّ المدرك لا
يكون مدركا بإدراك ، وبيّنا أنّ وصف المدرك منّا بأنّه شامّ ذائق لا يفيد الإدراك
، وإنما يفيد الطريق الذي يتوصّل به إلى إدراك الأراييح والطعوم ، وبيّنا أنّ من
امتنع ذلك عليه لا يجب أن لا يوصف بأنّه راء ومدرك ، وبيّنا أنّ الشمّ والذوق
كالنظر الذي يحصل عنده الرؤية وإن لم يكن منها بسبيل (ق ، غ ٤ ، ٨١ ، ١٢)
ـ أمّا كونه مدركا
سميعا بصيرا فيبعد أن يعلم من دون أن يعلم كونه قادرا ؛ بل لا يكفي في ذلك كونه
قادرا ، بل يجب أن يعلم كونه حيّا مع كونه قادرا ، وإذا لم يعلم كونه قادرا لم
يعلم شيء من الصفات ، لأنّ وجوب الصفة كيفيّة في الصفة ، فهي مرتبة على نفس الصفة
، فإذا لم تعلم كيفيّة الصفة من حيث أنّها مرتبة على نفس الصفة لا يمكن أن يعلم ما
عليه القديم تعالى في ذاته (ن ، د ، ٤٦١ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ الكلام
في أنّ القديم تعالى مدرك لا
يتمّ إلّا بعد أن
نبيّن أنّ الواحد منّا له بكونه مدركا صفة ، وتلك صفة زائدة على كونه حيّا وكونه
عالما ، لأنّه لا يتبيّن إلّا بهما ، وأنّ المؤثّر في ذلك ليس إلّا كونه حيّا.
فإذا ثبتت هذه الجملة وثبت أنّ القديم تعالى حيّ وكان المدرك موجودا وجب أن يكون
مدركا ، فإنّ المؤثّر قد حصل والشرط قد تكامل ، فيجب حصول المؤثّر فيه (ن ، د ، ٥٥٧
، ٤)
ـ أمّا القول بأنّ
أحدنا مدرك فظاهر لا يمكن الدفع له. وأمّا الكلام في أنّ له بكونه مدركا صفة زائدة
فهو ما قد ثبت أنه يجد هذه القضية من نفسه ، لأنّه يفصل بين ما يدركه وبين ما لا
يدركه ، كما يفصل بين بعض المدركات وبين البعض. وهذا الفصل يجب أن يكون راجعا إلى
ثبوت حالة له ، كما أنّ الفصل في كونه مريدا وكارها ومشتهيا ونافرا يجب أن يرجع
إلى ثبوت حالة له. ولأنه إذا ثبت هذا الفصل لم يجز أن يرجع به إلى ذات المدرك ولا
إلى ذات المدرك ولا إلى معنى من المعاني ولا حكم من الأحكام ، فيجب أن يكون راجعا
إلى ثبوت حالة من الحالات. ولأنّ كون الذات مدركا يؤثّر في حال العلم وقوّته
ويؤثّر في وقوع الالتذاذ وقوّته ، فيجب أن يرجع به إلى حالة (ن ، د ، ٥٥٧ ، ١٠)
ـ ذهب أبو القاسم
الواسطي إلى أنّ القديم تعالى يكون مدركا فيما لم يزل ، ولكن التعلّق إنّما يحصل
عند وجود المدرك. وهذا فاسد أيضا ، لأنّ هذه الصفة قد بيّنا أنّها مما يجده الواحد
منا من نفسه عند وجود المدرك ، فكان وجود المدرك شرطا في حصولها ، لا في التعلّق.
ولو صحّ أن يقال في القديم تعالى : إنّه يكون مدركا ، والتعلّق مشروط بشرط ، لصح
أن يقال في المعدوم إنّه مدرك ، والتعلّق مشروط بوجود المدرك ، بل كان يلزم أن
يقال إنّ المعدوم قادر عالم ، والتعلّق مشروط بوجوده ـ وهذا فاسد (ن ، د ، ٥٦٩ ، ١)
ـ الذي صار إليه
أهل الحقّ ومعظم المعتزلة أنّ المدرك شاهدا مدرك بإدراك ، كما أنّ العالم شاهدا
عالم بعلم. وذهب ابن الجبائي وشيعته إلى نفي الإدراك شاهدا وغائبا والمصير إلى أنّ
المدرك هو الحيّ الذي لا آفة به (ج ، ش ، ١٥٧ ، ٧)
مدلول
ـ المدلول هو ما
نصب له الدليل (ب ، ن ، ١٥ ، ١٥)
ـ إنّ صحّة الفعل
حكم صدر من الجملة ، ومدلوله هو أن من ثبت له هذا الحكم لا بدّ من أن يختصّ بأمر
حصل عليه لولاه لما صحّ منه ذلك. فإذا كانت صحّة الفعل حكما صدر من الجملة ، وكان
دليلا على اختصاص تلك الجملة بالأمر ، وجب في ذلك الأمر أن يرجع إلى الجملة ،
وإلّا لم يكن ما رجع إلى الجملة دليلا على ذلك الأمر وهو يختصّ ببعض الجملة ، كما
أنّ الحكم إذا صحّ من الذات ودلّ على أنّ تلك الذات لا بدّ من أن تكون على أمر
لولاه لما صحّ منها هذا الحكم فلا بدّ في ذلك الأمر من أن يرجع إلى تلك الذات دون
غيرها ، فكذلك هاهنا (ن ، د ، ٤٨٧ ، ١٢)
ـ العلم الحاصل
المطلوب هو المدلول ، وازدواج الأصلين الملزمين لهذا العلم هو الدليل ، والعلم
بوجه لزوم هذا المطلوب من ازدواج الأصلين علم بوجه دلالة الدليل ؛ وفكرك الذي هو
عبارة عن إحضارك الأصلين
في الذهن ، وطلبك
التفطّن لوجه لزوم العلم الثالث من العلمين الأصلين ، هو النظر (غ ، ق ، ١٧ ، ١٧)
مذموم
ـ صحّ بالضرورة
التي لا محيد عنها أنّه ليس في العالم شيء محمود ممدوح لعينه ولا مذموم لعينه ولا
كفر لعينه ولا ظلم لعينه ، وأمّا ما لا يقع عليه اسم طاعة ولا معصية ولا حكمها وهو
الله تعالى فلا يجوز أن يوقع عليه مدح ولا حمد ولا ذمّ إلّا بنصّ من قبله ، فنحمده
كما أمرنا أن نقول الحمد لله ربّ العالمين ، وأمّا من دونه ممّن لا طاعة تلزمه ولا
معصية كالحيوان من غير الملائكة وكالحور العين والإنس والجنّ وكالجمادات فلا
يستحقّ حمدا ولا ذمّا لأنّ الله لم يأمر بذلك فيها. فإن وجد له تعالى أمر بمدح شيء
منها أو ذمّه وجب الوقوف عند أمره تعالى ، كأمره تعالى بمدح الكعبة والمدينة
والحجر والأسود وشهر رمضان والصلاة وغير ذلك ، وكأمره تعالى بذم الخمر والخنزير
والميتة والكنيسة والكفر والكذب وما أشبه ذلك ، وأمّا ما عدا هذين القسمين فلا حمد
ولا ذمّ ، وأمّا اشتقاق اسم الفاعل من فعله فكذلك أيضا ولا فرق ، وليس لأحد أن
يسمّي شيئا إلّا بما أباحه الله تعالى في الشريعة أو في اللغة التي أمرنا بالتخاطب
بها (ح ، ف ٣ ، ٧٢ ، ١٥)
مذنب
ـ اختلف الناس في
تسمية المذنب من أهل ملّتنا ، فقالت المرجئة هو مؤمن كامل الإيمان وإن لم يعمل
خيرا قط ، ولا كفّ عن شرّ قط ، وقال بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد هو كافر مشرك
كعابد الوثن بأي ذنب كان منه صغيرا أو كبيرا ، ولو فعله على سبيل المزاح ، وقالت
الصفرية إن كان الذنب من الكبائر فهو مشرك كعابد الوثن ، وإن كان الذنب صغيرا فليس
كافرا ، وقالت الإباضية إن كان الذنب من الكبائر فهو كافر نعمة تحلّ موارثته
ومناكحته وأكل ذبيحته وليس مؤمنا ولا كافرا على الإطلاق (ح ، ف ٣ ، ٢٢٩ ، ٣)
مذهب
ـ المراد
بقولنا" مذهب" هو : الاعتقاد ؛ أو إظهاره بالخبر ، والدعوى والنصرة ،
والدلالة ؛ فمتى ما تناولنا المذاهب التناول الواحد كان لا بدّ في أحد الاعتقادين
، من أن يكون جهلا ، وفي أحد الخبرين من أن يكون كذبا ، فالحق لا يكون إلّا في
أحدهما (ق ، غ ١٧ ، ٣٥٥ ، ٤)
مرئي
ـ إن قال قائل :
فهل شاهدتم مرئيّا إلّا جوهرا أو عرضا محدودا أو حالّا في محدود ، قيل له لا ولم
يكن المرئيّ مرئيّا لأنّه محدود ولا لأنّه حالّ في محدود ولا لأنّه جوهر ولا لأنّه
عرض. فلمّا لم يكن ذلك كذلك لم يجب القضاء بذلك على الغائب ، كما لم يجب إذا لم
نجد فاعلا إلّا جسما ولا شيئا إلّا جوهرا أو عرضا ولا عالما قادرا حيّا إلا بعلم
وحياة وقدرة محدثة أن نقضي بذلك على الغائب. إذ لم يكن الفاعل فاعلا لأنّه جسم ولا
الشيء شيئا لأنّه جوهر أو عرض (ش ، ل ، ٣٦ ، ١٥)
ـ اعلم أنّ المرئيّ
إنّما يوصف بذلك لأنّه رائيا رآه ، كما أن المعلوم يوصف بذلك لأنّ عالما علمه (ق ،
غ ٤ ، ٨٠ ، ٤)
إنّ المرئيّ لا
يحصل بالرائي على بعض الصفات ، بل يراه على ما هو به (ق ، غ ٤ ، ٨٩ ، ٨)
مراد
ـ كان يقول (ابن
الراوندي) إنّ المعلومات معلومات لله قبل كونها [و] أنّ إثباتها معلومات لله قبل
كونها رجوع إلى أنّ الله يعلمها قبل كونها ، وإثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه
رجوع إلى علم زيد به قبل كونه ، وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما
حكينا عنه أنّه قاله في المعلومات ، وكذلك كل ما تعلّق بغيره كالمأمور به إنّما هو
مأمور به لوجود الأمر ، والمنهيّ عنه لوجود النهي كان منهيّا عنه ، وكذلك المراد
لوجود إرادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل
كونه ، وكذلك القول في المأمور والمنهيّ وسائر ما يتعلّق بغيره (ش ، ق ، ١٦٠ ، ٦)
ـ إنّ كل مراد كما
يصحّ أن يريده تعالى يصحّ في غيره أن يريده من حيث لا يقع في المرادات اختصاص.
والدلالة على صحّة هذا الأصل أنّ الشيء إنّما يصحّ أن يراد لصحّة حدوثه في نفسه أو
لاعتقاد المريد صحّة حدوثه بدلالة أنّ كل ما هذه حاله تصحّ إرادته ، وما خرج عن
ذلك تمتنع إرادته ، والقوم يخالفوننا في هذه الجملة لقولهم أن من حكم الإرادة أن
يتبع العلم ، فما علم أنّه يحدث يصحّ من المريد أن يريد. وما ليس كذلك لا يصحّ أن
يريده (ق ، ت ١ ، ٢٧٥ ، ٣)
ـ قال إبراهيم
النّظام : إنّ إرادة الله تعالى إنّما هي فعله ، أو أمره ، أو حكمه. قال : لأنّ الإرادة
في اللغة إنّما تكون ذلك ، أو تكون ضميرا ، أو قرب الشيء من الشيء. كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧).
والضمير يستحيل على الله ، فيجب أن تكون إرادته ما ذكرناه. قال والمراد يسمّى
إرادة في اللغة ؛ يقول القائل : جئني بإرادتي ، يعني مرادي. ويقول : أراد مني كذا
، أي أمرني به. ويقال : إنّ الله مريد لأن يقيم القيامة ، أي قد حكم بذلك (ق ، غ ٦
/ ٢ ، ٤ ، ٣)
ـ إنّ المراد
كالمعلوم في أنّه لا يختصّ بمريد دون غيره ، فإنّ المقدور مفارق لهما (ق ، غ ٦ / ٢
، ١٢١ ، ١٦)
ـ يدلّ أيضا على
أنّ الإرادة يجوز أن تراد ، أنّ المراد إنّما يصحّ أن يراد لاعتقاد صحّة حدوثه. وهذا
بعينه قائم في الإرادة ، لأنّه يصحّ حدوثها ، فيجب أن يصحّ أن تراد (ن ، م ، ٣٦٤ ،
١٠)
ـ إنّ كل حادث
مراد لله تعالى حدوثه ، ولا يختصّ تعلّق مشيئة الباري بصنف من الحوادث دون صنف ،
بل هو تعالى مريد لوقوع جميع الحوادث : خيرها وشرّها ، نفعها وضرّها (ج ، ش ، ٢١١
، ٦)
ـ قولهم : يلزم أن
يكون مريدا لإرادة زيد وعمرو عند اختلاف مراديهما ، فقد منع بعض الأصحاب من تصوّر
اجتماع مثل هاتين الإرادتين وقال : إنّ ما علمه الله على ما هو عليه وإنّه سيكون
أو لا يكون فهو المراد ، ونقيضه تشبّه غير مراد. فعلى هذا تصوّر الإرادتين عند
تعلّقهما بنقيضين ممتنع. وهو مما فيه نظر ، فإنّ ما وجد من كل واحد منهما مماثل
لما وجد من صاحبه ، فيما يرجع إلى الميل والقصد ، والاختلاف ليس إلّا في التعلّق.
وكون أحدهما واقعا
على الوفق ، والآخر على خلافه ، فإن كان ذلك هو الموجب تسمية البعض إرادة ، والبعض
شهوة فحاصله يرجع إلى الاصطلاح في الأسماء ، لا الاختلاف في المعنى ، وهو ما يوجد
في كل واحد منهما (م ، غ ، ٦٤ ، ٨)
ـ المأمور الذي
علم وقوعه ، والمنهيّ الذي علم الانتهاء عنه هو المراد ، أمّا ما علم انتفاؤه فليس
بمراد الوجود ، وإن كان مأمورا به ، وما علم وجوده فليس بمراد الانتفاء وإن كان
منهيّا عنه ، وإلّا كان فيه إبطال أخصّ وصف الإرادة ، وهو تأتّي التمييز بها ، وهو
ممتنع. وأمّا ما يطلق عليه اسم الإرادة مع عدم حصول التمييز به فليس في الحقيقة إرادة
بل شهوة تمنّيا ، فإذا الإرادة أعمّ من الأمر من جهة أنّها توجد ولا أمر ، والأمر
أعمّ منها من جهة أنّه قد يكون ولا إرادة ، وليس ولا واحد منهما يلزم الآخر لزوما
معاكسا ولا غير معاكس. وعند ذلك فلا يلزم من الأمر بالوجود وإرادة العدم ما
تخيّلوه من التناقض. وعلى هذا القول في النهي أيضا (م ، غ ، ٦٦ ، ١٥)
ـ إذا قيل : إنّ
الشيء مراد ، فقد يراد به إنّ التكليف به هو المراد ، لا عينه وذاته. وقد يراد به
أنّه في نفسه هو المراد ، أي إيجاده أو إعدامه. فعلى هذا ما وصف بكونه مرادا ، ولا
وقوع له ، فليس المراد به إلّا إرادة التكليف به فقط. وما قيل إنّه غير مراد ، وهو
واقع ، فليس المراد به إلّا أنّه لم يرد التكليف به فقط (م ، غ ، ٦٨ ، ١٢)
مراد الله
ـ بعض الأصحاب ...
قال : أفعال المكلّفين وإن انقسمت إلى خيرات وشرور ، لكنّ الإرادة إنّما تتعلّق
بها من حيث وجودها وتحقّقها ، وهي من هذا الوجه ليست بشرور ، بل خيرات محضة ،
وإنّما تلحقها الشرور باعتبار الصفات التي هي منتسبة إلى فعل العبد وقدرته ، وهي
ما قلتم إنّها توابع الحدوث ، كما يأتي تحقيقه في مسألة خلق الأفعال. وهي من هذه
الجهة ليست مرادة لله ـ تعالى ـ على الأصلين ؛ فإنّ إرادة فعل العبد ـ من حيث إنّه
فعله ـ تمنّ وشهوة ، وذلك في حق الباري محال. فإذا ما هو مراد الله تعالى إنّما هو
التخصيص والإحداث وذلك هو الخير ، وما هو الشر ومنه الشر فهو ما وقع مسندا إلى فعل
العبد من حيث هو فعله ، وذلك غير مراد الله تعالى (م ، غ ، ٦٥ ، ٩)
مرتد
ـ كل من أتى كبيرة
من الكبائر ، أو ترك شيئا من الفروض المنصوصة ، على الاستحلال لذلك ، فهو كافر
مرتد ، حكمه حكم المرتدين ، ومن فعل شيئا من ذلك اتباعا لهواه وإيثارا لشهواته كان
فاسقا فاجرا ما أقام على خطيئته ، فإن مات عليها غير تائب منها كان من أهل النار
خالدا فيها وبئس المصير (ر ، ك ، ١٥٤ ، ٢)
مرتكبو الكبائر
ـ ثم اختلفت
الأمّة في مرتكبي الكبائر من المسلمين ، دفعته إليها الغلبة من شهوة أو غفلة أو
شدة الغضب والحمية أو رجاء العفو والتوبة من غير استحلال منه ولا استخفاف منه بمن
أمر ونهى ، فمنهم من جعله كافرا ، ومنهم من جعله مشركا ، ومنهم من جعله غير مؤمن
ولا كافر ، ومنهم من يجعله منافقا ، ومنهم من جعله /
مؤمنا على ما كان
عاصيا بما فعل ، فاسقا به من غير أن يطلق له اسم الفسق والفجور إلّا مع من يعلم ما
به سمّي ذلك ، ويرى أن يكون لله تعذيبه بقدر ذنبه والعفو عنه بما علم منه من الصدق
له في العبودة وغيره من الحسنات ، ومنهم من وقف في الوعيد إنّه أريد به المستحيل
أو غيره ، ورآه واجبا ، فتفريق من ذكرت بين الصغائر والكبائر فيما يثبت في الصغائر
من إمكان العفو أو إبقاء اسم الإيمان أوجب صرف الوعيد إلى الكبائر (م ، ح ، ٣٢٩ ،
٨)
ـ قالوا (الإباضيّة)
: إنّ دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد ، إلّا معسكر السلطان فإنّه دار بغى.
وأجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم ، وقالوا في مرتكبي الكبائر : إنّهم موحّدون
لا مؤمنون (ش ، م ١ ، ١٣٤ ، ١٥)
مرجئة
ـ أمّا المرجئة
فهم الذين يقولون : الإيمان قول بلا عمل (ر ، ك ، ١٤٨ ، ٢)
ـ أمّا المرجئة
فرخصوا في المعاصي وأطمعوا أهلها في الجنة بلا رجوع ولا توبة ، وشككوا الخلق في
وعيد الله ، وزعموا أنّ من" ارتكب" كبيرة من معاصي الله مؤمن كامل
الإيمان عند الله بعد أن يكون مقرّا بالتوحيد ، وأن جميع أعمال المؤمنين : الصلاة
والزكاة والصيام والحج ، وغير ذلك ليس من الإيمان ولا من دين الله ، مع أشياء
كثيرة تقبح من قولهم (ر ، ك ، ١٤٨ ، ٦)
ـ قيل : وما
القدريّة يا رسول الله؟ وما المرجئة؟ ... فقال : أمّا القدرية فهم الذين يعملون
المعاصي ويقولون إنّها من الله ، قضي بها وقدّرها علينا. وأمّا المرجئة فهم الذين
يقولون : الإيمان قول بلا عمل. ثم قال ، صلىاللهعليهوآله : " القدرية مجوس هذه الأمة" (ي ، ر ، ٦٧ ، ٧)
ـ المرجئة : هي
التي لم تر للعبد فيما ينسب إليه من الطاعة والمعصية فعلا ؛ البتّة (م ، ت ، ١٠٠ ،
٩)
ـ إنّ المرجئة
أرجأت الأفعال إلى الله ولم تجعلها للعبد ، والقدرية أثبتتها لله على ما تنسب
الخلق إلى الله تعالى ، ولم تجعل لله فيها تدبيرا (م ، ح ، ٢٢٩ ، ١)
ـ فسرت القدرية
بنفيهم القدر على الله. والأصل في هذا أنّ المرجئة هي التي أرجت حقيقة أفعال الخلق
إلى الله ، والقدرية هي التي نفت عن الله تدبيرها ، وجعلت كل التدبير فيها للخلق
حتى معنى العالم ، وبم على تدبير الخلق هم أفنوا وأبقوا وبه قام تدبير الله من
البعث وأهل الجنة والنار ، ليس لله في ذلك إلّا الاختيار ، وكذا لا يحقق له في
العالم أفعال سوى كونه بعد أن لم يكن (م ، ح ، ٣١٨ ، ١٣)
ـ قالت المعتزلة :
المرجئة هي التي أرجت الكبار ، لم تنزل أهلها نارا ولا جنّة (م ، ح ، ٣٨٢ ، ١٦)
ـ قال بعضهم :
المرجئة هم الذين أرجوا أمر على بن أبي طالب ومن خرج معه وعليه (م ، ح ، ٣٨٤ ، ١)
ـ المرجئة ثلاثة
أصناف : صنف منهم قالوا بالإرجاء في الإيمان وبالقدر على مذاهب القدريّة المعتزلة
، كغيلان ، وأبي شمر ، ومحمد بن شبيب البصري ، وهؤلاء داخلون في مضمون الخبر
الوارد في لعن القدريّة ، والمرجئة يستحقّون اللعنة من وجهين ، وصنف منهم قالوا
بالإرجاء بالإيمان ،
وبالجبر في
الأعمال ، على مذهب جهم بن صفوان ، فهم إذا من جملة الجهمية ، والصنف الثالث منهم
خارجون عن الجبريّة والقدريّة ، وهم فيما بينهم خمس فرق : اليونسية ، والغسّانية ،
والثوبانية ، والتومنية ، والمريسية ، وإنّما سمّوا مرجئة لأنهم أخّروا العمل عن
الإيمان (ب ، ف ، ٢٠٢ ، ٤)
ـ الإرجاء بمعنى
التأخير ، يقال : أرجيته ، وأرجأته ، إذا أخّرته. وروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : " لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا"
قيل : من المرجئة يا رسول الله؟ قال : " الذين يقولون الإيمان كلام"
يعني الذين زعموا أنّ الإيمان هو الإقرار وحده دون غيره (ب ، ف ، ٢٠٢ ، ١٢)
ـ المرجئة وهم الذين
لا يقطعون بوعيد الفساق ويقولون هم مرجئون لأمر الله (ز ، ك ٣ ، ١١٢ ، ٥)
ـ القول بالمنزلة
بين المنزلتين. والسبب فيه أنّه دخل واحد على الحسن البصريّ فقال : يا إمام الدين
، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن
الملّة ، وهم وعيديّة الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم لا
تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان. ولا يضرّ مع الإيمان
معصية ، كما لا ينفع من الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمّة. فكيف تحكم لنا في ذلك
اعتقادا؟ فتفكّر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إنّ
صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا
مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرّر ما أجاب به
على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل. فسمّي هو وأصحابه معتزلة
(ش ، م ١ ، ٤٨ ، ٥)
ـ المرجئة صنف آخر
تكلّموا في الإيمان والعمل ، إلّا أنّهم وافقوا الخوارج في بعض المسائل التي
تتعلّق بالإمامة (ش ، م ١ ، ١١٤ ، ٧)
ـ الإرجاء على
معنيين : أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (الأعراف : ١١١) ،
أي أمهله وأخّره. والثاني : إعطاء الرجاء. أمّا إطلاق اسم المرجئة على الجماعة
بالمعنى الأول فصحيح. لأنّهم كانوا يؤخّرون العمل عن النيّة والعقد. وأمّا بالمعنى
الثاني فظاهر ، فإنّهم كانوا يقولون : لا تضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع
الكفر طاعة. وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة. فلا يقضي عليه
بحكم ما في الدنيا ، من كونه من أهل الجنّة ، أو من أهل النّار. فعلى هذا : المرجئة
، والوعيديّة فرقتان متقابلتان. وقيل الإرجاء : تأخير عليّ رضي الله عنه عن الدرجة
الأولى إلى الرابعة. فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان (ش ، م ١ ، ١٣٩ ،
٧)
مرجّح
ـ إنّ جميع
الممكنات واقع بقدرة الله تعالى ، أمّا المعارضة بنفس الإرادة فقوية ، وجوابها أنّ
مفهوم كون الشيء مرجّحا غير مفهوم كونه مؤثّرا ، وذلك يوجب الفرق بين القدرة
والإرادة ، ويتوجّه عليه أنّ المفهوم من كونه عالما بهذا السواد غير المفهوم من
كونه عالما بذلك ، فيلزم أن يكون له بحسب كل معلوم
علما ، وقد التزمه
الأستاذ أبو سهل الصعلوكي منّا وهو الوجه ليس إلّا (ف ، م ، ١٢٦ ، ٢٧)
مرزوق
ـ حدّ الرزق :
إنّه تعالى لا يوصف بأنّه مرزوق ، وإنّ الشيء رزق له ، لاستحالة الانتفاع عليه ،
وإنّما يوصف بذلك من يصحّ أن ينتفع. ولذلك صحّ أن يوصف تعالى بأنّه مالك لمّا لم
يقتض ذلك صحّة الانتفاع بالشيء على الحدّ الذي اقتضاه الرزق ، ولذلك قد يوصف ما لا
يملكه الإنسان بأنّه رزقه إذا أبيح له تناوله والانتفاع به ، وإن كان قبل التناول
غير مالك له ؛ كالأمور المباحة ، وكبذل الطعام للغير ، إلى ما شاكله (ق ، غ ١١ ،
٢٨ ، ٥)
مرغب فيه
ـ قولنا"
مرغب فيه" أنّه قد بعث المكلّف على فعله بالثواب. ويفيد في العرف ما هذه
سبيله ممّا ليس بواجب ، ويوصف أنّه" مستحب". ومعناه في العرف أنّ الله
سبحانه قد أحبّه ، وليس بواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٢)
مركّب
ـ كل مركّب من
أجزاء متناهية ذات أوائل فليس هو شيئا غير أجزائه ، إذ الكل ليس هو شيئا غير
الأجزاء التي ينحلّ إليها ، وأجزاءه متناهية كما بيّنا ذات أوائل (ح ، ف ١ ، ١٥ ،
٤)
ـ أمّا المركّب
فإنّما يقتضي وجود المركّب من وقت تركّبه ، وحينئذ يسمّى مركّبا لا قبل ذلك (ح ، ف
١ ، ٤٥ ، ٣)
ـ العدد مركّب من
الآحاد التي هي الأفراد ، وهكذا كل مركّب من أجزاء فذلك المركّب ليس هو جزءا من
أجزائه ، كالكلام الذي هو مركّب من حرف وحرف حتى يقوم المعنى المعبّر عنه ،
فالكلام ليس هو الحرف والحرف ليس هو الكلام (ح ، ف ١ ، ٥٣ ، ٥)
مريد
ـ أصحاب"
النظّام" يزعمون أنّ الوصف لله بأنّه مريد لتكوين الأشياء معناه أنّه كوّنها
، وإرادته للتكوين هي التكوين ، والوصف له بأنّه مريد لأفعال عباده معناه أنّه آمر
بها ، والأمر بها غيرها ، قال وقد نقول أنّه مريد الساعة أن يقيم القيامة ومعنى
ذلك أنّه حاكم بذلك مخبر به ، وإلى هذا القول يميل البغداديون من المعتزلة (ش ، ق
، ١٩٠ ، ١٥)
ـ إنّ الله سبحانه
لم يزل مريدا أن يكون في وقته ما علم أنّه يكون في وقته ، مريدا أن لا يكون ما علم
أنّه لا يكون (ش ، ق ، ٢٨٣ ، ٥)
ـ زعم جماعة
من" البغداديين" من المعتزلة أنّ الوصف لله بأنّه مريد قد يكون بمعنى
أنّه كوّن الشيء ، والإرادة لتكوين الشيء هي الشيء ، وقد يكون الوصف لله بأنّه
مريد للشيء بمعنى أنّه آمر بالشيء كنحو (؟) الوصف له بأنّه مريد بمعنى أنه حاكم
بالشيء مخبر عنه وكنحو (؟) إرادته الساعة أن تقوم القيامة في وقتها ، ومعنى ذلك
أنّه حاكم بذلك مخبر به ، وهذا قول" إبراهيم النظّام" (ش ، ق ، ٥٠٩ ، ١٣)
ـ الدليل على أنّ
الله تعالى لم يزل مريدا وذلك أن الحيّ إذا كان غير مريد لشيء أصلا وجب أن يكون
موصوفا بضدّ من أضداد الإرادات من الآفات كالسهو والكراهة والإباء والآفات ، كما
وجب أن [يكون] الحيّ إذا كان غير عالم بشيء أصلا موصوفا بضدّ من أضداد العلوم من
الآفات كالجهل والسهو والغفلة أو الموت أو ما شابه ذلك من الآفات. فلمّا استحال أن
يكون الباري تعالى
لم يزل موصوفا بضد الإرادة لأنّ هذا يوجب أن لا يريد شيئا على وجه من الوجوه ،
وذلك أنّ ضدّ الإرادة إذا كان الباري تعالى لم يزل موصوفا به يوجب قدمه ، ومحال
عدم القديم كما محال حدوث القديم ، فإذا استحال عدمه وجب أن لا يريد الباري شيئا
ويقصد فعله على وجه من الوجوه وذلك فاسد. وإذا فسد هذا صحّ وثبت أنّ الباري تعالى
لم يزل مريدا (ش ، ل ، ١٨ ، ١٠)
ـ إن قال قائل لم
قلتم أنّ الله تعالى مريد لكل شيء يجوز أن يراد ، قيل له قلنا ذلك لأنّ الإرادة
إذا كانت من صفات الذات بالدلالة التي ذكرناها وجب أن تكون عامّة في كل ما يجوز أن
يراد على حقيقة ، كما إذا كان العلم من صفات الذات وجب عموم بكل ما يجوز أن يعلم
على حقيقة. وأيضا فقد دلت الدلالة على أنّ الله تعالى خالق كل شيء. حادث (و) لا
يجوز أن يخلق ما لا يريده ، وقد قال الله تعالى (فَعَّالٌ لِما
يُرِيدُ) (هود : ١٠٧).
وأيضا فإنّه لا يجوز أن يكون في سلطان الله تعالى ما لا يريده لأنّه لو كان في
سلطان الله تعالى ما لا يريده لوجب أحد أمرين إمّا إثبات سهو وغفلة أو إثبات ضعف
وعجز ووهن وتقصير عن بلوغ ما يريده ، فلمّا لم يجز ذلك على الله تعالى استحال أن
يكون في سلطانه ما لا يريده (ش ، ل ، ٢٤ ، ٣)
ـ إنّ الله تعالى
مريد لكل شيء يجوز أن يراد قول الله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا
أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان : ٣٠)
فأخبر أنّا لا نشاء إلا ما شاء أن نشاءه وقال تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ
لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) وقال
تعالى (وَلَوْ شِئْنا
لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣)
وقال (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ
ما فَعَلُوهُ) (الأنعام : ١١٢)
وقال (وَلَوْ شاءَ اللهُ
مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (البقرة : ٢٥٣ ـ ٢٥٤).
فأخبر أنّه لو لم يرد القتال لم يكن وأن ما أراد من ذلك فقد فعله (ش ، ل ، ٣١ ، ١)
ـ قالوا (المعتزلة)
: لا نقول : إنّ الله لم يزل مريدا ، لأنّ الله مريد بإرادة مخلوقة (ش ، ب ، ١١٩ ،
٩)
ـ إنّ الله عزوجل خلق الكفر والمعاصي ـ وسنبين ذلك بعد هذا الموضع من كتابنا
ـ وإذا وجب أنّ الله سبحانه خالق لذلك ، فقد وجب أنّه مريد له لأنّه لا يجوز أن
يخلق ما لا يريده (ش ، ب ، ١٢٦ ، ٥)
ـ فإن قال قائل :
فما الدليل على أنّه مريد؟ قيل له : وجود الأفعال منه وتقدّم بعضها على بعض في
الوجود وتأخر بعضها عن بعض في الوجود ؛ فلو لا أنّه قصد إلى إيجاد ما أوجد منها
لما وجد ولا تقدّم من ذلك ما تقدّم ولا تأخر منه ما تأخر ، مع صحة تقدّمه بدلا من
تأخره وتأخره بدلا من تقدّمه (ب ، ت ، ٤٧ ، ٢١)
ـ يدلّ على أنّه (الله)
مريد من جهة العقل : ترتيب الأفعال واختصاصها بوقت دون وقت ، ومكان دون مكان ،
وزمان دون زمان ؛ وكذلك يدلّ على أنّه أراد أن يكون هذا قبل هذا ، وهذا بعد هذا ،
وهذا على صفة ، والآخر على صفة غيرها ، وهذا من مكان ، وهذا من مكان آخر ، إلى غير
ذلك (ب ، ن ، ٣٦ ، ١٩)
ـ اعلم أنّه (الأشعري)
كان يقول إنّ معنى المريد وحقيقته من له إرادة ، وحقيقتها أنّها صفة نافية للسهو
عن الحيّ موجبة حكم المريد لمن قامت به. وكان يقول إنّ ذلك ممّا يستوي فيه أمر
الشاهد والغائب ،
لأنّ حقائق المعاني لا يصحّ أن تختلف أحكامها بالحضور والغيبة ، وكذلك الحدود (أ ،
م ، ٦٩ ، ٦)
ـ أمّا المريد ،
فقد قيل في حدّه : هو المختصّ بصفة لكونه عليها يصحّ منه الفعل على وجه دون وجه.
وهذا وإن كان كذلك ، إلّا أنّ إيراده على طريق التحديد لا يصحّ ، لأنّ قولنا مريد
أظهر منه ، ومن حق الحدّ أن يكون أظهر من المحدود ، ولهذا لم يحدّ الموجود بشيء ،
لأنّ كل ما يذكر في حقيقته فقولنا موجود أظهر منه ؛ فيجب إذن أن لا نحدّ المريد
أصلا ، لأنّ أي ما يذكر في حدّه فقولنا مريد أظهر منه ، وهكذا الكلام في الكاره (ق
، ش ، ٤٣٢ ، ١٠)
ـ إذا قلنا : إنّه
تعالى مريد ، فلا نعني به كونه قادرا ولا عالما ، لأنّه قد يريد ما لا يقدر عليه
وقد يقدر على ما لا يريده ، وهكذا في العلم ، وإنّما مرادنا أنّه حاصل على مثل صفة
الواحد منّا إذا كان مريدا. وقد خالفنا في ذلك شيخنا أبو القاسم البلخيّ والنظّام
، وقالا : إنّا إذا قلنا : إنّه تعالى مريد لفعل نفسه فمرادنا أنّه يفعله لا على
وجه السهو والغفلة ، وإذا قلنا إنّه مريد لفعل غيره فغرضنا أنّه آمر به ناه عن
خلافه ، فلم يثبتا معنى هذه الصفة في القديم تعالى البتّة. ونحن إذا أردنا إثباته
لله تعالى فبأن نبيّن أولا صحّته عليه جلّ وعزّ ، لأنّ إثبات الصفة تترتّب على
صحّتها. والذي يدلّ على أنّ هذه الصفة تصحّ على الله تعالى ، هو ما قد ثبت أنّ
المصحّح لها إنّما هو كونه حيّا ، بدليل أنّ من كان حيّا صحّ أن يريد ، ومتى لم
يكن حيّا لم يصحّ أن يريد ، فيجب أن يكون المصحّح لهذه الصفة إنّما هو كونه حيّا (ق
، ش ، ٤٣٤ ، ١)
ـ اعلم أنّه مريد
عندنا بإرادة محدثة موجودة لا في محلّ. وقد ذهبت النجّاريّة إلى أنّه تعالى مريد
لذاته ، وذهبت الأشعريّة إلى أنّه تعالى مريد بإرادة قديمة ، وذهبت الكلابية إلى
أنّه تعالى مريد بإرادة أزليّة (ق ، ش ، ٤٤٠ ، ٧)
ـ أمّا الكلام على
الأشعريّة حيث قالت : إنّه تعالى مريد بإرادة قديمة فهو أن نقول : لو كان القديم
تعالى مريد بإرادة قديمة ، لوجب أن تكون هذه الإرادة مثلا لله تعالى ، لأنّ القدم صفة
من صفات النفس ، والاشتراك فيها يوجب التماثل ؛ ألا ترى أنّ السواد لما كان سوادا
لذاته ، وجب في كل ما شاركه في كونه سوادا أن يكون مثلا له ، ولأنّه كان يجب أن
يكون هذا المعنى عالما قادرا حيّا مثل القديم تعالى ، لأنّ الاشتراك في القديم
يوجب الاشتراك في سائر صفات النفس ، وقد عرف فساده (ق ، ش ، ٤٤٧ ، ٧)
ـ إنّ كل فعل من
أفعاله (الله) يقع على وجه دون وجه. فالاستدلال به على أنّه تعالى مريد ممكن ما لم
يكن ذلك من باب ما يتأخّر العلم بوقوعه على هذا الوجه عن العلم بأنّه مريد نحو
العقاب الذي يفعله بالمعاقبين. فإنّه بالقصد ينصرف إلى العقاب. ولكن الابتداء
بالاستدلال بذلك غير صحيح وما خرج عن ذلك فكلّه يدلّ على ثبوت هذه الصفة من نحو
وجوه الخطاب. والوجوه التي وقعت عليها الآلام في الدنيا والوجوه التي وقعت عليها
أفعاله التي تعدّ في النعم. وكذلك ما يفعله فينا من شهوة القبيح والتمكين منه إلى
ما شاكل ذلك. وإن كان بعض ذلك أظهر من بعض على ما ثبت في الخطاب أنّه أظهر دلالة
من غيره (ق ، ت ١ ، ١٤٩ ، ٢)
ـ الدلالة على
ثبوته (الله) مريدا تجري على
وجهين : أحدهما أن
تراعى أفعاله التي تقع على وجه دون وجه ، فتبيّن أنّه لا يصحّ ذلك فيها من دون
كونه تعالى مريدا. وهذا قد يوجد في السمعيّات نحو الخبر والأمر وغيرهما. وقد يوجد
في العقليّات كنحو النعم التي يفعلها والآلام التي ينزلها وكما يقوله في خلق شهوة
القبيح إلى ما شاكل ذلك على ما نفصّله من بعد. والثاني أن نبيّن أنّ أحدنا إذا حصل
على صفة مخصوصة لا بدّ من أن يكون مريدا ، وتلك الصفة موجودة فيه تعالى ، فيجب
كونه مريدا. وبيان هذا إنّ العالم منّا بما يفعله وهو مقصود في نفسه والتخلية بينه
وبين إرادته قائمة فيما يدعوه إلى الفعل يدعوه إلى إرادته. وهذا الحكم في الشاهد
معلوم ضرورة ، فإنّ أحدنا إذا دعاه الداعي إلى الأكل دعاه ذلك إلى إرادته إذا كانت
الحال ما قلناه. وإنّما وجب أن يكون مريدا لا لشيء سوى ما ذكرناه من الأوصاف
بدلالة أنّه لو كان ساهيا عن الفعل لما صحّ أن يكون مريدا ، فضلا عن أن يجب ذلك
فيه ، ولو كان عالما والشيء غير مقصود إليه والغرض لا يتعلّق به مثل الإرادة نفسها
ومثل ما يقع عن بطّ الجرح (ق ، ت ١ ، ٢٦٩ ، ٤)
ـ وبعد فإنّ هذه
الحالة التي ثبتت للمريد قد وقع فيها خلاف ، فإنّ" أبا هاشم" قال مرة لا
حال للمريد بكونه مريدا. وليس يرجع بذلك إلى أكثر من وجود إرادته بحيث تعتقب هي
وضدّها عليها. فعلى هذا لا بدّ من أن يجعل الخطاب خطابا بالإرادة وكأنّه لمّا لم
يقع إشكال في ثبوت الإرادة ووقع اللبس في هذه الحالة ، أمكن أن يقال إنّ كونه خبرا
هو بالإرادة. فهذه الجملة تكشف عن هذا الإطلاق (ق ، ت ١ ، ٢٧٣ ، ٦)
ـ قال شيخانا أبو
علي وأبو هاشم رحمهماالله وسائر من تبعهما أنّه تعالى مريد في الحقيقة ، وأنّه يحصل
مريدا بعد ما لم يكن ، إذا فعل الإرادة ؛ وأنّه يريد بإرادة محدثة ، ولا يصحّ أن
يريد لنفسه ولا بإرادة قديمة ، وأنّ إرادته توجد لا في محل (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣ ، ٥)
ـ قال الجاحظ :
إنّه تعالى مريد بمعنى أنّ السهو منه في أفعاله ، والجهل بها لا يجوز عليه. قال :
وقد يقال في الحي إنّه مريد في اللغة على هذا الوجه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ١١)
ـ أمّا الكلام
فيما يجوز أن يريده تعالى ، فالذي قاله شيوخنا رحمهمالله أنّه مريد لجميع أفعاله ، إلّا الإرادة ، ويريد من أفعال
غيره ما أمره به ، وندب إليه. ولا خلاف بين أهل العدل أنّه لا يجوز أن يريد شيئا
من القبائح (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ١٥)
ـ قالت المجبرة :
إنّه تعالى لم يزل مريدا لكون ما علم أنّه يكون من حسن وقبيح. وقالوا في جميع ما
لا يقع منهم إنّه تعالى كاره لكونه مريدا أن لا يكون (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦ ، ٥)
ـ اعلم أنّ الواحد
منّا يجد نفسه مريدا للشيء ، ويعلم ذلك من حاله باضطرار ، كما يعلم من نفسه أنّه
معتقد ، ومشته ، وظان ومفكّر ، وما هذه حاله يستغني في إثباته عن الدلالة ، وإنّما
يحتاج إلى التأمّل في الفصل بينه وبين ما يلتبس به من أحوال الحي إلى التأمّل ،
كما ذكرناه في كون المدرك مدركا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨ ، ٣)
ـ إنّ من الأفعال
ما يحصل على بعض الوجوه لكون فاعله مريدا ، كالأمر والخبر وغيرهما ، مما يطول ذكره
، لأنّ فاعله لو لم يقصد الإخبار به عما هو خبر عنه لم يكن بأن يكون خبرا أولى من
غيره ، لجواز صفته وليس بخبر. وكذلك
فلو لم يرد
المأمور به ، لم يكن بأن يكون آمرا أولى من أن لا يكون كذلك ، لجواز وجوده بعينه
ولا يكون آمرا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠ ، ١٦)
ـ ليس لأحد أن
ينفي اختصاص المريد لحال ولا يثبت إلّا الإرادة لأنّ وقوع الفعل من جهته على وجه
مخصوص يقتضي اختصاصه بصفة من الصفات ، كما ذكرناه في صحّة الفعل منه ، ووقوعه
محكما. ولا يجوز أن يحصل الفعل من جهته بحسب إرادته إلّا والإرادة تقتضي كونه
مختصّا بحال ، لأنّها لو لم تقتض ذلك منه لم تؤثّر فيما يقع من الفعل بجوارحه ،
كما لا تؤثّر فيما يقع من الفعل من غيره ، ولأنّه يعلم من نفسه أنّه مريد وإن لم
يدرك الإرادة ولم يعلمها. فكيف يقال إنّ المستفاد بكون مريدا هو وجود الإرادة في
قلبه فقط؟ ونحن نبيّن من بعد أنّ حاله في كونه مريدا ، يفارق حاله في كونه متكلّما
، وأنّ ذلك لا يفيد الفعلية (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٢ ، ٩)
ـ إنّ المريد منا
إنّما يكون كذلك لمعنى. اعلم أنّ الذي يدلّ على ذلك أنّه يحصل مريدا للشيء مع جواز
أن لا يحصل كذلك ، وسائر أحواله لا تختلف ، فلا بدّ من أن يحتاج إلى معنى يصير به
مريدا لولاه لم يكن بأن يصير مريدا أولى من أن لا يصير مريدا ، لأنّه لا يمكن أن
يقال : إنّ المراد يحصل على وجه يوجب كونه مريدا له ، لأنّه على أي حال حصل ، لم
يمتنع أن لا يريد ، ولا له حال توجب كونه مريدا ، نحو كونه حيّا إلى ما شاكله ،
كما نقوله في كون المدرك مدركا. فقد صحّ إذن أنّه إنّما يريد ما يريده لعلّة كما
نقوله في إثبات الأعراض (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٤ ، ٢)
ـ إنّ المريد
إنّما يكون مريدا بالإرادة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٥ ، ١٢)
ـ إنّ للمريد منّا
بكونه مريدا حالا وحكما ، وأنّ العلم بأنّه كذلك غير العلم بالإرادة ، فيجب أن لا
يكون مريدا بها لأنّه فعلها ، لأنّ الفاعل ليس له بكونه فاعلا حال ، لأنّه لو كان
له حال بكونه فاعلا ، لوجب كونها معقولة. وفي علمنا بأنّ الفاعل متى علم وجود
مقدوره من جهته ، علم فاعلا ، دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٤٧ ، ٣)
ـ إنّ القادر إذا
قدر على جعل الشيء على صفة من الصفات ، فالواجب أن يختصّ بالقدرة على إيجاده. وهذا
يبيّن أنّ الجاعل القول خبرا ، يجب أن يكون هو الموجد له ، وأنّ إرادته لا تؤثّر
في فعل غيره. فأمّا كونه مريدا ، فقد يؤثّر في فعله ، وإن كانت الإرادة من فعل
غيره فيه ، كما يؤثّر إذا كانت من فعله ، لأنّ المعتبر هو كونه مريدا ، كما أنّ
كونه عالما بالفعل يؤثّر فيه ، كان العلم من فعله أو فعل غيره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٢ ،
٦)
ـ أوجبنا كونه (تعالى)
مريدا ، من حيث وقع منه الخبر على وجه دون وجه ، فأوجبنا كونه مريدا ، ليكون ما
فعله خبرا. والإرادة تتعلّق بالمراد لجنسها ، ولا يصحّ وجودها إلّا كذلك ، فيجب أن
لا تحتاج في كونها كذلك إلى كون فاعلها تعالى مريدا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٨ ، ١٠)
ـ مريد قد يريد ما
لا يكون ، كما يريد ما يكون ، لأنّ الإرادة جنس الفعل ، ولا يراعى في كونها إرادة
تكوّن مرادها وحدوثه لا محالة. فلا فصل بين أن تتعلّق بما نعلم أنّه لا يحدث ، أو
بما نعلم أنّه يحدث. وهي في هذا الوجه بمنزلة الاعتقاد الذي هو جنس الفعل ، وهي
مخالفة للعلم. ولذلك يعلم أحدنا من نفسه أنّه مريد
للشيء ، مع شكّه
في حال مراده هل يكون أم لا يكون ، ولا يفصل بين حاله إذا أراد ما يكون وبين حاله
إذا أراد ما لا يكون. ولذلك قد يريد من غيره الشيء ، ثم يستخبره عنه هل وجد أم لا؟
ولا يصحّ ذلك في العلم ؛ وذلك يبيّن الفرق بين الأمرين (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٥ ، ١١)
ـ إنّ المريد متى
أراد الشيء من مقدوره فلا بدّ من وقوعه ، إلّا أن يعرض ما يمنع معه وجوده. لأنّا
قد دللنا على أنّ الداعي إلى فعل الشيء يدعو إلى إرادته. فإذا صحّ ذلك ، فإنّما
يريد الشيء لأنّ الداعي قد دعا إليه ، والإرادة تكون تابعة للمراد. فكما لا يجوز
والحال هذه أن يفعل المراد ولا يريده ، وكذلك لا يجوز أن يريده ولا يفعله من
التخلية والتمكين ، فلا يصحّ أن يقع مراده إلّا لوجوه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٥٨ ، ١٧)
ـ إنّ وصف المريد
بأنّه مريد يفيد اختصاصه بحال لكونه عليها تقع الأفعال منه على وجه دون وجه ، ولا
يرجع بذلك إلى نفي كونه مغلوبا مقهورا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٩٤ ، ١٧)
ـ إنّ كونه مريدا
، إنّما يؤثّر في مقدوره ، بأن يقتضي وقوعه على وجه دون وجه (ق ، غ ٨ ، ٦٤ ، ٢)
ـ إنّا لا نقول
إنّ الإرادة تحتاج إلى العلم بصحة حدوث المراد ولا إلى أضداد العلم ، وإنّما
الواجب في ذلك أن لا يكون المريد ساهيا ولا في حكم الساهي. فإن صحّ أن لا يكون
ساهيا ولا في حكمه من دون العلم أو الاعتقاد أو الظنّ صحّ كونه مريدا (ن ، د ، ١٥٢
، ١٤)
ـ إنّا نستدلّ
بكونه مريدا على أنّه تعالى خلق فينا شهوة القبيح ونفرة الحسن؟ فلا بدّ من غرضه ،
وغرضه إمّا أن يكون الإغراء بالقبيح ، أو التعريض للنفع. ولا يجوز الإغراء ، لأنّ
ذلك قبيح. فلم يبق إلّا أن يكون الغرض به التكليف. ولا يكون مقصورا على التكليف
إلّا بالإرادة. وذلك لا يتمّ إلّا مع العلم بكونه عالما ، لأنّه إذا كان عالما
بقبح القبيح ، وبغناه عنه فإنّه لا يفعله (ن ، د ، ٤٦٣ ، ٣)
ـ ذهب أبو القاسم
إلى أنّ المريد لا بدّ من أن يكون فاعلا للإرادة (ن ، م ، ٣٥٢ ، ١٧)
ـ إنّ كونه مريدا
بما نبيّنه يؤثّر في وقوع الفعل على وجه ، وما يؤثّر في الفعل أو في أحكامه ، لا
بدّ من أن يكون حالا للفاعل (ن ، م ، ٣٥٢ ، ٢٤)
ـ إنّ أحدنا يجد
من نفسه أنّه مريد ، كما يجد من نفسه أنّه معتقد ، فما به يعلم أنّ للمعتقد بكونه
معتقدا حالا ، هو أنّ العلم بكونه معتقدا لا يتعلّق إلّا باختصاصه بحال ، وهذا
قائم في كونه مريدا ، فيجب أن يكون له بذلك حال (ن ، م ، ٣٥٣ ، ٧)
ـ قالت المعتزلة :
الرّب تعالى مريد لأفعاله سوى الإرادة والكراهة ، وهو مريد لما هو طاعة وقربة من
أفعال العباد ، كاره للمحظورات من أفعالهم. وأمّا المباح منها ، وما لا يدخل تحت
التكليف من مقدورات البهائم والأطفال ، فالرّب عندهم لا يريدها ولا يكرهها (ج ، ش
، ٢١٢ ، ١٤)
ـ إنّ الله تعالى
مريد لأفعاله. وبرهانه أنّ الفعل الصادر منه مختصّ بضروب من الجواز لا يتميّز
بعضها عن البعض إلّا بمرجّح ، ولا تكفي ذاته للترجيح لأنّ نسبة الذات إلى الضدّين
واحدة ، فما الذي خصّص أحد الضدّين بالوقوع في حال دون حال؟ وكذلك القدرة لا تكفي
فيه ؛ إذ نسبة القدرة إلى الضدّين واحدة وكذلك العلم لا يكفي خلافا للكعبي ، حيث
اكتفى بالعلم عن الإرادة ؛ لأنّ العلم يتبع المعلوم ، ويتعلّق به
على ما هو عليه ،
ولا يؤثّر فيه ولا يغيّره (غ ، ق ، ١٠١ ، ٥)
ـ ما خلقت الجن
والإنس إلّا لأجل العبادة ، ولم أرد من جميعهم إلّا إيّاها. فإن قلت : لو كان
مريدا للعبادة منهم لكانوا كلّهم عبادا. قلت : إنّما أراد منهم أن يعبدوه مختارين
للعبادة لا مضطرّين إليها لأنّه خلقهم ممكّنين ، فاختار بعضهم ترك العبادة مع كونه
مريدا لها ، ولو أرادها على القسر والإلجاء لوجدت من جميعهم (ز ، ك ٤ ، ٢١ ، ٦)
ـ قوله (النظّام)
في الإرادة : إنّ الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة. فإذا وصف بها شرعا في
أفعاله فالمراد بذلك أنّه خالقها ومنشئها على حسب ما علم. وإذا وصف بكونه مريدا
لأفعال العباد فالمعنيّ به أنّه آمر بها وناه عنها. وعنه أخذ الكعبي مذهبه في
الإرادة (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٣)
ـ نقل عنه (الجاحظ)
أيضا أنّه أنكر أصل الإرادة وكونها جنسا من الأعراض فقال : إذا انتفى السهو عن
الفاعل ، وكان عالما بما يفعله فهو المريد على التحقيق ، وأمّا الإرادة المتعلّقة
بفعل الغير فهو ميل النفس إليه ، وزاد على ذلك بإثبات الطبائع للأجسام كما قال
الطبيعيون من الفلاسفة وأثبت لها أفعالا مخصوصة بها ، وقال باستحالة عدم الجواهر ؛
فالأعراض تتبدّل ، والجواهر لا يجوز أن تفنى (ش ، م ١ ، ٧٥ ، ٨)
ـ حكى الكعبي عنه (الجاحظ)
أنّه قال : يوصف الباري تعالى بأنّه مريد بمعنى أنّه لا يصحّ عليه السهو في أفعاله
، ولا الجهل ولا يجوز أن يغلب ويقهر (ش ، م ١ ، ٧٥ ، ١٥)
ـ انفرد الكعبيّ
عن أستاذه بمسائل : منها قوله إنّ إرادة الباري تعالى ليست صفة قائمة بذاته ، ولا
هو مريد لذاته ، ولا إرادته حادثة في محل أو لا في محل ، بل إذا أطلق عليه أنّه
مريد فمعناه أنّه عالم ، قادر ، غير مكره في فعله ، ولا كاره ، ثم إذا قيل هو مريد
لأفعاله ، فالمراد به أنّه خالق لها على وفق علمه ، وإذا قيل هو مريد لأفعال عباده
، فالمراد به أنّه آمر بها راض عنها (ش ، م ١ ، ٧٨ ، ٥)
ـ هو مريد لموجود
بمعنى أنّه على صفة يتأتّى منه التخصيص بالوجود دون العدم وببعض الجائزات دون
البعض (ش ، ن ، ٩٩ ، ٣)
ـ قد دلّ الفعل
بوقوعه على أنّ الفاعل قادر ، وباختصاصه ببعض الجائزات على أنّه مريد ، وبأحكامه
على أنّه عالم ، وعلم بالضرورة أنّ القضايا مختلفة ، وورد في الشرع إطلاق العلم والقدرة
والإرادة ولا مدلول سواء ما دلّ الفعل عليه ، أو ورد في الشرع إطلاقه (ش ، ن ، ١٠٧
، ٩)
ـ الذي صحّح الفعل
من الحي كونه قادرا ، هو علّة لصحّة الفعل ، والعلّة لا تختلف حكمها شاهدا وغائبا
، وكذلك صادفنا إحكاما واتقانا في الأفعال وسبرنا ما لأجله يصحّ الإحكام والإتقان
من الفاعل ، فلم نجد إلّا كونه عالما ، وكذلك رأينا الاختصاص ببعض الجائزات دون
البعض مع تساوي الكل في الجواز ، وسبرنا ما لأجله يصحّ الاختصاص فلم نجد إلّا كونه
مريدا ، ثم لم يتصوّر وجود هذه الصفات إلّا وأن يكون الموصوف بها حيّا لأنّ الجماد
لا يتصوّر منه أن يكون قادرا أو عالما ، فقلنا القادر حي ، وأيضا فإنّا لو لم نصفه
بهذه الصفات لزمنا وصفه بأضدادها من العجز والجهل والموت ، وتلك نقائص مانعة من
صحّة الفعل المحكم
، ويتعالى الصانع عن كل نقص (ش ، ن ، ١٧١ ، ٦)
ـ ذهب النظّام
والكعبيّ إلى أنّ الباري تعالى غير موصوف بها (الإرادة) على الحقيقة وإن ورد الشرع
بذلك ، فالمراد بكونه تعالى مريدا لأفعاله إنّه خالقها ومنشئها ، وإن وصف بكونه
مريدا لأفعال العباد فالمراد بذلك أنّه أمر بها ، وإن وصف بكونه مريدا في الأزل
فالمراد بذلك أنّه عالم فقط (ش ، ن ، ٢٣٨ ، ٨)
ـ ذهب النجّار إلى
أنّ معنى كونه مريدا إنّه غير مغلوب ولا مستكره (ش ، ن ، ٢٣٨ ، ١٢)
ـ ذهب الجاحظ إلى
إنكار أصل الإرادة شاهدا وغائبا وقال ، مهما انتفى السهو عن الفاعل وكان عالما بما
يفعله فهو مريد ، وإذا مالت نفسه إلى فعل الغير سمّي ذلك الميلان إرادة ، وإلّا
فليست هي جنسا من الأعراض (ش ، ن ، ٢٣٩ ، ١)
ـ إنّا (الشهرستاني)
رأينا في الأفعال ما يدلّ على كون الصانع مريدا ، وهو اختصاص الأفعال ببعض
الجائزات دون البعض ، وإهمال هذه القضية غير ممكن (ش ، ن ، ٢٤٢ ، ١٦)
ـ نقول (الشهرستاني)
قد قام الدليل على أنّ معنى المريد هو ذو الإرادة ، كما قام الدليل على أنّ معنى
العالم هو ذو العلم (ش ، ن ، ٢٤٣ ، ٦)
ـ قالت المعتزلة
القائلون بإرادات حادثة إنّ الباري تعالى مريد لأفعاله الخاصّة بمعنى أنّه قاصد
إلى خلقها على ما علم ، وتتقدّم إرادته على المفعول بلحظة واحدة ، ومريد لأفعال
المكلّفين ما كان منها خيرا ليكون وما كان منها شرّا لا يكون ، وما لم يكن خيرا
ولا شرّا ولا واجبا ولا محظورا وهي المباحات فالرب تعالى لا يريدها ولا يكرهها ،
ويجوز تقديم إرادته وكراهيته على أفعال العباد بأوقات وأزمان ، ولم يجعلوا له حدّا
أو مرادا (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ٧)
ـ الباري تعالى
مريد الوجود من حيث هو وجود ، والوجود من حيث هو وجود خير ، فهو مريد الخير وبيده
الخير ، وأمّا الوجه الذي ينسب إلى العبد هو صفة لفعله بالنسبة إلى قدرته
واستطاعته وزمانه ومكانه وتكليفه ، وهو من هذا الوجه غير مراد للباري تعالى وغير
مقدور له ، ولمّا تقرّر عندنا بالبراهين السابقة إنّه تعالى خالق أعمال العباد كما
هو خالق الكون كلّه ، وإنّما هو خالق بالاختيار والإرادة لا بالطبع والذات ، فكان
مريدا مختارا لتجدّد الوجود وحدوث الموجود (ش ، ن ، ٢٥٢ ، ٨)
ـ اتّفق المسلمون
على أنّه تعالى مريد لكنّهم اختلفوا في معناه ، فذهب أبو الحسين البصريّ إلى أنّ
معناه علمه بما في الفعل من المصلحة الداعية إلى الإيجاد ، وعن البخاريّ أنّ معناه
أنّه غير مغلوب ولا مستكره ، وعن الكعبيّ أنّ معناه في أفعال نفسه كونه عالما بها
وفي أفعال غيره كونه آمرا بها ، وعندنا وعند أبي عليّ وأبي هاشم صفة زائدة على
العلم (ف ، م ، ١٢٤ ، ٢٣)
ـ إنّا بيّنا أنّ
كل فعل يصدر عن العبد فالمؤثّر فيه مجموع القدرة ، والداعي على سبيل الإيجاب وخالق
تلك القدرة والداعية هو الله تعالى ، وموجد السبب الموجب مريد للمسبّب ، فوجب كونه
تعالى مريدا للكل (ف ، أ ، ٦٨ ، ١٢)
ـ العالم ـ لا
محالة ـ على غاية من الحكمة والإتقان ، وهو ـ مع ذلك ـ جائز وجوده وجائز عدمه ،
فما خصّصه بالوجود يجب أن يكون مريدا له ، قادرا عليه ، عالما به. كما وقع
به الاستقراء في
الشاهد ، فإنّ من لم يكن قادرا لم يصحّ منه صدور شيء عنه ، ومن لم يكن عالما ، وإن
كان قادرا لم يكن ما صدر عنه على نظام الحكمة والإتقان ، ومن لم يكن مريدا لم يكن
تخصيص بعض الجائزات عنه بأحوال وأوقات ، دون البعض بأولى من العكس إذ نسبتها إليه
نسبة واحدة (م ، غ ، ٤٥ ، ٥)
ـ مذهب أهل الحق
أنّ الباري ـ تعالى ـ مريد على الحقيقة ، وليس معنى كونه مريدا إلّا قيام الإرادة
بذاته (م ، غ ، ٥٢ ، ٣)
ـ (الله) مريد
اتّفاقا ، وهي غير العلم عندنا ، وعند أبي علي وابنه. والعلم بمصلحة الفعل ومفسدته
عند أبي الحسين ، وكونه غير مغلوب ولا مستكره عند النجّار ، وكونه عالما بفعله ،
وآمرا بغيره عند الكعبيّ ، لنا : وقوع الفعل في وقت مع إمكانه في غيره يستدعي
مخصّصا ، وليس القدرة لأنّ نسبتها على السويّة ، ولا العلم وإلّا لزم الدور ،
لأنّه تابع للمعلوم ، ولا سائر الصفات وهو ظاهر فهو هي (خ ، ل ، ٩٩ ، ٣)
ـ أبو علي : وهو
تعالى مريد على الحقيقة. البلخيّ والنظّام : بل إرادته أمره أو فعله ، وهو عالم
به. قلنا : قوله تعالى : " محمد رسول الله" لا ينصرف إلى ابن عبد الله
إلّا بإرادته (م ، ق ، ٩٢ ، ٢٢)
ـ وصف الله تعالى
بأنّه مريد ، ثابت عقلا وسمعا. أمّا عقلا فلأنّه خالق ورازق وآمر ، ومثل ذلك لا
يصدر من حكيم من غير إرادة ، وما فعله غير المريد فليس بحكمة. والله سبحانه وتعالى
حكيم. وأمّا السمع فقال سبحانه : (إِنَّما أَمْرُهُ
إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) (ق ، س
، ١٠٨ ، ٢٠)
مريد بإرادة حادثة
ـ للكلام في أنّه (الله)
مريد بإرادة حادثة طريقان : أحدهما أن تقترن الدلالة على أنّه حصل مريدا مع جواز
أن لا يكون كذلك ، فلا بدّ من معنى به يريد على مثل طريقتنا في إثبات الأعراض. وإنّما
نعلم جواز هذه الصفة عليه بأن نعلم أنّه لو كان كونه مريدا واجبا مع أنّ تأثيره
على طريق الإيجاب لأوجب ذلك أن لا يصحّ منه التحيّز في كون الكلام خبرا عن زيد بن
عبد الله دون زيد بن عمرو ، بل كان يجب أن يكون خبرا عمن هو خبر عنه على وجه لا
يصحّ خلافه. وقد عرفنا فساد ذلك. فليس إلّا أن يكون كونه مريدا حاصل مع جواز أن لا
يحصل ، فينصرف في جعل كلامه خبرا عن واحد دون آخر. والطريق الثاني أن نبيّن أنّه
إذا لم يصحّ أن يكون مريدا لنفسه ولا لنفسه ولا لعلّة ولا بإرادة معدومة ولا قديمة
، فلا بدّ من أن يكون مريدا بإرادة حادثة. فعند انتهاء القسمة إلى ما ذكرناه يثبت
أنه مريد بإرادة حادثة (ق ، ت ١ ، ٢٧٤ ، ٢)
ـ واحد ما يدلّ
على أنّه مريد بإرادة حادثة أنّه إذا ثبت مريدا وبطل أن يكون كذلك للنفس ولعلّة
قديمة ولا للنفس ولا لعلّة فليس إلّا أنّه كذلك لعلّة حادثة. وبيان هذا الوجه أنّه
إمّا أن تكون هذه الصفة مقصورة على الذات أو تستحقّ لأمر زائد على الذات. وقد بطل
الأوّل. والزائد على الذات إمّا أن يكون مؤثّرا على طريق الاختيار أو الإيجاب.
والأوّل باطل لأنّه كان يلزم أن لا يصحّ كونه مريدا في حال البقاء وكونه تعالى
مريدا بالفاعل هو أبعد. وأمّا الموجب فإما أن تثبت له صفة الوجود أو لا تثبت. فإن
لم تثبت كان مريدا بإرادة معدومة
وفيه من الفساد ما
لا يخفى لوجوب أن يريد ما لا حصر له ، ولوجب أن يريد الشيء يكرهه ، ولوجوب أن لا
يكون لكونه مريدا أوّل ، ولا بدّ من أن تثبت لتلك العلّة صفة الوجود. ثم إمّا أن
يكون عن أول أو لا عن أول. وقد بطل أن يريد بإرادة قديمة فليس إلّا أن يريد بإرادة
محدثة (ق ، ت ١ ، ٢٨٢ ، ١١)
ـ اعلم أنّ للكلام
في إثباته مريدا بإرادة حادثة طرقا. فمنها أن نبني على أنّه حصل مريدا مع جواز أن
لا يريد وهذه إمارة كونه مستحقّا هذه الصفة لمعنى محدث وذلك قد مضى. وقد ذكر وجها
آخر وهو أن كونه مريدا جهة في وقوع فعله على وجه وما حلّ هذا المحل فلا بدّ من
تجدّده وهذا يوجب أنّه لمعنى (ق ، ت ١ ، ٢٨٣ ، ٢)
ـ لا يصحّ أن يقال
إنّه تعالى يريد مرادا دون غيره ، إلّا بأن يوصف تعالى بأنّه مريد بإرادة محدثة ،
لأنّها هي التي تختصّ بأن يتعلّق بشيء دون غيره ، وعلى وجه دون غيره (ق ، غ ٦ / ٢
، ١٣٤ ، ٩)
ـ اعلم أنّه إذا
ثبت بما قدّمناه أنّه مريد ، وبطل أنّه مريد لنفسه ، ولا لنفسه ، ولا لعلّة
وبإرادة قديمة ، فيجب كونه مريدا بإرادة محدثة. لأنّا لو لم نقل بذلك ، لأدّى إلى
خروجه من أن يكون مريدا أصلا. فإذا لم يكن إلى نفي كونه مريدا سبيل ، وجب كونه
مريدا بإرادة محدثة. وممّا يبيّن ذلك أنّه إذا ثبت أنّه قد حصل مريدا بعد ما لم
يكن كذلك ، وثبت أنّه لا شيء أراده إلّا ويصحّ أن يكرهه على البدل ، فليس بأن يريد
الشيء أولى من أن يكرهه ، إلّا لمعنى من المعاني ، على طريقتنا في إثبات الأعراض (ق
، غ ٦ / ٢ ، ١٤٠ ، ٤)
ـ إنّ ما قدّمناه
من أنّ أفعاله قد وقعت على وجوه كان يصحّ وقوعها على خلافها ، وأنّها لا تكون كذلك
إلّا من حيث حصل مريدا ، مع جواز أن لا يحصل مريدا له ، يبيّن أنّه مريد بإرادة
محدثة لأنّه إذا أحدثها حصل مريدا لها ، ويجوز أن لا يحدثها ، ولا يكون مريدا لها (ق
، غ ٦ / ٢ ، ١٤١ ، ٩)
مريد بإرادة قديمة
ـ ما دللنا به على
أنّه لو كان مريدا لنفسه لوجب أن يكون مريدا لكل مراد ، يدلّ على أنّه لا يكون
مريدا بإرادة قديمة ، لأنّها إذا كانت قديمة ، لم تكن بأن يراد بها بعض المراد
أولى من بعض ، كما قالوه في العلم القديم. وهذا يؤدّي إلى سائر ما ذكرناه من قبل ،
إلّا أن يقولوا إنّه يريد بالإرادة القديمة مرادا واحدا. وذلك يوجب إثبات إرادات
قديمة لا نهاية لها ، وأن تفارق إرادته الإرادات المحدثة في جواز تعلّقها على
التفصيل بمرادات كثيرة. وذلك بيّن الفساد ، لما ذكرناه في باب الصفات. أو يقال
إنّه يريد بعض المرادات دون بعض ، ويستحيل أن يريد سواها ، وهذا يوجب أنّ في
المرادات ما يستحيل أن يريده ؛ وقد بيّنا فساد ذلك من قبل. على أنّه لو كان مريدا
بإرادة قديمة أو لنفسه ، لاستحال أن تقع أفعاله على وجه لكونه مريدا ، نحو كون
الكلام خطابا وخبرا ، لأنّا قد بيّنا أنّ الخبر إنّما اقتضى كون المخبر مريدا ، من
حيث صحّ وقوعه بعينه من جهته ، ولا يكون خبرا. ولو كان مريدا لنفسه أو بإرادة
قديمة ، لم يصحّ هذا الوجه فيه ، لأنّه يستحيل أن يوجد ولا يكون مريدا له. وهذا
يوجب استحالة وجوده ، ولا يكون خبرا.
وذلك يبطل حاجته
في كونه خبرا إلى كون المخبر مريدا. وفي ذلك إبطال الطريق الذي به نعلم كونه مريدا
أصلا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٣٧ ، ٦)
مريد في الحقيقة
ـ في الدلالة على
أنّ الله تعالى مريد في الحقيقة. الذي يدلّ على ذلك ما قدّمناه من قبل من أنّ
الخبر لا يكون خبرا إلّا بأن يكون المخبر مريدا للإخبار به ، عمّا هو خبر عنه.
وكذلك الخطاب لا يكون خطابا إلّا بأن يريد المخاطب إحداثه خطابا لمن هو خطاب له.
وكذلك القول في الأمر ، والتكليف ، والثواب والعقاب ، والمدح والذمّ. فإذا صحّ
وقوع جميع ذلك منه تعالى فيجب كونه مريدا. وقد بيّنا أنّ نفس ما يقع خبرا أو أمرا
كان يجوز أن يقع على خلافه ، فيجب أن يكون الذي لأجله يختصّ بكونه خبرا أو أمرا ،
كون فاعله مريدا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٤ ، ٢)
مريد لا لنفسه ولا
لعلة
ـ واحد ما يبطل به
أن يكون مريدا لا لنفسه ولا لعلّة إنّه كان يجب أن يريد كل ما يصحّ أن يكون مرادا
، لأنّ الاختصاص زائل ، وأن يجري مجرى كونه مدركا من حيث كانت حاله مع بعض
المدركات كحاله مع سائرها (ق ، ت ١ ، ٢٨١ ، ٣)
مريد لإرادة
ـ قولهم : يلزم أن
يكون مريدا لإرادة زيد وعمرو عند اختلاف مراديهما ، فقد منع بعض الأصحاب من تصوّر
اجتماع مثل هاتين الإرادتين وقال : إنّ ما علمه الله على ما هو عليه وإنّه سيكون
أو لا يكون فهو المراد ، ونقيضه تشبه غير مراد. فعلى هذا تصوّر الإرادتين عند
تعلّقهما بنقيضين ممتنع. وهو مما فيه نظر ، فإنّ ما وجد من كل واحد منهما مماثل
لما وجد من صاحبه ، فيما يرجع إلى الميل والقصد ، والاختلاف ليس إلّا في التعلّق. وكون
أحدهما واقعا على الوفق ، والآخر على خلافه ، فإن كان ذلك هو الموجب تسمية البعض
إرادة ، والبعض شهوة فحاصله يرجع إلى الاصطلاح في الأسماء ، لا الاختلاف في المعنى
، وهو ما يوجد في كل واحد منهما (م ، غ ، ٦٤ ، ٦)
مريد للضدين
ـ قالوا (مشايخنا)
: يلزم أن يكون مريدا للضدّين لأنّ كلّ واحد منهما يصحّ حدوثه فيصحّ أن يريده ويجب
أن يريده. وعند هذا الإلزام اختلف كلام" شيوخنا". فمنهم من أوجب كونه
على صفتين ضدّين بإرادة الضدّين على ما قاله" أبو علي" وهو قول"
أبي هاشم" أوّلا. والذي يصحّ عندنا في إرادة الضدّين أنهما لا يتضادّان. وهو
قول رجع إليه" أبو هاشم" بدلالة أنّ هاتين الإرادتين لو يتضادّا لما
أثّر في ذلك اعتقاد المريد فيهما أنّهما لا يتضادّان. وقد ثبت أنّه متى اعتقد في
هذين المرادين أنّهما ليسا بضدّين ، صحّ منه أن يريدهما وتضادّ الضدّين لأمر يرجع
إليهما ، فلا يتغيّر بالاعتقاد ، فلمّا ثبت أنّه لو اعتقد اختلافهما صحّ منه أن
يريدهما دلّ على أن لا تضادّ في ذلك أصلا. وأنّ الداعي هو الذي يمنعه من ذلك على
ما نثبته (ق ، ت ١ ، ٢٧٧ ، ١)
مريد لنفسه
ـ أمّا من قال
أنّه مريد لنفسه فلا يصحّ أن نجعل كونه مريدا متعلّقا بدواعيه ، وبما يجري مجرى
اختياره. فيجب لو كان مريدا لنفسه أن يكون مريدا للضدّين ، وأن لا يصحّ لهم القول
بأنّ إرادته لأحدهما ، نحيل كونه مريدا للآخر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢١ ، ٩)
ـ الأصل فيما
يستحقّ تعالى من الصفة النفسيّة أنّها إنّما تجب إذا صحّت ، لأنّ القول بوجوب ما
يستحيل يتناقض ، فلذلك تضمّن وجوبها القول بصحّتها. فكل ما ثبت أنّه يصحّ عليه ،
وجب أن يستحقّه ، وكل ما ثبت استحالته عليه ، لم يكن له في هذا الباب مدخل. فلذلك
قلنا : إنّ كونه تعالى غير موصوف بالقدرة على مقدور غيره ، لا يناقض وصفنا له
بأنّه قادر لنفسه في المعنى. ووصفنا له بأنّه غير مريد لبعض المرادات ، ينقض وصفنا
له بأنّه مريد لنفسه في المعنى ، من حيث صحّ كونه مريدا لجميعه. فوجب كونه تعالى
مريدا له ، كما نقوله في المعلوم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٣ ، ٣)
ـ وبعد ، فإنّه
جلّ وعزّ كما يعلم ما يكون وما لا يكون ، فإنّه يعلم أنّ ما لا يكون من مقدوراته
يصحّ أن يختاره ويفعله. وليس كذلك الحال فيما قالوه ، لأنّه لو كان مريدا لنفسه ،
لوجب أن يستحيل أن يفعل ما ليس بمريد له ، من حيث كانت الإرادة عندهم موجبة. فلا
يصحّ أن يريد الشيء ، إلّا ويجب كونه ، ولا يصحّ أن يكون ما لا يريده (ق ، غ ٦ / ٢
، ١٣٩ ، ١١)
مزاح العلة
ـ اعلم أنّه لا
بدّ مع التخلية بينه وبين الفعل ، على ما بيّناه ، من أن يجعل تعالى المكلّف مزاح
العلّة ، وإزاحة العلّة لا يكون إلّا بأمر زائد على التخلية ، لأنّه لو خلّى بينه
وبين الفعل ، ولم يعرف حسنه ، لصحّ أن يفعل ويتركه ، (و) كان لا يكون تعالى مزيحا
لعلّته. وكذلك فلو أنّه تعالى لم يدلّ على حال الفعل ، لوجب ما ذكرناه. ولو أنّه
تعالى لم يعرفه ما يدعوه من الأفعال إلى فعل ما وجب عليه ، أو لم يفعل به الألطاف
التي عندها يختار ما كلّفه ، لكان غير مزيح لعلّته ، فلا بدّ من أن يفعل تعالى
سائر ما ذكرناه ليكون مزيحا لعلّته ، فيحسن عند ذلك أن يكلّفه. فبحصول ما ذكرناه
من إزاحة علّة المكلّف ، وإن اختلفت وجوهه ، يجب أن يفعل تعالى ما يدعوه به إلى ما
كلّف ، أو يقوي به دواعيه ، أو يعلّمه أو يدلّه على ما عنده يحصل له الدواعي.
فلتعلّق الجميع بالدواعي جعلناه داخلا في إزاحة العلّة. وقد ثبت أنّه تعالى إنّما
كلّف العبد لينفعه بأجلّ المنافع وأعلاها وأسناها ، من حيث لا يحسن أن يبتدئه بها
، فلا بدّ من أن يمكنه من فعل ما ينالها به ، ولا بدّ إذا علم أنّه إنّما يختار
الفعل لأمور ، أن يفعل تلك الأمور ، وإلّا نقض ذلك قولنا إنّ غرضه أن يعرّضه للمنافع
(ق ، م ٢ ، ٧١٦ ، ٣)
مزدقية
ـ حكاية قول
المزدقية : حكى الورّاق أنّ قولهم كقول كثير من المانويّة في الكونين ، لكنهم
زعموا أنّ النور يفعل على القصد والظلمة تفعل بالخبط (ق ، غ ٥ ، ١٦ ، ١)
مسبّب
ـ اختلفوا (المعتزلة)
هل يجوز أن يترك المتولّد إذا ترك سببه أم لا على مقالتين : فقال قائلون :
إنّما يترك السبب
فأمّا المسبّب فمحال أن يكون الترك لسببه تركا له ، وهذا قول" عبّاد"
و" الجبّائي". وقال قائلون : قد نترك المسبّب بتركنا للسبب (ش ، ق ، ٤٠٩
، ١٥)
ـ إنّ المسبّب على
وجهين إمّا أن يقترن بسببه وإمّا أن يتراخى عن سببه. فما يقترن أحد الأمرين فيه
بالآخر فحاله وحال المبتدأ سواء في شروط استحقاق هذه الأمور عليهما بلا خلاف على
شيء من الوجوه ، لأنّه باقترانه بسببه قد حلّ محلّ فعل آخر مبتدأ اقترن بهذا السبب
، فما يشرطه في المبتدأ فهو شرط هاهنا. وأمّا إذا تراخى المسبّب عن السبب فإنّه قد
يزول عنه الذمّ في المسبّب لسهوه عنه وجهله به حتى لا يعرفه ولا يتمكّن من معرفته.
ألا تراه لو رمى صيدا فأصاب مسلما لم يستحقّ الذمّ على هذا المتولّد عن الرمي. وإن
كان في تسميته بأنّه قبيح أم لا خلاف ، ولكن لمّا لم يعرف هذا المسبّب ولا خطر له
بالبال وزال عنه التمكّن من ذلك أيضا ، فزال عنه الذمّ ، ولو حصل فيه ما قلناه
أولا لثبت فيه الذمّ. فمن هذه الجهة يفارق هذا المسبّب المبتدأ ، والمتولّد
المقارن لسببه ، وهذا إنّما يتأتّى في المسبّبات التي تتجدّد فيها الأسباب حالا
فحالا ، وإلّا فليس يصحّ في هذا السبب الواحد أن يتأخّر مسبّبه إلى أزيد من الوقت
الثاني كما نقوله في النظر والاعتماد (ق ، ت ١ ، ٤١٢ ، ١٩)
ـ إنّ المسبّب
الذي يتراخى يصحّ أن يكره في حال وقوعه وبعد فعل السبب ويصحّ الندم عليه. وعلى هذا
صحّت التوبة من الإصابة بعد وجود الرمي ، وهذه الطريقة ممتنعة في المبتدأ
والمتولّد الذي يصاحب سببه ، لأنّ الكراهة عنه صارفة عن فعله فغير جائز بعد فعل
السبب أن يكره المسبّب وهذا بيّن (ق ، ت ١ ، ٤١٣ ، ٦)
ـ إنّ بعد وجود
السبب قد يصحّ وجود عارض يمنع من وجود المسبّب ، وهذا ممتنع في المبتدأ. وكذلك فإن
المسبّب إنّما يمكنه أن يفعله بأن نفعل غيره ، ويمكنه أن لا يفعله بأن لا يفعل
غيره ، والمبتدأ لا يصحّ ذلك فيه. وعلى طريقة" أبي هاشم" في أحد مذهبيه
يصحّ أن يستحقّ المرء الذمّ على المسبّب قبل وقوعه ووجوده من حيث صار بوجود السبب
في حكم الواقع الخارج عن المقدور ، وليس كذلك في المبتدأ. فأمّا على مذهبه الثاني
فهما متساويان. والذي قال في الكتاب عند قوله : إنّهما يفترقان في كيفية التلافي
في المسبّب قبل وقوعه ، إنّما يريد به التوبة التي قدّمنا ذكرها. ثم قوله : وإن
كان في كيفية التوبة اختلاف لفظ إنّما يريد به أنّ في كلام" شيوخنا"
أنّه يندم عند فعل السبب الذي يولّد القبيح على السبب وعلى المسبّب جميعا. وربما
جرى غير ذلك وهو أن يندم على السبب الموجود لوجهين أحدهما لقبحه والثاني لأنّه
يوجب القبيح وهذا أقرب (ق ، ت ١ ، ٤١٣ ، ١١)
ـ إنّ المسبّب قد
بيّنا أنّه يتعلّق بالقادر كالسبب ، وإن كان يحدثه بغيره ، لا بأن يبتدئه. فكذلك
ما يقع فيه على جهة الإلجاء يجب أن يتعلّق به ، وإن وجب وجوده لأجل الداعي. لكنّ
الداعي لا يصحّ كونه موجبا ، لأنّ أمارة الأسباب منتفية عنه ، ولأنّها قد لا توجب
مع ارتفاع الموانع (ق ، غ ٨ ، ٦٢ ، ١٨)
ـ إنّ المسبّب
يرجع إلى الفاعل ويقع منه لكونه قادرا كالسبب ، وإن كان أحدهما يفعل بواسطة ،
والآخر يفعل على جهة الابتداء (ق ، غ ٩ ، ٣٣ ، ١١)
ـ بيّن شيخنا أبو
هاشم رحمهالله في البغداديّات أن المسبب الذي هو الحركات يقع بحسب القدر
، فأسقط قول من قال في المنحدر من شاهق أن تحرّكه لا يقع بحسب قدره. وبيّن أن حال
ما يرمى به وإن تفاوت في النفوذ فإنّ ذلك لعوارض تجري مجرى المنع ، لا لأنّ المسبب
لا يقع بحسب القدر ، وبيّن أنّ من حق القدر ألّا يجوز أن تفعل بها إلّا جزءا واحدا
من جنس واحد في محل واحد ، وأنّ المتولّد والمباشر في هذا الباب يتّفقان (ق ، غ ٩
، ٤٢ ، ٥)
ـ إن وجود المسبّب
يتبع السبب ولا يتبع اختيار الفاعل ولا سائر أحواله ، فمتى وجد منه تعالى فعله على
هذا الوجه فيجب كونه مولدا لمشاركة ما يفعله في علّة التوليد (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ٦)
ـ كان شيخنا أبو
علي ، رحمهالله ، يقول في المسبّب : إنّه يجب أن يعتبر حسنه بحسن سببه ،
لأنّه يجعلهما في حكم الشيء الواحد ، فيحكم بحسن ما يتولّد عن النظر من حيث علم
حسن النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ٨)
ـ أمّا شيخنا أبو
هاشم رحمهالله ، فإنّه يقول في المسبّب : إنّه يجب أن يتبع السبب ، لكنّه
لا يجوز في السبب في أن يكون حسنا والمسبّب قبيحا ، وإنّما يجوز فيه أن يكون السبب
حسنا والمسبّب لا حسنا ولا قبيحا ، بأن يقع على جهة السهو. فلهذا قال في النظر :
إنّه لو ولّد الجهل أو كان فيه ما يولّده ، لم يصحّ أن يعلم العاقل حسنه. فعلى
طريقته ، إذا ثبت حسن النظر ، علم أنّه لا يجوز أن يتولّد عنه الجهل وإنّما يتولّد
عنه ما يكون معتقده على ما هو على وجه لا يكون قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ١١)
ـ قد ذكر شيخنا
أبو عبد الله ، رحمهالله ، أنّه لا يمتنع أن يحسن السبب ويقبح المسبّب بأن يكون
ظلما ، نحو أن يرمي الهدف على وجه يحسن منه فيصيب إنسانا. وبنى ذلك على قوله في
فعل الساهي : إنّ ما اختصّ منه بصفة الظلم يجب كونه قبيحا وإن لم يجب مثله في
الحركات وغيرها من أفعاله (ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ١٩)
ـ رأى شيخنا أبو
هاشم ، رحمهالله ، إنّ المسبّب لا يوجد إلّا بسببه ؛ فإنّ أحدنا لو أراد أن
يفعله ، ولمّا تقدّم سببه ، لاستحال ذلك منه. فقال لأجل ذلك : إنّه عند السبب
يستحقّ ثواب المسبّب إذا كان المعلوم في المسبّب أنّه يوجد لا محالة. ورأى أن عند
وجود السبب قد خرج المسبّب من أن يكون مقدورا له ، وصار في حكم الواقع ، حتى لو
أراد التوصّل إلى أن لا يقع لتعذّر عليه ، فحكم بذلك بأنّه قد صار في حكم الموجود
في باب استحقاقه ثوابه عند إيجاد السبب. ولذلك لا يحسن ، وقد أوجد السبب ، أن يؤمر
بالمسبّب أو ينهى عنه. كما لا يجوز أن يؤمر بنفس السبب وينهى عنه. فدلّ ذلك على
أنّه في باب كونه في حكم الموجود ، بمنزلة السبب. فيجب أن يستحقّ به ثوابه ويستحقّ
عنده ثواب المسبّب. ولذلك يصحّ من فاعل السبب أن يتوب فيزيل عن نفسه العقاب الذي
يستحقّه بالسبب والمسبّب. ولو لا أنّه قد استحقّهما جميعا قبل إيجاد المسبّب ، لما
صحّت التوبة منه (ق ، غ ١٢ ، ٤٦٦ ، ٩)
ـ إنّ السبب لا
يولّد ما يولّده من المسبّبات لما هو عليه في ذاته ، وإن كنّا قد جعلناه مؤثرا. وليس
كل ما يكون مؤثرا في شيء يجب أن يكون تأثيره راجعا إلى الجنس والذات ، بل السبب
إنّما يولّد لحدوثه ، وحدوثه يتعلّق بالفاعل. فكذلك مسبّب السبب يجب أن
يكون بالفاعل ،
وكذلك ما يتبع الحدوث مما يقع الحدوث عليه من الوجوه ، فإنّه يتعلّق بالفاعل (ن ،
د ، ٨٣ ، ٣)
ـ إنّ السبب
والمسبّب يجريان مجرى شيء واحد ، بدليل أنّ القادر عليهما والفاعل لهما واحد ،
فقبح أحدهما قبح الآخر ، وحسن أحدهما حسن الآخر ، فيجب أن تكون إرادة أحدهما هي
إرادة الآخر ، وهذا يوجب أن لا يريد السبب إلّا ويريد المسبّب مع علمه بذلك. وقولنا
: مع علمه بذلك ، احتراز عن الساهي والنائم (ن ، د ، ٩٤ ، ١٤)
ـ إن قيل : إنّ
فقد القدرة على السبب ، يجري مجرى المنع عن إيجاد هذا المسبّب بهذه القدرة. قيل له
: إنّ هذا المسبّب لا يوجد بقدرة السبب بزعمك ، ولا يوجد بالسبب في الحقيقة ،
وإنّما يوجد بكون القادر قادرا عليه ، ولا يحتاج ذلك المسبّب في وجوده إلى سبب ولا
إلى القدرة عليه ، فيجب أن لا يكون فقد القدرة على السبب جاريا مجرى المنع من
وقوعه (ن ، م ، ٣٥٨ ، ٢١)
ـ أبو هاشم :
والسبب والمسبّب كالشيء الواحد في الحسن والقبح حيث اشتركا في القصد. وعن قوم وأحد
قولي أبي علي : بل قد يولّد القبيح حسنا والعكس. قلنا : المسبّب موجود بوجود سببه
، فيستحيل اختلافهما (م ، ق ، ٩٦ ، ٢٢)
مسبّب واحد عن
سببين
ـ بهذه الطريقة
نمنع من وقوع مسبّب واحد عن سببين ، يبيّن ما قلناه إن سبب هذا الفعل إذا وجد فلا
يخلو من أن يجب وجود الفعل أم لا يجب ، فإن لم يجب وجوده وجب خروجه من أن يكون
سببا له ، وأن يكون الفعل واقعا على جهة الابتداء ، وإن وجب وجوده لم يكن لإرادته
تأثير فيه ، فيجب كونه موجودا بالسبب فقط ، وهذا يمنع من صحّة كونه موجودا من
الوجهين ، (أي موجودا معدوما) (ق ، غ ٩ ، ١٢١ ، ٦)
مسبّب يصاحب السبب
ـ أمّا المبتدأ
فعند وجوده وكذلك المسبّب الذي يصاحب السبب يزول تعلّقه عند وجود سببه. وهكذا إن
ولّده في الثاني. فأمّا القديم تعالى فالمبتدأ من فعله إن صحّت إعادته لم يزل
تعلّقه به ، وفي المسبّب إذا تولّد عن سبب لا يبقى زال تعلّقه به عند وجود سببه
بلا إشكال. فأمّا إن كان مما يبقى سببه فهو مبني على صحّة الإعادة فيه وقد مضى
ذكره في موضعه. فإن قلنا بأن السبب باق ويقع مبتدأ فأعيد ، فلا بدّ من أن يكون له
مسبّب في حال الإعادة غير ما كان في حال البدء ، هذا إن كانت تلك المسبّبات التي
له في حال الابتداء قد وقعت ، ويحتمل أن يقال : إن كانت لم تقع ولدت هذه المسبّبات
بأعبائها وفيه نظر (ق ، ت ١ ، ٤٢٧ ، ٨)
مسبّبات
ـ غير ممتنع أن
توجد مسبّبات كثيرة عن سبب واحد (ن ، د ، ١٤٩ ، ١٣)
مستحب
ـ قولنا"
مرغب فيه" أنّه قد بعث المكلّف على فعله بالثواب. ويفيد في العرف ما هذه
سبيله ممّا ليس بواجب ، ويوصف أنّه" مستحب".
ومعناه في العرف
أنّ الله سبحانه قد أحبّه ، وليس بواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٣)
مستحق بالأفعال
ـ أمّا المستحقّ
بالأفعال ، فهو المدح والذمّ ، وما يتبعهما في الثواب والعقاب ، ولكل واحد في هذه
الألفاظ معنى (ق ، ش ، ٦١١ ، ١٠)
مستحق بالآلام
ـ إنّ المستحقّ
بالآلام لا يختلف فيمن يستحقّ العقاب والثواب ؛ لأنّ اختلاف حالهما في ذلك لا
يغيّر حال ما يستحقّ بالألم ، فلو كان المستحقّ به إزالة العقاب فيمن يستحقّ
العقاب لوجب أن يكون هو المستحقّ في غيره ، فبقي بطلان ذلك دلالة على أنّ المستحقّ
به هو المنافع على ما ذكرناه. يبيّن ما ذكرناه أن من حقّ التوبة أن تزيل العقاب
ويستحقّ به ذلك ، وإذا أزال به العقاب لم يجز أن يكون ما تقدّم من الألم يستحقّ به
إزالة العقاب ؛ لأن ذلك يؤدّي إلى أن يزول العقاب بكل واحد منهما وأحدهما في ذلك
يغني عن صاحبه (ق ، غ ١١ ، ٨٨ ، ١٥)
مستحق بالنظر
والمعارف
ـ إنّما صحّ القول
فيما يفعله القديم ، تعالى ، من الواجب أنّه يستحقّ المدح دون الثواب لأمرين :
أحدهما أنّ الثواب يستحيل عليه ، ومحال أن يقال : إنّه يستحقّ ما يستحيل فيه ؛
والثاني أنّه لا مشقّة تجوز عليه في الأفعال. وليس كذلك حال الواحد منّا ، فيجب أن
يستحقّ بالنظر والمعارف المدح والثواب ، وبالإخلال بهما الذمّ والعقاب ، لأنّا
سنبيّن من بعد ، أنّ الوجه الذي يستحقّ عليه الذمّ هو الوجه الذي عليه يستحقّ
العقاب في تروك الواجبات. كما أنّ الثواب والمدح يستحقّان على وجه واحد في
الواجبات (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٥ ، ١٠)
مستحق به المدح
والثواب
ـ (المعارف)
واجبة. وقد صحّ فيما يجب على المكلّف أنّه يستحقّ به المدح والثواب ، وبالإخلال به
الذمّ والعقاب. وسنبيّن ذلك في باب الوعيد. وقد تقدّم طرق من القول فيه ، لأنّا قد
بيّنا أنّه لا يحسن منه تعالى إلزام المكلّف الأمور الشاقّة إلّا ليعرّضه لمنزلة
الثواب ، وأنّه لو لا ما فيه من المضرّة لم يكن ليحسن أن يوجبه للمنفعة فقط. لأنّ
إلزام الشاقّ للنفع فقط هو إلزام لوجه لا يلزم لأجله. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا من
حال النظر والمعارف أنّها لازمة مع ما فيها من المشقّة ، فيجب أن يكون هذا حالها (ق
، غ ١٢ ، ٤٤٤ ، ٥)
مستحق عليه العوض
ـ أمّا المستحقّ
عليه (العوض) فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون هو الله تعالى أو غيره ، فإن كان الله تعالى
فإنّه يوفّر على المستحقّ ما يستحقّ من عنده ، وإن كان من غيره فإنّه تعالى يأخذ
منه العوض ويوفّره على المستحقّ ، سالكا في ذلك طريقة الانتصاف ، فحال القديم
تعالى في هذا الباب كحال وليّ الأيتام ، فكما أنّه إذا وقعت منه جناية قابلها
بالأرض ، وإذا جنى بعضهم على بعض أخذ الأرض من مال الجاني وضمّه إلى مال المجني
عليه ، وكذلك القديم تعالى (ق ، ش ، ٥٠٤ ، ١٨)
مستحق للعوض
ـ إنّ المستحقّ
للعوض لا يخلو : إمّا أن يكون مكلّفا أو غير مكلّف. فإن كان مكلّفا فلا يخلو ؛
إمّا أن يكون من أهل الثواب أو من أهل العقاب. فإن كان من أهل الثواب فلا يخلو ،
إمّا أن يكون مستحقّا على الله تعالى ، أو يكون مستحقّا على غير الله تعالى. فإن
استحقّه على الله تعالى ، فإنّه تعالى يوصله إليه ويوفّره عليه بتمامه وكماله
مفرّقا على الأوقات ، بحيث يقع الاعتداد به ، على ما مرّ. وإن استحقّه على غير
الله تعالى ، فإنّه تعالى يأخذ من ذلك الغير العوض مكلّفا كان أو غير مكلّف ،
ويوفّره عليه بحيث لا يكون لأحد منهما كلام. وإن كان من أهل العقاب فلا يخلو ؛
إمّا أن يستحقّ العوض على الله تعالى أو على غيره ، فإن استحقّه على الله تعالى
فإنّه يوفّره الله تعالى عليه إمّا في دار الدنيا وإمّا في دار الآخرة ، قبل دخول
النار أو بعدها ، بحيث لا يقع له الاعتداد به ولا يلحقه بذلك سرور ولا فرح ، خلاف
ما قاله أبو علي من أنّ بالعقاب يسقط العوض وينحبط. وإن استحقّه على غير الله
تعالى ، فإنّه تعالى يأخذ من المستحقّ عليه مكلّفا كان أو غير مكلّف ، ويوصله إليه
على الوجه الذي ذكرناه. هذا إذا كان الكلام في المكلّف ؛ فأمّا إذا كان في غير
المكلّف فلا يخلو ؛ إمّا أن يستحقّ العوض على الله تعالى أو على غيره. فإن استحقّه
على الله تعالى يوفّر عليه بكماله وتمامه ، وإذا انقطع عوضه نقله إلى صورة يلتذّ
أهل الجنّة بالنظر إليها على ما مرّ ، وإن كان الأقرب أنّه تعالى يديم الفضل عليه
بعد ذلك ، فقد اتّفقت الأمّة على أنّ لا موت بعد الحشر (ق ، ش ، ٥٠٣ ، ١٦)
مستحيل
ـ ليس من حكم كونه
قادرا لنفسه أن يقدر على كل مقدور كما أنّ من حكمه أن يقدر على كل جنس وعلى ما لا
نهاية له من كل جنس. وذلك لأنّه إنّما يدخل تحت صفة النفس في الوجوب ما يصحّ.
فأمّا المستحيل فلا يدخل تحت الوجوب (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ٨)
ـ المستحيل هو
ضروريّ العدم بحيث لو قدّر وجوده لزم منه محال (ش ، ن ، ١٥ ، ٤)
ـ لا يقولون (أبو
هاشم وأتباعه) بأنّ الحال سلب محض ، بل يقولون إنّها وصف ليس بموجود ولا معدوم.
والمستحيل عندهم ليس بموجود ولا معدوم ، مع أنّه ليس بحالّ. فإذن ، الحال يشتمل
عندهم على معنى غير سلب الوجود ، والعدم يختصّ بتلك الأمور يسمّونها حالا ، وتشترك
الأحوال فيه ؛ ولكونها غير مدركة بانفرادها لا يحكمون عليها بالتّماثل والاختلاف (ط
، م ، ٩٠ ، ١١)
مستدل
ـ المستدل الناظر
في الدليل ، واستدلاله نظره في الدليل وطلبه به علم ما غاب عنه (ب ، ن ، ١٥ ، ١٥)
ـ وجود المستدلّ
على الله سبحانه ، لازم لوجود الدليل ، لأنّ وجوده هو نفس الدليل ، فيبطل تقدير
عدم الدليل على الله سبحانه مع وجود المستدلّ ، بخلاف العكس ، لجواز أن يخلق الله
تعالى شيئا لا يعلم ، نحو الجماد ، قبل خلقه من يعلم ، والجهل بوجه الدليل لا يبطل
كونه دليلا ، لأنّ الجهل لا تأثير له في إبطال الأدلّة باتّفاق العقلاء (ق ، س ،
٥٩ ، ٩)
مستطيع
ـ زعم"
النظّام" و" علي الاسواري" أنّ الإنسان حيّ مستطيع بنفسه لا بحياة
واستطاعة هما غيره (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ٣)
ـ إنّ الإنسان حيّ
مستطيع والحياة والاستطاعة هما غيره ، وهذا قول" أبي الهذيل" و"
معمّر" و" هشام الفوطي" وأكثر المعتزلة (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ٩)
ـ إن قال قائل لم
قلتم أنّ الإنسان يستطيع باستطاعة هي غيره ، قيل له لأنّه يكون تارة مستطيعا وتارة
عاجزا ، كما يكون تارة عالما وتارة غير عالم ، وتارة متحرّكا وتارة غير متحرّك ،
فوجب أن يكون مستطيعا بمعنى هو غيره (ش ، ل ، ٥٤ ، ٣)
ـ أمّا وصفنا له
سبحانه بأنّه مستطيع فقد قال شيخنا أبو علي ، رحمهالله : إنّه يوصف بذلك ، ويراد به أنّه قادر ، وإن هذه اللفظة
صحيحة في الله تعالى. قال : ويجوز أن يقال إنّه يمكنه أن يفعل كما يقال إنّه
يستطيع أن يفعل. وهذا بيّن ، لأنّ قولنا مستطيع وقادر في الشاهد يجريان مجرى واحدا
(ق ، غ ٥ ، ٢١٧ ، ٦)
ـ أجاز (أبو هاشم)
بقاء المستطيع أبدا مع بقاء قدرته وتوفّر الآلة وارتفاع الموانع عنه خاليا من
الفعل والترك. فقيل له ، على هذا الأصل : أرأيت لو كان هذا القادر مكلّفا ومات قبل
أن يفعل بقدرته طاعة له ما ذا يكون حاله؟ فقال : يستحقّ الذمّ والعقاب الدائم ، لا
على فعل ، ولكن من أجل أنّه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه ، وتوفّر الآلة فيه ،
وارتفاع الموانع منه ، فقيل له : كيف استحقّ العقاب بأن لم يفعل ما أمر به وإن لم
يفعل ما نهي عنه دون أن يستحقّ الثواب بأن لم يفعل ما نهي عنه وإن لم يفعل ما أمر
به (ب ، ف ، ١٨٦ ، ١٢)
ـ أجاز (أبو هاشم)
بقاء المستطيع أبدا مع بقاء قدرته وتوفّر الآلة وارتفاع الموانع عنه خاليا من
الفعل والترك. فقيل له ، على هذا الأصل : أرأيت لو كان هذا القادر مكلّفا ومات قبل
أن يفعل بقدرته طاعة له ما ذا يكون حاله؟ فقال : يستحقّ الذمّ والعقاب الدائم ، لا
على فعل ، ولكن من أجل أنّه لم يفعل ما أمر به مع قدرته عليه ، وتوفّر الآلة فيه ،
وارتفاع الموانع منه ، فقيل له : كيف استحقّ العقاب بأن لم يفعل ما أمر به وإن لم
يفعل ما نهي عنه دون أن يستحقّ الثواب بأن لم يفعل ما نهي عنه وإن لم يفعل ما أمر
به (ب ، ف ، ١٨٦ ، ١٥)
ـ المستطيع جوهر ،
والجوهر لا ضدّ له فصحّ بالضرورة أنّ الاستطاعة هي غير المستطيع بلا شكّ (ح ، ف ٣
، ٢٨ ، ٧)
مستفيض متوسط بين
تواتر وآحاد
ـ هذا النوع (من
الأخبار) المستفيض المتوسّط بين التواتر والآحاد على أقسام : أحدها خبر من دلّت
المعجزة على صدقه كأخبار الأنبياء عليهمالسلام. والثاني خبر من أخبر عن صدقه صاحب معجزة. والثالث خبر
رواه في الأصل قوم ثقات ثم انتشر بعدهم رواته في الإعصار حتى بلغوا حدّ التواتر
وإن كانوا في العصر الأول محصورين ، ومن هذا الجنس أخبار الرّؤية كالأخبار في
الرؤية والشفاعة والحوض والميزان والرجم والمسح على الخفين وعذاب القبر ونحوه.
والقسم الرابع منه خبر من أخبار الآحاد في الأحكام الشرعيّة كل عصر قد أجمعت
الأمّة على الحكم به كالخبر في أن لا وصية لوارث وفي أن لا ينكح المرأة على
عمّتها ولا على
خالتها وفي أنّ السارق لما دون النصاب ومن غير حرز لا يقطع (ب ، أ ، ١٢ ، ١٧)
مستقر الأرواح
ـ قال أبو محمد
اختلف الناس في مستقرّ الأرواح ، وقد ذكرنا بطلان قول أصحاب التناسخ في صدر كتابنا
هذا والحمد لله ربّ العالمين ، فذهب قوم من الروافض إلى أنّ أرواح الكفّار ببرهوت
، وهو بئر بحضر موت ، وأنّ أرواح المؤمنين بموضع آخر أظنّه الجابية ، وهذا قول
فاسد لأنّه لا دليل عليه أصلا ، وما لا دليل عليه فهو ساقط ، ولا يعجز أحد عن أن
يدّعي للأرواح مكانا آخر غير ما ادّعاه هؤلاء ، وما كان هكذا فلا يدين به إلّا
مخذول وبالله تعالى التوفيق ، وذهب عوام أصحاب الحديث إلى أنّ الأرواح على أفنية
قبورها وهذا قول لا حجّة له أصلا تصحّحه إلّا خبر ضعيف لا يحتجّ بمثله لأنّه في
غاية السقوط ، لا يشتغل به أحد من علماء الحديث وما كان هكذا فهو ساقط أيضا ، وذهب
أبو الهذيل العلاف والأشعريّة إلى أنّ الأرواح أعراض تفنى ولا تبقى وقتين ، فإذا
مات الميت فلا روح هنالك أصلا ، ومن عجائب أصحاب هذه المقالة الفاسدة قولهم أنّ
روح الإنسان الآن غير روحه قبل ذلك ، وأنّه لا ينفكّ تحدث له روح ثم تفنى ، ثم روح
ثم تفني ، وهكذا أبدا ، وأنّ الإنسان يبدل ألف ألف روح وأكثر في مقدار أقل من ساعة
زمانية ، وهذا يشبه تخليط من هاج به البرسام ، وزاد بعضهم فقال إن صحّت الآثار في
عذاب الأرواح فإنّ الحياة ترد إلى أقل جزء لا يتجزّأ من الجسم ، فهو يعذّب ، وهذا
أيضا حمق آخر ودعاوي في غاية الفساد ، وبلغني عن بعضهم أنّه يزعم أنّ الحياة ترد
إلى عجب الذنب فهو يعذّب أو ينعم ، وتعلّق بالحديث الثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كل ابن آدم يأكله التراب إلّا عجب الذنب منه خلق وفيه
يركّب (ح ، ف ٤ ، ٦٩ ، ٣)
مستقيم
ـ قوله : (الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦) قيل
: هو القائم بمعنى الثابت بالبراهين والأدلة لا يزيله شيء ، ولا ينقض حججه كيد
الكائدين ، ولا حيل المريبين (م ، ت ، ٢٥ ، ١٠)
ـ المستقيم الذي
يستقيم بمن تمسك به حتى ينجيه ويدخله الجنّة (م ، ت ، ٢٥ ، ١٣)
ـ قيل المستقيم
بمعنى : يستقام به كقوله : (وَالنَّهارَ
مُبْصِراً) (النمل : ٨٦) أي
يبصر به. يدل عليه قوله (إِنَّ الَّذِينَ
قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) (فصلت : ٣٠)
الآية. فالمستقيم هو المتبع له وبالله التوفيق (م ، ت ، ٢٥ ، ١٤)
مسرور
ـ المسرور إنّما
يسرّ بأن يعلم وصول نفع إليه أو يظنّ ذلك أو يعتقده (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٥)
مسلم
ـ روى في قصة
جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله
واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد أن لا
إله إلا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في الأوّل :
فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح ، ٣٩٣ ،
١٤)
إنّه من البعيد عن
العقول أن يأتي المرء بجميع شرائط الإيمان ثم لا يكون مسلما ، أو يأتي بجميع شرائط
الإسلام ثم لا يكون [مؤمنا] ، ثبت أنّهما في الحقيقة واحد. ومعلوم أنّ الذي يسع له
التسمّي بأحدهما يسع بالآخر ، وأنّ الذي به يختلف الأديان / إنّما هو الاعتقاد لا
بأفعال سواه ، وبالوجود يستحق كل الاسم المعروف ؛ لذلك وجب ما قلنا. وقد قال الله
تعالى : (إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران : ١٩) ،
وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ
غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران : ٨٥) (م
، ح ، ٣٩٦ ، ٢)
ـ في معنى المسلم
في اللغة قولان : أحدهما أنّه المخلص لله العبادة ، من قولهم قد سلّم هذا الشيء
لفلان إذا خلص له. والثاني المسلّم بمعنى المستسلم لأمر الله تعالى كقوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ
أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (البقرة : ١٣١).
أي استسلمت لأمره (ب ، أ ، ٢٤٨ ، ٣)
مسموع
ـ المسموع هو
الكلام أو الصوت ، وكلام البشر يسمع في الحقيقة ، وكذلك كلام الله نسمعه في
الحقيقة إذا كان متلوّا ، وأنّه هذه الحروف التي نسمعها ولا نسمع الكلام إذا كان
محفوظا أو مكتوبا (ش ، ق ، ٥٨٧ ، ١١)
ـ لا مسموع إلّا
الصوت ، وإنّ كلام الله سبحانه يسمع لأنّه صوت وكلام البشر لا يسمع لأنّه ليس بصوت
إلّا على معنى أنّ دلائله التي هي أصوات مقطّعة تسمع ، وهذا قول"
النظّام" (ش ، ق ، ٥٨٧ ، ١٥)
ـ إنّ المسموع ليس
إلّا ما أحدثه القارئ فقط. تبيّن صحّة هذا أنّه يقف ما يفعله من الكلام على حاله
في القوة والضعف ، وعلى حال الأسباب التي يفعلها ، وتقع أيضا بحسب دواعيه وقصوده
فثبت أنه فعله فقط (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ١٠)
ـ قال الشيخ أبو
علي : أجمعت الأمّة على أنّ المسموع هو كلام الله تعالى (أ ، ت ، ٤٢٣ ، ٢٠)
ـ الذي يجب القطع
به ، أنّ المسموع المدرك في وقتنا الأصوات ؛ فإذا سمّي كلام الله تعالى مسموعا ،
فالمعنيّ به كونه مفهوما معلوما ، عن أصوات مدركة ومسموعة. والشاهد لذلك من
القضايا الشرعيّة إجماع الأمّة على أن الرّب تعالى خصّص موسى ، وغيره من المصطفين
من الأنس والملائكة ، بأن أسمعهم كلامه العزيز من غير واسطة (ج ، ش ، ١٢٩ ، ١٦)
مسمّى
ـ ما سمّي به
الشيء لنفسه فواجب أن يسمّى به قبل كونه كالقول جوهر وكذلك سواد وبياض وما أشبه
ذلك ، وما سمّي به لوجود علّة لا فيه فقد يجوز أن يسمّى به مع عدمه وقبل كونه إذا
وجدت العلّة التي كان لها مسمّى بالاسم ، كالقول مدعوّ ومخبر عنه ، إذا وجد ذكره
والإخبار عنه ، وكالقول فإن يسمّى به الشيء مع عدمه إذا وجد فناؤه ، قال وما سمّي
به الشيء لوجود علّة [فيه] فلا يجوز أن يسمّى به قبل كونه مع عدمه ، كالقول متحرّك
وأسود وما أشبه ذلك ، وما سمّي به الشيء لأنّه فعل وحديث نفسه (؟) كالقول مفعول
ومحدث لا يجوز أن يسمّى بهذا الاسم قبل كونه ، وما سمّي به الشيء وسمّيت به أشياء
للتفريق بين أجناسها
وغيرها من الأجناس
سمّاها الاسم قبل كونها ، وما سمّي به الشيء كان (؟) إخبارا عن إثباته أو دلالة
على ذلك كالقول كائن ثابت وما أشبه ذلك يجوز أن يسمّى به قبل كونه (ش ، ق ، ٥٢٣ ،
١)
مسمّى الامتناع
ـ إنّ مسمّى
الامتناع ليس بموجود ولا معدوم وذلك هو الواسطة (خ ، ل ، ٣٩ ، ١٢)
مسمّى الحدوث
ـ إنّ الآن الصادق
فيه على الماهيّة ، مسمّى الحدوث ـ وهو الخروج من العدم إلى الوجود ـ ليست فيه
موجودة ، ولا معدومة ؛ وإلّا صدق مسمّاه علينا وهو يغايرهما ؛ ولأنّ الحدوث ثبوتيّ
، لعدم الواسطة فلا يقوم بالمعدوم. وله تقرير آخر وهو أنّها آن انتقالها من العدم
إلى الوجود ليست معدومة ، وإلّا فلا انتقال ، ولا موجودة ، وإلّا بعد؟ انقطع ، فلا
بدّ من متوسّط (خ ، ل ، ٣٩ ، ١٤)
مسمّيان
ـ إنّ الاسم إذا
وقع على المسمّيين لم يخلن من أربعة أقسام : إمّا أن يكون وقع عليهما لاشتباه
ذاتيهما كقولنا جوهر وجوهر ، وإمّا أن يكون وقع عليهما لاشتباه ما احتملته الذاتان
كقولنا متحرّك ومتحرّك وأسود وأسود ، أو يكون وقع عليهما لمضاف أضيفا إليه وميّزا
منه لولاه ما كان كذلك كقولنا محسوس ومحسوس ومحدث ومحدث ، أو يكون وقع عليهما وهو
في أحدهما بالمجاز وفي الآخر بالحقيقة كقولنا للصندل المجتلب من معدنه صندل وهو
واقع عليه في الحقيقة وقولنا للإنسان صندل وهو تسمية له على المجاز (ش ، ق ، ٥٠٠ ،
٨)
مسنون
ـ المسنون : ما
يثاب فاعله ، ولا يعاقب تاركه (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٦)
مسيح
ـ اختلفوا في
المسيح والاتحاد : فزعمت النسطورية أنّ المسيح إله وإنسان ماسح وممسوح اتّحدا
فصارا مسيحا واحدا. ومعنى اتّحدا أنّه صار من اثنين واحد. والمسيح عندهم على
الحقيقة جوهران أقنومان جوهر قديم لم يزل وهو الكلمة التي هي أحد أقانيم الإله
وجوهر محدث كان بعد أن لم يكن وهو يشوع المولود من مريم. وربما جعلوا بدل"
اتّحد"" تجسّد" ؛ وربما قالوا" تأنّس" و"
تركّب". وذهبت الملكانية إلى أنّ المسيح جوهران أحدهما قديم والآخر محدث.
وزعم أكثر اليعقوبيّة أنّ المسيح جوهر واحد ، إلا أنّه من جوهرين أحدهما جوهر
الإله القديم ، والآخر جوهر الإنسان اتّحدا فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا ؛ وربما
قال بعضهم طبيعة واحدة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١٩)
ـ اختلفوا في
المسيح ما هو بحسب ما ذكرنا من اختلافهم في الاتحاد. فمن قال في الاتحاد : إن
الجوهرين صارا جوهرا واحدا ، والمحدث صار قديما ، قال في المسيح إنّه قديم ، ومن
قال في معنى الاتحاد بالوجه الآخر ، قال في المسيح إنه لاهوت وناسوت (ق ، غ ٥ ، ٨٤
، ٢)
ـ زعم أكثر
الملكانية أنّ الصلب وقع على
المسيح بكماله ،
والمسيح هو اللاهوت والناسوت (ق ، غ ٥ ، ٨٤ ، ٨)
مشاركة
ـ زعمت القدريّة
إنّهم يخلقون من الحركات والاعتمادات والعلوم والإرادات والآلام مثل ما خلق الله عزوجل منها. وفي هذه الدعوى دعوى المشاركة لله في صنع أكثر أجناس
الأعراض (ب ، أ ، ١٣٦ ، ٦)
مشاهد
ـ أمّا وصفه بأنّه
مشاهد ، من حيث أدرك المدركات فلا يصحّ ، لأنّ ذلك إنّما يستعمل فيمن يقابل غيره
ويصحّ معنى الحضور والغيبة والقرب والبعد عليه ، وذلك يستحيل عليه ، جلّ وعزّ ،
فلذلك لا يوصف إلّا على جهة المجاز ، ويراد به أنّه عالم بهذه الأمور كعلم المشاهد
للشيء (ق ، غ ٥ ، ٢٤٣ ، ٦)
مشاهدة
ـ ذكر جعفر بن حرب
أنّه سأل السكاك في حدوث العلم وعارضه بحدوث القدرة والحياة فلم يأت بفصل ، فلمّا
لم يتهيأ له الفصل قال له بعض أهل المجلس : وما عليك يا أبا جعفر أن تجيب إلى أنّه
كان غير قادر ولا حي ثم قدر وحيى كما كان غير عالم؟ فأجابه إلى ذلك. فقال له جعفر
: فعلى أي وجه قدر وحيي : أهو أحيا نفسه وأقدرها ، أم غيره أحياه وأقدره؟ وبعد
فإنّما نرجع في إثباتك لله جل ذكره إلى المشاهدة ، فهل شاهدت ميتا عاجزا أحيا نفسه
وأقدرها فتصف الله بذلك؟ فانقطع السكاك. ثم قال له جعفر وأخذ نعله بيده فقال : دلّ
على أنّ هذه النعل لم تصنع العالم إذ كنت قد أجزت أن يصنعه من ليس بحي ولا قادر
ولا عالم! فلم يأت بشيء. وهذا كله لازم لهشام لا حيلة له فيه ولا منجي له منه.
وبعد فأين أحدث العلم : في نفسه أم في غيره أم لا في شيء؟ فإن كان أحدثه في نفسه
فقد صارت نفسه محلّا للإحداث ، ومن كان كذلك فمحدث لم يكن ثم كان (خ ، ن ، ٨٢ ، ١٣)
ـ أمّا المشاهدة ،
فهي الإدراك بهذه الحواس ، هذا في الأصل ، وفي الأغلب إنّما تستعمل في الإدراك
بحاسة البصر ، هذا إذا كان مطلقا ، فأما إذا أضيف إليه العلم فقيل : علم المشاهدة
، فالمراد به العلم المستند إلى الإدراك بهذه الحواس ، وفي الأغلب إنّما يستعمل في
العلم المستند إلى الإدراك بحاسة البصر فقط (ق ، ش ، ٥١ ، ١٠)
مشبّه
ـ اعلم ـ علمك
الله الخير ـ أنّ أبا موسى كان يزعم أنّ من قال : إنّ الله يرى بالأبصار ، على أي
وجه قاله فمشبه لله بخلقه ، والمشبّه عنده كافر بالله. فكذلك من وصف الله بأنّه
يقضي المعاصي على عباده ويقدّرها فمسفّه لله في فعله والمسفّه لله كافر به ،
والشاك في قول المشبه والمجبر فلا يدري أحق قوله أم باطل؟ كافر بالله أيضا ، لأنّه
شاكّ في الله لا يدري أم شبه هو لخلقه أم ليس بمشبه لهم ، أسفيه هو فعله أم ليس
بسفيه؟ وكذلك الشاك في الشاك أبدا ، إذا كان شكه إنّما كان في نفس التشبيه
والإجبار أحق هما أم باطل؟ هذا قول أبي موسى المعروف؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ١)
مشبّهة
ـ لقد ضلّ قوم ممن
ينتحل الإسلام من المشبّهة الملحدين الذين شبّهوا الله ، جلّ ذكره ، بخلقه ،
وزعموا أنّه على صورة الإنسان ، وأنّه جسم محدود وشبح مشهود ، واعتلّوا بآيات من
الكتاب متشابهات حرّفوها بالتأويل ونقضوا بها التنزيل (ر ، ك ، ١٣٣ ، ٤)
ـ قالت"
الموحدة" : هو سميع بصير ، لأنّ كل حي لا آفة به هو السميع البصير ،
ونفت" الموحدة" ـ مع هذا ـ مشابهة البشر عنه في جميع الصفات ، وقالت :
هو عالم لذاته ، سميع بصير لذاته ، لا كما قالت" المشبهة" : إنّه محتاج
إلى علم يعلم به ، وقدرة بها يقدر ، ولولاهما لكان جاهلا عاجزا ، وأنّه يرى بعين
ويسمع بأذن. وقد نبّه الله تعالى على نفي التشبيه عنه ووصف نفسه بأنّه سميع بصير
فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ع
، أ ، ١٣ ، ١٤)
ـ إنّ المشبّهة
صنفان : صنف شبّهوا ذات الباري بذات غيره ، وصنف آخرون شبّهوا صفاته بصفات غيره ،
وكل صنف من هذين الصنفين مفترقون على أصناف شتى (ب ، ف ، ٢٢٥ ، ١٠)
مشتبهان
ـ إنّ المشتبهين
هما ما سدّ أحدهما مسدّ صاحبه وناب منابه ، ودليل ذلك أن السوادين المشتبهين
يسدّان في المنظر مسدّا واحدا ، وكذلك البياضان والتأليفان (ب ، ت ، ٤٦ ، ٤)
مشخّص
ـ مشخّص ، أي ليس
له صلاحية أن يشترك فيه كثيرون. فالأوّل مثل اللونيّة الموجودة في الأذهان ، وتلك
لا تحقّق لها في الأعيان ، والثاني كهذا اللون ، وكذا كل ما يصحّ أن يشار إليه ،
بسبب الإشارة إلى موضوعه (م ، غ ، ٣١ ، ١٧)
مشرك
ـ المشرك من عبد مع
الله غيره كائنا ما كان من الجمادات والحيوان (ي ، ر ، ٩٤ ، ٤)
ـ قال النبي ، صلىاللهعليهوآله : " مانع الزكاة وآكل الربا حرباي في الدنيا
والآخرة" ومن كان حربا للنبي فهو مشرك (ي ، ر ، ٩٤ ، ١٢)
ـ من
الخوارج" الإباضيّة" الفرقة الأولى منهم يقال لهم" الحفصيّة"
كان إمامهم" حفص بن أبي المقدام" زعم أنّ بين الشرك والإيمان معرفة الله
وحده ، فمن عرف الله سبحانه ثم كفر بما سواه من رسول أو جنّة أو نار أو عمل بجميع
الخبائث ، من قتل النفس واستحلال الزنا وسائر ما حرّم الله سبحانه من فروج النساء
فهو كافر بريّ من الشرك ، وكذلك من اشتغل بسائر ما حرّم الله سبحانه مما يؤكل
ويشرب فهو كافر بريّ من الشرك ، ومن جهل الله سبحانه وأنكره فهو مشرك ، فبرئ منه
جلّ الإباضية إلا من صدّقه منهم (ش ، ق ، ١٠٢ ، ٩)
مشقّة
ـ دخل تحت المشقّة
الشهوة والنفار وما يتبعهما (ق ، ت ٢ ، ٣٢٤ ، ١)
ـ إنّا لا نمتنع
من القول بأنّ للمشقّة تأثيرا في زيادة المدح الذي يستحقّه المكلّف ، بل متى لم
يكن الفعل شاقّا لم يستحقّ الثواب أصلا. فأمّا المدح فإنّه في أصل الاستحقاق لا
يتبع كون
الفعل شاقّا ، وإن
كان قد يعظم لكونه كذلك ، لكن جميع ذلك لا يؤثّر في أنّ لكون الفعل نفعا تأثيرا في
استحقاق المدح ، ولزيادته تأثير في زيادة ما يستحقّ من المدح والتعظيم ؛ ألا ترى
أنّ المشقّة التي تلحق بحفر البئر في الموضع المسلوك والطريق المنقطع سواء ،
ويستحقّ المدح على أحدهم لمكان انتفاع الناس به أكثر ولذلك يعظم موقع الفعل إذا
كثر افتداء الناس به إذا كان خيرا وطاعة ، على ما نقوله في وجه تفضيل النبيّ صلىاللهعليهوسلم على غيره من الأنبياء صلوات الله عليهم (ق ، غ ١١ ، ١٠٢ ،
١٧)
ـ إنّ المشقّة
إنّما اقتضت استحقاق الثواب من حيث كان لا يحسن من الحكيم أن يجعل الفاعل ممن يشقّ
عليه ما كلّفه وحسّنه في عقله إلّا ويستحقّ عليه نفعا يجري مجرى المدح ؛ كما لا
يحسن منه أن يؤلم إلّا لنفع يوفي عليه. وليس كذلك حال المدح ؛ لأنّه لا يتبع في
الاستحقاق ما ذكرناه ، فلذلك استحقّه من لا يجوز عليه المشاقّ كما يستحقّه من يجوز
ذلك عليه (ق ، غ ١١ ، ١٠٤ ، ١١)
مشيئة
ـ القوم ينازعون
في المشيئة ، وإنّما يشاء الله الخير ، فقال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (البقرة : ١٨٥) ،
ومنها أنّ الله تعالى أرحم وأعدل من أن يعمي عبدا ثم يقول له : أبصر وإلّا عذبتك ،
فكيف يضلّه ثم يقول له : اهتد وإلّا عذبتك؟! ، وإذا خلق الله الشقيّ شقيّا ، لم
يجعل له سبيلا إلى السعادة ، فكيف يعذبه!؟ (ب ، ق ، ١٢٠ ، ١١)
ـ إنّ في إيجاب
القول بالإرادة في كل شيء إيجاب القول بخلق الأفعال ، مع ما يمكن الاستدلال في هذا
بأشياء ليست في الأول ، وإن كان في تحقيق الكلام في هذه تحقيق في الأولى. قال الله
تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ
أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (الأنعام : ١٢٥)
إلى قوله : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ
فِي السَّماءِ) (الأنعام : ١٢٥) ،
أخبر أنّه يريد هداية قوم بأفعالهم بهدايته ، وإضلال قوم بجعل قلوبهم ضيّقة حرجة.
وقال عزوجل : (مَنْ يَشَأِ اللهُ
يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ) (الأنعام : ٣٩) ،
ففرّق بين القوم بالمشيئتين ، فدلّت الآيات على / أنّ الله شاء لكل فريق بما علم
أن يكون منهم ، ودلّ على أنّ المشيئة في هاتين الآيتين ليست أمر ولا رضا. وقال تعالى
: (وَلَوْ شِئْنا
لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) ،
وقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (المائدة : ٤٨) ،
وقال : (فَلَوْ شاءَ
لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنعام : ١٤٩) ،
ولا يحتمل أن يكون هذه المشيئة رضا أو أمرا لما قد كانا ، ثبت أنّه أراد به
المشيئة التي يكون عندها فعل لا محالة (م ، ح ، ٢٨٧ ، ٧)
ـ الأصل عندنا إذا
سئلنا عن مشيئة الله فعل الكفرة على ما كان وجهان : أحدهما القول بذلك في الإطلاق
على ما عرف من الإرادة في ذلك ، والثاني منع الإطلاق إذا لم يفهم مراد السائل أو
خشي أن يريد التعنت في ذلك ، وهو أن يقال : إنّ للمشيئة معاني فيما يتعارف ، أحدها
التّمني ، وذلك عن الله منفي في كل شيء ، والثاني الأمر والدعاء إليه ، فذلك منفي
عن الله في كل فعل يذم فاعله ، والثالث الرضا به والقبول له ، وذلك كذلك أيضا في
كل فعل يذم عليه ، والرابع تأويله نفي الغلبة وخروج
الفعل على ما
يقدّره ويريده ، وهذا يقول ذلك ، وقد أجمع على معناه ، فمن أنكر ذلك بعد إعطاء
معناه فهو قدّر المشيئة على غير حقيقة المراد منها ، وهو عندنا لازم ؛ إذ هو لكل
شيء خالق ، وقد ثبت وصفه فيما يخلقه أنّه غير مضطرّ إليه ولا يكره عليه ، ولا قوّة
إلّا بالله (م ، ح ، ٢٩٤ ، ٨)
ـ إنّ المشيئة
صرفها إلى القوّة حتى جعلها بحكم القسر ، فلذلك قوتها توجب ذلك. والأصل في ذلك أنّ
المحبة والسخط معنيان يوجبان بفعل العباد ، وليست المشيئة كذلك ؛ لما ليس في أفعال
العباد معنى يوجب المشيئة ، إلّا أن يراد بها الرضا أو التمني (م ، ح ، ٢٩٧ ، ٥)
ـ اعلم أنّ
المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ،
والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٢)
ـ قالوا المرجئة :
فقد قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا
يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء : ٤٨).
فالجواب : إنّه تعالى قال في هذه الآية : " لمن يشاء" ، والمشيئة مغيبة
عنّا إلى أن نعرفها بالأدلّة ، وقد بيّن من يشاء (النساء : ٤٩) بقوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما
تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (النساء : ٣١) فهو
يكفر الصغائر بتجنب الكبائر ، والكبائر بالتوبة (ع ، أ ، ٢٦ ، ١٣)
ـ إنّ مشيئة الله
تعالى ومحبته ورضاه ورحمته وكراهيته وغضبه وسخطه وولايته وعداوته [كلها] راجع إلى
إرادته ، وأنّ الإرادة صفة لذاته غير مخلوقة ، لا على ما يقوله القدريّة ، وأنّه
مريد بها لكل حادث في سمائه وأرضه مما يتفرّد سبحانه بالقدرة على إيجاده ، وما
يجعله منه كسبا لعباده ، من خير ، وشر ، ونفع ، وضر ، وهدى ، وضلال ، وطاعة ،
وعصيان ، لا يخرج حادث عن مشيئته. ولا يكون إلّا بقضائه وإرادته (ب ، ن ، ٢٦ ، ٦)
ـ اعلم : أنّه لا
فرق بين الإرادة ، والمشيئة ، والاختيار ، والرضى ، والمحبة (ب ، ن ، ٤٤ ، ٢٣)
ـ ما شاء الله كان
وما لم يشأ لم يكن. فوقع الإجماع من الخاص والعام أنّ الأمور كلّها بمشيئة وقدر من
الله تعالى (ب ، ن ، ١٦١ ، ٤)
ـ كان (الأشعري)
لا يفرّق بين المشيئة والإرادة. وينكر القول بالطبع والطبيعة ، ويقول إنّ الحوادث
كلّها أفعال الله تعالى باختياره ومشيئته وتدبيره وتقديره ، ليس شيء منها موجبا
لشيء ولا طبيعة له تولّد ، بل كل ذلك اختراعه باختياره على الوجه الذي اختاره
وعلمه (أ ، م ، ٧٦ ، ٨)
ـ إن قيل : ما
أنكرتم أنّ المانع من رؤية الله تعالى هو أنّه تعالى لم يشأ أن يرينا نفسه ، ولو
شاء لرأيناه؟ قلنا : المشيئة إنّما تدخل فما يصحّ دون ما يستحيل ، وقد بيّنا أنّ
الرؤية تستحيل عليه تعالى فلا يعلم ما ذكرتموه. وبعد ، فلو جاز ذلك في القديم
تعالى لجاز مثله في المعدوم ، فيقال : إنّ المعدوم إنّما لا يرى لأنّه تعالى لا
يشاء أن يريناه ولو شاء لرأيناه ، فكما أنّ ذلك خلف من الكلام ، كذلك هاهنا (ق ، ش
، ٢٦٠ ، ١٤)
ـ إنّ العادة في
الخطاب جارية في أنّ الإنسان لا يخبر عن المستقبل إلّا ويعلّق ذلك بالمشيئة ،
فلذلك قال تعالى : (وَإِنَّا إِنْ شاءَ
اللهُ لَمُهْتَدُونَ) (البقرة : ٧٠) ،
ولا يدلّ ذلك على مشيئة حاصلة في اللغة ، وإنّما الغرض إخراج الخبر
من أن يكون قاطعا
من حيث لا يعلم أحدنا الأحوال في المستقبل ، فيقيّد بذلك (ق ، م ١ ، ٩٦ ، ١٢)
ـ أطلق أصحابنا
القول بأنّ الحوادث كلّها بمشيئة الله عزوجل واختلفوا في التفصيل (ب ، أ ، ١٠٤ ، ٦)
ـ أجمع أصحابنا
على نفوذ مشيئة الله تعالى في مراداته على حسب علمه بها. فما علم منه حدوثه أراد
حدوثه خيرا كان أو شرا. وما علم أنّه لا يكون أراد أن لا يكون. وكل ما أراد كونه
فهو كائن في الوقت الذي أراد حدوثه فيه على الوجه الذي أراد كونه عليه. وكل ما لم
يرد كونه فلا يكون سواء أمر به أو لم يأمر به (ب ، أ ، ١٤٥ ، ٩)
ـ يقول (علي) إذا
كانت مشيئته هي المقتضية لوجود هذه المخلوقات فكيف يستصعب عليه بلوغها إلى غاياتها
التي جعلت لأجلها ، وأصل وجودها إنّما هو مشيئته ، فإذا كان أصل وجودها بمشيئته
فكيف يستصعب عليه توجيهها لوجهتها وهو فرع من فروع وجودها وتابع له (أ ، ش ٢ ، ١٤٦
، ١٥)
ـ الاختيار عند
أبي الحسن هو الإرادة. واختار له : أي فعل به خيرا. والمشيّة هي الإرادة (ط ، م ،
١٦٩ ، ١٧)
مشيئة الإلجاء
ـ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) على
معنيين : أحدهما بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ،
إلّا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه. والثاني بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان ،
وهو قادر على الإلجاء لو لا أنّه بنى أمر التكليف على الاختيار ، ويعضده قوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا
أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) (الرعد : ٣١) يعني
مشيئة الإلجاء والقسر (لَهَدَى النَّاسَ
جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) (ز ،
ك ٢ ، ٣٦٠ ، ٢١)
مشيئة الإلجاء
والاضطرار
ـ إنّ ما يريده من
عباده على جهة الإلجاء ، فلا بدّ من أن يقع ، كوجوب وقوع مراده من مقدوراته. وعلى
هذا الوجه حمل شيوخنا رحمهمالله قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ
لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩).
ودلّوا على ذلك بقوله في آخر الآية : (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ
النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : ٩٩).
وعلى هذا الوجه
تأوّلوا نظائر هذه الآية ، نحو قوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ
لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الشورى : ٨) (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (النحل : ٩).
وقوله : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١). (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى
الْهُدى) (الأنعام : ٣٥). (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (الأنعام : ١١٢).
وقوله : (وَلَوْ أَنَّنا
نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا
عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الأنعام : ١١١).
وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما
أَشْرَكُوا) (الأنعام : ١٠٧).
وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ
مَا اقْتَتَلُوا) (البقرة : ٢٥٣).
وبيّنوا أنّ المراد بجميع ذلك مشيئة الإلجاء والاضطرار ، لأنّ الدلالة قد دلّت على
أنّه قد أراد من جميعهم الإيمان على جهة الاختيار. ولا ينافي قوله : (لو شئت
لآمنوا) إذا أراد به الإلجاء كونه شائيا لذلك منهم على جهة الاختيار. لأنّه لو
صرّح بذلك فقال : ولو شاء الله أن يلجئهم إلى الهدى
لجمعهم عليه ،
لكنّه لم يشأ ذلك ، وشاء منهم الإجماع عليه على جهة الاختيار لصحّ ولم ينتقض ،
فيجب القول بصحّته أيضا ، إذا دلّ الدليل عليه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦٢ ، ١٧)
مشيئة الله
ـ وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا
إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣)
ولم يقل : وقضى ربّك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من
المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره بالتخيير من العباد لا من
جهة الجبر لهم على تركها (ي ، ر ، ٤٢ ، ١٩)
ـ إنّ مشيئة الله
تابعة للحكمة من تثبيت المؤمنين وتأييدهم وعصمتهم عند ثباتهم وعزمهم ، ومن إضلال
الظالمين وخذلانهم والتخلية بينهم وبين شأنهم عند زللهم (ز ، ك ٢ ، ٣٧٧ ، ١٩)
ـ يغفر الذنوب
جميعا لمن يشاء ، والمراد بمن يشاء من تاب ، لأنّ مشيئة الله تابعة لحكمته وعدله
لا لملكه وجبروته (ز ، ك ٣ ، ٤٠٣ ، ١٩)
مشيئة التفويض
ـ مشيئة التفويض
مثل قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ
أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣)
وقوله ولو شاء مشيئة خبر أي لو شاء الله يخبركم عن الإسلام وقوله ولكن يضلّ من
يشاء مشيئة تفويض وهذا اعتقاد العدليّة (م ، ف ، ٩ ، ١٣)
مشيئة الخبر
ـ مشيئة الخبر
كخلق السموات والأرض ما وفيهما وما بينهما (م ، ف ، ٩ ، ١٢)
مصادرة على
المطلوب
ـ إنّ المصادرة
على المطلوب هو أن يؤخذ المطلوب بعينه ويجعل مقدّمة قياسيّة بلفظ مرادف مشعر
بالمغايرة بين المقدّمة والمطلوب (م ، غ ، ١٩٩ ، ٣)
مصاكة
ـ إنّ المصاكة هي
مماسّة واقعة على وجه ، وهو أن تكون بين جسمين صلبين عقب حركات متوالية ، أو حركات
يقلّ السكون في أثنائها. وقد ثبت أنّ المماسّة لا تولّد الصوت. إذ لو ولّدته لوجب
أن تولّده بحيث هي ، وهي بحيث المحلّين ، ولو وجد الصوت بحيث هما لكان من جنس
المماسّة. ولا يجوز أن يكون الصوت بصفة التأليف ، لأنّ التأليف كلّه جنس واحد ،
والأصوات فيها مختلف ومتماثل (ن ، م ، ١٥٦ ، ١٣)
مصالح
ـ إنّ جميع شيوخنا
، رحمهمالله ، قد أثبتوا ، في هذه الشرائع ، وجه الوجوب على الجملة ؛
لأنهم قد قالوا فيها : إنها مصالح للعبد. لكنّ بعضهم اعتقد ، مع ذلك ، أنّ وجه
كونها مصالح ما فيها من الثواب والتخلّص من العقاب فقط. ومنهم من اعتقد أنّ وجه
كونها مصالح أنّها مؤدّية إلى ما هذا حاله ، ولم يعتقد فيها وجه وجوب. وقلنا نحن :
إنّ وجه كونها مصالح هو ثبوت وجه الوجوب فيها ، من حيث تختار عندها الواجبات
العقليّة ، على وجه لولاها كانت لا تختار (ق ، غ ١٥ ، ٤٢ ، ١٧)
ـ إنّا قد علمنا
أنّ المصالح تختلف على حسب المعلوم من حال التكليف ، ولذلك اختلفت
شرائع المكلّفين ،
وشرائع الأنبياء ، فلا يمتنع أن يكون ، صلى الله عليه ، يختصّ بمصالح في أفعال
دوننا ، كما لا يمتنع أن يكون حاله كحالنا ، والأمر في ذلك موقوف على السمع ؛ وليس
بأن يقال من جهة العقل : إنّ حكمنا كحكمه ، بأولى من أن يقال : إنّ حكمنا بخلاف
حكمه ، وصارت حالنا معه كحال أحد المكلّفين ، مع الآخر في هذه القضية. يبيّن ذلك
أنّه ، صلّى الله عليه ، قد اختصّ بشرائع ، دون غيره ، ولم يمنع العقل من ذلك فما
الذي كان ينكر أن تكون هذه حاله في كل عباداته (ق ، غ ١٧ ، ٢٥٣ ، ٤)
تبديل الآية مكان
الآية هو النسخ ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لأنّها مصالح ، وما كان مصلحة
أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله تعالى عالم بالمصالح والمفاسد
فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بحكمته (ز ، ك ٢ ، ٤٢٨ ، ١٦)
مصالح ومفاسد
شرعية
ـ أمّا المصالح
والمفاسد الشرعية ، فهي الأفعال التي تعبّدنا بفعلها أو تركها بالشريعة ، نحو كون
الصلاة واجبة ، وشرب الخمر حراما ، وغير ذلك (ب ، م ، ٨٨٨ ، ٢)
مصحف
ـ قد كان في
الواجب أن يدع الناس اسم المصحف للشيء الذي جمع القرآن دون كلّ مجلّد ، وألّا
يروموا جمع شيء من أبواب التعلم بين الدفّتين فيلحقوا بما جعله السلف للقرآن غير
ذلك من العلوم (ج ، ر ، ٧٩ ، ٢)
ـ قالت الأشعرية
ما في المصحف ليس بكلام الله تعالى وإنّما هو عبارة عن كلام الله تعالى حكاية عنه
، وعن هذا جوّزوا إحراق ما في المصاحف ، قالت لأنّ الكلام صفته والصفة لا تزايل عن
الموصوف (م ، ف ، ٢٠ ، ٨)
ـ المصحف الذي فيه
كلام الله مكتوب (ب ، ن ، ٧٨ ، ٦)
ـ سمّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم المصحف قرآنا والقرآن كلام الله تعالى بإجماع الأمّة ،
فالمصحف كلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ، ونسمّي المستقرّ في الصدور قرآنا ،
ونقول إنّه كلام الله تعالى (ح ، ف ٣ ، ٨ ، ٤)
ـ أمّا المصحف
فإنّما هو ورق من جلود الحيوان ومركّب منها ومن مداد مؤلّف من صمغ وزاج وعفص وماء
، وكل ذلك مخلوق ، وكذلك حركة اليد في خطّه وحركة اللسان في قراءته واستقرار كل
ذلك في النفوس ، هذه كلها أعراض مخلوقة (ح ، ف ٣ ، ٩ ، ٧)
ـ إنّا لا ننكر
وجود الكلمات التي لها مفتتح ومختتم ، وهي آيات وأعشار وسور ويسمّى الكل قرآنا ،
وما له مبتدأ ومنتهى لا يكون أزليّا وهو من هذا الوجه معجزة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ويسمّى ما يقرأ باللسان قرآنا وما يكتب باليد مصحفا (ش ،
ن ، ٣١١ ، ١٠)
مصدّق
ـ كل من صدّق بشيء
فهو مصدّق به ، فمن صدق بالله تعالى وبرسوله صلىاللهعليهوسلم ولم يصدق بما لا يتمّ الإيمان إلّا به فهو مصدّق بالله
تعالى أو برسوله صلىاللهعليهوسلم وليس مؤمنا ولا مسلما ، لكنّه كافر مشرك لما ذكرنا (ح ، ف
٣ ، ٢١٢ ، ٧)
مصلحة
ـ إنّ الصلاح
والأصلح والمصلحة إنّما يرجع فيها إلى النفع والأنفع والمنفعة ، وإلى اللذّة
والألذّ وإلى ما يؤدّي إلى ذلك. وكذلك يضاف الصلاح والأصلح المصلحة بلفظها إلى ما
يجوز أن ينتفع به دون ما لا يجوز أن ينتفع به ، كامتناع إضافة ذلك إلى الله تعالى
وإلى الأعراض وإلى الجماد لمّا لم يصحّ الانتفاع والنفع فيها (أ ، م ، ١٢٦ ، ١٩)
ـ أمّا اللطف
والمصلحة فواحد ، ومعناهما ما يختار المرء عنده واجبا أو يجتنب عنده قبيحا على وجه
لولاه لما اختار ولما اجتنب ، أو يكون أقرب إلى أداء الواجب واجتناب القبيح. ثم
إنّ ما هذا حاله ينقسم إلى ما يكون من فعلنا فيلازمنا فعله سواء كان عقليّا أو
شرعيّا لأنّه يجري مجرى دفع الضرر ، وإلى ما يكون من فعل القديم جلّ وعزّ ، ولا
بدّ من أن يفعله الله تعالى ليكون مزيحا لعلّة المكلّف ولكي لا ينتقض غرضه
بمقدّمات التكليف (ق ، ش ، ٧٧٩ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ وصفه (اللطف)
بأنّه صلاح بعيد أن يقع ؛ لأنّ الصلاح هو النفع ، و (هو) إمّا أن يكون لذّة وسرورا
أو يؤدّي إلى ذلك ، لأنّ الضرر المؤدّي إلى ما ذكرناه لا يعدّ إلّا نفعا. فلمّا
كان اللطف ينفع من جهة الدّين ، من حيث يختار عنده ما يستحقّ به الثواب ، قيل فيه
: إنّه صلاح. وعلى هذا الوجه يوصف بأنّه مصلحة (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ٨)
ـ فصل رحمهالله (أبو هاشم) بين
المفسدة والمصلحة بأن قال : إنّه لا يمتنع أن لا يكون الفعل صلاحا ، إلّا إذا وقع
من فعل المكلّف على وجه مخصوص. فلا يصحّ أن يقال لو كان مصلحة ، والمعلوم أنّ
المكلّف لا يختار ، لوجب أن يلجئه تعالى إليه ؛ لأنّ الوجه الذي عليه يكون مصلحة
هو أن يقع باختياره والإلجاء يؤثّر فيه ، فيصير كأنّه لم يقع فتفوت المصلحة ، وليس
كذلك ما هو مفسدة ؛ لأنّ الفساد يتعلّق بوقوعه. فإذا منع تعالى منه لم يقع ؛ كما
إذا امتنع هو منه لم يقع ، فيزول الفساد في الوجهين على حدّ واحد (ق ، غ ١٣ ، ٥٠ ،
٣)
ـ إنّه لا يمتنع
في بعض (الأفعال) أن تكون مصلحة فيما كلّفه العبد من طريق العقل ، ... ، لأنّ كونه
مصلحة لا يرجع إلى جنسه ، وصورته ، وسائر أحواله ، وإنّما يرجع (إلى المعلوم ،
وأنّ العبد) ، عنده ، يختار الواجبات العقليّة. وقد بيّنا أنه لا يمتنع أن يختار
العبد الواجب ، عند بعض الأمور ، وإن لم يجب أن يختار عند غيره مما يجانسه ،
ويماثله في صورته ، وأوردنا لذلك أمثلة في الشاهد ، لأنّ عند الرفق ، في وقت قد
يصلح الولد ، وفي وقت آخر يفسد عنده. وعند الرفق من الله قد يصلح ، وعند الرفق من
غيره يفسد (ق ، غ ١٥ ، ١٢٥ ، ١٨)
ـ المصلحة وجه حسن
(ب ، م ، ٢٤ ، ١٥)
ـ ليس كل أفعال
الباري سبحانه واجبة عليه ، بل معظمها ما يصدر على وجه الإحسان والتفضّل ، فيجوز
أن يفعله ويجوز أن لا يفعله ، فإن قلت فهل يسمّى فعل الواجب الذي لا بدّ للقديم
تعالى من فعله إجابة لدعاء المكلّف ، قلت لا ، وإنّما يسمّى إجابة إذا فعل سبحانه
ما يجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله كالتفضّل. وأيضا فإنّ اللطف والمصلحة قد يكون
لطفا ومصلحة في كل حال ، وقد يكون لطفا عند الدعاء ، ولو لا الدعاء لم يكن لطفا
وليس بممتنع في
القسم الثاني أن يسمّى إجابة للدعاء ، لأنّ للدعاء على كل حال تأثيرا في فعله (أ ،
ش ٢ ، ٦٤ ، ١١)
مصيب
ـ إنّ وصف المصيب
أنّه مصيب ، قد يراد به وقوع فعله على ما أراد ، وقد يراد به أنّه فعل حسنا ؛
وكذلك وصفه بأنّه مخطئ. والذي يبنى على الذمّ أو المدح ، من ذلك ، ما أفاد كونه
فاعلا لحسن أو قبيح ، دون ما أراد وقوع المراد على ما أراد ، وعلى خلافه (ق ، غ ٨
، ٢٣٨ ، ١)
ـ إنّ وصف المصيب
أنّه مصيب ، قد يراد به وقوع فعله على ما أراد ، وقد يراد به أنّه فعل حسنا ؛ وكذلك
وصفه بأنّه مخطئ. والذي يبنى على الذمّ أو المدح ، من ذلك ، ما أفاد كونه فاعلا
لحسن أو قبيح ، دون ما أراد وقوع المراد على ما أراد ، وعلى خلافه (ق ، غ ٨ ، ٢٣٨
، ٢)
مضار
ـ المضار هي
الآلام والغموم وما أدّى إليهما أو إلى أحدهما إذا لم يعقب نفعا أعظم منه (ق ، غ ٤
، ١٤ ، ٤)
مضاف
ـ إنّ ما كان أكثر
من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع
العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في
غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله
محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من
جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من
الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٥ ، ٢)
ـ المضاف وهو
النسبة المتكرّرة (ف ، م ، ٧٠ ، ٨)
مضطر
ـ الذي نريده
بالمضطرّ هاهنا غير ما ذكرناه في الإلجاء. بل هو الذي يفعل فيه من الفعل أزيد مما
يقدر عليه ، لأنّ القوم ينفون الإلجاء ويثبتون الاضطرار ، ويفرّقون بينه وبين
الاختيار والاكتساب. ووجه هذا الإلزام أنّ عندهم قد خلق الله في المكتسب القادر
الذي لا قادر أقوى منه ، أو القادر الذي لا قادر سواه من الفعل ما لا يقدر على
الانفكاك منه. ألا ترى أنّ عندهم أنّ الكافر ليس يقدر على الانفكاك من كفره كما لا
يقدر على الانفكاك من كونه وطوله؟ فإذا جعلوه مضطرّ إلى هذه الأشياء وصار مضطرّا
إلى الحركة بأن تكون به رعشة ، فيجب أن يكون مضطرّا وإن كان مكتسبا ، لأنّ الطريقة
واحدة ، فكل ما أدّى إلى بطلان التفرقة بين المضطرّ والمخلّى المختار فيجب فساده (ق
، ت ١ ، ٣٩١ ، ٢٥)
ـ أمّا تشبيهه
بالمضطرّ فيجب أن ينظر فيه. فإن أراد به الملجأ فمعلوم أنّه أيضا في القدرة على
الضدّين كمن ليس بملجإ. ولهذا إذا ألجئ إلى الهرب من السبع ، وهناك طرق ينجو
بكلّها فإنه يقدر على سلوك كل واحد منها بدلا من الآخر. وإن أراد بالمضطرّ من قد
خلق فيه أكثر مما يقدر عليه من ذلك الجنس كما نقوله في المضطرّ إلى العلم والحركة
، فهذا أيضا يقدر على الشيء وعلى ضدّه ، ولكنّ مقدوره منحصر ، فلا يمكنه أن يزيل
عن نفسه ما قد اضطرّ إليه ، إلّا أن يريد أبو علي بالمضطرّ ما
يذهب إليه من أنّ
الاضطرار يثبت في كل ما يخلق في المرء سواء كان من جنس مقدوره أو لم يكن كذلك ،
كما نقوله في اللون وغيره. فحينئذ يكون للخصم أن يقول إنّ الفرق ثابت من الوجه الذي
بيّناه أوّلا وهو صحّة أن يفعل ذلك الفعل وأن لا يفعله دون المضطرّ الذي لا ينفكّ
مما يخلق فيه (ق ، ت ٢ ، ٤٩ ، ١٨)
ـ أمّا المضطرّ ،
فقد قال شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، في الأبواب : إنّ الضرورة ما يفعله القادر في غيره ، على
وجه لا يمكنه الامتناع منه. ولذلك لا يقال : إنّ الطفل قد اضطرّ زيدا. وقال في نقض
الفصوص وغيره : المضطرّ لا يكون مضطرّا إلى ما يفعله فيه من هو أقدر منه ، ويفعل
أكثر من مقدوره. ولذلك يوصف المفلوج بأنّه مضطرّ ؛ ويخصّون بهذا الوصف الحيّ دون
غيره. ولا يصفونه بذلك فيما لا يقدر عليه إذا فعله غيره كالألوان. قال : وذلك
اصطلاح المتكلّمين ، وإلّا فعند أهل اللغة المضطرّ هو الملجأ. ولذلك قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (البقرة : ١٧٣).
فإذا اشتدّ به الجوع لا يحصل فيه أكل الميتة من فعل غيره ، وإنّما يحصل ذلك من
فعله. ولذلك كتب يحيى بن يعمر إلى الحجّاج : " إنّا اضطررنا العدو إلى عرعرة
من الجبل". وإنّما خالف المتكلّمون أهل اللغة في ذلك ، لأنّهم لم يجدوا اسما
لمن فعل فيه الشيء ، كما وجدوه لمن على الشيء. فجعلوا قولنا : مضطرّ ، موضوعا له.
ونحن نختار ما عليه أهل اللغة ، لأنّ خلافه يوجب أنّ الأفعال كلها ضروريّات من حيث
حلّت في محل ليس هو الفاعل ، وكان يجب أن يكون المحل هو المضطرّ حتى تكون يد
الإنسان مضطرّة إلى الحركة ؛ وهذا بعيد (ق ، غ ٨ ، ١٦٦ ، ٢٢)
ـ إنّ الفاعل
متوهّم منه ترك فعله وممكن ذلك منه ، وليس كذلك ما عرفه يقينا ببرهان لأنّه لا
يتوهّم البتّة انصرافه عنه ولا يمكنه ذلك أصلا ، فصحّ أنّه مضطرّ إليها (ح ، ف ٣ ،
٢٤ ، ١٣)
مضطر مختار
ـ قد يكون المرء
مضطرّا مختارا مكرها في حالة واحدة كإنسان في رجله أكلة لا دواء له إلّا بقطعها.
فيأمر أعوانه مختارا لأمره إيّاهم بقطعها وبحسمها بالنار بعد القطع ، ويأمرهم
بإمساكه وضبطه وأن لا يلتفتوا إلى صياحه ولا إلى أمره لهم بتركه إذا أحسّ الألم ،
ويتوعّدهم على التقصير في ذلك بالضرب والنكال الشديد فيفعلون به ذلك ، فهو مختار
لقطع رجله ، إذ لو كره ذلك كراهة تامة لم يكرهه أحد على ذلك ، وهو بلا شكّ كاره
لقطعها مضطرّ إليه إذ لو وجد سبيلا بوجه من الوجوه دون الموت إلى ترك قطعها لم
يقطعها ، وهو مجبر مكره بالضبط من أعوانه حتى يتمّ القطع والحسم ، إذ لو لم يضبطوه
ويعسروه ويقهروه ويكرهوه ويجبروه لم يمكن من قطعها البتّة (ح ، ف ٣ ، ٥٣ ، ١٣)
مطاع
ـ إنّ الله ـ تعالى
ـ مطاع فهو أمرناه. ـ وردّ : إن عنيتم نفوذ قدرته فصحيح ، وإلّا ، فيعود (خ ، ل ،
١٠١ ، ٢٠)
مطبوع
ـ هل المطبوع عند
ثمامة إلّا الأجسام المعتملة المحدثة؟ (خ ، ن ، ٢٥ ، ٨)
ـ إنّ المطبوع على
أفعاله عند أصحاب فعل الطباع هو الذي لا يكون منه إلّا جنس واحد
من الأفعال ،
كالنار التي لا يكون منها إلّا التسخين والثلج الذي لا يكون منه إلّا التبريد (خ ،
ن ، ٢٥ ، ١٠)
ـ قال (ابن
الروندي) : وأنت تزعم أنّ من وصف الله بالقدرة على الجور (فقد جعله صورة ، لأنّ
القادر على الجور) لا يكون عندك إلّا صورة. والذين زعموا أنّ الله قادر على الجور
زعموا أن من (لم) يصف الله بالقدرة عليه فقد جعله مطبوعا ـ والمطبوع لا يكون إلّا
صورة ـ لأنّه لا يدخل في الشيء من لا يقدر على ضدّه إلّا مطبوعا محدثا (خ ، ن ،
١٠٦ ، ١١)
ـ قال الكعبي :
أفعال الله باختيار ؛ لأنّ المطبوع يكون فعله نوعا (م ، ح ، ٦٠ ، ٣)
ـ إنّ المطبوع المجبول
على الفعل من شأنه أن يكون ما يضطرّ إليه سجيّة واحدة ؛ وليس كذلك المتصرف
باختياره ؛ لأنّه يفعل الشيء وضدّه وخلافه (ب ، ت ، ٦٤ ، ٥)
ـ المطبوع على
قلوبهم الذين علم الله أنّه لا لطف لهم ، وجعلهم في أنّهم لا يلقون أذهانهم إلى
معرفة الحق ولا ينظرون بأعينهم إلى ما خلق الله نظر اعتبار ولا يسمعون ما يتلى
عليهم من آيات الله سماع تدبر ، كأنهم عدموا فهم القلوب وإبصار العيون وإسماع
الآذان ، وجعلهم لإغراقهم في الكفر وشدة شكائمهم فيه ، وأنّه لا يأتي منهم إلّا
أفعال أهل النار مخلوقين للنار ، دلالة على توغلهم في الموجبات وتمكنهم فيما
يؤهلهم لدخول النار (ز ، ك ٢ ، ١٣١ ، ٢٤)
مطبوع محدث
ـ قال (ابن
الروندي) : وأنت تزعم أنّ من وصف الله بالقدرة على الجور (فقد جعله صورة ، لأنّ
القادر على الجور) لا يكون عندك إلّا صورة. والذين زعموا أنّ الله قادر على الجور
زعموا أن من (لم) يصف الله بالقدرة عليه فقد جعله مطبوعا ـ والمطبوع لا يكون إلّا
صورة ـ لأنّه لا يدخل في الشيء من لا يقدر على ضدّه إلّا مطبوعا محدثا (خ ، ن ،
١٠٦ ، ١٢)
مطبوع مضطر
ـ لم يفعل الله عزوجل عند إبراهيم فعلا إلّا وهو قادر على تركه وفعل غيره بدلا
منه إلّا أنّ ذلك الفعل وتركه صلاح لخلقه ونفع لهم. والفرق بين المطبوع المضطرّ
عند إبراهيم وبين ما يصف الله به أنّ المطبوع غير قادر على ما فعله ولا على تركه
ولا مختار ولا مؤثر له على غيره ، ولا يكون منه في الأفعال إلّا جنس واحد كالنار
التي لا يكون منها إلّا التسخين والثلج الذي لا يكون منه إلّا التبريد (خ ، ن ، ٢٦
، ٤)
مطلق مخلّى
ـ إنّ القادر له
حالتان : حالة يصحّ منه إيجاد ما قدر عليه ، وحالة لا يصحّ ذلك ؛ والأسماء تختلف
عليه بحسب اختلاف هاتين الحالتين ، ففي الحالة الأولى يسمّى مطلقا مخلّى ، وفي
الثانية يسمّى ممنوعا (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ١٠)
مطلق مخلى
ـ مما يذكرونه من
الفرق بين الكافر والعاجز قولهم إنّ هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا
افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف
الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في
وصفه بذلك مجرّد
وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد بأنّه مخلّى مع
أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو زال القيد لصحّ منه المشي. فكيف ساغ للقوم
أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن ثبات القدرة وعن أمر زائد
عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب أن يجوز وصف العاجز
بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به فكذلك لا يصحّ وصف العاجز بأنّه
ممنوع ، لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان يصحّ منه الفعل وحالته
تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن أيضا وإنّما يقال ذلك في
المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع عدم القدرة عنه أن يكون
ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل الممنوع منه ، وهذا يرجع
فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق ، ت ٢ ، ٦١ ، ١٢)
مطلوب
ـ إنّ المطلوب ليس
هو أحد الوجهين المتغايرين ، بل هو الشيء الذي له وجهان. وذلك الشيء ليس بمشعور به
مطلقا ، وليس غير مشعور به مطلقا ، بل هو قسم ثالث (ط ، م ، ٧ ، ٦)
مطيع
ـ إنّ المطيع هو
من فعل ما أراده المطاع (ق ، ش ، ٤٥٧ ، ١٧)
ـ إنّ المطيع
إنّما يكون مطيعا بالفعل ، متى فعله ؛ والمطاع مريد له منه ، سواء علم المطاع أو
لم يعلمه ، وعلم إرادته أو لم يعلم. وعلى هذا الوجه ، يوصف العاصي بأنّه مطيع
للشيطان ، وإن لم يكن في حال معصيته يعلم أنّ الشيطان مريد ذلك منه ، بل ربما يخطر
بباله في تلك الحال أمر الشيطان البتّة. وربما مدح الرجل عبده بأنّه يفعل ما يريد
منه ، وإن لم يعلم ذلك ، ويولّد بذلك مدحه. وإذا ثبت ذلك ، صحّ كونه مطيعا بهما ،
وإن لم يعرف الله تعالى (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٧ ، ٢١)
مع
ـ إنّ التقدّم
والتأخّر والمع يطلق على الشيئين إذا كانا متناسبين نوعا من المناسبة ، ولا نسبة
بين الباري تعالى وبين العالم إلّا بوجه الفعل والفاعلية ، والفاعل على كل حال
متقدّم والمفعول متأخّر (ش ، ن ، ٢٢ ، ١٤)
معاد
ـ في ذكر ما له
يكون المعاد معادا اختلف المتكلّمون في ذلك. فمنهم من قال : إنّه يكون معادا لعلّة
لولاها لم يكن كذلك ؛ كما أنّ المتحرّك إنّما يتحرّك لعلّة ؛ لأنّه كما يجوز بدلا
من كونه متحرّكا أن يكون ساكنا ، فكذلك يصحّ بدلا من كونه معادا أن يكون غير معاد
، فيجب أن يختصّ بكونه معادا لعلّة. قالوا : وقد يجوز أن يكون الشيء حادثا معادا
وحادثا غير معاد. فإذا اشتركا في الحدوث واستبدّ أحدهما بحكم زائد فيجب أن يكون
ذلك لعلّة ، كما أن المتحرّك والساكن لمّا اجتمعا في الوجود (و) استبدّ كل واحد
منهما بحكم زائد ، وجب أن يكون ذلك لعلّة. والصحيح عند شيوخنا ـ
رحمهمالله ـ أن يكون معادا
لا لعلّة ، لكن لأنّه إحداث ثانيا بعد حدوث أول. فلما أعيد ثانيا إلى الوجود الذي
كان له وزال وصف بهذه الصفة لهذه الفائدة وإن لم يكن هناك علّة. ويدلّ على ذلك
أنّه إذا ثبت في المحدث أنّه يحدث لا لعلّة ، فكذلك القول في المعاد ، لأنّه لم
يحصل فيه إلّا إحداث ذاته في المعنى (ق ، غ ١١ ، ٤٥٦ ، ٤)
ـ ثبت أنّه لا صفة
للمعاد من جهة المعنى إلّا ما للمحدث فيجب ألّا يكون معادا لعلّة (ق ، غ ١١ ، ٤٥٨
، ٢٠)
ـ في المعاد :
وأطلق المسلمون على البدنيّ ، إمّا بمعنى إعادة المعدوم أو جميع الأجزاء ؛
والفلاسفة على الروحانيّ ؛ وجمع من المسلمين والنصارى عليهما ، ونفاهما الدهريّة
وتوقّف جالينوس (خ ، ل ، ١٢٢ ، ٨)
ـ المعاد بمعنى
جمع الأجزاء حقّ ، خلافا للفلاسفة. لنا : ممكن لأنّ قبول الجسم للعرض ذاتيّ له ،
وهو ـ تعالى ـ قادر على كلّ ممكن ، والصادق أخبر عنه فهو واجب (خ ، ل ، ١٢٦ ، ٦)
معاداة
ـ أمّا المعاداة
فمفاعلة من العداوة أيضا ، ومعناه إرادة نزول الضرر بالغير ، وإذا قيل : فلان
يعادي الله تعالى ، فالمراد به أنّه يريد نزول الضرر بأوليائه ، وإذا قيل في الله
تعالى أنّه عدوّه ، فالمراد به أنّه يريد معاقبته (ق ، ش ، ٧٠١ ، ٦)
معارضة العلة
بالعلة
ـ مثال معارضة
العلّة بالعلّة فهو كقول الموحّد للجسميّ" إذا زعمت أنّ الله سبحانه جسم
لأنّك لم تعقل فاعلا إلّا جسما فهلّا زعمت أنّه مؤلّف لأنّك لم تعقل فاعلا إلّا
مؤلّفا؟ ". وذلك أنّ الأوّل وضع علّته وبنى كلامه على المعقول والثاني على
المعقول أيضا مقابلا له ، وهذا أصحّ ما يكون من المعارضة (أ ، م ، ٣٠٢ ، ٣)
معارف
ـ أصحاب المعارف
... افترقوا ، فمنهم من قال : إنّ المعارف كلها تحصل إلهاما وهؤلاء لا يوجبون
النظر البتّة ، ومنهم من قال : إنّ المعارف تحصل بطبع المحل عند النظر ، فيوجبون
النظر إليه (ق ، ش ، ٦٧ ، ٥)
ـ اعلم ، أنّه ، رحمهالله (الجاحظ) ، كان
يقول في المعارف : إنّها تقع ضرورة بالطبع عند النظر في الأدلّة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ،
٣)
ـ قال شيخنا أبو
علي ، رحمهالله : إن كانت المعارف تقع بالطبع ، فما الحاجة إلى التدبّر
والنظر؟ لأنّك تضيفها إلى أنّها من جهة فاعل الطبع ، وهو الله تعالى. وقد صحّ أنّه
فيما يفعله لا يحتاج إلى سبب وآلة عندك ، فكيف قلت بالحاجة إلى النظر. وألزمه أن
لا يكون لنصب الأدلّة معنى إن كان الأمر كما قاله ، فألزمه أن لا يكون لذكره تعالى
الأدلّة على التوحيد والعدل والنبوّات في كتابه فائدة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٩ ، ٨)
ـ قال (أبو الهذيل)
: المعارف ضربان : أحدهما : باضطرار ، وهو معرفة الله عزوجل ، ومعرفة الدليل الداعي إلى معرفته ، وما بعدهما من العلوم
الواقعة عن الحواس أو القياس فهو علم اختيار واكتساب (ب ، ف ، ١٢٩ ، ١٢)
ـ إنّ المعارف
كلّها طباع ، وهي مع ذلك فعل للعباد ، وليست باختيار لهم (الجاحظ). قالوا :
ووافق ثمامة في أن
لا فعل للعباد إلّا الإرادة ، وأن سائر الأفعال تنسب إلى العباد على معنى أنّها
وقعت منهم طباعا ، وأنّها وجبت بإرادتهم (ب ، ف ، ١٧٥ ، ١٤)
ـ زعم صالح ...
