أ

أئمة

ـ ينبغي أن يكون في كل وقت إمام ناطق ، وآخر ساكت ، والأئمة يكونون آلهة ، ويعرفون الغيب ، ويقولون (الخطابيّة) : إنّ عليّا كان في وقت النبي صامتا ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ناطقا ، ثم صار عليّ بعده ناطقا. وهكذا يقولون في الأئمة ، إلى أن انتهى الأمر إلى جعفر ، وكان أبو الخطّاب في وقته إماما صامتا ، وصار بعده ناطقا (ب ، ف ، ٢٤٨ ، ٢)

إباحة

ـ أمّا مثال الإباحة ، فهو كذبح البهائم فإنّ البهائم ، إنّما تستحقّ العوض على الله تعالى إذا ذبحناها ، دوننا ، من حيث أنّه هو المبيح لذلك (ق ، ش ، ٥٠٢ ، ١٥)

ـ الإباحة تتضمّن معنى الإرادة ، وإن لم يجب في الحقيقة ، فيما أباحه أن يكون مريدا ، لكنّه لا فرق بين أن يجب أن لا يكون كارها في أنّه ينافي ما يقتضيه كونه كارها ، وبين أن يجب أن يكون مريدا ، في منافاته لكونه كارها ، فالحال واحدة ، في التناقض ؛ وكذلك القول في الإباحة والإيجاب ، لأن الحظر يتضمّن معنى الكراهة لتركه ، والإباحة بالضدّ من ذلك ، والإيجاب يتضمّن كونه مرادا ، والإباحة تتضمّن نفي ذلك (ق ، غ ١٦ ، ٥٨ ، ١٤)

ـ الإباحة هي تخيير بين الفعل وتركه (ب ، م ، ٨٣ ، ٥)

ـ إذا لم يكن للحسن صفة زائدة على حسنه ، وصف بأنّه" مباح". ويفيد أنّ مبيحا أباحه. ومعنى الإباحة هو إزالة الحظر ، والمنع بالزجر والوعد وغيرهما ممّن يتوقّع منه المنع (ب ، م ، ٣٦٦ ، ١٠)

ـ الإباحة : هي الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل (ج ، ت ، ٢٩ ، ١)

إباحة عقلية

ـ الذي يذهب إليه مشايخنا رحمهم‌الله ، في هذا الباب أنّ كل فعل للمكلّف فيه غرض من نفع أو غيره ، وخرج ذلك الفعل من أن يجري مجرى الحقوق ، ولم يكن إضرارا به ولا بغيره في عاجل ولا آجل فيجب أن يدخل في باب الإباحة العقليّة (ق ، غ ١٧ ، ١٤٥ ، ٦)

إبانة

ـ ذكر شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في التعداديّات : أنّ اللطف والإبانة لا يصحّ كونهما جهة لحسن التكليف ، وما لا يكون جهة لحسنه قد يقع التكليف على شروط حسنة (ق ، غ ١٤ ، ١٨٧ ، ٢)

ابتداء

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : والمعتزلة تكفره (بشر بن المعتمر) لقوله : إنّ عند الله لطيفة لو أتاها الخلق لآمنوا ، وقوله : إنّ ابتداء الخلق في الجنّة كان أصلح لهم من ابتدائهم في الدنيا ، وإنّ إماتة الله من علم أنّه يكفر خير له من تبقيته (خ ، ن ، ٥٢ ، ١٩)

ـ الابتداء خلق الشيء أوّل مرّة ، والإعادة خلقه مرّة أخرى (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ٣)

ـ قال" هشام بن عمرو الفوطي" : ابتداء الشيء مما يجوز أن يعاد غيره ، وابتداؤه ممّا لا يجوز أن يعاد ليس بغيره ، والإرادة المراد (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ٥)

ـ إنّ الله تعالى حكم في الشيء بحكم مثله وجعل سبيل النظير ومجراه مجرى نظيره وقد قال تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (الروم : ١١) وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم : ٢٧) يريد وهو هيّن عليه فجعل الابتداء كالإعادة (ش ، ل ، ٩ ، ٩)

ـ كان (الأشعري) يقول في الإدراك إنّ الله تعالى هو المخترع له في الأبصار عند وجود الضياء والمقابلة ، ولو أراد أن يخلقه مع عدم الضياء والمقابلة كان على ذلك قادرا وكان كونه صحيحا. وكان يقول إنّ ذلك نظير إحداثه الإنسان عن النطفة عقيب الوطء والزرع عند البذر عقيب الحرث ، وإنّه قادر أن يبتدئ ذلك ابتداء من غير تقدّم بذر ولا حرث (أ ، م ، ١٣٣ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول : " ابتداء الشيء حدوثه وافتتاحه وهو وجوده عن أوّل ، وإنّ الابتداء هو نفس المبتدأ" ، وهذا كقوله في أنّ الفعل هو نفس المفعول والإحداث هو نفس المحدث (أ ، م ، ٢٤٢ ، ١٨)

ـ كان شيخنا أبو علي رحمه‌الله يذهب إلى أنّه تعالى لا يفعل بأسباب ، ولا يصحّ ذلك فيه كما لا يصحّ أن يفعل بالآلة ، ويقول : إنّ القول بذلك يوجب حاجته إلى السبب ، فإذا ثبت أنّه يتعالى عن الحاجة علم أنّ كل ما يفعله إنّما يفعله على جهة الاختراع والابتداء ، وإنّما يقال إنّه بسبب يوجب الفعل ، إنّما يفعل الفعل عنده لا أنّه يفعله به ويفارق حاله حالنا ، لأنّ الواحد منّا لا يمتنع من حيث كان قادرا بقدرة أن يحتاج إلى السبب كما يحتاج إلى الآلة وإلى استعمال محلّ القدرة (ق ، غ ٩ ، ٩٤ ، ٧)

ابتداء بالتكليف

ـ إذا حسن منه تعالى الابتداء بالتكليف ـ وذلك يتضمّن إلزام ما يشقّ ـ فإنّما يحسن ذلك تعريضا للنفع (لا) لأنّه مستحقّ على ذنب قد تقدّم (ق ، غ ١٣ ، ٤١٩ ، ٧)

ابتداء التكليف

ـ قالوا (أهل السنّة) في ابتداء التكليف : إنّ الله تعالى لو لم يكلّف عباده شيئا كان عدلا منه ، وهذا خلاف قول من زعم من القدرية أنّه لو لم يكلّفهم لم يكن حكيما (ب ، ف ، ٢٤١ ، ١٨)

ابتداء الخلق

ـ إنّ ابتداء خلقه (الله) إنّما يكون بالولادة والتربية وقطع السرّة والقماط وخروج الأسنان وغير ذلك من الآيات الموجعة المؤلمة ، وإعادته إنّما تكون دفعة واحدة ليس فيها من ذلك شيء فهي أهون عليه من ابتدائه. فهذا ما احتجّ به على الطائفة المقرّة بالخلق (ش ، ل ، ٩٠ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ الذي يجب أن يحصل في هذا الباب أنّ أفعاله يجب كونها حسنة ، ويجب أن تثبت على وجه لو لا كونها عليه لكانت قبيحة ، أو اقتضى كونه غير فاعل لما وجب عليه. وهذه الجملة تقتضي في بعض أفعاله أنّه واجب ، وفي بعضه أنّه يختصّ بكونه حسنا فقط ، وفي بعضه أنّ له صفة زائدة على حسنه. فمثال الوجه الثالث ابتداء الخلق وسائر ما خلقه من

الحياة والعقل والشهوة والمشتهى ، لأنّ جميع ذلك تفضّل منه تعالى ، وإحسان يستحقّ عليه المدح والشكر ، ولا يصحّ كونه مستحقّا لذلك إلّا وله صفة زائدة على كونه حسنا. ولو انتفى عنه كونه إحسانا لوجب كونه عبثا قبيحا ، فيجب فيما حلّ هذا المحلّ أن يختصّ بصفة زائدة على حسنه تجري مجرى الندب منّا. ومثال الوجه الثاني العقاب ، لأنّه من حيث كان مستحقّا يحسن فعله ، ولا يستحقّ تعالى به المدح والشكر ، فهو إذا بمنزلة المباح منّا. وكذلك القول في إعادة المعاقب ، وسائر ما يفعله تعالى لكي يفعل به العقاب. ومثال الوجه الأول تمكين المكلّف وإثباته ؛ لأنّه تعالى بالتكليف قد التزم فعل ذلك ، فلا بدّ من كونه واجبا ، ولو فعله لا على الوجه الذي يقتضي وجوبه لأدّى ذلك إلى كونه سبحانه مخلّا بالواجب وهذا في أنّه يمتنع عليه بمنزلة فعل القبيح. فعلى هذه الوجوه يجب أن يعتبر القول في أفعاله تعالى (ق ، غ ١١ ، ٦٨ ، ٦)

ـ لا بدّ للواجب من وجه يجب لأجله ، ومتى لم يعلم ذلك على جمله أو تفصيله ، لم يحصل العلم بوجوبه ، وليس لابتداء الخلق وجه يمكن تعليق الوجوب به ، فيجب نفي وجوبه (ق ، غ ١٤ ، ١١٠ ، ١٩)

ابتداء الخلق في الجنة ـ إنّه يحسن منه تعالى أن يبتدئ الخلق في الجنّة ، وأن يخلقهم بصفة البهائم ، أو بصفة العقلاء الذين لا يحسن تكليفهم للإلجاء ، وما يجري مجراه (ق ، غ ١١ ، ١٣٧ ، ١٣)

ابتداء عدل

ـ كان (الأشعري) يقول في العقاب إنّه ابتداء عدل من الله تعالى لم يوجبه سبب متقدّم من كفر ومعصية ، بل كان كفر الكافر بخذلانه وحرمانه وإضلاله ، وإنّه لو عفا عن الكفّار جميعا وأدخلهم الجنّة كان ذلك لائقا برحمته غير منكر في حكمته ، ولكنّا إنّما قطعنا بعذابهم على طريق التأبيد للخبر المجمع على عمومه. وقطعنا بثواب المؤمنين على التأبيد للخبر الذي قارنه الإجماع على تعميم صورته وصيغته ، فقضينا به وحكمنا أنّ ذلك كائن لهم لا محالة. وبيّنا لك أنّه كان يجوّز في العقل أن يعفو الله تعالى عن واحد ويعاقب من كان على مثل جرمه ولا يكون ذلك منه جورا ، بل العفو منه تفضّل وتركه ليس بجور (أ ، م ، ١٦٣ ، ١٣)

ابتداء فضل

ـ إنّ الثواب من الله تعالى ابتداء فضل غير مستحقّ للمؤمن عليه بعمله ، بل عمل المؤمن بالطاعة له ابتداء فضل منه وتوفيق له ، وإنّه لا يصحّ أن يستحقّ أحد على الله تعالى حقّا بعمله ومن قبله بوجه إلّا ما أوجب الله تعالى للمؤمنين بفضله ابتداء ، لا لسبب متقدّم. وعلى ذلك كان يجوز أن يتفضّل على من لم يعمل ولم يطع فيبلغ به ثواب المطيع ويزيده أيضا ، وأن يتفضّل على أحدهما بأكثر ممّا يتفضّل على غيره (أ ، م ، ١٦٣ ، ٨)

ابتداع

ـ قوله ابتدع الخلق على غير مثال امتثله يحتمل وجهين : أحدهما أن يريد بامتثاله مثله كما تقول صنعت واصطنعت بمعنى ، فيكون التقدير أنّه لم يمثّل لنفسه مثالا قبل شروعه في خلق العالم ، ثم احتذى ذلك المثال وركّب العالم على

حسب ترتيبه ، كالصانع الذي يصوغ حلقة من رصاص مثالا ثم يصوغ حلقة من ذهب عليها ، وكالبنّاء يقدّر ويفرض رسوما وتقديرات في الأرض وخطوطا ثم يبني بحسبها ، والوجه الثاني أنّه يريد بامتثله احتذاه وتقبّله واتّبعه ، والأصل فيه امتثال الأمر في القول ، فنقل إلى احتذاء الترتيب العقليّ ، فيكون التقدير أنّه لم يمثّل له فاعل آخر قبله مثالا اتّبعه واحتذاه وفعل نظيره كما يفعل التلميذ في الصباغة والنجارة شيئا قد مثّل له أستاذه صورته وهيئته (أ ، ش ٢ ، ١٤٣ ، ٢٦)

ـ يقول عليه‌السلام (علي) إنّه ابتدع الخلق على غير مثال قدّمه لنفسه ولا قدّم له غيره ليحتذي عليه ، وأرانا من عجائب صنعته ومن اعتراف الموجودات كلها بأنّها فقيرة محتاجة إلى أن يمسكها بقوّته ما دلّنا على معرفته ضرورة ، وفي هذا إشارة إلى أنّ كل ممكن مفتقر إلى المؤثّر ، ولمّا كانت الموجودات كلها غيره سبحانه ممكنة ، لم تكن غنية عنه سبحانه بل كانت فقيرة إليه ، لأنّها لولاه ما بقيت ، فهو سبحانه غني عن كل شيء ولا شيء من الأشياء مطلقا بغنى عنه سبحانه ، وهذه من خصوصية الإلهية (أ ، ش ٢ ، ١٤٤ ، ٧)

ـ قال (علي) : وأقام العوج وأوضح الطريق وجمع بين الأمور المتضادّة ، ألا ترى أنّه جمع في بدن الحيوانات والنبات بين الكيفيات المتباينة المتنافرة من الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، ووصل أسباب أنفسها بتعديل أمزجتها ، لأنّ اعتدال المزاج أو القرب من الاعتدال سبب بقاء الروح ، وفرّقها أجناسا مختلفات الحدود والأقدار والخلق والأخلاق والأشكال ، أمورا عجيبة بديعة مبتكرة الصنعة غير محتذ بها حذو صانع سابق ، بل مخلوقة على غير مثال قد أحكم سبحانه صنعها وخلقها على موجب ما أراد ، وأخرجها من العدم المحض إلى الوجود ، وهو معنى الابتداع (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٢٧)

ابتدع

ـ إنّ الله عزوجل خلق الأشياء وابتدعها مخترعا لها لا من شيء ولا على أصل متقدّم ، وإذ لا شكّ في هذا فليس شيء متوهّم أو مسئول يتعذر من قدرة الخالق عزوجل ، إذ كل ما شاء كونه كوّنه ولا فرق بين خلقه عزوجل كل ذلك في هذه الدار ، وبين خلقه كذلك في الدار الآخرة (ح ، ف ٢ ، ١٠٧ ، ٣)

ابتلاء

ـ لله ابتلاءان في خلقه ـ والابتلاء هو الاختبار ـ ابتلاء بنعمة وابتلاء بمصيبة. وبقدر عظمها يجب التكليف من الله عليها. فبقدر ما خوّلك من النعمة يستأديك الشكر. ولو تقصّى الله على خلقه لعذّبهم (ج ، ر ، ١٠ ، ٤)

ـ قوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ) (البقرة : ١٢٤). قيل : الابتلاء والامتحان في الشاهد ؛ استفادة علم خفي عليه من الممتحن والمبتلي به ، ليقع عنه علم ما كان ملتبسا عليه. وفي الغائب لا يحتمل ذلك ؛ إذ الله ـ عزوجل ـ (عالم) في الأزل بما كان ، وبما يكون في أوقاته أبدا (م ، ت ، ٢٧٦ ، ١٣)

إبداء

ـ إنّ الإبداء والإعادة متساويان في قدرة من هو قادر على الطرد والعكس من إخراج الميت من

الحيّ وإخراج الحيّ من الميت وإحياء الميت وإماتة الحيّ (ز ، ك ٣ ، ٢١٨ ، ٨)

إبداع

ـ إنّ معنى فعل الله هو الإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، وصيّرت المعتزلة ذلك معنى فعل العبد (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١٠)

ـ الخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢٢)

ـ لو كان الفعل منتسبا إلى العبد إبداعا لوجب أن يكون في حال إبداعه عالما بجميع أحواله ، ويستحيل من العبد الإحاطة بجميع وجوه الفعل في حالة واحدة لأمرين ، أحدهما أنّ العلم الحادث لا يتعلّق بمعلومين في حالة واحدة وذلك لجواز طريان الجهل على العالم بأحد الوجهين ، فيؤدّي إلى أن يكون عالما جاهلا بمعلوم واحد في حالة واحدة ويكون علمه علما من وجه وجهلا من وجه. الثاني أنّ وجوه المعلومات في الفعل تنقسم إلى ما يعلم ضرورة وإلى ما يعلم نظرا ، فيحتاج حالة الإيجاد في تحصيل ذلك العلم إلى نظر وهو اكتساب ثان ، وربما يحتاج إلى معرفة الضروريّ والنظريّ من وجوه الاكتساب فيؤدّي إلى التسلسل حتى لا يصل إلى إيجاد الفعل المطلوب (ش ، ن ، ٦٩ ، ١٥)

ـ أمّا قوله فاعل لا بمعنى الحركات والآلة فحق لأنّ فعله اختراع ، والحكماء يقولون إبداع ومعنى الكلمتين واحد وهو أنّه يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منا ، ولا يوجد شيئا من شيء (أ ، ش ١ ، ٢٦ ، ٦)

ـ إنّ الخلق في الاصطلاح النظري على قسمين : أحدهما صورة تخلق في مادّة ، والثاني ما لا مادّة له بل يكون وجود الثاني من الأوّل فقط من غير توسّط المادّة ، فالأوّل يسمّى التكوين ، والثاني يسمّى الإبداع ، ومرتبة الإبداع أعلى من مرتبة التكوين (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٢٩)

ـ الإبداع : إيجاد الشيء من لا شيء ، وقيل الإبداع تأسيس الشيء عن الشيء. والخلق إيجاد شيء من شيء ، قال الله تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة : ١١٧). وقال : (خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ٣) ، والإبداع أعمّ من الخلق ، ولذا قال : بديع السموات والأرض ، وقال : خلق الإنسان ، ولم يقل بديع الإنسان (ج ، ت ، ٢٨ ، ١١)

إبداع وابتداع

ـ الإبداع والابتداع : إيجاد شيء غير مسبوق بمادة ولا زمان كالعقول ، وهو يقابل التكوين لكونه مسبوقا بالمادة ، والإحداث لكونه مسبوقا بالزمان ، والتقابل بينهما تقابل التضادّ إن كان وجوديين بأن يكون الإبداع عبارة عن الخلوّ عن عدم المسبوقية بمادة والتكوين عبارة عن المسبوقية بمادة ، ويكون بينهما تقابل الإيجاب والسلب إن كان أحدهما وجوديّا والآخر عدميّا ، ويعرف هذا من تعريف المتقابلين (ج ، ت ، ٢٨ ، ٥)

أبدال

ـ أمّا استحقاق الواحد منّا للأجرة على عمله فهو من باب الأعواض والأبدال ؛ لأنّه لا فرق بين أن يبيعه ثوبا بدينار ، فيكون الدينار بدلا من الثوب الذي أخرجه من ملكه وفوّت نفسه

الانتفاع به ، وبين أن يفعله بعمله ويأخذ ما يقابله من المنافع ؛ لأنّه لا معتبر في باب الانتفاع بالأعيان ، وإنّما المعتبر بالتصرّف فيها ، فلا فرق بين أن يملّكه الثوب لينتفع به ، وبين أن يبني له دارا لينتفع بها ، في باب أنّه نافع له في الحالين ، فيصحّ أن يأخذ عليه بدلا في الوجهين جميعا. هذا إذا لم يحوجه إلى العمل مضرّة دفع إليها ، فأمّا إذا كان هذا حاله فإنّه أخذ عن عمله بدلا على ما ذكرناه بأن كان الذي دفعه إلى ذلك إزالة المضرّة عن نفسه. وفي الوجه الأوّل قصد إلى اجتلاب منفعة فقط (ق ، غ ١١ ، ٨٢ ، ٥)

إبطال كون البقاء معنى

ـ أمّا إبطال كون البقاء معنى ، فالطريقة إليه : أنّ الباقي ليس له في الوجود إلّا الصفة التي كانت له من قبل حال الحدوث ، وإذا لم يكن حدوثه أولا لعلّة ، فكذلك في كل حال. والدليل على أنّه ليس له إلّا الصفة التي كانت من قبل أنّه لو ثبتت له صفة زائدة على الوجود ، لصحّ في الموجود المتوالي الوجود أن لا يكون باقيا ، وفي الباقي أن لا يكون مستمرّ الوجود ، لأنّه كان لا يثبت بينهما تعلّق من وجه معقول (أ ، ت ، ١٥٦ ، ٩)

أبعاض

ـ قال (أبو الهذيل) : ووجدت المحدثات ذات أبعاض ، وما كان كذلك فواجب أن يكون له كل وجميع ، ولو جاز أن تكون أبعاض لا كلّ لها جاز أن يكون كل وجميع ليس بذي أبعاض. فلمّا كان هذا محالا كان الأوّل مثله (خ ، ن ، ١٦ ، ٢٢)

أبعاض الجسم

ـ السطوح المجسّمة والخطوط المجسّمة والنقط المجسّمة فإنّما هي أبعاض الجسم وأجزاؤه ، ولا تكون الأجزاء أجزاء إلّا بعد القسمة فقط (ح ، ف ٥ ، ٦٩ ، ٩)

ابن

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : فيقال لهم : إذ كانت الروح التي فيه قديمة ، وهي بعض ، كيف صار ابنا ولم يصل غيره من الأبعاض؟ فإن قيل : لأنّه أقل ، لزمه جعل كل أبعاض العالم البنين للأكبر منها ، ويلزمه أن يجعل كل بعض من البقية كذلك ، فيصير بكليته بنين. ثم المعروف أنّ الابن يكون أصغر من الأب ، كيف صارا قديمين. وإن جعل الكل في البذر قيل له : أي شيء منه الابن؟ فإن قال : الكلّ ، صيّر الكلّ ابنا وأبا ، وفي ذلك جعل الأب ابنا لنفسه. فإن قيل : هو جزء فيه ، من غير أن كان في كليّة الأصل نقصان نحو الجزء المأخوذ من السراج ، عورض بما لو كان الجزء المأخوذ حادثا كما حدث في الذي يؤخذ من السراج ، فيبطل قوله في قدم الروح ، وهو الابن. وإن زعم أنّه منقول من الله كالمأخوذ [من السراج] حلّ عليه ما سلف (م ، ح ، ٢١١ ، ٧)

اتحاد

ـ اختلفت عباراتهم (النصارى) عن معنى الاتحاد ؛ فقال كثير منهم : معنى الاتحاد أنّ الكلمة التي هي الابن حلّت جسد المسيح ، عليه‌السلام. وقالت طائفة أخرى ، وهم اليعاقبة ، وكثير منهم : إنّ الاتحاد هو اختلاط وامتزاج. وزعمت اليعقوبيّة أنّ كلمة الله انقلبت

لحما ودما بالاتحاد. وزعم كثير منهم ، أعني اليعقوبيّة والنّسطوريّة ، أن اتحاد الكلمة بالنّاسوت اختلاط وامتزاج كاختلاط الماء وامتزاجه بالخمر واللبن إذا صبّ فيهما ومزج بهما. وزعم قوم منهم أنّ معنى اتحاد الكلمة بالناسوت الذي هو الجسد هو اتخاذها له هيكلا ومحلّا وتدبيرها الأشياء عليه وظهورها فيه دون غيره (ب ، ت ، ٨٦ ، ٩)

ـ قال بعضهم (النصارى) : أقول إنّ الكلمة اتحدت بجسد المسيح عليه‌السلام على معنى أنّه حلّته من غير مماسّة ولا ممازجة ولا مخالطة كما أقول إن الله سبحانه حالّ في السماء وليس بمماسّ لها ولا مخالط ، وكما أقول إنّ العقل جوهر حالّ في النفس ، وهو مع ذلك غير مخالط للنفس ولا مماسّ لها (ب ، ت ، ٨٦ ، ٢٢)

ـ زعمت الروم وهي الملكية أنّ معنى اتحاد الكلمة بالجسد أنّ الاثنين صارا واحدا ، وصارت الكثرة قلّة ، وصارت الكلمة وما اتحدت به واحدا ، وكان هذا الواحد بالاتحاد اثنين قبل ذلك. هذا جملة المشهور عنهم في معنى الاتحاد (ب ، ت ، ٨٧ ، ٣)

ـ أمّا الكلام في الاتحاد ، فالأصل فيه أن نبيّن حقيقته أولا. اعلم أنّ الاتحاد في اللغة افتعال من الوحدة ، لأنّهم متى اعتقدوا في الشيئين أنّهما صارا شيئا واحدا يقولون : إنّهما اتحدا. والشيئان وإن استحال أن يصيرا شيئا واحدا ، إلّا أنّهم إذا اعتقدوا صحّته لم يكونوا مخطئين في التسمية ، وإنّما خطؤهم في المعنى على مثل ما نقوله في تسميتهم للأصنام آلهة ، وهذا لأنّ الأسامي تتبع اعتقادهم (ق ، ش ، ٢٩٥ ، ١١)

ـ اعلم أنّهم متّفقون على الاتّحاد. والذي أدّاهم إلى ذلك أنّهم شاهدوا أفعالا منه (المسيح) لا تتأتّى إلّا من الله تعالى نحو إحياء الموتى وإبراء الأكمّة والأبرص ، فقالوا بأنّه لا بدّ من إلهيّة فيه فأثبتوا الاتّحاد ، وهذه اللفظة تستعمل في أن يصير الشيئان شيئا واحدا ، وإن كنّا قد عرفنا أنّ الشيء ربما صار غير ما كان ، فأجريت لفظة التغيير على هذا الوجه ، وإن كنّا قد عرفنا بالعقول أنّ هذا لا يصحّ ، وقد تستعمل من بعد هذه اللفظة في ضرب من الاختلاط والمجاورة بين نفسين ، فيقال هما متّحدان (ق ، ت ١ ، ٢٢٣ ، ١٨)

ـ اختلفوا في المسيح والاتحاد : فزعمت النسطوريّة أنّ المسيح إله وإنسان ماسح وممسوح اتّحدا فصارا مسيحا واحدا. ومعنى اتّحدا أنّه صار من اثنين واحد. والمسيح عندهم على الحقيقة جوهران أقنومان : جوهر قديم لم يزل وهو الكلمة التي هي أحد أقانيم الإله وجوهر محدث كان بعد أن لم يكن وهو يشوع المولود من مريم. وربما جعلوا بدل" اتّحد"" تجسّد" ؛ وربما قالوا" تأنّس" و" تركّب". وذهبت الملكانيّة إلى أنّ المسيح جوهران أحدهما قديم والآخر محدث. وزعم أكثر اليعقوبيّة أنّ المسيح جوهر واحد ، إلا أنّه من جوهرين أحدهما جوهر الإله القديم ، والآخر جوهر الإنسان اتّحدا فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا ؛ وربما قال بعضهم طبيعة واحدة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١٩)

ـ اختلفوا (النصارى) ، بعد اتّفاقهم على أنّ الاتحاد أمر حادث صار المسيح به مسيحا ، في ذلك الأمر الحادث ما هو وعلى أي وجه كان ، فقال بعضهم : إنّ الكلمة اتّحدت بذلك الإنسان على طريق الامتزاج. وقال بعضهم : اتّخذته

هيكلّا ومحلّا. وقال بعضهم : حلّت فيه فدثرت به وعلى بدنه. وقال بعضهم : ليس على شيء من ذلك لكن على حسب ما تظهر صورة الإنسان في المرآة المجلوّة إذا نظر فيها. وقال بعضهم : على حسب ظهور نقش الخاتم في الطينة المطبوعة من غير انتقال النقش على الخاتم وحلوله في الطينة. هذه مذاهب من لم يجعل الكلمة والجسد شيئا واحدا (ق ، غ ٥ ، ٨٣ ، ٧)

ـ حكي عن بعضهم (اليعقوبية) في الاتحاد أنّه بمعنى المشيئة ، لا أنّ الذاتين اتّحدا في الحقيقة. واختلفوا في ذلك من وجه آخر : فذهب بعضهم إلى أنّ الجوهر العام اتّحد بالإنسان الكلّي. وقال بعضهم : اتّحد بإنسان شخصيّ. ثم اختلفوا فيه على هذين القولين. فمنهم من قال : اتّحد بالإنسان الكلّي ، ومنهم من قال بالإنسان الشخصي. وربما قالوا إن الابن اتّحد بالإنسان الكلّي ليخلّص الكل. وقال بعضهم : اتّحد بالإنسان الجزئيّ ليخلّص الجزء (ق ، غ ٥ ، ٨٣ ، ١٦)

ـ لا يخلو قولهم بالاتحاد من وجوه : إمّا أن يقولوا إنّ الابن من جملة الأقانيم اتّحد بعيسى ، أو يقولوا إنّ المتّحد به الجوهر الذي هو ثلاثة أقانيم. فإن قالوا إنّ الابن اتّحد به ، فلا يخلو من أن يقولوا إنّ الابن خالق صانع فاعل إله ، أو يجعلوا الخالق الإله هو الأب الذي الكلمة ابنه دون الأب. ثم لا يخلو قولهم" اتّحد به" من وجوه : إمّا أن يقولوا إنّه على ما كان عليه ، لكن مشيئة الابن هو مشيئة المسيح أو مشيئة المسيح هو مشيئته ، أو مشيئتهما متغايرة ، لكن ما يشاؤه أحدهما يجب أن يشاءه الآخر. فهذا ما نريده بالاتحاد ، وإن كانت ذات الإله وذات الإنسان أو جوهرهما على ما كان ، أو يقولوا إنّ الاتحاد قد اقتضى خروج ذاتيهما عمّا كانتا عليه. ولا يخلو عن ذلك من أن يقولوا إنّه اتّحد به بأن جاوره وصار عيسى كالطرف له. وقد حكى ذلك عن بعضهم أنّه قال خالطه ومازجه ، أو يقولوا إنّه حلّ فيه لا أنّه جاوره. وقائل هذا القول لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يقولوا إنّه حلّ في جميع أجزاء عيسى ، أو يقولوا إنّه حلّ في جزء منه. هذا إذا قالوا إنّه وإن اتّحد به فليس يخرج من أن يكون هو وعيسى جوهرين وذاتين ، فأمّا إذا قالوا إنّهما صارا واحدا في الحقيقة على ما حكيناه عن أكثر اليعقوبية أن الجوهرين صارا جوهرا واحدا ، فعندهم أنّ الاتّحاد قد أخرج الذاتين والجوهرين من أن يكونا كذلك إلى أن صارا واحدا. ثم لا يخلو من قال بهذه الأقاويل أن يقول إنّه إذا اتّحد به يصير متّحدا به أبدا ، أو يقولوا إنّه يتّحد به في حال دون حال. وكذلك لا يخلو قولهم عند موت عيسى وصلبه ، على ما يذهبون إليه ، أن يقولوا إنّه يتّحد به كما كان ، أو خرج من أن يكون متّحدا به. فهذه جملة ما تحتمله قسمة العقل في الاتّحاد. ونحن نبيّن فساد جميعه ثم نبطل قولهم في عبادة المسيح وما يتعلّق به (ق ، غ ٥ ، ١١٤ ، ٦)

ـ إنّ اللاهوت لو جاز أن يتّحد بالناسوت ويصير شيئا واحدا ، لجاز أن يصير الجوهران بالمجاورة جوهرا واحدا ، أو العرض بحلوله في الجوهر مع العرض شيئا واحدا ، أو الأعراض باجتماعها في المحل الواحد تصير شيئا واحدا. فإذا بطل ذلك ، ولم يؤثّر تعلّق الشيء بغيره في هذا الباب على اختلاف وجوه التعلّق فيه ، بطل القول بأنّ اللاهوت باتّحاده

بالناسوت صارا شيئا واحدا. وبعد ، فلو جاز ما قالوه ، لوجب أن يستحيل الموت على الناسوت ، إذ قد صار باتّحاد اللاهوت به شيئا واحدا ، وخرج عن طبيعته الناسوتية ، وجواز الموت عليه مما يختصّ به الناسوت. وبعد ، فيجب على قولهم أن يستحيل على المسيح ، بعد الاتّحاد ، كلّ صفة تختصّ الإنسان وكلّ فعل لا يجوز إلّا عليه ، نحو الأكل والشرب والصلب والقتل والطول والعرض والعمق والحركة والزوال ، لأنّه بالاتّحاد قد خرج عن طبيعته الناسوتية وجوهرها. وإلّا لم يكن لقولهم إنّه قد صار باتّحاد اللاهوت به شيئا واحدا ، مع أن حاله على ما كان عليه ، معنى ولا فائدة (ق ، غ ٥ ، ١٣٧ ، ١٨)

ـ من عبّر عن الاتّحاد بالحلول والامتزاج من النسطوريّة والملكانيّة فقد أبعد ، لأنّ من قولهم إنّهما لم يصيرا شيئا واحدا وإنّهما طبيعتان على ما كانا. ولو جاز أن يقال فيما هذه حاله اتّحد ، لوجب في العرض إذا حلّ في المحل أن يوصف هو والمحل بأنّهما اتّحدا ؛ وذلك فاسد (ق ، غ ٥ ، ١٤٢ ، ٣)

اتحد

ـ أمّا القول بأنّه (الإله) اتّحد بعيسى بمعنى أنّه حلّ فيه فإنّه يبطل بوجوه : منها أن كل شيء حلّ في شيء ووجد فيه بعد أن لم يكن فيه لا يخلو من قسمين ، إمّا أن يوجد فيه بأن يحدث كوجود العرض في الجوهر أو ينتقل إليه كانتقال الجوهر الذي يصير مجاورا لغيره ؛ ولا يعقل سوى هذين. لأنّا قد دللنا على أنّ الانتقال لا يصحّ على ما لا حيّز له ، ولا يمكن أن يقال إنّه ينتقل ويحلّ فيه. فإن حصل القديم في عيسى بأن انتقل ، اقتضى ذلك كونه جوهرا. وإن وجد فيه بأن حلّه وحدث فيه كحلول العرض ، فهذا يوجب حدوثه. على أنّ الانتقال إذا استحال عليه ، فالحدوث أولى أن يستحيل عليه ، لأنّ حدوث الموجود أشدّ استحالة من انتقال ما ليس بجوهر (ق ، غ ٥ ، ١٢٦ ، ٤)

ـ مما يبطل قولهم إنّه اتّحد بمعنى أنّه حلّ فيه ، أنّ كل شيء وجد لا في محل يستحيل وجوده في محل. يدلّ على ذلك أنّ الجوهر لمّا استحال حلوله في المحل استحال ذلك فيه على كل وجه ؛ ولما صحّ حلول العرض في المحل وجب كونه حالّا فيه في كل حال ؛ فيجب بطلان قولهم إنّه حلّ في عيسى بعد أن لم يكن حالّا فيه (ق ، غ ٥ ، ١٣٠ ، ١٣)

ـ أمّا ما ذهب إليه أكثر اليعقوبية من أنّ جوهر الإله وجوهر الإنسان اتّحدا فصارا جوهرا واحدا أقنوما واحدا طبيعة واحدة فباطل. لأنّ الشيئين يستحيل أن يصيرا شيئا واحدا في الحقيقة ، كما يستحيل أن يصير الشيء الواحد شيئين ، وقد بيّنا في باب قبل هذا أن الشيء الواحد يستحيل أن يصير أشياء ؛ وذلك يوجب استحالة كون الشيئين شيئا واحدا (ق ، غ ٥ ، ١٣٧ ، ٥)

اتصال

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)

اتفاق

ـ إنّ المجاورة من صفات الأجسام وإنّ الحلول من أحكام الأعراض ، وأمّا الاتّفاق في المشيئة فعلى أي وجه قالوه اقتضى أن يكون المتّحد مريدا ، فيجب أن يكون هو الحيّ ، ويرجع الاتّحاد إليه لا إلى غيره من الأقانيم (ق ، ت ١ ، ٢٢٤ ، ١٢)

ـ أمّا ما يقع من أفعال العباد على جهة الاتفاق من غير قصد ، نحو ما يلحقه من الفزع عند الأمارات مما لا تتقدّم فيه الدواعي التي لا يقصد لأجلها إلى الأفعال ، فلا بدّ من أن يكون ممن يصحّ أن لا يفعله على بعض الوجوه ؛ فيدلّ ذلك على أنّه فعله ، هذا إن جاز أن يقع من غير قصدنا. فأمّا إن كان بمنزلة سائر ما يلجأ إليه من الأمور التي نريدها وإن كانت مفارقة لفعل المختار ، فلا كلام علينا فيه (ق ، غ ٨ ، ٤٦ ، ١٦)

ـ اعلم ، أنّ أحد ما يعتمد في مذهبه (الجاحظ) أن نقول : إنّ النظر ووقوع المعرفة عنده ، يجري في بابه مجرى ما يقع من الفعل بالحدس والاتفاق ، من غير قصد. وقد ثبت في كل فعل ، هذا حاله ، أنّه لا يجوز أن يستحقّ به الذمّ والمدح ، ولا يدخل تحت التكليف ، وذلك نحو أن نحكّ الذهب على المحكّ فنجده جيّدا أو رديئا. فاتّفاق ذلك لا يصحّ تعلّق المدح والذمّ به ؛ وإن وافق ، في بعض الأحوال ، الإرادة ؛ وكذلك لو هجم على بئر فوجد فيها كنزا ، لم يجز بذلك مدح ؛ وإذا التفت ورأى من يسرّه لم يجز أن يستحقّ به المدح ؛ لما كانت هذه الأمور تقع بالاتفاق من غير معرفة متقدّمة ، بأن الفعل يؤدّي إليه (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٤ ، ١٠)

إتقان

ـ بيّن الله تعالى أنّ أفعاله كلها متقنة ، والإتقان يتضمّن الإحكام والحسن جميعا ؛ حتى لو كان محكما ولا يكون حسنا لكان لا يوصف بالإتقان (ق ، ش ، ٣٥٨ ، ٨)

إثبات

ـ الإثبات كل قول واعتقاد دلّ على وجود شيء أو كان خبرا عن وجوده ، ثم زعم صاحب هذا القول أنّ الإثبات في الحقيقة هو ما به كان الشيء ثابتا والنفي ما كان الشيء به منتفيا في الحقيقة ، وهذا القول هو قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٤٧ ، ٥)

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ الإثبات هو الوجود والنفي هو الإعدام ، وإنّ قول القائل" أثبت الله العالم" فمعناه" أوجده" ، وقوله" نفى الله كذا وكذا" فمعناه" أعدمه". ثم يستعمل في الخبر عن العدم وفي الخبر عن الوجود ، فيقال لمن قال إنّ زيدا متحرّك إذا كان صادقا إنّه مثبت لحركته ، وقوله إنّه متحرّك إثبات لحركته ، وإنّ قوله" ليس زيد متحرّكا" إذا كان صادقا نفي لحركته وخبر عن عدم حركته (أ ، م ، ٢١٨ ، ٩)

ـ إنّ الإثبات ، في حقيقة اللغة ، ما يصير به الشيء ثابتا. ولذلك يقول القائل : أثبت السهم في القرطاس ؛ إذا أوجده فيه ، واستعمل ذلك في الخبر المفيد لثبات الشيء ووجوده (ق ، غ ١٢ ، ١٩ ، ١٦)

ـ النفي هو رفع الإثبات ، ورفع الإثبات لا يكون عين الإثبات ، ورفع الإثبات الخارجيّ إثبات ذهنيّ منسوب إلى لا إثبات خارجيّ ، وكونه في الذهن متصوّرا ومتميّزا عن غيره ومتعيّنا في

نفسه وثابتا في الذّهن ، لا ينافي كون ما هو منسوب إليه لا ثابتا في الخارج. فالحكم بأنّ ما ليس بثابت في الخارج غير متصوّر مطلقا باطل ، لأنّه متصوّر من حيث أنّه ليس بثابت في الخارج ، غير متصوّر لا من حيث هذا الوصف (ط ، م ، ٢٩ ، ١٣)

ـ لكنّ الإثبات والنفي قد يكون المراد منهما : ثبوت الشيء في نفسه أو عدمه في نفسه ، كقولنا" السواد إمّا أن يكون موجودا وإمّا أن لا يكون موجودا" ؛ وقد يكون المراد منهما : ثبوت الشيء لشيء آخر وعدمه عنه : كقولنا : " الجسم إمّا أن يكون أسود وإمّا أن لا يكون" ؛ لكن لا حقّ في مراد كلّ واحد منهما ، " فأوّل الأوائل" باطل أيضا (خ ، ل ، ٣٧ ، ١٠)

أثر

ـ إنّا قد بيّنا وجه الأثر الحاصل بالقدرة الحادثة ، وهو وجه أو حال للفعل مثل ما أثبتّموه للقادريّة الأزليّة ، فخذوا من العبد ما يشابه فعل الخالق عندكم فلينظر إلى الخطاب بافعل لا تفعل ، أخوطب أوجد لا توجد ، أو خوطب أعبد الله ولا تشرك به شيئا ، فجهة العبادة التي هي أخصّ وصف للفعل صار عبادة بالأمر ، وذلك حاصل بتحصيل العبد مضاف إلى قدرته ، فما يضرّكم إضافة أخرى نعتقدها وهي مثل ما اعتقدتموه تابعا ، فالوجود عندنا كالتابع أو كالذاتيّ الذي كان ثابتا في العدم ، والفرق بيننا أنّا جعلنا الوجود متبوعا وأصلا ، وقلنا هو عبارة عن الذات والعين ، وأضفناه إلى الله سبحانه وتعالى وجميع ما يلزمه من الصفات ، وأضفنا إلى العبد ما لا يجوز إضافته إلى الله تعالى حيث لا يقال أطاع الله تعالى وعصى الله تعالى وصام وصلّى وباع واشترى وقام ومشى ، فلا تتغيّر صفاته بأفعاله فلا يعزب عن علمه ذرّة من خلقه ، بخلاف ما يضاف إلى العبد فإنّه يشتقّ له وصف واسم من كل فعل يباشره ، وتتغيّر ذاته وصفاته بأفعاله ، ولا يحيط علما بجميع وجوه اكتسابه وأعماله ، وهذا معنى ما قاله الأستاذ أبو إسحاق إنّ العبد فاعل بمعين ، والربّ فاعل بغير معين (ش ، ن ، ٨٧ ، ١)

ـ إنّ القدرة والإرادة مجموعين هما اللذان يتعلّقان بوجود الأثر ، ولا حاجة معهما إلى إثبات صفة أخرى (ط ، م ، ٣١٣ ، ١٣)

ـ الأثر : له ثلاثة معان : الأول بمعنى النتيجة ، وهو الحاصل من الشيء ، والثاني بمعنى العلامة ، والثالث بمعنى الجزء (ج ، ت ، ٣٠ ، ٢)

أجاء

ـ أجاء منقول من جاء إلّا أنّ استعماله قد تغيّر بعد النقل إلى معنى الإلجاء ؛ ألا تراك لا تقول جئت المكان وأجاء نيّه زيد كما تقول بلغته وأبلغنيه ، ونظيره آتي حيث لم يستعمل إلّا في الإعطاء ، ولم تقل أتيت المكان وآتانيه فلان (ز ، ك ٢ ، ٥٠٦ ، ١٢)

إجابة

ـ ليس كل أفعال الباري سبحانه واجبة عليه ، بل معظمها ما يصدر على وجه الإحسان والتفضّل ، فيجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله ، فإن قلت فهل يسمّى فعل الواجب الذي لا بدّ للقديم تعالى من فعله إجابة لدعاء المكلّف ، قلت لا ، وإنّما يسمّى إجابة إذا فعل سبحانه ما يجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله

كالتفضّل. وأيضا فإنّ اللطف والمصلحة قد يكون لطفا ومصلحة في كل حال ، وقد يكون لطفا عند الدعاء ، ولو لا الدعاء لم يكن لطفا وليس بممتنع في القسم الثاني أن يسمّى إجابة للدعاء ، لأنّ للدعاء على كل حال تأثيرا في فعله (أ ، ش ٢ ، ٦٤ ، ١٠)

آجال

ـ الذي يقوله شيوخنا ، رحمهم‌الله ، في ذلك : إنّ الآجال هي الأوقات ، فأجل حياة الإنسان هو وقت حياته ، وأجل موته هو وقت موته ، فما علمه تعالى أنّ موته يحدث فيه من الأوقات هو أجل موته ، لا أجل لموته غيره ، ولا فرق بين المقتول وغيره ؛ ولا يمتنع أن يكون المعلوم من حال المقتول أو الغريق أنّه لو لا القتل وركوب البحر لعاشا مدّة زائدة ، وكان يكون ذلك أجلا لهما على جهة التقدير ، وإن كان لا يقال الآن : إنّ ذلك أجلهما ، ولذلك يمنعون من أن يكون للإنسان آجال أو أجلان ، ويبطلون القول بأنّه لو لا القتل لمات لا محالة ، كما يبطلون القول بأنّه كان يعيش لا محالة ، ولا يفرّقون في ذلك بين الجم الغفير والعدد اليسير إذا أتى القتل عليهم (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ٤)

ـ قال أهل السنة في الآجال : إنّ كلّ من مات حتف أنفه أو قتل فإنّما مات بأجله الذي جعله الله أجلا لعمره ، والله تعالى قادر على إبقائه والزيادة في عمره ، لكنّه متى لم يبقه إلى مدة لم تكن المدّة التي لم يبقه إليها أجلا له (ب ، ف ، ٢٤١ ، ٧)

ـ الآجال يعبّر بها عن الأوقات ، فأجل كل شيء وقته ، وأجل الحياة وقتها المقارن لها ، وكذلك أجل الوفاة. فالأوقات في موجب الإطلاقات يعبّر بها كثيرا عن حركات الفلك ، وولوج الليل على النهار ، والنهار على الليل (ج ، ش ، ٣٠٣ ، ٣)

ـ قوله (العلّاف) في الآجال والأرزاق : إنّ الرجل إن لم يقتل مات في ذلك الوقت ولا يجوز أن يزاد في العمر أو ينقص. والأرزاق على وجهين : أحدهما : ما خلق الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال : خلقها رزقا للعباد ، فعلى هذا من قال : إنّ أحدا أكل أو انتفع بما لم يخلقه الله رزقا فقد أخطأ لما فيه أنّ في الأجسام ما لم يخله الله تعالى. والثاني : ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد ، فما أحلّ منها فهو رزقه ، وما حرّم فليس رزقا ، أي ليس مأمورا بتناوله (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ١٨)

آجال العباد

ـ يقال لهم : إذا كان القاتل عندكم (القدرية) قادرا على أن لا يقتل هذا المقتول ، فيعيش فهو قادر على قطع أجله وتقديمه قبل أجله ، وهو قادر على تأخيره إلى أجله ، فالإنسان على قولكم يقدر أن يقدّم آجال العباد ويؤخّرها ، ويقدر أن يبقي العباد ويبلغهم ويخرج أرواحهم (ش ، ب ، ١٥١ ، ٦)

إجبار

ـ أمّا من طريق اللغة فإنّ الإجبار والإكراه والاضطرار والغلبة أسماء مترادفة ، وكلها واقع على معنى واحد لا يختلف وقوع الفعل ممّن لا يؤثّره ولا يختاره ولا يتوهّم منه خلافه البتّة ، وأمّا من آثر ما يظهر منه من الحركات والاعتقاد ويختاره ويميل إليه هواه فلا يقع عليه اسم إجبار ولا اضطرار لكنّه مختار ، والفعل منه

مراد متعمّد مقصود ونحو هذه العبارات عن هذا المعنى في اللغة العربية التي نتفاهم بها (ح ، ف ٣ ، ٢٤ ، ٣)

اجتراح

ـ قال (أبو علي) : وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال ؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ الخالق لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ، ويدلّ على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ، ويطلب بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه اكتساب. ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١١)

اجتماع

ـ من قوله (النظّام) إنّ الله يفرّق المتضادات في هذه الدار ثم يردّها إلى حال الاجتماع لا بأن يخترع أعيانها ، وأنّ اجتماعها ثانية لا يدلّ على أنّ الذي جمعها اخترعها مجتمعة. وقد مضى شرح دليل إبراهيم بما يغني عن إعادته ثانية. وإنّما أراد إبراهيم أن تصريف هذه الأشياء ونفوذ التدبير فيها وصرفها عما في طبعها يدلّ على ضعفها ، وضعفها دالّ على حدثها ، وحدثها يوجب أنّ لها محدثا أحدثها إذ كان محالا أن يكون حدث لا محدث له (خ ، ن ، ٤١ ، ٦)

ـ أمّا ما حكيته عن إبراهيم أنّه كان يحيل القول بأنّ الله تعالى يقدر أن يخترع البرد مسخّنا والحرّ مبرّدا فهذا شيء أهل التوحيد كلهم يوافقونه عليه. وأمّا حكايته عنه أنّه يزعم أنّ الله قهر المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها ، فإنّ إبراهيم كان يزعم أنّ الله قهر الأشياء المتضادات على الاجتماع الذي ليس في جوهرها إذا خلّيت وما هي عليه ، فأمّا إذا منعت مما هي عليه من المنافرة وقهرت على الاجتماع ، فإن من جوهرها وشأنها الاجتماع عند القهر لها كما أنّ من جوهرها وشأنها المنافرة عند تخليتها وما هي عليه ، وهذا شيء أكثر الخلق شركاء إبراهيم فيه وهو أمر واضح غير غامض ولا خفي. أنت تعلم أنّ من شأن الماء السيلان وقد يمكن منعه من ذلك ، وأنّ من شأن الحجر الثقيل الانحدار وقد يمنع منه ، ومن شأن النار التلهب والصعود علوا وقد تمنع من ذلك فتأخذ سفلا. فما على إبراهيم في هذا عيب والحمد لله (خ ، ن ، ٤١ ، ٢٢)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)

ـ إنّ الاجتماع هو المماسّة والانضمام ، وهو كون كل واحد من الجوهرين بحيث صاحبه ، وإنّ الافتراق هو التباعد (أ ، م ، ٢٤٥ ، ١٣)

ـ إنّ الاجتماع عرض ، والعرض لا يحلّ العرض (ق ، ش ، ١٠٦ ، ١٤)

ـ إنّ الاجتماع لا يخلو : إمّا أن يراد به المجاورة ، التي هي الكونان على سبيل القرب ، وأمّا أن يكون المراد به التأليف ، وهذا هو الحقيقة في الاجتماع (ن ، د ، ١٥ ، ٧)

ـ ذكر الشيخ أبو الهذيل : يقال للسائل : السابق إلى الجسم لا يخلو : إمّا الاجتماع أو الافتراق. فإن قال : الاجتماع ، قيل : جمع ما لم يكن مفترقا من قبل محال. وإن قال : الافتراق ، قيل : تفرّق ما لم يكن مجتمعا من قبل محال. وهكذا نقول في الحركة والسكون. وهذا أيضا مبنيّ على أنّ الجسم مع وجوده لا يخرج عن التحيّز وأنّ الاجتماع لا يبطل إلّا بضدّ يطرأ عليه ، وهو الافتراق. وكذلك الحركة والسكون (ن ، د ، ٦٣ ، ١٣)

ـ الاجتماع حصول الجوهرين في حيّز واحد بحيث لا يمكن أن يتخلّلهما ثالث ، والافتراق كونهما بحيث يمكن أن يتخلّلهما ثالث (ف ، م ، ٧٦ ، ١٧)

ـ الأعراض النسبيّة وهي أنواع. الأوّل : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ حصول الأوّل في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأوّل هو السكون ، وحصول الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في حيّزين لا يتخلّلهما ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف ، أ ، ٢٦ ، ٢٣)

ـ حصول جوهرين في حيّزين بحيث لا يتخلّلهما ثالث اجتماع ، وبالعكس افتراق (خ ، ل ، ٦٨ ، ١٢)

ـ الاجتماع : تقارب أجسام بعضها من بعض (ج ، ت ، ٣٠ ، ١١)

اجتماع الصحابة على الكفر

ـ ليس في الشيعة من يجوّز اجتماع الصحابة على الكفر فإنّ الرافضة بأسرها قد زعمت أنّ الصحابة كلها قد كفرت وأشركت إلا نفرا يسيرا خمسة أو ستة ، وشهرة قولها بذلك تغني عن الإكثار فيه (خ ، ن ، ١٠٤ ، ١٤)

اجتهاد

ـ لا يجوز الاجتهاد إلّا لمن علم ما أنزل الله عزوجل في كتابه من الأحكام وعلم السنن ، وما أجمع عليه المسلمون حتى يعرف الأشياء والنظائر ويردّ الفروع إلى الأصول ، وقالوا في المستفتي أنّ له أن يفتي فيقلّد بعض المفتين (ش ، ق ، ٤٧٩ ، ١٢)

ـ اعلم ـ أنّ طريقة الاجتهاد لا تخالف طريقة القياس إلّا أن فيما يقع له في القياس عن دليل ، ويتبع العلم يحصل في الاجتهاد عن إنفاذه ويتبع غالب الظنّ ، وربما يكون الاجتهاد غير متعلّق بأصول معيّنة ، وليس كذلك حال القياس (ق ، غ ١٧ ، ٢٨٢ ، ١)

ـ الضلال نقيض الهدى ، والغيّ نقيض الرشد : أي هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إيّاه إلى الضلال والغيّ. وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه ، وإنّما هو وحي من عند الله يوحي إليه. ويحتجّ بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء.

ويجاب بأنّ الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد كان الاجتهاد وما يستند إليه كلّه وحيا لا نطقا عن الهوى (ز ، ك ٤ ، ٢٨ ، ١٢)

ـ لا يجوز أن يكون الاجتهاد مرسلا خارجا عن ضبط الشرع ؛ فإنّ القياس المرسل شرع آخر وإثبات حكم من غير مستند وضع آخر. والشارع هو الواضع للأحكام ؛ فيجب على المجتهد أن لا يعدل في اجتهاده عن هذه الأركان (الكتاب والسنّة والإجماع والقياس) (ش ، م ١ ، ١٩٩ ، ١٩)

ـ الاجتهاد من فروض الكفايات ، لا من فروض الأعيان ، إذا اشتغل بتحصيله واحد سقط الفرض عن الجميع ، وإن قصّر فيه أهل عصر عصوا بتركه ، وأشرفوا على خطر عظيم (ش ، م ١ ، ٢٠٥ ، ٢)

ـ الاجتهاد : بذل المجهود في طلب المقصود من جهة الاستدلال (ج ، ت ، ٣١ ، ٩)

أجزاء غير متجزئة

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ أجسام العالم متركّبة من أجزاء غير متجزّئة ، على معنى أنّ كل جزء منها لا يصحّ أن يكون له نصف أو ثلث أو ربع ولا يتوهّم أن ينقسم أو يتبعّض حتى يصير أقساما وأبعاضا وأجزاء. وكان يقول إنّ من خالف في ذلك ممّن يدّعي التوحيد فقد ساوى الملحدة في نفيه التناهي عن الأجزاء ، وإنّه لا فرق بين قول من قال إنّه لا جزء إلّا وله نصف ولنصفه نصف وبين قول من قال إنّه لا جسم إلّا وفوقه جسم وتحته جسم لا إلى نهاية (أ ، م ، ٢٠٢ ، ١٣)

أجساد محدثة

ـ الرافضة وصفت ربها بصفة الأجساد المحدثة فزعمت أنّه صورة وجوارح وآلات وأنّه تبدو له البدوات؟ وهذا قولها في ربها ؛ ومن اعتقد أن ما كان هذا صفته قديم لم يمكنه أن يدل على حدث جسم من الأجسام ، إذ كان لا يجد في الأجسام ما يستدلّ به على حدثه إلّا وقد وصف به ربه ـ تعالى الله عن قولهم علوّا كبيرا (خ ، ن ، ١٠٦ ، ٢)

أجسام

ـ إنّ سائر الأجسام من الألوان والطعوم والأراييح آفة فيها (الأرواح) فإنّما كان يقول (النظّام) : إنّ هذه الأجسام آفة على الأرواح في دار الدنيا التي هي دار بلوى واختبار ومحن ، فهي مشوبة بالآفات لتتم المحنة ويصح الاختبار فيها ، فأمّا الجنة فإنّها عنده ليست بدار محنة ولا اختبار وإنّما هي دار نعيم وثواب فليست بدار آفات. ولا بدّ للأرواح عند إبراهيم إذا أراد الله أن يوفيها ثوابها في الآخرة أن يدخلها هذه الأجسام من الألوان والطعوم والأراييح ، لأنّ الأكل والشراب والنكاح وأنواع النعيم لا تجوز على الأرواح إلّا بإدخال هذه الأجسام عليها (خ ، ن ، ٣٤ ، ١٤)

ـ الأجسام كلها عند إبراهيم متناهية ذات غاية ونهاية في المساحة والذرع ، وإنّما أحال إبراهيم جزءا لا يقسمه الوهم ولا يتصوّر له نصف في القلب (خ ، ن ، ٤٧ ، ٤)

ـ زعمت" الدهرية" : أنّ الأجسام التي نشاهدها قديمة. وقالت" الموحّدة" : هي محدثة ، لأنّ الإمارات التي فيها من التحوّل والتنقل والتبدّل والاجتماع والافتراق أمارات الحدوث لا القدم (ع ، أ ، ١١ ، ٧)

ـ إنّ الأجسام كلّها من جنس واحد من حيث كان

كلّ واحد منها يسدّ مسدّ الآخر وينوب منابه ، ويجوز عليه من الوصف مثل ما جاز عليه من الحركة والسّكون والاجتماع والافتراق والزيادة والنّقصان وغير ذلك من الأوصال. وليس معنى المثلين المتشابهين أكثر من ذلك ، فلو كان بعض الأجسام نورا مع اشتباهها وتماثلها لكانت كلّها نورا ؛ وكذلك لو كان منها ما هو ظلام لكانت كلّها ظلاما ؛ كما أنّه لو كان منها ما هو حركة أو سكون أو امتزاج أو تباين أو إرادة أو علم لكانت كلها كذلك مع تماثلها. وفي فساد هذا دليل على أنّ الأجسام كلّها جنس واحد مشتبه غير متضادّ ولا مختلف ، ليس معها نور ولا ظلام ، ولا اجتماع ولا افتراق ، ولا حركة ولا سكون ، ولا ظهور ولا كمون. وبان بذلك أن النّور والظّلام هما السّواد والبياض اللّذان يوجدان بالأجسام ، وأنّهما من جملة الأعراض وبعض العالم ، وليس بكلّ العالم (ب ، ت ، ٦٨ ، ٢٢)

ـ إنّ الأجسام معلومة بالاضطرار على سبيل الجملة والتفصيل جميعا ، وليس كذلك الأعراض (ق ، ش ، ٩٤ ، ١١)

ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ الأجسام متماثلة ، وإذا ثبت تماثلها لم يصحّ إلّا أن يستوي الكلّ في استحقاق الصفة الذاتية (ق ، ت ١ ، ١٩٨ ، ١)

ـ إنّ الأجسام لا يجوز خلوّها من الأكوان (ن ، د ، ١٤٨ ، ٥)

ـ إنّ الروح جنس واحد ، وأفعاله جنس واحد ، وإنّ الأجسام ضربان : حيّ ، وميّت ، وإنّ الحيّ منها يستحيل أن يصير ميّتا (النظام) (ب ، ف ، ١٣٦ ، ١٦)

ـ النجاريّة والضراريّة قد أنكروا وجود جسم لا يكون عرضا لدعواهم أنّ الأجسام أعراض مجتمعة (ب ، ف ، ١٦٣ ، ٣)

ـ زعم (النظّام) أيضا أنّ العلوم والإرادات من جملة حركات القلوب ، وزعم أنّ كل شيء من العالم ليس بحركة فهو جسم ، وأدخل الألوان والطعوم والأصوات والاستطاعة في جملة الأجسام (ب ، أ ، ٤٦ ، ١٣)

ـ اختلف أصحاب الطبائع في هذا : فمنهم من زعم أنّ الأجسام في الأصل أربعة أجناس فهي الأرض والماء والنار والهواء وسائر الأجسام مركّبة منها. ومنهم من قال بجنس خامس وهو الريح وزعم أنّ الريح غير الهواء المتحرّك. ومنهم من جعل الخامس الفلك وزعم أنّه طبيعة خامسة غير قابلة للكون والفساد ، ومنهم من أثبت في هذه الخمسة روحا سابحة فيها هي خلافها في الجنس (ب ، أ ، ٥٣ ، ٨)

ـ زعم النظّام ومن تبعه من القدرية أنّ الأجسام أنواع مختلفة ومتضادّة وبناه على دعواه أنّ الألوان والطعوم والأصوات والخواطر أجسام (ب ، أ ، ٥٤ ، ٥)

ـ قال أصحابنا بتجانس الأجسام كلّها وقالوا إنّ اختلافها في الصورة وفي سائر الأحكام إنّما هو لاختلاف الأعراض القائمة بها ، ووافقهم على هذا من المعتزلة الجبّائي وابنه أبو هاشم (ب ، أ ، ٥٤ ، ٧)

ـ ذهب شيخنا أبو الحسن الأشعري إلى استحالة تعرّي الأجسام من الألوان والأكوان والطعوم والروائح. وقال لا بدّ أن يكون في كل جوهر لون وكون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وحياة أو ضدّها ، وإذا وجد في حالين فلا بدّ من وجود بقاء فيه في كل حال بعد حال حدوثه (ب ، أ ، ٥٦ ، ١١)

ـ اختلف الناس في هذا الباب ، فذهب هشام بن الحكم إلى أنّه ليس في العالم إلّا جسم ، وأنّ الألوان والحركات أجسام ، واحتجّ أيضا بأنّ الجسم إذا كان طويلا عريضا عميقا فمن حيث وجدته وجدت اللون فيه ، فوجب الطول والعرض والعمق للون أيضا ، فإذا وجب ذلك للون فاللون أيضا طويل عريض عميق ، وكل طويل عريض عميق جسم ، فاللون جسم (ح ، ف ٥ ، ٦٦ ، ١٣)

ـ ذهب ضرّار بن عمرو إلى أنّ الأجسام مركّبة من الأعراض (ح ، ف ٥ ، ٦٦ ، ١٧)

ـ ذهب سائر الناس إلى أنّ الأجسام هي كل ما كان طويلا عريضا عميقا شاغلا لمكان ، وأنّ كل ما عداه من لون أو حركة أو مذاق أو طيّب أو محبّة فعرض (ح ، ف ٥ ، ٦٦ ، ١٨)

ـ الأجسام كلها حاشى النفس موات لا علم لها ولا حسّ ولا تعلم شيئا ، وإنّما العلم والحسّ للنفس فقط (ح ، ف ٥ ، ٨٧ ، ١)

ـ المتحيّز هو المختصّ بحال لكونه عليها يتعاظم بانضمام غيره إليه أو يشغل قدرا من المكان ، أو ما يقدر تقدير المكان ، فيكون قد حاز ذلك المكان ، أو يمنع غيره من أمثاله عن أن يحصل بحيث هو. فهذه وما أشبهها أحكام المتحيّز. فأفراد ما هذا حاله تسمّى جوهرا. ومن هذه الأعيان تتركّب الأجسام ، فلهذا تجعل الجواهر أصول الأجسام (أ ، ت ، ٤٧ ، ٨)

ـ إنّ الأجسام لا تخرج عن الاجتماع والافتراق ، والحركة والسكون ، ولا تعقل إلّا كذلك. ولا شيء يوجب فيها هذا الحكم إلّا تحيّزها ، فيجب ـ متى حصلت موجودة متحيّزة ـ أن يقترن بها هذا الحكم. ولو جاز خلوّها من هذه المعاني في حال ، لجوّزناه الآن بأن تبقى على حالها في الخلو احترازا من اللون الذي وإن صحّ خلوّه منه من قبل فلا يصحّ بعد وجوده فيه أن يخلو منه ومن ضدّه وحال الجسم في سائر الأوقات هذه الحالة ، وإن كان لا يسمّى ما يحصل فيه حال حدوثه حركة أو سكونا إلّا أنّه لا يخلو من معناهما (أ ، ت ، ٨٨ ، ١٨)

ـ قال (النظّام) : إنّ الجواهر مؤلّفة من أعراض اجتمعت ، ووافق هشام بن الحكم في قوله إنّ الألوان والطعوم والروائح أجسام (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ٩)

ـ الأجسام قابلة للعدم لأنّا قد دللنا على أنّ العالم محدث ، والمحدث ما يصحّ عليه العدم ، وتلك الصحّة من لوازم الماهيّات وإلّا لزم التسلسل في صحّة تلك الصحّة ، فوجب بقاء تلك الصحّة ببقاء تلك الماهيّة ، فثبت أنّها قابلة للعدم (ف ، أ ، ٨٩ ، ١٢)

أجسام مركّبة

ـ الأجسام المركّبة نوعان : نام وغير نام. فالذي لا ينمو ولا يزيد كالسماوات والكواكب لأنّها على مقدار واحد من حين خلقه الله تعالى إلى وقتنا هذا ما زاد فيه شيء ولا نقص منها شيء. فأمّا نقصان ضوء القمر وزيادته فذلك في ضوئه دون جرمه والله سبحانه قادر على الزيادة في الأجرام السماوية وعلى النقصان منها وعلى إفنائها كلّها. وأمّا الذي ينمو ويزيد وينقص على مجرى العادة فنوعان : حيوان ونبات. والنبات نوعان نجم وشجر. والشجر ما نبت على ساق والنجم ما نبت على غير ساق. والحيوان نوعان : أحدهما محسوس لنا في العادة والثاني غير محسوس الآن لنا مع جواز رؤيتهم في الآخرة وفي بعض الأحوال. وذلك

أربعة أنواع : الملائكة والحور العين والجنّ والشياطين (ب ، أ ، ٣٨ ، ٥)

أجسام معدومة

ـ كان عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط من أكابر المعتزلة ببغداد ممّن يقول أنّ الأجسام المعدومة لم تزل أجساما بلا نهاية لها لا في عدد ولا في زمان غير مخلوقة (ح ، ف ٤ ، ٢٠٢ ، ٦)

أجل

ـ قول الله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد : ٣٩) يقال له (ابن الروندي) : إنّه ليس في الآية التي تلوتها ما يوجب البداء ، وقد تأولها أهل العلم من المسلمين على خلاف ما تأولتها الرافضة. فقال بعضهم : إنّ الله جلّ ذكره جعل الأجل للمؤجلين فيه في كتاب نسخته الملائكة الذين تعبّدوا بحفظ الخلق ، فتكون للإنسان عندهم نطفة أجلا معلوما ثم علقة أجلا ثم مضغة أجلا معلوما ، فإذا نقله عظما كتب اسمه إلى ما نقله إليه ومحاه من الكتاب أن يكون مضغة ثم ينقله طفلا ، فإذا بلغ أشدّه محا اسمه أن يكون في الكتاب طفلا وكتبه بالغا ، وإذا ردّه إلى أرذل العمر محا اسمه أن يكون في الكتاب قويا عاقلا ويكون كافرا أجلا معلوما ، فإذا أسلم محاه من الكتاب الذي كتبت الملائكة عليه فيه أنّه كافر ، وإذا كان حيّا ثم أماته محاه من كتابه أن يكون اسمه فيه حيّا وكتبه ميتا (خ ، ن ، ٩٤ ، ٢)

ـ قال بعضهم : لكل أجل كتاب ، يقول : لكل كتاب أجل : للتوراة أجل أي وقت يعمل بما فيها ، وللإنجيل أجل أي وقت وللزبور وقت وللقرآن وقت (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) (الرعد : ٣٩) من تلك الكتب (وَيُثْبِتُ) (الرعد : ٣٩) ما يشاء ، (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد : ٣٩) يعني الأصل الذي نسخت منه هذه الكتب وهو قوله : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (الزخرف : ٤). وقال بعضهم : مع ابن آدم ملكان منذ أدرك يكتبان الخير والشر ثم يمحو الله من ذلك ما يشاء ويثبت ما يشاء. وهذه التأويلات كلها جائزة ، وتأويل الرافضة لهذه الآية واختيارها له دون ما ذكرنا من التأويلات الصحيحة يشبه سائر اختياراتها من التشبيه والجبر والقول بالرجعة وإكفار المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان (خ ، ن ، ٩٤ ، ١٢)

ـ قال أكثر المعتزلة : الأجل هو الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أنّ الإنسان يموت فيه أو يقتل ، فإذا قتل قتل بأجله ، وإذا مات مات بأجله ، وشذّ قوم من جهّالهم فزعموا أنّ الوقت الذي في معلوم الله سبحانه أنّ الإنسان لو لم يقتل لبقي إليه هو أجله دون الوقت الذي قتل فيه (ش ، ق ، ٢٥٦ ، ٦)

ـ إنّ من مات أو قتل فبأجله مات أو قتل (ش ، ب ، ٢٨ ، ٢)

ـ يقال لهم (للقدرية) : فخبرونا عمن قتله قاتل ظلما ، أتزعمون أنّه قتل في أجله أو بغير أجله؟ فإن قالوا : نعم ، وافقوا وقالوا بالحق ، وتركوا القدر. وإن قالوا : لا. قيل لهم : فمتى أجل هذا المقتول؟ فإن قالوا : الوقت الذي علم الله أنّه لو لم يقتل لتزوج امرأة علم أنّها امرأته ، وإن لم يبلغ إلى أن يتزوجها ، وإذا كان في معلوم الله أنّه لو لم يقتل وبقي لكفر أن تكون النار داره ، وإذا لم يجز هذا لم يجز أن يكون الوقت الذي

لم يبلغ إليه أجلا له (ش ، ب ، ١٥٠ ، ١٢)

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الأجل والحين والوقت والزمان ممّا تتقارب معانيها ، وإنّ أجل كل حادث حال حدوثه. وكان يقول إنّ الأفعال على الإطلاق بحدوثها لا تقتضي مكانا ولا زمانا ، لأنّ المكان والزمان محدثان أيضا ، فلو كان كذلك تعلّق كل مكان بمكان وكل زمان بزمان لا إلى غاية وذلك فاسد. فعلى هذا إذا قيل" أجل الدين" المراد به الوقت الذي يحلّ فيه الدين فكان لصاحبه أن يطالب به. وأجل الحياة حال حدوثها ، وأجل الموت حال حدوثه (أ ، م ، ١٣٥ ، ٢)

ـ كان (الأشعري) يحيل قول من قال لوقت لم يبلغ إليه المخبر عنه بذلك إنّه أجله ، ويقول إنّ تحقيق ذلك يؤدّي إلى أن يضاف الأجل إلى من لم يكن له أجل ، ولا يجوز على التقدير مثل ذلك أيضا لما يلزم عليه من المقالات الفاسدة. وهذا هو نكتة الخلاف في هذا الباب بيننا وبين القدرية ، لأنّا نقول إنّ المقتول ميّت مات بأجله كمن ليس بمقتول ، فإنّه إنّما مات باجله المعلوم له المقدّر. ويستحيل قول من قال إنّ ما لم يبلغه من الوقت أجله ، كما يستحيل قول من قال فيما لم يحدث فيه من الحياة إنّه حياته أو موته على الحقيقة ، وإنّما يقال ذلك توسّعا ومجازا (أ ، م ، ١٣٥ ، ٩)

ـ اعلم أنّ الأجل إنّما هو الوقت ، وأمّا في العرف فإنّما يستعمل في أوقات مخصوصة ، نحو أجل الحياة وأجل الموت وأجل الدين ، ولا يكادون يستعملونه في غير ذلك (ق ، ش ، ٧٨١ ، ٢)

ـ إنّ الأجل هو الوقت الحادث ، وإن كان من جهة الاستعمال قد غلب على أوقات الحياة والممات ، فإذا صحّ ذلك فكل وقت قد علم تعالى أنّ العبد يموت فيه وحكم بذلك وأخبر عنه ؛ فقد جعله أجلا لموته ، فلا يجوز أن يتقدّم موته هذا الوقت ولا يتأخّر ، لا لأنّه تعالى لا يقدر على تقديم موته ، وتأخيره ، لأنّه عزوجل لو لم يقدر على ذلك ، من حيث علم أنّه لا يقع ، لوجب أن لا يوصف بالقدرة على الضدّين ، لأنّه قد علم في أحدهما أنّه لا يقع ، ولوجب ألّا يوصف ، بالقدرة على أن يزيد في المكلّفين من علم أنّه لا يكلّفه ولا يخلقه ، ولوجب إذا علم أنّ الشيء يوجد لا محالة أن لا يقدر على خلافه ، وهذا يوجب وقوع أفعاله على طريقة الاضطرار ، وكفى بهم خزيا أن تؤدّيهم هذه المقالة إلى أن يقولوا في الله تعالى بمثل مقالتهم في العبد بالجبر (ق ، م ١ ، ٢٨٠ ، ١١)

ـ اعلم أنّ الأجل هو وقت مخصوص. ومعنى ذلك أنّه ما لم يتقدّم كلام أو كتابة يتبيّن بهما حدوث هذا الشيء عند غيره لم يسمّ أجلا. وعلى ذلك تدخل الآجال في الديون وفي أثمان الأشياء. ولا يكون كذلك إلّا بقول من المتعاقدين واشتراط منهما ، وإلّا فالإطلاق لا يقتضي ذلك. وقد حكى في الكتاب أنّ شيوخنا ربّما أطلقوا القول بأنّ الأجل هو الوقت ، وأنّ كل وقت أجل. ثم بيّن أن الأولى ما ذكرناه من تقدّم الاشتراط وإقامة الدلالة على حصول هذا الشيء عند غيره بقول أو كتابة. وعلى نحو ذلك وصفه الله عزوجل بأنه مسمّى فقال (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) (طه : ١٢٩ ؛ الروم : ٨ ؛ الأحقاف : ٣) (ق ، ت ٢ ، ٤٠٦ ، ٢)

ـ إنّ الذي يصحّ أن يجعل أجلا هو الثابت دون المقدّر. ومعلوم أن الوقت الذي حدث فيه موته

هو هذا الوقت دون غيره من الأوقات. فلم يصحّ أن يجعل ذلك الوقت أجلا له من دون أن يكون له ثبات ، ولأجل هذا التقدير لا يجب إطلاق هذه التسمية (ق ، ت ٢ ، ٤١٣ ، ٩)

ـ حكي عن المعتزلة : أنّ الأجل هو الوقت الذي يموت فيه العبد إن لم يقتل فيه ، أو لم يفعل ما يستحقّ به الزيادة في العمر ، من صلة رحم وغيرها. قالوا : ووقت القتل ، والوقت الذي ينتهي إليه من يزاد في عمره ، أجلان ؛ ويجوز أن يزيد الله في الأعمار وينقص منها ؛ والآجال لا تضطرّ القاتل إلى القتل ؛ ولو لم يقتل المقتول كان الله أعلم كيف حاله ، من موت في ذلك الوقت أو بقاء إلى تمام أجله ؛ ولا عذر للقاتل في القتل ، وافق قتله الأجل أو لم يوافقه (ق ، غ ١١ ، ٣ ، ٨)

ـ قال (أبو الهذيل) : ولا بدّ في كل حيّ من أجل محكوم له بأنّه يعيش إليه ، فيكون أجلا في الحقيقة وإن قتل قبله ، لأنّ الأجل هو الوقت المنتظر ، ولذلك لا يقال في الدين الحالّ : إنّه مؤجّل ، ويقال ذلك في المتأخّر (ق ، غ ١١ ، ٤ ، ٢)

ـ إنّ جعله تعالى الأجل أجلا له هو بأن يكتب ذلك أو يدلّ عليه إن لم يقتله القاتل وقد بيّنا أنّ ذلك لا يمنع من كونه قادرا على قتله ، وأن ذلك لا يوجب عليه لله لا قهرا ولا تجهيلا. فكيف يجب إذا جوّزنا لو لم يقتله القاتل أن يعيش (ق ، غ ١١ ، ٦ ، ١٩)

ـ إنّا لا نجعل الأجل إلّا الوقت الذي يقتل فيه. وقد علمنا أنّه لا يجب القضاء بأنّه كان يموت في تلك الحال لو لم يقتله القاتل ، من حيث نقدر فنقول : كان يجوز لو لا قتل القاتل له أن يكون الصلاح أن يعيش مدّة من الزمان ، كما لا يجب مثل ذلك فيمن مات بالغرق والهدم وسائر الأسباب التي يجوز أن يعيش لو لم تحدث. وإنّما كان يجب البداء لو خرج تعالى من أن يعلم بما كان عالما به ، أو ظهر له ما لم يكن عالما به ووجد من فعله ما يقتضي ذلك فيه. وتجويزنا أن يعيش مدّة لو لم يقتله القاتل ليس ببداء ، ولا يدلّ عليه ، فكيف يمنع من ذلك لهذه العلّة ، ولو جاز التعلّق بذلك فيما قال لجاز أن يقال فيمن مات ببعض الأسباب التي حدثت عند اختياره من غرق وهدم : إنّه يوجب البداء لو جوّزنا أن يبقى بعد ذلك لو لم يختر ذلك السبب (ق ، غ ١١ ، ٧ ، ٣)

ـ إنّ جعله تعالى الأجل أجلا له هو بشرط ألّا يتقدّم القتل ، فكأنّه تعالى كتب في اللوح المحفوظ بأنّ زيدا يعيش مائة سنة إن لم يقتل وهو ابن خمسين ، ويكون ذلك أجله ، وإذا قتل وهو ابن خمسين فهذا أجله ، وأنا أعلم أنّه سيقتل في هذه الحال لا محالة ، فهذا منه تعالى يوجب أنّ أجله حال القتل دون الحال الثاني (ق ، غ ١١ ، ١٧ ، ٣)

ـ الأجل هو الوقت ؛ لأنّ وقت الشيء هو أجله. ألا ترى أنّ الوقت الذي يحلّ فيه الدين يقال : هو أجل الدين ، والوقت الذي ينزل فيه بالعبد الموت يقال : إنّه أجل الموت (ق ، غ ١١ ، ٢٠ ، ٩)

ـ إنّ أجل المرء هو وقت الموت ، وإنّه متى قيل في الحي إنّه قطع أجله فهو على ضرب من التقدير والمجاز ، وبيّنا أنّه لا يمتنع مع ذلك في القادر أن يقتل من لو لا قتله لكان يعيش مدّة من الزمان (ق ، غ ١٣ ، ٥٤٧ ، ٣)

ـ قال أصحابنا ... كل من مات حتف أنفه أو قتل فإنّما مات بأجله الذي جعله الله عزوجل

أجلا لعمره. والله قادر على إبقائه والزيادة في عمره لكنه إذا لم يبقه إلى مدّة لم يكن المدّة التي لم يبق إليها أجلا له (ب ، أ ، ١٤٢ ، ١٤) ـ اختلفت القدريّة في هذه المسألة (الآجال) : فقال أبو الهذيل فيها مثل قولنا وهو أنّ المقتول لو لم يقتل مات في وقت قتله بأجله لأنّ المدّة التي لم يعش إليها لم تكن أجلا له ولا من عمره. وقال الجبائي أيضا فيمن علم الله منه أنّه يقتل لعشرين سنة إنّ الوقت الذي يقتل فيه أجل له ، وهو أجل موته ، ولا يجوز أن يكون له أجل آخر إلّا على تقدير الإمكان. وزعم الباقون من القدرية أنّ المقتول مقطوع عليه أجله. فجعلوا العباد قادرين على أن ينقصوا ممّا أجّله الله عزوجل ووقّته (ب ، أ ، ١٤٢ ، ١٧)

ـ أجل الشيء هو ميعاده الذي لا يتعدّاه ، وإلّا فليس يسمّى أجلا البتّة ، ولم يقل تعالى أنّ الأجل المسمّى عنده هو غير الأجل الذي قضى ، فأجل كل شيء منقضى أمره بالضرورة (ح ، ف ٣ ، ٨٦ ، ٩)

ـ الأجل عبارة عن الوقت الذي يخلق الله فيه موته سواء كان معه حزّ رقبة ، أو كسوف قمر ، أو نزول مطر ، أو لم يكن ، لأنّ كل هذه عندنا مقترنات وليست متولّدات ولكن اقتران بعضها يتكرّر بالعادة ، وبعضها لا يتكرّر (غ ، ق ، ٢٢٥ ، ١)

ـ المراد بالأجل الآخرة لما روى" أنّ الله تعالى وعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ز ، ك ٣ ، ٢٠٩ ، ٢٨)

ـ اختلف المتكلّمون في الآجال ، وقالت المعتزلة ينبغي أولا أن نحقّق مفهوم قولنا أجل ليكون البحث في التصديق بعد تحقّق التصوّر ، فالأجل عندنا هو الوقت الذي يعلم الله أنّ حياة ذلك الإنسان أو الحيوان تبطل فيه ، كما أنّ أجل الدين هو الوقت الذي يحلّ فيه ، فإذا سألنا سائل فقال هل للناس آجال مضروبة ، قلنا له ما تعني بذلك أتريد هل يعلم الله تعالى الأوقات التي تبطل فيها حياة الناس ، أم تريد بذلك أنّه هل يراد بطلان حياة كل حي في الوقت الذي بطلت حياته فيه. فإن قال عنيت الأول قيل له نعم للناس آجال مضروبة بمعنى معلومة ، فإنّ الله تعالى عالم بكل شيء ، وإن قال عنيت الثاني قيل لا يجوز عندنا إطلاق القول بذلك (أ ، ش ١ ، ٤٦٥ ، ٨)

ـ قال محمد بن الهيضم مذهبنا أنّ الله تعالى قد أجل لكل نفس أجلا لن ينقضي عمره دون بلوغه ولا يتأخّر عنه ، ومعنى الأجل هو الوقت الذي علم الله أنّ الإنسان يموت فيه ، وكتب ذلك في اللوح المحفوظ. وليس يجوز أن يكون الله تعالى وقد أجل له أجلا ثم يقتل قبل بلوغه أو يخترم دونه ، ولا أن يتأخّر عمّا أجل له ، ليس على معنى أنّ القاتل مضطرّ على قتله حتى لا يمكنه الامتناع منه ، بل هو قادر على أن يمتنع من قتله ولكنّه لا يمتنع منه إذا كان المعلوم أنّه يقتله لأجله بعينه ، وكتب ذلك عليه. ولو توهّمنا في التقدير أنّه يمتنع من قتله لكان الإنسان يموت لأجل ذلك ، لأنّهما أمران مؤجّلان بأجل واحد ، فأحدهما قتل القاتل إيّاه ، والثاني تصرّم مدّة عمره وحلول الموت به ، فلو قدّرنا امتناع القاتل من قتله لكان لا يجب بذلك أن لا يقع المؤجّل الثاني الذي هو حلول الموت به ، بل كان يجب أن يموت بأجله (أ ، ش ١ ، ٤٦٥ ، ١٨)

ـ قالت الأشعريّة والجهميّة والجبريّة كافّة إنّها

آجال مضروبة محدودة ، وإذا أجل الأجل وكان في المعلوم أنّ بعض الناس بقتله ، وجب وقوع القتل منه لا محالة ، وليس يقدر القاتل على الامتناع من قتله إذ تقدير انتفاء القتل ليقال ، كيف كانت تكون الحال تقدير أمر محال كتقدير عدم القديم وإثبات الشريك وتقدير الأمور المستحيلة لغو وخلف من القول (أ ، ش ١ ، ٤٦٥ ، ٢٧)

ـ قال قدماء الشيعة الآجال تزيد وتنقص ، ومعنى الأجل الوقت الذي علم الله تعالى أنّ الإنسان يموت فيه إن لم يقتل قبل ذلك أو لم يفعل فعلا يستحقّ به الزيادة والنقصان في عمره. قالوا وربما يقتل الإنسان الذي صرف له من الأجل خمسون سنة وهو ابن عشرين سنة ، وربما يفعل من الأفعال ما يستحقّ به الزيادة فيبلغ مائة سنة أو يستحقّ به النقيصة فيموت وهو ابن ثلاثين سنة. قالوا فما يقتضي الزيادة صلة الرحم ومما يقتضي النقيصة الزنا وعقوق الوالدين (أ ، ش ١ ، ٤٦٦ ، ٧)

ـ أمّا مشايخنا أبو علي وأبو هاشم فتوقّفا في هذه المسألة (الأجل) وشكّا في حياة المقتول وموته وقالا ، لا يجوز أن يبقى لو لم يقتل ، ويجوز أن يموت. قالا لأنّ حياته وموته مقدوران لله عزوجل ، وليس في العقل ما يدلّ على قبح واحد منهما ولا في الشرع ما يدلّ على حصول واحد منهما ، فوجب الشكّ فيهما ، إذ لا دليل يدلّ على واحد منهما (أ ، ش ١ ، ٤٦٦ ، ١٦)

ـ أوضح عليه‌السلام ذلك وأكّده فقال : " عدمت عند ذلك الآجال والأوقات وزالت السنون والساعات" ، لأنّ الأجل هو الوقت الذي يحلّ فيه الدين ، أو تبطل فيه الحياة ، وإذا ثبت أنّه لا وقت ثبت أنّه لا أجل ، وكذلك لا سنة ولا ساعة لأنّها أوقات مخصوصة (أ ، ش ٣ ، ٢١٢ ، ١٥)

ـ البهشميّة : الأجل واحد وهو وقت الموت. البغداديّة : بل أجلان : مقدّر ومسمّى. قلنا : ما لم يمت فيه فليس بأجل (م ، ق ، ٩٨ ، ١١)

ـ قلنا : الأجل وقت الموت ، ويلزم فيمن ذبح شاة غيره أن يكون محسنا إذا حلّها (م ، ق ، ٩٨ ، ١٨)

ـ الأجل وقت ذهاب الحياة وهو واحد ، إن كان ذهابها بالموت اتّفاقا. بعض أئمتنا ، عليهم‌السلام ، والبغداديّة : وأجلان إن كان ذهابها بالقتل خرم ، وهو الذي يقتل فيه ، ومسمّى وهو الذي لو سلم من القتل لعاش قطعا حتى يبلغه ويموت فيه. بعض أئمتنا عليهم‌السلام وبعض شيعتهم والبهشميّة : يجوز ذلك قبل وقوع القتل لا بعده ، إذ قد حصل موته بالقتل. المجبرة : لا يجوز قبله ولا بعده البتّة. لنا : قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (البقرة : ١٧٩) وهو نص صريح يفيد القطع بأنّ القتل خرم ، إذ لو ترك المقتول خشية القصاص لعاش قطعا ، ولو ترك المقتص منه لتركه القتل الموجب للقصاص لعاش قطعا ، كما أخبر الله تعالى (ق ، س ، ١٢٦ ، ٤)

أجل أول

ـ قيل الأجل الأوّل ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ ، وقيل الأوّل النوم ، والثاني الموت (ز ، ك ٢ ، ٤ ، ٦)

أجل الشيء

ـ اعلم أنّ الذي يقوله مشايخنا رحمهم‌الله إنّ

أجل الشيء وقته ، والوقت هو الحادث الذي تعلّق حدوث غيره به ، أي حادث كان ، ولذلك يصحّ من الإنسان أن يجعل كل حادث يشار إليه وقتا لغيره ، وإنّما يوقت أحد الحادثين بالآخر بحسب الفائدة. ولذلك يصحّ من زيد أن يجعل طلوع الشمس وقتا لقدوم عمرو وإذا علم المخاطب طلوع الشمس ، وجهل متى يقدم عمرو ، ويصحّ من غيره إذا كان المخاطب عالما بقدوم زيد ويكون جاهلا بطلوع الشمس أن يجعل قدوم زيد وقتا لطلوع الشمس ، وإنّما يمتنع من الموقّت الواحد أن يجعل الوقت موقّتا به ، لأنّ المخاطب لا بدّ من أن يكون عارفا بأحدهما دون الآخر ، فبحسب حاله يصحّ أن يجعل الشيء وقتا لغيره ، ولذلك يصحّ منه إذا خاطب اثنين أن يجعل ما جعله وقتا في خطاب أحدهما موقّتا في خطاب الآخر. وكذلك القول في خطاب الواحد في زمانين (ق ، غ ١١ ، ١٨ ، ١١)

أجل مسمّى

ـ أمّا التعلّق بقوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) (الأنعام : ٢) فالمراد به آجال حياتهم في الآخرة. ولذلك عمّ الجميع بذلك : المقتول وغيره ، ولذلك أضاف إليه فقال وأجل مسمّى عنده من حيث كانت الآخرة قد أزيل (فيها) تملّك سائر الناس ، ولا يتصرّف في العباد غيره تعالى (ق ، غ ١١ ، ٢٤ ، ٩)

ـ (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (إبراهيم : ١٠) إلى وقت قد سمّاه الله وبيّن مقداره ، يبلغكموه إن آمنتم وإلّا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت (ز ، ك ٢ ، ٣٦٩ ، ٢١)

أجل معلوم

ـ قول الله (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (الرعد : ٣٩) يقال له (ابن الروندي) : إنّه ليس في الآية التي تلوتها ما يوجب البداء ، وقد تأولها أهل العلم من المسلمين على خلاف ما تأولتها الرافضة. فقال بعضهم : إنّ الله جلّ ذكره جعل الأجل للمؤجلين فيه في كتاب نسخته الملائكة الذين تعبّدوا بحفظ الخلق ، فتكون للإنسان عندهم نطفة أجلا معلوما ثم علقة أجلا ثم مضغة أجلا معلوما ، فإذا نقله عظما كتب اسمه إلى ما نقله إليه ومحاه من الكتاب أن يكون مضغة ثم ينقله طفلا ، فإذا بلغ أشدّه محا اسمه أن يكون في الكتاب طفلا وكتبه بالغا ، وإذا ردّه إلى أرذل العمر محا اسمه أن يكون في الكتاب قويا عاقلا ويكون كافرا أجلا معلوما ، فإذا أسلم محاه من الكتاب الذي كتبت الملائكة عليه فيه أنّه كافر ، وإذا كان حيّا ثم أماته محاه من كتابه أن يكون اسمه فيه حيّا وكتبه ميتا (خ ، ن ، ٩٤ ، ٤)

أجل الموت

ـ أمّا أجل الموت فمحال أن يكون لطفا لهذا الميّت مع أنّه قد قطعه عن التكليف. ولكنّه ليس يمتنع أن يكون علمه بأنّه يموت يصير لطفا له ، أو موته يصير لطفا لغيره كما أنّ موت ولده الصغير يجوز أن يكون لطفا له. بل لا بدّ في الإماتة إذا حصل عندها ألم أن يقضى بثبوت لطف فيه لبعض المكلّفين على ما تقدّم ذكره (ق ، ت ٢ ، ٤١٧ ، ٧)

إجماع

ـ صورة الإجماع : حصول مشاركة البعض

للبعض ، فيما نسب إلى أنّه إجماعهم فما كان هذا حاله ، يوصف بأنّه إجماع ، متى كان ذلك من جهتهم ، على وجه التعمّد والقصد ، لأن ما يقع على حدّ السهو لا معتبر به ، وما يشتركون فيه باضطرار لا معتبر به ؛ ولا فرق بين أن يكون اتّفاقهم في ذلك واشتراكهم فيه في وقت واحد ، أو أوقات ؛ كما لا فرق في ذلك بين الأفعال المختلفة ، وإن اشتركوا في أفعال القلوب ، أو أفعال الجوارح أو غيرهما ، والحال واحدة في أنّه إجماع (ق ، غ ١٧ ، ١٥٣ ، ٦)

ـ الصحيح في إجماع الذي هو حجّة ؛ أن يكون إجماع المؤمنين ، فإن علمناهم بأعيانهم لم يعتبر إلّا إجماعهم ، ولو لم نعلمهم اعتبرنا إجماعهم بعلم دخولهم في جملتهم ، ولم نعتبر لمن يعلم أنّه ليس من المؤمنين من يلزم تكفيره كالمشبهة ، والمجبرة ، ولا من يلزم تضليله ، وتفسيقه ، كالخوارج ومن يجري مجراهم. وهذه الطريقة هي التي اعتبرها" أبو علي" في الشهداء الذين اعتمد على إجماعهم ؛ وكل قائل بالإجماع إنّما اعتبر في الإجماع الذي جعله حجّة ما اقتضاه دليله ، فمن عوّل على هذا الدليل اعتبر بإجماع المؤمنين على الوجه الذي ذكرناه ، ومن اعتبر الشهداء فكمثل ؛ لأن الشهداء هم المؤمنون ؛ ومن اعتمد الخبر جعل الإجماع إجماع كل الأمّة المصدّقة بالرسول (ق ، غ ١٧ ، ١٦٨ ، ١٠)

ـ الإجماع هو اتّفاق من جماعة على أمر من الأمور ، إمّا فعل أو ترك ، وجاز أن يلحق اتّفاقهم اشتباه ، فيخرج منه ما هو منه ، ويجعل منه ما ليس منه ؛ وجاز أن يكون الاتّفاق حجّة بشرط ؛ وجاز أن يعارض قولهم حجّة أخرى (ب ، م ، ٤٥٧ ، ٤)

ـ اعلم أنّ إجماع أهل كل عصر من الأمّة صواب وحجّة. وقال النظّام : ليس ذلك حجّة. وقالت الإماميّة : ذلك صواب لأنّ الإمام داخل فيهم ، وهو الحجّة فقط (ب ، م ، ٤٥٨ ، ١٩)

ـ الإجماع لا تعلم صحّته إلّا بالسمع ؛ وأدلّة السمع لا تتناول الكافر (ب ، م ، ٤٨٠ ، ٧)

ـ ذهب أكثر الناس إلى أنّ إجماع أهل كل عصر حجّة على من بعدهم. وقال أهل الظاهر : إجماع الصحابة وحده حجّة ، دون غيرهم من إجماع أهل الأعصار (ب ، م ، ٤٨٣ ، ١١)

ـ اعلم أنّ القائلين بأنّ الإجماع لا ينعقد إلّا عن طريق ، اتّفقوا على جواز انعقاده عن دلالة. لأنّه لو لم يجز انعقاده عن دلالة ، لم يجز عن أمارة. وفي ذلك تعذّر انعقاده ، وأن يكون الله تعالى قد أمرنا باتّباع ما يتعذّر وقوعه. واختلفوا في انعقاده عن أمارة. فمنع قوم من أهل الظاهر من ذلك ، خفيت الدلالة أم ظهرت ، وأجاز أكثر الفقهاء انعقاده عن الجليّ والخفيّ من الأمارات. وأجاز قوم انعقاده عن الجليّ دون الخفيّ (ب ، م ، ٥٢٤ ، ٨)

ـ أمّا الإجماع المعتبر في الحكم الشرعي فمقصور على إجماع أهل عصر من أعصار هذه الأمّة على حكم شرعي فإنّها لا تجتمع على ضلالة (ب ، أ ، ١٨ ، ٥)

ـ إنّ الإجماع حجّة قد قام البرهان على صحّتها في الفتيا في دين الإسلام ، وما قام على صحّته البرهان فهو حجّة قاطعة على من خالفه وعلى من وافقه (ح ، ف ١ ، ١٠٣ ، ٢١)

ـ قوله (النظّام) في الإجماع إنّه ليس بحجّة في الشرع ، وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجّة ، وإنّما الحجّة في قول

الإمام المعصوم (ش ، م ١ ، ٥٧ ، ٤)

ـ الإجماع لا يخلو عن نص خفيّ أو جليّ قد اختصّه ، لأنّا على القطع نعلم أنّ الصدر الأول لا يجمعون على أمر إلّا عن تثبّت وتوقيف ، فإمّا أن يكون ذلك النص في نفس الحادثة التي اتّفقوا على حكمها من غير بيان ما يستند إليه حكمها ، وإمّا أن يكون النص في أنّ الإجماع حجّة ، ومخالفة الإجماع بدعة. وبالجملة مستند الإجماع نص خفيّ أو جليّ لا محالة ، وإلّا فيؤدّي إلى إثبات الأحكام المرسلة ، ومستند الاجتهاد والقياس هو : الإجماع وهو أيضا مستند إلى نص مخصوص في جواز الاجتهاد (ش ، م ١ ، ١٩٩ ، ٧)

إجماع الأمة

ـ إجماع الأمّة هل هو دليل في الشرع ، وأنّ الإجماع هل يتصوّر وقوعه صادرا عن الاجتهاد بحيث لا يتصوّر فيه الخلاف ، وأما تصوّره عقلا فمن الجائزات العقليّة موافقة شخصين على رأي واحد ، وإذا تصوّر في شخصين فما المانع من تصوّره في ثلاثة وأربعة إلى أن يستوعب الجميع ، وأمّا تقدير وقوعه في الصدر الأول فهو أيسر ما في المقدور ، فإنّ الصحابة كانوا محصورين في المهاجرين والأنصار وأهل الرأي والاجتهاد منهم ، أيكون إلى عدد يمكن ضبطهم وحصرهم في محفل واحد ويتناظرون في أمر ويتّفقون على رأي واحد ، ولا يبدو من أحدهم إنكار. وأمّا وجه كونه دليلا إنّا بالضرورة نعلم أنّ الصحابة إذا أجمعوا على أمر فلا يحصل منهم ذلك الاتفاق إلّا لنص خفي قد تحقّق عندهم ، إمّا نص في ذلك الأمر بعينه وإمّا نص على أنّ الإجماع حجّة ، ثم ذلك النص ربما يكون عندهم تواترا وعندنا من أخبار الآحاد ، فلا بدّ من إضمار قطعا حتى يكون حجّة ، لكنّ الإجماع قرينة دالّة عليه قطعا ، وهو كالأخبار المتواترة ، فإنّها أورثت العلم بحكم القرينة لا بحكم العدد ، ومن الدليل على أنّ الإجماع حجّة تبكيت الصحابة لمن خالف الإجماع وإخراجهم إيّاه عن سنن الهدى (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ١٧)

أجناس

ـ أمّا قدرته (الله) على كل جنس فلأنّ الأجناس على ضربين : أحدهما يختصّ هو تعالى بالقدرة عليه فلا يحتاج إلى دلالة على قدرته عليه. والثاني يكون داخلا تحت قدر العباد فيجب أن يكون تعالى عليه أقدر لأنّ حاله في كونه قادرا أكمل من حالنا في كوننا قادرين (ق ، ت ١ ، ١٠٨ ، ١٤)

ـ إنّ الأجناس لا تتعلّق ، في كونها أجناسا ، بالفاعلين ، وإنّما يتعلّق حدوثها بهم. وكذلك منعنا من أن يصحّ من القادر أن يقلب الأجناس ؛ لأنّ الذي يصحّ منه ، من حيث كان قادرا على إحداث الأجناس ، الذي لا يؤثّر في دخولها في كونها أجناسا ولا في خروجها عنه ، وإنّما يؤثّر في ظهور ذلك للمدركين الذين لا يعلمون اختلاف الأجناس إلّا عند الإدراك (ق ، غ ١٥ ، ١٥٢ ، ٢٢)

ـ الأجناس والفصول ليست بتصديقات ، إنّما هي تصوّرات مفردة (ط ، م ، ٩٠ ، ٢٠)

أجناس عالية

ـ إنّ أكثر الأجناس العالية ممّا لا يدرك بالحسّ ، ولا بالوجدان ، ولا بالبديهة ، ولا بالتركيب

العقلي ، فإنّها بسائط في العقل. وقد يتصوّر بالرّسوم وبتحليل ما يتصوّر من أنواعها إليها (ط ، م ، ١٠ ، ٦)

أجناس مقدورة

ـ الألم هو من الأجناس المقدورة لنا لوقوعه بحسب أحوالنا وبحسب ما نفعله من أجزاء الوهى ، ولكنّه ملحق بالأجناس التي لا يصحّ منّا أن نفعلها إلّا متولّدة كالصوت والتأليف ، فسبيله سبيلها وهذا ظاهر ، لأنّه يتعذّر علينا الإيلام من دون تقطيع ويتعذّر إيجاد اللّذة من دون حكّ الجرب. ولو كان ذلك مقدورا له ابتداء لصحّ أن يفعله من دونه ، لأنّه يستضرّ بالحكّ. فثبت أنّا إنّما نقدر على فعله متولّدا. وهذا الحكم لا يجوز تعليله بعلّة لأنّا إن جعلنا العلّة كوننا قادرين بقدرة ، لم يصحّ لأنّا قد نوجد الكثير من الأجناس مبتدأ ، فكيف نجعل الحاجة إلى السبب لأجل القدرة. وهذا هو الواجب في غيره من الأجناس كي لا يصحّ فعله إلّا متولّدا (أ ، ت ، ٣٢٥ ، ٣)

أحاديث النفس

ـ قالت المعتزلة نحن لا ننكر الخواطر التي تطرأ على قلب الإنسان وربما نسمّيها أحاديث النفس إمّا مجازا وإمّا حقيقة ، غير أنّها تقديرات للعبارات التي في اللسان ، ألا ترى أنّ من لا يعرف كلمة بالعربية لا يخطر بباله كلام العرب ، ومن لا يعرف العجميّة لا يطرأ عليه كلام العجم ... إنّ الكلام الحقيقيّ هو الحروف المنظومة التي في اللسان والمتعارف من أهل اللغة والعقلاء ، إنّ الذي في اللسان هو الكلام ومن قدر عليه فهو المتكلّم (ش ، ن ، ٣٢٣ ، ١٦)

إحاطة

ـ الإحصاء والإحاطة لا تكون إلّا لمتناه ذي غاية. (قال) (أبو الهذيل) : فإذا انتهى أهل الجنّة إلى آخر الحركات التي ثبّتنا لها كلّا محصى محاطا به جمعت فيهم اللذات كلّها : لذّة الجماع ولذّة الأكل والشرب وغيرها من اللذات ، وصاروا في الجنّة باقين بقاء دائما وساكنين سكونا باقيا ثابتا لا يفنى ولا يزول ولا ينفد ولا يبيد (خ ، ن ، ١٧ ، ٦)

ـ قالت المعتزلة معلوم الله بكونه عالما لا بالعلم ولا بالذات ، ولا معنى لكون المعلوم معلوما إلّا أنّه غير مخفي على العالم كما هو عليه ، فليس ثم تعلّق حسّي أو وهميّ حتى يحال به على العلم أو على الذات ، وقولكم العلم إحاطة بالمعلوم تغيير عبارة وتبديل لفظ بلفظ ، وإلّا فالعلم والإحاطة والتيقّن عبارات عن معبّر واحد ، ومعنى كون الذات عالما أنّه محيط ، وكذلك معنى كونه محيطا أنّه عالم ، وإنّما وقعتم في إلزام لفظ الإحاطة لظنّكم أنّ الإحاطة لو تحقّقت للذات ، كانت تلك الإحاطة كإحاطة جسم بجسم ، وذلك الاشتراك في اللفظ ، وإلّا فمعنى الإحاطة هو العلم ، وهو بكلّ شيء عليم محيط ، وبكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير (ش ، ن ، ١٩٢ ، ٢)

إحباط

ـ التكفير : إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة ، والإحباط نقيضه وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة (ز ، ك ١ ، ٥٢٢ ، ٢٠)

ـ قالت الإماميّة لا تجوز عليهم الكبائر ولا الصغائر لا عمدا ولا خطأ ولا سهوا ولا على

سبيل التأويل والشبهة ، وكذلك قولهم في الأئمة ، والخلاف بيننا وبينهم في الأنبياء يكاد يكون ساقطا لأنّ أصحابنا إنّما يجوّزون عليهم الصغائر لأنّه لا عقاب عليها ، وإنّما تقتضي نقصان الثواب المستحقّ على قاعدتهم في مسئلة الإحباط. فقد اعترف إذا أصحابنا بأنّه لا يقع من الأنبياء ما يستحقّون به ذمّا ولا عقابا ، والإماميّة إنّما تنفي عن الأنبياء الصغائر والكبائر من حيث كان كل شيء منها يستحقّ فاعله به الذمّ والعقاب ، لأنّ الإحباط باطل عندهم ، فإذا كان استحقاق الذمّ والعقاب يجب أن ينفى عن الأنبياء وجب أن ينفى عنهم سائر الذنوب (أ ، ش ٢ ، ١٦٣ ، ١٠)

ـ المتكلّمون يسمّون إبطال الثواب إحباطا وإبطال العقاب تكفيرا (أ ، ش ٣ ، ٢٢٦ ، ٢٤)

إحباط وتكفير

ـ اعلم أنّ المكلّف لا يخلو ؛ إمّا تخلص طاعاته ومعاصيه ، أو يكون قد جمع بينهما ؛ وإذا كان قد جمع بينهما فلا يخلو ؛ إمّا أن تتساوى طاعاته ومعاصيه ، أو يزيد أحدهما على الآخر فإنّه لا بدّ من أن يسقط الأقل بالأكثر ؛ وإن شئت أوردت ذلك على وجه آخر ، فقلت : إنّ المكلّف لا يخلو ؛ إمّا أن يستحقّ الثواب أو أن يستحقّ العقاب من كل واحد منهما قدرا واحدا ، أو يستحقّ من أحدهما أكثر مما يستحقّ من الآخر. لا يجوز أن يستحقّ من كل واحد منهما قدرا واحدا لما قد مرّ ، وإذا استحقّ من أحدهما أكثر من الآخر فإنّ الأقل لا بدّ من أن يسقط بالأكثر ويزول ، وهذا هو القول بالإحباط والتكفير على ما قاله المشايخ (ق ، ش ، ٦٢٤ ، ١٩)

ـ يصحّ التكفير والإحباط ، على ما سنبيّن ، خلافا للمرجئة. قلنا : العقاب دائم ، والثواب دائم ، فاستحال اجتماع استحقاقهما فتساقطا (م ، ق ، ١٢٣ ، ١٧)

ـ البهشميّة : والموازنة تقع بين الثواب والعقاب. الإخشيديّة : بل بين الفعل والمستحقّ ، فتنحبط الطاعة بالعقاب والمعصية بالثواب. أبو علي : بل بين الفعلين. قلنا : إنّما يقع التكفير والإحباط بأمر منتظر ، والمنتظر هو المستحقّ ويلزم ما مرّ من استواء من أحسن وأساء ومن أساء فقط (م ، ق ، ١٢٤ ، ٤)

أحبط

ـ إنّ الإنسان إذا وقع منه القبيح ثم ساءه ذلك وندم عليه وتاب حقيقة التوبة ، كفّرت توبته معصيته ، فسقط ما كان يستحقّه من العقاب وحصل له ثواب التوبة. وأمّا من فعل واجبا واستحقّ به ثوابا ثم خامره الإعجاب بنفسه ، والإدلال على الله تعالى بعلمه ، والتيه على الناس بعبادته واجتهاده ، فإنّه يكون قد أحبط ثواب عبادته بما شفعها من القبيح الذي أتاه ، وهو العجب والتيه والإدلال على الله تعالى ، فيعود لا مثابا ولا معاقبا لأنّه يتكافأ الاستحقاقان ، ولا ريب أنّ من حصل له ثواب التوبة وسقط عنه عقاب المعصية خير ممّن خرج من الأمرين كفافا لا عليه ولا له (أ ، ش ٤ ، ٢٦٤ ، ١٩)

احتياج

ـ إنّما نعني بالاحتياج أنّ لحالة من أحوالنا فيه تأثير ، والذي يدلّ على ذلك ، هو أنّها (تصرفاتنا) تقع بحسب قصودنا ودواعينا ،

وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال محقّقا وإمّا مقدّرا ، فلولا أنّها محتاجة إلينا متعلّقة بنا وإلّا كان لا يجب فيها هذه القضية ، كما في تصرّف الغير ، وكما في اللون. وأمّا الذي يدلّ على أنّها إنّما احتاجت إلينا لحدوثها ، فهو أنّ حدوثها هو الذي يقف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا. وبعد فإنّه لا يخلو ؛ إمّا أن تكون محتاجة لاستمرار وجودها ، أو لاستمرار عدمها ، أو لتجدّد وجودها. لا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار عدمها لأنّها قد كانت مستمرّة العدم ولم تكن ، ولا أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار وجودها لأنّها تبقى مستمرّة الوجود وإن خرجنا عن كوننا أحياء فضلا عن كوننا قادرين ، فلم يبق إلّا أن تكون محتاجة إلينا لتجدّد وجودها وهو الحدوث ، فصحّ القياس (ق ، ش ، ١١٨ ، ١٤)

ـ إنّ أمارة احتياج الشيء إلى غيره في صفة من صفاته هو أن يثبت بثبات ذلك الغير ويزول بزواله. وبهذا يعلم أنّ الجوهر في كونه متحرّكا يحتاج إلى الحركة ، لأنّه يخرج عن كونه متحرّكا بزوال الحركة ، ويثبت كونه متحرّكا بثبوت الحركة ، فكذلك تصرّفنا يثبت بثبوت أحوالنا ويزول بزوال أحوالنا ، فيجب أن يحتاج إلينا وإلى أحوالنا (ن ، د ، ٢٩٩ ، ٣)

ـ إنّ الاحتياج إلينا هو أنّ أحوالنا تؤثّر فيه (ن ، د ، ٣٢٤ ، ١٤)

ـ إنّ التصرّف يثبت احتياجه إليه : إمّا ضرورة وإمّا استدلالا ؛ ومعنى الاحتياج هو ثبوت التأثير فيه على معنى أنّه لولاه لم يثبت. ومعلوم أن هذا التأثير لا يجوز أن يرجع به إلى ذواتنا ، بل لا بدّ أن يرجع به إلى أحوالنا (ن ، د ، ٤٨٣ ، ١٢)

ـ ما نقول في احتياج التصرّف إلى الواحد منّا ، فإنّ هذا الاحتياج معلوم ضرورة ، وإن لم يقع إلى أي صفة تحتاج إلينا. ثم إنّ الاحتياج الذي هو تأثير أحوالنا فيه تعليله بالحدوث ، فنقول :

إنّ الحدوث هو الذي يثبت فيه تأثير أحوالنا. وهذا التعليل ليس لإثبات الحكم في هذا الموضع ، فإنّ الحدوث معلوم لدلالة ، والاحتياج معلوم ضرورة. ولكن غرضنا بهذا التعليل قياس الغائب عليه بعلّة الحدوث ، بأن نقول إذا ثبت في تصرّفنا أنّه يحتاج إلينا لحدوثه ، وثبت الحدوث في الأجسام ، وجب أن يثبت فيها الاحتياج إلى محدث. وإن كان إثبات المحدث للأجسام الذي يتقاضى العقل إثباته لا يتمّ إلّا بهذا التعليل صار ذلك ملجئا إلى التعليل أو دليلا دالّا إلى تعليله (ن ، د ، ٤٨٤ ، ١٧)

ـ نقول (الصفاتية) معنى قولنا الصفات قامت به أنّه سبحانه يوصف بها فقط من غير شرط آخر ، والوصف من حيث هو وصف لا يستدعي الاحتياج والاستغناء ولا التقدّم ولا التأخّر ، فإنّ الوصف بكونه قديما واجبا بذاته من حيث هو وصف لا يستدعي كون القدم والوجوب محتاجا إلى الموصوف ، ولا كون الموصوف سابقا بالقدم والوجوب ، بل الاحتياج إنّما يتصوّر في الجواهر والأعراض حيث لم تكن فكانت. فاحتاجت إلى موجد لجوازها ، وتطلق على الأعراض خاصة حيث لم تعقل إلّا في محال ، واحتاجت إلى محل ، وبالجملة الاحتياج إنّما يتحقّق فيما يتوقّع حصوله فيترقّب وجوده ، ولن يتصوّر الاحتياج في القدم (ش ، ن ، ٢٠٢ ، ٤)

أحد

ـ إنّ صانع العالم جلّت قدرته واحد أحد ؛ ومعنى ذلك : أنّه ليس معه إله سواه ، ولا من يستحق العبادة إلّا إيّاه ، ولا نريد بذلك أنّه واحد من [جهة العدد] ، وكذلك قولنا أحد ، وفرد وجود ذلك إنّما نريد به أنّه لا شبيه له ولا نظير ، ونريد بذلك أن ليس معه من يستحق الإلهيّة سواه ، وقد قال تعالى : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) (النساء : ١٧١) ومعناه : لا إله إلا الله (ب ، ن ، ٣٣ ، ٢١)

ـ و (اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) هو الشأن كقولك هو زيد منطلق كأنّه قيل : الشأن هذا وهو أنّ الله واحد لا ثاني له. فإن قلت : ما محل هو؟ قلت : الرفع على الابتداء والخبر الجملة. فإن قلت : فالجملة الواقعة خبرا لا بدّ فيها من راجع إلى المبتدإ فأين الراجع؟ قلت : حكم هذه الجملة حكم المفرد في قولك زيد غلامك في أنّه هو المبتدأ في المعنى ، وذلك أنّ قوله (اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) هو الشأن الذي هو عبارة عنه ، وليس كذلك زيد أبوه منطلق ، فإنّ زيدا والجملة يدلّان على معنيين مختلفين فلا بدّ مما يصل بينهما. وعن ابن عباس : قالت قريش : يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا إليه ، فنزلت : يعني الذي سألتموني وصفه هو الله. وأحد بدل من قوله الله ، أو على هو أحد وهو بمعنى واحد وأصله وحد. وقرأ عبد الله وأبي هو الله أحد بغير قل ، وفي قراءة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله أحد بغير قل هو ، وقال" من قرأ الله أحد كان بعدل القرآن" وقرأ الأعمش ؛ قل هو الله الواحد ، وقرئ أحد الله بغير تنوين أسقط لملاقاته لام التعريف (ز ، ك ٤ ، ٢٩٨ ، ٨)

ـ نقول إنّ قوله تعالى" أحد" يدلّ على نفي الجسميّة ونفي الحيّز والجهة (ف ، س ، ٢٠ ، ١٥)

ـ إنّ الأحد كما يراد به نفي التركيب والتألّف في الذات ، فقد يراد به أيضا نفي الضدّ والندّ (ف ، س ، ٢٢ ، ١)

أحداث

ـ مما أوجب التشبيه قيام الحوادث بذاته سبحانه ، وقد ذهبت الكراميّة إلى جواز ذلك ، ومن مذهبهم إنّما يحدث من المحدثات فإنّما يحدث بإحداث الباري سبحانه ، والأحداث عبارة عن صفات تحدث في ذاته من إرادة لتخصيص الفعل بالوجود ومن أقوال مرتبة من حروف مثل قوله كن ، وأمّا سائر الأقوال كالإخبار عن الأمور الماضية والآتية والكتب المنزلة على الرسل عليهم‌السلام والقصص والوعد والوعيد والأحكام والأوامر والنواهي والتسمعات للمسموعات والتبصّرات للمبصرات فتحدث في ذاته بقدرته الأزلية ، وليست هي من الأحداث في شيء (ش ، ن ، ١١٤ ، ٤)

إحداث

ـ إذ الوجود بعد أن لم يكن هو دليل الإيجاد والإحداث الذي به يعلم الموجود المحدث (م ، ح ، ١٢٩ ، ٢٤)

ـ حقيقة الخلق والإحداث هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وإذا كان الواحد منّا على زعمكم يقدر أن يخلق حركة معدومة حتى يخرجها من العدم إلى الوجود ، وأن يخلق شيئا زائدا فيخرجه من العدم إلى الوجود ، وأن يخلق

له لونا غير لونه فيخرجه من العدم إلى الوجود ، وفي هذا القول الخبيث التسوية بين قدرة الله تعالى وقدرة العباد ، وأنّهم يقدرون على ما يقدر عليه. تعالى ربنا عن ذلك علوا كبيرا (ب ، ن ، ١٤٨ ، ١٩)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدوث" و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل" و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع" و" مبدع" و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين" و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا ، كما يقتضي المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٦)

ـ إنّ القادر لا بدّ من أن يؤثّر في تحصيل صفة لم تكن ، وهذا إنّما يتأتّى في الإحداث. فأمّا الإعدام فلا يصحّ ذلك فيه إذ ليس للمعدوم بكونه معدوما صفة. وعلى هذا الأصل قلنا للمجبرة : إذا لم يصحّ أن تكون للفعل صفة يرجع بها إلى كونه كسبا فيجب أن لا يصحّ تعليقه بالفاعل (ق ، ت ٢ ، ٢٩٥ ، ١٢)

ـ حكي عن أبي الهذيل أنّه يجعل الإحداث معلّقا من الله تعالى بقول وإرادة (أ ، ت ، ١٥٤ ، ١٣)

ـ إن قلت : في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير فقدّره لأمر ما ، ومصلحة مطابقا لما قدّر له غير متجاف عنه. أو سمّي إحداث الله خلقا لأنّه لا يحدث شيئا لحكمته إلّا على وجه التقدير من غير تفاوت ، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنّه قيل وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه : فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ١٣)

ـ يحكى عنه (معمّر) أيضا أنّه قال : الخلق غير المخلوق ، والإحداث غير المحدث (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ٦)

ـ من مذهبهم جميعا (الكراميّة) : جواز قيام كثير من الحوادث بذات الباري تعالى ، ومن أصلهم أنّ ما يحدث في ذاته فإنّما يحدث بقدرته ، وما يحدث مباينا لذاته فإنّما يحدث بواسطة الإحداث. ويعنون بالإحداث : الإيجاد والإعدام الواقعين في ذاته بقدرته من الأقوال والإرادات. ويعنون بالمحدث : ما بين ذاته من الجواهر والأعراض (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١)

ـ إنّما الإحداث في الخلق على مذهب أكثرهم قول وإرادة ، والقول هما صورتان هما حرفان ، وعلى طريقة محمد بن الهيصم الإحداث إرادة وإيثار وذلك مشروط بالقول شرعا (ش ، ن ، ١١٤ ، ١١)

ـ لنا أنّ إحداث الشيء لا يصحّ إلّا بالإرادة على

ما تقدّم ، فلو كانت الإرادة حادثة ، لافتقرت إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل (ف ، م ، ١٣٧ ، ١)

ـ الإحداث : إيجاد شيء مسبوق بالزمان (ج ، ت ، ٣٢ ، ٢٢)

إحداث بين محدثين

ـ كان (الأشعري) يحيل أن يكتسب المكتسب فعل غيره أو يكتسب في غيره. وكان يقول إنّ الله تعالى يفعل في غيره ولا يصحّ أن يفعل في نفسه ، والمكتسب لا يصحّ أن يكتسب إلّا في نفسه. ويحيل كسبا بين مكتسبين وفعلا بين فاعلين وإحداثا بين محدثين. ويفرّق بين ذلك وبين جواز مقدور بين قادرين أحدهما يخلقه والآخر يكتسبه بفروق (أ ، م ، ١٠٢ ، ٩)

إحداث ثان بعد حدوث أول

ـ في ذكر ما له يكون المعاد معادا اختلف المتكلّمون في ذلك. فمنهم من قال : إنّه يكون معادا لعلّة لولاها لم يكن كذلك ؛ كما أنّ المتحرّك إنّما يتحرّك لعلّة ؛ لأنّه كما يجوز بدلا من كونه متحرّكا أن يكون ساكنا ، فكذلك يصحّ بدلا من كونه معادا أن يكون غير معاد ، فيجب أن يختصّ بكونه معادا لعلّة. قالوا : وقد يجوز أن يكون الشيء حادثا معادا وحادثا غير معاد. فإذا اشتركا في الحدوث واستبدّ أحدهما بحكم زائد فيجب أن يكون ذلك لعلّة ، كما أن المتحرّك والساكن لمّا اجتمعا في الوجود (و) استبدّ كل واحد منهما بحكم زائد ، وجب أن يكون ذلك لعلّة. والصحيح عند شيوخنا ـ رحمهم‌الله ـ أن يكون معادا لا لعلّة ، لكن لأنّه إحداث ثانيا بعد حدوث أول. فلما أعيد ثانيا إلى الوجود الذي كان له وزال وصف بهذه الصفة لهذه الفائدة وإن لم يكن هناك علّة. ويدلّ على ذلك أنّه إذا ثبت في المحدث أنّه يحدث لا لعلّة ، فكذلك القول في المعاد ، لأنّه لم يحصل فيه إلّا إحداث ذاته في المعنى (ق ، غ ١١ ، ٤٥٦ ، ١٢)

إحداث على طريق الاختيار

ـ إنّ الإحداث على طريق الاختيار إنّما يكون بالغرض والدّاعي ، وذلك يقتضي كونه عالما ، فإذا ثبت أنّه عالم بشيء أفسدوا حينئذ أن يكون عالما بمعنى اقتضى له العالميّة أو بأمر خارج عن ذاته مختارا كان أو غير مختار ، فحينئذ ثبت لهم أنّه إنّما علم لأنّه هذه الذات المخصوصة لا لشيء أزيد منها ، فإذا كان لهم ذلك ، وجب أن يكون عالما بكل معلوم لأنّ الأمر الذي أوجب كونه عالما بأمر ما ، هو ذاته يوجب كونه عالما بغيره من الأمور ، لأنّ نسبة ذاته إلى الكل نسبة واحدة (أ ، ش ١ ، ٢٩٣ ، ٢١)

أحدث

ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنّه يضلّ ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من

أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوّا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)

أحدية

ـ أمّا الأحديّة والواحديّة فإنّ الأحديّة صفة الذات والواحديّة صفة الفعل ، فيقال أحد بذاته وواحد بفعاله ، ثم أحديّته ووحدانيّته ليست من جهة العدد محتملة بالزيادة والنقصان والشركة والمثال ، فيقال العدد أحد وآحاد وواحد وواحدان ، حتى قيل فلان وحيد زمانه وفريد أوانه ، فأمّا وحدانيّة الربّ جلّ جلاله فمن جهة لفي الأمثال والأنداد عنه كما قال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (م ، ف ، ٢٠ ، ١٧)

إحسان

ـ إنّ الأمر بالإحسان فيما بين الخلق. يخرج مخرج الإفضال والتبرّع ، لا على الوجوب ، واللزوم (م ، ت ، ٢٠٧ ، ٩)

ـ إنّ الإحسان يجوز أن يكون الفعل الحسن نفسه. كقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف : ٥٦). استوجبوا هذا بالفعل الحسن ، لا بالإحسان إلى الله تعالى ، وفعل الحسن فرض واجب على كل أحد (م ، ت ، ٢٠٧ ، ١١)

ـ إن الإحسان إليهم يجوز أن يكون من حق الله عليهم ، وحقّ الله عليهم لازم ، وعلى ذلك صلة القرابة والمحارم ، والإنفاق عليهم من حق الله عليهم ، وهو لازم (م ، ت ، ٢٠٧ ، ١٥)

ـ ما الإحسان؟ فقال عليه‌السلام الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك (م ، ف ، ٧ ، ١٩)

ـ إنّ الإحسان من حيث كان إحسانا ، يختصّ بصفة زائدة على جنسه ، ولا يحتاج إلى اشتراط نفي القبح عنه. لأنّ وصفنا له بالحسن يقتضيه. فكذلك القول في الواجب المضيّق والمخيّر فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٥ ، ٧)

ـ في بيان وجه حسن ابتداء الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأيّام وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ ذلك إنّما يحسن منه تعالى على وجوه ثلاثة : أحدها لينفعه ، والآخر لينفع به ، والثالث لأنّه أراده لخلق ما ذكرناه ، مع تعرّي الكلّ من وجوه القبح. وقد دخل فيما ذكرناه ما يخلقه تعالى لينفعه ولينفع به جميعا ؛ لأنّ الشيء إذا حسن لكل واحد من الوجهين فبأن يحسن متى حصلا فيه أولى. ولم يذكر في ذلك خلق من يخلقه ليفعل به المستحقّ ، لأنّ ذلك لا يحسن أولا ، وإنّما يحسن أن يخلقه لهذه البغية ثانيا. فإذا حسن أن يخلق تعالى الخلق لينفعه تفضّلا ، ويعرّضه للثواب والمدح ، وينفعه بالتعويض على الآلام حسن منه أن يخلق غير المكلّف للتفضّل والتعويض جميعا. وقد بيّنا أنّ المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، وأنّ المستحقّ منه قد يكون مستحقّا على وجه التعظيم والإكرام فيكون ثوابا ، وقد يكون مستحقّا على وجه العوض والبدل ، وبيّنا لكل واحد منهما مثالا في الشاهد ، وبيّنا أنّ ما ليس

بمستحقّ يكون إحسانا وتفضّلا ، وبيّنا أنّ ما أدّى إلى المنافع يكون في حكمه ، وإن كان شاقّا على فاعله ، وإنّما يحسن متى أدّى إلى نفع يوفي عليه ، ومتى لم يشقّ على فاعله البتّة فإنّه يحسن إذا أدّى إلى أيّ منفعة كان متى عري من وجوه القبح. فإذا صحّت هذه الجملة حسن من القديم تعالى أن يخلق الخلق لينفعه على بعض الوجوه التي قدّمناها أو كلّها (ق ، غ ١١ ، ١٠١ ، ٩)

ـ أمّا الإحسان فهو عبارة عن النعمة ، لأنّ كل من وصف بأنّه منعم على غيره ، يوصف بأنّه محسن إليه ، فالطريقة فيهما واحدة (ق ، غ ١٤ ، ٤٠ ، ٧)

ـ المحسنات العقليّة هي على ضربين : أحدهما (ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي يسمّى مباحا ، من حيث عرف فاعله أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، ولا في ألّا يفعل ، ولا يستحقّ به المدح ، وما هذا حاله لا مدخل له في التكليف ، كما لا مدخل له فيه الواقع من الساهي ، وعلى حدّ الإلجاء. والضرب الثاني : ما يختصّ بصفة زائدة على حسنه ، تقتضي دخوله في أن يستحقّ به المدح. وهذا على ضربين : أحدهما يحصل كذلك لصفة تخصّه ، والآخر لأنّه يسهّل فعل غيره من الواجبات ، فالأوّل كالإحسان والتفضّل ، واجتلاب المنفعة لنفسه ، والثاني كالنوافل الشرعيّة ، ويدخل فيه النهي عن المنكر من جهة العقل ، ويدخل فيه مدح من فعل الواجب ، لأنّ ذلك مما لا يجب على أهل العقول ، كما يلزمهم الفصل بين المحسن والمسيء ، لأنّ هناك إنّما وجب الفصل لأمر يتعلّق به ، وليس كذلك حال الوجه الأوّل (ق ، غ ١٤ ، ١٧١ ، ١٢)

ـ حكي عن بعض الفقهاء أنّ قولنا" سنّة" يختصّ بالنفل ، دون الواجب. وهذا أشبهه من جهة العرف. ويوصف بأنّه" إحسان" إذا كان نفعا موصلا إلى الغير ، قصدا إلى نفعه. ويوصف بأنّه" مأمور به" ، لأنّ أمر الله تعالى قد تناوله. فهذه هي الأوصاف التي تختصّ" الندب" (ب ، م ، ٣٦٧ ، ٢٣)

إحصاء

ـ الإحصاء والإحاطة لا تكون إلّا لمتناه ذي غاية. (قال) (أبو الهذيل) : فإذا انتهى أهل الجنّة إلى آخر الحركات التي ثبّتنا لها كلّا محصى محاطا به جمعت فيهم اللذات كلّها : لذّة الجماع ولذّة الأكل والشرب وغيرها من اللذات ، وصاروا في الجنّة باقين بقاء دائما وساكنين سكونا باقيا ثابتا لا يفنى ولا يزول ولا ينفد ولا يبيد (خ ، ن ، ١٧ ، ٦)

أحكام

ـ جميع الأحكام في الدنيا والآخرة ، إنّما تجب وتستحق بإيجاب الله تعالى وإرادته ، لا بكونها خلقا للفاعل (ب ، ن ، ١٥٥ ، ١٠)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّه تعالى لو ألجأ العبد إلى الجهل والكذب ، كان لا يستحقّ به الذمّ والعقاب ، ولكان مقدورا في فعله. وإن كان الإلجاء ، إذا لم يؤثّر في الوجه الذي له قبح ، لم يخرجه عن كونه قبيحا. ولذلك قلنا : إنّ نهيه عن هذا القبيح لا يحسن. وكذلك لا يحسن أمره بالحسن مع الإلجاء. وهذا ، نحو الهارب من سبع يقبل عليه ، يخشى أن يفترسه ؛ فلذلك صار ما يلحقه من الحكم كأنّه فعل السبع ، فوجب العوض عليه ، على ما نشرحه في كتاب العوض. فصار الإلجاء من حيث

أخرج الملجأ من أن يتعلّق الفعل باختياره ، مصيرا للفعل في الحكم كأنّه فعل غيره. فوجب أن تزول عنه الأحكام التي من شأنها أن تتبع اختياره للأفعال ، وتثبت فيه أحكام ما لا يتعلّق فيه باختياره (ق ، غ ٨ ، ١٧٣ ، ٢)

ـ إنّما يعني شيوخنا ، رحمهم‌الله بقولهم : إنّ الإلجاء آكد من الإيجاب ؛ أنّه أبلغ منه فيما لو يفعل ، وأنّه كهو في استحقاق الذمّ بأن لا يفعل ، لا أنّ معنى الوجوب في الحقيقة يصحّ فيه. وقد يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل الواجب ، وأحكامه أحكام القبيح ، فلا وجه لشرح القول فيه. وقد يستحقّ المدح بأن لا يفعل القبيح ، إذا كان له إلى فعله داع. والقول فيه ، كالقول في فعل الواجب. وإنّما تحصل هذه الأحكام ، لمن يصحّ أن يحدث الفعل. فمتى أحدثه على بعض الوجوه ، ولم يفعله مع التمكّن وزوال الأعذار ، تعلّقت هذه الأحكام به. ولهذا قلنا إنّ المجبرة لا يصحّ لها القول بشيء من هذه الأحكام في الشاهد ، لإضافتها هذه الأفعال إلى القديم ، جلّ وعزّ. وفي هذا إفساد طريق إثباته في الغائب (ق ، غ ٨ ، ١٧٦ ، ١٥)

ـ إنّ تصرّفنا يحصل على أحكام ، وتلك الأحكام لا تحصل له إلّا عند أحوالنا من كوننا مريدين له أو كارهين له ، وعالمين ، فيجب أن يحتاج إلى أحوالنا ، فإذا احتاج إلى أحوالنا فقد احتاج إلينا (ن ، د ، ٣٠٠ ، ٥)

ـ إن قيل : ما أنكرتم أنّه (الفعل) يحتاج إلينا في الأحكام الثابتة للفعل من الوجوب والقبح والندب والكراهة والحسن والإباحة ونحو ذلك؟ قيل له : لا يجوز ذلك لوجهين : أحدهما : أنّ هذه الأحكام تابعة للحدوث ، فلو احتاج الفعل إلينا لأجلها لكان لا يجب أن يحتاج إلينا لأجل الحدوث. والثاني أنّ هذه الأحكام مما لا تأثير للفاعل فيها ولا تتعلّق به ولا تضاف إليه على وجه الحقيقة ، بل هي ثابتة بحدوث الفعل على وجه ، فإذا حدث الفعل على ذلك الوجه الذي له ولأجله يصير حسنا أو قبيحا وجب كونه حسنا أو قبيحا ، أراد الفاعل أم كره ، لا تأثير له في ذلك (ن ، د ، ٣١٧ ، ١٦)

ـ إنّ هذه الأحكام التي هي الوجوب والقبح والحسن والندب فإنّها أحكام موجبة عن أحوال الفعل وأحكامها وهي أحكام أحوالها ، فصارت هذه الأحكام مع أحكام الفعل كالعلل مع المعلول ، فلا بدّ إذن من أن تضاف هذه الأفعال إلى الفاعل من وجه يكون له في ذلك تأثير ، وليس ذلك إلّا الحدوث (ن ، د ، ٣١٨ ، ٥)

ـ إنّ الحظر والوجوب أحكام لا ترجع إلى الأفعال حتى تكون صفات لها ، ولا الأفعال كانت على صفات من الحسن والقبح وردّ الشرع بتقريرها ، ولا قول الشارع أكسبها صفات لا تقبل الرفع والوضع ، بل الأحكام راجعة إلى أقوال الشارع ، وتوصف الأفعال بها قولا لا فعلا ، شرعا لا عقلا ، فيجوز أن يرتفع بعضها ببعض ، وذلك كالحرمة في الأجنبيات ترتفع بالعقد الصحيح ، والحلّ في المنكوحة يرتفع بالطلاق المبين ، وكأحكام المقيم تخالف أحكام المسافر ، وأحكام الرجال في بعض الأحوال ، تخالف أحكام ربّات الحجال ، وإذا كانت الأحكام قابلة للرفع والوضع والتغيير والتبديل ، فما المستحيل في وضع أحكام على أقوام في زمن ، ثم رفعها عن أقوام في زمن آخر (ش ، ن ، ٥٠٢ ، ٢)

إحكام

ـ وقوله تعالى : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) يدلّ على أنّ الكتاب محدث ، وأن كلامه مفعول ؛ لأنّه تعالى وصفه بأنه (أحكم) والإحكام لا يكون إلّا في الفعل الذي ينفصل حاله بالإحكام من حال المختل المنتقض من الأفعال. وقوله تعالى : (ثُمَّ فُصِّلَتْ) (هود : ١) يدلّ أيضا عليه ؛ لأنّ التفصيل لا يصحّ في القديم ، وإنّما يصحّ في الفعل المدبّر إذا فعل على وجه يفارق الأفعال المجملة التي لم تنفصل بالتدبير والتقدير. وقوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) يدلّ أيضا على حدوثه ؛ لأنّ القديم لا يجوز أن يضاف إلى أنّه من لدن غيره ، وإنّما يطلق ذلك في الأفعال الصادرة عن الفاعل ، فيقال : إنها من لدنه ، ومن قبله ، ولو كان الكتاب والقرآن قديما لم يكن بأن يضاف إلى الله تعالى وأنّه من لدنه ، بأولى من أن يكون تعالى مضافا إليه ، على هذا الوجه (ق ، م ١ ، ٣٧٣ ، ٤)

ـ أثبتنا وجوها واعتبارات عقليّة للفعل الواحد ، وأضفنا كل وجه إلى صفة أثّرت فيه ، مثل الوقوع فإنّه من آثار القدرة ، والتخصيص ببعض الجائزات فإنّه من آثار الإرادة ، والإحكام فإنّه من دلائل العلم (ش ، ن ، ٧٤ ، ٨)

أحكام الأفعال

ـ إمّا أن يكون (الفعل) مما له مدخل في استحقاق الذمّ به أو لا مدخل له في استحقاق الذمّ به. فإن كان له مدخل في استحقاق الذمّ به فإمّا أن يكون ذلك بالفعل فهو القبيح فإمّا بالإخلال به فهو الواجب. وما ليس له مدخل في استحقاق الذمّ به فإمّا أن لا يكون له مدخل في استحقاق المدح به أو له مدخل في استحقاق المدح به. فالأوّل نحو المباح. والثاني على ضربين. أحدهما لا مدخل له في استحقاق الذمّ به مع أن يستحقّ به المدح. والثاني لاستحقاق الذمّ فيه مدخل مع أنّه يستحقّ به المدح. فالأوّل هو الذي نسمّيه ندبا وما شاكله. وهو على ضربين : أحدهما يكون مقصورا على فاعله وإنّما يسمّى بأنّه ندب ونفل وما شاكله. وإمّا أن يتعدّاه إلى غيره فيسمّى إحسانا وتفضّلا وتطوّعا إلى ما شاكله. والثاني هو الذي يسمّى واجبا. ثم هذا الواجب إمّا أن يكون معيّنا لا يقوم غير مقامه ، وإن كان يتضيّق في حال أو يتّسع في أخرى كنحو ردّ الوديعة والنظر في طريق معرفة الله تعالى. وإمّا أن يقوم غير مقامه. وهذا على ضربين : أحدهما أن يقوم فعل من الأفعال مقام هذا الفعل كما نقول في الواجبات المخيّر فيها. وإمّا أن يقوم فعل غيره أيضا مقامه كما يقوله في فروض الكفايات وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى ما شاكل ذلك. فكل هذه الأقسام التي ذكرناها من أحكام الأفعال يصحّ ثبوتها في فعله تعالى إلّا القبيح (ق ، ت ١ ، ٢٣١ ، ٢٦)

ـ في بيان أحكام الأفعال وما يتعلّق بالفاعل منها وما لا يتعلّق به وما يتّصل بذلك. اعلم أنّ للفعل أحكاما ترجع إلى جنسه ، ولا مدخل لذلك فيما نريد بيانه ؛ وأحكاما ترجع إلى فاعله ، وإن كان لا بدّ من اعتبار صفته في ثبوت تلك الأحكام لفاعله. ولا بدّ أيضا من اعتبار صفة الفاعل ، فمتى كان الفعل قبيحا صحّ أن يستحقّ به الذمّ إذا كان بحيث يمكنه التحرّز منه لقبحه بأن يعلمه أو يتمكّن من معرفته. وكما يحسن ذمّه عليه ، يحسن نهيه عنه إذا كان على

صفة ، ويستحقّ عليه العقوبة إذا كانت صفته ما ذكرناه ، وكانت العقوبة متباينة فيه. ومتى كان الفاعل ممن يستحيل عليه العقوبة استحقّ الذمّ ، واستحال استحقاقه للعقاب ، كالقديم ، تعالى ؛ لأنّ استحقاق الشيء يتبع صحّة فعله. فإذا استحال ذلك ، امتنع استحقاقه ؛ ولا يخرج الفعل بذلك ، من أن يصحّ أن يستحقّ به العقوبة إذا كانت ممكنة (ق ، غ ٨ ، ١٦٩ ، ٢)

ـ اعلم أنّه متى لم تثبت في الشاهد أحكام الأفعال ، لم يصحّ إثباتها في الغائب. لأنّ بالشاهد يتطرّق إلى الغائب في هذا الباب ، وإن كان في أحكام الأفعال ما يعلم تعلّقه بالفعل على الجملة من فعل أي فاعل وجد ؛ وإن صحّ أن يلتبس ذلك عند التعيين ، كما نقوله في قبح الظلم وما يلحق فاعله من النقص والذمّ. فلو لم يصحّ في الشاهد استحقاق المدح على الحسن ، لم يعلم أنّه تعالى يستحقّ المدح على شيء من أفعاله. ولو لم يثبت استحقاق الذمّ بالقبيح الواقع منّا ، لم يصحّ تقدير ذلك في القديم تعالى لو فعل القبيح ، ولما صحّ بمدحه بأنّه لا يظلم ولا يفعل القبائح ، ولا صحّ أن ينزّه نفسه عن ذلك ولا أن ننزّهه عنه ، ولبطل معنى التسبيح والتقديس والتحميد في أسمائه ؛ وكل ذلك يبطل ما يقوله المجبرة. لأنّ ذلك يوجب زوال الذمّ والمدح عن الشاهد ؛ وفي زوالهما ، زوال ذلك عن الغائب. وفي ذلك إبطال ما عرفناه من أحكام الأفعال ، وفيه إبطال التكليف أصلا ، فضلا عن أن يتكلّم في أحوال المكلّف وأفعاله (ق ، غ ٨ ، ١٧٤ ، ١٦)

ـ قد بيّنا في أول" التعديل والتجوير" أنّه لا يمتنع في كثير من أحكام الأفعال أن يكون واجبا فيها لشيء يرجع إلى حال الفاعل ، كقولنا إنّ الاعتقاد يكون علما لكون فاعله عالما بالمعتقد ، لكن ذلك متى ثبت وجبت المشاركة في الحكم عند مشاركة الفاعلين فيما يقتضيه من الصفة ، فكذلك تجب المشاركة في التوليد عند مشاركة السببين فيما أوجب التوليد (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ٩)

ـ أحكام الأفعال تتعلّق بأحوالها دون ما يوجب لها تلك الأحوال وذلك يوجب اطراح التعلّق بوجوه القبح ، وأنّه لا فصل بين أن يقبح لا للوجوه ، لو صحّ ذلك فيه ، وبين أن يقبح لها ، أو لبعضها ، كما لا فصل بين أن يحصل قادرا لا للقدرة ، لو صحّ ذلك منه وبين أن يحصل كذلك بالقدرة ، ولذلك لم يجز تغيّر حكم القادر في صحّة الفعل ، مع ارتفاع الموانع ، ولم يجز بغير حكم القبيح ، فيمن يمكنه التحرّز منه ، ولا حكم الواجب في الإقدام عليه والإخلال به (ق ، غ ١٤ ، ٣٦٣ ، ٣)

أحكام التأليف

ـ من خصائص أحكام التأليف حاجته عند الوجود إلى محلّين متجاورين وأن يصير التزاقا وصلابة وغير ذلك ، فيصعب فكّ أحد المحلّين عن الآخر ، ويختصّ بأنّ المثلين منه إذا وجدا في محلّ واحد ثم وجد ضدّ لما يحتاج إليه أحدهما انتفى هو دون صاحبه ، وكل المتماثلات بخلاف ذلك. ألا ترى أنّ التأليف الذي بين الجزء الوسطاني وبين أحد الطرفين يزول عند التفريق بينه وبين هذا الطرف ، ويبقى التأليف بينه وبين الطرف الآخر وإن كانا مثلين (أ ، ت ، ٥٣٠ ، ٣)

أحكام الحقيقة والمجاز

ـ اعلم أنّ من أحكام الحقيقة والمجاز أنّهما لا

يدخلان أسماء الألقاب ، لأنّ الحقيقة هي ما أفيد بها ما وضعت له. والمجاز هو ما أفيد به معنى غير ما وضع له ، على ما تقدّم. ونعني بقولنا" ما وضعت له" وضع أهل اللغة. وكون اللفظ حقيقة ومجازا تبعا لكونها موضوعة لشيء قبل استعمال المستعمل ، حتى إن استعملها المستعمل فيما وضعت له ، كانت حقيقة ؛ وإن استعملها في معنى آخر ، كانت مجازا. وأسماء الألقاب لم تقع على مسمّياتها المعيّنة بوضع من أهل اللغة ولا من الشرع ، حتى يكون من اتّبعهم فيها في أصل موضوعهم كان قد استعملها على الحقيقة ؛ ومن استعملها فيه على طريق التبع كان متجوّزا بها (ب ، م ، ٣٤ ، ١٢)

ـ من أحكام الحقيقة والمجاز أن لا يخلو منهما كلام وضعه أهل اللغة لشيء ، واستعمله المستعمل فيما استعملوه. لأنّ المتكلّم به إذا عنى به ما عناه أهل اللغة فإمّا أن يعنى به ما عنوه في الأصل ، فيكون حقيقة ؛ أو على سبيل التبع ، فيكون مجازا (ب ، م ، ٣٤ ، ٢٠)

ـ من أحكام الحقيقة والمجاز أنّه لا يجوز أن يكون اللفظ مجازا في شيء ولا يكون حقيقة في غيره. ويجوز أن يكون حقيقة في شيء ولا يكون مجازا في غيره. أمّا الأول فلأنّ المجاز هو ما أفيد به معنى في المواضعة غير ما وضع في أصلها. وهذا تصريح بأنّه قد وضع في الأصل لشيء آخر. فاللفظة متى استعملت فيه ، كانت حقيقة. وأمّا الثاني فلأنّ الحقيقة هي ما أفيد بها ما وضعت له. وليس يوجب كونها موضوعة لشيء أن تكون مستعملة في غيره على طريق التبع (ب ، م ، ٣٥ ، ١)

أحكام الذات

ـ اختلفت المعتزلة في أنّ أحكام الذات هل هي أحوال الذات أم وجوه واعتبارات ، فقال أكثرهم هي أسماء وأحكام للذات وليست أحوال وصفات كما في الشاهد من الصفات الذاتيّة للجوهر والصفات التابعة للحدوث. وقال أبو هاشم هي أحوال ثابتة للذات وأثبت حالة أخرى توجب هذه الأحوال (ش ، ن ، ١٨٠ ، ٨)

أحكام سمعية

ـ في بيان الأحكام التي تعلم بالسمع ؛ وما يتّصل بذلك : قد بيّنا أنّه قد يعلم بالسمع ما له تعلّق بالتعبّد ، لأنّه إنّما يرد من جهة الحكيم ، على طريقة الدلالة ، ولا يجوز أن يدلّ المكلّف إلّا على ما يستفيد به العبادة ، أو ما يتّصل بأمر تعبّد وترغيب ، وزجر ، وتخويف (ق ، غ ١٧ ، ٩٥ ، ٢)

ـ الأحكام المعقولة للأفعال إذا كانت معلومة بالعقل نسبت إليه ، فقيل هي أحكام عقليّة ، وإذا كانت تعلم بالسمع قيل هي أحكام سمعيّة ، وحقيقة الأحكام لا تتغيّر ، وإن انقسمت الإضافة لانقسام الأدلّة ، التي بها تعلم ؛ وكل حكم يعلم للفعل بضرورة العقل أو باكتسابه فلا وجه لإضافته إلى السمع ؛ لأنّ السمع يرد فيه إذا ورد مؤكّدا ، وإنما يضاف إلى ذلك فيما لا يعلم لو لا السمع (ق ، غ ١٧ ، ١٠١ ، ١٨)

أحكام شرعية

ـ اعلم أنّ الخطاب على ضربين : أحدهما يدلّ على ما لو لا الخطاب لما صحّ أن يعلم بالعقل ، والآخر يدلّ على ما لولاه لأمكن أن يعرف

بأدلّة العقول. ثم ينقسم ذلك ، ففيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بأدلّة العقول ، ويصحّ أن يعلم مع ذلك الخطاب ، فيكون كل واحد كصاحبه في أنّه يصحّ أن يعلم به الغرض. وفيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بالعقل ولا يمكن أن يعلم إلّا به. فالأوّل هو الأحكام الشرعيّة ، فإنّها إنّما تعلم بالخطاب وما يتّصل به ، ولولاه لما صحّ أن يعلم بالعقل الصلوات الواجبة ولا شروطها ولا أوقاتها ، وكذلك سائر العبادات الشرعيّة. والثاني هو القول في أنّه عزوجل لا يرى ، لأنّه يصحّ أن يعلم سمعا وعقلا ، وكذلك كثير من مسائل الوعيد. والثالث بمنزلة التوحيد والعدل ؛ لأنّ قوله عزوجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف : ٤٩) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) لا يعلم به التوحيد ونفي التشبيه والقول بالعدل ، لأنّه متى لم يتقدّم للإنسان المعرفة بهذه الأمور ، لم يعلم أنّ خطابه تعالى حق ، فكيف يمكنه أن يحتجّ فيما إن لم تتقدّم معرفته به لم يعلم صحّته؟ (ق ، م ١ ، ٣٥ ، ١٧)

ـ الأحكام الشرعية مأخوذة من أربعة أصول وهي الكتاب والسنّة والإجماع والقياس (ب ، أ ، ١٧ ، ٦)

ـ من وجوه الفرق بين العقليّات والشرعيّات إنّ ما جاز فيه النسخ والتبديل في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو من جملة الأحكام الشرعيّة ، وما لم يجز فيه النسخ والتبديل فهو من الأحكام العقليّة (ب ، أ ، ٢٠٦ ، ٢)

ـ إنّ الأحكام الشرعيّة لا تجوز بعد ثبوت الأدلّة عليها من طريق النص أن تنقض باجتهاد وقياس ، بل كل ما ورد به النص تتبع مورد النص فيه ، فما استحللته عاما أوّل فهو في هذا العام حلال لك ، وكذلك القول في التحريم ، وهذا هو مذهب أكثر أصحابنا أنّ النصّ مقدّم على القياس (أ ، ش ٢ ، ٥١٤ ، ١٠)

أحكام الشريعة

ـ إنّ أصول أحكام الشريعة : القرآن ، والسنّة ، وإجماع السلف (ب ، ف ، ٣٢٧ ، ١٨)

أحكام عقلية

ـ الأحكام المعقولة للأفعال إذا كانت معلومة بالعقل نسبت إليه ، فقيل هي أحكام عقليّة ، وإذا كانت تعلم بالسمع قيل هي أحكام سمعيّة ، وحقيقة الأحكام لا تتغيّر ، وإن انقسمت الإضافة لانقسام الأدلّة ، التي بها تعلم ؛ وكل حكم يعلم للفعل بضرورة العقل أو باكتسابه فلا وجه لإضافته إلى السمع ؛ لأنّ السمع يرد فيه إذا ورد مؤكّدا ، وإنما يضاف إلى ذلك فيما لا يعلم لو لا السمع (ق ، غ ١٧ ، ١٠١ ، ١٨)

ـ من وجوه الفرق بين العقليّات والشرعيّات إنّ ما جاز فيه النسخ والتبديل في حياة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فهو من جملة الأحكام الشرعيّة ، وما لم يجز فيه النسخ والتبديل فهو من الأحكام العقليّة (ب ، أ ، ٢٠٦ ، ٣)

أحكام الفعل

ـ قال شيوخنا ، رحمهم‌الله ، للمجبرة : لو فعل تعالى في العبد القدرة الموجبة للفعل ، أو الإرادة الموجبة ، أو أراد منه ذلك وأراد به موجبه ، أو خلق له اللطف الموجب ، لوجب أن لا يستحقّ الذمّ على ذلك أصلا ولا العقاب ؛ ولما صحّ تعلّق شيء من أحكام الفعل

به ، ولو كان الفعل من جهته يحدث أيضا ؛ فكيف إذا كان تعالى هو المحدث له؟ (ق ، غ ٨ ، ١٧٤ ، ٣)

ـ أمّا ما يتعلّق بالفعل من اشتقاق الاسم وإجراء الأسماء على فاعله ، فإنّما لم نعدّه في أحكام الفعل ، لأنّ الفعل لا يقتضيه ، ولأنّه كلام في عبارة. وقد كان يجوز في المواضعة خلافه ، ولذلك يختلف في اللغات. وما يقتضيه الفعل من الأحكام لا يختلف في العقول ، وإنّما يذكر ذلك ، لأنّه يشوبه الذمّ فيصير بمنزلة الذمّ. لأنّ الذمّ إذا لم يكن ما في النفس ، وأريد به ما يجري ، في اللسان ، فهو بالأسماء المشتقّة وما جرى مجراها. ولذلك يذمّ من فعل الظلم ، بأن يوصف بأنّه ظالم ؛ كما يذمّ بأنّه يستحقّ العقاب ، وأنّه ملعون ، إلى ما شاكله. فمتى قصد بالإلزام الذمّ بالأسماء المشتقّة ، فالكلام صحيح في المعنى. ومتى كان الإلزام إثبات الأسماء المشتقّة فقط ، فالمقصد به أن نبيّن لهم أنّ قولهم يقتضي الخروج من الإجماع ، ويؤدّي إلى ما هو كفر عند الأمّة (ق ، غ ٨ ، ١٧٤ ، ٦)

أحكام القبح والحسن

ـ لو كان الظلم يقبح لعلّة لوجب أن لا يقبح لاستحالة العلل عليه ، لأنّها لا تختصّ به ، من حيث يستحيل عليه الحلول وما يجري مجراه؟. ولوجب في الظلم أن يجوز أن يحسن إذا زالت تلك العلّة ، أو وجدت العلّة المضادّة لها. وبطلان ذلك يبيّن فساد هذا القول. فيجب أن يكون إنّما يقبح لكونه ظلما ، لأنه لا يمكن أن يقال إنّما يقبح لفاعله ، ولا يراد به هذا الوجه ، لأنّه كان يجوز أن يحسن ـ وهو ظلم ـ على بعض الوجوه. فلما بطل ذلك ، صحّ ما ذكرناه ، وصار قبح الظلم في أنّه واجب لكونه ظلما بمنزلة كون الخبر خبرا وصدقا ، في أنّه إنّما يكون كذلك لوقوعه على بعض الوجوه. وإذا كانت الوجوه معقولة ، لم يمتنع تعلّق الأحكام بها. وهذه الأحكام تجري مجرى الأحكام التابعة للحدوث بالفاعل لا لعلّة ، فيجب أن يصحّ منه أن يوقعه على وجه دون وجه. ولذلك ترجع أحكام القبح والحسن إلى الفاعل من حيث تتعلّق به ؛ ولذلك يحكم فيه بأنّه يقبح منه أن يحدثه ، وأنّ القبح يختصّ حال الحدوث دون حال البقاء ليصحّ ما ذكرناه في قبحه ، فما الذي يمنع في الظلم من أن يقبح لكونه ظلما ، ويكون الدليل على ذلك أنّ عند العلم بكونه ظلما ، يعلم العاقل قبحه ، ومتى لم يعلمه كذلك ، لم يعلم قبحه ، بل يجوز أن يعلمه حسنا. فيجب أن يكون الوجه في قبحه ما عند العلم به يعلم قبحه على ما بيّنا (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٩ ، ٩)

أحكام الكلام

ـ من أحكام الكلام أنّ البقاء عليه يستحيل ، لأنّه إذا رجع به إلى الصوت ثم عرفنا استحالة البقاء على الصوت فكذلك الكلام. وقد خالفت" الكراميّة" في بقاء الأصوات وفي غيرها من الأعراض (ق ، ت ١ ، ٣٢٣ ، ٨)

أحكام مختصة بالقادر

ـ اعلم أنّ الأحكام المختصّة بالقادر على ضروب ثلاثة : أحدها : يجب فيه من حيث كان قادرا فقط. والثاني : من حيث كان قادرا لنفسه. والثالث : من حيث كان قادرا بقدرة ، فصحّة الفعل ترجع إلى كونه قادرا فقط ، والحاجة إلى

الآلات وغيرها ، وحصر المقدور على عدد ، يرجع إلى كونه قادرا بقدرة ، كما أنّ الحاجة إلى استعمال المحل وما بينه وبين المجال من المماسة : ترجع إلى القدرة ، ولذلك تعلّق هذه الأحكام بالقادر بقدرة ، ويحيلها فيه تعالى. فأمّا زوال الحصر عن المقدور ، وإيجاد الفعل على حدّ الاختراع ، وفقد الحاجة إلى الآلات والأسباب ، والاختصاص بالقدرة على الجواهر وما شاكلها : فترجع إلى كونه قادرا لنفسه ، ولذلك يجوّزه عليه تعالى ، ويحيله في القادر بقدرة (ق ، غ ١٤ ، ٢١٤ ، ٢٠)

أحكام المعاني المتعلقة بأغياره

ـ إنّ القدر لا يفترق حكمها في تعلّقها على الوجوه التي تتعلّق به بين حال الحدوث والبقاء لمّا اتّفقت الحالتان جميعا في صحّة الفعل بالقدرة. وإنّما كان كذلك لأنّ تعلّقها هو لأمر يرجع إلى ذاتها ، وذلك لا يتغيّر بالحدوث والبقاء. ولأجل هذا لم يصحّ إثبات القادر قادرا إلّا والفعل صحيح منه على وجه ما. وعلى هذا يجري حكم القديم جلّ وعزّ في كونه قادرا لذاته. فصار كما يجب أن لا نسلب القدرة والقادر حقيقتهما في صحّة الفعل على الإطلاق أن لا نسلبهما كيفية التعلّق في كل حال. وعلى ذلك تجري أحكام المعاني المتعلّقة بأغيارها نحو العلم وما أشبهه. فأمّا إذا قلنا ببقائه أو قدّرناه باقيا لم يختلف حكمه في الوجهين (ق ، ت ٢ ، ١٠١ ، ٣)

أحكام معلّقة على علل موجبة

ـ أمّا ما حكي عن بعض شيوخنا من امتناع إطلاق القول بأنّه تعالى خلق الخلق لعلّة ، فيفارق ما تقوله الجبرية لأنّه إنّما أراد أنّه تعالى فعل هذه الأفعال لوجه الحكمة وهو ما يتّصل بالإحسان والإنعام ، وعند حصول هذا الوجه لا يحتاج إلى تعليله بعلّة سوى ذلك. فلهذا لا يقال في المحسن : " لما ذا أحسنت؟ " لأنّ كون فعله إحسانا كاف فيما لأجله يفعل. فكأنّ هذا الممتنع أراد أن يكون مع ثبات هذا الوجه لا معنى لإطلاق لفظ يوهم الإيجاب ، كما أنّ الأحكام المعلّقة على علل موجبة لا يجوز بعد حصول موجب واحد أن تتطلّب غيره من الموجبات. فهذه جملة صحيحة غير معترضة على ما قلناه (ق ، ت ٢ ، ١٨٠ ، ١٢)

أحكام الموجبات

ـ قد استدلّ بما قاله أبو علي رحمه‌الله من أنّ القدرة لو كانت لا تنفكّ من الفعل لوجب أن يكون لها تأثير الموجبات ، من حيث أحالوا وجودها إلّا والفعل موجود وهذا أبلغ ما يقال في أحكام الموجبات. فيجب أن يكون الفعل الواقع من فعل فاعلها وأن ترجع أحكامه إليه دوننا ، لأنّه قد فعل ما يوجب هذا الفعل على أبلغ ما يمكن. فصار حكمه حكم السبب والمسبّب ، فكما أنّا نضيف المسبّب إلى فاعل السبب فكذلك يجب في القدرة ومقدورها. وهذا يخرج فعلنا من أن يكون له تعلّق بنا. وإذا لم يتعلّق بنا لم يرجع حكمه إلينا كما لا يرجع حكم القدرة إلينا ، لأنّ أحدنا لا يوصف بالمدح والذمّ وما يتبعهما لما أوجده الله فيه من القدرة ، فكان ينبغي أن يحلّ الفعل محلّها. وقد عرفنا باضطرار خلاف ذلك فيما فعله من قبيح وحسن. ومتى أخرجوا أحدنا عن كونه فاعلا ولم يثبتوا تعلّقا لفعله به ، فالقدرة لا يصحّ

إثباتها فضلا عن غير ذلك (ق ، ت ٢ ، ١١٦ ، ٥)

أحوال

ـ الهويّة في الشاهد كناية عن الوجود ، وتأويله نفي العدم عنه ، والله تعالى لم يزل ولا يزال بلا تغيّر ولا زوال ولا انتقال من حال إلى حال ، ولا تحرّك ولا قرار ؛ إذ هو وصف إختلاف الأحوال ، ومن تختلف الأحوال عليه فهو غير مفارق لها ، ومن لا يفارق الأحوال ، وهنّ أحداث ، فيجب بها الوصف / بالإحداث ، وفي ذلك سقوط الوحدانيّة ، ثم القدم (م ، ح ، ١٠٥ ، ٣)

ـ إنّ كل معلوم لا بدّ أن يكون متميّزا عن غيره بصفة ، فلو كانت الصفات معلومة وجب أن تكون متميّزة عن غيرها بصفة أخرى ، والكلام في تلك الصفة كالكلام في هذه الصفة ، وهذا يتسلسل إلى ما لا نهاية له من الصفات ، وهذا محال. فليس إلّا أن يقال إنّ الأحوال ليس بمعلومة لا على الانفراد ولا مع الذات ، وإنّما نعلم الذات عليها (ن ، د ، ٥٨٦ ، ١٨)

ـ قالوا لأبي هاشم : هل تعلم الأحوال ، أو لا تعلمها؟. فقال : لا ، من قبل أنّه لو قال إنّها معلومة لزمه إثباتها أشياء ، إذ لا يعلم عنده إلّا ما يكون شيئا ، ثم إن لم يقل بأنّها أحوال متغايرة لأنّ التغاير إنّما يقع بين الأشياء والذوات ، ثم إنّه لا يقول في الأحوال إنّها موجودة ، ولا إنّها معدومة ، ولا إنّها قديمة ، ولا محدثة ، ولا معلومة ، ولا مجهولة ، ولا يقول إنّها مذكورة مع ذكره لها بقوله : إنّها غير مذكورة ، وهذا متناقض (ب ، ف ، ١٩٥ ، ١٩) ـ علم أبو هاشم ابن الجبائي فساد قول أبيه بأن جعل نفس الباري علّة لكونه عالما وقادرا ... فزعم أنّ الله عالم لكونه على حال ، قادر لكونه على حال ... وزعم أنّ له في كل معلوم حالا مخصوصا ، وفي كل مقدور حالا مخصوصا ، وزعم أنّ الأحوال لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا أشياء مع قوله أنّ المعدوم معلوم ، وزعم أيضا أنّها غير مذكورة وقد ذكرها بقوله أنّها غير مذكورة (ب ، أ ، ٩٢ ، ١١)

ـ لأبي هاشم عبد السلام ابن محمد بن عبد الوهاب الجبائي كبير المعتزلة وابن كبيرهم القطع بأنّ لله تعالى أحوالا مختصّة به ، وهذه عظيمة جدّا إذ جعله حاملا للأعراض (ح ، ف ٤ ، ٢٠٠ ، ٩)

ـ قال أبو محمد ، وأمّا الأحوال التي ادّعتها الأشعرية فإنّهم قالوا ، إنّ هاهنا أحوالا ليست حقّا ولا باطلا ولا هي مخلوقة ولا غير مخلوقة ولا هي موجودة ولا معدومة ولا هي مسلومة ولا هي مجهولة ولا هي أشياء ولا هي لا أشياء (ح ، ف ٥ ، ٤٩ ، ٢)

ـ ثم نقول لهم (الأشعرية) أخبرونا إذا قلتم هذه أحوال ، أهي معان ومسمّيات مضبوطة محدودة متميّز بعضها من بعض ، أم ليست معاني أصلا ولا لها مسمّيات ولا هي مضبوطة ولا محدودة متميّز بعضها من بعض ، فإن قالوا ليست معاني ولا محدودة ولا مضبوطة ولا متميّزا بعضها من بعض ولا لتلك الأسماء مسمّيات أصلا ، قيل لهم فهذا هو معنى العدم حقّا ، فلم قلتم أنّها ليست معدومة ، ثم لم سمّيتموها أحوالا وهي معدومة ، ولا تكون التسمية إلّا شرعية أو لغوية ، وتسميتكم هذه المعاني أحوالا ليست تسمية شرعية ولا لغوية ولا مصطلحا عليها لبيان ما يقع عليه ، فهي باطل محض بيقين ، فإن

قالوا هي معان مضبوطة ولها مسمّيات محدودة متميّزة بعضها من بعض ، قيل لهم هذه صفة الموجود ولا بدّ ، فلم قلتم أنّها ليست موجودة ، وهذا ما لا مخلص لهم منه وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٥ ، ٥١ ، ٨)

ـ يقال لهم (للأشعرية) أيضا هل الأحوال في اللغة وفي المعقول إلّا صفات لذي حال ، وهل الحال في اللغة إلّا بمعنى التحوّل من صفة إلى أخرى ، يقال هذا حال فلان اليوم ، وكيف كانت حالك بالأمس ، وكيف يكون الحال غدا ، فإذا الأمر هكذا ولا بدّ فهذه الأحوال موجودة حق مخلوقة ، ولا بدّ فظهر فساد قولهم وأنّه من أسخف الهذيان ، والمحال الممتنع الذي لا يرضى به عاقل (ح ، ف ٥ ، ٥١ ، ٢٠)

ـ من الأحوال ما يثبت للذوات معلّلا ، ومنها ما يثبت غير معلّل. فأمّا المعلّل منها ، فكم حكم ثابت للذات عن معنى قائم بها ؛ نحو كون الحيّ حيّا ، وكون القادر قادرا. وكل معنى قام بمحل ، فهو عندنا يوجب له حالا ، ولا يختصّ إيجاب الأحوال بالمعاني التي تشترط في ثبوتها الحياة. وأمّا الحال التي لا تعلّل ، فكلّ صفة إثبات لذات من غير علّة زائدة على الذات ، وذلك كتحيّز الجوهر فإنّه زائد على وجوده. وكل صفة لوجود لا تنفرد بالوجود ، ولا تعلّل بموجود ، فهي من هذا القسم ؛ ويندرج تحته كون الموجود عرضا ، لونا ، سوادا ، كونا ، علما ، إلى غير ذلك (ج ، ش ، ٩٢ ، ٤)

ـ عند أبي هاشم : هو عالم لذاته ، بمعنى أنّه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا ، وإنّما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها ، فأثبت أحوالا هي صفات لا موجودة ولا معدومة ، ولا معلومة ولا مجهولة ، أي هي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات (ش ، م ١ ، ٨٢ ، ٥)

ـ قال (أبو هاشم) : والعقل يدرك فرقا ضروريّا بين معرفة الشيء مطلقا ، وبين معرفته على صفة ، فليس من عرف الذات عرف كونه عالما. ولا من عرف الجوهر عرف كونه متحيّزا قابلا للعرض ، ولا شكّ أنّ الإنسان يدرك اشتراك الموجودات في قضية ، وافتراقها في قضية ، وبالضرورة يعلم أنّ ما اشتركت فيه غير ما افترقت به ، وهذه القضايا العقلية لا ينكرها عاقل ، وهي لا ترجع إلى الذات ، ولا إلى أعراض وراء الذات ، فإنّه يؤدّي إلى قيام العرض بالعرض فتعيّن بالضرورة أنّها أحوال ، فكون العالم عالما حال هي صفة وراء كونه ذاتا ، أي المفهوم منها غير المفهوم من الذات ، وكذلك كونه قادرا ، حيّا ، ثم أثبت للباري تعالى حالة أخرى أوجبت تلك الأحوال (ش ، م ١ ، ٨٢ ، ١٢)

ـ كل حكم لعلّة قامت بذات يشترط في ثبوتها الحياة عند أبي هاشم ، ككون الحي حيّا عالما قادرا مريدا سميعا بصيرا ، لأنّ كونه حيّا عالما يعلّل بالحياة والعلم في الشاهد ، فتقوم الحياة بمحل وتوجب كون المحل حيّا ، وكذلك العلم والقدرة والإرادة ، وكل ما يشترط في ثبوته الحياة وتسمّى هذه الأحكام أحوالا وهي صفات زائدة على المعاني التي أوجبتها (ش ، ن ، ١٣٢ ، ٩)

ـ الأحوال عند المثبتين ليست موجودة ولا معدومة ، ولا هي أشياء ولا توصف بصفة ما ، وعند ابن الجبائي ليست هي معلومة على حيالها وإنّما تعلم مع الذات (ش ، ن ، ١٣٣ ، ٤)

ـ الوجوه العقليّة لذات واحدة هي بعينها الأحوال ، فإنّ تلك الوجوه ليست ألفاظا مجرّدة قائمة بالمتكلّم ، بل هي حقائق معلومة معقولة ، لا أنّها موجودة على حيالها ولا معلومة بانفرادها بل هي صفات توصف بها الذوات ، فما عبّرتم عنه بالوجوه عبّرنا عنه بالأحوال ، فإنّ المعلومين قد تمايزا وإن كانت الذات متّحدة ، وتمايز المعلومين يدلّ على تعدّد الوجهين والحالين ، وذلك معلومان محقّقان تعلّق بهما علمان متمايزان أحدهما ضروريّ والثاني مكتسب ، وليس ذلك كالنسب والإضافات فإنّها ترجع إلى ألفاظ مجرّدة ليس فيها علم محقّق متعلّق بمعلوم محقّق (ش ، ن ، ١٣٧ ، ١٥)

ـ إنّ الإنسان يجد من نفسه تصوّر أشياء كلّية عامة مطلقة دون ملاحظة جانب الألفاظ ، ولا ملاحظة جانب الأعيان ، ويجد من نفسه اعتبارات عقلية لشيء واحد ... هي معان موجودة محقّقة في ذهن الإنسان ، والعقل الإنسانيّ هو المدرك لها ، ومن حيث هي كلّية عامة لا وجود لها في الأعيان ، فلا موجود مطلقا في الأعيان ولا عرض مطلقا ولا لون مطلقا ، بل هي الأعيان بحيث يتصوّر العقل منها معنى كلّيّا عامّا فتصاغ له عبارة تطابقه وتنصّ عليه ، ويعتبر العقل منها معنى ووجها فتصاغ له عبارة حتى لو طاحت العبارات أو تبدّلت لم تبطل المعنى المقدّر في الذهن المتصوّر في العقل ، فنفاة الأحوال أخطئوا من حيث ردّها إلى العبارات المجرّدة ، وأصابوا حيث قالوا ما ثبت وجوده معيّنا لا عموم فيه ولا اعتبار ، ومثبتو الأحوال أخطئوا من حيث ردّوها إلى صفات في الأعيان ، وأصابوا من حيث قالوا هي معان معقولة وراء العبارات ، وكان من حقّهم أن يقولوا هي موجودة متصوّرة في الأذهان ، بدل قولهم لا موجودة ولا معدومة ، وهذه المعاني مما لا ينكرها عاقل من نفسه ، غير أنّ بعضهم يعبّر عنها بالتصوّر في الأذهان ، وبعضهم يعبّر عنها بالتقدير في العقل ، وبعضهم يعبّر عنها بالحقائق والمعاني التي هي مدلولات العبارات والألفاظ ، وبعضهم يعبّر عنها بصفات الأجناس والأنواع (ش ، ن ، ١٤٨ ، ٩)

ـ (المعتزلة) تارة يعبّرون عن الحقائق الذاتيّة في الأجناس والأنواع بالأحوال وهي صفات وأسماء ثابتة للموجودات لا توصف بالوجود ولا بالعدم ، وتارة يعبّرون عنها بالأشياء وهي أسماء وأحوال ثابتة للمعدومات لا تخصّ بالأخصّ ولا تعمّ بالأعمّ (ش ، ن ، ١٥٩ ، ٢)

ـ العجب كل العجب من مثبتي الأحوال أنّهم جعلوا الأنواع مثل الجوهريّة والجسميّة والعرضيّة واللونيّة أشياء ثابتة في العدم لأنّ العلم قد تعلّق بها ، والمعلوم يجب أن يكون شيئا حتى يتوكّأ عليه العلم ، ثم هي بأعيانها أعني الجوهريّة والعرضيّة واللونيّة والسواديّة أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ، ولا موجودة بانفرادها ، فيا له من معلوم في العدم يتوكّأ عليه العلم ، وغير معلوم في الوجود (ش ، ن ، ١٦٢ ، ٣)

ـ إنّ أسباب الماهيّة غير ، وأسباب الوجود غير ، ولمّا سمعت المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين القسمين ظنّوا أنّ المتصوّرات في الأذهان هي اشياء ثابتة في الأعيان ، فقضوا بأنّ المعدوم شيء ، وظنّوا بأنّ وجود الأجناس والأنواع في الأذهان هي أحوال ثابتة في الأعيان ، فقضوا

بأنّ المعدوم شيء ، وأنّ الحال ثابت (ش ، ن ، ١٦٣ ، ٣)

ـ اختلفت المعتزلة في أنّ أحكام الذات هل هي أحوال الذات أم وجوه واعتبارات ، فقال أكثرهم هي أسماء وأحكام للذات وليست أحوال وصفات كما في الشاهد من الصفات الذاتيّة للجوهر والصفات التابعة للحدوث. وقال أبو هاشم هي أحوال ثابتة للذات وأثبت حالة أخرى توجب هذه الأحوال (ش ، ن ، ١٨٠ ، ١٢)

ـ الأحوال من الصفات التي لا قوام لها بأنفسها ، دون ذوات تضاف إليها ، على ما عرف من مذهب القائل بالأحوال (م ، غ ، ٣٤ ، ١٤)

ـ لو كان ما به يقع الاتّفاق والافتراق بين الذوات حالا ، فلا محالة أنّ بين الأحوال اتّفاقا وافتراقا ؛ إذ ليس كلّها حالا واحدة. وعند ذلك فما يلزم في الذوات من الاتفاق والافتراق بعينه لازم في الأحوال ، وذلك يفضي إلى إثبات الحال للحال ، وذلك عندهم محال (م ، غ ، ٣٤ ، ١٨)

ـ الجنس هو ما تتماثل به الأنواع ويقال عليها قولا أوليّا في جواب ما هو ، وذلك كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والفرس. فعلى هذا إنّما لم يكن ما وقع به الاشتراك بين الجوهر والعرض من الوجود وغيره جنسا لهما من حيث إنّه لم يكن مقولا عليهما ، على النحو الذي ذكرناه. ولهذا يفهم كل منهما دونه. ولو كان الجنس هو ما تتماثل به الحقائق المختلفة في الجملة ، لقد قلنا إنّ ما اشترك فيه الجوهر والعرض جنس لهما ، لكن لم يكن الأمر هكذا. وهذا بخلاف الأحوال فإنّها إنّما كانت أحوالا من حيث إنّه وقع بها الاتفاق والافتراق ، وذلك بعينه متحقّق في الأحوال. وإن كان اسم الحال لا يطلق إلّا على ما به الاتّفاق والافتراق بين الذوات فهو نزاع في التسمية لا في المعنى (م ، غ ، ٣٦ ، ٥)

أحوال التائب

ـ ذكر اختلاف أحوال التائب فيما يلزمه من التوبة أعلم أنّه لا يجوز أن يكون مستحقّا للعقاب إلّا والتوبة له لازمة ، ومنه صحيحة ، لأنّا قلنا إنّه مكلّف ، وهذا حاله ، والتوبة لا تصحّ منه ، أوجب ذلك قبح تكليفه على ما تقدّم ذكره ، ولا يجوز أن تلزمه التوبة إلّا وهو على حال معها تصحّ منه ، وإلّا أوجب ذلك تكليف الفعل على وجه لا يصحّ وجوده عليه ، وذلك بمنزلة تكليف ما لا يطاق (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٨ ، ١٦)

أحوال الفاعلين

ـ اعلم أنّ القسمة التي نذكرها في اختلاف أحوال الفاعلين منّا في أفعالهم هي مثبتة على أنّ القدرة سابقة للفعل وليست موجبة له. فحينئذ تعتبر حال الفاعل بما تقترن به من الوجوه التي تغيّر أحكام الأفعال. وقد قال في الكتاب لا يخرج فعل العبد من وجوه ثلاثة : أحدها أن يقع مع الإكراه والحمل. والثاني يقع مؤثّرا له مختارا في فعله. والثالث أن يقع على وجه السهو. وقد كانت القسمة الصحيحة تقتضي أن يقال : إمّا أن يفعل وهو عالم به أو يفعله وليس بعالم. وإذا كان عالما فأمّا أن يكون هناك إلجاء أو لا يكون هناك إلجاء. فإمّا فعل الساهي فلا مدخل له في التكليف والأمر والنهي والذمّ والمدح. وقد اختلف" شيوخنا" في هل يصحّ وصفه بالقبيح والحسن أم لا على

ما تقدّم القول فيه (ق ، ت ١ ، ٣٦٤ ، ٣)

أحوال القادر

ـ إنّ أحوال القادر تتفاوت فيما يتأتّى منه من زيادة الفعل ونقصانه وما هو عليه كما كان. فليس إلّا أنّه يعرض عليه في بعض الأحوال معان تزيد وتنقص ، فلزيادتها يكثر الفعل ولنقصانها يقلّ. وهذا يقتضي أنّ الذي به يقدر هو غيره (ق ، ت ٢ ، ٢٨ ، ١٠)

أحوال المكلّفين

ـ إنّ أحوال المكلّفين لا تخرج عن أقسام ثلاثة : إمّا أن يكون المعلوم من حالهم التمسّك بسائر ما كلّفوه عقلا من كل وجه ، تمسّكوا بشريعة أو لم يتمسّكوا بها ـ فمن هذا حاله لا تحسن بعثة الرسول إليه. أو يكون المعلوم من حالهم أنّهم لا يتمسّكون بما في عقولهم أو ببعضها ، وأنّ بعثة الرسول لا تؤثّر في حالهم البتّة ، حتى لو تمسّكوا بكل الشرائع لكان حالهم فيما يأتون من جهة العقول ويذرون لا يختلف ـ فمن هذا حاله أيضا لا تحسن بعثة الرسول إليه ، لأنّ في هذا الوجه ، والوجه الأول ، لا يكون ما يحملونه مصلحة لمن هذه حاله ؛ لأنّه ، إذا كان يطيع على كل حال أو يعصى على كل حال ، إمّا في الكل أو البعض فليس لهم فيما تحمله مصلحة ، والبعثة لا تحسن. أو يكون المعلوم من حال المكلّف أنّه ، إذا تمسّك ببعض الشرائع صلح في بعض ما كلّف عقلا ، واختار الواجب ، ولولاه كان لا يختاره ، أو انتقل أو انتهى عن القبيح على وجه لولاه كان لا ينتهي ، أو يكون (أقرب) إلى ذلك ، أو يسهل عليه القيام بذلك عنده ، ولولاه لصعب ، وكان أبعد من فعله على ما قدّمناه ـ فمن هذا حاله تحسن البعثة إليه ؛ بل تجب على ما تقدّم القول فيه (ق ، غ ١٥ ، ٩٧ ، ١٩)

أحوالنا

ـ إنّ تصرّفنا يحصل على أحكام ، وتلك الأحكام لا تحصل له إلّا عند أحوالنا من كوننا مريدين له أو كارهين له ، وعالمين ، فيجب أن يحتاج إلى أحوالنا ، فإذا احتاج إلى أحوالنا فقد احتاج إلينا (ن ، د ، ٣٠٠ ، ٦)

أحياز

ـ الأحياز والجهات أمور مختلفة بحقائقها متباينة بماهياتها (ف ، س ، ٣٧ ، ١٥)

أخبار

ـ إنّ من أخبار الله عند المعتزلة القرآن ، وهو حجتهم على من خالفهم في توحيد أو عدل أو وعد أو وعيد أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر (خ ، ن ، ٤٣ ، ١٢)

ـ أجمعت المعتزلة القائلون بالوعيد إنّ الأخبار إذا جاءت من عند الله ومخرجها عامّ كقوله : (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (الانفطار : ١٤) (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٧ ـ ٨) فليس بجائز إلّا أن تكون عامّة في جميع أهل الصنف الذي جاء فيهم الخبر من مستحلّيهم ومحرّميهم ، وزعموا جميعا أنّه لا يجوز أن يكون الخبر خاصّا أو مستثنى منه والخبر ظاهر الإخبار والاستثناء والخصوصية ليسا بظاهرين ، وليس يجوز عندهم أن يكون الخبر خاصّا وقد جاء مجيئا عامّا إلّا ومع الخبر ما يخصّصه أو

تكون خصوصيته في العقل ، ولا يجوز أن يكون خاصّا ثم يجيء الخصوصية بعد الخبر (ش ، ق ، ٢٧٦ ، ٤)

ـ الأخبار نوعان : من أنكر جملته لحق بالفريق الأول ؛ لأنّه أنكر إنكاره ؛ إذ إنكاره خبر ، فيصير منكرا ـ عند إنكاره ـ إنكاره ، مع ما فيه جهل نسبه واسمه ومائيّته واسم جوهره واسم كل شيء ، فيجب به جهل محسوس وعجزه عن أن يخبر عن شيء عاينه إذا خبر به ، فكيف يبلغ هو إلى العلم بما يبلغ مما غاب عنه ، أو متى يعلم ما به معاشه / وغذاؤه ، وكل ذلك يصل إليه بالخبر ، مع ما فيه الكفران بعظيم نعم الله عليه ، وبأصل ما حمد هو به ، وبما فضّل به على البهائم من النطق ... بالسمع ، وذلك نهاية المكابرة (م ، ح ، ٧ ، ١٤)

ـ كان يقول (الأشعري) في الأخبار إنّها طريق تعلم بها الغائبات عن الحسّ بما لا يوصل إلى العلم بها بالنظر والاستدلال (أ ، م ، ١٨ ، ٧)

ـ رتّب شيوخنا الكلام في الأخبار. فقال" أبو علي" ، رحمه‌الله : إنّ من حقّه ألّا يكون طريقا للعلم إلّا بأن تكون آحاده تقوّي الظنّ ولا يزال الظنّ يقوى ، ثم يحصل العلم ؛ وبيّن ذلك بما نجده في الشاهد من الأخبار التي هي طريق العلم (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٠ ، ١٠)

ـ قلنا في الأخبار : إنّها من الأصول العظيمة في باب التكليف لتعلّق ما ذكرناه من الفوائد بها. وليس لهذه الفوائد قسمة رابعة ؛ لأنّ ما يحصل لسامع الخبر من الفائدة ليس هو بإدراك الخبر ؛ وإنّما يحصل بالأمر الراجع إلى معنى الخبر ومضمونه (ق ، غ ١٥ ، ٣٣١ ، ١٢)

ـ قالوا (أهل السنّة) : إنّ الأخبار التي يلزمنا العمل بها ثلاثة أنواع : تواتر ، وآحاد ، ومتوسّط بينهما مستفيض (ب ، ف ، ٣٢٥ ، ١٢)

ـ الأخبار عندنا على ثلاثة أقسام : تواتر وآحاد ومتوسّط بينهما مستفيض جار مجرى التواتر في بعض أحكامه (ب ، أ ، ١٢ ، ٩)

ـ الأخبار على قسمين : أحدهما الأخبار المجملة ولا إعجاز فيها نحو أن يقول الرجل لأصحابه أنّكم ستنصرون على هذه الفئة التي تلقونها غدا ، فإن نصر جعل ذلك حجّة له عند أصحابه وسمّاها معجزة ، وإن لم ينصر قال لهم تغيّرت نيّاتكم وشككتم في قولي ، فمنعكم الله نصره ونحو ذلك من القول. ولأنّه قد جرت العادة أنّ الملوك والرؤساء يعدون أصحابهم بالظفر والنصر ويمنونهم الدول ، فلا يدلّ وقوع ما يقع من ذلك على أخبار عن غيب يتضمّن إعجازا ، والقسم الثاني في الأخبار المفصّلة عن الغيوب (أ ، ش ١ ، ٤٢٥ ، ٢)

إخبار

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ أهل التواتر جميعا من المعتزلة ومن غيرهم لا يفصلون بين إخبار الكفار وبين إخبار غيرهم إلّا فيما جاء مجيء الشهادة على جهة حسن الظن بالمؤمن وتصديقه لحكم الدين. فأمّا في القطع على صحة الخبر وصدقه فإنّما هو المجيء الذي لا يكذب مثله وسواء كان ناقلوه مؤمنين أم كافرين (خ ، ن ، ٤٥ ، ٨)

ـ ما يدلّ على وجوب الأفعال الشرعية من ضروب الأدلّة : قد يدلّ على ذلك ما يجري مجرى الخبر ، وذلك نحو قوله جلّ وعزّ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (آل عمران : ٩٧). ونحو الإخبار بأنّه واجب ، أو فرض ، أو لازم ، إلى سائر العبادات (ق ، غ ١٧ ، ١٠٤ ، ٤)

أخبار الآحاد

ـ أمّا أخبار الآحاد فمتى صحّ إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها ، دون العلم ، وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم في أنّه يلزم الحكم بها في الظاهر ، وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة. وبهذا النوع من الخبر أثبت الفقهاء أكثر فروع الأحكام الشرعيّة في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الحلال والحرام ، وضلّلوا من أسقط وجوب العمل بأخبار الآحاد في الجملة ، من الرافضة والخوارج وسائر أهل الأهواء (ب ، ف ، ٣٢٥ ، ١٨)

ـ أخبار الآحاد متى صحّ إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة في العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم وكانت بمنزلة شهادة العدول عند الحاكم يلزمه الحكم بها في الظاهر وإن لم يعلم صدقهم في الشهادة (ب ، أ ، ١٢ ، ١١)

ـ أمّا أخبار الآحاد الموجبة للعمل دون العلم فلوجوب العمل بها شروط : أحدها اتصال الإسناد في قول الشافعيّ وأصحابه لأنّهم لا يرون الاستدلال بالمرسل صحيحا ورأى مالك مراسيل الصحابة حجّة ، وأمّا أبو حنيفة رأى الاحتجاج بالمراسيل كلّها عن الثّقات صحيحا والشرط الثاني عدالة الرّواة ، فإن كان في رواته مبتدع في نحلته أو مجروح في فعله أو مدلّس في روايته فلا حجّة في روايته. والشرط الثالث أن يكون متن الخبر مما يجوز في العقل كونه (ب ، أ ، ٢٢ ، ١٣)

ـ أمّا أخبار الآحاد فلا يقبل فيه ولا نشتغل بتأويله عند من يميل إلى التأويل ، ولا بروايته عند من يقتصر على الرواية ، لأنّ ذلك حكم بالمظنون واعتماد عليه (غ ، أ ، ٦٢ ، ٢٦)

ـ إنّ أخبار الآحاد مظنونة فلم يجز التمسّك بها في معرفة الله تعالى وصفاته. وإنّما قلنا إنّها مظنونة وذلك لأنّا أجمعنا على أنّ الرواة ليسوا معصومين ، وكيف والروافض لما اتّفقوا على عصمة علي رضي الله عنه وحده فهؤلاء المحدّثون كفّروهم ، فإذا كان القول بعصمة علي كرّم الله وجهه يوجب عليهم تكفير القائلين بعصمة علي ، فكيف يمكنهم عصمة هؤلاء الرواة ، وإذا لم يكونوا معصومين كان الخطأ عليهم جائزا ، والكذب عليهم جائزا ، فحينئذ لا يكون صدقهم معلوما بل مظنونا. فثبت أنّ خبر الواحد مظنون (ف ، س ، ٢٠٥ ، ٢)

أخبار الرسل

ـ ثم إذ قد لزم قبول الأخبار بضرورة العقل لزم قبول أخبار الرّسل ؛ إذ لا خبر أظهر صدقا من خبرهم بما معهم من الآيات الموضحة صدقهم ؛ إذ لا يوجد خبر يطمئن إليه القلب ـ ممّا بيّنا من المعارف التي يصير منكر ذلك متعنتا بضرورة العقل ـ أوضح صدقا من أخبار الرّسل صلوات الله عليهم ، فمن أنكر ذلك فهو أحقّ من يقضي عليه بالتعنّت والمكابرة (م ، ح ، ٨ ، ١٤)

أخبار الكفّار

ـ الخطأ من قول هشام وأبي الهذيل قولهما : أنّ أخبار الكفار لا توجب العلم ، لأنّ هذا لو كان هكذا لم نعلم ما بعد عنا من بلاد الكفر ولا ما مضى من أيام البشر ، إذ كان المخبرون بذلك كفارا. فأمّا قولهما : أنّ في الأرض جماعة صالحين أبرارا أتقياء باطنهم كظاهرهم لا نعرفهم بأعيانهم ، فغير مدفوع ولا منكر (خ ، ن ، ١١٧ ، ٤)

أخبار متواترة

ـ فما غاب عنك ممّا قد رآه غيرك مما يدرك بالعيان ، فسبيل العلم به الأخبار المتواترة التي يحملها الوليّ والعدوّ والصالح والطالح المستفيضة في الناس ، فتلك لا كلفة على سامعها من العلم بتصديقها. فهذا الوجه يستوي فيه العالم والجاهل (ج ، ر ، ٢٤ ، ١١)

ـ ما يعلم صدقه اضطرارا فكالأخبار المتواترة ، نحو الخبر عن البلدان والملوك وما يجري هذا المجرى ، ونحو خبر من يخبرنا أنّ النبي صلى الله عليه كان يتديّن بالصلوات الخمس وإيتاء الزكاة والحجّ إلى بيت الله الحرام وغير ذلك ، فإنّ ما هذا سبيله يعلم اضطرارا. وأقلّ العدد الذين يحصل العلم بخبرهم خمسة ، حتى لا يجوز حصوله بخبر الأربعة. ولا يكفي خبر الخمسة على أي وجه أخبروا ، بل لا بدّ من أن يكون خبرهم مما عرفوه اضطرارا ، ولهذا لا يجوز أن يحصل لنا العلم الضروري بتوحيد الله وعدله بخبر من يخبرنا عن ذلك ، لمّا لم يعرفوه اضطرارا (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ٦)

إخبار واستخبار

ـ إنّ من طبع الإنسان محبّة الإخبار والاستخبار. وبهذه الجبلّة التي جبل عليها الناس نقلت الأخبار عن الماضين إلى الباقين (و) عن الغائب إلى الشاهد ، وأحبّ الناس أن ينقل عنهم ونقشوا خواطرهم في الصخور واحتالوا لنشر كلامهم بصنوف الحيل. وبذلك ثبتت حجّة الله على من لم يشاهد مخارج الأنبياء ولم يحضر آيات الرسول. وقام مجيء الأخبار عن غير تشاعر ولا تواطئ مقام العيان ، وعرفت البلدان والأقطار والأمم والتجارات والتدبيرات والعلامات ، وصار ما ينقله الناس بعضهم عن بعض ذريعة إلى قبول الأخبار عن الرسل وسلّما إلى التصديق وعونا على الرضا بالتقليد. ولو لا حلاوة الإخبار والاستخبار عند الناس لما انتقلت الأخبار وحلّت هذا المحلّ (ج ، ر ، ٤٠ ، ١٤)

أخبر

ـ قال ، مخبرا ومخيرا : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل : ٨٩ ـ ٩٠) ، فأخبر سبحانه ، أن يجزيهم بفعلهم في الحسنة والسيئة لا بفعله بهم وقضائه عليهم ، وأنّ ذلك منهم وفيهم ، ألا ترى كيف يقول : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النمل : ٩٠)؟ أي لم يظلمكم ولم يجزكم إلّا بعملكم لا بغيره ، توفيقا منه لهم وتبريا من الظلم إليهم ، فلو كان قضى ذلك عليهم لما كانت عليهم حجة ولا تبرأ ، سبحانه ، من فعله ونسبه إليهم (ي ، ر ، ٤٥ ، ١)

ـ لم يقل ، سبحانه : قدّرته ولا قضيته عليه ولا أمرته ولا رضيته منه ، بل برّأ نفسه من فعله وألزم المعصية أهلها وفاعلها ، ألا ترى إلى قوله (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) (المائدة : ٣٠) أخبر أنّ ذلك الفعل من نفسه لا من غيرها (ي ، ر ، ٥١ ، ٤)

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ

وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٠)

اختراع

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدوث" و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل" و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع" و" مبدع" و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين" و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا كما يقتضي المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٨)

ـ أمّا الاختراع ، فلا شكّ أنّ القادر بالقدرة لا يقدر عليه ، لأنّه إيجاد فعل متعدّ عنه من غير سبب ، وهذا لا يتأتى من القادرين بالقدرة ، إن لو صحّ ذلك لصحّ من أحدنا أن يمنع غيره من التصرّفات من غير أن يماسّه ، أو يماسّ ما ماسّه ، والمعلوم خلافه (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ٤)

ـ أمّا الاختراع فيتعذّر منه (الفاعل) لعلمنا بأنّه لا يقع على ما يدعوه الداعي إليه بدلالة أنّه لو أراد الفعل فيما بان منه لتعذّر إلّا بأن يكون هناك ضرب من الاتصال. ألا ترى أنّه لو أراد اختراع السكون في جسم الضعيف الذي يمشي على بعد منه لتعذّر ذلك عليه حتى إذا ماسّه تأتى منه؟ وهكذا لو أراد المريض أن يفعل الحركات في جوارحه مخترعة بقدر قلبه لتعذّر ذلك عليه فدلّ أنّ الاختراع متعذّر بالقدر. فإذا كان الاختراع هو الوجه الذي يصحّ حدوث الجسم عليه دون ما تقدّم من الوجوه بدلالة أنّا لو فعلناه ابتداء في محلّ القدرة أو بسبب نوجد مسبّبه في محلّ القدرة لأدّى إلى صحّة حلول الجسم في الجسم. وهذا يقتضي أنّ الأجسام لا تتعاظم بالانضمام ولا بالمجاوزة وذلك باطل. ولو فعلناه بسبب نوجد مسبّبه في غير محلّ القدرة لكان ذلك هو الاعتماد ، وهذا ممّا لا يولّد الجسم وإلّا كنّا لقدرتنا عليه وإن اختلفت أنواعه قادرين على الجسم. ومعلوم أنّه لا تتأتّى منّا الزيادة في الأجسام وإلّا كنّا إذا اعتمدنا في وعاء زمانا طويلا يمتلئ بالريح عند النفخ ليلا ، يقول قائل إنّه يتبدّد في الهواء وقد عرفنا فساد ذلك (ق ، ت ١ ، ٨١ ، ٥)

ـ أمّا الاختراع وهو ما يبتدئ به القادر من دون أن يكون في محلّ القدرة فلن يصحّ إلّا ممن هو قادر لنفسه دون من كان قادر بقدرة. فلهذا كان القديم مخصوصا به دوننا. وقد يجوز أن يفعل تعالى بسبب على ما يختاره. ولكنه يبتدئ السبب أيضا فنخترعه لا على الحدّ الذي نفعله (ق ، ت ١ ، ٣٦٨ ، ١)

ـ كل ما صحّت إضافته إلينا من بعض الوجوه تصحّ في كل فاعل ، ولا فاعل يصحّ منه إيقاع الفعل على وجه من هذه الوجوه ويتعذّر على من سواه إيقاعه على ذلك الحدّ. وإنّما الدلالة قد دلّت فيه تعالى على أنّه لا يختار القبيح لا أنّه يستحيل ذلك منه ، فصار كل قادر يصحّ منه

إحداث الأفعال مجرّدة وعلى الوجوه الزائدة التي قدّمناها. وإنّما يختصّ القديم بالقدرة على أجناس مخصوصة وعلى إحداث ما يقدر عليه على طريقة الاختراع لأمر يرجع إلى أنّه قادر لنفسه (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ١٣)

ـ كان شيخنا أبو علي رحمه‌الله يذهب إلى أنّه تعالى لا يفعل بأسباب ، ولا يصحّ ذلك فيه كما لا يصحّ أن يفعل بالآلة ، ويقول : إنّ القول بذلك يوجب حاجته إلى السبب ، فإذا ثبت أنّه يتعالى عن الحاجة علم أنّ كل ما يفعله إنّما يفعله على جهة الاختراع والابتداء ، وإنّما يقال إنّه بسبب يوجب الفعل ، إنّما يفعل الفعل عنده لا أنّه يفعله به ويفارق حاله حالنا ، لأنّ الواحد منّا لا يمتنع من حيث كان قادرا بقدرة أن يحتاج إلى السبب كما يحتاج إلى الآلة وإلى استعمال محلّ القدرة (ق ، غ ٩ ، ٩٤ ، ٧)

ـ إنّ القدرة لا يمكن فعل الجسم بها ، وتحريره هو أن يقال إنّ القدرة لا يمكن الفعل بها إلّا مباشرا وإمّا متولّدا. وأمّا الاختراع فمحال بالقدرة ، ولا يمكن فعل الجسم على الوجهين جميعا (ن ، د ، ٣٩٠ ، ٧)

ـ إنّ القديم يتأتى منه اختراع الأجسام ، والواحد منا لا يتأتى منه ذلك. وما ذلك إلّا أنّ كون القديم تعالى قادرا لنفسه ، وكون أحدنا قادرا لصفة معنوية (ن ، د ، ٤٩٨ ، ٧)

ـ الخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ في أنّ الجسم يحدث بالاختراع : اعلم أنّه إذا ثبت حدوث الجسم ، فالوجه الذي يحدث عليه هو أن يقع مبتدأ على طريق الاختراع من قبل الله تعالى. والكلام في ذلك يدور على وجهين : أحدهما أن نبيّن أنّه غير مقدور للقادرين بقدر ، بل يختصّ تعالى بالقدرة عليه.

والثاني أنّه إنّما يفعله ابتداء فلا تدخله طريقة التوليد أصلا (أ ، ت ، ١٠٩ ، ١٣)

ـ (المعتزلة) يستدلّون في خلق الأعمال بقوله تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وزعموا أنّ ذلك يدلّ على اتّصاف العباد بالخلق والاختراع (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٤)

ـ أمّا قوله فاعل لا بمعنى الحركات والآلة فحق لأنّ فعله اختراع ، والحكماء يقولون إبداع ومعنى الكلمتين واحد وهو أنّه يفعل لا بالحركة والآلة كما يفعل الواحد منا ، ولا يوجد شيئا من شيء (أ ، ش ١ ، ٢٦ ، ٦)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

اخترام

ـ إنّما تقول ما ذكرته في الفعل الذي يتعذّر على المكلّف لأمر يرد عليه من قبل المكلّف ولا يكون للعبد سبيل إلى إزالته ، كالاخترام والمنع إلى ما شاكل ذلك من الأمور المزيلة للتكليف. فأمّا إذا كان ما له يتعذّر الفعل يحصل من قبله ، وقد كان له سبيل إلى أن لا يفعل ذلك ، فيستمرّ

على ما كلّف. فلا يجب ما ذكرته ، بل لا يخرج من أن يكون تعالى قد ألزمه الفعل الأوّل وما يليه من الأفعال ، وإن كان بأن لا يفعل الأوّل يحصل مضيّعا لما بعده من الواجبات. ومثال ذلك ، ما ذكرناه من أنّه تعالى لا يجوز أن يكلّف المرء إتمام صومه اليوم ، والمعلوم أنّه يخترمه قبل تقضّيه ؛ ويجوز أن يكلّفه صوم اليوم ، وإن كان المعلوم أنّه سيفرط في إتمامه من حيث لا يفعل الدخول فيه على وجه يصحّ منه الإتمام (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٦ ، ١٦)

اخترع

ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنّه يضلّ ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)

ـ إنّ الإنسان قد يخترع الألوان والطعوم والروائح والإدراكات (بشر) (ب ، ف ، ١٥٧ ، ٢١)

ـ إنّ من اخترع شيئا لم يكن قط لا على مثال سلف ولا عن ضرورة أوجبت عليه اختراعه ، لكن اختار أن يفعله ، فإنّه قادر على ترك اختراعه ، قادر على اختراع غيره مثله أو خلافه ، ولا فرق بين قدرته على بعض ذلك وبين قدرته على سائره (ح ، ف ٢ ، ١٨٢ ، ١٣)

اخترع الأعراض

ـ حال العبد إذا اخترع الأعراض ، لأنّ ذلك يصحّ بالقدر الدالّة على حدث المحل (ق ، غ ٨ ، ١٤٣ ، ١٩)

إختلاف

ـ الشيء الواحد لا يخالف نفسه ولا يكون غيرها. فوجب بذلك أنّ الاختلاف والتغاير إنّما وقع بين شيئين هما سواه وهما السكون والحركة. فلذلك قلنا : إنّ الجسم إنّما يتحرّك بحلول الحركة فيه ويسكن لحلول السكون فيه. والقديم جلّ ذكره عالم بالأشياء على ما هي عليه من حقائقها لم يزل ولا يزال كذلك ، وإنّما اختلفت العبارة عن علمه بالأشياء قبل أن يوجدها ، وفي حال وجودها لاتصال العبارة عن علمه بالأشياء بالعبارة عن الأشياء المتغايرة المختلفة الأحوال ، فاختلفت لاختلاف ما اتصلت به (خ ، ن ، ٨٤ ، ٢٠)

ـ التشابه والاختلاف أبدا تقع في الأغيار ، وجملة ذلك أنّا نجد فعل العبد من الوجه الذي عليه أمر العالم لله ، فثبت أنّ خالق العالم كلّه واحد ، وإنّما يجعل للعبد لا من ذلك الوجه (م ، ح ، ٢٥٠ ، ٦)

إختلاف بين الذوات

ـ إنّه لا بدّ في المختلفين من اختصاص أحدهما بصفة ليست للآخر أصلا ، أن نقول : الأصل في معرفة الاختلاف بين الذوات هو الإدراك ، وما عداه مرتّب عليه مشبه به. فنقول : لا بدّ في كل ذاتين مختلفتين من أن تثبتا على وجه لو تناولهما الإدراك لفرّقنا بينهما ولميّزنا إحداهما من الأخرى. ولا طريق للتمييز بينهما إذا قدرت الإدارك فيهما إلّا بأن يستبدّ أحدهما بصفة ليست للآخر ، وإلّا فلو وقع الاشتراك في صفتيها لبطل التمييز ، وبطلان أن التمييز بينهما مع الإدراك بطلان للخلاف أصلا (ق ، ت ١ ، ١٥٣ ، ٢)

إختلاف الذوات

ـ إنّ صفة الوجود صفة واحدة في الذوات الموجودة ... والدلالة على أنّ صفة الوجود واحدة في الذوات أنّ الذي به يعرف اختلاف الصفات في الذوات إذا لم يكن طريق العلم بها الضرورة ، هو أن تختلف أحكامها ، فيتوصّل باختلاف الأحكام إلى اختلافها في أنفسها ، كما أنّ الطريق إلى معرفة اختلاف الذوات اختلافها في الأحكام التي تصحّ أو يجب أن يستحيل. فصار المراد باختلاف الذوات أنّ بعضها لا يسدّ مسدّ بعض في الأحكام الواجبة أو الصحيحة أو المستحيلة. والغرض بتماثلها اتّفاقها في هذه الأحكام. والغرض بتماثل الصفات هو اتّفاقها في الأحكام التي تثبت لها. فإذا لم تفترق في هذه الأحكام عرفنا تماثلها ، وإن افترقت عرفنا اختلافها. فإذا صحّت هذه الجملة وكان حكم صفة الوجود ما ثبت من ظهور صفة الذات بها حتى يكون هو الذي يصحّ ذلك ، وقد عرفنا أن هذا غير مختلف في الذوات. فكل موجود لأجل وجوده تظهر صفته المقتضاة عن صفة الذات ، وبوجوده يعرف ما هو عليه في ذاته ، فوجب أن تكون الصفة واحدة وأن لا تختلف. ومتى وجدت بعض الذوات تتحيّز عند الوجود والبعض تظهر له هذه الهيبة عند الوجود فلا تظنّ أنّ ذلك هو لاختلاف هذه الصفة في نفسها ، ولكن قد اختلف هاهنا ما تأثيره آكد وأقوى من تأثير الشروط والأمور التي تصحّح ، وهو ما يؤثّر في الصفة بطريقة الإيجاب. فالجوهر لما هو عليه يؤثّر في تحيّزه عند الوجود. وكذلك السواد فاختلاف المقتضي لأجل ذلك لا لاختلاف الوجود في نفسه (ق ، ت ١ ، ١٣٥ ، ٢٦)

إختلاف في صفة الشيء

ـ إنّ الاختلاف في صفة الشيء لا يمنع من أن يكون العلم به ظاهرا ، لأنّ نفاة الأعراض وإن خالفوا في الأعراض المدركة فالعلم بها ظاهر. واختلاف الناس في الإرادة وأمثالها ، لم يمنع من أن يكون العلم بأنّه مريد واضح. فكذلك علم الخائف بأنّه خائف يحصل باضطرار ، وإن اختلفوا في ما نبّه الخوف ، لأنّه إذا كان نفي من نفى الخوف لا يخرجه من أن يفصل بين حاله خائفا وخلافها ، فكذلك مخالفة من يخالف في صفته لا تمنع من ذلك. على أنّ العلم بذلك قد صار في الوضوح بحيث يحصل فيمن لا عقل له إذ روّع بضرب أو غيره ؛ فكيف يدّعي فيه الالتباس؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٣ ، ١٦)

اختيار

ـ اختلفوا (المعتزلة) في الإرادة هل هي مختارة أم اختيار ليست بمختارة على مقالتين : فقال قوم : هي مختارة كما أنّها اختيار ، ولم يجيزوا أن تكون مرادة كما أنّها مختارة ، وقال قائلون : هي اختيار وليست بمختارة (ش ، ق ، ٤١٩ ، ١٢)

ـ ما كان من أفعال الله له ترك كالأعراض فهو مختار ، وما لا ترك له كالأجسام فهو اختيار وليس بمختار (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ٧)

ـ قال قوم : الإيثار هو الاختيار والإرادة ، والمراد لا يكون إيثارا ولا اختيارا ، وقال قوم : الإيثار هو الإرادة ، والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مرادا (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١٢)

ـ أيضا أنّ الله تعالى إذا أنشأ شيء ثم أفناه ، وفيه أيضا ما قد أعاده نحو الليل والنهار ، ثبت أنّ فعله بالاختيار ؛ إذ تحقّق به صلاح ما قد أفسده ، وإعادة ما قد أفناه ، وإيجاد المعدوم وإعدام الموجود ، فثبت أنّ طريق ذلك الاختيار ؛ إذ من كان الذي منه يكون بالطّبع لا يجيء منه نفي ما يوجد ، وإيجاد ما يعدمه ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٤٤ ، ١٧)

ـ إنّا قد بيّنا حدث العالم لا من شيء ، وذلك نوع ما لا يبلغه إلا فعل من هو في غاية معنى الاختيار ، وما يكون بالطبع فحقّه الاضطرار ، ومحال أن يكون من يبلغ شأنه إلى إنشاء الأشياء لا من شيء ، ثم يكون ذلك بالطبع ، مع ما كان وقوع الشيء بالطبع هو تحت قهر آخر ، وجعله بحيث يسقط عنه الإمكان ، وذلك آية الحدث وأمارة الضعف ، جلّ ربّنا عن ذلك / وتعالى (م ، ح ، ٤٥ ، ٢)

ـ إنّ من لا قدرة له يخرج الذي يكون منه مضطربا فاسدا ، ولا يملك الشيء وضدّه ، فثبت أنّ ما كان منه بقدرة كان واختيار ، وذلك أمارات الفعل الحقيقية في الشاهد الذي هو أصل للعلم بالغائب (م ، ح ، ٤٥ ، ١٢)

ـ قال الكعبي : أفعال الله باختيار ؛ لأنّ المطبوع يكون فعله نوعا (م ، ح ، ٦٠ ، ٣)

ـ الدلالة عندنا على الاختيار خروج الخلق على تفاوت مائيّته ، على ما فيه من الحكمة ، والدلالة على وحدانية الله ، فدلّ ذلك على اختيار كون كل شيء على ما هو عليه (م ، ح ، ٦٠ ، ١٢)

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : الأصل عندنا في المسمّى باسم القدرة أنّها على قسمين : أحدهما سلامة الأسباب وصحة الآلات وهي تتقدم الأفعال ، وحقيقتها ليست بمجعولة للأفعال ، وإن كانت الأفعال لا تقوم إلّا بها ، لكنها نعم من الله أكرم بها من شاء ثم يستأديهم شكرها عند احتمالهم درك النّعم وبلوغ عقولهم الوقوف عليها ... والثاني معنى لا يقدر على تبيّن حدّه بشيء يصار إليه سوى أنّه ليس إلّا للفعل ، لا يجوز وجوده بحال إلا ويقع به الفعل عند ما يقع معه. وعند قوم قبله ، أعني فعل الاختيار الذي بمثله يكون الثواب والعقاب ، وبه يسهل الفعل ويخفّ (م ، ح ، ٢٥٦ ، ١٨)

ـ ليس شرط الاختيار أن يفعل ما شاء ، ولكن يختار الأولى به أن يفعل ، فإذا فعل ما لا يعرف لما ذا فعل ثبت أنّ لغيره في فعله تدبيرا ، على ذلك خرج فعله ، والله الموفق (م ، ح ، ٢٧٩ ، ١٣)

ـ كان (الأشعري) يثبت للمحدث اختيارا على الحقيقة بمعنى الإرادة ، كما يثبت له قدرة واستطاعة ، ويقول إنّ اختياره وقدرته عن

اختيار الله تعالى وقدرته ، وإنّ الله تعالى جعل المختار مختارا والكاره كارها والمستطيع مستطيعا والعاجز عاجزا على معنى أنّه جعل هذه المعاني وخلقها له بعد ما لم تكن (أ ، م ، ٧٦ ، ١٢)

ـ الاختيار كالمختار في أنّه لا يمكن أن يقع إلّا بقدرة ، وتلك القدرة أيضا صالحة للضدّين فتحتاج إلى أمر آخر له ولمكانه يكون ذلك الاختيار بالوقوع أولى مما يضادّه ، والكلام في ذلك كالكلام في هذا فيتسلسل بما لا يتناهى من الاختيار ، واختيار الاختيار ، أو ينتهي إلى اختيار ضروريّ ؛ وذلك يوجب كون الواحد منّا في بعض الحالات مدفوعا إلى اختيار ضروريّ ، والمعلوم أنّه لا يوجد في شيء من الحالات كونه على هذا الوصف. وبعد ، فإنّ الساهي قد عدم منه الاختيار ، فيجب أن يوجد منه الضدّان وقد عرف فساده. وبعد ، فإنّ قدرة الاختيار منفصلة عن قدرة المختار ، فكان يجب أن يحصل أحدهما مع فقد الآخر ، وهذا يؤدّي إلى اجتماع الضدّين في بعض الحالات على ما ذكرناه (ق ، ش ، ٣٩٨ ، ١٧)

ـ أحد ما يدلّ على أنّه تعالى لا يجوز أن يكون مريدا للمعاصي ، هو أنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون مختارا لها ، لأنّ الاختيار والإرادة واحد (ق ، ش ، ٤٦٤ ، ٤)

ـ إذا وقع الفعل لخلوص الدواعي فإنّ وقوعه لا يخرج عن حدّ الاختيار دون الوجوب. لأنّه قد بطل تعلّق هذا الفعل بعلّة موجبة (ق ، ت ١ ، ٤٤ ، ٦)

ـ أمّا الاختيار فتارة يستعمل في الفعل المراد متى وقع لا على طريق الإلجاء والحمل ، وتارة في نفس الإرادة ، فلا بدّ من أن تكون هي والفعل جميعا من قبل واحد وأن لا يثبت إلجاء وحمل. وقد يستعمل على طريق التجوّز في فعل الغير والحال في الإيثار يجري مجرى الحال في الاختيار في صحّة استعماله على الوجهين وفي صحّة التجوّز به في فعل الغير (ق ، ت ١ ، ٢٩٧ ، ١٩)

ـ في وجوه تعلّق القدرة بالمقدورات. اعلم أنّه صدّر الباب بوجوب تعلّق القدرة بما تتعلّق به ، والصحّة المذكورة في هذا الموضع لا ينفصل عن الوجوب. وإنّما كان كذلك لأنّ هذا التعلّق مستند إلى صفة تتجدّد للقدرة عند الوجود.