أنّ المعارف كلّها ضروريّة يبتديها الله عزوجل في القلوب اختراعا من غير سبب يتقدّمها من نظر واستدلال ،
وزعم أنّ الإنسان غير مأمور بالمعرفة لكن من عرف الله عزوجل بالضرورة صار بالإقرار والطاعة مأمورا (ب ، أ ، ٣١ ، ١٣)
ـ زعم بعض الروافض
أنّ المعارف كلّها ضروريّة إلّا أنّ الله تعالى لا يفعلها في العبد إلّا بعد نظر
واستدلال ، كما أنّ الولد من فعله غير أنّه لا يخلقه إلّا بعد وطئ الوالدين (ب ، أ
، ٣١ ، ١٧)
ـ قالوا (بعض
الروافض) فيمن لم يعرف الله تعالى بالضرورة أنّه غير مكلّف ، وزعم آخرون منهم أنّ
المعارف ضروريّة غير أن من لم يعرف الله تعالى مأمور بالإقرار والطاعة (ب ، أ ، ٣٢
، ٦)
ـ زعم الجاحظ
وثمامة أن المعارف ضروريّة وأنّ الله عزوجل ما كلّف أحدا بمعرفته وإنّما أوجب على من عرفه طاعته (ب ، أ
، ٣٢ ، ٩)
ـ أمّا السمع
والعقل ، فقد قال أهل السنّة : الواجبات كلها بالسمع ، والمعارف كلها بالعقل.
فالعقل لا يحسّن ولا يقبّح ، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف ، أي لا يوجد
المعرفة ، بل يوجب (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١٩)
ـ قال أهل العدل :
المعارف كلها معقولة بالعقل ، واجبة بنظر العقل ، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع
، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٢٢)
ـ قال (ثمامة) :
إنّ المعارف كلها ضروريّة ، وإنّ من لم يضطرّ إلى معرفة الله سبحانه وتعالى فليس
هو مأمورا بها ، وإنّما خلق للعبرة والسخرة كسائر الحيوان (ش ، م ١ ، ٧١ ، ١٤)
ـ إنّ المعارف
كلها ضروريّة طباع ، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد. وليس للعبد كسب سوى الإرادة
، وتحصل أفعاله منه طباعا كما قال ثمامة (ش ، م ١ ، ٧٥ ، ٥)
ـ فرّق أبو الحسن
الأشعريّ بين حصول معرفة الله تعالى بالعقل وبين وجوبها به ، فقال المعارف كلها
إنّما تحصل بالعقل لكنّها تجب بالسمع ، وإنّما دليله في هذه المسألة لنفي الوجوب
التكليفيّ بالعقل لا لنفي حصول العقليّ عن العقل (ش ، ن ، ٣٧١ ، ١٤)
معارف ضرورية
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ المعارف بوجود المدركات ضرورة ، ومعرفة الإنسان بنفسه ضرورة وبكثير من
أحكامه وصفاته. وكذلك معرفته بمخبر أخبار التواتر ضرورة. ومن هذه المعارف
الضروريّة ما يعلم أنّها ضرورة بالاستدلال ممّا قد تنازعها المتنازعون فقال قوم
إنّها اكتساب وقال قوم إنّها ضرورة ، لأنّ العلم بأنّها ضرورة ليس بضرورة ، ولذلك
تنازع الناس كثيرا في المعارف فقال بعضهم إنّها ضرورة وقال بعضهم إنّها اكتساب (أ
، م ، ٢٤٨ ، ٥)
ـ زعم صالح فيه
أنّ المعارف كلّها ضروريّة يبتديها الله عزوجل في القلوب اختراعا من غير سبب يتقدّمها من نظر واستدلال ،
وزعم أنّ الإنسان غير مأمور بالمعرفة لكن من عرف الله
عزوجل بالضرورة صار بالإقرار والطاعة مأمورا (ب ، أ ، ٣١ ، ١٣)
معاص
ـ اختلفت المرجئة
في المعاصي هل هي كبائر أم لا على مقالتين : فقال قائلون منهم" بشر المريسي"
وغيره : كل ما عصى الله سبحانه به كبيرة ، وقال قائلون منهم : المعاصي على ضربين
منها كبائر ومنها صغائر (ش ، ق ، ١٤٣ ، ١٢)
ـ إنّ المعاصي على
ضربين : منها صغائر ومنها كبائر ، وأنّ الكبائر على ضربين منها ما هو كفر ومنها ما
ليس بكفر ، وأنّ الناس يكفرون من ثلاثة أوجه : رجل شبّه الله سبحانه بخلقه ورجل
جوّره في حكمه أو كذّبه في خبره ورجل ردّ ما أجمع المسلمون عليه عن نبيّهم صلىاللهعليهوسلم نصّا وتوقيفا (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٤)
ـ إنّ الإيمان
محلّه القلب والمعاصي محلّه الأعضاء وهما في محلّين مختلفين فلا يتنافيان (م ، ف ،
٣ ، ١٤)
ـ إنّ الفعل
الحاصل من العبد بمشيئته ، قد يكون مرضيا نحو الطاعة ، وقد يكون مسخوطا غير مرضي
كالمعاصي اعتبر هذا بالأعيان لأنّه خلق نفس الكافر بلا خلاف ، وليس يرضى بنفس
الكفر ، وكذلك الخمر والخنازير ، فكذا هذا في الأفعال (م ، ف ، ٢١ ، ١٦)
ـ المعاصي أيضا
أقسام : قسم منها كفر محض كعقد القلب على ما يضادّ القسم الأول من أقسام الطاعات
أو الشكّ فيها أو في بعضها ، ومن مات على ذلك كان مخلّدا في النار. والقسم الثاني
منها ركوب الكبائر أو ترك الفرائض من غير عذر وذلك فسق سقط به الشهادة ، وفيه ما
يوجب الجد أو القتل أو التعذير ، وهو مع ذلك مؤمن إن صحّ له القسم الأول من
الطاعات ، خلاف قول الخوارج أنّه كافر وخلاف قول القدريّة أنّه لا مؤمن ولا كافر.
وربما غفر الله تعالى له بلا عقاب وإنّ عاقبه على ذنبه لم يكن عقابه مؤبّدا ، ومآل
أمره الثواب في الجنة بفضل الله ورحمته. والقسم الثالث منها ما يسمّيه بعض
المتكلّمين صغائر وليس فيها ترك فريضة راتبة ولا ارتكاب ما يوجب حدّا. وأصحابنا لا
يسمّونه صغيرة والأمر فيها إلى الله تعالى يفعل فيها ما يشاء (ب ، أ ، ٢٦٨ ، ١٢)
ـ أمّا المعتزلة
فإنّهم يقولون إنّ المعاصي كلّها والشرور كلّها جارية بغير إرادة الله ، بل هو
كاره لها (غ ، ق ، ١٠٨ ، ٣)
ـ أئمتنا ، عليهمالسلام ، والجمهور : والمعاصي صغائر وكبائر. الخوارج والأسفرايني
وموافقوهم : بل كبائر فقط (ق ، س ، ١٨٢ ، ٣)
معان
ـ القول بالمعاني
: وتفسيره أنّ معمّرا زعم أنّه لمّا وجد جسمين ساكنين أحدهما يلي الآخر ثم وجد
أحدهما قد تحرّك دون صاحبه كان لا بدّ عنده من معنى حلّه دون صاحبه من أجله تحرّك
، وإلّا لم يكن بالتحرّك أولى من صاحبه (خ ، ن ، ٤٦ ، ١٧)
ـ اعتبار المعاني
التي هي أسباب حقائق الأشياء (م ، ح ، ٢٦٧ ، ١٤)
ـ أمّا معمّر ومن
اتّبعه فقالوا إنّا وجدنا المتحرّك والساكن فأيقنّا أنّ معنى حدث في المتحرّك به
فارق الساكن في صفته ، وأنّ معنى حدث في الساكن به أيضا فارق المتحرّك في صفته ،
وكذلك علمنا أنّ في الحركة معنى به فارقت
السكون ، وأنّ في
السكون معنى به فارق الحركة ، وكذلك علمنا أنّ في ذلك المعنى الذي به خالفت الحركة
السكون معنى به فارق المعنى الذي به فارقه السكون ، وهكذا أبدا أوجبوا أنّ في كل
شيء في هذا العالم من جوهر أو عرض أي شيء كان معاني فارق كل معنى منها كل ما عداه
في العالم ، وكذلك أيضا في تلك المعاني لأنّها أشياء موجودة متغايرة ، وأوجبوا
بهذا وجود أشياء في زمان محدود في العالم لا نهاية لعددها (ح ، ف ٥ ، ٤٦ ، ٢٠)
ـ أمّا المعاني
التي تدعونها فإنّكم تدعون أنّها موجودة قائمة فوجب أن يكون لها نهاية ، فإن نفيتم
النهاية عنها لحقتم بأهل الدهر وكلّمناكم بما كلّمناهم به مما قد ذكرنا قبل وبالله
تعالى التوفيق ، ثم لو تثبت لكم هذه العبارة من قول القائل إنّ ما يقدر الله تعالى
عليه لا نهاية لعدده وهذا لا يصحّ ، بل الحق في هذا أن نقول إنّ الله تعالى قادر
على أن يخلق ما لا نهاية له في وقت ذي نهاية ومكان ذي نهاية ، ولو شاء أن يخلق ذلك
في وقت غير ذي نهاية ومكان غير ذي نهاية لكان قادرا على كل ذلك لما وجب من ذلك
إثبات ما ادّعيتم من وجود معان في وقت واحد لا نهاية لها ، إذ ليس هاهنا عقل يوجب
ذلك ، ولا خبر يوجب ذلك ، وإنّما هو قياس منكم إذ قلتم لما كان قادرا على أن يخلق
ما لا نهاية له ، قلنا أنّه قد خلق ما لا نهاية له ، فهذا قياس ، والقياس كلّه
باطل (ح ، ف ٥ ، ٤٨ ، ٥)
معان قائمة بأجسام
ـ لم سمّيت
المعاني القائمة بالأجسام أعراضا فقال قائلون : سمّيت بذلك لأنها تعترض في الأجسام
وتقوم بها ، وأنكر هؤلاء أن يوجد عرض لا في مكان أو يحدث عرض لا في جسم ، وهذا
قول" النظّام" وكثير من أهل النظر (ش ، ق ، ٣٦٩ ، ٩)
ـ " عبد الله
بن كلّاب" يسمّي المعاني القائمة بالأجسام أعراضا ويسمّيها أشياء ، ويسمّيها
صفات (ش ، ق ، ٣٧٠ ، ١٠)
معان معدومة
ـ إنّ المعاني
المعدومة لا يجوز أن تكون موجبة لشيء من الأوصاف (ن ، د ، ٣٠٣ ، ٦)
معتاد
ـ إنّ كل أمر صحّ
من العبد أن يفعله ، وإن قلّ ظهوره ، فهو معتاد ؛ لأنّ المشاركة من غيره تصحّ فيه
، بأن يقف على شبهه ووجه الحيلة فيه (ق ، غ ١٥ ، ٢٠١ ، ١٤)
معتزلة
ـ المعتزلة
ويسمّون أصحاب العدل والتوحيد ، ويلقّبون بالقدرية ، والعدلية. وهم قد جعلوا لفظ
القدريّة مشتركا ، وقالوا : لفظ القدريّة يطلق على من يقول بالقدر خيره وشرّه من
الله تعالى ، احترازا من وصمة اللقب ، إذ كان الذمّ به متّفقا عليه لقول النبي
عليه الصلاة والسلام : " القدريّة مجوس هذه الأمّة" ، وكانت الصفاتيّة
تعارضهم بالاتّفاق ، على أنّ الجبرية والقدرية متقابلتان تقابل التضادّ ؛ فكيف
يطلق لفظ الضدّ على الضدّ؟ وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : " القدريّة
خصماء الله في القدر" والخصومة في القدر ، وانقسام الخير والشر على فعل الله
وفعل العبد لن يتصوّر على مذهب من يقول بالتسليم والتوكّل ، وإحالة الأحوال كلها
على القدر المحتوم ، والحكم
المحكوم والذي
يعمّ طائفة المعتزلة من الاعتقاد (ش ، م ١ ، ٤٣ ، ١٠)
ـ القول بالمنزلة
بين المنزلتين. والسبب فيه أنّه دخل واحد على الحسن البصريّ فقال : يا إمام الدين
، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن
الملّة ، وهم وعيديّة الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم لا
تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان. ولا يضرّ مع الإيمان
معصية ، كما لا ينفع من الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمّة. فكيف تحكم لنا في ذلك
اعتقادا؟ فتفكّر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إنّ
صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا
مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرّر ما أجاب به
على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل. فسمّي هو وأصحابه معتزلة
(ش ، م ١ ، ٤٨ ، ١١)
ـ المعتزلة :
أصحاب واصل بن عطاء الغزاليّ اعتزل عن مجلس الحسن البصريّ (ج ، ت ، ٢٧٦ ، ١٠)
معتزلي
ـ وليس يستحق أحد
... اسم الاعتزال حتى يجمع القول بالأصول الخمسة : التوحيد والعدل والوعد والوعيد
والمنزلة بين النزلتين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فإذا كملت في الإنسان
هذه الخصال الخمس فهو معتزليّ (خ ، ن ، ٩٣ ، ٥)
ـ كان الناس قبل
حدوث واصل بن عطاء رئيس المعتزلة على مقالتين. منهم خوارج يكفّرون مرتكبي الكبائر
ومنهم أهل استقامة يقولون هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. ولم يقبل منهم قائل أنّه
ليس بمؤمن ولا كافر قبل حدوث واصل بن عطاء حين اعتزل واصل الأمّة وخرج عن قولها
فسمّي معتزليّا بمخالفته الإجماع (ش ، ل ، ٧٦ ، ٧)
معتقد
ـ الكلام موضوع
للفائدة. ولا وجه لاختلاف العبارات مع اتّفاقها ؛ لأنّ الفروق إذا عقلت صحّت
التفرقة بين العبارات. فأمّا إذا كان لا فرق البتّة فلا وجه في ذلك ، سيّما إذا لم
يقترن بذلك ما يتّصل بدواعي التكليف. فإذا ثبت ذلك ، وعلمنا أنّ بين أن تسكن نفس
المعتقد إلى معتقده ، وبين ألا تسكن نفسه إليه ، فرقا ، صحّ أن نصف الأول بأنّه
عالم ، والثاني بأنّه معتقد وليس بعالم. ثم وجدنا من لم تسكن نفسه إلى ما اعتقد
يكون معتقده على ما هو به ، وعلى ما ليس هو به ؛ والحكم في ذلك مختلف ، كما أنّ
الحقيقة مختلفة. فوصفنا الأول بأنّه مقلّد أو مبخّت ، والثاني بأنّه جاهل ، ووصفنا
المعاني بحسب ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٧ ، ١٧)
ـ قالت طوائف منهم
الأشعريّة وغيرهم ، من اتّفق له اعتقاد شيء على ما هو به على غير دليل لكن بتقليد
أو تميل بإرادته ، فليس عالما به ولا عارفا به ولكنّه معتقد له ، وقالوا كل علم
ومعرفة اعتقاد ، وليس كل اعتقاد علما ولا معرفة ، لأنّ العلم والمعرفة بالشيء
إنّما يعبّر بهما عن تيقّن صحّته ، قالوا وتيقّن الصحّة لا يكون إلّا ببرهان ،
قالوا وما كان بخلاف ذلك فإنّما هو ظنّ ودعوى لا تيقّن بها (ح ، ف ٥ ، ١٠٩ ، ١٩)
معجز
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ المعجزات على وجوه ، أحدها أن يخصّ من تظهر عليه بقدر زائدة على ما جرت
العادة بفعل مثلها لمن كان على مثل هيئته وبنيته وحاله. وقد يكون أيضا بفقد القدر
في حال جرت العادة بفعلها فيه لمن كان على مثل حاله ، فيكون فقد القدر دلالة
ومعجزة على هذا الوجه كما كان وجودها على هذا الوجه الزائد دليلا. وقد تكون أيضا
زيادة العلم على الوجه الناقض للعادة أيضا معجزة ، كما يكون فقدها أيضا معجزة.
وإنّ المعجز في الحقيقة فاعل العجز ، كما أنّ المقدّر في الحقيقة فاعل القدرة
والمحيي فاعل الحياة والمميت فاعل الموت. ثم يسمّى الفعل الذي يحدث مع عجز الغير
والتحدّي لمن يعجز عنه معجزا ، وكذلك يسمّى ما يتعذّر فعل مثله على من يتحدّى به
معجزا ، وإن لم يكن نوع ذلك ممّا يصحّ أن يقدر عليه أو يعجز عنه ، تشبيها بما يصحّ
أن يقدر عليه ويعجز عنه. وذلك أنّ الحياة والموت وفعل السمع والبصر والصمم والعمى
ونحو ذلك ممّا لا يصحّ أن يدخل تحت قدرة البشر ، فإذا ظهرت هذه الأفعال على من
يدّعي الرسالة عند دعواها وتحدّى بها وتعذّر ذلك على من يتحدّاه به ، قيل لمن
يتعذّر فعل ذلك عليه إنّه عاجز عنه وإنّ ذلك الفعل معجز ، على التشبيه بما يعجز
عنه ممّا يدخل نوعه تحت قدرته على وجه (أ ، م ، ١٧٧ ، ١١)
ـ اعلم أنّ المعجز
هو من يعجز الغير ، كما أنّ المقدّر هو من يقدر الغير ، هذا في اللغة. وأمّا في
المصطلح عليه ، فهو الفعل الذي يدلّ على صدق المدّعي للنبوّة ؛ وشبهه بأصل اللغة ،
هو أنّ البشر يعجزون عن الإتيان بما هذا سبيله فصار كأنّه أعجزهم ، إذا ثبت هذا
فالفعل لا يدلّ على صدق المدّعي للنبوّة ، إلّا إذا كان على أوصاف وشرائط (ق ، ش ،
٥٦٨ ، ١٤)
ـ إنّ المعجز يدلّ
على النبوّات كدلالة التصديق ، فإذا لم يصحّ أن يعلم تعالى صادقا بقوله وقول
الرسول ، فيجب ألّا تصحّ معرفة النبوّات بقولهما ، وذلك يوجب أن يعرف من جهة العقل
(ق ، غ ١٤ ، ١٥١ ، ١٦)
ـ إن قال : ومن
أين أنّه ، إذا كان الفعل معجزا يعلم من حالته ما وصفتم؟ قيل له : لأنّ بكونه
معجزا يعلم من حاله أنّه لم يقع إلّا من قبله ، جلّ وعزّ ؛ لعلمنا بتعذّره ـ إمّا
في جنسه أو في وجهه ونوعه ـ من سائر القادرين ؛ ومتى لم يكن معجزا لم يعلم ذلك من
حاله ؛ فصار ذلك في بابه بمنزلة ابتداء الاستدلال على إثبات القديم تعالى ؛ لأنّه
لا يمكن إلّا بما لا يصحّ وقوع مثله من القادرين. ويصير تعذّر ذلك من سائر
القادرين ، في أنه يوجب إثبات محدث مخالف لهم ، بمنزلة علمنا بتعلّق المحدث بمحدث
معيّن بالمشاهدة. فكذلك لا فرق بين أن نعلم بالمشاهدة أن وضع زيد يده على رأسه من
فعله ، لوقوعه بحسب أحواله ، وبين أن نعلم في المعجز ، أنّه من جهة القديم تعالى
لتعذّر مثله على سائر القادرين ، (إما في جنسه أو في الوجه الذي يقع عليه) (ق ، غ
١٥ ، ١٧٠ ، ٦)
ـ إنّ المعجز
إنّما يدلّ إذا حصل به انتفاض عادة معتبرة. وقد بيّنا أن حدوثه في الابتداء ، أو
عند زوال التكليف ، لا يتضمّن هذا المعنى. فهو مخالف للمعجز في الوجه الذي عليه
يدلّ (ق ، غ ١٥ ، ١٨٦ ، ١٤)
ـ إنّ الوجه ،
الذي عليه يدلّ الدليل ، ربّما عرف ، على طريق الجملة ، وصحّ الاقتصار عليه ؛
وربّما احتيج إلى
معرفته ، على طريق التفصيل. والمعجز يكفي ، في دلالته ، أن يعلم كونه ناقضا للعادة
على جهة الجملة ، ولا يجب حصر العادة بأكثر من أن يعلم منها أنّها عادة (ق ، غ ١٥
، ١٨٨ ، ٢)
ـ إنّه تعالى لمّا
أراد إدامة التكليف بشريعة الرسول جعل المعجز ، الدالّ على نبوّته ، يبقى على
الأوقات ، ويزداد وضوحا (ق ، غ ١٥ ، ١٩٠ ، ١٩)
ـ إنّ المعجز
إنّما يدلّ متى لم يكثر ، وإنّ قدرا من الكثرة يخرجه عن بابه. فكذلك (الحد) ، لا
فرق فيه بين أن يوجد ، في الوقت الواحد ، على أيدي جماعة وبين أن يتكرّر ، على
الأوقات ؛ لأنّ كلا الوجهين يدخله في العادة (ق ، غ ١٥ ، ١٩١ ، ٨)
ـ اعلم أنّ"
معجزا" في وزن" مقدر". فكما أنّ المستفاد بذلك جعله غيره قادرا ،
فيجب أن تكون الفائدة في قولنا" معجز" أنّ غيره جعله عاجزا ، ويجب ألّا
يكون ذلك إلّا من صفاته ، جلّ وعزّ ؛ لأنّه الذي يختصّ بالقدرة على"
الإقدار" و" الإعجاز" (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ٤)
ـ لكن أهل اللغة
يسلكون في معاني هذه الأوصاف الظواهر من معانيها ، دون ما ينتهي"
المتكلّمون" إلى معرفته بالاستنباط ، فصاروا يستعملون" المقدر"
و" المعجز" في وجوه التمكين ، (وفي) أسباب التعذّر. فإذا مكّن القادر
غيره من الأمر يقال" أقدره" ، كما يقال" مكّنه" ، وإن كان
الذي فعله من قبيل الآلات. وكذلك قد يقال : " أعجزه" ، إذا فعل أمرا
تعذّر عنده المعتاد من الفعل عليه (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ١٢)
ـ قد تنقل اللفظة
من أصل اللغة إلى ضرب من التعارف ، على حال ما نعرفه من حال كثير من الألفاظ.
وربما تدخل فيه طريقة الاصطلاح. وكل واحد من هذين يخالف موضوع اللغة ، ويصير
باللفظ أمسّ ؛ لأنّ من حق الاصطلاح والتعارف أن تنقل اللفظة عن موضوعها. وقولنا"
معجز" يفيد ، في التعارف ، أنه مما يتعذّر علينا فعل مثله. فهذا مرادهم إذا
وصفوا الشيء بأنّه" معجز" : ولذلك عند الإضافة يقولون : هو معجز لنا ،
وليس بمعجز لله تعالى. وربما قالوا : هو معجز" لزيد" ، وليس بمعجز"
لعمرو" إذا تأتّى منه فعله ، وعدلوا عن طريقة العجز في هذا الباب ، ولم
يخصّوا به ما يصحّ فيه العجز وما لا يصحّ ؛ لأن القادر منّا لا يصحّ أن يعجز إلّا
عمّا يصحّ أن يقدر عليه في الجنس. وقد صاروا يستعملون هذه اللفظة فيما لا يصحّ أن
يقدر أحدنا عليه ، كما يستعملونها فيما يصحّ ؛ بل استعمالهم في الأوّل أكثر ، ولا
يكاد أن يستعمل ذلك في المتعارف من الأمور ؛ لأنّ أحدنا ، وإن لم يمكنه أن يفعل ما
يفعله القوي من الحمل وغيره ، فإنّ ذلك لا يقال : إنّه معجز ، من حيث كان مقاربا
لما يصحّ أن يفعله. فإنّما يعنون بذلك الأمر الذي قد تجلّى ، وظهر من أمره ، خروجه
عن أن يكون تحت إمكان من وصف بأنه معجز له وفيه (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ١٩)
ـ إنّ المعجز لا
بدّ من أن يكون ناقضا للعادة (ق ، غ ١٥ ، ٢٠٢ ، ٢)
ـ إنّ من حق
المعجز أن يتعذّر على العباد فعل مثله (ق ، غ ١٥ ، ٢٠٣ ، ٢)
ـ معنى قولنا في
القرآن : إنّه معجز ، أن يتعذّر على المتقدّمين في الفصاحة فعل مثله ، في القدر
الذي قد اختصّ به (ق ، غ ١٦ ، ٢٢٦ ، ٤)
ـ قول روي عن
الأشعري وهو أنّ المعجز الذي تحدّى الناس بالمجيء بمثله (القرآن) هو الذي لم يزل مع
الله تعالى ولم يفارقه قط ولا نزل إلينا ولا سمعناه (ح ، ف ٣ ، ١٥ ، ١٨)
ـ ذهب سائر أهل
الإسلام إلى أنّ القرآن كلّه قليله وكثيره معجز ، وهذا هو الحق الذي لا يجوز خلافه
(ح ، ف ٣ ، ١٩ ، ٢٢)
ـ إنّ معجز
الأنبياء هو خارج عن الرتب ، وعن طبائع كل ما في العالم ، وعن بنية العالم ، لا
يجري شيء من ذلك على قانون ولا على سنن معلوم (ح ، ف ٥ ، ٥ ، ٩)
ـ المعجز أمر خارق
للعادة مقرون بالتحدّي مع عدم المعارضة. وإنّما قلنا أمر لأنّ المعجز قد يكون
إتيانا بغير المعتاد ، وقد يكون منعا من المعتاد. وإنّما قلنا خارق للعادة ليتميّز
به المدّعي عن غيره ، وإنّما قلنا مقرون بالتحدّي لئلّا يتّخذ الكاذب معجزة من
مضيء حجّة لنفسه ، يتميّز عن الأرهاص والكرامات ، وإنّما قلنا مع عدم المعارضة
ليتميّز عن السحر والشعبذة (ف ، م ، ١٥٧ ، ٤)
ـ المعجز ـ في
الوضع ـ مأخوذ من العجز ، وهو في الحقيقة لا يطلق على غير الباري ـ تعالى ؛ لكونه
خالق العجز ، وإن سمّينا غيره معجزا ، كما في فلق البحر وإحياء الموتى ، فذلك
إنّما هو بطريق التجوّز والتوسّع ، من كونه سبب ظهور الإعجاز ، وهو الإنباء عن
امتناع المعارضة ، لا الإنباء عن العجز عن الإتيان بمثل تلك المعجزة كما يتوهّمه
بعض الناس ، فإنّ ذلك مما لا يتصوّر العجز عنه حقيقة ؛ فإن دخلت تحت قدرته فلا عجز
، وإن لم تدخل قدرته فالعجز عمّا لا يدخل تحت القدرة أيضا ممتنع. فإن قيل : إنّه
معجوز عنه ، فليس إلّا بطريق التوسّع لا غير (م ، غ ، ٣٣٣ ، ١)
ـ المعجز أمر خارق
للعادة مع التحدّي وعدم المعارض (خ ، ل ، ١١٧ ، ٣)
ـ لا معجز إلّا من
فعل الله يتعذّر فعله منا ولو دخل جنسه في مقدورنا. وقيل : لا يدخل ، كقلب العصا
حيّة. قلنا : القصد أن يعجزنا مثله. ولا بدّ أن يقع عقيب الدعوى ، وإلّا جوّزناه
اتّفاقا ومع بقاء التكليف ، وإلّا جوّزناه خارقا كطلوع الشمس من المغرب (م ، ق ،
١١٤ ، ١)
ـ المعجز يفارق
الشعبذة بأنّه يمكن تعلّمها بخلافه ، ونحو ذلك (م ، ق ، ١١٤ ، ٢١)
ـ قلنا : المعجز
شاهد بصدقه ، وإذا عدم الشاهد لم يحصل التمييز بين الصادق الأمين وبين نحو مسيلمة
اللعين. والله تعالى عدل حكيم لا يلبس خطابه بالهراء والافتراء ، بل يجوز أن يشهد
على نبوّته نبي قبله لحصول الشهادة على صدقه ، وشرطه إمّا أن يدّعيه النبي قبل
حصوله وتقع على حسب دعواه ، نحو قوله تعالى (حاكيا) : (أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) (الشعراء : ٣٠) أو
كان معترفا بالنبوّة كخبر الثعلب ، وإلّا فهو آية من آيات الله مصادفة وليس بمعجز
لعدم اختصاصها بوقته ، ويجوز تراخيه عن وقت الدعوى ولو بأوقات كثيرة إذ أخبر به
فوقع إذ صارا معجزين ، ويجوز متقدّما إذ كان معرّفا ، كقوله تعالى حاكيا عن عيسى ،
عليهالسلام : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (مريم : ٣٠) وهو
في المهد (ق ، س ، ١٣٩ ، ١٠)
معجزات
ـ إنّ المعجزات
لمّا كانت بمنزلة الأخبار في أنّها لا يمكن أن يعلم أنّها صحيحة إلّا بعد العلم
بحال الفاعل
وحكمته ؛ لم يمكن أن يستدلّ بها على النبوّات من أجاز على الله عزوجل فعل القبيح ، وقلنا يجب أن لا نأمن أنّه تعالى أظهرها على (من)
يدعو إلى الضلال والفساد ، يصد عن الهدى والرشاد! (ق ، م ١ ، ٥ ، ١٢)
ـ إنّ المعجزات
على الأعداد كثيرة الأمداد غير أنّها في الجملة نوعان : أحدهما وجود فعل غير معتاد
مثله. والثاني تعجيز الفاعل بشيء معتاد عن فعل مثله (ب ، أ ، ١٧١ ، ١١)
ـ قال أصحابنا إنّ
أكثر المعجزات من أفعال الله تعالى لا يقدر على جنسها غيره (ب ، أ ، ١٧٦ ، ١٣)
ـ زعم معمّر شيخ
القدريّة إنّ المعجزات ليس شيء منها من فعل الله تعالى. لأنّه قال إنّ الله خلق
الأجسام ، والأجسام خلقت الأعراض في أنفسها ، وليست المعجزة حدوث جسم وإنّما وجه
الإعجاز كون الجسم على وجه لم تجر العادة به. وذلك بحصول نوع من الأعراض فيه ،
وليست الأعراض فعلا لله تعالى (ب ، أ ، ١٧٧ ، ٢)
معجزة
ـ إنّ المعجزة أمر
يظهر بخلاف العادة على يدي مدّعي النبوّة ، مع تحدّيه قومه بها ، ومع عجز قومه عن
معارضته بمثلها ، على وجه يدلّ على صدقه في زمان التكليف (ب ، ف ، ٣٤٤ ، ٢)
ـ المعجزة في
اللغة مأخوذة من العجز الذي هو نقيض القدرة. والمعجز في الحقيقة فاعل العجز في
غيره وهو الله تعالى ، كما أنّه هو المقدر لأنّه فاعل القدرة في غيره (ب ، أ ، ١٧٠
، ٥)
ـ حقيقة المعجزة
على طريق المتكلّمين : ظهور أمر خلاف العادة في دار التكليف لإظهار صدق ذي نبوّة
من الأنبياء أو ذي كرامة من الأولياء مع نكول من يتحدّى به عن معارضة مثله. وإنّما
قيّدنا هذا الحدّ بدار التكليف لأنّ ما يفعله الله تعالى يوم القيامة من إعلامها
على خلاف العادة فليست بمعجزة لأحد. وإنّما شرطنا في الحدّ خلاف العادة لأنّ
المعتاد من الأفعال يشترك في دعواها الصادق والكاذب. وإنّما اشترطنا فيه إظهاره
لصدق نبي أو ولي لجواز ظهور ما يخالف العادة على مدعي الإلهيّة ، فلا يكون دلالة
على صدقه كالذي يظهر على الدجّال في آخر الزمان (ب ، أ ، ١٧٠ ، ١٠)
ـ للمعجزة عندنا
شروط. أحدها أن تكون من فعل الله عزوجل أو ما يجري مجرى فعله وإن لم يكن في نفسه فعلا. والشرط
الثاني أن يكون ناقضا للعادة فيمن هو معجز له وحجّة عليه. والشرط الثالث أن يتعذّر
على المتحدّي به فعل مثله في الجنس أو على الوجه الذي وقع التحدية عليه. والشرط
الرابع أن يكون مطابقا لدعوى من ظهرت عليه على وجه التصديق. فأمّا إن شهدت بتكذيبه
فهي خارجة من هذا الباب. والشرط الخامس أن لا يتأخّر عن دعواه تأخّرا يعلم أنّه لا
يتعلّق بها. والشرط السادس أن يكون ذلك في زمان التكليف كما بيّناه قبل هذا (ب ، أ
، ١٧١ ، ٢)
ـ زعم القائلون
بالتولّد من القدرية أنّ المعجزة يجب أن لا تدخل تحت قدرة من يتحدّى بمثله على
الوجه الذي يفعله الله عزوجل ، وأجاز (وأجازوا) كونه مقدورا على ذلك الوجه لمن ليس
بمعجز له ولا هو متّحدي بمثله ، وأنّ من لا يتحدّى بمثله قد يقدر على فعل مثله في
غيره
كما يفعله الله عزوجل في ذلك المحلّ (ب ، أ ، ١٧٢ ، ٧)
ـ اعلم أنّ
المعجزات والكرامات متساوية في كونها ناقضة للعادات. غير أنّ الفرق بينهما من
وجهين : أحدهما تسمية ما يدلّ على صدق الأنبياء معجزة ، وتسمية ما يظهر على
الأولياء كرامة للتمييز بينهما. والوجه الثاني أن صاحب المعجزة لا يكتم معجزته بل
يظهرها ويتحدّى بها خصومه ويقول إن لم تصدقوني فعارضوني بمثلها. وصاحب الكرامة
يجتهد في كتمانها ولا يدّعي فيها (ب ، أ ، ١٧٤ ، ١٣)
ـ اعلموا أولا أنّ
المعجزة مأخوذة لفظا من العجز ، وهي عبارة شائعة على التوسّع والاستعارة والتجوّز
؛ فإنّ المعجز على التحقيق خالق العجز ، والذين يتعلّق التحدّي بهم لا يعجزون عن
معارضة النبي صلىاللهعليهوسلم. فإنّ المعجزة إن كانت خارجة من قبيل مقدورات البشر ، فلا
يتصوّر أيضا عجز المتحدّين بالمعجزات ، فإنّ العجز يقارن المعجوز عنه. فلو عجزوا
عن معارضة ، لوجدت المعارضة ضرورة ، والعجز مقترن بها على ما تقصّيناه في كتاب
القدر. فالمعنى بالإعجاز الإنباء عن امتناع المعارضة من غير تعرّض لوجود العجز
الذي هو ضدّ القدرة. وقد يتجوّز بإطلاق العجز على انتفاء القدرة ، كما يتجوّز
بإطلاق الجهل على انتفاء العلم. ثم في تسمية الآية معجزة تجوّز آخر أيضا ، وهو
إسناد الإعجاز إليها والرب تعالى هو معجز الخلائق بها ، ولكنّها سمّيت معجزة
لكونها سببا في امتناع ظهور المعارضة على الخلائق (ج ، ش ، ٢٦١ ، ٨)
ـ اعلموا أنّ
المعجزة لها أوصاف تتعيّن الإحاطة بها. منها أن تكون فعلا لله تعالى ، فلا يجوز أن
تكون المعجزة صفة قديمة ، إذ لا اختصاص للصفة القديمة ببعض المتّحدين دون بعض. ولو
كانت الصفة القديمة معجزة ، لكان وجود الباري تعالى معجزا. وإنّما المعجز فعل من
أفعال الله تعالى نازل منزلة قوله لمدعى النبوءة : صدقت ، على ما سنوضح وجه دلالة
المعجزة على صدق الرسول ، والذي ذكرنا جار فيما لا يقع مقدورا للبشر (ج ، ش ، ٢٦١
، ١٠)
ـ المعجزة فعل لله
تعالى يقصد بمثله التصديق أو قائم مقام الفعل يتّجه فيه قصد التصديق (ج ، ش ، ٢٦٢
، ٢)
ـ المعجزة : فعل
خارق للعادة ، مقترن بالتحدّي ، سليم عن المعارضة ، يتنزّل منزلة التصديق بالقول
من حيث القرينة. وهو منقسم إلى خرق المعتاد ، وإلى إثبات غير المعتاد (ش ، م ١ ،
١٠٢ ، ١٣)
ـ أمّا حقيقة
المعجزة فهي كل ما قصد به ظهار صدق المتحدّي بالنبوّة المدّعي للرسالة ، فعلى هذا
لا يجوز أن تكذّب الرسول ، كما إذا قال أنا رسول وآية صدقي أن ينطق الله يدي ، فلو
نطقت يده قائلة إنّه كاذب فيما يدّعيه لم يكن ذلك آية على صدقه. لكن شرط ذلك أنّ
المكذب مما يقع في جنسه خرق العادة ، كما ذكرناه من المثال. وأمّا إن كان غير خارق
للعادة فلا ، وذلك كما إذا قال : آية صدقي إحياء هذا الميت فأحياه الله وهو ينطق
بتكذيبه ، فإنّه لا يكون ذلك تكذيبا بل الواجب تصديقه ؛ من جهة أنّ الإحياء خارق ،
وكلام مثل ذلك ـ إذا كان حيّا ـ غير خارق بخلاف اليد ، وبه يتبيّن ضعف من لم يفرّق
بين الصورتين من الأصحاب (م ، غ ، ٣٣٣ ، ٨)
ـ المعجزة ما لا
يطيقه بشر ، ولا يمكن التعلّم لإحضار مثله ابتداء ، سواء دخل جنسه في مقدورنا
كالكلام أم لا كحنين الجذع ، ولا يصحّ نبيّ بلا معجز ، خلافا للحشويّة (ق ، س ،
١٣٩ ، ٧)
معدوم
ـ قال" هشام
بن عمرو الفوطي" (معتزلي) : لم يزل الله عالما قادرا ، وكان إذا قيل له : لم
يزل الله عالما بالأشياء؟ قال : لا أقول لم يزل عالما بالأشياء وأقول لم يزل عالما
أنّه واحد لا ثاني له فإذا قلت : لم يزل عالما بالأشياء ثبّتها لم تزل مع الله عزوجل ، وإذا قيل له : أفتقول أنّ الله لم يزل عالما بأن ستكون
الأشياء؟ قال : إذا قلت بأن ستكون فهذه إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلّا إلى
موجود ، وكان لا يسمّى ما لم يخلقه الله ولم يكن شيئا ، ويسمّى ما خلقه الله
وأعدمه شيئا وهو معدوم (ش ، ق ، ١٥٨ ، ١٠)
ـ قالت المعتزلة :
المعدوم أشياء ، وشيئيّة الأشياء ليست بالله ، وبالله إخراجها من العدم إلى الوجود
(م ، ح ، ٨٦ ، ٤)
ـ الشيئيّة عبارة
عن الوجود في نفي الوجود ، وإذا لا يجوز ، وليس الجسم بمثابته ، ألا ترى أنّه لا
يقال الكلام جسم ويقال له شيء ، لأنّه عبارة عن وجوده ، وعن هذا قلنا أنّه لا يجوز
للمعدوم أن يقال شيئا خلافا للمعتزلة (م ، ف ، ١٥ ، ٦)
ـ إنّ المعدوم
معلوم بعلم الله تعالى ، أفترى أنّ صفة العلم زائلة بكون المعدوم معلوما ، فكذلك
الكلام لا يوصف بالمزايلة بظهور المكتوب في المصاحف (م ، ف ، ٢٠ ، ١١)
ـ إنّ المعدوم شيء
أم لا ، قالت المعتزلة هو شيء ، واحتجت بقوله تعالى (إِنَّ زَلْزَلَةَ
السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج : ١)
والزلزلة معدومة فسمّاها الله شيئا ، إلّا أنّا نقول معناه أن تكون الزلزلة شيئا
عظيما وقت كونها ووجودها ، لا أنّه سمّاها في الحال شيئا (م ، ف ، ٢٤ ، ٢٢)
ـ المعدوم منتف
ليس بشيء ؛ فمنه معلوم معدوم لم يوجد قط ، ولا يصح أن يوجد ، وهو الحال الممتنع
الذي ليس بشيء ، وهو القول المتناقض ، نحو اجتماع الضدّين ، وكون الجسم في مكانين
، وما جرى مجرى ذلك مما لم يوجد قط ولا يوجد أبدا ؛ ومنه معدوم لم يوجد قط ولا
يوجد أبدا ، وهو مما يصح أن يوجد ، نحو ما علم الله أنّه لا يكون من مقدوراته ،
وأخبر أنّه لا يكون من نحو ردّه أهل المعاد إلى الدنيا ، وخلق مثل العالم ، وأمثال
ذلك مما علم وأخبر أنه لا يفعله وإن كان مما يصحّ فعله له (ب ، ت ، ٤٠ ، ١٤)
ـ المعدوم : هو
المنتفي الذي ليس بشيء. قال الله عزوجل : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ
مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (مريم : ٩). وقال
تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى
الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (الإنسان : ١)
فأخبر أنّ المعدوم منتف ليس بشيء (ب ، ن ، ١٥ ، ١٨)
ـ إنّ المعدوم ليس
بشيء ولا عين ولا ذات ولا جوهر ولا عرض ولا سواد ولا بياض ولا قبيح ولا حسن ، وإنّ
جميع هذه الأوصاف يتعلّق بمحدث العين عليها كما يتعلّق به وصفها بالوجود والحدوث (أ
، م ، ٩٤ ، ١٢)
ـ لا يصحّ أن يوصف
المعدوم بأنّه لون ولا بأنّه جوهر (أ ، م ، ٢٤٦ ، ٨)
ـ إنّ المعدوم
الذي كان موجودا فعدم والذي لم يوجد قطّ مشتركان في أنّه يصحّ أن يعلما وأن
يذكرا ويخبر عنهما
وتدلّ الدلالة عليهما وتتعلّق بهما قدرة القديم ، فيقال إنّه معلوم ومذكور ومخبر
عنه ومدلول عليه ومقدور (أ ، م ، ٢٥٢ ، ٦)
ـ إنّ المعدوم ليس
له بكونه معدوما حال ، فضلا عن أن يكون للذات أو للغير (ق ، ش ، ١٠٩ ، ١١)
ـ أمّا المعدومات
، فعلى ما قاله شيخنا أبو عبد الله البصري : أنّه المنتفي الذي ليس بكائن لا ثابت.
وهذا لا يصحّ ، لأنّ المنتفي إنّما يستعمل في المعدوم الذي وجد مرّة ثم عدم أخرى ،
فيخرج عن الحدّ كثير من المعدومات ، ومن حق الحدّ أن يكون جامعا مانعا لا يخرج منه
ما هو منه ، ولا يدخل فيه ما ليس منه. وبعد فإن قول المنتفي ، هو قوله ليس بكائن
ولا ثابت ، فيكون تكرارا لا فائدة فيه ، فالأولى : أن يحدّ المعدوم بأنّه المعلوم
الذي ليس بموجود ، ولا يلزمنا على هذا أن يكون ثاني القديم عزوجل والفناء معدومين لأنّهما ليس بمعلومين (ق ، ش ، ١٧٦ ، ١٧)
ـ إن قيل : ما
أنكرتم أنّ المانع من رؤية الله تعالى هو أنّه تعالى لم يشأ أن يرينا نفسه ، ولو
شاء لرأيناه؟ قلنا : المشيئة إنّما تدخل فما يصحّ دون ما يستحيل ، وقد بيّنا أنّ
الرؤية تستحيل عليه تعالى فلا يعلم ما ذكرتموه. وبعد ، فلو جاز ذلك في القديم
تعالى لجاز مثله في المعدوم ، فيقال : إنّ المعدوم إنّما لا يرى لأنّه تعالى لا
يشاء أن يريناه ولو شاء لرأيناه ، فكما أنّ ذلك خلف من الكلام ، كذلك هاهنا (ق ، ش
، ٢٦٠ ، ١٦)
ـ إنّ المعدوم ليس
له بكونه معدوما حال (ق ، ت ١ ، ١٤٢ ، ١٠)
ـ إنّ المعدوم له
حكم يفارق الموجود ، حتى يثبت بين حكميهما من التنافي والتضادّ مما يثبت بين
المعدوم والوجود لو كان للمعدوم بكونه معدوما صفة. وذلك لأنّ من حكم المعدوم أن
يصحّ تعلّقه بالقادر ومن حكم الموجود أن يزول تعلّقه بالقادر. فقول من أجاز حدوثه
من جهتين يؤدّي إلى أن تكون الذات الواحدة من حيث حصلت لها إحدى الصفتين بالحدوث
لا تتعلّق بالقادر ، ومن حيث لم تحصل الصفة الأخرى يصحّ تعلّقه بالقادر ، حتى يكون
مقدوره من وجه غير مقدوره من وجه آخر. وكذلك فالموجود من حيث حصل موجودا يجب أن
يثبت فيه حظّ المنع والتضادّ ، ومن حيث كان معدوما لا يثبت له هذا الحظ ، فكان يجب
تردّده بين هذين الحكمين. وإلى هذا المعنى أشار في الكتاب حيث قال : ولو جاز ذلك
لجاز أيضا أن يضاده ضدّه من وجه دون وجه وفي ذلك نقض التضادّ (ق ، ت ١ ، ٣٧٢ ، ٢٠)
ـ إنّ القادر لا
بدّ من أن يؤثّر في تحصيل صفة لم تكن ، وهذا إنّما يتأتّى في الإحداث. فأمّا
الإعدام فلا يصحّ ذلك فيه إذ ليس للمعدوم بكونه معدوما صفة. وعلى هذا الأصل قلنا
للمجبرة : إذا لم يصحّ أن تكون للفعل صفة يرجع بها إلى كونه كسبا فيجب أن لا يصحّ
تعليقه بالفاعل (ق ، ت ٢ ، ٢٩٥ ، ١٢)
ـ إنّ المعدوم ،
لمّا لم نره لأمر يرجع إليه ، وجب أن يكون حال الرائين كلّهم فيه يتساوى (ق ، غ ٤
، ١٢٦ ، ١٠)
ـ لا وجه نقول لأجله
في الشيء إنّه معدوم ، إذا لم يحدث أصلا ، إلّا من حيث لم يحدث مع جواز حدوثه ،
فيجب لو صحّ حدوثه من
وجهين ، وحدث من
أحدهما أن يكون معدوما ؛ لأنّه لم يحدث من وجه كان يصحّ حدوثه (ق ، غ ٤ ، ٢٥٥ ، ١٧)
ـ إنّ المعدوم
يستحيل أن يرى ويدرك لأمر يرجع إلى عدمه ، وأنّ الذي يصحّ أن يدرك هو الموجود (ق ،
غ ٥ ، ٢٤٢ ، ٢)
ـ إنّه ، جلّ وعزّ
، قد وصف المعدوم بأنّه شيء بقوله ، جلّ وعزّ : (إِنَّما قَوْلُنا
لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠). وقد
ثبت عن أهل اللغة تسميتهم المعدوم بشيء (ق ، غ ٥ ، ٢٥٢ ، ٥)
ـ يقال في المعدوم
أنّه يرجع به إلى أنّه ليس بموجود من حيث لا تتعلّق به أحكام ، وإنّما يزول عنده
ما كان الوجود يقتضيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٠ ، ١٦)
ـ ليس للمعدوم
بكونه معدوما حال ، وإنّما ينبئ عن أنّه ليس بموجود. وما هذه حالى يراعى فيه
الوجود ، وكل ما استحال وجوده وجب عدمه ، وكل ما صحّ وجوده صحّ عدمه (ق ، غ ٦ / ٢
، ١٣٥ ، ٦)
ـ إنّ الصفة إنّما
يقال إنّ الفعل يحصل عليها بالفاعل ، متى ثبتت للفعل وعقل كونه عليها. لأنّ تعليل
الصفة بالفاعل وتعليقها به ، كتعليل الصفة بالمعنى ، والعلّة في أنّه فرع على
كونها معقولة. وليس للمعدوم ، بكونه معدوما ، حالة ؛ حتى يقال : إنّها بالفاعل.
وإنّما صحّ في الحدوث أن يقال : إنّه بالفاعل لمّا عقل له حال ؛ ولو لم يعقل ذلك
له ، لم يصحّ أن يقال : إنّه بالفاعل (ق ، غ ٨ ، ٧٤ ، ٧)
ـ معدوم يفيد أنّه
ليس بموجود (ق ، غ ٨ ، ٧٤ ، ١٧)
ـ بيّن شيخنا أبو
علي رحمهالله أنّ قوله (أَنَّ اللهَ عَلى
كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الطلاق : ١٢) ،
يجب أن يكون أعمّ من قوله (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر : ٦٢) ،
لأنّه يتناول المستقبل وهذا لا يتناوله ، فيجب أن يكون أخصّ منه من حيث كان
المعدوم غير مخلوق وإن كان مقدورا. وكذلك فعل العباد غير مخلوق وإن كان مقدورا ،
ويمكن أن يقال إنّ كونه خالقا ينبئ عن تقدّم حال مع المقدور ، وهو كونه قادرا عليه
، فما لم يثبت ذلك فيه يجب أن يكون داخلا تحت العموم فيجب أن يدلّ أولا على أنّ
أفعال العباد مقدورة له تعالى حتى يتناوله العموم. ويمكن أن يحمل ذلك على أنّ
المراد به أنّه مقدّر كل شيء ومدبّره ، ولا يمتنع عندنا كونه مقدّرا لأفعال العباد
وإن لم تكن من فعله بأن يبيّن أحواله أو يقدر على إيجاده أو يعدمه (ق ، غ ٨ ، ٣١١
، ١)
ـ إن قال : هلّا
قلتم إنّ العلّة في حدوث الخلق ليست بحادثة فلا يلزم إثبات ما لا يتناهى. قيل له :
لو لم تكن حادثة لكانت معدومة أو قديمة ، وقد بيّنا أنّ المعدوم لا يختصّ بالمعلّل
على وجه يوجب حالا له دون غيره ، فلم صارت وهي معدومة بأن توجب حدوث ما حدث بأولى
بأن توجب حدوث ما سواه ؛ ولأنّ المعدوم لا أوّل لعدمه ، فلو أوجب حدوث الشيء
ووجوده لوجب كونه موجودا لا أوّل لوجوده ، وذلك ينقض حدوثه (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ٣)
ـ إنّ المعدوم ليس
له بكونه معدوما صفة ، ولكن يكون له حكم (ن ، د ، ٣٦ ، ١٤)
ـ ألا ترى أنّ
المعدوم عندكم وإن لم يكن له صفة بكونه معدوما فله حكم بذلك ، لأنّه لا بدّ أن
يكون ما يقدر عليه مفارقا لما لا يكون مقدورا
أصلا؟ فهذا حكم
المعدوم. ثم إنّ هذا الحكم ، وهو كونه معدوما ، لم يكن ثابتا لعلّة تتجدّد ولا كان
لفاعل مختار ولا شرطت بتوقت ، ومع هذا فإنّه يجوز أن يزول ويحصل الوجود (ن ، د ،
١٩٣ ، ١١)
ـ ذكر قاضي القضاة
أنّ المعدوم ليس له بكونه معدوما صفة ، وإنّما يرجع به إلى زوال صفة الوجود ؛
ولهذا يصحّ أن يعلم الوجود ولا يعلم العدم (ن ، د ، ٢٢٨ ، ١٠)
ـ المعدوم لا يخلو
: إمّا أن يكون مستمر العدم أو متجدّد العدم. فإن كان مستمر العدم فإنّه يجب عدمه
، لأجل أنّ الفاعل لم يفعل ، هذا إذا صحّ من الفاعل أن يفعله ، وهذا احتراز من
المعدوم في الأزل. وإن كان متجدّد العدم فلا يخلو : إمّا أن يجب عدمه أو يجوز أن
يعدم ويجوز أن لا يعدم. فأمّا ما يجب عدمه فهو ما لا يبقى من الأعراض ، فإنّه يجب
عدمه في الثاني لاستحالة وجوده في ذلك الوقت ، من حيث أنّ وجوده كان مختصّا بوقت ،
وقد مضى ذلك الوقت فيجب عدمه إذا طرأ الضدّ عليه أو ما يجري مجرى الضدّ ، لأنّ مع
طروء الضدّ أو ما يجري مجراه يستحيل وجوده. ويمكن أن يقال إنّ ما يعدم فإنّما يجب
عدمه لاستحالة وجوده (ن ، د ، ٢٢٩ ، ١٠)
ـ إنّ المعدوم له
بكونه معدوما حال ، كما ذهب إليه الشيخ أبو عبد الله البصري (ن ، د ، ٢٤٥ ، ١)
ـ أمّا الكلام في
أنّ الجسم لا يجوز أن يكون محدثا لنفسه ، وهو أنّه لو كان محدثا لنفسه لوجب أن
يكون قادرا قبل إحداثه ، لما قد ثبت أنّ الفعل لا يصحّ إلّا ممّن هو قادر وأنّه لا
بدّ من أن يتقدّم على مقدوره. وهذا يقتضي كونه قادرا في حال العدم ـ وقد تبيّن في
غير موضع أنّ المعدوم لا يجوز أن يكون قادرا ، لأنّ القادر له تعلّق بالمقدور ،
والعدم يمنع التعلّق (ن ، د ، ٣٦٥ ، ١٢)
ـ أمّا قولنا :
معدوم ، فذكر شيخنا أبو عبد الله البصري : هو المنتفي الذي ليس بكائن ولا ثابت ـ وهذا
لا يصحّ ، لأنّ قولنا : معدوم ، أظهر من قولنا : منتف ؛ والحدّ يجب أن يكون أظهر
من المحدود ، فإذا كان أشكل منه لا يجوز تحديده به ؛ فالأولى أن يقال : إنّه
المعلوم الذي ليس له صفة الوجود. ولا يلزم على هذا أن يكون ثاني القديم تعالى
معدوما ، لأنّه ليس بمعلوم (ن ، د ، ٥٧١ ، ١٦)
ـ ذهب شيخنا أبو
القاسم إلى أنّ المعدوم لا يوصف بأنّه جوهر ، ولا بأنّه عرض. وامتنع من أن يجرى
عليه اسم غير قولنا" شيء" (ن ، م ، ٣٧ ، ٢٠)
ـ إنّ المعدوم على
ضربين : ـ أحدهما ؛ أن يكون المعلوم من حاله أنّه إذا وجد وجب أن يكون متحيّزا. ـ والثاني
؛ أن يكون المعلوم من حاله أنّه إذا وجد استحال أن يكون كذلك (ن ، م ، ٤٤ ، ١٤)
ـ لا محال للمعدوم
بكونه معدوما ، فلا يصحّ أن يقال أنّ المعدوم يحصل بالفاعل (ن ، م ، ٨٥ ، ٣)
ـ لا معدوم إلّا
ويصحّ وجوده ، أو كان يصحّ وجوده (ن ، م ، ٣١٧ ، ١١)
ـ إنّ المعتزلة اختلفوا
في تسمية المعدوم شيئا ، منهم من قال : لا يصحّ أن يكون المعدوم معلوما ومذكورا.
ولا يصحّ كونه شيئا ولا ذاتا ، ولا جوهرا ، ولا عرضا ، وهذا اختيار الصالحيّ منهم
، وهو موافق لأهل السنّة في
المنع من تسمية
المعدوم شيئا ، وزعم آخرون من المعتزلة أنّ المعدوم شيء ومعلوم ومذكور ، وليس
بجوهر ولا عرض. هذا اختيار الكعبيّ منهم ، وزعم الجبائي وابنه أبو هاشم أنّ كل وصف
يستحقّ الحادث لنفسه أو لجنسه فإنّ الوصف ثابت له في حال عدمه (ب ، ف ، ١٧٩ ، ٤)
ـ فارق الخيّاط ...
جميع المعتزلة وسائر فرق الأمّة ، فزعم أنّ الجسم في حال عدمه يكون جسما ؛ لأنّه
يجوز أن يكون في حال حدوثه جسما ، ولم يجز أن يكون المعدوم متحرّكا ؛ لأنّ الجسم
في حال حدوثه لا يصحّ أن يكون متحرّكا عنده ، فقال : كل وصف يجوز ثبوته في حال
الحدوث فهو ثابت له في حال عدمه (ب ، ف ، ١٨٠ ، ١)
ـ إنّ المعدوم
عندهم (القدرية) إنّما يكون شيئا إذا كان جائز الوجود مثل الجوهر والعرض ، فأمّا
ما يستحيل وجوده فلا يكون شيئا مثل الزوجة والأولاد والشريك لله تعالى (ب ، أ ، ٥
، ١٤)
ـ يستحيل من
المعدوم إحداث نفسه لاستحالة كون المعدوم فاعلا ، وإذا حدث فحدوثه يغنيه عن إحداث
نفسه ، فبطل إحداث نفسه وصحّ أنّ محدثه غيره (ب ، أ ، ٦٩ ، ١٧)
ـ الخلاف الثالث
مع المعتزلة الذين قالوا إنّ الحوادث كانت قبل حدوثها أشياء وأعيانا ، وزعموا أنّ
السواد كان في حال عدمه سوادا ، وأثبتوا للمعدوم في حال عدمه كلّ اسم يستحقّ
الموجود لنفسه أو لجنسه. ومنهم من أثبت الجسم في حال عدمه جسما (ب ، أ ، ٧٠ ، ١٧)
ـ اختلف الناس في
المعدوم أهو شيء أم لا ، فقال أهل السنّة وطوائف من المرجئة كالأشعريّة وغيرهم ليس
شيئا ، وبه يقول هشام بن عمرو الفوطي أحد شيوخ المعتزلة (ح ، ف ٥ ، ٤٢ ، ١٠)
ـ قال سائر
المعتزلة المعدوم شيء ، وقال عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط أحد شيوخ
المعتزلة أنّ المعدوم جسم في حال عدمه ، إلّا أنّه ليس متحرّكا ولا ساكنا ولا
مخلوقا ولا محدثا في حال عدمه (ح ، ف ٥ ، ٤٢ ، ١٢)
من الدليل على أنّ
المعدوم شيء أنّه يخبر عنه ويوصف ويتمنّى ، ومن المحال أن يكون ما هذه صفته ليس
شيئا (ح ، ف ٥ ، ٤٢ ، ١٦)
ـ إنّ المعدوم لا
يعلم أصلا ، ولو علم لكان موجودا ، أو إنّما يعلم الله تعالى أنّ لفظة المعدوم لا
مسمّى لها ولا شيء تحتها ، ويعلم عزوجل الآن أنّ الساعة غير قائمة ، وهو الآن تعالى لا يعلمها
قائمة بل يعلم أنّه سيقيمها فتقوم ، فتكون قيامة وساعة ويوم جزاء ويوم بعث وشيئا
عظيما حين يخلق كل ذلك ، لا قبل أن يخلقه (ح ، ف ٥ ، ٤٥ ، ١٩)
ـ قد حكي عن الشيخ
أبي عبد الله أنّه جعل للمعدوم بكونه معدوما ، حالا. وجرى في كلامه ما يدلّ على
أنّه يثبته أعني الجوهر متحيّزا في حال العدم (أ ، ت ، ٥٧ ، ٨)
ـ لا يصحّ في
المعدوم أن يحلّ ولا أن يكون محلّا ، لأنّه كان ينبغي ثبوت التضادّ في العدم وأن
لا يصحّ عدم الضدّين ، كما لا يصحّ وجودهما ، ولأنّ المعقول من الحلول وجوده بحيث
الغير ، وذلك الغير متحيّز ، وهذا لا يصحّ في المعدوم (أ ، ت ، ٧٨ ، ٩)
ـ إنّما يلزم
القول بالصانع المعدوم المعتزلة ، من حيث أثبتوا للمعدوم صفات الإثبات ، وقضوا
بأنّ المعدوم على خصائص الأجناس (ج ،
ش ، ٥٢ ، ٤)
ـ إنّ مذهبهم (المعتزلة)
أنّ المأمور به معدوم ، وإذا توجّه الأمر على العبد بفعل ، فالفعل قبل وجوده مأمور
به. وإذا وجد ، خرج عن كونه مأمورا به في حال حدوثه ، كما خرج إذ ذاك عن كونه
مقدورا على أصلهم (ج ، ش ، ١١٩ ، ١٥)
ـ إنّا نجوّز كون
المعدوم مأمورا على تقدير الوجود ، وإذا وجد تحقّق كونه مأمورا ، ونمنع تقدير
معدومه علم الباري تعالى أنّه لا يوجد مأمورا ويستحيل وجوده مأمورا ، فما كان كذلك
لم يتعلّق به أمر التكليف (ج ، ش ، ١٢٠ ، ٣)
ـ المعتزلة قضوا
بأنّ المعدوم مأمور به ، وهو يخرج عند الوجود عن كونه مأمورا به. وهذا تمحيص منهم
لتعلّق العلم بالعدم (ج ، ش ، ١٢٠ ، ٦)
ـ إنّ المعدوم شيء
وذات على خصائص الصفات (عند المعتزلة) (ج ، ش ، ١٨٤ ، ١٧)
ـ المعدوم منقسم
في علم الله تعالى إلى ما سبق له وجود (غ ، ق ، ٢١٤ ، ٩)
ـ كان الفوطيّ
يقول إنّ الأشياء قبل كونها معدومة ؛ ليست أشياء ، وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمّى
أشياء. ولهذا المعنى كان يمنع القول بأنّ الله تعالى قد كان لم يزل عالما بالأشياء
قبل كونها ، فإنّها لا تسمّى أشياء (ش ، م ١ ، ٧٤ ، ٢)
ـ إنّ الخيّاط
غالى في إثبات المعدوم شيئا وقال : الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، والجوهر جوهر في
العدم ، والعرض عرض في العدم ، وكذلك أطلق جميع الأجناس والأصناف حتى قال : السواد
سواد في العدم ، فلم يبق إلّا صفة الوجود أو الصفات التي تلزم الوجود والحدوث (ش ،
م ١ ، ٧٧ ، ٢)
ـ أطلق (الخيّاط)
على المعدوم لفظ الثبوت ، وقال في نفي الصفات عن الباري مثل ما قاله أصحابه. وكذا
القول في القدر والسمع ، والعقل (ش ، م ١ ، ٧٨ ، ٢)
ـ يفرّقون (الكراميّة)
بين الخلق والمخلوق ، والإيجاد والموجود والموجد ، وكذلك بين الإعدام والمعدوم.
فالمخلوق إنّما يقع بالخلق ، والخلق إنّما يقع في ذاته بالقدرة ، والمعدوم إنّما
يصير معدوما بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٤)
ـ الشحّام من
المعتزلة أحدث القول بأنّ المعدوم شيء وذات وعين ، وأثبت له خصائص المتعلّقات في
الوجود مثل قيام العرض بالجوهر ، وكونه عرضا ولونا ، وكونه سوادا وبياضا ، وتابعه
على ذلك أكثر المعتزلة ، غير أنّهم لم يثبتوا قيام العرض بالجوهر ولا التحيّز
للجوهر ولا قبوله للعرض ، وخالفه جماعة فمنهم من لم يطلق إلّا اسم الشيئيّة ،
ومنهم من امتنع من هذا الإطلاق أيضا مثل أبي الهذيل وأبي الحسين البصري (ش ، ن ،
١٥١ ، ٣)
ـ قال نفاة
الشيئيّة عن العدم ... إنّ كلّ معدوم منفيّ ، وكل منفيّ ليس بثابت ، فكل معدوم ليس
بثابت (ش ، ن ، ١٥١ ، ١٨)
ـ قال من أثبت
المعدوم شيئا ، كما تقرّر في العقل تقابل النفي والإثبات فقد تقرّر أيضا تقابل
الوجود والعدم ، فنحن وفّرنا على كل تقسيم عقليّ حظّه وقلنا أنّ الوجود والثبوت لا
يترادفان على معنى واحد ، والمعدوم والمنفي كذلك (ش ، ن ، ١٥٢ ، ٤)
ـ إنّ أسباب
الماهيّة غير ، وأسباب الوجود غير ،
ولمّا سمعت
المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين القسمين ظنّوا أنّ المتصوّرات في الأذهان هي اشياء
ثابتة في الأعيان ، فقضوا بأنّ المعدوم شيء ، وظنّوا بأنّ وجود الأجناس والأنواع
في الأذهان هي أحوال ثابتة في الأعيان ، فقضوا بأنّ المعدوم شيء ، وأنّ الحال ثابت
(ش ، ن ، ١٦٣ ، ٣)
ـ لا يقال :
المعدوم المتصوّر له ثبوت في الذهن ، ولأنّ قولنا المعدوم غير متصوّر حكم على
المعدوم بأنّه غير متصوّر ، والحكم على الشيء يستدعي كون المحكوم عليه متصوّرا ،
فلو لم يكن المعدوم متصوّرا لامتنع الحكم عليه بأنّه غير متصوّر ، لأنّا نجيب عن
الأول : بأنّ الثابت في الذهن أحد أقسام مطلق الثابت ؛ والكلام وقع في تصوّرها
مقابل مطلق الثابت ، وذلك المقابل يستحيل أن يكون ثابتا بوجه ما ، وإلّا لكان
داخلا تحت مطلق الثابت ، وحينئذ لا يكون قسيما له قسما منه. وعن الثاني إنّ ما
ذكرته ليس جوابا عن دليلنا ، على أنّ المعدوم غير متصوّر بل هو إقامة دليل ابتداء
على أنّ المعدوم متصوّر ، وذلك يقتضي معارضة دليلين قاطعين في مسألة واحدة ، وهو
أحد الدلائل القادحة في البديهيّات (ف ، م ، ٣١ ، ٨)
ـ إنّا سنقيم
الدلالة في مسألة أنّ المعدوم ليس بشيء على امتناع خلو الماهيّة عن الوجود ، وعلى
هذا يستحيل الحكم على الماهيّة بالعدم ، فظهر أنّه ليس لقولنا السواد موجود السواد
معدوم مفهوم محصّل. وإذا كان كذلك لم يكن لقولنا السواد إمّا أن يكون موجودا وإمّا
أن يكون معدوما مفهوم محصّل ، وإذا كان كذلك امتنع التصديق به ، فضلا عن كون ذلك
التصديق بديهيّا (ف ، م ، ٣٣ ، ٣)
ـ المعدوم إمّا أن
يكون ممتنع الثبوت ولا نزاع في أنّه نفي محض ، وإمّا أن يكون ممكن الثبوت وهو
عندنا وعند أبي الهذيل وأبي الحسين البصري من المعتزلة نفي محض خلافا للباقين من
المعتزلة. ومحلّ الخلاف أنّهم زعموا أنّ وجود السواد زائد على كونه سوادا ، ثم
زعموا أنّه يجوز خلوّ تلك الماهيّة من صفة الوجود (ف ، م ، ٤٨ ، ٢)
ـ لا نسلّم أنّ كل
معدوم ثابت (ف ، م ، ٤٩ ، ١٩)
ـ ثم إنّك إن أردت
تضييق الكلام على الخصم فقل ، ما الذي تعني بكون المعدوم معلوما ، إن عنيت به ذلك
الضرب من الامتياز الذي تجده في تصوّر الممتنعات والمركّبات والإضافيّات فذلك
مسلّم ، لكنّه لا يقتضي تقرّر الماهيّات في العدم بالاتّفاق ، وإن عنيت به أمرا
وراء ذلك فلا بدّ من إفادة تصوّره ثم إقامة الحجّة عليه ، فإنّنا من وراء المنع في
المقامين (ف ، م ، ٥٠ ، ١٢)
ـ اختلفوا (المعتزلة)
في أنّ المعدوم هل له بكونه معدوما صفة؟ فالكل أنكروه إلّا أبا عبد الله البصريّ
فإنّه قال به ... واتّفقوا على أنّ الجواهر المعدومة لا توصف بأنّها أجسام حال
العدم إلّا أبا الحسين الخيّاط فإنّه قال به (ف ، م ، ٥٢ ، ١٥)
ـ إنّ البديهة
حاكمة بأنّ كل ما يشير العقل إليه ، فإمّا أن يكون له حقّق بوجه من الوجوه ، وإمّا
أن لا يكون. فالأوّل هو الموجود والثاني هو المعدوم ، وعلى هذا لا واسطة بين
القسمين (ف ، م ، ٥٣ ، ٥)
ـ أمّا الوجود
فزعم مثبتو الحال منّا أنّه نفس الذات ، وزعمت المعتزلة أنّه صفة ، والقول
بإثبات كون
المعدوم شيئا بناء على هذا (ف ، م ، ٥٥ ، ٢٥)
ـ صريح العقل حاكم
بأنّ المعلوم إمّا موجود وإمّا معدوم ، وهذا يدلّ على أمرين. الأوّل : أنّ تصوّر
ماهيّة الوجود تصوّر بديهيّ ، لأنّ ذلك التصديق البديهيّ موقوف على ذلك التصوّر ،
وما يتوقّف عليه البديهيّ أولى أن يكون بديهيّا. والثاني : أنّ المعدوم معلوم ،
لأنّ ذلك التصديق البديهيّ متوقّف على هذا التصوّر. فلو لم يكن هذا التصوّر حاصلا
لامتنع حصول ذلك التصديق (ف ، أ ، ٢٣ ، ٨)
ـ إنّ المعدوم لا
يكون عين الموجود (ف ، أ ، ٣٨ ، ٧)
ـ إعادة المعدوم
عندنا جائز خلافا لجمهور الفلاسفة والكراميّة وطائفة من المعتزلة. لنا أنّ تلك
الماهيّات كانت قابلة للوجود ، وذلك القبول من لوازم تلك الماهيّة ، فوجب أن يبقى
ذلك القبول ببقاء تلك الماهيّة (ف ، أ ، ٨٩ ، ٤)
ـ عدم المعدوم في
حال عدمه مستند إلى عدم تعلّق القدرة بإيجاده والإرادة بتخصيصه في ذلك الوقت ، ولا
يلزم من ضرورة وجود القدرة والإرادة في القدم قدم ما يتخصّص بها (م ، غ ، ٢١ ، ١٢)
ـ أمّا الردّ على
المعتزلة : في اعتقادهم كون المعدوم شيئا : فقد سلك بعض المتكلّمين في ذلك منهاجا
ضعيفا ، فقال : .... كل معدوم منفيّ ، وكل منفيّ ليس بثابت فيترتّب عليه أنّ كل
معدوم ليس بثابت (م ، غ ، ٢٧٤ ، ١٥)
ـ المعدوم يستحيل
أن يكون مؤثّرا البتّة (أ ، ش ٢ ، ١٩٣ ، ١٠)
ـ إنّ المعدوم
مشترك بين الممتنع والممكن ، ويلزمه من ذلك الاشتراك مقابلة بين الواجب والممكن (ط
، م ، ٧٦ ، ٩)
ـ إنّ القائلين
بأنّ المعدوم شيء يفرّقون بين الموجود والثّابت وبين المعدوم والمنفي ، ويقولون :
كلّ موجود ثابت ، ولا ينعكس. ويثبتون واسطة بين الموجود والمعدوم ، ولا يجوّزون
بين الثّابت والمنفيّ واسطة ، ولا يقولون للممتنع معدوم ، بل يقولون : إنّه منفيّ.
ويقولون للذّوات التي لا تكون موجودة : شيء ثابت ، وللصفات التي لا تعقل إلّا مع
الذّوات : حال لا موجود ولا معدوم ، بل هي وسائط بينهما (ط ، م ، ٧٦ ، ١١)
ـ المعدوم يقال
على كلّ ذات ليس له صفة الوجود ، والصّفة لا يكون لها ذات ، لا جرم لا تكون موجودة
ولا معدومة (ط ، م ، ٨٥ ، ١٣)
ـ إنّهم (أبو هاشم
وأتباعه من المعتزلة) يعنون بالذّات والشّيء كلّ ما يعلم أو يخبر عنه بالاستقلال ،
وبالصّفة كلّ ما لا يعلم إلّا بتبعيّة الغير. فكلّ ذات إمّا موجودة أو معدومة ،
والمعدوم يقال على كلّ ذات ليس له صفة الوجود ، ويجوز أن يكون له غير تلك الصّفة ،
كصفات الأجناس ، عند من يثبتها للمعدومات (ط ، م ، ٨٥ ، ١٧)
ـ إنّ الموجود
والمعدوم عندهم ليسا بمتناقضين ، فإنّ طرفي النقيض يجب أن يقتما للاحتمالات ،
وعندهم الممتنع ليس بموجود ولا معدوم ، والحال ليس بموجود ولا معدوم (ط ، م ، ٨٦ ،
١٣)
ـ الموجود
والمعدوم لا يجتمعان ، لأنّ الذّات الموصوفة بالوجود لا تكون غير موصوف بها ،
والوجود لا يكون موجودا ، لأنّ الصّفة لا يكون لها ذات موصوفة بالوجود (ط ، م ، ٨٦
، ١٧)
ـ المعدوم في
الخارج ثابت في الذهن من حيث
هو موصوف
بالمعلوميّة ، وهو محكوم عليه من الحيثيّة المعلومة بالثبوت الذهنيّ ، ومن غير تلك
الحيثيّة غير محكوم عليه بذلك الثبوت ، بل ربّما يسلب عنه الثبوت. وليس بين الحكمين
تناقض ، لأنّ موضوعهما ليس شيئا واحدا. وهكذا غير الثابت المطلق الشامل للخارجيّ
والذهنيّ محكوم عليه بالثبوت من هذه الحيثيّة ومسلوب عنه الثبوت مع عدم اعتبار هذه
الحيثيّة (ط ، م ، ١٦٢ ، ٥)
ـ قالوا : المعدوم
متميّز لأنّه معلوم ، ومقدور ، ومراد ؛ والمتميّز ثابت لاستدعائه التحقّق. قلنا :
قولكم المعدوم ثابت منقوص بتصوّر الشريك ، للحكم عليه بالامتناع ؛ وبتصوّر جبل من
ياقوت ؛ وقيام العرض بالجوهر ممتنع عندكم حال العدم ؛ وبتصوّر وجودات الماهيّات
المعدومة والجمع بينهما محال. وبتصوّر ماهيّة التركيب وهو اجتماع الأجزاء والتأليف
هو تماسها ، وليسا ؛ وبتصوّر المتحرّكيّة والساكنيّة وهي أحوال ؛ فإن أردتم الأعمّ
من الممتنع والممكن ، فمسلّم ، ولا ينتج لكم ؛ وإلّا ، فأفيدوا تصوّره ، ثمّ
دليله. وقولكم المعدوم مقدور فبطل مذهبكم ، لأنّ الثابت ليس بأثر ، وكذا أنّه مراد
(خ ، ل ، ٥٢ ، ١٨)
ـ لا يقال : علّة
العدم عدم العلّة ، لأنّا نقول : العلّية ثبوتيّة ، لأنّها نقيض اللاعلّية ،
فموصوفها ثابت ، ولأنّ المعدوم لا يتميّز ولا يتعدّد ، فيمتنع جعل بعضه علّة
والبعض معلولا (خ ، ل ، ٦٠ ، ١٠)
ـ المعدوم عند
بعضهم ليس بمعلوم لأنّه ليس بمتميّز ... قلنا حكم ، فيستدعي تصوّره وأيضا ثابت في
الذهن. قالوا : يمتنع تصوّر الشريك لأنّه يفتقر بحلوله. ـ قلنا : الحال صورته ولو
سلّم فليس بمعدوم صرفا (خ ، ل ، ٧١ ، ١)
ـ المعدوم لا
يتميّز (خ ، ل ، ٩٣ ، ١٣)
معدومات
ـ إنّ خروج
الموصوف عن صفة هو عليها لا يجري مجرى استحالة الحكم على الذات بعد صحّته ؛ فلذلك
صحّ في المعدومات (فيما) لم يزل أن يستحيل وجودها ؛ لما فيه من قلب جنسها ولم يصحّ
مما تقرّر الوجود له أن يخرج عن الوجود لأنّه من باب الإثبات. وقد قال شيخنا أبو
إسحاق : إنّ الجوهر لو صحّ فيه أن يجب عدمه في بعض الأحوال لاستمرار الأوقات عليه
، وقد ثبت أنّه قد أتى عليه من الأوقات ما لا نهاية له لو كان هناك أوقات لوجب أن
يستحيل وجوده الآن. وفي بطلان ذلك دلالة على أنّه لا وقت يشار إليه إلّا ويجوز أن
يبقى إليه (ق ، غ ١١ ، ٤٥٢ ، ١٣)
ـ جميع المعتزلة
إلّا هشام بن عمرو الفوطي يزعمون أنّ المعدومات أشياء على الحقيقة ، وأنّها لم تزل
، وأنّها لا نهاية لها (ح ، ف ٤ ، ٢٠٢ ، ٣)
ـ زعم أبو يعقوب
الشحّام وأبو علي الجبائيّ وابنه أبو هاشم وأبو الحسين الخيّاط وأبو عبد الله
البصريّ وأبو إسحاق بن عيّاش والقاضي عبد الجبّار بن أحمد وتلامذته ، أنّ المعدومات
الممكنة قبل دخولها في الوجود ذوات وأعيان وحقائق ، وأنّ تأثير الفاعل ليس في
جعلها ذوات بل في جعل تلك الذوات موجودة ، واتّفقوا على أنّ تلك الذوات متباينة
بأشخاصها ، واتّفقوا على أنّ الثابت من كل نوع من تلك المعدومات عدد غير متناه (ف
، م ، ٥١ ، ٢)
ـ أمّا المعدومات
فنفي محض إن امتنع ثبوتها اتّفاقا وإن أمكن ، خلافا لجمهور المعتزلة القائلين
بأنّها ذوات وحقائق ، وأنّ التأثير في جعلها موجودة فقط ، وأنّ عدد كلّ نوع منها
لا يتناهى. ومحلّ الخلاف هو يجوز خلو الماهيّة عن الوجود ـ لنا وجود الشيء عينه ،
فلا ثبوت دونه. وأيضا تشترك في الثبوت وتتباين بالأشخاص فتتّصف به حال عروّها عنه (خ
، ل ، ٥٢ ، ١)
معرّض
ـ اعلم أنّ
المعرّض قد يكون معرّضا غيره للأمر وإن لم يكن مريدا له في الحال. وإنّما يجب أن
يكون مريدا للأمر الذي يتوصّل به إليه على الوجه الذي يصحّ التوصّل به إليه ، ولكي
يتوصّل به إليه. يبيّن ذلك أنّ الواحد منّا قد يعرّض غيره للمنازل وإن لم يكن
مريدا لها في الحال إذا أراد ما ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٤١٢ ، ١٣)
معرّض لغيره
ـ الأولى ألّا
يكون المعرّض لغيره معرّضا للمنفعة إلّا بأن يزيح علله في الألطاف ؛ كما يزيح علله
في وجوه التمكين ؛ لأنّ الواحد منّا إذا علم أنّ الجائع إذا قدّم إليه الطعام على
وجه مخصوص أكله ، وإذا قدّم إليه على وجه آخر لم يأكله ، والحال على المقدّم وعليه
واحدة أنّه لا يكون معرّضا له بتقديمه ذلك على الوجه الذي لا يأكله. ويجري ذلك
عندهم مجرى أن يقدّم ذلك إليه ، ثم يفعل ما يمنعه به من الأكل. ولا بدّ من أن يكون
المكلّف معرّضا للثواب مع فقد اللطف ، ولا يكون المكلّف معرّضا له إلّا بأن يلطف
له في ذلك ، إذا كان في المعلوم ما إذا فعل به أمن عنده ولو ثبت أنّ اللطف لا مدخل
له في هذا الباب لم يؤثّر فيما أردنا بيانه ؛ لأنّه لا يجب في التعريض للثواب أن
يكون حسنا على كل وجه (ق ، غ ١١ ، ١٧٧ ، ١٤)
معرّض للثواب
ـ المستفاد بقولنا
إنّه عرّضه للثواب يرجع في الحقيقة إلى معنى التمكين ، وإن كان لا بدّ من انضمام
شروط أخر إليه. فيجب إذا قلنا في المكلّف إنّه يعرّض للثواب أن يكون المقصد به
إزاحة علّته في فعل ما كلّفه ، وأن يكون هذا الفعل شاقّا عليه ليصحّ أن تكون
بإزائه منفعة هي الثواب ، وأن يريد تعالى منه ما كلّفه ، وأن يعلم أنّه مهما يكلّف
المكلّف فعل ما أوجبه عليه من دون إفساد له فإنّه تعالى سيوفّر عليه الثواب الذي
يستحقّه. فما لم تتكامل هذه الشروط لا يثبت التعريض لمنزلة الثواب. ولكل واحد من
هذه الشروط حظّ في صحّة التعريض لهذه الرتبة (ق ، ت ٢ ، ١٩٣ ، ١٤)
معرفة
ـ الجاحظ يقول
بالمعرفة ويزعم أنّ أحدا لا يعصى الله إلّا بعد العلم بما نهاه عنه. وصاحب الكتاب (ابن
الروندي) يوافقه على القول بالمعرفة وأنّ أحدا لا يعصى الله إلّا بالقصد إلى
معصيته والاعتماد لها (خ ، ن ، ٧٢ ، ١٧)
ـ المعرفة معرفة
الله بصفاته ، ومحلّها الفؤاد وهو داخل القلب (م ، ف ، ٦ ، ١٤)
ـ إنّ المعرفة
والدراية والعلم نظائر ، ومعناها : ما يقتضي سكون النفس ، وثلج الصدر ، وطمأنينة
القلب. وهذا أولى مما أورده في العمد. أنّه
الاعتقاد الذي
تسكن به النفس إلى أن معتقده على ما اعتقده عليه. لأنّ العلم إنّما يتبين عما عداه
بما ذكرناه ، فيجب الاقتصار عليه ويحذف ما سواه (ق ، ش ، ٤٦ ، ١)
ـ دخل تحت المعرفة
والتمكين منها كمال العقل وصحّة النظر والاستدلال على معرفة الأشياء (ق ، ت ٢ ،
٣٢٣ ، ٢١)
ـ هذا المعنى الذي
يقتضي سكون النفس يسمّى معرفة ، كما يسمّى علما ؛ ولا فصل بين فائدة هذين ، فلذلك
يسمّى كل عالم عارفا ، ولا معتبر بالمجاز في هذا الباب. فليس لأحد أن يقول ، إذا
استعمل أحدهما على جهة التوسّع في غير ما استعمل الآخر فيه : فيجب أن لا يصحّ ما
ذكرتموه وقد يسمّى دراية ؛ ولذلك يسمّى العالم داريا. والشاعر قد قال : اللهم لا
أدري ، وأنت الداري (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ٤)
ـ قد بيّنا ، في
باب الصفات ، أنّ الذي يدلّ على العلم ، أنّ الواحد منّا يجد نفسه معتقدا للشيء ،
ساكن النفس إلى ما اعتقده ، كالمدركات وغيرها. ويفصل بين حاله كذلك ، وبين كونه
مبخّتا ظانّا مقلّدا. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه إنّما اختصّ بذلك لمعنى ، فيجب
أن يكون ذلك المعنى هو الذي يفيده بقولنا : علم ومعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ٦)
ـ حكي عنه (أبو
علي) أنّه قال : في المعرفة : إنّها الاستدلال ، لأنّ العارف لا بدّ من كونه
مستدلّا. وأفسد ذلك ، بأنّه قد يتعذّر عليه الاستدلال ، وإن عرف وعلم ؛ وقد يستدلّ
على الشيء ، وهو غير عارف به. وذكر ، أنّ الاستدلال هو الفكر والنظر ؛ فإذا لم
يكونا من العلم بسبيل ، فكذلك الاستدلال. والاستدلال والفكر لا يصحّ إلّا وقد
تقدّم علمه بالدليل ، وهو غير عالم بالمدلول ؛ وإن كان علما ، لم يصحّ ، لتقدّمه
على الاستدلال ؛ وإن كان علما بالمدلول ، لم يصحّ ، لاستحالة كونه عالما في تلك
الحال (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٠)
ـ إنّ الطريقة إذا
أوجبت كون النظر فعلا للعبد فإنّما يعلم أنّ المعرفة الواقعة عنه فعلا له ، من حيث
ثبت بما قدّمناه من قبل أنّ المعرفة تتولّد عن النظر ، فيجب أن تكون من فعل فاعل
النظر. وقد بيّنا أنّ المعرفة تقع بحسب النظر وإنّما توجد عنه على وجه لولاه كانت
لا توجد ، وأنّها لو لم تثبت متولّدة عنه لم يجب أن يكون حالها في وجودها ولا في
وجودها بحسب النظر على الحدّ الذي عرفناها عليه (ق ، غ ١٢ ، ٢١٠ ، ١٦)
ـ يقول (الجاحظ) ،
في المعرفة : إنّها واقعة بطبع المحل. ويفصل بينها وبين الإرادة (ق ، غ ١٢ ، ٣٢١ ،
٦)
ـ بيّن (أبو علي)
أنّ المعرفة ، وإن لم يعلم الناظر أنّها تصاب بعينها بالنظر ، فمتى علم من حال
سببها ، وهو النظر ، ما ذكرناه ، فواجب عليه المعرفة بوجوب سببها ، من حيث يجب
وجودها بوجوده وإن لم يكن من قبل عالما بها. وبيّن أنّ ما علم وجوبه من السمعيّات
، أو بعد ورود السمع من العقليّات ، إنّما يجب على المكلّف لعلمه بقبح تركه. وأنّ
هذه الطريقة قائمة في النظر والمعرفة ، فيجب القضاء بوجوبهما ، وإن لم يرد السمع (ق
، غ ١٢ ، ٣٢٥ ، ١٠)
ـ ليس كذلك
المعرفة ، لأنّها تتولّد عن النظر ، والنظر معلوم ، وطريقه واضح متميّز من غيره. فيجب
، إذا علم الناظر صفة النظر وصفة
طريقة ، أن لا
يمتنع وجوبه عليه إذا خاف من تركه ، وعلم قبح تركه ، واستحقاق الذمّ على ذلك من
العقلاء. كما يعلم وجوب ردّ الوديعة إذا عرفها بعينها ، وعرف كيفية الردّ عند
المطالبة. وكما يعلم قبح الكذب إذا تعيّن وميّز من غيره. ولو لا أنّ الأمر كما
ذكرناه ، لم يصحّ قبح شيء من العقول ، ولا وجوب شيء فيها. وفي هذا إبطال العقل
والسمع ، لأنّ السمع إنّما يرد على من قد عرف هذه الأمور ؛ فإذا بطل القول فيها ،
على مذهبه (الجاحظ) ، فكيف يصحّ معرفة السمع؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٦ ، ٣)
ـ أمّا الشيخ أبو
عبد الله ، رحمهالله ، فإنّه اعتمد في ذلك على أنّ المعرفة إنّما تجب من حيث
كانت لطفا ؛ ومتى كانت معرفة كان لها من الحكم والحظ في كونها كذلك ما لا يحصل
للاعتقاد. ومن حق اللطف أن يحصل على أولى الوجوه في الدعاء إلى الطاعة ومجانبة
المعصية ، فيجب أن لا يحسن منه تعالى أن يكلّف أحدا إلّا المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٥٣٢
، ٦)
ـ زعم غيلان
القدري أنّ معرفة الإنسان بأنّه مصنوع ، وأنّ صانعه غيره ضروريّ قد طبع عليه
الإنسان في خلقته وهو مأمور بعد ذلك بالمعارف في العدل والتوحيد والوعد والوعيد
والشرعيات (ب ، أ ، ٣٢ ، ١٢)
ـ قال أبو الهذيل
معرفة الله ومعرفة الدليل الداعي إلى معرفته بالضرورة وما بعدهما من العلوم
الحسّية والقياسيّة فهو علم اختيار وجائز أن يجعله الله تعالى ضروريا على نقض
العادة (ب ، أ ، ٣٢ ، ١٤)
ـ قالت طوائف منهم
الأشعريّة وغيرهم ، من اتّفق له اعتقاد شيء على ما هو به على غير دليل لكن بتقليد
أو تميل بإرادته ، فليس عالما به ولا عارفا به ولكنّه معتقد له ، وقالوا كل علم
ومعرفة اعتقاد ، وليس كل اعتقاد علما ولا معرفة ، لأنّ العلم والمعرفة بالشيء
إنّما يعبّر بهما عن تيقّن صحّته ، قالوا وتيقّن الصحّة لا يكون إلّا ببرهان ،
قالوا وما كان بخلاف ذلك فإنّما هو ظنّ ودعوى لا تيقّن بها (ح ، ف ٥ ، ١٠٩ ، ٢٠)
ـ قوله (ثمامة) :
إنّ المعرفة متولّدة من النظر ، وهو فعل لا فاعل له كسائر المتولّدات (ش ، م ١ ،
٧١ ، ١٠)
ـ أمّا غيلان بن
مروان من القدريّة المرجئة ، فإنّه زعم أنّ الإيمان هو المعرفة الثانية بالله
تعالى ، والمحبّة والخضوع له ، والإقرار بما جاء به الرسول ، وبما جاء من عند الله
، والمعرفة الأولى فطريّة ضروريّة. فالمعرفة على أصله نوعان : فطريّة ، وهي علمه
بأنّ للعالم صانعا ، ولنفسه خالقا ، وهذه المعرفة لا تسمّى إيمانا ، إنّما الإيمان
هو المعرفة الثانية المكتسبة (ش ، م ١ ، ١٤٦ ، ٣)
معرفة الله
ـ بيّنا في باب
النظر والمعارف ، أنّه يمكن التوصّل إلى معرفة الله تعالى بأدلّة العقل ، فلا
يحتاج في ذلك إلى سمع ؛ وبيّنا أن التخويف الذي عنده يجب النظر ، قد يحصل بقول
الداعي وورود الخاطر ، فلا يصحّ أن يقال إنه يحتاج إلى الحجّة لأجل ذلك (ق ، غ ١٤
، ١٥١ ، ١٩)
معرفة بأعيان
الواجبات
ـ أمّا المعرفة
بأعيان الواجبات وأحكامها من
طريق الوجوب ،
فإنّ طريق ذلك الاستدلال بخبر الصادق الموثوق بخبره المأمون في غيبه إذا أنبأ عن
عواقبها وما يلحق بفعل بعضها وترك بعضها الفاعل والتارك من الضرر والنقص والعيب
والذمّ (أ ، م ، ٣٢ ، ٧)
معرفة بالأدلة
ـ اختلف شيخانا
أبو علي وأبو هاشم ، رحمهماالله ، بعد اتّفاقهما على ما قلناه في المعرفة بالأدلّة التي
ننظر فيها ؛ هل تحصل من غير التنبيه والإخطار ، أم لا؟ فمن قول أبي علي ، رحمهالله : إنّه لا بدّ من أن ينبّهه الخاطر على دليل دليل ،
وبمنزلة بعضه من بعض ، أو الدواعي. وعند أبي هاشم ، رحمهالله : أنّه قد يستغني بكمال عقله ومعرفته بالعادات عن ذلك ، من
حيث علم أنّ طريق المعرفة بالفاعل فعله إذا لم يدرك ، وأنّه لا يجوز أن يتوصّل إلى
معرفة النحو بالنظر في الطب. والصحيح عندنا ، ما قاله أبو علي ، رحمهالله ؛ وإن لم يمتنع ، فيما يظهر من الأدلّة ، ما قاله أبو هاشم
، رحمهالله. لكن ذلك لا يستمرّ ، فإنّ في الأدلّة ما يغمض ولا تنجلي
مفارقته لغيره ؛ حتى أنّ العالم المتّزن ربما يشتبه عليه بعض الأدلّة ببعض ؛
والكلام في ذلك ذكر من بعد ، في أبواب الخاطر ، إن شاء الله (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٦ ، ٦)
معرفة بدلالة
ـ اعلم أنّ هذه
الحالة (الإرادة) نعرف تارة ضرورة من النفس ومن الغير عند سماع خطابة وظهور أفعال
مخصوصة منه ، نحو ما يعلم من حال الداخل إلى قوم فيقومون له أو يقوم بعضهم له
لأنّه يضطرّ إلى أنّه قصد بذلك تعظيمه. وإذا أردنا معرفته بدلالة فلا بدّ من شرط ،
فمن وجد فيه ذلك الشرط صحّ معرفتنا بكونه مريدا بدليل ، ومن لم يعرف ذلك من حاله
لم نعرفه مريدا. وهذا الشرط هو ثبوت حكمته على ما نقوله في الله عزوجل وفي الرسول صلّى الله عليه. فأمّا هذا المعلوم من النفس
فهو وإن كان واقعا في الأصل على وجه يعلم ضرورة ، فقد يشتبه بغيره كما يشتبه
السواد بمحلّه وإن كان طريقه الاضطرار (ق ، ت ١ ، ٢٦٧ ، ٥)
معرفة بالصانع
ـ أمّا المعرفة
بالصانع ، فإنّما تجب متى خلق الله الخلق على وجوه مخصوصة ، والكلام في : هل يجب
ذلك أو لا يجب. فلا يصحّ أن يجعل وجه وجوبه ما لا يثبت إلّا بعده (ق ، غ ١٤ ، ١١٢
، ١)
معرفة حال الواجب
ـ إنّ القديم
تعالى يعرّف حال الواجب ، إمّا باضطرار ، وإمّا بنصب الأدلّة. ولمكان التعريف يجب
على المكلّف ؛ لأنّ الواجب يجب بإيجاب موجب يفعل إيجابه ، أو يفعل علّة تقتضي
وجوبه. فالمنبّه أيضا إنّما يفعل ما عنده يجب الواجب ، لا أنّه يوجبه عليه في
الحقيقة ، وإنّما يجعل الإيجاب متعلّقا بالتنبيه دون الفعل من حيث تقدّم الفعل ولا
إيجاب ، ومتى حصل التنبيه تبعه الإيجاب ، فالحال فيهما إذا لا يختلف (ق ، غ ١١ ،
١٤٢ ، ١٣)
معروف
ـ أمّا المعروف ،
فهو كل فعل عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا لا يقال في أفعال القديم
تعالى معروف ، لما
لم يعرف حسنها ولا دلّ عليه (ق ، ش ، ١٤١ ، ١٢)
ـ إنّ المعروف على
قسمين : أحدهما واجب ، والآخر ليس بواجب. فالأمر بالواجب واجب ، وبالنافلة نافلة.
وهذا إنّما أخذ عن أبي علي ، لأنّ المشايخ من السلف أطلقوا القول في وجوب الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، إلى أن جاء شيخنا أبو علي ، وقسّم المعروف إلى هذين
القسمين ، وجعل الأمر بالواجب واجبا ، وبالنافلة نافلة ، وهو الصحيح ، لأنّ حال
الأمر لا يزيد في الوجوب والحسن على حال المأمور به. هذا في المعروف (ق ، ش ، ١٤٦
، ٩)
ـ اعلم أنّ
مشايخنا أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والواجب أن يفصل
القول فيه فيقال : المعروف ينقسم إلى ما يجب ، وإلى ما هو مندوب إليه ، فإنّ الأمر
بالواجب واجب ، وبالمندوب إليه مندوب غير واجب ، لأنّ حال الأمر لا يزيد على حال
الفعل المأمور به في الوجوب. وأمّا المناكير فهي كلها من باب واحد في وجوب النهي
عنها ، فإنّ النهي إنّما يجب لقبحها ، والقبح ثابت في الجميع (ق ، ش ، ٧٤٥ ، ٥)
معروف بالشرع
وبالعقل
ـ أمّا ما ...
يعرف بالشرع وبالعقل ، فهو كل ما كان في العقل دليل عليه ، ولم تكن المعرفة بصحّة
الشرع موقوفة على المعرفة به. كالعلم بأنّ الله واحد ، لا ثاني له في حكمته. لأنّه
إذا ثبتت حكمته ، فلو كان معه حكيم آخر ، لم يجز أن يرسلا ـ أو يرسل أحد منهما ـ من
يكذب. فإذا أخبر الرسول أنّ الإله واحد ، لا قديم سواه ، علمنا صدقه. وكذلك وجوب
ردّ الوديعة ، والانتفاع بما لا مضرّة فيه على أحد (ب ، م ، ٨٨٧ ، ١٠)
معصوم
ـ قال السمناني في
كتاب الإمامة لو لا دلالة العقل على وجوب كون النبيّ صلىاللهعليهوسلم معصوما في البلاغ عن الله عزوجل ، لما وجب كونه معصوما في البلاغ ، كما لا يجب فيما سواه
من أفعاله وأقواله ، وقال أيضا في مكان آخر منه وكذلك يجوز أن يكفر النبي صلىاللهعليهوسلم بعد أداء الرسالة (ح ، ف ٤ ، ٢٢٤ ، ١٧)
ـ اختلف الناس في
المعصوم من هو ، فقال قوم المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي ، وهؤلاء هم
الأقلّون من العلماء أهل النظر. واختلفوا في عدم التمكّن كيف هو ، فقال قوم منهم
المعصوم هو المختصّ في نفسه أو بدنه أو فيهما بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على
المعاصي. وقال قوم منهم بل المعصوم مساو في الخواص النفسيّة والبدنيّة لغير
المعصوم ، وإنّما العصمة هي القدرة على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية ، وهذا
قول الأشعريّ نفسه وإن كان كثير من أصحابه قد خالفه فيه. وقال الأكثرون من أهل
النظر المعصوم مختار متمكّن من المعصية والطاعة ، وفسّروا العصمة بتفسيرين :
أحدهما أنّها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلّف فتقتضي أن لا يفعل المعصية اقتضاء
غير بالغ إلى حدّ الإيجاب ، وفسّروا هذه الأمور فقالوا إنّها أربعة أشياء : أولها
أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور داعية إلى العفّة ، وثانيها العلم
بمثالب المعصية ومناقب
الطاعة ، وثالثها
تأكيد ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى ، ورابعها أنّه متى صدر عنه خطأ من
باب النسيان والسهو لم يترك مهملا بل يعاقب وينبّه ويضيّق عليه العذر ، قالوا فإذا
اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة (أ ، ش ٢ ، ١٦١ ،
٢٥)
ـ المعصوم من
يمتنع منه فعل القبيح بخاصّيّة في نفسه أو بدنه عند قوم ، أو بمعنى عدم القدرة
عليه ، عند أبي الحسن ؛ ومن يمكن منه عند آخرين ، لكن يخلق فيه مانع من الفعل (خ ،
ل ، ١٢٠ ، ٣)
معصية
ـ قول إبراهيم (النظّام)
: إنّ المعصية والكفر بالعبد كانت معصية وكفرا ، وإنّما كان بالله التقبيح للمعصية
والكفر وهو الحكم بأنّهما قبيحان (خ ، ن ، ٢٩ ، ٢٢)
ـ إنّ المعصية فعل
ما نهيت عنه ، والطاعة فعل ما أمرت به ، فكل من أمر بشيء ففعله فقد أطاع الآمر له
، وكلّ من نهي عن شيء ففعله فقد عصى الناهي له. وكذلك كان يقول في الدهريّ التارك
للمجوسيّة والنصرانيّة : أنّه مطيع بتركهما ، لأنّه أمر أن يتركهما ، وهو عاص كافر
بقوله بالدهر ، لأنّه قد نهي عنه. وكان يقول : ليس ترك الدهريّ للتقرّب إلى الله
بترك المجوسيّة والنصرانيّة بمخرج له من أن يكون طاعة ، لأنّه أمر به وبالتقرّب به
إلى الله فهو مطيع بفعله له عاص بتركه التقرّب إلى الله به (خ ، ن ، ٥٨ ، ٢٣)
ـ إنّ معصية
العاصي وكفر الكافر ليسا بمشيئة الله وإرادته ، لأنّه لو أراد معصية العاصي وكفر
الكافر ثم عذّب عليهما ، كان ذلك جورا منه (م ، ف ، ٣ ، ٢٤)
ـ إنّ الطاعة ليست
بعلّة الثواب ، ولا المعصية علّة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل
الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه
الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله (ب ، ن ، ٤٨ ، ١٨)
ـ يقول (الأشعري):
" حقيقة الطاعة موافقة الأمر ، وحقيقة المعصية مخالفته" ، ولا يراعي في
ذلك الإرادة دون الأمر والنهي (أ ، م ، ٧٠ ، ٢٢)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ وصفنا لبعض الأكساب بأنّه قبيح منّا ولبعضها بأنّه حسن منّا إنّما يستحقّ
ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه. وكذلك يجري مجراه في وصفنا له بأنّه
طاعة ومعصية في باب أنّه إنّما يجري عليه ذلك لأجل الأمر والنهي (أ ، م ، ٩٧ ، ٢)
ـ إنّ معنى معصية
الله تعالى مخالفة أمره ، وإنّ كل معصية ذنب وخطأ وخلاف لأمر الله تعالى (أ ، م ،
١٥٧ ، ١٢)
ـ أمّا الذمّ ،
فهو قول ينبئ عن اتضاع حال الغير ، وهو على ضربين : ضرب يتبعه العقاب من جهة الله
تعالى ، وذلك لا يستحقّ إلّا على المعصية ، وحقيقة المعصية فعل ما يكرهه الغير من
نوع من الرتبة. وهو أن يكون العاصي دون المعصي ، ولهذا لا يقال عصى الأمير فلانا
كما يقال عصى فلان الأمير ، ولا يفهم من إطلاق هذه الكلمة غير معصية الله تعالى ،
حتى أنّك لو أردت غيرها لقيدت فقلت : عصى فلان أباه أو جدّه أو الأمير ، إلى غير
ذلك. وضرب
لا يتبعه العقاب
من جهة الله تعالى (ق ، ش ، ٦١١ ، ١٤)
ـ يوصف القبيح
بأنّه معصية ؛ وقد كان في الأصل في هذه اللفظة لا يقتضي قبحه ، وإنّما يوجب أنّ
كارها كرهه ، لكن في التعارف استعمل فيما هو معصية لله ، وعلم أنّه لا يكره إلّا
القبيح ، فصار بالإطلاق متعارفا فيه ، ويوصف بأنّه خطأ ، لا من جهة اللغة ، لأنّهم
لا يستعملون ذلك في طريقة القصد الذي هو يقتضي العمد ، لكن من جهة التعارف ،
تشبيها بمن أخطأ قصده فقيل في القبيح إنّه خطأ ، على هذا الحدّ (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ٥)
ـ المعصية نقيض
الطاعة ، فكما أنّ الطاعة موافقة الأمر ، كذلك المعصية مخالفة الأمر ، وإن شئت قلت
موافقة النهي (ب ، أ ، ٢٥٢ ، ٣)
ـ يحكى عن مقاتل
بن سليمان : أنّ المعصية لا تضرّ صاحب التوحيد والإيمان. وأنّه لا يدخل النار مؤمن
(ش ، م ١ ، ١٤٣ ، ١٠)
معصية كبيرة
ـ الأزارقة تقول
أنّ كل كبيرة كفر وأنّ الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم ، وأنّ كل مرتكب معصية
كبيرة ففي النار خالدا مخلّدا ، ويكفّرون عليّا رضوان الله عليه في التحكيم
ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال (ش ، ق ، ٨٧ ، ٦)
معطّلة
ـ لمّا كانت
المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون ، سمّي السلف صفاتية ، والمعتزلة معطّلة (ش ،
م ١ ، ٩٢ ، ٩)
معقول
ـ اعلم أنّ إقامة
الدلالة على الشيء فرع على كونه في نفسه معقولا ، فإنّما ما لا يعقل فإيراد
الدلالة عليه لا وجه له. وإنّما يدخل الشيء في كونه معقولا بوجهين. أحدهما بأن
نعلم ثبوته إمّا بدلالة أو ضرورة. والثاني بأن يصحّ فيه تقدير الثبوت. فعلى هذا
يصير القول بيان مع الله تعالى غير داخل في حدّ ما لا نعقل لأنّ تقديره ممكن ،
فنقول لو كان له ثان لصحّ التمانع بينهما (ق ، ت ١ ، ٣٢ ، ٣)
ـ إنّا لا نجوّز
شيئا لا يعقل ، وإنّما نجوّز ما هو معقول ، والمعقول من المحدث هو ما إذا أضيف
إليه شيء من الأشياء فقيل إنّه أحدثه أنّه وقع ذلك الشيء بحسب قصده وداعيه ،
وينتفي بحسب كراهته وصارفه ، مع سلامة الأحوال ؛ والوقوع على هذا الوجه قد حصل مع
أحدنا على هذا الوجه ، فيجب أن يكون هو المحدث. فإذا ثبت أنّه هو المحدث لم يجز أن
نجوّز أنّ غيره يحدث أيضا لوجهين : أحدهما أنّ كون غيره محدثا لا على هذا الوجه
غير معقول ، فيجب أن ينفي. والثاني أنّه إذا ثبت في هذا التصرّف أنّه من قبل أحدنا
لم يجز أن يكون من قبل غيرنا ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى جواز محدث بين محدثين ومقدور
بين قادرين ـ وذلك لا يجوز (ن ، د ، ٣٠٥ ، ٩)
ـ لا معنى للمعقول
، إلّا ما اضطرّ العقل إلى الإذعان للتصديق به بموجب الدليل الذي لا يمكنه مخالفته
(غ ، ق ، ٤٩ ، ١٤)
معلول
ـ إنّ المعلول لا
ينفكّ عن علّته (ق ، ش ، ٨٩ ، ١٠)
ـ المعلول الواحد
بالشخص يستحيل أن يجتمع عليه علّتان مستقلّتان وإلّا لكان مع كل واحد منهما واجب
الوقوع ، فيمتنع استناده إلى الآخر ، فيستغنى بكل واحد منهما عن كل واحد منهما ،
وهو محال (ف ، م ، ١٠٧ ، ١٨)
ـ إنّ المعلول
الواحد لا يكون له إلّا علّة واحدة (ط ، م ، ٥٧ ، ١٤)
معلول شخصي
ـ المعلول الشخصيّ
ليس له علّتان مستقلّتان ، وإلّا فيستغني حال افتقاره (خ ، ل ، ٨٨ ، ٢٠)
معلول العلة
ـ لمّا قد بيّنا
أنّه لا يمتنع حصول السبب ولا يولّد ، بأن يعرض له عارض فيمنعه من التوليد ، فإنّ
المسبّب يقع مع الجواز كالمبتدإ سواء ، ولئن جاز إخراج المسبّب عن التعلّق بالفاعل
لوجوب حصوله عند وجود السبب وزوال الموانع ، لوجب إخراج المبتدأ أيضا عن تعلّقه
بالفاعل لوجوب وقوعه عند توفّر الدواعي وتكاملها ، وإلّا فما الفرق؟ وبهذه الطريقة
نجيب عن قوله إذا قال : كما لا يجوز أن نعلّق معلول العلّة بالفاعل لوجوبه عند
وجود العلّة ، كذلك في مسألتنا ، فإنّا قد ذكرنا أنّ وجود المسبّب لا يجب عند حصول
السبب ، فإنّه لا يمتنع أن يعرض عارض فيمنعه من التوليد ، وليس كذلك معلول العلّة
فإنّه يجب عند وجود العلّة ، حتى يستحيل مع وجودها أن لا يثبت ، ففارق أحدهما
الآخر (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ١)
معلولان عن علة
واحدة
ـ يجوز صدور
معلولين عن علّة واحدة ، خلافا للفلاسفة والمعتزلة. لنا : الجسميّة علّة المكان
والقبول (خ ، ل ، ٨٩ ، ٥)
معلولان متماثلان
ـ المعلولان
المتماثلان يجوز تعليلهما بعلّتين مختلفتين خلافا لأكثر أصحابنا ، لنا : أنّ
السواد والبياض مع اختلافهما يشتركان في المخالفة والمضادّة (ف ، م ، ١٠٧ ، ٢١)
معلوم
ـ كان" أبو
الحسين الصالحي" (معتزلي) يقول إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء في أوقاتها
ولم يزل عالما أنّها ستكون في أوقاتها ولم يزل عالما بالأجسام في أوقاتها
وبالمخلوقات في أوقاتها ، ويقول لا معلوم إلّا موجود ولا يسمّي المعدومات معلومات
ولا يسمّي ما لم يكن مقدورا ، ولا يسمّي الأشياء أشياء إلّا إذا وجدت ولا يسمّيها
أشياء إذا عدمت (ش ، ق ، ١٥٨ ، ١٣)
ـ كان يقول (ابن
الراوندي) إنّ المعلومات معلومات لله قبل كونها [و] أنّ إثباتها معلومات لله قبل
كونها رجوع إلى أنّ الله يعلمها قبل كونها ، وإثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه
رجوع إلى علم زيد به قبل كونه ، وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما
حكينا عنه أنّه قاله في المعلومات ، وكذلك كل ما تعلّق بغيره كالمأمور به إنّما هو
مأمور به لوجود الأمر ، والمنهيّ عنه لوجود النهي كان منهيّا عنه ، وكذلك المراد
لوجود إرادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل
كونه ، وكذلك القول في المأمور والمنهيّ وسائر ما يتعلّق بغيره (ش ، ق ، ١٦٠ ، ٢)
ـ اختلف الناس في
المعلوم والمجهول. فقال قائلون : الإنسان إذا علم شيئا ـ قديما كان ذلك الشيء أو
محدثا ـ لم يجز أن يجهله في حال علمه على وجه من الوجوه. وقال آخرون : كل ما علمه
الإنسان فقد يجوز أن يجهله في حال علمه من وجه من الوجوه (ش ، ق ، ٣٩١ ، ٦)
ـ المعلوم أنّه لو
كان ما علم أنّه يكون مما لا يكون ، لم يكن العلم سابقا بأنّه يكون ، ولكان العلم
سابقا بأنّه لا يكون (ش ، ق ، ٤١٦ ، ١١)
ـ إنّ" ابن
النجراني" كان يقول : لا معلوم إلّا موجود فقيل له : فكيف تقول في المقدور؟ فقال
: لا أقول أن مقدورا في الحقيقة لأنّه كان يحيل القدرة على الموجود ، وكان"
الصالحي" يقول : القدرة على الشيء في وقته وقبل وقته ومعه ، وكان يثبّته مقدورا
موجودا في حال كونه (ش ، ق ، ٥٠٢ ، ١)
ـ إنّ المعلوم
معلوم قبل كونه وكذلك المقدور ، وكل ما كان متعلّقا بغيره كالمأمور به والمنهيّ
عنه ، وأنّه لا شيء إلّا موجود ولا جسم إلّا موجود (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١١)
ـ يقال لأهل القدر
أليس قول الله تعالى (بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٩)
يدلّ على أنّه لا معلوم إلّا والله به عالم ، فإذا قالوا نعم ، قيل لهم فما أنكرتم
أن يدلّ قوله تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) على
أنّه لا مقدور إلّا والله عليه قادر ، وأن يدل قوله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) على
أنّه لا محدث مفعول إلّا والله محدث له فاعل خالق (ش ، ل ، ٥٠ ، ١٨)
ـ إنّ المعلوم
يكون شيئا وما ليس بشيء (ب ، ت ، ٣٤ ، ٢٣)
ـ إنّ حال المعلوم
في كونه معلوما لا يختلف بالوجود والعدم ، فلا شيء يتجدّد يمكن أن يجعل شرطا.
ودليل ما ذكرناه من صحّة العلم بالمعدوم هو أنّ ما دلّ على كونه عالما يدلّ على
أنّ المعدوم معلومه ، لأنّ دليل ذلك هو صحّة الفعل المحكم منه ، فلا بدّ من تقدّم
كونه عالما بهذا الفعل وهو معدوم ليصحّ منه القصد إلى إيقاعه مرتّبا ، وهذا يوجب
أنّ المعلوم يصحّ أن يكون معلوما مع العدم. فيجب أن يكون جلّ وعزّ عالما به وأن لا
يقف كونه عالما على وجوده ، وعلى هذا صحّ من العلماء الاختلاف فيما الذي تصحّ
إعادته وما الذي لا تصحّ. ولا يستقيم هذا الخلاف إلّا في معلوم. فيجب كون المعدوم
معلوما بهذه الطريقة ، ويشهد لذلك ما نعلمه من كثير من المعدومات من أنفسنا فصحّ
ما قلنا (ق ، ت ١ ، ١١٨ ، ١٤)
ـ إنّ بوجود
المقدور أو وجود سببه أو غير ذلك مما يذكره في هذا الباب يزول تعلّق كون القادر
قادرا لأمر يرجع إلى أنّ المقدور لا يصحّ كونه مقدورا مع هذه الحال ، وليس كذلك
المعلوم فإن تغيّر الأحوال عليه لا تخرجه عن صحّة كونه معلوما (ق ، ت ١ ، ١٩٦ ، ١٥)
ـ إنّ العلم
يتعلّق بالشيء على ما هو به ، ولا يصير على ما هو به لأجل العلم ، لأنّ ذلك يؤدّي
إلى أنّ المعلوم صار على ما هو به بالعلم ، والعلم صار علما لكونه على ما هو به. وذلك
يوجب تعلّق كلّ واحد منهما بصاحبه على وجه يتناقض ويستحيل ، فيجب أن يكون ما له
صار خبرا كونه مريدا. وكذلك القول في الأمر ، والخطاب ، وغيرهما (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٩
، ٨)
ـ اعلم أنّ
المعلوم لا يحصل على صفة من الصفات من جهة العالم به ، لكونه عالما به ،
وإنّما يعلمه
العالم على ما هو عليه. فلذلك صحّ أن يعلم العالمان شيئا واحدا. وهذه العلّة قائمة
في كل معلوم ، وكل عالم. وإنّما لا يصحّ كونهما قادرين على مقدور واحد ، من حيث
كان المقدور قد يحصل على صفة من الصفات من جهة القادر ، لأنّ القادر يتعلّق
بالمقدور على ما هو به ، فإذا كانت الصفة التي تحصل من جهة القادر لا يصحّ حصولها
إلّا من جهة قادر واحد ، اختصّ المقدور لهذه العلّة بقادر دون قادر. وليس كذلك
المعلوم ، لأنّه لا يحصل من جهة العالم على صفة لا يصحّ الاشتراك فيها ، فيقضي
لأجل ذلك بأنّه يختصّ بعالم دون عالم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٤ ، ٤)
ـ إنّ كل معلوم لا
بدّ أن يكون متميّزا عن غيره بصفة ، فلو كانت الصفات معلومة وجب أن تكون متميّزة
عن غيرها بصفة أخرى ، والكلام في تلك الصفة كالكلام في هذه الصفة ، وهذا يتسلسل
إلى ما لا نهاية له من الصفات ، وهذا محال. فليس إلّا أن يقال إنّ الأحوال ليس
بمعلومة لا على الانفراد ولا مع الذات ، وإنّما نعلم الذات عليها (ن ، د ، ٥٨٦ ،
١٥)
ـ قالت المعتزلة
معلوم الله بكونه عالما لا بالعلم ولا بالذات ، ولا معنى لكون المعلوم معلوما إلّا
أنّه غير مخفىّ على العالم كما هو عليه ، فليس ثم تعلّق حسّي أو وهميّ حتى يحال به
على العلم أو على الذات. وقولكم العلم إحاطة بالمعلوم تغيير عبارة وتبديل لفظ بلفظ
، وإلّا فالعلم والإحاطة والتيقّن عبارات عن معبّر واحد ، ومعنى كون الذات عالما
أنّه محيط ، وكذلك معنى كونه محيطا أنّه عالم ، وإنّما وقعتم في إلزام لفظ الإحاطة
لظنّكم أنّ الإحاطة لو تحقّقت للذات ، كانت تلك الإحاطة كإحاطة جسم بجسم ، وذلك الاشتراك
في اللفظ ، وإلّا فمعنى الإحاطة هو العلم ، وهو بكلّ شيء عليم محيط ، وبكل شيء
عليم وعلى كل شيء قدير (ش ، ن ، ١٩١ ، ١٤)
ـ قالت الصفاتيّة
: العقل الصريح يفرّق بين كون الشيء معلوما ، وبين كونه مقدورا ، وكيف لا وكونه
معلوما أعمّ من كونه مقدورا ، فإنّ المعلوم قد يكون قديما وقد يكون حادثا وواجبا
وجائزا ومستحيلا ، وكونه مقدورا ينحصر في كونه ممكنا جائزا ، ثم نسبة المعلوم إلى
الذات من حيث هي ذات واحدة كنسبة المقدور من حيث هي ذات (ش ، ن ، ١٩٢ ، ٧)
ـ عند المتكلّمين
العلم يتبع المعلوم ، وعندهم (الفلاسفة) المعلوم يتبع العلم والمقدور يتبع القدرة (ش
، ن ، ٢٠٩ ، ٢)
ـ المعلوم إمّا أن
يكون موجودا أو معدوما فهنا ثلاث مسائل : الأولى : تصوّر الوجود والعدم بديهيّ ،
لأنّ ذلك التصديق يتوقّف على هذين التصوّرين ، وما يتوقّف عليه البديهيّ أولى أن
يكون كذلك ، ولأنّ العلم بالوجود جزء من العلم بأنّه موجود ، وإذا كان العلم
بالمركّب بديهيّا ، كان العلم بمفرداته كذلك. الثانية : ذهب جمهور الفلاسفة
والمعتزلة وجمع منّا إلى أنّ الوجود وصف مشترك فيه بين الموجودات ، والأقرب أنّه
ليس كذلك. لنا : أنّه لو كان كذلك لكان مغايرا للماهيّة ، فيكون الوجود قائما بما
ليس بموجود ، وتجويزه يفضي إلى الشكّ في وجود الأجسام (ف ، م ، ٤٧ ، ٤)
ـ المعلوم على
سبيل الجملة ، معلوم من وجه مجهول من وجه (ف ، م ، ٨٠ ، ٣)
ـ صريح العقل حاكم
بأنّ المعلوم إمّا موجود وإمّا
معدوم ، وهذا يدلّ
على أمرين. الأول : أنّ تصوّر ماهيّة الوجود تصوّر بديهيّ ، لأنّ ذلك التصديق
البديهيّ موقوف على ذلك التصوّر وما يتوقّف عليه البديهيّ أولى أن يكون بديهيّا.
والثاني : أنّ
المعدوم معلوم ، لأنّ ذلك التصديق البديهيّ متوقّف على هذا التصوّر. فلو لم يكن
هذا التصوّر حاصلا لامتنع حصول ذلك التصديق (ف ، أ ، ٢٣ ، ٤)
ـ المعلوم ليس
بشيء ، والمراد منه أنّه لا يمكن تقرّر الماهيّات منفكّة عن صفة الوجود (ف ، أ ،
٢٤ ، ٥)
معلوم بالإلهام
ـ أمّا المعلوم
بالإلهام على التخصيص فكالعلم بذوق الشعر وأوزان أبياته في بحوره ، وقد يعلم هذا
الوزن إعرابيّ بوّال على عقبيه ويذهب عن معرفته حكيم يعرف قوانين أكثر العلوم
النظريّة (ب ، أ ، ١٥ ، ٤)
معلوم بالتجارب
والرياضات
ـ أمّا المعلوم
بالتجارب والرياضات فكعلم الطبّ في الأدوية والمعالجات وكذلك العلم بالحرف
والصناعات وقد يقع في هذا النوع ما يستدرك (يستدلّ) بالقياس على المعتاد ، غير أنّ
أصولها مأخوذة عن التجارب والعادات (ب ، أ ، ١٤ ، ١٢)
معلوم بالشرع
ـ أما ما يعلم
بالشرع وحده ، فهو ما في السمع دليل عليه ، دون العقل. كالمصالح والمفاسد الشرعية
وما له تعلّق بهما (ب ، م ، ٨٨٨ ، ١)
ـ أمّا المعلوم
بالشرع فكالعلم بالحلال والحرام والواجب والمسنون والمكروه (وسائر أحكام الفقه) (ب
، أ ، ١٤ ، ١٥)
معلوم بالضرورة
ـ أمّا المعلوم
بالضرورة فمن أصحابنا من قال يجوز أن يعلمها كلّها بالنظر والاستدلال ، ومنهم من
قال ما علمناه منها بالحواس الخمس فجائز استدراكه بالاستدلال عليه عند غيبته عن
الحسّ ، وما علمناه بالبديهة فلا يصحّ الاستدلال عليه لأنّ البداءة مقدّمات
الاستدلال فلا بدّ من حصولها في المستدلّ قبل استدلاله (ب ، أ ، ١٥ ، ١٥)
معلوم بالعادة
ـ أمّا ما قاله من
أنّ النظر في باب الدين ، وجهته غير معلومة بالعادة ، فبعيد ؛ لأنّ الداعي يخوّفه
بذكر العقاب. فهو معلوم ، لأنّ من يعلم المضار التي تنزل به من الأسقام والأمراض ،
وما تؤثّره النيران والحرّ والبرد ، وما يتخوّف منه من السباع وغيرها ، ومن فقد
الماء والطعام ، يعلم في الجملة المضارّ. فيكفي أن ينبّه عليها ، وتذكر له الأمارة
المقوّية لها. ويدخل ذلك في باب المعلوم بالعادة ، ويبيّن أنّ ما قاله لا تأثير له
إن لم يشاهد السبع إذا كان قد سمع بخبره إذا خوّف منه يلزمه من النظر مثل ما يلزم
متى خوّف من سائر ما يعلمه. فلا فرق إذن بين الأمرين إذا كانت الجملة معلومة (ق ،
غ ١٢ ، ٣٦٦ ، ١٢)
معلوم بالعقل
ـ اعلم أنّ
الأشياء المعلومة بالدليل إمّا أن يصحّ أن تعلم بالعقل فقط ، وإمّا بالشرع فقط ،
وإمّا
بالشرع وبالعقل.
وأمّا المعلومة بالعقل فقط ، فكل ما كان في العقل دليل عليه ، وكان العلم بصحّة
الشرع موقوفا على العلم به ، كالمعرفة بالله وبصفاته ، وأنّه غني ، لا يفعل
القبيح. وإنّما قلنا : " إنّ العلم بصحّة الشرع موقوف على العلم بذلك" ،
لأنّا إنّما نعلم صحّة الشرع إذا علمنا صدق الأنبياء عليهمالسلام ؛ وإنّما نعلم صدقهم بالمعجزات إذا علمنا أنّه لا يجوز أن
يظهرها الله على يد كذّاب. وإنّما يعلم ذلك إذا علمنا أنّ إظهارها عليهم قبيح ،
وأنّه لا يفعل القبيح. وإنّما نعلم أنّه لا يفعل القبيح إذا علمنا أنّه عالم بقبح
القبيح ، عالم باستغنائه عنه. والعلم بذلك فرع على المعرفة به. فيجب تقدّم هذه
المعارف للشرع. فلم يجز كون الشرط طريقا إليها (ب ، م ، ٨٨٦ ، ١٧)
معلوم بالعقل
والسمع
ـ أمّا المعلوم (بالعقل
والسمع) بهما فكلّ ما هو واقع في مجال العقل ، ومتأخّر في الرتبة عن إثبات كلام
الله تعالى ، كمسألة الرؤية ، وانفراد الله تعالى بخلق الحركات ، والأعراض كلّها ،
وما يجري هذا المجرى ؛ ثمّ كل ما ورد السمع به ينظر ، فإن كان العقل مجوّزا له وجب
التصديق به قطعا ؛ إن كانت الأدلّة السمعية قاطعة في متنها ، وسندها لا يتطرّق
إليها احتمال ؛ ووجب التصديق بها ظنّا إن كانت ظنّية ، فإنّ وجوب التصديق باللسان
، والقلب ؛ هو عمل يبنى على الأدلّة الظنّية كسائر الأعمال (غ ، ق ، ٢١١ ، ٤)
معلوم بالقياس
والنظر
ـ زعم النظّام
وأتباعه من القدرية أنّ المعلوم بالقياس والنظر لا يجوز أن يصير معلوما بالضرورة ،
وما كان معلوما بحسّ لا يجوز أن يصير معلوما من جهة النظر والخبر ؛ فلزمه على هذا
القول أن يكون المعرفة بالله عزوجل في الآخرة نظريّة استدلاليّة غير ضروريّة ، وأن تكون
الجنّة دار استدلال ونظر ، وأن يكون لاعتراض السيئة فيها على أهل النظر مجال ، وأن
يكونوا مكلّفين أبدا وأن يستحقّوا على أداء ما كلّفوا فيها ثوابا في دار غيرها (ب
، أ ، ١٦ ، ٣)
معلوم بمجرد السمع
ـ أمّا المعلوم
بمجرّد السمع فيخصّص أحد الجائزين بالوقوع ، فإنّ ذلك من مواقف العقول وإنّما يعرف
من الله تعالى بوحي ، وإلهام ؛ ونحن نعلن من الموحي إليه بسماع كالحشر ، والنشر ،
والثواب والعقاب وأمثالها (غ ، ق ، ٢١١ ، ١)
معلوم بالنظر
والاستدلال
ـ أمّا المعلوم
بالنظر والاستدلال من جهة العقول فكالعلم بحدوث العالم وقدم صانعه وتوحيده وصفاته
وعدله وحكمته وجواز ورود التكليف منه على عباده وصحّة نبوّة رسله بالاستدلال عليها
بمعجزاتهم ، ونحو ذلك من المعارف العقليّة النظريّة (ب ، أ ، ١٤ ، ٨)
معلوم في العدم
ـ العجب كل العجب
من مثبتي الأحوال أنّهم جعلوا الأنواع مثل الجوهريّة والجسميّة والعرضيّة
واللونيّة أشياء ثابتة في العدم لأنّ العلم قد تعلّق بها ، والمعلوم يجب أن يكون
شيئا حتى يتوكّأ عليه العلم. ثم هي بأعيانها
أعني الجوهريّة
والعرضيّة واللونيّة والسواديّة أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ، ولا
موجودة بانفرادها ، فيا له من معلوم في العدم يتوكّأ عليه العلم ، وغير معلوم في
الوجود (ش ، ن ، ١٦٢ ، ٥)
معلوم معدوم
ـ معلوم معدوم في
وقتنا هذا ، وسيوجد فيما بعد ، نحو الحشر والنشر ، والجزاء والثواب والعقاب ،
وقيام الساعة ، وأمثال ذلك مما أخبر تعالى أنّه سيفعله وعلم أنّه سيوجد ؛ ومعلوم
آخر هو معدوم في وقتنا هذا ، وقد كان موجودا قبل ذلك ، نحو ما كان وتقضّى من
أحوالنا وتصرّفنا ، من كلامنا وقيامنا وقعودنا الذي كان في أمس يومنا وتقضّى ومضى
؛ ومعلوم آخر معدوم هو مقدور ، ويمكن أن يكون ويمكن أن لا يكون ، ولا يدرى هل يكون
أم لا يكون ، نحو ما يقدر الله تعالى عليه مما لا نعلم أيفعله أم لا يفعله ، نحو
تحريك الساكن من الأجسام ، وتسكين المتحرّك منها ، وأمثال ذلك (ب ، ت ، ٤٠ ، ١٩)
معلومات
ـ كان يقول (ابن
الراوندي) إنّ المعلومات معلومات لله قبل كونها [و] أنّ إثباتها معلومات لله قبل
كونها رجوع إلى أنّ الله يعلمها قبل كونها ، وإثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه
رجوع إلى علم زيد به قبل كونه ، وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما
حكينا عنه أنّه قاله في المعلومات ، وكذلك كل ما تعلّق بغيره كالمأمور به إنّما هو
مأمور به لوجود الأمر ، والمنهيّ عنه لوجود النهي كان منهيّا عنه ، وكذلك المراد
لوجود إرادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل
كونه ، وكذلك القول في المأمور والمنهيّ وسائر ما يتعلّق بغيره (ش ، ق ، ١٥٩ ، ١٧)
ـ قال قائلون من
البغداديين : نقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها ، وكذلك المقدورات مقدورات قبل
كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ومنعوا أن يقال أعراض (ش ، ق ، ١٦٠ ، ١٢)
ـ من"
البغداديين" من يقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها والأشياء أشياء قبل
كونها ، ويمنع أجساما وجواهر وأعراضا (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١٤)
ـ جميع المعلومات
على ضربين : معدوم وموجود (ب ، ت ، ٤٠ ، ٨)
ـ أنّ المعلومات
على ضربين : معدوم وموجود ، لا ثالث لهما ولا واسطة بينهما (ب ، ن ، ١٥ ، ١٧)
ـ أمّا الكلام في
المعلومات فالأصل فيها أنّها غير متناهية لأنّه قد دلّت الدلالة على عدم التناهي
في المعدومات. ودلّت على أنّها وهي معدومة يصحّ العلم بها وليس من حيث يدخل تحت
العلم لا بدّ من تناهيه ، لأنّ في الاستدلال على تناهيه يعلم العالم به استدلالا.
يفرع الشيء على أصله إذ لا بدّ من ثبوته معلوما بكونه مقدورا. ثم يثبت كونه عالما
به لا محالة ، ولا يجب من حيث يطلق من العبارات ما يقتضي التناهي أن يجب ذلك فيه على
ما يظنّه المخالف. فإنّا قد نطلق لفظة الكلّ والبعض وهذا لا يفيد الحصر ، فمتى عقل
المعنى فلا فكر في العبارات (ق ، ت ١ ، ١٢٠ ، ١٩)
ـ إنّ المعلومات
تنقسم إلى وجود ، وصفة وجود لا تتّصف بالوجود والعدم (ج ، ش ، ٩٣ ، ١٥)
ـ المعلومات وهي
إمّا موجودة أو معدومة : وتصوّرهما بديهيّ لتوقّف هذا التصديق عليه ، ولأنّ العلم
بالوجود به جزء من علمي بوجودي البديهيّ (خ ، ل ، ٤٩ ، ١)
معنى
ـ اللفظ للمعنى
بدن والمعنى للفظ روح. ولو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا
حركة له وشيئا لا حسّ فيه وشيئا لا منفعة عنده (ج ، ر ، ٨٥ ، ٩)
ـ لا يكون اللفظ
اسما إلّا وهو مضمّن بمعنى ، وقد يكون المعنى ولا اسم له ولا يكون اسم إلّا وله
معنى. في قوله جلّ ذكره : (وَعَلَّمَ آدَمَ
الْأَسْماءَ كُلَّها) (البقرة : ٣١) ،
إخبار أنّه قد علّمه المعاني كلّها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطعوم
والأراييح وتضاعيف الأعداد التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار
المصلحة ونهاية الوهم اسم ، إلّا أن تدخله في باب العلم فتقول شيء (ج ، ر ، ٨٥ ،
١٢)
ـ إنّ الجسم إذا
سكن فإنّما يسكن لمعنى هو الحركة ، لولاه لم يكن بأن يكون متحرّكا أولى من غيره ، ولم
يكن بأن يتحرّك في الوقت الذي يتحرّك [فيه] أولى منه بالحركة قبل ذلك (ش ، ق ، ٣٧٢
، ٢)
ـ إنّ المعنى هو
قصد القلب بالكلام إلى المراد ، ولذلك يقال : إنّ معنى هذا الكلام كيت وكيت ، وإن
معناي بهذا الخطاب كذا وكذا ، ويقول القائل لصاحبه : ما معناك في هذا الكلام؟ (ق ،
غ ٥ ، ٢٥٣ ، ٤)
معونة
ـ اعلم أنّ
المعونة هي تمكين الغير من الفعل مع الإرادة له ، ولا بدّ من اعتبار الإرادة ،
فإنّ من دفع إلى غيره سكّينا ليذبح بها بقرة أو شاة وأراد منه ذلك ، يقال إنّه
أعانه على ذبح البقرة والشاة لما أراد منه ذلك (ق ، ش ، ٧٧٩ ، ٦)
ـ اعلم أنّ العبد
لا يكون معانا بأن يمكن من الفعل فقط بالقدرة وغيرها ، لأنّ ذلك لو صحّ لوجب أن
يوصف تعالى بأنّه معين للبهائم والمجانين ، كما وصف بأنّه معين للمكلّف ، ولوجب أن
يوصف بأنّه أعانه على الكفر إذا أقدره عليه ، كما يوصف بذلك إذا أقدره على الإيمان
، على بعض الوجوه. فعلم بذلك صحّة ما قلناه. وذلك يوجب أن يكون التمكين إنّما يكون
معونة لأمر زائد على كونه تمكينا ، وهو أن يقصد تعالى بفعله أن يختار الممكن
الطاعة. فمتى فعله على هذا الوجه ، وصف التمكين بأنّه معونة ، ولو لا ذلك لم يوصف
بهذا الوجه. ولهذا قلنا : إنّه تعالى قد أعان المكلّف على الإيمان والطاعة ، ولم
يعنه على الكفر والمعصية ، لأنه لم يرد تمكينه وإزاحة علله منه للكفر والمعاصي ،
بل يكرهها منه. وعلى هذا الوجه تستعمل المعونة في الشاهد ؛ لأنّ الواحد منّا إذا
أعطى غيره سيفا ، وقصد أن يجاهد في سبيل الله ، وصف بأنّه أعانه على الجهاد ، وإن
كان السيف يصلح لقتل نفسه وقتال المسلمين ، ولا يوصف بأنّه أعانه على ذلك ، لما لم
يرده منه. فكان الأصل في المعونة إرادة ما به ومعه يتمّ الأمر المراد. وعلى هذا
الوجه يقال في الواحد منّا إذا حمل الثقيل مع غيره : إنّه أعانه ، لأنّه قصد بما
فعل أن يتمّ المراد (ق ، م ٢ ، ٧٢٥ ، ٤)
ـ لا يوصف لفظ
الأمر بأنّه معونة ، ولا ما يتناوله بأنّه معان فيه ؛ لأنّه كان يجب أن يكون إبليس
معانا على الاستفزاز لوجود لفظ الأمر. فعلم أنّ المعتبر في ذلك هو الإرادة ، وإن
كان الأمر بها يكشف عن الإرادة ، فمن حيث يختصّ بذلك يوصف المأمور بأنه معان
لأجله. ولهذا قلنا : إنّه تعالى أعان المكلّف على فعل ما كلّف لا على المعاصي. ولا
يمتنع في الألطاف وسائر ما يبعث المكلّف على الفعل. إذا فعله تعالى للغرض الذي
قدّمناه ، أن يوصف لأجله بأنّه معين له. وقد يقال للواحد منّا إذا لطف لغيره ،
ودعاه ، وبيّن له : إنّه قد أعانه على الخير ؛ للوجه الذي بيّناه (ق ، م ٢ ، ٧٢٥ ،
١٠)
معيّة
ـ قال (الشهرستاني)
: إنّ المعيّة من كل رتبة لا تجامع التقدّم والتأخّر من تلك الرتبة بحيث تكون نسبة
أحد الشيئين إلى الآخر بالمعيّة والتقدّم أو التأخّر بالذات ، وإن جاز أن تكون
المعيّة من رتبتها مجامعة للتقدّم والتأخّر من رتبة أخرى كالمعيّة بالشرف والتقدّم
بالزمان ونحوه ، ثم بيّن ذلك وحكى ما قرّر من بيان إمكان العالم باعتبار ذاته
وافتقاره إلى مرجّح خارج ، ووجوب تقدّم المرجّح عليه ذاتا ووجودا وامتناع تحقّق
المعيّة بكل حال بينهما (م ، غ ، ٢٥٨ ، ١٥)
مغتمّ
ـ المغتمّ يوصف
بذلك إذا علم أو ظنّ أنّ ضررا سيصل إليه أو هو واصل إليه (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٥)
مفارقة
ـ الكون هو ما
يوجب كون الجوهر كائنا في جهة ، والأسامي تختلف عليه وإن كان الكل من هذا النوع ،
فمتى حصل عقيب ضدّه فهو حركة ، وإذا بقي به الجوهر كائنا في جهة أزيد من وقت واحد
أو وجد عقيب مثله فهو سكون. ومتى كان مبتدأ لم يتقدّمه غيره فهو كون فقط ، وهو
الموجود في الجوهر حال حدوثه. فإن حصل بقرب هذا الجوهر جوهر آخر سمّي ما فيهما
مجاورة. ومتى كان على بعد منه سمّي ما فيهما مفارقة ومباعدة. وقد نعلم هذا المعنى
ضرورة على الجملة وإن كان مما لا يدرك. وهو ما نتصرّف فيه من قيام وقعود وغيرهما ،
لأنّا نعلم قبح الظلم من أنفسنا ضرورة (أ ، ت ، ٤٣٢ ، ٨)
مفارقة الإدراك
للنظر
ـ إنّه قد ثبت ،
في الإدراك ، أنّ العلم بالمدرك يحصل عقيبه ، وإن لم يحدث على وجه معقول يجعل شرطا
فيه. لأنّ أوّل العلوم بالمدركات لا يصحّ أن يقال فيه : إنّه يولّد عن الإدراك ،
لوقوعه مع شيء من العلوم ، أو على بعض الوجوه. فيقال : إنّ الطفل إنّما لم يولّد
إدراكه العلم لفقد ذلك. ولا يصحّ أن يقال : أن يكون المرئيّ بعيدا ، يمنع الإدراك
من توليد العلم بهيئته وقدره في الكبر والصغر. وذلك يبيّن مفارقة الإدراك للنظر (ق
، غ ١٢ ، ٧٩ ، ٢١)
مفارقة ومباعدة
ـ قولنا : كون
وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في
الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه
كونا مطلقا إذا
وجد ابتداء لا بعد غيره ، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن
نسمّيه سكونا إذا بقي. وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى
به الجوهر في جهة واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو
أوجب كون الجسم كائنا في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه
محاورة مقارنة وقربا إذا كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما.
وتارة نسمّي بعضه مفارقة ومباعدة وافتراقا إذا وجد على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت
١ ، ٣٣ ، ١٢)
مفاضلة
ـ إنّما تقع
المفاضلة بين الفاضلين إذا كان فضلهما واحدا من وجه واحد فتفاضلا فيه ، وأمّا إن
كان الفضل من وجهين اثنين فلا سبيل إلى المفاضلة بينهما ، لأنّ معنى قول القائل أي
هذين أفضل إنّما هو أي هذين أكثر أوصافا في الباب الذي اشتركا فيه (ح ، ف ٤ ، ١١٩
، ٩)
مفاعلة
ـ أمّا وصفه ـ تعالى
ـ بأنّه مخاطب للمعدوم فقد بيّن شيخنا أبو هاشم ـ رحمهالله ـ أنّ ذلك لا يطلق
عليه ، حتى إذا وجد وصار ممّن يفهم منه الخطاب ويحسن منه المخاطبة وصف بذلك. قال ـ
رحمهالله ـ : لأنّ وصفه ـ تعالى
ـ بأنّه خاطب يقتضي مفاعلة بين اثنين ، مثل وصفنا بالمقابلة والمحاذاة والمبايعة
والمحاربة وغيرها فلا يجوز أن يستعمل إلّا إذا كان هناك من يشاركه في المخاطبة.
فأمّا إذا كان المخاطب معدوما ولا يصحّ منه الخطاب فغير جائز أن يوصف أمره بأنّه
خطاب. وبيّن أن هذه اللفظة تفيد المفاعلة من جهة المعنى ، وأنّه مفارق لما هو مفاعلة
من جهة اللفظ دون المعنى ؛ مثل طارقت النعل إلى ما شاكله. وذلك يوجب ألّا يوصف
أمره بأنّه مخاطبة إلّا إذا (كان) المكلّف بصفة مخصوصة ، ومتى كان ممّن يصحّ أن
يجيب ويخاطب أيضا فإنّما يوصف بأنّه مخاطب متى وقعت منه المخاطبة ، وإذا لم يقع
منه ذلك فوصفه بذلك إنّما يصحّ من جهة التعارف لمّا كان ممّن يصحّ منه الجواب
ويصير في الحكم كأنّه مجيب (ق ، غ ١١ ، ٣٦٩ ، ٨)
مفترق
ـ إنّ المفترق ليس
له بكونه مفترقا حال وحكم أكثر من حصول الجوهرين في جهتين على سبيل البعد ؛ فإذا
لم يوجب للمحلّ حالا ولا حكما وجب نفيه (ن ، د ، ١٢٧ ، ١٣)
مفرد بالجنس
ـ أمّا المفرد
بالجنس فكقول أصحابنا أنّ الجواهر جنس واحد وإن اختلفت في الصور والهيئات لاختلاف
ما فيها من الأعراض (ب ، أ ، ٣٥ ، ١٢)
مفرد في ذاته
ـ المفرد في ذاته
نوعان أحدهما جوهر واحد وهو الجزء الذي لا يتجزّأ ، وكل جسم من أجسام العالم ينتهي
بالقسمة إلى جزء لا يتجزّأ ، والنوع الثاني مما لا يتجزّأ كل عرض في نفسه فإنّه
شيء واحد مفتقر إلى محلّ واحد (ب ، أ ، ٣٥ ، ٩)
مفردات
ـ المفردات من
العالم نوعان : أحدهما مفرد في ذاته ينتفي الانقسام عنه. والثاني مفرد في الجنس
دون الذات (ب ، أ ، ٣٥ ، ٨)
مفسدة
ـ المفسدة : هي ما
عنده يختار المكلّف المعصية ، والإخلال بالطاعة ، ولولاه لكان لا يختارها. وهي
تنقسم إلى أقسام ثلاثة : فما يكون فعل المكلّف ـ لو وقع ـ فالواجب أن لا يفعله
تعالى وإلّا قبح التكليف. وما يكون من فعل المكلّف ، فإنّما يجب عليه تعالى أن
يمكنه من أن لا يفعله ، ويعرفه حالها إذا كان الوجه في كونه مفسدة أن تقع باختياره
، فأمّا إذا كان المعلوم أنّه يكون مفسدة على كل حال ، فلا بدّ من أن يمنعه تعالى
منها إذا كان المعلوم أنّه بالمنع يمتنع ، فأمّا إن علم من حاله أنّه يمتنع بلا
منع ، فليس ذلك بواجب ، لأنّ الغرض ألّا يقع باختياره ، أو يمنع المانع له. فإذا
كان من فعل غير المكلّف والمكلّف ، فلا بدّ من أن يكون المعلوم أنّه لا يفعله ، أو
يمنعه تعالى منه. ولذلك قلنا إنّه تعالى لو علم من حال بعض العباد أنّه إذا علم
المعجز الذي هو القرآن ، سافر به إلى حيث لم تبلغه الدعوة ، وادّعاه معجزا لنفسه ،
واستفسد به العباد ، أنّه يجب أن يمنعه تعالى من ذلك. وإن كان المعلوم أنّه لا
يستفسد لم يجب المنع. فأمّا العبد إذا أضلّ غيره بالدعاء إلى الضلال ، فإنّما لم
يجب المنع منه ، لأنّه قد كلّف الامتناع من ذلك ، فامتناعه باختياره ولا مصلحة له.
ولأنّ لولاه لكان لا يفسد ابتداء أو بغير ذلك ، ولهذا قال شيخنا أبو علي ، رحمهالله : إنّه تعالى لو علم من حال إبليس أنّه عند دعائه يضلّ
العباد على وجه لولاه لكان لا يضلّ ، لمنعه من ذلك الإضلال! (ق ، م ٢ ، ٧٢٣ ، ١٥)
ـ تكلّم (عبد
الجبّار) في الفصل بين ما يعدّ تمكينا وبين ما يعدّ مفسدة ، فقال إنّ الذي يعدّ
مفسدة هو أن يتقدّم له التمكين من الشيء وخلافه ، وقد علم أنّه يختار ما يفسده عند
أمر من الأمور فذلك هو بصفة المفسدة. وعلى ذلك نقول إنّ إدلاء الحبل إلى الغريق
وهو متمكّن من تخليص نفسه ومن إهلاكها بغير هذا الوجه ، فإذا علم أنّه يختار
إتلافها عند ذلك جعل مفسدة. وبهذا يفارق التمكين ، وذلك أن لا يكون قد تقدّم له
القدرة على الأمرين ، وبهذا الحبل يتمكّن منهما ، فما هذا سبيله يعدّ تمكينا (ق ،
ت ٢ ، ٣٩٦ ، ١٢)
ـ إن قيل : هلّا
قلتم : إنّ كل أمر وجد عنده القبيح فهو استفساد فيه ، فلا يصحّ أن تقولوا في تكليف
من يعلم أنّه يكفر إنّه ليس باستفساد. قيل له : إنّه لا معتبر بالعبارات فيما يحسن
له الشيء ويقبح ، ويجب الاعتماد فيه على المعاني. وقد بيّنا الفصل بين الأمرين من
حيث المعنى ، فلا يقدح في ذلك الاشتراك بينهما في الاسم ، وإن كنّا قد بيّنا أن ما
لأجله يسمّى الشيء مفسدة أنّ عنده يختار الفساد على وجه لولاه كان يختار الصلاح
عليه ، وذلك يقتضي أنّه إنّما سمّي بذلك ؛ لأنّه كالداعي إلى ما يقدر عليه وعلى
غيره ، فهو بمنزلة الإغراء بالقبيح والتزيين له ، والترغيب فيه ، وليس كذلك حال التمكين
؛ لأنّه لولاه لاستحال منه الفساد والصلاح ، فكيف يقال : إنّ ما به يتمكّن من
مصلحته ومفسدته يكون لطفا. ولو جاز فيما هذا حاله أن يقال : إنّه لطف واستفساد
لجاز في
نفس القدرة والآلة
أن يقال فيهما ذلك ، وهذا يوجب التباس حال الألطاف والدواعي بأنواع التمكين ،
والعقل قد فصل بين الأمرين (ق ، غ ١١ ، ٢٢١ ، ١)
ـ إنّ المقصد
بإدلاء الحبل إلى من المعلوم أنّه يخنق به نفسه إن كان سلامته من الخنق والقتل ،
فقد بيّنا أنّه ليس بنفع يحصل له بالإدلاء ، وأنّ الإدلاء فيه بمنزلة الحمل على
الضرر ، ليتخلّص المحمول عليه منه ، فإن كان سلامته من الغرق مع العلم بأنّه يختار
خنق نفسه وقتلها فيجب كونه قبيحا لأمرين : أحدهما أنّه مفسدة ، والثاني لأنّه قد
قصد به من المنافع ما لا يوفي على المضرّة التي تحصل عنده ، لأنّ المقصد هو
التخلّص من الغرق الذي نهاية ما فيه الهلاك ، مع تجويز التخلّص من دون الإدلاء.
فإذا علم أنّه يقتل نفسه عند إدلاء الحبل عليه فقد كلّف أمرا ليتخلّص من ضرر مجوّز
، مع العلم بأنّه يختار مثل ذلك الضرر على وجه القطع (ق ، غ ١١ ، ٢٢٣ ، ١٣)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم رحمهالله : إنّه يحسن أن يبعث تعالى الرسل إلى من يعلم أنّه إن أمره
بتصديقه حاربه وعانده ، لأنّ ذلك تمكين. وقال في موضع آخر : يحسن منه بعثة
الأنبياء إلى من يعلم أنّهم يزدادون كفرا بقتلهم وقتل أصحابهم. وهذا بيّن متى كان
بعثتهم إليهم تمكينا من المحاربة وتركها ، والردّ عليهم وتركه ، وقتلهم وتركه.
فأمّا إن وقع القتل والمحاربة منهم بعد البعثة على الوجه الذي يصحّ وقوعه من قبل ،
وعلم تعالى أنّهم عند البعثة يختارون القبيح ولولاها لم يختاروا ذلك فيجب كون
بعثته إليهم مفسدة. وإنّما أراد رحمهالله بما تقدّم أن تكون محاربتهم له على سبيل القصد إلى تكذيبه
من حيث كان نبيّا وكذلك قتلهم إيّاه. وهذا بمنزلة تكذيبه والردّ عليه من حيث كان
نبيّا في أنّ بعثته تمكين في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٢٢٧ ، ١٦)
ـ إنّ المعتبر بما
يريده تعالى بالمكلّف من المنزلة. فإذا أراد تعريضه لمنزلة مخصوصة ، وصحّ أن يكلّف
ما يعلم أنّه يصل معه إلى تلك المنزلة لم يحسن تكليف ما يعلم أنّه يكفر. ومتى أراد
به منزلة عظيمة قد علم أنّه لا ينالها البتّة (إلّا) بضرب من التكليف حسن أن
يكلّفه ما يعلم أنّه يكفر ببعضه أو كلّه. فإذا ثبت ذلك لم يحسن منه سبحانه تبقية
التكليف على المؤمن على وجه يعلم أنّه يكفر ، مع أنّه يصحّ أن يكلّفه على وجه يعلم
أنّه يؤمن ، ويستحقّ القدر الذي عرض له من الثواب. وقد بيّنا أنّ المفسدة إنّما
تقبح لأنّه يقتضي أنّ المكلّف قد أتي فيما اختاره من المعاصي من جهة المكلّف ،
ولأنّ المكلّف لو أراد نفعه لما فعل ما يفسد عنده ، لأن المعلوم من حاله أنّه متى
لم يفعل ذلك ، والتكليف ثابت على ما هو عليه والتعريض للثواب ، أنّه يصلح ، ومتى
فعل ذلك به اختار الفساد ، فيجب أن يكون في حكم الصادّ له عمّا عرّضه له ، وهذا
يقبح ، ويجري مجرى المتناقض في الدواعي. وليس كذلك إذا بقي التكليف على المؤمن مع
العلم بأنّه يكفر ؛ لأنّه قد عرّضه لمنزلة زائدة لا يصحّ أن ينالها إلّا بهذا
التكليف الزائد. وإنّما يؤتى في حرمانه نفسه الثواب واستحقاقه العقاب من قبل سوء
اختياره. فيجب حسنه ومفارقته للمفسدة (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١٢)
ـ فصل رحمهالله (أبو هاشم) بين
المفسدة والمصلحة بأن قال : إنّه لا يمتنع أن لا يكون
الفعل صلاحا ،
إلّا إذا وقع من فعل المكلّف على وجه مخصوص. فلا يصحّ أن يقال لو كان مصلحة ،
والمعلوم أنّ المكلّف لا يختار ، لوجب أن يلجئه تعالى إليه ؛ لأنّ الوجه الذي عليه
يكون مصلحة هو أن يقع باختياره والإلجاء يؤثّر فيه ، فيصير كأنّه لم يقع فتفوت
المصلحة ، وليس كذلك ما هو مفسدة ؛ لأنّ الفساد يتعلّق بوقوعه. فإذا منع تعالى منه
لم يقع ؛ كما إذا امتنع هو منه لم يقع ، فيزول الفساد في الوجهين على حدّ واحد (ق
، غ ١٣ ، ٥٠ ، ٧)
مفسدة في الواجب
ـ سقط قول من قال
: إذا كان حمل الواحد منّا على غيره بالسيف يجري مجرى التمكين من السلامة منه ؛
لأنّه عند ذلك يلزمه من السلامة ما لولاه لم يكن لازما ، وقبح عندكم مع ذلك ،
فهلّا قبح تكليف من المعلوم منه أن يكفر ؛ لأنّ ما بيّناه قد أوجب الفصل بين
الأمرين من حيث كان أحدهما في حكم الإلجاء إلى مضرّة على وجه لولاه لم تحصل منفعة
، وليس كذلك التكليف ؛ لأنّه تعريض للمنافع العظيمة ، على ما قدّمنا القول فيه.
وعلى هذا الوجه يفصل بين الأمور التي ينتفي الواجب عندها ؛ فيحكم في بعضها أنّه
قبيح إذا كان مفسدة في الواجب ، وفي بعضها أنّه حسن إذا كان تمكينا من ألّا يختار
الواجب (ق ، غ ١١ ، ٢٢٢ ، ٢)
مفضول
ـ قطعنا على أنّ
من كان من الصحابة حين موت رسول الله صلىاللهعليهوسلم أفضل من آخر منهم ، فإنّ ذلك المفضول لا يلحق درجة الفاضل
له حينئذ أبدا وإن طال عمر المفضول وتعجّل موت الفاضل ، وبهذا أيضا لم نقطع على
فضل أحد منهم رضي الله عنهم حاشا من ورد فيه النص من النبيّ صلىاللهعليهوسلم ممّن مات منهم في حياة النبيّ صلىاللهعليهوسلم (ح ، ف ٤ ، ١١٥ ،
٢٤)
مفعول
ـ إنّ من حق
المقدور أن يكون معدوما ، كما أنّ من حق المفعول أن يكون موجودا. فكما أنّ خروجه
إلى الوجود يحيل كونه مقدورا ، فكذلك بقاؤه مقدورا يوجب كونه معدوما. ولذلك قلنا :
إنّ وجود المقدور يخرجه من كونه واجبا ؛ وأنّه لو لم يخرج بذلك من كونه واجبا
لأدّى إلى أن لا يخرج من كونه واجبا أبدا. فإذا صحّ ذلك ، وكان هذا الشيء مقدورا
من كلا الوجهين ، فيجب كونه معدوما منهما. فإذا فعل من أحدهما ، فالوجه الآخر ، في
أنّه يجب أن يبقى معدوما ، كهو لو لم يوجد من كلا الوجهين (ق ، غ ٨ ، ١٠٢ ، ١)
ـ إنّ المفعول هو
المنتقل من العدم إلى الوجود بمعنى من ليس إلى شيء ، فهذا هو المحدث ، ومعنى
المحدث هو ما لم يكن ثم كان (ح ، ف ١ ، ٢٤ ، ١)
ـ (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (الأحزاب : ٣٧)
جملة اعتراضية : يعني وكان أمر الله الذي يريد أن يكوّنه مفعولا مكوّنا لا محالة ،
وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلىاللهعليهوسلم زينب ، ومن نفي الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين
مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهم بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهنّ. ويجوز
أن يراد بأمر الله المكوّن لأنّه مفعول بكن وهو أمر الله (فَرَضَ اللهُ لَهُ)
(الأحزاب : ٣٨)
قسم له وأوجب من قولهم فرض لفلان في الديوان كذا ومنه فروض العسكر لرزقاتهم (ز ، ك
٣ ، ٢٦٣ ، ٣٠)
مفعول بالاختيار
ـ إنّ اتساق الفعل
المتوالي ـ بلا فساد يظهر ، ولا خروج عن طريق الحكمة ـ يثبت كون المفعول بالاختيار
من الفاعل ، فثبت أنّ الخلق كان بفعله حقيقة (م ، ح ، ٤٤ ، ١٣)
مفعول بسبب
ـ إنّ في مقدور
القديم تعالى ما لا يصحّ إعادته أيضا ، وهو المفعول بسبب ، والأجناس التي لا تبقى
، كالصوت وغيره (ق ، ش ، ٣٧٤ ، ١٧)
ـ أمّا المفعول
بسبب ، فلو أعيد ابتداء للزم أن يكون له بالحدوث وجهان : فيحصل على أحد الوجهين
بقادر ، وعلى الآخر بقادر آخر. وإذا أعيد بسبب : فإمّا أن يعاد بذلك السبب ومن
حقّه أن يكون له في كل حال سبب غير ما كان ، فيجب أن يكون قد تعدّى من واحد إلى ما
زاد عليه ولا حاصر ، فيؤدّي إلى ما لا نهاية له. وإمّا أن يعاد بسبب غيره ، وذلك
يقتضي اجتماع سببين على توليد مسبّب واحد ، فيؤدّي إلى مقدور بين قادرين وهذا مما
لا يجوز (ق ، ش ، ٣٧٥ ، ٤)
مفعولات
ـ قال أبو محمد
وكل من دون الله تعالى فعله هو مفعوله نفسه لا غير ، لأنّه لا يفعل أحد دون الله
تعالى إلّا حركة أو سكونا أو تأثيرا أو معرفة أو فكرة أو إرادة ، ولا مفعول لشيء
دون الله تعالى إلّا ما ذكرنا ، فهي مفعولات الفاعلين ، وهي أفعال الفاعلين ولا
فرق ، وما عدا هذا فإنّما هو مفعول فيه كالمضروب والمقتول ، أو مفعول به كالسوط
والإبرة وما أشبه ذلك ، أو مفعول له كالمطاع والمخدوم ، أو مفعول من أجله كالمكسوب
والمحلوب ، فهذه أوجه المفعولات (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ٥)
مفكّر قبل ورود
السمع
ـ قوله (النظّام)
في المفكّر قبل ورود السمع إنّه إذا كان عاقلا متمكّنا من النظر يجب عليه تحصيل
معرفة الباري تعالى بالنظر والاستدلال (ش ، م ١ ، ٥٨ ، ٣)
ـ المفكّر قبل
ورود السمع يعلم الباري تعالى بالنظر والاستدلال ، وإذا كان مختارا في فعله
فيستغني عن الخاطرين لأنّ الخاطرين لا يكونان من قبل الله تعالى ، وإنّما هما من
قبل الشيطان ، والمفكّر الأول لم يتقدّمه شيطان يخطر الشكّ بباله ، ولو تقدّم
فالكلام في الشيطان كالكلام فيه (بشر) (ش ، م ١ ، ٦٥ ، ٧)
ـ قال (ضرّار) في
المفكّر قبل ورود السمع إنّه لا يجب عليه بعقله شيء حتى يأتيه الرسول فيأمره
وينهاه ، ولا يجب على الله تعالى شيء بحكم العقل (ش ، م ١ ، ٩١ ، ١٠)
مفهوم الخطاب
ـ مفهوم الخطاب
عبارة عمّا يدلّ عليه الخطاب ، من حكم ما لا يدخل في لفظه ، بموافقته ... في معناه
كقول الله تعالى : (فَلا تَقُلْ لَهُما
أُفٍ) (الإسراء : ٢٣)
ومفهومه أنّ ضربهما وشتمهما أولى بالتحريم (ب ، أ ، ٢٢٣ ، ١٤)
مفوضون
ـ فانظر إلى قوله
: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ) (المائدة : ٦٥) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) (الأعراف : ٩٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ) (المائدة : ٦٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا) (النساء : ٦٦).
وهذا في القرآن كثير يدل عند أهل اللغة والمعرفة والنصفة على أنّهم ممكّنون مفوضون
قادرون على ما أمروا به من العمل به والترك لما نهوا عنه ، وكثير ممّا في كتاب
الله ، عزوجل ، يشهد لنا بما قلنا (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٩)
مقابلة بين
الأضداد
ـ إنّه لا مقابلة
إلّا بين الأضداد وما يجري مجراها ، وأمّا مقابلة الجملة بالجملة في تقابل المتماثلين
فإنّه إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى وقعت المقابلة ، والأغلب أن تقابل الجملة
الماضية بالماضية والمستقبلة بالمستقبلة ، وقد تقابل الجملة الماضية بالمستقبلة (أ
، ش ١ ، ١٥٢ ، ٣)
مقادير عرضية
ـ إنّهم فرّقوا في
الشاهد بين الصفات الذاتيّة التي تلتئم منها حقيقة الشيء ، وبين المقادير العرضيّة
التي لا مدخل لها في تحقيق حقيقة الشيء. فإنّ الصفات الذاتيّة لا تثبت للشيء مضافة
إلى الفاعل بل هي له من غير سبب ، والمقادير المختلفة تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل
، فإنّ جعلها له بسبب (ش ، ن ، ١٠٧ ، ١٨)
مقتدر
ـ إنّه تعالى مقتدر
على الأشياء ، لأنّ هذه اللفظة في الاقتدار متعارفة ، ... ولا يقال ـ بهذا اللفظ ـ
إنّه مقتدر على المعدوم ، لأنّ نفس الإحاطة إذا كانت إنّما تصحّ في الموجود ، فإذا
اتّسع بها في الاقتدار على الشيء من سائر جهاته تشبيها بالإحاطة ، فيجب كونه
موجودا! وقد بيّنا أنّ المراد بالموجود إذا قيل إنّه مقتدر عليه ، أنّه قادر على
إعدامه وتفريقه ، فلا يصحّ التعلّق بذلك في أنّه الخالق لأفعال العباد! (ق ، م ١ ،
٢٠٦ ، ١٣)
ـ (مقتدر) لا
يعجزه شيء (ز ، ك ٤ ، ٤١ ، ٨)
مقتض
ـ اعلم أنّ على
التحقيق في الصفة الذاتيّة للقديم تعالى إنّما هي صفة واحدة ، وبها تقع المخالفة
والموافقة إن كان له موافق ، وهكذا كل ذات صفتها الذاتية إنّما هي صفة واحدة ، وما
عداها فمقتضى أو موجب عن معنى ؛ أمّا كونه موجودا حيّا عالما قادرا فإنّما هو
مقتضى عن تلك الصفة ، وأما كونه مدركا فمقتضى عن كونه حيّا وأما كونه مريدا وكارها
فموجبان عن معنيين ، وهما إرادة وكراهة (ن ، د ، ٤٥٩ ، ١٨)
ـ إذا علمنا أولا
الحكم ، وهو يرجع إلى الجملة أو المحل ، قضينا في الصفة بمثل ذلك. إذ لو لم تكن
الصفة كذلك لما وجب في الحكم ذلك ، وعلى هذا قلنا في المقتضى والمقتضي ، وإن كانا
صفتين لمّا كان أحدهما حكما للآخر أنه يجب أن يرجع أحدهما إلى ما يرجع إليه الآخر
، حتى إذا كان المقتضى يرجع إلى الآحاد والأفراد وجب مثله في المقتضي ، كما نقول
في التحيّز وكون الجوهر جوهرا. وإن كان المقتضي يرجع إلى الجملة وجب في المقتضى أن
يكون كذلك ، كما نقول في كون الذات مدركا مع كونه حيّا. وليس كذلك الصفة
التي صدرت عن
العلّة ، فإنّها صفة ثانية ، والصفة يجوز أن تكون لا عن شيء كصفة الذات ؛ ويجوز أن
تكون عن صفة ، كما نقول في المقتضي ، ويجوز أن تكون لعلّة ، ويجوز أن تكون لفاعل ،
كالوجود ، فيعتبر في ذلك الدلالة. وقد ثبت بالدلالة على أنّ هذه الصفات التي نقول
إنّها صفات صادرة عن العلل ، فالمؤثّر فيها أمر يرجع إلى غير الموصوف ، وهو العلل (ن
، د ، ٤٨٩ ، ٧)
ـ الدّاعي عندهم
ضربان : حاجيّ وحكميّ. فالأول : العلم أو الظنّ بحسن الفعل لجلب نفع النفس ، أو
دفع الضرر عنها. والثاني : العلم أو الظنّ بحسن الفعل من غير نظر إلى نفع النفس أو
دفع الضرر عنها ، كمكارم الأخلاق. والمقتضي : الصفة الأخصّ المؤثّرة تأثير العلّة
، والمشترط فيها شرطها ، وكذلك شرط ما أوجبته. قلت : هي إمّا لا دليل على تأثيرها
، بل قام الدليل على بطلانه ، وذلك العلّة. والمقتضي إذ ما أجابهما لما ادّعى
تأثيرهما إيّاه بأولى من العكس لعدم تقدّمهما وجودا على ما أثّراه ، ولا دعوى
تقدّمهما رتبة عليه أولى من العكس ، لفقد الدليل ، وإن سلّم ، فما بعض الذوات أولى
بتلك الصفات والأحكام من بعض ، لأنّه تأثير إيجاب ، لا تأثير اختيار. وأمّا آلة ،
وذلك السبب (ق ، س ، ٦٠ ، ١٥)
مقتول
ـ قال قائلون : كل
مقتول ميّت وكل نفس ذائقة الموت ، وقال قائلون : المقتول ليس بميّت (ش ، ق ، ٤٠٨ ،
٩)
ـ حكى أبو القاسم
البلخيّ رحمهالله عن المجبرة ومن وافقها من الحشوية : أنّ كل مقتول فأجله قد
كان حضر ، وإنّما قتل بأجله ، ولا يقدر القاتل على ألّا يقتله في تلك الحال كما لا
يقدر على قتل من لم يحضر أجله (ق ، غ ١١ ، ٣ ، ٥)
ـ حكي عن أبي
الهذيل ، رحمهالله : أنّ المقتول لو لم يقتل في ذلك الوقت لمات فيه لا محالة (ق
، غ ١١ ، ٣ ، ٧)
ـ ذهب بعضهم (المعتزلة)
إلى أنّ المقتول متى عيّن جاز أن يوافق قتل القاتل أجله الذي جعل له ، فأمّا إذا
جعل الكلام في القتلى فإنّه لا بدّ أن يكون بعضهم قد قتل دون الأجل الذي جعل له (ق
، غ ١١ ، ٣ ، ١٤)
ـ إنّ المقتول كان
لا يجب ، لو لم يقتل ، أن يموت في تلك الحال لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٦ ، ٩)
ـ إنّ المقتول كان
لا يجب أن يعيش إلى مدّة لو لم يقتل في هذه الحال وإن كان ذلك جائزا. اعلم أنّه لا
يمتنع أن يكون المعلوم من حال زيد إن بقي بعد وقت مخصوص أنّه يفسد هو في التكليف
أو غيره ، فيكون الصلاح اخترامه على كلّ حال. ومن هذا حاله إذا قتله القاتل في ذلك
الوقت ودعته دواعيه إلى قتله في تلك الحال ، فقد زالت المفسدة التي كانت تحصل
ببقائه لو بقي ، فإن لم يقتله في تلك الحال أحد فلا بدّ من أن يخترمه تعالى لما
ذكرناه. وكذلك فغير ممتنع أن يتفضّل تعالى عليه بأن يكلّفه مدّة من الزمان ويتفضّل
بتبقيته مدّة معلومة ، فإذا انقضت حسن منه اخترامه ، وإن لم يقتله القاتل كان له
تعالى أن يخترمه ولا بدّ من أن يفعل ذلك إذا كان قد أخبر بذلك وحكم به (ق ، غ ١١ ،
٩ ، ٧)
ـ إنّ الكعبي زعم
أنّ المقتول ليس بميّت (ب ، ف ، ١٨٢ ، ٧)
ـ زعم القدرية أنّ
المقتول مقطوع عليه أجله (ب ، ف ، ٢٤١ ، ١٢)
ـ زعم الكعبيّ أنّ
المقتول غير ميّت لأنّ الموت من قبل الله والقتل من قبل القاتل (ب ، أ ، ١٤٣ ، ١٢)
ـ قال أكثر
القدريّة المقتول ميّت وفيه معنيان : أحدهما موت من فعل الله عزوجل ، والثاني قتل هو من فعل القاتل (ب ، أ ، ١٤٣ ، ١٣)
ـ قال أصحابنا
القتل غير الموت ، ولكنّ المقتول ميّت ، والموت قائم به والقتل يقوم بالقاتل (ب ، أ
، ١٤٣ ، ١٥)
مقدار
ـ قالوا ثم ذكر
تعالى بعده ما يدلّ على أنّه لا شيء إلّا وهو المقدّر له : كان من فعله أو من فعل
العباد ، فقال : (وَكُلُّ شَيْءٍ
عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (الرعد : ٨).
والجواب عن ذلك : أنّ ظاهره إنّما يدلّ على أن كل شيء يعلم مقداره وما يختصّ به ؛
لأنّ المراد بقوله : (عِنْدَهُ) (الرعد : ٨) في
هذا المكان : في علمه ، وصدر الكلام يدلّ عليه ، لأنّه قال تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ
أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) (الرعد : ٨) ثم
عطف على ذلك ، فقال : (وَكُلُّ شَيْءٍ
عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (الرعد : ٨)
ليبيّن أنّ ما ذكره وما لم يذكره من الأمور سواء في أنّه تعالى يعلم مقداره ، وأن
علمه لا يختصّ بمعلوم دون معلوم .... وبعد ، فلو أراد بذلك أنّه قدّره لوجب حمله
على أنّه بيّن أحواله ؛ لأنّ" التقدير" في اللغة قد يتناول في الظاهر
ذلك ، فمن أين أنّ المراد به الخلق؟ ومتى حملنا الكلام على أنّ المراد به العلم
والبيان وفينا العموم حقّه ؛ لأنّا نجعله متناولا للمعدوم والموجود ، والماضي
والحاصل ، ومتى حمل على ما قالوه وجب تخصيصه ، وألّا يتناول إلّا الموجود ، فالذي
قلناه أولى بالظاهر (ق ، م ٢ ، ٤٠٥ ، ٣)
ـ الذي عنده كل
شيء بمقدار يعطي كل نبيّ آية على حسب ما اقتضاه علمه بالمصالح وتقديره لها (ز ، ك
٢ ، ٣٥٠ ، ١٦)
ـ (بمقدار) بقدر
واحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه كقوله (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) (ز ،
ك ٢ ، ٣٥١ ، ١٨)
ـ إن اقتضى (العرض)
قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد
خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد.
وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير
والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ،
أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٤)
مقدّر
ـ أمّا معنى وصفه
بأنّه مقدّر فيحتمل أن يكون بمعنى أنّه مخبر ، كما قال الله سبحانه (إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْناها مِنَ
الْغابِرِينَ) (النمل : ٥٧)
أي" أخبرناها" ، لأنّ التقدير الذي هو الشكّ والنظر لا يجوز عليه. وإذا
كان بمعنى فعل الشيء مقدّرا بأن يجعله على مقدار دون مقدار ، فذلك يرجع إلى
المأخوذ له من الفعل (أ ، م ، ٤٨ ، ١٧)
ـ كان (الأشعري)
يذهب في معنى اسم القدريّ ووصفه إلى أنّ ذلك موضوع لمن يدّعي أنّه يقدّر أفعاله من
دون الله تعالى أو يدبّرها بقدرته على التوحّد به. وكان يقول : " شبّههم
الرسول صلى الله عليه بالمجوس لنسبتهم الأفعال إلى أكثر من
فاعل واحد ودعواهم
تنزيه الله بنفي إرادة الشرّ عنه". وكان يقول إنّ الإنسان يصحّ أن يوصف بأنّه
مقدّر على الحقيقة ، ولكن تقديره يكون مخلوقا لله تبارك وتعالى ، وهذا كما يصحّ أن
يسمّى بانيا وكاتبا ومتحرّكا وضاربا ، وإن كان جميع هذه المعاني مخلوقة لله تعالى.
وكان يقول إنّ الذي نفى عنّا هذا الوصف المذموم مع إثباتنا غير الله مقدّرا على
الحقيقة فهو أنّا لم نجعل ذلك التقدير ممّا انفرد به غيره بل جعلناه تقديرا لغيره
وخلقا له (أ ، م ، ١٠٦ ، ٦)
ـ قولنا وإمّا
مقدّرا ، فالمراد به فعل الساهي ، فإنّ فعله وإن لم يقع بحسب قصده محقّقا ، فهو
واقع بحسبه مقدّرا ، فإنّا لو قدّرنا أن يكون له داع لكان لا يقع فعله إلّا موقوفا
عليه وبحسبه (ق ، ش ، ٣٣٦ ، ٨)
ـ قوله : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ
قَدْراً) (الطلاق : ٣) غير
دالّ على أنّ الأشياء حادثة من قبله تعالى ، وذلك أن جعله لها قدرا ، لا ينبئ عن
أنّ ذاتها موجودة من جهته ؛ لأنّ المقدّر والمدبّر قد يريد فعل غيره ، وفعل نفسه ،
ويقدّرهما. فالتعلّق بظاهره لا يصحّ. ولا يمتنع من أنّه تعالى قد قدّر أفعال
العباد ، وجعل لها مقادير بالحبر والكتابة (ق ، م ٢ ، ٦٥٧ ، ١٤)
ـ إنّ كلامه تعالى
محدث ، وأنّه فعله لمصالح العباد ، فإذا صحّ ذلك وثبت أنّه تعالى أحدثه مقدّرا ،
لأنّه تعالى ممن يستحيل أن يفعل الشيء على سبيل السهو ، فلا بدّ من أن يكون قاصدا
إليه وموجدا له ؛ على الوجه الذي تكون عليه مصلحة ودلالة. وإذا ثبت ذلك وجب أن
يجري مجرى سائر أفعاله. وإذا كانت توصف بأنّها مخلوقة فكذلك القول في القرآن ؛
لأنّ الوجه الذي وصفت أفعاله أجمع بأنّها مخلوقة لأجله هو كونها واقعة على سبيل
التقدير. والقرآن بهذه الصفة ، فيجب أن يوصف بأنّه مخلوق (ق ، غ ٧ ، ٢٠٨ ، ٥)
ـ إنّ الساهي قد
يعمل ويفعل ولا يوصف فعله بأنّه مخلوق ؛ ولأنّ أهل اللغة قد وصفوا مقدّر الأديم
بأنّه خالق له ، والأديم بأنّه مخلوق ، وإن لم يكن معمولا ؛ لأنّه إنّما يحصل
معمولا له إذا قدّره وقطّعه وعمله مزادة أو خفّا (ق ، غ ٧ ، ٢١٣ ، ١٠)
ـ لكن أهل اللغة
يسلكون في معاني هذه الأوصاف الظواهر من معانيها ، دون ما ينتهي"
المتكلّمون" إلى معرفته بالاستنباط ، فصاروا يستعملون" المقدر"
و" المعجز" في وجوه التمكين ، (وفي) أسباب التعذّر. فإذا مكّن القادر
غيره من الأمر يقال" أقدره" ، كما يقال" مكّنه" ، وإن كان
الذي فعله من قبيل الآلات. وكذلك قد يقال : " أعجزه" ، إذا فعل أمرا
تعذّر عنده المعتاد من الفعل عليه (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ١٢)
مقدّرين
ـ إنّه يعني بقوله
: (أَحْسَنُ
الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤)
يعني أحسن المقدّرين ، فعيسى عليهالسلام يقدّر الطين صورة ، والخلق يقدّرون الصورة صورة ، لا أنّهم
يخرجون الصورة من العدم إلى الوجود ، فقال تعالى (أَحْسَنُ
الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤)
أي المقدّرين. فاعلم ذلك (ب ، ن ، ١٤٩ ، ٢٣)
مقدّم
ـ أمّا المقدّم
والمؤخّر فمن فعل التقديم والتأخير ، وهو إحداث بعض الحوادث قبل بعض وبعد بعض. وقد
يكون ذلك من طريق
الحكم ، فيرجع إلى
خبره الذي هو كلامه (أ ، م ، ٥٥ ، ١٤)
مقدور
ـ إنّ أبا الهذيل
كان يزعم أنّ القول في الفاعل اليوم كالقول في الحجر الذي ذكر : ليس يفعل فاعل
فعلا إلّا وفعل مثله جائز منه حتى يتغيّر عمّا كان عليه من القدرة والتخلية إلى
العجز والمنع ، فحينئذ يتعذّر عليه ما كان ممكنا له للعجز الحادث ، لأنّ الأشياء
المقدور عليها اليوم لم تخرج كلها إلى الوجود ، فأمّا إذا خرجت المحدثات كلّها إلى
الوجود ولم يبق منها شيء معدوم متعلّق بقدرة فاعله استحال القول بأنّ الفاعل للفعل
يقدر على مثله إذا كان لا مثل له في القدرة ، وقد خرجت الأفعال كلها إلى الوجود (خ
، ن ، ٢٠ ، ٨)
ـ إنّ قول
الموحدين : إنّ الله كان ولا شيء ، صواب صحيح ، وليس ذاك بمفسد أن يكون الله لم
يزل عالما بالأشياء ، لأنّ الأشياء تكون. والمعتزلة لمّا قالوا : إنّ الله لم يزل
عالما بالأشياء ، لم يزعموا أنّ الأشياء معه لم تزل. وإنّما قالوا : إنّه لم يزل
عالما بأنّ الأشياء تكون وتحدث إذا أوجدها وأحدثها سبحانه وبحمده. وأمّا قوله :
إنّ الأشياء لا تكون أشياء قبل كونها ، فإن أراد أنّ الأشياء لا تكون أشياء
موجودات قبل كونها فصحيح مستقم ، ولكنّها أشياء تكون وأشياء تحدث إذا أحدثها
صانعها. ولو كان لا شيء معلوم إلّا موجود كان لا شيء مقدور عليه إلّا موجود ، ولو
كان ذلك كذلك لكان الفعل مقدورا عليه في حاله غير مقدور عليه قبل حاله كما كان
معلوما في حاله وغير معلوم قبل حاله. ولو كان هذا هكذا كان القول بأنّ الله لم يزل
قادرا محالا كما أنّ القول بأنّ الله لم يزل عالما عند هشام خطأ (خ ، ن ، ٩٠ ، ١٨)
ـ زعم بعضهم
وهو" الشحّام" أنّ الله يقدر على ما أقدر عليه عباده ، وأن حركة واحدة
تكون مقدورة لله وللإنسان ، فإن فعلها الله كانت ضرورة وإن فعلها الإنسان كانت
كسبا (ش ، ق ، ١٩٩ ، ٧)
ـ اختلفوا في
القدرة على الفعل المتولّد على مقالتين : فقال أكثر أهل النظر : هو مقدور عليه ما
لم يقع سببه ، فإذا وقع سببه خرج من أن يكون مقدورا ، وقال قائلون : هو مقدور مع
وجود سببه (ش ، ق ، ٤١٥ ، ٢)
ـ إنّ" ابن
النجراني" كان يقول : لا معلوم إلّا موجود فقيل له : فكيف تقول في المقدور؟ فقال
: لا أقول أن مقدورا في الحقيقة لأنّه كان يحيل القدرة على الموجود ، وكان"
الصالحي" يقول : القدرة على الشيء في وقته وقبل وقته ومعه ، وكان يثبّته
مقدورا موجودا في حال كونه (ش ، ق ، ٥٠٢ ، ٢)
ـ إنّ المعلوم
معلوم قبل كونه وكذلك المقدور ، وكل ما كان متعلّقا بغيره كالمأمور به والمنهيّ
عنه ، وأنّه لا شيء إلّا موجود ولا جسم إلّا موجود (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١٢)
ـ قال"
الشحّام" إنّ الله يقدر على ما أقدر عليه عباده ، وأنّ حركة واحدة مقدورة
تكون مقدورة لقادرين لله وللإنسان ، فإن فعلها القديم كان اضطرارا ، وإن فعلها
المحدث كانت اكتسابا ، وأنّ كل واحد منهما يوصف بالقدرة على أن يفعل وحده ، لا على
أنّ القديم يوصف بالقدرة على أن تكون الحركة فعلا له وللإنسان ، ولا يوصف الإنسان
بالقدرة على أن تكون الحركة فعلا له والقديم ، ولكن يوصف البارئ بأنّه قادر
أن يخلقها ، ويوصف
الإنسان بأنّه قادر أن يكتسبها (ش ، ق ، ٥٤٩ ، ١٢)
ـ إنّ الشيء إذا
كان مقدورا لغير الله تعالى خرج من أن (يكون) لله تعالى مخلوقا (ش ، ل ، ٤٣ ، ٦)
ـ إنّ الله خلق
المقدور عليه لأنّ ما خلق الله القدرة فينا عليه ، فهو عليه أقدر ، كما أنّ (ما)
خلق فينا العلم به فهو به أعلم ، وما خلق فينا السمع له فهو له أسمع. فإذا استوى
ذلك في قدرة الله تعالى وجب إذا أقدرنا الله تعالى على حركة الاكتساب أن يكون هو
الخالق لها فينا كسبا لنا ، لأنّ ما قدر عليه أن يفعله فينا ولم يفعله فينا كسبا
فقد ترك أن يفعله فينا كسبا (ش ، ل ، ٤٣ ، ٩)
ـ يقال لأهل القدر
أليس قول الله تعالى (بِكُلِّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ) (البقرة : ٢٩)
يدلّ على أنّه لا معلوم إلّا والله به عالم ، فإذا قالوا نعم ، قيل لهم فما أنكرتم
أن يدلّ قوله تعالى (عَلى كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) على
أنّه لا مقدور إلّا والله عليه قادر ، وأن يدلّ قوله تعالى (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) على
أنّه لا محدث مفعول إلّا والله محدث له فاعل خالق (ش ، ل ، ٥١ ، ١)
ـ العبد يجوز عليه
التغيير من حال إلى حال ، فلذلك صفته متغيّرة ، وأمّا قضاء الله وقدره فلا يتغيّر
ولا يتبدّل ، والقضاء صفة القاضي ، والمقضي المكتوب في اللوح المحفوظ ، والقضاء
صفة الرب غير محدثة ، والمقضى محدث ، والحكم غير محدث والمحكوم به غير محدث ،
والمقدور محدث ، وتغيّر المقضى عليه لا يوجب تغيّر القضاء (م ، ف ، ١١ ، ١٧)
ـ المقدور عليه
إذا وجد لا يكون إلّا محدثا ، وقد دلّ على قدرته عليه بقوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ
بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) (الإسراء : ٨٦)
وبقوله تعالى : (ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦) (ع
، أ ، ١٨ ، ٧)
ـ إنّ المقدور قد
يكون مقدورا بأن يكون وبأن لا يكون ، كما يكون المتمنّى والمعلوم متمنّى أن يكون
وأن لا يكون ، ومعلوما أن يكون وأن لا يكون ، وإنّ معنى قول القائل" يقدر أن
يبقيه" يرجع إلى فعل البقاء (أ ، م ، ٢٤١ ، ١٩)
ـ إنّ الذي يخرج
المقدور عن كونه مقدورا وجوه محصورة : منها ما يرجع إلى ما تحتاج إليه القدرة كعدم
البنية ، ومنها ما يرجع إلى الفاعل وهو عدم القدرة ، ومنها ما يرجع إلى نفس
المقدور وذلك وجوه ستة : وجوده ، أو وجود سببه ، أو حضور وقته ، أو حضور سببه ، أو
تقضّيه ، أو تقضّي وقت سببه (ق ، ش ، ٣٢٢ ، ٧)
ـ لا يجب عند كثير
من العلماء أن يكون المقدور إذا صحّ كونه مقدورا لله ، أن يكون عند الوجود مفعولا
لله تعالى ، ويقولون : يصحّ من الله فعله لو أراده ، لكنّه إذا قدر العبد عليه لم
يجز أن يريد فعله ، وإنّما يفعله العبد (ق ، م ٢ ، ٥٥٦ ، ١٥)
ـ أمّا على قولنا
في أنّ ما لا يكون فعلا لله لا يجوز أن يكون مقدورا له ، فالجواب أيضا ظاهر ، لأنّ
وصفه جلّ وعزّ بأنّه قادر على الشيء لا يتضمّن صحّة كون ذلك الشيء مقدورا له أولا!
لأنّ إثبات الصفة يتضمّن صحّتها ، فما لا يصحّ لا يجوز دخوله تحت الظاهر ، كما
أنّا إذا وصفناه بأنّه عالم بالأشياء لم يدخل في ذلك ما لا يكون معلوما ، وقد ثبت
أنّ فعل العبد لا يصحّ كونه مقدورا ، فالظاهر لا
يتناوله (ق ، م ٢
، ٥٥٧ ، ٤)
ـ إنّ المقدور هو
الذي يصحّ من القادر أن يفعله ويوجده ، وإنّما يوصف الموجود بأنّه مقدور من حيث
كان هذا حاله من قبل ، وذلك يقتضي حدث الأوامر على ما ذكرناه (ق ، م ٢ ، ٥٦٦ ، ١٣)
ـ الذي يحصر
المقدور هو القدرة. فأمّا القادر لنفسه فلا تتناهى مقدوراته بل القدرة متعلّقة
أيضا بما لا يتناهى لتعلّقها بما يتعلّق به لذاتها. فكذلك القادر إذا تعلّق بالشيء
لذاته. وهذا الأصل الذي بيّناه من كونه قادرا على ما لا يتناهى إذا أحكمته أمكنك
إبطال مذاهب كثيرة به على ما ذكره في الكتاب (ق ، ت ١ ، ١٠٩ ، ٨)
ـ إنّ بوجود
المقدور أو وجود سببه أو غير ذلك مما يذكره في هذا الباب يزول تعلّق كون القادر
قادرا لأمر يرجع إلى أنّ المقدور لا يصحّ كونه مقدورا مع هذه الحال ، وليس كذلك
المعلوم فإن تغيّر الأحوال عليه لا تخرجه عن صحّة كونه معلوما (ق ، ت ١ ، ١٩٦ ، ١٣)
ـ اعلم أنّه لمّا
تقدّم القول في أنّ القدرة قدرة على الضدّين والأضداد ، أراد أن يبيّن تحقيق هذا
الفصل. والأصل فيه أنّ كل مقدور فلا يجب أن يكون له ضدّ بعينه أو ضدّ في جنسه على
ما بيّنّاه من قبل ، بل يجوز أن يكون في أجناس المقدورات ما لا ضدّ له ، نحو ما
نقوله في الاعتماد والتأليف والألم ، ونحو ما نقوله فيما يقدر تعالى عليه من
الأجناس نحو الحياة والقدرة (ق ، ت ٢ ، ٨٥ ، ٤)
ـ الذي يجب في
المقدور إذا كان له جنس يضادّه ، نحو الأكوان والاعتقادات والإرادات وغيرها ، أن
يكون القادر على هذا الجنس يقدر على جنس ضدّه. ولا يجب أن يقال" يقدر على
ضدّه" مطلقا إلّا إذا أريد به الجنس ، وإلّا فقد يكون لهذا الشيء ضدّ هو
مقدور للغير دونه ، فإذا ذكرنا الجنس لم يعترضه هذا الكلام. ولا فرق بين أن يكون
له جنس واحد يضادّه أو أجناس كثيرة في وجوب قدرته على جميعها ، لأنّ ما أوجب كونه
قادرا على جنس من أجناس أضداده يوجب كونه قادرا على سائر هذه الأجناس. ولا تختلف
فيه حال القادرين أصلا لأنّ الطريقة فيهم وفي هذه الأجناس أجمع واحدة (ق ، ت ٢ ،
٨٥ ، ٨)
ـ على أنّ عند
خلوص الدواعي لا يتخصّص المقدور بعين دون عين وإنّما يراعى فعل له صفة (ق ، ت ٢ ،
١٢٨ ، ٩)
ـ ما لم يثبت أنّ
الشيء في نفسه مقدور لا يجب أن يوصف القادر بالقدرة عليه ولا بالعجز عنه. وعلى هذا
لم يصحّ أن يوصف القادر بالقدرة على الجمع بين الضدّين ولا وصف بالعجز عنه. وكذلك
فإذا استحال أن يوجد في القادرين بقدرة من يتأتّى منه فعل الجسم ، لم يكن لأحد أن
يقول : إذا لم يقدر القديم تعالى على إيجاد قادر بقدرة يقدر بها على فعل الأجسام
فيجب كونه موصوفا بالعجز (ق ، ت ٢ ، ٢٩٩ ، ١٨)
ـ إنّ عدم المقدور
وإن جعل شرطا في صحة الفعل من القادر ، فما له تأثير فيه ، هو كونه قادرا دونه (ق
، غ ٦ / ١ ، ٧١ ، ٦)
ـ اعلم أنّ
المعلوم لا يحصل على صفة من الصفات من جهة العالم به ، لكونه عالما به ، وإنّما
يعلمه العالم على ما هو عليه. فلذلك صحّ أن يعلم العالمان شيئا واحدا. وهذه العلّة
قائمة في كل معلوم ، وكل عالم. وإنّما لا يصحّ
كونهما قادرين على
مقدور واحد ، من حيث كان المقدور قد يحصل على صفة من الصفات من جهة القادر ، لأنّ
القادر يتعلّق بالمقدور على ما هو به ، فإذا كانت الصفة التي تحصل من جهة القادر
لا يصحّ حصولها إلّا من جهة قادر واحد ، اختصّ المقدور لهذه العلّة بقادر دون
قادر. وليس كذلك المعلوم ، لأنّه لا يحصل من جهة العالم على صفة لا يصحّ الاشتراك
فيها ، فيقضي لأجل ذلك بأنّه يختصّ بعالم دون عالم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٤ ، ٩)
ـ ليس لأحد أن
يقول : أليس قد صحّ كون المعدوم مقدورا ، وهذا الحكم قد اختصّ حال العدم ، فيجب أن
يكون له بكونه معدوما حال. وذلك لأنّ قولنا : إنّه مقدور ، إنّما يفيد أنّ القادر
عليه يصحّ أن يوجده ، ويحصل له هذا الحكم ؛ وذلك لا يدلّ على أنّ له حالا قد اختصّ
بها ، تضادّ الوجود ؛ لأنّ صحّة حصول الصفة ، لا يقتضي ثبوت ما يضادّها (ق ، غ ٨ ،
٧٥ ، ١٧)
ـ إنّ من حق
المقدور أن يكون معدوما ، كما أنّ من حق المفعول أن يكون موجودا. فكما أنّ خروجه
إلى الوجود يحيل كونه مقدورا ، فكذلك بقاؤه مقدورا يوجب كونه معدوما. ولذلك قلنا :
إنّ وجود المقدور يخرجه من كونه واجبا ؛ وأنّه لو لم يخرج بذلك من كونه واجبا
لأدّى إلى أن لا يخرج من كونه واجبا أبدا. فإذا صحّ ذلك ، وكان هذا الشيء مقدورا
من كلا الوجهين ، فيجب كونه معدوما منهما. فإذا فعل من أحدهما ، فالوجه الآخر ، في
أنّه يجب أن يبقى معدوما ، كهو لو لم يوجد من كلا الوجهين (ق ، غ ٨ ، ١٠٢ ، ١)
ـ إنّ من حق
المقدور أن يكون معدوما ، ما لم يحدثه القادر عليه على الوجه الذي قدر عليه. فإذا
صحّ ذلك ، فلو صحّ كون الشيء مقدورا من وجهين ، لوجب أن لا يوجد أصلا من حيث لم
يحدثه على أحد الوجهين ، وأن يوجد من حيث يحدثه على الوجه الآخر ، فيؤدّي إلى أن
يكون موجودا غير موجود (ق ، غ ٨ ، ١٠٢ ، ٢٠)
ـ استدلّ شيخنا
أبو هاشم ، رحمهالله ، ... بأنّ المقدور الواحد لو كان مقدورا لله ، تعالى ،
وللعبد ، لوجب أن يكون أحدهما بفعله له مدخلا للآخر في الفعل ، مع أنّه بمنزلة
القادر الآخر. ومن كان حاله ، لم يصحّ وقوع الفعل منه على هذا الوجه ، أن يكون
مدخلا فيه. فإذا كان هذا المذهب يعرى الله ، فيجب فساده (ق ، غ ٨ ، ١٢٢ ، ١٠)
ـ إنّ المقدور قد
يجوز أن يكون مما لا ضدّ له ، فلا يجب أن يكون القادر عليه قادرا على ضدّه ، وإذا
لم يجب ذلك في الضدّ فبأن لا يجب في الترك أولى ، لأنّ الترك يجب أن يكون ضدّا ،
وتجب فيه صفات زائدة على كونه كذلك ، ولا بدّ لهذا السائل مما قلناه في القديم
سبحانه خاصة ، لأنه تعالى لا يوصف بالترك فلا يمتنع أن يكون قادرا على الشيء وإن
لم يوصف بالقدرة على تركه من حيث كان الترك والمتروك يجتمعان في وجوب حلولهما في
محلّ القدرة ، وصحّة وجود كل واحد منهما بدلا من صاحبه في وقت واحد من قادر واحد
فغير ممتنع مثله في الواحد منّا في بعض ما يقدر عليه ، وإنّما يجب ذلك فيما له ترك
، لأنّه إذا كان كذلك لم يصحّ أن يقدر عليه ولا يقدر على تركه ، كما يجب إذا كان
له ضدّ وقدر عليه أن يكون قادرا على ضدّه ، فأمّا إذا لم يكن له ترك
فهو بمنزلة ما
يكون له ضدّ في أنّ هذه القضية لا تجب فيه (ق ، غ ٩ ، ٧٢ ، ٢١)
ـ يسمّى ما تعلّقت
القدرة به" مقدورا" (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ٩)
ـ إنّ ما كان
مقدورا لقادر لا يخرج من أن يكون مقدورا له إلّا بوجه يحيل كونه مقدورا له (ن ، د
، ١٣٩ ، ١٢)
ـ إنّ قاضي القضاة
قال إنّ المقدّر لا يجب أن يكون كالمحقّق في كل موضع ، بل يجب أن ينظر في العلّة :
إن كانت العلّة التي لها ولأجلها ثبت الحكم في المحقق حاصلة في المقدّر وجب أن
يسوّى بين المحقّق والمقدّر في إثبات الحكم ، وإلّا وجب أن يفرّق بينهما. وقد
علمنا أنّ العلّة التي لها ولأجلها لا يصحّ حدوث حادث بعد وجود ما لا يتناهى إنّما
تحصل في المحقّق لا في المقدّر ، فلا يجب أن يجري التقدير في هذا الباب مجرى
التحقيق. ألا ترى إنّا إذا شرطنا في وجود المحدث وجود ما يستحيل وجوده استحال وجود
المحدث ، وكان ذلك في المحقّق لا في المقدّر؟ ومثل ذلك يقال : لا يوجد الشيء إلّا
بعد اجتماع الضدّين ، فإنّه يستحيل وجود ذلك الشيء ، ويكون ذلك في المحقّق (ن ، د
، ٢٥٠ ، ٦)
ـ إنّ للقدرة
تأثيرا لا في القدرة ، وتأثيرا في محلّها ، وأنّ مقدورها يكثر بكثرتها وبكثرة
المحال (ن ، م ، ٢٣١ ، ١٧)
ـ أحلنا تعلّق
القدرتين بمقدور واحد ، لما في ذلك من وجوب كون مقدور واحد لقادرين (ن ، م ، ٢٤٤ ،
٥)
ـ علي الأسواري ،
وكان من أتباع أبي الهذيل ، ثم انتقل إلى مذهب النظام ، وزاد عليه في الضلالة بأن
قال : إنّ ما علم الله أن لا يكون لم يكن مقدورا لله تعالى (ب ، ف ، ١٥١ ، ٤)
ـ زعم معمّر أنّ
الأجسام كلّها كانت مقدورة له قبل أن خلقها ، وليست الأعراض مخلوقة له ولا مقدورة
له (ب ، ف ، ٢٢٠ ، ١٥)
ـ قال أكثر
المعتزلة : إنّ الأجسام والألوان والطعوم والروائح وسائر أجناس الأعراض كانت
مقدورة لله تعالى ، وإنّما امتنعوا من وصفه بالقدرة على مقدورات غيره (ب ، ف ، ٢٢٠
، ١٧)
ـ قالت الجهميّة :
الحوادث كلّها مقدورة لله تعالى ، ولا قادر ولا فاعل غيره (ب ، ف ، ٢٢٠ ، ١٨)
ـ إن عارضونا (القدرية)
على هذا بمعلومات الله تعالى ومقدوراته وقالوا لا نهاية لكل واحد منهما ومعلوماته
مع ذلك أكثر من مقدوراته ، لأنّ كل مقدور له معلوم له وذاته معلوم له غير مقدور (ب
، أ ، ٣٦ ، ١٠)
ـ تنقسم (أفعال
القلوب) إلى ما يصحّ كونه مقدورا للعباد ، وإلى ما يستحيل كونه مقدورا لهم ،
فمقدورهم هو عشرة أنواع وهي الأكوان والاعتمادات والآلام والأصوات والتأليف ، هذه
في أفعال الجوارح. وفي أفعال القلوب : الإرادة والكراهة والاعتقاد والظنّ والفكر ،
وما خرج عن هذه الأنواع فهو مما يختصّ القديم تعالى بالقدرة عليه (أ ، ت ، ٣٩ ، ١١)
ـ قولنا في الشيء
إنّه مقدور لا يفيد أكثر من أنّ القادر قادر عليه. فإذا كان كذلك كان الواجب تعليل
كونه مقدورا بالقادر لا أن يعلّل كونه قادرا بمقدوره ، وعلى أنّه لو ثبت احتياج كل
واحد منهما إلى صاحبه حتى لا يثبت كونه قادرا إلّا إذا حصل المقدور على تلك الأوصاف.
ولا يحصل المقدور على تلك
الأوصاف ما لم
يثبت كونه قادرا ، لم يمكن أن يقال لا يوجد واحد منهما كما لا يقتضي ذلك في الصفات
المستحقّة للعلل ، لأنّا قد عرفنا أنّه لو لا العلّة لم تكن لتحصل الذات على هذه
الصفة. ولو لا ذات المعلول ، لما صحّ وجود العلّة ، ثم لا يجب أن لا يثبتا (أ ، ت
، ١٠٧ ، ٨)
ـ الربّ سبحانه في
أزله كان قادرا ، ومن حكم كون القادر قادرا أن يكون له مقدور ، والمقدور هو الجائز
الممكن ، وإيقاع الأفعال في الأزل مستحيل متناقض ، فإذا لم يبعد كونه قادرا أزلا ،
مع اختصاص وقوع المقدور بما لا يزال ، لم يبعد أن يتّصف بكلام هو اقتضاء ممّن
سيكون (ج ، ش ، ١٢٠ ، ١٣)
ـ إنّ المقدور يقع
على حسب الداعية والقصد (المعتزلة) (ج ، ش ، ١٨٢ ، ١٨)
ـ المقدور عندكم (الجويني)
بمثابة القدرة في أنّ كل واحد منهما واقع بقدرة الله تعالى ، وليس للعبد من إيقاع
المقدور شيء (ج ، ش ، ١٨٤ ، ٨)
ـ ما علم الباري
سبحانه أنّه لا يقع من الحوادث ، فإيقاعه مقدور له. ويتبيّن ذلك بالمثال أنّ إقامة
الساعة مقدورة لله في وقتنا ، وإن علم أنّها لا تقع ناجزة (ج ، ش ، ٢٠٥ ، ١٤)
ـ إنّ كل حادث
فمخترع بقدرته ، وكل مخترع بالقدرة ، فمحتاج إلى الإرادة لتصرّف القدرة إلى
المقدور ، وتخصّصها به. فكل مقدور مراد ، وكل حادث مقدور ، فكل حادث مراد ، والشرّ
، والكفر والمعصية ، حوادث ، فهي إذا لا محالة مرادة ، فما شاء الله كان ، وما لم
يشأ لم يكن. فهذا مذهب السلف الصالحين (غ ، ق ، ١٠٧ ، ١٤)
ـ أمّا أمور
الآخرة فقال (النظّام) : لا يوصف الباري تعالى بالقدرة على أن يزيد في عذاب أهل
النار شيئا ، ولا على أن ينقص منه شيئا. وكذلك لا ينقص من نعيم أهل الجنّة ولا أن
يخرج أحدا من أهل الجنّة ، وليس ذلك مقدورا له. وقد ألزم عليه أن يكون الباري
تعالى مطبوعا مجبورا على ما يفعله. فإنّ القادر على الحقيقة من يتخيّر بين الفعل
والترك. فأجاب إنّ الذي ألزمتموني في القدرة يلزمكم في الفعل ، فإنّ عندكم يستحيل
أن يفعله وإن كان مقدورا ؛ فلا فرق (ش ، م ١ ، ٥٤ ، ١١)
ـ إن قيل المقدور
هو وجود الفعل ، إلّا أنّه يلزمه ذلك الوجه المكلّف به لا مقصودا بالخطاب. قيل لا
يغنيكم هذا الجواب ، فإنّ التكليف لو كان مشعرا بتأثير القدرة في الوجود ، كان
المكلّف به هو الوجود من حيث هو وجود لا غير ، ولكن تقدير الخطاب أوجد الحركة التي
إذا وجدت يتبعها كونها حسنة ، وعبادة وصلاة وقربة ، فما هو مقصود بالخطاب غير
موجود بإيجاده ، فيعود الإلزام عكسا عليكم افعل يا من لا يفعل فليت شعري أي فرق
بين مكلّف به لا يندرج تحت قدرة المكلّف ولا يندرج تحت قدرة غيره ، وبين مكلّف به
اندرج تحت قدرة المكلّف من جهة ما كلّف به واندرج تحت قدرة غيره من جهة ما لم
يكلّف به ، أليس القضيتان لو عرضتا على محكّ العقل كانت الأولى أشبه بالجبر ، فهم
قدريّة من حيث أضافوا الحدوث والوجود إلى قدرة العبد إحداثا وإيجادا وخلقا ، وهم
جبريّة من حيث لم يضيفوا الجهة التي كلّف بها العبد إلى قدرته كسبا وفعلا (ش ، ن ،
٨٥ ، ١٢)
ـ قالت الصفاتيّة
العقل الصريح يفرّق بين كون
الشيء معلوما ،
وبين كونه مقدورا ، وكيف لا وكونه معلوما أعمّ من كونه مقدورا ، فإنّ المعلوم قد
يكون قديما وقد يكون حادثا وواجبا وجائزا ومستحيلا ، وكونه مقدورا ينحصر في كونه
ممكنا جائزا ، ثم نسبة المعلوم إلى الذات من حيث هي ذات واحدة كنسبة المقدور من
حيث هي ذات (ش ، ن ، ١٩٢ ، ٨)
ـ عند المتكلّمين
العلم يتبع المعلوم ، وعندهم (الفلاسفة) المعلوم يتبع العلم والمقدور يتبع القدرة (ش
، ن ، ٢٠٩ ، ٢)
ـ إنّ فعل الفاعل
لا يخرج الشيء عن حقيقته ، فلا يجوز أن يقلب الجوهر عرضا والعرض جوهرا ، فإنّ
القدرة إنّما تتعلّق بما يمكن وجوده ، وهذا من المستحيل ، فنفي الاحتياج إلى محل
في حق الجوهر لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، كما أنّ إثبات الاحتياج إلى المحل في حق
العرض لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، وما ليس يمكن لا يكون مقدورا وما ليس بمقدور
يستحيل أن يوجد (ش ، ن ، ٢١٦ ، ١٨)
ـ إنّ المقدور
إمّا أن يكون ثابتا في العدم أو لا يكون ، فإن كان ثابتا لم يكن للقدرة فيه تأثير
البتّة ، لأنّ إثبات الثابت محال ، وإذا كان كذلك استحال أن يكون مقدورا ، وإن لم
يكن ثابتا كان ذلك اعترافا بأنّ المقدور غير ثابت ، وحينئذ لا يمكنهم الاستدلال
بكونه مقدورا على كونه ثابتا ، وهذا هو الجواب عن قولهم (المعتزلة) المعدوم مراد
وكل مراد ثابت (ف ، م ، ٥٠ ، ١٧)
ـ أما البلخيّ فقد
زعم أنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد ، لأنّ مقدور العبد إمّا طاعة أو
سفه أو عبث ، وذلك على الله محال (ف ، م ، ١٣٣ ، ٢٧)
ـ أمّا أبو علي
وأبو هاشم وأتباعهما فقد زعموا أنّ الله تعالى قادر على مثل مقدور العبد لكنّه غير
قادر على نفس مقدوره ، لأنّ المقدور من شأنه أن يوجد عند توفره دواعي القادر ، وأن
يبقى على العدم عند توفّر صارفه ، فلو كان مقدور العبد مقدورا لله تعالى لكان إذا
أراد الله تعالى وقوعه وكره العبد وقوعه يلزم أن يوجد لتحقّق الداعي ، وأن لا يوجد
لتحقّق الصارف وهو محال (ف ، م ، ١٣٤ ، ٤)
ـ زعم إمام
الحرمين أنّ الله تعالى موجد للعبد القدرة والإرادة ثم هما يوجبان وجود المقدور ،
وهو قول الفلاسفة ومن المعتزلة قول أبي الحسن البصريّ (ف ، م ، ١٤٦ ، ٨)
ـ الممكن صالح أن
تتعلّق به القدرة ، من حيث هو كذلك. ولا معنى لكونه مقدورا غير هذا. وإطلاق اسم
المقدور عليه بالنظر إلى العرف ، وإلى الوضع ـ باعتبار هذا المعنى ـ غير مستبعد.
وإن كان وجوده ممتنعا باعتبار غيره. وأمّا إن أريد به أنّه غير مقدور ؛ بمعنى أنّه
يلزم منه المحال باعتبار أمر خارج. أو أنّه لم تتعلّق به القدرة ، بمعنى أنّها لم
تخصّصه بالوجود بالفعل ، فهو وإن كان مخالفا للإطلاق فلا مشاحة فيه ، إذ المنازعة
فيه لا تكون إلّا في إطلاق اللفظ ، لا في نفس المعنى (م ، غ ، ٨٧ ، ١١)
ـ إنّ صحّة صدور
المقدور من القادر لا يتوقّف على وجود المقدور ، ولا على صحّة وجوده مطلقا ، بل
يتوقّف على صحّة وجود مقدوره لذاته. فإن امتنع وجود مقدوره لعائق أو فوات شرط لم
يضرّ ذلك في صحّة المقدور منه (ط ، م ، ٢٦٦ ، ٢)
المقدور غير
المضاف يمكن إضافته إلى كلّ واحد منهما على سبيل البدل. وهو المراد من كون مقدور
أحدهما مقدورا للآخر (ط ، م ، ٣٠٢ ، ٥)
ـ إنّ المقدور
ثابت ، لأنّه متميّز لاختصاصه بالمقدوريّة ، وللتردّد بينه وبين آخر ، فلا يتعلّق
به ، وإلّا لزم الدور ، أو إثبات الثابت. ـ لا يقال : الشرط التحقّق والمتعلّق
الوجود ، لأنّا نقول : فالمتعلّق ليس بثابت ، لكنّه مقدور ، فما ليس بثابت ثابت.
قلنا : في الخارج ممنوع ، وفي الذهن لا ينتج دعواكم (خ ، ل ، ٩٧ ، ١٤)
ـ النظّام : فعل
القبيح محال لدلالته على الجهل أو الحاجة. قلنا : بل يفعل ما شاء ؛ ولو سلّم
فالامتناع من جهة الداعي فقط ، فإنّ انجزام إرادة الترك داع إلى منع الفعل. عبّاد
: الأفعال إمّا واجبة ، أو ممتنعة للعلم. ـ قلنا : فلا مقدور إذا ؛ وأيضا فليسا
ذاتيّين ، وأيضا العلم بالوقوع تابع له ، فيتأخّر عن القدرة ، فلا يبطلها. البلخيّ
: لا يقدر على مثل مقدورنا ، إمّا طاعة أو سفه أو عبث وهو محال. قلنا : الفعل حركة
أو سكون وتلك أحوال من حيث صدورها عنّا. أبو علي وابنه وأتباعهما ؛ يقدر على مثل
مقدورنا لا على نفسه وإلّا فإذا أراده وكرهناه ، يوجد للداعي ويمتنع للصارف. ـ قلنا
: العدم للصارف إن لم يخلقه سبب آخر (خ ، ل ، ١٠٤ ، ٩)
مقدور الله
ـ إنّ مقدوره جلّ
وعزّ على ضربين. أحدهما لا يصحّ إعادته بعد وجوده وعدمه. والثاني يصحّ فيه الإعادة
عند الإعدام. والأوّل ربما كان ممّا لا يبقى وربما كان ممّا يبقى ، ولكن يكون
متولّدا فيمتنع على كل حال فيه الإعادة. فما هذا حكمه فكونه قادرا عند وجوده يزول
لأنّه إذا لم يصحّ منه من بعد إيجاده فلا وجه لثبوت ، كونه قادرا عليه. وأمّا
الضرب الثاني فكلام" شيوخنا" على ما حكيناه عنهم في الكتاب يقتضي أنّ
كونه قادرا يزول بوجوده كما يزول ينقضي ما ينقضي ، ولكنّ الأولى هو خلاف ذلك. بل
يقال إن الصفة تكون ثابتة على حديثاتها في الأوّل ولكنّ الشرط في صحّة إيجاده لها
عدمها ، لمّا كان إيجاد الموجود ممتنعا. وليس من حكم كون القادر قادرا إلّا أن
يتأتّى منه إيجاد ما قدر عليه على وجه ما دون سائر الوجوه (ق ، ت ١ ، ١٥٨ ، ٣)
مقدور بقدرتين
ـ إنّ المقدور
الواحد لو كان مقدورا لقادرين ، لوجب كونه فعلا لهما ، متى وجد ؛ وكذلك لو كان
مقدورا بقدرتين ، لوجب كونه مفعولا بهما ، متى وجد (ق ، غ ٨ ، ١١٤ ، ١٢)
ـ كل ما ذكرناه من
الأدلّة على استحالة كون مقدور واحد لقادرين يدلّ على استحالة كونه مقدورا بقدرتين
لقادرين. فأمّا القدرتان إذا اختصّتا بقادر واحد ، فإنّه يستحيل كونه مقدورا بهما ،
لأنّه يؤول إلى صحة كونه مقدورا من قادرين. وذلك لأنّ صحّة تعلّقهما بمقدور واحد
يوجب تماثلهما. وكل عرضين مثلين صحّ اختصاصهما بحيّ واحد ، صحّ اختصاص مثلين من
جنسهما بحيّين كالعلمين والإرادتين. لأنّ الدلالة قد دلّت على أنّ الشيء إذا كان
له مثل ، لم يجز أن يكون مثله محصورا بعدد ، حتى لا يصحّ أن يكون في المقدور منه
إلّا عددا مخصوصا ؛ وثبت أنّ كل جوهر يحتمل من
الأعراض مثل ما
تحتمله سائر الجواهر. فلا يصحّ أن يقال : إنّ أجزاء زيد تختصّ بصحّة وجود قدرتين
مثلين فيه ، دون أبعاض غيره. وذلك يبيّن صحّة ما قدّمناه ، من أنّ ذلك يؤدّي إلى
جواز مقدور من قادرين ، فيجب القضاء بفساده (ق ، غ ٨ ، ١٣٠ ، ٢)
مقدور بين قادرين
ـ كان (الأشعري)
لا يمتنع من إطلاق القول بمقدور بين قادرين أحدهما خالقه والآخر مكتسبه ، وكان
يمنع إطلاق القول بفعل بين فاعلين حقيقة كما يمنع أيضا من إحداث بين محدثين (أ ، م
، ٩٢ ، ١١)
ـ إنّ المقدور
الواحد بين القادرين محال ، وإثبات الثاني يؤدّي إليه ، فيجب أن يكون محالا ، لأنّ
ما يؤدّي إلى المحال يكون محالا مثله. وهذه الطريقة سهلة من طريق العلم ، مشكلة من
طريق الجدل ، لأنّ للخصم أن يقول هذا انتقال من دلالة التمانع إلى دلالة أخرى.
ويمكن أن يقال إنّ هذا ليس بانتقال ، وإنّما هو استعانة ببعض ما يذكر في دليل آخر
ودفعا لسؤال السائل. يبيّن ذلك إنّا لم نعتمد على هذا القدر ، بل قلنا : لو كان مع
الله قديم آخر لكان مثلا له ، فكان يجب أن يكون قادرا كهو ، ومن حق كل قادرين صحّة
التمانع بينهما. ثم لمّا أورد علينا هذا السؤال أسقطناه بقولنا : إنّ المقدور
الواحد بين القادرين محال فلا يكون انتقالا (ق ، ش ، ٢٨١ ، ١٦)
ـ قد استدلّ في
الكتاب على أنّ مقدورا واحدا بين قادرين لا يجوز بطريقة أخرى ، وتحريرها أنّ هذين
القادرين إمّا أن يكونا محدثين أو أحدهما قديم والآخر محدث ، لأنّ قادرين قديمين
لا يجوز إثباتهما حتى نتكلّم في أنّ مقدورا واحدا يجوز أن يكون بينهما أم لا. فإذا
كانا محدثين فمعلوم أنّه قد يعرض في أحدهما ما يحيل الفعل من عجز أو منع أو فقد
الشرط الذي معه يصحّ أن يفعل في المحل البائن عنه من مماسة أو ما يجري مجراها أو
من دواعي الإلجاء أو الانصراف ما هو غير ثابت في الآخر. فإذا كان مقدورهما واحدا
فيجب من حيث حصل العجز في أحدهما أو في بعض هذه الأسباب التي ذكرناها ، أن يتعذّر
وجود هذا الفعل ، ومن حيث كان الآخر مخلّى وقد حصلت فيه شروط صحّة الفعل أو عدم
الإلجاء وما شاكله ، أن يصحّ وقوعه وإلّا انتقض ما عقلناه من حكم القادر. وهذه
القضية ثابتة في كل واحد من القادرين إذا كانا محدثين. فأمّا إذا كان أحدهما قديما
والآخر محدثا فإنّما يمكن ذكر هذه الموانع في جنبه المحدث منهما فنقول : كان يجب
إذا عرض في القادر المحدث عجزا ومنع أو فقد اتّصال ومماسّة أن يمتنع هذا الفعل ،
ومن حيث كان القادر القديم قادرا لنفسه لا يجوز عليه العجز ولا المنع ولا شاكله ،
أن يصحّ الفعل ، وقد عرفنا خلاف ذلك وبطلانه (ق ، ت ١ ، ٣٧٧ ، ١٩)
ـ إنّه كان يجب أن
يصحّ أن نعدم فعل الغير ، وأن يتعلّق كوننا قادرين بمقدور الغير على وجه الإعدام ،
وإذا صحّ أن يتعلّق به على هذا الوجه ، صحّ أن يتعلّق به على وجه الإيجاد ، فيكون
على هذا الموضوع مقدور واحد بين قادرين على وجه واحد (ن ، م ، ٨٤ ، ١٢)
ـ مقدورات العباد
لم تتعلّق بها قدرة القديم ، من حيث استحال مقدور بين قادرين ، والمستحيل لا يعدّ
من قبيل المقدورات (ج ، ش ، ٨٥ ، ٦)
أنظر الآن إلى أهل
السنّة كيف وفقوا للسداد ، ورشحوا للإقتصاد في الاعتقاد؟ فقالوا القول بالجبر محال
باطل ، والقول بالاختراع اقتحام هائل ، وإنّما الحقّ إثبات القدرتين على فعل واحد
، والقول بمقدور منسوب إلى قادرين ، فلا يبقى إلّا استبعاد توارد القدرتين على فعل
واحد ، وهذا إنّما يبعد إذا كان تعلّق القدرتين على وجه واحد ؛ فإن اختلفت
القدرتان واختلف وجه تعلّقهما فتوارد التعلّقين على شيء واحد غير محال كما
سنبيّنه. فإن قيل فما الذي حملكم على إثبات مقدور بين قادرين؟ قلنا البرهان القاطع
على أنّ الحركة الاختيارية مفارقة للرعدة ، وإن فرضت الرعدة مرادة للمرتعد ،
ومطلوبة له أيضا ، ولا مفارقة إلّا بالقدرة ، ثم البرهان القاطع على أنّ كل ممكن
فتتعلّق به قدرة الله تعالى ، وكل حادث ممكن ، وفعل العبد حادث فهو إذا ممكن. فإن
لم تتعلّق به قدرة الله تعالى ، فهو محال. فإنّا نقول الحركة الاختياريّة من حيث
أنّها حركة حادثة ممكنة مماثلة لحركة الرعدة ، فيستحيل أن تتعلّق قدرة الله تعالى
بإحداهما ، وتقصر عن الأخرى ، وهي مثلها ؛ بل يلزم عليه محال آخر وهو أنّ الله تعالى
لو أراد تسكين يد العبد إذا أراد العبد تحريكها ، فلا يخلو إمّا أن توجد الحركة ،
والسكون جميعا ، أو كلاهما لا يوجد ، فيؤدّي إلى اجتماع الحركة والسكون ، إلى
الخلو عنهما ، والخلو عنهما مع التناقض يوجب بطلان القدرتين ؛ إذ القدرة ما يحصل
بها المقدور عند تحقّق الإرادة ، وقبول المحلّ. وإن ظنّ أنّ مقدور الله تعالى
يترجّح لأنّ قدرته أقوى ، فهو محال لأنّ تعلّق القدرة بحركة واحدة ، لا تفضل تعلّق
القدرة الأخرى بها ، إذ كانت فائدة القدرتين الاختراع ، وإنّما قوته باقتدار على
غيره ، واقتداره على غيره غير مرجّح في الحركة التي فيها الكلام ، إذ حظ الحركة من
كل واحدة من القدرتين أن تصير مخترعة بها والاختراع يتساوى ، فليس فيه أشدّ ، ولا
أضعف حتى يكون فيه ترجيح. فإذا الدليل القاطع على إثبات القدرتين ساقنا إلى إثبات
مقدور بين قادرين (غ ، ق ، ٩٠ ، ٩)
ـ الوجود من حيث
هو وجود إمّا خير محض وإمّا لا خير ولا شر انتسب إلى الباري سبحانه إيجادا وإبداعا
وخلقا ، والكسب المنقسم إلى الخير والشر انتسب إلى العبد فعلا واكتسابا ، وليس ذلك
مخلوقا بين خالقين بل مقدورا بين قادرين من جهتين مختلفتين ، أو مقدورين متمايزين
لا يضاف إلى أحد القادرين ما يضاف إلى الثاني (ش ، ن ، ٨٢ ، ١٢)
ـ قالوا (المتكلّمون)
: لو لم تكن مقدورات العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ لم يكن إلّا لاستحالة مقدور بين
قادرين وهو غير مستقيم ، فإنّه قبل أن يقدر عبده لم يكن الفعل مقدورا للعبد ، فيجب
أن يكون مقدورا للرب ، إذ الفعل في نفسه ممكن. والمانع من كونه قادرا بعد إقدار
العبد إنّما هو استحالة اجتماع مقدور بين قادرين ، وهذا المانع غير موجود قبل
إقدار العبد. وإذا كان مقدورا للربّ قبل إقدار العبد فبعد إقداره يستحيل أن يخرج
ما كان مقدورا له عن كونه مقدورا ، فإنّه لو خرج عن كونه مقدورا للربّ بسبب تعلّق
القدرة الحادثة به لم يكن بأولى من امتناع تعلّق القدرة الحادثة به ، واستبقاء
تعلّق القدرة القديمة به ، بل بقاء ما كان على ما كان أولى من نفيه ، وإثبات ما لم
يكن ، وإذا ثبت كونه مقدورا للربّ وجب أن
يكون خالقه ومبدعه
، من حيث إنّه يستحيل انفراد العبد بخلق ما هو مقدور الله ـ تعالى ـ (م ، غ ، ٢١٤
، ١٩)
ـ مقدور بين
قادرين محال ، خلافا للنجّارية والكلابية وبعض المعتزلة. لنا : لو صحّ لصحّ أن
يريده أحدهما ويكرهه الآخر ، فيكون موجودا معدوما ، وهو محال (م ، ق ، ٩٥ ، ٧)
ـ مقدور بين
قادرين متّفقين ممكن وفاقا لأبي الحسين البصريّ وخلافا لبعض متأخّري الزيديّة
وجمهور المعتزلة. قلنا : تحريك الجماعة نحو الخشبة حركة واحدة وكسرهم نحو العود
كسرا واحدا لا ينكره عاقل. قالوا : لو أمكن لصحّ من المختلفين فيكون موجودا معدوما
دفعة ، وهو محال. قلنا : لا يلزم اطراده لتضادّ العلمين ، لأنّ العلّة في صحّة
المقدور بين المتّفقين الاتّفاق ، وتعذّره بين المختلفين الاختلاف ، فيجب الامتناع
مع الاختلاف كالفاعل الواحد إذ إيجاده له وإعدامه منه دفعة محال ، ولم يمنع ذلك من
فعله أحدهما والفرق تحكم ، ويستحيل إيجاد النقيضين والضدّين في محل واحد دفعة ،
خلافا لبعض المجبرة (ق ، س ، ١٠٨ ، ٢)
مقدور العباد مما
لا يدخله تضاد
ـ أنّا قد بيّنّا
من قبل حصر الأجناس التي تدخل تحت مقدور العباد. وهذه الأجناس على ضربين ، أحدهما
لا يدخله الاختلاف بل كلّه متماثل نحو التأليف والألم ، والثاني يختلف. ثمّ هذا
المختلف على ضربين ، أحدهما يختلف فقط ولا يكون له حكم زائد على الاختلاف ،
والثاني يدخله التضادّ مع الاختلاف. فالذي يقطع على اختلافه من مقدور العباد مما
لا يدخله التضادّ هو الاعتماد ، فإنّه يشتمل على متماثل ومختلف ومختلفه لا يتضادّ.
وكذلك الإرادة والكراهة لا يقع في كل واحد من نوعيهما تضادّ. وكذلك النظر من أفعال
القلوب يلحق بما ذكرناه. فأمّا الأصوات فالصحيح أن لا يقطع على ثبوت التضادّ فيها
ولا على نفي التضادّ فيها بل يتوقّف فلا تدخل في هذا الفصل ولا فيما بعده. فأمّا
ما يدخله التضادّ من مقدور العباد فنوع الأكوان فإنّه يقع فيها المختلف ومختلفه
يتضادّ. والاعتقادات يدخلها التضادّ وإن لم يكن كل مختلف منها متضادا. وإنّما يثبت
التضادّ هناك وفي الظّنون أيضا بطريقة النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ، ٨)
مقدور الغير
ـ اعلم أنّ الموجب
لاستحالة كون مقدور غيره مقدورا له ، ليس هو أنّه مقدور لغيره ، لأنّه لو لم يوجد
الله تعالى أحدا من القادرين ، لكان ما من حقّه أن يكون مقدورا لهم ، لو وجدوا
وقدروا ، يستحيل كونه مقدورا له. وإنّما يستحيل كونه قادرا عليه ، لأنّه يستحيل
منه إيجاده. ولا فصل بين أن يقدر غيره عليه ، وبين أن لا يقدر. وإنّما ننبّه بكون
غيره قادرا عليه على الغرض والمراد ، ونذكره لأنّ فيه تنبيها على ما له لا يكون
مقدورا له (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٢ ، ٩)
ـ إنّ الذي لم
يرده مما يصحّ أن يريده ، لا مما أراده ، فلم يحصل له فيه وجه يحيل كونه مريدا له
على كل وجه. وإنّما صحّ لنا ما ذكرناه في مقدور الغير ، من حيث ثبت أنّه يستحيل
كونه مقدورا له ، لا من حيث كان قادرا على ما يقدر عليه ، بل لأمر يخصّه. وذلك
يوضح الفرق بين الأمرين (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٣ ، ٨)
مقدور القادر
ـ إنّ انتفاء
مقدور القادر ، لا يقتضي أن لا يكون قادرا عليه ، لأنّ ذلك يوجب أن لا يكون قادرا
على ما نعلم أنّه لا يفعله (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣٥ ، ١٥)
مقدور القدرة
ـ لا يخلو أن يكون
مقدور القدرة على تحريك الجسم هو إحداث الجسم وإيجاده ، أو إحداث معنى فيه أو
إعدامه ، أو إعدام معنى منه ، أو لا لنفسه أو لمعنى تعلّق بنفسه (ب ، ت ، ٤٣ ، ٣)
ـ يستحيل أن يكون
مقدور القدرة هو إيجاد الجسم وإحداثه ؛ لأنّه إنّما يتحرّك في الثاني من حال وجوده
مع استحالة حدوثه وتجدّده في ذلك الوقت ، ولأنّ ذلك إن كان كذلك فقد صحّ وثبت حدوث
الجسم ، وهذا هو الذي نبتغيه بإثبات الأعراض (ب ، ت ، ٤٣ ، ٦)
ـ يستحيل أن يكون
مقدور القدرة إعدام معنى من الجسم ؛ لأنّ ذلك المعنى لا يخلو أن يكون جسما أو عرضا
؛ فإن كان جسما أقروا بجواز عدم الجسم ، وصحّ بذلك حدوثه لاستحالة عدم القديم
عندنا وعندهم ؛ وذلك ما أردناه. وإن كان عرضا فقد أقرّوا بوجود الأعراض وعدمها بعد
الوجود ؛ وذلك ما رمنا إثباته (ب ، ت ، ٤٣ ، ١٠)
ـ يستحيل أيضا أن
يكون مقدور القدرة على تحريك الجسم ما ليس هو نفس الجسم ولا معنى سواه ؛ لأنّ ما
ليس هو نفسه ولا معنى غيره ليس بشيء يصح أن يكون حادثا أو مكتسبا ؛ فبطل أيضا هذا
الوجه وصحّ بذلك أنّ قدرة القادر على تحريك الجسم قدرة على فعل معنى فيه أو اكتسابه
؛ وهذا هو معنى قولنا إنّ المتحرّك كان متحرّكا بالفاعل (ب ، ت ، ٤٣ ، ٢٢)
ـ إنّ مقدور
القدرة بكل حال لا تصحّ إعادته (ق ، ت ٢ ، ٣٠٦ ، ٢٠)
مقدور لقادرين
ـ قال"
إبراهيم" و" أبو الهذيل" وسائر المعتزلة والقدرية إلّا"
الشحّام" : لا يوصف البارئ بالقدرة على شيء يقدر عليه عباده ، ومحال أن يكون
مقدور واحد لقادرين (ش ، ق ، ٥٤٩ ، ١١)
ـ قال"
الشحّام" إنّ الله يقدر على ما أقدر عليه عباده ، وأنّ حركة واحدة مقدورة
تكون مقدورة لقادرين لله وللإنسان ، فإن فعلها القديم كان اضطرارا ، وإن فعلها
المحدث كانت اكتسابا ، وأنّ كل واحد منهما يوصف بالقدرة على أن يفعل وحده ، لا على
أنّ القديم يوصف بالقدرة على أن تكون الحركة فعلا له وللإنسان ، ولا يوصف الإنسان
بالقدرة على أن تكون الحركة فعلا له والقديم ، ولكن يوصف البارئ بأنّه قادر أن
يخلقها ، ويوصف الإنسان بأنّه قادر أن يكتسبها (ش ، ق ، ٥٤٩ ، ١٣)
ـ الأصل في امتناع
أن يكون تعالى قادرا على ما هو مقدور لغيره ويصحّ كونه مقدورا له أنّه يؤدّي خلافه
إلى أن يكون المقدور الواحد لقادرين ، وهذا يبيّن بطلانه في غير موضع (ق ، ت ١ ،
١١٢ ، ٣)
ـ على أنّه لو ثبت
كون الشيء مقدورا لقادرين ، ويصحّ من أحدهما أن يفعله دون الآخر ، لوجب كونه
معدوما إذا لم يفعله الآخر ، فيؤدّي إلى ما بيّنا فساده في القول بجواز حدوث الشيء
من وجهين ، بل فساد هذا القول أبين ؛ لأنّه كان يجب كونه معدوما من الوجه الذي لم
يوجد عليه ؛ لأنّ
من حق القادر ، إذا لم يوجد ما يقدر عليه ، أن يكون مقدوره معدوما ، كما أنّ من حق
القادر ، إذا وجد ما يقدر عليه ، أن يكون مقدوره موجودا. ولا فرق بين من قال إنّه
إنّما يجب كون مقدوره معدوما إذا لم يوجد من جهة قادر آخر ، فأمّا إذا وجد من جهته
، لم يجب كونه معدوما ، وبين من قال إنّ مقدوره إنّما يجب كونه موجودا متى وجد من
جهته ، ومن جهة كل من يقدر عليه. فأمّا إذا وجد من جهة أحدهما ، لم يجب كونه
موجودا ، وفساد ذلك يقضي بفساد الأول (ق ، غ ٤ ، ٢٦٣ ، ١٣)
ـ استدلّ شيخنا
أبو هاشم رحمهالله على أنّ المقدور الواحد لا يجوز كونه مقدورا لقادرين بأن
قال : " لو صحّ ذلك ، كان لا يمتنع أن يفعل أحدهما القبيح ، وإن بذل الآخر
مجهوده في أن لا يفعله ، وهذا يؤدّي إلى أن يستحقّ من بذل المجهود في الانصراف عن
القبيح الذمّ ، وقد علمنا فساد ذلك ؛ ويؤدّي إلى أن أحدهما لو فعل الواجب لوجوبه
أن يستحقّ الآخر المدح ، وإن اجتهد في الانصراف عنه (ق ، غ ٤ ، ٢٦٤ ، ٩)
ـ أما المجبرة
الذين ينفردون بالقول بالجبر ، فلا سبيل لهم إلى نفي ثان مع الله سبحانه لوجوه : منها
أنّ من قولهم تجويز مقدور واحد لقادرين : أحدهما قديم ، والآخر محدث ، وذلك يمنعهم
من العلم بأنّ المقدور الواحد يستحيل كونه مقدورا لقادرين قديمين لو كان للقديم
جلّ وعزّ ثان ، والأدلّة التي تعتمد في نفي الثاني مثبتة عليه ، فيجب أن يمنعهم
ذلك من العلم بالتوحيد (ق ، غ ٤ ، ٣٤٣ ، ٦)
ـ قولهم (المجبرة)
: إنما تجوّز كون مقدور واحد لقادرين على وجهين ، أحدهما كسبا ، والآخر اختراعا.
فأمّا على وجه واحد فإنّا نحيله ، ولذلك نحيل مقدورا واحدا من قادرين مكتسبين ،
وكذلك نحيل ذلك من قادرين مخترعين (ق ، غ ٤ ، ٣٤٣ ، ١٠)
ـ قد دللنا على
أنّ من حق القادر لنفسه أن يقدر على كل جنس تتناوله القدرة ، لأنّه لا يجوز أن
يقصر حاله فيما يقدر عليه عن حال القدرة ، مع علمنا بأنّها لا تتعدّى في التعلّق
الجزء الواحد من الجنس الواحد في الوقت الواحد ، وأنّ القادر لنفسه يجب أن يقدر
على ما لا نهاية له من هذا الوجه. فإذا صحّ ذلك وثبت أنّ الكلام يقدر عليه بالقدرة
، فيجب كونه ـ تعالى ذكره ـ قادرا عليه. وإنّما لا نقول إنّه قادر على مقدور غيره
، أو ما يصحّ كونه مقدورا لغيره ، لما يؤدّي إليه من إثبات مقدور واحد لقادرين ،
إلى غير ذلك مما بيّنا فساده. وإثباته قادرا على جنس الكلام لا يؤدّي إلى شيء من
ذلك ، فيجب القضاء بفساده (ق ، غ ٧ ، ٥٥ ، ٩)
ـ إنّ كل قادر يجب
كون الشيء مقدورا له عند العدم ، يجب كونه مفعولا له عند الوجود. فلا يصحّ ، لو
كان المقدور الواحد مقدورا لقادرين ، أن يحصل عند الوجود فعلا لأحدهما دون الآخر.
لأنّه لا يخلو القول فيه ، لو لم يكن فعلا لهما جميعا ، من وجهين : إمّا أن يقال :
إنّه يجوز وقوعه منهما جميعا ، لو أحدثاه على وجه واحد ؛ أو يقال : إنّه يحدث ،
منهما ، على وجهين. ولا يجوز أن يقال بالوجه الثاني ، لأنّا قد دللنا ، في باب قبل
هذا ، على استحالة حدوث الشيء من وجهين ؛ فلو صحّ حدوثه ، منهما ، على وجهين ،
لوجب ما قدّمناه من صحة كونه موجودا معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ١٨)
ـ إنّ المقدور
الواحد لو كان مقدورا لقادرين ، لوجب كونه فعلا لهما ، متى وجد ؛ وكذلك لو كان
مقدورا بقدرتين ، لوجب كونه مفعولا بهما ، متى وجد. فإذا صحّ ذلك ، فالذي يدلّ على
استحالة كونه مقدورا لقادرين أنّه لا يستحيل في كل قادرين أن تختلف دواعيهما ،
فيدعو أحدهما الداعي إلى فعل شيء ، ويدعو الآخر الداعي إلى الانصراف عنه. كما لا
يستحيل فيهما أن يريد أحدهما الشيء دون الآخر ، ويعلم أحدهما الشيء دون صاحبه. وإنّما
يستحيل ذلك أو بعضه في قادرين قديمين ، لو كانا. فأمّا إذا استحال إثبات قادرين
قديمين ، ولم يكن إلّا قادرين محدثين ، أو قديم ومحدث ، فالذي ذكرناه صحيح. وإذا
صحّ ذلك ، فيجب ، لو قدرا على الشيء الواحد ، أن لا يمتنع أن يفعله أحدهما ؛ لأنّ
الداعي دعاه إلى فعله ، فيريده ويقصد إليه ، وينصرف عنه الآخر فيكره إيجاده. فعند
ذلك لا يخلو من أن يوجد أو لا يوجد ؛ فإن وجد ، أدّى إلى كونه فعلا لمن اجتهد في
الانصراف عنه ، وكره إيجاده ، وقويت دواعيه في أن لا يفعله. وهذا يوجب إثبات الفعل
لمن يجب أن ينفي عنه أو لا يوجد ذلك ؛ فيجب نفي الفعل عمّن يجب إثباته فاعلا ؛ وفي
هذا فساد الطريق الذي نعلم به الفاعل فاعلا ، والذي ينفي به الفعل عن القادر ؛ وهذا
يبطل طريق معرفة الأفعال أصلا. ولا يمكن أن يقال : أنّه يوجد ، فيكون فعلا لأحدهما
دون الآخر ، لما قدّمناه من قبل. ولا يصحّ أن يقال : إنّما يجب أن ينفي كونه فاعلا
، إذا كره الشيء واجتهد في الانصراف عنه ، متى كان ذلك الشيء مقدورا له فقط. فأمّا
إذا كان مقدورا لغيره أيضا ، فلا يجب ذلك فيه. وذلك لأنّه لا فرق بين من قال ذلك ،
وبين من قال : إنّما يجب إثباته فعلا له ، متى أراد إيجاده وقويت دواعيه إليه ،
بأن يكون مقدورا له فقط. وأمّا إذا كان مقدورا لغيره أيضا ، فلا يجب ذلك فيه. وهذا
يؤدّي إلى أن لا يكون ذلك الفعل بالوجود ، أولى منه بأن لا يوجد ، لو كان مقدورا
لهما جميعا (ق ، غ ٨ ، ١١٤ ، ١١)
ـ لو صحّ كون
الشيء الواحد مقدورا لقادرين ، كان لا يمتنع أن يحصل أحدهما ملجأ إلى أن لا يفعله
، والآخر ملجأ إلى فعله ؛ أو يحصل أحدهما ملجأ إلى أن يفعل أو لا يفعل ، والآخر
مختار. فكان يجب في هذا المقدور أن يجب وجوده من حيث كان أحد القادرين ملجأ إلى
إيجاده ؛ ويجب أن لا يوجد من حيث كان الآخر ملجأ إلى أن لا يفعله ؛ ويصحّ أن لا
يوجد من حيث كان مختارا ؛ وهذا محال. فيجب فساد القول ، بجواز كون مقدور واحد
لقادرين (ق ، غ ٨ ، ١١٩ ، ٢٠)
ـ إنّ الشحام أجاز
كون مقدور واحد لقادرين يصحّ أن يحدثه كل واحد منهما على البدل ، وكذلك حكاه
الكعبيّ في كتاب عيون المسائل على أبي الهذيل (ب ، ف ، ١٧٨ ، ٨)
ـ الصفاتيّة لا
يثبتون خالقين ، وإنّما يجيزون كون مقدور واحد لقادرين : أحدهما خالقه ، والآخر
مكتسب له. وليس الخالق مكتسبا ، ولا المكتسب خالقا (ب ، ف ، ١٧٨ ، ١٠)
مقدور محكم
ـ إنّ المقدور
الذي يوقعه محكما لو لم يختصّ به ، لكان إيقاعه محكما يصحّ من جهة كلّ عالم ،
وإنّما لا يصحّ إلّا من حيث اختصّ بكونه مقدورا لبعضهم ، ولذلك يصحّ من غيره أن
يعلم هذا الفعل
المحكم كعلمه ، وإن لم يصحّ من غيره أن يقدر عليه كقدرته (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٥ ، ١٦)
مقدور من قادرين
ـ قال شيخنا أبو
علي ، رحمهالله : لو صحّ كونه مقدورا من قادرين ، لوجب كونه مفعولا
متروكا. وهذا لازم على طريقته ، لأنّه يجب متى فعله أحدهما من وجه ، ولم يفعله
الآخر ، أن يكون فاعلا لتركه على قوله : إنّ القادر منّا المخلّى لا يخلو من الأخذ
والترك. ويجب على طريقتنا أيضا ، أن يجوز من أحدهما أن يتركه في حال كون الآخر
فاعلا له ؛ فيؤدّي ذلك إلى وجود الشيء وضدّه. والأولى ، على القولين جميعا ، أن لا
يذكر الترك (ق ، غ ٨ ، ١١٠ ، ٦)
مقدور واحد
ـ إنّ من حق كل
قادرين أن يصحّ من أحدهما أن يدعوه الداعي إلى إيجاد مقدوره ، ويصحّ من الآخر أن
يدعوه الداعي إلى أن لا يوجد مقدوره وكذلك فقد يصحّ من أحدهما أن يريد مقدوره ،
ويصحّ من الآخر أن يكره ذلك ، فيجب ، لو قدرا على مقدور واحد ، ودعا أحدهما الداعي
إلى إيجاده ، والآخر إلى أن لا يوجده ، أحد أمرين : إمّا أن يوجد من حيث دعا
أحدهما الداعي إلى إيجاده ، وذلك يوجب كونه فعلا للآخر ، وإن اجتهد في الانصراف ،
أو لا يوجد لأن أحدهما دعاه الداعي إلى أن لا يوجده ، وذلك يوجب نفي كونه فعلا لمن
اجتهد في إيجاده مع التخلية. وهذا يبطل الطريق الذي يعلم به كون الفعل فعلا لفاعله
ونفي كون الفعل عن القادر عليه (ق ، غ ٤ ، ٢٦١ ، ٢١)
مقدور واحد
بقدرتين
ـ إن المقدور
الواحد لا يصحّ بقدرتين وإن كان القادر بهما واحدا لكيلا يظنّ ظانّ أن الممتنع هو
قدرتهما عليه. فأمّا القادر الواحد فقد يصحّ أن يقدر عليه من وجهين وبقدرتين.
والطريقة في ذلك أن نقول قد كان يجوز وجود إحدى القدرتين في زيد والأخرى في عمرو ،
كما صحّ وجودهما في قادر واحد ، إذ لا يجوز أن يمنع مانع من وجود قبيل من الأعراض
في محلّ أوحى دون ما عداه. وعلى هذا إذا صحّ أن يعلم العالم الواحد الشيء بعلمين ،
صحّ في عالمين أن يعلماه بعلمين ، يوجد أحدهما في هذا والآخر في ذلك. وكذلك الحال
في كل ما شاكله من المعاني. بل لو قيل إنّ هذه القضية في القدر أوجب لجاز ، فإنّ
مقدور القدر متجانسة وإن كانت القدر في أنفسها مختلفة. وإذا تقرّر هذا الأصل لزم
أن يكون المقدور الواحد مقدورا لقادرين وذلك مما أبطلناه من قبل. وأيضا فإن تعلّقا
جميعا بهذا المقدور من جهة واحدة ، لم يخل إمّا أن تكون كل واحدة منهما لو انفردت
، لأثّرت في وقوع المقدور ، فليس للأخرى حظ. وإن لم تؤثّر إلّا مع الأخرى ، انتقص
كونها قدرة على نحو قلناه في القادرين (ق ، ت ١ ، ٣٧٨ ، ٧)
مقدورات
ـ قال" عباد
بن سليمان" (معتزلي) : لم يزل الله عالما بالمعلومات ولم يزل عالما بالأشياء
ولم يزل عالما بالجواهر والأعراض ولم يزل عالما بالأفعال ولم يزل عالما بالخلق ،
ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالأجسام ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمفعولات ولم يقل
أنّه لم يزل عالما
بالمخلوقات ، وقال
في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنّه لم يزل عالما بألوان وحركات
وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض ، وكان يقول : المعلومات معلومات لله
قبل كونها وأنّ المقدورات مقدورات قبل كونها وأنّ الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك
الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن
تكون ، ويحيل أن تكون الأجسام أجساما قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون
والمفعولات مفعولات قبل أن تكون ، وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره ، وكان
إذا قيل له : أتقول إنّ هذا الشيء الموجود هو الذي لم يكن موجودا؟ قال : لا أقول
ذلك ، وإذا قيل له : أتقول أنّه غيره؟ قال : لا أقول ذلك (ش ، ق ، ١٥٩ ، ٦)
ـ كان يقول (ابن
الراوندي) إنّ المعلومات معلومات لله قبل كونها [و] أنّ إثباتها معلومات لله قبل
كونها رجوع إلى أنّ الله يعلمها قبل كونها ، وإثبات المعلوم معلوما لزيد قبل كونه
رجوع إلى علم زيد به قبل كونه ، وأن المقدورات مقدورات لله قبل كونها على سبيل ما
حكينا عنه أنّه قاله في المعلومات ، وكذلك كل ما تعلّق بغيره كالمأمور به إنّما هو
مأمور به لوجود الأمر ، والمنهيّ عنه لوجود النهي كان منهيّا عنه ، وكذلك المراد
لوجود إرادته كان مرادا فهو مراد قبل كونه ويرجع في ذلك إلى إثبات الإرادة قبل
كونه ، وكذلك القول في المأمور والمنهيّ وسائر ما يتعلّق بغيره (ش ، ق ، ١٦٠ ، ٣)
ـ قال قائلون من
البغداديين : نقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها ، وكذلك المقدورات مقدورات قبل
كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ومنعوا أن يقال أعراض (ش ، ق ، ١٦٠ ، ١٣)
ـ قال" جهم
بن صفوان" : لمقدورات الله تعالى ومعلوماته غاية ونهاية ولأفعاله آخر وأنّ
الجنّة والنار تفنيان ويفنى أهلهما حتى يكون الله سبحانه آخرا لا شيء معه كما كان
أوّلا لا شيء معه (ش ، ق ، ١٦٤ ، ٣)
ـ قال أهل الإسلام
جميعا : ليس للجنّة والنار آخر وأنّهما لا تزالان باقيتين وكذلك أهل الجنّة لا
يزالون في الجنّة يتنعّمون وأهل النار لا يزالون في النار يعذّبون وليس لذلك آخر
ولا لمعلوماته ومقدوراته غاية ولا نهاية (ش ، ق ، ١٦٤ ، ٨)
ـ إنّ المقدورات
على ضربين : مبتدأ كالإرادة ، ومتولّد كالصوت. فالمبتدأ يجب أن تكون القدرة
متقدّمة عليه بوقت ، ثم في الثاني يصحّ منه فعله. والمتولّد على ضربين : أحدهما
يتراخى عن سببه كالإصابة مع الرمي ، والثاني لا يتراخى كالمجاورة مع التأليف. أمّا
ما لا يتراخى عن سببه فإنّ حاله كحال المبتدأ ، والمتراخي عن سببه فإنّه لا يمنع
أن تتقدّمه القدرة بأوقات ، وإن كان لا يجب أن يتقدّم سببه إلّا بوقت (ق ، ش ، ٣٩٠
، ١٣)
ـ إنّما يقدر (الله)
على ما يصحّ كونه مقدورا له ، ومقدور غيره لا يصحّ كونه مقدورا له. فتفارق
المقدورات في هذا الوجه المعلومات ، لأنّه يصحّ كونها معلومة له فوجب أن تكون
معلومة له. وليست العلّة في استحالة قدرته على أعيان المقدورات كونها مقدورة لغيره
، لأنه قد تستحيل قدرته على ما ليس بمقدور لغيره إذا صحّ كونه مقدورا له ، كما
يستحيل أن يقدر
على ما هو مقدور
لغيره. فلهذا لا يصحّ أن يكون جلّ وعزّ موصوفا فيما لم يزل بالقدرة على مقدور يصحّ
كونه مقدورا لغيره ، وإن لم يكن في الحال مقدورا لغيره. وصار هذا حكما واحدا يعلّل
تارة بصحّة كونه مقدورا لغيره وتارة بكونه مقدورا لغيره. ولا نكاد نوجد في الأحكام
ما يستحقّ لعلّتين مختلفتين باختلاف الحالين إلّا ما ذكرناه (ق ، ت ١ ، ١١١ ، ١٥)
ـ جملة مقدورات
قدرة العباد لا تخرج عن طريقين. فإمّا أن تضاف إلى أفعال القلوب. وإمّا أن تضاف
إلى أفعال الجوارح. والمراد بكونه من أفعال الجوارح أنّه يوجد في الجوارح حتى يصحّ
منّا فعله فيها. وما يضيفه إلى أفعال القلوب فهو الذي لا يصحّ وجوده لا في القلب
سواء كان الفاعل له أحدنا أو كان تعالى هو الفاعل له ، ولأجل ذلك لم يجعل القلب
آلة وإلّا كان يصحّ منه تعالى أن يوجد هذه الأفعال في غير القلوب وهذا ممتنع.
وإمارة ذلك هو كلّما تصدر عنه للحي حال ، فإنّ هذا يعدّ من أفعال القلوب ، ثم قد
يكون مما يقدر عليه العباد وقد يكون مما لا يقدرون عليه (ق ، ت ١ ، ٣٦٦ ، ٣)
ـ اعلم أنّ في
أفعالنا ما هو متولّد كما أنّ في أفعالنا ما هو مبتدأ. فكما أنّ جملة مقدوراتنا
تنقسم إلى ما يكون من أفعال القلوب ومن أفعال الجوارح ، فالمتولّد منها يثبت في
أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فأمّا أفعال القلوب فليس يحصل شيء منها مسبّبا إلّا
العلم. وأمّا أفعال الجوارح فثبت التوليد في الآلام والتأليف والأصوات والأكوان
والاعتماد ، وليس يخرج جميع أفعال الجوارح عن هذه الخمسة ، وفي كلّها يثبت التوليد
وإن كان بعضها كما يثبت متولّدا يثبت مبتدأ ، وبعضها لا يصحّ أن يقع إلّا متولّدا
، وليس إلّا الأصوات والتأليف والآلام. وأفعال القلوب ما كان منه متولّدا فإنّه
يصحّ وقوع جنسه مبتدأ وهو العلم. وأمّا الذي يولّد فهو الاعتماد والكون من أفعال
الجوارح ، والنظر من أفعال القلوب فقط. والذي يولّده الاعتماد هو اعتماد آخر.
والكون من حركة أو سكون والصوت. والذي يولّده الكون هو التأليف والآلام ، والذي
يولّده النظر هو العلم. وما خرج عن هذه الجملة فليس يجوز وقوعه إلّا مبتدأ نحو
الإرادة والكراهة والظنّ والفكر. ثم تنقسم هذه المسبّبات ففيه ما يتولّد عن السبب
في الثاني ، ومنه ما يتولّد في الحال ، والذي يولّد في الثاني ليس إلّا النظر
والاعتماد ، وما يتولّد عن الكون فإنّه يجاوز ولا يتراخى. والطريقة التي بها يعرف
أنّ الشيء يولّد أن يحصل غيره بحسبه. وإمارة توليده أن يحصل بحسب غيره. فكل ما
يثبت فيه هذا الوجه قضينا بأنّه متولّدا. وما ليس هذا حاله أخرجناه عن هذه الجملة.
وإمارة ما يتعذّر فعله منّا إلّا بسبب هو أنّه لا يتمكّن من فعله إلّا عند فعل آخر
نوقعه بحسبه إذا زالت الموانع (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٤)
ـ إنّ أجناس
المقدورات على ضربين : أحدهما يختصّ هو تعالى بالقدرة عليه ، فلا كلام في ذلك.
ومنها ما يقدر أحدنا عليه ، وكل واحد من ذلك عليه دليل عقليّ يقتضي كونه تعالى
قادرا عليه ؛ والكون يجب أن يقدر عليه ، من حيث ثبتت قدرته على الجواهر التي وجودها
مضمّن بوجوده ، فلا يصحّ أن يوجدها إلّا بأن يوجد فيها الكون. فلو لم يكن قادرا
عليه لم يصحّ منه إيجاد الجوهر ، كما أنّ الواحد منّا لا
يصحّ منه إيجاد
العلم في الميت ، لمّا لم يكن له سبيل إلى إيجاد الحياة فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦٤ ،
١٤)
ـ يجوز في كل قدرة
أن تختصّ بصفة تتميّز بها عن غيرها من القدر ، ويجوز أن لا يكون كذلك ، بأن يجوز
أنّ هذه المقدورات كما تجانست فقد اشتركت أيضا في أنّ القدرة تتعلّق بها أجمع على
سواء ، حتى أنّ ما من مقدور تتعلّق به قدرة فإنّه يتعلّق به أيضا غيرها من القدر.
وإنّما نعلم تميّز بعضها عن بعض بنظر آخر ، وهو إذا علمنا تغاير أعيان المقدورات (ن
، د ، ٣٨٣ ، ١٢)
ـ تكلّموا (الكراميّة)
في مقدورات الله تعالى ، فزعموا أنّه لا يقدر إلّا على الحوادث التي تحدث في ذاته
من إرادته ، وأقواله ، وإدراكاته ، وملاقاته لما يلاقيه. فأمّا المخلوقات من أجسام
العالم وأعراضها فليس شيء منها مقدورا لله تعالى ، ولم يكن الله تعالى قادرا على
شيء منها مع كونها مخلوقة ، وإنّما خلق كل مخلوق من العالم بقوله : "
كن" لا بقدرته (ب ، ف ، ٢٢٠ ، ٧)
ـ إذا أثبتنا
القدرة ، فلنذكر أحكامها. ومن حكمها أنّها متعلّقة بجميع المقدورات ، وأعني
بالمقدورات الممكنات كلّها (غ ، ق ، ٨٢ ، ١)
ـ أكثر المعتزلة :
وهو قادر على فعل القبيح. النظّام ، والجاحظ والأسواري والمجبرة : لا يوصف بذلك.
قلنا : إنّما يمتنع للحكمة لا للعجز إذ هو من جنس المقدورات (م ، ق ، ٩٢ ، ٩)
مقدورات القدر
ـ إنّ مقدورات
القدر متّفقة الأنواع وإن كانت هي في أنفسها مختلفة ، عني القدر. وعلى هذا يتعذّر
على القادرين منّا إيجاد هذه الأجناس فعرفنا أنّ كل قادر بقدرة فيجب فيه أن يكون
سبيله هذا السبيل. ويبيّن هذا أن مخالفة قدرته لقدرنا هي كمخالفة بعض هذه القدر
لبعض. وكان وجوب اتّفاق متعلّقاتها لأمر يرجع إلى أنّها قدر فقط بدلالة أنّ
المعلوم وما شاكلها لا يجب اتّفاق معلوماتها. فثبت من ذلك أنّه لا يصحّ أن يكون
تعالى قادرا بقدرة (ق ، ت ١ ، ١٨١ ، ٣)
ـ إن قيل : فلم
قلتم إنّ مقدورات القدر متجانسة؟ قيل : لأنّ مقدوراتها لو لم تكن متجانسة لم يمتنع
في بعض القادرين أن يتأتّى منه فعل الاعتماد فقط دون الأكوان ، وفي بعضهم أن يتأتى
منه فعل الأكوان دون الاعتمادات ، وفي بعضهم أن تتأتى منه الاعتقادات دون الظنون
والأنظار والإرادات. ومعلوم أنّ كل قادر يتأتى منه بعض هذه الأجناس فإنّه يتأتى
منه سائرها. وما ذاك إلا لأجل أن مقدورات القدر متجانسة (ن ، د ، ٣٧٨ ، ٨)
ـ وبعد فمقدورات
القدر متجانسة. فلو صحّ فعل الجوهر بها لصحّ منّا أن نزيد في الأجسام بما فينا من
القدر لأنّه لا مانع يمنعنا منها. وبيان هذه الجملة نجده مشروحا في كتاب الاعتماد
وكتاب القدر (أ ، ت ، ١١٠ ، ٩)
مقدوران
ـ كل مقدورين ليس
بينهما تعلّق فإنّه يصحّ وجود أحدهما مع عدم الآخر (ن ، د ، ١٤٨ ، ١٧)
ـ الوجود من حيث
هو وجود إمّا خير محض وإمّا لا خير ولا شر انتسب إلى الباري سبحانه إيجادا وإبداعا
وخلقا ، والكسب المنقسم إلى
الخير والشر انتسب
إلى العبد فعلا واكتسابا ، وليس ذلك مخلوقا بين خالقين بل مقدورا بين قادرين من
جهتين مختلفتين ، أو مقدورين متمايزين لا يضاف إلى أحد القادرين ما يضاف إلى
الثاني (ش ، ن ، ٨٢ ، ١٣)
مقروء
ـ أمّا المقروء
بالقراءة فهو المفهوم منها المعلوم ، وهو الكلام القديم الذي تدلّ عليه العبارات ،
وليس منها. ثم المقروء لا يحلّ القارئ ولا يقوم به ، وسبيل القراءة والمقروء كسبيل
الذكر والمذكور (ج ، ش ، ١٢٧ ، ١٦)
ـ أمّا المقروء
فهو كلام الله تعالى ، أعني صفته القديمة القائمة بذاته (غ ، ق ، ١٢٥ ، ٧)
مقض
ـ العبد يجوز عليه
التغيير من حال إلى حال ، فلذلك صفته متغيّرة ، وأمّا قضاء الله وقدره فلا يتغيّر
ولا يتبدّل ، والقضاء صفة القاضي ، والمقضي المكتوب في اللوح المحفوظ ، والقضاء
صفة الرب غير محدثة ، والمقضى محدث ، والحكم غير محدث والمحكوم به غير محدث ،
والمقدور محدث ، وتغيّر المقضى عليه لا يوجب تغيّر القضاء (م ، ف ، ١١ ، ١٥)
ـ إنّ القائل :
" رضيت بقضاء الله تعالى" ، لا يعني به رضاه بصفة من صفات الله تعالى ،
إنّما يريد به رضاه بما يقتضي تلك الصفة ، وهو المقضيّ (ط ، م ، ٣٣٥ ، ٦)
مقطوع وموصول
ـ المقطوع
والموصول ، وذلك قوله لو أنّ رجلا أسبغ الوضوء وافتتح الصلاة ، متقرّبا بها إلى
الله سبحانه ، عازما على إتمامها ، ثم قرأ فركع فسجد مخلصا لله تعالى في ذلك كلّه
، غير أنّه قطعها في آخرها : إنّ أول صلاته وآخرها معصية قد نهاه الله تعالى عنها
وحرّمها عليه ، وليس له سبيل قبل دخوله فيها إلى العلم بأنّها معصية فيتجنّبها (ب
، ف ، ١٦٣ ، ٥)
مقلّد
ـ إنّ المبخّت
والمقلّد قد يعتقدان الشيء على ما هو به ، ولا يكونان عالمين. ولذلك يجدان حالهما
كحال الظانّ والشاك (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ٢٠)
ـ الكلام موضوع
للفائدة. ولا وجه لاختلاف العبارات مع اتّفاقها ؛ لأنّ الفروق إذا عقلت صحّت
التفرقة بين العبارات. فأمّا إذا كان لا فرق البتّة فلا وجه في ذلك ، سيّما إذا لم
يقترن بذلك ما يتّصل بدواعي التكليف. فإذا ثبت ذلك ، وعلمنا أنّ بين أن تسكن نفس
المعتقد إلى معتقده ، وبين ألا تسكن نفسه إليه ، فرقا ، صحّ أن نصف الأول بأنّه
عالم ، والثاني بأنّه معتقد وليس بعالم. ثم وجدنا من لم تسكن نفسه إلى ما اعتقد
يكون معتقده على ما هو به ، وعلى ما ليس هو به ؛ والحكم في ذلك مختلف ، كما أنّ
الحقيقة مختلفة. فوصفنا الأول بأنّه مقلّد أو مبخّت ، والثاني بأنّه جاهل ، ووصفنا
المعاني بحسب ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٨ ، ١)
ـ البصريّة :
المقلّد في معرفة الله ليس مؤمنا. وقيل : مؤمن عندنا ولا يدري ما هو عند الله. البلخيّ
: بل هو مؤمن قطعا إذا وافق الحق لحصول الاعتقاد ولإجماع الصحابة. أبو علي وأبو
هاشم : التقليد ليس بمخلص ، فليس بمؤمن (م ، ق ، ١٣٣ ، ١٨)
مقول
ـ إن قال قائل لم
قلتم أنّ الله تعالى لم يزل متكلما وأنّ كلام الله تعالى غير مخلوق ، قيل له قلنا
ذلك لأنّ الله تعالى قال (إِنَّما قَوْلُنا
لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠ ـ ٤٢).
فلو كان القرآن مخلوقا لكان الله تعالى قائلا له كن ، والقرآن قوله ، ويستحيل أن
يكون قوله مقولا له لأنّ هذا يوجب قولا ثانيا ، والقول في القول الثاني وفي تعلّقه
بقول ثالث كالقول في القول الأول وتعلّقه بقول ثان ، وهذا يقتضي ما لا نهاية له من
الأقوال وذلك فاسد ، وإذا فسد ذلك فسد أن يكون القرآن مخلوقا (ش ، ل ، ١٥ ، ٦)
مقول له
ـ إن قال قائل
أنّه يكون معنى أنّ الله تعالى أراد الشيء أنّه فعله وهو مريد له في الحقيقة بمعنى
أنّه فاعل له ، قيل له لو جاز هذا لقائله لجاز لزاعم أن يزعم أنّ الله عزوجل قائل للشيء في الحقيقة كن ، ويزعم أنّ معنى ذلك أنّه
يكوّنه فيثبت لله تعالى قولا في الحقيقة هو المقول له ، كما زعمتم أنّ لله تعالى
إرادة في الحقيقة هي مراده ، ولو جاز لزاعم أن يزعم هذا لجاز لآخر أن يقول أن علم
الله تعالى بالشيء هو فعله له (ش ، ل ، ١٦ ، ٣)
مقوّم
ـ إطلاق اسم
المقوّم على الأجزاء مخالف للعرف ، فإنّ المقوّم يقال للمحمول الذاتيّ ، والجزء لا
يحمل على كلّه. والذي يصير الشيء المبهم بسببه محصّلا بالفعل ، كالفصل للجنس.
والجزء لا يكون كذلك (ط ، م ، ١٨٣ ، ١٨)
مقيّد
ـ مما يذكرونه من
الفرق بين الكافر والعاجز قولهم أنّ هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا
افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف
الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في
وصفه بذلك مجرّد وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد
بأنّه مخلّى مع أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو زال القيد لصحّ منه المشي.
فكيف ساغ للقوم أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن ثبات القدرة
وعن أمر زائد عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب أن يجوز وصف
العاجز بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به ، فكذلك لا يصحّ وصف
العاجز بأنّه ممنوع ، لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان يصحّ منه
الفعل وحالته تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن أيضا
وإنّما يقال ذلك في المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع عدم
القدرة عنه أن يكون ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل
الممنوع منه ، وهذا يرجع فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق
، ت ٢ ، ٦١ ، ١٤)
مكان
ـ القول في المكان
: اختلفت المعتزلة في ذلك فقال قائلون : البارئ بكل مكان بمعنى أنّه مدبّر لكل
مكان وأنّ تدبيره في كل مكان ، والقائلون
بهذا القول جمهور
المعتزلة" أبو الهذيل" و" الجعفران" و" الاسكافي"
و" محمد بن عبد الوهاب الجبّائي". وقال قائلون : البارئ لا في مكان بل
هو على ما لم يزل [عليه] ، وهو قول" هشام الفوطي" و" عباد بن
سليمان" و" أبي زفر" وغيرهم من المعتزلة (ش ، ق ، ١٥٧ ، ١)
ـ مكان الشيء ما
يقلّه ويعتمد عليه ويكون الشيء متمكّنا فيه (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ١٠)
ـ مكان الشيء ما
يماسّه ، فإذا تماس الشيئان فكل واحد منهما مكان لصاحبه (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ١١)
ـ مكان الشيء ما
يمنعه من الهويّ معتمدا كان الشيء عليه أو غير معتمد (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ١٣)
ـ مكان الأشياء هو
الجوّ ، وذلك أنّ الأشياء كلها فيه (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ١٥)
ـ مكان الشيء هو
ما يتناهى إليه الشيء (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ١٦)
ـ اختلف أهل
الإسلام في القول بالمكان ، فمنهم من زعم أنّه يوصف بأنّه على العرش مستو ، والعرش
عندهم السرير المحمول بالملائكة المحفوف بهم (م ، ح ، ٦٧ ، ١١)
ـ هو بكل مكان ...
وظنّوا أنّ القول بأنّه في مكان دون مكان يوجب الحد ، وكل ذي حد مقصّر عمّا هو
أعظم منه ، وذلك عيب وآفة ، وفي ذلك إيجاب الحاجة إلى المكان ، مع ما فيه إيجاب
الحدّ ؛ إذ لا يحتمل أن يكون أعظم من المكان لما هو سخف في المتعارف أن يختار أحد
مكانا لا يسعه ، فيصير حدّ المكان حدّه جلّ ربنا عن ذلك وتعالى (م ، ح ، ٦٨ ، ٣)
ـ منهم من قال
بنفي الوصف بالمكان ، وكذلك بالأمكنة كلها إلّا على مجاز اللغة بمعنى الحافظ لها
والقائم بها (م ، ح ، ٦٨ ، ١١)
ـ فإنّ في تحقيق
المكان له والوصف له بذاته في كل مكان تمكين الحاجة له إلى ما به قراره على مثل
جميع الأجسام والأعراض التي قامت بالأمكنة وفيها تقلبت وقرّت ، على خروج جملتها عن
الوصف بالمكان ، فمن أنشأها وأمسك كليّتها لا بمكان ، يتعالى عن الحاجة إلى مكان ،
أو الوصف بما عليه العالم : أنّ كليّته لا في مكان ، وأنّه بجزئياته في المكان (م
، ح ، ٦٩ ، ١٣)
ـ إنّ المكان لا
يخلو من أن يكون جسما أو جوهرا. فأمّا العرض فلا يصحّ أن يكون مكانا بحال.
والجواهر والأجسام يصحّ أن يكون بعضها حالّا في بعض (أ ، م ، ٢٧٣ ، ٥)
ـ إنّ المكان ما
كان فيه الكائن بأن يكون فوقه مماسّا له معتمدا عليه (أ ، م ، ٢٧٣ ، ٨)
ـ ذهب شيوخنا إلى
أنّ المكان ما اعتمد عليه الجسم الثقيل على وجه يقلّه. ويمنع اعتماده من توليد
الهويّ (ن ، م ، ١٨٨ ، ٢٢)
ـ قال شيخنا أبو
القاسم إنّ المكان ما أحاط بغيره من جميع جوانبه (ن ، م ، ١٨٨ ، ٢٣)
ـ إنّ المكان
المعهود عندنا هو المحيط بالتمكّن فيه من جهاته أو من بعضها وهو ينقسم قسمين ،
إمّا مكان يتشكّل المتمكّن فيه بشكله كالبرّ أو الماء في الخابية وما أشبه ذلك ،
وإمّا مكان يتشكّل هو بشكل المتمكّن فيه كالماء لمّا حلّ فيه من الأجسام وما أشبهه
(ح ، ف ١ ، ٢٥ ، ٧)
ـ إنّ المكان لا
يكون مع المتمكّن فيه في مكان واحد وهذا يعرف بأوليّة العقل ، ولو كان ذلك لكان
المكان مكانا لنفسه ولما كان واحد منهما أولى بأن يكون مكانا للآخر من الآخر بذلك
، ولا كان أحدهما أولى أيضا بأن يكون متمكّنا
في الآخر من الآخر
فيه وكل هذا فاسد ومحال بالضرورة (ح ، ف ١ ، ٢٦ ، ٢٣)
ـ قال رحمهالله (أبو علي) : ينبني
على هذه الجملة معنى المكان ، وهو عندنا مانع الثقيل من النزول على وجه ثقله عند
اعتماده عليه. وقال أبو القاسم : هو المحيط بغيره من جميع جوانبه ، وهذا خطأ في
العبارة لأنّ أهل اللغة لا يسمّون القميص مكانا للواحد منّا ، مع إحاطته به من
جوانبه. وعلى هذا لا يقولون إنّه تمكّن على القميص ولا يسمّون القلنسوة ، مع
إحاطتها بالرأس ، مكانا ، ولا يقولون في القنديل المعلّق أنّه في مكان ، وإن كان
الهواء محيطا به لمّا لم يكن في شيء من هذه المواضع ، تمكّن على شيء يقلّه (أ ، ت
، ٤٨٤ ، ٣)
ـ بنى أبو القاسم
، رحمهالله ، على قوله إنّ المتحرّك لا يتحرّك إلّا في مكان ، وجعل
المكان ما أحاط بغيره ، فلما قال بذلك زعم أنّ الذي فارق ما أحاط به هو الصفحة
العليا لمفارقتها الهواء المحيط بها دون الأجزاء الباطنة من حيث أنّها لم تفارق ما
أحاط بها ، بل هي بحالها. ونحن لا نقول في المتحرّك أنّه المفارق لما أحاط به ، بل
نعني به أنّه الكائن في جهة عقيب كونه في جهة غيرها ، فيبطل ما بنى عليه. وأما من
جهة الاسم فمعلوم أنّ أهل اللغة يسمّون الطائر متحرّكا في الجو وإن لم يعتقدوا
هناك هواء هو مكان له ، فليست حقيقته إلّا ما قلناه (أ ، ت ، ٤٩٣ ، ١٦)
مكتسب
ـ إذا وجب أن
يعرفه (الفعل المكلّف) فحصول هذه المعرفة تكون له بطريقين : أحدهما بأن يفعل الله
تعالى فيه العلم به وهو الذي نسمّيه ضروريّا. والثاني بأن ينصب له على ذلك دلالة
يستدلّ بها فيفعل هو العلم ، وفي كلّ الوجهين لا بدّ من أن يفعل الله تعالى ما معه
يتمكّن من العلم بصفة ما قد كلّف وإن اختلفت حال هذين العلمين. فإذا كان ضروريّا
تناول جمل الأفعال وأفعالا على أوصاف إنّها إذا كانت بصفة كيت وكيت فهي قبيحة أو
واجبة أو حسنة ، وهذا هو الذي يجري في الكتب أنّ العلم بأصول المقبّحات والمحسّنات
والواجبات ضروريّ. وإذا كان مكتسبا يتناول أعيان الأفعال (ق ، ت ١ ، ٣ ، ٢٥)
ـ قالوا (الجهمية
وأتباعهم) : إنّ العبد يكسب أفعاله ، وإن كانت مخلوقة لله تعالى وحادثة من جهته.
ومنهم من قال : إنّ العبد يفعل ، ومنهم من أبي ذلك. وغرض الكل متّفق في أنّ حدوث
الفعل بالله سبحانه ، وأنّ العبد يكتسب ولا يحدث. وزعموا أنّ العبد يحسن أمره
ونهيه وذمّه ومدحه ، من حيث كان مكتسبا (ق ، غ ٨ ، ٨٤ ، ٤)
ـ أمّا شيخنا أبو
علي ، رحمهالله ، فقد قال في الاكتساب : إنّه الفعل الذي يكتسب به لنفسه
خيرا أو شرّا ، أو ضرّا أو نفعا ، أو صلاحا أو فسادا. والمكتسب غير الاكتساب ،
لأنّ الاكتساب هو تجارته وبيعه وشراؤه ، والمكتسب هو المال ؛ ولذلك لا يوصف تعالى
بالاكتساب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ٦)
ـ إنّ المكتسب ليس
له بكونه مكتسبا حال ، لأنّه لو كان معقولا لما زاد حاله على الحدوث ـ وقد علمنا
أنّ الحدوث لا يوجب للمحدث حالا ، فالكسب إن كان معقولا أولى بذلك ، وهو دون
الحدوث (ن ، د ، ٣٢٠ ، ٧)
ـ قال (الأشعري) :
المكتسب هو المقدور بالقدرة الحاصلة ، والحاصل تحت القدرة الحادثة (ش ، م ١ ، ٩٧ ،
٢)
ـ إنّ الفعل ذو
جهات عقليّة واعتبارات ذهنيّة عامّة وخاصّة كالوجود والحدوث والعرضيّة واللونيّة ،
وكونه حركة أو سكونا وكون الحركة كتابة أو قولا ، وليس الفعل بذاته شيئا من هذه
الوجوه بل هي كلها مستفادة له من الفاعل ، والذي له بذاته هو الإمكان فقط ، وأمّا
وجوده فمستفاد من موجده على الوجه الذي هو به ، وهو أعمّ الوجوه ، وأمّا كونه
كتابة أو قولا فمستفاد من كاتبه أو قائله وهو أخصّ الوجوه ، فيتميّز الوجهان
تميّزا عقليّا لا حسّيّا ، وتغاير المتعلّقان تغايرا سمّي أحدهما إيجادا وإبداعا
وهو نسبة أعمّ الوجوه إلى صفة لها عموم التعلّق ، وسمّي الثاني كسبا وفعلا وهو
نسبة أخصّ الوجوه إلى صفة لها خصوص التعلّق ، فهو من حيث وجوده يحتاج إلى موجد ،
ومن حيث الكتابة والقول يحتاج إلى كاتب وقائل ، والموجد لا تتغيّر ذاته أو صفته
لوجود الموجد ، ويشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل ، والمكتسب تتغيّر ذاته وصفته
لحصول الكسب ولا يشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل (ش ، ن ، ٧٦ ، ١٠)
مكتسب
ـ كثير من"
أهل الإثبات" يقولون إنّ الإنسان فاعل في الحقيقة بمعنى مكتسب ويمنعون أنّه
محدث ، وبلغني أن بعضهم أطلق في الإنسان أنه محدث في الحقيقة بمعنى مكتسب (ش ، ق ،
٥٤٠ ، ٣)
ـ إنّ" يحيى
بن أبي كامل" قال : لا أقول أنّ البارئ يفعل إلّا على المجاز ، ولا أقول أنّ
الإنسان يفعل إلّا على المجاز ، والحقيقة في الإنسان أنّه مكتسب وفي البارئ أنّه
خالق (ش ، ق ، ٥٤٠ ، ١٢)
ـ اختلف الناس في
معنى مكتسب. فقال قوم من المعتزلة : معناه أنّ الفاعل فعل بآلة وبجارحة وبقوّة مخترعة
(ش ، ق ، ٥٤٢ ، ١)
ـ قال"
الجبّائي" : معنى المكتسب هو الذي يكتسب نفعا أو ضررا أو خيرا أو شرّا أو
يكون اكتسابه للمكتسب غيره ، كاكتسابه للأموال وما أشبه ذلك ، واكتسابه للمال غيره
، والمال هو الكسب له في الحقيقة وإن لم يكن له فعلا (ش ، ق ، ٥٤٢ ، ٤)
ـ إذا كان الكسب
دالّا على فاعل فعله على حقيقته ، لم يجب أن يدل على أنّ الفاعل له على حقيقته هو
المكتسب له ، ولا على أنّ المكتسب له على الحقيقة هو الفاعل له على حقيقته ، إذ
كان المكتسب مكتسبا للشيء لأنّه وقع بقدرة له عليه محدثة ، ولم يجز أن يكون ربّ
العالمين قادرا على لا شيء بقدرة محدثة ، فلم يجز أن يكون مكتسبا للكسب وإن كان
فاعلا له في الحقيقة (ش ، ل ، ٤٠ ، ٦)
مكتسبات
ـ ما يحدث من
العلوم عن الحسّ والخبر على هذا الشرط من جملة الضروريّات ، وما يحدث عن النظر من
جملة المكتسبات (أ ، م ، ١٨ ، ٢٢)
مكتوب
ـ اعلم أنّ الذي يبطل
القول بأنّ في المكتوب كلاما وفي المحفوظ كلاما ، أن تبيّن حقيقة
الكتابة وحقيقة
الحفظ. والأصل إنّ للكتابة إمارة ودلالة على هذه الحروف التي ننطق بها. يبيّن هذا
أنّ من عرف المواضعة فيها أمكنه أن يستدلّ بها على هذه الحروف ، ومن لم يعرف
المواضعة فيها لا يمكنه ذلك ، ولو كان هناك كلام لم يقف على العلم بمواضعة ثانية ،
بل كانت المواضعة الأولى على الحروف كافية. ومعلوم أنّ عند العلم بما ذكرناه من
المواضعة على أشكال الحروف تمكن القراءة سواء قدّرنا أنّ هناك كلاما أو لم يكن ،
فلا وجه لإثبات الكلام في المكتوب مع أنّ الحال ما ذكرناه. وليس من الواجب من حيث
أمكنت معرفة مراد المتكلّم بالكتابة أن تثبت في كتابته كلاما. فإنّ ذلك يوجب أن
يكون مع الإشارة ومع عقد الأصابع على ما يتعاطاه الطريقيون كلام من حيث تفهم البعض
عن البعض بذلك غرضه ومراده. وربّما وقعت هذه المواضعة على المشي والخطى ولم يوجب
ثبوت كلام معهما. فلا وجه لما ذهب إليه" أبو علي". وبمثل هذه الجملة
يعرف أنّه لا كلام مع الحفظ ، لأنّ معناه العلم بكيفيّة إيراد الكلام على ضرب من
النظام مع سلامة الآلة. فإذا حصل كذلك أمكنه أن يقرأ سواء تصوّرنا هناك كلاما أو
لم يكن (ق ، ت ١ ، ٣٤٢ ، ١٩)
مكروه
ـ أما الشافعي ،
فإنّه يصف الشيء بأنّه مكروه إذا كان طريق قبحه مقطوعا به (ب ، م ، ٣٦٤ ، ٢١)
ـ المكروه : ما
يثاب تاركه ، ولا يعاقب فاعله (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٧)
مكلّف
ـ العلوم كثيرة
منها اضطرار ، وأنّه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان
الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل ، كنحو تفكّر
الإنسان إذا شاهد الفيل أنّه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته ، فنظر في ذلك وفكّر فيه
حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته ، فإذا تكاملت هذه العلوم
في الإنسان كان بالغا ، ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمّل الله سبحانه له العقل
ويخلقه فيه ضرورة ، فيكون بالغا كامل العقل مأمورا مكلّفا (ش ، ق ، ٤٨١ ، ٥)
ـ أنّ الواجب على
المكلّف. ١ ـ أن يعرف بدء الأوائل والمقدّمات التي لا يتم له النظر في معرفة الله عزوجل وحقيقة توحيده ، وما هو عليه من صفاته التي بان بها عن
خلقه ، وما لأجل حصوله عليها استحق أن يعبد بالطاعة دون عباده. فأول ذلك القول في
العلم وأحكامه ومراتبه ، وأنّ حدّه : أنّه معرفة المعلوم على ما هو به ، فكل علم
معرفة وكل معرفة علم (ب ، ن ، ١٣ ، ١٥)
ـ إنّ المكلّف لا
بدّ من كونه ممكّنا بالآلات التي قد يحتاج إليها في بعض الأفعال ، وهو ما ذكرنا من
قبل أنّ من تمام كونه قادرا أن يتمكّن من الآلة التي يحتاج إليها في الفعل. فيعدّ
ذلك في إزاحة العلّة. وتمكينه منها قد يكون بأن تخلق له إذا لم يجد سبيلا إلى
تحصيلها أصلا نحو اللسان واليد وما أشبههما. وقد يكون ممكّنا منها بأن يقدر على
تحصيلها لنفسه. لكن ذلك إنّما يجوز أن يدخل تحت تكليفه إذا كان له في تكليف ذلك
ضرب من الصلاح (ق ،
ت ٢ ، ٢٦٢ ، ١٥)
ـ من جملة شروط
المكلّف أن تكون له شهوة في القبيح الذي منع من ارتكابه ونفار عمّا كلف الإقدام
عليه من الواجب وما أشبهه. لأنّ متى لم يكن بهذه الصفة لم تثبت عليه مشقّة. ولو لم
يشقّ عليه الفعل أو الكفّ عن الفعل لما صحّ أن يكون معرّضا للثواب ، لأنّه إنّما
يستحقّ الثواب في مقابلة ما يلحقه من المشقّة (ق ، ت ٢ ، ٢٦٣ ، ١٩)
ـ لا بدّ في
المكلّف مع ما ذكرناه من الأوصاف أن تزول عنه الموانع عن الفعل أو ما يجري مجرى
الموانع حتى يكون مخلّى بينه وبين الفعل ، لأنّه لو كان قادرا فقط وهناك مانع له
عن الفعل لم يحسن تكليفه (ق ، ت ٢ ، ٢٦٤ ، ١٧)
ـ ذكر الصفات التي
يجب أن يكون المكلّف عليها ، فجمع ذلك على وجه الجملة بأن قال : إذا حصل له وجوه
التمكين على اختلاف أحواله وحصلت له المعرفة بما كلّف أو التمكين منها وحصلت فيه
المشقّة وحصل له تردّد الدواعي ، فلا بدّ من أن يكلّف (ق ، ت ٢ ، ٣٢٣ ، ١٧)
ـ إنّ المكلّف قد
يكون مكلّفا للعقليات وإن لم يرد عليه السمع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٣٢ ، ١١)
ـ إنّ الواجب متى
أخلّ بفعله مع السلامة ، فلا بدّ من أن يستحقّ العقاب ؛ كما يستحقّه على العقاب ،
فلو ثبت ما قاله لم يخرج المكلّف من أن يكون بمنزلة الممكّن من القبيح في صحّة
كونه مستحقّا للعقاب. وقد صحّ بالدلالة التي نذكرها من بعد أنّ من أخلّ بالواجب
يستحقّ الذمّ بالعقاب ، وإن لم يكن فاعلا لتركه. فيجب على قولنا ألّا يخلو المكلّف
من صحّة استحقاق العقاب كما لا يخلو من ذلك على قول من يحيل كونه مخلّا بالواجب
إلّا بأن يكون فاعلا لتركه (ق ، غ ١١ ، ١٧٠ ، ٣)
ـ المعلوم من حال
المكلّف أنّه يصحّ أنّه يتوصّل قبل أن يعرّضه تعالى بالإرادة والأمر إلى الثواب
والعقاب جميعا وإن لم يكن تعالى معرّضا له (ق ، غ ١١ ، ١٧٧ ، ٣)
ـ ولا بدّ من أن
يكون المكلّف معرّضا للثواب مع فقد اللطف ، ولا يكون المكلّف معرّضا له إلّا بأن
يلطف له في ذلك ، إذا كان في المعلوم ما إذا فعل به أمن عنده ، ولو ثبت أنّ اللطف
لا مدخل له في هذا الباب لم يؤثّر فيما أردنا بيانه ؛ لأنّه لا يجب في التعريض
للثواب أن يكون حسنا على كل وجه (ق ، غ ١١ ، ١٧٧ ، ١٩)
ـ في أنّ علم
الآمر والمكلّف بأنّ المكلّف يطيع ليس بشرط في حسن أمره وتكليفه : اعلم أنّ ذلك لو
كان شرطا في حسن الأمر لما حسن من الواحد منّا أن يأمر غيره بفعل البتّة ، مع شكّه
في العاقبة ، وتجويزه أن يعصى الأمر ويطيع ، وشكّه في هل يبقى إلى وقت الفعل ، أو
يخترم دونه ، أو يبقى ممكّنا ، أو يحال بينه وبين الفعل. وفي علمنا بحسن ذلك ـ والحال
ما قلناه ـ دلالة على أنّ العلم بأنّ المأمور يطيع ليس بشرط في حسن أمره ، فلا
يصحّ أن يقال : إنّه تعالى لا يحسن أن يكلّف من يعلم أنّه يكفر ؛ لعدم هذه الشريطة
(ق ، غ ١١ ، ١٧٩ ، ٥)
ـ اعلم أنّ
المكلّف هو القادر العالم المدرك الحيّ المريد ؛ لأنّه ـ تعالى ـ لا يكلّف الفعل
إلّا القادر على إيجاده ، العالم بكيفيّته ، المريد لإحداثه على وجه دون وجه. ولا
يكون القادر
قادرا إلّا وهو
حيّ. ولا يصحّ أن ينفصل حال الحيّ من غيره إلّا بكونه مدركا للمدركات عند ارتفاع
الموانع ، وبصحّة كونه عالما قادرا. ولا معتبر في هذا الباب بوصفه بأنّه إنسان ؛
لأنّ الملائكة مكلّفة وإن لم توصف بذلك (ق ، غ ١١ ، ٣٠٩ ، ١٣)
ـ إنّ تكليف ما لا
يطاق يقبح ، وأنّ القدرة يجب أن تكون متقدّمة للفعل. فإذا صحّ ذلك وجب كون المكلّف
قادرا قبل الوقت الذي كلّف الفعل فيه ليصحّ منه إيجاد الفعل على الوجه الذي قد
كلّف (ق ، غ ١١ ، ٣٦٧ ، ١٩)
ـ في أنّ المكلّف
يجب أن يكون ممكّنا بالآلات من فعل ما كلّف. قد بيّنا من قبل أنّ الأفعال ما يحتاج
أحدنا في إيجاده على بعض الوجوه إلى آلة ، وبيّنا اختلافها ، واختلاف الوجوه التي
يحتاج إليها فيها. وإذا صحّ ذلك فكما لا يحسن أن يكلّف الفعل إلّا وهو قادر عليه
ليصحّ منه إيجاده ، فكذلك لا يحسن أن يكلّف إلّا وقد أعطي الآلات أو مكّن منها قبل
حال الفعل. وإنّما يحتاج إلى آلة من الفعل يتعذّر إيجاده لولاها ؛ كما يتعذّر
إيجاد الفعل لو لا القدرة السابقة. فكما لا يحسن التكليف ولا قدرة فكذلك لا يحسن
تكليف ما ذكرناه ولا آلة (ق ، غ ١١ ، ٣٧٠ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ
المكلّف كما يحتاج أن يكون ممكّنا من إحداث الفعل بالقدرة والآلات ليصحّ منه إذا
ما كلّف ، فكذلك يحتاج إلى أن يكون عالما بما كلّف وبصفاته ، والفصل بينه وبين
غيره ؛ ليصحّ أن يقصد إلى إحداثه ، وليصحّ أن يعلم أنه قد أدّى ما كلّف. وإن كان
العلم بذلك الشيء مما لا يكون إلّا ضروريّا فلا بدّ من أن يخلقه ـ تعالى ـ فيه.
وإن صحّ كونه مكتسبا حسن من القديم ـ تعالى ـ أن يمكّنه منه ليصحّ أن يعلم ويؤدّي
ما علمه ، على الوجه الذي كلّف. ولذلك قلنا : إنّ المكلّف يجب كونه عالما بما كلّف
، أو ممكّنا من معرفته إذا كان ما كلّفه ممّا يصحّ أن يؤدّيه على الوجه الذي كلّف.
وإن لم يعلمه بعينه بأن يعلم سببه ، فيكون علمه بسببه كالعلم به في أنه يحسن أن
يكلّف معه (ق ، غ ١١ ، ٣٧١ ، ١٨)
ـ قد بيّنا في باب
الصفات أنّ الفعل المحكم لا يصحّ إلّا ممّن هو عالم به قبل إيجاده وفي حال إيجاده.
وما أوردناه هناك يدلّ على ما ذكرناه الآن. هذا إذا كان العلم مما لا يصحّ أن
يكتسبه المكلّف ، وأمّا إذا صحّ أن يكتسبه فيجب أن يكون متمكّنا من العلم بالفعل
في هذه الأحوال حتى يصحّ أن يكلّف. وعلى هذا الوجه جعلنا البرهميّ مكلّفا القيام
بالشرائع لمّا كان ممكّنا من معرفة النبوّة ومعرفة صحّة الشرائع بعدها (ق ، غ ١١ ،
٣٧٥ ، ٧)
ـ أمّا العقل فإنّ
المكلّف يحتاج إليه ؛ لأنّ به يعلم الكثير مما كلّف ؛ نحو وجوب ردّ الوديعة وشكر
المنعم وقبح الظلم وحسن الإحسان ، ويتوصّل به إلى العلم بسائر ما كلّفه عقلا وسمعا
ممّا طريقه الاستدلال ؛ لأنّه لا يصحّ منه أن ينظر في الأدلّة إلّا وهو كامل العقل
وعالم بالأدلّة على الوجه الذي تدلّ. ويحتاج إليه في أداء الأفعال أجمع ؛ لأنّه
متى لم يكن عاقلا لم يصحّ أن يؤدّيها على الوجه الذي يستحقّ بها الثواب والعقاب (ق
، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ٩)
ـ إنّ المكلّف يجب
أن يكون مشتهيا ونافر الطبع ليحسن أن يكلّف (ق ، غ ١١ ، ٣٨٧ ، ٩)
ـ إنّ المكلّف يجب
أن يكون متمكّنا من سبب ما كلّفه ؛ لأنّه لا يجوز أن يكلّف المسبّب ولا
يكلّف السبب. فمتى
بيّنا وجوه كونه متمكّنا من فعل ما كلّف دخل فيه ذلك ، ودخل فيه أنه يجب كونه متمكّنا
من الإرادة إذا كلّف الفعل الذي يقع على بعض الوجوه بالإرادة ؛ لأنّ من حقّ
الإرادة ألّا تحصل جهة لفعله إلا إذا وقعت من قبله ، ولم يكن مضطرّا إليها. وتفارق
العلم في ذلك ؛ لأنّ العلم بالفعل المحكم قد يصحّ وإن كان مضطرّا إلى أن يفعله
وألّا يفعله ؛ فلا يخرج من حيث كان مضطرّا إلى العلم من أن يكون الفعل واقعا من
قبله على طريقة الاختيار. ولو اضطرّه الله ـ تعالى ـ إلى إرادة الخير لم يصحّ أن
يفعل ذلك الفعل منه على خلاف ذلك الوجه. وإذا صحّ أنها إنما تؤثر في أفعاله إذا
كانت من قبله ، دخل ذلك تحت ما بيّناه من التمكين ؛ لأنها كالسبب في هذا الوجه (ق
، غ ١١ ، ٤٠١ ، ٤)
ـ قد يعلم (المكلّف)
السبب وإن لم يعلمه سببا ، لأنّ العلم بأنّه سبب غير العلم بذاته وسائر صفاته.
وهذا بمنزلة ما نقوله من أنّه قد يعرف الدلالة وصفاتها ، وإن لم يعلم أنّها دلالة
؛ لأنّ العلم بأنّها دلالة ، يقتضي العلم بأنّ المدلول على ما دلّت عليه. فكذلك
العلم بأنّ السبب سبب يقتضي أنّه يولّد ويوجب ، والعلم بذاته ووجوده ومفارقته
لغيره لا يقتضي ذلك. فلا يمتنع أن يعرف المكلّف النظر في أنّه مخصوص ، ويميّزه عن
غيره ، وإن لم يعلم فيه أنّه سبب ، وفي المنظور في أنّه دليل ، إلّا بعد اختياره.
وقد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يعلم في النظر أنه يولّد في الجملة ، والذي يمنع منه
أنّه يولّد علما مخصوصا ، لأنّ تقدّم علمه بذلك يغني عن النظر ويمنع منه. فإن أراد
المريد هذا القول ، فقد أجبنا إليه ؛ وإن أراد أنّه يجب أن يعلم عين المعرفة المتولّدة
، فقد ثبت أن فقد العلم بها لا يمنع من صحّة إيجاده للنظر (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٤ ، ١٥)
ـ بيّن (أبو علي)
أنّ المعرفة ، وإن لم يعلم الناظر أنّها تصاب بعينها بالنظر ، فمتى علم من حال
سببها ، وهو النظر ، ما ذكرناه ، فواجب عليه المعرفة بوجوب سببها ، من حيث يجب وجودها
بوجوده وإن لم يكن من قبل عالما بها. وبيّن أنّ ما علم وجوبه من السمعيّات ، أو
بعد ورود السمع من العقليّات ، إنّما يجب على المكلّف لعلمه بقبح تركه. وأنّ هذه
الطريقة قائمة في النظر والمعرفة ، فيجب القضاء بوجوبهما ، وإن لم يرد السمع (ق ،
غ ١٢ ، ٣٢٥ ، ١٤)
ـ الذي لا يسع
المكلّف جهله من ذلك قريب واضح ، لأنّه إذا علم بغير الأحوال على الأشخاص ، علم
أنّ هناك معنى سواه ، وإذا علم أنّه مرة يجتمع ومرّة يفترق ، علم جواز العدم عليها
وأنّه محدثه. وإذا علم أنّ الجسم لا يجوز وهو على ما هو عليه من التحيّز إلّا أن
يكون متجاورا أو مفترقا ، علم أنّه لا يتقدّم الحوادث. وقد تقرّر في عقله أنّ ما
لا يتقدّم جنسين لكل واحد منهما أوّل ، يجب أن يكون له أوّل. وقد علم أنّ الفعل لا
بدّ له من فاعل ، وإن كان محكما ففاعله يجب أن يكون عالما قادرا ويجب أن يكون حيّا
قادرا لم يكن به آفة ، فواجب أن يكون سميعا بصيرا. فإذا لم يكن له فاعل ، فواجب أن
يكون قديما إذا كان موجودا. فمتى علم الأفعال المحكمة ، كخلق الإنسان الذي يتعذّر
على القادر منّا ، علم أنّ فاعله بهذه الصفات. وقد علم في الجملة أنّ القبيح لا
يؤثره العالم بقبحه وبنقص
فاعله ، إلّا عند حاجة
أو تقدير حاجة. وإذا تعالى القديم عن هذه الصفة ، علم أنّه لا يفعل القبيح ، وأنّه
لا يكلّف ما لا يطاق. ولا بدّ من أن يكلّف ويبعث الرسل ، وهذه الأمور واضحة (ق ، غ
١٢ ، ٣٦٩ ، ١٢)
ـ إنّما نذكر
الكلام في الداعي والخاطر لنبيّن أنّ العاقل وإن لم يختلط بمن هذا صفته ، فإنّه
يحصل مكلّفا عند ورود أحدهما. فأمّا في مثل هذه الأحوال وهذا الزمان ، وقد انتشرت
الدعوة وظهرت أمارات الخوف على ألسنة من لا يحصى ولا يعدّ ، فوجوه الخوف الواردة
على من يتكامل عقله أكثر من أن تحصى (ق ، غ ١٢ ، ٣٩٧ ، ٢)
ـ في أنّه تعالى
قد أوجب النظر والمعرفة على المكلّفين. قد بيّنا ، من قبل ، أنّه تعالى إنّما يوجب
الشيء بأن يعرّف المكلّف وجوبه ووجه وجوبه ، أو ينصب له الدلالة على ذلك ويريده
منه. فإذا ثبت ذلك ، وقد بيّنا أنّه تعالى قد عرّفنا وجوب النظر في معرفته تعالى
من حيث قرّر في العقول وجوب التحرّز من المضارّ بالوجه الذي يمكن التحرّز منه. وقد
بيّنا أنّ الخاطر إذا ورد على الوجه الذي فصّلناه في بابه ، يخاف العاقل لا محالة
خوفا لا يتحرّز منه في ظنّه إلّا بالنظر ، فيجب أن يعلم وجوب ذلك عليه ، كما يعلم
بعقله وجوب التحرّز من سائر المضارّ. فإذا صحّ ذلك ، وكان تعالى هو الفاعل لهذه
المعرفة ، فيجب أن يكون هو المكلّف لها. ولا فرق بين كون العلم بوجوب هذا النظر
بعينه ضروريّا أو مكتسبا ، في أنّ على الوجهين جميعا يضاف وجوبه إليه تعالى ؛ فإن
كان في أحد الوجهين أوجبه التعريف ، وفي الوجه الآخر ينصب الدلالة (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٩
، ٣)
ـ إنّ المكلّف وإن
عرف باضطرار ما قلنا إنّه يلزمه من المعارف ، فلن يخرج عن أن يكون تكليفه دائما.
لأنّه يلزمه الامتناع من الظلم والكذب وسائر القبائح ، وعلى النفس في ذلك مشقّة ؛
ويلزمه الإقدام على ما يلزم في العقل ، وإن انضاف إلى ذلك الواجبات الشرعيّة كان
ذلك أعظم ؛ فكيف يمكن القطع على أنّ قدر ما يستحقّ به يجوز التفضل بمثله؟ ويبيّن
ذلك ما نقوله من أنّ المكلّف يجوز أن يقتصر في التكليف على العقليّات. فلو أنّ بعض
من خالف في ذلك وزعم أنّه لا بدّ من شرع ، تعلّق بهذه الدلالة وقال : إنّ قدر ما
يستحقّ بالعقليّات يقلّ ويحسن التفضّل بمثله فلا بدّ من شرع ينضاف إليها ، لكان
إنّما يفسد قوله ما قدّمنا ذكره. فكذلك القول في صحّة ما ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٥١٤ ،
١٧)
ـ إنّ من حقّ
الاعتقاد أن لا يحسن من المكلّف أن يقدم عليه إلّا تابعا لغيره مما يخرج به من أن
يكون في حكم المبخّت الجاهل. ومتى أقدم عليه ، لا على هذا الوجه كان مقدما على
قبيح. كما أن الخبر لا يحسن منه الإقدام عليه ؛ إلّا مع العلم بحال المخبر ، وإلّا
كان في حكم الكاذب. وإنّما يخرج الاعتقاد من أن يكون كذلك ، بأن يقع عن النظر في
الأدلّة ، أو بأن يفعله مع تذكر الأدلّة. لأنّه متى كان كذلك أمن فيه أن يكون جهلا
، ومتى أقدم عليه لا على هذا الوجه لم يأمن كونه جهلا. وقد علمنا أنّه كما يقبح
الجهل ، فكذلك يقبح الإقدام على ما لا يأمنه جهلا ؛ بل لو لم يقبح ذلك ، لم يقبح
الجهل. وذلك لأنّ المكلّف قبل إقدامه على الاعتقادات لا يعرف أنّه جهل ، وإنّما
يعرف ذلك من بعد. فلو لم يقبح الإقدام على ما لا
يأمن فيه ذلك ، لم
يقبح الجهل أيضا. فإذا صحّ ذلك بما ذكرناه وبما قدّمناه من قبل في هذا الكتاب ،
فيجب أن لا يحسن من المكلّف أن يعتقد في الله ، تعالى ، وفي سائر ما يلزم من
التوحيد والعدل ما هو عليه أو خلافه ، إلّا بأن ينظر في الأدلّة ، على ما قدّمناه
، وإلّا لم يأمن كونه جهلا. وهذا قبيح لا يجوز من الحكيم أن يكلّفه العبد ، كما لا
يحسن أن يكلّفه الخبر الذي لا يأمن كونه كذبا (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٧ ، ٧)
ـ في وصف معنى
اللطف بأنّه إزاحة لعلّة المكلّف : اعلم أنّ شيوخنا ، رحمهمالله ، يستعملون ذلك كثيرا في الألطاف على حدّ استعمالهم له في
التمكين ، والوجه في ذلك أنّ المكلّف لمّا احتاج مع التكليف إلى القيام بما كلّف
ليفوز بما عرض له ، وإلى التحرّر من ترك ما كلّف ليتخلّص ويسلم من العقاب ،
واشتدّت حاجته إلى ذلك ، وعلم أن وصوله إلى هذين الغرضين لا يتمّ مع شدّة الحاجة
إلّا بأنواع التمكين ، قيل في المكلّف : إنّه لا بدّ من أن يزيح علّته فيها لكي
يمكنه الوصول إلى هذا الغرض ، وكذلك إذا كان لا يختار ما يكلّف من الواجب
والامتناع من القبيح ، ولا تقوى دواعيه إليه إلّا عند أمر يفعله تعالى أو بتنبيه
له ، فالواجب أن يقال : إنّه تعالى يزيح علّته فيه ؛ لأنّ إزاحة العلّة إنّما
استعمل في الوجه الأوّل للحاجة إلى ذلك ، والحاجة إلى الألطاف على ما بيّناه
كالحاجة إلى التمكين ، فالواجب أن يقال ذلك فيها (ق ، غ ١٣ ، ١٩ ، ٧)
ـ إنّ المكلّف لا يجوز
أن يوجب الفعل إلّا وله وجه وجوب (ق ، غ ١٣ ، ٤٨ ، ٨)
ـ إنّ الواجب على
المكلّف تعالى إزاحة علّة المكلّف بفعل اللطف وبإزالة المفسد (ق ، غ ١٣ ، ٤٩ ، ١٠)
ـ قال (أبو هاشم)
في المكلّف : إذا كان في المعلوم أنّه يؤمن إذا خلق له ولد ، لكن غيره يكفر ، أنّه
مع تكليف ذلك الغير لا يحسن أن يكلّف هذا العبد ، من حيث لا يصحّ أن يفعل به ما
يكون لطفا له. ففرّق بين الأمرين في هذا الباب. فأما شيخنا أبو عبد الله ، رحمهالله ، فقد كان يقول في كل ذلك : إنّه لا يكلّف لأنّ له لطفا لا
يحسن أن يفعل ، ولا يجريه مجرى من لا لطف له (ق ، غ ١٣ ، ٦٧ ، ٦)
ـ إنّه قد صحّ في
المكلّف ، إذا كان لطفه فسادا لغيره ، أنّه لا يحسن أن يكلّف ولا يكون بمنزلة من
لا لطف له. وصحّ أيضا ، فيمن المعلوم أنّه لا لطف له ، أنّه يحسن أن يكلّف. فيجب
أن يحل كل واحد من هذين الأصلين ما تقتضيه الدلالة. وقد علمنا أنّ المكلّف إذا علم
من حاله أنّه يؤمن عند أمر يصحّ دخوله تحت الوجود والحدوث ـ ولولاه كان لا يؤمن ـ فمتى
لم يحدث ذلك من قبل المكلّف يكون قد أتى من قبله لا من قبل نفسه. فكل ما هذا حاله
في ألطافه فيجب أن لا يحسن أن يكلّف (ق ، غ ١٣ ، ٦٨ ، ٤)
ـ لا بدّ في
المكلّف من أن يتردّد بين الشهوة والنفار ، ولو لا ذلك لما صحّت حاله إلى الأكل
والشرب وغير ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٤٢٢ ، ٤)
ـ في أنّه يجب على
المكلّف تعريف المكلّف أحوال هذه الأفعال. إنّما قلنا بوجوب ذلك ؛ لأنّه تعالى ،
لو لم يعرّفه ذلك والمعلوم من حالها ما وصفنا لم يكن مزيحا لعلّته فيما كلّفه ،
ولحلّ محلّ ألّا يمكّنه ، وألّا يخلّي بينه وبين الفعل. وقد بيّنّا ، في" باب
اللطف" ، وجوب ذلك ؛ فلا وجه لإعادته. وبيّنّا ، فيما تقدّم ، أنّه
لا فرق بين أن
يكون اللطف من فعله تعالى ، أو من فعل المكلّف ، في أنّه لا بدّ من وجوبه. وبيّنّا
أنّه ، لو علمه بالعقل لكان لازما له لأمر يتعلّق بما كلّفه ؛ فيجب أن يلزم تعريفه
من جهة السمع (ق ، غ ١٥ ، ٥٠ ، ١٥)
ـ يوصف تعالى
بأنّه مكلّف. وقد بيّنا أنّ المراد بذلك إيجاب ما فيه مشقّة وكلفة ، أو الأمر بذلك
والإرادة له (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٠٠ ، ١٧)
ـ اختلفت القدريّة
في هذا الباب (التكليف). فمن زعم منهم أنّ المعارف ضروريّة زعم أنّ الله تعالى
يخلق في العاقل علما بكل ما يريد أن يكلّفه به من أمره ، فإن لم يخلق له علما بشيء
لم يكن مكلّفا معرفته ولا الاستدلال عليه. وأمّا الذين قالوا منهم بأنّ العلوم
بعضها مكتسب فقد اختلفوا في هذا : فمنهم من قال يلزم العاقل بعد معرفته بنفسه أن
يوافي ، بجميع معارف العدل والتوحيد وكل ما كلّف الله تعالى بفعله ، في الحالة
الثانية من معرفته بنفسه بلا فصل. فإن لم يأت بذلك في تلك الحالة الثانية من
معرفته بنفسه صار عدوّا لله كافرا. هذا فيما يعرفه بعقله ، فأمّا الذي لا يعرفه
إلّا بالسمع فعليه أن يوافي بمعرفته في الحال الثانية من حال سماعه للأخبار ولا
حجّة عليه فيها قبل انتهاء الخبر إليه الذي يقطع العذر. وهذا قول أبي الهذيل. وقال
بشر بن المعمّر (المعتمر) إنّ الحال الثانية حال فكر واعتبار وعليه أن يأتي
بالمعارف العقلية في الحال الثالثة. وزعم أكثرهم أنّ المعارف الكسبيّة لا تصاب (لا
تستفاد) إلّا بعد سبر ونظر ولا بدّ فيها من إمهال إلى مدّة يمكن استدراك (استدلال)
تلك المعارف فيها. وهذا قول الإسكافي وجعفر بن حرب وجعفر بن مبشر والكعبي (ب ، أ ،
٢١١ ، ٢)
ـ من لم يبلغ ليس
مكلّفا ولا مخاطبا (ح ، ف ٤ ، ٤١ ، ٥)
مكلّف بالإرادة
ـ قال شيوخنا رحمهمالله : لو كلّف تعالى من المعلوم أنّه يؤمن ، لقبح ذلك إذا علم
أنّ غيره من المكلّفين يفسد عنده ، ولا يخرج القديم تعالى لو كلّفه من أن يكون
معرّضا له للثواب وأن يستحقّ هو الثواب بفعل الطاعة. ولذلك يشترط في التعريض أنّه
إنّما يحسن متى كان تعريضا لمنافع يحسن من المعرّض أن يتوصّل إليها ؛ لأنّ تعريض
الشيء في حكمه متى انتفى وجوه القبح عنه. ويجري التعريض مجرى الإرادة التي متى
تعلّقت بالحسن كانت حسنة ، متى خلت من وجوه القبح. وإن كنّا قد بيّنا في باب
الإرادة أنّها متى أثّرت في المراد ، وصار بها على وجه يحسن لوقوعه عليه ، فيجب
ألا يحسن لا محالة. فلا يمتنع أن يقال في الإرادة التي هي تعريض المكلّف للوصول
إلى الثواب إنّها بهذه الصفة ، وإنّها إنّما تقبح متى عرض في الفعل المراد ما
يقتضي قبحه : من كونه مفسدة وما شاكل ذلك. وهذه الجملة ، تقتضي أنّه تعالى إنّما
يكون مكلّفا بالإرادة ، والأمر دون إكمال العقل وما شاكله. ولذلك يصحّ منه تعالى
أن يكره منه فعل الطاعة ، وإن أكمل عقله. ولا يجوز أن يكون مكلّفا له الفعل ، مع
كراهته له ، وزجره عنه ؛ كما لا يكون الواحد منّا مكلّفا غيره إلّا بأن يريد ذلك
منه ، ويأمره به ، أو يفعل ما يجري هذا المجرى. ولم نتقصّ هذا الكلام لأنّ ما نريد
بيانه من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر لا يتمّ إلّا به (ق ، غ ١١ ، ١٧٨ ، ١٤)
مكلّف بالتقديم
والفعل
ـ ما لا يتمّ
الواجب المطلق إلّا به وكان مقدورا للمكلّف كان واجبا عليه ، فإنّ الذي كلّفه
الإتيان به كلّفه كيف ما كان ، وهو قادر عليه ، من جهة تقديم ما لا يتمّ ذلك الفعل
إلّا به ، فهو مكلّف بالتقديم أوّلا ، ثمّ بذلك الفعل ثانيا (ط ، م ، ٥٧ ، ١٠)
مكلّف قبل ورود
السمع
ـ المكلّف قبل
ورود السمع (عند العلّاف) : إنّه يجب عليه أن يعرف الله تعالى بالدليل من غير خاطر
، وإن قصّر في المعرفة استوجب العقوبة أبدا. ويعلم أيضا حسن الحسن وقبح القبيح ،
فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل ، والإعراض عن القبيح كالكذب والجور.
وقال أيضا بطاعات لا يراد بها الله تعالى ، ولا يقصد بها التقرّب إليه ؛ كالقصد
إلى النظر الأول ، والنظر الأوّل فإنّه لم يعرف الله بعد ، والفعل عباده. وقال في
المكره : إذا لم يعرف التعريض والتورية فيما أكره عليه فله أن يكذب ، ويكون وزره
موضوعا عنه (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ١١)
مكلّف متصوّر
ـ وبعد ، فإنّ
التصوّر اعتقاد مخصوص ، فإذا صحّ أن يفعل ذلك وإن لم يتقدّم منه تصوّر آخر ؛ فهلا
صحّ أن يبتدئ بالمعرفة من دون أن يتقدّم منه التصوّر؟ وهذا واضح البطلان. على أنّ
العاقل لا يلزمه النظر إلّا وقد تصوّر الاعتقادات كيف تكون ، ومفارقتها في الجملة
لسائر أفعال القلوب وأفعال الجوارح. وإنّما يجب فيمن لزمه الشيء أن يتصوّر ما لزمه
، ويفصل بينه وبين غيره. فأمّا تصوّر سائر ما يتعلّق به ، فغير واجب ذلك فيه. وهذا
الذي ذكرناه الآن ، مما يمكن أن يقوّي به أصل الكلام في تكليف المعارف. وذلك أنّ
سائر ما يكلّف العبد ، لا يجب أن يعرفه بعينه ، ويفصل بين أجناسه وأحواله الراجعة
إلى آحاده. وإنّما ينتفي أن يعرفه بصفة يميّزه بها عن غيره ، لأنّ العلم بحقائق ما
يلزمه من الصلاة والصيام والإرادات والكراهات مما يختصّ به أهل الكلام دون غيرهم
فلا يجوز أن يتعلّق تكليف العقلاء بذلك ، وإنّما يجب أن يعرفوا حمل هذه الأمور
ومفارقتها بالصفات لغيرها ، لأنّ عند ذلك يتمكّنون من أداء ما لزمهم على الحدّ
الذي وجب. فكذلك القول فيمن تلزمه المعرفة أنّه يجب في الجملة أن يكون قد عرف
المعارف وفصل بينها وبين خلافها من الاعتقادات التي لا تسكن نفسه إليها ولا تفارق
حاله بها لحال الظانّ والمبخّت الشاكّ. فإذا علم ذلك في الجملة ، وعلم أنّ كل
اعتقاد يقع على طريقة المعرفة فمن حقّه أن يكون حسنا ، وعلم أنّ ما يقع من خلافه
كالجهل فمن حقّه أن يكون قبيحا ؛ فإذا لزمه النظر وعلم في الجملة أنّ النظر إنّما
يلزم ليوصل به إلى الكشف لا لنفسه ، وعلم أنّه لا يؤدّي إلّا إلى المعرفة أو إلى
ما يجري مجراها ؛ فقد حصل هذا المكلّف متصوّرا ، للفرق بين ما يلزمه وبين ما يقبح
فعله منه على الجملة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٨ ، ٥)
مكلّم
ـ إنّ معمّرا كان
يزعم أنّ الله هو المكلّم بالقرآن وأنّ القرآن قول الله وكلامه ووحيه وتنزيله لا
مكلّم له سواه ولا قائل له غيره ، وأنّ القرآن محدث لم يكن ثم كان (خ ، ن ، ٤٨ ، ٤)
ملائكة
ـ نقل عن المعتزلة
أنّهم قالوا : الملائكة والجنّ والشياطين متّحدون في النوع ، ومختلفون باختلاف
أفعالهم. أمّا الذين لا يفعلون تارة هذا وتارة ذاك ، فهم الجنّ. ولذلك عدّ إبليس
تارة في الملائكة وتارة في الجنّ (ط ، م ، ٢٣٠ ، ١٨)
ـ الملائكة ،
صلوات الله عليهم ، أفضل من الأنبياء ، صلوات الله عليهم. الأشعريّة وغيرهم : بل
الأنبياء أفضل من الملائكة (ق ، س ، ١٣٨ ، ١١)
ملّة الإسلام
ـ إنّ بعض الناس
زعم أنّ اسم ملّة الإسلام واقع على كل مقرّ بنبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنّ كل ما جاء به حقّ كائنا قوله بعد ذلك ما كان ، وهذا
اختيار الكعبيّ في مقالاته (ب ، ف ، ٢٣٠ ، ١٦)
ـ الصحيح عندنا (البغدادي)
أنّ اسم ملّة الإسلام واقع على كل من أقرّ بحدوث العالم ، وتوحيد صانعه ، وقدمه ،
وأنّه عادل حكيم ، مع نفي التشبيه والتعطيل عنه ، وأقرّ ـ مع ذلك ـ بنبوّة جميع
أنبيائه ، وبصحّة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ورسالته إلى الكافة ، وبتأبيد شريعته ، وبأنّ كل ما جاء به
حق ، وبأنّ القرآن منبع أحكام شريعته ، وبوجوب الصلوات الخمس إلى الكعبة ، وبوجوب
الزكاة ، وصوم رمضان ، وحجّ البيت على الجملة ؛ فكلّ من أقرّ بذلك فهو داخل في أهل
ملّة الإسلام (ب ، ف ، ٢٣١ ، ١٤)
ملتذ
ـ اعلم أنّ
الملتذّ إنما يلتذّ بإدراك ما يشتهيه ، فمتى أدرك ما هذه حاله صار ملتذّا. وإنّما
يصير ألما متى أدرك ما ينفر طبعه عنه ، فعند ذلك يوصف بأنه ألم (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٣)
ملجأ
ـ إنّ الملجأ هو
من بلغ داعيه حدّا لا يقابله داع آخر ، ويقع منه ما ألجئ إليه لا محالة (ق ، ش ،
٤٠ ، ١٣)
ـ اعلم أنّ الملجأ
إلى الفعل لا بدّ أن يقع (منه) ما ألجئ إليه ، والملجأ أن لا يفعل لا بدّ من أن لا
يفعله ، وإنّما يتغيّر حاله فيما ذكرناه بأن يتغيّر الإلجاء ، عن أن يكون سببا
لمفارقته فيه أمرا ومفارقة أمره. (و) قد يكون الملجأ إلى الفعل ملجأ إليه ، بأن
يعلم سبب الإلجاء أو يظنّه ، وأحدهما في ذلك يقوم مقام الآخر ، وهذا نحو خوف
الإنسان على نفسه من السّبع المشاهد ، لأنّ ذلك يلجئه إلى الهرب مع السلامة ، ولا
فرق بين أن يعلم منه أنّه لو وقف افترسه ، أو يظنّ ذلك من حاله فيما ذكرناه ، ولو
تعبّده الله بالوقوف وعرّفه أنّ له فيه الثواب العظيم ، لخرج من أن يكون ملجأ ، إن
كان حاله وحال السبع لم تتغيّر ، فيصحّ عند ذلك أن يؤثّر الوقوف. وذلك لو علم
الواحد منّا أنّه لو أراد قتل ملك ، وبين يديه جيشه لحيل بينه وبينه لكان ملجأ إلى
الكف عن ذلك ؛ من حيث علم ، أو غلب على ظنّه اليأس من ذلك ، ولو عرف من نفسه الجوع
الشديد والطعام حاضر لكان ملجأ إلى تناوله مع السلامة. فإن جاز أن يتعبّد بالكف
عنه يتغيّر حال الإنسان (ق ، م ٢ ، ٧١١ ، ٦)
ـ إن قيل : هلّا
جعلتم أفعاله تعالى أجمع بمنزلة فعل الملجأ في أنّه لا يستحقّ به مدحا ؛ لأنّه
ممن لا يشقّ عليه
الفعل ، فإذا علم حسنه ووجوبه ، ودعاه ذلك إلى فعله ، حلّ محلّ أحدنا إذا لم يكن
له إلى الانصراف عن الفعل داع ، ولا عليه فيه مشقّة ؛ وذلك يبطل قولكم إنّ معنى
الإلجاء لا يصحّ في أفعاله؟ قيل له : إنّ الواحد منّا لا يحصل ملجأ إلى الفعل لما
ذكرته ، وإنّما يلجأ إليه ، إمّا لأنّه نفع لا ضرر عليه فيه ، أو يخلص من ضرر عظيم
يعلمه أو يظنّه ، أو لأنّه قد علم أنّه إن حاول خلافه منع منه ؛ فعند ذلك لا
يستحقّ المدح بما يفعله ، وإن كان حسنا. وكل ذلك لا يتأتى فيه تعالى ، لأنّه إنّما
يفعل الفعل لحسنه ، ولنفع غيره ، أو ليضرّ به على وجه الاستحقاق ، إلى ما شاكله
مما سنبيّنه ؛ فيجب أن يكون بمنزلة ما يفعله لحسنه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٣ ، ١٥)
ـ قد صحّ أنّ
الداعي إلى الفعل هو ما عليه الفاعل من كونه عالما ، أو ظانّا ، أو معتقدا. فإذا
علم قبح الفعل ، وثبت أنّ علمه بقبحه لا يجوز أن يدعوه إلى فعله ، بل هو بالضدّ من
الحسن في ذلك ، وعلم أنّه غني عنه ؛ وصحّ أنّ الحاجة هي التي تدعو إلى الفعل ، وأنّ
الغني عنه بالضدّ منها ، فقد حصل والحال هذه في حكم الملجأ إلى أن لا يفعل. فيجب
أن لا يجوز أن يختار الفعل على وجه. كما أنّه مع علمه بما هو عليه في قتل نفسه من
الضرر ، لا يختاره (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ٦)
ـ قد بيّن شيخنا
أبو علي رحمهالله ذلك بأن قال : إنّ الواحد منّا إذا علم أنّه إن حاول قتل
ملك ، قتل دونه ويمنع منه ، فحصل ملجأ إلى أن لا يقتله. فإذا صحّ على هذا الوجه أن
يلجئهم فقد صحّ ما أردناه. وقد ثبت بالدليل أنّه تعالى قادر على أن يضطرّنا إلى
معرفته. وقد بيّنا من قبل أنّ كل جنس يقدر العبد عليه ، وجب كونه تعالى قادرا
عليه. فلا يصحّ أن يقال : إنّ ما يفعله من العلم به ، لا يوصف تعالى بالقدرة على
مثله (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦٧ ، ٨)
ـ لسنا نخرج
الملجأ من أن يكون قادرا على الشيء وضدّه ، وإنّما نقول إنّه يجب أن يختار أحد
مقدوراته لحصول الإلجاء ، كما ذكرناه في الملجأ إلى أن لا يقتل الملك ، وفي الملجأ
إلى اجتلاب المنافع ودفع المضار (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦٧ ، ١٧)
ـ إنّ من حقّ
القادر أن يصحّ حدوث مقدوره ، ولا يجب ؛ لكنّا نعلم أنّه وإن كان كذلك ، فقد تقوى
دواعيه إلى الفعل ، حتى لا يقع منه خلافه ، وإن كان قادرا عليه. وهذا كالملجإ إلى
الهرب من السبع أنّه لا يقع منه الوقوف ، لكنّا نعلم من حاله أنّ ما يقع منه يقع
باختياره ، ولذلك يختار في الهرب سلوك طريق دون غيره. ومعلوم من حاله أنه لو قويت
نفسه القوة التي يظنّ عندها كونه مفارقا للسبع ، أنّه كان يجوز أن يقف ولا يهرب ؛
ولو لم يكن ما يحدثه من فعله ، لم يجب أن يتغيّر بحسب اعتقاداته (ق ، غ ٨ ، ٥٩ ،
١٤)
ـ وبعد ، فإنّه
بألّا يكلّف الشيء لا يصير ملجأ إلى ألّا يفعله ، ولا بأن يعلم بالدليل ألّا يقع
منّا باختيارنا ؛ لأنّ أسباب الإلجاء معقولة ، وليست في هذه الأمور حاصلة (ق ، غ
١١ ، ٢٧٩ ، ١٤)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم ـ رحمهالله ـ في بعض الطبائع
: إن الملجأ هو من دفع إلى ضررين يدفع أعظمهما بأدونهما. ومثّل ذلك بالملجإ إلى
الهرب من السبع ، والملجأ إلى أكل الميتة إذا دفع به الجوع الشديد ، والملجأ إلى
الهرب من العدوّ. وذكر أنّ الإلجاء والاضطرار في
اللغة بمعنى واحد.
وذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ
غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٧٣) ،
وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَا
اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩)
وغير ذلك. وبيّن أن المتكلّمين إنّما فرّقوا بين الضرورة والإلجاء من جهة الاصطلاح
، وإلّا فهما من جهة اللغة لا يختلفان. وذكر أن تحصيل الملجأ أن يفعل به ما يقتضي
الهرب من ضرر آخر لو لم يهرب منه لنزل به (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ٩)
ـ لا شيء مما يصير
عنده ملجأ إلّا وقد يحصل على بعض الوجوه ولا يكون ملجأ ؛ نحو أن يرغّبه الله ـ تعالى
ـ في الوقوف عند السبع بالثواب الجزيل. ولذلك يفترق حال الجبان والشجاع عند الضرب
، فيحصل أحدهما ملجأ إلى البعوث دون الآخر (ق ، غ ١١ ، ٣٩٥ ، ٣)
ـ قال ـ رحمهالله ـ في الأصلح :
الإنسان ملجأ إلى نفع نفسه في بعض الأحوال ، ودفع الضرر عنها وعمن يمسّه أمره ،
وكل ملجأ إلى شيء فلو لم يلجأ إليه لكان واجبا. ولذلك لا يصحّ أن يلجأ إلى الكذب
أو القتل. ومتى حصل في النفع ضرر يسير خرج من باب الإلجاء. ولذلك تجب التوبة مع ما
فيها من زوال الضرر العظيم ولا يكون فاعلها ملجأ إليها ؛ لأنّ ما يزال بها من
الضرر غير حاضر (ق ، غ ١١ ، ٣٩٥ ، ٦)
ـ اعلم أنّ الكلام
في هذه المسألة قد يتعلّق بالعبارة وقد يتعلّق بالمعنى. فالذي يتعلّق منه بالمعنى
أنّ الملجأ إلى فعل الشيء أو إلى ألّا يفعله لا يستحقّ المدح على فعله وألّا
يفعله. ويفارق في ذلك من يفعل الواجب أو يجتنب القبيح ؛ لأنّهما يستحقّان بذلك
المدح (ق ، غ ١١ ، ٣٩٦ ، ٣)
ـ إذا كان ممنوعا
عن الفعل الذي فعله فمعنى الإلجاء فيه زائل ؛ لأنّه إنّما يكون ملجأ من حيث تبلغ
دواعيه في القوّة المبلغ الذي لا يؤثّر سواه عليه مع قدرته على ذلك. وإذا حصل هناك
منع لم يكن السبب الذي له عدل عن إيثار خلافه قوّة الدواعي (ق ، غ ١١ ، ٣٩٧ ، ٥)
ـ إنّ ما يصير
ملجأ إليه ، يصير آكد من الواجب ، وإن فارقه في حكمه ؛ ولا تنتهي سائر الواجبات
إلى هذا الحدّ. وذلك مما يبيّن لك أن هذا الوجه في الوجوب آكد من سائر الوجوه التي
ذكرناها. فإذا صحّ ذلك ، وخاف الضرر إذا هو لم يفعل النظر من وجه صحيح من وجوه الخوف
، وأمّل زوال ذلك بفعل النظر ، فمن حقّه أن يكون واجبا (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٢ ، ١١)
ـ إنّ الملجأ إلى
الفعل لا يختاره لحسنه في عقله ، وإنّما يختاره لوجه الإلجاء ، وكذلك الملجأ إلى
أن لا يفعله ، لأنّه لا يعدل عنه قبحه في عقله ، لكن لوجه الإلجاء ، فقد صار زوال
الإلجاء الداخل في وجه التمكين ، من حيث بيّناه ، وكذلك حصول الشهوة والدواعي
المتردّدة لاحتقان بالتمكين ، لأنّه لا يصحّ أن يفعل على الوجه الذي كلّف إلّا
معهما أو مع أحدهما ، لأنّ المشقّة والكلفة لا تحصل إلّا بهما ، أو بما يجري
مجراهما ، فهذا الشرط جامع لما يتناوله الأمر والنهي ، ثم يختصّ الأمر بأن يكون ما
تناوله حسنا وصلاحا ، إما على وجه يقتضي كونه نفلا ، أو على وجه يقتضي كونه واجبا
، إذا كان من باب الشرعيات ، التي تعرف بالأمر أو الإيجاب ؛ ويختصّ النهي بأن
يتناول ما يكون قبيحا ، ويكون وجه قبحه كونه فسادا ، أو مانعا من الصلاح على ما
بيّناه من قبل (ق ، غ ١٦ ، ٧١ ، ٧)
ـ سؤالهم في
الملجأ ، إذا قالوا إنّ فعله يقع بحسب فعل الملجئ ، فإنّا نقول لهم : لا يقع بحسب
قصده ، بل إنّما يقع بحسب قصده ، إلّا أنّه حصل تطابق بين القصدين والداعيين ،
ولهذا لو تغيّر داعي الملجأ لم يقع منه ما ألجئ إليه (ن ، د ، ٣١٣ ، ٧)
ـ لو جاز أن يكلّف
ما لا تتردّد فيه الدواعي ، لجاز أن يكلّف الملجأ (ن ، م ، ٢٩٣ ، ١٧)
ملجأ إلى ألا يفعل
القبيح
ـ إنّ الملجأ إلى
ألّا يفعل القبيح إنّما لا يفعله لوجه الإلجاء لا لقبحه ، وقد ثبت أن استحقاق
المدح والثواب يتعلّق بالامتناع من القبيح متى كان ما له امتنع منه كونه قبيحا دون
غيره. ولذلك لا يستحقّ أحد المدح لأنّه لم يشرب الخمر لأنّها تضرّه (و) متى لم
يشربها لقبح شربه لها استحقّ المدح (ق ، غ ١١ ، ٤٩٣ ، ١)
ملجأ إلى الفعل
ـ إن الملجأ إلى
الفعل ـ وإن كان نفس الفعل حادثا من جهته عندنا وكسبا له عندهم ـ لا يحسن ذمّه بل
ينتقل الذمّ إلى الملجئ ، وقد كان يصحّ أن لا يختار هذا الفعل بأن تتغيّر حاله في
الدواعي. فإذا لم يحسن ذمّه والحال هذه فبأن لا يحسن ذمّ العبد أصلا وإن كان
مختارا أولى ، لأنّ الله قد خلق فيه ما لا سبيل له إلى الانصراف عنه من نفس الكفر
وقدرته وإرادته الموجبتين له ، من حيث أنّ هذا الذي قد حصل فيه من جهة الله تعالى
أقوى من الإلجاء. فإذا زال الذمّ عنه إلى من ألجأه فهلّا زال الذمّ عن العبد إليه
تعالى (ق ، ت ١ ، ٣٩٠ ، ٦)
ملجأ بطريقة
المنافع ودفع المضار
ـ أمّا الملجأ فعلى
ضربين : أحدهما أن يكون ملجأ بطريقة المنع ، والثاني أن يكون ملجأ بطريقة المنافع
ودفع المضارّ. فمن كان ملجأ بطريقة المنع فهو بأن يعلم أو يظنّ ظنّا غالبا أنّه إن
حاول فعل قبيح أو انصراف عن واجب حيل بينه وبينه ، على مثل ما يعلم من حال من
يحاول سلطانا وقد علم أنّ جنده محيطون به على وجه يدفعون عنه لأنّه والحال هذه
يصير ملجأ إلى أن يهمّ بذلك. وعلى هذا أجرى شيوخنا رحمهمالله حال أهل الجنّة في كونهم ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح.
والطريقة الثانية في الإلجاء أن يعلم المرء أو يغلب في ظنّه انتفاعه على وجه يخلص
أو دفعه للمضرّة عن نفسه على هذا الوجه مع شدّة الحاجة وزوال وجوه الشبه واللبس ،
على نحو ما يعلم من حال الجائع الشديد الجوع وقد حضره طعام يشدّ به جوعه وليس عليه
في ذلك شبهة ولا وجه من وجوه الصوارف. وعلى نحو هذا تكون أحوال أهل الجنّة في
تصرّفاتهم التي ينتفعون بها. وكما ثبتت هذه الطريقة في تحصيل المنافع فكذلك في دفع
المضارّ ، على ما نعلمه من حال الهارب من السبع الذي يعلم أو يظنّ افتراسه (ق ، ت
٢ ، ٣٢٠ ، ١٢)
ملجأ بطريقة المنع
ـ أمّا الملجأ
فعلى ضربين : أحدهما أن يكون ملجأ بطريقة المنع ، والثاني أن يكون ملجأ بطريقة المنافع
ودفع المضارّ. فمن كان ملجأ بطريقة المنع فهو بأن يعلم أو يظنّ ظنّا غالبا أنّه إن
حاول فعل قبيح أو انصراف عن واجب حيل بينه وبينه ، على مثل ما يعلم من حال من
يحاول
سلطانا وقد علم
أنّ جنده محيطون به على وجه يدفعون عنه لأنّه والحال هذه يصير ملجأ إلى أن يهمّ
بذلك. وعلى هذا أجرى شيوخنا رحمهمالله حال أهل الجنّة في كونهم ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبيح.
والطريقة الثانية في الإلجاء أن يعلم المرء أو يغلب في ظنّه انتفاعه على وجه يخلص
أو دفعه للمضرّة عن نفسه على هذا الوجه مع شدّة الحاجة وزوال وجوه الشبه واللبس ،
على نحو ما يعلم من حال الجائع الشديد الجوع وقد حضره طعام يشدّ به جوعه وليس عليه
في ذلك شبهة ولا وجه من وجوه الصوارف. وعلى نحو هذا تكون أحوال أهل الجنّة في
تصرّفاتهم التي ينتفعون بها. وكما ثبتت هذه الطريقة في تحصيل المنافع فكذلك في دفع
المضارّ ، على ما نعلمه من حال الهارب من السبع الذي يعلم أو يظنّ افتراسه (ق ، ت
٢ ، ٣٢٠ ، ١١)
ملحد
ـ ألحد فلان في
قوله وألحد في دينه ، ومنه الملحد لأنّه أمال مذهبه عن الأديان كلها لم يمله عن
دين إلى دين (ز ، ك ٢ ، ٤٢٩ ، ١٤)
ملك
ـ إنّما الملك هو
الأمر والنهي ، لا المال والسعة والجدة ، كما قال ، عزوجل ، عند ما قالوا : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ
الْمُلْكُ عَلَيْنا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً
مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي
الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ) (البقرة : ٢٤٧) ،
فقد بيّن ، عزوجل ، في هذه الآية ، أنّ الملك هو الأمر والنهي ، لا سعة
المال (ي ، ر ، ٧٨ ، ١)
ـ قد بيّنا من قبل
أنّ الملك هو القدرة ، وأنّ المالك هو القادر ، فكلّ من قدر على شيء ولم يكن لأحد
منعه منه على الوجه الذي يقتضي قدرته التعرّف فيه وصف بهذه الصفة. ولذلك وصف تعالى
بأنّه مالك لم يزل ، ووصف نفسه بأنّه مالك يوم الدين ؛ وبيّنّا أن وصفهم لسيّد
العبد بأنّه مالكه قد حذف منه ذكر التصرّف ؛ لأنّ ملك العتق لا يعقل له معنى إذا
لم يصرف ذلك إلى التصرّف المخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ١١)
ـ حقيقة الملك ،
وأنّه ليس المعتبر فيه بالتمكّن واحتواء اليد عليه فقط. فإذا ثبت ذلك ، فالواجب
على التائب أن ينظر فيما حازه ، فإن كان مما يحلّ له أن يمسكه ويتصرّف فيه ، صحّت
توبته ، وإن كان مما يجب فيه إزالة أو تلاف ، فالواجب أن يفعله ، ولذلك ذكرناه في
هذا الباب في جملة التوبة ، لشدّة تعلّقه بها. واعلم أنّ سبب الملك قد يكون معلوما
بالعقل والسمع ، لأنّ الدليل قد دلّ في الميراث والغنائم وما شاكله ، أنّهما سبب
الملك ، كما دلّ الدليل في التكسّب وتناول المباحات وحيازتها ، أنّه سبب الملك.