فلمّا كان اختصاصها بهذه الصفة يثبت هذا الحكم ، وصار هذا الحكم هو الطريق إلى تلك الصفة ، فوجب لذلك أن نقضي بأنّ تعلّقها بما تتعلّق به واجب. وكذلك نقول في القادر إنّ تعلّقه بالمقدور واجب وإنّما وقوعه يصحّ منه ويقف على دواعيه ، وإلّا فالحكم الذي له مع المقدور لا تدخله الصحّة بل لا بدّ من ثباته. ولا ينقض ذلك طريقة الاختيار لأنّها تدخل في الوقوع ، ولو لا وجوب تعلّقه بمقدوره لما صحّ أن يختار مقدورا على مقدور. فصار الاختيار تابعا لوجوب تعلّق القادر بهذا المقدور. ولهذه الجملة لا نعرف هذا التعلّق في القدرة ولا في القادر ابتداء ما لم يقع بعض المقدورات ، ثم نعلم استمرار هذا الحكم من بعد. فإذا تقرّرت هذه الجملة فيجب أن لا تفترق الحال في تعلّقها بين ابتداء وجودها وبين استمرار الوجود بها. فلهذا ما يجب إذا حكمنا ببقاء القدرة أن نحكم باستمرار تعلّقها بما تتعلّق به ، ولا يجوز أن يتجدّد لها في حال البقاء من التعلّق ما لم يكن من قبل ، لأنّ الذي اقتضى فيها هذا الحكم هو ما يرجع إلى ذاتها بشرط الوجود ،

وهما قد حصلا في كلي الحالين (ق ، ت ٢ ، ٤٥ ، ٩)

ـ أمّا الاختيار فهو إرادة ، وإن كان إنّما يوصف بذلك إذا آثر به الفعل على غيره. ولو فعل فينا تعالى إرادة الشيء ، واضطرّنا إليها ، لم يسم اختيارا ؛ لأنّ معنى الإيثار بها لا يقع ، وإنّما يصحّ ذلك متى فعلها الفاعل لما له يفعل المراد. وقد شرط شيخنا أبو علي رحمه‌الله في ذلك أن لا يكون ملجأ إلى ما يفعله ، لأنّه إذا حصل بهذه الصفة ، لم يسم مختارا ، لأنّ الاختيار كالضدّ للإلجاء (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٦ ، ١١)

ـ قد يقال في نفس المختار إنّه اختيار على طريق التوسّع ، فيقال إنّ المشي اختياره ، والأكل اختياره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٧ ، ٧)

ـ أمّا الإرادة إذا تقدّمت الفعل ، وكان عزما لم تسمّ بذلك ، لأنّ معنى إيثار الشيء على ضدّه بها لم يقع. فأمّا إرادة المسبّب إذا قارن السبب أو إرادة جملة من الفعل تقتضي وقوعها على وجه ، فقد يسمّى اختيارا ، لأنّ المسبّب قد صار في حكم الواقع بوجود مسبّبه ، فما قارنه من إرادة المسبب نفسه ، وجملة الخبر قد صار فيما تؤثّر فيه الإرادة كالشيء الواحد ، فما قارن أوّله كأنّه مقارن لجميعه. وإنّما قلنا إنّه الإرادة لأنّه لا يكون مريدا للفعل في حال إلّا وهو مختار له ، ولا يكون مختارا له إلّا وهو مريد. فقد صحّ أنّ أحدهما هو الآخر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٧ ، ١٢)

ـ إنّ ما يريده على جهة الإلجاء هو الذي لا بدّ من وقوعه ، وما يريده على جهة الاختيار لا يجب ذلك فيه ، ولا يقتضي انتفاؤه ضعفا ولا نقصا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣١٧ ، ٣)

ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٤)

ـ إنّ المكلّف يجب أن يكون متمكّنا من سبب ما كلّفه ؛ لأنّه لا يجوز أن يكلّف المسبّب ولا يكلّف السبب. فمتى بيّنا وجوه كونه متمكّنا من فعل ما كلّف دخل فيه ذلك ، ودخل فيه أنه يجب كونه متمكّنا من الإرادة إذا كلّف الفعل الذي يقع على بعض الوجوه بالإرادة ؛ لأنّ من حقّ الإرادة ألّا تحصل جهة لفعله إلا إذا وقعت من قبله. ولم يكن مضطرّا إليها. وتفارق العلم في ذلك ؛ لأن العلم بالفعل المحكم قد يصحّ وإن كان مضطرّا إلى أن يفعله وألّا يفعله ؛ فلا يخرج من حيث كان مضطرّا إلى العلم من أن يكون الفعل واقعا من قبله على طريقة الاختيار. ولو اضطرّه الله ـ تعالى ـ إلى إرادة الخير لم يصحّ أن يفعل ذلك الفعل منه على خلاف ذلك الوجه. وإذا صحّ أنها إنما تؤثر في أفعاله إذا كانت من قبله ، دخل ذلك تحت ما بيّناه من التمكين ؛ لأنها كالسبب في هذا الوجه (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ١٠)

ـ إنّ الاختيار الذي هو فعل الله تعالى وهو منفى عن سواه ، هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به ، ووجدنا هذا أيضا حسّا لأنّ الاختيار الذي توحّد الله به هو أن يفعل ما شاء كيف شاء وإذا شاء ، وليست هذه صفة شيء من خلقه ، وأمّا الاختيار الذي أضافه الله تعالى إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى شيء ما والإيثار له على غيره فقط ، وهنا غاية البيان (ح ، ف ٣ ، ٢٥ ، ٧)

ـ وجدنا بالضرورة الفعل لا يقع باختيار إلّا من صحيح الجوارح التي يكون بها ذلك الفعل ، فصحّ يقينا أنّ سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة ، ثم نظرنا سالم الجوارح لا يفعل مختارا إلّا حتى يستضيف إلى ذلك إرادة الفعل ، فعلمنا أنّ الإرادة أيضا محرّكة للاستطاعة ، ولا نقول أنّ الإرادة استطاعة ، لأنّ كل عاجز عن الحركة فهو مريد لها وهو غير مستطيع (ح ، ف ٣ ، ٢٩ ، ١٣)

ـ إنّ العجز في اللغة إنّما يقع على الممنوع بآفة على الجوارح أو بمانع ظاهر إلى الحواس ، والمأمور بالفعل ليس في ظاهر أمره عاجزا إذ لا آفة في جوارحه ولا مانع له ظاهرا ، وهو في الحقيقة عاجز عن الجمع بين الفعل وضدّه وبين الفعل وتركه ، وعن فعل ما لم يؤته الله تعالى عونا عليه ، وعن تكذيب علم الله تعالى الذي لم يزل بأنّه لا يفعل إلّا ما سبق علمه تعالى فيه ، هذه حقيقة الجواب في هذا الباب والحمد لله ربّ العالمين ، فإن قيل فهو مختار لما يفعل ، قلنا نعم اختيارا صحيحا لا مجازا لأنّه مريد لكونه منه ، محب له مؤثّر على تركه. وهذا معنى لفظة الاختيار على الحقيقة ، وليس مضطرّا ولا مجبرا ولا مكروها لأنّ هذه ألفاظ في اللغة لا تقع إلّا على الكاره لما يكون منه في هذه الحال (ح ، ف ٣ ، ٥٣ ، ١١)

ـ أصحاب الأصلح ... قالوا : إنّ الاختيار هو ما يمكن فعله ويمكن تركه ، فلو كان الكفّار عند إتيان الله تعالى بتلك الألطاف يختارون الإيمان لأمكن أن يفعلوه وأن لا يفعلوه أيضا ، فعادت الحال إلى ما هي عليه ، إلّا أن يقولوا أنّهم كانوا يؤمنون ولا بدّ ، فهذا اضطرار من الله تعالى لهم إلى الإيمان لا اختيار (ح ، ف ٣ ، ١٦٥ ، ١٦)

ـ أمّا الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه (ح ، ف ٥ ، ١١٣ ، ١٩)

ـ إذا خرج أحدنا من الاختيار زالت أحكام أفعاله عنه (أ ، ت ، ١٤٩ ، ١)

ـ الخيرة من التخيّر كالطيرة من التطيّر تستعمل بمعنى المصدر وهو التخيّر ، وبمعنى المتخيّر كقولهم محمد خيرة الله من خلقه (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (القصص : ٦٨) بيان لقوله ويختار لأنّ معناه : ويختار ما يشاء ، ولهذا لم يدخل العاطف ، والمعنى : أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلى بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. قيل السبب فيه قول الوليد بن المغيرة ـ لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظم ـ يعني لا يبعث الله الرسل باختيار المرسل إليهم. وقيل معناه : ويختار الذي لهم فيه الخيرة : أي يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم من قولهم في الأمرين ليس فيهما خيرة لمختار (ز ، ك ٣ ، ١٨٨ ، ٢٦)

ـ قال (النظّام) : لا بدّ من خاطرين ، أحدهما يأمر بالإقدام ، والآخر بالكفّ ليصحّ الاختيار (ش ، م ١ ، ٥٨ ، ٦)

ـ قال (معمّر) : إنّ الله تعالى لم يخلق شيئا غير الأجسام ، فأمّا الأعراض فإنّها من اختراعات الأجسام ، إمّا طبعا كالنار التي تحدث الإحراق ، والشمس التي تحدث الحرارة والقمر الذي يحدث التلوين. وإمّا اختيارا كالحيوان يحدث الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق (ش ، م ١ ، ٦٦ ، ٥)

ـ الاختيار عند المعتزلة هو صحّة صدور الفعل أو تركه من القادر تبعا لداعيه أو عدم داعيه ، وهو

متساوي النسبة إلى الطرفين عند عدم اعتبار الدّاعي ، وغير متساويها عند اعتبار أحدهما. ومتقدّموهم جوّزوا صدور أحد الطرفين من المختار من غير ترجّح أحدهما على الآخر ، وأوردوا أمثلة الجائع والعطشان والهارب إذا حضرهم رغيفان متساويان ، وقدحان متساويان ، وطريقان متساويان ، فإنّهم يختارون أحدهما من غير ترجّح. والذين لا يجوّزون ذلك يقولون : الرجحان شيء ، والعلم بالرجحان شيء ، ولعلّه يختار أحدهما لوجود الرجحان ، وإن لم يفطن بالرجحان. ومتأخّروهم قالوا بوجوب الرجحان. وقال بعضهم بأنّ الطرف الراجح يكون أولى ولا ينتهي إلى حدّ الوجوب ، وهو اختيار محمود الملاحميّ. وأنكر بعضهم كون الأولويّة كافية ، لمثل ما مرّ في خواص الممكن. وأبو الحسين وأصحابه قالوا : عند الداعي يجب الفعل ، وعند عدمه يمتنع. وذلك لا ينافي الاختيار ، فإنّ تفسير الاختيار هو أن يكون الفعل والترك بالقياس إلى القدرة متساويين ، وبالقياس إلى الداعي وعدمه إمّا واجبا أو ممتنعا. ومن عدم التمييز بين الأمرين في هذه المسألة يحدث الاختلاف الجاري بين القائلين بالإيجاب والاختيار (ط ، م ، ١٦٤ ، ١٢)

ـ الاختيار عند أبي الحسن هو الإرادة. واختار له : أي فعل به خيرا. والمشيّة هي الإرادة (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٦)

ـ استناد الكلّ إلى قضاء الله تعالى وقدره ، إمّا أن يكون بلا توسّط في إيجاد الشيء ، أو يكون بتوسّط. والأوّل لا يقتضيه انتهاء الإرادات إلى إرادته ، والثاني لا يناقض القول بالاختيار ، فإنّ الاختيار هو الإيجاد بتوسّط قدرة وإرادة ، سواء كانت تلك القدرة والإرادة من فعل الله بلا توسّط شيء آخر. فإذن ، من قضاء الله تعالى وقدره وقوع بعض الأفعال ، تابعا لاختيار فاعله ، ولا يندفع هذا إلّا بإقامة البرهان على أنّه لا مؤثّر إلّا الله تعالى (ط ، م ، ١٧٠ ، ٨)

ـ إنّ معنى الاختيار هو استواء الطرفين بالقياس إلى القدرة وحدها ووقوع الطرف الذي يتعلّق به الداعي (ط ، م ، ٢٧٥ ، ١٩)

ـ إذا فرضنا وقوع الفعل من المختار كان وجوب الفعل من جهة فرض الوقوع لا ينافي الاختيار (ط ، م ، ٢٧٥ ، ٢١)

ـ إنّهم يقولون (المعتزلة) : معنى الاختيار هو استواء الطرفين بالنسبة إلى القدرة وحدها ووجوب وقوع أحدهما بحسب الإرادة. فمتى حصل المرجّح وهو الإرادة وجب الفعل ، ومتى لم يحصل امتنع. وذلك غير مناف لاستواء الطرفين بالقياس إلى القدرة وحدها (ط ، م ، ٣٢٦ ، ١٠)

ـ إنّه حال الفعل إن امتنع الترك ، فلا اختيار ؛ وإلّا ، فلا بدّ من مرجّح ، وليس من فعله ، وإلّا عاد البحث ؛ فإن وجب معه فذاك ، وإلّا افتقر إلى مخصّص وقت الفعل (خ ، ل ، ١١١ ، ٢)

اختيار الإرادة

ـ أيضا أنّ شرط كل من فعله اختيار الإرادة ، وكل من فعله الاضطرار أنّه غير مريد لذلك ، فلو كان الله لفعل العبد غير مريد ليكون على ما كان ، يكون مضطرا ؛ ولذلك لا يجوز أن يكون لأحد في فعل غيره إرادة ؛ لما لا يحتمل خروجه على ما يريد ، وسموا ذلك تمنيا ، فعلى ذلك لو توهّم كون شيء لم يرده الله كانت إرادته تخرج مخرج التمني (م ، ح ، ٢٩٣ ، ٤)

اختيار الأفعال

ـ قال (أبو الهذيل) : فأهل الجنّة في الجنّة يتنعمون فيها ويلذون ، والله تعالى المتولي لفعل ذلك النعيم الذي يصل إليهم وهم غير فاعلين له. (قال) ولو كانوا في الجنّة مع صحة عقولهم وأبدانهم يجوز منهم اختيار الأفعال ووقوعها منهم لكانوا مأمورين منهيين. ولو كانوا كذلك لوقعت منهم الطاعة والمعصية ، ولكانت الجنة دار محنة وأمر ونهي ولم تكن دار ثواب وكان سبيلها سبيل الدنيا. وقد جاء الإجماع بأنّ الدنيا دار عمل وأمر ونهي والآخرة دار جزاء وليست بدار أمر ولا نهي ، وهذا الإجماع يوجب ما قلت. فهذه حجة أبي الهذيل في نفيه أن يكون أهل الجنة يفعلون في الحقيقة (خ ، ن ، ٥٦ ، ١٧)

أخذ وترك

ـ أبو هاشم : ويجوز خلوّ العبد من الأخذ والترك. أبو علي والبلخيّ : لا. قلنا : فيلزم في الباري إذ صحّة الفعل ترجع إلى القادريّة لا إلى القدرة ، إذ المستلقي الساكن خال عنهما (م ، ق ، ١١٠ ، ٢٢)

آخر

ـ إنّ جهما كان يزعم أنّ الله يفنى الجنّة والنار وما فيهما ويبقى وحده كما كان وحده ، ويستدل على قوله هذا بقول الله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣) قال : فالأول هو الذي كان ولا شيء معه وكذا (زعم) الآخر هو الذي يبقى وحده لا شيء معه (خ ، ن ، ١٨ ، ١٦)

ـ إنّ الآخر معناه أن يكون بعد فناء الدنيا ، وأنّ الله بعد الخلق (ش ، ق ، ٥٤٢ ، ١١)

ـ زعم" الجهم بن صفوان" إنّ معنى الآخر أنّه لا يزال كائنا موجودا ، ولا شيء سواه ، ولا موجود غيره ، وأن الجنّة والنار تفنيان ويبيد من فيهما ويفنى (ش ، ق ، ٥٤٢ ، ١٤)

ـ زعم بعض المعتزلة أنّ معنى أنّ الله هو الآخر أنّه الباقي (ش ، ق ، ٥٤٣ ، ٦)

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٠)

ـ معنى كونه آخرا أنّه باق ولا يزال وكل شيء من الأشياء يعدم عدما محضا حسب عدمه فيما مضى (أ ، ش ١ ، ٤٧٢ ، ١)

آخرة

ـ إنّ أبا الهذيل كان يزعم أنّ الدنيا دار عمل وأمر ونهي ومحنة واختبار ، والآخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا دار أمر ولا نهي ولا محنة ولا اختبار (خ ، ن ، ٥٦ ، ١٤)

ـ أمّا الإلجاء في الآخرة فهو على وجه لا مضرّة فيه. فكذلك نقول إنّ الآخرة استمرار استحقاق العوض (ق ، غ ١٣ ، ٤٦٣ ، ١٨)

ـ اعتذر الخيّاط عن أبي الهذيل في بدعته هذه بأن قال : إنّ الآخرة دار جزاء ، وليست بدار تكليف ، فلو كان أهل الآخرة مكتسبين لأعمالهم لكانوا مكلّفين ، ولوقع ثوابهم وعقابهم في دار سواها (ب ، ف ، ١٢٥ ، ٥)

ـ زعم (ثمامة) أنّ الآخرة إنّما هي دار ثواب أو عقاب ، وليس فيها لمن مات طفلا ولا لمن لا يعرف الله تعالى بالضرورة طاعة يستحقّون بها ثوابا ، ولا معصية يستحقّون عليها عقابا ؛ فيصيرون حينئذ ترابا ؛ إذ لم يكن لهم حظ في ثواب ولا عقاب (ب ، ف ، ١٧٢ ، ١١)

أخص

ـ الأولويّة لا توجب الوجوب ولا تنافيه ... وإنّما يجب تقديم الأعمّ في الحدود التامّة لا غير ، لأنّ الأعمّ فيها هو الجنس ، وهو يدلّ على شيء مبهم يحصّله الأخصّ الّذي هو الفصل. ومن تقديم الأخصّ على الأعمّ يختلّ الجزء الصّوريّ من الحدّ ، فلا يكون تامّا مشتملا على جميع الأجزاء. أمّا في غير الحدّ التامّ فتقديم الأعرف أولى وليس بواجب (ط ، م ، ١٢ ، ٢)

إخلال بالواجب

ـ إنّ الواجب متى أخلّ بفعله مع السلامة ، فلا بدّ من أن يستحقّ العقاب ؛ كما يستحقّه على العقاب ، فلو ثبت ما قاله لم يخرج المكلّف من أن يكون بمنزلة الممكّن من القبيح في صحّة كونه مستحقّا للعقاب ، وقد صحّ بالدلالة التي نذكرها من بعد أنّ من أخلّ بالواجب يستحقّ الذمّ بالعقاب ، وإن لم يكن فاعلا لتركه. فيجب على قولنا ألّا يخلو المكلّف من صحّة استحقاق العقاب كما لا يخلو من ذلك على قول من يحيل كونه مخلّا بالواجب إلّا بأن يكون فاعلا لتركه (ق ، غ ١١ ، ١٧٠ ، ٥)

أخيار

ـ إنّ كل شيء فعله نوع جعلوه طباعا ، ومن كان فعلين جعلوه أخيارا عن قدرة (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١٤)

آداب

ـ واعلم أنّ الآداب إنّما هي آلات تصلح أن تستعمل في الدين وتستعمل في الدنيا ، وإنّما وضعت الآداب على أصول الطبائع ، وإنّما أصول أمور التدبير في الدين والدنيا واحدة. فما فسدت فيه المعاملة في الدين فسدت فيه المعاملة في الدنيا ، وكل أمر لم يصحّ في معاملات الدنيا لم يصحّ في الدين (ج ، ر ، ٨ ، ١٢)

إدامة التكليف

ـ إنّ اللطف هو الأمر الذي عنده يختار المكلّف ما لولاه لم يكن يختاره ، فلا يصحّ إلّا في المنتظر من الأفعال دون الواقع. فلا يصحّ أن يقال : إنّ إدامة تكليفه لطف فيما تقدّم ، ولا يصحّ أن يقال : إنّه لطف في نفس التوبة ؛ لأنّ الكلام في هل يجب أن يكلّفه التوبة أم لا. فلا يصحّ أن يجعل العلّة في ذلك أنّها لطف ؛ لأنّ كونها لطفا في نفسها لا يصحّ (ق ، غ ١١ ، ٢٥٨ ، ٩)

ـ إنّا وإن أوجبنا انقطاع التكليف فإنّا لا نوقّت ذلك ، ولا يمتنع أن يجب الواجب على الجملة ، وكذلك فلا يمتنع أن يقبح القبيح على هذا الوجه. وقد بيّنا في بعض المسائل أنّه إذا جاز أن يقبح منه ـ تعالى ـ لو خلق حياتين في محلّ واحد (أو مع إحداهما) لا بعينها فغير ممتنع مثله في القبائح وغيرها. فإن صحّ أنّ إدامة التكليف في بعض الأوقات مفسدة قبحت إدامته في تلك الحال ، ولا نريد بذلك أنّ الباقي يقبح ، وإنّما نريد ما يحدث مما لا يتمّ التكليف إلّا به ومعه. فإذا لم يثبت ذلك في التكليف وجب في الجملة قطعه من غير تعيين بوقت. والقديم ـ تعالى ـ هو العالم بما يتفضّل به في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٥١٧ ، ١٢)

إدراك

ـ قول أصحاب الطبائع أنّ الإدراك فعل لمحلّه الذي هو قائم به ، وهم أصحاب" معمّر" (ش ، ق ، ٣٨٢ ، ١٣)

ـ (الإدراك) هو لله دون غيره بإيجاب خلقه للحواسّ ، وليس يجوز منه فعل إلّا كذلك ، وهذا قول" إبراهيم النظّام" (ش ، ق ، ٣٨٢ ، ١٥)

ـ (الإدراك) هو لله لطبيعة يحدثها في الحاسّة مولّدة له ، وهذا قول" محمد بن حرب الصيرفي" وكثير من أهل الإثبات (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ١)

ـ (الإدراك) هو لله يبتدئه ابتداء ويخترعه اختراعا ، إن شاء أن يرفعه والبصر صحيح والفتح واقع والشخص محاذ والضياء متوسّط ، وإن شاء أن يخلقه في الموات فعل ، وهذا قول" صالح قبّة" (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ٣)

ـ الإدراك فعل الله يخترعه ولا يجوز أن يفعله الإنسان ولا يجوز أن يكون البصر صحيحا والضياء متّصلا ولا يفعل الله سبحانه الإدراك ، ولا يجوز أن يجعل الله سبحانه الإدراك مع العمى ولا يجوز أن يفعله مع الموت (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ٦)

ـ قال" ضرّار" : الإدراك كسب للعبد خلق لله (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ١٠)

ـ قال بعض البغداديين : الإدراك فعل للعبد ومحال أن يكون فعلا لله عزوجل (ش ، ق ، ٣٨٣ ، ١١)

ـ إن قيل : فالإدراك الإحاطة. قيل : هذا فاسد في اللسان ، لأنّ العرب لا تفرّق بين قول الرجل : أدركته ببصري ورأيته ببصري ، ولو كان الإدراك الإحاطة لقيل في الحائط إنّه مدرك لأنّه بالدار محيط (ع ، أ ، ١٦ ، ١٠)

ـ الإدراك في الحقيقة شيء غير اللمس واتصال سائر الحواس بالمحسوسات وأماكنها وغيره من ضروب الاتصال (ب ، ت ، ٣٨ ، ٢)

ـ إنّ الإدراك معنى زائد على العلم وعنه يحدث العلم (أ ، م ، ١٨ ، ١)

ـ إنّ الإدراك يختصّ الموجود دون المعدوم (أ ، م ، ١٨ ، ٦)

ـ إنّ الرؤية إدراك للمرئيّ على ما هو به ، كما أنّ العلم تبيّن للمعلوم على ما هو به ، وليس يحصل المعلوم على تلك الصفة لأجل العلم كما ليس يحصل المدرك على تلك الصفة لأجل الإدراك. فإذا كان ما يرى ممّا يستحيل كونه في مكان كان الإدراك له إدراكا له على ما هو به ، لا أنّه يصير بالإدراك أو عنده في مكان. فعلى هذا حكم القديم والمحدث سواء في هذا الباب. وإنّما يحدث الله الإدراك على مجرى العادة عند حدوث معان ومقابلة أشياء لا لأجل تلك المعاني ولا لأجل المقابلة. وليس بمنكر عنده أن يحدث الله تعالى إدراكا لما أحدث سبب موجب ، بل يجري مجرى ما أجرى الله تعالى به العادة من إنبات الزرع عند البذر والولد عند الوطء (أ ، م ، ٨٨ ، ١٧)

ـ كان (الأشعري) يقول في الإدراك إنّ الله تعالى هو المخترع له في الأبصار عند وجود الضياء والمقابلة ، ولو أراد أن يخلقه مع عدم الضياء والمقابلة كان على ذلك قادرا وكان كونه صحيحا. وكان يقول إنّ ذلك نظير إحداثه الإنسان عن النطفة عقيب الوطء والزرع عند البذر عقيب الحرث ، وإنّه قادر أن يبتدئ ذلك ابتداء من غير تقدّم بذر ولا حرث (أ ، م ، ١٣٣ ، ١١)

ـ إنّ الإدراك خلق الله تعالى وليس بكسب للمدرك. وكان ينكر قول من يقول إنّ الله تعالى خالق الإدراك بطبع الجسم وبجبلّة الحيوان (أ ، م ، ٢٦٣ ، ٧)

ـ إنّ الإدراك إذا أطلق يحتمل معاني كثيرة. فقد يذكر ويراد به البلوغ ، يقال : أدرك الغلام أي بلغ الحلم ؛ وقد يذكر ويراد به النضج والإيناع ، يقال : أدرك الثمر إذا أينع ؛ فأما إذا قيّد بالبصر فلا يحتمل إلّا الرؤية على ما ذكرناه ، وصار الحال فيه كالحال في السكون فإنّه إذا قرن بالنفس لا يحتمل إلّا بالعلم ، وإن احتمل بإطلاقه شيئا آخر (ق ، ش ، ٢٣٤ ، ٣)

ـ اعلم أنّ الإدراك لا يتعلّق بالشيء إلّا على ما هو به ، ولذلك صار طريقا للعلم ، ولو لا أنّ ذلك حاله لم يصحّ كونه طريقا له ، كما لا يصحّ لكون ما ليس بدليل طريقا للعلم كالدليل. ولذلك قلنا إنّ الخبر الصدق يصحّ أن يكون طريقا للعلم ، وأنّ الكذب لا يصحّ ذلك فيه (ق ، غ ٤ ، ٧٠ ، ٣)

ـ إنّ الإدراك يتعلّق بالشيء على ما يختصّ به من الصفات لما هو عليه في ذاته (ق ، غ ٤ ، ٨٨ ، ١٦)

ـ إنّ الإدراك إذا قرن بالبصر أفاد ما تفيده رؤية البصر ، وإن كان إذا أطلق فقد يستعمل بمعنى اللحوق ، فيقال : أدرك الغلام إذا بلغ ، وأدركت الثمرة إذا نضجت ، وأدرك فلان فلانا إذا لحقه (ق ، غ ٤ ، ١٤٥ ، ١)

ـ أمّا وصف العلم بأنّه عقل ، فقد بيّنا أنّ الغرض به التشبيه لعقل الناقة من وجهين. وأصل استعماله فيه مجاز ، فلذلك لم يستعمل في جميع العلوم ؛ وكذلك وصف العلم بأنّه إحاطة وإدراك. لأنّ الإنسان وإن كان يقول : أدركت معنى كلامك ، بمعنى علمته وأحطت علما بما ذكرته ؛ فذلك توسّع ، لأنّ حقيقة الإدراك ترجع إلى ما يختصّ به الحي مما يجوز على الساهي والعالم ، والإحاطة تختصّ الأجسام التي يصحّ فيها أن تحتوي على غيرها (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ٤)

ـ إنّ الإدراك ليس من العلم بسبيل ، والعقل يستعمل في بعض الأشياء دون بعض. وقد يحصل العلم في قلب غير العاقل ، ولا يوصف بالعقل. والعقل ، محال أن يدرك الأشياء لأنّه عرض ، والمدرك منّا من حقّه أن يكون جسما حيّا. ولا يصحّ أن يدرك به أيضا ، كما يدرك بالحواس (ق ، غ ١٢ ، ٢١ ، ١٧)

ـ إنّ الإدراك طريق العلم ، إذا كان المدرك عاقلا ، واللبس عن المدرك زائلا. وبيّنا أنّ الإدراك ليس يمتنع ، فيقال : إنّه يولّد العلم ، وأنّه لا يجوز كونه متولّدا عن صحّة العين ، وتقليب الجفن ، وغيره. وأنّ العلم الحاصل للمدرك ، يجب أن يكون من فعله ، تعالى ، ابتداء ؛ وإن كان يفعله ، تعالى ، متى حصل المدرك مدركا (ق ، غ ١٢ ، ٥٩ ، ٣)

ـ قد بيّن شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، في البغداديّات وغيرها ، الكلام في أنّ الإدراك طريق العلم ، والغرض بهذا القول ، وأنّه لا يريد به أنّه يوجب العلم ، أو يصحّح وجوده ؛ وإنّما يريد به أنّ العلم يقوى عليه ، وأنّه لا يجوز ، عنده ، السهو عن المدرك ، مع السلامة ؛ وأنّ انتفاء العلم ، يوجب تناقض حاله. وبيّن أنّه لا يمكن أن يقال : إنّ الحاسّة طريق للإدراك ، فيتوصّل بذلك إلى إثبات معنى له صار مدركا ، وإن وجب كونه مدركا ، ولم يجز خلافه (ق ، غ ١٢ ، ٦٠ ، ٥)

ـ إنّ المدرك يعلم الشيء على الوجه الذي أدركه

عليه. وإنّما يدركه على أخصّ أوصافه في حال الوجود ، لأنّه لا بدّ من أن تحصل له في حال الوجود أوصاف. فالإدراك لا يتناول منها ، إلّا ما يرجع إلى ذاته ، كتخيّر الجوهر ، وكون السواد على ما يختصّ به من الهيئة التي يفارق بها غيره. وقد دللنا على ذلك ، عند ذكرنا تماثل الجواهر في باب نفي التشبيه. وبيّنا أنّ الإدراك لا يتناول الشيء من حيث كان موجودا ، ولا حادثا ، ولا متحرّكا. وبيّنا أنّ الإدراك إذا تناول الشيء على صفة ، فالواجب أن يشيع في كل ما له تلك الصفة ؛ وذلك لا يصحّ إلّا في أخصّ أوصافه. وقد نعلم ، عند الإدراك ، بكون المدرك موجودا ، وإن لم يتعلّق الإدراك به على هذه الصفة. لكن الصفة التي يدرك عليها ، لما لم يصحّ أن يحصل عليها إلّا وهو موجود ، وجب أن نعلمه موجودا (ق ، غ ١٢ ، ٦١ ، ١٥)

ـ متى حدث الشيء عقيب غيره وبحسبه ، وجب كونه مولّدا له. فأمّا ما لا يختصّ بالحدوث ، من الأحوال المتجدّدة ، فإنّ ذلك يستحيل فيها. وبعد ، فإنّ الإدراك لو ثبت معنى ، لم يجب فيه ما ذكرناه. لأنّ العلم لا يقع عنده على طريقة واحدة ، مع ارتفاع الموانع. ألا ترى أنّ الطفل قد يدرك ما لا يعلم ، وقلبه يحتمل العلم؟ وقد يدرك العاقل ما لا يعلمه ، لحصول لبس ، وإن كان القلب محتملا للعلم ، والمنع زائلا. لأنّ اللبس لا يصحّ أن يكون مانعا من وجود العلم بالمدرك (ق ، غ ١٢ ، ٧٨ ، ٤)

ـ إنّ صحّة الإدراك تنبئ عمّا عليه ما به يدرك في ذاته ـ كما أنّ الإدراك إنّما يتعلّق بالشيء ، فإنّه إنّما يتعلّق بما ينبئ عمّا هو عليه في ذاته ـ والاشتراك في الحكم المنبئ عمّا عليه الذات في نفسها يوجب التماثل (ن ، د ، ٥٢٥ ، ١٣)

ـ إنّ الإدراك لا يتعلّق بالشيء. إلّا على ما يقتضيه أخصّ أوصافه (ن ، م ، ٣٠ ، ٧)

ـ إنّ الإدراك طريق إلى معرفة التماثل والاختلاف (ن ، م ، ٣٠ ، ٢٥)

ـ إنّ الإدراك لا يتعلّق بالشيء ، إلّا على ما تقتضيه أخصّ أوصافه ، فلا يجوز أن يحصل لأجل التأليف (ن ، م ، ٥٩ ، ١٢)

ـ زعم (أبو هاشم) أنّ الألم الذي يلحق الإنسان عند المصيبة ، والألم الذي يجده عند شرب الدواء الكريه ، ليس بمعنى أكثر من إدراك ما ينفر عنه الطبع ، والإدراك ليس بمعنى عنده ، ومثله إدراك جواهر أهل النار في النار ، وكذلك اللذات عنده ليست بمعنى ولا هي أكثر من إدراك المشتهي ، والإدراك ليس بمعنى. وقال في الألم الذي يحدث عند الوباء : إنّه معنى كالألم عند الضرب ، واستدلّ على ذلك بأنه واقع تحت الحسّ ، وهذا من عجائبه (ب ، ف ، ١٩٦ ، ١٥)

ـ الإدراك عندنا في اللغة معنى زائد على النظر والرؤية وهو معنى الإحاطة ، ليس هذا المعنى في النظر والرؤية ، فالإدراك منفي عن الله تعالى على كل حال في الدنيا والآخرة (ح ، ف ٣ ، ٣ ، ١)

ـ أمّا الوجود الذاتيّ فهو الوجود الحقيقي الثابت خارج الحسّ والعقل. ولكن يأخذ الحسّ والعقل عنه صورة فيسمّى أخذه إدراكا ، وهذا كوجود السموات والأرض والحيوان والنبات. وهو ظاهر ، بل هو المعروف الذي لا يعرف الأكثرون للوجود معنى سواه (غ ، ف ، ٥٧ ، ١٩)

ـ قال الجبائي : إنّ الحي إذا سلمت نفسه عن

الآفة سمّي سميعا بصيرا ، ولا معنى للإدراك شاهدا وغائبا إلّا ذلك (ش ، ن ، ٣٤٤ ، ٧)

ـ الإدراك عبارة عن كمال يحصل به مزيد كشف على ما يخيّل في النفس من الشيء المعلوم من جهة التعقّل بالبرهان أو الخبر. ولهذا نجد التفرقة بين كون الصورة معلومة للنفس مع قطع النظر عن تعلّق الحاسّة الظاهرة بها ، وبين كونها معلومة مع تعلّق الحاسّة بها ، فإذا هذا الكمال الزائد على ما حصل في النفس بكل واحدة من الحواس هو المسمّى إدراكا كما مضى. وقد بيّنا أنّ هذه الإدراكات فيما مضى ليست بخروج شيء من الآلة الدراّكة إلى الشيء المدرك ، ولا بانطباع صورة المدرك فيها ، وإنّما هو معنى يخلقه الله تعالى في تلك الحاسّة. وقد بيّنا أنّ البنية المخصوصة ليست بشرط له كما مضى ، بل لو خلق الله ذلك المعنى في القلب أو غيره من الأعضاء لقد كنّا نسمّي ذلك مدركا. وإذا جاز أن يخلق الله تعالى في الحاسّة زيادة كشف وبيان بالنسبة إلى ما حصل في النفس ، فلا محالة أنّ العقل لا يحيل أن يخلق الله ـ تعالى ـ للحاسّة زيادة كشف وإيضاح بالنسبة إلى ما حصل في النفس من العلم به ، وأن تسمّى تلك الزيادة من الكشف إدراكا (م ، غ ، ١٦٦ ، ١٠)

ـ كلام أبي الحسن في قوله : إنّ الإدراك نوع مخصوص من العلوم ، لكنّه لا يتعلّق إلّا بالموجودات ، وإذا عرف ذلك فالعقل يجوّز أن يخلق الله ـ تعالى ـ في الحاسّة المبصرة ، بل وفي غيرها ، زيادة كشف بذاته وبصفاته ، على ما حصل منه بالعلم القائم في النفس ، من غير أن يوجب حدوثا ولا نقصا ، وذلك هو الذي سمّاه أهل الحق إدراكا (م ، غ ، ١٦٧ ، ٦)

ـ ليس الإدراك إلّا نوعا من العلوم يخلقه الله ـ تعالى ـ في البصر ، وذلك لا يوجب في تعلّقه بالمدرك مقابلة ولا جهة أصلا (م ، غ ، ١٦٨ ، ٤)

إدراك المعلوم

ـ إرادة الله تعالى لفعله إدراكه بعلمه حكمة الفعل ، وكراهيته إدراكه بعلمه قبح الفعل. والمعلوم عند العقلاء أنّ إدراك المعلوم غير العالم وغير المعلوم ، ولا يلزم من ذلك توطين النفس ، لأنّ التوطين هو النيّة ، ولا يشكّ العقلاء أنّ إدراك المعلوم هو غير النيّة (ق ، س ، ١٠٩ ، ١٢)

إدراكات

ـ الإدراكات خمسة : أحدها البصر المتعلّق بقبيل المرئيّات ، والثاني السمع المتعلّق بالأصوات ، والثالث : الإدراك المتعلّق بالرّوائح ، والرابع : الإدراك المتعلّق بالطعوم ، والخامس : الإدراك المتعلّق بالحرارة والبرودة واللين والخشونة (ج ، ش ، ١٦٢ ، ٥)

أدلة

ـ إنّما الأدلة عنده (هشام الفوطي) الأجسام التي يعرف وجودها حسا ومشاهدة ، لأنّ الله إذا دلّ خلقه على نفسه فقد قطع عذرهم وأزاح عللهم ولا بد في حكمته من أن يعرفهم ما نصب لهم من الأدلة على نفسه. ثم كان يزعم مع هذا القول أنّ الأجسام بألوانها وطعومها وأراييحها وتأليفها وافتراقها وحرّها وبردها ويبسها وبلتها دلائل على الله أنّه خلقها ودبّرها (خ ، ن ، ٤٩ ، ٥)

ـ إن قيل : قولكم إنّ أحدنا محدث لتصرّفه لأنّ تصرّفه يقع بحسب قصده وداعيه باطل بالساهي ، فإنّه محدث وإن لم تقع تصرّفاته بحسب قصده ودواعيه. وجوابنا ، أنّ هذا الذي أوردتموه عكس الدلالة ، والأدلّة لا يعتبر فيها العكس ، وإنّما يعتبر فيها الطرد والمنافضة ، وذلك هو أن يرينا شيئا وقع بحسب قصودنا ودواعينا ثم لم يتعلّق بنا تعلّق الفعل بفاعله ، فإمّا أن يرينا محدثا لم يقع فعله بحسب داعيه ، فإنّ هذا عكس ما دللنا به في المسألة ، وذلك لا يقدح في كلامنا ، لأنّه لا يمتنع في حكمين مثلين أن يكونا معلومين مختلفين. وعلى هذا نعرف حدوث الأجسام بدلالة ، وهو استحالة انفكاكها عن الحوادث ، وحدوث الأعراض بدلالة أخرى وهو جواز العدم عليها. ونحن وإن لم يمكننا أن نعلم بهذه الطريقة أنّ الساهي محدث ، فإنّ ذلك يمكن بطريق أخرى. على أنّ في هذه الدلالة ما هو احتزاز عن الساهي ، لأنّا قلنا هذه التصرّفات تقع بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الأحوال إمّا محقّقا وإمّا مقدّرا ، ومعلوم أنّ تصرّفات الساهي وإن لم تقع بحسب قصده محقّقا ، فقد تقع بحسب قصده مقدّرا ، لأنّا لو قدّرنا أنّ للساهي قصدا ، لكان لا بدّ في تصرّفه من أن يكون واقعا بحسب قصده. ثم الذي يدلّ على أنّه محدث كالعالم ، هو ما قد ثبت أنّ فعله يقع بحسب قدرة يقلّ بقلّتها ويكثر بكثرتها ، وعلى هذا لو كان في منتهى رجله كوز يمكنه أن يحرّكه ، ولو كان بدل الكوز حجر عظيم لم يمكنه نقله ولا تحريكه (ق ، ش ، ٣٤٢ ، ٣)

ـ إنّ الأدلّة هي كالآلات في الأفعال وإذا اختلفت لم تختلف لاختلافها الأفعال ، وعلى هذا نعلم أنّ الناظر في الأجسام ليعرف الله كالناظر في الألوان ليعرف الله ، وعلماهما مثلان لا يختلفان وإن كان الطريق مختلفا ، بل يكون العلم الضروري مثلا للمكتسب مع أنّ الطريق مختلف (ق ، ت ١ ، ١٨٩ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الأدلّة على ضربين : أحدهما يدلّ على ما يدلّ عليه ، لوجه يختصّه لا يتعلّق باختيار الفاعل له وما جرى مجراه. فهذا لا يجوز أن يتغيّر حاله في الدلالة ، وذلك كدلالة الأعراض على حدوث الأجسام ، والفعل بمجرّده على أنّ فاعله قادر ، وبكونه محكما على أنّه عالم. والثاني يدلّ على مدلوله ، لوقوعه على وجه له تعلّق باختيار فاعله ، كدلالة الكلام على ما يدلّ عليه. لأنّ الخبر إنّما يدلّ على المخبر عنه من حيث قصد به الإخبار عمّا هو خبر عنه ، ومن حيث كان فاعله على صفة ولا يدلّ لجنسه. ولذلك قد يوجد على هذا الوجه ، ولا يدلّ ؛ ولا يجوز أن يقع الفعل ، ولا يدلّ على أنّ فاعله قادر. وكل ما دلّ لشيء يرجع إلى اختيار فاعله ، فلا بدّ من اعتبار حاله في كيفية الدلالة ؛ لأن الخبر إذا جاز ، والصنعة واحدة ، أن يقع صدقا وكذبا ، فيجب أن يعلم من حاله فاعله أنه ممن لا يفعل الكذب ، حتى يكون دلالة. لأنّ هذا الخبر نفسه قد يجوز كونه خبرا عن المخبر الذي إذا كان خبرا عنه كان كذبا ، وعن المخبر الذي إذا كان خبرا عنه كان صدقا ، فلا بدّ من أمر به يعلم أنّه بأن يكون صدقا أولى من أن يكون كذبا ، وهو أن يعلم من حال فاعله أنّه لا يختار الكذب (ق ، غ ٨ ، ٢١٥ ، ٧)

ـ اعلم أنّ الأدلّة على ضربين. أحدهما يجعل حصوله شرطا في حسن التكليف. والآخر يقتضي التكليف وجوبه من غير أن يجعل

شرطا. فالذي يجب كونه شرطا هو ما يجب أن يتقدّم حال التكليف ويرد التكليف عليه أو يجامعه. فأمّا ما يفعل حال التكليف فإنّ جعله شرطا في حسن التكليف يقتضي أن يجعل الموجود في الحال شرطا في المعدوم المقتضى ، فيجب إذا أن يقال : إنّه ـ تعالى ـ بالتكليف قد التزم وجوب ذلك ؛ كما التزم وجوب الألطاف والإبانة (ق ، غ ١١ ، ٤٠٩ ، ١٠)

ـ إنّ الأدلّة أجمع إنّما تدلّ على وجوه ثلاثة : أحدها : على طريق الصحّة والوجوب. والآخر : على طريق الدواعي والاختيار. والثالث : على طريق المواضعة والمقاصد (ق ، غ ١٥ ، ١٥٢ ، ٨)

ـ إنّ الأدلّة تنقسم على وجوه : فمنها ـ ما يدلّ على الصحة والوجوب ؛ ومنها ـ ما يدلّ في الدواعي والاختيار ؛ ومنها ـ ما يدلّ بالمواضعة ، والمقاصد. ورتّبنا كل واحد من هذه الوجوه ، في باب المعجزات ، بأن بيّنّا : أنّ المقدّم على ما يدلّ من حيث الصحّة ، وهو الذي يتطرّق به إلى معرفة التوحيد ؛ ثم يتلوه ما يدلّ بالدواعي ؛ وهو الذي يعرف به العدل ؛ ثم يتلوه ما يدلّ بالمواضعة أنّه تعرف النبوّات والشرائع (ق ، غ ١٦ ، ٣٤٩ ، ٨)

ـ الفقهاء يسمّون الأمارات الشرعية ـ كالقياس وخبر الواحد ـ " أدلّة" (ب ، م ، ٦٩٠ ، ٦)

ـ إنّ طرق الأدلّة لا تختلف شاهدا وغائبا (ن ، د ، ٥١٥ ، ١٠)

ـ الأدلّة هي التي يتوصّل بصحيح النظر فيها إلى ما لا يعلم في مستقرّ العادة اضطرارا ، وهي تنقسم إلى العقلي والسمعي. فأمّا العقلي من الأدلّة ، فما دلّ بصفة لازمة هو في نفسه عليها ، لا يتقرّر في العقل تقدير وجوده غير دالّ على مدلوله ؛ كالحادث الدّال بجواز وجوده على مقتض يخصّصه بالوجود الجائز ، وكذلك الإتقان والتخصيص الدّالان على علم المتقن وإرادة المخصّص. والسمعي ، هو الذي يستند إلى خبر صدق أو أمر يجب اتباعه (ج ، ش ، ٢٩ ، ٥)

ـ إنّ الأدلّة تنقسم إلى ما يحتاج فيه إلى تفكّر وتدقيق خارج عن طاقة العامي وقدرته ، وإلى ما هو جليّ سابق إلى الأفهام ببادئ الرأي من أوّل النظر ، بل مشترك كافة الناس في دركه ، فما يدركه كافة الناس بسهولة فهذا لا خطر فيه ، وما يفتقر إلى التدقيق فليس على أحد وسعه. فأدلّة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان ، وأدلّة المتكلّمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس ويستضرّ به الأكثرون ، بل أدلّة القرآن كالماء الذي ينتفع به الصبي الرضيع والرجل القوي ، وسائر الأدلّة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مرّة ويمرضون بها أخرى ولا ينتفع بها الصبيان أصلا (غ ، أ ، ٧١ ، ١٥)

أدلة بالأوصاف

ـ المعتبر فيما نجعله دليلا على الله تعالى هو ما له صفة مخصوصة دون أن نحتاج إلى تعيينه وبيان جنسه. فإنّ المعتبر في باب الأدلّة بالأوصاف لا بالأعيان ، ولعلّك لا تجد في الأصول موضعا لا تقوم الصفة فيه في باب الدلالة موضع التعيين ، وعلى نحو هذا أثبتنا المعنى الذي إذا لم ينفكّ الجسم منه ولم يتقدّمه وجب حدوثه على طريق الوصف لا بالتعيين من حركته وسكون وغيرهما ، بل راعينا ما به نصير في جهة دون أخرى. فكذلك الحال في الدلالة

هاهنا إنّما هو مما يتعذّر على القادرين بقدرة ، فكل ما اتّصف بهذه الصفة فهو دليل عليه تعالى (ق ، ت ١ ، ٢٨ ، ٥)

أدلة سمعية

ـ الأقرب في الأدلّة السمعية أنّها إنّما تدلّ على أحكام غير متقرّرة في العقول ، دون الإباحة ، وأن تكون الإباحة جارية على طريقة العقل ، لا المباحات التي لها مدخل في الإلطاف ، كذبح البهائم ، وما شاكله (ق ، غ ١٧ ، ١٤٤ ، ١٢)

أدلة شرعية

ـ الأدلّة الشرعيّة إمّا اسم أو دليل اسم أو معنى مودع في الاسم (ب ، أ ، ٢٠٥ ، ١٧)

أدلة عقلية

ـ لا فرق من أن يستدلّ بالصفة على حكمها ، الذي ، لو لا وجوبه أو صحّته ، لما صحّ حصول الصفة ، وبين أن يستدلّ بحكم الصفة عليها ؛ لأنّ ، في الوجهين جميعا ، قد حصل التعلّق الذي اعتمدنا عليه. وعلى هذا الوجه نبني جميع الأدلّة العقليّة في التوحيد والعدل ، إذا كانت من هذا القبيل ؛ لأنّا إذا استدللنا على حدوث الجسم بكونه غير متقدّم الحوادث ، فإنّما يصحّ ذلك ؛ لأنّه ، لو لا حدوثه ، لما صحّ في المحدثات أن تكون مقارنة له ، ولما صحّ في الجسم أن يكون غير متقدّم. وإنّما نستدلّ بكونه كائنا في جهة ، مع جواز كونه في غيره ، على الكون ؛ لأنّه ، لولاه ، لما حصل الجوهر. كذلك ، وإن كنّا نشرط فيه من الشرائط ما هو معروف في الكتب ، لما له من المدخل في التأثير والتعلّق به ؛ يبيّن ذلك أنّه ، لو لا حاجته إلى الكون ، لما صحّ ؛ في كونه كائنا ، أن يختصّ بهذه الشرائط (ق ، غ ١٥ ، ١٥٧ ، ٣)

أدلة لا تختلف شاهدا وغائبا

ـ إنّا نعلم ضرورة في الشاهد أنّ أحدنا إذا كان عالما بقبح القبيح ، مستغنيا عنه عالما باستغنائه عنه ، فإنّه لا يختار القبيح البتّة. وإنّما لا يختاره لعلمه بقبح وبغناه عنه ، حتى لو انخرم شرط من هذه الشروط لجاز أن يختاره. وعلى هذا تجد هؤلاء الظلمة يغتصبون أموال الناس ، إمّا لأنّهم لا يعرفون قبح الاغتصاب أو لاعتقادهم أنّهم سيحوجون إليه في المستقبل. يبيّن ما ذكرناه ويوضّحه ، أنّ أحدنا لو خيّر بين الصدق والكذب وكان النفع في أحدهما كالنفع في الآخر ، وقيل له : إن كذبت أعطيناك درهما وإن صدقت أعطيناك درهما ، وهو عالم بقبح الكذب مستغن عنه عالم باستغنائه عنه ، فإنّه قط لا يختار الكذب على الصدق. لا ذلك إلّا لعلمه بقبحه وبغناه عنه. وهذه العلّة بعينها قائمة في حق القديم تعالى فيجب أن لا يختاره البتّة ، لأنّ طرق الأدلّة لا تختلف شاهدا وغائبا (ق ، ش ، ٣٠٣ ، ٥)

إذن الله

ـ قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه : الإذن في كتاب الله على وجهين : علم ، وأمر : قال الله ، عزوجل : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (التغابن : ١١) ، يقول : بعلم الله ، ويقول : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (البقرة : ١٠٢) ، يقول : بعلم الله. وقال : (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ) (الأنبياء : ١٠٩) ، يقول : أعلمتكم ، وقال : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ

وَرَسُولِهِ) (البقرة : ٢٧٩) ، يقول : اعلموا أنّكم إن لم تقلعوا" عن" الربا صرتم حربا لله ولرسوله. والإذن الثاني : إذن أمر ، قال الله ، عزوجل : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (يونس : ١٠٠) ، يقول : بأمر الله ، لو لا أنّ الله أمرها بالإيمان لم تؤمن ولكن جعل في الإنسان العقل ، ثم أمره بالإيمان ، فآمن بإذن الله وأمره (ي ، ر ، ٩٢ ، ٣)

ـ قوله : (بِإِذْنِ اللهِ) (البقرة : ١٠٢) لا يدلّ على أنّ المراد هو الأمر والإرادة ، لأنّ الإذن كما يراد به الأمر والإباحة ، فقد يراد به الإعلام ، ومن ذلك يسمّى" الأذان أذانا" (ق ، م ١ ، ١٠٠ ، ٢)

ـ (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (التغابن : ١١) إلّا بتقديره ومشيئته كأنّه أذن للمصيبة أن تصيبه (ز ، ك ٤ ، ١١٥ ، ١٦)

أراد

ـ أصحاب" أبي موسى المردار" فيما حكى" أبو الهذيل" عن أبي موسى أنّه كان يزعم أنّ الله أراد معاصي العباد بمعنى أنّه خلّى بينهم وبينها ، وكان" أبو موسى" يقول : خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا بخلق (ش ، ق ، ١٩٠ ، ٩)

ـ أصحاب" جعفر بن حرب" يزعمون أنّ الله أراد أن يكون الكفر مخالفا للإيمان وأراد أن يكون قبيحا غير حسن ، والمعنى أنّه حكم أنّ ذلك كذلك (ش ، ق ، ١٩١ ، ٣)

ـ زعم كثير من المجسّمة أنّ البارئ كان قبل أن يخلق الخلق ليس بعالم ولا قادر ولا سميع ولا بصير ولا مريد ثم أراد وإرادته عندهم حركته ، فإذا أراد كون شيء تحرّك فكان الشيء ، لأن معنى أراد تحرّك وليست الحركة غيره ، وكذلك قالوا في قدرته وعلمه وسمعه وبصره أنّها معان وليست غيره وليست بشيء ، لأنّ الشيء هو الجسم (ش ، ق ، ٢١٣ ، ١)

ـ قال" شيطان الطاق" إنّ الله لا يعلم شيئا حتى يؤثّر إثره ويقدّره والتأثير عندهم [التقدير] والتقدير الإرادة ، فإذا أراد الشيء فقد علمه ، وإذا لم يرده فلم يعلمه ، ومعنى أراده عندهم أنه تحرّك حركة هي إرادة ، فإذا تحرّك تلك الحركة علم الشيء وإلّا لم يجز الوصف له بأنه عالم به ، وزعموا أنّه لا يوصف بالعلم بما لا يكون (ش ، ق ، ٢٢٠ ، ٢)

ـ إن قال قائل أنّه يكون معنى أنّ الله تعالى أراد الشيء أنّه فعله وهو مريد له في الحقيقة بمعنى أنّه فاعل له ، قيل له لو جاز هذا لقائله لجاز لزاعم أن يزعم أنّ الله عزوجل قائل للشيء في الحقيقة كن ، ويزعم أنّ معنى ذلك أنّه يكوّنه فيثبت لله تعالى قولا في الحقيقة هو المقول له ، كما زعمتم أنّ لله تعالى إرادة في الحقيقة هي مراده ، ولو جاز لزاعم أن يزعم هذا لجاز لآخر أن يقول أنّ علم الله تعالى بالشيء هو فعله له (ش ، ل ، ١٥ ، ١٩)

ـ إذا كان معنى أنّ الله تعالى أراد فعل الشيء أنّه فعله ، ومعنى أراد حركة الشيء أنّه حرّكه ، فما أنكرتم أن يكون الجماد في الحقيقة مريدا لحركة نفسه بمعنى أنّه متحرّك ، وأن لا يكون للباري تعالى على الجماد مزيّة في الإرادة ، وأن لا يكون له مزيّة على من وقع فعله وهو غير مريد له ، لأنّه قد حصل له معنى فاعل كما حصل للباري تعالى معنى فاعل (ش ، ل ، ١٦ ، ١٧)

ـ يقال للقدريّة : هل يجوز أن يعلّم الله عزوجل

عباده شيئا لا يعلمه؟ فإن قالوا : لا يعلّم الله عباده شيئا إلّا وهو به عالم. قيل لهم : فكذلك لا يقدرهم على شيء إلّا وهو عليه قادر ، فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. فيقال لهم : فإذا أقدرهم على الكفر فهو قادر على أن يخلق الكفر لهم ، وإذا قدر على خلق الكفر لهم فلم أثبتم خلق كفرهم فاسدا متناقضا باطلا ، وقد قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧ والبروج : ١٦) وإذا كان الكفر مما أراد فقد فعله وقدّره (ش ، ب ، ١٣٣ ، ١١)

ـ قد حكي عن جعفر بن حرب ، رحمه‌الله ، أنّه جوّز أن يقال إنّ الله سبحانه أراد أن يكون الكفر مخالفا للإيمان ، وأن يكون قبيحا غير حسن ، بمعنى أنّه حكم بذلك ؛ وأبى سائر أهل العدل هذا الإطلاق ، وأنكروه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦ ، ٢)

ـ إنّ الإنسان قد يريد بإرادة يخلقها الله عزوجل فيه فيكون هو المريد بها دون فاعلها (ب ، أ ، ٨٦ ، ٧)

ـ أجمع أصحابنا على نفوذ مشيئة الله تعالى في مراداته على حسب علمه بها. فما علم منه حدوثه أراد حدوثه خيرا كان أو شرا. وما علم أنّه لا يكون أراد أن لا يكون. وكل ما أراد كونه فهو كائن في الوقت الذي أراد حدوثه فيه على الوجه الذي أراد كونه عليه. وكل ما لم يرد كونه فلا يكون سواء أمر به أو لم يأمر به (ب ، أ ، ١٤٥ ، ١١)

ـ إنّ الله تعالى قد أراد حدوث كل ما علم حدوثه من خير وشر. وقال في التفصيل أنّه أراد حدوث الكفر من الكافر بأن يكون كسبا له قبيحا منه. ولم يقل أراد الكفر والمعصية على الإطلاق من غير تقييد له ، على الوجه الذي ذكرناه. وهذه طريقة شيخنا أبي الحسن رحمه‌الله. ومنهم من قال إذا عبّرنا عن المعاصي والكفر بأنّها حوادث قلنا إنّ الله تعالى أراد حدوثها ولم نقل أراد الكفر والعصيان ، وإن قلنا أراد حدوث هذا الحادث الذي هو كفر أو معصية (ب ، أ ، ١٤٦ ، ٦)

ـ اختلفت القدريّة في هذه المسألة فزعم النظّام والكعبي أنّ الله تعالى ليست له إرادة على الحقيقة. وإذا قيل أنّه أراد شيئا من فعله فمعناه أنّه فعله ، وإذا قيل أنّه أراد شيئا من فعل غيره فمعناه أنّه أمر به (ب ، أ ، ١٤٦ ، ١٦)

ـ زعم البصريون منهم أنّه (الله) مريد بإرادة حادثة لا في محل وقالوا قد يريد ما لا يكون وقد يكره الشيء فيكون ، وزعموا أن المعاصي كلّها على كراهة منه وأنّه قد شاء هداية كل الناس ولم يشأ ضلال أحد (ب ، أ ، ١٤٦ ، ١٨)

ـ (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إنّما شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) إذا دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) (يس : ٨٢) أن يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث : أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٧)

إرادات

ـ زعم (النظّام) أيضا أنّ العلوم والإرادات من جملة حركات القلوب ، وزعم أنّ كل شيء من العالم ليس بحركة فهو جسم وأدخل الألوان والطعوم والأصوات والاستطاعة في جملة الأجسام (ب ، أ ، ٤٦ ، ١١)

ـ قوله (النظّام) إنّ أفعال العباد كلها حركات فحسب. والسكون حركة اعتماد. والعلوم

والإرادات حركات النفس. ولم يرد بهذه الحركة حركة النقلة وإنّما الحركة عنده مبدأ

تغيّر ما ، كما قالت الفلاسفة من إثبات حركات في الكيف ، والكم ، والوضع ، والأين والمتى ... إلى أخواتها (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٦)

إرادة

ـ اختلفوا (المعتزلة) في الإرادة هل هي مختارة أم اختيار ليست بمختارة على مقالتين : فقال قوم : هي مختارة كما أنّها اختيار ، ولم يجيزوا أن تكون مرادة كما أنّها مختارة ، وقال قائلون : هي اختيار وليست بمختارة (ش ، ق ، ٤١٩ ، ١٢)

ـ مسألة الإرادة يمكن أن تلحق بمسألة خلق الأفعال من الوجه الذي لو ثبت خلقها ، والله مختار مريد لما يكون منه ، ثبت القول بالإرادة من الوجه الذي يوصف بالخلق ، وإن لم تثبت تبطل من الوجه الذي أريد بالإرادة في الأفعال دفع الغلبة والسهو ؛ إذ ذلك معنى حقيقة الإرادة في الشاهد ، إلّا أن يراد بالإرادة التمني أو الأمر والدعوى أو الرضا ونحو ذلك مما يجوز أن لا يوصف الله ببعض ذلك في كل شيء وينقض ذلك في شيء البتة (م ، ح ، ٢٨٦ ، ١٠)

ـ إنّ في إيجاب القول بالإرادة في كل شيء إيجاب القول بخلق الأفعال ، مع ما يمكن الاستدلال في هذا بأشياء ليست في الأول ، وإن كان في تحقيق الكلام في هذه تحقيق في الأولى. قال الله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (الأنعام : ١٢٥) إلى قوله : (كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (الأنعام : ١٢٥) ، أخبر أنّه يريد هداية قوم بأفعالهم بهدايته ، وإضلال قوم بجعل قلوبهم ضيّقة حرجة. وقال عزوجل : (مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ) (الأنعام : ٣٩) ، ففرّق بين القوم بالمشيئتين ، فدلّت الآيات على / أنّ الله شاء لكل فريق بما علم أن يكون منهم ، ودلّ على أنّ المشيئة في هاتين الآيتين ليست أمر ولا رضا. وقال تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) ، وقال : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (المائدة : ٤٨) ، وقال : (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنعام : ١٤٩) ، ولا يحتمل أن يكون هذه المشيئة رضا أو أمرا لما قد كانا ، ثبت أنّه أراد به المشيئة التي يكون عندها فعل لا محالة (م ، ح ، ٢٨٦ ، ١٦)

ـ على أنّ القول في الشاهد فيما في الحقيقة إرادة فهي التي تكون وبها الفعل لا محالة عندنا يكون معها ، وعند المعتزلة قبل الفعل بلا فصل ، وما عدا ذلك مما قد يكون الفعل إذا وجد ولا يكون فهو التمني المعروف ، والله يجلّ عن هذا الوصف ، ثبت أنّ إرادته على الوجه الأول ، وأنّه يتحقق الفعل على الوجه الذي أراد به (م ، ح ، ٣٠٥ ، ٨)

ـ إنّ المعتزلة زعمت أنّ الله تعالى كان ولا شيء غيره ، ثم حدثت الإرادة من غير أن كان من الله بحدوثها إرادة أو اختيار منه إليها معنى سوى أن كانت ، فكان بها جميع العالم ؛ إذ من قولهم : إنّ العالم فعل الله ، وإنّه كان باختيار ، وإنّ الاختيار إرادة كقوله : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧) ، فسمّت المعتزلة تلك الحادثة إرادة ، والمجوس فكرة ، وهي واحدة ، بينهما اختلاف في الاسم لا الحقيقة (م ، ح ، ٣١٥ ، ٤)

ـ إنّ الإرادة هي اختيار الفعل ، وإنّما تكون متقدّمة على الفعل (م ، ح ، ٣٢١ ، ٣)

ـ اعلم أنّ المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة

المريد ، والأمر صفة الآخر ، والعلم صفة العالم ، والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٢)

ـ إنّه لو جاز استغناء بعض الحوادث عن محدث لجاز غنى سائرها عن ذلك ؛ فلمّا كان جهة تعلّق الإرادة بفاعل حي قادر هي كونها فعلا حادثا دون كونها إرادة ، ثبت أنّ سائر الحوادث المشاركة للإرادة في وصف الحدوث محتاجة إلى ما تحتاج إليه الإرادة من فاعل حيّ قادر (ب ، ت ، ٥٧ ، ٩)

ـ اعلم : أنّه لا فرق بين الإرادة ، والمشيئة ، والاختيار ، والرضى ، والمحبة (ب ، ن ، ٤٤ ، ٢٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ للإرادة أسماء وأوصاف ، منها القصد والاختيار ، ومنها الرضا والمحبّة ، ومنها الغضب والسخط ، ومنها الرحمة. وكل ذلك ممّا يجري على الله عزوجل ويوصف به. وأمّا ما عداها من الأسماء ، مثل العزم والشهوة وميل النفس وتوقان النفس إلى الشيء ، ومثل الحرص والإشفاق والحسد والغبطة ، فإنّ جميع ذلك ممّا لا توصف به إرادة الله عزوجل ، وإن كان ذلك ممّا يرجع إلى أوصاف إرادتنا (أ ، م ، ٦٩ ، ١٠)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّه لا ينكر أن يريد الإنسان فعل غيره على الحقيقة ، وينكر أن يقدر على فعل غيره ممّا لا يكون في محلّ قدرته ، ويفرّق بين الإرادة والقدرة في ذلك. وبها كان يفرّق بين القول بأنّ الإرادة لا تقتضي وجود المراد معها لأجل الإرادة ، وأنّ القدرة تقتضي وجود المقدور معها لأجل القدرة ، وأنّ ما يوجد من المراد مع الإرادة فلأجل اقتضاء القدرة مقدورها معها لا لأجل الإرادة (أ ، م ، ٧٨ ، ١٤)

ـ سئل في الإرادة وقيل له (للأشعري) " أتقول إنّ الله تعالى أراد الكفر والمعاصي والشرّ والباطل؟ ... إنّا لا نقول ذلك مطلقا بل نقول : أراده أن يكون على ما علم أنّه يكون عليه ، فكما علم أنّه يكون كفرا قبيحا وشرّا وباطلا وغيره به مذموما وعنه مزجورا وعليه معاقبا ، وكذلك أراد أن يكون على ما علم أنّه يكون" (أ ، م ، ٩٨ ، ٨)

ـ إنّ من حكم كل حيّين صحّة اختلافهما في الإرادة ، سواء كانا مريدين بإرادة موجودة لا في محل ، أو لم يكونا كذلك (ق ، ش ، ٢٨٢ ، ١٣)

ـ إنّ الإرادة لا توجب للغير حالا إلّا إذا اختصّت به غاية الاختصاص (ق ، ش ، ٢٩٦ ، ١٢)

ـ الإرادة هو ما يوجب كون الذات مريدا ، والكراهة ما يوجب كونه كارها. والواحد منّا إذا رجع إلى نفسه فصل بين أن يكون على هذه الصفة وبين أن يكون على غيرها من الصفات ، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه (ق ، ش ، ٤٣١ ، ١٣)

ـ الطريق إلى إثبات الإرادة نحو الطريق إلى إثبات الأكوان على ما مرّ في إثبات الأعراض. وتحريرها هاهنا ، هو أنّ الواحد منا حصل مريدا مع جواز أن لا يحصل مريدا والحال واحدة والشرط واحد ، فلا بدّ من أمر ومخصّص له ولمكانه حصل على هذه الصفة ، وإلّا لم يكن بأن يحصل عليها أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلّا وجود معنى وهو الإرادة (ق ، ش ، ٤٣٢ ، ١٧)

ـ إذ قد صحّت هذه الصفة (مريد) لله تعالى ،

فالذي يدلّ على ثباتها له ، هو أنّ في أفعاله تعالى ما وقع على وجه دون وجه ، والفعل لا يقع على وجه دون وجه إلّا لمخصّص هو الإرادة (ق ، ش ، ٤٣٥ ، ١٣)

ـ إنّ الضدّين يصحّ أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضادّ بينهما ، لأنّ إرادة الشيء تابع لصحّة حدوثه ، وصحّة الحدوث ثابتة في كل واحد من الضدّين ، فصحّ أن يعلم الله تعالى ذلك من حال كل واحد منهما ، وإذا صحّ ذلك صحّ أن يريدهما ، وإذا صحّ وجب ، لأنّ صفة الذات إذا صحّت وجبت ، فيجب حصولها (ق ، ش ، ٤٤٣ ، ١٤)

ـ الإرادة لا يصحّ تعلّقها بالنفي ، لأنّها لو تعدّت في التعلّق من وجه الحدوث إلى ما زاد عليه ولا حاصر ، لوجب تعدّيها في التعلّق إلى سائر الوجوه كالاعتقاد ، فتعلّق بالقديم والماضي والباقي ، وقد علم تعذّر ذلك ؛ وأما إرادة أن لا يقوم زيد فهي متعلّقة بضدّ القيام وهو القعود ، ولذلك لا يصحّ أن يريد من الميت أن لا يقوم ، لما لم يتأت منه القعود (ق ، ش ، ٤٤٦ ، ١)

ـ إنّ الإرادة علّة ، ومن حقّ العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص بطريقة الحلول إذا كان ممكنا ، وطريقة الحلول فينا ممكنة ، فمتى لم تحلّنا انقطع اختصاصها بنا ، وإذا انقطع اختصاصها بنا وجب أن تختصّ بالله سبحانه وتعالى ، سيما إذا كان وجودها على حدّ وجود القديم ، وإلّا خرجت عن كونها علّة موجبة واختصّت به دوننا وصارت بإيجاب الحكم له أولى وصار الحال فيها كالحال في جنس من الأجناس المقدورات ؛ إذا ثبت كونه مقدورا ، وثبت أنّه غير مقدور لنا ، فإنّه والحال هذه لا بدّ من أن يكون مقدورا لله تعالى ، وإلّا خرج عن كونه مقدورا ، كذلك في مسألتنا (ق ، ش ، ٤٥٢ ، ٧)

ـ إنّ الإرادة لا تقع مقصودة ، وإنّما تقع تبعا ؛ ألا ترى أنّ الآكل إذا أراد الأكل فإنّ إرادته تابعة للأكل لا أنّها مقصودة ، بل المقصود هو الأكل ثم ما يدعو إليه يدعو إلى إرادته ، فكذلك الحال في غير الأكل (ق ، ش ، ٤٥٣ ، ١٥)

ـ إنّ الإرادة تتعلّق بما المعلوم أنّه يقع وبما المعلوم أنّه لا يقع على سواء (ق ، ش ، ٥١٦ ، ١٠)

ـ إنّ الإرادة إذا تعلّقت بالشيء ، فإنّما تتعلّق به لصحّة حدوثه ، وما المعلوم أنّه لا يقع كما المعلوم أنّه يقع في صحّة الحدوث ، فكيف لا تتعلّق به الإرادة والحال ما قلناه؟ (ق ، ش ، ٥١٦ ، ١٣)

ـ إنّ الإرادة ليست من الشهوة بسبيل. وأمّا الدواعي فقد تستمرّ بأحدنا ويكون فاعلا في حال دون غيرها لكونه مريدا ومختارا ، وهذا كمن بين يديه الطعام وهو عالم بأنّه مهما تناول انتفع به لأنّ هذا هو الذي يدعوه إلى تناوله. ثم يختار أن يتناوله في وقت من هذه الأوقات دون ما عداها وقد يتساوى داعيه إلى أفعال ويختار بعضها دون بعض نحو من هو ملجأ إلى الهرب من السبع ، وهناك طريقان لأنّه يكون ملجأ إلى الهرب من كل واحد من الطريقين ، فداعيه إليهما على سواء ويختار أحدهما دون الآخر. وهكذا الحال إذا كان بين يديه طبق عليه تمر أو كان بين يديه درهمان أو ديناران (ق ، ت ١ ، ٢٦٧ ، ١٣)

ـ الإرادة تؤثّر في المراد ضربا من التأثير إمّا على التحقيق أو التقدير ونعني بهذا أنّه قد يريد فعل الغير ولا يتأتّى منه إيقاعه على وجه ، ولكنه

يقدر أنّه لو كان مقدورا له لصحّ منه أن يوقعه على وجه ، فإذا كانت مؤثّرة على هذا الحدّ فيجب أن لا تتعدّى طريقة الإحداث وأن تجري مجرى القدرة (ق ، ت ١ ، ٢٨٦ ، ١٣)

ـ إنّه قد ثبت في الإرادة أنّها قد تتعلّق بالشيء على وجه التفصيل ، وأنّها لا تتعدّى المراد الواحد ولا الوجه الواحد لمثل ما نقوله في العلم ، وما حلّ هذا المحل من المعاني المتعلّقة فلا يصحّ أن يتعلّق بأزيد من شيء واحد. والقول بأنّها تتعلّق بكون الشيء أن يكون وبضدّه أن لا يكون ، يقتضي تجاوزها في التعلّق للشيء الواحد مفصّلا وهذا باطل (ق ، ت ١ ، ٢٨٦ ، ٢٦)

ـ فأمّا الإرادة فإنّها تقع على سبيل التبع المراد. وكذلك فهي من حيث كانت جهة للفعل تصير كجزء من الفعل ، فلا يحتاج إلى إفراده بإرادة أخرى. وعلى هذا تراعى حالها بحاله ، فمتى كان ملجأ إليه كان ملجأ إليها ، ومتى كان مختارا في المراد فكذلك حاله في الإرادة ، فتراعى حالها في الداعي بحاله (ق ، ت ١ ، ٢٩١ ، ١٠)

ـ إنّ ما يقع على وجه واحد فالإرادة لا تؤثّر في حالها بل تجعلها قبحا ، فنخالف ما تؤثّر الإرادة فيه لأنّها إذا قبحت فلا بدّ من أن يكون المراد قبيحا ، إذ لو لا قبحه لما قبحت ، فلا يبقى مؤثّرة والحال هذه ، والواقع على وجه واحد هو ردّ الوديعة. واختلف" الشيوخ" في ردّها إذا قصد به الاختداع. فقضى" أبو علي" بقبح الردّ وخالفه فيه" أبو هاشم" وهو الذي قال به" أبو الهذيل" ، وقالا إنّ الإرادة تقبح دون المراد وهو الصحيح. وذلك لأنّه قد وقع ردّا للوديعة وليس حال من ردّ الوديعة ، وقصد هذا الوجه المذموم بآكد حالا ممن لم يفعل إرادة له أصلا. ومعلوم أنّه لو لم يفعل الإرادة في ذلك لما أثّر في حال ردّ الوديعة ، فإذا أتى بإرادة قبيحة فيجب أن لا يقبح ، وهذا الخلاف هاهنا كهو في النظر والعلم إذا قصد بهما وجها قبيحا وقد بيّناه في موضعه (ق ، ت ١ ، ٣٠٦ ، ٢٣)

ـ اعلم أنّ للناس في الإرادة مذاهب ثلاثة. إمّا قولنا إنّها يصحّ أن تتقدّم ويصحّ أن تقارن ، وإما قول" الجبرية" إنّها لا بدّ من مقارنتها لقولهم بأنّها موجبة على نحو طريقتهم في القدرة ، وإمّا قول بعض البغداديين" إنّها لا بدّ من تقدّمها مع قولهم بأنّها موجبة ولكنّهم بنوه على أصلهم أنّ العلّة أو السبب يجب تقدّمهما (ق ، ت ١ ، ٣٠٧ ، ٢)

ـ الإرادة تكون مقارنة أو في حكم المقارن لمّا كان تأثيرها في وقوع الفعل على وجه. ولهذا وجبت مقارنة العلم للفعل المحكم (ق ، ت ٢ ، ١٠٥ ، ٤)

ـ أمّا الإرادة فهي موجبة لكون الكلام بها أمرا أو خبرا ، فلو حصلت فيه من جهة غيره وقضينا لها بالتأثير لخرج الكلام من أن يكون خبرا على وجه يتعلّق باختيارنا. فوجب أن تكون الإرادة التي تؤثّر من فعل المريد بها (ق ، ت ٢ ، ١٥٢ ، ٢٢)

ـ الإرادة تتبع المراد ، فما دعاه إلى المراد يدعوه إلى الإرادة ؛ فلذلك لا يصحّ أن يريدهما جميعا (ق ، غ ٤ ، ٢٨٣ ، ١١)

ـ الإرادة تقبح لكونها عبثا ، كإرادة تصرّف الناس على التفضيل ، وكتقديم إرادة القديم تعالى لأفعاله المبتدأة لو قدّمها ، وكإرادة الواحد منّا الإرادة من نفسه في الحال. وقد تقبح لكونها إرادة للقبيح ، أو إرادة لما لا يطاق ، أو إرادة

للفعل ممن تكمل فيه شرائط التكليف. ولذلك لا يحسن منه تعالى أن يريد الفعل من المجانين أو العجزة. وقد تقبح لتعلّقها بحسن لا صفة له زائدة على حسنه ، إذا لم يكن للمريد فيها منفعة. وقد تقبح إرادة ردّ الوديعة على وجه الاختداع. وقد تقبح لأنّها إرادة العقاب بنفسه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٦٢ ، ٤)

ـ إرادة تحسن ، لأنّها متعلّقة بالحسن ، ومع انتفاء وجوه القبح عنها. وكذلك القول في كراهة القبيح (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٣ ، ٩)

ـ الإرادة إنّما تؤثّر في كون الكذب خبرا ، لا في كونه كذبا ، وإنّما يقبح لكونه كذبا ، وليس للإرادة في ذلك حظّ. وإنّما يقع كذلك لكون مخبره على لا ما تناوله الخبر ، فكيف يقال إنّه يقبح بالإرادة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٣ ، ١٦)

ـ إنّ الإرادة التي يكون بها الخبر خبرا قد تكون واحدة ويكون الخبر كذبا تارة وصدقا أخرى ، نحو أن يخبر بقوله : " زيد في الدار" عن زيد بن خالد ، وهو فيها ؛ فلو أخبره عنه وليس هو فيها لكان كذبا ، والإرادة واحدة. فلو كانت هي الموجبة لقبحه لوجب أن لا يصحّ أن توجد بعينها ، وتكون صدقا حسنا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٤ ، ٥)

ـ إنّ الإرادة تقارن الجزء الأول من الخبر ، لأنّها متى وجدت كذلك صحّ أن تتناول جملة الخبر. ولو تأخّرت عن الحرف الأول لم يصحّ أن تتناول جملته ، لأنّ المقتضي لا يصحّ أن يراد ؛ فإذا ثبت ذلك وعلم أنّها تعدم إذا انقضى الحرف الأول ، فكيف تكون علة في قبح جميعه؟ ومن حق العلل أن لا تصحّ أن تؤثّر في المعدوم ، كما لا يصحّ أن تؤثّر وهي معدومة. وإنّما صحّ لنا القول بأنّ كونه كذبا يوجب قبحه ، لأنّ ذلك مما يختصّ به جملة الحروف ، فلا يمتنع أن يقتضي قبح كل واحد منه. والقول في أنّ الصدق لا يحسن للإرادة ، كالقول في أنّ الكذب لا يقبح لها ، فلا وجه لإعادته. وكذلك القول في سائر الأفعال التي للإرادة فيها تأثير (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٤ ، ١٦)

ـ من حقّ الإرادة أن تكون تابعة للمراد ، في أنّ ما تدعو إليه يدعو إليها ، وما تصرف عنه يصرف عنها ، فهي إذن تابعة للمراد. فلا فصل وهذه حالها بين أن يقال إنّها تدعو إلى المراد ، أو يقال إنّ المراد يدعو إليها. وكيف يقال فيها ذلك ، ومن حقّها أن تقارن المراد؟ أو تكون في حكم المقارن له إذا كانت قصدا وإيثارا؟ ومن حق الداعي أن يتقدّم حال الفعل؟ على أنّ التمييز بين ما نفعله ولا نفعله لا يكون بالإرادة ، لأنّها إنّما تختصّ ما نفعله ، والداعي يحصل فيما نفعله ، وما لا نفعله. وكل ذلك يمنع من القول بأن كونه مريدا يدعو إلى الفعل (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٩٤ ، ١٦)

ـ شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله ، يقول إنّ الإرادة إنّما تؤثّر في الخبر إذا كانت من فعل المخبر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢١ ، ٩)

ـ إنّ الإرادة غير الشهوة ، وبمثله يبطل القول بأنّ الكراهة هي نفور الطبع ، ويسقط بذلك قول من يقول إنّه تعالى لا يوصف بإرادة كون ما لا يكون ، لأنّ ذلك شهوة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣٦ ، ١٢)

ـ إنّ الإرادة لا تسمّى قصدا إلّا والمراد موجود. ولا يدلّ ذلك على أنّ القصد سواها (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٦ ، ٦)

ـ أمّا الإرادة إذا تقدّمت الفعل ، وكان عزما لم تسمّ بذلك ، لأنّ معنى إيثار الشيء على ضدّه بها لم يقع. فأمّا إرادة المسبّب إذا قارن السبب

أو إرادة جملة من الفعل تقتضي وقوعها على وجه ، فقد يسمّى اختيارا ، لأنّ المسبّب قد صار في حكم الواقع بوجود مسبّبه ، فما قارنه من إرادة المسبب نفسه ، وجملة الخبر قد صار فيما تؤثّر فيه الإرادة كالشيء الواحد ، فما قارن أوّله كأنّه مقارن لجميعه. وإنّما قلنا إنّه الإرادة لأنّه لا يكون مريدا للفعل في حال إلّا وهو مختار له ، ولا يكون مختارا له إلّا وهو مريد. فقد صحّ أنّ أحدهما هو الآخر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٧ ، ١٠)

ـ أمّا تسميتها (الإرادة) خلقا عند شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله فلأنّها مجامعة للمراد ، أو في حكم المجامعة له. وإن كان شيخنا أبو علي رحمه‌الله لا يسمّيها خلقا ، ويجعل الخلق عبارة عن المخلوق ، كما يقولانه في الفعل والمفعول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٩ ، ١)

ـ في أنّ الإرادة والكراهة إنّما تتعلّقان بالشيء على طريق الحدوث. اعلم أنّ من حقّهما أن يراعي في صحّة وجودهما حال الحيّ ، فمتى اعتقد صحّة حدوث الشيء جاز أن يريده ويكرهه ، ومتى اعتقد استحالة حدوثه امتنع ذلك عليه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦٨ ، ٢)

ـ قال شيخنا أبو هاشم : إنّ الإرادة التي بها يكون الخبر خبرا ، هي إرادة لا مراد لها ، وصحّح القول فيه. وقال في موضع آخر : إنّها متعلّقة به ؛ وهذا أولى ، لأنّ هذه الإرادة تؤثّر في الخبر ، وينفصل بها مما ليس بخبر ، فلو لم تكن متعلّقة به ، لم يصحّ هذا الوجه فيها (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٧٨ ، ١٣)

ـ إنّ الإرادة لا توجب الفعل. الذي يدلّ على أنّها لا توجب الفعل ، أنّها لو أوجبته ، لأوجبت كل ما تعلّقت به ، لأنّها ليست بأن توجب بعض ما تعلّقت به أولى من بعض ، لتعلّقها بالكل على طريقة واحدة. وهذه القضية واجبة في الأسباب ، لأنّها إذا تعلّقت بأشياء في الوجه الذي تولّده على أمر واحد ، لم تكن بأن توجب بعضه أولى من بعض ، على ما نقوله في الاعتماد ، وغيره من الأسباب (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٤ ، ٢)

ـ إنّ الإرادة قد تتقدّم المراد وقد تقارنه. إنّما قلنا : إنّها قد تقارن المراد ، لأنّ ما له يفعل المراد ، له يفعل الإرادة. ولذلك ما ألجأ إلى المراد ، ألجأ إلى الإرادة ، وما صرف عن المراد صرف عنها. فإذا صحّ ذلك فيجب أن تكون الحال التي فعل لها المراد ، فيها تفعل الإرادة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٩ ، ٢)

ـ كل فعل صار بالإرادة على حال مخصوصة ، فتلك الإرادة التي صار بها على تلك الحال ، لا تتعلّق بأن تكون على تلك الحال. وإنّما تتعلّق به على وجه آخر ، فتصير على تلك الحال. ألا ترى أنّ الإرادة التي بها يصير الخبر خبرا هي إرادة الإخبار به عمّا هو خبر عنه ، لا أنّه يريد أن يكون خبرا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٦ ، ٥)

ـ مما تؤثّر الإرادة فيه كلّه يتساوى في أنّه لا يحسن أو يقبح بالإرادة ، وإنّما يقتضي كونه على حال ؛ ثم يراعي الوجه الذي حصل عليه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٩ ، ١٧)

ـ إنّا إنّما أوجبنا كونه (تعالى) مريدا ، من حيث وقع منه الخبر على وجه دون وجه ، فأوجبنا كونه مريدا ، ليكون ما فعله خبرا. والإرادة تتعلّق بالمراد لجنسها ، ولا يصحّ وجودها إلّا كذلك ، فيجب أن لا تحتاج في كونها كذلك إلى كون فاعلها تعالى مريدا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٨ ، ١١)

ـ قد بيّنا أنّ الفعل إذا فعله لغرض يخصّه من غير أن يكون تابعا لغيره ، فلا بدّ من أن يكون مريدا له ، والإرادة إنّما تفعل لأجل مرادها ، ولما له يفعل المراد ، وعلى طريق التبع له. فلذلك لم يجب أن يريدها ، لأنّ تعلّقها بالمراد قد أغنى في كونها حكمة عن كونه مريدا لها. يبيّن ذلك أنّ الواحد منّا ، وإن وجب أن يريد أفعاله ، فلا يجب أن يريد إرادته ، وإن كان عالما بها كعلمه بالمراد ، من حيث كان يفعلها تبعا لمرادها ، ويفعل المراد لأمر يخصّه. فيجب أن يكون حكم القديم تعالى في ذلك كحكمنا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٩ ، ١٤)

ـ مريد قد يريد ما لا يكون ، كما يريد ما يكون ، لأنّ الإرادة جنس الفعل ، ولا يراعى في كونها إرادة تكوّن مرادها وحدوثه لا محالة. فلا فصل بين أن تتعلّق بما نعلم أنّه لا يحدث ، أو بما نعلم أنّه يحدث. وهي في هذا الوجه بمنزلة الاعتقاد الذي هو جنس الفعل ، وهي مخالفة للعلم. ولذلك يعلم أحدنا من نفسه أنّه مريد للشيء ، مع شكّه في حال مراده هل يكون أم لا يكون ، ولا يفصل بين حاله إذا أراد ما يكون وبين حاله إذا أراد ما لا يكون. ولذلك قد يريد من غيره الشيء ، ثم يستخبره عنه هل وجد أم لا؟ ولا يصحّ ذلك في العلم ؛ وذلك يبيّن الفرق بين الأمرين (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٥ ، ١٢)

ـ إنّ الإرادة لا تتعلّق بالشيء إلّا على طريقة الحدوث (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٦ ، ٤)

ـ إنّ الإرادة التي بها يصير مريدا توجد لا في محل ، وكذلك الكراهة ؛ فإذن لا يصحّ وجودهما إلّا من جهته. وهذا يصحّح ما يقوله الشيوخ رحمهم‌الله أنّ الإرادة فعل من أفعاله ، وأنّها من صفات الفعل ، لأنّهم يقصدون بذلك هذا الوجه. ولا يجوز أن يكون مرادهم في ذلك كمرادهم بقولهم إنّ كونه محسنا وصادقا من صفات الفعل. لأنّا قد دللنا على أنّ المريد لم يكن مريدا لأنّه فعل الإرادة فقط ، لأنّه لو فعلها في غيره لكان ذلك هو المريد بها دونه ، فإذا فعل الصدق والإحسان في غيره ، فهو الموصوف بهما دون من فعلا فيه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٤٧ ، ٣)

ـ إنّ الإرادة ... لا تتعلّق بأن لا يكون الشيء (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٩٧ ، ٩)

ـ إنّ الإرادة لا توجب لمحلها حكما ؛ لأنّ حكم محلّها وسائر أجزاء المريد حكم واحد ، وإنّما توجب الحكم للحيّ وتتعاقب هي وضدّها عليه ، ولذلك يستحيل وجود إرادة الشيء وكراهته على وجه واحد في جزءين من قلب الحيّ ، كاستحالتهما في جزء واحد ، وتتعلّق بالمراد بجنسها. ووجودها لا في محل يؤثّر في تعلّقها بالمراد ، ولا في إيجابها كون الحيّ مريدا بها. فقد صحّ أنّ كل حكم يجب عنها لجنسها ، أو لما هي عليه في الجنس ، يحصل لها وهي لا في محل ، كحصوله لها وهي في المحل ، وتضادّها لا في محل كتضادّها في المحل. فيجب ألا يمتنع وجودها لا في محل لهذا الوجه (ق ، غ ٧ ، ٢٩ ، ٢٠)

ـ إنّ الإرادة تتعلّق بالحدوث ، وما يتبع الحدوث من الأحكام ؛ فلذلك صحّ فيها هذا الوجه ، وشاركت العلم في هذا الوجه الواحد. ولا يجب أن لا تتعلّق بالشيء إلّا من الوجه الذي يقدر عليه أو يحدث منه ، حتى يجب إذا لم ترده على أحد الوجهين أن يكون معدوما. وكيف يجب ذلك ، وقد يخرج الشيء إلى الوجود وإن لم يرده القادر ، وأن يبقى معدوما وإن أراده؟

فمفارقته فيه للقدرة ، بيّن (ق ، غ ٨ ، ١٠٥ ، ٧)

ـ إنّ الإرادة إنّما تختصّ بالمريد من حيث توجب له حالا ، لا من حيث فعلها (ق ، غ ٨ ، ١٣٨ ، ١٢)

ـ إنّ إثبات أفعال الجوارح فعلا له (للعبد) ، أقوى من إثبات ذلك في الإرادة ، وذلك لأنّا إنّما نبيّنها فعلا له لكونها تابعة للمراد في أن ما يدعو إليه يدعو إلى فعلها ، وما صرف عن المراد صرف عن فعلها ، فلو لم يكن المراد فعلا للإنسان ، لم يصحّ إثبات الإرادة فعلا له ، من حيث كان طريق ثبوتها فعلا له كالتابع لطريق ثبوت المراد فعلا له ، على أنّا قد بيّنا أنّ الإرادة لا يصحّ أن تكون موجبة من قبل ، بأنّها لو كانت موجبة لم يصحّ أن توجب المراد على الوجه الذي يوجد عليه ، فإذا صحّ ذلك ، فلولا أن الإنسان قادر على أفعال الجوارح لم يجب وقوعها بحسب قصده ، كما لا يجب وقوع تصرّف زيد بحسب قصد عمرو ، وفي وجودنا الأمر بخلاف ذلك دلالة على أنّ المرادات مقدورة للإنسان ، وأنّه فاعلها كما أنه فاعل الإرادة (ق ، غ ٩ ، ١٥ ، ٢٠)

ـ الإرادة لا توجب المراد ولا يولّدها ، ... ، فيجب القضاء بهذه الجملة على أنّ الإرادة لا تكون سببا ولا يكون غيرها سببا لها ، فكذلك الكراهة ، والقول في الكراهة أبين ، لأنّها تصرّف عن فعل المكروه ويجب عند حصولها أن لا يوجد ، وهذا بالضدّ مما يقتضيه التوليد ، إلا أن يقال إنّها إذا صرفت من شيء ولدت تركه وضدّه ، وقد دلّ الدليل على خلافه (ق ، غ ٩ ، ١٣٢ ، ١٩)

ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٣)

ـ إنّ الإرادة تتناول الشيء على طريقة الحدوث ، وأنّ كل ما صحّ عند المريد حدوثه أو حدوثه على بعض الوجوه يصحّ أن يريده. وبيّنا ذلك بأنّ ما اعتقد الواحد منّا استحالة حدوثه لا يجوز أن يريده ، ومتى اعتقد صحّة حدوثه صحّ أن يريده على طريقة واحدة. فيجب لهذا الأصل صحّة إرادة الواحد منّا من غيره إحداث الفعل ، كان المعلوم أن يفعله ، أو لا يختار فعله (ق ، غ ١١ ، ١٥٩ ، ٤)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فلا يصحّ أن يتعلّق بحدوث الشيء إلّا ويجب أن يحدث ، وإلّا انقلب جهلا. وليس كذلك حال الإرادة ؛ لأنّها تتناول حدوث الشيء ولا تتعلّق به على ما هو به. وهي في بابها بمنزلة الاعتقاد الذي قد يتعلّق بالشيء على ما هو به وعلى ما ليس به ؛ لأنّها لا تكون إرادة بأن تقع على وجه مخصوص ، فهي جنس الفعل كالاعتقاد فحملها عليه أولى من حملها على العلم (ق ، غ ١١ ، ١٥٩ ، ١٢)

ـ إنّ ما يعلم استحالة حدوثه أو يعتقد ذلك فيه لا يصحّ أن يريده هذا العالم ؛ لأنّ الإرادة في الصحّة أو الامتناع تتبع الاعتقاد ، فأمّا إذا علم صحّة حدوثه فيجب أن تصحّ منه إرادته ، وإن علم أنّه لا يختار ذلك لبعض الأغراض والدواعي (ق ، غ ١١ ، ١٦٣ ، ٧)

ـ إن قيل : وكيف اشترطتم في صحّة إرادة الشيء أن يكون المريد عالما بأنّه يصحّ أن يحدث وقد قال أبو هاشم رحمه‌الله : يصحّ ممّن اعتقد في الباقي أنّه يحدث ـ حالا بعد حال ـ أن يريده

وإن كان في نفسه يستحيل حدوثه. قيل له : إنّه رحمه‌الله قد قال ذلك في الجامع الصغير ، لكنّ الصحيح عندنا أنّ الإرادة تحتاج في تعلّقها بالشيء إلى أن يكون في نفسه مما يصحّ حدوثه ، فأمّا في وجودها غير متعلّقة فإنّها تتعلّق بكون المريد معتقدا لحدوث الشيء فقط. ولذلك قال شيوخنا رحمهم‌الله : لو اعتقد الواحد أنّ الجسم يبقى ببقاء يحدث حالا بعد حال لصحّ أن يريد ذلك ، ولا تكون الإرادة متعلّقة بشيء ، بل تكون إرادة لا مراد لها ، ولا فرق بين ذلك وبين أن يعتقد في الباقي أن يحدث حالا بعد حال أن يريده وإن كان في نفسه يستحيل حدوثه ؛ لأنّ الحدوث شرط في تعلّقها. فمتى لم يكن الشيء مما يصحّ الحدوث فيه يجب ألا يتعلّق ، كان الشيء معلوما في الأصل أو لم يكن. ولو صحّ ما قاله رحمه‌الله لم يطعن ذلك فيما نريد إثباته : من أنّ العالم بأنّ الشيء لا يختاره القادر عليه قد يصحّ أن يريده إذا علم أنّ اختياره ممكن (ق ، غ ١١ ، ١٦٣ ، ٢٠)

ـ إنّ الأمر لا يفيد إلّا أحد أمرين. إمّا أن يستدلّ به على حال الفعل ، فمتى وجد الفعل أو فات وقته لم يصحّ حصول هذه الفائدة ، أو يفيد كونه لطفا في المراد والمأمور ، وذلك لا يصحّ متى وجد أو تقضي وقته ؛ لأنّ اللطف هو ما يدعو إلى الفعل ويقتضي اختيار الفعل عند المعرفة بحاله ، فإذا لم يصحّ من المكلّف إيجاد الفعل لم يكن لذلك معنى. فقد صحّ أنّ الأمر والإرادة يجب تقدّمهما الفعل لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٣٠١ ، ١٦)

ـ إنّ الإرادة تتناول الشيء على طريق الحدوث من فعله وفعل غيره ؛ لكنّها لا تحسن إلّا إذا تقدّمت إذا كانت تكليفا أو لطفا ، على ما بيّنّاه. فأمّا إن علم ـ تعالى ـ أنه متى أراد من المكلّف الفعل في حاله ، وعرف المكلّف كونه ـ تعالى ـ مريدا لذلك دعاه أو دعا غيره إلى أن يقوم بالطاعات في المستقبل فإنّها تحسن لكونها لطفا في غير مرادها. فأمّا إذا كانت لطفا في مرادها أو دلالة على حال الفعل فتقدّمها واجب (ق ، غ ١١ ، ٣٠١ ، ١٩)

ـ إنّ من قوله (الجاحظ) ، رحمه‌الله : إنّ الإرادة تقع من القادر لا بالطبع. وقد علمنا أنّ الدواعي إذا قويت في المراد ، فلا بدّ من أن تقوى في الإرادة ، لأنّ الدعي إلى المراد هو الذي يدعو إلى الإرادة ؛ فكيف يصحّ ، إذا أراد النظر ، أن تقع طباعا ، وإرادته اختيارا ، مع أنّ الداعي إليهما واحد (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٦ ، ١٠)

ـ إنّ الإرادة لا تتناول الأشخاص ، وإنّما تتناول الأفعال (ق ، غ ١٧ ، ٢١ ، ٣)

ـ الإرادة عندنا لا تأثير لها في إيجاد الذات ، ولا في أن تحصل على صفة من الصفات ، بل هي تابعة للداعي فلا تجب ، كإرادة حصول الضدّين أن يحصلا معا (ن ، د ، ٢١٨ ، ١)

ـ إنّ الإرادة لا يمكن فعلها إلّا مباشرا ، والقادر بقدرة لا يمكن بها أن يفعل ما قدّمنا إلّا بمحل القدرة عليه. فلهذا الوجه لا يصحّ من أحدنا أن يفعل إلّا في محل ، حتى إنّ أحدنا لو كان قادرا على الاختراع ، بأن يكون قادرا لنفسه ، لكان يصحّ منه أن يفعل هذه الإرادة لا في محل ، كما كان يصحّ من القديم تعالى. ولو كان القديم تعالى قادرا بقدرة لكان لا يمكنه أن يفعل لا في محل (ن ، د ، ٣٨٥ ، ٢)

ـ إن قيل : فلم لا يجوز أن يقال إن السبب وإن لم يختصّ بجهة فإنّه يولّد في بعض الجهات دون

بعض ، كما تقولون في الإرادة إنّ حالها مع سائر المرادات على سواء ومع ذلك فإنّها تتعلّق ببعض المرادات دون بعض. فالجواب : فرّق بينهما ، وذلك لأنّ الإرادة تتعلّق بما تتعلّق لما هي عليه في ذاتها وما هي عليه في ذاتها يقتضي التعلّق بهذا المراد دون غيره من المرادات. ولا يمكن أن يقال في السبب إنّه لما هو عليه في ذاته يولّد في بعض الجهات دون بعض. فإذا لم يكن له اختصاص لأمر يرجع إليه لم يكن بأن يولّد في بعض الجهات أولى من أن يولّد في غيرها إلّا بتخصيص ، وليس هاهنا مخصّص ، فكان يجب أن يولّد في الجميع أو يمتنع من التوليد (ن ، د ، ٣٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ الإرادة يمكن الفعل بها في جعل الكلام أمرا وخبرا أو إيقاع الفعل على وجه دون وجه ، على أي وجه كان ، من دون استعمال محلّها في الفعل أصلا (ن ، د ، ٤٥٠ ، ٩)

ـ إن قيل : فالعلم والإرادة إذا لم يجب في الفعل بهما استعمال محلّهما ، فلما ذا وجب احتياجهما إلى المحل؟ قيل له : إنّما وجب احتياجهما إلى المحل لأنّهما علّتان ، فلا بدّ من اختصاصهما بالواحد منّا ، لأنّ من حق العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص ، وغاية الاختصاص في الواحد منّا إنّما تكون بطريقة الحلول ، فلذلك وجب حلولهما في بعض من أبعاض الواحد (ن ، د ، ٤٥١ ، ٦)

ـ الإرادة ، فإنّا قد بيّنا أنّها تحتاج إلى المحل لأجل الاختصاص فقط ، إذ قد بيّنا أنّه يمكن الفعل بها من دون استعمال المحل حتى بطل هذا الحكم على كونها إرادة ، بل لا يمكن أن يعلّل وجود الإرادة في المحل واحتياجها إليه بكونها إرادة أصلا يلزمنا لا يتأتّى فيه التعليل (ن ، د ، ٤٥١ ، ١٨)

ـ ذهب شيوخنا إلى أنّ الإرادة لا يجوز أن تكون موجبة للمراد (ن ، م ، ٣٥٧ ، ١١)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ الإرادة موجبة ، وليست بمولّدة له (للمراد). وذكر أنّ كل متولّد موجب ، وليس كل موجب متولّد (ن ، م ، ٣٥٧ ، ١٢)

ـ إن قيل : ما أنكرتم أنّ الإرادة إنّما توجب المراد إذا كان المريد قادرا عليه ، فأمّا إذا لم يكن قادرا عليه فإنّها لا توجب. قيل له : إنّ القادر على السبب يجب أن يكون قادرا على المسبّب ، ولو لا ذلك لكان لا يمتنع أن يكون أحدنا قادرا على الضرب ولا يقدر على الألم ، وأن يكون قادرا على العلم (ن ، م ، ٣٥٨ ، ٦)

ـ مما يدلّ على أنّ الإرادة لا يجوز أن تكون سببا لوقوع المراد ، أنّها لو كانت سببا لذلك ، لوجب أن يصحّ من المريض المدنف أن يفعل المشي بأن يريد ذلك. وقد بيّنا أنّ القادر على السبب يجب أن يكون قادرا على المسبّب ، وأنّ القدرة على السبب والمسبّب واحدة ، فيجب على هذا الموضوع أن يصحّ من المدنف العليل أن يفعل أفعال الجوارح بقدر قلبه (ن ، م ، ٣٥٩ ، ١١)

ـ وجب أن يوجد المراد عند وجود الإرادة وسلامة الأحوال ، لا لأنّ الإرادة موجبة ، بل لأنّ ما يدعو إلى المراد يدعو إلى الإرادة. وما يدعو إلى المراد ، والحال حال سلامة ، يقتضي وجوب وقوع المراد. فلذلك وجب وقوعه ، لا لأنّ الإرادة موجبة. وبعد ، فإنّه يلزم أن يكون الداعي موجبا ، لأنّ مع قوته وسلامة الأحوال يجب أن يقع ما يدعوه الداعي إليه (ن ، م ، ٣٦٠ ، ٢٠)

ـ إنّ الإرادة تتعلّق بفعل المريد وبفعل غيره (ن ، م ، ٣٦١ ، ٧)

ـ ذكر أبو القاسم أنّ الإرادة تكون متقدّمة للمراد ، ولا يجوز أن تكون مقارنة (ن ، م ، ٣٦١ ، ٢٣)

ـ ذكر شيوخنا أنّ الإرادة على ضربين : أحدهما يؤثّر في وقوع المراد على وجه ، والآخر لا يؤثّر فيه. فما يؤثّر في وقوع المراد على وجه دون وجه ، يجب أن تكون مقارنة له ، أو لأول جزء من أجزائه. وما لا يؤثّر فيه ، فإن كان مما يفعله لأمر يرجع إلى أنّ الداعي إلى المراد يدعو إلى الإرادة ، فيجب أيضا أن تقارنه لأنّها مع المراد كالشيء ، وإن لم تكن كذلك فإنّه يجوز أن تتقدّم ويجوز أن تقارن (ن ، م ، ٣٦٢ ، ١)

ـ قالوا إنّ الإرادة إنّما تتعلّق بأن يحدث الشيء ، فإذا حدث لم يجز أن يراد ، كما أنّه إذا حدث لم يجز أن تتعلّق القدرة به. الجواب : يقال لهم أنّ الإرادة إنّما وجبت هذه القضية فيها ، لأنّ الفعل بها يخرج من العدم إلى الوجود ، وإذا وجد استغنى عن القدرة ، كما عرفنا أنّه إذا بقي استغنى عن القدرة. وليس كذلك الإرادة ، لأنّ الفعل لا يوجد بها كما يوجد بالقدرة ، وإنّما يقع الفعل بها على وجه ، فلذلك فارقت القدرة. وقد بيّنا أن ما يكون هكذا سبيله ، فإنه يجري مجرى جهات الحسن والقبح والوجوب (ن ، م ، ٣٦٣ ، ٣)

ـ يدلّ أيضا على أنّ الإرادة يجوز أن تراد ، أنّ المراد إنّما يصحّ أن يراد لاعتقاد صحّة حدوثه. وهذا بعينه قائم في الإرادة ، لأنّه يصحّ حدوثها ، فيجب أن يصحّ أن تراد (ن ، م ، ٣٦٤ ، ١٠)

ـ عنده (أبو القاسم) لا يصحّ أن يفعل أحدنا الفعل من غير أن يريده ، لأجل أنّ الإرادة موجبة لذلك المراد ، ولا يمكنه أن يفعل ذلك إلّا بسبب (ن ، م ، ٣٦٧ ، ١٤)

ـ زعموا (الكعبي والنظام) أنّه ليست لله تعالى إرادة على الحقيقة ، وزعموا أنّه إذا قيل" إنّ الله عزوجل أراد شيئا من فعله" فمعناه أنّه فعله ، وإذا قيل" إنّه أراد من عنده فعلا" أنّه أمر به ، وقالوا : إنّ وصفه بالإرادة في الوجهين جميعا مجاز ، كما أنّ وصف الجدار بالإرادة في قول الله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) (الكهف : ٧٧) مجاز ، وقد أكفرهم البصريون مع أصحابنا في نفيهم إرادة الله عزوجل (ب ، ف ، ١٨٢ ، ١)

ـ فوجدنا بالضرورة الفعل لا يقع باختيار إلّا من صحيح الجوارح التي يكون بها ذلك الفعل ، فصحّ يقينا أنّ سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة ، ثم نظرنا سالم الجوارح لا يفعل مختارا إلّا حتى يستضيف إلى ذلك إرادة الفعل ، فعلمنا أنّ الإرادة أيضا محرّكة للاستطاعة ، ولا نقول أنّ الإرادة استطاعة ، لأنّ كل عاجز عن الحركة فهو مريد لها وهو غير مستطيع (ح ، ف ٣ ، ٢٩ ، ١٦)

ـ إنّ الإرادة ، ليست إلّا عبارة عن صفة ، شأنها تمييز الشيء عن مثله (غ ، ق ، ١٠٦ ، ١٤)

ـ نقل عنه (الجاحظ) أيضا أنّه أنكر أصل الإرادة وكونها جنسا من الأعراض فقال : إذا انتفى السهو عن الفاعل ، وكان عالما بما يفعله فهو المريد على التحقيق ، وأمّا الإرادة المتعلّقة بفعل الغير فهو ميل النفس إليه ، وزاد على ذلك بإثبات الطبائع للأجسام كما قال الطبيعيون من الفلاسفة وأثبت لها أفعالا مخصوصة بها ، وقال باستحالة عدم الجواهر ؛ فالأعراض تتبدّل ، والجواهر لا يجوز أن تفنى (ش ،

م ١ ، ٧٥ ، ٨)

ـ يحصل بالعلم الإحكام والإتقان. ويحصل بالقدرة الوقوع والحدوث. ويحصل بالإرادة التخصيص بوقت دون وقت ، وقدر دون قدر ، وشكل دون شكل (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٦)

ـ التقدير عنده (شيطان الطاق) الإرادة ، والإرادة فعله تعالى (ش ، م ١ ، ١٨٦ ، ٢٠)

ـ الإرادة عامّة التعلّق بمعنى أنّها صفة صالحة لتخصيص ما يجوز أن يخصّص به ، والمرادات لا تتناهى على معنى أنّ وجوه الجواز في التخصيصات غير متناهية ، ولها خصوص تعلّق من حيث أنّها توجد وتوقع ما علم وأراد وجوده ، فإنّ خلاف المعلوم محال وقوعه (ش ، ن ، ٤١ ، ٤)

ـ الإرادة لا تخصّص بالوجود إلّا حقيقة ما علم وجوده (ش ، ن ، ٤١ ، ١٠)

ـ ذهب الجاحظ إلى إنكار أصل الإرادة شاهدا وغائبا وقال ، مهما انتفى السهو عن الفاعل وكان عالما بما يفعله فهو مريد ، وإذا مالت نفسه إلى فعل الغير سمّي ذلك الميلان إرادة ، وإلّا فليست هي جنسا من الأعراض (ش ، ن ، ٢٣٩ ، ٢)

ـ القدماء منهم (المعتزلة) قالوا إنّ الإرادة الحادثة توجب المراد ، وخصّصوا الإيجاب بالقصد إلى إنشاء الفعل لنفسه ، أمّا العزم في حقّنا وإرادة فعل الغير فإنّها لا توجب ، ولم يريدوا بالإيجاد إيجاب العلّة المعلول ولا إيجاب التولّد ، والإرادة عندهم لا تولّد ، فإنّ القدرة عندهم توجب المقدور بواسطة السبب ، فلو كانت الإرادة مولّدة بواسطة السبب ، استند المراد إلى سببين ولزم حصول مقدورين قادرين (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ١٤)

ـ قالت الأشعريّة : الصفة القديمة يجب تعلّقها بكل متعلّق على الإطلاق ، أم يجب عموم تعلّقها بما يصحّ أن يكون متعلّقا بها ، فإن كان الأوّل فهو غير مستمرّ في الصفات ، فإنّ العلم يتعلّق بالواجب والجائز والمستحيل ، والقدرة لا تتعلّق إلّا بالممكن من الأقسام ، والإرادة لا تتعلّق إلّا بالمتجدّد من الممكنات ، والعلم أعمّ تعلّقا ، والقدرة أخصّ من العلم ، والإرادة أخصّ من القدرة ... بل الإرادة هي المخصّصة بالوجود المتعلّقة بحال متجدّد (ش ، ن ، ٢٤٩ ، ١٠)

ـ لنا أنّ إحداث الشيء لا يصحّ إلّا بالإرادة على ما تقدّم ، فلو كانت الإرادة حادثة ، لافتقرت إلى إرادة أخرى ولزم التسلسل (ف ، م ، ١٣٧ ، ١)

ـ إن قيل : هذا اللزوم متوقّف على تحقيق الإرادة شاهدا ، وبم الردّ على الجاحظ في إنكارها؟ قلنا : كل عاقل يجد من نفسه العزم والإرادة والقصد ، والتفرقة الواقعة بين الفعل الواقع على وفق الإرادة والواقع على خلافها ، وذلك كما في حركة المرتعش والمختار ، كما يجد من نفسه أنّ له علما وقدرة ونحو ذلك ، ولا يمكن إسناد ذلك إلى العلم. فإنّ التفرقة قد تحصل بين الشيئين وإن كان تعلّق العلم بهما على السواء وهذا مما لا ينكره عاقل إلّا عنادا. ثم ولو جاز إنكار ذلك شاهدا ، لجاز إنكار العلم والقدرة ، إذ لا فرق بينهما وبين الإرادة ، فيما يجده الإنسان في نفسه ، ويحسّه في باطنه (م ، غ ، ٥٤ ، ٧)

ـ المأمور الذي علم وقوعه ، والمنهيّ الذي علم الانتهاء عنه هو المراد ، أمّا ما علم انتفاؤه فليس بمراد الوجود ، وإن كان مأمورا به ، وما

علم وجوده فليس بمراد الانتفاء وإن كان منهيّا عنه ، وإلّا كان فيه إبطال أخصّ وصف الإرادة ، وهو تأتي التمييز بها ، وهو ممتنع. وأمّا ما يطلق عليه اسم الإرادة مع عدم حصول التمييز به فليس في الحقيقة إرادة بل شهوة وتمنّيا ، فإذا الإرادة أعمّ من الأمر من جهة أنّها توجد ولا أمر ، والأمر أعمّ منها من جهة أنّه قد يكون ولا إرادة ، وليس لا واحد منهما يلزم الآخر لزوما معاكسا ولا غير معاكس. وعند ذلك فلا يلزم من الأمر بالوجود وإرادة العدم ما تخيّلوه من التناقض. وعلى هذا القول في النهي أيضا (م ، غ ، ٦٧ ، ٣)

ـ أمّا الإرادة فإنّها قد تتعلّق بالتكليف من الأمر والنهي ، وقد تتعلّق بالمكلّف به أي إيجاده وإعدامه (م ، غ ، ٦٨ ، ١١)

ـ لا سبيل إلى القول بالاستغناء بالعلم أو القدرة عن الإرادة أصلا. ولا جائز أن يقال بأنّ معناها هو معنى العلم أو القدرة ، إذ هما أعمّ منها ، من حيث أنّ كل مراد لله ـ تعالى ـ مقدور ، ومعلوم. وليس كل معلوم أو مقدور مرادا ، والقول بأنّ الأخصّ هو الأعمّ ، والأعمّ هو الأخصّ ، محال. فقد بان أنّه لا بدّ من صفة زائدة على ذات واجب الوجود ، يتأتّى بها التخصيص بالحدوث ، وتلك الصفة هي الإرادة ، وأنّها لا بدّ من قدمها وأزليّتها ، وقيامها بذات واجب الوجود ، وتعلّقها بجميع الكائنات ، وهي ـ مع ذلك ـ متّحدة لا كثرة فيها ، ومع اتّحادها فلا نهاية لها ، لا بالنظر إلى ذاتها ، ولا بالنظر إلى متعلّقاتها (م ، غ ، ٧١ ، ٢)

ـ الإرادة عبارة عن : معنى يوجب تخصيص الحادث بزمان حدوثه (م ، غ ، ٩٨ ، ٥)

ـ إرادة الشيء يلزمها كراهة ضدّه ، بشرط التفطّن للضدّ (ط ، م ، ١٦٨ ، ٢١)

ـ الإرادة : صفة توجب للحيّ حالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه ، وفي الحقيقة هي ما لا يتعلّق دائما إلّا بالمعدوم ، فإنّها صفة تخصّص أمرا ما لحصوله ووجوده (ج ، ت ، ٣٧ ، ١٥)

ـ العدليّة : وللعباد إرادة يحدثونها. المجبرة : لا. قلنا : لا ينكرها عاقل ، وقال تعالى : (وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (النساء : ٦٠) وهي من العبد توطين النفس على الفعل أو الترك (ق ، س ، ١١٠ ، ١٦)

إرادة أزلية

ـ إنّ الإرادة الأزليّة لم تتعلّق بالمراد من أفعال العباد من حيث هو مكلّف به إمّا طاعة وإمّا معصية وإمّا خيرا وإمّا شرّا ، بل لا يتعلّق به من حيث هو فعل العبد وكسبه على الوجه الذي ينسب إليه ، فإنّ إرادة فعل الغير من حيث هو فعله تمنّ وشهوة ، وإنّما يتعلّق به من حيث هو متجدّد متخصّص بالوجود دون العدم ، متقدّر بقدر دون قدر ، وهو من هذا الوجه غير موصوف بالخير والشرّ ، وإن أطلق لفظ الخير على الوجود من حيث هو وجود ، فذلك إطلاق بمعنى يخالف ما تنازعنا فيه (ش ، ن ، ٢٥٢ ، ١)

إرادة أفعال مبتدأة

ـ أمّا إرادته تعالى لأفعاله المبتدأة إذا تقدّمت فإنّما تقبح ؛ لأنّه لا فائدة فيها ؛ من حيث يجب عند فعله أن يريده ، فوجود المتقدّمة كعدمها ، وليس كذلك حال العزم منّا ؛ لأنّ الواحد منّا متى أراد فعل المستقبل الذي ينتفع به تعجّل

بإرادته له متقدّما السرور ، ومتى كان فعله شاقّا وطّن نفسه على فعله بالإرادة ، فكان إلى فعله أقرب ، فلذلك حسن منّا تقديم الإرادة. وهذان الوجهان لا يصحّان على القديم سبحانه ، فيجب أن يقبح منه العزم على الأفعال (ق ، غ ١١ ، ١٢٩ ، ٨)

إرادة أفعاله تعالى

ـ إنّ معنى إرادته (الله) لأفعاله هو أنّه فعلها وهو غير ساه ولا مكره (ز ، ك ١ ، ٢٦٦ ، ١٧)

إرادة الله

ـ قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه : والإرادة من الله عزوجل ، في خلقه ، على معنيين : إرادة حتم وجبر وقسر : وهي إرادة الله ، عزوجل ، في خلق السموات والأرض وما بينهما من الخلق ، من الملائكة والجن والإنس والطير والدواب وغير ذلك ، إرادة حتم وجبر ، فجاء خلقه كما أراد ، لم يمتنع منه شيء ولم يغلبه شيء من الأشياء ، كما قال ، عزوجل : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الملك : ٣٥) ، وقال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (فصلت : ١١) ، يقول : كوّنهما فكانتا من غير مخاطبة ولا أمر ، وذلك أن الله ، عزوجل ، لم يخاطب أحدا من خلقه إلّا ذوي العقول من الملائكة والجن والإنس ، وسائر خلقه حيوان لا عقول لها ، وجماد لا روح فيه ، وإنّما خاطب الله ، عزوجل ، أهل العقول وأمرهم ونهاهم وأرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب وبيّن لهم الحلال والحرام ، فمن أطاعه وائتمر بأمره وانتهى عن نهيه استوجب من الله الحفظ والحياطة في دنياه الفانية والثواب الجزيل في آخرته الباقية ، ومن عصاه منهم عذّبه في الدنيا والآخرة. والذي لا عقل له في خلقه لا يجب له ثواب ولا عليه عقاب. ثم قال ، عزوجل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ، يقول : إذا كوّنّاه كان بلا كلفة ولا اضطراب ولا تخيّل ولا إضمار ولا تفكر ، ولا تتقدم إرادته فعله ولا فعله إرادته ، بل إرادته للشيء إيجاده وكونه ، وإذا أراده فقد كونه ، وإذا كونه فقد أراده ، ولا وقت بين إرادته للشيء وكونه.

والإرادة الثانية : من الله ، عزوجل ، إرادة تخيير وتحذير ، معها تمكين وتفويض ، أراد من خلقه الإيمان على هذا الوجه ، لأنّه لو أراد منهم الإيمان على نحو ما أراد خلقهم ، ما إذا قدر واحد من خلقه على أن يخرج من الإيمان إلى الكفر كما لا يقدرون أن يتحوّلوا من صورهم إلى صور غيرهم من الخلق ، ولكن ركّب فيهم العقول ، وأرسل إليهم الرسول ، وهداهم النجدين ، ومكنهم من العملين ، ثم قال : (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف : ٢٩) ، وقال : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان : ٣) ، وقال : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) (فصلت : ١٧) ، فدلّ على أنّه هداهم ، واستحبوا هم العمى على الهدى ، اختيارا من أنفسهم واستحبابا (ي ، ر ، ٨٨ ، ٣)

ـ إنّ إرادة الله غير مراده وغير أمره وأنّ إرادته لمفعولاته ليست بمخلوقة على الحقيقة بل هي مع قوله لها كوني خلق لها ، وإرادته للإيمان ليست بخلق له وهي غير الأمر به وإرادة الله قائمة به لا في مكان ، وقال بعض أصحاب" أبي الهذيل" : بل إرادة الله موجودة لا في

مكان ولم يقل هي قائمة بالله تعالى (ش ، ق ، ١٨٩ ، ١٧)

ـ أصحاب" بشر بن المعتمر" يزعمون أنّ إرادة الله على ضربين : إرادة وصف بها الله في ذاته وإرادة وصف بها وهي فعل من أفعاله ، وأنّ إرادته التي وصف بها في ذاته غير لاحقة بمعاصي العباد (ش ، ق ، ١٩٠ ، ٥)

ـ أصحاب" النظّام" يزعمون أنّ الوصف لله بأنّه مريد لتكوين الأشياء معناه أنّه كوّنها ، وإرادته للتكوين هي التكوين ، والوصف له بأنّه مريد لأفعال عباده معناه أنّه آمر بها ، والأمر بها غيرها ، قال وقد نقول أنّه مريد الساعة أن يقيم القيامة ومعنى ذلك أنّه حاكم بذلك مخبر به ، وإلى هذا القول يميل البغداديون من المعتزلة (ش ، ق ، ١٩٠ ، ١٣)

ـ إرادة الله سبحانه أن يقيم القيامة يعني أنّه حاكم بذلك مخبر به (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٥)

ـ قال" أبو الهذيل" : إرادة الله سبحانه لكون الشيء هي غير الشيء المكوّن ، وهي توجد لا في مكان ، وإرادته للإيمان غيره وغير الأمر به وهي (؟) مخلوقة ، ولم يجعل الإرادة أمرا ولا حكما ولا خبرا ، وإلى هذا القول كان يذهب" محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" (ش ، ق ، ٥١٠ ، ٣)

ـ المعتزلة رجلان أحدهما يقول إنّ إرادة الله تعالى في أفعال عباده الأمر بها. والآخر يقول إرادته في أفعال عباده خلف غير الأمر بها. فمن ذهب إلى أنّها الأمر لزمه إذا لم يكن الباري آمرا بأفعال الأطفال والمجانين أن يكون كارها لها إذا كان يجب بنفي الإرادة لأفعال العباد الكراهة لها ، والله تعالى لا يكره إلّا معصية كما لا ينهي إلّا عن معصية. وإذا لم يكن هذا عندهم هكذا أبطل ما قالوه ... ومن ذهب إلى القول الثاني وهو قول الجبّائي أنّ إرادة الله تعالى لأفعال عباده هي غير الأمر بها يقال له إذا كان يجب بنفي الإرادة لأفعال عباده الكراهة فحدّثنا هل أراد الله كون الأفعال التي ليست بمعاص ولا طاعات ، فإن قال نعم قيل له يلزمك أن تكون طاعة ، لأنّ الطاعة عندك إنّما كانت طاعة للمطاع لأنّه أرادها. فإن قال لم يردها قيل له فيلزمك أنّه كاره لكونها ، وهذا يوجب أن تكون معصية لأنّ ما كرهه الله سبحانه فهو معصية ، كما أنّ ما نهى عنه فهو معصية عندكم (ش ، ل ، ٢٩ ، ٧)

ـ الأصل الذي هو معتمد المعتزلة أنّ إرادة الله ليست غير خلقه وأنّ تأويلها على ما فسّر الكعبي ليس غير أنّه لم يغلب ولم يضطرّ في فعله ، وهذا المعنى قد أعطوه جميعا في فعل العباد (م ، ح ، ٢٩٣ ، ٢٢)

ـ إنّ مشيئة الله تعالى ومحبته ورضاه ورحمته وكراهيته وغضبه وسخطه وولايته وعداوته [كلها] راجع إلى إرادته ، وأنّ الإرادة صفة لذاته غير مخلوقة ، لا على ما يقوله القدريّة ، وأنّه مريد بها لكل حادث في سمائه وأرضه مما يتفرّد سبحانه بالقدرة على إيجاده ، وما يجعله منه كسبا لعباده ، من خير ، وشر ، ونفع ، وضر ، وهدى ، وضلال ، وطاعة ، وعصيان ، لا يخرج حادث عن مشيئته. ولا يكون إلّا بقضائه وإرادته (ب ، ن ، ٢٦ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ إرادة الله صفة من صفات ذاته واجبة له ، وإنّها متعلّقة بكل مراد على الوجه الذي علم أنّه يكون المراد وأن لا يكون من خير وشرّ وطاعة ومعصية ، وإنّه يريد أن يكون الشرّ شرّا من أهل الشرّ ولأهل الشرّ

كما يعلمه شرّا ، كذلك يريد الخير من أهل الخير لأهل الخير أن يكون خيرا لهم كما علمه ، وإنّه لا يصحّ أن يريد خلاف ما علم الله تعالى ، ويصحّ أن يقدر على خلاف ما علم. وتحقيق ذلك أن يكون قادرا على ما علم أنّه لا يكون. وكان يفرّق بينهما بأنّه إذا أراد كون ما علم أنّه لا يكون كان مقصّرا عن بلوغ مراده ، والتقصير عن بلوغ المراد عجز ونقص. وأمّا إذا قدر على ما علم أنّه لا يكون فليس في ذلك رجوع نقص إلى ذاته ، لأنّ انتفاء المقدور مع كون القادر قادرا عليه لا يوجب نقصا للقادر مع استحالة أن يكون ممنوعا بغيره بوجه من الوجوه. وليس كذلك انتفاء المراد ، لأنّ انتفاءه على الوجه الذي تعلّقت الإرادة بكونه دلالة على نقص لذات المريد وآفة ترجع إليه (أ ، م ، ٦٩ ، ٢١)

ـ أمّا الإرادة فهو سبحانه قادر عليها لأمرين : أحدهما أنّه مع كونه عالما بالشيء لا بدّ من أن يريده إذا لم يكن ما يفعله إرادة ، ولا يصحّ أن يوقع أفعاله على وجه دون وجه إلّا مع الإرادة ، على ما نشرحه من بعد. والثاني لأنّه قد كلّف ، والتكليف لا يصحّ إلّا بالإرادة ؛ فإذا ثبت كونه قادرا عليها فيجب كونه قادرا على الكراهة لأنّها ضدّها. ومن حقّ القادر على الشيء أن يقدر على ضدّه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٧٣ ، ٧)

ـ لا خلاف بين المعتزلة في أنّ الإرادة من صفات الفعل. وإنّما اختلفوا فيما هي ، إلّا ما حكي عن بشر عن المعتمر أنّه قال : إنّ الإرادة من الله على وجهين : صفة ذات ، وصفة فعل. فهو لم يزل مريدا لجميع أفعاله ، وجميع طاعات عباده ، لأنّه لا يجوز عنده أن يعلم عالم صلاحا وخيرا ، ولا يريده. قال : فلما كان عالما بذلك أجمع كان مريدا له. والإرادة التي هي صفة فعل ، أو المراد بها فعل نفسه ، وهي خلق له ، وهي قبل الفعل. لأنّ الشيئين لا يكون أحدهما يصاحبه ، وهما معا. وإذا أراد به فعل عباده ، فهي الأمر به (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣ ، ٨)

ـ قال إبراهيم النّظام : إنّ إرادة الله تعالى إنّما هي فعله ، أو أمره ، أو حكمه. قال : لأنّ الإرادة في اللغة إنّما تكون ذلك ، أو تكون ضميرا ، أو قرب الشيء من الشيء. كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) (الكهف : ٧٧). والضمير يستحيل على الله ، فيجب أن تكون إرادته ما ذكرناه. قال والمراد يسمّى إرادة في اللغة ؛ يقول القائل : جئني بإرادتي ، يعني مرادي. ويقول : أراد مني كذا ، أي أمرني به. ويقال : إنّ الله مريد لأن يقيم القيامة ، أي قد حكم بذلك (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣ ، ١٦)

ـ المحكي عن شيخنا أبي الهذيل رحمه‌الله أنّ إرادة الله غير المراد ، فإرادته لما خلقه هي خلقه له ، وهي معه ، وخلق الشيء عنده غير الشيء ، وإرادته لطاعات العباد هي أمره بها (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٤ ، ٦)

ـ قالت المجبرة في الإرادة إنّها من صفات الذات ، وأنّه تعالى لم يزل مريدا لكل ما يكون من فعله وفعل غيره. وقالوا إنّ المراد بذلك أنّه ليس بآب له ، ولا مستكره عليه ، ولا مغلوب ، لأنّ من كان كذلك فلا بدّ من أن يكون مريدا. وقال ضرّار في إرادة الله تعالى إنّها على وجهين : إرادة هي المراد ، وهي خلق له ، والخلق هو المخلوق ؛ وفعل العباد هو مراد الله تعالى ، وهو إرادته ؛ وإرادته الثانية هي الأمر بالطاعة ، وهي غير الطاعة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٤ ، ١٨)

ـ حكي عن حفص الفرد أنّه قال في إرادة الله سبحانه : أنّها صفة ، وأنّ فعله إرادة هي صفة في ذاته ، وصفة في فعله. فالإرادة التي هي صفة في الفعل هي الأمر من الله بالطاعة ، والتي هي صفة في الذات واقعة على كل شيء من فعله ، وفعل خلقه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ٢)

ـ حكي عن سليمان بن جرير : أنّ إرادة الله معنى ليس هو الله ولا غيره ، وكذلك الحبّ والبغض ، وتبعه على ذلك الكلابيّة ، وإن أطلق بعضهم فيه أنّه قديم على ما مضى في الصفات (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ٦)

ـ حكي عن هشام بن الحكم وطبقته من الرافضة : أنّ إرادة الله سبحانه حركة ، وأنّه معنى لا هو ولا غيره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥ ، ٩)

ـ أمّا إرادته (تعالى) بعض أفعال العباد وكراهته لبعض فإنّما يحسنان لأنّه ينفع بهما المكلّف لأنّهما يجريان مجرى الدلالة أو اللطف. ولذلك قلنا إنّه لا يحسن منه تعالى أن يريد المباح أو يكرهه أو أفعال البهائم (ق ، غ ١١ ، ٨٥ ، ١٩)

ـ الذين شبّهوا إرادة الله تعالى بإرادة خلقه ، وهذا قول المعتزلة البصريّة الذين زعموا أنّ الله تعالى عزوجل يريد مراده بإرادة حادثة ، وزعموا أنّ إرادته من جنس إرادتنا ، ثم ناقضوا هذه الدعوى بأن قالوا : يجوز حدوث إرادة الله عزوجل لا في محل ، ولا يصحّ حدوث إرادتنا إلّا في محل (ب ، ف ، ٢٢٩ ، ١)

ـ أجمع أصحابنا على أنّ إرادة الله تعالى مشيئته واختياره ، وعلى أنّ إرادته للشيء كراهيته لعدم ذلك الشيء ، كما قالوا إنّ أمره بالشيء نهي عن ضدّه ، وقالوا أيضا إنّ إرادته صفة أزليّة قائمة بذاته وهي إرادة واحدة محيطة بجميع مراداته على وفق علمه بها ، فما علم منها كونه أراد كونه ، خيرا كان أو شرّا ، وما علم أنّه لا يكون أراد أن لا يكون. ولا يحدث في العالم شيء لا يريده الله ولا ينتفي ما يريده الله وهذا معنى قول المسلمين ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن (ب ، أ ، ١٠٢ ، ١٠)

ـ إرادة الله تتعلّق بأفعاله وأفعال عباده ، فإذا أراد شيئا من أفعاله كان ولم يمتنع للاقتدار وخلوص الداعي ، وأمّا أفعال عباده فإمّا أن يريدها وهم مختارون لها أو مضطرّون إليها بقسره وإلجائه ، فإن أرادها وقد قسرهم عليها فحكمها حكم أفعاله ، وإن أرادها على أن يختاروها وهو عالم أنّهم لا يختارونها لم يقدح ذلك في اقتداره كما لا يقدح في اقتدارك إرادتك أن يختار عبدك طاعتك ، وهو لا يختارها لأنّ اختياره لا يتعلّق بقدرتك ، وإذا لم يتعلّق بقدرتك لم يكن فقده إلّا على عجزك (ز ، ك ٣ ، ٢٤٥ ، ٨)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ كلامه محدث مخلوق في محل. وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه. فإنّ ما وجد في المحل عرض قد فنى في الحال. واتّفقوا على أنّ الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته ، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ، ومحامل معانيها (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٣)

ـ حكى الكعبي عنه (العلّاف) أنّه قال : إرادة الله غير المراد ، فإرادته لما خلق هي خلقه له ، وخلقه للشيء عنده غير الشيء ، بل الخلق قول لا في محل (ش ، م ١ ، ٥٣ ، ٣)

ـ قوله (النظّام) في الإرادة : إنّ الباري تعالى ليس موصوفا بها على الحقيقة. فإذا وصف بها شرعا في أفعاله فالمراد بذلك أنّه خالقها ومنشئها على حسب ما علم. وإذا وصف بكونه

مريدا لأفعال العباد فالمعنيّ به أنّه آمر بها وناه عنها. وعنه أخذ الكعبي مذهبه في الإرادة (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١)

ـ حكى الكعبي عنه (بشر) أنّه قال : إرادة الله تعالى فعل من أفعاله ، وهي على وجهين : صفة ذات ، وصفة فعل. فأمّا صفة الذات فهي أنّ الله تعالى لم يزل مريدا لجميع أفعاله ، ولجميع الطاعات من عباده فإنّه حكيم ولا يجوز أن يعلم الحكيم صلاحا وخيرا ولا يريده. وأمّا صفة الفعل فإن أراد بها فعل نفسه في حال إحداثه فهي خلقه له ، وهي قبل الخلق لأنّ ما به يكون الشيء لا يجوز أن يكون معه. وإن أراد بها فعل عباده فهي الأمر به (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ١٤)

ـ حكى الكعبي عنه (معمّر) أنّ الإرادة من الله تعالى للشيء غير الله ، وغير خلقه للشيء ، وغير الأمر : والإخبار ، والحكم ، فأشار إلى أمر مجهول لا يعرف ، وقال ليس للإنسان فعل سوى الإرادة ، مباشرة كانت أو توليدا ، وأفعاله التكليفيّة من القيام والقعود ، والحركة ، والسكون في الخير والشرّ كلها مستندة إلى إرادته ؛ لا على طريق المباشرة ، ولا على طريق التوليد (ش ، م ١ ، ٦٧ ، ١٠)

ـ انفرد الكعبي عن أستاذه بمسائل : منها قوله إنّ إرادة الباري تعالى ليست صفة قائمة بذاته ، ولا هو مريد لذاته ، ولا إرادته حادثة في محل أو لا في محل ، بل إذا أطلق عليه أنّه مريد فمعناه أنّه عالم ، قادر ، غير مكره في فعله ، ولا كاره ، ثم إذا قيل هو مريد لأفعاله ، فالمراد به أنّه خالق لها على وفق علمه ، وإذا قيل هو مريد لأفعال عباده ، فالمراد به أنّه آمر بها راض عنها (ش ، م ١ ، ٧٨ ، ٤)

ـ هذا قوله (جعفر الصادق) في الإرادة" إنّ الله تعالى أراد بنا شيئا وأراد منا شيئا. فما أراده بنا طواه عنا ، وما أراده منا أظهره لنا. فما بالنا نشتغل بما أراده بنا عمّا أراده منّا؟ " (ش ، م ١ ، ١٦٦ ، ١٣)

ـ إنّ الإرادة للقديم سبحانه لا معنى لها إلّا كونه عالما قادرا فاعلا (الكعبي) (ش ، ن ، ٢٤٠ ، ١٣)

ـ نقول (الشهرستاني) إرادة الله ومشيئته أو رضاه ومحبّته لا تتعلّق بالمعاصي قط من حيث أنّها معاص ، كما لا تتعلّق قدرته تعالى بأفعال العباد من حيث هي أكسابهم ، فيرتفع النزاع ويندفع التشنيع (ش ، ن ، ٢٥٨ ، ١٩)

ـ مذهب أهل السنّة أنّ إرادة الله تعالى وقدرته متعلّقتان بإيجاد أشياء متعيّنة ، والتغيّر على صفاته ممتنع ، فتكون المؤثّرية واجبة نقيضها ممتنع ، فإمكان التردّد مردود (ف ، م ، ١٢٠ ، ١٣)

ـ إنّ حصول أفعاله تعالى في أوقات معيّنة مع جواز حصولها قبلها أو بعدها يستدعي مخصّصا وليس هو القدرة لأنّها شأنها الإيجاد الذي نسبته إلى كل الأوقات على السواء ، ولا العلم لأنّه تابع للمعلوم فلا يكون مستتبعا له لامتناع الدور ، وظاهر أنّ سائر الصفات لا يصلح لذلك سوى الإرادة ، فلا بدّ من إثباتها (ف ، م ، ١٢٥ ، ٤)

ـ إنّه تعالى مريد لأنّا رأينا الحوادث يحدث كل واحد منها في وقت خاص مع جواز حدوثه قبله أو بعده. فاختصاصه بذلك الوقت المعيّن لا بدّ له من مخصّص ، وذلك المخصّص ليس هو القدرة لأنّ القدرة تأثيرها في الإيجاد وهذا لا يختلف باختلاف الأوقات ، ولا العلم لأنّ

العلم يتبع المعلوم. وهذه الصفة مستتبعة ، وظاهر أنّ الحياة والسمع والبصر والكلام لا يصلح لذلك ، فلا بدّ من صفة أخرى وهي الإرادة (ف ، أ ، ٤٤ ، ١٩)

ـ إرادته (الله) واجبة القدم ، خلافا للمعتزلة في أنّها محدثة لا في محل ، والكراميّة في أنّه يخلقها في ذاته. لنا : فتفتقر إلى مخصّص ويتسلسل (خ ، ل ، ١٠٦ ، ٤)

ـ إرادة الله تعالى لفعله إدراكه بعلمه حكمة الفعل ، وكراهيته إدراكه بعلمه قبح الفعل. والمعلوم عند العقلاء أنّ إدراك المعلوم غير العالم وغير المعلوم ، ولا يلزم من ذلك توطين النفس ، لأنّ التوطين هو النيّة ، ولا يشكّ العقلاء أنّ إدراك المعلوم هو غير النيّة (ق ، س ، ١٠٩ ، ٨)

إرادة حادثة

ـ إنّ الإرادة الحادثة قد تكون ضروريّة وقد تكون كسبيّة ، والضروريّة منها لا توصف بالخيريّة والشرّية والتكليفيّة ، إذ لا تكليف إلّا على المكتسب ، وقد توصف بالخيريّة والشرّية الجبرية ، كما يقال الملك يريد الخير طبعا وجبرا والشيطان يريد الشرّ طبعا وجبرا ، وأمّا الإرادات الكسبيّة فتتوجّه على المريد فيها وبها التكليف ، فيوصف بالظلم والعدل والخير والشر والطاعة والمعصية كما وصف سائر الحركات ، ثم لم يلزم من ذلك طردها في الغائب (ش ، ن ، ٢٥١ ، ١٢)

إرادة الحسن

ـ أمّا إرادة الحسن ، فقد تحسن وتقبح ، فمتى انتفت وجوه القبح عنها كانت حسنة ، ومتى حصل فيها وجه من وجوه القبح كانت قبيحة. فإذا كانت إرادة لما لا يطيقه المأمور ، فيجب كونها قبيحة ، وإن كان مرادها لو وقع لكان حسنا ، لأنّ تكليف ما لا يطاق أصل في القبائح ، والمعتبر فيه بالإرادة لا بالأمر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠١ ، ١٠)

إرادة السبب

ـ ذهب الشيخ أبو عليّ إلى أنّ إرادة السبب إرادة للمسبّب ؛ وأطلق القول في ذلك حتى قال : إن الأمر بالسبب أمر بالمسبّب ، وقبح أحدهما هو قبح الآخر ، وحسن أحدهما هو حسن للآخر (ن ، د ، ٩٣ ، ١٥)

إرادة الضدين

ـ قالوا (مشايخنا) : يلزم أن يكون مريدا للضدّين لأنّ كلّ واحد منهما يصحّ حدوثه فيصحّ أن يريده ويجب أن يريده. وعند هذا الإلزام اختلف كلام" شيوخنا". فمنهم من أوجب كونه على صفتين ضدّين بإرادة الضدّين على ما قاله" أبو علي" وهو قول" أبي هاشم" أوّلا. والذي يصحّ عندنا في إرادة الضدّين أنهما لا يتضادّان. وهو قول رجع إليه" أبو هاشم" بدلالة أنّ هاتين الإرادتين لو يضادّتا لما أثّر في ذلك اعتقاد المريد فيهما أنّهما لا يتضادّان. وقد ثبت أنّه متى اعتقد في هذين المرادين أنّهما ليسا بضدّين ، صحّ منه أن يريدهما وتضادّ الضدّين لأمر يرجع إليهما ، فلا يتغيّر بالاعتقاد ، فلمّا ثبت أنّه لو اعتقد اختلافهما صحّ منه أن يريدهما دلّ على أنّ لا تضادّ في ذلك أصلا. وأنّ الداعي هو الذي يمنعه من ذلك على ما نثبته (ق ، ت ١ ، ٢٧٧ ، ٤)

ـ إنّ إرادة الضدين لا تتضادان ، ولا يمتنع وجودهما جميعا ، وإنّما لا يصحّ من أحدنا أن يريد الضدّين ، لأن دواعيه لا تدعوه إلى إيجاد الضدّين لعلمه باستحالة وجودهما ، وإنما يريد ما يدعوه الداعي إلى إيجاده دون الآخر (ق ، غ ٤ ، ٢٨٣ ، ٨)

إرادة الضدين تتضاد

ـ قد بيّن شيخنا أبو علي ـ رحمه‌الله ـ أنّ الأمر لا بدّ من أن يتقدّم الفعل بأوقات إذا كان أمرا بالمتضادّات المخيّر فيها ، وبناه على قوله : إن إرادة الضدّين تتضادّ ، فقال : لا بدّ من أن يكون مريدا منه أحد الضدّين في الأوّل أن يفعله في الثالث ، ولا يكره منه الضدّ الآخر ، ويريد منه في الثاني منه أن يفعل في الثالث الضدّ الآخر و (لا يكره) غيرهما إن كان لهما ضدّ ثالث وهذا يوجب تقدّم الإرادة بأكثر من وقت واحد ، وإن كان شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ يجيز تقدّمه بوقت واحد على قوله بأنّ إرادة الضدّين لا تتضادّ. وليس الذي جوّزناه في تقديم الأمر من منعنا أن يقدّم ـ تعالى ـ خلق الجماد بسبيل ؛ لأنّا إنّما نمنع من ذلك لأنّه ـ تعالى ـ ممّن لا يخشى الفوت ، فإذا علم أنّه لا حيّ ينتفع بذلك الجماد قبح تقديمه : لأنّه عبث (ق ، غ ١١ ، ٣٠٥ ، ١٥)

إرادة فعل العبد

ـ بعض الأصحاب ... قال : أفعال المكلّفين وإن انقسمت إلى خيرات وشرور ، لكنّ الإرادة إنّما تتعلّق بها من حيث وجودها وتحقّقها ، وهي من هذا الوجه ليست بشرور ، بل خيرات محضة ، وإنّما تلحقها الشرور باعتبار الصفات التي هي منتسبة إلى فعل العبد وقدرته ، وهي ما قلتم إنّها توابع الحدوث ، كما يأتي تحقيقه في مسألة خلق الأفعال. وهي من هذه الجهة ليست مرادة لله ـ تعالى ـ على الأصلين ؛ فإنّ إرادة فعل العبد ـ من حيث إنّه فعله ـ تمنّ وشهوة ، وذلك في حقّ الباري محال. فإذا ما هو مراد الله تعالى إنّما هو التخصيص والإحداث وذلك هو الخير ، وما. هو الشر ومنه الشر فهو ما وقع مسندا إلى فعل العبد من حيث هو فعله ، وذلك غير مراد الله تعالى (م ، غ ، ٦٥ ، ٨)

إرادة فعل الغير

ـ لا يقال في إرادة فعل الغير إنّها اختيار ، لأنّ المريد لا يجوز أن يؤثر فعل غيره ، فكذلك لا يجوز أن يختاره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ١)

إرادة القبيح

ـ وأحد ما يدلّ على قبح إرادة القبيح ما قد عرفنا أنّ الأمر بالقبيح قبيح ، والذي يؤثّر في ذلك هو الإرادة حتى أنّها موجبة لكونه أمرا ، وبهذا تفارق القدرة على القبيح ، والعلم بالقبيح لأنّهما به مصحّحان للأمر. وإن كان قد اعتمد في الكتاب لفظ التصحيح والصحيح ما قلناه. فإذا كان الأمر بالقبيح قبيحا والإرادة توجبه وجب قبحها أيضا ، وجرت مجرى السبب الذي يوجب القبيح لأنّه يقبح لا محالة. فكذلك يجب في الإرادة (ق ، ت ١ ، ٢٩٥ ، ٥)

ـ اعلم أنّ إرادة القبيح يجب أن تكون قبيحة ، لأنّ من علم كونها كذلك علم قبحها ، وأنّ فاعلها يستحقّ الذمّ ، كما أنّ من علم كون الظلم ظلما علم قبحه ، وأنّ فاعله يستحقّ الذمّ إذا لم يكن هناك منع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠١ ، ٣)

إرادة القديم

ـ إرادة القديم قديمة باقية ليس بعرض (أ ، م ، ٦٩ ، ١٦)

إرادة قديمة

ـ كذلك فإنّا نقول : لو كان مريدا بإرادة قديمة وقد صحّ أنّ الإرادة في تعلّقها تجري مجرى العلم لوجب أن لا يصحّ منه أن يريد الأمر إذا واحدا على حدّ التفصيل إذا كانت إرادته واحدة على حدّ ما قلناه في العلم ، وإنّما يصحّ في الإرادة أن يتعدّى المراد الواحد إذا تعلّقت به على طريق الجملة (ق ، ت ١ ، ٢٧٩ ، ٦)

ـ مما يدلّ على نفي الإرادة القديمة أنّها إذا كانت عندهم قديمة فحالها مع بعض المرادات كحالها مع البعض. والاختصاص مفقود. وكذلك حالها عندهم وهذا يوجب أن نريد بها كل مراد ، كما قالوا مثله في العلم القديم ، وهذا يقتضي كونه تعالى مريدا لما يريده منه وأن يكون موجودا (ق ، ت ١ ، ٢٧٩ ، ١٣)

ـ إنّ الإرادة القديمة لم تتعلّق إلّا بوجه واحد وهو المتجدّد من حيث هو حادث متجدّد متخصّص بالوجود دون العدم ووقت دون وقت (ش ، ن ، ٢٥٠ ، ١٠)

ـ الإرادة القديمة تقتضي إضافات غير متعدّدة بحسب المرادات ، ووجود تلك الإضافات لا يكون إلّا في العقول ، والقدرة لا تقتضي ذلك ، لأنّ نسبتها إلى جميع المقدورات على السواء ، فلا بدّ من مرجّح يرجّح البعض ليتعلّق به الإيجاد (ط ، م ، ٢٨٦ ، ١١)

إرادة لا مراد لها

ـ إن قيل : وكيف اشترطتم في صحّة إرادة الشيء أن يكون المريد عالما بأنّه يصحّ أن يحدث وقد قال أبو هاشم رحمه‌الله : يصحّ ممّن اعتقد في الباقي أنّه يحدث ـ حالا بعد حال ـ أن يريده وإن كان في نفسه يستحيل حدوثه. قيل له : إنّه رحمه‌الله قد قال ذلك في الجامع الصغير ، لكنّ الصحيح عندنا أنّ الإرادة تحتاج في تعلّقها بالشيء إلى أن يكون في نفسه مما يصحّ حدوثه ، فأمّا في وجودها غير متعلّقة فإنّها تتعلّق بكون المريد معتقدا لحدوث الشيء فقط. ولذلك قال شيوخنا رحمهم‌الله : لو اعتقد الواحد أنّ الجسم يبقى ببقاء يحدث حالا بعد حال لصحّ أن يريد ذلك ، ولا تكون الإرادة متعلّقة بشيء ، بل تكون إرادة لا مراد لها ، ولا فرق بين ذلك وبين أن يعتقد في الباقي أن يحدث حالا بعد حال أن يريده وإن كان في نفسه يستحيل حدوثه ؛ لأنّ الحدوث شرط في تعلّقها. فمتى لم يكن الشيء مما يصحّ الحدوث فيه يجب ألا يتعلّق ، كان الشيء معلوما في الأصل أو لم يكن. ولو صحّ ما قاله رحمه‌الله لم يطعن ذلك فيما نريد إثباته : من أنّ العالم بأنّ الشيء لا يختاره القادر عليه قد يصحّ أن يريده إذا علم أنّ اختياره ممكن (ق ، غ ١١ ، ١٦٤ ، ٣)

إرادة لأفعال الغير

ـ معنى إرادته لأفعال غيره أنّه أمر بها (ز ، ك ١ ، ٢٦٦ ، ١٨)

إرادة لمريدين

ـ قلنا : إرادة لمريدين محال ، وإلّا تعدّدت ، ولا حاصر (م ، ق ، ٨٦ ، ٩)

إرادة لواجب الوجود

ـ صفة الإرادة لواجب الوجود ، وإن لم تكن مجانسة لصفة الإرادة شاهدا ، فلا محالة أنّ نسبتها إلى ذات واجب الوجود كنسبة الإرادة شاهدا إلى النفس الناطقة الإنسانيّة ، من التعلّق والمتعلّقات ، وكل عاقل يقضي ببديهته أنّ الإرادة شاهدا ـ بالنسبة إلى محلها ـ كمال له ، وأنّ عدمها بالنسبة له نقصان ، ويوجب أنّ ما كانت نسبته إلى واجب الوجود ، كنسبة الإرادة إلى محلها شاهدا ، أن يكون كمالا لذات واجب الوجود ، وأنّ عدمه يكون نقصانا. فلو لم نقل بثبوت لذات واجب الوجود ، لوجب أن يكون واجب الوجود ناقصا في رتبته بالنسبة إلى رتبة المخلوق ، من جهة أنّ كمال المخلوق حاصل له ، وكمال الخالق غير حاصل له (م ، غ ، ٥٦ ، ٢)

إرادة محدثة

ـ إنّ الإرادة المحدثة عرض غير باق لا يصحّ قيامها بنفسها وتقتضي حيّا تقوم به (أ ، م ، ٦٩ ، ١٥)

ـ قد استدلّ شيخنا أبو علي رحمه‌الله على أنّ الإرادة محدثة لقوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) لأنّه لا يصحّ أن يقال : لو شاء أن يؤمن الكفّار لآمنوا ، وذلك مستحيل فيه. وإنّما يقال ذلك إذا صحّ أن يشاء ذلك منهم ، وهذا يوجب كون الإرادة محدثة ، مقدورة له ، يصحّ أن يفعلها ويصحّ أن لا يفعلها. ولو لا أنّ الأمر كذلك ، لم يكن قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ) (يونس :

٩٩) مدحا له ، بل كان إلى الذمّ أقرب. ألا ترى أنّ قائلا لو قال إنّ زيدا لو وصل إلى ملك الروم لقتله ، لكنّه لا يقدر على الوصول إليه ، ولا يمكنه ذلك ، لكان قد ذمّه بذلك ، وحكم بعجزه. فكذلك من قال إنّه سبحانه لا يصحّ أن يشاء من الكافر أن يؤمن ، فقد وصفه بالضعف. ويجب أن يجري ذلك منهم مجرى قولنا للمؤمن : لو كان صحيح الرجلين لمشى ، وهو لا يمكنه تصحيح رجليه ، والمشي يعدّه في أنّ ذلك ذمّ ونقص. ولا يمكنه أن يقول أنّ هذه الآية ليست بمدح ، لأنّ في ذلك خروجا من الإجماع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٤٣ ، ١)

إرادة المريد

ـ اعلم أنّ صحّة إرادة المريد للشيء تقف على أمرين. أحدهما راجع إلى نفس المراد وهو صحّة حدوثه في نفسه. والثاني يرجع إلى نفس المريد وهو أن لا يكون في حكم السّاهي عن المراد ، ويكون كذلك بالعلم والظنّ والاعتقاد ، ومهما كان مريدا عند الشكّ فلا بدّ عند الشكّ من اعتقاد معه (ق ، ت ١ ، ٣٠٣ ، ٢)

إرادة مشترطة

ـ إنّ الآمر متى حصل له العلم بالمستقبل لم يحسن منه الأمر إلّا مع العلم بأن المأمور ممكن في حال الفعل ؛ لا لأنّ العلم بذلك شرط ، لكنّه إذا حصل لم يحسن الأمر إلّا على هذا الحدّ. ولو كان العلم بذلك شرطا في بعض الآمرين لوجب كونه شرطا في سائرهم ؛ لأنّ وجه الحسن ووجه القبح لا يجوز أن يختلف باختلاف أحوال الفاعلين. فلهذا حسن من الآمر منّا أمر الغير وإن لم يعلم أنه في حال الفعل يتمكّن من الفعل لا محالة ، وقام ظنّه لذلك مقام العلم. ولذلك لا يحسن منه أن يأمر

الغير مع ظنّه أنه لا يتمكّن ، ويحسن منه ذلك إذا غلب على ظنّه أنه سيتمكّن ؛ لأنه يكون في الحكم كأنّه إنّما أمر بما يتمكّن منه دون غيره ؛ كما نقوله في الإرادة المشترطة (ق ، غ ١١ ، ١٨١ ، ١٨)

إرادة مشروطة

ـ قوله (أبو هاشم) في الإرادة المشروطة ، وأصلها عنده قوله بأنّه لا يجوز أن يكون شيء واحد مرادا من وجه مكروها من وجه آخر ، والذي ألجأه إلى ذلك أنه تكلم على من قال بالجهات في الكسب والخلق ، فقال : لا تخلو الوجهة التي هي الكسب من أن تكون موجودة أو معدومة ، فإن كان ذلك الوجه معدوما كان فيه إثبات شيء واحد موجودا أو معدوما ، وإن كان موجودا لم يخل من أن يكون مخلوقا أم لا ، فإن كان مخلوقا ثبت أنّه مخلوق من كل وجه ، وإن لم يكن مخلوقا صار الفعل قديما من وجه آخر ، وهذا محال ، فألزم على هذا كون الشيء مرادا من وجه مكروها من وجه آخر (ب ، ف ، ١٩٢ ، ١)

إرادة النظر

ـ يقول (الجاحظ) في النظر : إنّه ربما وقع طبعا واضطرارا ، وربما وقع اختيارا. فمتى قويت الدواعي في النظر ، وقع اضطرارا بالطبع ؛ وإذا تساوت ، وقع اختيارا. فأمّا إرادة النظر ، فإنّه مما يقع باختيار ، كإرادة سائر الأفعال. وهذه الطريقة دعته إلى التسوية بين النظر والمعرفة ، وبين إدراك المدركات ، في أنّ جميع ذلك يقع بالطبع. وكذلك يقول في التحريكة بعد الاعتماد. لأنّه يذهب في التولّد ، مذهب أصحاب الطبائع. لكنّه ، فيما يقع من القادر ، يخالف طريقتهم ، لأنّه يقول : إنّما يقع بالطبع عند الحوادث والدواعي ، فيرجع في ذلك إلى حال للجملة نعتبرها. وليس كذلك طريقة أصحاب الطبائع (ق ، غ ١٢ ، ٣١٦ ، ٦)

إرجاء

ـ معنى الإرجاء نوعان : أحدهما : محمود ؛ وهو إرجاء صاحب الكبائر ، ليحكم الله تعالى فيهم بما يشاء ، ولا ينزلهم نارا ولا جنة ؛ لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء : ٤٨). والإرجاء المذموم هو الجبر ، أن ترجى الأفعال إلى الله تعالى ، لا يجعل للعبد فيه فعلا ولا تدبير شيء (من) ذلك (م ، ت ، ١٠٠ ، ١)

ـ ثم اختلف في المعنى الذي سمّي به من سمّي مرجئا بعد اتفاق أهل اللسان على / الإرجاء أنّه التأخير ، وعلى ذلك قوله : أرجه وأرجاه ، وقال : مرجون لأمر الله (م ، ح ، ٣٨١ ، ١٤)

ـ إنّ الإرجاء هو الوقف في الجواب والإمهال للنظر ، ثم لا يقطعون في أنفسهم القول بالإيمان بل يستثنون ، والثنيا إرجاء (م ، ح ، ٣٨٥ ، ٢)

ـ في العقل بيان معنى الإرجاء ، إذ هو الوقف في الأمر في أمر هو فعلهم (م ، ح ، ٣٨٥ ، ٥)

ـ الإرجاء بمعنى التأخير ، يقال : أرجيته ، وأرجأته ، إذا أخّرته. وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : " لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا" قيل : من المرجئة يا رسول الله؟ قال : " الذين يقولون الإيمان كلام" يعني الذين زعموا أنّ الإيمان هو الإقرار وحده دون غيره (ب ، ف ، ٢٠٢ ، ١٠)

ـ الإرجاء على معنيين : أحدهما : بمعنى التأخير كما في قوله تعالى : (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) (الأعراف : ١١١) ، أي أمهله وأخّره. والثاني : إعطاء الرجاء. أمّا إطلاق اسم المرجئة على الجماعة بالمعنى الأول فصحيح. لأنّهم كانوا يؤخّرون العمل عن النيّة والعقد. وأمّا بالمعنى الثاني فظاهر ، فإنّهم كانوا يقولون : لا تضرّ مع الإيمان معصية ، كما لا تنفع مع الكفر طاعة. وقيل الإرجاء تأخير حكم صاحب الكبيرة إلى يوم القيامة. فلا يقضي عليه بحكم ما في الدنيا ، من كونه من أهل الجنّة ، أو من أهل النار. فعلى هذا : المرجئة ، والوعيديّة فرقتان متقابلتان. وقيل الإرجاء : تأخير علي رضي الله عنه عن الدرجة الأولى إلى الرابعة. فعلى هذا المرجئة والشيعة فرقتان متقابلتان (ش ، م ١ ، ١٣٩ ، ٣)

أرزاق

ـ قالت المعتزلة إنّ الأجسام الله خالقها ، وكذلك الأرزاق ، وهي أرزاق الله سبحانه ، فمن غصب إنسانا مالا أو طعاما فأكله أكل ما رزق الله غيره ولم يرزقه إيّاه ، وزعموا بأجمعهم أنّ الله سبحانه لا يرزق الحرام كما لا يملّك الله الحرام ، وأنّ الله سبحانه إنّما رزق الذي ملّكه إيّاهم دون الذي غصبه (ش ، ق ، ٢٥٧ ، ٦)

ـ قال أهل الإثبات : الأرزاق على ضربين : منها ما ملّكها الله الإنسان ، ومنها ما جعله غذاء له وقواما لجسمه ، وإن كان حراما عليه فهو رزقه إذ جعله الله سبحانه غذاء له لأنّه قوّام لجسمه (ش ، ق ، ٢٥٧ ، ١١)

ـ إنّ الأرزاق من قبل الله عزوجل يرزقها عباده حلالا وحراما (ش ، ب ، ٢٨ ، ٣)

ـ قال أهل السنّة في الأرزاق بما هي عليه الآن وإنّ كل من أكل شيئا أو شربه فإنّما تناول رزقه ، حلالا كان أو حراما ، على خلاف قول من زعم من القدرية أنّ الإنسان قد يأكل رزق غيره (ب ، ف ، ٢٤١ ، ١٥)

ـ زعمت القدريّة أنّ الله عزوجل لم يقسّم الأرزاق إلّا على الوجه الذي حكم به من استحقاق المواريث ، وما فرض من سهام الصدقات لأهلها ، وما فرض من الغنائم لذوي القربى ومن ذكر معهم. وزعموا أنّ الإنسان قد يفوته ما رزقه الله عزوجل وأنّه قد يأكل رزق غيره إذا غصب شيئا وأكله. وأجازوا أن يزيد الرزق بالطلب وينقص بالتواني (ب ، أ ، ١٤٤ ، ١٢)

ـ قوله (العلّاف) في الآجال والأرزاق : إنّ الرجل إن لم يقتل مات في ذلك الوقت ولا يجوز أن يزاد في العمر أو ينقص. والأرزاق على وجهين : أحدهما : ما خلق الله تعالى من الأمور المنتفع بها يجوز أن يقال : خلقها رزقا للعباد ، فعلى هذا من قال : إنّ أحدا أكل أو انتفع بما لم يخلقه الله رزقا فقد أخطأ لما فيه أنّ في الأجسام ما لم يخله الله تعالى. والثاني : ما حكم الله به من هذه الأرزاق للعباد ، فما أحلّ منها فهو رزقه ، وما حرّم فليس رزقا ، أي ليس مأمورا بتناوله (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ١٨)

أرزاق هي لطف في التكليف

ـ اعلم أنّ ما يعلم من الأرزاق أنّه لطف في التكليف ، وأن المكلّف يفسد مع فقده ، فالواجب على القديم تعالى أن يرزقه العبد ، مكلّفا كان أو غير مكلّف ؛ لأنّه لا يمتنع أن يكون عطيّة الابن لطفا (من الأب) ، وهذا إنّما

يجب ؛ لأنّ تقدّم التكليف اقتضاه ؛ كما اقتضى وجوب التمكين بالآلات والقدر ، ولولاه لم يكن واجبا (ق ، غ ١١ ، ٤٦ ، ٢٠)

إرشاد

ـ الإرشاد والهداية واحد ، بل الهداية في حق التوفيق أقرب إلى فهم الخلق من الإرشاد بما هي أعم في تعارفهم (م ، ت ، ٢٤ ، ٥)

أركان

ـ إنّ العمل بالأركان عندنا داخل في مسمّى الإيمان ، أعني فعل الواجبات ، فمن لم يعمل لم يسمّ مؤمنا وإن عرف بقلبه وأقرّ بلسانه ، وهذا خلاف قول المرجئة من الأشعريّة والإماميّة والحشويّة. فإن قلت فما قولك في النوافل هل هي داخلة في مسمّى الإيمان أم لا ، قلت في هذا خلاف بين أصحابنا وهو مستقصى في كتبي الكلاميّة (أ ، ش ٤ ، ٣٤١ ، ١٧)

أرواح

ـ إنّ إبراهيم (النظّام) كان يزعم أنّ الأرواح جنس واحد (خ ، ن ، ٣٤ ، ١٢)

إزاحة العلة

ـ دخل تحت إزاحة العلّة القدرة وضروب التمكين والألطاف وما شاكلها مما يحتاج المكلّف إليه (ق ، ت ١ ، ٤ ، ٤)

ـ إنّ المكلّف لا بدّ من كونه ممكّنا بالآلات التي قد يحتاج إليها في بعض الأفعال وهو ما ذكرنا من قبل أنّ من تمام كونه قادرا أن يتمكّن من الآلة التي يحتاج إليها في الفعل. فيعدّ ذلك في إزاحة العلّة. وتمكينه منها قد يكون بأن تخلق له إذا لم يجد سبيلا إلى تحصيلها أصلا نحو اللسان واليد وما أشبههما. وقد يكون ممكّنا منها بأن يقدر على تحصيلها لنفسه. لكن ذلك إنّما يجوز أن يدخل تحت تكليفه إذا كان له في تكليف ذلك ضرب من الصلاح (ق ، ت ٢ ، ٢٦٢ ، ١٧)

أزل

ـ إنّ ماهيّة الحركة الانتقال من حالة إلى حالة ، وهذه الماهيّة تقتضي كونها مسبوقة بالغير ، والأزل عبارة عن نفي المسبوقيّة بالغير والجمع بينهما محال (ف ، أ ، ٣١ ، ١٠)

ـ الأزل : استمرار الوجود في أزمنة مقدّرة غير متناهية في جانب الماضي (ج ، ت ، ٣٨ ، ١٧)

أزلي

ـ الأزليّ : ما لا يكون مسبوقا بالعدم (ج ، ت ، ٣٨ ، ١٩)

أسامي الله

ـ إنّ الأسامي التي تسمّى بها الله تعالى أربعة أقسام : قسم : لا يدلّ إلّا على ذاته ، وهذا صادق أزلا وأبدا. الثاني : ما يدلّ على الذات مع زيادة سلب ، كالقديم فإنّه يدلّ على وجود غير مسبوق بعدم كالباقي فإنّه يدلّ على الوجود ، وسلب العدم عنه آخرا. وكالواحد فإنّه يدلّ على الوجود ، وسلب الشريك. وكالغنى فإنّه يدلّ على الوجود ، وسلب الحاجة ، فهذا أيضا يصدق أزلا وأبدا ، لأنّ ما يسلب عنه يسلب لذاته فيلازم الذات على الدوام. الثالث : ما يدلّ على الوجود ، وصفة زائدة عليه من صفات المعنى ، كالحي والقادر

والمتكلّم والعالم والمريد والسميع والبصير ، وما يرجع إلى هذه الصفات السبع ، كالآمر والناهي والخبير ، ونظائره. فذلك أيضا يصدق عليه أزلا وأبدا عند من يعتقد قدم جميع الصفات. الرابع : ما يدلّ على الوجود مع إضافة إلى فعل من أفعاله ، كالجواد والرازق ، والخالق ، والمعز ، والمذل ، وأمثاله. وهذا مختلف فيه ، فقال قوم هو صادق أزلا إذ لو لم يصدق لكان اتّصافه به موجبا للتغيّر. وقال آخرون لا يصدق إذ لا خلق في الأزل فكيف يكون خالقا؟ والكاشف للغطاء عن هذا أنّ السيف في الغمد يسمّى صارما وعند حصول القطع به ، وفي تلك الحالة على الاقتران يسمّى صارما ، وهما بمعنيين مختلفين ، فهو في الغمد صارم بالقوة ، وعند حصول القطع صارم بالفعل (غ ، ق ، ١٥٧ ، ٩)

أسباب

ـ قال أكثر المعتزلة المثبتين للتولّد : الأسباب موجبة لمسبّباتها (ش ، ق ، ٤١٢ ، ١٥)

ـ أسباب الأشياء لما هي لها كلما دامت أوجبت دوامها ، وفي ذلك لزوم القول بالوجود معها (م ، ح ، ٢٧١ ، ٩)

ـ الحال في الأسباب مختلفة. فإنّ فيها ما يجب التقدّم ولا تصحّ المقارنة كالنظر ، لأنّ مضامّته للعلم لا يصحّ بحال. وفيها ما يجب تقدّمه وإن كان تصحّ مضامّته لمسبّبه كالاعتماد. وفيها ما يجب مقارنته كالكون فيما يولّده. وجميع ذلك يستند إلى قدرة متقدّمة على السبب والمسبّب معا ، لأنّ عندنا أنّ القدرة عليهما واحدة (ق ، ت ٢ ، ١١٢ ، ٦)

ـ إنّ الأسباب الكثيرة لا يجوز أن تولد مسبّبا واحدا ؛ كما أن القدر الكثيرة لا يجوز أن نفعل بها مقدورا واحدا (ق ، غ ٧ ، ١٩٥ ، ١٤)

ـ إنّ كل ما يقدر العبد أن يفعله بسبب ، والقديم تعالى قادر على فعله بالسبب ، وأنّ الأسباب لا تختصّ في كونها أسبابا بقادر دون قادر ، وأن اختلاف أحوال الفاعلين لا تؤثّر في هذا الباب (ق ، غ ١٣ ، ٢٧٦ ، ٦)

ـ إنّ الأسباب الكثيرة لا تولّد متسببا واحدا ، لما يوجب أن يكون مقدور واحد بين قادرين ، ولما يلزم إذا وجد بعض الأسباب ، ولم يوجد البعض ، أن يكون ذلك المسبّب موجودا معدوما (ن ، م ، ٣٤٤ ، ١٨)

استبصار

ـ الاستبصار والتحقّق هو العلم بعد الشكّ (ش ، ق ، ٥٢٦ ، ١٣)

استتار

ـ الحركة والسكون والاستتار والظهور من صفات الأجسام دون الأعراض (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٨)

استحالة

ـ معنى الاستحالة إنّه حدوث شيء في المستحيل لم يكن فيه قبل ذلك صار به مستحيلا عن صفته المحمولة عليه إلى غيرها ، وهذا المعنى منفى عن الله تعالى أي أنّه تعالى يجلّ عن أن يكون حاملا لصفة عليه ، بل بذاته لم يفعل إن كان غير فاعل ، وبذاته فعل إن فعل ، ولا علّة لما فعل ولا علّة لما لم يفعل (ح ، ف ١ ، ٢٤ ، ١٣)

استحقاق

ـ إنّما يتصوّر الاستحقاق على الفاعل المختار إذا كان ممّن يتوقّع منه أو يصحّ منه أن يظلم ، فيمكن حينئذ أن يقال قد وجب عليه كذا

واستحقّ عليه كذا ، فأمّا من لا يمكن أن يظلم ولا يتصوّر وقوع الظلم منه ولا الكذب ولا خلف الوعد والوعيد فلا معنى لإطلاق الوجوب والاستحقاق عليه (أ ، ش ٣ ، ٣٠ ، ٢٦)

استحقاق الثواب

ـ أحد ما ذكروه أنّ التكليف لو حسن لكان إنّما يحسن ، لأنّه يؤدّي إلى استحقاق الثواب ، والثواب لا يستحقّ بأن يفعل الفاعل ما لزمه ووجب عليه ، كما لا يستحقّ الشكر بذلك ، وإنّما يستحقّه بالفعل الذي بمثله يستحقّ الشكر. ولو كلّفه تعالى لوجب أن يقرّر في عقله وجوب الواجبات ، ولا يصحّ أن يستحقّ بفعله الثواب. وفي هذا إبطال حكمة التكليف ، وإيجاب حكم الابتداء بالتفضّل. وهذا باطل ؛ لأنّ وجوب الواجب لو أثّر في استحقاق الثواب به لوجب أن يؤثّر في استحقاق المدح به. ولو كان من حيث لا يستحقّ به الشكر يجب ألّا يستحقّ به الثواب لوجب ألّا يستحقّ به المدح والتعظيم ؛ لهذه العلّة ، وفساد ذلك يبيّن بطلان ما قاله (ق ، غ ١١ ، ١٤٠ ، ٧)

ـ إنّ استحقاق الثواب لا يتبع كون الواجب واجبا ، ولذلك يستحقّ الثواب على ما ليس بواجب ، كالمرغّب فيه ، وإنّما يتبع كونه واجبا أو قربة إذا لحق فاعله للعلّة مشقّة ، وإن كان طريق العلم باستحقاق الثواب هو علمنا بأنّ الحكيم إذا أوجب ما على الفاعل فيه مشقّة فلا بدّ من ثواب مستحقّ به ، وإلّا قبح منه الإيجاب ، وذلك يصحّح كون الفعل واجبا على من يستحيل أن يستحقّ الثواب ، كما لو فعل أحدنا الواجب ولا يلحقه بفعله مشقّة لا يستحقّ المدح ولا يستحقّ الثواب (ق ، غ ١١ ، ١٤١ ، ٤)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ استحقاق الثواب وغيره بالفعل لا يرجع إلى جنسه ، ويصحّ حصول المنع فيه فلا يمتنع حصول الواجب ممّن لا يستحقّ به الثواب إذا لم يصحّ وقوعه منه على الوجه الذي يستحقّ الثواب به. فأمّا المدح فإنّما وجب تساوي جميع الواجبات فيه ، لأنّه يتبع كون الفعل واجبا أو ندبا أو تفضّلا ، لحق الفاعل بفعله مشقّة أو لم يلحق. فلذلك يستحقّ تعالى المدح كما يستحقّه الواحد منّا وإن لم يصحّ أن يستحقّ الثواب لما بيّناه (ق ، غ ١١ ، ١٤١ ، ١٠)

ـ إن استحقاق الثواب بالفعل لا يكون وجها لوجوبه ، لأنّه إنّما يستحقّ به إذا انفرد وجوبه وتقدّم ، فيجب أن يكون وجه وجوبه أمر يرجع إليه دون الثواب. فلأنّه قد يستحقّ الثواب بالفعل لا يكون وجها لوجوبه ، لأنّه إنّما يستحقّ به إذا انفرد وجوبه وتقدّم. فيجب أن يكون وجه وجوبه أمر يرجع إليه دون الثواب. فلأنّه قد يستحقّ الثواب بالفعل ، وإن لم يكن واجبا عليه ؛ ولو كان وجها لوجوبه ، لوجب اتفاق جميع ما يستحقّ به الثواب في الوجوب (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٥ ، ١٤)

ـ إن قال : أليس قد يستحقّ الثواب على ما ليس بواجب؟ قيل له : لم نقل إنّه لا يستحق إلّا على الواجب ، فلا يمتنع أن يستحق عليه ، وعلى النفل أيضا (ق ، غ ١٥ ، ٦٦ ، ٩)

ـ إن قلت : أما يشترط في استحقاق الثواب بالإيمان والعمل الصالح أن لا يحبطهما المكلّف بالكفر والإقدام على الكبائر ، وأن لا يندم على ما أوجده من فعل الطاعة وترك

المعصية فهلّا شرط ذلك؟ قلت : لما جعل الثواب مستحقّا بالإيمان والعمل الصالح والبشارة مختصّة بمن يتولّاهما ، وركّز في العقول أنّ الإحسان إنّما يستحقّ فاعله عليه المثوبة والثناء إذا لم يتعقّبه بما يفسده ويذهب بحسنه ، وأنّه لا يبقى مع وجود مفسده إحسانا ، وأعلم بقوله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو أكرم الناس عليه وأعزّهم (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر : ٦٥) وقال تعالى للمؤمنين (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) (الحجرات : ٢) كان اشتراط حفظهما من الإحباط والندم كالداخل تحت الذكر (ز ، ك ١ ، ٢٥٧ ، ٣)

استحقاق الثواب إلى إيجاب موجب

ـ قد ذكر شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ أن من يفعل الحسن لا لحسنه في عقله لا يستحقّ به الثواب ، لأنّه يصير في حكم المبتدئ بالفعل. فكما لو ابتدأه من غير إيجاب وتكليف لم يستحقّ الثواب به فكذلك إذا فعله لا للوجه الذي وجب. وهذا بيّن في الثواب من حيث يرجع استحقاقه (الثواب) إلى إيجاب الموجب وليس كذلك المدح ، ولذلك يستحقّه القديم ـ تعالى ـ كالواحد منّا (ق ، غ ١١ ، ٥١٤ ، ٦)

استحقاق الثواب بألا يفعله

ـ من شرط استحقاقه الثواب بألّا يفعله : أن يلحقه ما يجري مجرى المشقّة بألّا يفعله ، ولا يكون كذلك إلّا بأن يكون مشتهيا له ، ويعلم ذلك من حاله ، أو يعتقد ذلك فيه ، ويظنّه أو يسرّه ذلك ، أو يعتقد ذلك فيه ، أن يعتقده في وقوعه أنه يقترن به النفع أو السرور ، أو يؤدّي إلى ذلك ، فمتى حصل ما ذكرناه ، استحقّ الثواب بألّا يفعله (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٨ ، ١٩)

استحقاق الذمّ

ـ إنّ استحقاق الذمّ يتبع وجود الفعل ، أو أن يكون في الحال بمنزلة الموجود بأن يكون المعلوم أنّه يوجد عن السبب. فأمّا على غير هذا الوجه فإنّه لا يستحقّ الذمّ به (ق ، غ ٩ ، ٧٠ ، ٢٠)

ـ في كيفية استحقاق الذمّ على ألّا يفعل القادر ما وجب عليه. من شرطه أن يكون ما لم يفعله واجبا عليه ، وأن يكون عالما بذلك من حاله ، أو ممكّنا من معرفة ذلك. ومع ذكر الوجوب يستغنى عن اشتراط التخلية ، لأنّه متى لم يكن مخلّى ، فالفعل لا يكون واجبا عليه ، وقد ثبت أيضا أنه لا يجب الواجب على من لا يعلم وجوبه ، أو لا يتمكّن من معرفة ذلك ، فلو اقتصر على ذكر الوجوب لكفي ، لكنّا ذكرناه لأنه يوهم ترك خلاف ما يعتقده ، ولا يجب أن يشترط في ذلك ألّا يفعله من حيث كان واجبا ، لأنّه كان يجب في المتمكّن إذا يستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٤ ، ١٨٠ ، ١١)

ـ اعلم أنّ العقلاء يعلمون من حال من لم يفعل ما وجب عليه ، أنّه يستحقّ الذمّ ، ويحسن لومه ، كما يعلمون ذلك من حال من علموه فاعلا للقبيح ، مع علمه بقبحه ، أو تمكّنه من معرفة قبحه (ق ، غ ١٤ ، ٢٣٢ ، ١٩)

ـ إن من لم يفعل ما وجب عليه ، يستحقّ الذمّ ، ويحسن لومه لأنّه لم يفعل الواجب (ق ، غ ١٤ ، ٢٣٥ ، ٢)

ـ من لم يفعل القبيح يستحقّ المدح ، كما أنّ من

لم يفعل الواجب يستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٤ ، ٢٦٣ ، ٦)

ـ دللنا على أنّه إذا لم يفعل الواجب ، فهو في الحكم بمنزلة من فعل القبيح ، على شرائط مخصوصة ، في أنّه يستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٤ ، ٢٧١ ، ٣)

ـ إنّ استحقاق الذمّ يعلم من جهة الفعل ، واستحقاق المدح على الطاعات في الأخبار لا يصلح عقلا ، وإنّما يعلم ذلك من جهة السمع ، فلو وجب ألا يزول عن الذم بالتوبة إلّا بهذه الطريقة لوجب ألّا يمدح أهل الصلاة إلّا بهذه الطريقة ، ولو كان كذلك لما صحّ لأهل العقول أن يمدحوا أحدا على وجه من الوجوه (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٨٥ ، ١٧)

استحقاق الذم على القبح

ـ أمّا القبيح فإنّه مستحقّ الذمّ لوجهين فقط : أحدهما أن يكون قبيحا والثاني أن يكون عالما بقبحه أو متمكّنا من معرفة قبحه فيصحّ منه التحرّز من فعله مع العلم ومع التمكّن. والخلاف في أنه يجب أن يشرط في ذلك أن يكون فاعله كامل العقل (ق ، غ ١١ ، ٥١٥ ، ١١)

استحقاق العقاب

ـ إنّ الواحد منّا إنّما صحّ أن يستحقّ العقاب على القبيح دون القديم سبحانه ، لأنّ ما أوجب استحقاقه لذلك يختصّ به دونه ، وما أوجب قبح القبيح قد حصل في فعله كحصوله في فعلنا ، فيجب القضاء بقبحه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٦ ، ٣)

ـ اعلم ، أنّ المسبّب يستحقّ فاعله عليه العقاب ، لا أنّه يستحقّ على السبب زيادة عقاب لأجله. فإذا صحّ ذلك ، فيجب أن يعتبر دخوله في استحقاق العقاب عليه أن يوجد ، كما يعتبر ذلك في نفس السبب. وليس كذلك الحال في العقاب الذي يستحقّه على فعله ويعظم استحقاقه عليه لأجل فعل غيره ، نحو من سنّ سنّة سيّئة يعلم أنّه يقتدى به فيها ويعمل بها في المستقبل لأجل فعله لها. لأنّ في هذا الوجه إنّما يستحقّ العقوبة على فعله لا على فعل من اقتدى به ، ويصير فعل غيره وجها يعظم فعله. ففي هذا الباب لا يعتبر وقوع الأمر الذي به يعظم ، بل العلم بأنّه سيقع كوقوعه في أنّه يعظم به لا محالة (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٧ ، ٦)

استحقاق العقاب بترك النظر

ـ قد استدلّ شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، على استحقاق العقاب بترك النظر ، بأنّه لو لم يكن كذلك لكان تعالى مغريا للمكلّف بتركه ، من حيث شهّى إليه القبيح وبعّد نفسه عن الواجب وقرّر في عقله أنّ لا مضرّة عليه في ترك الواجب وفعل القبيح ؛ والإغراء بالقبيح وترك الواجب لا يقع من حكيم (ق ، غ ١٢ ، ٤٤٨ ، ١١)

استحقاق العقاب بالقبيح

ـ قد ثبت أنّ الكبيرة إنّما تستحقّ ذلك (العقاب) فيها ، لقبحها لا لكبرها ، والصغير قد شاركه في ذلك ، ولأنّ كونه صغيرا إنّما يؤثّر في الشرط الذي قلنا إنّه مانع من تقرّر المستحقّ ، فلا يصحّ كونه شرطا في أصل الاستحقاق. وأمّا استحقاق العقاب بالقبيح ، فشرطه ما ذكرناه ، وأن يكون فاعله ممن يشقّ عليه مجانبة القبيح ،

أو يجري مجرى الشاق ، فمتى كان هذا حاله يستحقّ العقاب ، ولا يجوز أن يشرط فيه سائر ما قدّمنا أنّه لا يشرط في الذمّ ، لما تقدّم من الجواب. فإن قيل : ولما ذا أردتم فيه الشرط الثالث؟ قيل : لأنّه قد ثبت أنّه تعالى لو فعل القبيح لاستحقّ الذمّ ، ولم يستحقّ العقاب ، لمّا لم يصحّ عليه طريقة المشاقّ. فإن قال : هلّا جعلتم الشرط الزائد : " وأنّه ممن يصحّ العقاب عليه" كما ذكره المشايخ في الكتب؟ قيل له : لأنه لا يجوز أن يشترط في الاستحقاق صحّة فعله فقط ؛ لأنه لا بدّ مع ذلك من وجه لأجله يستحقّ ذلك ، وهو الذي قدّمناه (ق ، غ ١٤ ، ١٧٥ ، ٥)

استحقاق العقاب على ما لم يوجد

ـ إنّه قد تقرّر في العقل أنّ من فعل القبيح وهو عالم بقبحه وعالم بأنّه معصية للمنعم عليه ، يكون ذنبه أعظم من ذنب من أقدم عليه والحال بخلافه. ولسنا نجعل ما يعظم به الفعل مما يتعلّق به ، ألا ترى أنّا قد نوجب عظم العقل بأمور ترجع إلى غيره ، كنحو تأسّي الغير به فيما سنّه من قبيح أو حسن؟ فإذا جاز ، فيما لا يتعلّق به أصلا ، أن يكون وجها لعظم الفعل ، لم يمتنع مثل ذلك في علمه بقبح المعصية. وليس كذلك حال ما يتعلّق التكليف به ، لأنّ من شأنه أن يكون متّصلا بفعله وبحاله ، ولا يقوم فعل غيره في ذلك مقامه. فإذا تمكّن من أن يعلم القبيح ، فلم يعلمه ، وأقدم عليه ، استحقّ العقوبة ، لكن فقد علمه ببعض عقاب القبيح (ق ، غ ١٢ ، ٣١٤ ، ٢)

ـ إنّما يتوصّل بالسبب إلى إيجاد المسبّب. فإذا فعله وخرج المسبّب من أن يكون مقدورا له ، صار في حكم الموجود الواقع فاستحقّ العقاب به وإن لم يوجد ، لأنّه قد حصل في حكم الموجود بوجود سببه. يبيّن ذلك أنّه بعد إيجاد السبب لو رام أنّه لا يوجده لوجد لا محالة ، ولا يتعلّق وجوده باختياره ؛ ولو عجز بعد وجود المسبّب أو مات كان لا يخلّ ذلك بوجود المسبّب. فمن هذا الوجه صار في حكم الواقع فاستحقّ به العقاب ، وهذا بمنزلة قولنا : إنّه إذا أمر غلامه بالعطيّة ، وأعطى ، فإنّه يستحقّ الشكر ؛ وإن كانت العطية من فعل غلامه ، لما صارت كأنها من قبله ولما أثّرت في التمليك بأمره فجلب محل فعله في الحقيقة واستحقّ الثواب بها. فكذلك القول في استحقاق العقاب على ما لم يوجد من المسبّب عند وجود السبب (ق ، غ ١٢ ، ٤٦٨ ، ٥)

استحقاق العقوبة

ـ إنّه قد تقرّر في العقل أنّ من فعل القبيح وهو عالم بقبحه وعالم بأنّه معصية للمنعم عليه ، يكون ذنبه أعظم من ذنب من أقدم عليه والحال بخلافه. ولسنا نجعل ما يعظم به الفعل مما يتعلّق به ، ألا ترى أنّا قد نوجب عظم العقل بأمور ترجع إلى غيره ، كنحو تأسّي الغير به فيما سنّه من قبيح أو حسن؟ فإذا جاز ، فيما لا يتعلّق به أصلا ، أن يكون وجها لعظم الفعل ، لم يمتنع مثل ذلك في علمه بقبح المعصية. وليس كذلك حال ما يتعلّق التكليف به ، لأنّ من شأنه أن يكون متّصلا بفعله وبحاله ، ولا يقوم فعل غيره في ذلك مقامه. فإذا تمكّن من أن يعلم القبيح ، فلم يعلمه ، وأقدم عليه ، استحقّ العقوبة ، لكن فقد علمه ببعض عقاب القبيح (ق ، غ ١٢ ، ٣١٤ ، ٢)

استحقاق العقوبة بالفعل

ـ إنّما أنكرنا القول بأنّ فاعل السبب يستحقّ عقوبة المسبّب وهو غير واقع ، فقلنا : إذا كان لو وقع على الوجه الذي لا يقبح لم تستحقّ به العقوبة ، فكذلك إذا لم يقع. وكما ينظر في استحقاق العقوبة بالفعل أن يقع على الوجه الذي يقبح ، حتى لو وقع في أوّله لا على الوجه الذي يقبح ، ثم انتهى إلى أن يحصل على الوجه الذي يقبح ، لم يجب أن تستحقّ به العقوبة في الأوّل ؛ فكذلك القول فيه ، ما دام معدوما غير واقع. ألا ترى أن من جوّز البقاء على الاعتقاد ، فلا بدّ من أن يقول في التقليد إذا ضامّه العلم المجانس له أن يصير علما فيستحقّ عنده عليه المدح ، ومن قبل ما كان يستحقّ ؛ فكذلك القول فيما ذكرناه. ولم نورد هذه المسألة إلّا على جهة التقدير ، لأن في جواز ذلك في الاعتقاد خلافا كبيرا (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٦ ، ١٧)

استحقاق المدح

ـ قد ذكر شيخنا أبو عبد الله ـ رحمه‌الله ـ أنّ المدح قد يستحقّ بالواجب إذا كان فاعله عالما أو ممكّنا من العلم به ، وأجرى ذلك مجرى القبيح. وكأنّه أشار بالتمكين من العلم به إلى بعض الشرائع ، وهذا مما أباه شيوخنا رحمهم‌الله ؛ لأنّهم أوجبوا في استحقاق المدح أن يكون فاعلا للواجب لما له وجب ، ولا يكون كذلك إلا مع العلم بصفته ، فضلا عن العلم به ؛ لأنّهم أبطلوا اعتبار الاعتقاد الذي ليس بعلم في هذا الباب وفصلوا بذلك بين ما يستحقّ به المدح وبين ما يستحقّ به الذمّ (ق ، غ ١١ ، ٥١٢ ، ١٣)

ـ أمّا الوجه الذي يجب أن يوجد الفعل عليه ليصحّ استحقاق المدح (على وجه الفعل) فأن يفعله لحسنه في عقله ، لا لمنفعة ولا دفع مضرّة ، ولا لوجه يفعل له الفعل ؛ لأنه متى فعله لا لغرض كان عبثا فلا يصحّ أن يستحقّ المدح به ، ومتى فعله للنفع أو لدفع المضرّة لم يستحقّ به المدح ؛ لأنه قد ثبت أن كل فعل انتفع فاعله به ودفع به المضرّة لا يستحقّ به المدح كالأكل والشرب وغيرهما (ق ، غ ١١ ، ٥١٣ ، ٥)

ـ أمّا استحقاق المدح لأنّه لم يفعل القبيح فيجب أن يشترط فيه التخلية ، لأنّ الملجأ إلى ألّا يفعل الشيء لا يستحقّ المدح به ، ويجب أن يكون عالما بصفة ما لم يفعله ويكون كامل العقل على ما قدّمنا القول فيه. ويجب ألّا يفعل القبيح لقبحه (ق ، غ ١١ ، ٥١٤ ، ٢٠)

ـ من لم يفعل القبيح يستحقّ المدح ، كما أنّ من لم يفعل الواجب يستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٤ ، ٢٦٣ ، ٥)

ـ إنّ استحقاق الذمّ يعلم من جهة الفعل ، واستحقاق المدح على الطاعات في الأخبار لا يصلح عقلا ، وإنّما يعلم ذلك من جهة السمع ، فلو وجب ألا يزول عن الذم بالتوبة إلّا بهذه الطريقة لوجب ألّا يمدح أهل الصلاة إلّا بهذه الطريقة ، ولو كان كذلك لما صحّ لأهل العقول أن يمدحوا أحدا على وجه من الوجوه (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٨٥ ، ١٧)

استحقاق المدح والثواب

ـ أمّا استحقاق المدح والثواب على ألّا يفعل ، فمن شرطه فيما لا يفعله ، أن يكون قبيحا. ومن حقّه أن يكون متمكّنا من فعله ، مخلّى بينه وبين ، والإلجاء زائل ، ويجب أن يكون عالما

بقبحه ، وألّا يفعله من حيث كان قبيحا ، لأنه لو لم يفعله لغرض سواه ، لم يستحقّ المدح ، ولذلك لم يجوّز أن يقوم التمكّن من معرفة قبحه مقام العلم بقبحه ، لأنّه لا يصحّ معه أن يكون غير فاعل له لقبحه (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٨ ، ١٤)

استخبار

ـ إنّ معنى السؤال وحقيقته هو الاستخبار ومعنى الاستخبار طلب الخبر. وذلك على وجهين ، أحدهما استعلام والثاني تقرير وتذكير وتنبيه على ما يبنى عليه بعد. واعلم أنّه لا بدّ أن تعلم أنّ هذا التحديد إنّما يقع للسؤال المستعمل في الجدل ، وذلك أنّه إن جعل ذلك حدّا لنوع السؤال انتقض لوجود سؤال ليس باستخبار ، كنحو سؤال العبد ربّه تعالى إذا قال" ربّ اغفر وارحم" ، فإنّ هذا هاهنا ممّا يسمّيه أهل اللغة سؤالا وليس باستخبار. ولكنّه إنّما يطلق ذلك في باب الجدل على معنى ما هو مستعمل في الجدل ، فيكون تقدير معناه السؤال الجدليّ والسؤال الذي وضع للاستعلام أو للتقرير فهو نفس الاستخبار (أ ، م ، ٢٩٤ ، ١٢)

ـ أمّا الاستخبار فهو دلالة على أنّ في النفس طلب معرفة (غ ، ق ، ١١٨ ، ٩)

استدلال

ـ إن قال قائل زيدوني وضوحا في صحّة النظر ، قيل له قول الله تعالى مخبرا عن إبراهيم عليه‌السلام لمّا رأى الكوكب (قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) (الأنعام : ٧٦ ـ ٧٧) فجمع عليه‌السلام القمر والكوكب في أنّه لا يجوز أن يكون واحد منهما إلها ربّا لاجتماعهما في الأفول. وهذا هو النظر والاستدلال الذي ينكره المنكرون وينحرف عنه المنحرفون (ش ، ل ، ٩ ، ١٥)

ـ إنّ الله جلّ ثناؤه جعل السبب الذي به درك كل خارج عن الحسن وجهين : أحدهما الاستدلال بالذي عاين إذا اتصل الغائب بالذي عاين كاتصال دخان بالنار ، وضياء الشمس بها ، وكاتصال أثر الفعل بالفاعل نحو الكتابة والبنيان ونحو ذلك. والثاني الخبر ينبئ عن حال ذلك نحو البلدان النائية والأحوال المتغيرة والأمور النازلة ، معروف ذلك عند جميع العقلاء ، وبذلك معرفة الإنسان الأجناس والفصول والأنواع ، وأنواع الطب واللسان وعلوم الصناعات والحروب وغير ذلك (م ، ح ، ١٨٣ ، ١٤)

ـ إن قال قائل : فعلى كم وجه ينقسم الاستدلال؟ قيل له : على وجوه يكثر تعدادها : فمنها : أن ينقسم الشيء في العقل على قسمين أو أقسام يستحيل أن تجتمع كلّها في الصحة والفساد ، فيبطل الدليل أحد القسمين ، فيقضي العقل على صحة ضدّه ؛ وكذلك إن أفسد الدليل سائر الأقسام صحّح العقل الباقي منها لا محالة ؛ نظير ذلك علمنا باستحالة خروج الشيء عن القدم والحدث ؛ فمتى قام الدليل على حدثه بطل قدمه ، ولو قام على قدمه لأفسد حدثه. ومنها أن يجب الحكم والوصف للشيء في الشاهد لعلّة ما ، فيجب القضاء على أنّ من وصف بتلك الصفة في الغائب فحكمه في أنّه مستحقّ لها لتلك العلّة حكم مستحقّها في الشاهد ؛ لأنّه يستحيل قيام دليل على مستحقّ الوصف بتلك الصفة مع عدم ما يوجبها ؛ وذلك

كعلمنا أن الجسم إنما كان جسما لتأليفه ، وأن العالم إنما كان عالما لوجود علمه ؛ فوجب القضاء بإثبات علم كل من وصف بأنه عالم ، وتأليف كل من وصف بأنه جسم أو مجتمع لأنّ الحكم العقلي المستحقّ لعلة لا يجوز أن يستحقّ مع عدمها ولا لوجود شيء يخالفها ؛ لأنّ ذلك يخرجها عن أن تكون علة للحكم. ومن ذلك أن يستدلّ بصحة الشيء على صحة مثله ، وما هو في معناه ، وباستحالته على استحالة مثله وما كان بمعناه ، كاستدلالنا على إثبات قدرة القديم ، سبحانه ، على خلق جوهر ولون مثل الذي خلقه ، وإحياء ميت مثل الذي أحياه ، وخلق الحياة فيه مرة أخرى بعد أن أماته ، وعلى استحالة خلق شيء من جنس السواد والحركات لا في مكان في الماضي كما استحال ذلك في جنسهما الموجود في وقتنا هذا. وقد يستدل بتوقيف أهل اللغة لنا على أنّه لا نار إلا حارة ملتهبة ، ولا إنسان إلا ما كانت له هذه البنية على أن كل من خبّرنا من الصادقين بأنّه رأى نارا أو إنسانا ، وهو من أهل لغتنا ، يقصد إلى إفهامنا أنّه ما شاهد إلّا مثل ما سمّي بحضرتنا نارا أو إنسانا ، لا نحمل بعض ذلك على بعض ، لكن بموجب الاسم ، وموضوع اللغة ، ووجوب استعمال الكلام على ما استعملوه ، ووضعه حيث وضعوه. وقد يستدلّ بالمعجزة على صدق من ظهرت على يده. لأنّها تجري مجرى الشهادة له ؛ ويستدل على صدق المخبر الذي أخبر عنه النبي ، صلى الله عليه ، أنّه لا يكذب ؛ وكذلك يستدل بخبر من خبّر عن صدقه صاحب المعجزة على صدق من أخبر عنه أنّه لا يكذب. وقد يستدل أيضا على بعض القضايا العقلية وعلى الأحكام الشرعية بالكتاب ، والسنّة وإجماع الأمة والقياس الشرعي المنتزع من الأصول المنطوق بها ، وما جرى مجرى القياس على العلّة من ضرب الاجتهاد الذي يسوغ الحكم بمثله من الشرع على مذهب القائسين (ب ، ت ، ٣٨ ، ٥)

ـ أمّا الاستدلال والنظر فهو تقسيم المستدل وفكره في المستدل عليه وتأمّله له ؛ وقد يسمى ذلك أيضا دليلا ودلالة ، مجازا واتساعا لما بينهما من التعلق. وقد تسمّى العبارة المسموعة التي تنبئ عن استدلال القلب ونظره وتأمّله نظرا واستدلالا ، مجازا واتساعا لدلالتها عليه (ب ، ت ، ٤٠ ، ١)

ـ أمّا سبيل العلم بكلام الذراع وتسبيح الحصى وحنين الجذع وجعل قليل الطعام كثيرا وأشباه ذلك من أعلامه ، عليه‌السلام فهو نظر واستدلال لا اضطرار (ب ، ت ، ١١٥ ، ١٠)

ـ إنّ الاستدلال هو : نظر القلب المطلوب به علم ما غاب عن الضرورة والحس (ب ، ن ، ١٥ ، ٦)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الاستدلال له معنيان ، أحدهما انتزاع الدلالة والثاني المطالبة بالدلالة. فأمّا إذا كان انتزاعا للدلالة واستنباطا لها فإنّه قد يصحّ من واحد ويكون ذلك حال المفكّر والناظر. وأمّا إذا كان الاستدلال بمعنى المطالبة بالدلالة فإنّه يكون مقتضيا لاثنين مطالب بالدلالة ومطالب بها. وكان يقول إنّ المستدلّ عليه هو المحكوم به وهو الحكم. وكان يقول إنّ الاستدلال هو النظر والفكرة من المفكّر والمتأمّل ، وهو الاستشهاد وطلب الشهادة من الشاهد على الغائب (أ ، م ، ٢٨٦ ، ١٣)

ـ أمّا ما معه يصحّ الاستدلال فهو أن يمكن اعتقاد ما نستدلّ عليه ، وأن يكون من باب ما لا يعرفه المستدلّ إمّا ضرورة أو بدلالة ، وأن يجد إلى الدليل سبيلا لأنّه قد يجوز أن يمكن اعتقاده ولا يعرفه أصلا ، ولكن يتعذّر إيراد دلالة عليه من حيث يكون من الأمور المغنية عنّا ، فلا يوجد إلى الدليل الذي يدلّ عليه سبيل. فمتى اجتمعت الشروط الثلاثة أمكن الاستدلال وإن افتقر صحّة استدلاله ونظره حتى يحصل له العلم إلى ما هو مذكور في موضعه من شرائط النظر. ثم يكون النظر فيما سبيله ما قدّمناه هو على الوجهين اللذين ذكرناهما من طريقة النظر والدلالة (ق ، ت ١ ، ١٦٧ ، ١٧)

ـ إنّ الذي يجب أن يعتمد أنّا نعلم باضطرار مفارقة الفاعل للجماد ، في الوجه الذي نعلم من حاله باضطرار وهو صحّة قصده إلى تصرّفه ووقوعها بحسب قصده. فأمّا ما لا يعلم من حال الفاعل منّا إلّا بالاستدلال فهو أنّ العلم الضروريّ بأنّه مفارق فيه للجماد بحال محال ، لأنّ إثبات تلك الصفة للمريد منّا إذا لم يعلم إلّا باكتساب ، فكيف يعلم باضطرار انتفاءها عن غيره؟ (ق ، غ ٨ ، ٧ ، ٨)

ـ حكى عنه (أبو علي) أنّه (أبو الهذيل) قال : في المعرفة : إنّها الاستدلال ، لأنّ العارف لا بدّ من كونه مستدلّا. وأفسد ذلك ، بأنّه قد يتعذّر عليه الاستدلال ، وإن عرف وعلم ؛ وقد يستدلّ على الشيء ، وهو غير عارف به. وذكر ، أنّ الاستدلال هو الفكر والنظر ؛ فإذا لم يكونا من العلم بسبيل ، فكذلك الاستدلال. والاستدلال والفكر لا يصحّ إلّا وقد تقدّم علمه بالدليل ، وهو غير عالم بالمدلول ؛ وإن كان علما ، لم يصحّ ، لتقدّمه على الاستدلال ؛ وإن كان علما بالمدلول ، لم يصحّ ، لاستحالة كونه عالما في تلك الحال (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٢)

ـ اعلم ـ أنّ للاستدلال في العقل صورة ، وهو أن يعلم الحكم ويعرف أنّه لو لا غيره لما ثبت ، فيجعل ذلك طريقا لمعرفة ذلك الغير ، لا على الطريق المقايسة ؛ وعلى هذا الوجه قلنا : إنّ تصرّف الفاعل ، ووجوب وقوع أفعاله بحسب دواعيه وإرادته ، يدلّ على أنّه حدث من جهته ، وعلى أنّه قادر عليه ؛ ومثل هذه الصورة قد يحصل في الشرعيات ، فكما لا يمتنع التعبّد بالقياس لصحّته فيها ؛ فكذلك القول في الاستدلال. وقد يكون في العقليّات ما يعرف من طريق الاستدلال ، ويتعلّق بغالب الظنّ فغير ممتنع مثله في الشرعيّات ، وإن كان لا بدّ في الشرعيّات من أصول شرعيّة ، كما لا بدّ في العقليّات من أصول عقليّة (ق ، غ ١٧ ، ٢٨١ ، ١٣)

ـ إنّ الاستدلال هو ترتيب علوم يتوصّل به إلى علم آخر. فكل ما وقف وجوده على ترتيب علوم ، فهو مستدلّ عليه. والعلم الواقع بالتواتر ، هذه سبيله (ب ، م ، ٥٥٢ ، ١٢)

ـ إنّ من حق الاستدلال أن لا يسبق العلم بالمدلول قبل الدلالة (ن ، د ، ٥٤٨ ، ١٣)

ـ إنّا نعلم في الجملة ، أنّ القادر يصحّ منه الفعل على وجه الاضطرار ، فيصحّ في كيفيّته أن يعلم على وجه الاضطرار ، ولا يعلم ماله يصير الجبل ثقيلا ، وماله تصير الخردلة لها حظ من الثقل. فكلّ ذلك يعلم باستدلال ، ولهذا صحّ في كثير من المتكلّمين ، أن يقولوا في هذه الحركات أنها مبتدأة ، لا أنّها واجبة عن اعتماد في الجسم ، حتى جوّز شيخنا أبو علي فيما يتحرّك بالرياح الشديدة ، أنّه مبتدأ وليس

بمتولّد. وفي المتكلّمين عالم ينفون التولّد أصلا (ن ، م ، ٢٣١ ، ١٢)

ـ يقال في الاستدلال ، أنّه يرد إلى ما يتعلّق النظر به ، فيكون العلم بالمدلول مردودا إلى العلم بالدلالة (ن ، م ، ٣١٣ ، ١٦)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ ما يعلم باستدلال ، لا يجوز أن يعلم باضطرار ، وكذلك حال ما يعلم باضطرار ، في أنّه لا يجوز أن يعلم باستدلال. وذهب شيوخنا إلى أنّ كل ما يعلم باستدلال ، يجوز أن يعلم باضطرار ، ويجوز في بعض ما يعلم باضطرار أن يعلم باستدلال (ن ، م ، ٣٣٠ ، ١٤)

ـ قد ذكر بعض من ينسب إلى البغداديين أنّ الاستدلال والاستنباط هو ضمّ معلوم إلى معلوم لتنتج البديهة منهما معلوما (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٢)

ـ إنّ الاستدلال هو النظر المؤدّي إلى المعرفة ، لأنّ هذا السبر يفيد الطلب في اللغة ، فيجب أن يكون المراد به ما ذكرناه (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٤)

ـ قالوا (المعتزلة) إنّ الاضطرار ما علم بالحواس أو بأوّل العقل ، وما عداه فهو ما عرف بالاستدلال (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١٥)

ـ الاستدلال : تقرير الدليل لإثبات المدلول سواء كان ذلك من الأثر إلى المؤثّر فيسمّى استدلالا إنّيا ، أو بالعكس ويسمّى استدلالا لمّيا ، أو من أحد الأثرين إلى الآخر (ج ، ت ، ٣٩ ، ٧)

ـ الاستدلال هنا : التعبير عمّا اقتفى أثره وتوصّل به إلى المطلوب. ويسمّى ذلك التعبير دليلا وحجّة إن طابق الواقع ما توصل به إليه ، وإلّا فشبهة ، ويعرف كونه شبهة بإبطاله بقاطع في القطعيّات والظنّيات معا ، أو ظنّي يستلزمه الخصم ، أو يدلّ على صحّة كونه دليلا ، قاطع في الظنّيات لا بغيرها (ق ، س ، ٥٧ ، ١٥)

استدلال بالتمانع

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الاستدلال على التوحيد بالتمانع في المراد إنّما يصحّ على أصولنا ، إذا قلنا إن أحدهما إذا لم يتمّ مراده كان عاجزا ، والعجز نقص ودليل للحدث. فأمّا المعتزلة فلا يصحّ لهم ذلك إذا أجازوا أن لا يتمّ مراده من عبده في طاعته له فلا يلحقه نقص بذلك على أصولهم (أ ، م ، ٧٥ ، ٢١)

استدلال بالدلالة

ـ نحن إنّما اعتبرنا تساوي الجملتين في سائر صفاتهما لنعلم أنّ صحّة الفعل لا تستند إلّا إلى كون من صحّ منه قادرا دون صفة أخرى. فإذا علمنا أنّ صحّة الفعل مستندة إلى هذه الصفة وأنّها إنّما ثبتت لأجل تلك الصفة ، حتى لولاهما لما ثبتت ، قلنا بعد ذلك في كل موضع وجد هذا الحكم وجب أن يكون هناك مثل تلك الصفة ، لأنّ طريق الاستدلال بالدلالة لا يختلف. ولو أمكننا أن نعلم هذا الحكم من دون اعتبار التساوي لما اعتبرنا التساوي ، ويمكن أن أحدنا يعلم ضرورة التفرقة بين الجماد وبين الحي ، فيجوز أن يعلم من حال جملتين أنّهما حيّان ، على معنى أنّهما مفارقان للجماد وإن لم يعلم اختصاصهما بحال من الأحوال ؛ فإذا علم أنّهما حيّان على سبيل الجملة فإنّه يمكن أن يعلم أيضا ضرورة افتراقهما في هذا الحكم وهو صحّة الفعل ، ويعلم أنّ ذلك الحكم الذي وقعت به المفارقة لا يجب أن يرجع به إلى ما علم من حالهما جملة وهو ما وقعت به المفارقة بينهما وبين الجماد ، فلا بدّ من أن يرجع به إلى أمر زائد على ذلك. قال الشيخ أبو رشيد : ويمكن أن

يقال إنّ هذا الحكم الذي هو صحّة الفعل معلّل ، وإنّه لا يكون معلّلا إلّا بكون الذات قادرا ، بأن قال : قد علمنا أنّ أحدنا محدث لتصرّفه ، وأنّ تصرّفه يحتاج إليه ، وإنّما يحتاج إليه في باب الحدوث. فكما وجب أن يكون احتياجه إليه في صفة من صفاته ، فكذلك وجب أن يكون الاحتياج إلى الواحد منا لكونه ذاتا ، لأنّ كونه ذاتا يبقى بعد كونه ميتا ترابا رميما ، ومع ذلك لا يحتاج الفعل إليه ـ فلا بدّ إذن من أن يكون احتياج الفعل إلى الواحد منا لصفة من صفاته ، ثم نقول إن تلك الصفة ليست إلّا كونه قادرا ، فإذا ذكرت هذه الدلالة على هذا الوجه لم تحتج إلى أن تتبيّن بأن هذه الجملة التي قد صحّ منها الفعل تساويها جملة أخرى في سائر الصفات إلّا في هذا الحكم (ن ، د ، ٤٧١ ، ٩)

استدلال بدليل الخطاب

ـ الاستدلال بدليل الخطاب ، وذلك مما لا يعتبر في فروع الفقه ، فكيف يعتبر في أصول الدين؟ يبيّن ذلك ، أنّ تخصيص الشيء بالذكر لا يدلّ على أنّ ما عداه بخلافه ؛ ألا ترى أنّ قائلا لو قال : فلان لا يظلم ولا يكذب ، فإنّما يقتضي هذا الكلام أنّه لا يختار ما هو الظلم والكذب ، وليس فيه أنّما هو خارج عن هذين النوعين فإنّه هو الفاعل له ، كذلك في مسألتنا ، ليس يجب إذا نفى الله تعالى التفاوت عن خلقه أن يضاف إليه كل ما لا تفاوت فيه ، بل الواجب أن ينفى عنه جميع ما يتفاوت ، ويكون ما لا تفاوت فيه موقوفا على الدلالة ، فإن دلّ على أنّه هو الفاعل له قيل به ، فإن لم يدلّ ، بل دلّ على خلافه لم يقل به ، وفي مسألتنا قامت دلالة على أنّ هذه التصرّفات من الطاعات وغيرها متعلّقة بنا لوقوعها بحسب قصدنا وداعينا ، فيجب أن تكون فعلا لنا واقعا من جهتنا على ما قلناه (ق ، ش ، ٣٥٦ ، ٩)

استدلال بالشاهد على الغائب

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ ما ذكره بعض الناس من ضروب الاستدلال بالشاهد على الغائب في قوله : " يجوز أن يكون الشيء موصوفا في الشاهد بصفة من الصفات لعلّة من العلل فالواجب أن يقضى بذلك على الغائب إذا استوت العلّة لأنّ ذلك هو طرد العلّة في المعلول ، وذلك كالمتحرّك والعالم الذي إنّما كان عالما متحرّكا لوجود الحركة والعلم به فواجب أن يقضى بذلك على الغائب في كل عالم ومتحرّك". وكان يقول إنّ هذا النوع من الاستدلال قد يؤكّد بأن يقال : " إذا كان الشيء في الشاهد موصوفا بصفة من الصفات لعلّة من العلل ولم يقم دليل على موصوف بتلك الصفة في الغائب إلّا قام على وجود تلك العلّة ، فواجب أن يقضى على أنّ كل موصوف بتلك الصفة في الغائب فلأجل وجود تلك الصفة". وكان يقول إنّه أكّد ذلك بأن يقال : " كل موصوف في الشاهد بصفة من الصفات لعلّة من العلل وما دلّ على العلّة فهو الدالّ على حكمها ولم يدلّ على أنّ الموصوف بالصفة إلّا ما دلّ على تلك العلّة فالواجب أن يقضى بذلك على الغائب" (أ ، م ، ٢٨٨ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول في باب الاستدلال بالشاهد على الغائب إنّه ممّا يجب أن يعلم في ذلك أنّه ليس في الشاهد شيء يدلّ على وجود مثله في الغائب ، وإنّه لو وجب ذلك لوجب إذا شاهدنا نارا ووجدناها أن نقضي بأنّ في الغائب

عنّا نارا لا محالة. وكان يقول إنّ الذي يدلّ على وجود شيء في الغائب هو ما يخالفه ممّا يتعلّق به في البديهة ، كتعلّق المؤلّف بمؤلّف والمصوّر بمصوّر وتعلّق الحادث بمن أحدثه (أ ، م ، ٣١٠ ، ١٥)

ـ اعلم أنّ إثباته تعالى على هذه الصفات (قادر عالم حي مريد كاره مدرك قديم موجود) فرع على كونها في أنفسها معقولة ، لأنّ إيراد الدلالة على ما لا يعقل لا يصحّ وكونها معقولة هو من الشاهد ، فلهذا يعدّ الكلام في صفاته تعالى من باب الاستدلال بالشاهد على الغائب (ق ، ت ١ ، ١٦٤ ، ٤)

ـ إنّما يكون الاستدلال بالشاهد على الغائب في وجهين. أحدهما للاشتراك في الدلالة. والثاني للاشتراك في العلّة. وكان" أبو هاشم" يجعل ذلك استدلالا بالمعلوم على ما لا يعلم ، ولكن هذا الإطلاق يقتضي في كل استدلال أنّه استدلال بالشاهد على الغائب ، لأنّ الدليل أبدا معلوم والمدلول غير معلوم. ولا شبهة في أنّ العلماء قد خصّوا بذلك بعض ضروب الاستدلال دون بعض. وقد أشار في الكتاب في أثناء الكلام إلى أنّا نسمّي المعلوم شاهدا. وما ليس بمعلوم غائبا اصطلاحا منّا (ق ، ت ١ ، ١٦٥ ، ٦)

استدلال بالمتولّد

ـ إنّ وقوع المسبّب بحسب السبب إذا لم يخرجه من أن يكون واقعا أيضا بحسب دواعيه ، فيجب ألّا يقدح في الدلالة ، كما أنّ وقوعه بحسب دواعيه لمّا لم يخرجه من أن يكون واقعا أيضا بحسب قصده ، لم يكن مؤثّرا في الاستدلال على أنّه فعله من حيث وقع بحسب قصده ، ولسنا ننكر أنّ الدواعي لو حصلت إلى وجوده على الوجه الذي لا يولّده السبب أنّه كان لا يقع بحسب دواعيه ، كما أنّ دواعيه في المباشر لو وقعت على خلاف ما يصحّ منه بالقدرة ، كان لا يقع بحسها ، ولم يقدح ذلك في صحّة الاستدلال بذلك في المباشر ، فكذلك لا يقدح ذلك في صحة الاستدلال بالمتولّد ، وكذلك وقوع المتولّد بحسب المحل حتى إن كان محتملا له وجد وإلّا لم يوجد لم يخرجه من أن يكون واقعا بحسب دواعيه أيضا ، وأنّه يدلّ على أن ذلك فعله من هذا الوجه (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٢٣)

استدلال على الأحكام

ـ اعلم أنّ الاستدلال على الأحكام ضربان :

استدلال بدليل شرعي ، كالخطاب ، والأفعال ، والقياس ؛ واستدلال بالبقاء على حكم العقل. وكلاهما يفتقران إلى المعرفة بحكمة المكلّف. ويفتقر الاستدلال بالخطاب إلى معرفة ما يفيده الخطاب (ب ، م ، ٩٠٧ ، ٦)

استدلال في الغائب والشاهد

ـ إنّ الكلام في الشاهد صحّ أنّه يدلّ بالمواضعة والقصد ، ولنا طريق إلى معرفة الكلام بالإدراك والمواضعة بالأخبار ، وما يجري مجراها ، والقصد بالاضطرار. فصحّ ، عند ذلك ، أن يعرف به الغرض ، ويصير كالدلالة في الشاهد. ولا يصحّ أن نعرف قصده تعالى باضطرار ، لتعذّر ذلك مع التكليف. فوجب أن نعرفه بالاستدلال. وطريق الاستدلال في ذلك ، أن نعلم أنّه تعالى لا يخاطب بالكلام ، الذي تقرّر فيه بيننا ضرب من المواضعة ، إلّا وذلك مراده.

فيصير علمنا المتقدّم بذلك بمنزلة الاضطرار إلى القصد ، ويصحّ ، عند ذلك ، أن نعرف به مراده. وذلك بمنزله ما نقول في أنّ تصرّف العبد يدلّ ، عندنا ، على كونه قادرا ، لعلمه بوقوعه بحسب أحواله. فإذا علمنا حادثا ، ولم نعلم تعلّقه بالواحد منّا ، وعلمنا أنّ ذلك لا يصحّ فيه ، حكمنا بتعلّقه بقادر مخالف لنا ، واستدللنا به على أنّه قادر. فالاستدلال في الغائب والشاهد يقع بالفعل على حدّ واحد ، وإن كانت طريقة العلم بالتعلّق تختلف (ق ، غ ١٥ ، ١٦٣ ، ٤)

استدلاليات

ـ ما يدرك بالعقل قد يكون بلا واسطة نظر ، كالضروريّات ، وقد يكون بواسطة نظر كالاستدلاليّات (ق ، س ، ٥٣ ، ١٦)

استصحاب الحال

ـ اعلم أنّ استصحاب الحال هو أن يكون حكم ثابت في حالة من الحالات ، ثم تتغيّر الحالة ، فيستصحب الإنسان ذلك الحكم بعينه مع الحالة المتغيّرة. ويقول : من ادّعى تغيّر الحكم ، فعليه إقامة الدليل. وقد ذهب قوم من أهل الظاهر وغيرهم إلى الاحتجاج بذلك. وقد يكون الحكم المستصحب عقليّا ، وقد يكون شرعيّا (ب ، م ، ٨٨٤ ، ٣)

استصلاح

ـ أمّا وصفه (اللطف) بأنّه استصلاح ، فإنّه يفيد أنّ غيره قصد بفعله صلاحه ؛ لأنّ كل ما هذا حاله يوصف بذلك ، وما خرج عنه لا يوصف به. وعلى هذا الوجه نصف القديم تعالى بأنّه قد استصلح المكلّف بالألطاف وغيرها. وإنما جاز إطلاق ذلك لأنّه يفيد فعل الصلاح به ، ولا يفيد أنّ المكلّف قد صلح بذلك (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ١٣)

استطاعة

ـ إنّ الاستطاعة قبل الفعل وأنّها باقية فيهم ما بقّاها الله تعالى (خ ، ن ، ٦١ ، ٢٤)

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١١)

ـ الفرقة السابعة من العجاردة وهي الثانية من الخازميّة ويدعون" المعلومية" والذي تفرّدوا به أنّهم قالوا : من لم يعلم الله بجميع أسمائه فهو جاهل به ، وأنّ أفعال العباد ليست مخلوقة وأنّ الاستطاعة مع الفعل ولا يكون إلّا ما شاء الله (ش ، ق ، ٩٦ ، ٩)

ـ الفرقة الثالثة من الإباضيّة أصحاب" لحرث الأباضي" قالوا في القدر بقول المعتزلة وخالفوا فيه سائر الإباضيّة ، وزعموا أنّ الاستطاعة قبل الفعل (ش ، ق ، ١٠٤ ، ٧)

ـ قال بعضهم بل جلّهم (الإباضيّة من الخوارج) : الاستطاعة والتكليف مع الفعل وأنّ الاستطاعة

هي التخلية ، وقال كثير منهم : ليس الاستطاعة هي التخلية بل هي معنى في كونه كون الفعل وبه يكون الفعل ، وأنّ الاستطاعة لا تبقى وقتين ، وأنّ استطاعة كل شيء غير استطاعة ضدّه. وأنّ الله كلّف العباد ما لا يقدرون عليه لتركهم له لا لعجزهم عنه ، وأنّ قوّة الطاعة توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان ولطف ، وأنّ استطاعة الكفر ضلال وخذلان وطبع وبلاء وشرّ (ش ، ق ، ١٠٧ ، ١٣)

ـ اختلفت المعتزلة هل الاستطاعة هي الصّحة والسلامة أم غير الصّحة والسلامة على مقالتين : فقال" أبو الهذيل" و" معمّر" و" المردار" هي عرض وهي غير الصّحة والسلامة. وقال" بشر بن المعتمر" و" ثمامة بن أشرس" و" غيلان" إنّ الاستطاعة هي السلامة وصحّة الجوارح وتخلّيها من الآفات (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ١١)

ـ اختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة إنّها تبقى ، وهذا قول" أبي الهذيل" و" هشام" و" عبّاد" و" جعفر بن حرب" و" جعفر بن مبشّر" و" الاسكافي" وأكثر المعتزلة. وقال قائلون : لا تبقى وقتين وأنّه يستحيل بقاؤها وأنّ الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدّمة المعدومة ، ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة ، فيكون الفعل واقعا بالقدرة المتقدّمة ، وهذا قول" أبي القاسم البلخي" وغيره من المعتزلة. وهذا قولهم في الفعل المباشر ، فأمّا المتولّد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميّتا أو عاجزا (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ١)

ـ أجمعت المعتزلة على أنّ الاستطاعة قبل الفعل وهي قدرة عليه وعلى ضدّه وهي غير موجبة للفعل ، وأنكروا بأجمعهم أن يكلّف الله عبدا ما لا يقدر عليه (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ١٢)

ـ قال" أبو الهذيل" : الاستطاعة يحتاج إليها قبل الفعل ، فإذا وجد الفعل لم يكن بالإنسان إليها حاجة بوجه من الوجوه ، وقد يجوز وقوع العجز في الوقت الثاني فيكون مجامعا للفعل ويكون عجزا عن فعل لأنّ العجز عنده لا يكون عجزا عن موجود ، فيكون الفعل واقعا بقدرة معدومة ، وجوّز وجود أقلّ قليل الكلام مع الخرس وجوّز الفعل مع الموت بالاستطاعة المتقدّمة ، ولم يجوّز وجود العلم مع الموت ولا وجود الإرادة مع الموت (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ١)

ـ قال أكثر المعتزلة : ليس يحتاج إلى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج إليها لأنّه محال وجود الفعل في جارحة ميّتة عاجزة ، وقال هؤلاء : محال وقوع الفعل المباشر بقوّة معدومة وأجازوا وقوع الأفعال المتولّدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجّة بقدرة معدومة ، وهذا قول" جعفر بن حرب" و" الاسكافي (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ٨)

ـ إنّ الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل وأنّها بعض المستطيع (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٥)

ـ إنّ الاستطاعة لا يجوز أن تتقدّم الفعل ، وأنّ العون من الله سبحانه يحدث في حال الفعل مع الفعل وهو الاستطاعة ، وأنّ الاستطاعة الواحدة لا يفعل بها فعلان ، وأنّ لكل فعل استطاعة تحدث معه إذا حدث ، وأنّ الاستطاعة لا تبقى ، وأنّ في وجودها وجود الفعل وفي

عدمها عدم الفعل ، وأنّ استطاعة الإيمان توفيق وتسديد وفضل ونعمة وإحسان وهدى ، وأنّ استطاعة الكفر ضلال وخذلان وبلاء وشرّ (ش ، ق ، ٢٨٣ ، ٦)

ـ إنّ الاستطاعة توجب الاختيار (ش ، ق ، ٣٩٠ ، ١٣)

ـ إن قال قائل فإذا أثبتّم له استطاعة هي غيره فلم زعمتم أنّه يستحيل تقدّمها للفعل ، قيل له زعمنا ذلك من قبل أن الفعل لا يخلو أن يكون حادثا مع الاستطاعة في حال حدوثها أو بعدها. فإن كان حادثا معها في حال حدوثها فقد صحّ أنّها مع الفعل للفعل. وإن كان حادثا بعدها وقد دلّت الدلالة على أنّها لا تبقى ، وجب حدوث الفعل بقدرة معدومة. ولو جاز ذلك لجاز أن يحدث العجز بعدها ، فيكون الفعل واقعا بقدرة معدومة ، ولو جاز أن يفعل في حال هو فيها عاجز بقدرة معدومة ، لجاز أن يفعل بعد مائة سنة من حال حدوث القدرة وإن كان عاجزا في المائة سنة كلها بقدرة عدمت من مائة سنة وهذا فاسد (ش ، ل ، ٥٤ ، ١٠)

ـ إنّ الفعل يحدث مع الاستطاعة في حال حدوثها (ش ، ل ، ٥٥ ، ٢)

ـ إنّ الاستطاعة مع الفعل للفعل ، إنّ من لم يخلق الله تعالى له استطاعة محال أن يكتسب شيئا. فلمّا استحال أن يكتسب الفعل إذا لم تكن استطاعة ، صحّ أنّ الكسب إنما يوجد لوجودها ، وفي ذلك إثبات وجودها مع الفعل للفعل (ش ، ل ، ٥٦ ، ١٧)

ـ مما يدل على أنّ الاستطاعة مع الفعل قول الخضر لموسى عليهما‌السلام (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) (الكهف : ٦٧). فعلمنا أنّه لمّا لم يصبر لم يكن للصبر مستطيعا. وفي هذا بيان أنّ ما لم تكن استطاعة لم يكن الفعل ، وأنّها إذا كانت كان لا محالة (ش ، ل ، ٥٨ ، ٦)

ـ يقال لهم (المعتزلة) : أليست استطاعة الإيمان نعمة من الله عزوجل وفضلا وإحسانا؟ فإذا قالوا : نعم. قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون توفيقا وتسديدا فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك.

ويقال لهم : فإذا كان الكافرون قادرين على الإيمان فما أنكرتم أن يكونوا موفّقين للإيمان ، ولو كانوا موفّقين مسدّدين لكانوا ممدوحين ، وإذا لم يجز ذلك لم يجز أن يكونوا على الإيمان قادرين ، ووجب أن يكون الله عزوجل اختصّ بالقدرة على الإيمان المؤمنين (ش ، ب ، ١٣٦ ، ٥)

ـ الاستطاعة مع الفعل لا قبله ولا بعده ، لأنّ كل جزء من الاستطاعة مقرون بكل جزء من الفعل (م ، ف ، ٩ ، ٦)

ـ قالت القدرية الاستطاعة قبل الفعل وهي موجودة في العبد استعملها كيف شاء (م ، ف ، ٩ ، ٨)

ـ الأشعرية إنّها تقول أنّ الاستطاعة التي تصلح للشر لا تصلح للخير ، وهذا قريب من الجبر ، بل عين الجبر ، لأنّ استطاعة الشر إذا كانت لا تصلح للخير صار مجبورا في فعل الشر ، ومن هذا جوّز الأشعريّة تكليف ما لا يطاق (م ، ف ، ١٠ ، ١١)

ـ إنّ الاستطاعة للعبد تكون مع الفعل لا يجوز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه ، كعلم الخلق وإدراكهم ، لا يجوز تقديم العلم على المعلوم ، ولا الإدراك ، على المدرك (ب ، ن ، ٤٦ ، ١٠)

ـ لو كانت الاستطاعة قبل الفعل لم يكن للسؤال فيها معنى ، ولأنّ القدرة الحادثة لو تقدّمت على الفعل لوجد الفعل بغير قدرة ؛ لأنّها عرض ،

والعرض لا يبقى ، ولا يصح أن يوجد بعد الفعل. وأيضا : لأنّه يكون فاعلا من غير قدرة ، فلم يبق إلّا أنّها مع الفعل (ب ، ن ، ٤٧ ، ٧)

ـ اعلم أنّه كان يذهب إلى أنّ الاستطاعة هي القدرة وأنّه معنى حادث عرض لا يقوم بنفسه قائم بالجوهر الحيّ. وكذلك كان لا يفرّق بين القوّة والقدرة والأيد والعون والمعونة والنصر والنصرة واللطف والتأييد في أنّ جميع ذلك يرجع إلى القدرة (أ ، م ، ١٠٧ ، ١٩)

ـ إنّ حقيقة الاستطاعة في اللغة هي نفس القدرة (ق ، ت ٢ ، ١٦٠ ، ١١)

ـ ضرار بن عمرو الذي وافق أصحابنا في أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأكساب للعباد ، وفي إبطال القول بالتولّد ، ووافق المعتزلة في أنّ الاستطاعة قبل الفعل ، وزاد عليهم بقوله : إنّها قبل الفعل ومع الفعل ، وبعد الفعل ، وإنّها بعض المستطيع ، ووافق النجّار في دعواه أنّ الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الأعراض التي لا يخلو الجسم منها (ب ، ف ، ٢١٤ ، ٢)

ـ قد علمنا أنّ الطاقة والاستطاعة والقدرة والقوة في اللغة العربية ألفاظ مترادفة كلها واقع على معنى واحد ، وهذه صفة من يمكن عنه الفعل باختياره أو تركه باختياره (ح ، ف ٣ ، ٢٤ ، ١٤)

أمّا اللغة فإنّ الاستطاعة إنّما هي مصدر استطاع يستطيع استطاعة ، والمصدر هو فعل الفاعل وصفته كالضرب الذي هو فعل الضارب والحمرة التي هي صفة الأحمر والاحمرار الذي هو صفة المحمرّ وما أشبه هذا ، والصفة والفعل عرضان بلا شكّ في الفاعل منّا وفي الموصوف ، والمصادر هي إحداث المسمّين بالأسماء بإجماع من أهل كل لسان ، فإذا كانت الاستطاعة في اللغة التي بها نتكلّم نحن وهم إنّما هي صفة في المستطيع ، فبالضرورة نعلم أنّ الصفة هي غير الموصوف ، لأنّ الصفات تتعاقب عليه. فتمضي صفة وتأتي أخرى ، فلو كانت الصفة هي الموصوف لكان الماضي من هذه الصفات هو الموصوف الباقي ، ولا سبيل إلى غير هذا البتّة ، فإذا لا شكّ في أنّ الماضي هو غير الباقي ، فالصفات هي غير الموصوف بها وما عدا هذا فهو من المحال والتخليط (ح ، ف ٣ ، ٢٧ ، ٥)

ـ إنّ الاستطاعة عرض من الأعراض تقبل الأشدّ والأضعف ، فنقول استطاعة أشدّ من استطاعة ، واستطاعة أضعف من استطاعة ، وأيضا فإنّ الاستطاعة لها ضدّ وهو العجز ، والأضداد لا تكون إلّا أعراضا تقتسم طرفي البعد كالخضرة والبياض والعلم والجهل والذكر والنسيان وما أشبه هذا ، وهذا كلّه أمر يعرف بالمشاهدة ولا ينكره إلّا أعمى القلب والحواس ومعاند مكابر للضرورة (ح ، ف ٣ ، ٢٨ ، ٢)

ـ وجدنا بالضرورة الفعل لا يقع باختيار إلّا من صحيح الجوارح التي يكون بها ذلك الفعل ، فصحّ يقينا أنّ سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة ، ثم نظرنا سالم الجوارح لا يفعل مختارا إلّا حتى يستضيف إلى ذلك إرادة الفعل ، فعلمنا أنّ الإرادة أيضا محرّكة للاستطاعة ، ولا نقول أنّ الإرادة استطاعة ، لأنّ كل عاجز عن الحركة فهو مريد لها وهو غير مستطيع (ح ، ف ٣ ، ٢٩ ، ١٥)

ـ إنّ الاستطاعة صحّة الجوارح مع ارتفاع الموانع وهذان الوجهان قبل الفعل (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ٧)

ـ وافقنا جميع المعتزلة على أنّ الاستطاعة فعل

الله عزوجل ، وأنّه لا يفعل أحد خيرا ولا شرّا إلّا بقوة أعطاه الله تعالى إيّاها ، إلّا أنّهم قالوا يصلح بها الخير والشر معا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٨)

ـ أمّا الصحيح الجوارح المرتفع الموانع فقد يكون منه الفعل وقد لا يكون ، فهذه هي الاستطاعة الموجودة قبل الفعل (ح ، ف ٣ ، ٣١ ، ١)

ـ الاستطاعة كما قلنا شيئان : أحدهما قبل الفعل وهو سلامة الجوارح وارتفاع الموانع ، والثاني لا يكون إلّا مع الفعل وهو القوّة الواردة من الله تعالى بالعون والخذلان وهو خلق الله تعالى للفعل فيمن ظهر منه ، وسمّي من أجل ذلك فاعلا لما ظهر منه إذ لا سبيل إلى وجود معنى غير هذا البتّة ، فهذا هو حقيقة الكلام في الاستطاعة بما جاءت به نصوص القرآن والسنن والإجماع وضرورة الحسّ وبديهة العقل (ح ، ف ٣ ، ٣٢ ، ١٣)

ـ إذا نفينا وجود الاستطاعة قبل الفعل فإنّما نعني بذلك الاستطاعة التي بها يقع الفعل ويوجد واجبا ولا بدّ ، وهي خلق الله تعالى للفعل في فاعله ، وإذا أثبتنا الاستطاعة قبل الفعل فإنّما نعني بها صحّة الجوارح وارتفاع الموانع التي يكون الفعل بها ممكنا متوهّما لا واجبا ولا ممتنعا ، وبها يكون المرء مخاطبا مكلّفا مأمورا منهيّا ، وبعد مهما يسقط عنه الخطاب والتكليف ويصير الفعل منه ممتنعا ويكون عاجزا عن الفعل (ح ، ف ٣ ، ٣٢ ، ٢٠)

ـ قوله (أبو الهذيل العلّاف) في الاستطاعة إنّها عرض من الأعراض غير السلامة والصحّة ، وفرّق أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فقال لا يصحّ وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة ، فالاستطاعة معها في حال الفعل. وجوّز ذلك في أفعال الجوارح ، وقال بتقدّمها فيفعل بها في الحال الأولى ، وإن لم يوجد الفعل إلّا في الحال الثانية ، قال" فحال يفعل" غير" حال فعل" (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ٤)

ـ إنّ الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل للقلب بأجزائه مداخلة المائيّة في الورد ، والدهنيّة في السمسم ، والسمنية في اللبن. وقال (النظّام) إنّ الروح هي التي لها قوة ، واستطاعة وحياة ومشيئة. وهي مستطيعة بنفسها ، والاستطاعة قبل الفعل (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٣)

ـ قوله (بشر) إنّ الاستطاعة هي سلامة البنية ، وصحّة الجوارح ، وتخليتها من الآفات. وقال : لا أقول : يفعل بها في الحالة الأولى ، ولا في الحالة الثانية ، لكنّي أقول : الإنسان يفعل ، والفعل لا يكون إلّا في الثانية (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ٨)

ـ قوله (ثمامة) : الاستطاعة هي السلامة وصحّة الجوارح وتخليتها من الآفات ، وهي قبل الفعل (ش ، م ١ ، ٧١ ، ٨)

ـ إنّ الاستطاعة قبل الفعل ، وهي قدرة زائدة على سلامة البنية وصحّة الجوارح ، وأثبتا (الجبائيان) البنية شرطا في قيام المعاني التي يشترط في ثبوتها الحياة (ش ، م ١ ، ٨١ ، ٧)

ـ إنّ المعلوميّة ... قالت : الاستطاعة مع الفعل ، والفعل مخلوق للعبد ، فبرئت منهم الحازميّة (ش ، م ١ ، ١٣٣ ، ٢٢)

ـ حكى الكعبي عنهم (الإباضيّة) : أنّ الاستطاعة عرض من الأعراض ، وهي قبل الفعل ، بها يحصل الفعل ، وأفعال العباد مخلوقة لله تعالى : إحداثا وإبداعا ، ومكتسبة للعبد

حقيقة ، لا مجازا (ش ، م ١ ، ١٣٤ ، ١٧)

ـ قال (هشام بن الحكم) : الاستطاعة كل ما لا يكون الفعل إلّا به كالآلات ، والجوارح ، والوقت ، والمكان (ش ، م ١ ، ١٨٥ ، ١٠)

ـ إنّ القدرة التي هي عبارة عن سلامة الأعضاء وعن المزاج المعتدل فإنّها حاصلة قبل حصول الفعل ، إلّا أنّ هذه القدرة لا تكفي في حصول الفعل البتّة ، وإذا انضمّت الداعية الجازمة إليها صارت تلك القدرة مع هذه الداعية الجازمة سببا مقتضيا للفعل المعيّن. ثم أنّ ذلك الفعل يجب وقوعه مع حصول ذلك المجموع ، لأنّ المؤثّر التام لا يتخلّف عنه الأثر البتّة ، فنقول قول من يقول الاستطاعة قبل الفعل صحيح من حيث أنّ ذلك المزاج المعتدل سابق ، وقول من يقول الاستطاعة مع الفعل صحيح من حيث أنّ عند حصول مجموع القدرة والداعي الذي هو المؤثّر التام يجب حصول الفعل معه (ف ، أ ، ٦٤ ، ١٨)

ـ الاستطاعة : هي عرض يخلقه الله في الحيوان يفعل به الأفعال الاختياريّة (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٣)

استطاعة الأسباب والأحوال

ـ الدلالة على أنّ الاستطاعة استطاعة الأسباب والأحوال لا استطاعة الفعل وجوه : أحدها أن قوله : (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) (المجادلة : ٤) وإنما هو صوم شهرين ، ولا أحد يعلم أنّ قدرة الفعل لا ترده تلك المدة ، ثبت أنّ المراد من ذلك استطاعة الوجود. ومثله أهل النفاق ، لم يكونوا يعلمون الاستطاعة التي لديها الأفعال ، وإنّما أرادوا بذلك المرض أو فقد المال على ما بيّن الله تعالى بقوله : (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ) (التوبة :

٩١) إلى قوله : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ) (التوبة : ٩٣). ودليل آخر القول المعروف أن الاستطاعة الموجود منها لا يبقى إلى مدة شهرين ، ولا استطاعة فعل الجهاد تبقى من وقت كونهم بالمدينة إلى أن يلقوا عدوّا ، بل هي تتجدد وتحدث ، وقد لزمهم الخروج قبل العلم بأنّها تحدث أوّلا ، وكذبوا بقولهم : " لو استطعنا لخرجنا معكم" ، وحققوا في الأول نفي الاستطاعة ، فثبت أنّ المراد من ذلك استطاعة الأحوال والأسباب لا الأفعال (م ، ح ، ٢٥٧ ، ٣)

استطاعة بالإضافة

ـ إنّنا لم نستطع قط على فعل ما لم يعلم الله أنّنا سنفعله ، ولا على ترك ما علم أنّنا نفعله ، ولا على فسخ علم الله تعالى أصلا ، ولا على تكذيبه عزوجل في فعل ما أمر تعالى به ، وإن كنّا في ظاهر الأمر نطلق ما أطلق الله تعالى من الاستطاعة التي لا يكون بها إلّا ما علم الله تعالى أنّه يكون ، ولا مزيد ، وهي استطاعة بإضافة لا استطاعة على الإطلاق ، لكن نقول هو مستطيع بصحّة جوارحه ، أي أنّه متوهّم كون الفعل منه فقط (ح ، ف ٣ ، ٨٣ ، ٢٤)

استطاعة حقيقية

ـ الاستطاعة الحقيقيّة : هي القدرة التامّة التي يجب عندها صدور الفعل ، فهي لا تكون إلّا مقارنة للفعل (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٦)

استطاعة صحية

ـ الاستطاعة الصحيّة : هي أن ترتفع الموانع من المرض وغيره (ج ، ت ، ٤٠ ، ١٨)

استعانة

ـ اعلم أنّ الفزع إليه عزوجل والاستعانة به يدلّ على قولنا في المخلوق ، وذلك لأنّ العبد لو لم يكن يفعل في الحقيقة لم يكن للاستعانة معنى ، لأنّه إنّما يستعين بغيره على فعل يفعله ، ولذلك لا يصحّ الاستعانة على الأمور الضروريّة ، كاللون والهيئة والصحّة ، والاعتماد على ذلك في أن العبد يفعل في الحقيقة هو أولى (ق ، م ١ ، ٤١ ، ٧)

ـ إنّ الاستعانة تقتضي التماس المعونة من قبله ، ولا تدلّ على تفصيل المعونة ، وما يفعله عزوجل من الأمور المعينة على الطاعة أشياء كثيرة ، فمن أين أنّ المراد به القدرة دون غيرها؟! نحو الصحّة والخواطر والدواعي والتنبيه! وبعد ، فإن المراد به لو كانت القدرة لكان إنّما يدلّ على أنّها تتجدّد ، ولا يدلّ على أنّها مع الفعل ، وهذا مذهب كثير من أهل العدل (ق ، م ١ ، ٤٢ ، ١٢)

استعمال

ـ اختلفت المعتزلة هل تستعمل القوّة في الفعل أم لا على مقالتين : فأنكر" الجبّائي" أن تكون تستعمل في الفعل لأنّ الاستعمال زعم يحلّ في الشيء المستعمل ، وكان مع هذا يزعم أنّ الفعل واقع بها. وأنكر" عبّاد" الاستعمال ، وقال كثير من المعتزلة أنّها تستعمل في الفعل بمعنى أنه يعمل بها الفعل (ش ، ق ، ٢٣٥ ، ١٣)

استفادة

ـ قال (أبو علي) : وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال ؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ الخالق لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ، ويدلّ على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ، ويطلب بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه اكتساب. ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١٢)

استفساد

ـ إن قيل : هلّا قلتم : إنّ كل أمر وجد عنده القبيح فهو استفساد فيه ، فلا يصحّ أن تقولوا في تكليف من يعلم أنّه يكفر. إنّه ليس باستفساد. قيل له : إنّه لا معتبر بالعبارات فيما يحسن له الشيء ويقبح ، ويجب الاعتماد فيه على المعاني. وقد بيّنا الفصل بين الأمرين من حيث المعنى ، فلا يقدح في ذلك الاشتراك بينهما في الاسم ، وإن كنّا قد بيّنا أن ما لأجله يسمّى الشيء مفسدة أنّ عنده يختار الفساد على وجه لولاه كان يختار الصلاح عليه ، وذلك يقتضي أنّه إنّما سمّي بذلك ؛ لأنّه كالداعي إلى ما يقدر عليه وعلى غيره ، فهو بمنزلة الإغراء بالقبيح والتزيين له ، والترغيب فيه ، وليس

كذلك حال التمكين ؛ لأنّه لولاه لاستحال منه الفساد والصلاح ، فكيف يقال : إنّ ما به يتمكّن من مصلحته ومفسدته يكون لطفا. ولو جاز فيما هذا حاله أن يقال : إنّه لطف واستفساد لجاز في نفس القدرة والآلة أن يقال فيهما ذلك ، وهذا يوجب التباس حال الألطاف والدواعي بأنواع التمكين ، والعقل قد فصل بين الأمرين (ق ، غ ١١ ، ٢٢٠ ، ١٧)

استقباح

ـ قلنا : العقل يقتضي به باستقباح الإضرار ولو صدر من غير المريد ضرره. بعض المجبرة : بل لأنّ الفاعل مربوب (ق ، س ، ١٠٢ ، ٥)

استقراء

ـ الدليل والمدلول إما أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا. إذا استدللنا بشيء على شيء فإمّا أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا يكون. والأوّل على قسمين ، لأنّه إمّا أن يستدلّ بالعامّ على الخاصّ وهو القياس في عرف المنطقيين أو بالعكس وهو الاستقراء. وأمّا الثاني فلا يمكن الاستدلال بأحدهما على الآخر إلّا إذا اندرجا تحت وصف مشترك بينهما ، فيستدلّ بثبوت الحكم في إحدى الصورتين على أنّ المناط هو المشترك ، ثم يستدلّ بذلك على ثبوته في الصورة الأخرى وهو القياس في عرف الفقهاء ، وهو في الحقيقة مركّب من القسمين الأولين (ف ، م ، ٤٥ ، ٢٢)

ـ يجب أن نقدّم قاعدة في تحقيق معنى الاستقراء ، وبيان الصادق منه والكاذب : أمّا الاستقراء فهو عبارة عن البحث والنظر في جزئيات كليّ ما عن مطلوب ما. وهو ـ لا محالة ـ ينقسم إلى ما يكون الاستقراء فيه تامّا ، أي قد أتى فيه على جميع الجزئيّات ، وذلك مثل معرفتنا بالاستقراء أنّ كل حادث فهو إمّا جماد أو نبات أو حيوان ، فحاصل هذا الاستقراء صادق يقينيّ. وإلى ما يكون الاستقراء فيه ناقصا ، أي قد أتى فيه على بعض الجزئيّات دون البعض ، وحاصل هذا الاستقراء كاذب غير يقينيّ ؛ إذ من الجائز أن يكون حكم ما استقرئ على خلاف ما لم يستقرّ ، وذلك كحكمنا أنّ كل حيوان يتحرّك فكّه الأسفل عند الأكل ، بناء على ما استقريناه في أكثر الحيوانات ، وقد يقع الأمر بخلافه ممّا لم يستقرّ ؛ وذلك كما في التمساح فإنّه إذا أكل تحرّك فكّه الأعلى ، فعلى هذا إن لم يكن الاستقراء في الشاهد تامّا فهو كاذب (م ، غ ، ٤٥ ، ١٨)

ـ أمّا الاستقراء فهو الحكم على كلّي بما ثبت لجزئيّاته ، فإن كانت الجزئيّات محصورة سمّي بالاستقراء التّام (ط ، م ، ٦٩ ، ١٧)

ـ الاستدلال بالعامّ على الخاصّ قياس ، في عرف المنطقيّين وبالعكس استقراء : وبأحد المندرجين تحت وصف على الآخر ، بعد تحقيق أنّه المناط قياس في عرف الفقهاء (خ ، ل ، ٤٧ ، ٢)

استقراء تام

ـ أمّا الاستقراء فهو الحكم على كلّي بما ثبت لجزئيّاته ، فإن كانت الجزئيّات محصورة سمّي بالاستقراء التّام (ط ، م ، ٦٩ ، ١٨)

استقراء في الشاهد

ـ إذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون

حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا غائبا. ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا (أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى غير ذلك من الصفات ، والعلّة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ، غ ، ٤٥ ، ١٥)

استنباط

ـ قد ذكر بعض من ينسب إلى البغداديين أنّ الاستدلال والاستنباط هو ضمّ معلوم إلى معلوم لتنتج البديهة منهما معلوما (ن ، م ، ٣٤٥ ، ١٢)

استواء

ـ قال بعض الناس : الاستواء القعود والتمكّن (ش ، ق ، ٢١١ ، ١٥)

ـ إن قال قائل : ما تقولون في الاستواء؟ قيل له : نقول إنّ الله عزوجل يستوي على عرشه كما قال : يليق به من غير طول الاستقرار ، كما قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) (ش ، ب ، ٨٥ ، ٣)

ـ قال قائلون ـ من المعتزلة والجهمية والحروريّة ـ إنّ قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) أنّه استولى وملك وقهر ، وأن الله عزوجل في كل مكان ، وجحدوا أن يكون الله عزوجل على عرشه ـ كما قال أهل الحق ـ وذهبوا في الاستواء إلى القدرة (ش ، ب ، ٨٦ ، ١٦)

ـ الاستواء قيل فيه بأوجه ثلاثة : أحدها الاستيلاء ، كما يقال : استوى فلان على كورة كذا بمعنى استولى عليها ، والثاني العلوّ والارتفاع كقوله : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) (المؤمنون : ٢٨) ، والثالث التمام كقوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى) (القصص : ١٤) ، وقد قيل بالقصد ، إلى ذلك وجّه بعض أهل الأدب قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (فصلت : ١١) بمعنى خلق على التمثيل بفعل الخلق فيما يتلو فعلهم أن يكون بالقصد ، وإن كان لا يقال : له قصد ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٧٢ ، ٥)

ـ معنى الاستواء استواء المملكة ، لأنّ كل شيء مقدور العرش ، والعرش مقدور الرب ، وهذا كما يقال فلان استوى على سريره ومدّ عليه رجليه ، يعنون بذلك استواء أمور الولاية له ، وانقطاع المنازعة في الإمارة عنه. وتأويل آخر وهو معنى الاستواء خلقه على عرشه كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) (الأعراف : ٥٤) أي استوى فعل التخليق على عرشه (م ، ف ، ١٤ ، ١٧)

ـ فإن قيل أليس قد قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥). قلنا : بلى. قد قال ذلك ، ونحن نطلق ذلك وأمثاله على ما جاء في

الكتاب والسنّة ، لكن ننفي عنه أمارة الحدوث ، ونقول : استواؤه لا يشبه استواء الخلق ، ولا نقول إنّ العرش له قرار ، ولا مكان ، لأنّ الله تعالى كان ولا مكان ، فلمّا خلق المكان لم يتغير عمّا كان (ب ، ن ، ٤١ ، ٢١)

ـ إنّ الاستواء محتمل في اللغة ، وتختلف مواقعه بحسب ما يتّصل به من القول : فقد يراد به الاستيلاء والاقتدار ، وهو الذي عناه الشاعر بقوله : قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق ... وقد يراد بالاستواء تساوي الأجزاء المؤلّفة. وذلك نحو قولهم استوى الحائط ، واستوت الخشبة : إذا تألّفت على وجه مخصوص. وقد يستعمل ذلك بمعنى القصد فيقال : استويت على هذا الأمر واستقام لي ، بمعنى : قصدت إليه. وقد يقال : استوى حال فلان في نفسه وماله ، ويراد بذلك زوال الخلل والسقم. وقد يراد بذلك الانتصاب جالسا أو راكبا أو قائما ، كما يقال : استوى فلان على الكرسيّ ، وعلى دابته (ق ، م ١ ، ٧٣ ، ٢)

ـ إنّ المراد بالاستواء هو الاستيلاء والاقتدار (ق ، م ١ ، ٣٥١ ، ٦)

ـ اختلف أصحابه (ابن كرّام) في معنى الاستواء المذكور في قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥). فمنهم : من زعم أنّ كل العرش مكان له ، وأنّه لو خلق بإزاء العرش عروشا موازية لعرشه لصارت العروش كلّها مكانا له ؛ لأنّه أكبر منها كلّها ، وهذا القول يوجب عليهم أن يكون عرشه اليوم كبعضه في عرضه.

ومنهم : من قال : إنّه لا يزيد على عرشه في جهة المماسّة ، ولا يفضل منه شيء على العرش ، وهذا يقتضي أن يكون عرضه كعرض العرش (ب ، ف ، ٢١٦ ، ٢١)

ـ زعمت المشبّهة أنّ استوائه على العرش بمعنى كونه مماسا لعرشه من فوقه ، وأبدلت الكرّاميّة لفظ المماسّة بالملاقاة (ب ، أ ، ١١٢ ، ١٠)

ـ روي أنّ مالكا سئل عن الاستواء ، فقال الاستواء معقول وكيفيّته مجهولة ، والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب (ب ، أ ، ١١٣ ، ١)

ـ إنّ استواءه على العرش فعل أحدثه في العرش سمّاه استواء ، كما أحدث في بنيان قوم فعلا سمّاه إتيانا ، ولم يكن ذلك نزولا ولا حركة وهذا قول أبي الحسن الأشعري (ب ، أ ، ١١٣ ، ٣)

ـ الاستواء والاعوجاج منفيان عنه معا سبحانه وتعالى ، وتعالى الله عن ذلك لأنّ كل ذلك من صفات الأجسام ومن جملة الأعراض ، والله قد تعالى عن الأعراض (ح ، ف ٢ ، ١٢٤ ، ٨)

ـ الاستواء في اللغة يقع على الانتهاء ، قال الله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) (القصص : ١٤) أي فلمّا انتهى إلى القوة والخير وقال تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) (فصلت : ١١) أي أنّ خلقه وفعله انتهى إلى السماء بعد أن رتّب الأرض على ما هي عليه وبالله تعالى التوفيق وهذا هو الحق وبه نقول لصحّة البرهان به وبطلان ما عداه (ح ، ف ٢ ، ١٢٥ ، ١٠)

ـ لنرجع إلى معنى الاستواء والنزول ، أمّا الاستواء : فهو نسبة العرش إليه لا محالة ، ولا يمكن أن يكون للعرش إليه نسبة إلّا بكونه معلوما أو مرادا أو مقدورا عليه أو محلا مثل محلّ العرض أو مكانا مثل مستقرّ الجسم ؛ ولكن بعض هذه النسب تستحيل عقلا وبعضها لا يصلح اللفظ للاستعارة له. فإن كان في

جملة هذه النسب مع أنّه لا نسبة سواها نسبة لا يحيلها العقل ولا ينبو عنها اللفظ ، فليعلم أنّها المراد أمّا كونه مكانا أو محلّا كما كان للجوهر والعرض فاللفظ يصلح له ؛ ولكن العقل يحيله كما سبق. وأمّا كونه معلوما ومرادا فالعقل لا يحيله ولكنّ اللفظ لا يصلح له. وأمّا كونه مقدورا عليه وواقعا في قبضة القدرة ومسخّرا له مع كونه أعظم المخلوقات ويصلح الاستيلاء عليه لأن يتمدّح به وينبّهه به على غيره الذي هو دونه في العظم. فهذا مما لا يحيله العقل ويصلح له اللفظ. فاخلق بأن يكون هو المراد قطعا (غ ، ق ، ٥٥ ، ٨)

ـ الاستواء : الاعتدال والاستقامة ، يقال استوى العود وغيره : إذا قام واعتدل ، ثم قيل استوى إليه كالسهم المرسل : إذا قصده قصدا مستويا من غير أن يلوى على شيء ، ومنه استعير قوله (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) (البقرة : ٢٩) أي قصد إليها بإرادته ومشيئته بعد خلق ما في الأرض من غير أن يريد فيما بين ذلك خلق شيء آخر (ز ، ك ١ ، ٢٧٠ ، ١٦)

ـ أما آية" الاستواء" فإنّه يحتمل أن يكون المراد التسخير ، والوقوع في قبضة القدرة ، ولهذا تقول العرب : استوى الأمير على مملكته ، عند دخول العباد تحت طوعه في مراداته ، وتسخيرهم في مأموراته ومنهيّاته (م ، غ ، ١٤١ ، ١١)

استوى

ـ قالت المعتزلة إنّ الله استوى على عرشه بمعنى استولى (ش ، ق ، ٢١١ ، ١٤)

ـ اختلفوا في تأويل قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) ، فزعمت المعتزلة أنّه بمعنى استولى كقول الشاعر : قد استوى بشر على العراق أي استولى (ب ، أ ، ١١٢ ، ٨)

ـ استوى فلان على العرش يريدون ملك وإن لم يقعد على السرير البتّة ، وقالوه أيضا لشهرته في ذلك المعنى ومساواته ملك في مؤداه وإن كان أشرح وأبسط وأدلّ على صورة الأمر (ز ، ك ٢ ، ٥٣٠ ، ٧)

ـ (فَاسْتَوى) (النجم : ٦) فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصورة التي كان يتمثّل بها كلّما هبط بالوحي ، وكان ينزل في صورة دحية ، وذلك أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحبّ أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له في الأفق الأعلى ، وهو أفق الشمس فملأ الأفق. وقيل ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرّتين ، مرّة في الأرض ومرّة في السماء (ز ، ك ٤ ، ٢٨ ، ١٧)

استيلاء

ـ إنّ مرادنا بالاستيلاء القدرة التامة الخالية عن المنازع والمعارض والمدافع (ف ، س ، ١٩٢ ، ١٤)

إسلام

ـ إن الإسلام أوسع من الإيمان ، وليس كل إسلام إيمان (ش ، ب ، ٢٢ ، ١٠)

ـ قيل : الإسلام هو الخضوع. وقيل : الإسلام هو الإخلاص بالأفعال ، وهو أن يسلم نفسه لله ، أو يسلم دينه ، لا يشركه فيه (م ، ت ، ٢٥٨ ، ١٢)

ـ تكلم الناس في الإسلام أنّه اسم الإيمان في التحقيق أو غيره. فأمّا من يقول بأنّ الإيمان

اسم لجميع الخيرات فقد اختلفوا في ذلك خلافا يشبه أهل القول به ، وإلّا فلا معنى لاختلافهم ؛ / إذ احتجوا بقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران : ٨٥) ، وصيّروا لكل شيء يقبل إسلاما ، وكل خير إيمان ، وكل مقبول خير ، وكل خير مقبول ، فيكونان في الحقيقة واحدا. لكنهم فرّقوا بينهما استدلالا بتفريق الكتاب بقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) ، فأذن لهم بالخبر عن الإسلام ولم يأذن لهم بالإخبار عن الإيمان (م ، ح ، ٣٩٣ ، ٤)

ـ روى في قصة جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد أن لا إله إلّا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في الأول : فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح ، ٣٩٣ ، ١٢)

ـ الإسلام هو إسلام المرء نفسه بكلّيتها ، وكذا كل شيء لله تعالى بالعبودية لله لا شريك فيه (م ، ح ، ٣٩٤ ، ١٨)

ـ قال قوم : الإسلام في اللغة الإخلاص (م ، ح ، ٣٩٥ ، ١)

ـ الإسلام هو الخضوع لله تعالى والاستسلام له بالاختيار على ما هم عليه لله بالخلقة والجوهر ، والإيمان لا يتوجه إلى هذا الوجه (م ، ح ، ٣٩٥ ، ٩)

ـ إنّ الإسلام معرفة الله تعالى بلا كيف ، ومحلّه الصدور مصادقة لقوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (الزمر : ٢٢) (م ، ف ، ٦ ، ١٠)

ـ ما الإسلام؟ فقال عليه‌السلام شهادة أن لا إله إلّا الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا (م ، ف ، ٧ ، ١٦)

ـ إنّ كل إيمان إسلام ، وليس كلّ إسلام إيمانا ، لأنّ معنى الإسلام الانقياد ، ومعنى الإيمان التصديق ، ويستحيل أن يكون مصدّق غير منقاد ، ولا يستحيل أن يكون منقاد غير مصدّق ؛ وهذا كما يقال : كل نبيّ صالح ، وليس كل صالح نبيّا (ب ، ن ، ٥٩ ، ١)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإسلام هو الاستسلام والانقياد للحكم والمتابعة في الأمر ، وإن كل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمنا إذا لم يكن استسلامه بالتصديق والإيمان (أ ، م ، ١٥٥ ، ٢)

ـ بعض الناس ، فرّق بين المؤمن والمسلم ، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) فالله تعالى فصل بين الإيمان والإسلام ، فلو كانا جميعا بمعنى واحد لم يكن للفصل بينهما وجه (ق ، ش ، ٧٠٧ ، ٨)

ـ إنّ الإسلام أصله في اللغة التبرّؤ ، تقول أسلمت أمر كذا إلى فلان إذا تبرّأت منه إليه ، فسمّي المسلم مسلما لأنّه تبرّأ من كل شيء إلى الله عزوجل ، ثم نقل الله تعالى اسم الإسلام أيضا إلى جميع الطاعات ، وأيضا فإن التبرّؤ إلى الله من كل شيء هو معنى التصديق لأنّه لا يبرأ إلى الله تعالى من كل شيء حتى يصدق به ، فإذا أريد بالإسلام المعنى الذي هو خلاف الكفر وخلاف الفسق فهو والإيمان شيء

واحد ، كما قال تعالى : (لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) (الحجرات : ١٧) وقد يكون الإسلام أيضا بمعنى الاستسلام ، أي أنّه استسلم للملّة خوف القتل ، وهو غير معتقد لها ، فإذا أريد بالإسلام هذا المعنى فهو غير الإيمان ، وهو الذي أراد الله تعالى بقوله : (لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات : ١٤) وبهذا تتألّف النصوص المذكورة من القرآن والسنن (ح ، ف ٣ ، ٢٢٦ ، ٧)

ـ إنّ الإسلام لفظة مشتركة كما ذكرنا ، ومن البرهان على أنّها لفظة منقولة عن موضوعها في اللغة أنّ الإسلام في اللغة هي التبرّؤ ، فأي شيء تبرّأ منه المرء فقد أسلم من ذلك الشيء وهو مسلم ، كما أنّ من صدق بشيء فقد آمن به وهو مؤمن به وبيقين لا شكّ فيه ، يدري كل واحد أنّ كل كافر على وجه الأرض فإنّه مصدّق بأشياء كثيرة من أمور دنياه ، ومتبرّئ من أشياء كثيرة ، ولا يختلف اثنين من أهل الإسلام في أنّه لا يحلّ لأحد أن يطلق على الكافر من أجل ذلك أنّه مؤمن ولا أنّه مسلم ، فصحّ يقينا أنّ لفظة الإسلام والإيمان منقولة عن موضوعها في اللغة إلى معان محدودة معروفة لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله عزوجل بها الوحي على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّه من أتى بها استحقّ اسم الإيمان والإسلام وسمّي مؤمنا مسلما ، ومن لم يأت بها لم يسمّ مؤمنا ولا مسلما وإن صدق بكل شيء غيرها ، أو تبرّأ من كل شيء حاشى ما أوجبت الشريعة التبرّؤ منه (ح ، ف ٣ ، ٢٢٦ ، ٢٠)

ـ فرّق في التفسير بين الإسلام والإيمان. والإسلام قد يرد بمعنى الاستسلام ظاهرا ، ويشترك فيه المؤمن والمنافق. قال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) ففرّق التنزيل بينهما. فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهرا موقع الاشتراك ، فهو المبدأ. ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدّق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويقرّ عقدا بأنّ القدر خيره وشرّه من الله تعالى ؛ بمعنى أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ؛ كان مؤمنا حقّا. ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق ، وقرن المجاهدة بالمشاهدة ، وصار غيبه شهادة ؛ فهو الكمال. فكان الإسلام مبدأ ، والإيمان وسطا ، والإحسان كمالا ، وعلى هذا شمل لفظ المسلمين : الناجي والهالك (ش ، م ١ ، ٤٠ ، ١٤)

ـ قد يرد الإسلام وقرينه الإحسان ، قال الله تعالى : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (البقرة : ١١٢) (ش ، م ١ ، ٤١ ، ٧)

ـ إنّ الإسلام والإيمان عبارتان عن معنى واحد ، وأنّ العمل داخل في مفهوم هذه اللفظة ، ألا تراه جعل كل واحد من اللفظات قائمة مقام الأخرى في إفادة المفهوم ، كما نقول الليث هو الأسد والأسد هو السبع والسبع هو أبو الحارث ، فلا شبهة أنّ الليث يكون أبا الحارث أي أنّ الأسماء مترادفة. فإذا كان أوّل اللفظات الإسلام وآخرها العمل دلّ على أنّ العمل هو الإسلام ، وهكذا تقول أصحابنا إن ترك الواجب لا يسمّى مسلما. فإن قلت هب أنّ كلامه عليه‌السلام يدلّ على ما قلت كيف يدلّ على أنّ الإسلام هو الإيمان ، قلت لأنّه إذا دلّ على أنّ العمل هو الإسلام وجب أن يكون

الإيمان هو الإسلام ، لأنّ كل من قال أنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام ، قال إنّ الإسلام هو الإيمان ، فالقول بأنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام وليس الإسلام هو الإيمان قول لم يقل به أحد ، فيكون الإجماع واقعا على بطلانه. فإن قلت أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقل كما تقوله المعتزلة ، لأنّ المعتزلة تقول الإسلام اسم واقع على العمل وغيره من الاعتقاد والنطق باللسان ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام جعل الإسلام هو العمل فقط ، فكيف ادّعيت أنّ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام يطابق مذهبهم. قلت لا يجوز أن يريد غيره لأنّ لفظ العمل يشمل الاعتقاد والنطق باللسان وحركات الأركان بالعبادات ، إذ كل ذلك عمل وفعل ، وإن كان بعضه من أفعال القلوب وبعضه من أفعال الجوارح ، ولو لم يرد أمير المؤمنين عليه‌السلام ما شرحناه لكان قد قال الإسلام هو العمل بالأركان خاصة ، ولم يعتبر فيه الاعتقاد القلبيّ ولا النطق اللفظيّ ، وذلك ممّا لا يقوله أحد (أ ، ش ٤ ، ٣٠٢ ، ١٤)

ـ الإسلام : هو الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الكشّاف أنّ كل ما يكون الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام ، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان. أقول : هذا مذهب الشافعيّ ، وأمّا مذهب أبي حنيفة فلا فرق بينهما (ج ، ت ، ٤٥ ، ٩)

ـ المعتزلة : والإيمان والإسلام والدين سواء. بعض الإماميّة : الإسلام غير الإيمان. قلنا : اشتركت في كونها للمدح بمعنى واحد (م ، ق ، ١٣٢ ، ١٤)

ـ الإسلام لغة : الانقياد. أئمتنا ، عليهم‌السلام ، والجمهور ، ودينا : مشترك الإيمان وكل على أصله والاعتراف بالله ورسوله وما عرف من ضرورة الدين والإقرار بذلك مع عدم ارتكاب معصية الكفر. ففاعل الكبيرة غير معصية الكفر مسلم فاسق. بعض الإماميّة : بل الانقياد فقط (ق ، س ، ١٨٦ ، ٤)

اسم

ـ الاسم بلا معنى لغو كالظرف الخالي ، والاسم في معنى الأبدان والمعاني في معنى الأرواح (ج ، ر ، ٨٥ ، ٧)

ـ لا يكون اللفظ اسما إلّا وهو مضمّن بمعنى ، وقد يكون المعنى ولا اسم له ولا يكون اسم إلّا وله معنى. في قوله جلّ ذكره : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) (البقرة : ٣١) ، إخبار أنّه قد علّمه المعاني كلّها. ولسنا نعني معاني تراكيب الألوان والطعوم والأراييح وتضاعيف الأعداد التي لا تنتهي ولا تتناهى. وليس لما فضل عن مقدار المصلحة ونهاية الوهم اسم ، إلّا أن تدخله في باب العلم فتقول شيء (ج ، ر ، ٨٥ ، ١٢)

ـ إنّ الاسم هو المسمّى بعينه وذاته ، والتسمية الدالّة عليه تسمّى اسما على سبيل المجاز (ب ، ن ، ٦٠ ، ١٧)

ـ أمّا المعروف من مذهبه (الأشعري) في معنى الاسم والذي نصّ عليه في كثير من كتبه منها النقض على الجبّائي والبلخي ، أنّ الاسم ليس هو المسمّى ، على خلاف ما ذهب إليه المتقدّمون من أصحاب الصفات. فمن ذلك ما قال في كتاب نقض أصول الجبّائي إنّ أسماء الله تعالى صفاته ، ولا يقال لصفاته هي هو ولا غيره. وليس هذا المذهب من مذهب المعتزلة

القائلين بأنّ الاسم هو التسمية فقط في شيء ، لأنّ التسمية عنده اسم للمسمّى وما عداها أيضا اسم له ، كنحو ما ذكر من العلم والقدرة. ونقض في كتاب التفسير على الجبّائي إنكاره على من ذهب من قدماء أصحاب الصفات إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وقال في عقب ذلك : " إنّي لم أنكر عليه ذلك لأجل أنّي أذهب إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وإنّما أنكرت ذلك لأنّه قصد أن يفسد ذلك بما لا يصحّ على مذهبه ولا يطّرد على قواعده". فعلى هذا الأصل تحقيق مذهبه أنّ كل تسمية اسم وليس كل اسم تسمية (أ ، م ، ٣٨ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ الاسم إنّما يصير اسما للمسمّى بالقصد ، ولو لا ذلك لم يكن بأن يكون اسما له أولى من غيره. وهذا معلوم من حال من يريد أن يسمّى الشيء باسم ، لأنّه إنّما يجعله اسما له بضرب من القصد. يبيّن ذلك أنّ حقيقة الحروف لا تتعلّق بالمسمّى لشيء يرجع إليه كتعلّق العلم والقدرة بما يتعلّقان به ، فلا بدّ من أمر آخر يوجب تعلّقه بالمسمّى ، وليس هناك ما يوجب ذلك فيه سوى القصد والإرادة. يؤيّد ذلك أنّ الاسم الواحد قد يختلف مسمّاه بحسب اللغات لمّا اختلفت المقاصد فيه. فلولا أنّه يتعلّق بالمسمّى بحسب القصد ، لم يصحّ ذلك فيه ، ولذلك يصحّ تبديل الأسماء من مسمّى إلى سواه بحسب القصد (ق ، غ ٥ ، ١٦٠ ، ٥)

ـ قد ثبت أنّ الاسم في تعلّقه بالمسمّى بمنزلة الخبر عن الشيء ، والعلم به ، والدلالة عليه ، بل هو في ذلك دون مرتبته. فإذا كان العلم والدلالة والخبر لا تؤثّر فيما يتعلّق به فالاسم بأن لا يؤثّر فيه أولى. وكذلك لا يصحّ استعماله على وجه يفيد إلّا بعد تقدّم العلم بالمعنى أو الاعتقاد له ؛ فإذا صحّ ذلك لم يمنع تغيّر الأسماء واختلافها على المسمّى ، وإن لم يتغيّر حاله. يبيّن ذلك جواز اختلاف اللغات ، وإن كان المسمّى بها واحدا ؛ ولذلك قد تتّفق حروف الاسمين في اللغتين وإن كان المراد بهما يختلف ، نحو ما قال شيخنا أبو هاشم : إن مردا قد يكون من كلام العرب مصدر مرده مردا يعني ليّنه ؛ ومن ذلك سمّي الأمرد أمرد ، ومن كلام العجم هو اسم الرجل ؛ وذلك يكثر إذا تتبّع. ولذلك يصحّ أن تتغيّر اللغات بحسب الدواعي والأغراض ، وإن كان اللقب واحدا (ق ، غ ٥ ، ١٧٢ ، ٣)

ـ إنّ من حق الاسم ، إذا أفاد في اللغة بعض الأمور ، أن يطّرد فيه ولا يقع فيه اختصاص ، وإلّا انتقض قصدهم بالمواضعة ، وذلك يوجب ، متى علم أنّه يصحّ منه الفعل ، أن يوصف بأنّه قادر ، ومتى علم عالما حيّا ، أن يوصف بذلك ، ومتى فعل الإحسان ، أن يوصف بأنّه محسن ، ولا ينتظر في ذلك أجمع ورود الإذن والسمع (ق ، غ ٥ ، ١٨٠ ، ١٣)

ـ إنّ الاسم والصفة لا يختلف فيهما شاهد ولا غائب إذا اتّفقا في فائدتهما (ق ، غ ٥ ، ١٨٣ ، ٢)

ـ إنّ الاسم يجب أن يتبع فائدته في الشاهد والغائب (ق ، غ ٥ ، ١٨٤ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ المواضعة إنّما تقع على المشاهدات وما جرى مجراها ؛ لأنّ الأصل فيها الإشارة .... فإذا ثبت ذلك ، فيجب ، متى أردنا التكلّم بلغة مخصوصة ، أن نعقل معاني الأوصاف والأسماء فيها في الشاهد ، ثم

ننظر ، فما حصلت فيه تلك الفائدة نجري عليه الاسم في الغائب. وهذا في بابه بمنزلة معرفة ماله أصل في الشاهد في أنّه يجب أن يعلم أوّلا ثم يبنى عليه الغائب ، نحو ما بيّناه في الاستدلال بالشاهد على الغائب (ق ، غ ٥ ، ١٨٦ ، ٧)

ـ إنّ فائدة الاسم يجب معرفتها ثم يحسن إجراء الاسم على ما يختصّ بها (ق ، غ ٥ ، ١٨٧ ، ٢)

ـ اعلم أنّ كلّ اسم يستحقّه ، جلّ وعزّ ، حقيقة فإنّه يستعمل فيه مطلقا ، لأنّه لا وجه يوجب تقييده من إيهام وغيره. ولو لزم تقييد هذا الاسم ، والحال فيه ما قلناه ، لوجب تقييد جميع الأسماء ، ولكان متى قيّد بكلام آخر احتيج فيه من التقييد إلى مثل ما احتيج في الأول ، وذلك واضح السقوط (ق ، غ ٥ ، ١٩٢ ، ٥)

ـ اعلم أنّ من حقّ الاسم ، إذا صحّت فائدته على المسمّى ، أن يستعمل فيه من جهة اللغة إلّا لمانع ، وقد دللنا على ذلك من قبل وبيّنا حسن استعماله من غير ورود إذن سمعي ، فيجب القول بصحّته إلّا إذا منع السمع منه (ق ، غ ٥ ، ١٩٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الاسم على ضربين : أحدهما لا يفيد في المسمّى به وإنّما يقوم مقام الإشارة في وقوع التعريف به من غير أن يقع التعريف بما يفيده ، وهو الذي سمّيناه بأنّه لقب محض. ومنه ما يفيد في المسمّى به جنسا أو صفة من صفة ، وهو الذي يسمّيه شيوخنا صفات ، ولا يجعلون الفارق بين الاسم والصفة ما يقوله أهل العربية في ذلك (ق ، غ ٥ ، ١٩٨ ، ٤)

ـ اختلفوا في الاسم : فقال أكثر أصحابنا إنّه المسمّى والعبارات عنه تسميات له. وقد نصّ أبو الحسن الأشعري على هذا القول في كتاب تفسير القرآن. وذكر في كتاب الصفات إنّ الاسم هو الصفة وقسّمه تقسيم الصفات (ب ، أ ، ١١٤ ، ١٧)

ـ زعمت القدرية إنّ الاسم غير عين المسمّى ، وأشاروا به إلى القول الذي سمّاه أصحابنا تسمية (ب ، أ ، ١١٥ ، ٣)

ـ حقيقة الاسم عندهم ما صحّ إسناد الفعل إليه ، وما صحّت إضافته والإضافة إليه ، وما صحّ دخول حرف الجرّ عليه ، وكل ما دلّ على معنى مفرد فهو اسم (ب ، أ ، ٢١٤ ، ١٤)

ـ لا يجوز إطلاق اسم على غير موضوعه في اللغة ، إلّا أن يأتي به نص فيقف عنده وندري حينئذ أنّه منقول إلى ذلك المعنى الآخر (ح ، ف ٢ ، ١٢٣ ، ٥)

ـ ليس لأحد إيقاع اسم على مسمّى لم يوقعه الله تعالى عليه في الشريعة ، أو أباح إيقاعه عليه بإباحته الكلام باللغة التي أمرنا الله عزوجل بالتفاهم بها وبأن نتعلّم بها ديننا ونعلمه بها (ح ، ف ٣ ، ٨٢ ، ٣)

ـ ذهب قوم إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وقال آخرون الاسم غير المسمّى (ح ، ف ٥ ، ٢٧ ، ١٩)

ـ إنّ الاسم غير المسمّى بلا شكّ (ح ، ف ٥ ، ٢٩ ، ٨)

ـ التسمية ترجع عند أهل الحق إلى لفظ المسمّى الدّال على الاسم ، والاسم لا يرجع إلى لفظه ، بل هو مدلول التسمية (ج ، ش ، ١٣٥ ، ٣)

ـ ذهبت المعتزلة إلى التسوية بين الاسم والتسمية ، والوصف والصفة ، والتزموا على ذلك بدعة شنعاء ، فقالوا : لو لم تكن للباري في الأزل صفة ولا اسم ، فإنّ الاسم والصفة

أقوال المسمّين والواصفين (ج ، ش ، ١٣٥ ، ١٠)

ـ إن قيل : أطلق المسلمون القول بأنّ لله تعالى تسعة وتسعين اسما ؛ فلو كان الاسم هو المسمّى ، لكان ذلك حكما بتعدّد الآلهة. ولنا في جواب ذلك مسلكان : أحدهما ، أن نقول قد يراد بالاسم التسمية ، وهذا ممّا لا ننكره ، فيحمل الإطلاق في الأسماء على المسمّيات. والوجه الثاني ، أنّ كل اسم دلّ على فعل فهو اسم ، فالأسماء هي الأفعال ، وهي متعدّدة ؛ وما دلّ على الصفات القديمة ، لم يبعد فيه التعدّد ؛ وما دلّ على الصفات النفسية ، وهي الأحوال فلا يبعد أيضا تعدّدها (ج ، ش ، ١٣٦ ، ٩)

ـ الاسم للمسمّى علامة يعرف بها ويتميّز من غيره (ز ، ك ١ ، ٤٣٠ ، ١٣)

ـ اسم الشيء إمّا أن يدلّ على ماهيّته ، أو جزئها ، أو صفتها الحقيقيّة ، أو الإضافيّة ، أو السلبيّة أو ما يتركّب عنها ؛ فالدالّ على ماهيّة الله ـ تعالى ـ إن كانت معلومة جائز ؛ وعلى الجزء محال وعلى الباقي جائز ؛ ولا نهاية لها فكذا أسماؤها (خ ، ل ، ١١٥ ، ١٥)

ـ الاسم : ما دلّ على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وهو ينقسم إلى اسم عين وهو الدالّ على معنى يقوم بذاته كزيد وعمرو. وإلى اسم معنى وهو ما لا يقوم بذاته سواء كان معناه وجوديّا كالعلم أو عدميّا كالجهل (ج ، ت ، ٤٦ ، ١٠)

ـ الاسم والصفة عبارة عن قول الواصف. وعن بعضهم : بل الصفة لمعنى في الموصوف. لنا : إجماع أهل اللغة على أنّ الوصف والصفة واحد ، كالوعد والعدّة. والوصف قول اتّفاقا ، فكذا الصفة. ولو أفادت المعنى لزم فيمن قام أن يوصف بأنّه واصف له (م ، ق ، ٨٧ ، ١١)

ـ كل اسم أو صفة هو حقيقة في معنى يجوز إطلاقه على الله إن صحّ عليه ذلك المعنى. قلت : ما لم يوهم الخطأ. البلخيّ : لا ، إلّا بإذن سمعيّ. فأمّا المجاز فلا إلّا بإذن اتّفاقا. لنا : لا دليل على منع الحقيقة ، وإلّا لاحتاج في تركه إلى إذن (م ، ق ، ٨٧ ، ١٩)

ـ المعتزلة : يجوز نقل الاسم من المعنى اللغويّ إلى معنى شرعيّ. وقيل : لا. قلنا : دلالته بحسب الوضع فجاز اختلافه (م ، ق ، ١٣١ ، ١٣)

ـ الاسم هو كلمة تدلّ وحدها على معنى غير مقترن بزمان وضعا وهو غير المسمّى. الكراميّة ومتأخّرو الحنفيّة : بل هو المسمّى (ق ، س ، ٨٧ ، ٥)

ـ اعلم أنّ من أقسام الاسم الحقيقة والمجاز. فالحقيقة ، لغة ، الراية ونفس الشيء ، واصطلاحا ، اللفظ المستعار فيما وضع له في اصطلاح به التخاطب. وتنقسم إلى لغويّة ، كأسد للسبع ، وعرفيّة عامّة وهي التي لا يتعيّن ناقلها كقارورة ، وخاصّة ، وهي التي يتعيّن ناقلها كالكلام لهذا الفن ، وشرعيّة كالصلاة ، وهي ممكنة عقلا (ق ، س ، ٨٩ ، ٦)

اسم البارئ

ـ اختلفوا في اسم البارئ جلّ وعزّ هل هو البارئ أم غيره على أربع مقالات : فقال قائلون : أسماؤه هي هو وإلى هذا القول يذهب أكثر أصحاب الحديث ، وقال قائلون من أصحاب" ابن كلّاب" إنّ أسماء البارئ لا هي البارئ ولا غيره ، وقال قائلون من أصحابه : أسماء

البارئ لا يقال هي البارئ ولا يقال هي غيره وامتنعوا من أن يقولوا : لا هي البارئ ولا غيره ، وقال قائلون : أسماء البارئ هي غيره وكذلك صفاته ، وهذا قول المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وكثير من الزيدية (ش ، ق ، ١٧٢ ، ٤)

اسم شرعي

ـ أمّا الاسم الشرعيّ فذكر قاضي القضاة أنّه ينبغي أن يجمع شرطين : أحدهما أن يكون معناه ثابتا بالشرع ، والآخر أن يكون الاسم موضوعا له بالشرع. وينبغي أن يقال : الاسم الشرعيّ هو ما استفيد بالشرع وضعه للمعنى. وقد دخل تحت ذلك أن يكون المعنى والاسم لا يعرفهما أهل اللغة ؛ وأن يكونوا يعرفونهما ، غير أنّهم لم يضعوا الاسم لذلك المعنى ، وأن يكونوا عرفوا المعنى ولم يعرفوا الاسم (ب ، م ، ٢٣ ، ١٩)

اسم عرفي

ـ أما الاسم العرفيّ فهو ما انتقل عن بابه بعرف الاستعمال وغلبته عليه ، لا من جهة الشرع. أو نقول : ما أفاد ظاهره ، لاستعمال طارئ من أهل اللغة ، ما لم يكن يفيده من قبل (ب ، م ، ٢٧ ، ٦)

أسماء

ـ معنى الأسماء التي تدور بين الناس إنّما وضعت علامات لخصائص الحالات لا لنتائج التركيبات. وكذلك خاصّ الخاصّ لا اسم له ، إلّا أن نجعل الإشارة الموصولة باللفظ اسما. وإنّما تقع الأسماء على العلوم المقصورة ، ولعمري إنّها لتحيط بها (ج ، ر ، ٨٥ ، ١٦)

ـ الوعيد عنده (النظّام) لا يعلم بالقياس وإنّما يعلم بالسمع ، وكذلك الأسماء إنّما تعلم أيضا بالسمع ؛ فلمّا نطق القرآن بالوعيد لخائن المائتي درهم حكم به عليه ووقف دون ذلك (خ ، ن ، ٧١ ، ٤)

ـ كان (محمد الجبائي) يقسم الأسماء على وجوه فما سمّى به الشيء لنفسه فواجب أن يسمّى به قبل كونه كالقول سواد إنما سمّي سوادا لنفسه ، وكذلك البياض وكذلك الجوهر إنّما سمّي جوهرا لنفسه ، وما سمّي به الشيء لأنّه يمكن أن يذكر ويخبر عنه فهو مسمّى بذلك قبل كونه كالقول شيء ، فإنّ أهل اللغة سمّوا بالقول شيء كل ما أمكنهم أن يذكروه ويخبروا عنه ، وما سمّي به الشيء للتفرقة بينه وبين أجناس أخر كالقول لون وما أشبه ذلك فهو مسمّى بذلك قبل كونه ، وما سمّي به الشيء لعلّة فوجدت العلّة قبل وجوده فواجب أن يسمّى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به ، إنّما قيل مأمور به لوجود الأمر به ، فواجب أن يسمّى مأمورا به في حال وجود الأمر وإن كان غير موجود في حال وجود الأمر ، وكذلك ما سمّي به الشيء لوجود علّة يجوز وجودها قبله ، وما سمّي به الشيء لحدوثه ولأنه فعل فلا يجوز أن يسمّى بذلك قبل أن يحدث كالقول مفعول ومحدث ، وما سمّي به الشيء لوجود علّة فيه فلا يجوز أن يسمّى به قبل وجود العلّة فيه كالقول جسم وكالقول متحرّك وما أشبه ذلك (ش ، ق ، ١٦١ ، ٥)

ـ إنّ الأسماء على وجوه منها ما يسمّى به البارئ لا لفعله ولا لفعل غيره كالقول عالم قادر حيّ سميع بصير قديم إله ، ومنها ما يسمّى به لفعله

كالقول خالق رازق بارئ متفضّل محسن منعم ، ومنها ما يسمّى به لفعل غيره كالقول معلوم ومدعوّ (ش ، ق ، ٤٩٩ ، ٣)

ـ الأسماء ليست إلينا ولا يجوز لنا أن نسمّي الله تعالى باسم لم يسمّ به نفسه ولا سمّاه به رسوله ولا أجمع المسلمون عليه ولا على معناه (ش ، ل ، ١٠ ، ٧)

ـ إنّ الأسماء إنّما جعلت لمعرفة أهلها فيما أريدوا بأمور جعلت لهم وعليهم وفيما وعدوا وأوعدوا (م ، ح ، ٤٠١ ، ٥)

ـ إنّ الأسماء تنقسم إلى شرعيّ وإلى عرفيّ وإلى لغويّ. فاللغويّ نحو تسميتهم هذه الجارحة المخصوصة يدا ، والجارحة الأخرى رجلا. والعرفيّ نحو تسميتهم هذه الحيوان المخصوصة دابّة ، مع أنّ هذا الاسم في الأصل كان اسما لكل ما يدبّ على وجه الأرض ؛ وتسميتهم هذه الآنية المخصوصة قارورة ، مع أنّها كانت في الأصل عبارة عمّا يستقرّ فيه الشيء. والشرعيّ ينقسم إلى ما يكون من الأسماء الدينيّة ، وذلك نحو الأسماء التي تجري على الفاعلين ، نحو قولنا مؤمن وفاسق وكافر ، وإلى ما لا يكون كذلك نحو الصلاة ، وقد كانت في الأصل عبارة عن الدعاء ثم صارت في الشرع اسما لهذه العبادة المخصوصة ، والزكاة فقد كانت في الأصل عبارة عن النماء والطهارة ، ثم صارت بالشرع اسما لإخراج طائفة من المال ، إلى غيرهما من الأسماء نحو الصوم والحجّ وما شاكلهما (ق ، ش ، ٧٠٩ ، ١٧)

ـ تنقسم الأسماء قسمة أخرى : إلى ما يفيد المدح والتعظيم ، وإلى ما يفيد الذمّ والاستخفاف ، وإلى ما لا يفيد واحدا منهما. فالأول ، ينقسم إلى ما لا يفيد المدح بمجرّده ، وذلك نحو قولنا مؤمن برّ تقي ، وإلى ما يفيده بواسطة وقرينة ، وذلك نحو قولنا مصلي ومطيع ، فإنّ دلالته على استحقاق صاحبه المدح والتعظيم مشروطة باجتنابه الكبائر وما يجري مجراها. والثاني ينقسم ، إلى ما يفيد الذمّ بمجرّده ، وذلك نحو قولنا فاسق ومتهتّك وملعون وما يجري هذا المجرى ، وإلى ما يفيده بواسطة وقرينة ، وذلك نحو قولنا ظالم وعاصي. فإنّ دلالته على استحقاق الذمّ مشروطة بأن لا يكون معه طاعة أعظم من تلك المعصية ، ولذلك صحّ من الأنبياء أن يصفوا أنفسهم بالظلم على علم منهم بأنّهم لا يرتكبون الكبائر ولا يستحقّون ذمّا ولا لعنا (ق ، ش ، ٧١٠ ، ١٢)

ـ أمّا الكلام في الأسماء والعبارات التي تجري على هذه الأسباب فقد حصل الاصطلاح منّا على أسماء تطلق على الأسباب فنتوسّع بها ، ولو حقّقناها ما كان يجب ذلك نحو قولنا في السبب إنّه موجب للمسبّب ، لأنّ الذي أوجب حصوله هو ما عليه القادر وصار السبب واسطة بينه وبين ذلك الفعل. وإن كنا نمتنع من إطلاق اسم الموجب على الفاعل أيضا لأنّ طريقة الفعلية تنافي الإيجاب ، وكذلك فلا يصحّ على الحقيقة أن يقال في السبب إنّه مولّد لأنّه من أسماء الفاعلين ، ولا يقال أيضا إنّه حادث بالسبب. فإنّ حدوثه هو بالقادر ، بل يصحّ أن يقال إحداثه القادر بهذا السبب أو حرّك المحلّ المنفصل عنه بالاعتماد ، أو ألّف بالمجاوزة إلى ما شاكل ذلك (ق ، ت ١ ، ٤٢٢ ، ٢)

ـ إنّ أهل اللغة ، إنّما وضعوا الأسماء فيما عقلوه في الشاهد أولا ، ثم أجريت على ما غاب

عنهم (ق ، غ ٨ ، ٢٣٤ ، ٢)

ـ ذكر النحويون أنّ الأسماء ثلاثة أنواع : اسم متمكّن ، واسم مضمر واسم مبهم. والمتمكّن معروف. والمضمر مثل أنا وأنت وهو والياء في لي وبي ومنّي وعنّي ، والهاء في به وله ، والتاء في مثل ضربت وفعلت بالفتح والضم والكسر في خطاب المؤنّث ، والكاف في نحو أكرمك ، والمبهم مثل من وما وأين وحيث ونحوها ، وجميع هذه الوجوه الثلاثة داخلة في أسماء الله عزوجل ، لأنّ أسماءه التي ورد الشرع بها متمكّنة وأسماء الله عزوجل متمكّنة (ب ، أ ، ١١٦ ، ١٣)

ـ إنّ الأسماء تتنزّل منزلة الصفات ، فإذا أطلقت ولم تقتض نفيا حملت على ثبوت متحقّق. فإذا قلنا : الله الخالق ، وجب صرف ذلك إلى ثبوت وهو الخلق ، وكان معنى الخالق من له الخلق ، ولا ترجع من الخلق صفة متحقّقة إلى الذات ، فلا يدلّ الخالق إلّا على إثبات الخلق. ولذلك قال أئمتنا : لا يتّصف الباري تعالى في أزله بكونه خالقا ، إذ لا خلق في الأزل ، ولو وصف بذلك على معنى أنّه قادر كان تجوّزا. فخرج من ذلك أنّ العلم والقدرة كما كانا صفتين ، فكذلك هما اسمان. والكلام في ذلك يؤول إلى التنازع في إطلاق لفظ ومنع إطلاقه (ج ، ش ، ١٣٧ ، ١٦)

أسماء الإثبات

ـ إنّ أعمّ أسماء الإثبات قولنا" شيء" و" موجود" وعليه تتركّب الأوصاف الخاصّة والأسماء ، وإنّه لا يصحّ أن يستحقّ الاسم الأخصّ مع امتناع الاسم الأعمّ ، وهو أنّ قولنا إنّه موجود أعمّ من قولنا إنّه عرض أو سواد أو جوهر. فإذا امتنع المعدوم من تسميته بأنّه موجود ، وهو أعمّ أسماء الإثبات ، كان ذلك دالّا على أنّه ممتنع أن يتسمّى بالأخصّ من ذلك على الحقيقة حتى يقال إنّه سواد وليس بموجود (أ ، م ، ٢٥٥ ، ٥)

أسماء الله

ـ كان (عبد الله بن كلّاب) يقول إنّ أسماء الله وصفاته لذاته لا هي الله ولا هي غيره وأنّها قائمة بالله ولا يجوز أن تقوم بالصفات صفات ، وكان يقول أنّ وجه الله ولا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعينه وبصره صفات له لا هي هو ولا غيره ، وأنّ ذاته هي هو ونفسه هي هو وأنّه موجود لا بوجود ، وشيء لا بمعنى له كان شيئا ، وكان يزعم أن صفات البارئ لا تتغاير وأنّ العلم لا هو القدرة ولا غيرها ، وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الأخرى ولا غيرها (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١٢)

ـ اختلف الذين لم يقولوا الأسماء والصفات هي البارئ في الأسماء والصفات ما هي على مقالتين : فقالت المعتزلة والخوارج : الأسماء والصفات هي الأقوال وهي قولنا : الله عالم الله قادر وما أشبه ذلك. وقال" عبد الله بن كلّاب" : أسماء الله هي صفاته وهي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وسائر صفاته (ش ، ق ، ١٧٢ ، ١٤)

ـ أجمعت المعتزلة على أنّ صفات الله سبحانه وأسماءه هي أقوال وكلام ، فقول الله أنّه عالم قادر حيّ أسماء لله وصفات له ، وكذلك أقوال الخلق ، ولم يثبتوا صفة له علما ولا صفة قدرة وكذلك قولهم في سائر صفات النفس (ش ،

ق ، ١٩٨ ، ١٠)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : القول في أسماء الله عزوجل عندنا / على أقسام في مفهوم اللغة : قسم منها يرجع إلى تسميتنا له بها ، وهنّ أغيار ؛ لأنّ قولنا عليم غير قولنا قدير ، وعلى هذا المروي إنّ لله تعالى كذا وكذا اسما ، وذلك نحو ما ذكر من خلق كذا وكذا رحمة ، لا أنّه كان رحيما بتلك الرحمة المخلوقة ؛ إذ لا يحتمل أن يكون في أول خلقه غير رحيم ، أو كان كذلك غير رحيم حتى خلق تلك الرحمة وجعل واحدة بين خلقه ، ولكن بما كانت برحمته سمّيت به ، وكذلك اسم الجنة والمطر ونحوه ، وعلى ذلك قيل في العبارات : هي أمره ، وإنّما كانت به ، لا أنّها هو ، ومثله يتكلم بعلمه وقدرته على إرادة معلومه ومقدوره ؛ إذ ذلك سببه ، فمثله الأول ، ولا قوة إلا بالله.

والثاني يرجع معناه إلى ذاته مما عجز الخلق عن الوقوف على مراد ذاته إلّا به ، وإن كان يتعالى عن الحروف التي بها يفهم ، وذلك أيضا يختلف باختلاف الألسن على إرادة حقيقة ذاته به ، وذلك نحو الواحد ، الله ، الرحمن ، الموجود ، والقديم ، والمعبود ، ونحو ذلك. والثالث يرجع إلى الاشتقاق عن الصفات من نحو العالم القادر ، مما لو كانت في التحقيق غيره لاحتمل التبديل ، ولصارت التسمية على غير تحقيق المعنى المفهوم ، ولجازت تسميته بكل ما يسمّى غيره إذا لم يرد تحقيق المفهوم من معناه (م ، ح ، ٦٥ ، ٨)

ـ إنّ لله أسماء ذاتيّة يسمّى بها نحو قوله الرحمن ، وصفات ذاتيّة بها يوصف نحو العلم بالأشياء والقدرة عليها ، لكنّ الوصف له منّا ، والاسم إنّما هو بما يحتمله وسعنا وتبلغه عبارتنا بالضرورة ... فيدلّك أنّ الأسماء التي نسمّيه بها عبارات عمّا يقرّب إلى الأفهام ، لا أنّها في الحقيقة أسماؤه. ولما تأخذ القلوب منها معاني يتعالى عنها قرن بالتسمية حرف نفي ، فجعل التوحيد إثبات ذات في ضمن نفي ، ونفيا في ضمن إثبات على ما فسرت ، وبالله التوفيق (م ، ح ، ٩٣ ، ١٩)

ـ زعم البصريون من القدرية أنّ أسماء الله تعالى مأخوذة من الاصطلاح والقياس. وأجمع وقال أهل السنّة إنّها مأخوذة من التوقيف ، وقالوا لا يجوز إطلاق اسم على الله من وجهة القياس ، وإنّما يطلق من أسمائه ما ورد به الشرع في الكتاب والسنّة الصحيحة أو أجمعت الأمة عليه (ب ، أ ، ١١٦ ، ١)

ـ أسماء الله تعالى على ثلاثة أقسام : قسم منها يستحقّه لذاته كوصفه بأنّه شيء وموجود وذات وغنى ونحو ذلك. وقسم منها يستحقّه لمعنى قام به كالحيّ والعالم والقادر والمريد والمتكلّم والسميع والبصير. وقسم منها يستحقّه لفعل من أفعاله كالخالق والغافر ونحو ذلك (ب ، أ ، ١٢١ ، ١٥)

ـ إنّ أسماءه (الله) نوعان : أحدهما لازم لا يتعدّاه والإشارة فيه إلى ذاته كالشيء والحيّ. والثاني يتعدّى كالعالم والقادر والمريد والسميع والبصير ، لأنّه يتعدّى إلى معلوم ومقدور ومراد ومسموع ومرئي. وأسماؤه أيضا نوعان : أحدهما مخصوص به كالإله والخالق والرازق والمحيي والمميت ونحو ذلك. والثاني ما يجوز تسمية غيره به كالحيّ والعالم ونحوه. وأسماؤه نوعان أحدهما مطلق كالحيّ والعالم والقادر ونحوه. والثاني لا يطلق إلّا مع الإضافة كذي الجلال والإكرام

ورفيع الدرجات ومقلب القلوب والأبصار ونحو ذلك (ب ، أ ، ١٢٢ ، ٦)

ـ جميع أسماء الرّب سبحانه تنقسم إلى ما يدلّ على الذات ، أو يدلّ على الصفات القديمة ، وإلى ما يدلّ على الأفعال ، أو يدلّ على النفي فيما يتقدّس الباري سبحانه عنه. ونحن الآن نشير إلى تفسير الأسماء المأثورة على إيجاز (ج ، ش ، ١٣٨ ، ٤)

أسماء الله المضافة

ـ في بيان أسمائه (الله) المضافة التي لا تطلق بغير إضافة من هذا النوع قوله : قابل التوب وشديد العقاب ولا يجوز أن يقال له شديد مفردا ، ولا يجوز أن يقال في الدعاء يا شديد العقاب إلّا مقرونا ، فيقال يا قابل التوب شديد العقاب (ب ، أ ، ١٢٩ ، ١١)

أسماء على مسمّيات

ـ اعلم أنّ جميع ما ذكرناه في الدلالة على حسن إجراء الأسماء على المسمّيات من غير إذن يدلّ على حسن إجرائها على القديم ، تعالى ذكره ، من غير إذن ؛ لأنّا إذا علمناه بالعقل وعلمنا ما يستحقّه من الأوصاف وعلمناه فاعلا لما أحدثه ، لم يمتنع أن تجري عليه من الأسماء ما يفيد ما هو عليه في ذاته وما أوجده من فعله. ولا فصل بين من جعل حكمه في هذا الباب بخلاف حكم غيره وبين من فرّق بين العقلاء وغيرهم وجوّز تسمية العقلاء بما يستحقّونه من غير إذن دون غيرهم (ق ، غ ٥ ، ١٧٩ ، ٤)

أسماء مفيدة

ـ إنّ الأسماء المفيدة منقسمة. ففيها ما نعلم باضطرار مقاصد أهل اللغة فيه. ومنها ما لا يعلم ذلك من حاله. ونحن نعلم باضطرار أنّ أهل اللغة قصدوا بوصفهم الإنسان بأنّه إنسان إلى هذه الصورة المبنيّة هذه البنية التي تنفصل بها من سائر الحيوان ؛ كما قصدوا بوصف الشجرة بأنّها شجرة إلى هذه الصورة المخصوصة. وما علم من حالهم ضرورة لا يحتاج فيه إلى دليل ، ولا يصحّ فيه الخلاف إلّا بأن يدّعى أن إجراءهم هذا الاسم على هذا الوجه مجاز. والمعلوم من حال أهل اللغة أنّهم قصدوا بهذه الصفة ما ذكرناه من إبانة حيّ من حيّ بالصورة الظاهرة. فيجب أن يجعل ذلك حدّ للاسم ومفيدا له (ق ، غ ١١ ، ٣٥٩ ، ٣)

اشتباه

ـ إنّ الاشتباه بين الشيئين إنّما يكون بالاشتراك في صفة النفس (ق ، غ ٥ ، ٢٥٧ ، ٧)

ـ الاشتباه إنّما يكون بإثبات معنى في المشتبهين به اشتباها (ح ، ف ٢ ، ١٢٠ ، ١٢)

اشتراك

ـ ليس معنى الاشتراك إلّا أنّ المعقول من أحد المشتركين هو المعقول من الآخر فيما اشتركا فيه ، لا أن يكون شيء واحد في الخارج موجودا في شيئين معا ، أو نصف منه في كلّ واحد منهما ، أو خارجا عنهما وهما متّصفان به (ط ، م ، ٩١ ، ٢)

اشتراك في الأسماء

ـ إنّ الاشتراك في الأسماء لا يقع من أجله التشابه ، ألا ترى أنّك تقول الله الحيّ والإنسان حيّ والإنسان حليم كريم عليم والله تعالى حليم

كريم عليم ، فليس هذا يوجب اشتباها بلا خلاف ، وإنّما يقع الاشتباه بالصفات الموجودة في الموصوفين ، والفرق بين الفعل الواقع من الله عزوجل والفعل الواقع منّا هو ، إنّ الله تعالى اخترعه وجعله جسما أو عرضا أو حركة أو سكونا أو معرفة أو إرادة أو كراهية ، وفعل عزوجل كل ذلك فينا بغير معاناة منه ، وفعل تعالى لغير علّة ، وأمّا نحن فإنّما كان فعلا لنا لأنّه عزوجل خلقه فينا ، وخلق اختيارنا له ، وأظهره عزوجل فينا محمولا لاكتساب منفعة أو لدفع مضرّة ، ولم نخترعه نحن (ح ، ف ٣ ، ٢٥ ، ١٢)

اشتراك في الحدوث

ـ قد دللنا من قبل على أنّ الاشتراك في الحدوث لا يوجب التماثل وبيّنا أنّ المختلف والمتضادّ قد يشتركان في الحدوث ، ولا يجوز كونهما متماثلين. وكذلك فقد ثبت أنّ الأشياء الحادثة ، قبل حدوثها ، قد تكون متّفقة ، وإن لم تحصل صفة الحدوث ؛ وقد تماثل ما ليس بمحدث ، وهو المعدوم وغيره ؛ وقد تخالف المحدث. وقد يخرج المحدث من كونه محدثا ، ولا يخرجه من كونه مثلا لما ماثله. وكل ذلك يبيّن أنّ الأشياء لا تشتبه بالحدوث. فلا يجب متى قلنا : إنّ المحدث يفعل المحدث ، أن يكون قد فعل مثله وشبهه ؛ كما لا يجب إذا قلنا : إنّ الموجود فعل موجود ، أن يكون فاعلا لمثله (ق ، غ ٨ ، ٢٦٨ ، ١)

اشتراك في الصفة

ـ ليس كل صفة استحقّها أحدنا لمعنى أو لوجه آخر يستحقّها القديم تعالى على ذلك الحدّ. ألا ترى أنّ أحدنا يستحقّ الوجود بالفاعل والقديم يستحقّه لذاته ، وإنّما يجب بالاشتراك في الصفة الاشتراك فيما أثّر في تلك الصفة عند أمور ثلاثة ذكرها في الكتاب على طريقة التقريب لا على طريقة التحقيق والثبات والوجوب. أحدهما أن تكون حقيقة الصفة هي العلّة. والثاني أن يكون مجرّد الصفة يقتضي العلّة. والثالث أنّ ما دلّ على الصفة دلّ على العلّة. فإذا لم يكن أحد هذه الوجوه حلّ محل الوجود فينا وفيه تعالى ، وحلّ أيضا محلّ المنافاة بين الألوان وإن كانت لوجوه مختلفة إلى ما شاكل ذلك من نظائره (ق ، ت ١ ، ١٨٤ ، ٢٤)

اشتراك في صفة الذات

ـ إنّ الذاتين إذا اشتركا في صفة من صفات الذات ، فقد علم أنّ ذات إحداهما يجب أن تستحقّ سائر ما تستحقّه الأخرى ؛ لأنّ ما أوجب استحقاقه لإحداهما يوجب استحقاقها للآخر. ولو جوّزنا اشتراكهما في صفة الذات ، وإن افترقا في صفة أخرى ، لأوجب ذلك كون أحدهما مخالفا لما هو موافق له ، وإلى أن يوافقه بنفس ما يخالفه ، ويستحيل في الذات الواحدة الخلاف والوفاق ، كما يستحيل أن نوجب الحدوث والقدم ، ... فقد ثبت أنّ الاشتراك في صفة الذات يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات ، والأحكام الراجعة إلى الذات. فأمّا وجوب الاتفاق فيما لا يرجع إلى الذات فغير واجب (ق ، غ ٤ ، ٢٥٢ ، ١٤)

اشتراك الوجود

ـ نحن لا نعني باشتراك الوجود إلّا ذلك التحقّق المطلق ، لا هذا التحقّق ولا ذاك التحقّق (ط ، م ، ٧٥ ، ١٤)

اشتقاقات

ـ إنّ الاشتقاقات إنّما تدخل في الألفاظ والعبارات دون المعاني. وإذا كان كذلك كان ما ذكرته توسّلا بالعبارات إلى إثبات المعاني ، وهو عكس الواجب ؛ لأنّ الواجب أن تثبت المعاني أولا ثم يعبّر عنها بالعبارات ، فأمّا أن يتوصّل بالعبارات إلى إثبات المعاني فهذا مما لا وجه له (ن ، د ، ٥٨٢ ، ١)

أشياء

ـ إنّ قول الموحدين : إنّ الله كان ولا شيء ، صواب صحيح ، وليس ذاك بمفسد أن يكون الله لم يزل عالما بالأشياء ، لأنّ الأشياء تكون. والمعتزلة لمّا قالوا : إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء ، لم يزعموا أنّ الأشياء معه لم تزل. وإنّما قالوا : إنّه لم يزل عالما بأنّ الأشياء تكون وتحدث إذا أوجدها وأحدثها سبحانه وبحمده. وأمّا قوله : إنّ الأشياء لا تكون أشياء قبل كونها ، فإن أراد أنّ الأشياء لا تكون أشياء موجودات قبل كونها فصحيح مستقيم ، ولكنّها أشياء تكون وأشياء تحدث إذا أحدثها صانعها. ولو كان لا شيء معلوم إلّا موجود كان لا شيء مقدور عليه إلّا موجود ، ولو كان ذلك كذلك لكان الفعل مقدورا عليه في حاله غير مقدور معلوم قبل حاله. ولو كان هذا هكذا كان القول بأن الله لم يزل قادرا محالا كما أنّ القول بأنّ الله لم يزل عالما عند هشام خطأ (خ ، ن ، ٩٠ ، ١٣)

ـ قال" هشام بن عمرو الفوطي" (معتزلي) : لم يزل الله عالما قادرا ، وكان إذا قيل له : لم يزل الله عالما بالأشياء؟ قال : لا أقول لم يزل عالما بالأشياء وأقول لم يزل عالما أنّه واحد لا ثاني له فإذا قلت : لم يزل عالما بالأشياء ثبّتها لم تزل مع الله عزوجل ، وإذا قيل له : أفتقول أنّ الله لم يزل عالما بأن ستكون الأشياء؟ قال : إذا قلت بأن ستكون فهذه إشارة إليها ولا يجوز أن أشير إلّا إلى موجود ، وكان لا يسمّى ما لم يخلقه الله ولم يكن شيئا ، ويسمّى ما خلقه الله وأعدمه شيئا وهو معدوم (ش ، ق ، ١٥٨ ، ٨)

ـ كان" أبو الحسين الصالحي" (معتزلي) يقول إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء في أوقاتها ، ولم يزل عالما أنّها ستكون في أوقاتها ، ولم يزل عالما بالأجسام في أوقاتها وبالمخلوقات في أوقاتها ، ويقول لا معلوم إلّا موجود ولا يسمّي المعدومات معلومات ولا يسمّي ما لم يكن مقدورا ، ولا يسمّي الأشياء أشياء إلّا إذا وجدت ، ولا يسمّيها أشياء إذا عدمت (ش ، ق ، ١٥٨ ، ١٥)

ـ قال" عبّاد بن سليمان" (معتزلي) : لم يزل الله عالما بالمعلومات ولم يزل عالما بالأشياء ولم يزل عالما بالجواهر والأعراض ولم يزل عالما بالأفعال ولم يزل عالما بالخلق ، ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالأجسام ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمفعولات ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمخلوقات ، وقال في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنه لم يزل عالما بألوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض ، وكان يقول : المعلومات معلومات لله قبل كونها وأنّ المقدورات مقدورات قبل كونها وأنّ الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن تكون ، ويحيل أن

تكون الأجسام أجساما قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون والمفعولات مفعولات قبل أن تكون ، وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره ، وكان إذا قيل له : أتقول إنّ هذا الشيء الموجود هو الذي لم يكن موجودا؟ قال : لا أقول ذلك ، وإذا قيل له : أتقول أنه غيره؟ قال : لا أقول ذلك (ش ، ق ، ١٥٩ ، ٧)

ـ كان (ابن الروندي) يزعم أنّ الأشياء إنّما هي أشياء إذا وجدت ، ومعنى أنّها أشياء أنّها موجودات ، وكذلك كل اسم لأشياء لا تتعلّق بغيرها وهو رجوع إليها وخبر عنها فلا يجوز أن تسمّى به قبل وجودها ولا في حال عدمها (ش ، ق ، ١٦٠ ، ٩)

ـ قال قائلون من البغداديين : نقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها ، وكذلك المقدورات مقدورات قبل كونها وكذلك الأشياء أشياء قبل كونها ، ومنعوا أن يقال أعراض (ش ، ق ، ١٦٠ ، ١٣)

ـ قال" محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" : أقول أنّ الله سبحانه لم يزل عالما بالأشياء والجواهر والأعراض ، وكان يقول إنّ الأشياء تعلم أشياء قبل كونها وتسمّى أشياء قبل كونها ، وأن الجواهر تسمّى جواهر قبل كونها وكذلك الحركات والسكون والألوان والطعوم والأراييح والإرادات ، وكان يقول إن الطاعة تسمّى طاعة قبل كونها وكذلك المعصية تسمّى معصية قبل كونها (ش ، ق ، ١٦١ ، ١)

ـ كان (أبو علي الجبائي) ينكر قول من قال الأشياء أشياء قبل كونها ويقول : هذه عبارة فاسدة لأنّ كونها هو وجودها ليس غيرها فإذا قال القائل : الأشياء أشياء قبل كونها فكأنه قال : أشياء قبل أنفسها (ش ، ق ، ١٦٢ ، ٥)

ـ من" البغداديين" من يقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها والأشياء أشياء قبل كونها ، ويمنع أجساما وجواهر وأعراضا (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١٥)

ـ إنّ الأشياء خطأ أن يقال أشياء قبل كونها ، لأنّ كونها هو هي ، وكان ينكر أن يقال أشياء قبل أنفسها ، ولكنّها تعلم أشياء قبل كونها ، وتسمّى أشياء قبل كونها وكذلك الجواهر عنده تسمّى جواهر قبل كونها والألوان تسمّى ألوانا قبل كونها ، وكان يمنع أن تسمّى الهيئات هيئات قبل كونها ، ويمنع أن تسمّى الأجسام أجساما قبل كونها ، وأن تسمّى الأفعال أفعالا قبل كونها (ش ، ق ، ٥٢٢ ، ٩)

ـ الأشياء هي الموجودات ، وهي متناهية. ولكن بيان ذلك يستدعى تطويلا (غ ، ق ، ٣٤ ، ١٠)

ـ كان الفوطيّ يقول إنّ الأشياء قبل كونها معدومة ؛ ليست أشياء ، وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمّى أشياء. ولهذا المعنى كان يمنع القول بأنّ الله تعالى قد كان لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها ، فإنّها لا تسمّى أشياء (ش ، م ١ ، ٧٤ ، ٢)

ـ (المعتزلة) تارة يعبّرون عن الحقائق الذاتيّة في الأجناس والأنواع بالأحوال وهي صفات وأسماء ثابتة للموجودات لا توصف بالوجود ولا بالعدم ، وتارة يعبّرون عنها بالأشياء وهي أسماء وأحوال ثابتة للمعدومات لا تخصّ بالأخصّ ولا تعمّ بالأعمّ (ش ، ن ، ١٥٩ ، ٤)

أشياء محدثات

ـ إنّ القول الذي كان أبو الهذيل يناظر فيه هو أنّ للأشياء المحدثات كلّا وجميعا وغاية ينتهى إليه في العلم بها والقدرة عليها. وذلك لمخالفة القديم للمحدث (خ ، ن ، ١٦ ، ١٩)

ـ والله جلّ ذكره عند هشام الفوطي لم يزل عالما لنفسه لا يعلم لا بعلم محدث ، وإنّما زعم أنّ الأشياء المحدثات لم تكن أشياء قبل إحداث الله لها (خ ، ن ، ٩٢ ، ١٢)

أشياء معروفات

ـ إنّ التعرّف سبب للمعرفة موصل إليها ، ومن المحال أن يتقدم المسبب سببه ، وذلك أنّ الأشياء المعروفات لا تعدو أحد أمرين : إمّا أن تكون مستدلا عليها أو محسوسة ؛ فالاستدلال هو تعرّف الأشياء المستدل عليها (والحس هو) إدراك الحواس حتى يعرف الشيء المحسوس. ومن المحال أن تكون المعرفة تتقدم الاستدلال الموصل إليها والحس الذي هو سبب إليها. وهذا بيّن واضح لا يخفى على ذي عقل (خ ، ن ، ٨٦ ، ١٢)

أشياء مقدور عليها

ـ كان أبو الهذيل يشك في تثبيت نهاية الأشياء المقدور عليها فيقول : حدّثوني عن كل الأجسام : أليس غير كل الأعراض؟ أو بعض الأجسام أعراض وبعض الأعراض أجسام؟ (قال) فإن قلتم : " إنّ بعض الأعراض أجسام وبعض الأجسام أعراض" خرجتم من عقول المجانين فضلا عن الأصحاء. وإن قلتم : " أنّ كل الأعراض غير كل الأجسام" أقررتم بالكلّ للأجسام والأعراض. وكان يقول : حدّثوني عن كل ما كان ووجد : هل منه واحد يوصف بأنّه لا يكون؟ (قال) فإذا قلتم : لا! ـ ولا بدّ لكم من ذلك ـ قيل لكم : فكل ما يكون سيوصف يوما ما بأن قد كان؟ فإذا قلتم : نعم! فقد أقررتم بالكلّ لما كان وما يكون (خ ، ن ، ٢٠ ، ١٦)

أشياء واجبة على البدل

ـ أما معنى قولنا : " إنّ الأشياء واجبة على البدل" ، فهو أنّه لا يجوز للمكلّف الإخلال بجميعها ، ولا يلزمه الجمع بينها ، ويكون فعل كل واحد منها موكولا إلى اختياره لتساويها في وجه الوجوب. ومعنى" إيجاب الله سبحانه لها" ، هو أنّه كره ترك جميعها ، وأراد كلّ واحد منها ؛ ولم يكره ترك كل واحد منها إذا فعل المكلّف الآخر ، وفوّض إلى المكلّف فعل أيّها شاء ، وعرّفه جميع ذلك. وقد يجوز أن يريد جميعها على البدل ، وعلى الجمع. ويفارق ذلك الواجبات المرتّبة ، نحو التيمّم مع تعذّر الوضوء ، لأنّ فعل التيمّم والوضوء ليس بموكول إلى اختيار المكلّف. وقد دخل في ذلك تخيير اللابس للخفّين بين أن يمسح عليهما أو يغسل رجليه ، وإن تعيّن عليه غسلهما عند ظهورهما ، لأنّ تبقية الخفّ ونزعه موكول إلى اختياره (ب ، م ، ٨٤ ، ٢٠)

أصحاب الاتفاق

ـ سقط أيضا ما يقوله أصحاب الاتفاق في المعرفة ، لأنّهم يقولون : متى اتّفق من العاقل أن يعرف الله ، تعالى ، ثبت التكليف عليه من بعد ، وإلّا فهو زائل ؛ فأمّا نفس المعرفة فلا يجوز أن يكلّفها العبد. وهذا إنّما قالوه ، لظنّهم أنّ المعرفة لا طريق لها يصحّ من العبد أن يفعلها عليه ؛ فإذا ثبت أنّ لها طريقا يفصل بينه وبين غيره ، فإنّ المكلّف قد يعرف ذلك الطريق ويحصل فيه وجه وجوب المعرفة. فلا فصل في الحال هذه بين من دفع صحّة وجوبها وتناول التكليف بها ، وبين من دفع في سائر الأفعال. وقد كشفنا القول فيه (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٣ ، ١٣)

أصحاب الإلهام

ـ أمّا أصحاب الإلهام الذين يقولون بأنّه تعالى يبتدئ بخلق المعارف في القلوب ، وأنّ الحق لا يدرك إلّا بهذا الوجه ، وينفون النظر والاستدلال أيضا ، فقد بيّنا في أول الكتاب فساد قولهم (ق ، غ ١٢ ، ٣٤٣ ، ١٨)

أصحاب الإلهام والاضطرار والطبع

ـ قول أصحاب الإلهام والاضطرار والطبع ، أنّهم أجمع يثبتون النظر ، لكنّهم يقولون : إنّ الذي يقع عنده هو الظنّ ، أو أنّ ما يوجد عنده ليس من فعل الناظر ، بل هو من فعله ، تعالى ، أو واقع بالطبع (ق ، غ ١٢ ، ٩٦ ، ٦)

أصحاب التجاهل

ـ قد حكى أبو عثمان الجاحظ ، رحمه‌الله ، وغيره ، أنّ فرقة من أصحاب التجاهل زعمت أنّ لا حقيقة للأشياء في نفسها وحقيقتها. عند كل أحد ما يعتقده. وهذا كالخلّ الذي يحيا فيه دوده ، فإن طرح في غيره مات ؛ وكالعسل الذي يجده المعتدل المزاج حلوّا ، وصاحب المرة الصفراء يجده مرّا ، فهو حلو مرّة ، (ومرّ مرّة) ، متى أضيف إليهما. قالوا : وذلك كالاستحسان والاستقباح ، لأنّ زيدا يستحسن الحادثة ، ويستقبحها عمرو ، ويريدها أحدهما ، ويكرهها الآخر ، ويشتهيها أحدهما ، وينفر طبع الآخر عنها. فكذلك يجب إذا اعتقد أحدهما أنّ العالم قديم ، والآخر أنّه محدث ، أن تكون حقيقته أن يكون قديما ومحدثا بالإضافة إليهما (ق ، غ ١٢ ، ٤٧ ، ٤)

أصحاب الحديث

ـ أصحاب الحديث : وهم أهل الحجاز ، هم أصحاب مالك بن أنس ، وأصحاب محمد بن إدريس الشافعي ، وأصحاب سفيان الثوري ، وأصحاب أحمد بن حنبل ، وأصحاب داود بن علي بن محمد الأصفهاني ، وإنّما سمّوا أصحاب الحديث لأنّ عنايتهم بتحصيل الأحاديث ونقل الأخبار وبناء الأحكام على النصوص ، ولا يرجعون إلى القياس الجليّ والخفيّ ما وجدوا خبرا أو أثرا (ش ، م ١ ، ٢٠٦ ، ١٤)

أصحاب الرأي

ـ أصحاب الرأي : وهم أهل العراق ؛ هم أصحاب أبي حنيفة النعمان بن ثابت. ومن أصحابه : محمد ابن الحسن ، وأبو يوسف يعقوب بن ابراهيم بن محمد القاضي ، وزفر بن الهذيل ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، وابن سماعة ، وعافية القاضي ، وأبو مطيع البلخي ، وبشر المريسي. وإنّما سمّوا أصحاب الرأي ، لأنّ أكثر عنايتهم بتحصيل وجه القياس ، والمعنى المستنبط من الأحكام ، وبناء الحوادث عليها ، وربما يقدّمون القياس الجلي على آحاد الأخبار. وقد قال أبو حنيفة : علمنا هذا رأي أحسن ما قدرنا عليه ، فمن قدر على غير ذلك فله ما رأى ، ولنا ما رأينا (ش ، م ١ ، ٢٠٧ ، ٨)

أصحاب الشمال

ـ قال أصحابنا إنّ الناس في الآخرة ثلاثة أصناف : سابقون مقرّبون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. فالسابقون هم الذين يدخلون الجنّة بلا حساب ، منهم الأنبياء عليهم‌السلام ومنهم من يدخل الجنّة من

أطفال المؤمنين والسقط ومن جرى مجراه. ومنهم سبعون ألفا من هذه الأمّة كل واحد منهم يشفع في سبعين ألفا كما ورد في الخبر وذكر فيهم عثمان بن عفان وعكاشة بن محصن. وأصحاب الشمال كلّهم كفرة. وأصحاب اليمين كلّهم مؤمنون لأنّ الله تعالى وصف أصحاب الشمال بأنّهم كذبوا بالقيامة وأنّهم ظنّوا أن لن يحوروا وأنّهم شكّوا في البعث (ب ، أ ، ٢٤٣ ، ١)

أصحاب الكبائر

ـ قال عبد القاهر : اجتمعت الفرق الثلاث الذين ذكرناهم من الزيدية على القول بأنّ أصحاب الكبائر من الأمّة يكونون مخلّدين في النار (ب ، ف ، ٣٤ ، ١٣)

أصحاب اللطف

ـ قد بيّنا من قبل ما يقوله بشر بن المعتمر ومن تبعه من أنّ في مقدوره تعالى ما لو فعله بالكفار لآمنوا عنده ، لكنّه لا يفعل ذلك لأنّه قد أزاح العلّة ومكّن ؛ ولذلك سمّيناهم أصحاب اللطف ، لإثباتهم في مقدور الله تعالى ما ننفيه ؛ وإن كنّا نحن نثبت اللطف واجبا وداخلا في الوجود وهم ينفون ذلك. وقد تعلّقوا في ذلك (بشبهة) عقليّة وسمعيّة ، سنورد كلها أو جلّها بعون الله (ق ، غ ١٣ ، ٢٠٠ ، ٥)

أصحاب المعاني

ـ أوجب معمّر أن يحدث المحدث لمعنى ، وقال في ذلك المعنى أنّه يحدث بمعنى آخر فارتكب ما لا يتناهى ، فلذلك سمّي هو ومن تبعه أصحاب المعاني (أ ، ت ، ١٥٥ ، ١٧)

ـ قال (معمّر) : إنّ الأعراض لا تتناهى في كل نوع ، وقال كل عرض قام بمحل فإنّما يقوم به لمعنى أوجب القيام ، وذلك يؤدّي إلى التسلسل ، وعن هذه المسألة سمّي هو وأصحابه ، أصحاب المعاني ، وزاد على ذلك فقال : الحركة إنّما خالفت السكون لا بذاتها ، بل بمعنى أوجب المخالفة ، وكذلك مغايرة المثل المثل ومماثلته ، وتضادّ الضدّ الضدّ ، كل ذلك عنده بمعنى (ش ، م ١ ، ٦٧ ، ٧)

أصحاب الهيولى

ـ أصحاب الهيولى ، وهم جماعة ذهبوا إلى أنّ الأعيان قديمة والتراكيب محدثة ، وعبّروا عنها بعبارات هائلة نحو الاستقص والبسيط والطينة والعنصر والهيولى إلى غير ذلك (ق ، ش ، ١١١ ، ٩)

أصحاب اليمين

ـ قال أصحابنا إنّ الناس في الآخرة ثلاثة أصناف : سابقون مقرّبون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. فالسابقون هم الذين يدخلون الجنّة بلا حساب ، منهم الأنبياء عليهم‌السلام ومنهم من يدخل الجنّة من أطفال المؤمنين والسقط ومن جرى مجراه. ومنهم سبعون ألفا من هذه الأمّة كل واحد منهم يشفع في سبعين ألفا كما ورد في الخبر وذكر فيهم عثمان بن عفان وعكاشة بن محصن. وأصحاب الشمال كلّهم كفرة. وأصحاب اليمين كلّهم مؤمنون لأنّ الله تعالى وصف أصحاب الشمال بأنّهم كذبوا بالقيامة وأنّهم ظنّوا أن لن يحوروا وأنّهم شكّوا في البعث (ب ، أ ، ٢٤٣ ، ٢)

اصطفاء

ـ إنّ معنى الاصطفاء من الله للأنبياء برسالته هو اختصاصه إيّاهم بها ، وليس معنى الاصطفاء معنى الاختيار (ش ، ق ، ٥٤٤ ، ١٢)

اصطلاح

ـ قد تنقل اللفظة من أصل اللغة إلى ضرب من التعارف ، على حال ما نعرفه من حال كثير من الألفاظ. وربما تدخل فيه طريقة الاصطلاح. وكل واحد من هذين يخالف موضوع اللغة ، ويصير باللفظ أمسّ ؛ لأنّ من حق الاصطلاح والتعارف أن تنقل اللفظة عن موضوعها. وقولنا" معجز" يفيد ، في التعارف ، أنه مما يتعذّر علينا فعل مثله. فهذا مرادهم إذا وصفوا الشيء بأنّه" معجز" : ولذلك عند الإضافة يقولون : هو معجز لنا ، وليس بمعجز لله تعالى. وربما قالوا : هو معجز" لزيد" ، وليس بمعجز" لعمرو" إذا تأتى منه فعله ، وعدلوا عن طريقة العجز في هذا الباب ، ولم يخصّوا به ما يصحّ فيه العجز وما لا يصحّ ؛ لأن القادر منّا لا يصحّ أن يعجز إلّا عمّا يصحّ أن يقدر عليه في الجنس. وقد صاروا يستعملون هذه اللفظة فيما لا يصحّ أن يقدر أحدنا عليه ، كما يستعملونها فيما يصحّ ؛ بل استعمالهم في الأوّل أكثر ، ولا يكاد أن يستعمل ذلك في المتعارف من الأمور ؛ لأنّ أحدنا ، وإن لم يمكنه أن يفعل ما يفعله القوي من الحمل وغيره ، فإنّ ذلك لا يقال : إنّه معجز ، من حيث كان مقاربا لما يصحّ أن يفعله. فإنّما يعنون بذلك الأمر الذي قد تجلّى ، وظهر من أمره ، خروجه عن أن يكون تحت إمكان من وصف بأنه معجز له وفيه (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ١٨)

ـ إنّ الاصطلاح أقوى من التعارف ، كما أنّ التعارف أقوى من وضع اللغة ؛ لأنّه أخصّ بالأمر الذي وقع الاصطلاح فيه. ولذلك صارت الصفة ، إذا لقّب بها ، أخصّ باللقب عند من لقّب به ، في أصل موضوعه ؛ لأنّه في حكم الاصطلاح. ولا يمتنع ، في الاصطلاح ، أن يختلف بحسب المذاهب. وإذا أطلقناه فمرادنا ما ذكرناه ، وإن كان مراد غيرنا ، ممن يخالف في المذهب ، خلاف ذلك. فعلى هذا الوجه ، يقول قوم ، في صفة المعجز ، إنّه ما يتعذّر على العباد فعل مثله في جنسه فقط. ومنهم من يقول ما يختصّ الأنبياء والأئمة. ومنهم من يقول هو ما يختصّ الأنبياء والصالحين. فكلّ يذهب ، في معناه ، إلى ما وقع الاصطلاح عنده عليه ، وبحسب المذاهب (ق ، غ ١٥ ، ١٩٩ ، ٦)

أصل السنّة

ـ أصل السنّة التي جاءت على لسان الرسول ما وقع عليه الإجماع بين أهل القبلة ، والفرع ما اختلفوا فيه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكل ما وقع فيه الاختلاف من أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو مردود إلى أصل الكتاب والعقل والإجماع (ر ، أ ، ١٢٥ ، ١٦)

أصل الكتاب

ـ أصل الكتاب هو المحكم الذي لا اختلاف فيه ، الذي لا يخرج تأويله مخالفا لتنزيله ، وفرعه المتشابه من ذلك فمردود إلى أصله الذي لا اختلاف فيه بين أهل التأويل (ر ، أ ، ١٢٥ ، ١٣)

أصل للتكليف

ـ الذي يجب أن يجعل أصلا للتكليف ما ثبت أنّه يحسن من أحدنا تنبيه الغير على الواجبات من ردّ الوديعة ، وشكر النعمة ، وتخويفه من ترك النظر في معرفة الله أوّلا ؛ لأنّ هذه الأمور تقتضي تعريفه ما يلزمه في عقله. وهكذا تكليف الله تعالى ؛ لأنّه إنّما يكلّف بأن يعرّف المكلّف بعقله أو ينصب الأدلّة على وجوب الواجبات عليه ، إلى ما شاكلها. وذلك يبيّن أنّا قد سوّينا بين الغائب والشاهد فيما يحسن ويقبح من التكليف. وفارق قولنا في ذلك ما يقوله المجبرة ؛ لأنّها حكمت بحسن الشيء منه تعالى وبقبح مثله منّا ، وإن وقعا على الوجه الذي يقتضي قبحهما (ق ، غ ١١ ، ١٤٩ ، ١٩)

أصل المعقول

ـ أصل المعقول ما أجمع عليه العقلاء ولم يختلفوا فيه (ر ، أ ، ١٢٥ ، ٦)

أصلح

ـ إنّ الماجن الجاهل قال : فأمّا النظّام فإنّه زعم أنّ الله تعالى إذا علم أنّ فعل شيء أصلح من تركه استحال منه تركه والتخلف عنه ، وهو يزعم أنّ تنعيم أهل الجنة أصلح لهم من الفناء والموت. فإذا قيل له : أيقدر الله الذي خلق أهل الجنّة أن يميتهم وقد علم أنّ تنعيمهم وإحياءهم أصلح لهم من الفناء والموت ، حتى يبقى وحده كما كان وحده؟ قال : هذا محال. فنقول ـ والله الموفق للصواب ـ إنّ هذا الذي حكاه عن إبراهيم أكثر الأمّة توافقه عليه إلّا من ثبّت لله القدرة على الظلم من المعتزلة (خ ، ن ، ٢١ ، ٢٢)

ـ إنّ إبراهيم يزعم أنّ تنعم أهل الجنة أصلح لهم من الفناء والموت فهذا أيضا قول الأمة أجمعين ، وقد نطق به القرآن. قال الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (الضحى : ٤) وقال (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) (يوسف : ١٠٩) (خ ، ن ، ٢٢ ، ١٢)

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : والمعتزلة تكفره (بشر بن المعتمر) لقوله : إنّ عند الله لطيفة لو أتاها الخلق لآمنوا ، وقوله : إنّ ابتداء الخلق في الجنّة كان أصلح لهم من ابتدائهم في الدنيا ، وإنّ إماتة الله من علم أنّه يكفر خير له من تبقيته (خ ، ن ، ٥٢ ، ١٩)

ـ ليس على الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح الأشياء بل ذلك محال لأنّه لا غاية ولا نهاية لما يقدر عليه من الصلاح ، وإنّما عليه أن يفعل بهم ما هو أصلح لهم في دينهم وأن يزيح عللهم فيما يحتاجون إليه لأداء ما كلّفهم ، وما تيّسر عليهم مع وجوده العمل بما ليس هم به (؟) وقد فعل ذلك بهم وقطع منهم (ش ، ق ، ٢٤٦ ، ٩)

ـ قالوا (المعتزلة) ، في الجواب عن مسئلة من سألهم هل يقدر الله سبحانه أن يفعل بعباده أصلح مما فعله بهم : إن أردت أنّه يقدر على أمثال الذي هو أصلح فالله يقدر على أمثاله على ما لا غاية له ولا نهاية ، وإن أردت يقدر على شيء أصلح من هذا أي يفوقه في الصلاح قد ادّخره عن عباده فلم يفعله بهم مع علمه بحاجتهم إليه في أداء ما كلّفهم ، فإنّ أصلح الأشياء هو الغاية ، ولا شيء يتوهّم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه (ش ، ق ، ٢٤٧ ، ١٠)

ـ إنّ الله تعالى قد يجوز له ـ في الحكمة ـ فعل ما كان غيره أصلح لهم في الدين ، ولا قوّة إلا بالله (م ، ت ، ١٧٤ ، ١١)

ـ إنّ الصلاح والأصلح والمصلحة إنّما يرجع فيها إلى النفع والأنفع والمنفعة ، وإلى اللذّة والألذّ وإلى ما يؤدي إلى ذلك. وكذلك يضاف الصلاح والأصلح والمصلحة بلفظها إلى ما يجوز أن ينتفع به دون ما لا يجوز أن ينتفع به ، كامتناع إضافة ذلك إلى الله تعالى وإلى الأعراض وإلى الجماد لمّا لم يصحّ الانتفاع والنفع فيها (أ ، م ، ١٢٦ ، ١٩)

ـ إنّ القول بالأصلح على التحقيق يوجب تناهي مقدور البارئ تعالى ، لأنّ ذلك هو الأنفع والألذّ ولا نوع من النفع واللذّة إلّا والله تعالى قادر على الزيادة فيه لا إلى حدّ (أ ، م ، ١٢٧ ، ١٥)

ـ أمّا وصف اللطف بأنّه أصلح فلا يستعمل إلّا مقيّدا ، بأن يقال : إنّه أصلح الأشياء للمكلّف في باب الدين ، أو الأصلح له فيما كلّف ، إلى ما شاكل ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٢١ ، ١٤)

ـ بيّنا في باب الأصلح مقصدنا بهذه اللفظة ، وأنّا لا نريد بها ما يجري مجرى المبالغة ، بل نعني به الفعل الذي لا شيء أولى أن يطيع المكلّف عنده منه ، فوضعنا قولنا (أصلح) موضع قولنا أولى الأشياء بأن يختار المكلّف ما كلّف عنده ، فكما لا يقال بذلك النفع ، فكذلك إذا قلنا فيه (أصلح) ، وبيّنا أنّ تحت قولنا (أصلح) فوائد ، لا تحصل بقولنا إنّه صلاح ، فلذلك عبّرنا بهذه العبارة ، وإن كانت هذه اللفظة فيما استعملناها مستعارة ، وإن كانت بالاصطلاح قد صارت في هذا الوجه كأنّها حقيقة (ق ، غ ١٤ ، ٣٧ ، ١٣)

ـ شيخنا أبو علي رحمه‌الله قال في الأصلح : إنّ فاعله يوصف بأنّه جائد ، فإذا أراد الواصف المبالغة وصفه بأنّه جواد ، ووصفنا له بذلك يفيد الإكثار من فعل الجود والإفضال ، لأن أهل اللغة عند علمهم من حال الفاعل بذلك ، يصفونه بأنه جواد ، وإذا لم يعلموه كذلك ، لم يصفوه بهذا الوصف ، وهذه الطريقة هي الدالّة على الاشتقاق من الفعل ، فتجب صحّتهما فيما ذكرناه (ق ، غ ١٤ ، ٤٥ ، ١٤)

ـ إنّ الأصلح في باب الدين إنّما نريد به فعل ما يكون المكلّف عنده أقرب إلى أداء ما كلّف من الواجبات العقليّة (ق ، غ ١٤ ، ٦١ ، ١٤)

ـ الذي استقرّت عليه مذاهب قادة البغداديين ، أنّه يجب على الله تعالى عن قولهم فعل الأصلح لعباده في دينهم ودنياهم ، ولا يجوز في حكمته تبقية وجه ممكن في الصلاح العاجل والآجل ، بل عليه فعل أقصى ما يقدر عليه في استصلاح عباده. وقالوا : على موجب مذاهبهم ابتداء الخلق حتم على الله عزوجل وواجب وجوب الحكمة ، وإذا خلق الذين علم أنّه يكلّفهم ، فيجب إكمال عقولهم وأقدارهم وإزاحة عللهم. وكل ما ينال العبد في الحال والمآل ، فهو عند هؤلاء الأصلح لهم (ج ، ش ، ٢٤٧ ، ٥)

ـ قالوا (البغداديون من المعتزلة) : إنّما قسّم الرّب تعالى الأحكام إلى الإيجاب والاستحباب ، لأنّه علم ذلك صلاحا ، ووقع في معلومه أنّه لو قدّر القربات بأسرها واجبات لكفر العباد ، ونفروا عن أعباء التكليف ، وجنحوا إلى الدعوة والتخفيف ، فقدّر الله تعالى ما هو الأصلح (ج ، ش ، ٢٥٠ ، ١١)

ـ كل ما عري عن الفساد يسمّى صلاحا ، وهو الفعل المتوجّه إلى الخير من قوام العالم وبقاء النوع عاجلا ، والمؤدّي إلى السعادة السرمدية آجلا ، والأصلح هو إذا صلاحان وخيران ، فكان أحدهما أقرب إلى الخير المطلق فهو

الأصلح (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٤)

ـ مذهب أصحابنا من البغداديين لأنّهم يزعمون أنّه (علي) الأفضل والأحق بالإمامة ، وأنّه لو لا ما يعلمه الله ورسوله من أنّ الأصلح للمكلّفين من تقديم المفضول عليه ، لكان من تقدّم عليه هالكا ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره أنّ الإمامة حقّه ، وأنّه أولى بها من الناس أجمعين ، وأعلمه أنّ في تقديم غيره وصبره على التأخّر عنها مصلحة للدين راجعة إلى المكلّفين ، وأنّه يجب عليه أن يمسك عن طلبها ويغضي عنها لمن هو دون مرتبته ، فامتثل ما أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يخرجه تقدّم من تقدّم عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق. وقد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخيّ رحمه‌الله تعالى بهذا وصرّح به تلامذته وقالوا ، لو نازع عقيب وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسلّ سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدّم عليه كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ، ولكنّه مالك الأمر وصاحب الخلافة إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها ، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها (أ ، ش ١ ، ٢١١ ، ٣١)

أصول

ـ قال بعض المتكلّمين : الأصول : معرفة الباري تعالى بوحدانيته وصفاته ، ومعرفة الرسل بآياتهم وبيّناتهم. وبالجملة : كل مسألة يتعيّن الحق فيها بين المتخاصمين فهي من الأصول (ش ، م ١ ، ٤١ ، ١٥)

ـ الأصول هو موضوع علم الكلام ، والفروع هو موضوع علم الفقه (ش ، م ١ ، ٤١ ، ١٩)

ـ قال بعض العقلاء : كل ما هو معقول ، ويتوصّل إليه بالنظر والاستدلال ؛ فهو من الأصول.

وكل ما هو مظنون أو يتوصّل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروع (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١)

أصول الاجتهاد

ـ اعلم أنّ أصول الاجتهاد وأركانه أربعة : الكتاب ، والسنّة ، والإجماع ، والقياس. وربما تعود إلى اثنين (ش ، م ١ ، ١٩٨ ، ١١)

أصول الأدلة

ـ قد قسم ما يجب تقدّمه على التكليف من قبيل الله تعالى إلى قسمين : أحدهما ما يكمل به العقل والثاني ما هو أصول الأدلّة. والكلام في العلوم التي يعبّر عنها بالعقل مذكورا في غير موضع. وأمّا أصول الأدلّة فهي أيضا علوم ضروريّة وفي الغالب لا ينفكّ كمال العقل عنه ، فإنّ أصل الدلالة على أنّ العبد محدث هو تعلّق فعله به ووجوب وقوعه بحسب قصده وداعيه وذلك من جملة كمال العقل. وكذلك فأصل الدلالة على إثبات الأكوان حصول الجسم مجتمعا مع جواز أن يبقى مفترقا ، وذلك لم يعرف ضرورة ولكن إنّما فصل بين ذلك وبين ما هو من كمال العقل والله أعلم (ق ، ت ١ ، ٦ ، ٢٤)

أصول الإيمان

ـ إنّ النظريات قسمان : قسم يتعلّق بأصول القواعد ، وقسم يتعلّق بالفروع. وأصول الإيمان ثلاثة : الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر ، وما عداه فروع. فاعلم أنّه لا تكفير في الفروع أصلا ، لكن في بعضها تخطئة كما في

الفقهيات ، وفي بعضها تبديع كالخطإ المتعلّق بالإمامة وأحوال الصحابة (غ ، ف ، ٧٣ ، ١١)

أصول الدين

ـ اعلم أنّ ما يلزم المكلّف معرفته من أصول الدين أصلان اثنان على ما ذكره رحمه‌الله في المغني وهما : التوحيد ، والعدل. وذكر في مختصر الحسنى أنّ أصول الدين أربعة : التوحيد ، والعدل ، والنبوّات ، والشرائع ؛ وجعل ما عدا ذلك من الوعد والوعيد والأسماء والأحكام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، داخلا في الشرائع. وذكر في الكتاب أنّ ذلك خمسة : التوحيد ، والعدل ، والوعد ، والوعيد ، والمنزلة بين المنزلتين ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لظهور الخلاف بين الناس في كل واحد من هذه الأصول (ق ، ش ، ١٢٢ ، ١٤)

ـ اعلم .. أنّ أصول الدين لا بدّ فيها من معارف ضروريّة ، وقد ينضاف إليها معارف مكتسبة ، وربما حصل فيها معارف يلتبس حالها ، في جواز دخولها تحت الأمرين ؛ لأنّ الطريقة فيها لا تنجلي ، وعلى هذا الوجه يبنى الكلام في التوحيد ، لأنّه مبني على العلم بالأفعال ، التي هي الجواهر ، والأعراض ، ولا بدّ من أن تعرف الجواهر ، وأحوالها ، وما يجوز عليها ، وما لا يجوز ، باضطرار ؛ وإن كان طريقة الاضطرار في ذلك تختلف ، ثم ينضاف إلى ذلك المكتسب ، أو المشتبه ، أو هما جميعا (ق ، غ ١٦ ، ١٤٣ ، ٦)

أصول النعم

ـ الذي يعدّ في أصول النعم خلق الحيّ منّا وخلق حياته وعقله وشهوته وتمكينه من الانتفاع ونصب الدلالة وتوجيه التكليف عليه (ق ، ت ٢ ، ٢٧٤ ، ١٤)

أصولي

ـ من المعلوم أنّ الدين إذا كان منقسما إلى معرفة وطاعة ، والمعرفة أصل والطاعة فرع ، فمن تكلّم في المعرفة والتوحيد كان أصوليا ، ومن تكلّم في الطاعة والشريعة كان فروعيا (ش ، م ١ ، ٤١ ، ١٨)

إضافات

ـ إنّ الإضافات أعراض موجودات في الأعيان ، لأنّ المعقول من كون الإنسان أبا لغيره مغاير لذاته المخصوصة ، بدليل أنّه يمكن أن يعقل ذاته مع الذهول عن كونه أبا أو ابنا ، والمعلوم غير ما هو غير معلوم (ف ، س ، ٨١ ، ١٤)

ـ النّسب والإضافات أمور لا يكون لها وجود إلّا في العقل ، واعتبارها في الأمور الخارجيّة هو كون تلك الأمور صالحة لأن يعقل منها تلك النسب والإضافات أي تكون بحيث إذا عقلها عاقل حصل في عقله تلك النّسبة أو الإضافة (ط ، م ، ٣٦ ، ٢)

ـ أمّا كثرة الإضافات فلا توجب كثرة الذات (ط ، م ، ٢٩٥ ، ٥)

إضافة

ـ نتفق والمعتزلة أنّ الله تعالى لا يضاف إليه شيء من الخلق أو أفعاله إلّا من الوجه الذي لا يوهم القبح في الأسماء ، وما يوهم ذلك فحقه أن ينفى عنه ذلك. ويخرّج على هذا مسائل : إحداها في وجه إضافة ما أضيف إلى الله من الخيرات ، إنّها من الله. قالت المعتزلة : يضاف إليه من أمر ودعا إليها وقوّى عليها. وقلنا

نحن : هذا من الإضافة ، وإن كان حسنا فلا هذا يراد بالإضافة إليه عند ذكر الأفعال ، ولكن المراد الشكر والحمد له إذا ذكرت الأفعال. وقد يجوز الأول ، وهذا أولى ؛ لأنّه من حيث الأمر والدعاء والتقوية اشترك فيه المؤمن والكافر ، ومن جهة الشكر والحمد يختلف ، ومما يبين ذلك جواز القول المطلق : إنّ الإيمان نعم الله ومننه ، وإنّ المؤمن / قد أنعم الله عليه ومنّ ، وأنّه لو لا فضل [الله] ما ذكى ، ولمسّه عذاب عظيم. ومن هذا الوجه لا يضاف إلى الله في الكافر ، وإذا لم يذكر الأفعال فعلى الأمر ، والله الموفق (م ، ح ، ٣١٠ ، ١٦)

ـ لا يجوز الإضافة إليه ، وهو كما قلنا : إنّ الله في التحقيق وإن كان رب كل شيء وإله كل شيء وخالق كل شيء ، وكل شيء له ، لا يقال ذلك في الأرواث والخبائث والشيطان ونحو ذلك من الأشياء التي لا تذكر أنفسها إلّا على الاستحقاق بها ، فإضافتها الواحد يخرج على ذلك ، وإن كانت في أنّها مخلوقة ، كفرها مما يضاف إلى الله ، فمثله الذي نحن فيه (م ، ح ، ٣١٢ ، ٦)

ـ يضاف إلى الله تعالى كل ما كانت الإضافة إليه تخرج مخرج التعظيم أو مخرج الشكر أو مخرج ذكر نعمه أو أمره ، وما خرج على غير ذلك لا يضاف إليه ، وإن كان في الحقيقة خلقه (م ، ح ، ٣١٢ ، ١٩)

ـ إنّ الله يوصف بفعله ، وهو خارج على معنى العدل أو الفضل في الحقيقة ، وربما يضاف إليه ما ليس في الحقيقة فعله أو صفته ، فإن كان يقتضي معنى محمودا يجوز ذلك ؛ لما نيل ذلك بإنعامه وأفضاله ، وإن لم يكن لم يضف ؛ لما ليس ذلك في الحقيقة فعله فيوصف به ، وهو من حيث فعله حكيم عدل ، وذلك الشيء فيما عند الخلق بغير هذا الوصف ، والله تعالى يجل ويتعالى عن غير هذين الوصفين ؛ إذ في أفعاله صفة عدل وحكمة أو فضل وإحسان (م ، ح ، ٣١٢ ، ٢٢)

ـ إنّ الإضافة على نوعين ، إضافة تحقيق وإضافة تكريم ، فإضافة التحقيق مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (آل عمران : ١٨٠) ، وإضافة التكريم مثل قوله تعالى بيت الله وناقة الله ، فالطاعة والمعصية خارجتان عن غضافة التحقيق ، لأنّ ذلك مذهب المجبرة ، وبقيت إضافة التكريم ، فالطاعة مكرّمة مرضية جاز أن تضاف إلى الله تعالى عند الانفراد ، فيقال الخير من الله ، والشر ليس من محل الإكرام عند الانضياف إلى الله عند الانفراد ، ولكنّه يضاف إلى الله عند الجملة كما قال الله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (النساء : ٧٨) (م ، ف ، ٤ ، ١٤)

ـ إنّ ذات المسبّب ذات منفصلة عن السبب ، حادثة كهو. فكما أنّ السبب يضاف إلى الفاعل فكذلك المسبّب ، فيجب أن تستوي الحوادث في كونها مضافة إلى الفاعل ، وإن كانت تختلف كيفية الإضافة ، ففيها ما يتعلّق به بلا واسطة كالمبتدإ ، وفيها ما لا يتعلّق به إلّا بواسطة وهو المتولّد فهذا تمام الكلام في المتولّدات (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ٦)

ـ إنّ التحت والفوق من باب الإضافة ، لا يقال في شيء تحت إلّا وهو فوق لشيء آخر ، حاشى مركز الأرض فإنّه تحت مطلق لا تحت له البتّة ، وكذلك كل ما قيل فيه أنّه فوق فهو أيضا تحت لشيء آخر ، حاشى الصفحة العليا من الفلك ، إلّا على المقسوم بقسمة البروج فهي فوق لا فوق لها البتّة ، فالأرض على هذا البرهان

الشاهد هي مكان التحت للسماوات ضرورة ، فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ، ومن حيث قابلتها الأرض فهي تحت السماء ، ولا بدّ وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ورجلاه إلى الأرض (ح ، ف ٢ ، ٩٩ ، ٧)

ـ إنّ الإضافة هو المعنى الذي وجوده بالقياس إلى شيء آخر ، وليس له وجود غيره ، مثل الأبوّة بالقياس إلى البنوّة ، لا كالأب فإنّ له وجودا كالإنسانيّة ، وكونه مصدرا ومبدأ هو المعنى الذي وجوده بالقياس إلى المعلول ، وليس له وجود غيره (ش ، ن ، ١٧٨ ، ٩)

ـ النسبة المتكرّرة كالأبوّة والنبوّة والفوقيّة والتحتيّة وهي الإضافة (ف ، أ ، ٢٧ ، ١)

ـ إنّ وجود الإضافة الحقيقيّة لا يكون إلّا في العقل. ولا يكون في الخارج إلّا كون الموجود بحيث يحدث في العقل من تصوّره الإضافة ، فإنّ ولادة شخص من شخص أمر موجود في الخارج (ط ، م ، ١٣٢ ، ٣)

ـ أمّا العرض فإن اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة ، أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦١ ، ٢٠)

ـ الإضافة : حالة نسبيّة متكرّرة بحيث لا تعقل إحداهما إلّا مع الأخرى كالأبوّة والبنوّة (ج ، ت ، ٥٠ ، ١٧)

إضافة التحقيق

ـ إنّ الإضافة على نوعين ، إضافة تحقيق وإضافة تكريم ، فإضافة التحقيق مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (آل عمران : ١٨٠) ، وإضافة التكريم مثل قوله تعالى بيت الله وناقة الله ، فالطاعة والمعصية خارجتان عن غضافة التحقيق ، لأنّ ذلك مذهب المجبرة ، وبقيت إضافة التكريم ، فالطاعة مكرّمة مرضية جاز أن تضاف إلى الله تعالى عند الانفراد ، فيقال الخير من الله ، والشر ليس من محل الإكرام عند الانضياف إلى الله عند الانفراد ، ولكنّه يضاف إلى الله عند الجملة كما قال الله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (النساء : ٧٨) (م ، ف ، ٤ ، ١٥)

إضافة التكريم

ـ إنّ الإضافة على نوعين ، إضافة تحقيق وإضافة تكريم ، فإضافة التحقيق مثل قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (آل عمران : ١٨٠) ، وإضافة التكريم مثل قوله تعالى بيت الله وناقة الله ، فالطاعة والمعصية خارجتان عن غضافة التحقيق ، لأنّ ذلك مذهب المجبرة ، وبقيت إضافة التكريم ، فالطاعة مكرّمة مرضية جاز أن تضاف إلى الله تعالى عند الانفراد ، فيقال الخير من الله ، والشر ليس من محل الإكرام عند الانضياف إلى الله عند الانفراد ، ولكنّه يضاف إلى الله عند الجملة كما قال الله تعالى : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) (النساء : ٧٨) (م ، ف ، ٤ ، ١٦)

إضافة الفعل إلى الفاعل

ـ من كيفية إضافة الفعل إلى الفاعل فهو أنّ ما يوجد وكان الغير قادرا عليه فلا بدّ من إضافته إليه. ولو لم يسلك هذه الطريقة لبطل أن نعقل إضافة الفعل إلى الفاعل. ألا ترى أنّا لو رجعنا في إضافته إليه إلى وقوعه بحسب دواعيه لبطل ما نعرفه من إضافة الفعل إلى الساهي لأنّ

الدواعي مفقودة. فإذا صحّ ذلك قلنا : لو اختلف هذان القادران في الدواعي فأراد أحدهما إيجاد هذا الفعل وكره الآخر إيجاده لم يخل من أمرين. إمّا أن يوجد أو لا يوجد ، فإن وجد وجب أن يضاف إلى من له الداعي وإلى من له الصارف على سواء ، لوجود ما هو مقدور لهم. وإن كنا نعرف أنّ ما يوجد ونحن كارهون له ولنا عنه صارف لا تصحّ نسبته إلينا فتقتضي إضافته إلى من يجب نفيه عنه ، ومن حيث كان الذي وجد مقدوره تجب إضافته إليه فيقع بين طرفي نقيض. وإن قلنا : بل لا يوجد عند مخالفة إحداهما للآخر في الداعي انتقض ما عرفناه من حقيقة كون القادر قادرا ووجب استمرار عدم هذا الفعل وانتفاؤه مع حصول الوجه الذي يوجب وقوعه ، وهو قصد القاصد إلى إيجاد ما قدّر عليه مع سلامة الأحوال (ق ، ت ١ ، ٣٧٦ ، ٩)

أضداد

ـ اختلف المتكلمون في الأضداد : فقال" أبو الهذيل" : هو ما إذا لم يكن كان الشيء ، وإذا كان لم يكن الشيء ، وزعم أنّ الأجسام لا تتضادّ وأحال تضادّها (ش ، ق ، ٣٧٦ ، ١)

اضطرار

ـ العلوم كثيرة منها اضطرار وأنّه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل ، كنحو تفكّر الإنسان إذا شاهد الفيل أنّه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته ، فنظر في ذلك وفكّر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن بحضرته ، فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغا ، ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمّل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه ضرورة ، فيكون بالغا كامل العقل مأمورا مكلّفا (ش ، ق ، ٤٨٠ ، ١٤)

ـ إنّا (الماتريدي) قد بيّنا حدث العالم لا من شيء ، وذلك نوع ما لا يبلغه إلا فعل من هو في غاية معنى الاختيار ، وما يكون بالطبع فحقه الاضطرار ، ومحال أن يكون من يبلغ شأنه إلى إنشاء الأشياء لا من شيء ، ثم يكون ذلك بالطبع ، مع ما كان وقوع الشيء بالطبع هو تحت قهر آخر ، وجعله بحيث يسقط عنه الإمكان ، وذلك آية الحدث وأمارة الضعف ، جلّ ربّنا عن ذلك / وتعالى (م ، ح ، ٤٥ ، ٢)

ـ إنّ شرط كل من فعله اختيار الإرادة ، وكل من فعله الاضطرار أنّه غير مريد لذلك ، فلو كان الله لفعل العبد غير مريد ليكون على ما كان ، يكون مضطرا ؛ ولذلك لا يجوز أن يكون لأحد في فعل غيره إرادة ؛ لما لا يحتمل خروجه على ما يريد ، وسموا ذلك تمنيا ، فعلى ذلك لو توهم كون شيء لم يرده الله كانت إرادته تخرج مخرج التمني (م ، ح ، ٢٩٣ ، ٤)

ـ إنّ الاضطرار في اللغة هو الحمل والإكراه ، وهو الإلجاء ، وكل هذه الألفاظ بمعنى واحد ؛ فلا فرق عندهم بين قول القائل : اضطره السلطان إلى تسليم ماله وبيع عقاره وبين قوله : أكرهه على ذلك وحمله عليه وألجأه إليه (ب ، ت ، ٣٥ ، ١٦)

ـ قد علم أنّ ظهور الخبر بمجيء القرآن من جهة النبي ، صلى الله عليه ، أعظم وحاله أشهر ؛ فوجب أن يكون ما تواتر الخبر عنه على هذه السبيل والعلم به اضطرارا لا يمكن جحده ولا

الشك فيه ، ولا يحتاج في إثباته إلى استعمال الرّوية والنظر في الأدلة (ب ، ت ، ١١٥ ، ٧)

ـ اعلم أنّ هذه الجملة إنّما تنكشف بأن يبيّن معنى الاضطرار. وهذه اللفظة تستعمل على طريقة اللغة في معنى الإلجاء ، على ما قال تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) (المائدة : ٣). وأمّا على اصطلاح المتكلّمين فإنّما تستعمل فيما يوجد في الحي أو المحلّ من جهة الغير. وليس يفصل أبو علي بين محلّ ومحلّ لمّا لم يذهب في الاضطرار إلى أكثر من وجود فعل من جهة الغير في بعض المحالّ ، فيصف المفعول فيه بأنّه مضطرّ. وعلى ذلك لا فصل عنده بين الجماد وبين الحي في جواز هذه اللفظة فيهما ، ولا يفصل أيضا في الحي بين أن يخلق فيه من جنس ما يقدر عليه أو من غير جنس مقدوره. والصحيح ما يعتبره أبو هاشم من أنّه إنّما يذكر ذلك فيما يوجد في القادر منّا إذا كان من جنس مقدوره. فإذا فعل فيه أزيد مما يقدر عليه من ذلك الجنس حتى صار ممنوعا من إيجاد مقدوره قيل إنّه مضطرّ إليه ، كما نقوله في الحركات والعلوم وما شاكلهما. وهذا أشبه بطريقة اللغة ، لأنّه لا بدّ من أن يتصوّر في المضطرّ أنّه لو لا هذا الاضطرار لصحّ منه وجود ما قدر عليه ، كما يتصوّر في الاضطرار إذا كان إلجاء أنّه لولاه لجاز أن لا يفعل ما هو ملجأ إليه (ق ، ت ٢ ، ١٣٦ ، ٤)

ـ متى أريد بالاضطرار الإلجاء فالكلام أظهر ، لأنّ الملجأ قادر على ما هو ملجأ إليه فيصحّ اجتماع هذين الوصفين فيه (ق ، ت ٢ ، ١٣٦ ، ٢١)

ـ إن كان المراد بالاضطرار الإلجاء فقد يصحّ في حال كونه فاعلا أن يكون مضطرّا كما يصحّ أن يوصف بدلا من ذلك بالإلجاء. وإن كان الغرض أنّه يفعل فيه أزيد مما يقدر عليه فليس يصحّ أن يكون فاعلا مع وجود ما يمنعه من الفعل ، لأنّه يؤدّي إلى اجتماع المنع ، وما هو منع منه ، والتضادّ يمنع من ذلك (ق ، ت ٢ ، ١٣٧ ، ١)

ـ غير ممتنع أن يحصل لنا العلم بما ذكرنا من حال تعلّق تصرّف زيد به بالعادة والاختيار ، وإن كان لا يحصل العلم بذلك بالبديهة. ولهذا قال شيخانا رحمهما‌الله : إنّ من كلّفه الله من غير تجربة واختيار فلا بدّ من أن يضطرّه إلى ذلك ، وإلى مفارقة حال من يتعذّر الفعل عليه لمن يصحّ منه الفعل ، على ما حكيناه من قبل (ق ، غ ٨ ، ٦ ، ١٨)

ـ الاضطرار هو ما وجد فيه من فعل غيره ، لا من فعله (ق ، غ ٨ ، ١٢٣ ، ٧)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ في بعض الطبائع : إن الملجأ هو من دفع إلى ضررين يدفع أعظمهما بأدونهما. ومثّل ذلك بالملجإ إلى الهرب من السبع ، والملجأ إلى أكل الميتة إذا دفع به الجوع الشديد ، والملجأ إلى الهرب من العدوّ. وذكر أنّ الإلجاء والاضطرار في اللغة بمعنى واحد. وذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٧٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) وغير ذلك.

وبيّن أن المتكلّمين إنّما فرّقوا بين الضرورة والإلجاء من جهة الاصطلاح ، وإلّا فهما من جهة اللغة لا يختلفان. وذكر أن تحصيل الملجأ أن يفعل به ما يقتضي الهرب من ضرر آخر لو لم يهرب منه لنزل به (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ١٢)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ ما يعلم باستدلال ، لا

يجوز أن يعلم باضطرار ، وكذلك حال ما يعلم باضطرار ، في أنّه لا يجوز أن يعلم باستدلال. وذهب شيوخنا إلى أنّ كل ما يعلم باستدلال ، يجوز أن يعلم باضطرار ، ويجوز في بعض ما يعلم باضطرار أن يعلم باستدلال (ن ، م ، ٣٣٠ ، ١٥)

ـ أمّا من طريق اللغة فإنّ الإجبار والإكراه والاضطرار والغلبة أسماء مترادفة وكلها واقع على معنى واحد لا يختلف وقوع الفعل ممّن لا يؤثّره ولا يختاره ولا يتوهّم منه خلافه البتّة ، وأمّا من آثر ما يظهر منه من الحركات والاعتقاد ويختاره ويميل إليه هواه فلا يقع عليه اسم إجبار ولا اضطرار لكنّه مختار ، والفعل منه مراد متعمّد مقصود ونحو هذه العبارات عن هذا المعنى في اللغة العربية التي نتفاهم بها (ح ، ف ٣ ، ٢٤ ، ٣)

ـ أصحاب الأصلح ... قالوا : إنّ الاختيار هو ما يمكن فعله ويمكن تركه ، فلو كان الكفّار عند إتيان الله تعالى بتلك الألطاف يختارون الإيمان لأمكن أن يفعلوه وأن لا يفعلوه أيضا ، فعادت الحال إلى ما هي عليه ، إلّا أن يقولوا أنّهم كانوا يؤمنون ولا بدّ ، فهذا اضطرار من الله تعالى لهم إلى الإيمان لا اختيار (ح ، ف ٣ ، ١٦٥ ، ١٩)

ـ نسألهم فنقول لهم إذا قلتم إنّ الله تعالى لا يقدر على لطف لو أتى به الكفّار لآمنوا إيمانا يستحقّون معه الجنّة ، لكنّه قادر على أن لا يضطرّهم إلى الإيمان ، أخبرونا عن إيمانكم الذي تستحقّون به الثواب هل يشوبه عندكم شكّ ، أم يمكن بوجه من الوجوه أن يكون عندكم باطلا ، فإن قالوا نعم يشوبه شكّ ويمكن أن يكون باطلا أقرّوا على أنفسهم بالكفر وكفونا مئونتهم ، وإن قالوا لا يشوبه شكّ ولا يمكن البتّة أن يكون باطلا قلنا لهم هذا هو الاضطرار بعينه ، ليست الضرورة في العلم شيئا غير هذا ، إنّما هو معرفة لا يشوبها شكّ لا يمكن اختلاف ما عرف بها ، فهذا هو علم الضرورة نفسه ، وما عدا هذا فهو ظنّ وشكّ (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١١)

ـ قالوا (المعتزلة) إنّ الاضطرار ما علم بالحواس أو بأوّل العقل ، وما عداه فهو ما عرف بالاستدلال (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١٤)

اضطرار إلى العلم بصفاته

ـ صحّ من الله جلّ وعزّ أن يضطرنا إلى العلم بصفاته إذا كان قد اضطرنا إلى العلم بذاته لكي لا يكون الفرع أقوى حالا من الأصل. وأمّا الترتيب في ذلك فهو أنّ كل صفة من صفاته جلّ وعزّ يصحّ الاضطرار إليها من دون غيرها ما لم يكن إحداهما حقيقة في الأخرى أو جارية هذا المجرى. فأمّا إذا كانت الصفتان كذلك فالضرورة إلى إحداهما تقتضي الضرورة إلى الأخرى. فالضرورة إلى أنّه موجود من دون العلم بأنّه قادر يصحّ. وكذلك فالعلم بأنّه حيّ من دون العلم بأنّه قادر يصحّ. ثم كذلك فيما يجري هذا المجرى. وبالعكس من ذلك لا يصحّ أن نضطرّه إلى العلم بأنّه يصحّ منه الفعل المحكم فيكون قد عرّفه عالما من دون العلم بأنّه قادر ، إذ من المحال أن يعرف صحّة الفعل المحكم منه ولا يكون عارفا بصحّة الفعل منه ، وهذا علم بأنّه قادر. وكذلك فلا يصحّ أن يضطرّه إلى العلم بأنّه حيّ من دون أن نعلم صحّة أن يقدر ويعلم ، أو يضطرّه إلى العلم بأنّه مدرك ولما عرفه حيّا ، لما كانت حقيقة في كونه حيّا (ق ، ت ١ ، ٩٨ ، ١٠)

إضلال

ـ قال أكثر المعتزلة : معنى الإضلال من الله يحتمل أن يكون التسمية لهم والحكم بأنهم ضالّون ، ويحتمل أن يكون لما ضلّوا عن أمر الله سبحانه أخبر أنّه أضلّهم أي أنّهم ضلّوا عن دينه ، ويحتمل أن يكون الإضلال هو ترك إحداث اللطف والتسديد والتأييد الذي يفعله الله بالمؤمنين فيكون ترك ذلك إضلالا ، ويكون الإضلال فعلا حادثا ، ويحتمل أن يكون لمّا وجدهم ضلّالا أخبر أنّه أضلّهم ، كما يقال اجبن فلان فلانا إذا وجده جبانا (ش ، ق ، ٢٦١ ، ١٠)

ـ قال بعضهم : إضلال الله الكافرين هو إهلاكه إيّاهم وهو عقوبة منه لهم (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١)

ـ قال أهل الإثبات أقاويل : قال بعضهم : الإضلال عن الدين قوّة على الكفر ، وقال بعضهم : الإضلال عن الدين هو الترك ، هذا قول" الكوساني" ، وقال بعضهم : معنى اضلّهم أي خلق ضلالهم (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ٥)

ـ هداية صفة الرب جلّت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)

ـ الإضلال من الله عزوجل لأهل الضلال على معنى خلق الضلالة عن الحق في قلوبهم (ب ، أ ، ١٤١ ، ٥)

ـ زعمت القدريّة أنّ الهداية من الله تعالى على معنى الإرشاد والدعاء وإبانة الحق ، وليس إليه من هداية القلوب شيء. وزعموا أنّ الإضلال منه على وجهين : أحدهما أن يقال إنّه أضلّ عبدا بمعنى أنّه سمّاه ضالا. والثاني على معنى أنّه جازاه على ضلالته (ب ، أ ، ١٤١ ، ١١)

ـ إنّ الإضلال معنى زائد أعطاه الله للكفّار والعصاة وهو ما ذكرنا من تضييق الصدور وتحريجها والختم على القلوب والطبع عليها وأكنانها عن أن يفقهوا الحق (ح ، ف ٣ ، ٤٨ ، ٢١)

ـ قال عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (الأعراف : ١٧٨). واعلم أنّ الهدى في هذه الآي لا يتّجه حمله إلّا على خلق الإيمان ، وكذلك لا يتّجه حمل الإضلال على غير خلق الضلال (ج ، ش ، ١٩٠ ، ٧)

ـ معنى الإضلال والهدى : أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يضلّ الكافرين ويهدي المؤمنين : يعني يفعل فعلا حسنا مبينا على الحكمة والصواب ، فيراه المؤمنون حكمة ويذعنون له لاعتقادهم أنّ أفعال الله كلها حسنة وحكمة فيزيدهم إيمانا ، وينكره الكافرون ويشكون فيه فيزيدهم كفرا وضلالا (ز ، ك ٤ ، ١٨٥ ، ١٨)

إطلاق

ـ ما ذكر من الإطلاق والتخلية فهو كلام يتوجه أوجها ثلاثة : رفع العسر والمنع أو الأمر به أو الإباحة ، وذلك كلّه في الخير مطلق وفي الشرّ لا إلّا مقيّدا ، إنه لم يعسر ولم يجبر (م ، ح ، ٢٨٣ ، ٢٣)

ـ إنّ التخلية والإطلاق والفعل هو نفس القدرة على الفعل (أ ، م ، ١١٦ ، ٢١)

ـ إنّ الإطلاق والتخلية إنّما يوصف به القادر إذا لم يكن ممنوعا ، ألا ترى أنّه لا يقال في الزمن أنّه مطلق مخلّى بينه وبين المشي ، وكذلك لا يقال في المقصوص الجناح أنّه مطلق مخلّى بينه وبين الطيران ، والكافر غير قادر على الإيمان

فكيف يوصف بالإطلاق والتخلية (ق ، ش ، ٤٠٤ ، ١٥)

إعادة

ـ الابتداء خلق الشيء أول مرّة ، والإعادة خلقه مرّة أخرى (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ٤)

ـ الإعادة هي المعاد ، وهي خلق الشيء بعد إعدامه (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٧)

ـ إنّ الله تعالى حكم في الشيء بحكم مثله وجعل سبيل النظير ومجراه مجرى نظيره وقد قال تعالى : (اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (الروم : ١١) وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (الروم : ٢٧) يريد وهو هيّن عليه فجعل الابتداء كالإعادة (ش ، ل ، ٩ ، ٩)

ـ أمّا الإعادة فإنّها ابتداء ثان وهو نفس المعاد. وقد حكي في كتاب النوادر أنّ من أصحابنا من قال إنّ الإعادة معنى غير المعاد. والصحيح على مذهبه أنّ الإعادة هي نفس المعاد وأنّ معنى قولنا" إعادة" و" معاد" يرجع إلى حدوث بعد حدوث تخلّلهما عدم (أ ، م ، ٢٤٢ ، ١٩)

ـ إنّ العلماء لم يختلفوا في صحّة إعادة الأجسام وإنّما الخلاف فيما عدا ذلك. فالذي عندنا أن ما تصحّ إعادته يجب أن يكون باقيا ، وأن يكون من فعله تعالى دون فعل غيره ، وأن يكون مبتدأ. فما جمع هذه الشروط الثلاثة يصحّ إعادته ، سواء كان من جنس ما يقدر العباد عليه أو لم يكن من هذا الجنس بل كان القديم تعالى هو المخصوص بالقدرة عليه (ق ، ت ٢ ، ٣٠٥ ، ٤)

ـ ذهب أبو علي إلى أنّ الذي تصحّ إعادته هو ما يختص تعالى بالقدرة عليه. فأمّا ما كان جنسه داخلا تحت مقدور العباد نحو التأليف وما أشبهه فإعادته لا تصحّ عنده. وقد حكي عن قوم أنّهم أجازوا إعادة ما لا يبقى من مقدور الله تعالى. فأمّا المتولّد من أفعاله تعالى فلم يختلف مشايخنا في أنّه إذا كان حادثا عن سبب لا يبقى أنّ إعادته لا تصحّ. وإنّما اختلف كلام قاضي القضاة في أنّه إذا تولّد عن سبب باق هل تصحّ إعادته بإعادة سببه أم لا؟ فالذي قاله في" المغني" أنّه تصحّ إعادته بإعادة سببه الباقي ، ثم رجع عن ذلك وقال : لا تصحّ إعادة المتولّد بحال سواء كان سببه باقيا أو غير باق. فأمّا مقدورات العباد فعلى كل حال لا تصحّ عند مشايخنا إعادتها ، سواء كانت باقية أو غير باقية أو مبتدأة أو متولّدة. فهذه جملة القول في المذاهب. ونحن نبيّن الكلام على واحد منه ليسلم لنا القول بصحّة إعادة الجواهر. وأمّا إذا كان الشيء مما لا يصحّ البقاء عليه فإعادته ممتنعة لأجل أنّه إذا لم يصحّ البقاء عليه فوجوده مختصّ بوقت واحد وفي تجويز إعادته ما يقتضي صحّة وجوده في وقتين. ومتى صحّ وجوده في وقتين خرج عن أن يكون من باب ما لا يبقى ولحق بالباقيات (ق ، ت ٢ ، ٣٠٥ ، ٨)

ـ ألا ترى أنّ الإعادة هي ضرب من تأخير الإيجاد؟ ولو صحّ التقديم والتأخير على مقدور القدرة لبطل ما عرفناه من حكم القدرة وهو أن لا تتعدّى الجزء الواحد والجنس والمحل واحد ، لأنّه كان ينبغي أن يصحّ منه بهذه القدرة الواحدة تقديم المقدورات التي توجد بعد أوقات (ق ، ت ٢ ، ٣٠٦ ، ١٢)

ـ اعلم أنّه إذا كان الذي لأجله تجب الإعادة هو لكي يتوفّر على المستحقّ حقّه ، ولن يتمّ ذلك إلّا بالإعادة ، فيجب أن تراعى حال من له حق

فيقضى بوجوب إعادته. ولا يعدوا من له الحق من أن يكون حقّه ثوابا على طاعة أو اجتناب معصية ، أو أن يكون حقّه العوض الذي يستحقّه على ما ينزل به من الآلام والغموم وغيرهما إذا لم يكن قد توفّر عليه في الدنيا وبقي مستحقّا له. وكل من هذا حاله تجب إعادته ، مكلّفا كان أو غير مكلّف. وأمّا الثواب فلن يكون إلّا في المكلّفين (ق ، ت ٢ ، ٣١٠ ، ٢)

ـ لا خلاف بين شيخينا (أبو علي وأبو هاشم) في أنّ ما يختصّ ـ تعالى ـ بالقدرة عليه يجوز عليه الإعادة. فأمّا مقدوراته الباقية التي يقدر على جنسها فعند أبي عليّ لا يجوز أن تعاد ، وعند أبي هاشم يجوز أن تعاد. ولا يختلفان في أنّ ما لا يبقى لا يجوز أن يعاد البتّة لأنّه يختصّ في الوجود بوقت واحد في الوجود لا يصحّ أن يوجد إلّا في ذلك الوقت ؛ لأنّه متى تعدّى في صحّة وجوده الوقت الواحد صحّ وجوده في سائر الأوقات ما لم يوجد ما يحيل وجوده (ق ، غ ١١ ، ٤٥٩ ، ١٣)

ـ قال شيخنا أبو علي : إن ما يدخل جنسه تحت مقدور العباد فلو جاز عليه الإعادة إذا كان مقدورا لله سبحانه لجاز عليه الإعادة إذا كان مقدورا لنا ؛ لأنّ الجنس الواحد في الوجود وصحّته وما يتبع الوجود من الكيفيّات لا يختلف. ولذلك ثبت أنّ كل جنس يصحّ البقاء عليه من فعل بعض الفاعلين يجوز أن يبقى من فعل سائرهم : وقد ثبت فيما هذا حاله من الأحكام ألّا تختلف باختلاف ذواتهم (ق ، غ ١١ ، ٤٦٠ ، ٦)

ـ إنّ المقدور إن كان مقدورا لغيره فقد بيّنا أنّ الإعادة لا تصحّ فيه ؛ وإن كان مقدورا لله تعالى والبقاء لا يصحّ عليه فكمثل. وقد دللنا على صحّة ذلك بما تقدّم من النظر ، وأنّه لا يجوز أن يولّد علما إلّا ويصحّ وجوده على هذا الوجه دون غيره على المذهب الصحيح ، وأن وجوده إذا تعلّق بما لا يبقى (فهو) تعالى لا يفعله أصلا مع وجوبه. ولا يصحّ أن يقال : إنّه ـ تعالى ـ قبل الإفناء يوفّره عليه ، فلم يبق إلّا أنّه يجب أن يعيده لأنّ توفير الثواب عليه إذا لم يتمّ إلّا بالإعادة وجبت ، من حيث لا يتمّ فعل الواجب على جميع الوجوه إلّا بها (ق ، غ ١١ ، ٤٦٤ ، ٢)

ـ أمّا من يستحقّ العوض فإعادته غير واجبة ، إلّا على بعض الوجوه ؛ لأنّه قد ثبت أنّ العوض منقطع غير دائم ، ففارق الثواب من هذا الوجه ، وصحّ فيه أن يفعل في أوقات منقطعة. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع فيما يستحقّه الإنسان في حال حياته أن يوفّر عليه في هذه الأوقات من جهة العقل ، ثم يميته تعالى من غير أن يستحقّ العوض ؛ لأنّ العوض لا يستحقّ بالموت إذا حصل من غير ألم وغمّ ، والقديم ـ تعالى ـ قادر على ذلك ؛ فإذا فعله من غير ألم لم يستحقّ ذلك الحيّ عليه عوضا (ق ، غ ١١ ، ٤٦٥ ، ١٠)

ـ كان شيخنا أبو إسحاق ـ رحمه‌الله ـ يقول في باب الإعادة : إنّه يجوز أن يعاد الحيّ في باب الزيادة والنقصان على الحدّ الذي يجوز أن يتوالى عليه كونه في الثاني ؛ لأنّ أوقات الفناء لا معتبر بها لخروج المفنى من أن يصحّ فيه حلول الأعراض فتصير حال الإعادة متّصلة بحال الفناء ، كاتّصال إحدى حالتيه بالأخرى مع استمرار وجوده وبقائه (ق ، غ ١١ ، ٤٧٤ ، ٤)

ـ قال أبو الحسن إنّ الإعادة وجود الفاني بعد

عدمه مرّة ثانية ، وأجاز إعادة الأعراض كما يجوز إعادة الأجسام (ب ، أ ، ٤٥ ، ٨)

ـ قال شيخنا أبو الحسن الأشعري رحمه‌الله : كل ما عدم بعد وجوده صحّت إعادته جسما كان أو عرضا. وقال القلانسي من أصحابنا يصحّ إعادة الأجسام ولا يصحّ إعادة الأعراض. وبناه على أصله في أنّ المعاد يكون معادا لمعنى يقوم به ولا يصحّ قيام معنى بالعرض ، فلذلك أنكر إعادته. وذهب أبو الحسن إلى أنّ الإعادة ابتداء ثان ، فكما أنّ الابتداء الأوّل صحّ على الجسم والعرض من غير قيام معنى بالعرض ، فكذلك الابتداء الثاني صحيح عليه من غير قيام معنى به (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ٤)

ـ قال الجبّائي ، الأعراض نوعان : باق وغير باق. وما صحّ بقاؤه منها صحّت إعادته بعد الفناء ، وما لا يصحّ بقاؤه فلا تصحّ إعادته. وأجاز ابنه أبو هاشم إعادة جميع الأعراض إلّا ما يستحيل عليه البقاء عنده ، أو كان من مقدور العباد. ويصحّ عنده إعادة ما هو من جنس مقدور العباد إذا كان من فعل الله تعالى (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ١٠)

ـ قال أبو الهذيل كل ما أعرف كيفيّته من الأعراض فلا يجوز أن يعاد ، وكل ما لا أعرف كيفيّته فجائز أن يعاد (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ١٢)

ـ قالوا (المعتزلة) : القدرة الحادثة لا يتأتّى بها إعادة ما اخترع بها أولا ، ومعلوم أنّ الإعادة بمثابة النشأة الأولى. ولذلك استدلّ الإسلاميون على اقتدار الرّب على الإعادة باقتدار ، على ابتداء الفطرة (ج ، ش ، ١٧٨ ، ١)

ـ أمّا جواز الإعادة فالعقل يدلّ عليه ، ويدلّ عليه السمع أيضا ، كما ذكرنا في صدر السمعيّات. وكل حادث عدم ، فإعادته جائزة ، ولا فصل بين أن يكون جوهرا أو عرضا. وذهب بعض أصحابنا إلى أنّ الأعراض لا تعاد ، بناء على أنّ المعاد معاد لمعنى ، فلو أعيد العرض لقام به معنى. وهذا لا أصل له عند المحقّقين ؛ فإنّ الإعادة بمثابة النشأة الأولى ، وليس المعاد معادا لمعنى (ج ، ش ، ٣١٣ ، ٥)

ـ جوّزت المعتزلة إعادة الجواهر إذا عدمت ، وقسّموا الأعراض إلى ما يبقى وإلى ما لا يبقى ، وقالوا : ما لا يبقى منها كالأصوات والإرادات فلا يجوز إعادتها ، وكل عرض يستحيل بقاؤه يختصّ عندهم بوقت لا يجوز تقدير تقدّمه عليه ، ولا تقدير استيخاره عنه. وأمّا الباقي من الأعراض ، فمنقسم إلى ما كان مقدورا للعبد ، وإلى ما لم يكن مقدورا له ؛ فأمّا ما كان مقدورا للعبد ، فلا يجوز من العبد إعادته ، ولا يصحّ من القديم أيضا إعادته عندهم ، وأمّا ما لم تتعلّق به قدرة العبد ، وهو باق من الأعراض ، فتجوز إعادته (ج ، ش ، ٣١٣ ، ١١)

ـ أمّا الحشر فيعنى به إعادة الخلق. وقد دلّت عليه القواطع الشرعية وهو ممكن بدليل الابتداء. فإنّ الإعادة خلق ثان. ولا فرق بينه ، وبين الابتداء وإنّما يسمّى إعادة بالإضافة إلى الابتداء السابق. والقادر على الإنشاء ، والابتداء قادر على الإعادة (غ ، ق ، ٢١٣ ، ٤)

ـ معنى الإعادة أن يبدّل بالوجود العدم الذي سبق له الوجود (غ ، ق ، ٢١٤ ، ١٢)

ـ معنى المثل أن يخترع الوجود لعدم لم يسبق له وجود. فهذا معنى الإعادة (غ ، ق ، ٢١٤ ، ١٣)

ـ إنّ الإبداء والإعادة متساويان في قدرة من هو قادر على الطرد والعكس من إخراج الميت من

الحيّ وإخراج الحيّ من الميت وإحياء الميت وإماتة الحيّ (ز ، ك ٣ ، ٢١٨ ، ٨)

ـ الإعادة في نفسها عظيمة ولكنّها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق ، ومعناه أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء لأنّ تكوينه في حدّ الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقّل في أحوال ويتدرّج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ ، وقيل الأهون بمعنى الهيّن. ووجه آخر وهو أنّ الإنشاء من قبيل التفضّل الذي يتخيّر فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله لأنّها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب ، والإفعال إمّا محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن المقدور ، وإمّا ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة ، وإمّا تفضّل ، والتفضّل حالة بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله ، وإمّا واجب لا بدّ من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكأنّ الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول ، فلمّا كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع ، وإذا كانت أبعدها من الامتناع كانت أدخلها في التأتي والتسهّل فكانت أهون منها ، وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء (ز ، ك ٣ ، ٢٢٠ ، ١٨)

ـ ذهبت المعتزلة ـ على موجب أصلهم في انقسام الأعراض إلى باقية وغير باقية ـ إلى منع جواز إعادة الأعراض الغير الباقية كالحركات والأصوات ونحوها ، وزعموا أنّه لو تصوّر وجودها في وقتين يفصلهما عدم لجاز القول بوجودهما في وقتين متتاليين ، وذلك في الأعراض الغير الباقية محال. ومن الأصحاب من زاد على هؤلاء بحيث منع من جواز إعادة الأعراض مطلقا ، وزعم أنّ الإعادة لمعنى ، فلو جاز إعادة الأعراض للزم أن يقوم المعنى بالمعنى ، وهو ممتنع (م ، غ ، ٣٠٠ ، ٢)

ـ مذهب أهل الحق من الإسلاميين : أنّ إعادة كل ما عدم من الحادثات فجائز عقلا وواقع سمعا ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون جوهرا أو عرضا ؛ فإنّه لا إحالة في القول بقبوله للوجود وإلّا لما وجد ، بل ما قبل الوجود في وقت كان قابلا له في غير ذلك الوقت أيضا : ومن أنشأه في الأولى قادر على أن ينشئه في الأخرى (م ، غ ، ٣٠٠ ، ٧)

ـ القول بالإعادة لا يصحّ إلّا مع القول بأنّ المعدوم شيء ثابت حتّى يزول عنه العدم تارة والوجود أخرى. وقد تبيّن فيما مرّ أنّ الحكم بالوجوب والإمكان والامتناع أحكام عقليّة على متصوّرات ذهنيّة ، فإنّ الحكم بامتناع وجود شريك الإله ، ليس على شريك ثابت في الخارج (ط ، م ، ٣٩١ ، ٦)

إعادة أفعال العباد

ـ العدلية جميعا : ويستحيل إعادة أفعال العباد ، إذ لو جاز أن يعيد العبد مقدوره لزم أن يكون للقدرة مقدوران في وقت من جنس في محل واحد ، وهما المعاد ومقدور الوقت ، إذ للقدرة في كل وقت مقدور لا يتعدّاه ، وإلّا تعدّدت إلى ما لا نهاية له ، إذ لا حاصر فيمانع القديم ، وتصحّ إعادة مقدور القديم الباقي جنسه. قاضي القضاة : مما ليس متولّدا إذ لو أعيد ما لا يبقى لزم ألا يختصّ بوقت واحد ، واختصاصه به ذاتيّ (صقلت) ذاته ، ولو أعيد

المتولّد لزم أن يكون للسبب الواحد في الوقت الواحد مسبّبان ، وهو كالقدرة في كون له في كل وقت مسبّب لا يتعدّاه فيتعدّى ولا حاضر (م ، ق ، ١٠٤ ، ٤)

إعادة الحي

ـ اعلم أنّه لا بدّ في إعادة الحيّ المخصوص بأجزائه ؛ لأنّ الحيّ هو الجسم المبنيّ بنية مخصوصة ، وإنّما يوصف بأنّه حيّ إذا اختصّ لأجل وجود الحياة فيه بصفة مخصوصة يصحّ معها أن تدرك وتحسّ. فإذا صحّ ذلك فلا بدّ من أن تعتبر أجزاؤه في الإعادة ، كما لا بدّ من اعتبارها في البقاء ؛ لأنّه كما يجب في المعاد أن يكون زيدا بعينه ، فكذلك يجب فيه إذا بقي مدّة لا بدّ من أن يكون زيدا بعينه ، فكما لا يصحّ في زيد أن يبقى ويكون هو ذلك الحيّ مع تبدّل أجزائه ، فكذلك لا يصحّ أن يعاد ذلك الحيّ بعينه مع تبدّل الأجزاء (ق ، غ ١١ ، ٤٦٧ ، ١١)

إعادة الخلق

ـ إن قال قائل ما الدليل على جواز إعادة الخلق ، قيل له الدليل على ذلك أنّ الله سبحانه خلقه أولا لا على مثال سبق فإذا خلقه أولا لم يعيه أن يخلقه خلقا آخر وقد قال الله عزوجل : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) (يس : ٧٨ ـ ٧٩) فجعل النشأة الأولى دليلا على جواز النشأة الآخرة لأنّها في معناها ثم قال (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (يس : ٨٠) فجعل ظهور النار على حرّها ويبسها من الشجر الأخضر على نداوته ورطوبته دليلا على جواز خلقه الحياة في الرّمة البالية والعظام النخرة وعلى قدرته على خلق مثله (ش ، ل ، ٨ ، ١٤)

اعتبار الغائب بالشاهد

ـ قالت الصفاتية ونحن نعتبر الغائب بالشاهد بجوامع أربعة وهي العلّة والشرط والدليل والحدّ (ش ، ن ، ١٨٢ ، ١٠)

ـ ألزمت الأشعريّة عليهم (للمعتزلة) إلزامات منها قولهم إذا أوجبتم على الله تعالى رعاية الصلاح والأصلح في أفعاله فيجب أن توجبوا علينا رعاية الصلاح والأصلح في أفعالنا ، حتى يصحّ اعتبار الغائب بالشاهد ، ولم يجب علينا رعايتهما بالاتفاق إلّا بقدر ما ، والتعرّض للنصب والتعب ، والنصب لو كان فاصلا بين الشاهد والغائب لكان فاصلا في أصل الصلاح (ش ، ن ، ٤٠٧ ، ١)

اعتبارات

ـ الإيجاد غير محسوس ولا يدرك بإحساس النفس ضرورة ، فقد وجدنا للتفرقة بين الحركتين (الاختياريّة والاضطراريّة) والحالتين مرجعا ومردّا غير الوجود ، أليس من أثبت المعدوم شيئا عندكم ما ردّ التفرقة إلى العرضيّة واللونيّة والحركيّة في أنّها بالقدرة الحادثة ، فإنّها صفات نفسيّة ثابتة في العدم ، ولا إلى الاحتياج إلى المحل ، فإنّها من الصفات التابعة للحدوث ، فلذلك نحن لا نردّها إلى الوجود فإنّها من آثار القدرة الأزلية ، ونردها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب والعقاب حتى ينطبق التكليف على المقدور ، والمقدور على الجزاء ، والدواعي والصوارف أيضا تتوجّه إلى تلك

الجهة ، فإنّ الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد داعية القيام والقعود والحركة والسكون والمدح والذمّ ، وهذه هيئات تحصل في الأفعال وراء الوجود تتميّز عن الوجود بالخصوص والعموم ، فإن شئت سمّيتها وجوها واعتبارات (ش ، ن ، ٨١ ، ١٥)

اعتبارات عقلية

ـ إنّ المعنى قد يكون واحدا في ذاته ويكون له أوصاف هي اعتبارات عقليّة ، ثم الاعتبارات العقليّة قد تكون من جهة النسب والإضافات ، وقد تكون من جهة الموانع واللواحق ، أليست الإرادة قد تسمّى رضى إذا كان فعل الغير واقعا على نهج الصواب ، وقد تسمّى هي بعينها سخطا إذا كان الفعل على غير الصواب ، كذلك يسمّى أمرا إذا تعلّق بالمأمور به ، ويسمّى نهيا إذا تعلّق بالمنهى عنه ، وهو في ذاته واحد وتختلف أساميه من جهة متعلّقاته حتى قيل إنّ الكلام بحقيقته خبر عن المعلوم ، وكل عالم يجد من نفسه خبرا عن معلومه ضرورة ، فإن تعلّق بالشيء الذي وجب فعله سمّي أمرا ، وإذا تعلّق بالشيء الذي حرّم فعله سمّي نهيا ، وإن تعلّق بشيء ليس فيه اقتضاء وطلب سمّي خبرا واستخبارا ، فهذه أسامي الكلام من جهة متعلّقاته كأسامي الرب تعالى من جهة أفعاله (ش ، ن ، ٢٩٢ ، ٣)

اعتذار

ـ إنّ التوبة على الحدّ الذي ذكرناه تزيل العقاب ، لأنّ نظير التوبة من الشاهد إنّما هو الاعتذار ، ومعلوم أنّ أحدنا لو أساء إلى غيره ثم اعتذر إليه اعتذارا صحيحا فإنّه لا يستحقّ بعد ذلك الذم على الإساءة (ق ، ش ، ٣٣١ ، ١٧)

ـ الاعتذار : اسم لما يزيل الذمّ المستحقّ بالإساءة إلى من هو اعتذر إليه (ق ، غ ١٤ ، ٣١١ ، ٥)

ـ اعلم أنّه إنّما يلزم مما هو إساءة إلى المعتذر إليه ، دون ما عداه ، فكل ما دخل في ذلك ، فالاعتذار منه واجب ، وما خرج عنه ، فالاعتذار فيه غير واجب ، لأنّه بمنزلة إزالة الضرر ، فيمن لم يسيء إليه ، لم يوقع به مضرّة فيلزمه إزالتها (ق ، غ ١٤ ، ٣٢٥ ، ١٣)

اعتراض

ـ إنّ كل اعتراض لا يثبت إلّا بعد ثبوت المعترض به عليه ، فذلك الاعتراض في نفسه فاسد ، لأنّه إذا كان صحّته وثبوته متعلّقين بصحة المعترض به عليه وثبوته فصحّته تؤدّي إلى الجمع بين أمرين متنافيين ، وهو أن يكون المعترض به صحيحا وأن لا يكون صحيحا وأنّ الاعتراض يكون صحيحا وأن لا يكون صحيحا (ن ، د ، ٣٠٣ ، ١٢)

اعتزال

ـ قال القاضي عبد الجبّار وهو رئيس المعتزلة : كل ما ورد في القرآن من لفظ الاعتزال فإنّ المراد منه الاعتزال عن الباطل ، فعلم أنّ اسم الاعتزال مدح. وهذا فاسد لقوله تعالى (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (الدخان : ٢١). فإنّ المراد من هذا الاعتزال هو الكفر (ف ، غ ، ٣٩ ، ٨)

اعتقاد

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فلا يصحّ أن يتعلّق بحدوث الشيء إلّا ويجب أن يحدث ،

وإلّا انقلب جهلا. وليس كذلك حال الإرادة ؛ لأنّها تتناول حدوث الشيء ولا تتعلّق به على ما هو به. وهي في بابها بمنزلة الاعتقاد الذي قد يتعلّق بالشيء على ما هو به وعلى ما ليس به ؛ لأنّها لا تكون إرادة بأن تقع على وجه مخصوص ، فهي جنس الفعل كالاعتقاد فحملها عليه أولى من حملها على العلم (ق ، غ ١١ ، ١٥٩ ، ١٣)

ـ إنّ العلم ، وإن كان يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فإنّه لا يصير علما على ما هو به ، فمكان العلم. كما لا يصير العلم علما ، لكون معلومه على ما هو به. وقد شرحنا ذلك من قبل ، فإذا لم يجب ذلك في العلم ، فبأن لا يجب ذلك في الاعتقاد أولى. وكان يجب ، على قولهم هذا ، إذا كان الإنسان قادرا على الاعتقادات المختلفة في الأمور ، أن يقدر أن يجعلها على الصفات التي يصحّ أن يعتقدها فيه ، فيجعل السواد مرّة سوادا ، ومرّة بياضا ، والجسم مرّة قديما ، ومرّة محدثا ، وقد علمنا أنّه إن كان قديما لم يجز أن يتغيّر حاله وإن كان محدثا فكمثل (ق ، غ ١٢ ، ٤٩ ، ٨)

ـ إنّ الاعتقاد الذي لا يأمن فاعله أن يكون جهلا ، إنّما يقبح متى لم يتعلّق وجوده بوجود غيره من الأسباب الموجبة. أو لم يختره من قد عرف طرائق العلم من قبل ، وفصل بينه وبين غيره؟ لأنّه إذا عرف ذلك ، وتذكّر نظره ، وما حصل عليه بعد النظر من سكون النفس إلى ما عرفه ، صار ما يختاره من الاعتقاد عنده في أنّه قد اختاره عند أمر يبعد كونه جهلا ويقرب كونه علما ، أبلغ مما يفعله عن النظر ، فوجب القضاء بحسنه (ق ، غ ١٢ ، ٢٥١ ، ١٦)

ـ إنّ من حقّ الاعتقاد أن لا يحسن من المكلّف أن يقدم عليه إلّا تابعا لغيره مما يخرج به من أن يكون في حكم المبخّت الجاهل. ومتى أقدم عليه ، لا على هذا الوجه كان مقدما على قبيح. كما أن الخبر لا يحسن منه الإقدام عليه ؛ إلّا مع العلم بحال المخبر ، وإلّا كان في حكم الكاذب. وإنّما يخرج الاعتقاد من أن يكون كذلك ، بأن يقع عن النظر في الأدلّة ، أو بأن يفعله مع تذكر الأدلّة. لأنّه متى كان كذلك أمن فيه أن يكون جهلا ، ومتى أقدم عليه لا على هذا الوجه لم يأمن كونه جهلا. وقد علمنا أنّه كما يقبح الجهل ، فكذلك يقبح الإقدام على ما لا يأمنه جهلا ؛ بل لو لم يقبح ذلك ، لم يقبح الجهل. وذلك لأنّ المكلّف قبل إقدامه على الاعتقادات لا يعرف أنّه جهل ، وإنّما يعرف ذلك من بعد. فلو لم يقبح الإقدام على ما لا يأمن فيه ذلك ، لم يقبح الجهل أيضا. فإذا صحّ ذلك بما ذكرناه وبما قدّمناه من قبل في هذا الكتاب ، فيجب أن لا يحسن من المكلّف أن يعتقد في الله ، تعالى ، وفي سائر ما يلزم من التوحيد والعدل ما هو عليه أو خلافه ، إلّا بأن ينظر في الأدلّة ، على ما قدّمناه ، وإلّا لم يأمن كونه جهلا. وهذا قبيح لا يجوز من الحكيم أن يكلّفه العبد ، كما لا يحسن أن يكلّفه الخبر الذي لا يأمن كونه كذبا (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٦ ، ١٦)

ـ أمّا الاعتقاد فقد يقبح لأمرين : أحدهما لأنّه جهل ، والآخر لأنّه لا يأمن أن يكون جهلا ، ويدخل في هذين كل ما يقبح من الاعتقاد ، وإنما يخرج عنهما ما يكون علما ، بأن يعلمه المكلّف أنّه يقع علما ، أو يعلم أنّه مما يختاره عن نظر قد حسن في عقله ، أو عند ذكر الأدلّة ، على ما تقدّم القول فيه في باب المعرفة ، لأنّه

عند هذه الأمور يأمن ، على جملة أو تفصيل ، كونه جهلا وقبيحا (ق ، غ ١٤ ، ١٥٨ ، ١١)

ـ إنّ الاعتقاد إنّما يصير علما لوجوه مخصوصة ، لأنّه بجنسه لا يصير علما (ق ، غ ١٥ ، ٣٩٦ ، ٢٣)

ـ قد دلّ الدليل على أنّ الجهل لا يكون إلّا باطلا ؛ فكذلك الكذب ؛ فإن الذي هو حق لا يكون إلّا كالعلم ، ومتى قيل فيما تناوله المذهب : " إنّه حق" فالمراد بذلك أنّه مطابق ؛ لأنّ هذه الصفة لا تليق إلّا بالعلم. والاعتقاد من حيث لا يتغيّر الحال فيه دون تغيير المعتقد ؛ ولهذه الجملة قلنا : إنّ ما طريقه الاعتقاد ، والتديّن ، دون العمل لا يجوز أن يكون الحق إلّا في واحد منه ، للعلّة التي قدّمناها (ق ، غ ١٧ ، ٣٥٥ ، ١٥)

ـ إنّ الاعتقاد لا يصير علما بالفاعل ، بل إنّما يكون علما لوقوعه على وجه ، وهو أن يكون واقعا من الناظر أو صدر عن النظر. فإذا وقع على هذا الوجه وجب أن يكون علما ولا تأثير للفاعل فيه (ن ، د ، ٢٠٣ ، ١)

ـ إنّ الاعتقاد يوجب للمعتقد حالا ، وسكون النفس حكم ذلك الحال ، فيجوز أن نتوصّل بحكم الحال الموجب عن المعنى إلى حكم المعنى لما بينهما من التعلّق في باب الإيجاب (ن ، د ، ٣٢٠ ، ١)

ـ إنّ كون أحدنا عالما لو كان أمرا زائدا على كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه لكان يجب في نفس العلم أن يكون أمرا زائدا على الاعتقاد الذي يقتضي سكون النفس كما ذهب إليه أبو الهذيل. وقد أبطلنا ذلك حيث تكلّمنا على شيخنا أبي الهذيل. فثبت بهذا أنّ المرجع بكونه عالما إنّما هو إلى كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه. فإذا كان هذا مدلول الدلالة وجب أن لا نعرف الحال كان شاهدا أو غائبا ، لأنّ ما كان من مدلول الدلالة لا يعرف في الشاهد والغائب ، فكان يجب على هذا أن يكون القديم تعالى حاصلا على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه ، وإن لم يوصف بذلك (ن ، د ، ٤٩٤ ، ١٢)

ـ إن قيل : فما هذه الوجوه التي إذا وقع الاعتقاد على واحد منها كان علما؟ قيل له : قد قال الشيخان أنّ ذلك لا يخلو من وجوه ثلاثة : إما أن يكون وقوعه عن نظر ، أو عن تذكّر النظر ، أو من فعل العالم بالمعتقد (ن ، م ، ٢٨٨ ، ١٣)

ـ قال الشيخ أبو عبد الله في كتاب العلوم ، أنه قد يكون الاعتقاد علما لوجهين آخرين : ـ أحدهما ، أن يعلم أنّ الذات ، إذا كانت على صفة من الصفات ، فإنّها لا تخلو من أن تكون على صفة أخرى ، ثم يعلم أنّ ذاتا معيّنة على تلك الصفة ، فلا بدّ أن يختار عنده العلم بأنّه على صفة أخرى. وهذا نحو أن يعلم أنّ الظلم قبيح ، ونعلم أنّ هذا الشيء بعينه بصفة الظلم ، فعند ذلك نختار العلم بأنّه قبيح. ـ والوجه الثاني ، أنّه يحصل عند ذكر العلوم ، نحو أن يذكر أنّه كان عالما بأنّ زيدا في الدار ، ثم يفعل عند ذلك الاعتقاد لكونه في الدار في ذلك الوقت. فهذا الاعتقاد يكون علما ، لأنّه وقع عند تذكّر العلم. وقد خرج على مذهب أبي هاشم وجه ، وهو أن يقلّد غيره بأن زيدا في الدار ، ثم يبقى فيه الاعتقاد إلى أن يشاهده ، فيصير ذلك علما (ن ، م ، ٢٨٨ ، ١٦)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ الاعتقاد الذي هو تقليد ، يكون علما إذا كان معتقده على ما هو به (ن ، م ، ٣٠٢ ، ١٢)

ـ إنّ الاعتقاد الذي وقع على سبيل التقليد لا يقتضي سكون النفس ، فإذا لم يقتضي سكون النفس ، لم يجز أن يكون علما (ن ، م ، ٣٠٢ ، ١٤)

اعتقاد صحيح

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٣)

اعتقاد فاسد

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأول إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٢)

اعتقاد لصحة حدوث الشيء

ـ إنّ العلم بصحّة حدوث الشيء ، والاعتقاد لصحّة حدوثه ، والظنّ لذلك يجري مجرى واحدا في صحّة الإرادة. وكذلك العلم باستحالة حدوثه. والاعتقاد لذلك يتساوى في استحالة إرادته. فإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يقوم العلم مقام غلبة الظنّ فيما قدّمناه من صحّة إرادة ما نعلم أنّ القادر يصحّ أن يفعله. وإنّما اعتمدنا على غلبة الظنّ لأنّه لا سبيل لنا إلى العلم بالأمور المستقبلة التي تقع من العباد ؛ لأنّا نجوّز في كل واحد منهم أن يخترم دون الفعل ، وأن يعصى أمرنا ومرادنا ، كما نجوّز فيه أن يطيع ، فإذا ثبت ذلك لم يمكن أن نبيّن ذلك بالعلم ، وإن كان شيوخنا رحمهم‌الله قد بيّنوا ذلك بأنّه قد ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد من أبي لهب وغيره الإيمان ، وإن علم أنّه لا يؤمن بخبر الله تعالى ، ويصحّ منّا إرادة الإيمان من جماعة الكفّار ، وإن علمنا أنّهم لا يجتمعون على الهدى (ق ، غ ١١ ، ١٦١ ، ٧)

اعتقاد للتوحيد

ـ اختلفت المرجئة في الاعتقاد للتوحيد بغير نظر هل يكون علما وإيمانا أم لا وهم فرقتان : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّ الاعتقاد للتوحيد بغير نظر لا يكون أيمانا ، والفرقة الثانية منهم يزعمون أنّ الاعتقاد للتوحيد بغير نظر إيمان (ش ، ق ، ١٤٤ ، ٣)

اعتقاد المعتقد

ـ إنّ اعتقاد المعتقد لا يؤثّر فيما عليه المعتقد لأنّه لو أثّر في ذلك ، لوجب أن يكون المعتقد على الصفة التي يختصّ بها لاعتقاد المعتقد ، ولوجب أن يكون اعتقاده موجبا لكونه كذلك. ولو كان كذلك ، لوجب أن يكون اعتقادا لسائر ما يعتقده في أنّه يوجب كونه على ما هو عليه يميّز له السبب في إيجابه حدوث المسبّب. وهذا يوجب ؛ أن يصحّ منّا وقوع الجسم والقدرة ، إذا اعتقدنا ذلك فيهما ؛ بل يوجب أن يكون تعالى موجودا ومختصّا بسائر ما هو عليه من جهتنا ، إذا اعتقدنا كونه كذلك ؛

بل يوجب إذا اعتقد المعتقد ، في الشيء ، جوهرا سوادا ، أن يحصل بهذه الصفة ؛ وقد بيّنا فساد ذلك ؛ بل يجب ، على هذا ، صحّة كون الشيء الواحد بياضا سوادا ، إذا اعتقد المعتقد أنّ ذلك فيه ، وقديما محدثا ، وموجودا معدوما. وقد بيّنا أنّ العلم باستحالة ذلك ، ضروريّ (ق ، غ ١٢ ، ٤٨ ، ٩)

اعتقاد واقع عن النظر

ـ الاعتقاد الواقع عن النظر ، ... حكمه يخالف حكم الاعتقاد الذي نبتدئه من حيث يوجد بوجود النظر. فحكمه في حسن الإقدام عليه ، حكم سببه. فإذا حسن منه النظر ، فالواجب أن يحسن ما يقع منه ويتولّد عنه. وقد بيّنا أن الخبر لو صحّ أن يتولّد عن سبب ، حاله فيه حال النظر ، لوجب فيه مثل ما قلناه في المعرفة ، لأنّه كان يصير بمنزلة سببه في الحسن ، وكان يفارق حاله حال الخبر الذي نبتدئه. لكن الأمر في الخبر بخلاف هذه الطريقة ، فلم يجب أن يختلف حاله في قبح الإقدام عليه ، إذا كان لا يعرفه صدقا. وقد بيّنا أنّ ما يفعله المنتبه من نومه من الاعتقاد ، لما تعلّق وجوده بتذكّر النظر ، حلّ محل الاعتقاد الواقع عن النظر في أنّه يحسن الإقدام عليه. وبيّنا أنّ المكلّف يعلم ، في الجملة ، أنّ النظر إن أوجب اعتقادا ، فمن حقّه أن لا يكون جهلا ؛ لعلمه بأنّ ما أوجب الجهل يجب أن يقبح. فإذا علم حسن النظر ، بطل عنده أن يولّد الجهل (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٤ ، ١٠)

اعتقاد يكون علما

ـ القول في سائر الوجوه التي يقع عندها الاعتقاد ويكون علما ، نحو أن يتقدّم له العلم بأن من حقّ المحدث أن يحتاج إلى محدث ، ثم يعلم محدثا بعينه. لأنّه عند ذلك تقوى دواعيه إلى اختيار العلم بأنّ له محدثا ، فيصير ذلك وجها لكون ذلك الاعتقاد علما (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٦ ، ١٩)

اعتقادات

ـ الذي قلتموه في الاعتقادات التي هي علوم ضروريّة ، أنّها إنّما تكون علما لأنّها من فعل العالم بالمعتقد لا يصحّ ، لأنّه بمنزلة ما يقوله المجبّرة أنّ حال الفاعل يؤثّر في حال الفعل. على أنّ كونه عالما بالمعتقد يتعلّق بغيره ، فكيف يجوز أن يؤثّر في حكم له (ن ، م ، ٢٩٠ ، ٢٣)

ـ تعريف الاعتقادات ... هي أمور يمكن أن يحكم فيها بنفي أو إثبات حتى يختصّ بها. وجعل الظنون والأوهام من قبيل الاعتقادات ليس ممّا يذهب إليه المتكلّمون ، لأنّهم يجعلون الاعتقادات نوعا والظنون نوعا (ط ، م ، ١٥٥ ، ٥)

اعتماد

ـ إنّ الاعتماد مماسّة مخصوصة ، وذلك أن يكون مماسّة لما تحته على وجوه مخصوصة. وكان ينكر قول من قال إنّ الاعتماد هو الثقل (أ ، م ، ٢٤٦ ، ١)

ـ إنّ القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلّا باعتماد ، والاعتماد مما لا حظ له في توليد الاعتقاد ، لأنّه لو كان كذلك لوجب إذا اعتمد أحدنا على صدر الغير أن يتغيّر حاله في الاعتقاد ، ومعلوم أنّه لا يتغيّر (ق ، ش ، ٩١ ، ٤)

ـ التوليد على ضربين ، أحدهما : أن يكون متعدّيا عن محلّ القدرة ، والآخر لا يكون متعدّيا. فإن لم يتعدّ عن محلّ القدرة لزم ما ذكرناه في المباشر ، وإن كان متعدّيا عن محلّ القدرة فالذي يتعدّى به الفعل عن محلّ القدرة ليس إلّا الاعتماد ، والاعتماد مما لا خطر له في توليد الجسم (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ١٤)

ـ إنّ الغير إنّما يعدّي الفعل عن محل القدرة بالاعتماد ، والاعتماد لا حظّ له في توليد الاعتقاد (ق ، ش ، ٣٤٣ ، ٤)

ـ واحد ما يدلّ على أنّ الاعتقاد لا يصحّ أن يولّد الجوهر ، أنّ من شرط الاعتماد في توليده لما يولّده في غير محلّه أن يكون هناك مماسّة واتّصال. وهذا الشرط هو شرط في التوليد لا في حدوث المسبّب ، بدلالة أنّ عند حدوثه قد يصحّ عدم السبب ، فبان بعدم الاتصال أحق. وإذا لم يكن بدّ من هذا الشرط وكان الجوهر يحدث باينا عن محال الاعتماد فلا بدّ من الاتّصال (ق ، ت ١ ، ٨١ ، ١٨)

ـ متى أرادوا بالطبع ما يحصل من إحراق النار فذلك هو الذي نثبته من الاعتمادات التي تولّد التفريق ، وكأنّهم سمّوا ما فيه طبعا وسمّيناه اعتمادا. وكذلك فيما في الماء من الثقل الذي يوجب النزول إلى ما شاكل ذلك بعد أن يجعل هذه الأمور معلّقة على فاعل مختار يصحّ منه أن يمنعها من التوليد والإيجاب (ق ، ت ١ ، ٩٢ ، ٢١)

ـ قال (أبو هاشم) فيه : والاعتماد يولّد الصّكة والوهى في الجسم ، ويولّد الوهى الألم ، وقال في موضع منه : والمماسة لا تولّد ، والتوليد إنّما يكون بالاعتماد وما يتولّد عنه كالوها وغيره ، وقال في الأبواب : لا يمتنع أن يكون الاعتماد مولّدا للألم والوهى جميعا ، وقال في موضع منه : والذي يولّد عندنا هو الاعتماد دون الكون لاختصاصه بالجهة ، وقال في نقض الطبائع : والاعتماد هو الذي يولّد دون الحركة إذا ارتفعت الموانع ، ويجوز أن يولّد بعد وجوده بزمان إذا كان باقيا ، وقال في الجامع : والأصوات تتولّد عن الاعتماد والمصاكّة التي إنّما تصحّ في الأجسام الصلبة وكذلك الكلام ، ثم قال : والذي يولّده هو اعتماد اللسان على نواحي فمه ، وقال في البغداديات : والاعتماد يولّد في الثاني ، كذلك قاله في نقض الإلهام ، وقال في الأبواب الصغيرة ما يدلّ على أنّ الحركة تولّد الاعتماد (ق ، غ ٩ ، ١٣٨ ، ١٠)

ـ اعلم إنّه إذا ثبت بما قدّمناه أنّ الأصوات والآلام والتأليف لا تحدث من فعلنا إلّا متولّدة ، فلا بدّ من سبب يولّدها من فعلنا ، لأنّ فاعل السبب يجب كونه فاعلا للمسبّب ، وكما ثبت ذلك في هذه الأجناس فقد صحّ أنّ ما يفعل من الكون في غير محلّ القدرة والاعتماد لا يقع إلّا متولّدا فلا بدّ فيه من سبب أيضا ، وإن كنّا قد نفعل ما هو من جنسهما ابتداء في محلّ القدرة لأنّ صحّة ذلك لا تخرجهما من أن يكونا متولّدين متى عدّيناهما عن محلّ القدرة من حيث ثبت بالدليل أنّه لا يصحّ من الواحد منّا أن يبتدئ مقدوره إلّا في محلّ القدرة بها ، فما أوجده على خلاف هذا الوجه يجب كونه متولّدا ، لأنّه لا يصحّ من القادر بقدرة إحداث الفعل إلّا على هذين الوجهين ، ولا شبهة فيما يتعدّى محل السبب أنّ المولّد له هو الاعتماد. وقد دلّ شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أنّ الاعتماد هو المختصّ بالجهة دون الحركة وغيرها ، فيجب أن يختصّ بتوليد الكون والاعتماد

وغيرهما (ق ، غ ٩ ، ١٤٠ ، ٥)

ـ إنّ الاعتماد كما يولّد الكون فإنّه يولّد الاعتماد ، فلو كان مولّدا لما يولّده في الحال ، لوجب أن يولّد ما لا يتناهى من الأكوان والاعتمادات ـ وقد علمنا خلافه (ن ، د ، ١٤٦ ، ١٣)

ـ إنّ الاعتماد إنّما يباين ما ليس باعتماد بطريقة التوليد وتوليده إنّما يكون في جهة دون جهة. فلو كان هاهنا سبب آخر يشارك الاعتماد في توليده وجب أن يشاركه في حقيقته وما يبين به عن غيره ، وهو أن يكون توليده في جهة. فإذا شاركه في هذا الحكم كان اعتمادا. فإذا كان المولّد هو الاعتماد ، ونحن قادرون على الاعتماد ، فيجب أن نقدر على الجوهر ـ وقد علمنا خلافه (ن ، د ، ٣٩٩ ، ٦)

ـ إنّ المماسّة معتبرة ، ومعلوم أنّ اعتبارها لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الاعتماد ، لأنّا نعلم أنّ الجوهر والكون في حصولهما لا يحتاجان إليه ، فإذا كان راجعا إليه فلا يخلو : إما أن يكون راجعا إليه في توليده ، أو راجعا إليه في وجوده. ومعلوم أنه لا يجوز أن يرجع إلى التوليد ، لأنّ التوليد إنّما يكون في الثاني ؛ وفي تلك الحال لا يحتاج إلى الاعتماد ، فضلا من أن يقال إنّه يحتاج إلى الشرط ، فلهذا أنّه يجوز أن يكون الاعتماد معدوما حال ما يتولّد عنه ما يتولّد. ولم يبق إلّا أن يكون راجعا إلى حدوثه على وجه يتولّد عنه ما يتولّد. فإذا ثبت أنّ الشرط في توليد الاعتماد لما يولّده هو أن يكون محلّه مماسا لمحل ما يتولّد فيه الكون من الكون ـ ومماسة المعدوم محال (ن ، د ، ٤٤٣ ، ١٥)

ـ دليل آخر على أنّ الاعتماد لا يجوز أن يكون مولّدا للجوهر ما قد ثبت أنّ جهاته التي تكون في سمت واحد هي بمنزلة المحال ، فكما أنّه يجوز من الاعتماد أن يولّد أكوانا في محال كثيرة في وقت واحد ، كما نقول في الرمح ، فكذلك يجب أن يكون كذلك في الجهات الكثيرة ـ وقد علمنا خلاف ذلك (ن ، د ، ٤٤٤ ، ١)

ـ إنّ السبب الذي يقوّى به الشيء عن محل القدرة ليس إلّا الاعتماد ، فكان يجب أن يقال في الاعتماد أنّه كما يولّد الحرارة يولّد البرودة. ولو كان كذلك لكان يجب أن يولّد الحرارة والبرودة في حالة واحدة ، وذلك محال (ن ، م ، ٥٧ ، ٤)

ـ إنّ من شأن الاعتماد أن يولّد في غير محلّه الحركة ، إذا لم يكن ممنوعا من توليدها ، وإذا منع منها ، فحينئذ ولد السكون. والقديم تعالى يصحّ منه أن يخترع الفعل اختراعا فلا يمتنع أن يسكّن الحجر في الجو (ن ، م ، ١٩٥ ، ٢٢)

ـ إنّ الاعتماد لاختصاصه بالجهة ، يصير في الحكم كأنّه موجود في الجسم الذي يضرب عليه محلّه ، فلذلك صحّ أن يكون مشروطا في التوليد بمعنى يوجد في ذلك المحل. وليس كذلك الكون ، لأنّه لا يصير في الحكم ، كأنّه موجود في المحلّ الآخر ، حتى يقال إنّه مشروط في التوليد بالمعنى ، الذي يوجد في المحل الآخر (ن ، م ، ٢٢٤ ، ٢٥)

ـ الأقرب أنّ أبا القاسم يشير بالاعتماد إلى أنّه سكون أو حركة (ن ، م ، ٢٢٩ ، ٢)

ـ إنّا نعدّي بالفعل عن محلّ القدرة ، وذلك لا يصحّ إلّا بما يختصّ بجهة ، بما قد دلّلنا عليه ، وليس ذلك إلّا الاعتماد (ن ، م ، ٢٢٩ ، ١٦)

ـ إنّ الجسم الثقيل يجب هويه إذا لم يمنعه مانع. فلا بدّ من أن يكون لمعنى أوجب ذلك ، وذلك

هو الاعتماد سفلا ، لأنّ نفس الجوهر محال أن يوجب الحركة (ن ، م ، ٢٢٩ ، ١٨)

ـ كيف يمكن أن يقال في الاعتماد أنّه حركة أو سكون ، ويكون معتمدا لا متحركا ولا ساكنا ولا مماسا؟ على أنّ الحركة والسكون يولّدان في محلّهما ، والمماسات لا حظ لها في التوليد أصلا ، فالاعتماد يولد في غير محله. على أنّ أجناس الأكوان لا حصر لها. والاعتمادات منحصرة بحسب انحصار الجهات ، والتأليف جنس واحد ، والاعتماد مختلف ومتماثل ولا تضادّ فيه ، وفي الأكوان متضادّ. فكل هذا يدلّ على أنّ الاعتماد معنى سوى الحركة والسكون والمماسة (ن ، م ، ٢٣٠ ، ٧)

ـ إنّ أحدنا لا يصحّ أن يفعل في غيره ، إلّا بسبب يفعله في محلّ قدرته. والسبب الذي يعدّى به الشيء عن محلّ القدرة ، يجب أن يختصّ بجهة ، بما قد بيّناه من قبل. والذي يختصّ بجهة هو الاعتماد. وقد عرفنا أنّ الاعتماد لا يصحّ أن يولّد العلم ، لأنّ أحدنا قد يعتمد على صدر غيره ، في أي جهة كانت ، ومع هذا فإنّ حال ذلك الغير في اعتقاده لا يتغيّر. فثبت بذلك أنه لا يجوز أن يفعل العلم في غيره (ن ، م ، ٣٠٨ ، ٢٤)

ـ الاعتماد معنى يوجب كون محلّه مدافعا لما يماسّه إذا زالت الموانع. وظاهر كلام أبي القاسم يقتضي نفي هذا المعنى. والطريق إلى إثباته الدليل ، وهو ما نجده من الفصل بين الجسم إذا ماسّنا وحصلت عنه مدافعة ، وبين ما ليس هذا سبيله. وهذه التفرقة لا بدّ لها من أمر ، فإذا لم يجز أن يكون لشيء من صفات الجسم ، ولا صحّ أن يكون بالفاعل لمثل ما قد مضى في باب الأكوان ، فلا بدّ من معنى موجود. وإنّما يشتبه بالحركة والسكون أو التأليف ، الذي هو مماسّة بين الجسمين ، أو الرطوبة لأنّ الغالب في الاعتماد أن لا يحصل إلّا مع أحد هذه الأمور (أ ، ت ، ٥٣٠ ، ١١)

ـ ذهب أبو هاشم إلى أنّ الاعتماد مدرك لمسا ، فلا نحتاج في إثباته إلى دلالة ، والأدلّة التي تقدّمت على ثبوت التغاير ، فإنّ المدركات قد تشتبه بأغيار لها ، فتورد الدلالة على تفصيل حالها. وقد منع أبو علي من ذلك ، وهو الصحيح. ولا تكاد تقع الشبهة في إدراكه بطريق آخر. فإنّ أحدنا يرى الجسم فيظنّه ثقيلا ، فإذا عالجه وجده خفيفا ، فالرؤية إذا لا مدخل لها في الاعتماد. وأمّا الحواس الأخر فأبعد من أن يشتبه الحال فيها ، وقد نعلم الثقيل ثقيلا بالعادة لا لأجل الإدراك (أ ، ت ، ٥٣٢ ، ١٢)

ـ إنّ الاعتماد المتولّد مقدور لنا (أ ، ت ، ٥٥٠ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ لا ضدّ للاعتماد من غير نوعه كما لا ضدّ له من نوعه لفقد الإشارة إلى معنى يمتنع وجوده معه ، بل يصحّ وجوده مع سائر المعاني. وأمّا إثبات معنى يكون ضدّا لقبيل الاعتماد فأبعد ، فإنّه اشتمل على المختلف والمتماثل ، فكيف يصحّ في المعنى الواحد أن يضادّ الكل على اختلافه وزوال التضادّ عنه (أ ، ت ، ٥٦١ ، ٩)

ـ الاعتماد أحد الأسباب وجملة ما يولّده الاعتماد المماثل له والاعتماد المخالف له ، وليس في الأسباب ما يولّد مثله غيره ويولّد الأكوان ويولّد الأصوات ، فقد اختصّ بتوليد هذه الأنواع الثلاثة. وإنّما أوجبنا توليده لمثله لأنّ الذي نفعله في الحجر إذا رميناه من

الاعتماد ، لو لم يولّد مثله في كل حال ، لكان يجب أن لا ينفذ إلّا في أقرب الجهات من يد الرامي أولا أنّه يحصل عن اعتماده اعتماد آخر ، والبعض يولّد البعض فيبلغ المدى لأنّ ما يفعله قد ثبت أنّ البقاء عليه غير جائز (أ ، ت ، ٥٦٣ ، ٣)

ـ اعلم أنّ الاعتماد وغيره من الأسباب لا يختلف حاله في توليد ما يتولّد عنه بحسب اختلاف أحوال الفاعلين ، فلهذا إذا وجد من جهة الله تعالى أحد هذه الأسباب وزالت الموانع وحصل المحل محتملا ، فإنّ المسبّب يوجد من جهة كما يوجد إذا كان السبب فعلا لنا. فصار يصحّ من الله تعالى الفعل على الوجهين جميعا وإن كان لا شيء يفعله متولّدا إلّا ويصحّ منه أن يفعل مثله في الغرض المقصود إليه مبتدأ. فإذا فعله بسبب فلصلاح زائد. وإلّا كان عابثا. وقد منع أبو علي من صحّة أن يفعل الله بسبب (أ ، ت ، ٥٨٣ ، ١٣)

ـ اختلفوا (المتكلمون) في حصول الجوهر بالحيّز أنّ ذلك الحصول هل هو معلّل بمعنى آخر ، والحق عدمه ، لأنّ المعنى الذي يوجب حصوله في ذلك الحيّز ، إمّا أن يصحّ وجوده قبل حصوله في ذلك الحيّز أو لا يصحّ ، فإن صحّ فإمّا أن يقتضي اندفاع ذلك الجوهر إلى ذلك الحيّز أو لا يقتضي ، فإن كان الأوّل كان ذلك هو الاعتماد ولا نزاع فيه : وإن كان الثاني لم يكن بأن يحصل بسبب ذلك المعنى في حيّز أولى من حصوله في حيّز آخر اللهمّ إلّا بسبب منفصل ، ثم يعود البحث الأوّل فيه ، وأمّا أن لا يصحّ وجوده إلّا بعد حصول الجوهر في ذلك الحيّز كان وجوده متوقّفا على حصول الجوهر فيه ، فلو كان حصول الجوهر محتاجا إلى ذلك المعنى لزم الدور (ف ، م ، ٧٦ ، ١٠)

ـ أمّا المعتزلة ، فلمّا أثبتوا لبعض الحوادث مؤثّرا غير الله تعالى ، قالوا بأنّ كلّ فعل يصدر عن فاعله بلا توسّط شيء آخر ، كالاعتماد من الحيوان ، يقولون إنّه حصل منه بالمباشرة ؛ وكلّ ما يصدر عنه بتوسّط شيء آخر ، كالحركة التي تصدر عنه بواسطة الاعتماد ، يقولون : إنّه حصل منه بالتولّد (ط ، م ، ٦٠ ، ١٦)

ـ مذهب المعتزلة أنّ الفاعل يفعل الاعتماد ، ويتولّد من الاعتماد الحركة ، فالفاعل يوجب الحركة بالتولّد فيما هو مباين له ، والاعتماد بالمباشرة ، واحتجاجهم بحسن الأمر والنهي بالفعل (ط ، م ، ٣٣٦ ، ٢)

اعتمادات

ـ إنّ الاعتمادات والأكوان هي الحركات ، وأنّ الحركات على ضربين : حركة اعتماد في المكان وحركة نقلة عن المكان ، وزعم (النظّام) أنّ الحركات كلها جنس واحد وأنّه محال أن يفعل الذات فعلين مختلفين (ش ، ق ، ٣٤٦ ، ١٥)

إعجاز

ـ فإن قالوا : كيف يكون القرآن معجزا وهو غير خارج عن حروف المعجم التي يتكلّم بها الخلق من أهل الفصاحة والعي واللّكنة؟ قيل لهم : ليس الإعجاز في نفس الحروف وإنّما هو في نظمها وإحكام رصفها وكونها على وزن ما أتى به النبي ، صلى الله عليه ، وليس نظمها أكثر من وجودها متقدمة ومتأخرة ومترتبة في الوجود ، وليس لها نظم سواها ؛ وهو كتتابع الحركات إلى السماء ووجود بعضها قبل بعض

ووجود بعضها بعد بعض (ب ، ت ، ١٢٥ ، ٢٢)

ـ وجهان آخران من وجوه الإعجاز : أحدهما ما انطوى عليه من أخبار الغيوب التي يعلم كل عاقل عجز الخلق عن معرفتها والتوصل إلى إدراكها نحو قوله : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ) (الفتح : ٢٧) ؛ فدخلوه كما وعدهم وأخبرهم ، ومن ذلك قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر : ٤٥) ؛ فكان ذلك كما أخبر ، وقوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة : ٣٣) ؛ وقد أظهره الله وأعلى دعوته وأذل الملوك المحاولة لإبطاله التي كانت حول صاحب الدعوة إليه ، وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (النور : ٥٥) ... والوجه الآخر ما انطوى عليه القرآن من قصص الأولين وسير الماضين وأحاديث المتقدّمين وذكر ما شجر بينهم وكان في أعصارهم مما لا يجوز حصول علمه إلّا لمن كثر لقاؤه لأهل السّير ودرسه لها وعنايته بها ومجالسته لأهلها وكان ممن يتلو الكتب ويستخرجها ، مع العلم بأن النبي ، صلى الله عليه ، لم يكن يتلو كتابا ولا يخطّه بيمينه ، وأنه لم يكن ممن يعرف بدراسة الكتب ومجالسة أهل السير والأخذ عنهم ، ولا لقي إلّا من لقوه ولا عرف إلّا من عرفوه ، وأنهم يعرفون دأبه وديدنه ومنشأه وتصرّفه في حال إقامته بينهم وظعنه عنهم ؛ فدلّ ذلك على أن المخبر له عن هذه الأمور هو الله سبحانه علّام الغيوب. فهذا وجه الإعجاز في القرآن (ب ، ت ، ١٢٩ ، ٢٢)

ـ قالت طائفة وجه إعجازه (القرآن) كونه في أعلى مراتب البلاغة ، وقالت طوائف إنّما وجه إعجازه أنّ الله منع الخلق من القدرة على معارضته فقط (ح ، ف ٣ ، ١٧ ، ٦)

إعجاز القرآن

ـ قوله (النظّام) في إعجاز القرآن إنّه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية ، ومن جهة صرف الدواعي عن المعارضة ، ومنع العرب عن الاهتمام به جبرا وتعجيزا ، حتى لو خلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ١٦)

إعدام

ـ إنّ القادر لا بدّ من أن يؤثّر في تحصيل صفة لم تكن ، وهذا إنّما يتأتّى في الإحداث. فأمّا الإعدام فلا يصحّ ذلك فيه إذ ليس للمعدوم بكونه معدوما صفة. وعلى هذا الأصل قلنا للمجبرة : إذا لم يصحّ أن تكون للفعل صفة يرجع بها إلى كونه كسبا فيجب أن لا يصحّ تعليقه بالفاعل (ق ، ت ٢ ، ٢٩٥ ، ١٢)

ـ الإيجاد والإعدام هو القول والإرادة وذلك قوله (كن) للشيء الذي يريد كونه ، وإرادته لوجود ذلك الشيء ، وقوله للشيء كن : صورتان (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٨)

ـ فسّر محمد بن الهيصم الإيجاد والإعدام : بالإرادة والإيثار. قال : وذلك مشروط بالقول شرعا ، إذ ورد في التنزيل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) وقوله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١١)

ـ المؤثّر هو كلّ موجود يحصل منه موجود هو

أثره. ولهذا ذهبت المعتزلة إلى أنّ الإعدام يكون بإيجاد ضدّ الموجود ، حتّى مشايخهم قالوا : إنّ الله تعالى قبل القيامة يخلق عرضا هو الفناء لا في محلّ ، وهو ضدّ جميع ما سوى الله تعالى ، فيفنى بوجوده ما سوى الله تعالى وهو لا يبقى زمانين فينتفي ، ولا يبقى غير وجه الله ذي الجلال والإكرام. وذهب النظّام إلى أنّ جميع الأجسام والأعراض غير باق زمانين ، بل يحدثها الله حالا فحالا. وذهبت الأشاعرة إلى مثل هذا القول في الأعراض (ط ، م ، ٤٠ ، ٥)

ـ قال جميع من لا يجوّز إعادة المعدوم بأنّ الأجسام لا تفنى ، ولكن تفنى التأليفات الّتي بين أجزائها ، فيكون لأجل ذلك هالكا. فإعدام زيد الأوّل ليس بممكن عند أكثر المسلمين ، وما لا يمكن لا يكون مقدورا للفاعل المختار (ط ، م ، ٤٠ ، ١٢)

إعدام الشيء

ـ إنّ كل صفة تناولتها قدرة القادر لنفسه ، صحّ أن تتناولها قدر القادر منّا ، وإنّما يقع الاختصاص في أجناس المقدور. فكان يجب ، لو صحّ أن يقدر قادر ما على إعدام الشيء ، أن نقدر نحن أيضا عليه. فكان يجب أن يصحّ أيضا منّا إعدام الشيء بلا واسطة ، كما يصحّ منّا إيجاده بلا واسطة. وفي فساد ذلك ، دلالة على إبطال هذا القول (ق ، غ ٨ ، ٧٩ ، ٦)

ـ ليس لأحد أن يقول : إنّما نقدر على إعدام الشيء بسبب ، وإن قدر تعالى على إعدامه ابتداء ؛ كما نقدر على الصوت بسبب ، وإن قدر تعالى على إيجاده ابتداء. وذلك أنّ السبب هو الذي بوجوده يوجد غيره ، ويصحّ مع وجوده المنع من مسبّبه. ووجود الضدّ ليس له هذا الحكم مع الضدّ الذي يعدم به ، فكيف يقال : إنّه سبب في عدمه؟ ولو كان سببا في عدم ما يضادّه ، لوجب أن يكون عدمه بحسبه. فكان لا يصحّ أن تنتفي بالجزء الواحد الأجزاء الكثيرة مما تضادّه. وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الواحد منّا يقدر على إعدام الشيء ، ويستحيل في شيء من الأجناس أن تعدمه ابتداء. وإنّما صحّ القول : بأنّه قادر على إيجاد الأشياء ، لمّا صحّ في بعض الأجناس أن نوجده ابتداء ، فبنينا عليه ما يوجد بالسبب. ولو كان كل موجود يجب وجوده منّا عند إعدام فعل ، لم يصحّ القول بأنّا نقدر على إيجاده. فكذلك يجب أن لا يصحّ ذلك في إعدام الأشياء ، إذا تعذّر منّا إعدامها إلّا بوجود ما نوجده من الضدّ. فلا فرق بين من قال : إنّ إعدام الشيء بنا ، وإن كان تابعا لما نوجده من ضدّه ؛ وبين من قال : إنّ كون المتحرّك متحرّكا بنا ، وإن كان يجب عند وجود الحركة. وكذلك القول في سائر معلول العلل. وفساد ذلك واضح (ق ، غ ٨ ، ٨٠ ، ٢)

ـ إنّ القدرة لا تتعلّق بإعدام الشيء على وجه (ق ، غ ٨ ، ٨٢ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ إعدام الشيء لا تتناوله القدرة ، وإنّما يقدر القادر على ما إذا وجد وجب عدم الشيء عنده. فمتى قلنا : إنّه تعالى قادر على إفناء فعل زيد ، فالمراد به أنّه قادر على إيجاد ضدّه ، فلا يجب كونه قادرا على إيجاد فعله من حيث قدر على إيجاد ضدّه (ق ، غ ٨ ، ١٥٨ ، ١٧)

أعراض

ـ إنّ هشاما كان يزعم أنّ الأدلة على الله لا بد أن يعرف وجودها باضطرار. (قال) والأعراض إنما يعرف وجودها باستدلال ونظر (خ ، ن ، ٤٩ ، ٥)

ـ الأعراض هي ما لا تخلو الأجسام منه أو من ضدّه نحو الحياة والموت اللذين لا يخلو الجسم من واحد منهما ، والألوان والطعوم التي لا ينفكّ من واحد من جنسها ، وكذلك الزنة كالثقل والخفّة ، وكذلك الخشونة واللين والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، وكذلك الصمد (ش ، ق ، ٣٠٥ ، ٧)

ـ قال قائلون منهم" أبو الهذيل" و" هشام" و" بشر بن المعتمر" و" جعفر بن حرب" و" الاسكافي" وغيرهم : الحركات والسكون والقيام والقعود والاجتماع والافتراق والطول والعرض والألوان والطعوم والأراييح والأصوات والكلام والسكوت والطاعة والمعصية والكفر والإيمان ، وسائر أفعال الإنسان ، والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة واللين والخشونة أعراض غير الأجسام (ش ، ق ، ٣٤٥ ، ١١)

ـ زعم بعض المتكلمين أنّ الأعراض تشتبه بغيرها وأنّ الأعراض مختلفة بأنفسها والأجسام تختلف بغيرها ، وهذا قول البغداديين" الخيّاط" وغيره (ش ، ق ، ٣٥٣ ، ٦)

ـ لم تسمّ الأعراض أعراضا لأنّها تعترض في الأجسام ، لأنّه يجوز وجود أعراض لا في جسم وحوادث لا في مكان ، كالوقت والإرادة من الله سبحانه ، والبقاء والفناء وخلق الشيء الذي هو قول وإرادة من الله تعالى ، وهذا قول" أبي الهذيل" (ش ، ق ، ٣٦٩ ، ١٤)

ـ إنّما سمّيت الأعراض أعراضا لأنّها لا لبث لها ، وأنّ هذه التسمية إنّما أخذت من قول الله عزوجل : (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (الأحقاف : ٢٤) ، فسمّوه عارضا لأنه لا لبث له (ش ، ق ، ٣٧٠ ، ١)

ـ " عبد الله بن كلّاب" يسمّي المعاني القائمة بالأجسام أعراضا ويسمّيها أشياء ، ويسمّيها صفات (ش ، ق ، ٣٧٠ ، ١٠)

ـ إنّ القوّة إذ ليست هي من أجزاء الجسم فهي عرض في الحقيقة ، والأعراض لا تبقى ؛ إذ لا يجوز بقاء ما يحتمل الفناء إلّا ببقاء هو غيره ، والعرض لا يقبل الأغيار بما لا قيام له بذاته ، ومحال بقاء الشيء ببقاء في غيره ، فبطل البقاء. ثم فساد حقيقة الأفعال بأسباب متقدّمة إذا لم تكن هي وقت الفعل ، فمثله قوّة الفعل ، فيلزم القول بالكون مع الفعل (م ، ح ، ٢٦٠ ، ١٨)

ـ إنّ الأعراض على ضربين : منها ما يصحّ أن يكتسب ومنها ما لا يصحّ أن يكتسب ، وإنّ الذي يصحّ أن يكتسب هو الذي يصحّ أن يقدر عليه المحدث ، والذي لا يصحّ أن يكتسب هو الذي يمتنع أن يكون مقدورا له. وكان يقول إنّ ما يصحّ أن يكون مقدورا له مكتسبا فلا يصحّ أن يخلو من القدرة عليه إلّا بترك أو عجز. فأمّا حالة التارك فمعقولة ، وهي التي إذا كان عليها القادر منّا يكون مختارا لما هو فيه ، ولو أراد التحوّر عنها لقدر على ذلك. وكذلك حالة العاجز معقولة يحسّها العاجز من نفسه حتى يفرّق بين حاله عاجزا وبين حاله قادرا ، ويجد الفرق بين ذلك في نفسه وجدانا ضروريّا (أ ، م ، ١٠٠ ، ٨)

ـ إنّ الأعراض لا يصحّ فيها التولّد والتوليد ، لأنّ ذلك على الحقيقة من صفات الأجسام والجواهر أو من صفات المحدث المخترع ، وكلا الوصفين في العرض ممتنع (أ ، م ، ١٣١ ، ٤)

ـ إنّ الأعراض على ضربين : مدرك ، وغير

مدرك. فالمدركات سبعة أنواع : الألوان ، والطعوم ، والروائح ، والحرارة ، والبرودة ، والآلام ، والأصوات (ق ، ش ، ٩٢ ، ٨)

ـ ذهب شيخنا أبو هاشم إلى أنّ الأكوان كلّها يجوز عليها البقاء. وقد حكينا من قبل عن أبي القاسم أنّ الأعراض كلّها لا يجوز عليها البقاء (ن ، م ، ١٧٧ ، ١٤)

ـ السكون عنده (النظام) حركة اعتماد ، والعلوم والإرادات عنده من جملة الحركات ، وهي الأعراض ، والأعراض كلها عنده جنس واحد ، وهي كلّها حركات (ب ، ف ، ١٣٨ ، ٣)

ـ الجواهر كل ذي لون. والأعراض هي الصفات القائمة بالجواهر من الحركة والسكون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وسائر الأعراض (ب ، أ ، ٣٣ ، ١٤)

ـ الأعراض عندنا أنواع مختلفة أوّلها الأكوان ويدخل في جملتها الحركة والسكون والتأليف (ب ، أ ، ٤٠ ، ٩)

ـ النوع الثاني من الأعراض الألوان ولا يخلو الجوهر من واحد منها عندنا واختلفوا في عددها. فزعمت الثنوية أنها في الأصل نوعان : سواد وبياض وسائر الألوان مركّبة منهما. وزعم بعض أهل الطبائع أنّها أربعة أنواع على عدد الطبائع بزعمهم وهن السواد والبياض والحمرة والصفرة. وزعم البهشمية من القدرية أنّها في الأصل أجناس : البياض والسواد والحمرة والصفرة والخضرة وما عداها من الألوان يظهر من امتزاج (ب ، أ ، ٤١ ، ٣)

ـ النوع الثالث من الأعراض الحرارة والرابع البرودة والخامس الرطوبة والسادس اليبوسة. وكل نوع من هذه الأنواع الأربعة في جنسه أنواع (ب ، أ ، ٤١ ، ١٤)

ـ النوع السابع من الأعراض الرائحة ولا يخلو الجسم من واحدة منها عندنا. والنوع الثامن منها الطعوم ولا يخلو الجسم عندنا من طعم ما (ب ، أ ، ٤٢ ، ٢)

ـ النوع التاسع من الأعراض الصوت وجنسه عندنا غير جنس الكلام. وأنواعه مختلفة فإنّ صوت الرعد خلاف سائر الأصوات. والنوع العاشر منها البقاء وهو عرض يحدث في الجوهر في الحالة الثانية من حدوثه ولهذا أحلنا بقاء الأعراض (ب ، أ ، ٤٢ ، ١١)

ـ النوع الحادي عشر من الأعراض الحياة وهي عندنا خلاف القدرة والعلم والإرادة والروح (ب ، أ ، ٤٢ ، ١٨)

ـ النوع الثالث عشر من الأعراض العلم وهو عندنا معنى غير الاعتقاد وتأثيره في الفعل من جهة أحكامه وإتقانه (ب ، أ ، ٤٤ ، ٢)

ـ النوع الرابع عشر منها (الأعراض) الجهل وهو عند القدرية من جنس الاعتقاد ويلزمهم على هذا أن لا يكون الجاهل بما بطن الحامل جاهلا به إذا لم يعتقد فيه شيئا. والنوع الخامس عشر منها النظر. والسادس عشر الشكّ وزعم ابن الجبائي أنّ الشكّ ليس بمعنى. والسابع عشر السهو والنوم من جنسه لأنّه سهو عام. والثامن عشر القدرة وهي عندنا عرض غير الحياة والصحّة وزعم النظّام أنّها جسم. والتاسع عشر العجز. والعشرون الإرادة والكراهية داخلة في جنسها لأنّ الإرادة وجود الشيء كراهية لعدمه. والحادي والعشرون السمع وهو إدراك المسموع غير العلم به. وزعم الكعبي أنّ السمع إنّما هو علم بالسّمع. والثاني والعشرون الصّمم الذي هو ضدّ

السمع. والثالث والعشرون البصر الذي هو الرؤية وهي غير العلم بالمرئي وزعم الكعبيّ أنها العلم بالمرئي. والرابع والعشرون العمى وهو ضدّ الرؤية. والخامس والعشرون الكلام وهو عندنا غير الصوت وزعم أكثر القدرية أنّه صوت مخصوص. والسادس والعشرون الخاطر وهو عندنا عرض خلاف قول النظّام أنّه جسم. والسابع والعشرون الألم. والثامن والعشرون اللّذة وهي عندنا معنى غير نيل المنى وغير الراحة من مؤلم وزعم ابن زكريا المتطبّب إنّها راحة من مؤلم وزعم ابن الجبائي أنها نيل المنى. والتاسع والعشرون الفكر الواقع بعد الخاطر. والثلاثون كل اعتقاد صحيحا كان أو فاسدا فإنّ الاعتقاد عندنا ليس من جنس العلم ولا من جنس الجهل. فهذه أنواع الأعراض عندنا (ب ، أ ، ٤٤ ، ٥)

ـ ذهب أكثر مثبتي الأعراض إلى أنّها أجناس مختلفة وأنّها ليست من جنس الأجسام ولا من أبعاضها وخالفهم في ذلك النظّام وضرار والنجّار (ب ، أ ، ٤٦ ، ٧)

ـ إنّ الأعراض التي تركّب الجسم منها هي التي لا يخلو الجسم منها ومن أضدادها كاللون والطعم والرائحة والحياة والموت الذي هو ضدّه. وأما الذي ينفكّ الجسم منه ومن ضدّه كالعلم والقدرة والكلام فليس ببعض للجسم ، وأحال وجود أبعاض الجسم مفترقة فوافق النجّار ضرّارا في هذا القول وزاد عليه أن أجاز كون الشيء الواحد عرضا في حال وجسما في حال أخرى ولهذا زعم أنّ كلام الله تعالى إذا قرئ فهو عرض وإذا كتب فهو جسم (ب ، أ ، ٤٧ ، ٧)

ـ قال أبو الهذيل الأعراض منها ما يبقى ومنها ما لا يبقى والذي لا يبقى منها الحركة والإرادة وأجاز بقاء اللون والطعم والرائحة والتأليف والحياة والعلم والقدرة (ب ، أ ، ٥٠ ، ١٧)

ـ قال الجبائي وابنه أنّ الصوت والألم والحركات والفكر والإرادات والكراهات أعراض غير باقية ، وأجازا بقاء الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والاعتماد والتأليف واللون والحياة والقدرة والعجز والعلوم والاعتقادات (ب ، أ ، ٥١ ، ٩)

ـ إنّ الأعراض قديمة في الأجسام غير أنّها تكمن في الأجسام وتظهر ، فإذا ظهرت الحركة في الجسم كمن السكون فيه وإذا ظهر السكون فيه كمنت الحركة فيه وكذلك كل عرض ظهر كمن ضدّه في محله (ب ، أ ، ٥٥ ، ١٢)

ـ قال الجبّائي ، الأعراض نوعان : باق وغير باق. وما صحّ بقاؤه منها صحّت إعادته بعد الفناء ، وما لا يصحّ بقاؤه فلا تصحّ إعادته. وأجاز ابنه أبو هاشم إعادة جميع الأعراض إلّا ما يستحيل عليه البقاء عنده ، أو كان من مقدور العباد. ويصحّ عنده إعادة ما هو من جنس مقدور العباد إذا كان من فعل الله تعالى (ب ، أ ، ٢٣٤ ، ٧)

ـ زعم معمّر أنّه ليس شيء من الأعراض فعلا لله تعالى ، وإنّما الأعراض من فعل الأجسام إمّا طباعا وإمّا اختيارا. ولا يخلق الله ألما ولا لذّة ولا صحّة ولا سقما ولا شيئا من الأعراض (ب ، أ ، ٢٣٩ ، ١)

ـ إنّ الأعراض تنقسم إلى قسمين أحدهما ذاتيّ لا يتوهّم بطلانه إلّا ببطلان حامله كالحسّ والحركة الإرادية للحيّ ، وكذلك احتمال الموت للإنسان مع إمكان التمييز للعلوم والتصرّف في الصناعات وما أشبه هذا. ومن

هذه الأعراض تقوم فصول الأشياء وحدودها التي تفرّق بينها وبين غيرها من الأنواع التي تقع معها تحت جنس واحد ، فهذا القسم مقطوع على وجوده في كل ما وقع اسم حامله عليه. والقسم الثاني غيريّ وهو ما يتوهّم بطلانه ولا يبطل بذلك ما هو فيه كاجترار البعير وحلاوة العسل وسواد الغراب ، فإن وجد عسل مرّ وقد وجدناه لم يبطل بذلك أن يكون عسلا ، وكذلك لو وجد غراب أبيض وقد وجد لم يبطل بذلك أن يكون غرابا ، فمثل هذا القسم لا يقطع على أنّه موجود ولا بدّ أبدا (ح ، ف ٢ ، ١٦٠ ، ١٩)

ـ إنّ الأعراض هي الأفعال من الأكل والشرب والنوم والجماع والمشي والضرب وغير ذلك ، فمن أنكر الأعراض فقد أثبت الفاعلين وأبطل الأفعال وهذا محال (ح ، ف ٥ ، ٦٧ ، ١٠)

ـ تنقسم الأعراض إلى ما يصحّ وجوده في المحل الواحد ، وإلى ما يستحيل وجوده إلّا في محلّين ، وليس هذا إلّا في التأليف. وما يوجد في محل واحد ينقسم إلى ما يفتقر إلى بيّنة ، وإلى ما يستغني عنها (أ ، ت ، ٣٥ ، ٢)

ـ الدليل على إثبات الأعراض أنّا إذا رأينا جوهرا ساكنا ، ثم رأيناه متحرّكا مختصّا بالجهة التي انتقل إليها ، مفارقا للتي انتقل عنها ، فعلى اضطرار نعلم أنّ اختصاصه بجهته من الممكنات وليس من الواجبات ، إذ لا يستحيل تقدير بقاء الجوهر في الجهة الأولى. والحكم الجائز ثبوته والجائز انتفاؤه ، إذا تخصّص بالثبوت بدلا عن الانتفاء المجوّز ، افتقر إلى مقتض يقتضي له الاختصاص بالثبوت ، وذلك معلوم أيضا على البديهة (ج ، ش ، ٤٠ ، ٦)

ـ إنّ الدّال على إثبات الأعراض تناوب الأحكام وتعاقبها على الجواهر (ج ، ش ، ٤٢ ، ٧)

ـ قال (معمّر) : إنّ الله تعالى لم يخلق شيئا غير الأجسام ، فأمّا الأعراض فإنّها من اختراعات الأجسام ، إمّا طبعا كالنار التي تحدث الإحراق ، والشمس التي تحدث الحرارة والقمر الذي يحدث التلوين. وإمّا اختيارا كالحيوان يحدث الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق (ش ، م ١ ، ٦٦ ، ٣)

ـ قال (معمّر) : إنّ الأعراض لا تتناهى في كل نوع ، وقال كل عرض قام بمحل فإنّما يقوم به لمعنى أوجب القيام ، وذلك يؤدّي إلى التسلسل ، وعن هذه المسألة سمّي هو وأصحابه ، أصحاب المعاني ، وزاد على ذلك فقال : الحركة إنّما خالفت السكون لا بذاتها ، بل بمعنى أوجب المخالفة ، وكذلك مغايرة المثل المثل ومماثله ، وتضادّ الضدّ الضدّ ، كل ذلك عنده بمعنى (ش ، م ١ ، ٦٧ ، ٥)

ـ من بدعه (هشام الفوطي) في الدلالة على الباري تعالى قوله إنّ الأعراض لا تدلّ على كونه خالقا ، ولا تصلح الأعراض دلالات ؛ بل الأجسام تدلّ على كونه خالقا (ش ، م ١ ، ٧٢ ، ١٣)

ـ الحق عندي أنّ الأعراض يجوز البقاء عليها ، بدليل إنّه كان ممكن الوجود في الزمان الأول ، فلو انتقل إلى الامتناع الذاتيّ في الزمان الثاني ، لجاز أيضا أن ينتقل الشيء من العدم الذاتيّ إلى الوجود الذاتيّ ، وذلك يلزم منه نفي احتياج المحدث في المؤثّر وأنّه محال (ف ، أ ، ٢٩ ، ١١)

إعراض

ـ ذهب أبو هاشم إلى أنّ الإعراض ليس بمعنى.