فإذن يجب النظر في الوجهين ، فما ثبتت اليد عليه بأحد السببين ، صار ملكا ، وما
خرج عن ذلك خرج عن الملك. وهذه العقود التي نملك بها ، لا بدّ من اعتبار شرائط
فيها ، وفي بعضها وفاق ، وفي بعضها خلاف ، فلا بدّ من النظر في ذلك ، كما لا بدّ
من النظر في أحوال من تملّك من جهته ، وفيما يلزم أن يفعله المرء بملكه ، من تقديم
حق على حق ، فلا بدّ من اعتبار ذلك فيما تحتوي يده عليه ، كما لا بدّ من اعتبار
الظاهر فيما يتناول من جهة الغير (ق ، غ ١٤ ، ٤٥١ ، ٣)
ـ إنّ الملك على
الحقيقة له ، لأنّه مبدئ كل شيء ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه ، وكذلك الحمد
لأنّ أصول النعم وفروعها منه ، ملك غيره فتسليط منه واسترعاء ، وحمده اعتداد بأنّ
نعمة الله جرت على يده (ز ، ك ٤ ، ١١٢ ، ١٨)
ـ الملك ويقال له
الجدّة أيضا وهو كون الشيء محاطا بغيره الذي ينتقل بانتقاله (ف ، م ، ٧٠ ، ٩)
ـ كون الشيء محاطا
بشيء آخر بحيث ينتقل المحيط بانتقال المحاطة به وهو الملك (ف ، أ ، ٢٧ ، ٥)
ـ أمّا العرض فإن
اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو
متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن
يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى
بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦١ ، ٢١)
مماثلة
ـ إنّ الشيء يماثل
ما يماثله لنفسه ، فيراعى في حكم المماثلة صفات الأنفس ، فالطوارئ الجائزة لا تحيل
صفات الأنفس (ج ، ش ، ٥٦ ، ١٥)
ـ إنّ المماثلة من
حقيقتها تساوي المثلين الموصوفين بها في جميع صفات النفس (ج ، ش ، ٥٨ ، ٤)
ـ المخالفة لا
تقتضي الاختلاف في جميع الصفات ؛ إذ لا تتحقّق المخالفة إلّا بين موجودين ، فمن
ضرورة إطلاق المخالفة التعرّض لاشتراك المختلفين في الوجود. فلمّا اقتضت المماثلة
تعميم الاشتراك في صفات النفس لم نطلقها ، والاختلاف ليس من موضوعه التباين في كل
الصفات (ج ، ش ، ٥٨ ، ٧)
ـ إنّ المماثلة
مشاركة في بعض الأوصاف (ز ، ك ١ ، ٤٣٣ ، ١٧)
مماسة
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا
ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث
وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا
لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)
ـ إنّ المماسّة
معتبرة ، ومعلوم أنّ اعتبارها لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الاعتماد ، لأنّا نعلم
أنّ الجوهر والكون في حصولهما لا يحتاجان إليه ، فإذا كان راجعا إليه فلا يخلو :
إما أن يكون راجعا إليه في توليده ، أو راجعا إليه في وجوده. ومعلوم أنّه لا يجوز
أن يرجع إلى التوليد ، لأنّ التوليد إنّما يكون في الثاني ؛ وفي تلك الحال لا يحتاج
إلى الاعتماد ، فضلا من أن يقال إنّه يحتاج إلى الشرط ، فلهذا أنّه يجوز أن يكون
الاعتماد معدوما حال ما يتولّد عنه ما يتولّد. ولم يبق إلّا أن يكون راجعا إلى
حدوثه على وجه يتولّد عنه ما يتولّد. فإذا ثبت أنّ الشرط في توليد الاعتماد لما
يولّده هو أن يكون محلّه مماسا لمحل ما يتولّد فيه الكون من الكون ـ ومماسة
المعدوم محال (ن ، د ، ٤٤٣ ، ٨)
ـ إنّ المصاكة هي
مماسّة واقعة على وجه ، وهو
أن تكون بين جسمين
صلبين عقب حركات متوالية ، أو حركات يقلّ السكون في أثنائها. وقد ثبت أنّ المماسّة
لا تولّد الصوت. إذ لو ولّدته لوجب أن تولّده بحيث هي ، وهي بحيث المحلين ، ولو
وجد الصوت بحيث هما لكان من جنس المماسّة. ولا يجوز أن يكون الصوت بصفة التأليف ،
لأنّ التأليف كلّه جنس واحد ، والأصوات فيها مختلف ومتماثل (ن ، م ، ١٥٦ ، ١٥)
ـ ذكر ابن كرّام
في كتابه أنّ الله تعالى مماسّ لعرشه ، وأنّ العرش مكان له ، وأبدل أصحابه لفظ
المماسّة بلفظ الملاقاة منه للعرش ، وقالوا : لا يصحّ وجود جسم بينه وبين العرش
إلّا بأن يحيط العرش إلى أسفل ، وهذا معنى المماسة التي امتنعوا من لفظها (ب ، ف ،
٢١٦ ، ١٩)
ممتنع
ـ الذي نثبّته أنّ
الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود
وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد
من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه
الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى
الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد
بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى ، وانحرف
كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ٩)
ـ أما عبّاد فإنّه
زعم أنّ ما علم الله أنّه يكون فهو واجب ، وما علم أنّه لا يكون فهو ممتنع ،
والواجب والممتنع غير مقدور (ف ، م ، ١٣٣ ، ٢٢)
ـ إنّ الموجود
والمعدوم عندهم ليسا بمتناقضين ، فإنّ طرفي النقيض يجب أن يقتما للاحتمالات ،
وعندهم الممتنع ليس بموجود ولا معدوم ، والحال ليس بموجود ولا معدوم (ط ، م ، ٨٦ ،
١٥)
ممتنع الكون لا
باعتبار ذاته
ـ لا بدّ من
الإشارة إلى دقيقة وهي : أنّ ما علمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو
ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع الضدّين ، وكون الشيء الواحد في آن واحد في
مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ،
وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو
لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا
لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا
محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق
القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن
، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ،
والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ،
٢)
ممتنع الكون لنفسه
ـ لا بدّ من
الإشارة إلى دقيقة وهي : أنّ ما علمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو
ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع الضدّين ، وكون
الشيء الواحد في
آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار
أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم
الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن
يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ،
فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن
تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ
ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة
به ، والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ،
٨٧ ، ١)
ممدوح
ـ صحّ بالضرورة
التي لا محيد عنها أنّه ليس في العالم شيء محمود ممدوح لعينه ولا مذموم لعينه ولا
كفر لعينه ولا ظلم لعينه ، وأمّا ما لا يقع عليه اسم طاعة ولا معصية ولا حكمها وهو
الله تعالى فلا يجوز أن يوقع عليه مدح ولا حمد ولا ذمّ إلّا بنصّ من قبله ، فنحمده
كما أمرنا أن نقول الحمد لله ربّ العالمين ، وأمّا من دونه ممّن لا طاعة تلزمه ولا
معصية كالحيوان من غير الملائكة وكالحور العين والإنس والجنّ وكالجمادات فلا
يستحقّ حمدا ولا ذمّا لأنّ الله لم يأمر بذلك فيها. فإن وجد له تعالى أمر بمدح شيء
منها أو ذمّه وجب الوقوف عند أمره تعالى ، كأمره تعالى بمدح الكعبة والمدينة
والحجر والأسود وشهر رمضان والصلاة وغير ذلك ، وكأمره تعالى بذم الخمر والخنزير والميتة
والكنيسة والكفر والكذب وما أشبه ذلك ، وأمّا ما عدا هذين القسمين فلا حمد ولا ذمّ
، وأمّا اشتقاق اسم الفاعل من فعله فكذلك أيضا ولا فرق ، وليس لأحد أن يسمّي شيئا
إلّا بما أباحه الله تعالى في الشريعة أو في اللغة التي أمرنا بالتخاطب بها (ح ، ف
٣ ، ٧٢ ، ١٥)
ممكن
ـ الواجب في العقل
على جهة لا يجوز مجيء الخبر بغيره ، وكذلك الممتنع ، ويجيء في الممكن ؛ إذ هو
المنقلب من حال إلى حال ، ويد إلى يد ، وملك إلى ملك ، وفي ذلك ليس في العقل إيجاب
جهة ولا امتناع من جهة فتجيء الرسل ببيان الأولى من ذلك في كل حال (م ، ح ، ١٨٤ ،
٥)
ـ الإمكان مستمرّ
أبدا ، والقدرة واسعة لجميع ذلك ؛ وبرهان هذه الدعوى وهو عموم تعلّق القدرة ، أنّه
قد ظهر أنّ صانع العالم واحد. فإمّا أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة ، والمقدورات
لا نهاية لها ، فيثبت قدر متعدّدة ، لا نهاية لها وهو محال ، لما سبق في إبطال
دورات لا نهاية لها. وإمّا أن تكون القدرة واحدة ، فيكون تعلّقها مع اتحادها بما
يتعلّق به من الجواهر ، والأعراض مع اختلافها ، لأمر تشترك فيه ، ولا يشترك في أمر
سوى الإمكان ؛ فيلزم منه أنّ كلّ ممكن ، فهو مقدور لا محالة ، وواقع بالقدرة (غ ،
ق ، ٨٢ ، ٩)
ـ إنّ العالم مثلا
، يصدق عليه أنّه واجب ، وأنّه محال ، وأنّه ممكن. أمّا كونه واجبا ، فمن حيث أنّه
إذا فرضت إرادة القديم موجودة ، وجودا واجبا ، كان المراد أيضا واجبا
بالضرورة ، لا
جائزا ، إذ يستحيل عدم المراد مع تحقّق الإرادة القديمة. وأمّا كونه محالا ، فهو
أنّه لو قدّر عدم تعلّق الإرادة بإيجاده ، فيكون لا محالة حدوثه محالا ، إذ يؤدّي
إلى حدوث حادث بلا سبب ، وقد عرف أنّه محال. وأمّا كونه ممكنا فهو بأن ينظر إلى
ذاته فقط ، ولا يعتبر معه لا وجود الإرادة ، ولا عدمها ، فيكون له وصف الإمكان
فإذا الاعتبارات ثلاثة : الأول أن يشترط فيه وجود الإرادة ، وتعلّقها فهو بهذا
الاعتبار واجب. الثاني أن يعتبر فقد الإرادة ، فهو بهذا الاعتبار محال. الثالث أن
يقطع الالتفات إلى الإرادة ، والسبب ، فلا يعتبر وجوده ، ولا عدمه ؛ ومجرّد النظر
إلى ذات العالم. فيبقى له بهذا الاعتبار الأمر الثالث ، وهو الإمكان ونعني به أنّه
ممكن لذاته ، أي إذا لم نشترط غير ذاته كان ممكنا (غ ، ق ، ٨٤ ، ٨)
ـ نقول كل متغيّر
أو متكثّر فهو ممكن الوجود باعتبار ذاته ، وكل ممكن الوجود باعتبار ذاته فوجوده
بإيجاد غيره ، فكل متغيّر أو متكثّر فوجوده بإيجاد غيره (ش ، ن ، ١٥ ، ١١)
ـ الممكن معناه
أنّه جائز الوجود وجائز العدم ، فيستوي طرفاه أعني الوجود والعدم باعتبار ذاته ،
فإذا وجد فإنّما يوجد باعتبار موجده ، ولو لا موجده لما استحقّ إلّا العدم ، فهو
إذا مستحقّ الوجود والعدم بالاعتبارين المذكورين (ش ، ن ، ١٨ ، ٩)
ـ إنّ الممكن معناه
أنّه جائز وجوده وجائز عدمه ، لا جائز وجوبه وجائز امتناعه ، وإنّما استفاد من
المرجّح وجوده لا وجوبه. نعم لمّا وجد عرض له الوجوب عند ملاحظة السبب ، لأنّ
السبب أفاده الوجوب حتى يقال وجب بإيجابه ، ثم عرض له الوجوب بل أفاده الوجود ،
فصحّ أن يقال وجد بإيجاده وعرض له الوجوب ، فانتسب إليه وجوده ، إذ كان ممكن
الوجود لا ممكن الوجوب ، وهذه دقيقة لطيفة لا بدّ من مراعاتها (ش ، ن ، ٢١ ، ٢)
ـ الذي نثبّته أنّ
الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود
وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد
من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه
الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى
الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد
بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى ، وانحرف
كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ٩)
ـ الممكن لا يوجد
ولا يعدم إلّا بسبب منفصل (ف ، م ، ٦٢ ، ١٨)
ـ الممكن حال
بقائه لا يستغني عن المؤثّر (ف ، م ، ٦٦ ، ٢٢)
ـ إنّ قولنا
الممكن قابل للوجود والعدم لا نعني به أنّ تلك الماهيّة متقرّرة حالة الوجود
والعدم ، بل نعني به أنّ الماهيّة لا يمتنع في العقل بقاؤها كما كانت ولا يمتنع في
العقل بطلانها (ف ، م ، ١٠٩ ، ٢٠)
ـ إنّ قدرة الله
تعالى صفة قديمة واجبة الوجود فيجب تعلّقها بكل ما يصحّ أن يكون مقدورا ، وإلّا
لزم افتقارها في ذلك الاختصاص إلى المخصّص ، لكن المصحّح للمقدوريّة وهو الإمكان.
فهذا يقتضي أن يكون كل ممكن
مقدور الله تعالى (ف
، س ، ١٥٦ ، ١١)
ـ من اشتراك لفظ
الممكن ؛ إذ قد يطلق على ما ليس بممتنع وعلى ما لا ضرورة في وجوده ولا في عدمه ؛
فالاعتبار الأوّل أعمّ من الواجب بذاته ، والثاني مباين له (م ، غ ، ٢٣ ، ١)
ـ إنّ الممكن ما
لا يتمّ وجوده ولا عدمه إلّا بأمر خارج عن ذاته ، وهو متوقّف في كلا طرفيه عليه ،
وذلك قد يكون فاعليّا ، وقد يكون قابليّا ، وهو أعمّ من الفاعل (م ، غ ، ٤٢ ، ٦)
ـ إنّ ما علمه
الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع
الضدّين ، وكون الشيء الواحد في آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون
لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم
أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما
كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم
بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ
من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا
يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من
حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ، والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن
التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ، ٦)
ـ الممكن صالح أن
تتعلّق به القدرة ، من حيث هو كذلك. ولا معنى لكونه مقدورا غير هذا. وإطلاق اسم
المقدور عليه بالنظر إلى العرف ، وإلى الوضع ـ باعتبار هذا المعنى ـ غير مستبعد.
وإن كان وجوده ممتنعا باعتبار غيره. وأمّا إن أريد به أنّه غير مقدور ؛ بمعنى أنّه
يلزم منه المحال باعتبار أمر خارج. أو أنّه لم تتعلّق به القدرة ، بمعنى أنّها لم
تخصّصه بالوجود بالفعل ، فهو وإن كان مخالفا للإطلاق فلا مشاحة فيه ، إذ المنازعة
فيه لا تكون إلّا في إطلاق اللفظ ، لا في نفس المعنى (م ، غ ، ٨٧ ، ١٠)
ـ إنّ الممكن غير
الذهن فلا يحصل وصفه فيه ، إلّا أن يقال العلم به (خ ، ل ، ٥٦ ، ١٨)
ـ خواصّ الممكن أ
: إنّه لا محال في فرض وجوده أو عدمه وإلّا فهو واجب لذاته. ب : إنّهما بسبب منفصل
، لاستواء نسبتهما إليه (خ ، ل ، ٥٨ ، ١٧)
ـ أمّا الممكن
فينقسم عندهم إلى حال ـ فإن قوّم محلّه فصورة ـ أو تقوّم به ، فعرض ـ وإلى محلّ.
فالمتقوّم هيولى ، والمقوّم موضوع ، فهو أخصّ ، فعدمه أعمّ ؛ وإلى ما ليس واحدا
منهما ، ـ فإن تعلّق بالجسم للتدبير ، فنفس ؛ وإلّا فعقل (خ ، ل ، ٦١ ، ١٤)
ممكن لذاته
ـ الممكن لذاته هو
الذي لا يلزم من فرض وجوده ولا من فرض عدمه من حيث هو محال (ف ، م ، ٥٩ ، ٢٣)
ـ الممكن لذاته
متساوي الطرفين (ف ، م ، ٦٦ ، ١)
ـ رجحان الممكن
لذاته مسبوق بوجوب وملحوق بوجوب (ف ، م ، ٦٦ ، ٩)
ـ الممكن لذاته لا
بدّ وأن يكون نسبة الوجود والعدم إليه على السويّة ، إذ لو كان أحد الطرفين أولى
به ، فإن كان حصول تلك
الأولويّة يمنع من
طريان العدم عليه فهو واجب لذاته ، وإن كان لا يمنع فليفرض مع حصول ذلك القدر من
الأولوية تارة موجودا وأخرى معدوما ، فامتياز أحد الوقتين عن الآخر بالوقوع ، إن
لم يتوقّف على انضمام مرجّح إليه ، لزم رجحان الممكن المتساوي ، لا لمرجّح ، وإن
توقّف على انضمامه إليه لم يكن الحاصل أولا كافيا في حصول الأولويّة ، وقد فرضناه
كافيا ، هذا خلف ، فثبت أنّ الشيء متى كان قابلا للوجود والعدم ، كان نسبتهما إليه
على السويّة (ف ، أ ، ٢٥ ، ١٥)
ـ لمّا كان الممكن
لذاته لا ينفكّ عن الوجود أو عن العدم فهو لا ينفكّ في كلّ واحد من حالتيه عن هذين
الوجوبين لوجوده أو لعدمه ، وهو لا يقتضي شيئا منهما كما لا يقتضي أحد الطّرفين
لذاته (ط ، م ، ١١٩ ، ٢٣)
ممكن محال
ـ يجوز أن يكون
الشيء الواحد ممكنا محالا ، ولكن ممكنا باعتبار ذاته محالا باعتبار غيره ، ولا
يجوز أن يكون ممكنا لذاته محالا لذاته ، فهما متناقضان ؛ فيرجع إلى خلاف المعلوم (غ
، ق ، ٨٥ ، ٢)
ممكنات
ـ لا يخفى أنّ
الممكنات كلّها لا نهاية لها ، فلا نهاية إذا للمقدورات ، ونعني بقولنا لا نهاية
للممكنات ، أنّ خلق الحوادث بعد الحوادث لا ينتهي إلى حد ، يستحيل في العقل حدوث
حادث بعده (غ ، ق ، ٨٢ ، ٢)
ـ إنّ الموجودات
في الحال ، وإن كانت متناهية فالممكنات في الاستقبال غير متناهية ، ونعلم الممكنات
التي ليست بموجودة ، أنّه سيوجدها أم لا يوجدها ، فيعلم إذا ما لا نهاية له ، بل
لو أردنا أن تكثر على شيء واحد وجوها من النسب ، والتقديرات لخرج ذلك عن النهاية ،
والله تعالى عالم بجميعها (غ ، ق ، ١٠٠ ، ٥)
ممكّنون
ـ فانظر إلى قوله
: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتابِ) (المائدة : ٦٥) ، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) (الأعراف : ٩٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ
وَالْإِنْجِيلَ) (المائدة : ٦٦) ، (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا) (النساء : ٦٦).
وهذا في القرآن كثير يدل عند أهل اللغة والمعرفة والنصفة على أنّهم ممكّنون مفوضون
قادرون على ما أمروا به من العمل به والترك لما نهوا عنه ، وكثير ممّا في كتاب
الله ، عزوجل ، يشهد لنا بما قلنا (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٩)
ممنوع
ـ اختلفت المعتزلة
في الممنوع هل هو قادر أم لا على أربعة أقاويل : فقال قائلون : إذا منع الإنسان من
المشي بالقيد ومن الخروج من البيت بغلق الباب فهو قادر على ذلك مع المنع بالقيد
وغلق الباب ، [فالمنع] لا يضادّ القدرة. وقال آخرون : القدرة فيه ولكن لا نسمّيه
قادرا على ما منع منه. وقال قائلون : بل نقول إنّه قادر إذا حلّ وأطلق. وقال"
جعفر بن حرب" الممنوع قادر وليس يقدر على شيء ، كما أنّ المنطبق جفنه بصير
ولا يبصر (ش ، ق ، ٢٤٠ ، ٧)
ـ الممنوع متناهي
المقدور قادر بقدرة ، والقادر بالقدرة لا يكون إلّا جسما ، وخالق العالم لا يجوز أن
يكون جسما (ق ، ش ، ٢٧٨ ، ١٤)
ـ إنّ القادر له
حالتان : حالة يصحّ منه إيجاد ما
قدر عليه ، وحالة
لا يصحّ ذلك ؛ والأسماء تختلف عليه بحسب اختلاف هاتين الحالتين ، ففي الحالة
الأولى يسمّى مطلقا مخلّى ، وفي الثانية يسمّى ممنوعا (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ١٠)
ـ إنّ الممنوع لا
يكون ممنوعا إلّا بمنع (ق ، ش ، ٣٩٣ ، ١١)
ـ أمّا الممنوع
فإنّه يستعمل فيمن يكون قادرا ثم يتعذّر عليه الفعل لأمر من الأمور على وجه لولاه
لصحّ منه ذلك الفعل وحالته تلك ، والعاجز غير قادر على الإيمان البتّة ، فكيف يصحّ
وصفه بالمنع؟ (ق ، ش ، ٤٠٤ ، ١٩)
ـ إنّ الممنوع
كالمخلّى في كونهما قادرين وفي تعلّق قدرتهما بذلك المقدور. وإنّما لا يصحّ في
المقدور أن يوجد مع ما يضادّه ، والمنع يرجع إلى ضدّ يمتنع وجود ما هو منع منه معه
، حتى لو زال هذا المانع لصحّ وجود هذا الفعل وحال القادر وحال القدرة سواء لم
تختلف. فصار ذلك بمنزلة وجود القدرة ولا محلّ يصحّ وجود الحركة فيه ، لأنّ القدرة
والحال هذه تثبت متعلّقة بالحركة ، ولكن الشرط في صحّة وجودها وجود محلّها (ق ، ت
٢ ، ٤٤ ، ٤)
ـ عن أبي علي رحمهالله فقال : لو لم يكن أحدنا قادرا على الضدّين لم يكن بين
القادر المخلّى وبين الممنوع فصل ، ولم تتميّز حال القادر من حال المضطرّ ، لأنّ
هذا القادر لا يمكنه الانفكاك عن هذا الفعل الواحد إلى خلافه كما لا يمكن الممنوع
والمضطرّ ذلك. وقد عرفنا ثبوت الفرق بينهما ضرورة ، فما أوجب رفع ذلك فيجب بطلانه.
وهذه الطريقة توجب على المستدلّ بها أن يثبت لكل مقدور ضدّا لكي يثبت الفصل الذي
أراده ، وهذا هو الأشبه بطريقة أبي علي. ولكن عندنا قد يكون في المقدورات ما لا
ضدّ له ، فلقائل أن يقول : إنّ الفصل راجع إلى أنّه يمكنه أن يفعل وأن لا يفعل دون
أن يصرف هذا الفرق إلى إيثار أحد الضدّين على الآخر. ويقول : كما جاز عندكم فيما
لا ضدّ له أن يثبت الفرق بين القادر وبين غيره بهذه الطريقة فكذلك قولي فيما له
ضدّ. وبعد فإنّ الممنوع الذي قد شبّه المستدلّ كلامه به حاله في القدرة على
الضدّين كحال المخلّى. فما الوجه في قوله : لو لم يكن قادرا على الضدّين لم يكن
بينهما فرق ، مع العلم بأنه لا فرق بينهما في هذا الوجه (ق ، ت ٢ ، ٤٩ ، ١٥)
ـ مذهب أبي هاشم
في أنّ الممنوع من أضداد الشيء لا يكون ممنوعا من ذلك الشيء. وعلى كل حال فليس
يلزمنا ما ظنّه السائل ، لأنّا نصف هذا الممنوع بأنّه قادر على التحرّك في الجهات
الأخر وإنما تعذّر إيجاده للحركة فيها لوجود المنع حتى لو زال وحاله ما ذكرناه
لصحّ أن يتحرّك في كل هذه الجهات. فكيف يشبه ذلك قول من يقول إنه لا يقدر إلّا على
أحد الضدّين ولا يصحّ منه الضدّ الآخر إلّا بتغيّر حاله بأن توجد فيه قدرة لم تكن
من قبل (ق ، ت ٢ ، ٥٠ ، ٢١)
ـ مما يذكرونه من
الفرق بين الكافر والعاجز قولهم إنّ هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا
افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف
الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في
وصفه بذلك مجرّد وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد
بأنّه مخلّى مع أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو
زال القيد لصحّ
منه المشي. فكيف ساغ للقوم أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن
ثبات القدرة وعن أمر زائد عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب
أن يجوز وصف العاجز بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به فكذلك لا
يصحّ وصف العاجز بأنّه ممنوع ، لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان
يصحّ منه الفعل وحالته تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن
أيضا وإنّما يقال ذلك في المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع
عدم القدرة عنه أن يكون ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل
الممنوع منه ، وهذا يرجع فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق
، ت ٢ ، ٦١ ، ١٩)
ـ إنّما ساغ للقوم
أن يصفوا العاجز أنّه ممنوع لاعتقادهم أنّ القدرة بوجودها يوجد مقدورها لا محالة ،
فاعتقدوا أنّه إذا لم يقع الفعل فلعدم القدرة. واعتقدوا أيضا أنّ القدرة لا تزول
إلّا بأن يخلفها عجز. وذلك عندنا باطل لأنّ القدرة يصحّ وجودها عارية عن الفعل ومتقدّمة
عليه بحال وأحوال كثيرة. ولا يجب أيضا لو زالت أن يخلفها عجز لا محالة لو قدّرنا
العجز معنى ، فكيف إذا لم يرجع بالعجز إلى أكثر من زوال القدرة عمّن يصحّ كونه
قادرا؟ والذي يبيّن صحّة ما قلناه التفرقة المعقولة بين المقيّد والزمن لأنّ هذا
الزمن لا يصحّ منه المشي وإن عدم ما عدم ، وهذا المقيّد يصحّ منه المشي بزوال
القيد. فعرفنا بذلك أنّ القدرة ثابتة في هذا المقيّد وإن لم يوجد مقدورها لمانع
عرض. وعلى أصلهم ينبغي أن يستويا جميعا وأن تبطل هذه التفرقة (ق ، ت ٢ ، ٦٢ ، ٣)
ـ إنّ شيوخنا لم
يختلفوا في أنّ الممنوع من الشيء الواحد وله أضداد لا يكون ممنوعا من تلك الأضداد.
وعلى هذا إذا امتنع على أحدنا الكون في مكان الجبل لم يمتنع عليه الكون في الجهات
الأخر. وإنّما خلافهم في الممنوع من أضداد الشيء هل يجب أن يكون ممنوعا من ذلك
الشيء ، كما قالوا في المحبوس في التنّور وما أشبه ذلك أنّه إذا امتنع عليه الكون
في هذه الجهات فهل يكون ممنوعا من الكون في مكانه أيضا أم لا؟ فالذي قاله أبو علي
إنّه كما يصير ممنوعا من الكون في الجهات الأخر يصير ممنوعا من الكون في مكان
نفسه. والصحيح ما قاله أبو هاشم من أنّه لا يصير ممنوعا من ذلك وأن تجري حاله في
هذا الواحد من حيث لم يعرض فيه ما يمتنع حصوله معه مجرى المسألة الأولى التي لم
يختلفوا فيها ، لأنّه إنّما لم يكن الممنوع من الشيء الواحد ممنوعا من أضداد ذلك
الشيء لمّا لم يكن في تلك الأضداد ما قد حصل في هذا الواحد. وهذه صورة الكون في
مكان نفسه إذا منع من التحرّك في الجهات الأخر. يبيّن ذلك أن المنع إذا كان المرجع
به إلى ما يضادّ الفعل ، فمعلوم أنّه ما حصل هناك ما يضادّ هذا الفعل ، فكيف صار
ممنوعا منه؟ (ق ، ت ٢ ، ٨٦ ، ١٠)
ـ أمّا الممنوع من
كل فعل أو من بعض الأفعال لحدوث أمر أو لعدمه ، فقد بيّنا أنّه لا يصحّ أن يفعل
لأمر يرجع إلى استحالة وجود الفعل ، لا إلى كونه قادرا. كما أنّه تعالى يستحيل أن
يفعل فيما لم يزل لأمر يرجع إلى الفعل ، لا إلى كونه قادرا. وقد بيّنا أنّ الواجب
مراعاة حال الفعل
في صحّة وقوعه من
القادر ، كما يجب أن تراعى حال القادر بنفسه ، فقد يتعذّر الفعل بكل واحد من
الأمرين (ق ، غ ٨ ، ٦١ ، ١١)
ـ أمّا الممنوع ،
فهو القادر إذا عرض ما لا يتأتّى منه الفعل ، فلا يصحّ كونه ممنوعا إلّا وهو قادر
على نفس ما منع منه. وكذلك القول في الحيلولة والضدّ (ق ، غ ٨ ، ١٦٨ ، ١)
ـ قال شيخانا ـ رحمهماالله ـ : لا يصحّ
الإلجاء إلى المعارف ؛ لأنّه لا يجوز مع فقد معرفته به أن يعلم أنّه لو رام خلاف
العلم من الجهل لمنع منه ، ولأنّه متى علم أنّه لو رام خلافه لمنع منه فقد علم
العلم ، وذلك يغني عن فعل علم بأن يمنع منه ، ولوجوه سنذكرها من بعد. فإذا اضطرّه
الله ـ تعالى ـ إلى معرفة توحيده وعدله وألجأه إلى ألّا يفعل المقبّحات في عقله
فقد صار بمنزلة الممنوع في أنّه لا يحسن أن يكلّف الأفعال ؛ لأنّه إن كلّف أفعال
القلوب من ضدّ العلم فهو ممنوع من ذلك. وإن كلّف أفعال الجوارح فهو ملجأ إلى ألا
يفعل المقبّح منه. وإذا صار فعل القبيح مأيوسا من جهته لم يستحقّ المدح على الحسن
؛ كما لا يستحقّ الواحد منّا المدح على تركه قتل نفسه ، وعلى هربه من السّبع.
وإنّما يستحقّ العاقل المدح على الفعل إذا كانت دواعيه متوافرة أو حاصلة إلى
القبيح ويمكنه فعلها ، فإذا امتنع منها مع شهوته لها استحقّ المدح. وكذلك القول في
الواجب أنّه إنّما يستحقّ المدح به إذا كان له إلى فعل تركه داع ، فمتى آثره مع
كونه شاقّا عليه استحقّ المدح على خلافه. وليس كذلك حال الملجأ ؛ لأنّ هذه الطريقة
متعذّرة فيه فلذلك لم يحسن أن يكلّف ويستحقّ المدح على ما يفعله (ق ، غ ١١ ، ٤٩٢ ،
١٠)
ممنوع من الفعل
ـ كان يزعم (جعفر
بن حرب) أنّ الممنوع من الفعل قادر على الفعل ، وليس يقدر على شيء ، هكذا حكى عنه
الكعبيّ في مقالاته ، ويلزمه على هذا الأصل أن يجيز كون العالم بشيء ليس غير عالم
به (ب ، ف ، ١٦٩ ، ٦)
من
ـ إنّ لفظ"
من" يقع في اللغة مرّة على الكل ومرّة على البعض ، فلمّا كانت صورة اللفظة
ترد مرّة ويراد بها البعض وترد أخرى ويراد بها الكل لم يجز أن يقطع على الكل
بصورتها كما لا يقطع على البعض بصورتها (ش ، ل ، ٧٧ ، ٨)
ـ إنّ"
من" إذا وقعت نكرة في الاستفهام أفادت العموم والاستغراق (ق ، ش ، ٦٥٤ ، ١١)
ـ إنّ من للتبعيض
، ولا يتبعّض إلّا محدث مخلوق ، ولا يحاط إلّا بمخلوق محدث (ح ، ف ٢ ، ١٣٣ ، ٦)
منافاة الشيء غيره
ـ إذا ثبت أنّ
الجواهر لا تنتفي لهذه الأمور لم يبق إلّا أنّه إنّما تنتفي بضدّ ، وأنّه ـ تعالى ـ
هو المختصّ بالقدرة على ذلك الضدّ. ولذلك اختصّ بأن صار هو النافي للجواهر والمفنى
لها ، وأنّه في مضادّة الجوهر ومنافاته بمنزلة منافاة السواد البياض. وقد بيّنا من
قبل أنّه لا يجب ألّا ينافي الشيء غيره ويضادّه إلّا متى تعلّقا بالشيء الواحد من
محلّ أو حيّ ، وأنّه لا يمتنع أن يضادّ الشيء غيره على خلاف هذا الوجه إذا دلّ الدليل
عليه ؛ كما لم يمتنع مضادّة الإرادة للكراهة لا في محلّ لمّا ثبت ذلك بالدليل (ق ،
غ ١١ ، ٤٤٤ ، ٨)
منافرة
ـ أمّا ما حكيته
عن إبراهيم أنّه كان يحيل القول بأنّ الله تعالى يقدر أن يخترع البرد مسخّنا
والحرّ مبرّدا فهذا شيء أهل التوحيد كلّهم يوافقونه عليه. وأمّا حكايته عنه أنّه
يزعم أنّ الله قهر المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها ، فإنّ إبراهيم كان
يزعم أنّ الله قهر الأشياء المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها إذا خلّيت
وما هي عليه ، فأمّا إذا منعت مما هي عليه من المنافرة وقهرت على الاجتماع ، فإن من
جوهرها وشأنها الاجتماع عند القهر لها ، كما أنّ من جوهرها وشأنها المنافرة عند
تخليتها وما هي عليه ، وهذا شيء أكثر الخلق شركاء إبراهيم فيه وهو أمر واضح غير
غامض ولا خفي. أنت تعلم أنّ من شأن الماء السيلان وقد يمكن منعه من ذلك ، وأنّ من
شأن الحجر الثقيل الانحدار وقد يمنع منه ، ومن شأن النار التلهب والصعود علوا وقد
تمنع من ذلك فتأخذ سفلا. فما على إبراهيم في هذا عيب والحمد لله (خ ، ن ، ٤١ ، ٢٣)
منافع
ـ إنّ المنافع
التي خلقها الله تعالى للحي ليعرّضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله
أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل
التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ،
ش ، ٨٥ ، ٨)
ـ اعلم أنّ
المنافع هي الملاذ والسرور وما أدّى إليهما أو إلى أحدهما إذا لم يؤدّ إلى ضرر
يوفي عليه (ق ، غ ٤ ، ١٤ ، ٣)
ـ إنّ أصل المنافع
هو الملاذّ. ولذلك يستحيل الانتفاع على من تستحيل اللذّة عليه. وكون الملتذّ
ملتذّا يتبع كونه مدركا لما يشتهيه ، لأنّه لو أدرك الشيء ولمّا يشتهيه لم يلتذّ
به على ما بيّناه من قبل. فإذا صحّ ذلك وجب كون اللذّة تابعا للشهوة وللإدراك. وقد
علمت أن العاقل قد يؤثّر كثير الملاذّ آجلا على يسيرها عاجلا ، بل قد يستحسن تحمّل
المشقّة لملاذّ عظيمة في المستقبل ؛ فلو لا أنّ ذلك منافع لم يكن ليؤثّره على
النفع الحاضر القليل ، ولا كان يتحمّل المضرّة لأجله ، فلذلك جعلنا ما يؤدّي إلى
الملاذّ نفعا ، وألحقناه باللذّة الحاضرة. وإذا جاز في اللذّة أن تكون ضررا إذا
أعقبت مضرّة عظيمة ، نحو تناول الخبيص المسموم الذي يعدّ مطعمه مسيئا ، فما الذي
ينكر من القول بأن المشقّة تكون نفعا إذا أدّت إلى نفع عظيم. ولو لا أنّ الأمر على
ما ذكرناه لم يكن القديم تعالى بالتكليف نافعا ؛ ولا بالآلام التي يستحقّ بها
الأعواض ، وإنّما يصحّ القول بأنّه منعم بذلك على الأصل الذي بيّناه ، ولذلك
يستحسن العقلاء تعريض أولادهم بإلزام المشاقّ للرتب العالية ، والمنازل الرفيعة ،
ويعدّون ذلك من أعظم النعم (ق ، غ ١١ ، ٧٨ ، ٦)
ـ ما أدّى إلى
المنافع قد يكون على وجوه : منها ما يوجبه فيكون نفعا كالأسباب ، ومنها ما يؤدّي
إليه بالعادة التي لا تنتقض في الأظهر ، كالتجارات وطلب الرتب. ومن هذا القسم طلب
الشبع بالأكل وما شاكله ، لأنّ ذلك يحصل عند الأكل بالعادة ، لا على جهة الإيجاب ،
ولذلك تختلف أحوال الأحياء منّا فيه ، فهو في هذا الوجه بمنزلة الشكر الحادث عند
الشرب ، وسائر ما قلنا فيه أنّه غير موجب. ومنها ما يكون نفعا بأن يستحقّ به
اللذّة ، ثم هو
على ضربين :
أحدهما لا يكون كذلك إلّا من فعل المستحقّ نحو تحمّل المشقّة في التكليف ؛ لأنّه
لا يستحقّ به المدح والثواب إلّا إذا كان من فعله. والثاني لا يكون كذلك إلّا من
فعل المستحقّ عليه ، نحو الآلام التي يستحقّ بها الأعواض. وقد يحصل في الشاهد كلا
القسمين مما يجري مجرى العوض ؛ لأن من يستعمله في العمل لا يستحقّ الأجرة إلّا
بعمله ، وقد يستحقّ العوض بأن يتلف بعض ماله (ق ، غ ١١ ، ٧٩ ، ١٢)
ـ اعلم أنّ
المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، فما ليس بمستحقّ هو تفضّل ، والمستحقّ
على ضربين أحدهما يستحقّ على الوجه الذي يستحقّ المدح ، وذلك مما لا يستحقّه الحيّ
منّا إلّا بفعله ، والثاني يستحقّ على الوجه الذي يستحقّ القيم والأبدال في الشاهد
، وذلك مما لا يستحقّه الحيّ منّا إلّا بفعل غيره به. ولا يحسن من القديم تعالى أن
يخلق الحيّ إلّا لبعض هذه الوجوه من المنفعة (ق ، غ ١١ ، ٨١ ، ١١)
منافق
ـ صاحب الكبيرة
عندنا لا يسمّى مؤمنا ، وأمّا المنافق فهو الذي يظهر الإسلام ويبطّن الكفر (أ ، ش
٤ ، ٢٦٤ ، ١٢)
ـ قيل : من شهد
وعمل ولم يعتقد فهو منافق (ج ، ت ، ٦٤ ، ٣)
ـ الكفر والشرك
سواء ، فالمنافق مشرك. الأباضيّة : بل الشرك غير الكفر ، والمنافق كافر لا مشرك.
قلنا : الكفر اسم لمن يستحقّ أعظم أنواع العذاب ، فعمّهما (م ، ق ، ١٣٥ ، ٣)
مناقضة
ـ المناقضة تدخل في
الأقوال بأن يورد المتكلّم في أوّل كلامه ما تباين فائدته الفائدة المعروفة بآخره.
مثل أن يقول : أسود ليس بأسود ، هذا من حيث العبارة. ومن جهة المعنى هو أن يقول :
عالم ميت أو معدوم متحرّك أو أسود أبيض إلّا على ضرب من التراخي ، بأن يكون في حال
قوله أسود قد وجد به السواد ، وفي حال قوله أبيض قد وجد فيه البياض. ويصحّ أيضا
على غير هذه الطريقة بأن يكون البياض عقيب وجود السواد ، فيكون حال وجود أول حرف
من قوله أسود قد وجد السواد وكذلك في البياض (أ ، ت ، ٣٨٨ ، ١٦)
مناكير
ـ اعلم أنّ
المناكير على ضربين : عقليّة وشرعيّة. فالعقليّات منها ، نحو الظلم والكذب وما
يجري مجراها ، والنهي عنها كلها واجب ، لا يختلف الحال فيه بحسب اختلاف المقدّم
عليه بعد التكليف. والشرعيّات على ضربين : أحدهما ، ما للاجتهاد فيه مجال ، والآخر
لا مجال للاجتهاد فيه. أمّا ما لا مجال للاجتهاد في كونه منكرا كالسرقة والزنا
وشرب الخمر وما يجري هذا المجرى ، والنهي عن كل ذلك واجب ولا يختلف الحال فيه بحسب
اختلاف المقدّم عليه. وأمّا ما للاجتهاد فيه مجال ، فكشرب المثلث فإنّه منكر عند
بعض العلماء وغير منكر عند البعض ، وما هذا سبيله ينظر في حال المقدّم عليه ، فإن كان
عنده أنّه حلال جائز لم يجب النهي عنه ، وإن كان عنده أنّه مما لا يحلّ ولا يجوز
وجب النهي عنه. فعلى هذا ، لو رأى واحد من الشافعيّة حنفيّا يشرب المثلث
فإنّه ليس له أن
ينكر عليه وينهاه ، وبالعكس من هذا لو رأى حنفي شافعيّا يشرب المثلث ، فإنّه يلزم
نهيه والإنكار عليه. وعلى الجملة ، فما هذا حاله لا يخرج عن كونه منكرا وإن اختلف
بحسب اختلاف المقدّمين عليه (ق ، ش ، ١٤٧ ، ٥)
ـ اعلم أنّ
مشايخنا أطلقوا القول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والواجب أن يفصل
القول فيه فيقال : المعروف ينقسم إلى ما يجب ، وإلى ما هو مندوب إليه ، فإنّ الأمر
بالواجب واجب ، وبالمندوب إليه مندوب غير واجب ، لأنّ حال الأمر لا يزيد على حال
الفعل المأمور به في الوجوب. وأمّا المناكير فهي كلها من باب واحد في وجوب النهي
عنها ، فإنّ النهي إنّما يجب لقبحها ، والقبح ثابت في الجميع (ق ، ش ، ٧٤٥ ، ٨)
منانية
ـ إنّ المنانيّة
تزعم أنّ الصدق والكذب مختلفان متضادان وأنّ الصدق خير وهو من النور والكذب شر وهو
من الظلمة (خ ، ن ، ٣٠ ، ٨)
منبّه
ـ إنّ القديم
تعالى يعرّف حال الواجب ، إمّا باضطرار ، وإمّا بنصب الأدلّة. ولمكان التعريف يجب
على المكلّف ؛ لأنّ الواجب يجب بإيجاب موجب يفعل إيجابه ، أو يفعل علّة تقتضي
وجوبه. فالمنبّه أيضا إنّما يفعل ما عنده يجب الواجب ، لا أنّه يوجبه عليه في
الحقيقة ، وإنّما يجعل الإيجاب متعلّقا بالتنبيه دون الفعل من حيث تقدّم الفعل ولا
إيجاب ، ومتى حصل التنبيه تبعه الإيجاب ، فالحال فيهما إذا لا يختلف (ق ، غ ١١ ،
١٤٢ ، ١٥)
منتظر
ـ البهشميّة :
والموازنة تقع بين الثواب والعقاب. الإخشيدية : بل بين الفعل والمستحقّ ، فتنحبط
الطاعة بالعقاب والمعصية بالثواب. أبو علي : بل بين الفعلين. قلنا : إنّما يقع
التكفير والإحباط بأمر منتظر ، والمنتظر هو المستحقّ ، ويلزم ما مرّ من استواء من
أحسن وأساء ومن أساء فقط (م ، ق ، ١٢٤ ، ٤)
منتظرون
ـ جميع المنتظرين
منهم لمن انتظروه اليوم في حيرة من الدين لدعواهم أنّ القرآن والسنن قد وقع فيهما
تحريف وتبديل ، ولا يعرف منهما تحقيق أحكام الشريعة على التفصيل ، إلّا من عند
الإمام المعصوم إذا ظهر. ويدّعون أنّهم اليوم في التيه (ب ، أ ، ٢٧٤ ، ١)
منتف
ـ أمّا المعدومات
، فعلى ما قاله شيخنا أبو عبد الله البصري : أنّه المنتفي الذي ليس بكائن لا ثابت.
وهذا لا يصحّ ، لأنّ المنتفي إنّما يستعمل في المعدوم الذي وجد مرّة ثم عدم أخرى ،
فيخرج عن الحدّ كثير من المعدومات ، ومن حق الحدّ أن يكون جامعا مانعا لا يخرج منه
ما هو منه ، ولا يدخل فيه ما ليس منه. وبعد فإن قول المنتفي ، هو قوله ليس بكائن
ولا ثابت ، فيكون تكرارا لا فائدة فيه ، فالأولى : أن يحدّ المعدوم بأنّه المعلوم
الذي ليس بموجود ، ولا يلزمنا على هذا أن يكون ثاني القديم عزوجل والفناء معدومين لأنّهما ليس بمعلومين (ق ، ش ، ١٧٦ ، ١٣)
مندوب
ـ أما الحسن ،
فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق المدح
والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل
في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ،
وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب.
وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف بأنّه
فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون مقصورا على
فاعله ؛ فيوصف بأنّه مندوب إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان إلى الغير (ب
، م ، ٣٦٥ ، ٤)
مندوب إليه
ـ أما إذا اختصّ
الحسن بصفة زائدة على حسنه ، استحقّ لمكانها المدح ، فلا يستحقّ بالإخلال به الذمّ
، فإنّه إذا فعله المكلّف وصف بأنّه" مندوب إليه" بمعنى أنّه قد بعث
عليه. وهذا المعنى حاصل في" الواجب" أيضا. إلّا أنّ قولنا" مندوب
إليه" في العرف ، أنّه قد بعث عليه من غير إيجاب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ٩)
منزّل ومنزول
ـ أربعة أشياء هنا
: منزّل ، ومنزّل ، ومنزول عليه ، ومنزول به. فالمنزّل هو الله تعالى لقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (الحجر : ٩) وقوله
تعالى : (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ) (النحل : ٤٤)
والمنزّل على الوجه الذي بيّناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال
كلام الله تعالى القديم الأزلى القديم بذاته ، لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ
الْعالَمِينَ) (الشعراء : ١٩٢).
والمنزّل عليه قلب النبي صلىاللهعليهوسلم ، لقوله تعالى : (عَلى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء : ١٩٤)
والمنزول به هو اللغة العربية التي تلا بها جبريل ، ونحن نتلو بها إلى يوم القيامة
، لقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ) (الشعراء : ١٩٥) (ب
، ن ، ٩٧ ، ٤)
منزلة بين
المنزلتين
ـ وجب أنّ صاحب
الكبيرة ليس بمؤمن بزوال أحكام المؤمن عنه في كتاب الله ، ووجب أنّه ليس بكافر
بزوال أحكام الكفّار عنه ، ووجب أنّه ليس بمنافق في زوال أحكام المنافقين عنه في
سنّة رسول الله صلى الله عليه ، ووجب أنّه فاسق فاجر لإجماع الأمّة على تسميته
بذلك وبتسمية الله له به في كتابه. فكيف يكون واصل ابن عطاء رحمهالله والمعتزلة قد خرجت من الإجماع بقولهم بالمنزلة بين
المنزلتين؟ وهل يكون قول أوضح صوابا ولا أصح معنى من قول المعتزلة بالمنزلة بين
المنزلتين؟ ولو كان شيء من الدين يعلم صوابه باضطرار لعلم قول المعتزلة بالمنزلة
بين المنزلتين باضطرار (خ ، ن ، ١١٩ ، ٢٢)
ـ الكلام في
المنزلة بين المنزلتين : والأصل في ذلك ، أنّ هذه العبارة إنّما تستعمل في شيء بين
شيئين ينجذب إلى كل واحد منهما بشبه ، هذا في أصل اللغة. وأمّا في اصطلاح المتكلّمين
، فهو العلم بأنّ لصاحب الكبيرة اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين ، على ما يجيء
من بعد (ق ، ش ، ١٣٧ ، ٦)
ـ المعتزلة وافقوا
الخوارج في المصير إلى استحقاق الخلود ، على ما سنفصل مذهبهم. ولكنّهم فارقوا
الخوارج من وجهين : أحدهما أنّهم لم يصفوا مرتكب الكبيرة بالكفر ، ولم يصفوه أيضا
بالإيمان ، وزعموا أنّه على منزلة بين المنزلتين ، ورسموه فيها بكونه فاسقا
وفارقوهم من وجه آخر ، فقالوا : استحقاق الخلود في العقاب يختصّ بالكبائر ، وجملة
الذنوب كبائر عند الخوارج ، والمعتزلة قسّموا الذنوب إلى الصغائر والكبائر على ما
سنعقد فيه فصلا (ج ، ش ، ٣٢٥ ، ٣)
ـ القول بالمنزلة
بين المنزلتين. والسبب فيه أنّه دخل واحد على الحسن البصريّ فقال : يا إمام الدين
، لقد ظهرت في زماننا جماعة يكفّرون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم كفر يخرج به عن
الملّة ، وهم وعيديّة الخوارج. وجماعة يرجئون أصحاب الكبائر. والكبيرة عندهم لا
تضرّ مع الإيمان ، بل العمل على مذهبهم ليس ركنا من الإيمان. ولا يضرّ مع الإيمان
معصية ، كما لا ينفع من الكفر طاعة ، وهم مرجئة الأمّة. فكيف تحكم لنا في ذلك
اعتقادا؟ فتفكّر الحسن في ذلك ، وقبل أن يجيب قال واصل بن عطاء : أنا لا أقول إنّ
صاحب الكبيرة مؤمن مطلقا ، ولا كافر مطلقا ، بل هو في منزلة بين المنزلتين : لا
مؤمن ولا كافر. ثم قام واعتزل إلى أسطوانة من أسطوانات المسجد يقرّر ما أجاب به
على جماعة من أصحاب الحسن. فقال الحسن : اعتزل عنّا واصل. فسمّي هو وأصحابه معتزلة
(ش ، م ١ ، ٤٨ ، ٨)
منزلة الثواب
ـ اختلفوا (المعتزلة)
هل كان يجوز أن يبتدئ الله الخلق في الجنّة ويتفضّل عليهم باللذّات دون الا ذوات ،
ولا يكلّفهم شيئا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة لن يجوز ذلك لأنّ الله سبحانه
لا يجوز عليه في حكمته أن يعرّض عباده إلّا لأعلى المنازل ، وأعلى المنازل منزلة
الثواب وقال : لا يجوز أن [لا] يكلّفهم الله المعرفة ويستحيل أن يكونوا إليها
مضطرّين ، فلو لم يكونوا [بها] مأمورين لكان الله قد أباح لهم الجهل به وذلك خروج
من الحكمة. وقال قائلون : كان جائزا أن يبتدئ الله سبحانه الخلق في الجنّة
ويبتدئهم بالتفضّل ، ولا يعرّضهم لمنزلة الثواب ولا يكلّفهم شيئا من المعرفة
ويضطرّهم إلى معرفته ، وهذا قول" الجبّائي" وغيره (ش ، ق ، ٢٤٨ ، ١٢)
ـ إنّه تعالى كما
يحسن منه أن يكلّف ابتداء من يعلم أنّه يكفر ، فيعرّضه بذلك لمنزلة الثواب ، ولا
يقتصر به على منزلة التفضّل ، فله تعالى أن يكلّفه تكليفا بعد تكليف ، ويعرّضه
بذلك لمنزلة عالية لا ينالها ببعض ذلك ، ويقتصر به على بعض. ولا فرق بين من قال
بقبح التكليف الزائد ، مع ما فيه من التعريض لمنزلة زائدة ، وبين من حكم بقبح
تكليف من يعلم أنّه يكفر ابتداء ، وإن حصل تعريضا لمنزلة عالية (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ،
١)
منزول عليه وبه
ـ أربعة أشياء هنا
: منزّل ، ومنزّل ، ومنزول عليه ، ومنزول به. فالمنزّل هو الله تعالى لقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ) (الحجر : ٩) وقوله
تعالى : (وَأَنْزَلْنا
إِلَيْكَ الذِّكْرَ) (النحل : ٤٤)
والمنزّل على الوجه الذي بيّناه من كونه نزول إعلام وإفهام لا نزول حركة وانتقال
كلام الله تعالى
القديم الأزلي
القديم بذاته ، لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الشعراء : ١٩٢).
والمنزّل عليه قلب النبي صلىاللهعليهوسلم ، لقوله تعالى : (عَلى قَلْبِكَ
لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) (الشعراء : ١٩٤)
والمنزول به هو اللغة العربية التي تلا بها جبريل ، ونحن نتلو بها إلى يوم القيامة
، لقوله تعالى : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ
مُبِينٍ) (الشعراء : ١٩٥) (ب
، ن ، ٩٧ ، ٩)
منسوخ
ـ اختلف الناس في
الناسخ والمنسوخ هل يجوز أن يكون في الأخبار ناسخ ومنسوخ أم لا يجوز ذلك. فقال
قائلون : الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي. وغلت" الروافض" في ذلك حتى
زعمت أنّ الله سبحانه يخبر بالشيء ثم يبدو له فيه ـ تعالى الله عن ذلك علوّا
كبيرا. واختلفوا في القرآن هل ينسخ بالسنّة أم لا على ثلث مقالات : فقال قائلون :
لا ينسخ القرآن إلّا قرآن وأبوا أن تنسخه السنّة. وقال قائلون : السنّة تنسخ
القرآن والقرآن لا ينسخها ، وقال قائلون : القرآن ينسخ السنّة والسنّة تنسخ القرآن
(ش ، ق ، ٤٧٨ ، ١٢)
ـ إنّ المنسوخ هو
ما رفعت تلاوة تنزيله ، وترك العمل بحكم تأويله ، فلا يترك لتنزيله ذكر يتلى في
القرآن ، ولا لتأويله أنّه يعمل به في الأحكام (ش ، ق ، ٦٠٧ ، ٦)
ـ إنّما الناسخ
والمنسوخ هو أنّ الله سبحانه نسخ من القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أمّ الكتاب
ما أنزله على محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنّ الأصل أمّ الكتاب ، والنسخ لا يكون إلّا من أصل (ش
، ق ، ٦٠٧ ، ١٣)
منشئ
ـ قالت المعتزلة
كلها إلّا" الناشي" أن الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون
المجاز (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١٣)
منع
ـ إنّ من المنع ما
يجامع القدرة ، ومنه ما ينفيها ولا يجامعها. فأمّا ما ينفيها ولا يجامعها فالعجز
والزمانة. وأمّا ما يجامعها ولا ينفيها فالقيد وما أشبهه. وذاك أنّ القيد لو كان
ينفي القدرة لجاز أيضا أن ينفي الصحة والسلامة ، لأنّ القدرة هي صحة الجوارح
وسلامتها من الآفات ، فكأنّ المقيّد غير صحيح الرجل بأن كان زمنا. ولو كان كذلك لم
يكن لتقييده وجه ، بل تقييده يدلّ على أنّه إنّما منع مما هو قادر عليه أن يفعله
لو لم يمنع منه لفعله. وهذا أمر واضح لا يخفى على عاقل (خ ، ن ، ٦٢ ، ٢٢)
ـ إنّ من المنع ما
يجامع القدرة ، ومنه ما ينفيها ولا يجامعها. فأمّا ما ينفيها ولا يجامعها فالعجز
والزمانة. وأمّا ما يجامعها ولا ينفيها فالقيد وما أشبهه. وذاك أن القيد لو كان
ينفي القدرة لجاز أيضا أن ينفي الصحة والسلامة ، لأنّ القدرة هي صحة الجوارح
وسلامتها من الآفات ، فكأنّ المقيد غير صحيح الرجل بأن كان زمنا. ولو كان كذلك لم
يكن لتقييده وجه ، بل تقييده يدلّ على أنّه إنّما منع مما هو قادر عليه أن يفعله
لو لم يمنع منه لفعله. وهذا أمر واضح لا يخفى على عاقل (خ ، ن ، ٦٢ ، ٢٣)
ـ المنع هو ما
يتعذّر على القادر لمكانه الفعل على وجه لولاه لما تعذّر وحالته تلك ، ثم إنّه لا
يخلو ؛ إما أن يكون بطريقة القيد والحبس ، وذلك كأن يحبس أحدنا ويقيّد فلا يتأتّى
منه
المشي ، وإمّا أن
يكون بالضدّ أو ما يجري مجراه. أمّا يكون بطريقة القيد ، فيجوز أن يحاول أحدنا
تحريك جسم وغيره يحاول تسكينه ، فيحدث فيه من التسكينات ما يزيد على ما في مقدوره
من الحركات ، فإنّه يكون والحال هذه ممنوعا من تحريكه بطريقة القيد. وأمّا المنع
بما يجري مجرى الضدّ ، فهو كأن يمتنع على الكاتب الكتابة لفقد الآلة من القلم
والقرطاس ، فعند هذه الأمور يكون القادر ممنوعا ، وعند ارتفاعها يكون مطلقا مخلّى (ق
، ش ، ٣٩٣ ، ١١)
ـ ليس خلوّ حال ما
يصحّ أن يجعل منعا من أحد وجوه ثلاثة. فإمّا أن يكون راجعا إلى نفس القادر. وإمّا
أن يكون راجعا إلى نفس الجوهر المقدور. وإمّا إلى الواسطة بينهما وهو السبب إذ ما
خرج عن ذلك لا تعلّق له بهذا الباب (ق ، ت ١ ، ٨٢ ، ١٤)
ـ قد ذكرنا أنّه
يعدّ في أحكام كونه قادرا لنفسه استحالة المنع عليه. والقول في ذلك بيّن لأنّه إذا
صحّ كونه قادرا لنفسه وقادرا على ما لا يتناهى لم يتصوّر وقوع المنع فيه ، بل يجب
في كل ما يقدر عليه صحّة ظهوره بالفعل. وبيان ذلك هو أنّ المنع لا يقع إلّا بكثرة
الأفعال فيكون الفعل الذي يفعله المانع أكثر مما يفعله الممنوع ، وعلى هذا لا
يتصوّر في المتساوي المقدور أن يمنع أحدهما صاحبه. وفي القادرين لأنفسهما أن يمنع
كل واحد منهما صاحبه لأنّه لا قدر إلّا واحدهما يقدر على الزيادة فيه. وكذلك صاحبه
فكيف يصير أحدهما ممنوعا والآخر مانعا؟ وبهذا يتوصّل إلى نفي ثان قادر لنفسه لأنّه
يؤدّي إلى أن يتعذّر الفعل من دون منع أو وجه معقول. ويؤدّي إلى رفع ما عرفناه من
صحّة أن يمنع أحد القادرين الآخر ، وإنّما يتصوّر وقوع التمانع بين القادرين بقدرة
، أو بين القادر لنفسه والقادر بقدرة ، وإن كان على كل حال يكون المانع هو القادر
لنفسه دون القادر بقدرة. فإذا ثبتت هذه الجملة وكان القديم تعالى لكونه قادر لنفسه
يقدر في كل وقت على أن يفعل أزيد مما فعل حتى لا يقدر فعله بقدر لا يمكنه الزيادة
عليه تعذّر تصوّر المنع فيه ، فوجب أن يكون كل ما قدر عليه يصحّ منه إيجاده (ق ، ت
١ ، ١١٠ ، ١٧)
ـ إنّ المنع يفارق
القدرة في التقدّم والمقارنة ، لأنّا نوجب في القدرة التقدّم ، والمنع إذا كان
حكمه أن يضادّ ما هو منع منه فلا بدّ من المقارنة لتثبت المنافاة والممانعة. فأمّا
العجز لو ثبت معنى لكان حكمه في التقدّم حكم القدرة. وفي المنع أيضا اختلاف بين
الشيوخ. فإنّ أبا علي يجريه مجرى القدرة في وجوب التقدّم ، ولكن الصحيح في ذلك قول
أبي هاشم (ق ، ت ٢ ، ٨٧ ، ١)
ـ اعلم أنّ شيوخنا
اختلفوا في المنع. فأوجب أبو علي فيه أن يتقدّم كما أوجب مثله في القدرة. فعنده
يصحّ أن يكون القادر في ابتداء وجود القدرة يوجد فيه المنع فيكون ممنوعا ، وإن كان
لا يوجب وجود هذا المنع لا محالة ، بل يقول إنّه يصحّ وجوده ويصحّ أن لا يوجد ،
ويصحّ وجود العجز بدلا من القدرة فيخرج عن هذه الأوصاف. فعلى مذهبه يجوز أن يكون
القادر في ابتداء حال وجود القدرة ممنوعا ، فلما ذا يجب أن يكون فاعلا؟ (ق ، ت ٢ ،
١٣٤ ، ١٩)
ـ أمّا أبو هاشم
فإنّه يرى أنّ المنع يجب أن يقارن حتى يصحّ وجود الفعل الممنوع منه بدله. وإنّما
حكم ذلك لأنّ المنع هو الضدّ ، ولن يكون
الضدّ مانعا من
وجود ضدّه إلّا في الحال دون أن يتقدّم. وإنّما يخرج عن ذلك ما ليس يمنع بنفسه ،
كالاعتماد ، لأنّه إذا منع فإنّما يمنع بموجبه ، فلهذا ساغ أن يتقدّم. فإذا كان
كذلك وجب أن يكون القادر إنّما يصحّ أن يوصف بأنّه ممنوع في الحالة الثانية من حال
وجود القدرة لأنّها الحالة التي يصحّ وقوع الفعل فيها. فإذا وجد أكثر مما يقدر
عليه امتنع عليه الفعل. والامتناع أيضا إذا رجعنا به إلى ضدّ يفعله الفاعل في نفسه
فلن يكون ذلك أوّلا وإنّما يكون في الثاني. فلا تشبه حال المنع حال القدرة والعجز
لأنّ من شأنهما أن يتقدّما. ألا ترى أنّ أحدهما يؤثّر في صحّة الفعل والآخر في
تعذّره ، وكلا الوصفين ينبئان عن الاستقبال؟ (ق ، ت ٢ ، ١٣٥ ، ٤)
ـ المنع يكون على
أنحاء. منها وجود ما يضادّ الفعل الذي كلّف على وجه لا يصحّ منه رفعه ، وهو الذي
يعدّ منعا في الحقيقة. وقد يصحّ فيما يعدّ منعا أن يرجع فيه إلى عدم ما يحتاج إليه
في إيجاد ما كلّف ، نحو عدم الآلة أو عدم المحلّ الذي لا بدّ منه في وجود الفعل
المخصوص. وقد يكون عدم الشيء الواحد موجبا كلي الأمرين ، كما نقوله في اللسان إذا
عدمه الأخرس لأنّه آلة في الكلام ومحلّ له أيضا. وقد يعدّ في المنع عدم العلم الذي
لا بدّ منه في إيقاع الفعل على وجه دون وجه. وكذلك فقد يطرأ العجز عليه إذا حصل
معنى أو رجع به إلى تغيير حال المحلّ. وقد يقوم السهو العارض عمّا كلّف مقام المنع
(ق ، ت ٢ ، ٢٦٤ ، ١٩)
ـ إنّ المنع لا
يخرج القادر من كونه قادرا على فعل ما منع منه متى حصله له من الدواعي إلى الفعل
ما يقوم مقام الشهوة والنفور (ومن ثم) حسن أن يكلّف. وقلنا : إنّ الهند لمّا
اعتقدوا في قتل أنفسهم أنّ فيه منفعة من حيث يقتضي تخليص النور من الظلمة صحّ أن
يكلّفوا الامتناع من قتل أنفسهم وأن يستحقّوا بذلك المدح إذا لم يفعلوه. وإن كانت
الشّبه متى زالت لم يستحقّوا على ذلك المدح لحصول الإلجاء : ولذلك قامت الشبه
عندنا مقام نفور الطبع في أنّ عنده يصير الفعل في حكم الشاقّ ، فيستحقّ عليه المدح
والثواب. ولا يمتنع اختلاف التكليف بالاعتقادات والشبه فليس لأحد أن يستنكر ما
قلناه من حيث يختلف التكليف لمكان جهلهم بما يقتضيه القتل وإيرادهم الشّبه على
أنفسهم (ق ، غ ١١ ، ٣٩٣ ، ١٧)
ـ إنّما تقول ما
ذكرته في الفعل الذي يتعذّر على المكلّف لأمر يرد عليه من قبل المكلّف ولا يكون
للعبد سبيل إلى إزالته ، كالاخترام والمنع إلى ما شاكل ذلك من الأمور المزيلة
للتكليف. فأمّا إذا كان ماله يتعذّر الفعل يحصل من قبله ، وقد كان له سبيل إلى أن
لا يفعل ذلك ، فيستمرّ على ما كلّف. فلا يجب ما ذكرته ، بل لا يخرج من أن يكون
تعالى قد ألزمه الفعل الأوّل وما يليه من الأفعال ، وإن كان بأن لا يفعل الأوّل
يحصل مضيّعا لما بعده من الواجبات. ومثال ذلك ، ما ذكرناه من أنّه تعالى لا يجوز
أن يكلّف المرء إتمام صومه اليوم ، والمعلوم أنّه يخترمه قبل تقضّيه ؛ ويجوز أن
يكلّفه صوم اليوم ، وإن كان المعلوم أنّه سيفرط في إتمامه من حيث لا يفعل الدخول
فيه على وجه يصحّ منه الإتمام (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٦ ، ١٧)
ـ إنّ من حق المنع
أن يبقى الشيء على ما هو عليه قبل المنع ، فإذا زال المنع تغيّر حاله. ألا
ترى أنّ المنع على
القادر يبقى المقدور على ما كان عليه من كونه معدوما قبل ، وأنّه إذا زال المنع
صحّ وجوده أو وجب وجوده ، إن كان السبب قد تقدّم وكان هناك إلجاء (ن ، د ، ١٨٤ ، ٣)
ـ لا خلاف بين
شيوخنا في أنّ المنع لا يكون عجزا (ن ، م ، ٢٥١ ، ٢٥)
ـ اختلف قول أبي
القاسم في المنع ، فقال في موضع من كتاب عيون المسائل ، إنّ المنع قد يجامع القدرة
، وكل منع ينافي القدرة فإنّه لا يجامعها. فأمّا ما لا ينافيها فيجوز أن يجامعها ،
كالمنع بالقيد والرباط. وأشار في هذا الموضع ، إلى أنّ المنع قد يكون عجزا (ن ، م
، ٢٥٢ ، ١)
ـ لو كان المنع
منعا عمّا لو وجد لوجد في الثاني ، ما جاز أن يقع في الثاني فعل مع وجود المنع في
الأول ، لأنّ ذلك لو وجد لكان قد وجد ما وجد المنع منه (ن ، م ، ٢٥٢ ، ٨)
ـ إنّ المنع يفارق
العجز ، لأنّ المنع ضدّ للفعل الممنوع منه ، وليس كذلك العجز ، إنّه ضدّ للقدرة في
أكثر المواضع (ن ، م ، ٢٥٢ ، ٨)
ـ المنع لا ينفي
القدرة ، وإنّما هو ضدّ الفعل ، الذي لو يوجد لوجد بدلا منه في مكانه ووقته. وقد
يجوز أن يقع الفعل في الحالة الثانية بالقدرة الموجودة مع المنع ، ومتى حلّ المنع
محلّ القدرة ، كان عجزا في الحقيقة. ولذلك متى اتفق أن يحلّ العجز محل بعض الأفعال
التي كان يجوز وجودها في حاله ، وتكون ضدا له ، كان منعا منه وعجزا عمّا لو وجد
لوجد في الثاني (ن ، م ، ٢٥٢ ، ١٧)
ـ مما يدلّ على
أنّ المنع كما يقع بالمتولّد ، يصحّ أن يقع بالمبتدإ ، أنّ الله تعالى ، يمنعنا
بما يخلق فينا من العلوم الضروريّة من فعل الجهل ، وتلك العلوم ليست بمتولّدة ،
وإنّما هي مبتدأة. فقد بان أنّه لا فرق فيما يقع المنع به ، بين أن يكون ذلك
مباشرا أو متولّدا (ن ، م ، ٢٦٧ ، ١٧)
منع عن الفعل
ـ إنّ المنع عن
الفعل على قسمين ؛ أحدهما ، يمنع بنفسه وذلك كالقيد وما يجري مجراه ؛ والآخر ،
يمنع بشرط. ثم ما يمنع بشرط على ضربين ؛ أحدهما ، يرجع إلى الفاعل وذلك نحو قلّة
القدر والضعف ؛ والآخر يرجع إلى الفعل ، نحو كثرة الثقل فيه (ق ، ش ، ٢٦٠ ، ٤)
منع في القادر
ـ الذي يصحّ أن
يكون منعا في القادر هو أحد أمرين : إمّا عدم الآلة في الأفعال أو ما يجري مجرى
الآلات من الأدلّة وغيرها. وإمّا عدم العلم لأنّا قد عرفنا أنّه قد يتعذّر من
القادر على الكلام إيجاده مرتّبا عند فساد في اللسان أو عند عدم العلم بكيفية
ترتيبه. وأن يأتي منه التصويت والتصفيق فيقول قائل : هلّا كان المانع عن إيجاد
الجواهر أحد هذين المانعين (ق ، ت ١ ، ٨٢ ، ١٧)
منع في نفس
المقدور
ـ الذي يصحّ أن
يكون منعا في نفس المقدور هو أيضا أحد أمرين : إمّا أن يكون منعا على الحقيقة وهو
الضدّ الذي يعبر عنه بالفناء أو ما يقوم هذا المقام مما يجري مجرى الضدّ. ثم هذا
على ضربين. أحدهما وجود الجوهر في الجهة التي تروم إيجاد جوهر آخر فيها وأن
يكون اشتغال
الجهات كلها بالجواهر لأمر يرجع إلى ثبوت الملاء في العالم. فيكون مانعا من صحّة
إيجادنا للجواهر لما ثبت أنّ اجتماع الجواهر الكثيرة في الجهة الواحدة لا يصحّ. والثاني
أن يجعل عدم ما يحتاج الجسم في الوجود إليه مانعا من وجوده. ثم هذا قد يصحّ أن
يجعل الكون الذي لا يصحّ حدوثه منّا عند أوّل حال حدوث الجسم فيكون عدمه مانعا لنا
من صحّة وجود الجوهر من جهتنا. وقد يصحّ أن يجعل ذلك عدم البنية التي لا يكون
الجسم جسما إلّا معها من الطول والعرض والعمق. والذي يصحّ أن يجعل منعا في السبب
الذي هو واسطة بين القادر ومقدوره هو أن يقال : إنّ الاعتماد هو الذي يولّده وذلك
مما قد يعرض فيه منع فلا يوجد المسبّب لأجل المانع وهذا يكون على وجهين : أحدهما
أن يقال إنّه تتكافأ الاعتمادات وتتقابل فلا يتولّد عنها شيء. والثاني وهو الأشبه
أن يقال إنّ أحدنا لا يمكنه الفعل ببعض قدر جارحته دون بعض (ق ، ت ١ ، ٨٢ ، ٢١)
منع من الفعل
ـ كان (الأشعري)
يقول في المنع من الفعل إنّه هو ما ينفي الفعل وقدرته من العجز وهو ما يوجد في
محلّه بدلا منه. وكان ينكر قول من يقول إنّ ثقل الثقيل مانع للحامل من حمله وقيد
المقيّد مانع له من مشيه ، لاختلاف محلّهما ، وإنّ ذلك إنّما يمنع لأجل وجود ضدّ
المشي والحمل في محلّ المشي والحمل ، لا لأجل الثقل والقيد. وكان يقول : "
العمى مانع من البصر في محلّه لا في محلّ غيره" ، وكذلك كان يقول في الحياة
والموت والسمع والصمم (أ ، م ، ٨٣ ، ٩)
منع من الكفر
ـ إنّ المنع من
الكفر يزيل التكليف أصلا ، وتقصّينا القول فيه ، وبيّنا أنّه إنّما يجب أن يكون
تعالى مانعا له من الكفر المنع الذي يصحّ معه التكليف ، وقد فعل تعالى ذلك النهي
والزجر والتخويف وفعل ما يجري مجرى الحمل له على الإيمان : من الأمر والتزيين
والتسهيل ، فصار بذلك مؤكّدا لما قلناه : من أنّه تعالى يجب أن يكون مريدا للإيمان
كارها للكفر (ق ، غ ١١ ، ١٩٠ ، ٩)
منعم
ـ أما المنعم ،
فهو فاعل النعمة ، كالمكرم والمجمل والمحسن ، فلا يزاد في تفسيره على هذا لأنّه
اسم مشتق من النعمة ، كما أنّ المكرم والمحسن مشتقّ من الإكرام والإحسان ،
والأسامي المشتقّة لا يرجع في بيان فائدتها إلّا إلى المشتق منه ، فلا يزاد في
تفسير الضارب على أنّه فاعل للضرب الذي اشتق منه ، وكذا القول في الشاتم والكاسر
وغيرهما من الأسامي المشتقّة (ق ، ش ، ٨٠ ، ١٢)
منفرد
ـ اعلم أنّ أبا
القاسم كان يقول بأنّ الجوهر يكون منفردا لعلّة. والمراد عندنا بالمنفرد أنّه لا
جوهر آخر بجنبه (ن ، م ، ٦١ ، ١٦)
منفعة
ـ إن قيل : قد
فسّرتم النعمة بالمنفعة ، فما معنى المنفعة؟ قيل له : معناه اللذّة والسرور أو ما
يؤدّي إليهما أو إلى أحدهما (ق ، ش ، ٨٠ ، ١)
ـ لا يصحّ القول
بأنّ المنفعة هي اللذّة والسرور فقط ، وذلك لأنّه لا يتدافع وصف تناول الدواء
بأنّه منفعة وإن لم يكن لذّة ولا سرورا لما علم من حاله وظنّ أنّه يؤدّي إلى
الملاذ. وقد يقال فيما يظنّ أنّه يؤدّي إلى الملاذ بأنّه منفعة ، ولذلك تتحمل
الكلفة لأجله وإن لم يكن لذّة في الحقيقة (ق ، غ ٤ ، ١٤ ، ٨)
ـ إنّ المنفعة هي
اللّذة والسرور ودفع المضارّ المخوفة وما أدّى إلى ذلك (أ ، ش ١ ، ٤٧٤ ، ٣٠)
منفيّ
ـ المنفيّ هو الذي
ليس بكائن ولا موجود (ش ، ق ، ٣٩٨ ، ٧)
ـ المنفيّ لا يكون
إلّا معدوما والمثبت لا يكون إلّا موجودا (أ ، م ، ٢٥٢ ، ١١)
منكر
ـ أمّا المنكر ،
فهو كل فعل عرف فاعله قبحه أو دلّ عليه ، ولو وقع من الله تعالى القبيح لا يقال
إنّه منكر ، لما لم يعرف قبحه ولا دلّ عليه (ق ، ش ، ١٤١ ، ١٤)
ـ أمّا المنكر ،
فكله من باب واحد في أنّه يجب النهي عن جميعه عند استكمال الشرائط. وليس لقائل أن
يقول إنّ من المناكير ما يكون صغيرة ، فكيف يلزم النهي عنها ، لأنّه ما من صغيرة
إلّا وبجوارها كبيرة (ق ، ش ، ١٤٦ ، ١٥)
منهيّ
ـ المأمور الذي
علم وقوعه ، والمنهيّ الذي علم الانتهاء عنه هو المراد ، أمّا ما علم انتفاؤه فليس
بمراد الوجود ، وإن كان مأمورا به ، وما علم وجوده فليس بمراد الانتفاء وإن كان
منهيّا عنه ، وإلّا كان فيه إبطال أخصّ وصف الإرادة ، وهو تأتّي التمييز بها ، وهو
ممتنع. وأمّا ما يطلق عليه اسم الإرادة مع عدم حصول التمييز به فليس في الحقيقة
إرادة بل شهوة وتمنّيا ، فإذا الإرادة أعمّ من الأمر من جهة أنّها توجد ولا أمر ،
والأمر أعمّ منها من جهة أنّه قد يكون ولا إرادة ، وليس ولا واحد منهما يلزم الآخر
لزوما معاكسا ولا غير معاكس. وعند ذلك فلا يلزم من الأمر بالوجود وإرادة العدم ما
تخيّلوه من التناقض. وعلى هذا القول في النهي أيضا (م ، غ ، ٦٦ ، ١٥)
منهي عنه
ـ إنّ المنهي عنه
يجب أن يكون غير المأمور به ، أو يكون الفعل واحدا ، أو يقع على وجهين يحلّان فيه
محلّ الفعلين ، كما نقوله في الخبر الذي يصحّ أن يقع كذبا وصدقا ، والسجود الذي
يصحّ أن يقع عبادة لله تعالى ، وعبادة للشيطان (ق ، غ ١٦ ، ٧١ ، ١٨)
مهتد
ـ إنّ المهتدي هو
المتمسّك بالأدلّة ، والعامل بموجبها لا بدّ من أن ترد عليه خواطر من قبل الله ـ تعالى
ـ تزيده بصيرة إلى ما هو عليه من المعرفة ، فيشرح بذلك صدره ويكون إلى الثبات على
الاهتداء أو الطاعة أقرب ، وهذا مما يعرفه العالم من نفسه ، لأنّه كلما كثر نظره
تكون معرفته بالشيء الواحد أقوى. وقد يجوز أن يخطر ببالهم ما تحلّ به الشبه
الواردة عليهم في النظر والمعرفة فيزيدهم ذلك سكونا وثلج صدر ، وهذا أيضا معروف من
حال العلماء (ق ، م ٢ ، ٦١٦ ، ١٦)
موات
ـ لا يجوز أن يكون
ذهاب السهم فعلا للسهم ، لأنّ السهم موات ليس بحي ولا قادر وما كان كذلك لم يجز
منه الفعل كما لا يجوز أن يختار ولا يريد ولا يعلم (خ ، ن ، ٦١ ، ٧)
موازنة
ـ اختلفت المرجئة
في الموازنة على مقالتين : فقال قائلون منهم : الإيمان يحبط عقاب الفسق لأنّه أوزن
منه وأنّ الله لا يعذّب موحّدا ، وهذا قول" مقاتل بن سليمان" وقال
قائلون منهم بتجويز عذاب الموحّدين وأنّ الله يوازن حسناتهم بسيّئاتهم فإن رجحت
حسناتهم أدخلهم الجنّة وأن رجحت سيّئاتهم كان له أن يعذّبهم وله أن يتفضّل عليهم ،
وإن لم ترجح حسناتهم على سيّئاتهم ولا رجحت سيّئاتهم على حسناتهم تفضّل عليهم
بالجنّة ، وهذا قول" أبي معاذ" (ش ، ق ، ١٥١ ، ٥)
ـ حقيقة قول"
المعتزلة" في الموازنة أنّ الحسنات تكون محبطة للسّيئات ، وتكون أعظم منها ،
وأنّ السّيئات تكون محبطة للحسنات وتكون أعظم منها (ش ، ق ، ٤٧٣ ، ٦)
ـ أبو هاشم : من
له أحد عشر جزءا من الثواب وفعل ما يوجب عشرة أخرى من العقاب تساقط العشرتان وبقي
له جزء من الثواب. وكذا في العكس. أبو عليّ : بل يسقط الأقل بالأكثر ، ولا يسقط من
الأكثر شيء (م ، ق ، ١٢٣ ، ١٩)
ـ البهشميّة :
والموازنة تقع بين الثواب والعقاب. الإخشيدية : بل بين الفعل والمستحقّ ، فتنحبط الطاعة
بالعقاب والمعصية بالثواب. أبو علي : بل بين الفعلين. قلنا : إنّما يقع التكفير
والإحباط بأمر منتظر ، والمنتظر هو المستحقّ ، ويلزم ما مرّ من استواء من أحسن
وأساء ومن أساء فقط (م ، ق ، ١٢٤ ، ١)
موازين
ـ إنّ الموازين
توضع يوم القيامة لوزن أعمال العباد (ح ، ف ٤ ، ٦٥ ، ١٥)
ـ إنّ تلك
الموازين أشياء يبيّن الله عزوجل بها لعباده مقادير أعمالهم من خير أو شر من مقدار الذرّة
التي لا تحسّ وزنها في موازيننا أصلا ، فما زاد ولا ندري كيف تلك الموازين ، إلّا
أنّنا ندري أنّها بخلاف موازين الدنيا ، وأنّ ميزان من تصدّق بدينار أو بلؤلؤة
أثقل ممّن تصدّق بكذّانة ، وليس هذا وزنا ، وندري أنّ إثم القاتل أعظم من إثم
اللاطم ، وأنّ ميزان مصلّي الفريضة أعظم من ميزان مصلّي التطوّع ، بل بعض الفرائض
أعظم من بعض (ح ، ف ٤ ، ٦٥ ، ٢٠)
مواضعة
ـ إنّ من شرط
المواضعة أن لا تصحّ أولا إلّا فيمن يعرف قصده باضطرار ؛ لأنّه لا طريق إلى العلم
بالمقاصد على جهة الاكتساب بالكلام وتعلّقه بالمسمّى ، وإنّما قدّمت المواضعة ،
ولذلك نقول إنّه تعالى لا يصحّ أن يخاطبنا على وجه نعرف بخطابه المراد إلّا بعد
تقدّم المواضعة منّا على بعض اللغات. ويفارق ذلك علمنا بأنّه مريد لما يحدثه
ويفعله على الوجوه التي يفعله عليها ، لأنّ الفعل قد دلّ على أن من حق العالم
بالشيء أن يكون مريدا له ، ومن حق الحكيم أن يريد إحداث الشيء على الوجه الذي يحسن
حدوثه عليه. والكلام
مما لا يصحّ أن
يعلم بالعقل تعلّقه بأمر مخصوص وأنّه لا يصحّ أن يتعلّق إلّا به ، فلا يصحّ أن
يستفاد بكلامه المراد إلّا بعد تقدّم المواضعة على ما قدّمناه ، وثبت أنّ من شرط
صحّة المواضعة أولا العلم بالمقاصد ضرورة (ق ، غ ٥ ، ١٦٣ ، ١١)
ـ إنّ المواضعة
على اللغات تحسن من دون ورود إذن سمعيّ (ق ، غ ٥ ، ١٧٤ ، ٢)
ـ اعلم أنّ
المواضعة إنّما تقع على المشاهدات وما جرى مجراها ؛ لأنّ الأصل فيها الإشارة ، على
ما بيّناه. فإذا ثبت ذلك ، فيجب ، متى أردنا التكلّم بلغة مخصوصة ، أن نعقل معاني
الأوصاف والأسماء فيها في الشاهد ، ثم ننظر ، فما حصلت فيه تلك الفائدة نجري عليه
الاسم في الغائب. وهذا في بابه بمنزلة معرفة ماله أصل في الشاهد في أنّه يجب أن
يعلم أوّلا ثم يبنى عليه الغائب ، نحو ما بيّناه في الاستدلال بالشاهد على الغائب (ق
، غ ٥ ، ١٨٦ ، ٤)
ـ إنّ من حق
المواضعة ألّا تصحّ إلّا فيما يحدث على وجه مخصوص ، أو يتحدّد له من الصفات ما
يجري مجرى حدوثه ، فما يستحيل ذلك فيه فالمواضعة فيه محال. وإنّما وجب ذلك لأنّ
المواضع لغيره على الشيء إنّما يواضعه بأن يعرّفه أنّه إذا همّ بالإخبار عن الشيء
ذكره فذكر ، أو أحدث أمرا (ق ، غ ٧ ، ١٠٢ ، ١٣)
ـ إنّ فاعل الظلم
في الشاهد سمّي ظالما ، فواجب بعد حصول المواضعة ، لأنّ أهل اللغة أجروا ذلك عليه
، فما دامت اللغة ثابتة فهذا الاسم واجب لفاعل الظلم (ق ، غ ٨ ، ٢٢٧ ، ١٧)
ـ إنّ المواضعة لا
يقع فيها اختصاص ، فلا يجوز أن يقال : إنّهم وصفوا فاعل الظلم بأنّه ظالم ، ويكون
هذا الوصف موقوفا على فاعل دون فاعل ، لأنّ ذلك ينقض طريقة المواضعة وما يدعو
إليها. لأنّ الداعي إليها ، هو التفرقة بين المسمّيات عند حصول الصفات ، أو حدوث
المعاني ؛ فلو جوّزنا الاختصاص فيه ، لأدّى إلى نقض هذه الطريقة. وكما لا يقع
الاختصاص في هذه الأسماء في الشاهد ، فكذلك لا يجوز أن يقع الاختصاص فيه في الغائب
(ق ، غ ٨ ، ٢٢٨ ، ٣)
ـ إنّ من حق ما
يدلّ ، على طريقة المواضعة ، ألّا يدلّ على ما يدلّ عليه لأمر بدل جنسه وصفته ،
وإنّما يدلّ بالقصد ، الذي لولاه لما تعلّق بمدلوله ؛ ولأنّه يجب في القصد ، الذي
هو شرط في كيفية دلالته ، أن يعلم أولا باضطرار ، فيتقرّر في النفس ذلك ، ثم يبنى
عليه الاستدلال. ولهذه الجملة ، قلنا إنّه تعالى لا يجوز أن يخاطب إلّا بعد مواضعة
متقدّمة ، تعرف كيفية تعلّقها بالمقاصد ، وتأثير المقاصد فيها (ق ، غ ١٥ ، ١٤٩ ، ٩)
ـ إنّ المواضعة
كالمواطأة في الأفعال. فإذا كانت تعيّن الحكم في الأفعال ، عند وجودها ، فكذلك القول
في المواضعة. يبيّن ذلك أنّ المتكلّم ، بما وقعت المواضعة عليه في الحكم ، كأنّه
قد كلّم غيره بما واطأه عليه من قبل. فهو بمنزلة أن يقول له : " إذا قلت لك :
زيد منطلق ، فإنّما أريد بالكلمة الأولى هذا الشخص ، وبالثانية هذا الفعل ؛ فيكون
ذلك تعريفا وإخبارا متى تكلّمت بذلك. فإن زدت عليه ، فقلت : هل زيد منطلق؟ فهو
التماس التعريف من قبلك. فإن قلت : أليس زيد منطلقا؟ تغيّر التعريف والتعرّف"
: ثم ، على هذا الوجه ، لا بدّ من تقدير المواضعة في كل
كلام مفيد. فإذا
صحّ ذلك وجبت الحاجة إلى المواضعة في كون الكلام دليلا من الوجه الذي ذكرناه (ق ،
غ ١٥ ، ١٦٠ ، ١٩)
ـ إن حصل معنى
المواضعة ، من غير طريقة المواطأة والمخاطبة ، حلّ محل المواطأة في هذا الباب.
ولذلك نجد أحدنا يستدعي من غلامه سقي الماء بالإشارة ، على حدّ ما نستدعيه
بالعبارة ، لعادة تقدّمت ، يعرف بها أنّ الإشارة تحلّ محلّ العبارة ، التي تقدّمت
معرفة فائدتها. وعلى هذا الوجه ، نجعل فعل الرسول عليهالسلام دلالة على الأحكام ؛ لأنّه يحلّ ، لمقدّمات تقدّمت ، محل
العبارة التي تقدّمت معرفتها ، ومعرفة فائدتها في اللغة. وعلى هذا الوجه ، تنزل
المعجزات منزلة التصديق بالقول (ق ، غ ١٥ ، ١٦١ ، ٨)
ـ إنّ المواضعة قد
تقع على ما لا يتبيّن فيه الإحكام كالحركة والحرف الواحد (ن ، د ، ٥٠٠ ، ١٠)
مواطأة
ـ إنّ المواضعة
كالمواطأة في الأفعال. فإذا كانت تعيّن الحكم في الأفعال ، عند وجودها ، فكذلك
القول في المواضعة. يبيّن ذلك أنّ المتكلّم ، بما وقعت المواضعة عليه في الحكم ،
كأنّه قد كلّم غيره بما واطأه عليه من قبل. فهو بمنزلة أن يقول له : " إذا
قلت لك : زيد منطلق ، فإنّما أريد بالكلمة الأولى هذا الشخص ، وبالثانية هذا الفعل
؛ فيكون ذلك تعريفا وإخبارا متى تكلّمت بذلك. فإن زدت عليه ، فقلت : هل زيد منطلق؟
فهو التماس التعريف من قبلك. فإن قلت : أليس زيد منطلقا؟ تغيّر التعريف
والتعرّف" : ثم ، على هذا الوجه ، لا بدّ من تقدير المواضعة في كل كلام مفيد.
فإذا صحّ ذلك وجبت الحاجة إلى المواضعة في كون الكلام دليلا من الوجه الذي ذكرناه (ق
، غ ١٥ ، ١٦٠ ، ١٩)
موافاة
ـ الفرقة الخامسة
عشرة من العجاردة (خوارج) وهي الخامسة من الثعالبة" المكرميّة"
أصحاب" أبي مكرم" ومما تفرّدوا به أنّهم زعموا أنّ تارك الصلاة كافر
وليس هو من قبل تركه الصلاة كفر ولكن من قبل جهله بالله ، وكذلك قالوا في سائر
الكبائر ، وزعموا أنّ من أتى كبيرة فقد جهل الله سبحانه وبتلك الجهالة كفر لا
بركوبه المعصية ، وقالوا بالموافاة وهي أنّ الله سبحانه إنّما يتولّى عباده
ويعاديهم على ما هم صائرون إليه لا على أعمالهم التي هم فيها فبرئت منهم الثعالبة (ش
، ق ، ١٠٠ ، ١٢)
ـ اختلف
المتكلّمون في معنى عبّروا عنه بلفظ الموافاة ، وهم أنّهم قالوا في إنسان مؤمن
صالح مجتهد في العبادة ، ثم مات مرتدّا كافرا ، وآخر كافر متمرّد أو فاسق ثم مات
مسلما تائبا كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله
تعالى (ح ، ف ٤ ، ٥٨ ، ٤)
ـ كان (هشام
الفوطي) يقول بالموافاة ، وأنّ الإيمان هو الذي يوافي الموت (ش ، م ١ ، ٧٣ ، ٥)
ـ الحازميّة :
أصحاب حازم بن عليّ ، أخذوا بقول شعيب في أنّ الله تعالى خالق أعمال العباد ، ولا
يكون في سلطانه إلّا ما يشاء ، وقالوا بالموافاة ، وأنّ الله تعالى إنّما يتولّى
العباد على ما علم أنّهم صائرون إليه في آخر
أمرهم من الإيمان
، ويتبرّأ منهم على ما علم أنّهم صائرون إليه في آخر أمرهم من الكفر ، وأنّه
سبحانه لم يزل محبّا لأوليائه مبغضا لأعدائه (ش ، م ١ ، ١٣١ ، ١٠)
ـ قالوا (المكرميّة)
: بإيمان الموافاة ، والحكم بأنّ الله تعالى إنّما يتولّى عباده ويعاديهم على ما
هم صائرون إليه من موافاة الموت ، لا على أعمالهم التي هم فيها ؛ فإنّ ذلك ليس
بموثوق به إصرارا عليه ما لم يصل المرء إلى آخر عمره ، ونهاية أجله. فحينئذ إن بقي
على ما يعتقده فذلك هو الإيمان فنواليه ، وإن لم يبق فنعاديه. وكذلك في حق الله
تعالى : حكم الموالاة والمعاداة على ما علم منه حال الموافاة ، وكلهم على هذا
القول (ش ، م ١ ، ١٣٣ ، ١٤)
موالاة
ـ أمّا الموالاة
فهي مفاعلة من الولاية ، والولاية قد تذكر ويراد بها النصرة ، كما قال الله تعالى
: (لا مَوْلى لَهُمْ) (محمد : ١١) أي لا
ناصر لهم ؛ وقد تذكر ويراد بها الأولى ، قال الله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (المائدة : ٥٥)
الآية ، أي الأولى بكم إنّما هو الله ورسوله والمؤمنون بهذا الوصف ؛ وقد تذكر
ويراد بها المحبة ، وهو إرادة نفع الغير ، يقال : فلان وليّ فلان ، أي يريد خيره ،
ولذلك لا تستعمل في القديم تعالى لأنّ النفع والضرر مستحيلان عليه ، وإذا استعمل
فقيل : فلان من أولياء الله ، فذلك على طريق التوسّع ، والمراد به أنّه يريد نصرة
أولياء الله أو يريد خيرهم. وإذا قيل : إنّ الله وليّ عبده ، فالمراد به أنّه يريد
إثباته والتفضّل عليه (ق ، ش ، ٧٠٠ ، ١٤)
موت
ـ القتل هو خروج
الروح عن سبب من الإنسان ، وخروج الروح لا عن سبب يكون من الإنسان موت وليس بقتل ،
وزعم هؤلاء إنّ القتل يحلّ في المقتول لا في القاتل (ش ، ق ، ٤٢٢ ، ١٠)
ـ كان يقول (الأشعري)
إنّ القتل المضاف إلينا غير الموت ، لأنّ الموت لا يدخل تحت قدرتنا وهو في غير
محلّها ، والقتل قد يكون لنا كسبا في محلّ القدرة. فأمّا القتل المضاف إلى الله
تعالى فقد يكون بمعنى الموت (أ ، م ، ١٣٦ ، ٨)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم ـ رحمهالله ـ في الموت : إنّه
لا يضادّ الحياة مضادّة التروك ؛ لأنّه لا يجوز أن يوجب حكما بالعكس ممّا توجبه
الحياة ولما توجبه الحياة. وقال فيه : إنّه يخرج المحلّ من أن يكون جملة الحيّ
فيصير في حكم المباين. فأمّا وصفهم الجملة بأنّها ميتة فالمراد بذلك أنّ كل جزء
منها ميّت ، وليس كذلك وصفهم لها بأنّها حيّة قادرة لأنّ المراد بذلك أنّها تختصّ
دون أبعاضها بأنّها يصحّ أن تدرك وتفعل ، ولذلك لا يقولون في يد الإنسان. إنّها
قادرة عالمة ؛ كما يقولون في جملته (ق ، غ ١١ ، ٣٥٥ ، ١٦)
ـ إنّ الموت إنّما
يستحقّ به العوض إذا قارنته آلام ؛ وأمّا إذا تجرّد فغير واجب ذلك فيه (ق ، غ ١٣ ،
٤٣٧ ، ١١)
ـ الموت والإماتة
شيء واحد وهو التفريق بين النفس والجسد (ح ، ف ٣ ، ٥٩ ، ١٧)
ـ الموت أمر
استبدّ الرّب تعالى باختراعه مع الحز ، فلا يجب من تقدير عدم الحز عدم الموت ، وهو
الحق. ومن اعتقد كونه علّة ، وأضاف إليها مشاهدته صحّة الجسم ، وعدم
مهلك من خارج
اعتقد أنّه لو انتفى الحز ، وليس ثمّ علّة أخرى وجب انتفاء المعلول لانتفاء جميع
العلل. وهذا الاعتقاد صحيح لو صحّ اعتقاد التعليل. وحصر العلل فيما عرف انتفاؤه (غ
، ق ، ٢٢٤ ، ٧)
ـ إنّ الموت يدخل
في مفهومه سبق الحياة على ذلك العدم ، وإلّا لكان الجنين عند قرب حلول الحياة فيه
ميتا (ط ، م ، ١٥٤ ، ٢)
موت أول
ـ أمّا جمع الله
تعالى الأنفس إلى الأجساد فهي الحياة الأولى بعد افتراقها الذي هو الموت الأوّل ،
فتبقى كذلك في عالم الدنيا الذي هو علم الابتلاء ما شاء الله تعالى ، ثم ينقلنا
بالموت الثاني الذي هو فراق الأنفس للأجساد ثانية إلى البرزخ الذي تقيم فيه الأنفس
إلى يوم القيامة وتعود أجسامنا ترابا كما قلنا (ح ، ف ٣ ، ١٣٢ ، ١١)
موت ثان
ـ أمّا جمع الله
تعالى الأنفس إلى الأجساد فهي الحياة الأولى بعد افتراقها الذي هو الموت الأوّل ،
فتبقى كذلك في عالم الدنيا الذي هو علم الابتلاء ما شاء الله تعالى ، ثم ينقلنا
بالموت الثاني الذي هو فراق الأنفس للأجساد ثانية إلى البرزخ الذي تقيم فيه الأنفس
إلى يوم القيامة وتعود أجسامنا ترابا كما قلنا (ح ، ف ٣ ، ١٣٢ ، ١٢)
موجب
ـ ذكر (الأشعري)
في كتاب نقض الاستطاعة على الجبّائي هذه المسألة ، وذكر أقسام معنى الموجب وقال :
" لا يخلو قولنا (الشيء موجب للشيء) من أن يكون بمعنى الفارض الملزم ، كقولنا
(أوجب الله تعالى طاعته" أي (فرضها) ، أو يكون بمعنى الفاعل للشيء ، كقولنا (أوجب
الله تعالى العالم) بمعنى (خلقه) ، أو يكون على معنى استعمال المتكلّمين في قولهم (السبب
موجب للمسبّب) والمراد بذلك (في كون السبب كون المسبّب) ". قال : " ولو
جاز أن يقال إنّ الاستطاعة موجبة للفعل على هذا المعنى جاز أيضا أن يقال إنّ الفعل
موجب للاستطاعة" (أ ، م ، ١١٠ ، ٧)
ـ إنّ الموجب لا
يصحّ وجوده ثمّ يقف الإيجاب على شرط. وهذا يقتضي صحّة وجود قدرة الطيران فيمن لا
جناح له فيطير بلا جناح ، وأن توجد قدرة المشي فيمن لا رجل له فيوجد من الزمن أو
المقطوع الرجل ، ثمّ كذلك الحال في كل ما يحتاج إلى آلة (ق ، ت ٢ ، ١١٧ ، ٦)
ـ الموجب إذا صحّ
مجامعته في الوجود لما يوجبه فالواجب وجود موجبه من غير تراخ ، وإنّما يوجب تأخّر
العلم عن النظر لاستحالة وجوده معه ، ويوجب تأخير ما يؤكّده الاعتماد عن الاعتماد
، لأنّ من شرط توليده أن يولّده في جهته ، وجهته ما تلي محاذاته ، ويستحيل في حال
وجود الاعتماد وهو في محاذاته كونه في غير محاذاته ، لما فيه من وجود الضدّين (ق ،
غ ٧ ، ١٧٠ ، ١٦)
ـ إنّ الموجب
إنّما يوجب الشيء على وجهين : إمّا على إيجاب العلّة للمعلول ، أو على سبيل
التوليد. وينقسم إلى قسمين : أحدهما يولده في الحال. والثاني يوجبه في الوقت
الثاني. فلفظة" كن" إن لم تكن موجبة فوجود الأشياء لها ،
وبجنسيها لا يجب.
فلا بدّ لهم من القول بأنّها موجبة. فلا يخلو من أن تكون المكوّنات كإيجاب العلل.
وهذا محال ؛ لأنّ ذلك إنّما يصحّ فيما يوجب حالا لموجود سواه. فأمّا ما يقتضي وجود
غيره ولا يوجب كونه على حال ؛ فالقول بأنّه علّة لا يصحّ (ق ، غ ٧ ، ١٧١ ، ٥)
ـ قال (أبو القاسم)
إنّ معنى متولّد هو أنّه يتولّد عن فعل بقدرة قلبه ، وبينها في مكانه ما كان
متولّدا عن غيره ، فصحّ بذلك أن ما يقع لا بقدرة قلبه في مكانه ، بل إنّما أوجبه
فعلى هذا سبيله. والموجب الذي ليس بمولّد وإن كان موجبا لغيره ، فلا بدّ من قدرة
ثانية بها يفعل ذلك ، كالمعرفة ويوجبها الجزء من النظر ، والحركة في اليد الصحيحة
توجبها الإرادة ، وهما تستغنيان عن قدرة في مكانهما بها فعلا. والمتولّد كحركة
اليد الشلّاء إذا حرّكت أو احتكّت باليد الصحيحة ، فإنّ حركتها موجبة ، وهي مع ذلك
لا تحتاج إلى قدرة في مكانها بها يفعل ، بل إنّما تولّدت عن حركة اليد الصحيحة.
قال : وجملة هذا أنّ الموجب الذي ليس بمتولّد لا يوجد إلّا في خارجه قد وجدت
القدرة فيها قبل وجودها. والمتولّد لا يحتاج لى ذلك ، بل قد يوجد في خارجه لا قدرة
فيها في حال وجوده ، ولم تكن فيها قبل وجوده (ن ، م ، ٣٥٧ ، ٢٠)
موجب بالذات
ـ إنّ الموجب
بالذات لا يخصّص مثلا عن مثل ، إذ الأحياز والجهات والأقدار والأشكال وسائر الصفات
بالنسبة إليه واحدة ، وهي في ذواتها متماثلة إذ لا طريق لنا إلى إثبات الصانع إلّا
بهذه الأفعال ، وقد ظهر فيها آثار الاختيار لتخصيصها ببعض الجائزات دون البعض ،
فعلمنا قطعا ويقينا أنّ الصانع ليس ذاتا موجبا بل موجدا عالما قادرا (ش ، ن ، ١٤ ،
٣)
موجب لقبح الفعل
ـ إنّه لا يجوز أن
يكون الموجب لقبح الفعل حال فاعله نحو كونه محدثا مملوكا مربوبا مكلّفا مقهورا
مغلوبا. اعلم أنّ هذه الأحوال لو كانت تقتضي قبح الفعل لوجب أن تكون كلّ أفعال
الواحد منّا قبيحة ، ولا يكون بعضها بأن يقبح أولى من بعض ، ولا الحسن منها بالحسن
أولى من القبح ، ولا الواجب بالوجوب أولى من الإباحة ، لأنّ حكم هذه الأحوال مع
الجميع حكم واحد. وهذا يوجب أن لا تفترق أفعالنا في هذه الأحكام ، وأن تكون كلها
قبيحة أو حسنة ؛ وهذا في غاية السقوط (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٧ ، ٢)
موجب لكون الفعل
قبيحا أو حسنا
ـ إنّ الموجب لكون
الفعل قبيحا أو حسنا لا بدّ من أن يتعلّق به ضربا من التعلّق ، وإلّا لم يكن بأن
يوجب قبحه أولى من أن يوجب حسنه ، أو بأن يوجب قبح فعل أولى من غيره ، وكونه محدثا
مربوبا لا يتعلّق بفعله فكيف يوجب قبحه. وهذا الذي يقصده شيوخنا رحمهمالله بقولهم إنّ أحوال الفاعل لا تؤثّر في قبح فعله ، وإنّما
يقبح ويحسن لصفة تخصّه. فلذلك متى تعرّى الضرر عن نفع ودفع ضرر واستحقاق ، قبح ،
ومتى حصل فيه بعض ذلك ، حسن (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩٠ ، ٦)
موجبات العقول
ـ زعمت الكرّامية
أيضا أنّ من لم تبلغه دعوة الرسل لزمه أن يعتقد موجبات العقول ، وأن
يعتقد أنّ الله
تعالى أرسل رسلا إلى خلقه. وقد سبقهم أكثر القدرية إلى القول بوجوب اعتقاد موجبات
العقول ، ولم يقل أحد قبلهم بوجوب اعتقاد وجود الرسل قبل ورود الخبر عنهم بوجودهم (ب
، ف ، ٢٢٢ ، ١١)
موجد الأمر
ـ إنّ كل حادث من
الحوادث إذا كان يحصل عند حدوثه على وجه دون وجه ، فالذي يحصله على ذلك الوجه هو
الذي يوجده. ثم إن كان حصوله على ذلك الوجه من دون أمر من الأمور ومن دون علّة من
العلل فالموجد له هو المحصّل له على ذلك الوجه. وإن كان لأمر من الأمور فالموجد له
يجب أن يكون موجدا لذلك الأمر ، وإن كان لعلّة يجب أن يكون هو الموصوف بالقدرة على
تلك العلّة (ن ، د ، ٤٠٣ ، ١٥)
ـ إنّ الفعل ذو
جهات عقليّة واعتبارات ذهنيّة عامّة وخاصّة كالوجود والحدوث والعرضيّة واللونيّة ،
وكونه حركة أو سكونا ، وكون الحركة كتابة أو قولا. وليس الفعل بذاته شيئا من هذه
الوجوه بل هي كلها مستفادة له من الفاعل ، والذي له بذاته هو الإمكان فقط ، وأمّا
وجوده فمستفاد من موجده على الوجه الذي هو به ، وهو أعمّ الوجوه. وأمّا كونه كتابة
أو قولا فمستفاد من كاتبه أو قائله وهو أخصّ الوجوه ، فيتميّز الوجهان تميّزا
عقليّا لا حسّيّا ، وتغاير المتعلّقان تغايرا سمّي أحدهما إيجادا وإبداعا وهو نسبة
أعمّ الوجوه إلى صفة لها عموم التعلّق ، وسمّي الثاني كسبا وفعلا وهو نسبة أخصّ
الوجوه إلى صفة لها خصوص التعلّق. فهو من حيث وجوده يحتاج إلى موجد ، ومن حيث
الكتابة والقول يحتاج إلى كاتب وقائل ، والموجد لا تتغيّر ذاته أو صفته لوجود
الموجد ، ويشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل ، والمكتسب تتغيّر ذاته وصفته لحصول
الكسب ولا يشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل (ش ، ن ، ٧٦ ، ٩)
موجد لتصرّف
العباد
ـ لو كان القديم ،
تعالى. هو الموجد لتصرّف العباد ، لم يكن لنا إلى إثبات العباد قادرين وإثبات
قدرتهم ، سبيل ؛ وفي هذا نقض القول : بأنّ للعباد أفعالا. وذلك لأنّ القديم ،
سبحانه ، إذا أوجده على سائر صفاته ، لم يصحّ إثباته محتاجا في بعض صفاته إلى
العبد ، وإنّما يمكن إثبات العبد قادرا متى أثبت الفعل به على بعض الوجوه (ق ، غ ٨
، ١٨٢ ، ٢٠)
موجود
ـ قال (ابن
الروندي) : ويزعم صاحب هذا القول (عبّاد) أنّ كل موجود على ظهر الأرض فلم يكن
معدوما قط بوجه من الوجوه ، لأنّ الموجود عنده ليس بمعدوم ولم يكن معدوما ولا يكون
معدوما أبدا. (ثم قال) وهذا التصريح بأنّ الأجسام قديمة ، لأنّ المحدث ما وجد بعد
عدم وما لم يك معدوما لم يوجد بعد عدم. يقال له : إنّ صاحب هذا القول يزعم أنّ
المحدث ما لم يكن فكان فالموجودات عنده من المحدثات لم تكن فكانت. فخرج من القول
بقدم الأجسام بهذا القول (خ ، ن ، ٦٩ ، ١٩)
ـ قول"
الشحّام" : ... إنّ الجسم في حال كونه موجود مخلوق (ش ، ق ، ١٦٢ ، ١٦)
ـ زعم"
الجبّائي" إنّ القول في البارئ أنّه موجود قد يكون بمعنى معلوم ، وأنّ البارئ
لم يزل واجدا للأشياء بمعنى أنّه لم يزل عالما ، وأنّ المعلومات لم تزل موجودات
لله معلومات له بمعنى أنّه لم يزل يعلمها ، وقد يكون موجودا بمعنى لم يزل معلوما
وبمعنى لم يزل كائنا (ش ، ق ، ٥٢٠ ، ١٣)
ـ زعم" هشام
بن الحكم" أنّ معنى موجود في البارئ أنّه جسم لأنّه موجود شيء (ش ، ق ، ٥٢١ ،
١)
ـ معنى أنّ البارئ
موجود معنى أنّه شيء (ش ، ق ، ٥٢١ ، ٤)
ـ معنى أنّه موجود
معنى أنّه محدود ، وهذا قول" المشبّهة" (ش ، ق ، ٥٢١ ، ٥)
ـ قال"
عبّاد" : معنى القول أنّ البارئ موجود إثبات اسم الله (ش ، ق ، ٥٢١ ، ٩)
ـ إن قال قائل :
لم قلتم إذا كان من لم يزل غير متكلّم ولا مريد وجب أن يكون موصوفا بضدّ الإرادة
والكلام إذا كان ممن لا يستحيل عليه الكلام والإرادة ، فما أنكرتم من أنّ من لم
يزل غير فاعل وجب أن يكون موصوفا بضدّ الفعل وأن يكون تاركا فيما لم يزل ، قيل له
لا يجب ما قلته وذلك أنّ للكلام ضدّا ليس بكلام ، وللإرادة ضدّ ليس بإرادة ، فوجب
لو كان الباري تعالى حيّا غير متكلم ولا مريد أن يكون موصوفا بضدّ الكلام
والإرادة. وليس للفعل ضد ليس بفعل ، فيجب بنفي الفعل عن الفاعل وجود ضدّه لأنّ
الموجود إذا لم يكن محدثا كان قديما والقديم لا يضادّ المحدثات. فلمّا لم يكن
للفعل ضد ليس بفعل ، لم يجب بنفي الفعل عن الله تعالى في أزله إثبات ضدّ. ولما كان
للكلام ضدّ ليس بكلام ، وجب بنفي الكلام عن الله تعالى في أزله إثبات ذلك الضدّ لا
محالة (ش ، ل ، ١٩ ، ٨)
ـ الموجود هو
الشيء الثابت الكائن ؛ لأنّ معنى الشيء عندنا أنّه موجود ؛ يدل على ذلك قول أهل
اللغة : " شيء" إثبات ، وقولهم" ليس بشيء" نفي ؛ يبيّن ذلك أن
القائل يقول : ما أخذت من زيد شيئا ، ولا سمعت منه شيئا ، ولا رأيت شيئا ـ نفي
للمذكور ؛ وقولهم : أخذت شيئا وسمعت شيئا ورأيت شيئا ـ إثبات للمذكور ورجوع إلى
كائن موجود. فوجب أن يكون كلّ موجود شيئا وكلّ شيء موجودا (ب ، ت ، ٤٠ ، ٨)
ـ الموجود هو
الشيء الكائن الثابت. وقولنا" شيء" إثبات ، وقولنا" ليس بشيء"
نفي. قال الله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ
أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) (الأنعام : ١٩)
وهو سبحانه موجود غير معدوم. وقول أهل اللغة علمت شيئا ، ورأيت شيئا ، وسمعت شيئا
؛ إشارة إلى كائن موجود ، وقولهم : ليس بشيء هو واقع على نفي المعدوم ، ولو كان
المعدوم شيئا كان القول ليس بشيء نفيا لا يقع أبدا إلّا كذبا ، وذلك باطل بالاتفاق
(ب ، ن ، ١٥ ، ٢١)
ـ كان يقول (الأشعري)
إنّ الموجود ما وجده واجد ، وإنّه موجود بوجود الواجد له ، ولوجوده له ما كان
موجودا له ، ويجري ذلك على معنى المعلوم ، وإنّ الباري تعالى موجود لنا على معنى أنّه
معلوم لنا بوجودنا له وهو علمنا به ، وإنّ معنى قوله عزوجل (وَوَجَدَ اللهَ
عِنْدَهُ) (النور : ٣٩) من
ذلك والمعنى أنّه علم الله عنده. وأمّا الموجود المطلق الذي لا يتعلّق بوجود
الواجد له فهو الثابت الكائن الذي ليس بمنتف ولا معدوم (أ ، م ، ٢٧ ، ١٢)
ـ ثم ينظر في كونه
(الله) عالما وقادرا ، فيحصل له العلم بكونه موجودا (ق ، ش ، ٦٥ ، ١٤)
ـ إنّ العرض يجوز
عليه العدم ، والقديم لا يجوز أن يعدم ، ولا يجوز أن يكون قديما ؛ وإذا لم يكن
قديما وجب أن يكون محدثا ، لأنّ الموجود يتردّد بين هذين الوصفين ، فإذا لم يكن
على أحدهما كان على الآخر لا محالة (ق ، ش ، ١٠٤ ، ١٠)
ـ أمّا الموجود ،
فعلى ما ذكره شيخنا أبو عبد الله البصريّ وشيوخنا البغداديّون أنّه الكائن الثابت
، وهذا لا يصحّ ، لأنّ قولنا موجود أظهر منه ، ومن حق الحدّ أن يكون أظهر من
المحدود. وبعد ، فإنّ الكائن إنّما هو الثابت ، والثابت إنّما هو الكائن ، فيكون
في الحدّ إذا تكرار مستغنى عنه. وبعد ، فإنّ الكائن إنّما يستعمل في الجوهر الذي
حصل في حيّز فكيف يصحّ تحديد الموجود به. وذكر قاضي القضاة في حدّ الموجود ، أنّه
المختصّ بصفة تظهر عندها الصفات والأحكام (ق ، ش ، ١٧٥ ، ١٧)
ـ فلو سئلنا عن
حقيقة الموجود ، فالواجب أن نشير إلى هذه الموجودات (ق ، ش ، ١٧٦ ، ١٠)
ـ إنّ الموجود إذا
قيل إنّه تعالى مالكه فهو مجاز ، لأنّ القدرة على الموجود تستحيل ، وإنما يراد به
أنّه يملك أمرا سواه له به تعلّق ، كما يراد بقولنا : إنّ زيدا يملك الدار ، أنّه
يملك التصرّف فيها ، وهو تعالى لا يمتنع أن يوصف بأنّه مالك أفعال العباد ، بمعنى
أنّه يقدر على إعدامها ، أو يقدر فيما لم يوجد منها على المنع منها ، وليس في ذلك
ما يدلّ على ما توهّموه (ق ، م ١ ، ٢٠٦ ، ٢)
ـ إنّه تعالى
مقتدر على الأشياء ، لأنّ هذه اللفظة في الاقتدار متعارفة ، ... ولا يقال ـ بهذا
اللفظ ـ إنّه مقتدر على المعدوم ، لأنّ نفس الإحاطة إذا كانت إنّما تصحّ في
الموجود ، فإذا اتّسع بها في الاقتدار على الشيء من سائر جهاته تشبيها بالإحاطة ،
فيجب كونه موجودا! وقد بيّنا أنّ المراد بالموجود إذا قيل إنّه مقتدر عليه ، أنّه
قادر على إعدامه وتفريقه ، فلا يصحّ التعلّق بذلك في أنّه الخالق لأفعال العباد (ق
، م ١ ، ٢٠٦ ، ١٧)
ـ إنّه تعالى
موجود لأنّ كونه قادرا لا يزول أصلا وكذلك كونه عالما. وكما يتعذّر ذلك يتعذّر
الاستدلال على أنّه تعالى موجود باعتبار حال غيره من القادرين لوجهين. أحدهما إنّ
القادر هو الجملة الحيّة والموجود هو كل بعض منه ، فليس الموجود في الحقيقة هو
القادر ولا القادر في الحقيقة هو الموجود. فيجب اعتبار ما يرجع التعلّق فيه
والوجود إلى شيء واحد ، وليس ذلك إلّا الذوات المتعلّقة بأغيارها. والثاني إنّ
العلّة في أحدنا إنّه إنما يقدر بقدرة وهي في وجودها تفتقر إلى محلّ ولا بدّ في
المحلّ من أن يكون موجودا. فأمّا القادر لنفسه فلو اعتقد معتقد ثبوت هذه الصفة له
من دون الوجود ، كما يعتقد في غيره من الصفات في الذوات لما بعد ، فيجب إيراد
الدلالة على الحدّ المذكور في" الشرح" وغيره لأنّه قد ثبت أنّه تعالى
بكونه قادرا لا بدّ من تعلّقه بالمقدور ، وكل ما يتعلّق بغيره فالعدم مزيل له. ألا
ترى أنّ القدرة إذا كانت موجودة ثبت تعلّقها ، فإن عدمت زال تعلّقها؟ وليس العلّة
في ذلك إلّا العدم إذ لا أمر من الأمور يمكن تعليقه به أولى من العدم. وإن كان إذا
قال القائل إنّ العدم
يحيل الصفة
المقتضاة عن صفة الذات وعليها يقف التعلّق ، فقد اعترف بما أردناه لأنّه قد صار
العدم مانعا من التعلّق بواسطة وإن لم يكن بنفسه مانعا. وإنّما نعلم ثبوت صفة
الوجود للقدرة وغيرها من الذوات على حدّ التفصيل فثبت لنا أنّ العدم الطارئ يحيل
التعلّق الذي يتبع الوجود بأن نقول : قد ثبت إنّ الفاعل يؤثّر في حصول القدرة ولا
صفة تتعلّق بالفاعل إلّا صفة الوجود. فيجب ثبوت هذه الصفة له على التفصيل (ق ، ت ١
، ١٣٣ ، ١٣)
ـ إذا عدمت القدرة
استحال الفعل بها لخروجها عن التعلّق ولخروجها عن أن توجب الصفة للقادر ، فبطل ما
ظنّه الخصم. وليس يلزمنا إذا جعلنا العدم موجبا لزوال التعلّق أن يكون كل موجود
متعلّقا أو كل ما لا يتعلّق لا يكون موجودا ، لأنّ كل ذلك عكس. والطرد في هذا
الباب أنّ كل ما يتعلّق بغيره فلا بدّ من أن يكون موجودا. فهو كما يجعل من شرط
العلّة الموجبة الوجود ثم لا يجب في كل ما هو موجود أن يكون موجبا وفي كل ما ليس
بموجب أن لا يكون موجودا (ق ، ت ١ ، ١٣٤ ، ٢٤)
ـ ثبت أنّه لا بدّ
من تعلّق الإرادة عند الوجود دون العدم ، وكما يصحّ الاستدلال بكون قادرا على أنّه
موجود ، فكذلك بكل صفة حظّها هذا الحظ في التعلّق بالغير كنحو كونه عالما. وإذا
قيل في كونه حيّا أنّه يدلّ على ذلك فلأجل أنّه يدلّ على كونه مدركا ، ولكونه
مدركا تعلّق بما أدركه ، ولا يثبت التعلّق إلّا عند الوجود. فعلى هذا يصحّ
الاستدلال بكونه قادرا على أنّه حيّ. ثم بكونه حيّا على أنّه مدرك. ثم يستدلّ بذلك
على كونه موجودا ، إذ ليس يفتقر العلم بكونه حيّا ومدركا إلى العلم بأنّه موجود.
وعلى هذا يجب أن يصحّ الاستدلال بكونه مريدا على أنّه موجود ، لأنّ العلم بكونه
مريدا إنّما يقف على العلم بحكمته جلّ وعزّ ، وذلك ممكن من دون العلم بتفصيل صفة الوجود
فيه ، ولكنه تقدّم القول في كونه عالما وقادرا ، لأنّ القول فيهما أظهر وليس يحتاج
فيهما إلى واسطة كما يحتاج في كونه حيّا وكونه مدركا أو مريدا وكارها (ق ، ت ١ ،
١٣٥ ، ٧)
ـ إنّ المعدوم له
حكم يفارق الموجود ، حتى يثبت بين حكميهما من التنافي والتضادّ مما يثبت بين
المعدوم والوجود لو كان للمعدوم بكونه معدوما صفة. وذلك لأنّ من حكم المعدوم أن
يصحّ تعلّقه بالقادر ومن حكم الموجود أن يزول تعلّقه بالقادر. فقول من أجاز حدوثه
من جهتين يؤدّي إلى أن تكون الذات الواحدة من حيث حصلت لها إحدى الصفتين بالحدوث
لا تتعلّق بالقادر ، ومن حيث لم تحصل الصفة الأخرى يصحّ تعلّقه بالقادر ، حتى يكون
مقدوره من وجه غير مقدوره من وجه آخر. وكذلك فالموجود من حيث حصل موجودا يجب أن
يثبت فيه حظّ المنع والتضادّ ، ومن حيث كان معدوما لا يثبت له هذا الحظ ، فكان يجب
تردّده بين هذين الحكمين. وإلى هذا المعنى أشار في الكتاب حيث قال : ولو جاز ذلك
لجاز أيضا أن يضاده ضدّه من وجه دون وجه وفي ذلك نقض التضادّ (ق ، ت ١ ، ٣٧٢ ، ٢٣)
ـ يوصف تعالى
بأنّه موجود ، لأنّ المراد بذلك أنّه يختصّ بحال تصحّ عليه معه الأحكام التي تختصّ
الموجود من صحّة رؤيته أو تعلّقه بغيره أو حلوله أو كونه محلّا إلى ما شاكله. وقد
بيّنا
أنّه ، جلّ وعزّ ،
تصحّ له هذه الأحكام ؛ لأنّه يصحّ أن يتعلّق بغيره في كونه قادرا وعالما ويصحّ أن
يدرك إذا وجد المدرك ، فيجب كونه موجودا وأن يجري عليه هذا الوصف على الحقيقة. وقد
بيّنا أنّه لا معتبر في إجراء الأوصاف عليه تعالى بالسمع ؛ فليس لأحد أن يقول :
إنّه لا يوصف بذلك ، من حيث لم يرد في الكتاب ذكره (ق ، غ ٥ ، ٢٣٢ ، ٣)
ـ أمّا كونه
موجودا فلا يصحّ العلم به ما لم يعلم كونه قادرا. ثم يستدلّ بكونه قادرا على كونه
موجودا ، فلا يصحّ العلم به ما لم يعلم كونه قادرا ، ثم يستدلّ بكونه قادرا على
كونه موجودا ، بأن يقال إنّ القادر له تعلّق بالمقدور ، والعدم يمنع من التعلّق (ن
، د ، ٤٦١ ، ٣)
ـ أمّا قولنا :
موجود ، فذكر شيخنا أبو عبد الله البصري : أنّه الكائن الثابت ـ إلّا أنّ هذا لا
يصحّ ، لأنّ قولنا : موجود ، أظهر منه. وبعد ، فإنّ كونه كائنا صفة زائدة على
الوجود ، فلا يجوز تحديده به. وقد حدّ قاضي القضاة رحمهالله الموجود بحدّ ، فقال : هو المختصّ بصفة لكونه عليها تظهر
الأحكام الراجعة إلى الذات ـ وهذا الحدّ وإن كان جامعا إلّا أنّه أشكل من قولنا :
موجود ، وقولنا : موجود ، أظهر منه. والحدّ يجب أن يكون أظهر من المحدود ، فإذا
كان أشكل لا يجوز تحديده به. فالأولى أن لا يحدّ قولنا : موجود ، لأنّه ما من لفظة
يحدّ بها الموجود إلّا وقولنا : موجود ، أظهر منه. فإذا سألنا السائل عن حقيقة
الموجود أحلناه على نفسه ، فنقول : هو ما يجده من نفسه عند المشاهدة (ن ، د ، ٥٧٢
، ١)
ـ الواحد منّا في
الشاهد إذا كان عالما قادرا وجب أن يكون موجودا ، فكذلك في الغائب .. (ن ، د ، ٥٧٢
، ١٩)
ـ إنّ الموجود لا
يجوز أن يكون له بالوجود إلّا صفة واحدة. فتلك الصفة إذا حصلت في الوقت الأوّل
للذات ، وصحّ حصوله عليها في الثاني ، فيجب أن تحصل عليها إذا لم يكن هناك ما يحيل
من إيجاد ضدّ ، أو ما يجري مجرى الضدّ (ن ، م ، ٢٨١ ، ١٠)
ـ إنّ الموجود لا
يكون بعضا للمعدوم ، وإنّما هو بعض لموجود مثله ، هذا يعلم بالحسّ لأنّ الأسماء
إنّما تقع على معانيها ، ومعنى الوجود إنّما هو ما كان قائما في وقت من الأوقات
ماض من الأوقات أو حال منها ، فما لم يكن هكذا فليس موجودا ، وأبعاض الموجودات
كلها موجودة ، فكلها موجود وكلها كان موجودا ، فليس الموجود بعضا للمعدوم (ح ، ف ١
، ٤٧ ، ٤)
ـ إنّ قولنا موجود
ليس جنسا فيقع على أنواع المتضادّات ، وإنّما هو إخبار عن وجودنا أشياء قد تساوي
كلّها في وجودنا إيّاها حقا ، فهو يعمّ بعضها كما يعمّ كلّها (ح ، ف ١ ، ٤٧ ، ١٨)
ـ الحقيقة أنّه لو
كان الشيء والجسم بمعنى واحد لكان العرض جسما لأنّه شيء ، وهذا باطل يتعيّن ،
والحقيقة هي أنّه لا فرق بين قولنا شيء وقولنا موجود وحق وحقيقة ومثبت ، فهذه
كلّها أسماء مترادفة على معنى واحد لا يختلف ، وليس منها اسم يقتضي صفة أكثر من
أنّ المسمّى بذلك حق ولا مزيد (ح ، ف ٢ ، ١١٨ ، ٨)
ـ إنّ الموجود هو
الشيء ، فإذ هو الشيء فبضرورة العقل أنّ اللاشيء هو المعدوم (ح ، ف ٥ ، ٤٤ ، ٦)
ـ قد علم أنّ كل
موجود لا ينفك عن حال وصفة عند وجوده ، ومحال أن يوجد بغير صفة من الصفات كان
إنكارا لوجوده على الطريق البرهانيّ (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ١٦)
ـ إنّ البديهة
حاكمة بأنّ كل ما يشير العقل إليه ، فإمّا أن يكون له حقق بوجه من الوجوه ، وإمّا
أن لا يكون. فالأوّل هو الموجود والثاني هو المعدوم ، وعلى هذا لا واسطة بين
القسمين (ف ، م ، ٥٣ ، ٥)
ـ الموجود مقول
على الواجب والممكن بالاشتراك اللفظيّ فقط ، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يكون
الوجوب بالذات مقولا على الواجبين بالاشتراك اللفظيّ فقط (ف ، م ، ٥٨ ، ٢٧)
ـ إنّه ليس كل
موجود يجب أن يكون له نظير وشبيه ، وأنّه ليس يلزم من نفي النظير والشبيه نفي ذلك
الشيء (ف ، س ، ١٧ ، ٩)
ـ إنّ عدم النظير
والمساوي لا يوجب القول بعدم الشيء ، فظهر فساد قول من يقول أنّه لا يمكننا أن
نعقل وجود موجود لا يكون متّصلا بالعالم ولا منفصلا عنه إلّا إذا وجدنا له نظيرا ،
فإنّ عندنا الموصوف بهذه الصفة ليس إلّا الله تعالى ، وبيّنا أنّه لا يلزم من عدم
النظير والشبيه عدم الشيء (ف ، س ، ١٨ ، ١١)
ـ إنّ الموجود
والمعدوم عندهم ليسا بمتناقضين ، فإنّ طرفي النقيض يجب أن يقتما للاحتمالات ،
وعندهم الممتنع ليس بموجود ولا معدوم ، والحال ليس بموجود ولا معدوم (ط ، م ، ٨٦ ،
١٣)
ـ الموجود
والمعدوم لا يجتمعان ، لأنّ الذّات الموصوفة بالوجود لا تكون غير موصوف بها ،
والوجود لا يكون موجودا ، لأنّ الصّفة لا يكون لها ذات موصوفة بالوجود (ط ، م ، ٨٦
، ١٧)
موجود بنفسه
ـ معنى أنّه موجود
بنفسه معنى أنّه قائم بنفسه (ش ، ق ، ٥٢١ ، ٦)
موجود ثابت
ـ الموجود الثابت
لا يدلّ على أنّه مخلوق محدث ، فإنّ الله موجود ثابت دائم الوجود ليس بمخلوق (ب ،
ن ، ٧٣ ، ٣)
موجود العين
ـ معنى أنّه موجود
العين لم يزل ، أنه لم يزل ثابت العين ، وإنّما يرجع بهذا القول إلى إثباته (ش ، ق
، ٥٢١ ، ٧)
موجود في الذهن
ـ إنّ الموجود في
الذهن أخصّ من مطلق الوجود ، فالموجود في الذهن يصدّق عليه أنّه موجود ، فلا يصدّق
عليه حينئذ أنّه ليس بموجود (ف ، م ، ٣٢ ، ٢٦)
موجود ليس بحي
ـ إنّ الموجود
الذي ليس بحي إن كان قائما بنفسه فهو جسم أو جوهر ، وقد دللنا على حدوث الجواهر
والأجسام وافتقارهما إلى صانع ، وإن كان غير قائم بنفسه فهو عرض ولا يصحّ كون
العرض فاعلا (ب ، أ ، ٦٩ ، ١٣)
موجود محدث
ـ قال المثبتون
نحن لم نثبت واسطة بين النفي والإثبات ، فإنّ الحال ثابتة عندنا ولو لا ذلك لما
تكلّمنا فيها
بالنفي والإثبات ، ولم نقل على الإطلاق إنّه شيء ثابت على حياله موجود ، فإنّ
الموجود المحدث إمّا جوهر وإمّا عرض ، وهو ليس أحدهما بل هو صفة معقولة لهما ،
فإنّ الجوهر قد يعلم بجوهريّته ولا يعلم بحيّزه ، وكونه قابلا للعرض ، والعرض يعلم
بعرضيّته ولا يخطر بالبال كونه لونا أو كونا ، ثم يعرف كونه لونا بعد ذلك ولا يعرف
كونه سوادا أو بياضا ، إلّا أن يعرف ، والمعلومان إذا تمايزا في الشيء الواحد رجع
التمايز إلى الحال (ش ، ن ، ١٣٦ ، ٥)
موجود مطلق
ـ أمّا الموجود
المطلق الذي لا يتعلّق بوجود الواجد له فهو الثابت الكائن الذي ليس بمنتف ولا
معدوم (أ ، م ، ٢٧ ، ١٥)
موجود من الوجهين
ـ بهذه الطريقة
نمنع من وقوع مسبّب واحد عن سببين ، يبيّن ما قلناه إن سبب هذا الفعل إذا وجد فلا
يخلو من أن يجب وجود الفعل أم لا يجب ، فإن لم يجب وجوده وجب خروجه من أن يكون
سببا له ، وأن يكون الفعل واقعا على جهة الابتداء ، وإن وجب وجوده لم يكن لإرادته
تأثير فيه ، فيجب كونه موجودا بالسبب فقط ، وهذا يمنع من صحّة كونه موجودا من
الوجهين ، (أي موجودا معدوما) (ق ، غ ٩ ، ١٢١ ، ١١)
موجودات
ـ إنّ الموجودات
التي وجدت هي التي لم تكن قبل كونها موجودة (ش ، ق ، ٥٢٣ ، ١٧)
ـ الموجودات كلها
على ضربين : قديم لم يزل ، ومحدث لوجوده أوّل (ب ، ت ، ٤١ ، ٣)
ـ أنّ الموجودات
كلها على قسمين. منها : قديم لم يزل وهو الله تعالى ، وصفات ذاته التي لم يزل
موصوفا بها ولا يزال كذلك. وقولهم : " أقدم ، وقديم" موضوع للمبالغة في
الوصف بالتقدم وكذلك أعلم وعليم ، وأسمع وسميع. والقسم الثاني : محدث ، لوجوده
أوّل ، ومعنى المحدث ما لم يكن ثم كان ، مأخوذ تلك من قولهم : حدث بفلان حادث. من
مرض ، أو صداع ؛ وأحدث بدعة في الدين ، وأحدث روشنا ، وأحدث في العرصة بناء ، أي
فعل ما لم يكن من قبل موجودا (ب ، ن ، ١٦ ، ٥)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ الموجودات على قسمين ، منها ما لا يقتضي بوجوده ما يتعلّق به من محلّ أو
غيره ، ومنها ما يقتضي محلّا أو متعلّقا به. وسواء كان ذلك أزليّ الوجود أو حادث
الوجود لا يفترق الحكم في ذلك ، فإن كان أزليّ الوجود أمكن وجاز انقسامه إلى هذين
الوصفين كما إذا كان حادث الوجود (أ ، م ، ٢٨ ، ٢١)
ـ إنّ الموجودات
في الحال ، وإن كانت متناهية فالممكنات في الاستقبال غير متناهية ، ونعلم الممكنات
التي ليست بموجودة ، أنّه سيوجدها أم لا يوجدها ، فيعلم إذا ما لا نهاية له ، بل
لو أردنا أن تكثر على شيء واحد وجوها من النسب ، والتقديرات لخرج ذلك عن النهاية ،
والله تعالى عالم بجميعها (غ ، ق ، ١٠٠ ، ٤)
ـ أمّا الموجودات
فتنقسم ، عند الحكماء ، إلى واجب الوجود لذاته ، وهو الله ـ تعالى ـ وممكن ، وهو
ما عداه (خ ، ل ، ٥٤ ، ١٥)
موجودية
ـ الموجوديّة صفة
للموجود والأثر قد لا يكون صفة له (ف ، م ، ١٢١ ، ٢٧)
ـ الموجوديّة ليست
نفس الأثر لأنّ لفظه ليسها ، لأنّه ليس صفة للموجد لعوق عكس نقيضه ، ولا وجوده ،
وإلّا فقولنا لأنّ القادر أوجده بمثابة لأنّه وجد ، فإمّا ممكنة تقع بالمختار ، أو
واجبة فيجب (خ ، ل ، ٩٧ ، ٢٠)
موحى
ـ أخبر تعالى أنّ
القرآن منه منزل موحى ، وأنّ الرسول يقرؤه ويعلّمه ، فالموحى المنزل المقروء هو
كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته ، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته. وأيضا
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ) (المائدة : ٦٧)
ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة (ب ، ن ، ٨١ ، ٤)
موصوف
ـ في الشاهد لا
يفهم من قول الرجل" شيء" مائيّة الذات ، ولا من قوله" عالم
وقادر" الصفة ، وإنّما يفهم من الأول الوجود والهستيّة ، ومن الثاني أنّه
موصوف ، لا أنّ فيه بيان مائيّة الذات كقول الرجل" جسم" ، إنّه ذكر
مائيّة أنّه ذو أبعاد أو ذو جهات أو محتمل للنهاية وقابل للأعراض ، وكذا ذا في
الإنسان وسائر الأعيان (م ، ح ، ٤٢ ، ٩)
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ معنى الموصوف من له صفة وإنّ ذلك على وجهين ، فتارة تكون له صفة بأن تكون
الصفة قائمة به ، وتارة تكون له صفة بأن تكون خبرا عنه وذكرا يرجع إليه ويتعلّق به
(أ ، م ، ٣٩ ، ١٢)
ـ إنّ الموصوف لا
يحصل على صفة واحدة ، لكون الفاعل على حالين ؛ بل لا بدّ من أن يؤثّر كل حال يحصل
عليه في حكم آخر ، غير الذي تؤثّر فيه الحالة الأخرى. كما نقوله من أن كونه عالما
، يؤثّر في كون الفعل محكما ، وكونه قادرا ، يؤثّر في إحداثه. وقد أجاب شيخنا أبو
عبد الله ، رحمهالله ، عن ذلك : بأنّ المريد قد يصحّ أن يريد ما يعتقد حدوثه ،
ويستحيل أن يريد ما يعتقد أنّه لا يحدث. فيجب أن يكون كونه مريدا تابعا للاعتقاد ،
وأن يدلّ ذلك على أنّ القدرة تتعلّق بالشيء على وجه الحدوث لمّا لم يتعلّق بالاعتقاد
، لأنّه قد يقدر الساهي والنائم. وقد ذكرنا من قبل ، أنّ ما نعتقده حادثا نحو
البقاء وغيره ، فالإرادة لا تتعلّق به ؛ بل تكون إرادة لا مراد لها ؛ فإذن لا بدّ
من القول بأنّه لا يصحّ أن نريد الشيء الذي يستحيل حدوثه. فأمّا ما صحّ حدوثه ،
فيصحّ أن نريده متى حصل معتقدا ، وإنّما يفارق كونه مريدا لكونه قادرا في أنّه
يتعلّق بالاعتقاد ، فكونه قادرا لا يتعلّق به (ق ، غ ٨ ، ٧١ ، ٨)
ـ لا يمتنع أن
يحصل للموصوف صفة عند وجود غيره ، وإن لم تحصل تلك الصفة لكل واحد منهما إذا
انفرد. ألا ترى أنّه قد يوجد ما ليس بجسم وما ليس بجسم فيصيرا جسما ، وعلى هذا
الوجه تتألّف الجواهر المنفردة فتوصف بأنّها جسم. وقد ثبت أيضا أنّ المحلّ ليس
بمتحرّك وكذلك الحركة ، وإذا اجتمعا صار المحلّ متحرّكا (ق ، غ ١١ ، ٣٥٦ ، ٩)
ـ إنّ خروج
الموصوف عن صفة هو عليها لا يجري مجرى استحالة الحكم على الذات بعد صحّته ؛ فلذلك
صحّ في المعدومات (فيما) لم يزل أن يستحيل وجودها ؛ لما فيه من قلب
جنسها ولم يصحّ
مما تقرّر الوجود له أن يخرج عن الوجود لأنّه من باب الإثبات وقد قال شيخنا أبو
إسحاق : إنّ الجوهر لو صحّ فيه أن يجب عدمه في بعض الأحوال لاستمرار الأوقات عليه
، وقد ثبت أنّه قد أتى عليه من الأوقات ما لا نهاية له لو كان هناك أوقات لوجب أن
يستحيل وجوده الآن. وفي بطلان ذلك دلالة على أنّه لا وقت يشار إليه إلّا ويجوز أن
يبقى إليه (ق ، غ ١١ ، ٤٥٢ ، ١٢)
ـ تعريف الموصوف
يتوقّف على كون الوصف المعرّف بحيث ينتقل الذّهن من تصوّره إلى تصوّر ماهيّة
الموصوف ، لا على العلم بكون ذلك الوصف كذلك ، حتّى يلزم المحال الّذي ذكره. وأمّا
كون الموصوف هو الموصوف بذلك الوصف دون كلّ ما عداه ، يقتضي كون الوصف إمّا مساويا
للموصوف ، وإمّا أخصّ منه. والأوّل كالضّاحك للإنسان ، والثّاني كالكاتب له. وعلى
التّقديرين يكون الوصف ملزوما والموصوف لازما. واللزوم إن كان عقليا انتقل العقل
من تصوّر الملزوم إلى تصوّر اللازم ، فيحصل التّعريف ، ولا يكون العلم باللزوم
شرطا في الانتقال ، فلا يلزم ذلك المحال. والتّعريف في الأوّل يكون مطّردا منعكسا
، وفي الثاني مطّردا غير منعكس (ط ، م ، ٨ ، ١٨)
موصول
ـ زعم"
عبّاد" أنّ أصل الموصول هو كل فعل من الفرض أو النفل لا يفعل بعضه ويترك بعضه
تاركا لضدّ ذلك ، فإذا دخل فيه فاعله لم يدع منه ما يخرجه منه ، فكل ما كان من ذلك
أو من جنس ذلك فهو يفعل إلى آخره ، فإذا دخل في أوّله بلغ إلى آخره ولا يفعل بعضه
ويدع بعضه ، ولا يفعل ثلثه ويدع ثلثيه ، فهذا أصل ذلك (ش ، ق ، ٤٤٩ ، ٦)
موضوع
ـ إنّ ما كان أكثر
من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع
العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في
غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله
محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من
جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من
الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٤ ، ٢٥)
مولّد
ـ المولّد للفعل
المتولّد هو الفاعل للسبب ، وقال قائلون : المولّد للفعل المتولّد هو السبب دون
الفاعل (ش ، ق ، ٤١٤ ، ١٤)
ـ إن المولّد من
فعل فاعل السبب (ق ، غ ٩ ، ٢٠ ، ١٩)
ـ إنّ من حق
المولّد أن لا يجوز حصوله على الوجه الذي يولّد والمحلّ محتمل والموانع زائلة إلّا
ويجب أن يولّد ، كما أنّ من حق القادر إذا صحّ وجود مقدوره وارتفعت الموانع أن
يصحّ الفعل منه ، ومتى امتنع الفعل منه والحال هذه علم أنّه ليس بقادر ، وكذلك إذا
لم يولد الشيء غيره والحال ما قدّمناه علم أنّه ليس بسبب له ، لأنّه لو صحّ كونه
سببا ، وإن كان قد يولّد وقد لا يولّد والحال ما قدّمناه لم يصحّ
العلم بكونه
مولّدا في حال ما يولّد ، لأنّه إذا صحّ وجوده ولا يولّد فمن أين أنّه في الحال
الأخرى هو المولّد دون أن يكون حادثا من مختار ، وذلك في بابه بمنزلة العلل التي
لو صحّ وجودها ، ولا يوجب المعلول لم يصحّ كونها علّة. والجهة التي منها شبّهنا
المولّد بالعلّة صحيحة وإن افترقا في أنّ تلك العلّة موجبة وهذا بخلافها ، لأنّه
وإن لم يكن موجبا إيجاب العلل فمتى جوّزنا والمحل محتمل والموانع زائلة ألّا يقع
المسبب لم يصحّ أن يثبت له به تعلّق ولا اختصاص حتى يقال إنّه يولّد في حال أخرى ،
كما لو جوّزنا وجود العلّة ولا معلول على بعض الوجود لم نعلم له بالمعلول تعلّقا ،
وعلى هذه الطريقة شبّه شيوخنا رحمهمالله الدلالة بالعلّة وإن افترقا في الإيجاب لما علم من حال
الدلالة أنّها لو وجدت على بعض الوجوه ولا مدلول لنقض كونها دلالة ، كما أنّ وجود
العلّة إلّا معلول يمنع من كونها علّة ، فغير ممتنع أن يشبّه المولّد بالعلل
والأدلّة من الوجه الذي قدّمناه (ق ، غ ٩ ، ١٣٤ ، ٢١)
ـ متى حدث الشيء
عقيب غيره وبحسبه ، وجب كونه مولّدا له. فأمّا ما لا يختصّ بالحدوث ، من الأحوال
المتجدّدة ، فإنّ ذلك يستحيل فيها. وبعد ، فإنّ الإدراك لو ثبت معنى ، لم يجب فيه
ما ذكرناه. لأنّ العلم لا يقع عنده على طريقة واحدة ، مع ارتفاع الموانع. ألا ترى
أنّ الطفل قد يدرك ما لا يعلم ، وقلبه يحتمل العلم؟ وقد يدرك العاقل ما لا يعلمه ،
لحصول لبس ، وإن كان القلب محتملا للعلم ، والمنع زائلا. لأنّ اللبس لا يصحّ أن
يكون مانعا من وجود العلم بالمدرك (ق ، غ ١٢ ، ٧٨ ، ٢)
ـ إنّ المولّد قد
يولّد الشيء في حالة وقد يولّده في ثانية ؛ لأنّ الاعتماد يولّد الأكوان في ثاني
حالة. وقد بيّنا ذلك في كتاب الاعتماد. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع ، في النظر ، أن
يكون مولّدا للعلم ، وإن ولّده في ثانية. ولا يجب ، إذا لم يناف العلم النظر أن
يولّده في الحال (ق ، غ ١٢ ، ٨٧ ، ٨)
ـ إن قيل : لم
تدلّوا على بطلان التولّد ، ولكن أنكرتم فهمه ، وهو مفهوم ، فإنّا لا نريد به
ترشّح الحركة من الحركة بخروجها من جوفها ، ولا تولّد برودة من برودة الثلج بخروج
البرودة من الثلج ، وانتقالها ، أو بخروجها من ذات البرودة ، بل نعني به وجود
موجود عقيب موجود ، وكونه موجودا ، وحادثا به ، فالحادث نسمّيه متولّدا ، والذي به
الحدوث نسمّيه مولّدا ، وهذه التسمية مفهومة (غ ، ق ، ٩٨ ، ٨)
ميزان
ـ في الميزان :
فقال أهل الحقّ : له لسان وكفّتان توزن في إحدى كفّتيه الحسنات وفي الأخرى
السّيئات ، فمن رجحت حسناته دخل الجنّة ، ومن رجحت سيّئاته دخل النار ، ومن تساوت
حسناته وسيّئاته تفضّل الله عليه فأدخله الجنّة (ش ، ق ، ٤٧٢ ، ٨)
ـ قال أهل البدع بإبطال
الميزان وقالوا : موازين وليس بمعنى كفّات وألسن ولكنّها المجازاة ، يجازيهم الله
بأعمالهم وزنا بوزن ، وأنكروا الميزان وقالوا : يستحيل وزن الأعراض لأنّ الأعراض
لا ثقل لها ولا خفّة (ش ، ق ، ٤٧٢ ، ١٣)
ـ قال قائلون
بإثبات الميزان وأحالوا أن توزن الأعراض في كفّتين ، ولكن إذا كانت حسنات الإنسان
أعظم من سيّئاته رجحت إحدى
الكفّتين على
الأخرى فكان رجحانها دليلا على أنّ الرجل من أهل الجنّة ، وكذلك إذا رجحت الكفّة
الأخرى السوداء كان رجحانها دليلا على أنّ الرجل من أهل النار (ش ، ق ، ٤٧٣ ، ١)
ـ كان (الأشعري)
يقول في الميزان إنّه لا ينكر أن يكون كما ذكر في الخبر أنّه ينصب ميزان يوم
القيامة له كفّتان توزن فيهما أعمال العباد ، فيتبيّن بثقله وخفّته سعادة السعيد
وشقاوة الشقيّ. وليس ذلك لأن يتعرّف الله تعالى ما لم يكن به عارفا ، ولكن ليعرف
العباد ذلك (أ ، م ، ١٧١ ، ٢٣)
ـ (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) (الرحمن : ٧) وفي
قراءة عبد الله وخفض الميزان وأراد به كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من
ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس : أي خلقه موضوعا مخفوضا على الأرض حيث علّق به أحكام
عباده وقضاياهم وما تبعدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم (ز ، ك ٤ ،
٤٤ ، ١٤)
ـ المعتزلة :
والميزان على حقيقته ، ويكون الرجحان علامة أهل الخير. وقيل : بل مجاز (م ، ق ،
١٣٠ ، ١٤)
ن
ناجية
ـ أمّا الحديث
الآخر وهو قوله" الناجية منها واحدة" ، فالرواية مختلفة فيه ، فقد روي
الهالكة منها واحدة ولكن الأشهر تلك الرواية. ومعنى الناجية هي التي لا تعرض على
النار ولا تحتاج إلى الشفاعة ، بل الذي يتعلّق به الزبانية ليجرّوها إلى النار ،
فليس بناج على الإطلاق وإن انتزع بالشفاعة عن مخاليبهم (غ ، ف ، ٨٦ ، ٢٢)
نار
ـ طريق النار
معصية الله ، وإن لم تكن مجرّدة من بعض طاعات الله ، لأنّا قد نجد العبد يؤمن
بكتاب الله كلّه ويكفر ببعضه ، فلا يكون مؤمنا ، ولا بما آمن به منه من النار
ناجيا (ر ، ك ، ١٥٠ ، ١٥)
ـ إنّ النار عند
إبراهيم حرّ وضياء والحرّ والضياء عنده جسمان يجوز عليهما البقاء (خ ، ن ، ٣٦ ، ٤)
ناسخ
ـ اختلف الناس في
الناسخ والمنسوخ هل يجوز أن يكون في الأخبار ناسخ ومنسوخ أم لا يجوز ذلك. فقال
قائلون : الناسخ والمنسوخ في الأمر والنهي. وغلت" الروافض" في ذلك حتى
زعمت أنّ الله سبحانه يخبر بالشيء ثم يبدو له فيه ـ تعالى الله عن ذلك علوّا
كبيرا. واختلفوا في القرآن هل ينسخ بالسنّة أم لا على ثلث مقالات : فقال قائلون :
لا ينسخ القرآن إلّا قرآن وأبوا أن تنسخه السنّة. وقال قائلون : السنّة تنسخ
القرآن والقرآن لا ينسخها ، وقال قائلون : القرآن ينسخ السنّة والسنّة تنسخ القرآن
(ش ، ق ، ٤٧٨ ، ١٢)
ـ إنّما الناسخ
والمنسوخ هو أنّ الله سبحانه نسخ من القرآن من اللوح المحفوظ الذي هو أمّ الكتاب
ما أنزله على محمد صلىاللهعليهوسلم ، لأنّ الأصل أمّ الكتاب ، والنسخ لا يكون إلّا من أصل (ش
، ق ، ٦٠٧ ، ١٣)
ناظر
ـ أمّا وصفه بأنّه
(الله) ناظر فإنّه لا يصحّ ، لأنّ هذه اللفظة تستعمل في الشاهد ، لا بمعنى الرؤية
، لكن بمعنى تقليب الحدقة نحو الشيء التماسا لرؤيته ، وذلك يستحيل فيه ، جلّ وعزّ
، ولذلك قلنا إنّه لا يقال إنّه يقلّب حدقته نحو الشيء ، ولا يقال إنّه ينظر فيه ،
وإن صحّ أن يقال إنّه ينظر بمعنى الرحمة والإنعام ، ولا يقال ينظر بمعنى يفكّر (ق
، غ ٥ ، ٢٤٢ ، ١٦)
ـ اعلم ، أنّ
الناظر يجد نفسه ناظرا ، لأنّه يعقل الفرق بين أن يكون ناظرا ، وبين سائر ما يختصّ
به من الأحوال ؛ كما يعقل الفرق بين كونه معتقدا ومريدا. ولا شيء أظهر مما يجد
الواحد منّا نفسه عليه ؛ لأنّه ، في حكم المدرك ، في قوّة العلم به. فإذا صحّ ذلك
، وعلمنا أنّه إنّما حصل ناظرا لمعنى ، لأنّه قد حصل كذلك مع جواز أن لا يكون
ناظرا ، فكما أنّه يجب أن يكون مريدا لمعنى ومعتقدا لمعنى ، فكذلك يجب كونه ناظرا
لعلّة (ق ، غ ١٢ ، ٥ ، ٣)
ـ كلام شيخنا أبي
علي ، رحمهالله ، يدلّ على أنّ الناظر يدرك النظر ، كما يدرك المريد
الإرادة. وقد بيّنا أنّ الأمر بخلافه. لأنّه لو أدرك ذلك ، لوجب أن يحلّ محلّ
الألم الموجود في بعضه. فكان يجب أن يفصل بين محلّه ، وبين غيره على التفصيل ، إذا
لم تحصل هناك شبهة. وفي بطلان ذلك ، ودخول الشبهة في محلّهما على العقلاء ، دلالة
على أنّ الناظر لا يدرك النظر. فإذا بطل القول بكونه مدركا ، فيجب أن يكون طريق
إثباته ما ذكرناه من استحقاق الناظر كونه ناظرا على الوجه الذي يقتضي إثبات
الأغراض (ق ، غ ١٢ ، ٥ ، ١٢)
ـ إنّ الناظر
إنّما يكون ناظرا ، لاختصاصه بحال ، كما أنّه يكون معتقدا على هذه الطريقة. ولو
كان الناظر ناظرا ، لأنّه فعل النظر ؛ لما جاز أن يعلم نفسه ناظرا ، مع فقد العلم
بالنظر ، على جملة أو تفصيل ، وتعلّقه به على طريقة الفعلية. وما قدّمناه في باب
الإرادة من أنّه لا يجوز أن يكون مريدا لأنّه فعل الإرادة ، يدلّ على أنّه لا يجوز
أن يكون ناظرا لأنّه فعل النظر ، فلا وجه لإعادة القول فيه (ق ، غ ١٢ ، ٦ ، ١)
ـ إنّ الناظر لا
يصحّ كونه ناظرا ، إلّا ويجوز فيما نظر لأجله ، أن يكون على الصفة ، وألّا يكون
عليها ، وبيّنا أنّ هذه الحالة تتعلّق بهذه الصفة ، كما يتعلّق كونه مريدا بكونه
مجوّزا بحدوث ما يريده (ق ، غ ١٤ ، ١٣٢ ، ١٤)
ـ الناظر لا يولّد
نظره العلم إلّا إذا كان نظرا في دليل ، وكان عالما به على الوجه الذي يدلّ. ومع
زوال العقل ، لا يجوز أن يثبت العلم بالدليل على الوجه الذي يدلّ عليه (ن ، م ،
٣٢٤ ، ٢٣)
ـ الناظر يجب أن
لا يكون عالما بالمطلوب. لأنّ النظر طلب وطلب الحاصل محال (ف ، م ، ٤٠ ، ٢٤)
ناظرة
ـ إنّ معنى قوله :
(إِلى رَبِّها
ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
أنّها رائية ترى ربّها عزوجل (ش ، ب ، ٣٢ ، ١٤)
نافلة
ـ إنّ النافلة
إنّما يحسن التعبّد بها على وجه التبع للواجب (ق ، غ ١١ ، ٤٩٣ ، ١٠)
ناه
ـ قالوا (المعتزلة)
: الأمر بالشيء يتضمّن كونه مرادا للآمر ، ويستحيل في قضية العقول أن يأمر الآمر
بما يكرهه ويأباه ؛ وكذلك النهي عن الشيء يتضمّن كونه مكروها للناهي ، ويستحيل أن
يكون الناهي على حكم الحظر مريدا لما نهى عنه (ج ، ش ، ٢١٥ ، ١٢)
نبئ
ـ البهشميّة :
ويجوز تسمية محمد نبئا بالهمز من الأنباء. أبو علي : لا لقوله لست بنبي الله
وإنّما نبيّ الله أنا. قلنا : ورد في القراءات السبع (م ، ق ، ١١٧ ، ٢٢)
نبوءة
ـ النبوءة ترجع
إلى قول الله تعالى لمن يصطفيه : " أنت رسولي" وهذا بمثابة الأحكام ،
فإنّها ترجع إلى قول الله تعالى ولا تؤول إلى صفات الأفعال ، فليس للفعل الواجب
صفة لوجوبه نفسية. بل الفعل المقول فيه : " افعل" ، واجب
بالقول ، وذلك
بمثابة المذكور الذي لا يكتسب من الذكر صفة في نفسه (ج ، ش ، ٢٩٧ ، ٩)
نبوات
ـ القول في
النبوّات : أنّه لا بدّ فيها من معارف ضروريّة ؛ وذلك أنّه لا بدّ من أن نعرف عين
النبي ، ونميّزه من غيره ، بمشاهدة أو بالخبر ؛ ولا بدّ في الخبر من صفة يبيّن بها
النبي عند المخبر ، ويستغنى عن ذلك في المشاهدة .. ولا بدّ من أن يعرف ادّعاؤه
النبوّة ، ودعاؤه إلى النظر في صدقه ، وإلى شريعته ، على طريق المخاطبة ، لأنّه
متى لم يقع كذلك لم يكن له تعلّق بمن يدعوه ، ومدّعي النبوّة ، والبعثة إليه. ولا
بدّ أن يعرف من أحوال النبيّ ما يتميّز به ، ممن لا يجوز أن يكون نبيّا ، مما
يقتضي أن لا يقع النفار والانصراف عن النظر في نبوّته. وإنّما يجب أن يعلم ذلك ،
على الجملة ؛ وغالب الظنّ يقوم مقام العلم فيه ، لأنّ الرسول ، وإن كان لا بدّ من
أن يكون كذلك ، فقد يصحّ الاستدلال على نبوّته ، وإن لم يعلم كذلك على بعض الوجوه
، على ما تقدّم القول فيه ؛ ولا بدّ من أن يعرف المعجز الذي يجعله دلالة على
نبوّته ، وظهوره عند ادعائه النبوّة ، ودعائه الأمّة إلى التزام الشريعة ، على وجه
مخصوص ، يمكن معه أن يعلم تعلّقه بدعواه ؛ ولا بدّ من أن يعرف من أحوال المعجز ما
يمكن معه الاستدلال به ، على نبوّته. وقد بيّنا من قبل أنّه لا بدّ من أن يعرف
التوحيد والعدل ، ليصحّ أن تعرف حكمة المرسل ، وأنّه ممن لا يصدق الكذّابين ، ولا
يفعل ما يحل محل التصديق لهم ، ولكن يصحّ أن يعلم بخبر الرسول ، المصالح ، على
الوجوه التي بيّناها في الكلام على" البراهمة" (ق ، غ ١٦ ، ١٤٣ ، ١٦)
ـ صارت المعتزلة
وجماعة من الشيعة إلى القول بوجوب وجود النّبوات عقلا من جهة اللطف ، وصارت
الأشعريّة وجماعة من أهل السنّة إلى القول بجواز وجود النبوّات عقلا ووقوعها في
الوجود عيانا ، وتنتفي استحالتها بتحقيق وجودها ، كما ثبت تصوّرها بنفي استحالتها (ش
، ن ، ٤١٧ ، ٥)
ـ مذهب أهل الحق
أنّ النبوّات ليست واجبة أن تكون ولا ممتنعة أن تكون ، بل الكون وأن لا كون
بالنسبة إلى ذاتها وإلى مرجّحها سيّان ، وهما بالنظر إليه سيّان ، وأمّا أهل
الطعان فحزبان : حزب انتمى إلى القول بالوجوب عقلا ، كالفلاسفة والمعتزلة. وحزب
انتمى إلى القول والامتناع كالبراهمة والصابئة والتناسخيّة (م ، غ ، ٣١٨ ، ٢)
نبوة
ـ اختلفوا في
النبوة هل هي ثواب أو ابتداء. فقال قائلون : هي ابتداء ، وقال قائلون : هي جزاء
على عمل الأنبياء ، هذا قول" عبّاد" ، وقال" الجبّائي" : يجوز
أن تكون ابتداء (ش ، ق ، ٤٤٨ ، ٨)
ـ قال شيوخنا ، رحمهمالله ، في النبوّة إنّها جزاء على عمل ، ففصلوا بينها وبين
الرسالة ، من حيث كان المستفاد بها الرفعة ، التي هي جزاء عمله. ولذلك قالوا :
إنّها مستحقّة ، دون الرسالة ، وهو قدر التعظيم والثواب ، وليس كذلك الرسالة (ق ،
غ ١٥ ، ١٦ ، ٢٠)
ـ إن قيل : ومن
أين أنّه لا يجوز أن تعرف نبوّة الأنبياء إلّا بالمعجزات؟ قيل له : إنّا لم نقل
إنّها لا تعرف ، على كل وجه ، إلّا بالمعجز ؛ وإنّما
نقول : لا يصحّ أن
تعرف من جهة الاستدلال ، ومع ثبات التكليف ، إلّا بالمعجز. فأمّا مع ارتفاع
التكليف ، فقد يجوز أن تعلم النبوّة بالعلوم الضروريّة ؛ لأنّه لا شيء يصحّ أن
يعلم باستدلال إلّا ويصحّ عندنا أن يعلم باضطرار ، على ما بيّناه في باب الأصلح (ق
، غ ١٥ ، ١٤٨ ، ٧)
ـ إنّا لم ننكر أن
تدلّ على النبوّة ، من جهة غير القديم تعالى ، الأخبار ؛ وإنّما قلنا إنّ الذي
يدلّ عليها ، من جهته تعالى ، لا يكون إلّا المعجزات (ق ، غ ١٥ ، ١٥٠ ، ٣)
ـ لا بدّ ، فيما
يدلّ على النبوّة ، من اجتماع شرطين : أحدهما : أن نعلم أنّه من قبله تعالى. والثاني
: أن نعلم أنّه خارج عن العادة. لأن عند هذين الشرطين ، نعلم تعلّقه بالدعوى على
جهة التصديق (ق ، غ ١٥ ، ١٧١ ، ١١)
ـ قال أهل الحق
النبوّة ليست صفة راجعة إلى نفس النبيّ ، ولا درجة يبلغ إليها أحد بعلمه وكسبه ،
ولا استعداد نفسه يستحقّ به اتّصالا بالروحانيّات ، بل رحمة من الله تعالى ونعمة (ش
، ن ، ٤٦٢ ، ١٢)
ـ قالت الشيعة
الإمامة واجبة في الدين عقلا وشرعا ، كما أنّ النبوّة واجبة في الفطرة عقلا وسمعا (ش
، ن ، ٤٨٤ ، ١٠)
ـ ليست النبوّة هي
معنى يعود إلى ذاتيّ من ذاتيّات النبيّ ، ولا إلى عرض من أعراضه ، استحقّها بكسبه
وعمله ، ولا إلى العلم بربّه ؛ فإنّ ذلك مما يثبت قبل النبوّة. ولا إلى علمه
بنبوّته ؛ إذ العلم بالشيء غير الشيء ... فليست إلّا موهبة من الله ـ تعالى ـ ،
ونعمة منه على عبده. وهو قوله لمن اصطفاه واجتباه : إنّك رسولي ونبيي (م ، غ ، ٣١٧
، ٦)
ـ الجاحدين لوجوب
الوجود فإنّهم قالوا : النبوّة ليست من صفة راجعة إلى نفس النبيّ ، بل لا معنى لها
إلّا التنزيل من عند ربّ العالمين ، وعند ذلك فالرسول لا بدّ له أن يعلم أنّه من
عند الله ـ تعالى ، وذلك لا يكون إلّا بكلام ينزل عليه أو بكتاب يلقى إليه ؛ إذ
المرسل ليس بمحسوس ولا ملموس ، وما الذي يؤمنه من أن يكون المخاطب له ملكا أو
جنّيا؟ وما ألقى إليه ليس هو من عند الله ـ تعالى ـ؟ ومع هذه الاحتمالات فقد وقع
شكّه في رسالته وامتنع القول الجزم بنبوّته (م ، غ ، ٣٢٠ ، ٤)
ـ النبوّة هي وحي
الله إلى أزكى البشر عقلا وطهارة من ارتكاب القبيح ، وأعلاهم منصبا بشريعة (ق ، س
، ١٣٥ ، ١)
ـ المهديّ ، عليهالسلام ، والبصريّة وظاهر كلام القاسم : ويصحّ أن يكون النبي
نبيّا في المهد. البلخيّ : لا يصحّ. قلت : وهو الأقرب لأنّ النبوّة تكليف ، ولا
تكليف على من في المهد ، لعدم التمييز والقدرة ، إلّا أن يجعلها الله (له) (ق ، س
، ١٣٨ ، ٦)
نبي
ـ يقول (الأشعري)
في معنى النبيّ صلى الله عليه إنّه في أحد الوجهين ، مشتقّ من النبأ وهو الخبر ،
وعلى الوجه الثاني مشتقّ من النبوّة وهي الرفعة. منه يقال للمكان المرتفع"
نبوة" ، ومنه يقال" نبا جنبي عن الفراش" إذا ارتفع. فإذا قلنا إنّه
من الخبر فكأنّه سمّي بذلك لإخباره عن الله عزوجل على وجه مخصوص. وإذا قلنا إنّه من الرفعة فالمراد أنّه هو
الذي رفع من شأنه وأظهر من منزلته ما أبين بها من غيره (أ ، م ، ١٧٤ ، ٣)
ـ أمّا النبي ،
فقد يكون مهموزا ومشدّدا ، وإذا كان مهموزا فهو من الإنباء ، وهو الإخبار ؛ وإذا
وصف به الرسول ، فالمراد به أنّه المبعوث من جهة الله تعالى ؛ وإذا كان مشدّدا
فإنّه يكون من النباوة وهو الرفعة والجلالة ، وإذا وصف به المبعوث فالمراد به أنّه
المعظّم الذي رفعه الله تعالى وعظّمه. وفي الخبر أنّ بعضهم قال للرسول عليهالسلام يا نبيء الله مهموزا ، فقال له الرسول : لست نبيء الله
وإنّما أنا نبيّ الله (ق ، ش ، ٥٦٧ ، ١٢)
ـ لا فرق في
الاصطلاح بين الرسول والنبيّ (ق ، ش ، ٥٦٧ ، ١٨)
ـ فيما يفيده وصف
النبي بأنّه نبيّ ، وما يتّصل بذلك : اعلم أنّه يفيد الرفعة ؛ وهي مأخوذة من
النّبوة والنباوة. ومن جهة اللغة ، لا يقع فيها تخصّص من هذا الوجه ؛ لأنّها
تستعمل في كل رفعة. وصارت ، في الشريعة والتعارف مستعملة في رفعة مخصوصة. ولذلك لا
تستعمل في مثل رفعة المؤمنين ، حتى إذا زادت على هذا الحدّ ، وبلغت رتبة مخصوصة ،
استعملت فيها ، كما أنّ الكفر لا يستعمل في العقاب فقط ، دون أن يبلغ قدرا مخصوصا
، فعند ذلك يخصّ بهذا الوصف. فالنبوّة في مقابلة الكفر ، كما أنّ قولنا"
مؤمن" في مقابلة قولنا" فاسق". هذا إذا عرّيت اللفظة من الهمز.
فأما إذا همزت فهي مأخوذة من الإنباء ، والإخبار والإعلام (ق ، غ ١٥ ، ١٤ ، ٢)
ـ إن كان في
العباد من يكون نبيّا ، ولا يكون رسولا ، فظهور المعجز عليه ـ في أنّه لا يحسن ،
ويكون مفسدة في أعلام الرسل (ق ، غ ١٥ ، ٢٤٤ ، ٥)
ـ زعمت الكرّامية
أيضا أنّ النبي إذا ظهرت دعوته ، فمن سمعها منه أو بلغه خبره لزمه تصديقه والإقرار
به من غير توقّف على معرفة دليله (ب ، ف ، ٢٢٢ ، ٧)
ـ في الفرق بين
الرسول والنبي : إنّ كلّ من نزل عليه الوحي من الله تعالى على لسان ملك من
الملائكة وكان مؤيّدا بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبي ، ومن حصلت له هذه
الصفة وخصّ أيضا بشرع جديد أو بنسخ بعض أحكام شريعة كانت قبله فهو رسول (ب ، ف ،
٣٤٢ ، ١٥)
ـ النبي في اللغة
مهموز وغير مهموز. فالمهموز مأخوذ من النبأ الذي هو الخبر. وغير المهموز يحتمل
وجهين : أحدهما التخفيف بإسقاط همزته. والثاني أن يكون من النبوّة التي هي الرفعة.