وذهب أبو علي إلى أنّه معنى يضادّ الإرادة والكراهة ، وهو الذي يقتضيه مذهب أبي القاسم (ن ، م ، ٣٦٥ ، ١١)

أعراض نسبية

ـ الأعراض النسبيّة وهي أنواع. الأوّل : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ حصول الأوّل في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأول هو السكون ، وحصول الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في حيّزين لا يتخلّلهما ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف ، أ ، ٢٦ ، ١٩)

أعلام

ـ ذكر شيخنا" أبو هاشم" ، رحمه‌الله ، في (كثير من) كتبه أنّ الأعلام إنّما تدلّ على النبوّات عن طريق الإبانة والتخصيص ، لا على الوجه الذي تدلّ سائر الأدلّة ؛ لأنها يجب أن تحصل وتدلّ على نبوّته ؛ ولا يجب ذلك في سائر الأدلّة ؛ ولأنها لو كثرت لخرجت من أن تكون دلالة. وليس كذلك حال سائر الأدلّة. وهذا يبيّن مفارقتها ، في دلالتها على النبوّة ، لدلالة سائر الأدلّة على مدلولاتها. وإذا ثبت أنّها تدلّ من جهة الإبانة ، فيجب ألّا يصحّ ظهورها على غير النبيّ ؛ لأنّ ذلك ينقض كونها إبانة ، كما أنّ السواد ، إذا بان مما خالفه ، من حيث كان سوادا ، لم يجز أن يشاركه في ذلك إلّا ما هو من بابه. فلذلك لا يجوز أن يشارك النبي في ظهور العلم الذي به بان إلّا من يساويه في النبوّة (ق ، غ ١٥ ، ٢١٥ ، ١٦)

إعلام

ـ أمّا الإعلام فهو فعل العلم. وأمّا الأمر والحكم فيرجعان إلى الكلام ، وكلامه لم يزل (أ ، م ، ٤٩ ، ٣)

ـ حقيقته ، إعلام الغير في أنّ له أن يفعل أو أن لا يفعل نفعا أو دفع ضرر ، مع مشقّة تلحقه في ذلك على حدّ لا يبلغ الحال به حدّ الإلجاء ، ولا بدّ من هذه الشرائط ، حتى لو انخرم شرط منها فسد الحدّ. والإعلام ، إنّما يكون بخلق العلم الضروريّ ، أو بنصب الأدلّة ، وأي ذلك كان لم يصحّ إلّا من الله تعالى ؛ ولهذا قلنا : إنّه لا يكلّف على الحقيقة غير الله تعالى ، وإذا استعمل في الواحد منّا فإنّما يستعمل على طريقة التوسّع والمجاز. فهذا هو حقيقة التكليف (ق ، ش ، ٥١٠ ، ٧)

ـ الجواب ، والله الموفق : إنّ كفر أبي جهل ، لعنه الله تعالى ، سبب للإعلام بأنّه كافر ضرورة ، لا أنّ ذلك الإعلام سبب لحصول كفره ، وإذا لم يكن الإعلام سببا لم يلزم التكليف بالكفر وأيضا لم يكلّف أبو جهل بالعلم بأنّه كافر لحصوله عنده بسبب كفره إذ تحصيل الحاصل محال. وكذلك أمر الحكيم به محال. فثبت أنّه لم يكلّف إلّا بالإيمان فقط (ق ، س ، ١٣٢ ، ١٩)

إعلام الأنبياء

ـ ذكر شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله ... قال : إنّ الوجه في وجوب النظر في إعلام الأنبياء هو الخوف من تركه والإخلال به ، فإنّه بمنزلة وجوب النظر في معرفة الله أولا ؛ وبيّن أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا بدّ في الابتداء من أن يقول لأمته : إنّي مبعوث إليكم ، فإنّه تعالى قد

حمّلني ما يلزمكم منّي ، لأنّه من مصالحكم ، وإن أنتم لم تعلموه ولم تتمسّكوا به ، لحقكم مضرّة فيما كلّفتم من جهة العقل (ق ، غ ١٤ ، ٢٤٢ ، ٤)

أعلام الظهور

ـ قوله عليه‌السلام أعلام الظهور أي الأدلّة الظاهرة الواضحة ، وقوله فيما بعد أعلام الوجود أي الأدلّة الموجودة ، والدلالة هي الوجود نفسه (أ ، ش ١ ، ٢٩٢ ، ١٢)

أعلام الوجود

ـ قوله عليه‌السلام أعلام الظهور أي الأدلّة الظاهرة الواضحة ، وقوله فيما بعد أعلام الوجود أي الأدلّة الموجودة ، والدلالة هي الوجود نفسه (أ ، ش ١ ، ٢٩٢ ، ١٢)

أعم

ـ (قالت الصفاتية) إنّ الوجود من حيث هو وجود قد عمّ الواجب والجائز ، والوجوب من حيث هو وجوب قد خصّ الواجب ، فاشتركا في الأعمّ وافترقا في الأخصّ ، وما به عمّ غير ما به خصّ ، فتركّبت الذات من وجود عام ووجوب خاص ، فهو كتركيب الذات من واجب الذات قد شملت الواجبين ، ويفصل كل واحدهما بفصل عن الواجب الآخر (ش ، ن ، ٢٠٣ ، ١٤)

ـ الأولويّة لا توجب الوجوب ولا تنافيه ... وإنّما يجب تقديم الأعمّ في الحدود التامّة لا غير ، لأنّ الأعمّ فيها هو الجنس ، وهو يدلّ على شيء مبهم يحصّله الأخصّ الّذي هو الفصل. ومن تقديم الأخصّ على الأعمّ يختلّ الجزء الصّوريّ من الحدّ ، فلا يكون تامّا مشتملا على جميع الأجزاء. أمّا في غير الحدّ التامّ فتقديم الأعرف أولى وليس بواجب (ط ، م ، ١٢ ، ١)

أعمال

ـ مذهب أبي حنيفة الفقيه ... أنّ الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معا ، وأنّ الأعمال إنّما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط (ح ، ف ٢ ، ١١١ ، ١٤)

أعمال العباد

ـ يقولون في كثير من الإباضيّة أنّ أعمال العباد مخلوقة وأنّ الله سبحانه لم يزل مريدا لما علم أنّه يكون أن يكون ، ولما علم أنّه لا يكون أن لا يكون ، وأنّه مريد لما علم من طاعات العباد ومعاصيهم لا بأن أحبّ ذلك ولكن بمعنى أنّه ليس بآب عنه ولا بمكره عليه (ش ، ق ، ١٠٨ ، ٩)

ـ زعم" الحسين بن محمد النجّار" وأصحابه وهم" الحسينية" أنّ أعمال العباد مخلوقة لله وهم فاعلون لها (ش ، ق ، ٢٨٣ ، ٣)

ـ قال شعيب : إنّ الله تعالى خالق أعمال العباد ، والعبد مكتسب لها قدرة وإرادة ، مسئول عنها خيرا وشرّا ، مجازى عليها ثوابا وعقابا ، ولا يكون شيء في الوجود إلّا بمشيئة الله تعالى (ش ، م ١ ، ١٣١ ، ٥)

أعواض

ـ أمّا استحقاق الواحد منّا للأجرة على عمله فهو من باب الأعواض والأبدال ؛ لأنّه لا فرق بين أن يبيعه ثوبا بدينار ، فيكون الدينار بدلا من

الثوب الذي أخرجه من ملكه وفوّت نفسه الانتفاع به ، وبين أن يفعله بعمله ويأخذ ما يقابله من المنافع ؛ لأنّه لا معتبر في باب الانتفاع بالأعيان ، وإنّما المعتبر بالتصرّف فيها ، فلا فرق بين أن يملّكه الثوب لينتفع به ، وبين أن يبني له دارا لينتفع بها ، في باب أنّه نافع له في الحالين ، فيصحّ أن يأخذ عليه بدلا في الوجهين جميعا. هذا إذا لم يحوجه إلى العمل مضرّة دفع إليها ، فأمّا إذا كان هذا حاله فإنّه أخذ عن عمله بدلا على ما ذكرناه بأن كان الذي دفعه إلى ذلك إزالة المضرّة عن نفسه. وفي الوجه الأوّل قصد إلى اجتلاب منفعة فقط (ق ، غ ١١ ، ٨٢ ، ٥)

ـ تفصيل مذهب الجبائي في الأعواض على وجهين : أحدهما أنّه يقول يجوز التفضّل بمثل الأعواض غير أنّه تعالى علم أنّه لا ينفعه عوض إلّا على ألم متقدّم ، والوجه الثاني أنّه إنّما يحسن ذلك لأنّ العوض مستحقّ ، والتفضّل غير مستحقّ ، والثواب عندهم ينفصل عن التفضّل بأمرين : أحدهما : تعظيم وإجلال للمثاب يقترن بالنعيم ، والثاني قدر زائد على التفضّل بزيادة مقدار ولا بزيادة صفة (ش ، م ١ ، ٨٤ ، ٣)

آفات

ـ الآفات تدل على حدوث من جازت عليه (ش ، ل ، ١١ ، ٦)

ـ محال جواز الآفات على الباري لأنّها من سمات الحدث (ش ، ل ، ١٢ ، ١)

أفاعيل الإنسان

ـ قال" إبراهيم النظّام" : أفاعيل الإنسان كلها حركات وهي أعراض (ش ، ق ، ٣٤٦ ، ١٣)

افتراق

ـ كان (الأشعري) يقول في الافتراق والتباين والتباعد إنّه ممّا لا تختلف معانيه وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث يصحّ أن يكون بينهما ثالث وهما على ما هما عليه أو يكون بينهما ثالث (أ ، م ، ٣٠ ، ٤)

ـ إنّ الاجتماع هو المماسّة والانضمام ، وهو كون كل واحد من الجوهرين بحيث صاحبه ، وإنّ الافتراق هو التباعد (أ ، م ، ٢٤٥ ، ١٤)

ـ ذكر الشيخ أبو الهذيل : يقال للسائل : السابق إلى الجسم لا يخلو : إمّا الاجتماع أو الافتراق. فإن قال : الاجتماع ، قيل : جمع ما لم يكن مفترقا من قبل محال. وإن قال : الافتراق ، قيل : تفرّق ما لم يكن مجتمعا من قبل محال. وهكذا نقول في الحركة والسكون. وهذا أيضا مبنيّ على أنّ الجسم مع وجوده لا يخرج عن التحيّز وأنّ الاجتماع لا يبطل إلّا بضدّ يطرأ عليه ، وهو الافتراق. وكذلك الحركة والسكون (ن ، د ، ٦٣ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ الشيخ أبا الهذيل ذهب إلى أنّ الافتراق معنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل البعد ، كما ذهب في التأليف إلى أنّه معنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل القرب (ن ، د ، ١١٩ ، ٥)

ـ الصحيح على ما ذهب إليه الشيخ أبو عليّ آخرا أنّ الافتراق ليس بمعنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل البعد ـ وهو قول أبي هاشم. والدليل على ما قلناه ، أن الافتراق لو كان معنى زائدا لوجب أن يكون ضدّا للتأليف ، والتأليف لا ضدّ له (ن ، د ، ١١٩ ، ١٢)

ـ أحد ما اشتبه الحال فيه مما هو من قبيل الأكوان حتى عدّه أبو الهذيل رحمه‌الله ، معنى

زائدا عليها ، وبه قال أبو علي أولا ثم رجع عنه هو الافتراق. فإنّ عندنا أنّه عبارة عن الكونين اللذين يحصل بهما الجسمان في مكانين بعيدين ، كما أنّ المجاورة هي كونان على وجه القرب (أ ، ت ، ٤٥٢ ، ١٢)

ـ الاجتماع حصول الجوهرين في حيّز واحد بحيث لا يمكن أن يتخلّلهما ثالث والافتراق كونهما بحيث يمكن أن يتخلّلهما ثالث (ف ، م ، ٧٦ ، ١٨)

ـ الأعراض النسبيّة وهي أنواع. الأوّل : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ حصول الأوّل في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأوّل هو السكون ، وحصول الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في حيّزين لا يتخلّلهما ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف ، أ ، ٢٦ ، ٢٢)

ـ حصول جوهرين في حيّزين بحيث لا يتخلّلهما ثالث اجتماع ، وبالعكس افتراق (خ ، ل ، ٦٨ ، ١٢)

أفضل

ـ اعلم أنّ الأفضل في الشرع ، هو الأكثر ثوابا ، ولذلك قال مشايخنا : إنّ طريق معرفته الشرع ، لأنّه لا مجال للعقل في مقادير الثواب والعقاب. إذا ثبت هذا ، فاعلم أنّ المتقدّمين من المعتزلة ذهبوا إلى أنّ أفضل الناس بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليه‌السلام ، إلّا واصل بن عطاء فإنّه يفضّل أمير المؤمنين على عثمان فلذلك سمّاه شيعيّا. وأما أبو علي وأبو هاشم فقد توقّفا في ذلك ، وقالا : ما من خصلة ومنقبة ذكرت في أحد هؤلاء الأربعة إلّا ومثله مذكور لصاحبه. وأما شيخنا أبو عبد الله البصري فقد قال : إنّ أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه علي بن أبي طالب ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ، ولهذا كان يلقّب بالمفضّل ، وله كتاب في التفضيل طويل. وقد كان قاضي القضاة يتوقّف في الأفضل من هؤلاء الأربعة كالشيخين ، إلى أن شرح هذا الكتاب فقطع على أنّ أفضل الصحابة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام. فأمّا عندنا : إنّ أفضل الصحابة أمير المؤمنين عليّ ثم الحسن ، ثم الحسين عليهم‌السلام (ق ، ش ، ٧٦٦ ، ١٥)

ـ إذا قلنا في الفعل إنّه فاضل على هذا الحدّ فالمراد به أنّه يستحقّ به ثواب كثير ، وإذا قلنا هو أفضل من غيره فالمراد أن له على غيره مزية في قدر الثواب ؛ وذلك تشبيه بما قدّمناه ، وقد تصحّ الإشارة إلى مكلّف فيقال فاضل وأفضل ولا يصحّ ذلك في الفعل إلّا بمقارنة غيره ، لأنّه قد ثبت أنّه لا فعل يستحقّ به الثواب إلّا وينضاف إليه ما يمنع من ذلك فيه ، وهو بمنزلة وصفنا الفعل بأنّه إيمان ، وقد بيّنا ذلك مشروحا (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١١٦ ، ١٥)

ـ قال الباقلاني جائز أن يكون في الناس من هو أفضل من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حيث بعث بالنبوّة إلى أن مات (ح ، ف ٤ ، ١١٤ ، ١٣)

ـ إنّ الفضل هو الخير نفسه لأنّ الشيء إذا كان خيرا من شيء آخر فهو أفضل منه بلا شكّ (ح ، ف ٤ ، ١٣٠ ، ٤)

ـ بطل أن تكون الطاعة إنّما تجب للأفضل فالأفضل وقد أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

عمرو بن العاص وخالد بن الوليد كثيرا ولم يؤمر أبا ذر ، وأبو ذر أفضل خير منهما بلا شك ، وأيضا فإنّما وجبت طاعة الخلفاء من الصحابة رضي الله عنهم في أوامرهم مذ ولّوا لا قبل ذلك ، ولا خلاف في أنّ الولاية لم تزدهم فضلا على ما كانوا عليه وإنّما زادهم فضلا عدلهم في الولاية لا الولاية نفسها ، وعدلهم داخل في جملة أعمالهم التي يستحقّون الفضل بها (ح ، ف ٤ ، ١٣٠ ، ٢٤)

ـ ذكرنا في كتبنا الكلاميّة ما معنى الأفضل وهل المراد به الأكثر ثوابا أم الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة ، وبيّنا أنّه عليه‌السلام أفضل على التفسيرين معا ، وليس هذا الكتاب موضوعا لذكر الحجاج في ذلك (أ ، ش ١ ، ٣ ، ٣٥)

ـ مذهب أصحابنا من البغداديين أنّهم يزعمون أنّه (علي) الأفضل والأحق بالإمامة ، وأنّه لو لا ما يعلمه الله ورسوله من أنّ الأصلح للمكلّفين من تقديم المفضول عليه ، لكان من تقدّم عليه هالكا ، فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره أنّ الإمامة حقّه ، وأنّه أولى بها من الناس أجمعين ، وأعلمه أنّ في تقديم غيره وصبره على التأخّر عنها مصلحة للدين راجعة إلى المكلّفين ، وأنّه يجب عليه أن يمسك عن طلبها ويغضي عنها لمن هو دون مرتبته ، فامتثل ما أمره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يخرجه تقدّم من تقدّم عليه من كونه الأفضل والأولى والأحق. وقد صرّح شيخنا أبو القاسم البلخيّ رحمه‌الله تعالى بهذا وصرّح به تلامذته وقالوا ، لو نازع عقيب وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وسلّ سيفه لحكمنا بهلاك كل من خالفه وتقدّم عليه كما حكمنا بهلاك من نازعه حين أظهر نفسه ، ولكنّه مالك الأمر وصاحب الخلافة إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق من ينازعه فيها ، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها (أ ، ش ١ ، ٢١١ ، ٣٠)

أفعال

ـ إنّ المرجئة أرجأت الأفعال إلى الله ولم تجعلها للعبد ، والقدرية أثبتتها لله على ما تنسب الخلق إلى الله تعالى ، ولم تجعل لله فيها تدبيرا (م ، ح ، ٢٢٩ ، ١)

ـ إنّا نجد أفعال العباد تخرج على حسن وقبح ، لا يعلم أهلها أنّها تبلغ في الحسن ذلك ولا في القبح ، بل هم عندهم نفسهم في تحسينها وتزيينها ، وهي تخرج على غير ذلك ، بأن جعل أفعالهم على ما هي عليه ليست لهم ، ولو جاز كونها على ذلك لهم ، وهم لا يعرفون مبلغ الحسن والقبح ، فإذا لا جهل يقبّح الفعل ولا علم يحسّنه ، فثبت أنّ فعلهم من هذا الوجه ليس لهم (م ، ح ، ٢٣٠ ، ١)

ـ الحق هو الوسط من القول : أن يكون من العباد أفعال على ما هي منهم ، ومن الله خلقها على الحدّ الذي كانت عليه (م ، ح ، ٣٨٤ ، ١٩)

ـ إنّ الواحد منّا إذا أراد أن يقوم قام ، وإذا أراد أن يقعد قعد. وإذا أراد أن يتحرّك تحرّك ، وإذا أراد أن يسكن سكن ، وغير ذلك. فإذا حصلت أفعاله على حسب قصده ومقتضى إرادته دلّ على أنّ أفعاله خلق له ، وفعل له (ب ، ن ، ١٥٣ ، ١٢)

ـ الأفعال على ضربين : أحدهما يدخل جنسه تحت مقدورنا ، والآخر لا يدخل جنسه تحت مقدورنا (ق ، ش ، ٨٩ ، ١٦)

ـ اعلم أنّه لا تعدوا الأفعال أحد أمرين. إمّا أن

تكون واقعة منه تعالى أو من غيره. فأفعاله أجمع يجب أن يريدها إذا كانت مما يتعلّق بها غرض يخصّها مبتدأة كانت أو مسبّبة. والذي يخرج عن ذلك هو الإرادة لأنّها تفعل تبعا لغيرها. أمّا وجوب أن يريد سائر أفعاله فلأنا قد عرفنا أنّ العالم بما يفعله إذا فعله لغرض يخصّه لا بدّ من أن يريده متى كان محلّا بينه وبين الإرادة. والحكم في ذلك معلوم وإنّما القول في تعليله (ق ، ت ١ ، ٢٩١ ، ٣)

ـ الأفعال على ضربين : أحدهما لا تؤثّر الإرادة فيه البتّة ، وإن صحّ تعلّقها به ، كصحّة تعلّقها بما تؤثّر فيه ؛ وهذا كنفس الإرادة والعلم والجهل ، وردّ الوديعة ، والنفع المحض. ولذلك قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله إنّ هذه الأفعال لا تتغيّر في القبح أو الحسن بالإرادة البتّة ، وإن كان شيخنا أبو علي خالفه في بعض ذلك ، على ما نبيّنه في غير هذا الموضع. والثاني تؤثّر فيه الإرادة ، وذلك نحو السجود أنّه يصير عبادة لله بالإرادة. وكذلك قضاء الدين. وكذلك القول في الأخبار والأوامر والشرعيّات ، وما تؤثّر فيه لا بدّ من أن يكون على صفة مخصوصة ، حتى يصحّ أن يكون لهم فيه تأثير ، لأنّها إنّما تؤثّر في الخبر والأمر ، إذا كان لهما صيغة ، وفي الثواب والعقاب إذا صار لهما صفة. ثم ينقسم ذلك على ضربين ، بعد اتفاقهما في أنّ بالإرادة يصيران على حال ، أحدهما يحصل بها على تلك الحال إذا كان المفعول به على صفة ما وهو على صفة ، وهذا كنحو الثواب والعقاب في الذمّ والمدح والتعظيم والألطاف ، لأنّ المفعول به يجب كونه مستحقّا ، كما أنّ المفعول يجب كونه لذّة حتى يصير ثوابا بالقصد. وينقسم ما يؤثّر فيه الإرادة فيه على قسمين آخرين : أحدهما تؤثّر الإرادة المتعلّقة به فيه ، فيصير بها على صفة كالخبر والثواب والعقاب ، والآخر تؤثّر فيه الإرادة المتعلّقة بغيره ، فيصير بها على حالة مخصوصة ، وذلك كالأمر الذي إنّما يصير أمرا بإرادة المأمور به. وتنقسم ما تؤثّر الإرادة فيه إلى قسمين آخرين : أحدهما يصير بها على حال لا بدّ مع كونه عليها من أن يكون حسنا أو قبيحا ، كالعقاب والثواب والمصلحة والمفسدة ؛ والثاني يصير بالإرادة على حال ، ثم يعتبر بعد ذلك ، فيجوز أن يكون قبيحا تارة ، وحسنا أخرى ، وإن كان تعلّق الإرادة به تعلّقا واحدا. وهذا كالخبر والأمر ، لأنّ بالإرادة يصير خبرا وأمرا ، ثم إن كان كذبا كان قبيحا ، وإن كان صدقا وعري من وجوه القبح كان حسنا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٤ ، ٩)

ـ فكذلك لا يمتنع أن يكون في الأفعال ما يحتاج فاعله في إيجاده إلى واسطة وفيه ما يستغني عنه ، وإذا جاز أن يحتاج في إدراك الشيء إلى محلّ الحياة ويحتاج في بعضه إلى بنية مخصوصة فكذلك لا يمتنع مثله في الأفعال ، ولا يجب إذا علقنا وجود المسبّب بواسطة أن لا يكون هو الموجد له باختياره ، ولأنّ حاجته إلى السبب كحاجته إلى المحل ، فإذا لم يمنع ذلك من وقوعه من جهة الفاعل اختيارا ، فكذلك مثله في المتولّد. ولهذا يقع على الوجه الذي نقصده دون غيره كالمباشر ، ويقع محكما لكونه عالما كالمباشر (ق ، غ ٩ ، ٧٨ ، ١٦)

ـ قد بيّنا أنّ أبا عثمان الجاحظ ، رحمه‌الله ، ربما تعلّق في دفع تكليف النظر والمعرفة بما نذهب إليه من الكلام في الطبع ، ويقول : إنّهما يقعان منه بطبعه ، فلا يجوز أن يكلّف فعلهما. وقد بيّنا ، من قبل في أبواب تقدّمت في ذكر

الطبائع ، فساد هذا القول. وبيّنا أنّ الأفعال كلها لا تقع إلّا من جهة القادر وعلى طريقة الاختيار من العقلاء. وبيّنا فيما تقدّم من هذه الفصول أنّ قوّة الدواعي إلى الفعل لا تخرجه من أن يكون واقعا من فاعله ، لكونه قادرا عليه ، وإن تدخّل ذلك يجب تكليفه ويستحقّ عليه الحمد والذمّ. وكل ذلك ، يبطل ما تعلّق به (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٦ ، ٥)

ـ قد بيّنا في أوّل العدل أنّ هذه الأفعال إنّما تفترق فيما هي عليه من الأحكام ، فيكون بعضها واجبا وبعضها حسنا وبعضها قبيحا لوقوعها على وجوه تختصّ بها ، لولاها لم تكن بأن تختصّ بذلك الحكم أولى من أن لا تختصّ به أو تختصّ بخلافه. لأنّه لو لم يحصل لها إلّا الوجود والحدوث ، وقد تساوت أجمع في ذلك ، لم يكن بعضها بأن يكون واجبا أولى من سائرها. فإذا صحّ ذلك ثبت أنّه لا بدّ من وجه وجوب يختصّ به الواجب ، على ما بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤٩ ، ٢٠)

ـ إنّ في الأفعال ما يعلم باضطرار كالمدركات ، ومنها ما يعلم تغيّر حال الجسم به باضطرار ، كالحركات والاجتماعات ، فإذا علم العاقل في ذلك أنه حاصل بحسب قصد زيد ودواعيه ، على وجه كان يجوز ألا يحصل من قبله علمه ، علمه فعلا له على الجملة ، وإذا علم أنّه من باب القبيح ، علم حسن ذمّه (ق ، غ ١٤ ، ٢٤٧ ، ٧)

ـ إنّ الأفعال ليس لها من الحكم ما للأقوال حتى تفيد بالمواضعة ، وإن أفادت إنّما تفيد أمورا مخصوصة ، بين فرقة مخصوصة ، فتصير دلالتها كدلالة الكتابة والعدّ ، وإن كانا حيث جعلا أمارة للكلام صحّ الاتّساع فيهما ؛ وليس كذلك حال الأفعال ؛ فإذا ثبتت هذه الجملة لم يكن أن يقال في أفعاله ، صلى الله عليه ، إنّها دالّة بمجرّدها على الأحكام ، فلا بدّ في كونها دلالة من قرائن يقتضي بعضها أنّها دلالة ، ويقتضي بعضها كيفية كونها دلالة ؛ ويقتضي بعضها تميّزها مما ليس بدلالة ، إلى غير ذلك ؛ فيجب أن يكون الأمر في ذلك موقوفا على الدلالة (ق ، غ ١٧ ، ٢٥١ ، ٩)

ـ اعلم أنّ الأفعال والتروك إنّما يجب أن يترتّب بعضها على بعض ، ويترتّب بعضها ببعض ، إذا كانت متعلّقة بالمنافع والمضارّ. ألا ترى أن أحدنا إذا ترك سلوك طريق لأنّ فيه سبعا وجب أن يترك سلوك كل طريق حاله مثل هذا الطريق ، وإلّا لم يكن يترك سلوك الأوّل لأنّ فيه سبعا. وكذلك إذا ترك شرب شيء من الأدوية ، لأنّه يضرّه في عضو من أعضائه ، وجب أن يترك كل ما ساواه في ذلك الوجه من المطعوم والمشروب ، وإلّا لم يكن يترك ما ترك لهذا الوجه. وأمّا إذا لم يتعلّق بمنافعه ودفع مضارّه ، لم يجب الترتيب والارتباط ، لا في التروك ولا في الأفعال. ألا ترى أن أحدنا إذا ترك ضرب أحد عبديه وعفا عنه ، لأنّ الاحتمال حسن ، لا يجب أن يترك ضرب الآخر ، وإن كان هذا الوجه حاصلا في ترك ضربه أيضا؟ وكذلك إذا ترك التقاضي لأحد غريميه ترفيها به ، لا يجب أن يترك التقاضي للآخر أيضا ، وإن كان هذا الوجه حاصلا في ترك تقاضيه (ن ، د ، ٢٨٩ ، ٥)

ـ كما دلّت الأفعال على كونه عالما ، قادرا ، مريدا ، دلّت على العلم والقدرة والإرادة ، لأنّ وجه الدلالة لا يختلف شاهدا وغائبا (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٣)

أفعال الله

ـ إنّ أفعال الله تعالى عدل وحكمة وحقّ وحسن لأعيانها لا لمعنى ، وإنّه لا يجوز أن يوجد شيء من أفعاله على أيّ وجه وجد وحدث لا يكون منه إلّا عدلا وحكمة وحسنا وحقّا (أ ، م ، ١٤٠ ، ١٢)

ـ إنّه تعالى يستحقّ المدح والشكر بأفعال (الله) ولا شيء من أفعاله ، إلّا ويستحقّ به المدح والشكر جميعا ، من ضرر ونفع ؛ لأنّ جميع ذلك نفع ونعمة ، ويقع منه على حدّ ما يقع الإحسان منّا ، فيستحقّ المدح به. ولا يشذّ من أفعاله شيء مما ذكرناه إلّا العقاب ، فإنّه في حكم المباح من فعلنا في أنّه لا يستحقّ بفعله مدحا ، وإن فارقه من حيث يستحقّ بأن لا يفعله المدح ، ويجري مجرى التفضّل (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٥ ، ١٣)

ـ إن العالم بما يفعله متى لم يفعله لغرض يقتضي حسنه فيجب كونه عابثا ، والعبث قبيح كما أنّ الظلم قبيح. وقد دللنا على أنّه تعالى لا يفعل القبيح فيجب خروج أفعاله من كونها عبثا ، وفي ذلك إيجاب كونها حسنة على ما نقوله. يبيّن ذلك أنّ العالم بما يفعله لا بدّ من أن يستحقّ الذمّ فعله متى وقع على وجه يقبح ؛ أو لا يستحقّ الذمّ بذلك فيجب كونه حسنا ؛ لوقوعه على وجه لا يقتضي ذمّ فاعله إن كان عالما. وذلك يوجب كون أفعاله تعالى حسنة (ق ، غ ١١ ، ٦٤ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ الصفة الجامعة لكل أفعاله تعالى الحسن ، لما بيّناه من الدلالة على أنّه لا يفعل القبيح ، وبيّنا أنّ الفعل الذي لا مدخل له في الحسن والقبح ، لا يصحّ عليه تعالى ، فإذن يجب في كل أفعاله أنّه حسن. ثم ينقسم ، ففيه ما لا صفة له زائدة على حسنه ، وذلك كالعقاب المستحقّ ، وفيه ما له صفة زائدة تقتضي استحقاق المدح به ، ولا يستحقّ الذمّ بألّا يفعله ، وهو سائر ما فعله من التفضّل (ق ، غ ١٤ ، ٥٣ ، ٨)

ـ قال أبو محمد : وأمّا سائر أفعال الله تعالى فبخلاف ما قلنا في الخلق ، بل هي غير المفعول فيه أو له أو به أو من أجله ، وذلك الإحياء فهو غير المحيّا بلا شكّ ، وكلاهما مخلوق لله تعالى ، وخلقه تعالى لكل ذلك هو المخلوق نفسه كما قلنا ، وكالإماتة فهي غير الممات ، ولو كان غير هذا وكان الإحياء هو المحيا ، والإماتة هي المماتة ، وبيقين ندري أنّ المحيّا هو الممات نفسه ، لوجب أن يكون الإحياء هو الإماتة وهذا محال ، وكالإبقاء فهو غير المبقي للبرهان الذي ذكرنا ، وبيقين ندري أنّ الشيء غير أعراضه التي هي قائمة به وقتا وفانية عنه تارة ، وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ٦)

ـ إنّ أفعال الله كلّها حسنة وحكمة ، وإن خفي عليهم وجه الحسن والحكمة (ز ، ك ١ ، ٢٧٢ ، ٣)

ـ إنّ كل أفعال الله تعالى من نافع وضارّ صادر عن الحكمة والمصلحة فهو خير كله كإيتاء الملك ونزعه. ثم ذكر قدرته الباهرة بذكر حال الليل والنهار في المعاقبة بينهما وحال الحيّ والميت في إخراج أحدهما من الآخر ، وعطف عليه رزقه بغير حساب دلالة على أنّ من قدر على تلك الأفعال العظيمة المحيرة للأفهام ثم قدر أن يرزق بغير حساب من يشاء من عباده فهو قادر على أن ينزع الملك من العجم ويذلّهم يؤتيه العرب ويعزّهم (ز ، ك ١ ، ٤٢٢ ، ١٠)

ـ نحن لا ننكر أنّ أفعال الله تعالى اشتملت على خير وتوجّهت إلى صلاح ، وأنّه لم يخلق الخلق لأجل الفساد ، ولكنّ الكلام إنّما وقع في أنّ الحامل له على الفعل ما كان صلاحا يرتقبه وخيرا يتوقّعه ، بل لا حامل له ، وفرّق بين لزوم الخير والصلاح لأوضاع الأفعال ، وبين حمل الخير والصلاح على وضع الأفعال ، كما يفرّق فرقا ضروريّا بين الكمال الذي يلزم وجود الشيء ، وبين الكمال الذي يستدعي وجود الشيء ، فإنّ الأول فضيلة هي كالصفة اللازمة ، والثاني فضيلة كالعلّة الحاملة (ش ، ن ، ٤٠٠ ، ٦)

ـ قالوا (المعتزلة) ... إنّ الصانع حكيم ، والحكيم لا يفعل فعلا يتوجّه عليه سؤال ويلزم حجّة ، بل يزيح العلل كلها ، فلا يكلّف نفسا إلّا وسعها ، ولا يتحقّق الوسع إلّا بإكمال العقل والإقدار على الفعل ، ولا يتمّ الغرض من الفعل إلّا بإثبات الجزاء ولتجزى كلّ نفس بما كسبت ، فاصل التخليق والتكليف صلاح ، والجزاء صلاح ، وأبلغ ما يمكن في كل صلاح هو الأصلح ، وزيادات الدواعي والصوارف والبواعث والزواجر في الشرع ، وتقدير الطاف بعضها خفيّ وبعضها جليّ ، فأفعال الله تعالى اليوم لا تخلو من صلاح وأصلح ولطف ، وافعال الله تعالى غدا على سبيل الجزاء إمّا ثواب أو عوض أو تفضّل (ش ، ن ، ٤٠٥ ، ١٩)

ـ ليس كل أفعال الباري سبحانه واجبة عليه ، بل معظمها ما يصدر على وجه الإحسان والتفضّل ، فيجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله ، فإن قلت فهل يسمّى فعل الواجب الذي لا بدّ للقديم تعالى من فعله إجابة لدعاء المكلّف ، قلت لا ، وإنّما يسمّى إجابة إذا فعل سبحانه ما يجوز أن يفعله ويجوز أن لا يفعله كالتفضّل. وأيضا فإنّ اللطف والمصلحة قد يكون لطفا ومصلحة في كل حال ، وقد يكون لطفا عند الدعاء ، ولو لا الدعاء لم يكن لطفا ، وليس بممتنع في القسم الثاني أن يسمّى إجابة للدعاء ، لأنّ للدعاء على كل حال تأثيرا في فعله (أ ، ش ٢ ، ٦٤ ، ٨)

أفعال إلهية

ـ حيث ما وجدنا الفطرة والتقدير الإلهي غالبا على الاختيار والاكتساب البشريّ ، كان الغالب هو الخير والصلاح ، وحيث ما وجدنا الاختيار والاكتساب غالبين ، كان الغالب هو الشرّ والفساد ، فعاد الأمر إلى أنّ لا شرّ في الأفعال الإلهيّة فإن وجد فيها شرّ فبالإضافة إلى شيء دون شيء ، وإنّما يدخل الشرّ في الأفعال الإنسانيّة الاختياريّة وهي أيضا من حيث أنّها تستند إلى إرادة الباري سبحانه خير ، ومن حيث أنّها تستند إلى اكتساب العبد تكتسب اسم الشرّ (ش ، ن ، ٢٦٦ ، ١٨)

أفعال الإنسان

ـ قال" أبو الهذيل" : لا تشبه أفعال الإنسان فعل البارئ على وجه من الوجوه ، وكان لا يصف الأعراض بأنها تشتبه (ش ، ق ، ٥٥١ ، ١٣)

أفعال إنسانية اختيارية

ـ حيث ما وجدنا الفطرة والتقدير الإلهي غالبا على الاختيار والاكتساب البشريّ ، كان الغالب هو الخير والصلاح ، وحيث ما وجدنا الاختيار والاكتساب غالبين ، كان الغالب هو الشرّ والفساد ، فعاد الأمر إلى أنّ لا شرّ في الأفعال

الإلهيّة فإن وجد فيها شرّ فبالإضافة إلى شيء دون شيء ، وإنّما يدخل الشرّ في الأفعال الإنسانيّة الاختياريّة وهي أيضا من حيث أنّها تستند إلى إرادة الباري سبحانه خير ، ومن حيث أنّها تستند إلى اكتساب العبد تكتسب اسم الشرّ (ش ، ن ، ٢٦٦ ، ١٩)

أفعال ثبت التكليف فيها

ـ إنّ أكثر الأفعال التي ثبت التكليف فيها على المكلّفين تعدّ في باب الألطاف. فإنّك متى نظرت في أوّل التكليف عرفت أنّ وجوب النظر والمعرفة إنّما هو لهذا الوجه. وإذا نظرت في النبوّات والشرائع عرفت دخولها في هذا الباب أيضا. ثم يتّصل بذلك ما لا يتمّ الموصوف إلى ما قلناه إلّا به من مقدّمات هذه المعارف. فتعلم بذلك أنّ أكثر العلم والعمل هو من هذا القبيل. هذا إذا كان من فعلنا. فأمّا إذا كان من فعله تعالى فإنّه يدخل فيه ما تقدّم ذكره من أبواب الآلام وما يجري مجراها مما لا وجه لحسن فعلها إلّا ما يتعلّق بالألطاف. وتدخل في جملته الآجال والأرزاق وأنواع الأملاك والأسعار. فإنّ لكل ذلك انتسابا إلى طريقة من اللطف. وتدخل فيه بعثة الرسل وما يتحمّلونه من أحكام الآخرة وأحوالها ، وكذلك ما يؤدّونه من الشرائع. وهذه الأبواب هي معظم الألطاف. وإن كان غير فعل الله تعالى وغير فعل المكلّف ربّما صار لطفا للمكلّف فيما قد كلّف ، على ما سيجيء القول فيه (ق ، ت ٢ ، ٣٢٧ ، ٥)

أفعال الجوارح

ـ من أفعال الجوارح هي : الأكوان ، والاعتمادات ، والتأليفات ، والأصوات ، والآلام (ق ، ش ، ٩٠ ، ٧)

ـ جملة مقدورات قدرة العباد لا تخرج عن طريقين. فإمّا أن تضاف إلى أفعال القلوب ، وإمّا أن تضاف إلى أفعال الجوارح. والمراد بكونه من أفعال الجوارح أنّه يوجد في الجوارح حتى يصحّ منّا فعله فيها. وما يضيفه إلى أفعال القلوب فهو الذي لا يصحّ وجوده لا في القلب سواء كان الفاعل له أحدنا أو كان تعالى هو الفاعل له ، ولأجل ذلك لم يجعل القلب آلة وإلّا كان يصحّ منه تعالى أن يوجد هذه الأفعال في غير القلوب وهذا ممتنع. وإمارة ذلك هو كلّما تصدر عنه للحي حال فإنّ هذا يعدّ من أفعال القلوب ، ثم قد يكون مما يقدر عليه العباد وقد يكون مما لا يقدرون عليه (ق ، ت ١ ، ٣٦٦ ، ٥)

ـ أمّا المعدود في أفعال الجوارح فهو الأكوان على اختلاف أجناسها والأوصاف التي تجري عليها. والاعتمادات على اختلاف أجناسها. والأصوات على اختلافها. والمماسّة التي يرجع بها إلى التأليف وهو نوع واحد. والآلام واللذّات وهما جنس واحد يختلف الاسم عليه باقتران معان مخصوصة به بذلك. وما خرج عن ذلك مما يوجد في المحلّ فهو من جهته تعالى. فإذا فعله جلّ وعزّ لم يقل فيه أنّه من أفعال الجوارح. وإنّما ذلك يفيد فينا ما بيّناه من صحّة وجوده في هذه المحال (ق ، ت ١ ، ٣٦٦ ، ١١)

ـ اعلم أنّ في أفعالنا ما هو متولّد كما أنّ في أفعالنا ما هو مبتدأ ، فكما أنّ جملة مقدوراتنا تنقسم إلى ما يكون من أفعال القلوب ومن أفعال الجوارح ، فالمتولّد منها يثبت في أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فأمّا أفعال القلوب

فليس يحصل شيء منها مسبّبا إلّا العلم. وأمّا أفعال الجوارح فثبت التوليد في الآلام والتأليف والأصوات والأكوان والاعتماد ، وليس يخرج جميع أفعال الجوارح عن هذه الخمسة ، وفي كلّها يثبت التوليد وإن كان بعضها كما يثبت متولّدا يثبت مبتدأ. وبعضها لا يصحّ أن يقع إلّا متولّدا ، وليس إلّا الأصوات والتأليف والآلام. وأفعال القلوب ما كان منه متولّدا فإنّه يصحّ وقوع جنسه مبتدأ وهو العلم.

وأمّا الذي يولّد فهو الاعتماد والكون من أفعال الجوارح ، والنظر من أفعال القلوب فقط. والذي يولّده الاعتماد هو اعتماد آخر. والكون من حركة أو سكون والصوت. والذي يولّده الكون هو التأليف والآلام ، والذي يولّده النظر هو العلم. وما خرج عن هذه الجملة فليس يجوز وقوعه إلّا مبتدأ نحو الإرادة والكراهة والظنّ والفكر. ثم تنقسم هذه المسبّبات ففيه ما يتولّد عن السبب في الثاني ، ومنه ما يتولّد في الحال ، والذي يولّد في الثاني ليس إلّا النظر والاعتماد ، وما يتولّد عن الكون فإنّه يجاوز ولا يتراخى. والطريقة التي بها يعرف أنّ الشيء يولّد أن يحصل غيره بحسبه. وإمارة توليده أن يحصل بحسب غيره. فكل ما يثبت فيه هذا الوجه قضينا بأنّه متولّدا. وما ليس هذا حاله أخرجناه عن هذه الجملة. وإمارة ما يتعذّر فعله منّا إلّا بسبب هو أنّه لا يتمكّن من فعله إلّا عند فعل آخر نوقعه بحسبه إذا زالت الموانع (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٦)

ـ إنّ إثبات أفعال الجوارح فعلا له (للعبد) ، أقوى من إثبات ذلك في الإرادة ، وذلك لأنّا إنّما نبيّنها فعلا له لكونها تابعة للمراد في أن ما يدعو إليه يدعو إلى فعلها ، وما صرف عن المراد صرف عن فعلها ، فلو لم يكن المراد فعلا للإنسان ، لم يصحّ إثبات الإرادة فعلا له ، من حيث كان طريق ثبوتها فعلا له كالتابع لطريق ثبوت المراد فعلا له. على أنّا قد بيّنا أنّ الإرادة لا يصحّ أن تكون موجبة من قبل ، بأنّها لو كانت موجبة لم يصحّ أن توجب المراد على الوجه الذي يوجد عليه ، فإذا صحّ ذلك ، فلولا أن الإنسان قادر على أفعال الجوارح لم يجب وقوعها بحسب قصده ، كما لا يجب وقوع تصرّف زيد بحسب قصد عمرو ، وفي وجودنا الأمر بخلاف ذلك دلالة على أن المرادات مقدورة للإنسان ، وأنّه فاعلها كما أنّه فاعل الإرادة (ق ، غ ٩ ، ١٥ ، ١٥)

ـ إذا صحّ أنّ في أفعال الجوارح قبائح ، وثبت أنّ القديم تعالى لا يجوز أن يختار فعل القبيح لكونه عالما بقبحه ، وبأنّه غني عن فعله ، وصحّ أنّ الفاعل لا يجوز أن يكون المحل بطبعه أو بغير طبعه ، وبطل القول بأنّه لا محدث لهذه الحوادث ، فيجب القضاء بأنّها أفعال للإنسان ، كما أن الإرادة فعله (ق ، غ ٩ ، ١٦ ، ٦)

ـ إنّ أفعال الجوارح تقع بحسب القدر الحالّة فيها ، فلو كانت فعلها للمحل أو للقديم تعالى ، لم يجب ذلك فيها. فإذا علمنا أنّها تقع بحسب ما يحصل في محالها من القدر ، علمنا أنّها فعل للإنسان كما أنّ الإرادة فعله. فإن قال ومن أين أنّها تحدث في الجوارح بحسب القدر التي فيها ، بل ما الدليل على أنّ في الجوارح قدرا؟ قيل له : لأنّا نعلم أنّ حال القادر منّا يختلف فيما يصحّ أن يفعله في جوارحه في الأوقات ، فمرّة يصحّ أن يحمل الثقيل بيديه ، ومرّة أخرى لا يصحّ منه إلّا حمل ما هو دونه ، وقد علمنا أنّ احتمال المحلّ لحمله في الوقتين على أمر

واحد ، وكذلك الآلة يصلح لهما جميعا ؛ وكذلك الإرادة متناولة في الحالين ، فعلم أنّ لجارحته في إحدى الحالتين من الحكم ما ليس لها في الحالة والأخرى ، ولا يجوز أن يكون ذلك صفة ترجع إلى الجارحة ، لأنّ القادر هو الإنسان فكماله دون سائر جوارحه. فإذا صحّ ذلك علم أنّ الذي به اختصّت الجارحة هو وجود القدر فيها ، وأنّه يصحّ الفعل بها على حسب عدد القدر التي فيها (ق ، غ ٩ ، ١٨ ، ١٦)

ـ قال : (أبو الهذيل) لا يجوز وجود أفعال القلوب من الفاعل مع قدرته عليه ولا مع موته ، وأجاز وجود أفعال الجوارح من الفاعل منّا بعد موته وبعد عدم قدرته إن كان حيّا لم يمت ، وزعم أنّ الميت والعاجز يجوز أن يكونا فاعلين لأفعال الجوارح بالقدرة التي كانت موجودة قبل الموت والعجز (ب ، ف ، ١٢٨ ، ٢٠)

ـ أفعال الجوارح إمّا قول باللسان أو عمل ببعض الجوارح ، وعبّر عن سائر الجوارح عدا اللسان بالأيدي والأقدام ، لأنّ أكثر ما يفعل بها وإن كان قد يفعل بغيرها نحو مجامعة الرجل زوجته إذا قصد به تحصينها وتحصينه عن الزنا ، ونحو أن ينحى حجرا ثقيلا برأسه عند صدر إنسان قد يقتله ، وغير ذلك (أ ، ش ٤ ، ٢٦٣ ، ١٦)

أفعال حادثة

ـ إنّ في الأفعال الحادثة فينا ما لا يجوز أن يفعل بآلة ولا يتولّد عن سبب كالإرادات والاعتقادات ونحوها (أ ، ش ٢ ، ٧٢ ، ١٢)

أفعال الرسول

ـ المتعالم من حال الأمّة أنّهم يعتبرون الوجه الذي عليه يقع في أفعاله ، كما يعتبرون حقائق الكلام ، فذلك من أدلّ الدلالة على أنّ أفعاله ليست على الوجوب ، ولا على الندب ، وأن الحال فيها ما ذكرناه ؛ وقوله ، جلّ وعزّ ، عقيب آية التأسّي (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) (الأحزاب : ٢١) لا يدلّ على أنّ التأسّي واجب لأنّ الرجاء قد يدخل في الواجب والندب ، وإنّما يتعلّق بالثواب الذي قد يستحقّ على الأمرين (ق ، غ ١٧ ، ٢٥٩ ، ١٦)

أفعال العباد

ـ الفرقة السابعة من العجاردة وهي الثانية من الخازمية ويدعون" المعلومية" والذي تفردوا به أنّهم قالوا : من لم يعلم الله بجميع أسمائه فهو جاهل به وأن أفعال العباد ليست مخلوقة وأنّ الاستطاعة مع الفعل ولا يكون إلا ما شاء الله (ش ، ق ، ٩٦ ، ٩)

ـ إنّ أفعال العباد على نوعين منها ما هو طاعة ومنها ما هو معصية ، فالطاعة والمعصية بهذا كلّه دون رضاه وأمره (م ، ف ، ٤ ، ١٠)

ـ قالت المعتزلة ، والنجارية ، والجهمية ، والروافض : إنّ أفعال العباد مخلوقة للعباد بقدرة العباد ، وإن كل واحد منا ينشئ ويخلق ما يفعل ، وليس لله تعالى على أفعالنا قدرة جملة (ب ، ن ، ١٤٤ ، ١٤)

ـ الدلالة على أنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم ، وأنّهم هم المحدثون لها. والذي يدلّ على ذلك ، أن نفصل بين المحسن والمسيء ، وبين حسن الوجه وقبيحه ، فنحمد المحسن على إحسانه ونذمّ المسيء على إساءته ، ولا تجوز هذه الطريقة في حسن الوجه وقبيحه ، ولا في طول القامة وقصرها ، حتى لا يحسن منّا أن نقول للطويل لم طالت قامتك ، ولا للقصير لم

قصرت؟ كما يحسن أن نقول للظالم لم ظلمت؟ وللكاذب لم كذبت؟ فلولا أنّ أحدهما متعلّق بنا وموجود من جهتنا بخلاف الآخر ، وإلّا لما وجب هذا الفصل ، ولكان الحال في طول القامة وقصرها كالحال في الظلم والكذب ، وقد عرف فساده (ق ، ش ، ٣٣٢ ، ٩)

ـ طريقة أخرى في أنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنّهم المحدثون لها. وتحريرها هو أنّ هذه التصرّفات يجب وقوعها بحسب قصودنا ودواعينا ويجب انتفاؤها بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الأحوال إمّا محقّقا وإمّا مقدّرا ، فلولا أنّها محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا وإلّا لما وجب ذلك فيها ، لأنّ هذه الطريقة تثبت احتياج الشيء إلى غيره ، كما يعلم احتياج المتحرّك إلى الحركة ، والساكن إلى السكون ؛ وهي هذه الدلالة المعتمدة ، وما تقدّم كان على طريق الإلزام. وقولنا في هذه التصرّفات أنّه يجب وجودها بحسب قصدنا ودواعينا ، ويجب انتفاؤها عند كراهتنا وصارفنا ، فالمراد به طريقة الاستمرار ، لا ما نقوله في كون الجسم متحرّكا وأنّه يجب عند وجود الحركة. وقولنا مع سلامة الأحوال ، فالمراد به خلوص الدواعي وزوال الموانع. وقولنا إمّا محقّقا ، فالمراد به فعل العالم لما يفعله ، فإنّه يجب وجوده بحسب قصده وداعيه تحقيقا. وقولنا وإمّا مقدّرا ، فالمراد به فعل الساهي ، فإنّ فعله وإن لم يقع بحسب قصده محقّقا ، فهو واقع بحسبه مقدّرا ، فإنّا لو قدّرنا أن يكون له داع لكان لا يقع فعله إلّا موقوفا عليه وبحسبه. إذا ثبت هذا ، فالذي يدلّ على أنّ هذه التصرّفات يجب وقوعها بحسب قصدنا وداعينا هو ، أنّ أحدنا إذا دعاه الداعي إلى القيام ، حصل منه القيام على طريقة واحدة ووتيرة مستمرّة ، بحيث لا يختلف الحال فيه. وكذلك فلو دعاه الداعي إلى الأكل بأن يكون جائعا وبين يديه ما يشتهيه ، فإنّه يقع منه الأكل على كل وجه ، ولا يختلف الحال في ذلك. وهذه أمارة كونه موقوفا على دواعينا ويقع بحسبها. وكما أنّها تقع بحسب دواعينا وتقف عليها ، فقد تقف على قصودنا أيضا ، وعلى آلاتنا ، وعلى الأسباب الموجودة من قبلنا ، ألا ترى أنّ قوله : محمد رسول الله ، لا تنصرف إلى محمد بن عبد الله دون غيره من المحمدين ولا يكون خبرا عنه إلّا بقصده ، وكذلك الكتابة لا تحصل منه إلّا إذا علمها ، ولا يكفي ذلك حتى يكون مستكملا للآلات التي تحتاج الكتابة إليها نحو القلم وغيره ، وأيضا فإنّ الألم يقع بحسب الضرب الموجود من جهته ، يقلّ بقلّته ويكثر بكثرته ، فصحّ حاجة هذه التصرّفات إلينا وتعلّقها بنا على الحدّ الذي ادعيناه (ق ، ش ، ٣٣٦ ، ١٥)

ـ أمّا أفعال العباد فعلى ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، والآخر ليس له صفة زائدة على ذلك ، وما هذا سبيله فإنّه تعالى لا يريده ولا يكرهه. وما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه فعلى ضربين : أحدهما قبيح والآخر حسن ، فما كان قبيحا فإنّه لا يريده البتّة بل يكرهه ويسخطه. وما كان حسنا فهو على ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حسنه ، والآخر ليس له صفة زائدة على حسنه. وهذا الثاني إنّما هو المباح ، والله تعالى لا يجوز أن يكون مريدا له على ما سنبيّنه من بعد إن شاء الله تعالى. وأمّا الأول ، وهو ما يكون له صفة زائدة على حسنه فهو الواجب

والمندوب إليه ، وكل ذلك مما يريده الله تعالى ، بدليل أنّ غاية ما يعلم به مراد الغير إنّما هو الأمر ، وقد صدر من جهة الله الأمر وما يكون أكبر من الأمر ، لأنّه تعالى كما أمر بذلك فقد رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعّد عليه بالعقاب العظيم ، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله (ق ، ش ، ٤٥٧ ، ١)

ـ إنّ أفعال العباد لا يجوز أن توصف بأنّها من الله تعالى ومن عنده ومن قبله ، وذلك واضح ؛ فإنّ أفعالهم حدثت من جهتهم وحصلت بدواعيهم وقصودهم ، واستحقّوا عليها المدح والذمّ والثواب والعقاب ، فلو كانت من جهته تعالى أو من عنده أو من قبله لما جاز ذلك ، فإذن لا يجوز إضافتها إلى الله تعالى إلّا على ضرب من التوسّع والمجاز ، وذلك بأن تقيد بالطاعات فيقال إنّها من جهة الله تعالى ومن قبله ، على معنى أنّه أعاننا على ذلك ، ولطف لنا ، ووفّقنا ، وعصمنا عن خلافه (ق ، ش ، ٧٧٨ ، ١٦)

ـ قد صحّ أن في أفعال العباد قبائح وقد صحّ فيما تقدّم في دليل العدل أنّه تعالى لا يختار فعل القبيح ، فيجب أن لا يكون حادثا من جهته. وإذا لم يكن بدّ من محدث له فليس إلّا أن العبد هو الذي يحدثه (ق ، ت ١ ، ٣٨٢ ، ١٢)

ـ إنّ في أفعالنا ما لا يصحّ منّا أن نفعله إلّا بسبب ، في أفعالنا ما يصحّ أن نفعله ابتداء وبسبب ، وفيها ما لا يصحّ أن نفعله إلّا مبتدأ دون أن يقع بسبب. فالضرب الأول هو الصوت والألم والتأليف. والضرب الثاني هو الاعتماد والكون والعلم. والضرب الثالث هو الإرادة والكرامة والظنّ والنظر وما كان من باب الاعتقاد الذي ليس بعلم (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ٢)

ـ اتفق كل أهل العدل على أنّ أفعال العباد من تصرّفهم وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم ؛ وأنّ الله جلّ وعزّ أقدرهم على ذلك ، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم ؛ وأنّ من قال إنّ الله ، سبحانه ، خالقها ومحدثها ، فقد عظم خطؤه ؛ وأحالوا حدوث فعل من فاعلين (ق ، غ ٨ ، ٣ ، ٤)

ـ قال جهم ومن تبعه : أفعال العباد مخلوقة لله ، وهي منسوبة إلى العباد مجازا لا حقيقة ؛ فقولهم : فلان صام وصلى ، كقولهم : تحرّك وسكن وطال وسمن (ق ، غ ٨ ، ٣ ، ٨)

ـ قال ضرّار بن عمرو ومن وافقه كحفص الفرد والنجّار في أفعال العباد : أنّها مخلوقة لله ، وهو محدثها ، وهم فاعلون لها على الحقيقة. ثم اختلفوا ، فقال بعضهم : خلق الله أفعال العبد عبرة ، وكذلك لكل شيء. وقال بعضهم : خلقه للفعل ليس لشيء غير الفعل. وقال صالح قبّه ، مع قوله بالعدل ، في أفعال العباد ، إنّها مخلوقة لله ؛ بمعنى أنّه خلق أسماءها لا أنّه أحدث عينها. جميع ذلك حكاه شيخنا أبو القاسم البلخيّ رحمه‌الله (ق ، غ ٨ ، ٣ ، ١١)

ـ أمّا ما يقع من أفعال العباد على جهة الاتفاق من غير قصد ، نحو ما يلحقه من الفزع عند الأمارات مما لا تتقدّم فيه الدواعي التي لا يقصد لأجلها إلى الأفعال ، فلا بدّ من أن يكون ممن يصحّ أن لا يفعله على بعض الوجوه ؛ فيدلّ ذلك على أنّه فعله ، هذا إن جاز أن يقع من غير قصدنا. فأمّا إن كان بمنزلة سائر ما يلجأ إليه من الأمور التي نريدها وإن كانت مفارقة لفعل المختار ، فلا كلام علينا فيه (ق ، غ ٨ ، ٤٦ ، ١٦)

ـ الذي يدلّ على أنّ أفعالهم (العباد) ليست بمخلوقة لله ، أنّه لو كان تعالى محدثها وموجدها ، لصحّ أن يوجدها وإن لم يقدر العبد عليها. لأنّ ذلك الفعل لا يحتاج في وجوده إلى قدرته ، ولا يحصل على بعض الصفات بها ، ولا القديم تعالى ، يحتاج إليها ليحصل قادرا على إيجادها. فإذا بطل ذلك ، علم أنّه من فعل العبد (ق ، غ ٨ ، ١٧٧ ، ١٢)

ـ لو كانت أفعال العباد مخلوقة لله ، سبحانه ، لوجب أن يصحّ أن يقع ما يحتاج فيه إلى الآلة بلا آلة ، لأنّه تعالى لا يحتاج في خلق الصعود في زيد إلى السلّم ، والطيران في الطير إلى الجناح ، والكتابة في الورق إلى القلم واليد.

فكان يجب أن تكون الآلات ، وجودها كعدمها ، في أنّه لا يحتاج إليها البتّة. وكان يجب أن لا يخلّ فقدها بتعذّر ما هي آلة فيه ، حتى يكون الزّمن بمنزلة الصحيح في الأفعال ، والضرير كالبصير فيها ؛ بل لا يمتنع أن يكون تعالى قد أجرى العادة ، في بعض البلاد وبعض الأوقات ، أنّ المفقود الآلة يصحّ منه ما يتعذّر على كامل الآلة ، من حيث يخلق تعالى الفعل فيه دون وافر الآلة ؛ على ما قدمنا القول فيه (ق ، غ ٨ ، ١٨٧ ، ١٧)

ـ لو كانت أفعال العباد مخلوقة لله ، تعالى ، لوجب أن يصحّ وقوعها في الممنوع ، كصحّة وقوعها في المخلّي ، وكان يجب أن لا يكون للمنع بالقيد وغيره وجه عند العقلاء. وفساد ذلك ، يبطل قولهم (ق ، غ ٨ ، ١٨٨ ، ١٣)

ـ لو كانت أفعال العباد حادثة بالله ، تعالى ، لم تجب على طريقة واحدة أن تحدث بحسب قدرهم ؛ لأنّه كان لا يمتنع أن يفعل تعالى في الأقدر القليل من الفعل ، وفي الضعيف الأكثر منه ؛ كما لا يمتنع ذلك في جسمين غير قادرين. لأنّا قد بيّنا أنّ القدرة لا تؤثّر فيما يصحّ منه تعالى أن يخلقه ، فإنّ عدمها كوجودها. وإن يجب أن لا يمكن الاستدلال بمنع زيد عمرا ، على أنّه أقدر منه ؛ لأنّه تعالى هو الذي أوجد فيه ما اختاره. ولم يوجد في الضعيف ما أراده (ق ، غ ٨ ، ١٨٩ ، ٩)

ـ لو كانت أفعالهم (العباد) مخلوقة لله تعالى ، لم يمتنع أن يحصل مسبب الإلجاء إلى الفعل ، فلا يقع منه بأن لا يختار تعالى إحداثه ؛ فكان يجب أن يجوز ، مع معرفة الإنسان بما عليه من الضرر بالوقوف عند النار والسبع ، أن يقف عندهما ؛ وأن يكون سبيله والحال هذه ، سبيله إذا لم يكن نار ولا سبع ، أو سبيل الجاهل بحالهما (ق ، غ ٨ ، ١٩١ ، ٣)

ـ لو كان تعالى هو الخالق والمحدث لأفعال العباد ، لأدّى هذا الاعتقاد إلى أن لا يعرف القديم أصلا ، لأنّ طريق معرفته هو الاستدلال بفعله عليه. فإذا لم يثبت هذا القائل ، في الشاهد ، حاجة المحدث إلى محدث ، لم يمكنه حمل الغائب عليه فلا يمكنه أن يستدلّ على حاجة المحدثات التي يتعذّر وقوعها من جهتنا على أنّ لها محدثا ، فقد صحّ أنّ ذلك يمنع من معرفة القديم أصلا. فكيف يقال : إنّه الخالق لأفعالهم (ق ، غ ٨ ، ٢٢٣ ، ٧)

ـ قد يقال في أفعال العباد : إنّه بينها بالتعارف ، فليس لأحد أن يمنع دخول ذلك فيه من جهة الظاهر. وباطل في هذا الموضع المراد به القبيح ؛ ولهذا تمدّح تعالى بذلك. وتمدّحه به ، يدلّ على أنّ إثبات ما تمدّح بنفيه ذمّ ؛ فلا يجوز ، إن ثبت ، في فعله ، شيء باطل. وقوله تعالى : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ)

(التوبة : ٣) ، يدلّ على ما قلناه. لأنّه لا يجوز أن يتبرّأ منهم لأجل شركهم ، إلّا وهم الفاعلون له. وكل ما جرى هذا المجرى من كتاب الله ، فإنّه يدلّ على ذلك. وقد روي عن رسول الله ، صلّى الله عليه ، أنّ رجلا من خثعم قال له : متى يرحم الله عباده؟ فقال : " ما لم يعملوا المعاصي ، ثم يقولوا إنها من الله". وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنه قال : " الرفق من الله ، والخرق من الشيطان ، والتأني من الله ، والعجلة من الشيطان". فأضاف الخرق والعجلة إلى الشيطان ، لأنّهما يقعان بترتيبه ودعائه (ق ، غ ٨ ، ٢٦٣ ، ٩)

ـ أفعال العباد ، وقد بيّنا أنّ كونها مقدورة لله تعالى يوجب ارتفاع الذمّ والمدح والتكليف ، فيجب ألا يكون مرادا بذلك ، وبيّنا أنّه تعالى قد أضاف هذه الأفعال إليهم ، وذلك يمنع من كونه تعالى قادرا عليها ، ولو صحّ التعلّق بعمومه لوجب كونه مخصوصا لما قدّمناه من الأدلّة مما دللنا به على استحالة مقدور لقادرين (ق ، غ ٨ ، ٣٢١ ، ١٤)

ـ حكي أيضا عن الجواليقي أنّه قال في أفعال العباد : إنّها أجسام ، لأنّه لا شيء في العالم إلّا الأجسام ، وأجاز أن يفعل العباد الأجسام ، وروي مثل هذا القول عن شيطان الطاق أيضا (ب ، ف ، ٦٩ ، ١٤)

ـ ضرار بن عمرو الذي وافق أصحابنا في أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى وأكساب للعباد ، وفي إبطال القول بالتولّد ، ووافق المعتزلة في أنّ الاستطاعة قبل الفعل ، وزاد عليهم بقوله : إنّها قبل الفعل ومع الفعل ، وبعد الفعل ، وإنّها بعض المستطيع ، ووافق النجّار في دعواه أنّ الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة ونحوها من الأعراض التي لا يخلو الجسم منها (ب ، ف ، ٢١٤ ، ١)

ـ ذهب أهل السنّة كلهم وكل من قال بالاستطاعة مع الفعل كالمريسي وابن عون والنجّارية والأشعريّة والجهميّة وطوائف من الخوارج والمرجئة والشيعة إلى أنّ جميع أفعال العباد مخلوقة خلقها الله عزوجل في الفاعلين لها ، ووافقهم على هذا موافقة صحيحة من المعتزلة ضرّار بن عمرو وصاحبه أبو يحيى حفص الفرد (ح ، ف ٣ ، ٥٤ ، ٦)

ـ ذهب سائر المعتزلة ومن وافقهم على ذلك من المرجئة والخوارج والشيعة إلى أنّ أفعال العباد محدثة فعلها فاعلوها ، ولم يخلقها الله عزوجل على تخليط منهم في مائيّة أفعال النفس ، إلّا بشر بن المعتمر عطف فقال ، إلّا أنّه ليس شيء من أفعال العباد إلّا ولله تعالى فيه فعل من طريق الاسم والحكم ، يريد بذلك أنّه ليس للناس فعل إلّا ولله تعالى فيه حكم بأنّه صواب أو خطأ ، ونسمّيه بأنّه حسن أو قبيح طاعة أو معصية (ح ، ف ٣ ، ٥٤ ، ٩)

ـ قال معمّر والجاحظ أنّ أفعال العباد كلها لا فعل لهم فيها ، وإنّما نسب إليهم مجازا لظهورها منهم ، وأنّها فعل الطبيعة حاشا الإرادة فقط ، فإنّه لا فعل للإنسان غيرها البتّة (ح ، ف ٣ ، ٥٤ ، ٢٣)

ـ كذا نقول إنّ الإنسان لا يفعل شيئا إلّا الحركة أو السكون والاعتقاد والإرادة والفكر ، وكل هذه كيفيات وأعراض حسن خلقها من الله عزوجل ، قد أحسن رتبتها وإيقاعها في النفوس والأجساد ، وإنّما قبح ما قبح من ذلك من الإنسان ، لأنّ الله تعالى سمّى وقوع ذلك أو بعضها ممّن وقعت منه قبيحا ، وسمّى بعض

ذلك حسنا ، كما كانت الصلاة إلى بيت المقدس حركة حسنة إيمانا ثم سمّاها تعالى قبيحة كفرا ، وهذه تلك الحركة نفسها ، فصحّ أنّه ليس في العالم شيء حسن لعينه ولا شيء قبيح لعينه ، لكن ما سمّاه الله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) (الإسراء : ٧) وقال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن : ٦٠) ، وما سمّاه الله تعالى قبيحا فهو حركة قبيحة ، وقد سمّى الله تعالى خلقه لكل شيء في العالم حسنا فهو كله من الله تعالى حسن ، وسمّى ما وقع من ذلك من عباده كما شاء ، فبعض ذلك قبّحه فهو قبيح ، وبعض ذلك حسّنه فهو حسن ، وبعض ذلك قبّحه ثم حسّنه فكان قبيحا ثم حسن ، وبعض ذلك حسّنه ثم قبّحه فكان حسنا ثم قبح كما صارت الصلاة إلى الكعبة حسنة بعد أن كانت قبيحة ، وكذلك جميع أفعال الناس التي خلقها الله تعالى فيهم (ح ، ف ٣ ، ٦٦ ، ٢١)

ـ إنّ علمنا عرض محمول فينا وهو غيرنا ، وعلم الله تعالى ليس هو غيره ، ومثل هذا كثير جدّا لا يحصى في دهر طويل بل لا يحصيه مفصّلا إلّا الله وحده لا شريك له ، فكيف لم يجب الاشتراك البتّة بين الله تعالى وبيننا عندهم في هذه الوجوه كلّها ، ووجب أن يكون شركاءه في شيء ليس للاشتراك البتّة فيه مدخل وهو خلقه تعالى لأفعال لنا هو فاعل لها ، بمعنى مخترع لها ، ونحن فاعلون لها بمعنى ظهورها محمولة فينا ، وهذا خلاف فعل الله تعالى لها ، وقد قال بعض أصحابنا بأنّ الأفعال لله تعالى من جهة الخلق ، وهي لنا من جهة الكسب (ح ، ف ٣ ، ٨٧ ، ٢٢)

ـ قالت المعتزلة بأسرها حاشا ضرّار بن عبد الله الغطفاني الكوفي ومن وافقه كحفص الفرد وكلثوم وأصحابه أنّ جميع أفعال العباد من حركاتهم وسكونهم في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم وعقودهم لم يخلقها الله عزوجل ، ثم اختلفوا فقالت طائفة خلقها فاعلوها دون الله تعالى ، وقالت طائفة هي أفعال موجودة لا خالق لها أصلا ، وقالت طائفة هي أفعال الطبيعة وهذا قول أهل الدهر بلا تكلّف (ح ، ف ٤ ، ١٩٢ ، ٦)

ـ أفعال العباد محصورة في الحركات ، والسكنات ، والاعتمادات والنظر ، والعلم. قال (واصل) : ويستحيل أن يخاطب العبد بافعل وهو لا يمكنه أن يفعل. ولا هو يحس من نفسه الاقتدار والفعل. ومن أنكره فقد أنكر الضرورة (ش ، م ١ ، ٤٧ ، ٦)

ـ قوله (النظّام) إنّ أفعال العباد كلها حركات فحسب. والسكون حركة اعتماد. والعلوم والإرادات حركات النفس. ولم يرد بهذه الحركة حركة النقلة وإنّما الحركة عنده مبدأ تغيّر ما ، كما قالت الفلاسفة من إثبات حركات في الكيف ، والكم ، والوضع ، والأين والمتى ... إلى أخواتها (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٥)

ـ إنّ المعارف كلها ضروريّة طباع ، وليس شيء من ذلك من أفعال العباد. وليس للعبد كسب سوى الإرادة ، وتحصل أفعاله منه طباعا كما قال ثمامة (ش ، م ١ ، ٧٥ ، ٥)

ـ أفعال العباد مخلوقة للباري تعالى حقيقة ، والعبد مكتسبها حقيقة. وجواز حصول فعل بين فاعلين ، وقالا (ضرّار وحفص) يجوز أن يقلب الله تعالى الأعراض أجساما ، والاستطاعة والعجز بعض الجسم وهو جسم ولا محالة بنفي زمانين (ش ، م ١ ، ٩١ ، ٣)

ـ حكى الكعبي عنهم (الإباضيّة) : أنّ الاستطاعة عرض من الأعراض ، وهي قبل الفعل ، بها يحصل الفعل ، وأفعال العباد مخلوقة لله تعالى : إحداثا وإبداعا ، ومكتسبة للعبد حقيقة ، لا مجازا (ش ، م ١ ، ١٣٤ ، ١٨)

ـ قالت المعتزلة الصفة القديمة إذا تعلّقت بمتعلّقاتها وجب عموم تعلّقها ، إذ لا اختصاص للقديم بشيء ، فلو كانت الإرادة قديمة لتعلّقت بكل مراد من أفعال نفسه ومن أفعال العباد ، ومن أفعال العباد أن يريد زيد حركة ويريد عمرو سكونا ، فوجب أن يكون القديم مريدا لإرادتيهما ومراديهما ، وما هو مراد يجب وقوعه ، فيؤدّي إلى اجتماع الضدّين في حالة واحدة (ش ، ن ، ٢٤٩ ، ٣)

ـ مذهب أهل الحق أنّ العقل لا يدلّ على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا ، على معنى أنّ أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسيّة ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ش ، ن ، ٣٧٠ ، ٦)

ـ أمّا المعتزلة : فمطبقون على أنّ أفعال العباد المختارين مخلوقة لهم ، وأنّها غير داخلة في مقدورات الرب ـ تعالى ـ ، كما أنّ مقدورات الرب غير داخلة في مقدوراتهم (م ، غ ، ٢٠٦ ، ١٥)

ـ قالوا (المتكلّمون) : الباري ـ تعالى ـ قادر على مثل جميع الأجناس التي هي مقدورة للعبد ، وإذ ذاك فيجب أن يكون قادرا عليها ، فإنّه لو لم يكن يقدر عليها لم يكن قادرا على مثلها وهو خلف. وإذا ثبت أنّه قادر على أفعال العباد فإذا حدثت وجب أن تكون مخلوقة له (م ، غ ، ٢١٧ ، ١١)

أفعال على حدّ واحد

ـ اعلم : أنّ الذي يستمرّ من الأفعال على حدّ واحد هو ما يتعلّق بأفعال القلوب دون أفعال الجوارح ، وهذا كمعرفة الله تعالى ، والمعرفة بوجوب الواجبات العقلية ، على شرط أو غير شرط ، على ما ترتّب في العقول. وتوطين النفس على القيام بما يلزم إلى غير ذلك ؛ لأنّ هذه الأمور لا يجوز أن يكون المكلّف عاقلا متمكّنا ، والموانع زائلة إلّا وهي واجبة عليه ، وإنّما خرج عن ذلك بسهو يلحق ، أو منع يعرض ، فأمّا مع التخلية والسلامة فذلك واجب ، ولا يرد التعبّد بخلافه ، لأنّ الوجه الذي عليه صار لطفا لا يتعلّق بوقت ، دون وقت ، ولا بمكلّف دون مكلّف ، فما هذه حاله يجب أن يستمرّ ، ما دام التكليف قائما ، ولا تتغيّر حاله البتّة (ق ، غ ١٦ ، ٨٤ ، ٤)

أفعال في الحسن والقبح

ـ إنّ الأفعال في الحسن والقبح لا يجب حمل بعضها على بعض ، بل يجب أن يحكم في كل واحد منها بما يقتضيه الباب الذي هو منه ؛ ولذلك تحمل شهوة القبيح على إرادته في القبح ، فإذا صحّ ذلك ووجدنا في الشاهد التعريض للمنفعة بالتمكين منها وغيره في حكمه ، فيجب إذا حسن التعريض للنفع أن يحسن التعريض له ، وليس كذلك الحمل على الشيء والإلجاء فيه ، ألا ترى أنّ تكليف من

يعلم أنّه يؤمن يحسن ، ولا يجب أن يحسن من الواحد منّا حمل الغير على فعل ما يعلم أنّه ينتفع به قياسا عليه. ولذلك يحسن من الملجأ الفعل ، ويكون آكد من الواجب ، وإن قبح من الملجئ أن يلجئه إليه ؛ نحو أن يلجئه إلى بذل ماله افتداء من قتله. فيقبح من الملجئ ذلك ، وإن حسن من الملجأ دفعه ؛ تحرّزا به من ضرر هو أعظم منه. وإنّما قبح ذلك من الملجئ ؛ لأنّه بفعله قد عرّض الملجأ للتخلّص من ضرر هو الذي أوقعه فيه ، وليس كذلك حال المكلّف ، لأنّه عرّضه لمنفعة عظيمة لا تنال إلّا بما فعله به. فيجب أن يحسن منه هذا التعريض ، علم من حاله أنّه يؤمن أو يكفر ؛ كما قبح ما ذكرناه من الإلجاء ، علم من حال الملجأ أنّه يتخلّص مما أوقعه فيه أو لا يتخلّص منه ، ولذلك قلنا : إنّه يقبح منه أن يقرّب النار من غيره ، فيعرّضه بذلك للهرب. ويفارق تقديم الطعام إليه ليأكله ؛ لأنّ الأوّل تعريض للتخلّص من ضرر أدخله فيه ، والثاني تعريض لنيل منفعة. وقد بيّنا من قبل أنّه لا يجوز أن يقضى بقبح ذلك ؛ لأنّه إلزام للعاقل الفعل بغير رضاه ، ودللنا على حسن ذلك في الشاهد والغائب ، وبيّنا أنّ ذلك يوجب قبح التكليف أصلا ، ولا يتعلّق بتكليف من يعلم أنّه يكفر ، وبيّنا أن المستأجر إنّما يعتبر رضاه من حيث لا يعلم أن يوصله إليه من النفع يعادل ما كلّفناه ويوفي عليه ، ولا يقطع على تمكيننا من إيصال ذلك إليه. وليس كذلك حكم القديم تعالى ؛ لأنّه بالتكليف عرّفنا الحسن في العقل والقبيح فيه ، وعرّضنا بذلك للنفع العظيم الذي لا نصل إليه إلّا بفعل ما ألزمناه. وهو عالم بأنّه يوصّل ذلك إلينا إذا نحن استحققناه. وقد بيّنا من قبل أنّه سبحانه وإن علم أنّ المكلّف يكفر فقد صحّ أن يمكّنه ويزيح سائر علله. ويصحّ أن يريد الإيمان منه ، فليس لأحد أن يقول كيف يصحّ مع علمه بأنّه يكفر أن يريد منه الإيمان (ق ، غ ١١ ، ١٨٥ ، ٣)

أفعال القادر

ـ تقع أفعال القادر بحسب قدره وإن اختلفت دواعيه ؛ ولذلك لو دعاه الداعي إلى أكثر ممّا يقدر عليه ، لم يصحّ منه إيجاده ، لفقد القدرة (ق ، غ ٨ ، ٦٢ ، ٦)

أفعال القلوب

ـ اختلفوا (المعتزلة) في أفعال القلوب من الإرادات والكراهات والعلوم والنظر والفكر وما أشبه ذلك هل هي حركات أم لا. فقال قائلون : كلّها حركات ، وقال قائلون : هي سكون كلها ، وقال قائلون : ليست بحركات ولا سكون (ش ، ق ، ٤٣٢ ، ١)

ـ أفعال القلوب فهي : الاعتقادات ، والإرادات ، والكراهات ، والظنون ، والأنظار (ق ، ش ، ٩٠ ، ٩)

ـ جملة مقدورات قدرة العباد لا تخرج عن طريقين. فإمّا أن تضاف إلى أفعال القلوب. وإمّا أن تضاف إلى أفعال الجوارح. والمراد بكونه من أفعال الجوارح أنّه يوجد في الجوارح حتى يصحّ منّا فعله فيها. وما يضيفه إلى أفعال القلوب فهو الذي لا يصحّ وجوده لا في القلب سواء كان الفاعل له أحدنا أو كان تعالى هو الفاعل له ، ولأجل ذلك لم يجعل القلب آلة وإلّا كان يصحّ منه تعالى أن يوجد هذه الأفعال في غير القلوب وهذا ممتنع. وإمارة ذلك هو

كلّما تصدر عنه للحي حال فإنّ هذا يعدّ من أفعال القلوب ، ثم قد يكون مما يقدر عليه العباد وقد يكون مما لا يقدرون عليه (ق ، ت ١ ، ٣٦٦ ، ٦)

ـ أمّا أفعال القلوب فنحو الإرادات والكراهات والاعتقادات والظنّ على ما فيه من الخلاف والنظر. ثم يدخل في نوع الاعتقاد ما هو الغمّ والسرور والندم. ويدخل في الظن الخوف والخشية وغيرهما (ق ، ت ١ ، ٣٦٦ ، ١٦)

ـ اعلم أنّ في أفعالنا ما هو متولّد كما أنّ في أفعالنا ما هو مبتدأ ، فكما أنّ جملة مقدوراتنا تنقسم إلى ما يكون من أفعال القلوب ومن أفعال الجوارح ، فالمتولّد منها يثبت في أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فأمّا أفعال القلوب فليس يحصل شيء منها مسبّبا إلّا العلم. وأمّا أفعال الجوارح فثبت التوليد في الآلام والتأليف والأصوات والأكوان والاعتماد ، وليس يخرج جميع أفعال الجوارح عن هذه الخمسة ، وفي كلّها يثبت التوليد وإن كان بعضها كما يثبت متولّدا يثبت مبتدأ. وبعضها لا يصحّ أن يقع إلّا متولّدا ، وليس إلّا الأصوات والتأليف والآلام. وأفعال القلوب ما كان منه متولّدا فإنّه يصحّ وقوع جنسه مبتدأ وهو العلم. وأمّا الذي يولّد فهو الاعتماد والكون من أفعال الجوارح ، والنظر من أفعال القلوب فقط. والذي يولّده الاعتماد هو اعتماد آخر. والكون من حركة أو سكون والصوت. والذي يولّده الكون هو التأليف والآلام ، والذي يولّده النظر هو العلم. وما خرج عن هذه الجملة فليس يجوز وقوعه إلّا مبتدأ نحو الإرادة والكراهة والظنّ والفكر. ثم تنقسم هذه المسبّبات ففيه ما يتولّد عن السبب في الثاني ، ومنه ما يتولّد في الحال ، والذي يولّد في الثاني ليس إلّا النظر والاعتماد ، وما يتولّد عن الكون فإنّه يجاوز ولا يتراخى. والطريقة التي بها يعرف أنّ الشيء يولّد أن يحصل غيره بحسبه. وإمارة توليده أن يحصل بحسب غيره. فكل ما يثبت فيه هذا الوجه قضينا بأنّه متولّدا. وما ليس هذا حاله أخرجناه عن هذه الجملة. وإمارة ما يتعذّر فعله منّا إلّا بسبب هو أنّه لا يتمكّن من فعله إلّا عند فعل آخر نوقعه بحسبه إذا زالت الموانع (ق ، ت ١ ، ٤٠٨ ، ٥)

ـ أمّا أفعال القلوب فإنّها تحتاج إلى بنية مخصوصة ، لعلمنا بأنّ فعل ما يقدر عليه منها يتعذّر علينا في اليد وغيرها ، وإن كانت القدرة قدرة عليه (ق ، غ ٧ ، ٤٠ ، ١٢)

ـ قال : (أبو الهذيل) لا يجوز وجود أفعال القلوب من الفاعل مع قدرته عليه ولا مع موته ، وأجاز وجود أفعال الجوارح من الفاعل منّا بعد موته وبعد عدم قدرته إن كان حيّا لم يمت ، وزعم أنّ الميت والعاجز يجوز أن يكونا فاعلين لأفعال الجوارح بالقدرة التي كانت موجودة قبل الموت والعجز (ب ، ف ، ١٢٨ ، ١٩)

ـ زعم الجبّائي وابنه أبو هاشم أنّ أفعال القلوب ... كأفعال الجوارح في أنّه يصحّ وجودها بعد فناء القدرة عليها ومع وجود العجز عنها (ب ، ف ، ١٢٩ ، ١)

ـ تنقسم (أفعال القلوب) إلى ما يصحّ كونه مقدورا للعباد ، وإلى ما يستحيل كونه مقدورا لهم ، فمقدورهم هو عشرة أنواع وهي الأكوان والاعتمادات والآلام والأصوات والتأليف ، هذه في أفعال الجوارح. وفي أفعال القلوب : الإرادة والكراهة والاعتقاد والظنّ والفكر ، وما خرج عن هذه الأنواع فهو مما يختصّ القديم

تعالى بالقدرة عليه (أ ، ت ، ٣٩ ، ١١)

ـ إنّ أفعال القلوب أعظم من أفعال سائر الجوارح وهي لها كالأصول التي تتشعّب منها ، ألا ترى أنّ أصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب ، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب فقد شهد له بأنّه من معاظم الذنوب (ز ، ك ١ ، ٤٠٦ ، ١٤)

ـ أمّا أفعال القلوب فهي العزوم والإرادات والنظر والعلوم والظنون والندم ، فعبّر عليه‌السلام عن جميع ذلك بقوله صدق النيّة والسريرة الصالحة ، واكتفى بذلك عن تعديد هذه الأجناس (أ ، ش ٤ ، ٢٦٣ ، ١٨)

أفعال متولّدة

ـ قال أكثر المعتزلة : ليس يحتاج إلى الاستطاعة للفعل في حال وجوده ليفعل بها ما قد فعل ولكن يحتاج إليها لأنّه محال وجود الفعل في جارحة ميّتة عاجزة ، وقال هؤلاء : محال وقوع الفعل المباشر بقوّة معدومة وأجازوا وقوع الأفعال المتولّدة كنحو ذهاب الحجر بعد الدفعة وانحدار الحجر بعد الزجّة بقدرة معدومة ، وهذا قول" جعفر بن حرب" و" الاسكافي (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ١١)

ـ اختلفوا (المعتزلة) في الأفعال المتولّدة هل يجوز أن يتركها الإنسان أم لا ، وهي كنحو الألم الحادث عن الضرب وذهاب الحجر الحادث عن دفعة الدافع (ش ، ق ، ٣٨٠ ، ١)

ـ إنّ الإنسان يفعل في غيره بسبب يحدثه في نفسه ، ويفعل في نفسه أفعالا متولّدة وأفعالا غير متولّدة ، وزعم قائل هذا القول أن الناس يفعلون لون الناطف وبياضه وحلاوة الفالوذج ورائحته والألم واللذّة والصّحة والزمانة والشهوة ، وهذا قول" بشر بن المعتمر" رئيس البغداديين من المعتزلة (ش ، ق ، ٤٠٢ ، ٤)

ـ زعم بعض القدريّة وهو المعروف بثمامة أنّ الأفعال المتولّدة لا فاعل لها (ب ، أ ، ١٣٨ ، ١٦)

أفعال محكمة

ـ لو كان سبحانه في أوّله مفكّرا مرتابا شاكّا لاستحال أن يعلم وأن تقع منه الأفعال المحكمة الدّالة على العلم والقصد (ب ، ت ، ٧٥ ، ١٦)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ انتفاء مراد المريد على الوجه الذي يريد دلالة على نقص المريد شاهدا وغائبا ، كما أنّ تأتّي الأفعال المحكمة من فاعلها دلالة على علمه شاهدا وغائبا ، وتعذّرها عليه مع وجود قدرته وإرادته دلالة على فقد علمه بها ، وإنّ هذه الدلالة على النقص ثابتة إذا تعذّر وقوع المراد على الوجه الذي تعلّقت به الإرادة ، وإن كان المريد قادرا على إيقاع مراده على خلاف ذلك الوجه (أ ، م ، ٧٢ ، ٢٠)

ـ الأفعال المحكمة دالّة على علم مخترعها ، إذ الاتقان والإحكام من آثار العلم لا محالة ، وإذا كان الفعل صادرا من فاعل متقن ، فيجب أن يكون من آثار علم ذلك الفاعل (ش ، ن ، ٦٧ ، ١٩)

أفعال مشتقّة

ـ كان" الناشي" لا يستدلّ بالأفعال المشتقّة في الحكمة من البارئ على أنّ فاعلها عالم قادر لأنّها قد تظهر من الإنسان وليس بعالم في الحقيقة ولا قادر (ش ، ق ، ٥٠٠ ، ٥)

أفعال مقدّرة

ـ إنّ معنى القول في الله أنه خالق أنّه فعل الأشياء مقدّرة ، وأنّ الإنسان إذا فعل أفعالا مقدّرة فهو خالق وهذا قول" الجبّائي" وأصحابه (ش ، ق ، ١٩٥ ، ٥)

أفعال المكلّف

ـ من أفعال المكلّف (ما) لا يدخل تحت التكليف ، لكن يختلف وجه امتناع دخوله في التكليف. ولا يخرج عن قسمين : أحدهما لا يدخل في التكليف لأمر يرجع إلى صفة الفاعل. والثاني لأمر يرجع إلى صفة الفعل.

فالأوّل هو ما يقع منه وهو ساه عنه أو ملجأ إليه فإنّ ذلك للحال التي ترجع إليه لا يدخل في التكليف وإلّا فهو على الوجه الذي لو لا الإلجاء والسهو لكان له حكم مخصوص. والثاني هو المباح لأنّ ذلك الفعل لصفة هو عليها لا يدخل في التكليف حتى لا اعتبار فيه بحال الفاعل. وإذا صحّ أنّه مكلّف بالأفعال إقداما وإحجاما فلا بدّ من أن يظهر له الفرق بين ما هو مكلّف به وبين ما لم يكلّف (ق ، ت ١ ، ٣ ، ٣)

ـ لا بدّ من أن يكون في أفعال المكلّف ما يكون وجوبه لأمر يرجع إليه حتى يستقلّ في الوجوب بنفسه ولا يتعلّق وجوبه بوجوب غيره ، فيكون أصلا وما عداه يصحّ أن يكون مرتّبا عليه أو لطفا فيه. وذلك نحو العقليّات من الفعل والترك كالإنصاف وردّ الوديعة وشكر النعمة والتحرّز من الضرر ومجانية الأمور التي نعرف قبحها عقلا كالكذب والظلم والجهل والعبث وكفران النعمة إلى ما أشبه ذلك (ق ، ت ٢ ، ٣٥٥ ، ٥)

ـ في قسمة أفعال المكلّف إلى أحكامها اعلم أنّا نقسم الأفعال هاهنا ضروبا من القسمة : أحدها تقسيمها بحسب أحكامها في الحسن والقبح. والآخر بحسب تعلّق أحكامها على فاعليها ، وغير فاعليها. والآخر بحسب كونها شرعيّة ، وعقليّة ، وكونها أسبابا في أحكام أفعال أخر. أمّا الأوّل فهو أنّ الإنسان إمّا أن يصدر عنه فعله وليس هو على حالة تكليف ، وإمّا أن يكون على حالة تكليف. فالأوّل نحو فعل الساهي ، والنائم ، والمجنون ، والطفل. وهذه الأفعال ، لا يتوجّه نحو فاعليها ذمّ ولا مدح ، وإن كان قد تعلّق بها وجوب ضمان وأرش جناية في مالهم. ويجب إخراجه على وليّهم. والثاني ضربان : أحدهما أن يكون مما ليس للقادر عليه ، المتمكّن من العلم به ، أن يفعله. وإذا فعله ، كان فعله له مؤثّرا في استحقاق الذمّ ؛ فيكون قبيحا. والضرب الآخر أن يكون ، لمن هذه حاله ، فعله. وإذا فعله ، لم يكن له تأثير في استحقاق الذمّ ؛ وهو الحسن (ب ، م ، ٣٦٣ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ أفعال المكلّف في العقل ضربان : قبيح وحسن. فالقبيح كالظلم ، والجهل ، والكذب ، وكفر النعمة ، وغير ذلك. والحسن ضربان : أحدهما يترجّح فعله على تركه ، والآخر لا يترجّح فعله على تركه. فالأول منه ما الأولى أن نفعل كالإحسان ، والتفضّل. ومنه ما لا بدّ من فعله ؛ وهو الواجب كالإنصاف ، وشكر المنعم. وأمّا الذي لا يترجّح فعله على تركه ، فهو المباح. وذلك كالانتفاع بالمآكل والمشارب. وهذا مذهب الشيخين أبي علي ، وأبي هاشم ، والشيخ أبي الحسن. وذهب بعض شيوخنا البغداديين ، وقوم من الفقهاء إلى

أنّ ذلك محظور. وتوقّف آخرون في حظر ذلك وإباحته (ب ، م ، ٨٦٨ ، ٤)

أفعال المكلّفين

ـ إنّ أفعال المكلّفين خمسة أقسام : واجب ، ومحظور ، ومسنون ، ومكروه ، ومباح (ب ، ف ، ٣٤٧ ، ١)

أفعال واجبة

ـ اعلم ، أنّ الشيخ أبا علي ، رحمه‌الله ، ... قال : إنّ النظر طريق معلوم للناظر يميّزه من غيره ، وللناظر طريق يعلم به وجوب هذا النظر في طريقه. فإذا كان كذلك ، خرج بهذه الصفة عمّا يقع باتفاق وحدس ، ولحق بالأفعال الواجبة التي تتميّز عند من وجبت عليه عن غيرها (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٥ ، ٢)

أفعال يتناولها التكليف

ـ الكلام في بيان شروط الأفعال التي يتناولها التكليف : جملة ما يجب أن يحصل في ذلك أنّ الفعل يجب أن يختصّ بصفات أربع : أحدها أن يصحّ إيجاده من المكلّف على الوجه الذي كلّف. والثاني أن يقوّى القديم ـ تعالى ـ دواعيه إلى إيجاده على وجه لا ينافي التكليف. ويدخل في ذلك باب اللطف. والثالث أن يختصّ بوجه يقتضي صحّة استحقاق المدح به والثواب. والرابع أن يوقعه المكلّف على وجه مخصوص ليصحّ أن يستحقّ به المدح والثواب ، هذا إذا كان التكليف متناولا لفعل ، فأما إذا نهاه ـ تعالى ـ عن بعض الأفعال فلا بدّ فيه من التمكين وتقوية الدواعي في ألّا يفعله ، ولا بدّ من أن يكون في نفسه على وجه يقتضي صحّة استحقاق الذمّ به والعقاب وأن يكون المكلّف ممكّنا من ألا يفعله على الوجه الذي يستحقّ به المدح والثواب (ق ، غ ١١ ، ٥٠١ ، ١٦)

أفعل

ـ إنّ لفظة أفعل في كلام العرب : يراد بها إثبات الحكم لأحد المذكورين وسلبه الآخر من كل وجه ، وذلك في قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (الفرقان : ٢٤) فأثبت حسن المقيل لأهل الجنة ، مع حسن المستقرّ ، وسلب ذلك عن أهل النار أصلا ورأسا ، لأنّ أهل النار ليس لهم حسن مستقر ولا حسن مقيل ، فكذلك قوله تعالى : (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) أثبت الخلق له وأنّه هو المنفرد به دون غيره. وكذلك يقول القائل : العسل أحلى من الخلّ لا يريد أنّ للخل حلاوة بوجه ، بل يريد إثبات الحلاوة للعسل وسلبها عن الخل أصلا ، ورأسا ، فكذلك قوله (أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) أثبت الخلق له دون غيره (ب ، ن ، ١٥٠ ، ١٢)

افعل

ـ إنّ لفظة" افعل" تقتضي الوجوب : اختلف الناس في ذلك. فذهب الفقهاء وجماعة من المتكلّمين وأحد قولي أبي علي إلى أنّها حقيقة في الوجوب. وقال قوم : إنّها حقيقة في النّدب. وقال آخرون : إنّها حقيقة في الإباحة. وقال أبو هاشم : إنّها تقتضي الإرادة. فإذا قال القائل لغيره : " افعل" ، أفاد ذلك أنّه مريد منه الفعل. فإن كان القائل لغيره" افعل" حكيما ،

وجب كون الفعل على صفة زائدة على حسنه يستحقّ لأجلها المدح ، إذا كان المفعول له في دار التكليف. وجاز أن يكون واجبا ، وجاز أن لا يكون واجبا ، بل يكون ندبا. فإذا لم يدلّ الدّلالة على وجوب الفعل ، وجب نفيه والاقتصار على المتحقّق وهو كون الفعل ندبا يستحقّ فاعله المدح. والدّليل على أنّ لفظة" افعل" حقيقة في الوجوب أنّها تقتضي أن يفعل المأمور والفعل لا محالة. وهذا هو معنى الوجوب (ب ، م ، ٥٧ ، ١٩)

إقامة الحدود

ـ أمّا شيخنا" أبو هاشم" فقد قال ، في بعض الأبواب : إنّ إقامة الحدود صلاح في الدنيا ، لا في الدين ، وإن كان قيام الإمام صلاحا له في الدين ؛ لأنّ ذلك من واجباته ، من حيث كان فعله أو ما يجري مجرى فعله. فأمّا إيقاع الحدّ بالمحدود فهو من مصالحه في الدنيا ؛ لأنّه يردعه عن الإقدام على فعل أمثاله ، فتزول عنه ، بهذا ، الحدود الكثيرة المعجّلة (ق ، غ ١٥ ، ٢٥٤ ، ٤)

أقانيم

ـ يقال لهم (للنصارى) : لم زعمتم أنّ الباري سبحانه ثلاثة أقانيم دون أن تقولوا إنّه أربعة وعشرة وأكثر من ذلك؟ فإن قالوا : من قبل أنّه قد ثبت أنّ الباري سبحانه موجود جوهر وثبت أنّه حيّ وأنّه عالم ؛ فوجب أنّه جوهر واحد ثلاثة أقانيم منها الجوهر الموجود ومنها العلم والحياة ؛ لأنّ الحي العالم لا يكون حيّا عالما حتى يكون ذا حياة وعلم ؛ فوجب أنّ الأقانيم ثلاثة (ب ، ت ، ٨١ ، ١١)

ـ قالت الملكية منهم ، وهم الروم : إنّ الجوهر غير الأقانيم ، قيل لهم : فإذا كان الجوهر إلها ، والأقانيم الثلاثة آلهة وهي غيره ، فالآلهة إذا أربعة : جوهر وثلاثة أقانيم غيره ؛ وهذا يبطل قولكم بالتثليث. وإن قالوا الآلهة ثلاثة أقانيم ، والرّابع جوهر ليس بإله غير الثلاثة ، قيل لهم : فلا فرق إذا بين قولنا : الأقانيم ثلاثة ولا جوهر هناك يجمعها وتكون له ، وبين قولنا : إن هناك ثلاثة أقانيم وجوهرا جامعا لها ؛ فيجب أن يكون وجود الرّابع كعدمه وإثباته كنفيه ؛ وهذا جهل ممن صار إليه (ب ، ت ، ٨٣ ، ٩)

ـ زعم قوم منهم (النصارى) أنّ معنى الأقانيم التي هي الخواصّ أنّها صفات للجوهر (ب ، ت ، ٨٥ ، ٩)

ـ زعم قوم منهم (النصارى) أنّ معنى الأقانيم والخواصّ أنّها أشخاص (ب ، ت ، ٨٥ ، ١٦)

ـ قال بعضهم (النصارى) معنى الأقانيم أنّها خواصّ فقط (ب ، ت ، ٨٥ ، ١٩)

ـ منهم من قال (النصارى) : إنّ الأقانيم هي الجوهر ، والجوهر هو الأقانيم ، وهذا قول اليعقوبيّة والنسطوريّة ؛ وفي الناس من يحكيه عن الملكانيّة أيضا (ق ، غ ٥ ، ٨١ ، ١٧)

ـ حكي عن الملكانيّة أنّ القديم جوهر واحد ذو ثلاثة أقانيم ، وأنّ الأقانيم هي الجوهر ، والجوهر غير الأقانيم ، وليس برابع لها في العدد. ويقولون في الأقانيم إنّها جوهر بسيط ويمتنعون من كونه جوهرا مركّبا (ق ، غ ٥ ، ٨١ ، ٢٠)

ـ اختلفوا (النصارى) في الأقانيم ، فقال بعضهم : إنّ الأقانيم هي الخواص ، وقال بعضهم : أشخاص ، وقال بعضهم : وجوه وصفات.

فكأنّهم يقولون : جوهر واحد ثلاثة خواص وثلاثة أشخاص (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ٣)

ـ اختلفوا (النصارى) فقال بعضهم في الأقانيم مختلفة في الأقنوميّة ، متّفقة في الجوهرية. وقال بعضهم : لا نقول مختلفة ، لكنّا نقول إنّها أقانيم ثلاثة متّفقة في أنّها جوهر واحد فقط. واختلفوا فزعم بعضهم أنّ كل واحد من الأقانيم حيّ ناطق إله ؛ وهذا قول بعض النسطوريّة. وقال الباقون : ليس كل واحد منها عند الانفراد في الذكر إلها ولا حيّا ولا ناطقا (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ٦)

ـ ألزمهم (للنصارى) شيوخنا القول بأنّ كل واحد من الأقانيم إله ، لأنّه إذا كان الابن والروح مشاركين للأب في القدم ، فما أوجب كونه إلها يوجب كونهما إلهين ، وكون كل واحد منهما إلها يبطل أصل مقالتهم ، لأنّهم توصّلوا إلى ذلك بأن القديم الفاعل ، إذا استحال كونه حيّا إلّا بحياة ، عالما إلّا بعلم ، وجب إثبات أقنومين كلمة وروح. فإذا وجب بما ذكرناه كون كل واحد من ذلك إلها ، بطل هذا الطريق ، ووجب أن نثبت لكل واحد من الأقانيم أقنومين آخرين ، ويجب في كل واحد منهما مثل ذلك أيضا. وهذا يوجب إثبات آلهة لا نهاية لها على ما ألزمنا الكلابية في هذا الباب (ق ، غ ٥ ، ٨٧ ، ١٥)

ـ إنّ الأقانيم ، إذا كانت ثلاثة ، ثم جعلوا الجوهر غيرها ، فيجب أن يكونوا (الملكيّة) مثبتين لرابع ؛ وفي ذلك ترك قولهم. وإن زعموا أنّهم يرجعون بالجوهر إلى واحد منها ، فقد نقضوا قولهم إنّ الجوهر غيرها ، ووجب كون الشيء غيرا لنفسه ، وهذا تجاهل (ق ، غ ٥ ، ٩٦ ، ١٦)

اقتدار

ـ إنّ من إذا أراد منا أمرا كان ، وإذا لم يرد كونه لم يكن أولى بصفة الاقتدار ممن يريد كون ما لا يكون وأن لا يكون ما يكون ، وربّ العالمين لا يوصف إلّا بالوصف الذي هو أولى بصفة الاقتدار (ش ، ل ، ٢٦ ، ١٠)

ـ إن قال قائل من إذا أراد أمرا كان ، وإذا لم يرده لم يكن ، إنّما يكون اقتداره بمن يتبعه ويعينه ، ويكون ضعفه لقلّة أنصاره وأتباعه ، وربّ العالمين لا يتكثّر بأحد (ش ، ل ، ٢٦ ، ١٢)

ـ من أراد من فعله كون ما لا يكون وأن لا يكون (ما يكون) ، فهو أولى بصفة الاقتدار ممن يريد كون ما يكون وأن لا يكون ما لا يكون ، إنّما يصحّ وصفه بالاقتدار لأنّه ممن يتكثّر بفعله ويجب اقتداره بمن ينصره وضعفه بمن يقعد عنه (ش ، ل ، ٢٦ ، ١٥)

ـ إنّ من أراد منّا كون ما يكون إنّما يصحّ وصفه بالاقتدار ، لأنّه ممن يقوى بكثرة من يتبعه ويضعف بكثرة من يقعد عنه (ش ، ل ، ٢٦ ، ١٨)

ـ قالوا (المعتزلة) : من لا يكون أكثر ما يريده أولى بصفة الاقتدار كابروا (ش ، ب ، ١٢٢ ، ١)

ـ قيل لهم (للمعتزلة) : إذا كان من إذ أراد أمرا كان ؛ وإذا لم يرده لم يكن أولى بصفة الاقتدار ، فيلزمكم أن يكون الله عزوجل إذا أراد أمرا كان ، وإذا لم يرده لم يكن ، لأنّه أولى بصفة الاقتدار (ش ، ب ، ١٢٢ ، ١٠)

اقتضاء

ـ إنّ الاقتضاء قد يذكر ويراد به اقتضاء الدلالة ، ككونه قادرا ، فإنّه يقتضي كونه موجودا ؛ ويراد

به أيضا اقتضاء الإيجاب ، كاقتضاء كونه حيّا لصحّة أن يعلم ويقدر ، واقتضاء كونه جوهرا لكونه متحيّزا. فالأول بحسب ما تقوم الدلالة عليه ، والثاني لا بدّ في المقتضى أن يرجع إلى ما يرجع إليه المقتضي. وذلك لأنّه لو رجع تأثيره إلى بعضه ، والبعض في حكم الغير للجملة ، لم يكن تأثير الاقتضاء بل تأثير العلة ؛ لأنّ الفرق بين المقتضى والمقتضي وبين العلّة وحكمها أنّ تأثير المقتضي يكون في نفسه وتأثير العلّة يكون في الغير (ن ، د ، ٥٣٧ ، ١)

ـ الاقتضاء : هو طلب الفعل مع المنع عن الترك ، وهو الإيجاب ، أو بدونه وهو الندب ، أو طلب الترك مع المنع عن الفعل ، وهو التحريم ، أو بدونه ، وهو الكراهة (ج ، ت ، ٥٥ ، ٢١)

اقتضاء الإيجاب

ـ إنّ الدليل لا يجوز أن يثبت ولا مدلول هناك ، وذلك مثل ما نقول في كونه قادرا : إنّه يقتضي كونه موجودا اقتضاء الدلالة. وكذلك إذا كان اقتضاء الإيجاب ، فما حصل على المقتضي لا بدّ أن يحصل على المقتضى له ، إذا كان الشرط حاصلا ، كما تقدّم في جوهر ، إذا كان موجودا وجب أن يكون متحيّزا ، وجب ذلك في كل جوهر. وإنما وجب ذلك لأن المقتضى إذا اقتضى أمرا من الأمور إنّما اقتضى لأمر يرجع إليه ، سواء كان ذلك على وجه الدلالة أو الإيجاب. فإذا شاركه غيره في هذه الصفة فقد شاركه فيما لأجله اقتضى ما اقتضاه ، فيجب أن يشاركه في حصول المقتضى له. وكذلك الاشتراك في الدليل (ن ، د ، ٥٤٧ ، ٧)

اقتضاء الدلالة

ـ إنّ الدليل لا يجوز أن يثبت ولا مدلول هناك ، وذلك مثل ما نقول في كونه قادرا : إنّه يقتضي كونه موجودا اقتضاء الدلالة. وكذلك إذا كان اقتضاء الإيجاب ، فما حصل على المقتضي لا بدّ أن يحصل على المقتضى له ، إذا كان الشرط حاصلا ، كما تقدّم في جوهر ، إذا كان موجودا وجب أن يكون متحيّزا ، وجب ذلك في كل جوهر. وإنما وجب ذلك لأن المقتضى إذا اقتضى أمرا من الأمور إنّما اقتضى لأمر يرجع إليه ، سواء كان ذلك على وجه الدلالة أو الإيجاب. فإذا شاركه غيره في هذه الصفة فقد شاركه فيما لأجله اقتضى ما اقتضاه ، فيجب أن يشاركه في حصول المقتضى له. وكذلك الاشتراك في الدليل (ن ، د ، ٥٤٧ ، ٦)

إقدار

ـ إنّ الإقدار هو فعل القدرة. وكما يجوز أن يقال : " أقدر الكافر على الكفر" فكذلك يجوز أن يقال" قوّاه عليه". وليس يفيد" قوّاه عليه" ، أنه خلق القوّة له ليكفر ، كما لا يقتضي ذلك قولنا : " أقدره". وإنما يفيد ذلك إذا قيل : " أعانه على الكفر". وليس يمكن أن يدعى بعارف في قول القائل" قوّاه على الكفر" ، إنه يفيد فعل القوّة لكي يكفر. وأنه صحّ أنّ فيه تعارفا ، فالواجب أن نتجنّب إطلاقه (ن ، م ، ٢٥٦ ، ١٧)

أقدار مذمومة

ـ ادعت" المجبرة" : أنّ الأقدار المذمومة حتم من الله. ونفيناها (العدلية) عنه ـ سبحانه ـ ، لأنّ تقديره لا يكون باطلا ولا متناقضا ، فلمّا وجدنا الأشياء المتناقضة الباطلة علمنا أنّه لا يقدّرها (ع ، أ ، ٢٥ ، ١١)

أقدر

ـ إنّا قد علمنا أنّ الطفل الصغير يشق عليه أن يحمل منّا من الجبل ، والكبير لا يتعذّر عليه ذلك ، مع تساويهما في سائر الصفات ؛ فيجب أن يكون الكبير مختصّا بمزيّة ، لأجلها يأتي منه فعل الكبير دون الصغير ، ولا يكون كذلك إلّا وهو أقدر (ن ، د ، ٤٧٦ ، ٤)

ـ استبعد أبو هاشم قول من يقول : إنّ الله تعالى لا يوصف بأنّه قوّى على المعصية والطاعة كما يقال : " أقدر عليها". وقال : إن قولنا : " قوّى" مأخوذ من القوّة ، كما أنّ قولنا" أقدر" مشتقّ من فعل القدرة (ن ، م ، ٢٥٦ ، ١١)

أقسام الأخبار

ـ في بيان اختلاف أقسام الأخبار فيما يقع فيها (من) الفائدة. اعلم أنّها على ضروب ثلاثة : أحدها : يكون طريقا للعلم الضروريّ. والثاني : يكون دلالة على صحّة ما تناوله. والثالث : يكون مقتضيا للعمل الذي هو الظنّ ، فيكون أمارة للأحكام التي هي الأخذ أو الترك ؛ فيكون كالسبب في وجوب ذلك أو حسنه ، بحسب ما تقتضيه الدلالة عقلا أو سمعا. وما خرج عن هذه الأقسام لا تقع به للسامع فائدة ، فيكون وجوده كعدمه في هذا الوجه ، وإن كان قد يصحّ أن يكون للمخبر به فائدة وغرض ، على ما قدّمنا القول فيه (ق ، غ ١٥ ، ٣٣١ ، ٢)

أقنومية

ـ الأقنوميّة إنّما تثبت للباري بصفة ترجع إلى نفسه ، لا تعلّق لها بغيره ، وهي كونه موجودا وجوهرا يرجع إلى نفسه ، وكونه حيّا يرجع إليه ، ولا تعلّق له بغيره ؛ وكونه عالما بنفسه صفة يرجع بها إلى نفسه ؛ وإنما له أقنوم بكونه عالما بنفسه لا بغيره (ب ، ت ، ٨٢ ، ١٢)

اكتساب

ـ وفرق ما بين الطبع الأوّل وبين الاكتساب والعادة التي تصير طبعا ثانيا (ج ، ر ، ٧ ، ١٠)

ـ إنّ معنى الاكتساب هو أن يقع الشيء بقدرة محدثة فيكون كسبا لمن وقع بقدرته (ش ، ق ، ٥٤٢ ، ٨)

ـ إن قالوا أليس في عدم الجارحة عدم الفعل ، قيل لهم في عدم الجارحة عدم القدرة ، وفي عدم القدرة عدم الاكتساب ، لأنّها إذا عدمت عدمت القدرة ، فلعدم القدرة ما استحال الكسب إذا عدمت الجارحة ، لا لعدم الجارحة ، ولو عدمت الجارحة ووجدت القدرة لكان الاكتساب واقعا ، ولو كان إنّما استحال الاكتساب لعدم الجارحة ، لكان إذا وجدت وجد الكسب. فلمّا كانت توجد ويقارنها العجز وتعدم القدرة فلا يكون كسب ، علم أن الاكتساب إنّما لم يقع لعدم الاستطاعة لا لعدم الجارحة (ش ، ل ، ٥٧ ، ٧)

ـ معرفة الله تعالى في الدنيا هي عنده (الأشعري) اكتساب وليس بضرورة. وكان يقول : " لو كانت ضرورة لم يجز أن تخطر بالبال خواطر الشكوك وأن تدعو الدواعي إلى خلافها ، لأنّ ما علمناه ضرورة فذلك حكمه. فلمّا رأينا خواطر الشكوك في معرفة الله تعالى قد تعترض النفوس وتدعو إلى خلافها الدواعي علمنا أنّها ليست بضرورة ، كما أنّ علم الإنسان بنفسه لمّا كان ضرورة لم يجز أن يدعوه داع إلى خلاف

ذلك ، ولم يجز أن ترد عليه الشبه في وجوده حتى يعتقد أنّه ليس بموجود. ولمّا جاز أن يرجع الإنسان عن الإيمان بالله تعالى إلى الكفر ويترك المعرفة بالله تعالى علم أنّها ليست باضطرار" (أ ، م ، ٢٤٨ ، ٩)

ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، فقد قال في الاكتساب : إنّه الفعل الذي يكتسب به لنفسه خيرا أو شرّا ، أو ضرّا أو نفعا ، أو صلاحا أو فسادا. والمكتسب غير الاكتساب ، لأنّ الاكتساب هو تجارته وبيعه وشراؤه ، والمكتسب هو المال ؛ ولذلك لا يوصف تعالى بالاكتساب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ٤)

ـ قال (أبو علي) : وقد يكون من فعل العبد ما هو مكتسب إذا كان خيرا أو شرّا اجتلبه بغيره من الأفعال ؛ فأمّا أوّل أفعاله فلا يقال فيه أنّه مكتسب وإنّما يسمّى اكتسابا. وقد يكون في أفعاله ما لا يكون اكتسابا إذا لم يكتسب به نفعا أو ضرّا ، كحركات الطفل والنائم والساهي. والاجتراح كالاكتساب ، ومعنى ذلك الاستفادة ، وإن كانت الاستفادة تستعمل في النفع فقط ؛ والاكتساب والاجتراح يستعملان في الضرر والنفع جميعا. وكل هذا يبيّن ، من جهة اللغة ، أنّ المكتسب لا بدّ من أن يكون فاعلا ومحدثا ؛ كما أنّ الخالق لا بدّ من كونه كذلك ؛ وإن كان كلتا الصفتين تغيّر أمرا زائدا على الحدوث ، ويدلّ على ذلك اطراد هذه اللفظة في المعنى الذي ذكرناه ، فلا شيء يجتلب بالأفعال ، ويطلب بها ، من نفع وضرّ ، إلّا ويقال إنّه كسب ؛ ويقال لما وصل به إليه إنّه اكتساب. ولذلك سمّوا الجوارح كواسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٤ ، ١٠)

ـ إنّ الإنسان يصحّ منه اكتساب الحركة والسكون والإرادة والقول والعلم والفكر ، وما يجري مجرى هذه الأعراض التي ذكرناها ، وعلى أنّه لا يصحّ منه اكتساب الألوان والطعوم والروائح والإدراكات (ب ، ف ، ٣٣٩ ، ١٤)

ـ ضرب بعض أصحابنا للاكتساب مثلا ، في الحجر الكبير ، قد يعجز عن حمله رجل ويقدر آخر على حمله منفردا به. إذا اجتمعا جميعا على حمله كان حصول الحمل بأقواهما ولا خرج أضعفهما بذلك عن كونه حاملا. كذلك العبد لا يقدر على الانفراد بفعله ، ولو أراد الله الانفراد بإحداث ما هو كسب للعبد ، قدر عليه ووجد مقدوره ، فوجوده على الحقيقة بقدرة الله تعالى ولا يخرج مع ذلك المكتسب من كونه فاعلا وإن وجد الفعل بقدرة الله تعالى. فهذا قول معقول وإن جهلته القدريّة (ب ، أ ، ١٣٣ ، ١٧)

ـ أجمع أصحابنا على أنّ الحركة والسكون يصحّ اكتسابهما وكذلك الإرادة والعلم والاعتقاد والجهل والقول والسكوت والكفر. وأجمعوا على أنّه لا يصحّ منّا اكتساب الألوان والطعوم والروائح والقدرة والعجز والسمع والبصر والصمم والرؤية والعمى والخرس واللّذة والشهوة والأجسام (ب ، أ ، ١٣٩ ، ١٣)

اكتسابي

ـ الذي يدلّ على أنّ العلم بالله تعالى ليس بضروريّ وإنّما هو اكتسابيّ ، ما قد ثبت أنّه يقع بحسب نظرنا على طريقة واحدة ووتيرة مستمرّة ، فيجب أن يكون متولّدا عن نظرنا ، وإذا كان كذلك فالنظر من فعلنا ، فيجب أن تكون المعرفة أيضا من فعلنا ، لأنّ فاعل السبب ينبغي أن يكون فاعل المسبب ، فإذا كان من

فعلنا لم يجز أن يكون ضروريّا ، لأنّ الضروريّ هو ما يحصل فينا لا من قبلنا (ق ، ش ، ٥٢ ، ١١)

اكتسب

ـ الذي فارق" ضرّار بن عمرو" به المعتزلة قوله إنّ أعمال العباد مخلوقة ، وأنّ فعلا واحدا لفاعلين أحدهما خلقه وهو الله ، والآخر اكتسبه وهو العبد ، وأنّ الله عزوجل فاعل لأفعال العباد في الحقيقة ، وهم فاعلون لها في الحقيقة (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٣)

اكتسب الإيمان

ـ معنى" اكتسب الكفر" أنّه كفر بقوة محدثة وكذلك قولنا" اكتسب الإيمان" إنّما معناه أنّه آمن بقوة محدثة من غير أن يكون اكتسب الشيء على حقيقته بل الذي فعله على حقيقته هو رب العالمين (ش ، ل ، ٤٠ ، ١٣)

اكتسب الكفر

ـ معنى" اكتسب الكفر" أنّه كفر بقوة محدثة وكذلك قولنا" اكتسب الإيمان" إنّما معناه أنّه آمن بقوة محدثة من غير أن يكون اكتسب الشيء على حقيقته بل الذي فعله على حقيقته هو رب العالمين (ش ، ل ، ٤٠ ، ١٢)

إكراه

ـ الإكراه : هو الإلزام والإجبار على ما يكره الإنسان طبعا أو شرعا فيقدم على عدم الرضا ليرفع ما هو أضرّ (ج ، ت ، ٥٦ ، ٦)

أكساب

ـ إن قال قائل لم زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة لله تعالى ، قيل له قلنا ذلك لأنّ الله تعالى قال (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦) وقال (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) فلمّا كان الجزاء واقعا على أعمالهم كان الخالق لأعمالهم (ش ، ل ، ٣٧ ، ٣)

أكساب العباد

ـ اختلفوا في أكساب العباد وأعمال الحيوانات على ثلاثة مذاهب : أحدها قول أهل السنّة إنّ الله عزوجل خالقها ، كما أنّه خالق الأجسام والألوان والطعوم والروائح ؛ لا خالق غيره ، وإنّما العباد مكتسبون لأعمالهم. والمذهب الثاني قول الجهمية إنّ العباد مضطرّون إلى الأفعال المنسوبة إليهم وليس لهم فيها اكتساب ، ولا لهم عليها استطاعة ، وأنّ حركاتهم الاختيارية بمنزلة حركة العروق النوابض في اضطرارهم إليها. والمذهب الثالث قول القدريّة الذين زعموا أنّ العباد خالقون لأكسابهم ، وكل حيوان محدث لأعماله وليس لله في شيء من أعمال الحيوانات صنع. وذكر أكثرهم أن الله عزوجل غير قادر على مقدور غيره وإن كان هو الذي أقدر القادرين على مقدوراتهم (ب ، أ ، ١٣٤ ، ١٢)

إكفار

ـ البصريّة : ولا إكفار إلّا بدليل سمعيّ إذ هو اسم لمن يستحقّ أعظم أنواع العقاب ، ولا دليل عليه إلّا السمع ، ولا يجوز كفر لا دليل عليه ، إذ له أحكام (يعيّنها) ، فلا بدّ من دليل. ويجوز فسق لا دليل عليه ، وإلّا لتعيّنت الصغائر ، وهو إغراء (م ، ق ، ١٣٦ ، ٨)

أكمن

ـ ثم قال (ابن الروندي) : وكان يزعم أنّ الله خلق الناس والبهائم والحيوان والجماد والنبات في وقت واحد ، وأنه لم يتقدم خلق آدم خلق ولده ولا خلق الأمهات خلق أولادهن ، غير أنّ الله أكمن بعض الأشياء في بعض ، فالتقدم والتأخر إنّما يقع في ظهورها من أماكنها دون خلقها واختراعها. ومحال عنده في قدرة الله أن يزيد في الخلق شيئا أو ينقص منه شيئا (خ ، ن ، ٤٤ ، ١٤)

أكوان

ـ قال" معمّر" : الأكوان كلها سكون وإنّما يقال لبعضها حركات في اللغة ، وهي كلها سكون في الحقيقة (ش ، ق ، ٢٤٧ ، ٩)

ـ الأكوان التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، والخلاف فيه مع الأصم وجماعة من الملحدة (ق ، ش ، ٩٦ ، ١٣)

ـ في دلالة الأكوان على حدوث الأجسام ، إن المعتبر فيها بأن تكون حادثة لا يخلو الجسم منها. فمن أي جنس كانت ، أو على أي صفة كانت ، فدلالتها على حدوث الجسم تامّة (ق ، غ ١٥ ، ١٧١ ، ٢١)

ـ ذهب شيخنا أبو هاشم إلى أنّ الأكوان كلّها يجوز عليها البقاء. وقد حكينا من قبل عن أبي القاسم أنّ الأعراض كلّها لا يجوز عليها البقاء (ن ، م ، ١٧٧ ، ١٣)

ـ قال أبو القاسم إنّ الأكوان تدرك بالحاستين ، وإليه كان يذهب الشيخ أبو علي (ن ، م ، ٢١٢ ، ٢٠)

ـ قال شيخنا أبو هاشم الأكوان لا تدرك بشيء من الحواس (ن ، م ، ٢١٢ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ نوع الأكوان مشتمل على متماثل ومختلف. والمختلف منه متضادّ. وكل ما اختصّ بمحاذاة واحدة فهو متماثل : حركة كانت أو سكونا ، كان المحل واحدا أو متغايرا. ولا يؤثّر أيضا في تماثله أن يكون مرّة حركة يمنة والآخر حركة يسرة. فإنّ أحدنا إذا مشى في جهة فما يوجد فيه من الكون مثل ما يوجد إذا انصرف لمّا كان تحرّكه في الحالين محاذاة واحدة ، وإن تغيّر الاسم بالإضافات. فإذا خرجت الأكوان عن اختصاصها بالجهة الواحدة فتغايرها يدلّ على اختلاف الأكوان ، بل على تضادّها. وعلى هذا نقول في الموجود في الصفحة العليا من الجسم أنّه مضادّ للموجود في الصفحة السفلى لمّا كانت الجهات متغايرة (أ ، ت ، ٤٥٧ ، ٨)

ـ الأكوان داخلة تحت قدر العباد لثبوت الطريقة بها نستدلّ على جميع أفعالهم من وجوب وقوعها بحسب دواعيهم ووجوب انتفائها بحسب صوارفهم ، ومن وقوعه على ما نفعله من السبب الذي هو الاعتماد ، والفاعل للمسبّب ، ومن ثبوت الأحكام فيهم إلى ما شاكل ذلك (أ ، ت ، ٤٧٥ ، ١٦)

ـ الأكوان ، وهي الحصول في الحيّز الوجوديّ (خ ، ل ، ٦٧ ، ١٩)

ـ الأكوان متضادّة وإن اقتضت حيّزا معيّنا ، لأنّها تتماثل ، فتضادّ ؛ وقد لا تتعاقب كمقتضى الحصول الأوّل والثالث وما فوقه (خ ، ل ، ٦٨ ، ١٦)

آلام

ـ إنّ الآلام كغيرها من الأفعال في أنّها تقبح مرّة وتحسن أخرى ، فإذا حسن فإنّما يحسن لوجه ،

متى وقع على ذلك الوجه حسن من أي فاعل كان ، وهكذا في القبيح ؛ وجملة ذلك أنّ الألم إنّما يحسن إذا كان فيه نفع أو دفع ضرر أعظم منه ، واستحقاق ، أو الظنّ لأحد الوجهين المتقدّمين ، فإنّ ظنّ الاستحقاق لا يقوم مقام العلم خلافا لما يحكى عن شيخنا أبي هاشم ، لأنّ من آلم غيره لظنّ الاستحقاق ، لا يأمن أن يكون مقدّما على ظلم قبيح ، والإقدام على ما لا يأمن كونه قبيحا بمنزلة الإقدام عليه مع القطع ، فلا يمكن إنكار ما قلناه من أنّ في الآلام ما يقبح وفيها ما يحسن ، لأنّ كل عاقل يعلم بكمال عقله قبح كثير من الآلام كالظلم الصريح وغيره ، وحسن كثير منها كذمّ المستحقّ للذمّ وما يجري مجراه (ق ، ش ، ٤٨٤ ، ٢)

ـ اعلم أنّ شيخنا أبا علي رحمه‌الله يقول في الآلام إنّها تقبح لكونها ظلما. وتكون ظلما عنده بوجوه : منها أن تتعرّى من نفع ودفع ضرر واستحقاق. ومنها أن يقترن بها الظنّ لبعض هذه الوجوه فيغتمّ عند ذلك فيقبح لمقارنة الغمّ بها ، لأنّ عنده أنّ الظنّ نفسه لا يقتضي قبحها ، وإنّما تقبح لأنها تعرّى من هذه الوجوه في ظنّه وتقديره (ق ، غ ١٣ ، ٢٢٧ ، ١٥)

ـ إنّ العباد يقدرون على الآلام ، يدلّ على ذلك أنّها تقع بحسب قصدهم ودواعيهم وبحسب فعلهم لسببها في الكثرة والقلّة على بعض الوجوه. فصارت في أنّها قد تكون من فعلهم بمنزلة الأصوات التي يقدرون على فعلها لمثل هذه الدلالة (ق ، غ ١٣ ، ٢٧١ ، ٢)

ـ إذا كانت الآلام مقدورة للقادر منّا فيجب كونه تعالى قادرا عليها. وبيّنا أنّ كل ما يصحّ أن نفعله بسبب يصحّ منه تعالى أن يفعله على جهة الابتداء أو بالسبب جميعا. وبيّنا أنّ مثل السبب يجب أن يولد من أي فاعل كان إذا وجد على الوجه الذي يولد. وإذا كان سبب الألم هو الوهي ـ وهو مقدور للقديم تعالى ـ فيجب كون الآلام مقدورة له (ق ، غ ١٣ ، ٣٦٦ ، ٤)

ـ إذا كانت الآلام من فعل العباد لا تقع إلّا متولّدة عن الاعتماد والوهي ، وعلمنا في كثير منها أنّها تحدث لا على هذا الوجه ، علمنا أنّها من فعله تعالى. وهذا سبيل الأمراض والأسقام وسائر ما يحلّ بالعباد من غير قصد أحد من القادرين أو اعتمادهم عليه. وقد ورد السمع بذلك في عدّة آي بيّن فيها تعالى أنّه يمتحن العباد بذلك (ق ، غ ١٣ ، ٣٦٧ ، ١٠)

ـ إنّ الآلام لا تقع من الله سبحانه على وجه تقبح عليه (ق ، غ ١٣ ، ٣٦٨ ، ٢)

ـ إنّه تعالى يفعل الآلام لكونها مصلحة لا لأجل العوض ، وإن كان لا بدّ من أن يتضمّن عليها ؛ وذلك لأنّ هذه الآلام واجب على الله تعالى أن يفعلها لشيء يرجع إلى التكليف كما يجب عليه تعالى أن يفعل الإقدار والتمكين. فكما يفعل ذلك لما له وجب ، فكذلك القول في الآلام (ق ، غ ١٣ ، ٣٩٠ ، ١٥)

ـ الآلام واللذّات لا تقع مقدورة لغير الله تعالى ، فإذا وقعت من فعل الله تعالى فهي منه حسن ، سواء وقعت ابتداء أو حدثت منه مسمّاة جزاء. ولا حاجة عند أهل الحقّ في تقديرها حسنة إلى تقدير سبق استحقاق عليها أو استيجاز التزام أعواض عليها ، أو روح جلب نفع أو دفع ضرر موفيين عليها. بل ما وقع منهما فهو من الله تعالى حسن ، لا يعترض عليه في حكمه (ج ، ش ، ٢٣٧ ، ١٤)

ـ أمّا المعتزلة فقد قالوا ، لمّا سئلوا عن الآلام الحالّة بالأطفال والبهائم ، الآلام تحسن

لأوجه : منها أن تكون مستحقّة على سوابق ، ومنها أن يجتلب بها نفع موف عليها برتبة بيّنة ، ومنها أن يقضي بها دفع ضرر أهم منها.

وصاروا إلى أنّ آلام البهائم إنّما حسنت ، لأنّ الرّب سيعوّضها عليها في دار الثواب ما يربى ويزيد على ما نالها من الآلام. ثم صار معظمهم إلى أنّ العوض الملتزم على الآلام ، أحطّ رتبة من الثواب الملتزم على التكليف.

واختلفوا في أنّ العوض هل يدوم دوام الثواب أم لا (ج ، ش ، ٢٣٩ ، ١٨)

ـ للمعتزلة في الآلام وأحكامها كلام وهو على مذهب الأشعريّ لا تقع مقدورة لغير الله ، وإذا وقعت كان حكمها الحسن سواء وقعت ابتداء أو وقعت جزاء من غير تقدير سبق استحقاق عليها ، ولا تقدير جلب نفع ولا دفع ضرر أعظم منها ، بل المالك متصرّف في ملكه كما شاء سواء كان المملوك بريّا أو لم يكن بريّا (ش ، ن ، ٤١٠ ، ١٠)

إلجاء

ـ إنّ الاضطرار في اللغة هو الحمل والإكراه ، وهو الإلجاء ، وكل هذه الألفاظ بمعنى واحد ؛ فلا فرق عندهم بين قول القائل : اضطره السلطان إلى تسليم ماله وبيع عقاره وبين قوله : أكرهه على ذلك وحمله عليه وألجأه إليه (ب ، ت ، ٣٥ ، ١٦)

ـ إنّ الإلجاء على ضربين : أحدهما يكون بطريقة المنع ، والثاني بطريقة المنافع والمضار. أمّا ما يكون بطريقة المنع ، فهو كأن يعلم أحدنا أنّه إذا حاول استنزال الملك عن سريره ، أو الزنى بابنته بين يديه ، فإنّه يمنع عن ذلك ويقتل دونه ، فإنّ والحال هذه يكون ملجأ إلى أن لا يفعل ، وإمّا أن يكون ملجأ بطريقة المنافع والمضار ، فهو كأن يعلم أحدنا أنّ تحت قدميه كنزا ، فإنّه يكون ملجأ إلى استخراجه والانتفاع به (ق ، ش ، ٢١٦ ، ٧)

ـ مثال الإلجاء ، هو أن يلجئ أحدنا صاعقة أو برد حتى يعدو على زرع غيره فيفسده ، فإنّ صاحب الزرع يستحقّ العوض ، إلّا أنّه إنّما يستحقّه على الله تعالى ، دون من يعدو على زرعه ، لأنّ الله تعالى هو الذي ألجأه إلى العدو (ق ، ش ، ٥٠٣ ، ١)

ـ محفوظ ما ينبغي أن يعرف في حدّ الإلجاء ، وإن كان أسبابه تكثر وتختلف ، أن يقتصر في الملجأ الخروج ، عند تردّد الدواعي بين الفعل والترك ، فيصير على طريقة واحدة في أنّه يجب أن يختار ما يقتضيه الإلجاء ، وأن يعلم حاله أن يفعله عند الإلجاء أو يكفّ عنه. فمتى جمع هذين الشرطين ، وصف بأنّه إلجاء. والفرق بينه وبين الفعل الواقع من المختار الذي تتردّد دواعيه بين الفعل والترك أنّه لا يتعلّق به ذمّ ولا مدح. ولذلك لا يمدح الإنسان على الأكل عند الجوع ، والهرب من السبع عند الخوف منه ، ولا على الامتناع من قتل الظالم إذا كان يعلم أنّه لو حاوله يمنع ، ويفارق حاله حال المتمكّن الذي ليس بملجإ ؛ في كلا الوجهين اللذين قدمناهما (ق ، م ٢ ، ٧١٢ ، ١٧)

ـ أمّا القول بأنّه للإلجاء ما يقع منه الصدق فباطل لأنّ الإلجاء إنّما يثبت بطريقين. أحدهما بالمنع وهذا مما لا يشكّل الحال فيه في هذا الموضع لأنّه لم يعرف أنّه لو حاول الكذب لمنع منه. والثاني بطريقة المنافع والمضارّ وذلك غير ثابت هاهنا لأنّه لو صار ملجأ إلى الصدق لأجل النفع لصار ملجأ إلى الكذب أيضا. إذ لا

يجوز أن يتّفق أمران في صفة من الصفات ثم يصير ملجأ إلى أحدهما دون الآخر ، وبهذا نعلم أنّ المدفوع إلى الهرب من السبع وله طريقان أنّه يصير ملجأ إلى الهرب من كل واحد من هذين الطريقين. هذا إذا جعلوه ملجأ إلى فعل الصدق. فإن جعلوه ملجأ إلى أن لا يفعل الكذب فيجب أن يصير أيضا ملجأ إلى أن لا يفعل الصدق لأنهما شيئان إلّا في القبح والغنى (ق ، ت ١ ، ٢٥٩ ، ٤)

ـ لا يجب لأجل ذلك أن يكون الساهي أيضا ملجأ ، لأنّ ما يفعله الإنسان للإلجاء لا بدّ من داع يبلغ الغاية في القوّة ، ولا بدّ من اختصاصه بأمر معيّن ، وما يقع من الساهي لا داعي معه. ولا يثبت لأحد الفعلين المقدورين اختصاص ليس هو لآخر ولا يمكن أن يقال : هلا وصفتم فعل الملجأ بأنّه واجب من حيث لو لم يفعله لاستحقّ الذمّ وهذا حال الواجب؟ وذلك لأنّ هذا التقدير يخرجه عن الإلجاء. فإنّه متى وقف ولم يهرب عند مشاهدة السبع فلاعتقاده أنّه يقاومه. وهذا يمنع من كونه ملجأ. والذي يجري في كلام" شيوخنا" إنّ أحدنا ملجأ إلى أن لا يقتل نفسه ولو قتلها لاستحقّ الذمّ ، إنّما أرادوا به لو تغيّرت حالته في ذلك بدخول شبهة عليه فقتل نفسه لاستحقّ الذم ، وهذا لا يقدح فيما ذكرناه. وقد قيل : إنّه لو وقف لكان استحقاقه للذمّ على الوقوف الذي هو فعل لا على أن لم يفعل الهرب. والأوّل أولى لأنّه لا مزية لأحدهما على الآخر. فليس إلّا أنّه يخرجه ذلك عن الإلجاء فيكون تقديرا باطلا (ق ، ت ١ ، ٣٦٤ ، ٢٠)

ـ جملة ما يعدّ في الإلجاء لا تخرج عن طريقين : أحدهما بما يرجع إلى إعلام المكلّف أنّه لو حاول أمرا من الأمور منع منه سواء كان في الفعل أو الترك. والثاني ما يكون بطريقة المنافع الخالصة ودفع المضارّ الخالصة. فالأوّل هو كما يعلم الواحد منّا أو يغلب في ظنّه أنّه إن حاول البطش بهذا السلطان الظلوم حال دونه من حوله من أصحابه الظلمة فيصير ملجأ إلى أن لا يحدّث نفسه بذلك. فهكذا لو أعلم الله المكلّف أنّه إن حاول القبيح منعه منه أو رام ترك الواجب منعه منه ، لأنّه والحال هذه لا يحسن تكليفه لفقد الدواعي له إلى ذلك. وعلى هذا نجعل أحد وجهي الإلجاء في أهل الجنّة هذا المعنى ، على ما سيجيء من بعد. وكذلك الحال في الوجه الثاني من وجهي الإلجاء مما يرجع إلى المنافع ودفع المضارّ ، لأنّه قد علم أنّ الواحد منّا ، إذا قدّم إليه طعام لذيذ وهو يشتهيه ولا منع عليه ولا شبهة ولا اعتقاد مضرّة في الحال ولا في المستقبل بوجه من الوجوه ، فإنّه لا محالة يختار تناوله على حدّ لا يبقى بإزائه ما يصرفه عنه. وكذا الحال في دفع الضرر. بل هو في دفع الضرر أبين ، على ما يقال في الهرب من السبع الذي يعلم أو يغلب الظنّ افتراسه. وليس المعتبر في باب الإلجاء إذا كان مبنيّا على الظنّ أن يكون المظنون على ما ظنّه. فقد يصحّ ثبوت الإلجاء في السوداويّ إذا ظنّ من دون أمارة صحيحة أنّ هذا الحيوان الذي يشاهده يفترسه أو ظنّ أنّ السقف الذي قعد تحته يسقط عليه ، لأنّ في كل ذلك يثبت الإلجاء لمّا كان تابعا للظنّ. ثم الحال في الإلجاء إذا كان بطريقة المنافع والمضارّ هو أن ينظر فيه. فإن تعيّن بشيء واحد فهو ملجأ إليه بعينه. وإن قام غيره مقامه حصل الإلجاء على تخيير ، نحو أن يشاهد السبع وله

طريقان يمكنه الفرار منه بكل واحد منهما. وكذلك الحال فيما يقدّم إليه من طعامين سبيلهما ما وصفناه. فثبت أنّ من شرط التكليف زوال هذا الوجه عنه ليثبت له تردّد الدواعي الذي لولاه لكان لا يختار هذا الفعل للوجه الذي عليه يحسن ولا يثبت فيه من المشقّة ما يعتدّ به. وكلا الأمرين لا بدّ منهما في استحقاق الثواب (ق ، ت ٢ ، ٢٦٥ ، ١٣)

ـ قد بيّن شيوخنا رحمهم‌الله الإلجاء بما قد ثبت من أصوله في الشاهد ؛ لأنّ من استبدّ به الجوع ، وحضره المأكول الطيب ، ولا مانع له من تناوله ، ولا يعتقد فيه ضررا ، فلا بدّ من كونه ملجأ إلى تناوله. وكذلك القول فيمن شاهد السبع ، وعلم أنّه جهة للخوف ، وقوي في ظنّه أن هو وقف أن يفترسه ، فلا بدّ من أن يكون ملجأ إلى الهرب ، إذا اعتقد أنّه لا نفع له في وقوعه عاجلا ولا آجلا. وكذلك الواحد منّا إذا قوي في ظنّه أنّه إن رام قتل ملك من الملوك ، أنّه يمنع منه لأمارات قوية يشاهدها ، يكون ملجأ إلى أن لا يقدم على قتله. والعلم بجملة ما ذكرناه ضروري ، لأنّ كل عاقل يعلم أنّ من هذه حاله ، فلا بدّ من أن يقدم على ذلك الفعل أو تركه ، ولا يستحقّ المدح على ذلك (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٦ ، ٣)

ـ إنّ ما يريده على جهة الإلجاء هو الذي لا بدّ من وقوعه ، وما يريده على جهة الاختيار لا يجب ذلك فيه ، ولا يقتضي انتفاؤه ضعفا ولا نقصا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣١٧ ، ٢)

ـ إنّ المسبّب قد بيّنا أنّه يتعلّق بالقادر كالسبب ، وإن كان يحدثه بغيره ، لا بأن يبتدئه. فكذلك ما يقع فيه على جهة الإلجاء يجب أن يتعلّق به ، وإن وجب وجوده لأجل الداعي. لكنّ الداعي لا يصحّ كونه موجبا ، لأنّ أمارة الأسباب منتفية عنه ، ولأنّها قد لا توجب مع ارتفاع الموانع (ق ، غ ٨ ، ٦٢ ، ١٩)

ـ أمّا الإلجاء ، فقد قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، في نقض الطبائع إنّ الملجأ هو من يدفع إلى ضررين ، فيؤثّر الأدون منهما على الأعظم. وإنّما وصف بأنّه ملجأ إلى أكل الميتة ، وإن لم يلحقه به مضرّة ، لما حرّم أكله ، فحلّ محل المضارّ لما استحقّ عليه العقاب. فإذا دفع إليه وإلى الجوع ، صلح أن يقال : إنّه ملجأ إلى أكل الميتة ، وأنّه حلال. وقال في الأشروسنيات الثابتة : ليس الإلجاء بجنس الفعل ، وإنّما هو ما إذا فعل بالقادر أخرجه من أن يستحقّ المدح على الفعل ، أو على الترك ، أو على أن لا يفعل. كالملجإ إلى الاضطراب بضرب السوط ، وإلى دخول الجنّة إذا علم ما فيها (ق ، غ ٨ ، ١٦٥ ، ٣)

ـ قال (أبو هاشم) في موضع آخر : إنّ الإلجاء قد يكون إلى ترك ما يعلم أنّه له حاوله لحيل بينه وبينه ، وإن كان الترك مما يصحّ التخيير فيه. وكون الفعل ملجأ لا يمنع من كونه كسبا ، لأنّه وإن قويت دواعيه حتى صار لا يختار غيره عليه وحتى صار غير مستحقّ للمدح عليه ، فإنّه مع ذلك محدث له ومكتسب (ق ، غ ٨ ، ١٦٥ ، ٢٠)

ـ إنّ الداعي القوي الذي يبلغ بالقادر أن يكون ملجأ ، هو الذي يوصف بأنّه إلجاء. ويكون الملجأ إلى أن لا يريد عقاب نفسه داخلا في الجملة ؛ لأنّه ، بعلمه بما يختصّ به العقاب من المضرّة ، لا يريد عقاب نفسه والإضرار بها. ويصير ما عنده ، أن يكون ملجأ لما حصل ملجأ عنده ، قد أقيم مقام العلل الموجبة لذلك ،

فوصف بأنّه ملجأ لأجله على جهة التوسّع أو لأنّهم اعتقدوا فيه أنّه يوجب هذه الحالة كالعلل ، فأتبعوا الاسم الاعتقاد كصنيعهم في غير ذلك من العبارات (ق ، غ ٨ ، ١٦٦ ، ١٦)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّه تعالى لو ألجأ العبد إلى الجهل والكذب ، كان لا يستحقّ به الذمّ والعقاب ، ولكان مقدورا في فعله. وإن كان الإلجاء ، إذا لم يؤثّر في الوجه الذي له قبح ، لم يخرجه عن كونه قبيحا. ولذلك قلنا : إنّ نهيه عن هذا القبيح لا يحسن. وكذلك لا يحسن أمره بالحسن مع الإلجاء. وهذا ، نحو الهارب من سبع يقبل عليه ، يخشى أن يفترسه ؛ فلذلك صار ما يلحقه من الحكم كأنّه فعل السبع ، فوجب العوض عليه ، على ما نشرحه في كتاب العوض. فصار الإلجاء من حيث أخرج الملجأ من أن يتعلّق الفعل باختياره ، مصيرا للفعل في الحكم كأنّه فعل غيره. فوجب أن تزول عنه الأحكام التي من شأنها أن تتبع اختياره للأفعال ، وتثبت فيه أحكام ما لا يتعلّق فيه باختياره (ق ، غ ٨ ، ١٧٢ ، ١٧)

ـ إنّ الإلجاء ليس بعلّة موجبة ، وإنّما يقوّي دواعي الملجأ إلى الفعل ، فما لم يتغيّر حاله فيجب وجود الفعل منه ، وإن كان يصحّ ألّا يوجد منه بأن يتغيّر حاله في الإلجاء ، وليس كذلك لو فعل الفاعل لعلّة موجبة ، لأنّها كانت في صرف ذلك الفعل عن هذا الفاعل أقوى من فعل زيد الذي يجب ألّا يكون فعلا لغيره ، لاستغنائه في الوجود بزيد عن غيره (ق ، غ ١١ ، ٩٦ ، ٦)

ـ حدّ الإلجاء في الأشروسنيّات الأوّلة بأنّها ما يقتضي ألّا يجوز منه وقوع غير ما ألجئ إليه مع قدرته على ذلك وارتفاع الموانع. وذكر بأنّ ذلك تقريب في الجواب وإن كان ينوب عن التحقيق : قال ـ رحمه‌الله ـ (أبو هاشم) : لأنّا نقول في الملجأ : إنّه لا يجوز أن يقع منه غير ما ألجئ إليه ، ونقول في القادر : لا يجوز أن يقع منه وجود الضدّين. ونقول في القديم ـ تعالى ـ : لا يجوز وقوع الظلم منه. ونقول في المكلّف : لا يجوز منه الكفر ، بمعنى لا يحلّ. والعبارات متّفقة ، والأغراض مختلفة. ولا يمكن تلخيص عبارة تختصّ الإلجاء ، كما تلخّص العبارة في حدّ المتحرك وحدّ الجسم. فلذلك قلنا : إنّ ما ذكرناه في الإلجاء تقريب (ق ، غ ١١ ، ٣٩٥ ، ١١)

ـ بيّن شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ في الأشروسنيّات الثانية ، ... إنّ الإلجاء هو كل شيء إذا فعل بالقادر خرج من أن يستحقّ المدح على فعل ما ألجئ إليه أو على ألّا يفعل ما ألجئ إلى ألّا يفعله. فذكر أنّ الأصل في الإلجاء أن يكون محمولا على الفعل بأمر فعل به ليخرج من أن يكون في حكم المختار للفعل لأغراض مجتمعة تخصّه. وهذا بيّن في كثير من أسباب الإلجاء وإن لم يستمرّ في جميعه ؛ لأنّ العالم بما أعدّه الله في الجنّة والنار هو ملجأ إلى دخول الجنّة ، وهو غير محمول عليه. وكذلك من علم أنّه ينتفع بالأكل ولا مضرّة عليه في تركه هو ملجأ إلى الأكل ، ولا يكاد يقال : إنّه محمول عليه. وإنّما يكثر استعمال ذلك فيمن تخوّف من أمر فيهرب عنه إلى غيره. فأمّا إذا لم تكن الحال هذه فاستعمال هذه اللفظة فيه يقلّ. ولذلك لا يقال في العالم إنّه إن حاول قتل ملك الروم حيل بينه وبينه : إنّه محمول على ألّا يقتله. ولذلك قلنا : إنّ الإلجاء ليس بجنس من الفعل ؛ لأنّه لا شيء يشار إليه ألّا وقد يوجد

على بعض الوجوه ولا يكون إلجاء. فمن خالفنا في وجوه الإلجاء وقال : إنّه قد يستحقّ به المدح فقد خالف في المعنى. وكذلك إن أثبته ملجأ مع المنع والعجز فقد خالف في المعنى. وكذلك إن أحال مع وجود سبب الإلجاء خروجه من كونه ملجأ فقد خالف في المعنى (ق ، غ ١١ ، ٣٩٦ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الإلجاء على ضربين. أحدهما لا يصحّ أن يبعد ويخرج من كونه إلجاء. وهذا نحو الملجأ إلى ألّا يفعل القبيح لعلمه بأنّه لو رامه لمنع منه ؛ لأنّه ـ وحاله هذه ـ لا يجوز ألّا يكون ملجأ إلى ألّا يفعله. فأمّا الملجأ إلى الهرب من السبع وإلى دخول الجنّة وإلى البعوث عند الضرب الشديد فقد يجوز خروجه من كونه ملجأ بأن يرغّب في الثواب العظيم. وعلى هذا الوجه قد كان الواحد من أصحاب الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يؤثر المبارزة وإن غلب في ظنّه التلف. ولهذا تخرج الهند من الإلجاء لاعتقادهم أنّ في قتلهم أنفسهم منفعة. وإذا أثّر الاعتقاد في الشبهة هذا التأثير فبأن يؤثّر العلم مثله أولى (ق ، غ ١١ ، ٣٩٨ ، ١٣)

ـ اعلم ، أنّا قد بيّنا فيما تقدّم أنّ القادر منّا قد يجب فيه الثبات على بعض الأفعال ، إذا استمرّت به الدواعي في الثبات عليه. وقد يجب أن لا يختار إلّا بعض ما يقدر عليه ، لأمر يرجع إلى الدواعي. وقد بيّنا ، أن ذلك غير ممتنع في القادر ، لأنّه إذا جاز أن يبلغ إلى حدّ الإلجاء فلا يجوز أن يقع منه خلافه ، وإن كان مقدورا له. ويصير كالممنوع من حيث كان بالإلجاء محمولا على الفعل ، أو في حكم المحمول. فكذلك لا يمتنع أن تقوى دواعيه ولا يبلغ حدّ الإلجاء ؛ فلا يختار إلّا ما تعلّقت به تلك الدواعي ، وإن كان قادرا على غيرها. وبيّنا أنّ القول بوجوب اختياره لذلك لا يصحّح القول بالطبع ، لأنّه يصحّ أن تتغيّر دواعيه ، ويقابلها غيرها ، فيتغيّر حاله في الفعل (ق ، غ ١٢ ، ١٢٨ ، ١١)

ـ قالوا : إنّ العالم ، بأنّ النظر موجب للمعرفة ، ربما بلغ به الحال في قوّة الدواعي إلى فعله ، لكي تنال المعرفة مبلغ الإلجاء ، لأنّه تتكامل دواعيه إليها ، ولا داعي له إلى خلافها. فيجب ، من حيث دخل في باب الإلجاء ولحق به ، أن لا يحسن منه ، تعالى ، أن يكلّفه فعلها. واعلم أنّ الأمر بخلاف ما قدّره ، لأنّه وإن قويت دواعيه إلى أن يفعل النظر ، فلن يبلغ في ذلك حدّ الإلجاء. لأنّه قد يمكنه العدول عن النظر إلى خلافه. وقد تتردّد دواعيه بين النظر وخلافه. ولذلك نرى كثيرا من العقلاء يختارون الراحة والدّعة على النظر والاستدلال ، إمّا إيثارا لها وإمّا لبعض الأغراض الفاسدة. وما حلّ هذا المحل ، لا يجوز أن يلحق بباب الإلجاء ، لأنّ من حقّ الملجأ مع وجود سبب للإلجاء أن لا يجوز أن يؤثّر خلافه على وجه من الوجوه ، على ما بيّناه في أبواب الإلجاء من قبل. فإذا ثبت ذلك ، لم يمتنع في العاقل أن يرد عليه الخاطر فيخوّفه من ترك النظر والمعرفة ، فيلزمه عند ذلك فعلهما ، ويقبح منه تركهما ، على الوجه الذي بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٤ ، ١٧)

ـ إنّ الإلجاء لا يخرج الملجأ من أن يكون على الفعل قادرا ، وباختياره متعلّقا. لأنّ المشاهد للسبع إذا خاف على نفسه ، فهو ملجأ إلى الهرب ، وهربه يقع باختياره. لأنّه متى عرض له في الهرب طرق ، اختار سلوك أحدها ،

وفعل ذلك بحسب قدرته ، لأنّه يعدو على حسب ما يقدر عليه في السرعة والإبطاء ، ويفعل السلوك بحسب علمه في قرب الطريق وبعده. فليس يخرجه الإلجاء أن يكون قادرا على ما يقع منه ، وإن صرفه من فعل إلى فعل ، كما قوي في نفسه من العلم بالمضرّة والخوف الشديد. فيجب ، إن سلك القوم في الطبع هذا المسلك ، أن يقولوا : إنّ قوة الدواعي إلى النظر ، تصرف القادر عن ترك النظر إلى النظر ، ولا يخرج هو من أن يكون واقعا باختياره وقدرته. وهذا قولنا ، فالإلجاء بأن يقوّي ما نقوله أولى. ولعلّ من تعلّق منهم به ، ظنّ أننا نوافقهم ، ونجعل الفعل عنده واقعا بالطبع ، فأراد أن يحمل ما يحصل عند الدواعي القوية عليه. وقد أخطأ في ذلك ، لأنا نسوّي بين الأمرين ، وإن جعلنا للإلجاء من الحكم ما لا نجعله من الدواعي القويّة (ق ، غ ١٢ ، ٣١٧ ، ٦)

ـ إنّ الإلجاء يمنع من استحقاق الذمّ والمدح كما يمنع من استحقاق الثواب والعقاب (ق ، غ ١٣ ، ٤٢١ ، ١٢)

ـ أمّا الإلجاء في الآخرة فهو على وجه لا مضرّة فيه. فكذلك نقول إنّ الآخرة استمرار استحقاق العوض (ق ، غ ١٣ ، ٤٦٣ ، ١٧)

ـ إنّا لا نعتبر في باب الإلجاء إلّا بنفس السبب الذي به يثبت الإلجاء دون المقدّمات التي لا بدّ منها لكي يكون ذلك السبب ملجئا. وهذا كما نقوله في تعليق الأحكام بالعلل أنّ المعتبر هو ما به يثبت الحكم دون ما يتقدّم وإن كان لا بدّ منه ولولاه ما حصلت العلّة (ق ، غ ١٣ ، ٤٦٤ ، ٣)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّ الإلجاء آكد من الإيجاب ، لأنه دالّ أنّ الفعل معه لا يخرج عن صفة الواجب ، وهو مع ذلك لا بدّ من وقوعه (ق ، غ ١٤ ، ١٩ ، ١٤)

ـ وبعد ، فإنّ الفعل لا يجوز أن يقترن به الإلجاء ، إلّا في أن يفعل ، أو ألّا يفعل ، لأنّ ثبوت الإلجاء إلى الوجهين يستحيل ، فإن صار ملجأ إلى فعله ، فلو لم يفعله لا يستحقّ الذمّ ، كما يقوله في الهرب من السبع بالعدو على الشوك ، وإن كان ملجأ إلى ألّا يفعله ، فلو فعله لاستحقّ الذمّ أو المدح. وقد بيّنا أنّ الذي به ينفصل الواجب من غيره ، هو استحقاق الذمّ بألّا يفعل ، وأنّ استحقاق المدح على فعله قد يوافقه فيه المندوب ، فلا يدخل تحت الحدّ الواجب ، وذلك ثابت في العدو على الشوك تخلّصا من السبع ، فيجب القضاء بوجوبه ؛ فإن كان المعلوم من حال الملجأ أنّه سيفعله لا محالة ، فكأن الواجب إذا اقترن به الإلجاء ، أثّر في حكمه ، لا في وجه وجوبه ، كما أن القبيح إذا اقترن به الإلجاء أثر في ذلك ، وكما أن فقد العقل إذا اقترن بالقبيح أثّر في حكمه ، لا في قبحه (ق ، غ ١٤ ، ٢٠ ، ١٦)

ـ أمّا الفعل إذا أدّى إلى نفع ، وهو بنفسه يقع ، فهو داخل في الإلجاء (ق ، غ ١٤ ، ٢٦ ، ٦)

ـ إنّ الإلجاء في أنّه يصرف عن الفعل على كل حال ، أصل متقرّر في الشاهد ، ولذلك يحل محل المنع ، ألا ترى أنّ أحدنا إذا علم أنّه لو رام الإقدام على ملك بين يديه جيشه وحشمه ، لقطع دون ذلك ، بل كان يقتل قبل وصوله إلى ما رامه ، أنّه ينصرف بذلك عن هذا الفعل ، كانصراف من قد منع من القرب من الملك ، وحيل بينه وبينه ، بل قد عرفنا أنّ الظنّ في ذلك يقوم مقام العلم ، وإذا ثبت ذلك وصحّ أنّ

الإعلام منه تعالى آكد مما ذكرناه في الشاهد ، فيجب أن يحكم بأنّه يصرف العبد عن القبيح ، كما أن المنع يصرفه عنه ، وذلك يمنع من التكليف (ق ، غ ١٤ ، ١٣٥ ، ١٣)

ـ إنّ الإلجاء والحمل يسقط وجوب الواجب ، ويخرج فاعله من أن يستحقّ به المدح ، على ما قدّمناه في باب الإلجاء ، وإن كان قد يجوز أن يستغني عن هذه الشريطة ، من حيث يسقط وجوبه أصلا مع الإلجاء (ق ، غ ١٤ ، ١٧٨ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ الإلجاء لا يدخل فيما يفعل لحسنه ، أو لا يفعل لقبحه ، ولذلك لا يصحّ الإلجاء على القديم سبحانه ، مع علمنا بأنّه يفعل الفعل لحسنه ، ولا يفعل المقبّحات لقبحها ، فإذا انفرد المفعول والمتروك بما ذكرناه ، لم يتعلّق الإلجاء به. فأما إذا افترق بذلك المنافع والمضار ، فالإلجاء فيه مدخل عليها (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٣ ، ١٢)

ـ إنّ الداعي إذا قوي ، وبلغ حدّ الإلجاء ، فإنّما يخالف حاله حال ما لا يبلغ هذا المبلغ في أحكام : منها سقوط الذمّ والمدح ، فيصير الملجأ وإن فعل وترك بمنزلة الساهي والنائم. ومنها قبح التكليف ، وزوال الأمر والنهي ، لأنّ ذلك إنّما يحسن فيما يصحّ فيه الذمّ والمدح. ومنها أنّ فعل الملجأ كأنّه فعل الملجئ ، في أنّه لا يتعلّق به شكر ولا ذم ، إن كان من باب الإحسان والإساءة. ومنها أنّ فعله يصير كأنّه فعل الملجئ ، في باب العوض ، فيتعلّق ذلك بالملجئ دونه ، وكل ذلك مما بيّناه متفرّقا في الكتاب. ولهذه الجملة قلت : إن ما يتناوله التكليف من الفعل والترك ، لا بدّ من أن يقترن بنفعه الضرر ، وبضرره النفع. حتى تتردّد دواعيه بين الفعل والترك ، فيزول فيه الإلجاء ، ويصحّ أن يفعله على الوجه الذي كلّف أو لا أن يفعله ، وعلى الوجه الذي لزمه ألّا يفعله (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٣ ، ١٦)

ـ إنّ الإلجاء لا يصحّ في المنافع الغائبة المستدركة بالنظر ، وإنّما يصحّ في الحاضر ، أو فيما هو في حكم الحاضر. فإذا صحّ ذلك لم يجب أن يدخل الإلجاء في باب التكليف ، كما دخل في مصالح الدنيا. ولذلك قلنا : إنّ الإلجاء أوكد سببا من الإيجاب ؛ لأنّه ، إذا صار في الفعل دفع ضرر عظيم ، فقد زاد وجه فعله على القدر الذي يجب لأجله ، فحصل ملجأ إلى فعله. لكن الغرض بتكليف الشرائع ، وغيرها ، استحقاق الثواب على الحدّ الذي يستحقّ عليه المدح والتعظيم. وذلك لا يتأتى في الإلجاء. فلذلك لم يدخل تحت هذا التكليف (ق ، غ ١٥ ، ١٣٦ ، ١٤)

ـ إنّما المعنيّ بالإلجاء عندهم (المعتزلة) إظهار آيات هائلة يؤمن عندها الكفّار (ج ، ش ، ٢١٤ ، ١)

ـ لكل قوم هاد قادر على هدايتهم بالإلجاء وهو الله تعالى ، ولقد دلّ بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته أنّ إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره أمر مدبّر بالعلم النافذ مقدّر بالحكمة الربانيّة ، ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرا ومصلحة لأجابهم إليه (ز ، ك ٢ ، ٣٥٠ ، ٢٠)

إلجاء آكد من إيجاب

ـ إنّما يعني شيوخنا ، رحمهم‌الله بقولهم : إنّ الإلجاء آكد من الإيجاب ؛ أنّه أبلغ منه فيما لو يفعل ، وأنّه كهو في استحقاق الذمّ بأن لا

يفعل ، لا أنّ معنى الوجوب في الحقيقة يصحّ فيه. وقد يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل الواجب ، وأحكامه أحكام القبيح ، فلا وجه لشرح القول فيه. وقد يستحقّ المدح بأن لا يفعل القبيح ، إذا كان له إلى فعله داع. والقول فيه ، كالقول في فعل الواجب. وإنّما تحصل هذه الأحكام ، لمن يصحّ أن يحدث الفعل. فمتى أحدثه على بعض الوجوه ، ولم يفعله مع التمكّن وزوال الأعذار ، تعلّقت هذه الأحكام به. ولهذا قلنا إنّ المجبرة لا يصحّ لها القول بشيء من هذه الأحكام في الشاهد ، لإضافتها هذه الأفعال إلى القديم ، جلّ وعزّ. وفي هذا إفساد طريق إثباته في الغائب (ق ، غ ٨ ، ١٧٦ ، ١٠)

إلزام

ـ اعتمد مثبّتو الأحوال على الدلالة والإلزام : أمّا الدلالة فهو أنّهم قالوا : الذوات المختلفة كالسواد والبياض مثلا لا محالة أنّهما متّفقان في شيء وهو اللونيّة ، ومختلفان في شيء وهو السواديّة والبياضيّة ، وليس ما به وقع الاتّفاق ، هو ما به وقع الاختلاف ، وإلّا كانا شيئا واحدا ؛ فإذا هما غيران وهو المقصود. وأمّا ما اعتمدوه إلزاما ، فهو أنّهم قالوا : القول بإنكار الأحوال يفضي إلى إنكار القول الحدود والبراهين ، وأن لا يتوصّل أحد من معلوم إلى مجهول. ولا سيّما صفات الربّ تعالى ؛ إذ منشأ القول بها ليس إلّا قياس الغائب على الشاهد. وهذا كله محال (م ، غ ، ٣١ ، ٥)

ألطاف

ـ إنّما يفعل تعالى الألطاف لغيره لا لنفسه ، تعالى عن ذلك. وهذا الوجه يعود في التحقيق إلى ما تقدّم ؛ لأنّ أحدنا إنّما يجب عليه اللطف ليدفع به الضرر عن نفسه من حيث لو لم يفعله لاستحقّ العقاب ، من حيث كان يختار القبيح والإخلال بواجب ، فصار اللطف من حيث يقتضي ألّا يفعل ذلك في حكم ما يزيل به عن نفسه العقاب مع ما يستحقّ عليه من الثواب. وقد بيّنا أن هذا الوجه لا يصحّ عليه تعالى (ق ، غ ١١ ، ٨٩ ، ١١)

ـ الألطاف إنّما تجب ، لأنّها مصالح فيما كلّف وألزم (ق ، غ ١٤ ، ٥٤ ، ١٠)

ـ أمّا الشرائط الرّاجعة إلى الآمر ، فتختلف بحسب الآمرين. فإن كان الآمر هو الله عزوجل ، وجب أن يعلم من حال المكلّف والمأمور به والأمر ما ذكرناه ؛ وأن يكون غرضه تعريض المكلّف للثّواب ، وأن يكون عالما بأنّه سيشيبه إن أطاع ولم تحبط طاعته. وإن كان الآمر لا يعلم الغيب ، وجب أن يعلم حسن ما أمره به ، وثبوت غرض فيه إمّا له أو لغيره ؛ وأن يظنّ أنّ المكلّف سيتمكّن من الفعل التّمكّن الذي ذكرناه. والدّلالة على اشتراط ما ذكرناه ، هو أنّ الله سبحانه ، مع حكمته ، لا يجوز أن يلزمنا المشاق مع إمكان إلزامه إيّانا غير شاق ، إلّا ليجعل في مقابلته الثّواب. وإلّا جرى إلزامه الشّاق مجرى ابتداء المضارّ من غير نفع. ولا يكون غرضه ما ذكرناه إلّا وهو سيثيب المطيع. فإذا كان عالما بما يكون ، فهو عالم أنّه يفعل ذلك. ولا يكون غرضه ما ذكرناه ، إلّا وقد أزاح علل المكلّف بالتّمكّن ، وتردّد الدّواعي التي يزول معها الإلجاء. ويدخل في ذلك الألطاف ورفع المفاسد. فلذلك لم يرد الأمر منه تعالى على وجه المفسدة. ولأنّه إن لم يكن المكلّف متمكّنا من

الأمور التي ذكرناها ، في الوقت الذي يحتاج إليه الفعل ، كان قد كلّفه ما لا يطيقه. وقد دخل في ذلك ما يجب أن يتقدّم من التّمكين والأدلّة والأمارات. وقد دخل تحت تمكّن المكلّف من الفعل أن يكون الفعل غير مستحيل في نفسه. لأنّه لا يجوز أن يتمكّن القادر من فعل ما يستحيل في نفسه. فقد دخلت الشّرائط المذكورة تحت ما ذكرناه (ب ، م ، ١٧٩ ، ٩)

ـ من لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه فهو في ظلمة الباطل لا نور له ، وهذا الكلام مجراه مجرى الكنايات ، لأنّ الألطاف إنّما تردف الإيمان والعمل أو كونهما مترقبين (ز ، ك ٣ ، ٧٠ ، ٩)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسّط الأنبياء عليهم‌السلام امتحانا واختبارا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٢٠)

ـ التكاليف كلها ألطاف ، وبعثة الأنبياء ، وشرع الشرائع ، وتمهيد الأحكام والتنبيه على الطريق الأصوب ، كلها ألطاف (ش ، م ١ ، ٨١ ، ٢٢)

ـ في الألطاف : القول بها فرع على القول بالعدل ، فلا نناظر المجبر فيهما ، إذ هي ما يحار المكلّف عنده الفعل والترك (م ، ق ، ١٠٤ ، ٢٢)

ألقاب

ـ الألقاب تجري مجرى الإشارة ، لأنّ اللقب لا يفيد فيه صفة مخصوصة ، ولا مجموع صفاته. ألا ترى أنّه ينقص بعض صفاته وأعضائه ، ويزيد له صفة أخرى من طول وسمن ، ولا يتغيّر اسمه. ويجوز أن تتغيّر الألقاب على الشخص ، مع أنّ اللغة باقية ، وإنّما جاز ذلك لأنّ تسمية هذا الشخص" زيدا" لم تكن توضع من واضعي اللغة ، حتى إذا سلبناه عنه كنا قد خالفنا لغتهم. وليس كذلك إذا سلبنا اسم الطويل عن الطويل ، وعوّضناه منه اسم القصير ، لأنّ ذلك تغيير لوضعهم. فلم يجز ذلك ، مع أنّنا متكلّمون بلغتهم (ب ، م ، ١٥ ، ٢٣)

الله

ـ أمّا قولنا الله فمعناه ما ذكرناه في قولنا إله ، لكن الصيغة غيّرت ، وإن كانت الفائدة واحدة ، فحذفت الهمزة استثقالا ؛ وعوّضوا الألف واللام منها ، واللام الأولى ساكنة ، فأدغمت في الثانية ، فصار الله. وقال شيخنا أبو علي : إنّ الهمزة خفّفت ، فلزم إدغام إحدى اللامين في الأخرى ، فوجب أن يقال إنّه الله (ق ، غ ٥ ، ٢١٢ ، ١)

ـ قال شيخنا أبو هاشم : إنّ أهل العربية يقولون إنّ تسمية الله جارية مجرى أسماء الأعلام ، ومرادهم بذلك أنّ استعمالهم له يجري مجرى استعمالهم لأسماء الأعلام دون الصفات ، وإن كان يتضمّن معنى وصفه بأنّه إله ، فلذلك قيل فيه سبحانه إنّه يسمّى بذلك فيما لم يزل ولا يزال كما قيل ذلك في إله (ق ، غ ٥ ، ٢١٢ ، ٦)

ـ أمّا" الله" ، فالصحيح أنّه بمثابة الاسم العلم للباري سبحانه ، ولا اشتقاق له. ثم قيل : أصله إله ، فزيدت اللام فيه تعظيما. وقيل : الإله ، ثم حذفوا الهمزة المتخلّلة ، وأدغموا اللام للتعظيم في التي تليها. وقيل : أصله لاه ، فزيدت فيه

اللام تعظيما. وقال بعض أهل اللغة : هو من التألّه ، وهو التعبّد ، فالله معناه المقصود بالعبادة (ج ، ش ، ١٣٨ ، ٧)

ألم

ـ اعلم أنّ الملتذّ إنما يلتذّ بإدراك ما يشتهيه ، فمتى أدرك ما هذه حاله صار ملتذّا. وإنّما يصير ألما متى أدرك ما ينفر طبعه عنه ، فعند ذلك يوصف بأنه ألم (ق ، غ ٤ ، ١٥ ، ٤)

ـ إنّ شيخنا أبا إسحاق بن عياش رحمه‌الله كان ينفي الألم أصلا ، ويقول إنّه ليس بمعنى وإنّما يألم الحيّ إذا بطلت صحّة جسمه وانتفت الحياة عنه عن ذلك الموضع فيألم عند ذلك كما يألم إذا أدرك المرارة (ق ، غ ٩ ، ٥٩ ، ٩)

ـ إنّ الألم لا يوجد من فعلنا إلّا متولّدا أو يسببه التفريق الذي تنتفي به الصحّة (ق ، غ ١٣ ، ٢٣٧ ، ١)

ـ إنّ الألم قد يحسن للنفع كما يحسن للاستحقاق ، وإن كان الوجهان يصحّ في القديم تعالى (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٧ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الألم لو قبح لذاته وجنسه لوجب أن تقبح اللذّة لأنّها قد تكون من جنس الألم على ما بيّناه من قبل. وذلك ينقض مذهب القوم. ولو قبح لجنسه وذاته ، لكان لا تعلّق لقبح الفعل بفاعله البتّة. وفي علمنا بأنّ في القبائح ما يتغيّر حاله بمقاصده دلالة على فساد هذا القول. وقد علمنا أن تناول المأكول بعد الشبع من جنس تناوله قبله ، فكان يجب إذا قبح أحدهما أن يقبح الآخر ؛ وكان يجب في كل قبيح ـ على هذه الطريقة ـ أن يقبح لذاته وجنسه ، حتى يقبح الصدق على كل وجه إذا كان جنس الكذب ، وحتى يقبح المشي إلى ما ينفع كما يقبح إلى ما يضرّ. وفي ذلك قلب العقول ونقض مذاهب القوم (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٨ ، ٩)

ـ اعلم أنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله ذكر في مسائله من غير قطع عليه أنّ الألم لا يمتنع أن يقبح لأنّه ضرر ، ودلّ عليه بأنّه متى علم ضررا ، أو جوّز كونه كذلك ، علم أنّه قبيح. وإنّما يعلم حسنه بخروجه من هذه الصفة (ق ، غ ١٣ ، ٢٩٣ ، ٣)

ـ إنّ الألم قد يحسن لدفع ضرر أعظم منه (ق ، غ ١٣ ، ٣٣٥ ، ٢)

ـ إنّ الألم إنّما يجوز على الحيّ منّا لكونه حيّا نافر الطبع عن المدرك ، لا لكونه عاقلا. وبيّنا أنّ الألم نفسه لا يحتاج إلى كمال العقل ولا النفور. وكذلك القول في الشهوة واللذّة ؛ إذا صحّ ذلك فيجب القضاء بأنّ غير العاقل كالعاقل في صحّة الآلام عليه. وإذا ثبت ذلك لم يمكن القطع على أنّ الطفل لا يألم (ق ، غ ١٣ ، ٣٨٣ ، ٣)

ـ زعم (أبو هاشم) أنّ الألم الذي يلحق الإنسان عند المصيبة ، والألم الذي يجده عند شرب الدواء الكريه ، ليس بمعنى أكثر من إدراك ما ينفر عنه الطبع ، والإدراك ليس بمعنى عنده ، ومثله إدراك جواهر أهل النار في النار ، وكذلك اللذّات عنده ليست بمعنى ولا هي أكثر من إدراك المشتهي ، والإدراك ليس بمعنى. وقال في الألم الذي يحدث عند الوباء : إنّه معنى كالألم عند الضرب ، واستدلّ على ذلك بأنه واقع تحت الحسّ ، وهذا من عجائبه (ب ، ف ، ١٩٦ ، ١٤)

ـ الألم هو معنى يحدث في الحيّ منّا عند التقطيع ، ويتعلّق به النفار ، وهو من

المدركات. ولا يمكن المنع من ثبوت معنى مدرك ، وإنّما يقع الكلام في إثباته مفصّلا على الحدّ الذي نذكره. والحال في اللّذة يجري على هذا النحو. وإنّما يفترق الحال فيهما لافتراق ما يقترن بهما وإلّا فهما من نوع واحد (أ ، ت ، ٣٠٧ ، ٣)

ـ نفى الشيخ أبو إسحاق بن عيّاش أن يكون الألم معنى على الحدّ الذي نثبته. وقال : ليس هو إلّا خروج الجسم عن الاعتدال وجعل اللّذة حصول الاعتدال في الجسم وزوال أجزاء عنه كانت بمنزلة حمل الثقيل ، فأدّاه هذا القول إلى أن نفى النفار. ويلزمه نفي الشهوة إذا جعلناه لذّة على بعض الوجوه (أ ، ت ، ٣٠٧ ، ٧)

ـ الألم هو من الأجناس المقدورة لنا لوقوعه بحسب أحوالنا وبحسب ما نفعله من أجزاء الوهى ، ولكنّه ملحق بالأجناس التي لا يصحّ منّا أن نفعلها إلّا متولّدة كالصوت والتأليف ، فسبيله سبيلهما وهذا ظاهر ، لأنّه يتعذّر علينا الإيلام من دون تقطيع ويتعذّر إيجاد اللّذة من دون حكّ الجرب. ولو كان ذلك مقدورا له ابتداء لصحّ أن يفعله من دونه ، لأنّه يستضرّ بالحكّ. فثبت أنّا إنّما نقدر على فعله متولّدا. وهذا الحكم لا يجوز تعليله بعلّة لأنّا إن جعلنا العلّة كوننا قادرين بقدرة ، لم يصحّ لأنّا قد نوجد الكثير من الأجناس مبتدأ ، فكيف نجعل الحاجة إلى السبب لأجل القدرة. وهذا هو الواجب في غيره من الأجناس كي لا يصحّ فعله إلّا متولّدا (أ ، ت ، ٣٢٥ ، ٣)

ـ الألم نقصان ، ثم هو محوج إلى سبب ، هو ضرب ، والضرب مماسّة تجري بين الأجسام ، واللذّة ترجع إلى زوال الألم ، إذا حقّقت ؛ أو ترجع إلى درك ما هو محتاج إليه ، ومشتاق إليه (غ ، ق ، ١١٣ ، ٢)

إله

ـ إن قيل : أفيوصف تعالى بأنّه إله؟ قيل له : نعم! والمراد بذلك أنّه ممن تحقّ له العبادة وتليق به عند شيخينا أبي علي وأبي هاشم ، رحمهما‌الله ، وأبطلا قول من قال : إنّ الفائدة بذلك إنّه يوله إليه ، واستدلالا على ذلك بما ثبت عن أهل اللغة من وصفهم الأصنام أنّها آلهة من حيث اعتقدوا فيها أنّ العبادة تحقّ لها. وليس قولنا إن العبادة تحقّ له من قولنا إنّا يستحقّ العبادة بسبيل ، لأنّ معنى القول إنّه يستحقّ العبادة أنّ هناك مستحقّا عليه ، فلذلك لا يوصف به فيما لم يزل. وأما قولنا إن العبادة تحقّ له يراد بذلك أنه في ذاته ممن يصحّ أن ينعم الإنعام الذي به يستحقّ العبادة فتحقيقه يرجع إلى أنه قادر على خلق الأجسام وإحيائها والإنعام عليها النعمة العظيمة التي معها تصحّ العبادة ، فلذلك قلنا إنّه فيما لم يزل ممن تحقّ له العبادة من حيث كان قادرا لنفسه فيما لم يزل ، ولذلك خصّصناه بأنّه إله دون غيره من حيث اختصّ بكونه قادرا على القدر الذي يستحقّ به العبادة دون سائر القادرين (ق ، غ ٥ ، ٢١٠ ، ٩)

ـ إنّ الإله هو الذي تحقّ له العبادة وتليق به. ومعنى هذا الكلام أنّه القادر على أن يفعل من الإنعام ما يستحقّ به ذلك. فلمّا اختصّ بذلك دون غيره اختصّ بكونه إلها. وليس يستحقّ العبادة من حيث كان قادرا على فعل ما يستوجبها ، وإنّما يستحقّها من حيث فعل ذلك. ولذلك نصفه ـ تعالى ـ بأنّه إله الجماد ولا

يستحقّ العبادة على الجماد ؛ وإن كان قادرا على أن يفعل به ما يستحقّ معه العبادة فهو غير فاعل به ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤١٨ ، ١٨)

ـ حلوليّة الرافضة فإنّهم وإن قالوا بأنّ الإله قديم فقد زعموا أنّ روح الإله انتقلت إلى الأئمة ، وزعموا أنّ الإمام بعد حلول روح الإله فيه يصير صانعا وإلها وهو حادث بنفسه (ب ، أ ، ٧٢ ، ٢)

ـ اختلف أصحابنا في معنى الإله : فمنهم من قال إنّه مشتقّ من الإلهيّة وهي قدرته على اختراع الأعيان ، وهو اختيار أبي الحسن الأشعري ، وعلى هذا القول يكون الإله مشتقّا من صفة. وقال القدماء من أصحابنا أنه يستحقّ هذا الوصف لذاته وهو اختيار الخليل بن أحمد المبرّد وبه نقول (ب ، أ ، ١٢٣ ، ٣)

إلهام

ـ (قال) (ابن الروندي) : ثم قال (يعني الجاحظ) : إنّهم (يعني الشيعة) جنوا على ولد رسول الله عليه‌السلام ومنعوهم من طلب العلوم ووهموهم أنّ الله يلهمهم إيّاها إلهاما. (قال) فإنّه لم يقصد به إلى خبر الشيعة ، لأنّه يعلم أنّه ليس كل الشيعة تقول بالإلهام ، وأنّ من قال منهم بالإلهام يزعم أنّ الناس جميعا لا يدركون العلوم إلّا بالإلهام ، وليس يخصّون بهذا ولد رسول الله صلى الله عليه دون غيرهم ، إلّا أنهم يفرّقون بين من يأتمّون به من ولد الرسول وبين غيرهم من سائر ولد الرسول ، وهم مع هذا يلتمسون العلوم ويطلبونها طلبا شديدا. فلو منعوا ولد الرسول منها لأنّها تقع إلهاما لامتنعوا هم أيضا منها لأنّها تقع لهم في عقدهم كذلك ؛ وما فيهم إلّا من يزعم أنّ ولد الرسول مأمورون بالتعلّم من سادة أهلهم وأعلامهم (خ ، ن ، ١١٠ ، ١٣)

إلهية

ـ إنّ الإلهيّة لمّا صحّت صحّ معها الاقتدار على الإبداء والإعادة (ز ، ك ٢ ، ٥٦٧ ، ٧)

ـ قالت الصفاتية من الأشعرية والسلف إنّ الباري تعالى عالم بعلم قادر بقدرة حي بحياة سميع بسمع بصير ببصر مريد بإرادة متكلّم بكلام باق ببقاء ، وهذه الصفات زائدة على ذاته سبحانه ، وهي صفات موجودة أزليّة ومعان قائمة بذاته. وحقيقة الإلهية هي أن تكون ذات أزليّة موصوفة بتلك الصفات (ش ، ن ، ١٨١ ، ٥)

أم الكتاب

ـ أم الكتاب بالكسر وهو اللوح كقوله تعالى (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (البروج : ٢١ ـ ٢٢) سمّي بأم الكتاب لأنّه الأصل الذي أثبتت فيه الكتب منه تنقل وتستنسخ (ز ، ك ٣ ، ٤٧٧ ، ١٥)

إماتة

ـ جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع. فإن قلت : فإذا لا حياة إلّا حياة الإنشاء وحياة البعث. قلت : ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أنّ الثلث ليس عندك ، وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة : الإنشاء والإماتة والإعادة ، والمطويّ ذكرها من جنس الإعادة (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٣)

أمارات

ـ الأمارات تنقسم : فمنها ، ما يجب لا محالة. ومنها ما لا يجب ذلك فيه لعادات سابقة ولأمور معروفة عند العقلاء. وتنقسم من وجه آخر ؛ فربما وجب أن تكون حادثة ، وربما كانت مرتّبة في النفس لطرائق معروفة بالاختبار والعادة ، وربما ظهر الأمر فيها ، وربما غمض. فلذلك تختلف أحوال الخائفين ، وتختلف أحوال ما يعلمون وجوبه من نظر وتصرّف عند ورود الخوف عليهم. وتقصّي القول في الأمارات يطول (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ١٢)

ـ إنّ الخاطر هو كلام يفهمه من يرد عليه ، وسنبيّن ذلك من حاله. ولو كان ظنّا واعتقادا كما قاله شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، لكان لا يمتنع أيضا أن يقوم مقام دعاء الداعي. لأنّه يقتضي الخوف للأمارات المضامّة له ، لا بنفسه. فكيف لا يكون بمنزلة الخبر الواقع من الداعي؟ وقد قال شيخنا أبو هشام ، رحمه‌الله : إنّ الخاطر مع ما ينضاف إليه من الأمارات ، أقوى من الخبر بانفراده. فإذا كان الخبر يقتضي التخويف ، فبأن يقتضي الخاطر ذلك أولى. لكنّ دعاء الداعي مع ما ينبّه عليه من جهات الخوف ، التي يتبيّنها العاقل ، أقوى لا محالة من الخاطر مع ما يقترن به. لكن كل ذلك لا يقدح في تساويهما في باب التخويف الواقع ، ولا يمتنع أن تتفاوت أحوال الأمارات والأخبار وغيرهما فيما يحصل من الظنّ عندهما. لكنها أجمع لا تخرج من أن تكون أمارات تقتضي الظنّ وتتعلّق بها الأحكام (ق ، غ ١٢ ، ٣٩٦ ، ١)

أمارات

ـ زعمت" الدهرية" : أنّ الأجسام التي نشاهدها قديمة. وقالت" الموحّدة" : هي محدثة ، لأنّ الإمارات التي فيها من التحوّل والتنقل والتبدّل والاجتماع والافتراق أمارات الحدوث لا القدم (ع ، أ ، ١١ ، ٨)

أمارات ظنية

ـ إنّ الإمارات الظنيّة إذا تواترت أدّت إلى حكم العقل جزما بما توافقت عليه في إثباته ، وذلك كالتجربيّات المعدودة في الضروريّات (ط ، م ، ٣٥٣ ، ٩)

أمارة

ـ وجوب النظر في معرفة الله ، تعالى ، يتبع الخوف من تركه ، وذلك الخوف لا بدّ من أن يكون خوفا من مضارّ تتّصل بالدين كالعقاب والذمّ وما شاكلهما ، ولم يكن قد ترتّب في عقل العاقل هذا الباب من جهة العادة حتى نشأ عليه واختبره ومارسه كما نمارس الصناعات وتصرّف الناس ، فيعرف بذلك المقاصد وتترتّب عند ذلك في نفسه العلوم بالصناعات. فلا بدّ إذن من ورود أمارة عليه لكي يخاف عندها ، فيلزمه النظر. وتلك الأمارة هي تنبيه الداعي والخاطر ، لأنّهما يفيدانه ما يخاف عنده من العقاب بترك النظر ، ويدلّانه على ما ترتّب في عقله من الخوف الذي يجده فاعل القبيح والنقص الذي يختصّ به. فإنّه لا يأمن من مضرّة عظيمة تستحقّ به ، فيخاف عند ذلك. وسنرتّب كيفية الخاطر من بعض. فإذا ثبت ذلك ، صحّ أنّ علمه بوجوب النظر يتبع هذا الخوف. فإنّ هذا الخوف لا بدّ فيه من أمر حادث لفقد العادات فيه ، وأنّ ذلك الأمر الحادث هو الذي قلناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٧ ، ٦)

ـ قد علمنا أنّه لا فائدة له بأن يكون المخبر على صفة أو ليس عليها ، وأنّ فائدته في ذلك إنّما تقع بأن نعلمه كذلك ، أو نعتقده على طريقة الظنّ. ولا حكم لما عدا هذين ؛ لأنّ ما خرج عنهما يصير كالتبخيت ، الذي وقوعه عقيب الخبر ، يحلّ محلّ وجوده ابتداء. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه ، فيما يقتضيه من العلم ، لا يخرج من قسمين : إمّا أن يقع ، عنده ، من فعل الله سبحانه ، فيكون علما ؛ أو ينظر فيه السامع فيكسب ، بنظره في أحوال الخبر ، علما. وما لا يمكن ذلك فيه فلا بدّ من أن تكون أمارة ، حتى تقع له به فائدة وغلبة الظنّ ، ثم يكون المظنون (فيما) تتعلّق عليه العبارة ، فيه ، بحسب قيام الدلالة ؛ فإن كان من باب العمل صحّ أن يلزم ، عند النظر ؛ وإن كان من باب العلم لم يصحّ أن يلزم عنده ، على ما نبيّنه من بعد (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٢ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الأمارة هي التي النظر الصحيح فيها يؤدّي إلى الظنّ. وبذلك نتميّز من الدلالة. والمتكلّمون يسمّون كل ما هذه سبيله" أمارة" ، عقليّا كان أو شرعيّا (ب ، م ، ٦٩٠ ، ٣)

ـ الأمارة هو الذي يلزم من العلم بها ظنّ وجود المدلول (ف ، م ، ٤٤ ، ٢٨)

ـ الأمارة : لغة العلامة ، واصطلاحا هي التي يلزم من العلم بها الظنّ بوجود المدلول كالغيم بالنسبة إلى المطر فإنّه يلزم من العلم به الظنّ بوجود المطر ، والفرق بين الأمارة والعلامة أنّ العلامة ما لا ينفكّ عن الشيء كوجود الألف واللام على الاسم ، والأمارة تنفكّ عن الشيء كالغيم بالنسبة للمطر (ج ، ت ، ٥٨ ، ١٠)

إمارة

ـ الإمارة هي التي يلزم من النّظر فيها الظنّ بالمدلول (ط ، م ، ٦٦ ، ١٩)

أمارة الشيء

ـ قد تسمّى أمارة الشيء ودلالته باسمه كما تسمّى دلائل العلم علما فيقال" في هذا الدفتر علم كثير" والمراد بذلك دلالات العلم. وكذلك يقال" كلام كثير" والمراد بذلك دلالاته. وقد يقال أيضا" رأيت الحبّ في وجه فلان" وإنّما رأى دلالته (أ ، م ، ١٥٢ ، ٢٣)

أمارة العجز

ـ إنّ الذي قالوا أمارة العجز ؛ إذ لا يقدر العبد على ما لا يتحقق مفعوله معه ، كما لا يقدر عليه دون استعمال نفسه بالتحريك والتّسكين (م ، ح ، ٤٨ ، ١٧)

إمام

ـ كان أبو بكر إماما بعقد المسلمين له الإمامة وإجماعهم على إمامته ، وكان عمر إماما بنصّ أبي بكر على إمامته ، وكان عثمان إماما باتفاق أهل الشورى عليه ، وكان عليّ إماما بعقد أهل العقد له بالمدينة (ش ، ق ، ٤٥٦ ، ٥)

ـ إنّما يصير الإمام إماما بعقد من يعقد له الإمامة من أفاضل المسلمين الذين هم من أهل الحلّ والعقد والمؤتمنين على هذا الشأن ؛ لأنّه ليس لها طريق إلّا النص أو الاختيار ؛ وفي فساد النص دليل على ثبوت الاختيار الذي نذهب إليه (ب ، ت ، ١٧٨ ، ٨)

ـ الإمام إنّما ينصب لدفع العدو وحماية البيضة وسد الخلل وإقامة الحدود واستخراج الحقوق (ب ، ت ، ١٨٤ ، ٦)

ـ إنّ الإمام إنما ينصب لإقامة الأحكام وحدود

وأمور قد شرّعها الرسول ، صلى الله عليه ، وقد تقدّم علم الأمّة بها ، وهو في جميع ما يتولاه وكيل للأمّة ونائب عنها ؛ وهي من ورائه في تسديده وتقويمه وإذكاره وتنبيهه وأخذ الحق منه ، إذا وجب عليه ، وخلعه والاستبدال به ، متى اقترف ما يوجب خلعه ؛ فليس يحتاج مع ذلك إلى أن يكون معصوما (ب ، ت ، ١٨٤ ، ١٩)

ـ إنّ العصمة من شرط الرسالة وليس من شرط الإمامة ، لأنّ الرسول إنّما يخبر عن الغيب ويبتدئ الشرع ويوصل من جهته إلى ما لا يمكن الوصول إليه من جهة غيره. وليس كذلك الإمام ، لأنّه قد يشاركه غيره في العلم بحكم ما يمضيه وينفذه ، لأنّ مرجعه إلى الأصول التي هي مقدّرة معلومة ولغيره إلى ذلك طريق متى ما أراد الرجوع إليه أمكنه ، فلم يعتبر في أمره أكثر من عدالة الظاهر واستقامة طريقته فيه واستقلاله بما كلّف واضطلاعه بما يحمله ، مع فقد القطع على باطنه وسرّه لوجود مساواته لظاهره وعلانيته. فمتى أقام الأحكام وأنفذها في الظاهر على ما وردت به الآثار ودلّت عليه آي الكتاب وأقاويل الأمّة ، كان أمره في الإمامة منتظما ، ومتى ما زاغ عن ذلك عدل به إلى غيره وكانت الأمّة عيارا عليه (أ ، م ، ١٨١ ، ٢١)

ـ إنّ الإمام في أصل اللغة هو المقدّم ، سواء كان مستحقّا للتقديم أو لم يكن مستحقّا. وأمّا في الشرع فقد جعله اسما لمن له الولاية على الأمّة والتصرّف في أمورهم على وجه لا يكون فوق يده يد ، احترازا عن القاضي والمتولي. فإنّهما يتصرّفان في أمر الأمّة ولكن يد الإمام فوق أيديهم (ق ، ش ، ٧٥٠ ، ١١)

ـ اعلم أنّ الإمام إنّما يحتاج إليه لتنفيذ هذه الأحكام الشرعية ، نحو إقامة الحدّ وحفظ بيضة البلد وسدّ الثغور وتجييش الجيوش والغزو وتعديل الشهود وما يجري هذا المجرى (ق ، ش ، ٧٥٠ ، ١٧)

ـ ذهبت الإماميّة إلى أنّ الإمام إنّما يحتاج إليه لتعرف من جهته الشرائع (ق ، ش ، ٧٥١ ، ٥)

ـ قد علمنا من جهة العقل ، ما هو تمكين من الفعل ، كالقدرة ، والآلة وسائر ما يختصّ به القادر ، أو يرجع إلى حال الفعل ، فالإمام خارج عن ذلك كله ، فلا يصحّ أن يقال : إنّه تمكين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٩ ، ٨)

ـ إنّا نقول إنّ إقامة الإمام واجب ، ولسنا نقول : إنّ كون إمام في كل زمان واجبا لا بدّ منه (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٧٤ ، ١٣)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم فإنّه يقول فيما يأتيه الإمام ويقوم به إنّه من مصالح الدنيا ؛ لأنه ليس فيها إلّا اجتلاب نفع عاجل ، أو دفع ضرر عاجل ، دون الثواب والعقاب (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٧٧ ، ١١)

ـ إنّ الإمام إذا أخطأ فخطؤه لا يوجب فسادا في الدين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٠٩ ، ٥)

ـ لا نطلق في الرسول عليه‌السلام أنّه إمام ، على ما نقوله في إمام الزمان ، وإنّما نطلق ذلك بمعنى الاتساع ؛ لأنّ الإمام عبارة عن أمور مخصوصة لا زيادة فيها ولا نقصان ولا تجب ، وإن كان النبي عليه‌السلام يقوم بما يقوم به الإمام فلا يوصف بذلك على الوجه الذي ذكرناه ، كما لا يوصف بأنّه أمير وساعي وحاكم وإن كان يقوم به جميعهم. وليس يمتنع في اللفظ أن يفيد معنى من المعاني إذا انفرد. فإذا كان داخلا في غيره لم يقع الاسم عليه ، وهذا كثير في الأسماء (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٥٠ ، ١٣)

ـ ما بيّناه من حال الصحابة وأنّهم لم يقتصروا في إثبات الإمام على صلاحه لذلك ، بل جعلوه إماما بالعقد (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥٠ ، ٨)

ـ الكلام فيما به يصير الإمام إماما وما يتّصل بذلك. جملة ما يحصل في ذلك أنّه لا بدّ للعقد من صفة ، وللعاقدين من صفة. فأمّا صفة العقد : فأن يقع ممن يصلح للإمامة ولا يكون إماما ولا ذا عهد من إمام وأن لا يقارن هذا العقد عقدا لمثله ممن يصلح للإمامة. لأنّ على هذه الوجوه الثلاثة لا يصير بهذا العقد إماما ، كما لو لم يصلح للإمامة لم يصر بها إماما (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥١ ، ١)

ـ اختلف الناس فيما قدّمنا ، فمنهم من يقول : إنه يصير إماما بأن يخرج ويتصرّف فيما يتّصل بالإمام. ومنهم من يقول : يصير إماما بالعقد والرضا ، ومنهم من يقول : يصير إماما باثنين كالشهادة. واختلف شيخانا في هل يصير إماما لعقد الإمام وعهده وتفويضه الأمر إليه؟ أم لا؟ فعند شيخنا أبي هاشم يصير إماما بهذا الوجه. وعند أبي علي لا يصير إماما بذلك إلّا إذا اقترن به رضا الجماعة أقلّهم على ما تقدّم القول به (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥٣ ، ١)

ـ إنّ الإمام يجب أن يختصّ بالفضل والعلم والرأي والنسب (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٣ ، ٤)

ـ بيّنا أنّ إمامته (عمر) صحّت بتفويض أبي بكر الأمر إليه ، وبيّنا أنّ ذلك أحد الوجوه التي بها يصير الإمام إماما ، وأنّه إن لم يزد في القوة على اختيار الخمسة لم ينقص عنه (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٥ ، ٤)

ـ إنّ الذي هو شرط في الإمام أن يكون أفضل أو كالأفضل في الظاهر دون القطع ، ومن جهة العقل لا يجب أن نعلم ذلك ، كما يجب أن نعلم تمييز الشيء من غيره ، لأنّا قد بيّنا ما لأجله يجب معرفة ذلك ، وأنّه غير موجود في الفضل والأفضل ، وإنّما نجيز القول في ذلك لمّا اختلف فيه الاختلاف الشديد (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١١٢ ، ٤)

ـ إنّ الأمّة إذا اجتمعت كلمتها وتركت الظلم والفساد احتاجت إلى إمام يسوسها ، وإذا عصت وفجرت وقتلت إمامها لم تعقد الإمامة لأحد في تلك الحال (الفوطي) (ب ، ف ، ١٦٣ ، ١٧)

ـ أجازت الروافض غيبته عن جميع الناس وأوجبوا انتظاره ولم يجيزوا نصب إمام في حال انتظارهم من ينتظرونه (ب ، أ ، ٢٧٣ ، ٥)

ـ كل قرشي بالغ عاقل بادر إثر موت الإمام الذي لم يعهد إلى أحد فبايعه واحد فصاعدا ، فهو الإمام الواجب طاعته (ح ، ف ٤ ، ١٠٢ ، ١٦)

ـ أجمعت النجدات على أنّه لا حاجة للناس إلى إمام قط. وإنّما عليهم أن يتناصفوا فيما بينهم. فإن هم رأوا أنّ ذلك لا يتمّ إلّا بإمام يحملهم عليه فأقاموه جاز (ش ، م ١ ، ١٢٤ ، ١٧)

ـ مالت جماعة من أهل السنّة إلى ذلك حتى جوّزوا أن يكون الإمام غير مجتهد ، ولا خبير بمواقع الاجتهاد ، ولكن يجب أن يكون معه من يكون من أهل الاجتهاد فيراجعه في الأحكام ، ويستفتي منه في الحلال والحرام. ويجب أن يكون في الجملة ذا رأي متين ، وبصر في الحوادث نافذ (ش ، م ١ ، ١٦٠ ، ١٧)

ـ القائلون بإمامة عليّ رضيّ الله عند بعد النبيّ عليه الصلاة والسلام ، نصا ظاهرا ، وتعيينا صادقا ، من غير تعريض بالوصف بل إشارة إليه بالعين. قالوا : وما كان في الدين والإسلام أمر أهمّ من تعيين الإمام ، حتى تكون مفارقته الدنيا

على فراغ قلب من أمر الأمّة ، فإنّه إنّما بعث لرفع الخلاف وتقرير الوفاق ، فلا يجوز أن يفارق الأمّة ويتركهم هملا يرى كل واحد منهم رأيا ، ويسلك كل واحد منهم طريقا لا يوافقه في ذلك غيره ، بل يجب أن يعيّن شخصا هو المرجوع إليه ، وينصّ على واحد هو الموثوق به والمعوّل عليه. وقد عيّن عليّا رضي الله عنه في مواضع تعريضا ، وفي مواضع تصريحا (ش ، م ١ ، ١٦٢ ، ١٥)

ـ إنّ نصب الإمام يتضمّن دفع الضرر عن النفس فيكون واجبا ، أمّا الأول فلأنّا نعلم إذا كان الخلق لهم رئيس قاهر يخافون بطشه ويرجون ثوابه كان احترازهم عن المفاسد أتمّ ، مما إذا لم يكن لهم هذا الرئيس ، وأمّا إنّ دفع الضرر عن النفس واجب فبالإجماع عند من يقول بالوجوب العقليّ ، وبضرورة العقل عند من يقول به (ف ، م ، ١٨٤ ، ٦)

ـ مذهب أهل الحق من الإسلاميين أنّ إقامة الإمام واتّباعه فرض على المسلمين شرعا لا عقلا ، وذهب أكثر طوائف الشيعة إلى وجوب ذلك عقلا لا شرعا ، وذهب بعض القدريّة والخوارج إلى أنّ ذلك ليس واجبا لا عقلا ولا شرعا (م ، غ ، ٣٦٤ ، ٢)

ـ أمّا نحن فعندنا إنّه (علي) إمام واجب الطاعة بالاختيار ، فلا يعذر أحد من المكلّفين في الجهل بوجوب طاعته. وأمّا على مذهب الشيعة فلأنّه إمام واجب الطاعة بالنص فلا يعذر أحد من المتكلّفين في جهالة إمامته. وعندهم أنّ معرفة إمامته تجري مجرى معرفة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومجرى معرفة الباري سبحانه ، ويقولون لا تصحّ لأحد صلاة ولا صوم ولا عبادة إلّا بمعرفة الله والنبيّ والإمام. وعلى التحقيق فلا فرق بيننا وبينهم في هذا المعنى لأنّ من جهل إمامة علي عليه‌السلام وأنكر صحّتها ولزومها فهو عند أصحابنا مخلّد في النار لا ينفعه صوم ولا صلاة ، لأنّ المعرفة بذلك من الأصول الكلّية التي هي أركان الدين. ولكنّا لا نسمّي منكر إمامته كافرا بل نسمّيه فاسقا وخارجيّا ومارقا ، ونحو ذلك ، والشيعة تسمّيه كافرا ، فهذا هو الفرق بيننا وبينهم وهو في اللفظ لا في المعنى (أ ، ش ٤ ، ٣١٩ ، ٨)

ـ نصب الإمام يتضمّن دفع الضرر ، لأنّ الخلق ما لم يكن لهم رئيس قاهر يخافونه ويرجونه لا يحترزون عن المفاسد ، ودفعه واجب إمّا عقلا ، عند قائليه ، أو إجماعا عندنا (خ ، ل ، ١٣٠ ، ٣)

ـ الإمام : هو الذي له الرئاسة العامّة في الدّين والدنيا جميعا (ج ، ت ، ٥٨ ، ٩)

إمام ظاهر

ـ قال أصحابنا بوجوب نصب الإمام في كل حال لا يكون فيها إمام ظاهر ووجوب طاعته إن كان ظاهرا ، ولم يجيزوا أن يأتي على الناس زمان فيه إمام واجب الطاعة وهو غائب غير ظاهر (ب ، أ ، ٢٧٣ ، ٣)

إمام معصوم

ـ عمدة ما احتجّت به الإماميّة إن قالوا لا بدّ من أن يكون إمام معصوم عنده جميع علم الشريعة ترجع الناس إليه في أحكام الدين ليكونوا مما تعبّدوا به على يقين (ح ، ف ٤ ، ٩٥ ، ٤)

ـ إنّ الإمام المعصوم لا يعرف أنّه معصوم إلّا بمعجزة ظاهرة عليه ، أو بنص تنقله العلماء عن

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كل إمام بعينه واسمه ونسبه ، وإلّا فهي دعوى لا يعجز عن مثلها أحد لنفسه ، أو لمن شاء (ح ، ف ٤ ، ٩٦ ، ٦)

إمامة

ـ اختلفوا (المعتزلة) في الإمامة هل هي بنصّ أم قد تكون بغير نصّ. فقال قائلون : لا تكون إلّا بنصّ من الله سبحانه وتوقيف وكذلك كل إمام ينصّ على إمام بعده فهو بنصّ من الله سبحانه على ذلك وتوقيف عليه. وقال قائلون : قد تكون بغير نص ولا توقيف بل بعقد أهل العقد (ش ، ق ، ٤٥٩ ، ٥)

ـ إذا وجبت إمامة أبي بكر بالدلالات التي ذكرناها بظاهر القرآن وبإجماع المسلمين في وقته عليها ، فسد قول من قال أنّ النبيّ صلى الله عليه نصّ على إمامة غيره ، لأنّه لا تجوز إمامة من نصّ الرسول على إمامة غيره. وهذا يقضي على بطلان قول من قال إنّ النبي صلى الله عليه نصب عليّا بعده إماما (ش ، ل ، ٨٣ ، ١٠)

ـ إنّ الإمامة لا تصلح إلّا لمن تجتمع فيه شرائط. منها : أن يكون قرشيا ؛ لقوله عليه‌السلام : " الأئمة من قريش". والثاني : أن يكون مجتهدا من أهل الفتوى ؛ لأنّ القاضي الذي يكون من قبله يفتقر إلى ذلك ، فالإمام أولى. والثالث : أن يكون ذا نجدة وكفاية وتهد لسياسة الأمور ، ويكون حرا ورعا في دينه (ب ، ن ، ٦٩ ، ١٣)

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الإمامة شريعة من شرائع الدين ، يعلم وجوبها وفرضها سمعا. وكذلك كان يقول في الرسالة التي هي أصل الإمامة إنّها غير واجبة عقلا ، وإرسال الرسل من مجوّزات العقول دون موجباتها فيه ، وإنّ الله تعالى يتعبّد عباده بما أراد من أنواع العبادات لأجل أنّهم خلقه وملكه وفي قبضته وسلطانه ، وله أن لا يتعبّدهم ، فإن تعبّدهم على لسان الرسل بالعبادات فهو في ذلك حكيم ، وإن ترك ذلك لم يكن سفيها ولا جائرا (أ ، م ، ١٨٠ ، ١٧)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإمامة هي خلافة الرسول في باب القيام مقامه من حيث إنفاذ الأحكام وإقامة الحدود وجباية الخراج وحفظ البيضة ونصرة المظلوم والقبض على أيدي الظالمين ، من غير أن يكون إليه ابتداء شرائع وتغيير شرع. وإنّما يكون في ذلك كواحد من الأمّة يقيم الحقوق على حسب ما دلّت عليه آي الكتاب والسنن وحصل عليه اتّفاق الأمّة وما دلّت عليه العقول بالقياس والاستنباط من هذه الأصول (أ ، م ، ١٨١ ، ١١)

ـ إنّ الإمامة لا تثبت إلّا بالأخبار لأنّه لا طريق لها سواها (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ١)

ـ أنّ الإمامة ليست بنص ؛ بل تقع باختيار ، وأنّها ليست بواجبة عقلا ؛ وإنّما تجب شرعا ، وأنّ الواجب ، في معرفة شروطها ، الرجوع إلى السمع ، وأنّ السمع قد دلّ على أنّه لا يجب أن يكون معصوما (ق ، غ ١٥ ، ٢٥٦ ، ٣)

ـ إنّ الإمامة غير واجبة من جهة العقل (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٧ ، ٢)

ـ ليس للإمامة تعلّق بالتمكين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٨ ، ١٤)

ـ وأحد ما يدلّ على أنّ الإمامة لا تجب من جهة العقل أنّ الإمام إنّما يراد لأمور سمعيّة ، كإقامة الحدود وتنفيذ الأحكام وما شاكلهما. وإذا كان ما يراد له الإمام لا مدخل للعقل فيه ، فبأن

لا يكون له مدخل في إثبات الإمام أولى. يبيّن ذلك أنّ الأمراء والحكّام إنّما يجب إثباتهم بمثل هذه الطريقة ، فلمّا لم يثبت ما له يرادون بالسمع لم يجب بالعقل إثبات أمير أو حاكم. فكذلك القول في الإمام (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٣٩ ، ٤)

ـ إنّ الإمامة لا يجب أن يكون طريقها النص من جهة العقل (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٩٩ ، ٢)

ـ إنّ النص على الإمام غير واجب ؛ ولا ثابت من جهة السمع (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١١٢ ، ٢)

ـ أمّا ما يدعون من ألفاظ منقولة ، نحو ادّعائهم أنّه عليه‌السلام قال في أمير المؤمنين وقد أشار إليه : " هذا إمامكم من بعدي". إلى ما شاكله ، فغير مسلّم ، ولا نقل فيه ، فضلا عن أن يدعى فيه التواتر ، وإنّما الذي يصحّ فيه النقل الأخبار التي يذكرونها كخبر غدير خمّ وغيره مما نورده من بعد. ولا عليهم أن يدّعوا نصّا غير محتمل من غير جهة الاضطرار ؛ لأنّه إذا لم يكن فيه اضطرار يعلم معه قصد النبي عليه‌السلام فوجه الاستدلال به كوجه الاستدلال بالقرآن والسنّة على الأحكام ، وهذه حالة يصحّ فيها طريقة التأوّل وصرف الظاهر عن غيره بدليل ؛ لأنّه لا يكون في الألفاظ التي تذكر في ذلك أوكد من أن يقول عليه‌السلام : " هذا إمامكم من بعدي". فمن لم يعلم مراده عليه‌السلام باضطرار أمكن أن يقال : إن هذا القول لا يعمّ الإمامة ؛ لأنّه لا يمتنع أن يريد : إمامكم في الصلاة. أو الإمامة في العلم الذي هو أصل الإمامة التي تتضمّن الولاية. وأمكن أن يقال فيه : إنّ هذا القول لا يعمّ الإمامة ؛ لأنّ قوله : هذا إمامكم ، بمنزلة قوله : هذا رئيسكم وقائدكم ، إلى غير ذلك مما يقتضي صفة لا تستوعب ولا يمكن ادّعاء العموم فيها. فلا بدّ من بيان إذا لم يكن تمّ تعارف يحمل الكلام عليه ، ولا يمكن أن يدعى في لفظ الإمامة التعارف من جهة اللغة ؛ لأنّه لا يعقل في اللغة أنّها تفيد القيام بالأمور التي تختصّ الإمام ، ولا يمكن ادّعاء العرف الشرعي فيه ، فالذي حصل فيه من التعارف إنّما حصل باصطلاح أرباب المذاهب. وما حلّ هذا المحل لا يجب حمل الخطاب عليه ، ولذلك لم يرو عن الصحابة ذكر الإمامة ، وإنّما كانوا يذكرون الأمير والخليفة ؛ ولذلك قالوا ، يوم السقيفة : منّا أمير ومنكم أمير. وقالوا لأبي بكر : خليفة رسول الله ، ولعليّ : أمير المؤمنين. ولم يصفوا أحدا منهم بالإمام ، وإنّما روى في هذا الباب" الأئمة من قريش". ووجب حمل ذلك على ما ذكرناه من حيث عقل الكل منه هذا المراد لا بظاهره (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٢٨ ، ٢١)

ـ إنّ إثبات الإمامة شرعي ، فلا بدّ في أوصافها من أن تكون شرعيّة وتحلّ في ذلك محل الصلاة وسائر الشرعيات التي لمّا كانت شرعيّة كانت صفاتها وشرائطها كمثل ، فلا بدّ من الرجوع في هذه الصفات إلى الشرع ، فما ثبت بالشرع قضى به ، وما لم يثبت لم يجعل شرطا. فإن كان لا يمتنع أن يرجع في بعض ذلك إلى طريقة العقل لأنه قد ثبت بالعقل أو الشرع لا بدّ من نصب إمام للقيام بأمر ، ولا يصلح للقيام بذلك. فما حلّ هذا المحل من الشرائط لا بدّ من أن يكون معلوما بالعقل ، وما عداه لا بدّ من أن يرجع فيه إلى الشرع (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٩٨ ، ٣)

ـ إنّ الإمامة طريقها الدين ، فيجب أن تقف على السمع ، فلم يثبت أنّه من باب ما تجوز الوصيّة

به نصّا (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٣١٩ ، ٤)

ـ لا نصّ في الإمامة يتبع ، وأنّ الواجب فيها الاختيار على ما تقدّم ، وأنّ طريق الاختيار يختلف (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٣ ، ١٣)

ـ بيّنا أنّ الفعل المحتمل في وقوعه حسنا أو قبيحا ، وفي كونه كبيرا أو صغيرا ؛ إن كان قبيحا لا يجوز أن يزيل الولاية ولا أحكامها ؛ فمن كان ثابت الإمامة بالوجه الصحيح لم يجز عند وقوع أمر من الأمور أن يزول عمّا وجب له إذا كان ذلك الأمر بالمنزلة التي وصفناها ، وقد تقصّينا القول في هذه الطريقة من قبل فإذا ثبت ذلك لم يجز أن يطعن في إمامة أمير المؤمنين بما كان منه من الرضا بالتحكيم ، لأنّ حال التحكيم لا يخرج عمّا وصفناه (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٩٥ ، ٦)

ـ سليمان بن جرير الزيدي الذي قال : إنّ الإمامة شورى ، وإنّها تنعقد بعقد رجلين من خيار الأمّة ، وأجاز إمامة المفضول (ب ، ف ، ٣٢ ، ٦)

ـ إنّ ابن كرّام خاض في باب الإمامة ، فأجاز كون إمامين في وقت واحد ، مع وقوع الجدال وتعاطي القتال ، ومع الاختلاف في الأحكام (ب ، ف ، ٢٢٣ ، ٤)

ـ إنّ الإمامة فرض واجب على الأمّة لأجل إقامة الإمام ، ينصب لهم القضاة والأمناء ويضبط ثغورهم ، ويغزي جيوشهم ، ويقسم الفيء بينهم ، وينتصف لمظلومهم من ظالمهم. وقالوا : إنّ طريق عقد الإمامة للإمام في هذه الأمّة الاختيار بالاجتهاد (ب ، ف ، ٣٤٩ ، ٢)

ـ قال أبو الحسن : إنّ الإمامة شريعة من الشرائع يعلم جواز ورود التعبّد ... بها بالعقل ويعلم وجوبها بالسمع (ب ، أ ، ٢٧٢ ، ٣)

ـ قال أصحابنا إنّ الذي يصلح للإمامة ينبغي أن يكون فيه أربعة أوصاف : أحدها العلم وأقلّ ما يكفيه منه أن يبلغ فيه مبلغ المجتهدين في الحلال والحرام وفي سائر الأحكام. والثاني العدالة والورع وأقلّ ما يجب له من هذه الخصلة أن يكون ممّن يجوز قبول شهادته تحمّلا وأداء. والثالث الاهتداء إلى وجوه السياسة وحسن التدبير بأن يعرف مراتب الناس فيحفظهم عليها ولا يستعين على الأعمال الكبار بالعمّال الصغار ويكون عارفا بتدبير الحروب. والرابع النسب من قريش ، وزادت الشيعة في هذه الشروط العصمة من الذنوب (ب ، أ ، ٢٧٧ ، ٨)

ـ زعمت الإماميّة والجاروديّة من الزيدية والرّاوندية من العباسيّة ، أنّ الإمامة طريقها النص من الله تعالى على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الإمام ، ثم نصّ الإمام على الإمام بعده (ب ، أ ، ٢٧٩ ، ١٧)

ـ قال قوم إنّ اسم الإمامة قد يقع على الفقيه العالم وعلى متولّي الصلاة بأهل مسجد ما ، قلنا نعم لا يقع على هؤلاء إلّا بالإضافة لا بالإطلاق ، فيقال فلان إمام في الدين وإمام بني فلان (ح ، ف ٤ ، ٩٠ ، ٤)

ـ لا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمّة إلّا على المتولّي لأمور أهل الإسلام ، فإن قال قائل بأنّ اسم الإمارة واقع بلا خلاف على من ولى جهة من جهات المسلمين ، وقد سمّي بالأمارة كل من ولّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهة من الجهات أو سرّية أو جيشا وهؤلاء مؤمنون ، فما المانع من أن يوقع على كل واحد اسم أمير المؤمنين ، فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنّ

الكذب محرّم بلا خلاف ، وكل ما ذكرنا فإنّما هو أمير لبعض المؤمنين لا لكلّهم ، فلو سمّي أمير المؤمنين لكان مسمّيه بذلك كاذبا لأنّ هذه اللفظة تقتضي عموم جميع المؤمنين وهو ليس كذلك ، وإنّما هو أمير بعض المؤمنين ، فصحّ أنّه ليس يجوز البتّة أن يوقع اسم الإمامة مطلقا ولا اسم أمير المؤمنين إلّا على القرشيّ المتولّي لجميع أمور المؤمنين كلّهم أو الواجب له ذلك ، وإن عصاه كثير من المؤمنين وخرجوا عن الواجب عليهم من طاعته والمفترض عليهم من بيعته فكانوا بذلك فئة باغية حلالا قتالهم وحربهم ، وكذلك اسم الخلافة بإطلاق ، لا يجوز أيضا إلّا لمن هذه صفته (ح ، ف ٤ ، ٩٠ ، ٦)

ـ قالت الروافض : الإمامة في علي وحده بالنص عليه ثم في الحسن ثم في الحسين (ح ، ف ٤ ، ٩٣ ، ٧)

ـ ذهب قوم إلى أنّ الإمامة لا تصحّ إلّا بإجماع فضلاء الأمة في أقطار البلاد ، وذهب آخرون إلى أنّ الإمامة إنّما تصحّ بعقد أهل حضرة الإمام والموضع الذي فيه قرار الأئمة ، وذهب أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي إلى أنّ الإمامة لا تصحّ بأقل من عقد خمس رجال ، ولم يختلفوا في أنّ عقد الإمامة تصحّ بعهد من الإمام الميت إذا قصد فيه حسن الاختيار للأمّة عند موته ولم يقصد بذلك هوى ، وقد ذكر في فساد قول الروافض وقول الكيسانية ومن ادّعى إمامة رجل بعينه (ح ، ف ٤ ، ١٦٧ ، ١٥)

ـ عقد الإمامة يصحّ بوجوه أوّلها وأفضلها وأصحّها أن يعهد الإمام الميت إلى إنسان يختاره إماما بعد موته ، وسواء فعل ذلك في صحّته أو في مرضه وعند موته ، إذ لا نص ولا إجماع على المنع من أحد هذه الوجوه (ح ، ف ٤ ، ١٦٩ ، ١٦)

ـ قال (النظّام) : أولا : لا إمامة إلّا بالنصّ والتعيين ظاهرا مكشوفا. وقد نصّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عليّ رضي الله عنه في مواضع ، وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة. إلّا أنّ عمر كتم ذلك ، وهو الذي تولى بيعة أبي بكر يوم السقيفة (ش ، م ١ ، ٥٧ ، ٦)

ـ من بدعه (هشام الفوطي) في الإمامة قوله إنّها لا تنعقد في أيام الفتنة واختلاف الناس ، وإنّما يجوز عقدها في حال الاتّفاق والسلامة ، وكذلك أبو بكر الأصمّ من أصحابه كان يقول الإمامة لا تنعقد إلّا بإجماع الأمّة عن بكرة أبيهم (ش ، م ١ ، ٧٢ ، ١٥)

ـ الجبائي وأبو هاشم قد وافقا أهل السنّة في الإمامة ، وأنّها بالاختيار ، وأنّ الصحابة مترتّبون في الفضل ترتّبهم في الإمامة ، غير أنّهم ينكرون الكرامات أصلا للأولياء من الصحابة وغيرهم (ش ، م ١ ، ٨٤ ، ٢١)

ـ زعم ضرّار أيضا أنّ الإمامة تصلح في غير قريش ، حتى إذا اجتمع قرشيّ ونبطيّ قدّمنا النبطيّ ، إذ هو أقلّ عددا ، وأضعف وسيلة فيمكننا خلعه إذا خالف الشريعة (ش ، م ١ ، ٩١ ، ١١)

ـ الإمامة تثبت بالاتّفاق والاختيار دون النص والتعيين ؛ إذ لو كان ثمّ نص لما خفي ، والدواعي تتوفّر على نقله. واتّفقوا في سقيفة بني ساعدة على أبي بكر رضي الله عنه. ثم اتّفقوا بعد تعيين أبي بكر على عمر رضي الله عنه. واتّفقوا بعد الشورى على عثمان رضي الله عنه. واتّفقوا بعده على عليّ رضي الله عنه.

وهم مترتّبون في الفضل ترتّبهم في الإمامة (ش ، م ١ ، ١٠٣ ، ٧)

ـ الشيعة هم الذين شايعوا عليّا رضي الله عنه على الخصوص. وقالوا بإمامته وخلافته نصّا ووصية ، إمّا جليّا ، وإمّا خفيّا ، واعتقدوا أنّ الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقيّة من عنده. وقالوا : ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم ، بل هي قضية أصولية ، وهي ركن الدين ، لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ، ولا تفويضه إلى العامة وإرساله (ش ، م ١ ، ١٤٦ ، ١٦)

ـ سليمان بن جرير. وكان يقول إنّ الإمامة شورى فيما بين الخلق. ويصحّ أن تنعقد بعقد رجلين من خيار المسلمين ، وإنّها تصحّ في المفضول ، مع وجود الأفضل (ش ، م ١ ، ١٥٩ ، ١٧)

ـ جعفر ابن مبشر ، وجعفر بن حرب ، وكثير النوى وهو من أصحاب الحديث. قالوا : الإمامة من مصالح الدين ، ليس يحتاج إليها لمعرفة الله تعالى وتوحيده. فإنّ ذلك حاصل بالعقل ، لكنّها يحتاج إليها لإقامة الحدود ، والقضاء بين المتحاكمين وولاية اليتامى والأيامى ، وحفظ البيضة ، وإعلاء الكلمة ، ونصب القتال مع أعداء الدين ، وحتى يكون للمسلمين جماعة ، ولا يكون الأمر فوضى بين العامة. فلا يشترط فيها أن يكون الإمام أفضل الأمّة علما ، وأقدمهم عهدا ، وأسدّهم رأيا وحكمة ، إذا الحاجة تنسد بقيام المفضول مع وجود الفاضل والأفضل (ش ، م ١ ، ١٦٠ ، ١٠)

ـ أصحاب أبي كامل ، أكفر جميع الصحابة بتركها بيعة علي رضي الله عنه ، وطعن في علي أيضا بتركه طلب حقّه ، ولم يعذره في القعود ، قال : وكان عليه أن يخرج ويظهر الحق ، على أنّه غلا في حقه وكان يقول : الإمامة نور يتناسخ من شخص إلى شخص ، وذلك النور في شخص يكون نبوّة ، وفي شخص يكون إمامة ، وربما تتناسخ الإمامة فتصير نبوّة ، وقال بتناسخ الأرواح وقت الموت (ش ، م ١ ، ١٧٤ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ الإمامة ليست من أصول الاعتقاد بحيث يفضي النظر فيها إلى قطع ويقين بالتعيّن ، ولكنّ الخطر على من يخطي فيها يزيد على الخطر على من يجهل أصلها ، والتعسّف الصادر عن الأهواء المضلّة مانع من الإنصاف فيها (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ١)

ـ قال جمهور أصحاب الحديث من الأشعرية والفقهاء وجماعة الشيعة والمعتزلة وأكثر الخوارج بوجوبها (الإمامة) فرضا من الله تعالى ، ثم جماعة أهل السنّة قالوا هو فرض واجب على المسلمين إقامته واتّباع المنصوب ، فرض واجب عليهم (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ٦)

ـ الدليل الساطع على وجوب الإمامة سمعا اتّفاق الأمّة بأسرهم من الصدر الأول إلى زماننا أنّ الأرض لا يجوز أن تخلو عن إمام قائم بالأمر (ش ، ن ، ٤٧٨ ، ١٩)

ـ قالت النجدات من الخوارج وجماعة من القدرية مثل أبي بكر الأصم وهشام الفوطي إنّ الإمامة غير واجبة في الشرع وجوبا لو امتنعت الأمّة عن ذلك استحقّوا اللوم والعقاب ، بل هي مبنية على معاملات الناس ، فإن تعادلوا وتعاونوا وتناصروا على البر والتّقوى واشتغل كل واحد من المكلّفين

بواجبه وتكليفه استغنوا عن الإمام ومتابعته (ش ، ن ، ٤٨١ ، ١٥)

ـ قالت الشيعة : الإمامة واجبة في الدين عقلا وشرعا ، كما أنّ النبوّة واجبة في الفطرة عقلا وسمعا (ش ، ن ، ٤٨٤ ، ١٠)

ـ قالت الاثنا عشريّة والشيعة وجوب العصمة شرط لصحّة الإمامة ، وقال الباقون ليس كذلك (ف ، أ ، ١٠٢ ، ٢٠)

ـ أجمعت الأمّة على أنّه يجوز إثبات الإمامة بالنص ، وهل يجوز بالاختيار أم لا. قال أهل السنّة والمعتزلة يجوز ، وقالت الاثنا عشريّة لا يجوز إلّا بالنص ، وقالت الزيديّة يجوز بالنص ويجوز أيضا بسبب الدعوة والخروج مع حصول الأهليّة (ف ، أ ، ١٠٣ ، ٢)

ـ الإمامة واجبة ، وقد اختلف الناس في هذه المسألة : فقال المتكلّمون كأنّه الإمامة واجبة إلّا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء أصحابنا أنّها غير واجبة إذا تناصفت الأمّة ولم تتظالم. وقال المتأخّرون من أصحابنا أنّ هذا القول منه غير مخالف لما عليه الأمّة ، لأنّه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم ، فقد قال بوجوب الرئاسة على كل حال ، اللهم إلّا أن يقول أنّه يجوز أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس وهذا بعيد أن يقوله (أ ، ش ١ ، ٢١٥ ، ٦)

ـ الإمامة : البصريّة : لا تجب عقلا. الإماميّة : تجب لكونها لطفا. قلنا : لا طريق إلى اللطف الخاص إلّا السمع ، والعام كالمعرفة لا بدّ له من وجه يقتضي اللطيفة. ولا وجه هنا. البلخيّ : تجب لدفع الضرر عن الخلق. قلنا : لا ، إذ لا تجب إلّا عن النفس. الأكثر : وتجب شرعا. الأصمّ وبعض الحشوية : لا. لنا : إجماع الصحابة إنّ الحدّ إلى الإمام ، فالتكليف به مستمرّ (م ، ق ، ١٤١ ، ١)

ـ الإمامة هي ، لغة ، التقديم ، وشرعا : رئاسة عامّة باستحقاق شرعيّ لرجل لا يكون فوق يده مخلوق. بعض أئمتنا (عليهم‌السلام) والبلخيّ وأبو الحسين البصريّ : وهي واجبة عقلا وسمعا. بعض أئمتنا (عليهم‌السلام) والجمهور : بل سمعا فقط. وقيل : لا تجب ، لما يأتي لهم إن شاء الله تعالى. قلنا : التظالم واقع ، ولا يتمّ دفعه إلّا برئيس ، ودفع التظالم واجب عقلا ، فوجب إقامة رئيس لذلك (ق ، س ، ١٥٩ ، ١)

ـ شروط صاحبها (الإمامة) البلوغ والعقل ، للإجماع على أنّ لا ولاية للصبيّ والمجنون والذكورة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : " ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". والحريّة لأنّ العبد مملوك الرقبة والتصرّف. العترة ، عليهم‌السلام ، والجمهور : والنسب ، خلافا للنظّام ونشوان والخوارج وبعض الحشويّة : مطلقا. ولأبي علي : إن عدم القرشيّ. قلنا : لا دليل على ثبوتها لمن عداه. العترة ، عليهم‌السلام ، وشيعتهم : وهو الوصيّ والحسنان وذريّتهما. وقيل : بل الوصيّ وذريّته جميعا. قلنا : لا دليل على ثبوتها لمن عدا من ذكرنا وهي مما تعمّ بها البلوى ، فلو كان لظهر كدليل الحجج (ق ، س ، ١٦٠ ، ١٧)

إمامة المفضول

ـ اختلفوا في إمامة المفضول على مقالتين : فقالت" الزيدية" وكثير من" المعتزلة" : جائز أن يكون في رعيّة الإمام من هو أفضل منه ، وجوّزوا أن يكون الإمام مفضولا كما يكون

الأمير مفضولا في رعيّته من هو خير منه ، وقال قائلون : لا يكون الإمام إلّا أفضل الناس (ش ، ق ، ٤٦١ ، ٦)

ـ اختلفوا في جواز إمامة المفضول بعد أن يكون صالحا لها لو لم يكن الأفضل منه موجودا؟. فقال أبو الحسن الأشعري يجب أن يكون الإمام أفضل أهل زمانه في شروط الإمامة ولا ينعقد الإمامة لأحد مع وجود من هو أفضل منه فيها. فإن عقدها قوم للمفضول كان المعقود له من الملوك دون الأئمة (ب ، أ ، ٢٩٣ ، ٥)

ـ زيد بن علي ... كان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل. فقال : كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه أفضل الصحابة ، إلّا أنّ الخلافة فوّضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها ، وقاعدة دينية راعوها ، من تسكين نائرة الفتنة ، وتطييب قلوب العامة. فإنّ عهد الحروب التي جرت في أيام النبوّة كان قريبا ، وسيف أمير المؤمنين عليّ عن دماء المشركين من قريش وغيرهم لم يجفّ بعد ، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي. فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ، ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد. فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن من عرفوه باللين ، والتؤدة ، والتقدّم بالسن ، والسبق في الإسلام ، والقرب من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ش ، م ١ ، ١٥٥ ، ١٠)

إمامية

ـ حكى شيخنا أبو القاسم البلخي ، أنّ الإماميّة تختصّ بأن تزعم أنّه صلّى الله عليه نصّ على علي عليه‌السلام باسمه وأظهر ذلك وأعلنه ، وأنّ أكثر الصحابة بل كلّها ارتدّوا إلّا ستّة أنفس ، وتزعم أنّ الإمامة قرابة ، وأنّ الإمامة يعلم ما تحتاج إليه الأمّة من دينها ، ولو حلف بالله أو الطلاق أو بالعتاق إنّه ليس بإمام ، كان له في حال التقيّة ولكان مع ذلك مفروض الطاعة ، وليس يرى الخروج مع أئمة الجور إلّا في وقت مخصوص ، وتبطل الاجتهاد في الأحكام. وتمنع أن يكون الإمام إلّا الأفضل ، وإلّا بنص الرسول ، أو بنص الإمام الأوّل عن الثاني ، وتنفي عن أمير المؤمنين أن يكون قد أخطأ في شيء إلّا الكامليّة ، أصحاب أبي كامل (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١٧٦ ، ٣)

أمة الإسلام

ـ زعم أبو القاسم الكعبي في مقالاته أنّ قول القائل" أمّة الإسلام" تقع على كل مقرّ بنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأنّ كل ما جاء به حقّ ، كائنا قوله بعد ذلك ما كان (ب ، ف ، ١٢ ، ٦)

ـ زعم قوم أنّ" أمّة الإسلام" كلّ من يرى وجوب الصلاة إلى جهة الكعبة (ب ، ف ، ١٢ ، ٩)

ـ زعمت الكراميّة مجسّمة خراسان أنّ" أمّة الإسلام" جامعة لكل من أقرّ بشهادتي الإسلام لفظا ، وقالوا : كل من قال" لا إله إلّا الله ، محمد رسول الله" فهو مؤمن حقّا ، وهو من أهل ملّة الإسلام ، سواء كان مخلصا فيه أو منافقا مضمرا للكفر فيه والزندقة ، ولهذا زعموا أن المنافقين في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا مؤمنين حقّا ، وكان إيمانهم كإيمان جبريل وميكائيل والأنبياء والملائكة مع اعتقادهم النفاق وإظهار الشهادتين (ب ، ف ، ١٢ ، ١٠)

ـ الصحيح عندنا أنّ أمّة الإسلام تجمع المقرّين بحدوث العالم ، وتوحيد صانعه وقدمه ، وصفاته ، وعدله ، وحكمته ، ونفي التشبيه عنه ، وبنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورسالته إلى الكافة ، وبتأبيد شريعته ، وبأن كل ما جاء به حق ، وبأنّ القرآن منبع أحكام الشريعة ، وأنّ الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة إليها ، فكل من أقرّ بذلك كلّه ولم يشبه ببدعة تؤدّي إلى الكفر فهو السنيّ الموحّد (ب ، ف ، ١٣ ، ١٤)

ـ زعمت الكرّاميّة أنّ اسم أمّة الإسلام واقع على كل من قال لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، سواء أخلص في ذلك أو اعتقد خلافه (ب ، ف ، ٢٣١ ، ١)

ـ قال بعض الفقهاء أهل الحديث : اسم أمّة الإسلام واقع على كل من اعتقد وجوب الصلوات الخمس إلى الكعبة (ب ، ف ، ٢٣١ ، ٦)

امتثال

ـ قوله ابتدع الخلق على غير مثال امتثله يحتمل وجهين : أحدهما أن يريد بامتثاله مثله كما تقول صنعت واصطنعت بمعنى ، فيكون التقدير أنّه لم يمثّل لنفسه مثالا قبل شروعه في خلق العالم ، ثم احتذى ذلك المثال وركّب العالم على حسب ترتيبه ، كالصانع الذي يصوغ حلقة من رصاص مثالا ثم يصوغ حلقة من ذهب عليها ، وكالبنّاء يقدّر ويفرض رسوما وتقديرات في الأرض وخطوطا ثم يبني بحسبها ، والوجه الثاني أنّه يريد بامتثله احتذاه وتقبّله واتّبعه ، والأصل فيه امتثال الأمر في القول ، فنقل إلى احتذاء الترتيب العقليّ ، فيكون التقدير أنّه لم يمثّل له فاعل آخر قبله مثالا اتّبعه واحتذاه وفعل نظيره كما يفعل التلميذ في الصباغة والنجارة شيئا قد مثّل له أستاذه صورته وهيئته (أ ، ش ٢ ، ١٤٣ ، ٢٦)

امتناع

ـ صانع العالم حيّ لأنّا قد دللنا على أنّه قادر عالم ، ولا معنى للحيّ إلّا الذي يصحّ أن يقدر ويعلم. وهذه الصحة معناها نفي الامتناع ، ومعلوم أنّ الامتناع صفة عدميّة ، فنفيها يكون نفيا للنفي ، فيكون ثبوتا ، فكونه تعالى حيّا صفة ثابتة (ف ، أ ، ٤٤ ، ١١)

ـ الامتناع اعتبار عقليّ (ط ، م ، ٣٦ ، ١٢)

ـ الامتناع نسبة مقبولة بين متصوّر ووجوده الخارجي في التصوّر ، فليس نفيا محضا ولا شيئا ثابتا في الخارج ، وليس في الخارج شيء موصوف بالامتناع لو لا عقل ، وليس الامتناع فرض شيء في الخارج (حتّى يكون جهلا لو لم يطابق الخارج ، والمطابق للوجود عدم ذلك المتصوّر في الخارج) عدما ضروريّا لذات ذلك المتصوّر فليس الامتناع من حيث هو موجود في العقل بممتنع ، إنّما هو صفة ثابتة في العقل لمتصوّر ذهنيّ مقيس إلى وجوده الخارجيّ. ولا يلزم من ذلك القول بالواسطة (ط ، م ، ٣٧ ، ٣)

ـ الحقّ أنّ الوجوب والإمكان والامتناع أمور معقولة تحصل في العقل من إسناد المتصوّرات إلى الوجود الخارجيّ ، وهي في أنفسها معلولات للعقل بشرط الإسناد المذكور ، وليست بموجودات في الخارج حتّى تكون علّة للأمور التي يسند إليها أو معلولا لها (ط ، م ، ٩٤ ، ٨)

ـ الامتناع أيضا مشترك بين الامتناع بالذات والامتناع بالغير ، ولا يجب من تركّبه تركّب في الممتنع لذاته الذي يكون منفيّا محضا (ط ، م ، ١٠٢ ، ١)

ـ الشيء بعد العدم ممتنع الوجود المقيّد ببعد العدم. وذلك الامتناع ليس لماهيّته ، ولا لأمر يزول عن ماهيّته ، بل هو لازم للماهيّة الموصوفة بالعدم بعد الوجود (ط ، م ، ٣٩١ ، ١٢)

ـ قالوا (المعتزلة والفلاسفة) : الامتناع عدميّ ، وإلّا فالمتّصف به مثله ، فالإمكان ثبوتيّ لأنّه نقيضه ، فكذا الممكن. قلنا : فبطل قولكم أنّها لا تتغيّر (خ ، ل ، ٥٣ ، ٧)

ـ الامتناع : هو ضرورة اقتضاء الذات عدم الوجود الخارجيّ (ج ، ت ، ٥٩ ، ٤)

امتناع في التكليف

ـ إنّه تعالى موصوف بالقدرة ، على أن يظهر المعجز ، على كذاب ، وإن كان لا يفعله ، من حيث كان قبيحا ، كما نقوله في سائر القبائح ؛ وهذا يبيّن أنّ الذي يمتنع في التكليف ليس إلا ما قدّمنا ذكره ، مما يقتضي وجود الضدّين ، أو انتفاء الثابت ، أو إثبات المنتفي ، فأمّا ما عدا ذلك فإنّه يصحّ منه تعالى ، فحصل من ذلك أنّه تعالى لا يصحّ أن يكلّف على الوجه الذي قدمنا ؛ فأمّا تكليفه بأن يأمر بالشيء الذي ينهي عنه في حالين ، أو يأمر غير من نهي عنه عن الفعل الواحد ، في الحال والحالين ، (أو يأمر بغير ما نهي عنه في الحال والحالين ؛ أو يأمر بما نهي عنه على غير ذلك الوجه في الحال والحالين) فغير ممتنع ؛ وكذلك القول فيما شاكله ؛ وإنّما يحكم بحسن بعض ذلك ويقبح بعضه (ق ، غ ١٦ ، ٦١ ، ١٣)

آمر

ـ زعم جماعة من" البغداديين" من المعتزلة أنّ الوصف لله بأنّه مريد قد يكون بمعنى أنّه كوّن الشيء ، والإرادة لتكوين الشيء هي الشيء ، وقد يكون الوصف لله بأنه مريد للشيء بمعنى أنّه آمر بالشيء كنحو (؟) الوصف له بأنّه مريد بمعنى أنّه حاكم بالشيء مخبر عنه وكنحو (؟) إرادته الساعة أن تقوم القيامة في وقتها ، ومعنى ذلك أنّه حاكم بذلك مخبر به ، وهذا قول" إبراهيم النظّام" (ش ، ق ، ٥٠٩ ، ١٤)

ـ إنّ الآمر متى حصل له العلم بالمستقبل لم يحسن منه الأمر إلّا مع العلم بأن المأمور ممكن في حال الفعل ؛ لا لأنّ العلم بذلك شرط ، لكنّه إذا حصل لم يحسن الأمر إلّا على هذا الحدّ. ولو كان العلم بذلك شرطا في بعض الآمرين لوجب كونه شرطا في سائرهم ؛ لأنّ وجه الحسن ووجه القبح لا يجوز أن يختلف باختلاف أحوال الفاعلين. فلهذا حسن من الآمر منّا أمر الغير وإن لم يعلم أنه في حال الفعل يتمكّن من الفعل لا محالة ، وقام ظنّه لذلك مقام العلم. ولذلك لا يحسن منه أن يأمر الغير مع ظنّه أنه لا يتمكّن ، ويحسن منه ذلك إذا غلب على ظنّه أنه سيتمكّن ؛ لأنه يكون في الحكم كأنّه إنّما أمر بما يتمكّن منه دون غيره ؛ كما نقوله في الإرادة المشترطة (ق ، غ ١١ ، ١٨١ ، ١١)

ـ قالت المعتزلة كل آمر بالشيء فهو مريد له ، والربّ تعالى آمر عباده بالطاعة فهو مريد لها ، إذ من المستحيل أن يأمر عبده بالطاعة ثم لا يريدها (ش ، ن ، ٢٥٤ ، ١)

ـ قالت الأشعرية لسنا نسلّم أنّ كل آمر بالشيء مريد حصوله ، بل كل آمر بالشيء عالم بحصوله

مريد له حصولا ، وكل آمر يعلم حصول ضدّه لا يكون مريدا لحصوله ، فإنّ الإرادة على خلاف العلم تعطيل لحكم الإرادة وتغيير لأخصّ وصفها ، وقد بيّنا أنّ أخصّ وصفها التخصيص ، وحكمها إنّما يتعلّق بالمتجدّد من المقدورات والمتخصّص من المقدورات (ش ، ن ، ٢٥٤ ، ١٩)

أمر

ـ كل أمر لا" يستطيعه" العبد فهو عنه موضوع ، وكلّف مما يستطيعه اليسير ، يريد الله ، جلّ ثناؤه ، بذلك التخفيف" عن" عباده ، تصديقا لقوله : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (النساء : ٢٨) (ر ، ك ، ١٤٠ ، ٧)

ـ وقال : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (الإسراء : ٢٣) ولم يقل : وقضى ربك أن تكفروا به وتعبدوا سواه من الحجارة والنار وغيرهما من المعبودات ، فكان أمره وقضاؤه ومشيئته أن لا يعبدوا غيره بالتخيير من العباد لا من جهة الجبر لهم على تركها (ي ، ر ، ٤٢ ، ١٩)

ـ أجمع أكثر المعتزلة على أنّ الأمر بالفعل قبله ، وأنّه لا معنى للأمر به في حاله لأنّه موجود ، واختلفوا هل يبقى الأمر إلى حال الفعل على مقالتين. فقال بعضهم أنّه يبقى إلى أجل الفعل وأنّه يكون في حال الفعل ولا يكون أمرا به ، وأحال بعضهم أن يبقى الأمر (ش ، ق ، ٢٤٣ ، ١)

ـ الأمر بالشيء نهي عن تركه (ش ، ق ، ٤٠٠ ، ١)

ـ (لا يسمّي الجبائي) الأمر أمرا قبل كونه لأنّه إنّما يكون أمرا بقصد القاصد إلى ذلك وذلك أنّه قد يكون الشيء مخرجه مخرج الأمر وهو تهدّد ليس بأمر (ش ، ق ، ٥٢٣ ، ١٥)

ـ إن سأل سائل عن الدليل على أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق. قيل له : الدليل على ذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (الروم : ٢٥) وأمر الله هو كلامه ، وقوله فلمّا أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره ، وقال عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) فالخلق جميع ما خلق داخل فيه ، لأنّ الكلام إذا كان لفظه لفظا عاما فحقيقته أنّه عام ، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجّة ولا برهان. فلمّا قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال : (وَالْأَمْرُ) ذكر أمرا غير جميع الخلق ، فدلّ ما وصفناه على أنّ أمر الله غير مخلوق (ش ، ب ، ٥١ ، ٦)

ـ بقولهم : أمر الله نافذ ولا مردّ لأمره. قيل : لهذا وجهان : أحدهما أمر التكوين كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) ، فهذا لا مردّ له ، ويدخل في ذلك فعل الخلق جميعا ، وهو مثل الأول. والثاني أن يراد به حقيقة حق الأمر أن لا يرد عن الوجه الذي يكون الأمر وما به الأمر فيما لم يكن ، لم يخرج الأمر عن حدة وتزول الإدارة ؛ إذ هي المكوّن ، والأمر ليفعل به (م ، ح ، ٢٩٥ ، ٩)

ـ اعلم أنّ المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ، والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٢)

ـ الأمر هو استدعاء الفعل ، والفعل صفة المأمور لا صفة الآخر (ب ، ن ، ٨٢ ، ٦)

ـ أمّا الإعلام فهو فعل العلم. وأمّا الأمر والحكم

فيرجعان إلى الكلام ، وكلامه لم يزل (أ ، م ، ٤٩ ، ٣)

ـ إنّ الأمر بالشيء يتقدّم المأمور به ويكون أمرا به في حاله أيضا كما يكون قدرة عليه في حاله (أ ، م ، ١١٢ ، ١٧)

ـ أمّا الأمر ، فهو قول القائل لمن دونه في الرتبة افعل ، والنهي هو قول القائل لمن دونه لا تفعل (ق ، ش ، ١٤١ ، ١٠)

ـ إنّ ظاهر قوله : (وَإِذا قَضى أَمْراً) (البقرة : ١١٧) لا يدلّ على الخلق ؛ لأنّ القضاء إذا علّق بالشيء قد يتصرّف على وجوه ، فمن أين التعلّق بالظاهر؟. وبعد ، فإنّ حقيقة" الأمر" هو قول القائل لغيره : افعل ، وإنّما يستعمل في سائر الأفعال توسّعا ، فإن تعلّقوا بالظاهر فإنّه يدلّ على أنّه محدث القول الذي هو الأمر ، بأن يقول له : كن ، ولا يدلّ على ما عداه من الحوادث. وبعد ، فإن الظاهر يدلّ على أنّه يقول له : كن ، وقد قضاه ، فلا يدلّ على أنّه يصير خالقا بقوله : (كُنْ) (البقرة : ١١٧) وذلك يمنع من تعلّقهم به ، بل يوجب تناقض الكلام ؛ لأنّ أوّله يدلّ على أنّه قد تقدّم قضاؤه له ، وآخره يدلّ على أنّه لا يكون إلّا بعد أمر آخر (ق ، م ١ ، ١٠٦ ، ١٤)

ـ وبعد ، فإنّ" الأمر" يطلق في اللغة على وجهين : أحدهما : قول القائل لغيره : افعل ، وهذا لا بدّ من كونه حادثا ؛ لأنّ بعض حروفه يتقدّم بعضا ، ويتواتر حدوثه. والثاني : بمعنى الأفعال الواقعة ، وهذا أيضا يقتضي حدوثه وكونه مخلوقا إذا كان من فعله تعالى (ق ، م ١ ، ٢٨٤ ، ٢)

ـ أمّا فعل غيره. فإنّما يريده بأمر به ، ولا بدّ من تقدّم هذه الإرادة لفعل المكلّف. ويبيّن هذا أنّه لا يصير أمرا إلّا بالإرادة والمأمور به. فلا بدّ من تقدّمها ، وعلى هذا يصير داعيه لنا إلى فعل الطاعات ، وحقّ الدواعي أن تتقدّم فصارت حال فعل غيره بالعكس من حال فعله (ق ، ت ١ ، ٢٩٦ ، ١٥)

ـ إنّ شيخنا أبا علي رحمه‌الله كان يقول في الخبر ، إنّه يصير خبرا بإرادتين ، وفي الأمر أنّه يصير كذلك سلب إرادات. وشيخنا أبو هاشم رحمه‌الله يقول : إنّ الخبر يصير خبرا بإرادة إحداثه خبرا عما هو خبر عنه. ويقول : إنّ هذه الإرادة تغنى عن إرادة إحداثه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٧ ، ١٣)

ـ يقول (أبو هاشم) في الأمر إنّه يصير أمرا بإرادتين ، إحداهما إرادة المأمور به ، والثانية إرادة إحداثه أمرا لمن هو أمر له ، ولا يحتاج إلى إرادة إحداثه. وعلى كلا القولين ، لا يحصل الفعل واقعا على وجه إلّا بإرادة واحدة ، لأنّ إرادة إحداث الخبر كإرادة إحداث سائر الأفعال في أنّها لا تؤثّر في كونه خبرا ؛ فإذن الذي تؤثّر فيه الإرادة الثابتة ، على كلا القولين. وأمّا إرادة المأمور به ، فإنّما تؤثّر في كونه أمرا بالفعل ؛ وإرادة إحداثه أمرا لمن هو أمر له ، تؤثّر في كونه أمرا له بذلك الفعل دون غيره. فكل واحدة منهما أثّرت في غير الوجه الذي أثّرت الأخرى فيه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٧ ، ١٦)

ـ إنّ الأمر إنّما يقبح إذا كان أمرا بما لا يطاق ، لأنّه يكشف عن حال الآمر أنّه يريد ذلك (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠١ ، ١٤)

ـ قال تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (الأحزاب : ٣٨) والمقدور إذا وصف به الموجود فإنّما يعني به أنّه وجد عن قدرة

قادر. ويحتمل أن يريد به أنّ الأمر كان قبل إحداثه إيّاه قدرا مقدورا. وكل ذلك يبيّن حدوثه (ق ، غ ٧ ، ٨٨ ، ١٨)

ـ إنّ الأمر لا يفيد إلّا أحد أمرين. إمّا أن يستدلّ به على حال الفعل ، فمتى وجد الفعل أو فات وقته لم يصحّ حصول هذه الفائدة ، أو يفيد كونه لطفا في المراد والمأمور ، وذلك لا يصحّ متى وجد أو تقضي وقته ؛ لأنّ اللطف هو ما يدعو إلى الفعل ويقتضي اختيار الفعل عند المعرفة بحاله ، فإذا لم يصحّ من المكلّف إيجاد الفعل لم يكن لذلك معنى. فقد صحّ أنّ الأمر والإرادة يجب تقدّمهما الفعل لا محالة (ق ، غ ١١ ، ٣٠١ ، ١٦)

ـ أمّا الأمر فإنّه لا يحسن في حال الفعل البتّة ، ويفارق الإرادة في الوجه الذي حكمنا بحسنها ، وإن وجدت في حال الفعل. ويبيّن ما قلناه أنّ الأمر في الشاهد لا يحسن إلّا إذا تقدّم وقت الفعل ، ومتى أمر الآمر منّا غيره بالفعل في حال (الفعل) عدّ عابثا ، فكذلك القول في أمره ـ تعالى ـ (ق ، غ ١١ ، ٣٠٢ ، ٦)

ـ في حسن تقدّم الأمر حال الفعل بأوقات كثيرة. اعلم أنّ في الناس من يقول بقولنا في أنّ الأمر لا بدّ من أن يتقدّم وقت الفعل ، لكنّه امتنع من تقدّمه الأوقات الكثيرة ، وظنّ أنّه يلزمه على ذلك أن يكون مأمورا بما لا سبيل له إلى فعله ، وأن يكون مأمورا في حال هو فيها عاجز أو معدوم أو غير قادر ، أو أنّه يلزم عليه أن يكون عبثا إذا تقدّم الأوقات الكثيرة. والأصل في ذلك عندنا أنّه لا بدّ من أن يتقدّم القدر الذي يحصل به العرض من صحّة الاستدلال به على حال الفعل ، أو صحّة كونه لطفا وداعيا. ولسنا نجد في ذلك حالا ؛ لأنّ ضبط ذلك يتعذّر على المكلّف ؛ لأنّه لا يتمكّن من معرفة الأوقات جزءا جزءا على التفصيل ، وإنّما نطلق القول فنقول : يجب تقدّمه بوقت واحد ، نريد به الإبانة عن وجوب تقدّمه من غير قصد منّا إلى كلّ الأوقات في ذلك. وأمّا تقدّمه الأوقات الكثيرة فإنّما يحسن إذا حصل فيه معنى زائد ؛ على ما ذكرناه ، ونعلم أنّ ذلك المعنى كان لا يحصل لو لا تقدّمه ، فيحسن لأجل ذلك. وهذا نحو أن يعلم ـ تعالى ـ أن تقدّم الأمر مصلحة لقوم يتحمّلونه ويؤدّونه إلى المخاطب في المستقبل ، فيحسن لأجل ذلك تقدّمه (ق ، غ ١١ ، ٣٠٤ ، ٣)

ـ قد بيّن شيخنا أبو علي ـ رحمه‌الله ـ أنّ الأمر لا بدّ من أن يتقدّم الفعل بأوقات إذا كان أمرا بالمتضادّات المخيّر فيها ، وبناه على قوله : إن إرادة الضدّين تتضادّ ، فقال : لا بدّ من أن يكون مريدا منه أحد الضدّين في الأوّل أن يفعله في الثالث ، ولا يكره منه الضدّ الآخر ، ويريد منه في الثاني منه أن يفعل في الثالث الضدّ الآخر و (لا يكره) غيرهما إن كان لهما ضدّ ثالث وهذا يوجب تقدّم الإرادة بأكثر من وقت واحد ، وإن كان شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ يجيز تقدّمه بوقت واحد على قوله بأنّ إرادة الضدّين لا تتضادّ. وليس الذي جوّزناه في تقديم الأمر من منعنا أن يقدّم ـ تعالى ـ خلق الجماد بسبيل ؛ لأنّا إنّما نمنع من ذلك لأنّه ـ تعالى ـ ممّن لا يخشى الفوت ، فإذا علم أنّه لا حيّ ينتفع بذلك الجماد قبح تقديمه : لأنّه عبث (ق ، غ ١١ ، ٣٠٥ ، ١٤)

ـ إنّ قول موسى عليه‌السلام : تمسّكوا بشريعتي أبدا ، لا يمنع مما ذكرناه ، لأنّا قد دللنا أن

الأمر ، وإن اقترن به لفظ التأييد فإنّه لا يمنع من ورود النهي بعده ، ومن جواز إزالة التعبّد (ق ، غ ١٦ ، ١٢٢ ، ١٩)

ـ إنّ الأمر يفيد فائدة الخبر ، فلا فرق بين أن يقول : افعلوا كيت وكيت ، وبين أن يقول في ذلك : إنّه واجب لازم ، إذا كان الأمر إلزاما (ق ، غ ١٦ ، ١٢٣ ، ٥)

ـ إنّ الأمر إنّما يكون أمرا لإرادة ، فإذا كان عامّا صار متناولا للأفعال الكثيرة ، فلا بدّ من إرادات بعددها ، وكذلك القول فيما به يصير نهيا من الكراهات ، وفارق حال الأمر والنهي في هذا الوجه لحال الخبر (ق ، غ ١٧ ، ٢٠ ، ٨)

ـ إنّ الأمر إنّما يكون خطابا لقوم بأن يتناول الفعل من كل واحد منهم ، فهو في كونه خطابا تابع به للمأمور به .. يبيّن ذلك : أنه لا يجوز أن يريد المأمور من عشرة ولا يكون مخاطبا لهم ، وقد يكون مخاطبا لهم بذلك على طريق الأداء ، لا على جهة التكليف وإن لم يرد الفعل منهم ، فصار كونه خطابا تابعا لإرادة الفعل منهم لا محالة ، فمتى أراد ذلك فقد أغنى عن قصد زائد في كونه خطابا لهم ، ومتى لم يرد الفعل منهم احتاج إلى قصد زائد يصير به خطابا لجماعتهم ، ثم ينظر في الوجه الذي قصد إليه ، وإن كان على طريقة الخبر كفى فيه قصد واحد ، وإن كان على طريقة التكليف فالحكم ما قدّمناه ، فصار كونه خطابا للمكلّفين لا يكون إلّا تابعا ، على ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٢٠ ، ١٤)

ـ إنّ الخبر عن شيخنا" أبي علي" رحمه‌الله ، يفتقر إلى إرادتين لا بدّ منهما ، والأمر إلى ثلاث إرادات : إحداهما في الخبر إرادة إحداثه ؛ والأخرى إرادة الإخبار به عمّا هو خبر عنه. وإحداها في الأمر إرادة إحداثه ؛ والثانية إرادة إحداثه أمرا لمن هو أمر له ، والثالثة إرادة المأمور به. وعند شيخنا" أبي هاشم" رحمه‌الله ، إرادة إحداثه خبرا عمّا هو خبر عنه تغني عن إرادة إحداثه ، فالذي لا بدّ منه في كونه خبرا هو هذه الإرادة ، وكذلك يقول في الأمر إنّ إرادة إحداثه أمرا لمن هو أمر له تغني عن إرادة إحداثه فيكفي في كونه أمرا هذه الإرادة ، وإرادة المأمور به فقط (ق ، غ ١٧ ، ٢٢ ، ٦)

ـ الفقهاء يقولون في لفظ الأمر : إنّه نهي وتهديد ، وهذا توسّع لأنّ الأمر لا يكون نهيا ، ولا لفظ النهي يكون لفظا للأمر ، وإنّما المراد بذلك أنّ الأمر يراد به بالنهي فيفيد فائدة النهي ، ويكون مستعملا في ذلك على طريقة التوسّع ، كما يذكر الشيء ويراد به غيره ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف : ٨٢) إلى غير ذلك ، لأنّه إذا جاز في اللفظ الموضوع لشيء أن يراد به غيره لم يمتنع أن يراد بالكلمة بعض ما تتناوله مع غيره على جهة المجاز ، وهذا موجود في اللغة ، على ما قدّمناه في باب العموم (ق ، غ ١٧ ، ٢٥ ، ١٥)

ـ إنّما يكون أمرا بإرادة المأمور به ، وأنّه لا بدّ من ذلك في كونه أمرا ، ولا بدّ أيضا من أن يريد الآمر إحداث الأمر ، خطابا للمأمور (ق ، غ ١٧ ، ١٠٧ ، ٥)

ـ الذي يفيده الأمر من كل آمر هو : ما لا يكون آمرا إلّا به ، وهو إفادة المأمور به ، ولذلك يصحّ أن يكون أمرا بالحسن ، والواجب ، من حيث صحّ أن يريد جميع ذلك ، ولذلك يصحّ أن يأمر بما لا يجوز أن يراد. وهذا أحد ما تبيّن أنّه لا يكون أمرا إلّا بإرادة المأمور به ، ومتى ورد الأمر من الحكيم فإنّه يدلّ على ذلك ومن حقّه

أن لا يريد إلّا الحسن ، فلا بدّ من كون ما أمر به حسنا ، فإن كان الحكيم مكلّفا ، أو رسولا للمكلّف فلا بدّ فيما أمر به من أن يكون ندبا وموجبا ، لأنّه لا يحسن أن يريد على هذا الحدّ إلّا ما هذا حاله (ق ، غ ١٧ ، ١٠٧ ، ٨)

ـ الفعل إذا قرن بالاسم ، فإمّا أن يقرن به على سبيل النعت فيكون خبرا ، وما في معناه ، كقولك : زيد يضرب ؛ وإمّا أن يقرن به على سبيل الحدث ، إمّا على الفعل فيكون أمرا ، وإمّا على تركه فيكون نهيا (ب ، م ، ٢١ ، ٤)

ـ إنّ صيغة الأمر إنّما وجب أن تحمل على الوجوب لأنّها موضوعة له ، وقد صدرت من حكيم ، وتجرّدت عن دلالة تدلّ على أنّها مستعملة في غيره. وهذه الأمور قائمة بعد الحظر. فدلّت على الوجوب (ب ، م ، ٨٢ ، ١٩)

ـ ذهب قوم إلى أنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه. وخالفهم آخرون على ذلك. وإليه ذهب قاضي القضاة وأصحابنا. والخلاف في ذلك إمّا في الاسم ، وإمّا في المعنى. فالخلاف في الاسم ، أن يسمّوا الأمر نهيا على الحقيقة. وهذا باطل ، لأنّ أهل اللّغة فصلوا بين الأمر والنّهي في الاسم ، وسمّوا هذا" أمرا" وسمّوا هذا" نهيا" ، ولم يستعملوا اسم النّهي في الأمر. فإن استعملوه فيه ، فقليل نادر. والخلاف في المعنى من وجهين : أحدهما أن يقال : إنّ صيغة" لا تفعل" وهو النّهي موجودة في الأمر. وهذا لا يقولونه ، لأنّ الحسّ يدفعه. والآخر أن يقال : إنّ الأمر نهي عن ضدّه في المعنى ، من جهة أنّه يحرّم ضدّه (ب ، م ، ١٠٦ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ الأمر لمّا كان صادرا من آمر إلى مأمور ، بمأمور به ، في زمان ، لم يمتنع أن يرجع شروط حسنه إليه وإلى الآمر والمأمور والمأمور به والزّمان (ب ، م ، ١٧٧ ، ١١)

ـ عندنا (البصري) أنّ الأمر لا يجوز أن يبتدئ به في حال الفعل ، بل لا بدّ من تقدّمه قدرا من الزّمن يمكن مع الاستدلال به على وجوب المأمور به ، أو كونه مرعيّا فيه ، ويفعل الفعل في حال وجوبه فيه. ولا يجوز تقدّمه على ذلك إلّا لغرض. ويجوز أن يتقدّم على ذلك الغرض مصلحة. ولا فرق بين أن يكون المأمور متمكّنا من الفعل من حين الأمر إلى وقت الفعل ، أو غير متمكّن من حين الأمر. والدّليل على وجوب تقدّمه القدر الذي ذكرناه ، أنّه لو لم يتقدّمه هذا القدر ، لم يتمكّن المكلّف أن يعلم وجوب الفعل قبل وقته ، فيدعوه إلى فعله على نيّة الوجوب ، في الوقت الذي وجب عليه إيقاعه فيه. وذلك تكليف ما لا يطاق (ب ، م ، ١٧٩ ، ١٧)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ الكلام لا يصير خبرا وأمرا بالإرادة ، وقال إنّ الخبر خبر لعينه والأمر أمر لعينه (ن ، م ، ٣٦٣ ، ٩)

ـ ذهب شيوخنا إلى أنّ نفس ما هو خبر كان يجوز أن يوجد ولا يكون خبرا ، وأنّه إنّما يكون خبرا لكون الفاعل مريدا للإخبار به ، وأنّ الأمر إنّما يكون أمرا لكون الفاعل مريدا للمأمور به (ن ، م ، ٣٦٣ ، ١١)

ـ زعم ابن الراوندي وطائفة من القدريّة أنّ الأمر ما ورد إلّا بالواجب وأنّ النوافل غير مأمور بها (ب ، أ ، ١٩٩ ، ١٦)

ـ زعم الجبّائي أنّ الأمر إنّما يكون أمرا إذ اقترنت به ثلاث إرادات : إرادة لحدوثه وإرادة لكونه أمرا وإرادة للفعل المأمور به (ب ، أ ،

٢٠٩ ، ١٦)

ـ زعمت القدريّة أنّ الأمر لا يصحّ وروده من الإله عزوجل إلّا بما فيه صلاح المأمور وتعريضه لأسنى المنازل (ب ، أ ، ٢١٤ ، ٩)

ـ اختلفوا في الأمر إذا ورد ممّن يلزم المأمور طاعته. فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وعامة الفقهاء بأنّ ظاهره يقتضي الوجوب ولا يحمل على غيره إلّا بدلالة. وحملته القدريّة على الندب (ب ، أ ، ٢١٥ ، ١٢)

ـ قال هذا السمناني إنّ مذهب شيوخه أنّهم لا يقولون إنّ الأمر بالشيء دالّ على كونه مرادا للآمر قديما كان أو محدثا ، ولا يدلّ النهي على كونه مكروها (ح ، ف ٤ ، ٢٠٩ ، ٩)

ـ أمّا الأمر فهو قول القائل لمن دونه في الرتبة : افعل ، أو ما يقوم هذا المقام من الصيغ (أ ، ت ، ٣٨٤ ، ٣)

ـ قالوا (المعتزلة) : الأمر بالشيء يتضمّن كونه مرادا للآمر ، ويستحيل في قضية العقول أن يأمر الآمر بما يكرهه ويأباه ؛ وكذلك النهي عن الشيء يتضمّن كونه مكروها للناهي ، ويستحيل أن يكون الناهي على حكم الحظر مريدا لما نهى عنه (ج ، ش ، ٢١٥ ، ١٠)

ـ أمّا الأمر ، فهو دلالة على أنّ في النفس طلب فعل المأمور ، وعلى هذا يقاس النهي ، وسائر الأقسام من الكلام ، ولا يعقل أمر آخر خارج عن هذا ، وهذه الجملة ، فبعضها محال عليه كالأصوات ، وبعضها موجود لله كالإرادة ، والعلم ، والقدرة ، وأمّا ما عدا هذا ، فغير مفهوم (غ ، ق ، ١١٨ ، ١١)

ـ إن قلت : ما الأمر؟ قلت : طلب الفعل ممن هو دونك وبعثه عليه ، وبه سمّي الأمر الذي هو واحد الأمور لأنّ الداعي الذي يدعو إليه من يتولّى ، شبّه بآمر يأمره به ، فقيل له أمر تسمية للمفعول به بالمصدر كأنّه مأمور به ، كما قيل له شأن (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٥)

ـ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) على معنيين : أحدهما بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ، إلّا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه. والثاني بل لله أن يلجئهم إلى الإيمان ، وهو قادر على الإلجاء لو لا أنّه بنى أمر التكليف على الاختيار ، ويعضده قوله (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) (الرعد : ٣١) يعني مشيئة الإلجاء والقسر (لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) (ز ، ك ٢ ، ٣٦٠ ، ١٩)

ـ (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إنّما شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) إذا دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) (يس : ٨٢) أن يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث : أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٦)

ـ إنّ الأمر بالشيء يقتضي من المأمور حصول المأمور به ، والإرادة تقتضي تخصيص المأمور به بالوجود ، ومن المحال اقتضاء الحصول لشيء ، واقتضاء ضدّ ذلك منه ، فلو قلنا إنّ الباري تعالى أمر أبا جهل بالإيمان وأراد منه الكفر ، أدّى ذلك إلى اقتضاء الإيمان منه بحكم الأمر ، واقتضاء منه بحكم الإرادة ، وهو محال (ش ، ن ، ٢٥٤ ، ١٠)

ـ الأمر بالشيء لا يكون مريدا لمأمور به من حيث أنّه مأمور به قط ، سواء كان المأمور به طاعة أو غيره ، وقد علم الأمر حصولها ،

وسواء كان الأمر بخلاف ذلك فإنّ جهة المأمور به هو كسب المأمور ، وقد بيّنا أنّ ذلك أخصّ وصف للفعل سمّي به المرء عابدا مطيعا مصليا وصائما مزكّيا حاجّا غازيا مجاهدا ، والفعل من هذا الوجه لا ينسب إلى الباري تعالى فلا يكون مريدا له من هذا الوجه ، بل ينسب إليه من حيث التجدّد والتخصيص ، وما لم يكن الفعل فعلا للمريد لا يكون مرادا له ، فما كان من جهة العبد من الذي سمّيناه كسبا ووقع على وفق العلم والأمر كان مرادا ومرضيّا ، أعني مرادا بالتجدّد والتخصيص ، مرضيّا بالثناء والثواب والجزاء. وما وقع على وفق العلم وخلاف الأمر كان مرادا غير مرضيّ أعني مرادا بالتجدّد غير مرضيّ بالذمّ والعقاب (ش ، ن ، ٢٥٥ ، ١٣)

ـ أمّا قوله (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (الأحزاب : ٣٧) فيصحّ أن يقال المراد به فعله من الثواب والعقاب ونحوه ؛ فإنّ الأمر قد يطلق بإزاء الفعل كما قال تعالى (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) (القمر : ٥٠) أي فعلنا ، وقوله (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ) (هود : ٩٧) يعني فعله (م ، غ ، ١٠٩ ، ٨)

ـ أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأمّا الأمر والنهي فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك سمّي نهيا. وأمّا الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢). وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حق الله ـ تعالى ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ٧)

ـ قام شيخ إلى عليّ عليه‌السلام فقال أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره ، فقال والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا إلّا بقضاء الله وقدره ، فقال الشيء فعند الله أحتسب عناي ما أرى لي من الأجر شيئا ، فقال مه أيها الشيخ لقد عظّم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون ، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين. فقال الشيخ وكيف والقضاء والقدر ساقانا ، فقال ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم تأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ، ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبّاد الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب ، وهم قدريّة هذه الأمّة ومجوسها. إنّ الله سبحانه أمر تخييرا ونهى تحذيرا وكلّف يسيرا ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها ، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ، ذلك ظنّ الذين كفروا ، فويل للذين كفروا من النار. فقال الشيخ فما القضاء والقدر

اللذان ما سرنا إلّا بهما ، فقال هو الأمر من الله والحكم ، ثم تلا قوله سبحانه وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول : أنت الإمام الذي نرجو بطاعته يوم النشور من الرحمن رضوانا أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا جزاك ربّك عنّا فيه إحسانا. ذكر ذلك أبو الحسين في بيان أنّ القضاء والقدر قد يكون بمعنى الحكم والأمر وأنّه من الألفاظ المشتركة (أ ، ش ٤ ، ٢٧٨ ، ١)

ـ الأمر والنهي إخبار عن ترتّب الثواب أو العقاب على الفعل أو الترك وكذا سائرها (خ ، ل ، ١٠٧ ، ٥)

أمر إضافي

ـ كونه واجب الوجود بغيره أمر إضافيّ لا محالة ، لأنّ كون واجب الوجود مبدأ وعلّة أو موجبا ومبدعا أمر إضافي لا تتكثّر به الذات ، فإذا كان الإيجاب إضافة فيكون بين الموجب والموجب إضافة لا محالة ، والأمر الإضافيّ قد يتكثّر ويتعدّد ولا تتكثّر به الذات (ش ، ن ، ٦١ ، ٦)

أمر الله

ـ (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) (الأحزاب : ٣٧) جملة اعتراضية : يعني وكان أمر الله الذي يريد أن يكوّنه مفعولا مكوّنا لا محالة ، وهو مثل لما أراد كونه من تزويج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب ، ومن نفي الحرج عن المؤمنين في إجراء أزواج المتبنين مجرى أزواج البنين في تحريمهن عليهم بعد انقطاع علائق الزواج بينهم وبينهنّ. ويجوز أن يراد بأمر الله المكوّن لأنّه مفعول بكن وهو أمر الله (فَرَضَ اللهُ لَهُ) (الأحزاب : ٣٨) قسم له وأوجب من قولهم فرض لفلان في الديوان كذا ومنه فروض العسكر لرزقاتهم (ز ، ك ٣ ، ٢٦٣ ، ٣٠)

ـ لم يجر الله أمر الإيمان على الإجبار والقسر ولكن على التمكين والاختيار (ز ، ك ١ ، ٣٨٧ ، ١٢)

أمر بالمعروف

ـ اعلم أنّ بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقا من حيث أنّ في الأمر بالمعروف يكفي مجرّد الأمر به ، ولا يلزمنا حمل من ضيّعه عليه ، حتى ليس يجب علينا أن نحمل تارك الصلاة على الصلاة حملا ، وليس كذلك النهي عن المنكر فإنّه لا يكفي فيه مجرّد النهي عن استكمال الشرائط ، حتى نمنعه منعا ، ولهذا فلو ظفرنا بشارب خمر وحصلت الشرائط المعتبرة في ذلك ، فإنّ الواجب علينا أن ننهاه بالقول الليّن ، فإن لم ينته خشّنا له القول ، فإن لم ينته ضربناه ، فإن لم ينته قاتلناه إلى أن يترك ذلك (ق ، ش ، ٧٤٤ ، ١٣)

ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في

منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ١٥)

ـ الأمر بالمعروف : هو الإرشاد إلى المراشد المنجية (ج ، ت ، ٥٩ ، ٥)

ـ قيل الأمر بالمعروف : الدلالة على الخير والنهي عن المنكر : المنع عن الشر ، وقيل الأمر بالمعروف : أمر بما يوافق الكتاب والسنّة ، والنهي عن المنكر : نهى عمّا تميل إليه النفس والشهوة ، وقيل الأمر بالمعروف إشارة إلى ما يرضي الله تعالى من أفعال العبد وأقواله (ج ، ت ، ٥٩ ، ٦)

أمر بالمعروف ونهي عن المنكر

ـ اعلم أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضربين : أحدهما ما لا يقوم به إلّا الأئمة ، والثاني ما يقوم به كافة الناس. أمّا ما لا يقوم به إلّا الأئمة ؛ فذلك كإقامة الحدود ، وحفظ بيضة الإسلام ، وسدّ الثغور ، وتنفيذ الجيوش ، وتولية القضاة والأمراء ، وما أشبه ذلك. وأمّا ما يقوم به غيرهم من أفناء الناس ، فهو كشرب الخمر ، والسرقة والزنا ، وما أشبه ذلك ، ولكن إذا كان هناك إمام مفترض الطاعة فالرجوع إليه أولى. وأعلم أنّ المقصود في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، هو أن لا يضيع المعروف ولا يقع المنكر. فإذا ارتفع هذا الفرض ببعض المكلّفين سقط عن الباقين ، فلهذا قلنا : إنّه من فروض الكفايات ، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في ذلك (ق ، ش ، ١٤٨ ، ٩)

ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب بالقول والسيف مع كمال الشروط. الحشويّة : لا. الإماميّة : بشرط وجود الإمام (م ، ق ، ١٤٩ ، ١)

ـ أبو هاشم : إنّما يجب سمعا. أبو علي : وعقلا. قلنا : لا وجه لوجوبه من العقل إلّا كونه أمرا بمعروف ونهيا عن منكر ، فيلزم أن يجب على الله تعالى أن يلجيهم كنحن (م ، ق ، ١٤٩ ، ١٠)

ـ يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجماعا متى تكاملت شروطهما ، وهي التكليف والقدرة عليهما ، والعلم بكون ما أمر به معروفا وما نهي عنه منكرا ، لأنّه إن لم يعلم لم يؤمن أن يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف ، وظنّ التأثير حيث كان المأمور والمنهيّ عارفين بأنّ المأمور به والمنهيّ عنه منكر ، وإلّا وجب التعريف وإن لم يظنّ التأثير لأنّ إبلاغ الشرائع واجب إجماعا ... قلت : ويجب أيضا أمر العارف بالمعروف ونهي العارف بالمنكر ، وإن لم يحصل الظنّ بالتأثير (ق ، س ، ١٧٦ ، ٣)

ـ لا يكونان (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إلّا بقول رقيق ، فإن لم يتمّا به وجبت المدافعة عن فعل المحظور إلى حدّ القتل لإجماع العترة عليهم‌السلام على وجوب إزالة المنكر بأي ممكن ، ولا يفعل الأشدّ مع تأثير الأخفّ. بعض سادتنا ، عليهم‌السلام : فإن كان التفكّر في القدر الكافي مخلّا بالمدافعة بحيث يفعل المحظور في مدّة التفكّر وجب دفعه بغير رويّة ولو بالأضرّ وهو قوي لعدم حصول الانزجار لولاه ، والحمل على فعل الواجب بالإكراه يختصّ بالإمام غالبا للإجماع على وجوب ذلك على الإمام وعدم الدليل في حق من عداه (ق ، س ، ١٧٧ ، ١٥)

أمر التكوين

ـ بقولهم : أمر الله نافذ ولا مردّ لأمره. قيل : لهذا وجهان : أحدهما أمر التكوين كقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) ، فهذا لا مردّ له ، ويدخل في ذلك فعل الخلق جميعا ، وهو مثل الأول. والثاني أن يراد به حقيقة حق الأمر أن لا يرد عن الوجه الذي يكون الأمر وما به الأمر فيما لم يكن ، لم يخرج الأمر عن حدة وتزول الإدارة ؛ إذ هي المكوّن ، والأمر ليفعل به (م ، ح ، ٢٩٥ ، ٧)

ـ من أصلهم (الكراميّة) : أنّ ما يحدث في ذاته من الأمر فمنقسم إلى : ١ ـ أمر التكوين ، وهو فعل يقع تحته المفعول. ٢ ـ وإلى ما ليس أمر التكوين : وذلك إمّا خبر ، وإمّا أمر التكليف ، ونهي التكليف. وهي أفعال من حيث دلّت على القدرة ، ولا تقع تحتها مفعولات. هذا هو تفصيل مذاهبهم محل الحوادث (ش ، م ١ ، ١١١ ، ٢١)

أمر وخطاب

ـ إنّ مدلول التكاليف من حيث الحدود والأحكام قضية وراء العلم والقدرة والإرادة ، وذلك ما عبّرنا عنه بالقول والكلام وعبّر التنزيل عنه بالأمر والخطاب (ش ، ن ، ٢٧٥ ، ١١)

أمر ونهي

ـ إنّ التأديب ليس إلّا بالأمر والنهي ، وأن الأمر والنهي غير ناجعين فيهم إلّا بالترغيب والترهيب اللذين في طباعهم. فدعاهم بالترغيب إلى جنّته وجعلها عوضا مما تركوا في جنب طاعته ، وزجرهم بالترهيب بالنار على معصيته وخوّفهم بعقابها على ترك أمره (ج ، ر ، ١٢ ، ١٤)

ـ إنّ الملجأ إلى الفعل لا يختاره لحسنه في عقله ، وإنّما يختاره لوجه الإلجاء ، وكذلك الملجأ إلى أن لا يفعله ، لأنّه لا يعدل عنه قبحه في عقله ، لكن لوجه الإلجاء ، فقد صار زوال الإلجاء الداخل في وجه التمكين ، من حيث بيّناه ، وكذلك حصول الشهوة والدواعي المتردّدة لاحتقان بالتمكين ، لأنّه لا يصحّ أن يفعل على الوجه الذي كلّف إلّا معهما أو مع أحدهما ، لأنّ المشقّة والكلفة لا تحصل إلّا بهما ، أو بما يجري مجراهما ، فهذا الشرط جامع لما يتناوله الأمر والنهي ، ثم يختصّ الأمر بأن يكون ما تناوله حسنا وصلاحا ، إما على وجه يقتضي كونه نفلا ، أو على وجه يقتضي كونه واجبا ، إذا كان من باب الشرعيات ، التي تعرف بالأمر أو الإيجاب ؛ ويختصّ النهي بأن يتناول ما يكون قبيحا ، ويكون وجه قبحه كونه فسادا ، أو مانعا من الصلاح على ما بيّناه من قبل (ق ، غ ١٦ ، ٧١ ، ١٣)

ـ من شرط الأمر والنهي عندنا ورودهما ممّن هو فوق المخاطب بهما ، ومن شرطهما أيضا بقاؤهما في أحوال الوجوب والتحريم ، ولذلك بقي وجوب الفرائض وتحريم المحرّمات إلى القيامة لأنّ الخطاب ، الذي به أوجب الله تعالى الواجبات وبه حرّم المحرّمات ، باق عندنا (ب ، أ ، ٢٠٩ ، ٦)

ـ قول بعض الأصحاب (الباقلانيّ) في تقرير الأمر بما ليس بمراد : إنّ ما يتعلّق به الأمر والنهي ، إنّما هو أخص وصف فعل المكلّف ، وهو ما يصير به طائعا أو عاصيا ، وذلك الأخصّ هو ما يتعلّق بكسبه ويدخل تحت قدرته ، وبه يتحقّق معنى التكليف ، وهو ما

جعلته المعتزلة من توابع الحدوث ، لا أنّ التكليف متعلّق بأصل الفعل ؛ إذ هو فعل الله ـ تعالى ـ وذلك لا يجوز التكليف به ؛ إذ هو من فعل الغير ، والتكليف بفعل الغير تكليف بما لا يطاق. فإذا ما يقع به التكليف إنّما هو ما ينسب إلى فعل العبد واكتسابه ، وليس ذلك مرادا لله ـ تعالى ـ ولا داخلا تحت قدرته (م ، غ ، ٦٩ ، ٦)

إمكان

ـ الإمكان مستمرّ أبدا ، والقدرة واسعة لجميع ذلك ؛ وبرهان هذه الدعوى وهو عموم تعلّق القدرة ، أنّه قد ظهر أنّ صانع العالم واحد. فإمّا أن يكون له بإزاء كل مقدور قدرة ، والمقدورات لا نهاية لها ، فيثبت قدر متعدّدة ، لا نهاية لها وهو محال ، لما سبق في إبطال دورات لا نهاية لها. وإمّا أن تكون القدرة واحدة ، فيكون تعلّقها مع اتحادها بما يتعلّق به من الجواهر ، والأعراض مع اختلافها ، لأمر تشترك فيه ، ولا يشترك في أمر سوى الإمكان ؛ فيلزم منه أن كلّ ممكن ، فهو مقدور لا محالة ، وواقع بالقدرة (غ ، ق ، ٨٢ ، ٤)

ـ العقل الصريح يقضي بالإمكان في كل واحد من أجزاء العالم ، والمجموع إذا كان مركّبا من الأجزاء كان الإمكان واجبا له ضرورة (ش ، ن ، ١٣ ، ٢)

ـ إنّ الفعل كان مقدورا للباري سبحانه وتعالى قبل تعلّق القدرة الحادثة ، أي هي على حقيقة الإمكان صلاحية ، والقدرة على حقيقة الإيجاد صلاحية ، ونفس تعلّق القدرة الحادثة لم تخرج الصلاحيتين عن حقيقتهما ، فيجب أن تبقى على ما كانت عليه من قبل ، ثم يضاف إلى كل واحد من المتعلّقين ما هو لائق (ش ، ن ، ٨٢ ، ٦)

ـ نقول إنّ إمكان الممكن من حيث إمكانه أمر لذاته ، وهو من هذا الوجه غير محتاج إلى الفاعل ، وليس للفاعل جعله ممكنا ، لكن من حيث ترجيح أحد طرفي الإمكان ، كان محتاجا إلى الفاعل (ش ، ن ، ١٥٥ ، ١٧)

ـ علّة الحاجة إلى المؤثّر الإمكان لا الحدوث (ف ، م ، ٦٦ ، ١٥)

ـ إنّ الإمكان أيضا ليس هو في نفسه حقيقة وجوديّة ولا ذاتا حقيقيّة ، وإنّما حاصله يرجع إلى نفي (لزوم) المحال من فرض وجود الشيء وعدمه ، وذلك لا يستدعي مادة يضاف إليها ولا يقوم بها ، إذ هو في المعنى ليس إلّا من القضايا السلبية دون الإيجابيّة. كيف وإنّ ذلك مما لا يصحّ ادّعاؤه من الخصم وإلّا كان واجبا لذاته أو لغيره : فإن كان واجبا لذاته فقد لزم اجتماع واجبين ، وهو خلاف ما مهّدت قاعدته. وإن كان وجوبه لغيره لزم أن يكون لذاته ممكنا. ثم ولو استدعى الإمكان مادة يضاف إليها سابقة على كون ما قيل له ممكن لكان كل ممكن هكذا ، وذلك مما يخرم قاعدة المحقّقين من الإلهيين في النفوس الإنسانيّة والجواهر الصوريّة ، فإنّها في أنفسها ليست ماديّة ، وإن كانت ممكنة ، وجودها بعد ما لم تكن. فإذا الواجب أن يتصوّر من إمكان كل موجود بعد العدم ما يتصوّره الخصم من إمكان النفوس الإنسانيّة والجواهر الصوريّة وغير ذلك من الأمور البسيطة الغير الماديّة (م ، غ ، ٢٧٢ ، ١٠)

ـ الحقّ أنّ الوجوب والإمكان والامتناع أمور معقولة تحصل في العقل من إسناد المتصوّرات إلى الوجود الخارجيّ ، وهي في أنفسها

معلولات للعقل بشرط الإسناد المذكور ، وليست بموجودات في الخارج حتّى تكون علّة للأمور التي يسند إليها أو معلولا لها (ط ، م ، ٩٤ ، ٨)

ـ الإمكان هو كآلة للعاقل بها يعرف حال الممكن في أنّ وجوده كيف يعرض لماهيّته ، ولا ينظر في كون الإمكان موجودا أو غير موجود ، أو جوهرا أو عرضا ، أو واجبا أو ممكنا. ثمّ إن نظر في وجوده أو إمكانه أو وجوبه أو جوهريّته أو عرضيّته لم يكن بذلك الاعتبار إمكانا لشيء ، بل كان عرضا في محلّ هو العقل وممكنا في ذاته ، ووجوده غير ماهيّته (ط ، م ، ١٠٧ ، ١٨)

ـ الإمكان من حيث هو إمكان لا يوصف بكونه موجودا أو غير موجود ، وممكنا أو غير ممكن. وإذا وصف بشيء من ذلك لا يكون حينئذ إمكانا ، بل يكون له إمكان آخر (ط ، م ، ١٠٨ ، ١)

ـ إنّ الإمكان صفة للمتصوّر المسند إلى الوجود الخارجيّ ، والشّيء حال عدمه يكون متصوّرا فيكون موصوفا بالإمكان (ط ، م ، ١٠٨ ، ٨)

ـ الماهيّة لا تخلو عن الوجود أو العدم في الخارج ، أمّا عند العقل فتخلو عن اعتبارهما ، والإمكان صفة لها من حيث هي كذلك مسندة إلى الوجود أو إلى العدم (ط ، م ، ١١٠ ، ٦)

ـ الإمكان من حيث هو قائم بالذهن ليس بإمكان من حيث هو متعلّق بمتصوّر لا يعتبر حصوله في الذّهن ولا حصوله. وهذا الخبط يعرض من عدم التمييز بين الاعتبارات العقليّة والأمور الخارجيّة (ط ، م ، ١١٠ ، ١٨)

ـ إنّ الإمكان الذي محلّه الماهيّة غير الإمكان الذي محلّه المادّة ؛ فإنّ الأوّل منهما أمر عقليّ يعقل عند انتساب الماهيّة إلى وجودها ، والثاني عبارة عن الاستعداد ، وهو استعداد وجود شيء يكون قبل وجود ذلك الشيء ، ويحتاج إلى محلّ ، لأنّه عندهم عرض موجود من جنس الكيف. والجواب الصحيح أنّ الأمور الإبداعيّة لا يتصوّر فيها استعداد يتقدّم وجودها وإمكانها إنّما يعقل عند وجودها وهو صفة لماهيّتها التي لا توجد قبل وجودها (ط ، م ، ٢٠٧ ، ١٣)

ـ الماهيّة المعرّاة عن الوجود والعدم كيف يعقل إمكانها ، فإنّ الإمكان نسبة بين الماهيّة والوجود. وأيضا الماهيّة الموجودة ملتئمة من الماهيّة والوجود فهي أولى بالإمكان ، لا سيما الوجود حاصل عنها ، فهو ممكن وهو أحد أجزاء المجموع (ط ، م ، ٢٥٥ ، ١٧)

ـ قالوا (المعتزلة والفلاسفة) : الامتناع عدميّ ، وإلّا فالمتّصف به مثله ، فالإمكان ثبوتيّ لأنّه نقيضه ، فكذا الممكن. قلنا : فبطل قولكم أنّها لا تتغيّر (خ ، ل ، ٥٣ ، ٧)

ـ الموصوف بالإمكان إمّا الوجود ، أو الماهيّة ، أو الموصوفيّة ، وأيّا ما كان ، أضيف الشيء إلى نفسه بالإمكان إن كان مفردا ؛ ويعود البحث إن كان مركّبا (خ ، ل ، ٥٦ ، ٤)

ـ الإمكان : عدم اقتضاء الذات الوجود والعدم (ج ، ت ، ٥٨ ، ١٤)

ـ إنّ الإمكان لا يكون إلّا مع التمكّن ، والتمكّن لا يصحّ أن يكون إلّا عند ما يصحّ الفعل ، والفعل لا يصحّ إلّا بعد وجود الفاعل ضرورة ، وما كان بعد غيره فهو محدث (ق ، س ، ٦٥ ، ١)

إمكان استعدادي

ـ الإمكان الاستعداديّ : ويسمّى الإمكان

الوقوعيّ أيضا ، وهو ما لا يكون طرفه المخالف واجبا لا بالذات ولا بالغير ، ولو فرض وقوع الطرف الموافق لا يلزم المحال بوجه ، والأوّل أعمّ من الثاني مطلقا (ج ، ت ، ٥٨ ، ١٧)

إمكان استقبالي

ـ الإمكان الاستقباليّ هو الذي يلحق ذلك المتصوّر عند ذلك الإسناد. والنظر في أنّ إمكان العدم يحصل في الحال أو في الاستقبال ليس نظرا في الإمكان من حيث كونه إمكانا ، بل فيه من حيث أنّه صورة في العقل ، وهو حاصل في وقت التعقّل من حيث هي صورة عقليّة ، ومتعلّق بالاستقبال من حيث هو إمكان ، ولا يلزم منه محال. وأمّا أنّ الإمكان نسبة إضافيّة لا تتحقّق إلّا عند تحقّق المنتسبين فقد ظهر أنّ منتسبيه حاصل في التصوّر متعلّق بالاستقبال (ط ، م ، ١٠٩ ، ١٦)

إمكان خاص

ـ الإمكان الخاص : هو سلب الضرورة عن الطرفين نحو كل إنسان كاتب ، فإنّ الكتابة وعدم الكتابة ليس بضروريّ له (ج ، ت ، ٥٨ ، ٢٠)

إمكان ذاتي

ـ الإمكان الذاتيّ : هو ما لا يكون طرفه المخالف واجبا بالذات وإن كان واجبا بالغير (ج ، ت ، ٥٨ ، ١٥)

إمكان عام

ـ الإمكان العام : هو سلب الضرورة عن أحد الطرفين كقولنا كل نار حارّة ، فإنّ الحرارة ضروريّة بالنسبة إلى النار وعدمها ليس بضروريّ ، وإلّا لكان الخاص أعمّ مطلقا (ج ، ت ، ٥٩ ، ١)

إملاء

ـ الإملاء : الإمهال ، وأن يترك ملاوة من الزمن في خفض وأمن ، كالبهيمة يملى لها في المرعى (ز ، ك ٢ ، ٣٦١ ، ١٣)

آمنوا

ـ آمنوا : أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام (ز ، ك ٤ ، ١٠٨ ، ١١)

ـ آمنوا : أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين (ز ، ك ٤ ، ١٠٨ ، ١٥)

أمور مباحة

ـ الأمور المباحة التي لا يؤمر بها ولا ينهى عنها (أ ، ش ١ ، ١٥٧ ، ٢٩)

أمور متضادة

ـ الأمور المتضادّة إنّما تتضادّ على موضوع تقوم به وتحلّه (أ ، ش ٣ ، ٢٠٥ ، ٩)

أمور مستحقة على الأفعال

ـ كما أنّ السبب يوجب المسبّب إذا احتمله المحل ، ولا يوجب إذا لم يحتمله. فإذا صحّ ذلك في الموجبات ، لم يمتنع مثله في الأمور المستحقّة على الأفعال ، لأنّها لا تكون علّة فيما يستحقّ بها على سبيل الإيجاب. ولذلك يحصل القبيح من الصبيّ ولا يستحقّ به الذمّ.

وقد يقع من العاقل. ولا يستحقّ ذلك به لمانع نحو طاعات عظيمة تقارنه ، أو تقدّم توبه. فقد صحّ مفارقته في هذا الباب العلل الموجبة (ق ، غ ٨ ، ١٦٩ ، ١٥)

آن

ـ كل زمان فنهايته الآن ، وهو حدّ الزمانين ، فهو نهاية الماضي وما بعده ابتداء للمستقبل وهكذا أبدا يفنى زمان ويبتدئ آخر ، وكل جملة من جمل الزمان فهي مركّبة من أزمنة متناهية ذات أوائل (ح ، ف ١ ، ١٥ ، ١)

ـ الزمان إمّا الماضي ، وإمّا المستقبل ، وليس له قسم هو الآن. إنّما الآن هو فصل مشترك بين الماضي والمستقبل ، كالنقطة في الخطّ. والماضي ليس بمعدوم مطلقا ، إنّما هو معدوم في المستقبل ، والمستقبل معدوم في الماضي ، وكلاهما معدومان في الآن. وكلّ واحد منهما موجود في حدّه (ط ، م ، ١٣٧ ، ١)

ـ لو كان الآن جزءا من الزّمان لما أمكن قسمة الزمان إلى قسمين. مثلا تقول : من الغداة إلى الآن ، ومن الآن إلى العشاء. فإن كان الآن جزءا لم تكون هذه لقسمة صحيحة ولا أمكن قسمة مقدار من الزمان إلى قسمين. فالآن موجود ، وهو عرض حالّ في الزّمان ، كالفصل المشترك في الخطّ ، وليس بجزء من الزمان ، وليس فنائه إلّا بعبور زمان ، فلا يلزم منه تتالي الآنات (ط ، م ، ١٣٧ ، ٨)

أنبياء

ـ قال شيوخنا : لا يجوز على الأنبياء ، عليهم‌السلام ، في الخلقة والأخلاق ، ما ينفّر ، كما لا يجوز ذلك في الأفعال (ق ، غ ١٥ ، ٣١٢ ، ٤)

ـ إنّ الأنبياء أفضل من الأولياء ويدلّ عليه النقل والعقل (ف ، أ ، ٧٧ ، ٤)

انتصاف

ـ الانتصاف هو أن تأخذ للمظلوم من الظالم حقّه ، لا أن يتفضّل الله على الظالم ليأخذ منه المظلوم ؛ وعلى هذا فإنّ قاضي بلدة إذا سارع إليه خصمان فأراد القاضي الانتصاف منهما فإنّه يأخذ الحقّ من المستحقّ عليه ويضعه في المستحقّ ، فأمّا أن يوفّر ذلك من كيسه على المستحقّ دون أن يتعرّف للمستحقّ عليه فإنّه لا يكون منتصفا (ق ، ش ، ٥٠٥ ، ١٣)

ـ إنّه تعالى ينقل عن الظالم القدر الذي يستحقّه المظلوم عليه من المنافع فيكون منتصفا له منه ؛ لأنّه تعالى إنّما ينتصف للمظلوم لاستيفاء حقّه. وإذا كان ما ذكرناه يتضمّن استيفاءه فيجب أن يكون هو الانتصاف (ق ، غ ١٣ ، ٥٣٠ ، ٥)

ـ إنّ الانتصاف لا يجوز أن يقع بالثواب وإنّما يقع بنقل الأعواض (ق ، غ ١٣ ، ٥٤٥ ، ٢)

انتظار

ـ مما يبطل قول المعتزلة : أنّ الله عزوجل أراد بقوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) نظر الانتظار ، أنّه قال : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ونظر الانتظار لا يكون مقرونا بقوله" إلى" لأنّه لا يجوز عند العرب أن يقولوا في نظر الانتظار إلى ، ألا ترى أن الله عزوجل لمّا قال : (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) (يس : ٤٩) لم يقل إلى ، إذ كان معناه الانتظار. وقال عن بلقيس : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (النمل : ٣٥) فلمّا أرادت الانتظار لم تقل إلى ، وقال امرؤ القيس : فإنّكما إن تنظراني ساعة من الدهر

تنفعني لدى أم جندب. فلمّا أراد الانتظار لم يقل : " إلى" فلمّا قال عزوجل : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) علمنا أنّه لم يرد الانتظار ، وإنما أراد نظر الرؤية (ش ، ب ، ٣٣ ، ٢)

انتظار تعلّق

ـ إن قيل معنى تعلّق القدرة قبل وقوع المقدور ، أنّ المقدور إذا وقع ، وقع بها. قلنا فليس هذا تعلّقا في الحال ، بل هو انتظار تعلّق ، فينبغي أن يقال القدرة موجودة ، وهي صفة لا تعلّق لها ، ولكن ينتظر لها تعلّق ، إذا وقع المقدور بها ، وكذا القادرية ؛ ويلزم عليه محال ، وهو أنّ الصفة التي لم تكن من المتعلّقات صارت من المتعلّقات ، وهو محال (غ ، ق ، ٩٣ ، ١٢)

انتقال

ـ إنّ الانتقال عبارة أخذت من انتقال الجوهر من حيّز إلى حيّز. وذلك يثبت في العقل بأنّ فهم الجوهر ، وفهم الحيّز ، وفهم اختصاص الجوهر بالحيّز ، زائد على ذات الجوهر. ثم علم أنّ العرض لا بدّ له من محل ، كما لا بدّ للجوهر من حيّز. فتخيّل أنّ إضافة العرض إلى المحل ، كإضافة الجوهر إلى الحيّز ، فيسبق منه إلى الوهم إمكان الانتقال فيه ، كما في الجوهر (غ ، ق ، ٢٩ ، ٦)

ـ إنّ الانتقال عبارة عن الحصول في حيّز بعد الحصول في حيّز آخر ، وذلك إنّما يعقل في المتحيّز (ف ، م ، ٨٥ ، ٧)

انحصار مقدورنا

ـ قد عرفنا صحّة كون أحدنا قادرا في حال بقائه على وجه تتجدّد له هذه الصفة كما يصحّ أن يكون عليها في حال الحدوث. ويلزم على هذا القول أيضا نحو ما تقدّم لأنّا نقول : كان ينبغي أن لا يقع التفاضل بين القادرين في كثرة المقدور وقلّته لأنّ الجاعل في كلي الحالين قد جعل هذه الجملة قادرة. ولا يمكن أن يجعل انحصار المقدور معلّقا على انحصار الصفة ، لأنّا قد عرفنا أنّ القديم تعالى له بكونه قادرا صفة واحدة ، ومع هذا فليس ينحصر مقدوره ، فيجب أن يكون سبب انحصار مقدورنا استناد هذه الصفة إلى القدرة (ق ، ت ٢ ، ٢٤ ، ١٥)

إنزال

ـ ليس المعنى بالإنزال حط شيء من علوّ إلى سفل ؛ فإنّ الإنزال بمعنى الانتقال ، يتخصّص بالأجسام والأجرام (ج ، ش ، ١٣٠ ، ١٠)

ـ المعنيّ بالإنزال ، أنّ جبريل صلوات الله عليه أدرك كلام الله تعالى وهو في مقامه فوق سبع سماوات ، ثم نزل إلى الأرض ، فأفهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما فهمه عند سدرة المنتهى من غير نقل لذات الكلام (ج ، ش ، ١٣٠ ، ١٦)

إنزال القرآن

ـ كان (الأشعري) يقول في معنى إنزال القرآن إنّه إنزال الرسول به على معنى أنّه حفظه في علوّ فأدّاه في سفل ، فقيل إنّه نزل بالقرآن على معنى أنّه أدّى ما سمعه في علوّ في سفل. ألا ترى أنّه يقال لمن يؤدّي ما يسمعه في مستوى من الأرض إنّه ينقل الكلام من موضع إلى موضع ، ولمن يسمعه من علوّ ويؤدّي في سفل إنّه نزل برسالة فلان وبكلامه؟ وفي الحقيقة النازل

الرسول نزول التحوّل والانتقال ، ويقال للكلام" نزل" لا على معنى ما تعلّق بالرسول من صفة النزول (أ ، م ، ٦٤ ، ٩)

إنسان

ـ الإنسان عند" النظّام" هو الروح وهو جسم لطيف مداخل لهذا الجسم الكثيف (ش ، ق ، ٢٢٩ ، ٤)

ـ إنّ الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومجسّة وغير ذلك ، وأنّ الأعراض قد يجوز أن تنقلب أجساما (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٦)

ـ قال" أبو الهذيل" الإنسان هو الشخص الظاهر المرئيّ الذي له يدان ورجلان (ش ، ق ، ٣٢٩ ، ٩)

ـ قال" بشر بن المعتمر" : الإنسان جسد وروح وأنّهما جميعا إنسان ، وأنّ الفعّال هو الإنسان الذي هو جسد وروح (ش ، ق ، ٣٢٩ ، ١٤)

ـ قال" ضرّار بن عمرو" : الإنسان من أشياء كثيرة لون وطعم ورائحة وقوة وما أشبه ذلك ، وأنّها الإنسان إذا اجتمعت وليس هاهنا جوهر غيرها (ش ، ق ، ٣٣٠ ، ٣)

ـ قال" برغوث" إنّ الإنسان هو الاخلاط من اللون والطعم والرائحة وما أشبه ذلك (ش ، ق ، ٣٣٠ ، ١١)

ـ إنّ" هشام بن الحكم" قال : الإنسان اسم لمعنيين لبدن وروح ، فالبدن موات والروح هي الفاعلة الحسّاسة الدرّاكة دون الجسد ، وهو نور من الأنوار (ش ، ق ، ٣٣١ ، ٣)

ـ قال" أبو بكر الأصمّ" : الإنسان هو الذي يرى وهو شيء واحد لا روح له ، وهو جوهر واحد ، ونفى إلّا ما كان محسوسا مدركا (ش ، ق ، ٣٣١ ، ٦)

ـ قال" النظّام" : الإنسان هو الروح ولكنّها مداخلة للبدن مشابكة له ، وأنّ كل هذا في كل هذا ، وأنّ البدن آفة عليه وحبس وضاغط له (ش ، ق ، ٣٣١ ، ٩)

ـ قال" معمّر" : الإنسان [جزء] لا يتجزّأ وهو المدبّر في العالم والبدن الظاهر آلة له وليس هو في مكان في الحقيقة ولا يماسّ شيئا ولا يماسّه ولا يجوز عليه الحركة والسكون والألوان والطعم ولكن يجوز عليه العلم والقدرة والحياة والإرادة والكراهة ، وأنّه يحرّك هذا البدن بإرادته ويصرّفه ولا يماسّه (ش ، ق ، ٣٣١ ، ١٣)

ـ قال" أصحاب الطبائع" : الإنسان هو الحرّ والبرد واليبس والبلّة اختلط بهذا الضرب من الاختلاط ، وكذلك سمعه وسائر حواسّه وكذلك جثته ولحمه ودمه ، وجميع هذه الأمور هي الإنسان (ش ، ق ، ٣٣٣ ، ٤)

ـ الإنسان كائن بحدوث (ش ، ق ، ٥٣١ ، ٨)

ـ إن قولنا" إنسان" واقع على الجملة التي منها اليد (ب ، ت ، ٨٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الإنسان هو الجملة التي نشاهدها لا أنّه شيء خارج عنها أو شيء يداخلها ، على ضروب كثيرة من الاختلاف بين الناس فيه (ق ، ت ٢ ، ٢٤١ ، ٣)

ـ قد نطق السمع أيضا بهذه الجملة في قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون : ١٢) إلى آخر هذه الآيات. فنصّ على أنّ الإنسان هو الذي يتردّد بين هذه الأحوال فيكون علقة ومضغة وعظما قد كسى لحما إلى ما أشبه ذلك ، ولن تتمّ هذه الأوصاف إلّا في الجملة التي نشاهدها دون ما ذهب إليه من يخالفنا فيه (ق ، ت ٢ ، ٢٤٢ ، ١٤)

ـ إنّ الإنسان الفاعل لو كان هذه الجملة وهي لا تفعل في جميع أجزائها الفعل لكان قد خرج عن أن يكون فاعلا ، فأثبت الإنسان غير هذه الجملة. ولم يصحّ عنده (معمّر) أن يكون لبعض الأعضاء من الاختصاص في كونه فاعلا إلّا ما لبعض ، فخرج عن القول بأنّ الإنسان هو هذه الجملة أو شيء في هذه الجملة (ق ، ت ٢ ، ٢٤٤ ، ٧)

ـ ذهب آخرون إلى أنّ الإنسان وإن لم يكن هذه الجملة فله بالجملة تعلّق. واختلفوا ، ففيهم من جعله روحا في القلب لا يدخل تحت الإدراك ، على ما حكاه في الكتاب عن الأسواريّ. وحكي عن آخرين أنّهم جعلوه جزءا لا يتجزّأ وجعلوا محلّه القلب ، وهو مذهب الفوطيّ. وزعم هؤلاء أنّ الذي في القلب يسخّر هذه الجملة. وقريب من ذلك يحكى عن معمّر. وحكي عن ابن الراوندي أنّه كان يرى أنّ الإنسان شيء في القلب والجوارح مسخّرة له تقدم بإقدامه وتمسك بإمساكه ، وأنّه أثبت في البدن أرواحا كثيرة وإليها يرجع الحسّ والإدراك والتألّم. ولا تثبت القدرة في شيء من المحالّ إلّا في القلب ، فلذلك صارت الجوارح مسخّرة له خاصّة (ق ، ت ٢ ، ٢٤٤ ، ١٨)

ـ ثم قال رحمه‌الله : وهرب بعضهم عن هذه المقالات في الإنسان إلى مذاهب أخر. فمن جملتها ما قاله النظّام إنّ الإنسان روح بسيطة قد تشابكت هذا الجسد. ويرجع بالمشابكة إلى المداخلة التي يجوّزها في الأجسام. ثم زعم أنّ هذا الروح هو الحياة. وكان عنده أنّ الحياة ليست عرضا من الأعراض ، فأثبت أحدنا حيّا لنفسه. وكذلك الحال في القادر والعالم. وجعل هذه الجملة في حكم القالب لتلك الروح البسيطة. فشابه مذهبه مذهب القائلين بالتناسخ لكنّه لم يجوّز أن تنتقل الروح في الهياكل على ما جوّزه أهل التناسخ. وإنّما تمّ له هذه الجملة لاعتقاده اختلاف الأجسام فجعل بعضها بصفة الحياة التي نثبتها عرضا ، لمّا نفى أن يكون هاهنا من الأعراض غير الحركة. حتى إذا قيل له : فلم صار ما جعلته روحا هو الإنسان دون غيره ، وهلّا صحّ فيما هو من جنس الأجسام الأخر أن يجوز كونه حيّا؟ قال عند ذلك : إنّ هذا الحيّ الذي يصحّ كونه حيّا مخالفا في الجنس لغيره الذي لا يصحّ كونه حيّا. فلهذا خصّصت هذه القضية بما جعلته روحا دون الأجسام الكثيفة وخصّصته بما هو باطن في هذا الجسد دون نفس الجسد (ق ، ت ٢ ، ٢٤٦ ، ١٥)

ـ حكى رحمه‌الله قول من يقول إنّ الإنسان هو جسم رقيق مشتاب في هذا الكثيف متشكّل بشكله حتى يكون في كل عضو من أعضائه شيء مما قد جعله إنسانا. فإذا قطع عضو من أعضائه تقلّص عنه ما فيه ، فإذا امتنع التقلّص مات. وهذه طريقة سلكها أبو بكر الإخشيذ ، وقد ذهب غيره قبله إليه (ق ، ت ٢ ، ٢٤٨ ، ١٥)

ـ حكى قول من يقول إنّ الإنسان هو هذا الجسد الظاهر وما فيه من الروح فجعلوا الإنسان مجموع الأمرين ، على ما حكي عن بشر بن المعتمر. وحكي عن هشام بن الحكم أنّه قال بمثل ذلك ، لكنّه خالفه من حيث انّ بشر بن المعتمر يقول : هما حيّان أعني الجسد الظاهر والروح ، وقال هشام إنّ الجسد موات والروح هو المدرك الحي. وكأنّهم رأوا أنّه لا يتمّ كونه حيّا إلّا بالأمرين فجمعوا بينهما (ق ، ت ٢ ،

٢٥٠ ، ١)

ـ يحدّ الإنسان بأنّه هذه الجملة المبنية هذا الضرب من البنية ؛ ولذلك ينبه ـ عند ذكر حال القادر ـ على الحكم الموجب عنه ؛ لأنّه ينكشف به المراد ، فنقول : هو الذي يختصّ بالصفة التي معها يصحّ الفعل منه مع السلامة (ق ، غ ٧ ، ١٣ ، ٨)

ـ ذكر الخلاف في الإنسان : حكى أبو القاسم البلخيّ ـ رحمه‌الله ـ عن أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ أنّه : هذا الجسد الظاهر المرئيّ الآكل الشارب ، وحياته غيره. ويجوز أن تكون الحياة عرضا ، ويجوز أن تكون جسما. وحكي عن النظّام أنّه : الروح ، وهو الحياة المشابكة لهذا الجسد ، وأنّه في الجسد على جهة المداخلة ، وهو جوهر واحد غير مختلف ولا متضادّ ، وهو قويّ حيّ عالم بذاته. وحكي عن بشر بن المعتمر أنّه : هذا الجسد الظاهر والروح الذي يحيا به ، وهما بمجموعهما حيّان. هكذا حكى عنه زرقان. وقال أبو الحسين عنه : إن البدن هو الحيّ بالروح ، والروح عنده هي الحياة ، والإنسان هو البدن وحكي زرقان عن هشام بن الحكم في الإنسان مثل قول بشر ، لكنّه يزعم أنّ الجسد موات ، والروح هو الفعّال المدرك للأشياء ، وهو نور من الأنوار. وحكى ابن الراونديّ عن هشام مثل قول إبراهيم النظّام. وحكى عن هشام بن عمرو مثل قول بشر بن المعتمر ، لكنّه كان يجعل الأعراض التي لا يكون الإنسان إلّا بها من أحد قسمي الإنسان. وحكى ابن الراونديّ عن ضرار أنّ الإنسان هو هذا الجسم الذي هو أعراض مجتمعة. وعن معمّر أنّه عين من الأعيان لا يجوز عليه الانقسام ، وأنّه ليس بذي بعض ولا كلّ ، ولا يجوز عليه التحرّك ولا السكون ولا سائر ما توصف به الأجسام ، ولا يحتاج إلى مكان يتمكّن فيه أو يحلّه ، وأنّه يدبّر هذا البدن ويحرّكه ويسكّنه ، ولا يرى. وقال عليّ الأسواريّ : الإنسان هو ما في القلب من الروح ، ولا يرى. وحكي عن الفوطي أنّ الإنسان جزء لا يتجزّأ ، ومحلّه القلب. وقال ابن الرّاونديّ : هو شيء واحد في الحقيقة ، وهو في القلب. وحكى غسّان عن النجّار وأصحابه أنّه الأجزاء المجتمعة التي هي الجسم والروح جميعا. وزعم ابن الراونديّ في أول كتابه أنّ الإنسان المختار المأمور المنهيّ هو ما في القلب. وذكر في تضاعيف كلامه أنّ الجوارح مسخّرة له ، لا تقدم إلّا بعد إقدامه ، ولا تمسك إلّا بعد إمساكه. قال : وفي البدن أرواح حيّة تحسّ وتألم ، ولو وجد فيها قدرة لزال عنها التسخير (ق ، غ ١١ ، ٣١٠ ، ٤)

ـ الذي يقوله شيوخنا في هذا الباب أنّ الحيّ القادر هو هذا الشخص المبنيّ هذه البنية المخصوصة التي يفارق بها سائر الحيوان ، وهو الذي يتوجّه إليه الأمر والنهي والذمّ والمدح ، وإن كان لا يكون حيّا قادرا إلّا لمعاني فيه ، لكن ذلك لا يدخل تحت الحدّ ولا يحصل من جملة الحيّ إلّا ما حلّه الحياة دون غيره. وقد قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ حاكيا عن الشيخ أبي عليّ ـ رحمه‌الله ـ : إنّ العظم والشعر ليسا من جملة الحيّ ؛ لأنّه لا يألم بقطعهما. وجوّز أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ أن يكون في بعض العظم حياة ويكون من جملة الإنسان ولذلك يجد الإنسان الخدر والضرس في سنّه ، ويزول عنه الوجه عند قلع الضرس ، كذلك يجد الإنسان الوهى في العظم ، ويقال :

إنّ النقرس هو تصدّع العظم. وأمّا الدم والروح فلا حياة فيهما عندهما جميعا ، وكذلك الشعر. وقال في البغداديّات : إن المتكلّمين يسمّون القادر الحيّ : الإنسان ، ويلقّبون الكلام في ذلك بأنّه كلام في الإنسان ، وإن كان الحيّ من البهائم ليس بإنسان ، ومرادهم هو الحيّ ، إنسانا كان أو بهيمة. والمتفلسفون يسمّونه نفسا ، ويضعون الكلام في ذلك في النفس ، والعبارة تختلف دون المقصد. قال : والذي نقوله إنّ الحيّ هو هذا الشخص. وقال في غير موضع : إنّ الإنسان هو الأجزاء المبنيّة ، دون البنية والصورة. ولا يجري هذا الاسم عليه إلّا على ما كان من لحم ودم وإن لم يكن حيّا. وقد قال أبو عليّ ـ رحمه‌الله ـ : قد يقال : إنسان من طين. قال : ويبعد أن يوصف الصنم وإن كان على صورة الإنسان أنّه إنسان لمّا لم يكن لحما ودما. فلا بدّ مع كونه مبنيّا ، من لحم ودم (ق ، غ ١١ ، ٣١٢ ، ٥)

ـ إنّ الإنسان هو الحيّ ، هو هذا الشخص المبنيّ هذه البنية المخصوصة (ق ، غ ١١ ، ٣٢١ ، ٣)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ فإنّه يقول : لا يكون من جملة الإنسان إلّا ما هو من جملة الحيّ ؛ وهي الأجزاء التي تحلّها الحياة. فأمّا الشعر وكثير من العظم فليس من جملته ؛ لأنّه لا يدرك به ولا يألم ، ولأنّه وإن اتّصل به بمنزلة ما يلزق بجسمه من الأجسام التي اتصالها به كانفصالها ، في أنه ليس من جملة الحيّ القادر ؛ ولا يختلفان جميعا في أنّ الإنسان قد يوصف بذلك حيّا كان أو ميتا ؛ لأنّه لا يقصد به الحياة أو الموت ، وإنما نقصد به الصورة والبنية المخصوصتين في هذا القبيل دون غيره ، وموته لا يخرجه من هذا القبيل ، فيجب أن يوصف بهذه الصفة. فإذا صحّت هذه الجملة فيجب أن يكون ما به صار إنسانا هو الأعراض التي بمجموعها يصير بهذه الصفة المخصوصة دون غيرها ممّا لا مدخل له في هذا الباب (ق ، غ ١١ ، ٣٦٤ ، ٩)

ـ إنّ الإنسان هو الروح ، وهو جسم لطيف متداخل لهذا الجسم الكثيف ، مع قوله بأنّ الروح هي الحياة المشابكة لهذا الجسد ، وقد زعم أنّه في الجسد على سبيل المداخلة ، وأنّه جوهر واحد غير مختلف ولا متضادّ (النظام) (ب ، ف ، ١٣٥ ، ١)

ـ بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد وكان يوافق النّظّام في دعواه أنّ الإنسان هو الروح دون الجسد الذي فيه الروح (ب ، ف ، ٢١٢ ، ١٤)

ـ الكلام في الإنسان : قال أبو محمد اختلف الناس في هذا الاسم على ما يقع ، فذهبت طائفة إلى أنّه إنّما يقع على الجسد دون النفس وهو قول أبي الهذيل العلّاف ، وذهبت طائفة إلى أنّه إنّما يقع على النفس دون الجسد وهو قول إبراهيم النظّام ، وذهبت طائفة إلى أنّه إنّما يقع عليهما معا كالبلق الذي لا يقع إلّا على السواد والبياض معا (ح ، ف ٥ ، ٦٥ ، ١٣)

ـ قد ثبت أنّ للإنسان اسم يقع على النفس دون الجسد ، ويقع أيضا على الجسد دون النفس ، ويقع أيضا على كليهما مجتمعين ، فنقول في الحي هذا إنسان وهو مشتمل على جسد وروح ، ونقول للميت هذا إنسان وهو جسد لا نفس فيه ، ونقول أنّ الإنسان يعذّب قبل يوم القيامة وينعم يعني النفس دون الجسد ، وأمّا من قال أنّه لا يقع إلّا على النفس والجسد معا فخطأ يبطله الذي ذكرنا من النصوص التي فيها وقوع اسم الإنسان على الجسد دون النفس

وعلى النفس دون الجسد (ح ، ف ٥ ، ٦٦ ، ٥)

ـ عنده (معمّر) الإنسان معنى أو جوهر غير الجسد ، وهو عالم ، قادر ، مختار ، حكيم ليس بمتحرّك ، ولا ساكن ، ولا متكوّن ، ولا متمكّن ، ولا يرى ، ولا يمس ، ولا يحس ، ولا يجس ، ولا يحل موضعا دون موضع ، ولا يحويه مكان ، ولا يحصره زمان ، لكنّه مدبّر للجسد. وعلاقته مع البدن علاقة التدبير والتصرّف (ش ، م ١ ، ٦٧ ، ١٥)

ـ الصحيح أنّ الإنسان ليس عبارة عن هذه الجثّة المحسوسة (ف ، أ ، ٨١ ، ٤)

ـ قال الشيخ الغزالي رحمه‌الله ليس الإنسان عبارة عن هذه البنية ، بل هو موجود ليس بجسم ولا بجسمانيّ ، ولا تعلّق له بهذا البدن إلّا على سبيل التدبير أو التصرّف ، فقوله عليه‌السلام إنّ الله خلق آدم على صورته أي ، إنّ نسبة ذات آدم عليه‌السلام إلى هذا البدن كنسبة الباري تعالى إلى العالم ، من حيث أنّ كل واحد منهما غير حال في هذا الجسم وإن كان مؤثّرا فيه بالتصرّف والتدبير (ف ، س ، ١٠٨ ، ٨)

ـ إنّ أكثر المتكلّمين ذهبوا إلى أنّ للإنسان الحيّ الفعّال أجزاء أصليّة في هذه البنية المشاهدة ، وهي أقلّ ما يمكن أن تأتلف منه البنية التي معها يصحّ كون الحيّ حيّا ، وجعلوا الخطاب متوجّها نحوها ، والتكليف واردا عليها ، وما عداها من الأجزاء فهي فاضلة ليست داخلة في حقيقة الإنسان (أ ، ش ٢ ، ١٣١ ، ٢٤)

ـ أكثر المعتزلة : والإنسان هو الجسد الظاهر الحيّ القادر لمعان تحلّه ولا يدخل في جملته إلّا ما حلّته الحياة (م ، ق ، ١٠٣ ، ١)

ـ أبو هاشم : ولا يسمّى إنسانا إلّا ما بني على الشكل المخصوص من لحم ودم. أبو علي : ولو من حجر. الحاكم : وهو خلاف لغوي (م ، ق ، ١٠٣ ، ٢٣)

إنسان فاعل واحد

ـ إنّ الإنسان فاعل واحد من حيث اختصّ بأنّه قادر واحد ومريد واحد. ولذلك يتصرّف بإرادة واحدة ، وبحسب علمه وإدراكه وآلاته. ولذلك يستحق الذمّ على قبيح فعله ، والمدح على واجبه دون كل جزء منه ؛ فصار من هذا الوجه بمنزلة الشيء الواحد. فلا يصحّ أن يقال في كل جزء منه أنّه فاعل ، بل كل جزء منه في أنّه لا حظّ له فيما يختصّ الجملة بمنزلة الأجزاء البانية منه. ولذلك يجوز أن يفعل في غيره ، كما يجوز أن يفعل في بعضه. وهذا يبطل الجهالة التي أصّلها السائل ورام بناء فعل من فاعلين عليها (ق ، غ ٨ ، ١٥٥ ، ١)

إنسان كلي

ـ إنّ قولنا الإنسان الكلّي يزيد النوع ، إنّما معناه أشخاص الناس فقط لا أشياء أخر (ح ، ف ٥ ، ٧٣ ، ١٠)

إنسانية

ـ إنّا نعلم بالضرورة أنّ أشخاص الناس مشتركة في مفهوم الإنسانيّة ومتباينة بخصوصياتها وتعيّناتها ، وما به المشاركة غير ما به الممايزة ، وهذا يقتضي أن يقال الإنسانيّة من حيث هي إنسانيّة مجرّد عن الشكل المعيّن ، فالإنسانيّة من حيث هي هي معقول مجرّد ، فقد أخرج البحث والتفتيش عن المحسوس ما هو معقول مجرّد (ف ، س ، ٨ ، ٦)

أنشأ

ـ قال الله عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) (الكهف : ١٧) وقال : (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) (البقرة : ٢٦) فأخبر أنه يضل ويهدي ، وقال : (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) (إبراهيم : ٢٧) فأخبرنا أنّه فعّال لما يريد ، وإذا كان الكفر مما أراده فقد فعله وقدّره وأحدثه وأنشأه واخترعه ، وقد بيّن ذلك بقوله : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) فلو كانت عبادتهم للأصنام من أعمالهم كان ذلك مخلوقا لله ، وقد قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الأحقاف : ١٤) يريد أنّه يجازيهم على أعمالهم ، فكذلك إذا ذكر عبادتهم للأصنام وكفرهم بالرحمن ، ولو كان مما قدّروه وفعلوه لأنفسهم لكانوا قد فعلوا وقدّروا ما خرج عن تقدير ربهم وفعله ، وكيف يجوز أن يكون لهم من التقدير والفعل والقدرة ما ليس لربهم؟ من زعم ذلك فقد عجّز الله عزوجل ، تعالى عن قول المعجّزين له علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٧٥ ، ٥)

ـ قال (علي) إنّه أنشأ الأشياء بغير رويّة ولا فكرة ولا غريزة أضمر عليها ، خلق ما خلق عليها ولا تجربة أفادها أي استفادها من حوادث مرّت عليه من قبل ، كما تكسب التجارب علوما لم تكن ، ولا بمساعدة شريك أعانه عليها ، فتمّ خلقه بأمره إشارة إلى قوله ، ولم تستصعب إذ أمر بالمضي ، فلمّا أثبت هناك كونها أمرت أعاد لفظ الأمر هاهنا ، والكل مجاز ومعناه نفوذ إرادته ، وأنّه إذا شاء أمرا استحال أن لا يقع ، وهذا المجاز هو المجاز المستعمل في قوله تعالى (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) ، تعبيرا بهذا اللفظ عن سرعة مواتاة الأمور له وانقيادها تحت قدرته (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ١٧)

إنشاء

ـ جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع. فإن قلت : فإذا لا حياة إلّا حياة الإنشاء وحياة البعث. قلت : ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أنّ الثلث ليس عندك ، وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة : الإنشاء والإماتة والإعادة ، والمطويّ ذكرها من جنس الإعادة (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٦)

ـ دلّ بقوله (النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) (العنكبوت : ٢٠) على أنّهما نشأتان ، وأنّ كل واحدة منهما إنشاء : أي ابتداء واختراع وإخراج من العدم إلى الوجود لا تفاوت بينهما ، إلّا أنّ الآخرة إنشاء بعد إنشاء مثله ، والأولى ليست كذلك. وقرئ النشأة والنشاءة كالرأفة والرأفة. فإن قلت : ما معنى الإفصاح باسمه مع إيقاعه مبتدأ في قوله (ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ) (العنكبوت : ٢٠) بعد إضماره في قوله (كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت : ٢٠) وكان القياس أن يقال : كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الآخرة؟ قلت : الكلام معهم كان واقعا في الإعادة وفيها كانت تصطك الركب ، فلما قرّرهم في الإبداء بأنّه من الله احتجّ عليهم بأنّ الإعادة إنشاء مثل الإبداء ، فإذا كان الله الذي لا يعجزه شيء هو الذي لم يعجزه الإبداء فهو الذي وجب أن لا تعجزه الإعادة ، فكأنّه قال :

ثم ذاك الذي أنشأ النشأة الأولى هو الذي ينشئ النشأة الآخرة ، فللدلالة والتنبيه على هذا المعنى أبرز اسمه وأوقعه مبتدأ (ز ، ك ٣ ، ٢٠٢ ، ٩)

ـ الإعادة في نفسها عظيمة ولكنّها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق ، ومعناه أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء لأنّ تكوينه في حدّ الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقّل في أحوال ويتدرّج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ ، وقيل الأهون بمعنى الهيّن. ووجه آخر وهو أنّ الإنشاء من قبيل التفضّل الذي يتخيّر فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله لأنّها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب ، والإفعال إمّا محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن المقدور ، وإمّا ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة ، وإمّا تفضّل ، والتفضّل حالة بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله ، وإمّا واجب لا بدّ من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكأنّ الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول ، فلمّا كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع ، وإذا كانت أبعدها من الامتناع كانت أدخلها في التأتي والتسهّل ، فكانت أهون منها ، وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء (ز ، ك ٣ ، ٢٢٠ ، ٢١)

ـ أنشأناهنّ إنشاء : أي ابتدأنا خلقهن ابتداء جديدا من غير ولادة ، فإمّا أن يراد اللاتي ابتدئ إنشاؤهنّ أو اللاتي أعيد إنشاؤهنّ (ز ، ك ٤ ، ٥٤ ، ٢٦)

إنشار

ـ الإنشار ، لأنّه لا يستحق هذا الاسم إلّا القادر على كل مقدور ، والإنشار من جملة المقدورات (ز ، ك ٢ ، ٥٦٧ ، ٦)

انفعال

ـ اتّصاف الشيء بتأثيره عن غيره وهو الانفعال (ف ، أ ، ٢٧ ، ٣)

انقطاع التكليف

ـ اعلم أنّ التكليف إذا كان الغرض به تعريض المكلّف للثواب ثم عرفنا أنّ اقتران الثواب بالتكليف لا يصحّ فلا بدّ من انقطاع التكليف عن المكلّف لينتهي حاله إلى حدّ يصحّ توفير الثواب عليه فيه. ثم الكلام فيما به يحصل هذا الانقطاع من الإماتة والإفناء (ق ، ت ٢ ، ٢٣٣ ، ٣)

ـ قد تقرر أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ليصحّ توفير الثواب على من يستحقّه إذ لو اتّصل التكليف لامتنع إيصال هذا الحقّ على الوجه الذي يستحقّ ، لأنّ من شأن التكليف أن لا يخلو من مشقّة ومن شأن الثواب أن يخلص من كل ما يشوب. فلم يكن بدّ من أن ينقطع التكليف. ووجب أيضا أن يكون انقطاعه عن حال الثواب على حدّ تزول معه طريقة الإلجاء وما يجري مجراه. ولا يكون كذلك إلّا بتراخ بين الحالين بعيد ، لأنّه مهما اتّصل الثواب بالتكليف كان الذي يدعو المكلّف إلى فعل الطاعات ما يرجوه من النفع أو دفع الضرر فلا يكون فاعلا لها للوجه الذي له وجبت. فحصل من هذه الجملة أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ومن أن يكون الانقطاع على هذا الحدّ من

التراخي والتطاول. وقد كان يصحّ أن ينقطع التكليف عن المكلّف بفناء حياته أو بزوال عقله أو بحصوله خلل في بعض شروط تكليفه ، لأنّ بكل ذلك يرتفع التكليف ويحصل الغرض الذي بيّناه. لكنّ الدلالة قد دلّت على أنّ التكليف آخرا ينقطع بفناء الأجسام جملة فأوجبناه لأجل ذلك. ثم حكمنا بعد الفناء بالإعادة على الحدّ الذي يصحّ توفير الثواب على المعاد (ق ، ت ٢ ، ٢٨٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الغرض بالتكليف تعريض المكلّف للمنزلة العالية التي لا تنال إلّا به ؛ على ما بيّناه من قبل. وذلك يقتضي انقطاعه ، لأنّه لو دام لم تؤل الحال بالإنسان إلى نيل المنزلة الملتمسة وذلك يوجب قبح التكليف (ق ، غ ١١ ، ٥١٦ ، ١٥)

ـ إنّا وإن أوجبنا انقطاع التكليف فإنّا لا نوقّت ذلك ، ولا يمتنع أن يجب الواجب على الجملة ، وكذلك فلا يمتنع أن يقبح القبيح على هذا الوجه. وقد بيّنا في بعض المسائل أنّه إذا جاز أن يقبح منه ـ تعالى ـ لو خلق حياتين في محلّ واحد (أو مع إحداهما) لا بعينها فغير ممتنع مثله في القبائح وغيرها. فإن صحّ أنّ إدامة التكليف في بعض الأوقات مفسدة قبحت إدامته في تلك الحال ، ولا نريد بذلك أنّ الباقي يقبح ، وإنّما نريد ما يحدث مما لا يتمّ التكليف إلّا به ومعه. فإذا لم يثبت ذلك في التكليف وجب في الجملة قطعه من غير تعيين بوقت.

والقديم ـ تعالى ـ هو العالم بما يتفضّل به في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٥١٧ ، ٨)

آنيّة

ـ الآنيّة : تحقّق الوجود العينيّ من حيث مرتبته الذاتيّة (ج ، ت ، ٦١ ، ٣)

إنيّة

ـ قال أبو محمد فالإنيّة في الله تعالى هي المائيّة (ح ، ف ٢ ، ١٧٥ ، ٥)

اهتداء

ـ هداية صفة الرب جلّت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ، ف ، ٢٢ ، ١٦)

أهل التواتر

ـ فإن قال قائل : هل يجب أن يكون لأهل التواتر صفات لا بدّ من كونهم عليها؟ قيل له : أجل ، فإن قال : وما هي؟ قيل له : منها أنّه يجب أن يكونوا عالمين بما ينقلونه علم ضرورة واقعا عن مشاهدة أو سماع أو مخترع في النفس من غير نظر واستدلال ، وإلّا لم يقع العلم بخبرهم ... ومن صفاتهم أن يكونوا عددا يزيدون على الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة وكلّ عدد أمرنا الله بالاستدلال على صدق المخبر به كالشاهد الواحد ومن أمرنا بالاجتهاد في عدالتهم وتأمّل أحوالهم ؛ ... من صفاتهم أن يكونوا عددا ، كلّ من خبر عن مشاهدة وكان في الكثرة والعدد كهم ، وقع العلم بخبرهم ضرورة. ومن صفاتهم ، إذا كانوا خلفاء لسلف ، ولسلفهم سلف ، أن يكون أول خبرهم كآخره ووسط ناقليه كطرفيه في أنهم قوم بهم يثبت التواتر ، ويقع العلم بصدقهم ، إذا نقلوا عن مشاهدة (ب ، ت ، ١٦٣ ، ٤)

أهل الجنة

ـ إنّا نقول في أهل الجنّة إنّه لا يجوز أن يكلّفهم تعالى ، لا لأنّه اضطرّهم إلى المعرفة ، لكن

لثبوت الإلجاء من وجه آخر. وهو أنّه تعالى يعرفهم أنّهم لو حاولوا فعل القبيح لمنعوا منه ولحيل بينهم وبينه ، فيصيرون عند ذلك ملجئين إلى أن لا يفعلوا القبائح ، ويزول التكليف عنهم. وهذا الوجه لا يوجب حصوله لو اضطرّهم تعالى في دار الدنيا إلى المعرفة ، وإذا لم يحصل ثبت الاضطرار وزال الإلجاء وصحّ التكليف (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٠ ، ٦)

أوامر

ـ إنّ الأوامر على ضربين ، فأمّا أمر الله تعالى فهو كلامه ولم يزل موجودا سابقا للمأمور به من غير حدّ وغاية ، وأمّا أمر المحدث فإنّه يكون أمرا به في حاله ويصحّ أن يتقدّمه (أ ، م ، ١١٢ ، ٢٠)

أوامر الله

ـ إنّ أوامر الله تعالى تنقسم إلى ما يكون أمرا على الإطلاق ، وإلى ما يكون أمرا بشرط. فالمأمور بالشيء على الإطلاق يلزمه ذلك الفعل في الحال ؛ فأمّا المأمور به بشرط فإنّ ذلك الفعل إنّما يلزمه إذا حصل ذلك الشرط ، والشرط في مثلنا أن يوجد ويحصل على صفة المكلّفين (ق ، ش ، ٤١٠ ، ١٣)

أوصاف

ـ قالت المعتزلة تختلف وجوه الاعتبارات في شيء واحد ولا يوجب ذلك تعدّد الصفة ، كما يقال الجوهر متحيّز وقائم بالنفس وقابل للعرض ، ويقال للعرض لون وسواد وقائم بالمحل ، فيوصف الجوهر والعرض بصفات هي صفات الأنفس التي لا يعقل الجوهر والعرض دونهما ، ثم هذه الأوصاف لا تشعر بتعدّد في الذات ولا بتعدّد صفات هي ذوات قائمة بالذات ، ولا بتعدّد أحوال ثابتة في الذات ، كذلك نقول في كون الباري تعالى عالما قادرا (ش ، ن ، ١٩٣ ، ١)

أوصاف نفسية

ـ المشهور من مذهب أبي الحسن أنّ الكلام صفة واحدة لها خاصّية واحدة ، ولخصوص وصفها حدّ خاص ، وكونه أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا خصائص أو لوازم تلك الصفة ، كما أنّ علمه تعالى صفة واحدة تختلف معلوماتها وهي غير مختلفة في أنفسها فيكون علما بالقديم والحادث والوجود والعدم وأجناس المحدثات ، وكما لا يجب تعدّد العلم بعدد المعلومات ، كذلك لا يجب تعدّد الكلام بعدد المتعلّقات ، وكون الكلام أمرا ونهيا أوصاف الكلام لا أقسام الكلام ، كما أنّ كون الجوهر قائما بذاته قابلا للعرض متحيّزا ذا مساحة وحجم أوصاف نفسيّة للجوهر وإن كانت معانيها مختلفة ، كذلك كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا أوصاف نفسيّة للكلام وإن كانت معانيها مختلفة ، وليس اشتمال معنى الكلام على هذه المعاني كانقسام العرض إلى أصنافه المختلفة وانقسام الحيوان إلى أنواعه المتمايزة ، فأقسام الشيء غير ، وأوصاف الشيء غير ، وكل ما في الشاهد للكلام من الأقسام ، فهو في الغائب للكلام أوصاف (ش ، ن ، ٢٩١ ، ١٦)

أوقات

ـ إنّ صلاح الخلق ونفعهم معلّق بأوقات تكون فيها وكما .... (الله) عزوجل فعلم أنّ إرسال

الرسل (وإر) سال كل نبيّ في الوقت الذي أرسله فيه صلاح للخلق فأرسله في (ذاك) الوقت الذي علمه دون غيره من الأوقات. وكذلك ما أمر به من الشرائع وإنّما علم أنّ الأمر به صلاح في وقت كذا دون وقت كذا. ألا ترى أنّه أمر موسى عليه‌السلام بشرائع ثم نسخها على لسان عيسى وأمر بغيرها ثم نسخ أيضا شريعة عيسى عليه‌السلام على لسان محمد صلى الله عليه (وعليهم) أجمعين وأمر بغيرها ، ففعل من ذلك في كل وقت وزمان ما يعلم أنّه صلاح لخلقه ونفع لعباده سبحانه وتعالى (خ ، ن ، ٢٧ ، ٣)

ـ إنّ الأوقات هي حركات الفلك لأنّ الله عزوجل وقّتها للأشياء ، هذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٤٣ ، ٥)

أول

ـ إنّ جهما كان يزعم أنّ الله يفني الجنّة والنار وما فيهما ويبقى وحده كما كان وحده ويستدل على قوله هذا بقول الله تعالى (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣) قال : فالأول هو الذي كان ولا شيء معه وكذا (زعم) الآخر هو الذي يبقى وحده لا شيء معه (خ ، ن ، ١٨ ، ١٦)

ـ قال من مال إلى أنّه لا شيء إلّا موجود : أنّ معنى الأوّل أنّه لم يزل كائنا ولا شيء سواه ، وأنّ الأشياء لو كانت تعلم أشياء غير كائنة لم يصحّ أن البارئ هو الأوّل ، إذ كان لا يصحّ الوصف له بأنّه موجود إلّا وهو عالم بأشياء غير كائنة (ش ، ق ، ٥٤٣ ، ٧)

ـ إنّ حقيقة الأوّل أنّه لم يزل موجودا ولا شيء سواه موجود ، وإن كانت الأشياء يعلمها أشياء غير كائنة (ش ، ق ، ٥٤٣ ، ١١)

ـ أمّا الوصف له تعالى بأنّه أوّل فصحيح ، وقد ورد الكتاب به في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) (الحديد : ٣) والمراد بذلك أنّه الموجود قبل كلّ موجود (ق ، غ ٥ ، ٢٣٨ ، ١٨)

ـ إنّ القديم من صفات المخلوقين فلا يجوز أن يسمّى الله تعالى بذلك ، وإنّما يعرف القديم في اللغة من القدميّة الزمانية ، أي أنّ هذا الشيء أقدم من هذا بمدّة مخصورة ، وهذا منفيّ عن الله عزوجل ، وقد أغني الله عزوجل عن هذه التسمية بلفظة أوّل ، فهذا هو الاسم الذي لا يشاركه تعالى فيه غيره ، وهو معنى أنّه لم يزل (ح ، ف ٢ ، ١٥٢ ، ٥)

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٠)

ـ إنّ معنى كونه أولا أنّه لم يزل موجودا ولا شيء من الأشياء موجود أصلا (أ ، ش ١ ، ٤٧١ ، ٢٧)

أول الأفعال

ـ لا يجوز أن تكون للإرادة إرادة لأنّها أوّل الأفعال (ش ، ق ، ٤١٩ ، ٦)

أول نعمة

ـ إنّ أوّل نعمة أنعم الله تعالى بها على الحي خلقه إيّاه حيّا لينفعه بذلك ، واعتبرنا خلقه إيّاه حيّا لينفعه لأنّه لو لم يخلقه لم يكن منعما عليه كما في المعدوم ، ولو خلقه غير حيّ لم يكن منعما عليه أيضا كما في الجمادات ، ولو خلقه حيّا لا لينفعه بل ليضرّه لم يكن منعما عليه أيضا كما في الكفّار والفسّاق ، إذا أعادهم للنار فإنّه لا

يكون منعما عليهم ، وإن خلقهم أحياء ، لمّا لم يخلقهم لينفعهم بل ليضرّهم ، فلا بدّ من اعتبار هذه الوجوه الثلاثة : الخلق ، والحياة ، وأن يكون غرضه به نفعه (ق ، ش ، ٨٣ ، ٥)

ـ ليس لأحد أن يقول ، يجب أن يفعل تعالى إرادة خلق ذلك الحيّ لينفعه ، وإلّا لم يحسن منه خلقه. ويستشهد على ذلك بما نقوله : من أنّ أوّل النعمة هو خلقه تعالى العبد حيّا لكي ينفعه. وذلك لأنّه تعالى إذا خلق الخلق مع الأمر الذي يتنعّم به في الحال ، ومع الشهوة التي معها يلتذّ ، فقد حصل منعما بمجرّد ذلك ، ولا يحتاج إلى القصد الذي سأل عنه ، وإنّما يشرط ذلك في كون الحيّ يخلقه ويبقيه ، فيصحّ أن يضرّه في المستقبل كما يصحّ أن ينفعه. فأمّا إذا بنى القول على ما قدّمناه فلا وجه لهذا الشرط. ولذلك قلنا : إنّ من أوصل إلى غيره نفعا مخصوصا فهو محسن ، وإن لم يقصد ذلك ، بل لو كان ساهيا عن ذلك لم يخرج الفعل من أن يكون حسنا ؛ لأنّ وجه حسنه لا يتعلّق بالقصد ولا الإرادة تؤثّر فيه ، فإذا صحّ ذلك وجب القضاء بأنّ خلقه تعالى الحيّ مع الشهوة يكون حسنا وإن لم يرد ما سأل عنه السائل. وثبت أن إرادته لإيجاد ذلك إنّما يجب وجودها من حيث (ما) ذكرناه ، لا لأنّها لو عدمت لم يكن الفعل حسنا (ق ، غ ١١ ، ٧٣ ، ١٩)

أول الواجبات

ـ كان يقول (الأشعري) إنّ أوّل الواجبات من ذلك بالسمع النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تبارك وتعالى ، وإنّ طريق المعرفة بوجوب ذلك أيضا السمع ، وإنّه لا يجب على أحد شيء من جهة العقول ، وإنّ لا طريق لأحد إلى معرفة الواجبات من جهتها إلّا الواجب الذي يرجع إلى حكم الشيء بالوجوب له ممّا لا يتعلّق بالفعل والترك ، كقولنا إنّ الواجب في حكم الموجود أن يكون له أوّل أو لا أوّل له ، والواجب في حكم الجواهر أن تكون متقاربة أو متباعدة ، كل واحد منها إلى جانب صاحبه أو لا إلى جانبه ، وليس بينهما واسطة. وهذا وجوب ليس من جهة العقل وإنّما هو وجوب من طريق الحكم للشيء في نفسه على الوجه الذي يدلّ عليه العقل ويقتضي كونه كذلك (أ ، م ، ٣٢ ، ٩)

ـ إنّ أوّل الواجبات على البالغ العاقل النظر والاستدلال المؤدّيان إلى معرفة الله تعالى. وربّما قال إنّ أوّل الواجبات المعرفة بالله تعالى على شرط تقدّم النظر والاستدلال ، لأنّه لا يصحّ وقوع تلك المعرفة إلّا عن النظر والاستدلال (أ ، م ، ٢٥٠ ، ١)

ـ إنّ النظر في طريق معرفة الله تعالى أوّل الواجبات (ق ، ش ، ٦٩ ، ١٣)

ـ إنّ أوّل الواجبات على المكلّف النظر والاستدلال المؤدّي ... إلى المعرفة بالله تعالى وبصفاته وتوحيده وعدله وحكمته. ثم النظر والاستدلال المؤدّي ... إلى جواز إرسال الرسل منه وجواز تكليف العباد ما شاء. ثم النظر المؤدّي إلى وجوب الإرسال والتكليف منه. ثم النظر المؤدّي إلى تفصيل أركان الشريعة ثم العمل بما يلزمه منها على شروطه (ب ، أ ، ٢١٠ ، ١٠)

ـ اختلفوا في أوّل الواجبات. منهم من قال : هو المعرفة ، ومنهم من قال : هو النظر المفيد للمعرفة ، ومنهم من قال : هو القصد إلى هذا

النظر وهذا خلاف لفظيّ ؛ لأنّه إن كان المراد منه أوّل الواجبات المقصودة بالقصد الأول ، فلا شكّ أنّه هو المعرفة عند من يجعلها مقدورة ، والنظر عند من لا يجعل العلم مقدورا ، وإن كان المراد أوّل الواجبات كيف كانت ، فلا شكّ أنّه القصد (ف ، م ، ٤٣ ، ١)

ـ قال عليه‌السلام أول الدين معرفته ، لأنّ التقليد باطل ، وأوّل الواجبات الدينيّة المعرفة ، ويمكن أن يقول قائل ألستم تقولون في علم الكلام أوّل الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى ، وتارة تقولون القصد إلى النظر ، فهل يمكن الجمع بين هذا وبين كلامه عليه‌السلام. وجوابه أنّ النظر والقصد إلى النظر إنّما وجبا بالعرض لا بالذات لأنّهما وصلة إلى المعرفة ، والمعرفة هي المقصودة بالوجوب ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام أراد أوّل واجب مقصود بذاته من الدين معرفة الباري سبحانه ، فلا تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلّمين (أ ، ش ١ ، ٢٣ ، ٢٨)

أول وآخر

ـ إن قيل : أليس التقدّم والتأخّر قد يستعمل في غير صفة الوجود ، فهلّا قلتم : إنّ المراد بالآية أنّه الأوّل والآخر في غير صفة الوجود؟ قيل له إنّ قولنا : أوّل وآخر إذا أطلق لا يعقل منه إلا أنّه موجود قبل وجود غيره أو بعد وجود غيره. وإنّما يعقل منه غير ذلك إذا قيّد ؛ كما أن قولنا : فوق وتحت إنّما يفيد الأماكن ، ومتى قيّد صحّ أن يستفاد به غيره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) (يوسف : ٧٦) (ق ، غ ١١ ، ٤٣٨ ، ١٠)

أولوية

ـ الأولويّة لا توجب الوجوب ولا تنافيه ... وإنّما يجب تقديم الأعمّ في الحدود التامّة لا غير ، لأنّ الأعمّ فيها هو الجنس ، وهو يدلّ على شيء مبهم يحصّله الأخصّ الّذي هو الفصل. ومن تقديم الأخصّ على الأعمّ يختلّ الجزء الصّوريّ من الحدّ ، فلا يكون تامّا مشتملا على جميع الأجزاء. أمّا في غير الحدّ التامّ فتقديم الأعرف أولى وليس بواجب (ط ، م ، ١١ ، ٢٣)

إيثار

ـ قال قوم : الإيثار هو الاختيار والإرادة ، والمراد لا يكون إيثارا ولا اختيارا ، وقال قوم : الإيثار هو الإرادة ، والاختيار قد يكون إرادة وقد يكون مرادا (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١١)

ـ أمّا الاختيار فتارة يستعمل في الفعل المراد متى وقع لا على طريق الإلجاء والحمل ، وتارة في نفس الإرادة ، فلا بدّ من أن تكون هي والفعل جميعا من قبل واحد وأن لا يثبت إلجاء وحمل. وقد يستعمل على طريق التجوّز في فعل الغير والحال في الإيثار يجري مجرى الحال في الاختيار في صحّة استعماله على الوجهين وفي صحّة التجوّز به في فعل الغير (ق ، ت ١ ، ٢٩٧ ، ٢٢)

ـ أمّا الإيثار فهو إرادة الشيء الذي يختاره على غيره ، وقد يقال إنّه آثر الشيء إذا فعله من غير منع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ٩)

ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٤)

إيجاب

ـ مثال الإيجاب ، فهو كالهدايا ، فإنّه لما كان تعالى الموجب لذبحها استحقّت العوض عليه تعالى ، دوننا (ق ، ش ، ٥٠٢ ، ١٩)

ـ إنّ الإيجاب لا يتبع المعرفة بحال الفعل بل يتبع الشرط والقول ، وهذا بمنزلة ما نقوله : من أنّه تعالى إذا أباح الشيء فإنّما يعرّف المكلّف حسنه على وجه لو عرفه من دون إباحة القديم لكان مباحا له. وليس كذلك إباحة الواحد منّا غيره لدخول داره وأكل طعامه ؛ لأنّ الإباحة تتبع في ذلك القول وما يجري مجراه (ق ، غ ١١ ، ١٤٣ ، ١)

ـ إنّا لا نجوّز أن يكون الواجب واجبا لموجب أوجبه على وجه ، ويجوّزه على وجه آخر ؛ فكل واحد من هذين الوجهين معقول. فأمّا ما نأباه ، فهو القول بأنّه لا صفة للواجب تجب لأجله ، وأنّه إنّما يجب لأجل أمر أو اختيار مختار ، لأنّ هذا الوجه فاسد عندنا على ما بيّناه في أول باب العدل. والذي نجيزه في هذا الباب أن يكون واجبا بإيجابه تعالى من حيث أعلمنا وجوبه ووجه وجوبه ، أو نصب لنا الدلالة على ذلك من حاله. وجعلنا بحيث يجب علينا الواجب ويقبح منّا القبيح ، ونستحقّ فيهما المدح والذمّ والثواب والعقاب. وهذا معقول ، وإنّما صرفنا الإيجاب إلى هذا الوجه لأنّه الدلالة قد دلّت على أنّ الواجب لا يكون واجبا لعلّة هي الإيجاب ، فيضاف وجوبه إلى فاعل علّته ، كما نضيف تحرّك الجسم إلى فاعل الحركة. لأنّ ردّ الوديعة واجب لا لعلّة ، وكذلك شكر المنعم ، لكن لأنّهما ردّ للوديعة وشكر لمنعم ؛ وكذلك القول في سائر الواجبات (ق ، غ ١٢ ، ٤٨٩ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ إيجابه تعالى الفعل ، بأي كلام وقع ، فإنّه لا يكون إلّا لمعنى الخبر ؛ لأنّه إذا قال : أوجبت عليكم الحجّ ، فهو كقوله : الحجّ واجب ؛ لأنّه لا يقع إلّا هذا الموقع ؛ لأنّ الإيجاب لما ليس بواجب لا يصحّ. ولا يتعلّق ذلك بالاختيار. فأمّا الأمر والنهي فإنّهما يدلّان على الإرادة والكراهة ؛ ثم يقع لهما ، في الدلالة ، حكم الخبر. فأمّا نفس الأمر والنهي فإنه لا يقع موقع الخبر إلّا بواسطة (ق ، غ ١٥ ، ٦٠ ، ٩)

ـ الإباحة تتضمّن معنى الإرادة ، وإن لم يجب في الحقيقة ، فيما أباحه أن يكون مريدا ، لكنّه لا فرق بين أن يجب أن لا يكون كارها في أنه ينافي ما يقتضيه كونه كارها ، وبين أن يجب أن يكون مريدا ، في منافاته لكونه كارها ، فالحال واحدة ، في التناقض ؛ وكذلك القول في الإباحة والإيجاب ، لأن الحظر يتضمّن معنى الكراهة لتركه ، والإباحة بالضدّ من ذلك ، والإيجاب يتضمّن كونه مرادا ، والإباحة تتضمّن نفي ذلك (ق ، غ ١٦ ، ٥٨ ، ١٨)

ـ أمّا الإيجاب فإنّ جعل إيجاب علّة لمعلول لم يصحّ لأنّ تأثيرها هو في إيجاب الأحوال والأحكام للذوات لا في وجودها. لو لا ذلك للزم خروج الحوادث عن تعليقها بالقادر (أ ، ت ، ١٣٠ ، ١١)

إيجاب الأشياء على التخيير

ـ أمّا شروط إيجاب الأشياء على التخيير ، فضربان : أحدهما أن يتمكّن المكلّف من الفعلين بأن يقدر عليهما ، ويتميّزان له. والآخر أن يتساوى الفعلان في الصفة التي تناولها التعبّد ، نحو أن يكونا واجبين أو ندبين. لأنّه لو

خيّر الله سبحانه بين قبيح ومباح ، لكان قد فسّح في فعل القبيح. تعالى الله عن ذلك! ولو خيّر بين ندب ومباح ، لكان قد جعل للمكلّف أن يفعله ، وأن لا يفعله ، من غير أن يترجّح فعله على تركه. وذلك يدخله في كونه مباحا. ولو خيّر بين واجب وندب ، لكان قد فسّح في ترك الواجب ، لأنّه قد أباحه تركه إلى غيره (ب ، م ، ٨٥ ، ٩)

إيجاب حكم الابتداء بالتفضّل

ـ أحد ما ذكروه أنّ التكليف لو حسن لكان إنّما يحسن ، لأنّه يؤدّي إلى استحقاق الثواب ، والثواب لا يستحقّ بأن يفعل الفاعل ما لزمه ووجب عليه ، كما لا يستحقّ الشكر بذلك ، وإنّما يستحقّه بالفعل الذي بمثله يستحقّ الشكر. ولو كلّفه تعالى لوجب أن يقرّر في عقله وجوب الواجبات ، ولا يصحّ أن يستحقّ بفعله الثواب. وفي هذا إبطال حكمة التكليف ، وإيجاب حكم الابتداء بالتفضّل. وهذا باطل ؛ لأنّ وجوب الواجب لو أثّر في استحقاق الثواب به لوجب أن يؤثّر في استحقاق المدح به. ولو كان من حيث لا يستحقّ به الشكر يجب ألّا يستحقّ به الثواب لوجب ألّا يستحقّ به المدح والتعظيم ؛ لهذه العلة ، وفساد ذلك يبيّن بطلان ما قاله (ق ، غ ١١ ، ١٤٠ ، ٦)

إيجاب الخلقة

ـ إيجاب الخلقة على معنى أنّ الله طبع الحجر على أن لا يقف في الهواء (ب ، أ ، ١٣٩ ، ٣)

ـ حكى الكعبي عنه (النظّام) أنّه قال : إنّ كل ما جاوز حدّ القدرة من الفعل فهو من فعل الله تعالى بإيجاب الخلقة : أي أنّ الله تعالى طبع الحجر طبعا ، وخلقه خلقة إذا دفعته اندفع ، وإذا بلغت قوة الدفع مبلغها عاد الحجر إلى مكانه طيّعا (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٥)

إيجاب السبب

ـ إن إيجاب السّبب لما يوجبه لا يختلف بالفاعلين : الغرض بذلك الكلام على" أبي علي" لأنّه منه في هذه الأسباب إذا وجدت من جهة الله تعالى أن تولّد ، وقال فيما يجعله متولّدا عنها أن الله تعالى يبتدئ بإيجاده. وقد وافقنا في أنّها إذا وجدت من قبلنا فإنّها تولّد. والدلالة على ما نقوله أنّ هذا السبب يولّد ما يولّد لما يرجع إليه لا لحال فاعله. ألا ترى أن الاعتماد يولّد من حيث اختصّ بجهة ، ولهذا يولّد الحركات وغيرها سواء كان فاعله مريدا أو كارها وعالما أو غافلا ساهيا. وكذلك ما يوجد من التفريق في بدن الحي يولّد الألم لا محالة ولا يختلف بالفاعلين. وكذلك الحال في المجاوزة والتأليف المتولّد عنها. وإذا كان إنّما يولّد للوجه الذي ذكرناه فيجب أن تستوي فيه أحوال الفاعلين حتى إذا ولّد من فعلنا ولّد من فعل غيرنا ، ولو لا صحّة هذه الطريقة لجاز أن يولّد من فعل زيد ولا يولّد من فعل عمرو أو يولّد من جهة من بالمشرق دون من بالمغرب ، أو يولّد من أهل الدنيا دون أهل الآخرة ، وقد عرفنا امتناع ذلك (ق ، ت ١ ، ٤١٥ ، ١)

إيجاب الشيء

ـ إنّ إيجاب الشيء يتضمّن وجوبه في نفسه فينبغي أن لا يحسن لمجرّد الثواب ، وإلّا لزم حسن إيجاب النوافل لما يستحقّ بها من ثواب. فإذا وجب أن يكون له وجه يجب لأجله ولم تمكن

الإشارة في هذه الشرعيّات إلّا إلى كونها ألطافا أو تروكا للمفاسد والقبائح المنهى عنها ، فيجب أن تثبت هذه الشرعيّات بالصفة التي بيّناها وإن كان لا بدّ من أن يلتزم تعالى بهذا الإيجاب ثوابا يقع في مقابلة المشقّة التي أنزلها بالمكلّف (ق ، ت ٢ ، ٣٨٩ ، ٨)

إيجاب العلة الحكم لغيرها

ـ إنّ إيجاب العلّة الحكم لغيرها يجب أن يكون موقوفا على الدلالة. وكذلك كيفية اختصاصها بما هي علّة له ؛ لأنّ إثباتها علّة وإثبات أحكامها لا يعلم باضطرار. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع في بعضها ألّا يكون علّة إلّا إذا حصلت فيما هي علّة له ، وفي بعضها أن تكون علّة لما لا تحلّه بأن تحلّ في بعضه ، وفي بعضها أن تكون علّة وإن لم تحلّ في شيء أصلا ، وهذا كما نقوله للمجسّمة : إنّ إثبات الأشياء لا يجب أن يجري على حدّ واحد ، بل يجب أن يكون موقوفا على الدلالة. فإذا اقتضى الدليل إثبات قادر مخالف للأجسام وجب القول به ، فكذلك القول في العلّة : إنّ الدليل إذا اقتضى كون القدرة علّة في إيجاب كون الجملة قادرة فيجب القضاء بذلك فيها ، وإن لم تكن حالّة في كلّ الجملة. وقد بيّنا من قبل الوجه في ذلك ؛ لأنّه إذا ثبت أنّ الفعل يقع من الجملة بحسب قصدها ودواعيها وجب أن تكون هي المختصّة بالصفة التي لا يصحّ منها الفعل. فإذا ثبت كون تلك الصفة موجبة عن علّة لم يصحّ وجودها لا في محلّ لأنّه ليس بأن يوجب كونها قادرة بأولى من أن يوجب كون سائر الجمل قادرا ، ولا يجوز أن تكون موجودة في جسم منفصل منه لمثل هذه الدلالة ، ولأنّه يؤدّي إلى كونها قدرة لقادرين. فإذا بطل كل ذلك وجب كونها حالّة في بعضه ؛ لأنّ وجود الجزء الواحد من القدر في كل أجزائه مستحيل. وإذا صحّ ذلك فيها صارت أصلا في بابها ؛ كما أنّ الحركة أصل ، فكما لا يجوز إبطال كون الحركة علّة لكون محلّها متحرّكا فكذلك لا يجوز أن يبطل كون القدرة علّة في كون الجملة قادرة (ق ، غ ١١ ، ٣٥٠ ، ٢٠)

إيجاب الفعل

ـ إذا كان الخاطر من قبله تعالى ، فلا بدّ من وروده على وجه تقتضيه الحكمة ، لأنّه ميّزه عن فعل القبيح ، فلا بدّ من أن يفيد الوجه الذي له يجب النظر والمعرفة. لأنّه تعالى كما لا يجوز أن يوجب ما لا وجه له يقتضي وجوبه ، فكذلك لا يجوز أن يوجب الفعل لوجه لا يجب لأجله ؛ لأنّ ذلك أجمع بمنزلة إيجاب ما ليس بواجب من القبيح وغيره. فليس يخلو الخاطر من أن يرد بإيجابهما فقط أو يرد بذلك وبذكر الوجه الذي له يجبان ، لأنّه لا يجوز أن يرد بذكر وجه لا يجبان لأجله ، لما ذكرناه من قبح ذلك. وقد علمنا أنّ إيجاب الفعل من غير بيان وجه وجوبه ، إمّا بالتعريف وإمّا بنصب الدلالة ، يقبح في عقول العقلاء. لأنّ أحدنا لو أوجب على غيره القعود أو القيام من غير أن يبيّن الواجب في ذلك ، لقبح ذلك منه ، حتى إذا قرن بذلك الوجه الذي له يجب حسن ذلك منه. فلو قال له : يجب ألا تأكل الطعام الذي لا تملكه ، لقبح ذلك منه. وإن قرن إلى ذلك بأنّه مسموم أو أنّ هناك مضرّة توفي على النفع الذي فيه ، لحسن ذلك منه. فإذا ثبت ذلك ، فالواجب في الحكمة أن يخطر ببال المكلّف الوجه الذي له

يجب النظر والمعرفة ، وإلّا كان الإخطار قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٨ ، ١٨)

ـ إنّ إيجاب الفعل لا يحسن إلّا إذا اختصّ بوجه الوجوب ، فأمّا لأنّه حسن فإنّه لا يحسن إيجابه. ألا ترى أنّه لا يحسن منه تعالى أن يوجب المعرفة بأحوال الناس ، وإن كانت متى حصلت كانت حسنة ؛ لأنّ العلم بأنّ زيدا أكل وشرب أو أنّه طويل وأنّه من بني فلان ، حسن ؛ ومع ذلك لا يحسن منه تعالى أن يوجبه على كل حال ، وكذلك القول في المباحات والنوافل (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٥ ، ١٠)

إيجاب الفعل على غيره

ـ إنّ الواحد منّا لو تمكّن من إيجاب الفعل على غيره ، على الحدّ الذي يوجبه القديم ، لحسن منه ذلك وإن لم يحصل الرضا ، لكن ذلك متعذّر من جهات : منها أنّه غير قادر على أن يعرّف ويدلّ على الوجه الذي يفعله القديم تعالى. ومنها أنّه لا يتمكّن من إبانته على الوجه الذي يصحّ من القديم تعالى. ومنها أنّه لا يتمكّن من جعله على الصفات التي معها يستحقّ الثواب. ولذلك قلنا : إنّ الواحد منّا لو قدر من التعويض على الآلام على الحدّ الذي يقدر عليه القديم تعالى لحسن منه فعل ذلك بالبالغ ، وإن لم يرض به على ما نبيّنه من بعد (ق ، غ ١١ ، ١٤٣ ، ٦)

إيجاب قبيح

ـ قد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يكون الإيجاب قبيحا ، وإن كان الواجب يجب عنده. ألا ترى أنّ المهدّد غيره بالقتل إن لم يعطه ماله ، يلزمه عند ذلك دفع المال إذا خاف القتل وإن كان ماله وجب من التهدّد قبيح؟ فإذا صحّ ذلك ، وجب أن نبيّن الوجه في حسن الإيجاب ، وإن كنّا قد بيّنا من قبل الوجه في وجوب النظر والمعرفة. والمعتمد في حسن إيجابهما ، إذا ثبت حاجة المكلّف إليهما وأنّهما لا يحصلان على وجه الاضطرار والإلجاء ، أنّه قد ثبت أنّ ما عنده يكون المكلّف أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية. فلا بدّ من أن يفعله تعالى إن كان من فعله ، أو يوجبه على المكلّف إذا كان من فعل المكلّف. وقد ثبت أنّ العلم بأنّ في الفعل نفعا يدعوه إلى فعله ، وإن علم أنّه مسموم أو ظنّ ذلك عند أمارة ، دعاه إلى تركه (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٢ ، ٨)

إيجاب الموجب

ـ اعلم ، أنّ الحسن لا بدّ من أن يختصّ بوجه لأجله يحسن ، على ما قدّمناه في مواضعه ، وكذلك الواجب. وقد علمنا أنّ إيجاب الموجب كالمنفصل من وجوب الشيء في نفسه ؛ فما يدلّ على أنّ النظر والمعرفة واجبان ، لا يدلّ على حسن إيجاب الموجب لهما. لأنّا نرجع بالإيجاب إلى ما قدّمناه من الأعلام والأدلّة ، فلا بدّ من بيان الوجه الذي له يحسن منه تعالى إيجابهما (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٢ ، ٤)

إيجاب النظر

ـ إنّه تعالى إذا أراد النظر من المكلّف ، فلا بدّ من أن يريد المعرفة ؛ وإذا أمر بأحدهما ، فلا بدّ من أن يأمر بالآخر. فالحكمة تقتضي أن إيجاب النظر يتضمّن إيجاب المعرفة ، وأن إيجاب أحدهما غير إيجاب الآخر. لأن إعلام

المكلّف حال أحدهما غير إعلامه حال الآخر ، وإرادة أحدهما غير إرادة الآخر. لكننا نعلم ، لما قدّمناه ، أنه تعالى لا بدّ من أن يوجب المعرفة ويريدها متى أوجب النظر وأراده (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٠ ، ١٠)

ـ في أنّ إيجاب النظر والمعرفة ، هل يجب عليه تعالى أم يحسن ولا يجب؟ اعلم ، أنّا قد بيّنا حسن إيجابه تعالى ، فأمّا وجوب ذلك عليه فيجب أن يقال : إنّه سبحانه متى جعل المكلّف على الصفة التي بيّنا ، أنّ مع كونه عليها لا بدّ من أن يكلّفه. فإيجاب النظر والمعرفة واجب عليه تعالى ، ومتى لم يجعله كذلك فهو غير واجب. ولذلك قلنا : إنّه من الباب الذي منى حسن وجب ، ومتى لم يجب قبح ؛ وفصلنا القول فيه من قبل (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٧ ، ٥)

إيجاب النوافل

ـ لا يحسن منه تعالى إيجاب النوافل ، وإن حسن منه إيجاب الألطاف (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٤ ، ٣)

إيجاد

ـ إذ الوجود بعد أن لم يكن هو دليل الإيجاد والإحداث الذي به يعلم الموجود المحدث (م ، ح ، ١٢٩ ، ٢٤)

ـ إنّ كون القادر قادرا لا يتعلّق بالشيء إلّا على وجه الإيجاد ، لأنّه لو تعدّى في التعلّق به عن هذا الوجه ، إلى وجه آخر ولا حاصر ، لوجب أن يتعلّق بكل وجه تحصل عليه الذات ، ويجري مجرى الاعتقاد في أنّه يصحّ أن يتعلّق بالذات على كل وجه يصحّ أن يحصل عليه ، لأنّ الاعتقاد إنّما صحّت هذه القضية فيه ، لأنّه تعدّى عن وجه ولا حاصر (ن ، م ، ٨٣ ، ١٣)

ـ إنّ الإيجاد هو الخلق نفسه والله تعالى موجود لكل ما يوجد في كل وقت أبدا وإن لم يفنه قبل ذلك ، والله تعالى خالق لكل مخلوق في كل وقت وإن لم يفنه قبل ذلك (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٨)

ـ الإيجاد والإعدام هو القول والإرادة وذلك قوله (كن) للشيء الذي يريد كونه ، وإرادته لوجود ذلك الشيء ، وقوله للشيء كن : صورتان (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٨)

ـ فسّر محمد بن الهيصم الإيجاد والإعدام : بالإرادة والإيثار. قال : وذلك مشروط بالقول شرعا ، إذ ورد في التنزيل : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) وقوله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١١)

ـ الإيجاد غير محسوس ولا يدرك بإحساس النفس ضرورة ، فقد وجدنا للتفرقة بين الحركتين (الاختياريّة والاضطراريّة) والحالتين مرجعا ومردّا غير الوجود ، أليس من أثبت المعدوم شيئا عندكم ما ردّ التفرقة إلى العرضيّة واللونيّة والحركيّة في أنّها بالقدرة الحادثة ، فإنّها صفات نفسيّة ثابتة في العدم ، ولا إلى الاحتياج إلى المحل ، فإنّها من الصفات التابعة للحدوث ، فلذلك نحن لا نردّها إلى الوجود فإنّها من آثار القدرة الأزليّة ، ونردّها إلى ما أنتم تقابلونه بالثواب والعقاب حتى ينطبق التكليف على المقدور ، والمقدور على الجزاء. والدواعي والصوارف أيضا تتوجّه إلى تلك الجهة ، فإنّ الإنسان لا يجد في نفسه داعية الإيجاد ويجد داعية القيام والقعود والحركة والسكون والمدح والذمّ ، وهذه هيئات تحصل في الأفعال وراء الوجود تتميّز عن الوجود بالخصوص والعموم ، فإن شئت سمّيتها وجوها واعتبارات (ش ، ن ، ٨١ ، ٥)

ـ إنّ الفعل كان مقدورا للباري سبحانه وتعالى قبل تعلّق القدرة الحادثة ، أي هي على حقيقة الإمكان صلاحية ، والقدرة على حقيقة الإيجاد صلاحية ، ونفس تعلّق القدرة الحادثة لم تخرج الصلاحيتين عن حقيقتهما ، فيجب أن تبقى على ما كانت عليه من قبل ، ثم يضاف إلى كل واحد من المتعلّقين ما هو لائق (ش ، ن ، ٨٢ ، ٦)

ـ في إثبات الفعل للعبد إيجادا قولهم (المعتزلة) التكليف متوجّه على العبد بافعل ولا تفعل ، فلم تخل الحال من أحد أمرين ، إمّا أن لا يتحقّق من العبد فعل أصلا فيكون التكليف سفها من المكلّف ، ومع كونه سفها يكون متناقضا ، فإنّ تقديره افعل يا من لا يفعل. وأيضا فإنّ التكليف طلب ، والطلب يستدعي مطلوبا ممكنا من المطلوب منه ، وإذا لم يتصوّر منه فعل بطل الطلب. وأيضا فإنّ الوعد والوعيد مقرون بالتكليف ، والجزاء مقدّر على الفعل والترك ، فلو لم يحصل من العبد فعل ولم يتصوّر ذلك بطل الوعد والوعيد وبطل الثواب والعقاب ، فيكون التقدير افعل وأنت لا تفعل ، ثم إن فعلت ولن تفعل ، فيكون الثواب والعقاب على ما لم يفعل. وهذا خروج عن قضايا الحسّ فضلا عن قضايا المعقول ، حتى لا يبقى فرق بين خطاب الإنسان العاقل وبين الجماد ، ولا فصل بين أمر التسخير والتعجيز وبين أمر التكليف والطلب (ش ، ن ، ٨٣ ، ١٢)

ـ عند الخصم (المعتزلة) القدرة صالحة للأضداد والأمثال وهي متشابهة في القادرين ، فالعبد مستقل بالإيجاد والاختراع ، وليس إلى الباري سبحانه وتعالى من هذه الأفعال إلّا خلق القدرة فحسب واشتراط البنية (ش ، ن ، ٨٩ ، ١٠)

ـ القدماء منهم (المعتزلة) قالوا إنّ الإرادة الحادثة توجب المراد ، وخصّصوا الإيجاب بالقصد إلى إنشاء الفعل لنفسه ، أمّا العزم في حقّنا وإرادة فعل الغير فإنّها لا توجب ، ولم يريدوا بالإيجاد إيجاب العلّة المعلول ولا إيجاب التولّد ، والإرادة عندهم لا تولد ، فإنّ القدرة عندهم توجب المقدور بواسطة السبب ، فلو كانت الإرادة مولّدة بواسطة السبب ، استند المراد إلى سببين ولزم حصول مقدورني قادرين (ش ، ن ، ٢٤٨ ، ١٦)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

ـ نفس الإيجاد لا يقتضي علم الموجد بالموجد ، وإلّا لكان له أن يدفع قول القائلين بأنّ النار محرقة والشمس مضيئة ، فعدم علمهما بأثريهما وتجويز الإيجاد من غير العالم لا يبطل إثبات عالميّة الله تعالى ؛ لأنّ مثبتي العالميّة لا يستدلّون بالإيجاد على العالميّة ، بل إنّما يستدلّون بإحكام الفعل واتقانه على العالميّة (ط ، م ، ٣٢٧ ، ١)

إيقاع الفعل

ـ اعلم أنّه ذكر في الباب ما يحتاج إليه في إيقاع الفعل مجرّدا وما يحتاج إليه في إيقاعه على وجه مخصوص. والأصل في ذلك أنّ الفعل قد يعرّى عن أن تكون له صفة زائدة على صفة

جنسه وحدوثه وقد يختصّ بحكم زائد على ذلك. فما كان من الباب الأوّل فعلى ضربين. أحدهما يكفي فيه كون فاعله قادرا إذا كان هناك محلّ وزالت الموانع عن القادر وصحّ منه إيقاعه في محلّ القدرة. والضرب الثاني لا يكفي كونه قادرا مع ما ذكرناه من الشروط. وذلك كالإرادة والنظر ، لأنّهما وإن كانا معدودين في أجناس الأفعال فلا بدّ من أن يختصّ الفاعل باعتقاد صحّة حدوث المراد وأن لا يكون ساهيا عمّا يريده وعمّا ينظر فيه. فيفارق ذلك نوع الكون والاعتماد وما أشبههما من أفعال الجوارح أو جنس الاعتقاد وإن كان من أفعال القلوب. وكذلك الظنّ فهذا هو في أجناس الأفعال التي لا تقع على وجه زائد على ما يختصّ به في الحدوث وفي صفة جنسه. فأمّا ما يقع على وجه مخصوص فقد ثبتت الحاجة فيه إلى أمور ، نحو العلم والآلة. فإنّ الكتابة وإن كان المرجع بها إلى التأليف فوقوعه على هذا الحدّ المخصوص لا بدّ من كونه فاعله عالما ولا بدّ له أيضا من آلة مخصوصة ، فتجري الحاجة إلى ذلك مجرى الحاجة إلى القدرة (ق ، ت ٢ ، ١٥١ ، ٣)

إيلام أطفال المشركين

ـ وقف كثير من الإباضيّة في إيلام أطفال المشركين في الآخرة يجوّزوا أن يؤلمهم الله سبحانه في الآخرة على غير طريق الانتقام ، وجوّزوا أن يدخلهم الجنّة تفضّلا ، ومنهم من قال إن الله سبحانه يؤلمهم على طريق الإيجاب لا على طريق التجويز (ش ، ق ، ١١١ ، ١)

ـ اختلفت المعتزلة في إيلام الأطفال على ثلاثة أقاويل : فقال قائلون : الله يؤلمهم لا لعلّة ولم يقولوا أنّه يعوّضهم من إيلامه إيّاهم ، وأنكروا ذلك وأنكروا أن يعذّبهم في الآخرة. وقال أكثر المعتزلة إنّ الله سبحانه يؤلمهم عبرة للبالغين ثم يعوّضهم ، ولو لا أنّه يعوّضهم لكان إيلامه إيّاهم ظلما. وقال أصحاب اللطف أنّه آلمهم ليعوّضهم ، وقد يجوز أن يكون إعطاؤه إيّاهم ذلك العوض من غير ألم أصلح ، وليس عليه أن يفعل الأصلح (ش ، ق ، ٢٥٣ ، ٦)

إيمان

ـ جمهور" الإباضيّة" قالوا إنّ كل طاعة إيمان ودين ، وأنّ مرتكبي الكبائر موحّدون وليسوا بمؤمنين (ش ، ق ، ١٠٥ ، ٣)

ـ الفرقة الثانية من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط ، فلا إيمان بالله إلا المعرفة به ولا كفر بالله إلا الجهل به (ش ، ق ، ١٣٢ ، ١٣)

ـ الفرقة الثالثة منهم (المرجئة) يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله والخضوع له وهو ترك الاستكبار عليه والمحبّة له ، فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن ، وزعموا أنّ إبليس كان عارفا بالله غير أنّه كفر باستكباره على الله (ش ، ق ، ١٣٣ ، ٩)

ـ الفرقة الرابعة منهم (المرجئة) وهم أصحاب" أبي شمر" و" يونس" يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله والخضوع له والمحبّة له بالقلب والإقرار به أنّه واحد ليس كمثله شيء ما لم تقم عليه حجّة الأنبياء وإن كانت قامت عليه حجّة الأنبياء ، فالإيمان [الإقرار بهم] والتصديق لهم ، والمعرفة بما جاء من عند الله غير داخل في الإيمان (ش ، ق ، ١٣٤ ، ٢)

ـ الفرقة الخامسة من المرجئة أصحاب" أبي

ثوبان" يزعمون أنّ الإيمان هو الإقرار بالله وبرسله ، وما كان لا يجوز في العقل إلّا أن يفعله وما كان جائزا في العقل أن لا يفعله فليس ذلك من الإيمان (ش ، ق ، ١٣٥ ، ٦)

ـ الفرقة السادسة من المرجئة يزعمون أنّ الإيمان هو المعرفة بالله وبرسله وفرائضه المجتمع عليها والخضوع له بجميع ذلك ، والإقرار باللسان ، فمن جهل شيئا من ذلك فقامت به عليه حجّة أو عرفه ولم يقرّ به كفر (ش ، ق ، ١٣٥ ، ٨)

ـ الفرقة السابعة من المرجئة" الغيلانية" أصحاب" غيلان" يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله الثانية ، والمحبّة والخضوع والإقرار بما جاء به الرسول وبما جاء من عند الله سبحانه وذلك أن المعرفة الأولى عنده اضطرار فلذلك لم يجعلها من الإيمان (ش ، ق ، ١٣٦ ، ٥)

ـ الفرقة الثامنة من المرجئة أصحاب" محمد بن شبب" يزعمون أنّ الإيمان الإقرار بالله والمعرفة بأنّه واحد ليس كمثله شيء ، والإقرار والمعرفة بأنبياء الله وبرسله وبجميع ما جاءت به من عند الله مما نصّ عليه المسلمون ونقلوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الصلاة والصيام وأشباه ذلك مما لا اختلاف فيه بينهم ولا تنازع (ش ، ق ، ١٣٧ ، ٧)

ـ الفرقة التاسعة من المرجئة" أبو حنيفة وأصحابه" يزعمون أنّ الإيمان المعرفة بالله والإقرار بالله والمعرفة بالرسول والإقرار بما جاء من عند الله في الجملة دون التفسير (ش ، ق ، ١٣٨ ، ١٢)

ـ الفرقة العاشرة من المرجئة أصحاب" أبي معاذ التومني" يزعمون أنّ الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال إذا تركها التارك أو ترك خصلة منها كان كافرا (ش ، ق ، ١٣٩ ، ١٢)

ـ الفرقة الحادية عشرة من المرجئة أصحاب" بشر المريسي" يقولون أنّ الإيمان هو التصديق لأنّ الإيمان في اللغة هو التصديق وما ليس بتصديق فليس بإيمان ، ويزعم أنّ التصديق يكون بالقلب وباللسان جميعا وإلى هذا القول كان يذهب" ابن الراوندي" (ش ، ق ، ١٤٠ ، ١٤)

ـ الفرقة الثانية عشرة من المرجئة" الكرّامية" أصحاب" محمد بن كرّام" يزعمون أنّ الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيمانا (ش ، ق ، ١٤١ ، ٦)

ـ الإيمان هو جميع الطاعات فرضها ونفلها (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٣)

ـ أبو الهذيل ، حكي عنه أنّ الصغائر تغفر لمن اجتنب الكبائر على طريق التفضّل لا على طريق الاستحقاق ، وزعم أنّ الإيمان كله إيمان بالله ، منه ما تركه كفر ومنه ما تركه فسق ليس بكفر ، كالصلاة وصيام شهر رمضان ، ومنه ما تركه صغير ليس بفسق ولا كفر ، ومنه ما تركه ليس بكفر ولا بعصيان كالنوافل (ش ، ق ، ٢٦٧ ، ١٤)

ـ قال" هشام الفوطي" : الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها والإيمان على ضربين : إيمان بالله وإيمان لله ، ولا يقال إنّ إيمان بالله ، فالإيمان بالله ما كان تركه كفرا بالله ، والإيمان لله يكون تركه كفرا ويكون تركه فسقا ليس بكفر نحو الصلاة والزكاة ، فذلك إيمان لله فمن تركه على الاستحلال كفر ومن تركه على التحريم كان تركه فسقا ليس بكفر ، ومما هو إيمان لله عند هشام ما يكون تركه صغيرا ليس بفسق

(ش ، ق ، ٢٦٨ ، ١)

ـ قال" عبّاد بن سليمان" : الإيمان هو جميع ما أمر الله سبحانه به من الفرض وما رغّب فيه من النفل ، والإيمان على وجهين : إيمان بالله وهو ما كان تاركه أو تارك شيء منه كافرا كالملّة والتوحيد ، والإيمان لله إذا ترك تارك لم يكفر ومن ذلك ما يكون تركه ضلالا وفسقا ومنه ما يكون تركه صغيرا ، وكل أفعال الجاهل بالله عنده كفر بالله (ش ، ق ، ٢٦٨ ، ٨)

ـ قال" إبراهيم النظّام" الإيمان اجتناب الكبائر ، والكبائر ما جاء فيه الوعيد ، وقد يجوز أن يكون فيما لم يجيء فيه الوعيد كبير عند الله ، ويجوز أن لا يكون فيه كبير (ش ، ق ، ٢٦٨ ، ١٣)

ـ " محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" يزعم أنّ الإيمان لله هو جميع ما افترضه الله سبحانه على عباده ، وأنّ النوافل ليس بإيمان ، وأنّ كل خصلة من الخصال التي افترضها الله سبحانه فهي بعض إيمان لله ، وهي أيضا إيمان بالله (ش ، ق ، ٢٦٩ ، ٦)

ـ الذي تفرّد به" جهم" القول بأنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان ، وأنّ الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط (ش ، ق ، ٢٧٩ ، ٣)

ـ إن قال قائل ما الإيمان عندكم بالله تعالى ، قيل له هو التصديق بالله وعلى ذلك إجماع أهل اللغة التي نزل بها القرآن (ش ، ل ، ٧٥ ، ٣)

ـ إنّ الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، ونسلم الروايات الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم التي رواها الثقات عدل عن عدل حتى تنتهي الرواية إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ش ، ب ، ٢٤ ، ٣)

ـ الإيمان إنّما يكون بالغيب لأنّه تصديق (م ، ت ، ٣٩ ، ٨)

ـ قال قوم : الإيمان هو الإقرار باللسان خاصّة وليس في / القلب شيء (م ، ح ، ٣٧٣ ، ٨)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : ونحن نقول وبالله التوفيق : أحق ما يكون به الإيمان القلوب ، بالسمع والعقل جميعا (م ، ح ، ٣٧٣ ، ١٠)

ـ الإيمان في اللغة هو التصديق (م ، ح ، ٣٧٥ ، ٧)

ـ إنّ القلب هو موضع الإيمان (م ، ح ، ٣٧٥ ، ١٦)

ـ إنّ الخطاب بالإيمان يلزم بالعقول ، ويعرف حقيقة ما به الإيمان بالكفر والنظر ، وذلك عمل القلوب ، فمثله الإيمان (م ، ح ، ٣٧٨ ، ٤)

ـ إنّ الإيمان اسم للخاص من العبادات لا للكل (م ، ح ، ٣٧٩ ، ١٣)

ـ الإيمان معرفة إنّما هو التصديق / عند المعرفة ، هي التي تبعث عليه ، فسمّي بها ، نحو ما وصف الإيمان بهبة الله ونعمته ورحمته ، ونحو ذلك بما يظفر به ، لا أنه في الحقيقة فعل الله ، لكن لا يخلو حقيقته عن ذلك ، فنسب إليه ، فمثله أمر الإضافة إلى العلم والمعرفة (م ، ح ، ٣٨٠ ، ١١)

ـ روى في قصة جبريل فيما سأل رسول الله عن الإيمان فقال : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه من الله ، وسأل عن الإسلام فقال : أن تشهد أن لا إله إلّا الله وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت. فقال في الأوّل : فإن فعلت هذا فأنا مؤمن ، وفي الثاني فأنا مسلم ، قال : نعم صدقت (م ، ح ، ٣٩٣ ، ١١)

ـ إنّ الإيمان هو اسم لشهادة العقول والآثار بالتصديق على وحدانيّة الله تعالى ، وأنّ له

الخلق ، والأمر في الخلق ، لا شريك له في ذلك (م ، ح ، ٣٩٤ ، ١٧)

ـ إنّ الإيمان محلّه القلب والمعاصي محلّه الأعضاء وهما في محلّين مختلفين فلا يتنافيان (م ، ف ، ٣ ، ١٤)

ـ الإيمان معرفة الله تعالى بالألوهيّة ، ومحلّه القلب لقوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) (الحجرات : ٧) والقلب داخل الصدر (م ، ف ، ٦ ، ١٢)

ـ ما الإيمان؟ فقال النبي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم والآخر ، والقدر خيره وشره من الله (م ، ف ، ٧ ، ١٤)

ـ إنّ الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان ، فإذا صدقه بقلبه وأقرّ به بلسانه فإنّه مؤمن ، وإذا صدقه بقلبه ولم يقرّ بلسانه وهو في الإمكان من الإقرار فإنّه لا يصير مؤمنا كما لو أقرّ بلسانه ولم يصدق بجنانه (م ، ف ، ٧ ، ٢٢)

ـ إنّ الإيمان بالتقليد صحيح وإن لم يهتد إلى الإسلام خلافا للمعتزلة والأشعرية إنّهما لا يصححان الإيمان بالتقليد ويقولان بكفر العامة ، وهذا قبيح لأنّه يؤدي إلى تفويت حكمة الله تعالى في الرسالة والنبوة (م ، ف ، ٨ ، ٩)

ـ إنّ الإيمان إقرار باللسان وتصديق بالجنان ، والعمل بالشرائع لا من الإيمان (م ، ف ، ٨ ، ١٨)

ـ قالت الشكاكيّة ، العمل من الإيمان وعن هذا قالت بزيادة الإيمان ونقصانه ، واحتجت بقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً) (التوبة : ١٢٤) (م ، ف ، ٨ ، ٢٠)

ـ إنّ الإيمان لا يرتفع بالكبيرة (م ، ف ، ١٦ ، ١٦)

ـ إنّ الإيمان بالله عزوجل هو : التصديق بالقلب ، بأنّه الله الواحد ، الفرد ، الصمد ، القديم ، الخالق ، العليم ، الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ب ، ن ، ٢٢ ، ١٣)

ـ اتفق أهل اللغة قبل نزول القرآن وبعث الرسول عليه‌السلام على أنّ الإيمان في اللغة هو التصديق دون سائر أفعال الجوارح والقلوب (ب ، ن ، ٢٢ ، ٢٢)

ـ اعلم أنّ حقيقة الإيمان هو : التصديق. والدليل عليه قوله تعلى إخبارا عن إخوة يوسف عليه‌السلام : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) (يوسف : ١٧) ، أي بمصدّق لنا وأيضا : أنّ الرسول عليه‌السلام لما أخبر عن كلام البقرة والذئب ، فقال : " أنا أو من به وأبو بكر وعمر" يريد أصدّق. وأيضا : قول أهل اللغة : فلان يؤمن بالبعث والجنّة والنّار ؛ أي يصدّق به. وفلان لا يؤمن بعذاب الآخرة ، أي لا يصدّق به (ب ، ن ، ٥٥ ، ٩)

ـ إنّ كل إيمان إسلام ، وليس كل إسلام إيمانا ، لأنّ معنى الإسلام الانقياد ، ومعنى الإيمان التصديق ، ويستحيل أن يكون مصدّق غير منقاد ، ولا يستحيل أن يكون منقاد غير مصدّق ؛ وهذا كما يقال : كل نبيّ صالح ، وليس كل صالح نبيّا (ب ، ن ، ٥٩ ، ١)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الإيمان والكفر أمارتان للثواب والعقاب وليسا بعلّتين موجبتين لهما. وربّما اعتلّ في ذلك بأنّهما لو كانا موجبين للثواب والعقاب وكانا علّة لهما لم يجز أن يتأخّر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب ، لأنّ العلّة لا يجوز أن تتقدّم المعلول ولا أن تتأخّر عنه ، كالعلم الذي هو علّة في كون العالم عالما لا يصحّ أن يوجد العلم ولا

يكون العالم به عالما ، كما لا يصحّ أن يعدم ويكون العالم عالما (أ ، م ، ٩٩ ، ٢١)

ـ إنّ الإيمان هو تصديق القلب ، وهو اعتقاد المعتقد صدق من يؤمن به. وكان لا يجعل إقرار اللسان مع إنكار القلب إيمانا على الحقيقة. وكان لا يسمّي المنافق مؤمنا على الحقيقة ، بل كان يقول إنّه كافر لاعتقاده وغير مؤمن لإقراره (أ ، م ، ١٥٠ ، ١٦)

ـ بعض الناس ، فرّق بين المؤمن والمسلم ، واستدلّ على ذلك بقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) فالله تعالى فصل بين الإيمان والإسلام ، فلو كانا جميعا بمعنى واحد لم يكن للفصل بينهما وجه (ق ، ش ، ٧٠٧ ، ٨)

ـ إنّ الإيمان عند أبي علي وأبي هاشم عبارة عن أداء الطاعات الفرائض دون النوافل واجتناب المقبحات ، وعند أبي الهذيل عبارة عن أداء الطاعات الفرائض منها والنوافل واجتناب المقبحات ، وهو الصحيح من المذهب الذي اختاره قاضي القضاة (ق ، ش ، ٧٠٧ ، ١٦)

ـ عند النجارية وجهم ، أنّ الإيمان هو المعرفة بالقلب (ق ، ش ، ٧٠٨ ، ١٧)

ـ عند الكراميّة أنّ الإيمان إنّما هو الإقرار باللسان (ق ، ش ، ٧٠٩ ، ٤)

ـ ذهبت الأشعرية إلى أنّ الإيمان هو التصديق بالقلب (ق ، ش ، ٧٠٩ ، ٧)

ـ إنّ الإيمان عبارة عن الواجبات والطاعات ، ولا يختصّ القلب فقط (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ١٩)

ـ قال شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، إنّ الإيمان منه ما يقع على طريق الإلجاء والإكراه ، ولا يستحقّ به فاعله ثوابا ، وذلك نحو ما أراده الله سبحانه بقوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) (الأنعام : ١٥٨) فبيّن تعالى أنّهم عند مجيء الآيات يؤمنون على جهة الإلجاء ، ولا يستحقّون به ثوابا ولا نفعا. وقال تعالى مخبرا عن فرعون لما أدركه الغرق : (قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) (يونس : ٩٠ ـ ٩١) فبيّن أنّه لا يدفع إيمانه عند معاينة سبب الموت ، وإن كان ما فعله منه إيمانا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦٤ ، ٧)

ـ الإيمان إنّه اجتناب الكبيرة فحسب (النظّام) (ب ، ف ، ١٤٤ ، ١٩)

ـ أتباع يونس بن عون الذي زعم أنّ الإيمان في القلب واللسان ، وأنّه هو المعرفة بالله تعالى ، والمحبة والخضوع له بالقلب ، والإقرار باللسان أنّه واحد ليس كمثله شيء ، ما لم تقم حجّة الرسل عليهم‌السلام ، فإن قامت عليهم حجّتهم لزمهم التصديق لهم ، ومعرفة ما جاء من عندهم في الجملة من الإيمان ، وليست معرفة تفصيل ما جاء من عندهم إيمانا ولا من جملته. وزعم هؤلاء أنّ كل خصلة من خصال الإيمان ليست بإيمان ولا بعض إيمان ، ومجموعها إيمان (ب ، ف ، ٢٠٢ ، ١٨)

ـ أتباع غسّان المرجئ الذي زعم أنّ الإيمان هو الإقرار أو المحبة لله تعالى وتعظيمه وترك الاستكبار عليه (ب ، ف ، ٢٠٣ ، ٧)

ـ أتباع أبي معاذ التّومني الذي زعم أنّ الإيمان ما عصم من الكفر وهو اسم لخصال من تركها أو ترك خصلة منها كفر ، ومجموع تلك الخصال إيمان ، ولا يقال للخصلة منها إيمان ولا بعض إيمان (ب ، ف ، ٢٠٣ ، ١٥)

ـ أتباع أبي ثوبان المرجئ الذي زعم أنّ الإيمان هو الإقرار والمعرفة بالله وبرسله وبكل ما يجب في العقل فعله ، وما جاز في العقل أن لا يفعل فليست المعرفة به من الإيمان (ب ، ف ، ٢٠٤ ، ٨)

ـ كان يقول (بشر المريسي) في الإيمان : إنّه هو التصديق بالقلب واللسان جميعا (ب ، ف ، ٢٠٥ ، ٥)

ـ قال أبو شمر : الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبما جاء من عنده مما اجتمعت عليه الأمّة ، كالصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ ، وتحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، ووطء المحارم ونحو ذلك ، وما عرف بالعقل من عدل الإيمان وتوحيده ونفي التشبيه عنه ، وأراد بالعقل قوله بالقدر ، وأراد بالتوحيد نفيه عن الله صفاته الأزلية. قال : كل ذلك إيمان ، والشاك فيه كافر ، والشاك في الشاك أيضا كافر ، ثم كذلك أبدا. وزعم أنّ هذه المعرفة لا تكون إيمانا إلّا مع الإقرار (ب ، ف ، ٢٠٦ ، ١)

ـ كان غيلان القدري يجمع بين القدر والإرجاء ، ويزعم أنّ الإيمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى ، والمحبة ، والخضوع ، والإقرار بما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وبما جاء من الله تعالى. وزعم أن المعرفة الأولى اضطرار ، وليس بإيمان. وحكى زرقان في مقالاته عن غيلان أنّ الإيمان هو الإقرار باللسان ، وأنّ المعرفة بالله تعالى ضروريّة فعل الله تعالى وليست من الإيمان. وزعم غيلان أنّ الإيمان لا يزيد ولا ينقص ، ولا يتفاضل الناس فيه (ب ، ف ، ٢٠٦ ، ١٦)

ـ زعم محمد بن شبيب أنّ الإيمان هو الإقرار بالله ، والمعرفة برسله وبجميع ما جاء من عند الله تعالى مما نصّ عليه المسلمون : من الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحجّ ، وكل ما لم يختلفوا فيه. وقال : إنّ الإيمان يتبعّض ، ويتفاصل الناس فيه ، والخصلة الواحدة من الإيمان قد تكون بعض الإيمان ، وتاركها يكفر بترك بعض الإيمان ، ولا يكون مؤمنا بإصابة كلّه (ب ، ف ، ٢٠٧ ، ٢)

ـ زعم الصالحي أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، والكفر هو الجهل به فقط (ب ، ف ، ٢٠٧ ، ٨)

ـ الذي يجمع النجّارية في الإيمان قولهم بأنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى ، وبرسله ، وفرائضه التي أجمع عليها المسلمون ، والخضوع له ، والإقرار باللسان ؛ فمن جهل شيئا من ذلك بعد قيام الحجّة به عليه أو عرفه ولم يقرّ به فقد كفر. وقالوا : كل خصلة من خصال الإيمان طاعة ، وليست بإيمان ، ومجموعها إيمان ، وليست خصلة منها عند الانفراد إيمانا ولا طاعة (ب ، ف ، ٢٠٨ ، ١٠)

ـ الجهميّة : أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات كلها ، وزعم أنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضا أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، وأنّ الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى ، وإنّما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ، كما يقال : زالت الشّمس ، ودارت الرّحى ، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لم وصفتا به. وزعم أيضا أنّ علم الله تعالى حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنّه شيء أو حيّ أو عالم أو مريد ، وقال : لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيء ،

وموجود ، وحي ، وعالم ، ومريد ، ونحو ذلك. ووصفه بأنّه قادر ، وموجد ، وفاعل ، وخالق ، ومحيي ، ومميت ، لأنّ هذه الأوصاف مختصّة به وحده ، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية ، ولم يسمّ الله تعالى متكلّما به (ب ، ف ، ٢١١ ، ٩)

ـ إنّ الكرّامية خاضوا في باب الإيمان ، فزعموا أنّه إقرار فرد على الابتداء وأن تكريره لا يكون إيمانا إلّا من المرتدّ إذا أقرّ به بعد ردّته. وزعموا أيضا أنّه هو الإقرار السابق في الذّرّ الأول في طلب النبي عليه‌السلام وهو قولهم : بلى ، وزعموا أيضا أنّ ذلك القول باق أبدا لا يزول إلّا بالردّة ، وزعموا أيضا أنّ المقرّ بالشهادتين مؤمن حقا وإن اعتقد الكفر بالرسالة ، وزعموا أيضا أنّ المنافقين الذين أنزل الله تعالى في تكفيرهم آيات كثيرة كانوا مؤمنين حقا ، وأنّ إيمانهم كان كإيمان الأنبياء والملائكة (ب ، ف ، ٢٢٣ ، ١١)

ـ قال أبو الحسن الأشعري إنّ الإيمان هو التصديق لله ولرسله عليهم‌السلام في أخبارهم ، ولا يكون هذا التصديق صحيحا إلّا بمعرفته (ب ، أ ، ٢٤٨ ، ١٥)

ـ كان عبد الله بن سعيد يقول : إنّ الإيمان هو الإقرار بالله عزوجل وبكتبه وبرسله إذا كان ذلك عن معرفة وتصديق بالقلب ، فإن خلا الإقرار عن المعرفة بصحّته لم يكن إيمانا (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ٢)

ـ قال الباقون من أصحاب الحديث : إنّ الإيمان جميع الطاعات فرضها ونفلها. وهو على ثلاثة أقسام : قسم منه يخرج (صاحبه) به من الكفر ويتخلّص به من الخلود في النار إن مات عليه. وهو معرفته بالله تعالى وبكتبه ورسله ، وبالقدر خيره وشرّه من الله ، مع إثبات الصفات الأزليّة لله تعالى ونفي التشبيه والتعطيل عنه ، ومع إجازة رؤيته واعتقاد سائر ما تواترت الأخبار الشرعية به. وقسم منه يوجب العدالة وزوال اسم الفسق عن صاحبه ويتخلّص به من دخول النار ، وهو أداء الفرائض واجتناب الكبائر. وقسم منه وجب ... كون صاحبه من السابقين الذين يدخلون الجنّة بلا حساب وهو أداء الفرائض والنوافل مع اجتناب الذنوب كلّها (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ٥)

ـ زعمت الجهمية أنّ الإيمان هو المعرفة وحدها (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ١٤)

ـ روي عن أبي حنيفة أنّه قال : الإيمان هو المعرفة والإقرار (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ١٤)

ـ قالت النجّارية الإيمان ثلاثة أشياء : معرفة وإقرار وخضوع (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ١٥)

ـ قالت القدريّة والخوارج برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر ، وافترقوا في صاحب الكبيرة : فقالت القدريّة إنّه فاسق لا مؤمن ولا كافر بل في هو منزلة بين المنزلتين. وقالت الخوارج كل من ارتكب ذنبا فهو كافر (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ١٦)

ـ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي ولكن ما وقر في القلب وصدّقه العمل (ب ، أ ، ٢٥١ ، ١)

ـ في رواية أهل البيت عن عليّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان (ب ، أ ، ٢٥١ ، ٧)

ـ مذهب أبي حنيفة الفقيه ... أنّ الإيمان هو التصديق باللسان والقلب معا ، وأنّ الأعمال إنّما هي شرائع الإيمان وفرائضه فقط (ح ، ف ٢ ، ١١١ ، ١٣)

ـ إنّ جهما والأشعري يقولون أنّ الإيمان عقد بالقلب فقط وإن أظهر الكفر والتثليث بلسانه (ح ، ف ٢ ، ١١١ ، ١٦)

ـ محمد بن كرّام يقول هو (الإيمان) القول باللسان وإن اعتقد الكفر بقلبه (ح ، ف ٢ ، ١١٢ ، ١)

ـ إنّ الكفر لا يقبح إلّا بعد أن قبّحه الله عزوجل ، ولا يحسن الإيمان إلّا بعد أن حسّنه الله عزوجل (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ، ٣)

ـ اختلف الناس في ماهيّة الإيمان ، فذهب قوم إلى أنّ الإيمان إنّما هو معرفة الله تعالى بالقلب فقط وإن أظهر اليهوديّة والنصرانيّة وسائر أنواع الكفر بلسانه وعبادته ، فإذا عرف الله تعالى بقلبه فهو مسلم من أهل الجنّة ، وهذا قول أبي محرز الجهم بن صفوان وأبي الحسن الأشعري البصري وأصحابهما (ح ، ف ٣ ، ١٨٨ ، ١٢)

ـ ذهب قوم إلى أنّ الإيمان هو إقرار باللسان بالله تعالى وإن اعتقد الكفر بقلبه ، فإذا فعل ذلك فهو مؤمن من أهل الجنّة ، وهذا قول محمد بن كرام السجستاني وأصحابه (ح ، ف ٣ ، ١٨٨ ، ١٥)

ـ ذهب قوم إلى أنّ الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار باللسان معا ، فإذا عرف المرء الدين بقلبه وأقرّ بلسانه فهو مسلم كامل الإيمان والإسلام ، وأنّ الأعمال لا تسمّى إيمانا ولكنّها شرائع الإيمان ، وهذا قول أبي حنيفة النعمان بن ثابت الفقيه وجماعة من الفقهاء (ح ، ف ٣ ، ١٨٨ ، ١٨)

ـ ذهب سائر الفقهاء وأصحاب الحديث والمعتزلة والشيعة وجميع الخوارج إلى أنّ الإيمان هو المعرفة بالقلب بالدين والإقرار به باللسان والعمل بالجوارح ، وأنّ كل طاعة وعمل خير فرضا كان أو نافلة فهي إيمان ، وكل ما ازداد الإنسان خيرا ازداد إيمانه ، وكلما عصى نقص إيمانه (ح ، ف ٣ ، ١٨٨ ، ٢٢)

ـ حجّة الجهميّة والكراميّة والأشعريّة ومن ذهب مذهب أبي حنيفة حجّة واحدة وهي أنّهم قالوا إنّما أنزل القرآن بلسان عربي مبين ، وبلغة العرب خاطبنا الله تعالى ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والإيمان في اللغة هو التصديق فقط ، والعمل بالجوارح لا يسمّى في اللغة تصديقا فليس إيمانا ، قالوا والإيمان هو التوحيد والأعمال لا تسمّى توحيدا فليست إيمانا ، قالوا ولو كانت الأعمال توحيدا وإيمانا لكان من ضيّع شيئا منها قد ضيّع الإيمان وفارق الإيمان فوجب أن لا يكون مؤمنا ، قالوا وهذه الحجّة إنّما تلزم أصحاب الحديث خاصة ، لا تلزم الخوارج ولا المعتزلة لأنّهم يقولون بذهاب الإيمان جملة بإضاعة الأعمال (ح ، ف ٣ ، ١٨٩ ، ٩)

ـ إنّ الإيمان عقد وقول وعمل (ح ، ف ٣ ، ١٩١ ، ٢٤)

ـ قال أبو محمد أصل الإيمان كما قلنا في اللغة التصديق بالقلب وباللسان معا بأي شيء صدق المصدّق لا شيء دون شيء البتّة ، إلّا أنّ الله عزوجل على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوقع لفظة الإيمان على العقد بالقلب لأشياء محدودة مخصوصة معروفة ، لا على العقد لكل شيء ، وأوقعها أيضا تعالى على الإقرار باللسان بتلك الأشياء خاصّة لا بما سواها ، وأوقعها أيضا على أعمال الجوارح لكل ما هو طاعة له تعالى فقط ، فلا يحلّ لأحد خلاف الله تعالى فيما أنزله وحكم به (ح ، ف ٣ ، ١٩٢ ، ٢)

ـ إنّ اسم الإيمان والكفر منقولان في الشريعة عن موضوعهما في اللغة بيقين لا شكّ فيه ، وأنّه لا

يجوز إيقاع اسم الإيمان المطلق على معنى التصديق بأي شيء صدق به المرء ، ولا يجوز إيقاع اسم الكفر على معنى التغطية لأي شيء غطّاه المرء ، لكن على ما أوقع الله تعالى عليه اسم الإيمان واسم الكفر ولا مزيد ، وثبت يقينا أنّ ما عدا هذا ضلال مخالف للقرآن وللسنن ولإجماع أهل الإسلام أوّلهم عن آخرهم (ح ، ف ٣ ، ٢١١ ، ٢٤)

ـ إن قال قائل أليس الكفر ضدّ الإيمان ، قلنا وبالله تعالى التوفيق إطلاق هذا القول خطأ لأنّ الإيمان اسم مشترك يقع على معان شتّى كما ذكرنا ، فمن تلك المعاني شيء يكون الكفر ضدّا له ، ومنها ما يكون الفسق ضدّا له لا الكفر ، ومنها ما يكون الترك ضدّا له لا الكفر ولا الفسق ، فأمّا الإيمان الذي يكون الكفر ضدّا له فهو العقد بالقلب والإقرار باللسان ، فإنّ الكفر ضدّ لهذا الإيمان ، وأمّا الإيمان الذي يكون الفسق ضدّا له لا الكفر ، فهو ما كان من الأعمال فرضا فإنّ تركه ضدّ للعمل وهو فسق لا كفر ، وأمّا الإيمان الذي يكون الترك له ضدّا فهو كل ما كان من الأعمال تطوّعا ، فإنّ تركه ضدّ العمل به وليس فسقا ولا كفرا (ح ، ف ٣ ، ٢١٢ ، ١٤)

ـ إنّ اسم الإيمان منقول عن موضوعه في اللغة عن التصديق المجرّد إلى معنى آخر زائد مع التصديق (ح ، ف ٣ ، ٢٢٤ ، ١٨)

ـ قال أبو محمد : والذي نقول به وبالله تعالى التوفيق أنّ الإيمان أصله في اللغة التصديق على الصفة التي ذكرنا قبل ، ثم أوقعه الله عزوجل في الشريعة على جميع الطاعات واجتناب المعاصي إذا قصد بكل ذلك من عمل أو ترك (ح ، ف ٣ ، ٢٢٦ ، ٤)

ـ إنّما التقليد أخذ المرء قول من دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممّن لم يأمرنا الله عزوجل باتّباعه قط ، ولا بأخذ قوله بل حرّم علينا ذلك ونهانا عنه ، وأمّا أخذ المرء قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي افترض علينا طاعته وألزمنا اتّباعه وتصديقه وحذّرنا عن مخالفة أمره وتوعّدنا على ذلك أشدّ الوعيد فليس تقليدا بل هو إيمان وتصديق واتّباع للحق وطاعة لله عزوجل وأداء للمفترض (ح ، ف ٤ ، ٣٦ ، ٢٣)

ـ ذهبت الخوارج إلى أنّ الإيمان هو الطاعة ، ومال إلى ذلك كثير من المعتزلة ، واختلفت مذاهبهم في تسمية النوافل إيمانا (ج ، ش ، ٣٣٣ ، ٧)

ـ صار أصحاب الحديث إلى أنّ الإيمان معرفة بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان (ج ، ش ، ٣٣٣ ، ٨)

ـ ذهبت الكراميّة إلى أنّ الإيمان هو الإقرار باللسان فحسب ، ومضمر الكفر إذا أظهر الإيمان مؤمن حقا عندهم ، غير أنّه يستوجب الخلود في النار. ولو أضمر الإيمان ولم يتّفق منه إظهاره ، فهو ليس بمؤمن ، وله الخلود في الجنّة (ج ، ش ، ٣٣٣ ، ١٠)

ـ ذهب بعض القدماء إلى أنّ الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار بها (ج ، ش ، ٣٣٣ ، ١٠)

ـ إنّ حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى ، فالمؤمن بالله من صدّقه (ج ، ش ، ٣٣٣ ، ١٤)

ـ الإيمان والتصديق ، وهو أن يعلم قطعا أنّ هذه الألفاظ أريد بها معاني تليق بجلال الله تعالى ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صادق في وصف الله تعالى به ، فليؤمن بذلك ، وليوقن بأنّ ما قاله صدق وما أخبر عنه حقّ لا ريب فيه وليقل : آمنّا وصدّقنا. وإنّ ما وصف الله تعالى

به نفسه أو وصفه به رسوله فهو كما وصفه ، فهو حق بالمعنى الذي أراده ، وعلى الوجه الذي قاله وإن كنت لا أقف على حقيقته ، فإن قلت : التصديق إنّما يكون بعد التصوّر ، والإيمان إنّما يكون بعد التفهّم ، فهذه الألفاظ إذا لم يفهم العبد معانيها كيف يعتقد صدق قائلها فيها؟ فجوابك أنّ التصديق بالأمور الجملية ليس بمحال ، وكل عاقل يعلم أنّه أريد بهذه الألفاظ معان ، وأن كل اسم فله مسمّى ، إذا نطق به من أراد مخاطبة قوم ، قصد ذلك المسمّى ، فيمكنه أن يعتقد كونه كاذبا مخبرا عنه على ما هو عليه ، فهذا معقول على سبيل الإجمال ، بل يمكن أن يفهم من هذه الألفاظ أمور جملية غير مفصّلة ، ويمكن التصديق بها كما لو قال قائل : في البيت حيوان أمكن أن يصدّق دون أن يعرف أنّه إنسان أو فرس أو غيره ، بل لو قال : فيه شيء أمكن تصديقه وإن لم يعرف ذلك الشيء. فكذلك من سمع الاستواء على العرش ، فهم على الجملة أنّه أريد بذلك نسبة خاصة للعرش ، فيمكنه التصديق قبل أن يعرف أنّ تلك النسبة هي نسبة الاستقرار عليه ، أو الإقبال على خلقه وإيجاده ، أو الاستيلاء ، أو معنى آخر من معاني النسبة ، فأمكن التصديق به (غ ، أ ، ٥١ ، ٢)

ـ الإيمان هو عبارة عن تصديق جازم لا تردّد فيه ولا يشعر صاحبه بإمكان وقوع الخطأ فيه ، وهذا التصديق الجازم يحصل على ست مراتب (غ ، أ ، ١٠٧ ، ١٦)

ـ الكفر هو تكذيب الرسول صلوات الله عليه في شيء ممّا جاء به. والإيمان تصديقه في جميع ما جاء به (غ ، ف ، ٥٥ ، ٩)

ـ ما الإيمان الصحيح؟ قلت : أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله ، فمن أخلّ بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق ، ومن أخلّ بالشهادة فهو كافر ومن أخلّ بالعمل فهو فاسق (ز ، ك ١ ، ١٢٨ ، ٧)

ـ الطاعات من جملة الإيمان ، لأنّ الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل (ز ، ك ١ ، ٤٨١ ، ١١)

ـ إنّ الإيمان لا ينفع إلّا مع العمل ، كما أنّ العمل لا ينفع إلّا مع الإيمان ، وأنّه لا يفوز عند الله إلّا الجامع بينهما (ز ، ك ٤ ، ٢٠ ، ١٣)

ـ فرّق في التفسير بين الإسلام والإيمان. والإسلام قد يرد بمعنى الاستسلام ظاهرا ، ويشترك فيه المؤمن والمنافق. قال الله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (الحجرات : ١٤) ففرّق التنزيل بينهما. فإذا كان الإسلام بمعنى التسليم والانقياد ظاهرا موقع الاشتراك ، فهو المبدأ ثم إذا كان الإخلاص معه بأن يصدّق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، ويقرّ عقدا بأنّ القدر خيره وشرّه من الله تعالى ؛ بمعنى أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ؛ كان مؤمنا حقّا. ثم إذا جمع بين الإسلام والتصديق ، وقرن المجاهدة بالمشاهدة ، وصار غيبه شهادة ؛ فهو الكمال. فكان الإسلام مبدأ ، والإيمان وسطا ، والإحسان كمالا ، وعلى هذا شمل لفظ المسلمين : الناجي والهالك (ش ، م ١ ، ٤١ ، ٥)

ـ قال (واصل) : إنّ الإيمان عبارة عن خصال خير إذا اجتمعت سمّي المرء مؤمنا وهو اسم مدح (ش ، م ١ ، ٤٨ ، ١٢)

ـ الإيمان عندهما (الجبائيان) اسم مدح ، وهو عبارة عن خصال الخير التي إذا اجتمعت في شخص سمّي بها مؤمنا ، ومن ارتكب كبيرة فهو

في حال يسمّى فاسقا ، لا مؤمنا ولا كافرا ، وإن لم يتب ومات عليها فهو مخلّد في النار (ش ، م ١ ، ٨١ ، ١٣)

ـ من أتى بالمعرفة ثم جحد بلسانه لم يكفر بجحده ، لأنّ العلم والمعرفة لا يزولان بالجحد ، فهو مؤمن ، قال (جهم بن صفوان) : والإيمان لا يتبعّض أي لا ينقسم إلى : عقد ، وقول وعمل (ش ، م ١ ، ٨٨ ، ٦)

ـ قال (النجّار) في الإيمان إنّه عبارة عن التصديق. ومن ارتكب كبيرة ومات عليها من غير توبة عوقب على ذلك ، ويجب أن يخرج من النار ، فليس من العدل التسوية بينه وبين الكفّار في الخلود (ش ، م ١ ، ٩٠ ، ٧)

ـ قال (الأشعري) : الإيمان هو التصديق بالجنان. وأمّا القول باللسان والعمل بالأركان ففروعه. فمن صدّق بالقلب أي أقرّ بوحدانية الله تعالى ، واعترف بالرسل تصديقا لهم فيما جاءوا به من عند الله تعالى بالقلب صحّ إيمانه ؛ حتى لو مات عليه في الحال كان مؤمنا ناجيا ، ولا يخرج من الإيمان إلّا بإنكار شيء من ذلك (ش ، م ١ ، ١٠١ ، ٧)

ـ الإيمان : هو أن يعلم كل حق وباطل ؛ وأنّ الإيمان هو العلم بالقلب دون القول والعمل ، ويحكى عنه أنّه قال : الإيمان هو الإقرار والعلم. وليس هو أحد الأمرين دون الآخر (ش ، م ١ ، ١٢٦ ، ٨)

ـ يونس بن عون النميري ، زعم أنّ الإيمان هو المعرفة بالله ، والخضوع له ، وترك الاستكبار عليه ، والمحبّة بالقلب. فمن اجتمعت فيه هذه الخصال فهو مؤمن وما سوى ذلك من الطاعة فليس من الإيمان ولا يضرّ تركها حقيقة الإيمان ، ولا يعذّب على ذلك إلّا إذا كان الإيمان خالصا ، واليقين صادقا (ش ، م ١ ، ١٤٠ ، ٢)

ـ غسان الكوفي. زعم أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى وبرسوله ، والإقرار بما أنزل الله ، وبما جاء به الرسول في الجملة دون التفصيل. والإيمان لا يزيد ولا ينقص. وزعم أنّ قائلا لو قال : أعلم أنّ الله تعالى قد حرّم أكل الخنزير ، ولا أدري هل الخنزير الذي حرّمه : هذه الشاة أم غيرها؟ كان مؤمنا. ولو قال : أعلم أنّ الله تعالى فرض الحجّ إلى الكعبة. غير أنّي لا أدري أين الكعبة؟ ولعلها بالهند ؛ كان مؤمنا. ومقصوده أنّ أمثال هذه الاعتقادات أمور وراء الإيمان ، لا أنّه كان شاكّا في هذه الأمور (ش ، م ١ ، ١٤١ ، ٤)

ـ أصحاب أبي ثوبان المرجئ ، الذين زعموا أنّ الإيمان هو المعرفة والإقرار بالله تعالى ، وبرسله عليهم الصلاة والسلام ، وبكل ما لا يجوز في العقل أن يفعله ، وما جاز في العقل تركه فليس من الإيمان ، وأخّر العمل كلّه عن الإيمان (ش ، م ١ ، ١٤٢ ، ٢)

ـ أصحاب أبي معاذ التومني ، زعم أنّ الإيمان هو ما عصم من الكفر ، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك كفر ، وكذلك لو ترك خصلة واحدة منها كفر ، ولا يقال للخصلة الواحدة منها إيمان ، ولا بعض إيمان ، وكل معصية كبيرة أو صغيرة لم يجمع عليها المسلمون بأنّها كفر لا يقال لصاحبها فاسق ، ولكن يقال فسق وعصى ، قال : وتلك الخصال هي المعرفة والتصديق والمحبّة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول (ش ، م ١ ، ١٤٤ ، ٨)

ـ ابن الراوندي ، وبشر المريسي ، قالا : الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان جميعا ، والكفر

هو الجحود والإنكار ، والسجود للشمس والقمر والصنم ليس بكفر في نفسه ولكنّه علامة الكفر (ش ، م ١ ، ١٤٤ ، ١٦)

ـ أمّا الصالحيّ فقال : الإيمان هو المعرفة بالله تعالى على الإطلاق ، وهو أنّ للعالم صانعا فقط ، والكفر هو الجهل به على الإطلاق (ش ، م ١ ، ١٤٥ ، ٥)

ـ أمّا أبو شمر المرجئ القدريّ ، فإنّه زعم أنّ الإيمان هو المعرفة بالله عزوجل ، والمحبّة والخضوع له بالقلب والإقرار به أنّه واحد ليس كمثله شيء ، ما لم تقم عليه حجّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فإذا قامت الحجّة فالإقرار بهم وتصديقهم من الإيمان والمعرفة ، والإقرار بما جاءوا به من عند الله غير داخل في الإيمان الأصليّ ، وليست كل خصلة من خصال الإيمان إيمانا ولا بعض إيمان ، فإذا اجتمعت كانت كلّها إيمانا ، وشرط في خصال الإيمان معرفة العدل ، يريد به القدر خيره وشرّه من العبد من غير أن يضاف إلى الباري تعالى منه شيء (ش ، م ١ ، ١٤٥ ، ١٣)

ـ أمّا غيلان بن مروان من القدرية المرجئة ، فإنّه زعم أنّ الإيمان هو المعرفة الثانية بالله تعالى ، والمحبّة والخضوع له ، والإقرار بما جاء به الرسول ، وبما جاء من عند الله ، والمعرفة الأولى فطريّة ضروريّة. فالمعرفة على أصله نوعان : فطريّة ، وهي علمه بأنّ للعالم صانعا ، ولنفسه خالقا ، وهذه المعرفة لا تسمّى إيمانا ، إنّما الإيمان هو المعرفة الثانية المكتسبة (ش ، م ١ ، ١٤٦ ، ١)

ـ إنّ الإيمان (عند المعتزلة) عبارة عن خصال محمودة يستوجب المؤمن بها المدح والثناء ، والفاسق لا يستوجب المدح (ش ، ن ، ٤٧٠ ، ١٥)

ـ المرجئة ... قالوا الإيمان قول وعقد ، وإن عري عن العمل فلا يضرّ مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة (ش ، ن ، ٤٧١ ، ١٠)

ـ الكراميّة ... قالت الإيمان قول مجرّد وهو الإقرار باللسان فحسب ، وإن كان المقرّ كاذبا منافقا فهو مؤمن (ش ، ن ، ٤٧١ ، ١٤)

ـ قالت الأشعريّة الإيمان عبارة عن التصديق في وضع اللغة ، وقد قرّره الشرع على معناه (ش ، ن ، ٤٧١ ، ١٨)

ـ أتباع يونس بن عون. وهم يقولون إنّ الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان (ف ، غ ، ٧٠ ، ٤)

ـ الغسانيّة أتباع غسان الحرميّ. وهم يقولون إنّ الإيمان غير قابل للزيادة والنقصان. وكل قسم من الإيمان فهو إيمان (ف ، غ ، ٧٠ ، ٧)

ـ اليوميّة وهم يزعمون أنّه لا يضرّ مع الإيمان معصية ما ، وأنّ الله تعالى لا يعذّب الفاسقين من هذه الأمّة (ف ، غ ، ٧٠ ، ١٠)

ـ لا نزاع في أنّ الإيمان في أصل اللغة عبارة عن التصديق ، وفي الشرع عبارة عن تصديق الرسول بكل ما علم بالضرورة مجيئه به ، خلافا للمعتزلة (ف ، م ، ١٨١ ، ٢٥)

ـ الإيمان عبارة عن الاعتقاد ، والقول سبب لظهوره ، والأعمار خارجة عن مسمّى الإيمان (ف ، أ ، ٩٥ ، ١٩)

ـ الإيمان له أصل وله ثمرات ، والأصل هو الاعتقاد ، وأمّا هذه الأعمال فقد يطلق لفظ الإيمان عليها كما يطلق اسم أصل الشيء على ثمراته (ف ، أ ، ٩٦ ، ١٢)

ـ أمّا الإيمان : فهو في اللغة عبارة عن التصديق ، ومنه قول بني يعقوب : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا)

(يوسف : ١٧) أي بمصدّق. وفي عرف استعمال أهل الحق من المتكلّمين عبارة عن التصديق بالله وصفاته وما جاءت به أنبياؤه ورسالاته. وإليه الإشارة بقوله عليه‌السلام : " الإيمان هو التصديق بالله وباليوم والآخر كأنّك تراه" فمن وفّقه الله لهذا التصديق وأرشده إلى هذا التحقيق فهو المؤمن الحق عند الله وعند الخلق ، وإلّا فقد شقى الشقاوة الكبرى ، وحكم بكفره في الدنيا والأخرى (م ، غ ، ٣٠٩ ، ١٢)

ـ ليس الإيمان هو الإقرار باللسان فقط ، كما زعمت الكراميّة. ولا إقامة العبادات والتمسّك بالطاعات كما زعمت الخارجيّة ؛ فإنّا نعلم من حال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند إظهار الدعوة أنّه لم يكتف من الناس بمجرّد الإقرار باللسان ، ولا العمل بالأركان مع تكذيب الجنان ، بل كان يسمّي من كانت حاله كذلك كاذبا ومنافقا (م ، غ ، ٣١٠ ، ٥)

ـ قول الحشويّة : إنّ الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان. نعم ، لا ننكر جواز إطلاق اسم الإيمان على هذه الأفعال ... لكن إنّما كان ذلك لها من جهة أنّها دالّة على التصديق بالجنان ظاهرا ، والعرب قد تستعير اسم المدلول لدليله ؛ بجهة التجوّز والتوسّع. كما تستعير اسم السبب لمسبّبه. فعلى هذا مهما كان مصدّقا بالجنان ، على الوجه الذي ذكرناه ـ وإن أخلّ بشيء من الأركان ـ فهو مؤمن حقّا ، وانتفاء الكفر عنه واجب. وإن صحّ تسميته فاسقا بالنسبة إلى ما أخلّ به من الطاعات ، وارتكب من المنهيّات ، ولذلك صحّ إدراجه في خطاب المؤمنين وإدخاله في جملة تكليفات المسلمين (م ، غ ، ٣١١ ، ٩)

ـ الإيمان فإنّ أكثر المتكلّمين لا يطلقونه على مجرّد النطق اللسانيّ ، بل يشترطون فيه الاعتقاد القلبيّ ، فإمّا أن يقصروا به عليه كما هو مذهب الأشعريّة والإماميّة وتؤخذ معه أمور أخرى وهي فعل الواجب وتجنّب القبيح كما هو مذهب المعتزلة ، ولا يخالف جمهور المتكلّمين في هذه المسألة إلّا الكراميّة ، فإنّ المنافق عندهم يسمّى مؤمنا ، ونظروا إلى مجرّد الظاهر فجعلوا النطق اللسانيّ وحده إيمانا (أ ، ش ١ ، ١٩ ، ٧)

ـ ذكر عليه‌السلام ثمانية أشياء كل منها واجب ، أوّلها الإيمان بالله وبرسوله ، ويعني بالإيمان هاهنا مجرّد التصديق بالقلب مع قطع النظر عمّا عدا ذلك من التلفّظ بالشهادة ومن الأعمال الواجبة وترك القبائح ، وقد ذهب إلى أنّ ماهيّة الإيمان هو مجرّد التصديق القلبي جماعة من المتكلّمين ، وهو وإن لم يكن مذهب أصحابنا فإنّ لهم أن يقولوا إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جاء بهذا اللفظ على أصل الوضع اللغويّ ، لأنّ الإيمان في أصل اللغة هو التصديق (أ ، ش ٢ ، ٢٣٧ ، ٦)

ـ إنّ الإيمان من أفعال القلوب (أ ، ش ٢ ، ٢٣٧ ، ١٥)

ـ نقول إنّه (علي) قسّم الإيمان إلى ثلاثة أقسام : أحدها الإيمان الحقيقيّ وهو الثابت المستقرّ في القلوب بالبرهان اليقينيّ. الثاني ما ليس ثابتا بالبرهان اليقينيّ بل بالدليل الجدليّ ، كإيمان كثير ممّن لم يحقّق العلوم العقليّة ويعتقد ما يعتقده عن أقيسة جدليّة لا تبلغ إلى درجة البرهان ، وقد سمّى عليه‌السلام هذا القسم باسم مفرد ، فقال إنّه عواري في القلوب ،

والعواري جمع عارية أي هو وإن كان في القلب وفي محل الإيمان الحقيقيّ ، إلّا أنّ حكمه حكم العارية في البيت ، فإنّما بعرضية الخروج منه لأنّها ليست أصلية كائنة في بيت صاحبها. والثالث ما ليس مستندا إلى برهان ولا إلى قياس جدليّ بل على سبيل التقليد وحسن الظنّ بالأسلاف وبمن يحسن ظنّ الإنسان فيه من عابد أو زاهد أو ذوي ورع ، وقد جعله عليه‌السلام عواري بين القلوب والصدور لأنّه دون الثاني ، فلم يجعله حالّا في القلب ، وجعله مع كونه عارية حالّا بين القلب والصدر ، فيكون أضعف مما قبله (أ ، ش ٣ ، ٢١٥ ، ٢٤)

ـ إنّ الإسلام والإيمان عبارتان عن معنى واحد ، وأنّ العمل داخل في مفهوم هذه اللفظة ، ألا تراه جعل كل واحد من اللفظات قائمة مقام الأخرى في إفادة المفهوم ، كما نقول الليث هو الأسد والأسد هو السبع والسبع هو أبو الحارث ، فلا شبهة أنّ الليث يكون أبا الحارث أي أنّ الأسماء مترادفة ، فإذا كان أول اللفظات الإسلام وآخرها العمل دلّ على أنّ العمل هو الإسلام. وهكذا تقول أصحابنا إن ترك الواجب لا يسمّى مسلما ، فإن قلت هب أنّ كلامه عليه‌السلام يدلّ على ما قلت كيف يدلّ على أنّ الإسلام هو الإيمان ، قلت لأنّه إذا دلّ على أنّ العمل هو الإسلام وجب أن يكون الإيمان هو الإسلام ، لأنّ كل من قال أنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام ، قال إنّ الإسلام هو الإيمان ، فالقول بأنّ العمل داخل في مسمّى الإسلام وليس الإسلام هو الإيمان قول لم يقل به أحد ، فيكون الإجماع واقعا على بطلانه. فإن قلت أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام لم يقل كما تقوله المعتزلة لأنّ المعتزلة تقول الإسلام اسم واقع على العمل وغيره من الاعتقاد والنطق باللسان ، وأمير المؤمنين عليه‌السلام جعل الإسلام هو العمل فقط ، فكيف ادّعيت أنّ قول أمير المؤمنين عليه‌السلام يطابق مذهبهم. قلت لا يجوز أن يريد غيره لأنّ لفظ العمل يشمل الاعتقاد والنطق باللسان وحركات الأركان بالعبادات ، إذ كل ذلك عمل وفعل ، وإن كان بعضه من أفعال القلوب وبعضه من أفعال الجوارح ، ولو لم يرد أمير المؤمنين عليه‌السلام ما شرحناه لكان قد قال الإسلام هو العمل بالأركان خاصة ، ولم يعتبر فيه الاعتقاد القلبي ولا النطق اللفظي ، وذلك ممّا لا يقوله أحد (أ ، ش ٤ ، ٣٠٢ ، ١٤)

ـ إنّ العمل بالأركان عندنا داخل في مسمّى الإيمان ، أعني فعل الواجبات ، فمن لم يعمل لم يسمّ مؤمنا وإن عرف بقلبه وأقرّ بلسانه ، وهذا خلاف قول المرجئة من الأشعريّة والإماميّة والحشويّة ، فإن قلت فما قولك في النوافل هل هي داخلة في مسمّى الإيمان أم لا ، قلت في هذا خلاف بين أصحابنا وهو مستقصى في كتبي الكلاميّة (أ ، ش ٤ ، ٣٤١ ، ١٨)

ـ الإيمان لغة التصديق ؛ وشرعا فيما علم مجيء الرسول به ضرورة ، خلافا للمعتزلة ، فإنّه الطاعة وللسلف فإنّه تصديق وعمل وإقرار. لنا : فيكون ، وعملوا الصالحات مكرّرا ، ولم يلبسوا ، نقضا (خ ، ل ، ١٢٨ ، ١٢)

ـ الإسلام : هو الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي الكشّاف أنّ كل ما يكون الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام ، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان. أقول : هذا مذهب الشافعيّ ، وأمّا

مذهب أبي حنيفة فلا فرق بينهما (ج ، ت ، ٤٥ ، ١١)

ـ الإيمان : في اللغة التصديق بالقلب ، وفي الشرع هو الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان (ج ، ت ، ٦٤ ، ٢)

ـ الإيمان : على خمسة أوجه : إيمان مطبوع ، وإيمان مقبول ، وإيمان معصوم ، وإيمان موقوف ، وإيمان مردود. فالإيمان المطبوع هو إيمان الملائكة ، والإيمان المعصوم إيمان الأنبياء ، والإيمان المقبول هو إيمان المؤمنين ، والإيمان الموقوف هو إيمان المبتدعين ، والإيمان المردود هو إيمان المنافقين (ج ، ت ، ٦٤ ، ٥)

ـ المعتزلة : والإيمان والإسلام والدين سواء. بعض الإماميّة : الإسلام غير الإيمان. قلنا : اشتركت في كونها للمدح بمعنى واحد (م ، ق ، ١٣٢ ، ١٤)

ـ الإيمان ، لغة : التصديق. أئمتنا ، عليهم‌السلام ، وجمهور المعتزلة والشافعيّ وبعض الخوارج ، ودينا : الإتيان بالواجبات واجتناب المقبّحات. الأشعريّة : بل التصديق بالله فقط. الكراميّة : بل الإقرار باللسان. الجهميّة والمريسي : بل المعرفة فقط. محمد بن شبيب : بل الإقرار بالله ورسوله والمعرفة بذلك وما نصّ عليه أو أجمع لا ما استخرج. الحنفيّة : بل الإقرار بالله والمعرفة مطلقا. الصلاتيّة : بل الإقرار والمعرفة بالله وبما جاء من الله تعالى مجمعا عليه. النجدات : بل الإقرار بالله وبكتبه وبرسله وترك الفعل المحرّم عقلا (ق ، س ، ١٨٥ ، ٤)

إيمان قديم

ـ إنّ الإيمان على ضربين : إيمان قديم ، وإيمان محدث ، فالقديم إيمان الحق سبحانه وتعالى ؛ لأنّه سمّى نفسه مؤمنا ، فقال : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) (الحشر : ٢٣) وإيمانه سبحانه وتعالى تصديقه لنفسه ، لقوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) (آل عمران : ١٨) وكذلك تصديقه لأنبيائه بكلامه ، وكلامه قديم ، صفة من صفات ذاته (ب ، ن ، ٥٤ ، ١٥)

إيمان محدث

ـ الإيمان المحدث : إيمان الخلق ؛ لأنّ الله تعالى خلقه في قلوبهم ، بدليل قوله تعالى : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ) (المجادلة : ٢٢) (ب ، ن ، ٥٤ ، ٢٠)

أين

ـ الأين وهو الحصول في المكان (ف ، م ، ٧٠ ، ٨)

ـ أمّا العرض فإن اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦١ ، ٢٠)

ب

بائن

ـ إنّ الخطأ غير جائز على النبي عليه‌السلام فيما يبلّغه عن ربّه ولا فيما جعله حجّة فيه ، هو صلى الله عليه بائن من الناس في هذا الباب. وكل واحد من الأمّة سواه عليه‌السلام فجائز عليه الخطأ ، والأمّة بأسرها لا يجوز عليها الخطأ فيما تنقله عن نبيّها لأنّها حجّة فيما ينقل عنه (خ ، ن ، ٧٢ ، ٢)

بارئ

ـ (الخالق) المقدّر لما يوجده ، و (البارئ) المميّز بعضه من بعض بالأشكال المختلفة (ز ، ك ٤ ، ٨٧ ، ٢٢)

باطل

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أنّ الأصل في الباطل أنّه المعدوم المنتفي. ولذلك يقال بطل الشيء ، وعدم ، وشبّه ما لا يقع على وجه ينتفع به بالمعدوم. ثم تعورف استعمال ذلك فيه بالقبيح من حيث يضرّ ولا ينفع ، يستعمل ذلك فيه ، من حيث حلّ محلّ المعدوم ، وما له نفع فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ٣)

باطن

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١١)

ـ قيل الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه ، والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه وليس بذاك مع العدول عن الظاهر المفهوم (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٦)

باطنة

ـ ما معنى الظاهرة والباطنة؟ قلت : الظاهرة كل ما يعلم بالمشاهدة ، والباطنة ما لا يعلم إلّا بدليل أو لا يعلم أصلا ، فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها ولا يهتدي إلى العلم بها ، وقد أكثروا في ذلك ؛ فعن مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصرة على الأعداء ، والباطنة الإمداد من الملائكة. وعن الحسن رضي الله عنه : الظاهرة الإسلام ، والباطنة الستر. وعن الضحّاك : الظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة المعرفة. وقيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر الجوارح الظاهرة ، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك. ويروى في دعاء موسى عليه‌السلام : إلهي دلّني على أخفى نعمتك على عبادك ، فقال أخفي نعمتي عليهم النفس. ويروى إنّ أيسر ما يعذّب به أهل النار الأخذ بالأنفاس (ز ، ك ٣ ، ٢٣٥ ، ٩)

باق

ـ معنى الباقي أنّ له بقاء ، وكذلك قولهم في القديم والمحدث ، وهو قول" عبد الله بن كلّاب" (ش ، ق ، ٣٦٨ ، ٦)

ـ معنى الباقي أنّه كائن لا بحدوث ، وأنّ القديم لم يزل باقيا لأنّه لم يزل كائنا لا بحدوث ،

والمحدث في حال كونه بالحدوث ليس بباق ، وفي الوقت الثاني هو باق لأنّه كائن في الوقت الثاني لا بحدوث (ش ، ق ، ٣٦٨ ، ١١)

ـ قال آخرون منهم" الاسكافي" : معنى القول في المحدث إنّه باق أنّه وجد حالين ومرّ عليه زمانان ، فأمّا القديم فليس ذلك معنى القول فيه أنّه باق ، لأنّه لم يزل باقيا على الأوقات والأزمان (ش ، ق ، ٣٦٨ ، ١٤)

ـ إنّ البارئ لم يزل باقيا في الحقيقة بنفسه لا ببقاء ، ومعنى أنّه باق أنّه كائن لا بحدوث (ش ، ق ، ٥٢٩ ، ٧)

ـ إنّ الله سبحانه باق. ومعنى ذلك : أنّه دائم الوجود (ب ، ن ، ٣٧ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ الباقي إنّما كان باقيا لأنّ له بقاء ، ويقول إنّ ذلك معناه وهو حدّه وحقيقته. وكان يأبى قول من ذهب من أصحابنا إلى أنّ معنى الباقي من قام به البقاء ، وكان لا يشترط في بقاء الباقي قيامه به كما يشترط في علم العالم وكلام المتكلّم قيامهما به ، ويقول إنّه لا ينكر أن يكون الباقي باقيا ببقاء قائم بذات لا يقال إنّه هو الباقي به. وذلك أنّ من قوله إنّ صفات البارئ تعالى باقية ببقاء قائم بالبارئ (أ ، م ، ٢٣٧ ، ٣)

ـ يوصف ، جلّ وعزّ ، بأنّه باق ؛ ويراد به أنّه موجود وأنّ وجوده غير متجدّد ؛ لأنّ هذه اللفظة تفيد هذا المعنى ؛ وإنّما وضعوها للتفرقة بين الموجود الذي يتجدّد وجوده وبين الموجود الذي لا يتجدّد وجوده (ق ، غ ٥ ، ٢٣٦ ، ١٥)

ـ إنّ فناء الجواهر لا يصحّ إلّا بضدّ قد ثبت أنّ الباقي لا ينتفي مع جواز الوجود عليه إلّا بضدّ ، أو ببطلان ما يحتاج إليه في الوجود أو البقاء ؛ لأنّه متى لم يحدث ما ذكرناه لم يكن بأن ينتفي أولى منه بأن يبقى ، ويستمرّ له الوجود. فإذا صحّ ذلك ، وثبت في الجواهر أنّه يجوز البقاء عليها ، وأنّه لا حال يشار إليها إلّا ويجوز أن تبقى إليه ، وثبت أنّه لا يحتاج في وجودها إلى غيرها ؛ لأن الشيء إنّما يحتاج في وجوده إلى غيره إذا كان حالّا فيه ، فأمّا على خلاف هذا الوجه فإنّه لا يحتاج الشيء إلى غيره ، وإن صحّ حاجة الشيء إلى غيره متى تعلّق الحكم الموجب عنه يحكم غيره ؛ كحاجة الإرادة إلى الاعتقاد. وقد علمنا أن هذه الوجوه مستحيلة على الجواهر ؛ لأنّ الحلول عليها مستحيل ، ويستحيل عليها أن توجب حكما لغيرها. فإذا صحّ ذلك ثبت أن انتفاءها لا يكون إلّا بضدّ (ق ، غ ١١ ، ٤٤١ ، ١٤)

ـ إنّ الباقي ليس له بكونه باقيا حال وصفة ، فضلا عن أن يقال إنّه تجدّد مع جواز أن لا يتجدّد. وهذا الحكم تابع لثبوت الصفة ، فإذا لم تثبت الصفة فلا حكم. ثم إن الباقي لو كان له بكونه باقيا حال لما أمكن أن تعترض به دلالتنا ، لأن ذلك مما إذا صحّ وجب ، وكل صفة إذا كانت مما إذا صحّت وجبت استغنت عن العلّة كصفة العلّة ، وليس كذلك ما قلناه ، لأنّه ليس مما إذا صحّ وجب (ن ، د ، ٥٥ ، ٦)

ـ إنّ الذي يدلّ على أنّ الباقي ليس له بكونه باقيا حال ، ما قد ثبت أنّه لو كان له حال لوجب أن يصحّ وجوده غير متجدّد الوجود ولا يكون باقيا ، ويصحّ وجود غيره غير متجدّد الوجود ولا يكون باقيا أو يصحّ كونه باقيا من دون أن يكون غير متجدّد الوجود ، وكذلك يكون غيره باقيا من دون أن يكون غير متجدّد الوجود ـ وفي علمنا بخلاف ذلك دلالة على أنّ الباقي ليس له بكونه باقيا حال (ن ، د ، ٥٦ ، ٣)

ـ إنّ الباقي لو كان له بكونه باقيا حال ، لوجب أن يكون للفاني بكونه فانيا حال ، لأنّه نقيض الباقي ؛ ولو كان كذلك لوجب أن يكون كون الفاني فانيا مشروطا بما يكون الباقي مشروطا به ، لأنّ الصفتين المتضادتين يجب أن تكون كل واحدة منهما مشروطة بما الأخرى مشروطة به. وقد علمنا أنّ كونه باقيا مشروط بتوالي الوجود ، فكذلك كونه فانيا يجب أن يكون مشروطا بذلك ، حتى يلزم أن يكون الفاني فانيا مستمرّ الوجود كما أنّ الباقي يكون باقيا مستمرّ الوجود ـ وفي علمنا بخلاف ذلك دلالة على صحة ما قلناه (ن ، د ، ٥٨ ، ١)

ـ الباقي ليس له بكونه باقيا حال أكثر من أنّه وجد بعد أن كان موجودا. فبالطريق الذي به نعرف أنّ الفاني ليس له بكونه فانيا حال أكثر من أنّه عدم بعد أن كان موجودا ، به نعلم أيضا أنّ الباقي ليس له بكونه باقيا حال أكثر من أنّه وجد بعد أن كان موجودا (ن ، د ، ٥٨ ، ١٢)

ـ الباقي ، وإن وصف في الثاني من حال وجوده بأنّه باق ، لا يجب أن يكون له صفة زائدة على وجوده (ن ، د ، ٥٩ ، ٦)

ـ اختلفوا في كيفية فناء الأجسام : فقال أبو الحسن الأشعري إنّ الله يفني الجسم بأن لا يخلق فيه البقاء في الحال التي يريد أن يكون فانيا فيه. لأنّ الباقي عنده يكون باقيا ببقاء ، فإذا لم يخلق الله البقاء في الجسم فني. وإلى هذا القول ذهب ضرّار بن عمرو (ب ، أ ، ٢٣٠ ، ١٤)

ـ إنّ الذات إذا كان يستمرّ بها الوجود ، فوصفها بالحدوث في كل حال محال ، لأنّ حقيقة الحادث هو الموجود عن عدم. فأمّا ما يستمرّ به الوجود فهو باق. وبين الحادث والباقي تناف من جهة الوصف وإن كان صفة الوجود واحدة ، كما أنّ بين المحدث والقديم تنافيا ، وإن كان صفة الوجود لا تختلف (أ ، ت ، ١٥٠ ، ١٧)

ـ أعلم أنّه إذا صحّ لنا استمرار الوجود بالجوهر فتسميته بأنّه باق حقيقة ، هذا هو الذي اختاره أبو هاشم ، والاستعمال والاطراد مساعدان على ذلك ، لأنّ حقيقة الباقي هو الموجود الذي لم يتجدّد وجوده في حال الخبر عنه بأنّه موجود ، فصار الموجود بالحدوث له حالان : إحداهما أن يكون وجوده متجدّدا في حال الخبر عنه فهو الحادث ، والثاني أن لا يكون وجوده متجدّدا فهو باق ، وأجريت هذه التسمية عليه فرقا بين هاتين الحالتين (أ ، ت ، ١٥٢ ، ٢٠)

ـ أمّا الشيخ أبو علي فقد حدّ الباقي بأنّه الموجود بغير حدوث ، واقتضى هذا أنّ غير القديم جلّ وعزّ لا يسمّى باقيا على الحقيقة ، بل يكون مجازا وحقيقته فيه تعالى. وصارت هذه الطريقة عكس الواجب لأنّها تقتضي ثبت الاسم في الغائب أولا ، ثم يجري على الشاهد تشبيها به. وقد يجوز أن يظنّ الشيخ أبو علي أنّ تحديد الباقي بغير ما ذكره لا يستقيم ولا يطّرد (أ ، ت ، ١٥٣ ، ١٠)

بالغ

ـ العلوم كثيرة منها اضطرار وأنّه قد يمكن أن يدركه الإنسان قبل تكامل العقل فيه بامتحان الأشياء واختبارها والنظر فيها وفي بعض ما هو داخل في جملة العقل ، كنحو تفكّر الإنسان إذا شاهد الفيل أنّه لا يدخل في خرق إبرة بحضرته ، فنظر في ذلك وفكّر فيه حتى علم أنه يستحيل دخوله في خرق إبرة وإن لم يكن

بحضرته ، فإذا تكاملت هذه العلوم في الإنسان كان بالغا ، ومن لم يمتحن الأشياء فجائز أن يكمّل الله سبحانه له العقل ويخلقه فيه ضرورة ، فيكون بالغا كامل العقل مأمورا مكلّفا (ش ، ق ، ٤٨١ ، ٤)

ـ لا يكون الإنسان بالغا إلّا بأن يضطرّ إلى علوم الدين ، فمن اضطرّ إلى العلم بالله وبرسله وكتبه فالتكليف له لازم والأمر عليه واجب ، ومن لم يضطرّ إلى ذلك فليس عليه تكليف وهو بمنزلة الأطفال ، وهذا قول" ثمامة بن أشرس النميري" (ش ، ق ، ٤٨٢ ، ٣)

ـ لا يكون الإنسان بالغا إلّا بأحد شيئين ، إمّا أن يبلغ الحلم مع سلامة العقل ، أو تأتي عليه خمس عشرة سنة ، وذهب ذاهبون إلى سبع عشرة سنة (ش ، ق ، ٤٨٢ ، ٨)

بحث

ـ النّظر والبحث لا يمكن تمهيدهما إلّا بعد حصول العلم أو الاتّفاق على مقدّمات هي المبادئ ، أو حصول اعتراف بوضع مقدّمات هي كالمبادئ. ولو لم تكن المبادئ الأول معلومة أو موضوعة لم يكن نظر في شيء ولا بحث عن شيء ، فإنّ النّظر والبحث يقتضيان التأدّي من أصل حاصل إلى فرع مستحصل. وإذا لم يكن الأصل حاصلا ، امتنع التأدّي من لا شيء إلى شيء ، ولهذا لم يمكن البحث مع منكري المحسوسات والأوليّات (ط ، م ، ١٤ ، ٢)

بخت

ـ الحظ : الجدّ وهو البخت والدولة ، وصفوه أنّه رجل مجدود مبخوت يقال فلان ذو حظ وحظيظ ومحظوظ ، وما الدنيا إلّا أحاظ وجدود (ز ، ك ٣ ، ١٩٢ ، ٦)

بخل

ـ البخل أن لا يفعل الفاعل ما يجب عليه فعله ، فأمّا ما كان تفضّلا فللمتفضّل أن يتفضل به وله أن (لا) يتفضل به ، وما كان تفضّلا لم يلحق البخل في أن لا يفعله الفاعل (ش ، ل ، ٧٠ ، ١٣)

ـ إنّه تعالى متفضّل بما خلق ، جوّاد به ، ولا يجب إذا كان قادرا على ما لا يتناهى به أن يكون بخيلا ، لأنّ البخل هو منع الواجب ، ولذلك يذمّ بالبخل ، وهو تعالى ممّن لا يجب عليه في الابتداء فعل شيء ، وإنّما يلزمه ذلك بعد التكليف من حيث اقتضى التكليف وجوبه عليه ، ولا يجب كونه ضنينا ؛ لأنّ الضنين هو المستمسك بالشيء لمنفعة أو ما يجري مجراها ، والقديم تعالى يستحيل ذلك عليه (ق ، غ ١١ ، ١٢٧ ، ٧)

بداء

ـ ثم قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : فأمّا البداء فإن حذّاق الشيعة يذهبون إلى ما يذهب إليه المعتزلة في النسخ ، فالخلاف بينهم وبين هؤلاء في الاسم دون المسمّى. يقال له : إنّ الرافضة لا تعرف ما حكيت ، وإنما خرّجه لهم منذ قريب نفر صحبوا المعتزلة. فأمّا الرافضة بأسرها فإنّها تقول بالبداء في الأخبار وليس القول بالنسخ في الأمر والنهي من القول بالبداء في الأخبار في شيء (خ ، ن ، ٩٣ ، ١٤)

ـ من الروافض من يقول أنّ الله تبدو له البدوات وأنّه يريد أن يفعل ثم لا يفعل لما يحدث له من البداء (ش ، ق ، ٢٢١ ، ٢)

ـ ألا ترى ما روى في الخبر" لو عمدوا إلى أدنى بقرة لأجزتهم ، لكنهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليه". لكن هذا لا يصح : لأنّه دعوى على الله. لحدوث شيء في أمره ، وبدوّ في حكمه ، فذلك كفر ، لا يقوله مسلم ، فضلا عن أن يقول (له) رسول من الرسل. تأويل هذا أنّه قال : إنّه يقول كذا ، فلو كان الأول على غير ذلك لكان (قد) بدا له فيما عم ، وفسر بما لم يكن أراد. وذلك (معنى البداء ، بل) معنى الرجوع عن الأول مما أراد ، والتفسير له بغيره ، ولا قوّة إلّا بالله (م ، ت ، ١٨٨ ، ١٢)

ـ أمّا البداء ، فإنّه لا يكون بداء إلّا عند اعتبار أمور ؛ نحو أن يكون المكلّف واحدا والفعل واحدا والوقت واحدا والوجه واحدا ، ثم يرد الأمر بعد النهي أو النهي بعد الأمر ؛ ومثاله أن يقول أحدنا لغلامه : إذا زالت الشمس ودخلت السوق فاشتر اللحم ، ثم يقول له : إذا زالت الشمس ودخلت السوق فلا تشتر اللحم ، وإنّما يسمّى بداء لأنّه يقتضي أنّه قد ظهر له من حال اشتراء اللحم ما كان خافيا عليه من قبل. والبداء ، هو الظهور في اللغة ، ولا بدّ من اعتبار هذه الأمور الأربعة التي ذكرناها ، حتى لو تغاير واحد من هذه الأمور الأربعة خرج البداء عن أن يكون بداء ، ألا ترى أنّه لو تغاير المكلّف فقال لأحد الغلامين مثل ما قلناه أو لا ، وللغلام الثاني مثل ما قلناه ثانيا ، لم يكن من البداء في شيء ؛ وهكذا لو تغاير الفعل أو الوقت أو الوجه ، فمعلوم أنّه لو قال له : إذا زالت الشمس فاشتر اللحم ، ثم قال بعده : ولا تشتر السمن والإقط ، أو قال : إذا زالت الشمس فافعل الفعل الفلاني ، ثم قال بعده : إذا أصبحت فلا تفعل الفعل ، فإنّه لا يكون بداء البتّة لتغاير أحد هذه الوجوه الأربعة (ق ، ش ، ٥٨٤ ، ١٨)

ـ إنّ البداء هو الظهور ، ولذلك يقال : بدا لنا من هذا الأمر كيت وكيت ، وبدا لنا الرأي. وقال الله عزوجل : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) (الزمر : ٤٧) (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) (الجاثية : ٣٣) فإذا صحّ ذلك ، وجب أن يكون البداء واقعا في العلم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٧٥ ، ١٢)

ـ إنّا لا نجعل الأجل إلّا الوقت الذي يقتل فيه. وقد علمنا أنّه لا يجب القضاء بأنّه كان يموت في تلك الحال لو لم يقتله القاتل ، من حيث نقدر فنقول : كان يجوز لو لا قتل القاتل له أن يكون الصلاح أن يعيش مدّة من الزمان ، كما لا يجب مثل ذلك فيمن مات بالغرق والهدم وسائر الأسباب التي يجوز أن يعيش لو لم تحدث. وإنّما كان يجب البداء لو خرج تعالى من أن يعلم بما كان عالما به ، أو ظهر له ما لم يكن عالما به ووجد من فعله ما يقتضي ذلك فيه. وتجويزنا أن يعيش مدّة لو لم يقتله القاتل ليس ببداء ، ولا يدلّ عليه ، فكيف يمنع من ذلك لهذه العلّة ، ولو جاز التعلّق بذلك فيما قال لجاز أن يقال فيمن مات ببعض الأسباب التي حدثت عند اختياره من غرق وهدم : إنّه يوجب البداء لو جوّزنا أن يبقى بعد ذلك لو لم يختر ذلك السبب (ق ، غ ١١ ، ٧ ، ٧)

ـ قد بيّنا أنّ البداء هو الظهور ، فمتى ظهر للحيّ من حال الشيء ما لم يكن ظاهرا له ، إمّا بأن يعلمه ولم يكن من قبل عالما به ، أو بأن يظنّ وجه الصلاح فيه ولم يكن من قبل كذلك ، وصف بأنّه قد بدا له. ثم استعمله الناس في تغيّر العزوم والإرادات ، فقيل لمن لا يثبت على عزم واحد : إنّه ذو بدوات ، وقيل لمن يعد

الشيء ولا يفعله مع سلامة الحال : إنّ قد بدا له. والأوّل هو الحقيقة ، والثاني وصف بذلك تشبيها به من حيث يتضمّن تغيّر العزم اختلاف حال العازم في العلم والظنّ. فإذا صحّت هذه الجملة ، فالذي يدلّ على البداء لو وقع من القديم تعالى في باب الأجل هو أن يريد تعالى تبقيته مدّة من الزمان وفعل ما معه يبقى ويحصل مكلّفا وقتا بعد وقت ، ثم يكره تبقيته إلى انقضائه ؛ لأنّ إرادته الثانية أو كراهته تقتضي أنّه قد علم من حاله في فساد التبقية ، أو في أنّه ليس بصلاح ما لم يكن عالما به. ويجري ذلك في باب الدلالة على البداء مجرى أن يأمر بالشيء وينهى عنه على وجه واحد. فهذا لا يصحّ عليه البتّة. فأمّا إرادته تبقية الإنسان مدّة ثم قطعه عن تلك المدّة أو تمكينه لغيره من قتله واخترامه فإنّ ذلك لا يدلّ على البداء ، وإن كنّا نعلم أنّه تعالى هو العالم بجميع ما ينزل بالعبد. ولأنّه لا يجوز أن يكلّفه إلّا الأوقات التي يعلم أنّه يبقى فيها ممكّنا لما دللنا عليه من قبل. ولو أنّه تعالى كتب في اللوح المحفوظ أنّ كل خلق يخلقه فسيعمّره مدّة مخصوصة إن لم يقتطعه بعض القتلة عنها ، وعلم أنّه سيقتطع عن ذلك ، فإنّه في حال القتل يموت ، ولو لم يقتله القاتل لوجب أن تبقى الحالة إلى الثانية ، لم يوجب ذلك فسادا ولا دلّ على البداء ، وإنّما يمنع من جعل الوقت الثاني أجلا لما بيّناه من قبل وإن كان لو سمّي بذلك مجازا من حيث علم أنّ الموت إذا لم يحدث عند القتل فلا بدّ من البقاء إلى الغاية الثانية لم يعترض على الذاهب إليه في هذا الباب (ق ، غ ١١ ، ٢٥ ، ١١)

ـ إنّ البداء ربما أفيد به انكشاف الشيء وظهوره ، وهذا لا يصحّ على القديم تعالى ، لأنّه عالم بذاته ؛ ومن جهة اللغة ربما أفيد به تجدّد علوم ، وظنون ، وهذا من جهة العرف صحيح ، وربما أفيد به ما يدلّ على البداء من الأمر والنهي ، إذا وقعا على وجه مخصوص ، وهذا لا يجوز ، ولا يحسن ، وإن كان يصحّ في القدرة ، وليس أمر لا يحسن في الحكمة لا يصحّ في القدرة ، لأنّ ذلك بمنزلة الظلم الذي يصحّ في قدرة الله تعالى ، وإن كان لا يحسن في حكمته ، ولا يقع ؛ ولم يجب من حيث أحلنا فيه كونه محتاجا ، أو جاهلا ، أن نحيل وجود الظلم ، بل أثبتناه قادرا على ما لو وقع لكان ظلما ، فكذلك نصفه بالقدرة ، على ما لو وقع لدلّ على البداء ، وإن كان لا يقع منه ، ولسنا نعني بقولنا : إنّه يصحّ منه ما لو وقع لدلّ على البداء أنّه يدلّ على جواز البداء عليه ، وإنّما نعني ما من شأنه في الشاهد أن يدلّ على البداء ، نصفه بالقدرة عليه (ق ، غ ١٦ ، ٥٩ ، ١٠)

ـ إنّ من حق العالم ، الغني أن لا يأمر وينهي (وللفعل واحده) ، بل الذي يدعوه إلى أن يأمر به كونه حسنا ومصلحة ، والذي يدعوه إلى أن ينهي عنه علمه بأنّه قبيح ومفسدة ، ويفارق حاله في ذلك حال من لا يعرف ما يأمر به ، وينهي عنه ، وحال المحتاج الذي يأمر وينهي لأمر يرجع إلى نفعه ، أو دفع الضرر عنه ؛ وهذه الطريقة في الصحة بمنزلة ما نقول من أنّ العالم بقبح القبيح ، وبأنّه غنى عنه لا يختاره ، فإذا ثبت أنّه لا داعي له إلى الأمر والنهي ، مع كونه عالما ، إلّا ما ذكرناه ، فلو نهى عن نفس ما أمر به ووقع هذا النهي لدلّ وقوعه على أنّه ليس بهذه الصفة ، وخروجه عن هذه الصفة مع كونه غنيّا ليس إلّا بأن يتغيّر حاله ، في كونه عالما ، وتغيّر حاله ليس إلّا بأن يكشف النهي عن أنّه لم

يكن عالما من قبل ، بأنّه مصلحة ومع ذلك أمر به ، أو أنّه خفي عنه الآن كونه مصلحة ، فلذلك نهي عنه ؛ وهذا هو معنى البداء ، لأنّه الظهور ، الذي لا يصحّ إلّا على من لا يعلم الشيء ثم يعلمه ، أو يخرج من أن يكون عالما ، بما كان عالما به ، أو من يجوز عليه الظنون وتغيّر الاعتقادات ، فإذا استحال جميع ذلك عليه تعالى فالواجب أن نقضي بأن هذا الفعل لا يقع منه ، مع كونه دالّا على البداء لو وقع ممن حاله ما ذكرنا (ق ، غ ١٦ ، ٦٥ ، ١٦)

ـ إنّ البداء يقتضي تجدّد حال لم تكن ، وذلك يجري مجرى التغيير ، على ما قدّمنا القول فيه ، فأمّا إذا كان الأمر لواحد ، والنهي لآخر فإنّه لا يدلّ على البداء ، وإن قبح إذا كان الفعل واحدا ، لأنّ في هذا الوجه يقبح النهي وجها ، سوى تغيّر حاله وحصول البداء فيه ، وهو علمه بأنّه غير مقدور لهذا الثاني ، فكذلك القول فيه لو أمره بالفعل ثم نهاه عنه ، في حال أخرى ، والنهي يقبح ولا يقع ، لكونه غير مقدور ، لا لتغيّر حال ، إنّما يدلّ النهي بعد الأمر على البداء ، إذا لم يكن هناك وجه يقع لأجله النهي عن نفس ما أمر به إلّا جواز البداء ، ولا يكون كذلك إلّا مع الشرائط التي ذكرناها من قبل ؛ وقدّمنا في باب" الإرادة" بطلان القول بأنّ إرادة الشيء بعد أن لم يكن مريدا له ، أو الأمر بعد أن لم يكن آمرا يدلّ على البداء ، وأبطلنا تعلّق المجبرة في كونه تعالى مريدا ، لم يزل بهذا الجنس من الكلام ؛ وفي الذي أوردناه الآن دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١٦ ، ٦٨ ، ١٢)

ـ اعلم ... أنّ الذي يدلّ في الحقيقة على البداء هو الكراهة ، بعد الإرادة ، أو الإرادة بعد الكراهة ، وإنّما يذكر الأمر والنهي ، لأنّ بهما تعرفان ، ولو عرفناهما بغيرهما لكانت دلالة البداء قائمة. ولو حصل لفظ الأمر والنهي ، من دون إرادة وكراهة لما دلّا على البداء ، على وجه من الوجوه (ق ، غ ١٦ ، ٦٩ ، ٥)

ـ اعلم أنّ البداء هو الظهور ، يقال : " بدا لنا سور المدينة" ، إذا ظهر. وإنّما يكون الشيء ظاهرا للإنسان إذا تجلّى له ، وصار معه على وجه يعلمه أو يظنّه. فأمّا الأمر والنهي فليسا من البداء بسبيل. لكنّهما قد يدلّان عليه. نحو أن ينهي الآمر المأمور الواحد أن يفعل ما أمره بفعله ، في الوقت الذي أمره بفعله فيه ، على الوجه الذي أمره أن يوقعه عليه (ب ، م ، ٣٩٨ ، ٦)

ـ قال (المختار الثقفي) : إنّ الله تعالى كان قد وعدني ذلك ، لكنّه بدا له. واستدلّ على ذلك بقول الله عزوجل : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (الرعد : ٣٩) فهذا كان سبب قول الكيسانية بالبداء (ب ، ف ، ٥٢ ، ٣)

ـ الضرورة علمنا أنّ من عمّر مائة عام وعمّر آخر ثمانين سنة ، فإنّ الذي عمّر ثمانين نقص من عدد عمر الآخر عشرين عاما ، فهذا هو ظاهر الآية ومقتضاها على الحقيقة ، لا ما يظنّه من لا عقل له من أنّ الله تعالى جار تحت أحكام عباده ، إن ضربوا زيدا أماته ، وإن لم يضربوه لم يمته ، ومن أنّ علمه غير محقّق ، فربما أعاش زيدا مائة سنة ، وربما أعاشه أقلّ ، وهذا هو البداء بعينه ، ومعاذ الله تعالى من هذا القول بل الخلق كله مصرف تحت أمر الله عزوجل وعلمه ، فلا يقدر أحد على تعدّي ما علم الله تعالى أنّه يكون ولا يكون البتّة ، إلّا ما سبق في علمه أن يكون (ح ، ف ٣ ، ٨٤ ، ٢٠)

ـ من مذهب المختار : أنّه يجوز البداء على الله تعالى ، والبداء له معان : البداء في العلم وهو أنّه يظهر له خلاف ما علم ، ولا أظنّ عاقلا يعتقد هذا الاعتقاد. والبداء في الإرادة ، وهو أن يظهر له صواب على خلاف ما أراد وحكم. والبداء في الأمر ، وهو أن يأمر بشيء ، ثم يأمر بشيء آخر بعده بخلاف ذلك ؛ ومن لم يجوّز النسخ ظنّ أنّ الأوامر المختلفة في الأوقات المختلفة متناسخة (ش ، م ١ ، ١٤٨ ، ٩)

ـ إنّ أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم ، لا يظهر أحد قط عليهم. إحداهما : القول بالبداء ، فإذا أظهروا قولا : أنّه سيكون لهم قوّة وشوكة وظهور. ثم لا يكون الأمر على ما أظهروه. قالوا : بدا الله تعالى في ذلك. والثانية : التقيّة. فكل ما أرادوا تكلّموا به. فإذا قيل لهم في ذلك إنّه ليس بحق ، وظهر لهم البطلان قالوا : إنّما قلناه تقيّة ، وفعلناه تقيّة (ش ، م ١ ، ١٦٠ ، ٥)

ـ البداء يطلق على معنيين أحدهما الظهور يقال بدا له الشيء إذا ظهر وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، وهذا لا يجوز على الله تعالى ، فإنّ المعلومات كلها ظاهرة لديه مكشوفة عنده ، والنسخ لا يؤدّي إلى ذلك لأنّه كان عالما بذلك التكليف عند توجّهه على العبد ، وكان عالما برفعه عند النسخ ، فلم يظهر له أمر متجدّد لم يعلمه ، ولا رفع الحكم لأنّه ظهر له شيء آخر (ش ، ن ، ٥٠٠ ، ٢)

ـ يطلق البداء على الندم على ما كان ، والندم هو أن يقول قولا أو يفعل فعلا لغرض ثم يرى أنّ المصلحة في غير ما صدر عنه قولا وفعلا ، وهذا أيضا لا يجوز في وصف الباري تعالى ، فإنّه لا يفعل فعلا لغرض ، وإذا فعل بخلاف ذلك لم يفعله لمصلحة وغرض آخر ، بل أقواله وأفعاله لا تعلّل (ش ، ن ، ٥٠٠ ، ٨)

ـ البداء : ظهور الرأي بعد أن لم يكن (ج ، ت ، ٦٧ ، ١٥)

ـ لا يجوز عليه البداء ، إجماعا ، إلّا عن بعض الرافضة أحدثها المختار بن أبي عبيد. قلنا : البداء أن ينكشف ما لم يكن علمه ، وهو عالم لذاته (م ، ق ، ٨٦ ، ٣)

ـ البداء والله لا تحلّه الأعراض ، خلافا لمن قال : حدب مردان الرويّة ، لمن قال : يجوز عليه البداء وهو فرع الغفلة. قلنا : الفكرة والغفلة لا تحلّ إلّا في الأجسام ، وقد ثبت بما مرّ أنّه ليس بجسم (ق ، س ، ٧٨ ، ١)

ـ البداء ، لغة ، الظهور ، واصطلاحا : رفع عين الحكم المأمور به مع اتّحاد الآمر والمأمور والقوة والفعل والزمان والمكان لغرض تنبّه له. ولا يجوز البداء على الله تعالى ، خلافا لبعض الإماميّة. لنا : ما مرّ (ق ، س ، ١٥٧ ، ٢٣)

بدعة

ـ إنّ البدعة عبارة عن كل محدث ، فلم قال الشافعي رضي الله عنه الجماعة في التراويح بدعة ، وهي بدعة حسنة (غ ، أ ، ٨٦ ، ١٤)

ـ البدعة : هي الفعلة المخالفة للسنّة. سمّيت البدعة لأنّ قائلها ابتدعها من غير مقال إمام (ج ، ت ، ٦٨ ، ٥)

ـ البدعة : هي الأمر المحدث الذي لم يكن عليه الصحابة والتابعون ولم يكن مما اقتضاه الدليل الشرعيّ (ج ، ت ، ٦٨ ، ٧)

بدل

ـ إنّ البدل لا يدخل إلّا في وجود أحد الضدّين.