وهي ما ارتفع من الأرض. وكذلك النباوة ما ارتفع من الأرض. ويقال نبا الشيء إذا
ارتفع. فالنبي على هذا هو الرفيع المنزلة عند الله تعالى (ب ، أ ، ١٥٣ ، ١٦)
ـ إنّ النبي من
أتاه الوحي من الله عزوجل ونزل عليه الملك بالوحي (ب ، أ ، ١٥٤ ، ٥)
ـ نقول (الآمدي) :
إنّ الرسول لا يأتي إلّا بما لا تستقلّ به العقول ، بل هي متوقّفة فيه على المنقول
؛ وذلك كما في مسالك العبادات ، ومناهج الديانات ، والخفي مما يضرّ وينفع من
الأقوال والأفعال ، وغير ذلك مما تتعلّق به السعادة والشقاوة في الأولى والأخرى.
وتكون نسبة النبيّ إلى تعريف هذه الأحوال ، كنسبة الطبيب إلى تعريف خواص الأدوية
والعقاقير التي يتعلّق بها ضرر الأبدان ونفعها ؛ فإنّ عقول العوام قد لا تستقلّ
بدركها ، وإن عقلتها عند ما ينبّه الطبيب عليها ، وكما لا يمكن الاستغناء عن
الطبيب في تعريف هذه الأمور ، مع أنّه قد
يمكن الوقوف عليها
، والتوصّل بطول التجارب إليها ؛ لما يفضى إليه من الوقوع في الهلاك والإضرار ؛
لخفاء المسالك ، فكذلك النبيّ (م ، غ ، ٣٢٦ ، ١٠)
ـ النبيّ : من
أوحى إليه بملك أو ألهم في قلبه أو نبّه بالرؤيا الصالحة ، فالرسول أفضل بالوحي
الخاص الذي فوق وحي النبوّة لأنّ الرسول هو من أوحى إليه جبرائيل خاصّة بتنزيل
الكتاب من الله (ج ، ت ، ٢٩٤ ، ٨)
ـ أكثر العقلاء :
بعثة النبيّ حسنة وجائزة. البراهمة : لا ، إذ العقل كاف ، ولا يقبل ما خالفه. قلنا
: يجوز أن تعرفنا الرسل بألطاف لا يهتدي إليها العقل. أبو هاشم : ولا يحسن إلّا
حيث يحصل بها من مصالح الدين ما لولاها لما علم ، ومتى حسنت وجبت. البلخيّ : يجوز
لمجرّد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإن لم يعلم بها أكثر مما علم بالعقل.
أبو علي : يجوز لزيادة في التكليف أو زيادة تنبيه وتحذير وتأكيد لما في العقول أو
لشريعة متقدّمة. لنا : لا بعثة إلّا بمعجز ، ولا معجز إلّا ويجب النظر فيه ، ولا
يجب النظر إلّا مع تخويف من تركه ، ولا تخويف مع تجويز الجهل ببعض المصالح (م ، ق
، ١١٣ ، ٢)
ـ النبي اسم لمن
لا درجة فوقه في التعظّم. قلت : من الآدميّين غير الأنبياء ، والمؤمن دونه (م ، ق
، ١٣٢ ، ١٨)
ـ القاسم والهادي (عليهماالسلام)
وغيرهما : والنبي أعمّ من الرسول ، لأنّ الرسول من أتى بشريعة جديدة من غير واسطة
رسول خلافا للمهدي (عليهالسلام) والبلخيّ (ق ، س ، ١٣٧ ، ١٩)
ـ المهديّ ، عليهالسلام ، والبصريّة وظاهر كلام القاسم : ويصحّ أن يكون النبيّ
نبيّا في المهد. البلخيّ : لا يصحّ. قلت : وهو الأقرب لأنّ النبوّة تكليف ، ولا
تكليف على من في المهد ، لعدم التمييز والقدرة ، إلّا أن يجعلها الله (له) (ق ، س
، ١٣٨ ، ٤)
ندب
ـ مثال الندب ، هو
كالأضاحي فإنّها تستحقّ العوض على الله تعالى ، دوننا ، لما كان الله تعالى هو
الذي ندبنا إليه (ق ، ش ، ٥٠٢ ، ١٧)
ـ إنّه لا بدّ من
تردّد الدواعي ولا تثبت الدواعي والصوارف إلّا إلى الفعل أو إلى أن لا نفعل ، وفي
كل واحد من الفعل وأن لا نفعل يتناول التكليف فيه على طريقين ، ففي الفعل يستوي
جميعه في استحقاق المدح والثواب به إذا فعل على وجه مخصوص. ثم يفترقان في وجه آخر
وهو أنّه قد يكون الذي يستحقّ الثواب لفعله له مدخل في استحقاق العقاب بأن لا
يفعله وقد لا يكون كذلك. فالأوّل الواجب والثاني الندب. وأمّا في أن لا يفعل يستوي
جميعه في استحقاق الثواب أن لا يفعل على وجه مخصوص. ثم يقع الفرق من وجه آخر وهو
أنّه قد يستحقّ العقاب بفعل شيء منه دون غيره. فالأوّل هو القبيح والثاني هو ما
الأولى له أن لا نفعله من ترك المطالبة بالدين ولا يخرج كل ما يتناول التكليف بأن
يفعل وبأن لا يفعل عن ذلك (ق ، ت ١ ، ٢ ، ٢٥)
ـ ما يقع على وجه
يحسن ينقسم أقساما : فمنها ما لا صفة له زائدة على حسنه ، وفعله له وأن لا يفعله
فيما يتعلّق بالذمّ والمدح سواء ، فيكون مباحا. ومنها ما يستحقّ بأن يفعله المدح ،
إذا لم يمنع منه مانع ، ولا يستحقّ الذمّ بأن لا
يفعله ، فيوصف
بأنّه ندب ، ومرغّب فيه. ومنها ما يستحقّ به الذمّ بأن لا يفعله ، فيوصف بأنّه
واجب (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧ ، ١٧)
ـ قد يكون في
الأفعال ما يستحقّ بفعله المدح ولا يستحقّ بأن لا يفعله الذمّ ، ولا يحصل نفعا
موصولا إلى الغير ، فيوصف بأنّه ندب ، كالنوافل وما شاكلها (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٧ ، ١١)
ـ اعلم أنّ الحسن
يفارق القبيح فيما له يحسن ، لأنّ القبيح يقبح لوجوه معقولة ، متى ثبتت اقتضت
قبحه. والحسن يحسن متى انتفت هذه الوجوه كلها عنه ، وحصل له حال زائدة على مجرّد
الوجود يخرج بها من أن يكون في حكم المعدوم. ولذلك لا يصحّ عندنا أن نعلم الحسن
حسنا إلّا مع العلم بانتفاء وجوه القبح عنه. ومتى ثبت كونه حسنا ، فإنّما يحصل
ندبا لحال زائدة ، وواجبا لحال زائدة. ولا يصحّ أن يكون ما له قبح القبيح جنسه ولا
وجوده أو حدوثه ، ولا وجود معنى نحو الإرادة وغيرها ولا انتفاء معنى (ق ، غ ٦ / ١
، ٥٩ ، ٦)
ـ أمّا الندب
والتفضّل فلا بدّ من أن يحصل لهما صفة زائدة على حسنه ، ويكون المقتضي لها وقوعه
على وجه يجري مجرى الإثبات ، ككون الفعل تفضّلا ، والنوافل مسهّلة للواجبات (ق ، غ
٦ / ١ ، ٧٢ ، ١٧)
ـ أمّا الندب
والواجب فقد تقرّر في العقل استحقاق المدح بهما ، ودلّ الدليل على استحقاق الثواب
عليهما ، لأنّا قد بيّنا أنّ إلزام الشاقّ لا يحسن إلّا على جهة التعريض للمنفعة ،
وكما تقرّر ذلك في العقل فقد ثبت أنّ القبيح يستحقّ به الذمّ والعقاب وأنّ الإخلال
بالواجب كمثل ، وأنّه إذا لم يفعل القبيح على وجه مخصوص يستحقّ المدح والثواب (ق ،
غ ١١ ، ٥٠٥ ، ١٧)
ـ أمّا صفة الفعل
فقد بيّنا أنّه يجب أن يكون حسنا وله صفة زائدة على حسنه حتى يصير واجبا أو تفضّلا
أو ندبا (ق ، غ ١١ ، ٥١١ ، ١١)
ـ أما الواجب
والندب فقد يستحقّ بهما المدح والثواب ، ومتى كان الإحسان تفضّلا استحقّ به الشكر
وضربا من التعظيم ، ومتى كانت النعمة مستقلّة بنفسها عظيمة ، استحقّ بها العبادة ،
وقد يستحقّ بذلك إسقاط الذمّ والعقاب بواسطة ، على ما قدّمناه ، وقد يستحقّ
بالإحسان إسقاط الذمّ المخصوص بواسطة ، وكذلك بالإساءة يستحقّ سقوط الشكر بواسطة.
فأمّا الدعاء للمكلّف وعليه ، والتعظيم والاستحقاق واللعن وما شاكله ، ففيه ما
يتعلّق بالشرع ، وجميعه يعود إلى مثل حكم المدح والذمّ (ق ، غ ١٤ ، ١٧٢ ، ١٥)
ـ الندب ، وهو :
الذي يختصّ بصفة زائدة على ماله يحسن ، لكونه عليها يستحقّ فاعله المدح ، وبأن لا
يفعله يستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٧ ، ٢٤٧ ، ١١)
ـ أما الحسن ،
فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق المدح
والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل
في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ،
وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب.
وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف
بأنّه فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون
مقصورا على فاعله ؛
فيوصف بأنّه مندوب
إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان إلى الغير (ب ، م ، ٣٦٥ ، ١)
ـ حكي عن بعض
الفقهاء أنّ قولنا" سنّة" يختصّ بالنفل ، دون الواجب. وهذا أشبهه من جهة
العرف. ويوصف بأنّه" إحسان" إذا كان نفعا موصلا إلى الغير ، قصدا إلى
نفعه. ويوصف بأنّه" مأمور به" ، لأنّ أمر الله تعالى قد تناوله. فهذه هي
الأوصاف التي تختصّ" الندب" (ب ، م ، ٣٦٧ ، ٢٥)
ـ من حق الندب أن
يستحقّ الثواب والمدح بفعله ؛ ولا يستحقّ الذمّ بالإخلال به ولا العقاب. لأنّهما ،
لو استحقّا على الإخلال بالمندوب إليه ، لكان واجبا. وإنّما ذمّ الفقهاء من عدل عن
جميع النوافل ، لاستدلالهم بذلك على استهانته بالخبر ، وزهده فيه. والنفوس تستنقص
من هذه سبيله (ب ، م ، ٣٦٨ ، ١)
ـ إنّ هذه الأحكام
التي هي الوجوب والقبح والحسن والندب فإنّها أحكام موجبة عن أحوال الفعل وأحكامها
وهي أحكام أحوالها ، فصارت هذه الأحكام مع أحكام الفعل كالعلل مع المعلول ، فلا
بدّ إذن من أن تضاف هذه الأفعال إلى الفاعل من وجه يكون له في ذلك تأثير ، وليس
ذلك إلّا الحدوث (ن ، د ، ٣١٨ ، ٥)
ندم
ـ إنّ الندم على
السبب يحلّ محلّ الندم عليه وعلى المسبّب إذا وقعا جميعا. فكما يكون هذا الندم
توبة صحيحة منهما جميعا ، فكذلك الندم على الرمية بانفرادها ، إذا كان المعلوم أو
المظنون أنّها توجب الإصابة لا محالة لقبحها ، وقبح ما يجب عنها يقوم في إسقاط
العقاب المستحقّ بهما جميعا مقام الندم الأول ؛ وذلك صحيح في الندم. ألا ترى أنه
يزيل العقاب إذا تعلّق بالقبيح على التفصيل وعلى الجملة ، وإن كان تعلّقه في
الوجهين يختلف؟ فكذلك ما ذكرناه. وهذا ظاهر ، على ما بيّناه ، من أنّ الندم يرجع
إلى الاعتقادات ، لأنّه بتصوّر الإنسان حال المضرّة في المسبّب إذا وقع سببه
كتصوّره ذلك فيه إذا وقع بنفسه ، فيصحّ معنى الندم والغمّ والأسف فيهما جميعا (ق ،
غ ١٢ ، ٤٧١ ، ١٣)
ـ إنّ الندم يصحّ
أن يتعلّق على وجوه ، فهو مخالف في بابه للقدرة التي إنّما تتعلّق على وجه واحد ،
والإرادة التي إنّما تتعلّق على طريقة واحدة ، وهو موافق الاعتقاد والعلم ، لأنّه
من جنسهما ، أو مخالف لهما ، ولا يصحّ وجوده إلّا معهما ، فيجب أن يكون تعلّقه
كتعلّقهما. وهذا مما يعرفه أحدنا من نفسه ، لأنّه يجد نفسه نادما على الفعل على
جهاد ، والفعل لا يتغيّر ، لأنّه يجوز أن يندم عليه ، لأنّه ضرر ، ويجوز أن يندم
عليه ، لقلّة انتفاعه به ، أو لما فيه من الذمّ ، أو من العاقبة الذميمة ، أو
لأنّه قبيح ، أو لأنّه معصية لفلان ، أو طاعة لفلان ، إلى غير ذلك من الوجوه (ق ،
غ ١٤ ، ٣٥٠ ، ٣)
ـ الندم لا يكون
توبة ، من حيث كان ندما فقط ، لأنّه لا بدّ من أن يتعلّق بالفعل على وجه مخصوص ؛
فإذا صحّ ذلك ، فالذي يكون توبة من الندم ، هو أن يتعلّق بالقبيح لقبحه ، أو يقدّر
هذا التقدير فيه ، لأنّه قد يكون ثابتا بالندم الذي لا متعلّق له ، بأن يظنّ أنّه
فعل قبيحا ، فيندم على ما ظنّه ، ويكون ثابتا في الحقيقة ، ولذلك
صحّ أن يتوب مما
لا يعلمه من القبائح التي أوقعها ، إذا ظنّها ، كما يصحّ أن يتوب مما لا يعلم
تفصيله ، ولذلك شرطنا ما قدّمناه. وقد يجوز أن يكون الندم توبة مما لا تعلّق له به
، إذا تعلّق بسببه (ق ، غ ١٤ ، ٣٥٠ ، ١٢)
نزول
ـ أما نزول كلام الباري
تعالى فمعنى نزول الملك به ، فليس يستدعي النزول انتقالا ، فإنّك تقول نزلت عن
كلامي ونزل الأمير عن حقّه ، وقد ورد إليّ الخبر نزول الربّ تعالى إلى السماء
الدنيا ، وورد في القرآن مجيئه وإتيانه ، وذلك لا يستدعي انتقالا كما حقّق في
التأويلات (ش ، ن ، ٤٦٦ ، ٧)
نسب
ـ النّسب
والإضافات أمور لا يكون لها وجود إلّا في العقل ، واعتبارها في الأمور الخارجيّة
هو كون تلك الأمور صالحة لأن يعقل منها تلك النسب والإضافات ، أي تكون بحيث إذا
عقلها عاقل حصل في عقله تلك النّسبة أو الإضافة (ط ، م ، ٣٦ ، ٢)
نسخ
ـ النسخ لا يقع في
قرآن قد نزل وتلي وحكم بتأويله النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ولكنّ النسخ ما أنزل الله به على هذه الأمّة في حكمه من
التفسير الذي أزاح الله به عنهم ما قد كان يجوز أن يمتحنهم به من المحن العظام
التي كان صنعها بمن كان قبلها من الأمم (ش ، ق ، ٦٠٧ ، ٩)
ـ إنّ التبديل
والنسخ إنّما يكون ويتصوّر في الرسم من خط أو تلاوة ؛ أو في حكم ، فيكون تقدير
الكلام : وإذا بدّلنا حكم آية أو تلاوة آية ، دون المتلو القديم الذي لا يتصوّر
عليه تبديل ولا تغيير ، وقد بيّن ذلك سبحانه وتعالى وأخبر أنّ كلامه القديم لا
يغيّر ولا يبدّل (ب ، ن ، ٧٧ ، ١)
ـ أمّا ، النسخ
فهو في الأصل الإزالة أو النقل ، على ما اختلف فيه أصحابنا ؛ فأمّا في الشرع ، فهو
إزالة مثل الحكم الثابت بدلالة شرعية بدليل آخر شرعيّ ، على وجه لولاه لثبت ولم
يزل مع تراخيه عنه ، فاعتبرنا أن يكون إزالة مثل الحكم الثابت ، لأنّه لو زال عين
ما كان ثابتا من قبل ، لم يكن نسخا بل كان نقضا. واعتبرنا أن تكون الدلالتان
شرعيتين ، لأنّهما لو كانا عقليتين أو إحداهما عقليّة والأخرى شرعيّة لم يعد نسخا
؛ ألا ترى أنّ من لزمه ردّ الوديعة مثلا ، ثم لم يلزمه بعد ذلك لعجز طرأ عليه أو
لمرض اعتراه ، لم نقل : إنّه قد نسخ عنه ردّ الوديعة (ق ، ش ، ٥٨٤ ، ١)
ـ قوله عزوجل (ما نَنْسَخْ مِنْ
آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦)
فجوّز النسخ على الآية وهو الإبدال والإزالة وجوّز النسيان عليهما ، وكل ذلك يدلّ
على حدث الآية ؛ لأنّها لو كانت قديمة لم يصحّ فيها ذلك. وأن يأتي بخير منها يدلّ
على أنّها محدثة ، لأنّ القديم لا يوصف بأنّ القادر يأتي بخير منه (ق ، م ١ ، ١٠٣
، ١٦)
ـ اعلم ... أنّا
قدّمنا في معنى النسخ ما يغني ، من حيث كشفنا عن العبادات ، ما يستمرّ وما لا
يستمرّ ، وما يجوز أن يزول إلى بدل ، وما يزول لا إلى خلافه ؛ وهذا هو معنى النسخ
؛ فأمّا ما نفيده بهذه اللفظة فقد علمنا أنّ العبادة الشرعيّة
إذا لزمت بدليل ،
فالدليل على ضربين : أحدهما : يتناول عبادة واحدة ، فمعنى النسخ لا يصحّ فيه ؛
والآخر : يتناول تكريرها والاستمرار عليها ، على الوجه الذي يقتضيه الدليل ، لأنّه
ربما اقتضى استمرار المكلّف عليها ، في أوقات مخصوصة ، أو من دون أوقات ؛ وعلى
شرائط مخصوصة ، وعلى خلافها ، فمتى كان ظاهر الدليل يقتضي التكرير والإدامة ؛ على
بعض الوجوه ، بعد أن قطع ذلك على الحدّ الذي يقتضيه الدليل ، قد يكون بمقدّمة
عقليّة ، وقد يكون بأن تقتضيه قرينة الدليل حتى لا يفارق ؛ وقد يكون بدليل مستقبل
، فمتى كان بالوجهين الأوّلين لم نسمّه نسخا ، ومتى كان بالوجه الثالث نسمّيه نسخا
، لنفرّق بين ما يقتضي زوال الاستمرار والتكرار إذا كان مع الدليل ، وبينه إذا لم
يكن مع الدليل ، بل عرض بعده ، ولنفرّق بين أن ينقطع بوجه كان لا يجوز أن لا ينقطع
به ، وبين أن ينقطع بوجه كان يجوز أن لا ينقطع ؛ وهذه العبارات توضع للفروق ، فإذا
ثبت ما ذكرناه من الفرق بين أن ينقطع استمرار التكليف عن المكلّف ، أو المكلّفين
بمقدّمة عقليّة لا يجوز خلافها ، أو بقرينة للدليل ، لا ينتظر خلافه ، وبين أن
ينقطع بأمر منتظر سمعيّ يجوز وروده كتجويز أن لا يرد ، فغير ممتنع أن نصف هذا
الوجه بأنّه نسخ ، للتفرقة بينه وبين ما تقدّم ؛ وقد علمنا أنّه لا يجوز انقطاع
ذلك التكليف الأوّل (والفعل واحد) لأنّا قد دللنا من جهة العقل ، على أنّ الفعل
الواحد لا يصحّ فيه الوجوب والسقوط ، وإنّما يصحّ ذلك في فعلين ، وكذلك القول إنّه
لا يجوز فيه التحريم والإيجاب ، وإنّما يصحّ ذلك في الفعلين ، فصار النسخ على
الوجه الذي ذكرناه يتضمّن تغاير الأفعال ، وإن كان لفظه لا يقضي ذلك ، لأنّه لا
فرق بين أن يقتضيه الدليل العقليّ ، وبين أن يقتضيه لفظه ، فإذا كان لفظ الدليل لو
اقتضى ذلك لم يجز أن يلتبس بالفعل الواحد ، فكذلك القول إذا اقتضاه الدليل العقليّ
، بل ما يقتضيه الدليل العقليّ أوكد ، لأنّه يخرج عن باب الاحتمال (ق ، غ ١٦ ، ٩٢
، ٥)
ـ إنّ النسخ هو : ما
اقتضى من الأدلّة الشرعيّة أن لا يدوم الفعل الشرعي ، وأن ينقطع إذا كان ذلك
الدليل منتظرا ، فما هذه حاله نصفه بأنّه نسخ تشبيها بإزالة الريح الآثار المعلومة
، لأنّ تلك الآثار يجوز أن تثبت وتدوم ، وهذا هو الظاهر من حالها ، والريح المزيلة
لها منتظرة غير مقطوع بها ؛ فإذا وردت قيل فيها نسخت الآثار ، لأنّها قطعت
الاستمرار ؛ فكذلك القول في الدليل الشرعيّ المنتظر ، إذا قطع التكرار ، الذي لو
لا هذا الدليل لكان في حكم الثابت. فأمّا إذا كان زواله غير منتظر فذلك لا يعدّ
نسخا ، وكذلك إذا كان في تفصيل الأوقات ينتظر ، ولا ينتظر في جملته ، كالعجز وغيره
فذلك لا يعدّ نسخا ؛ ولذلك قلنا في الرسول ، لو دعا إلى شريعة سنّة واحدة ، لم يكن
الرسول الثاني ناسخا لتلك الشريعة ؛ لأنّ المكلّف لا ينتظر هذا الثاني ، لزوال
الأوّل دوامه ، وإنما ينتظره كما ينتظر ذوو العقول الرسل ، بل يعلم أن شريعته
تنقطع بعد تقضي السنّة ، ورد رسول ثان أو لم يرد ، وإنّما يقال في الرسول الثاني ،
إنّه ناسخ بشرعه لشرع الرسول الأوّل ، متى دعا الرسول الأوّل إلى إدامة ذلك الفعل
، ولم يعلّقه بوقت ؛ ويكون جواز ورود الرسول الثاني ، من جهة العقل يقتضي أنّه متى
ورد ودلّ على زوال
تكرار الشرع
الأوّل يكون ناسخا (ق ، غ ١٦ ، ٩٤ ، ١٢)
ـ قد بيّنّا في
كتاب" العمد" : أنّ الحكم المضاد للحكم الأوّل إنّما يكون ناسخا لأنّه
يقتضي زوال التكرار ، وقطع الإدامة ، لا لأنّ النسخ يحتاج فيه إلى بدل ، أو يقتضي
ذلك ، بل لأنّ البدل إذا كان منافيا فكما دلّ على إثبات الحكم فقد دلّ على زوال
التكرار ، فيما ينافيه ، فحلّ محل سائر الأدلّة الدالّة على ذلك (ق ، غ ١٦ ، ٩٥ ،
١٠)
ـ إنّ النسخ قد لا
يصحّ في الأمر إذا تعلّق بفعل مخصوص ، فيجب على هذا أن يجوّز فيما حلّ هذا المحل
أن لا يدلّ على المراد به كالخبر ، وهذا يوجب أنّ الأمر كلّما زاد توكيدا وتخصيصا
فهو أبعد من أن يجب أن يعلم به المراد ، وهذا مما لا يبلغه مميّز (ق ، غ ١٧ ، ٤٦ ،
١٥)
ـ ما ذهب إليه
الشافعيّ وغيره : في أنّ القرآن لا ينسخ بالسنّة القاطعة ، لأنّها إذا كانت دلالة
على حدّ القطع ، فهي بمنزلة القرآن فلا يجوز ألّا تدلّ على النسخ ، وهي دالّة على
سائر الأمور ، لأنّها في دلالتها لا يجوز أن تختصّ ، لهذه الجملة ما عدل الفقهاء ،
من أصحاب الشافعي إلى أن نسخ الكتاب بالسنّة لا يوجد ؛ ولو وجدت سنّة يصحّ أن تكون
ناسخة لوجب كونها ناسخة (ق ، غ ١٧ ، ٩٠ ، ٧)
ـ إنّ النسخ قد
يقع بأدلّة العقول عندنا ، وإنّما لا يسمّى نسخا ، إذا كان نسخا بالإسقاط
والإزالة. فأمّا إذا كان بحكم شرعيّ مضادّ للحكم الأوّل فإنّما لا يقع بأدلّة
العقول ، لأنّها تدلّ على ما هذه حاله (ق ، غ ١٧ ، ٩٠ ، ١٨)
ـ معنى النسخ
عندنا بيان انتهاء مدّة العبادة. فإنّ ورود ... الأمر بالعبادة يؤقت ... بغاية ،
فذلك بيان نهاية وليس بيان انتهاء (ب ، أ ، ٢٢٦ ، ١٠)
ـ زعم أكثر اليهود
إنّ الأمر إذا ورد مطلقا لم يجز ورود نسخ حكمه بعده. وأجاز آخرون منهم النسخ من
طريق العقل وقالوا إنّما لم نقرّ ... بنسخ شريعة موسى عليهالسلام لأنّه أمرنا بالتمسّك بها أبدا (ب ، أ ، ٢٢٦ ، ١٣)
ـ المرضي عندنا ،
أنّ النسخ هو الخطاب الدّال على ارتفاع الحكم الثابت بخطاب آخر على وجه لولاه
لاستمرّ الحكم المنسوخ ، ومن ضرورة ثبوت النسخ على التحقيق ، رفع حكم بعد ثبوته (ج
، ش ، ٢٨٣ ، ١٢)
ـ المعتزلة يصيرون
إلى أنّ النسخ لا يرفع حكما ثابتا ، وإنّما يبيّن انتهاء مدّة شريعة ، وإلى ذلك
مال بعض أئمتنا ، وقالوا : النسخ تخصيص الزمان ؛ وعنوا به أنّ المكلّفين إذا
خوطبوا بشرع مطلق ، فظاهر مخاطبتهم به تأبيده عليهم ، فإذا نسخ استبان أنّه لم يرد
باللفظ إلّا الأوقات الماضية (ج ، ش ، ٢٨٤ ، ٣)
ـ تبديل الآية
مكان الآية هو النسخ ، والله تعالى ينسخ الشرائع بالشرائع لأنّها مصالح ، وما كان
مصلحة أمس يجوز أن يكون مفسدة اليوم وخلافه مصلحة. والله تعالى عالم بالمصالح
والمفاسد فيثبت ما يشاء وينسخ ما يشاء بحكمته (ز ، ك ٢ ، ٤٢٨ ، ١٥)
ـ كان (المختار)
لا يفرّق بين النسخ والبداء ، قال : إذا جاز النسخ في الأحكام ، جاز البداء في
الأخبار (ش ، م ١ ، ١٤٩ ، ٩)
ـ قال بعض العلماء
النسخ رفع الحكم بعد ثبوته ، وقال بعضهم النسخ تبيين انتهاء مدّة الحكم ، وكأنّه
تخصيص بزمان ، وهو بظاهره كان شاملا
لكل زمان ،
وبالنسخ يتبيّن أنّه لم يشمل الأوقات كلها (ش ، ن ، ٤٩٩ ، ٧)
ـ قالت اليهود
النسخ رفع تكليف بعد توجّهه على العباد ، وذلك لا يجوز في حق الباري تعالى ، فإنّه
يؤدّي ذلك إلى البداء والندم على ما قال (ش ، ن ، ٤٩٩ ، ١٠)
ـ النسخ في اللغة
: الإزالة والنقل وفي الشرع هو أن يرد دليل شرعيّ متراخيا عن دليل شرعيّ مقتضيا
خلاف حكمه ، فهو تبديل بالنظر إلى علمنا وبيان لمدّة الحكم بالنظر إلى علم الله
تعالى (ج ، ت ، ٢٩٦ ، ٢)
ـ النسخ في اللغة
: عبارة عن التبديل والرفع والإزالة ، يقال نسخت الشمس الظلّ أزالته ، وفي الشريعة
هو بيان انتهاء الحكم الشرعيّ في حق صاحب الشرع وكان انتهاؤه عند الله تعالى
معلوما. إلّا أنّ في علمنا كان استمراره ودوامه وبالناسخ علمنا انتهاءه ، وكان في
حقنا تبديلا وتغييرا (ج ، ت ، ٢٩٦ ، ٥)
ـ النسخ ، لغة ،
بمعنى الإزالة وبمعنى النقل. عند أئمتنا ، عليهمالسلام ، وبعض المعتزلة : وقيل بل حقيقة في الأوّل مجاز في
الثاني. وقيل : بل العكس. وشرعا : بيان انتهاء الحكم الشرعيّ بطريق شرعيّ واجب
التراخي عن وقت إمكان العمل (ق ، س ، ١٥٧ ، ١٧)
نسيء
ـ إنّ النسيء ـ على
ما ذكرناه ـ من أفعال الجوارح ، وقد جعله تعالى كفرا ، فإذا صحّ ذلك لم يمتنع في
تركه الواقع بالجوارح أن يكون إيمانا (ق ، م ١ ، ٣٢٨ ، ١٦)
نشأة
ـ إن قال قائل ما
الدليل على جواز إعادة الخلق ، قيل له الدليل على ذلك أنّ الله سبحانه خلقه أولا
لا على مثال سبق ، فإذا خلقه أولا لم يعيه أن يخلقه خلقا آخر وقد قال الله عزوجل : (وَضَرَبَ لَنا
مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ
يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس : ٧٨ ـ ٧٩)
فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة لأنّها في معناها ثم قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ
الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (يس : ٨٠) فجعل
ظهور النار على حرّها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته دليلا على جواز
خلقه الحياة في الرّمة البالية والعظام النخرة وعلى قدرته على خلق مثله (ش ، ل ، ٨
، ١٨)
نصارى
ـ ذكر شيخنا أبو
علي ، رحمهالله ، أنّ من مذهب جميع النصارى ، إلّا نفر منهم يسير ، أنّ
الله تعالى خالق الأشياء والخالق حيّ متكلّم ؛ وحياته هي الروح التي يسمّونها روح
القدس ؛ وكلامه هو علم. ومنهم من يقول في الحياة إنّها قدرة. وزعموا أنّ الله وكلمته
وقدرته قدماء ، وأن الكلمة هي الابن وهي عندهم المسيح الذي ظهر في الجسد الذي كان
في الأرض. ويختلفون في الذي يستحقّ اسم المسيح. فمنهم من يقول إنّه الكلمة والجسم
إذ اتّحد بعضهما ببعض. ومنهم من يزعم أنّه الكلمة دون الجسد. ومنهم من يزعم أنّه
الجسد المحدث وأنّ الكلمة صارت جسدا محدثا لما صارت في بطن مريم وظهرت للناس. ويزعمون
جميعا أن الكلمة هي الابن وأن الذي له الروح والكلمة هو الابن. ويزعمون أن هذه
الثلاثة هي إله واحد وخالق واحد وأنّها من
جوهر واحد. وهذا
جملة ما حكاه (ق ، غ ٥ ، ٨٠ ، ٤)
نصب الأدلة
ـ إنّما يجب أن
ينصب ـ تعالى ـ الأدلّة فيما يحتاج في معرفته إلى اكتساب العلوم ، فأمّا ما يعلمه
المكلّف باضطرار فتعريفه ـ تعالى ـ ذلك باضطرار أبلغ من تمكينه بنصب الأدلّة ،
فلذلك لا يجب فيه نصب الأدلّة. وإن كان الأكثر منه ممّا لا دليل عليه فالكلام فيه
أصلا لا يصحّ. وقد بيّنا أنّ في الأمور التي يحتاج المكلّف إليها ما المعتبر فيه
حصوله من أيّ جهة حصل ؛ كما أنّ المعتبر في قبح التكليف عند فقد شرائط التكليف
فقدها من أيّ وجه حصل. ولذلك قام نصب الأدلّة من فعل غير القديم في بعض المواضع
مقام نصب الأدلّة من فعله. وإذا صحّ أنّ العلم لا يصحّ أن يكتسب إلّا بالنظر في
الدلالة المعلومة فقد صار فقدها في أنّه يوجب تعذّر ذلك بمنزلة فقد الآلات. فلذلك
وجب عليه ـ سبحانه ـ أن ينصب الأدلّة حتى يحسن أن يكلّف ؛ كما وجب أن يمكّن
بالآلات وغيرها (ق ، غ ١١ ، ٤٠٩ ، ٥)
نصب الإمام
ـ إنّ سبيل نصب
الإمام وأمر الإمامة كسبيل سائر الأحكام في أنّ ذلك ممّا يعرف نصّا واجتهادا ، فإن
لم يكن في ذلك نصّ وكان للاجتهاد في ذلك مدخل وله أصل يمكن أن يبنى عليه وينتزع
حكمه منه ويتعرّف صير إلى ذلك عند عدم النصّ وفقده (أ ، م ، ١٨٣ ، ٤)
نصر
ـ قال أهل الإثبات
: النصر من الله ما يفعله ويقذفه في قلوب المؤمنين من الجرأة على الكافرين ، وقد
تسمّى القوّة على الإيمان نصرا (ش ، ق ، ٢٦٤ ، ١٢)
ـ قوله تعالى : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) (النصر : ١) لا
يصحّ إلّا مع القول بأنّ المنصور ، بنصره ، ممكن من الفعل الذي نصر فيه ، لأنّ النصر
هو المعونة والتأييد ، ولو لم يكن العبد قادرا على المجاهدة لم يصحّ أن يوصف
بالنصر ، ولوجب أن يكون ما يأتيه ، في أنّه لا يصحّ أن يوصف بذلك ، بمنزلة اللون
والهيئة وسائر ما يخلقه تعالى في العبد ، في أنّه لا يصحّ أن يوصف بأنّه نصر العبد
فيه (ق ، م ٢ ، ٧٠٤ ، ٣)
ـ أمّا النصر
الحجّة والأدلّة وشرح الصدر عند ورود الأدلّة المؤكّدة أو ما يجري مجراها من
الشواهد ، وبالمدح والتعظيم ، وبأمره جلّ وعزّ بمدح المؤمنين وتأييدهم ومعونتهم
فيما يعرض في باب الدين ـ إلى ما شاكله ـ فهو جار مجرى الثواب أو يحل محلّ التمكين
، فلا يعتبر في الباب الأوّل ، وإن لم يمتنع في بعضه أن يكون لطفا (ق ، غ ١٣ ، ١١٢
، ١)
نصرة
ـ قالت المعتزلة
إنّ نصر الله المؤمنين قد يكون على معنى نصرهم بالحجّة كما قال : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ
آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (غافر : ٥١) وقد
تكون النصرة بمعنى أن يزلزل أقدام الكافرين ويرعب قلوبهم فينهزموا فيكون ناصرا
للمؤمنين عليهم وخاذلا لهم بما طرحه من الرعب في قلوبهم ، فإن انهزم المؤمنون لم
يكن ذلك بخذلان من الله سبحانه لهم بل هم منصورون بالحجّة على الكافرين وإن كانوا
منهزمين (ش ، ق ، ٢٦٤ ، ٨)
ـ اعلم أنّ الأصل
في النصرة إنّما تستعمل إذا تعلّق الفعل بغيره ، فيقال إنّه منصور على غيره ،
ولذلك يكثر استعماله في الحرب والقتل ، لكنه استعمل في سائر ما يقتضي الظفر بالعدو
في الحال أو في الثاني ، فوصف الحجّة إنّها نصرة ، ووصفت الطاعة بذلك ، من حيث
تؤدّي إلى المدح وزوال الذمّ ، والظفر من هذا الوجه بالعدو ، في الاستخفاف
والإهانة ، واستعمل فيما يفعله تعالى بالمجاهد في الأمور التي معها يظفر بالكفار ،
من تثبيت الأقدام ، وتقوية القلوب ، وما يثبته في قلوب العدو من الرعب ، والإمداد
بالملائكة ، والتذكير بما يستحقّه المجاهد من عظم الثواب ، إلى غير ذلك. ولا بدّ
من أن يعتبر في النصرة الظفر على وجه لا يتعقّبه المضار الموفية على ما يحصل في
الحال من النفع والسرور ؛ لأنّه متى كان كذلك ، عاد الحال فيما حصل في الوقت إلى
أنّه مضرّة. ولا تستعمل النصرة إلّا في المنافع وما يؤدّي إليها (ق ، م ٢ ، ٧٢٥ ،
١٩)
ـ أمّا النصرة
فتنقسم : ففيها ما هو ثواب ، وفيها ما هو لطف. فأمّا الإمداد بالملائكة وتثبيت
الأقدام ، فهو لطف ؛ لأنّ عنده يختار الجهاد ، أو يكون أقرب إلى اختياره. وأمّا ما
يفعله تعالى من أنواع المدح والتعظيم ، فهو الثواب. فعلى هذا يجب أن يجري القول
فيها (ق ، م ٢ ، ٧٢٧ ، ٣)
ـ أمّا الكلام في
النصر والخذلان ، وما يجوز أن يكون لطفا منهما وما لا يجوز ، فقد اختلف قول أبي
علي ، رحمهالله ، في ذلك. فيقول في موضع : إنّ النصرة كلها ثواب ،
والخذلان كله عقاب. ويقول في موضع آخر : إنّ النصرة فيها ثواب وفيها غيره ، ويومئ
إلى أنّه لطف. وقد نصره أبو هاشم ، رحمهالله ، وذلك أن ما يفعله تعالى من إيقاع الرعب في قلوب الكافرين
لكي يظهر عليهم المؤمنين لا يمنع أن يكون لطفا ، وكذلك فيما يفعله تعالى بالمؤمنين
عند المجاهدة من تثبيت قلوبهم وأقدامهم لا يمتنع أن يكون لطفا في وقوع الظّفر منهم
، وما يفعله تعالى من تأييد المجاهدين بالملائكة على ما ورد به الخبر لا يمتنع أن
يكون لطفا. فما حلّ هذا المحلّ لا يمتنع أن يكون لطفا ، بل يجب في بعضه أن يكون
لطفا ، لأنّه لا وجه يحسن لأجله سواه (ق ، غ ١٣ ، ١١١ ، ١٢)
نطق
ـ النطق عندنا هو
التصرّف في العلوم والصناعات ومعرفة الأشياء على ما هي عليه (ح ، ف ١ ، ٨٠ ، ١٦)
نظر
ـ (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس : ١٤) ... ومعنى
ننظر أي نحكم عليكم بما يكون من خبركم (ي ، ر ، ٤٦ ، ٦)
ـ إن قال قائل
زيدوني وضوحا في صحّة النظر ، قيل له قول الله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليهالسلام لمّا رأى الكوكب (قالَ هذا رَبِّي
فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً
قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ
مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (الأنعام : ٧٦ ـ ٧٧)
فجمع عليهالسلام القمر والكوكب في أنّه لا يجوز أن يكون واحد منهما إلها
ربّا لاجتماعهما في الأفول. وهذا هو النظر والاستدلال الذي ينكره المنكرون وينحرف
عنه المنحرفون (ش ، ل ، ٩ ، ١٥)
الدليل على أنّ
الله تعالى يرى بالأبصار قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
ولا يجوز أن يكون معنى قوله (إِلى رَبِّها
ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
معتبرة كقوله (أَفَلا يَنْظُرُونَ
إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧)
لأن الآخرة ليست بدار اعتبار. ولا يجوز أن يعني متعطفة راحمة كما قال (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ) (آل عمران : ٧٧)
أي لا يرحمهم ولا يتعطف عليهم لأنّ الباري لا يجوز أن يتعطف عليه. ولا يجوز أن
يعني منتظرة لأنّ النظر إذا قرن بذكر الوجوه لم يكن معناه نظر القلب الذي هو
انتظار ، كما إذا قرن النظر بذكر القلب لم يكن معناه نظر العين. لأنّ القائل إذا
قال" أنظر بقلبك في هذا الأمر" كان معناه نظر القلب ، وكذلك إذا قرن
النظر بالوجه لم يكن معناه إلّا نظر الوجه ، والنظر بالوجه هو نظر الرؤية التي
تكون بالعين التي في الوجه. فصحّ أنّ معنى قوله تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
رائية إذ لم يجز أن يعني شيئا من وجوه النظر. وإذا كان النظر لا يخلو من وجوه أربع
وفسد منها ثلاثة أوجه صحّ الوجه الرابع وهو نظر رؤية العين التي في الوجه (ش ، ل ،
٣٤ ، ٨)
ـ الأصل في لزوم
القول بعلم النظر وجوه : أحدهما الاضطرار إليه في علم الحس والخبر ، وذلك فيما
يبعد من الحواس أو يلطف ، وفيما يرد من الخبر أنّه في نوع ما يحتمل الغلط أو لا ،
ثم آيات الرّسل وتمويهات / السحرة وغيرهم في التمييز بينها ، وفي تعرّف الآيات بما
يتأمل فيها [من] قوى البشر وأحوال الآتي بها ليظهر الحق بنوره والباطل بظلمته (م ،
ح ، ٩ ، ١٦)
ـ بالفكر والبحث
إرادة ما يضطر إلى العلم بأنّ الحق في ما انكشف له ، مع اشتباه خاطر الرحمن في
الأمر والتحذير من خاطر الشيطان. وفي ترك النظر / والبحث أمن ذلك ؛ إذ لم ينكشف له
ما يلزمه التمييز ، ولا يخطر بذهنه ما يبعثه على الطلب (م ، ح ، ١٣٥ ، ١١)
ـ إنّ لزوم النظر
ليس عقيب نظر تقدّمه ، بل عقيب الذي به يقع النظر والبحث وهو العقل الذي به يعرف
المحاسن والمساوئ ، وبه يعلم فضله على سائر الحيوان (م ، ح ، ١٣٥ ، ١٣)
ـ أمّا الاستدلال
والنظر فهو تقسيم المستدل وفكره في المستدل عليه وتأمّله له ؛ وقد يسمّى ذلك أيضا
دليلا ودلالة ، مجازا واتساعا لما بينهما من التعلّق. وقد تسمّى العبارة المسموعة
التي تنبئ عن استدلال القلب ونظره وتأمله نظرا واستدلالا ، مجازا واتساعا لدلالتها
عليه (ب ، ت ، ٤٠ ، ١)
ـ أمّا سبيل العلم
بكلام الذراع وتسبيح الحصى وحنين الجذع وجعل قليل الطعام كثيرا وأشباه ذلك من
أعلامه ، عليهالسلام فهو نظر واستدلال لا اضطرار (ب ، ت ، ١١٥ ، ١٠)
ـ جنس النظر ممّا
لا يجوز عليه البقاء. فلم يصحّ أن يتعلّق العلم الواحد بمعلومين من طريق التفصيل.
فأمّا من طريق الجملة فلا خلاف فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة وسواء كان ذلك علما
مكتسبا أو ضروريّا ، لأنّ علمنا بأنّ معلومات الله تعالى لا نهاية لها وكذلك
مقدوراته علم يتناولها على طريق الجملة وهو علم واحد والمعلومات أكثر من ذلك.
ولسنا نقطع الآن أنّ الإنسان يعلم من طريق الضرورة معلومات على التفصيل بعلم واحد
بل نجيز ذلك. فأمّا العلم بمعلومات الله سبحانه كلها
على التفصيل فذلك
غير مشكوك فيه أنّه لم يوجد ، وإذا وجد فإنّما يوجد على نقض العادة (أ ، م ، ١٣ ،
١٠)
ـ إنّ النظر هو
الفكر والتأمّل والاعتبار والمقايسة وردّ ما غاب عن الحسّ إلى ما وجد العلم به فيه
لاستوائهما في المعنى واجتماعهما في العلّة (أ ، م ، ١٧ ، ٩)
ـ كان يجيز أن
ينفرد النظر عن العلم والعلم عن النظر إلّا أنّه لا يسمّى المنفرد عنه كسبا (أ ، م
، ١٩ ، ٦)
ـ إنّ النظر لفظة
مشتركة بين معان كثيرة : قد يذكر ويراد به تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي
التماسا لرؤية ، تقول العرب نظرت إلى الهلال فلم أره. وقد يذكر ويراد به الانتظار
، قال الله تعالى (فَنَظِرَةٌ إِلى
مَيْسَرَةٍ) (البقرة : ٢٨٠) أي
انتظار ، وقال (فَناظِرَةٌ بِمَ
يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل : ٣٥) أي
منتظرة ، وقال المثقب العبدي أو الممزق : فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غدا لناظره
قريب. أي لمنتظره. وقال الفقسعيّ : فإنّ غدا للناظرين قريب. أي للمنتظرين. وقد
يذكر ويراد به العطف والرحمة ، قال الله تعالى : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ
اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (آل عمران : ٧٧)
أي لا يرحمهم ولا يثيبهم. ويروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم" من جر إزاره بطرا لا ينظر الله إليه يوم القيامة. أي
لا يرحمه". وقد يذكر ويراد به المقابلة ، تقول العرب داري تنظر إلى دار فلان
أي تقابلها ، وتقول إذا أخذت في طريق كذا فنظر إليك الجبل أي قابلك فخذ عن يمينك
أو عن شمالك. وقد يذكر ويراد به التفكّر بالقلب ، قال الله تعالى : (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ
كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧) ، أفلا
يفكرون في خلقها. وإنّما تتميّز هذه الأنظار بعضها من بعض بما يقترن بها من
القرائن ، وينضاف إليها من الشواهد (ق ، ش ، ٤٤ ، ١)
ـ سائر الشرائع من
قول وفعل لا تحسن إلّا بعد معرفة الله تعالى ، ومعرفة الله لا تحصل إلّا بالنظر ،
فيجب أن يكون النظر أوّل الواجبات (ق ، ش ، ٦٩ ، ١٧)
ـ قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى
رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣)
لا يدلّ ظاهره على أنّه تعالى يرى : من وجوه : أحدها : أنّه تعالى ذكر أنّها ناظرة
إلى ربها ، والنظر غير الرؤية لأنّه إذا علق بالعين ، فالمراد طلب الرؤية ، كما
إذا علق بالقلب ، فالمراد طلب المعرفة ، ولذلك يقول القائل : نظرت إلى الشيء فلم
أره ، ونظرت إليه حتى رأيته ، فلذلك نعلم باضطرار أنّ الناظر ناظر ولا نعلمه رائيا
إلّا بخبره. ولذلك أضافت العرب النظر إضافات ، فجعلت منه نظر الراضي والغضبان إلى
غير ذلك ، ولم تضف الرؤية على هذا الحدّ. وإذا كان النظر غير الرؤية ـ لما ذكرناه ـ
فكيف يدلّ الظاهر على أنّهم يرون الله (ق ، م ٢ ، ٦٧٣ ، ٨)
ـ اعلم أنّ النظر
لا يراد لنفسه وإنّما يراد لما توصّل إليه من المعرفة ، فصار وجوبه للخوف من تركه
وجوب المعرفة بالله وصفاته وعدله للطف. وإن كنّا إذا حقّقنا فهو مما لا يتمّ اللطف
دونه (ق ، ت ١ ، ٢٤ ، ٢)
ـ استدلّوا على
أنّه سبحانه يرى بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ
ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣)
، وأنّه جلّ وعزّ دلّ بذلك على أنّه يصحّ أن يرى ، لأنّ النظر إذا علّق بالوجه لم
يحتمل إلّا الرؤية. قالوا : والنظر إذا عدّى بإلى لم يحتمل إلّا الرؤية ولم يحتمل
الانتظار ، لأنّه لا يقال في
زيد إنّه ناظر إلى
فلان ، ويراد الانتظار ، وإنّما يقال هو منتظر فلانا ، قالوا : على أنّا إذا قسمنا
النظر خرج من القسمة أنّ المراد بالآية الرؤية على ما نقوله ، ولذلك أنّ النظر
يحتمل وجوها : منها الفكر ، ومنها التعطّف والرحمة ، ومنها الانتظار ، ومنها
الرؤية (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ٨)
ـ إنّ النظر بمعنى
الفكر لا يعدّى بإلى. ألا ترى أنّ القائل إنّما يقول نظرت في الشيء بمعنى الفكر ،
ولا يقول نظرت إليه (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ١٦)
ـ أمّا النظر
فإنّه يولّد العلم متى تعلّق بالدليل ، وكان الناظر عالما به على الوجه الذي يدلّ
على المدلول ونظر فيه على هذا الوجه ، ومتى لم يكن الناظر بهذه الصفة ولا كان
النظر متعلّقا على هذا الوجه لم يولّد العلم (ق ، غ ٩ ، ١٦١ ، ٤)
ـ اعلم ، أنّ
النظر ، وإن كان متى أطلق ، فقد تعبر به عن وجوه : عن تقليب الحدقة الصحيحة نحو
المرئي ، التماسا لرؤيته ؛ وعن الرحمة والإحسان ؛ وعن نظر القلب ؛ وعن الانتظار
على ما فيه من الاختلاف في أن تعبر به عنه على جهة الحقيقة أو التوسّع ؛ فالمقصد
بها بهذا الموضع ذلك نظر القلب دون غيره ، وحقيقة ذلك هو الفكر. لأنّه لا ناظر
بقلبه إلّا مفكّرا ، ولا مفكّر إلّا ناظرا بقلبه ؛ وبهذا تعلم الحقائق (ق ، غ ١٢ ،
٤ ، ٤)
ـ اعلم ، أنّ
النظر كالاعتقاد ، في أنّه يجب أن يتعلّق بغيره ، وفي أنّه يتعلّق بالأشياء على
سائر وجوهها ؛ وإن كان يخالف الاعتقاد في أنّه يتعلّق بكون الشيء على صفة. والنظر
لا يتعلّق بصفة واحدة ، بل يتعلّق بهل هو على صفة ، أو على ضدّها ، أو ليس هو
عليها؟ وأظنّ شيخنا أبا عبد الله ، رحمهالله ، يقول في نظر الإنسان ، في هل الجسم قديم أو محدث : إنّه
ليس بنظر واحد ، وإنّهما جزءان من النظر وإن لم يفارق أحدهما الآخر إذا سلك الناظر
هذه الطريقة. والأولى ما قدّمناه في أنّه يتعلّق ، وإن كان جزءا واحدا على هذا
الحدّ (ق ، غ ١٢ ، ٩ ، ٣)
ـ من حقّه (النظر)
أن يتعلّق بالشيء الّذي له تعلّق بما نلتمس ، بالنظر ، العلم به أو الظنّ به من
دليل أو أمارة ؛ ويخالف ، في ذلك ، غيره من المعاني مما يتعلّق بالشيء ، وإن لم
يكن له تعلّق بشيء سواه. ومن حقّه أن يتعلّق بعضه ببعض ، كتعلّق العلوم بعضها ببعض
؛ لأنّه لا يصحّ أن ينظر في حدوث الأغراض ، إلّا بعد النظر في إثباتها. وقد ذكر
ذلك شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله (ق ، غ ١٢ ، ١٠ ،
١)
ـ من حقّ النظر أن
تجوز فيه القلّة والكثرة كسائر الأفعال. وإنّما لا يجوز أن يكون الكثير منه يولّد
جزءا واحدا من العلم ، لما سنبيّنه. فأمّا العبارة عنه بالطول والقصر ، فإنّه بعيد
، لأنّه في الحقيقة إنّما يصحّ في الأجسام. وقد نتّسع به في الكلام تشبيها بما له
تأليف ونظام. فأمّا النظر فكالإرادة في أنّه قد يتوالى حدوثه ، وقد لا يتوالى.
فكما لا نعبر بذلك عن الإرادة ، فكذلك في النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٠ ، ١٥)
ـ من حقّ النظر أن
يكون فيه ما يولّد العلم ، إذا كان نظرا من عاقل في دليل معلوم له على الوجه الذي
يدلّ ؛ ويكون فيه ما لا يولّد العلم ، بل يقتضي غالب الظن في أمور الدنيا ؛ وقد
يكون فيه ما لا يحصل عنده الوجهان جميعا. ولا يصحّ أن يكون فيه ما يولّد الشّبهة
أو الجهل (ق ، غ ١٢ ، ١١ ، ٣)
ـ من حقّ النظر أن
لا يصحّ إلّا مع الشك في المدلول ، عند شيخينا ، رحمهماالله ؛ فأمّا ما إذا كان عالما بالمدلول ، فالنظر لا يصحّ منه. وذكر
شيخنا أبو عبد الله ، رحمهالله ، أنّ النظر إنّما لا يصحّ مع العلم بالمدلول ؛ فأمّا أن
تجب مجامعة الشكّ له في المدلول فلا ؛ بل قد يصحّ مع اعتقاد المدلول ، ومع الظنّ
به. ويجب أن لا يصحّ أن يجامعه ما يقتضي العلم بالمدلول ، على قول الكل ، نحو أن
ينظر ويعلم أنّه يولّد العلم بشيء مخصوص ، على وجه مخصوص.
فأمّا مجامعة
العلم ، فإنّه يولّد أصلا له ، وأنّه يولّد العلم بالشيء ؛ وإن لم يعلم على أي وجه
يولّد ، فغير ممتنع (ق ، غ ١٢ ، ١١ ، ١٤)
ـ إنّ في النظر ما
يكون صحيحا ؛ وفيه ما لا يصحّ لأنّه لا يولّد العلم ، كالنظر في أمور الدنيا ،
وفيما ليس بدليل ، وفيما لا يعلمه المستدلّ وإن كان دليلا لكنّه لا يكون فاسدا.
وقد دلّ الدليل على أن لا نظر يوجب جهلا أو ظنّا. وقد صرّح بذلك في غير موضع ،
فقال : إنّ النظر الصحيح لا بدّ من أن يولّد العلم (ق ، غ ١٢ ، ٦٩ ، ٩)
ـ إنّ النظر يولّد
العلم ، يدلّ على ذلك أنّ عند النظر في الدليل يحصل اعتقاد المدلول على طريقة واحدة
، إذا لم يكن هناك منع ، ويحصل هذا الاعتقاد عنده بحسبه ، لأنّه لا يحصل عنده
اعتقاد غير المدلول. لأنّه إذا نظر في دليل حدوث الأجسام ، لم يحصل عنده اعتقاد
النبوّات ؛ وإذا نظر في دليل إثبات الأعراض ، لم يحصل عنده العلم بإثبات المحدث.
فإذا وجب وجوده عنده على طريقة واحدة ، فبحسبه من الوجه الذي بيّناه. ويجب أن يكون
حاله في أنّه متولّد عنه ، كحال سائر المتولّدات. فلو لم تدلّ هذه الطريقة على ما
ذكرناه ، لم تدلّ سائر الأدلّة على إثبات التوليد ، ولما دلّ وجوب وقوع التصرّف
بحسب قصده ودواعيه على طريقة واحدة على أنّه فعله. وقد بيّنا صحّة ذلك في باب
التوليد من هذا الكتاب (ق ، غ ١٢ ، ٧٧ ، ٢)
ـ إنّ النظر لا
يقع من الطفل على الوجه الذي يولّد ، لأنّ من حقّه أن لا يولّد ، إلّا إذا كان
الناظر عالما بالدلالة على الوجه الذي يدلّ. وذلك لا يتأتّى في الطفل ، فلذلك لم
يولّد العلم (ق ، غ ١٢ ، ٧٨ ، ١٢)
ـ إنّ شيخنا أبا
عبد الله قد ذكر أنّ النظر الذي يولّد العلم من حقّه أن لا يوجد إلّا ويولّد ،
ومنع من وجوده بعينه إذا كان الناظر معتقدا للدلالة ؛ وحكم بأن ما يوجد منه مع
الاعتقاد ، غير الذي يوجد منه مع العلم. فإذا كان كذلك ، لم يقدح في قولنا : إنّ
النظر يولّد العلم. ولم يحتج على هذا الوجه أن يقال : إنّ من شرط توليده ، كون
الناظر عالما بالدلالة ؛ بل يجب متى وجد هذا النظر أن يولّد العلم لا محالة. وهذا
يبعد ، لأنّ ما يقدر عليه من النظر في الدلالة ، يجب أن يصحّ أن يفعله ، كان عالما
بالدلالة أو معتقدا لها ، من حيث لا يصير للنظر بمفارقته للعلم أو للاعتقاد حالة
مخصوصة ، فيحكم لأجله بتغاير ما يوجد عندهما ، ولا القدرة أو المحل أو الفاعل
متغايرا ، فيتغاير النظر لأجله. فإذا صحّ كون النظر واحدا ، فلا بدّ من أن يرجع
إلى ما قدّمناه (ق ، غ ١٢ ، ٨١ ، ٥)
ـ إذا حصل ، في
النظر ، ما يمنع من كونه مولّدا ، لم يمتنع أن يقال : إنّ العلم يولّد ، وإن كان
باقيا ؛ كما نقول في الحجر المعلّق بالسلسلة : إنّ عند قطعه يتولّد فيه الانحدار
عند الاعتماد
الباقي ، لا عن
الحركة الحادثة ، لما حصل فيها ما يمنع من كونها مولّدة ويقال لكم : إذا كان
المختار عندكم أن العلم لا يبقى ، فكيف يصحّ أن تدفعوا هذا الكلام به؟ (ق ، غ ١٢ ،
٨٢ ، ٧)
ـ إنّ المولّد قد
يولّد الشيء في حالة وقد يولّده في ثانية ؛ لأنّ الاعتماد يولّد الأكوان في ثاني
حالة. وقد بيّنا ذلك في كتاب الاعتماد. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع ، في النظر ، أن
يكون مولّدا للعلم ، وإن ولّده في ثانية. ولا يجب ، إذا لم يناف العلم النظر أن
يولّده في الحال (ق ، غ ١٢ ، ٨٧ ، ١٠)
ـ مما يدلّ على
أنّ النظر يولّد العلم ، أنّ العلم بالمدلول عنده يقع على طريقة واحدة ، على ما
قدّمناه. فلا يخلو من أن يكون وقوع ذلك عنده ، إنّما يجب لأنّه طريق للعلم ، أو
لأنّه يحتاج إليه ، أو لأنّه مولّد له. لأنّا قد علمنا أنّه لا يجوز أن يكون وقوعه
عنده على جهة العادة ، لأنّ ذلك يطرق القول بمثل ذلك في سائر المتولّدات ، بل في
تعلّق الأفعال بالفاعلين. وقد بيّنا أن ما طريقه العادة ، لا بدّ من أن ينفصل حاله
من حال الموجب ، على بعض الوجوه. وقد علمنا أنّ النظر ليس بطريق للعلم ، لأنّ من
حق طريق العلم أن يتعلّق بالشيء على الحدّ الذي يعلم عليه ؛ كالإدراك الذي يتناول
المدرك على الحدّ الذي يعلم عليه وعلى ما يتّصل به. وذلك يستحيل في النظر ، لأنّه
لا يتعلّق بالمدلول أصلا ؛ ولو تعلّق به ، كان لا يتعلّق به على وجه دون وجه. فإذا
بطل ذلك ، وبطل حاجته إلى العلم ، لأنّ من حقّه أن لا يوجد معه ، بل يتقدّمه ؛ فما
هذا حاله لا يصحّ كونه محتاجا إلى غيره ولا مضمنا به ، فلم يبق إلّا أنّه يولّد
العلم. ولذلك قال شيخنا أبو علي ، رحمهالله : كان يجب ، لو لم يولّد العلم ، أن لا يكون ما يوجد عنده
بأن يكون علما أولى من أن يكون جهلا ؛ بل كان لا يمتنع أن يبقى ناظرا مدّة طويلة
ينظر في الأدلّة ولا يعتقد المدلول على وجه كما قد يتذكّر ، إلّا محال ؛ ويتكرّر
ذلك منه ، ولا يذكره في الأغلب. وفساد ذلك ، يبطل هذا القول (ق ، غ ١٢ ، ٩٢ ، ٤)
ـ إنّا قد عرفنا
أنّ العلوم تكثر بكثرة النظر في الأدلّة وتقلّ بقلّته ، ولا تكثر بكثرة العلم
بالأدلّة. فلو لا أنّه يولّد للعلم ، لم يجب ذلك فيه ، كما لا يجب فيما لا يكون
مولّدا مثله ؛ ويجب في الاعتماد إذا ولّد الحركات أن تكثر بكثرته وتقلّ بقلّته.
والنظر في الدليل الواحد ، لا يتبيّن الناظر من نفسه كثرته ، وإنّما الذي يتبيّن
في ذلك النظر الأدلّة المتغايرة. فيجب أن يعتمد على ذلك ، وأن لا يقدح في ذلك ما
لا نتبيّنه من أنفسنا. وإن كنّا ، لو عرفنا وعلمنا أنّ العلم يقع بحسبه في القلّة
والكثرة ، لصحّ أن يستدلّ به (ق ، غ ١٢ ، ٩٣ ، ١٥)
ـ إن قيل : فيجب
أن يكون العلم بتولّده عن النظر ، أن يقدر هذا الناظر عليه ، وأن يقدر على تركه.
لأنّ من حق القادر على الشيء أن يقدر على تركه. قيل له : إنّ المتولّدات لا تروك لها
، فلا يجب ما سألت عنه ؛ ولأنّه إذا لم يكن له ترك ، فمحال أن يقال : إنّ القادر
عليه يجب أن يقدر على تركه. ولا يجب أن يكون محمولا عليه ، إذا لم يصحّ أن ينصرف
إلى تركه. لأنّه يمكنه أن لا يفعل العلم بأن لا يفعل النظر ، وليس ذلك حكم الملجأ.
ويجب ، متى وقع النظر ، أن لا يصحّ أن يمتنع من العلم ؛ لأنّه قد خرج من كونه
مقدورا له بوجود سببه ؛ فلا بدّ
إذن من وقوعه (ق ،
غ ١٢ ، ٩٨ ، ١٤)
ـ يختصّ النظر بأن
يولّد ما لا يصحّ وجوده معه البتّة ، ويخالف بذلك سائر الأسباب التي لا تولّد إلّا
ما يوجد معها. وقد بيّنا العلّة التي لها وجب ذلك في النظر ؛ وإن كان شيخنا أبو
عبد الله ، رحمهالله ، قد قال : إنّ العلّة التي لها لا يجتمع النظر في الدليل
، والعلم بالمدلول ، مما لا يعلم ولا يوقف عليه ؛ وإن علمنا في الجملة ، أنّه لا
يضادّه ، كما لا نعلم العلّة التي لها احتاج النظر والإرادة بنية القلب. وقد بيّنا
ما عندنا في ذلك ، وذكرنا أن كونه ناظرا يتعلّق بحال له تقتضي أن لا يكون عالما
بالمدلول عليه (ق ، غ ١٢ ، ١٠٢ ، ٥)
ـ إنّ النظر لا
يوجب الجهل ولا يولّده. يدلّ على ذلك ما ذكره شيخنا أبو هاشم ، رحمهالله ، من أنّ النظر من جميع الناظرين في دليل الشيء الواحد يقع
على وجه واحد ، فيجب أن لا يختلف ما يتولّد عنه. فإذا صحّ أن يولّد لبعضهم العلم ،
فيجب أن يولّد مثله لسائرهم. فلو كان يولّد لبعضهم الجهل ، لوجب أن يولّد لسائرهم
مثله. يبيّن ذلك أنّ الرمي من جميع الرماة ، إذا وقع على سمت واحد ، لم يختلف ما
يتولّد عنه من الإصابة (ق ، غ ١٢ ، ١٠٥ ، ٢)
ـ إنّا قد بيّنا
أنّ الذي له لم يولد النظر في الدليل للاعتقاد ، هو كونه غير عالم بتعلّق الدلالة
بالمدلول. وإنّ هذه العلّة موجودة في النظر في الشبه ، فيجب تساويهما في ارتفاع
التوليد. وليست العلّة في استحالة وجود الإرادة في محلّ مفرد ، هو انتقاء البنية
والحياة فقط ؛ بل العلّة فيه أنّ المحلّ غير مهيّأ لوجوده فيه. وإذا كان لا في محل
، استحال هذه الطريقة فيه ، وغير ذلك من العلل (ق ، غ ١٢ ، ١١٣ ، ١٠)
ـ لو كان النظر
يولّد الجهل ، لم يكن بين العلم والجهل فصل فيما يقتضي صحّتهما ، لأنّهما قد وقعا
عن النظر والاستدلال ، وهذا بعيد. لأنّ الفصل بين العلم والجهل فصل فيما يقتضي
صحّتهما. والحق والباطل يصحّ بسكون النفس إلى الحق والعلم ، وانتفاء ذلك في الجهل
والباطل. وإذا صحّ أن يفصل بين العلم الضروريّ ، والاعتقاد المبتدأ لمثله ؛ وبين
العلم بالمدرك ولا لبس ، وبين العلم بالمدرك إذا دخله اللبس ؛ فهلا جاز بمثله
التفرقة بين العلم والجهل (ق ، غ ١٢ ، ١١٤ ، ١٣)
ـ إنّ النظر لا
يولّد النظر ولا الشكّ ولا الظنّ (ق ، غ ١٢ ، ١١٦ ، ٢)
ـ قد بيّنا أنّ
العلم ، بأنّ النظر يولّد ويؤدّي إلى العلم ، مكتسب ؛ فقد يجوز أن يذهب عنه البعض
، فلا يكتسبه ؛ ولا يؤثّر ذلك في كونه مولّدا للعلم (ق ، غ ١٢ ، ١٤٠ ، ١٤)
ـ إنّ النظر إذا
كثر كثر العلم ، ومن أكثر من النظر في الأدلّة يكون أعلم ممن قلّ منه. وقد بيّنا
ذلك من قبل ، واعتمدنا عليه في أنّ النظر يولّد العلم ، كما يعتمد على مثله في أنّ
الرامي يولّد الإصابة (ق ، غ ١٢ ، ١٥٢ ، ١٧)
ـ أمّا شيخنا أبو
هاشم رحمهالله ، فإنّه يقول في المسبّب : إنّه يجب أن يتبع السبب ، لكنّه
لا يجوز في السبب في أن يكون حسنا والمسبّب قبيحا ، وإنّما يجوز فيه أن يكون السبب
حسنا والمسبّب لا حسنا ولا قبيحا ، بأن يقع على جهة السهو. فلهذا قال في النظر :
إنّه لو ولّد الجهل أو كان فيه ما يولّده ، لم يصحّ أن يعلم العاقل حسنه. فعلى
طريقته ، إذا ثبت حسن النظر ، علم أنّه لا يجوز أن يتولّد عنه الجهل وإنّما يتولّد
عنه ما يكون معتقده على ما هو على
وجه لا يكون قبيحا
(ق ، غ ١٢ ، ١٨٧ ، ١٤)
ـ الذي يدلّ على
ذلك أنّه يقع بحسب دواعي العبد وبحسب قصده وإرادته ، على حدّ ما يقع عليه قيامه
وقعوده وسائر أفعاله التي يبتدئها. فكما يجب بمثل هذه الدلالة كون تصرّفه فعلا له
، فكذلك القول في النظر. وقد دللنا ، من قبل ، على أنّ العبد قادر عليه في الحقيقة
، في باب المخلوق (ق ، غ ١٢ ، ٢٠٩ ، ٨)
ـ يجوز أن يختلف
جنس النظر إذا تعلّق بالدليل على وجهين ؛ فأما إذا نظر الناظر فيه على وجه واحد ،
فهو متّفق في الجنس ، ويقوم بعضه مقام بعض فيما يوجبه ويولّده (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٦ ،
٢٠)
ـ إذا صحّ أنّ
النظر حسن ، فيجب أن لا يجوز أن يتولّد عنه الجهل القبيح وإنّما يجوز أن يحسن
السبب ، ولا يكون المسبّب حسنا ولا قبيحا من حيث يجري مجرى أفعال الساهي النائم
التي لا يعتدّ بها في باب القبح والحسن ؛ وقد كشفنا من قبل القول في ذلك. وإذن قد
ثبت بطلان ما سأل عنه ، لأنّه ظنّ أنّ السبب يجوز أن يحسن ، والمسبّب قبيح عنده ،
وقد بيّنا أن الأمر بخلاف ذلك. واعلم ، أنّه لا يجوز من الحكيم أن يحسّن في عقل
المرء السبب ، إلّا وقد جوّز له الإقدام عليه ؛ لأنّ من حق الحسن ، جواز ذلك فيه.
ولا يجوز أن يحسن منه أن يقدم على فعل ويلحقه فيه مشقّة من يرمي أو ما يجري مجراه
، إلّا ويحسن منه ما يولّده ويوجبه (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٥ ، ١٣)
ـ لم يحسن النظر
على وجه إلّا والواجب القطع على أنّ المطلوب به لا يكون إلّا حسنا ، إذا كان
متولّدا عنه. فإذا ثبت ذلك ، لم يمتنع أيضا في الداعي ، الذي إذا قوي ووجب وجود
الفعل عنده ، أن يقتضي في ذلك الفعل مثل ما يقتضيه السبب من حيث شاركه في وجوب
وجود الفعل عنده. فلهذا قلنا : إنّ تذكّر الدلالة بمنزلة النظر في أنّ ما يقع عنده
من الاعتقاد يجب أن يكون علما ، وأن يحسن منه الإقدام عليه ؛ وإن قارنه في أنّ
الأوّل موجب ، والثاني داع يبعث على الاختيار ، لا أنّه يوجب ذلك إيجاب الأسباب
للمسبّبات (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٦ ، ١٠)
ـ يقول (الجاحظ)
في النظر : إنّه ربما وقع طبعا واضطرارا ، وربما وقع اختيارا. فمتى قويت الدواعي
في النظر ، وقع اضطرارا بالطبع ؛ وإذا تساوت ، وقع اختيارا. فأمّا إرادة النظر ،
فإنّه مما يقع باختيار ، كإرادة سائر الأفعال. وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين
النظر والمعرفة ، وبين إدراك المدركات ، في أنّ جميع ذلك يقع بالطبع. وكذلك يقول
في التحريكة بعد الاعتماد. لأنّه يذهب في التولّد ، مذهب أصحاب الطبائع. لكنّه ،
فيما يقع من القادر ، يخالف طريقتهم ، لأنّه يقول : إنّما يقع بالطبع عند الحوادث
والدواعي ، فيرجع في ذلك إلى حال للجملة نعتبرها. وليس كذلك طريقة أصحاب الطبائع (ق
، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ٤)
ـ قال (الجاحظ) :
فكذلك النظر ، إذا لم يعرف فاعله من قبل ، أنّه يؤدّي إلى معرفة مخصوصة ، لم يجز
أن يدخل تحت التكليف ، ولا أن يتعلّق به ذمّ ولا مدح. ولهذا قال : لا يستحقّ الذمّ
على المعصية إلّا بعد أن يعلم أنّها موافقة لسخط الله ، تعالى ؛ والطاعة ، لا
يستحقّ بها الثواب ، إلّا مع العلم بأنّها توافق رضاه. وسلك هذه الطريقة في كلامه
كثيرا ، وتنوّع فيما يضرب فيه من الأمثال بحسب اقتداره على الكلام (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٤
، ١٢)
ـ اعلم ، أنّ
الشيخ أبا علي ، رحمهالله ، ... قال : إنّ النظر طريق معلوم للناظر يميّزه من غيره ،
وللناظر طريق يعلم به وجوب هذا النظر في طريقه. فإذا كان كذلك ، خرج بهذه الصفة
عمّا يقع باتفاق وحدس ، ولحق بالأفعال الواجبة التي تتميّز عند من وجبت عليه عن
غيرها (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٤ ، ١٩)
ـ بيّن (أبو علي)
أنّ المعرفة ، وإن لم يعلم الناظر أنّها تصاب بعينها بالنظر ، فمتى علم من حال
سببها ، وهو النظر ، ما ذكرناه ، فواجب عليه المعرفة بوجوب سببها ، من حيث يجب
وجودها بوجوده وإن لم يكن من قبل عالما بها. وبيّن أنّ ما علم وجوبه من السمعيّات
، أو بعد ورود السمع من العقليّات ، إنّما يجب على المكلّف لعلمه بقبح تركه. وأنّ
هذه الطريقة قائمة في النظر والمعرفة ، فيجب القضاء بوجوبهما ، وإن لم يرد السمع (ق
، غ ١٢ ، ٣٢٥ ، ١١)
ـ اعلم أنّ طريقة
شيوخنا ، رحمهمالله ، في باب النظر تختلف فربما قال أبو علي ، رحمهالله : إنّ النظر في باب الدين يعلم وجوبه ضرورة كالنظر في باب
الدنيا. حتى يقول في بعض كلامه : إن ذلك نقض عقله من حيث لا بدّ من ثبوت هذا العلم
في عقل العقلاء. وربما مرّ في كلامه وفي كلام شيخنا أبي هاشم ، رحمهماالله ، أنّ العلم بوجوب ذلك يقع من جهة حمله وقياسه على النظر
في باب الدنيا ، لكن طريقته في القياس تتّضح بحيث لا تخفى على العقلاء (ق ، غ ١٢ ،
٣٥٥ ، ١٦)
ـ قال شيخنا أبو
علي ، رحمهالله في نقض كلامه : إنّه لا بدّ من أن يعلم في النظر أنّه
يؤدّي إلى الكشف ، وأنّه عند فعله أقرب إلى المعرفة منه إذا لم يفعله. وذكر أنّه
متى اعتقد فيه خلاف ذلك ، لم يحصل له العلم الضروريّ لوجوبه ، لأنّ الغرض بالنظر
هو التبيّن ، وإنّما يلتمس به زوال ما يخافه من هذا الطريق. لأنّه إذا علم وتبيّن
طريقة الخوف ، أخذ في التحرّز. فإذا صحّ ذلك لم يجب فيما هذا حاله أن لا يصحّ من
الجمع الكبير إنكار وجوبه من حيث اختلفت أحوالهم وأوقاتهم في حصول هذا العلم فيهم.
وليس كذلك ما يدّعيه على أصحاب الضرورة ، وذلك أنّهم يدّعون على جميع العقلاء ممن
خالفهم أنّهم قد علموا الحق في حالة واحدة ، وأنّ هذا العلم مبتدأ في عقولهم من
قبل الله تعالى ، كالعلوم التي هي عنده من بداية العقول. فكان يجب ، لو كان ذلك
حقّا ، أن لا يصحّ منهم مع كثرتهم جحد ما يعلمون ، وكان لا يصحّ فيهم التنازع
الشديد ولا النظر فيما العلم به قد حصل. فإذا ثبت أن هذا حالهم علم بذلك بطلان
القول بالاضطرار والإلهام (ق ، غ ١٢ ، ٣٨١ ، ٤)
ـ وبعد ، فإنّ من
حقّ النظر أن يسقط وجوبه ، متى فعل المكلّف ما يجب من المعرفة. ومن لا يقوم
بالواجب من ذلك يختلف حاله ، ففيهم من يعتقد الباطل لشبهة فيظنّه حقّا ويخرج بذلك
من أن يعلم وجوب النظر على كل حال ، وإن كانت الخواطر ترد عليه في بعض الأحوال على
وجه لا يخرج من أن يكون خائفا (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٤ ، ٥)
ـ إنّ جميع ما
يلزمه من النظر حالا بعد حال كالنظر الأول فيما يستحقّ به من ثواب وبتركه من عقاب.
اعلم ، أنّ الذي اقتضى ما ذكرناه في النظر الأول ، يقتضيه في النظر الثاني والثالث
وما أولاهما إلى آخر ما يلزمه من
النظر. لأنّ جميع
ذلك ، كالنظر الأول في وجوبه ولزومه ؛ فيجب أن يكون كالنظر الأول فيما يستحقّ به
من ثواب وبتركه من عقاب (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٠ ، ٢)
ـ إنّ كلّ جزء من
النظر قائم بنفسه في أنّه مما يبتدئه المكلّف فعلا ، ولا يتعلّق وجوده بوجود ما
يقدّم إلّا من حيث كان فرعا عليه. لأنّه قد يصحّ أن يطيع في النظر في العدل أو في
النظر في النبوّات. فصار النظر في النبوات لا تعلّق له بالنظر في التوحيد والعدل ،
ولا يتعلّق وجوده بوجود ما لا يبتدئ فعلا ، ويقع بالدواعي والاختيار ، فهو منفصل
عنه على كل وجه. فإذا صحّ ذلك وجب ، كما اعتبر ما يستحقّ به من الثواب في حال
إيجاده له لا في حال النظر الأوّل ، أن يعتبر عقابه في تلك الحال ، فيستحقّه إذا
لم يفعله في ذلك الوقت ، ولا يستحقّه في حال النظر الأوّل (ق ، غ ١٢ ، ٤٨٤ ، ٥)
ـ إنّ النظر لا
يجب لنفسه ، وإنّما يجب وصلة إلى المعرفة ، وصحّ أنّ المعرفة لا بدّ من أن يعتبر
فيها ما يعلم بها متى لم يعلم بهذا النظر ما له من مصلحة لم يلزمه ذلك ؛ لأنّه لو
صحّ أن يلزمه العلم بما لا يتعلّق بمصالحه لم يكن بعض ذلك بأن يلزمه أولى من بعض (ق
، غ ١٥ ، ٧٨ ، ١٣)
ـ إنّ النظر إنّما
يجب للخوف من الضرر ، وإنّ هذا طريق وجوبه لا غير. وإذا صحّ ذلك فتقرّر في العقل
أنّ المكلّف ، إذا تمكّن من دفع ضرر معيّن بيسير من الفعل ، لم يحسن ، في عقله ،
أن يدفعه بما هو أكثر منه. ولهذه الجملة قلنا : إنّ الفاسق لا يجوز أن تلزمه النوافل
بدلا من التوبة ، وإن نقصت من عقابه ؛ لأنّها لا تنقص ولا تزيل إلّا إذا كثرت ،
والتوبة تزيل الكل. فقلنا إنّ التوبة بالوجوب أولى (ق ، غ ١٥ ، ٨٩ ، ١٣)
ـ إنّ النظر لا
يجوز أن يكون مولّدا للعلم بالمشاهدات. ولا يجوز أن يكون فتح الجفن مولّدا له كما
قدّره لوجوه : أحدها : أنّه ليس بأن يكون متولّدا عن فتح الجفن ، أولى من أن يكون
متولّدا عن صحّة الحاسّة ، وأولى من أن يكون متولّدا عن وجود المدرك. فكان يجب أن
يكون مسبب واحد متولّدا عن أسباب ، ويجب على هذا أن يكون فعل واحد بين فاعلين ،
لأنّه لا يمتنع في هذه الأسباب ما يوجد من فعل الله تعالى ، كصحّة الحاسّة وكوجود
المرئي ، ومنها ما يكون من فعل العباد (ن ، م ، ٣٠٦ ، ٢٠)
ـ كان أبو هاشم
يذهب إلى أنّ النظر كلّه حسن. وأنّه لا يقبح منه شيء. وكان يقول في العلم مثل ذلك (ن
، م ، ٣١٦ ، ١٤)
ـ أمّا حسن النظر
، فإنّما يعلم من حيث يعلم أنّه يوصل به إلى منفعة ، وأنّه متعرّ عن سائر وجوه
القبح. ويعلم أيضا حسنه بأن يعلم أنّه يتحرّز به عن الضّرر ، لأنّ ما يتحرّز به عن
النظر لا يكون إلّا واجبا ، والوجوب متضمّن الحسن. فإذا علم ذلك ، فقد علم حسنه
على طريق الجملة باضطرار (ن ، م ، ٣٤٦ ، ٦)
ـ النظر في اصطلاح
الموحّدين ، هو الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ. ثم ينقسم النظر
قسمين : إلى الصحيح ، وإلى الفاسد ؛ والصحيح منه كان ما يؤدّي إلى العثور على
الوجه الذي منه يدلّ الدليل ؛ والفاسد ما عداه. ثم قد يفسد النظر بحيده عن سنن
الدليل أصلا ، وقد يفسد مع استناده للسداد أو لا لطروء قاطع (ج ، ش ، ٢٥ ، ٤)
ـ النظر يضادّ
العلم بالمنظور فيه ، ويضادّ الجهل به ، والشكّ فيه. فوجه مضادته للعلم أنّه بحث
عنه وابتغاء توصّل إليه ، وذلك يناقض تحقّق العلم ، إذ الحاصل لا يبتغى (ج ، ش ،
٢٧ ، ٥)
ـ النظر ينقسم معناه
في اللغة ، وتعتوره وصائل مختلفة على حسب اختلاف معانيه. فإن أريد به التقرّب
والانتظار ، استعمل من غير صلة ؛ قال الله تعالى في الأنباء عن أحوال المنافقين
ومخاطبتهم المؤمنين ، وقد حيل بينهم وبينهم : (انْظُرُونا
نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) (الحديد : ١٣) ، معناه
: انتظرونا وإن أريد بالنظر الفكر ، وصل بفي ، فتقول : نظرت في الأمر ، إذا
تدبّرته. وإذا أريد به الترحّم ، وصل باللام ، فتقول : نظرت لفلان. وإذا أريد به
الإبصار ، أي الرؤية وصل بإلى. والنظر في الآية التي احتججنا بها موصول بإلى خبر
عن الوجوه الناظرة المستبشرة ، فاقتضاء النظر إثبات الرؤية (ج ، ش ، ١٦٨ ، ٧)
ـ العلم الحاصل
المطلوب هو المدلول ، وازدواج الأصلين الملزمين لهذا العلم هو الدليل ، والعلم
بوجه لزوم هذا المطلوب من ازدواج الأصلين علم بوجه دلالة الدليل ؛ وفكرك الذي هو
عبارة عن إحضارك الأصلين في الذهن ، وطلبك التفطّن لوجه لزوم العلم الثالث من
العلمين الأصلين ، هو النظر (غ ، ق ، ١٨ ، ٢)
ـ النظر الذي هو
التأمّل والتصفّح (ز ، ك ٣ ، ١٤٥ ، ٢٤)
ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) (الغاشية : ١٧)
نظر اعتبار (كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧)
خلقا عجيبا دالّا على تقدير مقدّر شاهدا بتدبير مدبّر حيث خلقها للنهوض بالأثقال
وجرّها إلى البلاد الشاحطة ، فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ثم تنهض بما حملت ،
وسخّرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغيرا ، وبرّأها
طوال الأعناق لتنوأ بالأوقار (ز ، ك ٤ ، ٢٤٧ ، ١٦)
ـ النظر ترتيب
تصديقات ليتوصّل بها لى تصديقات أخر (ف ، م ، ٣٨ ، ٣)
ـ النظر المفيد
للعلم موجود (ف ، م ، ٣٨ ، ١٧)
ـ إنّ النظر مناف
للعلم بالمدلول ومشروط بالعلم بالدليل (ف ، م ، ٨٠ ، ٨)
ـ النظر والفكر
عبارة عن ترتيب مقدّمات علميّة أو ظنّية ليتوصل بها إلى تحصيل علم أو ظنّ. مثاله
إذا حضر في عقلنا أنّ هذه الخشبة قد مسّتها النار ، وحضر أيضا أنّ كل خشبة مسّتها
النار فهي محترقة ، حصل من مجموع العلمين الأولين علم ثالث بكون هذه الخشبة
محترقة. فاستحضار العلمين الأوّلين لأجل أن يتوصّل بها إلى تحصيل هذا العلم الثالث
هو النظر (ف ، أ ، ٢٠ ، ١١)
ـ النظر قد يفيد
العلم ، لأنّ من حضر في عقله أنّ هذا العالم متغيّر ، وحضر أيضا أنّ كل متغيّر
ممكن ، فمجموع هذين العلمين يفيد العلم بأنّ العالم ممكن ، ولا معنى لقولنا النظر
يفيد العلم إلّا هذا (ف ، أ ، ٢٠ ، ١٧)
ـ النظر في الشيء
ينافي العلم به ، لأنّ النظر طلب ، والطلب حال حصول المطلوب محال ، وينافي الجهل
به لأنّ الجاهل يعتقد كونه عالما به ، وذلك الاعتقاد يصرفه عن الطلب (ف ، أ ، ٢١ ،
١٨)
ـ إنّ النظر في
لغة العرب قد يطلق بمعنى الانتظار ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (انْظُرُونا) (الحديد : ١٣) أن
انتظرونا وقوله : (ما يَنْظُرُونَ
إِلَّا
صَيْحَةً واحِدَةً) (يس : ٤٩) أي
ينتظرون ، ومنه قول الشاعر : فإن يك صدر هذا اليوم ولى ، فإن غدا لناظره قريب ، أي
لمنتظره ، وهو إذا استعمل بهذا المعنى جاء من غير صلة. وقد يطلق ويراد به التفكّر
والاعتبار ، وإذا استعمل بإزائه وصل بفي ومنه يقال : " نظرت في المعنى
الفلانيّ أو في الكتاب". وقد يطلق ويراد به العطف والرحمة ، وإذا استعمل
بإزائه وصل باللام ، ومنه تقول العرب : نظر فلان لفلان. وقد يطلق بمعنى الإبصار
بالبصر ، وإذا استعمل بإزائه وصل بإلى ، ومنه قول الشاعر : إنّي إليك لما وعدت
لناظر نظر الذليل إلى العزيز القاهر ، ومقال العرب : نظرت إلى فلان ، أي أبصرته
ببصري. والنظر المذكور في الآية موصول بإلى فوجب حمله لغة على النظر بالعين ، فإن
قيل قد يوصل النظر بإلى ولا يراد به الإبصار بالعين ، ومنه قول الشاعر : ويوم بذي
قار رأيت وجوههم إلى الموت ، من وقع السيوف نواظرا ، والموت لا يتصوّر أن يكون
مرئيّا بالعين ، ثم إنّه يحتمل أن يكون المراد بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى
رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣)
أي إلى ثواب ربها ناظرة ، ويكون ذلك تجوّزا بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
كيف وهي معارضة بقوله ـ تعالى ـ : (لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) (الأنعام : ١٠٣) ،
وقوله لموسى : (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣)
وهي للتأبيد ، وليس العمل بأحد الظاهرين بأولى من الآخر ، بل الترجيح لنا ، فإنّه
أورد ذلك في معرض التمدّح والاستعلاء ، فلو جاز أن يكون مدركا لزال عنه التمدّح ،
وهو محال (م ، غ ، ١٧٤ ، ١٢)
ـ النّظر والبحث
لا يمكن تمهيدهما إلّا بعد حصول العلم أو الاتّفاق على مقدّمات هي المبادئ ، أو
حصول اعتراف بوضع مقدّمات هي كالمبادئ. ولو لم تكن المبادئ الأول معلومة أو موضوعة
لم يكن نظر في شيء ولا بحث عن شيء ، فإنّ النّظر والبحث يقتضيان التأدّي من أصل
حاصل إلى فرع مستحصل. وإذا لم يكن الأصل حاصلا ، امتنع التأدّي من لا شيء إلى شيء
، ولهذا لم يمكن البحث مع منكري المحسوسات والأوليّات (ط ، م ، ١٤ ، ٢)
ـ النّظر هو
الانتقال من أمور حاصلة في الذّهن إلى أمور مستحصلة هي المقاصد ، والفكر بحسب
الاصطلاح كالمرادف للنّظر (ط ، م ، ٤٩ ، ٦)
ـ النظر ترتيب
تصديقات يتوصّل بها إلى تصديقات أخر. وقيل : تجريد النفس عن الغفلات ؛ وقيل تحديق
العقل نحو المعقول ثمّ المقدّمتان إن كانتا معا يقينيّتين فكذا النتيجة وإلّا فلا (خ
، ل ، ٤١ ، ١٣)
ـ النظر مشترك.
والمراد به هنا إجالة الخاطر في شيء لتحصيل اعتقاد. ويرادفه التفكّر المطلوب به
ذلك. وهو صحيح وفاسد. والأوّل : ما يتبع به أثر ، نحو التفكّر في المصنوع ليعرف
الصانع. والثاني : ما كان راجحا بغيب ، نحو التفكّر في ماهيّة الروح ، وذات الباري
تعالى (ق ، س ، ٥٤ ، ١٤)
ـ قلنا : جهل
المنعم مستلزم للإخلال بشكره على النعم ، لأنّ توجيه الشكر إلى المنعم مترتّب على
معرفته ضرورة ، والعقل يقضي ضرورة بشكر المنعم ، ويقبح الإخلال به ، فوجبت معرفته
سبحانه لذلك. ومعرفته لا تكون إلّا بالنظر لامتناع مشاهدته تعالى ، كما يأتي بيانه
إن شاء الله
تعالى. وما لا يتمّ الواجب إلّا به يجب كوجوبه ، وإلّا وقع الخلل في الواجب. وقد
قضى العقل بقبحه ، فتأمّله (ق ، س ، ٥٥ ، ٧)
نظر أول الواجبات
ـ الغرض بقولنا
إنّ النظر أوّل الواجبات أنّه أوّل واجب لا ينفكّ أحد من المكلّفين عنه. ومتى قيّد
بذلك سقطت مئونة كثير (ة) من الأسولة ، فإنّ ما عداه من الواجبات قد ينفكّ عنه
المكلّفون في الغالب (ق ، ت ١ ، ١٩ ، ٢١)
نظر بالعين
ـ إنّ النظر
بالعين هو حركات تقع على وجه ، فلو ولّدت العلم لولّدته في محلّها ؛ لأنّ لا
اختصاص لها ببعض المحال دون بعض. والإدراك ، فليس بمعنى ، فيجب أن لا يصحّ القول :
بأنّه يتولّد عن النظر. وقد نقضنا ذلك ، من قبل. وليس كذلك حال الفكر ، لأنّه لا
وجه يمنع من كونه مولّدا للعلم (ق ، غ ١٢ ، ٩١ ، ١٥)
نظر الرؤية
ـ مما يبطل قول
المعتزلة : أنّ الله عزوجل أراد بقوله : (إِلى رَبِّها
ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
نظر الانتظار ، أنّه قال : (إِلى رَبِّها
ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
ونظر الانتظار لا يكون مقرونا بقوله" إلى" لأنّه لا يجوز عند العرب أن
يقولوا في نظر الانتظار إلى ، ألا ترى أن الله عزوجل لمّا قال : (ما يَنْظُرُونَ
إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) (يس : ٤٩) لم يقل
إلى ، إذ كان معناه الانتظار. وقال عن بلقيس : (فَناظِرَةٌ بِمَ
يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل : ٣٥)
فلمّا أرادت الانتظار لم تقل إلى ، وقال امرؤ القيس : فإنّكما إن تنظراني ساعة من
الدهر تنفعني لدى أم جندب. فلمّا أراد الانتظار لم يقل : " إلى" فلما
قال عزوجل : (إِلى رَبِّها
ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣)
علمنا أنّه لم يرد الانتظار ، وإنما أراد نظر الرؤية (ش ، ب ، ٣٣ ، ١١)
نظر صحيح
ـ النظر الصحيح
إذا تمّ على سداده ، ولم تعقبه آفة تنافي العلم ، حصل العلم بالمنظور فيه على
الاتصال بتصرّم النظر. ولا يتأتى من الناظر جهل بالمدلول عقيب النظر مع ذكره له ،
ولا يولّد النظر العلم ، " ولا يوجبه إيجاب العلّة معلولها". وزعمت
المعتزلة أنّه يولّده (ج ، ش ، ٢٧ ، ١٢)
نظر عالم بالدليل
ـ إذا نظر وهو
عالم بالدليل ، فوروده (الشبهة) لا يمنع من توليد النظر العلم ، وإنّما يمتنع إذا
لم يعرف الأدلّة. لأنّ العلم كالأصل للعلم بالمدلول ، فلا يصحّ أن يولّد العلم.
وليس كذلك الحال فيما بيّناه ، إن كان الذي يولّد المعارف في المنتبه هو تذكّره
للنظر ولما كان عليه من قبل ، فيجب أن يولّد. وذلك لأنّ الشبهة لا تغيّر حاله في
الضروريّات ، وهذا الذكر من العلوم الضروريّة. وإنّما صحّ فيها أن تغيّر حال
الناظر لأنّه إنّما ينظر في الأدلّة وكيفية تعلّقها بالمدلول ، وحاله يختلف في ذلك
عند ورود بعض الشبه عليه. فأمّا حال المنتبه ، فإذا لم يتغيّر في الوجه الذي
ذكرناه ، فكيف يجوز أن تمنع الشبهة من توليده (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٥ ، ١١)
نظر فاسد
ـ النظر الفاسد لا
يتضمّن علما ، وكما لا يتضمّنه فكذلك لا يتضمّن جهلا ولا ضدّا من أضداد العلم سواه
(ج ، ش ، ٢٨ ، ٩)
ـ النظر الفاسد لا
يولّد الجهل ولا يستلزمه عند الجمهور منّا ومن المعتزلة وقيل : إنّه قد يستلزم وهو
الحق عندي لمّا أنّ كل من اعتقد أنّ العالم قديم ، وكل قديم مستغن عن المؤثّر ،
فمع حضور هذين الجهلين استحال أن لا يعتقد أنّ العالم غنيّ عن المؤثّر ، وهو جهل (ف
، م ، ٤٣ ، ١٣)
نظر في أدلة الشيء
الواحد
ـ أمّا النظر في أدلّة
الشيء الواحد ، فلسنا نقول : إنّه لو وجد حالا بعد حال لم يولّد ، لكنّا نقول : إنّ
علمه بالمدلول يمنعه من النظر في أدلّته ، كما أنّ علمه الضروريّ يمنع من طلب مثله
بالنظر. وإنّما ينظر في دليل ثان ، ليعرف كيفية تعلّقه بالمدلول ، وكونه دليلا.
وقد بيّنا ما له يمتنع النظر ، وذكرنا الخلاف فيه. ولا يمتنع في النظر خاصة أن
يمتنع وجوده إذا كان العلم بالمدلول قد تقدّم ، وإن كان تقدّم الإصابة لا يمنع من
وجود سبب مثله ، لأنّ المقايسة فيما هذا حاله ، لا تصحّ (ق ، غ ١٢ ، ١٥٢ ، ٢٠)
نظر في الأمارات
ـ إنّ النظر في
الأمارات لا يحدث عنده الظنّ على حدّ واحد ، بل يختلف. وقد لا يحصل الظنّ عنده
أصلا ، مع السلامة ، لحصول داع يقابل هذا النظر. وقد تتّفق أحوال الناظرين في هذا
الباب ، ويختلف ظنّهم لاجتهادهم (ق ، غ ١٢ ، ٩١ ، ٩)
نظر في أمور
الدنيا
ـ قد ذكر أنّ
شيخنا أبا علي ، رحمهالله ، في مسائل البصريين أجاب بذلك ، وقد أجاب في أكثر المواضع
بأنّ النظر في أمور الدنيا نعلم وجوبه باضطرار ، وفي أمور الدين بأن نحمل على هذا
النظر قياسا وتأمّلا. وسنستقصي القول في ذلك من بعد. فأمّا علم العقلاء بترك النظر
فضروريّ ، لأنّ الإنسان يعلم نفسه ناظرا باضطرار ؛ فإذا علم أنّ الموجب لذلك هو
النظر وعلم أنّه لم يحصل ناظرا ، علم أنّ النظر لم يوجد (ق ، غ ١٢ ، ١٨٥ ، ٢)
نظر في باب الدنيا
ـ اعلم ، أنّ
النظر في باب الدنيا لم يجب لأنّه يؤدّي إلى العلم ، وإنّما وجب لما فيه من
التحرّز من المضرّة ، لأنّ من يجب ذلك عليه ، وإن لم يخطر بباله أنّ النظر كيف
يكون حاله ، فإنّه يعلم وجوب ذلك عليه. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع في باب الدين
بمنزلته في الوجوب إذا حلّ محله في هذا الوجه وإن كان يؤدّي إلى العلم (ق ، غ ١٢ ،
٣٦٤ ، ٢٠)
ـ لا يلزم النظر
في باب الدنيا ، لأجل التمكّن ، وإن وجب عند ورود الخوف على النفس بالوجوه التي
تقدّم ذكرها. والعلّة في ذلك ما قدّمناه ، لأنّه لا بدّ من أن يعرف العاقل الطريقة
التي منها يطلب المعرفة ، ليقوم التمكّن في ذلك مقام العلم. فأمّا إذا لم يحصل ذلك
، فالعلم الحاصل يكون سببا للتكليف دون التمكّن. والعاقل لا يعرف طريقة الخوف من
ترك النظر ، وطريقة النظر وما يؤدّي إليه من المعارف ، إلّا عند ورود الداعي أو ما
يقوم مقامه. فلذلك لم يلزمه التكليف إلّا عند وروده (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٩ ، ٧)
نظر في باب الدين
ـ إنّ النظر في
باب الدين لسنا نقيسه على النظر في باب الدنيا ، حتى يصحّ الطعن فيه بذكر الفصول
بينهما والفروق ، وإنّما يجمع بينهما في أنّهما قد دخلا تحت الجملة المعلومة
باضطرار ؛ كما أنّ الضرر في باب الدين إذا كان بصفة الظلم لا نقيسه في القبح على
الضرر في باب الدنيا ، بل نحكم بقبحهما لدخولهما تحت العلم بأنّ الظلم قبيح. فإذا
صحّ ذلك ، وثبت أنّ الطريق في باب الدين يحصل فيه التحرّز من الخوف الشديد الذي
نخشاه في تركه ونؤمل زوال ذلك بفعله ، فيجب أن تكون حاله في الوجوب كحال النظر في
باب الدنيا إذا اختصّ بهذه الصفة لا على طريقة القياس لما ذكرناه. وإنّما يذكر
النظر في باب الدنيا في كلامه ، لأنّ وجوبه وثبوت وجه الوجوب فيه أظهر ، فتسقط به
الشبه والمطاعن ، لا أنّا نجعله أصلا نقيس عليه النظر في باب الدين (ق ، غ ١٢ ،
٣٦٤ ، ٤)
ـ إنّ النظر في
باب الدين أدخل في الوجوب من حيث يؤدّي إلى غالب الظنّ ، فبأن يؤدّي إلى العلم
أولى. وإذا لزم النظر ، وإن لم يكن في دلالة ، بل كان نظرا في أمارة ، فبأن يجب
النظر إذا كان في دلالة أولى (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٥ ، ٤)
ـ أمّا أنّ النظر
في باب الدين لا يأمن فاعله الهلاك ، كما لا يأمن تاركه ، فليس الأمر كذلك. لأنّه
يعلم أنّه أقرب إلى أن يعرف منافعه ومضارّه ، ويعلم أنّ خالقه إن كان حكيما فهذا
طريق نجاته ، وإن كان سفيها كان وجوده كعدمه. فيعلم أنّ لفعله من الحكم ما ليس
لتركه (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٥ ، ٢٠)
ـ أمّا قولك : إنّ
النظر في باب الدين إذا وجب في طريقه أن يكون دليلا ، فكذلك المنبّه عليه يجب أن
يكون حجّة ، وأن لا يعتبر بقول الدعاة في ذلك ، ويخالف النظر في باب الدنيا ،
فبعيد. وذلك أنّ الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، متى خوّفوا من ترك النظر لم يعلم
من حالهم إلّا مثل ما يعلم من حال الداعي ، لأنّه لا سبيل لمن ينظر في معرفة الله
فيعلمه بعدله وتوحيده وأنّه حكيم ، أن يعلم أنّ الرسول صادق وأنّ المعجز يدلّ على
صدقه في النبوّة. وإذا لم يكن له إلى ذلك سبيل ، حلّ قوله عنده محل قول الداعي في
أنّه يعمل به لما يقارنه من الأمارات ، فلا تكون له مزية. فإن صحّ وجوب النظر إذا
كان المخوّف نبيّا ، فيجب أن يكون واجبا وإن لم يكن نبيّا ، لما بيّناه. إلّا أن يقول
قائل : إنّ عند قول النبيّ يقع العلم بالطبع اضطرارا ، كما قاله الجاحظ ، وعند قول
غيره لا يكون هذا حاله ، فيكون لهذا الفرق إذن تأثير. وقد بيّنا فساد ذلك ، وبيّنا
على قوله لا تصحّ التفرقة بينهما. لأنّ الضرورة لا تفتقر إلى قول لرسول متقدّم ،
لأنّه تعالى قادر على أن يهيّئ المحلّ لذلك الطبع. فيضطرّه ، وإن لم يكن هناك رسول
فلا تصحّ هذه التفرقة أيضا. وإذا لم تصحّ له ، لم تكن لأحد أن يتعلّق بها. لأنّ كل
من خالف في هذا الباب ، لا يقتضي مذهبه التفرقة بين الرسول والداعي ، لأنّه إن كان
من أصحاب الاضطرار فلا وجه لذلك عنده ، وكذلك إن كان من أصحاب الاكتساب (ق ، غ ١٢
، ٣٦٧ ، ٥)
ـ إنّ النظر في
باب الدين وإن كان لا بدّ من أن يكون مرادا لله ، تعالى ، فغير واجب أن يعلم
المكلّف ذلك من حاله. لأنّه في وقت وجوده لا يعرف الله ، تعالى ، فبأن لا يعرف
إرادته
وكراهته أولى.
ولسنا نقول : إنّ المبتغى به موافقة إرادة الحكيم ، بل نقول : المبتغى به القيام
من حيث كان واجبا ، لئلّا يستحقّ الذمّ بتركه ، وليتحرّز به مما يخشاه. فإذا صحّ
ذلك ، كفاه أن يعلم وجه وجوبه ، ولا يجب أن يعلم أنّه موافق للإرادة. وقد بيّنا ،
من قبل ، أنّ إرادة الحكيم للنظر إنّما تعلم بعد أن ينظر العاقل فيعرف الله ،
سبحانه ، بنظره ، ثم يعلم بتوحيده وعدله وأنّه حكيم ، ثم يعلم أنّه لم يكن ليوجب
في عمله المشاق على وجه مخصوص إلّا لغرض هو التكليف ، فيعرف عند ذلك أنّه تعالى
مريد لذلك. وقد علمه بالإرادة في حال فعله للنظر ، إذا لم يخرجه من أن يعلم الوجه
الذي له يجب ، لم يخرجه من أن يعلم وجوبه (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٨ ، ٥)
ـ أمّا قولك : إنّ
وجوب النظر في باب الدين يوجب القول بأنّ الداعي حجّة في وجوبه مع تجويز الكذب
عليه ، فبعيد. وذلك أنّا قد نوجب عند قوله الفعل ، ولا يوجب ذلك أن نجعله حجّة. ألا
ترى أنّ عند خبر المخبر بكون السبع في الطريق ، قد يلزم المرء ما لو لا خبره لم
يكن يلزم ، ولا يوجب ذلك كونه حجّة؟ فلو أنّ سالك الطريق ضلّ عنه ، وورد عليه من
تسكن نفسه إليه فهداه إلى الطريق ، للزمه العدول وإن لم تكن حجّة. ولو أن بعض من
يثق به نبّهه على وديعة عنده للزمه ردّها على بعض الوجوه وإن لم تكن حجّة. وأكثر
أمور الدنيا ، كنحو المعالجات التي نلتجئ فيها إلى الأطباء ، والفلاحات ،
والتجارات ، وسائر ما يعتمد فيه أهل البصر بذلك ، يجري على هذا الحدّ. ولا يوجب
ذلك كونهم حجّة ، بل عندنا أن التواتر الذي يعلم المخبر عنده ضرورة لا يقال فيه
إنّه حجّة ، لأنّه لا واحد منهم إلّا ويجوز أن يكذب. فإذا صحّ ذلك ، لم يمكن الطعن
بهذا الوجه فيما أورده ، وإن كان هذا الوجه من الطعن لو صحّ لوجب أن يبطل به وجوب
النظر في الدين والدنيا جميعا ، على ما في ذلك من ارتكاب الجهالة (ق ، غ ١٢ ، ٣٧١
، ١٥)
نظر في الدلالة
ـ إنّ النظر في
الدلالة يطلب به العلم في المدلول ، فإذا حصل هذا العلم امتنع النظر. وليس كذلك
حال النظر في الشبهة ، لأنّه على هذا القول يطلب به الجهل وهو غير حاصل له ، ولا
هناك مانع سواه يمتنع من وجود هذا النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٠٨ ، ٤)
نظر في الدليل
ـ إنّ من حق النظر
في الدليل أن يولّد اعتقاد المدلول. فإن كان الناظر عالما بالدليل ، على الوجه
الذي يدلّ ، كان الاعتقاد المتولّد عنه علما. وإن كان معتقدا للدلالة أو ظانّا لها
على الوجه الذي يدلّ ، كان الاعتقاد المتولّد عنه غير علم (ق ، غ ١٢ ، ٨٠ ، ٣)
ـ بيّنا في أبواب
النظر ، من قبل ، أنّ الذي يولّد منه المعارف هو النظر في الدليل ، لتعلّقه
بالمدلول. وبيّنا أن المستدل يجب كونه عالما بالدليل ، على الوجه الذي يدلّ ، حتى
يولّده نظره في المعرفة. وبيّنا أنّ ما خرج من النظر عن هذه الصفة ، لا يولّد
البتّة (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٧ ، ١٤)
نظر في معرفة الله
ـ يلزم النظر في
معرفة الله ، لأنّه إنّما يلزم ليكون
عنده أقرب إلى
معرفة الطاعات والمعاصي وإلى معرفة الثواب والعقاب ، فيكون أقرب إلى فعل الطاعات
والتحرّز من المعاصي ، وليس للفروع في هذا الباب مدخل في مبدأ الأمر. فأمّا إذا
نظر فعرف الله ، تعالى ، بعقله وتوحيده ، ونظر في غير ذلك فوصل إلى معرفة هذه
الفروع ، لم يمتنع عند ورود الشبهة عليه أن يلزمه النظر في الجزء والطفرة والكمون
والمداخلة إلى غير ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣٧١ ، ٢)
نظر في النبوات
ـ إذا لم يفعل
النظر في النبوّات ، يستحقّ العقوبة. لأنّه قد كان يمكنه أن يصيّر نفسه بحيث يمكنه
أن يفعله على الوجه الذي وجب عليه. فمن قبل نفسه ، أتى في أن لم يقدّم قبل ما معه
، كان يمكنه ذلك ، فصار بمنزلة البرهميّ الذي لا يفعل الصلاة في وقتها ، ولا يمكنه
بدلا من ذلك في الوقت أن يفعلها ، لكنّه لمّا أتى في ذلك من قبل نفسه بأن لم
يستدلّ على النبوّات ، فتعرّف من بعد لزوم الصلاة ، استحقّ العقوبة. ولسنا نطلق
القول في مثل ذلك ، أنّه لا يمكنه أن يفعل الصلاة ، بل يمكنه ذلك. وقد كان يمكنه
بأن يفعل المقدّمات ، التي تمّ معها منه هذا الفعل. وكذلك نقول في النظر ، فسبيله
، في هذا الباب ، سبيل من وجب عليه الخروج إلى بلد لقضاء دين أو قيام بواجب ،
فبعّد الطريق على نفسه بالخروج إلى ناحية سواها ؛ فذلك لا يخرجه من وجوب ذلك الفعل
، ومن استحقاق العقوبة ، لأنّه متمكّن من فعل ذلك. وإنّما أتى ، من قبل نفسه ،
فيما فعل ، وهو في الحال يمكنه أيضا أن يستأنف الفعل من أوّله فيفعل. وإنّما
الخلاف في هذه المسألة ، من جهة واحدة ، وهي أنّ العقوبة التي يستحقّها على أن لا
يفعل سائر النظر ، هل يستحقّها في أوقاتها ، أو يستحقّ الجميع عند إخلاله بالنظر
الأوّل ، فيكون ما فعله في حكم المسبّب القبيح الواقع عن سبب قد فعله (ق ، غ ١٢ ،
٣١١ ، ٢١)
نظر مخصوص
ـ كان (الأشعري)
يقول إنّ النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى نظر مخصوص ، وهو أن
يكون على نحو ما أصفه لك من حال البالغ العاقل. وذلك أن لا يسبق إلى اعتقاد مذهب
دون مذهب بتقليد ، وأن لا يميل إلى قول دون قول لما يكون فيه من راحة نفس وثقل في
الآخر ، وأن لا يكون فيه ميل إلى بعضها لأجل ما يكون فيه من رئاسة وعزّ من جهة
الدنيا ، أو لأجل أنّ ذلك مذهب آبائه وأهل بلده ونشوؤهم وعادتهم عليه ، بل يقف عند
نفسه في جميع ذلك وقوف المتبحّث المستبصر المسترشد ، وتكون الدعاوى المختلفة
والمذاهب المتضادّة متكافئة عنده متساوية في الحقّ والباطل ليبتدئ فكرة وتأمّلا في
كل واحد ممّا ينظر فيه ، فيعرض على نفسه من أحكامه ما يعلمه من غير نظر ، ثم يعرض
عليه ما يريد أن يعمله ويتعرّفه من أحكامه التي لا يعلمها ضرورة ، فيسبر ويمتحن
ويفحص ويجعل المعلوم به ضرورة عيارا وأصلا وقانونا إليها يردّ وبها يعتبر ويتعرّف
بها حكم الصحيح والفاسد بأن يستشهدها عليه ، فما شهدت له منها حكم بصحّته ، وما
شهدت عليه بالفساد حكم بفساده. فإنّه إذا خلت أحواله وعريت خواطره من هذه الصوادّ
المانعة والعوائق
الدافعة الحائلة
بين الناظر وبين العلم بما ينظر فيه وقع له العلم حينئذ بمنظوره لا محالة على
الوجه الذي يطلبه (أ ، م ، ٢٥٠ ، ٤)
ـ اعلم ، أنّ
الصحيح فيمن لزمته المعرفة أن يقبح منه الجهل ؛ وكما يستحقّ بفعلها الثواب ، فكذا
يستحقّ بفعل الجهل العقاب ؛ وكما يتناولها التكليف في باب الإقدام ، فكذا يتناوله
التكليف في باب الامتناع منه. وإن كان المكلّف مأمورا بها ، فهو منهيّ عن الجهل.
والأمر في هذا الباب أجمع ، على ما ذكره السائل. لكنّه ظنّ أنّه إذا لم يمكنه أن
يعرف الجهل جهلا قبل وقوعه ، لم يصحّ أن يلزمه تركه بفعل المعرفة. وليس الأمر كما
قدّر ، لأنّه إذا عرف طريق المعرفة وهو النظر المخصوص الذي من بيانه أن يولّدها ،
صحّ منه إيجادها بإيجاده. وإيجادها على هذا الوجه ، هو ترك للجهل ، لأنّ من حقّه
أن يضادّها ، وترك الشيء هو ضدّه على بعض الوجوه. فقد ثبت إذن أنّه يصحّ منه أن
يترك الجهل بالمعرفة. فإن قيل : فيجب أن يصحّ منه ترك المعرفة بالجهل أيضا ، ليصحّ
أن يكلّف المعرفة. قيل له : وذلك أيضا صحيح منه ، لأنّه يصحّ منه أن يبتدئ فعل
الاعتقاد والذي هو جهل ، فيكون بفعله تاركا للاعتقاد الذي هو من جنس المعرفة. ولا
يقال : إنّه ترك به المعرفة ، لأنّ من حقّها أن تقع متولّدة. والمباشر لا يكون
تركا للمتولّد ، من حيث يجب وجوده بوجوب سببه. ومن حق الترك والمتروك أن يصحّ من
القادر ، في كل واحد منهما ، أن يبتدئه وأن يبتدئ ضدّه. لكنّا وإن لم نطلق هذا
القول ، فمن جهة المعنى لا نمتنع من أن نقول بأنّه قد ترك بها الجهل ما يضادّه من
المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٠ ، ١٢)
نظر معيّن
ـ أمّا النظر
المعيّن. فإنّما يحسن بعلم حسنه بعلم مكتسب ، بأن يعلم أنّه بهذه الصفة المخصوصة.
ويجوز أن يقال إذا علم باضطرار ، أنّه يخاف على تركه ضررا. وتقدّم له علم جمله
بأنّ كل نظر هذا سبيله كان واجبا. فإنّه يعلم عند ذلك حسنه ووجوبه باضطرار. لأنّه
لا يمكنه نفي هذا العلم الثالث عن نفسه ، مع استناده إلى العلمين الضروريّين (ن ،
م ، ٣٤٦ ، ١٠)
نظر مقرون بالقلب
ـ أمّا معنى النظر
المقرون بالقلب فهو الفكرة والتأمّل لحال المنظور فيه بردّ غيره إليه ليعلم
موافقته له في الحكم من مخالفته. ولذلك شروط ورسوم من استوفاها على حدّه وحكمه بان
له وجه ما نظر فيه بصحّة أو فساد على الوجه الذي يرومه ويطلبه ، إذا تعرّى من
الآفات ومن الدواعي إلى خلافه وعاضده اللطف والتوفيق من الله عزوجل (أ ، م ، ٣١ ، ٢٠)
نظر موصل إلى
المعارف
ـ النظر الموصل
إلى المعارف واجب ، ومدرك وجوبه الشرع ، وجملة أحكام التكليف متلقاة من الأدلّة
السمعيّة والقضايا الشرعيّة (ج ، ش ، ٢٩ ، ١٤)
نظر هو سبب
المعرفة
ـ إذا لم يعرف (المكلّف)
سبب المعرفة بعينه ، لم يكن له إلى إيجاده على الوجه الذي يقتضيه التكليف سبيل ،
وإنّما توجد المعرفة بإيجاده فلا يكون له إلى فعلهما معا سبيل ، فيقبح منه تعالى
أن يكلّفه وإنّما
وجب ذلك في النظر الذي هو سبب المعرفة ، لأنّه يبتدئه ولا يجب وجوده بوجود غيره.
وكل فعل كلّفه العبد على جهة الابتداء فلا بدّ من أن يميّزه من غيره ، أو يصحّ ذلك
فيه ليتمكّن من إيجاده على الحدّ الذي كلّف. فأمّا المعرفة ، فإنّما يوجدها بإيجاد
النظر ؛ فبان معرفته بالنظر عن معرفته بها ، على ما بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٥ ، ٦)
نظر واجب
ـ النظر واجب ،
لوجوب معرفة الله وتوقّفها عليه ، وهو مقدور وإلّا فهي تكليف بما لا يطاق. ـ واعترض
: لا نسلّم إمكان وجوب العلم لأنّ التصديق متوقّف على التصوّر وهو غير مكتسب وهو
ضروريّ لما مرّ ، ثمّ الحاصل فإن كفى في النسبة بينهما فبديهيّ ، وإلّا فالحال في
المتوسّطة كما فيها وتنتهي إلى الضروريّات ؛ فلوازمها ضروريّة ، فالتكليف بها لا
يطاق ، ولو صحّ بطل الدليل (خ ، ل ، ٤٣ ، ١١)
نظر واحد
ـ إنّ النظر
الواحد لا يجوز أن يولّد إلّا علما مخصوصا ، وما هو من جنسه لا يولّد إلّا أمثال
ذلك العلم من حيث كان المعلوم من حاله أنّ جميعه يتعلّق بمنظور واحد على وجه واحد.
فما يولّده لا يختلف ، وليس كذلك الاعتماد لأنّه يبقى فيولّد الأكوان حالا بعد حال
لكنه يولّد ما يولّد على طريقة واحدة ، فصار النظر بمنزلة اعتماد مجتلب لأنّه لا
يولّد إلّا شيئا واحدا مخصوصا وإن فارقه من وجه آخر. لأنّ الاعتماد يولّد فيما
يصادف محلّه ، فأي محل صادفه ولّد فيه ، وإلّا ولّد في محله فقد ولّد أشياء
متغايرة على البدل ، وليس كذلك حال النظر لأنّه يولّد في محلّه وليس له تعلّق
بالمنظور فيه في باب التوليد ، فما يولّده لا يتغاير كما لا يختلف (ق ، غ ٩ ، ١٥٤
، ٨)
نظر ووقوع المعرفة
ـ اعلم ، أنّ أحد
ما يعتمد في مذهبه (الجاحظ) أن نقول : إنّ النظر ووقوع المعرفة عنده ، يجري في
بابه مجرى ما يقع من الفعل بالحدس والاتفاق ، من غير قصد. وقد ثبت في كل فعل ، هذا
حاله ، أنّه لا يجوز أن يستحقّ به الذمّ والمدح ، ولا يدخل تحت التكليف ، وذلك نحو
أن نحكّ الذهب على المحكّ فنجده جيّدا أو رديئا. فاتّفاق ذلك لا يصحّ تعلّق المدح
والذمّ به ؛ وإن وافق ، في بعض الأحوال ، الإرادة ؛ وكذلك لو هجم على بئر فوجد
فيها كنزا ، لم يجز بذلك مدح ؛ وإذا التفت ورأى من يسرّه لم يجز أن يستحقّ به
المدح ؛ لمّا كانت هذه الأمور تقع بالاتفاق من غير معرفة متقدّمة ، بأن الفعل
يؤدّي إليه (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٤ ، ٣)
نظريات
ـ إنّ النظريات
قسمان : قسم يتعلّق بأصول القواعد ، وقسم يتعلّق بالفروع. وأصول الإيمان ثلاثة :
الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر ، وما عداه فروع. فاعلم أنّه لا تكفير في
الفروع أصلا ، لكن في بعضها تخطئة كما في الفقهيات ، وفي بعضها تبديع كالخطإ
المتعلّق بالإمامة وأحوال الصحابة (غ ، ف ، ٧٣ ، ١٠)
نظم قياس
ـ أن يكون الأصل
مثبتا بقياس آخر ، يستند بدرجة
واحدة أو درجات
كثيرة إمّا إلى الحسّيات أو العقليّات أو المتواترات ، فإنّ ما هو فرع الأصلين
يمكن أن يجعل أصلا في قياس آخر. مثاله : أنّا بعد أن نفرغ عن الدليل على حدث
العالم ، يمكننا أن نجعل حدث العالم أصلا في نظم قياس ، مثلا أن نقول : كل حادث
فله سبب ، والعالم حادث ؛ فإذن له سبب ، فلا يمكنهم إنكار كون العالم حادثا بعد أن
أثبتناه بالدليل (غ ، ق ، ٢٢ ، ٣)
نعم
ـ اعلم أنّ النعم
على ضربين : أحدهما ، لا يقدر عليه إلّا الله تعالى ، وذلك نحو الإحياء والإقدار
وخلق الشهوة والمشتهي وإكمال العقل ، ولا شكّ في أنّ ما هذا حاله فإنّ الله تعالى
هو المنفرد به ، لأنّ غيره جلّ وعزّ لا يقدر عليه. والآخر ، يقدر عليه غير الله
تعالى ، كما يقدر هو جلّ وعزّ عليه. وذلك ينقسم إلى : ما يصل إلينا من جهة الله
تعالى على الحقيقة ، وإلى ما يكون في الحكم كأنّه من جهته تعالى (ق ، ش ، ٥٢٥ ، ٩)
نعمة
ـ إنّ النعمة هي
كل منفعة حسنة واصلة إلى الغير إذا قصد فاعلها بها وجه الإحسان إليه. ولا بدّ من
أن تكون منفعة ، لأنّها لو كانت مضرّة محضة لما كانت نعمة. وقولنا مضرّة محضة
احتراز عن الآلام والأسقام التي يوصلها الله تعالى إلى الحيوانات ، فإنّها لمّا
كانت في مقابلتها الأعراض الموفية عليها لا تكون مضارا محضة. ولا بدّ من أن تكون
حسنة ، لأنّها لو كانت قبيحة لما استحقّ عليها الشكر. والنعمة من حقها أن يستحقّ
عليها الشكر. هذا هو الذي يقوله الشيخ أبو علي. وقد خالفه فيه أبو هاشم ، وجوّز في
النعمة أن تكون قبيحة ، واستدلّ على ذلك بأن قال : إنّ الله تعالى لو أثاب من لم
يستحق الثواب فإنّه يكون منعما عليه مع أنّ ذلك قبيح. وإنّما قلنا إنّه قبيح لأنّه
لا ينفك عن التعظيم ، والابتداء به قبيح. ألا ترى أنّه يقبح من أحدنا أن يعظّم
أجنبيا على الحدّ الذي يعظّم والديه لا لوجه سوى ما ذكرناه من أنّ الابتداء
بالتعظيم قبيح ، وكذلك فإنّ أحدنا لو كان ملّك الغير جميع ما يملكه حتى يفقر نفسه
لكان منعما عليه بذلك مستحقّا للشكر من جهته وإن كان ما فعله قبيحا (ق ، ش ، ٧٧ ،
٦)
ـ إنّ النعمة لا
يجب أن تجري على طريقة واحدة ، بل قد تكون منفعة محضة ، وتكون مؤدّية إلى منفعة
إمّا بأن توجبها ، أو تستحقّ بها ، وتحصل عندها ، وبيّنا صحّة هذه الأقسام بالشاهد
(ق ، غ ١١ ، ١٩٢ ، ١٦)
ـ ما النعمة؟ قلت
: كل نفع قصد به الإحسان ، والله تعالى خلق العالم كلّه نعمة لأنّه إمّا حيوان
وإمّا غير حيوان ؛ فما ليس بحيوان نعمة على الحيوان ، والحيوان نعمة من حيث أنّ
إيجاده حيّا نعمة عليه ، لأنّه لو لا إيجاده حيّا لما صحّ منه الانتفاع ، وكل ما
أدّى إلى الانتفاع وصحّحه فهو نعمة (ز ، ك ٣ ، ٢٣٤ ، ٢٧)
ـ النعمة كل ما
ينعم به الإنسان في الحال والمال (ش ، ن ، ٤١٥ ، ١١)
ـ قول جمهور
أصحابنا ، إنّ الله تعالى إنّما خلق العالم للإحسان والإنعام على الحيوان ، لأنّ
خلقه حيّا نعمة عليه ، لأنّ حقيقة النعمة موجودة فيه ، وذلك أنّ النعمة هي المنفعة
المفعولة
للإحسان ، ووجود
الجسم حيّا منفعة مفعولة للإحسان (أ ، ش ١ ، ٤٧٤ ، ٢٩)
نعيم
ـ النعيم الذي هو
في مقابلة البلايا والرزايا والفتن (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٩)
نفاذ في الأمور
ـ فبيقين يدري كل
ذي حسّ يؤمن بالله تعالى وبالقرآن أنّ الزرع والقتل والرمي الذي نفاه عن الناس وعن
المؤمنين وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو غير الزرع والقتل والرمي الذي أضافه إليهم ، لا يمكنه
البتّة غير ذلك لأنّه تعالى لا يقول إلّا الحق ، فإذ ذلك كذلك فإنّ الذي نفاه عمّن
ذكرنا هو خلق كل شيء واختراعه وإبداعه وتكوينه وإخراجه من عدم إلى وجود ، والذي
أوجب لهم منه ظهوره فيهم ونسبة ذلك كله إليهم كذلك فقط وبالله تعالى التوفيق وقول
زهير. وأراك تخلق ما فريت. لا يشكّ من له أقلّ فهم بالعربية أنّه لم يعن الإبداع
ولا إخراج الخلق من عدم إلى وجود وإنّما أراد النفاذ في الأمور فقط (ح ، ف ٣ ، ٦٥
، ١٤)
نفاق
ـ معنى النفاق في
الشريعة هو إظهار الإيمان وإبطال الكفر (ح ، ف ٣ ، ٢٤٤ ، ٦)
ـ أصل النفاق في
اللغة ستر شيء وإظهار خلافه ، فمن ستر شيئا وأظهر خلافه فهو منافق فيه ، وليس هذان
من الكفر الديني ، ولا من النفاق الشرعي في شيء (ح ، ف ٣ ، ٢٤٥ ، ١٦)
ـ اختلفوا (الإباضيّة)
في النفاق : أيسمّى شركا أم لا! قالوا : إنّ المنافقين في عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا موحّدين ، إلّا أنّهم ارتكبوا الكبائر ، فكفروا
بالكبيرة لا بالشرك (ش ، م ١ ، ١٣٥ ، ٥)
نفس
ـ النفس في طبعها
حبّ الراحة والدعة والازدياد والعلوّ والعزّ والغلبة والاستطراف والتنوّق وجميع ما
تستلذّ الحواسّ من المناظر الحسنة والروائح العبقة والطعوم الطيّبة والأصوات
المونقة والملامس اللذيذة ومما كراهته في طباعها أضداد ما وصفت لك وخلافه. فهذه
الخلال التي يجمعها خلّتان غرائز في الفطر وكوامن في الطبع ، جبلّة ثابتة وشيمة
مخلوقة. على أنّها في بعض أكثر منها في بعض ، ولا يعلم قدر القلّة فيه والكثرة
إلّا الذي دبّرهم. فلما كانت هذه طبائعهم أنشأ لهم من الأرض أرزاقهم وجعل في ذلك
ملاذّ لجميع حواسّهم ، فتعلّقت به قلوبهم وتطلّعت إليه أنفسهم. فلو تركهم وأصل
الطبيعة ـ مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة في طبائعهم ـ صاروا إلى طاعة الهوى
وذهب التعاطف والتبارّ (ج ، ر ، ١٢ ، ٤)
ـ النفس معنى غير
الروح ، والروح غير الحياة ، والحياة عنده عرض ، وهو" أبو الهذيل" وزعم
أنّه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة ،
واستشهد على ذلك بقول الله عزوجل : (اللهُ يَتَوَفَّى
الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) (الزمر : ٤٢) (ش ،
ق ، ٣٣٧ ، ٤)
ـ قال" جعفر
بن حرب" : النفس عرض من الأعراض يوجد في هذا الجسم ، وهو أحد الآلات التي
يستعين بها الإنسان على الفعل
كالصحّة والسلامة
وما أشبههما ، وأنّها غير موصوفة بشيء من صفات الجواهر والأجسام (ش ، ق ، ٣٣٧ ، ٩)
ـ حكى"
زرقان" عن" أبي الهذيل" و" معمّر" أنّهما ثبّتا الحواسّ
الخمس أعراضا غير البدن ، وأنّهما ثبّتا النفس عرضا غيرها وغير البدن (ش ، ق ، ٣٣٩
، ٢)
ـ قال جالينوس
وأبو الهذيل محمد ابن الهذيل العلّاف النفس عرض من الأعراض ثم اختلفا ، فقال
جالينوس هي مزاج مجتمع متولّد من تركيب أخلاط الجسد ، وقال أبو الهذيل هي عرض
كسائر أعراض الجسم (ح ، ف ٥ ، ٧٤ ، ٦)
ـ قالت طائفة
النفس جوهر ليست جسما ولا عرضا ولا لها طول ولا عرض ولا عمق ولا هي في مكان ولا
تتجزّأ ، وأنّها هي الفعّالة المدبّرة ، وهي الإنسان ، وهو قول بعض الأوائل وبه
يقول معمّر بن عمر والعطّار أحد شيوخ المعتزلة (ح ، ف ٥ ، ٧٤ ، ٩)
ـ ذهب سائر أهل
الإسلام والملل المقرّة بالميعاد إلى أنّ النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان عاقلة
مميّزة مصرفة للجسد (ح ، ف ٥ ، ٧٤ ، ١٢)
ـ قال أبو محمد ...
النفس والروح اسمان مترادفان لمسمّى واحد ومعناهما واحد (ح ، ف ٥ ، ٧٤ ، ١٤)
ـ إنّ الحركة
قسمان حركة اضطرار وحركة اختيار ، فحركة الاضطرار هي حركة كل جسم غير النفس هذا ما
لا يشكّ فيه فبقيت حركة الاختيار وهي موجودة يقينا ، وليس في العالم شيء متحرّك
بها حاشا النفس فقط ، فصحّ أنّ النفس هي المتحرّكة بها ، فصحّ ضرورة أنّ للنفس
حركة اختياريّة معلومة بلا شكّ ، وإذ لا شكّ في أنّ كل متحرّك فهو جسم وقد صحّ أنّ
النفس متحرّكة فالنفس جسم ، فهذا هو البرهان الضروريّ التام الصحيح (ح ، ف ٥ ، ٨٦
، ١٨)
ـ لفظ النفس في حق
الله تعالى ليس إلّا الذات والحقيقة ، فقوله (وَاصْطَنَعْتُكَ
لِنَفْسِي) (طه : ٤١)
كالتأكيد الدالّ على مزيد المبالغة ، فإنّ الإنسان إذا قال جعلت هذه الدار لنفسي
وعمّرتها لنفسي فهم منه المبالغة (ف ، س ، ١١٥ ، ١٠)
نفع
ـ قال أكثر
المعتزلة أنّ الله هدى الكافرين فلم يهتدوا ونفعهم بأن قوّاهم على الطاعة فلم
ينتفعوا وأصلحهم فلم يصلحوا. وقال قائلون : لا نقول إنّ الله هدى الكافرين على وجه
من الوجوه بأن بيّن لهم ودلّهم لأنّ بيان الله ودعاءه هدى لمن قبل دون من لم يقبل
، كما أنّ دعاء إبليس [اضلال] لمن قبل دون من لم يقبل (ش ، ق ، ٢٦٠ ، ١)
ـ إنّا كما نشرط
في النفع أن يكون موفيا على المضرّة ، فإنّا نشرط فيه أن يكون معلوما لتحمل
المضرّة ، وأن يكون متحمّلا لها لأجله ، وأن ينظر في ذلك النفع ؛ فإن كان تخرج به
المضرّة من أن يكون ظلما وعبثا جميعا ، لم يطلب في حسنها سواه ، نحو ما نفعله في
أنفسنا من المضارّ لأجل الأرباح وغيرها ، وإن لم يخرج بذلك النفع فيه من أن يكون
عبثا. والواجب أن يثبت فيه نفع أحسن ليخرج به من كونه عبثا ، على ما ذكرناه في
إلزامنا الأجير العمل المتعب لأجل دينار يعطيه أنّه لا بدّ من أن يكون فيما
يستعمله فيه نفع لكي يخرج به من كونه عبثا.
فمتى تكاملت هذه
الجملة ، وجب القضاء بحسن الضرر لأجل النفع (ق ، غ ١٣ ، ٣٣١ ، ١٨)
ـ أمّا دفع الضرر
فقد يسمّى نفعا ، لما يحصل فيه من السرور ، فيكون داخلا فيما قدّمناه من الحدّ ،
ومتى لم يحصل فيه إلّا دفع الضرر فقط ، فإنّما يوصف بذلك على جهة المجاز ، وإن كان
قد يمرّ في الكتب عند ذكر النفع ، ضمّ هذا الوجه إلى ما قدّمناه ، فيقال : ما
يؤدّي إلى دفع الضرر نفع ، كما أنّ ما يؤدّي إلى اللذّة والسرور هو نفع (ق ، غ ١٤
، ٣٤ ، ١٧)
ـ إنّ كل ما علم
نفعا ، علم صلاحا ، وما لم يعلم نفعا لم يعلم صلاحا ، ويستحيل الصلاح على من
يستحيل النفع عليه ، فلذلك لا يقال في الشيء إنّه صلاح للجماد والميت ، ولا يستعمل
ذلك في القديم سبحانه ، ولذلك يضاف الصلاح إلى من يصلح به ، على حدّ إضافة النفع
إلى من ينتفع به ، فيقال في الشيء إنّه صلاح لزيد ، ونفع له ، وإنّه أصلح له وأنفع
، ولذلك يصحّ في كونه صلاحا التزايد والتفاضل ، على الحدّ الذي يجوز في كونه نفعا
، فكما يقال في الأمر إنّه نفع لزيد ، فكذا يقال إنّه أصلح له (ق ، غ ١٤ ، ٣٥ ، ٧)
ـ يوصف النفع
بأنّه نعمة ، متى جمع إلى كونه نفعا أن يكون فاعله موصلا له إلى غيره ، قاصدا به
الإحسان إليه ، على وجه يحسن عليه ، فكل نفع اختصّ بذلك فهو نعمة ، فما خرج عن هذه
الصفات لا يوصف بذلك (ق ، غ ١٤ ، ٣٨ ، ٣)
ـ إنّ النفع ينقسم
إلى ما يرجع إلى الفاعل إن كان محتاجا إليه ، أو إلى غيره. وإن كان الفاعل غنيّا
غير محتاج كإنقاذ الغرقى وتخليص الهلكى مستحسن في العقل ، وربما لا يكون المنقذ
مكتسبا نفعا ومتوقّعا حمدا أو أجرا ، وعن ذلك ورد في بعض الكتب ما خلقت الخلق
لأربح عليهم بل خلقتهم ليربحوا عليّ (ش ، ن ، ٤٠٠ ، ١٧)
نفل
ـ قد يوصف (الحسن)
بأنّه نفل ، والأقرب أن يستعمل ذلك في الشرعيّات ، دون العقليّات ، وكذلك إذا قيل
فيه : إنّه ندب (ق ، غ ١٧ ، ٩٨ ، ٥)
ـ قولنا"
نفل" يفيد أنّه طاعة ، غير واجبة ؛ وأنّ للإنسان فعله من غير لزوم وحتم.
وكذلك وصفنا له بأنّه" تطوّع" يفيد أنّ المكلّف انقاد إليه مع أنّه قربة
، من غير لزوم وحتم. ويوصف بأنّه" سنّة". ويفيد في العرف أنّه طاعة ،
غير واجبة. ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٤)
ـ النفل الغنيمة
لأنّها من فضل الله تعالى وعطائه ، قال لبيد : إنّ تقوى ربنا خير نفل. والنفل ما
ينفله الغازي : أي يعطاه زائدا على سهمه من المغنم ، وهو أن يقول الإمام تحريضا
على البلاء في الحرب : من قتل قتيلا فله سلبه ، أو قال لسرية : ما أصبتم فهو لكم
أو فلكم نصفه أو ربعه ، ولا يخمس النفل ويلزم الإمام الوفاء بما وعد منه (ز ، ك ٢
، ١٤٠ ، ٢٠)
نفور الطبع
ـ إنّ المنع لا
يخرج القادر من كونه قادرا على فعل ما منع منه متى حصل له من الدواعي إلى الفعل ما
يقوم مقام الشهوة والنفور (ومن ثم) حسن أن يكلّف. وقلنا : إنّ الهند لمّا اعتقدوا
في قتل أنفسهم أنّ فيه منفعة من حيث يقتضي
تخليص النور من
الظلمة صحّ أن يكلّفوا الامتناع من قتل أنفسهم وأن يستحقّوا بذلك المدح إذا لم
يفعلوه. وإن كانت الشّبه متى زالت لم يستحقّوا على ذلك المدح لحصول الإلجاء :
ولذلك قامت الشبه عندنا مقام نفور الطبع في أنّ عنده يصير الفعل في حكم الشاقّ ،
فيستحقّ عليه المدح والثواب. ولا يمتنع اختلاف التكليف بالاعتقادات والشبه فليس
لأحد أن يستنكر ما قلناه من حيث يختلف التكليف لمكان جهلهم بما يقتضيه القتل
وإيرادهم الشّبه على أنفسهم (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ٤)
نفي
ـ اختلف الناس في
النفي والإثبات وهل يكون المثبت منفيّا على مقالتين : فقال قائلون : قد يثبت الشيء
على وجه ، وينفى على غيره وذلك كالجسم يكون موجودا ويكون غير متحرّك فيثبته
الإنسان موجودا وينفيه أن يكون متحرّكا ، فالنفي والإثبات واقعان عليه (ش ، ق ،
٣٩٧ ، ١٢)
ـ النفي متّصل
بالإثبات في العقل ، لأنّك لا تنفي شيئا إلّا وقد أثبتّه على وجه آخر كقولك : ليس
زيد متحرّكا ، أنت تثبت زيدا غير متحرّك وأنت نفيت أن يكون ساكنا ، وأحال قائل هذا
أن ينفى إلّا ما هو شيء ثابت كائن موجود (ش ، ق ، ٤٤٦ ، ١٤)
ـ النفي كل قول
واعتقاد دلّ على عدم شيء أو كان خبرا عن عدمه ، ولا يجوز أن يكون المثبت منفيّا
على وجه من الوجوه وكذلك المنفيّ ليس بمثبت على وجه من الوجوه (ش ، ق ، ٤٤٧ ، ٣)
ـ الإثبات كل قول
واعتقاد دلّ على وجود شيء أو كان خبرا عن وجوده ، ثم زعم صاحب هذا القول أنّ
الإثبات في الحقيقة هو ما به كان الشيء ثابتا والنفي ما كان الشيء به منتفيا في
الحقيقة ، وهذا القول هو قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٤٧ ، ٨)
ـ إنّ النفي على
وجهين : نفي شيء يوجب إثبات ضدّه ، وهو نفي الصفة كقولك فلان عالم. نفيت الجهل
عنه. وفلان جاهل. نفيت العلم عنه. ونفي شيء لا يوجب إثبات ضدّه ، وهو نفي الأعراض
؛ لأنّك إذا نفيت لونا لم يوجب ضد ذلك اللون (م ، ت ، ٥٣ ، ١١)
ـ اعلم أنّه (الأشعري)
كان يقول إنّ الإثبات هو الوجود والنفي هو الإعدام ، وإنّ قول القائل" أثبت
الله العالم" فمعناه" أوجده" ، وقوله" نفى الله كذا
وكذا" فمعناه" أعدمه". ثم يستعمل في الخبر عن العدم وفي الخبر عن
الوجود ، فيقال لمن قال إنّ زيدا متحرّك إذا كان صادقا إنّه مثبت لحركته ، وقوله
إنّه متحرّك إثبات لحركته ، وإنّ قوله" ليس زيد متحرّكا" إذا كان صادقا
نفي لحركته وخبر عن عدم حركته (أ ، م ، ٢١٨ ، ٩)
ـ النفي هو رفع
الإثبات ، ورفع الإثبات لا يكون عين الإثبات ، ورفع الإثبات الخارجيّ إثبات ذهنيّ
منسوب إلى لا إثبات خارجيّ ، وكونه في الذهن متصوّرا ومتميّزا عن غيره ومتعيّنا في
نفسه وثابتا في الذّهن ، لا ينافي كون ما هو منسوب إليه لا ثابتا في الخارج.
فالحكم بأنّ ما ليس بثابت في الخارج غير متصوّر مطلقا باطل ، لأنّه متصوّر من حيث
أنّه ليس بثابت في الخارج ، غير متصوّر لا من حيث هذا الوصف (ط ، م ، ٢٩ ، ١٣)
ـ لكنّ الإثبات
والنفي قد يكون المراد منهما : ثبوت الشيء في نفسه أو عدمه في نفسه ، كقولنا"
السواد إمّا أن يكون موجودا وإمّا أن لا يكون موجودا" ؛ وقد يكون المراد
منهما : ثبوت الشيء لشيء آخر وعدمه عنه : كقولنا : " الجسم إمّا أن يكون أسود
وإمّا أن لا يكون" ؛ لكن لا حقّ في مراد كلّ واحد منهما ، " فأوّل
الأوائل" باطل أيضا (خ ، ل ، ٣٧ ، ١٠)
نفي الاضطرار
ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً واحِدَةً) (هود : ١١٨) يعني
لاضطرّهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة : أي ملّة واحدة وهي ملّة الإسلام كقوله (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً
واحِدَةً) (الأنبياء : ٩٢)
وهذا الكلام يتضمّن نفي الاضطرار ، وأنّه لم يضطرّهم إلى الاتفاق على دين الحق ،
ولكنّه مكّنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق وبعضهم
الباطل ، فاختلفوا فلذلك قال (وَلا يَزالُونَ
مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (هود : ١١٩) إلّا
ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتّفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود : ١١٨ ـ ١١٩)
ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأوّل وتضمّنه : يعني ولذلك من التمكين
والاختيار الذي كان عنه الاختلاف ، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره ، ويعاقب
مختار الباطل بسوء اختياره (ز ، ك ٢ ، ٢٩٨ ، ٢٦)
نفي البقاء معنى
ـ أحد ما يدلّ على
نفي البقاء معنى ، أنّه لو ثبت معنى ، لكان جنس الفعل. فكان يصحّ حدوثه في حال
حدوث الجوهر ، لأنّ المحل محتمل له فيقتضي ذلك أن يكون حادثا باقيا. ولا يمكن أن
يقال : إنّ في حال الحدوث منعا وهو استحالة الصفة على الموصوف ، فيصير هذا محيلا
لوجود العلّة ، لأنّ استحالة الصفة تابعة لاستحالة وجود العلّة ، لأنّ استحالة
وجود المعنى تابع لاستحالة الصفة ، لأنّ الصفة تترتّب على العلّة دون أن تترتّب
العلّة على الصفة (أ ، ت ، ١٥٧ ، ١٧)
نقصان
ـ إنّه لا يجوز أن
يكون في سلطان الله عزوجل من اكتساب العباد ما لا يريده ، كما لا يجوز أن يكون من
فعله المجمع على أنّه فعله ما لا يريده ، لأنّه لو وقع من فعله ما لا يعلمه لكان
في ذلك إثبات النقصان (ش ، ب ، ١٢٦ ، ١٠)
نقط
ـ أمّا النقط فهي
تناهي جهات الجسم من أحد نهاياته كطرف السكّين ونحوه (ح ، ف ٥ ، ٦٩ ، ٦)
نقطة
ـ النقطة وجوديّة
للاتّفاق ، وللماسّة بها ؛ ولا تنقسم وإلّا فليست طرفا ، ولأنّها موضع ملاقاة
الكرة للسطح ، فيلزم تضليعها ؛ وهي متحيّزة ، أو محلّها وإلّا انقسمت بانقسامه (خ
، ل ، ٧٦ ، ٤)
نقل
ـ النقل مستند إلى
صدق الرّسول ، فما توقّف عليه العلم به ، فلا يثبت بالنقل. وما يجوز عقلا يثبت
وقوعه به ، إمّا عامّا كالعاديّات ؛ أو خاصّا
كالكتب والسنّة ؛
وما عداهما والخارج عن القسمين يثبت في الجملة بهما (خ ، ل ، ٤٦ ، ١٨)
نقلة
ـ إنّ الحركة
والنقلة والزوال والخروج عن المكان والظعن والارتحال عنه كل ذلك بمعنى واحد ، وإنّ
كل متحرّك منتقل وكل منتقل متحرّك ، وإنّ قولهم" تحرّك السعر والبرد"
مجاز لأنّ ذلك ليس ممّا ينتقل في الأماكن (أ ، م ، ٢٤٤ ، ١٣)
ـ معنى النقلة
إنّما هو تصيير الجرم إلى مكان لم يكن فيه قبل ذلك أو إلى صفة لم يكن عليها قبل
ذلك ، ووجوده مكانا ينتقل إليه موجب أنّه لم يكن في ذلك المكان الذي انتقل إليه
قبل انتقاله إليه ، وهذا هو إثبات النهاية ضرورة (ح ، ف ١ ، ٢٦ ، ١٣)
نقليات
ـ النقليّات
بأثرها مستندة إلى صدق الرسول فكل ما يتوقّف العلم بصدق الرسول على العلم به ، لا
يمكن إثباته بالنقل وإلّا لزم الدور. أمّا الذي لا يكون كذلك فكل ما كان خبرا
بوقوع بما لا يجب عقلا وقوعه ، كان الطريق إليه النقل ليس إلّا ، وهو إمّا العامّ
كالعاديّات ، أو الخاصّ كالكتاب والسنّة ، والخارج عن القسمين يمكن إثباته في
الجملة بالعقل والنقل معا (ف ، م ، ٤٥ ، ١٤)
نهاية
ـ معنى الجزء
إنّما هو أبعاض الشيء ، ومعنى الكل إنّما هو جملة تلك الأبعاض ، فالكل والجزء
واقعان في كل ذي أبعاض ، والعالم ذو أبعاض ، هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها
، فالعالم كل لأبعاضه وأبعاضه أجزاء له ، والنهاية كما قدّمنا لازمة لكل ذي كل وذي
أجزاء (ح ، ف ١ ، ١٧ ، ١٣)
نهي
ـ كان (الأشعري)
يقول في النهي إنّه يكون نهيا عمّا لم يفعل ونهيا عمّا هو له فاعل في حاله (أ ، م
، ١١٢ ، ١٨)
ـ الطريق الذي
بيّنا به أنّ الأمر لا يكون أمرا إلّا بإرادة ، يقتضي أنّ النهي لا يكون نهيا إلّا
بكراهة المنهى عنه ؛ فأمّا صيغة النهي فمعلومة من جهة اللغة كصيغة الأمر ، فإذا
صحّ ذلك فيجب أن يكون النهي دلالة قبح المنهى عنه ، وأن يصحّ القول فيه إنّه على
الوجوب ، مراد بذلك أنّه يجب على المكلّف أن لا يفعل ما تناوله ، وأن يتحرّز منه (ق
، غ ١٧ ، ١٣٢ ، ٣)
ـ الفعل إذا قرن
بالاسم ، فإمّا أن يقرن به على سبيل النعت فيكون خبرا ، وما في معناه ، كقولك :
زيد يضرب ؛ وإمّا أن يقرن به على سبيل الحدث ، إمّا على الفعل فيكون أمرا ، وإمّا
على تركه فيكون نهيا (ب ، م ، ٢١ ، ٤)
ـ أمّا النّهي فهو
قول القائل لغيره : " لا تفعل" على جهة الاستعلاء ، إذا كان كارها للفعل
، وغرضه أن لا يفعل. والدّلالة على ذلك ما تقدّم في الأمر (ب ، م ، ١٨١ ، ٩)
ـ اعلم أنّ النّهي
عن الأشياء إمّا أن يكون نهيا عنها على الجمع ، أو عن الجمع بينها أو نهيا عنها
على البدل ، أو نهيا عن البدل (ب ، م ، ١٨٢ ، ٦)
ـ ناقضت القدريّة
في فرقها بين الأمر والنهي
لأنّها سلّمت لنا
أنّ النهي يقتضي تحريم المنهي عنه ، وزعمت أنّ الأمر لا يقتضي وجوب المأمور به (ب
، أ ، ٢١٦ ، ١٠)
ـ النهي هو قوله
لمن دونه لا تفعل ، أو ما هو بهذه المثابة (أ ، ت ، ٣٨٤ ، ٤)
ـ إن قلت : ما
معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى؟ قلت : معناه أنّ الله عزوجل عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغمّ والحسرة في
قلوبهم ويضيق صدورهم عقوبة ، فاعتقاده فعلهم وما يكون عنده من الغمّ والحسرة وضيق
الصدور فعل الله عزوجل كقوله (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً
حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (الأنعام : ١٢٥)
ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه النّهي : أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله
انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ، لأنّ مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون
ومضادّتهم مما يغمّهم ويغظيهم (وَاللهُ يُحْيِي
وَيُمِيتُ) (آل عمران : ١٥٦)
ردّ لقولهم : أي الأمر بيده ، قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد كما
يشاء (ز ، ك ١ ، ٤٧٤ ، ١٠)
ـ إنّ ما ذكروه من
أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ
إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق
بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأمّا الأمر والنهي
فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك
سمّي نهيا. وأمّا الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل
حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢).
وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حقّ الله ـ تعالى
ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما
حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ٨)
ـ الأمر والنهي
إخبار عن ترتّب الثواب أو العقاب على الفعل أو الترك وكذا سائرها (خ ، ل ، ١٠٧ ، ٥)
نهي عن المنكر
ـ اعلم أنّ بين
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا من حيث أنّ في الأمر بالمعروف يكفي مجرّد
الأمر به ، ولا يلزمنا حمل من ضيّعه عليه ، حتى ليس يجب علينا أن نحمل تارك الصلاة
على الصلاة حملا ، وليس كذلك النهي عن المنكر فإنّه لا يكفي فيه مجرّد النهي عن
استكمال الشرائط ، حتى نمنعه منعا ، ولهذا فلو ظفرنا بشارب خمر وحصلت الشرائط
المعتبرة في ذلك ، فإنّ الواجب علينا أن ننهاه بالقول اللّين ، فإن لم ينته خشّنا
له القول ، فإن لم ينته ضربناه ، فإن لم ينته قاتلناه إلى أن يترك ذلك (ق ، ش ،
٧٤٤ ، ١٥)
ـ الأمر بالمعروف
تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر
فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟
قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم السمع
وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا
لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون
ما ينهى عنه واقعا
، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن
لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا
يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية
نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن
أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ١٦)
ـ إنّ النهي عن
المنكر واجب على الإمام ، ولا يجوز له الإقرار عليه ، فإن تركه فسق ووجب عزله عن
الإمامة (أ ، ش ١ ، ٢٢٠ ، ١)
ـ نذكر خلاصة ما
يقوله أصحابنا في النهي عن المنكر ونترك الاستقصاء فيه للكتب الكلاميّة التي هي
أولى ببسط القول فيها من هذا الكتاب. قال أصحابنا الكلام في ذلك يقع من وجوه. منها
وجوبه ، ومنها طريق وجوبه ، ومنها كيفية وجوبه ، ومنها شروط وجوبه ، ومنها كيفية
إيقاعه ، ومنها الكلام في الناهي عن المنكر ، ومنها الكلام في النهي عن المنكر. أمّا
وجوبه فلا ريب فيه لأنّ المنكر قبيح كلّه ، والقبيح يجب تركه فيجب النهي عنه.
وأمّا طريق وجوبه فقد قال الشيخ أبو هاشم أنّه رحمهالله لا طريق إلى وجوبه إلّا السمع ، وقد أجمع المسلمون على ذلك
وورد به نص القرآن في غير موضع. وقال الشيخ أبو علي رحمهالله العقل يدلّ على وجوبه وإلى هذا القول مال شيخنا أبو الحسين
رحمهالله. وأمّا كيفيّة وجوبه فإنّه واجب على الكفاية دون الأعيان
لأنّ الغرض أن لا يقع المنكر ، فإذا لم يقع لأجل إنكار طائفة لم يبق وجه لوجوب
الإنكار على من سواها. وأمّا شروط حسنه فوجوه. منها أن يكون ما ينكره قبيحا لأنّ
إنكار الحسن وتحريمه قبيح (أ ، ش ٤ ، ٤١١ ، ٢١)
ـ النهي عن المنكر
: الزجر عمّا لا يلائم في الشريعة (ج ، ت ، ٥٩ ، ٥)
ـ النهي عن المنكر
تقبيح ما تنفر عنه الشريعة والعفّة وهو ما لا يجوز في دين الله تعالى (ج ، ت ، ٥٩
، ٩)
نهي عن المنكر
وأمر بالمعروف
ـ إنّ الله تعالى
قدّر الأجل وقضى الرزق ولا سبيل لأحد أن يقطع على أحد عمره أو رزقه ، وهذا الكلام
ينبغي أن يحمل على أنّه حثّ وحضّ وتحريض على النهي عن المنكر والأمر بالمعروف ،
ولا يحمل على ظاهره لأنّ الإنسان لا يجوز أن يلقي بنفسه إلى التهلكة معتمدا على
أنّ الأجل مقدّر وأنّ الرزق مقسوم ، وأنّ الإنسان متى غلب على ظنّه أنّ الظالم
يقتله ويقيم على ذلك المنكر ويضيف إليه منكرا آخر لم يجز له الإنكار (أ ، ش ٤ ،
٤١١ ، ١٦)
نهي محرّم
ـ اختلفوا في
النهي المحرّم هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا. فزعمت القدريّة أنّه يقتضي التحريم
ولا يدلّ على الفساد إلّا بدلالة سواه. وقال جمهور الفقهاء بدلالته على الفساد. وزعم
بعض أصحاب الشافعي أن النهي إذا كان لمعنى في المنهي عنه أفسده وإذا كان لحق الغير
لم يفسده كالنهي عن الصلاة في الأرض المغصوبة وعن الذبح بالسكين المغصوب والوضوء
بالماء المسروق (ب ، أ ، ٢١٦ ، ١١)
نوافل
ـ إنّ الحسن ينقسم
قسمين : فإمّا أن تكون له صفة
زائدة على حسنه ،
وأمّا أن لا يكون كذلك. فالأوّل هو الذي يستحقّ عليه المدح ، والثاني هو الذي لا
يستحقّ بفعله المدح ويسمّى مباحا ، وحدّه : ما عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا
لا توصف أفعال القديم تعالى بالمباح ، وإن وجد فيها ما صورته صورة المباح كالعقاب.
وأمّا ما يستحقّ عليه المدح فعلى قسمين : إمّا أن يستحقّ بفعله المدح ولا يستحقّ
الذمّ بأن لا يفعل ، وذلك كالنوافل وغيرها ؛ وإمّا أن يستحقّ المدح بفعله والذمّ
بأن لا يفعل ، وذلك كالواجبات (ق ، ش ، ٣٢٧ ، ٦)
ـ قد يدخل في
اللطف النوافل ، لا لأنّ عندها يختار الواجب لا محالة ، لكن لأنّه يكون أقرب إلى
ذلك ، فتكون مقوّية لدواعيه ، ومسهّلة سبيل الإقدام عليه ، فلا يمتنع أن يقال فيما
يرد من الخاطر : إنّه لطف ، ويقال في هذا الوجه أيضا إنّه لطف ، لأنّهما ينبعثان
من حيث ذكرنا اللطف الذي بيّناه أولا. فلا تخرج الألطاف عن هذه الوجوه الثابتة
فيه. وليس الغرض العبارات. فإذا ثبت من جهة المعنى أن حالها سواء ، فقد ثبت ما
أردناه (ق ، م ٢ ، ٧٢٢ ، ٩)
ـ إنّ النوافل
إنّما يحسن تكليفها على طريق التبع للواجبات بدلالة أنّ وجه الحسن في تكليفها هو
تسهيلها للواجبات ، سواء قيل إنّها تسهّل واجبات العقل أو جعلت نوافل مسهّلة
لواجبات الشرع ، على اختلاف بين مشايخنا فيه (ق ، ت ٢ ، ٢١٥ ، ١٣)
ـ واصل وعمرو بن
عبيد وأبو الهذيل وقاضي القضاة وبشر : والنوافل من الإيمان. أبو علي وأبو هاشم :
لا ، إلّا الواجب. لنا : هي من الدين ، فكانت من الإيمان (م ، ق ، ١٣٣ ، ١٥)
نوافل شرعية
ـ المحسّنات
العقليّة هي على ضربين : أحدهما (ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي يسمّى
مباحا ، من حيث عرف فاعله أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، ولا في ألّا يفعل ، ولا
يستحقّ به المدح ، وما هذا حاله لا مدخل له في التكليف ، كما لا مدخل له فيه
الواقع من الساهي ، وعلى حدّ الإلجاء. والضرب الثاني : ما يختصّ بصفة زائدة على
حسنه ، تقتضي دخوله في أن يستحقّ به المدح. وهذا على ضربين : أحدهما يحصل كذلك
لصفة تخصّه ، والآخر لأنّه يسهّل فعل غيره من الواجبات ، فالأوّل كالإحسان
والتفضّل ، واجتلاب المنفعة لنفسه ، والثاني كالنوافل الشرعيّة ، ويدخل فيه النهي
عن المنكر من جهة العقل ، ويدخل فيه مدح من فعل الواجب ، لأنّ ذلك مما لا يجب على
أهل العقول ، كما يلزمهم الفصل بين المحسن والمسيء ، لأنّ هناك إنّما وجب الفصل
لأمر يتعلّق به ، وليس كذلك حال الوجه الأوّل (ق ، غ ١٤ ، ١٧١ ، ١٣)
ـ قال شيخنا"
أبو هاشم" ، رحمهالله ، إنّه لا بدّ ، في النوافل الشرعيّة ، من أن تكون لها ما
يجري مجرى النظير في الواجبات حتى تكون مسهّلة له فيحسن التعبّد بها. وبيّن
استمرار ذلك في سائر النوافل ، وبيّن أنّ ما ليس له نظير واجب بالنظر والإيجاب ،
أو بالدخول في الفعل وبيّن ، في كثير من النوافل ، أنّه لا يجوز أن يقال ذلك في
جميعها ؛ وإنّما يقال في أوائلها ؛ لأنّ من يدخل في الصلاة بالدخول قد لزمه
إتمامها ، كما أنّه ، بدخوله في الحجّ ، لزمه ذلك. والذي يحصل نفلا هو الأول من
الفعل وله نظائر واجبة دون الجميع. وبيّن اختلاف
الناس في أنّ
بالدخول في الصلاة والصوم هل يختار أم لا ، كما أنّه يجب الحجّ بالدخول فيه؟ (ق ،
غ ١٥ ، ٣٢ ، ٦)
نور
ـ قال الله عزوجل : (اللهُ نُورُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (النور : ٣٥)
فسمّى نفسه نورا ، والنور عند الأمّة لا يخلو من أن يكون أحد معنيين ، إمّا أن يكون
نورا يسمع أو نورا يرى ، فمن زعم أنّ الله يسمع ولا يرى فقد أخطأ في نفيه رؤية
ربّه ، وتكذيبه بكتابه ، وقول نبيّه صلىاللهعليهوسلم. وروت العلماء عن عبد الله بن عباس أنّه قال : "
تفكّروا في كل شيء ، ولا تفكّروا في ذات الله تعالى ، فإنّ بين السماء السابعة إلى
كرسيّة سبعة آلاف نور ، وهو فوق ذلك" (ش ، ب ، ٩٢ ، ١٣)
ـ إنّ الظّلمة
والنور في احتمال التغيّر والاستحالة ، واحتمال التجزئة والتّبعيض ، والحسن والقبح
، والطيب / والخبيث ، وكل شيء سواه ، فإن كانا يرجعان إلى أجزاء العالم فهما
يحدثان بحدثه ويفنيان بفنائه. ثم لا يجوز أن يكون لواحد منهما ألوهيته ؛ لظهور
العجز والجهل بهما ، والعالم هو دليل قوى عليم حكيم ، فهما في تلك الجملة (م ، ح ،
٣٥ ، ٩)
ـ النّور والظّلام
وغيرهما من الأعراض لا يجوز أن يكونا فاعلين بالطّباع ولا بالاختيار لخير ولا شرّ
، ولا نفع ولا ضرّ ، فهو أن الدلالة قد قامت على أنّ الفاعل لا يكون إلّا حيّا
قادرا مختارا ، وأنّ هذه الصّفات مستحقة لمعان توجد بالموصوف (ب ، ت ، ٦٩ ، ٢٠)
نوع
ـ إنّ ما كان أكثر
من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع
العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في
غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله
محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من
جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من
الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٤ ، ٢٣)
نوعية
ـ قال المثبتون (للأحوال)
إلزام الحال علينا نقضا غير متوجّه ، فإنّ العموم والخصوص في الحال كالجنسيّة
والنوعيّة في الأجناس والأنواع ، فإنّ الجنسيّة في الأجناس ليس جنسا حتى يستدعي كل
جنس جنسا ويؤدّي إلى التسلسل ، وكذلك النوعيّة في الأنواع ليست نوعا حتى يستدعي كل
نوع نوعا ، فكذلك الحاليّة للأحوال لا تستدعي حالا فيؤدّي إلى التسلسل ، وليس يلزم
على من يقول الوجود عام أن يقول للعام عام ، وكذلك لو قال العرضيّة جنس فلا يلزمه
أن يقول للجنس جنس. وكذلك لو فرّق فارق بين حقيقة الجنس والنوع وفصل أحدهما عن
الثاني بأخصّ وصف لم يلزمه أن يثبت اعتبارا عقليّا في الجنس هو كالجنس ، ووجها
عقليّا هو كالنوع ، فلا يلزم الحال علينا بوجه لا من حيث العموم والخصوص ولا من
حيث الاعتبار والوجه (ش ، ن ، ١٤١ ، ١٨)
نوم
ـ إنّ النوم لا
يزيل القدرة ولا يبطلها ، وذلك لأنّ النوم لا يخلو : إمّا أن يكون معنى ، أو لا
يكون
معنى ، فإن لم يكن
معنى فالكلام فيه واضح ، لأنّ ما لا يكون معنى كيف يصحّ أن يقال إنّه ينافي غيره ،
لأنّ المنافاة فرع على ثبوته وكونه معنى. وإن كان معنى فقد علمنا أنّه لا بدّ من
أن يكون معنى يضاد العلم ، ومع مضادته للعلم لا يجوز أن يضاد القدرة أيضا ، لأنّ
العلم والقدرة مختلفتان لصحّة اجتماعهما (ن ، د ، ٣١٥ ، ٥)
نية
ـ أمّا النيّة
فربما كانت متقدّمة وربما كانت مقارنة ، وعلى كلى الوجهين تكون نيّة لكنّها تجمع
إلى ذلك أن تكون والمنوي من فعل فاعل واحد ، وأن تثبت طريقة الاختيار فيهما. ثم لا
يكاد يستعمل في الغالب إلّا فيما به يقع الفعل على وجه دون ما كان أراده للحدوث ،
وإلّا فيما كان مفيدا للضمير فيه ، لأنّه لا فرق بين أن يقال : في نيّتي كذا وبين
أن يقال : في ضميري كذا. وعلى هذا لا يستعمل في الله تبارك وتعالى ذلك (ق ، ت ١ ،
٢٩٨ ، ١)
ه
هجرة
ـ الهجرة هي ، لغة
، مأخوذة من الهجر ، نقيض الوصول. وشرعا : الرحلة من دار تظاهر أهلها بالعصيان أو
ظهر من غير جوار إلى خلي عنهما. أئمتنا ، عليهمالسلام : وهي واجبة بعد الفتح. وقيل : بل نسخت لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : " لا هجرة بعد الفتح". قلنا : المراد من مكّة
، شرفها الله تعالى ، إذ صارت دار إسلام كالمدينة بعد الفتح ، لا من ديار الكفّار
، لما يأتي إن شاء الله تعالى. جمهور أئمتنا ، عليهمالسلام : ويجب من دار الفسق ، خلافا للإمام يحيى عليهالسلام والفقهاء (ق ، س ، ١٧٩ ، ١)
هداية
ـ الإرشاد
والهداية واحد ، بل الهداية في حق التوفيق أقرب إلى فهم الخلق من الإرشاد بما هي
أعم في تعارفهم (م ، ت ، ٢٤ ، ٥)
ـ القول بالهداية
يخرّج على وجوه ثلاثة : أحدها : البيان. ومعلوم أنّ البيان قد تقدّم من الله لا
أحد يريد به ذلك لمضى ما به البيان من كتاب وسنة وإلى هذا تذهب المعتزلة. والثّاني
: التوفيق له ، والعصمة عن زيغه. وذلك معنى قولهم : اللهم اهدنا فيمن هديت وقوله :
(اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ) (الفاتحة : ٦ ـ ٧)
وصفهم إلى آخر السورة. ولو كان على البيان على ما قالت المعتزلة فهو والمغضوب
عليهم في ذلك سواء. ثبت أنّه على ما قلنا دون ما ذهبوا إليه. والثالث : أن يكون
على طلب خلق الهداية لنا ، إذ نسب إليه من جهة الفعل. وكل ما يفعله خلق. كأنّه قال
: اخلق لنا هدايتنا. وهو الاهتداء منا (م ، ت ، ٢٤ ، ٧)
ـ هداية صفة الرب
جلت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ،
ف ، ٢٢ ، ١٦)
ـ إنّ الهداية قد
تكون بمعنى الدعاء والبيان (أ ، م ، ١٠٢ ، ٢٤)
ـ قال أصحابنا إنّ
الهداية من الله تعالى لعباده على وجهين : أحدهما من جهة إبانة الحقّ والدعاء إليه
وإقامة الأدلّة عليه ، وعلى هذا الوجه يصحّ إضافة الهداية إلى الرسل ، وإلى كل داع
إلى دين الله عزوجل لأنّهم مرشدون إليه ، وهذا تأويل قول الله عزوجل في رسوله صلىاللهعليهوسلم : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي
إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى : ٥٢) ،
أي تدعو إليه. والوجه الثاني من هداية الله تعالى لعباده ، خلقه في قلوبهم
الاهتداء ، كما ذكره الله عزوجل في قوله : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ
أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (الأنعام : ١٢٥)
فالهداية الأولى من الله تعالى شاملة جميع المكلّفين. والهداية الثانية منه خاصة
للمهتدين (ب ، أ ، ١٤٠ ، ٧)
ـ الهداية التي
أثبتها الله تعالى للرسول صلىاللهعليهوسلم من طريق البيان والدعوة. والهداية التي نفاها عنه من جهة
شرح الصدور وقبولها للحق (ب ، أ ، ١٤١ ، ٣)
ـ زعمت القدريّة
أنّ الهداية من الله تعالى على معنى الإرشاد والدعاء وإبانة الحق ، وليس إليه
من هداية القلوب
شيء. وزعموا أنّ الإضلال منه على وجهين : أحدهما أن يقال إنّه أضلّ عبدا بمعنى
أنّه سمّاه ضالّا. والثاني على معنى أنّه جازاه على ضلالته (ب ، أ ، ١٤١ ، ٩)
ـ قد ترد الهداية
ويراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها يوم القيامة (ج ،
ش ، ١٩٠ ، ١٠)
ـ إنّه تعالى فصل
بين الدعوى والهداية ، فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا
إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (يونس : ٢٥) ،
فخصّص الهداية وعمّم الدعوة (ج ، ش ، ١٩١ ، ٥)
ـ معنى طلب
الهداية وهم مهتدون طلب زيادة الهدى بمنح الألطاف كقوله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (محمد : ١٧) (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا
لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) (العنكبوت : ٦٩) (ز
، ك ١ ، ٦٧ ، ٣)
ـ الهداية :
الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب ، وقد يقال هي سلوك طريق يوصل إلى المطلوب (ج ، ت
، ٣١٢ ، ١٤)
هدى
ـ قال يحيى بن
الحسين ، صلوات الله عليه : الهدى من الله ، عزوجل ، هديان : هدى مبتدأ ، وهدى مكافأة ، فأمّا الهدى المبتدأ
: فقد هدى الله به البرّ والفاجر ، وهو العقل والرسول والكتاب ، فمن أنصف عقله
وصدق رسوله وآمن بكتابه ، وحلّل حلاله وحرّم حرامه ، استوجب من الله الزيادة.
والهدى الثاني : جزاء على عمله ومكافأة على فعله ، كما قال ، عزوجل : (وَالَّذِينَ
اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (محمد : ١٧) ،
وقال : (وَيَزِيدُ اللهُ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) (مريم : ٧٦) (ي ،
ر ، ٨١ ، ٣)
ـ قال أكثر
المعتزلة أنّ الله هدى الكافرين فلم يهتدوا ونفعهم بأن قوّاهم على الطاعة فلم
ينتفعوا وأصلحهم فلم يصلحوا. وقال قائلون : لا نقول إنّ الله هدى الكافرين على وجه
من الوجوه بأن بيّن لهم ودلّهم لأنّ بيان الله ودعاءه هدى لمن قبل دون من لم يقبل
، كما أنّ دعاء إبليس [اضلال] لمن قبل دون من لم يقبل (ش ، ق ، ٢٦٠ ، ١)
ـ قال أهل الإثبات
: لو هدى الله الكافرين لاهتدوا ، فلمّا لم يهدهم لم يهتدوا ، وقد يهديهم بأن
يقوّيهم على الهدى ، فتسمّى القدرة على الهدي هدى ، وقد يهديهم بأن يخلق هداهم (ش
، ق ، ٢٦٠ ، ٨)
ـ قال قائلون : قد
نقول إنّ الله هدى المؤمنين بأن سمّاهم مهتدين وحكم لهم بذلك وقالوا : ما يزيد
الله [المؤمنين] بإيمانهم من الفوائد والألطاف هو هدى كما قال : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (محمد : ١٧) وقال
قائلون : لا نقول إنّ الله هدى بأن سمّى وحكم ، ولكن نقول هدى الخلق أجمعين بأن
دلّهم وبيّن لهم ، وأنّه هدى المؤمنين بما يزيدهم من الطافه وذلك ثواب يفعله بهم
في الدنيا وأنّه يهديهم في الآخرة إلى الجنّة وذلك ثواب من الله سبحانه لهم كما
قال : (يَهْدِيهِمْ
رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ
النَّعِيمِ) يونس : ٩) ، هذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٢٦٠ ،
١٢)
ـ زعم"
إبراهيم النظّام" أنّه قد يجوز أن يسمّى طاعة المؤمنين وإيمانهم بالهدى ،
وبأنه هدى الله فيقال هذا هدى الله أي دينه (ش ، ق ، ٢٦١ ، ٧)
ـ قالت"
العدلية" : الله لا يضلّ عن دينه أحدا ، ولم يمنع أحدا الهدى الذي هو الدلالة
وقد
هدى ، [و] من لم
يهتد فبسوء اختياره غوى (ع ، أ ، ٢٤ ، ٩)
ـ إنّه تعالى وصف
الكتاب بأنّه هدى للمتّقين ، ولا شبهة في أنّ الكتاب ليس بإيمان ، لأنّ الإيمان هو
فعل المؤمن ، والكتاب كلامه تعالى ، فلا بدّ من أن يرجع إلى أنّ المراد به أنّ
الكتاب دلالة وبيان (ق ، م ١ ، ٤٨ ، ٩)
ـ اعلم أنّ الهدى
قد اختلف فيه العلماء ، فمنهم من يقول : إنّ حقيقته الفوز والنجاة ، وبيّن أنّ
سائر ما يستعمل فيه إنّما يوصف به ؛ لأنّه متعلّق بذلك وطريق إليه ، فقيل في
القرآن هدى ، وفي الأدلّة وفي الإيمان وغير ذلك ، لما كان الإنسان يفوز بها وينجو
، ولذلك يقال فيمن دلّ على طريق ينفع : إنّه قد هدى إليه ، ولا يقال ذلك إذا عدل
به إلى طريق يضرّ. ومنهم من قال : إنّ الهدى في الحقيقة هو الدلالة والبيان ،
وإنّما يوصف الفوز بالمنفعة والنجاة (بالهدى) ، لأنّهما يوصلان إليها. ويتأوّل
سائر ما تستعمل فيه هذه اللفظة على أنّ المراد به ما يتّصل بذلك. ولم يذكر أحد من
أهل العلم أنّ الهدى في الحقيقة : هو نفس الطاعة والإيمان ، إلّا من جعله مذهبا!
فأمّا أن تكون اللغة شاهدة لذلك ، أو القرآن ، فبعيد. ونحن نبيّن ما في القرآن من الشواهد
في قولنا ، ونذكر ما يجوز عليه وما لا يجوز (ق ، م ١ ، ٦٠ ، ٤)
ـ اعلم أنّ الهدى
بمعنى الدلالة كثير في الكتاب ، قال الله تعالى في وصف القرآن : (هُدىً لِلنَّاسِ) (البقرة : ١٨٥) (وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ) (يوسف : ١١١ ؛
النحل : ٦٤) ولا يجوز أن يراد بذلك إلّا كونه دلالة وبيانا (ق ، م ١ ، ٦١ ، ٢)
ـ قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) (البقرة : ٥) يدلّ
على أنّه البيان ؛ لأنّ حمله على غيره لا يصحّ ، وقال تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (الإنسان : ٣)
يعني : الطريق. ولا يجوز أن يرد بذلك إلّا الدليل (ق ، م ١ ، ٦١ ، ٦)
ـ قد ذكر عزوجل الهدى بمعنى زيادة الهدى ، فقال : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا
هُدىً) (مريم : ٧٦) وقال
: (وَزِدْناهُمْ هُدىً
وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ) (الكهف : ١٣ ـ ١٤)
وقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ
أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (الأنعام : ١٢٥)
والمراد بذلك أجمع : ما يفعله الله تعالى من الألطاف والتأييد ، والخواطر ،
والدواعي. وإنّما يوصف ذلك بأنّه هدى لأنّه يحلّ محلّ الأدلّة في أنّه كالطريق
لفعل الطاعة والباعث عليه (ق ، م ١ ، ٦٢ ، ١٤)
ـ قد يراد بالهدى
أن يسلك به طريق الجنّة والمنفعة ، وهو الذي أراده تعالى بقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة : ٦) على
أحد التأويلين (ق ، م ١ ، ٦٣ ، ٧)
ـ إنّ الهدى قد
يكون بمعنى الثواب (ق ، م ٢ ، ٦١٦ ، ٣)
ـ إنّ الهدى في
اللغة العربية من الأسماء المشتركة وهي التي يقع الاسم منها على مسمّيين مختلفين
بنوعهما : فصاعدا فالهدى يكون بمعنى الدلالة ، تقول هديت فلانا الطريق بمعنى أريته
إيّاه ووقفته عليه وأعلمته إيّاه سواء سلكه أو تركه ، وتقول فلان هاد بالطريق أي
دليل فيه ، فهذا الهدى الذي هداه الله ثمود وجميع الجنّ والمعاصي وعرفهم ما يسخط
مما يرضي فهذا معنى ، ويكون الهدى بمعنى التوفيق والعون على الخير والتيسير له
وخلقه لقبول الخير في النفوس ، فهذا هو الذي أعطاه الله عزّ
وجلّ الملائكة
كلّهم والمهتدين من الإنس والجنّ ومنعه الكفّار من الطائفتين والفاسقين فيما فسقوا
فيه ولو أعطاهم إيّاه تعالى لما كفروا ولا فسقوا (ح ، ف ٣ ، ٤٤ ، ١٩)
ـ إنّ الهدى
الواجب على النبيّ صلىاللهعليهوسلم هو الدلالة وتعليم الدين ، وهو غير الهدى الذي ليس هو عليه
وإنّما هو لله تعالى وحده (ح ، ف ٣ ، ٤٦ ، ٦)
ـ قال عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ
الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (الأعراف : ١٧٨).
واعلم أنّ الهدى في هذه الآي لا يتّجه حمله إلّا على خلق الإيمان ، وكذلك لا يتّجه
حمل الإضلال على غير خلق الضلال (ج ، ش ، ١٩٠ ، ٦)
ـ معنى ـ هدى من
ربهم ـ أي منحوه من عنده وأوتوه من قبله ، وهو اللطف والتوفيق الذي اعتضدوا به على
أعمال الخير والترقي إلى الأفضل فالأفضل (ز ، ك ١ ، ١٤٤ ، ٢)
ـ إنّ الهدى هدى
الله من شاء أن يلطف به حتى يسلم أو يزيد ثباته على الإسلام كان ذلك ولم ينفع
كيدكم وحيلكم وزيكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين ، وكذلك قوله تعالى (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (آل عمران : ٧٣)
يريد الهداية والتوفيق (ز ، ك ١ ، ٤٣٧ ، ٩)
ـ قرئ إلّا أن
يهدي من هداه ، وهداه للمبالغة ، ومنه قولهم تهدى ، ومعناه : أنّ الله وحده هو
الذي يهدي للحق بما ركّب في المكلّفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في
الأدلّة التي نصبها لهم ، وبما لطف بهم ووفقهم وألهمهم وأخطر ببالهم ، ووقفهم على
الشرائع ، فهل من شركائكم الذين جعلتم أندادا لله أحد من أشرافهم كالملائكة
والمسيح وعزير يهدي إلى الحق مثل هداية الله (ز ، ك ٢ ، ٢٣٧ ، ٧)
ـ (وَهُدىً) (البقرة : ٩٧) أي
وفقه لحفظه التوبة وغيره من أسباب العصمة والتقوى (ز ، ك ٢ ، ٥٥٧ ، ٢١)
ـ معنى الإضلال
والهدى : أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضلّ الكافرين ويهدي المؤمنين :
يعني يفعل فعلا حسنا مبينا على الحكمة والصواب ، فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له
لاعتقادهم أنّ أفعال الله كلّها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا ، وينكره الكافرون
ويشكون فيه فيزيدهم كفرا وضلالا (ز ، ك ٤ ، ١٨٥ ، ١٨)
ـ العدلية : وقد
هدى الله كل مكلّف إلى الدين ، أي دلّه وبيّن له. المجبرة : لا يهدي الكفّار. قلنا
: هدى فلم يقبلوا (م ، ق ، ١٠٠ ، ٢٥)
ـ اعلم أنّ الهدى
بمعنى الدعاء إلى الخير ... وبمعنى الحكم والتسمية. قال الشاعر : ما زال يهدي قومه
ويضلّنا جهرا وينسبنا إلى الفجّار فيجوز. أن يقال (إنّ الله لا يهدي القوم
الظالمين) بمعنى لا يزيدهم بصيرة كما لم يتبصّروا ، أو لا يثبتهم أو لا يحكم لهم
بالهدى أو لا يسمّيهم به. العدليّة : لا بمعنى أنّه لا يدعوهم إلى الخير خلافا
للمجبرة (ق ، س ، ١١٢ ، ١٤)
هدي
ـ فحصل من هذه
الجملة أنّه تعالى يهدي ، بمعنى : الدلالة والبيان. وذلك عامّ في كل مكلّف ، لأنّه
كما عمّهم بالتكليف فلا بدّ أن يعمّهم بما يدلّ عليه ، وإلّا كان تكليفا بما لا
يمكن أن يفعل (ق ، م ١ ، ٦٤ ، ١٦)
ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً
واحِدَةً) (المائدة : ٤٨)
حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار وهو قادر على ذلك (ولكن) الحكمة اقتضت أن
يضلّ (من يشاء) وهو أن يخذل من علم أنّه يختار الكفر ويصمّم عليه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (يونس : ٢٥) وهو
أن يلطف بمن علم أنّه يختار الإيمان : يعني أنّه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما
يستحقّ به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحق
به شيء من ذلك ، وحقّقه بقوله (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا
كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل : ٩٣) ولو
كان هو المضطر إلى الضلال والاهتداء لما أثبت لهم عملا يسألون عنه. ثم كرّر النهي
عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم ما يركب منه فقال (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) (النحل : ٩٤) فتزل
أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) (النحل : ٩٤) في
الدنيا بصدودكم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (النحل : ٩٤)
وخروجكم من الدين أو بصدّكم غيركم ، لأنّهم لو نقضوا إيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا
نقضها سنة لغيرهم يستنون بها (ز ، ك ٢ ، ٤٢٦ ، ١٤)
هستية
ـ في الشاهد لا
يفهم من قول الرجل" شيء" مائيّة الذات ، ولا من قوله" عالم
وقادر" الصفة ، وإنّما يفهم من الأول الوجود والهستيّة ، ومن الثاني أنّه
موصوف ، لا أنّ فيه بيان مائيّة الذات كقول الرجل" جسم" ، إنّه ذكر
مائيّة أنّه ذو أبعاد أو ذو جهات أو محتمل للنهاية وقابل للأعراض ، وكذا ذا في
الإنسان وسائر الأعيان (م ، ح ، ٤٢ ، ٨)
هلاك
ـ حقيقة الهلاك هو
العدم (ق ، ت ٢ ، ٢٨٧ ، ١٣)
هوية
ـ الهويّة في
الشاهد كناية عن الوجود ، وتأويله نفي العدم عنه ، والله تعالى لم يزل ولا يزال
بلا تغيّر ولا زوال ولا انتقال من حال إلى حال ، ولا تحرّك ولا قرار ؛ إذ هو وصف
إختلاف الأحوال ، ومن تختلف الأحوال عليه فهو غير مفارق لها ، ومن لا يفارق
الأحوال ، وهنّ أحداث ، فيجب بها الوصف / بالإحداث ، وفي ذلك سقوط الوحدانيّة ، ثم
القدم (م ، ح ، ١٠٥ ، ١)
ـ حدّ الهويّة هو
أنّ كل ما لم يكن غير الشيء فهو هو بعينه ، إذ ليس بين الهويّة والغيريّة وسيطة
يعقلها أحد البتّة ، فما خرج عن أحدهما دخل في الآخر ، ولا بدّ وأيضا فكل اسمين
مختلفين لا يخبر عن مسمّى أحدهما بشيء إلّا كان ذلك الخبر خبرا عن مسمّى لاسم
الآخر ، ولا بدّ أبدا فمسمّاهما واحد بلا شكّ ، فإذ قد صحّ فساد هذا القول فلنقل
بعون الله تعالى في عبارة الأشعريّ الأخرى وهو قوله هو هو ولا يقال هو غيره ،
فنقول إنّه لم يزد في هذه العبارة على أن قال لا يقال في هذا شيء (ح ، ف ٢ ، ١٣٨ ،
١٨)
هيئات
ـ الإيجاد غير
محسوس ولا يدرك بإحساس النفس ضرورة ، فقد وجدنا للتفرقة بين الحركتين (الاختياريّة
والاضطراريّة) والحالتين مرجعا ومردّا غير الوجود ، أليس من أثبت المعدوم شيئا
عندكم ما ردّ التفرقة إلى العرضيّة
واللونيّة
والحركيّة في أنّها بالقدرة الحادثة ، فإنّها صفات نفسيّة ثابتة في العدم ، ولا
إلى الاحتياج إلى المحل ، فإنّها من الصفات التابعة للحدوث ، فلذلك نحن لا نردّها
إلى الوجود فإنّها من آثار القدرة الأزليّة ، ونردها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب
والعقاب حتى ينطبق التكليف على المقدور ، والمقدور على الجزاء. والدواعي والصوارف
أيضا تتوجّه إلى تلك الجهة ، فإنّ الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد
داعية القيام والقعود والحركة والسكون والمدح والذمّ ، وهذه هيئات تحصل في الأفعال
وراء الوجود تتميّز عن الوجود بالخصوص والعموم ، فإن شئت سمّيتها وجوها واعتبارات (ش
، ن ، ٨١ ، ١٤)
هيئات الأجسام
ـ إنّ معمّرا كان
يزعم أنّ هيئات الأجسام فعل للأجسام طباعا على معنى أنّ الله هيّأها هيئة تفعل
هيئاتها طباعا (خ ، ن ، ٤٥ ، ٢٣)
هيئة
ـ اعلم أنّ اللون
هو الهيئة التي يدرك عليها الجسم. ولا شبهة في ثبوته من جهة الإدراك بالعين.
فالطريقة فيه كالطريقة في إدراك الجوهر بحاسّة العين (أ ، ت ، ٢٤٨ ، ٤)
هيّأ
ـ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) فهيّأه
لما يصلح له ويختصّ به ، ونحوه ـ وخلق كل شيء فقدّره تقديرا ـ نصب السبيل بإضمار
يسر وفسّره بيسر ؛ والمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه ، أو السبيل الذي
يختار سلوكه من طريق الخير والشر بإقداره وتمكينه كقوله (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (الإنسان : ٣) وعن
ابن عباس رضي الله عنهما : بيّن له سبيل الخير والشرّ (ز ، ك ٤ ، ٢١٩ ، ٩)
ـ يقول عليهالسلام إنّه تعالى قدّر الأشياء التي خلقها فجعلها محكمة على حسب
ما قدّر ، وألطف تدبيرها أي جعله لطيفا ، وأمضى الأمور إلى غاياتها وحدودها
المقدّرة لها فهيّأ الصقرة للاصطياد ، والخيل للركوب ، والطراد والسيف للقطع ،
والقلم للكتابة ، والفلك للدوران ونحو ذلك ، وفي هذا إشارة إلى قول النبيّ صلىاللهعليهوآله كل ميسّر لما خلق له فلم تتعدّ هذه المخلوقات حدود منزلتها
التي جعلت غايتها ، ولا قصّرت دون الانتهاء إليها (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ١٠)
هيولى
ـ الجوهر إمّا أن
يكون في المحل وهو الصورة أو يكون محلّا وهو الهيولى أو مركّبا من الصورة والهيولى
وهو الجسم (ف ، م ، ٧٠ ، ٤)
ـ الهيولى لا بدّ
من أن تميّز من الصورة بصفة ذاتيّة إن كانت بخلافها ، فيكونان شيئين قبل اجتماعهما
وبعده (م ، ق ، ٨٣ ، ٨)
و
واجب
ـ الواجب في العقل
على جهة لا يجوز مجيء الخبر بغيره ، وكذلك الممتنع ، ويجيء في الممكن ؛ إذ هو
المنقلب من حال إلى حال ، ويد إلى يد ، وملك إلى ملك ، وفي ذلك ليس في العقل إيجاب
جهة ولا امتناع من جهة فتجيء الرسل ببيان الأولى من ذلك في كل حال (م ، ح ، ١٨٤ ،
٤)
ـ لا يتأتى الواجب
إلّا بفعله صار واجبا ؛ كالطهارة مع الصلاة ، والقراءة في الصلاة ، وإمساك جزء من
الليل في الصيام ، وإدخال جزء من الرأس في غسل الوجه ، إلى غير ذلك مما لا يمكن
تحصيل الواجب إلّا به صار واجبا (ب ، ن ، ٢٨ ، ٢١)
ـ كان (الأشعري)
لا يفرّق بين الفرض والواجب في المعنى. وكان يقول إنّ السنّة على أنحاء ، فمنها ما
يجب علمه والعمل به ، ومنها ما يجب العمل به دون القطع بغيبه. وهذا على نحو ما
ذكرناه قبل عنه في تقسيمه الأخبار وقوله بأنّ المتواتر منها يقطع بغيبه والآحاد
يعمل به ولا يقطع بغيبه (أ ، م ، ٢٦ ، ٦)
ـ الواجب هو ما
إذا لم يفعله القادر عليه استحق الذمّ على بعض الوجوه. وقوله على بعض الوجوه
احتراز من الواجبات المخيّرة التي لها بدل يقوم مقامها ويسدّ مسدّها ، كالكفّارات
الثلاث ، فإنّها أجمع واجبة على التخيير. ثم إذا أتى بواحدة منها وترك الباقي لا
يستحقّ الذم مع أنّه أخلّ بالواجب ، ولكن يستحقّ الذمّ عليه على بعض الوجوه ، وهو
أن لا يأتي بواحدة منها ، فلو لا هذا الاحتراز لانتقض الحدّ ، ولا نقض مع اعتباره (ق
، ش ، ٣٩ ، ١١)
ـ حدّ الواجب : هو
ما للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ، أو للإخلال به تأثير في استحقاق الذمّ (ق ،
ش ، ٤١ ، ٢)
ـ الواجب ما به
ترك قبيح (ق ، ش ، ٤١ ، ٥)
ـ أمّا أفعال
العباد فعلى ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، والآخر ليس له صفة
زائدة على ذلك ، وما هذا سبيله فإنّه تعالى لا يريده ولا يكرهه. وما له صفة زائدة
على حدوثه وصفة جنسه فعلى ضربين : أحدهما قبيح والآخر حسن ، فما كان قبيحا فإنّه
لا يريده البتّة بل يكرهه ويسخطه. وما كان حسنا فهو على ضربين : أحدهما له صفة
زائدة على حسنه ، والآخر ليس له صفة زائدة على حسنه. وهذا الثاني إنّما هو المباح
، والله تعالى لا يجوز أن يكون مريدا له على ما سنبيّنه من بعد إن شاء الله تعالى.
وأمّا الأول ، وهو ما يكون له صفة زائدة على حسنه فهو الواجب والمندوب إليه ، وكل
ذلك مما يريده الله تعالى ، بدليل أنّ غاية ما يعلم به مراد الغير إنّما هو الأمر
، وقد صدر من جهة الله الأمر وما يكون أكبر من الأمر ، لأنّه تعالى كما أمر بذلك
فقد رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعّد عليه
بالعقاب العظيم ، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله (ق ، ش ، ٤٥٧ ، ١٠)
ـ التفضّل هو ما
يجوز لفاعله أن يفعله وأن لا يفعله ، والواجب هو ما لا يجوز له أن لا يفعله
(ق ، ش ، ٦١٩ ، ٢)
ـ إنّه لا بدّ من
تردّد الدواعي ولا تثبت الدواعي والصوارف إلّا إلى الفعل أو إلى أن لا نفعل ، وفي
كل واحد من الفعل وأن لا نفعل يتناول التكليف فيه على طريقين. ففي الفعل يستوي
جميعه في استحقاق المدح والثواب به إذا فعل على وجه مخصوص. ثم يفترقان في وجه آخر
وهو أنّه قد يكون الذي يستحقّ الثواب لفعله له مدخل في استحقاق العقاب بأن لا
يفعله وقد لا يكون كذلك. فالأوّل الواجب والثاني الندب. وأما في أن لا يفعل يستوي
جميعه في استحقاق الثواب أن لا يفعل على وجه مخصوص. ثم يقع الفرق من وجه آخر وهو
أنّه قد يستحقّ العقاب بفعل شيء منه دون غيره. فالأوّل هو القبيح والثاني هو ما
الأولى له أن لا نفعله من ترك المطالبة بالدين ، ولا يخرج كل ما يتناول التكليف
بأن يفعل وبأن لا يفعل عن ذلك (ق ، ت ١ ، ٢ ، ٢٤)
ـ من حق الواجب أن
يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله من وجب عليه (ق ، غ ٤ ، ١٥٥ ، ٤)
ـ قد علم باضطرار
أنّ في الأفعال ما إذا فعله الفاعل يستحقّ به المدح ، وإذا لم يفعله يستحقّ الذم ،
فعبّرنا عنه بأنّه واجب. وذلك نحو الإنصاف ، وشكر المنعم ، واعتقاد الفضل من
المحسن والمسيء ، إذا لم يعرض فيها وجه من وجوه القبح. فالعلم بما وصفناه من حالها
ضروريّ (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٣ ، ٤)
ـ أمّا من حدّ
الواجب بأنّه الفعل الذي تركه قبيح ؛ أو الفعل الذي إذا لم يفعله القادر فلا بدّ
من أن يفعله معه أو قبله فعلا قبيحا ؛ أو أنّه الفعل الذي يقبح للانصراف عنه ؛ أو
أنّه الفعل الذي أمر به ونهي عن تركه ، أو أريد وكره تركه ؛ أو أنّه الفعل الذي في
فعله مصلحة وفي تركه مفسدة ، فسنبيّن فساده من بعد (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٤ ، ١٨)
ـ إنّ كل فعل علم
من حال القادر عليه أنّه إذا لم يفعله يستحقّ الذمّ ، فيجب كونه واجبا (ق ، غ ٦ /
١ ، ٤٦ ، ١٢)
ـ اعلم أنّ الحسن
يفارق القبيح فيما له يحسن ، لأنّ القبيح يقبح لوجوه معقولة ، متى ثبتت اقتضت قبحه
، والحسن يحسن متى انتفت هذه الوجوه كلها عنه ، وحصل له حال زائدة على مجرّد
الوجود يخرج بها من أن يكون في حكم المعدوم. ولذلك لا يصحّ عندنا أن نعلم الحسن
حسنا إلّا مع العلم بانتفاء وجوه القبح عنه. ومتى ثبت كونه حسنا ، فإنّما يحصل
ندبا لحال زائدة ، وواجبا لحال زائدة. ولا يصحّ أن يكون ما له قبح القبيح جنسه ولا
وجوده أو حدوثه ، ولا وجود معنى نحو الإرادة وغيرها ولا انتفاء معنى (ق ، غ ٦ / ١
، ٥٩ ، ٦)
ـ أمّا الواجب فلا
بدّ من أن يحصل له صفة زائدة على حسنه ، ويكون المقتضي لذلك فيه حصول وجه يقتضي
وجوبه نحو كونه إنصافا ، وشكرا لمنعم ، ولطفا في فعل الواجب ، إلى ما شاكله. فهذه
جملة قد نكشف بها ما له يحسن الفعل ويجب (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٢ ، ٢٠)
ـ إنّ وجوب الواجب
، لا يقتضي فعله لا محالة ؛ وإنّما نقول فيه : أنّه لا بدّ من أن يختاره لعلمه
بوجوبه ، من غير أن يكون ذلك واجبا ، كما أنّه إذا أخبر بأنّه سيفعل الشيء ، فلا
بدّ من أن يفعله ، ليكون صادقا في وعده ؛ لأنّ الخبر أوجب ذلك (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٠٣
، ١٣)
ـ إنّ القديم
تعالى يعرّف حال الواجب ، إمّا باضطرار ، وإمّا بنصب الأدلّة. ولمكان
التعريف يجب على
المكلّف ؛ لأنّ الواجب يجب بإيجاب موجب يفعل إيجابه ، أو يفعل علّة تقتضي وجوبه.
فالمنبّه أيضا إنّما يفعل ما عنده يجب الواجب ، لا أنّه يوجبه عليه في
الحقيقة ، وإنّما
يجعل الإيجاب متعلّقا بالتنبيه دون الفعل من حيث تقدّم الفعل ولا إيجاب ، ومتى حصل
التنبيه تبعه الإيجاب ، فالحال فيهما إذا لا يختلف (ق ، غ ١١ ، ١٤٢ ، ١٤)
ـ إنّ الفعل قد
يكون واجبا على القادر على ضرب من الترتيب ، فلا يصحّ أن يقال بوجوبه على خلاف ذلك
الترتيب ؛ ألا ترى أنّ الإصابة التي من حقّها ألّا تقع إلّا في العاشر تكون واجبة
عليه ، بأن يفعل سببا فتحصل في العاشر ، وإن كان لا يقال : إنّها واجبة وقد فات
السبب ، وإنّما يراد بذلك أنّه لا يجب عليه أن يبتدئ بما يؤدّي إلى الإصابة في
العاشر ؛ لأنّ ذلك متعذّر ، ولا يخلّ ذلك بوجوبها على الترتيب الأول ، فكذلك القول
في الصلوات : إنّها واجبة على البرهميّ على ترتيب المعارف ، وإن كان لا يوصف
بأنّها واجبة عليه على خلاف ذلك الترتيب (ق ، غ ١١ ، ٤٢٣ ، ١٧)
ـ أمّا الندب
والواجب فقد تقرّر في العقل استحقاق المدح بهما ، ودلّ الدليل على استحقاق الثواب
عليهما ، لأنّا قد بيّنا أنّ إلزام الشاقّ لا يحسن إلّا على جهة التعريض للمنفعة ،
وكما تقرّر ذلك في العقل فقد ثبت أنّ القبيح يستحقّ به الذمّ والعقاب وأنّ الإخلال
بالواجب كمثل ، وأنّه إذا لم يفعل القبيح على وجه مخصوص يستحقّ المدح والثواب (ق ،
غ ١١ ، ٥٠٥ ، ١٧)
ـ أمّا صفة الفعل
فقد بيّنا أنّه يجب أن يكون حسنا وله صفة زائدة على حسنه حتى يصير واجبا أو تفضّلا
أو ندبا (ق ، غ ١١ ، ٥١١ ، ١١)
ـ إنّا لا نقول
أولا إنّ الواجب إنّما يكون واجبا بإيجاب موجب على الإطلاق ، لأنّه يقتضي أن يحصل
واجبا لعلّة يفعلها المكلّف ، فيكون واجبا لذلك الواجب لأجلها ؛ وليس الأمر كذلك ،
لأنّ الواجب لا يكون واجبا لعلّة ، ولا الحسن يحسن لعلّة (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٢ ، ١٣)
ـ إنّ الواجب على
ضربين : أحدهما يعلم باضطرار ، والآخر باستدلال. فمتى علم ذلك باضطرار من حال
الأول ، ونظر في الدليل فعلم ذلك من حال الثاني ، صحّ أن يعلم وجوبه وإن لم يعرف
الناصب للأدلّة ؛ بل لو اعتق أنّها لم تحصل بنصب ناصب ، لم يؤثّر ذلك في حصول
علمه. فإذا ثبت ذلك ، فقد سقط ما ظنّه من بعد. لأنّه قدّر أنّا إذا لم نعرف الموجب
، لم نعرف إيجابه ؛ وإذا لم نعرف ذلك ، لم نعرف وجوب الفعل ، والأمر بالضدّ مما
قاله ، لأن نعلم وجوب الواجبات أولا ثم نعلم أنّ لها موجبا قد نصب عليها الأدلّة
وأقام فيها الحجّة (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٣ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ الواجب
يختلف ، ففيه ما لا يعلم الوجه الذي له يجب من جهة العقل ، فيفتقر فيه إلى السمع ،
ومنه ما تعلم جهة وجوبه عقلا. يبيّن ذلك أنّا نعلم وجوب ردّ الوديعة من جهة العقل
، ولا نفتقر فيه إلى سمع من حيث علمنا الوجه الذي له يجب. فيجب أن ننظر في الوجه
الذي له يجب النظر في معرفة الله. فإن علمناه من جهة العقل ، فارق الصلاة ، وإلّا
صحّ ما أورده السائل. وقد علمنا أنّ ذلك يعلم عقلا ، لأنّه يخاف من تركه حرفا
صحيحا. وكل من خاف من ترك شيء ، وأمل بزوال ما نخافه بفعل أمر مخصوص ، لزمه ذلك.
فإذا كان هذا
وجه وجوبه على ما
نبيّنه ونفسّره ، وكان يعلم من جهة العقل ، فيجب أن يجري مجرى ردّ الوديعة في أنّه
لا يفتقر فيه إلى سمع. وليس كذلك حال الصلاة ، لأنّه الوجه الذي له تجب لا يعلم
إلّا سمعا ، لأنّها لطف في سائر الواجبات ، وهذا لا طريق للعقل إليه. فلذلك وقفنا
في وجوبها على السمع. والسمع ، فإنّما نعلم صحّته بأن نعرف الله ، تعالى ، وأنّه
حكيم لا يفعل القبيح. فوجب أن تتقدّم للمكلّف معرفة الله ، تعالى ، ومعرفة السمع
جميعا ، ليعلم وجوب الصلاة (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٤ ، ١٤)
ـ إنّه لا يمتنع ،
في الواجب إذا وجب شرعا ، أن يكون وجه وجوبه ما ذكرته ، لأنّه إنّما يجب للمصلحة ،
فعلى الوجه الذي يعلم الحكيم وقوع المصلحة به يوجبه. وليس كذلك ما يجب عقلا ، لأنّ
الذي له يجب من الوجوه معلوم بالعقل. فيجب على المكلّف أن يؤدّيه على الوجه الذي
يلزم بالعقل ، ولا يعتبر بما سواه من الوجوه التي قد تختصّ كثيرا من الواجبات بأن
تجب عليها (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٨ ، ١٤)
ـ إنّ الواجب في
أنّه يستحقّ الذي بأن لا يفعله ، كالقبيح في أنّه يستحقّ الذمّ بفعله. وقد ثبت
أنّه متى علم ما له يقبح الفعل وثبوته في الفعل فذلك الفعل قبيح منه لا محالة.
فكذلك إذا علم ما له يجب الفعل وثبوته في فعل معيّن ، فلا بدّ من أن يكون واجبا
عليه. ولا يمكن لأحد أن يخالف في هذه الجملة ، إلّا بأن يدّعي في الفعل أنّ ما له
يجب ، سوى ما قلناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤٩ ، ١)
ـ بيّنا بوجوه
كثيرة أنّ القبيح والحسن والواجب لا يجوز أن يختصّ بذلك من جهة السمع ، وأنّ من لا
يعرف السمع ولم يستدلّ على صحّته ، ويعرف أحكام هذه الأفعال ، ولو لم يتقدّم له
العلم بها ، لم يكن ليصحّ أن يعرف السمعيّات أصلا ، بل كان لا يصحّ أن يعرف
النبوّات (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١١)
ـ متى قلنا ، في
الواجب : إنّه تعالى أوجبه ، فالمراد بذلك أنّه عرف إيجابه ووجه وجوبه ، أو دلّ
على ذلك من حاله. لأنّه لا يصحّ أن يوجبه إلّا على هذا الوجه ، من حيث ثبت أنّ
الواجب لم يكن واجبا لعلّة ، فيقال : إنّه تعالى يوجب الواجب بأن يفعلها ، لأنّ
ذلك كان يخرج الواجب من أن يقع من أحد باختياره إلى أن يقع لأجل العلّة الموجبة له
، وفي هذا إبطال كونه واجبا. فإذا صحّ ذلك ، لم يكن واجبا بنفس الأمر ، فيجب أن
يكون واجبا لما ذكرناه. لكنه تعالى قد فصل بين الأدلّة على ذلك ، فربما دلّ على
وجوبه من جهة مجرّد العقل ، وربما عرف وجوبه بالعادات أو عند ورود الأخبار ، وربما
عرف وجوبه بالسمع. وفي جميع هذه الوجوه لا بدّ من أن يكون فعله وجوبه في جميعه
متقرّرا معروفا بالعقل ، إمّا على جملة وإمّا على تفصيل ؛ ويكون مدخل السمع في ذلك
إلحاق السمعيّات بالجملة العقليّة (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ٢١)
ـ إنّ ما يصير
ملجأ إليه ، يصير آكد من الواجب ، وإن فارقه في حكمه ؛ ولا تنتهي سائر الواجبات
إلى هذا الحدّ. وذلك مما يبيّن لك أنّ هذا الوجه في الوجوب آكد من سائر الوجوه
التي ذكرناها. فإذا صحّ ذلك ، وخاف الضرر إذا هو لم يفعل النظر من وجه صحيح من
وجوه الخوف ، وأمّل زوال ذلك بفعل النظر ، فمن حقّه أن يكون واجبا (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٢
، ١٥)
ـ لا بدّ من أن
يكون الضرر الذي يخافه بترك الفعل ، أكثر مما يلحقه من المضرّة بنفس ذلك الفعل ،
حتى يكون دافعا للضرر الكثير بالمشقّة اليسيرة. فأمّا لو تكافئا وتعادلا وعلم ذلك
من حالهما ، لما وجب الفعل ولكان هذا الناظر مخيّرا والوجوب ساقطا. وإنّما يجب
الفعل ، إذا كان حاله ما ذكرناه. ومتى عظم التفاوت فيما يزيله من المضرّة لحقّ
ثبات الإلجاء ، وإذا تفاوت لحقّ ثبات الوجوب ، خصوصا متى كان الضرر مؤجّلا غير
معجّل. فإذا أصبحت هذه الجملة ، وقد صحّ أنّه لا يمتنع في النظر في باب الدنيا أن
يصير بهذه الصفة ، فينبغي أن يكون واجبا ؛ وكذلك النظر في باب الدين. ويجريان ،
متى صارا كذلك ، مجرى كل فعل يحرز به من ضرر عظيم ، لأن اختلاف الأفعال لا يؤثّر
في أنّ الكل منها إذا اتّفق في وجوب الوجوب اتّفق في الوجوب أن لا معتبر في هذا
الباب بجنس الفعل ولا بسائر صفاته ، وإنّما المعتبر بحصول وجه الوجوب فيه (ق ، غ
١٢ ، ٣٥٨ ، ١٩)
ـ إنّا لا نجوّز
أن يكون الواجب واجبا لموجب أوجبه على وجه ، ويجوّزه على وجه آخر ؛ فكل واحد من هذين
الوجهين معقول. فأمّا ما نأباه ، فهو القول بأنّه لا صفة للواجب تجب لأجله ، وأنّه
إنّما يجب لأجل أمر أو اختيار مختار ، لأنّ هذا الوجه فاسد عندنا على ما بيّناه في
أول باب العدل. والذي نجيزه في هذا الباب أن يكون واجبا بإيجابه تعالى من حيث
أعلمنا وجوبه ووجه وجوبه ، أو نصب لنا الدلالة على ذلك من حاله. وجعلنا بحيث يجب
علينا الواجب ويقبح منّا القبيح ، ونستحقّ فيهما المدح والذمّ والثواب والعقاب.
وهذا معقول ، وإنّما صرفنا الإيجاب إلى هذا الوجه لأنّ الدلالة قد دلّت على أنّ
الواجب لا يكون واجبا لعلّة هي الإيجاب ، فيضاف وجوبه إلى فاعل علّته ، كما نضيف
تحرّك الجسم إلى فاعل الحركة. لأنّ ردّ الوديعة واجب لا لعلّة ، وكذلك شكر المنعم
، لكن لأنّهما ردّ للوديعة وشكر لمنعم ؛ وكذلك القول في سائر الواجبات (ق ، غ ١٢ ،
٤٨٩ ، ١١)
ـ إنّ الواجب لا
يجب لأجل الثواب وإنّما يستحقّ ذلك به متى ثبت له وجه وجوب ، فيجب أن يبيّن ذلك (ق
، غ ١٢ ، ٥٠٥ ، ٢٠)
ـ إنّ من حق
الواجب أن يفعله من وجب عليه لما له وجب. ومتى فعله لا لهذا الوجه لم يحسن. ألا
ترى أنّ أحدنا في العقليّات متى فعل الواجب لا لما له وجب لم يحسن منه أن يفعله
عليه إذا كان الوجه الذي عليه وجب معتبرا فيما له يفعله فاعله (ق ، غ ١٣ ، ٣٩١ ، ٨)
ـ إنّ في الأفعال
الحسنة ما يعلم من حاله أنّ فاعله يستحقّ المدح بفعله ، ولا يستحقّ الذمّ بألّا
يفعله على وجه ، وفيها ما يستحقّ الذمّ بألّا يفعله على بعض الوجوه ، فوصف هذا
القسم بأنّه واجب ، ليفرّق بينه وبين ما عداه ، فكان الغرض بهذه اللفظة أنّ الفعل
له مدخل في استحقاق الذمّ بألّا يفعل ، فكل ما هذا حاله ، وصفه بأنّه واجب تفرقة
بينه وبين ما لا مدخل له في ذلك. ولسنا ندخل استحقاق الذمّ بفعله في الحدّ ، لأنه
قد يساويه في ذلك ما ليس بواجب ، ويجب أن يحدّ الشيء بما به يبيّن من غيره ، والذي
به يبيّن الواجب من غيره ما قدمناه ، وقد دخل في ذلك ما يستحقّ الذمّ بألّا يفعل
ذلك بعينه ، أو بألا يفعل إذا لم يفعل ما يقوم مقامه ، ودخل في ذلك كل واجب ، على
اختلاف وجوه وجوبه
، لأنّ لجميع ذلك مدخلا في استحقاق الذمّ بألّا يفعل ، وصار الواجب في حكم الضدّ
للقبيح ، لأنّه الذي له مدخل في استحقاق الذمّ بأن يفعل ، وللواجب مدخل في استحقاق
الذمّ بألّا يفعل (ق ، غ ١٤ ، ٧ ، ٣)
ـ إنّ الواجب في
حقيقته لا يختلف بالفاعلين : قد بيّنا في باب الصفات أنّ الحقائق لا تختلف في
الشاهد والغائب ، عند الدلالة على أنّ حقيقة العالم لا تختلف ، وتلك الجملة تبيّن
في حقيقة الواجب أنّها لا تختلف (ق ، غ ١٤ ، ١٣ ، ٢)
ـ إنّ الواجب لا
يكون واجبا لعلّة ، وإنّما يجب لوجوه يختصّ بها ، وإنّ ذلك يصحّ في فعل كل فاعل.
وبيّنا أنّ الإيجاب منفصل من كون الواجب واجبا ، فلا يمنع من أحد الأمرين ، لأجل
المنع من الآخر (ق ، غ ١٤ ، ١٤ ، ١٥)
ـ إن قال : فأنتم
تقولون في الثواب إنّه تفضّل من الله سبحانه ، فكيف يصحّ أن تقولوا إنّه واجب ،
واجتماع ما بين الصفتين يستحيل. قيل له : قد بيّنا أنّ وصفنا له بأنّه تفضّل مجاز
، وإنّما أجريناه عليه ، من حيث تفضّل بأسبابه ، وإلّا فهو في الحقيقة واجب ، لأنّ
المعلوم من حاله ، أنّه تعالى لو لم يفعله لاستحقّ الذمّ ، كما يستحقّه أحدنا إذا
لم يفعل الإنصاف ؛ وإنّما نقول في جميع ما يجب عليه تعالى إنّه تفضّل ، على هذا
الحدّ ، لأنّه متفضّل بأسبابه ، لأنّه إذا لم يخلف ومكّن تعويضا للثواب والعوض ،
فقد تفضّل بسببهما ، فصار كأنّه متفضّل بهما ، كما أنّ أحدنا إذا تفضّل بهبة الثوب
، فكأنّه متفضّل بثمنه ، إذا باعه الموهوب منه ، متى كان قصده بالهبة تعويض النفع.
فإذا صحّ أنّ الواجب قد يجب عليه تعالى ، وأنّه لا مانع يمنع من إطلاق ذلك فيه ،
فيجب ألّا تختلف حقيقته في الشاهد والغائب. وليس يجب إذا لم يصحّ دخول كثير من
الواجبات التي قد تجب علينا في أفعاله ، أن يؤثّر ذلك في حقيقة الواجب عليه وعلينا
، وذلك لأنّ ردّ العوض قد يصحّ وجوبه علينا ، لفعل تقدّم ، وذلك لا يتأتى فيه تعالى
، ولا يمنع ذلك فيما يصحّ أن يجب من أفعاله ، أنّ حقيقته لا تفارق حقيقة الواجب
علينا ، كما أنّه تعالى قد يحسن بأفعال يستحيل منّا الإحسان بمثلها ، كالحياة
والقدرة ، ولا يمنع ذلك من حقيقة كونه محسنا ، لا تفارق حقيقته في الواحد منّا (ق
، غ ١٤ ، ١٥ ، ٢)
ـ إنّ للقبيح حكما
يناقض حكم الواجب ، لأنّه بأن يفعل يستحقّ الذمّ عليه ، والواجب أن يستحقّ الذمّ
فيه بألّا يفعل (ق ، غ ١٤ ، ١٦ ، ٤)
ـ إنّ من حق
القبيح أن يستحقّ بفعله الذمّ ، مع سلامة الحال ؛ ومن حق الواجب أن يستحقّ به
المدح ، وذلك يتنافى ؛ فمن هذين الوجهين يمتنع كون الفعل واجبا وقبيحا. وإذا انتفى
كونه قبيحا ، فيجب كونه حسنا (ق ، غ ١٤ ، ١٦ ، ١١)
ـ إنّا لم نقل إنّ
الفعل إذا اقترن به الإلجاء ، فلا بدّ من كونه واجبا ، وإنّما قلنا ذلك فيما ثبت
فيه وجه الوجوب ، ولذلك جوّزنا كون الفعل قبيحا مع الإلجاء ، متى أردت بأنّه آكد
من الإيجاب : أنّه لا بدّ من وقوعه من جهة الملجأ ، وأنه في هذا الوجه يزيد على
الواجب ، وهذه الصفة عامّة في الجميع (ق ، غ ١٤ ، ٢١ ، ٨)
ـ اعلم أنّ الواجب
على ضربين : أحدهما يجب على القادر لأمر يخصّه ، والثاني يجب عليه لحق الغير. فما
يجب لأمر يخصّه هو الذي يصحّ في العباد ، كردّ الوديعة وقضاء الدين ، وشكر المنعم
، والألطاف العقليّة والسمعيّة.
وقد تقدّم بيان
ذلك من قبل. وليس لهذا الوجه مدخل فيما نحتاج أن نكلّم به أصحاب الأصلح. والثاني
هو الذي يصحّ في القديم سبحانه في العباد. فالواجب يقتضي القول فيه (ق ، غ ١٤ ، ٢٤
، ٣)
ـ اعلم أنّ الوجه
الذي له يجب الواجب ، غير الوجه الذي له يحسن من الموجب ، وقد بيّنا من قبل أنّ
الإيجاب فعل الموجب ، والواجب فعل المكلّف الذي أوجب عليه وألزم ، وأحدهما منفصل
من الآخر ، فلا يمتنع اختلاف حكميهما ، بل الواجب في كل واحد منهما أن يعتبر بنفسه.
وبيّنا أن تعلّق أحدهما بالآخر ، ليس بأكثر من تعلّق الدفع بالآخر ، فكما قد يجب
على القادر المكره دفع ماله إلى المكره ، ويقبح من المكره الأخذ ، فكذلك لا يمتنع
أن يحسن الإيجاب ، لوجه سوى الوجه الذي له يجب الواجب له (ق ، غ ١٤ ، ٢٩ ، ١٥)
ـ لا بدّ للواجب
من وجه يجب لأجله ، ومتى لم يعلم ذلك على جمله أو تفصيله ، لم يحصل العلم بوجوبه ،
وليس لابتداء الخلق وجه يمكن تعليق الوجوب به ، فيجب نفي وجوبه (ق ، غ ١٤ ، ١١٠ ،
١٨)
ـ أما الواجب
والندب فقد يستحقّ بهما المدح والثواب ، ومتى كان الإحسان تفضّلا استحقّ به الشكر
وضربا من التعظيم ، ومتى كانت النعمة مستقلّة بنفسها عظيمة ، استحقّ بها العبادة ،
وقد يستحقّ بذلك إسقاط الذمّ والعقاب بواسطة ، على ما قدمناه ، وقد يستحقّ
بالإحسان إسقاط الذمّ المخصوص بواسطة ، وكذلك بالإساءة يستحقّ سقوط الشكر بواسطة.
فأما الدعاء للمكلّف وعليه ، والتعظيم والاستحقاق واللعن وما شاكله ، ففيه ما
يتعلّق بالشرع ، وجميعه يعود إلى مثل حكم المدح والذمّ (ق ، غ ١٤ ، ١٧٢ ، ١٤)
ـ في ذكر حدّ
الواجب وحقيقته. قد بيّنا من قبل أنّه الفعل الذي يستحقّ بألّا يفعل الذمّ ، على
بعض الوجوه ، إمّا بألّا يفعله بعينه ، أو لا يفعله ولا يفعل ما يقوم مقامه ،
وبيّنا أنّه في بابه كالنقيض للقبيح ، لأنّه الذي يستحقّ الذمّ بأن يفعل ، فالواجب
يستحقّ الذمّ بألّا يفعل. يبيّن ما قلناه إنّه متى علمنا من حال الفعل ما وصفناه ،
علمناه واجبا ، ولا نعلمه واجبا إلّا إذا علمنا ذلك ، فيجب أن يكون هذا حدّه
وحقيقته ، لأنّا متى لم نجعله حدّه وحقيقته ، لم يكن هناك أمر معقول (ق ، غ ١٤ ،
١٨٥ ، ٢)
ـ إنّ الواجب قد
يعلم واجبا ، وإن لم يعلم الترك للقبيح. ثم بعد العلم بوجوبه يحكم بقبح تركه ،
فكما لا يصحّ أن يحدّ القبيح بأنّ له تركا واجبا لهذه العلّة ، فكذلك القول في
الواجب (ق ، غ ١٤ ، ١٩٥ ، ١٠)
ـ فإن رجعوا علينا
بالمسألة ، فقالوا : خبرونا عن واجب له تركان قبيحان. أليس إذا تركه بأحدهما ،
وذلك الترك ترك لقبيح وترك لواجب ، فيلزمكم أن يستحقّ عليه الثواب من حيث كان تركا
لقبيح ، والعقاب من حيث كان تركا لواجب؟ ومتى قلتم إنّ هذا الترك بأن يستحقّ عليه
العقاب أولى ، ولا معتبر بكونه تركا للترك الآخر القبيح ، قلنا بمثله فيما
ألزمتموناه. قيل لهم : إنّ هذا الترك إنّما يقبح لكونه تركا للواجب ، من حيث هو
ترك للترك الآخر ، لأنّا نعلم وجوبه لأجل قبح الآخر ، من حيث كان العلم بقبحه وقبح
الآخر ، يتبعان العلم بوجوب الواجب ، فلا حظّ له في
الوجوب ، فلذلك
قلنا بأن العقاب بأن يستحقّ عليه أولى. وبعد ، فلو قلنا إنّه يستحقّ عليه العقاب
ويستحقّ فاعله الثواب ، بأن لم يفعل الترك الآخر القبيح ، على مذهبنا ، لجاز ،
وليس كذلك ما قاله القوم ، لأنّا ألزمناهم الترك الذي ليس بأن يقال فيه إنّه واجب
، لكونه تركا للقبيح ، بأولى من أن يقال فيه إنّه قبيح ، لأنّه ترك لواجب ، من غير
أن يمكنهم أن يثبتوا لإحدى الصفتين مزية على الأخرى ، ولأنه لا يمكنهم أن يقولوا
فيه : إنه يستحقّ على الترك العقاب ، ويستحقّ الثواب على أن لم يفعل الأمر الآخر ،
لأنّ ذلك متى قالوه ، فقد وافقونا في استحقاق الذمّ ، ولزمهم أن يقولوا في هذه
المسألة ، التناقض ، ولم يلزمنا مثله (ق ، غ ١٤ ، ٢٨٣ ، ٥)
ـ قولنا في الفعل
إنّه واجب ، يتضمّن التمكين ، والتخلية ، وارتفاع الموانع ، لكن الأولى أن يذكر
معه ارتفاع الأعذار ، مما لا يزيل وجوب الواجب ، ولا يخرج المكلّف من أن يكون
متمكّنا مخلّى بينه وبين الفعل ، لكنه يؤخّر أداء الواجب. وقد ثبت ذلك في الحقوق
العقليّة والسمعيّة (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٦ ، ١٣)
ـ إنّ الواجب قد
يكون مضيّقا ، ومخيّرا فيه. ففي المضيّق يستحقّ الذمّ بألّا يفعل ذلك العين ، أو
ذلك الجنس ، على الوجه الذي وجب في الوقت المخصوص ؛ وفي المخيّر فيه يستحقّ الذمّ
متى لم يفعل الجميع. فأمّا إذا لم يفعل البعض وفعل البعض الآخر ، فإنّه لا يستحقّ
الذمّ ، لأنّه قد قام بالواجب ، من حيث لا يلزمه الجمع بينهما ، وإنّما يلزمه
الواحد منها (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٧ ، ١٢)
ـ إنّ الواجب ،
إذا وجب على المكلّف ، وعلم أنّه لا يتمّ إلّا بغيره ، من سبب ، أو مقدّمة ، أو
طلب آلة ، وجب ذلك كوجوب نفس الفعل. وذلك يبيّن أنّه متى علم من حال الفعل أنّ ،
عنده ، يختار الواجب العقلي ، ولولاه لم يكن ليختار علم وجوبه ، وأن هذا الوجه ،
في أنّه يقتضي وجوب الفعل ، بمنزلة سائر وجوه الواجبات ، مثل كونه إنصافا ، وشكر
المنعم ، إلى ما شاكل ذلك ؛ لأنّ وجه الوجوب لا يختلف بالفاعلين (ق ، غ ١٥ ، ٣٧ ،
٦)
ـ طريقتنا ، في كل
فعل نوجبه لأجل وجوب غيره ، أنّا نثبت له وجه وجوب سوى الوجه الذي له يجب الفعل
الآخر ، وإن كان وجه وجوبه يعلّقه بالفعل الآخر (وكونه) وصلة إليه. وعلى هذا الوجه
، نقول في الواجب ، إذا لم يقع إلّا متولّدا إنّ سببه واجب. وإذا لم يمكنه فعل ذلك
السبب إلّا بتحصيل آلة وجب تحصيلها. وعلى هذا الوجه ، بنينا الكلام في وجوب النظر
والمعارف. ولهذا قلنا : إنه تعالى ، إذا لم يصح أن يثيب إلّا بقطع حال التكليف عن
حال الثواب ، وبالإعادة بعد الفناء وأحوال كثيرة ، إنّه لا بدّ من وجوبها عليها. ولم
نقل إنّه يجب عليه ما ليس له وجه الوجوب. فكذلك القول فيما ذكرناه من اللطف ،
لأنّا قد بيّنا أن سبيل ما يختار الواجب ، عنده ، سبيل ما يتمكّن فيه ويصل به إليه
(ق ، غ ١٥ ، ٤٠ ، ١٨)
ـ إنّ ما له يجب
تعريف الواجب له ، يجب تعريفه بما لا يتمّ ذلك الواجب إلّا به ومعه. ثم لا اعتبار
بما له وجب ذلك ، فلا يمتنع في المدبّر منّا لولده أن يلزمه ذلك للوجه الذي للوجه
الذي ذكرتم. وربما يلزمه ذلك ، لحاجة (نفس المدبّر إليه ، إذا كان يلزمه النظر في
مصالحه.
فالقديم تعالى ،
وإن استحالة الحاجة عليه ، فإنّه لا يمتنع أن يلزمه ذلك لحاجة) غيره ، إذا تضمّن
بالتكليف المتقدّم ما لا يتمّ إلّا به ومعه (ق ، غ ١٥ ، ٥٣ ، ٥)
ـ إنّ حال الواجب
، في صفة وجوبه ، لا تختلف. فلو لم يعرّفه تعالى لكان له صفة الواجب ؛ لكنّه كان
لا يعرّفه فكان اللوم يزول عنه ، كما يزول اللوم في القبيح متى لم يعرّفه ، وكان
يكون اللوم لازما للمكلّف المعرّف ؛ لأنّه ، بالتكليف المتقدّم ، قد وجب عليه التمكين
(ق ، غ ١٥ ، ٥٣ ، ١٦)
ـ إنّ الواجب
يختصّ الموجود ، لأنّه لا يكون إلّا حسنا ، والحسن لا يكون إلّا موجودا ، لأنّه
يقتضي وقوعه على وجه ، فلو وجد لا على ذلك الوجه لم يستحقّ هذا الوصف ، وإذا كان
معدوما فبأن لا يستحقّه أولى ، لكن التعارف يقتضي فيه ما ذكرناه ؛ ولذلك لا يقال
في الدين المؤدّى إنه واجب ، ويقال ذاك فيه (و) لما أدّى ، وكل خبر اقتضى بلفظه
وجوب الأفعال ، أو بمعناه فلا بدّ من أن يدلّ على وجوب الفعل ، فإن كان اللفظ
خاصّا دلّ على وجوبه ، على حدّ الخصوص وإن كان عامّا فعلى طريقة العموم (ق ، غ ١٧
، ١٠٤ ، ١٢)
ـ الواجب وهو :
الذي يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله ، على بعض الوجوه ، والمدح بأن يفعله (ق ، غ ١٧ ،
٢٤٧ ، ١٣)
ـ أمّا"
الواجب" ، فهو ما ليس لمن قيل له : " واجب عليه" ، الإخلال به على
كل حال. ودخل في ذلك الواجب المعيّن والمخيّر فيه. لأنّه ليس لنا الإخلال بالواجب
حتى نخلّ به ، وبجميع ما يقوم مقامه. ويحدّ أيضا بأنّه : " الذي للإخلال به
مدخل في استحقاق الذمّ" أو : أنّه فعل على صفة تؤثّر في استحقاق الذمّ على
الإخلال به. أو : أنّه الذي يستحقّ الذمّ بالإخلال به ، ما لم يمنع من ذمّه مانع.
وإنّما لم نحدّه بأنّه : الذي يستحقّ ، من لم يفعله ، الذمّ. لأنّ الفعل قد يكون
واجبا فيخلّ به الإنسان ، فلا يستحقّ ذمّا إذا فعل بدله ؛ أو إذا كان مستحقّا من
المدح أكثر مما يستحقّ على الإخلال بذلك الواجب من الذمّ ، أنّه لمّا كان للإخلال
بهذا الواجب مدخلا في استحقاق الذمّ ، وكان مؤثّرا في استحقاقه ، دخل في الحدود
التي ذكرناها (ب ، م ، ٣٦٨ ، ٤)
ـ الواجب : ما أمر
الله تعالى به على وجه اللزوم ، وتاركه مستحقّ للعقاب على تركه (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ٣)
ـ زعمت المعتزلة
والبراهمة أنّ العقول طريق إلى معرفة الواجب والمحظور ، وزعم أكثرهم أنّ القبيح في
العقل هو الضرر الذي ليس فيه نفع ولا هو مستحقّ (ب ، أ ، ٢٦ ، ٢)
ـ قال أصحابنا كل
ما علم الله وجوبه أو تحريمه فالشرع أوجب ذلك فيه. ولو لم يرد الشرع بالخطاب لم
يكن شيء واجبا ولا محظورا ، وكان جائزا من الله عزوجل أن لا يكلّف عباده شيئا (ب ، أ ، ١٤٩ ، ٢)
ـ الواجب كل ما
يستحقّ المكلّف بتركه عقابا (ب ، أ ، ١٩٩ ، ٩)
ـ إنّه لا واجب
على أحد قبل ورود الشرع. ولو استدلّ مستدلّ قبل ورود الشرع على حدوث العالم وتوحيد
صانعه وصفاته وعرف ذلك ما كان يستحقّ به ثوابا. ولو أنعم الله عليه بعد معرفته به
نعما كثيرة كان ذلك تفضّلا منه عليه. ولو كفر إنسان قبل ورود الشرع ما كان مستحقّا
عقابا وإن عذبه عليه كان ذلك عدلا منه كابتدائه
بالإيلام ... من
لا ذنب له من الأطفال والبهائم (ب ، أ ، ٢٠٢ ، ١٤)
ـ حقيقة الواجب ما
يستحقّ بتركه العقاب ، والحرام ما يستحقّ بفعله العقاب (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ١٥)
ـ المراد بالواجب
الفعل الذي ورد الشرع بالأمر به إيجابا ، والمراد بالمحظور الفعل الذي ورد الشرع
بالنهي عنه حظرا وتحريما (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٩)
ـ إنّ العالم مثلا
، يصدق عليه أنّه واجب ، وأنّه محال ، وأنّه ممكن. أمّا كونه واجبا ، فمن حيث أنّه
إذا فرضت إرادة القديم موجودة ، وجودا واجبا ، كان المراد أيضا واجبا بالضرورة ،
لا جائزا ، إذ يستحيل عدم المراد مع تحقّق الإرادة القديمة. وأمّا كونه محالا ،
فهو أنّه لو قدّر عدم تعلّق الإرادة بإيجاده ، فيكون لا محالة حدوثه محالا ، إذ
يؤدّي إلى حدوث حادث بلا سبب ، وقد عرف أنّه محال. وأمّا كونه ممكنا فهو بأن ينظر
إلى ذاته فقط ، ولا يعتبر معه لا وجود الإرادة ، ولا عدمها ، فيكون له وصف الإمكان
، فإذا الاعتبارات ثلاثة : الأول أن يشترط فيه وجود الإرادة ، وتعلّقها فهو بهذا
الاعتبار واجب. الثاني أن يعتبر فقد الإرادة ، فهو بهذا الاعتبار محال. الثالث أن
يقطع الالتفات إلى الإرادة ، والسبب ، فلا يعتبر وجوده ، ولا عدمه ؛ ومجرّد النظر
إلى ذات العالم. فيبقى له بهذا الاعتبار الأمر الثالث ، وهو الإمكان ونعني به أنّه
ممكن لذاته ، أي إذا لم نشترط غير ذاته كان ممكنا (غ ، ق ، ٨٤ ، ١٠)
ـ أمّا الواجب
فإنّه يطلق على فعل لا محالة ، فإمّا يطلق على القديم بأنّه واجب ، وعلى الشمس إذا
غربت بأنّها واجبة ، وليس من غرضنا ، وليس يخفى أنّ الفعل الذي لا يترجّح فعله على
تركه ولا يكون صدوره من صاحبه بأولى من تركه لا يسمّى واجبا ، وإن ترجّح وكان أولى
لا يسمّى أيضا واجبا بكل ترجيح ، بل لا بدّ من خصوص ترجيح فعله (غ ، ق ، ١٦١ ، ٤)
ـ المخصوص باسم
الواجب ما في تركه ضرر ظاهر. فإن كان ذلك في العاقبة أعني الآخرة وعرف بالشرع فنحن
نسمّيه واجبا. وإن كان ذلك في الدنيا وعرف ذلك بالعقل فقد يسمّى ذلك أيضا واجبا (غ
، ق ، ١٦٢ ، ٢)
ـ المفهوم عندنا
من لفظ الواجب ، ما ينال تاركه ضرر ، إمّا عاجلا وإمّا آجلا ، أو ما يكون نقيضه
محالا ، والضرر محال في حقّ الله تعالى وليس في ترك التكليف وترك الخلق لزوم محال (غ
، ق ، ١٧٥ ، ٣)
ـ ليس شرط الواجب
أن يكون وجوبه معلوما ، بل أن يكون علمه ممكنا لمن أراده (غ ، ق ، ١٩٢ ، ٩)
ـ الواجب هو
ضروريّ الوجود بحيث لو قدّر عدمه لزم منه محال (ش ، ن ، ١٥ ، ٣)
ـ الذي نثبّته أنّ
الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود
وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد
من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه
الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى
الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد
بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ،
فاستقام كلامنا
لفظا ومعنى ، وانحرف كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ٩)
ـ نقول (الشهرستاني)
العموم إذا حصل معنى مفهوم من لفظ متصوّر في ذهن كان شموله بالسويّة ، لست أقول
شموله بالنسبة إلى سائر الموجودات ، بل أقول شموله بالنسبة إلى قسميه الأخصّين به
، وهو الوجوب والجواز ، والقول بأنّه في الواجب أولى. وأوّل تفسير لمعنى الواجب أي
هو ما يكون الوجود له أولى وأوّل ، حتى لو تركنا لفظ الواجب جانبا وقلنا الوجود
ينقسم إلى ما يكون الوجود له أولى وأوّل ، وإلى ما يكون الوجود له لا أولى ولا أوّل
، كان التقسيم صحيحا مفيدا لفائدة الأولى ، ثم الوجوب لا يفهم إلّا وأن يفهم
الوجود أوّلا ، حتى لو رفع الوجود في الوهم ارتفع الوجوب بارتفاعه ، وهو معنى
ذاتيّ ، فالوجود ذاتيّ للواجب بهذا المعنى ، وبمعنى أنّه أولى به ، وأنّه لذاته
وبذاته ، وأنّه لغيره على خلاف ذلك (ش ، ن ، ٢٠٥ ، ١٦)
ـ وقوع لفظ الواجب
على الواجب بالذات والواجب بالغير بالاشتراك اللفظيّ (ف ، م ، ٥٩ ، ١)
ـ أما عبّاد فإنّه
زعم أنّ ما علم الله أنّه يكون فهو واجب ، وما علم أنّه لا يكون فهو ممتنع ،
والواجب والممتنع غير مقدور (ف ، م ، ١٣٣ ، ٢١)
ـ إذا تحقّق ما
قرّرناه من امتناع الغرض في أفعاله ، ووجوب رعاية الصلاح والأصلح ، لزم منه هدم ما
بنى عليه من وجوب الثواب والعقاب والخلق والتكليف ، وغير ذلك مما عددناه من مذهبهم
، فإنّهم لم يقضوا بوجوبه إلّا بناء على رعاية الصلاح والأصلح لا محالة. ثم
إنّ" الواجب" قد يطلق على الساقط ، ومنه يقال للشمس والحائط إنّهما
واجبان ، عند سقوطهما. وقد يطلق على ما يلحق بتاركه ضرر. وقد يطلق على ما يلزم من
فرض عدمه المحال. والمفهوم من إطلاق اسم الواجب ليس إلّا ما ذكرناه ، وما سواه
فليس بمفهوم. ولا محالة أنّ الواجب بالاعتبار الأوّل غير مراد ، والثاني فقد بان
بأنّه مستحيل في حق ـ الله تعالى ـ لانتفاء الأغراض عنه ، والثالث أيضا لا سبيل
إلى القول به ، إذ الخصوم متّفقون على وجوب التمكين مما كلّف به العبد ، وكيف يمكن
حمل الوجوب على هذا الاعتبار مع الاعتراف بتكليف أبي جهل بالإيمان ، وهو ممنوع منه
، لعلم الله ـ تعالى ـ أنّ ذلك منه غير واقع ، ولا هو إليه واصل (م ، غ ، ٢٢٩ ، ١١)
ـ قالت المعتزلة :
إنّا لو قدّرنا أنّ الوعيد السمعيّ لم يرد ، لما أخلّ ذلك بكون الواجب واجبا في
العقل ، نحو العدل والصدق والعلم وردّ الوديعة ، هذا في جانب الإثبات ، وإمّا في
جانب السلب ، فيجب في العقل أن لا يظلم وأن لا يكذب وأن لا يجهل وأن لا يخون
الأمانة. ثم اختلفوا فيما بينهم فقالت معتزلة بغداد ، ليس الثواب واجبا على الله
تعالى بالعقل ، لأنّ الواجبات إنّما تجب على المكلّف لأنّ أداءها كالشكر لله تعالى
، وشكر المنعم واجب لأنّه شكر منعم ، فلم يبق وجه يقتضي وجوب الثواب على الله
سبحانه ، وهذا قريب من قول أمير المؤمنين عليهالسلام. وقال البصريّون بل الثواب واجب على الله تعالى عقلا كما
يجب عليه العوض عن إيلام الحيّ ، لأنّ التكليف إلزام بما فيه مضرّة ، كما أنّ
الإيلام إنزال مضرّة ، والإلزام كالإنزال (أ ،
ش ٤ ، ٣٨١ ، ١٨)
ـ إنّ الواجب له
علاقة العلّية والمبدئيّة بالغير (ط ، م ، ٩٦ ، ١٥)
ـ خواصّ الواجب أ
: إنّه لا يجب لغيره ، وإلّا ارتفع بارتفاعه ، وما بالذات لا يرتفع. ب : إنّه لا
جزء له ، وإلّا احتاج إليه ، فيكون ممكنا. ج : إنّه ليس جزءا لغيره لأنّه لا علاقة
له به. د : إنّ وجوده ذاته ، وإلّا فإن استغنى عنها فليس بصفة ؛ وإلّا ، فله مؤثّر
، وليس غيرها ، وإلّا كان ممكنا ؛ ولا هي ، لأنّها حال التأثير موجودة ضرورة إذ
العدم لا يؤثّر ، وإلّا بطل العلم بوجود الصانع ؛ فأمّا به فهو شرط نفسه ، أو
بغيره فتوجد مرّتين ، ويعود البحث فيه ... ه : إنّ وجوبه ليس زائدا ؛ وإلّا ، فإن
تبع الوجود ، كان ممكنا فالواجب أولى ـ وأيضا فقبله وجوب آخر لا إلى أوّل. وإن
تبعه صار الفرع أصلا ... و : إنّه واحد ، وإلّا غاير وجوبهما ماهيّتهما ، فإن لم
يتلازما كان اجتماعهما معلولا ، وإن استلزمت الهويّة الوجوب ، فهو ممكن ، أو
بالعكس ، فما ليس تلك الهويّة ليس واجبا (خ ، ل ، ٥٧ ، ١)
ـ الواجب لفظ
مشترك بين ما بالذات وما بالغير ، وإلّا فهو جزء من كلّ واحد منهما ، فإن استغنى
عن الغير ، صار موصوفه واجبا ، وإلّا فالواجب ممكن لاتّصافه به ... إنّه واجب من
جميع جهاته ، إذ لو اتّصف بما لا يكفي فيه ذاته ، لتوقّف على الغير لتوقّفه عليه ؛
وهو بناء على أنّ الإضافات عدميّة. إنّ عدمه ممتنع ، وإلّا فيتوقّف على عدم سببه.
إنّ ذاته يجوز أن تستلزم صفات واجبة بها ، والوجوب الذاتيّ والوحدة حصّة الهويّة (خ
، ل ، ٥٨ ، ٥)
واجب بذاته
ـ لفظ الواجب
بذاته : فإنّه إن أريد به ما ليس له صفات ذاتيّة ولا خارجيّة ، فهو نفس المصادرة
على المطلوب. وإن أريد به ما ليس له علّة خارجيّة عن ذاته ، ولا افتقار إلى غير
ذاته ، وسواء كان ذلك صفة أم لا ، فهو الصواب ؛ فإنّ الدليل لم يدلّ إلّا على ما
يجب انتهاء جميع الحادثات إليه ، وانقطاع تسلسل العلل والمعلولات عليه ، وهو غير
مفتقر إلى أمر خارج عنه ، لكن مثل هذا الواجب لا ينافي اتّصافه بالصفات الذاتيّة ،
إن لم تكن مفتقرة إلى أمور خارجيّة. ونحن وإن قلنا إنّه ذو صفات ذاتيّة ، فهي غير
مفتقرة إلى أمر خارج ، بل كل واحد منها واجب بذاته ، متقوّم بنفسه (م ، غ ، ٤٠ ،
١٣)
واجب عدل
ـ لقائل أن يقول
إن كان إنّما سمّي الواجب عدلا لأنّه داخل تحت طاقة المكلّف ، فليسم الندب عدلا
لأنّه داخل تحت طاقة المكلّف ، وأمّا قوله إنّما أمر بالندب لأنّه يجبر ما وقع فيه
التفريط من الواجب فلا يصحّ على مذهبه ، وهو من أعيان المعتزلة ، لأنّه لو جبرت
النافلة بالتفريط في الواجب لكانت واجبة مثله ، وكيف يقول الزمخشري هذا ومن قول
مشايخنا إنّ تارك صلاة واحدة من الفرائض لو صلّى مائة ألف ركعة من النوافل لم
يكفّر ثوابها عقاب ترك تلك الصلاة (أ ، ش ٤ ، ٣٤٣ ، ٢٥)
واجب على الأعيان
ـ أمّا"
الواجب على الأعيان" ، فهو الذي لا يقف استحقاق الذمّ على الإخلال به على ظنّ
لإخلال الغير به (ب ، م ، ٣٦٩ ، ١١)
واجب على الكفاية
ـ أمّا"
الواجب على الكفاية" ، فهو ما وقف استحقاق الذمّ على الإخلال به على ظنّ
إخلال الغير به. وذلك أنّ من يتمكّن من الجهاد ، إن أخلّ به وهو يظنّ أنّ غيره
يقوم به ، لم يستحقّ الذمّ ؛ وإن ظنّ أنّ غيره لا يقوم به ، استحقّ الذمّ (ب ، م ،
٣٦٩ ، ١٣)
واجب عليه تعالى
ـ ليس يوجب قولنا
: إنّ الشيء واجب على زيد إبانة نقص فننفي ذلك عن القديم ـ تعالى ـ ، ولا يقتضي
معنى الإلجاء فيزال عن القديم سبحانه ، ولا ينبئ عن لحوق المشقّة بالفعل فيحال
إجراؤه على القديم ـ تعالى ـ فما الذي يمنع من أن يوصف بعض مقدوراته بأنّه واجب
ولازم إذا حصل منه ـ تعالى ـ ما يقتضي وجوب ذلك عليه؟ وإنّما المستنكر أن يجب
الشيء عليه من قبل غيره. فأمّا إذا التزمه بفعله التكليف أو الآلام فلا وجه يمنع
منه ، لا من حيث المعنى ولا من حيث العبارة ، فكيف يصحّ أن يقال : إنّ إطلاق هذا
الوصف عليه يوهم فيجب أن ينفى عنه. ولا فرق بين من قال ذلك وبين من قال : إنّ
أفعاله لا توصف بأنّها حسنة ؛ لما فيه من الإيهام. وهذا قول يغني فساده عن تكلّف
الإكثار (ق ، غ ١١ ، ٤٢٩ ، ١٣)
واجب لذاته
ـ الشيء الواحد لا
يكون واجبا لذاته ولغيره معا (ف ، م ، ٥٧ ، ١٢)
ـ الواجب لذاته لا
يتركّب عن غيره (ف ، م ، ٥٧ ، ١٥)
الواجب لذاته لا
يتركّب عنه غيره (ف ، م ، ٥٧ ، ١٨)
ـ الواجب لذاته لا
يكون وجوده زائدا على ماهيّته (ف ، م ، ٥٧ ، ٢٠)
ـ الواجب لذاته لا
يجوز أن يكون وجوبه زائدا عليه (ف ، م ، ٥٨ ، ٧)
ـ الواجب لذاته
واجب من جميع جهاته (ف ، م ، ٥٩ ، ٩)
ـ الواجب لذاته لا
يصحّ عليه العدم (ف ، م ، ٥٩ ، ١٥)
ـ الواجب لذاته
يجوز أن تعرض له صفات تستلزمها ذاته (ف ، م ، ٥٩ ، ١٨)
ـ إذ الواجب لذاته
ما لو فرض معدوما لزم منه المحال لذاته لا لغيره (م ، غ ، ١٣ ، ١٠)
واجب مخيّر
ـ الواجب المخيّر
هو ما إذا لم يفعله القادر عليه ، ولا ما يقوم مقامه استحق الذمّ (ق ، ش ، ٤١ ، ١٩)
ـ مثال الواجب
المخيّر في العقل فهو : كقضاء الدين ؛ فإنّ من عليه الدين بالخيار ، إن شاء قضى من
هذا الكيس ، وإن شاء قضى من كيس آخر إذا كان النقد واحدا. وأمّا مثاله في الشرع ،
فهو : كالصلاة في الوقت ، فإنّ المكلّف مخيّر إن شاء صلّى وإن شاء عزم ،
وكالكفّارات الثلاث فإنّها أجمع واجبة على التخيير إن شاء أطعم ، وإن شاء كسى ،
وإن شاء أعتق (ق ، ش ، ٤٢ ، ٥)
ـ ينقسم (الفعل) :
فمنه ما يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله بعينه فيوصف بأنّه واجب مضيّق ، ومنه ما يستحقّ
الذمّ بأن لا يفعله إذا لم يفعل ما يقوم مقامه ، فيوصف بأنّه واجب مخيّر فيه (ق ،
غ ٦ / ١ ، ٨ ، ٥)
واجب مخيّر فيه
ـ أمّا"
الواجب المخيّر فيه" فهو الذي للإخلال به وبما يقوم مقامه مدخل في استحقاق
الذمّ. أو الذي ليس ، لمن قيل : " إنّه واجب عليه" ، أن يخل به وبما
يقوم مقامه. أو : الذي الإخلال به وبما يقوم مقامه مؤثّر في استحقاق الذمّ.
كالكفارات الثلاث (ب ، م ، ٣٦٩ ، ٨)
واجب مضيّق
ـ الواجب المضيق
هو ما إذا لم يفعله القادر عليه بعينه استحق الذم (ق ، ش ، ٤٢ ، ١)
ـ مثال الواجب
المضيّق في العقل فهو ، كرد الوديعة ، إذا جاء صاحبها وطالبه بالردّ فإنّه يجب
عليه ردّها بعينها ، ولا يقوم غيرها مقامها من قيمة أو بدل ؛ وإن كان يدخله
التخيّر من وجه آخر ، فإنّه مخيّر إن شاء ردّها باليمين ، وإن شاء ردّها باليسار.
وأمّا مثاله في الشرع فهو ؛ كالصلاة في آخر الوقت ، فإنّه يتعيّن عليه الصلاة ويجب
أداؤها ولا يقوم غيرها مقامها من عزم أو غيره ، وإن كان يدخله التخيير من وجه آخر
؛ فإنّه مخيّر إن شاء صلّى في هذه البقعة وإن شاء صلّى في هذه البقعة ، بشرط
استوائها في الطهارة (ق ، ش ، ٤٢ ، ١١)
ـ ينقسم (الفعل) :
فمنه ما يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله بعينه فيوصف بأنّه واجب مضيّق ، ومنه ما يستحقّ
الذمّ بأن لا يفعله إذا لم يفعل ما يقوم مقامه ، فيوصف بأنّه واجب مخيّر فيه (ق ،
غ ٦ / ١ ، ٨ ، ٤)
واجب مضيّق ومخيّر
ـ إنّ الإحسان من
حيث كان إحسانا ، يختصّ بصفة زائدة على جنسه ، ولا يحتاج إلى اشتراط نفي القبح
عنه. لأنّ وصفنا له بالحسن يقتضيه. فكذلك القول في الواجب المضيّق والمخيّر فيه (ق
، غ ٦ / ١ ، ٧٥ ، ٩)
واجب معيّن
ـ أمّا"
الواجب المعيّن" فهو الذي للإخلال به بعينه مدخل في استحقاق الذمّ. كردّ
الوديعة وما أشبهها (ب ، م ، ٣٦٩ ، ٧)
واجبات
ـ إنّ الواجبات
على ضربين : عقليّ وشرعيّ ، فالعقليّات نحو ردّ الوديعة وقضاء الدين وشكر النعمة ،
فما من شيء منها إلّا ويجوز انفكاك المكلّف عنه بحال من الأحوال ، وأمّا الشرعيّات
، فالشرط فيها إيقاعها على وجه القربة والعبادة إلى الله تعالى ، وذلك لا يحسن
إلّا بعد معرفة الله تعالى (ق ، ش ، ٧٠ ، ١١)
ـ إنّ الحسن ينقسم
قسمين : فإمّا أن تكون له صفة زائدة على حسنه ، وأمّا أن لا يكون كذلك. فالأوّل هو
الذي يستحقّ عليه المدح ، والثاني هو الذي لا يستحقّ بفعله المدح ويسمّى مباحا ،
وحدّه : ما عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا لا توصف أفعال القديم تعالى
بالمباح ، وإن وجد فيها ما صورته صورة المباح كالعقاب. وأمّا ما يستحقّ عليه المدح
فعلى قسمين : إمّا أن يستحقّ بفعله المدح ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل ، وذلك
كالنوافل وغيرها ؛ وإمّا أن يستحقّ المدح بفعله والذمّ بأن لا يفعل ، وذلك
كالواجبات (ق ، ش ، ٣٢٧ ، ٧)
ـ أمّا ما كان من
الصفات والأحكام مما يعدّ في الواجبات كنحو صفات الذوات والمقتضى عنها ، وما كان
من الصفات التابعة للعلل فلن
تصحّ إضافته إلى
الفاعل. وأمّا حلوله في المحلّ فحكمه حكم صفات الذات وغيرها من حيث أنّه لا يحلّ
محلّا مع جواز حلوله في غيره بل لا يجوز. وكان لا يجوز أن يحلّ إلّا فيه. وإنّما
يقال في الفاعل أنّه يصحّ منه إيجاد الحركات وغيرها في المحال أجمع من حيث أنّ
الذي يقدر عليه لا ينحصر ، وكما يصحّ منه إيجاد الفعل في هذا المحل يصحّ فيما سواه
من المحال لا إنّ عين الموجود في هذا المحلّ تصحّ في غيره من المحال (ق ، ت ١ ،
٣٦٩ ، ١٤)
ـ الواجبات تنقسم
إلى ضربين. أحدهما متى فات أداؤه في وقته لم يجب فيه الاستئناف باستئناف المقدّمة
، وهذا إنّما يصحّ فيما يختصّ كونه مصلحة في حال دون حال. ومنها ما إذا فات فلا
بدّ من استئنافه باستئناف مقدّماته ؛ لأنّ ما له يجب ألا يختلف حاله بالأوقات (ق ،
غ ١١ ، ٤٢٤ ، ١٢)
ـ لو ثبت أنّ
الواجبات إنّما تكون واجبة بإيجاب الموجب على الحقيقة ، لم يكن يجب أن لا يعرف
وجوبه من يجهل الموجب ، ألا ترى أنّا قد نعلم القادر قادرا وإن لم نعلم أنّ له
قدرة ، وإن لم يجب كونه قادرا إلّا بها (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٤ ، ١)
ـ إنّ العوض في
الفعل الشاقّ ، في الشاهد ، هو الذي يخرجه عن كونه ظلما ، ولو خرج عن كونه كذلك
لغير بدل لحسن. ولهذا قد يحسن إذا كان له فيه سرور ، وإن لم يكن هناك بدل ، متى
فعل ذلك لنفسه أو لمن يمسّه أمره. وليس كذلك حال الواجبات ، لأنّه ليس وجه وجوبها
الثواب ، لما بيّناه ، وإنّما تجب لوجوه تقع عليها. فمتى علمها كذلك ، لزمته ووجبت
عليه سواء علم الثواب أو لم يعلم (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٧ ، ١)
ـ قد استدلّ الشيخ
أبو علي ، رحمهالله ، على ذلك بأنّ الواجبات قد ثبت أنّه يستحقّ المكلّف بها
الثواب وبتركها العقاب ، وإذا كان عارفا بالله وصفاته وحكمته وبالثواب والعقاب
وغير ذلك. وقد علمت ، أنّ الذي لأجله استحقّ ذلك بها هو أنّه فعلها على الوجه الذي
وجب عليه ، لا لسائر ما ذكرناه من معرفته بأحوالها. لأنّه مع علمه بأحوالها ، لو
لم يفعلها على الوجه الذي ذكرناه ، لما استحقّ ذلك ؛ وإذا هو فعلها على هذا الوجه
، استحقّ ذلك. فعلم أنّ استحقاقه للثواب هو لأجل ما عنده يستحقّ ، ولولاه كان لا
يستحقّ دون سائر ما ذكرناه. فيجب إذا فعل الواجب ، وإن لم يحصل له العلم بما
ذكرناه ، أن يستحقّ به الثواب ، لأنّ العلّة حاصلة. وقد استدلّ رحمهالله أيضا على ذلك بأنّه لو لم يستحقّ بترك النظر العقاب ، ولم
تكن عليه في أن لا يفعله مضرّة ، لوجب أن يكون تعالى بتقرير ذلك في عقله مبيحا له
؛ فكان يجب أن يكون غير واجب ، لأنّه لا يثبت وجوبه مع كون تركه مباحا (ق ، غ ١٢ ،
٤٤٧ ، ١٦)
ـ إنّ الواجبات
على ضربين : أحدهما يحدث لصفة تخصّه ، وينقسم إلى قسمين : أحدهما : الصفة المقتضية
لوجوبه ؛ ترجع إليه نحو ردّ الوديعة والإنصاف وشكر النعمة ؛ والآخر يرجع إلى ما
ينبغي به ، وهو ما يجب لأنّه ترك لقبيح معيّن. وذلك فيه يحلّ محلّ صفة تخصّه. والواجبات
العقليّة على هذا النحو يجري أكثرها. والثاني : يجب لكونه لطفا ؛ فهو وإن وجب لصفة
تخصّه ، فلا بدّ من اعتبار صفته
بغيره وهو الأمر
الذي هو لطف فيه. فمتى كان هذا حاله وجب. وهذا على ضربين : أحدهما نعلمه عقلا
كالنظر والمعرفة ، والآخر لا نعلمه إلا بالسمع كالصلاة وغيرها (ق ، غ ١٣ ، ٤٨ ، ٩)
ـ اعلم أنّ في
الواجبات ما إذا وجد من المكلّف ، علم بغير حاله من جهة الإدراك ، وربما علم بغير
الحال ، لما لذلك الواجب به من تعلّق ، كنحو ردّ الوديعة ، وقضاء الدين ، والأقوال
الواجبة ، والصلاة ، وما شاكل ذلك ، مما يتعلّق بالتحرّك أو بالجمع والتفريق ، لأن
لطريقة الإدراك تعلّقا بذلك (ق ، غ ١٤ ، ٢٢٥ ، ٦)
ـ قال أصحابنا إنّ
الواجبات كلّها معلوم وجوبها بالشرع (ب ، أ ، ٢٦٣ ، ٥)
ـ أمّا السمع
والعقل ، فقد قال أهل السنّة : الواجبات كلّها بالسمع ، والمعارف كلّها بالعقل.
فالعقل لا يحسّن ولا يقبّح ، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف ، أي لا يوجد
المعرفة ، بل يوجب (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١٩)
ـ قال (الأشعريّ)
: والواجبات كلّها سمعيّة ، والعقل لا يوجب شيئا ، ولا يقتضي تحسينا ولا تقبيحا ،
فمعرفة الله تعالى بالعقل تحصل ، وبالسمح تجب (ش ، م ١ ، ١٠١ ، ٢١)
واجبات شرعية
ـ أما الواجبات
الشرعية فعلى ما ذكره رحمهالله في الكتاب قسمان : أحدهما ما هو من باب الوصف والقول
والعبارة ، والآخر ما هو خارج عن هذا الباب. أمّا الأول : فهو كالإقرار بالشهادتين
وما يجري هذا المجرى ، والثاني : هو من باب الصلاة والصيام والحج وما شاكل ذلك.
وكلا الوجهين متأخر عن معرفة الله تعالى (ق ، ش ، ٧٥ ، ٥)
واجبات عقلية
ـ الواجبات
العقليّة ، هي على ثلاثة أضرب : منها ما يجب لصفة تخصّه نحو ردّ الوديعة ، وشكر
النعمة. ومنها ما يجب لكونه لطفا في غيره ، كالنظر في معرفة الله تعالى ، على ما
تقدّم القول فيه ، وكالشرعيّات ، وإن كنّا لمجرّد العقل لا نعلم ذلك من حالها.
ومنها ما يجب من حيث يكون تركا لقبيح به يتحرّز من فعله. ومن حق الواجب أن يلزم
المكلّف التحرّز من الإخلال به ، ولا يكون متحرّزا من ذلك إلّا بأن يفعله ، ويقدم
عليه ، ويصحّ منه أن يفعله وألّا يفعله كالقبيح. فكما يصحّ أن يكلّف في القبيح
ألّا يفعله ، فكذلك يكلّف في الواجب أن يفعله ، وكما أنّ إقدامه على القبيح يقتضي
الذمّ والعقاب على بعض الوجوه ، فكذلك إخلاله بالواجب ، ويمكنه ألا يخلّ به كما
يمكنه أن يخلّ بالقبيح ، فقد دخل كل واحد منهما تحت التكليف (ق ، غ ١٤ ، ١٦١ ، ٥)
ـ إنّ الواجبات
العقليّة ، وإن كانت محصورة بالصفة ، فهي غير محصورة بالعدد ؛ لأنّها قد تجب عند
أسباب تكثر وتقلّ ؛ فتزيد بزيادتها ، وتنقص بنقصانها ، وتقع فيها الزيادة والنقصان
بامتداد أوقات التكليف وقصرها (ق ، غ ١٥ ، ١٣٧ ، ١٨)
ـ إنّ المعرفة
وشكر المنعم ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقليّة ، وأثبتا شريعة عقليّة وردّا
الشريعة النبويّة إلى مقدّرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التي لا يتطرّق إليها عقل ،
ولا يهتدي إليها
فكر. وبمقتضى العقل والحكمة يجب على الحكيم ثواب المطيع وعقاب العاصي ، إلّا أنّ
التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع (ش ، م ١ ، ٨١ ، ٩)
واحد
ـ الله واحد لا
شبيه له ، دائم قائم لا ضدّ له ولا ند ، وهذا تأويل قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١).
وأصل ذلك أنّ كل ذي مثل واقع تحت العدد فيكون أقلّه اثنين ، وكل ذي ضدّ تحت الفناء
إذ يهلك ضدّه ، وعلى ذلك كل شيء سواه له ضدّ يفني به ، وشكل يعدّ له ويصير به زوجا
، فحاصل تأويل قوله : واحد أي في العظمة والكبرياء ، وفي القدرة والسلطان ، وواحد
بالتوحّد عن الأشباه والأضداد ؛ ولذلك بطل القول فيه بالجسم والعرض إذ هما تأويلا
الأشياء (م ، ح ، ٢٣ ، ١٦)
ـ قال أبو منصور رحمهالله : وسئل واحد عن معنى" الواحد" قال : ينصرف على
أربعة : كلّ لا يحتمل التّضعيف ، وجزء لا يحتمل التنصيف ، والذي بينهما يحتمل
الوجهين ، كارتفاعه عمّا لا يتنصّف وانحطاطه عما لا يتضعّف ؛ إذ لا شيء وراء الكلّ
، والرابع هو الذي قام به الثلاثة ، هو ولا هو هو أخفي من هو ، والذي انخرس عنه
اللسان ، وانقطع دونه البيان ، وانحسرت عنه الأوهام ، وحارت فيه الأفهام ، فذلك
الله ربّ العالمين (م ، ح ، ٤٣ ، ١٠)
ـ القول بالتوحيد
من طرق : هو أنّ قول أهل الدهر على اختلافهم اتفق على واحد بادئ ، / أو قدم طينة
أو هيولى ، وهو واحد حتى اعترضت فيه الأعراض ، وتغيّرت عن الحال الأولى. وقول
الثنوية إنّ الحكيم الرحيم العليم واحد ، وإنّ معنى الآخر ليس هو بمعنى الربوبية
بل هو ضد معناه ؛ إذ هو سفه كلّه وشر. وأهل الأديان يثبتون القدم للواحد حتى قال
قوم بتجسّمه من بعد ، وقوم إن له ابنا. فهم على اختلافهم أجمعوا على الواحد (م ، ح
، ١١٩ ، ٣)
ـ النصارى يقولون
بالواحد في الكيان ، والثلاثة في القنومات ، منفي عن كل قنوم الجزء والحد ،
ويقولون : كان غير مجسّم ثم تجسّم ، ومعلوم أنّ الجسم هو صورة تتجزأ وتتبعّض (م ،
ح ، ١١٩ ، ٢٢)
ـ إنّ صانع العالم
جلّت قدرته واحد أحد ؛ ومعنى ذلك : أنّه ليس معه إله سواه ، ولا من يستحق العبادة
إلّا إيّاه ، ولا نريد بذلك أنّه واحد من [جهة العدد] ، وكذلك قولنا أحد ، وفرد
وجود ذلك إنّما نريد به أنّه لا شبيه له ولا نظير ، ونريد بذلك أن ليس معه من
يستحق الإلهية سواه ، وقد قال تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ
واحِدٌ) (النساء : ١٧١)
ومعناه : لا إله إلا الله (ب ، ن ، ٣٣ ، ٢١)
ـ ينظر في أنّه (الله)
لو كان معه ثان لتمانعا ، وهذا يؤدي إلى الضعف الذي لا يجوز إلّا على الأجسام ،
فيحصل له العلم بأنّه واحد لا ثاني له يشاركه في القدم والإلهيّة ، فيكون قد حصل
له العلم بكمال التوحيد (ق ، ش ، ٦٦ ، ١٠)
ـ اعلم أنّ الواحد
قد يستعمل في الشيء ويراد به أنّه لا يتجزّأ ولا يتبعّض على مثل ما نقوله في الجزء
المنفرد أنّه جزء واحد ، وفي جزء من السواد والبياض أنّه واحد. وقد يستعمل ويراد
به أنّه يختصّ بصفة لا يشاركه فيها غيره ، كما
يقال فلان واحد في
زمانه. وغرضنا إذا وصفنا الله تعالى بأنّه واحد إنّما هو القسم الثاني ، لأنّ
مقصودنا مدح الله تعالى بذلك ، ولا مدح في أن لا يتجزّأ ولا يتبعّض ، وإن كان كذلك
، لأنّ غيره يشاركه فيه (ق ، ش ، ٢٧٧ ، ١٠)
ـ إنّا إذا أثبتنا
الصفات التي تجب لله تعالى ونفينا عنه الصفات التي تستحيل عليه فلا يتمّ ذلك دون
أن نبيّن أنّه لا ثاني له يشاركه في استحقاق هذه الصفات على الحدّ الذي استحقّها
مفردة ومجموعة. وهذا معنى قولنا فيه أنّه واحد إذا أجرى عليه على طريق المدح ، وقد
يطلق ذلك لا على جهة المدح ويراد به أنّه لا يتجزّأ ولا يتبعّض وإن كان في ذلك
خلاف عباد (ق ، ت ١ ، ٢١٥ ، ٥)
ـ قال شيخنا أبو
علي رحمهالله : إنّ القديم يوصف بأنّه واحد على وجوه ثلاثة : أحدها
بمعنى أنّه لا يتجزّأ ولا يتبعّض ، وهذا هو المراد بقولنا في الجوهر إنّه واحد ،
وهذا الوجه ليس بمدح له لمشاركة سائر الأشياء له فيه ، والثاني بمعنى أنّه متفرّد
بالقدم لا ثاني فيه ، والثالث أنّه متفرّد بسائر ما يستحقّه من الصفات النفسيّة من
كونه قادرا لنفسه ، وعالما لنفسه ، وحيّا لنفسه. قال رحمهالله : وعلى هذين الوجهين يمدح بوصفنا له بأنّه واحد لاختصاصه
بذلك دون غيره (ق ، غ ٤ ، ٢٤١ ، ٤)
ـ ذهب بعضهم إلى
أنّه يوصف بأنّه واحد في الفعل والتدبير دون سائر الوجوه (ق ، غ ٤ ، ٢٤١ ، ١٣)
ـ قال بعضهم :
إنّا نريد بوصفنا له بأنّه واحد أنّه ليس بكثير (ق ، غ ٤ ، ٢٤١ ، ١٥)
ـ ذهب عبّاد وغيره
إلى أنّه يوصف بأنّه واحد على جهة المدح ، فأمّا بمعنى العدد فلا يصحّ ، واعتلّ في
ذلك بأنّه لو صحّ ذلك ، لجاز أن يقال إنّه ثان لغيره وثالث لغيره ؛ لأنّ ذلك واجب
في كل ما يعدّ ، ولصحّ أن يقال إن الله سبحانه رابع أربعة وخامس خمسة. فإذا بطل
ذلك ، علم صحّة ما قلته (ق ، غ ٤ ، ٢٤١ ، ١٦)
ـ ذهب بعضهم إلى
أنّه يوصف بأنّه واحد من حيث لا يتجزّأ ولا يتبعّض ، وأمّا من حيث اختصّ بما هو
عليه ولم يشاركه أحد فيه ، فذلك مجاز (ق ، غ ٤ ، ٢٤٢ ، ٢)
ـ بيّن شيخنا أبو
هاشم رحمهالله أن وصفنا له بأنّه واحد من حيث انفرد بصفاته النفسيّة
حقيقة ، وذلك بمنزلة وصفهم الرجل بأنّه واحد دهره ، وواحد عصره ، من حيث انفرد
بخصال لا يشاركه فيها غيره ، وهو في بابه بمنزلة وصفهم الإنسان بأنّه إنسان واحد
لاختصاص هذه الجملة دون الأبعاض بأنّها إنسان. وعلى هذا الوجه ، يصف القديم جلّ
وعزّ بأنّه واحد لنفسه ، وإن كان ما يتضمّنه الكلام من النفي لا يستحقّ للنفس. وقد
قال شيخنا أبو هاشم رحمهالله : إن وصفنا له بأنّه واحد من باب العدد لا يستحقّ للنفس ،
ولا لعلّة. وربما قال إنّ ذلك يفيد النفي ، فلا يعلّل أيضا (ق ، غ ٤ ، ٢٤٥ ، ١٣)
ـ إنّه تعالى يوصف
بأنّه واحد على الحقيقة ، ويراد به أنّه لا يتجزّأ ولا يتبعّض تفرقة بينه وبين ما
يجوز عليه التجزّؤ والتبعّض. وعلى هذا الوجه أجروا هذه اللفظة في الشاهد ، لأنّهم
لما عقلوا الفصل بين ما يتجزّأ ويتبعّض ويكون جملة من الأسماء وبين ما لا يصحّ ذلك
عليه ، وصفوا ذلك بأنّه واحد ليفرّقوا بينه وبين الجملة (ق ، غ ٥ ، ٢٤٤ ، ٣)
ـ أمّا وصفهم
للإنسان بأنّه واحد ، فمن الناس من
يقول إنّه توسّع ،
لأنّه في الحقيقة جملة من الأجزاء. وإنّما قيل إنسان واحد بمعنى أنّه جملة واحدة ،
كما قيل ذلك في العشرة إنّها عشرة واحدة. والذي قاله شيخنا أبو هاشم في ذلك أنّ
وصفهم للإنسان بأنّه إنسان واحد حقيقة ، لأنّه ، من حيث كان إنسانا ، وجب أن لا
يتجزّأ ولا يتبعّض. ألا ترى أنّ هذا الاسم لا يقع على بعضه فحلّ في الوجه الذي صار
إنسانا محلّ الواحد في الحقيقة الذي لا بعض له. وعلى كلا الوجهين يجب وصفه تعالى
بأنّه واحد على الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ٥ ، ٢٤٤ ، ١٣)
ـ قال شيخنا أبو
هاشم : إن وصف المنفرد بالصفة بأنّه واحد فيه حقيقة ، ولذلك يقال في سيّد القوم
إنّه واحدهم إذا انفرد بصفات اختصّ بها دونهم (ق ، غ ٥ ، ٢٤٥ ، ٦)
ـ الباري سبحانه
وتعالى واحد ، والواحد في اصطلاح الأصوليين الشيء الذي لا ينقسم ، ولو قيل الواحد
هو الشيء لوقع الاكتفاء بذلك. والربّ سبحانه وتعالى موجود فرد ، متقدّس عن قبول
التبعيض والانقسام. وقد يراد بتسميته واحدا أنّه لا مثل له ولا نظير (ج ، ش ، ٦٩ ،
٣)
ـ ندّعي أنّ الله
تعالى واحد ، فإنّ كونه واحدا يرجع إلى ثبوت ذاته ، ونفي غيره. فليس هو نظرا في
صفة زائدة على الذات ، فوجب ذكره في هذا القطب ؛ فنقول الواحد قد يطلب ويراد به ،
أنّه لا يقبل القسمة أي لا كمّية له ، ولا حدّ ، ولا مقدار ، والباري تعالى واحد
بمعنى أنّه لا الكميّة له بمعنى سلب الكمّية المصحّحة للقسمة عنه. فإنّه غير قابل
للانقسام إذ الانقسام فيما له كمّية (غ ، ق ، ٧٣ ، ١٠)
ـ قال أصحابنا
الواحد هو الشيء الذي لا يصحّ انقسامه إذ لا تقبل ذاته القسمة بوجه ولا تقبل
الشركة بوجه ، فالباري تعالى واحد في ذاته لا قسم له ، وواحد في صفاته لا شبيه له
، وواحد في أفعاله لا شريك له ، وقد أقمنا الدلالة على انفراده بأفعاله ، فلنقم
الدلالة على انفراده بذاته وصفاته (ش ، ن ، ٩٠ ، ٥)
ـ البصريّة :
ومعنى كونه واحدا أنّه غير مشارك في صفاته. وقيل : أو في الإلهيّة. وقيل : أو لا
يتجزّأ (م ، ق ، ٨٤ ، ١٤)
واحد مطلق
ـ إنّ الواحد
المطلق على الحقيقة هو الذي ليس كثيرا ، هذا ما لا شكّ فيه عند كل ذي حسّ سليم ،
وكل ما كان له أبعاض فهو كثير بلا شكّ ، فهو إذا بالضرورة ليس واحدا ، فالواحد
ضرورة هو الذي لا أبعاض له ، فإذ لا شكّ فيه فالواحد الذي لا أبعاض له تساويه ليس
عددا وهو الذي أردنا أن نبيّن ، وأيضا فإنّ الحسّ وضرورة العقل يشهدان بوجود
الواحد ، إذ لو لم يكن الواحد موجودا لم يقدر على عدد أصلا ، إذ الواحد مبدأ العدد
، والمعدود الذي لا يوصل إلى عدد ولا معدود إلّا بعد وجوده ، ولو لم يوجد الواحد
لما وجد في العالم عدد ولا معدود أصلا (ح ، ف ١ ، ٦٤ ، ١٠)
واحدية
ـ أمّا الأحديّة
والواحدية فإنّ الأحديّة صفة الذات والواحديّة صفة الفعل ، فيقال أحد بذاته وواحد
بفعاله ، ثم أحديّته ووحدانيّته ليست من جهة العدد محتملة بالزيادة والنقصان
والشركة والمثال ، فيقال العدد أحد وآحاد وواحد
وواحدان ، حتى قيل
فلان وحيد زمانه وفريد أوانه ، فأمّا وحدانيّة الربّ جلّ جلاله فمن جهة لفي
الأمثال والأنداد عنه كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ
شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (م
، ف ، ٢٠ ، ١٧)
واسطة
ـ أمّا إبطال
الواسطة بإجماع المسلمين فليس كما ينبغي. والمعتمد في إبطالها أنّ الواسطة يمتنع
أن تكون واجبة الوجود لامتناع أن يكون الواجب أكثر من واحد ، فإذن هي ممكنة. وهي
من جملة العالم ، لأنّ المراد من العالم ما سوى المبدأ الأوّل ، فإذن وقوع الواسطة
بين واجب الوجود لذاته وبين العالم محال (ط ، م ، ٢٧٥ ، ١١)
ـ إنّ مسمّى
الامتناع ليس بموجود ولا معدوم وذلك هو الواسطة (خ ، ل ، ٣٩ ، ١٣)
وجدانيات
ـ ما يكون غنيّا
عن الاكتساب وما هو إلّا الحسيّات ، كالعلم بأنّ الشمس مضيئة والنار حارّة ، أو
الوجدانيّات كعلم كل واحد بجوعه وشبعه وهي قليلة جدّا لأنّها غير مشتركة (ف ، م ،
٢٧ ، ٤)
وجه
ـ قد فسد أن يكون
لله وجه هو بعضه أو وجه صفة له قديم معه ـ جلّ الله وتعالى عن ذلك ـ فلم يبق إلّا
أن يكون وجهه هو كما يقال : " هذا وجه الأمر" و" هذا وجه
الرأي" : هذا الأمر نفسه وهذا هو الرأي نفسه. (قال) فلما كان هذا هكذا وفسد
أن يقال : إنّ الله وجه وأنّ الأمر وجه وأن الرأي وجه ، فكذلك قلت أنا : إنّ علم (الله)
هو الله كما قال قائلكم : إنّ وجهه هو ، وفسد أن يكون جلّ ذكره علما بمثل ما فسد
عندكم أن يكون وجها (خ ، ن ، ٦٠ ، ٢)
ـ إنّ لله وجها هو
هو والقائل بهذا القول" أبو الهذيل" (ش ، ق ، ١٨٩ ، ٤)
ـ إنّا نقول وجه
توسّعا ونرجع إلى إثبات الله لأنّا نثبت وجها هو هو ، وذلك أنّ العرب تقيم الوجه
مقام الشيء فيقول القائل : لو لا وجهك لم أفعل ، أي لو لا أنت لم أفعل ، وهذا
قول" النظّام" وأكثر معتزلة البصريين وقول معتزلة البغداديين (ش ، ق ،
١٨٩ ، ٦)
ـ إنّ الوجه قد
يراد به ذات الشيء. وعلى هذا تقول العرب : هذا وجه الرأي ، ووجه الأمر ، ووجه
الطريق. ومتى كان الكلام فيما لا بعض له ، فلا شكّ أن المراد به ذاته ، فيختلف
موقع هذه اللفظة بحسب حال ما يستعمل فيه ، فإذا صحّ ذلك وجب أن يكون المراد بذلك :
ويبقى ربّك (ق ، م ٢ ، ٦٣٧ ، ١٨)
ـ زعمت المشبّهة
أنّ لله وجها وعينا كوجه الإنسان وعينه ، وزعم بعضهم أنّ له وجها وعينا هما عضوان
ولكنهما ليس كوجه الإنسان وعينه ، بل هما خلاف الوجه والعيون سواهما (ب ، أ ، ١٠٩
، ١٦)
ـ زعم بعض
الصفاتية إنّ الوجه والعين المضافين إلى الله تعالى صفات له. والصحيح عندنا إنّ
وجهه ذاته وعينه رؤيته للأشياء. وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ
رَبِّكَ) (الرحمن : ٢٧)
معناه ويبقى ربّك ، ولذلك قال ذو الجلال والإكرام بالرفع لأنّه نعت الوجه ، ولو
أراد الإضافة لقال ذي الجلال والإكرام بالخفض (ب ، أ ، ١١٠ ، ٢)
ـ ذهب بعض أئمتنا
إلى أنّ اليدين والعين والوجه
صفات ثابتة للرب
تعالى ، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل. والذي يصحّ عندنا حمل اليدين
على القدرة ، وحمل العين على البصر ، وحمل الوجه على الوجود (ج ، ش ، ١٤٦ ، ١٣)
ـ وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) (الرحمن : ٢٧)
فإنّه يحتمل أن يكون المعنيّ بالوجه الذات ومجموع الصفات ، وحمله عليه أولى ؛ من
جهة أنّه خصّصه بالبقاء وذلك لا يختصّ بصفة دون صفة ، بل هو بذاته ومجموع صفاته
باق (م ، غ ، ١٤٠ ، ٨)
وجه إيجاب المعارف
ـ اعلم ، أنّ
الشيخ أبا علي ، رحمهالله ، قد ذكر في وجه إيجاب المعارف أشياء : منها قوله : إنّه
تعالى قد جعل المكلّف بحيث ترد عليه الخواطر لكمال عقله ، فلو لم يلزمه المعرفة
لكان قد أعلمه ودلّه على أنّه لا ضرر عليه في أن لا يفعلها ؛ وإذا لم يخل متى لم
يفعلها من الجهل والشك ، فيجب أن لا تكون عليه مضرّة في فعل أحدهما. وهذا يوجب
كونه تعالى مبيحا له الجهل والشكّ ، وإذا قبح ذلك في الحكمة ولم يكن بعد فساده
إلّا القول بأنّه أوجب المعرفة ، فيجب أن يحسن منه تعالى الإيجاب ، بل يجب متى جعل
المكلّف على هذه الصفات أن يكلّفه لا محالة ؛ فيكون إيجاب المعارف (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٥
، ١٤)
وجه حسن ابتداء
الله لخلق الخلق
ـ في بيان وجه حسن
ابتداء الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأيّام وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ ذلك إنّما
يحسن منه تعالى على وجوه ثلاثة : أحدها لينفعه ، والآخر لينفع به ، والثالث لأنّه
أراده لخلق ما ذكرناه ، مع تعرّي الكلّ من وجوه القبح. وقد دخل فيما ذكرناه ما
يخلقه تعالى لينفعه ولينفع به جميعا ؛ لأنّ الشيء إذا حسن لكل واحد من الوجهين
فبأن يحسن متى حصلا فيه أولى. ولم يذكر في ذلك خلق من يخلقه ليفعل به المستحقّ ،
لأنّ ذلك لا يحسن أولا ، وإنّما يحسن أن يخلقه لهذه البغية ثانيا. فإذا حسن أن
يخلق تعالى الخلق لينفعه تفضّلا ، ويعرّضه للثواب والمدح ، وينفعه بالتعويض على
الآلام حسن منه أن يخلق غير المكلّف للتفضّل والتعويض جميعا. وقد بيّنا أنّ
المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، وأنّ المستحقّ منه قد يكون مستحقّا على
وجه التعظيم والإكرام فيكون ثوابا ، وقد يكون مستحقّا على وجه العوض والبدل ،
وبيّنا لكل واحد منهما مثالا في الشاهد ، وبيّنا أنّ ما ليس بمستحقّ يكون إحسانا
وتفضّلا ، وبيّنا أنّ ما أدّى إلى المنافع يكون في حكمه ، وإن كان شاقّا على فاعله
، وإنّما يحسن متى أدّى إلى نفع يوفي عليه ، ومتى لم يشقّ على فاعله البتّة فإنّه
يحسن إذا أدّى إلى أيّ منفعة كان متى عري من وجوه القبح. فإذا صحّت هذه الجملة حسن
من القديم تعالى أن يخلق الخلق لينفعه على بعض الوجوه التي قدّمناها أو كلّها (ق ،
غ ١١ ، ١٠٠ ، ١٥)
وجه حسن الفعل
ـ إنّ وجه حسن
الفعل ليس هو جواز النفع والضرر على فاعله ؛ لأنّه قد يحسن منه ما لا يختصّ بهذا
المعنى ؛ كإرسال الضالّ وغيره مما يختاره لنفع غيره (ق ، غ ١١ ، ٦٧ ، ٨)
وجه الحكمة في
ابتدائه تعالى الخلق
ـ الكلام في بيان
وجه الحكمة في ابتدائه تعالى الخلق وما يتّصل بذلك. اعلم أنّ ما بيّناه في أوّل
باب العدل : من أنّه تعالى لا يجوز أن يختار فعل القبيح ، يقتضي أنّ سائر ما خلقه
يجب كونه حسنا ، وإلّا فسد ذلك الدليل وانتقض ، والواجب في الأدلّة أن تقع صحيحة ،
فلا يجوز فيها الانتقاض والفساد. ولهذه الجملة قلنا : إنّ الذي يلزم المكلّف أن
يعلم أنّه تعالى لا يفعل القبيح. فمتى علم ذلك لزمه عنده أن يعتقد في سائر ما خلقه
أنّه ليس بقبيح ، وأنّه حسن. ولا يلزمه معرفة وجه الحكمة في كل فعل من أفعاله ،
وإنّما يجب النظر في ذلك لحلّ الشبه ، وإسقاط ما يورده المخالف من اللّبس ؛ فهذا
مما يختصّ به العلماء وهو في بابه بمنزلة المتشابهات التي يجب بيان المراد بها عند
ورود الشبه ؛ وإن كان الذي يلزم المكلّف أن يعلم في الجملة أنّ المراد بها يجب أن
يكون مطابقا لما اقتضاه العقل. ولهذا المعنى قلنا : إنّ الاهتمام يجب أن يشتدّ من
المكلّف في معرفة أصول الأدلّة دون غيرها ، لأنّ ذلك يغنيه عن معرفة التفصيل.
وإنّما يجب تكلّف القول في ذلك عند إيراد الملحدة الشّبه التي بزعمهم يتوصّلون بها
إلى أنّه لا صانع للعالم ؛ من حيث لو كان له صانع لوجب كونه حكيما ، ولو كان كذلك
لم تقع أفعاله على الوجه الذي وقعت عليه ، فيجب بيان فساد تعلّقهم بذلك. وعند
إيراد المجبرة الشبه التي بزعمهم يتوصّلون بها إلى أنّه تعالى قد فعل ما مثله يقبح
في الشاهد ، فيجب ألا يمتنع كونه فاعلا لسائر القبائح ، فيقدحون بذلك في قولنا :
إنّه تعالى منزّه عن كل قبيح فيحتاج أن يبيّن فساد ما ظنّوه في هذه الأفعال ،
وأنّها واقعة على وجه يحسن وقوعها عليه ؛ لإزالة الشبه التي تعلّقوا بها. وعلى هذا
قلنا : إنّ ما تعبّد الله به من الشرعيّات إذا علمنا في الجملة كونه مصلحة لم
يلزمنا بيان الوجه الذي له صارت مصلحة ؛ لأنّ فقد العلم بذلك لا يؤثّر فيما نعلمه
من كونه تعالى حكيما ، ولا في شيء من التكليف. ولا يبعد مع ذلك أن نتكلّف ذكر ذلك
عند إيراد المخالف بعض الشبه الذي يخاف عند إهمال القول فيه الفساد ؛ وإنّما يجب
بيان كون الفعل مصلحة. والوجه في ذلك إذا كان هو الطريق إلى معرفة وجوبه ؛ نحو ما
نقوله في معرفة الله تعالى ، فأمّا الشرعيّات فالقول فيها على ما قدّمناه (ق ، غ
١١ ، ٥٨ ، ١٦)
وجه الحكمة في
الأفعال
ـ إن قيل : هل خلق
الله الخلق لعلّة أم لا؟ وغرضه إذا أجيب إلى ذلك أن يقول : فيجب في تلك العلّة أن
تكون مفعولة لعلّة أخرى فيؤدّي إلى ما لا نهاية له. وليس وراء ذلك إلّا أنه لا
نطلب لأفعاله وجوه تحسن عليها على ما تكلّمتم. قيل له : إن أردت بالعلّة ما وقع
الاصطلاح من المتكلّمين عليه وهو الأمور التي توجب ولا يبقى للاختيار فيه مدخل ،
فلسنا نقول بأنّ الله خلق الخلق لعلّة لأنّا نثبته تعالى مختارا منعما ولن يكون
كذلك وهناك ما يوجب على حدّ يزول فيه الاختيار. وإن أردت بالعلّة ما يتعارف به من
الدواعي والأغراض فقد يصحّ أن يجاب إلى ذلك ، لأنّ وجه الحكمة في الأفعال ربّما
يعبّر عنها بالعلل فيقال : " لأيّة علّة فعلت كذا" أو" تأخّرت
عنّا" إلى ما أشبه
ذلك. وقد بيّنّا
أنّه لا يجوز أن يوجد القديم تعالى العالم إلّا لوجه يحسن عليه فيكون المطلوب
المراد في خلق العالم ذلك الوجه. وهذا يصلح أن يعبّر عنه بالعلّة (ق ، ت ٢ ، ١٧٩ ،
١٥)
وجه الحكمة في
التكليف
ـ اعلم أنّ وجه
الحكمة في التكليف ما أشاره إليه ، وهو كونه تعريضا للمكلّف للمنزلة التي لا شيء
أعلى منها في المنافع ، وهي التي نقول إنّها منزلة الثواب الدائم المفعول على وجه
الإعظام والإجلال. ولو لا التكليف لما صحّ من المكلّف أن ينال ذلك ولا صحّ من
الحكيم المكلّف أن يرقّيه إلى هذه الرتبة. وكل ما حلّ هذا المحلّ مما يكون سببا
للوصول إلى المنافع فإنّه يحسن كما تحسن نفس تلك المنافع (ق ، ت ٢ ، ١٩٣ ، ٢)
وجه الحكمة في خلق
المكلّف
ـ اعلم أنّ وجه
الحكمة في خلق المكلّف أنّه تعالى خلقه لينفعه بالتفضّل ، وليعرّضه للثواب ، وإن
كان المعلوم أن إيلامه مصلحة له أو لغيره فلا بدّ من أن يخلقه لينفعه بالأعواض
فيكون نافعا من الوجوه الثلاثة ؛ وإن كان تعريضه للعوض تابعا لتكليفه أو تكليف
غيره ، فلا يستقلّ بنفسه ؛ كاستقلال الوجهين الآخرين (ق ، غ ١١ ، ١٣٤ ، ٣)
وجه الحكمة فيما
خلقه تعالى ابتداء
ـ اعلم أنّ وجه
الحكمة فيما خلقه الله تعالى ابتداء ليس إلّا ما يتّصل بالنفع والإنعام أو ما لا
يتمّ ذلك إلّا به. فلأجل هذا قلنا إنّ أوّل ما خلقه الله تعالى لا بدّ من أن يشتمل
على أمور ثلاثة : أحدها المنتفع والثاني ما ينتفع به والثالث إرادته تعالى لوجه
الإحسان والانتفاع. هذا إذا كان مفعولا أوّلا. فإن كان على طريق الاستحقاق ثانيا
فهو العقاب وما يجري مجراه من الذمّ وما لا يتمّ كونه عقابا إلّا به من القصد
المخصوص. ويكون وجه الحسن في ذلك كونه مستحقّا أو ما لا يتمّ توفير المستحقّ إلّا
به فيجري مجراه في الحسن. فحصل من هذه الجملة أنّ أفعاله تعالى كلّها إمّا أن تكون
خلق المنتفع أو خلق المنتفع به أو إرادة ذلك أو العقاب أو ما لا يتمّ إلّا به.
فإذا وجدت في الكتب قسمة أفعاله تعالى إلى ما ينتفع أو ينتفع به والقصد إلى ذلك من
دون ذكر العقاب وما يتّصل به ، فهو لأنّ الغرض بذكر ذلك ما يفعله جلّ وعزّ ابتداء
، والعقاب لا يقع أوّلا وإنّما يقع في الثاني لأنّه مستحقّ على ما يقدم العبد عليه
من قبيح أو إخلال بواجب (ق ، ت ٢ ، ١٧٥ ، ١٣)
وجه دلالة
المعجزات على النبوات
ـ في وجه دلالة
المعجزات على النبوّات ، اعلم أنّها تدلّ على صدق الرسول فيما يدّعيه من النبوّة ،
من حيث تقع موقع التصديق. فإذا كان التصديق ، لو وقع منه تعالى عقيب ادعائه
الرسالة وعند التماسه ، من جهة التصديق لدلّ على النبوّة ؛ فكذلك ، إذا وقع المعجز
من قبله تعالى. يبيّن ذلك أنّه لا فرق ـ في رسول زيد إلى عمرو ، وقد التمس عمرو
منه ما يدلّ على صدقه ـ بين أن يقول له زيد : " صدقت" وقد التمس تصديقه
، وبين أن يقول له : " إن كنت صادقا فيما ادّعيته من الرسالة فضع يدك على
رأسك" ، ففعل
ذلك ، من حيث حلّ هذا الفعل محلّ ذلك القول عند الدعوى ، وطلب التصديق. فكذلك
القول فيما قدّمناه (ق ، غ ١٥ ، ١٦٨ ، ٢)
وجه القبح
ـ إنّ كون فاعل
القبيح محدثا مربوبا لا تعلّق له بالفعل أصلا. أما ترى أنّ حصوله كذلك قبل الفعل
وبعده ، ومساواة الجماد والموات له. وما هذه حاله لا يكون وجها لقبحه ، لأنّ وجه
القبح هو الذي لا يحصل إلّا ويوجب قبح الفعل ، كقولنا في كون الكذب كذبا ، وكون
الظلم ظلما. ولا فرق والحال هذه بين من قال بذلك ، وبين من قال إنّ كونه قبيحا هو
لكونه جسما ، أو طويلا ، أو جوهرا ، أو محلّا. وبطلان ذلك يوجب بطلان ما قالوه (ق
، غ ٦ / ١ ، ٨٩ ، ٩)
وجه له يجب الفعل
ـ اعلم ، أنّا قد
بيّنا أنّ الوجه الذي له يجب الفعل هو أن يتحرّز به عن مضرّة مخوّفة. وقد بيّنا
أنّه لا يجب أن نقطع على المضرّة ، وأنّه لا فرق بين أن نعلمها أو نظنّها ، بل
الذي يعرفه العقلاء بالعادات المضارّ المظنونة ، لأنّهم يعلمون الأمور المستقبلة ؛
وإنّما نعلم بالتأمّل أنّه لو علم ذلك ، لكان الفعل بالإيجاب أحقّ. فكذلك ما يجب
أن يتحرّز به ، لا يجب أن يقطع على أنّ التحرّز يقع به لا محالة ، بل متى ظنّ ذلك
حلّ محل العلم بأنّه يأمن به من المضرّة ، ووجوبه في الحالين لا يختلف (ق ، غ ١٢ ،
٣٥٨ ، ٤)
وجه له يجب النظر
والمعرفة
ـ إذا كان الخاطر
من قبله تعالى ، فلا بدّ من وروده على وجه تقتضيه الحكمة ، لأنّه ميّزه عن فعل
القبيح ، فلا بدّ من أن يفيد الوجه الذي له يجب النظر والمعرفة. لأنّه تعالى كما
لا يجوز أن يوجب ما لا وجه له يقتضي وجوبه ، فكذلك لا يجوز أن يوجب الفعل لوجه لا
يجب لأجله ؛ لأنّ ذلك أجمع بمنزلة إيجاب ما ليس بواجب من القبيح وغيره. فليس يخلو
الخاطر من أن يرد بإيجابهما فقط أو يرد بذلك وبذكر الوجه الذي له يجبان ، لأنّه لا
يجوز أن يرد بذكر وجه لا يجبان لأجله ، لما ذكرناه من قبح ذلك. وقد علمنا أنّ
إيجاب الفعل من غير بيان وجه وجوبه ، إمّا بالتعريف وإمّا بنصب الدلالة ، يقبح في
عقول العقلاء. لأنّ أحدنا لو أوجب على غيره القعود أو القيام من غير أن يبيّن
الواجب في ذلك ، لقبح ذلك منه ، حتى إذا قرن بذلك الوجه الذي له يجب حسن ذلك منه.
فلو قال له : يجب ألا تأكل الطعام الذي لا تملكه ، لقبح ذلك منه. وإن قرن إلى ذلك
بأنّه مسموم أو أنّ هناك مضرّة توفي على النفع الذي فيه ، لحسن ذلك منه. فإذا ثبت
ذلك ، فالواجب في الحكمة أن يخطر ببال المكلّف الوجه الذي له يجب النظر والمعرفة ،
وإلّا كان الإخطار قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٨ ، ١٢)
وجه له يحسن منه
تعالى إرادة الخلق
ـ في الوجه الذي
له يحسن منه إرادة الخلق : قد بيّنا أنّ إرادته لاختراع الخلق إنّما حسنت ؛ لأنّها
إرادة لخلقهم لينفعهم ، أو إرادة لخلق ما ينفع به ، أو إرادة لخلق الشيء للأمرين
جميعا. وبيّنا أنّ فعله لما خلقه لينفعه قد يكون على
وجوه ، أحدها أن
يريد أن ينفعه تفضّلا ، والثاني أن يريد تعريضه لمنفعة مستحقّة على وجه التعظيم
بالتكليف ، والثالث أن يريد تعريضهم لمنفعة مستحقّة على طريقة الأعواض ، فيجب أن
يحسن إرادة خلقهم ؛ لأنّها إرادة لخلقهم على هذه الوجوه التي ذكرناها. وكل إرادة
تؤثّر في المراد ، ويصير لأجلها على حال يحسن لكونه عليها ، فيجب أن تكون حسنة ،
وما اقتضى كون الفعل حكمة يوجب كون إرادة الحكمة حسنة ، إذا تعرّت من وجوه القبح.
وقد بيّنا أن وجوه القبح معقولة ، فإذا ثبت انتفاؤها أجمع عنها فيجب كونها حسنة (ق
، غ ١١ ، ١٢٧ ، ١٥)
وجه من الوجوه
ـ إن قيل : هب
أنّا سلّمنا أنّ الفعل يحتاج إلينا ويتعلّق بنا ، فلم قلتم إنه يحتاج إلينا في
الحدوث؟ قيل له : في ذلك وجهان اثنان : أحدهما أنه إذا ثبت أنه يحتاج إلينا (الفعل)
فلا بدّ من أن يكون احتياجه إلينا لوجه من الوجوه ، لأنّه لو قيل إنّه يحتاج إلينا
، ثم لم يشر باحتياجه إلينا إلى وجه من الوجوه لعاد الأمر بالنقض على أنه يحتاج
إلينا في استمرار الوجود أو في تجدّد الوجود الذي هو الحدوث (ن ، د ، ٣١٧ ، ٥)
وجه الوجوب
ـ إنّ وجه الوجوب
يعتبر ، بأن يعلم وجوب الفعل ، متى علمه عليه ، على جملة أو تفصيل ، ومتى لم يعلمه
عليه لم يعلم وجوبه ، وبيّنا أنّه في بابه بمنزلة الوجه الذي له يقبح الفعل ، في
أنّ من علمه عليه علم قبحه ، ومن لم يعلمه عليه لم يعلمه كذلك ، فإذا صحّ ذلك بما
قدّمناه من قبل ، وبيّنا أنّ القادر منّا متى علم كون الفعل ردّ الوديعة مع
المطالبة وسلامة الأحوال ، علم وجوبه عليه كذلك. فمتى علم الاستدانة المتقدّمة ،
مع المطالبة والتمكّن ، علم وجوب القضاء ، ومتى علم موقع النعمة عليه مع سلامة
الأحوال ، علم وجوب الشكر عليه ، كما أنّه متى علم أنّ الفعل يدفع به مضرّة عن
نفسه ، علم وجوبه ، فيجب في كل وجه من ذلك ، وإن اختلف أن يكون هو المؤثّر في وجوب
الفعل ، للعلّة التي ذكرناها (ق ، غ ١٤ ، ٣٠ ، ١)
وجه وجوب الصلاة
ـ إنّ وجه وجوب
الصلاة هو كونها مصلحة ، وإنّما يعلم كونها كذلك لو ورد الإيجاب من قبل الله بها ،
لأنّه لا يستدرك بالعقل الوجه الذي له صارت مصلحة ، فوجب الافتقار فيه إلى السمع.
فإن كان فقد العلم بالثواب واستحقاقه يقدح في أحد هذين ، فالواجب أن لا يعلم
وجوبها ، وإلّا فغير ممتنع أن يعلم ذلك. وقد علمنا أنّ المكلّف إذا علم بعقله أنّه
، تعالى ، لا يوجب مع حكمته ما ليس له صفة الإيجاب ، وعلم في مثل الصلاة أنّه لا
صفة له عقليّة يجب لأجلها ، علم أنّه إن وجب فإنّما يجب لكونه مصلحة. وقد علم أنّ
المصالح في الدين تستدرك سمعا ، فيعلم أنّه ، تعالى ، إذا أوجبه فإنّما حسن منه
الإيجاب مع حكمته لكونه لطفا ، فيعلم لزومه له ، ولا يجوز أن يعلم ذلك وهو سائل في
أنّه ، تعالى ، يثيب أم لا. لأنّه يجب أن تتقدّم منه المعرفة بالشروط التي لها
يحسن منه التكليف ، فصار فقد العلم بذلك يؤثّر فيما معه بعلم وجوب
الشرعيّات ، وفقده
لا يؤثّر فيما معه بعلم وجوب النظر والمعرفة. فلذلك فرّقنا بينهما (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٧
، ٧)
وجه وجوب يختص به
الواجب
ـ قد بيّنا في
أوّل العدل أنّ هذه الأفعال إنّما تفترق فيما هي عليه من الأحكام ، فيكون بعضها
واجبا وبعضها حسنا وبعضها قبيحا لوقوعها على وجوه تختصّ بها ، لولاها لم تكن بأن
تختصّ بذلك الحكم أولى من أن لا تختصّ به أو تختصّ بخلافه. لأنّه لو لم يحصل لها
إلّا الوجود والحدوث ، وقد تساوت أجمع في ذلك ، لم يكن بعضها بأن يكون واجبا أولى
من سائرها. فإذا صحّ ذلك ثبت أنّه لا بدّ من وجه وجوب يختصّ به الواجب ، على ما
بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ٤)
وجه يحسن الإيجاب
لأجله
ـ ذكر (أبو هاشم)
أنّه تعالى إنّما حسن منه إيجاب النظر والمعارف لتعريض المكلّف لدرجة الثواب لأنّه
لا يستحقّه إلّا بفعله ، واعترض على كون المعارف لطفا بما سألت عنه. وقد تأمّلنا
ذلك فوجدناه لا يصحّ ، لأنّ لقائل أن يقول : ينبغي أن تثبتوا للمعارف وجها يحسن
لأجله أن نوجبه سوى الثواب ، لأنّ من حقّ الثواب أن لا يستحقّ على الفعل إلّا إذا
صحّ وقوعه على وجوه مخصوصة. ولهذا يقول في الشرعيّات : إنّها لو لم تكن ألطافا لم
يحسن منه تعالى إيجابها ؛ وكما لا يكون واجبا لا لوجه يقع عليه سوى الثواب ، فكذلك
لا بدّ من وجه يحسن الإيجاب لأجله سوى الثواب الذي يستحقّ به ؛ وقد بيّنا القول في
ذلك. فإذا ثبت ما ذكرناه ، لم يصحّ أن نجعل هذا الوجه مما يحسن إيجاب المعارف
لأجله ، فلا بدّ من ذكر وجه سواه ، ولا وجه يصحّ فيه إلّا كونها ألطافا. ومتى قال
في كونها ألطافا : إنّه يلزم في فعل القديم ، تعالى ، أن يقوم مقام فعله ؛ بيّنا
أنّ فيها ما لا يجوز أن يقوم فعل غير المكلّف مقامه ، بما سنذكره من بعد. فلا يلزم
على هذا الوجه ما ألزمناه على الوجه الأول (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٥ ، ٧)
وجه يحسن عليه من
العبد طلب رزق
ـ في الوجه الذي
يحسن عليه من العبد طلب الرزق ، أو يجب أو يحرم ، وما يتّصل بذلك. اعلم أنّا قد
بيّنا أنّه يحسن من العبد ابتغاء الرزق من جهة العقل والسمع ، وأبطلنا قول من خالف
في هذا الباب. فإذا صحّ ذلك ، وكان طلب الرزق من الله تعالى قد يكون بالفعل الذي
جرت العادة في الأكثر أن يرزق تعالى عبده : من تجارة وصناعة ، وقد يكون بالقول
الذي هو الدعاء والمسألة ، على ما ندب تعالى إليه لما فيه من الانقطاع إليه تعالى
، وعلى ما يقتضي العقل حسنه ، فيجب أن يحسن من العبد طلب الرزق بالوجهين جميعا ؛
كما يحسن منه تعالى أن يرزقه عند كل واحد من الأمرين ؛ لأنّ طلب الحسن يحسن إذا
كان للطالب فيه منفعة وبغية (ق ، غ ١١ ، ٤٨ ، ١٩)
وجه يصير للعلم
معه ما ليس لغيره
ـ إن قيل : وما
ذلك الوجه الذي يصير للعلم معه ما ليس لغيره؟ قيل له : إنّه إذا كان قد نظر فيما
يجب ، وعرف الدلالة التي نظر فيها ، ووقعت له المعرفة بالمدلول ، وسكنت نفسه إلى
ذلك ،
ثم انتبه بعد نومه
فذكر أحواله التي تقدّمت ، فلا بدّ من أن تكون داعية له إلى أن يفعل التي يعلم بها
ما كان عالما من قبل ، وتقوى دواعيه إلى ذلك ، فيصير علمه بذلك كالطريقة للعلم
الذي يختاره. ومثل ذلك غير ممتنع ، على ما بيّناه من قبل في باب النظر (ق ، غ ١٢ ،
٢٥٠ ، ٥)
وجوب
ـ الوجوب والتكليف
لا يتصوران مع الإلجاء (ق ، ش ، ٤٠ ، ٩)
ـ إنّ الحسن لا
ينفكّ عن الوجوب في الواجبات الشرعيّة ، ولهذا إنّ الصلاة قبل الوقت كما لا تجب لا
تحسن ، وكذلك صوم شهر رمضان قبل دخول الشهر كما لا يحسن لا يجب ، وكذلك الحج عند
فقد الاستطاعة كما لا يجب لا يحسن ، فلا فرق بين أن يذكر بلفظ الحسن ، وبين أن
يذكر بلفظ الوجوب إذا كان الحال ما ذكرناه (ق ، ش ، ٧٦ ، ١٢)
ـ لو ورد عنه ،
جلّ وعزّ ، ما يدلّ على أنّه مريد للفعل وكاره لتركه لدلّ على الوجوب ، لأنّ ما
ليس بواجب لا يصحّ ذلك فيه ، من جهة الحكمة ، وكل فعل يعلم أنّه لو لا القول
بوجوبه لم يحسن أصلا ، والدليل إذا دلّ على حسنه دلّ على وجوبه مع هذه المقدّمة ،
وكذلك ما يثبت فيه أنّه لو لا وجوبه لم يدخل تحت التكليف ، فكل دليل اقتضى دخوله
تحت التكليف اقتضى وجوبه (ق ، غ ١٧ ، ١٠٥ ، ١٦)
ـ الذي تقتضيه
قضية العقل أنّ وجوب الشيء يقتضي وجوب ما لا يتمّ إلّا به ، إلّا أن يمنع منه مانع
، بأن نعلم أنّه إنّما يجب عند ذلك ، ولولاه كان لا يجب. فأمّا إذا لم يكن هناك
مانع ، فالذي ذكرناه صحيح (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٤١ ، ١٦)
ـ إنّ هذه الأحكام
التي هي الوجوب والقبح والحسن والندب فإنّها أحكام موجبة عن أحوال الفعل وأحكامها
وهي أحكام أحوالها ، فصارت هذه الأحكام مع أحكام الفعل كالعلل مع المعلول ، فلا
بدّ إذن من أن تضاف هذه الأفعال إلى الفاعل من وجه يكون له في ذلك تأثير ، وليس
ذلك إلّا الحدوث (ن ، د ، ٣١٨ ، ٥)
ـ أمّا حسن النظر
، فإنّما يعلم من حيث يعلم أنّه يوصل به إلى منفعة ، وأنّه متعرّ عن سائر وجوه
القبح. ويعلم أيضا حسنه بأن يعلم أنّه يتحرّز به عن الضّرر ، لأنّ ما يتحرّز به عن
النظر لا يكون إلّا واجبا ، والوجوب متضمّن الحسن. فإذا علم ذلك ، فقد علم حسنه
على طريق الجملة باضطرار (ن ، م ، ٣٤٦ ، ٩)
ـ أمّا وجوب
الأفعال وحظرها وتحريمها على العباد فلا يعرف إلّا من طريق الشرع ، فإن أوجب الله عزوجل على عباده شيئا بخطابه إيّاهم بلا واسطة أو بإرسال رسول إليهم
وجب. وكذلك إن نهاهم عن شيء بلا واسطة أو على لسان رسول حرّم عليهم. وقبل الخطاب
والإرسال لا يكون شيء واجبا ولا حراما على أحد (ب ، أ ، ٢٤ ، ٦)
ـ قال شيخنا أبو
الحسن وضرّار وبشر بن غيّاث ، وقت صحّة الإيمان والمعرفة وقت كمال العقل ، ووقت
وجوبهما عند اجتماع العقل والبلوغ ، ولا وجوب إلّا من جهة الشرع (ب ، أ ، ٢٥٦ ، ١٨)
ـ ثم نقول : شرط
الوجوب عندنا ، ثبوت السمع الدّال عليه ، مع تمكّن المكلّف من الوصول إليه. فإذا
ظهرت المعجزات ، ودلّت على صدق الرسل الدلالات ، فقد تقرّر الشرع
واستمرّ السمع ،
المنبئ عن وجود الواجبات وحظر المحظورات. ولا يتوقّف وجوب الشيء على علم المكلّف
به ، ولكن الشرط تمكّن المخاطب من تحصيل العلم به (ج ، ش ، ٣١ ، ٤)
ـ إنّ الوجوب ليس
بصفة للواجب على أصلنا ؛ والمعنى بكون الشيء واجبا أنّه الذي قيل فيه"
افعل" : فإذا أخبر الرّب تعالى عن وجوب الشيء فمعناه أنّه أخبر عن الأمر به ؛
فإذا نهى عنه أخبر عن النهي عنه ؛ فليس بين الإخبار عن الأمر به تحقيقا وبين
الإخبار عن النهي عنه تناقض ، فلا يتّصف كل واحد من الخبرين بالخروج عن كونه صدقا
حقا (ج ، ش ، ٢٨٦ ، ٨)
ـ إنّ معنى الوجوب
ترجيح جانب الفعل على الترك بدفع ضرر موهوم في الترك ، أو معلوم. وإذا كان هذا هو
الوجوب ، فالموجب هو المرجّح (غ ، ق ، ١٩٢ ، ٤)
ـ معنى الوجوب :
الوجوب في الحكمة (ز ، ك ٤ ، ٢٤٨ ، ١٥)
ـ (قالت الصفاتية)
إنّ الوجود من حيث هو وجود قد عمّ الواجب والجائز ، والوجوب من حيث هو وجوب قد خصّ
الواجب ، فاشتركا في الأعمّ وافترقا في الأخصّ ، وما به عمّ غير ما به خصّ ،
فتركّبت الذات من وجود عام ووجوب خاص ، فهو كتركيب الذات من واجب الذات قد شملت
الواجبين ، ويفصل كل واحدهما بفصل عن الواجب الآخر (ش ، ن ، ٢٠٣ ، ١٥)
ـ إنّ الحظر
والوجوب أحكام لا ترجع إلى الأفعال حتى تكون صفات لها ، ولا الأفعال كانت على صفات
من الحسن والقبح ورد الشرع بتقريرها ، ولا قول الشارع أكسبها صفات لا تقبل الرفع
والوضع ، بل الأحكام راجعة إلى أقوال الشارع ، وتوصف الأفعال بها قولا لا فعلا ،
شرعا لا عقلا ، فيجوز أن يرتفع بعضها ببعض ، وذلك كالحرمة في الأجنبيات ترتفع
بالعقد الصحيح ، والحلّ في المنكوحة يرتفع بالطلاق المبين ، وكأحكام المقيم تخالف
أحكام المسافر ، وأحكام الرجال في بعض الأحوال ، تخالف أحكام ربّات الحجال ، وإذا
كانت الأحكام قابلة للرفع والوضع والتغيير والتبديل ، فما المستحيل في وضع أحكام على
أقوام في زمن ، ثم رفعها عن أقوام في زمن آخر (ش ، ن ، ٥٠١ ، ١٨)
ـ الحقّ أنّ
الوجوب والإمكان والامتناع أمور معقولة تحصل في العقل من إسناد المتصوّرات إلى
الوجود الخارجيّ ، وهي في أنفسها معلولات للعقل بشرط الإسناد المذكور ، وليست
بموجودات في الخارج حتّى تكون علّة للأمور التي يسند إليها أو معلولا لها (ط ، م ،
٩٤ ، ٧)
ـ كون الشّيء
واجبا في الخارج ، هو كونه بحيث إذا عقله عاقل مسندا إلى الوجود الخارجيّ لزم في
عقله معقول هو الوجوب (ط ، م ، ٩٤ ، ١٣)
ـ لا يلزم أن يكون
الوجود محمولا على الوجوب حملا كلّيا ، لأنّه من الجائز أن يكون بعض ما هو وجوب
عدميّا أيضا ، فإنّ الممكن العامّ والممتنع نقيضان بالوجه المذكور ، والممتنع
عدميّ. فلا يجب أن يكون كلّ ما هو ممكن بالإمكان العامّ وجوديّا ، بل بعضه وجوديّ
وبعضه عدميّ (ط ، م ، ٩٥ ، ١٤)
وجوب الألطاف
ـ أمّا عندنا (القاضي)
، فإنّ الأمر بخلاف ما يقوله بشر وأصحابه ، إذ ليس يمنع أن يكون في المكلّفين من
يعلم الله تعالى من حاله أنّه إن فعل به بعض الأفعال كان عند ذلك يختار الواجب
ويتجنّب القبيح أو يكون أقرب إلى ذلك ، وفيهم من هو خلافه ، حتى إن فعل به كل ما
فعل لم يختر عنده واجبا ولا اجتنب قبيحا. وإذ قد علمت هذا ، فاعلم أن شيوخنا
المتقدّمين كانوا يطلقون القول بوجوب الألطاف إطلاقا (ق ، ش ، ٥٢٠ ، ١٦)
وجوب الإمام
ـ فإن قيل : كيف
يصحّ القول بوجوب الإمام ، وقد علمتم أن الزمان قد خلا منه الآن ومن قبل؟ قيل له :
لسنا نعني بوجوب ذلك حصوله ، وإنّما نريد أنّه يلزم الناس التوصّل إليه على شرائط
: بأن يكون التمكّن منه حاصلا ، ويكون هناك من يصلح لذلك ، ولا يكون هناك إمام ولا
ولي عهد. فمتى كانت الخلال هذه ، وجب على الناس التوصّل إلى إقامته ، فإن فعلوا
فقد أدّوا ما لزمهم ، وإلّا فقد قصروا في الواجب. فليس في فقد الإمام دلالة على
زوال وجوبه ؛ لأنّ ذلك يكون لتقصيرهم ، وقد يكون للعذر من بعض الوجوه التي
قدّمناها (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٥٠ ، ١)
وجوب الإمامة
ـ اختلفوا في وجوب
الإمامة وفي وجوب طلب الإمام ونصبه. فقال جمهور أصحابنا من المتكلّمين والفقهاء ،
مع الشيعة والخوارج وأكثر المعتزلة ، بوجوب الإمامة ، وأنّها فرض واجب ... إتباع
المنصوب له ، وأنّه لا بدّ للمسلمين من إمام ينفّذ أحكامهم ويقيم حدودهم ويغزي
جيوشهم ويزوّج الأيامى ويقسم الفيء بينهم. وخالفهم شرذمة من القدريّة كأبي بكر
الأصمّ وهشام الفوطي ، فإنّ الأصمّ زعم أنّ الناس لو كفّوا عن التظالم (المظالم)
لاستغنوا عن الإمام. وزعم هشام أنّ الأمّة إذا اجتمعت كلمتها على الحقّ احتاجت
حينئذ إلى الإمام ، وأمّا إذا عصت وفجرت وقتلت الإمام ، لم يجب حينئذ على أهل الحق
منهم إقامة إمام (ب ، أ ، ٢٧١ ، ٩)
ـ اتّفق جميع أهل
السنّة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، وأنّ الأمّة
واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله ، ويسوسهم بأحكام الشريعة
التي أتى بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حاشا النجدات من الخوارج (ح ، ف ٤ ، ٨٧ ، ٤)
ـ أمّا طريق وجوب
الإمامة ما هي فإنّ مشايخنا البصريين رحمهمالله يقولون طريق وجوبها الشرع وليس في العقل ما يدلّ على
وجوبها. وقال البغداديّون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين وشيخنا أبو الحسين رحمهالله تعالى أنّ العقل يدلّ على وجوب الرئاسة وهو قول الإماميّة.
إلّا أنّ الوجه الذي منه يوجب أصحابنا الرئاسة غير الوجه الذي توجب الإماميّة منه
الرئاسة ، وذاك أنّ أصحابنا يوجبون الرئاسة على المكلّفين من حيث كان في الرئاسة
مصالح دنيويّة ودفع مضار دنيويّة. والإماميّة يوجبون الرئاسة على الله تعالى من
حيث كان في الرئاسة لطف منه وبعد للمكلّفين عن مواقعة القبائح العقليّة. والظاهر
من كلام
أمير المؤمنين عليهالسلام يطابق ما يقوله أصحابنا ألا تراه كيف علّل قوله لا بدّ
للناس من أمير ، فقال في تعليله يجمع به الفيء ويقاتل به العدو ويؤمن به السبل
ويؤخذ للضعيف من القوي وهذه كلها من مصالح الدنيا (أ ، ش ١ ، ٢١٥ ، ١٠)
وجوب بالذات
ـ الوجوب بالذات
لا يكون مشتركا بين اثنين (ف ، م ، ٥٨ ، ١٤)
ـ الوجوب بالذات
لا يكون مفهوما ثبوتيّا ، وإلّا لكان أمّا تمام الماهيّة ، أو جزءا منها ، أو
خارجا عنها. والأوّل باطل لأنّ صريح العقل ناطق بالفرق بين الواجب لذاته وبين نفس
الوجوب بالذات ، وأيضا فكنه حقيقة الله تعالى غير معلوم ، ووجوبه بالذات معلوم.
والثاني باطل وإلّا لم كون الواجب لذاته مركّبا. والثالث أيضا باطل لأنّ كل صفة
خارجة عن الماهيّة لا حقة بها مفتقرة إليها ، وكل مفتقر إلى الغير ممكن لذاته ،
فيكون واجبا بغيره ، فيلزم أن يكون الوجوب بالذات ممكنا لذاته واجبا لغيره وهو
محال (ف ، أ ، ٢٥ ، ٨)
وجوب التوبة
ـ إنّ الوجه في
وجوب التوبة هو دفع المضرّة ، وقد ثبت في العقول أنّ المضارّ يجب دفعها على كل هذه
الوجوه (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٠ ، ١٩)
وجوب ساقط
ـ لا بدّ من أن
يكون الضرر الذي يخافه بترك الفعل ، أكثر مما يلحقه من المضرّة بنفس ذلك الفعل ،
حتى يكون دافعا للضرر الكثير بالمشقّة اليسيرة. فأمّا لو تكافئا وتعادلا وعلم ذلك
من حالهما ، لما وجب الفعل ولكان هذا الناظر مخيّرا والوجوب ساقطا. وإنّما يجب
الفعل ، إذا كان حاله ما ذكرناه. ومتى عظم التفاوت فيما يزيله من المضرّة لحقّ
ثبات الإلجاء ، وإذا تفاوت لحقّ ثبات الوجوب ، خصوصا متى كان الضرر مؤجّلا غير
معجّل. فإذا أصبحت هذه الجملة ، وقد صحّ أنّه لا يمتنع في النظر في باب الدنيا أن
يصير بهذه الصفة ، فينبغي أن يكون واجبا ؛ وكذلك النظر في باب الدين. ويجريان ،
متى صارا كذلك ، مجرى كل فعل يحرز به من ضرر عظيم ، لأن اختلاف الأفعال لا يؤثّر
في أنّ الكل منها إذا اتّفق في وجوب الوجوب اتّفق في الوجوب أن لا معتبر في هذا
الباب بجنس الفعل ولا بسائر صفاته ، وإنّما المعتبر بحصول وجه الوجوب فيه (ق ، غ
١٢ ، ٣٥٨ ، ١٥)
وجوب شرعي
ـ الوجوب الشرعيّ
لا يرتفع باحتمال التّخصيص ، بل يرتفع بالتّخصيص الواقع المعلوم وقوعه ، وإلّا فلا
يكون شيء بواجب شرعيّ أصلا (ط ، م ، ٥٧ ، ٢١)
وجوب شكر المنعم
ـ (المعتزلة)
يصوغون لإثبات وجوب شكر المنعم عقلا صيغة (أخرى) ، ويقولون العاقل إذا علم أنّ له
ربّا ، وجوّز في ابتداء نظره أن يريد منه الرّب المنعم شكرا ؛ ولو شكره لأثابه
وأكرم مثواه ، ولو كفر لعاقبه وأرداه ؛ فإذا خطر له الجائزان ، فالعقل يرشده إلى
إيثار ما يؤدّيه إلى الأمن من العقاب وارتقاب الثواب.
وضربوا لذلك مثلا
فقالوا : من تصدّى له في سفرته مسلكان يؤدّي كل واحد منهما إلى مقصده ، وأحدهما
خلي عن المخاوف عريّ من المتالف ، والثاني يشتمل على المعاطب واللصوص وضواري
السباع ، ولا غرض له في السبيل المخوف ، فالعقل يقضي بسلوك السبيل المأمون (ج ، ش
، ٢٣٤ ، ١٩)
وجوب الشيء
ـ إنّ ثبوت الشيء
دالّ على انتفاء ضدّه ، ووجوب الشيء دالّ على استحالة ضدّه. وهذا أصل متقرّر ،
فإذا صحّ ذلك وكنّا قد عرفنا وجوب هذه الصفات لله جلّ وعزّ فيجب أن تستحيل عليه
أضدادها ، لا سيّما إذا كان وجوبها لأمر يستحيل خروج الذات عنه وهو ما تقدّم من
أنّها للذات تستحقّ. وإذا كانت كذلك جرت في امتناع خروج الباري تعالى عنها مجرى
استحالة خروج السواد عن كونه سوادا حيث استحقّه للنفس (ق ، ت ١ ، ١٩١ ، ١٠)
ـ إنّ وجوب الشيء
منفصل من إيجاب الموجب له. فلا يمتنع حسن أحدهما وقبح الآخر. ولذلك يجب على ما
هدّد بالقتل إن لم يبذل بعض ماله أن يبذله ، ويحرم على من روّعه أخذ ذلك منه.
ويكون إيجابه ذلك عليه بالترويع قبيحا. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع كون الإيمان حسنا
لاختصاصه بالوجه الذي له يحسن وواجبا لحصول جهة الوجوب فيه ، وإن لم ينتفع به ،
كما يجب على القديم الواجب لا لمنفعة ، وإن قبح منه تعالى إيجاب الإيمان لا لمنفعة
على ما ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٢٣٦ ، ١٧)
ـ في أنّه تعالى
قد أوجب النظر والمعرفة على المكلّفين. قد بيّنا ، من قبل ، أنّه تعالى إنّما يوجب
الشيء بأن يعرّف المكلّف وجوبه ووجه وجوبه ، أو ينصب له الدلالة على ذلك ويريده
منه. فإذا ثبت ذلك ، وقد بيّنا أنّه تعالى قد عرّفنا وجوب النظر في معرفته تعالى
من حيث قرّر في العقول وجوب التحرّز من المضارّ بالوجه الذي يمكن التحرّز منه. وقد
بيّنا أنّ الخاطر إذا ورد على الوجه الذي فصّلناه في بابه ، يخاف العاقل لا محالة
خوفا لا يتحرّز منه في ظنّه إلّا بالنظر ، فيجب أن يعلم وجوب ذلك عليه ، كما يعلم بعقله
وجوب التحرّز من سائر المضارّ ، فإذا صحّ ذلك ، وكان تعالى هو الفاعل لهذه المعرفة
، فيجب أن يكون هو المكلّف لها. ولا فرق بين كون العلم بوجوب هذا النظر بعينه
ضروريّا أو مكتسبا ، في أنّ على الوجهين جميعا يضاف وجوبه إليه تعالى ؛ فإن كان في
أحد الوجهين أوجبه التعريف ، وفي الوجه الآخر ينصب الدلالة (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٩ ، ٣)
وجوب الفعل
ـ قد بيّنا أنّ
المعتبر في وجوب الفعل لحصول وجه الوجوب فيه ، وبيّنا أنّ أجناس الأفعال واختلافها
لا معتبر به. فإذا تكامل عقل الإنسان وعرف العادات في المنافع والمضارّ ، ثم قيل
له : إنّك لا تأمن من أن لم تنظر فتعرف أنّ لك صانعا صنعك ومدبّرا دبّرك ، وأنّك
إذا عرفته وعرفت طريق طاعته وميّزتها من طريق معصيته ، وتجوّزت معاصيه إلى طاعته ،
استحققت من جهته منافع عظيمة. وإذا أنت لم تعرفه اختلط عليك طريق معاصيه بطريق
طاعته. فلا تأمن أن تقدم على المقبح منه فتستحقّ المضرّة العظيمة التي تسمّيها
عقوبة ، وأنت تجد أمارة في عقلك. لأنّك تعلم أنّ المنعم يستحقّ الشكر والتعظيم ،
وأنّ الإقدام
على معصيته يعظم
بحسب نعمه ، وأنّ من حق القبيح أن يعمّ ما يستحقّ به الذمّ وأن يقتضي فعله النقص.
فلا تأمن أن تستحقّ المضارّ العظيمة من جهة من خلقك ، إذا أنت أهملت النظر في
معرفته (ق ، غ ١٢ ، ٣٦١ ، ٨)
ـ إذا عرّفنا وجوب
الفعل ، فلا بدّ من وجه يجب له ؛ ولا وجه يجب له الفعل إلّا ويدخل في العقليّات ،
إذا كان وجها مخصوصا ، أو في السمعيّات ، إذا كان لطفا. وإيجابه ما ليس له صفة
الوجوب لا يحسن من القديم تعالى ، لأنّه في حكم الكذب ، والله يتعالى عن ذلك (ق ،
غ ١٥ ، ٦٥ ، ١٠)
وجوب قيام الإمام
ـ قال أهل الحق :
الدليل الحق القاطع على وجوب قيام الإمام واتّباعه شرعا ما ثبت بالتواتر من إجماع
المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ على امتناع خلو
الوقت عن خليفة وإمام ، حتى قال أبو بكر في خطبته المشهورة بعد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ " ألا إنّ
محمدا قد مات ، ولا بدّ لهذا الدين ممن يقوم به" ، فبادر الكل إلى تصديقه ،
والإذعان إلى قبول قوله ، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين ، ولا تقاصر عنه أحد
من أرباب الدين ، بل كانوا مطبقين على الوفاق ، ومصرّين على قتال الخوارج ، وأهل
الزيغ والشقاق ، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك ، وإن اختلفوا في التعيين (م ، غ
، ٣٦٤ ، ٧)
وجوب لاحق
ـ أمّا وجوب وقوع
ما علم الله وقوعه فهو وجوب لاحق بالواقع ، بعد فرض وقوعه ، وليس بوجوب يوجب
الوقوع. فإنّ العلم بالشيء لا يكون علّة له من حيث هو علم به ، وإلّا فعلمنا بطلوع
الشّمس غدا يكون علّة لطلوعها غدا ، وذلك محال (ط ، م ، ٥٧ ، ١١)
وجوب اللطف
ـ حكى رحمهالله الدلالة استدلّ بها في الكتاب" المغني" على وجوب
اللطف ، وهو أنّ اللطف لو لم يجب لكانت المفسدة لا تقبح ، إذ لا فصل بين أن يفعل
بالمكلّف ما يدعوه إلى فعل القبيح وبين أن يمنع مما يختار عنده الواجب. والأصل في
هذه الدلالة أنّ من منع من وجوب اللطف لم يراع أزيد من التمكين. فإذا كنّا نعلم
أنّ عند وجود المفسدة لا يزول تمكّنه من فعل ما كلّف أو من تركه ، كما أنّه عند
عدم اللطف لا يزول تمكّنه من الأمرين ، فيجب أن يجوز منه تعالى أن يفعل به ما
يدعوه إلى القبيح كما جاز أن لا يفعل به ما يدعوه إلى الواجب ، لأنّه في كلي
الحالين متى عصى فقد أتي من قبل نفسه دون غيره. فإذا لم يجز ذلك تبيّنا أنّ مجرّد
التمكين غير كاف. فصارت منزلة ذلك منزلة ما نعلم أنّ من دعا غيره إلى طعامه فكما
لا يحسن منه أن يقطّب في وجهه مع أنّ عنده يختار الامتناع من تناول طعامه فإنّه
يجب عليه أن يخاطبه برقعة إذا علم أنّه لا يجيب إلّا عندها. فجرى الأمران سواء
مجرى واحدا (ق ، ت ٢ ، ٣٧٠ ، ٥)
ـ حكي عن جعفر بن
حرب رحمهالله أنّه كان يقول : متى كان الفعل مع عدم اللطف أشقّ والثواب
عليه أكثر جاز أن لا يفعل تعالى اللطف ، وإن كان المعلوم أنّه لو فعل اللطف لآمن
لكنّ ثوابه عند ذلك يكون أقلّ لخفّة
المشقّة. وحكي عنه
الرجوع عن هذا المذهب.
فأمّا أبو هاشم
يختلف كلامه. فربّما قال بما يذهب إليه أبو علي في وجوب اللطف على كل حال ، وربّما
تابع المذهب المحكي عن جعفر بن حرب على ما ذكره في" البغداديات". وإن
كان التحقيق الذي أشار إليه لم يحك عن جعفر بن حرب ، وذلك لأنّه راعى وجهين للفعل
يكون على أحدهما أشقّ وعلى الآخر أخفّ ، فجوّز أن يكلّف على الأشقّ لأجل أنّ ثوابه
أكثر ولا يلطف له فيه وإن كان المعلوم أنّه لو لطف له لاختاره ولا يكلّف على
الأخفّ وإن كان المعلوم أنه لو كلّف عليه لأتى به. ولا بدّ على هذا المذهب من
إثبات هذين الوجهين ومن طريق للمكلّف يميّز به أحد الوجهين من صاحبه ليصحّ دخوله
تحت التكليف (ق ، ت ٢ ، ٣٧٥ ، ١٠)
وجوب مخيّر
ـ لو لا التكليف
كان لا يثبت شيء من الواجبات واجبا عليه تعالى ، فكأنّه وإن يفصّل بابتداء التكليف
يصير من بعد مما يجب عليه أفعال بكون سبب وجوبها. فما كان منه تفصيلا ، ونحو هذا
هو من يكفل بحفظ وديعة ، فإنّ ذلك تبرّع منه ، ثم يلزمه صونها من الآفات ، ونحو من
يتطوّع بالنذر ثم يصير واجبا عليه. وأمّا ما كان من فعله على طريق الوجوب المخيّر
إن شاء بعث هذا وإن شاء بعث ذلك. وكذلك فلو علم أنّ اللذّة تقوم مقام الألم في الصلاح
لكان في حكم المخيّر فيهما وإن كان إذا ألم فهو أدخل في النفع من حيث يستحقّ به
عوض آخر. وما يتعيّن في فعله هو كإعادة من يستحقّ الثواب أو العوض ، فإنّ غير تلك
الأجزاء لا تقوم مقامها أصلا ، بل تجب إعادتها بأعيانها. وأمّا ما هو في حكم
المباح فهو العقاب فإنّه لا صفة له زائدة على حسنه وإنّما يراعي هذا عند الوقوع ،
وهو في وقوعه لا يختصّ بأمر زائد على الحسن. وما يقال من أنّه تعالى إذا لم يفعله
استحقّ الشكر فليس برجوع إلى صفة الفعل بل هو رجوع إلى حال الفاعل إذا لم يفعل.
فكونه مباحا أو قبيحا أو واجبا يعتبر عند الوجود ، وقد بيّنا أنّه في وجوده لا
يختصّ بأمر زائد على الحسن والحال في إرادة العقاب أظهر ، فإنّ هذا الإشكال زائل
عنها ، فهذا هو حكم أفعاله جلّ وعزّ. والذي يدخل تحت التعبّد من هذه الأحكام ليس
إلّا الواجب والندب فعلا والقبيح تركا ، فأمّا المباح وسائر ما عدّدناه فخارج عن
التكليف (ق ، ت ١ ، ٢٣٢ ، ٨)
وجوب مصلحة
ـ إنّ وجه وجوب
الصلاة هو كونها مصلحة ، وإنّما يعلم كونها كذلك لو ورد الإيجاب من قبل الله بها ،
لأنّه لا يستدرك بالعقل الوجه الذي له صارت مصلحة ، فوجب الافتقار فيه إلى السمع.
فإن كان فقد العلم بالثواب واستحقاقه يقدح في أحد هذين ، فالواجب أن لا يعلم
وجوبها ، وإلّا فغير ممتنع أن يعلم ذلك. وقد علمنا أنّ المكلّف إذا علم بعقله أنّه
، تعالى ، لا يوجب مع حكمته ما ليس له صفة الإيجاب ، وعلم في مثل الصلاة أنّه لا
صفة له عقليّة يجب لأجلها ، علم أنّه إن وجب فإنّما يجب لكونه مصلحة. وقد علم أنّ
المصالح في الدين تستدرك سمعا ، فيعلم أنّه ، تعالى ، إذا أوجبه فإنّما حسن منه
الإيجاب
مع حكمته لكونه
لطفا ، فيعلم لزومه له ، ولا يجوز أن يعلم ذلك وهو سائل في أنّه ، تعالى ، يثيب أم
لا. لأنّه يجب أن تتقدّم منه المعرفة بالشروط التي لها يحسن منه التكليف ، فصار
فقد العلم بذلك يؤثّر فيما معه بعلم وجوب الشرعيّات ، وفقده لا يؤثّر فيما معه
بعلم وجوب النظر والمعرفة. فلذلك فرّقنا بينهما (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٧ ، ١٣)
وجوب النبوة عقلا
ـ أمّا الفلاسفة
والمعتزلة (وجوب النبوّة عقلا) فإنّهم قالوا : لمّا كان نوع الإنسان أشرف موجود في
عالم الكون ؛ لكونه مستعدّا لقبول النفس الناطقة ، القريبة النسبة من الجواهر
الكرويّة ، والجواهر الروحانيّة ، لم يكن في العقل بدّ من حصول لطف المبدأ الأول ،
وإفاضة الجود منه عليهم ، لتتمّ لهم النعمة في الدنيا والسعادة في الأخرى. وكل واحد
من الناس قلّما يستقلّ بنفسه وفكرته ، وحوله وقوّته ، في تحصيل أغراضه الدنياويّة
، ومقاصده الأخرويّة إلّا بمعيّن ومساعد له من نوعه. وإذا ذاك فلا بدّ من أن تكون
بينهم معاملات ، من عقود بياعات وإجارات ومناكحات ، إلى غير ذلك ، مما تتعلّق به
الحاجات ، وذلك لا يتمّ إلّا بالانقياد ، والاستسخار من البعض للبعض ، وقلّما يحصل
الانخضاع والانقياد من المرء لصاحبه بنفسه ، مع قطع النظر عن مخوفات ومرغبات ،
دينيّة وأخرويّة ، وسنن يتبعونها ، وآثار يقتدون بها ، وذلك كله إنّما يتمّ ببيان
، ومشرّع يخاطبهم ويفهمهم من نوعهم ؛ وفاء بموجب عناية المبدأ الأول بهم. ثم يجب
أن يكون البيان مؤيّدا من عند الله ـ تعالى ـ بالمعجزات والأفعال الخارقة للعادات
، التي تتقاصر عنها قوى غيره من نوعه ، بحيث يكون ذلك موجبا لقبول قوله ،
والانقياد له فيما يسنّه ويشرّعه ، ويدعو به إلى الله ـ تعالى ـ وإلى عبادته
والانقياد لطاعته ، وما الله عليه من وجوب الوجود له ، وما يليق به وما لا يليق به
، وأحكام المعاد وأحكام المعاش ؛ ليتمّ لهم النظام ، ويتكامل لهم اللطف والإنعام ،
وذلك كلّه فالعقل يوجبه لكونه حسنا ، ويحرّم انتفاءه لكونه قبيحا (م ، غ ، ٣١٨ ، ٩)
وجوب النظر
ـ أمّا وجوب النظر
فإنّما نفيد بذكر الطريق لأنّ أوّل ما ينظر الناظر فيه هو إثبات الأعراض وحدوثها.