فأمّا في التعلّق فيجب أن تكون حال القدرة معهما سواء ليصحّ أن يفعل هذا دون ذلك أو ذاك دون هذا (ق ، ت ٢ ، ٤٩ ، ٢)

ـ الذي يصحّ أن يدخله البدل هو ما كان منتظرا مستقبلا غير حاصل ولا ثابت. وإنّما كان كذلك لأنّا نقول في هذين الفعلين إنّ أحدهما يجوز وجوده بدلا من الآخر فنجعل عدم أحدهما شرطا في وجود صاحبه. ومعلوم أنّ الشرط لا يصحّ إلّا في أمر مستقبل ، لأنّ تقديره أنّه إن كان المشروط وإن لم يكن لم يكن المشروط ، وهذا لا يكون إلّا في المنتظر. والبدل قد حلّ هذا المحلّ لأنّ تقدير هذين الفعلين أنّه إن كان أحدهما لم يكن الآخر وإن لم يكن جاز كونه. فلهذا يجري في الكتب أنّ البدل يتضمّن معنى الشرط. ولهذا لا يجوز دخول البدل إلّا فيما يمتنع اجتماعه فلا يثبت البدل عندنا إلّا في الضدّين أو ما يجري مجراهما. فأمّا ما يصحّ اجتماعه فلا يدخله البدل. فلهذه الطريقة استوى البدل والشرط في أن لا يصحّ دخولهما في الماضي والمتقضّي لأنّه لا ينتظر بواحد منهما حال استقبال وانتظار. ويبيّن ذلك أنّا إذا علّقنا البدل بالقادر فقلنا : يجوز أن يفعل هذا بدلا من ذاك أو ذاك بدلا من هذا ، فإنّما يرجع به إلى حاله في كونه قادرا ، ولا يصحّ في القدرة إلّا أن تكون قبل الفعل. فينبغي أن يصحّ منه كلا الأمرين قبل وجود واحد منهما. فأمّا عند وجود أحدهما فقد زال تعلّق القادر به (ق ، ت ٢ ، ٧٠ ، ٥)

ـ إنّا إنّما جوّزنا البدل فيما يستقبل وينتظر من حيث لم تكن لواحد منهما صفة الوجود. فجوّزنا في القادر أن يفعل هذا دون ذاك أو ذاك دون هذا ، ولن يتمّ ذلك إلّا والوجود ما حصل لواحد منهما (ق ، ت ٢ ، ٧٨ ، ٧)

ـ قد بيّنا في باب البدل أنّ العالم بأن الشيء يكون لا يوجب كونه ، ولا علمه بأن الشيء لا يكون لا يحيل كونه. وبيّنا أنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالعلم ، وأنّه كالدلالة والصدق في هذا الوجه. وبيّنا أنّ القول بخلافه يوجب زوال الذمّ والمدح عن الفاعل في الحسن والقبيح من حيث يجب كونه مضطرّا إلى فعلهما ؛ لعلم العالم بوقوعهما ، ويوجب كون القديم تعالى على ما هو به لمعلومنا ، وأن يكون العالم منّا جعله كذلك ؛ وفي هذا من الجهالات ما لا خفاء به. فإذا صحّ ذلك لم يمتنع كون العبد قادرا على قتل غيره ، وإن جعل الله أجله مؤخّرا عن ذلك الوقت ، لأنّ علمه تعالى بأنّه يعيش مائة سنة ، أو نصبه الدلالة على ذلك ، أو كتبه ذلك في اللوح المحفوظ على جهة المصلحة للملائكة ، لا يخرج القادر من أن يكون قادرا على نقض بنيته من قبل ، كما لا يخرج ذلك القديم تعالى من أن يكون قادرا على إماتته من قبل (ق ، غ ١١ ، ٥ ، ٥)

ـ قد بيّنّا في كتاب" العمد" : أنّ الحكم المضاد للحكم الأوّل إنّما يكون ناسخا لأنّه يقتضي زوال التكرار ، وقطع الإدامة ، لا لأنّ النسخ يحتاج فيه إلى بدل ، أو يقتضي ذلك ، بل لأنّ البدل إذا كان منافيا فكما دلّ على إثبات الحكم فقد دلّ على زوال التكرار ، فيما ينافيه ، فحلّ محل سائر الأدلّة الدالّة على ذلك (ق ، غ ١٦ ، ٩٥ ، ١١)

ـ قال بعض القائلين بالاستطاعة مع الفعل إذا سئل هل يستطيع الكافر ما أمر به من الإيمان أم لا يستطيعه ، فأجاب إنّ الكافر مستطيع للإيمان

على البدل بمعنى أن لا يتمادى في الكفر ، لكن يقطعه ويبدل منه الإيمان (ح ، ف ٣ ، ٥٢ ، ١٧)

بدوّ

ـ ألا ترى ما روى في الخبر" لو عمدوا إلى أدنى بقرة لأجزتهم ، لكنهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليه". لكن هذا لا يصح : لأنّه دعوى على الله. لحدوث شيء في أمره ، وبدوّ في حكمه ، فذلك كفر ، لا يقوله مسلم ، فضلا عن أن يقول (له) رسول من الرسل. تأويل هذا أنّه قال : إنّه يقول كذا ، فلو كان الأول على غير ذلك لكان (قد) بدا له فيما عم ، وفسر بما لم يكن أراد. وذلك (معنى البداء ، بل) معنى الرجوع عن الأول مما أراد ، والتفسير له بغيره ، ولا قوة إلا بالله (م ، ت ، ١٨٨ ، ٩)

بديع السموات والأرض

ـ قال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة : ١١٧) يعني : مخترعهما لا على مثال سبق ، فإذا قضى أمرا فإنما يقول له : كن ، فيكون ، يعني : أنّه يكون من دون تراخ ومعاناة ومشقّة ، وأنّه في حدوثه بأيسر مدّة بمنزلة قول القائل : (كن) ، ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ منه أن يفعل ما يقدر عليه إلّا ب (كن) ؛ لأنّه لا يجوز أن يحتاج هو في أفعاله إلى أمر يستغني عنه (ق ، م ١ ، ١٠٨ ، ٢)

بديهة العقل

ـ كان يقول (الأشعري) في معنى بديهة العقل إنّه مبادئ العلوم وهي من أنواع الضروريّات التي تقع للعالم منّا من غير نظر ولا فكر ولا رويّة (أ ، م ، ١٥ ، ٨)

بديهي

ـ العلم الحادث ينقسم إلى الضروريّ ، والبديهيّ ، والكسبيّ. فالضروريّ هو العلم الحادث غير المقدور للعبد مع الاقتران بضرر أو حاجة ، والبديهيّ كالضروريّ غير أنّه لا يقترن بضرر ولا حاجة ، وقد يسمّى كل واحد من هذين القسمين باسم الثاني. ومن حكم الضروريّ في مستقرّ العادة أن يتوالى فلا يتأتى الانفكاك عنه والتشكّك فيه ؛ وذلك كالعلم بالمدركات ، وعلم المرء بنفسه ، والعلم باستحالة اجتماع المتضادّات ونحوها. والعلم الكسبيّ هو العلم الحادث المقدور بالقدرة الحادثة. ثم كل علم كسبيّ نظريّ ، وهو الذي يتضمّنه النظر الصحيح في الدليل (ج ، ش ، ٣٥ ، ٧)

ـ إنّ البديهيّ لا معنى له إلّا ما حصل من غير نظر ولا دليل ولا تصحّ مفارقته أصلا (م ، غ ، ٨٠ ، ١٧)

ـ البديهيّ : هو الذي لا يتوقّف حصوله على نظر وكسب سواء احتاج إلى شيء آخر من حدس أو تجربة أو غير ذلك ، أو لم يحتج فيرادف الضروريّ. وقد يراد به ما لا يحتاج بعد توجّه العقل إلى شيء أصلا ، فيكون أخصّ من الضروريّ كتصوّر الحرارة والبرودة ، وكالتصديق بأنّ النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان (ج ، ت ، ٦٨ ، ١٣)

بديهيات

ـ البديهيّات كالعلم بأنّ النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان (ف ، م ، ٢٧ ، ٥)

ـ إنّ أجلى البديهيّات العلم بأنّ الشيء إمّا أن يكون وإمّا أن لا يكون ، ثم إنّ هذه القضية

ليست يقينيّة ، وإذا لم يكن أقوى الأوليّات يقينيّا فما ظنّك بأضعفها (ف ، م ، ٣٠ ، ٢)

ـ البديهيّات إدراك الحقيقة من حيث هي هي ، لا مع اعتبار حكم تصوّر ، ومعه تصديق (خ ، ل ، ٣٣ ، ٢)

برا

ـ نصّ تعالى على أنّه برا المصائب كلها ، وبرا هو خلق بلا خلاف من أحد (ح ، ف ٣ ، ٦٧ ، ٧)

برزخ

ـ قيل الأجل الأول ما بين أن يخلق إلى أن يموت ، والثاني ما بين الموت والبعث وهو البرزخ ، وقيل الأوّل النوم ، والثاني الموت (ز ، ك ٢ ، ٤ ، ٧)

برهان

ـ مع ذهاب البيان يفسد البرهان ، وفي فساد البرهان هلاك الدنيا وفساد الدين (ج ، ر ، ٧٥ ، ١٥)

ـ الحدّ والبرهان ليس إلّا للأمور الكلّية دون الشخصيّة. وذلك لأنّ الحدّ والبرهان ليسا من الأمور الظنّية التخمينيّة ، بل من اليقينيّة القطعيّة ، والأمر الشخصي ما له من الصفات ليست يقينيّة ، بل هي على التغيّر والتبدّل على الدوام ، فلا يمكن أن يؤخذ منه ما هو في نفسه حقيقيّ يقينيّ ، وهذا بخلاف الأمور الكلّية. فعلى هذا قد بان أنّ من أراد بإطلاق الحال على ما يقع به الاشتراك ، النحو الذي أشرنا إليه ، كان محقّا. لكن لا ينبغي أن يقال : إنّها ليست موجودة ولا معدومة. بل الواجب أن يقال : إنّها موجودة في الأذهان ، معدومة في الأعيان. وأمّا من أراد به غير ما ذكرناه كان زائغا عن نهج السداد ، حائدا عن مسلك الرشاد (م ، غ ، ٣٣ ، ٦)

برهان سمعي

ـ البرهان السمعي : على ذلك وطريقه أن نقول : الدليل على أنّ الحقّ مذهب السلف أنّ نقيضه بدعة ، والبدعة مذمومة وضلالة ، والخوض من جهة العوام في التأويل والخوض بهم فيه من جهة العلماء بدعة مذمومة ، فكان نقيضه وهو الكفّ عن ذلك سنّة محمودة ، فههنا ثلاثة أصول : أحدها أنّ البحث والتفتيش والسؤال عن هذه الأمور بدعة ، والثاني أنّ كل بدعة فهي مذمومة ، والثالث أنّ البدعة إذا كانت مذمومة كان نقيضها وهي السنّة القديمة محمودة ، ولا يمكن النزاع في شيء من هذه الأصول ، فإذا سلم ذلك ينتج أنّ الحقّ مذهب السلف (غ ، أ ، ٨٥ ، ٣)

برهان عقلي تفصيلي

ـ (البرهان العقلي) التفصيلي فنقول : ادّعينا أنّ الحق هو مذهب السلف ، وأنّ مذهب السلف هو توظيف الوظائف السبع ، على عوام الخلق في ظواهر الأخبار المتشابهة ، وقد ذكرنا برهان كل وظيفة معها وبرهان كونه حقا (غ ، أ ، ٨٣ ، ٢)

برهان عقلي كلي

ـ أمّا البرهان (العقلي) الكليّ على أنّ الحقّ مذهب السلف فينكشف بتسليم أربعة أصول هي مسلّمة عند كل عاقل : ١ ـ الأول : أن أعرف الخلق بصلاح أحوال العباد بالإضافة

إلى حسن المعاد هو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإنّ ما ينتفع به في الآخرة أو يضرّ لا سبيل إلى معرفته بالتجربة كما عرف الطبيب ... ٢ ـ الأصل الثاني : أنّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفاض إلى الخلق ما أوحى إليه من صلاح العباد في معادهم ومعاشهم ، وأنّه ما كتم شيئا من الوحي وأخفاه وطواه عن الخلق ، فإنّه لم يبعث إلّا لذلك ... ٣ ـ الأصل الثالث : إنّ أعرف الناس بمعاني كلامه ، وأحراهم بالوقوف على كنهه ودرك أسراره ، الذين شاهدوا الوحي والتنزيل ، وعاصروه وصاحبوه ، بل لازموه آناء الليل والنهار ، مشمرين لفهم معاني كلامه وتلقّيه بالقبول للعمل به أولا ، والنقل إلى من بعدهم ثانيا ، وللتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بسماعه وفهمه وحفظه ونشره ... ٤ ـ الأصل الرابع : إنّهم في طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى البحث والتفتيش والتفسير والتأويل والتعرّض لمثل هذه الأمور ، بل بالغوا في زجر من خاض فيه وسأل عنه ، وتكلّم به على ما سنحكيه عنهم (غ ، أ ، ٨١ ، ٣)

بسائط في العقل

ـ إنّ أكثر الأجناس العالية ممّا لا يدرك بالحسّ ، ولا بالوجدان ، ولا بالبديهة ، ولا بالتركيب العقلي ، فإنّها بسائط في العقل. وقد يتصوّر بالرّسوم وبتحليل ما يتصوّر من أنواعها إليها (ط ، م ، ١٠ ، ٧)

بسيط

ـ إنّ كل بسيط غير مركّب من طبائع شتّى ، فهو طبيعة واحدة ، وما كان طبيعة واحدة فقوّته في جميع أبعاضه وفي بعض أبعاضه (ح ، ف ٥ ، ٧٨ ، ٢٢)

ـ البسيط لا يعرّف ، والمركّب يعرّف ، فإن تركّب عنهما غيرهما عرّف بهما ، وإلّا فلا ؛ والمراد التعريف الحدّي (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٥)

بصر

ـ إنّ البصر قد يستعمل في اللغة بمعنى الحفظ قال النابغة : رأيتك ترعاني بعين بصيرة وتبعث حرّاسا عليّ وناظرا ، فمعنى هذا الخبر لو كشف تعالى الستر الذي جعل دون سطوته لأحرقت عظمته ما انتهى إليه حفظه ورعايته من خلقه (ح ، ف ٢ ، ١٤٥ ، ١٠)

بصير

ـ قالت" الموحدة" : هو سميع بصير ، لأنّ كل حي لا آفة به هو السميع البصير ، ونفت" الموحدة" ـ مع هذا ـ مشابهة البشر عنه في جميع الصفات ، وقالت : هو عالم لذاته ، سميع بصير لذاته ، لا كما قالت" المشبهة" : إنّه محتاج إلى علم يعلم به ، وقدرة بها يقدر ، ولو لا هما لكان جاهلا عاجزا ، وأنّه يرى بعين ويسمع بأذن. وقد نبّه الله تعالى على نفي التشبيه عنه ووصف نفسه بأنّه سميع بصير فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ع ، أ ، ١٣ ، ١١)

ـ ثم ينظر في كونه (الله) حيّا لا آفة به ، فيحصل له العلم بكونه سميعا بصيرا مدركا للمدركات (ق ، ش ، ٦٥ ، ١٢)

ـ اعلم أنّه سبحانه يوصف بأنّه سميع بصير ويراد بذلك أنّه على حال لاختصاصه بها يدرك المسموع والمبصر إذا وجدا (ق ، غ ٥ ، ٢٤١ ، ٣)

ـ أمّا كونه مدركا سميعا بصيرا فيبعد أن يعلم من دون أن يعلم كونه قادرا ؛ بل لا يكفي في ذلك كونه قادرا ، بل يجب أن يعلم كونه حيّا مع كونه قادرا ، وإذا لم يعلم كونه قادرا لم يعلم شيء من الصفات ، لأنّ وجوب الصفة كيفية في الصفة ، فهي مرتّبة على نفس الصفة ، فإذا لم تعلم كيفيّة الصفة من حيث أنّها مرتّبة على نفس الصفة لا يمكن أن يعلم ما عليه القديم تعالى في ذاته (ن ، د ، ٤٦١ ، ١٤)

ـ قوله تعالى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن : ٢) أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم ؛ والمعنى : هو الذي تفضّل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح وتكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين ، فما فعلتم مع تمكّنكم بل تشعّبتم شعبا وتفرّقتم أمما ، فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، وقدّم الكفر لأنّه الأغلب عليهم والأكثر فيهم. وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهريّة ومنكم مؤمن به (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ٥)

بعث

ـ جعل الإماتة التي هي إعدام الحياة والبعث الذي هو إعادة ما يفنيه ويعدمه دليلين أيضا على اقتدار عظيم بعد الإنشاء والاختراع. فإن قلت : فإذا لا حياة إلّا حياة الإنشاء وحياة البعث. قلت : ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة وهي حياة القبر كما لو ذكرت ثلثي ما عندك وطويت ذكر ثلثه لم يكن دليلا على أنّ الثلث ليس عندك ، وأيضا فالغرض ذكر هذه الأجناس الثلاثة : الإنشاء والإماتة والإعادة ، والمطويّ ذكرها من جنس الإعادة (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٣)

بعث الرسل

ـ إنّه قد ثبت أنه تعالى بعث الرسل لتعريف المصالح التي لا تعرف إلّا من قبلهم. فبعثتهم مصلحة ، من حيث لا تصحّ مصالح الأمة إلا بهم. وقد ثبت ، فيما هو صلاح ، أنه تعالى يجب أن يفعله على أقوى الوجوه في كونه صلاحا ، لمثل ما لو ثبت أنه لا بدّ في التكليف ، من أن يفعل اللطف والمصلحة. لأن العلّة في ذلك أنه أقرب إلى أداء ما كلّف. فإذا كان الصلاح يقع على وجهين : على أحدهما يكون أقرب إلى القبول ، وعلى الآخر لا يكون أقرب ، فلا بدّ من أن يفعل ما هو الأقرب إلى القبول. وإذا صحّ ذلك ، وكان المتعالم ، فيمن تجوز عليه الكبائر ، أنّ النفوس لا تسكن إلى القبول منه سكونها إلى من كان منزّها عن ذلك ، فيجب ألّا يجوز في الأنبياء ، عليهم‌السلام ، إلّا ما نقوله ، من أنّهم منزّهون عمّا يوجب العقاب ، والاستخفاف ، والخروج من ولاية الله تعالى إلى عداوته (ق ، غ ١٥ ، ٣٠٢ ، ٤)

بعد

ـ لفظ القرب والبعد يطلق على كل جوهرين تقاربا أو تباعدا بمقدار ما ، والمقادير بينهما لا تنحصر في حدّ ، فقيل فعند ذلك تختلف بالنسب والإضافات وهي لا تنحصر (ش ، ن ، ١٧٧ ، ١٨)

بغض

ـ البغض والعداوة إرادة الإهانة والطرد والتعذيب (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٥)

بقاء

ـ معنى البقاء هو الكون في مستأنف الوقت ، معه

غير أو لا (م ، ح ، ١٣ ، ٢٣)

ـ قد ثبت بالدليل أنّ الكون يجوز عليه البقاء ولا ينتفي عن المحلّ مع وجوده إلّا بضدّ! لأنّه لا يحتاج في وجوده إلى أمر سوى محلّه ، فلا يصحّ مع وجود المحلّ أن ينتفي الكون إلّا ويخلفه كون غيره ، فكيف يقال : إنّ المحلّ ينتفي بانتفائه. فأمّا البقاء فقد بيّنا فيما تقدّم أنه لا دليل يقتضي ثبوته ، بل الدلالة قد دلّت على أنّ الجواهر تبقى ويستمرّ بها الوجود من غير معنى (ق ، غ ١١ ، ٤٤٢ ، ٨)

ـ إنّ البقاء من توابع الوجود كالحدوث ، فإذا صحّ افتراقها في الحدوث فكذلك في توابعه ، وإذا صحّ افتراقها في الحلول في المحالّ المتغايرة فكذلك في البقاء (ق ، غ ١١ ، ٤٥٠ ، ١٩)

ـ إنّ ما يجوز عليه البقاء لا ينتفي إلا بضدّ أو ما يجري مجرى الضدّ (ن ، د ، ٢٠ ، ٩)

ـ إنّ البقاء راجع إلى توالي الوجود ، إلّا أنّا نقول إنّ توالي الوجود صفة زائدة على الوجود (ن ، د ، ٥٩ ، ١١)

ـ إنّ المرجع بالبقاء إذا كان إلى توالي الوجود ، ومعنى توالي الوجود ، هو أن تلك صفة حاصلة الآن كما كانت حاصلة من قبل ، والصفة صفة واحدة ، فكيف يصحّ أن يقال إنّ ذلك صفة زائدة على الوجود وأن يكون ذلك لمعنى؟ (ن ، د ، ٥٩ ، ١٨)

ـ إنّ البقاء هو استمرار الوجود (ن ، م ، ١٧٩ ، ٢٣)

ـ النوع التاسع من الأعراض الصوت وجنسه عندنا غير جنس الكلام. وأنواعه مختلفة فإنّ صوت الرعد خلاف سائر الأصوات. والنوع العاشر منها البقاء وهو عرض يحدث في الجوهر في الحالة الثانية من حدوثه ولهذا أحلنا بقاء الأعراض (ب ، أ ، ٤٢ ، ١٣)

ـ منع القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب من كون البقاء معنى أكثر من وجود الشيء ، وزعم أنّ الله باق لنفسه. وكل باق يجوز فناؤه إلّا الله وصفاته القائمة (ب ، أ ، ١٠٩ ، ٢)

ـ زعم البصريون من القدرية إنّ البقاء ليس بمعنى في الشاهد ولا في الغائب. وزعم الكعبي أنّ الباقي في الشاهد يكون باقيا ببقاء والله تعالى باق بلا بقاء (ب ، أ ، ١٠٩ ، ٤)

ـ قال قاضينا أبو بكر محمد بن الطيّب الأشعري (الباقلاني) إنّما يكون فناء الجوهر بقطع الأكوان عنه ؛ فإذا لم يخلق الله في الجوهر كونا ولونا فني ، وكان لا يثبت البقاء معنى غير الباقي (ب ، أ ، ٢٣١ ، ٣)

ـ ذهب قوم إلى أنّ البقاء والفناء صفتان للباقي والفاني لا هما الباقي ولا الفاني ولا هما غير الباقي والفاني (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ١٦)

ـ إنّ البقاء هو وجود الشيء وكونه ثابتا قائما مدّة زمان ما ، فإذ هو قائم كذلك فهو صفة موجودة في الباقي محمولة فيه قائمة به موجودة بوجوده فانية بفنائه (ح ، ف ٥ ، ٤٢ ، ٢)

ـ في أنّ الجوهر لا يبقى لمعنى وكما لا يحدث لمعنى ، فكذلك لا يبقى لمعنى هو بقاء على ما ذهب إليه أبو القاسم ، فإنّه أثبت البقاء معنى يبقى به الجسم ، وقد خالف أبا الحسين الخيّاط في ذلك ، فإنّه نفى البقاء. وخالفه من أصحابه أبو حفص فنفى أيضا البقاء. وفي أصحابه ممّن تأخّر من أثبت الطارئ طارئا لمعنى (أ ، ت ، ١٥٦ ، ٥)

ـ ذهب العلماء من أئمتنا إلى أنّ البقاء صفة الباقي زائدة على وجوده ، بمثابة العلم في حق

العالم. والذي نرتضيه أن البقاء يرجع إلى نفس الوجود المستمرّ من غير مزيد ؛ ولو لم نسلك هذا المسلك للزمنا أن نصف الصفات الأزلية بكونها باقية ، ثم نثبت لها بقاء ، ويجر سياق هذا القول إلى قيام المعنى بالمعنى. ثم لو قدّرنا بقاء قديما ، للزمنا أن نصفه ببقاء ، ثم يتسلسل القول (ج ، ش ، ١٣٣ ، ٦)

ـ المعتزلة نفوا البقاء ، وزعموا أنّ معظم الأعراض باقية ، وما يعدم من الباقيات ، فإنّما يعدم بضدّ يطرأ عليه ، ووافقونا في استحالة بقاء الأصوات والإرادات في خبط طويل. وزعموا أنّ الجواهر تعدم ، بأن يخلق الله تعالى فناء في غير محلّ يضادّ الجوهر ، وهو في نفسه عرض قائم بنفسه ، ثم يستحيل عندهم فناء بعض الجواهر وبقاء بعضها (ج ، ش ، ١٣٤ ، ١٠)

ـ المعقول من البقاء صفة تقتضي ترجيح الوجود على العدم ، هذا إنّما يعقل في حق ممكن الوجود ، فواجب الوجود لذاته يستحيل أن يكون رجحان وجوده على عدمه معلّلا بمعنى ، وأيضا فذلك البقاء لا شكّ أنّه باق ، فإن كان باقيا ببقاء آخر لزم إمّا التسلسل وإمّا الدور ، إن كان باقيا ببقاء الذات التي فرضناها باقية بذلك البقاء ، وإن كان باقيا بنفسه وبكون الذات باقية مفتقرة إليه انقلب الذات صفة والصفة ذاتا وهو محال ، وأمّا في الشاهد فليس بمعنى أيضا ، لأنّ شرط حصوله في الجوهر حصول الجوهر في الزمان الثاني ، فلو افتقر حصول الجوهر في الزمان الثاني إليه لزم الدور (ف ، م ، ١٣٠ ، ١١)

ـ أمّا البقاء : فليس زائدا على معنى" استمرار الوجود" ، فمعنى قولنا : إنّ الشيء باق أنّه مستمرّ الوجود ، وإنّه ليس بباق أنّه غير مستمرّ الوجود ، وذلك لا يزيد على نفس الوجود فيما يعرض من الأحوال المعدّدة المسرمدة (م ، غ ، ١٣٦ ، ٣)

ـ إنّ البقاء مقارنة الوجود لأكثر من زمان واحد بعد الزمان الأوّل ، وذلك لا يعقل فيما لا يكون زمانيّا (ط ، م ، ٢٩٣ ، ٨)

ـ أمّا كون البقاء باقيا أو غير باق ، فإن كان باقيا فبقاؤه إمّا بذاته أو بغيره ، فحكمه حكم الأمور الاعتباريّة التي توجد في العقل فقط وتنقطع عند عدم الاعتبار (ط ، م ، ٢٩٣ ، ١٤)

ـ البقاء صفة ترجّح الوجود وهو واجب ، وأيضا فبقاؤها ، إمّا بنفسها فهي أقوى ، أو بالذات ، ويدوّر ، أو بآخر ويتسلسل ويدوّر (خ ، ل ، ١٠٢ ، ٨)

بقاء الشيء

ـ دليل السمع يبيّن أنّ الفناء لا يبقى فليس لأحد أن يقول : إذا كان الفناء متى وجد بقي فكيف يصحّ وصفه ـ تعالى ـ بأنّه الآخر ، ولا له أن يقول : إذا كان الجوهر يبقى فكذلك ضدّه ؛ لأنّ بقاء الشيء لا يجب أن يشترك فيه المتضادّات ؛ كما لا يجب اشتراكها في الخروج من العدم إلى الوجود (ق ، غ ١١ ، ٤٥٠ ، ١٧)

بقاء القدر

ـ في جواز بقاء القدر : اعلم أنّ من ذهب إلى أنّ القدرة لا تكون إلّا مع الفعل لم يجوّز بقاءها أصلا بل أوجب تجدّدها حالا فحالا. وفيمن قال بتقدّمها للفعل من زعم أنّها لا تبقى ، على ما يقوله البغداديون في أن شيئا من الأعراض لا يصحّ عليه البقاء. والذي اعتمده شيوخنا

كلّهم في الدلالة على جواز البقاء على القدرة هو أنّ الواحد منّا إذا أمر غلامه بمناولة الكوز وبينه وبين الكوز مسافة ، فإذا مضى من الوقت ما يمكن فيه قطع تلك المسافة فلم يفعل هذه المناولة ، حسن منه ومن سائر العقلاء أن يذمّوه ، مع ما تقرّر في العقول أن ذمّ من لا يقدر على فعل الشيء لا يحسن إذا لم يفعله. فيجب أن يقال إنّ القدرة التي فيه وهو في مكانه الأوّل قدرة على المناولة وإن كان بينه وبينها مسافة ، حتى إذا لم يفعله صار مذموما على أن لم يفعل ما قدر عليه. وهذا لا يتمّ إلّا بأن تكون القدرة باقية يصحّ أن تقع بها مناولة الكوز وإن كانت بعد أوقات. وإلّا فإن كانت القدرة على المناولة غير حاصلة فيه وهو في مكانه الأوّل فيجب أن يكون مذموما على أن لم يفعل ما لم يقدر عليه ، وهذا قبيح بأوائل العقول (ق ، ت ٢ ، ١٤١ ، ١)

بلا

ـ قيل : البلا ـ مقصور ـ هو الابتلاء والامتحان. كأنّه قال في استعباده إيّاكم واستخدامه امتحان عظيم (م ، ت ، ١٥١ ، ١)

بلاء

ـ قيل : البلاء ـ ممدود ـ هو النعمة ، كأنّه قال : فيما ينجيكم من فرعون وآله نعمة عظيمة (م ، ت ، ١٥٠ ، ١٥)

بلادة

ـ قال في البلادة : إنّها على ضربين : أحدهما ضدّ ذكاء القلب ، وهو من فعل الله ، تعالى ؛ والثاني أن نذهب عمّا يجب أن نعرفه عند التشاغل ونصرة الباطل والتقصير. وذكر ، في الأسماء والصفات ، أنّ الذكاء حدّه القلب ولذلك لا يجوز على الله سبحانه (ق ، غ ١٢ ، ١٣٨ ، ٧)

بلاغ

ـ أخبر تعالى أنّ القرآن منه منزل موحى ، وأنّ الرسول يقرؤه ويعلّمه ، فالموحى المنزل المقروء هو كلام الله تعالى القديم وصفة ذاته ، والقراءة له فعل الرسول التي هي صفته. وأيضا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ) (المائدة : ٦٧) ففعل الرسول البلاغ الذي هو القراءة (ب ، ن ، ٨١ ، ٦)

ـ البلاغ بمعنى التبليغ كالأداء بمعنى التأدية (ز ، ك ٣ ، ٧٣ ، ١٨)

بلايا

ـ البلايا منها ما يجب الصبر عليها كالمصائب من الأمراض والأسقام وفي الأموال والأولاد وما أشبه ذلك ، ومنها ما لا يجب الصبر عليها كالكفر وسائر المعاصي (ش ، ل ، ٤٥ ، ٨)

بلوغ

ـ لا يكون البلوغ إلّا بكمال العقل (ش ، ق ، ٤٨٠ ، ٦)

ـ البلوغ هو تكامل العقل ، والعقل عندهم هو العلم ، وإنّما سمّي عقلا لأنّ الإنسان يمنع به عمّا لا يمنع المجنون نفسه عنه ، وأنّ ذلك مأخوذ من عقال البعير ، وإنّما سمّي عقاله عقالا لأنّه يمنع به (ش ، ق ، ٤٨٠ ، ١١)

ـ أكثر المتكلمين متّفقون على أن البلوغ كمال العقل (ش ، ق ، ٤٨٢ ، ٧)

بليد

ـ إنّ شيخنا أبا علي ، رحمه‌الله ، يقول في البليد : إنّ بلادته تقتضي تعذّر النظر المولّد للعلم بفروع الكلام منه ، لا لأنّه يفصل بين النظر الواقع منه ومن الذكي ، لكن لأنّه إذا كان بليدا لم يحصل له العلم بأدلّة فروع الكلام ولم يتخلّص له ذلك ، كما نعرف في السريع الفهم. فلا يصحّ أن يقدح بذلك في قوله (ق ، غ ١٢ ، ١٤٩ ، ١٩)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، فإنّه يقول في البليد : إنّ النظر يصحّ منه ، لكنه يشقّ عليه ويصعب ويحتاج إلى طول الوقت ليقف على طريقة النظر فيه فيولّد نظره العلم. ويقول : إذا صحّ اختلاف أحوال العقلاء في استبدال العلوم الضرورية ، فغير ممتنع أن يفصل تعالى بين أحوالهم في السرعة والبطء وإن لم يمتنع تساويها في ذلك في بعض الأحوال. ولا يمتنع أن لا يوقف على العلّة التي لها صار البليد يصعب عليه استحضار العلوم والوقوف على طرائق النظر. وكل ذلك لا يؤثّر في صحّة النظر وتوليده العلم ، كما لا يؤثّر اختلاف أحوال الرماة في أنّ الرمي يولّد الإصابة (ق ، غ ١٢ ، ١٥٠ ، ٥)

بما هو

ـ إنّ السؤال بما هو الشيء غير السؤال بكيف هو الشيء وإنّ المسئول عنه بإحدى اللفظتين المذكورتين غير المسئول عنه بالأخرى ، وإنّ الجواب عن إحداهما غير الجواب عن الأخرى ، وبيان ذلك أنّ السؤال بما هو إنّما هو سؤال عن ذاته واسمه ، وأنّ السؤال بكيف هو إنّما هو سؤال عن حاله وأعراضه وهذا لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى (ح ، ف ٢ ، ١٧٥ ، ١٤)

بنوة

ـ بيّن شيوخنا ، رحمهم‌الله ، أنّ البنوّة في الحقيقة لا تصحّ إلّا في من ولد منه على الوجه المعقول ، وعلى جهة المجاز لا تستعمل إلّا في من يجري مجرى ابنه بأن يكون من الآدميين. وبيّنوا أن طريق المجاز لا يصحّ في القديم تعالى (ق ، غ ٥ ، ١٠٩ ، ٧)

ت

تائب

ـ اعلم أنّ حال التائب لا تخلو من قسمين : إمّا أن تلزمه التوبة فقط ، وتصحّ بانفرادها ، أو يلزمه مع التوبة غيرها. وليس المقصد فيما نريد ذكره ، إلّا لما له تعلّق بالتوبة ، دون سائر الواجبات التي لا لهذا الوجه. فمتى فعل قبيحا لا يتعدّاه ، فالذي يجب عليه التوبة فقط ، كنحو أن يجهل ، وأن يعزم على قبيح ، إلى غير ذلك من أفعال القلوب والجوارح ، نحو أن يجهل ، ويعتقد كفرا وضلالا ، ثم يتبيّن له فساد ذلك. فالذي يجب عليه التوبة فقط ، وكذلك فيما يجري مجراه. فأمّا إذا كان الاعتقاد باقيا فالواجب مع التوبة أن يزيله إلى شكّ (ق ، غ ١٤ ، ٤٣٥ ، ١٦)

تابعة للحدوث

ـ أثبتوا (المعتزلة) صفات سمّوها تابعة للحدوث وزعموا أنّها لا تقع بالقدرة لوجوبها ، وعدّوا من ذلك تحيّز الجوهر ، وقيام العرض بالمحل (ج ، ش ، ٩٦ ، ١٧)

تأبيد

ـ أمّا لفظة التأبيد ... إنّها بمنزلة الأمر ، فإذا كان الأمر الواحد لا يدلّ على ذلك فالمتكرّر منه كمثل. وقد علمنا أنّ لفظة التأبيد آكد أحوالها أن تحلّ محل الأمر ، الذي يتكرّر ، فإذا كان لو تكرّر الأمر حالا بعد حال ، لم يدلّ عليه من حيث لا يدلّ في الأصل على تناول الفعل فكذلك إذا اقترن به لفظ التأبيد ... يبيّن ذلك أنّ مع لفظة التأبيد يصحّ الاشتراط فيه ، كما إذا كان معلّقا بأن يقول تعالى : افعلوه ما دام صلاحا ، وافعلوه أبدا ما دام صلاحا ، كما يصحّ ذلك في اشتراط القدرة والسلامة ولا يتناقض ذلك ، وليس كذلك الحال فيما قلنا إنّه يدلّ عليه ، لأنه لو قال تعالى : لا يكون هذا الفعل منكم إلّا صلاحا ثم قال افعلوه ما دام صلاحا لتناقض ، ولم يكن للشرط فائدة ، وهذا يبيّن صحّة ما ذكرناه ، وقوله تعالى : لا أنسخ هذه الشريعة يجري مجرى الخبر الذي ذكرناه ، لأنّه إخبار عن أنّ ذلك الأمر لا يزول ما دام التكليف قائما ، وذلك يوجب أنّ الفعل لا تتغيّر حاله ، فكذلك إذا قال الرسول ، إنّ شريعتي لازمة أبدا ، ولا يخرج عن أن يكون صلاحا ، وأن النبوّة ختمت بي ، وقد بعثت إلى المكلّفين أجمعين ، إلى ما يجري هذا المجرى ، لأنّ جميع ذلك يجري مجرى الخبر الذي ذكرناه ، ويخالف لفظة التأبيد (ق ، غ ١٦ ، ١٠٦ ، ١٦)

تأتّي

ـ أمّا على طريقة الشيخ أبي الحسن رحمه‌الله حيث لم يثبت للقدرة أثرا. فالجواب عن هذه الإلزامات مشكّل عليه ، غير أنّه يثبت تأتّيا وتمكّنا يحسّه الإنسان من نفسه ، وذلك يرجع إلى سلامة البنية واعتقاد التيسّر ، بحكم جريان العادة إنّ العبد مهما همّ بفعل وأزمع على أمر خلق الله تعالى له قدرة واستطاعة مقرونة بذلك الفعل الذي يحدثه فيه ، فيتّصف به العبد وبخصائصه ، وذلك هو مورد التكليف ،

وإحساسه بذلك كإحساسه بالصفات التابعة للحدوث عندكم ، وإن لم تكن هي أثر القدرة الحادثة (ش ، ن ، ٨٧ ، ١٩)

ـ إنّا (أصحاب الشهرستاني) وإن لم نثبت إيجادا وإبداعا في الشاهد ، إلّا أنّا نحسّ في أنفسنا تيسّرا وتأتّيا وتمكّنا من الفعل ، وبذلك الوجه امتازت حركة المرتعش عن حركة المختار ، وهذا أمر ضروريّ (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٦)

تأثّر

ـ أن يفعل وهو التأثير وأن ينفعل وهو التأثّر (ف ، م ، ٧٠ ، ١٠)

ـ أمّا العرض فإن اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ، وهو متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة ، أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦٢ ، ١)

تأثير

ـ قال" شيطان الطاق" إنّ الله لا يعلم شيئا حتى يؤثّر إثره ويقدّره والتأثير عندهم [التقدير] والتقدير الإرادة ، فإذا أراد الشيء فقد علمه ، وإذا لم يرده فلم يعلمه ، ومعنى أراده عندهم أنه تحرّك حركة هي إرادة ، فإذا تحرّك تلك الحركة علم الشيء وإلّا لم يجز الوصف له بأنّه عالم به ، وزعموا أنّه لا يوصف بالعلم بما لا يكون (ش ، ق ، ٢٢٠ ، ١)

ـ الذي يدلّ على أنّ المؤثّر في كون الذات مدركا إنّما هو كونه حيّا ، ما قد ثبت من أن أحدنا إذا كان حيّا ووجد المدرك وارتفعت الموانع ، كما صحّ أن يدرك وجب أن يدرك ، فلا يخلو : إمّا أن يكون المؤثّر في الإدراك كونه حيّا ، وما عداه شرط ، أو يكون الجميع مؤثّرا ، أو يكون المؤثّر في ذلك معنى هو الإدراك. ولا يجوز أن يقال إنّ المؤثّر في ذلك هذه الأمور بأجمعها ، لأنّ تأثير هذه الأمور لا يخلو : إمّا أن يكون تأثير العلّة في المعلول ، أو تأثير الصفة في الصفة ، فإن كان الأوّل لم يجز ، لأنّ أشياء كثيرة لا يجوز أن تكون علّة في حكم واحد ، وإن كان المراد بالتأثير اقتضاء صفة لصفة لم يجز أيضا ، لأنّ أشياء كثيرة لا تقتضي صفة واحدة ـ كيف وفي هذه الأشياء ما يرجع إلى الغير ، والاقتضاء إنّما يكون فيما يرجع إلى نفس المقتضي (ن ، د ، ٥٦٣ ، ٦)

ـ إحساس التفرقة بين حركة الضرورة والاختياريّة لم يخل الحال من أحد أمرين : إمّا أن يرجع إلى نفس الحركتين من حيث أنّ إحداهما واقعة بقدرته والثانية واقعة بقدرة غيره ، وإمّا أن يرجع إلى صفة في القادر من حيث أنّه قادر على إحداهما غير قادر على الثانية ، فإن كان قادرا فلا بدّ له من تأثير في مقدورة ، ويجب أن يتعيّن الأثر في الوجود لأنّ حصول الفعل بالوجود لا بصفة أخرى تقارن الوجود ، وما سمّيتموه كسبا غير معقول ، فإنّ الكسب إمّا أن يكون شيئا موجودا أو لم يكن شيئا موجودا ، فإن كان شيئا موجودا فقد سلّمتم التأثير في الوجود ، وإن لم يكن موجودا فليس بشيء (ش ، ن ، ٧٩ ، ١٨)

ـ إنّا لا نعني بالتأثير تحصيل أمر جديد ، بل بقاء الأثر لبقاء المؤثّر (ف ، م ، ٦٧ ، ٨)

ـ أن يفعل وهو التأثير وأن ينفعل وهو التأثّر (ف ، م ، ٧٠ ، ١٠)

ـ أمّا العرض فإن اقتضى نسبة ، فإمّا الحصول في المكان ، وهو الأين ؛ أو في الزمان أو طرفه ،

وهو متى ؛ أو المتكرّرة ، وهو الإضافة ، أو الانتقال بانتقال المحاط ، وهو الملك ، أو أن يفعل وهو التأثير أو أن ينفعل ، وهو التأثّر ؛ أو هيئة الجسم بنسبة بعض أجزائه إلى بعض ، وإلى الخارج ، وهو الوضع (خ ، ل ، ٦١ ، ٢١)

ـ لا تأثير لغير الفاعل (ق ، س ، ٦٧ ، ٢)

تأثير الإرادة

ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ تأثير العلم يحصل بالضروريّ منه والاستدلال على سواه ، وليس كذلك تأثير الإرادة. ألا ترى أنّ العلم بردّ الوديعة ، وبأنّها وديعة وبوجوب ذلك لا فرق بين أن يكون ضروريّا أو مكتسبا في صحّة ما يصحّ به. وليس كذلك حال الإرادة ، لأنّها إنّما تؤثّر متى كانت بمنزلة المراد في أنّ المريد كان يجوز أن لا يفعلها ويصحّ أن يقع المراد ، وهي على هذا الوجه الذي يقتضيه الداعي (ق ، غ ١٢ ، ٥١٦ ، ٢١)

ـ إنّ تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار ، وليس كذلك تأثير الإرادة ، فإنّه يكون على الوجوب (ن ، د ، ٢١٨ ، ١١)

تأثير العلم

ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ تأثير العلم يحصل بالضروري منه والاستدلال على سواه ، وليس كذلك تأثير الإرادة. ألا ترى أنّ العلم بردّ الوديعة ، وبأنّها وديعة وبوجوب ذلك لا فرق بين أن يكون ضروريّا أو مكتسبا في صحّة ما يصحّ به. وليس كذلك حال الإرادة ، لأنّها إنّما تؤثّر متى كانت بمنزلة المراد في أنّ المريد كان يجوز أن لا يفعلها ويصحّ أن يقع المراد ، وهي على هذا الوجه الذي يقتضيه الداعي (ق ، غ ١٢ ، ٥١٦ ، ٢٠)

تأثير على تحقيق أو تقدير

ـ وبعد فالإرادة تؤثّر في المراد ضربا من التأثير إمّا على التحقيق أو التقدير ونعني بهذا أنّه قد يريد فعل الغير ولا يتأتّى منه إيقاعه على وجه ، ولكنه يقدر أنّه لو كان مقدورا له لصحّ منه أن يوقعه على وجه ، فإذا كانت مؤثّرة على هذا الحدّ فيجب أن لا تتعدّى طريقة الإحداث وأن تجري مجرى القدرة (ق ، ت ١ ، ٢٨٦ ، ١٣)

تأثير القادر

ـ إنّ تأثير القادر فيما يؤثّر فيه هو على طريق الصحّة ، وما يؤثّر في صحّة الفعل هو الذي يؤثّر في حصوله. فجاز أن يفعل أحدهما لكونه قادرا فقط ، وإن كان كونه قادرا يتعلّق بالآخر. يبيّن ذلك أنّه قد يصحّ مع كونه قادرا أن لا يقع منه واحد من الضدّين ويصحّ أن يوجد أحدهما ويمتنع وجود الآخر ، فلم يجب مع ذلك أن يضاف وجود أحد الضدّين إلى أكثر من كونه قادرا (ق ، ت ٢ ، ٨٩ ، ٨)

ـ إنّ تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار ، وليس كذلك تأثير الإرادة ، فإنّه يكون على الوجوب (ن ، د ، ٢١٨ ، ١٠)

تأثير القدرة

ـ إنّ الحاجة إلى القدرة هي لنقل الفعل بها من العدم إلى الوجود ، فإذا وجد فقد زالت الحاجة. والحاجة إلى الإرادة هي لوقوع الفعل بها على وجه دون وجه فلا بدّ من المقارنة ، وإن كان ربّما تتقدّم بعض أجزاء الفعل إذا كان جميعها يقع على وجه مخصوص بالإرادة المقارنة لأوّلها ، كما نقوله في حروف الأمر والخبر وفي جملة أجزاء الصلاة.

وكذلك العلم يحتاج إليه لوقوع الفعل على وجه في الإحكام ، وإن كنّا نوجب في العلم التقدّم ونجريه في هذا الوجه مجرى القدرة. ولو لا أن تأثير القدرة ما ذكرناه من إحداث الفعل بها ووجوب تقدّمها لم يكن ليثبت تأثير واحد من هذين المعنيين على هذا السبيل. فيجب أن نحافظ على الأصل الذي قرّرناه من تأثير القدرة في الإحداث ووجوب تقدّمها ليصحّ من بعد أن نبني عليه غيره وأن لا نجري الجميع مجرى واحدا (ق ، ت ٢ ، ١١٢ ، ٢)

تأجيل

ـ التأجيل من الأجل كالتوقيت من الوقت (لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ) (المرسلات : ١٢) تعظيم لليوم وتعجيب من هو له (لِيَوْمِ الْفَصْلِ) (المرسلات : ١٣) بيان ليوم التأجيل وهو اليوم الذي يفصل فيه بين الخلائق ، والوجه أن يكون معنى وقت بلغت ميقاتها الذي كانت تنتظره وهو يوم القيامة ، وأجّلت أخّرت (ز ، ك ٤ ، ٢٠٣ ، ١٤)

تأخّر

ـ إنّ التقدّم والتأخّر والمع يطلق على الشيئين إذا كانا متناسبين نوعا من المناسبة ، ولا نسبة بين الباري تعالى وبين العالم إلّا بوجه الفعل والفاعليّة ، والفاعل على كل حال متقدّم والمفعول متأخّر (ش ، ن ، ٢٢ ، ١٤)

ـ قال (الشهرستاني) في معرض الحكاية عن القوم في أقسام التقدّم والتأخّر ومعا : إنّ التقدّم قد يطلق ويراد به التقدّم بالزمان ، كتقدّم آدم على إبراهيم ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالشرف كتقدّم العالم على الجاهل ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالرتبة كتقدّم الإمام على الصف في جهة المحراب إن جعل مبدأ ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالطبع كتقدّم الواحد على الاثنين ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالعلّية كتقدّم الشمس على ضوئها ، وتقدّم حركة اليد على حركة الخاتم ونحوه. ثم زعم أنّ هذه الأقسام مما لا دليل على حصرها ، ولا ضبط لعددها ، حتى إنّه زاد قسما سادسا وهو التقدّم بالوجود ، من غير التفات إلى الزمان أو المكان أو الشرف أو الطبع أو العلّية ، فقال : لا يبعد تصوّر شيئين وجود أحدهما لذاته ، ووجود الآخر من غيره ، ثم ننظر بعد ذلك هل استفاد وجوده منه طبعا أو ذاتا أو غير ذلك ، وعلى هذا النحو أقسام التأخّر ومعا (م ، غ ، ٢٥٨ ، ١٥)

تأخّرات

ـ الحدوث هو كون الوجود مسبوقا بالعدم ، فهو صفة للوجود الموصوف به. والصّفة متأخّرة بالطبع عن موصوفها ، والوجود الموصوف به متأخّر عن تأثير موجده بالذات ، تأخّر المعلول عن العلّة ؛ وتأثير الموجد متأخّر عن احتياج الأثر إليه في الوجود ، تأخّرا بالطبع. واحتياج الأثر متأخّر عن علّته بالذات ، وجميعها أربع تأخّرات ، اثنان بالطبع واثنان بالذات ، وذلك يقتضي امتناع كون الحدوث علّة للاحتياج (ط ، م ، ١٢٠ ، ١٦)

تأخير

ـ قد ثبت أنّ القادر منّا يستحيل أن يعيد ما يبقى من مقدوراته ؛ لأنّه لو صحّ أن يعيده لأدّى إلى أن يجوز أن يفعل بالقدرة في هذا الوقت سائر مقدوراتها المتقدّمة ، أو يعدم سائر مقدوراتها المتأخّرة ؛ لأنّ التقديم والتأخير في المعنى

كالإعادة ، وتجويز ذلك يؤدّي إلى أن يصحّ من الضعيف حمل الجبال العظيمة على هذا الحدّ ، ويؤدّي إلى أن يختلف حال ما يفعله من المقدورات بالقصد ؛ فمتى قصد فيها إلى تقديم وإعادة وجد من الفعل أكثر مما يوجد إذا لم يقصد هذا الوجه ، وبطلان ذلك بيّن (ق ، غ ١١ ، ٤٦٠ ، ١٢)

ـ (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ) (المنافقون : ١١) نفي للتأخير على وجه التأكيد الذي معناه منافاة المنفي الحكمة ؛ والمعنى : أنّكم إذا علمتم أنّ تأخير الموت عن وقته مما لا سبيل إليه ، وأنّه هاجم لا محالة ، وأنّ الله عليم بأعمالكم فمجاز عليها من منع واجب وغيره ، لم تبق إلّا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجبات والاستعداد للقاء الله (ز ، ك ٤ ، ١١٢ ، ١١)

تأديب

ـ إنّ التأديب ليس إلّا بالأمر والنهي ، وأن الأمر والنهي غير ناجعين فيهم إلّا بالترغيب والترهيب اللذين في طباعهم. فدعاهم بالترغيب إلى جنّته وجعلها عوضا مما تركوا في جنب طاعته ، وزجرهم بالترهيب بالنار على معصيته وخوّفهم بعقابها على ترك أمره (ج ، ر ، ١٢ ، ١٤)

تأسّ

ـ قوله ، جلّ وعزّ ، (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب : ٢١) ، فبيّن أنّ لنا التأسّي به ؛ ومعنى التأسّي يقتضي أنّ حكمنا كحكمه ؛ لأنّا قد بيّنا ، فيما تقدّم ، أنّ التأسّي لا يقع في صورة الفعل ، وإنّما يقع في الوجه الذي عليه يقع ؛ دون الفعل المخصوص ؛ فإن وقع ندبا فعلى وجه الندب ، وإن وقع واجبا فعلى وجه الوجوب ولا يفترق ، والحال هذه ، بين أن يقول ، جلّ وعزّ ، لكم التأسّي به" أو" عليكم التأسّي به ، لأنّه إذا قال" لكم" وجب التأسّي به ، فيما يقع منه واجبا ؛ وإذا قال" عليكم" لم يجب التأسّي به ، فيما يقع ندبا ، لأنّه متى لم يقل ذلك خرج عن باب التأسّي ؛ لأنّا إذا فعلنا الفعل على وجه الوجوب ، وفعله على وجه الندب خرج عن باب التأسّي ، إلى المخالفة ، ولا يجوز أن يتأسّى به على وجه يدخل في الخلاف عليه ، حتى لو أردنا مخالفته لم نفعل غيره (ق ، غ ١٧ ، ٢٥٩ ، ٣)

تأليف

ـ إن التأليف يزيد الأجزاء الحسنة حسنا والاجتماع يحدث للمتساوي في الضعف قوة. فإذا فعلت ذلك صرت متى وجدت بعضها فقد وجدت كلها ، ومتى رأيت أدناها فقد رأيت أقصاها ، فإن نشطت لقراءة جميعها مضيت فيها. وإذا كانت منظومة ومعروفة المواضع معلومة ، لم تحتج إلى تقليب القماطر على كثرتها ولا تفتيش الصناديق مع تفاوت مواضعها ، وخفّت عليك مئونتها وقلّت فكرتك فيها ، وصرفت تلك العناية إلى بعض أمرك وادّخرت تلك القوة لنوائب غيرك (ج ، ر ، ٧٣ ، ٦)

ـ إنّ التأليف لا يسمّى حتى يكون تأليف آخر ، ولكنّ أحدهما قد يجوز على الجزء ولا نسمّيه تأليفا اتّباعا للّغة (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٨)

ـ قال" أبو الهذيل" : خلق الشيء [الذي] هو تكوينه بعد أن لم يكن هو غيره وهو إرادته [له] وقوله له : كن ، والخلق مع المخلوق في حاله

وليس بجائز أن يخلق الله سبحانه شيئا لا يريده ولا يقول له كن ، وثبت خلق العرض غيره وكذلك خلق الجوهر ، وزعم أنّ الخلق الذي هو إرادة وقول لا في مكان ، وزعم أنّ التأليف هو خلق الشيء مؤلّفا وأنّ الطول هو خلق الشيء طويلا ، وأنّ اللون خلقه له ملوّنا ، وابتداء الله الشيء بعد أن لم يكن هو خلقه له وهو غيره ، وإعادته له غيره وهو خلقه له بعد فنائه ، وإرادة الله سبحانه للشيء غيره ، وإرادته للإيمان غير أمره به (ش ، ق ، ٣٦٣ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ التأليف والاجتماع والمماسّة والمجاورة والالتزاق والاتّصال كل ذلك ممّا ينبئ عن معنى واحد ، وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث لا يصحّ أن يتوسّطهما ثالث وهما على ما هما عليه ، وإنّ تعذّر تفكيك بعض الأجزاء دون بعض لأجل فقد قدرته لا لأجل معنى زائد على المماسّة والمجاورة (أ ، م ، ٣٠ ، ١)

ـ الاعتماد واقع منه كالثقل واعتماد النار والتأليف الذي هو تركيب الحيوانات وغيرها ، بل تأليف أوّل حي لا بدّ من أن يكون فعلا له وقد وجد منه جنس الأصوات والكلام (ق ، ت ١ ، ١٠٨ ، ٢٥)

ـ إنّ التأليف لا يحتاج في وجوده إلى المجاورة ، وإنّما يحتاج إلى كون المحلين متجاورين (ق ، غ ٧ ، ٣٣ ، ٧)

ـ إنّما نحيل وجود الحياة إلّا مع بنية مخصوصة لأمر يرجع إلى المجاورات التي توجد البنية معها ، لا لأنّ التأليف يجب أن يقع على وجه مخصوص ليصحّ وجود الحياة معه ، ولا لأنّ التأليف لا يصحّ وجوده إلّا مع مجاورات مخصوصة ، بل يصحّ وجوده مع جميعها. وإن كان من حق الحياة ألّا توجد فيه إلّا وقد تجاورت الجواهر ، ضربا مخصوصا من التجاور ، وبنيت بنية مخصوصة (ق ، غ ٧ ، ٣٣ ، ١٧)

ـ إنّ التأليف يحتاج إلى تجاور المحلين لا إلى المجاورة (ق ، غ ٧ ، ٤٠ ، ٣)

ـ إنّ المجاورة تولّد التأليف في محلّها ، لكن من حق التأليف أن يتعدّى محلّها إلى المحل الثاني ، لأنّ لجنسه يستحيل وجوده إلّا في محلّين ، ولو لا ذلك لصحّ وجوده في محل المجاورة على ما سألت عنه ، ولسنا نقول في المسبب إنّه يجب أن يحل محل السبب على ما زعمته ، لأنّ الاعتماد يولّد الأكوان وغيرها في غير محلّه ، فغير ممتنع أن تولّد المجاورة التأليف في محلّها وغير محلها (ق ، غ ٩ ، ٤٧ ، ٧)

ـ إنّ كل سبب يصحّ وجوده مع ضدّ المسبّب أو ما يجري مجرى الضدّ له ، لم يمتنع أن يوجد ولا يوجد المسبّب ، وكذلك إذا صحّ وجوده والمحل لا يحتمل المسبّب ، فأمّا إذا كان السبب متى وجد لم يصحّ أن يجامعه المنع من المسبّب فلا بدّ من وجوده إذا كان المحل محتملا ، فلذلك وجب أن يوجد التأليف متى جاور الجزء غيره ، فأمّا إذا وجد جنس المجاورة في الجوهر المنفرد فلا يجب وجود التأليف ، فقد صحّ وجودها على بعض الوجوه ولا يصحّ وجود التأليف (ق ، غ ٩ ، ٥١ ، ٣)

ـ التأليف يختصّ بأمرين : أحدهما أنّه يحلّ في محلّ القدرة عليه ، والآخر أنّه يحلّ في غير محلّ القدرة عليه لأنّ الجزء من التأليف لا يجوز أن يفعل إلّا بقدرة واحدة (ق ، غ ٩ ، ١٢٩ ، ٥)

ـ أمّا المتولّدات التي تعدّيها عن محل القدرة عليها يولّدها الاعتماد فقط دون الحركات ، وهو الذي أراده شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله بقوله في البغداديات وغيرها ، ولا يثبت غير الاعتماد سببا من أفعال الجوارح فقد مرّ في كلامه مفصّلا في الجامع أنّ التأليف يتولّد عن الاعتماد ، ويولّده على وجهين : أحدهما بأن يولّد الكون ويولّد التأليف من بعد الكون ، والثاني أن يفعل فيه تأليفا بعد تأليف بالاعتمادات وإن لم يفعله بعد الكون ، كرجل جمع أصابعه وفعل فيها عند شدّة الاعتمادات تأليفا (ق ، غ ٩ ، ١٣٨ ، ٧)

ـ إنّ التأليف لا يكون متولّدا من تأليف آخر (ن ، د ، ٢٠ ، ٥)

ـ اعلم أنّ التأليف لا يوجد إلّا متولدا من الكون ، سواء كان ذلك من فعلنا أو من فعل القديم تعالى ، إذا كان محل الكون مجاورا لغيره (ن ، د ، ٨٠ ، ٥)

ـ لا يصحّ أن يقال إنّ التأليف محتاج في وجوده إلى الكون ، إذ لو كان كذلك لوجب أن يصحّ وجود المجاورة من دون أن يكون هناك تأليف ، لما بيّنا أنّ الشيء إذا احتاج إلى غيره فإنّه يصحّ وجود المحتاج إليه من دون المحتاج ؛ ولأنّ احتياج الشيء يرجع إلى جنسه وقبيله ، وفي المحتاج والمحتاج إليه. فيجب على هذا أنّ الكون الواحد يكفي في احتياج التأليف في الوجود إليه وأن يصحّ وجود التأليف في الجزء المنفرد (ن ، د ، ٨١ ، ٤)

ـ الكلام على الشيخ أبي عليّ ، لأنّه يقول إنّ التأليف من فعل الله تعالى ، لا يكون متولدا ، بناء على أصله : أن الله تعالى لا يجوز أن يفعل شيئا بسبب ؛ وإنّما يوجد التأليف عند تجاور المحلّين لأنّ المحلّ يحتمله (ن ، د ، ٨٤ ، ١٨)

ـ إنّ التأليف يتولّد من الاعتماد بشرط المجاورة ، لا من المجاورة التي المرجع بها إلى الكونين (ن ، د ، ٨٦ ، ١١)

ـ إنّ التأليف إنّما يحصل بحسب المجاورة ، لأنّ المجاورة لو حصلت طولا يحصل التأليف طولا ، ولو حصلت المجاورة عرضا يحصل التأليف في ذلك السمت ، فيجب أن يكون التأليف متولّدا على المجاورة (ن ، د ، ٨٦ ، ١٣)

ـ اعلم إنّ أوّل من أثبت التأليف معنى يحلّ محلّين هو الشيخ أبو الهذيل ، كما أنّ أوّل من أثبت الدلالة المبنية على الدعاوى الأربع في حدوث الجسم ، هو أبو الهذيل ، ثم تبعه على ذلك سائر شيوخنا (ن ، د ، ١٠١ ، ٧)

ـ الذي يدلّ على إثبات التأليف ما قد ثبت أنّا وجدنا جسمين أحدهما يتصعّب علينا تفكيكه ، والآخر يسهل علينا تفكيكه ، والحال واحدة والشرط واحد ؛ فيجب أن يكون ذلك لأمر مخصّص ، إذ لو لم يكن ذلك لأمر مخصّص لم يكن بأن يتعصّب التفكيك في أحدهما والسهولة في الآخر بأولى من خلافه ، بل كان يجب أن يكونا سوءا في تصعّب التفكيك أو سهولته. فلما علمنا المفارقة وجب أن يكون ذلك لمعنى (ن ، د ، ١٠١ ، ١٠)

ـ أمّا الذي يدلّ على أنّ التأليف يحلّ محلين فهو ما قد ثبت أنّه لو لم يحل محلّين بل واحدا لوجب أن يكون حكمه حكم الاعتماد أو النقل أو التسكين حالا فحالا في باب النقل ، فكان ما يمنع من نقل البعض يمنع من نقل الجميع ، كما أنّ هذه الأشياء كل واحد منها يمنع من نقل البعض يمنع من نقل الجميع. فلمّا كان التأليف

يمنع من نقل البعض ولا يمنع من نقل الجميع علمنا أنّه مفارق لهذه المعاني ، لأنّه يحلّ محلين (ن ، د ، ١٠٣ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الشيخ أبا الهذيل ذهب إلى أنّ الافتراق معنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل البعد ، كما ذهب في التأليف إلى أنّه معنى زائد على كوني الجوهرين على سبيل القرب (ن ، د ، ١١٩ ، ٦)

ـ إذا قيل : أليس عندكم أنّ التأليف يحتاج إلى المجاورة ، مع أنّها واقعة على الشيء وضدّه ، وينوب بعضها مناب بعض؟ قيل له : إنّا نقول أنّ التأليف يحتاج إلى الكون ، وإنّما يحتاج إلى محلّين قد صارا في حكم المحل الواحد ، فلو أمكن ذلك من غير كون ، لكان التأليف يجوز أن يوجد فيهما (ن ، م ، ١٥١ ، ٣)

ـ اعلم أنّ التأليف معنى سوى الكونين على سبيل القرب ، ويوجد في محلّين متجاورين (ن ، م ، ٢١٩ ، ٤)

ـ قال أبو القاسم : إنّ التأليف ليس بمعنى غير المجاورة (ن ، م ، ٢١٩ ، ٥)

ـ إنّ المجاورة قد ثبت أنّها تولّد التأليف ، والسبب إذا وجد والمحل محتمل ولا مانع ، فلا بدّ من حصول المسبّب (ن ، م ، ٢٢٣ ، ٢٣)

ـ إنّ الاعتماد لا يولّد في محله ، في المكان الذي حصل فيه محلّه ، ولذلك لا يجوز أن يولّد الاعتماد السكون في محله. فإذا كان كذلك ، وجب أن يكون المولّد للتأليف هو الكون. ولا يمكن أن يقال ، أنّ التأليف يحتاج في وجوده إلى أن يكون في أحد محلّيه رطوبة وفي الأخرى يبوسة ، لأنّ التأليف يوجد بحيث المحلّين ، وهما له كالمحلّ الواحد ، فكان يجب أن توجد الرطوبة في كلّي محليه ، وكذى اليبوسة (ن ، م ، ٢٢٤ ، ٧)

ـ إنّ التأليف لا يجوز أن يدرك بشيء من الحواس (ن ، م ، ٢٢٥ ، ٨)

ـ أوّل من أثبت التأليف معنى يحلّ محلّين أبو الهذيل ، وتبعه على ذلك شيوخنا البصريون ، وأنكره باقي الناس (أ ، ت ، ٥٠٣ ، ٣)

ـ اعلم أنّ التأليف هو من الأجناس الداخلة تحت مقدورنا ودليله وقوعه بحسب أحوالنا ووقوعه بحسب ما نفعله من الأسباب وثبوت أحكامه فينا. إلّا أنّا إنّما نقدر أن نفعله متولّدا عن المجاورة لعذر فعله علينا ابتداء (أ ، ت ، ٥٢٣ ، ٨)

ـ قال أبو علي : قد يكون التأليف من فعلنا مباشرا بأن نوجده في محلّ القدرة وبه قال أبو هاشم أولا ثم رجع عنه (أ ، ت ، ٥٢٣ ، ١٦)

ـ اعلم أنّ التأليف ممّا لا حظّ له في توليد غيره. وليس يكاد يشتبه الحال إلّا في توليده لتأليف آخر أو للكون أو للاعتماد أو نجعل الصلابة مولّدة للقدرة أو التأليف ، الذي هو الصحّة ، مولّدا للحياة ، أو بنية القلب مولّدة للعقل أو نجعل التأليف مولّدا للألم بشرط انتفائه (أ ، ت ، ٥٢٤ ، ١٢)

ـ ذكر أبو هاشم في الجامع : أنّ التأليف جنس واحد. وقد ثبت في الأسباب أنّها لا تولّد أمثالها ، فكذلك يجب في التأليف. إلّا أنّ هذا الذي قاله يعترضه الاعتماد لأنّه قد يولّد مثله كما يولّد مخالفة. وقال أيضا : لو ولّد التأليف تأليفا مثله لصحّ أن يولّد ما يخالفه ، لكن ليس يمتنع في السبب أن لا يولّد إلّا نوعا مخصوصا دون ما خالفه كالنظر ، لأنّه لا يولّد إلّا قبيل العلوم دون غيرها ، فهل كان التأليف مثله؟ فالمعتمد ما تقدّم (أ ، ت ، ٥٢٥ ، ٧)

ـ إنّ التأليف عبارة عن اجتماع الأجزاء وتماسّها على وجه مخصوص ، وذلك يمتنع تقريره حال العدم بالاتّفاق ، وإذا كان كذلك استحال أن يتقرّر ماهيّة التأليف حال العدم (ف ، م ، ٥٠ ، ٧)

ـ قال (أبو هاشم) : التأليف عرض واحد حال في محلّين (ف ، م ، ٨٦ ، ٢٨)

ـ التألّف والتأليف : هو جعل الأشياء الكثيرة بحيث لا يطلق عليها اسم الواحد سواء كان لبعض أجزائه نسبة إلى البعض بالتقدّم والتأخّر أم لا ، فعلى هذا يكون التأليف أهمّ من الترتيب (ج ، ت ، ٧٦ ، ٤)

تأليف عن اعتماد

ـ إنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله يقول إنّ التأليف عن الاعتماد يتولّد فقط وإن كان ربما مرّ في كلامه أنّه يتولّد عن المجاورة ، ومتى قيل إنّه يتولّد عنهما جميعا لم يؤدّ إلى فساد لما قدّمناه من أن القول بذلك لا يؤدّي إلى أن يجوز أن يفعل بقدرة واحدة ما لا نهاية له ، بل أكثر ما يؤدّي إليه وقوع تأليفين بقدرة واحدة ، وهذا مما لا ننكره ، ونحن نبيّن من بعد القول في التأليف عن ما ذا يتولّد عن المجاورة أو عن الاعتماد أو عنهما جميعا ، فلذلك لم ننقض القول فيه (ق ، غ ٩ ، ٤٦ ، ١٨)

تأليف مخصوص

ـ من جملة الأسماء التي تنطلق على تأليف مخصوص هو المصاكّة ، فإنّها مماسّة تقع بين جسمين صلبين عقيب حركات متوالية أو حركات يقلّ السكون بينها مع الاعتماد ، ونجعل هذه المصاكّة شرطا في توليد الاعتماد الصوت لا أنّها تولّده (أ ، ت ، ٥١١ ، ٧)

تأليفان بقدرة واحدة

ـ إنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله يقول إنّ التأليف عن الاعتماد يتولّد فقط وإن كان ربما مرّ في كلامه أنّه يتولّد عن المجاورة ، ومتى قيل إنّه يتولّد عنهما جميعا لم يؤدّ إلى فساد لما قدّمناه من أن القول بذلك لا يؤدّي إلى أن يجوز أن يفعل بقدرة واحدة ما لا نهاية له ، بل أكثر ما يؤدّي إليه وقوع تأليفين بقدرة واحدة ، وهذا مما لا ننكره ، ونحن نبيّن من بعد القول في التأليف عن ما ذا يتولّد عن المجاورة أو عن الاعتماد أو عنهما جميعا ، فلذلك لم ننقض القول فيه (ق ، غ ٩ ، ٤٦ ، ٢٢)

تأنس

ـ قول من قال" تأنّس" ، لأنّ اللاهوت لا يصحّ أن يصير إنسانا. وكذلك قول من قال" تركّب" (ق ، غ ٥ ، ١٤٢ ، ١٤)

تأويل

ـ التأويل وهو بيان معناه بعد إزالة ظاهره ، وهذا إمّا أن يقع من العامي نفسه ، أو من العارف مع العامي ، أو من العارف مع نفسه بينه وبين ربّه ، فهذه ثلاثة مواضع (غ ، أ ، ٥٩ ، ٤)

ـ اسمع الآن قانون التأويل : فقد عرفت اتفاق الفرق على هذه الدرجات الخمس في التأويل ، وإن كان شيئا من ذلك ليس من حيّز التكذيب. واتّفقوا أيضا على أنّ جواز ذلك موقوف على قيام البرهان على استحالة الظاهر ، والظاهر الأول الوجود الذاتي. فإنّه إذا ثبت تضمّن

الجميع ، وإن تعذّر فالوجود الحسّي ، فإنّه إن ثبت تضمّن ما بعده ، فإن تعذّر فالوجود الخيالي أو العقلي ، فإن تعذّر فالوجود الشبهي المجازي. ولا رخصة في العدول عن درجة إلى ما دونها إلّا بضرورة البرهان ، فيرجع الاختلاف على التحقيق إلى البراهين (غ ، ف ، ٦٧ ، ٣)

ـ معرفة ما يقبل التأويل وما لا يقبل ليس بالهيّن ، بل لا يستقلّ به إلّا الماهر الحاذق في علم اللغة ، العارف بأصل اللغة ثم بعادة العرب في الاستعمال في استعارتها وتجوّزها ومنهاجها في ضرب الأمثال (غ ، ف ، ٧٧ ، ٥)

تباعد

ـ كان (الأشعري) يقول في الافتراق والتباين والتباعد إنّه ممّا لا تختلف معانيه وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث يصحّ أن يكون بينهما ثالث وهما على ما هما عليه أو يكون بينهما ثالث (أ ، م ، ٣٠ ، ٤)

تباين

ـ كان (الأشعري) يقول في الافتراق والتباين والتباعد إنّه ممّا لا تختلف معانيه وهو كون الجوهر مع الجوهر بحيث يصحّ أن يكون بينهما ثالث وهما على ما هما عليه أو يكون بينهما ثالث (أ ، م ، ٣٠ ، ٤)

تبخيت

ـ قد علمنا أنّه لا فائدة له بأن يكون المخبر على صفة أو ليس عليها ، وأنّ فائدته في ذلك إنّما تقع بأن نعلمه كذلك ، أو نعتقده على طريقة الظنّ. ولا حكم لما عدا هذين ؛ لأنّ ما خرج عنهما يصير كالتبخيت ، الذي وقوعه عقيب الخبر ، يحلّ محلّ وجوده ابتداء. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه ، فيما يقتضيه من العلم ، لا يخرج من قسمين : إمّا أن يقع ، عنده ، من فعل الله سبحانه ، فيكون علما ؛ أو ينظر فيه السامع فيكسب ، بنظره في أحوال الخبر ، علما. وما لا يمكن ذلك فيه فلا بدّ من أن تكون أمارة ، حتى تقع له به فائدة وغلبة الظنّ ، ثم يكون المظنون (فيما) تتعلّق عليه العبارة ، فيه ، بحسب قيام الدلالة ؛ فإن كان من باب العمل صحّ أن يلزم ، عند النظر ؛ وإن كان من باب العلم لم يصحّ أن يلزم عنده ، على ما نبيّنه من بعد (ق ، غ ١٥ ، ٣٣١ ، ١٨)

تبديل

ـ إنّ التبديل والنسخ إنّما يكون ويتصوّر في الرسم من خط أو تلاوة ؛ أو في حكم ، فيكون تقدير الكلام : وإذا بدّلنا حكم آية أو تلاوة آية ، دون المتلوّ القديم الذي لا يتصوّر عليه تبديل ولا تغيير ، وقد بيّن ذلك سبحانه وتعالى وأخبر أنّ كلامه القديم لا يغيّر ولا يبدّل (ب ، ن ، ٧٧ ، ١)

تبقية التكليف

ـ قد بيّنا من قبل أنّ المعتبر بما يريده تعالى بالمكلّف من المنزلة. فإذا أراد تعريضه لمنزلة مخصوصة ، وصحّ أن يكلّف ما يعلم أنّه يصل معه إلى تلك المنزلة لم يحسن تكليف ما يعلم أنّه يكفر. ومتى أراد به منزلة عظيمة قد علم أنّه لا ينالها البتّة (إلّا) بضرب من التكليف حسن أن يكلّفه ما يعلم أنّه يكفر ببعضه أو كلّه. فإذا ثبت ذلك لم يحسن منه سبحانه تبقية التكليف

على المؤمن على وجه يعلم أنّه يكفر ، مع أنّه يصحّ أن يكلّفه على وجه يعلم أنّه يؤمن ، ويستحقّ القدر الذي عرض له من الثواب. وقد بيّنا أنّ المفسدة إنّما تقبح لأنه يقتضي أن المكلّف قد أتي فيما اختاره من المعاصي من جهة المكلّف ، ولأنّ المكلّف لو أراد نفعه لما فعل ما يفسد عنده ، لأن المعلوم من حاله أنّه متى لم يفعل ذلك ، والتكليف ثابت على ما هو عليه والتعريض للثواب ، أنّه يصلح ، ومتى فعل ذلك به اختار الفساد ، فيجب أن يكون في حكم الصادّ له عمّا عرّضه له ، وهذا يقبح ، ويجري مجرى المتناقض في الدواعي. وليس كذلك إذا بقي التكليف على المؤمن مع العلم بأنّه يكفر ؛ لأنّه قد عرّضه لمنزلة زائدة لا يصحّ أن ينالها إلّا بهذا التكليف الزائد. وإنّما يؤتى في حرمانه نفسه الثواب واستحقاقه العقاب من قبل سوء اختياره. فيجب حسنه ومفارقته للمفسدة (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١٠)

تبنّ

ـ إنّ معنى التبنّي لا يصحّ إلّا في من يصحّ أن يكون له في الحقيقة ولد ، أو فيما يصحّ أو يولد مثله لمثله وفيما كان من جنسه من الحيوان ؛ ولذلك لا يصحّ من الميت أن يتبنّى الحيّ ، لما لم يصحّ أن يكون له وهو ميت ، ابنا في الحقيقة. ولا يصحّ أن يتبنّى الشاب شيخا كبيرا ولا أن يتبنى عجلا وفصيلا. وليس قولنا في زيد إنّه يتبنى غيره من قولنا إنّه يعظّمه ويكرّمه بسبيل ؛ ولذلك يصحّ من أحدنا أن يعظّم من لا يصحّ أن يتبنّاه ؛ وإنّما يراد بذلك أنّه يجريه مجرى ابنه في التربية والاختصاص والأحكام المتعلّقة بالابن والأب ، وذلك يستحيل في القديم تعالى ، فكيف يقال إنّه تبنّاه؟ (ق ، غ ٥ ، ١٠٥ ، ١٢)

تثليث

ـ أمّا الكلام عليهم في التثليث فهو أن يقال : إنّ قولكم أنّه تعالى جوهر واحد ثلاثة أقانيم مناقضة ظاهرة ، لأنّ قولنا في الشيء أنّه واحد ، يقتضي أنّه في الوجه الذي صار واحدا لا يتجزّأ ولا يتبعّض ، وقولنا ثلاثة يقتضي أنّه متجزّئ ، وإذا قلتم : إنّه واحد ثلاثة أقانيم كان في التناقض بمنزلة أن يقال في الشيء : إنّه موجود معدوم ، أو قديم محدث (ق ، ش ، ٢٩٢ ، ٧)

تجانس المقدور

ـ تجانس المقدور لا يمكن أن يعلّل إلّا بالنوع والقبيل ، وذلك لأنّ بتجانس المتعلّقات نتوصّل إلى نوع القدر وقبيلها بدليل أنّ هذه المتعلّقات لو لم تتجانس لما كانت المتعلّقات بها قدرا ، بل كانت معاني آخر. فلمّا كان تجانس المقدور طريقا إلى القدر ونوعها وجب أن يعلّل بالنوع ولا يجوز أن يعلّل بما عليه القدر في ذواتها. إذا لا يمكن بتجانس المقدورات معرفة ما عليه القدر في ذواتها ، وإنّما نعلم ذلك بصحّة إيجاب المقدورات ، فلا جرم ذلك معلّل بما عليه القدر في أنفسها من الصفات. يبيّن ذلك أنّا إذا علمنا أنّ هذا المقدور لا يصحّ إلّا من هذه القدرة دون غيرها نعلم مفارقة هذه القدرة لتلك بصفة ذاتية. وليس كذلك إذا علمنا بأنّ مقدوراتها متجانسة ، فإنّا لا نعلم بذلك سوى أنّها نوع واحد وقبيل واحد (ن ، د ، ٣٨٣ ، ١)

ـ إنّ هذه القضية التي هي تجانس المقدور معلّلة بالنوع والقبيل وأنّها طريق إلى معرفة النوع

والقبيل. فإذا كان هذا الحكم هو بمنزلة الطريق ، بل هو طريق إلى نوع القدر وقبيلها ، وكان النوع والقبيل في حكم العلّة فيه ، فإذا لم يوجد في القادرين هذا الأمر ، وهو كونهم من قبيل القدر ونوعها لم يثبت الحكم الذي هو تجانس المقدور ، وفي القادرين في الشاهد إذا استووا في تجانس المقدور ؛ فلو كان كونهم قادرين بقدر لا لكونهم قادرين فقط (ن ، د ، ٣٨٧ ، ١٥)

تجزّي

ـ الجسم ينتهي في التجزّي عندنا إلى حدّ لا تصحّ فيه القسمة والتجزّي من بعد وهو أصغر المقادير. وقد ذهب النظّام ، ومن نحا نحوه ، إلى أنّه لا يبلغ إلى حدّ إلّا ويصحّ فيه التجزّي (أ ، ت ، ١٦٢ ، ٣)

تجسيم

ـ اختلفت المجسّمة فيما بينهم في التجسيم وهل للبارئ تعالى قدر من الأقدار وفي مقداره على ست عشرة مقالة (ش ، ق ، ٢٠٧ ، ٥)

تجهيل

ـ إنّ التجهيل هو ما يصيّر به الجاهل جاهلا ، دون تعيين الفعل الذي قد علم خلافه (ق ، غ ١١ ، ٥ ، ١٧)

تجوير

ـ معنى التجوير هو نسبة الجور إليه والحكم له بأنّه جائر (أ ، م ، ١٣٩ ، ١٢)

تجويز

ـ إنّ التجويز مفارق للإثبات والصحّة (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٧٨ ، ١٣)

ـ أمّا التجويز فهو بمعنى الشكّ (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٧٨ ، ١٦)

تحابط

ـ ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذا الفصل على تأويل يطابق ما تدلّ عليه العقول ، وأن لا يحمل على ظاهره ، وذلك لأنّ المرض إذا استحقّ عليه الإنسان العوض لم يجز أن يقال إنّ العوض يحطّ السيّئات بنفسه لا على قول أصحابنا ولا على قول الإماميّة. أمّا الإماميّة فإنّهم مرجئة لا يذهبون إلى التحابط ، وأمّا أصحابنا فإنّهم لا تحابط عندهم إلّا في الثواب والعقاب ، فأمّا العقاب والعوض فلا تحابط بينهما لأنّ التحابط بين الثواب والعقاب إنّما كان باعتبار التنافي بينهما من حيث كان أحدهما يتضمّن الإجلال والإعظام ، والآخر يتضمّن الاستخفاف والإهانة ، ومحال أن يكون الإنسان الواحد مهانا معظّما في حال واحدة. ولمّا كان العوض لا يتضمّن إجلالا وإعظاما وإنّما هو نفع خالص فقط ، لم يكن منافيا للعقاب ، وجاز أن يجتمع للإنسان الواحد في الوقت الواحد كونه مستحقّا للعقاب والعوض ، إمّا بأن يوفّر العوض عليه في دار الدنيا ، وإمّا بأن يوصل إليه في الآخرة قبل عقابه إن لم يمنع الإجماع من ذلك في حق الكافر ، وإمّا أن يخفّف عنه بعض عقابه ويجعل ذلك بدلا من العوض الذي كان سبيله أن يوصل إليه. وإذا ثبت ذلك وجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام على تأويل صحيح وهو الذي أراده عليه‌السلام لأنّه كان أعرف الناس بهذه المعاني ، ومنه تعلّم المتكلّمون علم الكلام ، وهو أنّ المرض والألم يحطّ الله تعالى عن الإنسان المبتلى به ما يستحقّه من العقاب على

معاصيه السالفة تفضّلا منه سبحانه ، فلمّا كان إسقاط العقاب متعقّبا للمرض وواقعا بعده بلا فصل ، جازت أن يطلق اللفظ بأنّ المرض يحطّ السيّئات ويحتّها حتّ الورق (أ ، ش ٤ ، ٢٦٢ ، ٢٥)

تحت

ـ إنّ التحت والفوق من باب الإضافة ، لا يقال في شيء تحت إلّا وهو فوق لشيء آخر ، حاشى مركز الأرض فإنّه تحت مطلق لا تحت له البتّة ، وكذلك كل ما قيل فيه أنّه فوق فهو أيضا تحت لشيء آخر ، حاشى الصفحة العليا من الفلك ، إلّا على المقسوم بقسمة البروج فهي فوق لا فوق لها البتّة ، فالأرض على هذا البرهان الشاهد هي مكان التحت للسماوات ضرورة ، فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ، ومن حيث قابلتها الأرض فهي تحت السماء ، ولا بدّ وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ورجلاه إلى الأرض (ح ، ف ٢ ، ٩٩ ، ٧)

تحديد الشيء

ـ تحديد الشيء فرع على العلم به ، لأنّه إنّما يقصد بتحديده حصره على وجه لا يدخل فيه ما ليس منه ، ولا يخرج عنه ما هو منه ؛ ولذلك لا يصحّ أن يحدّ الجسم بأنّه المختصّ بالطول والعرض والعمق إلّا بعد العلم بما هذه حاله ؛ ولا يجوز أن يحدّ القادر بأنّه الذي يختصّ بصحّة الفعل منه مع السلامة ، إلّا وقد علمنا بالدليل من هذه حاله ومفارقته لغيره (ق ، غ ٧ ، ٦ ، ٤)

تحرك إلى المكان

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ التحرّك يكون تحرّكا عن مكان وإلى مكان. فأمّا إذا كان تحرّكا إلى مكان فهو أن يكون كونا في مكان قد سبقه كون آخر في مكان آخر بلا فصل. ونفس التحرّك إلى المكان هو نفس الحركة ونفس السكون في المكان. وهذا يقتضي أن يكون كان قبله في مكان ، وإذا كان ذلك حال حدوثه استحال هذا الكلام. وكذلك التحرّك عن المكان والانتقال عنه هو نفس التحرّك إلى المكان. فإذا لم يكن مكان ولم يكن هذا الجسم ولا يصحّ أن يكون في مكان وهو معدوم لم يصحّ أن يقال" تحرّك عن المكان" في حال عدمه (أ ، م ، ٢٦٢ ، ٥)

تحرّك عن المكان

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ التحرّك يكون تحرّكا عن مكان وإلى مكان. فأمّا إذا كان تحرّكا إلى مكان فهو أن يكون كونا في مكان قد سبقه كون آخر في مكان آخر بلا فصل. ونفس التحرّك إلى المكان هو نفس الحركة ونفس السكون في المكان. وهذا يقتضي أن يكون كان قبله في مكان ، وإذا كان ذلك حال حدوثه استحال هذا الكلام. وكذلك التحرّك عن المكان والانتقال عنه هو نفس التحرّك إلى المكان. فإذا لم يكن مكان ولم يكن هذا الجسم ولا يصحّ أن يكون في مكان وهو معدوم لم يصحّ أن يقال" تحرّك عن المكان" في حال عدمه (أ ، م ، ٢٦٢ ، ٧)

تحسين

ـ في تحسين العقل وتقبيحه : إنّ العقل يوجب معرفة الله تعالى بجميع أحكامه وصفاته قبل ورود الشرع ، وعليه يعلم أنّه إن قصر ولم يعرفه

ولم يشكره عاقبه عقوبة دائمة ، فأثبتنا التخليد واجبا بالعقل (ش ، م ١ ، ٧٠ ، ٦)

ـ في بيان أنّ العقل لا مجال له في أن يحكم في أفعال الله تعالى بالتحسين والتقبيح. أعلم أنّه لمّا ثبت أنّه لا معنى للتحسين والتقبيح إلّا جلب المنافع ودفع المضارّ ، فهذا إنّما يعقل ثبوته في حق من يصحّ عليه النفع والضرر ، فلمّا كان الإله متعاليا عن ذلك امتنع ثبوت التحسين والتقبيح في حقّه. فإن أراد المخالف بالتحسين والتقبيح شيئا سوى جلب المنافع ودفع المضار ، وجب عليه بيانه حتى يمكننا أن ننظر أنّه هل يمكن إثباته في حق الله تعالى أم لا ، فهذا هو الحرف الكاشف عن حقيقة هذه المسألة (ف ، أ ، ٦٧ ، ٩)

تحصيل العبد

ـ إنّا قد بيّنا وجه الأثر الحاصل بالقدرة الحادثة ، وهو وجه أو حال للفعل مثل ما أثبتّموه للقادريّة الأزليّة ، فخذوا من العبد ما يشابه فعل الخالق عندكم فلينظر إلى الخطاب بافعل لا تفعل ، أخوطب أوجد لا توجد ، أو خوطب أعبد الله ولا تشرك به شيئا ، فجهة العبادة التي هي أخصّ وصف للفعل صار عبادة بالأمر ، وذلك حاصل بتحصيل العبد مضاف إلى قدرته ، فما يضرّكم إضافة أخرى نعتقدها وهي مثل ما اعتقدتموه تابعا ، فالوجود عندنا كالتابع أو كالذاتيّ الذي كان ثابتا في العدم ، والفرق بيننا أنّا جعلنا الوجود متبوعا وأصلا ، وقلنا هو عبارة عن الذات والعين ، وأضفناه إلى الله سبحانه وتعالى وجميع ما يلزمه من الصفات ، وأضفنا إلى العبد ما لا يجوز إضافته إلى الله تعالى حيث لا يقال أطاع الله تعالى وعصى الله تعالى وصام وصلّى وباع واشترى وقام ومشى ، فلا تتغيّر صفاته بأفعاله فلا يعزب عن علمه ذرّة من خلقه ، بخلاف ما يضاف إلى العبد فإنّه يشتقّ له وصف واسم من كل فعل يباشره ، وتتغيّر ذاته وصفاته بأفعاله ، ولا يحيط علما بجميع وجوه اكتسابه وأعماله ، وهذا معنى ما قاله الأستاذ أبو إسحاق إنّ العبد فاعل بمعين والربّ فاعل بغير معين (ش ، ن ، ٨٧ ، ٦)

تحقّق

ـ الاستبصار والتحقّق هو العلم بعد الشكّ (ش ، ق ، ٥٢٦ ، ١٣)

تحكيم

ـ إنّ الأصل في التحكيم ما ورد به الكتاب في شقاق الزوجين ، لأنّه قال : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (النساء : ٣٥) فأمر تعالى بالحكمين في ذلك مع تجويز أن يريدا إصلاحا أو إفسادا ، ولذلك قال تعالى : (إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) (النساء : ٣٥) لأنّ ذلك يدلّ على تجويز خلافه ، ثم لم يمنع ذلك من حسنهن وكذلك القول فيما ذكرناه ، وإنّما نلتمس بذلك قرب الإصلاح ، لأن الغالب عند الشقاق أن توسّط الحكمين من جهتهما والرضا بما يتّفقان عليه أقرب إلى زوال الشقاق وعود الصلاح من أن يتولياهما بأنفسهما المناظرة ، وأمر تعالى بذلك لدفع الضرر ، وعلى هذا الوجه سلك أمير المؤمنين في التحكيم على ما فصلنا. وكما أن الحكمين من جهة الزوجين لو رضيا تكون المرأة مطلّقة أو زوجة لغيره لم يؤثّر ذلك في صحّة التحكيم ، بل يجب أن يقال : إنّهما عدلا عن الوجه الذي

وقع التحكيم عليه ، فكذلك القول فيما فعله الحكمان من خلع أمير المؤمنين ، وهذا بيّن (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١٠٤ ، ١٧)

تحيّز

ـ إنّ التحيّز لا يجوز خلوّ الجوهر عنه مع وجوده ، لأنّه مقتضى عن صفة الذات بشرط الوجود وأنّه لا يشرط في تحيّزه سوى الوجود (ن ، د ، ٦٥ ، ١)

ـ لو كان المؤثر في التحيّز هو الوجود لوجب في كل موجود أن يكون متحيّزا ـ وقد علمنا خلاف ذلك (ن ، د ، ٦٦ ، ١٥)

ـ أمّا التحيّز فثبوته للجوهر هو في حال وجوده ، وإن كان مقتضى عنه صفة الذات ، لكن الشرط فيه للوجود. ولسنا نجوّز وجوده غير متحيّز ثم يتحيّز على ما يقوله أصحاب الهيولى. وإنّما منعنا من ثبوت هذه الصفة في العدم لأنّها لو ثبتت لوجب أن نرى الجواهر المعدومة لحصولها على الصفة التي يتناولها الإدراك ، فإنّها لا تدرك لتحيّزها (أ ، ت ، ٧٧ ، ٦)

ـ إنّ التحيّز يختصّ بحال الوجود (أ ، ت ، ٧٩ ، ٥)

ـ إنّ التحيّز صفة منفصلة عن صفة الوجود (أ ، ت ، ٨٢ ، ٥)

ـ لا يعدّ الوجود من الصفات ، فإنّ الوجود نفس الذات ، وليس بمثابة التحيّز للجوهر ، فإنّ التحيّز صفة زائدة على ذات الجوهر ، ووجود الجوهر عندنا نفسه من غير تقدير مزيد (ج ، ش ، ٥٢ ، ٧)

ـ القائلون بالصفات زعموا أنّ صفات الجواهر إمّا أن تكون عائدة إلى الجملة وهي الحياة وكل ما كان مشروطا بها أو إلى الأفراد ، وهي إمّا في الجواهر أو في الأعراض. أمّا الجواهر فقد أثبتوا لها صفات أربعة ، أحدها الصفة الحاصلة حالتي العدم والوجود وهي الجوهريّة ، والثانية الوجود وهو الصفة الحاصلة بالفاعل ، والثالثة التحيّز وهو الصفة التابعة للحدوث والصادرة عن صفة الجوهريّة بشرط الوجود ، والرابعة الحصول في الحيّز وهو الصفة المعلّلة بالمعنى (ف ، م ، ٥١ ، ٢٦)

ـ التحيّز هي الصّفة المختصّة بالجواهر الّتي لأجلها تحتاج إلى حيّز وتقتضيها الجوهريّة ، وهي مشروطة بالوجود (ط ، م ، ٨٤ ، ١٦)

تحيّز في الجوهر

ـ إن شئت استدللت بدلالة تدلّ على أنّ التحيّز في الجوهر يقتضي صفة الذات فتكون دلالة في أصل المسألة ، وتختصّ هذا الموضع وهو أن تحيّزه لا يصحّ كونه مستحقّا لأجل معنى ، وهي أن نقول : قد صحّ في الجوهر أنّه يختصّ في حال عدمه بصفة ، وأنّها لا تظهر بالتحيّز ، فيجب كونه مقتضى عن الصفة الذاتيّة وإلّا لم تصر طريقا إليها. ومع أنّها مستحقّة لما عليه في ذاته ، محال أن تستحقّ لمعنى لأنّ فيه ضربا من التنافي. فإنّه إذا كان مستحقّا لما عليه في ذاته وجب حصوله لا محالة. وإذا كان مستحقّا لمعنى ، جاز حصوله وجاز لا يحصل ، وذلك متناف (أ ، ت ، ٨١ ، ١)

تخصيص

ـ لا أحد يكون بفعل ما لا يجوز له الترك منعما على أحد ، فثبت أن كان ثمّ منه معنى زائد خصّهم به ، وأن ليس التخصيص محاباة كما زعمت المعتزلة ، ولا ترك الإنعام بخل كما قالوا (م ، ت ، ١٤٦ ، ٩)

ـ أثبتنا وجوها واعتبارات عقليّة للفعل الواحد ، وأضفنا كل وجه إلى صفة أثّرت فيه ، مثل الوقوع فإنّه من آثار القدرة ، والتخصيص ببعض الجائزات فإنّه من آثار الإرادة ، والإحكام فإنّه من دلائل العلم (ش ، ن ، ٧٤ ، ٧)

ـ المعلوم يتخصّص مرادا ، والمراد يتخصّص وجودا هو بعينه جوهر ، إلّا أنّه في ذاته يكون شيئا فيخصّصه الوجود بعد الشيء ، حتى تتخصّص الشيئية الخارجة جوهرا ، وتتخصّص الجوهريّة العامة الخارجة بهذا الجوهر (ش ، ن ، ١٦١ ، ٤)

تخلية

ـ ما ذكر من الإطلاق والتخلية فهو كلام يتوجه أوجها ثلاثة : رفع العسر والمنع أو الأمر به أو الإباحة ، وذلك كلّه في الخير مطلق وفي الشرّ لا إلّا مقيّدا ، إنه لم يعسر ولم يجبر (م ، ح ، ٢٨٣ ، ٢٣)

ـ إنّ التخلية والإطلاق والفعل هو نفس القدرة على الفعل (أ ، م ، ١١٦ ، ٢١)

ـ إنّ الإطلاق والتخلية إنّما يوصف به القادر إذا لم يكن ممنوعا ، ألا ترى أنّه لا يقال في الزمن أنّه مطلق مخلّى بينه وبين المشي ، وكذلك لا يقال في المقصوص الجناح أنّه مطلق مخلّى بينه وبين الطيران ، والكافر غير قادر على الإيمان فكيف يوصف بالإطلاق والتخلية (ق ، ش ، ٤٠٤ ، ١٥)

ـ اعلم أنّه لا بدّ في المكلّف أن يخلّى بينه وبين ما كلّف ، وبين تركه ، لكي يكون ذلك الفعل على صفة من قبله. ومن لم يكن مخلّى بينه وبينه وحصل هناك منع أو إلجاء ، لم يجز أن يكون ذلك الفعل من قبله على كل وجه ، ولذلك قلنا : إنّ الواحد منّا لو ألجأ غيره إلى أن يضرّ برجل ، لكان العوض على الملجئ ، لأنّه في الحكم كان الفعل من قبله. ومتى فعله وهو مخلّى يلزمه بنفسه العوض ، لأنّ الإضرار من قبله. وقد علمنا أنّ المكلّف لا يجوز أن يستحقّ الثواب إلّا وحاله ما قدّمناه ، لأنّه لو كان ما يفعله في حكم المفعول فيه لصار كأنّه مفعول فيه في أنّه لا يستحقّ المدح والثواب ، فكان في ذلك إبطال العوض بالتكليف ، فلذلك يطلب في المكلّف أن يكون قادرا ، لأنّ التخلية لا تصحّ إلّا في القادر. وشرطنا ارتفاع الإلجاء عنه ، لأنّ مع وجوده تزول التخلية ، على ما بيّناه. وشرطنا ألّا يكون ممنوعا ، لأنّ الممنوع من الفعل محال أن يكون مخلّى بينه وبينه. وشرطنا أن يكون سائرها يحتاج إليه في الفعل ، إمّا حاصلا أو ممكنا من تحصيله ، لأنّ ما به يفعل الفعل ويتمكّن لأجله ، متى عدم ، زال التمكّن ، فضلا عن أن يكون مخلّى بينه وبين الفعل ، فلا بدّ لأجل هذه الجملة من أن يكون المكلّف على هذه الصفات التي ذكرناها ، ليصحّ ثبوت التخلية فيه (ق ، م ٢ ، ٧١٥ ، ١٤)

ـ التخلية يرجع بها إلى زوال الموانع ، وذلك أيضا لا بدّ من أن يحصل عند ما يصحّ وجود الفعل. فلأجل ذلك وجب في المنع والتخلية أن يوجدا في حال الفعل. وليس كذلك حال القدرة والعجز ، لأنّا قد بيّنا أنّ التعذّر والتأتّي لا يثبتان إلّا متقدّمين (ق ، ت ٢ ، ١٣٥ ، ١٥)

ـ أمّا الذمّ فإنّه يستحقّ به إذا كان قبيحا ، وفاعله يعلمه كذلك ، أو يتمكّن من كونه عالما به. وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى فعله والحال هذه استحقّ الذمّ. وإنّما شرطنا كونه قبيحا ، لأنّ العقل يشهد بأنّ الفعل إذا لم يكن كذلك ، لم

يحسن ذمّ فاعله عليه ، بل يقبح ذلك ، فلا بدّ من اعتبار قبحه. وإنّما شرطنا في الفاعل ما ذكرناه ، لأنّه قد علم بالعقل أنّ المجنون والصبيّ لا يحسن ذمّهما على القبيح ، الذي يحسن منعهما منه والدوام عليه ، وإنّما قلنا إنّ التمكّن من العلم بقبحه ، يحلّ محلّ العلم بقبحه ، لأنّ عنده يمكنه التحرّز بأن يعلم ، فيتجنّب ، فصار بمنزلة من يجب عليه الفعل ، إذا أمكنه أن يفعل المقدّمة التي يصل بها إلى فعله ، ولذلك يقبح من البرهميّ تكذيب الأنبياء ، ومن اليهودي مجانبة شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد بيّنا ذلك في باب المعرفة. وإنّما شرطنا التخلية ، لأنّه قد ثبت في العقل أنّ المحمول على الفعل يتعلّق الذمّ فيه بالحامل دونه (ق ، غ ١٤ ، ١٧٤ ، ٧)

ـ إنّ ما عنده يختار المكلّف الواجب ، ولولاه كان يختاره ، يجب كوجوبه ، وأنّه في حكم التمكين والتخلية. فإذا كان تعالى ، متى كلّف الفعل ، فلا بدّ من أن يمكّن ، ويزيل الموانع ، ويكون ذلك واجبا ؛ فكذلك لا بدّ من أن يفعل ما يختار ، عنده ، المكلّف الفعل ، على وجه لولاه لكان لا يختاره (ق ، غ ١٥ ، ٣٦ ، ١٧)

تخليد

ـ إنّ المعرفة وشكر المنعم ومعرفة الحسن والقبح واجبات عقليّة ، وأثبتا شريعة عقلية وردّا الشريعة النبويّة إلى مقدرات الأحكام ومؤقتات الطاعات التي لا يتطرّق إليها عقل ، ولا يهتدي إليها فكر ، وبمقتضى العقل والحكمة يجب على الحكيم ثواب المطيع وعقاب العاصي ، إلّا أنّ التأقيت والتخليد فيه يعرف بالسمع (ش ، م ١ ، ٨١ ، ١٢)

تخليق

ـ الأصل في القضاء والقدر والتخليق والإرادة أن لا عذر لأحد بذلك لأوجه ثلاثة : أحدهما أنّ الله تعالى قضى وخلق ، وما ذكر لمّا علم ، إنّ ذلك يختار ويؤثّر ، وبما أراد وخلق وقضى يصلون إليه ويبلغون ما أثروه ، فلم يكن لهم الاحتجاج بما هو آثر الأشياء عندهم وأخيرها ، على ما لم يكن لهم ذلك بالعلم والكتاب والإخبار إذ كانت بالتي يكون منهم مختارين مؤثرين ، وبالله نستعين. والثاني إنّ جميع ما كان لم / يحملهم على ما هو فعلوه ، لم يدفعهم إليه ، ولا اضطرّهم بل هم على ما هم عليه ، لو لم يكن شيء من ذلك ، ويتوهم كونهم بلا ما ذكرت ، وقد مكّنوا أيضا من مضادات ما عملوا ، فما ذلك إذ لم يضطرّهم ولم يحوّل عنهم حقيقة بما علم كل منهم إنّه مختار مؤثر فاعل ممكّن من التّرك ، لا كخلق سائر الجواهر والأعراض والأوقات والأمكنة التي فيها تقع الأفعال ، وإن لم يحتمل كون شيء من ذلك عذرا لهم أو حجة لم يكن ما نحن فيه حجة أو عذرا ، والله الموفق. والثالث إنه لم يخطر شيء من ذلك ببالهم ولا كانوا عند أنفسهم وقت الفعل إنّهم يفعلون لشيء من ذلك ، فالاحتجاج لما ليس لذلك الفعل عند المحتج باطل ، وكذلك العذر بما لم يكن عند نفسه بالذي يفعل لكان ذلك باطل مضمحل (م ، ح ، ٣٠٩ ، ١)

ـ قالوا (المعتزلة) ... إنّ الصانع حكيم ، والحكيم لا يفعل فعلا يتوجّه عليه سؤال ويلزم حجّة ، بل يزيح العلل كلها ، فلا يكلّف نفسا إلّا وسعها ، ولا يتحقّق الوسع إلّا بإكمال العقل والإقدار على الفعل ، ولا يتمّ الغرض من الفعل إلّا بإثبات الجزاء ، ولتجزى كلّ نفس بما

كسبت ، فأصل التخليق والتكليف صلاح ، والجزاء صلاح ، وأبلغ ما يمكن في كل صلاح هو الأصلح ، وزيادات الدواعي والصوارف والبواعث والزواجر في الشرع ، وتقدير الطاف بعضها خفيّ وبعضها جليّ ، فأفعال الله تعالى اليوم لا تخلو من صلاح وأصلح ولطف ، وافعال الله تعالى غدا على سبيل الجزاء إمّا ثواب أو عوض أو تفضّل (ش ، ن ، ٤٠٥ ، ١٦)

تخليق باليدين

ـ إنّ التخليق باليدين عبارة عن التخليق المخصوص بمزيد الكرامات والتشريف ، وهذا المجموع ما كان حاصلا في غير آدم (ف ، س ، ١٥٧ ، ١٥)

تخيّر

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٠)

ـ تخيّر الشيء واختاره : أخذ خيره ، ونحوه تنخله وانتخله إذا أخذ منخوله (ز ، ك ٤ ، ١٤٦ ، ١٠)

تخيير

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٠)

تداخل

ـ التداخل : عبارة عن دخول شيء في شيء آخر بلا زيادة حجم ومقدار (ج ، ت ، ٨١ ، ٦)

تدبّر

ـ إنّ التدبّر في الحقيقة هو الفكر إذا لم يرد به التأمّل الذي يرجع إلى النظر والروية. وقد علم أنّه لم يأمر بتدبّر القرآن على طريقة الإدراك لغوامضه فليس إلّا ما ذكرناه من الفكر والنظر فيه ، لكي تعلم أحواله (ق ، م ١ ، ١٩٤ ، ١٧)

تدبير

ـ اعلم أنّ التدبير هو فعل مخصوص ، لأنّ ما يقع من الساهي والمستحبّ لا يوصف بذلك ، ولا يوصف به السهو من الفعل ، فلا بدّ أن يكون واقعا من العالم ، ويصير طريقة له في فعله ، فيوصف عند ذلك بأنّه تدبير ، ويضاف غيره إليه مما يتخلّله ، فيقال : أفسد تدبيره أو أصلحه ، فأما على طريق التقييد ، فقد يستعمل في كل فعل يروّيه ويقدّره ، لأنهم كانوا يقولون : قدّر

فلان بناء داره ، ويقولون دبّر بناءها ، فأمّا إذا أطلق فالمراد به ما قدّمناه (ق ، غ ١٤ ، ٤٢ ، ١٣)

تذكّر

ـ إنّ التذكر هو علم في الحقيقة ؛ ولو ولّد ذلك العلم بالمدلول ، لوجب في الابتداء إذا علم الدلالة ، أن يولّد ذلك ، وكان يجب أن يستغني عن فساد ذلك ظاهرا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٤ ، ١٧)

تذكّر النظر

ـ أمّا تذكّر النظر وإن لم يكن سببا لما يفعله من العلوم فهو بمنزلة الدواعي. وقد بيّنا أن المكلّف لا بدّ من حصول الدواعي له (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ١٣)

ترادف

ـ الترادف : يطلق على معنيين : أحدهما الاتّحاد في الصدق ، والثاني الاتّحاد في المفهوم ، ومن نظر إلى الأول فرّق بينهما ، ومن نظر إلى الثاني لم يفرّق بينهما (ج ، ت ، ٨٣ ، ١٨)

تردّد

ـ التردّد ... يحصل من الدواعي المختلفة المنبعثة عن الآراء العقليّة وعن الشهوات والنفرات المتخالفة. فإن لم يوجد ترجيح لطرف حصل التحيّر ، وإن وجد حصل العزم (ط ، م ، ١٦٩ ، ٧)

تردّد الدواعي

ـ يدخل تحت تردّد الدواعي زوال الإلجاء والاستغناء بالحسن عن القبيح (ق ، ت ١ ، ٤ ، ٦)

ـ دخل تحت تردّد الدواعي زوال الإلجاء وزوال الاستغناء بالحسن عن القبيح (ق ، ت ٢ ، ٣٢٤ ، ١)

ترغيب

ـ أمّا الوعد فلا بدّ من أن يتضمّن الترغيب في الفعل الذي علّق الوعد به ، فيحلّ من هذا الوجه محل الأمر ؛ وأمّا الترغيب فيدلّ على إرادة ذلك الفعل ، وكذلك القول في الوعيد ودلالته على كراهة ما علّق به ، لأنّه لا بدّ من كونه زجرا عن الفعل ، ولا يكون زجرا إلّا مع الكراهة ، ولهذه الجملة ، اعتمدنا في عمومها على الزجر والترغيب (ق ، غ ١٧ ، ٢٤ ، ٦)

ترك

ـ قد يوصف البارئ عزوجل بالترك ، وفعله للحركة في الجسم تركه لفعل السكون فيه ، وقال قائلون : لا يجوز أن يوصف البارئ بالترك على وجه من الوجوه (ش ، ق ، ٣٧٧ ، ٥)

ـ قال قائلون بإثبات الترك وأنّه معنى غير التارك ، وأنّه كفّ النفس عن الشيء (ش ، ق ، ٣٧٨ ، ١٥)

ـ قال قائلون بنفي الترك وأنّه ليس بشيء إلّا التارك ، وليس له ترك (ش ، ق ، ٣٧٨ ، ١٧)

ـ ترك الإنسان للشيء معنى لا هو الإنسان ولا هو غيره (ش ، ق ، ٣٧٩ ، ١)

ـ قال" عبّاد بن سليمان" : أقول إنّ ترك الإنسان غير الإنسان ، ولا أقول الترك غير التارك ، لأنّي إذا قلت : الإنسان تارك فقد أخبرت عنه وعن ترك (ش ، ق ، ٣٧٩ ، ٢)

ـ ترك كل شيء غير أخذ ضدّه ، وترك السكون هو

الإقدام على الحركة ، وقال قائلون : ترك الشيء هو أخذ ضدّه (ش ، ق ، ٣٧٩ ، ٧)

ـ لا يجوز على الأفعال المتولّدة الترك ، وهذا قول" عبّاد" و" الجبّائي". وقال قائلون : قد يجوز أن تترك الأفعال المتولّدة ، وأنّ الإنسان قد يترك الكثير من الأفعال في غيره بتركه لسببه (ش ، ق ، ٣٨٠ ، ٤)

ـ قال بعضهم : من الإقدام ما يحتاج إلى خاطر وهو المباشر وكثير من المتولّدات ، وأكثر المتولّدات يستغني عن الخاطر ، ولكن قد أترك لا لخاطر يدعو إلى الترك ، وزعموا أيضا أنّهم يتركون ما لا يعرفونه قط ولم يذكروه (ش ، ق ، ٣٨٠ ، ١٥)

ـ لا أحد يكون بفعل ما لا يجوز له الترك منعما على أحد ، فثبت أن كان ثمّ منه معنى زائد خصّهم به ، وأن ليس التخصيص محاباة كما زعمت المعتزلة ، ولا ترك الإنعام بخل كما قالوا (م ، ت ، ١٤٦ ، ٨)

ـ إنّ معنى الترك هو فعل أحد الضدّين ، وإنّ فعل الشيء هو ترك ضدّه كفعل الإيمان هو ترك الكفر (أ ، م ، ٢٣٠ ، ٣)

ـ ليس معنى الترك التعرّي من الأفعال بل هو أن يفعل ضدّ المتروك (أ ، م ، ٢٣١ ، ١٢)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الترك ممّا يوصف به الحيّ القادر ، ولذلك لا يقال للجماد إنّه تارك لأنّه لم يفعل أحد الضدّين وإنّما يكون تاركا إذا فعل أحد الضدّين فيكون بما فعل من الترك فاعلا لضدّ ما ترك. وكان يقول إنّ سبيل الضدّ والترك سبيل واحد ، وإنّ معنى قولنا" ضد" و" ترك" سواء ، وإنّ كل ترك فضدّ وكل ضدّ ترك ، وإنّ المعدوم لا يكون تركا بل يكون الموجود تركا للمعدوم والمعدوم متروكا به كما أنّه منتف به (أ ، م ، ٢٣٥ ، ٢٠)

ـ إنّ من حكم الفاعل أن يصحّ أن يفعل وأن يصحّ أن لا يفعل ، ولكن في كلى الجانبين لا بدّ من أن تعتبر طريقة مخصوصة. فيقال : قد يصحّ أن يفعل بلا واسطة وبواسطة. وكذلك في أن لا يفعل يصحّ أن لا يفعل بلا واسطة ، ويصحّ أن لا يفعل بواسطة. فإن كان مبتدأ صحّ منه فعله وأن لا يفعله لا بأن تكون هناك واسطة توجد أو لا توجد ، وإن كان متولّدا يصحّ منه فعله بأن يفعل له واسطة ، وأن لا يفعله بأن لا يفعل الواسطة التي هي السبب. وبهذا يتميّز الفاعل من غيره. فلا يجب أن يجري الجميع مجرى واحدا ، وحلّ ذلك محلّ الآلات في الأفعال لأن هذه الأفعال فيها ما يصحّ منّا فعله بلا آلة ، وفيها ما لا يصحّ أن نفعله إلّا بآلة. ثم كانا سواء في إضافتهما إلينا وتعلّقهما بنا. وكذلك الحال في الأفعال على اختلاف أحوالها ، ولسنا نقول إنّ من حقّه أن يصحّ أن نفعله وأن نفعل ضدّه بدلا منه ، لأنّه قد يكون في مقدورات العباد ما لا ضدّ له ولا نقول : كان يصحّ أن نتركه بدلا من أن نفعله ، لأنّ الترك هو الضدّ وأمر زائد عليه. فما لا ضدّ له فلا ترك له (ق ، ت ١ ، ٤٠٣ ، ٨)

ـ اعلم ، أنّ الصحيح فيمن لزمته المعرفة أن يقبح منه الجهل ؛ وكما يستحقّ بفعلها الثواب ، فكذا يستحقّ بفعل الجهل العقاب ؛ وكما يتناولها التكليف في باب الإقدام ، فكذا يتناوله التكليف في باب الامتناع منه. وإن كان المكلّف مأمورا بها ، فهو منهيّ عن الجهل. والأمر في هذا الباب أجمع ، على ما ذكره السائل. لكنّه ظنّ أنّه إذا لم يمكنه أن يعرف الجهل جهلا قبل وقوعه ، لم يصحّ أن يلزمه تركه بفعل المعرفة.

وليس الأمر كما قدّر ، لأنّه إذا عرف طريق المعرفة وهو النظر المخصوص الذي من بيانه أن يولّدها ، صحّ منه إيجادها بإيجاده. وإيجادها على هذا الوجه ، هو ترك للجهل ، لأنّ من حقّه أن يضادّها ، وترك الشيء هو ضدّه على بعض الوجوه. فقد ثبت إذن أنّه يصحّ منه أن يترك الجهل بالمعرفة. فإن قيل : فيجب أن يصحّ منه ترك المعرفة بالجهل أيضا ، ليصحّ أن يكلّف المعرفة. قيل له : وذلك أيضا صحيح منه ، لأنّه يصحّ منه أن يبتدئ فعل الاعتقاد والذي هو جهل ، فيكون بفعله تاركا للاعتقاد الذي هو من جنس المعرفة. ولا يقال : إنّه ترك به المعرفة ، لأنّ من حقّها أن تقع متولّدة. والمباشر لا يكون تركا للمتولّد ، من حيث يجب وجوده بوجوب سببه. ومن حق الترك والمتروك أن يصحّ من القادر ، في كل واحد منهما ، أن يبتدئه وأن يبتدئ ضدّه. لكنّا وإن لم نطلق هذا القول ، فمن جهة المعنى لا نمتنع من أن نقول بأنّه قد ترك بها الجهل ما يضادّه من المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٠ ، ١٤)

ـ بيان حقيقة الترك وما يتّصل بذلك. الذي ذكره شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : أنّه يجب أن يكون جامعا لشروط أربعة : أن يكون القادر على الترك والمتروك واحدا. والوقت الذي يصحّ وجودهما فيه واحدا. وأن يكون بينهما تضادّ. وأن يحلّا في محلّ القدرة عليهما ، فلا يحصل فيهما التعدّي من محل القدرة إلى غير محلّها ، ولا في أحدهما. ولا يكون هذا حالهما إلّا وهما مباشران ، غير متولّدين (ق ، غ ١٤ ، ١٩٧ ، ١٤)

ـ إنّ الترك على الله تعالى لا يجوز ؛ لاستحالة كونه قادرا بقدرة حالّة في محل ولغير ذلك. ولم يذكر رحمه‌الله أنّ كون المحل واحدا هو شرط في الترك والمتروك ، من قوله : إنّ هذه الشروط معتبرة في الترك والمتروك من أفعال الجوارح دون أفعال القلوب ، بل أطلقه إطلاقا ، والغالب على طريقة الاصطلاح ، لا على طريقة اللغة (ق ، غ ١٤ ، ١٩٨ ، ٦)

ـ كان شيخنا أبو إسحاق رحمه‌الله ، يزعم أنّ لفظة الترك في اللغة لا تفيد ما ذكرناه في الاصطلاح ، وإنّما يستعملونها فيمن لا يفعل ما يجوز أن يفعله ، فيقولون فيمن هذا حاله : إنّه تارك لمّا لم يفعل (ق ، غ ١٤ ، ١٩٩ ، ٣)

ـ إنّ في المتكلّمين من قال : إن من لم يفعل القيام وهو واجب عليه ، فلا بدّ من قعود يستحقّ الذمّ به ، وصرف الذمّ الذي يعلمه العقلاء من حال من وجب عليه الشيء فلم يفعله ، إلى ضدّ له قد فعله في جسمه. وفيهم من قال : إنّ الذمّ لا يجب أن ينصرف إلى ذلك ، فعبّر عن ذلك الفعل بأنّه ترك الواجب ليفرّق بينه وبين ما عداه من الأفعال التي لا يتوجّه الذمّ إليه ، إذا هو لم يفعل ما وجب عليه (ق ، غ ١٤ ، ٢٠٢ ، ١٠)

ـ إنّ الترك من المخلوق للفعل فعل ، (برهان ذلك) أنّ ترك المخلوق للفعل لا يكون إلّا بفعل آخر منه ضرورة ، كتارك الحركة لا يكون إلّا بفعل السكون ، وتارك الأكل لا يكون إلّا باستعمال آلات الأكل في مقاربة بعضها بعضا أو في مباعدة بعضها بعضا ، وبتعويض الهواء وغيره من الشيء المأكول ، وكتارك القيام لا يكون إلّا باشتغاله بفعل آخر من قعود أو غيره ، فصحّ أنّ فعل الباري تعالى بخلاف فعل خلقه ، وأنّ تركه للفعل ليس فعلا أصلا (ح ، ف ١ ، ١٤ ، ٩)

ـ إنّ ترك الإنسان للفعل كما بيّنا عرض موجود فيه ، وهو حامل له ، ولو كان لترك الله تعالى للفعل معنى ، لكان قائما به تعالى ، ومعاذ الله من هذا من أن يكون عزوجل حاملا لعرض (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ٢٤)

ـ إنّ الترك عدميّ لأنّه لا فرق بينه وبين" لم يفعل" فليس بمقدور. ولا يقال : فعل الضدّ ، لأنّا نقول : فلم يخل عن ضدّ العالم (خ ، ل ، ٩٧ ، ٦)

ترك الفعل

ـ اعلم أنّ المقصد بترك الفعل ، حال المتروك ، لا حال الترك ، لأنّ تارك الفعل إنّما يتركه لعلّة في المتروك ، لا حال الترك ، لأنّ تارك الفعل إنما يتركه لعلّة في المتروك ، على ما قدّمناه ، ولذلك قلنا متى أمكنه أن يخرج عن فعله بلا ترك ، فلا بدّ من أن يؤثر الترك لداع زائد. فإذا صحّ ذلك ، فيجب أن يكون حكم الترك حكم ألا يفعل ، في الوجوه التي ذكرناها. فيجب إذا ترك الفعل لعلّة من العلل ، أن يكون تاركا في الوقت لكل ما شاركه في تلك العلّة (ق ، غ ١٤ ، ٣٨٦ ، ٧)

ترك للشيء

ـ لمّا لم يكن العجز مضادّا للفعل وإنّما يضادّ القدرة ، وكان الترك للشيء فعل ضدّه ، فكان الباري تعالى لم يزل غير فاعل لشيء على وجه من الوجوه لم يجب بنفي الفعل عنه في أزله عجز ولا ترك (ش ، ل ، ٢٠ ، ٢)

تركيب

ـ التركيب إنّما يصحّ في الجواهر والأجسام. والأعراض لا يصحّ فيها تركيب ولا مماسّة ولا انتقال من مكان إلى مكان (ب ، أ ، ٣٨ ، ٤)

تروك

ـ إنّ التروك كلّها من أفعال القلوب ، وزعم بعضهم في الإقدام مثل ذلك ، وزعم سائرهم أنّ الترك والإقدام يكونان بغير القلب كما يكونان بالقلب (ش ، ق ، ٣٨١ ، ٣)

ـ اعلم أنّ الأفعال والتروك إنّما يجب أن يترتّب بعضها على بعض ، ويترتّب بعضها ببعض ، إذا كانت متعلّقة بالمنافع والمضارّ. ألا ترى أن أحدنا إذا ترك سلوك طريق لأنّ فيه سبعا وجب أن يترك سلوك كل طريق حاله مثل هذا الطريق ، وإلّا لم يكن يترك سلوك الأوّل لأنّ فيه سبعا. وكذلك إذا ترك شرب شيء من الأدوية ، لأنّه يضرّه في عضو من أعضائه ، وجب أن يترك كل ما ساواه في ذلك الوجه من المطعوم والمشروب ، وإلا لم يكن يترك ما ترك لهذا الوجه. وأمّا إذا لم يتعلّق بمنافعه ودفع مضارّه ، لم يجب الترتيب والارتباط ، لا في التروك ولا في الأفعال. ألا ترى أن أحدنا إذا ترك ضرب أحد عبديه وعفا عنه ، لأنّ الاحتمال حسن ، لا يجب أن يترك ضرب الآخر ، وإن كان هذا الوجه حاصلا في ترك ضربه أيضا؟ وكذلك إذا ترك التقاضي لأحد غريميه ترفيها به ، لا يجب أن يترك التقاضي للآخر أيضا ، وإن كان هذا الوجه حاصلا في ترك تقاضيه (ن ، د ، ٢٨٩ ، ٥)

تزايد الصفة

ـ إنّما نحكم بتزايد الصفة إذا وجدت قوّتها من النفس ككوننا مشتهين ونافرين ، أو يحصل لنا

العلم بالمعاني الكثيرة فيقضي بتزايد الصفات. وإن لم يبيّن تزايدها من النفس كما نقوله في كوننا مريدين أو معتقدين وما أشبهها ، أو نثبت هناك حكم بتزايد ، فنتوصّل بتزايده إلى تزايد للصفة كما نقوله في كونه حيّا ، إنّ قوة الإدراك تكشف عن كثرة أجزاء الحياة وعن تزايد حالنا في كوننا أحياء لأنّه ، كما يصحّ أن يتوصّل بكثرة أجزاء الحياة إلى تزايد الصفة الصادرة عنها. فهذا الحكم الذي ذكرناه ينبي عن ذلك أيضا. فإذا ثبت ما قلناه ولم يكن الحدوث مما يستحقّ لمعنى بتزايد ولا كانت قوة موجودة من النفس ولا بالإدراك ، ولا كان هناك حكم يصحّ لأجل تزايده تزايد الحدوث والوجود ، لأنّ حكمه إنّما هو ظهور صفة النفس ، وهذا مما لا نتصوّر تزايده ، فيجب أن نمنع من تزايد هذه الصفة أصلا ، وهذا القدر كاف هاهنا وإن كانت فيه وجوه أخر (ق ، ت ١ ، ٣٧٣ ، ٢٤)

تزكية

ـ إنّ التزكية تفيد المدح والإخبار عن الأحوال الحسنة للمزكّى ، ولا تدلّ على أفعاله ، فهو تعالى يزكّي ، بمعنى أنّه يخبر عن أحوالهم ، وما اختصّوا به من الفضائل ، ولا يدلّ ذلك على أنّه الخالق لأفعالهم (ق ، م ١ ، ١٨٩ ، ١١)

تساو

ـ نحن إنّما اعتبرنا تساوي الجملتين في سائر صفاتهما لنعلم أنّ صحّة الفعل لا تستند إلّا إلى كون من صحّ من قادرا دون صفة أخرى. فإذا علمنا أنّ صحّة الفعل مستندة إلى هذه الصفة وأنّها إنّما ثبتت لأجل تلك الصفة ، حتى لولاهما لما ثبتت ، قلنا بعد ذلك في كل موضع وجد هذا الحكم وجب أن يكون هناك مثل تلك الصفة ، لأنّ طريق الاستدلال بالدلالة لا يختلف. ولو أمكننا أن نعلم هذا الحكم من دون اعتبار التساوي لما اعتبرنا التساوي ، ويمكن أن أحدنا يعلم ضرورة التفرقة بين الجماد وبين الحي ، فيجوز أن يعلم من حال جملتين أنّهما حيّان ، على معنى أنّهما مفارقان للجماد وإن لم يعلم اختصاصهما بحال من الأحوال ؛ فإذا علم أنّهما حيّان على سبيل الجملة فإنّه يمكن أن يعلم أيضا ضرورة افتراقهما في هذا الحكم وهو صحّة الفعل ، ويعلم أنّ ذلك الحكم الذي وقعت به المفارقة لا يجب أن يرجع به إلى ما علم من حالهما جملة وهو ما وقعت به المفارقة بينهما وبين الجماد ، فلا بدّ من أن يرجع به إلى أمر زائد على ذلك. قال الشيخ أبو رشيد : ويمكن أن يقال إنّ هذا الحكم الذي هو صحّة الفعل معلّل ، وإنّه لا يكون معلّلا إلّا بكون الذات قادرا ، بأن قال : قد علمنا أنّ أحدنا محدث لتصرّفه ، وأنّ تصرّفه يحتاج إليه ، وإنّما يحتاج إليه في باب الحدوث. فكما وجب أن يكون احتياجه إليه في صفة من صفاته ، فكذلك وجب أن يكون الاحتياج إلى الواحد منا لكونه ذاتا ، لأنّ كونه ذاتا يبقى بعد كونه ميتا ترابا رميما ، ومع ذلك لا يحتاج الفعل إليه ـ فلا بدّ إذن من أن يكون احتياج الفعل إلى الواحد منا لصفة من صفاته ، ثم نقول إن تلك الصفة ليست إلّا كونه قادرا ، فإذا ذكرت هذه الدلالة على هذا الوجه لم تحتج إلى أن تتبيّن بأن هذه الجملة التي قد صحّ منها الفعل تساويها جملة أخرى في سائر الصفات إلّا في هذا الحكم (ن ، د ، ٤٧١ ، ١٠)

تسبيح

ـ والتسبيح هو التنزيه ، ويدلّ على أنّه تعالى منزّه عمّا لا يليق بذاته وفعله ، على ما نقوله من أنّه لا يفعل القبيح (ق ، م ٢ ، ٧٠٤ ، ١١)

ـ إنّ التسبيح في اللغة التي بها نزل القرآن وبها خاطبنا الله عزوجل هو تنزيه الشيء عن السوء ، وبلا شكّ إنّ الله تعالى أمرنا أن ننزّه اسمه الذي هو كلمة مجموعة من حروف الهجاء عن كل سوء حيث كان من كتاب أو منطوقا به (ح ، ف ٥ ، ٢٨ ، ١٢)

تجسّد

ـ أمّا من قال منهم" تجسّد" فلا تصحّ هذه العبارة على موضوع قولهم ، لأنّهم لا يثبتون اللاهوت جسدا عند الاتّحاد ، إلّا اليعقوبية إذا قالت إنّهما صارا شيئا واحد ، ومتى قالوا ذلك لم يمكنهم إثباته متّحدا ، لأنّ جسد المسيح بعد ما ادّعوه من الاتّحاد كما كان من قبل ، فلا فرق بين أن يقولوا" تجسّد" وبين أن يقولوا في سائر الأقانيم ، إن يقولوا ، إنّه تجسّد بسائر الأجسام. وما أدّى إلى ذلك وجب فساده (ق ، غ ٥ ، ١٤٢ ، ٨)

تسديد

ـ قال قائلون : التوفيق هو الحكم من الله أنّ الإنسان موفّق وكذلك التسديد (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١٤)

ـ قال" جعفر بن حرب" : التوفيق والتسديد لطفان من ألطاف الله سبحانه لا يوجبان الطاعة في العبد ولا يضطرّانه إليها ، فإذا أتى الإنسان بالطاعة كان موفّقا مسدّدا (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١٥)

ـ يقال لهم (المعتزلة) : أليست استطاعة الإيمان نعمة من الله عزوجل وفضلا وإحسانا؟ فإذا قالوا : نعم. قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون توفيقا وتسديدا فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. ويقال لهم : فإذا كان الكافرون قادرين على الإيمان فما أنكرتم أن يكونوا موفّقين للإيمان ، ولو كانوا موفّقين مسدّدين لكانوا ممدوحين ، وإذا لم يجز ذلك لم يجز أن يكونوا على الإيمان قادرين ، ووجب أن يكون الله عزوجل اختصّ بالقدرة على الإيمان المؤمنين (ش ، ب ، ١٣٦ ، ٨)

تسمية

ـ إنّ الوصف هو الصفة وإنّ التسمية هي الاسم (ش ، ق ، ٥٢٩ ، ١٤)

ـ قد تسمّى الأشياء باسم أسبابها ، والأسباب باسم الأشياء. وذلك ظاهر معروف في اللغة ، غير ممتنع تسمية الشيء باسم سببه ، والله أعلم (م ، ت ، ١٢٥ ، ١٠)

ـ يراد بالتسمية التعريف وإفهام المراد ، فأيّ شيء يعمل ذلك كفى ، ولا يعرف الاسم بالعقل والقياس (م ، ح ، ١٦ ، ١٦)

ـ أمّا المعروف من مذهبه (الأشعري) في معنى الاسم والذي نصّ عليه في كثير من كتبه منها النقض على الجبّائي والبلخي أنّ الاسم ليس هو المسمّى ، على خلاف ما ذهب إليه المتقدّمون من أصحاب الصفات. فمن ذلك ما قال في كتاب نقص أصول الجبّائي إنّ أسماء الله تعالى صفاته ، ولا يقال لصفاته هي هو ولا غيره. وليس هذا المذهب من مذهب المعتزلة القائلين بأنّ الاسم هو التسمية فقط في شيء ، لأنّ التسمية عنده اسم للمسمّى وما عداها أيضا

اسم له ، كنحو ما ذكر من العلم والقدرة. ونقض في كتاب التفسير على الجبّائي إنكاره على من ذهب من قدماء أصحاب الصفات إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وقال في عقب ذلك : " إنّي لم أنكر عليه ذلك لأجل أنّي أذهب إلى أنّ الاسم هو المسمّى ، وإنّما أنكرت ذلك لأنّه قصد أن يفسد ذلك بما لا يصحّ على مذهبه ولا يطّرد على قواعده". فعلى هذا الأصل تحقيق مذهبه أنّ كل تسمية اسم وليس كل اسم تسمية (أ ، م ، ٣٨ ، ٢١)

ـ التسمية ترجع عند أهل الحق إلى لفظ المسمّى الدّال على الاسم ، والاسم لا يرجع إلى لفظه ، بل هو مدلول التسمية (ج ، ش ، ١٣٥ ، ٣)

ـ ذهبت المعتزلة إلى التسوية بين الاسم والتسمية ، والوصف والصفة ، والتزموا على ذلك بدعة شنعاء ، فقالوا : لو لم تكن للباري في الأزل صفة ولا اسم ، فإنّ الاسم والصفة أقوال المسمّين والواصفين (ج ، ش ، ١٣٥ ، ١٠)

تشابه

ـ التشابه هو الواقع تحت قدر من جوهر أو صفة أو حدّ (م ، ح ، ١٢٦ ، ٢١)

ـ التشابه والاختلاف أبدا تقع في الأغيار ، وجملة ذلك أنّا نجد فعل العبد من الوجه الذي عليه أمر العالم لله ، فثبت أنّ خالق العالم كلّه واحد ، وإنّما يجعل للعبد لا من ذلك الوجه (م ، ح ، ٢٥٠ ، ٦)

ـ حقيقة التماثل والتشابه هو أنّ كل جسمين اشتبها فإنّما يشتبهان بصفة محمولة فيهما أو بصفات فيهما ، وكل عرضين فإنّما يشتبهان بوقوعهما تحت نوع واحد كالحمرة والحمرة أو الحمرة والخضرة ، وهذا أمر يدرك بالعيان ، وأوّل الحسّ والعقل (ح ، ف ٢ ، ١٥٣ ، ١١)

ـ إنّ الاشتراك في الأسماء لا يقع من أجله التشابه ، ألا ترى أنّك تقول الله الحيّ والإنسان حيّ والإنسان حليم كريم عليم والله تعالى حليم كريم عليم ، فليس هذا يوجب اشتباها بلا خلاف ، وإنّما يقع الاشتباه بالصفات الموجودة في الموصوفين ، والفرق بين الفعل الواقع من الله عزوجل والفعل الواقع منّا هو ، إنّ الله تعالى اخترعه وجعله جسما أو عرضا أو حركة أو سكونا أو معرفة أو إرادة أو كراهية ، وفعل عزوجل كل ذلك فينا بغير معاناة منه ، وفعل تعالى لغير علّة ، وأمّا نحن فإنّما كان فعلا لنا لأنّه عزوجل خلقه فينا ، وخلق اختيارنا له ، وأظهره عزوجل فينا محمولا لاكتساب منفعة أو لدفع مضرّة ، ولم نخترعه نحن (ح ، ف ٣ ، ٢٥ ، ١٣)

تشبيه

ـ بيّنا من قبل إبطال قول من قال إنّ إجراء الأسماء والأوصاف على القديم تعالى يوجب تشبيه بخلقه ، ودللنا على أنّ التشبيه لا يقع بما هذه حاله ، وإنّما يقع بالاشتراك في صفات النفس ، وإنّما يحصل المشبّه مشبّها له تعالى متى اعتقد فيه أنّه بمنزلة الجوهر أو بعض الأعراض فيما يرجع إلى ذواتهما. وبيّنا أن هذا القائل لا يمكنه أن يعتمد في قوله على هذه العلّة ، لأنّه يجوز أن يسمّى تعالى بأسماء يستحقّها ويختصّ بها من غير إذن ، نحو الوصف له بأنّه قديم أو منشئ مقدّر محيي إلى ما شاكله ؛ فالتعلّق بذلك لا يصحّ (ق ، غ ٥ ، ١٧٩ ، ١٢)

ـ لا يجب ، إذا وصفناه بأنّه قادر (الله) والواحد منّا بذلك ، التشبيه ؛ لأنّه يستحقّ هذه الصفة

لنفسه والواحد منّا لعلّة. وإنّما يجب التشبيه بين الشيئين إذا اشتركا في صفة واحدة من صفات النفس. فأمّا وجوب التشبيه بالصفتين المختلفتين للنفس أو بمثلين ، لعلّة أو لا لعلّة ، ولا للنفس أو للنفس ، في أحدهما دون الآخر ، فلا يجب. هذا هو الذي نعتمده (ق ، غ ٥ ، ٢٠٥ ، ٧)

ـ قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : إنّما لم يجب بذلك التشبيه لأنّ المثبت بوصفنا لله تعالى بأنّه قادر ذاته ، والمثبت بوصفنا لزيد بأنّه قادر القدرة ؛ فلما اختلف المثبت بالوصفين لم يجب به تشبيه. وقد بيّنا في باب الصفات أن حقائق الأوصاف لا تتغيّر ولا تختلف في الشاهد والغائب ، وأن وصف القادر بأنّه قادر يفيد فيه وفينا الحال التي بها يبيّن القادر من غيره (ق ، غ ٥ ، ٢٠٥ ، ١١)

ـ إنّ التشبيه إنّما يكون بالمعنى الموجود في كلا المشتبهين لا بالأسماء ، وهذه التسمية إنّما هي اشتراك في العبارة فقط لأنّ الفاعل من متحرّك باختيار أو باضطرار أو عارف أو شاك أو مريد أو كان باختيار أو ضمير أو اضطرار ، كذلك فكل فاعل منّا فمتحرّك وذو ضمير ، وكل متحرّك فذو حركة تحرّكه ، وأعراض الضمائر انفعالات ، فكل متحرّك فهو منفعل ، وكل منفعل فلفاعل ضرورة ، وأمّا الباري تعالى ففاعل باختيار واختراع لا بحركة ولا بضمير ، فهذا اختلاف لا اشتباه وبالله تعالى التوفيق (ح ، ف ٢ ، ١٢٠ ، ٣)

تشكيك

ـ التشكيك تردّد بين معتقدين ، والنظر بغية للحقّ. فهو إذا مضادّ للعلم وجملة أضداده (ج ، ش ، ٢٧ ، ٨)

تصديق

ـ إنّ محل التصديق القلب ، وهو : أن يصدق القلب بأنّ الله إله واحد ، وأنّ الرسول حق ، وأن جميع ما جاء به الرسول حق ، وما يوجد من اللسان وهو الإقرار ، وما يوجد من الجوارح وهو العمل ، فإنّما ذلك عبارة عمّا في القلب ، ودليل عليه (ب ، ن ، ٥٥ ، ١٥)

ـ إنّ التصديق ، إذا تجرّد عن قرينة ودلالة ، فالواجب حمله على ما وضع له ، (حتى لا يجوز ، والحال هذه ، خلافه. وإنّما يجوز ، في ظاهر الكلام ، أن يراد به المجاز والاستعارة إذا قارنته) الدلالة. فأمّا إذا تجرّد فلا يجوز عندنا فيه ذلك ؛ لأنّا لو جوّزنا خلافه لم يصح أن نفهم بخطابه ، جلّ وعزّ ، شيئا ، ولا أوجب ذلك كون خطابه تعالى قبيحا. فإذا صحّ ذلك في التصديق فالواجب مثله في المعجز ؛ بل المعجز في بابه أقوى من التصديق ؛ لأنّ طريقة المواضعة فيه كطريقة الحقيقة ، ولا يدخله المجاز. فيجب أن يكون مشبّها بالكلام ، لو لم يصحّ دخول المجاز فيه (ق ، غ ١٥ ، ١٧٢ ، ١٩)

ـ أمّا التصديق فإنّما يتعلّق بالخبر ، لا بالمخبر. فلا يجوز أن يكون طريقا للعلم بالمخبر عنه. وإذا صحّ ذلك فلا فرق بين أن يضامّه التصديق أو لا يضامه ، كما أنّ العلم المكتسب ، لمّا وقع عن النظر في الدليل ، لم يكن بتصديق الغير به اعتبار ؛ لأنّ الدليل له تعلّق بالمدلول ، دون التصديق (ق ، غ ١٥ ، ٤٠٢ ، ١٢)

ـ التصديق بالشيء أي شيء كان لا يمكن البتّة أن يقع فيه زيادة ولا نقص ، وكذلك التصديق بالتوحيد والنبوّة لا يمكن البتّة أن يكون فيه زيادة ولا نقص (ح ، ف ٣ ، ١٩٣ ، ١٢)

ـ إنّ معنى التصديق إنّما هو أن يقطع ويوقن بصحّة وجود ما صدّق به ، ولا سبيل إلى التفاضل في هذه الصفة ، فإن لم يقطع ولا أيقن بصحّة فقد شكّ فيه فليس مصدّقا به ، وإذا لم يكن مصدّقا به فليس مؤمنا به ، فصحّ أنّ الزيادة التي ذكر الله عزوجل في الإيمان ليست في التصديق أصلا ، ولا في الاعتقاد البتّة ، فهي ضرورة في غير التصديق ، وليس هاهنا إلّا الأعمال فقط (ح ، ف ٣ ، ١٩٣ ، ٢١)

ـ الإيمان والتصديق ، وهو أن يعلم قطعا أنّ هذه الألفاظ أريد بها معاني تليق بجلال الله تعالى ، وأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صادق في وصف الله تعالى به ، فليؤمن بذلك ، وليوقن بأنّ ما قاله صدق وما أخبر عنه حقّ لا ريب فيه وليقل : آمنّا وصدّقنا. وإنّ ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسوله فهو كما وصفه ، فهو حق بالمعنى الذي أراده ، وعلى الوجه الذي قاله وإن كنت لا أقف على حقيقته ، فإن قلت : التصديق إنّما يكون بعد التصوّر ، والإيمان إنّما يكون بعد التفهّم ، فهذا الألفاظ إذا لم يفهم العبد معانيها كيف يعتقد صدق قائلها فيها؟

فجوابك أنّ التصديق بالأمور الجملية ليس بمحال ، وكل عاقل يعلم أنّه أريد بهذه الألفاظ معان ، وأن كل اسم فله مسمّى ، إذا نطق به من أراد مخاطبة قوم ، قصد ذلك المسمّى ، فيمكنه أن يعتقد كونه كاذبا مخبرا عنه على ما هو عليه ، فهذا معقول على سبيل الإجمال ، بل يمكن أن يفهم من هذه الألفاظ أمور جملية غير مفصّلة ، ويمكن التصديق بها كما لو قال قائل : في البيت حيوان أمكن أن يصدّق دون أن يعرف أنّه إنسان أو فرس أو غيره ، بل لو قال : فيه شيء أمكن تصديقه وإن لم يعرف ذلك الشيء. فكذلك من سمع الاستواء على العرش ، فهم على الجملة أنّه أريد بذلك نسبة خاصة للعرش ، فيمكنه التصديق قبل أن يعرف أنّ تلك النسبة هي نسبة الاستقرار عليه ، أو الإقبال على خلقه وإيجاده ، أو الاستيلاء ، أو معنى آخر من معاني النسبة ، فأمكن التصديق به (غ ، أ ، ٥١ ، ٢)

ـ التصديق إنّما يتطرّق إلى الخبر ، وحقيقته الاعتراف بوجود ما أخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن وجوده (غ ، ف ، ٥٧ ، ١٢)

ـ اختلف جواب أبي الحسن رحمه‌الله في معنى التصديق ، فقال مرّة هو المعرفة بوجود الصانع وإلاهيته وقدمه وصفاته ، وقال مرّة التصديق قول في النفس يتضمّن المعرفة ثم يعبّر عن ذلك باللسان ، فيسمّي الإقرار باللسان أيضا تصديقا ، والعمل على الأركان أيضا من باب التصديق بحكم الدلالة ، أعني دلالة الحال ، كما أنّ الإقرار تصديق بحكم الدلالة ، أعني دلالة المقال ، فكان المعنى القائم بالقلب هو الأصل المدلول ، والإقرار والعمل دليلان (ش ، ن ، ٤٧٢ ، ٢)

ـ إذا أدركنا حقيقة فإمّا أن نعتبرها من حيث هي هي من غير حكم عليها لا بالنفي ولا بالإثبات وهو التصوّر ، أو نحكم عليها بنفي أو إثبات وهو التصديق (ف ، م ، ٢٥ ، ٦)

ـ التصوّر هو إدراك الماهيّة من غير أن تحكم عليها بنفي أو إثبات ، كقولك الإنسان فإنّك تفهم أولا معناه ، ثم تحكم عليه إمّا بالثبوت وإمّا بالانتفاء. فذلك الفهم السابق هو التصوّر ، والتصديق هو أن تحكم عليه بالنفي أو الإثبات (ف ، أ ، ١٩ ، ٦)

ـ عندهم (الحكماء) أنّ التّصديق هو الحكم

وحده ، من غير أن يدخل التّصوّر في مفهومه ، دخول الجزء في الكلّ. والتّصوّر هو الإدراك السّاذج. فكأنّهم قسّموا المعاني إلى نفس الإدراك وإلى ما يلحقه ، وقسّموا ما يلحقه إلى ما يجعله محتملا للتّصديق والتّكذيب ، وإلى ما لا يجعله كذلك. كالهيئات اللاحقة به في الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمنّي ، وغير ذلك. وسمّوا القسمين الأوّلين بالعلم (ط ، م ، ٦ ، ٧)

ـ قيل : نجد النفس طالبة لتصوّر الملك والروح.

ـ قلنا : تفسير اللفظ ، أو طلب البرهان على وجودهما ، وهو تصديق (خ ، ل ، ٣٤ ، ٥)

ـ الإدراك : تمثيل حقيقة الشيء وحده من غير حكم عليه بنفي أو إثبات ويسمّى تصوّرا ومع الحكم بأحدهما يسمّى تصديقا (ج ، ت ، ٣٦ ، ٤)

ـ التصديق : هو أن تنسب باختيارك الصدق إلى المخبر (ج ، ت ، ٨٧ ، ١٥)

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأول إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٣ ، ١٧)

ـ الإدراك به (العقل) إن عري عن حكم فتصوّر ، وإن لم يعرّ فتصديق (ق ، س ، ٥٣ ، ١٧)

تصديق بأدلة خطابية

ـ التصديق بالأدلّة الخطابية ، أعني القدرة التي جرت العادة باستعمالها في المحاورات والمخاطبات الجارية في العادات. وذلك يفيد في حق الأكثرين تصديقا ببادئ الرأي وسابق الفهم ، إن لم يكن الباطن مشحونا بالتعصّب وبرسوخ اعتقاد على خلاف مقتضى الدليل ، ولم يكن المستمع مشغوفا بتكلّف المماراة والتشكّك ، ومنتجعا بتحديق المجادلين في العقائد ، وأكثر أدلّة القرآن من هذا الجنس (غ ، أ ، ١٠٨ ، ١٠)

تصديق بمجرد السماع

ـ التصديق بمجرّد السماع ممّن حسن فيه الاعتقاد بسبب كثرة ثناء الخلق عليه ، فإنّ من حسن اعتقاده في أبيه وأستاذه ، أو في رجل من الأفاضل المشهورين قد يخبره عن شيء كموت شخص أو قدوم غائب أو غيره ، فيسبق إليه اعتقاد جازم وتصديق بما أخبر عنه ، بحيث لا يبقى لغيره مجال في قلبه. ومستنده حسن اعتقاده فيه (غ ، أ ، ١٠٩ ، ٣)

تصديقات

ـ أمّا التصديقات فإن كانت أوليّة فالجمع بين تصوّري طرفيها مكتسب ... وما يحصل بتوسيط اكتساب فتحصيله مكتسب وإن كان بعد الحصول ضروريّا (ط ، م ، ٥٥ ، ٣)

ـ إنّ التصوّرات يمكن أن تكون كسبيّة ، والتصديقات الموقوفة عليها ضروريّة (ط ، م ، ١٦١ ، ٣)

ـ أمّا التصديقات فليس هكذا كلّها بديهيّا ، وهو بديهيّ ، ولا نظريّا ، وإلّا لدار أو تسلسل ، والبديهيّ منها إمّا وجدانيّات ، وليست مشتركة ، فنفعها قليل ، أو بديهيّات ، أو حسّيّات ؛ وقد اختلف فيها (خ ، ل ، ٣٤ ، ٢٠)

تصديقات بديهية

ـ التصديقات البديهية كقولنا النفي والإثبات لا يجتمعان ولا يرتفعان (ف ، أ ، ١٩ ، ١٠)

تصديقات كسبية

ـ التصديقات الكسبيّة كقولنا الإله واحد والعالم محدث (ف ، أ ، ١٩ ، ١١)

تصرّف

ـ إنّا نريد بقولنا : يجب وقوعه (تصرفنا) عند قصدنا وداعينا ، أنّه يستمرّ لمكان الداعي (ن ، د ، ٢٩٧ ، ١٠)

ـ إنّ تصرّفنا يحصل على أحكام ، وتلك الأحكام لا تحصل له إلّا عند أحوالنا من كوننا مريدين له أو كارهين له ، وعالمين ، فيجب أن يحتاج إلى أحوالنا ، فإذا احتاج إلى أحوالنا فقد احتاج إلينا (ن ، د ، ٣٠٠ ، ٥)

ـ إنّ العلم بكون التصرّف فعلا لفاعله مرتبتان : إحداهما : احتياجه إليه ، والثاني : وجه الحاجة. أمّا الأولى فإنّ العلم بها معلوم ضرورة أو جار مجرى الضرورة ، وذلك لأنّ أحدنا إذا شاهد المتصرّف وعلم قصده وداعيه وعلم أنّه يقع بحسب قصده وداعيه على وجه لولاه ولو لا قصده وداعيه لما وقع ، حصل له العلم باحتياجه إليه (ن ، د ، ٣٢٩ ، ١)

ـ اعلم أنّ للعلم بكون التصرّف فعلا لفاعله مرتبتين : إحداهما : أن نعلم حاجة التصرّف إلى المتصرّف في الأصل ، والثانية : أن نعلم وجه الحاجة (ن ، د ، ٣٤٠ ، ١)

ـ إنّ التصرّف يثبت احتياجه إليه : إمّا ضرورة وإمّا استدلالا ؛ ومعنى الاحتياج هو ثبوت التأثير فيه على معنى أنّه لولاه لم يثبت. ومعلوم أن هذا التأثير لا يجوز أن يرجع به إلى ذواتنا ، بل لا بدّ أن يرجع به إلى أحوالنا (ن ، د ، ٤٨٣ ، ١١)

تصرّف الساهي والنائم

ـ في أنّ تصرّف الساهي والنائم كتصرّف العالم في أنّه حادث من جهته ، الذي يدلّ على ذلك أنّه يقع منه على الحدّ الذي يقع منه في حال يقظته ، ولو لم يكن فعلا لم يجب ذلك فيه. كما لا يجب في تصرّف غيره أن يقع بحسب ما كان يقع منه في حال يقظته ، في القدر. وكما لا يجوز أن يقال : إنّ وقوع تصرّف العالم بحسب قصده على طريقة واحدة إنّما هو ، لعادة ، من فعل غيره ؛ فكذلك لا يجوز أن يقال : إنّ للعادة صار تصرّفه في حال نومه كتصرّفه في حال يقظته ، لأنّ ذلك مستمرّ على طريقة واحدة (ق ، غ ٨ ، ٤٨ ، ٢)

تصرّف النائم

ـ إنّ تصرّف النائم فعله. فمما يدلّ عليه أيضا ، أنّ المعلوم من حاله أنّه لو كان منتبها وبتصرّفه عالما ، لوجب وقوعه بحسب قصده. ولا يجب ذلك في تصرّف غيره لو كان عالما ، فيجب أن يكون لتصرّفه معه من الحكم ما ليس لتصرّف غيره ، فيجب كونه فعلا له وحادثا من جهته (ق ، غ ٨ ، ٥٦ ، ٨)

تصرّفات

ـ الذي يدلّ على أنّ هذه التصرّفات يجب وقوعها بحسب قصدنا ودواعينا هو ، أنّ أحدنا إذا دعاه الداعي إلى القيام ، حصل منه القيام على طريقة واحدة ووتيرة مستمرّة ، بحيث لا يختلف الحال فيه. وكذلك فلو دعاه الداعي إلى الأكل بأن

يكون جائعا وبين يديه ما يشتهيه ، فإنّه يقع منه الأكل على كل وجه ، ولا يختلف الحال في ذلك. وهذه أمارة كونه موقوفا على دواعينا ويقع بحسبها. وكما أنّها تقع بحسب دواعينا وتقف عليها ، فقد تقف على قصودنا أيضا ، وعلى آلاتنا ، وعلى الأسباب الموجودة من قبلنا ، ألا ترى أنّ قوله : محمد رسول الله ، لا تنصرف إلى محمد بن عبد الله دون غيره من المحمدين ولا يكون خبرا عنه إلّا بقصده ، وكذلك الكتابة لا تحصل منه إلّا إذا علمها ، ولا يكفي ذلك حتى يكون مستكملا للآلات التي تحتاج الكتابة إليها نحو القلم وغيره ، وأيضا فإنّ الألم يقع بحسب الضرب الموجود من جهته ، يقلّ بقلّته ويكثر بكثرته ، فصحّ حاجة هذه التصرّفات إلينا وتعلّقها بنا على الحدّ الذي ادعيناه (ق ، ش ، ٣٣٨ ، ٤)

ـ إنّ تصرفاتنا تحتاج إلينا فلأنّها تقع بحسب قصدنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصارفنا ، مع سلامة الأحوال إما محقّقا وإمّا مقدّرا ، فيجب أن تحتاج إلينا ، وإلّا لما وجبت فيها هذه القضية. ألا ترى أنّ تصرّف الغير لمّا لم يحتج إلينا لم تجب فيه هذه القضية ، لأنّا ربما نريد من الغير أن يقوم ، فلا يقوم ، بل يقعد ، وربما نريد منه القعود ، فيقوم (ن ، د ، ٢٩٦ ، ١٠)

تصميد

ـ صار التصميد في الاصطلاح العرفيّ عبارة عن التنزيه ، والذي قال عليه‌السلام حق لأنّ من أشار إليه أي أثبته في جهة كما تقوله الكراميّة ، فإنّه ما صمّده لأنّه ما نزّهه عن الجهات بل حكم عليه بما هو من خواص الأجسام ، وكذلك من توهّمه سبحانه أي من خيّل له في نفسه صورة أو هيئة أو شكلا فإنّه لم ينزّهه عمّا يجب تنزيهه عنه (أ ، ش ٣ ، ٢٠٤ ، ٧)

تصوّر

ـ إنّ التصوّر والتوهّم يرجع بهما إلى الظنّ (ق ، ت ٢ ، ٨٠ ، ٣)

ـ إنّ التصوّر إذا أريد به التخيّل والظنّ ، فكأنّك قلت : إنّه لا يصحّ أن يلزمه معرفة ما لا يظنّه. وقد علمنا أنّ تقدّم ظنّه ، وأن لا يتقدّم ، بمنزلة واحدة في أنّه لا يؤثّر في صحّة إيجاد المعرفة منه ، لأنّه ليس من شرط صحّة وجودها تقدّم ظنّ يخالفها ؛ ولا فرق بين من قال ذلك ، وبين من يقول : إنّ من شرط صحّتها تقدّم جهل يخالفها. وإن أردت بالتصوّر أن يعلم أمثال ذلك المعلوم ، فهذا أيضا مما لا يجب ؛ لأنّه يعلم أن ما يلزمه أن يعرفه قد يكون مما له مثل ، وقد يكون مما لا مثل له ؛ فلا يصحّ إذن ثبوت هذه الشريطة فيه. وإن أردت به أنّه يجب أن يعلم نفس المعلوم حتى يصحّ أن يكلّف المعرفة به ، فهذا متناقض ؛ لأنّه إذا علمه فقد استغنى عن المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٦ ، ١١)

ـ وبعد ، فإنّ التصوّر اعتقاد مخصوص ، فإذا صحّ أن يفعل ذلك وإن لم يتقدّم منه تصوّر آخر ؛ فهلا صحّ أن يبتدئ بالمعرفة من دون أن يتقدّم منه التصوّر؟ وهذا واضح البطلان. على أنّ العاقل لا يلزمه النظر إلّا وقد تصوّر الاعتقادات كيف تكون ، ومفارقتها في الجملة لسائر أفعال القلوب وأفعال الجوارح. وإنّما يجب فيمن لزمه الشيء أن يتصوّر ما لزمه ، ويفصل بينه وبين غيره. فأمّا تصوّر سائر ما يتعلّق به ، فغير واجب ذلك فيه. وهذا الذي ذكرناه الآن ، مما

يمكن أن يقوّي به أصل الكلام في تكليف المعارف. وذلك أنّ سائر ما يكلّف العبد ، لا يجب أن يعرفه بعينه ، ويفصل بين أجناسه وأحواله الراجعة إلى آحاده. وإنّما ينتفي أن يعرفه بصفة يميّزه بها عن غيره ، لأنّ العلم بحقائق ما يلزمه من الصلاة والصيام والإرادات والكراهات مما يختصّ به أهل الكلام دون غيرهم فلا يجوز أن يتعلّق تكليف العقلاء بذلك ، وإنّما يجب أن يعرفوا حمل هذه الأمور ومفارقتها بالصفات لغيرها ، لأنّ عند ذلك يتمكّنون من أداء ما لزمهم على الحدّ الذي وجب. فكذلك القول فيمن تلزمه المعرفة أنّه يجب في الجملة أن يكون قد عرف المعارف وفصل بينها وبين خلافها من الاعتقادات التي لا تسكن نفسه إليها ولا تفارق حاله بها لحال الظانّ والمبخّت الشاكّ. فإذا علم ذلك في الجملة ، وعلم أنّ كل اعتقاد يقع على طريقة المعرفة فمن حقّه أن يكون حسنا ، وعلم أنّ ما يقع من خلافه كالجهل فمن حقّه أن يكون قبيحا ؛ فإذا لزمه النظر وعلم في الجملة أنّ النظر إنّما يلزم ليوصل به إلى الكشف لا لنفسه ، وعلم أنّه لا يؤدّي إلّا إلى المعرفة أو إلى ما يجري مجراها ؛ فقد حصل هذا المكلّف متصوّرا ، للفرق بين ما يلزمه وبين ما يقبح فعله منه على الجملة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٧ ، ٦)

ـ إذا أدركنا حقيقة فإمّا أن نعتبرها من حيث هي هي من غير حكم عليها لا بالنفي ولا بالإثبات وهو التصوّر ، أو نحكم عليها بنفي أو إثبات وهو التصديق (ف ، م ، ٢٥ ، ٦)

ـ التصوّر هو إدراك الماهيّة من غير أن تحكم عليها بنفي أو إثبات ، كقولك الإنسان فإنّك تفهم أولا معناه ، ثم تحكم عليه إمّا بالثبوت وإمّا بالانتفاء. فذلك الفهم السابق هو التصوّر ، والتصديق هو أن تحكم عليه بالنفي أو الإثبات (ف ، أ ، ١٩ ، ٤)

ـ عندهم (الحكماء) أنّ التّصديق هو الحكم وحده ، من غير أن يدخل التّصوّر في مفهومه ، دخول الجزء في الكلّ. والتّصوّر هو الإدراك السّاذج. فكأنّهم قسّموا المعاني إلى نفس الإدراك وإلى ما يلحقه ، وقسّموا ما يلحقه إلى ما يجعله محتملا للتّصديق والتّكذيب ، وإلى ما لا يجعله كذلك. كالهيئات اللاحقة به في الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمنّي ، وغير ذلك. وسمّوا القسمين الأوّلين بالعلم (ط ، م ، ٦ ، ٨)

ـ قد بان أنّ التصوّر إمّا بديهيّ ، أو حسّيّ ، أو وجدانيّ ، أو ما يركّبه العقل ، أو الخيال منها ، والاستقراء يحقّقه (خ ، ل ، ٣٤ ، ٦)

ـ الإدراك : تمثيل حقيقة الشيء وحده من غير حكم عليه بنفي أو إثبات ويسمّى تصوّرا ومع الحكم بأحدهما يسمّى تصديقا (ج ، ت ، ٣٦ ، ٤)

ـ التصوّر : هو إدراك الماهيّة من غير أن يحكم عليها بنفي أو إثبات (ج ، ت ، ٨٧ ، ١٤)

ـ الإدراك به (العقل) إن عري عن حكم فتصوّر ، وإن لم يعرّ فتصديق (ق ، س ، ٥٣ ، ١٧)

تصوّر مكتسب

ـ ما يركّبه الخيال ، كتصوّر جبل من ياقوت أو إنسان يطير. وما يركّبه العقل ، كالحيوان النّاطق ، أو الموجود الواحد. وما يركّبانه معا ، كالسّواد الواحد ، والحرارة الكلّية. والحدود ممّا يركّبه العقل. واعترف هاهنا بتصوّر المركّب الّذي يركّبه العقل ، ولا يراد

بالتّصوّر المكتسب غير نوع من ذلك (ط ، م ، ١٠ ، ٥)

تصوّرات

ـ إنّ التصوّرات يكمن أن تكون كسبيّة ، والتصديقات الموقوفة عليها ضروريّة (ط ، م ، ١٦١ ، ٢)

ـ لا شيء من التصوّرات بمكتسب لوجهين : أ : إنّ المطلوب إن كان مشعورا به ، امتنع طلبه لحصوله ، وإلّا الذهول عنه ، وإن كان من وجه دون وجه ، امتنع لحصول أحدهما الذهول عن الآخر. ولقائل أن يقول : ليس المطلوب الوجه. ب : تعريف الماهيّة ليس بنفسها ، وإلّا تقدّم العلم بها على العلم بها ، لأنّ المعرّف قبل المعرّف ؛ ولا بالخارج لجواز اشتراك المختلفات في لازم ، فيتوقّف على معرفة اختصاصه بها دون غيرها فيلزم تصوّرها وهو دور ، وتصوّر غيرها ، ولا يتناهى (خ ، ل ، ٣٣ ، ٤)

تصوّرات بديهية

ـ التصوّرات البديهيّة مثل تصوّرنا لمعنى الحرارة والبرودة (ف ، أ ، ١٩ ، ٩)

تصوّرات كسبية

ـ التصوّرات الكسبيّة مثل تصوّرنا لمعنى الملك والجنّ (ف ، أ ، ١٩ ، ٩)

تضاد

ـ قال" النظّام" : الأعراض لا تتضادّ والتضادّ إنّما هو بين الأجسام كالحرارة والبرودة والسواد والبياض والحلاوة والحموضة وهذه كلها أجسام متفاسدة يفسد بعضها بعضا ، وكذلك كل جسمين متفاسدين فهما متضادّان (ش ، ق ، ٣٧٦ ، ٦)

ـ معنى التضادّ استحالة اجتماع المعنيين في محلّ من جهة الحدوث فقط لا معنى آخر (أ ، م ، ١١١ ، ٨)

ـ إنّ معنى التضادّ هو التنافي ، وذلك يرجع في الحقيقة إلى ما ذكرنا من استحالة اجتماعهما من جهة الحدوث في محلّ. وليس يريد بالتنافي أنّ أحد العرضين ناف لصاحبه ، لأنّ عنده (الأشعري) أنّ شيئا من الأعراض لا يصحّ عليه البقاء ، وإنّ ما يعدم منه وينتفي فإنّما يعدم وينتفي لا بضدّ ، بل حكمه أن يعدم في الثاني لا محالة ، ويستحيل أن يوجد حالين ووقتين متّصلين. وإنّما يريد بالتنافي استحالة اجتماعهما في حدوثهما معا في محلّ واحد على كل حال (أ ، م ، ٢٥٨ ، ١)

ـ إنّ التضادّ إذا منع من الاجتماع منع من تجويز الاجتماع ، لمّا قد عرفنا أن حكم الضدّين أن لا يجتمعا وأن لا يصحّ وصفهما بجواز الاجتماع (ق ، ت ٢ ، ٧٥ ، ١٠)

ـ إذا كان أحد الفعلين موجودا نحو القعود أو القيام لم يصحّ أن يوصف عند وجوده بوجود الآخر معه ، لأنّ ذلك يزيل التضادّ بينهما. فأمّا إذا كانا معدومين فلا تضادّ ، فيصحّ منه أن يؤثّر أحدهما على الآخر ولا يكون القيام بأولى من القعود. ولا يصحّ منه الجمع بينهما من بعد. ولا يمكن القول باستحالة وجود كل واحد منهما ، لأنّ ذلك يقدح في كون القادر قادرا على الضدّين. فليس إلّا أن يصح منه أن يفعل أحدهما بدلا من الآخر ، وذلك يؤذن بطريقة الاستقبال (ق ، ت ٢ ، ٧٩ ، ٧)

ـ إنّه لا يمتنع أن يضادّ الشيء غيره بأن يوجدا جميعا لا في محلّ ، فمتى حصل لأحدهما مجرّد الوجود من غير تعلّق بالغير تنافي ما حاله كحاله في الوجود ، فإذا لم يتعدّ ذلك وجب التوقّف فيه على الدلالة (ق ، غ ١١ ، ٤٣٦ ، ١٢)

ـ إذا ثبت أنّ الجواهر لا تنتفي لهذه الأمور لم يبق إلّا أنّه إنّما تنتفي بضدّ ، وأنّه ـ تعالى ـ هو المختصّ بالقدرة على ذلك الضدّ. ولذلك اختصّ بأن صار هو النافي للجواهر والمفنى لها ، وأنّه في مضادّة الجوهر ومنافاته بمنزلة منافاة السواد البياض. وقد بيّنا من قبل أنّه لا يجب ألّا ينافي الشيء غيره ويضادّه إلّا متى تعلّقا بالشيء الواحد من محلّ أو حيّ ، وأنّه لا يمتنع أن يضادّ الشيء غيره على خلاف هذا الوجه إذا دلّ الدليل عليه ؛ كما لم يمتنع مضادّة الإرادة للكراهة لا في محلّ لمّا ثبت ذلك بالدليل (ق ، غ ١١ ، ٤٤٤ ، ٨)

ـ إنّ الضدّ هو ما حمل حمل التضادّ ، والتضادّ هو اقتسام الشيئين طرفي البعد تحت جنس واحد ، فإذا وقع أحد الضدّين ارتفع الآخر (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ١٦)

ـ إنّما التضادّ كالخضرة والبياض اللذين يجمعهما اللون ، أو الفضيلة والرذيلة اللتين يجمعهما الكيفيّة والخلق ، ولا يكون الضدّان إلّا عرضين تحت جنس واحد (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ١٨)

ـ التضادّ والضدّ : يطلقان على معنيين : إحداهما عند الجمهور الضدّ يقال : عند الجمهور على موجود في الخارج مساو بالقوة لموجود في الآخر في الموضوع معاقب له. أي إذا قام أحدهما بالموضوع لم يقم الآخر به (ج ، ت ، ٨٨ ، ١٥)

تضاد الأشياء

ـ إنّ تضادّ الأشياء مختلف الأحكام. فمنه ما يتضادّ على المحلّ ، ومنه ما يتضادّ على الواحد منّا بأن يوجد في بعضه. ومنه ما يتضادّ على الحيّ لا في محلّ كإرادة القديم ـ تعالى ـ وكراهته. فإذا اختلفت أحكامه لم يمتنع أن يكون للجوهر ضدّ وإن خالف حالها حال سائر المتضادّات (ق ، غ ١١ ، ٤٣٦ ، ٦)

تضاد الصفات

ـ إنّ الصفتين متى تضادّتا على موصوف تضادّتا على كل موصوف ، لأنّ تضادّهما يكون لأمر يرجع إليهما بدلالة أنّ عند العلم بهما تعلم استحالة اجتماعهما. وبهذا تفارق الصفات المختلفة فإنّ اختلافها يكون تارة لما يرجع إليها فتختلف على كل موصوف ، كما نقوله في مخالفة كونه عالما لكونه قادرا ، وقد يكون اختلافها معتبرا بما يوجبها حتى إذا لم نعلم الموجب لن نعلم اختلاف الموجب ، كما نقوله في كونه عالما بمعلومين على وجه التفصيل. فإنّا ما لم نعلم أنّه عالم بعلم وأنّ العلم الواحد لا يجوز أن يتعلّق بأزيد من معلوم واحد على وجه التفصيل ، لا نعلم اختلاف صفتي أحدنا بكونه عالما بالمعلوم. فلهذا جاز أن يكون تعالى عالما بجميع المعلومات كلّها لصفة واحدة لمّا كانت غير مستحقّة لمعنى. فأمّا تضادّ الصفات فإنّها تجري مجرى واحدا فأشبهت المعاني المتضادّة ، فكما أنّها لا يصحّ اجتماعها فكذلك هذه الصفات. وجرى الحال في ذلك مجرى استحالة كونه تعالى عالما وكونه جاهلا لأنّ هاتين الصفتين لمّا تضادّتا فينا تضادّتا في كل موصوف ، ولم تفترق

الحال بين أن تكون هذه الصفة فينا لمعنى وفيه تعالى للذات. وكذلك الحال في كونه قادرا وعاجزا (ق ، ت ٢ ، ٥٢ ، ٢)

تضاد الضدين

ـ وبعد فتضادّ الضدّين المتعلّقين موقوف على أن يكون المتعلّق واحدا ، فعلى هذا لا يكون العلم بالشيء والجهل بغيره ضدّين في الحقيقة ، ومتى كانا متعلّقين بشيء واحد فهما ضدّان في الحقيقة ، فهاتان الإرادتان كيف يتضادّان واحداهما متعلّقة بشيء والأخرى متعلّقة بغيره. ومتى كان متعلّقهما واحدا اقتضى تماثلها ، فهو من الباب الذي يقول إنّ القول بتضادّه يقود إلى القول بتماثله (ق ، ت ١ ، ٢٧٧ ، ١١)

تضاد مع غيره

ـ إنّ ما يضادّ غيره إنّما يضادّه من حيث يستحيل اجتماعهما في الوجود ، فمتى جوّز ذلك فيهما في بعض الأوقات بطلت المضادّة. ولذلك وجب في كلّ ما لا يتضادّ في أوّل الوقت ألّا يتضادّ فيما بعده ، وفي كلّ ما يتضادّ في حال أن يتضادّ في سائر الأحوال ، ولو جوّزنا خلاف هذا لم نأمن من أن نئول بالحموضة إلى أن تنافي البياض في وقت ما ، وإن كانت الآن لا تنافيه في بعض الأوقات ، وفي هذا إبطال القول بأنّ التنافي يرجع إلى ذات الشيء ، ويقتضي كونه موقوفا على علّة وعلى اختيار محلّه. وبطلان ذلك يكشف عن فساد ما سأله عنه ، وإنّما يجوز أن يفارق حال الشيء في حال بقائه لحكمه في حال حدوثه إذا لم يؤدّ ذلك إلى قلب الأجناس أو انتقاض الأدلّة ، فأمّا إذا أدّى إلى ذلك فيجب القول بفساد التفرقة بينهما (ق ، غ ١١ ، ٤٤٦ ، ١٠)

ـ إنّ الذي ثبت في الشاهد أنّ الشيء إنّما يضادّ غيره بأن يشتركا في الحلول في محلّ واحد أو في بعض الجملة ، ولم يثبت أنّ الشيء يضادّ غيره بأن يحلّ فيه ؛ لأنّ ذلك يؤذن باختلافهما في وجه الوجود لاشتراكهما فيه (ق ، غ ١١ ، ٤٤٧ ، ٣)

تضاد الموجب

ـ إنّ كونه تعالى قادرا على الضدّين لا يتضادّ فيه تعالى ، وإذا لم يتضادّ فيه لم يتضادّ فينا. ولا يصحّ إلّا مع القول بأنّ القدرة على الضدّين لا تتضادّ لأنّ تضادّ الموجب يقتضي تضادّ الموجب (ق ، ت ٢ ، ٥٢ ، ١٠)

تضايف

ـ التضايف : كون الشيئين بحيث يكون تعلّق كل واحد منهما سببا لتعلّق الآخر به كالأبوّة والنبوّة (ج ، ت ، ٨٩ ، ٥)

ـ التضايف : هو كون تصوّر كل واحد من الأمرين موقوفا على تصوّر الآخر (ج ، ت ، ٨٩ ، ٧)

تضمّن

ـ إن قالوا : إذا كان النظر لا يولّد العلم ، ولا يوجبه إيجاب العلّة معلولها ، فما معنى تضمّنه له؟ قلنا : المراد بذلك أنّ النظر الصحيح إذا استبق ، وانتفت الآفاق بعده ، فيتيقّن عقلا ثبوت العلم بالمنظور فيه ؛ فثبوتهما كذلك حتم من غير أن يوجب أحدهما أو يوجده أو يولّده ، فسبيلهما كسبيل الإرادة لشيء مع العلم به ، إذ

لا تتحقّق إرادة الشيء من غير علم به. ثم تلازمهما لا يقضي بكون أحدهما موجدا ، أو موجبا ، أو مولّدا (ج ، ش ، ٢٨ ، ٢)

تضمين

ـ إنّ تضمين الشيء بغيره قد يكون على أنحاء شتّى : على جهة الإخبار ، وعلى جهة الاعتبار ، وعلى جهة التبعيد. ولا يصحّ أن يضمّن الشيء بنفسه ، وإنّما يصحّ تضمينه بغيره ، ولا يراعى في ذلك باللفظ ، بل يعتبر فيه المعنى. ولذلك قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّ قول القائل : لو صار السواد بياضا ، لكان بياضا ، صحيح لأنّه ليس فيه تضمين شيء بشيء ، وإنّما يجري قوله" لكان بياضا" مجرى التكرار للكلام الأول ، وفصل بين قلب الجنس ، وبين تعليق الشيء بقلب الجنس. فإذا صحّ أن تضمين الشيء بنفسه لا يصحّ ، وإنّما يصحّ تضمينه بغيره ، فيجب أن ننظر فيما يصحّ من ذلك ويفسد ، والوجه الذي يقع عليه من فاعله (ق ، غ ٤ ، ٢٩٢ ، ٧)

ـ لا يجوز أن يكون بين الكون والتأليف تعلّق احتياج في التضمين ، إذ لو كان الكون وجوده مضمّنا بوجود التأليف لوجب أن لا يصحّ وجود الكون في الجزء المنفرد. ولأنّ تضمين الشيء بغيره لا يصحّ إلّا إذا ثبت في ذلك الشيء أنّه لما هو عليه في ذاته ، لا يصحّ أن يوجد إلّا وهو على صفة ، ولا يحصل على تلك الصفة إلّا ويوجد ذلك المعنى فيه الذي يكون وجوده مضمّنا بوجوده ، كما بيّنا في الجوهر والكون أنّ الجوهر لا يوجد إلّا وهو متحيّز ولا يكون متحيّزا إلّا ويوجد الكون فيه ، فيكون كائنا به ؛ ولا يمكن أن نبيّن مثل ذلك في التأليف والكون (ن ، د ، ٨١ ، ١٣)

تطوع

ـ قولنا" نفل" يفيد أنّه طاعة ، غير واجبة ؛ وأنّ للإنسان فعله من غير لزوم وحتم. وكذلك وصفنا له بأنّه" تطوّع" يفيد أنّ المكلّف انقاد إليه مع أنّه قربة ، من غير لزوم وحتم. ويوصف بأنّه" سنّة". ويفيد في العرف أنّه طاعة ، غير واجبة. ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٦)

تعارف

ـ قد تنقل اللفظة من أصل اللغة إلى ضرب من التعارف ، على حال ما نعرفه من حال كثير من الألفاظ. وربما تدخل فيه طريقة الاصطلاح. وكل واحد من هذين يخالف موضوع اللغة ، ويصير باللفظ أمسّ ؛ لأنّ من حق الاصطلاح والتعارف أن تنقل اللفظة عن موضوعها. وقولنا" معجز" يفيد ، في التعارف ، أنه مما يتعذّر علينا فعل مثله. فهذا مرادهم إذا وصفوا الشيء بأنّه" معجز" : ولذلك عند الإضافة يقولون : هو معجز لنا ، وليس بمعجز لله تعالى. وربما قالوا : هو معجز" لزيد" ، وليس بمعجز" لعمرو" إذا تأتى منه فعله ، وعدلوا عن طريقة العجز في هذا الباب ، ولم يخصّوا به ما يصحّ فيه العجز وما لا يصحّ ؛ لأن القادر منّا لا يصحّ أن يعجز إلّا عمّا يصحّ أن يقدر عليه في الجنس. وقد صاروا يستعملون هذه اللفظة فيما لا يصحّ أن يقدر أحدنا عليه ، كما يستعملونها فيما يصحّ ؛ بل استعمالهم في الأوّل أكثر ، ولا يكاد أن يستعمل ذلك في المتعارف من الأمور ؛ لأنّ أحدنا ، وإن لم يمكنه أن يفعل ما يفعله القوي من الحمل وغيره ، فإنّ ذلك لا يقال : إنّه معجز ، من حيث كان مقاربا لما يصحّ أن يفعله. فإنّما يعنون بذلك الأمر الذي

قد تجلّى ، وظهر من أمره ، خروجه عن أن يكون تحت إمكان من وصف بأنه معجز له وفيه (ق ، غ ١٥ ، ١٩٧ ، ١٨)

ـ إنّ الاصطلاح أقوى من التعارف ، كما أنّ التعارف أقوى من وضع اللغة ؛ لأنّه أخصّ بالأمر الذي وقع الاصطلاح فيه. ولذلك صارت الصفة ، إذا لقّب بها ، أخصّ باللقب عند من لقّب به ، في أصل موضوعه ؛ لأنّه في حكم الاصطلاح. ولا يمتنع ، في الاصطلاح ، أن يختلف بحسب المذاهب. وإذا أطلقناه فمرادنا ما ذكرناه ، وإن كان مراد غيرنا ، ممن يخالف في المذهب ، خلاف ذلك. فعلى هذا الوجه ، يقول قوم ، في صفة المعجز ، إنّه ما يتعذّر على العباد فعل مثله في جنسه فقط. ومنهم من يقول ما يختصّ الأنبياء والأئمة. ومنهم من يقول هو ما يختصّ الأنبياء والصالحين. فكلّ يذهب ، في معناه ، إلى ما وقع الاصطلاح عنده عليه ، وبحسب المذاهب (ق ، غ ١٥ ، ١٩٩ ، ٦)

تعاقب

ـ إنّ العالم لا يخلو من أن يكون قديما على ما عليه أحواله من اجتماع وتفرّق ، وحركة وسكون ، وخبيث وطيب ، وحسن وقبيح ، وزيادة ونقصان ، وهنّ حوادث بالحس والعقل ؛ إذ لا يجوز اجتماع الضدّين ، فثبت التعاقب ، وفيه الحدث (م ، ح ، ١٣ ، ٦)

تعبد

ـ قد بيّنا أنّ التعبّد بالفعل ، في أنّه لا بدّ من أن يكون مصلحة ، حتى يحسن التعبّد به ، بمنزلة ما يفعله من الآلام والمصائب إلى ما شاكل ذلك. فإذا كان ما يفعله لا يجب أن يعرّفنا وجه المصلحة فيه على التفصيل ، بل العلم بأنه مصلحة يكفي ويغني ، فكذلك القول فيما تعبّدنا به (ق ، غ ١٥ ، ١٢٨ ، ١٥)

ـ التعبّد لا يكون إلّا في الأفعال ، وينقسم إلى وجهين : أحدهما ـ يكون التعبّد فيه بتغيّر حاله عمّا ثبت في العقل ، لأنّ كلا الوجهين يفتقر في معرفته إلى السمع ؛ والوجه الأوّل يدخل تحته وجوب الأفعال ، والترغيب فيها كالنوافل ، فيدخل تحته قبح الأفعال وحظرها ، لأنّ التعبّد بما يتعلّق في الأوّل بأن تفعل ، يتعلّق في الثاني بأن لا يفعل ، ويتجرّد منه ، فيدخل تحت الوجه الثاني الإباحة ، لأنّها ، وإن لم تكن داخله في التعبّد من حيث لا يستحقّ المكلّف عليه الثواب ، فإنّ إباحة ما ورد الشرع بإباحته تتضمّن تعيّن التعبّد ، لأنّه لو لا الشرع لكان من باب المحظور أو غيره ، فالشرع يعبّر عن حاله ، فتعلّق التعبّد به من هذا الوجه (ق ، غ ١٧ ، ٩٥ ، ٦)

تعديل

ـ اعلم أنّ معنى التعديل هو نسبة العدل إلى من نعدّله وإضافة ذلك إليه والحكم له به (أ ، م ، ١٣٩ ، ١١)

تعرف

ـ إنّ التعرّف سبب للمعرفة موصل إليها ، ومن المحال أن يتقدم المسبب سببه ، وذلك أنّ الأشياء المعروفات لا تعدو أحد أمرين : إمّا أن تكون مستدلّا عليها أو محسوسة ؛ فالاستدلال هو تعرّف الأشياء المستدلّ عليها (والحس هو) إدراك الحواس حتى يعرف الشيء المحسوس.