ثم كذلك على ترتيب المسائل التي تقدّمت وذلك لا يكون علما بالله بل العلم به أوّلا
هو أنّ للأجسام محدثا ، ولذلك ذكرنا لفظ الطريق. فإذا أردت الدلالة على وجوب النظر
فلا وجه إلّا حصول الخوف من تركه وقد تقرّر في العقول وجوب دفع الضرر عن النفس
معلوما كان أو مظنونا متى كان المحترز منه أعظم من المتحرّز به ، ولا فرق بين
المضارّ الدينيّة والمضارّ الدنياويّة (ق ، ت ١ ، ١٧ ، ٥)
ـ وجوب النظر
سمعيّ ، خلافا للمعتزلة وبعض الفقهاء من الشافعيّة والحنفيّة. لنا قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى
نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥) ،
ولأنّ فائدة الوجوب الثواب والعقاب ، ولا يقبح من الله تعالى شيء من أفعال ، فلا
يمكن القطع بالثواب والعقاب من جهة العقل ، فلا يمكن القطع بالوجوب (ف ، م ، ٤٢ ،
١٣)
وجوب النظر في
معرفة الله
ـ وجوب النظر في
معرفة الله ، تعالى ، يتبع الخوف من تركه ، وذلك الخوف لا بدّ من أن يكون خوفا من
مضارّ تتّصل بالدين كالعقاب والذمّ وما شاكلهما ، ولم يكن قد ترتّب في عقل العاقل
هذا الباب من جهة العادة حتى نشأ عليه واختبره ومارسه كما نمارس الصناعات وتصرّف
الناس ، فيعرف بذلك المقاصد وتترتّب عند ذلك في نفسه العلوم بالصناعات. فلا بدّ
إذن من ورود أمارة عليه لكي يخاف عندها ، فيلزمه النظر. وتلك الأمارة هي تنبيه
الداعي والخاطر ، لأنّهما يفيدانه ما يخاف عنده من العقاب بترك النظر ، ويدلّانه
على ما ترتّب في عقله من الخوف الذي يجده فاعل القبيح والنقص الذي يختصّ به. فإنّه
لا يأمن من مضرّة عظيمة تستحقّ به ، فيخاف عند ذلك. وسنرتّب كيفية الخاطر من بعض.
فإذا ثبت ذلك ، صحّ أنّ علمه بوجوب النظر يتبع هذا الخوف. فإنّ هذا الخوف لا بدّ فيه
من أمر حادث لفقد العادات فيه ، وأنّ ذلك الأمر الحادث هو الذي قلناه (ق ، غ ١٢ ،
٣٨٦ ، ١٩)
وجوب النظر
والمعارف
ـ إنّه قد ثبت أنّ
الفعل ، إذا كان له حكم وصفة ، لم تتغيّر حاله باختلاف الطرق إلى معرفته ، ولذلك
صحّ أن يعرف الشيء بطرق مختلفة على البدل. ولو كانت ، متى اختلفت ، اختلف حال
المعلوم كان لا يصحّ ذلك. وإذا ثبتت هذه الجملة ، وصحّ أنّا لو علمنا من حال الفعل
، بالعقل ، أنّه يدعو إلى فعل الواجب على وجه ، لولاه كان لا يختاره ، فإنّه كان
يجب على العبد ، ويعلم عند ذلك وجوبه. وعلى هذا الوجه رتّبنا الكلام في وجوب النظر
والمعارف ، أنّه لمّا علم الوجه في كونهما لطفا من جهة العقل ، علم وجوبهما. فلو
علم بالعقل هذه الصفة من حال الشرائع علم وجوبها. فإذا صحّ ذلك ولم نعلمه بالعقل ،
لكنّ السمع كشف عنه ، فالواجب أن نعلم بالسمع ، من حاله في الوجوب ، ما كنّا نعلمه
، لو عرفنا هذا الحكم له بالعقل. فإذا وجب ذلك ، ثم ورد السمع بإيجاب الأفعال التي
نعلم أنّه لا وجه لوجوبها إلّا ذلك ، علمنا به من حالها ، ما ذكرناه (ق ، غ ١٥ ،
٤١ ، ١٠)
وجوب الواجب
ـ بيّنا في أول
باب العدل أنّه لا يجوز في الفعل أن يكون واجبا للأمر ، ولا لإيجاب الموجب ، إذا
أريد به الإلزام بالقول ، أو نصب الدلالة فقط ، وبيّنا أنّ هذه الأمور أو بعضها
يدلّ على وجوب الواجب ، فأمّا أن يجب لأجله فمحال ، لأنّ من حق الدليل أن يكشف عن
حال المدلول ، لا أنّه يصيّره كذلك. ولذلك فصلنا بين الدليل والعلّة في العالم ،
فقلنا إنّ الدليل على كونه عالما ، غير العلّة الموجبة لكونه عالما ، وجوّزنا في
الدليل أن يثبت ولا مدلول بأن يبقى ويخرج العالم عن هذه الصفة ، وأحلنا ذلك في
العلّة والمعلول. وذكرنا أنّ لذلك أصولا في الفعل ، وأنّ ما عداه يجب أن يبنى
عليها ، نحو علمنا بوجوب ردّ الوديعة على وجه ، ووجوب شكر المنعم على وجه ، وقضاء
الدين والإنصاف ، وبيّنا أنّ ما يعلم وجوبه بالاستدلال ، فلا بدّ فيه من دخوله في
أصل ضروريّ على الجملة ، لأنّه لمّا علم بالعقل
وجوب التحرّز من
المضارّ على وجه مخصوص ، وبين الشرع من حال الشرعيّات أنّها بهذه الصفة ، علمنا وجوبها.
ولذلك يعدّ الشرع كاشفا عن الأمور الثابتة في العقل ، غير مخالف لها ، فالذي يجمع
الوجوه التي لها يجب الواجب ، ما قدّمناه ، وهو ما عند العلم به يعلم وجوب الواجب
، ثم ينقسم (ق ، غ ١٤ ، ٢٢ ، ١٣)
وجود
ـ كان ينكر قول من
قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول : هذه عبارة فاسدة لأنّ كونها هو وجودها ليس
غيرها ، فإذا قال القائل : الأشياء أشياء قبل كونها فكأنه قال : أشياء قبل أنفسها (ش
، ق ، ١٦٢ ، ٦)
ـ في الشاهد لا
يفهم من قول الرجل" شيء" مائيّة الذات ، ولا من قوله" عالم
وقادر" الصفة ، وإنّما يفهم من الأوّل الوجود والهستيّة ، ومن الثاني أنّه
موصوف ، لا أنّ فيه بيان مائيّة الذات كقول الرجل" جسم" ، إنّه ذكر
مائيّة أنّه ذو أبعاد أو ذو جهات أو محتمل للنهاية وقابل للأعراض ، وكذا ذا في
الإنسان وسائر الأعيان (م ، ح ، ٤٢ ، ٨)
ـ الوجود صفة
معقولة ولا نجد الموجود بلفظة أوضح منه. والعلم بهذه الصفة على طريق الجملة ضروريّ
في الذوات المدركة. وإنّما نحتاج في إثباتها على طريق التفصيل بدلالة. فأمّا فيما
ليس بمدرك من الذوات فطريق العلم بوجودها هو الاستدلال. فلهذا وجب أن ندلّ على أنّ
للقديم تعالى هذه الصفة بدلالة لأنّ العلم بذاته إذا كان استدلاليّا ، فالعلم
بصفته كذلك ، وإن كان متى كان قادرا وعالما فقد عرف على طريق الجملة الصفة التي من
دونها لا يصحّ كونه قادرا وعالما ، وهذا كاف في علم الجملة. ولهذا لا نقول إنّ من
لم يستدلّ بالدلالة التي نذكرها فهو غير عارف بالله أصلا ، وإنّما يكون قد جهل
التفصيل (ق ، ت ١ ، ١٣٣ ، ٢)
ـ إنّ صفة الوجود
صفة واحدة في الذوات الموجودة ... والدلالة على أنّ صفة الوجود واحدة في الذوات
أنّ الذي به يعرف اختلاف الصفات في الذوات إذا لم يكن طريق العلم بها الضرورة ، هو
أن تختلف أحكامها ، فيتوصّل باختلاف الأحكام إلى اختلافها في أنفسها ، كما أنّ
الطريق إلى معرفة اختلاف الذوات اختلافها في الأحكام التي تصحّ أو يجب أن يستحيل.
فصار المراد باختلاف الذوات أنّ بعضها لا يسدّ مسدّ بعض في الأحكام الواجبة أو
الصحيحة أو المستحيلة. والغرض بتماثل الصفات هو اتّفاقها في الأحكام التى تثبت لها.
فإذا لم تفترق في هذه الأحكام عرفنا تماثلها ، وإن افترقت عرفنا اختلافها. فإذا
صحّت هذه الجملة وكان حكم صفة الوجود ما ثبت من ظهور صفة الذات بها حتى يكون هو
الذي يصحّ ذلك ، وقد عرفنا أن هذا غير مختلف في الذوات ، فكل موجود لأجل وجوده
تظهر صفته المقتضاة عن صفة الذات ، وبوجوده يعرف ما هو عليه في ذاته ، فوجب أن
تكون الصفة واحدة وأن لا تختلف. ومتى وجدت بعض الذوات تتحيّز عند الوجود والبعض
تظهر له هذه الهيبة عند الوجود فلا تظنّ أنّ ذلك هو لاختلاف هذه الصفة في نفسها ،
ولكن قد اختلف هاهنا ما تأثيره آكد
وأقوى من تأثير
الشروط والأمور التي تصحّح ، وهو ما يؤثّر في الصفة بطريقة الإيجاب. فالجوهر لما
هو عليه يؤثّر في تحيّزه عند الوجود. وكذلك السواد فاختلاف المقتضي لأجل ذلك لا
لاختلاف الوجود في نفسه (ق ، ت ١ ، ١٣٥ ، ١٧)
ـ إنّ الوجود
إنّما يرجع إلى ذاته متى لم يحصل بالفاعل ، وذلك لا يتمّ إلّا في القديم ؛ لأنّ
الجواهر لو وجب الوجود لها لم يخرجها ذلك من الحاجة في الوجود إلى موجد ، وكلّ صفة
حصل الموصوف عليها بالفاعل أو لعلّة لم تقع بها الإبانة على وجه (ق ، غ ١١ ، ٤٣٣ ،
٧)
ـ إنّ الوجود هو
الذي يصحّح الإيجاب لكل موجب (ن ، د ، ٦ ، ٢)
ـ إنّ الوجود نقيض
العدم (ن ، د ، ٦٧ ، ١٦)
ـ إنّ الوجود هو
الصفة التي يظهر بها حكم صفة الذات ومخالفتها لما تخالفه وموافقتها لما توافقه ،
إن كان للذات موافق (ن ، د ، ٢٩٤ ، ١٥)
ـ إنّ كون القادر
قادرا ، يؤثّر في الإيجاد ، فلا بدّ من أن يقال أنّ الوجود حال ، حتى يصحّ أن يكون
للقادر فيه تأثير (ن ، م ، ٨٦ ، ١٣)
ـ الوجود ليس
بمعنى زائد على النفس ، لأنّ المحدّث لا يكون محدثا لمعنى غير نفسه ، فإذا لم يزل
الجواهر والأعراض عندهم في الأزل جواهر وأعراضا ، وجب أن يكون في الأزل موجودة
لأنّ وجودها ليس بأكثر من ذواتها (ب ، أ ، ٧١ ، ٧)
ـ أشبه ما يقولونه
في الوجود أنّ صحّته فيه لذاته وحصوله بالفاعل ، قيل له ؛ لسنا نقول في الوجود ما
ظننته ، بلى صحّة وجوده هو لكون القادر قادرا عليه ، إذ لا فائدة تحت قولنا يصحّ
وجوده إلّا صحّة إحداث القادر له (أ ، ت ، ٦٠ ، ٢)
ـ لا يعدّ الوجود
من الصفات ، فإنّ الوجود نفس الذات ، وليس بمثابة التحيّز للجوهر ، فإنّ التحيّز
صفة زائدة على ذات الجوهر ، ووجود الجوهر عندنا نفسه من غير تقدير مزيد (ج ، ش ،
٥٢ ، ٦)
ـ الوجود عندنا
حال للجوهر ، والجوهر كان في عدمه جوهرا ، ثم طرأ عليه حال الوجود (ج ، ش ، ٩٦ ، ٧)
ـ اعلم أنّ كل شيء
فله في الوجود أربع مراتب : وجود في الأعيان ، ووجود في الأذهان ، ووجود في اللسان
، ووجود في البياض المكتوب عليه. كالنّار مثلا فإنّ لها وجودا في التنّور ، ووجودا
في الخيال والذهن ، وأعني بهذا الوجود العلم بصورة النار وحقيقتها. ولها وجود في
اللسان وهي الكلمة الدّالّة عليه أعني لفظ النار ، ولها وجود في البياض المكتوب
عليه بالرقوم (غ ، أ ، ١٠٣ ، ١٣)
ـ إنّ الوجود
ذاتيّ وحسّي وخياليّ وعقلي وشبهيّ (غ ، ف ، ٥٧ ، ١٤)
ـ إنّ الوجود من
حيث هو وجود أمر يعمّ الواجب والجائز وهو فيهما بمعنى واحد لا يختلف (ش ، ن ، ١٥ ،
١٨)
ـ الذي نثبّته أنّ
الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود
وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد
من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه
الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا
يستند إلى الموجد
، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد
بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى ، وانحرف
كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ١٠)
ـ ما أوجده الموجد
فهو ذات الشيء والقدرة تعلّقت بذاته كما تعلّقت بوجوده ، وأثّرت في جوهريّته كما
أثّرت في حصوله وحدوثه ، والتميّز بين الوجود وبين الشيئيّة مما لا يؤول إلى معنى
ومعنى بل إلى لفظ ولفظ (ش ، ن ، ١٥٨ ، ٥)
ـ أيضا فإنّ
الوجود أعمّ صفات الموجودات ، وإيجاد الأعمّ لا يوجب وجود الأخصّ (ش ، ن ، ١٦١ ، ٨)
ـ (قالت الصفاتيّة)
إنّ الوجود من حيث هو وجود قد عمّ الواجب والجائز ، والوجوب من حيث هو وجوب قد خصّ
الواجب ، فاشتركا في الأعمّ وافترقا في الأخصّ ، وما به عمّ غير ما به خصّ ، فتركّبت
الذات من وجود عام ووجوب خاص ، فهو كتركيب الذات من واجب الذات قد شملت الواجبين ،
ويفصل كل واحدهما بفصل عن الواجب الآخر (ش ، ن ، ٢٠٣ ، ١٤)
ـ يطلق الوجود على
الباري تعالى لا بالمعنى الذي يطلق على سائر الموجودات ، وذلك كالوحدة والقدم
والقيام بالذات ، وليس ثمّ خصوص وعموم ولا اشتراك ولا افتراق ، كذلك في كل صفة من
صفاته يقع هذا الاشتراك (ش ، ن ، ٢١٣ ، ١٦)
ـ القائلون
بالصفات زعموا أنّ صفات الجواهر إمّا أن تكون عائدة إلى الجملة وهي الحياة ، وكل
ما كان مشروطا بها أو إلى الأفراد ، وهي إمّا في الجواهر أو في الأعراض. أمّا
الجواهر فقد أثبتوا لها صفات أربعة ، أحدها الصفة الحاصلة حالتي العدم والوجود وهي
الجوهريّة ، والثانية الوجود وهو الصفة الحاصلة بالفاعل ، والثالثة التحيّز وهو
الصفة التابعة للحدوث والصادرة عن صفة الجوهريّة بشرط الوجود ، والرابعة الحصول في
الحيّز وهو الصفة المعلّلة بالمعنى (ف ، م ، ٥١ ، ٢٦)
ـ أمّا الوجود
فزعم مثبتو الحال منّا أنّه نفس الذات ، وزعمت المعتزلة أنّه صفة ، والقول بإثبات
كون المعدوم شيئا بناء على هذا (ف ، م ، ٥٥ ، ٢٤)
ـ مسمّى الوجود
مفهوم مشترك فيه بين كل الموجودات ، لأنّا نقسّم الموجود إلى الواجب والممكن.
ومورد التقسيم مشترك بين القسمين ، ألا ترى أنّه لا يصحّ أن يقال الإنسان إمّا أن
يكون تركيا ، أو يكون حجرا. ولأنّ العلم الضروريّ حاصل بصحّة هذا الحصر ، وأنّه لا
واسطة بينهما ، ولو لا أنّ المفهوم من الوجود واحد ، وإلّا لما حصل العقل بكون المتناقضين
طرفين فقط (ف ، أ ، ٢٣ ، ١١)
ـ الوجود زائد على
الماهيّات لأنّا ندرك التفرقة بين قولنا السواد سواد ، وبين قولنا السواد موجود.
ولو لا أنّ المفهوم من كونه موجودا زائد على كونه سوادا وإلّا لما بقي هذا الفرق. ولأنّ
العقل يمكنه أن يقول العالم يمكن أن يكون موجودا وأن يكون معدوما ، ولا يمكنه أن
يقول الموجود إمّا أن يكون موجودا أو معدوما ، ولو لا أنّ الوجود مغاير للماهيّة ،
وإلّا لما صحّ هذا الفرق (ف ، أ ، ٢٣ ، ١٧)
ـ إنّ الشيئين لو
كانا متشابهين وجب استواؤهما
في جميع اللوازم ،
فيلزم من توقّف وجود هذا على وجود الثاني توقّف وجود الثاني على وجود الأوّل ، بل
توقّف كل واحد منهما على نفسه وذلك محال في بداية العقول. فثبت أنّه لا يتوقّف
وجود الشيء على وجود نظير له فلا يلزم من نفى النظير نفيه (ف ، س ، ١٨ ، ٤)
ـ إنّ الوجود نفس
الموجود ، وإنّ إطلاق اسم الوجود والذات على الماهيّات المتعدّدة ليس إلّا بطريق
الاشتراك في اللفظ لا غير ، وما وقع به الاشتراك فليس إلّا وجوب الوجود (م ، غ ،
٤١ ، ٤)
ـ الوجود عين
الموجود ، خلافا لجمهور الفلاسفة والمعتزلة وجمع منّا. لنا : فتغاير حقيقتهما
فيتّصف المعدوم بالموجود (خ ، ل ، ٤٩ ، ٥)
ـ قالوا : الوجود
زائد ، وليس معدوما وإلّا فالشيء عين نقيضه ولا موجودا ، وإلّا تسلسل. قلنا : مرّ
إنّه ليس بزائد ؛ وأيضا إنّما يتسلسل لو كان المشرك والمميّز ثبوتين وأيضا بامتياز
الوجود بأنّ لا شيء معه فلا تسلسل (خ ، ل ، ٥٠ ، ٥)
ـ وجود الشيء عينه
(خ ، ل ، ٥٥ ، ١٠)
ـ صحّة الفعل دليل
كونه قادرا ، وصحّة الإحكام دليل العالميّة ، وهما دليل كونه قادرا ، حيّا. وتعلّق
الفعل به دليل وجوده ، إذ لا تأثير لمعدوم كالإرادة. ثم لو كان محدثا لاحتاج إلى
محدث ، فيتسلسل. فلزم قدمه (م ، ق ، ٨٣ ، ١٢)
وجود بالسبب
ـ لم يجز فيما ثبت
وجوده بالسبب أن يفعل ابتداء ، بل يجب أن يكون القول في ذلك آكد لأنّ السبب من
حقّه أن يوجب وجود المسبّب من غير أن يتعلّق باختيار القادر. وليس كذلك ما يفعل
بالقدرة ابتداء ، فإذا كان ما يوجد بالقدرة مع أنّه لم يحصل فيه وجه يوجب وجوده لا
يصحّ أن يوجد إلّا بها ، فبأن لا يجوز أن يوجد المتولّد إلّا بالسبب مع أنّه يوجب
وجوده أولى. ومما يقال في ذلك أن من حق ما يبتدأ بالقدرة أن يصحّ من القادر أن
يفعله وألّا يفعله ، ومن حق ما يوجد عن السبب أن يجب وجوده مع ارتفاع الموانع ،
فإذا صحّ ذلك فلو جوّزنا في المعنى الواحد أن يحدث على الوجهين لتناقض فيه الحكم ،
لأنّه كان يجب أن يصحّ ألّا يفعله من حيث كان مبتدأ ، وأن يجب أن يفعله من حيث كان
مسبّبا ، وهذا محال. ولا يمكنه أن يقول متى وجد السبب لم يصحّ أن يفعله إلّا به ،
لأنّا قد بيّنا أنّه إذا كان مقدورا بالقدرة فلا وجه يمنع من كونه مقدورا بها
ابتداء ، لأنّ تقدّم السبب لا يمنع القدرة من أن تكون متعلّقة به كتعلّقها به لو
لم يتقدّم ، وفي هذا ما قدّمناه من التناقض ، وقد يقال فيه أنّ من حق ما نبتدئه
بالقدرة ألا يقع متى حصل هناك داع يصرفه عن فعله ، فلو كان ما يقع عن السبب يجوز
أن نبتدئه لوجب متى حصل هناك ما يصرفه عن فعله لا يوجد من حيث صحّ أن نبتدئه ، وأن
يجب وجوده من حيث وجد سببه ، وهذا يتناقض (ق ، غ ٩ ، ١١٧ ، ٩)
وجود حسي
ـ أمّا الوجود
الحسّي فهو ما يتمثّل في القوة الباصرة في العين ممّا لا وجود له خارج العين. فيكون
موجودا في الحسّ ويختصّ به الحاسّ ولا يشاركه غيره ، وذلك كما يشاهد النائم. بل
كما يشاهده المريض
المستيقظ إذ قد تتمثّل له صور لا وجود لها خارج حسّه حتى يشاهدها كما شاهد سائر
الموجودات الخارجة عن حسّه. بل قد يمثّل للأنبياء والأولياء في الصحّة واليقظة
الصور جميلة محاكية لجواهر الملائكة ، وينتهي إليهم الوحي والإلهام بواسطتهما ،
فيتلقّون من أمر الغيب في اليقظة ما يتلقّاه غيرهم في النوم وذلك لشدّة صفاء
باطنهم (غ ، ف ، ٥٨ ، ١)
وجود خيالي
ـ أمّا الوجود
الخياليّ فهو صورة هذه المحسوسات إذا غابت عن حسّك ، فإنّك تقدر على أن تخترع في
خيالك صورة فيل وفرس وإن كنت مغمّضا عينك ، حتى كأنّك تشاهده وهو موجود بكمال
صورته في دماغك لا في الخارج (غ ، ف ، ٥٨ ، ٢٠)
وجود ذاتي
ـ أمّا الوجود
الذاتيّ فهو الوجود الحقيقيّ الثابت خارج الحسّ والعقل. ولكن يأخذ الحسّ والعقل
عنه صورة فيسمّى أخذه إدراكا ، وهذا كوجود السموات والأرض والحيوان والنبات. وهو
ظاهر ، بل هو المعروف الذي لا يعرف الأكثرون للوجود معنى سواه (غ ، ف ، ٥٧ ، ١٨)
ـ أمّا الوجود
الذاتيّ فلا يحتاج إلى المثال ، وهو الذي يجري على الظاهر ولا يتأوّل ، وهو الوجود
المطلق الحقيقي ، وذلك كأخبار عن العرش والكرسيّ والسموات السبع ، فإنّه يجري على
ظاهره ، إذ هذه أجسام موجودة في أنفسها أدركت بالحسّ والخيال أو لم تدرك (غ ، ف ،
٦١ ، ٤)
وجود شبهي
ـ أمّا الوجود
الشبهيّ فهو أن لا يكون نفس الشيء موجودا لا بصورته ولا بحقيقته ، لا في الخارج
ولا في الحسّ ولا في الخيال ولا في العقل ، ولكن يكون الموجود شيئا آخر يشبهه في
خاصّة من خواصّه وصفة من صفاته. ستفهم هذا إذا ذكرت لك مثاله في التأويلات ، فهذه
مراتب وجود الأشياء (غ ، ف ، ٥٩ ، ٤)
ـ أمّا الوجود
الشبهي فمثاله الغضب والشوق والفرح والصبر وغير ذلك ممّا ورد في حقّ الله تعالى (غ
، ف ، ٦٣ ، ١٥)
وجود عقلي
ـ أمّا الوجود
العقليّ فهو أن يكون للشيء روح وحقيقة ومعنى ، فيتلقّى العقل مجرّد معناه دون أن
يثبت صورته في خيال أو حسّ أو خارج ، كاليد مثلا فإنّ لها صورة محسوسة ومتخيّلة ،
ولها معنى هو حقيقتها وهي القدرة على البطش ، والقدرة على البطش هي اليد العقليّة.
وللقلم صورة ، ولكن حقيقة ما تنقش به للعلوم ، وهذا يتلقّاه العقل من غير أن يكون
مقرونا بصورة خشب وقصب غير ذلك من الصور إلّا الخياليّة والحسيّة (غ ، ف ، ٥٨ ، ٢٤)
وجود المقدور
ـ ليس يعتبر تعلّق
القدرة بما يوجد من المقدورات أو لا يوجد. ولهذا يقدر أحدنا على الحركة ولكن الشرط
حصول المحلّ ، ويقدر على العلم ولكن الشرط حصول بنية القلب. فصار وجود المقدور
موقوفا على زوال الموانع ، ومن أقوى الموانع التضادّ ، ولأجل هذا إذا زال التضادّ
على الحقيقة وثبت التضادّ
في الجنس صحّ منه
إيجادهما وإن كانت القدرة واحدة. فيجب أن يكفي في تعلّقها بالضدّين صحّة وجود كل
واحد منهما على البدل (ق ، ت ٢ ، ٩١ ، ٥)
ـ قد بيّنا أنّ
القدرة لا يصحّ أن تتعلّق إلّا بجزء واحد في وقت واحد من جنس واحد ، فلو لم نقل
بأن تقضّي وقت مقدورها يخرجها من أن توصف بأنّ لها قدرة عليه لم يصحّ ما قدّمناه
من الأصل. وليس كذلك حاله ـ تعالى ـ لأنّ الذي يحيل كونه قادرا على الشيء ليس إلّا
وجود مقدوره ، فإذا زال هذا الوجه كان حال المقدور ـ وقد تقدّم حدوثه ـ كحاله ولما
يتقدّم ذلك ، وصحّة إيجاده له على ما قدّمنا القول فيه. فأمّا ما لا يبقى فقد
بيّنا أنّه لأمر يرجع إليه يستحيل وجوده إلّا في وقت واحد من فعل أيّ فاعل كان ،
ولا يصحّ أن يحدث إلّا في ذلك الوقت ، وليس كذلك حال الجواهر ؛ لأنّ وجودها في كل
وقت على جهة البقاء والإحداث يصحّ ؛ على ما قدّمناه (ق ، غ ١١ ، ٤٥٥ ، ١٠)
وجود الموجود من
جهتين
ـ أمّا إذا قيل
بوجود الموجود من جهتين وليستا بجهة الحدوث فهو بنا منهم على أنّ هاهنا جهة هي
الكسب أو ما شاكله وهذا قد بطل. وكذلك إن قيل إنّ كل ما يتجدّد هو الحدوث ، وليس
يمتنع في الحدوث أن يتجدّد عليه الصفات الكثرة فهذا جهل منه بكيفية الحدوث ، لأنّ
الجوهر إذا تجدّد عليه كونه متحرّكا ، أو ساكنا فليس ذلك ينبي عن حدوث ذاته. وكذا
الحال في كونه عالما وما شاكله ، بل ذاته على ما كانت عليه. وعلى هذه
الطريقة
تكلّم" المجبرة" إذا زعموا أنّ جهات الفعل كلها حدوث ، فلو كان بعضها
بنا لكان جميعها بنا ، فيبيّن أنّ فيها ما هو للذات وفيها ما هو لمعنى. وفيها ما
هو بالفاعل فإجراؤه مجرى واحدا لا يصحّ (ق ، ت ١ ، ٣٧٤ ، ٨)
وجوه
ـ الإيجاد غير
محسوس ولا يدرك بإحساس النفس ضرورة ، فقد وجدنا للتفرقة بين الحركتين (الاختياريّة
والاضطراريّة) والحالتين مرجعا ومردّا غير الوجود ، أليس من أثبت المعدوم شيئا
عندكم ما ردّ التفرقة إلى العرضيّة واللونيّة والحركيّة في أنّها بالقدرة الحادثة
، فإنّها صفات نفسيّة ثابتة في العدم ، ولا إلى الاحتياج إلى المحل ، فإنّها من
الصفات التابعة للحدوث ، فلذلك نحن لا نردّها إلى الوجود فإنّها من آثار القدرة
الأزليّة ، ونردّها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب والعقاب حتى ينطبق التكليف على
المقدور ، والمقدور على الجزاء ، والدواعي والصوارف أيضا تتوجّه إلى تلك الجهة ،
فإنّ الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد داعية القيام والقعود والحركة
والسكون والمدح والذمّ ، وهذه هيئات تحصل في الأفعال وراء الوجود تتميّز عن الوجود
بالخصوص والعموم ، فإن شئت سمّيتها وجوها واعتبارات (ش ، ن ، ٨١ ، ١٥)
وجوه الاعتبارات
ـ قالت المعتزلة
تختلف وجوه الاعتبارات في شيء واحد ولا يوجب ذلك تعدّد الصفة ، كما يقال الجوهر
متحيّز وقائم بالنفس وقابل للعرض ، ويقال للعرض لون وسواد وقائم
بالمحل ، فيوصف
الجوهر والعرض بصفات هي صفات الأنفس التي لا يعقل الجوهر والعرض دونهما ، ثم هذه
الأوصاف لا تشعر بتعدّد في الذات ولا بتعدّد صفات هي ذوات قائمة بالذات ، ولا
بتعدّد أحوال ثابتة في الذات ، كذلك نقول في كون الباري تعالى عالما قادرا (ش ، ن
، ١٩٢ ، ١٦)
وجوه التعلّق
ـ قد علمنا أنّ
للكلام تعلّقا بالمتكلّم يقتضي أنّه بأن يكون متكلّما به أولى من غيره. ولا بدّ من
كون ذلك التعلّق معقولا ، فلا يخلو من أن يكون إنّما وصف به لأنّه حلّه ، أو لأنّه
حلّ بعضه ، أو لأنّه أوجب له حالا ، أو لأنّه فعله ؛ لأنّ ما عدا هذه الوجوه من
التعلّق لا مدخل له في هذا الباب (ق ، غ ٧ ، ٥٠ ، ١٠)
وجوه الحسن في
أفعالنا
ـ اعلم أنّه قد
يصحّ فيما نفعله وجوه حسن لا تصحّ عليه تعالى ؛ لأنّ الواحد منّا قد يفعل الفعل
لينتفع به ، ويدفع عن نفسه به مضرّة عاجلا أو آجلا ، وذلك مستحيل عليه ؛ لأنّ المنافع
لا تصحّ عليه ، من حيث كان غنيّا على ما بيّناه من قبل ، فلا وجه لذكر ذلك في
أفعاله ، وهذا في بابه بمنزلة الفعل الذي يصحّ منّا أن نفعله في أبعاضنا ويستحيل
ذلك عليه لاستحالة كونه حسنا ، وبمنزلة صحّة الإشارة منّا في الخطاب واستحالته
عليه ؛ لأنّ الآلات لا تصحّ عليه. ويحسن من الواحد منّا الفعل ليدفع به عن غيره
ضررا ، وإن كان الفعل مضرّة ؛ لأن دفع الضرر العظيم باليسير حسن ، وربما بلغ من
حاله أن يكون الإنسان ملجأ إلى فعله إذا كان ذلك الضرر ما يدفعه عن نفسه أو من
يجري مجراه ، كالولد وغيره ، وهذا الوجه لا يصحّ في فعله تعالى ؛ لأنّ ما له يحسن
من الواحد منّا ذلك هو أنّه لا سبيل له إلى دفع الضرر العظيم إلّا بالضرر اليسير ،
والقديم تعالى فهو قادر على دفع المضارّ عن العبد من دون إنزال المضرّة به ، وإذا
لا يحصل فعله على الوجه الذي يحصل منّا ، بل حاله تعالى كحال الوالد إذا أمكنه دفع
الضرر عن ولده من غير إنزال مضرّة به ، فكما أنّه (لا) يقبح منه ذلك فكذلك القديم
سبحانه (ق ، غ ١١ ، ٨٦ ، ٤)
وجوه القبح
ـ إنّ الأفعال
التي تقبح على ضربين : أحدهما لا يقع على الوجه الذي يقبح عليه إلّا بأن يقصد
فاعله به وجها مخصوصا ، نحو الكذب والصدق ، والثاني يقع على الوجه الذي يقبح عليه
، وإن لم يرد وجها مخصوصا ، كالظلم والجهل وإرادة القبيح. وما ذكرناه أولا ، وإن
كان لا بدّ من أن يراد ، فالإرادة إنّما تؤثّر في وقوعه على بعض الوجوه ، لا في
قبحه. ثم ينظر فإن صحبه ما يوجب قبحه ، حكم بقبحه ؛ وإن قارنه ما يوجب حسنه ، قضي
بذلك فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٣ ، ٨)
ـ إنّ وجوه القبح
معقولة ؛ فلا يصحّ أن يدّعي فيها ما لا يعقل ؛ لأنّ ذلك يوجب الشكّ في سائر ما
يعرف حسنه ووجوبه ، ويوجب التباس الحسن بالقبيح ؛ وكمال العقل يمنع من ذلك. فإذا
صحّ ما ذكرناه وكانت وجوه القبح التي نعقلها أجمع منتفية عن تكليف من المعلوم أنه
يكفر ، فيجب القضاء بحسنه من حيث اختصّ بما ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ١٩٠ ، ١٨)
ـ إنّ وجوه القبح
في القبائح يكفي فيها علم الجملة ولا يحتاج فيها إلى علم تفصيل ، فإذا حصل لنا علم
جملة كفانا في وجوب التحرّز (ن ، د ، ٣ ، ١)
وجوه لها يحسن من
القديم الفعل
ـ اعلم أنّ جملة
الوجوه التي لها يحسن من القديم تعالى الفعل لا تخرج عن وجوه أربعة : فمنها ما
يحسن منه خلقه لينفعه ، ومنها ما يحسن أن يخلقه للنفع به ، ومنها ما يحسن أن يخلقه
ليفعل به المستحقّ ، ومنها ما يحسن أن يفعله لأنّه أراده لخلق ما قدّمناه ، إمّا
لإحداثه ، أو لإحداثه على بعض الوجوه. ويجب أن يشرط في جميعه انتفاء وجوه القبح ؛
لأنّا قد بيّنا من قبل أنّ وجه الحسن في الحسن يفارق وجه القبح في القبح ، ولأنّه
قد يحصل ولا يكون الفعل حسنا بأن يحصل فيه بعض وجوه القبح ، ولا يجوز مع ثبوت وجه
القبح في القبيح كونه حسنا على وجه ، فصار وجه القبح كالعلّة في قبحه ، ووجه الحسن
كالمصحّح لحسنه ، وإذا انضاف إليه انتفاء وجوه القبح حسن لا محالة. ولذلك قلنا إنّ
الأولى ألّا يجعل لكون الحسن حسنا وجه يحسن لأجله ، بل يجب أن يذكر فيه بعض ما
يقتضي ثبوت غرضه فيه ؛ لئلّا يكون وجوده كعدمه ، فإذا انتفى وجوه القبح عنه والحال
هذه قضي بحسنه (ق ، غ ١١ ، ٨٤ ، ٥)
وجوه لها يقبح
القبيح
ـ في ذكر تفصيل
الوجوه التي لها يقبح القبيح : اعلم أنّ القبائح وإن جمعها حدّ واحد على ما
قدّمناه ، فالوجوه التي لها تكون قبيحة تختلف. وذلك غير منكر ، لأنّ الذي يجب
الاتفاق فيه حقائق الصفات. فأمّا ما له حصل الموصوف على الصفة يجوز أن يختلف. وقد
بيّنا ذلك في كتاب الصفات. وإذا صحّ ذلك فالكذب يقبح لأنّه كذب ، والظلم لأنّه ظلم
، وكفر النعمة لأنّه كفر النعمة ، وتكليف ما لا يطاق لأنّه تكليف ما لا يطاق ،
وإرادة القبيح ، والجهل ، والأمر بالقبيح ، والعبث ، لكونها بهذه الصفات. وذكر
جميع القبائح يطول ؛ ونحن نشير إلى أصولها (ق ، غ ٦ / ١ ، ٦١ ، ٢)
وجوه وقوع العلوم
الضرورية
ـ إنّ الوجوه التي
منها تقع العلوم الضروريّة قد تختلف ، فمنها ما يصير طريقا للعلم موجبا في العاقل
، كالإدراك ؛ ومنها ما تختلف الحال فيه بعادة وغيرها ؛ والعلم بالمقاصد من هذا
القبيل (ق ، غ ٨ ، ٩ ، ٧)
وحدانية
ـ قد قال الله
تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما
تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) (الواقعة : ٥٨ ـ ٥٩)
فما استطاعوا أن يقولوا بحجّة أنهم يخلقون ما يمنون مع [تمنّيهم] الولد فلا يكون
ومع كراهتهم له فيكون. وقد قال الله تعالى منبّها لخلقه على وحدانيّته (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات : ٢١)
يبيّن لهم عجزهم وفقرهم إلى صانع صنعهم ومدبّر دبّرهم (ش ، ل ، ٧ ، ٦)
ـ يترتّب على
اعتقاد حقيقة الوحدانيّة. إيضاح الدليل على أنّ الإله ليس بمؤلّف ؛ إذ لو كان كذلك
، تعالى الله عنه وتقدّس ، لكان كل بعض قائما بنفسه عالما حيّا قادرا ، وذلك تصريح
بإثبات إلهين (ج ، ش ، ٦٩ ، ٦)
وحدة
ـ أمّا الوحدة فهي
التي تجعل المجموع واحدا ، وإذا اعتبر فيه عدم الانقسام بوجه ما ، مثلا كالعشرة ،
فإنّها لا تنقسم من حيث هي عشرة ، وإن انقسمت من حيث هي آحاد هي أجزاء العشرة. وقد
تتكرّر الوحدة حين يقال وحدة واحدة. ولا يلزم منه ثبوته ، فإنّ موضوع الوحدة
الأولى هو الذي يقال له إنّه واحد ، وموضوع الوحدة الثانية هو الوحدة الأولى. وإذا
لم تتكثّر الموضوعات في مرتبة واحدة لم يحصل من الوحدات عدد ، وليس قيام الوحدة
بالموضوع المنقسم محتاجا إلى وحدة تسبقها ، بل هي اعتبار عدم الانقسام فيها من حيث
اعتبار كونها ذلك المجموع ، ولا يلزم التسلسل (ط ، م ، ١٣٥ ، ٢)
وحي
ـ الوحي الذي هو
النبوّة قصد من الله تعالى إلى إعلام من يوحي إليه بما يعلمه به ، ويكون عند الوحي
به إليه حقيقة خارجة عن الوجوه المذكورة ، يحدّث الله عزوجل لمن أوحي به إليه علما ضروريّا بصحّة ما أوحي به ، كعلمه
بما أدرك بحواسه وبديهة عقله سواء لا مجال للشكّ في شيء منه ، إما بمجيء الملك به
إليه ، وإمّا بخطاب يخاطب به في نفسه وهو تعليم من الله تعالى لمن يعلمه دون وساطة
معلّم (ح ، ف ٥ ، ١٧ ، ١٩)
وحيد
ـ ويوصف (الله)
بأنّه وحيد ؛ لأنّ معناه معنى واحد. ومتى قيل في الواحد إنّه وحيد بمعنى أنّه لا
عشيرة له ، فذلك مجاز على جهة التشبيه (ق ، غ ٥ ، ٢٤٦ ، ١٦)
وزن الأعمال
ـ الجواب في وزن
الأعمال على أصله فيحتمل أمرين ، أحدهما أن توزن الكتب التي فيها أعمال العباد
مكتوبة ، فيتبيّن الرجحان والخفّة بثقل يخلقه الله في إحدى الكفّتين وخفّة في
الأخرى فتترجّح إحداهما على الأخرى ، فيعلم بذلك نجاة من ينجو وهلاك من يهلك. ويحتمل
أن يكون ذلك على تعريف مقادير الأعمال ، وما قدّر لعامليها فيها من الثواب
والعقاب. وذلك أنّه قد يستعمل في الكلام مثل ذلك بأن يقال" لهذا الكلام
وزن" أي قدر ، وكما قال تعالى (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ
يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) (الكهف : ١٠٥) أي
قدرا ومقدارا. فعلى هذا إذا ثقّل الله تعالى إحدى الكفّتين بثقل يخلقه فيها ممّا
يلي الجنّة كانت علامة لسعادة من ثقّل له ذلك ، وفي الأخرى بخلافه (أ ، م ، ١٧٢ ،
١١)
وسع
ـ كذلك كل ما
كلّفه عباده وما عملوه من الأعمال فغير ضائع عنده بل هو مثبت لديه في كتاب ، يريد
اللوح أو صحيفة الأعمال ناطق بالحق لا يقرءون منه يوم القيامة إلّا ما هو صدق وعدل
لا زيادة فيه ولا نقصان ولا يظلم منهم أحدا ، أو أراد أن الله لا يكلّف إلّا الوسع
، فإن لم يبلغ المكلّف أن يكون على صفة هؤلاء السابقين بعد أن يستفرغ وسعه ويبذل
طاقته فلا عليه ، ولدينا كتاب فيه عمل السابق والمقتصد ، ولا نظلم أحدا من حقه ولا
نحطّه دون درجته (ز ، ك ٣ ، ٣٥ ، ٢٥)
وصف
ـ قد يوصف الشيء
بصفة لنفسه كقولنا سواد
وبياض وقد يوصف
لعلّة كقولنا متحرّك ساكن وقد يوصف لا لنفسه ولا لعلّة كقولنا محدث (ش ، ق ، ٣٥٧ ،
١٣)
ـ قد يوصف الشيء
بصفة لنفسه كقولنا سواد وبياض وقد يوصف لعلّة كقولنا متحرّك ساكن وقد يوصف لا
لنفسه ولا لعلّة كقولنا محدث (ش ، ق ، ٣٥٧ ، ١٣)
ـ إنّ الوصف هو
الصفة وإنّ التسمية هي الاسم (ش ، ق ، ٥٢٩ ، ١٤)
ـ إنّ الوصف قول
الواصف الدالّ على الصفة خلاف ما يذهب إليه القدريّة (ب ، ن ، ٢٧ ، ١٧)
ـ نقول (الصفاتية)
معنى قولنا الصفات قامت به أنّه سبحانه يوصف بها فقط من غير شرط آخر. والوصف من
حيث هو وصف لا يستدعي الاحتياج والاستغناء ولا التقدّم ولا التأخّر ، فإنّ الوصف
بكونه قديما واجبا بذاته من حيث هو وصف لا يستدعي كون القدم والوجوب محتاجا إلى
الموصوف ، ولا كون الموصوف سابقا بالقدم والوجوب ، بل الاحتياج إنّما يتصوّر في
الجواهر والأعراض حيث لم تكن فكانت ، فاحتاجت إلى موجد لجوازها. وتطلق على الأعراض
خاصة حيث لم تعقل إلّا في محال ، واحتاجت إلى محل ، وبالجملة الاحتياج إنّما
يتحقّق فيما يتوقّع حصوله فيترقّب وجوده ، ولن يتصوّر الاحتياج في القدم (ش ، ن ،
٢٠١ ، ١٩)
ـ ذهبت المعتزلة
إلى أنّ الصفة هي نفس الوصف ، والوصف هو خبر الخبير عمّن أخبر عنه بأمر ما ، كقوله
: إنّه عالم أو قادر أو أبيض أو أسود ونحوه ، وأنّه لا مدلول للصفة والوصف إلّا
هذا (م ، غ ، ١٤٤ ، ٣)
ـ أمّا معتقد أهل
الحق : فالصفة هي ما وقع الوصف مشتقّا منها ، وهو دالّ عليها وذلك مثل العلم
والقدرة ونحوه ، فالمعنيّ بالصفة ليس إلّا هذا المعنى ، والمعنيّ بالوصف ليس إلّا
ما هو دالّ على هذا المعنى بطريق الاشتقاق ، ولا يخفى ما بينهما من التغاير في
الحقيقة ، والتنافر في الماهيّة ، فالخلاف إن وقع فليس إلّا في تسمية هذا المعنى
صفة ، وحاصل النزاع في ذلك مما لا مطمع فيه باليقين ، وإنّما هو مستند إلى الظنّ
والتخمين (م ، غ ، ١٤٤ ، ١٤)
وصف وصفة
ـ اختلفوا في معنى
الوصف والصفة : فزعمت الجهمية والقدريّة إنّهما راجعان إلى وصف الواصف لغيره أو
لنفسه ولم يثبتوا لله تعالى صفة أزليّة. وقال أبو الحسن الأشعري إنّ الوصف والصفة
بمعنى واحد وكل معنى لا يقوم بنفسه فهو صفة لما قام به ووصف له (ب ، أ ، ١٢٨ ، ١٠)
وصية
ـ أمّا الوصيّة ،
فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته فهو يقول بالوصيّة ، على أنّ الله ، عزوجل ، أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب ، والحسن
والحسين ، وإلى الأخيار من ذريّة الحسن والحسين ، أوّلهم علي بن الحسين ، وآخرهم
المهدي ، ثم الأئمة فيما بينهما (ي ، ر ، ٧٦ ، ١١)
وضع
ـ الوضع وهو
الهيئة الحاصلة للجسم بسبب ما بين أجزائه من النسب ، وما بين تلك الأجزاء
وبين الأمور
الخارجة عنها من النسب (ف ، م ، ٧٠ ، ١٠)
ـ الهيئة الحاصلة
لمجموع الجسم بسبب حصول النسبة بين أجزائه ، وبسبب حصول النسبة بين تلك الأجزاء
وبين الأمور الخارجة عنها ، كالقيام والقعود وهو الوضع (ف ، أ ، ٢٧ ، ٨)
ـ الهيئة المسمّاة
بالوضع إنّما تحصل في الأجزاء بعد صيرورتها جملة واحدة ، وكذلك الزّاوية والشكل ،
وليس ذلك حلول العرض الواحد في محالّ كثيرة ، إنّما هو حلول عرض واحد في محلّ واحد
ينقسم باعتبار غير اعتبار وحدته ، ولم يدلّ على استحالة ذلك دليل (ط ، م ، ١٣٤ ،
٢٢)
ـ أمّا العرض فإن
اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو
متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن
يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى
بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦٢ ، ٢)
وعد
ـ قول بشر المعروف
أنّ العبد إذا أتى كبيرة فقد استحق الوعيد ما لم يتب ، فإذا هو تاب فقد استحق
الوعد بالجنّة ما لم يعاود ذنبا كبيرا ، فإن هو عاود ذنبا كبيرا أخذ بالأوّل
والآخر. هكذا وقع الوعد عند بشر ، فإذا أذنب عنده ذنبا كبيرا ثم تاب منه ثم عاوده
فعذّب على الأول والآخر. لم يكن الله بتعذيبه إيّاه على ذنبه الآخر عند بشر راجعا
فيما غفر له ، إنّما غفر ذنبه الأول على أن لا يعاوده فإذا عاوده عذّبه. هذا قول
بشر (خ ، ن ، ٥٢ ، ١٣)
وعد
ـ ثم أخبر الله
تبارك وتعالى أنّه غير داخل في تدبيره الخلل ولا جائز عنده المحاباة ، ليعمل كلّ
عامل على ثقة مما وعده وأوعده. فتعلّقت قلوب العباد بالرغبة والرهبة ، فاطّرد
التدبير واستقامت السياسة ، لموافقتها ما في الفطرة وأخذهما بمجامع المصلحة (ج ، ر
، ١٣ ، ٥)
ـ قالوا (فرقة من
المرجئة) : فأمّا الوعد من الله فهو واجب للمؤمنين والله جلّ وعزّ لا يخلف وعده
والعفو أولى بالله والوعد لهم قول الله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا
بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) (الحديد : ١٩)
وقوله : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلى أنفسهم لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (الزمر : ٥٣) وما
أشبه ذلك من آي القرآن ، وزعم هؤلاء أنّه كما لا ينفع مع الشرك عمل كذلك لا يضرّ
مع الإيمان عمل ولا يدخل النار أحد من أهل القبلة (ش ، ق ، ١٤٧ ، ١٠)
ـ أمّا الوعد ،
فهو كل خبر يتضمّن إيصال نفع إلى الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل. ولا فرق بين
أن يكون حسنا مستحقّا ، وبين أن لا يكون كذلك. ألا ترى أنّه كما يقال إنّه تعالى
وعد المطيعين بالثواب ، فقد يقال وعدهم بالتفضّل مع أنّه غير مستحقّ. وكذلك يقال :
فلان وعد فلانا بضيافة في وقت يتضيّق عليه الصلاة مع أنّه يكون قبيحا ، وهكذا يقال
إن أحدنا وعد غيره بتمليكه جميع ما يملكه حتى إنّه يفقر نفسه مع أنّه يكون قبيحا ،
لقوله تعالى (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ
مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) (الإسراء : ٢٩) (ق
، ش ، ١٣٤ ، ١١)
ـ إنّ الوعد هو
خبر عن أنّه سيفعل بهم الثواب المستحقّ (ق ، غ ١١ ، ٤١٤ ، ١٤)
ـ إنّ الوعد لا
يقتضي وجوب الفعل. ولو أخبر
بعض المخبرين عن
الفعل نفسه لكان وعده قبيحا ، ولا يجوز أن يقتضي ذلك وجوب الواجب عليه. فإذا لم
يثبت في الشاهد كون الوعد سببا لوجوب الإنجاز فلا يصحّ مثله في القديم ـ تعالى ـ (ق
، غ ١١ ، ٤٢٧ ، ١٤)
ـ إنّ الوعد هو
خبر ، وإنّه لا يجب في كونه خبرا عن الثواب أن يفتقر إلى إرادة الثواب ، بل يكون
خبرا عن ذلك بقصد يتغيّر به ، فلما ذا يجب أن يكون مريدا للثواب (ق ، غ ١٧ ، ٢١ ،
٩)
ـ إنّ الوعد قد
يحصل على جهة العموم ، ولا يطيع المكلّف فلا يحصل الثواب البتّة (ق ، غ ١٧ ، ٢١ ،
١٢)
ـ أمّا الوعد فلا
بدّ من أن يتضمّن الترغيب في الفعل الذي علّق الوعد به ، فيحلّ من هذا الوجه محل
الأمر ؛ وأمّا الترغيب فيدلّ على إرادة ذلك الفعل ، وكذلك القول في الوعيد ودلالته
على كراهة ما علّق به ، لأنّه لا بدّ من كونه زجرا عن الفعل ، ولا يكون زجرا إلّا
مع الكراهة ، ولهذه الجملة ، اعتمدنا في عمومها على الزجر والترغيب (ق ، غ ١٧ ، ٢٤
، ٥)
ـ إنّ ما ذكروه من
أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ
إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق
بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأمّا الأمر والنهي
فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك
سمّي نهيا. وأمّا الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل
حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢).
وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حقّ الله ـ تعالى
ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما
حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ٦)
ـ العدليّة :
الوعد ثواب والوعيد عقاب. البهشميّة : لا ، لمقارنتهما التكليف ولتوعده الأنبياء ،
وعقابهم ممتنع ، ولتقدّمهما على الفعل ونحوه (م ، ق ، ١٢١ ، ٣)
ـ الوعد إخبار
بالثواب (ق ، س ، ١٩٦ ، ٢)
وعد ووعيد
ـ الوعد والوعيد
ثم يجب عليه أن يعلم أنّ وعده ووعيده حق ، من أطاعه أدخله الجنّة ، ومن عصاه أدخله
النار أبد الأبد (ي ، ر ، ٦٧ ، ١١)
ـ أمّا الوعد
والوعيد فقد قال أهل السنّة : الوعد والوعيد كلامه الأزليّ. وعد على ما أمر ،
وأوعد على ما نهى. فكل من نجا واستوجب الثواب فبوعده ، وكل من هلك واستوجب العقاب
فبوعيده ، فلا يجب عليه شيء من قضية العقل (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١٣)
ـ اتّفقوا (المعتزلة)
على أنّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة ، استحقّ الثواب والعوض.
والتفضّل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها ، استحقّ
الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخفّ من عقاب الكفّار. وسمّوا هذا النمط : وعدا
ووعيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٧)
ـ العترة ، عليهمالسلام ، وصفوة الشيعة
والمعتزلة وغيرهم
: وهما مستحقّان عقلا وسمعا (الوعد والوعيد). المجبرة : بل سمعا فقط. لنا : تصويب
العقل من طلب المكافأة على فعل الإحسان ومن عاقب على الإساءة. العدليّة : ولا يجوز
خلف الوعد على الله تعالى. المجبرة : بل يجوز خلف الوعد على الله تعالى. لنا : خلف
الوعد مع القدرة على الوفاء وعدم المانع (توأم) الكذب ، وكلاهما صفة نقص ، تعالى
الله عنهما (ق ، س ، ١٩٦ ، ٥)
وعيد
ـ قول بشر المعروف
أنّ العبد إذا أتى كبيرة فقد استحق الوعيد ما لم يتب ، فإذا هو تاب فقد استحق
الوعد بالجنّة ما لم يعاود ذنبا كبيرا ، فإن هو عاود ذنبا كبيرا أخذ بالأوّل
والآخر. هكذا وقع الوعد عند بشر ، فإذا أذنب عنده ذنبا كبيرا ثم تاب منه ثم عاوده
فعذّب على الأول والآخر. لم يكن الله بتعذيبه إيّاه على ذنبه الآخر عند بشر راجعا
فيما غفر له ، إنّما غفر ذنبه الأول على أن لا يعاوده فإذا عاوده عذّبه. هذا قول
بشر (خ ، ن ، ٥٢ ، ١٢)
ـ الوعيد عنده (النظّام)
لا يعلم بالقياس وإنّما يعلم بالسمع ، وكذلك الأسماء إنّما تعلم أيضا بالسمع ؛
فلمّا نطق القرآن بالوعيد لخائن المائتي درهم حكم به عليه ووقف دون ذلك (خ ، ن ،
٧١ ، ٤)
ـ أمّا الوعيد
فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قول واحد لأنّهم يقولون أنّ أهل الكبائر الذين
يموتون على كبائرهم في النار خالدون فيها مخلّدون ، غير أنّ الخوارج يقولون أنّ
مرتكبي الكبائر ممن ينتحل الإسلام يعذّبون عذاب الكافرين ، والمعتزلة يقولون أنّ
عذابهم ليس كعذاب الكافرين (ش ، ق ، ١٢٤ ، ١١)
ـ إنّ الوعد ليس
فيه استثناء وإنّ الوعيد فيه استثناء مضمر وذلك جائز في اللغة عند أهلها لأنّ
الرجل قد يوعد عبده أن يضربه ثم يعفو عنه ولا يرون ذلك كذبا للضمير الذي قال (؟)
في الوعيد (ش ، ق ، ١٤٤ ، ١٧)
ـ أمّا الوعيد ،
فهو كل خبر يتضمّن إيصال ضرر إلى الغير أو تفويت نفع عنه في المستقبل ، ولا فرق
بين أن يكون حسنا مستحقّا ، وبين أن لا يكون كذلك ، ألا ترى أنّه كما يقال : إنّ
الله تعالى توعّد العصاة بالعقاب ، قد يقال توعّد السلطان الغير بإتلاف نفسه وهتك
حرمه ونهب أمواله ، مع أنّه لا يستحقّ ولا يحسن (ق ، ش ، ١٣٥ ، ٥)
ـ أمّا الوعيد
فإنّه من الله تعالى لطف للمكلّف ، وكذلك تكراره في كتاب الله تعالى ، وكذلك القول
في سائر ما في الكتاب من ذكر توبيخ العبد ولومه وتبكيته ، على الوجوه الحاصلة في
القرآن ، فإنّ ذلك لطف ومصلحة ، وربما يكون لطفا للمؤمن فقط ، وربما يكون لطفا لكل
مكلّف يسمعه (ق ، م ٢ ، ٧٣٤ ، ٨)
ـ إنّ أبا علي
يقول : يجب أن يكون الوعيد لطفا لمن قد خوطب به لا محالة. وكذلك قوله في اللعن
والطبع إنّهما يجب كونهما لطفا لمن فعلا به في الدنيا. فأمّا أبو هاشم فإنّه يقول
: ليس ذلك مما يجب لا محالة بل يجوز أن يكون لطفا لمن قد تناوله ويجوز أن يكون
لطفا لغيره. ولا يجب القطع على شيء من ذلك (ق ، ت ٢ ، ٣٨٦ ، ٨)
ـ أمّا الوعيد
فربما مرّ في كلام شيخنا أبي علي ، رحمهالله ، أنّه جار مجرى العقوبة ، ويجعله في
حكم الذمّ.
والأولى فيه ما ذكرناه في الطبع لأنّه مصلحة ؛ لأنّ حاله مع العاصي كحاله مع
المطيع ، وما هذا حاله لا يجوز أن يخصّ بأنّه عقوبة (ق ، غ ١٣ ، ١٠٣ ، ١٥)
ـ أمّا الوعد فلا
بدّ من أن يتضمّن الترغيب في الفعل الذي علّق الوعد به ، فيحلّ من هذا الوجه محل
الأمر ؛ وأمّا الترغيب فيدلّ على إرادة ذلك الفعل ، وكذلك القول في الوعيد ودلالته
على كراهة ما علّق به ، لأنّه لا بدّ من كونه زجرا عن الفعل ، ولا يكون زجرا إلّا
مع الكراهة ، ولهذه الجملة ، اعتمدنا في عمومها على الزجر والترغيب (ق ، غ ١٧ ، ٢٤
، ٧)
ـ إنّ ما ذكروه من
أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ
إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق
بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأمّا الأمر والنهي
فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك
سمّي نهيا. وأمّا الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل
حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢).
وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حق الله ـ تعالى
ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما
حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ٦)
ـ العدليّة :
الوعد ثواب والوعيد عقاب. البهشميّة : لا ، لمقارنتهما التكليف ولتوعده الأنبياء ،
وعقابهم ممتنع ، ولتقدّمهما على الفعل ونحوه (م ، ق ، ١٢١ ، ٣)
ـ البصريّة :
والوعيد لا يقتضي كون الفعل كبيرا إذ يصحّ تناوله الصغيرة. البلخيّ : بدل ، ولا
وعيد في الصغيرة (م ، ق ، ١٢٤ ، ٢٤)
ـ الوعيد إخبار
بالعقاب (ق ، س ، ١٩٦ ، ٢)
وعيدية
ـ الوعيدية داخلة
في الخوارج ، وهم القائلون بتكفير صاحب الكبيرة وتخليده في النار (ش ، م ١ ، ١١٤ ،
٩)
وقت
ـ الوقت هو الفرق
بين الأعمال وهو مدى ما بين عمل إلى عمل وأنّه يحدث مع كل وقت فعل ، وهذا
قول" أبي الهذيل" (ش ، ق ، ٤٤٣ ، ٢)
اعلم أنّه كان (الأشعري)
يقول إنّ الأجل والحين والوقت والزمان ممّا تتقارب معانيها ، وإنّ أجل كل حادث حال
حدوثه. وكان يقول إنّ الأفعال على الإطلاق بحدوثها لا تقتضي مكانا ولا زمانا ،
لأنّ المكان والزمان محدثان أيضا ، فلو كان كذلك تعلّق كل مكان بمكان وكل زمان
بزمان لا إلى غاية وذلك فاسد. فعلى هذا إذا قيل" أجل الدين" المراد به
الوقت الذي يحلّ فيه الدين فكان لصاحبه أن يطالب به. وأجل الحياة حال حدوثها ،
وأجل الموت حال حدوثه (أ ، م ، ١٣٥ ، ٢)
ـ اعلم أنّ الوقت
هو كل حادث يعرف به المخاطب حدوث الغير عنده أو ما يجري مجرى الحادث ، وإنّما
أوجبنا في الوقت أن يكون حادثا ، لأنّه لو كان باقيا لم يصحّ التوقيت به (ق ، ش ،
٧٨١ ، ٩)
ـ لا بدّ من أن
يكون الوقت أمرا حادثا ، أو ما يقدّر تقدير الحادث بأن يتجدّد حصول أمر من الأمور
أو انتفاؤه. وإنّما شرطنا أن يكون أمرا حادثا لمّا قد علم أنّ التوقّت بالباقيات
وبالقديم لا يصحّ (ق ، ت ٢ ، ٤٠٦ ، ١٤)
ـ اعلم أنّ الذي
يقوله مشايخنا رحمهمالله إنّ أجل الشيء وقته ، والوقت هو الحادث الذي تعلّق حدوث
غيره به ، أي حادث كان ، ولذلك يصحّ من الإنسان أن يجعل كل حادث يشار إليه وقتا
لغيره ، وإنّما يوقت أحد الحادثين بالآخر بحسب الفائدة. ولذلك يصحّ من زيد أن يجعل
طلوع الشمس وقتا لقدوم عمرو وإذا علم المخاطب طلوع الشمس ، وجهل متى يقدم عمرو ،
ويصحّ من غيره إذا كان المخاطب عالما بقدوم زيد ويكون جاهلا بطلوع الشمس أن يجعل
قدوم زيد وقتا لطلوع الشمس ، وإنّما يمتنع من الموقّت الواحد أن يجعل الوقت موقّتا
به ، لأنّ المخاطب لا بدّ من أن يكون عارفا بأحدهما دون الآخر ، فبحسب حاله يصحّ
أن يجعل الشيء وقتا لغيره ، ولذلك يصحّ منه إذا خاطب اثنين أن يجعل ما جعله وقتا
في خطاب أحدهما موقّتا في خطاب الآخر.
وكذلك القول في
خطاب الواحد في زمانين (ق ، غ ١١ ، ١٨ ، ١١)
وقت صحة الإيمان
والمعرفة
ـ قال شيخنا أبو
الحسن وضرّار وبشر بن غيّاث ، وقت صحّة الإيمان والمعرفة وقت كمال العقل ، ووقت
وجوبهما عند اجتماع العقل والبلوغ ، ولا وجوب إلّا من جهة الشرع (ب ، أ ، ٢٥٦ ، ١٧)
وقت القتل
ـ حكي عن المعتزلة
: أنّ الأجل هو الوقت الذي يموت فيه العبد إن لم يقتل فيه ، أو لم يفعل ما يستحقّ
به الزيادة في العمر ، من صلة رحم وغيرها. قالوا : ووقت القتل ، والوقت الذي ينتهي
إليه من يزاد في عمره ، أجلان ؛ ويجوز أن يزيد الله في الأعمار وينقص منها ؛
والآجال لا تضطرّ القاتل إلى القتل ؛ ولو لم يقتل المقتول كان الله أعلم كيف حاله
، من موت في ذلك الوقت أو بقاء إلى تمام أجله ؛ ولا عذر للقاتل في القتل ، وافق
قتله الأجل أو لم يوافقه (ق ، غ ١١ ، ٣ ، ١٠)
وقت وجوب الإيمان
ـ اختلفوا في وقت
وجوب الإيمان : فزعم من قال باكتساب المعارف ، من المعتزلة ، أنّ وقت وجوب الإيمان
وقت صحّته ، فكلّ من صحّ (منه) الإيمان وجب عليه الإيمان ، وذلك عند تمام العقل
الذي صحّ معه الاستدلال المؤدّي إلى المعرفة ، وليس البلوغ شرطا فيه (ب ، أ ، ٢٥٦
، ٢)
وقت يستحق فيه
العقاب أو الثواب
ـ في بيان الوقت
الذي يستحقّ فيه العقاب أو الثواب في النظر الذي قدّمنا ذكره ، وفي تركه. اعلم ،
أنّ النظر الأول لا شبهة في أنّه يستحقّ به المدح والثواب إذا فعله ، ويستحقّ
العقاب إذا لم يفعله. فأمّا ما يلزم بعده من النظر فإنّه لا يستحقّ الثواب به إلّا
إذا فعله على الوجه الذي وجب. فأمّا العقاب على أن لم يفعله ، فقد اختلف جواب
شيخنا أبي هاشم ، رحمهالله ، فيه فقال في الجامع الصغير وغيره ما يدلّ على
أنّه لا يستحقّ
العقاب بكل جزء منه إلّا في الوقت الذي لو فعله وفعل ما قبله كان يستحقّ الثواب.
وقال في نقض المعرفة : إنّه يستحقّ العقاب في الجميع إذا لم يفعل النظر الأوّل ،
إذا كان المعلوم أنّه سيبقى إلى الوقت الذي يمكنه استيفاء النظر فيه. فأمّا الكلام
في المعرفة ، فيجب أن يجري على اختلاف أجوبته رحمهالله في المسبّب ، لأنّ جوابه قد اختلف فيه ، فقال في مواضع :
يستحقّ العقاب على أن لم يفعل المسبّب عند إخلاله بالسبب. وقال في موضع : لا
يستحقّ العقاب عليه إلّا إذا جاء الوقت الذي لو قدم السبب لكان يصحّ وجوده فيه.
وقال رحمهالله في الجامع الصغير : إنّ العقاب الذي يستحقّه على أن لم
يفعل النظر الأوّل والمعرفة أكثر مما يستحقّه على ما بعده ، ويستحقّ عليه من حيث
يصحّ به ما بعده من النظر والمعارف أكثر مما كان يستحقّه لو كان هو الواجب
بانفراده ، لأنّ به وبالمعرفة المتولّدة عنه يصحّ ما بعده من النظر والمعارف ،
فصارا مع وجوبهما مختصّين بتصحيح الواجبات لما بعدهما. فيجب أن يكون ذلك وجها في
عظمهما ، فيستحقّ لأجل ذلك بهما زيادة ثواب ، وبالإخلال بهما زيادة عقاب (ق ، غ ١٢
، ٤٦٥ ، ٢)
وقوع
ـ إنّ الوقوع إذا
كان المقصد به ظهور هذا الفعل على المنظر من دون مراعاة صحّة متقدّمة لم تفترق
الحال بين من يفعل الحركة اختيارا وبين من توجد فيه الحركة من قبل الله جلّ وعزّ
أو من قبل غيره ، لأنّ الكلّ في الصورة الواحدة ، فلا بدّ من أن يراعي في الوقوع
أن يكون من جهته ، وذلك لا يكون إلّا بتقدّم الصحّة ، فثبت أنّ الدلالة هي الصحّة
لا غير (ق ، ت ١ ، ١٠٤ ، ٧)
ـ أثبتنا وجوها
واعتبارات عقليّة للفعل الواحد ، وأضفنا كل وجه إلى صفة أثّرت فيه ، مثل الوقوع
فإنّه من آثار القدرة ، والتخصيص ببعض الجائزات فإنّه من آثار الإرادة ، والإحكام
فإنّه من دلائل العلم (ش ، ن ، ٧٤ ، ٧)
وقوع الفعل
ـ إنّا نجوّز
القدرة أن توجد أبدا ولا فعل ، سواء كان في الثاني أو في الثالث. وإنّما نحكم
بوقوع الفعل لمكان ما يحصل من الدواعي. فأمّا لو قدّر خلوّ أحدنا من الدواعي إلى
الأفعال لصحّ أن لا يكون فاعلا. وأمّا على طريقة أبي علي إذا لم يجوّز خلوّ القدرة
من الأخذ والترك فإنّ مذهبه يخالف مذهب القوم. لأنّه يجوّز خلوّها من الفعل عند
منع ، وليس قوله كقولهم إنّها موجبة ولا يصحّ انفكاكها عن الفعل (ق ، ت ٢ ، ١١٥ ،
٤)
وقوع فعل من
فاعلين
ـ سواء عليه حكي عن
أبي موسى أنّه كان يجيز وقوع فعل من فاعلين أو حكي عن التشبيه على مذهب داود
الجواربي ومقاتل بن سليمان. وهل يعرف الناس أنّ أبا موسى يحيل وقوع فعل من فاعلين
على وجه إلا بما يعرفون به أنّه يحيل قول مقاتل بن سليمان وداود الجواربي في الله
تعالى من كل وجه؟ ولقد بلغ من استعظام أبي موسى للجبر أن أكفر المجبر وأكفر الشاك
في كفره والشاك في الشاك ، كل ذلك استعظاما للجبر وتنزيها لله عن الظلم (خ ، ن ،
٥٤ ، ٥)
وقوع الفعل من
القادر
ـ كيفية وقوع
الفعل من القادر. فجملة القول في ذلك أنّ القادر إمّا أن يفعل الفعل على وجه يختصّه
أو يفعله على وجه لا يختصّه. فإنّ فعله على وجه يختصّه فذلك على ضربين : أحدهما أن
لا يكون هناك إلّا مجرّد هذا الفعل الواحد الذي يخصّه وذلك هو كل ما يفعله مبتدأ
في محلّ قدرته. والثاني أن يكون هناك فعل سوى هذا الفعل. ثم هذا على ضربين :
أحدهما أن يكونا جميعا مختصّين به. وهذا هو المتولّد الذي يوجد في محل القدرة
كالنظر والعلم وما شاكل ذلك. والثاني أن يكون أحدهما هو المختصّ به وهذا هو ما
يتولّد عن الاعتماد في غير محلّ القدرة فيكون نفس السبب مخصوصا بالفاعل والمسبب
يتعدّاه. فهذه قسمة ما يختصّ بالفاعل. فأمّا ما لا يختصّ بالفاعل بحال فليس إلّا
المخترع وهو الذي يصحّ من الله عزوجل دون غيره. والوجوه الأولى التي تقدّمت تصحّ منّا (ق ، ت ١
، ٨٠ ، ١٢)
وكيل
ـ أمّا هشام
الفوطي فإنّه كان ينهي الناس عن أن يقولوا : (حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران : ١٧٣).
اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ هشاما كان يزعم أنّ الوكيل في أكثر ما يتعارفه الناس
فوقه من وكّله. قال : فأكره أن أصف الله بصفة توهم عليه ما لا يجوز من صفاته. فقيل
له : أفليس قد مدح الله قوما في القرآن قالوا : (حَسْبُنَا اللهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران : ١٧٣)؟
فقال : قد علمت بمدح الله لهم أنّهم لم يقصدوا بهذا القول إلّا إلى معنى صحيح ،
لأنّهم لو قصدوا إلى معنى لا يجوز على الله جلّ ذكره لما مدحهم ولأخبر بخطئهم فيه.
ولكن ليس لأحد أن يقول اليوم قولا ولا يصف الله بصفة تحتمل أمرين أحدهما يجوز على
الله والآخر لا يجوز عليه ، إلّا أن يكون الله قد وصف نفسه بها فنتبع في ذلك ما
قال. ولم يكن يمتنع من أن نقول : " حسبنا الله" وإنّما كان يمتنع
لفظة" وكيل" فقط ويبدل مكانها" المتوكّل عليه". وإنما هذا غلط
من هشام في لفظ منعه احتياطا عند نفسه وأبدل مكانه لفظا آخر (خ ، ن ، ٤٨ ، ١١)
ولاية
ـ قالت المعتزلة
إلّا" بشر بن المعتمر" وطوائف منهم أنّ الولاية من الله سبحانه للمؤمنين
مع إيمانهم ، وكذلك عداوته للكافرين مع كفرهم ، والولاية عندهم الأحكام الشرعيّة
والمدح وإحداث الألطاف والعداوة ضدّ ذلك وكذلك قالوا في الرضى والسخط (ش ، ق ، ٢٦٥
، ١٢)
ـ من جملة ما يعدّ
في باب الكراهة هو قولنا عداوة فإنّ معناه كراهة وصول الخبر إلى الغير. فإذا قيل
في الله أنّه يعادي الكفّار فإنّما يراد أنّه يكره من أحدنا تعظيمهم وإجلالهم
ومدحهم ، أو يفاد به إرادة إيصال المضارّ إليهم في الدين ، وإن كان هذا أولى ليثبت
في فعل نفسه وفعل غيره. وعلى النقيض من ذلك هو الولاية. فإنّها إرادة نصرتهم
وتوليها. ومتى قيل في العبد أنّه عدوّ لله فالمراد به معاداته لأوليائه ، والولي
هو من يتولّى نصرة عباده بالمدح والتعظيم وغيرهما. فهذه طريقة القول فيه (ق ، ت ١
، ٣٠٢ ، ٨)
ـ (الولاية)
بالفتح النصرة والتولّي ، وبالكسر
السلطان والملك
وقد قرئ بهما (ز ، ك ٢ ، ٤٨٦ ، ٧)
ـ الولاية إرادة
الإكرام والتوفيق (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٥)
وليّ
ـ من جملة ما يعدّ
في باب الكراهة هو قولنا عداوة فإنّ معناه كراهة وصول الخبر إلى الغير. فإذا قيل
في الله أنّه يعادي الكفّار فإنّما يراد أنّه يكره من أحدنا تعظيمهم وإجلالهم
ومدحهم ، أو يفاد به إرادة إيصال المضارّ إليهم في الدين ، وإن كان هذا أولى ليثبت
في فعل نفسه وفعل غيره. وعلى النقيض من ذلك هو الولاية. فإنّها إرادة نصرتهم
وتوليها. ومتى قيل في العبد أنّه عدوّ لله فالمراد به معاداته لأوليائه ، والولي
هو من يتولّى نصرة عباده بالمدح والتعظيم وغيرهما. فهذه طريقة القول فيه (ق ، ت ١
، ٣٠٢ ، ٩)
وهم
ـ التصديق جازم
وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد
فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ،
وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد
(ق ، س ، ٥٤ ، ٤)
ي
يد
ـ أجمعت المعتزلة
بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين : فمنهم من أنكر أن
يقال : لله يدان وأنكر أن يقال إنّه ذو عين وأن له عينين ، ومنهم من زعم أنّ لله
يدا وأنّ له يدين وذهب في معنى ذلك إلى أنّ اليد نعمة ، وذهب في معنى العين إلى
أنّه أراد العلم وأنّه عالم ، وتأوّل قول الله عزوجل : (وَلِتُصْنَعَ عَلى
عَيْنِي) (طه : ٣٩) أي
بعلمي (ش ، ق ، ١٩٥ ، ١٠)
ـ زعم بعض القدريّة
أنّ اليد المضافة إليه (لله) بمعنى القدرة (ب ، أ ، ١١١ ، ١)
ـ زعم الجبائي أنّ
اليد المضافة إليه (لله) بمعنى النعمة (ب ، أ ، ١١١ ، ٣)
ـ يستعمل لفظ اليد
في القدرة ، يقال يد السلطان فوق يد الرعيّة أي قدرته غالبة على قدرتهم ، والسبب
في حسن هذا المجاز أنّ كمال حال هذا العضو إنّما يظهر بالصفة المسمّاة بالقدرة ،
فلمّا كان المقصود من اليد حصول القدرة أطلق اسم القدرة على اليد (ف ، س ، ١٥٣ ، ٥)
ـ إنّ اليد قد
يراد بها النعمة ، وإنّما حسن هذا المجاز لأنّ آلة إعطاء النعمة اليد ، فإطلاق اسم
اليد على النعمة إطلاق لاسم السبب على المسبّب (ف ، س ، ١٥٣ ، ١٢)
يدان
ـ زعمت المشبّهة
أنّ يدي الله تعالى جارحتان وعضوان فيهما كفّان وأصابع ككفّي الإنسان وأصابعه (ب ،
أ ، ١١٠ ، ١٥)
ـ زعم بعض القدرية
إنّ اليدين في قوله تعالى (بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) صلة
ومعناه أنّه خلق آدم فحسب (ب ، أ ، ١١١ ، ٧)
ـ زعم بعض أصحابنا
أنّ اليدين صفتان لله سبحانه وتعالى ، وقال القلانسي هما صفة واحدة (ب ، أ ، ١١١ ،
٩)
ـ ذهب بعض أئمتنا
إلى أنّ اليدين والعين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى ، والسبيل إلى إثباتها السمع
دون قضية العقل. والذي يصحّ عندنا حمل اليدين على القدرة ، وحمل العين على البصر ،
وحمل الوجه على الوجود (ج ، ش ، ١٤٦ ، ١٢)
ـ أما لفظ"
اليدين" فإنّه يحتمل" القدرة" ولهذا يصحّ أن يقال : فلان في يديّ
فلان ، إذا كان متعلّق قدرته وتحت حكمه وقبضته ، وإن لم يكن في يديه اللتين هما
بمعنى الجارحتين أصلا ، وعلى هذا يحمل قوله عليهالسلام : " قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن" (م
، غ ، ١٣٩ ، ١)
ـ اليدان : هما
أسماء الله تعالى المتقابلة كالفاعليّة والقابليّة ، ولهذا وبّخ إبليس بقوله تعالى
: (ما مَنَعَكَ أَنْ
تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) (ص : ٧٥) ، ولمّا
كانت الحضرة الأسمائية مجمع الحضرتين الوجوب والإمكان قال بعضهم إنّ اليدين هما
حضرة الوجوب والإمكان ، والحق أنّ التقابل أعمّ من ذلك ، فإنّ الفاعليّة قد تتقابل
كالجميل والجليل واللطيف والقهار والنافع والضار ، وكذا القابليّة كالأنيس والهائب
والراجي والخائف والمنتفع والمتضرّر (ج ، ت ، ٣١٥ ، ١١)
يعقوبية
ـ أمّا اليعقوبية
فإنّها قالت : إنّ الجوهرين صارا جوهرا واحدا (ق ، غ ٥ ، ٨٣ ، ١٥)
يقضي بحكمه
ـ ما معنى يقضي
بحكمه ولا يقال زيد يضرب بضربه ويمنع بمنعه؟ قلت : معناه بما يحكم به وهو عدله
لأنّه لا يقضي إلّا بالعدل فسُمّي المحكوم به حكما ؛ أو أراد بحكمته وتدلّ عليه
قراءة من قرأ بحكمه جمع حكمة (وَهُوَ الْعَزِيزُ) (النمل : ٧٨) فلا
يردّ قضاؤه (الْعَلِيمُ) (النمل : ٧٨) بمن
يقضي له وبمن يقضي عليه ، أو العزيز في انتقامه من المبطلين العليم بالفصل بينهم
وبين المحقّين (ز ، ك ٣ ، ١٥٩ ، ١٠)
يقين
ـ لمّا أن كان
موجودا في العقول أنّه قد يفتّش بعض الأمناء عن خيانة وبعض الصادقين عن كذب ، وأنّ
مثل الخبرين الأوّلين لم يتعقّب الناس في مثلهما كذبا قط ، علم أنّ الخبر إذا جاء
من مثلهما جاء مجيء اليقين ، وأنّ ما علم من خبر الواحد فإنّما هو بحسن الظنّ والائتمان.
هذه الأخبار عن الأمور التي تدركها الأبصار (ج ، ر ، ٢٥ ، ٩)
ـ اليقين هو العلم
بالشيء بعد الشكّ (ش ، ق ، ٥٢٦ ، ١٠)
ـ اليقين حكم ثان
على الحكم الأوّل بالصّدق على وجه لا يمكن أن يزول (ط ، م ، ١٢ ، ١٦)
يوم الجمع
ـ (لِيَوْمِ الْجَمْعِ) (التغابن : ٩) يوم
القيامة لأنّ الخلائق تجمع فيه قال الله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ
لِيَوْمِ الْجَمْعِ) (التغابن : ٩)
وقيل يجمع بين الأرواح والأجساد ، وقيل يجمع بين كل عامل وعمله (ز ، ك ٣ ، ٤٦١ ،
١٢)
يوم الدين
ـ يوم الدين ـ وهو
يوم الجزاء ، وهو يوم القيامة ـ لأنّ الله عزوجل قال : (مالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ) (الفاتحة : ٤)
يعني يوم الجزاء (ش ، ب ، ٦٤ ، ٩)
يوم الفصل
ـ التأجيل من
الأجل كالتوقيت من الوقت (لِأَيِّ يَوْمٍ
أُجِّلَتْ) (المرسلات : ١٢)
تعظيم لليوم وتعجيب من هوله (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) (المرسلات : ١٣)
بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق ، والوجه أن يكون معنى وقت
بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة ، وأجّلت أخّرت (ز ، ك ٤ ، ٢٠٣ ،
١٤)
الفهارس
فهرس الموضوعات وجذورها
|
|
اتحاد
|
وحد
|
أ
|
|
اتحد
|
وحد
|
أئمة
|
أمم
|
اتصال
|
وصل
|
إباحة
|
بوح
|
اتفاق
|
وفق
|
إباحة عقلية
|
بوح ـ عقل
|
إتقان
|
تقن
|
إبانة
|
بين
|
إثبات
|
ثبت
|
ابتداء
|
بدأ
|
أثر
|
أثر
|
ابتداء بالتكليف
|
بدأ ـ كلف
|
أجاء
|
جاء
|
ابتداء التكليف
|
بدأ ـ كلف
|
إجابة
|
جوب
|
ابتداء الخلق
|
بدأ ـ خلق
|
آجال
|
أجل
|
ابتداء الخلق في
الجنة
|
بدأ ـ خلق
|
آجال العباد
|
أجل ـ عبد
|
ابتداء عدل
|
بدأ ـ عدل
|
إجبار
|
جبر
|
ابتداء فضل
|
بدأ ـ فضل
|
اجتراح
|
جرح
|
ابتداع
|
بدع
|
اجتماع
|
جمع
|
ابتدع
|
بدع
|
اجتماع الصحابة
على الكفر جمع ـ كفر
|
|
ابتلاء
|
بلي
|
اجتهاد
|
جهد
|
إبداء
|
بدأ
|
أجزاء غير
متجزّئة
|
جزأ
|
إبداع
|
بدع
|
أجساد محدثة
|
جسد ـ حدث
|
إبداع وابتداع
|
بدع
|
أجسام
|
جسم
|
أبدال
|
بدل
|
أجسام مركبة
|
جسم ـ ركب
|
إبطال كون
البقاء معنى
|
بطل ـ كون ـ بقي
ـ عني
|
أجسام معدومة
|
جسم ـ عدم
|
أبعاض
|
بعض
|
أجل
|
أجل
|
أبعاض الجسم
|
بعض ـ جسم
|
أجل أوّل
|
أجل ـ أول
|
ابن
|
بني
|
أجل الشيء
|
أجل ـ شيأ
|
|
|
أجل مسمّى
|
أجل ـ سما
|
|
|
|
|
أجل معلوم
|
أجل ـ علم
|
أحكام الذات
|
حكم ـ ذوت
|
أجل الموت
|
أجل ـ موت
|
أحكام سمعية
|
حكم ـ سمع
|
إجماع
|
جمع
|
أحكام شرعية
|
حكم ـ شرع
|
إجماع الأمة
|
جمع ـ أمم
|
أحكام الشريعة
|
حكم ـ شرع
|
أجناس
|
جنس
|
أحكام عقلية
|
حكم ـ عقل
|
أجناس عالية
|
جنس ـ علا
|
أحكام الفعل
|
|
أجناس مقدورة
|
جنس ـ قدر
|
أحكام القبح
والحسن
|
حكم ـ قبح ـ حسن
|
أحاديث النفس
|
حدث ـ نفس
|
أحكام الكلام
|
حكم ـ كلم
|
إحاطة
|
حوط
|
أحكام مختصّة
بالقادر
|
حكم ـ خصص ـ قدر
|
إحباط
|
حبط
|
أحكام المعاني
المتعلّقة بأغياره
|
حكم ـ عني ـ علق
ـ غير
|
إحباط وتكفير
|
حبط ـ كفر
|
أحكام معلقة على
علل موجبة
|
حكم ـ علق ـ علل
ـ وجب
|
أحبط
|
حبط
|
أحكام الموجبات
|
حكم ـ وجب
|
احتياج
|
حوج
|
أحوال
|
حول
|
أحد
|
أحد
|
أحوال التائب
|
|
أحداث
|
حدث
|
أحوال الفاعلين
|
حول ـ فعل
|
إحداث
|
حدث
|
أحوال القادر
|
حول ـ قدر
|
إحداث بين
محدثين
|
حدث
|
أحوال المكلّفين
|
حول ـ كلف
|
إحداث ثان بعد
حدوث أول
|
حدث
|
أحوالنا
|
حول
|
إحداث على طريق
الاختيار
|
حدث ـ خير
|
أحياز
|
حيز
|
أحدث
|
حدث
|
إخبار
|
خبر
|
أحديّة
|
أحد
|
أخبار
|
خبر
|
إحسان
|
حسن
|
أخبار الآحاد
|
خبر ـ وحد
|
إحصاء
|
حصي
|
أخبار الرسل
|
خبر ـ رسل
|
إحكام
|
حكم
|
أخبار الكفار
|
خبر ـ كفر
|
أحكام
|
حكم
|
أخبار متواترة
|
خبر ـ وتر
|
أحكام الأفعال
|
حكم ـ فعل
|
إخبار واستخبار
|
خبر
|
أحكام التأليف
|
حكم ـ ألف
|
|
|
أحكام الحقيقة
والمجاز
|
حكم ـ حقق ـ جوز
|
|
|
أخبر
|
خبر
|
أدلّة لا تختلف
شاهدا وغائبا
|
دلل ـ خلف ـ شهد
ـ غيب
|
اختراع
|
خرع
|
إذن الله
|
أذن
|
اخترام
|
خرم
|
أراد
|
رود
|
اخترع
|
خرع
|
إرادات
|
رود
|
اخترع الأعراض
|
خرع ـ عرض
|
إرادة
|
رود
|
إختلاف
|
خلف
|
إرادة أزلية
|
رود ـ أزل
|
إختلاف بين
الذوات
|
خلف ـ ذوت
|
إرادة أفعال
مبتدأة
|
رود ـ فعل ـ بدأ
|
إختلاف الذوات
|
خلف ـ ذوت
|
إرادة أفعاله
تعالى
|
رود ـ فعل
|
إختلاف في صفة
الشيء
|
خلف ـ وصف ـ شيأ
|
إرادة الله
|
رود
|
اختيار
|
خير
|
إرادة حادثة
|
رود ـ حدث
|
اختيار الإرادة
|
|
إرادة الحسن
|
رود ـ حسن
|
اختيار الأفعال
|
خير ـ فعل
|
إرادة السبب
|
رود ـ سبب
|
أخذ وترك
|
أخذ ـ ترك
|
إرادة الضدّين
|
رود ـ ضدد
|
آخر
|
آخر
|
إرادة الضدّين
تتضاد
|
رود ـ ضدد
|
آخرة
|
آخر
|
إرادة فعل العبد
|
رود ـ فعل ـ عبد
|
أخص
|
خصص
|
إرادة فعل الغير
|
رود ـ فعل ـ غير
|
إخلال بالواجب
|
خلل ـ وجب
|
إرادة القبيح
|
رود ـ قبح
|
أخيار
|
خير
|
إرادة القديم
|
رود ـ قدم
|
آداب
|
أدب
|
إرادة قديمة
|
رود ـ قدم
|
إدامة التكليف
|
دوم ـ كلف
|
إرادة لا مراد
لها
|
رود
|
إدراك
|
درك
|
إرادة لأفعال
الغير
|
رود ـ فعل ـ غير
|
إدراك المعلوم
|
درك ـ علم
|
إرادة لمريدين
|
رود
|
إدراكات
|
درك
|
إرادة لواجب
الوجود
|
رود ـ وجب ـ وجد
|
أدلّة
|
دلل
|
إرادة محدثة
|
رود ـ حدث
|
أدلّة بالأوصاف
|
دلل ـ وصف
|
إرادة المريد
|
رود
|
أدلّة سمعية
|
دلل ـ سمع
|
إرادة مشترطة
|
رود ـ شرط
|
أدلّة شرعيّة
|
دلل ـ شرع
|
إرادة مشروطة
|
رود ـ شرط
|
أدلّة عقلية
|
دلل ـ عقل
|
|
|
إرادة النظر
|
رود ـ نظر
|
استحقاق العقوبة
بالفعل
|
حقق ـ عقب ـ فعل
|
إرجاء
|
رجأ
|
استحقاق المدح
|
حقق ـ مدح
|
أرزاق
|
رزق
|
استحقاق المدح
والثواب
|
حقق ـ مدح ـ ثوب
|
أرزاق هي لطف في
التكليف
|
رزق ـ لطف ـ كلف
|
استخبار
|
خبر
|
إرشاد
|
رشد
|
استدلال
|
دلل
|
أركان
|
ركن
|
استدلال
بالتمانع
|
دلل ـ منع
|
أرواح
|
روح
|
استدلال
بالدلالة
|
دلل
|
إزاحة العلة
|
زيح ـ علل
|
استدلال بدليل
الخطاب
|
دلل
|
أزل
|
أزل
|
استدلال بالشاهد
على الغائب
|
دلل ـ شهد ـ غيب
|
أزلي
|
أزل
|
استدلال
بالمتولّد
|
دلل ـ ولد
|
أسامي الله
|
سما
|
استدلال على
الأحكام
|
دلل ـ حكم
|
أسباب
|
سبب
|
استدلال في
الغائب والشاهد
|
دلل ـ غيب ـ شهد
|
استبصار
|
بصر
|
استدلاليات
|
دلل
|
استتار
|
ستر
|
استصحاب الحال
|
صحب ـ حول
|
استحالة
|
حول
|
استصلاح
|
صلح
|
استحقاق
|
حقق
|
استطاعة
|
طوع
|
استحقاق الثواب
|
حقق ـ ثوب
|
استطاعة الأسباب
والأحوال
|
طوع ـ سبب ـ حول
|
استحقاق الثواب
إلى إيجاب موجب
|
حقق ـ ثوب ـ موجب
رجب
|
استطاعة
بالإضافة
|
طوع ـ ضيف
|
استحقاق الثواب
بألا يفعله
|
حقق ـ ثوب ـ فعل
|
استطاعة حقيقية
|
طوع ـ حقق
|
استحقاق الذمّ
|
حقق ـ ذمم
|
استطاعة صحية
|
طوع ـ صحح
|
استحقاق الذمّ
على القبح
|
حقق ـ ذمم ـ قبح
|
استعانة
|
عون
|
استحقاق العقاب
|
حقق ـ عقب
|
استعمال
|
عمل
|
استحقاق العقاب
بالقبيح
|
حقق ـ عقب ـ قبح
|
استفادة
|
فيد
|
استحقاق العقاب
بترك النظر
|
حقق ـ عقب ـ نظر
|
استفساد
|
فسد
|
استحقاق العقاب
على ما لم يوجد
|
حقق ـ عقب ـ وجد
|
استقباح
|
قبح
|
استحقاق العقوبة
|
حقق ـ عقب
|
استقراء
|
قرأ
|
استقراء تام
|
قرأ ـ تمم
|
أشياء واجبة على
البدل
|
شيأ ـ وجب ـ بدل
|
استقراء في
الشاهد
|
قرأ ـ شهد
|
أصحاب الاتفاق
|
صحب ـ وفق
|
استنباط
|
نبط
|
أصحاب الإلهام
|
صحب ـ لهم
|
استواء
|
سوي
|
أصحاب الإلهام
والاضطرار والطبع
|
صحب ـ لهم ـ طبع
|
استوى
|
سوي
|
أصحاب التجاهل
|
صحب ـ جهل
|
استيلاء
|
ولي
|
أصحاب الحديث
|
صحب ـ حدث
|
إسلام
|
سلم
|
أصحاب الرأي
|
صحب ـ رأى
|
اسم
|
سما
|
أصحاب الشمال
|
صحب ـ شمل
|
اسم البارئ
|
سما
|
أصحاب الكبائر
|
صحب ـ كبر
|
اسم شرعي
|
سما ـ شرع
|
أصحاب اللطف
|
صحب ـ لطف
|
اسم عرفي
|
سما ـ عرف
|
أصحاب المعاني
|
صحب ـ عني
|
أسماء
|
سما
|
أصحاب الهيولى
|
صحب ـ هيولى
|
أسماء الإثبات
|
سما ـ ثبت
|
أصحاب اليمين
|
صحب ـ يمن
|
أسماء الله
|
سما
|
اصطفاء
|
صفي
|
أسماء الله
المضافة
|
سما ـ ضيف
|
اصطلاح
|
صلح
|
أسماء على
مسميات
|
سما
|
أصل السنة
|
أصل ـ سنن
|
أسماء مفيدة
|
سما ـ فيد
|
أصل الكتاب
|
أصل ـ كتب
|
اشتباه
|
شبه
|
أصل للتكليف
|
أصل ـ كلف
|
اشتراك
|
شرك
|
أصل المعقول
|
أصل ـ عقل
|
اشتراك في
الأسماء
|
شرك ـ سما
|
أصلح
|
صلح
|
اشتراك في
الحدوث
|
شرك ـ حدث
|
أصول
|
أصل
|
اشتراك في الصفة
|
شرك ـ وصف
|
أصول الاجتهاد
|
أصل ـ جهد
|
اشتراك في صفة
الذات
|
شرك ـ وصف
|
أصول الأدلّة
|
أصل ـ دلل
|
اشتراك الوجود
|
شرك ـ وجد
|
أصول الإيمان
|
أصل ـ أمن
|
اشتقاقات
|
شقق
|
أصول الدين
|
أصل ـ دين
|
أشياء
|
شيأ
|
أصول النعم
|
أصل ـ نعم
|
أشياء محدثات
|
شيأ ـ حدث
|
أصولي
|
أصل
|
أشياء معروفات
|
شيأ ـ عرف
|
إضافات
|
ضيف
|
أشياء مقدور
عليها
|
شيأ ـ قدر
|
|
|
إضافة
|
ضيف
|
اعتماد
|
عمد
|
إضافة التحقيق
|
ضيف ـ حقق
|
اعتمادات
|
عمد
|
إضافة التكريم
|
ضيف ـ كرم
|
إعجاز
|
عجز
|
إضافة الفعل إلى
الفاعل
|
ضيف ـ فعل
|
إعجاز القرآن
|
عجز ـ قرأ
|
أضداد
|
ضدد
|
إعدام
|
عدم
|
اضطرار
|
ضرر
|
إعدام الشيء
|
عدم ـ شيأ
|
اضطرار إلى
العلم بصفاته
|
ضرر ـ علم ـ وصف
|
أعراض
|
عرض
|
إضلال
|
ضلل
|
إعراض
|
عرض
|
إطلاق
|
طلق
|
أعراض نسبية
|
عرض ـ نسب
|
إعادة
|
عود
|
أعلام
|
علم
|
إعادة أفعال
العباد
|
عود ـ فعل ـ عبد
|
إعلام
|
علم
|
إعادة الحي
|
عود ـ حيا
|
إعلام الأنبياء
|
علم ـ نبا
|
إعادة الخلق
|
عود ـ خلق
|
أعلام الظهور
|
علم ـ ظهر
|
اعتبار الغائب
بالشاهد
|
عبر ـ غيب ـ شهد
|
أعلام الوجود
|
علم ـ وجد
|
اعتبارات
|
عبر
|
أعمّ
|
عمم
|
اعتبارات عقلية
|
عبر ـ عقل
|
أعمال
|
عمل
|
اعتذار
|
عذر
|
أعمال العباد
|
عمل ـ عبد
|
اعتراض
|
عرض
|
أعواض
|
عوض
|
اعتزال
|
عزل
|
آفات
|
أفف
|
اعتقاد
|
عقد
|
أفاعيل الإنسان
|
فعل ـ أنس
|
اعتقاد صحيح
|
عقد ـ صحح
|
افتراق
|
فرق
|
اعتقاد فاسد
|
عقد ـ فسد
|
أفضل
|
فضل
|
اعتقاد لصحة
حدوث الشيء
|
عقد ـ حدث ـ شيأ
|
أفعال
|
فعل
|
اعتقاد للتوحيد
|
عقد ـ وحد
|
أفعال الله
|
فعل
|
اعتقاد المعتقد
|
عقد
|
أفعال
|
إلهية فعل
|
اعتقاد واقع عن
النظر
|
عقد ـ نظر
|
أفعال الإنسان
|
فعل ـ أنس
|
اعتقاد يكون
علما
|
عقد ـ علم
|
أفعال إنسانية
اختيارية
|
فعل ـ أنس ـ خير
|
اعتقادات
|
عقد
|
أفعال ثبت
التكليف فيها
|
فعل ـ كلف
|
|
|
أفعال الجوارح
|
فعل ـ جرخ
|
أفعال حادثة
|
فعل ـ حدث
|
اكتسب الإيمان
|
كسب ـ آمن
|
أفعال الرسول
|
فعل ـ رسل
|
اكتسب الكفر
|
كسب ـ كفر
|
أفعال العباد
|
فعل ـ عبد
|
إكراه
|
كره
|
أفعال على حد
واحد
|
فعل ـ حدد
|
أكساب
|
كسب
|
أفعال في الحسن
والقبح
|
فعل ـ حسن ـ قبح
|
أكساب العباد
|
كسب ـ عبد
|
أفعال القادر
|
فعل ـ قدر
|
إكفار
|
كفر
|
أفعال القلوب
|
فعل ـ قلب
|
أكمن
|
كمن
|
أفعال متولّدة
|
فعل ـ ولد
|
أكوان
|
كون
|
أفعال محكمة
|
فعل ـ حكم
|
آلام
|
ألم
|
أفعال مشتقّة
|
فعل ـ شقق
|
إلجاء
|
لجأ
|
أفعال مقدّرة
|
فعل ـ قدر
|
إلجاء آكد من
إيجاب
|
لجأ ـ وجب
|
أفعال المكلّف
|
فعل ـ كلف
|
إلزام
|
لزم
|
أفعال المكلّفين
|
فعل ـ كلف
|
ألطاف
|
لطف
|
أفعال واجبة
|
فعل ـ وجب
|
ألقاب
|
لقب
|
أفعال يتناولها
التكليف
|
فعل ـ كلف
|
ألم
|
ألم
|
افعل
|
فعل
|
إلهام
|
لهم
|
أفعل
|
فعل
|
إماتة
|
موت
|
إقامة الحدود
|
قوم ـ حدد
|
أمارات
|
أمر
|
اقتدار
|
قدر
|
أمارات
|
أمر
|
اقتضاء
|
قضي
|
أمارات ظنّية
|
أمر ـ ظنن
|
اقتضاء الإيجاب
|
قضي ـ وجب
|
إمارة
|
أمر
|
اقتضاء الدلالة
|
قضي ـ دلل
|
أمارة
|
أمر
|
إقدار
|
قدر
|
أمارة الشيء
|
أمر ـ شيأ
|
أقدار مذمومة
|
قدر ـ ذمم
|
أمارة العجز
|
أمر ـ عجز
|
أقدر
|
قدر
|
إمام
|
أمم
|
أقسام الأخبار
|
قسم ـ خبر
|
إمام ظاهر
|
أمم ـ ظهر
|
اكتساب
|
كسب
|
إمام معصوم
|
أمم ـ عصم
|
اكتسابي
|
كسب
|
إمامة
|
أمم
|
اكتسب
|
كسب
|
إمامة المفضول
|
أمم ـ فضل
|
إمامية
|
أمم
|
انتظار
|
نظر
|
أمة الإسلام
|
أمم ـ سلم
|
انتظار تعلق
|
نظر ـ علق
|
امتثال
|
مثل
|
انتقال
|
نقل
|
امتناع
|
منع
|
انحصار مقدورنا
|
حصر ـ قدر
|
امتناع في
التكليف
|
منع ـ كلف
|
إنزال
|
نزل
|
آمر
|
أمر
|
إنزال القرآن
|
نزل ـ قرأ
|
أمر
|
أمر
|
إنسان
|
أنس
|
أمر الله
|
أمر
|
إنسان فاعل واحد
|
أنس ـ فعل ـ وحد
|
أمر الإيمان
|
أمر ـ آمن
|
إنسان كلّي
|
أنس ـ كلل
|
أمر بالمعروف
ونهي عن المنكر
|
أمر ـ عرف ـ نكر
|
إنسانية
|
أنس
|
أمر بالمعروف
|
أمر ـ عرف
|
أنشأ
|
نشأ
|
أمر التكوين
|
أمر
|
إنشاء
|
نشأ
|
أمر وخطاب
|
أمر ـ خطب
|
إنشار
|
نشر
|
أمر ونهي
|
أمر ـ نهي
|
انفعال
|
فعل
|
إمكان
|
مكن
|
انقطاع التكليف
|
قطع ـ كلف
|
إمكان استعدادي
|
مكن ـ عدد
|
آنيّة
|
أنن
|
إمكان استقبالي
|
مكن ـ قبل
|
إنيّة
|
أنن
|
إمكان خاص
|
مكن ـ خصص
|
اهتداء
|
هدى
|
إمكان ذاتي
|
مكن ـ ذوت
|
أهل التواتر
|
أهل ـ وتر
|
إمكان عام
|
مكن ـ عمم
|
أهل الجنة
|
أهل ـ جنن
|
إملاء
|
ملي
|
أوامر
|
أمر
|
آمنوا
|
أمن
|
أوامر الله
|
أمر
|
أمور
|
مباحة أمر
|
أوصاف
|
وصف
|
أمور متضادّة
|
أمر ـ ضدد
|
أوصاف نفسية
|
وصف
|
أمور مستحقّة
على الأفعال
|
أمر ـ حقق ـ فعل
|
أوقات
|
وقت
|
آن
|
آن
|
أول
|
أول
|
أنبياء
|
نبا
|
أول الأفعال
|
أول ـ فعل
|
انتصاف
|
نصف
|
أول نعمة
|
أول ـ نعم
|
|
|
أول الواجبات
|
أول ـ وجب
|
أول وآخر
|
أول ـ أخر
|
بارئ
|
برا
|
أولوية
|
أول
|
باطل
|
بطل
|
إيثار
|
آثر
|
باطن
|
بطن
|
إيجاب
|
وجب
|
باطنة
|
بطن
|
إيجاب الأشياء
على
|
وجب ـ شيأ ـ خير
|
باق
|
بقي
|
التخيير
|
|
بالغ
|
بلغ
|
إيجاب حكم
الابتداء بالتفضل
|
وجب ـ حكم ـ فضل
|
بحث
|
بحث
|
إيجاب الخلقة
|
وجب ـ خلق
|
بخت
|
بخت
|
إيجاب السبب
|
وجب ـ سبب
|
بخل
|
بخل
|
إيجاب الشيء
|
وجب ـ شيأ
|
بداء
|
بدأ
|
إيجاب العلّة
الحكم لغيرها
|
وجب ـ علل ـ حكم
|
بدل
|
بدل
|
إيجاب الفعل
|
وجب ـ فعل
|
بدوّ
|
بدو
|
إيجاب الفعل على
غيره
|
وجب ـ فعل
|
بديع السموات
والأرض
|
بدع ـ سما ـ أرض
|
إيجاب قبيح
|
وجب ـ قبح
|
بديهة العقل
|
بده ـ عقل
|
إيجاب الموجب
|
وجب ـ وجب
|
بديهي
|
بده
|
إيجاب النظر
|
وجب ـ نظر
|
بديهيات
|
بده
|
إيجاب النوافل
|
وجب ـ نفل
|
برا
|
برأ
|
إيجاد
|
وجد
|
برزخ
|
برزخ
|
إيقاع الفعل
|
وقع ـ فعل
|
برهان
|
برهن
|
إيلام أطفال
المشركين
|
ألم ـ طفل ـ شرك
|
برهان سمعي
|
برهن ـ سمع
|
إيمان
|
أمن
|
برهان عقلي
تفصيلي
|
برهن ـ عقل ـ فصل
|
إيمان قديم
|
أمن ـ قدم
|
برهان عقلي كلي
|
برهن ـ عقل ـ كلل
|
إيمان محدث
|
أمن ـ حدث
|
بسائط في العقل
|
بسط ـ عقل
|
أين
|
أنن
|
بسيط
|
بسط
|
ب
|
|
بصر
|
بصر
|
بائن
|
بين
|
بصير
|
بصر
|
|
|
بعث
|
بعث
|
|
|
بعث الرسل
|
بعث ـ رسل
|
بعد
|
بعد
|
تأخير
|
أخر
|
بغض
|
بغض
|
تأديب
|
أدب
|
بقاء
|
بقي
|
تأس
|
أسي
|
بقاء الشيء
|
بقي ـ شيأ
|
تأليف
|
ألف
|
بقاء القدر
|
بقي ـ قدر
|
تأليف عن اعتماد
|
ألف ـ عمد
|
بلا
|
بلا
|
تأليف مخصوص
|
ألف ـ خصص
|
بلاء
|
بلا
|
تأنس
|
أنس
|
بلادة
|
بلد
|
تأويل
|
أول
|
بلاغ
|
بلغ
|
تباعد
|
بعد
|
بلايا
|
بلا
|
تباين
|
بين
|
بلوغ
|
بلغ
|
تبخيت
|
بخت
|
بليد
|
بلد
|
تبديل
|
بدل
|
بنوة
|
بني
|
تبقية التكليف
|
بقي ـ كلف
|
ت
|
|
تبن
|
بني
|
تائب
|
توب
|
تثليث
|
ثلث
|
تابعة للحدوث
|
تبع ـ حدث
|
تجانس المقدور
|
جنس ـ قدر
|
تأبيد
|
أبد
|
تجزئ
|
جزأ
|
تأتّي
|
أتي
|
تجسد
|
جسد
|
تأثّر
|
أثر
|
تجسيم
|
جسم
|
تأثير
|
أثر
|
تجهيل
|
جهل
|
تأثير الإرادة
|
أثر ـ رود
|
تجوير
|
جور
|
تأثير العلم
|
أثر ـ علم
|
تجويز
|
جوز
|
تأثير على تحقيق
أو تقدير
|
أثر ـ حقق ـ قدر
|
تحابط
|
حبط
|
تأثير القادر
|
أثر ـ قدر
|
تحت
|
تحت
|
تأثير القدرة
|
أثر ـ قدر
|
تحديد الشيء
|
حدد ـ شيأ
|
تأجيل
|
أجل
|
تحرك إلى المكان
|
حرك ـ مكن
|
تأخّر
|
أخر
|
تحرك عن المكان
|
حرك ـ مكن
|
تأخرات
|
أخر
|
تحسين
|
حسن
|
|
|
تحصيل العبد
|
حصل ـ عبد
|
تحقق
|
حقق
|
تسديد
|
سدد
|
تحكيم
|
حكم
|
تسمية
|
سما
|
تحيز
|
حيز
|
تشابه
|
شبه
|
تحيز في الجوهر
|
حيز ـ جوهر
|
تشبيه
|
شبه
|
تخصيص
|
خصص
|
تشكيك
|
شكك
|
تخلية
|
خلي
|
تصديق
|
صدق
|
تخليد
|
خلد
|
تصديق بأدلّة
خطابية
|
صدق ـ دلل ـ خطب
|
تخليق
|
خلق
|
تصديق بمجرّد
السماع
|
صدق ـ جرد ـ سمع
|
تخليق باليدين
|
خلق
|
تصديقات
|
صدق
|
تخيّر
|
خير
|
تصديقات بديهية
|
صدق ـ بده
|
تخيير
|
خير
|
تصديقات كسبية
|
صدق ـ كسب
|
تداخل
|
دخل
|
تصرف
|
صرف
|
تدبر
|
دبر
|
تصرف الساهي
والنائم
|
صرف ـ سها ـ نوم
|
تدبير
|
دبر
|
تصرف النائم
|
صرف ـ نوم
|
تذكر
|
ذكر
|
تصرفات
|
صرف
|
تذكر النظر
|
ذكر ـ نظر
|
تصميد
|
صمد
|
ترادف
|
ردف
|
تصور
|
صور
|
تردد
|
ردد
|
تصور مكتسب
|
صور ـ كسب
|
تردد الدواعي
|
ردد ـ دعي
|
تصورات
|
صور
|
ترغيب
|
رغب
|
تصورات بديهية
|
صور ـ بده
|
ترك
|
ترك
|
تصورات كسبية
|
صور ـ كسب
|
ترك الفعل
|
ترك ـ فعل
|
تضاد
|
ضدد
|
ترك للشيء
|
ترك ـ شيأ
|
تضاد الأشياء
|
ضدد ـ شيأ
|
تركيب
|
ركب
|
تضاد الصفات
|
ضدد ـ وصف
|
تروك
|
ترك
|
تضاد الضدّين
|
ضدد
|
تزايد الصفة
|
زيد ـ وصف
|
تضاد مع غيره
|
ضدد ـ غير
|
تزكية
|
زكا
|
تضاد الموجب
|
ضدد ـ وجب
|
تساو
|
سوي
|
|
|
تسبيح
|
سبح
|
|
|
تضايف
|
ضيف
|
تعلّق الفعل
بفاعله
|
علق ـ فعل
|
تضمن
|
ضمن
|
تعلّق الفعل
بالقادر
|
علق ـ قدر
|
تضمين
|
ضمن
|
تعلّق في الذوات
|
علق ـ ذوت
|
تطوّع
|
طوع
|
تعلّق القادر
بمقدوره
|
علق ـ قدر
|
تعارف
|
عرف
|
تعلّق القدرة
|
علق ـ قدر
|
تعاقب
|
عقب
|
تعلّق القدرة
بالضدّين
|
علق ـ قدر ـ ضدد
|
تعبد
|
عبد
|
تعلّق القدرة
بالمتماثل
|
علق ـ قدر ـ مثل
|
تعديل
|
عدل
|
تعلّق القدرة
بمختلفات متضادّات
|
علق ـ قدر ـ خلف
ـ ضدد
|
تعرف
|
عرف
|
تعلّق القدرة
بالمختلفات من الأجناس
|
علق ـ قدر ـ خلف
ـ جنس
|
تعريض
|
عرض
|
تعلّق القدرة
بالمقدورات
|
علق ـ قدر
|
تعريض بالتكليف
للثواب
|
عرض ـ كلف ـ ثوب
|
تعلّق القدرتين
بالمقدور الواحد
|
علق ـ قدر ـ وحد
|
تعريض للثواب
|
عرض ـ ثوب
|
تعلق معدوم
|
علق ـ عدم
|
تعريف
|
عرف
|
تعلّقات
|
علق
|
تعريف حدّي
|
عرف ـ حدد
|
تعليل
|
علل
|
تعظيم
|
عظم
|
تعيّن
|
عين
|
تعلّق
|
علق
|
تعيين
|
عين
|
تعلّق احتياج في
التضمين
|
عقل ـ حوج ـ ضمن
|
تعيين الإمام
|
عين ـ أمم
|
تعلّق احتياج في
الوجود
|
علق ـ حوج ـ وجد
|
تغاير
|
غير
|
تعلّق الإرادة
|
علق ـ رود
|
تغاير
الاعتبارين
|
غير ـ عبر
|
تعلّق الإيجاب
|
علق ـ وجب
|
تغاير الأفعال
|
غير ـ فعل
|
تعلّق إيجاب
علّة للمعلول
|
علق ـ وجب ـ علل
|
تغاير القادرين
|
غير ـ قدر
|
تعلّق بالقادر
|
علق ـ قدر
|
تغاير القدرتين
|
غير ـ قدر
|
تعلّق بقادرين
|
علق ـ قدر
|
تغيّر
|
غير
|
تعلّق بين
الدليل والمدلول
|
علق ـ دلل
|
تغيّر وتغاير
|
غير ـ غير
|
تعلّق الدليل
بالمدلول
|
علق ـ دلل
|
تفاضل في
الإضافة
|
فضل ـ ضيف
|
تعلّق الصفة
|
علق ـ وصف
|
تفاضل في الزمان
|
فضل ـ زمن
|
تعلّق الفعل
بالفاعل
|
علق ـ فعل
|
|
|
تفاضل في الكم
|
فضل ـ كمم
|
تقضّي القدرة
وقت مقدورها
|
قضي ـ قدر ـ وقت
|
تفاضل في الكمية
|
فضل ـ كمم
|
تقليد
|
قلد
|
تفاضل في
الكيفية
|
فضل ـ كيف
|
تقويم
|
قوم
|
تفاضل في
المائية
|
فضل
|
تقية
|
تقي
|
تفاضل في المكان
|
فضل ـ مكن
|
تكافؤ الأدلّة
|
كفأ ـ دلل
|
تفاوت
|
فوت
|
تكاليف
|
كلف
|
تفاوت أحوال
المكلّفين
|
فوت ـ حول ـ كلف
|
تكاليف شرعية
|
كلف ـ شرع
|
تفريق
|
فرق
|
تكفير
|
كفر
|
تفريق بين
المجتمعات
|
فرق ـ جمع
|
تكلم
|
كلم
|
تفسير
|
فسر
|
تكليف
|
كلف
|
تفصيل
|
فصل
|
تكليف أول
|
كلف ـ أول
|
تفضل
|
فضل
|
تكليف بالأمر
|
كلف ـ أمر
|
تفضل مبتدأ
|
فضل ـ بدأ
|
تكليف بالخبر
|
كلف ـ خبر
|
تفضيل
|
فضل
|
تكليف بعد
|
تكليف كلف
|
تفكر
|
فكر
|
تكليف بالنهي
|
كلف ـ نهي
|
تقابل ضدّين
|
قبل ـ ضدد
|
تكليف زائد
|
كلف ـ زيد
|
تقابل العدم
والملكة
|
قبل ـ عدم ـ ملك
|
تكليف سمعي
|
كلف ـ سمع
|
تقابل متضايفين
|
قبل ـ ضدد
|
تكليف السنة الثانية
|
كلف ـ سنن
|
تقبيح
|
قبح
|
تكليف شرعي
|
كلف ـ شرع
|
تقدّم
|
قدم
|
تكليف الطاعة
|
كلف ـ طوع
|
تقدّم الإرادة
للمراد
|
قدم ـ رود
|
تكليف عقلي
|
كلف ـ عقل
|
تقدّم العلّة
على المعلول
|
قدم ـ علل
|
تكليف فعلي
|
كلف ـ فعل
|
تقدّم القدرة
|
قدم ـ قدر
|
تكليف في الحكمة
|
كلف ـ حكم
|
تقدّم وتأخّر
|
قدم ـ أخر
|
تكليف قبيح
|
كلف ـ قبح
|
تقدير
|
قدر
|
تكليف الكافر
|
كلف ـ كفر
|
تقديم
|
قدم
|
تكليف اللطف
|
كلف ـ لطف
|
تقديم التكليف
|
قدم ـ كلف
|
تكليف لمنفعة
|
كلف ـ نفع
|
تقرب
|
قرب
|
تكليف ما لا
يطاق
|
كلف ـ طوق
|
|
|
تكليف ما يطاق
|
كلف ـ طوق
|
تكليف مبتدأ
|
كلف ـ بدأ
|
تنزيل
|
نزل
|
تكليف المحال
|
كلف ـ حيل
|
تنزيه
|
نزه
|
تكليف المعارف
|
كلف ـ عرف
|
تنفير
|
نفر
|
تكليف المعرفة
|
كلف ـ عرف
|
توابع الحدوث
|
تبع ـ حدث
|
تكليف الممنوع
|
كلف ـ منع
|
تواتر
|
وتر
|
تكليف النظر
والمعارف
|
كلف ـ نظر ـ عرف
|
تواتر موجب لعلم
ضروري
|
وتر ـ وجب ـ علم
ـ ضرر
|
تكليف النوافل
|
كلف ـ نفل
|
توبة
|
توب
|
تكليف واجب
|
كلف ـ وجب
|
توحيد
|
وحد
|
تكليف يتقدّم
وقت الفعل
|
كلف ـ قدم ـ فعل
|
توسّع
|
وسع
|
تكليم
|
كلم
|
توفير الثواب
|
وفر ـ ثوب
|
تكليم بالوحي
|
كلم ـ وحي
|
توفيق
|
وفق
|
تكليم في اليقظة
|
كلم ـ يقظ
|
توكّل
|
وكل
|
تكوين
|
كون
|
توكيد
|
وكد
|
تلازم
|
لزم
|
تولّد
|
ولد
|
تلاوة
|
تلا
|
تولّد
|
ولد
|
تماثل
|
مثل
|
تولية
|
ولي
|
تمانع
|
منع
|
توليد
|
ولد
|
تمانع بين
القادرين
|
منع ـ قدر
|
توليد السبب
|
ولد ـ سبب
|
تمثيل
|
مثل
|
توليد العلم
|
ولد ـ علم
|
تمكن
|
مكن
|
توهّم
|
وهم
|
تمكن من العلم
|
مكن ـ علم
|
تيسر
|
يسر
|
تمكن من المعرفة
|
مكن ـ عرف
|
ث
|
|
تمكين
|
مكن
|
ثبوت الشيء
|
ثبت ـ شيأ
|
تمكين من القبيح
|
مكن ـ قبح
|
ثقل
|
ثقل
|
تمن
|
مني
|
ثقيل
|
ثقل
|
تميز ذهني
|
ميز ـ ذهن
|
ثمن
|
ثمن
|
تناسخ
|
نسخ
|
ثنوية
|
ثني
|
تناف
|
نفي
|
تنزيل
|
نزل
|
تناقض
|
نقض
|
تنزيه
|
نزه
|
ثنيا
|
ثني
|
جنة
|
جنن
|
ثواب
|
ثوب
|
جنس
|
جنس
|
ثواب التوبة
|
ثوب ـ توب
|
جنس الكلام
|
جنس ـ كلم
|
ثواب على فعل
وعدمه
|
ثوب ـ فعل ـ عدم
|
جنس واحد
|
جنس ـ وحد
|
ج
|
|
جنسية
|
جنس
|
جائز
|
جوز
|
جهات
|
وجه
|
جارحة
|
جرح
|
جهات يقع عليها
الفعل
|
وجه ـ وقع ـ فعل
|
جاري مجرى الضدّ
|
جري ـ ضدد
|
جهاد
|
جهد
|
جاعل
|
جعل
|
جهة
|
وجه
|
جاهل
|
جهل
|
جهة الفعلية
|
وجه ـ فعل
|
جبر
|
جبر
|
جهة القبح
والحسن
|
وجه ـ قبح ـ حسن
|
جبري
|
جبر
|
جهل
|
جهل
|
جبري الآخرة
|
جبر ـ آخر
|
جهل بسيط
|
جهل ـ بسط
|
جبرية
|
جبر
|
جهل مركّب
|
جهل ـ ركب
|
جبلة
|
جبل
|
جهمية
|
جهم
|
جزء
|
جزأ
|
جواد
|
جود
|
جزء لا يتجزّأ
|
جزأ
|
جواز
|
جوز
|
جزءان لا
يتجزّءان
|
جزأ
|
جواهر
|
جوهر
|
جسم
|
جسم
|
جود
|
جود
|
جسم كثيف
|
جسم ـ كثف
|
جور
|
جور
|
جعل
|
جعل
|
جوهر
|
جوهر
|
جمع
|
جمع
|
جوهر فرد
|
جوهر ـ فرد
|
جمع المتفرقات
|
جمع ـ فرق
|
جوهر لا يبقى
لمعنى
|
جوهر ـ بقي ـ عني
|
جمع المثلين
|
جمع ـ مثل
|
جوهريات
|
جوهر
|
جملة
|
جمل
|
جوهرية
|
جوهر
|
جملة الحي
|
جمل ـ حيا
|
ح
|
|
جملة حية
|
جمل ـ حيا
|
حاجة
|
حجج
|
جن
|
جنن
|
حاجة إلى القدرة
|
حجج ـ قدر
|
حاجة راجعة إلى
الفاعل
|
حجج ـ رجع ـ فعل
|
حدّ رسمي
|
حدد ـ رسم
|
حادث
|
حدث
|
حدّ الشيء
|
حدد ـ شيأ
|
حادث لعلّة
|
حدث ـ علل
|
حدّ لفظي
|
حدد ـ لفظ
|
حادثة لا بإحداث
|
حدث
|
حدّ المخلوق
|
حدد ـ خلق
|
حاسة
|
حسس
|
حدّ مشترك
|
حدد ـ شرك
|
حاقة
|
حقق
|
حدّ ناقص
|
حدد ـ نقص
|
حاكم
|
حكم
|
حدث
|
حدث
|
حال
|
حول
|
حدث الأعيان
|
حدث ـ عين
|
حال التكليف
|
حول ـ كلف
|
حدث الآية
|
حدث ـ أيا
|
حال خاصة
|
حول ـ خصص
|
حدث الفاعل
|
حدث ـ فعل
|
حال زائدة
|
حول ـ زيد
|
حدوث
|
حدث
|
حال صحة الفعل
|
حول ـ صحح ـ فعل
|
حدوث الأجسام
|
حدث ـ جسم
|
حال غير معلّلة
|
حول ـ غير ـ علل
|
حدوث الأعراض
|
حدث ـ عرض
|
حال الفاعل
|
حول ـ فعل
|
حدوث الأكوان
|
حدث ـ كون
|
حال الفعل
|
حول ـ فعل
|
حدوث ذاتي
|
حدث ـ ذوت
|
حال القادر مع
المقدور
|
حول ـ قدر
|
حدوث على وجهين
|
حدث ـ وجه
|
حال الكافر
|
حول ـ كفر
|
حدوث الفعل
|
حدث ـ فعل
|
حال معلّلة
|
حول ـ علل
|
حدوث القرآن
|
حدث ـ قرأ
|
حال النائم
|
حول ـ نوم
|
حدوث الكلام
|
حدث ـ كلم
|
حال يفعل
|
حول ـ فعل
|
حدود
|
حدد
|
حالية
|
حول
|
حرام
|
حرم
|
حامل
|
حمل
|
حرف
|
حرف
|
حجّة
|
حجج
|
حركات
|
حرك
|
حجج
|
حجج
|
حركات أهل
الخلدين
|
حرك ـ خلد
|
حجر
|
حجر
|
حركات نقلية
مكانية
|
حرك ـ نقل ـ مكن
|
حدّ
|
حدد
|
حركة
|
حرك
|
حدّ تام
|
حدد ـ تمم
|
حركة الاختيار
|
حرك ـ خير
|
حدّ حقيقي
|
حدد ـ حقق
|
حركة اختيارية
|
حرك ـ خير
|
حدّ الخبر
|
حدد ـ خبر
|
حركة إرادية
|
حرك ـ رود
|
حركة الاضطرار
|
حركة ـ ضرر
|
حسن لله
|
حسن
|
حركة اعتماد
|
حرك ـ عمد
|
حسن لمعنى في
غيره
|
حسن ـ عني ـ غير
|
حركة الاكتساب
|
حرك ـ كسب
|
حسن لمعنى في
نفسه
|
حسن ـ عني ـ نفس
|
حركة ضرورية
|
حركة ـ ضرر
|
حسن لنفسه
|
حسن ـ نفس
|
حركة طبيعية
|
حرك ـ طبع
|
حسن من وجه
|
حسن ـ وجه
|
حركة المفلوج
|
حرك ـ فلج
|
حسن ووجوب
البعثة
|
حسن ـ وجب ـ بعث
|
حروف
|
حرف
|
حسيات
|
حسس
|
حس
|
حسس
|
حشر
|
حشر
|
حساب
|
حسب
|
حشر الأجساد
|
حشر ـ جسد
|
حسن
|
حسن
|
حطة
|
حطط
|
حسن الإرادة
|
حسن ـ رود
|
حظّ
|
حظظ
|
حسن الأمر
|
حسن ـ أمر
|
حظر
|
حظر
|
حسن الإيجاب
|
حسن ـ وجب
|
حفظ
|
حفظ
|
حسن البعثة
|
حسن ـ بعث
|
حق
|
حقق
|
حسن بالعقل
|
حسن ـ عقل
|
حق مبين
|
حقق ـ بين
|
حسن تقدم الأمر
حال الفعل
|
حسن ـ قدم ـ أمر
ـ حول ـ فعل
|
حق مطلق
|
حقق ـ طلق
|
حسن التكليف
|
حسن ـ كلف
|
حقيقة
|
حقق
|
حسن تكليف
المؤمن الذي يكفر
|
حسن ـ كلف ـ أمن
ـ كفر
|
حقيقة الشيء
|
حقق ـ شيأ
|
حسن تكليف من
يعلم أنه يكفر
|
حسن ـ كلف ـ علم
ـ كفر
|
حكاية
|
حكي
|
حسن الحسن
|
حسن
|
حكم
|
حكم
|
حسن الدعاء
|
حسن ـ دعا
|
حكم الاعتقاد
|
حكم ـ عقد
|
حسن السبب
|
حسن ـ سبب
|
حكم إلا لله
|
حكم
|
حسن عقلي
|
حسن ـ عقل
|
حكم الأمر
والنهي
|
حكم ـ أمر ـ نهي
|
حسن الفعل
|
حسن ـ فعل
|
حكم التعلّق
|
حكم ـ علق
|
حسن في العقل
|
حسن ـ عقل
|
حكم الحسن
|
حكم ـ حسن
|
حسن للأمر به
|
حسن ـ أمر
|
حكم حسّي
|
حكم ـ حسس
|
|
|
حكم السبب
والمسبب
|
حكم ـ سبب
|
|
|
حكم الصفة
|
حكم ـ وصف
|
حكم الضدّين
|
حكم ـ ضدد
|
حياة
|
حيا
|
حكم الظن
|
حكم ـ ظنن
|
حياة أولى
|
حيا ـ أول
|
حكم عقلي
|
حكم ـ عقل
|
حياة ثانية
|
حيا ـ ثني
|
حكم العلّة
|
حكم ـ علل
|
حيران
|
حير
|
حكم الفاعل
|
حكم ـ فعل
|
حيز
|
حيز
|
حكم في الآخرة
|
حكم ـ أخر
|
حيلولة
|
حيل
|
حكم القبيح
|
حكم ـ قبح
|
حين
|
حين
|
حكم الكراهة
|
حكم ـ كره
|
حيية
|
حيي
|
حكم لعلّة
|
حكم ـ علل
|
خ
|
|
حكم لوقوع على
وجه
|
حكم ـ وقع ـ وجه
|
خاتم
|
ختم
|
حكم مريد وكاره
|
حكم ـ رود ـ كره
|
خارجي
|
خرج
|
حكم موجود
|
حكم ـ وجد
|
خاشع
|
خشع
|
حكم النسخ
|
حكم ـ نسخ
|
خاص
|
خصص
|
حكمة
|
حكم
|
خاص الخاص
|
خصص ـ خصص
|
حكمة في التكليف
|
حكم ـ كلف
|
خاطر
|
خطر
|
حكمة في خلق
العالم
|
حكم ـ خلق ـ علم
|
خاطر أول
|
خطر ـ أول
|
حكيم
|
حكم
|
خاطر ثان
|
خطر ـ ثني
|
حلال
|
حلل
|
خالفية
|
خلف
|
حلم
|
حلم
|
خالق
|
خلق
|
حلول
|
حلل
|
خالق الشيء
|
خلق ـ شيأ
|
حمد
|
حمد
|
خبر
|
خبر
|
حمل
|
حمل
|
خبر الآحاد
|
خبر ـ وحد
|
حمل الغائب على
الشاهد
|
حمل ـ غيب ـ شهد
|
خبر أخصّ
|
خبر ـ خصص
|
حوادث
|
حدث
|
خبر أربعة
|
خبر
|
حواس
|
حسس
|
خبر التواتر
|
خبر ـ وتر
|
حوض
|
حوض
|
خبر خاص
|
خبر ـ خصص
|
حي
|
حيا
|
خبر صدق
|
خبر ـ صدق
|
حي قادر
|
حيا قدر
|
خبر عاثر
|
خبر ـ عثر
|
خبر عام
|
خبر ـ عمم
|
خلاق
|
خلق
|
خبر عن محال
ممتنع
|
خبر ـ حيل ـ منع
|
خلف
|
خلف
|
خبر عن ممكن
|
خبر ـ مكن
|
خلق
|
خلق
|
خبر عن واجب
|
خبر ـ وجب
|
خلق
|
خلق
|
خبر الكاذب
|
خبر ـ كذب
|
خلق آدم بيده
|
خلق ـ أدم
|
خبر متواتر
|
خبر ـ وتر
|
خلق آدم على
صورته
|
خلق ـ أدم
|
خبر متولّد عن
سبب
|
خبر ـ ولد ـ سبب
|
خلق الأفعال
|
خلق ـ فعل
|
خبر مستفيض
|
خبر ـ فيض
|
خلق الإيمان
|
خلق ـ أمن
|
خبر موجب للعلم
|
خبر ـ وجب ـ علم
|
خلق بقدر
|
خلق ـ قدر
|
خبر النزول
|
خبر ـ نزل
|
خلق بين خالقين
|
خلق
|
خبر واحد
|
خبر ـ وحد
|
خلق جديد
|
خلق ـ جدد
|
خبر الواحد
|
خبر ـ وحد
|
خلق الحي
|
خلق ـ حيا
|
خبر الواحد
العدل
|
خبر ـ وحد ـ عدل
|
خلق الحيّ
لينفعه
|
خلق ـ حيي ـ نفع
|
خبر واقع عن
الجماعة
|
خبر ـ وقع ـ جمع
|
خلق الخلق لا
لعلّة موجبة
|
خلق ـ علل ـ وجب
|
خبر يقع العلم
عنده
|
خبر ـ وقع ـ علم
|
خلق الخلق لعلّة
|
خلق ـ علل
|
ختم
|
ختم
|
خلق الخلق
لينفعه
|
خلق ـ نفع
|
ختم وطبع
|
ختم ـ طبع
|
خلق الشيء
|
خلق ـ شيأ
|
خذلان
|
خذل
|
خلق العالم
|
خلق ـ علم
|
خشوع
|
خشع
|
خلق العالم
مقصود
|
خلق ـ علم ـ قصد
|
خشية
|
خشي
|
خلق فسوّى
|
خلق ـ سوي
|
خصوص
|
خصص
|
خلق لا لعلّة
|
خلق ـ علل
|
خط
|
خطط
|
خلق لعلّة
|
خلق ـ علل
|
خطأ
|
خطأ
|
خلود
|
خلد
|
خطاب
|
خطب
|
خليفة
|
خلف
|
خطاب الله
|
خطب
|
خوارج
|
خرج
|
خطوط مطلقة
|
خطط ـ طلق
|
خواطر
|
خطر
|
خفيف
|
خفف
|
خوف
|
خوف
|
خلاء
|
خلي
|
خير
|
خير
|
خلاف
|
خلف
|
خيرة
|
خير
|
د
|
|
دلالة الاستدلال
بالخلق
|
دلل ـ خلق
|
دائم
|
دوم
|
دلالة الشاهد
على الغائب
|
دلل ـ شهد ـ غيب
|
دار
|
دور
|
دلالة العدل
|
دلل ـ عدل
|
دار الإسلام
|
دور ـ سلم
|
دلالة عقلية
|
دلل ـ عقل
|
دار إيمان
|
دور ـ أمن
|
دلالة على أنا
قادرون
|
دلل ـ قدر
|
دار بغي
|
دور ـ بغي
|
دلالة على الشيء
|
دلل ـ شيأ
|
دار توحيد
|
دور ـ وحد
|
دلالة على العلم
|
دلل ـ علم
|
دار الجزاء
|
دور ـ جزأ
|
دلالة على قبح
الشيء
|
دلل ـ قبح ـ شيأ
|
دار خامسة
|
دور
|
دلالة على
النبوات
|
دلل ـ نبا
|
دار شرك
|
دور ـ شرك
|
دلالة الفعل
|
دلل ـ فعل
|
دار ـ الفسق
|
دور ـ فسق
|
دلالة الفعل
المحكم
|
دلل ـ فعل ـ حكم
|
دار كفر
|
دور ـ كفر
|
دلالة في الشاهد
|
دلل ـ شهد
|
دار المحنة
|
دور ـ محن
|
دلالة معتمدة
|
دلل ـ عمد
|
دار وقف
|
دور ـ وقف
|
دلالة المعجز
|
دلل ـ عجز
|
داران
|
دور
|
دلالة الموانع
|
دلل ـ منع
|
داع
|
دعا
|
دلالتان على حال
|
دلل ـ حول
|
داع إلى
الاختيار
|
دعا ـ خير
|
دليل
|
دلل
|
دال
|
دلل
|
دليل الإثبات
|
دلل ـ ثبت
|
دراية
|
دري
|
دليل التمانع
|
دلل ـ منع
|
درجات
|
درج
|
دليل الخطاب
|
دلل ـ خطب
|
دركات
|
درك
|
دليل سمعي
|
دلل ـ سمع
|
دعاء
|
دعا
|
دليل الشاهد على
الغائب
|
دلل ـ شهد ـ غيب
|
دعاء الداعي
|
دعا
|
دليل العقل
|
دلل ـ عقل
|
دعوى
|
دعا
|
دليل عقلي
|
دلل ـ عقل
|
دفع تكليف النظر
والمعرفة
|
دفع ـ كلف ـ نظر
ـ عرف
|
دليل في الشاهد
|
دلل ـ شهد
|
دلائل العقول
|
دلل ـ عقل
|
دليل لفظي
|
دلل ـ لفظ
|
دلائل لفظية
|
دلل ـ لفظ
|
دليل المقابلة
|
دلل ـ قبل
|
دلالة
|
دلل
|
دليل الموانع
|
دلل ـ منع
|
|
|
دليل ومدلول
|
دلل
|
دنيا
|
دنو
|
رؤية الله
|
رأي
|
دهر
|
دهر
|
رؤية البصر
|
رأي ـ بصر
|
دهريون
|
دهر
|
رؤية العين
|
رأي ـ عين
|
دواع
|
دعي
|
رؤية المعدوم
|
رأي ـ عدم
|
دواعي وصوارف
|
دعي ـ صرف
|
راء
|
رأى
|
دولة
|
دول
|
رافضة
|
رفض
|
ديار
|
دور
|
رب
|
ربب
|
ديانات
|
دين
|
رجعة
|
رجع
|
ديانة
|
دين
|
رحمة
|
رحم
|
دين
|
دين
|
رحمن
|
رحم
|
ذ
|
|
رحيم
|
رحم
|
ذات
|
ذوت
|
رخص
|
رخص
|
ذات المسبب
|
ذوت ـ سبب
|
رزق
|
رزق
|
ذكاء
|
ذكا
|
رسالة
|
رسل
|
ذكر
|
ذكر
|
رسم
|
رسم
|
ذكر محدث
|
ذكر ـ حدث
|
رسم تام
|
رسم ـ تمم
|
ذكرهم
|
ذكر
|
رسم ناقص
|
رسم ـ نقص
|
ذم
|
ذمم
|
رسول
|
رسل
|
ذنب
|
ذنب
|
رضا
|
رضي
|
ذو الطباع
|
طبع
|
رعاية الأصلح
|
رعي ـ صلح
|
ذو طبع
|
طبع
|
رغبة ورهبة
|
رغب ـ رهب
|
ذو هيئة
|
هيأ
|
رفض
|
رفض
|
ذوات
|
ذوت
|
رقي
|
رقي
|
ذوات في العدم
|
ذوت ـ عدم
|
روح
|
روح
|
ر
|
|
روح الله
|
روح
|
رؤيا
|
رأي
|
روح القدس
|
روح ـ قدس
|
رؤية
|
رأي
|
روح لاهوتي
|
روح
|
|
|
روح الناسوتية
|
روح ـ أنس
|
ز
|
|
سرور
|
سرر
|
زجر وترغيب
|
زجر ـ رغب
|
سطح
|
سطح
|
زكاة
|
زكا
|
سطوح مطلقة
|
سطح ـ طلق
|
زلزلة
|
زلزل
|
سعر
|
سعر
|
زمان
|
زمن
|
سكران
|
سكر
|
زوال
|
زول
|
سكينة
|
سكن
|
زيادة
|
زيد
|
سكون
|
سكن
|
زيادة الشهوة
|
زيد ـ شها
|
سكون النفس
|
سكن ـ نفس
|
س
|
|
سكون طبيعي
|
سكن ـ طبع
|
سؤال
|
سأل
|
سكون قسري
|
سكن ـ قسر
|
سابقون
|
سبق
|
سلامة من
الانتفاض
|
سلم ـ نفض
|
ساحر
|
سحر
|
سلب
|
سلب
|
سارق
|
سرق
|
سلبي
|
سلب
|
ساكن
|
سكن
|
سماء
|
سما
|
ساكن النفس
|
سكن ـ نفس
|
سمع
|
سمع
|
ساهي
|
سها
|
سمعيات
|
سمع
|
ساهي فاعل
|
سها ـ فعل
|
سميع
|
سمع
|
سبب
|
سبب
|
سميع بصير
|
سمع ـ بصر
|
سبب أفعال
متولّدة
|
سبب ـ فعل ـ ولد
|
سنّة
|
سنن
|
سبب للتكليف غير
داخل فيه
|
سبب ـ كلف ـ دخل
|
سني موحّد
|
سنن ـ وحد
|
سبب ملجئ
|
سبب ـ لجأ
|
سهو
|
سها
|
سبب وجوب النظر
والمعرفة
|
سبب ـ وجب ـ نظر
ـ عرف
|
ش
|
|
سبر وتقسيم
|
سبر ـ قسم
|
شاء
|
شيأ
|
سحر
|
سحر
|
شاء
|
شيأ
|
سخط
|
سخط
|
شارع
|
شرع
|
|
|
شاك
|
شكك
|
|
|
شأن
|
شأن
|
|
|
شاهد الحال
|
شهد ـ حول
|
شاهد هو أصل
للعلم
|
بالغائب شهد ـ علم
ـ غيب
|
شروط استحقاق
الأحكام
|
شرط ـ حقق ـ حكم
|
شاهد هو دليل
الغائب
|
شهد ـ دلل ـ غيب
|
شروط الخاطر
|
شرط ـ خطر
|
شاهد وغائب
|
شهد ـ غيب
|
شروط في استحقاق
الثواب والعقاب
|
شرط ـ حقق ـ ثوب
ـ عقب
|
شبهة
|
شبه
|
شروط في المدح
|
شرط ـ مدح
|
شخص
|
شخص
|
شروط الوجوب
|
شرط ـ وجب
|
شر
|
شرر
|
شريعة
|
شرع
|
شرائط الاجتهاد
|
شرط ـ جهد
|
شفاعة
|
شفع
|
شرائط التكليف
|
شرط ـ كلف
|
شك
|
شكك
|
شرائط راجعة إلى
الآمر
|
شرط ـ رجع ـ أمر
|
شكر
|
شكر
|
شرائط راجعة إلى
حسن الأمر
|
شرط ـ رجع ـ حسن
|
شكر على النعمة
|
شكر ـ نعم
|
شرائط النهي
|
شرط ـ نهي
|
شكل
|
شكل
|
شرائع
|
شرع
|
شهادة
|
شهد
|
شرائع المسلمين
|
شرع
|
شهداء
|
شهد
|
شرح
|
شرح
|
شهوة
|
شها
|
شرط
|
شرط
|
شهوة القبيح
|
شها ـ قبح
|
شرط الإمام
|
شرط ـ أمم
|
شهوة من ليس
بمكلّف
|
شها ـ كلف
|
شرط الخاطر
|
شرط ـ خطر
|
شهيد
|
شهد
|
شرط في الإيجاب
|
شرط ـ وجب
|
شيء
|
شيأ
|
شرط في الوجود
|
شرط ـ وجد
|
شيء لا كالأشياء
|
شيأ
|
شرط المكلّف
|
شرط ـ كلف
|
شيء له
|
شيأ
|
شرط ومشروط
|
شرط
|
شيء محدث
|
شيأ ـ حدث
|
شرط يقتضيه
التكليف
|
شرط ـ قضي ـ كلف
|
شيء معلوم
|
شيأ ـ علم
|
شرع
|
شرع
|
شيء من شيء
|
شيأ
|
شرعيات
|
شرع
|
شيئية
|
شيأ
|
شرك
|
شرك
|
شياطين
|
شطط
|
شركة
|
شرك
|
شيعة
|
شيع
|
ص
|
|
صفات الجواهر
|
وصف ـ جوهر
|
صاحب الكبيرة
|
صحب ـ كبر
|
صفات الجوهر
|
وصف ـ جوهر
|
صالحات
|
صلح
|
صفات خبرية
|
وصف ـ خبر
|
صانع
|
صنع
|
صفات الذات
|
وصف ـ ذوت
|
صانعون في
الشاهد
|
صنع ـ شهد
|
صفات ذاتية
|
وصف ـ ذوت
|
صبي
|
صبا
|
صفات الذوات
|
وصف ـ ذوت
|
صحة
|
صحح
|
صفات زائدة على
الحدوث
|
وصف
|
صحة الإيمان
|
صحح ـ آمن
|
صفات سلبية
|
وصف ـ سلب
|
صحة التكليف
|
صحح ـ كلف
|
صفات الفاعل
|
وصف ـ فعل
|
صحة الفعل
|
صحح ـ فعل
|
صفات الفعل
|
وصف ـ فعل
|
صحة النظر
|
صحح ـ نظر
|
صفات الفعل
بالفاعل
|
وصف ـ فعل ـ فعل
|
صدق
|
صدق
|
صفات فعلية
|
وصف ـ فعل
|
صدق حسن
|
صدق ـ حسن
|
صفات قائمة
بذاته
|
وصف ـ قوم ـ ذوت
|
صراط
|
صرط
|
صفات قديمة
|
وصف ـ قدم
|
صغائر
|
صغر
|
صفات المخلوقين
|
وصف ـ خلق
|
صغير
|
صغر
|
صفات مستحقّة لا
لعلة
|
وصف ـ حقق ـ علل
|
صغيرة
|
صغر
|
صفات مشتركة
|
وصف ـ شرك
|
صفات
|
وصف
|
صفات مشروطة
بالحياة
|
وصف ـ شرط
|
صفات الأجناس
|
وصف ـ جنس
|
صفات المعاني
|
وصف ـ عني
|
صفات الأجناس
والأنواع
|
وصف ـ جنس ـ نوع
|
صفات المكلّف
|
وصف ـ كلف
|
صفات أسماء
|
وصف ـ سما
|
صفات النفس
|
وصف ـ نفس
|
صفات إضافية
وسلبية
|
وصف ـ ضيف ـ سلب
|
صفات وجودية
|
وصف ـ وجد
|
صفات الأفعال
|
وصف ـ فعل
|
صفاتية
|
وصف
|
صفات الله
|
وصف
|
صفة
|
وصف
|
صفات الأنفس
|
وصف ـ نفس
|
صفة أزلية
|
وصف
|
صفات تابعة
للعلل
|
وصف ـ تبع ـ علل
|
صفة الاقتضاء
|
وصف ـ قضي
|
صفات ترجع إلى جملة
|
وصف ـ رجع ـ جمل
|
|
|
صفة أهل الآخرة
|
وصف ـ أخر
|
صنائع حكمية
|
صنع ـ حكم
|
صفة الجنس
|
وصف ـ جنس
|
صنع
|
صنع
|
صفة ذات
|
وصف ـ ذوت
|
صنع الله
|
صنع
|
صفة الذات
|
وصف ـ ذوت
|
صواب
|
صوب
|
صفة ذاتية
|
وصف ـ ذوت
|
صوت
|
صوت
|
صفة زائدة على
الحدوث
|
وصف ـ حدث
|
صورة
|
صور
|
صفة الشيء
|
وصف ـ شيأ
|
صيامية
|
صوم
|
صفة العلّة
|
وصف ـ علل
|
ض
|
|
صفة فعل
|
وصف ـ فعل
|
ضال
|
ضلل
|
صفة قديمة
|
وصف ـ قدم
|
ضدّ
|
ضدد
|
صفة للنفس
|
وصف ـ نفس
|
ضدّ في الحقيقة
|
ضدد ـ حقق
|
صفة لنفس الشيء
|
وصف ـ نفس ـ شيأ
|
ضدّ ما يحتاج
إليه
|
ضدد
|
صفة مقصورة على
الذات
|
وصف ـ قصر ـ ذوت
|
ضدّان
|
ضدد
|
صفة المكلف
|
وصف ـ كلف
|
ضرب
|
ضرب
|
صفة النفس
|
وصف ـ نفس
|
ضرر
|
ضرر
|
صفة نفسية
|
وصف ـ نفس
|
ضرورة
|
ضرر
|
صفة الوجود
|
وصف ـ وجد
|
ضروري
|
ضرر
|
صفة وجودية
|
وصف ـ وجد
|
ضروريات
|
ضرر
|
صلاة
|
صلي
|
ضعف
|
ضعف
|
صلاح
|
صلح
|
ضلال
|
ضلل
|
صلاح الخلق
|
صلح ـ خلق
|
ضلالة
|
ضلل
|
صلاح في الدين
|
صلح
|
ضنين
|
ضنن
|
صلاح وأصلح
|
صلح
|
ضيع الواجب
|
ضيع ـ وجب
|
صلاحية
|
صلح
|
ضيق
|
ضيق
|
صلب
|
صلب
|
ط
|
|
صمد
|
صمد
|
طائع
|
طوع
|
صنائع
|
صنع
|
طابع
|
طبع
|
طاعات
|
طوع
|
طلب الرزق
والتكسب
|
طلب ـ رزق ـ كسب
|
طاعة
|
طوع
|
طلب الشيء بشرط
|
طلب ـ شيأ ـ شرط
|
طاعة غير واجبة
|
طوع ـ غير ـ وجب
|
طلب علم
|
طلب ـ علم
|
طاعة لا يراد
الله بها
|
طوع ـ رود
|
طلق
|
طلق
|
طبائع
|
طبع
|
طول
|
طول
|
طبائع أربع
|
طبع
|
ظ
|
|
طباع
|
طبع
|
ظالم
|
ظلم
|
طبع
|
طبع
|
ظان
|
ظنن
|
طبع
|
طبع
|
ظاهر
|
ظهر
|
طبع أول
|
طبع ـ أول
|
ظاهرة
|
ظهر
|
طبع مركّب
|
طبع ـ ركب
|
ظلام
|
ظلم
|
طبع مولّد
|
طبع ـ ولد
|
ظلم
|
ظلم
|
طبيعة
|
طبع
|
ظلمة
|
ظلم
|
طبيعة موجبة
|
طبع ـ وجب
|
ظن
|
ظنن
|
طرد
|
طرد
|
ظن مبتدأ
|
ظنن ـ بدأ
|
طرد وعكس
|
طرد ـ عكس
|
ظنون
|
ظنن
|
طرق الأحكام
الشرعية
|
طرق ـ حكم ـ شرع
|
ظهور
|
ظهر
|
طريق التعمد
|
طرق ـ عمد
|
ظهور وكمون
|
ظهر ـ كمن
|
طريق العلم
|
طرق ـ علم
|
ع
|
|
طريق المعرفة
|
طرق ـ علم
|
عابث
|
عبث
|
طريق الوجوب
|
طرق ـ وجب
|
عابد
|
عبد
|
طريق وجوب
الصلاة
|
طرق ـ وجب ـ صلا
|
عاجز
|
عجز
|
طريقة الشرائع
|
طرق ـ شرع
|
عادات
|
عود
|
طعوم
|
طعم
|
عادة
|
عود
|
طفر
|
طفر
|
عادل
|
عدل
|
طفرة
|
طفر
|
عارف
|
عرف
|
طلب
|
طلب
|
|
|
عاص
|
عصى
|
عدم شيء
|
عدم ـ شيأ
|
عاقدون
|
عقد
|
عدم الشيء
|
عدم ـ شيأ
|
عاقل
|
عقل
|
عدم على الجواهر
|
عدم ـ جوهر
|
عاقل ذاهل
|
عقل ـ ذهل
|
عدم القدرة
|
عدم ـ قدر
|
عالم
|
علم
|
عدم المعنى
|
عدم ـ عني
|
عالم
|
علم
|
عرش
|
عرش
|
عالم بحاله
|
علم ـ حول
|
عرض
|
عرض
|
عالم بعلم
|
علم
|
عرض واحد حالّ
في محلين
|
عرض ـ حول
|
عالم بنفسه
|
علم ـ نفس
|
عرضية
|
عرض
|
عالم عالم
|
علم
|
عزم
|
عزم
|
عالم لذاته
|
علم ـ ذوت
|
عزم مقترن
بالندم
|
عزم ـ قرن ـ ندم
|
عالم لم يزل
وفيما لا يزال
|
علم ـ زول
|
عصمة
|
عصم
|
عالم لنفسه
|
علم ـ نفس
|
عصمة الإمام
|
عصم ـ أمم
|
عالمية
|
علم
|
عصمة الأنبياء
|
عصم
|
عام
|
عمم
|
عصى
|
عصى
|
عبادات
|
عبد
|
عصيان
|
عصي
|
عبادة
|
عبد
|
عطف
|
عطف
|
عبارات
|
عبر
|
عفو
|
عفا
|
عبارة
|
عبر
|
عقاب
|
عقب
|
عبث
|
عبث
|
عقاب السبب
|
عقب ـ سبب
|
عبد
|
عبد
|
عقاب على فعل
وعدمه
|
عقب ـ فعل ـ عدم
|
عجز
|
عجز
|
عقاب على ما لا
يقع من القبيح
|
عقب ـ وقع ـ قبح
|
عداوة
|
عدا
|
عقاب المسبب
|
عقب ـ سبب
|
عداوة
|
عدا
|
عقد
|
عقد
|
عدد
|
عدد
|
عقد الإمامة
|
عقد ـ أمم
|
عدل
|
عدل
|
عقل
|
عقل
|
عدم
|
عدم
|
عقل التكليف
|
عقل ـ كلف
|
عدم الامتياز
|
عدم ـ ميز
|
عقل غريزي
|
عقل ـ غرز
|
عدم الجواهر
|
عدم ـ جوهر
|
|
|
عقل مكتسب
|
عقل ـ كسب
|
علم استدلالي
|
علم ـ دلل
|
عقلي محض
|
عقل ـ محض
|
علم الاضطرار
|
علم ـ ضرر
|
عقليات
|
عقل
|
علم اكتسابي
|
علم ـ كسب
|
عكس
|
عكس
|
علم الله
|
علم
|
عكس الأدلّة
|
عكس ـ دلل
|
علم (الله) على
شرط
|
علم ـ شرط
|
عكس الدلالة
|
عكس ـ دلل
|
علم بأصول
الأدلّة
|
علم ـ أصل ـ دلل
|
علاقة
|
علق
|
علم باضطرار
|
علم ـ ضرر
|
علاقة مطردة
منعكسة
|
علق ـ طرد ـ عكس
|
علم بالله
|
علم
|
علّة
|
علل
|
علم بالله تعالى
جملة
|
علم ـ جمل
|
علّة الاحتياج
|
علل
|
علم بالله على
جهة الاستدلال
|
علم ـ دلل
|
علّة اختيار
|
علل ـ خير
|
علم بأن السبب
سبب
|
علم ـ سبب
|
علّة استحالة
|
إعادة مقدوراتنا
علل
|
علم بأن سيكون
|
علم ـ كون
|
علّة الاضطرار
|
علل ـ ضرر
|
علم بأنه جلّ
وعزّ
|
واحد علم
|
علّة تامة
|
علل ـ تمم
|
علم بأنّه كاره
|
علم ـ كره
|
علّة حسن التكليف
|
علل ـ حسن ـ كلف
|
علم بأنه مريد
|
علم ـ رود
|
علّة خلق العالم
|
علل ـ خلق ـ علم
|
علم بالتفصيل
|
علم ـ فصل
|
علّة شرعية
|
علل ـ شرع
|
علم بالجملة
|
علم ـ جمل
|
علّة الشيء
|
علل ـ شيأ
|
علم بالدليل
|
علم ـ دلل
|
علّة عقلية
|
علل ـ عقل
|
علم بديهي في
الإثبات
|
علم ـ بده ـ ثبت
|
علّة فعل الله
|
علل ـ فعل
|
علم بديهي في
النفي
|
علم ـ بده ـ نفي
|
علّة في الشاهد
والغائب
|
علل ـ شهد ـ غيب
|
علم بسبب
المعرفة
|
علم ـ سبب ـ عرف
|
علّة الماهية
|
علل ـ ميه
|
علم بالشيء
|
علم ـ شيأ
|
علّة الوجود
|
علل ـ وجد
|
علم بالشيء
والخبر عنه
|
علم ـ شيأ ـ خبر
|
علل
|
علل
|
علم بصحة النظر
|
علم ـ صحح ـ نظر
|
علل شرعية
|
علل
|
علم بصحة حدوث
الشيء
|
علم ـ صحح ـ حدث
ـ شيأ
|
علم
|
علم
|
علم بالصناعات
|
علم ـ صنع
|
علم اختيار
|
علم ـ خير
|
|
|
علم استدلال
|
علم ـ دلل
|
|
|
علم بقبح الشيء
|
علم ـ قبح ـ شيأ
|
علم العالم بحسن
الشيء
|
علم ـ حسن ـ شيأ
|
علم بما غاب
|
علم ـ غيب
|
علم العبد
|
علم ـ عبد
|
علم بما معه
يعرف المطلوب بأدلّة
|
علم ـ عرف ـ طلب
ـ دلل
|
علم عقيب النظر
|
علم ـ عقب ـ نظر
|
علم بالمدركات
|
علم ـ درك
|
علم على طريق
الجملة
|
علم ـ طرق ـ جمل
|
علم بالمشاهدات
|
علم ـ شهد
|
علم عن نظر
مخصوص
|
علم ـ نظر ـ خصص
|
علم بالمعدوم
|
علم ـ عدم
|
علم عند خبر
المخبرين
|
علم ـ خبر
|
علم بالمعلول
|
علم ـ علل
|
علم الفاعل بحسن
الشيء
|
علم ـ فعل ـ حسن
ـ شيأ
|
علم بمقاصد من
نشاهده
|
علم ـ قصد ـ شهد
|
علم قديم
|
علم ـ قدم
|
علم به علم
|
علم ـ علم
|
علم كسبي
|
علم ـ كسب
|
علم بوجه دلالة
الدليل
|
علم ـ دلل
|
علم الكلام
|
علم ـ كلم
|
علم بوجه وجوب
الفعل
|
علم ـ وجب ـ فعل
|
علم لا في محل
|
علم ـ محل
|
علم بوجوب النظر
المعين
|
علم ـ وجب ـ نظر
ـ عين
|
علم لا يولد
العلم
|
علم ـ ولد
|
علم التفصيل
|
علم ـ فصل
|
علم لوقوعه على
وجه
|
علم ـ وقع ـ وجه
|
علم تواتري
|
علم ـ وتر
|
علم متعلّق
بمعلومين
|
علم ـ علق
|
علم الجملة
|
علم ـ جمل
|
علم محدث
|
علم ـ حدث
|
علم حادث
|
علم ـ حدث
|
علم المحدث
|
علم ـ حدث
|
علم الحسّ
|
علم ـ حسس
|
علم المشاهدة
|
علم ـ شهد
|
علم الخلق
|
علم ـ خلق
|
علم مفصل
|
علم ـ فصل
|
علم ذاتي
|
علم ـ ذوت
|
علم مكتسب
|
علم ـ كسب
|
علم رباني
|
علم ـ ربب
|
علم من الأخبار
|
علم ـ خبر
|
علم صحيح
|
علم ـ صحح
|
علم نظري
|
علم ـ نظر
|
علم صدق باضطرار
|
علم ـ صدق ـ ضرر
|
علم واحد
|
علم ـ وحد
|
علم ضرورة
|
علم ـ ضرر
|
علم واحد
بمعلومي
|
علم ـ وحد
|
علم الضرورة
|
علم ـ ضرر
|
علم واقع
بالتواتر
|
علم ـ وقع ـ وتر
|
علم ضروري
|
علم ـ ضرر
|
علم واقع بالخبر
|
علم ـ وقع ـ خبر
|
علم ضروري بالله
|
علم ـ ضرر
|
علم واقع عن
الخبر
|
علم ـ وقع ـ خبر
|
|
|
علم واقع عند
التواتر
|
علم ـ وقع ـ وتر
|
علوم
|
علم
|
غرض بتكليف
المعارف
|
غرض ـ كلف ـ عرف
|
علوم بها يكمل
العقل
|
علم ـ كمل ـ عقل
|
غرض التكليف
|
غرض ـ كلف
|
علوم حادثة
|
علم ـ حدث
|
غشاوة
|
غشي
|
علوم حسية
|
علم ـ حسس
|
غلاء
|
غلا
|
علوم ضرورية
|
علم ـ ضرر
|
غلبة الظن
|
غلب ـ ظنن
|
علوم العدل
|
علم ـ عدل
|
غم
|
غمم
|
علوم مبسوطة
|
علم ـ بسط
|
غني
|
غني
|
علوم محدثة
|
علم ـ حدث
|
غني عن خلقه
|
غني ـ خلق
|
علوم مخصوصة
|
علم ـ خصص
|
غيّ
|
غيا
|
علوم مقصورة
|
علم ـ قصر
|
غير فاعل للواجب
|
غير ـ فعل ـ وجب
|
علوم مكتسبة
|
علم ـ كسب
|
غير متكلّم
|
غير ـ كلم
|
علوم نظرية
|
علم ـ نظر
|
غير متناه
|
غير ـ نهي
|
علوم الوعد
والوعيد
|
علم ـ وعد
|
غير مخلوق
|
غير ـ خلق
|
علّية
|
علل
|
غير مقدور
|
غير ـ قدر
|
عليم
|
علم
|
غير مكلّف
|
غير ـ كلف
|
عمل
|
عمل
|
غيران
|
غير
|
عموم
|
عمم
|
غيرية
|
غير
|
عند
|
عند
|
ف
|
|
عندية
|
عند
|
فاجر
|
فجر
|
عود
|
عود
|
فاسد
|
فسد
|
عوض
|
عوض
|
فاسق
|
فسق
|
عون
|
عون
|
فاضل
|
فضل
|
عيان
|
عين
|
فاعل
|
فعل
|
عين
|
عين
|
فاعل الأجسام
|
فعل ـ جسم
|
غ
|
|
فاعل بالتولّد
|
فعل ـ ولد
|
غرائز في الفطر
|
غرز ـ فطر
|
فاعل بسبب
|
فعل ـ سبب
|
غرض
|
غرض
|
فاعل بمعين
|
فعل ـ عين
|
غرض بالتكليف
|
غرض ـ كلف
|
|
|
فاعل خالق
|
فعل ـ خلق
|
فطر الخلائق
|
فطر ـ خلق
|
فاعل الدلالة
|
فعل ـ دلل
|
فعال
|
فعل
|
فاعل السبب
|
فعل ـ سبب
|
فعل
|
فعل
|
فاعل العدل
|
فعل ـ عدل
|
فعل
|
فعل
|
فاعل على
الحقيقة
|
فعل ـ حقق
|
فعل الأجسام
|
فعل ـ جسم
|
فاعل في الشاهد
|
فعل ـ شهد
|
فعل الاختيار
|
فعل ـ خير
|
فاعل القبيح
|
فعل ـ قبح
|
فعل الله
|
فعل
|
فاعل للمبتدأ
|
فعل ـ بدأ
|
فعل الله تعالى
بالأسباب
|
فعل ـ سبب
|
فاعل للمتولد
|
فعل ـ ولد
|
فعل الله لغرض
|
فعل ـ غرض
|
فاعل لما هو
ملجأ إليه
|
فعل ـ لجأ
|
فعل الله
متولّدا
|
فعل ـ ولد
|
فاعل مختار
|
فعل ـ خير
|
فعل الإنسان
|
فعل ـ أنس
|
فاعل ممكن
|
فعل ـ مكن
|
فعل بسبب
|
فعل ـ سبب
|
فاعل الواجب
|
فعل ـ وجب
|
فعل بين فاعلين
|
فعل
|
فاعلان
|
فعل
|
فعل بين قادرين
|
فعل ـ قدر
|
فان
|
فني
|
فعل الجسد
|
فعل ـ جسد
|
فتيا
|
فتا
|
فعل الجوارح
|
فعل ـ جرح
|
فرائض
|
فرض
|
فعل حكمي
|
فعل ـ حكم
|
فرائض الدين
|
فرض
|
فعل داخل تحت
التكليف
|
فعل ـ دخل ـ كلف
|
فرض في إيجاب
النظر
|
فرض ـ وجب ـ نظر
|
فعل الساهي
|
فعل ـ سها
|
فرع
|
فرع
|
فعل الشيء
|
فعل ـ شيأ
|
فرقان
|
فرق
|
فعل صحيح
|
فعل ـ صحح
|
فروع
|
فرع
|
فعل الطباع
|
فعل ـ طبع
|
فساد
|
فسد
|
فعل الظن
|
فعل ـ ظنن
|
فسق
|
فسق
|
فعل العباد
|
فعل ـ عبد
|
فصل
|
فصل
|
فعل العبد
|
فعل ـ عبد
|
فصل بين الذم
وبين العقاب
|
فصل ـ ذمم ـ عقب
|
فعل العبد من
المعارف
|
فعل ـ عبد ـ عرف
|
فصل بين الملجأ
والقادر
|
|
فعل غيره
|
فعل ـ غير
|
فصول
|
فصل
|
فعل فاعل
|
فعل
|
فضل
|
فضل
|
فعل الفاعل
لعلّة موجبة
|
فعل ـ علل ـ وجب
|
فعل الفاعل من
الأسباب
|
فعل ـ سبب
|
فعل يحتاج إلينا
|
فعل ـ حوج
|
فعل في الشاهد
|
فعل ـ شهد
|
فعل يحسن من
|
فعل ـ حسن
|
فعل في محل
معدوم
|
فعل ـ محل ـ عدم
|
فعل يصح وقوعه
مبتدأ ومتولّد
|
فعل ـ صحح ـ وقع
ـ بدأ ـ ولد
|
فعل القادر
|
فعل ـ قدر
|
فعل يقبح ولا
يدلّ على البداء
|
فعل ـ قبح ـ دلل
ـ بدأ
|
فعل قد يحسن
|
فعل ـ حسن
|
فعل يقبح ويدل
على البداء
|
فعل ـ قبح ـ دلل
ـ بدأ
|
فعل القدرة
ابتداء
|
فعل ـ قدر ـ بدأ
|
فعل يقع على جهة
السهو
|
فعل ـ وقع ـ وجه
ـ سها
|
فعل الكلام
|
فعل ـ كلم
|
فعلية
|
فعل
|
فعل لا يقع إلا
بسبب
|
فعل ـ وقع ـ سبب
|
فقه
|
فقه
|
فعل لا يقع إلا
مبتدأ
|
فعل ـ وقع ـ بدأ
|
فكر
|
فكر
|
فعل لحكمة
|
فعل ـ حكم
|
فكر صحيح
|
فكر ـ صحح
|
فعل لحكمة وغرض
|
فعل ـ حكم ـ غرض
|
فكر فاسد
|
فكر ـ فسد
|
فعل لغرض
|
فعل ـ غرض
|
فناء
|
فني
|
فعل مباشر
|
فعل ـ بشر
|
فناء الأجسام
|
فني ـ جسم
|
فعل مبتدأ
|
فعل ـ بدأ
|
فناء الجواهر
|
فني ـ جوهر
|
فعل متولّد
|
فعل ـ ولد
|
فناء القدرة
|
فني ـ قدر
|
فعل مجزئ
|
فعل ـ جزأ
|
فوق
|
فوق
|
فعل محكم
|
فعل ـ حكم
|
ق
|
|
فعل مقصود
|
فعل ـ قصد
|
قائلية
|
قول
|
فعل المكلّف
وفعل المكلّف
|
فعل ـ كلف
|
قائم بنفسه
|
قوم ـ نفس
|
فعل الملجأ
|
فعل ـ لجأ
|
قابل الوجود
|
قبل ـ وجد
|
فعل من فاعلين
|
فعل
|
قادر
|
قدر
|
فعل واجب
|
فعل ـ وجب
|
قادر بالذات
|
قدر ـ ذوت
|
فعل واجب على
الله
|
فعل ـ وجب
|
قادر بقدرة
|
قدر
|
فعل واجب الوجود
لغرض
|
فعل ـ وجب ـ وجد
ـ غرض
|
قادر بنفسه
|
قدر ـ نفس
|
فعل واحد من
فاعلين
|
فعل ـ وحد
|
|
|
فعل واقع على
جهة القصد
|
فعل ـ وقع ـ وجه
ـ قصد
|
|
|
قادر على
الضدّين
|
قدر ـ ضدد
|
قبح الترك
|
قبح ـ ترك
|
قادر على مقدرات
غيره
|
قدر ـ غير
|
قبح التكليف
|
قبح ـ كلف
|
قادر في حال
العدم
|
قدر ـ حول ـ عدم
|
قبح الظلم
|
قبح ـ ظلم
|
قادر في الغائب
|
قدر ـ غيب
|
قبح عقلي
|
قبح ـ عقل
|
قادر في كونه
قادر على الشيء
|
قدر ـ كون ـ شيأ
|
قبح القبيح
|
قبح
|
قادر فيما لم
يزل
|
قدر ـ زول
|
قبح الكذب
|
قبح ـ كذب
|
قادر كونه قادرا
|
قدر ـ كون
|
قبح ما يعلم
قبحه باضطرار
|
قبح ـ ضرر
|
قادر لا بقدرة
|
قدر
|
قبر
|
قب
|
قادر لذاته
|
قدر ـ ذوت
|
قبلية
|
قبل
|
قادر للذات
|
قدر ـ ذوت
|
قبيح
|
قبح
|
قادر لنفسه
|
قدر ـ نفس
|
قبيح باضطرار
|
قبح ـ ضرر
|
قادر محدث
|
قدر ـ حدث
|
قبيح للنهي
|
قبح ـ نهي
|
قادر مختار
|
قدر
|
قبيح لنفسه
|
قبح ـ نفس
|
قادر مخلى
|
قدر ـ خلا
|
قبيح من وجه
|
قبح ـ وجه
|
قادر مطلق
|
قدر ـ طلق
|
قتل
|
قتل
|
قادران على
مقدور واحد
|
قدر ـ وحد
|
قدر
|
قدر
|
قادرون
|
قدر
|
قدر
|
قدر
|
قادرون بقدر
|
قدر
|
قدر
|
قدر
|
قادرون لأنفسهم
|
قدر ـ نفس
|
قدر بمعنى
|
قدر ـ عني
|
قاصد
|
قصد
|
قدر الجوارح
|
قدر ـ جرح
|
قبائح
|
قبح
|
قدر من الجوارح
|
قدر ـ جرح
|
قبائح شرعية
|
قبح ـ شرح
|
قدرة
|
قدر
|
قبائح عقلية
|
قبح ـ عقل
|
قدرة الأفعال
|
قدر ـ فعل
|
قبائح معروفة
شرعا
|
قبح ـ عرف ـ شرع
|
قدرة الله
|
قدر
|
قبائح يكلف
المرء ألا يفعلها
|
قبح ـ كلف ـ فعل
|
قدرة تتقدم
بوقتين
|
قدر ـ قدم ـ وقت
|
قبح
|
قبح
|
قدرة حادثة
|
قدر ـ حدث
|
|
|
قدرة ذاتيّة
|
قدر ـ ذوت
|
|
|
قدرة العبد
|
قدر ـ عبد
|
|
|
قدرة على أجناس
الأضداد
|
قدر ـ جنس ـ ضدد
|
قدرة على
الاختيار
|
قدر ـ خير
|
قرآن منزل
|
قرأ ـ نزل
|
قدرة على إعدام
الشيء
|
قدر ـ عدم ـ شيأ
|
قرب
|
قرب
|
قدرة على الضدّ
|
قدر ـ ضدد
|
قسط
|
قسط
|
قدرة على
الضدّين
|
قدر ـ ضدد
|
قصد
|
قصد
|
قدرة على الفعل
المختار
|
قدر ـ فعل ـ خير
|
قضاء
|
قضى
|
قدرة على ما لا
يتناهى
|
قدر ـ نهي
|
قضاء الله
|
قضى
|
قدرة على مقدور
غيره
|
قدر ـ غير
|
قضاء وقدر
|
قضي ـ قدر
|
قدرة على
المناولة
|
قدر ـ نول
|
قضى
|
قضي
|
قدرة الفعل
|
قدر ـ فعل
|
قطع
|
قطع
|
قدرة قدريّ
|
قدر
|
قلب
|
قلب
|
قدرة القديم
|
قدر ـ قدم
|
قلب التسوية
|
قلب ـ سوي
|
قدرة قديمة
|
قدر ـ قدم
|
قوة
|
قوي
|
قدرة لا يتغيّر
تعلقها باختلاف
|
قدر ـ غير ـ علق
ـ خلف
|
قوة الدواعي
|
قوي ـ دعا
|
قدرة متعلّقة
بالضدّين
|
قدر ـ علق ـ ضدد
|
قوة الدواعي إلى
الفعل
|
قوي ـ دعا ـ فعل
|
قدرة متقدّمة
|
قدر ـ قدم
|
قوة مفكرة
|
قوي ـ فكر
|
قدرة محدثة
|
قدر ـ حدث
|
قول
|
قول
|
قدرة معدومة
|
قدر ـ عدم
|
قول الله
|
قول
|
قدرة الممنوع
|
قدر ـ منع
|
قوّى
|
قوي
|
قدرة واحدة
|
قدر ـ وحد
|
قياس
|
قيس
|
قدرية
|
قدر
|
قياس جلي
|
قيس ـ جلي
|
قدريون
|
قدر
|
قياس شبه
|
قيس ـ شبه
|
قدم
|
قدم
|
قياس شرعي
|
قيس ـ شرع
|
قدوس
|
قدس
|
قياس الطرد
|
قيس ـ طرد
|
قدير
|
قدر
|
قياس العكس
|
قيس ـ عكس
|
قديم
|
قدم
|
قياس علّة
|
قيس ـ علل
|
قراءة
|
قرأ
|
قياس الغائب
بعلّة الحدوث
|
قيس ـ غيب ـ علل
ـ حدث
|
قرآن
|
قرأ
|
قياس الغائب على
الشاهد
|
قيس ـ غيب ـ شهد
|
قرآن مخلوق
|
قرأ ـ خلق
|
قياس الفقهاء
|
قيس ـ فقه
|
قياس في شرعيات
|
قيس ـ شرع
|
كسب بين مكتسبين
|
كسب
|
قياس في معرفة
الأصل
|
قيس ـ عرف ـ أصل
|
كشف
|
كشف
|
قياس مقسم
|
قيس ـ قسم
|
كف
|
كفف
|
قياس وتفريع
|
قيس ـ فرع
|
كفار
|
كفر
|
قيام بالشيء
|
قوم ـ شيأ
|
كفر
|
كفر
|
قيامة
|
قوم
|
كفران النعم
|
كفر ـ نعم
|
قيد
|
قيد
|
كل
|
كلل
|
قيوم
|
قوم
|
كلام
|
كلم
|
ك
|
|
كلام الله
|
كلم
|
كائن
|
كون
|
كلام الإنسان
|
كلم ـ أنس
|
كائن من جهة
|
كون ـ وجه
|
كلام الباري
|
كلم ـ بري
|
كائنية
|
كون
|
كلام الخالق
|
كلم ـ خلق
|
كاذب
|
كذب
|
كلام الخلق
|
كلم ـ خلق
|
كاره
|
كره
|
كلام في الشاهد
|
كلم ـ شهد
|
كافر
|
كفر
|
كلام قائم
بالنفس
|
كلم ـ قوم ـ نفس
|
كامن
|
كمن
|
كلام محدث
|
كلم ـ حدث
|
كبائر
|
كبر
|
كلام مخلوق
|
كلم ـ خلق
|
كبير
|
كبر
|
كلام المخلوقين
|
كلم ـ خلق
|
كبيرة
|
كبر
|
كلام مفيد
|
كلم ـ فيد
|
كتاب
|
كتب
|
كلام النفس
|
كلم ـ نفس
|
كتابة
|
كتب
|
كلّف
|
كلف
|
كذب
|
كذب
|
كلفة
|
كلف
|
كرامات الأولياء
|
كرم ـ ولي
|
كلّم
|
كلم
|
كرامة
|
كرم
|
كلمة
|
كلم
|
كراهة
|
كره
|
كلمة الله
|
كلم
|
كرسي
|
كرس
|
كلمة ربك
|
كلم ـ ربب
|
كسب
|
كسب
|
كلي
|
كلل
|
|
|
كليات
|
كلل
|
|
|
كم
|
كمم
|
كم متّصل
|
كمم ـ وصل
|
لذّة
|
لذذ
|
كم منفصل
|
كمم ـ فصل
|
لسان
|
لسن
|
كمال العقل
|
كمل ـ عقل
|
لطف
|
لطف
|
كمون
|
كمن
|
لطف في القبيح
|
لطف ـ قبح
|
كمون وظهور
|
كمن ـ ظهر
|
لطف واجب
|
لطف ـ وجب
|
كميات
|
كمم
|
لطيف
|
لطف
|
كمية
|
كمم
|
لطيفة
|
لطف
|
كن
|
كون
|
لفظ
|
لفظ
|
كهانة
|
كهن
|
لفظة
|
لفظ
|
كواسب
|
كسب
|
لقاء
|
لقي
|
كوامن
|
كمن
|
لقب
|
لقب
|
كوامن في الطبع
|
كمن ـ طبع
|
لم يزل هو
|
زول
|
كون
|
كون
|
لواحق الأحكام
|
لحق ـ حكم
|
كون الشيء في
غيره
|
كون ـ شيأ ـ غير
|
لوح محفوظ
|
لوح ـ حفظ
|
كون في حال
الحدوث
|
كون ـ حول ـ حدث
|
لون
|
لون
|
كون مع الفعل
|
كون ـ فعل
|
ليس
|
ليس
|
كيف
|
كيف
|
ليس بمكلف
|
ليس ـ كلف
|
كيف هو
|
كيف
|
ليس كمثله شيء
|
ليس ـ مثل ـ شيأ
|
كيفية
|
كيف
|
ليس من شرط
المكلف
|
ليس ـ شرط ـ كلف
|
ل
|
|
ليلة القدر
|
ليل ـ قدر
|
لا امتناع
|
منع
|
م
|
|
لا شيء
|
شيأ
|
مؤثر
|
أثر
|
لازم ذاتي
|
لزم ـ ذوت
|
مؤثر في استحقاق
المدح والثواب
|
أثر ـ حقق ـ مدح ـ ثوب
|
لازم عرضي
|
لزم ـ عرض
|
مؤثر في كوننا
قادرين
|
أثر ـ كون ـ قدر
|
لازمات
|
لزم
|
مؤخر
|
أخر
|
لذات
|
لذذ
|
|
|
مؤمن
|
أمن
|
ما يتولّد عن
النظر
|
ولد ـ نظر
|
مؤمن بالله
تعالى مؤمن عند الله
|
أمن ـ أمن
|
ما يجب تقدمه
على التكليف
|
وجب ـ قدم ـ كلف
|
مؤمن حقيقي
|
أمن ـ حقق
|
ما يجب عن السبب
|
وجب ـ سبب
|
مؤمن مجازا
|
أمن ـ جوز
|
ما يحتاج القادر
منا
|
حوج ـ قدر
|
ما به يصير
المكلف معرّضا للثواب
|
صير ـ كلف ـ عرض
ـ ثوب
|
ما يحسن من الله
خلقه ابتداء
|
حسن ـ خلق ـ بدأ
|
ما لا متعلق له
|
لق
|
ما يحسن منه
تعالى أن يخلقه أولا
|
حسن ـ خلق ـ أول
|
ما لا يتناهى
|
نهي
|
ما يحصل بالفاعل
|
حصل ـ فعل
|
ما لا يجب على
كل مكلف
|
وجب ـ كلف
|
ما يدخله التضاد
من مقدور العباد
|
دخل ـ ضدد ـ قدر
ـ عبد
|
ما لا يفعله
قادر منا إلا مباشر
|
فعل ـ قدر ـ بشر
|
ما يستحقّ
لعلّتين مختلفتين
|
حقق ـ علل ـ خلف
|
ما لا يفعله
قادر منا إلا متولّد
|
فعل ـ قدر ـ ولد
|
ما يعلم صدقه
استدلالا
|
علم ـ صدق ـ دلل
|
ما لعدمه أول
|
عدم ـ أول
|
ما يفعله الله
تعالى بسبب
|
فعل ـ سبب
|
ما له حسن
|
الحسن حسن
|
ما يقتضي
التكليف وجوبه
|
قضي ـ كلف ـ وجب
|
ما له متعلق
|
علق
|
ما يقتضي قبح
القبيح
|
قضي ـ قبح
|
ما له يجب
الواجب على المكلف
|
وجب ـ كلف
|
ما يقع عنده
القبيح
|
وقع ـ قبح
|
ما له يصير
الاعتقاد علما
|
صير ـ عقد ـ علم
|
ما يكون بالفاعل
|
كون ـ فعل
|
ما له يقبح
القبيح
|
قبح
|
ما يكون مقتضى
مائية
|
كون ـ قضي ميه
|
ما لوجوده أول
|
وجد ـ أول
|
مائية المكلف
|
ميه ـ كلف
|
ما ليس بعلم
|
ليس ـ علم
|
مالك
|
ملك
|
ما وجب وجوده
للعلّة و
|
جب ـ وجد ـ علل
|
مالك أفعال
العباد
|
ملك ـ فعل ـ عبد
|
ما يتراخى
المسبب فيه عن السبب
|
رخي ـ سبب
|
مالك لفعل غيره
|
ملك ـ فعل ـ غير
|
ما يتعلّق
التكليف به
|
علق ـ كلف
|
مأمور
|
أمر
|
ما يتعلّق بغيره
|
علق ـ غير
|
ماهيّات نوعية
|
ميه ـ نوع
|
ماهية
|
ميه
|
متعلّق التكليف
|
علق ـ كلف
|
ماهية الشيء
|
ميه ـ شيأ
|
متعلّق الرؤية
|
علق ـ رأى
|
مايية
|
ميه
|
متعلّقات القدر
|
علق ـ قدر
|
مباح
|
بوح
|
متغايران
|
غير
|
مباحات
|
بوح
|
متفضل
|
فضل
|
مباشر
|
بشر
|
متفضل بالتكليف
|
فضل ـ كلف
|
مباشرة
|
بشر
|
متفضل بالتكليف
ابتداء
|
فضل ـ كلف ـ بدأ
|
مباعدة
|
بعد
|
متقابلان
|
قبل
|
مباينة
|
بون
|
متقدم
|
قدم
|
مبتدئ
|
بدأ
|
متقي
|
تقي
|
مبتدئ بالفعل
|
بدأ ـ فعل
|
متكلم
|
كلم
|
مبتدأ
|
بدأ
|
متلو
|
تلو
|
مبتدأ من الفعل
|
بدأ ـ فعل
|
متماثل
|
مثل
|
مبتدع
|
بدع
|
متماثلان
|
مثل
|
مبخت
|
بخت
|
متمكن
|
مكن
|
مبدع
|
بدع
|
متناه
|
نهي
|
متأخّر
|
أخر
|
متناهي المقدور
|
نهي ـ قدر
|
متحرّك
|
حرك
|
متواتر
|
وتر
|
متحيّز
|
حيز
|
متوسط بين تواتر
وآحاد
|
وسط ـ وتر ـ وحد
|
متشابه
|
شبه
|
متولّد
|
ولد
|
متشابهات
|
شبه
|
متولّد على جهة
الابتداء
|
ولد ـ وجه ـ بدأ
|
متشابهان
|
شبه
|
متولّد يصاحب
السبب
|
ولد ـ صحب ـ سبب
|
متصرف باختياره
|
صرف ـ خير
|
متولّدات
|
ولد
|
متّصل
|
وصل
|
متى
|
متى
|
متصورات في
الأذهان
|
صور ـ ذهن
|
مثاب
|
ثوب
|
متضايفات
|
ضيف
|
مثبت
|
ثبت
|
متضادّ
|
ضدد
|
مثل
|
مثل
|
متعلّق
|
علق
|
مثلان
|
مثل
|
متعلّق بالقادر
|
علق ـ قدر
|
|
|
مجاز
|
جوز
|
محدثات
|
حدث
|
مجانسة
|
جنس
|
محرم
|
حرم
|
مجاورة
|
جور
|
محرمات
|
حرم
|
مجاورة توجب
التأليف
|
جور ـ وجب ـ ألف
|
محس
|
حسس
|
مجاوزة
|
جوز
|
محسن
|
حسن
|
مجبر
|
جبر
|
محسنات عقلية
|
حسن ـ عقل
|
مجبرة
|
جبر
|
محظور
|
حظر
|
مجتمع
|
جمع
|
محك
|
حكي
|
مجتمعان
|
جمع
|
محكم
|
حكم
|
مجمل
|
جمل
|
محكم من الأفعال
|
حكم ـ فعل
|
مجهول
|
جهل
|
محكمات
|
حكم
|
محاباة
|
حبا
|
محمول
|
حمل
|
محال
|
حيل
|
محيل
|
حيل
|
محاورة مقارنة
|
حور ـ قرن
|
مخاطب
|
خطب
|
محبة
|
حبب
|
مخاطب للمعدوم
|
خطب ـ عدم
|
محبل
|
حبل
|
مخاطبة
|
خطب
|
محتاج
|
حوج
|
مخالفة
|
خلف
|
محتسب
|
حسب
|
مخبر
|
خبر
|
محدث
|
حدث
|
مختار
|
خير
|
محدث
|
حدث
|
مختار لأفعاله
|
خير ـ فعل
|
محدث بإحداث
|
حدث
|
مخترع
|
خرع
|
محدث في الغائب
|
حدث ـ غيب
|
مخترع
|
خرع
|
محدث لا لعلة
|
حدث ـ علل
|
مخترعون
|
خرع
|
محدث لنفسه
|
حدث ـ نفس
|
مختص باستحقاق
العبادة
|
خصص ـ حقق ـ عبد
|
محدث مؤقت موجود
|
حدث ـ وقت ـ وجد
|
مختلف
|
خلف
|
محدث مخلوق
|
حدث ـ خلق
|
مختلفات
|
خلف
|
محدث مقدور
|
حدث ـ قدر
|
مختلفان
|
خلف
|
|
|
مخطئ
|
خطأ
|
مخلوق
|
خلق
|
مريد لنفسه
|
رود ـ نفس
|
مخلوق للسخرة
|
خلق ـ سخر
|
مزاح العلة
|
مزح ـ علل
|
مخلوقات
|
خلق
|
مسبّب
|
سبب
|
مخلوقون مختارون
|
خلق ـ خير
|
مسبّب واحد عن
سببين
|
سبب ـ وحد
|
مخيّر
|
خير
|
مسبّب يصاحب
السبب
|
سبب ـ صحب
|
مداخلة
|
دخل
|
مسبّبات
|
سبب
|
مدبر
|
دبر
|
مستحب
|
حبب
|
مدح
|
مدح
|
مستحق بالأفعال
|
حقق ـ فعل
|
مدح وثواب على
الفعل
|
مدح ـ ثوب ـ فعل
|
مستحق بالآلام
|
حقق ـ ألم
|
مدرك
|
درك
|
مستحق بالنظر
والمعارف
|
حقق ـ نظر ـ عرف
|
مدلول
|
دلل
|
مستحق به المدح
والثواب
|
حقق ـ مدح ـ ثوب
|
مذموم
|
ذمم
|
مستحق عليه
العوض
|
حقق ـ عوض
|
مذنب
|
ذنب
|
مستحق للعوض
|
حقق ـ عوض
|
مذهب
|
ذهب
|
مستحيل
|
حيل
|
مرئي
|
رأى
|
مستدل
|
دلل
|
مراد
|
رود
|
مستطيع
|
طوع
|
مراد الله
|
رود
|
مستفيض متوسط
بين تواتر وآحاد
|
فيض ـ وسط ـ وتر
ـ أحد
|
مرتد
|
رود
|
مستقر الأرواح
|
قرر ـ روح
|
مرتكبو الكبائر
|
ركب ـ كبر
|
مسرور
|
سرر
|
مرجح
|
رجح
|
مسلم
|
سلم
|
مرزوق
|
رزق
|
مسموع
|
سمع
|
مرغب فيه
|
رغب
|
مسمى
|
سما
|
مركّب
|
ركب
|
مسمى الامتناع
|
سما ـ منع
|
مريد
|
رود
|
مسمى الحدوث
|
سما ـ حدث
|
مريد بإرادة
حادثة
|
رود ـ حدث
|
مسميان
|
سما
|
مريد في الحقيقة
|
رود ـ حقق
|
مسنون
|
سنن
|
مريد لا لنفسه
ولا لعلة
|
رود ـ نفس ـ علل
|
مسيح
|
مسح
|
مريد لإرادة
|
رود
|
مشاركة
|
شرك
|
مريد للضدين
|
رود ـ ضدد
|
|
|
مشاهد
|
شهد
|
مطبوع مضطر
|
طبع ـ ضرر
|
مشاهدة
|
شهد
|
مطلق مخلى
|
طلق ـ خلا
|
مشبّه
|
شبه
|
مطلوب
|
طلب
|
مشبّهة
|
شبه
|
مطيع
|
طوع
|
مشتبهان
|
شبه
|
مع
|
مع
|
مشخص
|
شخص
|
معاد
|
عود
|
مشرك
|
شرك
|
معاداة
|
عدا
|
مشقة
|
شقق
|
معارضة العلّة
بالعلّة
|
عرض ـ علل
|
مشيئة
|
شيأ
|
معارف
|
عرف
|
مشيئة الإلجاء
والاضطرار
|
شيأ ـ لجأ ـ ضرر
|
معارف ضرورية
|
عرف ـ ضرر
|
مشيئة الله
|
شيأ
|
معاص
|
عصى
|
مشيئة التفويض
|
شيأ ـ فوض
|
معان
|
عني
|
مشيئة الإلجاء
|
شيأ ـ لجأ
|
معان قائمة
بأجسام
|
عني ـ قوم ـ جسم
|
مشيئة الخبر
|
شيأ ـ خبر
|
معان معدومة
|
عني ـ عدم
|
مصادرة على
المطلوب
|
صدر ـ طلب
|
معتاد
|
عود
|
مصاكة
|
صكك
|
معتقد
|
عقد
|
مصالح
|
صلح
|
معجز
|
عجز
|
مصالح ومفاسد
شرعية
|
صلح ـ فسد ـ شرع
|
معجزات
|
عجز
|
مصحف
|
صحف
|
معجزة
|
عجز
|
مصدق
|
صدق
|
معدوم
|
عدم
|
مصلحة
|
صلح
|
معدومات
|
عدم
|
مصيب
|
صوب
|
معرض
|
عرض
|
مضار
|
ضرر
|
معرض لغيره
|
عرض ـ غير
|
مضاف
|
ضيف
|
معرّض للثواب
|
عرض ـ ثوب
|
مضطر
|
ضرر
|
معرفة
|
عرف
|
مضطر مختار
|
ضرر ـ خير
|
معرفة الله
|
عرف
|
مطاع
|
طوع
|
معرفة بالأدلّة
|
عرف ـ دلل
|
مطبوع
|
طبع
|
معرفة بأعيان
الواجبات
|
عرف ـ عين ـ وجب
|
مطبوع محدث
|
طبع ـ حدث
|
|
|
معرفة بالصانع
|
عرف ـ صنع
|
معنى
|
عني
|
معرفة حال
الواجب
|
عرف ـ حول ـ وجب
|
معونة
|
عون
|
معروف
|
عرف
|
معيّة
|
معي
|
معروف بالشرع
وبالعقل
|
عرف ـ شرع ـ عقل
|
مغتم
|
غمم
|
معصوم
|
عصم
|
مفارقة
|
فرق
|
معصية
|
عصي
|
مفارقة الإدراك
للنظر
|
فرق ـ درك ـ نظر
|
معصية كبيرة
|
عصم ـ كبر
|
مفارقة ومباعدة
|
فرق ـ بعد
|
معطلة
|
عطل
|
مفاضلة
|
فضل
|
معقول
|
عقل
|
مفاعلة
|
فعل
|
معلول
|
علل
|
مفترق
|
فرق
|
معلول شخصي
|
علل ـ شخص
|
مفرد بالجنس
|
فرد ـ جنس
|
معلول العلة
|
علل
|
مفرد في ذاته
|
فرد ـ ذوت
|
معلولان عن علة
واحدة
|
علل
|
مفردات
|
فرد
|
معلولان
متماثلان
|
علل ـ مثل
|
مفسدة
|
فسد
|
معلوم
|
علم
|
مفسدة في الواجب
|
فسد ـ وجب
|
معلوم بالإلهام
|
علم ـ لهم
|
مفضول
|
فضل
|
معلوم بتجارب
ورياضات
|
علم ـ جرب ـ ريض
|
مفعول
|
فعل
|
معلوم بالشرع
|
علم ـ شرع
|
مفعول بالاختيار
|
فعل ـ خير
|
معلوم بالضرورة
|
علم ـ ضرر
|
مفعول بسبب
|
فعل ـ سبب
|
معلوم بالعادة
|
علم ـ عود
|
مفعولات
|
فعل
|
معلوم بالعقل
|
علم ـ عقل
|
مفكر قبل ورود
السمع
|
فكر ـ ورد ـ سمع
|
معلوم بالعقل
والسمع
|
علم ـ عقل ـ سمع
|
مفهوم الخطاب
|
فهم ـ خطب
|
معلوم بالقياس
والنظر
|
علم ـ قيس ـ نظر
|
مفوضون
|
فوض
|
معلوم بمجرد
السمع
|
علم ـ جرد ـ سمع
|
مقابلة بين
الأضداد
|
قبل ـ بين ـ ضدد
|
معلوم بالنظر
والاستدلال
|
علم ـ نظر ـ دلل
|
مقادير عرضية
|
قدر ـ عرض
|
معلوم في العدم
|
علم ـ عدم
|
مقتدر
|
قدر
|
معلوم معدوم
|
علم ـ عدم
|
مقتض
|
قضي
|
معلومات
|
علم
|
مقتول
|
قتل
|
|
|
مقدار
|
قدر
|
مقدّر
|
قدر
|
مكان
|
مكن
|
مقدر بين قادرين
|
قدر
|
مكتسب
|
كسب
|
مقدّرين
|
قدر
|
مكتسب
|
كسب
|
مقدم
|
قدم
|
مكتسبات
|
كسب
|
مقدور
|
قدر
|
مكتوب
|
كتب
|
مقدور الله
|
قدر
|
مكروه
|
كره
|
مقدور بقدرتين
|
قدر
|
مكلّف
|
كلف
|
مقدور العباد
مما لا يدخله تضاد
|
قدر ـ عبد ـ دخل
ـ ضدد
|
مكلّف بالإرادة
|
كلف ـ رود
|
مقدور الغير
|
قدر ـ غير
|
مكلّف بالتقديم
والفعل
|
كلف ـ قدم ـ فعل
|
مقدور القادر
|
قدر
|
مكلّف قبل ورود
السمع
|
كلف ـ ورد ـ سمع
|
مقدور القدرة
|
قدر
|
مكلّف متصوّر
|
كلف ـ صور
|
مقدور لقادرين
|
قدر
|
مكلم
|
كلم
|
مقدور محكم
|
قدر ـ حكم
|
ملائكة
|
ملك
|
مقدور من قادرين
|
قدر
|
ملة الإسلام
|
ملل ـ سلم
|
مقدور واحد
|
قدر ـ وحد
|
ملتذ
|
لذذ
|
مقدور واحد
بقدرتين
|
قدر ـ وحد
|
ملجأ
|
لجأ
|
مقدورات
|
قدر
|
ملجأ إلى ألا يف
|
عل القبيح
|
مقدورات القدر
|
قدر
|
ملجأ إلى
|
الفعل لجأ ـ فعل
|
مقدوراتنا
|
قدر
|
ملجأ بطريقة
المنافع ودفع المضار
|
لجأ ـ طرق ـ نفع
ـ دفع ـ ضرر
|
مقدوران
|
قدر
|
ملجأ بطريقة
المنع
|
لجأ ـ طرق ـ منع
|
مقروء
|
قرأ
|
ملحد
|
لحد
|
مقض
|
قضي
|
ملك
|
ملك
|
مقطوع وموصول
|
قطع ـ وصل
|
مماثلة
|
مثل
|
مقلد
|
قلد
|
مماسة
|
مسس
|
مقول
|
قول
|
ممتع الكون
لنفسه
|
منع ـ كون ـ نفس
|
مقول له
|
قول
|
ممتنع
|
منع
|
مقوم
|
قوم
|
ممتنع الكون لا
باعتبار ذاته
|
منع ـ كون ـ عبر
ـ ذوت
|
مقيد
|
قيد
|
|
|
ممدوح
|
مدح
|
منع في القادر
|
منع ـ قدر
|
ممكن
|
مكن
|
منع في نفس
المقدور
|
منع ـ نفس ـ قدر
|
ممكن لذاته
|
مكن ـ ذوت
|
منع من الفعل
|
منع ـ فعل
|
ممكن محال
|
مكن ـ حيل
|
منع من الكفر
|
منع ـ كفر
|
ممكنات
|
مكن
|
منعم
|
نعم
|
ممكنون
|
مكن
|
منفرد
|
فرد
|
ممنوع
|
منع
|
منفعة
|
نفع
|
ممنوع من الفعل
|
منع ـ فعل
|
منفي
|
نفي
|
من
|
من
|
منكر
|
نكر
|
منافاة الشيء
غيره
|
نفي ـ شيأ ـ غير
|
منهى
|
نهي
|
منافرة
|
نفر
|
منهي
|
عنه نهي
|
منافع
|
نفع
|
مهتد
|
هدي
|
منافق
|
نفق
|
موات
|
موت
|
مناقضة
|
نقض
|
موازنة
|
وزن
|
مناكير
|
نكر
|
موازين
|
وزن
|
منبه
|
نبه
|
مواضعة
|
وضع
|
منتظر
|
نظر
|
مواطأة
|
وطأ
|
منتظرون
|
نظر
|
موالاة
|
ولي
|
منتف
|
نفي
|
موت
|
موت
|
مندوب
|
ندب
|
موت أول
|
موت
|
مندوب إليه
|
ندب
|
موت ثان
|
موت
|
منزّل ومنزول
|
نزل
|
موجب
|
وجب
|
منزلة بين
المنزلتين
|
نزل
|
موجب بالذات
|
وجب ـ ذوت
|
منزلة الثواب
|
نزل ـ ثوب
|
موجب لقبح الفعل
|
وجب ـ قبح ـ فعل
|
منزول عليه وبه
|
نزل
|
موجب لكون الفعل
قبيحا
أو حسنا
|
وجب ـ كون ـ فعل
ـ قبح ـ حسن
|
منسوخ
|
نسخ
|
موجبات العقول
|
وجب ـ عقل
|
منشئ
|
نشأ
|
موجد الأمر
|
وجد ـ أمر
|
منع
|
منع
|
موجد لتصرف
العباد
|
وجد ـ صرف ـ عبد
|
منع عن الفعل
|
منع ـ فعل
|
|
|
موجود
|
وجد
|
نبي
|
نبا
|
موجود بنفسه
|
وجد ـ نفس
|
نبيء
|
نبا
|
موجود ثابت
|
وجد ـ ثبت
|
ندب
|
ندب
|
موجود العين
|
وجد ـ عين
|
ندم
|
ندم
|
موجود في الذهن
|
وجد ـ ذهن
|
نزول
|
نزل
|
موجود ليس بحي
|
وجد ـ حيا
|
نسب
|
نسب
|
موجود محدث
|
وجد ـ حدث
|
نسخ
|
نسخ
|
موجود مطلق
|
وجد ـ طلق
|
نسيء
|
نسأ
|
موجود من
الوجهين
|
وجد ـ وجه
|
نشأة
|
نشأ
|
موجودات
|
وجد
|
نصب الأدلة
|
نصب ـ دلل
|
موجودية
|
وجد
|
نصب الإمام
|
نصب ـ أمم
|
موحى
|
وحي
|
نصر
|
نصر
|
موصوف
|
وصف
|
نصرة
|
نصر
|
موصول
|
وصل
|
نطق
|
نطق
|
موضوع
|
وضع
|
نظر
|
نظر
|
مولّد
|
ولد
|
نظر أول
الواجبات
|
نظر ـ وجب
|
ميزان
|
وزن
|
نظر بالعين
|
نظر ـ عين
|
ن
|
|
نظر الرؤية
|
نظر ـ رأى
|
ناجية
|
نجا
|
نظر صحيح
|
نظر ـ صحح
|
نار
|
نور
|
نظر عالم
بالدليل
|
نظر ـ علم ـ دلل
|
ناسخ
|
نسخ
|
نظر فاسد
|
نظر ـ فسد
|
ناظر
|
نظر
|
نظر في أدلّة
الشيء الواحد
|
نظر ـ دلل ـ شيأ
ـ وحد
|
ناظرة
|
نظر
|
نظر في الأمارات
|
نظر ـ أمر
|
نافلة
|
نفل
|
نظر في أمور
الدنيا
|
نظر ـ أمر ـ دنا
|
ناه
|
نهي
|
نظر في باب
الدنيا
|
نظر ـ بوب ـ دنا
|
نبوءة
|
نبا
|
نظر في باب
الدين
|
نظر ـ بوب ـ دين
|
نبوات
|
نبا
|
نظر في الدلالة
|
نظر ـ دلل
|
نبوة
|
نبا
|
نظر في الدليل
|
نظر ـ دلل
|
نظر في معرفة
الله
|
نظر ـ عرف
|
نقل
|
نقل
|
نظر في النبوات
|
نظر ـ نبا
|
نقليات
|
نقل
|
نظر مخصوص
|
نظر ـ خصص
|
نهاية
|
نهي
|
نظر معين
|
نظر ـ عين
|
نهي
|
نهي
|
نظر مقرون
بالقلب
|
نظر ـ قرن ـ قلب
|
نهي عن المنكر
|
نهي ـ نكر
|
نظر موصل إلى
معارف
|
نظر ـ وصل ـ عرف
|
نهي عن المنكر
وأمر بالمعروف
|
نهي ـ نكر ـ أمر
ـ عرف
|
نظر هو سبب
المعرفة
|
نظر ـ سبب ـ عرف
|
نهي محرم
|
نهي ـ حرم
|
نظر واجب
|
نظر ـ وجب
|
نوافل
|
نفل
|
نظر واحد
|
نظر ـ وحد
|
نوافل شرعية
|
نفل ـ شرع
|
نظر ووقوع
المعرفة
|
نظر ـ وقع ـ عرف
|
نور
|
نور
|
نظريات
|
نظر
|
نوع
|
نوع
|
نظم قياس
|
نظم ـ قيس
|
نوعيّة
|
نوع
|
نعم
|
نعم
|
نوم
|
نوم
|
نعمة
|
نعم
|
نيّة
|
نوى
|
نعيم
|
نعم
|
ه
|
|
نفاذ في الأمور
|
نفذ ـ أمر
|
هجرة
|
هجر
|
نفاق
|
نفق
|
هداية
|
هدي
|
نفس
|
نفس
|
هدى
|
هدي
|
نفس وروح
|
نفس ـ روح
|
هدي
|
هدي
|
نفع
|
نفع
|
هلاك
|
هلك
|
نفل
|
نفل
|
هوية
|
هوي
|
نفور الطبع
|
نفر ـ طبع
|
هيئات
|
هيأ
|
نفي
|
نفي
|
هيئات الأجسام
|
هيأ ـ جسم
|
نفي الاضطرار
|
نفي ـ ضرر
|
هيئة
|
هيأ
|
نفي البقاء معنى
|
نفي ـ بقي ـ عني
|
هيأ
|
هيأ
|
نقصان
|
نقص
|
هيولى
|
هيولى
|
نقط
|
نقط
|
|
|
نقطة
|
نقط
|
|
|
و
|
|
وجه الحكمة في
ابتدائه الخلق
|
وجه ـ حكم ـ بدأ
ـ خلق
|
واجب
|
وجب
|
وجه الحكمة في
الأفعال
|
وجه ـ حكم ـ فعل
|
واجب بذاته
|
وجب ـ ذوت
|
وجه الحكمة في
التكليف
|
وجه ـ حكم ـ كلف
|
واجب عدل
|
وجب ـ عدل
|
وجه الحكمة في
خلق المكلّف
|
وجه ـ حكم ـ خلق
ـ كلف
|
واجب على
الأعيان
|
وجب ـ عين
|
وجه الحكمة فيما
خلقه ابتداء
|
وجه ـ حكم ـ خلق
ـ بدأ
|
واجب على
الكفاية
|
وجب ـ كفي
|
وجه دلالة
المعجزات على النبوات
|
وجه ـ عجز ـ نبا
|
واجب عليه تعالى
|
وجب
|
وجه القبح
|
وجه ـ قبح
|
واجب لذاته
|
وجب ـ ذوت
|
وجه له يجب
الفعل
|
وجه ـ وجب ـ فعل
|
واجب له تركان
قبيحان
|
وجب ـ ترك ـ قبح
|
وجه له يجب
النظر والمعرفة
|
وجه ـ وجب ـ نظر
ـ عرف
|
واجب مخير
|
وجب ـ خير
|
وجه له يحسن منه
إرادة الخلق
|
وجه ـ حسن ـ رود
ـ خلق
|
واجب مخير فيه
|
وجب ـ خير
|
وجه من الوجوه
|
وجه
|
واجب مضيق
|
وجب ـ ضيق
|
وجه الوجوب
|
وجه ـ وجب
|
واجب مضيق ومخير
|
وجب ـ ضيق ـ خير
|
وجه وجوب الصلاة
|
وجه ـ وجب ـ صلي
|
واجب معين
|
وجب ـ عين
|
وجه وجوب يختص
به الواجب
|
وجه ـ وجب ـ خصص
|
واجبات
|
وجب
|
وجه يحسن
الإيجاب لأجله
|
وجه ـ حسن ـ أجل
|
واجبات شرعية
|
وجب ـ شرع
|
وجه يحسن عليه
من العبد طلب رزق
|
وجه ـ حسن ـ عبد
ـ طلب ـ رزق
|
واجبات عقلية
|
وجب ـ عقل
|
وجه يصير للعلم
معه ما ليس لغير
|
وجه ـ صير ـ علم
ـ غير
|
واحد
|
وحد
|
وجوب
|
وجب
|
واحد مطلق
|
وحد ـ طلق
|
|
|
واحدية
|
وحد
|
|
|
واسطة
|
وسط
|
|
|
وجب
|
وجب
|
|
|
وجدانيات
|
وجد
|
|
|
وجه
|
وجه
|
|
|
وجه إيجاب
المعارف
|
وجه ـ وجب ـ عرف
|
|
|
وجه حسن ابتداء
الله لخلق الخلق
|
وجه ـ حسن ـ بدأ
ـ خلق
|
|
|
وجه حسن الفعل
|
وجه ـ حسن ـ فعل
|
|
|
وجوب الألطاف
|
وجب ـ لطف
|
وجود الموجود من
جهتين
|
وجد ـ وجه
|
وجوب الإمام
|
وجب ـ أمم
|
وجوه
|
وجه
|
وجوب الإمامة
|
وجب ـ أمم
|
وجوه الاعتبارات
|
وجه ـ عبر
|
وجوب بالذات
|
وجب ـ ذوت
|
وجوه التعلّق
|
وجه ـ علق
|
وجوب التوبة
|
وجب ـ توب
|
وجوه الحسن في
أفعالنا
|
وجه ـ حسن ـ فعل
|
وجوب ساقط
|
وجب ـ سقط
|
وجوه القبح
|
وجه ـ قبح
|
وجوب شرعي
|
وجب ـ شرع
|
وجوه لها يحسن
من القديم الفعل
|
وجه ـ حسن ـ قدم
ـ فعل
|
وجوب شكر المنعم
|
وجب ـ شكر ـ نعم
|
وجوه لها يقبح
القبيح
|
وجه ـ قبح
|
وجوب الشيء
|
وجب ـ شيأ
|
وجوه وقوع العلم
الضرورية
|
وجه ـ وقع ـ علم
ـ ضرر
|
وجوب الفعل
|
وجب ـ فعل
|
وحدانية
|
وحد
|
وجوب قيام
الإمام
|
وجب ـ قوم ـ أمم
|
وحدة
|
وحد
|
وجوب لاحق
|
وجب ـ لحق
|
وحي
|
وحي
|
وجوب اللطف
|
وجب ـ لطف
|
وحيد
|
وحد
|
وجوب مخير
|
وجب ـ خير
|
وزن الأعمال
|
وزن ـ عمل
|
وجوب مصلحة
|
وجب ـ صلح
|
وسع
|
وسع
|
وجوب النبوة
عقلا
|
وجب ـ نبا ـ عقل
|
وصف
|
وصف
|
وجوب النظر
|
وجب ـ نظر
|
وصف وصفة
|
وصف
|
وجوب النظر في
معرفة الله
|
وجب ـ نظر ـ عرف
|
وصية
|
وصي
|
وجوب النظر
والمعارف
|
وجب ـ نظر ـ عرف
|
وضع
|
وضع
|
وجوب الواجب
|
وجب
|
وعد ووعيد
|
وعد
|
وجود
|
وجد
|
وعيد
|
وعد
|
وجود بالسبب
|
وجد ـ سبب
|
وغد
|
وغد
|
وجود حسي
|
وجد ـ حسس
|
وقت
|
وقت
|
وجود خيالي
|
وجد ـ خيل
|
وقت صحة الإيمان
والمعرفة
|
وقت ـ صحح ـ أمن
ـ عرف
|
وجود ذاتي
|
وجد ـ ذوت
|
وقت القتل
|
وقت ـ قتل
|
وجود شبهي
|
وجد ـ شبه
|
وقت وجوب
الإيمان
|
وقت ـ وجب ـ أمن
|
وجود عقلي
|
وجد ـ عقل
|
|
|
وجود المقدور
|
وجد ـ قدر
|
|
|
وقت يستحق فيه
العقاب
|
أو الثواب وقت ـ حقق ـ عقب ـ ثوب
|
ي
|
|
وقوع
|
وقع
|
يد
|
يدد
|
وقوع الفعل
|
وقع ـ فعل
|
يدان
|
يدد
|
وقوع فعل من فاعلين
|
وقع ـ فعل
|
يقضي
|
قضي
|
وقوع الفعل من
القادر
|
وقع ـ فعل ـ قدر
|
يقين
|
يقن
|
وكيل
|
وكل
|
يوم الجمع
|
يوم ـ جمع
|
ولاية
|
ولي
|
يوم الدين
|
يوم ـ دين
|
وليّ
|
ولي
|
يوم الفصل
|
يوم ـ فصل
|
وهم
|
وهم
|
|
|
مسند مصطلحات علم الكلام
عربي ـ فرنسي ـ انكليزي

__________________








































مسند مصطلحات علم الكلام انكليزي ـ عربي








































مسند مصطلحات علم الكلام فرنسي ـ انكليزي ـ عربي









































فهرس موسوعة مصطلحات علم الكلام
أ
|
|
تقان
|
١٠
|
أئمة
|
١
|
إثبات
|
١٠
|
إباحة
|
١
|
أثر
|
١١
|
إباحة عقلية
|
١
|
أجاء
|
١١
|
إبانة
|
١
|
إجابة
|
١١
|
ابتداء
|
١
|
آجال
|
١٢
|
ابتداء بالتكليف
|
٢
|
آجال العباد
|
١٢
|
ابتداء التكليف
|
٢
|
إجبار
|
١٢
|
ابتداء الخلق
|
٢
|
اجتراح
|
١٣
|
ابتداء الخلق في
الجنة
|
٣
|
إجتماع
|
١٣
|
ابتداء عدل
|
٣
|
إجتماع الصحابة
على الكفر
|
١٤
|
ابتداء فضل
|
٣
|
إجتهاد
|
١٤
|
ابتداع
|
٣
|
أجزاء غير
متجزئة
|
١٥
|
ابتدع
|
٤
|
أجساد محدثة
|
١٥
|
ابتلاء
|
٤
|
أجسام
|
١٥
|
إبداء
|
٤
|
أجسام مركّبة
|
١٧
|
إبداع
|
٥
|
أجسام معدومة
|
١٨
|
إبداع وابتداع
|
٥
|
أجل
|
١٨
|
أبدال
|
٥
|
أجل أول
|
٢٢
|
إبطال كون
البقاء معنى
|
٦
|
أجل الشيء
|
٢٢
|
أبعاض
|
٦
|
أجل مسمّى
|
٢٣
|
أبعاض الجسم
|
٦
|
أجل معلوم
|
٢٣
|
ابن
|
٦
|
أجل الموت
|
٢٣
|
اتحاد
|
٦
|
إجماع
|
٢٣
|
اتحد
|
٩
|
إجماع الأمة
|
٢٥
|
اتصال
|
٩
|
أجناس
|
٢٥
|
اتفاق
|
١٠
|
أجناس عالية
|
٢٥
|
|
|
أجناس مقدورة
|
٢٦
|
أحاديث النفس
|
٢٦
|
أحكام معلّقة
على علل موجبة
|
٤٠
|
إحاطة
|
٢٦
|
أحكام الموجبات
|
٤٠
|
إحباط
|
٢٦
|
أحوال
|
٤١
|
إحباط وتكفير
|
٢٧
|
أحوال التائب
|
٤٤
|
أحبط
|
٢٧
|
أحوال الفاعلين
|
٤٤
|
احتياج
|
٢٧
|
أحوال القادر
|
٤٥
|
أحد
|
٢٩
|
أحوال المكلّفين
|
٤٥
|
أحداث
|
٢٩
|
أحوالنا
|
٤٥
|
إحداث
|
٢٩
|
أحياز
|
٤٥
|
إحداث بين
محدثين
|
٣١
|
أخبار
|
٤٥
|
إحداث ثان بعد
حدوث أول
|
٣١
|
إخبار
|
٤٦
|
إحداث على طريق
الاختيار
|
٣١
|
أخبار الآحاد
|
٤٧
|
أحدث
|
٣١
|
أخبار الرسل
|
٤٧
|
أحدية
|
٣٢
|
أخبار الكفّار
|
٤٧
|
إحسان
|
٣٢
|
أخبار متواترة
|
٤٨
|
إحصاء
|
٣٣
|
إخبار واستخبار
|
٤٨
|
أحكام
|
٣٣
|
أخبر
|
٤٨
|
إحكام
|
٣٥
|
اختراع
|
٤٩
|
أحكام الأفعال
|
٣٥
|
اخترام
|
٥٠
|
أحكام التأليف
|
٣٦
|
اخترع
|
٥١
|
أحكام الحقيقة
والمجاز
|
٣٦
|
اخترع الأعراض
|
٥١
|
أحكام الذات
|
٣٧
|
إختلاف
|
٥١
|
أحكام سمعية
|
٣٧
|
إختلاف بين
الذوات
|
٥٢
|
أحكام شرعية
|
٣٧
|
إختلاف الذوات
|
٥٢
|
أحكام الشريعة
|
٣٨
|
إختلاف في صفة
الشيء
|
٥٢
|
أحكام عقلية
|
٣٨
|
اختيار
|
٥٣
|
أحكام الفعل
|
٣٨
|
اختيار الإرادة
|
٥٧
|
أحكام القبح
والحسن
|
٣٩
|
اختيار الأفعال
|
٥٨
|
أحكام الكلام
|
٣٩
|
أخذ وترك
|
٥٨
|
أحكام مختصة
بالقادر
|
٣٩
|
آخ
|
٥٨
|
أحكام المعاني
المتعلقة بأغياره
|
٤٠
|
آخرة
|
٥٨
|
أخص
|
٥٩
|
إرادة القديم
|
٨٩
|
إخلال بالواجب
|
٥٩
|
إرادة قديمة
|
٨٩
|
أخيار
|
٥٩
|
إرادة لا مراد
لها
|
٨٩
|
آداب
|
٥٩
|
إرادة لأفعال
الغير
|
٨٩
|
إدامة التكليف
|
٥٩
|
إرادة لمريدين
|
٨٩
|
إدراك
|
٦٠
|
إرادة لواجب
الوجود
|
٩٠
|
إدراك المعلوم
|
٦٣
|
إرادة محدثة
|
٩٠
|
إدراكات
|
٦٣
|
إرادة المريد
|
٩٠
|
أدلة
|
٦٣
|
إرادة مشترطة
|
٩٠
|
أدلة بالأوصاف
|
٦٥
|
إرادة مشروطة
|
٩١
|
أدلة سمعية
|
٦٦
|
إرادة النظر
|
٩١
|
أدلة شرعية
|
٦٦
|
إرجاء
|
٩١
|
أدلة عقلية
|
٦٦
|
أرزاق
|
٩٢
|
أدلة لا تختلف
شاهدا وغائبا
|
٦٦
|
أرزاق هي لطف في
التكليف
|
٩٢
|
إذن الله
|
٦٦
|
إرشاد
|
٩٣
|
أراد
|
٦٧
|
أركان
|
٩٣
|
إرادات
|
٦٨
|
أرواح
|
٩٣
|
إرادة
|
٦٩
|
إزاحة العلة
|
٩٣
|
إرادة أزلية
|
٨١
|
أزل
|
٩٣
|
إرادة أفعال
مبتدأة
|
٨١
|
أزلي
|
٩٣
|
إرادة أفعاله
تعالى
|
٨٢
|
أسامي الله
|
٩٣
|
إرادة الله
|
٨٢
|
أسباب
|
٩٤
|
إرادة حادثة
|
٨٧
|
استبصار
|
٩٤
|
إرادة الحسن
|
٨٧
|
استتار
|
٩٤
|
إرادة السبب
|
٨٧
|
استحالة
|
٩٤
|
إرادة الضدين
|
٨٧
|
استحقاق
|
٩٤
|
إرادة الضدين
تتضاد
|
٨٨
|
استحقاق الثواب
|
٩٥
|
إرادة فعل العبد
|
٨٨
|
استحقاق الثواب
إلى إيجاب موجب
|
٩٦
|
إرادة فعل الغير
|
٨٨
|
استحقاق الثواب
بألا يفعله
|
٩٦
|
إرادة القبيح
|
٨٨
|
استحقاق الذمّ
|
٩٦
|
|
|
استحقاق الذم
على القبح
|
٩٧
|
|
|
استحقاق العقاب
|
٩٧
|
استحقاق العقاب
بترك النظر
|
٩٧
|
استقراء في
الشاهد
|
١١٣
|
استحقاق العقاب
بالقبيح
|
٩٧
|
استنباط
|
١١٤
|
استحقاق العقاب
على ما لم يوجد
|
٩٨
|
استواء
|
١١٤
|
استحقاق العقوبة
|
٩٨
|
استوى
|
١١٦
|
استحقاق العقوبة
بالفعل
|
٩٩
|
استيلاء
|
١١٦
|
استحقاق المدح
|
٩٩
|
إسلام
|
١١٦
|
استحقاق المدح
والثواب
|
٩٩
|
اسم
|
١١٩
|
استخبار
|
١٠٠
|
اسم البارئ
|
١٢٢
|
استدلال
|
١٠٠
|
اسم شرعي
|
١٢٣
|
استدلال
بالتمانع
|
١٠٣
|
اسم عرفي
|
١٢٣
|
استدلال
بالدلالة
|
١٠٣
|
أسماء
|
١٢٣
|
استدلال بدليل
الخطاب
|
١٠٤
|
أسماء الإثبات
|
١٢٥
|
استدلال بالشاهد
على الغائب
|
١٠٤
|
أسماء الله
|
١٢٥
|
استدلال
بالمتولّد
|
١٠٥
|
أسماء الله
المضافة
|
١٢٧
|
استدلال على
الأحكام
|
١٠٥
|
أسماء على
مسمّيات
|
١٢٧
|
استدلال في
الغائب والشاهد
|
١٠٥
|
أسماء مفيدة
|
١٢٧
|
استدلاليات
|
١٠٦
|
اشتباه
|
١٢٧
|
استصحاب الحال
|
١٠٦
|
اشتراك
|
١٢٧
|
استصلاح
|
١٠٦
|
اشتراك في
الأسماء
|
١٢٧
|
استطاعة
|
١٠٦
|
اشتراك في
الحدوث
|
١٢٨
|
استطاعة الأسباب
والأحوال
|
١١١
|
اشتراك في الصفة
|
١٢٨
|
استطاعة
بالإضافة
|
١١١
|
اشتراك في صفة
الذات
|
١٢٨
|
استطاعة حقيقية
|
١١١
|
اشتراك الوجود
|
١٢٨
|
استطاعة صحية
|
١١١
|
اشتقاقات
|
١٢٩
|
استعانة
|
١١٢
|
أشياء
|
١٢٩
|
استعمال
|
١١٢
|
أشياء محدثات
|
١٣٠
|
استفادة
|
١١٢
|
أشياء معروفات
|
١٣١
|
استفساد
|
١١٢
|
أشياء مقدور
عليها
|
١٣١
|
استقباح
|
١١٣
|
أشياء واجبة على
البدل
|
١٣١
|
استقراء
|
١١٣
|
أصحاب الاتفاق
|
١٣١
|
استقراء تام
|
١١٣
|
أصحاب الإلهام
|
١٣٢
|
أصحاب الإلهام
والاضطرار والطبع
|
١٣٢
|
اضطرار إلى
العلم بصفاته
|
١٤٣
|
أصحاب التجاهل
|
١٣٢
|
إضلال
|
١٤٤
|
أصحاب الحديث
|
١٣٢
|
إطلاق
|
١٤٤
|
أصحاب الرأي
|
١٣٢
|
إعادة
|
١٤٥
|
أصحاب الشمال
|
١٣٢
|
إعادة أفعال
العباد
|
١٤٨
|
أصحاب الكبائر
|
١٣٣
|
إعادة الحي
|
١٤٩
|
أصحاب اللطف
|
١٣٣
|
إعادة الخلق
|
١٤٩
|
أصحاب المعاني
|
١٣٣
|
اعتبار الغائب
بالشاهد
|
١٤٩
|
أصحاب الهيولى
|
١٣٣
|
اعتبارات
|
١٤٩
|
أصحاب اليمين
|
١٣٣
|
اعتبارات عقلية
|
١٥٠
|
اصطفاء
|
١٣٤
|
اعتذار
|
١٥٠
|
اصطلاح
|
١٣٤
|
اعتراض
|
١٥٠
|
أصل السنّة
|
١٣٤
|
اعتزال
|
١٥٠
|
أصل الكتاب
|
١٣٤
|
اعتقاد
|
١٥٠
|
أصل للتكليف
|
١٣٥
|
اعتقاد صحيح
|
١٥٣
|
أصل المعقول
|
١٣٥
|
اعتقاد فاسد
|
١٥٣
|
أصلح
|
١٣٥
|
اعتقاد لصحة
حدوث الشيء
|
١٥٣
|
أصول
|
١٣٧
|
اعتقاد للتوحيد
|
١٥٣
|
أصول الاجتهاد
|
١٣٧
|
اعتقاد المعتقد
|
١٥٣
|
أصول الأدلة
|
١٣٧
|
اعتقاد واقع عن
النظر
|
١٥٤
|
أصول الإيمان
|
١٣٧
|
اعتقاد يكون
علما
|
١٥٤
|
أصول الدين
|
١٣٨
|
اعتقادات
|
١٥٤
|
أصول النعم
|
١٣٨
|
اعتماد
|
١٥٤
|
أصولي
|
١٣٨
|
اعتمادات
|
١٥٨
|
إضافات
|
١٣٨
|
إعجاز
|
١٥٨
|
إضافة
|
١٣٨
|
إعجاز القرآن
|
١٥٩
|
إضافة التحقيق
|
١٤٠
|
إعدام
|
١٥٩
|
إضافة التكريم
|
١٤٠
|
إعدام الشيء
|
١٦٠
|
إضافة الفعل إلى
الفاعل
|
١٤٠
|
أعراض
|
١٦٠
|
أضداد
|
١٤١
|
إعراض
|
١٦٤
|
إضطرار
|
١٤١
|
أعراض نسبية
|
١٦٥
|
أعلام
|
١٦٥
|
أفعال المكلّف
|
١٨٦
|
إعلام
|
١٦٥
|
أفعال المكلّفين
|
١٨٧
|
إعلام الأنبياء
|
١٦٥
|
أفعال واجبة
|
١٨٧
|
أعلام الظهور
|
١٦٦
|
أفعال يتناولها
التكليف
|
١٨٧
|
أعلام الوجود
|
١٦٦
|
أفعل
|
١٨٧
|
أعم
|
١٦٦
|
افعل
|
١٨٧
|
أعمال
|
١٦٦
|
إقامة الحدود
|
١٨٨
|
أعمال العباد
|
١٦٦
|
أقانيم
|
١٨٨
|
أعواض
|
١٦٦
|
اقتدار
|
١٨٩
|
آفات
|
١٦٧
|
اقتضاء
|
١٨٩
|
أفاعيل الإنسان
|
١٦٧
|
اقتضاء الإيجاب
|
١٩٠
|
افتراق
|
١٦٧
|
اقتضاء الدلالة
|
١٩٠
|
أفضل
|
١٦٨
|
إقدار
|
١٩٠
|
أفعال
|
١٦٩
|
أقدار مذمومة
|
١٩٠
|
أفعال الله
|
١٧٢
|
أقدر
|
١٩١
|
أفعال إلهية
|
١٧٣
|
أقسام الأخبار
|
١٩١
|
أفعال الإنسان
|
١٧٣
|
أقنومية
|
١٩١
|
أفعال إنسانية
اختيارية
|
١٧٣
|
اكتساب
|
١٩١
|
أفعال ثبت
التكليف فيها
|
١٧٤
|
اكتسابي
|
١٩٢
|
أفعال الجوارح
|
١٧٤
|
اكتسب
|
١٩٣
|
أفعال حادثة
|
١٧٦
|
اكتسب الإيمان
|
١٩٣
|
أفعال الرسول
|
١٧٦
|
اكتسب الكفر
|
١٩٣
|
أفعال العباد
|
١٧٦
|
إكراه
|
١٩٣
|
أفعال على حدّ
واحد
|
١٨٢
|
أكساب
|
١٩٣
|
أفعال في الحسن
والقبح
|
١٨٢
|
أكساب العباد
|
١٩٣
|
أفعال القادر
|
١٨٣
|
إكفار
|
١٩٣
|
أفعال القلوب
|
١٨٣
|
أكمن
|
١٩٤
|
أفعال متولّدة
|
١٨٥
|
أكوان
|
١٩٤
|
أفعال محكمة
|
١٨٥
|
آلام
|
١٩٤
|
أفعال مشتقّة
|
١٨٥
|
إلجاء
|
١٩٦
|
أفعال مقدّرة
|
١٨٦
|
إلجاء آكد من
إيجاب
|
٢٠٢
|
إلزام
|
٢٠٣
|
أمر بالمعروف
|
٢٢٩
|
ألطاف
|
٢٠٣
|
أمر بالمعروف
ونهي عن المنكر
|
٢٣٠
|
ألقاب
|
٢٠٤
|
أمر التكوين
|
٢٣١
|
الله
|
٢٠٤
|
أمر وخطاب
|
٢٣١
|
ألم
|
٢٠٥
|
أمر ونهي
|
٢٣١
|
إله
|
٢٠٦
|
إمكان
|
٢٣٢
|
إلهام
|
٢٠٧
|
إمكان استعدادي
|
٢٣٣
|
إلهية
|
٢٠٧
|
إمكان استقبالي
|
٢٣٤
|
أم الكتاب
|
٢٠٧
|
إمكان خاص
|
٢٣٤
|
إماتة
|
٢٠٧
|
إمكان ذاتي
|
٢٣٤
|
أمارات
|
٢٠٨
|
إمكان عام
|
٢٣٤
|
أمارات
|
٢٠٨
|
إملاء
|
٢٣٤
|
أمارات ظنية
|
٢٠٨
|
آمنوا
|
٢٣٤
|
أمارة
|
٢٠٨
|
أمور مباحة
|
٢٣٤
|
إمارة
|
٢٠٩
|
أمور متضادة
|
٢٣٤
|
أمارة الشيء
|
٢٠٩
|
أمور مستحقة على
الأفعال
|
٢٣٤
|
أمارة العجز
|
٢٠٩
|
آن
|
٢٣٥
|
إمام
|
٢٠٩
|
أنبياء
|
٢٣٥
|
إمام ظاهر
|
٢١٢
|
انتصاف
|
٢٣٥
|
إمام معصوم
|
٢١٢
|
انتظار
|
٢٣٥
|
إمامة
|
٢١٣
|
انتظار تعلّق
|
٢٣٦
|
إمامة المفضول
|
٢١٨
|
انتقال
|
٢٣٦
|
إمامية
|
٢١٩
|
انحصار مقدورنا
|
٢٣٦
|
أمة الإسلام
|
٢١٩
|
إنزال
|
٢٣٦
|
امتثال
|
٢٢٠
|
إنزال القرآن
|
٢٣٦
|
امتناع
|
٢٢٠
|
إنسان
|
٢٣٧
|
امتناع في
التكليف
|
٢٢١
|
إنسان فاعل واحد
|
٢٤١
|
آمر
|
٢٢١
|
إنسان كلي
|
٢٤١
|
أمر
|
٢٢٢
|
إنسانية
|
٢٤١
|
أمر إضافي
|
٢٢٩
|
أنشأ
|
٢٤٢
|
أمر الله
|
٢٢٩
|
إنشاء
|
٢٤٢
|
إنشار
|
٢٤٣
|
إيجاب النظر
|
٢٥٢
|
انفعال
|
٢٤٣
|
إيجاب النوافل
|
٢٥٣
|
انقطاع التكليف
|
٢٤٣
|
إيجاد
|
٢٥٣
|
آنيّة
|
٢٤٤
|
إيقاع الفعل
|
٢٥٤
|
إنيّة
|
٢٤٤
|
إيلام أطفال
المشركين
|
٢٥٥
|
اهتداء
|
٢٤٤
|
إيمان
|
٢٥٥
|
أهل التواتر
|
٢٤٤
|
إيمان قديم
|
٢٦٩
|
أهل الجنة
|
٢٤٤
|
إيمان محدث
|
٢٦٩
|
أوامر
|
٢٤٥
|
أين
|
٢٦٩
|
أوامر الله
|
٢٤٥
|
ب
|
|
أوصاف
|
٢٤٥
|
بائن
|
٢٧٠
|
أوصاف نفسية
|
٢٤٥
|
بارئ
|
٢٧٠
|
أوقات
|
٢٤٥
|
باطل
|
٢٧٠
|
أول
|
٢٤٦
|
باطن
|
٢٧٠
|
أول الأفعال
|
٢٤٦
|
باطنة
|
٢٧٠
|
أول نعمة
|
٢٤٦
|
باق
|
٢٧٠
|
أول الواجبات
|
٢٤٧
|
بالغ
|
٢٧٢
|
أول وآخر
|
٢٤٨
|
بحث
|
٢٧٣
|
أولوية
|
٢٤٨
|
بخت
|
٢٧٣
|
إيثار
|
٢٤٨
|
بخل
|
٢٧٣
|
إيجاب
|
٢٤٩
|
بداء
|
٢٧٣
|
إيجاب الأشياء
على التخيير
|
٢٤٩
|
بدعة
|
٢٧٧
|
إيجاب حكم
الابتداء بالتفضّل
|
٢٥٠
|
بدل
|
٢٧٧
|
إيجاب الخلقة
|
٢٥٠
|
بدوّ
|
٢٧٩
|
إيجاب السبب
|
٢٥٠
|
بديع السموات
والأرض
|
٢٧٩
|
إيجاب الشيء
|
٢٥٠
|
بديهة العقل
|
٢٧٩
|
إيجاب العلة
الحكم لغيرها
|
٢٥١
|
بديهي
|
٢٧٩
|
إيجاب الفعل
|
٢٥١
|
بديهيات
|
٢٧٩
|
إيجاب الفعل على
غيره
|
٢٥٢
|
برا
|
٢٨٠
|
إيجاب قبيح
|
٢٥٢
|
برزخ
|
٢٨٠
|
إيجاب الموجب
|
٢٥٢
|
|
|
برهان
|
٢٨٠
|
تأثير
|
٢٨٨
|
برهان سمعي
|
٢٨٠
|
تأثير الإرادة
|
٢٨٩
|
برهان عقلي
تفصيلي
|
٢٨٠
|
تأثير العلم
|
٢٨٩
|
برهان عقلي كلي
|
٢٨٠
|
تأثير على تحقيق
أو تقدير
|
٢٨٩
|
بسائط في العقل
|
٢٨١
|
تأثير القادر
|
٢٨٩
|
بسيط
|
٢٨١
|
تأثير القدرة
|
٢٨٩
|
بصر
|
٢٨١
|
تأجيل
|
٢٩٠
|
بصير
|
٢٨١
|
تأخّر
|
٢٩٠
|
بعث
|
٢٨٢
|
تأخّرات
|
٢٩٠
|
بعث الرسل
|
٢٨٢
|
تأخير
|
٢٩٠
|
بعد
|
٢٨٢
|
تأديب
|
٢٩١
|
بغض
|
٢٨٢
|
تأسّ
|
٢٩١
|
بقاء
|
٢٨٢
|
تأليف
|
٢٩١
|
بقاء الشيء
|
٢٨٤
|
تأليف عن اعتماد
|
٢٩٥
|
بقاء القدر
|
٢٨٤
|
تأليف مخصوص
|
٢٩٥
|
بلا
|
٢٨٥
|
تأليفان بقدرة
واحدة
|
٢٩٥
|
بلاء
|
٢٨٥
|
تأنس
|
٢٩٥
|
بلادة
|
٢٨٥
|
تأويل
|
٢٩٥
|
بلاغ
|
٢٨٥
|
تباعد
|
٢٩٦
|
بلايا
|
٢٨٥
|
تباين
|
٢٩٦
|
بلوغ
|
٢٨٥
|
تبخيت
|
٢٩٦
|
بليد
|
٢٨٦
|
تبديل
|
٢٩٦
|
بما هو
|
٢٨٦
|
تبقية التكليف
|
٢٩٦
|
بنوة
|
٢٨٦
|
تبنّ
|
٢٩٧
|
ت
|
|
تثليث
|
٢٩٧
|
تائب
|
٢٨٧
|
تجانس المقدور
|
٢٩٧
|
تابعة للحدوث
|
٢٨٧
|
تجزّي
|
٢٩٨
|
تأبيد
|
٢٨٧
|
تجسيم
|
٢٩٨
|
تأتّي
|
٢٨٧
|
تجهيل
|
٢٩٨
|
تأثّر
|
٢٨٨
|
تجوير
|
٢٩٨
|
|
|
تجويز
|
٢٩٨
|
تحابط
|
٢٩٨
|
تروك
|
٣٠٨
|
تحت
|
٢٩٩
|
تزايد الصفة
|
٣٠٨
|
تحديد الشيء
|
٢٩٩
|
تزكية
|
٣٠٩
|
تحرّك إلى
المكان
|
٢٩٩
|
تساو
|
٣٠٩
|
تحرّك عن المكان
|
٢٩٩
|
تسبيح
|
٣١٠
|
تحسين
|
٢٩٩
|
تجسّد
|
٣١٠
|
تحصيل العبد
|
٣٠٠
|
تسديد
|
٣١٠
|
تحقّق
|
٣٠٠
|
تسمية
|
٣١٠
|
تحكيم
|
٣٠٠
|
تشابه
|
٣١١
|
تحيّز
|
٣٠١
|
تشبيه
|
٣١١
|
تحيّز في الجوهر
|
٣٠١
|
تشكيك
|
٣١٢
|
تخصيص
|
٣٠١
|
تصديق
|
٣١٢
|
تخلية
|
٣٠٢
|
تصديق بأدلة
خطابية
|
٣١٤
|
تخليد
|
٣٠٣
|
تصديق بمجرد
السماع
|
٣١٤
|
تخليق
|
٣٠٣
|
تصديقات
|
٣١٤
|
تخليق باليدين
|
٣٠٤
|
تصديقات بديهية
|
٣١٥
|
تخيّر
|
٣٠٤
|
تصديقات كسبية
|
٣١٥
|
تخيير
|
٣٠٤
|
تصرّف
|
٣١٥
|
تداخل
|
٣٠٤
|
تصرّف الساهي
والنائم
|
٣١٥
|
تدبّر
|
٣٠٤
|
تصرّف النائم
|
٣١٥
|
تدبير
|
٣٠٤
|
تصرّفات
|
٣١٥
|
تذكّر
|
٣٠٥
|
تصميد
|
٣١٦
|
تذكّر النظر
|
٣٠٥
|
تصوّر
|
٣١٦
|
ترادف
|
٣٠٥
|
تصوّر مكتسب
|
٣١٧
|
تردّد
|
٣٠٥
|
تصوّرات
|
٣١٨
|
تردّد الدواعي
|
٣٠٥
|
تصوّرات بديهية
|
٣١٨
|
ترغيب
|
٣٠٥
|
تصوّرات كسبية
|
٣١٨
|
ترك
|
٣٠٥
|
تضاد
|
٣١٨
|
ترك الفعل
|
٣٠٨
|
تضاد الأشياء
|
٣١٩
|
ترك للشيء
|
٣٠٨
|
تضاد الصفات
|
٣١٩
|
تركيب
|
٣٠٨
|
تضاد الضدين
|
٣٢٠
|
تضاد مع غيره
|
٣٢٠
|
تعلّق في الذوات
|
٣٢٨
|
تضاد الموجب
|
٣٢٠
|
تعلّق القادر
بمقدوره
|
٣٢٩
|
تضايف
|
٣٢٠
|
تعلّق القدرة
|
٣٢٩
|
تضمّن
|
٣٢٠
|
تعلّق القدرة
بالضدين
|
٣٣٠
|
تضمين
|
٣٢١
|
تعلّق القدرة
بالمتماثل
|
٣٣٠
|
تطوع
|
٣٢١
|
تعلّق القدرة
بمختلفات متضادات
|
٣٣٠
|
تعارف
|
٣٢١
|
تعلّق القدرة
بالمختلفات من الأجناس
|
٣٣٠
|
تعاقب
|
٣٢٢
|
تعلّق القدرة
بالمقدورات
|
٣٣١
|
تعبد
|
٣٢٢
|
تعلّق القدرتين
بالمقدور الواحد
|
٣٣١
|
تعديل
|
٣٢٢
|
تعلّق معدوم
|
٣٣٢
|
تعرف
|
٣٢٢
|
تعلّقات
|
٣٣٢
|
تعريض
|
٣٢٣
|
تعليل
|
٣٣٢
|
تعريض بالتكليف
للثواب
|
٣٢٣
|
تعيّن
|
٣٣٣
|
تعريض للثواب
|
٣٢٤
|
تعيين
|
٣٣٣
|
تعريف
|
٣٢٤
|
تعيين الإمام
|
٣٣٣
|
تعريف حدّي
|
٣٢٤
|
تغاير
|
٣٣٤
|
تعظيم
|
٣٢٤
|
تغاير
الاعتبارين
|
٣٣٤
|
تعلّق
|
٣٢٤
|
تغاير الأفعال
|
٣٣٤
|
تعلّق احتياج في
التضمين
|
٣٢٦
|
تغاير القادرين
|
٣٣٥
|
تعلّق احتياج في
الوجود
|
٣٢٦
|
تغاير القدرتين
|
٣٣٥
|
تعلّق الإرادة
|
٣٢٦
|
تغيّر
|
٣٣٥
|
تعلّق الإيجاب
|
٣٢٦
|
تغيّر وتغاير
|
٣٣٥
|
تعلّق إيجاب علة
للمعلول
|
٣٢٦
|
تفاضل في
الإضافة
|
٣٣٦
|
تعلّق بالقادر
|
٣٢٧
|
تفاضل في الزمان
|
٣٣٦
|
تعلّق بقادرين
|
٣٢٧
|
تفاضل في الكم
|
٣٣٦
|
تعلّق بين
الدليل والمدلول
|
٣٢٧
|
تفاضل في الكمية
|
٣٣٦
|
تعلّق الدليل
بالمدلول
|
٣٢٧
|
تفاضل في
الكيفية
|
٣٣٦
|
تعلّق الصفة
|
٣٢٨
|
تفاضل في
المائية
|
٣٣٦
|
تعلّق الفعل
بالفاعل
|
٣٢٨
|
تفاضل في المكان
|
٣٣٦
|
تعلّق الفعل
بفاعله
|
٣٢٨
|
تفاوت
|
٣٣٧
|
تعلّق الفعل
بالقادر
|
٣٢٨
|
تفاوت أحوال
المكلّفين
|
٣٣٧
|
تفريق
|
٣٣٧
|
تكليف أول
|
٣٦٦
|
تفريق بين
المجتمعات
|
٣٣٧
|
تكليف بالأمر
|
٣٦٧
|
تفسير
|
٣٣٨
|
تكليف بالخبر
|
٣٦٧
|
تفصيل
|
٣٣٨
|
تكليف بعد تكليف
|
٣٦٧
|
تفضّل
|
٣٣٨
|
تكليف بالنهي
|
٣٦٧
|
تفضّل مبتدأ
|
٣٤١
|
تكليف زائد
|
٣٦٧
|
تفضيل
|
٣٤٢
|
تكليف سمعي
|
٣٦٨
|
تفكّر
|
٣٤٢
|
تكليف السنة
الثانية
|
٣٦٨
|
تقابل ضدين
|
٣٤٢
|
تكليف شرعي
|
٣٦٩
|
تقابل العدم
والملكة
|
٣٤٢
|
تكليف الطاعة
|
٣٦٩
|
تقابل متضايفين
|
٣٤٣
|
تكليف عقلي
|
٣٧٠
|
تقبيح
|
٣٤٣
|
تكليف فعلي
|
٣٧٠
|
تقدّم
|
٣٤٣
|
تكليف في الحكمة
|
٣٧٠
|
تقدّم الإرادة
للمراد
|
٣٤٤
|
تكليف قبيح
|
٣٧١
|
تقدّم العلة على
المعلول
|
٣٤٤
|
تكليف الكافر
|
٣٧١
|
تقدّم القدرة
|
٣٤٤
|
تكليف اللطف
|
٣٧١
|
تقدّم وتأخّر
|
٣٤٤
|
تكليف لمنفعة
|
٣٧١
|
تقدير
|
٣٤٤
|
تكليف ما لا
يطاق
|
٣٧٢
|
تقديم
|
٣٤٧
|
تكليف ما يطاق
|
٣٧٤
|
تقديم التكليف
|
٣٤٧
|
تكليف مبتدأ
|
٣٧٤
|
تقرّب
|
٣٤٨
|
تكليف المحال
|
٣٧٤
|
تقضّي القدرة
وقت مقدورها
|
٣٤٨
|
تكليف المعارف
|
٣٧٤
|
تقليد
|
٣٤٩
|
تكليف المعرفة
|
٣٧٥
|
تقويم
|
٣٤٩
|
تكليف الممنوع
|
٣٧٥
|
تقية
|
٣٤٩
|
تكليف النظر
والمعارف
|
٣٧٥
|
تكافؤ الأدلة
|
٣٥١
|
تكليف النوافل
|
٣٧٦
|
تكاليف
|
٣٥١
|
تكليف واجب
|
٣٧٦
|
تكاليف شرعية
|
٣٥١
|
تكليف يتقدم وقت
الفعل
|
٣٧٦
|
تكفير
|
٣٥١
|
تكليم
|
٣٧٧
|
تكلّم
|
٣٥١
|
تكليم بالوحي
|
٣٧٧
|
تكليف
|
٣٥١
|
تكليم في اليقظة
|
٣٧٨
|
تكوين
|
٣٧٨
|
تولية
|
٤٠٩
|
تلازم
|
٣٧٩
|
توليد
|
٤٠٩
|
تلاوة
|
٣٧٩
|
توليد السبب
|
٤٠٩
|
تماثل
|
٣٧٩
|
توليد العلم
|
٤١٠
|
تمانع
|
٣٨٠
|
توهّم
|
٤١٠
|
تمانع بين
القادرين
|
٣٨٢
|
تيسّر
|
٤١٠
|
تمثيل
|
٣٨٣
|
ث
|
|
تمكّن
|
٣٨٣
|
ثبوت الشيء
|
٤١١
|
تمكّن من العلم
|
٣٨٤
|
ثقل
|
٤١١
|
تمكّن من
المعرفة
|
٣٨٤
|
ثقيل
|
٤١١
|
تمكين
|
٣٨٤
|
ثمن
|
٤١١
|
تمكين من القبيح
|
٣٩٠
|
ثنوية
|
٤١١
|
تمنّ
|
٣٩٠
|
ثنيا
|
٤١١
|
تميّز ذهني
|
٣٩١
|
ثواب
|
٤١٢
|
تناسخ
|
٣٩١
|
ثواب التوبة
|
٤١٤
|
تناف
|
٣٩١
|
ثواب على فعل
وعدمه
|
٤١٥
|
تناقض
|
٣٩١
|
ج
|
|
تنزيل
|
٣٩١
|
جائز
|
٤١٦
|
تنزيه
|
٣٩٢
|
جارحة
|
٤١٦
|
تنفير
|
٣٩٢
|
جاري مجرى الضد
|
٤١٦
|
توابع الحدوث
|
٣٩٢
|
جاعل
|
٤١٦
|
تواتر
|
٣٩٢
|
جاهل
|
٤١٦
|
تواتر موجب لعلم
ضروري
|
٣٩٣
|
جبر
|
٤١٧
|
توبة
|
٣٩٣
|
جبري
|
٤١٧
|
توحيد
|
٣٩٨
|
جبري الآخرة
|
٤١٧
|
توسّع
|
٤٠٢
|
جبرية
|
٤١٧
|
توفير الثواب
|
٤٠٢
|
جبلة
|
٤١٨
|
توفيق
|
٤٠٣
|
جزء
|
٤١٨
|
توكل
|
٤٠٤
|
|
|
توكيد
|
٤٠٥
|
|
|
تولّد
|
٤٠٦
|
|
|
جزء لا يتجزّأ
|
٤١٨
|
جور
|
٤٣٣
|
جزءان لا
يتجزّءان
|
٤١٩
|
جوهر
|
٤٣٣
|
جسم
|
٤١٩
|
جوهر فرد
|
٤٣٧
|
جسم كثيف
|
٤٢٣
|
جوهر لا يبقى
لمعنى
|
٤٣٧
|
جعل
|
٤٢٣
|
جوهريات
|
٤٣٧
|
جمع
|
٤٢٤
|
جوهرية
|
٤٣٧
|
جمع المتفرقات
|
٤٢٤
|
ح
|
|
جمع المثلين
|
٤٢٥
|
حاجة
|
٤٣٩
|
جملة
|
٤٢٥
|
حاجة إلى القدرة
|
٤٣٩
|
جملة الحي
|
٤٢٦
|
حاجة راجعة إلى
الفاعل
|
٤٣٩
|
جملة حية
|
٤٢٦
|
حادث
|
٤٤٠
|
جنّ
|
٤٢٦
|
حادث لعلة
|
٤٤٢
|
جنة
|
٤٢٧
|
حادثة لا بإحداث
|
٤٤٢
|
جنس
|
٤٢٧
|
حاسة
|
٤٤٢
|
جنس الكلام
|
٤٢٨
|
حاقة
|
٤٤٢
|
جنس واحد
|
٤٢٨
|
حاكم
|
٤٤٢
|
جنسية
|
٤٢٨
|
حال
|
٤٤٣
|
جهات
|
٤٢٩
|
حال التكليف
|
٤٤٧
|
جهات يقع عليها
الفعل
|
٤٢٩
|
حال زائدة
|
٤٤٧
|
جهاد
|
٤٢٩
|
حال صحة الفعل
|
٤٤٨
|
جهة
|
٤٢٩
|
حال غير معلّلة
|
٤٤٨
|
جهة الفعلية
|
٤٢٩
|
حال الفاعل
|
٤٤٨
|
جهة القبح
والحسن
|
٤٣٠
|
حال الفعل
|
٤٤٩
|
جهل
|
٤٣٠
|
حال القادر مع
المقدور
|
٤٥٠
|
جهل بسيط
|
٤٣٠
|
حال الكافر
|
٤٥٠
|
جهل مركّب
|
٤٣١
|
حال معلّلة
|
٤٥٠
|
جهمية
|
٤٣١
|
حال النائم
|
٤٥٠
|
جوّاد
|
٤٣١
|
حال يفعل
|
٤٥١
|
جواز
|
٤٣١
|
حالة خاصة
|
٤٥١
|
جواهر
|
٤٣١
|
حالية
|
٤٥١
|
جود
|
٤٣٣
|
|
|
حامل
|
٤٥١
|
حركات أهل
الخلدين
|
٤٦٤
|
حجة
|
٤٥٢
|
حركات نقلية
مكانية
|
٤٦٤
|
حجج
|
٤٥٢
|
حركة
|
٤٦٥
|
حجر
|
٤٥٣
|
حركة الاختيار
|
٤٦٨
|
حدّ
|
٤٥٣
|
حركة اختيارية
|
٤٦٩
|
حدّ تام
|
٤٥٥
|
حركة إرادية
|
٤٦٩
|
حدّ حقيقي
|
٤٥٥
|
حركة الاضطرار
|
٤٦٩
|
حدّ الخبر
|
٤٥٥
|
حركة اعتماد
|
٤٦٩
|
حدّ رسمي
|
٤٥٦
|
حركة الاكتساب
|
٤٧٠
|
حدّ الشيء
|
٤٥٦
|
حركة ضرورية
|
٤٧٠
|
حدّ لفظي
|
٤٥٦
|
حركة طبيعية
|
٤٧٠
|
حدّ المخلوق
|
٤٥٦
|
حركة المفلوج
|
٤٧٠
|
حدّ مشترك
|
٤٥٦
|
حروف
|
٤٧١
|
حدّ ناقص
|
٤٥٦
|
حس
|
٤٧١
|
حدث
|
٤٥٦
|
حساب
|
٤٧١
|
حدث الأعيان
|
٤٥٧
|
حسن
|
٤٧٢
|
حدث الآية
|
٤٥٧
|
حسن
|
٤٨١
|
حدث الفاعل
|
٤٥٧
|
حسن إرادة
|
٤٨٣
|
حدوث
|
٤٥٨
|
حسن الأمر
|
٤٨٤
|
حدوث الأجسام
|
٤٦١
|
حسن الإيجاب
|
٤٨٤
|
حدوث الأعراض
|
٤٦١
|
حسن البعثة
|
٤٨٤
|
حدوث الأكوان
|
٤٦٢
|
حسن بالعقل
|
٤٨٤
|
حدوث ذاتي
|
٤٦٢
|
حسن تقدم الأمر
حال الفعل
|
٤٨٤
|
حدوث على وجهين
|
٤٦٢
|
حسن التكليف
|
٤٨٥
|
حدوث الفعل
|
٤٦٢
|
حسن تكليف
المؤمن الذي يكفر
|
٤٨٦
|
حدوث القرآن
|
٤٦٢
|
حسن تكليف من
يعلم أنه يكفر
|
٤٨٦
|
حدوث الكلام
|
٤٦٣
|
حسن الحسن
|
٤٨٧
|
حدود
|
٤٦٣
|
حسن الدعاء
|
٤٨٧
|
حرام
|
٤٦٣
|
حسن السبب
|
٤٨٧
|
حرف
|
٤٦٤
|
حسن عقلي
|
٤٨٧
|
حركات
|
٤٦٤
|
حسن الفعل
|
٤٨٧
|
حسن في العقل
|
٤٨٨
|
حكم الضدين
|
٤٩٧
|
حسن للأمر به
|
٤٨٨
|
حكم الظن
|
٤٩٧
|
حسن لله
|
٤٨٨
|
حكم عقلي
|
٤٩٧
|
حسن لمعنى في
غيره
|
٤٨٨
|
حكم العلة
|
٤٩٧
|
حسن لمعنى في
نفسه
|
٤٨٨
|
حكم الفاعل
|
٤٩٨
|
حسن لنفسه
|
٤٨٨
|
حكم في الآخرة
|
٤٩٨
|
حسن من وجه
|
٤٨٩
|
حكم القبيح
|
٤٩٨
|
حسن ووجوب
البعثة
|
٤٨٩
|
حكم الكراهة
|
٤٩٩
|
حسيات
|
٤٨٩
|
حكم لعلة
|
٤٩٩
|
حشر
|
٤٨٩
|
حكم لوقوع على
وجه
|
٤٩٩
|
حشر الأجساد
|
٤٨٩
|
حكم مريد وكاره
|
٤٩٩
|
حشوية
|
٤٩٠
|
حكم موجود
|
٥٠٠
|
حطّة
|
٤٩٠
|
حكم النسخ
|
٥٠٠
|
حظ
|
٤٩٠
|
حكمة
|
٥٠٠
|
حظر
|
٤٩٠
|
حكمة في التكليف
|
٥٠٠
|
حفظ
|
٤٩٠
|
حكمة في خلق
العالم
|
٥٠١
|
حق
|
٤٩١
|
حكيم
|
٥٠١
|
حق مبين
|
٤٩١
|
حلال
|
٥٠٢
|
حق مطلق
|
٤٩٢
|
حلم
|
٥٠٣
|
حقيقة
|
٤٩٢
|
حلول
|
٥٠٣
|
حقيقة الشيء
|
٤٩٣
|
حمد
|
٥٠٤
|
حكاية
|
٤٩٣
|
حمل
|
٥٠٤
|
حكم
|
٤٩٥
|
حمل الغائب على
الشاهد
|
٥٠٤
|
حكم الاعتقاد
|
٤٩٥
|
حوادث
|
٥٠٤
|
حكم إلا لله
|
٤٩٥
|
حواس
|
٥٠٥
|
حكم الأمر
والنهي
|
٤٩٥
|
حوض
|
٥٠٥
|
حكم التعلّق
|
٤٩٦
|
حي
|
٥٠٥
|
حكم الحسن
|
٤٩٦
|
حي قادر
|
٥١٠
|
حكم حسي
|
٤٩٦
|
حياة
|
٥١٠
|
حكم السبب
والمسبب
|
٤٩٦
|
حياة أولى
|
٥١٢
|
حكم الصفة
|
٤٩٧
|
حياة ثانية
|
٥١٢
|
حيران
|
٥١٣
|
خبر متواتر
|
٥٣٦
|
حيّز
|
٥١٣
|
خبر متولّد عن
سبب
|
٥٣٨
|
حيلولة
|
٥١٣
|
خبر مستفيض
|
٥٣٨
|
حين
|
٥١٣
|
خبر موجب للعلم
|
٥٣٨
|
حيية
|
٥١٣
|
خبر النزول
|
٥٣٩
|
خ
|
|
خبر الواحد
|
٥٣٩
|
خاتم
|
٥١٤
|
خبر واحد
|
٥٤٠
|
خارجي
|
٥١٤
|
خبر الواحد
العدل
|
٥٤٠
|
خاشع
|
٥١٤
|
خبر واقع عن
الجماعة
|
٥٤٠
|
خاص
|
٥١٤
|
خبر يقع العلم
عنده
|
٥٤١
|
خاص الخاص
|
٥١٥
|
ختم
|
٥٤١
|
خاطر
|
٥١٥
|
ختم وطبع
|
٥٤٣
|
خاطر أول
|
٥٢٠
|
خذلان
|
٥٤٤
|
خاطر ثان
|
٥٢١
|
خشوع
|
٥٤٥
|
خالفية
|
٥٢١
|
خشية
|
٥٤٥
|
خالق
|
٥٢١
|
خصوص
|
٥٤٥
|
خالق الشيء
|
٥٢٧
|
خط
|
٥٤٥
|
خبر
|
٥٢٧
|
خطأ
|
٥٤٥
|
خبر الآحاد
|
٥٣٥
|
خطاب
|
٥٤٦
|
خبر أخص
|
٥٣٥
|
خطاب الله
|
٥٤٧
|
خبر أربعة
|
٥٣٥
|
خطوط مطلقة
|
٥٤٧
|
خبر التواتر
|
٥٣٥
|
خفيف
|
٥٤٧
|
خبر خاص
|
٥٣٦
|
خلاء
|
٥٤٨
|
خبر صدق
|
٥٣٦
|
خلاف
|
٥٤٨
|
خبر عاثر
|
٥٣٦
|
خلافة
|
٥٤٨
|
خبر عام
|
٥٣٦
|
خلاق
|
٥٤٩
|
خبر عن محال
ممتنع
|
٥٣٦
|
خلف
|
٥٤٩
|
خبر عن ممكن
|
٥٣٦
|
خلق
|
٥٤٩
|
خبر عن واجب
|
٥٣٦
|
خلق
|
٥٥٩
|
خبر الكاذب
|
٥٣٦
|
خلق آدم بيده
|
٥٦٢
|
|
|
خلق آدم
علی صورته
|
٥٦٢
|
خلق الأفعال
|
٥٦٢
|
دار خامسة
|
٥٧١
|
خلق الإيمان
|
٥٦٢
|
دار شرك
|
٥٧١
|
خلق بقدر
|
٥٦٣
|
دار الفسق
|
٥٧١
|
خلق بين خالقين
|
٥٦٣
|
دار كفر
|
٥٧١
|
خلق جديد
|
٥٦٣
|
دار المحنة
|
٥٧١
|
خلق الحي
|
٥٦٣
|
دار وقف
|
٥٧١
|
خلق الحيّ
لينفعه
|
٥٦٣
|
داران
|
٥٧٢
|
خلق الخلق لا
لعلة موجبة
|
٥٦٤
|
داع
|
٥٧٢
|
خلق الخلق لعلة
|
٥٦٤
|
داع إلى
الاختيار
|
٥٧٤
|
خلق الخلق
لينفعه
|
٥٦٥
|
دال
|
٥٧٤
|
خلق الشيء
|
٥٦٦
|
دراية
|
٥٧٤
|
خلق العالم
|
٥٦٦
|
درجات
|
٥٧٤
|
خلق العالم
مقصود
|
٥٦٦
|
دركات
|
٥٧٤
|
خلق لا لعلة
|
٥٦٦
|
دعاء
|
٥٧٤
|
خلق لعلّة
|
٥٦٦
|
دعاء الداعي
|
٥٧٥
|
خلود
|
٥٦٦
|
دعوى
|
٥٧٦
|
خليفة
|
٥٦٦
|
دفع تكليف النظر
والمعرفة
|
٥٧٦
|
خوارج
|
٥٦٧
|
دلائل العقول
|
٥٧٦
|
خواطر
|
٥٦٧
|
دلائل لفظية
|
٥٧٦
|
خوف
|
٥٦٨
|
دلالة
|
٥٧٦
|
خير
|
٥٦٨
|
دلالة الاستدلال
بالخلق
|
٥٧٩
|
خيرة
|
٥٦٩
|
دلالة الشاهد
على الغائب
|
٥٧٩
|
د
|
|
دلالة العدل
|
٥٨٠
|
دائم
|
٥٧٠
|
دلالة عقلية
|
٥٨٠
|
دار
|
٥٧٠
|
دلالة على أنّا
قادرون
|
٥٨٠
|
دار الإسلام
|
٥٧٠
|
دلالة على الشيء
|
٥٨٠
|
دار إيمان
|
٥٧٠
|
دلالة على العلم
|
٥٨٠
|
دار بغي
|
٥٧٠
|
دلالة على قبح
الشيء
|
٥٨١
|
دار توحيد
|
٥٧٠
|
دلالة على
النبوات
|
٥٨١
|
دار الجزاء
|
٥٧٠
|
دلالة الفعل
|
٥٨١
|
|
|
دلالة الفعل
المحكم
|
٥٨٢
|
دلالة في الشاهد
|
٥٨٢
|
ذ
|
|
دلالة معتمدة
|
٥٨٣
|
ذات
|
٥٩٧
|
دلالة المعجز
|
٥٨٣
|
ذات المسبب
|
٥٩٧
|
دلالة الموانع
|
٥٨٣
|
ذكاء
|
٥٩٧
|
دلالتان على حال
|
٥٨٣
|
ذكر
|
٥٩٨
|
دليل
|
٥٨٣
|
ذكر محدث
|
٥٩٨
|
دليل الإثبات
|
٥٨٧
|
ذكرهم
|
٥٩٨
|
دليل التكليف
|
٥٨٧
|
ذم
|
٥٩٨
|
دليل التمانع
|
٥٨٧
|
ذنب
|
٦٠٠
|
دليل الخطاب
|
٥٨٨
|
ذو الطباع
|
٦٠٠
|
دليل سمعي
|
٥٨٨
|
ذو طبع
|
٦٠٠
|
دليل الشاهد على
الغائب
|
٥٨٨
|
ذو هيئة
|
٦٠٠
|
دليل العقل
|
٥٨٨
|
ذوات
|
٦٠١
|
دليل عقلي
|
٥٨٨
|
ذوات في العدم
|
٦٠١
|
دليل في الشاهد
|
٥٨٩
|
ر
|
|
دليل لفظي
|
٥٨٩
|
رؤيا
|
٦٠٢
|
دليل المقابلة
|
٥٨٩
|
رؤية
|
٦٠٣
|
دليل الموانع
|
٥٩٠
|
رؤية الله
|
٦٠٧
|
دليل ومدلول
|
٥٩٠
|
رؤية البصر
|
٦٠٧
|
دنيا
|
٥٩٠
|
رؤية العين
|
٦٠٧
|
دهر
|
٥٩٠
|
رؤية المعدوم
|
٦٠٨
|
دهريون
|
٥٩٠
|
راء
|
٦٠٨
|
دواع
|
٥٩٠
|
رافضة
|
٦٠٨
|
دواعي وصوارف
|
٥٩٤
|
رب
|
٦٠٩
|
دولة
|
٥٩٤
|
رجعة
|
٦٠٩
|
ديار
|
٥٩٥
|
رحمة
|
٦١٠
|
ديانات
|
٥٩٥
|
رحمن
|
٦١٠
|
ديانة
|
٥٩٥
|
رحيم
|
٦١٠
|
ديصانية
|
٥٩٥
|
رخص
|
٦١٠
|
دين
|
٥٩٥
|
رزق
|
٦١١
|
رسالة
|
٦١٤
|
ساكن النفس
|
٦٢٥
|
رسم
|
٦١٥
|
ساه
|
٦٢٥
|
رسم تام
|
٦١٥
|
ساهي فاعل
|
٦٢٦
|
رسم ناقص
|
٦١٥
|
سبئية
|
٦٢٦
|
رسول
|
٦١٥
|
سبب
|
٦٢٦
|
رضا
|
٦١٧
|
سبب أفعال
متولّدة
|
٦٣١
|
رعاية الأصلح
|
٦١٧
|
سبب للتكليف غير
داخل فيه
|
٦٣٢
|
رغبة ورهبة
|
٦١٨
|
سبب ملجئ
|
٦٣٢
|
رفض
|
٦١٨
|
سبب وجوب النظر
والمعرفة
|
٦٣٢
|
رقي
|
٦١٨
|
سبر وتقسيم
|
٦٣٣
|
روح
|
٦١٨
|
سحر
|
٦٣٣
|
روح الله
|
٦٢٠
|
سخط
|
٦٣٤
|
روح القدس
|
٦٢٠
|
سرور
|
٦٣٤
|
روح لاهوتي
|
٦٢٠
|
سطح
|
٦٣٤
|
روح الناسوتية
|
٦٢١
|
سطوح مطلقة
|
٦٣٤
|
ز
|
|
سعر
|
٦٣٥
|
زجر وترغيب
|
٦٢٢
|
سكران
|
٦٣٥
|
زكاة
|
٦٢٢
|
سكينة
|
٦٣٥
|
زلزلة
|
٦٢٢
|
سكون
|
٦٣٥
|
زمان
|
٦٢٢
|
سكون طبيعي
|
٦٣٨
|
زوال
|
٦٢٣
|
سكون قسري
|
٦٣٩
|
زيادة
|
٦٢٣
|
سكون النفس
|
٦٣٩
|
زيادة الشهوة
|
٦٢٣
|
سلامة من
الانتفاض
|
٦٣٩
|
س
|
|
سلب
|
٦٤٠
|
سؤال
|
٦٢٤
|
سلبي
|
٦٤٠
|
سابقون
|
٦٢٤
|
سماء
|
٦٤٠
|
ساحر
|
٦٢٤
|
سمع
|
٦٤٠
|
سارق
|
٦٢٥
|
سمعيات
|
٦٤٢
|
ساكن
|
٦٢٥
|
سميع
|
٦٤٢
|
|
|
سميع بصير
|
٦٤٣
|
|
|
سنة
|
٦٤٣
|
سنّي موحّد
|
٦٤٤
|
شرط يقتضيه
التكليف
|
٦٦٣
|
سهو
|
٦٤٤
|
شرع
|
٦٦٣
|
ش
|
|
شرعيات
|
٦٦٣
|
شاء
|
٦٤٦
|
شرك
|
٦٦٤
|
شاء
|
٦٤٧
|
شركة
|
٦٦٤
|
شارع
|
٦٤٧
|
شروط استحقاق
الأحكام
|
٦٦٤
|
شاك
|
٦٤٧
|
شروط الخاطر
|
٦٦٥
|
شأن
|
٦٤٧
|
شروط في استحقاق
الثواب والعقاب
|
٦٦٥
|
شاهد الحال
|
٦٤٨
|
شروط في المدح
|
٦٦٥
|
شاهد هو أصل
للعلم بالغائب
|
٦٤٨
|
شروط الوجوب
|
٦٦٦
|
شاهد هو دليل
الغائب
|
٦٤٨
|
شريعة
|
٦٦٦
|
شاهد وغائب
|
٦٤٨
|
شفاعة
|
٦٦٦
|
شبهة
|
٦٥٣
|
شك
|
٦٦٧
|
شخص
|
٦٥٣
|
شكر
|
٦٦٨
|
شر
|
٦٥٣
|
شكر على النعمة
|
٦٦٩
|
شرائط الاجتهاد
|
٦٥٤
|
شكل
|
٦٦٩
|
شرائط التكليف
|
٦٥٥
|
شهادة
|
٦٦٩
|
شرائط راجعة إلى
الآمر
|
٦٥٥
|
شهداء
|
٦٧٠
|
شرائط راجعة إلى
حسن الأمر
|
٦٥٥
|
شهوة
|
٦٧٠
|
شرائط النهي
|
٦٥٦
|
شهوة القبيح
|
٦٧٠
|
شرائع
|
٦٥٦
|
شهوة من ليس
بمكلف
|
٦٧١
|
شرائع المسلمين
|
٦٥٦
|
شهيد
|
٦٧١
|
شرح
|
٦٥٧
|
شيء
|
٦٧١
|
شرط
|
٦٥٧
|
شيء لا كالأشياء
|
٦٧٥
|
شرط الإمام
|
٦٥٩
|
شيء له
|
٦٧٥
|
شرط الخاطر
|
٦٦٠
|
شيء محدث
|
٦٧٦
|
شرط في الإيجاب
|
٦٦٠
|
شيء معلوم
|
٦٧٦
|
شرط في الوجود
|
٦٦١
|
شيء من الشيء
|
٦٧٦
|
شرط المكلّف
|
٦٦١
|
شيئية
|
٦٧٧
|
شرط ومشروط
|
٦٦٢
|
شياطين
|
٦٧٧
|
|
|
شيعة
|
٦٧٧
|
ص
|
|
صفات الذات
|
٦٩٣
|
صابئون
|
٦٧٩
|
صفات ذاتية
|
٦٩٤
|
صاحب الكبيرة
|
٦٧٩
|
صفات الذوات
|
٦٩٤
|
صالحات
|
٦٨٠
|
صفات زائدة على
الحدوث
|
٦٩٥
|
صانع
|
٦٨٠
|
صفات سلبية
|
٦٩٥
|
صانعون في
الشاهد
|
٦٨١
|
صفات الفاعل
|
٦٩٥
|
صبي
|
٦٨١
|
صفات الفعل
|
٦٩٥
|
صحة
|
٦٨١
|
صفات الفعل
بالفاعل
|
٦٩٦
|
صحة الإيمان
|
٦٨١
|
صفات فعلية
|
٦٩٦
|
صحة التكليف
|
٦٨١
|
صفات قائمة
بذاته
|
٦٩٦
|
صحة الفعل
|
٦٨٢
|
صفات قديمة
|
٦٩٦
|
صحة النظر
|
٦٨٣
|
صفات المخلوقين
|
٦٩٧
|
صدق
|
٦٨٤
|
صفات مستحقة لا
لعلة
|
٦٩٧
|
صدق حسن
|
٦٨٤
|
صفات مشتركة
|
٦٩٧
|
صراط
|
٦٨٤
|
صفات مشروطة
بالحياة
|
٦٩٧
|
صغائر
|
٦٨٥
|
صفات المعاني
|
٦٩٧
|
صغير
|
٦٨٦
|
صفات المكلّف
|
٦٩٨
|
صغيرة
|
٦٨٦
|
صفات النفس
|
٦٩٩
|
صفات
|
٦٨٦
|
صفات وجودية
|
٦٩٩
|
صفات الأجناس
|
٦٨٩
|
صفاتية
|
٦٩٩
|
صفات الأجناس
والأنواع
|
٦٨٩
|
صفة
|
٦٩٩
|
صفات أسماء
|
٦٩٠
|
صفة أزلية
|
٧٠٣
|
صفات إضافية
وسلبية
|
٦٩٠
|
صفة الاقتضاء
|
٧٠٣
|
صفات الأفعال
|
٦٩٠
|
صفة أهل الآخرة
|
٧٠٣
|
صفات الله
|
٦٩٠
|
صفة الجنس
|
٧٠٣
|
صفات الأنفس
|
٦٩١
|
صفة الذات
|
٧٠٤
|
صفات تابعة
للعلل
|
٦٩١
|
صفة ذات
|
٧٠٥
|
صفات ترجع إلى
جملة
|
٦٩٢
|
صفة ذاتية
|
٧٠٥
|
صفات الجواهر
|
٦٩٢
|
صفة زائدة على
الحدوث
|
٧٠٦
|
صفات الجوهر
|
٦٩٢
|
صفة الشيء
|
٧٠٦
|
صفات خبرية
|
٦٩٢
|
صفة العلة
|
٧٠٦
|
صفة فعل
|
٧٠٧
|
ضد ما يحتاج
إليه
|
٧١٩
|
صفة قديمة
|
٧٠٨
|
ضدان
|
٧٢٠
|
صفة للنفس
|
٧٠٨
|
ضرارية
|
٧٢٢
|
صفة لنفس الشيء
|
٧٠٨
|
ضرب
|
٧٢٢
|
صفة مقصورة على
الذات
|
٧٠٨
|
ضرر
|
٧٢٢
|
صفة المكلّف
|
٧٠٩
|
ضرورة
|
٧٢٣
|
صفة النفس
|
٧٠٩
|
ضروري
|
٧٢٥
|
صفة نفسية
|
٧١٠
|
ضروريات
|
٧٢٥
|
صفة الوجود
|
٧١٠
|
ضعف
|
٧٢٥
|
صفة وجودية
|
٧١٠
|
ضلال
|
٧٢٥
|
صلاة
|
٧١٠
|
ضلالة
|
٧٢٧
|
صلاح
|
٧١١
|
ضنين
|
٧٢٧
|
صلاح الخلق
|
٧١٢
|
ضيّع الواجب
|
٧٢٧
|
صلاح في الدين
|
٧١٢
|
ضيق
|
٧٢٧
|
صلاح وأصلح
|
٧١٢
|
ط
|
|
صلاحية
|
٧١٣
|
طائع
|
٧٢٨
|
صلب
|
٧١٣
|
طابع
|
٧٢٨
|
صمد
|
٧١٣
|
طاعات
|
٧٢٨
|
صنائع
|
٧١٤
|
طاعة
|
٧٢٨
|
صنائع حكمية
|
٧١٤
|
طاعة غير واجبة
|
٧٣٠
|
صنع
|
٧١٤
|
طاعة لا يراد
الله بها
|
٧٣٠
|
صنع الله
|
٧١٤
|
طبائع
|
٧٣١
|
صواب
|
٧١٤
|
طبائع أربع
|
٧٣٢
|
صوت
|
٧١٤
|
طباع
|
٧٣٢
|
صورة
|
٧١٥
|
طبع
|
٧٣٢
|
صيامية
|
٧١٧
|
طبع
|
٧٣٨
|
ض
|
|
طبع أول
|
٧٣٨
|
ضال
|
٧١٨
|
طبع مركب
|
٧٣٨
|
ضد
|
٧١٨
|
طبع مولّد
|
٧٣٨
|
ضد في الحقيقة
|
٧١٩
|
طبيعة
|
٧٣٩
|
طبيعة موجبة
|
٧٣٩
|
ظهور
|
٧٥٢
|
طرد
|
٧٣٩
|
ظهور وكمون
|
٧٥٢
|
طرد وعكس
|
٧٤٠
|
ع
|
|
طرق الأحكام
الشرعية
|
٧٤٠
|
عابث
|
٧٥٤
|
طريق التعمد
|
٧٤١
|
عابد
|
٧٥٤
|
طريق العلم
|
٧٤١
|
عاجز
|
٧٥٤
|
طريق المعرفة
|
٧٤١
|
عادات
|
٧٥٥
|
طريق الوجوب
|
٧٤١
|
عادة
|
٧٥٥
|
طريق وجوب
الصلاة
|
٧٤٢
|
عادل
|
٧٥٦
|
طريقة الشرائع
|
٧٤٢
|
عارف
|
٧٥٦
|
طعوم
|
٧٤٢
|
عاص
|
٧٥٦
|
طفر
|
٧٤٢
|
عاقدون
|
٧٥٦
|
طفرة
|
٧٤٣
|
عاقل
|
٧٥٧
|
طلب
|
٧٤٤
|
عاقل ذاهل
|
٧٥٨
|
طلب الرزق
والتكسب
|
٧٤٥
|
عالم
|
٧٥٨
|
طلب الشيء بشرط
|
٧٤٥
|
عالم
|
٧٥٩
|
طلب علم
|
٧٤٥
|
عالم بحاله
|
٧٦٦
|
طلق
|
٧٤٥
|
عالم بعلم
|
٧٦٦
|
طول
|
٧٤٦
|
عالم بنفسه
|
٧٦٦
|
ظ
|
|
عالم عالم
|
٧٦٧
|
ظالم
|
٧٤٧
|
عالم لذاته
|
٧٦٧
|
ظان
|
٧٤٧
|
عالم لم يزل
وفيما لا يزال
|
٧٦٧
|
ظاهر
|
٧٤٧
|
عالم لنفسه
|
٧٦٧
|
ظاهرة
|
٧٤٧
|
عالمية
|
٧٦٧
|
ظلام
|
٧٤٨
|
عام
|
٧٦٨
|
ظلم
|
٧٤٨
|
عبادات
|
٧٦٨
|
ظلمة
|
٧٥٠
|
عبادة
|
٧٦٩
|
ظن
|
٧٥٠
|
عبارات
|
٧٧٠
|
ظن مبتدأ
|
٧٥٢
|
عبارة
|
٧٧٠
|
ظنون
|
٧٥٢
|
عبث
|
٧٧٠
|
عبد
|
٧٧١
|
عقاب المسبّب
|
٧٩٣
|
عتب
|
٧٧١
|
عقد
|
٧٩٣
|
عجز
|
٧٧١
|
عقد الإمامة
|
٧٩٤
|
عداوة
|
٧٧٣
|
عقل
|
٧٩٤
|
عدد
|
٧٧٤
|
عقل التكليف
|
٧٩٨
|
عدل
|
٧٧٤
|
عقل غريزي
|
٧٩٨
|
عدم
|
٧٧٩
|
عقل مكتسب
|
٧٩٨
|
عدم الامتياز
|
٧٨٠
|
عقلي محض
|
٧٩٨
|
عدم الجواهر
|
٧٨١
|
عقليات
|
٧٩٨
|
عدم الشيء
|
٧٨١
|
عكس
|
٧٩٩
|
عدم شيء
|
٧٨١
|
عكس الأدلة
|
٧٩٩
|
عدم على الجواهر
|
٧٨١
|
عكس الدلالة
|
٧٩٩
|
عدم القدرة
|
٧٨١
|
علاقة
|
٧٩٩
|
عدم المعنى
|
٧٨١
|
علاقة مطّردة
منعكسة
|
٧٩٩
|
عرش
|
٧٨٢
|
علّة
|
٨٠٠
|
عرض
|
٧٨٢
|
علّة الاحتياج
|
٨٠٦
|
عرض واحد حالّ
في محلين
|
٧٨٥
|
علّة اختيار
|
٨٠٦
|
عرضيّة
|
٧٨٥
|
علّة استحالة
إعادة مقدوراتنا
|
٨٠٦
|
عزم
|
٧٨٥
|
علّة الاضطرار
|
٨٠٦
|
عزم مقترن
بالندم
|
٧٨٦
|
علّة تامة
|
٨٠٧
|
عصمة
|
٧٨٦
|
علّة حسن
التكليف
|
٨٠٧
|
عصمة الإمام
|
٧٨٩
|
علّة حسن
التكليف
|
٨٠٧
|
عصمة الأنبياء
|
٧٨٩
|
علّة خلق العالم
|
٨٠٧
|
عصى
|
٧٨٩
|
علّة شرعية
|
٨٠٧
|
عصيان
|
٧٩٠
|
علّة الشيء
|
٨٠٨
|
عطف
|
٧٩٠
|
علّة عقلية
|
٨٠٨
|
عفو
|
٧٩٠
|
علّة فعل الله
|
٨٠٨
|
عقاب
|
٧٩٠
|
علّة في الشاهد
والغائب
|
٨٠٨
|
عقاب السبب
|
٧٩٢
|
علّة الماهية
|
٨٠٩
|
عقاب على فعل
وعدمه
|
٧٩٣
|
علّة الوجود
|
٨٠٩
|
عقاب على ما لا
يقع من القبيح
|
٧٩٣
|
علل
|
٨٠٩
|
علل شرعية
|
٨١١
|
علم بما غاب
|
٨٣٢
|
علم
|
٨١١
|
علم بما معه
يعرف المطلوب بأدلّة
|
٨٣٢
|
علم اختيار
|
٨٢٥
|
علم بالمدركات
|
٨٣٢
|
علم استدلال
|
٨٢٥
|
علم بالمشاهدات
|
٨٣٢
|
علم استدلالي
|
٨٢٥
|
علم بالمعدوم
|
٨٣٣
|
علم الاضطرار
|
٨٢٥
|
علم بالمعلول
|
٨٣٣
|
علم اكتسابي
|
٨٢٥
|
علم بمقاصد من
نشاهده
|
٨٣٣
|
علم الله
|
٨٢٥
|
علم به علم
|
٨٣٣
|
علم الله على
شرط
|
٨٢٦
|
علم بوجه دلالة
الدليل
|
٨٣٣
|
علم بأصول
الأدلة
|
٨٢٦
|
علم بوجه وجوب
الفعل
|
٨٣٤
|
علم باضطرار
|
٨٢٧
|
علم بوجوب النظر
المعيّن
|
٨٣٤
|
علم بالله
|
٨٢٨
|
علم التفصيل
|
٨٣٤
|
علم بالله تعالى
جملة
|
٨٢٨
|
علم تواتري
|
٨٣٥
|
علم بالله على
جهة الاستدلال
|
٨٢٨
|
علم الجملة
|
٨٣٥
|
علم بأن السبب
سبب
|
٨٢٩
|
علم حادث
|
٨٣٥
|
علم بأن سيكون
|
٨٢٩
|
علم الحس
|
٨٣٦
|
علم بأنه (تعالى)
كاره
|
٨٢٩
|
علم الخلق
|
٨٣٦
|
علم بأنه جل وعز
واحد
|
٨٢٩
|
علم ذاتي
|
٨٣٦
|
علم بأنه مريد
|
٨٣٠
|
علم رباني
|
٨٣٧
|
علم بالتفصيل
|
٨٣٠
|
علم صحيح
|
٨٣٧
|
علم بالجملة
|
٨٣٠
|
علم صدق باضطرار
|
٨٣٧
|
علم بالدليل
|
٨٣٠
|
علم الضرورة
|
٨٣٧
|
علم بديهي في
الإثبات
|
٨٣٠
|
علم ضرورة
|
٨٣٧
|
علم بديهي في
النفي
|
٨٣٠
|
علم ضروري
|
٨٣٨
|
علم بسبب
المعرفة
|
٨٣٠
|
علم ضروري بالله
|
٨٣٩
|
علم بالشيء
|
٨٣١
|
علم العالم بحسن
الشيء
|
٨٣٩
|
علم بالشيء
والخبر عنه
|
٨٣١
|
علم العبد
|
٨٣٩
|
علم بصحة حدوث
الشيء
|
٨٣١
|
علم عقيب النظر
|
٨٣٩
|
علم بصحة النظر
|
٨٣١
|
علم على طريق
الجملة
|
٨٤٠
|
علم بالصناعات
|
٨٣١
|
علم عن نظر
مخصوص
|
٨٤٠
|
علم بقبح الشيء
|
٨٣٢
|
علم عند خبر
المخبرين
|
٨٤٠
|
علم الفاعل بحسن
الشيء
|
٨٤٠
|
علوم مكتسبة
|
٨٤٩
|
علم قديم
|
٨٤١
|
علوم نظرية
|
٨٥٠
|
علم كسبيّ
|
٨٤١
|
علوم الوعد
والوعيد
|
٨٥٠
|
علم الكلام
|
٨٤١
|
علّية
|
٨٥٠
|
علم لا في محل
|
٨٤١
|
عليم
|
٨٥٠
|
علم لا يولّد
العلم
|
٨٤١
|
عمل
|
٨٥٠
|
علم لوقوعه على
وجه
|
٨٤٢
|
عموم
|
٨٥١
|
علم متعلّق بمعلومين
|
٨٤٢
|
عند
|
٨٥١
|
علم المحدث
|
٨٤٢
|
عندية
|
٨٥١
|
علم محدث
|
٨٤٢
|
عود
|
٨٥٢
|
علم المشاهدة
|
٨٤٢
|
عوض
|
٨٥٢
|
علم مفصّل
|
٨٤٣
|
عون
|
٨٥٤
|
علم مكتسب
|
٨٤٣
|
عيان
|
٨٥٥
|
علم من الأخبار
|
٨٤٤
|
عين
|
٨٥٥
|
علم نظريّ
|
٨٤٤
|
غ
|
|
علم واحد
|
٨٤٤
|
غرائز في الفطر
|
٨٥٦
|
علم واحد
بمعلومين
|
٨٤٤
|
غرابية
|
٨٥٦
|
علم واقع
بالتواتر
|
٨٤٥
|
غرض
|
٨٥٦
|
علم واقع بالخبر
|
٨٤٥
|
غرض بالتكليف
|
٨٥٦
|
علم واقع عن
الخبر
|
٨٤٥
|
غرض بتكليف
المعارف
|
٨٥٧
|
علم واقع عند
التواتر
|
٨٤٥
|
غرض التكليف
|
٨٥٧
|
علوم
|
٨٤٥
|
غشاوة
|
٨٥٧
|
علوم بها يكمل
العقل
|
٨٤٧
|
غلاء
|
٨٥٧
|
علوم حادثة
|
٨٤٧
|
غلبة الظن
|
٨٥٨
|
علوم حسّية
|
٨٤٨
|
غم
|
٨٥٩
|
علوم ضرورية
|
٨٤٨
|
غني
|
٨٥٩
|
علوم العدل
|
٨٤٨
|
غني عن خلقه
|
٨٥٩
|
علوم مبسوطة
|
٨٤٩
|
غيّ
|
٨٥٩
|
علوم محدثة
|
٨٤٩
|
غير فاعل للواجب
|
٨٦٠
|
علوم مخصوصة
|
٨٤٩
|
غير متكلّم
|
٨٦٠
|
علوم مقصورة
|
٨٤٩
|
|
|
غير متناه
|
٨٦٠
|
فان
|
٨٧٨
|
غير مخلوق
|
٨٦٠
|
فتيا
|
٨٧٩
|
غير مقدور
|
٨٦٠
|
فرائض
|
٨٧٩
|
غير مكلّف
|
٨٦١
|
فرائض الدين
|
٨٧٩
|
غيران
|
٨٦١
|
فرض
|
٨٧٩
|
غيرية
|
٨٦٢
|
فرض في إيجاب
النظر
|
٨٨٠
|
ف
|
٧٨٦
|
فرع
|
٨٨٠
|
فاجر
|
٨٦٣
|
فرقان
|
٨٨٠
|
فاسد
|
٨٦٣
|
فروع
|
٨٨٠
|
فاسق
|
٨٦٣
|
فساد
|
٨٨١
|
فاضل
|
٨٦٦
|
فسق
|
٨٨١
|
فاعل
|
٨٦٦
|
فصل
|
٨٨٢
|
فاعل الأجسام
|
٨٧٣
|
فصل بين الذم
والعقاب
|
٨٨٢
|
فاعل بالتولّد
|
٨٧٣
|
فصل بين الملجأ
والقادر
|
٨٨٣
|
فاعل بسبب
|
٨٧٣
|
فصول
|
٨٨٣
|
فاعل بمعين
|
٨٧٣
|
فضل
|
٨٨٣
|
فاعل خالق
|
٨٧٤
|
فطر الخلائق
|
٨٨٤
|
فاعل الدلالة
|
٨٧٤
|
فعّال
|
٨٨٤
|
فاعل السبب
|
٨٧٤
|
فعل
|
٨٨٤
|
فاعل العدل
|
٨٧٥
|
فعل
|
٨٨٥
|
فاعل على
الحقيقة
|
٨٧٥
|
فعل الأجسام
|
٩٠١
|
فاعل في الشاهد
|
٨٧٦
|
فعل الاختيار
|
٩٠١
|
فاعل القبيح
|
٨٧٦
|
فعل الله
|
٩٠١
|
فاعل للمبتدإ
|
٨٧٦
|
فعل الله تعالى
بالأسباب
|
٩٠٣
|
فاعل للمتولّد
|
٨٧٦
|
فعل الله لغرض
|
٩٠٣
|
فاعل لما هو
ملجأ إليه
|
٨٧٦
|
فعل الله متولدا
|
٩٠٣
|
فاعل مختار
|
٨٧٧
|
فعل الإنسان
|
٩٠٤
|
فاعل ممكن
|
٨٧٨
|
فعل بسبب
|
٩٠٤
|
فاعل الواجب
|
٨٧٨
|
فعل بين فاعلين
|
٩٠٤
|
فاعلان
|
٨٧٨
|
فعل بين قادرين
|
٩٠٤
|
|
|
فعل الجسد
|
٩٠٥
|
فعل الجوارح
|
٩٠٥
|
فعل مقصود
|
٩١٤
|
فعل حكمي
|
٩٠٥
|
فعل المكلّف
وفعل المكلّف
|
٩١٥
|
فعل داخل تحت
التكليف
|
٩٠٥
|
فعل الملجأ
|
٩١٥
|
فعل الساهي
|
٩٠٥
|
فعل من فاعلين
|
٩١٦
|
فعل الشيء
|
٩٠٦
|
فعل واجب
|
٩١٧
|
فعل صحيح
|
٩٠٦
|
فعل واجب على
الله
|
٩١٧
|
فعل الطباع
|
٩٠٧
|
فعل واجب الوجود
لغرض
|
٩١٨
|
فعل الظن
|
٩٠٧
|
فعل واحد من
فاعلين
|
٩١٨
|
فعل العباد
|
٩٠٧
|
فعل واقع على
جهة القصد
|
٩١٨
|
فعل العبد
|
٩٠٧
|
فعل يحتاج إلينا
|
٩١٨
|
فعل العبد من
المعارف
|
٩٠٩
|
فعل يحسن من
|
٩١٨
|
فعل غيره
|
٩٠٩
|
فعل يصحّ وقوعه
مبتدأ ومتولّدا
|
٩١٩
|
فعل فاعل
|
٩٠٩
|
فعل يقبّح ولا
يدل على البداء
|
٩١٩
|
فعل الفاعل لعلة
موجبة
|
٩٠٩
|
فعل يقبّح ولا
يدل على البداء
|
٩١٩
|
فعل الفاعل من
الأسباب
|
٩١٠
|
فعل يقع على جهة
السهو
|
٩٢٠
|
فعل في الشاهد
|
٩١٠
|
فعلية
|
٩٢٠
|
فعل في محل
معدوم
|
٩١٠
|
فقه
|
٩٢٠
|
فعل القادر
|
٩١٠
|
فكر
|
٩٢٠
|
فعل قد يحسّن
|
٩١٠
|
فكر صحيح
|
٩٢١
|
فعل القدرة
ابتداء
|
٩١١
|
فكر فاسد
|
٩٢١
|
فعل الكلام
|
٩١١
|
فناء
|
٩٢٢
|
فعل لا يقع إلا
بسبب
|
٩١١
|
فناء الأجسام
|
٩٢٤
|
فعل لا يقع إلا
مبتدأ
|
٩١١
|
فناء الجواهر
|
٩٢٤
|
فعل لحكمة
|
٩١٢
|
فناء القدرة
|
٩٢٥
|
فعل لحكمة وغرض
|
٩١٢
|
فوق
|
٩٢٥
|
فعل لغرض
|
٩١٢
|
ق
|
|
فعل مباشر
|
٩١٢
|
قائلية
|
٩٢٧
|
فعل مبتدأ
|
٩١٣
|
قائم بنفسه
|
٩٢٧
|
فعل متولّد
|
٩١٣
|
قابل الوجود
|
٩٢٧
|
فعل مجزّأ
|
٩١٣
|
قادر
|
٩٢٧
|
فعل محكم
|
٩١٣
|
|
|
قادر بالذات
|
٩٤٥
|
قبح التكليف
|
٩٦١
|
قادر بقدرة
|
٩٤٥
|
قبح الظلم
|
٩٦٢
|
قادر بنفسه
|
٩٤٨
|
قبح عقلي
|
٩٦٢
|
قادر على الضدين
|
٩٤٨
|
قبح القبيح
|
٩٦٣
|
قادر على
مقدورات غيره
|
٩٤٨
|
قبح الكذب
|
٩٦٣
|
قادر في حال
العدم
|
٩٤٨
|
قبح ما يعلم
قبحه باضطرار
|
٩٦٣
|
قادر في الغائب
|
٩٤٩
|
قبر
|
٩٦٣
|
قادر في كونه
قادرا على الشيء
|
٩٤٩
|
قبلية
|
٩٦٣
|
قادر فيما لم
يزل
|
٩٤٩
|
قبيح
|
٩٦٤
|
قادر كونه قادرا
|
٩٥٠
|
قبيح باضطرار
|
٩٧٨
|
قادر لا بقدرة
|
٩٥٠
|
قبيح للنهي
|
٩٧٨
|
قادر لذاته
|
٩٥٠
|
قبيح لنفسه
|
٩٧٨
|
قادر للذات
|
٩٥٠
|
قبيح من وجه
|
٩٧٨
|
قادر لنفسه
|
٩٥٠
|
قتل
|
٩٧٩
|
قادر محدث
|
٩٥٤
|
قدّر
|
٩٧٩
|
قادر مختار
|
٩٥٤
|
قدر
|
٩٨٢
|
قادر مخلّى
|
٩٥٤
|
قدر
|
٩٨٣
|
قادر مطلق
|
٩٥٤
|
قدر
|
٩٨٦
|
قادران على
مقدور واحد
|
٩٥٥
|
قدر
|
٩٨٧
|
قادرون
|
٩٥٥
|
قدر بمعنى
|
٩٨٩
|
قادرون بقدر
|
٩٥٥
|
قدر الجوارح
|
٩٨٩
|
قادرون لأنفسهم
|
٩٥٥
|
قدر من الجوارح
|
٩٨٩
|
قادرية
|
٩٥٦
|
قدرة
|
٩٩٠
|
قاصد
|
٩٥٦
|
قدرة الأفعال
|
١٠٠٩
|
قبائح
|
٩٥٦
|
قدرة الله
|
١٠١٠
|
قبائح شرعية
|
٩٥٦
|
قدرة تتقدم
بوقتين
|
١٠١٠
|
قبائح عقلية
|
٩٥٧
|
قدرة حادثة
|
١٠١٠
|
قبائح معروفة
شرعا
|
٩٥٧
|
قدرة ذاتيّة
|
١٠١٤
|
قبائح يكلّف
المرء ألا يفعلها
|
٩٥٧
|
قدرة العبد
|
١٠١٤
|
قبح
|
٩٥٧
|
قدرة على أجناس
الأضداد
|
١٠١٤
|
قبح الترك
|
٩٦١
|
قدرة على
الاختيار
|
١٠١٤
|
قدرة على إعدام
الشيء
|
١٠١٤
|
قسط
|
١٠٣٢
|
قدرة على الضد
|
١٠١٤
|
قصد
|
١٠٣٢
|
قدرة على الضدين
|
١٠١٥
|
قضاء
|
١٠٣٣
|
قدرة على الفعل
المختار
|
١٠١٥
|
قضاء الله
|
١٠٣٨
|
قدرة على ما لا
يتناهى
|
١٠١٥
|
قضاء وقدر
|
١٠٣٨
|
قدرة على مقدور
غيره
|
١٠١٥
|
قضى
|
١٠٤١
|
قدرة على
المناولة
|
١٠١٥
|
قطع
|
١٠٤٢
|
قدرة الفعل
|
١٠١٦
|
قلب
|
١٠٤٣
|
قدرة القديم
|
١٠١٦
|
قلب التسوية
|
١٠٤٣
|
قدرة قديمة
|
١٠١٦
|
قنومية
|
١٠٤٣
|
قدرة لا يتغيّر
تعلّقها باختلاف
|
١٠١٦
|
قوة
|
١٠٤٣
|
قدرة متعلّقة
|
١٠١٦
|
قوة الدواعي
|
١٠٤٤
|
قدرة متعلّقة
بالضدين
|
١٠١٧
|
قوة الدواعي إلى
الفعل
|
١٠٤٥
|
قدرة متقدّمة
|
١٠١٧
|
قوة مفكّرة
|
١٠٤٥
|
قدرة محدثة
|
١٠١٧
|
قول
|
١٠٤٥
|
قدرة معدومة
|
١٠١٧
|
قول الله
|
١٠٤٥
|
قدرة الممنوع
|
١٠١٨
|
قوّى
|
١٠٤٥
|
قدرة واحدة
|
١٠١٨
|
قياس
|
١٠٤٦
|
قدريّ
|
١٠١٨
|
قياس جليّ
|
١٠٤٨
|
قدرية
|
١٠١٩
|
قياس خفيّ
|
١٠٤٨
|
قدريون
|
١٠٢١
|
قياس شبه
|
١٠٤٨
|
قدم
|
١٠٢١
|
قياس شرعي
|
١٠٤٨
|
قدوس
|
١٠٢١
|
قياس الطرد
|
١٠٤٩
|
قدير
|
١٠٢١
|
قياس العكس
|
١٠٤٩
|
قديم
|
١٠٢٢
|
قياس علة
|
١٠٤٩
|
قراءة
|
١٠٢٥
|
قياس الغائب
بعلّة الحدوث
|
١٠٤٩
|
قرامطة
|
١٠٢٦
|
قياس الغائب على
الشاهد
|
١٠٤٩
|
قرآن
|
١٠٢٦
|
قياس الفقهاء
|
١٠٥١
|
قرآن مخلوق
|
١٠٣١
|
قياس في
الشرعيات
|
١٠٥١
|
قرآن منزل
|
١٠٣١
|
قياس في معرفة
الأصل
|
١٠٥١
|
قرب
|
١٠٣١
|
قياس مقسّم
|
١٠٥١
|
قياس وتفريع
|
١٠٥١
|
كل
|
١٠٧٥
|
قيام بالشيء
|
١٠٥٢
|
كلابية
|
١٠٧٦
|
قيامة
|
١٠٥٢
|
كلام
|
١٠٧٦
|
قيد
|
١٠٥٢
|
كلام الله
|
١٠٨٥
|
قيّوم
|
١٠٥٢
|
كلام الإنسان
|
١٠٨٨
|
ك
|
|
كلام الباري
|
١٠٨٨
|
كائن
|
١٠٥٣
|
كلام الخالق
|
١٠٨٨
|
كائن من جهة
|
١٠٥٣
|
كلام الخلق
|
١٠٨٨
|
كائنية
|
١٠٥٣
|
كلام في الشاهد
|
١٠٨٨
|
كاذب
|
١٠٥٣
|
كلام قائم
بالنفس
|
١٠٨٨
|
كاره
|
١٠٥٣
|
كلام محدث
|
١٠٨٩
|
كافر
|
١٠٥٣
|
كلام مخلوق
|
١٠٨٩
|
كامن
|
١٠٥٧
|
كلام المخلوقين
|
١٠٨٩
|
كبائر
|
١٠٥٧
|
كلام مفيد
|
١٠٨٩
|
كبير
|
١٠٥٨
|
كلام النفس
|
١٠٨٩
|
كبيرة
|
١٠٥٨
|
كلّف
|
١٠٨٩
|
كتاب
|
١٠٥٩
|
كلفة
|
١٠٩٤
|
كتابة
|
١٠٦٠
|
كلّم
|
١٠٩٤
|
كذب
|
١٠٦٠
|
كلمة
|
١٠٩٤
|
كرامات الأولياء
|
١٠٦١
|
كلمة الله
|
١٠٩٤
|
كرامة
|
١٠٦١
|
كلمة ربك
|
١٠٩٥
|
كراهة
|
١٠٦٢
|
كلّي
|
١٠٩٥
|
كرسي
|
١٠٦٢
|
كليات
|
١٠٩٥
|
كسب
|
١٠٦٢
|
كم
|
١٠٩٥
|
كسب بين مكتسبين
|
١٠٧١
|
كم متصل
|
١٠٩٥
|
كشف
|
١٠٧١
|
كم منفصل
|
١٠٩٥
|
كفّ
|
١٠٧١
|
كمال العقل
|
١٠٩٥
|
كفّار
|
١٠٧١
|
كمون
|
١٠٩٦
|
كفر
|
١٠٧١
|
كمون وظهور
|
١٠٩٧
|
كفران النعم
|
١٠٧٥
|
كميات
|
١٠٩٧
|
|
|
كمية
|
١٠٩٧
|
كن
|
١٠٩٧
|
لم يزل هو
|
١١١٧
|
كهانة
|
١٠٩٩
|
لواحق الأحكام
|
١١١٧
|
كواسب
|
١٠٩٩
|
لوح محفوظ
|
١١١٨
|
كوامن
|
١٠٩٩
|
لون
|
١١١٨
|
كوامن في الطبع
|
١١٠٠
|
ليس
|
١١١٨
|
كون
|
١١٠٠
|
ليس بمكلّف
|
١١١٨
|
كون الشيء في
غيره
|
١١٠٢
|
ليس كمثله شيء
|
١١١٩
|
كون في حال
الحدوث
|
١١٠٣
|
ليس من شرط
المكلّف
|
١١١٩
|
كون مع الفعل
|
١١٠٣
|
ليلة القدر
|
١١٢٠
|
كيف
|
١١٠٣
|
م
|
|
كيف هو
|
١١٠٣
|
مؤثّر
|
١١٢١
|
كيفية
|
١١٠٣
|
مؤثّر في
استحقاق المدح والثواب
|
١١٢١
|
ل
|
|
مؤثّر في كوننا
قادرين
|
١١٢٢
|
لا امتناع
|
١١٠٤
|
مؤمن
|
١١٢٢
|
لا شيء
|
١١٠٤
|
مؤمن بالله
تعالى ومؤمن عند الله
|
١١٢٣
|
لازم ذاتي
|
١١٠٤
|
مؤمن حقيقي
|
١١٢٣
|
لازم عرضي
|
١١٠٤
|
مؤمن مجازا
|
١١٢٣
|
لازمات
|
١١٠٤
|
ما به يصير
المكلّف معرّضا للثواب
|
١١٢٤
|
لذات
|
١١٠٥
|
ما لا متعلّق له
|
١١٢٤
|
لذة
|
١١٠٥
|
ما لا يتناهى
|
١١٢٥
|
لسان
|
١١٠٦
|
ما لا يجب على
كل مكلّف
|
١١٢٥
|
لطف
|
١١٠٦
|
ما لا يفعله
قادر منا إلا مباشر
|
١١٢٥
|
لطف في القبيح
|
١١١٥
|
ما لا يفعله
قادر منا إلا متولّدا
|
١١٢٥
|
لطف واجب
|
١١١٦
|
ما لعدمه أول
|
١١٢٥
|
لطيف
|
١١١٦
|
ما له حسن الحسن
|
١١٢٥
|
لطيفة
|
١١١٦
|
ما له متعلّق
|
١١٢٥
|
لفظ
|
١١١٦
|
ما له يجب
الواجب على المكلّف
|
١١٢٥
|
لفظة
|
١١١٦
|
ما له يصير
الاعتقاد علما
|
١١٢٦
|
لقاء
|
١١١٧
|
ما له يقبح
القبيح
|
١١٢٦
|
لقب
|
١١١٧
|
ما لوجوده أول
|
١١٢٦
|
ما ليس بعلم
|
١١٢٦
|
مباح
|
١١٣٧
|
ما وجب وجوده
للعلة
|
١١٢٧
|
مباحات
|
١١٤٠
|
ما يتراخى
المسبّب فيه عن السبب
|
١١٢٧
|
مباشر
|
١١٤٠
|
ما يتعلّق بغيره
|
١١٢٧
|
مباشرة
|
١١٤٣
|
ما يتعلّق
التكليف به
|
١١٢٧
|
مباعدة
|
١١٤٣
|
ما يتولّد عن
النظر
|
١١٢٨
|
مباينة
|
١١٤٣
|
ما يجب تقدّمه
على التكليف
|
١١٢٨
|
مبتدئ
|
١١٤٣
|
ما يجب عن السبب
|
١١٢٨
|
مبتدئ بالفعل
|
١١٤٣
|
ما يحتاج القادر
منا
|
١١٢٨
|
مبتدأ
|
١١٤٣
|
ما يحسن من الله
خلقه ابتداء
|
١١٢٩
|
مبتدأ من الفعل
|
١١٤٦
|
ما يحسن منه
تعالى أن يخلقه أولا
|
١١٢٩
|
مبتدع
|
١١٤٦
|
ما يحصل بالفاعل
|
١١٢٩
|
مبخّت
|
١١٤٦
|
ما يدخله التضاد
من مقدور العباد
|
١١٣٠
|
مبدع
|
١١٤٦
|
ما يستحق لعلتين
مختلفتين
|
١١٣٠
|
متأخّر
|
١١٤٦
|
ما يعلم صدقه
استدلالا
|
١١٣٠
|
متحرّك
|
١١٤٦
|
ما يفعله الله
تعالى بسبب
|
١١٣٠
|
متحيّز
|
١١٤٧
|
ما يقتضي
التكليف وجوبه
|
١١٣١
|
متشابه
|
١١٤٧
|
ما يقتضي قبح
القبيح
|
١١٣١
|
متشابهات
|
١١٤٩
|
ما يقع عنده
القبيح
|
١١٣١
|
متشابهان
|
١١٤٩
|
ما يكون بالفاعل
|
١١٣٢
|
متصرّف باختياره
|
١١٥٠
|
ما يكون مقتضى
|
١١٣٢
|
متصل
|
١١٥٠
|
مائية
|
١١٣٢
|
متصورات في
الأذهان
|
١١٥٠
|
مائية المكلّف
|
١١٣٣
|
متضايفات
|
١١٥٠
|
مالك
|
١١٣٣
|
متضاد
|
١١٥٠
|
مالك أفعال
العباد
|
١١٣٤
|
متعلّق
|
١١٥١
|
مالك لفعل غيره
|
١١٣٤
|
متعلّق بالقادر
|
١١٥١
|
مأمور
|
١١٣٤
|
متعلّق التكليف
|
١١٥١
|
ماهيات نوعية
|
١١٣٥
|
متعلّق الرؤية
|
١١٥١
|
ماهية
|
١١٣٦
|
متعلّقات القدر
|
١١٥١
|
ماهية الشيء
|
١١٣٧
|
متغايران
|
١١٥٢
|
مايية
|
١١٣٧
|
متفضّل
|
١١٥٢
|
متفضّل بالتكليف
|
١١٥٢
|
مجتمع
|
١١٧٥
|
متفضّل بالتكليف
ابتداء
|
١١٥٣
|
مجتمعان
|
١١٧٥
|
متّق
|
١١٥٣
|
مجمل
|
١١٧٦
|
متقابلان
|
١١٥٣
|
مجهول
|
١١٧٦
|
متقدّم
|
١١٥٤
|
مجوس
|
١١٧٦
|
متكلّم
|
١١٥٤
|
محاباة
|
١١٧٦
|
متلو
|
١١٥٧
|
محال
|
١١٧٧
|
متماثل
|
١١٥٧
|
محاورة مقارنة
|
١١٧٨
|
متماثل الأكوان
|
١١٥٨
|
محبة
|
١١٧٨
|
متماثلان
|
١١٥٨
|
محبل
|
١١٧٨
|
متمكّن
|
١١٥٨
|
محتاج
|
١١٧٨
|
متناه
|
١١٥٨
|
محتسب
|
١١٧٨
|
متناهي المقدور
|
١١٥٨
|
محدث
|
١١٧٨
|
متواتر
|
١١٥٨
|
محدث
|
١١٨٣
|
متوسط بين تواتر
وآحاد
|
١١٥٩
|
محدث بإحداث
|
١١٨٤
|
متولّد
|
١١٥٩
|
محدث في الغائب
|
١١٨٤
|
متولّد على جهة
الابتداء
|
١١٦٧
|
محدث لا لعلّة
|
١١٨٤
|
متولّد يصاحب
السبب
|
١١٦٨
|
محدث لنفسه
|
١١٨٥
|
متولّدات
|
١١٦٨
|
محدث مخلوق
|
١١٨٥
|
متى
|
١١٧٠
|
محدث مؤقّت
موجود
|
١١٨٥
|
مثاب
|
١١٧١
|
محدث مقدور
|
١١٨٥
|
مثبت
|
١١٧١
|
محدثات
|
١١٨٦
|
مثل
|
١١٧١
|
محرّم
|
١١٨٦
|
مثلان
|
١١٧١
|
محرّمات
|
١١٨٦
|
مجاز
|
١١٧٢
|
محسّ
|
١١٨٦
|
مجانسة
|
١١٧٣
|
محسن
|
١١٨٧
|
مجاورة
|
١١٧٤
|
محسّنات عقلية
|
١١٨٧
|
مجاورة توجب
التأليف
|
١١٧٥
|
محظور
|
١١٨٧
|
مجاوزة
|
١١٧٥
|
محك
|
١١٨٨
|
مجبر
|
١١٧٥
|
محكم
|
١١٨٨
|
مجبرة
|
١١٧٥
|
محكم من الأفعال
|
١١٩١
|
محكمات
|
١١٩١
|
مذنب
|
١٢٠٧
|
محمول
|
١١٩٢
|
مذهب
|
١٢٠٧
|
محيل
|
١١٩٢
|
مرئي
|
١٢٠٧
|
مخاطب
|
١١٩٢
|
مراد
|
١٢٠٨
|
مخاطب للمعدوم
|
١١٩٢
|
مراد الله
|
١٢٠٩
|
مخاطبة
|
١١٩٣
|
مرتد
|
١٢٠٩
|
مخالفة
|
١١٩٣
|
مرتكبو الكبائر
|
١٢٠٩
|
مخبر
|
١١٩٣
|
مرجئة
|
١٢١٠
|
مختار
|
١١٩٣
|
مرجّح
|
١٢١١
|
مختار لأفعاله
|
١١٩٤
|
مرزوق
|
١٢١٢
|
مخترع
|
١١٩٤
|
مرغب فيه
|
١٢١٢
|
مخترع
|
١١٩٥
|
مركّب
|
١٢١٢
|
مخترعون
|
١١٩٦
|
مريد
|
١٢١٢
|
مختص باستحقاق
العبادة
|
١١٩٦
|
مريد بإرادة
حادثة
|
١٢٢٠
|
مختلف
|
١١٩٦
|
مريد بإرادة
قديمة
|
١٢٢١
|
مختلفات
|
١١٩٦
|
مريد في الحقيقة
|
١٢٢٢
|
مختلفان
|
١١٩٦
|
مريد لا لنفسه
ولا لعلة
|
١٢٢٢
|
مؤخّر
|
١١٩٧
|
مريد لإرادة
|
١٢٢٢
|
مخطئ
|
١١٩٧
|
مريد للضدين
|
١٢٢٢
|
مخلوق
|
١١٩٧
|
مريد لنفسه
|
١٢٢٣
|
مخلوق للسخرة
|
١٢٠١
|
مزاح العلة
|
١٢٢٣
|
مخلوقات
|
١٢٠١
|
مزدقية
|
١٢٢٣
|
مخلوقون مختارون
|
١٢٠١
|
مسبّب
|
١٢٢٣
|
مخيّر
|
١٢٠١
|
مسبّب واحد عن
سببين
|
١٢٢٦
|
مداخلة
|
١٢٠٢
|
مسبّب يصاحب
السبب
|
١٢٢٦
|
مدبّر
|
١٢٠٢
|
مسبّبات
|
١٢٢٦
|
مدح
|
١٢٠٢
|
مستحب
|
١٢٢٦
|
مدح وثواب على
الفعل
|
١٢٠٤
|
مستحق بالأفعال
|
١٢٢٧
|
مدرك
|
١٢٠٥
|
مستحق بالآلام
|
١٢٢٧
|
مدلول
|
١٢٠٦
|
مستحق بالنظر
والمعارف
|
١٢٢٧
|
مذموم
|
١٢٠٧
|
مستحق به المدح
والثواب
|
١٢٢٧
|
مستحق عليه
العوض
|
١٢٢٧
|
مشيئة الخبر
|
١٢٣٨
|
مستحق للعوض
|
١٢٢٨
|
مصادرة على
المطلوب
|
١٢٣٨
|
مستحيل
|
١٢٢٨
|
مصاكة
|
١٢٣٨
|
مستدل
|
١٢٢٨
|
مصالح
|
١٢٣٨
|
مستطيع
|
١٢٢٩
|
مصالح ومفاسد
شرعية
|
١٢٣٩
|
مستفيض متوسط
بين تواتر وآحاد
|
١٢٢٩
|
مصحف
|
١٢٣٩
|
مستقر الأرواح
|
١٢٣٠
|
مصدّق
|
١٢٣٩
|
مستقيم
|
١٢٣٠
|
مصلحة
|
١٢٤٠
|
مسرور
|
١٢٣٠
|
مصيب
|
١٢٤١
|
مسلم
|
١٢٣٠
|
مضار
|
١٢٤١
|
مسموع
|
١٢٣١
|
مضاف
|
١٢٤١
|
مسمّى
|
١٢٣١
|
مضطر
|
١٢٤١
|
مسمّى الامتناع
|
١٢٣٢
|
مضطر مختار
|
١٢٤٢
|
مسمّى الحدوث
|
١٢٣٢
|
مطاع
|
١٢٤٢
|
مسمّيان
|
١٢٣٢
|
مطبوع
|
١٢٤٢
|
مسنون
|
١٢٣٢
|
مطبوع محدث
|
١٢٤٣
|
مسيح
|
١٢٣٢
|
مطبوع مضطر
|
١٢٤٣
|
مشاركة
|
١٢٣٣
|
مطلق مخلّى
|
١٢٤٣
|
مشاهد
|
١٢٣٣
|
مطلق مخلى
|
١٢٤٣
|
مشاهدة
|
١٢٣٣
|
مطلوب
|
١٢٤٤
|
مشبّه
|
١٢٣٣
|
مطيع
|
١٢٤٤
|
مشبّهة
|
١٢٣٤
|
مع
|
١٢٤٤
|
مشتبهان
|
١٢٣٤
|
معاد
|
١٢٤٤
|
مشخّص
|
١٢٣٤
|
معاداة
|
١٢٤٥
|
مشرك
|
١٢٣٤
|
معارضة العلة
بالعلة
|
١٢٤٥
|
مشقّة
|
١٢٣٤
|
معارف
|
١٢٤٥
|
مشيئة
|
١٢٣٥
|
معارف ضرورية
|
١٢٤٦
|
مشيئة الإلجاء
|
١٢٣٧
|
معاص
|
١٢٤٧
|
مشيئة الإلجاء
والاضطرار
|
١٢٣٧
|
معان
|
١٢٤٧
|
مشيئة الله
|
١٢٣٨
|
معان قائمة
بأجسام
|
١٢٤٨
|
مشيئة التفويض
|
١٢٣٨
|
معان معدومة
|
١٢٤٨
|
معتاد
|
١٢٤٨
|
معلوم
|
١٢٧١
|
معتزلة
|
١٢٤٨
|
معلوم بالإلهام
|
١٢٧٤
|
معتزلي
|
١٢٤٩
|
معلوم بالتجارب
والرياضات
|
١٢٧٤
|
معتقد
|
١٢٤٩
|
معلوم بالشرع
|
١٢٧٤
|
معجز
|
١٢٥٠
|
معلوم بالضرورة
|
١٢٧٤
|
معجزات
|
١٢٥٢
|
معلوم بالعادة
|
١٢٧٤
|
معجزة
|
١٢٥٣
|
معلوم بالعقل
|
١٢٧٤
|
معدوم
|
١٢٥٥
|
معلوم بالعقل
والسمع
|
١٢٧٥
|
معدومات
|
١٢٦٣
|
معلوم بالقياس
والنظر
|
١٢٧٥
|
معرّض
|
١٢٦٤
|
معلوم بمجرد
السمع
|
١٢٧٥
|
معرّض لغيره
|
١٢٦٤
|
معلوم بالنظر
والاستدلال
|
١٢٧٥
|
معرّض للثواب
|
١٢٦٤
|
معلوم في العدم
|
١٢٧٥
|
معرفة
|
١٢٦٤
|
معلوم معدوم
|
١٢٧٦
|
معرفة الله
|
١٢٦٦
|
معلومات
|
١٢٧٦
|
معرفة بأعيان
الواجبات
|
١٢٦٦
|
معنى
|
١٢٧٧
|
معرفة بالأدلة
|
١٢٦٧
|
معونة
|
١٢٧٧
|
معرفة بدلالة
|
١٢٦٧
|
معيّة
|
١٢٧٨
|
معرفة بالصانع
|
١٢٦٧
|
مغتمّ
|
١٢٧٨
|
معرفة حال
الواجب
|
١٢٦٧
|
مفارقة
|
١٢٧٨
|
معروف
|
١٢٦٧
|
مفارقة الإدراك
للنظر
|
١٢٧٨
|
معروف بالشرع
وبالعقل
|
١٢٦٨
|
مفارقة ومباعدة
|
١٢٧٨
|
معصوم
|
١٢٦٨
|
مفاضلة
|
١٢٧٩
|
معصية
|
١٢٦٩
|
مفاعلة
|
١٢٧٩
|
معصية كبيرة
|
١٢٧٠
|
مفترق
|
١٢٧٩
|
معطّلة
|
١٢٧٠
|
مفرد بالجنس
|
١٢٧٩
|
معقول
|
١٢٧٠
|
مفرد في ذاته
|
١٢٧٩
|
معلول
|
١٢٧٠
|
مفردات
|
١٢٨٠
|
معلول شخصي
|
١٢٧١
|
مفسدة
|
١٢٨٠
|
معلول العلة
|
١٢٧١
|
مفسدة في الواجب
|
١٢٨٢
|
معلولان عن علة
واحدة
|
١٢٧١
|
مفضول
|
١٢٨٢
|
معلولان
متماثلان
|
١٢٧١
|
مفعول
|
١٢٨٢
|
مفعول بالاختيار
|
١٢٨٣
|
مقروء
|
١٣٠٦
|
مفعول بسبب
|
١٢٨٣
|
مقض
|
١٣٠٦
|
مفعولات
|
١٢٨٣
|
مقطوع وموصول
|
١٣٠٦
|
مفكّر قبل ورود
السمع
|
١٢٨٣
|
مقلّد
|
١٣٠٦
|
مفهوم الخطاب
|
١٢٨٣
|
مقول
|
١٣٠٧
|
مفوضون
|
١٢٨٤
|
مقول له
|
١٣٠٧
|
مقابلة بين
الأضداد
|
١٢٨٤
|
مقوّم
|
١٣٠٧
|
مقادير عرضية
|
١٢٨٤
|
مقيّد
|
١٣٠٧
|
مقتدر
|
١٢٨٤
|
مكان
|
١٣٠٧
|
مقتض
|
١٢٨٤
|
مكتسب
|
١٣٠٩
|
مقتول
|
١٢٨٥
|
مكتسب
|
١٣١٠
|
مقدار
|
١٢٨٦
|
مكتسبات
|
١٣١٠
|
مقدّر
|
١٢٨٦
|
مكتوب
|
١٣١٠
|
مقدّرين
|
١٢٨٧
|
مكروه
|
١٣١١
|
مقدّم
|
١٢٨٧
|
مكلّف
|
١٣١١
|
مقدور
|
١٢٨٨
|
مكلّف بالإرادة
|
١٣١٧
|
مقدور الله
|
١٢٩٥
|
مكلّف بالتقديم
والفعل
|
١٣١٨
|
مقدور بقدرتين
|
١٢٩٥
|
مكلّف قبل ورود
السمع
|
١٣١٨
|
مقدور بين
قادرين
|
١٢٩٦
|
مكلّف متصوّر
|
١٣١٨
|
مقدور العباد
مما لا يدخله تضاد
|
١٢٩٨
|
مكلّم
|
١٣١٨
|
مقدور الغير
|
١٢٩٨
|
ملائكة
|
١٣١٩
|
مقدور القادر
|
١٢٩٩
|
ملّة الإسلام
|
١٣١٩
|
مقدور القدرة
|
١٢٩٩
|
ملتذ
|
١٣١٩
|
مقدور لقادرين
|
١٢٩٩
|
ملجأ
|
١٣١٩
|
مقدور محكم
|
١٣٠١
|
ملجأ إلى ألا
يفعل القبيح
|
١٣٢٢
|
مقدور من قادرين
|
١٣٠٢
|
ملجأ إلى الفعل
|
١٣٢٢
|
مقدور واحد
|
١٣٠٢
|
ملجأ بطريقة
المنافع ودفع المضار
|
١٣٢٢
|
مقدور واحد
بقدرتين
|
١٣٠٢
|
ملجأ بطريقة
المنع
|
١٣٢٢
|
مقدورات
|
١٣٠٢
|
ملحد
|
١٣٢٣
|
مقدورات القدر
|
١٣٠٥
|
ملك
|
١٣٢٣
|
مقدوران
|
١٣٠٥
|
مماثلة
|
١٣٢٤
|
مماسة
|
١٣٢٤
|
منشئ
|
١٣٣٨
|
ممتنع
|
١٣٢٥
|
منع
|
١٣٣٨
|
ممتنع الكون لا
باعتبار ذاته
|
١٣٢٥
|
منع عن الفعل
|
١٣٤١
|
ممتنع الكون
لنفسه
|
١٣٢٥
|
منع في القادر
|
١٣٤١
|
ممدوح
|
١٣٢٦
|
منع في نفس
المقدور
|
١٣٤١
|
ممكن
|
١٣٢٦
|
منع من الفعل
|
١٣٤٢
|
ممكن لذاته
|
١٣٢٨
|
منع من الكفر
|
١٣٤٢
|
ممكن محال
|
١٣٢٩
|
منعم
|
١٣٤٢
|
ممكنات
|
١٣٢٩
|
منفرد
|
١٣٤٢
|
ممكّنون
|
١٣٢٩
|
منفعة
|
١٣٤٢
|
ممنوع
|
١٣٢٩
|
منفيّ
|
١٣٤٣
|
ممنوع من الفعل
|
١٣٣٢
|
منكر
|
١٣٤٣
|
من
|
١٣٣٢
|
منهيّ
|
١٣٤٣
|
منافاة الشيء
غيره
|
١٣٣٢
|
منهي عنه
|
١٣٤٣
|
منافرة
|
١٣٣٣
|
مهتد
|
١٣٤٣
|
منافع
|
١٣٣٣
|
موات
|
١٣٤٤
|
منافق
|
١٣٣٤
|
موازنة
|
١٣٤٤
|
مناقضة
|
١٣٣٤
|
موازين
|
١٣٤٤
|
مناكير
|
١٣٣٤
|
مواضعة
|
١٣٤٤
|
منانية
|
١٣٣٥
|
مواطأة
|
١٣٤٦
|
منبّه
|
١٣٣٥
|
موافاة
|
١٣٤٦
|
منتظر
|
١٣٣٥
|
موالاة
|
١٣٤٧
|
منتظرون
|
١٣٣٥
|
موت
|
١٣٤٧
|
منتف
|
١٣٣٥
|
موت أول
|
١٣٤٨
|
مندوب
|
١٣٣٦
|
موت ثان
|
١٣٤٨
|
مندوب إليه
|
١٣٣٦
|
موجب
|
١٣٤٨
|
منزّل ومنزول
|
١٣٣٦
|
موجب بالذات
|
١٣٤٩
|
منزلة بين
المنزلتين
|
١٣٣٦
|
موجب لقبح الفعل
|
١٣٤٩
|
منزلة الثواب
|
١٣٣٧
|
موجب لكون الفعل
قبيحا أو حسنا
|
١٣٤٩
|
منزول عليه وبه
|
١٣٣٧
|
موجبات العقول
|
١٣٤٩
|
منسوخ
|
١٣٣٨
|
موجد الأمر
|
١٣٥٠
|
موجد لتصرّف
العباد
|
١٣٥٠
|
نبي
|
١٣٦٤
|
موجود
|
١٣٥٠
|
ندب
|
١٣٦٦
|
موجود بنفسه
|
١٣٥٥
|
ندم
|
١٣٦٨
|
موجود ثابت
|
١٣٥٥
|
نزول
|
١٣٦٩
|
موجود العين
|
١٣٥٥
|
نسب
|
١٣٦٩
|
موجود في الذهن
|
١٣٥٥
|
نسخ
|
١٣٦٩
|
موجود ليس بحي
|
١٣٥٥
|
نسيء
|
١٣٧٢
|
موجود محدث
|
١٣٥٥
|
نشأة
|
١٣٧٢
|
موجود مطلق
|
١٣٥٦
|
نصارى
|
١٣٧٢
|
موجود من
الوجهين
|
١٣٥٦
|
نصب الأدلة
|
١٣٧٣
|
موجودات
|
١٣٥٦
|
نصب الإمام
|
١٣٧٣
|
موجودية
|
١٣٥٧
|
نصر
|
١٣٧٣
|
موحى
|
١٣٥٧
|
نصرة
|
١٣٧٣
|
موصوف
|
١٣٥٧
|
نطق
|
١٣٧٤
|
موصول
|
١٣٥٨
|
نظر
|
١٣٧٤
|
موضوع
|
١٣٥٨
|
نظر أول
الواجبات
|
١٣٨٦
|
مولّد
|
١٣٥٨
|
نظر بالعين
|
١٣٨٦
|
ميزان
|
١٣٥٩
|
نظر الرؤية
|
١٣٨٦
|
ن
|
|
نظر صحيح
|
١٣٨٦
|
ناجية
|
١٣٦١
|
نظر عالم
بالدليل
|
١٣٨٦
|
نار
|
١٣٦١
|
نظر فاسد
|
١٣٨٧
|
ناسخ
|
١٣٦١
|
نظر في أدلة
الشيء الواحد
|
١٣٨٧
|
ناظر
|
١٣٦١
|
نظر في الأمارات
|
١٣٨٧
|
ناظرة
|
١٣٦٢
|
نظر في أمور
الدنيا
|
١٣٨٧
|
نافلة
|
١٣٦٢
|
نظر في باب
الدنيا
|
١٣٨٧
|
ناه
|
١٣٦٢
|
نظر في باب
الدين
|
١٣٨٨
|
نبئ
|
١٣٦٢
|
نظر في الدلالة
|
١٣٨٩
|
نبوءة
|
١٣٦٢
|
نظر في الدليل
|
١٣٨٩
|
نبوات
|
١٣٦٣
|
نظر في معرفة
الله
|
١٣٨٩
|
نبوة
|
١٣٦٣
|
نظر في النبوات
|
١٣٩٠
|
موجد لتصرّف
العباد
|
١٣٥٠
|
نظر مخصوص
|
١٣٩٠
|
نظر معيّن
|
١٣٩١
|
نهي محرّم
|
١٤٠١
|
نظر مقرون
بالقلب
|
١٣٩١
|
نوافل
|
١٤٠١
|
نظر موصل إلى
المعارف
|
١٣٩١
|
نوافل شرعية
|
١٤٠٢
|
نظر هو سبب
المعرفة
|
١٣٩١
|
نور
|
١٤٠٣
|
نظر واجب
|
١٣٩٢
|
نوع
|
١٤٠٣
|
نظر واحد
|
١٣٩٢
|
نوعية
|
١٤٠٣
|
نظر ووقوع
المعرفة
|
١٣٩٢
|
نوم
|
١٤٠٣
|
نظريات
|
١٣٩٢
|
نية
|
١٤٠٤
|
نظم قياس
|
١٣٩٢
|
ه
|
|
نعم
|
١٣٩٣
|
هجرة
|
١٤٠٥
|
نعمة
|
١٣٩٣
|
هداية
|
١٤٠٥
|
نعيم
|
١٣٩٤
|
هدى
|
١٤٠٦
|
نفاذ في الأمور
|
١٣٩٤
|
هدي
|
١٤٠٨
|
نفاق
|
١٣٩٤
|
هستية
|
١٤٠٩
|
نفس
|
١٣٩٤
|
هلاك
|
١٤٠٩
|
نفع
|
١٣٩٥
|
هوية
|
١٤٠٩
|
نفل
|
١٣٩٦
|
هيئات
|
١٤٠٩
|
نفور الطبع
|
١٣٩٦
|
هيئات الأجسام
|
١٤١٠
|
نفي
|
١٣٩٧
|
هيئة
|
١٤١٠
|
نفي الاضطرار
|
١٣٩٨
|
هيّأ
|
١٤١٠
|
نفي البقاء معنى
|
١٣٩٨
|
هيولى
|
١٤١٠
|
نقصان
|
١٣٩٨
|
و
|
|
نقط
|
١٣٩٨
|
واجب
|
١٤١١
|
نقطة
|
١٣٩٨
|
واجب بذاته
|
١٤٢٢
|
نقل
|
١٣٩٨
|
واجب عدل
|
١٤٢٢
|
نقلة
|
١٣٩٩
|
واجب على
الأعيان
|
١٤٢٢
|
نقليات
|
١٣٩٩
|
واجب على
الكفاية
|
١٤٢٣
|
نهاية
|
١٣٩٩
|
واجب عليه تعالى
|
١٤٢٣
|
نهي
|
١٣٩٩
|
واجب لذاته
|
١٤٢٣
|
نهي عن المنكر
|
١٤٠٠
|
|
|
نهي عن المنكر
وأمر بالمعروف
|
١٤٠١
|
|
|
واجب مخيّر
|
١٤٢٣
|
وجه يحسن
الإيجاب لأجله
|
١٤٣٦
|
واجب مخيّر فيه
|
١٤٢٤
|
وجه يحسن عليه
من العبد طلب رزق
|
١٤٣٦
|
واجب مضيّق
|
١٤٢٤
|
وجه يصير للعلم
معه ما ليس لغيره
|
١٤٣٦
|
واجب مضيّق ومخيّر
|
١٤٢٤
|
وجوب
|
١٤٣٧
|
واجب معيّن
|
١٤٢٤
|
وجوب الألطاف
|
١٤٣٩
|
واجبات
|
١٤٢٤
|
وجوب الإمام
|
١٤٣٩
|
واجبات شرعية
|
١٤٢٦
|
وجوب الإمامة
|
١٤٣٩
|
واجبات عقلية
|
١٤٢٦
|
وجوب بالذات
|
١٤٤٠
|
واحد
|
١٤٢٧
|
وجوب التوبة
|
١٤٤٠
|
واحد مطلق
|
١٤٢٩
|
وجوب ساقط
|
١٤٤٠
|
واحدية
|
١٤٢٩
|
وجوب شرعي
|
١٤٤٠
|
واسطة
|
١٤٣٠
|
وجوب شكر المنعم
|
١٤٤٠
|
وجدانيات
|
١٤٣٠
|
وجوب الشيء
|
١٤٤١
|
وجه
|
١٤٣٠
|
وجوب الفعل
|
١٤٤١
|
وجه إيجاب
المعارف
|
١٤٣١
|
وجوب قيام
الإمام
|
١٤٤٢
|
وجه حسن ابتداء
الله لخلق الخلق
|
١٤٣١
|
وجوب لاحق
|
١٤٤٢
|
وجه حسن الفعل
|
١٤٣١
|
وجوب اللطف
|
١٤٤٢
|
وجه الحكمة في
ابتدائه تعالى الخلق
|
١٤٣٢
|
وجوب مخيّر
|
١٤٤٣
|
وجه الحكمة في
الأفعال
|
١٤٣٢
|
وجوب مصلحة
|
١٤٤٣
|
وجه الحكمة في
التكليف
|
١٤٣٣
|
وجوب النبوة
عقلا
|
١٤٤٤
|
وجه الحكمة في
خلق المكلّف
|
١٤٣٣
|
وجوب النظر
|
١٤٤٤
|
وجه الحكمة فيما
خلقه تعالى ابتداء
|
١٤٣٣
|
وجوب النظر في
معرفة الله
|
١٤٤٥
|
وجه دلالة
المعجزات على النبوات
|
١٤٣٣
|
وجوب النظر
والمعارف
|
١٤٤٥
|
وجه القبح
|
١٤٣٤
|
وجوب الواجب
|
١٤٤٥
|
وجه له يجب
الفعل
|
١٤٣٤
|
وجود
|
١٤٤٦
|
وجه له يجب
النظر والمعرفة
|
١٤٣٤
|
وجود بالسبب
|
١٤٤٩
|
وجه له يحسن منه
تعالى إرادة الخلق
|
١٤٣٤
|
وجود حسي
|
١٤٤٩
|
وجه من الوجوه
|
١٤٣٥
|
وجود خيالي
|
١٤٥٠
|
وجه الوجوب
|
١٤٣٥
|
وجود ذاتي
|
١٤٥٠
|
وجه وجوب الصلاة
|
١٤٣٥
|
وجود شبهي
|
١٤٥٠
|
وجه وجوب يختص
به الواجب
|
١٤٣٦
|
وجود عقلي
|
١٤٥٠
|
وجود المقدور
|
١٤٥٠
|
وعيدية
|
١٤٥٩
|
وجود الموجود من
جهتين
|
١٤٥١
|
وقت
|
١٤٥٩
|
وجوه
|
١٤٥١
|
وقت صحة الإيمان
والمعرفة
|
١٤٦٠
|
وجوه الاعتبارات
|
١٤٥١
|
وقت القتل
|
١٤٦٠
|
وجوه التعلّق
|
١٤٥٢
|
وقت وجوب
الإيمان
|
١٤٦٠
|
وجوه الحسن في
أفعالنا
|
١٤٥٢
|
وقت يستحق فيه
العقاب أو الثواب
|
١٤٦٠
|
وجوه القبح
|
١٤٥٢
|
وقوع
|
١٤٦١
|
وجوه لها يحسن
من القديم الفعل
|
١٤٥٣
|
وقوع الفعل
|
١٤٦١
|
وجوه لها يقبح
القبيح
|
١٤٥٣
|
وقوع فعل من
فاعلين
|
١٤٦١
|
وجوه وقوع
العلوم الضرورية
|
١٤٥٣
|
وقوع الفعل من
القادر
|
١٤٦٢
|
وحدانية
|
١٤٥٣
|
وكيل
|
١٤٦٢
|
وحدة
|
١٤٥٤
|
ولاية
|
١٤٦٢
|
وحي
|
١٤٥٤
|
وليّ
|
١٤٦٣
|
وحيد
|
١٤٥٤
|
وهم
|
١٤٦٣
|
وزن الأعمال
|
١٤٥٤
|
ي
|
|
وسع
|
١٤٥٤
|
يد
|
١٤٦٤
|
وصف
|
١٤٥٤
|
يدان
|
١٤٦٤
|
وصف وصفة
|
١٤٥٥
|
يعقوبية
|
١٤٦٥
|
وصية
|
١٤٥٥
|
يقضي بحكمه
|
١٤٦٥
|
وضع
|
١٤٥٥
|
يقين
|
١٤٦٥
|
وعد
|
١٤٥٦
|
يوم الجمع
|
١٤٦٥
|
وعد
|
١٤٥٦
|
يوم الدين
|
١٤٦٥
|
وعد ووعيد
|
١٤٥٧
|
يوم الفصل
|
١٤٦٥
|
وعيد
|
١٤٥٨
|
|
|
|