ومن المحال أن تكون المعرفة تتقدّم الاستدلال الموصل إليها والحس الذي هو سبب إليها. وهذا بيّن واضح لا يخفى على ذي عقل (خ ، ن ، ٨٦ ، ١١)

تعريض

ـ قال شيوخنا رحمهم‌الله : لو كلّف تعالى من المعلوم أنّه يؤمن ، لقبح ذلك إذا علم أنّ غيره من المكلّفين يفسد عنده ، ولا يخرج القديم تعالى لو كلّفه من أن يكون معرّضا له للثواب وأن يستحقّ هو الثواب بفعل الطاعة. ولذلك يشترط في التعريض أنّه إنّما يحسن متى كان تعريضا لمنافع يحسن من المعرّض أن يتوصّل إليها ؛ لأنّ تعريض الشيء في حكمه متى انتفى وجوه القبح عنه. ويجري التعريض مجرى الإرادة التي متى تعلّقت بالحسن كانت حسنة ، متى خلت من وجوه القبح. وإن كنّا قد بيّنا في باب الإرادة أنّها متى أثّرت في المراد ، وصار بها على وجه يحسن لوقوعه عليه ، فيجب ألا يحسن لا محالة. فلا يمتنع أن يقال في الإرادة التي هي تعريض المكلّف للوصول إلى الثواب إنّها بهذه الصفة ، وإنّها إنّما تقبح متى عرض في الفعل المراد ما يقتضي قبحه : من كونه مفسدة وما شاكل ذلك. وهذه الجملة ، تقتضي أنّه تعالى إنّما يكون مكلّفا بالإرادة ، والأمر دون إكمال العقل وما شاكله. ولذلك يصحّ منه تعالى أن يكره منه فعل الطاعة ، وإن أكمل عقله. ولا يجوز أن يكون مكلّفا له الفعل ، مع كراهته له ، وزجره عنه ؛ كما لا يكون الواحد منّا مكلّفا غيره إلّا بأن يريد ذلك منه ، ويأمره به ، أو يفعل ما يجري هذا المجرى. ولم نتقصّ هذا الكلام لأنّ ما نريد بيانه من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر لا يتمّ إلّا به (ق ، غ ١١ ، ١٧٨ ، ٦)

ـ في بيان حسن تكليف من يعلم الله تعالى أنّه يكفر أو يفسق ، وأنّ علمه بذلك من حاله لا يوجب قبحه : اعلم أنّ التعريض للشيء في حكمه ، فمتى حسن من الواحد التوصّل إلى أمر حسن من غيره أن يعرّضه له وقد علمنا (أنّه) يحسن منه التوصّل إلى استحقاق الثواب بفعل الواجب وغيره ، فيجب أن يحسن منه تعالى أن يجعله بحيث يمكنه التوصّل إلى ذلك ، ويريد منه ذلك. ولذلك لمّا قبح من أحدنا أن يتوصّل إلى مضارّه ، قبح من غيره أن يعرّضه له ، وهذا بيّن في الشاهد ؛ لأنّ للمنافع طرقا وللمضارّ كمثل. وقد علمنا أنّ التعريض لكل واحد منهما بمنزلته في الحسن والقبح فيجب أن يحسن منه تعالى تكليف من يعلم من حاله أنّه يكفر ؛ لأنّ علمه بذلك لا يخرجه من كونه معرّضا له للمنازل السنيّة التي لا ينالها إلّا بفعل ما كلّفه. وقد دللنا على أنّ منزلة الثواب لا تنال تفضّلا ؛ فإنّ ذلك يقبح منه تعالى لو فعله في القدر والصفة جميعا ، وبيّنا أنّ التكليف لا بدّ من أن يؤدّي إلى الثواب ، وإلّا قبح منه تعالى إلزام الأمور الشاقّة ، فحصل من هذه الجملة أنّ تكليف من يعلم أنّه يكفر تعريض له لمنزلة عظيمة ، لا ينالها إلّا به ؛ فيجب القضاء بحسنه إذا انتفت وجوه القبح عنه (ق ، غ ١١ ، ١٨٣ ، ٤)

تعريض بالتكليف للثواب

ـ إنّ التعريض بالتكليف للثواب لا يقع منه تعالى على وجه يحسن إلّا مع صحّة كونه فاعلا للثواب وموفّرا على مستحقّه. وقد ثبت بالدليل

أنّه تعالى موصوف بالقدرة على الأجناس التي تصيّر المثاب مثابا بها ، وأنّه تعالى عالم لنفسه ، فهو عالم بكمّية ما يستحقّه المكلّف إذا أدّى ما كلّف ، وأنّه غنيّ لا يجوز ألّا يفعل ما وجب عليه ؛ كما لا يجوز أن يفعل القبيح. وإذا ثبت اختصاصه بذلك حسن منه أن يكلّف على جهة التعريض للثواب. والواحد منّا يفارق القديم تعالى فيما ذكرناه من الوجوه ، فلذلك لا يحسن منه أن يكلّف (ق ، غ ١١ ، ٤٢٠ ، ١٨)

تعريض للثواب

ـ الأولى ألّا يكون المعرّض لغيره معرّضا للمنفعة إلّا بأن يزيح علله في الألطاف ؛ كما يزيح علله في وجوه التمكين ؛ لأنّ الواحد منّا إذا علم أنّ الجائع إذا قدّم إليه الطعام على وجه مخصوص أكله ، وإذا قدّم إليه على وجه آخر لم يأكله ، والحال على المقدّم وعليه واحدة أنّه لا يكون معرّضا له بتقديمه ذلك على الوجه الذي لا يأكله. ويجري ذلك عندهم مجرى أن يقدّم ذلك إليه ، ثم يفعل ما يمنعه به من الأكل. ولا بدّ من أن يكون المكلّف معرّضا للثواب مع فقد اللطف ، ولا يكون المكلّف معرّضا له إلّا بأن يلطف له في ذلك ، إذا كان في المعلوم ما إذا فعل به أمن عنده ولو ثبت أنّ اللطف لا مدخل له في هذا الباب لم يؤثّر فيما أردنا بيانه ؛ لأنّه لا يجب في التعريض للثواب أن يكون حسنا على كل وجه (ق ، غ ١١ ، ١٧٨ ، ٢)

تعريف

ـ تعريف الموصوف يتوقّف على كون الوصف المعرّف بحيث ينتقل الذّهن من تصوّره إلى تصوّر ماهيّة الموصوف ، لا على العلم بكون ذلك الوصف كذلك ، حتّى يلزم المحال الّذي ذكره. وأمّا كون الموصوف هو الموصوف بذلك الوصف دون كلّ ما عداه ، يقتضي كون الوصف إمّا مساويا للموصوف ، وإمّا أخصّ منه. والأوّل كالضّاحك للإنسان ، والثّاني كالكاتب له. وعلى التّقديرين يكون الوصف ملزوما والموصوف لازما. واللزوم إن كان عقليا انتقل العقل من تصوّر الملزوم إلى تصوّر اللازم ، فيحصل التّعريف ، ولا يكون العلم باللزوم شرطا في الانتقال ، فلا يلزم ذلك المحال. والتّعريف في الأوّل يكون مطّردا منعكسا ، وفي الثاني مطّردا غير منعكس (ط ، م ، ٩ ، ١)

تعريف حدّي

ـ البسيط لا يعرّف ، والمركّب يعرّف ، فإن تركّب عنهما غيرهما عرّف بهما ، وإلّا فلا ؛ والمراد التعريف الحدّي (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٦)

تعظيم

ـ إنّ التعظيم الواجب لمن فضّله الله عزوجل هو مودّة في الله ومحبة فيه وولاية له (ح ، ف ٤ ، ١١٧ ، ٦)

تعلّق

ـ إذا استحال فيما قد وجد بالقدرة أن يعاد وفيما تقضّى أن يعاد ، فقد زال التعلّق في القدرة بهما. والأحكام التي تتبع صفات الذوات لا يمتنع أن تكون مشروطة بشروط تثبت تارة وتزول أخرى ، كما نقول مثله في صفات الذوات المشروطة بشرط. وإنّما الذي لا يجوز زواله عن الموصوف ما كان راجعا إلى الذات

من دون شرط. فصحّ بذلك وجوب تعلّقها على الجملة. وإذا لم يجب انتقل إلى الاستحالة ولا تثبت بينهما واسطة لا في القدرة ولا في القادر. وقد بيّنا أنّه لا ينقض ذلك طريقة الاختيار (ق ، ت ٢ ، ٤٦ ، ١١)

ـ البدل لا يدخل في التعلّق وإنّما يدخل في الوقوع ، وإلّا فما لم تكن حال القدرة مع الضدّين حالة واحدة لم يصحّ من القادر إيثار أحدهما على الآخر. فصار لا يدخل في التعلّق طريقة البدل (ق ، ت ٢ ، ٤٦ ، ٢٠)

ـ إنّ الشيء إذا تعلّق بغيره ، فإنّما يتعلّق به لما هو عليه في ذاته ، لا أنّه علّة في التعلّق ، فلذلك صحّ أن تختلف أحواله في التعلّق بحسب ما يقتضيه جنسه. وليس كذلك حال العلّة لأنّها توجبه ، فلا يصحّ أن توجب إلّا معلولا واحدا (ق ، غ ٤ ، ٣١٣ ، ١٥)

ـ فإن قال : أفليس يجوّز العاقل أن يقع تصرّفه من غيره ، وأنّ غيره يفعل فيه ذلك ، ويفعل فيه القصد إليه ، ليقع بحسبه؟ وتجويز ذلك يبطل ما ادّعيتم. قيل له : إنّ ما ذكرته لا يخرج تصرّفه من أن يكون واقعا بحسب قصده ؛ ولم نقل بأنّ العلم بأنّ ذلك يجب ، أن يكون من جهته ضروريّا ، وإنّما يصل إليه باكتساب. وما ذكرته إنّما يسأل في الدلالة على أنّ ذاك فعله ؛ وذلك مما قد بيّنا فساده من قبل ، وسنبيّنه من بعد إن شاء الله. وهذه الطريقة في التعلّق هي طريقتنا في إثبات التعلّق بين أحوال الجسم ، والمعاني الموجبة لها. لأنّا نعلم أنّ الجسم يتحرّك بحسب حدوث (ق ، غ ٨ ، ١١ ، ٢٠)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّه تعالى لو ألجأ العبد إلى الجهل والكذب ، كان لا يستحقّ به الذمّ والعقاب ، ولكان مقدورا في فعله. وإن كان الإلجاء ، إذا لم يؤثّر في الوجه الذي له قبح ، لم يخرجه عن كونه قبيحا. ولذلك قلنا : إنّ نهيه عن هذا القبيح لا يحسن. وكذلك لا يحسن أمره بالحسن مع الإلجاء. وهذا ، نحو الهارب من سبع يقبل عليه ، يخشى أن يفترسه ؛ فلذلك صار ما يلحقه من الحكم كأنّه فعل السبع ، فوجب العوض عليه ، على ما نشرحه في كتاب العوض. فصار الإلجاء من حيث أخرج الملجأ من أن يتعلّق الفعل باختياره ، مصيّرا للفعل في الحكم كأنّه فعل غيره. فوجب أن تزول عنه الأحكام التي من شأنها أن تتبع اختياره للأفعال ، وتثبت فيه أحكام ما لا يتعلّق فيه باختياره (ق ، غ ٨ ، ١٧٣ ، ١)

ـ المتعلّقات بأغيارها إنّما تتعلّق بأشياء دون ما عداها ، مع أنّ حال الكل حالة واحدة ، وهذا غلط لأنّ ما يتعلّق بالشيء محال أن يتعلّق بغيره لأنّه يقتضي قلب جنسه. فلم تكن حال الجميع واحدة ليصحّ ما سألوا عنه. ويفارق ذلك تعلّق العلّة بالمعلول لأنّها لأمر يرجع إلى ذاتها ، يجب أن توجب الصفة لحيّ ما ، ثم تصير بأن توجب الصفة لهذا أولى من غيره لاختصاصها به بطريقة الحلول ، لا أنّها تصير مختصّة به لذاتها ، فتنفصل من تعلّق الشيء بغيره (أ ، ت ، ٢٣٢ ، ١٣)

ـ في إثبات أنّه تعالى عالم وله علم. أهمّ المهمّات في هذه المسألة تعيين محل البحث ، فنقول أنّه من علم شيئا فإنّه يحصل بين العالم وبين المعلوم نسبة مخصوصة ، وتلك النسبة هي المسمّاة بالشعور والعلم والإدراك. فنحن ندّعي أنّ هذه النسبة أمر زائد على الذات ، ومنهم من قال إنّ العلم صفة حقيقيّة تقتضي هذه النسبة ، ومنهم من قال العلم صفة حقيقيّة

توجب حالة أخرى وهي العالميّة. ثم إنّ هذه العالميّة توجب تلك النسبة الخاصة ، والمتكلّمون يسمّون هذه النسبة بالتعلّق ، وأمّا نحن فلا ندّعي إلّا ثبوت هذه النسبة (ف ، أ ، ٤٥ ، ٢٦)

ـ قولهم : يلزم أن يكون مريدا لإرادة زيد وعمرو عند اختلاف مراديهما ، فقد منع بعض الأصحاب من تصوّر اجتماع مثل هاتين الإرادتين وقال : إنّ ما علمه الله على ما هو عليه وإنّه سيكون أو لا يكون فهو المراد ، ونقيضه تشبه غير مراد. فعلى هذا تصوّر الإرادتين عند تعلّقهما بنقيضين ممتنع. وهو مما فيه نظر ، فإنّ ما وجد من كل واحد منهما مماثل لما وجد من صاحبه ، فيما يرجع إلى الميل والقصد ، والاختلاف ليس إلّا في التعلّق. وكون أحدهما واقعا على الوفق. والآخر على خلافه ، فإن كان ذلك هو الموجب تسمية البعض إرادة ، والبعض شهوة فحاصله يرجع إلى الاصطلاح في الأسماء ، لا الاختلاف في المعنى ، وهو ما يوجد في كل واحد منهما (م ، غ ، ٦٤ ، ١١)

تعلّق احتياج في التضمين

ـ لا يجوز أن يكون بين الكون والتأليف تعلّق احتياج في التضمين ، إذ لو كان الكون وجوده مضمّنا بوجود التأليف لوجب أن لا يصحّ وجود الكون في الجزء المنفرد. ولأنّ تضمين الشيء بغيره لا يصحّ إلّا إذا ثبت في ذلك الشيء أنّه لما هو عليه في ذاته ، لا يصحّ أن يوجد إلّا وهو على صفة ، ولا يحصل على تلك الصفة إلّا ويوجد ذلك المعنى فيه الذي يكون وجوده مضمّنا بوجوده ، كما بيّنا في الجوهر والكون أنّ الجوهر لا يوجد إلّا وهو متحيّز ولا يكون متحيّزا إلّا ويوجد الكون فيه ، فيكون كائنا به ؛ ولا يمكن أن نبيّن مثل ذلك في التأليف والكون (ن ، د ، ٨١ ، ١٠)

تعلّق احتياج في الوجود

ـ لا يجوز أن يكون بينهما (تعلّق) احتياج في الوجود ، لأنّ الكون لا يحتاج في وجوده إلى التأليف ؛ إذ لو كان كذلك لوجب أن لا يصحّ وجوده في الجزء المنفرد. وقد علمنا أنّ الكون يوجد في الجزء المنفرد ، وإن استحال وجود التأليف فيه (ن ، د ، ٨٠ ، ١٤)

تعلّق الإرادة

ـ وتعلّقها إنّما هو على طريق الحدوث وتوابعه ، وتخالف القدرة التي لا تتعلّق إلّا بالحدوث نفسه. ويخالف العلم الذي يتعلّق بكل وجه من الوجوه. وتخالف الشهوة التي لا تتعدّى المدركات (ق ، ت ١ ، ٢٨٥ ، ١٥)

تعلّق الإيجاب

ـ تعلّق الإيجاب لا يخلو : إمّا أن يكون إيجاب العلّة للمعلول ، وإمّا أن يكون إيجاب السبب للمسبّب (ن ، د ، ٨٢ ، ٣)

تعلّق إيجاب علة للمعلول

ـ لا يجوز أن يكون بينهما تعلّق إيجاب علّة للمعلول لوجوده : أحدها أنّ الكون لو كان موجبا للتأليف إيجاب العلّة للمعلول لوجب أن لا يصحّ وجود الكون من دون أن يوجد هناك تأليف ، لأنّ ما أحال معلول العلّة يحيل حصول العلّة على الوجه الذي يوجب الحكم ـ وقد

علمنا أنّ الكون يوجد في الجزء المنفرد ، مع استحالة وجود التأليف فيه. ولأنّ الكون لو كان يوجب التأليف إيجاب العلّة للمعلول لخرج التأليف من أن يكون متعلّقا بالقادر ، لأنّ معلول العلّة يستحيل أن يكون بالفاعل ، مع أنّ العلّة لما هي عليه في ذاته توجبه (ن ، د ، ٨٢ ، ٤)

تعلّق بالقادر

ـ إنّ الذي يصحّ تعلّقه بالقادر من وجوه الأفعال ، هو الحدوث لا غير ، وذلك هو جهة واحدة لا زيادة عليها (ق ، ت ١ ، ٣٧٦ ، ٢٥)

تعلّق بقادرين

ـ أمّا الفصل الثاني وهو تعلّقه (الفعل) بقادرين فباطل لأنّه تنتقض حقيقة القادر أو تعود على كيفية إضافة الفعل إلى الفاعل بالنقض. فأمّا الأوّل فهو إنّا نقول : ليس يخلو إذا حاول أحدهما إيجاد هذا الفعل من أن يوجد ، كان هناك ذات أخرى أو لم تكن ، قدر أو لم يقدر ، دعاه الداعي أو لم يدعه ، أو لا يوجد إلّا عند ما يوجد غيره وتحصل قدرته ودواعيه. فإن قلنا بالأوّل فقد صار لا فائدة في وصفه بأنّه قادر عليه وأنّ هذا مقدوره. وصار لا فرق بين إضافته إليه وبين إضافته في كونه مقدورا إلى غيره. وإنّما يثبت في ذلك ضرب من الفائدة ، متى كان لولاه ولو لا ما هو عليه من الأحوال كان لا يوجد ، ومتى كان كذلك وهو الكلام في القسمة الثانية ، فهذا ينقض كون الأوّل قادرا عليه ، لأنّ من حكم كون القادر قادرا على الشيء أن يصحّ منه إيجاد ما قدر عليه ، وأن يوجد لا محالة عند دواعيه. ومتى قلنا أنّه لا يوجد إلّا عند ما يكون غيره بهذه الصفة فقد أخرجناه عن كونه قادرا وأجلنا فائدة الوصف فيه (ق ، ت ١ ، ٣٧٤ ، ١٦)

تعلّق بين الدليل والمدلول

ـ إنّا نوجب تعلّقا بين الدليل والمدلول ليكون بأن يدلّ عليه أولى من أن يدلّ على غيره. وذلك الوجه من التعلّق ينقسم أقساما إذا كان من باب العقليّات. وإذا كان من باب الشرعيّات فهو على وجه واحد لأمر يرجع إلى أنّ دلالة الأدلّة الشرعيّة إنّما هي لشيء واحد. وهو أنّ فاعلها حكيم فلا يوجب إلّا الواجب. ولا يأمر إلّا بالحسن ولا ينهي عن غير القبيح. وأمّا إذا كانت الدلالة عقليّة فدلالتها لأمر يرجع إليها وذلك مختلف. فتارة تكون دلالته على وجه الوجوب وتارة على وجه الصّحة. وتارة بطريقة الدواعي والاجتياز. فحصل من هذه الجملة أن الوجوه التي منها يتعلّق الدليل بمدلوله عقليّا كان وسمعيّا لا يخرج عن أقسام أربعة. فإمّا أن يدلّ بطريقة الوجوب كما تثبت في العلل لأنّه لو لا الحركة لما حصل متحرّكا ، وكذلك فيما شاكله. وإمّا أن يدلّ بطريقة الصحّة فنقول لو لا كونه قادرا لما صحّ الفعل. وإمّا أن يدلّ بطريقة الدواعي والاجتياز فنقول لو لا كون الفاعل للقبيح جاهلا أو محتاجا لما اختاره. وإما أن يدلّ بطريقة الحسن وهو الأدلّة الشرعيّة فنقول لو لا وجوب الصلاة لما حسن من الله إيجابها. ففي كل هذا نقول : لو لا المدلول لما وجب أو لما صحّ أو لما اختير أو لما حسن (ق ، ت ١ ، ٤٩ ، ١٠)

تعلّق الدليل بالمدلول

ـ إنّ تعلّق الدليل بالمدلول يكون على وجوه

أربعة : أحدها من حيث الصحة ، وذلك كما نقول في كون الذات قادرا. فإنّ ما يدلّ على هذه الصفة إنّما يدلّ من حيث الصحة ، وهو أنّه لو لا كونه قادرا لما صحّ منه الفعل. والثاني أن يدلّ بطريقة الحسن والحكمة كدلالة المعجز ، وهو أنّه لو لا كون النبي صادقا لما حسن إظهار المعجز عليه. والثالث قد يكون بطريقة الدواعي والاختيار ، وذلك سبيل ما نقول في دلالة الجهل والحاجة ، وهو أنّه لو لا كون أحدنا جاهلا ومحتاجا لما اختار القبيح. والرابع هو ما نحن فيه فإنّه يدلّ بطريقة الوجوب ، وهو أنّه لو لا كونه محدثا لما وجب مقارنته للحادث (ن ، د ، ٢٣٨ ، ٥)

تعلّق الصفة

ـ إنّ تعلّق الصفة لا تختلف كيفيته باختلاف وجه استحقاقها. فلهذا لمّا كان كون العالم عالما يتعلّق بالشيء على ما هو به وبإيقاع الفعل محكما لم تفترق الحال بين العالم لذاته والعالم بعلم. فيجب أن يكون كوننا قادرين سابقا لوجود المقدور كما يجب مثله في القديم جلّ وعزّ (ق ، ت ٢ ، ١١٥ ، ١٦)

تعلّق الفعل بالفاعل

ـ دللنا في صدر باب العدل على أنّه تعالى قادر على ما لو وقع لكان قبيحا ، وإن علم أنّه لا يختاره ، وأنّه قادر على إقامة القيامة الآن ، وإن كان المعلوم أنّه لا يقع ولا يختاره. وقد بيّنا أن أصل الكلام في إثبات تعلّق الفعل بالفاعل يقتضي ما قلناه ، لأنّه إذا وجب وقوعه (بحسب وانتفاؤه بحسب دواعيه وكراهته) فيجب أن يكون قادرا على ما يصحّ أن يقع بأن يختاره على ما لا يقع بل يختار تركه (ق ، غ ١١ ، ٥ ، ١)

تعلّق الفعل بفاعله

ـ وبعد فالحلول لا معتبر به في كيفية تعلّق الفعل بفاعله. ألا ترى أنّه يحلّه ما ليس بفعل له وقد يكون فعله حالّا في غيره ، فثبت أنّ وجه الحاجة هو الحدوث لا غير؟ (ق ، ت ١ ، ٧٦ ، ١)

ـ أمّا تعلّق الفعل بفاعله على سبيل الجملة فمعلوم ضرورة لكل عاقل ، وهو التفرقة بين الحركة واللون ، وبين الحركة الاختيار وبين الحركة الاضطرارية. وهذا الموضع مما لا يدلّ عليه. وأمّا الثاني يدلّ على كون التصرّف إلى الواحد منا محتاجا على وجه التفصيل وهو أن يكون لأحوالنا تأثير وأنّه يؤثّر في صفة من صفاته فهذا موضع معلوم بالدلالة (ن ، د ، ٣٢٩ ، ٨)

تعلّق الفعل بالقادر

ـ إذا كان تعلّقه (الفعل) بالقادر إنّما علم من حيث وقع بحسب قصده ودواعيه ، وعلمنا أنّ الذي يحصل من أوصافه بحسب قصده ودواعيه هو حدوثه لا غير ، فيجب أن تكون سائر أوصافه في أنّه لم يحصل عليها به ، بمنزلة مقدور غيره ؛ لأنّ صفات الفعل الواحد في هذا الباب بمنزلة الأفعال (ق ، غ ٨ ، ٦٥ ، ١٠)

تعلّق في الذوات

ـ إنّ إثبات الذوات لا يخرج عن طريقين أحدهما الضرورة بالإدراك وما يتبعه. والثاني بالاستدلال. فإذا كان العلم به تعالى لا

يحصل ضرورة فلا بدّ من الفزع إلى الدلالة ، ومعلوم أنّه لا بدّ من تعلّق بين الدليل والمدلول لو لا ذلك لم يكن بدلالته على شيء أولى من دلالته على غيره. والذي يذكر من التعلّق في الذوات لا يخرج عن وجهين : إمّا أن يكون تعلّق الفعل بالفاعل أو تعلّق العلّة بالمعلول. فإذا لم يتأتّ في الله جلّ وعزّ أن يستدلّ عليه بحكم صادر عنه لأنّه ليس بعلّة ـ تعالى عن ذلك ـ فلا بدّ من الرجوع إلى الاستدلال بفعله عليه ، وهذا هو غرضه بقوله ولا تعرف له صفة فتعلّمه على صفة أخرى ، لأنّ المراد به أنّه ليس بعلّة. فيستدلّ بالصفة الصادرة عنه عليه. وقوله ولا يعرف له مثل قبل إثباته ، فيستدلّ به عليه راجع إلى أنّ الضرورة فيه لا تتأتّى ، فنكون قد عرفنا مثلا له ضرورة فنجعله مشبّها به (ق ، ت ١ ، ٩٢ ، ٤)

تعلّق القادر بمقدوره

ـ اعلم أنّ القول في كيفية تعلّق القادر بمقدوره في الوجه الذي عليه يصحّ منه إيجاده موقوف على الدلالة ، لأنّ ذلك مما لا يجده الإنسان بالإدراك ولا غيره من طرق الضروريّات ، فيجب أن تثبت هذه على حسب ما اقتضاه الدلالة ، ولا يجب حمل بعضه على بعض الدلالة قد فرقت بينهما ، كما لا يجب حمل بعض المدركات على بعض في كيفية إدراكه ، ويجب أن يثبت على الوجه الذي تقتضيه الدلالة (ق ، غ ٩ ، ٧٧ ، ٤)

تعلّق القدرة

ـ أمّا ما ذكره من الكلام في تعلّق القدرة فينبغي أوّلا أن نعرف معنى هذه اللفظة إذ ليس المراد بها ما يتعارفه أهل اللغة. وقد يدفع المتكلّم إلى أن يعبّر عمّا يعقله من المعاني بعبارة وإن لم يجر فيها على أوضاع أهل اللغة. والغرض بذلك هو ثبات حكم من الأحكام للمقدور لأجل هذه القدرة ، وذلك الحكم هو صحّة وجوده بها. وإن كنّا نقول إنّ القادر هو الذي يصحّ منه الفعل وكذلك لولاها لما صحّ. ولأجل كونه قادرا بالقدرة لا يمكنه الابتداء بالفعل إلّا في محلّها أو معدّى عنه بسبب فيه. وإنما أوجبنا هذا الحكم للقدرة لأنّه قد ثبت أنّها توجب كون القادر قادرا ، ولا يصحّ إثباته قادرا إلّا والفعل صحيح منه على وجه ما. فلولا أنّها متعلّقة لم يكن ليجب في القادر ما ذكرناه. يبيّن ذلك أنّ الصفة المرتّبة على العلّة تعتبر حالها بحالها. فإذا لم يكن المعنى في نفسه متعلّقا لم تصدر عنه صفة متعلّقة ، كما نقوله في الحياة وما شاكلها. وأيضا فلو لم يكن لها تعلّق وكان تعلّق القادر موقوفا عليها لم يكن ليجب أن ينحصر مقدور أحدنا من الجنس الواحد على الشرائط المذكورة ، بل كان يجوز أن يتعدّى الجزء الواحد إلى أكثر منه ، لو لا أنّه قد استحقّ هذه الصفة لمعنى ، ومن شأنه أن يكون تعلّقه ، على طريقة مخصوصة. ولا يمكن أن يجعل سبب الانحصار في ذلك راجعا إلى انحصار الصفة في نفسها ، لأنّا قد عرفنا أنّ القديم جلّ وعزّ له بكونه قادرا صفة واحدة ، ومع هذا فإنّ مقدوره لا ينحصر من الجنس الواحد على تلك الوجوه المشروطة (ق ، ت ٢ ، ٤٢ ، ٧)

ـ ليس يعتبر تعلّق القدرة بما يوجد من المقدورات أو لا يوجد. ولهذا يقدر أحدنا على الحركة ولكن الشرط حصول المحلّ ،

ويقدر على العلم ولكن الشرط حصول بنية القلب. فصار وجود المقدور موقوفا على زوال الموانع ، ومن أقوى الموانع التضادّ ، ولأجل هذا إذا زال التضادّ على الحقيقة وثبت التضادّ في الجنس صحّ منه إيجادهما ، وإن كانت القدرة واحدة. فيجب أن يكفي في تعلّقها بالضدّين صحّة وجود كل واحد منهما على البدل (ق ، ت ٢ ، ٩١ ، ٣)

ـ تعلّق القدرة ليس بموقوف على صحّة وجود المقدور بكل حال (ق ، ت ٢ ، ١٠٣ ، ١٩)

تعلّق القدرة بالضدين

ـ أورد رحمه‌الله من بعد الدلالة المشهورة في أنّ القدرة لو لم تتعلّق بالضدّين لأدّى إلى تكليف ما لا يطاق. وبيان ذلك أنّ المكلّف مأمور بالإيمان منهيّ عن الكفر ، فلو لم يكن ما في الكافر من القدرة يصحّ بها الكفر والإيمان لكان مكلّفا بما لا يطاق أمرا ونهيا ، لأنّه مأمور بالإيمان وهو لا يطيقه بما فيه من قدرة الكفر ، ومنهيّ عن الكفر إذا كان مؤمنا وهو لا يقدر على الكفر بما فيه من قدرة الإيمان. فإذا ثبت أنّ تكليف ما لا يطاق قبيح على ما أفرده من بعد في باب آخر فيجب القول بتعلّق القدرة بكلي الضدّين لئلّا يؤدّي إلى ما ألزمناهم (ق ، ت ٢ ، ٥٥ ، ١٢)

تعلّق القدرة بالمتماثل

ـ أمّا تعلّقها (القدرة) بالمتماثل فمختلف. فإنّه إذا كان الجنس واحدا والمحلّ أو الوقت يتغاير فإنّها تتعلّق بما لا نهاية له. ومتى كان الوقت والمحلّ واحدا لم تتعلّق بأكثر من جزء واحد. وإنّما قلنا إنّها تتعلّق بالمتماثلات في المحالّ لأنّه لا محلّ يشار إليه إلّا وكما يصحّ منّا أن نفعل الحركة فيه فكذلك يصحّ في كل محلّ يساويه. وكذلك إذا ثبتت القدرة فلا وقت إلّا ويصحّ أن نفعل فيه مثل ما يصحّ أن نفعله في وقت آخر (ق ، ت ٢ ، ٩٧ ، ١٢)

تعلّق القدرة بمختلفات متضادات

ـ أمّا إذا كان المختلف متضادا فتعلّق القدرة (بالمختلفات) المتضادّات منه كتعلّقها بالمختلفات. وإنّما يقع الفرق في باب صحّة الجمع بين المختلفات على بعض الوجوه وامتناع ذلك في المتضادّات ، إلّا إذا كان تضادّا في الجنس. فلهذا يصحّ منّا في حالة واحدة أن نحرّك بإحدى اليدين ونسكّن بالأخرى. وإنّما ينكشف لك تعلّق القدرة بالأضداد في المحالّ أو في المحلّ الواحد في الأوقات ، فأمّا إذا كان الوقت والمحلّ واحدا فلامتناع اجتماعها تلتبس الحال في تعلّق القدرة بالأضداد. وقد تقدّم القول في أنّ صحّة إيجاد الفعل بالقدرة منفصلة عن تعلّقها ، وإنّما يراعى في صحّة إيجاده بها الوجه الذي يصحّ حدوثه عليه. ومعلوم أن هذه القدرة إذا بقيت تأتّى بها من الفعل نحو ما كان يتأتّى بها من قبل. فهذا حكم تعلّقها بالمختلفات وبالمتضادّات (ق ، ت ٢ ، ٩٧ ، ٣)

تعلّق القدرة بالمختلفات من الأجناس

ـ إذا تقرّرت هذه الجملة عدنا إلى كيفية تعلّق القدرة بالمختلفات من أجناس مقدور العباد ، فقلنا إنّ الجنس الذي يختلف تتعلّق القدرة منه بما لا يتناهى في الوقت الواحد. ولا فصل بين أن يكون المحلّ واحدا أو متغايرا. وإنّما كان

كذلك لأنّه لا شيء نعتقد صحّة حدوثه إلّا ويصحّ منّا أن نريده. وقد ثبت أنّ إرادة الشيء تخالف إرادة غيره. فلولا تعلّق القدرة على الحدّ الذي ذكرناه لجاز أن ينتهي القادر منّا إلى شيء يعتقد صحّة حدوثه ، ومع هذا فلا يجوز أن يريده. وكذلك فلا جسم إلّا ويصحّ منّا أن نفعل فيه اعتمادا في بعض الجهات الستّ ، ولا جسم إلّا وإذا صحّ منّا في هذا الوقت أن نعتمد عليه يصحّ منّا في غيره من الأوقات مثل ذلك. فعرفنا أنّ القدرة الواحدة هي متعلّقة بما لا يتناهى من المختلفات. فإذا تعذّر فعل بعضها فليس ذلك لما يرجع إلى تعلّق القدرة ، ولكنّ الشرط في صحّة إيجاده بها الاتّصال والمماسّة بين محلّ القدرة وبين المحلّ الذي نفعل الاعتماد فيه. فإذا تعذّر في بعض الأجسام نقله وتحريكه فليس ذلك لانحصار تعلّق القدرة ، ولكن لأنّ الثقل الذي فيه يمنع من التحريك والحمل إلّا إذا فعل ذلك في كل جزء منه بعدد ما في جميعه أو جزءا زائدا ، على اختلاف بين الشيوخ فيه. فلا يجب أن يظنّ أن تعذّر ذلك لانحصار تعلّق القدرة (ق ، ت ٢ ، ٩٥ ، ١٥)

تعلّق القدرة بالمقدورات

ـ في وجوه تعلّق القدرة بالمقدورات. اعلم أنّه صدّر الباب بوجوب تعلّق القدرة بما تتعلّق به ، والصحّة المذكورة في هذا الموضع لا ينفصل عن الوجوب. وإنّما كان كذلك لأنّ هذا التعلّق مستند إلى صفة تتجدّد للقدرة عند الوجود. فلمّا كان اختصاصها بهذه الصفة يثبت هذا الحكم ، وصار هذا الحكم هو الطريق إلى تلك الصفة ، فوجب لذلك أن نقضي بأنّ تعلّقها بما تتعلّق به واجب. وكذلك نقول في القادر إنّ تعلّقه بالمقدور واجب وإنّما وقوعه يصحّ منه ويقف على دواعيه ، وإلّا فالحكم الذي له مع المقدور لا تدخله الصحّة بل لا بدّ من ثباته. ولا ينقض ذلك طريقة الاختيار لأنّها تدخل في الوقوع ، ولو لا وجوب تعلّقه بمقدوره لما صحّ أن يختار مقدورا على مقدور. فصار الاختيار تابعا لوجوب تعلّق القادر بهذا المقدور. ولهذه الجملة لا نعرف هذا التعلّق في القدرة ولا في القادر ابتداء ما لم يقع بعض المقدورات ، ثم نعلم استمرار هذا الحكم من بعد. فإذا تقرّرت هذه الجملة فيجب أن لا تفترق الحال في تعلّقها بين ابتداء وجودها وبين استمرار الوجود بها. فلهذا ما يجب إذا حكمنا ببقاء القدرة أن نحكم باستمرار تعلّقها بما تتعلّق به ، ولا يجوز أن يتجدّد لها في حال البقاء من التعلّق ما لم يكن من قبل ، لأنّ الذي اقتضى فيها هذا الحكم هو ما يرجع إلى ذاتها بشرط الوجود ، وهما قد حصلا في كلي الحالين (ق ، ت ٢ ، ٤٥ ، ١)

ـ أمّا كيفية تعلّق القدرة بمقدوراتها فقد ينحصر من بعض الوجوه ولا ينحصر من بعض. فإذا تعلّقت بالمختلفات فلا يتناهى تعلّقها. وإذا تعلّقت بالمتماثل فقد لا يتناهى تعلّقها إذا كان الوقت متغايرا أو المحلّ متغايرا ، وينحصر إذا كان مع التجانس يكون الوقت والمحلّ واحدا. فأمّا تعلّقها بالضدّين فثابت في حالة واحدة (ق ، ت ٢ ، ٤٦ ، ١٦)

تعلّق القدرتين بالمقدور الواحد

ـ إنّ القدرة لما هي عليه في جنسها تقتضي صحّة التعلّق بأشياء ، وإلّا لم يكن بين القادر والعاجز والمضطرّ فصل. وتعلّق القدرتين بالمقدور

الواحد يؤدّي إلى قلب جنسها من حيث يصحّ إيجاده بأحدهما وإن عدم الآخر ، أو أن يستحيل وجوده بأحدهما إذا عدم الآخر (ق ، غ ٨ ، ١٤٠ ، ١٥)

تعلّق معدوم

ـ قلنا : العلّة الإمكان ، والتعلّق المعدوم تنجّزي وهو حادث (خ ، ل ، ٨٠ ، ٣)

تعلّقات

ـ قالت الصفاتيّة لسنا نعني بالتعلّقات علائق حسّية ولا حبائل خياليّة ، ولا ينفى التناهي عن المعلومات أعدادا من المعلومات غير متناهية حاصرة في الوجود ، بل نعني بالتعلّق والمتعلّق أنّ الصفة الأزليّة صالحة لدرك ما يعرض عليها على وجه لا يستحيل ، فيعبّر عن تلك الصلاحيّة نحو الدرك بالتعلّق ، ويعبّر عن جهة العرض عليه حتى يدركه بالمتعلّق ، ثم وجوه الجائزات على التقدير غير متناهية ، فالمتعلّقات غير متناهية ، فالتعلّقات غير متناهية ، فالعلم القديم صفة متهيّئة لدرك ما يعرض عليها على وجه الجواز دون الاستحالة ، والقدرة الأزليّة صفة متهيّئة لإيجاد ما يعرض عليها على وجه الجواز دون الاستحالة ، فالمعنى بالعرض جهة الإمكان وتعيين الآحاد على البدل ، والمعني بالمعروض عليه جهة الصلاحية إمّا نحو الإدراك وإمّا نحو الإيجاد (ش ، ن ، ٢٣٥ ، ٨)

تعليل

ـ أمّا صحّة التعليل فعلى ما اختاره في الكتاب تثبت بعرضه على وجوه التعليل. فإذا قبل بعضها علمت أنّه معلّل ولا دلالة تقتضي في كل حكم أنّه لا بدّ من صحّة التعليل فيه ، إلّا أنّه ليس ينكر في بعضها أن يلجي ملجئ إلى التعليل أو تدلّ دلالة عليه ، ولكن ليس لأنّ هذا هو العبرة في كل موضع. والذي يبيّن ذلك أنه وإن ألجأ ملجئ إلى التعليل أو دلّت دلالة على أنّه من باب ما يعلّل ، لم يكن بدّ من عرض الحكم على كل وجه يحتمله. فإذا قبل البعض جعل معلّلا به. فإذا لم يكن بدّ من ذلك فما الحاجة إلى طلب ما يقود إلى التعليل ، وهل جعل العلم الدالّ على كونه معلّلا ما ذكرناه. ولهذا لو قامت دلالة على أنّه من باب ما يعلّل أو يصحّ تعليله ثم عرضه على ما يصحّ تعليل الأحكام به ، فلم يقبل شيئا من ذلك لمعرفته معلّلا ولم تعرف علّته بعينها ، ولو كان هذا يبعد ذكره في العقليات ويتأتّى في الشرعيّات إذا أردت معرفة العلل على التفصيل. ولا فرق في ذلك ما يكون تعليلا بعلّة موجبة وبين ما يكون جاريا مجرى العلّة مما يجعل وجوها للأفعال وما شاكل ذلك (ق ، ت ١ ، ١٦٧ ، ٢٥)

ـ اعلم أنّ التعليل إذا لم يعد بفائدة على أصل الحكم أو كمال الحكم فهو لغو ولا غرض في طلبه (ق ، ت ١ ، ١٦٨ ، ١٠)

ـ أمّا ما يفيد من التعليل فهو إذا لم تمكن معرفة الأحكام إلّا بطلب علّة فيها ، وهذا نحو علمنا بقبح الكذب الذي فيه نفع أو دفع ضرر لأنّه موقوف على التعليل. فما لم يعلّل قبح الكذب العاري من نفع ودفع ضرر لا يتمكّن من معرفة قبح الكذب الذي فيه نفع أو دفع ضرر. وقد تمكن معرفة الحكم من دون تعليل. ولكن تمام العلم بالحكم يقف على طريقة التعليل ، فيعلّل مثل أن نعلم حاجة المحدث إلى محدث ثم يعلّل وجه الحاجة فيبيّن أنّه الحدوث ليتكامل

علمنا بحاجة إلى محدث ولتتأتّى من بعد طريقة الجمل والبناء وليعلم أنه ليس يحتاج إلينا من جميع وجوهه ، وصفاته. وقد يكون لوجه ثالث وهو لمعرفة تمام ما يتّصل بالحكم وذلك بأن نعلم نفس الحكم وما بعد في تمامه ، ولكن هناك لواحق تجب معرفتها ولا يتمّ ذلك إلّا بالتعليل (ق ، ت ١ ، ١٦٨ ، ٢٢)

ـ قالت الصفاتية بم تنكرون على من يعلّل الأحكام الجائزة بالعلل الجائزة والأحكام الواجبة بالعلل الواجبة ، فلا الاحتياج والافتقار غير موجب للتعليل ، ولا الاستقلال ولا الاستغناء مانع من التعليل ، لأنّا لسنا نعني بالتعليل الإيجاد والإبداع حتى يستدعيه الجواز والاحتياج ويمنعه الوجوب والاستغناء ، لكنّا نعني بالتعليل الاقتضاء العقليّ والتلازم الحقيقيّ بشرط أن يكون أحدهما ملتزما والآخر ملتزما ، والوجوب والجواز لا أثر لهما في منع الاقتضاء والتلازم ، فلا يمتنع عقلا تعليل الواجب بالواجب وتعليل الجائز بالجائز (ش ، ن ، ١٨٣ ، ١٩)

تعيّن

ـ إنّ التعيّن هو الذي يوجد الماهيّة بسبب انضمامه إليها ، ولا يلزم من ذلك دور ولا ثبوت التعيّن مرّتين (ط ، م ، ٢٣٢ ، ١٣)

ـ إنّ الماهيّة توصف بالوجود بسبب اتّصافها بالتعيّن. وكما أنّ الماهيّة المغايرة للوجود لا يوصف بالوجود من حيث هي مغايرة للوجود ، كذلك التعيّن لا يوصف بالوجود من حيث هو تعيّن. أمّا الماهيّة المتعيّنة فموجود واحد (ط ، م ، ٢٣٢ ، ١٨)

ـ كلّ موجودين يتمايزان بالتعيّن. ـ وهو ثبوتيّ خلافا لأصحابنا (خ ، ل ، ٨٧ ، ٣)

تعيين

ـ إذا ثبت وجوب الإمامة بالسمع ، فهل التعيين فيها مستند إلى النص أو الاختيار؟ فذهبت الإماميّة إلى أنّ مستند التعيين إنّما هو النص ، وزعموا أنّ خلافة على منصوص عليها من قبل النبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بقوله : " أنت مني كهارون من موسى". وقوله ـ عليه‌السلام ـ بعد ما وجبت طاعت المؤمنين له ، وثبت أنّه أحق بهم من أنفسهم : " من كنت مولاه ، فعليّ مولاه" وقوله : " أنت أخي وخليفتي من بعدي على أهلي ومنجز عداتي" إلى غير ذلك من الآثار والأخبار (م ، غ ، ٣٧٤ ، ١١)

ـ أمّا معتقد أهل الحقّ من أهل السنّة وأصحاب الحديث فهو أنّ التعيين غير ثابت بالنصّ بل بالاختيار ؛ لأنّه لو ورد نصّا فهو إمّا أن يكون نصّا قطعيا أو ظنّيّا : لا جائز أن يكون قطعيّا. إذ العادة تحيل الاتّفاق من الأمّة على تركه ، وإهمال النظر لموجبه ، لما سبق. وإن كان ظنّيّا بالنظر إلى المتن والسند ، أو بالنظر إلى أحدهما ، فادّعاء العلم بالتنصيص إذ ذاك يكون محالا ، والاكتفاء بمحض الظنّ أيضا مما لا سبيل إليه هاهنا ، لما فيه من مخالفة الإجماع القاطع من جهة العادة. كيف وأنّه لم يرد في ذلك شيء من الأخبار ، ولا نقل شيء من الآثار على لسان الثقات ، والمعتمد عليهم من الرواة ، لا متواترا ولا آحادا ، غير ما نقل على لسان الخصوم ، وهم فيه مدّعون ، وفيما نقلوه متّهمون (م ، غ ، ٣٧٦ ، ٩)

تعيين الإمام

ـ أمّا القول في تعيين الإمام هل هو ثابت بالنص أم بالإجماع ، فالقائلون اختلفوا في أنّ النصّ

ورد على شخص بعينه أم ورد بذكر صفته ، فالقائلون بالإجماع اختلفوا في أنّ إجماع الأمّة عن بكرة أبيهم شرط في ثبوت الإمامة ، أم يكتفى بجماعة من أهل الحل والعقد ، وقد ذكرت مذاهبهم في الكتب (ش ، ن ، ٤٨٠ ، ١٠)

ـ قيل إنّما قلنا طريق العلم بتعيين الإمام النص دون الاختيار ، لأنّ الإمام يجب أن يكون على صفات مخصوصة منها العصمة ومنها العلم والعقل ومنها الشجاعة ومنها العدل على الرعيّة ، ولا مجال للاجتهاد وغلبات الظنون في معرفتها ومعرفة مقاديرها ، بل لا يعلم ذلك إلّا بالنصّ من الرسول مستندا إلى وحي من الله (ش ، ن ، ٤٩٥ ، ٧)

تغاير

ـ الشيء الواحد لا يخالف نفسه ولا يكون غيرها. فوجب بذلك أنّ الاختلاف والتغاير إنّما وقع بين شيئين هما سواه وهما السكون والحركة. فلذلك قلنا : إنّ الجسم إنّما يتحرك بحلول الحركة فيه ويسكن لحلول السكون فيه. والقديم جلّ ذكره عالم بالأشياء على ما هي عليه من حقائقها لم يزل ولا يزال كذلك ، وإنّما اختلفت العبارة عن علمه بالأشياء قبل أن يوجدها وفي حال وجودها لاتصال العبارة عن علمه بالأشياء بالعبارة عن الأشياء المتغايرة المختلفة الأحوال ، فاختلفت لاختلاف ما اتصلت به (خ ، ن ، ٨٤ ، ٢٠)

ـ إنّ قول من قال إنّ القدرة على الشيء غير القدرة على ضدّه توسّع ، وحقيقة الجواب عن ذلك أنّ التغاير إنّما يكون بين شيئين موجودين ، فإذا وجدت القدرة على الشيء لم يجز أن توجد القدرة على ضدّه ، بل القدرة على الشيء لا يقدر بها إلّا عليه وحده (أ ، م ، ١١٨ ، ١٩)

ـ ربّما أطلق القول في معنى التغاير إنّه هو الذي لا يستحيل وجود أحدهما مع عدم صاحبه (أ ، م ، ٢٦٧ ، ٣)

ـ إنّ التغاير لا يكون إلّا فيما جاز أن يوجد أحدهما دون الآخر (ح ، ف ٢ ، ١٣٦ ، ٧)

ـ قال أبو محمد : وحدّ التغاير الصحيح هو ما شهدت له اللغة وضرورة الحسّ والعقل ، وهو إنّ كل مسمّيين جاز أن يخبر عن أحدهما بخبر ما لا يخبر به عن الآخر فهما غيران لا بدّ من هذا ، وبالجملة ما لم يكن غير الشيء نفسه فهو غيره ، وما لم يكن غير الشيء فهو نفسه (ح ، ف ٢ ، ١٣٦ ، ١٧)

ـ قال أبو محمد : حدّ التغاير في الغيرين هو أنّ كل شيء أخبر عنه بخبر ما لا يكون ذلك الخبر في ذلك الوقت خبرا عن الشيء الآخر فهو بالضرورة غير ما لا يشاركه في ذلك الخبر ، وليس في كل ما يعلم ويوجد شيئان يخلوان من هذا الوصف بوجه من الوجوه ، وهذا مقتضى لفظة الغير في اللغة (ح ، ف ٢ ، ١٣٨ ، ١٣)

تغاير الاعتبارين

ـ إذا دلّ دليل على وجوده (الصانع) وآخر على كون وجوده عين ذاته ، لم يدلّ ذلك على أنّ وجوده غير كون وجوده عين ذاته ، بل يدلّ ذلك على تغاير الاعتبارين ، لا على تغاير الحقيقتين (ط ، م ، ٣٠٤ ، ١٠)

تغاير الأفعال

ـ في بيان الوجوه التي بها يعلم تغاير الأفعال وما يتّصل بذلك : قد يعلم ذلك بتغاير القادرين ،

والقدرتين ، والمحلّين ، وبتغاير الوقتين إذا كان الفعل من حقّه أن لا يبقى ، أو أن يكون واقعا من القادر ، بقدرة. وقد يعلم ذلك بتغاير السببين ؛ وقد يعلم ذلك باختلاف الحكمين والصفتين ، أو تقدير اختلافهما ، والحال واحدة ، وقد يعلم ذلك بطريقة الإدراك فيما يتماثل ويختلف ، وبسائر الطرق التي يعلم بها اختلاف الأجناس (ق ، غ ١٦ ، ٥١ ، ٢)

تغاير القادرين

ـ إنّ تغاير القادرين يقتضي تغاير المقدورين لما دللنا عليه ، من أنّ المقدور الواحد لا يصحّ كونه بقادرين (ق ، غ ١٦ ، ٥١ ، ٨)

تغاير القدرتين

ـ إنّ تغاير القدرتين يقتضي ذلك لأنّا قد دللنا على استحالة مقدور واحد بقدرتين ، وأن الطريقة فيه كالطريقة في استحالة مقدور واحد لقادرين (ق ، غ ١٦ ، ٥١ ، ١١)

تغيّر

ـ إنّ التغيّر فائدته التغاير بأن يصير الشيء غيرا لما كان. وقد يستعمل لفظ التغيير في المحلّ إذا حدث فيه معنى لم يكن من قبل كما يقال في الأسود إنّه يغيّر بثبوت البياض بعد السواد ، وكما يقال في النطفة إنّها تغيّرت بأن صارت علقة لحدوث معان مخصوصة فيها. فأمّا حصول صفة للذات بعد إن لم يكن فلن يستعمل فيه لفظ التغيير ، وعلى هذا إذا أراد أحدنا الشيء ابتداء لا يقال قد تغيّر وإنّما يشتبه ذلك إذا أراد بعد الكراهة أو كره بعد الإرادة. وكذلك فإن علم أحدنا شيئا لم يعلمه من قبل أو أدرك ما لم يكن مدركا له من قبل لم يستعمل لفظ التغيير فيه ، فذلك خطأ إذا من جهة العربية. فإن أراد بذلك حصول صفة بعد أن لم تكن فالمعنى صحيح ولكنّ العبارة مدخولة ، وإن أراد حقيقة اللفظة. فمعلوم استحالته فيه تعالى بأن يريد ما لم يكن مريدا له ، وليس في ذلك ما نوجبه على ما ظنّوه كما لم يثبت مثله في الشاهد (ق ، ت ١ ، ١٤٧ ، ١٦)

تغيّر وتغاير

ـ أمّا من يقول : " إنّ القديم تعالى لو حصل مدركا بعد أن لم يكن مدركا يجب أن يكون قد تغيّر" ، ففاسد ، لأنّا نقول : ما تريد بذلك؟ إن أردت بذلك أنّه يقتضي أن يكون مدركا فذلك تكرار لا فائدة فيه. ثم إنّا نقول إنّ التغيّر والتغاير معناهما واحد ، وهما لا يستعملان في الشيء الواحد وإنّما يستعملان في أشياء ، فيقال في الجسم إذا زال ما فيه من المعاني وحصلت هناك معان آخر : " إنّه تغيّر أو تغاير" ، على حسب اعتقادتهم : أنّه بحصول معان أو زوال معان عنه قد استحال عمّا كان عليه ، فاستعملوا ذلك فيما ذكرنا ، جريا على اعتقادهم. وهم مصيبون في التسمية ، مخطئون في الاعتقاد ، لأنّه لا تستعمل هذه اللفظة في الذات إذا تجدّدت عليها صفة ، لا حقيقة ولا مجازا ؛ فلا يجب إجراء هذه اللفظة على القديم تعالى إذا تجدّدت عليه الصفة. ألا ترى أنّ أحدنا قد يدرك الشيء بعد أن لم يكن مدركا بأن يراه بعد أن لم يكن رائيا له ، ثم لا يقال : إنّه قد تغيّر عمّا كان عليه! واعلم أنّ المخالف في هذه المسألة إنّما هو أبو القاسم البلخي ، فإنّه ذهب إلى أن القديم تعالى لا يكون مدركا (ن ، د ، ٥٦٧ ، ٧)

تفاضل في الإضافة

ـ أمّا (التفاضل في) الإضافة فركعة من نبي أو ركعة مع نبي أو صدقة من نبي أو صدقة معه أو ذكر منه أو ذكر معه ، وسائر أعمال البر منه أو معه ، فقليل ذلك أفضل من كثير الأعمال بعده (ح ، ف ٤ ، ١١٥ ، ٩)

تفاضل في الزمان

ـ أما (التفاضل في) الزمان فكمن عمل في صدر الإسلام أو في عام المجاعة أو في وقت نازلة بالمسلمين وعمل غيره بعد قوة الإسلام وفي زمن رخاء وأمن ، فإنّ الكلمة في أوّل الإسلام والتمرة والصبر حينئذ وركعة في ذلك الوقت تعدل اجتهاد الأزمان الطوال ، وجهادها ، وبذلك الأموال الجسام بعد ذلك (ح ، ف ٤ ، ١١٤ ، ١)

تفاضل في الكم

ـ أما (التفاضل في) الكم فأن يستويا في أداء الفرض ويكون أحدهما أكثر نوافل ، ففضّله هذا بكثرة عدد نوافله (ح ، ف ٤ ، ١١٣ ، ٢٠)

تفاضل في الكمية

ـ أمّا (التفاضل في) الكمية وهي العرض فأن يكون أحدهما يقصد بعمله وجه الله تعالى ، لا يمزج به شيئا البتّة ، ويكون الآخر يساويه في جميع عمله ، إلّا أنّه ربما مزج بعمله شيئا من حب البرّ في الدنيا ، وأن يستدفع بذلك الأذى عن نفسه ، وربما مزجه بشيء من الرياء ففضّله الأوّل بعرضه في عمله (ح ، ف ٤ ، ١١٣ ، ١٤)

تفاضل في الكيفية

ـ أمّا (التفاضل في) الكيفية فأن يكون أحدهما يوفي عمله جميع حقوقه ورتبه لا منتقصا ولا متزيدا ، ويكون الآخر ربما انتقص بعض رتب ذلك العمل وسننه ، وإن لم يعطل منه فرضا ، أو يكون أحدهما يصفي عمله من الكبائر ، وربما أتى الآخر ببعض الكبائر ففضّله الآخر بكيفية عمله (ح ، ف ٤ ، ١١٣ ، ١٧)

تفاضل في المائية

ـ أمّا المائية فهي أن تكون الفروض من أعمال أحدهما موافاة كلها ويكون الآخر يضيع بعض فروضه وله نوافل ، أو يكون كلاهما وفي جميع فرضه ويعملان نوافل زائدة ، إلّا أنّ نوافل أحدهما أفضل من نوافل الآخر ، كأن يكون أحدهما يكثر الذكر في الصلاة والآخر يكثر الذكر في حال جلوسه وما أشبه هذا ، وكإنسانين قاتل أحدهما في المعركة والموضع المخوف وقاتل الآخر في الردء ، أو جاهد أحدهما واشتغل الآخر بصيام وصلاة تطوّع ، أو يجتهدان فيصادف أحدهما ويحرمه الآخر فيفضل أحدهما الآخر في هذه الوجوه بنفس عمله ، أو بأنّ ذات عمله أفضل من ذات عمل الآخر فهذا هو التفاضل في المائية من العمل (ح ، ف ٤ ، ١١٣ ، ١٤)

تفاضل في المكان

ـ أما (التفاضل في) المكان فكصلاة في المسجد الحرام أو مسجد المدينة فهما أفضل من ألف صلاة فيما عداهما ، وتفضّل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة درجة ، وكصيام في بلد العدو أو في الجهاد على صيام في غير الجهاد ، ففضل من عمل في المكان الفاضل غيره ممّن عمل في غير ذلك المكان

بمكان عمله ، وإن تساوى العملان (ح ، ف ٤ ، ١١٥ ، ٥)

تفاوت

ـ إن قال فما معنى قوله تعالى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الملك : ٣) قيل له قال الله تعالى (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) (الملك : ٣) واحدة فوق الأخرى (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الملك : ٣) يعني في السموات لأنّه قال (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) (الملك : ٣) بعد ذكره السموات (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (الملك : ٣) يعني من شقوق والكفر لا شقوق فيه (ش ، ل ، ٤٨ ، ٧)

ـ أمّا قوله تعالى : (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) (الملك : ٣). فلا حجّة لهم في هذا أيضا لأنّ التفاوت المعهود هو ما نافر النفوس أو خرج عن المعهود ، فنحن نسمّي الصورة المضطربة بأنّه فيها تفاوتا ، فليس هذا التفاوت الذي نفاه الله تعالى عن خلقه ، فإذ ليس هو هذا الذي يسمّيه الناس تفاوتا ، فلم يبق إلّا أنّ التفاوت الذي نفاه الله تعالى عمّا خلق ، هو شيء غير موجود فيه البتّة ، لأنّه لو وجد في خلق الله تعالى تفاوت لكذب قول الله عزوجل ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ، ولا يكذّب الله تعالى إلّا كافر ، فبطل ظنّ المعتزلة أنّ الكفر والظلم والكذب والجور تفاوت ، لأنّ كل ذلك موجود في خلق الله عزوجل مرئيّ فيه مشاهد بالعيان فيه ، فبطل احتجاجهم (ح ، ف ٣ ، ٦٧ ، ٢٠)

تفاوت أحوال المكلّفين

ـ إنّه تعالى متفضّل بالتكليف ، فقد يجوز أن يجعل بعض الأحياء بصفة المكلّفين دون بعض. وإنّما الممتنع أن يجعل الكلّ بصفة المكلّفين ثمّ لا يكلّفهم وإنّما يكلّف بعضهم دون بعض ، وهذا عندنا لا يصحّ. وإنّما تتفاوت أحوال المكلّفين في التكاليف لأنّها مصالح لهم وأحوال الناس تختلف فيما يجري هذا المجرى ، على ما نذكره في باب النبوّات (ق ، ت ٢ ، ١٩٨ ، ٥)

تفريق

ـ التفريق هو الكون الواقع على وجه (ق ، غ ١٣ ، ٢٦٢ ، ٩)

ـ في بيان ما يولّد الألم من الأسباب : اعلم أنّ الصحيح أنّ الذي يولّده هو التفريق بشرط نفي الصحّة لأنّه يحصل بجنسه في كثرته وقلّته ؛ لأنّ التفريق إذا كثر انتفت الصحّة عنده وكثر الألم ، وإذا قلّ ذلك قلّ الألم. فعلم انّه يولّده (ق ، غ ١٣ ، ٢٧٢ ، ٣)

تفريق بين المجتمعات

ـ التفريق بين المجتمعات ، فكما لا يجمع بين متفرّقه ، فلا يفرّق بين مجتمعه. فإنّ كل حكمة سابقة على حكمه ، أو لاحقة لها مؤثّرة في تفهيم معناها ومرجّحة الاحتمال الضعيف فيه ، فإذا فرّقت وفصّلت سقطت دلالتها ، مثاله قوله تعالى : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) (الأنعام : ١٨) ، لا تسلّط على أن يقول القائل هو فوق ، لأنّه إذا ذكر القاهر قبله ظهرت دلالة الفوق على الفوقية التي للقاهر مع المقهور ، وهي فوقيّة الرتبة. ولفظ القاهر يدلّ عليه ، بل لا يجوز أن يقول : وهو القاهر فوق غيره ، بل ينبغي أن يقول فوق عباده ، لأنّ ذكر العبودية في وصفه في الله فوقه يؤكّد احتمال فوقية السيادة ، إذ

يحسن أن يقول السيّد فوق عبده ، وإن كان لا يحسن أن يقول زيد فوق عمر. وقبل أن يتبيّن تفاوتهما في معنى السيادة والعبوديّة أو غلبة القهر أو نفوذ الأمر بالسلطنة أو بالأبوّة أو بالزوجية ، فهذه الأمور يغفل عنها العلماء فضلا عن العوام ، فكيف يسلّط العوام في مثل ذلك على التصرّف بالجمع والتفريق والتأويل والتفسير وأنواع التغيير (غ ، أ ، ٦٦ ، ٢٤)

تفسير

ـ التفسير وأعني به تبديل اللفظ بلغة أخرى يقوم مقامها في العربية أو معناها بالفارسية أو التركية ، بل لا يجوز النّطق إلّا باللفظ الوارد لأنّ من الألفاظ العربية ما لا يوجد لها فارسية تطابقها ؛ ومنها ما يوجد لها فارسية تطابقها ، لكن ما جرت عادة الفرس باستعارتها للمعاني التي جرت عادة العرب باستعارتها منها ، ومنها ما يكون مشتركا في العربية ولا يكون في العجمية كذلك (غ ، أ ، ٥٧ ، ٥)

تفصيل

ـ إنّ الأشياء كلها من الله في الجملة ، ولا يطلق بلفظ الشرّ أنّه من الله تعالى ، كما يقال الأشياء كلها لله في الجملة ، ولا يقال على التفصيل الزوجة والولد لله تعالى ، وكما نقول في الجملة ما دون الله ضعيف ، ولا يقال على التفصيل دين الله ضعيف (ش ، ل ، ٤٧ ، ١٣)

ـ وقوله تعالى : (الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) يدلّ على أنّ الكتاب محدث ، وأن كلامه مفعول ؛ لأنّه تعالى وصفه بأنه (أحكم) والإحكام لا يكون إلّا في الفعل الذي ينفصل حاله بالإحكام من حال المختل المنتقض من الأفعال. وقوله تعالى : (ثُمَّ فُصِّلَتْ) (هود : ١) يدلّ أيضا عليه ؛ لأنّ التفصيل لا يصحّ في القديم ، وإنّما يصحّ في الفعل المدبّر إذا فعل على وجه يفارق الأفعال المجملة التي لم تنفصل بالتدبير والتقدير. وقوله : (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود : ١) يدلّ أيضا على حدوثه ؛ لأنّ القديم لا يجوز أن يضاف إلى أنّه من لدن غيره ، وإنّما يطلق ذلك في الأفعال الصادرة عن الفاعل ، فيقال : إنها من لدنه ، ومن قبله ، ولو كان الكتاب والقرآن قديما لم يكن بأن يضاف إلى الله تعالى وأنّه من لدنه ، بأولى من أن يكون تعالى مضافا إليه ، على هذا الوجه (ق ، م ١ ، ٣٧٣ ، ٦)

ـ أمّا التفصيل فهو بأن نعلم أنّ لأحوالنا فيه (التصرّف) تأثيرا وأنّ أحوالنا لا تؤثّر في شيء من صفاته سوى حدوثه (ن ، د ، ٢٩٨ ، ١٢)

تفضّل

ـ التفضل هو ما للمتفضّل أن يتفضّل به ، وله أن لا يتفضّل به (ش ، ل ، ٢٠ ، ١٤)

ـ البخل أن لا يفعل الفاعل ما يجب عليه فعله ، فأمّا ما كان تفضّلا فللمتفضّل أن يتفضل به وله أن (لا) يتفضل به ، وما كان تفضّلا لم يلحق البخل في أن لا يفعله الفاعل (ش ، ل ، ٧٠ ، ١٤)

ـ يقال لهم (المعتزلة) : أخبرونا عن قوة الإيمان أليست فضلا من الله عزوجل؟ فلا بدّ من نعم. فيقال لهم : فالتفضّل أليس هو ما للمتفضّل أن لا يتفضّل به ، وله أن يتفضّل به؟ فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك بنعم ، لأنّ ذلك هو الفرق بين الفضل وبين الاستحقاق (ش ، ب ، ١٣٧ ، ٧)

ـ إنّ حقيقة التفضّل ما للفاعل أن يتفضّل به وأن يتركه (أ ، م ، ١٠٢ ، ١٤)

ـ إنّ المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ، ش ، ٨٥ ، ٩)

ـ إنّ المنافع الواصلة إلى الغير إمّا أن تكون مستحقّة أو لا ، فإن لم تكن مستحقّة فهو التفضّل ، وإلّا إن كانت مستحقّة فلا يخلو ؛ إمّا أن تكون مستحقّة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض ، وإن كانت مستحقّة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأمّا التفضّل فما من حيّ خلقه الله تعالى إلّا وقد تفضّل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان ، والعوض يوصله الله تعالى إلى المكلّف وغير المكلّف ، وأما الثواب فمما لا حظّ فيه لغير المكلّف ، والمكلّف مختصّ باستحقاقه (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٤)

ـ التفضّل هو ما يجوز لفاعله أن يفعله وأن لا يفعله ، والواجب هو ما لا يجوز له أن لا يفعله (ق ، ش ، ٦١٩ ، ١)

ـ أمّا التفضّل فقد فعله ، وهو كلّ ما ابتدأ به من الإحسان والإنعام ، والواجب يتبع ما قد تفضّل به من نحو الإثابة والتمكين واللطف والعوض (ق ، ت ١ ، ٢٤٤ ، ٩)

ـ إنّ التفضّل ما للمتفضّل أن يفعله ، وله أن لا يفعله (ق ، غ ٤ ، ١٥٥ ، ٩)

ـ التفضّل في أنّه يستحقّ المدح بأن لا يفعله ، ولا يستحقّ بفعله الذم (ق ، غ ٤ ، ١٥٥ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّه لما علم باضطرار أنّ من الحسن ما له صفة زائدة على حسنه ، يستحقّ فاعله عليه المدح ، نحو الإحسان إلى الغير ، عبّر عنه بأنّه : " تفضّل" ، كما وصفناه بأنّه إحسان وإنعام.

وإن كان ذلك يفيد أنّه يستحقّ المدح ، وأنّه نفع يتعدّى إلى غيره على وجه مخصوص ، وأنّه لا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعله. فلذلك لا يقال فيما يجب إيصاله من المنافع إلى الغير أنّه تفضّل في الحقيقة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٧ ، ٥)

ـ يوصف التفضّل بأنّه خير ، لأنّ معنى ذلك أنّه نفع حسن ، ولذلك يوصف من أكثر من فعله بأنّه خيّر ، عند شيخنا أبي علي رحمه‌الله. فأمّا وصف التفضّل والندب بأنّه طاعة ، فإنّما يفيد أنّه تعالى قد أرادهما على الوجه الذي وقعا منه ، ولذلك يستعمل ذلك في الواجب أيضا ، ولا يستعمل في المباح (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٩ ، ٩)

ـ أمّا الندب والتفضّل فلا بدّ من أن يحصل لهما صفة زائدة على حسنه ، ويكون المقتضي لها وقوعه على وجه يجري مجرى الإثبات ، ككون الفعل تفضّلا ، والنوافل مسهّلة للواجبات (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٢ ، ١٧)

ـ في بيان وجه حسن ابتداء الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأيّام وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ ذلك إنّما يحسن منه تعالى على وجوه ثلاثة : أحدها لينفعه ، والآخر لينفع به ، والثالث لأنّه أراده لخلق ما ذكرناه ، مع تعرّي الكلّ من وجوه القبح. وقد دخل فيما ذكرناه ما يخلقه تعالى لينفعه ولينفع به جميعا ؛ لأنّ الشيء إذا حسن لكل واحد من الوجهين فبأن يحسن متى حصلا فيه أولى. ولم يذكر في ذلك خلق من يخلقه ليفعل به المستحقّ ، لأنّ ذلك لا يحسن أولا ، وإنّما يحسن أن يخلقه لهذه البغية ثانيا. فإذا حسن أن يخلق تعالى الخلق لينفعه تفضّلا ، ويعرّضه للثواب والمدح ، وينفعه بالتعويض على الآلام حسن منه أن يخلق غير المكلّف

للتفضّل والتعويض جميعا. وقد بيّنا أنّ المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، وأنّ المستحقّ منه قد يكون مستحقّا على وجه التعظيم والإكرام فيكون ثوابا ، وقد يكون مستحقّا على وجه العوض والبدل ، وبيّنا لكل واحد منهما مثالا في الشاهد ، وبيّنا أنّ ما ليس بمستحقّ يكون إحسانا وتفضّلا ، وبيّنا أنّ ما أدّى إلى المنافع يكون في حكمه ، وإن كان شاقّا على فاعله ، وإنّما يحسن متى أدّى إلى نفع يوفي عليه ، ومتى لم يشقّ على فاعله البتّة فإنّه يحسن إذا أدّى إلى أيّ منفعة كان متى عري من وجوه القبح. فإذا صحّت هذه الجملة حسن من القديم تعالى أن يخلق الخلق لينفعه على بعض الوجوه التي قدّمناها أو كلّها (ق ، غ ١١ ، ١٠١ ، ٩)

ـ أمّا صفة الفعل فقد بيّنا أنّه يجب أن يكون حسنا وله صفة زائدة على حسنه حتى يصير واجبا أو تفضّلا أو ندبا (ق ، غ ١١ ، ٥١١ ، ١١)

ـ اعلم أنّه لا بدّ فيه من يكون بفعل مستحقّا على ضرر. فما هذا حاله يوصف بأنّه عوض إذا كان الضرر من جهة المستحق عليه العوض : إما بأن يكون فعله ، أو ما يجري هذا المجرى على ما بيّناه. وبهذه الصفة يبيّن من التفضّل لأنّ التفضّل ، غير مستحق ؛ فلفاعله أن يفعله على كل وجه. وليس كذلك حال العوض لأنه كان مستحقّا بالضرر ، فقد دخل في باب الوجوب. فلو لم يفعله في حال وجوبه لاستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٣ ، ٥٠٥ ، ٥)

ـ إن قال : فأنتم تقولون في الثواب إنّه تفضّل من الله سبحانه ، فكيف يصحّ أن تقولوا إنّه واجب ، واجتماع ما بين الصفتين يستحيل. قيل له : قد بيّنا أنّ وصفنا له بأنّه تفضّل مجاز ، وإنّما أجريناه عليه ، من حيث تفضّل بأسبابه ، وإلّا فهو في الحقيقة واجب ، لأنّ المعلوم من حاله ، أنّه تعالى لو لم يفعله لاستحقّ الذمّ ، كما يستحقّه أحدنا إذا لم يفعل الإنصاف ؛ وإنّما نقول في جميع ما يجب عليه تعالى إنّه تفضّل ، على هذا الحدّ ، لأنّه متفضّل بأسبابه ، لأنّه إذا لم يخلف ومكّن تعويضا للثواب والعوض ، فقد تفضّل بسببهما ، فصار كأنّه متفضّل بهما ، كما أنّ أحدنا إذا تفضّل بهبة الثوب ، فكأنّه متفضّل بثمنه ، إذا باعه الموهوب منه ، متى كان قصده بالهبة تعويض النفع. فإذا صحّ أنّ الواجب قد يجب عليه تعالى ، وأنّه لا مانع يمنع من إطلاق ذلك فيه ، فيجب ألّا تختلف حقيقته في الشاهد والغائب. وليس يجب إذا لم يصحّ دخول كثير من الواجبات التي قد تجب علينا في أفعاله ، أن يؤثّر ذلك في حقيقة الواجب عليه وعلينا ، وذلك لأنّ ردّ العوض قد يصحّ وجوبه علينا ، لفعل تقدّم ، وذلك لا يتأتى فيه تعالى ، ولا يمنع ذلك فيما يصحّ أن يجب من أفعاله ، أنّ حقيقته لا تفارق حقيقة الواجب علينا ، كما أنّه تعالى قد يحسن بأفعال يستحيل منّا الإحسان بمثلها ، كالحياة والقدرة ، ولا يمنع ذلك من حقيقة كونه محسنا ، لا تفارق حقيقته في الواحد منّا (ق ، غ ١٤ ، ١٥ ، ١)

ـ أمّا وصف النفع بأنّه تفضل ، فإنّه يفيد ما قدّمناه في النعمة والإحسان ، ولا بدّ من أن يضاف إلى ذلك أنّ لفاعله ألّا يفعله ، لأنّه متى وجب على القادر إيصال النفع إلى غيره ، لم يسمّ متفضّلا ، وإنما يوصف بذلك المتبرّع ، الذي له ألّا يفعل ، فكل ما هذا حاله ، يوصف بأنّه تفضّل (ق ، غ ١٤ ، ٤٠ ، ٢٠)

ـ المحسنات العقليّة هي على ضربين : أحدهما

(ما) لا صفة له زائدة على حسنه ، وهو الذي يسمّى مباحا ، من حيث عرف فاعله أنّه لا مضرّة عليه في فعله ، ولا في ألّا يفعل ، ولا يستحقّ به المدح ، وما هذا حاله لا مدخل له في التكليف ، كما لا مدخل له فيه الواقع من الساهي ، وعلى حدّ الإلجاء. والضرب الثاني : ما يختصّ بصفة زائدة على حسنه ، تقتضي دخوله في أن يستحقّ به المدح. وهذا على ضربين : أحدهما يحصل كذلك لصفة تخصّه ، والآخر لأنّه يسهّل فعل غيره من الواجبات ، فالأوّل كالإحسان والتفضّل ، واجتلاب المنفعة لنفسه ، والثاني كالنوافل الشرعيّة ، ويدخل فيه النهي عن المنكر من جهة العقل ، ويدخل فيه مدح من فعل الواجب ، لأنّ ذلك مما لا يجب على أهل العقول ، كما يلزمهم الفصل بين المحسن والمسيء ، لأنّ هناك إنّما وجب الفصل لأمر يتعلّق به ، وليس كذلك حال الوجه الأوّل (ق ، غ ١٤ ، ١٧١ ، ١٢)

ـ الإعادة في نفسها عظيمة ولكنّها هوّنت بالقياس إلى الإنشاء. وقيل الضمير في عليه للخلق ، ومعناه أنّ البعث أهون على الخلق من الإنشاء لأنّ تكوينه في حدّ الاستحكام والتمام أهون عليه وأقل تعبا وكبدا ، من أن يتنقّل في أحوال ويتدرّج فيها إلى أن يبلغ ذلك الحدّ ، وقيل الأهون بمعنى الهيّن. ووجه آخر وهو أنّ الإنشاء من قبيل التفضّل الذي يتخيّر فيه الفاعل بين أن يفعله وأن لا يفعله ، والإعادة من قبيل الواجب الذي لا بدّ له من فعله لأنّها لجزاء الأعمال وجزاؤها واجب ، والإفعال إمّا محال والمحال ممتنع أصلا خارج عن المقدور ، وإمّا ما يصرف الحكيم عن فعله صارف وهو القبيح ، وهو رديف المحال لأنّ الصارف يمنع وجود الفعل كما تمنعه الإحالة ، وإمّا تفضّل ، والتفضّل حالة بين بين للفاعل أن يفعله وأن لا يفعله ، وإمّا واجب لا بدّ من فعله ولا سبيل إلى الإخلال به ، فكأنّ الواجب أبعد الأفعال من الامتناع وأقربها من الحصول ، فلمّا كانت الإعادة من قبيل الواجب كانت أبعد الأفعال من الامتناع ، وإذا كانت أبعدها من الامتناع كانت أدخلها في التأتي والتسهّل ، فكانت أهون منها ، وإذا كانت أهون منها كانت أهون من الإنشاء (ز ، ك ٣ ، ٢٢١ ، ٦)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة ، استحقّ الثواب والعوض. والتفضّل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها ، استحقّ الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخفّ من عقاب الكفّار. وسمّوا هذا النمط : وعدا ووعيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٥)

ـ التفضّل هو اتّصال منفعة خاصّة إلى الغير من غير استحقاق يستحقّ بذلك حمدا وثناء ومدحا وتعظيما ، ووصف بأنّه محسن مجمل ، وإن لم يفعله لم يستوجب بذلك ملاما وذمّا (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ١٠)

ـ الدرجات جمع درجة وهي الطبقات والمراتب ويقال لها درجات في الجنّة ودركات في النار ، وإنّما تفاضلت وتفاوتت بحسب الأعمال ، ولا يجوز أن يقع ذلك تفضّلا لأنّ التفضّل بالثواب قبيح ، فإن قلت فما قولك في الحور والولدان والأطفال والمجانين قلت ، يكون الواصل إليهم نعيما ولذّة لا شبهة في ذلك ، ولكن لا ثواب لهم ولا ينالونه (أ ، ش ٢ ، ١٢١ ، ٢١)

تفضّل مبتدأ

ـ قد علمنا أنّه لا يجوز وجوب النظر والمعرفة

لأجل بقاء النعم ، لأنّ القديم ، تعالى ، متفضّل بتبقية النعم عليه. ولا يستحقّ ذلك بالنظر والمعرفة ، بل هو تفضّل مبتدأ. فإذا لم يصحّ ذلك ، لم يصحّ أن يستحقّ زوالها بترك النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٠ ، ١٣)

تفضيل

ـ أمّا التفضيل فإيذان بأنّ السيئ الذي يفرط منهم من الصغائر والزلّات المكفرة هو عندهم الأسوأ لاستعظامهم المعصية ، والحسن الذي يعملونه هو عند الله الأحسن لحسن إخلاصهم فيه (ز ، ك ٣ ، ٣٩٨ ، ٢٠)

تفكّر

ـ النظر مشترك. والمراد به هنا إجالة الخاطر في شيء لتحصيل اعتقاد. ويرادفه التفكّر المطلوب به ذلك. وهو صحيح وفاسد. والأوّل : ما يتبع به أثر ، نحو التفكّر في المصنوع ليعرف الصانع. والثاني : ما كان راجحا بغيب ، نحو التفكّر في ماهيّة الروح ، وذات الباري تعالى (ق ، س ، ٥٤ ، ١٥)

تقابل ضدين

ـ أمّا المتقابلان : فهما ما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة. وهذا إمّا أن يكون في اللفظ أو في المعنى. فإن كان في المعنى فإمّا أن يكون بين وجود وعدم ، أو بين وجودين ؛ إذ الأعدام المحضة لا تقابل بينها. فإن كان القسم الأوّل فهو تقابل السلب والإيجاب وذلك كقولنا الإنسان فرس ، الإنسان ليس بفرس وهو مما يستحيل اجتماع طرفيه في الصدق أو الكذب. وإن كان من القسم الثاني ، فإمّا أن لا يعقل واحد منهما إلّا مع تعقّل الآخر أو ليس : فإن كان الأول فيسمّى تقابل المتضايفين ، وذلك كما في الأبوّة والبنوّة ونحوهما. ومن خواص هذا التقابل ارتباط كل واحد من الطرفين بالآخر في الفهم ، وإن كان الثاني فيسمّى تقابل الضدّين ، وذلك كالتقابل الواقع بين السواد والبياض ونحوه. ومن خواص هذا التقابل جواز انتقال طرفيه بالحركة إلى واسطة تكون بينهما (م ، غ ، ٥٠ ، ١٦)

تقابل العدم والملكة

ـ أمّا المتقابلان : فهما ما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة. وهذا إمّا أن يكون في اللفظ أو في المعنى. فإن كان في المعنى فإمّا أن يكون بين وجود وعدم ، أو بين وجودين ؛ إذ الأعدام المحضة لا تقابل بينها. فإن كان القسم الأوّل فهو تقابل السلب والإيجاب وذلك كقولنا الإنسان فرس ، الإنسان ليس بفرس وهو مما يستحيل اجتماع طرفيه في الصدق أو الكذب. وإن كان من القسم الثاني ، فإمّا أن لا يعقل واحد منهما إلّا مع تعقّل الآخر أو ليس : فإن كان الأول فيسمّى تقابل المتضايفين ، وذلك كما في الأبوّة والبنوّة ونحوهما. ومن خواص هذا التقابل ارتباط كل واحد من الطرفين بالآخر في الفهم ، وإن كان الثاني فيسمّى تقابل الضدّين ، وذلك كالتقابل الواقع بين السواد والبياض ونحوه. ومن خواص هذا التقابل جواز انتقال طرفيه بالحركة إلى واسطة تكون بينهما. وأمّا إن كان من القسم الثالث فيسمّى تقابل العدم والملكة ، والمراد بالملكة هاهنا كل قوّة على شيء ما مستحقّة لما قامت به إمّا لذاته أو لذاتيّ له. وذلك كما في قوة السمع

والبصر ونحوه للحيوان ، والمراد بالعدم هو رفع هذه القوّة على وجه لا تعود ، وسواء كان في وقت إمكان القوى عليه أو قبله ، وذلك كما في العمى والطرش ونحوه للحيوان (م ، غ ، ٥٠ ، ١٨)

تقابل متضايفين

ـ أمّا المتقابلان : فهما ما لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة. وهذا إمّا أن يكون في اللفظ أو في المعنى. فإن كان في المعنى فإمّا أن يكون بين وجود وعدم ، أو بين وجودين ؛ إذ الأعدام المحضة لا تقابل بينها. فإن كان القسم الأوّل فهو تقابل السلب والإيجاب وذلك كقولنا الإنسان فرس ، الإنسان ليس بفرس وهو مما يستحيل اجتماع طرفيه في الصدق أو الكذب. وإن كان من القسم الثاني ، فإمّا أن لا يعقل واحد منهما إلّا مع تعقّل الآخر أو ليس : فإن كان الأول فيسمّى تقابل المتضايفين ، وذلك كما في الأبوّة والبنوّة ونحوهما. ومن خواص هذا التقابل ارتباط كل واحد من الطرفين بالآخر في الفهم (م ، غ ، ٥٠ ، ١٥)

تقبيح

ـ قول إبراهيم (النظّام) : إنّ المعصية والكفر بالعبد كانت معصية وكفرا ، وإنّما كان بالله التقبيح للمعصية والكفر وهو الحكم بأنّهما قبيحان (خ ، ن ، ٢٩ ، ٢٢)

ـ في تحسين العقل وتقبيحه : إنّ العقل يوجب معرفة الله تعالى بجميع أحكامه وصفاته قبل ورود الشرع ، وعليه يعلم أنّه إن قصر ولم يعرفه ولم يشكره عاقبه عقوبة دائمة ، فأثبتنا التخليد واجبا بالعقل (ش ، م ١ ، ٧٠ ، ٦)

ـ في بيان أنّ العقل لا مجال له في أن يحكم في أفعال الله تعالى بالتحسين والتقبيح. أعلم أنّه لمّا ثبت أنّه لا معنى للتحسين والتقبيح إلّا جلب المنافع ودفع المضار ، فهذا إنّما يعقل ثبوته في حق من يصحّ عليه النفع والضرر ، فلمّا كان الإله متعاليا عن ذلك امتنع ثبوت التحسين والتقبيح في حقّه. فإن أراد المخالف بالتحسين والتقبيح شيئا سوى جلب المنافع ودفع المضارّ ، وجب عليه بيانه حتى يمكننا أن ننظر أنّه هل يمكن إثباته في حق الله تعالى أم لا ، فهذا هو الحرف الكاشف عن حقيقة هذه المسألة (ف ، أ ، ٦٧ ، ٩)

تقدّم

ـ إنّ التقدّم والتأخّر والمع يطلق على الشيئين إذا كانا متناسبين نوعا من المناسبة ، ولا نسبة بين الباري تعالى وبين العالم إلّا بوجه الفعل والفاعليّة ، والفاعل على كل حال متقدّم والمفعول متأخّر (ش ، ن ، ٢٢ ، ١٤)

ـ قال (الشهرستاني) في معرض الحكاية عن القوم في أقسام التقدّم والتأخّر ومعا : إنّ التقدّم قد يطلق ويراد به التقدّم بالزمان ، كتقدّم آدم على إبراهيم ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالشرف كتقدّم العالم على الجاهل ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالرتبة كتقدّم الإمام على الصف في جهة المحراب إن جعل مبدأ ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالطبع كتقدّم الواحد على الاثنين ، وقد يطلق ويراد به التقدّم بالعلّية كتقدّم الشمس على ضوئها ، وتقدّم حركة اليد على حركة الخاتم ونحوه. ثم زعم أنّ هذه الأقسام مما لا دليل على حصرها ، ولا ضبط لعددها ، حتى إنّه زاد قسما سادسا وهو التقدّم بالوجود ،

من غير التفات إلى الزمان أو المكان أو الشرف أو الطبع أو العلّية ، فقال : لا يبعد تصوّر شيئين وجود أحدهما لذاته ، ووجود الآخر من غيره ، ثم ننظر بعد ذلك هل استفاد وجوده منه طبعا أو ذاتا أو غير ذلك ، وعلى هذا النحو أقسام التأخّر ومعا (م ، غ ، ٢٥٨ ، ٦)

تقدّم الإرادة للمراد

ـ أمّا جواز تقدّم الإرادة للمراد فواضح ، لأنّ الواحد منّا يعلم من نفسه أنّه يريد الفعل في المستقبل ويعزم على ذلك ، ويريد المسبّب أيضا في حال السبب ، ويريد جملة الحروف في حال وجود الحرف الأول ، ويعزم على إذا ما يلزمه في المستقبل (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٠ ، ٤)

تقدّم العلة على المعلول

ـ ما الذي عنيت بتقدّم العلّة على المعلول. قلنا : العقل ما لم يفرض المؤثّر وجودا استحال أن يحكم عليه بكونه مؤثّرا في الغير ، ومرادنا من التقدّم هذا القدر (ف ، م ، ١١٣ ، ١٥)

تقدّم القدرة

ـ إنّا إمّا أن نفعل الفعل مباشرا أو متولّدا. وعلى كل حال فتقدّم كوننا قادرين لكوننا فاعلين واجب. وإذا كان هذا الفاعل لا يبقى في الثاني من حال وجوده ، فكيف يصحّ أن يفعل في الحال ، وكونه قادرا يجب تقدّمه من قبل؟ ويبيّن هذا أنّا إذا فعلنا الشيء مباشرا فيجب أن يكون حالّا فينا ، فإذا فعلناه متولّدا عن سبب ، فيجب في ذلك السبب أن يوجد فينا ، وإن كان حال المسبّب يختلف : فمرّة يوجد فينا ومرّة يوجد في غيرنا ، وعلى الحالات كلها يلزم تقدّم القدرة ليصحّ الفعل بها في الثاني ، فإذا كان في الثاني من وجود القدرة قد عدم المحل ، فكيف يصحّ الفعل بها؟ وهل هذا إلّا إيجاب لصحّة الفعل في محل معدوم؟ ولا يبطل هذا بما نجوّزه في المتولّد أنّه يوجد بعد موت الفاعل ، لأنّ موته لا يخرج المحل من أن يصحّ وجود الفعل فيه لأنّه باق ، والقول بوجوب تقدّم القدرة اقتضى أن نقول بصحّة وجود الفعل وإن مات ، كما اقتضى أن يلزمهم صحّة وجود الفعل في محل معدوم (أ ، ت ، ١٤٩ ، ٨)

تقدّم وتأخّر

ـ إنّ الله تعالى خلق الناس والبهائم وسائر الحيوان وأصناف النبات والجواهر المعدنية كلّها في وقت واحد ، وإنّ خلق آدم عليه‌السلام لم يتقدّم على خلق أولاده ، ولا تقدّم خلق الأمهات على خلق الأولاد ، وزعم أنّ الله تعالى خلق ذلك أجمع في وقت واحد ، غير أنّ أكثر الأشياء بعضها في بعض ، فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من أماكنها .... وقول النظام بالظهور والكمون في الأجسام وتداخلها شرّ من قول الدهريّة الذين زعموا أنّ الأعراض كلّها كامنة في الأجسام ، وإنّما يتعيّن الوصف على الأجسام بظهور بعض الأعراض وكمون بعضها (ب ، ف ، ١٤٢ ، ٩)

تقدير

ـ قال" شيطان الطاق" إنّ الله لا يعلم شيئا حتى يؤثّر إثره ويقدّره والتأثير عندهم [التقدير] والتقدير الإرادة ، فإذا أراد الشيء فقد علمه ، وإذا لم يرده فلم يعلمه ، ومعنى أراده عندهم أنه تحرّك حركة هي إرادة ، فإذا تحرّك تلك الحركة

علم الشيء وإلّا لم يجز الوصف له بأنّه عالم به ، وزعموا أنّه لا يوصف بالعلم بما لا يكون (ش ، ق ، ٢٢٠ ، ١)

ـ إذ كان الله جلّ ثناؤه موصوفا بالعلم والقدرة والجبروت والحياة لذاته ؛ لإحالة احتمال الأغيار ، وإن لم / يوجد في الحكماء كذلك ، لم يجب تقديره في أفعاله على أفعال الحكماء في الشاهد. وجملة هذا الأصل أنّه لا حكيم في الشاهد إلّا وهو محتمل للسفه ، وكذلك الغنيّ والقدير يحتمل لأضداد تلك الصفات ، وكان بها موصوفا حتى أكرم بأضدادها ، فإنّه له منها قدر ما أعطي منها ، فهو متى رأى السفه في شيء بين أن يكون قد أعطى علم حقيقة الحكمة في ذلك أو لا ، أو بلغ علمه ما يدرك حكمته أو لا ، أو مما كان من صفته القديمة باقية فيه يمنع ذلك إيّاه عن الإحاطة بذلك ؛ فلذلك تبطل وجه دعوى العبد في فعل الله أن ذا ليس بحكمة ولا كذا (م ، ح ، ٢٢٠ ، ٦)

ـ اعلم أنّ التقدير ربما يقوم مقام التحقيق وذلك مثل ما نحن فيه ، وربما لا يقوم مقامه ، وذلك كتقدير وقوع الظلم من جهة الله تعالى فإنّه لا يقوم مقام الوقوع ، إذ لو وقع من الله تعالى الظلم حقيقة لدلّ على الجهل والحاجة ، وليس كذلك إذا هو قدّر وقوعه من قلبه ، فالوجه في ذلك أن يحال السؤال ويقال : خطأ قول من يقول : إنّه يدلّ على الجهل والحاجة ، وخطأ قول من يقول إنّه لا يدلّ عليه ، فهذه هي الدلالة العقليّة (ق ، ش ، ٢٨٣ ، ١٣)

ـ قالوا ثم ذكر تعالى بعده ما يدلّ على أنّه لا شيء إلّا وهو المقدّر له : كان من فعله أو من فعل العباد ، فقال : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (الرعد : ٨). والجواب عن ذلك : أن ظاهره إنما يدلّ على أن كل شيء يعلم مقداره وما يختصّ به ؛ لأن المراد بقوله : (عِنْدَهُ) (الرعد : ٨) في هذا المكان : في علمه ، وصدر الكلام يدلّ عليه ، لأنّه قال تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) (الرعد : ٨) ثم عطف على ذلك ، فقال : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) (الرعد : ٨) ليبيّن أنّ ما ذكره وما لم يذكره من الأمور سواء في أنّه تعالى يعلم مقداره ، وأن علمه لا يختصّ بمعلوم دون معلوم .... وبعد ، فلو أراد بذلك أنّه قدّره لوجب حمله على أنّه بيّن أحواله ؛ لأنّ" التقدير" في اللغة قد يتناول في الظاهر ذلك ، فمن أين أنّ المراد به الخلق؟ ومتى حملنا الكلام على أنّ المراد به العلم والبيان وفينا العموم حقّه ؛ لأنّا نجعله متناولا للمعدوم والموجود ، والماضي والحاصل ، ومتى حمل على ما قالوه وجب تخصيصه ، وألّا يتناول إلّا الموجود ، فالذي قلناه أولى بالظاهر (ق ، م ٢ ، ٤٠٥ ، ١١)

ـ قالوا : ثم ذكر تعالى فيها ما يدلّ على أنّه الخالق لكل شيء والمقدّر له ، فقال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢). والجواب عن ذلك قد تقدّم في سورة الأنعام ، وبيّنا أنّ ذلك لا يدلّ على خلقه أفعال العباد ؛ من جهات ، وأنّ ظاهره في اللغة يقتضي أنّه قد قدّر كل شيء ، وذلك مما لا نأباه في أفعال العباد ، لأنّه تعالى قد قدّرها وبيّنها. ودللنا على أنّ ظاهر التقدير في اللغة ليس هو الخلق ، ولا يفيد ذلك أنّ المقدّر من الفعل المقدور ، وبيّنا ذلك بقول الشاعر : وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى فأثبته خالقا ونفى عنه

القطع الذي هو الفعل. وقوله تعالى في هذه الآية : (فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) يدلّ على أنّ هذا هو المراد بالخلق ، على ما ذكرناه. وبعد ، فإنّ التقدير إنّما يصحّ في الأجسام ؛ لأنّها التي يظهر فيها اختلاف الأشكال ولذلك كثر ذكر الخلق في الأديم دون غيره. فإذا صحّ ذلك وجب حمل الآية على أنّه خلق الأجسام وقدّرها على ما أراده ، ولهذا ذكر هذا عقيب قوله : (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف : ١٥٨) فأراد أن يدلّ على أنّه المختصّ بالأمور التي توجب العبادة ، ليبيّن أنّه لا إله سواه ، ولذلك قال بعده : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) (الفرقان : ٣) وإنّما يتعلّق الأول به متى حمل على ما ذكرناه ولذلك قال (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (الفرقان : ٣) منبّها بذلك على أن ما ادّعوه إلها لا يصحّ منه الخلق ، وكل ذلك واضح (ق ، م ٢ ، ٥٢٨ ، ٧)

ـ " مشايخنا" وإن اتّفقوا في أنّ المخلوق هو المقدّر فقد اختلفوا في أنّ هذا التقدير هل هو معنى أم لا. فنفى" أبو علي" أن يكون معنى وأوجب أن يكون المراد به إيقاع الفعل على وجه مخصوص وهو الصحيح. وقال" أبو هاشم" : بل لا بدّ من معنى يشتقّ منه قولنا" مخلوق". ثم جعل ذلك المعنى إرادة ، ووصف أفعال الله تعالى من جهة اللغة بأنّها مخلوقة ما خلا الإرادة والكراهة ، ولكنّ السمع أوجب أن يوصف الكلّ بذلك فوصفها به. وقال الشيخ" أبو عبد الله" : بل التقدير الذي هو الخلق يرجع به إلى فكر ولو لا ورود السمع لكنا لا نجري على أفعال الله لفظ الخلق (ق ، ت ١ ، ٣٤٦ ، ١٥)

ـ إن قال : فما الطريق الذي به تعرفون في فعل الساهي إنّه فعله؟ قلنا : إنّا نعرفه فعلا له بتقدير الدواعي ، فنفارق فعل غيرنا لأنّك تقول : هذا الساهي قد وقع هذا الفعل منه على حدّ لو كان عالما كان لا يقع إلّا مطابقة لداعيه ، فيقوم التقدير في ذلك مقام التحقيق. ألا ترى أنّ فعل غيره لمّا لم يكن حادثا من جهته لم يصحّ أن يقدر هذا الوجه فيه ، فعرفنا أنّ فعله يختصّ به على ما نقوله وغير ممتنع أن يقوم التقدير مقام التحقيق في مواضع. فعلى هذا نعرف أنّ زيدا قادر إذا عرفنا أنّه لو حاول الفعل لوقع منه ، كما نعرفه قادرا لو وقع منه الفعل. وكذلك في كونه عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ١١)

ـ إنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله جوّز أن يخلق الإنسان فعل غيره ، ويوصف بأنّه خالق لفعل غيره ، على ما ذكرناه في الأديم ؛ لأنّه وإن كان من فعل الله سبحانه ؛ فالمقدّر له يوصف بأنّه خالق له. وجوّز أن يوصف زيد وعمرو بأنّهما خلقا الأديم ، إذا قدّراه ، وقال : لا يوصف المعدوم بذلك وإن قدّره المقدّر ، لأنّ التقدير إذا تعلّق بالموجود يسمّى خلقا ، وإذا تعلّق بالمعدوم لا يسمّى بذلك. كما أنّ الإرادة متى تعلّقت بالمعدوم يصحّ أن يسمّى عدما ، ومتى تعلّقت بالموجود لم يسمّ بذلك (ق ، غ ٧ ، ٢٢٠ ، ٧)

ـ إن قيل : أليس الله جلّ وعزّ قد قال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) و (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩) ففرّق بين الخلق والتقدير ، فدلّ على أنّ الخلق هو الإنشاء والإبداع ، والتقدير ، وهو الانتهاء إلى المقدار الكافي؟. قيل له : لا يمتنع أن يكون الخلق والتقدير واحدا ، وإن ذكرهما كما قال سبحانه

وتعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس : ٦٩) فكما وجب حملهما على أنّ المراد بهما أمر واحد ، فكذلك القول في الخلق والتقدير لما دللنا عليه (ق ، غ ٧ ، ٢٢١ ، ٣)

ـ لكل قوم هاد قادر على هدايتهم بالإلجاء وهو الله تعالى ، ولقد دلّ بما أردفه من ذكر آيات علمه وتقديره الأشياء على قضايا حكمته أنّ إعطاءه كل منذر آيات خلاف آيات غيره أمر مدبّر بالعلم النافذ مقدّر بالحكمة الربانيّة ، ولو علم في إجابتهم إلى مقترحهم خيرا ومصلحة لأجابهم إليه (ز ، ك ٢ ، ٣٥٠ ، ٢١)

ـ فإن قلت : لم جاز تعليق فعل التقدير في قوله (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) (الحجر : ٦٠) والتعليق من خصائص أفعال القلوب؟ قلت : لتضمّن فعل التقدير معنى العلم ، ولذلك فسّر العلماء تقدير أعمال العباد بالعلم. فإن قلت : فلم أسند الملائكة فعل التقدير وهو لله وحده إلى أنفسهم ولم يقولوا قدّر الله؟ قلت : لما لهم من القرب والاختصاص بالله الذي ليس لأحد غيرهم كما يقول خاصّة الملك دبّرنا كذا وأمرنا بكذا ، والمدبّر والآمر هو الملك لا هم ، وإنّما يظهرون بذلك اختصاصهم وأنّهم لا يتميّزون عنهم. وقرئ قدرنا بالتخفيف (ز ، ك ٢ ، ٣٩٤ ، ٦)

ـ القدر والقدر والتقدير وقرئ بهما : أي خلقنا كل شيء مقدّرا محكما مرتّبا على حسب ما اقتضه الحكمة ، أو مقدّرا مكتوبا في اللوح معلوما قبل كونه قد علمنا حاله وزمانه (ز ، ك ٤ ، ٤١ ، ٢٢)

ـ قرئ قوارير من فضة بالرفع على هي قوارير (قَدَّرُوها) (الإنسان : ١٦) صفة لقوارير من فضة ، ومعنى تقديرهم لها أنّهم قدّروها في أنفسهم أن تكون على مقادير وأشكال على حسب شهواتهم فجاءت كما قدّروا (ز ، ك ٤ ، ١٩٨ ، ١٦)

ـ التقدير عنده (شيطان الطاق) الإرادة ، والإرادة فعله تعالى (ش ، م ١ ، ١٨٦ ، ١٩)

تقديم

ـ قد ثبت أنّ القادر منّا يستحيل أن يعيد ما يبقى من مقدوراته ؛ لأنّه لو صحّ أن يعيده لأدّى إلى أن يجوز أن يفعل بالقدرة في هذا الوقت سائر مقدوراتها المتقدّمة ، أو يعدم سائر مقدوراتها المتأخّرة ؛ لأنّ التقديم والتأخير في المعنى كالإعادة ، وتجويز ذلك يؤدّي إلى أن يصحّ من الضعيف حمل الجبال العظيمة على هذا الحدّ ، ويؤدّي إلى أن يختلف حال ما يفعله من المقدورات بالقصد ؛ فمتى قصد فيها إلى تقديم وإعادة وجد من الفعل أكثر مما يوجد إذا لم يقصد هذا الوجه ، وبطلان ذلك بيّن (ق ، غ ١١ ، ٤٦٠ ، ١٢)

تقديم التكليف

ـ إذا كانت السمعيّات مصلحة ، في كل ما كلّف ، فلا بدّ من ذلك في الابتداء. فأمّا إن كانت مصلحة ، في بعضه وفي بعض الأوقات ، فإنّما يجب أن يعرّفه ، عند كونه مصلحة له. وكما يجب أن يعرّفه في تلك الحال ، فيجب أن يريد منه ، في تلك الحال ، إلّا أن يكون ، في تقديم التكليف ، ضرب من المصلحة ؛ فيقدّم ذلك ، كما بيّناه في التكليف أجمع. فإن قيل : هلّا قلتم : إنه يحسن منه تعالى أن يبعث الرّسل بالتكليف الزائد لمكان الثواب فقط ، ويكون ذلك ، من حيث كان تكليفا زائدا ، حسنا غير واجب؟ (ق ، غ ١٥ ، ٦٥ ، ٦)

تقرّب

ـ اعلم ، أنّ التقرّب مأخوذ في المعنى من القرب ، فحقيقة ذلك لا تجوز على الله تعالى. وإنّما يصحّ ذلك في الأجسام التي يصحّ عليها القرب والبعد. فإذا قيل : إنّ العبد يتقرّب إلى الله ، تعالى ، بفعل الصلاة ، فالمراد به أنّه يطلب منزلة الثواب لديه ، لأنّه أقرب المنازل عنده وأرفعها. ذلك في الشاهد متعارف ، لأنّ أحدنا قد يخاطب الملك في بعض الأحوال بذلك ، فيقول : إنّما أتقرّب إليك بهذا الفعل ، إذا طلب به ضربا من الرفعة لديه. وربما قال بدلا من ذلك : أتقرّب من قلبك. فعلى هذا الوجه استعملوا هذه اللفظة. فإذا صحّ ذلك ، وقد بيّنا في الفصل المتقدّم أنّ المكلّف للنظر والمعرفة ابتداء لا يصحّ أن يعرف الثواب وإن استحقّه على النظر وسائر الطاعات ، فيجب أن لا يصحّ منه أن يطلب بالنظر الثواب. فإذا كان هذا هو طلب القرب من الله ، تعالى ، وهو الذي يفيده التقرّب ، فيجب أن لا يصحّ منه أن يطلب بالنظر الثواب. فإذا كان هذا هو طلب القرب من الله ، تعالى ، وهو أن يتقرّب ، وهذا مما يصحّ ولا يحسن على ما بيّناه من قبل. لأنّ حسن التقرّب بالفعل متعلّق بشروط منها أن يكون عارفا بالله ، تعالى ، ومنها أن يعرف استحقاق منزلة الثواب على الفعل الذي يتقرّب به. ولذلك لا يحسن من أحدنا أن يتقرّب إلى الله ، تعالى ، بفعل المباحات لما لم يستحقّ بهما الثواب (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٨ ، ١٦)

ـ قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : إنّ التقرّب بفعل الصلاة وغيرها إلى الله ، تعالى ، من العاشق لا يحسن وإن صحّ. وذلك أنّه مع فسقه لا يستحقّ الثواب على الصلاة ، لأنّها تقع محيطة بفسقه ، فيكون طالبا للثواب على وجه يقبح عليه. فذلك وإن صحّ منه ، فهو غير حسن ، إلّا أن يفعلها مع التوبة فيحسن منه التقرّب بها. فإذا كان المصلّى مع معرفته بالله ، تعالى وبالثواب ، لا يحسن منه ذلك ، فبأن لا يحسن ممن لا يعرف كلا الأمرين أولى (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٩ ، ١٣)

ـ قال أبو القاسم : التقرّب من جنس التمني ، والمحبة كان الإنسان يتمنى ويحبّ أن يتقرّب بفعله من الله تعالى ، وليس بجائز أن يكون مع الفعل ، أو لو جاز ذلك لجاز أن يكون بعده ، مثل العلّة التي جاز من أجلها أن يكون معه (ن ، م ، ٣٦٧ ، ٢١)

ـ عند شيوخنا أنّ التقرّب إرادة في الحقيقة ، ويكون مقارنا للفعل الذي يتقرّب به (ن ، م ، ٣٦٧ ، ٢٤)

تقضّي القدرة وقت مقدورها

ـ قد بيّنا أنّ القدرة لا يصحّ أن تتعلّق إلّا بجزء واحد في وقت واحد من جنس واحد ، فلو لم نقل بأن تقضّي وقت مقدورها يخرجها من أن توصف بأنّ لها قدرة عليه لم يصحّ ما قدّمناه من الأصل. وليس كذلك حاله ـ تعالى ـ لأنّ الذي يحيل كونه قادرا على الشيء ليس إلّا وجود مقدوره ، فإذا زال هذا الوجه كان حال المقدور ـ وقد تقدّم حدوثه ـ كحاله ولما يتقدّم ذلك ، وصحّة إيجاده له على ما قدّمنا القول فيه. فأمّا ما لا يبقى فقد بيّنا أنّه لأمر يرجع إليه يستحيل وجوده إلّا في وقت واحد من فعل أيّ فاعل كان ، ولا يصحّ أن يحدث إلّا في ذلك الوقت ، وليس كذلك حال الجواهر ؛ لأنّ وجودها في كل وقت على جهة البقاء

والإحداث يصحّ ؛ على ما قدّمناه (ق ، غ ١١ ، ٤٥٥ ، ٨)

تقليد

ـ يدلّ على فساد التقليد ، أنّ المقلّد لا يخلو من أن يعلم أن المقلّد محق ، أم لا يعلمه. فإن لم يعلمه ، وجوّز كونه مخطئا ، لم يحلّ له تقليده ، لأنّه لا يأمن أن يكون كاذبا في الخبر عن ذلك ، وجاهلا في اعتقاده. وإن كان عالما بإصابة المقلّد ، لم يحلّ من أن يعلمه باضطرار ، وذلك محال ، أو بدليل غير التقليد وهو قولنا ، أو بالتقليد فقط. فيجب في المقلّد أن لا يعلم ما يعتقده إلّا بالتقليد ، وذلك يوجب إثبات مقلّدين ومقلّدين لا نهاية لهم (ق ، غ ١٢ ، ١٢٤ ، ٤)

ـ إنّ التقليد ، على ما بيّناه من قبل ، هو أن يحتذى على المقلّد فيساويه في الاعتقاد الذي هو جهل بأمر يخرجه من أن يكون آمنا من كون اعتقاده جهلا. وليس كذلك ما يقع عن النظر ، لأنّه يعلم من نفسه أنّه ساكن النفس إلى ما اعتقده فقد تميّز عنده العلم من هذا الاعتقاد الذي لا يأمر كونه جهلا (ق ، غ ١٢ ، ٥٣١ ، ١٨)

ـ إنّ التقليد قد يكون من جنس العلم ولا يكون علما (ن ، م ، ٢٨٧ ، ١٦)

ـ ما لم يكن يعرف باستدلال فإنّما هو تقليد لا واسطة بينهما (ح ، ف ٤ ، ٣٥ ، ٢٣)

ـ إنّما التقليد أخذ المرء قول من دون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممّن لم يأمرنا الله عزوجل باتّباعه قط ، ولا بأخذ قوله بل حرّم علينا ذلك ونهانا عنه ، وأمّا أخذ المرء قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي افترض علينا طاعته وألزمنا اتّباعه وتصديقه وحذّرنا عن مخالفة أمره وتوعّدنا على ذلك أشدّ الوعيد فليس تقليدا بل هو إيمان وتصديق واتّباع للحق وطاعة لله عزوجل وأداء للمفترض (ح ، ف ٤ ، ٣٦ ، ٢٠)

تقويم

ـ أمّا قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين : ٤) ، فليس التقويم في هذه الآية مضافة إلى الله عزوجل وإنّما معناه أنّه ليس فيما خلق الله عزوجل أحسن صورة وتقويما من الإنسان ، ومعنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ الله خلق آدم على صورته ، هو أنّه خلقه حين خلقه على الصورة التي كان عليها في الدنيا ، لم ينقله في الأصلاب والأرحام على اختلاف الأحوال من نطفة إلى علقة ومضغة وجنين ، كما فعل ذلك بنسله ، ولم يشوّه خلقه عند إخراجه من الجنّة كما فعل بالحيّة حين أخرجها من الجنّة فشوّه صورتها بأن مسخ قوائمها حتى مشت على بطنها وشقّ أسنانها وسوّد لسانها أيضا ، ولم يشوّه شيئا من صورة آدم عليه‌السلام. فذلك معنى قوله خلقه على صورته والكناية راجعة إلى آدم عليه‌السلام (ب ، أ ، ٧٥ ، ١٥)

ـ (في أحسن تقويم) في أحسن تعديل لشكله وصورته وتسوية لأعضائه (ز ، ك ٤ ، ٢٦٩ ، ٧)

تقية

ـ جائز أن يظهر الإمام الكفر والرضى به والفسق على طريق التقيّة (ش ، ق ، ٤٧٠ ، ١٦)

ـ زعمت" طائفة من الشيعة" : ذاهلة عن تحقيق الاستدلال أنّ عليا ـ عليه‌السلام ـ كان في تقيّة فلذلك ترك الدعوة لنفسه ، وزعمت أنّ عليه نصّا جليّا لا يحتمل التأويل. وقالت" العدلية" : هذا فاسد ، كيف تكون عليه

التقيّة في إقامة الحق وهو سيّد بني هاشم ، وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الأنصار لم يخش مانعا ودافعا وخرج إلى حوران ولم يبايع ، ولو جاز خفاء النص الجليّ عن الأمّة في مثل الإمامة لجاز أن تنكتم صلاة سادسة وشهر يصام فيه غير شهر رمضان فرضا. وكل ما أجمع عليه الأمّة من أمر الأئمة الذين قاموا بالحق وحكموا بالعدل صواب (ع ، أ ، ٣٠ ، ٣)

ـ إنّ التقيّة متى لم يكن لها سبب لم يصحّ ادّعاؤها ، وسببها معلوم وهو الخوف الشديد ، وظهور أمارات ذلك (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٩٠ ، ٥)

ـ إنّ أئمة الرافضة قد وضعوا مقالتين لشيعتهم ، لا يظهر أحد قط عليهم. إحداهما : القول بالبداء ، فإذا أظهروا قولا : أنّه سيكون لهم قوّة وشوكة وظهور. ثم لا يكون الأمر على ما أظهروه. قالوا : بدا الله تعالى في ذلك. والثانية : التقيّة. فكل ما أرادوا تكلّموا به. فإذا قيل لهم في ذلك إنّه ليس بحق ، وظهر لهم البطلان قالوا : إنّما قلناه تقيّة ، وفعلناه تقيّة (ش ، م ١ ، ١٦٠ ، ٧)

ـ أمّا بعد فإنّ بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام لأنّه بايعني القوم الذين بايعوا ... ، والمشهور المرويّ فإن خرج من أمرهم خارج بطعن أو رغبة أي رغبة عن ذلك الإمام الذي وقع الاختيار له ، والمروى بعد قوله ولّاه الله بعد ما تولّى ويصليه جهنم ، وساءت مصيرا ، وأنّ طلحة والزبير بايعاني ثم نقضا بيعتي فكان نقضهما كردّتهما ، فجاهدتهما على ذلك حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ، فأدخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإنّ أحبّ الأمور إليّ فيك العافية إلّا أن تتعرّض للبلاء ، فإن تعرّضت له قاتلتك واستعنت بالله عليك ، وقد أكثرت في قتلة عثمان فأدخل فيما دخل الناس فيه ثم حاكم القوم إلى أن أحملك وإيّاهم على كتاب الله. فأمّا تلك التي تريدها فخذعة الصبي عن اللبن ، ولعمري يا معاوية إن نظرت بعقلك إلى آخر الكلام وبعده ، وأعلم أنّك من الطلقاء الذين لا تحلّ لهم الخلافة ولا تعترض بهم الشورى ، وقد أرسلت إليك جرير بن عبد الله البجلي وهو من أهل الإيمان والهجرة فبايع ولا قوة إلّا بالله ، وأعلم أنّ هذا الفصل دالّ بصريحه على كون الاختيار طريقا إلى الإمامة كما يذكره أصحابنا المتكلّمون ، لأنّه احتجّ على معاوية ببيعة أهل الحلّ والعقد له ، ولم يراع في ذلك إجماع المسلمين كلّهم ، وقياسه على بيعة أهل الحلّ والعقد لأبي بكر فإنّه ما روعي فيها إجماع المسلمين ، لأنّ سعد بن عبادة لم يبايع ولا أحد من أهل بيته وولده ، ولأنّ عليّا وبني هاشم ومن انضوى إليهم لم يبايعوا في مبدأ الأمر وامتنعوا ولم يتوقّف المسلمون في تصحيح إمامة أبي بكر وتنفيذ أحكامه على بيعتهم ، وهذا دليل على صحّة الاختيار وكونه طريقا إلى الإمامة ، وأنّه لا يقدح في إمامته عليه‌السلام امتناع معاوية من البيعة وأهل الشام. فأمّا الإماميّة فتحمل هذا الكتاب منه عليه‌السلام على التقيّة وتقول ، إنّه ما كان يمكنه أن يصرّح لمعاوية في مكتوبه بباطن الحال ويقول له أنا منصوص على من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعهود إلى المسلمين أن أكون خليفة فيهم بلا فصل ، فيكون في ذلك طعن على الأئمة المتقدّمين وتفسد حاله مع الذين بايعوه من أهل المدينة ، وهذا القول من الإماميّة دعوى لو عضدها دليل

لوجب أن يقال بها ويصار إليها ، ولكن لا دليل لهم على ما يذهبون إليه من الأصول التي تسوقهم إلى حمل هذا الكلام على التقيّة (أ ، ش ٣ ، ٣٠٠ ، ٢٣)

تكافؤ الأدلة

ـ ذهب قوم إلى القول بتكافؤ الأدلّة ، ومعنى هذا أنّه لا يمكن نصر مذهب على مذهب ، ولا تغليب مقالة على مقالة حتى يلوح الحق من الباطل ظاهرا بيّنا لا إشكال فيه ، بل دلائل كل مقالة فهي مكافئة لدلائل سائر المقالات ، وقالوا كلما ثبت بالجدل فإنّه بالجدل ينقض (ح ، ف ٥ ، ١١٩ ، ١٨)

تكاليف

ـ إنّ التكاليف لا تعدو أحد وجهين : إمّا أن يكون تكليفا عقليّا أو تكليفا سمعيّا. والغرض بالعقليّ ما يكون الطريق إلى معرفته العقل وإن كان ربما يختلف فقد يتوصّل إليه تارة بالاضطرار وتارة بالاستدلال. والمراد بالسمعيّ ما يكون طريق معرفته السمع وكلّه لا بدّ من الاستدلال فيه على ما تقدّم (ق ، ت ١ ، ١٤ ، ٦)

ـ التكاليف كلها ألطاف ، وبعثة الأنبياء ، وشرع الشرائع ، وتمهيد الأحكام والتنبيه على الطريق الأصوب ، كلها ألطاف (ش ، م ١ ، ٨١ ، ٢١)

تكاليف شرعية

ـ التكاليف الشرعية لا شكّ في تأخّرها عن معرفة الله تعالى وتوحيده ، وعدله (ق ، ش ، ٧٥ ، ١٥)

تكفير

ـ قال قوم من الخوارج : إنّ التكفير إنّما يكون بالذنوب التي ليس فيها وعيد مخصوص ، فأمّا الذي فيه حدّ أو وعيد في القرآن فلا يزاد صاحبه على الاسم الذي ورد فيه ، مثل تسميته زانيا ، وسارقا ، ونحو ذلك (ب ، ف ، ٧٣ ، ١٥)

ـ قد ظنّ بعض الناس أنّ مأخذ التكفير من العقل لا من الشرع ، وأنّ الجاهل بالله كافر ، والعارف به مؤمن. فيقال له الحكم بإباحة الدم والخلود في النار حكم شرعي لا معنى له قبل ورود الشرع ، وإن أراد به أنّ المفهوم من الشارع أنّ الجاهل بالله هو الكافر ، فهذا لا يمكن حصره فيه لأنّ الجاهل بالرسول وبالآخرة أيضا كافر (غ ، ف ، ٨٩ ، ٣)

ـ التكفير : إماطة المستحق من العقاب بثواب أزيد أو بتوبة ، والإحباط نقيضه وهو إماطة الثواب المستحق بعقاب أزيد أو بندم على الطاعة (ز ، ك ١ ، ٥٢٢ ، ٢٠)

ـ المتكلّمون يسمّون إبطال الثواب إحباطا وإبطال العقاب تكفيرا (أ ، ش ٣ ، ٢٢٦ ، ٢٤)

تكلّم

ـ المعتزلة : وهو تعالى متكلّم بكلام. برغوث : وقيل لذاته. قلنا : إثبات صفة لا دليل عليها ، إذ معنى التكلّم فعل الكلام. ولا يعقل غيره ، وإذا لزم كون ذاته على صفة الحروف (م ، ق ، ٩٤ ، ٤)

تكليف

ـ لا يجب على الإنسان التكليف ولا يكون كامل العقل ولا يكون بالغا إلّا وهو مضطرّ إلى العلم بحسن النظر ، وأنّ التكليف لا يلزمه حتى يخطر

بباله أنّك لا تأمن إن لم تنظر أن يكون للأشياء صانع يعاقبك بترك النظر ، أو ما يقوم مقام هذا الخاطر من قول ملك أو رسول أو ما أشبه ذلك ، فحينئذ يلزمه التكليف ، ويجب عليه النظر ، والقائل بهذا القول" محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٨١ ، ٩)

ـ لا يكون الإنسان بالغا كاملا داخلا في حدّ التكليف إلّا مع الخاطر والتنبيه ، وأنّه لا بدّ في العلوم التي في الإنسان والقوّة التي فيه على اكتساب العلوم من خاطر وتنبيه ، وإن لم يكن مضطرّا إلى العلم بحسن النظر ، وهذا قول بعض" البغداديين" (ش ، ق ، ٤٨١ ، ١٦)

ـ لا يكون الإنسان بالغا إلّا بأن يضطرّ إلى علوم الدين ، فمن اضطرّ إلى العلم بالله وبرسله وكتبه فالتكليف له لازم والأمر عليه واجب ، ومن لم يضطرّ إلى ذلك فليس عليه تكليف وهو بمنزلة الأطفال ، وهذا قول" ثمامة بن أشرس النميري" (ش ، ق ، ٤٨٢ ، ٤)

ـ إنّ الله تعالى قال (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) (هود : ٢٠) وقال (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) (الكهف : ١٠١) وقد أمروا أن يسمعوا الحق وكلّفوه. فدلّ ذلك على جواز تكليف ما لا يطاق وإنّ من لم يقبل الحق ولم يسمعه على طريق القبول لم يكن مستطيعا (ش ، ل ، ٥٨ ، ١٢)

ـ تكليف ما لا يطاق لوقت الفعل قبيح في العقل ، والذي ادّعيته من القبح إنّما هو في عقول من يحيل وجود الفعل ولا قوّة وذلك وقت الفعل ، فصار قوله عند التحصيل هو القبيح في العقل إن صدق فيما ادّعى ، ولا قوّة إلا بالله. وأمّا الأصل أنّ تكليف من منع عنه الطاقة فاسد في العقل ، وأمّا / من ضيّع القوة فهو حق أن يكلّف مثله ، ولو كان لا يكلّف مثله لكان لا يكلّف إلّا من يطيع (م ، ح ، ٢٦٦ ، ٨)

ـ كان (الأشعري) يقول في تكليف الخلق إنّ ذلك ليس بواجب بل كان جائزا أن يكلّف وأن لا يكلّفهم ، كما يقول في الإقدار على ما كلّف والمعونة عليه أنّ ذلك جائز وليس بواجب أيضا (أ ، م ، ١٢٥ ، ٢١)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ ما جرى عليه إطلاق القول عند الفقهاء والمتكلّمين بأنّ التكليف يتوجّه على العاقل فالمراد بذلك العالم بأكثر المنافع والمضارّ المميّز للخير والشرّ الذي يصحّ منه النظر والاستدلال والاستشهاد بالشاهد على الغائب. فلذلك لم يقولوا للطفل والمجنون والبهائم إنّها تعقل مطلقا ، وإن كانت تعلم كثيرا من المعلومات ضرورة (أ ، م ، ٢٨٤ ، ١٩)

ـ قد بيّنا فيما قبل مذهبه في أنّه يقصر الواجبات على السمع دون العقل ، ويقول إنّ التكليف كله سمعيّ وإنّ العقل لا يوجب شيئا ولا يكلّف العاقل من جهته شيئا ، وإنّ حكم من لم تأته الدعوة ولم تبلغه الرسالة الوقف لا يقطع على أفعالهم بقبول ولا ردّ ولا ثواب ولا عقاب ولا طاعة ولا عصيان ولا حسن ولا قبيح. وكان يقول إنّ الواجب ما لا يؤمن فيه ، إن ترك ، العقاب بأغلب الأمور أو يتيقّن ، وإنّ ذلك ممّا لا يمكن التوصّل إليه عقلا لأجل أنّه لا دليل فيه على ما يكون في العواقب من المضارّ والمنافع. فلذلك كان يعتمد فيه على السمع الصادق ويعدل عمّا تتكافأ فيه الظنون وتتساوى فيه الآراء (أ ، م ، ٢٨٥ ، ٢٢)

ـ الوجوب والتكليف لا يتصوران مع الإلجاء (ق ، ش ، ٤٠ ، ٩)

ـ إنّ التكليف ابتداء ، معلوم أنّه لا ينفكّ عن المشقّة (ق ، ش ، ٤٨٨ ، ٨)

ـ إنّ الله تعالى إذا كلّفنا أمرا من الأمور ، فإنّ تكليفه إيّانا بذلك الفعل لا يتعلّق بعينه وذاته ، وإنّما المبتغى إيقاعه على وجه دون وجه ، فمتى لم يبيّن له الوجه الذي يريد أن يوقعه عليه كان عابثا من حيث أمره بما لا يمكنه الانتفاع به والاهتداء إليه ، ويكون ظالما أيضا لأنّ تكليفه بالفعل والحال ما ذكرناه كتكليفه به وهو لا يطيقه (ق ، ش ، ٥٠٨ ، ٦)

ـ حقيقته (التكليف) ، إعلام الغير في أنّ له أن يفعل أو أن لا يفعل نفعا أو دفع ضرر ، مع مشقّة تلحقه في ذلك على حدّ لا يبلغ الحال به حدّ الإلجاء ، ولا بدّ من هذه الشرائط ، حتى لو انخرم شرط منها فسد الحدّ. والإعلام ، إنّما يكون بخلق العلم الضروري ، أو بنصب الأدلّة ، وأي ذلك كان لم يصحّ إلّا من الله تعالى ؛ ولهذا قلنا : إنّه لا يكلّف على الحقيقة غير الله تعالى ، وإذا استعمل في الواحد منّا فإنّما يستعمل على طريقة التوسّع والمجاز. فهذا هو حقيقة التكليف (ق ، ش ، ٥١٠ ، ١٠)

ـ قد ذكر" أبو هاشم" أنّه الأمر بما على المرء فيه كلفة ، وذكر في بعض البدل أنّه إرادة فعل ما على المكلّف فيه كلفة ومشقّة. وفي" العسكريات" أنّه الأمر والإلزام للشيء الذي فيه كلفة ومشقّة على المأمور به. وكأنّه جرى في ذلك على طريقة اللغة ، فإنّ التكليف مأخوذ من الكلفة التي هي المشقّة. واقتضى هذا التحديد أن لا تكون العقليّات داخلة في قبيل التكليف لأنّ الأمر فيها مفقود من حيث كان الأمر قولا مخصوصا ، وذلك إنّما يتناول الشرعيّات. وقد نذكر في تحديده إعلام المكلّف فعلا شاقّا وإرادته منه وفي هذا كلام. فقد يتناول التكليف ما لا يجوز تعلّق الإرادة به مثل أن لا يطالب بدينه وكذلك في كل ما يتعلّق بالنفي. ثم قد يصحّ وجود ما هذه صفته مع الإلجاء ولا يكون تكليفا لأنّه تعالى لو أعلمنا فعلا شاقّا وأراده منّا ونحن ملجئون إليه لما كان مكلّفا لنا بذلك. فألخّص ما فيه والله أعلم أنّه إعلام المكلّف أنّ عليه في أن يفعل أو لا يفعل نفعا أو ضررا مع مشقّة تلحقه بذلك إذا لم تبلغ الحال به حدّ الإلجاء. وهذا الإعلام قد يكون تارة يخلق العلم وتارة ينصب الدلالة ، فلهذا لا يكون أحدنا مكلّفا لغيره على الحقيقة وإنّما يختصّ القديم جلّ وعزّ بالتكليف. وإذا أردنا بالإعلام ما ذكرناه صحّ في الكافر أنّه مكلّف ، فإنّه وإن لم يعرف ما كلّف فهو معرّض للمعرفة بنصب الأدلّة. وعلى هذا يصير الصبي عند البلوغ مكلّفا للممكن في هذه الحال من المعرفة (ق ، ت ١ ، ١ ، ٧)

ـ إنّ التكليف يتناول الفعل وأن لا يفعل ، وهذا على" مذهبنا" في أنّ القادر يجوز أن يخلو من الأخذ بالترك ، وإلّا فعلى مذهب من خالف في ذلك تتناول الأفعال أبدا ، ولكنّا بيّناه على الوجه الصحيح. وقصر ما التكليف على ذلك لأنّ المشقّة لا تكون إلّا في أحد هذين ، ولا بدّ في التكليف من مشقّة. ولأنّه لا بدّ من تردّد الدواعي ولا تثبت الدواعي والصوارف إلّا إلى الفعل أو إلى أن لا نفعل (ق ، ت ١ ، ٢ ، ١٦)

ـ لو لا التكليف كان لا يثبت شيء من الواجبات واجبا عليه تعالى فكأنّه وإن يفصّل بابتداء التكليف يصير من بعد مما يجب عليه أفعال بكون سبب وجوبها فما كان منه تفصيلا ، ونحو هذا هو من يكفل بحفظ وديعة ، فإنّ ذلك تبرّع

منه ، ثم يلزمه صونها من الآفات ونحو من يتطوّع بالنذر ثم يصير واجبا عليه. وأمّا ما كان من فعله على طريق الوجوب المخيّر إن شاء بعث هذا وإن شاء بعث ذلك. وكذلك فلو علم أنّ اللذّة تقوم مقام الألم في الصلاح لكان في حكم المخيّر فيهما وإن كان إذا ألم فهو أدخل في النفع من حيث يستحقّ به عوض آخر. وما يتعيّن في فعله هو كإعادة من يستحقّ الثواب أو العوض ، فإنّ غير تلك الأجزاء لا تقوم مقامها أصلا ، بل تجب إعادتها بأعيانها. وأمّا ما هو في حكم المباح فهو العقاب فإنّه لا صفة له زائدة على حسنه وإنّما يراعي هذا عند الوقوع ، وهو في وقوعه لا يختصّ بأمر زائد على الحسن. وما يقال من أنّه تعالى إذا لم يفعله استحقّ الشكر فليس برجوع إلى صفة الفعل بل هو رجوع إلى حال الفاعل إذا لم يفعل. فكونه مباحا أو قبيحا أو واجبا يعتبر عند الوجود ، وقد بيّنا أنّه في وجوده لا يختصّ بأمر زائد على الحسن والحال في إرادة العقاب أظهر ، فإنّ هذا الإشكال زائل عنها ، فهذا هو حكم أفعاله جلّ وعزّ. والذي يدخل تحت التعبّد من هذه الأحكام ليس إلّا الواجب والندب فعلا والقبيح تركا ، فأمّا المباح وسائر ما عدّدناه فخارج عن التكليف (ق ، ت ١ ، ٢٣٢ ، ٤)

ـ قد ذكرنا في أوّل الكتاب ما يصلح أن يكون حدّا للتكليف. لكن ما قاله (عبد الجبّار) هاهنا هو أن يجعل التكليف الإعلام والإرادة. ثمّ فصّل حال الإعلام ، فبيّن أنّ الغرض به أن يعلم تعالى المكلّف حال الأفعال التي قد تدخل تحت التكليف من وجوب ما يجب منه وقبح ما يقبح منه وغير ذلك. وبيّن أنّ الإعلام ليس بمقصور على وجه واحد. فقد يصحّ أن يثبت الإعلام بالتعريف الضروريّ ويصحّ نصب دلالة عقليّة كانت أو سمعية ، لأنّ كل ذلك يعدّ من أقسام الإعلام. وبيّن أنّ العبد إذا علم وجوب هذه الأفعال عليه فقد صار مكلّفا إذا انضمّ إلى ذلك الشرائط التي نذكرها من بعد. وبيّن أنّه إنّما ضمّت الإرادة إلى الإعلام لمّا كان التكليف لا يثبت على الحقيقة إلّا من جهة الله تعالى ، ولا يصحّ أن يفعله إلّا على وجه يحسن ، ولا يحسن إلّا مع الإرادة فيريد منه فعل ما قرّر في العقل وجوبه. بل لا يكفي في الحسن ذلك إلّا بعد أن يكون كارها منه فعل ما قرّر في العقل قبحه. وإن كان العلم الحاصل بوجوب ما يجب على المكلّف قد يصحّ حصوله من جهته بأن يكون مكتسبا له ، وإن كان الدليل قد نصبه الله. والإرادة بكل حال يجب أن تكون من فعله تعالى. فصار ذلك بمنزلة القدرة التي لا تصلح أن تكون إلّا من جهته فتفارق الآلة التي قد يقدر العبد على تحصيلها بنفسه. فإذا كان تعالى لو أعلم وجوب هذا الفعل على المكلّف ولم يرده منه لم يحسن ، ولو أراده ولا إعلام لم يحسن ، فيجب أن يجتمع الأمران ليتكامل حسن التكليف. وإن كان لمجرّد الإعلام يثبت العبد مكلّفا ، إذ لا فائدة تحت قولنا إنّه مكلّف إلّا أنّه يجب عليه فعل ويقبح منه فعل آخر ، سواء قدّر أنّ مريدا أراد ذلك منه أو لم يقدّر ذلك. وعلى هذا يعلم المرء وجوب النظر عليه في أوّله تكليفه. وإن لم يعلم أنّ الله تعالى قد أراد ذلك منه (ق ، ت ٢ ، ١٨٩ ، ٨)

ـ إن قيل : إن كان التكليف موقوفا على الإعلام الذي فسّرتموه فقد علم أنّ أحدنا لا يقدر على أن يعلم غيره في الحقيقة لا بأن يفعل فيه علما

ضروريّا ولا بأن يقدر على نصب دلالة ، فيجب أن لا يسمّى مكلّفا لغيره. وإذا لم يثبت أحدنا مكلّفا لم يثبت ما هو بصورة التكليف في الشاهد. فكيف يجرى هذا الوصف على الغائب مع أنّ الأسامي حكمها أن تؤخذ من الشاهد فتجرى على الغائب؟ قيل له : إذا كنّا نعلم أنّ هذا المعنى إنّما يصحّ في الله تعالى ولا يصحّ في غيره ، جاز منّا أن نصفه بما ينبئ عن هذه الفائدة وإن لم نجد له نظيرا في الشاهد ، إذ ليس كل ما يجرى عليه تعالى يجب أن يكون حكمه هذا الحكم بل هو موقوف على الدلالة. وبعد فقد يصحّ في الشاهد ما يتصوّر بهذه الصورة وإن لم يكن تكليفا في الحقيقة ، نحو أمر الواحد منّا ولده وغلامه وأجيره بفعل من الأفعال فينبّه المأمور على ما يريده منه فيسمّى ذلك تكليفا. فكذلك إذا دلّ الله جلّ وعزّ على ما يريده من المكلّفين جاز أن يوصف بهذا الوصف ، لأنّ في الشاهد إنّما أجري هذا الاسم على من اعتقد لزوم طاعته ، وهذه صفته تعالى. وليس يجب فيما يجرى على الغائب إلّا أن يكون له شبه ما بما يجرى على الشاهد. فأمّا المساواة من كل وجه فلا. وعلى هذا صحّ أن يوصف تعالى بأنّه قديم فيفاد به أن لا أوّل لوجوده ، وإن كان أهل اللغة إنّما يتعارفون هذه اللفظة فيما تقادم وجوده على طريقة سبق بها غيره (ق ، ت ٢ ، ١٩٠ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّ التكليف لا بدّ فيه من مشقّة. وظاهر اللفظ ينبئ عن ذلك على ما قاله أبو هاشم من اعتبار الكلفة. وإنّما وجب اعتبار المشقّة لأنّه لولاها لم يحصل التعريض للثواب ، فإنّه لا يستحقّ إلّا على طريق الإعظام والمدح وهما يتبعان فعل ما يشقّ على الواحد منّا. ولو كلّفنا الله تعالى ما لا يشقّ علينا لم نستحقّ ثوابا. فلهذا وجب اعتبار المشقّة في سائر ما يدخل تحت التكليف ، وإن كانت المشقّة تتفاوت وتختلف حالها ، فربّما تظهر وربّما لا تظهر في الأوّل حتى يجتمع الشيء منه إلى غيره (ق ، ت ٢ ، ١٩١ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ التكليف إذا لم يتمّ إلّا بأمور من جهة الله تعالى نحو الإعلام على اختلاف أحواله ونحو الإرادة والكراهة ونحو جعله الفعل شاقّا على المكلّف إلى ما أشبه ذلك ، فمعلوم أنّ بعض هذه الأشياء لا بدّ من تقدّمه والبعض الآخر إنّما يجب مقارنته فقط ولا يجب تقدّمه (ق ، ت ٢ ، ١٩٩ ، ٢)

ـ ثمّ ذكر (عبد الجبّار) رحمه‌الله في آخر هذه الفصول أنّ التكليف إذا لم يوجد له مثال في الشاهد على التحقيق فيجب أن تعتبر حاله بنفسه من دون مراعاة المثال. وذلك لأنّ صورة التكليف على ما ذكرناه أن يمكّن المكلّف ويزيح علله ويعرّضه للثواب الذي يعلم توفّره عليه إذا أطاع على الشروط التي نذكرها في هذا الباب. والمعلوم أن مثل ذلك لا يحصل في الشاهد وإنّما يحصل ما يقاربه من الاستدعاء إلى الدين وتقديم الطعام إلى الجائع إلى ما أشبه ذلك. وما خرج عن هذا الباب فهو أمور يفعلها الواحد منّا لأغراض مخصوصة (ق ، ت ٢ ، ٢٣٠ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ المكلّف لا بدّ من أن يختصّ بشرائط وأوصاف لو لم يكن عليها لم يحسن تكليفه. فأوّل ذلك أن يكون قادرا على ما كلّف فعله أو تركه. وليس يخلو التكليف من أحد هذين الوجهين إمّا أن يكلّف الفعل أو يكلّف أن لا يفعل. وعلى كلي الوجهين فلا بدّ من كونه

قادرا لأنّه مع القدرة يصحّ أن يوصف بأنّه فعل أو لا يفعل. وإن كنّا لا نقول إنّ عدم الفعل يتعلّق بالقادر ، ولكنّه ما لم يكن قادرا على أن يوجد الفعل لم يصحّ أن ينهى عنه فيقال : لا يفعله. وقد لا يتكامل كونه قادرا على ما كلّف فعله إلّا بأمور زائدة على القدرة نحو الآلات والجوارح وغيرهما ، على ما سيجيء تفصيله. ولكن الحاجة إلى الآلات تختلف. فربّما لم يحتج إليها في كثير من الأفعال وربّما احتيج إليها في بعض الأفعال. والذي تشيع الحاجة فيه هو القدرة التي لا يصحّ الفعل بحال لولاها. فلا بدّ لهذا الشرط من حصوله للمكلّف حتى يتوجّه التكليف عليه ، وعند زواله يزول التكليف عنه ، على ما مضى في باب الاستطاعة. والمجبرة تذهب إلى العكس من ذلك لأنّ عندهم أنّ شرط كونه مكلّفا بالفعل أن لا يكون قادرا عليه وإن كان قادرا عليه فهو فاعله ، ومن كان فاعلا للفعل لا يوصف بوجوب الفعل عليه وتوجّه التكليف عليه ، وهذا كما ترى مخالف لعقول العقلاء. فهذا هو الشرط الأول (ق ، ت ٢ ، ٢٥٩ ، ٤)

ـ قد ثنّى رحمه‌الله ذلك (شرط التكليف) بكونه عالما أو متمكّنا من العلم. فيدخل تحت الأوّل ما يحصل علمه به على جهة الضرورة ، ويدخل تحت الثاني ما يعلمه باستدلال. والحاجة إلى كونه عالما بما كلّف هو لأحد وجهين قد سبق ذكرهما في أوّل الكتاب (ق ، ت ٢ ، ٢٦٠ ، ١)

ـ إنّه تعالى متفضّل بما خلق ، جواد به ، ولا يجب إذا كان قادرا على ما لا يتناهى به أن يكون بخيلا ، لأنّ البخل هو منع الواجب ، ولذلك يذمّ بالبخل ، وهو تعالى ممّن لا يجب عليه في الابتداء فعل شيء ، وإنّما يلزمه ذلك بعد التكليف من حيث اقتضى التكليف وجوبه عليه ، ولا يجب كونه ضنينا ؛ لأنّ الضنين هو المستمسك بالشيء لمنفعة أو ما يجري مجراها ، والقديم تعالى يستحيل ذلك عليه (ق ، غ ١١ ، ١٢٧ ، ٩)

ـ قد ثبت أنّ الواحد منّا يحسن منه أن يعرّض غيره للمراتب العالية ؛ بأن يمكّنه ممّا يصل به إليه فذلك في بابه بمنزلة إيصال نفس المنفعة إليه ؛ بل ربما يكون أعظم في النعمة. وثبت أنّ الثواب مستحقّ على وجه التعظيم والتبجيل ، ولا يحسن فعله إلّا بأن يكون مستحقّا ، فإذا أراد تعالى وصول المكلّف إلى هذه المنزلة حسن منه أن يعرّضه لما به يصل إليها ، وليس ذلك إلّا بالتكليف (ق ، غ ١١ ، ١٣٤ ، ١٣)

ـ إنّ التكليف إنّما يحسن متى كان للفعل صفة الواجب والندب ليصحّ أن يستحقّ به الثواب. ولذلك لا يحسن منه تعالى أن يكلّف زيدا القيام والقعود ؛ كما يكلّف ردّ الوديعة والإنصاف وشكر المنعم ، متى لم يكن فيهما مصلحة ولذلك اختلفت الشرائع بحسب المصالح. فإذا ثبت ما قلناه وكان الواحد منّا إذا كلّف غيره فإنّما يكلّفه ما لا يختصّ بهذه الصفة ، ويجب أن يقبح تكليفه إيّاه كقبحه من القديم تعالى (ق ، غ ١١ ، ١٤٩ ، ١٠)

ـ إنّ التكليف هو تعريف المكلّف حال ما كلّف إذا جعله بالصفة التي معها يحسن تكليفه ، وإرادة ذلك الفعل منه ، فمتى فعل تعالى ذلك ، وعلم أنّه سيشيبه إذا أطاع ، وكان قصده بذلك أن ينفعه بالتكليف بعد ، صحّ كونه مكلّفا وحسن التكليف ، وإن لم يرد الإثابة (ق ، غ ١١ ، ١٥٣ ، ١)

ـ إنّ التكليف من الباب الذي إنّما يحسن للمنافع

التي تؤدّي إليه ، وإن قبح فإنّما يقبح لأنّه في حكم الضرر. فيجب أن تكون غلبة الظنّ فيه كالعلم (ق ، غ ١١ ، ٢٠٤ ، ١٤)

ـ نقول في التكليف : إنّه يكون تفضّلا ، وفي الثواب : إنّه واجب ، وإن كان القديم متفضّلا به ، من حيث تفضّل بسببه على وجه مخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢١٨ ، ٢١)

ـ لا يمتنع أن يقال : إنّ القبيح لا يجوز كونه لطفا في التكليف أصلا ، كان من فعله تعالى أو من فعل غيره ؛ لأنّ اللطف هو ما يختار عنده الواجب ، والحسن على وجه لا يخرج التكليف عن الصحّة ، ومتى جوّز أن يفعل تعالى القبيح خرج التكليف عن الصحّة ولم يوثق بوعده ووعيده ، ولا أنّه يثيب على الطاعة. وذلك يوجب فساد كلّ تكليف وتدبير (ق ، غ ١١ ، ٢٢٠ ، ١٣)

ـ قدّمنا أنّ تكليف من يعلم الله تعالى من حاله أنّه يكفر يحسن متى لم (يعقب) مفسدة ، وانتفى سائر وجوه القبح عنه ، وبيّنا أنّ علمه تعالى بأنّه يكفر لا يقتضي قبحه ، ولا العلم بأنّه يؤمن شرط في حسنه. وشرحنا القول فيه. وبيّنا أن تكليفه تعالى الرسول أداء الرسالة مع العلم بأنّه يعصى فيه يقبح ؛ لأنّه يقتضي ألا يكون تعالى مزيحا لعلّة المبعوث إليه. وبيّنا أنّ التكليف إذا كان لطفا في القبيح فلا بدّ من أن يقبح (ق ، غ ١١ ، ٢٢٦ ، ٤)

ـ إنّ الفعل لا يكون مؤدّيا إلى غيره إلّا على وجوه معقولة. منها أن يعلم أنّ ذلك الغير يجب عليه أو يستحقّ به أو يحصل عنده بالعادة ، فيكون كالموجب عنه. فأمّا إذا عري من كل ذلك لم يجز أن يقال : إنّه يؤدّي إليه. وقد علمنا أنّ التكليف نفسه لا يؤدّي إلى العقاب ، وإنما يستحقّه بسوء اختياره وبفعل مبتدأ يستحقّه ، وإن كان ذلك الفعل لا يصحّ إلّا بعد تقدّمه. فلا يصحّ أن يقال : إن التكليف قد أدّى إليه فيجعل وجها لقبحه (ق ، غ ١١ ، ٢٦٨ ، ٢٠)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ في بعض البدل : التكليف : هو إرادة فعل ما على المكلّف فيه كلفة ومشقّة. وقال في العسكريّات : هو الأمر والإرادة للشيء الذي فيه كلفة على المأمور به. ولهذا لا يوصف أحد بأنّه كلّف القديم ـ تعالى ـ وإن وصف بأنّه سأله. وقال في بعض الاستطاعة : ولذلك لا يقال : كلّفت زيدا أكل شيء طيّب ، كما يقال : كلّفته المشي. وقال في بعض الإلهام : من وجب عليه النظر يصحّ وصفه بأنّه مكلّف ، من حيث أوجب ـ الله تعالى ـ في عقله ما عليه فيه كلفة فقام ذلك مقام أمره إيّاه بذلك. وذكر في البغداديّات أن الموجب للشيء هو الآمر به والمريد له. وإنّما يستعمل ذلك مجازا ؛ لأنّ الواجب لم يكن واجبا للأمر أو للإرادة وأنشد في ذلك قول الشاعر : تكلّفنا المشقّة آل بكر ومن لي بالمرقّق والصّناب ، بيّن أن الشاعر وصف مسألة جاريته له تكليفا لمّا سألته ما يشقّ. فجملة هذا الكلام تدلّ على أن التكليف عنده ـ رحمه‌الله ـ هو إرادة ما فيه كلفة ومشقّة والأمر به. وهذا ظاهر في الاستعمال ؛ لأنّ الواحد منّا إذا أراد من غيره ما هذا حاله وصف بأنه كلّفه ، ومتى أراد منه ما لا مشقّة فيه من أكل الطيّب لم يوصف بذلك (ق ، غ ١١ ، ٢٩٣ ، ٥)

ـ أمّا وصفه ـ تعالى ـ بأنّه كلّفه فمتى أريد به أنّه أراد منه فعل ما عليه فيه كلفة ومشقّة فغير ممتنع إطلاقه. وقد بيّنا أن هذا معنى التكليف ، وأنّه لا معتبر بكون المكلّف في حال الإرادة ممكّنا ،

وإنّما يعتبر بكونه ممكّنا في حال الفعل ، وإن أريد بوصفه ـ تعالى ـ بأنّه كلّفه أنّه ألزمه الفعل الشاقّ في الثاني فيجب ألا يوصف بذلك المعدوم. والصحيح عندنا هو الوجه الأول ، وإن لم يبعد ألّا يطلق لما فيه من الإيهام (ق ، غ ١١ ، ٣٦٨ ، ٢٠)

ـ فإن قيل : فما الذي يقتضي التكليف وجوبه على القديم ـ تعالى ـ؟ قيل له : ثلاثة أشياء. منها التمكين لأنّ التمكين بالإقدار وغيره إذا تأخّر عن حال التكليف لم يجز أن يقال إنّ تقدّمه شرط في حسن التكليف. فلا بدّ إذا من القول بأنّ التكليف يقتضي وجوبه عليه. ومنها الألطاف لأنّها تنقسم. فما قارن التكليف يكون تفضّلا ، من حيث كان له ألّا يفعله ـ تعالى ـ بألّا يفعل التكليف معه ولم يتقدّم ما يقتضي وجوبه ، فكما أنّ التكليف تفضّل فكذلك اللّطف المقارن له ، ويفارق التمكين الذي يتقدّم التكليف. فأمّا التمكين الذي يفارق التكليف فالقول فيه كالقول في الألطاف ، وإن ثبت في اللطف ما يجب تقدّمه لحال التكليف حلّ محلّ التمكين في أنّه شرط في حسن التكليف ، وما تأخّر عن حال التكليف فلا بدّ من القول بوجوبه عليه. وسنذكر القول في ذلك في موضعه إن شاء الله. ومنها الثواب لأنّ التكليف يقتضي وجوبه بشرط أن يؤدّي المكلّف ما يجب عليه ولا يحبط ثوابه ، وكلّ ما لا تتمّ هذه الأمور الواجبة إلّا به فلا بدّ من وجوبه ؛ لأنّه قد ثبت أنّ ما لا يصح أداء الواجب إلّا معه على كل وجه فيجب أن يكون واجبا. ولذلك قلنا بوجوب الإعادة إذا أفنى الله ـ سبحانه ـ العالم (ق ، غ ١١ ، ٤٣١ ، ٩)

ـ سنبيّن أنّ من قال من أصحابنا البغداديّين : إنّ التكليف لا يزول عن أهل الآخرة غلّط فيما بعد ، وإن تعلّقهم بأنّه ـ تعالى ـ لا يصحّ أن يضطرّ العباد إلى العلم به ـ سبحانه ـ لاستحالة كونه مدركا ، ولأنّه لو جاز أن يفعل العلم به لغيره لجاز أن يفعل العلم به لنفسه ، لا يصحّ من حيث ثبت أنّ العلوم وإن اختلفت في الحسن فإنّ ذلك غير مؤثّر في كون القادر قادرا على جميعه (ق ، غ ١١ ، ٤٩٤ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ الغرض بالتكليف تعريض المكلّف للمنزلة العالية التي لا تنال إلّا به ؛ على ما بيّناه من قبل. وذلك يقتضي انقطاعه ، لأنّه لو دام لم تؤل الحال بالإنسان إلى نيل المنزلة الملتمسة وذلك يوجب قبح التكليف (ق ، غ ١١ ، ٥١٦ ، ١٤)

ـ أمّا أبو عثمان الجاحظ ، رحمه‌الله ، فإنّه ظنّ لقوة هذه الدواعي من الوجه الذي بيّنا أنّها تقع منه بالطبع ، ويخرج عن باب الاختيار ، فلم يجز دخولها تحت التكليف إلّا عند تساوي الخواطر والدواعي ، فإنّه يجوز عندهما دخول النظر تحت التكليف دون المعرفة. وفي سائر الأحوال يقول بأنّه إنّما كلّف الإرادة دون ما سواها ، لأنّ غلبة الدواعي عليه في الفعل عند الإرادة تخرجه من باب الاختيار إلى باب الطبع. وذكر مع ذلك أكثر الشبه التي أوردناها من قبل ، مستدلّا بها على أنّها ليست من فعل العبد ، ولا يجوز دخولها تحت التكليف. وأكثر من تكلّم في هذا الباب عنه أخذوا ، وببعض ما أورده تعلّقوا (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٥ ، ٧)

ـ إن قيل : أتقولون ، في الفعل الذي إنّما يلزمه إذا قدّم قبله النظر والمعرفة : إنّه قد كلّف في الحال ، أو إنّما كلّف بعد الفراغ من المعرفة بأحواله؟ قيل له : إنّ التكليف عنده إذا أريد به

الأمر والإرادة ، فقد يتقدّم بأوقات كثيرة ، بل لا يمتنع عندنا أن يأمر ، تعالى ، بالفعل من هو في الحال غير موجود ، بشرط أن يوجد ويمكّن فيفعل. وقد بيّنا ذلك من قبل ، وذكرنا أنّه لا معتبر في كونه مكلّفا ، بأن يكون في الحال قادرا عاقلا موجودا. وإنّما يجب ذلك أجمع في حال الحاجة إلى الفعل ، حتى يتمكّن من أن يفعله على الحدّ الذي لزمه. وعلى هذا ، صحّ ما نقوله من أن قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) (النور : ٥٦) ، أمر بهما لكل من يوجد إلى يوم القيامة. وعلى هذا الوجه ، يصحّ القول بأن كل مكلّف يحصل بصلاته مطيعا للرسول ، صلى الله عليه ، من حيث دعا جميع الخلق ، وأراد ذلك منهم ، وإن كانوا في وقته معدومين ، على الشرط الذي بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٣١٤ ، ١٥)

ـ يعجب ، رحمه‌الله (أبو علي) ، من قوله (الجاحظ) : إنّ التكليف لا يلزم إلّا مع شرائط : منها ، أن تكون الأدلّة قائمة ، وأن يكون المكلّف عارفا بالعادات ومختبرا لها وممارسا لمن تذاكر بالأدلّة ويتفاوض فيها ويكون قد تقدّم له المعرفة بالفصل بين المعجز والحيلة ، إلى غير ذلك مما تذكره. فقال : إذا كانت تقع بالطبع ، فما الحاجة بالمكلّف في هذه المقدّمات؟ وهلا كفى منه أن يريد أن ينظر فيما شاهده من الأدلّة ، فيقع النظر وتقع المعرفة بعده طباعا ، كما يكفي في إيلام المضروب أن يضرب فيألم ، ولا يحتاج إلى مقدّمات (ق ، غ ١٢ ، ٣٢١ ، ١٤)

ـ إنّه لا يجوز أن يستمرّ العاقل على صفات التكليف ويزول التكليف عنه ، لما بيّناه من قبل في بابه. فإذا صحّ ذلك وأخلّ بالنظر الأول ، فإن كان ممن لا يبقى ولا يكلّف إلّا التكليف الأوّل فلا بدّ من أن يختلّ بعض الشروط التي لا يتمّ التكليف إلّا معه. ومتى استمرّ على حالته ، فالمعلوم أنّه تعالى سيكلّفه غير التكليف الأوّل ويبقيه أكثر مما يقتضيه التكليف الأوّل. فيجب ، إذا كان الحال هذه ، أن تلزمه معاودة النظر في معرفة الله ، تعالى (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٢ ، ١٩)

ـ صحّة التكليف ؛ وقد بيّنا أنّ من شرائط صحّته تقدّم التمكين ، فلا يعدّ ذلك في الألطاف ، وإنما الذي يدخل فيها ما يقتضي إيثار بعض ما يمكن منه على بعض (ق ، غ ١٣ ، ١٧ ، ٦)

ـ إنّه تعالى إذا جعل المكلّف على الأوصاف التي معها لا بدّ من أن يكلّفه ، وجعله ممن سبق الإقدام عليه والامتناع منه ، وأراد منه ما كلّفه لكي يعرّضه للمنفعة ، فلا بدّ ـ إذا كان هذا قصده ـ من أن يفعل ما به يتمّ الأمر الذي قصده. وقد علمنا أنّ ذلك لا يتمّ إلّا بسائر وجوه التمكين ، فلا بدّ من أن تمكينه بها أجمع ، وإلّا كان ذلك ناقضا للتكليف ومؤثّرا في حكمة المكلّف. وكذلك إذا علم أنّ التمكين مع المعرفة بالأفعال والتمكّن من إيجادها ، فقد تقدّم على الواجب ، وقد يعدل عنه ، وكل ذلك صحيح فيه. ومتى خلق له ، وله اختيار الإقدام دون العدول ، فقد صار ذلك يتضمّنه التكليف من جهة الحكمة ، ولكن لا ينتقض الغرض فيه بمنزلة نفس التمكين (ق ، غ ١٣ ، ١٧ ، ١٨)

ـ أنّه يحسن تكليف من لا لطف له (ق ، غ ١٣ ، ٦٤ ، ٢)

ـ إنّما نحكم بأنّ اللطف كالتمكين إذا كان هناك لطف نتكلّم عليه. فأمّا إذا لم يكن له لطف

أصلا ، فسبيله سبيل الفعل الذي لا يحتاج إلى تمكين زائد على ما يحتاج إليه كثير من الأفعال في أنّه قد يحسن التكليف وإن لم يحتج إلى تمكين محدّد (ق ، غ ١٣ ، ٦٥ ، ١٩)

ـ إنّ التكليف يتضمّن وجوب الألطاف (ق ، غ ١٣ ، ٦٥ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّ شيخنا أبا هاشم ، رحمه‌الله ، نصّ على أنّه متى كان المعلوم من حال زيد أنّه لا يؤمن إلّا بأن يقع منه تعالى ظلم أو كذب أو تكليف ما لا يطاق ، أنّه يحسن تكليفه ، ويكون بمنزلة من لا لطف له (ق ، غ ١٣ ، ٦٧ ، ٦)

ـ أمّا ما يقوله الفقهاء في بعض الكفّارات إنّها عقوبات ، وإن كان داخلا في التكليف ، فليس المراد بذلك أنّه كلّف من حيث كان عقوبة ؛ لكنّهم أجروه مجرى ما يستحقّ عليه من العقوبات في أنّه لا يتعلّق إلّا بالأفعال التي يصحّ فيها (ق ، غ ١٣ ، ١٠٣ ، ٢)

ـ إنّ التكليف من الله تعالى إنّما هو تعريف ونصب أدلّة وأمر وإرادة ، وكل ذلك لا مدخل له فيما معه يصحّ في المكلّف أن يلتذّ ويألم (ق ، غ ١٣ ، ٣٨٤ ، ١٢)

ـ إنّ أوّل ما نقوله إنّ التكليف لا يحسن إلّا تعريضا للثواب ، ولا يجوز أن يعرّض تعالى للثواب بما لا يستحقّونه ، وإنّما يستحقّ ذلك بما يشق فعله أو اجتنابه : لأنّ ما لا يشقّ من هذين الأمرين لا يصحّ استحقاق الثواب به ، فلا يجوز أن يكون له مدخل في التكليف (ق ، غ ١٣ ، ٤٢٠ ، ٨)

ـ إنّ التكليف المبتدأ غير واجب (ق ، غ ١٤ ، ١١٥ ، ١٥)

ـ إنّ التكليف لا يقع به خلق العبد على وجه مخصوص ، وإنّما هو أمر زائد ، يحدثه تعالى ، ويفعل ما يكون شرطا فيه ، ليتميّز به المكلّف من البهيمة ، وما هذا حاله لا يكون وجها للفعل الأول ، بل يكون فعلا مستأنفا (ق ، غ ١٤ ، ١١٦ ، ٤)

ـ قد نعلم للفعل بعض الأحكام من جهة السّمع ، وإن كان لا يتعلّق التكليف به ، لدخوله في باب المباح ؛ وإنّما يتعلّق التكليف بمقدّمته وهذا كإباحة ذبح البهائم ، إلى ما شاكل ذلك ؛ لأنّ الأمور المحظورة ، لو لا السمع لا نعلمها مباحة إلّا به. فالسمع يكشف عن ذلك. لكنّه لمّا كان المقصد به الانتفاع بهذه المباحات ، لم يدخل الفعل في التكليف ؛ وإنما وقف على السمع ، من حيث لا نعلم وجه حسنه إلّا به (ق ، غ ١٥ ، ٦١ ، ٦)

ـ إنّ قولنا ، في التكليف ، إنّه ليس بواجب إنّما نعني به أنّه لا يجب عليه ، تعالى ، أن يجعله على الصفات التي لا بدّ عندها من أن يكلّف. فلمّا كان له أن يفعل ذلك ، وألّا يفعل ، كان التكليف تفضّلا. وفارق قولنا في ذلك قول أصحاب الأصلح الذين يوجبون خلق العبد ، وجعله بالصفات التي معها يكلّف ، كما قد يوجبون نفس التكليف على بعض الوجوه (ق ، غ ١٥ ، ٦٤ ، ١٧)

ـ قد بيّنا ، في علّة التكليف ، ما لا يلزم المرض عليه ؛ لأنّ التكليف يتضمّن إلزام الشاقّ من الفعل. وإلزام ما ليس له وجه ، يجب لأجله ، لا يحسن. ولا تفترق أحوال الأفعال في هذا الباب. وليس كذلك المرض ، لأنّه من فعله تعالى فيه ؛ فإنّما يجب أن يكون صلاحا لبعض المكلّفين ، فيخرج من كونه عبثا ، ويعوض المؤلم فيه ، ليخرج من أن يكون ظلما ، وإن كنّا قد بيّنا أنّه يبعد ، فيما ينزل بالبالغ ، ألّا يكون

لطفا له ؛ فيكون لطفا لغيره لوجه سوى ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٧٠ ، ٥)

ـ إنّ أصل التكليف يقتضيه العقل ، كما أنّ السمع يقتضيه العقل (ق ، غ ١٥ ، ١١٤ ، ١٢)

ـ إنّ المعلوم (من) التكليف ، من جهة الرسل ، لا يمكن أن يعرف بأدلّة العقول ، ولا هو من الباب الذي العلم به من كمال العقل ؛ ودلّلنا على صحّة ذلك. فإذا لا يمكن معرفته إلّا من قبل الله بخطابه ، أو بخطاب رسله ، وفي كلا الوجهين لا بدّ من علم يظهر ؛ فإنّما تمكن معرفته بهذا الطريق فقط. ولا يوجب ذلك تعجيزا ؛ لأنه من الباب الذي لا يصحّ في نفسه ؛ وإنّما يدخل التعجيز في الأمر الذي يصحّ خلافه ، متى لم نصف القادر بالقدرة عليه. فأمّا فيما هذا حاله فلا وجه لإطلاق هذه الكلمة فيه (ق ، غ ١٥ ، ١٤٠ ، ١)

ـ بيان ما يصحّ في الفعل الواحد ، والأفعال من التكليف ، وما يمتنع ، وما يتّصل بذلك. اعلم .. أنّ الذي لا يصحّ من ذلك فعلا هو الذي يتناقض دليله ولا يصحّ وجوده ، فأمّا ما ليس هذا حاله فتكليفه يصحّ فعلا ، وإن كان فيه ما يحسن ، وفيه ما لا يحسن (ق ، غ ١٦ ، ٥٨ ، ٣)

ـ إنّ التكليف فعل المكلّف ، فلا يجوز أن يعتبر فيما يصحّ منه ، ويمتنع ، أو يتناقض منه أو لا يتناقض ، بفعل المكلّف ، بل يجب أن تعتبر حاله ، في نفسه ، فلذلك لا يصحّ أن يقال : إنّه لا يصحّ في القدرة أن يكلّف الضدّين ، من حيث استحال حصولهما من المكلّف ، وإنما يقال : إنّه لا يحسن منه أن يكلّف إيجادهما معا ، في حال واحدة ؛ وكذلك القول ، في سائر ما يستحيل من المكلّف ؛ ولذلك نقول : إنّه يصحّ منه تعالى تكليف العاجز ، وإنّما لا يحسن في الحكمة ، ولا يقع ، وكذلك تكليف الجماد ، والموات والمعدوم ، وغير ذلك ؛ وكل ذلك يبيّن أنّه لا يجوز أن تعتبر حال التكليف ، فيما يصحّ ويمتنع ، مجال المكلّف ، أو مجال فعله ، وإنّما يؤثر حال المكلّف في حسن التكليف وقيمه ، دون صحّة ذلك (ق ، غ ١٦ ، ٦٠ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ ما يدخل تحت تكليف المكلّف ضربان : أحدهما العلم ، والآخر العمل. فأمّا العلم فلأنّ وجوبه يتضمّن وجوب ما يوصل به إليه من النظر والفكر وما يتعلّق بذلك ، وهو على ضربين : أحدهما العلم بما يلزمه أن يعرفه ، كالعلم بالله تعالى ، وبتوحيده ، والعلم بالنبوّات والشرائع. والثاني العلم بالعوارض في ذلك ، لأنّه قد يلحق المكلّف شبهة فيلزمه عند ذلك التوصّل إلى ما يدفعها به. ويدخل في باب العلم وجه ثالث وهو ما يزيده شرح صدر من تأكيد الأدلّة ؛ وتأكيد حلّ الشبهة ، ويدخل فيما يلزمه أن يعتدّ به من العلم سوى ما ذكرناه ، وإنّما بسط العلماء القول عند ذكر أصول الدين من أجناس الأعراض وما يجري مجراها ، من حيث كان العلم بها مدخل فيما قدّمناه من حل الشبه وتأكيد الأدلّة ، ولو لا ذلك لم يكن لذكرها في هذا الباب كبير طائل. وأمّا العمل فضربان : أحدهما التعليم وبذل المجهود فيه ، حتى لو أمكن من أوتي العلم بأصول الدين أن يصيّر غيره بمنزلة نفسه للزمه أن يفعل ذلك ، لكن ذلك متعذّر ، فأوكد ما يمكنه بيان طريق النظر في الوجوه التي ذكرناها ، فصار سبيله عند ذلك في القيام بغاية الممكن سبيل التائب الذي لمّا لم يمكنه أن لا يفعل ما قد فعله من المعصية

صار ندمه على وجه مخصوص حالّا هذا المحل ، ولا منزلة فيما يتّصل بالعلم أعلى من هاتين المنزلتين ، أن يتوصّل إلى تحصيل هذه العلوم ثم إلى بثّها وإظهارها بنهاية ما يمكنه .... أما الضرب الثاني من العمل : فقد بيّنا في هذا الكتاب ما يلزم المكلّف من العقليات على اختلافها واختلاف شروطها (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٥٤ ، ٣)

ـ أنّا نستدلّ بكونه مريدا على أنّه تعالى خلق فينا شهوة القبيح ونفرة الحسن؟ فلا بدّ من غرضه ، وغرضه إمّا أن يكون الإغراء بالقبيح ، أو التعريض للنفع. ولا يجوز الإغراء ، لأنّ ذلك قبيح. فلم يبق إلّا أن يكون الغرض به التكليف. ولا يكون مقصورا على التكليف إلّا بالإرادة. وذلك لا يتمّ إلّا مع العلم بكونه عالما ، لأنّه إذا كان عالما بقبح القبيح ، وبغناه عنه فإنّه لا يفعله (ن ، د ، ٤٦٣ ، ٧)

ـ التكليف إنّما يتوجّه على العاقل ، ولكن بشرط أن يكون خائفا من ترك ما قد كلّف فعله (ن ، د ، ٥٠٥ ، ١٤)

ـ إنّ التكليف لا يحسن إلّا مع شهوة القبيح والنفار عن الحسن ، وكل ما لا يتمّ إلّا بقبيح فيجب أن يقبح (ن ، م ، ٣٦٩ ، ١٠)

ـ قد ورد التكليف بالمعارف النظرية عند أصحابنا في العلوم العقليّة والأحكام الشرعيّة (ب ، أ ، ٣١ ، ١٢)

ـ الجاحظ وثمامة والصالحي فإنّ هؤلاء زعموا أنّ لا تكليف إلّا على من عرف الله تعالى ، ومن لم يعرفه لم يكن مكلّفا وإنّما كان مخلوقا للسخرة والاعتبار به (ب ، أ ، ١٥٥ ، ١٦)

ـ أوجبت القدريّة الاستدلال والنظر من طريق العقل قبل الشرع من جهة الخواطر ، وزعموا أنّ قلب العاقل لا يخلو من خاطرين أحدهما من قبل الله تعالى يدعوه به إلى معرفته والاستدلال عليه. والثاني من قبل الشيطان الداعي له إلى الكفر. وزعموا أنّ التكليف يتوجّه عليه بهذين الخاطرين (ب ، أ ، ٢٠٣ ، ١٧)

ـ التكليف في اللغة مأخوذ من الكلفة وهي التعب والمشقّة ، يقال منه تكلّف الأمر إذا فعله على كلفة ومشقّة ، فهذا أصله في اللغة (ب ، أ ، ٢٠٧ ، ٢)

ـ أطلق التكليف في الشرع على الأمر والنهي لأنّ المأمور بالفعل يفعل ما أمر به على كلفة من غير أن يدعوه إليه طبعه. وإذا صحّت هذه المقدّمة في معنى التكليف قلنا معناه : توجّه الخطاب بالأمر والنهي على المخاطب ، فإن وجد مثل صفة الأمر من النائم والمجنون والصبي الذي لا يعقل لم يكن أمرا ولا نهيا ولا تكليفا ، وإن وجد مثله من صبي يعقل معناه كان أمرا ونهيا وتكليفا ولكن لم يجب به على المخاطب شيء ، وكذلك تكليف من كلّفه غيره فعل معصية لا يجب به شيء. وقد قال أصحابنا أنّ التكليف الذي يجب به شيء أو يحرّم به شيء إنّما هو أمر الله تعالى ونهيه. ولا يجب بأمر غيره شيء ولا يحرّم بنهي غيره شيء. وإنّما وجب على كل أمّة طاعة نبيّها وإتباع أمره واجتناب نهيه لأنّ الله تعالى أمرهم بذلك (ب ، أ ، ٢٠٧ ، ٤)

ـ إنّ التكليف مقصور على ثلاثة أوجه : أمر ونهي وخبر (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ٢)

ـ منهم من قصر التكليف على الأمر والنهي (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ٧)

ـ منهم من قصر التكليف على معنى الأمر وقال

إنّ النهي إنّما صار تكليفا لأنّه أمر بترك المنهي عنه ، وترك ضدّ المأمور بفعله (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ٩)

ـ لا يتعلّق الثواب والعقاب ، إلّا بما هو من اكتساب العباد. ويستحيل ارتباط التكليف والتغريب والتعنيف بصفة أزلية ، خارجة عن الممكنات وقبيل المقدورات (ج ، ش ، ١٢٧ ، ٧)

ـ معتقد أهل السنّة : أنّ التكليف له حقيقة في نفسه ، وهو أنّه كلام وله مصدر ، وهو المكلّف ، ولا شرط فيه إلّا كونه متكلّما ، وله مورد ، وهو المكلّف ، وشرطه أن يكون فاهما للكلام. فلا يسمّى الكلام مع الجماد والمجنون خطابا ، ولا تكليفا. والتكليف نوع خطاب ، وله متعلّق ، وهو المكلّف به ؛ وشرطه : أن يكون مفهوما فقط. وأمّا كونه ممكنا ، فليس بشرط لتحقيق الكلام. فإنّ التكليف كلام ، فإذا صدر ممّن يفهم مع من يفهم ، فيما يفهم ، وكان المخاطب دون المخاطب ، سمّي تكليفا. وإن كان سمّي التماسا ، وإن كان فوقه سمّي دعاء ، وسؤالا ، والاقتضاء في ذاته واحد. وهذه الأسامي تختلف عليه باختلاف النسبة (غ ، ق ، ١٧٨ ، ٣)

ـ إنّ الله تعالى إذا كلّف العباد فأطاعوه ، لم يجب عليه الثواب ، بل إن شاء أثابهم ، وإن شاء عاقبهم ؛ وإن شاء أعدمهم ، ولم يحشرهم. ولا يبالي لو غفر لجميع الكافرين ، وعاقب جميع المؤمنين ، ولا يستحيل ذلك في نفسه ، ولا يناقض صفة من صفات الإلهية. وهذا لأنّ التكليف تصرّف في عبيده ، ومماليكه (غ ، ق ، ١٨٥ ، ١٣)

ـ إنّ الله عزوجل خلق عباده ليتعبّدهم بالتكليف ، وركّب فيهم العقول والشهوات ، وأزاح العلّة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ، ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجو منهم أن يتّقوا ليترجّح أمرهم ، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجّحت حال المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل (ز ، ك ١ ، ٢٣١ ، ٢)

ـ التكليف من أحسن أفعال الله لكونه تعريضا لسعادة الأبد فكان جديرا بأن يقسم به (ز ، ك ٢ ، ٧٠ ، ٣)

ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) (هود : ١١٨) يعني لاضطرّهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة : أي ملّة واحدة وهي ملّة الإسلام كقوله (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الأنبياء : ٩٢) وهذا الكلام يتضمّن نفي الاضطرار ، وأنّه لم يضطرّهم إلى الاتفاق على دين الحق ، ولكنّه مكّنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل ، فاختلفوا فلذلك قال (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (هود : ١١٨ ـ ١١٩) إلّا ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتّفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود : ١١٩) ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأوّل وتضمّنه : يعني ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف ، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره ، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره (ز ، ك ٢ ، ٢٩٨ ، ٢٧)

ـ (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) على معنيين : أحدهما بل لله القدرة على كل شيء وهو قادر على الآيات التي اقترحوها ، إلّا أنّ علمه بأنّ إظهارها مفسدة يصرفه. والثاني بل لله

أن يلجئهم إلى الإيمان ، وهو قادر على الإلجاء لو لا أنّه بنى أمر التكليف على الاختيار ، ويعضده قوله (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ) (الرعد : ٣١) يعني مشيئة الإلجاء والقسر (لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) (الرعد : ٣١) (ز ، ك ٢ ، ٣٦٠ ، ٢١)

ـ لمّا وصفهم بالخشوع في الصلاة أتبعه الوصف بالإعراض عن اللغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقّين على الأنفس اللذين هما قاعدتا بناء التكليف (ز ، ك ٣ ، ٢٦ ، ٤)

ـ ما وكّلت عليهم لتجبرهم على الهدى فإنّ التكليف مبني على الاختيار دون الإجبار (ز ، ك ٣ ، ٤٠٠ ، ١٠)

ـ إنّما جمع بين السمع والعقل لأنّ مدار التكليف على أدلّة السمع والعقل (ز ، ك ٤ ، ١٣٦ ، ٢٢)

ـ قال الجبائي وابنه : لا يجب على الله شيء لعباده في الدنيا إذا لم يكلّفهم عقلا وشرعا. فأمّا إذا كلّفهم فعل الواجب في عقولهم ، واجتناب القبائح ، وخلق فيهم الشهوة للقبيح والنفور من الحسن ، وركّب فيهم الأخلاق الذميمة ؛ فإنّه يجب عليه عند هذا التكليف إكمال العقل ، ونصب الأدلّة ، والقدرة ، والاستطاعة ، وتهيئة الآلة ؛ بحيث يكون مزيحا لعللهم فيما أمرهم ، ويجب عليه أن يفعل بهم ادعى الأمور إلى فعل ما كلّفهم به ، وأزجر الأشياء لهم عن فعل القبيح الذي نهاهم عنه (ش ، م ١ ، ٨٤ ، ١٤)

ـ أصل التكليف لم يكن واجبا على الله إذ لم يرجع إليه نفع ، ولا اندفع به عنه ضرر ، وهو قادر على مجازاة العبيد ثوابا وعقابا ، وقادر على الإفضال عليهم ابتداء تكرّما وتفضّلا. والثواب ، والنعيم ، واللطف كله منه فضل ، والعقاب والعذاب كله عدل (ش ، م ١ ، ١٠٢ ، ٥)

ـ إنّ المطلوب بالتكليف مختلف الجهة ، فمنه ما هو واجب فعله ويثاب عليه ويمدح به ، ومنه ما هو واجب تركه ويعاقب على فعله ويذمّ عليه (ش ، ن ، ٨٥ ، ٦)

ـ إن قيل المقدور هو وجود الفعل ، إلّا أنّه يلزمه ذلك الوجه المكلّف به لا مقصودا بالخطاب. قيل لا يغنيكم هذا الجواب ، فإنّ التكليف لو كان مشعرا بتأثير القدرة في الوجود ، كان المكلّف به هو الوجود من حيث هو وجود لا غير ، ولكن تقدير الخطاب أوجد الحركة التي إذا وجدت يتبعها كونها حسنة ، وعبادة وصلاة وقربة ، فما هو مقصود بالخطاب غير موجود بإيجاده ، فيعود الإلزام عكسا عليكم ، افعل يا من لا يفعل فليت شعري أي فرق. بين مكلّف به لا يندرج تحت قدرة المكلّف ولا يندرج تحت قدرة غيره ، وبين مكلّف به اندرج تحت قدرة المكلّف من جهة ما كلّف به واندرج تحت قدرة غيره من جهة ما لم يكلّف به ، أليس القضيتان لو عرضتا على محكّ العقل كانت الأولى أشبه بالجبر ، فهم قدرية من حيث أضافوا الحدوث والوجود إلى قدرة العبد إحداثا وإيجادا وخلقا ، وهم جبريّة من حيث لم يضيفوا الجهة التي كلّف بها العبد إلى قدرته كسبا وفعلا (ش ، ن ، ٨٥ ، ١٤)

ـ أمّا على طريقة الشيخ أبي الحسن رحمه‌الله حيث لم يثبت للقدرة أثرا ، فالجواب عن هذه الإلزامات مشكّل عليه ، غير أنّه يثبت تأتّيا وتمكّنا يحسّه الإنسان من نفسه ، وذلك يرجع إلى سلامة البنية واعتقاد التيسّر ، بحكم جريان العادة إنّ العبد مهما همّ بفعل وأزمع على أمر

خلق الله تعالى له قدرة واستطاعة مقرونة بذلك الفعل الذي يحدثه فيه ، فيتّصف به العبد وبخصائصه ، وذلك هو مورد التكليف ، وإحساسه بذلك كإحساسه بالصفات التابعة للحدوث عندكم ، وإن لم تكن هي أثر القدرة الحادثة (ش ، ن ، ٨٨ ، ٤)

ـ قالوا (المعتزلة) ... إنّ الصانع حكيم ، والحكيم لا يفعل فعلا يتوجّه عليه سؤال ويلزم حجّة ، بل يزيح العلل كلها ، فلا يكلّف نفسا إلّا وسعها ، ولا يتحقّق الوسع إلّا بإكمال العقل والإقدار على الفعل ، ولا يتمّ الغرض من الفعل إلّا بإثبات الجزاء ، ولتجزى كلّ نفس بما كسبت ، فاصل التخليق والتكليف صلاح ، والجزاء صلاح ، وأبلغ ما يمكن في كل صلاح هو الأصلح ، وزيادات الدواعي والصوارف والبواعث والزواجر في الشرع ، وتقدير الطاف بعضها خفيّ وبعضها جليّ ، فأفعال الله تعالى اليوم لا تخلو من صلاح وأصلح ولطف ، وافعال الله تعالى غدا على سبيل الجزاء إمّا ثواب أو عوض أو تفضّل (ش ، ن ، ٤٠٥ ، ١٦)

ـ قول بعض الأصحاب (الباقلاني) في تقرير الأمر بما ليس بمراد : إنّ ما يتعلّق به الأمر والنهي ، إنّما هو أخص وصف فعل المكلّف ، وهو ما يصير به طائعا أو عاصيا ، وذلك الأخصّ هو ما يتعلّق بكسبه ويدخل تحت قدرته ، وبه يتحقّق معنى التكليف ، وهو ما جعلته المعتزلة من توابع الحدوث ، لا أنّ التكليف متعلّق بأصل الفعل ؛ إذ هو فعل الله ـ تعالى ـ وذلك لا يجوز التكليف به ؛ إذ هو من فعل الغير ، والتكليف بفعل الغير تكليف بما لا يطاق. فإذا ما يقع به التكليف إنّما هو ما ينسب إلى فعل العبد واكتسابه ، وليس ذلك مرادا لله ـ تعالى ـ ولا داخلا تحت قدرته (م ، غ ، ٦٩ ، ٨)

ـ الملائكة عندهم (المعتزلة) قادرون عالمون أحياء بعلوم وقدر وحياة كالواحد منّا ، ومكلّفون كالواحد منّا ، إلّا أنّهم معصومون ولهم في كيفية تكليفهم كلام ، لأنّ التكليف مبني على الشهوة ، وفي كيفية خلق الشهوة فيهم نظر (أ ، ش ١ ، ٣٠ ، ٨)

ـ التكليف يستلزم المشقّة لأنّها شرط في صحّته (أ ، ش ١ ، ٤٦٧ ، ١١)

ـ إنّ الأمر إنّما يكون تكليفا إذا انضمّت إليه المشقّة (أ ، ش ١ ، ٤٦٧ ، ١٩)

ـ قالت المعتزلة إنّا لو قدّرنا أنّ الوعيد السمعي لم يرد ، لما أخلّ ذلك بكون الواجب واجبا في العقل ، نحو العدل والصدق والعلم وردّ الوديعة ، هذا في جانب الإثبات ، وإمّا في جانب السلب ، فيجب في العقل أن لا يظلم وأن لا يكذب وأن لا يجهل وأن لا يخون الأمانة. ثم اختلفوا فيما بينهم فقالت معتزلة بغداد ، ليس الثواب واجبا على الله تعالى بالعقل ، لأنّ الواجبات إنّما تجب على المكلّف لأنّ أداءها كالشكر لله تعالى ، وشكر المنعم واجب لأنّه شكر منعم ، فلم يبق وجه يقتضي وجوب الثواب على الله سبحانه ، وهذا قريب من قول أمير المؤمنين عليه‌السلام. وقال البصريون بل الثواب واجب على الله تعالى عقلا كما يجب عليه العوض عن إيلام الحيّ ، لأنّ التكليف إلزام بما فيه مضرّة ، كما أنّ الإيلام إنزال مضرّة ، والإلزام كالإنزال (أ ، ش ٤ ، ٣٨١ ، ٢٣)

ـ قال عليه‌السلام وقد سئل عن معنى قولهم لا حول ولا قوّة إلّا بالله ، إنّا لا نملك مع الله شيئا

ولا نملك إلّا ما ملكنا فمتى ملّكنا ما هو أملك به منّا كلّفنا. ومتى أخذه منّا وضع تكليفه عنّا. معنى هذا الكلام أنّه عليه‌السلام جعل الحول عبارة عن الملكية والتصرّف ، وجعل القوّة عبارة عن التكليف ، كأنّه يقول لا تملّك ولا تصرّف إلّا بالله ، ولا تكليف لأمر من الأمور إلّا بالله فنحن لا نملك مع الله شيئا أي لا نستقلّ بأن نملك شيئا ، لأنّه لو لا إقداره إيّانا وخلقته لنا أحياء لم نكن مالكين ولا متصرّفين ، فإذا ملكنا شيئا هو أملك به أي أقدر علينا منّا ، صرنا مالكين له كالمال مثلا حقيقة وكالعقل والجوارح والأعضاء مجازا ، وحينئذ يكون مكلّفا لنا أمرا يتعلّق بما ملّكنا إيّاه ، نحو أن يكلّفنا الزكاة عند تمليكنا المال ، ويكلّفنا النظر عند تمليكنا العقل ، ويكلّفنا الجهاد والصلاة والحجّ وغير ذلك عند تمليكنا الأعضاء والجوارح ، ومتى أخذ منّا المال وضع عنّا تكليف الزكاة ، ومتى أخذ العقل سقط تكليف النظر ، ومتى أخذ الأعضاء والجوارح سقط تكليف الجهاد وما يجري مجراه ، هذا هو تفسير قوله عليه‌السلام (أ ، ش ٤ ، ٤٥٢ ، ١٧)

ـ التكليف : إلزام الكلفة على المخاطب (ج ، ت ، ٩٤ ، ١٦)

ـ البصريّة : والتكليف تفضّل. البلخيّ : بل واجب بناء على الأصلح ، ويمنع خلقهم في الجنّة ابتداء. أبو علي وأبو هاشم : لا مانع. أبو علي : لكن يلجيهم إلى ترك القبيح. أبو هاشم وقاضي القضاة : أو يصرفهم عنه (م ، ق ، ١٠١ ، ١٧)

ـ أبو علي وأبو هاشم : ولا يحسن تكليف الملجأ إذ لا فائدة فيه. أبو علي : ولا رافع للتكليف مع بقاء العقل سواه. أبو هاشم : بل لو أغناه بالحسن بأن لا يخلق فيه شهوة القبيح منع (م ، ق ، ١٠١ ، ٢٢)

ـ التكليف ، لغة ، تحميل ما يشقّ ، واصطلاحا : البلوغ والعقل ، وشرعا : تحميل الأحكام. ووجه حسنه كونه عرضا على الخير ، كما مرّ. وكذلك الزيادة فيه من إمهال إبليس والتخلية وإنزال المتأشبه وتفريق آيات الأحكام وإبقاء المنسوخ من الناسخ ، ونحو ذلك ، لأنّها عرض على استكثار الثواب وهو حسن (ق ، س ، ١٣٢ ، ٧)

ـ الأشعريّ : بل كلّف الله أبا جهل ما لا يطيق حيث أمر أن يعلم بما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبالإيمان معا ، ومن جملة ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، الإخبار بأنّه كافر ، فإعلامه به تكليف ويلزم التكليف بلازمه ، وهو الكفر مع الإيمان والجمع بينهما لا يطاق (ق ، س ، ١٣٢ ، ١٧)

تكليف أول

ـ اعلم أنّه تعالى قد ثبت أنّه لا يختار فعل القبيح ؛ لكونه عالما غنيّا ؛ فيجب القطع على أنّه لا يجوز أن يكلّف الأمور الشاقّة إلّا على جهة التعريض للمنفعة ، وإلّا كان ذلك قبيحا ؛ لأنّه لا يجوز أن يقال : إنّه يحسن أن يكلّف على جهة الاستحقاق ؛ لأنّ ذلك يقتضي في كل تكليف وجوب تقدّم تكليف آخر له ، وفي هذا إبطال القول بأنّ للتكليف أوّلا. ولا يصحّ أن يقال : إنّه تعالى يلزم الشاقّ تخلّصا من مضرّة ؛ لأنّه لا مضرّة يشار إليها إلّا ويصحّ منه تعالى أن يدفعها عنه من غير تكليف ؛ فيكون التكليف في الحال هذه عبثا. فلم يبق إلّا أنّه إنّما يكلّف لمنفعة ، لولاها لم يحسن التكليف. وتلك

المنفعة يجب أن تكون بمنزلة المدح والتعظيم في أنّها لا يحسن أن تفعل في القدر والصفة إلّا على جهة الاستحقاق ؛ فكما لا يحقّ الابتداء بالتعظيم والمدح إذا بلغا القدر الذي يستحقّه المؤمن ، فكذلك القول في الثواب (ق ، غ ١١ ، ١٦٦ ، ٣)

تكليف بالأمر

ـ التكليف بالأمر. كقوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (النساء : ٧٧) (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ٣)

تكليف بالخبر

ـ التكليف بالخبر على ضربين : أحدهما في معنى الأمر كقوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (البقرة : ٢٢٨). والثاني خبر في معنى النهي كقوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (الواقعة : ٧٩) (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ٥)

تكليف بعد تكليف

ـ إنّه تعالى كما يحسن منه أن يكلّف ابتداء من يعلم أنّه يكفر ، فيعرّضه بذلك لمنزلة الثواب ، ولا يقتصر به على منزلة التفضّل ، فله تعالى أن يكلّفه تكليفا بعد تكليف ، ويعرّضه بذلك لمنزلة عالية لا ينالها ببعض ذلك ، ويقتصر به على بعض. ولا فرق بين من قال بقبح التكليف الزائد ، مع ما فيه من التعريض لمنزلة زائدة ، وبين من حكم بقبح تكليف من يعلم أنّه يكفر ابتداء ، وإن حصل تعريضا لمنزلة عالية (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١)

تكليف بالنهي

ـ التكليف بالنهي كقوله : (لا تَفْتَرُوا عَلَى اللهِ كَذِباً) (طه : ٦١) (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ٤)

تكليف زائد

ـ قد جوّز رحمه‌الله (أبو هاشم) أن يكلّفه تعالى بعد الإيمان واستحقاق الثواب تكليفا زائدا ، وإن علم أنّه يكفر ، لما فيه من التعريض لزيادة الثواب ، وإن كان المعلوم أنّه لا يناله ويحرم نفسه ما قد استحقّه من قبل فما الذي يمنع من أن يكلّفه تعالى الفرض مع النفل ، وإن علم أنّه من حاله أنّه يعصى في الفرض. وهذا يبيّن أنّه لا حاجة به رحمه‌الله على طريقته في التكليف إلى أن يبيّن أنّ تكليف النوافل وحدها لا يصحّ ولا يحسن ، وأنّه لا فرق بين أن يحسن ذلك أو لا يحسن ، في أنّه يجب أن يحسن منه تعالى أن يكلّف الفرض معها ، وإن كان المعلوم أنه يعصى فيه ، إلّا أن يعلم من حاله أنّه يطيع في كل واحد منهما لو انفرد عن صاحبه ، ومتى جمع بينهما عصى فيهما. فيجوز أن يقال فيمن حاله هذه : إنّه لا يحسن أن يكلّف إلّا النفل. هذا إذا كان الثواب الذي عرض له بالنفل مثل ما يستحقّه بالفرض لو كلّفه ، فأمّا إذا كان في الفرض الثواب أزيد فغير ممتنع على طريقته رحمه‌الله أن يكلّفه دون النفل ، وإن كان المعلوم أنّه متى عصى فيه استحقّ العقاب. وهذا كلّه لا يؤثّر في صحّة ما تكلّفه رحمه‌الله من بيان القول بأنّ تكليف النوافل وحدها لا يصحّ ، لما في ذلك من إسقاط السؤال من أصله ، وإن صحّ على طريقته أن يجيب بما ذكرناه أيضا لو صحّ تكليف النوافل وحدها. فعلى هذا الوجه يجب أن يجري في هذا الباب (ق ، غ ١١ ، ١٧٢ ، ١٣)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ المعتبر بما يريده تعالى بالمكلّف من المنزلة. فإذا أراد تعريضه لمنزلة مخصوصة ، وصحّ أن يكلّف ما يعلم أنّه يصل

معه إلى تلك المنزلة لم يحسن تكليف ما يعلم أنّه يكفر. ومتى أراد به منزلة عظيمة قد علم أنّه لا ينالها البتّة (إلّا) بضرب من التكليف حسن أن يكلّفه ما يعلم أنّه يكفر ببعضه أو كلّه. فإذا ثبت ذلك لم يحسن منه سبحانه تبقية التكليف على المؤمن على وجه يعلم أنّه يكفر ، مع أنّه يصحّ أن يكلّفه على وجه يعلم أنّه يؤمن ، ويستحقّ القدر الذي عرض له من الثواب. وقد بيّنا أنّ المفسدة إنّما تقبح لأنه يقتضي أن المكلّف قد أتي فيما اختاره من المعاصي من جهة المكلّف ، ولأنّ المكلّف لو أراد نفعه لما فعل ما يفسد عنده ، لأن المعلوم من حاله أنّه متى لم يفعل ذلك ، والتكليف ثابت على ما هو عليه والتعريض للثواب ، أنّه يصلح ، ومتى فعل ذلك به اختار الفساد ، فيجب أن يكون في حكم الصادّ له عمّا عرّضه له ، وهذا يقبح ، ويجري مجرى المتناقض في الدواعي. وليس كذلك إذا بقي التكليف على المؤمن مع العلم بأنّه يكفر ؛ لأنّه قد عرّضه لمنزلة زائدة لا يصحّ أن ينالها إلّا بهذا التكليف الزائد. وإنّما يؤتى في حرمانه نفسه الثواب واستحقاقه العقاب من قبل سوء اختياره ، فيجب حسنه ومفارقته للمفسدة (ق ، غ ١١ ، ٢٥١ ، ١٨)

تكليف سمعي

ـ اختلف شيخانا ـ رحمهما‌الله ـ فأمّا أبو عليّ ـ رحمه‌الله ـ يقول : إنّ العلم لمخبر الأخبار من كمال العقل كالعلم بالمدركات. وكثيرا ما يجري شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ الكلام في كتبه على هذا الوجه. وقال في بعض الإلهام : إنّ ذلك ليس من كمال العقل ، وإنّ العقل يكمل دونه ويصحّ التكليف مع عدمه. وبيّن أنّه لو كان من كمال العقل لكان الخبر في أنّه طريق العلم بالمخبر عنه كالإدراك ، فكان لا يحتاج إلى تكرّره على السامع ليعلمه. فدلّ ذلك على أنّه بالعادة وإن لم تختلف العادة في عدد المخبرين إذا تساوت أوصافهم. ويجب على هذا القول أن يكون حفظ المدروس والعلم بالصنائع عند ممارستها بالعادة للحاجة فيها إلى التكرّر ؛ إلّا أنّ ذلك وإن كان بالعادة فلا بدّ منه في التكليف السمعيّ ؛ خاصّة إذا كان المكلّف غائبا عن الرسول أو موجودا بعد موته ؛ لأنّ بالخبر يصل إلى معرفة شرائعه وعلمه. ولا بدّ في كثير من التكليف الشرعيّ من الحفظ ليصحّ أن يؤدّي ما كلّف أداءه ، إلى غير ذلك ، ويقوم بأداء ما كلّف على الوجه الذي كلّف. فأمّا ذكر الإنسان لأحواله السالفة وللأمور العظيمة إذا حدثت فمنزلة استمراره على العلم بالمدركات وإن تقضّى الإدراك في أنّ ذلك من كمال العقل (ق ، غ ١١ ، ٣٨٥ ، ١٤)

ـ أمّا التكليف السمعي فقد بيّنا أنّه يجوز أن تقع الزيادة فيه ، بما يرجع إلى الأوقات. وقد يجوز أن تزيد أيضا لأسباب توجب ذلك فيها ، مثل أسباب الكفّارات والحقوق وقضاء العبادة ، إلى غير ذلك. فأمّا النفل فيها فليس بمحصور ، وإن كان قد يختصّ بالأوقات (ق ، غ ١٥ ، ١٣٧ ، ٢٠)

تكليف السنة الثانية

ـ على أنّا قد بيّنا أنّ على ما قاله رحمه‌الله في العسكريّات في قبح تكليف الطاعة التي يكفر فيها دون التي يؤمن فيها ، مع تساويهما في قدر الثواب ، يجب أن يقال : لا يحسن منه تعالى أن

يكلّف قدرا من التكليف في أوقات يعلم أنّه يكفر فيها ، دون مثله في أوقات يعلم أنّه يؤمن فيها ، وبيّنا أنّ الوقت الواحد والأوقات في هذا الباب لا تختلف. وبيّنا أنّه يجب على هذه القضيّة أن يقال فيمن المعلوم أنّه إن أديم عليه تكليف السنة الثانية يؤمن أنّه يحسن منه تعالى الاقتصار به على السنة الأولة إذا أراد في الابتداء ألّا يكلفه إلّا هذا القدر ، إلّا أن يعلم أنّ تكليف السنة الثانية التي يؤمن فيها كتكليف السنة الأوّلة في قدر ما يستحقّ به الثواب ، فلا يحسن إلّا تكليف السنة الثانية. فأمّا الجمع بين التكليفين فحسن ، وليس بواجب ، إلّا أن يكون تعالى في الابتداء أراد وصوله إلى هذا القدر من الثواب ، فلا يجوز ألّا يكلّفه ما يعلم أنّه يصل به إليه ، ويكلّفه ما يعلم أنّه لا يصل به إليه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٧ ، ٢٠)

تكليف شرعي

ـ اختلف شيخانا ـ رحمهما‌الله ـ فأمّا أبو عليّ ـ رحمه‌الله ـ يقول : إنّ العلم لمخبر الأخبار من كمال العقل كالعلم بالمدركات. وكثيرا ما يجري شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ الكلام في كتبه على هذا الوجه. وقال في بعض الإلهام : إنّ ذلك ليس من كمال العقل ، وإنّ العقل يكمل دونه ويصحّ التكليف مع عدمه. وبيّن أنّه لو كان من كمال العقل لكان الخبر في أنّه طريق العلم بالمخبر عنه كالإدراك ، فكان لا يحتاج إلى تكرّره على السامع ليعلمه. فدلّ ذلك على أنّه بالعادة وإن لم تختلف العادة في عدد المخبرين إذا تساوت أوصافهم. ويجب على هذا القول أن يكون حفظ المدروس والعلم بالصنائع عند ممارستها بالعادة للحاجة فيها إلى التكرّر ؛ إلّا أنّ ذلك وإن كان بالعادة فلا بدّ منه في التكليف السمعيّ ؛ خاصّة إذا كان المكلّف غائبا عن الرسول أو موجودا بعد موته ؛ لأنّ بالخبر يصل إلى معرفة شرائعه وعلمه. ولا بدّ في كثير من التكليف الشرعيّ من الحفظ ليصحّ أن يؤدّي ما كلّف أداءه ، إلى غير ذلك ، ويقوم بأداء ما كلّف على الوجه الذي كلّف. فأما ذكر الإنسان لأحواله السالفة وللأمور العظيمة إذا حدثت فمنزلة استمراره على العلم بالمدركات وإن تقضّى الإدراك في أن ذلك من كمال العقل (ق ، غ ١١ ، ٣٨٥ ، ١٦)

تكليف الطاعة

ـ لم يصحّ من القديم تعالى أن يكلّف الطاعة ، ولا يمكّن من المعصية ، ولا يصحّ أيضا أن يخلّي بينه وبين الطاعة ، ويمنعه من المعصية ؛ لأنّ الفعل الواحد إذا صحّ أن يفعل على الوجهين لم يصحّ أن يمنع من إيقاعه على أحدهما دون الآخر ، مع كون المنع ضدّا له ، أو جاريا مجراه. وكذلك فلا يصحّ أن يمنعه من أن يريد الفعل على وجه يقبح عليه إلّا ويمتنع أن يريده على وجه يحسن عليه. ومتى منعه من الإرادة بعجز أو فساد محلّ يقتضي ذلك بطلان التكليف أصلا. وأمّا إذا منعه بالكراهة فغير ممتنع أن يمنعه من أحدهما دون الآخر ، لكنّه يصير في حكم الممنوع الملجأ في زوال التكليف. ولا يصحّ أن يمنع من الشيء ولا يمنع من بعض أضداده إذا كان الكلام في الأكوان التي يبتدئها في محلّ القدرة ، وكان المنع من ذلك هو ببعض أضدادها (ق ، غ ١١ ، ١٦٨ ، ١٧)

ـ قد بيّنا أنّ على ما قاله رحمه‌الله في العسكريّات في قبح تكليف الطاعة التي يكفر فيها دون التي يؤمن فيها ، مع تساويهما في قدر الثواب ، يجب أن يقال : لا يحسن منه تعالى أن يكلّف قدرا من التكليف في أوقات يعلم أنّه يكفر فيها ، دون مثله في أوقات يعلم أنّه يؤمن فيها ، وبيّنا أنّ الوقت الواحد والأوقات في هذا الباب لا تختلف. وبيّنا أنّه يجب على هذه القضيّة أن يقال فيمن المعلوم أنّه إن أديم عليه تكليف السنة الثانية يؤمن أنّه يحسن منه تعالى الاقتصار به على السنة الأولة إذا أراد في الابتداء ألّا يكلفه إلّا هذا القدر ، إلّا أن يعلم أنّ تكليف السنة الثانية التي يؤمن فيها كتكليف السنة الأوّلة في قدر ما يستحقّ به الثواب ، فلا يحسن إلّا تكليف السنة الثانية. فأمّا الجمع بين التكليفين فحسن ، وليس بواجب ، إلّا أن يكون تعالى في الابتداء أراد وصوله إلى هذا القدر من الثواب ، فلا يجوز ألّا يكلّفه ما يعلم أنّه يصل به إليه ، ويكلّفه ما يعلم أنّه لا يصل به إليه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٧ ، ١٦)

تكليف عقلي

ـ إنّ تكليف العقل قد ينفكّ من التكليف السمعيّ ، وإنّه الأصل للمعرفة بالسمعيّات ، فلا بدّ من تقدّمه ؛ وكشفنا القول فيه ، فلا يصحّ أن يقال بإيجاب بعثة الرسل ، من هذا الوجه ، ولا من سائر الوجوه التي تكلّمنا عليها ؛ فلم يبق إلّا أنّه تعالى يبعث الرسول للمصالح (ق ، غ ١٥ ، ٩٧ ، ١٥)

ـ اعلم أنّ التعلّق بذلك في أنّه لا بدّ من حجّة في كل زمان لا يصحّ ، لأنّه قد يجوز عندنا خلو التكليف العقليّ من الشرعيّ (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٦٩ ، ٢٠)

ـ المعتزلة : ويصحّ انفراد التكليف العقليّ من السمعيّ. الإماميّة : لا. قلنا : السمعيّة ألطاف ، ومن الناس لا لطف له إلّا المعرفة (م ، ق ، ١١٠ ، ١٩)

تكليف فعلي

ـ أمّا التكليف الفعليّ فإن علم ـ تعالى ـ أنّه إذا أظهر الدلالة على تقدّم الإرادة كان فيه زيادة صلاح فإنّه يقدّم الإرادة ، لا محالة. ومتى لم يكن الحال كذلك لم يجب تقديمها ؛ لأنّ الدلالة إنّما تدلّ من جهة العقل على أنّه ـ تعالى ـ إذا جعل المكلّف بالأوصاف التي يجب أن يكلّف فلا بدّ من أن يكلّفه ويريد منه فعل ما كلّف من غير أن يدلّ على تقديم الإرادة ، أو على مقدار التكليف ، أو على أنّ ما يكلّفه من المدّة يجب أن يريد جميعه منه عند أول ما يكلّفه ، أو يريد ذلك منه حالا بعد حال. والقدر الذي يدلّ العقل على أنّه لا بدّ من أن يكلّفه معرفة العدل والتوحيد ، ويكلّفه من بعد أقلّ ما يجوز التكليف فيه ؛ لأنّ هذه المعارف إنّما يحسن تكليفها من حيث كانت ألطافا ، فلا بدّ من تكليف متأخّر عنها وإن قلّ ، فالأولى في هذا القدر أن يتقدّم إرادة الله ـ تعالى ـ له ؛ لأنّه بإكماله عقله مع تكامل سائر الشروط قد تضمّن أن يكلّفه هذا القدر ، فلا يكون لتأخير الإرادة والتكليف عن الحال الأولى وجه (ق ، غ ١١ ، ٣٠٨ ، ١٤)

تكليف في الحكمة

ـ إنّه تعالى متى كلّف الفعل ، فلا بدّ من أن يكلّف ما هو لطف في ذلك الفعل ، قلّ أم كثر من الأفعال. فأمّا إذا كلّف اللطف ، فلا يجب أن

يكلّف كل ما يصحّ أن يكون لطفا فيه ، بل متى كلّفه تعالى فعلا واحدا فقد دخل ذلك التكليف في الحكمة (ق ، غ ١٢ ، ٤١٩ ، ١٤)

تكليف قبيح

ـ اعلم أنّ من شرط المكلّف أن يكون مخلّى بينه وبين فعل ما كلّف. ومتى كان هناك منع زالت التخلية وتعذّر الفعل لأجله فالتكليف قبيح. وقد بيّنا من قبل أنّ تكليف من يتعذّر عليه فعل ما كلّف بأي وجه كان لا يحسن ، وأنّه إنّما لم يحسن تكليف ما لا يطاق لهذه العلّة. وقد علمنا أنّ الفعل يتعذّر مع المنع ؛ كما أنّه يتعذّر مع العجز. فيجب ألّا يحسن منه ـ تعالى ـ التكليف معه (ق ، غ ١١ ، ٣٩١ ، ٣)

تكليف الكافر

ـ في تكليف الكافر الذي يعلم أنّه إن بقي عليه التكليف آمن هل يجب أم لا؟ وهل يقبح اخترامه أم لا يقبح؟ قد بيّنا أنّ شيخنا أبا علي رحمه‌الله كان يقول بوجوب إدامة التكليف على من هذا حاله ، وأنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله يجوّز أن يبقى عليه التكليف ، وأن يقطع عنه بالاخترام وغيره ، وإن كان يقول متى كلّف أوّلا إلى حين وغاية فلا بدّ من أن يبقى وتزال عنه الموانع ، لا لأنّ المعلوم أنّه يؤمن ، لكن لأنّه لا يجوز أن يكلّفه ويمنعه من فعل ما كلّفه. ولذلك يسوّى في هذا الحكم بين من يعلم أنّه يؤمن ، وبين من يعلم أنّه يكفر. والأصل في ذلك أنّه لا يجب عليه تعالى أن يكلّف ابتداء من يعلم أنّه يؤمن ؛ لما نبيّنه عند القول في الأصلح ، ولا خلاف في ذلك بينهما رحمهما‌الله. فإذا صحّ ذلك ، وثبت أنّ التكليف الثاني لا يصحّ كونه لطفا في التكليف الأوّل ولا في نفسه ؛ لأنّ اللطف إنّما يصحّ في المنتظر الذي إن وقع اللطف اختاره المكلّف ، وإن لم يقع لم يختره ، وذلك مستحيل في التكليف الماضي. ولا يصحّ أن يكون لطفا في نفسه. فيجب لثبوت هذين الأصلين صحّة ما قاله شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله (ق ، غ ١١ ، ٢٥٤ ، ٦)

تكليف اللطف

ـ إنّما يجب أن يكلّف اللطف متى كلّف الأصل الذي اللطف لطف فيه. فأمّا إذا لم يكلّف ذلك فتكليف اللطف غير واجب ؛ ألا ترى أنّ تكليف الإنسان الشرعيّات ولما كلّف أصلا غير واجب. ولا فرق بين من قال : يجب أن يكلّف سائر التكليف لمكان التوبة. وهذا متناقض كما ترى (ق ، غ ١١ ، ٢٥٨ ، ١٤)

تكليف لمنفعة

ـ اعلم أنّه تعالى قد ثبت أنّه لا يختار فعل القبيح ؛ لكونه عالما غنيّا ؛ فيجب القطع على أنّه لا يجوز أن يكلّف الأمور الشاقّة إلّا على جهة التعريض للمنفعة ، وإلّا كان ذلك قبيحا ؛ لأنّه لا يجوز أن يقال : إنّه يحسن أن يكلّف على جهة الاستحقاق ؛ لأنّ ذلك يقتضي في كل تكليف وجوب تقدّم تكليف آخر له ، وفي هذا إبطال القول بأنّ للتكليف أوّلا. ولا يصحّ أن يقال : إنّه تعالى يلزم الشاقّ تخلّصا من مضرّة ؛ لأنّه لا مضرّة يشار إليها إلّا ويصحّ منه تعالى أن يدفعها عنه من غير تكليف ؛ فيكون التكليف في الحال هذه عبثا. فلم يبق إلّا أنّه إنّما يكلّف لمنفعة ، لولاها لم يحسن التكليف. وتلك المنفعة يجب أن تكون بمنزلة المدح والتعظيم

في أنّها لا يحسن أن تفعل في القدر والصفة إلّا على جهة الاستحقاق ؛ فكما لا يحقّ الابتداء بالتعظيم والمدح إذا بلغا القدر الذي يستحقّه المؤمن ، فكذلك القول في الثواب (ق ، غ ١١ ، ١٦٦ ، ٧)

تكليف ما لا يطاق

ـ الأصل الذي في العقل دركه أنّ كل مأمور بالفعل للغد ليس بمأمور هو به للحال ، فكذلك يجب في الوقت القريب ، فيجب أنّ الذي أمر بالفعل للوقت الذي يتلوه ليس بمأمور به للحال في العقل ، ثم ليس بمأمور به في الوقت الثاني عندهم (المعتزلة) ، ولا منهي عن ضدّه ، فيبطل حقيقة الأمر والنهي بما / في العقل احتماله على قولهم ، ويبطل قولهم بما في العقل دفعه ، وهم مع ذلك لا يجعلون له قدرة في ذلك الفعل ، فيكون تكليف ما لا يطاق على قولهم (م ، ح ، ٢٦٥ ، ١٤)

ـ الأشعرية إنّها تقول أنّ الاستطاعة التي تصلح للشر لا تصلح للخير ، وهذا قريب من الجبر ، بل عين الجبر ، لأنّ استطاعة الشر إذا كانت لا تصلح للخير صار مجبورا في فعل الشر ، ومن هذا جوّز الأشعريّة تكليف ما لا يطاق (م ، ف ، ١٠ ، ١٣)

ـ قالت" العدلية" : معاذ الله. إنّ الله لا يكلّف العباد ما لا يتسعون له ـ الوسع : دون الطاقة ـ ، إذ تكليف ما لا يطاق ظلم وعبث ، وأنّه لا يظلم ولا يعبث ، ولو جاز أن يكلّف من لا يقدره على الإيمان لجاز أن يكلف من لا مال له بإخراج الزكاة ، وأن يكلّف المقعد بالمشي والعدو (ع ، أ ، ٢٥ ، ٣)

ـ الكلام في أنّ القدرة متقدّمة لمقدورها غير مقارنة له. ووجه اتّصاله بباب العدل ، أنّه يلزم على القول بمقارنتها للمقدور تكليف ما لا يطاق ، وذلك قبيح ، ومن العدل أن لا يفعل القبيح (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ١١)

ـ إنّه لو كانت القدرة مقارنة لمقدورها لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق ، إذ لو أطاقه لوقع منه ، فلمّا لم يقع منه دلّ على أنّه غير قادر عليه ، وتكليف ما لا يطاق قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح (ق ، ش ، ٣٩٦ ، ٨)

ـ اعلم أنّ الدليل الذي ختم به ذلك الباب لا يتمّ إلّا بأن نبيّن أنّه لا يجوز أن يكلّف الله العبد ما لا يطيقه. والأصل في ذلك أن نبيّن قبحه في الشاهد من الواحد منّا. ثم نبيّن أن ما يقبح منّا فيجب أن يقبح منه تعالى أيضا. والدلالة على أنّه يقبح منّا ظاهرة ودعوى الضرورة فيه ممكنة ، لأنّا نعلم ضرورة أن الواحد منّا يقبح منه أن يأمر الأعمى بنقط المصاحف والزمن بالسعي والحركة إلى ما أشبه ذلك. وهذا الباب مما إذا تجلّى ولم تعرض فيه شبهة عرف ضرورة ، وإنّما يبقى الكلام في تعليله. فالذي يبيّن أنّه إنّما قبح من حيث كان تكليفا لما لا يطاق أنّا عند العلم بكونه تكليفا لما لا يطاق نعلم قبحه وإن لم نعلم أمرا سواه. وقد تقدّم القول في أنّ العلم بالقبح يقف على العلم بوجه القبح إمّا على جملة أو تفصيل. وتقدّم أيضا القول في أنّ المؤثّر في قبح ما يقبح لا يصلح أن يكون النهي وما شاكله. فيجب أن يكون قبحه موقوفا على كونه تكليفا لما لا يطاق. وهذا يقتضي أنّه إذا قبح منّا أن يقبح منه تعالى أيضا لأنّ وجوه القبح لا تتغيّر باختلاف الفاعلين كما ثبت في الظلم وغيره. فيجب فيما يقبح منّا لوقوعه على

وجه أن يقبح منه تعالى إذا وقع على ذلك الوجه (ق ، ت ٢ ، ٥٦ ، ١٢)

ـ تكليف ما لا يطاق لا يجوز أن ينقسم في باب القبح وإن كان تكليف ما يطاق ينقسم في الحسن ، وشبّه ذلك بالصدق والكذب (ق ، ت ٢ ، ٦٥ ، ٥)

ـ أمّا إرادة الحسن ، فقد تحسن وتقبح ، فمتى انتفت وجوه القبح عنها كانت حسنة ، ومتى حصل فيها وجه من وجوه القبح كانت قبيحة. فإذا كانت إرادة لما لا يطيقه المأمور ، فيجب كونها قبيحة ، وإن كان مرادها لو وقع لكان حسنا ، لأنّ تكليف ما لا يطاق أصل في القبائح ، والمعتبر فيه بالإرادة لا بالأمر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠١ ، ١٣)

ـ إنّ تكليف المسبّب وقد وجد السبب يجري مجرى تكليف ما لا يطاق (ق ، غ ٩ ، ١٣٣ ، ١٣)

ـ إنّ تكليف الصبيّ والمجنون الأفعال التي لا يصحّ منهما أن يعرفاها ، بمنزلة تكليف ما لا يطاق في القبح. لأنّ مع المعرفة بعين هذا الفعل ، يصحّ الوصول إلى إيقاعه على الوجه الذي وجب ، كما يصحّ ذلك فيه مع القدرة والآلة ؛ فإذا وجب بفقدهما ، قبح تكليفه ؛ فكذلك القول مع فقد المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٦ ، ١٢)

ـ إنّ تكليف ما لا يطاق يقبح ، وأنّ التكليف وإلزام الشاق من دون تعريض الثواب يقبح ، وأنّه لا بدّ من أن يلطف ، فيزيح العلّة ، فلذلك حكمنا بأنه تعالى يثيب المطيع ويلطف ، للمكلّف ، فيمكّنه (ق ، غ ١٥ ، ٢٨ ، ١٩)

ـ إنّ أمره تعالى بالفعل ، ونهيه عنه على وجه ، أو وجهين ، من مكلّفين لا يحسن ، لأنّه يتضمّن تكليف ما لا يطاق ، لأنّ مقدور أحد القادرين لا يصحّ أن يكون مقدورا للآخر (ق ، غ ١٦ ، ٦٩ ، ١٦)

ـ عندنا (البصري) أنّ الأمر لا يجوز أن يبتدئ به في حال الفعل ، بل لا بدّ من تقدّمه قدرا من الزّمن يمكن مع الاستدلال به على وجوب المأمور به ، أو كونه مرعيّا فيه ، ويفعل الفعل في حال وجوبه فيه. ولا يجوز تقدّمه على ذلك إلّا لغرض. ويجوز أن يتقدّم على ذلك الغرض مصلحة. ولا فرق بين أن يكون المأمور متمكّنا من الفعل من حين الأمر إلى وقت الفعل ، أو غير متمكّن من حين الأمر. والدّليل على وجوب تقدّمه القدر الذي ذكرناه ، أنّه لو لم يتقدّمه هذا القدر ، لم يتمكّن المكلّف أن يعلم وجوب الفعل قبل وقته ، فيدعوه إلى فعله على نيّة الوجوب ، في الوقت الذي وجب عليه إيقاعه فيه. وذلك تكليف ما لا يطاق (ب ، م ، ١٨٠ ، ٣)

ـ قالوا (المعتزلة) : تكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه قبيح في العقول جملة لا يحسن بوجه من الوجوه فيما بيننا ، فلا يحسن من الباري تعالى أصلا (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ، ١١)

ـ تكليف ما لا يطاق تكثر صوره. فمن صوره تكليف جمع الضدّين ، وإيقاع ما يخرج عن قبيل المقدورات. والصحيح عندنا أنّ ذلك جائز عقلا غير مستحيل. واختلف جواب شيخنا رضي الله عنه في جواز تكليف من لا يعلم ، كالمغشيّ عليه والميّت (ج ، ش ، ٢٠٣ ، ٤)

ـ أمّا الأشعريّة فإنّها وإن كانت تمتنع عن إطلاق القول بأنّ الله تعالى يظلم العباد إلّا أنّها تعطي المعنى في الحقيقة ، لأنّ الله عندهم يكلّف

العباد ما لا يطيقونه. بل هو سبحانه عندهم لا يكلّفهم إلّا ما لا يطيقونه ، بل هو سبحانه عندهم لا يقدر على أن يكلّفهم ما يطيقونه وذلك لأنّ القدرة عندهم مع الفعل ، فالقاعد غير قادر على القيام وإنّما يكون قادرا على القيام عند حصول القيام ، ويستحيل عندهم أن يوصف الباري تعالى بإقدار العبد القاعد على القيام ، وهو مع ذلك مكلّف له أن يقوم (أ ، ش ٣ ، ١٩٥ ، ٣١)

ـ إنّ الكافر مكلّف بالإيمان من حيث هو قادر حتّى يؤمن في حال قدرته. وهذا ليس تكليفا بما لا يطاق ، ومن حيث فرض وقوع الكفر منه في حال قدرته على الإيمان لو كان مكلّفا بالإيمان كان تكليفا بما لا يطاق (ط ، م ، ١٦٦ ، ٩)

ـ العدليّة : وتكليف ما لا يطاق قبيح. وكانت المجبرة تلزمه حتى صرّح الأشعريّ بجوازه. لنا : تكليف الضرير بنقط المصحف ، ومن لا جناح له بالطيران معلوم قبحه ضرورة (م ، ق ، ٩٧ ، ٢٤)

تكليف ما يطاق

ـ تكليف ما لا يطاق لا يجوز أن ينقسم في باب القبح وإن كان تكليف ما يطاق ينقسم في الحسن ، وشبّه ذلك بالصدق والكذب (ق ، ت ٢ ، ٦٥ ، ٦)

تكليف مبتدأ

ـ إنّ تبقية من المعلوم أنّه يكفر تعدّ تمكينا ولا تعدّ مفسدة. وذلك لأنّ هذه التبقية جارية مجرى ابتداء التكليف ، فكما أنّ التكليف المبتدأ لا يعدّ مفسدة لأنّ التمكين موقوف عليه وإنّما ترد المفسدة على من هو متمكّن ، فكذلك يجب في هذه التبقية. فبطل قول من يقول في هذه التبقية إنّها مفسدة مع أنّه لولاها لم يتمكّن العبد أصلا (ق ، ت ٢ ، ٣٨٣ ، ٩)

تكليف المحال

ـ الدليل على جواز تكليف المحال ، الاتفاق على جواز تكليف العبد القيام مع كونه قاعدا حالة توجّه الأمر عليه ، وقد أقمنا الدليل القاطع على أنّ القاعد غير قادر على القيام. فإذا جاز كون القيام مأمورا به قبل القدرة عليه ، وإن كان ذلك غير ممكن ، فلا يبقى لاستحالة تكليف المستحيل وجه (ج ، ش ، ٢٠٣ ، ٨)

تكليف المعارف

ـ وبعد ، فإنّ التصوّر اعتقاد مخصوص ، فإذا صحّ أن يفعل ذلك وإن لم يتقدّم منه تصوّر آخر ؛ فهلا صحّ أن يبتدئ بالمعرفة من دون أن يتقدّم منه التصوّر؟ وهذا واضح البطلان. على أنّ العاقل لا يلزمه النظر إلّا وقد تصوّر الاعتقادات كيف تكون ، ومفارقتها في الجملة لسائر أفعال القلوب وأفعال الجوارح. وإنّما يجب فيمن لزمه الشيء أن يتصوّر ما لزمه ، ويفصل بينه وبين غيره. فأمّا تصوّر سائر ما يتعلّق به ، فغير واجب ذلك فيه. وهذا الذي ذكرناه الآن ، مما يمكن أن يقوّي به أصل الكلام في تكليف المعارف. وذلك أنّ سائر ما يكلّف العبد ، لا يجب أن يعرفه بعينه ، ويفصل بين أجناسه وأحواله الراجعة إلى آحاده. وإنّما ينتفي أن يعرفه بصفة يميّزه بها عن غيره ، لأنّ العلم بحقائق ما يلزمه من الصلاة والصيام والإرادات والكراهات مما يختصّ به أهل الكلام دون

غيرهم فلا يجوز أن يتعلّق تكليف العقلاء بذلك ، وإنّما يجب أن يعرفوا حمل هذه الأمور ومفارقتها بالصفات لغيرها ، لأنّ عند ذلك يتمكّنون من أداء ما لزمهم على الحدّ الذي وجب. فكذلك القول فيمن تلزمه المعرفة أنّه يجب في الجملة أن يكون قد عرف المعارف وفصل بينها وبين خلافها من الاعتقادات التي لا تسكن نفسه إليها ولا تفارق حاله بها لحال الظانّ والمبخّت الشاكّ. فإذا علم ذلك في الجملة ، وعلم أنّ كل اعتقاد يقع على طريقة المعرفة فمن حقّه أن يكون حسنا ، وعلم أنّ ما يقع من خلافه كالجهل فمن حقّه أن يكون قبيحا ؛ فإذا لزمه النظر وعلم في الجملة أنّ النظر إنّما يلزم ليوصل به إلى الكشف لا لنفسه ، وعلم أنّه لا يؤدّي إلّا إلى المعرفة أو إلى ما يجري مجراها ؛ فقد حصل هذا المكلّف متصوّرا ، للفرق بين ما يلزمه وبين ما يقبح فعله منه على الجملة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٧ ، ١٢)

تكليف المعرفة

ـ لا يحسن منه تعالى أن يكلّف أحدا في التوحيد والعدل الاعتقاد والظنّ ، وإنّما يحسن منه أن يكلّف المعرفة. فعلى هذا الطريق ، يجب أن يجري هذا الباب. فإذا بطل أن يكلّفه تعالى سوى المعارف ، فقد دخل في ذلك بطلان كل قول جانب (ذلك) يذهب إليه. ولا يحسن من أحد أن يقول في الله سبحانه أو يعتقد فيما يتّصل بالعدل والتوحيد بظنّ ولا حدس ولا تبخيت ولا تقليد ولا توهّم ولا تصوّر وإن كنّا قد بيّنا في نفي التشبيه أن التصوّر فيه تعالى يستحيل لفقد الشرائط التي لها يصحّ التصوّر. (ويؤيّد) ذلك صحّة ما نذهب إليه من أنّ الواجب في كل الديانات على المكلّف أن يعرف بأدلّته ، فإن كان من أهل الحمل نظر في حمل الأدلّة ، وإن كان من العلماء نظر فيها وفي تفصيلها ؛ ثم ينظر فيما يرد من الشبه ، فإن كان لا تقدح في الأصول وجب على أصحاب الحمل التوقّف فيها إذا لم ينتهوا لوجه حدّها ، وأن يثبتوا على الأصول (فيها) ، ويجب على العلماء أن يتشاغلوا بحلّها. فإن كانت قادحة في الدلالة ، يلزم الجميع أن يستأنفوا النظر والاستدلال (ق ، غ ١٢ ، ٥٣٢ ، ١٣)

تكليف الممنوع

ـ إنّ القديم ـ تعالى ـ عالم بحال المكلّف في وقت الفعل ، فإذا كان المعلوم أنّه يمتنع الفعل عليه لمنع يحصل كان بمنزلة أن يكون في المعلوم أن يكون عاجزا في تلك الحال ، فكما لا يحسن تكليف العاجز بالشرط الذي قاله فكذلك تكليف الممنوع وإنّما يصحّ الشرط فيمن لا يعلم حال المأمور ، فيشترط فيه ما يخرج به تكليفه من القبح إلى الحسن وذلك لا يصحّ فيه ـ تعالى ـ (ق ، غ ١١ ، ٣٩١ ، ١١)

تكليف النظر والمعارف

ـ إنّ تكليف النظر والمعارف يتعلّق بالخوف الذي يثبت عند الداعي والخاطر ، فمتى كان هذا الخوف قائما أو في حكم القائم صحّ وجوب ذلك ، ومتى لم تكن هذه حاله لم يصحّ وجوبه ؛ فإذا ثبت ذلك في من المعلوم من حاله ما ذكرناه فالواجب أن يقال : إنّه لا يرد عليه الخوف من بعد ، ويصير كالذاهل ، عن ذلك الخوف ، والذاهب عنه ، إمّا بأمر يحدثه ، أو بأمر يفعله الله تعالى ، إن كان عقله وسائر وجوه

التمكين فيه على ما كان عليه ؛ فأمّا إذا لم يكن كذلك ، واختلّ فيه بعض ما ذكرناه فالكلام أوضح ؛ وإنّما أعدنا هذا الكلام لأننا لم نذكره على هذا الحدّ في باب" المعارف" ؛ ولأنّ الموضع يحتاج فيه إلى بيانه (ق ، غ ١٦ ، ٨٥ ، ١٣)

تكليف النوافل

ـ على أنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله قد بيّن أن وجه الحكمة في تكليف النوافل أنّها تسهّل أمثالها من الواجبات العقليّة أو السمعيّة ، فلا يجوز أن يكلّف تعالى ضربا من النافلة إلّا مع تكليف ما شاكله من الواجب. وبيّن صحّة ذلك بأنّه تعالى لم يكلّفه نافلة إلّا مع إيجاب ما شاكله : من صوم ، وصلاة ، وغيرهما (ق ، غ ١١ ، ١٧١ ، ٨)

ـ قد جوّز رحمه‌الله (أبو هاشم) أن يكلّفه تعالى بعد الإيمان واستحقاق الثواب تكليفا زائدا ، وإن علم أنّه يكفر ، لما فيه من التعريض لزيادة الثواب ، وإن كان المعلوم أنّه لا يناله ويحرم نفسه ما قد استحقّه من قبل فما الذي يمنع من أن يكلّفه تعالى الفرض مع النفل ، وإن علم أنّه من حاله أنّه يعصى في الفرض. وهذا يبيّن أنّه لا حاجة به رحمه‌الله على طريقته في التكليف إلى أن يبيّن أنّ تكليف النوافل وحدها لا يصحّ ولا يحسن ، وأنّه لا فرق بين أن يحسن ذلك أو لا يحسن ، في أنّه يجب أن يحسن منه تعالى أن يكلّف الفرض معها ، وإن كان المعلوم أنه يعصى فيه ، إلّا أن يعلم من حاله أنّه يطيع في كل واحد منهما لو انفرد عن صاحبه ، ومتى جمع بينهما عصى فيهما. فيجوز أن يقال فيمن حاله هذه : إنّه لا يحسن أن يكلّف إلّا النفل. هذا إذا كان الثواب الذي عرض له بالنفل مثل ما يستحقّه بالفرض لو كلّفه ، فأمّا إذا كان في الفرض الثواب أزيد فغير ممتنع على طريقته رحمه‌الله أن يكلّفه دون النفل ، وإن كان المعلوم أنّه متى عصى فيه استحقّ العقاب. وهذا كلّه لا يؤثّر في صحّة ما تكلّفه رحمه‌الله من بيان القول بأنّ تكليف النوافل وحدها لا يصحّ ، لما في ذلك من إسقاط السؤال من أصله ، وإن صحّ على طريقته أن يجيب بما ذكرناه أيضا لو صحّ تكليف النوافل وحدها (ق ، غ ١١ ، ١٧٣ ، ٤)

تكليف واجب

ـ إن قيل : فالحاصل ، من قولكم هذا ، أنّ التكليف واجب في كل حال. قيل له : قد بيّنا المعنى في ذلك فعبّر عنه بما أردت ؛ فإن قلت : إنّه واجب بمعنى أنّه لا بدّ من أن يفعله إذا حصل العبد على الصفة التي ذكرناها ، فصحيح ؛ وإن قلت : إنّه ليس بواجب من حيث أنّه تعالى أن لا يجعله كذلك فلا يكلّفه ، فصحيح. ولا معتبر بالعبارات إذا صحّت المعاني ، فالقول في التكليف السمعيّ يجري على هذا النحو في أنّه تعالى متى علم أنّه مصحّه فلا بدّ من أن يفعله ويبعث الرسل ، ومتى لم يكن هذا حاله قبح ولم يحسن (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٨ ، ٣)

تكليف يتقدم وقت الفعل

ـ في أنّ من حقّ التكليف أن يتقدّم وقت الفعل. اعلم أنّ المكلّف إنّما يكلّف غيره إيجاد فعل أو اجتناب فعل ، وقد علمنا أنّ الفعل متى وجد فقد استحال من فاعله إحداثه وإيجاده ؛ وقد بيّنا

صحّة ذلك في باب الاستطاعة ، ولو لا أنّه كذلك لم يخرج الواجب أبدا من كونه واجبا عليه ؛ لأنّه إن كان مع حصول وجوده وحدوثه يصحّ أن يكلّف إيجاده ويجب عليه ذلك لم ينته المكلّف إلى حال يخرج الواجب (من كونه) واجبا عليه ، وكذلك إذا حضر وقت الفعل فإنّه لا يصحّ منه ـ تعالى ـ أن يوجبه ويكلّفه ؛ لأنّ إيجاد الفعل في حال عدمه يستحيل ، وفي الوقت الثاني لا يصحّ منه أن يوجد المقدور في الوقت الأوّل ؛ لأنّ أفعال العباد لا يصحّ عليها التقديم والتأخير. ولذلك وجب أن يكون ـ تعالى ـ آمرا ومريدا من المكلّف الفعل قبل حال الفعل كما يجب أن يمكّنه من الفعل قبل حاله ، ويعرّفه حال الفعل قبل وقته (ق ، غ ١١ ، ٣٠١ ، ١)

تكليم

ـ التكليم هو المشافهة بالكلام ، ولا يجوز أن يكون كلام المتكلّم حالّا في غيره ، مخلوقا في شيء سواه ، كما لا يجوز ذلك في العلم (ش ، ب ، ٥٨ ، ٤)

ـ قوله سبحانه : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (النساء : ١٦٤) يدلّ على حدوث كلامه ، لأنّ كلّم يقتضي أنّه أحدث كلاما كلّم به غيره ، كقول القائل حرّك ، وسكن. وقوله تعالى" تكليما" يقتضي أن ما كلّم به غيره حادث ، لأنّ المصادر لا تكون إلّا حادثة (ق ، غ ٧ ، ٩٠ ، ٤)

ـ وجدناه تعالى قد سمّى ما تأتينا به الرسل عليهم‌السلام تكليما انتقل منه للبشر ، فصحّ بذلك أنّ الذي أتتنا به رسله عليهم‌السلام هو كلام الله ، وأنّه تعالى قد كلّمنا بوحيه الذي أتتنا به رسله عليهم‌السلام ، وأنّنا قد سمعنا كلام الله عزوجل الذي هو القرآن الموحى إلى النبي بلا شكّ والحمد لله ربّ العالمين ، ووجدناه تعالى قد سمّى وحيه إلى أنبيائه عليهم‌السلام تكليما لهم ، ووجدناه عزوجل قد ذكر وجها ثالثا وهو التكليم الذي يكون من وراء حجاب ، وهو الذي فضّل به بعض النبيين على بعض ، وهو الذي يطلق عليه تكليم الله عزوجل دون صلة ، كما كلّم موسى عليه‌السلام (ح ، ف ٣ ، ١٢ ، ١١)

ـ التكليم من وراء حجاب أعلى من سائر الوحي بنصّ القرآن ، لأنّ الله تعالى سمّى ذلك تفضيلا كما تلوّنا ، وكل ما ذكرنا وإن كان يسمّى تكليما ، فالتكليم المطلق أعلى في الفضيلة من التكليم الموصول (ح ، ف ٣ ، ١٣ ، ١٧)

تكليم بالوحي

ـ نقول سمعنا كلام الله تعالى في القرآن على التحقيق لا مجازا ، وفضّل علينا الملائكة والأنبياء عليهم‌السلام في هذا بالوجه الثاني الذي هي تكليمهم بالوحي إليهم في النوم واليقظة دون وسيطة ، وبتوسّط الملك أيضا ، وفضّل جميع الملائكة وبعض الرسل على جميعهم عليهم‌السلام بالوجه الثالث الذي هو تكليم في اليقظة من وراء حجاب دون وسيطة ملك لكن بكلام مسموع بالآذان معلوم بالقلب ، زائد على الوحي الذي هو معلوم بالقلب فقط أو مسموع من الملك عن الله تعالى ، وهذا هو الوجه الذي خصّ به موسى عليه‌السلام من الشجرة ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الإسراء من المستوى الذي سمع فيه صريف الأقلام ، وسائر من كلّم الله تعالى كذلك من

النبيين والملائكة عليهم‌السلام (ح ، ف ٣ ، ١٣ ، ٥)

تكليم في اليقظة

ـ نقول سمعنا كلام الله تعالى في القرآن على التحقيق لا مجازا ، وفضّل علينا الملائكة والأنبياء عليهم‌السلام في هذا بالوجه الثاني الذي هي تكليمهم بالوحي إليهم في النوم واليقظة دون وسيطة ، وبتوسّط الملك أيضا ، وفضّل جميع الملائكة وبعض الرسل على جميعهم عليهم‌السلام بالوجه الثالث الذي هو تكليم في اليقظة من وراء حجاب دون وسيطة ملك لكن بكلام مسموع بالآذان معلوم بالقلب ، زائد على الوحي الذي هو معلوم بالقلب فقط أو مسموع من الملك عن الله تعالى ، وهذا هو الوجه الذي خصّ به موسى عليه‌السلام من الشجرة ، ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الإسراء من المستوى الذي سمع فيه صريف الأقلام ، وسائر من كلّم الله تعالى كذلك من النبيين والملائكة عليهم‌السلام (ح ، ف ٣ ، ١٣ ، ٧)

تكوين

ـ لا يخلو التكوين : إمّا أن لم يكن فحدث ، أو كان في الأزل. فإن لم يكن فحدث ، فإمّا أن يحدث بنفسه ـ ولو جاز ذلك في شيء لجاز في كل شيء ـ أو بإحداث آخر ، فيكون إحداث بإحداث ، إلى ما لا نهاية له. وذلك فاسد. يثبت أنّ الإحداث والتكوين ليس بحادث ، وأنّ الله تعالى موصوف في الأزل أنّه محدث ، مكوّن ؛ ليكون كل شيء في الوقت الذي أراد كونه فيه (م ، ت ، ٢٦٨ ، ١١)

ـ إنّ معنى التكوين ، وإن كان لا يبلغه فهم البشر ، لأمكن الأداء بأيسر قول يحتمله من القول ب" كن" كل شيء على ما علم أنّه يكون ، فيكون به ، مكوّنا كل شيء على ما عليه كونه في وقت كونه من غير تكرار ، وفيه يدخل الأمر كلّه والنّهي والوعد والوعيد ، ويصير إخبارا عن كائن وعمّا يكون ، على إختلاف أحوال الكائنات بأوقاتها وأمكنتها أبدا ، لكن وسع الخلق لا يحتمل درك التكوين الذي لا يشغل ولا يتعب ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٤٩ ، ٦)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدوث" و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل" و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع" و" مبدع" و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين" و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا ، كما يقتضي المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٨)

ـ القول بأنّ التكوين قديم ومحدث يستدعي تصوّر ماهيّة التكوين ، فإن كان المراد منه نفس مؤثّريّة القدرة في المقدور ، فهي صفة نسبيّة ، والنسب لا يوجد إلّا عند وجود المنتسبين ، فيلزم من حدوث المكوّن حدوث التكوين ، وإن عنيتم صفة مؤثّرة في وجود الأثر فهي عين القدرة ، وإن عنيتم به أمرا ثالثا فبيّنوه (ف ، م ، ١٣٩ ، ٩)

ـ إنّ الخلق في الاصطلاح النظريّ على قسمين : أحدهما صورة تخلق في مادّة ، والثاني ما لا مادّة له بل يكون وجود الثاني من الأوّل فقط من غير توسّط المادّة ، فالأوّل يسمّى التكوين ، والثاني يسمّى الإبداع ، ومرتبة الإبداع أعلى من مرتبة التكوين (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٢٩)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

ـ الصحيح أنّ القدرة متعلّقة بصحّة وجود المقدور ، والتكوين متعلّق بوجود المقدور ومؤثّر فيه ، ونسبته إلى الفعل الحادث كنسبة الإرادة إلى المراد. والقدرة والعلم لا يقتضيان كون المقدور والمعلوم موجودين بهما ، والتكوين يقتضيه وقالوا بأزليّته ، لقولهم بامتناع قيام الحوادث بذاته تعالى (ط ، م ، ٣١٣ ، ١)

ـ التكوين : إيجاد شيء مسبوق بالمادة (ج ، ت ، ٩٤ ، ١٨)

تلازم

ـ إذا حرّك الله تعالى اليد ، فلا بدّ ، وأن يشغل به حيّزا في جوار الحيّز الذي كان فيه. فما لم يفرغه ، كيف يشغله به؟ ففراغه شرط اشتغاله باليد ، إذ لو تحرّك ، ولم يفرغ الحيّز من الماء بعدم الماء ، أو حركته لاجتمع جسمان في حيّز واحد ، وهو محال ، فكان خلوّ أحدهما شرطا للآخر فتلازما ، فظنّ أنّ أحدهما متولّد من الآخر ، وهو خطأ (غ ، ق ، ٩٧ ، ٧)

تلاوة

ـ إنّ التلاوة فعل الرسول وهو المأمور بها ، والمتلوّ كلامه القديم ، ولم يأمره أن يأتى بكلامه القديم ؛ لأنّ ذلك لا يتصوّر الأمر به ولا يدخل تحت قدرة مخلوق ، إنّما أمر بتلاوة كلامه ، كما أمر بعبادته ، وعبادته غيره ، فكذلك تلاوة كلامه غير كلامه ، فحصل من هذا : تال. وهو الرسول عليه‌السلام وتلاوته صفة له. ومتلوّ : وهو كلام الله القديم الذي هو صفة له.

ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) (النحل : ٩٨). ففرّق بين القراءة والمقروء : وأيضا قوله تعالى : (وَاتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتابِ رَبِّكَ) (الكهف : ٢٧) فكذا قراءة ومقروءا ، وتلاوة ، ومتلوا ، وعند الجاهل أنّ ذلك شيء واحد (ب ، ن ، ٨١ ، ١٥)

ـ زعمت المشبهة أنّ القراءة هي المقروءة ، والتلاوة هي المتلوّ ، وزعموا أنّ القديم يحل في المحدث ويختلط به ، وتمسكوا في جميع ذلك بآيات وآثار زعموا أنّها حجة لهم فيما صاروا إليه من هذه البدعة العظيمة التي جميعها يدلّ على أنّ كلام الله مخلوق محدث (ب ، ن ، ١١٢ ، ٣)

تماثل

ـ إنّ تماثل ما يتعلّق بغيره موقوف على أن يكون المتعلّق واحدا. ومن المحال أن تتّفق القدرتان في التعلّق بمقدور واحد لما يؤدّي إلى مقدور واحد بين قادرين سواء كان على وجه واحد أو

على وجهين ، على ما بيّنا استحالته من قبل. فصار وجوب تغاير متعلّق هاتين القدرتين ينبئ عن اختلافهما في أنفسهما ، كما نعلم مثله في العلمين والإرادتين إذا تغاير متعلّقهما لأنّا نقضي عند ذلك باختلافهما (ق ، ت ٢ ، ٣٨ ، ١٣)

ـ اعلم .. أنّا متى ذكرنا في الفعلين التماثل فليس المراد بذلك التماثل في الجنس ، وإنّما نعني به ، في الصفة ، والصورة ، نحو أن يكونا قيامين ، وقعودين (أو يتعيّنا صلاتين أو عطيتين) إلى ما شاكل ذلك ، وقد نصفهما بالتماثل على هذا الوجه ، وإن كانا متضادّين ، لأنّ الأكوان في الأماكن متضادّة ، فليس لأحد أن يتبع اللفظ في هذا الباب ، لأنّ الغرض صحيح ، وإنما يتعاطى من العبارات ، في كل باب ما يكون إلى الأفهام أقرب (ق ، غ ١٦ ، ٧٨ ، ٣)

ـ إنّ صحّة الإدراك تنبئ عمّا عليه ما به يدرك في ذاته ـ كما أنّ الإدراك إنّما يتعلّق بالشيء ، فإنّه إنّما يتعلّق بما ينبئ عمّا هو عليه في ذاته ـ والاشتراك في الحكم المنبئ عمّا عليه الذات في نفسها يوجب التماثل (ن ، د ، ٥٢٥ ، ١٥)

ـ اعلم أنّ الذي يؤثّر في التماثل. هو الصّفة الذاتية أو المقتضاة عن صفة الذات. وقد ذكر شيخنا أبو القاسم أنّ المثلين لا بدّ من يكونا مشتركين في سائر الأوصاف. ما خلا الزمان والمكان. ويريد بذلك أن السّواد الموجود في هذا الوقت. يكون مثلا للسواد الذي لا يوجد في هذا الوقت ويوجد في وقت آخر ، وأنّ السوادين لا يخرجان من أن يكونا مثلين وإن تغاير محلّاهما (ن ، م ، ٣٦ ، ٢٣)

ـ حقيقة التماثل والتشابه هو أنّ كل جسمين اشتبها فإنّما يشتبهان بصفة محمولة فيهما أو بصفات فيهما ، وكل عرضين فإنّما يشتبهان بوقوعهما تحت نوع واحد كالحمرة والحمرة أو الحمرة والخضرة ، وهذا أمر يدرك بالعيان ، وأوّل الحسّ والعقل (ح ، ف ٢ ، ١٥٣ ، ١١)

ـ الاشتراك في صفة من صفات النفس يوجب التماثل (أ ، ت ، ٢٥٦ ، ١٢)

ـ إنّ الطرد والعكس شاهدا وغائبا إنّما يلزم بعد تماثل الحكمين من كل وجه لا من وجه دون وجه ، والخصم ليس يسلّم تماثل الحكمين أعني عالميّة الباري تعالى وعالميّة العبد ، بل لا تماثل بينهما إلّا في اسم مجرّد ، وذلك أنّ العلمين إنّما يتماثلان إذا تعلّقا بمعلوم واحد ، والعالميّتان كذلك ، ومن المعلوم الذي لا مريّة فيه أنّ عالمية الغائب وعالميّة الشاهد لا يتماثلان من كل وجه ، بل هما مختلفان من كل وجه ، فكيف يلزم الطرد والعكس والإلحاق والجمع. أليس لو ألزم طرد حكم للعالميّة في الغائب من تعلّقها بمعلومات لا تتناهى ، وحكم القادريّة في الغائب من صلاحية الإيجاد والتعلّق بالمقدورات التي لا تتناهى إلى غاية حتى يحكم على ما في الشاهد بذلك ، لم يلزم ، فلذلك احتياج العالميّة في الشاهد إلى علّة لا يستدعي طرده في الغائب ، فإذا لا تعويل على الجمع بين الشاهد والغائب بطريق العلّة والمعلول ، بل إن قام دليل في الغائب على أنّه عالم بعلم قادر بقدرة ، فذلك الدليل مستقل بنفسه غير محتاج إلى ملاحظة جانب الشاهد (ش ، ن ، ١٨٥ ، ١٨)

تمانع

ـ ما التمانع؟ قلنا : هو أن يفعل كل واحد من القادرين ما يمنع به صاحبه (ق ، ش ، ٢٧٩ ، ٩)

ـ ما ذكره قاضي القضاة ... هو أنّا نعلم صحّة التمانع بين كل قادرين وإن لم تغاير مقدورهما ، ولهذا فإنّ نفاة الأعراض يعرفون صحّة التمانع ، وإن لم يخطر ببالهم تغاير المقدوران ولا تماثلها ، إلّا إنّ لقائل أن يقول : إنّا ما لم نعلم تغاير المقدورين لا نعلم صحّة التمانع ، وأما ما ذكرتموه في نفاة الأعراض فليس يصحّ ، لأنّ نفاة الأعراض يعرفون تغاير المقدورات على سبيل الجملة وإن لم يعلموا على سبيل التفصيل (ق ، ش ، ٢٨١ ، ١١)

ـ إنّا لم نبن صحّة وقوع التمانع بينهما على اختلافهما في الإرادة ، وإنّما بنيناه على صحّة اختلافهما في الداعي ، وما من قادرين إلّا ويصحّ اختلافهما في الداعي. ألا ترى أنّ النائمين قد يتمانعان في تجاذب كساء مع فقد الإرادة (ق ، ش ، ٢٨٢ ، ١٨)

ـ إنّ التمانع ليس بأكثر من أن يفعل أحدهما ضدّ ما يفعله الآخر ، وهذا يصحّ في مجرّد الفعل ، ومجرّد الفعل لا يحتاج إلى القصد والإرادة ، ولهذا فإنّ من وقف على شفير الجنّة والنار ، وعلم ما في الجنّة من المنافع ، وما في النار من المضارّ ، وسلب عنه إرادة دخول الجنّة ، وخلق فيه إرادة دخول النار ، فإنّه يدخل الجنّة لا محالة مع فقد الإرادة (ق ، ش ، ٢٨٣ ، ١)

ـ قد ذكرنا أنّه يعدّ في أحكام كونه قادرا لنفسه استحالة المنع عليه. والقول في ذلك بيّن لأنّه إذا صحّ كونه قادرا لنفسه وقادرا على ما لا يتناهى لم يتصوّر وقوع المنع فيه ، بل يجب في كل ما يقدر عليه صحّة ظهوره بالفعل. وبيان ذلك هو أنّ المنع لا يقع إلّا بكثرة الأفعال فيكون الفعل الذي يفعله المانع أكثر مما يفعله الممنوع ، وعلى هذا لا يتصوّر في المتساوي المقدور أن يمنع أحدهما صاحبه. وفي القادرين لأنفسهما أن يمنع كل واحد منهما صاحبه لأنّه لا قدر إلّا واحدهما يقدر على الزيادة فيه. وكذلك صاحبه فكيف يصير أحدهما ممنوعا والآخر مانعا؟ وبهذا يتوصّل إلى نفي ثان قادر لنفسه لأنّه يؤدّي إلى أن يتعذّر الفعل من دون منع أو وجه معقول. ويؤدّي إلى رفع ما عرفناه من صحّة أن يمنع أحد القادرين الآخر ، وإنّما يتصوّر وقوع التمانع بين القادرين بقدرة ، أو بين القادر لنفسه والقادر بقدرة ، وإن كان على كل حال يكون المانع هو القادر لنفسه دون القادر بقدرة. فإذا ثبتت هذه الجملة وكان القديم تعالى لكونه قادر لنفسه يقدر في كل وقت على أن يفعل أزيد مما فعل حتى لا يقدر فعله بقدر لا يمكنه الزيادة عليه تعذّر تصوّر المنع فيه ، فوجب أن يكون كل ما قدر عليه يصحّ منه إيجاده (ق ، ت ١ ، ١١٠ ، ٢٣)

ـ قال شيوخنا إنّ التمانع يصحّ في كل ضدّين ، ولا يعتبر في صحّة ذلك فيهما بجنسهما ، ولا بسائر أوصافهما ، ولا باختلاف الوجوه التي يحدثان عليها من جهة القادر عليهما. ولذلك قالوا إنّ التمانع يصحّ في المتولّدين ، وفي المباشرين ، لو صحّ تضادّهما مع كونهما مقدورين لقادرين ، ويصحّ في المباشر والمتولّد ، ويصحّ في المخترعين لو ثبت قادران مخترعان ، ويصحّ في أفعال القلوب كصحّته في أفعال الجوارح (ق ، غ ٤ ، ٢٨٥ ، ٣)

ـ إنّ معنى التمانع لا يصحّ في القادر الواحد لأنّه لا يصحّ أن تدعوه الدواعي إلى الفعل وضدّه حتى يمتنع عليه فعل ما دعاه الداعي إلى إيجاده ، ولا يصحّ أن يريد ضدّ ما يريده ، حتى

يخرج بفعله لأحد الضدّين من تعذّر وجود ما أراده من الضدّ الآخر ، وذلك يتأتى في القادرين ، فيجب صحّة التمانع بينهما ، واستحالته في الواحد. يبيّن ذلك أنّ القادرين إذا تمانعا ، فلو لم يوجد المانع لصاحبه مراده ، لوجب وجود مراد الآخر لا محالة. والقادر الواحد إذا أراد أحد الضدّين ، ودعاه الداعي إليه ، فلو لم يوجده لم يجب وجود الضدّ الآخر ، فعلم أنّ الذي لأجله لم يوجد الضدّ الذي لم يرده القادر هو أنّه لا داعي له إليه ، لأنّ إيجاده للضدّ الآخر منع نفسه من إيجاده لهذا الضدّ ولذلك يصحّ التمانع بين القادرين منّا ، ويستحيل في القادر الواحد (ق ، غ ٤ ، ٢٨٧ ، ٥)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّ التمانع لا يصحّ بين القادرين لأنفسهما ؛ لأنّهما إن تمانعا بقدر ، وفي مقدورهما أكثر منه ، لم يصحّ ، لأنّ من حق التمانع أن يقتضي القصد إلى إيجاد ذلك الشيء على كل وجه ، ولا يصحّ أن يدعوه الداعي إلى إيجاده ، ويقدر على ذلك ولا يفعله ؛ وليس لما لا يتناهى حدّ فيقال إنّه قد حصل ممنوعا بذلك الحدّ ، أو مانعا لمثله به ؛ وإن تمانعا بجميع ما يقدران عليه ، استحال لاستحالة خروج ما يقدران عليه إلى الوجود ، ولا يصحّ أن يمنع المانع مما يستحيل وجوده ؛ فإذا صحّ ذلك ، ثبت أن التمانع بينهما لا يصحّ ؛ ومتى حصل التمانع بين القادرين ، فلم يوجد مرادهما جميعا ، وجب القضاء بضعفهما ، وتناهى مقدورهما ، وذلك يوجب إبطال القديم الواحد وقد ثبت بالدليل ؛ فيجب إبطال ما يؤدّي إلى نفيه ، فبطل بذلك القول بأنّ مرادهما جميعا لا يوجد ، كما بطل القول بوجود مرادهما مع تضادّهما ، فلم يبق إلّا وجود مراد أحدهما ، وقد بيّنا أن ذلك يوجب كون القديم واحدا (ق ، غ ٤ ، ٢٩٤ ، ١٥)

ـ إنّ الجسم لو كان مجتمعا لعدم معنى لما صحّ التمانع بين القادرين في الشاهد في هذه الصفة ، لأنّ التمانع إنّما يصحّ في فعلين ضدّين أو جاريين مجرى الضدّين ، والضدّان وما يجري مجراهما لا بدّ أن يكون موجودا ، لأنّ العدم لا يقع فيه تضاد ولا ما يجري مجرى التضاد (ن ، د ، ٤ ، ١٤)

ـ التمانع إنّما يصحّ في فعلين ضدّين أو جاريين مجرى الضدّين ، ويجب أن يكونا موجودين ، ولا يجوز أن يكونا معدومين ، ولا أن يكون أحدهما موجودا والآخر معدوما (ن ، د ، ٢٢ ، ٤)

تمانع بين القادرين

ـ إنّ التعارض والتقابل إنّما يصحّان في الاعتماد إذا كان مختلفا في جهتين. فأمّا إذا كان متماثلا فالتكافؤ لا يقع فيه ، وعلى هذه الطريقة يقع التمانع بين القادرين بمجاذبتهما حبلا ، لأنّ كل واحد منهما يفعل اعتمادا مخالفا لما يفعله الآخر (ق ، ت ١ ، ٨٥ ، ١٩)

ـ لا يمكن أن يقال : إنّ التمانع بين القادرين في الشاهد موقوف على تناهي المقدورين ، فمن لا يتناهى مقدوره لا تصحّ ممانعته لغيره ، لأنّه لو كان هذا هو الشرط لما صحّ من القديم أن يمنع أحدنا ويمانعه ولا أن يقال : إنّ الشرط أن يكون مقدور أحدهما دون مقدور الآخر لأنّه يصحّ التمانع بين متساويي القدر ، كالحبل الذي يتجاذبه القادران ولا أن يقال : إنّ الشرط أن يتناهى مقدور واحد منهما لأنّ التمانع بين

القادرين منّا صحيح ، وإن كان مقدورهما جميعا متناهيا ، فثبت أنّه موقوف على ما ذكرناه من كونهما قادرين فقط (ق ، ت ١ ، ٢١٦ ، ١٦)

ـ إنّ صحّة التمانع بين القادرين تقف على كونهما قادرين من دون اعتبار الإرادة ، فلهذا يصحّ التمانع بينهما وليسا بمريدين أصلا بأن يكونا ساهيين ، وقد يصحّ وإن كان أحدهما مريدا وصاحبه ساه. فعرفنا أنّه موقوف على ما ذكرناه فلا يؤثّر في ذلك كون الإرادة واحدة ، هذا والإرادة والكراهة هما فعلان ضدّان فيجب أن يجريا مجرى الحركة والسكون والحياة والموت وغير ذلك من المتضادّات فنقول : لو دعا أحدهما الداعي إلى إيجاد الإرادة ودعا الآخر إلى إيجاد كراهة مضادّة لهذه الإرادة لكان ما قلناه من القسمة تعود فيه. والانتقال من المثال ليس بانتقال من الدلالة إلى غيرها. وقد ذكرنا في غير موضع أنّ التمانع يتفسّر بالدواعي لا بالإرادة (ق ، ت ١ ، ٢١٧ ، ٨)

تمثيل

ـ إنّ التمثيل إنّما يصار إليه لما فيه من كشف المعنى ورفع الحجاب عن الغرض المطلوب وإدناء المتوهّم من المشاهد ، فإن كان المتمثل له عظيما كان المتمثل به مثله ، وإن كان حقيرا كان المتمثل به كذلك ، فليس العظم والحقارة في المضروب به المثل إذا إلّا أمرا تستدعيه حال المتمثل له وتستجرّه إلى نفسها ، فيعمل الضارب للمثل على حسب تلك القضية ، ألا ترى إلى الحق لما كان واضحا جليّا أبلج كيف تمثل له بالضياء والنور ، وإلى الباطل لما كان بضدّ صفته كيف تمثّل له بالظلمة (ز ، ك ١ ، ٢٦٢ ، ١٧)

ـ قياس الإرادة على العلم لا يفيد اليقين لكونه تمثيلا ، ولا إلزام لأنّ المقيس عليه ممنوع ، وهو كون العلم له بذاته (ط ، م ، ٣٠٦ ، ١٩)

تمكّن

ـ أمّا الذمّ فإنّه يستحقّ به إذا كان قبيحا ، وفاعله يعلمه كذلك ، أو يتمكّن من كونه عالما به ، وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى فعله والحال هذه استحقّ الذمّ. وإنّما شرطنا كونه قبيحا ، لأنّ العقل يشهد بأنّ الفعل إذا لم يكن كذلك ، لم يحسن ذمّ فاعله عليه ، بل يقبح ذلك ، فلا بدّ من اعتبار قبحه. وإنّما شرطنا في الفاعل ما ذكرناه ، لأنّه قد علم بالعقل أنّ المجنون والصبيّ لا يحسن ذمّهما على القبيح ، الذي يحسن منعهما منه والدوام عليه ، وإنّما قلنا إنّ التمكّن من العلم بقبحه ، يحلّ محلّ العلم بقبحه ، لأنّ عنده يمكنه التحرّز بأن يعلم ، فيتجنّب ، فصار بمنزلة من يجب عليه الفعل ، إذا أمكنه أن يفعل المقدّمة التي يصل بها إلى فعله ، ولذلك يقبح من البرهميّ تكذيب الأنبياء ، ومن اليهوديّ مجانبة شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد بيّنا ذلك في باب المعرفة. وإنّما شرطنا التخلية ، لأنّه قد ثبت في العقل أنّ المحمول على الفعل يتعلّق الذمّ فيه بالحامل دونه (ق ، غ ١٤ ، ١٧٤ ، ٣)

ـ قدّم سبحانه من موجبات عبادته وملزمات حق الشكر له خلقهم أحياء قادرين أوّلا لأنّه سابقة أصول النعم ومقدمتها ، والسبب في التمكّن من العبادة والشكر وغيرهما ، ثم خلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرّهم الذي لا بدّ لهم منه (ز ، ك ١ ، ٢٣٣ ، ٢)

ـ أمّا على طريقة الشيخ أبي الحسن رحمه‌الله

حيث لم يثبت للقدرة أثرا ، فالجواب عن هذه الإلزامات مشكّل عليه ، غير أنّه يثبت تأتّيا وتمكّنا يحسّه الإنسان من نفسه ، وذلك يرجع إلى سلامة البنية واعتقاد التيسّر ، بحكم جريان العادة إنّ العبد مهما همّ بفعل وأزمع على أمر خلق الله تعالى له قدرة واستطاعة مقرونة بذلك الفعل الذي يحدثه فيه ، فيتّصف به العبد وبخصائصه ، وذلك هو مورد التكليف ، وإحساسه بذلك كإحساسه بالصفات التابعة للحدوث عندكم ، وإن لم تكن هي أثر القدرة الحادثة (ش ، ن ، ٨٨ ، ١)

ـ إنّا (أصحاب الشهرستاني) وإن لم نثبت إيجادا وإبداعا في الشاهد ، إلّا أنّا نحسّ في أنفسنا تيسّرا وتأتيا وتمكّنا من الفعل ، وبذلك الوجه امتازت حركة المرتعش عن حركة المختار ، وهذا أمر ضروريّ (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٦)

ـ التمكّن إنّما تحقّق من جانب المكلّف بوجود العقل التام (ش ، ن ، ٤٦٧ ، ٣)

ـ لا شكّ في أنّ الفعل الذي يخلق الله في العبد لا يكون العبد متمكّنا فيه ، أمّا إن كان للعبد تأثير ما في بعض أفعاله ، كما قال به بعض المتكلّمين ، فيكون له تمكّن في ذلك التأثير لا غير (ط ، م ، ٣٢٨ ، ١٣)

ـ إنّ الإمكان لا يكون إلّا مع التمكّن ، والتمكّن لا يصحّ أن يكون إلّا عند ما يصحّ الفعل ، والفعل لا يصحّ إلّا بعد وجود الفاعل ضرورة ، وما كان بعد غيره فهو محدث (ق ، س ، ٦٥ ، ٢)

تمكّن من العلم

ـ إنّ التمكّن من العلم بالشيء يقوم مقام العلم به في حسن التكليف معه. فلا فرق ، بين أن يكون العاقل عالما بما وجب عليه أو متمكّنا من معرفته في أنّ في الحالين جميعا يلزمه ذلك الفعل. وإنّما كان كذلك ، لأنّه في الحالين يتمكّن من التحرّز والقبيح ومن الإقدام على الواجب ؛ وإن كان في أحد الحالين يحتاج أن يتطرّق إلى ذلك بأن ينظر فيعلم أولا ، ثم يفعل أن يترك ؛ وفي الحالة الأخرى بكيفيّة أن يقدم على الفعل أو يعدل عنه ، وذلك لا يخرجه من أن يكون في الحالتين متمكّنا (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٧ ، ٧)

تمكّن من المعرفة

ـ إنّ التمكّن من المعرفة يقوم مقام المعرفة في التكليف إذا كان المكلّف قد عرف طريق المعرفة بأمر متقدّم ، فيكون تمكّنه من اكتسابها كحصولها. فإذا لم تتقدّم له معرفة الطريقة في ذلك ، وأن التمكّن لا يقوم مقام العلم ، فلذلك يخصّ بذلك ما طريقه طريق الاكتساب دون العلوم الضروريّة (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٨ ، ٢١)

تمكين

ـ قد مكّن الله لك من أسباب المقدرة ومهّد لك في تمكين الغنى والبسطة ما لم تنحله بحيلة ولم تلقّنه بقوّة ، لو لا فضله وطوله. ولكنّه مكّنك ليبلو خبرك ويختبر شكرك ويحي سعيك ويكتب أثرك ، ثم يوفّيك أجرك ويأخذك بما اجترحت يدك ، أو يعفو فأهل العفو هو (ج ، ر ، ٩ ، ١٦)

ـ ألا ترى كيف يخبر عن تمكينه لعباده وتخييره لهم وعن تخيّره لهم وعن الاستطاعة والقدرة التي مكّنهم بها من العمل للطاعة والمعصية ، فقال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (المائدة : ٦٥) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ

وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ) (المائدة : ٦٦) ، ثم قال : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف : ٩٦) (ي ، ر ، ٥٢ ، ١٠)

ـ قد دخل تحت وجوه التمكين القدرة والآلة ونصب الدلالة وما أشبه ذلك (ق ، ت ٢ ، ٣٢٣ ، ٢٠)

ـ الأصل في ذلك ما قد تقرّر أنّ هاهنا ما لا يصحّ الفعل دونه ، وهو الذي يسمّى تمكينا. ومنه ما يختار عنده ولولاه لم يختر وإن كانت الصحّة ثابتة مع فقده ، فهو الذي يسمّى لطفا. ولا فرق فيما هذا حاله بين أن يعلم من حاله أنه يختار عند ما لولاه كان لا يختار أصلا ، أو يكون أقرب إلى الاختيار إن لو اختار وإن كان لا يقع منه هذا الفعل. فعلى كلي الوجهين يسمّى لطفا (ق ، ت ٢ ، ٣٢٨ ، ٣)

ـ إنّ من شأن التمكين وإن لم يكن منه بدّ كما لا بدّ من اللطف إذا كان في المعلوم ذلك ، فإن التمكين من الشيء هو تمكين من خلافه ولا يتأتّى إلّا كذلك ، حتى لو أراد المكلّف أن يزيح علّة المكلّف بتمكينه من الحسن الذي أمره به دون القبيح الذي نهاه عنه لكان ذلك في جانب التعذّر. وليس هكذا حال اللطف ، لأنّه تنفصل حاله وهو داع إلى الطاعات من حاله وهو داع إلى القبائح. وقد يتصوّر كونه مكلّفا بالطاعة ولمّا فعل به ما يفسده ، ولا يصحّ أن يكلّف ولمّا مكّن مما يقبح منه. فصار تمكينه وإن صادف حصول المعصية عنده حسنا ، ولو فعل به ما يختار عنده القبيح لكان قبيحا ولصار المكلّف معرّضا لمواقعة ما يضرّه. فصار إحسانه تعالى إليه إنّما يتمّ إذا لم يخلق له الولد الذي قد علم أنّه يفسد عنده ، كما أنّ إحسانه تعالى إليه في باب التمكين لا يكون إلّا بأن يقدر على الأمرين لمّا تعذّر خلافه (ق ، ت ٢ ، ٣٨٢ ، ٨)

ـ إنّ تبقية من المعلوم أنّه يكفر تعدّ تمكينا ولا تعدّ مفسدة. وذلك لأنّ هذه التبقية جارية مجرى ابتداء التكليف ، فكما أنّ التكليف المبتدأ لا يعدّ مفسدة لأنّ التمكين موقوف عليه وإنّما ترد المفسدة على من هو متمكّن فكذلك يجب في هذه التبقية. فبطل قول من يقول في هذه التبقية إنّها مفسدة مع أنّه لولاها لم يتمكّن العبد أصلا (ق ، ت ٢ ، ٣٨٣ ، ٨)

ـ تكلّم (عبد الجبّار) في الفصل بين ما يعدّ تمكينا وبين ما يعدّ مفسدة ، فقال إنّ الذي يعدّ مفسدة هو أن يتقدّم له التمكين من الشيء وخلافه وقد علم أنّه يختار ما يفسده عند أمر من الأمور فذلك هو بصفة المفسدة. وعلى ذلك نقول إنّ إدلاء الحبل إلى الغريق وهو متمكّن من تخليص نفسه ومن إهلاكها بغير هذا الوجه ، فإذا علم أنّه يختار إتلافها عند ذلك جعل مفسدة. وبهذا يفارق التمكين وذلك أن لا يكون قد تقدّم له القدرة على الأمرين ، وبهذا الحبل يتمكّن منهما ، فما هذا سبيله يعدّ تمكينا (ق ، ت ٢ ، ٣٩٦ ، ١٦)

ـ اعلم أنّ الذي يجب أن يحصل في هذا الباب أنّ أفعاله يجب كونها حسنة ، ويجب أن تثبت على وجه لو لا كونها عليه لكانت قبيحة ، أو اقتضى كونه غير فاعل لما وجب عليه. وهذه الجملة تقتضي في بعض أفعاله أنّه واجب ، وفي بعضه أنّه يختصّ بكونه حسنا فقط ، وفي بعضه أنّ له صفة زائدة على حسنه. فمثال

الوجه الثالث ابتداء الخلق وسائر ما خلقه من الحياة والعقل والشهوة والمشتهى ، لأنّ جميع ذلك تفضّل منه تعالى ، وإحسان يستحقّ عليه المدح والشكر ، ولا يصحّ كونه مستحقّا لذلك إلّا وله صفة زائدة على كونه حسنا. ولو انتفى عنه كونه إحسانا لوجب كونه عبثا قبيحا ، فيجب فيما حلّ هذا المحلّ أن يختصّ بصفة زائدة على حسنه تجري مجرى الندب منّا. ومثال الوجه الثاني العقاب ، لأنّه من حيث كان مستحقّا يحسن فعله ، ولا يستحقّ تعالى به المدح والشكر ، فهو إذا بمنزلة المباح منّا. وكذلك القول في إعادة المعاقب ، وسائر ما يفعله تعالى لكي يفعل به العقاب. ومثال الوجه الأول تمكين المكلّف وإثباته ؛ لأنّه تعالى بالتكليف قد التزم فعل ذلك ، فلا بدّ من كونه واجبا ، ولو فعله لا على الوجه الذي يقتضي وجوبه لأدّى ذلك إلى كونه سبحانه مخلّا بالواجب وهذا في أنّه يمتنع عليه بمنزلة فعل القبيح. فعلى هذه الوجوه يجب أن يعتبر القول في أفعاله تعالى (ق ، غ ١١ ، ٦٨ ، ١٤)

ـ ليس من شرط كون المكلّف معرّضا للثواب أن يكون تعالى معرّضا له ؛ كما أنّه ليس من شرط كون الواجب واجبا عليه أن يكون تعالى موجبا له ؛ لأنّه متى حصل المكلّف بالصفة التي قدّمناها أمكنه التوصّل إلى الثواب بالطاعة ، سواء أراد القديم تعالى ذلك منه أم لا. وإنّما يصير تعالى معرّضا له للثواب بالإرادة التي لاولها وما يجري مجراها لم يكن بأن يكون معرّضا له للثواب أولى من العقاب ، لأنّه قد مكّنه من الأمرين على وجه لا مزيّة لأحدهما على الآخر ، فلو كان معرّضا له لأجل التمكين لم يكن أحدهما أولى بذلك من الآخر. وليس له أن يقول : إنّه بنفس التمكين لا يكون معرّضا للثواب ، وإنّما يكون معرّضا لذلك متى أكمل عقله ، وعرف الفرق بين الحسن والقبيح ، وجعل مشتهيا للقبيح ، نافر الطبع عن الحسن الواجب. ومتى كان القديم تعالى جاعلا له بهذه الصفة التي تدعو إلى الواجب كان معرّضا له للثواب دون العقاب ، وإن تمكّن من الأمرين. فإذن قد ثبت أنّ ما به يصير معرّضا به يصير القديم تعالى معرّضا. وفي ذلك إبطال ما ذكرتموه. وذلك لأنّ المكلّف لا يتمكّن في الحقيقة من فعل الطاعة على الوجه الذي يستحقّ به الثواب إلّا وحاله ما ذكرته. فتصير جميع هذه الوجوه بمنزلة التمكين له من الوصول إلى ذلك. وكذلك أيضا فالمعلوم أنّه لا يستحقّ العقاب بالقبيح إلّا إذا كان حاله ما ذكرته ، فصار ذلك في حكم التمكين له من التوصّل إلى الأمرين ، وكلّ فعل صحّ وقوعه على وجهين فإنّما يقع على أحدهما دون الآخر للإرادة على ما نقوله في الخبر وغيره من الأفعال (ق ، غ ١١ ، ١٧٦ ، ١٢)

ـ إنّ تمكينه تعالى المكلّف قد يقع (على) وجهين. أحدهما يكون تعريضا للنفع ، والآخر يكون تعريضا للضرر ، فلا بدّ من معنى يخصّصه بأحد الوجهين ؛ كما قلناه في الخبر وغيره. فلذلك وجب كونه مريدا منه الإيمان ، حتى يكون معرّضا للنفع. وليس كذلك ما سألت عنه من النفع المحض الذي لا يتعقّبه ضرر ؛ لأنّ ذلك يقع على وجه واحد ، فيجب كونه حسنا ، وإن لم تتناوله الإرادة ، وكما يحسن منه ذلك فيجب أن يحسن من غيره أن يجعله بحيث تصل إليه هذه المنافع المحضة ، وإن لم يرد ذلك ، ويكون حسنا

منه. ولذلك قلنا : إن من لا عقل له يحسن منه أن يجتلب هذه المنافع ؛ لأنّه لا تأثير للإرادة فيها (ق ، غ ١١ ، ١٨٧ ، ١٩)

ـ قد قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّه يحسن أن يبعث تعالى الرسل إلى من يعلم أنّه إن أمره بتصديقه حاربه وعانده ، لأنّ ذلك تمكين. وقال في موضع آخر : يحسن منه بعثة الأنبياء إلى من يعلم أنّهم يزدادون كفرا بقتلهم وقتل أصحابهم. وهذا بيّن متى كان بعثتهم إليهم تمكينا من المحاربة وتركها ، والردّ عليهم وتركه ، وقتلهم وتركه. فأمّا إن وقع القتل والمحاربة منهم بعد البعثة على الوجه الذي يصحّ وقوعه من قبل ، وعلم تعالى أنّهم عند البعثة يختارون القبيح ولولاها لم يختاروا ذلك فيجب كون بعثته إليهم مفسدة. وإنّما أراد رحمه‌الله بما تقدّم أن تكون محاربتهم له على سبيل القصد إلى تكذيبه من حيث كان نبيّا وكذلك قتلهم إيّاه. وهذا بمنزلة تكذيبه والردّ عليه من حيث كان نبيّا في أنّ بعثته تمكين في ذلك (ق ، غ ١١ ، ٢٢٧ ، ١١)

ـ قال رحمه‌الله (أبو هاشم) في بعض الأبواب وغيره : يحسن منه تعالى تكليف من يعلم أنّه يكفر عند دعاء الشيطان إلى باب الكفر ، ولولاه لم يكفر ، إذا علم أنّ إيمانه عند دعائه أشقّ ، والثواب فيه أزيد ، ويصير دعاؤه بمنزلة زيادة الشهوة في فعل القبيح. وهذا مستمرّ على ما قدّمناه ؛ لأنّه ـ رحمه‌الله ـ يجعل زيادة الشهوة في حكم التمكين ؛ لأنّ عندها يكون الفعل أشقّ. فالجهة التي تحصل للفعل بزيادة الشهوة كانت لا تحصل لولاها ، وكانت لا تصحّ. فيجب أن يكون في حكم التمكين من الفعل بالآلات التي لولاها لما صحّ. فإذا حسن تكليف زيادة الأفعال وتمكّن منها بالآلات وعلم أنّه يعصى فيه. فكذلك القول في زيادة الشهوة (ق ، غ ١١ ، ٢٢٩ ، ٢)

ـ قال رحمه‌الله (أبو هاشم) : إنّه متى علم تعالى أنّه إن كلّفه الإيمان ولطف له يستحقّ قدرا من الثواب ، وإن كلّفه بلا لطف استحقّ أكثر منه لكونه شاقّا عليه ، حسن منه أن يكلّفه على الوجه الأشقّ ؛ لما فيه من التعريض لزيادة الثواب ، ويصير فقدا للّطف في حكم التمكين له من إيقاع الفعل على أشقّ الوجهين ، ولا يؤدّي ذلك إلى أنّه تعالى كلّف ولم يلطف ؛ لأنّه لا لطف له في المعلوم في الوجه الذي كلّف عليه الإيمان (ق ، غ ١١ ، ٢٢٩ ، ١٢)

ـ إن سائر وجوه التمكين لا يصحّ كونها لطفا ؛ لأنّ به يتمكّن من الفعل ، وقد بيّنا أنّ اللطف بمنزلة الداعي في أنّه يجب كونه متمكّنا من الفعل وضدّه سابقا ، ليصحّ أن يلطف له ، كما يصحّ أن يقوي دواعيه إلى إيثار الفعل أو خلافه (ق ، غ ١١ ، ٢٥٨ ، ٢٠)

ـ إنّ المكلّف يجب أن يكون متمكّنا من سبب ما كلّفه ؛ لأنّه لا يجوز أن يكلّف المسبّب ولا يكلّف السبب. فمتى بيّنا وجوه كونه متمكّنا من فعل ما كلّف دخل فيه ذلك ، ودخل فيه أنه يجب كونه متمكّنا من الإرادة إذا كلّف الفعل الذي يقع على بعض الوجوه بالإرادة ؛ لأنّ من حقّ الإرادة ألّا تحصل جهة لفعله إلا إذا وقعت من قبله ، ولم يكن مضطرّا إليها ، وتفارق العلم في ذلك ؛ لأن العلم بالفعل المحكم قد يصحّ وإن كان مضطرّا إلى أن يفعله وألّا يفعله ؛ فلا يخرج من حيث كان مضطرّا إلى العلم من أن يكون الفعل واقعا من قبله على طريقة الاختيار. ولو اضطرّه الله ـ تعالى ـ إلى

إرادة الخير لم يصحّ أن يفعل ذلك الفعل منه على خلاف ذلك الوجه. وإذا صحّ أنها إنما تؤثر في أفعاله إذا كانت من قبله ، دخل ذلك تحت ما بيّناه من التمكين ؛ لأنها كالسبب في هذا الوجه (ق ، غ ١١ ، ٤٠١ ، ١٣)

ـ قد بيّن شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ أنّ التمكين من العلم يجري مجرى العلم في حسن التكليف. ولذلك يستحقّ الخارجيّ الذمّ على قتل المخالف ، والبرهميّ الذمّ على الإخلال بالشرائع ، وإن لم يتمكّنا ـ وهما على تلك الحال ـ من أداء ذلك ؛ لأنّه قد كان يمكنهما أن يتوصّلا إلى ذلك بأمور يمكنهم إحداثها ، فلمّا أخلّوا بها أتوا من قبل أنفسهم في فقد التمكّن من هذه الأمور فاستحقّوا الذمّ. ولذلك صار المخلّ بالمعارف مستحقّا للذمّ ؛ لأنّه لم يفعل سائر الواجبات في هذه الأوقات التي لو لم يضيّع المعارف من قبل لأمكنه أن يعلمها ويؤدّيها على الوجه الذي كلّف (ق ، غ ١١ ، ٤٢٢ ، ١٢)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، فإنّه يقول في اللطف وفي التمكين جميعا : إنّ التكليف متى صحّ ووقع على شروط حسنة يقتضي وجوبهما ؛ إلا أنّ التكليف بهما أو بأحدهما يحسن ، وكذلك يقول في نفس الإبانة. ويقول : متى كلّفه فيجب أن يكون عالما بأنّه سيثيب المكلّف إذا أطاع ، وسيمكنه ويلطف له ، ويجعل ما يجري مجرى الجهة لحسنه أن يكون عالما بهذه الأمور دون حدوثها وكونها. وهذا بيّن ، لأنّ من حق اللطف أن يجوز تأخّره عن حال التكليف. وما يحدث بعد التكليف لا يجوز أن يكون جهة لحسن التكليف ؛ لأن ما له يحسن الشيء يجب أن يضامه ، أو يكون في حكم المقترن به (ق ، غ ١٣ ، ٧٠ ، ٩)

ـ إنّ التمكين إنّما يجب إذا تقدّم التكليف ، لأنّه تمكين مما كلّف وألزم (ق ، غ ١٤ ، ٥٤ ، ٩)

ـ إنّ ما عنده يختار المكلّف الواجب ، ولولاه كان لا يختاره ، يجب كوجوبه ، وأنّه في حكم التمكين والتخلية. فإذا كان تعالى ، متى كلّف الفعل ، فلا بدّ من أن يمكّن ، ويزيل الموانع ، ويكون ذلك واجبا ؛ فكذلك لا بدّ من أن يفعل ما يختار ، عنده ، المكلّف الفعل ، على وجه لولاه لكان لا يختاره (ق ، غ ١٥ ، ٣٦ ، ١٧)

ـ إنّ الملجأ إلى الفعل لا يختاره لحسنه في عقله ، وإنّما يختاره لوجه الإلجاء ، وكذلك الملجأ إلى أن لا يفعله ، لأنّه لا يعدل عنه قبحه في عقله ، لكن لوجه الإلجاء ، فقد صار زوال الإلجاء الداخل في وجه التمكين ، من حيث بيّناه ، وكذلك حصول الشهوة والدواعي المتردّدة لاحتقان بالتمكين ، لأنّه لا يصحّ أن يفعل على الوجه الذي كلّف إلّا معهما أو مع أحدهما ، لأنّ المشقّة والكلفة لا تحصل إلّا بهما ، أو بما يجري مجراهما ، فهذا الشرط جامع لما يتناوله الأمر والنهي ، ثم يختصّ الأمر بأن يكون ما تناوله حسنا وصلاحا ، إما على وجه يقتضي كونه نفلا ، أو على وجه يقتضي كونه واجبا ، إذا كان من باب الشرعيات ، التي تعرف بالأمر أو الإيجاب ؛ ويختصّ النهي بأن يتناول ما يكون قبيحا ، ويكون وجه قبحه كونه فسادا ، أو مانعا من الصلاح على ما بيّناه من قبل (ق ، غ ١٦ ، ٧١ ، ١٠)

ـ قد علمنا من جهة العقل ، ما هو تمكين من الفعل ، كالقدرة ، والآلة وسائر ما يختصّ به القادر ، أو يرجع إلى حال الفعل ، فالإمام

خارج عن ذلك كله ، فلا يصحّ أن يقال : إنّه تمكين (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٩ ، ٧)

ـ أمّا الشرائط الرّاجعة إلى الآمر ، فتختلف بحسب الآمرين. فإن كان الآمر هو الله عزوجل ، وجب أن يعلم من حال المكلّف والمأمور به والأمر ما ذكرناه ؛ وأن يكون غرضه تعريض المكلّف للثّواب ، وأن يكون عالما بأنّه سيثيبه إن أطاع ولم تحبط طاعته. وإن كان الآمر لا يعلم الغيب ، وجب أن يعلم حسن ما أمره به ، وثبوت غرض فيه إمّا له أو لغيره ؛ وأن يظنّ أنّ المكلّف سيتمكّن من الفعل التّمكّن الذي ذكرناه. والدّلالة على اشتراط ما ذكرناه ، هو أنّ الله سبحانه ، مع حكمته ، لا يجوز أن يلزمنا المشاق مع إمكان إلزامه إيّانا غير شاق ، إلّا ليجعل في مقابلته الثّواب. وإلّا جرى إلزامه الشّاق مجرى ابتداء المضارّ من غير نفع. ولا يكون غرضه ما ذكرناه إلّا وهو سيثيب المطيع. فإذا كان عالما بما يكون ، فهو عالم أنّه يفعل ذلك. ولا يكون غرضه ما ذكرناه ، إلّا وقد أزاح علل المكلّف بالتّمكّن ، وتردّد الدّواعي التي يزول معها الإلجاء. ويدخل في ذلك الألطاف ورفع المفاسد.

فلذلك لم يرد الأمر منه تعالى على وجه المفسدة. ولأنّه إن لم يكن المكلّف متمكّنا من الأمور التي ذكرناها ، في الوقت الذي يحتاج إليه الفعل ، كان قد كلّفه ما لا يطيقه. وقد دخل في ذلك ما يجب أن يتقدّم من التّمكين والأدلّة والأمارات. وقد دخل تحت تمكّن المكلّف من الفعل أن يكون الفعل غير مستحيل في نفسه. لأنّه لا يجوز أن يتمكّن القادر من فعل ما يستحيل في نفسه. فقد دخلت الشّرائط المذكورة تحت ما ذكرناه (ب ، م ، ١٧٩ ، ١٢)

ـ قرئ إلّا أن يهدي من هداه ، وهداه للمبالغة ، ومنه قولهم تهدى ، ومعناه : أنّ الله وحده هو الذي يهدي للحق بما ركّب في المكلّفين من العقول وأعطاهم من التمكين للنظر في الأدلّة التي نصبها لهم ، وبما لطف بهم ووفقهم وألهمهم وأخطر ببالهم ، ووقفهم على الشرائع ، فهل من شركائكم الذين جعلتم أندادا لله أحد من أشرافهم كالملائكة والمسيح وعزير يهدي إلى الحق مثل هداية الله (ز ، ك ٢ ، ٢٣٧ ، ٧)

ـ (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) (هود : ١١٨) يعني لاضطرّهم إلى أن يكونوا أهل أمّة واحدة : أي ملّة واحدة وهي ملّة الإسلام كقوله (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الأنبياء : ٩٢) وهذا الكلام يتضمّن نفي الاضطرار ، وأنّه لم يضطرّهم إلى الاتفاق على دين الحق ، ولكنّه مكّنهم من الاختيار الذي هو أساس التكليف ، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل ، فاختلفوا فلذلك قال (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) (هود : ١١٨ ـ ١١٩) إلّا ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتّفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) (هود : ١١٩) ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأوّل وتضمّنه : يعني ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف ، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره ، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره (ز ، ك ٢ ، ٢٩٩ ، ٦)

ـ التمكين : هو مقام الرسوخ والاستقرار على الاستقامة ، وما دام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين لأنّه يرتقي من حال إلى حال وينتقل من وصف إلى وصف ، فإذا وصل واتّصل فقد حصل التمكين (ج ، ت ، ٩٦ ، ٧)

تمكين من القبيح

ـ إنّ في الشاهد يحسن من الواحد منّا إدلاء الحبل إلى الغريق وإن كان يغلب على الظنّ أنّه يترك التشبّث به ، ولا يحسن إدلاؤه إليه إذا كان المعلوم أنّه يقتل به نفسه على وجه لولاه كان يتخلّص من القتل. فكما تجب التفرقة بين هذين في الشاهد فكذلك في الغائب. ولذلك جعلنا التمكين من القبح والحسن أصلا مخالفا للاستفساد واللطف في القبيح ، فقلنا : إنّ اللطف في القبيح في حكمه ، والتمكين من القبيح لا يجب أن يكون في حكمه. بل متى وقع على الوجه الذي قدّمناه كان حسنا. وليس لأحد أن يلزمنا حمل التمكين على المفسدة ، من حيث ثبت أنّ الشاهد قد فرّق بين الأمرين ، ولأنّ ما قدّمناه قد أوجب افتراقهما ، ولأنّ التمكين من الكفر هو بنفسه تمكين من الإيمان وإنّما يصير تعريضا لأحدهما دون الآخر بالقصد ، وليس كذلك اللطف في القبيح لأنّه لا يجب أن يكون لطفا في الحسن فصحّ القضاء بأن حكمه حكم ما هو لطف فيه في الحسن والقبح ، وإن كنّا نعلم أنه متى اختصّ بكونه لطفا في القبيح يجب قبحه ، وإن كان لطفا في الحسن أيضا ؛ لأنّ ثبوت وجه من وجوه القبح فيه يحيل كونه حسنا ، كما نقوله في الكذب المختصّ بأنّ فيه نفعا أو دفع ضرر (ق ، غ ١١ ، ٢١٧ ، ١٥)

تمنّ

ـ على أنّ القول في الشاهد فيما في الحقيقة إرادة فهي التي تكون وبها الفعل لا محالة عندنا يكون معها ، وعند المعتزلة قبل الفعل بلا فصل ، وما عدا ذلك مما قد يكون الفعل إذا وجد ولا يكون فهو التمني المعروف ، والله يجلّ عن هذا الوصف ، ثبت أنّ إرادته على الوجه الأول ، وأنّه يتحقق الفعل على الوجه الذي أراد به (م ، ح ، ٣٠٥ ، ١٠)

ـ إنّ التمنّي ليس من الإرادة في شيء ، وإنّما هو من أقسام الكلام ، ولهذا يعدّه أهل اللغة في ذلك فيقولون : الكلام أمر وخبر واستخبار وعرض وتمنّ. وبعد ، فإنّ أحدنا قد يريد وجود الحلاوة واللون في محل فيحصل أحدهما ولا يحصل الآخر ، ولو جاز أن يقال إنّ أحدهما تمنّ لجاز مثله في الآخر ، إذ لا يمكن الفصل بينهما (ق ، ش ، ٤٤٢ ، ٦)

ـ أمّا مفارقة الإرادة للتمني فبيّن ، وذلك أنّ التمني عند شيخنا أبي علي رحمه‌الله قول على وصف ، وهو أن يقول ليت كان كذا وكذا أو لم يكن ، إذا قصده على وجه. وعند شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله أنّه معنى في القلب يطابق في تعلّقه بالمتمنّي هذا القول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣٧ ، ٣)

ـ أمّا التمنّي فهو شبيه بالظنّ ، فإذا كان مما له فيه غرض حسن ، وإلّا قبح ، لأنّه عيب ، وليس له تعلّق بالغير ، لأنّه إنّما يتمنّى أحوالا ترجع إليه ، أو إلى من يجري مجراه ، ومن يجعله في حيّز الاعتقاد ، يجريه مجراه فيما يحسن ويقبح ، لكنه مقدّر غير حاصل ، فلا يؤثّر فيه أن يكون المتمنّى بخلافه ، لأنّه في الأكثر إنّما يقدر ما يتمناه ، ويكون ما يقدر فيه من الشروط كأنّه حاصل (ق ، غ ١٤ ، ١٥٩ ، ١)

ـ قال أبو القاسم في عيون المسائل أنّ التمني لا يكون إلّا لمعدوم (ن ، م ، ٣٦٦ ، ٢٠)

ـ عند أبي هاشم أنّ أحدنا يجوز أن يتمنى في شيء وقع أن لا يكون وقد وقع ، فيكون هذا

التمني متعلقا بهذا الشيء الموجود أن لا يكون كما كان. وهذا إن كان معنى سوى القول ، فلا شبهة في أنّه يصحّ أن يتعلّق بما هذا سبيله ، كما يتعلّق بالمعدوم ، فيتمنى أن يكون (ن ، م ، ٣٦٦ ، ٢٢)

تميّز ذهني

ـ إنّ التميّز الذهني لا يستدعي تحقّق الماهيّات خارج الذهن (ف ، م ، ٥٠ ، ١١)

تناسخ

ـ التناسخ فاسد لوجوه : أ : أنّ الاستعداد علّة لحدوثها ، فتتعلّق بالبدن نفسان والموجود واحدة (خ ، ل ، ١٢٤ ، ١٣)

تناف

ـ اختلفوا في ماهيّة القول المتناقض فقال قوم : هو قولك فلان قائم قاعد وما كان في نجاره. وقال بعضهم : ليس هذا هكذا لأنّ قاعدا إثبات ، كما أنّ قائما إثبات ، والإثباتان لا يتناقضان وإن فسدا أو فسد أحدهما ، وإنّما يقع التناقض والتنافي في قولك فلان قائم لا قائم وليس بقائم ، وهو قائم لأنّ الثاني نفي لمعنى الأول (ش ، ق ، ٣٨٨ ، ١)

ـ إنّ ما يضادّ غيره إنّما يضادّه من حيث يستحيل اجتماعهما في الوجود ، فمتى جوّز ذلك فيهما في بعض الأوقات بطلت المضادّة. ولذلك وجب في كلّ ما لا يتضادّ في أوّل الوقت ألّا يتضادّ فيما بعده ، وفي كلّ ما يتضادّ في حال أن يتضادّ في سائر الأحوال ، ولو جوّزنا خلاف هذا لم نأمن من أن نئول بالحموضة إلى أن تنافي البياض في وقت ما ، وإن كانت الآن لا تنافيه في بعض الأوقات ، وفي هذا إبطال القول بأنّ التنافي يرجع إلى ذات الشيء ، ويقتضي كونه موقوفا على علّة وعلى اختيار محلّه ، وبطلان ذلك يكشف عن فساد ما سأله عنه ، وإنما يجوز أن يفارق حال الشيء في حال بقائه لحكمه في حال حدوثه إذا لم يؤدّ ذلك إلى قلب الأجناس أو انتقاض الأدلّة ، فأمّا إذا أدّى إلى ذلك فيجب القول بفساد التفرقة بينهما (ق ، غ ١١ ، ٤٤٦ ، ١٥)

ـ التنافي يجب أن يثبت بين الشيئين لأمر هو موجود في الحال لا أن يجعل معلّقا بأمر هو منتظر (أ ، ت ، ٨٣ ، ١٨)

تناقض

ـ اختلفوا في ماهيّة القول المتناقض فقال قوم : هو قولك فلان قائم قاعد وما كان في نجاره. وقال بعضهم : ليس هذا هكذا لأنّ قاعدا إثبات ، كما أنّ قائما إثبات ، والإثباتان لا يتناقضان وإن فسدا أو فسد أحدهما ، وإنّما يقع التناقض والتنافي في قولك فلان قائم لا قائم وليس بقائم ، وهو قائم لأنّ الثاني نفي لمعنى الأول (ش ، ق ، ٣٨٨ ، ١)

تنزيل

ـ الوحي الذي ينزلونه (تنزيل) صفة رابعة للقرآن : أي منزّل من ربّ العالمين ، أو وصف بالمصدر لأنّه نزّل نجوما من بين سائر كتب الله تعالى فكأنّه في نفسه تنزيل ، ولذلك جرى مجرى بعض أسمائه فقيل جاء في التنزيل كذا ونطق به التنزيل ، أو هو تنزيل على حذف المبتدأ. وقرئ تنزيلا على نزّل تنزيلا (ز ، ك ٤ ، ٥٩ ، ١٣)

تنزيه

ـ إنّه ليس في خلقه ، ولا خلقه فيه ، وأنه مستو على عرشه بلا كيف ولا استقرار ، وتعالى عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا. فلم يثبتوا له في وصفهم حقيقة ، ولا أوجبوا له بذكرهم إيّاه وحدانيّة ، إذ كل كلامهم يؤول إلى التعطيل ، وجميع أوصافهم تدلّ على النفي ، يريدون بذلك التنزيه ونفي التشبيه؟ فنعوذ بالله من تنزيه يوجب النفي والتعطيل (ش ، ب ، ٩٢ ، ٩)

ـ التنزيه لا يقع في العبارات ، وإنّما يقع في المعاني ، وإنّما تنزّه تعالى عن كثير من الأسماء ، لأنّ معانيها لا تصحّ عليه ، أو لأنّها توهم ما يتعالى عنه (ق ، م ٢ ، ٤٧٥ ، ١٦)

تنفير

ـ يقول شيخنا" أبو علي" ، رحمه‌الله ، ويعتل بقريب من هذه الطريقة ، وإنّما يجوّز على الأنبياء ما يقع منهم بضرب من التأويل ، ويجري مجرى الواقع عن سهو وغفلة ، ويجعل ما يقع على طريق التعمّد داخلا في باب ما ينفّر ؛ لأنّ من أقدم على المحرّم ، مع علمه بأنّه محرّم ، فلا بدّ من نقص في حاله يقتضي التنفير عنه (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ١٨)

توابع الحدوث

ـ القول بأنّ التحيّز للجوهر وقبوله للعرض ، لمّا كان واجبا لم يفتقر إلى علّة ، فهو مبني على فاسد أصول المعتزلة في قولهم : إنّ هذه توابع الحدوث ، وتوابع الحدوث مما لا يدخل تحت القدرة ولا ينسب إلى فعل فاعل (م ، غ ، ٤٧ ، ١٢)

ـ بعض الأصحاب ... قال : أفعال المكلّفين وإن انقسمت إلى خيرات وشرور ، لكنّ الإرادة إنّما تتعلّق بها من حيث وجودها وتحقّقها ، وهي من هذا الوجه ليست بشرور ، بل خيرات محضة ، وإنّما تلحقها الشرور باعتبار الصفات التي هي منتسبة إلى فعل العبد وقدرته ، وهي ما قلتم إنّها توابع الحدوث ، كما يأتي تحقيقه في مسألة خلق الأفعال. وهي من هذه الجهة ليست مرادة لله ـ تعالى ـ على الأصلين ؛ فإنّ إرادة فعل العبد ـ من حيث إنّه فعله ـ تمنّ وشهوة ، وذلك في حق الباري محال. فإذا ما هو مراد الله تعالى إنّما هو التخصيص والإحداث وذلك هو الخير ، وما هو الشر ومنه الشر فهو ما وقع مسندا إلى فعل العبد من حيث هو فعله ، وذلك غير مراد الله تعالى (م ، غ ، ٦٥ ، ٧)

ـ قول بعض الأصحاب (الباقلاني) في تقرير الأمر بما ليس بمراد : إنّ ما يتعلّق به الأمر والنهي ، إنّما هو أخص وصف فعل المكلّف ، وهو ما يصير به طائعا أو عاصيا ، وذلك الأخصّ هو ما يتعلّق بكسبه ويدخل تحت قدرته ، وبه يتحقّق معنى التكليف ، وهو ما جعلته المعتزلة من توابع الحدوث ، لا أنّ التكليف متعلّق بأصل الفعل ؛ إذ هو فعل الله ـ تعالى ـ وذلك لا يجوز التكليف به ؛ إذ هو من فعل الغير ، والتكليف بفعل الغير تكليف بما لا يطاق. فإذا ما يقع به التكليف إنّما هو ما ينسب إلى فعل العبد واكتسابه ، وليس ذلك مرادا لله ـ تعالى ـ ولا داخلا تحت قدرته (م ، غ ، ٦٩ ، ٩)

تواتر

ـ يقول في الأخبار وموجبها إنّ ما كان منها تواترا بالنقل واستقامته فموجب للعلم الضروريّ ، على معنى أنّ الله تعالى يخلق العلم الضروريّ

عند أخبار المخبرين على شرط التواتر إذا أخبروا عن سماع ومشاهدة وأمر علموه ضرورة. وكان لا يخصّ ذلك بعدد دون عدد ، ويجيز وقوع العلم الضروريّ عند خبر الواحد على نقض هذه العادة ، ويجيز أن لا يحدث العلم الضروريّ مع كثرة الأخبار وتواترها على خلاف هذه العادة (أ ، م ، ٢٠١ ، ٣)

ـ إن تواتر النقل في شيء وطريق العلم به الاستدلال والنظر وطريق الخطاء الشبهة فإنّ ذلك التواتر لا يوجب علما ، فأمّا إن تواتر الخبر في شيء يعرف صحّته بالنظر والاستدلال فإنّه لا يوجب العلم ، ولهذا لا يقع للدهرية وسائر الكفرة العلم بصدق أخبار المسلمين عن صحّة دين الإسلام ، لأنّ صحّة الدين معلومة بالنظر والاستدلال دون الضرورة (ب ، أ ، ٢٢ ، ٤)

ـ إنّما يثبت التواتر بشرائط ، فمنها أن يكون المخبرون عالمين بما أخبروا عنه على الضرورة ؛ مثل أن يخبروا عن محسوس أو معلوم بديهة بجهة أخرى ، سوى درك الحواس. ولو أخبروا عمّا علموه ، نظرا واستدلالا ، لم توجب أخبارهم علما ؛ فإنّ المخبرين عن حدث العالم زائدون عن عدد التواتر ، وليس يوجب خبرهم علما ، والمخبرون تواترا عن بلدة لم نرها مصدّقون على الضرورة ، وليس ذلك ممّا نحاول فيه تعليلا ، أو نظرا ، أو فرقا ، أو دليلا ، ولكنّا بيّنا أنّ مأخذ العلم بالمخبر عنه استمرار العادة. وقد رأينا العادة مستمرّة على ما ذكرناه في المخبر عنه على الضرورة ، دون المخبر عنه نظرا ، فجرينا على موجب العادة في النفي والإثبات (ج ، ش ، ٣٤٨ ، ١٧)

ـ التواتر : هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب (ج ، ت ، ١٠٠ ، ١٩)

تواتر موجب لعلم ضروري

ـ أمّا التواتر الموجب للعلم الضروريّ فمن شروطه أن يكون رواته في كل عصر من أعصاره على جهة يستحيل التواطي منهم على الكذب (ب ، أ ، ٢٠ ، ١٤)

توبة

ـ التوبة مأمور بها ، ومدعو إليها ، كذلك حكم الله ، عزوجل ، فيمن بلغ من الكفر والفسوق مبلغه (ب ، ق ، ١١٦ ، ١٢)

ـ التوبة : الندم على ما مضى ، والاستغفار بالقلوب واللسان ، والإصرار والعزم أن لا يعود إلى شيء من ذلك أبدا ، قليلا كان أو كثيرا (ر ، ك ، ١٥٨ ، ٦)

ـ إنّ التوبة هي الرجوع. رجع آدم عن عصيانه ؛ فرجع هو إلى الغفران والتجاوز وبعضه قريب من بعض (م ، ت ، ١٢٩ ، ٦)

ـ يقولون (المعتزلة) : إنّ من ارتكب صغيرة فهي مغفور له لا يحتاج إلى الدعاء ، ولا إلى التوبة (م ، ت ، ١٢٩ ، ١٠)

ـ التوبة لا تكون إلّا عن ذنب بوجهين : أحدهما أنّ التوبة عن الصغيرة وإن كانت مغفورة ، والثاني على التعبد كتكرار التهليل وكدعاء الملائكة بقوله : (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا) (غافر : ٧) (م ، ح ، ٣٥٦ ، ٢)

ـ التوّاب بمعنى أنّه يقبل التوبة عن عباده ، وبمعنى أنّه يرجع بعباده من عسر إلى يسر ومن

شدّة إلى رخاء ، لأنّ أصل معنى التوبة في اللغة هو الرجوع (أ ، م ، ٥٥ ، ١٨)

ـ يقول (الأشعري) إنّ التوبة من الذنوب كلّها كفرا كان أو فسقا وغيره واجب ، ومتى فعلها الفاعل على هذا الوجه ووافى عليه ربّه كان مقبولا. وكان يقول إنّ قبولها غير واجب عقلا ، وإنّما قلنا بقبولها خبرا ، وذلك من الله تعالى فضل لأنّه هو الذي يرجع بالعبد من المعصية إلى الطاعة فينبّهه على ترك المعصية ويرغّبه في فعل الطاعة بإلقاء رغبة ورهبة في قلبه. وكان يقول إنّ التوبة تصحّ من ذنب مع الإصرار على غيره ، فيكون حكم الذنب المصرّ عليه ثابتا وحكم الذي تاب منه زائلا. وكذلك كان يقول إنّ التوبة تصحّ من الذهب الذي لا يمكن للمذنب معاودته في حال التوبة (أ ، م ، ١٦٦ ، ١٤)

ـ التوبة ، هو أن يندم على ما فعله من القبيح لقبحه ، ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح. ثم إنّ هذا القدر كاف إذا كان القبيح بينه وبين الله تعالى ، وأما إذا كان بينه وبين الآدميين بأن يكون إساءة إلى الغير ، فالواجب أن ينظر : فإن كان قتلا ، يلزمه أن يندم عليه ويعزم على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح ويسلّم نفسه إلى وليّ المقتول. وإن كان غصبا ، يرد المغضوب بعينه إن كان باقيا ، وإلّا فقيمته إن كان من ذوات القيمة ، أو مثله إن كان من ذوات الأمثال ، ثم إذا تاب عن ذلك لا يستحقّ بعده الذمّ والعقاب (ق ، ش ، ٣٣١ ، ٩)

ـ أمّا التوبة فإنّها تجب للوجه الذي له يجب النظر والمعرفة ، وهو دفع الضرر بها ، والتحرّز من المضارّ أحد الصفات الذي يجب له الفعل ، فهو داخل في القسم الأول الذي قلنا إنّه يجب لصفة تخصّه (ق ، غ ١٤ ، ١٦١ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ التوبة : اسم للفعل الذي يزيل العقاب والذمّ المستحقّ ، على توبة منه (ق ، غ ١٤ ، ٣١١ ، ٤)

ـ إنّ دفع المضار واجب ، فإذا علم المكلّف أنّه قد استحقّ عقابا وذمّا ، إمّا على فعل أو إخلال بفعل ، فالواجب عليه إزالة ذلك ، بما يمكنه ، ولا شيء يصحّ أن يزيل به ذلك إلّا التوبة ، على ما نبيّنه ، فيجب أن تكون لازمة له. بيّن ذلك أنّها لا تلزم من لم يستحقّ عقابا ولا ذمّا ، وإنّما تلزم من بعد هذا الاستحقاق ، فيجب أن يكون هو الوجه في لزومها ، على ما بيّناه ، ويفارق كثيرا من العبارات التي تلزم للمصالح. وقد تجب ابتداء وعقيب غيرها (ق ، غ ١٤ ، ٣٣٥ ، ٥)

ـ إنّ الشيء قد يجب وإن لم يعلم المكلّف وجوبه ، إذا تمكّن من معرفته ، فالمكلّف إذا أمكنه معرفة العقاب الذي يستحقّه ، فالتوبة واجبة ، كوجوبها إذا لم يعرف ذلك. وبعد ، فإنّه يعلم بعقله وجوب الذمّ ، وعليه فيه مضرّة ، فلا يمتنع أن تجب التوبة لإزالته (ق ، غ ١٤ ، ٣٣٥ ، ١٤)

ـ إنّ التوبة هي الندم والعزم دون ما عداهما. اعلم أنّ ما يقترن بهذين مما يجب على التائب في بعض الأحوال ، لا يجب أن يكون من التوبة ، لأنّ التوبة لا تختلف حقيقتها ومائيّتها في سائر المعاصي ، فلو كان ما يقترن بهما في بعض الأحوال من التوبة ، لوجب ألا تتمّ التوبة إلّا به في سائر الحالات ، حتى يجري مجرى العزم ، الذي لما كان من التوبة ، وجب حصوله مع الندم ، في كل حال. فإذا صحّ ذلك ، فلو كان ردّ الغصب من جملة التوبة ، لوجب ألا

تصحّ في شيء من الحالات إلّا معه ، وقد علمنا صحّة ذلك في النادم وفي التوبة ، مما لا شبهة فيه (ق ، غ ١٤ ، ٣٧١ ، ٨)

ـ قد بيّنا الدلالة على وجوب قبول التوبة ، وتلك الأدلّة لا تخصّص التوبة من ذنب دون ذنب ، فإذا صحّ ذلك صحّت التوبة من جميعها. والذي يحكى عن بعض المتقدّمين أنّ التوبة لا يجب قبولها ، ولا تصحّ من قبل المؤمن (ق ، غ ١٤ ، ٣٧٣ ، ١٧)

ـ ذكر رحمه‌الله (أبو هاشم) في" البغداديات" وغيرها ، أنّ التوبة قد تجب لإسقاط العقاب ، ولكونها لطفا وردعا عن أمثال ما وقع منه (ق ، غ ١٤ ، ٤٠٨ ، ٢)

ـ ذهب بعضهم إلى أنّ التوبة من الفعل هو تركه وإبطاله (ق ، غ ١٤ ، ٤١٠ ، ٧)

ـ فما يصحّ فيه الإبطال ، يجب أن تكون التوبة منه فعل الضدّ ، لأنّ به يقع الإبطال (ق ، غ ١٤ ، ٤١٠ ، ١٩)

ـ إنّ التوبة هي من الواجبات التي لا بدّ من ثبوت سبب لوجوبها ، فكما أنّ سائر ما هذا حاله لا يجب ولمّا يحصل سبب وجوبه ، ويكون فعله ولمّا يحصل سبب وجوبه كلا فعل ، فكذلك القول في التوبة (ق ، غ ١٤ ، ٤٣٢ ، ١٩)

ـ قوله (أبو هاشم) في التوبة : إنّها لا تصحّ من ذنب مع الإصرار على قبيح آخر يعلمه قبيحا أو يعتقده قبيحا وإن كان حسنا. وزعم أيضا أنّ التوبة من الفضائح لا تصحّ مع الإصرار على منع حبّة تجب عليه ، وعوّل فيه على دعواه في الشاهد من قتل ابنا لغيره وزنى بحرمته لا يحسن منه قبوله توبة من أحد الذنبين مع إصراره على الآخر (ب ، ف ، ١٩٠ ، ٣)

ـ قوله (أبو هاشم) في التوبة أيضا إنّها لا تصحّ عن الذنب بعد العجز عن مثله ، فلا يصحّ عنده توبة من خرس لسانه عن الكذب. ولا توبة من جبّ ذكره عن الزنى (ب ، ف ، ١٩١ ، ١١)

ـ لا تكون التوبة إلّا بالندم والاستغفار وترك المعاودة والعزيمة على ذلك والخروج من مظلمة إن تاب عنهما إلى صاحبها بتحلّل أو إنصاف (ح ، ف ٤ ، ٦١ ، ٢٠)

ـ يقول (ابن الإخشيد) إنّ التوبة هي الندم فقط ، وإن لم ينو مع ذلك ترك المراجعة لتلك الكبيرة (ح ، ف ٤ ، ٦١ ، ٢٤)

ـ التوبة هي الندم على المعصية ، لأجل ما يجب الندم له ، ثم الندم تلازمه صفات ليست منه عموما ، وتلازمه صفات في بعض الأحوال دون بعض. فأمّا الصفات التي تلازم التوبة أبدا ، فمنها الحزن والغمّ على ما تقدّم من الإخلال بحقّ الله تعالى ؛ إذ من المحال أن يثبت الندم دون ذلك ، والفرح المسرور بما فرط منه لا يندم عليه. ومما يقارنه تمنّي عدم ما كان فيما مضى ، وكل نادم على فعل يجب اتصافه بتمنّي عدمه فيما مضى (ج ، ش ، ٣٣٧ ، ٧)

ـ ما التوبة؟ قال : اسم يقع على ستة معان : على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفرائض الإعادة ، وردّ المظالم ، وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) (الشورى : ٢٥) عن الكبائر إذا تيب عنها ، وعن الصغائر إذا اجتنبت الكبائر (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) (الشورى : ٢٥) قرئ بالتاء والياء : أي علمه فيثيب على حسناته ويعاقب على سيئاته (ز ، ك ٣ ، ٤٦٩ ، ٥)

ـ وصفت التوبة بالنصح على الإسناد المجازيّ ، والنصح صفة التائبين وهو أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم فيأتوا بها على طريقها متداركة للفرطات ماحية للسيئات ، وذلك أن يتوبوا عن القبائح لقبحها نادمين عليها مغتمّين أشدّ الاغتمام لارتكابها ، عازمين على أنّهم لا يعودون في قبيح من القبائح إلى أن يعود اللبن في الضرع موطنين أنفسهم على ذلك (ز ، ك ٤ ، ١٢٩ ، ١٣)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة ، استحقّ الثواب والعوض. والتفضّل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها ، استحقّ الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخفّ من عقاب الكفّار. وسمّوا هذا النمط : وعدا ووعيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٤)

ـ التوبة عبارة عن اطّلاع النفس على قبح هذه الجسمانيّات ، وإذا حصل هذا الاعتقاد زال الحب وحصلت النفرة ، فبعد الموت لا يحصل العذاب بسبب العجز عن الوصول إليها (ف ، أ ، ٩٨ ، ١٥)

ـ أمّا التوبة : فهي ـ وإن كانت في اللغة عبارة عن الرجوع ـ فهي في عرف استعمال المتكلّمين عبارة عن الندم على ما وقع به التفريط من الحقوق ، من جهة كونه حقّا ، ومنه قوله ـ عليه‌السلام ـ : " الندم توبة" ، فعلى هذا من ترك المعصية من غير عزم على ترك معاودتها عند كونه لذلك أهلا ، والندم والتألّم على ما اقترف أوّلا ؛ من جهة أنّه لم يكن له ذلك مستحقّا لم يكن إطلاق اسم التوبة في حقّه بالنظر إلى عرف المتكلّمين ، مما يجوز. لكن ذلك مما لا يجب على العبد استدامته في سائر أوقاته ، وتذكّره في جميع حالاته ، وإلّا لزم منه اختلال الصلوات أو لا يكون تائبا في بعض الأوقات ، وهو خلاف إجماع المسلمين. وليس من شرط صحّة التوبة ، والإقلاع عن ذنب في زمن من الأزمان ، ألا يعاوده في زمن آخر ؛ إذ التوبة مهما وجدت فهي عبادة ومأمور بها ، وليس من شرط صحّة العبادة المأتي بها في زمن ألا يتركها في زمن آخر (م ، غ ، ٣١٣ ، ٥)

ـ ليس من شرط صحّة التوبة أيضا ، والإقلاع عن ذنب ، الإقلاع عن غيره من الذنوب ، كما زعم أبو هاشم ، وإلّا كان من أسلم بعد كفره ، وآمن بعد شقائه ونفاقه ، إذا استدام زلّة من الزلّات ، وهفوة من الهفوات ، ألّا يكون مقلعا عمّا التزمه من أوزار كفره ، وألّا يترقّى على من هو على غيّه وجحوده. وذلك مما يخالف إجماع المسلمين ، وما ورد به الشرع المنقول ، واتّفق عليه أرباب العقول. وبهذا يندفع قول القائل : إنّ ما وجبت التوبة عنه فإنّما كان لقبحه ، وذلك لا يختلف في ذنب وذنب ، فلا يصحّ الندم على قبيح مع الإصرار على قبيح غيره (م ، غ ، ٣١٤ ، ٤)

ـ ينبغي أن نذكر في هذا الموضع كلاما مختصرا مما يقوله أصحابنا في التوبة ، فإنّ كلام أمير المؤمنين هو الأصل الذي أخذ منه أصحابنا مقالتهم ، والذي يقولونه في التوبة فقد أتى على جوامعه عليه‌السلام في هذا الفصل على اختصاره. قال أصحابنا الكلام في التوبة يقع من وجوه : منها الكلام في ماهيّة التوبة ، والكلام في إسقاطها الذمّ والعقاب ، والكلام في أنّه يجب علينا فعلها والكلام في شروطها. أمّا ماهيّة التوبة فهي الندم والعزم ، لأنّ التوبة هي الإنابة والرجوع ، وليس يمكن أن يرجع

الإنسان عمّا فعله إلّا بالندم عليه والعزم على ترك معاودته ، وما يتوب الإنسان منه إمّا أن يكون فعلا قبيحا وإمّا أن يكون إخلالا بواجب ، فالتوبة من الفعل القبيح هي أن يندم عليه ويعزم أن لا يعود إلى مثله ، وعزمه على ذلك هو كراهيته لفعله ، والتوبة من الإخلال بالواجب هي أن يندم على إخلاله بالواجب ويعزم على أداء الواجب فيما بعد. فأمّا القول في أنّ التوبة تسقط العذاب ، فعندنا أنّ العقل يقتضي قبح العقاب بعد التوبة ، وخالف أكثر المرجئة في ذلك من الإماميّة وغيرهم ، واحتجّ أصحابنا بقبح عقوبة المسيء إلينا بعد ندمه واعتذاره وتنصّله والعلم بصدقه والعلم بأنّه عازم على أن لا يعود (أ ، ش ٤ ، ٤٦٨ ، ١٨)

ـ أمّا القول في صفات التوبة وشروطها فإنّها على ضربين : أحدهما يعمّ كل توبة ، والآخر يختلف بحسب اختلاف ما يتاب منه. فالأوّل هو الندم والعزم على ترك المعاودة ، وأمّا الضرب الثاني فهو أنّ ما يتوب منه المكلّف إمّا أن يكون فعلا أو إخلالا بواجب ، فإن كان فعلا قبيحا وجب عند الشيخ أبي هاشم رحمه‌الله أن يندم عليه لأنّه قبيح ، وأن يكره معاودة مثله لأنّه قبيح ، وإن كان إخلالا بواجب وجب عليه عنده أن يندم عليه لأنّه إخلال بواجب ، وأن يعزم على فعل مثل ما أخلّ به لأنّه واجب ، فإن ندم خوف النار فقط أو شوقا إلى الجنّة فقط أو لأنّ القبيح الذي فعله يضرّ ببدنه ، توبة كانت صحيحة ، وإن ندم على القبيح لقبحه ولخوف النار وكان لو انفرد قبحه ندم عليه فإنّ توبته تكون صحيحة ، وإن كان لو انفرد القبح لم يندم عليه فإنّه لا تكون توبته صحيحة عنده. والخلاف فيه مع الشيخ أبي علي وغيره من الشيوخ رحمهم‌الله وإنّما اختار أبو هاشم هذا القول لأنّ التوبة تجري مجرى الاعتذار بيننا ، ومعلوم أنّ الواحد منّا لو أساء إلى غيره ثم ندم على إساءته إليه واعتذر منها خوفا من معاقبته له عليها أو من معاقبة السلطان ، حتى لو أمّن العقوبة لما اعتذر ولا ندم بل كان يواصل الإساءة ، فإنّه لا يسقط ذمّه ، فكذلك التوبة خوف النار لا لقبح الفعل (أ ، ش ٤ ، ٤٦٩ ، ٣)

ـ قال أصحابنا : وللتوبة شروط أخر تختلف بحسب اختلاف المعاصي ، وذلك أنّ ما يتوب منه المكلّف إمّا أن يكون فيه لآدمي حق أو لا حق فيه لآدمي ، فما ليس للآدمي فيه حق فنحو ترك الصلاة ، فإنّه لا يجب فيه إلّا الندم والعزم على ما قدّمنا ، وما لآدمي فيه حق على ضربين أحدهما أن يكون جناية عليه في نفسه أو أعضائه أو ماله أو دينه ، والآخر أن لا يكون جناية عليه في شيء من ذلك. فما كان جناية عليه في نفسه وأعضائه أو ماله فالواجب فيه الندم والعزم وأن يشرع في تسليم بدل ما أتلف ، فإن لم يتمكّن من ذلك لفقر أو غيره عزم على ذلك إذا تمكّن منه ، فإن مات قبل التمكّن لم يكن من أهل العقاب ، وإن جنى عليه في دينه بأن يكون قد أضلّه بشبهة استزلّه بها فالواجب عليه مع الندم والعزم والاجتهاد في حلّ شبهته من نفسه ، فإن لم يتمكّن من الاجتماع به عزم على ذلك إذا تمكّن ، فإن مات قبل التمكّن أو تمكّن منه واجتهد في حلّ الشبهة فلم تنحلّ من نفس ذلك الضال فلا عقاب عليه لأنّه قد استفرغ جهده ، فإن كانت المعصية غير جناية نحو أن يغتابه أو يسمع غيبته فإنّه يلزمه الندم والعزم ولا يلزمه أن يستحلّه أو يعتذر إليه لأنّه ليس يلزمه أرش لمن اغتابه ، فيستحلّه

ليسقط عنه الأرض ولا غمّه فيزيل غمّه بالاعتذار وفي ذكر الغيبة له ليستحلّه ، فينزل غمّه منها إدخال غمّ عليه ، فلم يجز ذلك ، فإن كان قد أسمع المغتاب غيبته فذلك جناية عليه لأنّه قد أوصل إليه مضرّة الغمّ فيلزمه إزالة ذلك بالاعتذار (أ ، ش ٤ ، ٤٦٩ ، ١٤)

ـ التوبة : هو الرجوع إلى الله بحلّ عقدة الإصرار عن القلب ثم القيام بكل حقوق الرب (ج ، ت ، ١٠٠ ، ٤)

ـ التوبة تسقط العقاب بنفسها إذ هي بذل الجهد في التلافي. وقيل : بل ثوابها أكثر فتسقط به. قلنا : يستلزم كون ثوابها أكثر من ثواب النبوّة ، وهو باطل (م ، ق ، ١٢٤ ، ٦)

ـ التوبة لا خلاف في وجوبها فورا ، لأنّ الإصرار على المعاصي عصيان ، والعاصي مخاطب بترك معصيته في كل وقت ، ويصحّ مدّة العمر ، ما لم تحضره ملائكة الموت ... وهي الندم والعزم على ترك العود على المعاصي (ق ، س ، ١٩٢ ، ١)

توحيد

ـ معرفة الله عزوجل ، وهي عقلية ، منقسمة على وجهين ، وهما : إثبات ، ونفي ، فالإثبات هو اليقين بالله والإقرار به ، والنفي هو نفي التشبيه عنه ، تعالى ، وهو التوحيد ، وهو ينقسم على ثلاثة أوجه : أولها : الفرق بين ذات الخالق وذات المخلوق ، حتى ينفي عنه جميع ما يتعلّق بالمخلوقين في كل معنى من المعاني ، صغيرها وكبيرها وجليلها ودقيقها ، حتى لا يخطر في قلبك في التشبيه خاطر شك ولا توهم ولا ارتياب ، حتى توحّد الله ، سبحانه ، باعتقادك وقولك وفعلك ، فإن خطرت على قلبك في التشبيه خاطرة شك فلم تنف عن قلبك بالتوحيد خاطرها وتمط باليقين البت والعلم المثبت حاضرها ، فقد خرجت من التوحيد إلى الشرك ومن اليقين إلى الشك ، لأنه ليس بين التوحيد والشرك وبين اليقين والشك منزلة ثالثة. فمن خرج من التوحيد فإلى الشرك مخرجه ، ومن فارق اليقين ففي الشك موقعه. والوجه الثاني : (هو) الفرق بين الصفتين ، حتى لا تصف القديم بصفة من صفات المحدثين. والوجه الثالث : (هو) الفرق بين الفعلين حتى لا تشبه فعل القديم بفعل المخلوقين. فمن شبّه بين الصفتين ومثّل بين الفعلين فقد جمع بين الذاتين ، وخرج إلى الشك والشرك بالله ، وبرئ من التوحيد والإيمان ، وصار حكمه في ذلك حكم من أشرك وامترى فشك (ر ، أ ، ١٢٦ ، ١٠)

ـ التوحيد : قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن رسول الله ، صلوات الله عليه وآبائه الطاهرين وسلامه : أول ما يجب على العبد أن يعلم أنّ الله واحد أحد ، صمد فرد ، ليس له شبيه ولا نظير ولا عديل ، ولا تدركه الأبصار في الدنيا ولا في الآخرة ، وذلك أنّ ما وقع عليه البصر فمحدود ضعيف محوى محاط به ، له كلّ وبعض ، وفوق وتحت ، ويمين وشمال ، وأمام وخلف ، وأن الله" سبحانه" لا يوصف بشيء من ذلك (ي ، ر ، ٦٤ ، ٢)

ـ الخوارج جميعا يقولون بخلق القرآن ، والإباضيّة تخالف المعتزلة في التوحيد في الإرادة فقط لأنّهم يزعمون أنّ الله سبحانه لم يزل مريدا لمعلوماته التي تكون أن تكون ، ولمعلوماته التي لا تكون أن لا تكون ، والمعتزلة إلّا" بشر بن المعتمر" ينكرون ذلك (ش ، ق ، ١٢٤ ، ٦)

ـ إنّ لله أسماء ذاتيّة يسمّى بها نحو قوله الرحمن ، وصفات ذاتيّة بها يوصف نحو العلم بالأشياء والقدرة عليها ، لكنّ الوصف له منّا ، والاسم إنّما هو بما يحتمله وسعنا وتبلغه عبارتنا بالضرورة ... فيدلّك أنّ الأسماء التي نسمّيه بها عبارات عمّا يقرّب إلى الأفهام ، لا أنّها في الحقيقة أسماؤه. ولما تأخذ القلوب منها معاني يتعالى عنها قرن بالتسمية حرف نفي ، فجعل التوحيد إثبات ذات في ضمن نفي ، ونفيا في ضمن إثبات على ما فسرت ، وبالله التوفيق (م ، ح ، ٩٤ ، ٢)

ـ التوحيد معرفة الله تعالى بالوحدانيّة ، ومحلّه السر وهو داخل الفؤاد وهذا معنى قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ) (النور : ٣٥) الآية جعل الله الصدر بمنزلة المشكاة ، والقلب بمنزلة الزجاجة ، والفؤاد بمنزلة المصباح ، والسر بمنزلة الشجرة ، وداخل السر موضع يقال له خفي وهو موضع نور الهداية (م ، ف ، ٦ ، ١٥)

ـ التوحيد له (لله) هو : الإقرار بأنّه ثابت موجود ، وإله واحد فرد معبود ، ليس كمثله شيء ؛ على ما قرر به قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (البقرة : ١٦٣) وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ب ، ن ، ٢٣ ، ٣)

ـ اعلم أنّ إحدى قواعد الأصول في التوحيد عنده إثبات جملة الحوادث منتسبة إلى قدرة واحد أحدثها من العدم إلى الوجود ، وأنّ خلاف ذلك نوع من الإشراك بالله تعالى. وكان يقول إنّ إحداث الفعل دلالة على قدرة محدثه ، وإحكامه دلالة على علمه ، وكونه على بعض الوجوه دون بعض دلالة على إرادته (أ ، م ، ٣٨ ، ٨)

ـ ثم ينظر في أنّه (الله) لو كان معه ثان لتمانعا ، وهذا يؤدي إلى الضعف الذي لا يجوز إلّا على الأجسام ، فيحصل له العلم بأنّه واحد لا ثاني له يشاركه في القدم والإلهيّة ، فيكون قد حصل له العلم بكمال التوحيد (ق ، ش ، ٦٦ ، ١١)

ـ إنّ التوحيد في أصل اللغة عبارة عمّا به يصير الشيء واحدا ، كما أنّ التحريك عبارة عما به يصير الشيء متحرّكا ، والتسويد عبارة عما به يصير الشيء أسود. ثم يستعمل في الخبر عن كون الشيء واحدا لمّا لم يكن الخبر صدقا إلّا وهو واحد ، فصار ذلك كالإثبات ، فإنّه في أصل اللغة عبارة عن الإيجاب ، يقال أثبت لهم في القرطاس ، أي أوجدته فيه. ثم يستعمل في الخبر عن وجود الشيء ، فيقال إنّ فلانا يثبت الأعراض أي يخبر عن وجودها ، لمّا لم يكن الخبر عنها صدقا إلّا وهي موجودة. فأمّا في اصطلاح المتكلّمين ، فهو العلم بأنّ الله تعالى واحد لا يشاركه غيره فيما يستحقّ من الصفات نفيا وإثباتا على الحدّ الذي يستحقّه والإقرار به. ولا بدّ من اعتبار هذين الشرطين : العلم ، والإقرار جميعا. لأنّه لو علم ولم يقرّ ، أو أقرّ ولم يعلم ، لم يكن موحّدا (ق ، ش ، ١٢٨ ، ٢)

ـ إنّ الغرض بالتوحيد هو تفرّده عزوجل بصفات لا ثاني له في استحقاقها؟ ولكن لا يتمّ هذا دون العلم بحدوث الأجسام وحاجتها إلى محدث وإثباته جلّ وعزّ محدثا لها دون غيره. ثم بيان الصفات التي تثبت له لذاته وما يستحيل عليه فيجب أن نعرف هذه الجملة أولا. وإذا ثبتت فقد عرف التوحيد (ق ، ت ١ ، ١١ ، ٩)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله : إنّ التوحيد هو ما يصير به الواحد واحدا ، كما أن التحريك هو

ما يصير به المتحرّك متحرّكا. ثم أجروا ذلك على الخبر والعلم ، فجعلوا الإخبار بأنه تعالى واحد ، والعلم بذلك من حاله توحيدا ، وذلك بمنزلة قولهم"" ظلمت زيدا" إنّه وإن كان بزنة حركته ، فالمراد بذلك أنّه وصفه بأنّه ظالم. فقول القائل : " الله واحد" و" لا إله إلّا الله" توحيد ؛ لأنّه خبر عن كونه واحدا ، ويجري ذلك على العلم بأنّه واحد ، وبأنّه مختصّ بسائر صفاته على وجه لا يشاركه فيها ، أو في جهة استحقاقها ، غيره ، في تعارف المتكلّمين ؛ ولذلك يقولون هذا علم التوحيد ، وهذه علوم العدل ، يقصدون به الوجه الذي قدّمناه (ق ، غ ٤ ، ٢٤٢ ، ٤)

ـ تجاهل عبّاد وقال : إنّ قول" لا إله إلا الله" ليس بتوحيد ، لأنّه لو كان توحيدا ، لكان فرضا في كل حال ، وفي علمنا بأنّه في كثير من الأحوال ليس بفرض ، دلالة على أنّه ليس بتوحيد. قال : ولو كان توحيدا ، لوجب أن يكون أعظم من سائر الطاعات المفروضة وغيرها ؛ لأنّ التوحيد أعظم من غيره ، وذلك لا يصحّ في قول" لا إله إلا الله". وأظنّه جعل التوحيد المعرفة بالله من حيث اعتقد فيه أنّه فرض في كل حال (ق ، غ ٤ ، ٢٤٢ ، ١٧)

ـ اعلم .. أنّ أصول الدين لا بدّ فيها من معارف ضروريّة ، وقد ينضاف إليها معارف مكتسبة ، وربما حصل فيها معارف يلتبس حالها ، في جواز دخولها تحت الأمرين ؛ لأنّ الطريقة فيها لا تنجلي ، وعلى هذا الوجه يبنى الكلام في التوحيد ، لأنّه مبني على العلم بالأفعال ، التي هي الجواهر ، والأعراض ، ولا بدّ من أن تعرف الجواهر ، وأحوالها ، وما يجوز عليها ، وما لا يجوز ، باضطرار ؛ وإن كان طريقة الاضطرار في ذلك تختلف ، ثم ينضاف إلى ذلك المكتسب ، أو المشتبه ، أو هما جميعا (ق ، غ ١٦ ، ١٤٣ ، ٨)

ـ التوحيد في أصل موضوع اللغة ما به يصير الشيء واحدا. كالتحريك والتسكين ، ثم استعمل في العرف في هذا العلم الذي ذكرناه. وإنّما يسمّى المرء موحّدا إذا اكتسب من العلم ما هذا سبيله ، ولذلك لو كان هذا العلم ضروريا. لكان لا يسمّى توحيدا. والله تعالى لا يلزم أن يوصف بأنّه موحّد ، وإن كان فيما لم يزل عالما بأنّه واحد. ثم يقال له إن كان هذا العلم لا يسمّى توحيدا. فما التوحيد عندك (ن ، م ، ٣٢٣ ، ٢)

ـ النظر في نفي تشبيه الله تعالى بخلقه نظر في توحيد الله تعالى ، وهو ويجب المعرفة بالله تعالى (ن ، م ، ٣٢٤ ، ٦)

ـ أما التوحيد فقد قال أهل السنّة ، وجميع الصفاتيّة : إنّ الله تعالى واحد في ذاته لا قسيم له. وواحد في صفاته الأزليّة لا نظير له ، وواحد في أفعاله لا شريك له (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٣)

ـ قال أهل العدل : إنّ الله تعالى واحد في ذاته ، لا قسمة ولا صفة له ، وواحد في أفعاله لا شريك له. فلا قديم غير ذاته ، ولا قسيم له في أفعاله. ومحال وجود قديمين ، ومقدور بين قادرين ، وذلك هو التوحيد (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٧)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ كلامه محدث مخلوق في محل. وهو حرف وصوت كتب أمثاله في المصاحف حكايات عنه. فإنّ ما وجد في المحل عرض قد فنى في الحال. واتّفقوا على أنّ الإرادة والسمع والبصر ليست معاني قائمة بذاته ، لكن اختلفوا في وجوه وجودها ،

ومحامل معانيها كما سيأتي. واتّفقوا على نفي رؤية الله تعالى بالأبصار في دار القرار ، ونفي التشبيه عنه من كل وجه : جهة ، ومكانا ، وصورة ، وجسما ، وتحيّزا ، وانتقالا ، وزوالا ، وتغيّرا ، وتأثّرا. وأوجبوا تأويل الآيات المتشابهة فيها. وسمّوا هذا النمط : توحيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٧)

ـ أما قوله (عليّ) وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، فهو تصريح بالتوحيد الذي تذهب إليه المعتزلة ، وهو نفي المعاني القديمة التي تثبتها الأشعريّة وغيرهم. قال عليه‌السلام لشهادة إنّ كل صفة غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنّه غير الصفة ، وهذا هو دليل المعتزلة بعينه (أ ، ش ١ ، ٢٤ ، ١٥)

ـ في هذا الفصل على خصره ثمانية مسائل من مسائل التوحيد ، الأولى أنّه لا ثاني له سبحانه في الإلهيّة ، والثانية أنّه قديم لا أوّل له. فإن قلت ليس يدلّ كلامه على القدم لأنّه قال الأوّل لا شيء قبله فيوهم كونه غير قديم بأن يكون محدثا ، وليس قبله شيء لأنّه محدث عن عدم والعدم ليس بشيء ، قلت إذا كان محدثا كان له محدث ، فكان ذلك المحدث قبله ، فثبت أنّه متى صدق أنّه ليس شيء قبله صدق كونه قديما. والثالثة أنّه أبدي لا انتهاء ولا انقضاء لذاته. والرابعة نفي الصفات عنه أعني المعاني. والخامسة نفي كونه مكيّفا لأنّ كيف إنّما يسأل بها عن ذوي الهيئات والأشكال وهو منزّه عنها. والسادسة أنّه غير متبعّض لأنّه ليس بجسم ولا عرض. والسابعة أنّه لا يرى ولا يدرك. والثامنة أنّ ماهيّته غير معلومة وهو مذهب الحكماء وكثير من المتكلّمين من أصحابنا وغيرهم. وأدلّة هذه المسائل مشروحة في كتبنا الكلامية ، واعلم أنّ التوحيد والعدل والمباحث الشريفة الإلهية ما عرفت إلّا من كلام هذا الرجل وأنّ كلام غيره من أكابر الصحابة لم يتضمّن شيئا من ذلك أصلا ولا كانوا يتصوّرونه ، ولو تصوّروه لذكروه وهذه الفضيلة عندي أعظم فضائله عليه‌السلام (أ ، ش ٢ ، ١٢٠ ، ٢٣)

ـ قد سئل (علي) عن التوحيد والعدل فقال : التّوحيد أن لا تتوهّمه والعدل أن لا تتّهمه. هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لتفهيم المعاني القديمة التي يثبّتها الأشعري وأصحابه ، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح. ومعنى قوله أن لا تتوهّمه أي أن لا تتوهّمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم ، أو نورا من الأنوار وقوّة سارية في جميع العالم كم قاله قوم ، أو من جنس الأعراض التي تحلّ المحال أو محلّا الحل ، وليس بعرض كما قاله النصارى وغلاة الشيعة ، أو تحلّه المعاني والأعراض ، فمتى توهّم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد ، وذلك لأنّ كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل لحال مختصّ بجهة لا بدّ أن يكون منقسما في ذاته لا سيّما على من نفى الجزء مطلقا ، وكل منقسم فليس بواحد وقد ثبت أنّه واحد. وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة ونفي ثان في الإلهيّة ونفي الرؤية ونفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذّا أو آلما أو عالما بعلم محدث ، أو قادرا بقدرة محدثة أو حيّا بحياة محدثة أو نفي كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا على كل الأجناس ، وغير ذلك من مسائل الكلام

التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول وهو التوحيد (أ ، ش ٤ ، ٥٢٢ ، ٦)

ـ التوحيد في اللغة : الحكم بأنّ الشيء واحد والعلم بأنّه واحد ، وفي اصطلاح أهل الحقيقة تجريد الذات الإلهيّة عن كل ما يتصوّر في الأفهام ويتخيّل في الأوهام والأذهان (ج ، ت ، ٩٩ ، ٣)

ـ التوحيد : ثلاثة أشياء معرفة الله تعالى بالربوبيّة ، والإقرار بالوحدانيّة ، ونفي الأنداد عنه جملة (ج ، ت ، ٩٩ ، ٦)

ـ التوحيد : هو ، لغة ، الإفراد ، واصطلاحا : قال الوصيّ (عليه‌السلام) : التوحيد أن لا تتوهّمه (ق ، س ، ٦٤ ، ٢)

توسّع

ـ الفقهاء يقولون في لفظ الأمر : إنّه نهي وتهديد ، وهذا توسّع لأنّ الأمر لا يكون نهيا ، ولا لفظ النهي يكون لفظا للأمر ، وإنّما المراد بذلك أنّ الأمر يراد به بالنهي فيفيد فائدة النهي ، ويكون مستعملا في ذلك على طريقة التوسّع ، كما يذكر الشيء ويراد به غيره ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (يوسف : ٨٢) إلى غير ذلك ، لأنّه إذا جاز في اللفظ الموضوع لشيء أن يراد به غيره لم يمتنع أن يراد بالكلمة بعض ما تتناوله مع غيره على جهة المجاز ، وهذا موجود في اللغة ، على ما قدّمناه في باب العموم (ق ، غ ١٧ ، ٢٥ ، ١٦)

توفير الثواب

ـ قد تقرر أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ليصحّ توفير الثواب على من يستحقّه إذ لو اتّصل التكليف لامتنع إيصال هذا الحقّ على الوجه الذي يستحقّ ، لأنّ من شأن التكليف أن لا يخلو من مشقّة ومن شأن الثواب أن يخلص من كل ما يشوب. فلم يكن بدّ من أن ينقطع التكليف. ووجب أيضا أن يكون انقطاعه عن حال الثواب على حدّ تزول معه طريقة الإلجاء وما يجري مجراه. ولا يكون كذلك إلّا بتراخ بين الحالين بعيد ، لأنّه مهما اتّصل الثواب بالتكليف كان الذي يدعو المكلّف إلى فعل الطاعات ما يرجوه من النفع أو دفع الضرر فلا يكون فاعلا لها للوجه الذي له وجبت. فحصل من هذه الجملة أنّه لا بدّ من انقطاع التكليف ومن أن يكون الانقطاع على هذا الحدّ من التراخي والتطاول. وقد كان يصحّ أن ينقطع التكليف عن المكلّف بفناء حياته أو بزوال عقله أو بحصوله خلل في بعض شروط تكليفه ، لأنّ بكل ذلك يرتفع التكليف ويحصل الغرض الذي بيّناه. لكنّ الدلالة قد دلّت على أنّ التكليف آخرا ينقطع بفناء الأجسام جملة فأوجبناه لأجل ذلك. ثم حكمنا بعد الفناء بالإعادة على الحدّ الذي يصحّ توفير الثواب على المعاد (ق ، ت ٢ ، ٢٨٥ ، ٤)

ـ قد بيّنا من قبل أنّه لا يجوز أن يكون العبد مكلّفا مع الإلجاء ، وكشفنا القول فيه. فإذا ثبت ذلك فلو أنّه ـ تعالى ـ أثابه في حال التكليف لاقتضى ذلك كونه ملجأ إلى فعل الطاعة التي استحقّ بها ذلك الثواب ، وذلك يزيل التكليف. يبيّن ذلك أنّ من شاهد مثل نعيم أهل الجنّة ثم قيل له : إن أدمت الصلاة أعطيت ما شاهدت فلا بدّ من أن يصير ملجأ إلى فعل الصلاة ليجتلب بها هذه المنافع الحاضرة ، وذلك يؤدّي إلى ألّا يستحقّ ذلك الثواب بهذه الصلاة ، وهو الذي أردناه بقولنا : إنّ توفير الثواب يزيل التكليف (ق ، غ ١١ ، ٥٢٠ ، ٨)

توفيق

ـ قال قائلون : التوفيق من الله سبحانه ثواب يفعله مع إيمان العبد ، ولا يقال للكافر موفّق وكذلك التسديد (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١١)

ـ قال قائلون : التوفيق هو الحكم من الله أنّ الإنسان موفّق وكذلك التسديد (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١٣)

ـ قال" جعفر بن حرب" : التوفيق والتسديد لطفان من ألطاف الله سبحانه لا يوجبان الطاعة في العبد ولا يضطرّانه إليها ، فإذا أتى الإنسان بالطاعة كان موفّقا مسدّدا (ش ، ق ، ٢٦٢ ، ١٥)

ـ قال" الجبّائي" : التوفيق هو اللطف الذي في معلوم الله سبحانه أنّه إذا فعله وفّق الإنسان للإيمان في الوقت ، فيكون ذلك اللطف توفيقا لأن يؤمن ، وأنّ الكافر إذا فعل به اللطف الذي يوفّق للإيمان في الوقت الثاني فهو موفّق لأن يؤمن في الثاني ، ولو كان في هذا الوقت كافرا ، وكذلك العصمة عنده لطف من ألطاف الله (ش ، ق ، ٢٦٣ ، ١)

ـ قال أهل الإثبات : التوفيق هو قوة الإيمان وكذلك العصمة (ش ، ق ، ٢٦٣ ، ٦)

ـ يقال لهم (المعتزلة) : أليست استطاعة الإيمان نعمة من الله عزوجل وفضلا وإحسانا؟ فإذا قالوا : نعم. قيل لهم : فما أنكرتم أن يكون توفيقا وتسديدا فلا بدّ من الإجابة إلى ذلك. ويقال لهم : فإذا كان الكافرون قادرين على الإيمان فما أنكرتم أن يكونوا موفّقين للإيمان ، ولو كانوا موفّقين مسدّدين لكانوا ممدوحين ، وإذا لم يجز ذلك لم يجز أن يكونوا على الإيمان قادرين ، ووجب أن يكون الله عزوجل اختصّ بالقدرة على الإيمان المؤمنين (ش ، ب ، ١٣٦ ، ٨)

ـ إنّ التوفيق للإيمان مخلوق ، وهو إنعام الله تعالى على المؤمنين بالإيمان وذلك هو قدرة الإيمان (أ ، م ، ١٢٣ ، ١٨)

ـ إنّ اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنّب القبيح ، أو ما يكون عنده أقرب إمّا إلى اختيار أو إلى ترك القبيح. والأسامي تختلف عليه فربما يسمّى توفيقا ، وربما يسمّى عصمة ، إلى غير ذلك (ق ، ش ، ٥١٩ ، ٣)

ـ أمّا التوفيق ، فهو اللطف الذي يوافق الملطوف فيه في الوقوع ، ومنه سمّي توفيقا. وهذا الاسم قد يقع على من ظاهره السداد ، وليس يجب أن يكون مأمون الغيب حتى يجري عليه ذلك (ق ، ش ، ٧٨٠ ، ٨)

ـ اعلم أنّ" التوفيق" هو اللطف إذا اتّفق عنده من العبد الطاعة والإيمان ويقال لفاعله عند ذلك ، إنّه قد وفقه ، وإن كان من قبل لا يوصف بذلك ، كما يوصف فعل زيد بأنّه موافقة إذا تقدّم فعل عمرو ، ولولاه لم يوصف بذلك ، فمتى وصفناه تعالى بأنّه وفق العبد فالمراد أنّه فعل لما يدعوه إلى اختيار الطاعة ، وأنّه اختاره ، فوافق وقوعه ما فعله تعالى ، واتّفقا في الوجود ، فصار تعالى موفّقا وصار هو موفّقا. فإذا صحّ ذلك فيجب أن يكون المراد بقوله : (يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُما) (النساء : ٣٥) أنّه تعالى عند إرادتهما الإصلاح ، يفعل من الألطاف ما يدعو إلى قبولهما ، فمتى قبلا كان موفقا بينهما ، فكيف يصحّ تعلّق القوم بهذا الظاهر؟ (ق ، م ١ ، ١٨٤ ، ٧)

ـ اعلم أنّ اللطف إذا صادف وجوده اختيار المكلّف للطاعة ، وصف بأنّه توفيق ، لأنّها وافقته في الوجود والوقوع على وجه لولاه لم

تحصل هذه الموافقة ، فلهذه العلّة يوصف بأنّه توفيق. وخصّ بذلك ما يقع لأجله الخير دون الشر ؛ لا من حيث اللغة ، ولكن للاصطلاح (ق ، م ٢ ، ٧٣٥ ، ١١)

ـ اعلم أنّه يفيد فيه موافقة الطاعة له ، بأن دخلت في الحدوث والوقوع. فمتى حصل للطف هذا الحكم ، وصف بأنّه توفيق ؛ ومتى لم يحصل له ذلك لم يوصف بهذه الصفة ، ولذلك لا نصف اللطف في حال حدوثه بأنّه توفيق لإفراده بحدوثه عن حدوث الطاعة ، حتى إذا حدثت الطاعة من بعد يوصف بذلك ، وكذلك لا نصف اللطف الذي لا تحدث الطاعة عنده البتّة بأنّه توفيق في حال من الأحوال نحو اللطف الذي لا يعلم من حاله أنّه ستختار الطاعة عنده لا محالة. لكنه إنّما يكون لطفا بأن يكون مقرّبا لفاعله ، ويكون أقرب إلى أن يختاره عنده. لكن المعلوم أنه يعدل عن اختياره لسوء تدبيره. وهذه اللفظة (التوفيق) في أنّها من جهة الاصطلاح أخصّ منها من جهة اللغة بمنزلة اللطف فيما قدّمناه ، لأنّ أهل اللغة لا يخصّون بذلك ما ذكرناه دون غيره. ولهذا استعمل شيوخنا رحمهم‌الله التوفيق فيما تختار عنده الطاعة ، ولم يستعملوه فيما يختار عنده القبيح أو المباح ، وإن كان لا فرق بين ذلك أجمع من حيث اللغة (ق ، غ ١٣ ، ١٢ ، ١٠)

ـ القوّة التي ترد من الله تعالى على العبد فيفعل بها الخير تسمّى بالإجماع توفيقا وعصمة وتأييدا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٢)

ـ التوفيق خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٢)

ـ صرف المعتزلة التوفيق إلى خلق لطف يعلم الرّب تعالى أنّ العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٣)

ـ قالت المعتزلة التوفيق من الله تعالى إظهار الآيات في خلقه الدالّة على وحدانيّته ، وإبداع العقل والسمع والبصر في الإنسان ، وإرسال الرسل وإنزال الكتب لطفا منه تعالى ، وتنبيها للعقلاء من غفلتهم وتقريبا للطرق إلى معرفته وبيانا للأحكام تمييزا بين الحلال والحرام ، وإذا فعل ذلك فقد وفّق وهدى وأوضح السبيل وبيّن المحجّة وألزم الحجّة (ش ، ن ، ٤١١ ، ١١)

ـ قالت الأشعريّة التوفيق والخذلان ينتسبان إلى الله تعالى نسبة واحدة على جهة واحدة ، فالتوفيق من الله تعالى خلق القدرة الخاصة على الطاعة والاستطاعة إذا كانت عنده مع الفعل ، وهي تتجدّد ساعة فساعة ، فلكل فعل قدرة خاصّة ، والقدرة على الطاعة صالحة لها دون ضدّها من المعصية ، فالتوفيق خلق تلك القدرة المتّفقة مع الفعل (ش ، ن ، ٤١٢ ، ٢)

ـ العدليّة : والتوفيق هو اللطف في الفعل ، والخذلان منع اللطف ممن لا يلتطف. الحاكم : عقوبة. قلت : فيه نظر. المجبرة : بل التوفيق خلق الطاعة ، والخذلان خلق المعصية. قلنا : على أصل فاسد (م ، ق ، ١٠٥ ، ١٠)

توكل

ـ إنّ الله إنّما أمر بالتوكّل عند انقطاع الحيل والتسليم للقضاء بعد الإعذار. بذلك أنزل كتابه وأمضى سنّته ، فقال (خُذُوا حِذْرَكُمْ) (النساء : ٧١) (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (البقرة : ١٩٥). وقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

وسلّم" اعقلها وتوكّل" (ج ، ر ، ١٨ ، ١٣)

ـ إنّ التوكّل على الله تعالى واجب ، وإنّه من صفات المؤمن ، وذلك يقتضي الرجوع إليه تعالى في طلب الرزق والمنافع ، ودفع المضارّ ، بالوجوه التي تحلّ ، لأنّ هذا هو التوكّل ، دون ما يقوله الجهال من أنه العدول عن طريق المكاسب وإهمال النفس (ق ، م ١ ، ٣١٣ ، ١٦)

ـ قوله تعالى : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال : ٢) يدلّ على أنّ العبد يفعل ، لأنّ توكله عليه إنّما هو بأن يطلب الشيء من جهته ولا يعدل عنه إلى غير وجهه ، ولو لم يكن فاعلا لما صحّ ذلك فيه ، كما لا يصحّ أن يتوكّل على الله في لونه وسائر ما اضطرّ إليه. ومن وجه آخر : وهو أنّه تعالى بيّن أنّ توكّل المؤمن على الله هو كالسبب في أنّ لا سلطان له عليه ، ولا يكون كذلك إلّا بأن يكون داعيا له إلى الطاعات ، ولو كان تصرّفه خلقا لله تعالى لما صحّ ذلك فيه (ق ، م ٢ ، ٤٥٤ ، ١٨)

ـ إنّ التوكّل ليس هو التكاسل ، وإنّما هو طلب الرزق من جهته وتوطين النفس على ترك الجزع من قوته لعلمه أنّه لا يتأخّر عنه إلّا لضرب من الصلاح. فأمّا القعود عن الطلب فليس يعدّ توكّلا. وعلى ذلك قال النبيّ صلى الله عليه : " لو توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتروح بطانا" فأثبتها متوكّلة مع الغدو والرواح (ق ، ت ٢ ، ٤٢٩ ، ١١)

ـ أمّا التوكّل فهو طلب الشيء من جهته تعالى بالوجه الذي أباح الطلب به ، وألا يجزع إذا لم يعط ، ولا يعدل في طلب المنافع عن جهة الحلال إلى الحرام. فمتى فعل ذلك كان متوكّلا عليه تعالى (ق ، غ ١١ ، ٤٥ ، ١)

ـ شرط في التوكّل الإسلام وهو أن يسلموا نفوسهم لله : أي يجعلوها له سالمة خالصة لا حظّ للشيطان فيها ، لأنّ التوكّل لا يكون مع التخليط ، ونظيره في الكلام : إن ضربك زيد فاضربه إن كانت بك قوة (فَقالُوا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) (يونس : ٨٥) إنّما قالوا ذلك لأنّ القوم كانوا مخلصين لا جرم أنّ الله سبحانه قبل توكّلهم وأجاب دعاءهم ونجّاهم وأهلك من كانوا يخافونه وجعلهم خلفاء في أرضه ، فمن أراد أن يصلح للتوكّل على ربّه والتفويض إليه فعليه برفض التخليط إلى الإخلاص (ز ، ك ٢ ، ٢٤٩ ، ١٣)

ـ التوكّل : تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضرّه ، وقالوا : المتوكّل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما هو معصية لله ، فعلى هذا إذا وقع الإنسان في محنة ثم سأله غيره خلاصه لم يخرج من حدّ التوكّل لأنّه لم يحاول دفع ما نزل به عن نفسه بمعصية الله. وفي مصاحف أهل المدينة والشام فتوكّل ، وبه قرأ نافع وابن عامر وله محملان في العطف أن يعطف على ، فقل أو فلا تدع (ز ، ك ٣ ، ١٣٢ ، ٤)

ـ أمره بالتوكّل على الله وقلّة المبالاة بأعداء الدين ، وعلّل التوكّل بأنّه على الحق الأبلج الذي لا يتعلّق به الشكّ والظنّ ، وفيه بيان أنّ صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع الله وبنصرته وأنّ مثله لا يخذل (ز ، ك ٣ ، ١٥٩ ، ١٣)

توكيد

ـ أمّا التوكيد فقد بيّنا أنّه لا يغيّر حال الكلام ، ولا يوجب أنّه مع التوكيد يدلّ بخلاف دلالته إذا تعرّى عنه (ق ، غ ١٧ ، ٤٣ ، ١٣)

تولّد

ـ كان يزعم (ضرّار) أنّ كل ما تولّد عن فعله كالألم الحادث عن الضربة وذهاب الحجر الحادث عن الدفعة فعل لله سبحانه وللإنسان (ش ، ق ، ٢٨١ ، ١١)

ـ ما تولّد عن فعلنا كنحو الأحر (؟) الحادث من البياض ، والحمرة وطعم الفالوذج عند جمع النشأ والسكّر وإنضاجه ، وكنحو الرائحة الحادثة والألم الحادث عند الضرب ، واللّذة الحادثة عند أكل الشيء ، وخروج الروح الحادث عند الوجبة ، وخروج النطفة الحادث عند الحركة ، وذهاب الحجر عند الدفعة ، وذهاب السهم عند الإرسال ، والإدراك الحادث إذا فتحنا أبصارنا ، كل ذلك فعلنا حادث عن الأسباب الواقعة منّا ، وكذلك انكسار اليد والرجل الحادث عند السقوط فعل من أتى بسببه ، وكذلك صحّة اليد بالجبر وصحّة الرجل بالجبر فعل الإنسان (ش ، ق ، ٤٠١ ، ٥)

ـ قال" ثمامة" : لا فعل للإنسان إلّا الإرادة ، وأنّ ما سواه حدث لا من محدث ، كنحو ذهاب الحجر عند الدفعة وما أشبه ذلك ، وزعم أنّ ذلك يضاف إلى الإنسان على المجاز (ش ، ق ، ٤٠٧ ، ٩)

ـ قال" ضرّار" و" حفص الفرد" : ما تولّد من فعلهم مما يمكنهم الامتناع منه متى أرادوا فهو فعلهم ، وما سوى ذلك مما لا يقدرون على الامتناع منه متى أرادوا فليس بفعلهم ، ولا وجب لسبب وهو فعلهم (ش ، ق ، ٤٠٧ ، ١٤)

ـ كان" ضرّار بن عمرو" يزعم أنّ الإنسان يفعل في غير حيّزه وأنّ ما تولّد عن فعله في غيره من حركة أو سكون فهو كسب له خلق لله عزوجل ، وكل أهل الإثبات غير" ضرّار" يقولون : لا فعل للإنسان في غيره ويحيلون ذلك (ش ، ق ، ٤٠٨ ، ٥)

ـ إنّ ما يتولّد عن السبب فهو من فعل فاعل السبب ؛ وذلك يوجب كونه محدثا له ، وإن كان قد أحدثه بواسطة (ق ، غ ٥ ، ٧٦ ، ١٤)

ـ زعموا (القدريّة) أيضا أنّ فاعل السبب لو مات عقيب المسبّب ثم تولّد من ذلك السبب فعل بعد مائة سنة لصار ذلك الميّت فاعلا له بعد موته وافتراق أجزائه بمائة سنة (ب ، أ ، ١٣٨ ، ١)

ـ ما تولّد عن فعل فاعل ، فهو فعل الله عزوجل ، لمعنى أنّه خلقه ، وهو فعل ما ظهر منه بمعنى أنّه ظهر منه (ح ، ف ٥ ، ٦٠ ، ١٧)

ـ ما تولّد من فعل العبد فهو فعله ، غير اللون والطعم والرائحة وكل ما لا يعرف كيفيّته (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ٨)

تولّد

ـ ثم قال (ابن الروندي) : وجميع من وافقه (أبو الهذيل) من المعتزلة على تثبيت التولّد يزعمون أنّ الموتى يقتلون الأحياء الأصحاء الأشداء على الحقيقة دون المجاز ، وأنّ المعدومين يقتلون الموجودين ويخرجون أرواحهم من أجسادهم على التحقيق دون الاتساع والإطلاق. فنقول ـ والله الموفق للصواب ـ إن أراد بقوله : إنّ الموتى يقتلون الأصحاء ، وإنّ المعدومين يقتلون الموجودين ، أن الموتى يباشرون العمل بجوارحهم وسيوفهم فيضربون الأعناق ، فهذا محال وليس هذا قول أحد من المعتزلة ولا من غيرهم. وإن أراد أنّ الأحياء القادرين على الأفعال يفعلون في حال حياتهم

وصحتهم وسلامتهم وقدرتهم أفعالا تتولّد عنها أفعال بعد موتهم فينسب ما يتولّد عن أفعالهم بعد موتهم إليهم ، إذ كانوا قد سنّوه في حياتهم وفعلوا ما أوجبه. وذلك كرجل أرسل حجرا من رأس جبل فهوى إلى الأرض ثم إنّ الله أمات المرسل للحجر قبل أن يصل الحجر إلى الأرض. فنقول : إنّ هويّ الحجر بعد موت المرسل متولّد عن إرساله إيّاه ، فهو منسوب إليه دون غيره. وكذلك نقول في رجل نزع (في) قوسه يريد الهدف فلمّا خرج السهم عن قوسه أمات الله الرامي ؛ فنقول : إنّ ذهاب السهم بعد الرامي متولّد عن رميته فهو منسوب إليه لا إلى غيره (خ ، ن ، ٦٠ ، ٩)

ـ إنّ ذهاب السهم منسوب إلى الرامي به دون غيره إذ كان هو المسبّب له. ثم إنّي أعلمك ـ علمك الله الخير ـ أنّ صاحب الكتاب (ابن الروندي) داخل في كل ما شنّع به على من أثبت التولّد من المعتزلة. وذاك أنّا نقول له : حدّثنا عن إنسان نزع في قوسه فلمّا فصل السهم من يده أماته الله أو أفناه وأعدمه ، ثم إنّ السهم بعد ذلك وصل إلى إنسان فقتله : حدّثنا من القاتل له؟ فمن قوله : " إنّ الرامي القاتل له وقتله إيّاه هو الإرادة لأن يرميه بالسهم غير أنّه لا يسمّى قاتلا ولا تسمّى تلك الإرادة قتلا حتى يصل السهم إلى المرمى وتخرج روحه من جسده". يقال له : فإذا كان السهم إنّما وصل إلى المرميّ وخرجت روحه بعد أن أمات الله الرامي أو أعدمه ، أفلست قد سمّيته قاتلا وهو ميت وهو قاتل للحي ، وأنّ المعدوم يسمّى قاتلا للموجود الحيّ القادر؟ وهذا ما أنكرته على أبي الهذيل وعلى من أثبت التولد من المعتزلة (خ ، ن ، ٦١ ، ١٣)

ـ قول أبي الهذيل وبشر بن المعتمر وهشام الفوطي ومن يثبت التولد أنّ الإنسان إذا شجّ رجلا أو جرحه أو قتله : الشجة موجودة في رأس المشجوج والجراحة موجودة في المجروح والقتل موجود في المقتول والقتل يغيّر من حلّه عما كان عليه ، والشيء لا يتغيّر إلّا بتغيّر حلّه دون غيره (خ ، ن ، ١٢٢ ، ٣)

ـ المعتزلة القائلين بالتولّد : إنني أعلم حدوث الألم وذهاب السهم والحجر متولّدين عن الرمي والدفع والاعتماد ؛ وكذلك الكسر والقطع وتأليف الأجسام عند حركات البنّائين واعتمادهم ؛ وإنني أشاهده وأحسّه ، اضطرارا (ب ، ت ، ٥٩ ، ٥)

ـ إنّ الفاعل في غيره على سبيل التولّد لا يفعل فيه إلا بأن يماسّه أو يماسّ ما ماسّه ؛ ومحال عند أصحاب التولد أن يخترع فيه الفعل اختراعا بغير مماسة له ولا مماسة لا ماسّه (ب ، ت ، ٦٧ ، ١١)

ـ من مذهبه (الأشعري) في باب التولّد أنّه كان ينكر أن يتولّد العرض عن العرض ، وأنّه كان يقول إنّ الحوادث كلّها مخترعة مختارة ابتداء لله تعالى من غير أن يكون فيها شيء مولّدا لشيء أو حادث موجبا لحادث أو مسبّب مقتضى عن سبب. وكان ينكر قول من ذهب إلى القول بالطبع والطبيعة وإنّهما يوجبان ويسبّبان ويولّدان ، ويجمع بين الطبائعيين والمعتزلة في الردّ عليهم وإنكار مذهبهم في باب التولّد والطبيعة ، ويقول إنّ أحد القولين مشتقّ من صاحبه وإنّ من أنكر منهم فعل الطبيعة وأجاز التولّد فقد ناقض (أ ، م ، ٢٨٢ ، ١٨)

ـ من فضائح بشر : إفراطه بالقول في التولّد ،

حتى زعم أنّه يصحّ من الإنسان أن يفعل الألوان والطعوم والروائح والرؤية والسمع وسائر الإدراكات على سبيل التولّد إذا فعل أسبابها ، وكذلك قوله في الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة (ب ، ف ، ١٥٧ ، ١٧)

ـ بكر بن أخت عبد الواحد بن زيد وكان يوافق النّظّام في دعواه أنّ الإنسان هو الروح دون الجسد الذي فيه الروح ، ويوافق أصحابنا في إبطال القول بالتولّة ، وفي أن الله تعالى هو مخترع الألم عند الضرب ، وأجاز وقوع الضرب من غير حدوث ألم ، وكذا القطع كما أجاز ذلك أصحابنا (ب ، ف ، ٢١٢ ، ١٥)

ـ زعم أكثر القدريّة أنّ الإنسان قد يفعل في نفسه فعلا يتولّد منه فعل في غيره ويكون هو الفاعل لما تولّد ، كما أنّه هو الفاعل لسببه في نفسه (ب ، أ ، ١٣٧ ، ١٢)

ـ زعم معمّر أنّ الأعراض كلّها من فعل الأجسام إمّا طباعا وإمّا اختيارا. وأجاز بشر بن المعتمر أنّ الواحد منّا يصحّ أن يفعل اللون منّا فعل الألوان والطعوم والروائح والإدراكات على سبيل التولّد (ب ، أ ، ١٣٩ ، ١٨)

ـ المعلوم عندنا من عبارة التولّد أن يخرج جسم من جوف جسم ، كما يخرج الجنين من بطن الأم ، والنبات من الأرض ، وهذا محال في الأعراض. إذ ليس لحركة اليد جوف حتى تخرج منه حركة الخاتم ، ولا هو شيء حاو لأشياء حتى يترشّح منه بعض ما فيه ، فحركة الخاتم ، إذا لم تكن كامنة في ذات حركة اليد ، فما معنى تولّدها منه فلا بدّ من تفهيمه (غ ، ق ، ٩٦ ، ٥)

ـ قول (المردار) في التولّد مثل قول أستاذه ، وزاد عليه بأن جوّز وقوع فعل واحد من فاعلين على سبيل التولّد (ش ، م ١ ، ٦٩ ، ٦)

ـ إذا حرّكنا جسما فعند المعتزلة حركة يدنا أوجبت حركة ذلك الجسم ، وهو عندنا باطل. وهذه هي المسألة المشهورة بالتولّد (ف ، م ، ١٥١ ، ٢٧)

ـ إن أرادوا بالتولّد هاهنا أنّ الحركة التي للخاتم كامنة في حركة اليد ، وهي تظهر عند حركة اليد منها ، كما يظهر الجنين في بطن أمّه ، وكما في ما يتوالد. فهو المفهوم من لفظ التوالد (م ، غ ، ٨٦ ، ٣)

ـ أمّا المعتزلة ، فلمّا أثبتوا لبعض الحوادث مؤثّرا غير الله تعالى ، قالوا بأنّ كلّ فعل يصدر عن فاعله بلا توسّط شيء آخر ، كالاعتماد من الحيوان ، يقولون إنّه حصل منه بالمباشرة ؛ وكلّ ما يصدر عنه بتوسّط شيء آخر ، كالحركة التي تصدر عنه بواسطة الاعتماد ، يقولون : إنّه حصل منه بالتولّد (ط ، م ، ٦٠ ، ١٨)

ـ أبا هاشم من المعتزلة قال بأنّ التذكّر السّانح للذّهن من غير قصد لا يولّد العلم التّابع له ؛ لأنّ ذلك إنّما يكون من فعل الله ، والذي يفعله العبد بقصده واختياره فهو تولّد ، لأنّ ذلك العلم يحصل للعبد بسبب ما هو من فعله (ط ، م ، ٦٢ ، ٣)

ـ مذهب المعتزلة أنّ الفاعل يفعل الاعتماد ، ويتولّد من الاعتماد الحركة ، فالفاعل يوجب الحركة بالتولّد فيما هو مباين له ، والاعتماد بالمباشرة ، واحتجاجهم بحسن الأمر والنهي بالفعل (ط ، م ، ٣٣٦ ، ٢)

ـ التولّد باطل ، خلافا للمعتزلة. ـ لنا : إذا دفع زيد جسما وجذبه عمرو ، فإمّا أن تقع حركة بهما ، أو بأحدهما ويبطل بما مرّ (خ ، ل ، ١١٢ ، ١٦)

ـ التولّد : أن يصير الحيوان بلا أب وأم مثل الحيوان المتولّد من الماء الراكد في الصيف (ج ، ت ، ٩٨ ، ٨)

تولية

ـ إنّا نقول : صار إماما بعقدهم له ، فأمّا القول بأنّهم ولّوه ، فموهم ، لأنّ هذه الكلمة إنّما تطلق على من يختصّ بصفة يولّى معها ، فلذلك يقال في الإمام : إنّه يولّي الأمراء أو القضاة ولا يقال في المسلمين إنّهم يولّون الأئمة ، وهذا كلام في عبارة ، وإنّما يحلّ فعلهم في كونه إماما محل أن يقول الإمام لجماعة من الناس : ولّوا عني أميرا ، فمتى ولّوه صار أميرا. والأقرب أن يقال : إن تولّيته من فعل الإمام لا من قبلهم ، ولذلك إنّما يصير إماما بأمر الله وأمر رسوله ، وإن كان من بايع له قد صار إماما ببيعته على ما تقدّم القول فيه ، وبهذا الوجه جوّزنا أن يقال في أبي بكر : خليفة رسول الله ، وشرّعت الصحابة إطلاقه ، لمّا كانت التولية كأنّها من قبله عليه‌السلام (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٧٥ ، ٢)

توليد

ـ التوليد على ضربين ، أحدهما : أن يكون متعدّيا عن محلّ القدرة ، والآخر لا يكون متعدّيا. فإن لم يتعدّ عن محلّ القدرة لزم ما ذكرناه في المباشر ، وإن كان متعدّيا عن محلّ القدرة فالذي يتعدّى به الفعل عن محلّ القدرة ليس إلّا الاعتماد ، والاعتماد مما لا خطر له في توليد الجسم (ق ، ش ، ٢٢٣ ، ١١)

ـ قد بيّنا من قبل أنّه لا بدّ من إثبات مباشر وإلّا لم يصحّ القول بالتوليد ، لأنّ إثبات جميعه متولّدا يوجب إثبات ما لا نهاية له ، وإثبات جميعه مباشرا يوجب ألا يقع المتولّد بحسب أحواله فوجب إثباتهما جميعا ، ولا يجب أن تثبت كل الأجناس متولّدا ولا كلها مباشرا ، بل يجب كونه موقوفا على الدلالة (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ١٦)

ـ إنّ من حق التوليد أو يكون المسبّب فيه بحسب السبب ، وألّا يجوز في الأسباب أن تكون مولّدة لمسبّب واحد. وليس كذلك حال الدليل ؛ لأنّ جملة من الفعل قد تدلّ ، ولا يدلّ البعض منه ، كما نقوله في دلالة الفعل المحكم (ق ، غ ١٥ ، ٣٧٣ ، ١٠)

ـ من شروط توليد الشيء غيره أن يعلم حدوث ما هو سبب وحدوث غيره بحسبه على وجه لو لا حدوثه لما حدث المسبّب (أ ، ت ، ١١٢ ، ١٢)

ـ التوليد : هو أن يحصل الفعل عن فاعله بتوسّط فعل آخر كحركة المفتاح بحركة اليد (ج ، ت ، ٩٨ ، ٦)

توليد السبب

ـ ليس يمكن أن نجعل توليد السبب من جهتنا لأجل أنّا قادرون بقدر ، لأنّ عند وجود السبب قد تعدم القدرة ، وقد يطرأ العجز عليها ، ولا يخرج ـ مع ذلك ـ السبب عن التوليد ، فكيف نجعل توليدها لأجلها؟!! وعلى مثل هذه الطريقة بيّنا أنّ عند وجود المجاورة لا بدّ من وجود التأليف ، وأنّه لا وجه لوجوب ذلك إلّا أنّها سببه ومولّدة له ، لأنّ سائر وجوه التعلّق مفقودة ، فإذا وجدت من أي فاعل كان ، فيجب وجود التأليف. يبيّن ذلك أنّه إذا كان أحد المتجاورين رطبا والآخر يابسا ، فلا بدّ من حصول الالتزاق بينهما وهو تأليف على وجه (أ ، ت ، ٥٨٤ ، ٨)

توليد العلم

ـ أمّا النظر فإنّه يولّد العلم متى تعلّق بالدليل ، وكان الناظر عالما به على الوجه الذي يدلّ على المدلول ونظر فيه على هذا الوجه ، ومتى لم يكن الناظر بهذه الصفة ولا كان النظر متعلّقا على هذا الوجه لم يولّد العلم (ق ، غ ٩ ، ١٦١ ، ٤)

توهّم

ـ أمّا التوهّم : فالمرجع به إلى ظنّ مخصوص. والظنّ ، فهو المعنى الذي إذا وجد في أحدنا أوجب كونه ظانّا ، والواحد منّا يفصل بين كونه ظانّا وبين غيره من الصفات ، نحو كونه مريدا أو كارها أو ما يجري مجراهما. وقد اختلف الشيخان في ذلك ؛ فعند شيخنا أبي علي أنّه جنس برأسه سوى الاعتقاد وهو الصحيح ، وعند الشيخ أبي هاشم المرجع به إلى اعتقاد مخصوص. والذي يدلّ على فساد مذهبه ، أنّه لو كان من قبيل الاعتقاد لكان لا يحسن من الله تعالى أن يتعبدنا بشيء من الظنون ، ومعلوم أنّه قد تعبدنا بكثير من الظنون نحو الاجتهادات في جهة القبلة وغير ذلك. وإنّما قلنا هذا هكذا ، لأنّه ما من اعتقاد يفعله الواحد منّا إلّا ويجوز أن يكون معتقده على ما هو به ويجوز خلافه ، والتكليف بما هذا حاله قبيح (ق ، ش ، ٣٩٥ ، ٧)

ـ من جملة ما يفرّقون به بين الكافر والعاجز قولهم إنّ الكافر متوهّم منه الإيمان وليس كذلك العاجز. وهذا في الفساد كالأوّل ، وذلك لأنّه يقال لهم : أيتوهّم منه الإيمان وحالته هذه أو بأن تتغيّر حاله؟ فإن قالوا : يتوهّم منه وحالته هذه ، فقد توهّموا المستحيل الممتنع لأنّ مع عدم القدرة لو جاز أن يتوهّم منه الإيمان لجاز أن يتوهّم من العاجز. وإن قالوا : بأن تتغيّر حاله ، قلنا : فقد زال الفرق بينه وبين العاجز لأنّ العاجز أيضا لو تغيّرت حاله لصحّ منه الإيمان. وبعد فإنّ التوهّم ظنّ ولهذا لا يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم أن النبيّ صلّى الله عليه يدخل الجنّة ، لمّا كان ذلك مقطوعا به. وكذلك فلا نتوهّم أن فرعون يدخل النار لمّا كان مقطوعا به. فإذا ثبت أن التوهّم ظنّ فكيف يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم الإيمان من الكافر ، مع القطع على أنّه لا يقع منه الإيمان وحاله على ما هو عليه؟ وأيضا فإذا كان التوهّم ظنّا فمعلوم أنّه لا يقع منه الإيمان بهذا الظنّ ولو توهّم متوهّم في العاجز أنّه يصحّ منه الإيمان لم يصر كذلك بتوهّمه ، فصار إنّما يصحّ وقوع الإيمان منه لقدرة قد عدمها لا لتوهّم الذي يتوهّم ذلك. وقد عدم الكافر هذه القدرة. فبطل ما راموه من الفرق (ق ، ت ٢ ، ٦٠ ، ٧)

ـ إنّ التصوّر والتوهّم يرجع بهما إلى الظنّ (ق ، ت ٢ ، ٨٠ ، ٣)

ـ الظنّ والتوهّم الذي لا يقطع بحقيقته إلّا مجنون (ح ، ف ٥ ، ١٧ ، ١٥)

تيسّر

ـ إنّا (أصحاب الشهرستاني) وإن لم نثبت إيجادا وإبداعا في الشاهد ، إلّا أنّا نحسّ في أنفسنا تيسّرا وتأتّيا وتمكّنا من الفعل ، وبذلك الوجه امتازت حركة المرتعش عن حركة المختار ، وهذا أمر ضروريّ (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٦)

ث

ثبوت الشيء

ـ إنّ ثبوت الشيء دالّ على انتفاء ضدّه ، ووجوب الشيء دالّ على استحالة ضدّه. وهذا أصل متقرّر ، فإذا صحّ ذلك وكنّا قد عرفنا وجوب هذه الصفات لله جلّ وعزّ فيجب أن تستحيل عليه أضدادها ، لا سيّما إذا كان وجوبها لأمر يستحيل خروج الذات عنه وهو ما تقدّم من أنّها للذات تستحقّ. وإذا كانت كذلك جرت في امتناع خروج الباري تعالى عنها مجرى استحالة خروج السواد عن كونه سوادا حيث استحقّه للنفس (ق ، ت ١ ، ١٩١ ، ١٠)

ثقل

ـ الثقل هو الثقيل وكذلك الخفّة هو الخفيف وإنّما يكون الشيء أثقل بزيادة الأجزاء ، وهذا قول جمهور المعتزلة وهو قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٤٢٠ ، ١٥)

ـ إنّ الثقل هو الثقيل نفسه ، وإنّه لا يصحّ كون جزء أثقل من جزء ولا خفيف أخفّ من خفيف إلّا بالإضافة إلى ما هو أثقل منه أو أخفّ (أ ، م ، ٢٤٦ ، ٣)

ثقيل

ـ إنّ الخفيف من شأنه العلو وإنّ الثقيل من شأنه الانحدار إلى أسفل ، إنّ الخفيف أن خلي وما طبعه الله عليه (علا ولحق بأعلى عالمنا هذا وإنّ الثقيل إن خلي وما طبعه الله عليه) نزل ولحق بأسفل عالمنا هذا ، لا أنّه يثبت في العلو وفي السفل عالمين سوى عالمنا هذا يلحق بهما الخفيف والثقيل إذا خلّيا وما طبعا عليه (خ ، ن ، ٣٦ ، ١٥)

ـ اختلفوا في الثقل والخفّة فأنكرهما أبو الحسن الأشعري وقال إنّ الثقيل إنّما يثقل على غيره بزيادة أجزائه والخفيف يكون أخفّ من غيره بقلّة أجزائه ، وأثبت القلانسي الثقل عرضا غير الثقيل وبه قال ابن الجبائي مع نفيه كون الخفّة معنى (ب ، أ ، ٤٥ ، ١٨)

ثمن

ـ إنّ السعر شيء والثمن شيء آخر غيره ، فالسعر هو ما تقع عليه المبايعة بين الناس ، والثمن هو الشيء الذي يستحقّ في مقابله المبيع. ثم إنّ السعر يوصف بالغلاء مرّة وبالرخص أخرى ، فالرخص هو بيع الشيء بأقل مما اعتيد بيعه في ذلك الوقت وفي ذلك البلد ، والغلاء بالعكس من ذلك. ولا بدّ من اعتبار البلد والوقت فتأثيرهما مما لا يخفى (ق ، ش ، ٧٨٨ ، ٥)

ـ الثمن هو الذي يؤخذ عوضا عمّا يخرجه أحد المتعاقدين (ق ، ت ٢ ، ٤٣٥ ، ٤)

ثنوية

ـ مذهب الثنوية حيث زعموا أنّ القادر على الخير يقع ذلك منه طباعا ولا يقدر على خلافه وكذلك القادر على الشرّ (ق ، ت ٢ ، ٧٣ ، ٣)

ثنيا

ـ إنّ الإرجاء هو الوقف في الجواب والإمهال للنظر ، ثم لا يقطعون في أنفسهم القول بالإيمان بل يستثنون ، والثنيا إرجاء (م ، ح ، ٣٨٥ ، ٤)

ثواب

ـ قال" إبراهيم النظّام" لا يكون الثواب إلّا في الآخرة وإن ما يفعله الله سبحانه بالمؤمنين في الدنيا من المحبّة والولاية ليس بثواب لأنّه إنّما يفعله بهم ليزدادوا إيمانا وليمتحنهم بالشكر عليه (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ٧)

ـ قال سائر المعتزلة إن الثّواب قد يكون في الدنيا وأنّ ما يفعله الله سبحانه من الولاية والرضى على المؤمنين فهو ثواب (ش ، ق ، ٢٦٦ ، ١٠)

ـ إنّ الطاعة ليست بعلّة الثواب ، ولا المعصية علّة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله (ب ، ن ، ٤٨ ، ١٩)

ـ إننا لا نقول أنّ المدح والثواب ، ولا الذمّ والعقاب يحصل بفعل الفاعل منّا ؛ حتى يوجب ذلك كونه خلقا له واختراعا ، بل نقول : إنّ ذلك يحصل بحكم الله تعالى ، ويجب ويستحق بحكمه لا [بأن] يوجب الواجب عليه خلق [فعل] أوجبه عليه (ب ، ن ، ١٥٥ ، ٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الثواب والعقاب المتعلّقين على الأكساب خيرها وشرّها وإيمانها وكفرها ممّا تعلّق بها خبرا لا عقلا. وكان يقول إنّهما غير واجبين من جهة العقول بل إنّما قلنا إنّه يعاقب من مات على الكفر لا محالة عقابا دائما مؤبّدا خبرا مقرونا بالإجماع المضطرّ إلى عمومه ، ومن مات على الإيمان مجتنبا للكبائر فإنّه يثاب ثوابا دائما لا محالة أيضا من جهة الخبر. وقد قامت الدلالة على أنّ الكذب في خيره محال فآمنّا خلافه وقطعنا بكونهما على الوجه الذي تعلّق بهما الخبر (أ ، م ، ٩٩ ، ٦)

ـ إنّ الثواب من الله تعالى ابتداء فضل غير مستحقّ للمؤمن عليه بعمله ، بل عمل المؤمن بالطاعة له ابتداء فضل منه وتوفيق له ، وإنّه لا يصحّ أن يستحقّ أحد على الله تعالى حقّا بعمله ومن قبله بوجه إلّا ما أوجب الله تعالى للمؤمنين بفضله ابتداء ، لا لسبب متقدّم. وعلى ذلك كان يجوز أن يتفضّل على من لم يعمل ولم يطع فيبلغ به ثواب المطيع ويزيده أيضا ، وأن يتفضّل على أحدهما بأكثر ممّا يتفضّل على غيره (أ ، م ، ١٦٣ ، ٨)

ـ إنّ المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٠)

ـ إنّ المنافع الواصلة إلى الغير إمّا أن تكون مستحقّة أو لا ، فإن لم تكن مستحقّة فهو التفضّل ، وإلّا إن كانت مستحقّة فلا يخلو ؛ إمّا أن تكون مستحقّة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض ، وإن كانت مستحقّة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأما التفضّل فما من حيّ خلقه الله تعالى إلّا وقد تفضّل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان ، والعوض يوصله الله تعالى إلى المكلّف وغير المكلّف ، وأما الثواب فمما لاحظ فيه لغير المكلّف ، والمكلّف مختصّ باستحقاقه (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٦)

ـ أمّا الثواب ، فهو كل نفع مستحقّ على طريق التعظيم والإجلال ، ولا بدّ من اعتبار هذه الشرائط ، ولو لم يكن منفعة وكان مضرّة لم

يكن ثوابا ، ولو لم يكن مستحقّا لم ينفصل عن التفضّل ، وكذلك فلو لم يكن مستحقّا على سبيل التعظيم والإجلال لم ينفصل عن العوض ، وإذا حصل هذه الشرائط كلها فهو ثواب (ق ، ش ، ٧٠٠ ، ٤)

ـ أمّا الثواب والعوض ففي" أصحابنا" من كان يقول إنّه تعالى يريدهما في حال التكليف والإيلام على ما يحكى عن" الإخشيديّة" ظنّا منهم أنّه لا يصير التكليف حسنا من دون هذه الإرادة وكذلك الإيلام. وقد ذكرنا أنّه إذا قدّم الإرادة فقد صار عبثا ، ولأجل ذلك منعنا من جواز العزوم عليه تعالى ، وقد يحسن إذا أراد تغريض المكلّف للثواب. وتغريض المؤلم للعوض بما يفعله من الألم والتكليف ، فكيف تجب إرادته للأمرين قبل وقوعهما؟ (ق ، ت ١ ، ٢٩٦ ، ٨)

ـ أمّا الثواب فلا بدّ من أن يراد به التعظيم والتبجيل ليكون ثوابا ، لأنّه بذلك ينفصل من التفضّل وغيره ، فلا بدّ من أن يراد إحداثه على الوجه الذي استحقّ عليه النفع عن المستحقّ ، ولا يكون تفضّلا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٩ ، ٣)

ـ أمّا الثواب فإنّما يحسن منه لأنّه نفع في الحقيقة فيخلقه لينفع به غيره ، وإن كان من حيث كان مستحقّا يصير واجبا (ق ، غ ١١ ، ٨٥ ، ١٢)

ـ نقول في التكليف : إنّه يكون تفضّلا ، وفي الثواب : إنّه واجب ، وإن كان القديم متفضّلا به ، من حيث تفضّل بسببه على وجه مخصوص (ق ، غ ١١ ، ٢١٨ ، ٢١)

ـ إنّ الثواب إنّما يستحقّ على الفعل ، متى اختصّ في نفسه بما يقتضي كونه واجبا أو ندبا ، وعلم العاقل من حاله ذلك ، وفعله لم حسن ووجب في عقله. ولا يعتبر في ذلك سوى ما بيّناه ، إذا كان الفعل شاقّا. وإنّما يرجع فيما عدا هذا الوجه إلى السمع ؛ فربما ورد بأنّه إذا أدّى الفعل على جهة الطاعة والتقرّب ، استحقّ به الثواب إذا كان ذلك جهة لوجوبه ولكونه مصلحة وربما ورد السمع بأن ما يستحقّ به من الثواب يزداد إذا أدّاه على هذا الوجه. فأمّا أن نجعل ذلك شرطا في استحقاق الثواب بالعقل ، فمحال. ولو صحّ ذلك ، لوجب أن يجعل شرطا في استحقاق المدح به. وإذا لم يثبت ذلك في المدح ، فكذلك في الثواب لأن شرائطهما تتّفق ولا تختلف إذا كان تعلّقهما بالفعل على وجه واحد. وإنّما يختصّ استحقاق الثواب بالمشقّة ، لأنّ لها من الحكم معه ما ليس لها مع المدح (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٩ ، ٦)

ـ الثواب إنّما يجب لكونه جرّأ على فعل ما كلّف وألزم (ق ، غ ١٤ ، ٥٤ ، ١١)

ـ أمّا الثواب فإنّه يستحقّ بالواجب ، لما ذكرناه من الشروط ، لأنّ فاعله يشقّ عليه فعله ، أو يصير في حكم الشاق ، فلذلك يستحقّ القديم تعالى المدح ، ولا يجوز أن يستحقّ الثواب ، لمّا لم يجب عليه الواجب بإيجاب من جعله شاقّا ، بل يستحيل عليه الشاقّ (ق ، غ ١٤ ، ١٧٩ ، ٧)

ـ إنّ الثواب إنّما يكون على الطاعة والطاعة موافقة الأمر ، والعقاب إنّما يكون على المعصية والمعصية موافقة النهي ومخالفة الأمر (ب ، أ ، ٢٥ ، ٢)

ـ الثواب عند أهل الحق ليس بحق محتوم ، ولا جزاء مجزوم ، وإنّما هو فضل من الله تعالى (ج ، ش ، ٣٢١ ، ٤)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الثواب حتم على الله

تعالى ، والعقاب واجب على مقترف الكبيرة إذا لم يتب عنها. ولا يجب العقاب عند الأكثرين وجوب الثواب ؛ لأنّ الثواب لا يجوز حبطه والعقاب يجوز إسقاطه عند البصريين وطوائف من البغداديين ؛ ولكن المعنى بكونه مستحقا عندهم أن يحسن لوقوعه مستحقّا ، ولو لم يكن كذلك لما حسن العقاب على التأبيد ، فهذا حقيقة أصلهم (ج ، ش ، ٣٢١ ، ٨)

ـ الثواب هو الجزاء على الأعمال الحسنة ، والعوض هو البدل عن الفائت كالسلامة التي هي بدل الألم (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٧)

ـ وجوب النظر سمعيّ ، خلافا للمعتزلة وبعض الفقهاء من الشافعيّة والحنفيّة. لنا قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥) ، ولأنّ فائدة الوجوب الثواب والعقاب ، ولا يقبح من الله تعالى شيء من أفعال ، فلا يمكن القطع بالثواب والعقاب من جهة العقل ، فلا يمكن القطع بالوجوب (ف ، م ، ٤٢ ، ١٥)

ـ الثواب أمر أخصّ من المنافع والنعيم لأنّه منافع يقترن بها التعظيم والتبجيل ، وهذا الأمر الأخصّ لا يحسن إيصاله إلّا إلى أرباب العمل (أ ، ش ٢ ، ١٢١ ، ٢٢)

ـ مذهب أصحابنا أنّ الله تعالى لمّا كلّف العباد التكاليف الشاقّة وقد كان يمكنه أن يجعلها غير شاقّة عليهم بأن يزيد في قدرهم ، وجب أن يكون في مقابلة تلك التكاليف ثواب ، لأنّ إلزام الشاقّ كإنزال المشاق ، فكما يتضمّن ذلك عوضا وجب أن يتضمّن هذا ثوابا ، ولا بدّ أن يكون في مقابلة فعل القبيح عقاب ، وإلّا كان سبحانه ممكنا الإنسان من القبيح مغريا له بفعله ، إذ الطبع البشري يهوى العاجل ولا يحفل بالذمّ ، ولا يكون القبيح قبيحا حينئذ في العقل ، فلا بدّ من العقاب ليقع الانزجار (أ ، ش ٤ ، ٤٠٨ ، ٢٤)

ـ البصريّة : والثواب واجب على الله لاستحقاقه عقلا وسمعا. البلخيّ : لا بل وجوب جود. قلنا : يستلزم قبح التكليف الشاق (م ، ق ، ١٢١ ، ٦)

ـ الثواب والعقاب مستحقّان. الكراميّة وابن الراونديّ : سمعا فقط. قلنا : خلق الحكيم شهوة القبيح يستلزم حسن المعاقبة عليه وإلّا كان مغريا به ، ثم إنّ الإيجاب لمجرّد الإثابة لا يحسن إذ لا يجب طلب النفع ، فلا بدّ من وجه للإيجاب وهو التحرّز من المضار. قلت : إلّا أنّ هذا مركّب من العقل والسمع. قاضي القضاة : استحقاق العقاب يعلم عقلا والشرع مؤكّد. أبو رشيد : ويجوز دلالة الشرع عليه. لنا : إنّما وجبت المعرفة ليحصل بها اجتناب المعاصي ، وثمرته التحرّز من العقاب ، فمهما لم يعلم استحقاقه لم يصحّ ذلك (م ، ق ، ١٢١ ، ٩)

ثواب التوبة

ـ إنّ الإنسان إذا وقع منه القبيح ثم ساءه ذلك وندم عليه وتاب حقيقة التوبة ، كفّرت توبته معصيته ، فسقط ما كان يستحقّه من العقاب وحصل له ثواب التوبة. وأمّا من فعل واجبا واستحقّ به ثوابا ثم خامره الإعجاب بنفسه ، والإدلال على الله تعالى بعلمه ، والتيه على الناس بعبادته واجتهاده ، فإنّه يكون قد أحبط ثواب عبادته بما شفعها من القبيح الذي أتاه ، وهو العجب والتيه والإدلال على الله تعالى ، فيعود لا مثابا ولا معاقبا لأنّه يتكافأ الاستحقاقان ، ولا ريب أنّ من حصل له

ثواب التوبة وسقط عنه عقاب المعصية خير ممّن خرج من الأمرين كفافا لا عليه ولا له (أ ، ش ٤ ، ٢٦٤ ، ١٨)

ثواب على فعل وعدمه

ـ هل استحقّ الثواب والعقاب على الفعل وعدمه : فعند أبي علي ، أنّ الثواب والعقاب لا يستحقّ إلّا على الفعل ، فأمّا على أنّه لا يفعل فلأنّنا على قوله إنّ القادر بالقدرة لا يخلو من الأخذ والترك. وأمّا عند أبي هاشم ، فإن لا يفعل كالفعل في أنّه جهة الاستحقاق وهو الصحيح من المذهب (ق ، ش ، ٦٣٨ ، ٦)

ج

جائز

ـ الجائز ما لا ضروريّ في وجوده ولا عدمه (ش ، ن ، ١٥ ، ٥)

جارحة

ـ إن قالوا أليس في عدم الجارحة عدم الفعل ، قيل لهم في عدم الجارحة عدم القدرة ، وفي عدم القدرة عدم الاكتساب ، لأنّها إذا عدمت عدمت القدرة ، فلعدم القدرة ما استحال الكسب إذا عدمت الجارحة ، لا لعدم الجارحة ، ولو عدمت الجارحة ووجدت القدرة لكان الاكتساب واقعا ، ولو كان إنّما استحال الاكتساب لعدم الجارحة ، لكان إذا وجدت وجد الكسب. فلمّا كانت توجد ويقارنها العجز وتعدم القدرة فلا يكون كسب ، علم أنّ الاكتساب إنّما لم يقع لعدم الاستطاعة لا لعدم الجارحة (ش ، ل ، ٥٧ ، ١)

ـ اليد إذا لم تكن نعمة في الشاهد لم تكن إلّا جارحة (ش ، ب ، ١٠٣ ، ٨)

ـ زعمت" المشبّهة" : أنّ لله يدين على معنى الجارحة ، وأثبتت له وجها على معنى العضو (ع ، أ ، ١٣ ، ١٧)

ـ الكلابيّة : ويوصف بأنّ له يدين ووجها وجنبا وعينا ، لا بمعنى الجارحة ، بل صفات. قلنا : لا يعقل إلّا بمعنى الجارحة ، كلو قيل : يتحرّك على وجه يعقل (م ، ق ، ٩٠ ، ٣)

جاري مجرى الضد

ـ الجاري مجرى الضدّ هو مثل ما نقول في التأليف مع التفريق ، فإنّ التفريق جار مجرى ضدّ التأليف من حيث ينافي ما يحتاج التأليف في الوجود إليه ، وكذلك الحياة مع التفريق ؛ فإنّ الحياة تحتاج في وجودها إلى بنية وهي تبطل بالتفريق (ن ، د ، ٤٠٩ ، ١٥)

جاعل

ـ إنّا لمّا اعترفنا بأنّ الفعل واجب الحصول عند مجموع القدرة والداعي ، فقد اعترفنا بكون العبد فاعلا وجاعلا فلا يلزمنا مخالفة ظاهر القرآن وسائر كتب الله تعالى (ف ، أ ، ٦٢ ، ١١)

جاهل

ـ الكلام موضوع للفائدة. ولا وجه لاختلاف العبارات مع اتّفاقها ؛ لأنّ الفروق إذا عقلت صحّت التفرقة بين العبارات. فأمّا إذا كان لا فرق البتّة فلا وجه في ذلك ، سيّما إذا لم يقترن بذلك ما يتّصل بدواعي التكليف. فإذا ثبت ذلك ، وعلمنا أنّ بين أن تسكن نفس المعتقد إلى معتقده ، وبين ألا تسكن نفسه إليه ، فرقا ، صحّ أن نصف الأول بأنّه عالم ، والثاني بأنّه معتقد وليس بعالم. ثم وجدنا من لم تسكن نفسه إلى ما اعتقد يكون معتقده على ما هو به ، وعلى ما ليس هو به ؛ والحكم في ذلك مختلف ، كما أنّ الحقيقة مختلفة. فوصفنا الأول بأنّه مقلّد أو مبخّت ، والثاني بأنّه جاهل ، ووصفنا المعاني بحسب ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٨ ، ١)

جبر

ـ ذكر شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، أنّ أوّل من قال بالجبر وأظهره معاوية ، وأنّه أظهر أنّ ما يأتيه بقضاء الله ومن خلقه ، ليجعله عذرا فيما يأتيه ، ويوهم أنّه مصيب فيه ، وأنّ الله جعله إماما وولّاه الأمر ؛ وفشى ذلك في ملوك بني أميّة. وعلى هذا القول قتل هشام بن عبد الملك غيلان رحمه‌الله. ثم نشأ بعدهم يوسف السمتي فوضع لهم القول بتكليف ما لا يطاق ، وأخذ هذا القول عن ضرير كان بواسط زنديقا نبويا (ق ، غ ٨ ، ٤ ، ٣)

ـ أمّا الجبر ، فإنّما يستعمل في الضرورة. ولذلك لا يقال فيمن يختار فعله إنّه مجبور (ق ، غ ٨ ، ١٦٨ ، ٣)

ـ جبر هو نفي الفعل حقيقة عن العبد وإضافته إلى الربّ تعالى (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٢)

جبري

ـ المعتزلة يسمّون من لم يثبت للقدرة الحادثة أثرا في الإبداع والإحداث استقلالا جبريّا. ويلزمهم أن يسمّوا من قال من أصحابهم بأنّ المتولّدات أفعال لا فاعل لها جبريّا (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٧)

جبري الآخرة

ـ قوله (أبو الهذيل العلّاف) في القدر مثل ما قاله أصحابه ، إلّا أنّه قدريّ الأولى جبريّ الآخرة فإنّ مذهبه في حركات أهل الخلدين في الآخرة أنّها كلها ضروريّة لا قدرة للعباد عليها. وكلّها مخلوقة للباري تعالى ؛ إذ لو كانت مكتسبة للعباد لكانوا مكلّفين بها (ش ، م ١ ، ٥١ ، ٦)

جبرية

ـ الجبرية المعروفة عندنا هم الذين يلقبوا بالجبر ، وأحالوا القدرة على ما في الفعل جعل الله كذبا ، وأرجعوا جميع الأفعال إلى الله ، ولم يثبتوا للعباد في التحقيق فعلا (م ، ح ، ٣١٩ ، ١٨)

ـ إنّ القدرية تحقق قدر أفعال الخلق للخلق ، لا تجعل لله فيها مشيئة ولا تدبيرا ، والجبرية أرجأها إلى الله تعالى ، / لم تجعل للخلق فيها حقيقة البتة ، فحملت الجبرية كل قبيح وذميم (م ، ح ، ٣٨٤ ، ١٥)

ـ الجبرية أصناف. فالجبرية الخالصة : هي التي لا تثبت للعبد فعلا ولا قدرة على الفعل أصلا. والجبرية المتوسّطة : هي التي تثبت للعبد قدرة غير مؤثّرة أصلا (ش ، م ١ ، ٨٥ ، ١٢)

ـ إن قيل المقدور هو وجود الفعل ، إلّا أنّه يلزمه ذلك الوجه المكلّف به لا مقصودا بالخطاب. قيل لا يغنيكم هذا الجواب ، فإنّ التكليف لو كان مشعرا بتأثير القدرة في الوجود ، كان المكلّف به هو الوجود من حيث هو وجود لا غير ، ولكن تقدير الخطاب أوجد الحركة التي إذا وجدت يتبعها كونها حسنة ، وعبادة وصلاة وقربة ، فما هو مقصود بالخطاب غير موجود بإيجاده ، فيعود الإلزام عكسا عليكم افعل يا من لا يفعل فليت شعري أي فرق. بين مكلّف به لا يندرج تحت قدرة المكلّف ولا يندرج تحت قدرة غيره ، وبين مكلّف به اندرج تحت قدرة المكلّف من جهة ما كلّف به واندرج تحت قدرة غيره من جهة ما لم يكلّف به ، أليس القضيتان لو عرضتا على محكّ العقل كانت الأولى أشبه بالجبر ، فهم قدريّة من حيث أضافوا الحدوث والوجود إلى قدرة العبد إحداثا وإيجادا وخلقا ،

وهم جبريّة من حيث لم يضيفوا الجهة التي كلّف بها العبد إلى قدرته كسبا وفعلا (ش ، ن ، ٨٦ ، ٦)

جبلة

ـ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للجارود إذ أخبره أنّ فيه الحلم والأناة ، فقال له الجارود الله جبلني عليهما يا رسول الله أم هما كسب ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بل الله جبلك عليهما ومثل هذا كثير ، وكل هذه الألفاظ أسماء مترادفة بمعنى واحد عندهم وهو قوّة في الشيء يوجد بها على ما هو عليه ، فاضطرب ولجأ إلى أن قال ، أقول بهذا في الناس خاصة ، فقلت له وأنّي لك بالتخصيص ، وهذا موجود بالحسّ وببديهة العقل في كل مخلوق في العالم فلم يكن عنده تمويه (ح ، ف ٥ ، ١٥ ، ١٧)

جزء

ـ إنّ الجزء محتمل لجميع أجناس الأعراض (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٧)

ـ قال" النظّام" : لا جزء إلّا وله جزء ولا بعض إلّا وله بعض ولا نصف إلّا وله نصف ، وإنّ الجزء جائز تجزئته أبدا ولا غاية له من باب التجزّؤ (ش ، ق ، ٣١٨ ، ٦)

ـ ذهب شيخنا أبو هاشم إلى أنّ لكل جزء قسطا من المساحة. وقال أبو القاسم إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ لا يجوز أن يقال أنّ له قسطا من المساحة (ن ، م ، ٥٨ ، ٦)

ـ معنى الجزء إنّما هو أبعاض الشيء ، ومعنى الكل إنّما هو جملة تلك الأبعاض ، فالكل والجزء واقعان في كل ذي أبعاض ، والعالم ذو أبعاض ، هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها ، فالعالم كل لأبعاضه وأبعاضه أجزاء له ، والنهاية كما قدّمنا لازمة لكل ذي كل وذي أجزاء (ح ، ف ١ ، ١٧ ، ١٠)

ـ الكلّ هو جزءان. والجزء هو أحدهما ولا يحتاج في أنّ الشّيء مع غيره أكثر منه وحده إلى أن يعرف أنّ لأحد الجزءين أثرا أو لا (ط ، م ، ٢٨ ، ١٧)

جزء لا يتجزّأ

ـ إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ جسم يحتمل الأعراض (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٥)

ـ إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ إذا جامع جزءا آخر لا يتجزّأ فكل واحد منهما جسم في حال الاجتماع لأنه مؤتلف بالآخر ، فإذا افترقا لم يكونا ولا واحد منهما جسما ، وهذا قول بعض البغداديين (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ٢)

ـ إنّ الجزء الذي لا يتجزّأ لا طول له ولا عرض له ولا عمق له ولا اجتماع فيه ولا افتراق ، وأنّه قد يجوز أن يجامع غيره وأن يفارق غيره وأنّ الخردلة يجوز أن تتجزّأ نصفين ثم أربعة ثم ثمانية إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزّأ ، وأجاز أبو الهذيل على الجزء الذي لا يتجزّأ الحركة والسكون والانفراد وأن يماسّ ستة أمثاله بنفسه ، وأن يجامع غيره ويفارق غيره ، وأن يفرده [الله] فتراه العيون ، ويخلق فينا رؤية له وإدراكا له ، ولم يجز عليه اللون والطعم والرائحة والحياة والقدرة والعلم ، وقال لا يجوز ذلك إلّا للجسم ، وأجاز عليه من الأعراض ما وصفنا (ش ، ق ، ٣١٤ ، ١٣)

ـ الجزء الذي لا يتجزّأ : جوهر ذو وضع لا يقبل الانقسام أصلا لا بحسب الخارج ولا بحسب

الوهم أو الفرض العقليّ. تتألّف الأجسام من أفراده بانضمام بعضها إلى بعض كما هو مذهب المتكلّمين (ج ، ت ، ١٠٧ ، ١٢)

جزءان لا يتجزّءان

ـ زعم بعض المتكلمين أنّ الجزءين اللذين لا يتجزّءان يحلّهما جميعا التأليف ، وأنّ التأليف الواحد يكون في مكانين ، وهذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ٧)

جسم

ـ قول" الشحّام" : .. إنّ الجسم في حال كونه موجود مخلوق (ش ، ق ، ١٦٢ ، ١٦)

ـ إنّ الإنسان أعراض مجتمعة وكذلك الجسم أعراض مجتمعة من لون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ومجسّة وغير ذلك ، وأنّ الأعراض قد يجوز أن تنقلب أجساما (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٦)

ـ الجسم هو ما احتمل الأعراض كالحركات والسكون وما أشبه ذلك (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٣)

ـ الجسم إنّما كان جسما للتأليف والاجتماع (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ١)

ـ معنى الجسم أنّه مؤتلف وأقلّ الأجسام جزءان (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ٥)

ـ قال" أبو الهذيل" الجسم هو ما له يمين وشمال وظهر وبطن وأعلى وأسفل ، وأقلّ ما يكون الجسم ستة أجزاء أحدهما يمين والآخر شمال وأحدهما ظهر والآخر بطن وأحدهما أعلى والآخر أسفل (ش ، ق ، ٣٠٢ ، ١٦)

ـ قال" معمّر" : (الجسم) هو الطويل العريض العميق ، وأقلّ الأجسام ثمانية أجزاء ، فإذا اجتمعت الأجزاء وجبت الأعراض ، وهي تفعلها بإيجاب الطبع ، وأنّ كل جزء يفعل في نفسه ما يحلّه من الأعراض (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ٩)

ـ قال" هشام بن عمرو الفوطي" أنّ الجسم ستة وثلثون جزءا لا يتجزّأ وذلك أنّه جعله ستة أركان ، وجعل كل ركن منه ستة أجزاء ، فالذي قال أبو الهذيل أنّه جزء جعله هشام ركنا (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١)

ـ قال قائلون : الجسم الذي سمّاه أهل اللغة جسما هو ما كان طويلا عريضا عميقا ولم يحدّوا في ذلك عددا من الأجزاء ، وإن كان لأجزاء الجسم عدد معلوم (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ٨)

ـ قال" هشام بن الحكم" : معنى الجسم أنّه موجود ، وكان يقول إنّما أريد بقولي جسم أنّه موجود وأنّه شيء وأنّه قائم بنفسه (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١٠)

ـ قال" النظّام" : الجسم هو الطويل العريض العميق ، وليس لأجزائه عدد يوقف عليه ، وأن لا نصف إلا وله نصف ، ولا جزء إلّا وله جزء (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١٣)

ـ الجسم هو الجوهر والأعراض التي لا ينفكّ منها ... يقول : الجسم هو المكان ويعتلّ في البارئ تعالى أنّه ليس بجسم بأنّه لو كان جسما لكان مكانا ، ويعتلّ أيضا بأنّه لو كان جسما لكان له نصف (ش ، ق ، ٣٠٤ ، ١٦)

ـ قال" ضرّار بن عمرو" : الجسم أعراض ألّفت وجمعت فقامت وثبتت فصارت جسما يحتمل الأعراض إذا حلّ (؟) والتغيير من حال إلى حال (ش ، ق ، ٣٠٥ ، ٥)

ـ الجسم إنّما هو اخلاط كنحو الطعم واللون والرائحة والبرودة والرطوبة واليبوسة وكذا وكذا (ش ، ق ، ٥٦٧ ، ٩)

ـ إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله تعالى

جسما ، قيل له أنكرنا ذلك لأنّه لا يخلو أن يكون القائل لذلك أراد ما أنكرتم أن يكون طويلا عريضا مجتمعا أو أن يكون أراد تسميته جسما وإن لم يكن طويلا عريضا مجتمعا عميقا (ش ، ق ، ١٠ ، ١)

ـ إنّ الجسم لمّا لم يسبق المحدثات وجب حدوثه بدخوله في معنى الحدث ، وليس يجب إذا دخل في الحدث بمشاركة المحدثات في معنى الحدث ، إذا كان من المحدثات ما هو حركة أن يكون الجسم حركة ، وإذا كان منها ما هو جسم (لا) يجب أن تكون الحركة جسما ، إذ لم يكونا يستويان في معنى جسم وحركة واستويا في معنى الحدوث (ش ، ل ، ٤٢ ، ٨)

ـ الجسم في الشّاهد أنّه اسم ذي الجهات ، أو اسم محتمل النهايات ، أو اسم ذي الأبعاد الثلاثة (م ، ح ، ٣٨ ، ٤)

ـ أمّا الجسم فهو اسم لكل محدود ، والشيء إثبات لا غير ، وفي وجود العالم على ما عليه دليل الإثبات ؛ لذلك قيل بالشيء ، وفيه ـ إذ هو متناه لا من حيث الشيئية [بل من] حيث الحد ـ دليل نفي الحدّ عن الله جلّ ثناؤه. إلا أن يراد بالحدّ الوحدانيّة والربوبيّة ، فهو كذلك ، وحرف الحدّ ساقط لأنّه يغلب في الدلالة على نهاية الشيء من طريق العرض ونحو ذلك مما يتعالى عن ذلك ، وذلك معنى الجسم في الشاهد. وفيه أيضا إيجاب الجهات المحتمل كل جهة أن يكون أطول منها وأعرض وأقصر ، فلذلك بطل القول بذلك ، ولا قوة إلا بالله (م ، ح ، ١٠٤ ، ١٣)

ـ إنّ حقيقة الجسم أنّه مؤلّف مجتمع بدليل قولهم : رجل جسيم ، وزيد أجسم من عمرو ، وعلما بأنّهم يقصرون هذه المبالغة على ضرب من ضروب التأليف في جهة العرض والطول ، ولا يوقعونها بزيادة شيء من صفات الجسم سوى التأليف ؛ فلمّا لم يجز أن يكون القديم مجتمعا مؤتلفا ، وكان شيئا واحدا ، ثبت أنّه تعالى ليس بجسم (ب ، ت ، ١٤٨ ، ٢٢)

ـ الجسم في اللغة هو : المؤلّف المركّب. يدل على ذلك قولهم : رجل جسيم وزيد أجسم من عمرو ، وهذا اللفظ من أبنية المبالغة ، وقد اتفقوا على أنّ معنى المبالغة في الاسم مأخوذ من معنى الاسم ؛ يبيّن ذلك أنّ قولهم : " أضرب" إذا أفاد كثرة الضرب كان قولهم : ضارب مفيدا للضرب ، وكذلك إذا كان قولهم : المؤلّف المركّب مفيدا كثرة الاجتماع والتأليف ، وجب أن يكون قولهم جسم ، مفيدا كذلك (ب ، ن ، ١٦ ، ١٤)

ـ زعم البلخي أنّ معنى أنّ الجسم جسم أنّه طويل عريض عميق محتمل للتأليف والتغيير والزيادة والنقصان وأنّه ذاهب في الجهات (أ ، م ، ٣١٥ ، ١)

ـ إنّ الجسم لا بدّ من أن يكون متحيّزا عند الوجود ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ولا يكون كائنا إلّا بكون (ق ، ش ، ١١٢ ، ٧)

ـ إنّ الجسم ، هو ما يكون طويلا عريضا عميقا ، ولا يحصل فيه الطول والعرض والعمق إلّا إذا تركّب من ثمانية أجزاء ، بأن يحصل جزءان في قبالة الناظر ويسمّى طولا وخطّا ، ويحصل جزءان آخران عن يمينه ويساره منضمّان إليهما ، فيحصل العرض ويسمّى سطحا أو صفحة ، ثم يحصل فوقها أربعة أجزاء مثلها فيحصل العمق ، وتسمّى الثمانية أجزاء المركّبة على هذا الوجه جسما. هذا هو حقيقة الجسم في اللغة. والذي يدلّ عليه ، أنّ أهل اللغة متى

شاهدوا جسمين قد اشتركا في الطول والعرض والعمق ، وكان لأحدهما مزية على الآخر قالوا : هذا أجسم من ذلك (ق ، ش ، ٢١٧ ، ٣)

ـ لا يكون الكائن كائنا في جهة إلّا بمعنى محدث. فالقول فيه بأنّه (الله) جسم يعيده إلى أنّه محدث مع ثبوت الدلالة على قدمه. وكيف يكون قديما مع أنّ القول بأنّه جسم يقتضي أنّه غير منفكّ من دلالة الحدث (ق ، ت ١ ، ١٩٧ ، ٢٥)

ـ دليل آخر على أنّ الجسم لا يجوز أن يكون مجتمعا بالفاعل ، وهو أنّ هذه الصفات لو كانت متعلّقة بالفاعل لما صحّ التمانع بين قادرين (ن ، د ، ٤٧ ، ٧)

ـ ذكر الشيخ أبو الهذيل : يقال للسائل : السابق إلى الجسم لا يخلو : إمّا الاجتماع أو الافتراق. فإن قال : الاجتماع ، قيل : جمع ما لم يكن مفترقا من قبل محال. وإن قال : الافتراق ، قيل : تفرّق ما لم يكن مجتمعا من قبل محال. وهكذا نقول في الحركة والسكون. وهذا أيضا مبنيّ على أنّ الجسم مع وجوده لا يخرج عن التحيّز وأنّ الاجتماع لا يبطل إلّا بضدّ يطرأ عليه ، وهو الافتراق. وكذلك الحركة والسكون (ن ، د ، ٦٣ ، ١٦)

ـ إنّ الجسم في ابتداء خلق الله تعالى لا يخلو من الكون الذي من جنس الحركة والسكون ، لأنّه لو بقي صار سكونا ، ولو كان موجودا عقيب ضدّه على سبيل التقريب كان حركة ، إلّا أنّه لا يسمّى ذلك الكون لا بحركة ولا بسكون ؛ وإن كان من جنسهما (ن ، د ، ١٣١ ، ٥)

ـ من الناس من ذهب إلى أنّ الجسم لا يجوز خلوّه من الاعتماد ، وهو أبو إسحاق النصيبي ، وشبهته في ذلك أن يقول : قد علمنا أنّ الجسم يستحيل حصوله في المكان العاشر ، فلا بدّ أن يكون لهذه الاستحالة وجه. ولا يجوز أن يقال إنّ ذلك لمكان الطفر ، لأن هذا هو نفس الطفر فيكون تعليلا للشيء بنفسه ، فإذن يجب أن تكون العلّة في ذلك أنّ الحركة متولّدة عن الاعتماد ، والاعتماد لا يولّد إلّا في أقرب المحاذيات إليه (ن ، د ، ١٤٥ ، ١)

ـ الذي يدلّ على أنّ الجسم يجوز خلوّه من الاعتماد هو أنّا قد علمنا أنّ الشيء إذا قيل أنّه يستحيل خلوّه من الآخر ، ولم يكن الأول يولّد الثاني ولا موجبا له إيجاب العلّة للمعلول ولا أنّه يحتاج إليه ، فإنّه لا بدّ في الأول أن لا يوجد إلّا وهو على صفة ، ثم لا يحصل على تلك الصفة إلّا ويحصل على صفة أخرى ، ثم لا يحصل عليها إلّا بذلك الشيء ، فيكون وجوده مضمّنا بوجوده على مثل ما بيّناه في الجوهر والكون. ولا يمكن أن نبيّن مثل هذا في الاعتماد مع الجوهر ، فصحّ أنّ الجوهر يصحّ خلوّه من الاعتماد ، لأنّه ليس بينهما علقة من وجه معقول (ن ، د ، ١٤٥ ، ٧)

ـ إنّ أحدنا إذا كان عالما قادرا إنما وجب أن يكون جسما ، لأنّه عالم بعلم وقادر بقدرة ، وكلاهما يحتاجان في وجودهما إلى محل مبني بنية مخصوصة وذلك لا يكون إلّا جسما ، فهذا هو العلّة في أنّ العالم القادر في الشاهد يجب أن يكون جسما ، وأنّ الجزء المنفرد لا يجوز أن يكون عالما قادرا. فإذا كان هذا هو العلّة في الشاهد فلا يجب في الغائب إذا فقدت هذه العلّة ، ولو كان عالما قادر ، أن يكون جسما (ن ، د ، ٥٣٥ ، ١٨)

ـ فارق الخيّاط ... جميع المعتزلة وسائر فرق الأمّة ، فزعم أنّ الجسم في حال عدمه يكون

جسما ؛ لأنّه يجوز أن يكون في حال حدوثه جسما ، ولم يجز أن يكون المعدوم متحرّكا ؛ لأنّ الجسم في حال حدوثه لا يصحّ أن يكون متحرّكا عنده ، فقال : كل وصف يجوز ثبوته في حال الحدوث فهو ثابت له في حال عدمه (ب ، ف ، ١٧٩ ، ١٥)

ـ زعم النجّار أنّ الجسم أعراض مجتمعة ، وهي الأعراض التي لا ينفك الجسم عنها ، كاللون ، والطعم ، والرائحة ، وسائر ما لا يخلو الجسم منه ومن ضدّه ، فأمّا الذي يخلو الجسم منه ومن ضدّه كالعلم والجهل ونحوهما فليس شيء منها بعضا للجسم (ب ، ف ، ٢٠٨ ، ١٦)

ـ أمّا ضرّار فإنّه زعم أنّ الجسم أعراض اجتمعت فاحتملت أعراضا سواها (ب ، أ ، ٤٦ ، ١٨)

ـ إنّ الجسم هو الطويل العريض العميق (ح ، ف ١ ، ١٤ ، ٣)

ـ لا يعقل البتّة جسم إلّا مؤلّف طويل عريض عميق (ح ، ف ٢ ، ١١٧ ، ٢٥)

ـ أمّا لفظة جسم فإنّها في اللغة عبارة عن الطويل العريض العميق المحتمل للقسمة ذي الجهات الست التي هي فوق وتحت ووراء وأمام ويمين وشمال ، وربما عدم واحدة منها وهي الفوق ، هذا حكم هذه الأسماء في اللغة التي هي الأسماء منها (ح ، ف ٢ ، ١١٨ ، ١٠)

ـ سمّينا القائم بنفسه الشاغل لمكانه جسما (ح ، ف ٥ ، ٦٧ ، ٤)

ـ أمّا الهيولى فهو الجسم نفسه الحامل لأعراضه كلها ، وإنّما أفردته الأوائل بهذا الاسم إذ تكلّموا عليه مفردا في الكلام عليه عن سائر أعراضه كلّها من الصورة وغيرها ، مفصولا في الكلام عليه خاصة عن أعراضه ، وإن كان لا سبيل إلى أن يوجد خاليا عن أعراضه ولا متعرّيا منها أصلا ولا يتوهّم وجوده كذلك ولا يتشكّل في النفس ولا يتمثّل ذلك أصلا ، بل هو محال ممتنع جملة (ح ، ف ٥ ، ٧٣ ، ٣)

ـ يجعل الأشعري الجسم ما هو المؤلّف ، فيثبت ذلك في جزءين. ويجعله أبو القاسم رحمه‌الله في أربعة أجزاء. وعن الشيخ أبي الهذيل أنّه يسمّى جسما إذا حصل ستة أجزاء. والذي نختاره هو الذاهب في الجهات الثلاث : طولا وعرضا وعمقا ، لأنّ أهل اللغة إذا رأيناهم يستعملون لفظة" جسم" عند زيادته في الطول والعرض والعمق ، وجب أن يكون أصل التسمية مصروفا إلى ما ذكرنا (أ ، ت ، ٤٨ ، ٧)

ـ ليس الجسم من أعراض مجتمعة على ما حكى عن ضرّار وحفص وغيرهما أنّ عند اجتماع اللون والطعم والحرارة والبرودة إلى ما شاكلها من الأعراض ، يحصل الجسم (أ ، ت ، ٤٩ ، ٣)

ـ الجسم في اصطلاح الموحّدين المتألّف ؛ فإذا تألّف جوهران كانا جسما ، إذ كل واحد مؤتلف مع الثاني (ج ، ش ، ٣٩ ، ١١)

ـ الجسم هو المؤلّف في حقيقة اللغة ، ولذلك يقال في شخص فضل شخصا بالعبالة وكثرة تآلف الأجزاء إنّه أجسم منه وإنّه جسيم ، ولا وجه لحمل المبالغة إلّا على تآلف الأجزاء. فإذا أنبأتنا المبالغة المأخوذة من الجسم على زيادة التأليف ، فاسم الجسم يجب أن يدلّ على أصل التأليف ؛ إذ الأعلم لمّا دلّ على مزية في العلم ، دلّ العالم على أصله (ج ، ش ، ٦١ ، ٤)

ـ إنّ كل جسم ، فهو : مؤلّف من جوهرين متحيّزين (غ ، ق ، ٣٩ ، ٧)

ـ أطلق أكثرهم (الكراميّة) لفظ الجسم عليه ،

والمقاربون منهم قالوا : نعني بكونه جسما أنّه قائم بذاته ، وهذا هو حدّ الجسم عندهم (ش ، م ١ ، ١٠٩ ، ٨)

ـ الجسم ينتهي بالتجزئة إلى حدّ لا يقبل الوصف بالتجزّي ، ويسمّيه المتكلّمون جوهرا فردا ، وصارت الفلاسفة إلى أنّه لا ينتهي إلى حدّ لا يقبل الوصف بالتجزّي (ش ، ن ، ٥٠٥ ، ٤)

ـ إنّ الجسم عند المتكلّم هو المركّب من أجزاء متناهية ، وما تحصره النهايات والأطراف لا يشتمل على ما لا نهاية له (ش ، ن ، ٥٠٥ ، ٧)

ـ الجوهر إمّا أن يكون في المحل وهو الصورة أو يكون محلّا وهو الهيولى أو مركّبا من الصورة والهيولى وهو الجسم (ف ، م ، ٧٠ ، ٥)

ـ أمّا المتحيّز فقد قال المتكلّمون إنّه إمّا أن يكون قابلا للانقسام أو لا يكون ، والأوّل هو الجسم ، والثاني هو الجوهر الفرد (ف ، م ، ٧٤ ، ١٤)

ـ عند المعتزلة اسم الجسم لا يقع إلّا على الطويل العريض العميق ، وعلى ما قلناه الجسم ما فيه التأليف وأقلّه جوهران ، فهذا بحث لغويّ (ف ، م ، ٧٤ ، ١٤)

ـ إنّ الجسم مركّب ، وكل مركّب ممكن (أ ، ش ١ ، ٢٤ ، ١٠)

ـ ذا هيئة وشكل ، أو ذا لون وضوء إلى غيرهما من أقسام الكيف ، ومتى كان كذلك كان جسما ولم يكن واحدا لأنّ كل جسم قابل للانقسام ، والواحد حقا لا يقبل الانقسام فقد ثبت أنّه وحّده من كيّفه (أ ، ش ٣ ، ٢٠٣ ، ٣١)

ـ إنّ كل جسم مركّب من العناصر المختلفة الكيفيّات المتضادّة الطبائع فإنّه سيئول إلى الانحلال والتفرّق (أ ، ش ٣ ، ٢٠٥ ، ٢٨)

ـ الجسم : جوهر قابل للأبعاد الثلاثة ، وقيل : الجسم هو المركّب المؤلّف من الجوهر (ج ، ت ، ١٠٨ ، ٩)

ـ الجسم لا يقدر على إيجاد جسم وإلّا لصحّ منّا (م ، ق ، ٨٢ ، ٢٤)

جسم كثيف

ـ زعم (النظّام) أيضا أنّ الجسم الكثيف هو اللون والطعم والرائحة وما أشبهها وقال أنّ هذه الأشياء في أنفسها أجسام وقد اجتمعت وتداخلت فصارت جسما كثيفا ، وزعم أيضا أنّ مكان اللون مكان الطعم والرائحة ، وأجاز لذلك كون جسمين في مكان واحد على سبيل المداخلة ولم يجز ذلك على سبيل المجاورة (ب ، أ ، ٤٦ ، ١٣)

جعل

ـ قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : ٣) بالجعل إنّما هو في الخلق ، إلّا أنّ هذا هو من القدرية والمعتزلة ، لأنّ الجعل لا ينبئ عن الخلق ، ألا ترى إلى قوله تعالى خبرا عن الملحدين (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر : ٩١) فترى إنّ الجعل هاهنا للخلق وقال (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (الزخرف : ١٩) وقال (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) (الأنعام : ١٠٠) (م ، ف ، ١٩ ، ٢٠)

ـ الجعل يكون بمعنى التسمية ، بدليل قوله عزوجل : (الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (الحجر : ٩١) يعني سمّوه ؛ فبعضهم سمّاه شعرا ، وبعضهم سحرا. وبعضهم كهانة ، إلى غير ذلك. ولم يرد أنّهم خلقوه (ب ، ن ، ٧٦ ، ١)

ـ إنّ الجعل إذا عدي إلى مفعول واحد كان ظاهره الخلق ، وإذا عدي إلى مفعولين كان

ظاهره الحكم والتسمية ، في أكثر الاستعمال. ولذلك لا يجوز أن يقول القائل : جعلت النجم والرجل ، ويسكت حتى يصله بقوله : جعلت النجم هاديا ودليلا ، وجعلت الرجل صديقا وصاحبا. فلما قال الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : ٣) تعدّى إلى مفعولين ، فيكون بمعنى الحكم والتسمية (ب ، ن ، ٧٦ ، ١٦)

ـ قوله (تعالى) : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً) (الحديد : ٢٧) ، فقد قال شيخنا أبو علي رحمه‌الله إنّ الجعل قد يكون بغير معنى الخلق نحو قوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) (المائدة : ١٣) ، لأنّه ذمّهم بذلك ، فليس المراد أنّه خلقها قاسية ، ونحو قوله : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص : ٢٦) ، لأنّ الله لم يخلقه خليفة وإنّما صار خليفة بأمور وجدت بعد خلقه ، فمعنى قوله جعل في قلوبهم الإيمان أنّه حكم بذلك ، وقوله (وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا) (الحشر : ١٠) أي لا تحكم علينا بذلك ، وهذا نظير قوله : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) (الفرقان : ٢٣) ، أي أنّا صيّرناه بحيث لم ينتفعوا به كما لا ينتفعون بالهباء ، لا أنّه خلقه هباء (ق ، غ ٨ ، ٣١٢ ، ٢)

ـ " جعل" يتعدى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى أحدث وأنشأ كقوله (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) (الأنعام : ١) وإلى مفعولين إذا كان بمعنى صير كقوله (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) (الزخرف : ١٩) والفرق بين الخلق والجعل أنّ الخلق فيه معنى التقدير وفي الجعل معنى التضمين ، كإنشاء شيء من شيء أي تصيير شيء شيئا أو نقله من مكان إلى مكان (ز ، ك ٢ ، ٣ ، ١٢)

ـ المراد بقوله (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) (الزخرف : ٣) أي سمّيناه ؛ فإنّ الجعل قد يطلق بمعنى التسمية (م ، غ ، ١٠٩ ، ١٠)

جمع

ـ أمّا جمع من سوى الله بين النار والماء والتراب والهواء فذلك دليل أيضا على حدثها ، غير أنّ محدثها ليس هو الإنسان الذي جمعهما ، لأنّ الإنسان يجري عليه من القهر ما يجري عليهما. فمخترع هذه الأشياء ومخترع الإنسان المشبه لها هو الله الذي لا يشبهه شيء و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (خ ، ن ، ٤١ ، ٢)

جمع المتفرقات

ـ الجمع بين المتفرّقات ، فلقد بعد عن التوفيق من صنّف كتابا في جمع هذه الأخبار خاصة ورسم في كل عضو بابا فقال : باب في إثبات الرأس ، وباب في إثبات اليد إلى غير ذلك ، فإنّ هذه كلمات متفرّقة صدرت من رسول الله عليه‌السلام في أوقات متفرّقة متباعدة اعتمادا على قوانين مختلفة تفهم السامعين معاني صحيحة. فإذا ذكرت مجموعة على مثال خلق الإنسان ، صار جمع تلك المتفرّقات في السمع دفعة واحدة قرينة عظيمة في تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه ، وصار الإشكال في أنّ الرسول عليه‌السلام لم ينطق بما يوهم خلاف الحقّ ، أعظم في النفس وأوقع ، بل الكلمة الواحدة يتطرّق إليها الاحتمال. فإذا اتّصل به ثانية وثالثة ورابعة من جنسها ، صدر متواليا ضعف الاحتمال بالإضافة إلى الجملة ، ولذلك يحصل من الظنّ بقول مخبرين وثلاثة ما لا يحصل بقول الواحد ، بل يحصل من العلم

القطعي بخبر التواتر ما لا يحصل بالآحاد ، ويحصل من العلم القطعي باجتماع التواتر ما لا يحصل بالآحاد. وكل ذلك نتيجة الاجتماع ، إذ يتطرّق الاحتمال إلى قول كل عدل ، وإلى كل واحدة من القرائن ، فإذا انقطع الاحتمال أو ضعف فلذلك لا يجوز جمع المتفرّقات (غ ، أ ، ٦٦ ، ٢٣)

جمع المثلين

ـ مشايخ المعتزلة جوّزوا جمع المثلين ، وقالوا : العلّة في كون بعض الأعراض أشدّ من بعض هو اجتماع الأمثال من تلك الأعراض في محلّ واحد. والذين يقولون باستحالة جمع المثلين ربّما عدّوهما في المتضادّين وحينئذ لا يكون قسمة المختلفين إلى المتضادّين وغير المتضادّين قسمة عامّ إلى خاصّين ، لأنّ المثلين أيضا يدخلان في المتضادّين. وحينئذ ينبغي أن يقسم الغيران إلى المتضادّين والمختلفين ، والمتضادّان إلى المثلين ، وإلى غيرهما (ط ، م ، ٢٣٤ ، ٩)

جملة

ـ إنّ الأشياء كلها من الله في الجملة ، ولا يطلق بلفظ الشرّ أنّه من الله تعالى ، كما يقال الأشياء كلها لله في الجملة ، ولا يقال على التفصيل الزوجة والولد لله تعالى ، وكما نقول في الجملة ما دون الله ضعيف ، ولا يقال على التفضيل دين الله ضعيف (ش ، ل ، ٤٧ ، ١٢)

ـ إنّا إنما نعلم الحيّ منّا بالإدراك أو صحّة الفعل منه إذا علمنا دلالته على كونه قادرا ، وأنّ من ليس بحيّ لا يجوز أن يقدر. وقد علمنا أنّ كونه مدركا يرجع إلى جملته. وكذلك صحّة الفعل ، فيجب أن تكون الجملة هي المختصّة بكونها حيّة قادرة دون شيء فيها ؛ لأنّه لو جاز ـ والحال ما قلناه ـ أن يثبت الحيّ شيئا فيها لجاز في ذلك الشيء إذا علم صحّة الفعل منه وكونه مدركا وألما أن يكون الحيّ القادر شيئا فيه دونه. وكذلك القول في ذلك الشيء ، وهذا يؤدّي إلى إثبات ما لا نهاية له (ق ، غ ١١ ، ٣١٣ ، ٨)

ـ إنّا إذا علمنا وجوب وقوع التصرّف عند قصدنا وداعينا ووجوب انتفائه عند كراهتنا وصارفنا ، فقد علمنا بالاضطرار أنّ حال تصرّفنا معنا مفارق لحاله مع الغير : فيكون هذا علما بتعلّقه بالفاعل على سبيل الجملة. وهو ضروري (ن ، د ، ٢٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ الفعل صحّ من الجملة ، فإذا كان دليلا فلا بدّ من أن يدلّ على أمر يرجع إلى الجملة ، وصحّة البنية واعتدال المزاج تختصّ ببعض الجملة ، فكان في حكم الغير ، فكما أن صفة راجعة إلى الغير لا تقتضي حكما لغيرها فكذلك ما يختصّ ببعض الجملة لا يقتضي حكما يرجع إلى الجملة (ن ، د ، ٤٨٦ ، ١٨)

ـ إنّ الصفة التي تجعل الأشياء في حكم الشيء الواحد إنّما هي كون الجملة حيّة ، وقبل ذلك لا تكون هناك (ن ، د ، ٥٣٤ ، ١٨)

ـ أنّا نعلم في الجملة ، أنّ القادر يصحّ منه الفعل على وجه الاضطرار ، فيصحّ في كيفيّته أن يعلم على وجه الاضطرار ، ولا يعلم ما له يصير الجبل ثقيلا ، وما له تصير الخردلة لها حظ من الثقل. فكلّ ذلك يعلم باستدلال ، ولهذا صحّ في كثير من المتكلّمين ، أن يقولوا في هذه الحركات أنها مبتدأة ، لا أنها واجبة عن اعتماد في الجسم ، حتى جوّز شيخنا أبو علي فيما

يتحرّك بالرياح الشديدة ، أنّه مبتدأ وليس بمتولّد. وفي المتكلّمين عالم ينفون التولّد أصلا (ن ، م ، ٢٣١ ، ١٠)

ـ اشترط أكثر المعتزلة في وجود الحياة في الشيء أن يكون ذا بنية مخصوصة أقلّ أجزائها ثمانية أو ستة أو أكثر على حسب اختلافهم في عدد أجزاء الجسم. وكذلك اشترطوا البنية في كل ما يكون الحياة شرطا في وجوده كالعلم والقدرة والإرادة والإدراك ، وزعموا أنّ الجملة الواحدة من الشاهد حيّ بحياة في جزء منه (ب ، أ ، ٢٩ ، ١٣)

جملة الحي

ـ إنّ الذي يجب كونه من جملة الحيّ ما يلحقه حكم الحياة ؛ فإذا لحق يده وسائر أطرافه هذا الحكم فصحّ أن يدرك بها الحرارة والألم وجب كونها من جملة الحيّ ، وإن كان فقدها لا يؤثّر في كونه حيّا ، وليس كذلك الروح وغيرها ؛ لأنّ الإدراك لا يصحّ بها فيجب ألّا تكون من جملة الحيّ ، وإن استحال كونه حيّا إلّا معها ؛ كما لا يجب ذلك في الدم والشعر وغيرهما من الأمور التي لا يجوز أن يكون حيّا إلّا معها (ق ، غ ١١ ، ٣٣٧ ، ٩)

جملة حية

ـ إنّ الواحد منّا يعلم من نفسه أنّ تصرّفه في الفعل هو بحسب دواعيه من اعتقاد وظنّ ، فيجب أن يدلّ ذلك على أنّه الفاعل والقادر ؛ كما إذا شاهد الشيء ملوّنا علم أنّه المختصّ بالهيئة دون غيره. يبيّن ذلك أنّه يجد حال أعضائه في أنّه يدرك بها الألم والحرارة والبرودة متساوية ، وإن كانت الجملة هي المدركة من حيث يقع التصرّف منها بحسب الإدراك من حيث يقع منها الإقدام والإحجام لأمر يرجع إليها دون الأعضاء ، فيجب أن يدلّ ذلك على أنّ الجملة هي الحيّة. وهذا من قويّ ما اعتمده شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ ؛ لأنّه قال : إذا كان يجد الألم بأعضائه كلّها ، ويدرك بها الحرارة والبرودة فيجب كون جملته حيّة قادرة ؛ لأنّه لو كان الحيّ القادر معنى في القلب لم يجب ذلك في أعضائه ؛ كما لا يجب ذلك فيما يلبسه من الثياب لمّا لم يكن من جملة الحيّ (ق ، غ ١١ ، ٣١٤ ، ٨)

ـ إنّ الواحد منّا يتصرّف في الفعل ، فلو كان الفاعل غير هذه الجملة لكان ذلك الغير هو المصرّف لها ، ولوجب أن يكون بينه وبين من يتصرّف بنفسه فصل نعرفه ؛ كما نعرف الفصل بين أن يضطرّ إلى المعرفة أو يكتسبها ، وإلى الحركة أو يختارها. وفي علمنا بأنّ الفصول كلها متعذّرة دلالة على أنّ الجملة هي الحيّة القادرة لا معنى فيها (ق ، غ ١١ ، ٣١٧ ، ١٥)

ـ إنّ الجملة الحيّة قد صارت لانضمام بعضها إلى بعض وحلول الحياة في أجزائها بمنزلة الشيء الواحد ، فالقدرة إذا وجدت في بعضها أوجبت لهذه الجملة كونها قادرة. وكذلك القول في الحياة وسائر الأحياء القادرين منفصلون من هذه الجملة فلا يصحّ في هذه القدرة أن توجب كونهم قادرين ؛ لأنّ هذه الجملة قد صارت لهذه القدرة كالمحلّ للحركة الحالّة فيها ، فكما لا يجوز فيها أن توجب الحكم لغير محلّها فكذلك القدرة لا يجوز أن توجب الحكم لغير هذه الجملة (ق ، غ ١١ ، ٣٥٢ ، ١٣)

جنّ

ـ نقل عن المعتزلة أنّهم قالوا : الملائكة والجنّ والشياطين متّحدون في النوع ، ومختلفون

باختلاف أفعالهم. أمّا الذين لا يفعلون تارة هذا وتارة ذاك ، فهم الجنّ. ولذلك عدّ إبليس تارة في الملائكة وتارة في الجنّ (ط ، م ، ٢٣٠ ، ١٩)

جنة

ـ طريق الجنّة ، طاعته المجرّدة من الكبائر من معاصي الله (ر ، ك ، ١٥٠ ، ١٥)

ـ إنّ سائر الأجسام من الألوان والطعوم والأراييح آفة فيها (الأرواح) فإنّما كان يقول (النظّام) : إنّ هذه الأجسام آفة على الأرواح في دار الدنيا التي هي دار بلوى واختبار ومحن ، فهي مشوبة بالآفات لتتم المحنة ويصح الاختبار فيها ، فأمّا الجنة فإنّها عنده ليست بدار محنة ولا اختبار وإنّما هي دار نعيم وثواب فليست بدار آفات. ولا بدّ للأرواح عند إبراهيم إذا أراد الله أن يوفيها ثوابها في الآخرة أن يدخلها هذه الأجسام من الألوان والطعوم والأراييح ، لأنّ الأكل والشراب والنكاح وأنواع النعيم لا تجوز على الأرواح إلّا بإدخال هذه الأجسام عليها (خ ، ن ، ٣٤ ، ١٦)

ـ قال (أبو الهذيل) : فأهل الجنّة في الجنّة يتنعمون فيها ويلذون ، والله تعالى المتولي لفعل ذلك النعيم الذي يصل إليهم وهم غير فاعلين له. (قال) ولو كانوا في الجنّة مع صحة عقولهم وأبدانهم يجوز منهم اختيار الأفعال ووقوعها منهم لكانوا مأمورين منهيين. ولو كانوا كذلك لوقعت منهم الطاعة والمعصية ، ولكانت الجنة دار محنة وأمر ونهي ولم تكن دار ثواب وكان سبيلها سبيل الدنيا. وقد جاء الإجماع بأنّ الدنيا دار عمل وأمر ونهي ، والآخرة دار جزاء وليست بدار أمر ولا نهي ، وهذا الإجماع يوجب ما قلت. فهذه حجة أبي الهذيل في نفيه أن يكون أهل الجنة يفعلون في الحقيقة (خ ، ن ، ٥٦ ، ١٥)

ـ الجنّة البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلّل بالتفاف أغصانه ، قال زهير. تسقى جنة سحقا. أي نخلا طوالا ، والتركيب دائر على معنى الستر ، وكأنّها لتكاثفها وتظليلها سمّيت بالجنّة التي هي المرة من مصدر جنّه إذا ستره كأنّها سترة واحدة لفرط التفافها. وسمّيت دار الثوب جنّة لما فيها من الجنان. فإن قلت : الجنّة مخلوقة أم لا؟ قلت : قد اختلف في ذلك ، والذي يقول إنّها مخلوقة يستدلّ بسكنى آدم وحوّاء الجنّة وبمجيئها في القرآن على نهج الأسماء الغالبة اللاحقة بالأعلام كالنبيّ والرسول والكتاب ونحوها. فإن قلت : ما معنى جمع الجنّة وتنكيرها؟ قلت : الجنّة اسم لدار الثواب كلها ، وهي مشتملة على جنان كثيرة مرتّبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنات من تلك الجنان (ز ، ك ١ ، ٢٥٦ ، ٣)

جنس

ـ إنّ ما كان أكثر من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٤ ، ٢٢)

ـ الجنس هو ما تتماثل به الأنواع ويقال عليها

قولا أوليّا في جواب ما هو ، وذلك كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان والفرس. فعلى هذا إنّما لم يكن ما وقع به الاشتراك بين الجوهر والعرض من الوجود وغيره جنسا لهما من حيث إنّه لم يكن مقولا عليهما ، على النحو الذي ذكرناه. ولهذا يفهم كل منهما دونه. ولو كان الجنس هو ما تتماثل به الحقائق المختلفة في الجملة ، لقد قلنا إنّ ما اشترك فيه الجوهر والعرض جنس لهما ، لكن لم يكن الأمر هكذا. وهذا بخلاف الأحوال فإنّها إنّما كانت أحوالا من حيث إنّه وقع بها الاتفاق والافتراق ، وذلك بعينه متحقّق في الأحوال. وإن كان اسم الحال لا يطلق إلّا على ما به الاتّفاق والافتراق بين الذوات فهو نزاع في التسمية لا في المعنى (م ، غ ، ٣٥ ، ٢٠)

ـ الجنس : اسم دالّ على كثيرين مختلفين بأنواع (ج ، ت ، ١١١ ، ٢)

ـ الجنس : كلّي مقول على كثيرين مختلفين بالحقيقة في جواب ما هو من حيث هو كذلك ، فالكلّي جنس ، وقوله مختلفين بالحقيقة يخرج النوع والخاصة والفصل القريب ، وقوله في جواب ما هو يخرج الفصل البعيد والعرض العام ، وهو قريب إن كان الجواب عن الماهيّة وعن بعض ما يشاركها في ذلك الجنس ، وهو الجواب عنها وعن كل ما يشاركها فيه كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان ، وبعيد إن كان الجواب عنها وعن بعض ما يشاركها فيه غير الجواب عنها وعن البعض الآخر كالجسم النامي بالنسبة إلى الإنسان (ج ، ت ، ١١١ ، ٣)

جنس الكلام

ـ اعلم أنّ جنس الكلام هو الصوت. فإذا وقع على وجه فهو كلام ، هذا هو اختيار" أبي هاشم". وقد قال" أبو علي" : هو جنس غير الصوت. والدلالة على أنّه والصوت سواء هو أن يقال : لو كان غير الصوت لصحّ وجود الصوت المقطّع ولا كلام ، أو الكلام من دونه ، لأنّ ذلك إمارة الجنسين. فإذا لم يصحّ انفصال أحدهما عن الآخر ولا تعلّق دلّ على أن الجنس واحد. وبهذا كلّم" أبو علي" رحمه‌الله" أبا الهذيل" في نفي أن يكون الافتراق معنى زائدا على الكونين إلى ما شاكل ذلك ، فيجب أن يكون المرجع بهما إلى شيء واحد (ق ، ت ١ ، ٣٢٣ ، ٢)

جنس واحد

ـ إبراهيم (النظّام) يزعم أنّ الإنسان الواحد قد يصدق في حال ويكذب في أخرى ويفعل الخير في حال ويفعل الشر في حال أخرى. ولكنّه كان يزعم أنّ الجنس الواحد لا يكون منه جنسان من الفعل ويستدلّ على ذلك بالنار التي لا يكون منها إلّا جنس واحد وهو التسخين ، والثلج الذي لا يكون منه إلّا التبريد الذي هو جنس واحد (خ ، ن ، ٣٠ ، ٢٢)

جنسية

ـ قال المثبتون (للأحوال) إلزام الحال علينا نقضا غير متوجّه ، فإنّ العموم والخصوص في الحال كالجنسيّة والنوعيّة في الأجناس والأنواع ، فإنّ الجنسية في الأجناس ليس جنسا حتى يستدعي كل جنس جنسا ويؤدّي إلى التسلسل ، وكذلك النوعيّة في الأنواع ليست نوعا حتى يستدعي كل نوع نوعا ، فكذلك الحاليّة للأحوال لا تستدعي حالا فيؤدّي إلى التسلسل ، وليس يلزم على من يقول الوجود عام أن يقول للعام عام ،

وكذلك لو قال العرضيّة جنس فلا يلزمه أن يقول الجنس جنس ، وكذلك لو فرّق فارق بين حقيقة الجنس والنوع وفصل أحدهما عن الثاني بأخصّ وصف لم يلزمه أن يثبت اعتبارا عقليّا في الجنس هو كالجنس ، ووجها عقليّا هو كالنوع ، فلا يلزم الحال علينا بوجه لا من حيث العموم والخصوص ولا من حيث الاعتبار والوجه (ش ، ن ، ١٤١ ، ١٧)

جهات

ـ الجهات ست : فوق وأسفل وقدّام وخلف ويمين وشمال. فمعنى كون الشيء فوقنا هو أنّه في حيّز يلي جانب الرأس ، ومعنى كونه تحتنا إنّه في حيّز يلي جانب الرجل. وكذا سائر الجهات (غ ، ق ، ٤١ ، ٦)

ـ الأحياز والجهات أمور مختلفة بحقائقها متباينة بماهيّاتها (ف ، س ، ٣٧ ، ١٦)

جهات يقع عليها الفعل

ـ إنّ الفعل كما ينقسم ، فيقع بعضه لا من قاصد كفعل الساهي والنائم ، وبعضه من قاصد كفعل العالم ، وإن وجب اشتراكهما في الحدوث ؛ فكذلك الجهات التي يقع عليها الفعل تنقسم ، ففيه ما يحصل عليه بالفاعل وبحسب قصده ، وفيه ما يحصل عليه لا بالفاعل ، لكن لما هو عليه في ذاته. وإنّما كان كذلك ، لأنّ حال الفاعل إنّما يؤثّر فيما يجوز أن لا يحصل الفعل عليه مع وجوده. فأمّا ما يجب حصوله عليه على كل حال ، فلا يؤثّر فيه حال الفعل ، ولو أثّر حال الفاعل في ذلك لم يثق بأنّ للفعل صفة نفسيّة ؛ لأنّه كان يجوز أن يكون عليها بالفاعل ، وإن لم يكن له تأثير فيها. ولأنّ الفاعل ، كما أنّ ما يحدثه يجوز أن لا يحدثه ، فكذلك سائر ما يحصل عليه الفعل يجب أن يجوز أن لا يفعله عليه ، لأنّ الأصل فيما يتعلّق بالفاعل هو الحدوث ، فيجب أن يكون سائر ما يتعلّق به يجري في كيفية التعلّق به مجراه (ق ، غ ٨ ، ٢٧٠ ، ٢)

جهاد

ـ إنّ الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة : أحدها الدعاء إلى الله عزوجل باللسان ، والثاني الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير ، والثالث الجهاد باليد في الطعن والضرب (ح ، ف ٤ ، ١٣٥ ، ١٢)

جهة

ـ كل ما قيل فيه أنّه في جهة ، فقد قيل أنّه في حيّز مع زيادة إضافة (غ ، ق ، ٤١ ، ٨)

ـ قولنا : الشيء في حيّز ، يعقل بوجهين : أحدهما أنّه يختصّ به بحيث يمنع مثله من أن يوجد بحيث هو ، وهذا هو الجوهر ، والآخر أن يكون حالا في الجوهر. فإنّه قد يقال أنّه بجهة ولكن بطريق التبعية للجوهر ، فليس كون العرض في جهة ككون الجوهر ؛ بل الجهة للجوهر أولا وللعرض بالتبعية. فهذان وجهان معقولان في الاختصاص بالجهة (غ ، ق ، ٤١ ، ١٢)

جهة الفعلية

ـ الطريق إلى العلم بأنّ الشيء يضاف إلى الحيّ على جهة الفعليّة هو : أنّه متى علم وقوعه من جهته بحسب قصده وإرادته ودواعيه وصف به ، وبهذه الطريقة يعلم سائر ما يضاف إليه على جهة الفعلية ، كالضرب والتحريك والتسكين (ق ، غ ٧ ، ٤٨ ، ٤)

جهة القبح والحسن

ـ إنّ الفعل لا يجوز أن يتأخّر وجه حسنه أو قبحه عن حال وجوده وحدوثه ؛ كما لا يصحّ في معلول العلّة أن يتأخّر عن العلّة ؛ لأن جهة القبح والحسن في أنّهما تقتضيان كون الفعل حسنا أو قبيحا بمنزلة العلل في إيجابها المعلول (ق ، غ ١١ ، ٢٦٧ ، ١٤)

جهل

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ إنّ إبراهيم كان يفصل بين قوله وبين ما ألزمه المنانية فيقول : وجدت الظلم ليس يقع إلّا من ذي آفة وحاجة حملته على فعله أو من جاهل به. والجهل والحاجة دالّان على حدث من وصف بهما ويتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (قال) فالذي أمّنني من فعل الله للظلم انتفاء هذه الأشياء عنه الدالّة على حدث من وصف بها (خ ، ن ، ٣٩ ، ١٤)

ـ كان يقول (الأشعري) إنّ نوع الجهل وجنسه خلاف جنس العلم ، كما أنّ جنس اللون خلاف جنس الطعم ، وكذلك جنس السواد خلاف جنس البياض ، فكذلك الشكّ والجهل والسهو والموت أجناس مختلفة كلّها تضادّ العلم على الوجه الذي يستحيل حدوثها معا لحيّ ، وأن يتّصف به موصوف واحد (أ ، م ، ١٣ ، ١٨)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فلا يصحّ أن يتعلّق بحدوث الشيء إلّا ويجب أن يحدث ، وإلّا انقلب جهلا. وليس كذلك حال الإرادة ؛ لأنّها تتناول حدوث الشيء ولا تتعلّق به على ما هو به. وهي في بابها بمنزلة الاعتقاد الذي قد يتعلّق بالشيء على ما هو به وعلى ما ليس به ؛ لأنّها لا تكون إرادة بأن تقع على وجه مخصوص ، فهي جنس الفعل كالاعتقاد فحملها عليه أولى من حملها على العلم (ق ، غ ١١ ، ١٥٩ ، ١٢)

ـ إنّ الجهل كما يقبح منه كونه جهلا ، فقد يقبح لكونه اعتقادا للشيء على وجه لا تسكن النفس إليه. وهو وإن لم يعلم من حاله قبل فعله له أنّه جهل ، فهو يعلم من حاله فيما يبتدئه من الاعتقادات أنّه لا تسكن النفس إليها ، فيعلم بذلك أنّ إقدامه عليها يقبح. وإذا دخل الجهل في هذه الصفة ، أمكنه التحرّز من فعله ؛ كما يمكنه الإقدام على المعرفة بفعل النظر ، من حيث قد علم في الجملة أن ما يحصل عن النظر يقتضي سكون النفس ، على ما قدّمنا القول فيه. وقد بيّنا ، من قبل ، أنه وإن لم يعلم الجهل جهلا قبل أن يفعله ، فهو عالم في الجملة أنّ النظر لا يجوز أن يجب عليه وهو يؤدّي إلى الجهل. فيعلم أنه لا يؤدّي إليه ، وأنّه إن أوجب شيئا من الاعتقادات فلا يوجب إلّا المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٨١ ، ٩)

ـ إنّ الجهل اعتقاد يتعلّق بالمعتقد على خلاف ما هو به ، والموصوف به مصمّم عليه ، وذلك يناقض التطلّب والبحث (ج ، ش ، ٢٧ ، ٧)

ـ الجهل ، " وهو اعتقاد المعتقد على خلاف ما هو به" (ج ، ش ، ٣٥ ، ١٩)

ـ الجهل : هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه. واعترضوا عليه بأنّ الجهل قد يكون بالمعدوم وهو ليس بشيء ، والجواب عنه أنّه شيء في الذهن (ج ، ت ، ١١٢ ، ١٨)

جهل بسيط

ـ الجهل البسيط : هو عدم العلم عمّا من شأنه أن يكون عالما (ج ، ت ، ١١٣ ، ١)

جهل مركّب

ـ الجهل المركّب : هو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع (ج ، ت ، ١١٣ ، ٢)

جهمية

ـ الجهميّة : أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال ، وأنكر الاستطاعات كلها ، وزعم أنّ الجنّة والنار تبيدان وتفنيان. وزعم أيضا أنّ الإيمان هو المعرفة بالله تعالى فقط ، وأنّ الكفر هو الجهل به فقط ، وقال : لا فعل ولا عمل لأحد غير الله تعالى ، وإنّما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز ، كما يقال : زالت الشّمس ، ودارت الرّحى ، من غير أن يكونا فاعلين أو مستطيعين لم وصفتا به. وزعم أيضا أنّ علم الله تعالى حادث ، وامتنع من وصف الله تعالى بأنّه شيء أو حيّ أو عالم أو مريد ، وقال : لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره كشيء ، وموجود ، وحي ، وعالم ، ومريد ، ونحو ذلك. ووصفه بأنّه قادر ، وموجد ، وفاعل ، وخالق ، ومحيي ، ومميت ، لأنّ هذه الأوصاف مختصّة به وحده ، وقال بحدوث كلام الله تعالى كما قالته القدرية ، ولم يسمّ الله تعالى متكلّما به (ب ، ف ، ٢١١ ، ٦)

جوّاد

ـ شيخنا أبو علي رحمه‌الله قال في الأصلح : إنّ فاعله يوصف بأنّه جائد ، فإذا أراد الواصف المبالغة وصفه بأنّه جواد ، ووصفنا له بذلك يفيد الإكثار من فعل الجود والإفضال ، لأن أهل اللغة عند علمهم من حال الفاعل بذلك ، يصفونه بأنه جواد ، وإذا لم يعلموه كذلك ، لم يصفوه بهذا الوصف ، وهذه الطريقة هي الدالّة على الاشتقاق من الفعل ، فتجب صحّتهما فيما ذكرناه (ق ، غ ١٤ ، ٤٥ ، ١٥)

جواز

ـ إنّ الجواز في الأصل إنّما هو الشكّ ، يقال : فلان مجوّز أي شاكّ. ثم يستعمل بمعنى الصحّة ، فيقال : يجوز منه الفعل ، أي يصحّ ؛ ويستعمل بمعنى الإمكان نحو قولنا : المحل يجوز أن يبيّض ويجوز أن يسوّد ، أي يمكن ؛ وربما يستعمل ويراد به أنّه وقع موقع الصحّة ، نحو ما يقوله الفقهاء : يجوز التوضّؤ بالماء المغصوب وتجوز الصلاة في الدار المغصوبة ، أي لا يلزم فيها الإعادة بل وقع موقع الصحيح ؛ وربما يراد به الإباحة ، كما يقال : يجوز للمضطرّ أن يتناول الميتة ، أي يباح له ذلك. فهذه هي الوجوه التي يستعمل فيها الجواز ، وحقيقته ما ذكرنا أولا. ثم ليس يجب إذا استعمل بمعنى الصحّة في موضع أن يستعمل في سائر المواضع حتى يصحّ أن يقال : يجوز من الله تعالى الظلم على معنى أنّه يصحّ ، لأنّ المجازات مما لا يقاس عليها ، ولهذا لا يقاس غير العربة من الدابّة والحصيرة عليها في جواز السؤال. وبعد ، فإنّ الأصل أنّ كل لفظ يحتمل معنيين : يصحّ أحدهما على الله تعالى ولا يصحّ الآخر عليه ، فإنّه لا يجوز لنا أن نجريه على الله تعالى ، وإن جاز له تعالى أن يجريه على نفسه ، لأنّه قد ثبتت حكمته (ق ، ش ، ٣٩٤ ، ٥)

جواهر

ـ الجواهر على ضربين : جواهر مركّبة وجواهر بسيطة غير مركّبة ، فما ليس بمركّب من الجواهر

فليس بجسم وما هو مركّب منها فجسم (ش ، ق ، ٣٠٧ ، ١٥)

ـ الجواهر على جنس واحد وهي بأنفسها جواهر ، وهي متغايرة بأنفسها ومتّفقة بأنفسها ، وليست تختلف في الحقيقة ، والقائل بهذا هو" الجبّائي" (ش ، ق ، ٣٠٨ ، ٩)

ـ الجواهر أربعة أجناس متضادّة من حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وهم" أصحاب الطبائع" (ش ، ق ، ٣٠٩ ، ١)

ـ إنّ الجواهر متماثلة وذكر (عبد الجبّار) فيه وجهتين أحدهما أنّها متّفقة في التحيّز وذلك من أخصّ الصفات ، والاشتراك في مثل ذلك يوجب التماثل. والوجه الثاني هو القياس أحد المدركين من الجواهر بالآخر مع العلم بتغايرهما ، ولا وجه لوقوع اللبس إلّا التماثل (ق ، ت ١ ، ١٩٨ ، ٨)

ـ إنّ الوجود إنّما يرجع إلى ذاته متى لم يحصل بالفاعل ، وذلك لا يتمّ إلّا في القديم ؛ لأنّ الجواهر لو وجب الوجود لها لم يخرجها ذلك من الحاجة في الوجود إلى موجد ، وكلّ صفة حصل الموصوف عليها بالفاعل أو لعلّة لم تقع بها الإبانة على وجه (ق ، غ ١١ ، ٤٣٣ ، ٨)

ـ قد ثبت بالدليل أنّ الكون يجوز عليه البقاء ولا ينتفي عن المحلّ مع وجوده إلّا بضدّ! لأنّه لا يحتاج في وجوده إلى أمر سوى محلّه ، فلا يصحّ مع وجود المحلّ أن ينتفي الكون إلّا ويخلفه كون غيره ، فكيف يقال : إنّ المحلّ ينتفي بانتفائه. فأمّا البقاء فقد بيّنا فيما تقدّم أنه لا دليل يقتضي ثبوته ، بل الدلالة قد دلّت على أنّ الجواهر تبقى ويستمرّ بها الوجود من غير معنى (ق ، غ ١١ ، ٤٤٢ ، ٩)

ـ ذهب شيوخنا إلى أنّ الجواهر كلها جنس واحد. وذهب شيخنا أبو القاسم البلخي إلى أنّ الجواهر قد تكون مختلفة. كما أنّها قد تكون متماثلة (ن ، م ، ٢٩ ، ٣)

ـ الجواهر كل ذي لون. والأعراض هي الصفات القائمة بالجواهر من الحركة والسكون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة وسائر الأعراض (ب ، أ ، ٣٣ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ الجواهر مدركة رؤية ولمسا ؛ وقد حكى عن الصالحيّ أنّه جعل المدرك هو اللون دونها : وبالضدّ من هذا قول من زعم أنّ المدرك هو القائم بنفسه ، فأخرج اللون عن كونه مرئيا على ما يقوله الكلابيّة (أ ، ت ، ٥٣ ، ٣)

ـ اعلم أنّ الجواهر جنس واحد لا اختلاف فيها. وقد ذهب أبو القاسم إلى أنّ فيها متماثلا ومختلفا ، ورجع بالتماثل إلى أنّه إنّما يثبت بالمعاني المتماثلة الموجودة في الجواهر. فإذا اتّفق الجوهر أنّ في ذلك ، فهما مثلان ورجع بالاختلاف إلى اختلاف هذه المعاني. فإذا اختلف الجوهران فيما يوجد فيهما من المعاني فهما مختلفان. وعندنا أنّه لا يقع التماثل ولا الاختلاف إلّا بصفات الذوات والمقتضى عنها (أ ، ت ، ١٣٧ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ الجواهر مما تعدم ويرد عليها الفناء فتفنى ، وادّعاء الإجماع في ذلك ممكن ، ولم نجد الخلاف فيه إلّا ما شنع ابن الراوندي على الجاحظ ، فإنّه زعم أنّه لا يقول بفنائها ، ولو كان ذلك مذهبا له لذكره غيره عنه (أ ، ت ، ٢٠٨ ، ٢)

ـ إنّ الجواهر لا تسبق الحوادث ، وما لا يسبق الحادث حادث (ج ، ش ، ٤٠ ، ٣)

ـ قال (النظّام) : إنّ الجواهر مؤلّفة من أعراض اجتمعت ، ووافق هشام بن الحكم في قوله إنّ الألوان والطعوم والروائح أجسام (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ٨)

ـ الجواهر غير موصوفة بالأعراض حال العدم (ف ، م ، ٤٩ ، ٢٦)

جود

ـ اعلم أنّ الجود : هو ما وصفناه من النعم والإحسان ، فلذلك يقع المدح به ، وبالاسم المشتقّ منه (ق ، غ ١٤ ، ٤٥ ، ١٣)

جور

ـ كان (الأشعري) يقول في معنى الجور إنّه هو الزوال عن الحدّ والرسم. فإذا كان زوالا عن حدّ من يجب طاعته كان جورا مذموما. وإذا كان زوالا عن حدّ على خلاف هذا الوجه كان جورا على الحقيقة ولم يكن مذموما (أ ، م ، ١٣٩ ، ٢٤)

ـ منهم من قال العدل من أفعالنا ما وافق أمر الله عزوجل به ، والجور ما وافق نهيه (ب ، أ ، ١٣١ ، ١٦)

جوهر

ـ معنى الجوهر أنّه يحتمل الأعراض ، وهذا قول" أبي الحسين الصالحي" (ش ، ق ، ٣٠١ ، ٦)

ـ الجوهر ما إذا وجد كان حاملا للأعراض ، وزعم صاحب هذا القول أنّ الجواهر جواهر بأنفسها وأنّها تعلم جواهر قبل أن تكون ، والقائل بهذا القول هو" الجبّائي" (ش ، ق ، ٣٠٧ ، ٢)

ـ قال" الصالحي" : الجوهر هو ما احتمل الأعراض وقد يجوز عنده أن يوجد الجوهر ولا يخلق الله فيه عرضا ، ولا يكون محلّا للأعراض إلّا أنّه محتمل لها (ش ، ق ، ٣٠٧ ، ٥)

ـ ليس كل جوهر جسما ، والجوهر الواحد الذي لا ينقسم محال أن يكون جسما لأنّ الجسم هو الطويل العريض العميق ، وليس الجوهر الواحد كذلك ، وهذا قول" أبي الهذيل" و" معمّر" وإلى هذا القول يذهب" الجبّائي" (ش ، ق ، ٣٠٧ ، ١٠)

ـ لا جوهر إلّا جسم ، وهذا قول" الصالحي" (ش ، ق ، ٣٠٧ ، ١٤)

ـ الجوهر هو الذي يقبل من كل جنس من أجناس الأعراض عرضا واحدا ؛ لأنّه متى كان كذلك كان جوهرا ، ومتى خرج عن ذلك خرج عن أن يكون جوهرا (ب ، ت ، ٤١ ، ٢١)

ـ القائم بغيره هو العرض والقائم بنفسه هو الجوهر (ب ، ت ، ٧٩ ، ٣)

ـ الأشياء كلّها على ضربين : فضرب منها يصح منه الأفعال وهو الجوهر ؛ وضرب تتعذر وتمتنع منه الأفعال وهو العرض (ب ، ت ، ٧٩ ، ٦)

ـ الأشياء على ضربين : شريف ، وهو الجوهر القائم بنفسه المستغني في الوجود عن غيره ؛ وخسيس قائم بغيره ومحتاج إليه ، وهو العرض (ب ، ت ، ٧٩ ، ٨)

ـ الجوهر : الذي له حيّز. والحيّز هو المكان أو ما يقدر تقدير المكان عن أنّه يوجه فيه غيره (ب ، ن ، ١٦ ، ٢٠)

ـ إنّ الكون معنى له يكون الكائن كائنا وبه يكون في المكان إذا كان مكان ، وإنّ الجوهر لا يجوز أن يخلو من الكون كما لا يجوز أن يخلو

من اللون ، وإنّ الجوهر المنفرد فيه كون وهو المعنى الذي لو كان مكان كان به الكائن كائنا في المكان (أ ، م ، ٢٤٣ ، ١١)

ـ الحوادث على ضربين ، حادث يقتضي محلّا يقوم به وهو العرض لا يصحّ حدوثه قائما بنفسه ، والضرب الثاني ما لا يقتضي محلّا يقوم به وهو الجوهر والجسم (أ ، م ، ٢٧٦ ، ٧)

ـ قد علمنا أنّ الجوهر لا يتعلّق بغيره ، وإنّما يحصل موجودا لا في محلّ ، فالفناء إنّما ينافيه بأن يحصل موجودا على هذا الوجه ، وصار ليس يغنى مجرّد وجودهما عن تعلّقهما بالغير في أنّه معتبر في منافاة أحدهما للآخر بمنزلة تعلّق الضدّين بالمحلّ إذا تضادا عليه. فلولا أنّ الأمر كذلك لم يصحّ أن يضادّ الجوهر أصلا ؛ لأنّه لا بدّ على ما قدّمناه من أن نعتبر في مضادّته له حكما زائدا على الجنس والوجود ، فلو لم نعتبر ما ذكرناه لم ينافه أصلا ، وصار نفي تعلّقهما بالغير في أنّه حكم زائد يعتبر به مضادّتهما بمنزلة الحكم الجاري مجرى الإثبات المعتبر في سائر المتضادّات (ق ، غ ١١ ، ٤٤٥ ، ٥)

ـ إنّ الجوهر لا يوجد إلا وهو متحيّز ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ثم لا يكون كائنا في جهة إلّا بكون. ثم إنّ ذلك الكون إن بقي وقتين سمّي سكونا ، وإن طرأ عليه ضدّ فنفاه وانتقل به الجوهر إلى جهة ثانية فهذا الثاني يكون حركة ، ويكون الأوّل من جنسها أيضا ، لأنّه يجوز أن يقدّر فيه معنى الحركة بأن يقدّم الله تعالى خلق الجوهر على تلك الجهة في أقرب المحاذيات إليها ؛ فإن انضمّ إلى ذلك الجوهر جوهر آخر كان ما فيهما من الأكوان مجاورة ، لأنّ المجاورة عبارة عن كون الجوهرين على سبيل القرب (ن ، د ، ٧٦ ، ٢)

ـ إنّ الجوهر وجده مضمّن بوجود الكون من حيث أن الجوهر لا يوجد إلا وهو متحيّز ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ولا يكون كائنا في جهة إلّا بكون ، ويكون وجود الجوهر مضمّنا بوجوده. ولا يمكن أن نبيّن مثل ذلك في الكون مع التأليف (ن ، د ، ٨٥ ، ١٢)

ـ إنّ الجوهر يجوز خلوّه من الاعتماد (ن ، د ، ١٤٧ ، ٦)

ـ إنّ الجوهر يصحّ خلوّه من اللون. فإن قيل : فلم قلتم إن الجوهر يصحّ خلوّه من الألوان؟ قيل له : إذا ثبت في اللون أنّه غير الجوهر وأنّ القادر عليهما مختار في فعله ، فإنّه يجوز أن يفعل أحدهما دون الآخر ، إذ ليس بينهما علقة من وجه معقول. وكل ذاتين إذا لم يكن بينهما علقة من وجه معقول فإنّه يصحّ وجود أحدهما من دون الآخر (ن ، د ، ١٤٨ ، ٦)

ـ إنّ الكون يحتاج إلى الجوهر في وجوده ، والجوهر يحتاج إلى الكون في كونه كائنا ، فقد اختلف وجه الحاجة (ن ، د ، ١٥١ ، ٣)

ـ إنّ الجوهر يحتاج إلى الكون في كونه كائنا ، والكون يحتاج إلى ذات الجوهر (ن ، د ، ١٥١ ، ٨)

ـ إنّ صفات الجوهر ما عدا الوجود ثلاث : كونه جوهرا ومتحيّزا وكائنا (ن ، د ، ١٥٣ ، ٥)

ـ إنّ الجوهر إنّما لا يجوز خلوّه من الأكوان ، لأنّه لا يوجد إلا وهو متحيّز ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ولا يكون كائنا في جهة إلا بكون. فيكون وجود الجوهر متضمّنا بوجود الكون (ن ، د ، ١٦٤ ، ١٩)

ـ إنّ الجوهر يحصل عند الوجود على حكم وصفة ، وهو كونه كائنا (ن ، د ، ٤٠٤ ، ٥)

ـ إنّ الجوهر لا يوجد إلّا ويوجد معه الكون ، فلو كان الاعتماد مولّدا للجوهر لكان لا يجوز أن يولّده إلّا ويولّد معه الكون ، لاستحالة خلو الجوهر من الكون ؛ وقد ثبت أنّ الاعتماد إنّما يولّد الجوهر بشرط مماسة محله للمحل الذي يولّد فيه الكون ـ ومماسة المعدوم محال (ن ، د ، ٤٤١ ، ٢)

ـ إنّا نعلم عند إدراكنا للجوهر صفات ثلاثا وهي : تحيّزه ، ووجوده ، وكونه كائنا في جهة (ن ، م ، ٣٠ ، ١٦)

ـ اعلم أنّ الذي يذهب إليه الشيخان أبو علي وأبو هاشم أنّ الجوهر يكون جوهرا في حال عدمه. وقد قال بذلك الشيخ أبو عبد الله ، وربما يجري في كلامه ما يقتضي ظاهره أنّ صفة التحيّز تكون حاصلة للمعدوم (ن ، م ، ٣٧ ، ١١)

ـ إنّ الجوهر لا يحتاج في وجوده إلى الكون ، وإنّما يحتاج في كونه كائنا في جهة مخصوصة ، إلى وجود الكون فيه في تلك الجهة ، والكون يحتاج في وجوده إلى وجود الجوهر. فقد اختلف وجه الحاجة ، فلا يلزم أن يكون محتاجا إلى نفسه (ن ، م ، ٦٦ ، ١٦)

ـ أمّا إثبات الجوهر جزأ لا يتجزّأ فعليه جمهور المسلمين غير النظام فإنّه زعم أنّه لا نهاية لأجزاء الجسم الواحد وبه قال أكثر الفلاسفة (ب ، أ ، ٣٦ ، ٤)

ـ ذهب شيخنا أبو الحسن الأشعري إلى استحالة تعرّي الأجسام من الألوان والأكوان والطعوم والروائح. وقال لا بدّ أن يكون في كل جوهر لون وكون وطعم ورائحة وحرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة وحياة أو ضدّها ، وإذا وجد في حالين فلا بدّ من وجود بقاء فيه في كل حال بعد حال حدوثه (ب ، أ ، ٥٦ ، ١٣)

ـ زعم الكعبي وأتباعه من القدرية أنّ الجوهر يجوز تعرّيه عن الأعراض كلّها إلّا من اللون. وزعم أبو هاشم وأتباعه من القدرية أنّ الجوهر في حال حدوثه يجوز تعرّيه من الأعراض كلّها إلّا من الكون ، وكل عرض حدث فيه بعد الكون فإنّه لا يخلو منه بعد حدوثه إلّا بضدّه (ب ، أ ، ٥٦ ، ١٦)

ـ زعم الصالحيّ وأتباعه من القدرية : أنّه يجوز وجود الجوهر خاليا من الأعراض كلّها. وزعم المعروف منهم بابن المعتمر أنّ الجوهر الواحد لا يحتمل الأعراض ، فإذا اجتمعت ثمانية أجزاء وصارت جسما أحدثت في أنفسها الأعراض طباعا (ب ، أ ، ٥٧ ، ٢)

ـ ذهب قوم من المتكلّمين إلى إثبات شيء سمّوه جوهرا ليس جسما ولا عرضا ، وقد ينسب هذا القول إلى بعض الأوائل ، وحدّ هذا الجوهر عند من أثبته أنّه واحد بالذات قابل للمتضادّات ، قائم بنفسه لا يتحرّك ولا له مكان ولا له طول ولا عرض ولا عمق ولا يتجزّأ ، وحدّه بعض من ينتمي إلى الكلام بأنّه واحد بذاته لا طول له ولا عرض ولا يتجزّأ ، وقالوا أنّه لا يتحرّك وله مكان ، وأنّه قائم بنفسه يحمل من كل عرض عرضا واحدا فقط كاللون والطعم والرائحة والمجسّة (ح ، ف ٥ ، ٦٩ ، ١١)

ـ حقيقة الجوهر ما له حيّز عند الوجود (أ ، ت ، ٤٧ ، ٤)

ـ المتحيّز هو المختصّ بحال لكونه عليها يتعاظم بانضمام غيره إليه أو يشغل قدرا من المكان ، أو ما يقدر تقدير المكان ، فيكون قد حاز ذلك المكان ، أو يمنع غيره من أمثاله عن أن يحصل بحيث هو. فهذه وما أشبهها أحكام المتحيّز.

فأفراد ما هذا حاله تسمّى جوهرا. ومن هذه الأعيان تتركّب الأجسام ، فلهذا تجعل الجواهر أصول الأجسام (أ ، ت ، ٤٧ ، ٨)

ـ إنّ الجوهر جوهر لذاته ، لأنّه إن كان جوهرا لوجوده ، لزم في الموجودات أجمع أن تكون جوهرا (أ ، ت ، ٧٢ ، ١٥)

ـ إنّ الصفة المقصورة على الذات تحلّ محلّ الصفة المقصورة على العلّة. فإذا أثبت أنّ الصفة ما دامت العلّة ثابتة لكونها مقصورة عليها ، فكذلك صفة الذات. وإذا صحّ أنّ الجوهر يستحقّ هذه الصفة في حالتي العدم والوجود ، وصحّ أن تحيّزه لا يثبت إلّا عند الوجود ، بطل قول من زعم أنّ كونه جوهرا ومتحيّزا صفة واحدة ، على ما دلّ عليه كلام الشيخ أبي عبد الله. ويبطل قول الشيخ أبي إسحاق إذا لم يثبت إلّا كونه متحيّزا ، لأنّ الإدراك يتناوله (أ ، ت ، ٧٣ ، ١٠)

ـ لو كانت له (الجوهر) صفة بكونه جوهرا ، لتناوله الإدراك ، لأنّ الإدراك لا يتناول إلّا الصفات المقتضاة عن صفات الذات ، وهي تجري في الوجوب مجرى الصفة اللازمة له إذا حصل شرطها ، فلا تجب ، إذا لم تدرك جوهرا ، أن تبقى هذه الصفة أصلا (أ ، ت ، ٧٣ ، ١٥)

ـ ذهب الشيخ أبو القاسم إلى أنّه لا يسمّى جوهرا وعرضا في العدم ، ويقال فيه شيء ومعلوم ومقدور ومخبر عنه حتى نصفه بأنّه مثبت ، ولا نعني به الوجود (أ ، ت ، ٧٦ ، ٩)

ـ اعلم أنّ الجوهر الذي هو محلّ الأعراض يجوز خلوّه من جميع ما يصحّ وجوده فيه من لون وطعم ورائحة وغيرها. وإنّما نحيل وجوده عاريا عن الكون لا لأمر يرجع إلى أنّه يحتمله حتى يصحّ قياس غيره عليه ، بل لأنّه لا يجوز وجوده غير متحيّز. ولا يجوز وجود المتحيّز إلّا في جهة ، ولا يحصل كذلك إلّا بكون. فصار من هذا الوجه وجوده مضمّنا بوجوده ، وهذا غير موجود في المعاني الأخر. وقد أوجب الشيخ أبو علي أن لا يخلو الجوهر مما يحتمله أو من ضدّه إن كان له ضدّ. فإن لم يكن له ضدّ لم يخل منه أصلا. فاقتضى هذا من طريقته أن نقول بامتناع خلوّ الجوهر من اللون ومن غيره من الأعراض. وهذا هو طريقة الشيخ أبي القاسم في الجملة ... والذي يختاره أبو هاشم وأصحابه جواز خلوّه من هذه المعاني في الأصل (أ ، ت ، ١٢٤ ، ٦)

ـ اعلم أنّ وجود الجوهر لا يستند إلى معنى أصلا سواء كان حال حدوثه أو حال بقائه (أ ، ت ، ١٥٤ ، ١٠)

ـ إنّ الجوهر لا يخلو عن كل جنس من الأعراض وعن جميع أضداده ، إن كانت له أضداد ، وإن كان له ضدّ واحد ، لم يخل الجوهر عن أحد الضدّين ، فإن قدّر عرض لا ضدّ له ، لم يخل الجوهر عن قبول واحد من جنسه (ج ، ش ، ٤٤ ، ٦)

ـ الجوهر في اصطلاح المتكلّمين هو المتحيّز (ج ، ش ، ٦٤ ، ٨)

ـ الوجود عندنا حال الجوهر ، والجوهر كان في عدمه جوهرا ، ثم طرأ عليه حال الوجود (ج ، ش ، ٩٦ ، ٧)

ـ إنّ الخيّاط غالى في إثبات المعدوم شيئا وقال : الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، والجوهر جوهر في العدم ، والعرض عرض في العدم ، وكذلك أطلق جميع الأجناس والأصناف حتى قال : السواد سواد في العدم ، فلم يبق إلّا صفة

الوجود أو الصفات التي تلزم الوجود والحدوث (ش ، م ١ ، ٧٧ ، ٢)

ـ الممكن إمّا أن يكون في الموضوع وهو العرض ، أو لا يكون وهو الجوهر (ف ، م ، ٧٠ ، ٤)

ـ اعلم بأنّ المراد من الجوهر المتحيّز الذي لا ينقسم ، أو المراد منه كونه غنيّا عن المحلّ (ف ، أ ، ٣٥ ، ١٧)

ـ الجوهر : ماهيّة إذا وجدت في الأعيان كانت لا في موضوع ، وهو منحصر في خمسة : هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل (ج ، ت ، ١١٢ ، ٢)

ـ لا يوجد جوهر إلّا متحيّزا ، ولا متحيّز إلّا كائنا يكون (م ، ق ، ٨٢ ، ١)

جوهر فرد

ـ الجسم ينتهي بالتجزئة إلى حدّ لا يقبل الوصف بالتجزّي ، ويسمّيه المتكلّمون جوهرا فردا ، وصارت الفلاسفة إلى أنّه لا ينتهي إلى حدّ لا يقبل الوصف بالتجزّي (ش ، ن ، ٥٠٥ ، ٥)

ـ يسلك إمام الحرمين في إثبات الجزء الفرد مسلكا آخر فقال ، نفرض الكلام في كرة حقيقية وبسيط حقيقي ، ونضرب بالكرة على البسيط ، أفيلاقيه أم لا ، فإن لاقاه أفيلاقيه بمنقسم أم لا ، فإن لاقاه بمنقسم فليست كرة بل هو بسيط ، وإن لاقاه بغير منقسم فذلك الجوهر الفرد (ش ، ن ، ٥٠٧ ، ١١)

ـ إنّا أقمنا البرهان على أنّ جسما محدودا متناهيا محصورا لا يشتمل على ما ليس بمتناه وغير محدود ولا محصور ، فلا يجوز أن يتجزّأ أبدا ، فبقي التجزّي مدلول دليلنا العقليّ ، ثم يلزم أن يبقى شيء لا ينقسم ولا يتجزّأ ونسمّيه جوهرا فردا (ش ، ن ، ٥١٠ ، ٦)

ـ أمّا المتحيّز فقد قال المتكلّمون إنّه إمّا أن يكون قابلا للانقسام أو لا يكون ، والأوّل هو الجسم ، والثاني هو الجوهر الفرد (ف ، م ، ٧٤ ، ١٤)

ـ القول بالجوهر الفرد حق ، والدليل عليه أنّ الحركة والزمان كل واحد منهما مركّب من أجزاء متعاقبة ، كل واحد منها لا يقبل القسمة بحسب الزمان ، فوجب أن يكون الجسم مركّبا من أجزاء لا تتجزّى (ف ، أ ، ٢٨ ، ٥)

جوهر لا يبقى لمعنى

ـ في أنّ الجوهر لا يبقى لمعنى وكما لا يحدث لمعنى ، فكذلك لا يبقى لمعنى هو بقاء على ما ذهب إليه أبو القاسم ، فإنّه أثبت البقاء معنى يبقى به الجسم ، وقد خالف أبا الحسين الخيّاط في ذلك ، فإنّه نفى البقاء. وخالفه من أصحابه أبو حفص فنفى أيضا البقاء. وفي أصحابه ممّن تأخّر من أثبت الطارئ طارئا لمعنى (أ ، ت ، ١٥٦ ، ٣)

جوهريات

ـ الأوائل ... وسمّت الصفات الأوليّات الذاتيات جوهريات لا جواهر ، وهذا صحيح لأنّها منسوبة إلى الجواهر لملازمتها لها ، وأنّها لا تفارقها البتّة (ح ، ف ٥ ، ٧٣ ، ١٣)

جوهرية

ـ القائلون بالصفات زعموا أنّ صفات الجواهر إمّا أن تكون عائدة إلى الجملة وهي الحياة وكل ما كان مشروطا بها أو إلى الأفراد ، وهي إمّا في الجواهر أو في الأعراض ، أمّا الجواهر فقد

أثبتوا لها صفات أربعة ، أحدها الصفة الحاصلة حالتي العدم والوجود وهي الجوهريّة ، والثانية الوجود وهو الصفة الحاصلة بالفاعل ، والثالثة التحيّز وهو الصفة التابعة للحدوث والصادرة عن صفة الجوهريّة بشرط الوجود ، والرابعة الحصول في الحيّز وهو الصفة المعلّلة بالمعنى (ف ، م ، ٥١ ، ٢٦)

ح

حاجة

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ إنّ إبراهيم كان يفصل بين قوله وبين ما ألزمه المنانية فيقول : وجدت الظلم ليس يقع إلّا من ذي آفة وحاجة حملته على فعله أو من جاهل به. والجهل والحاجة دالّان على حدث من وصف بهما ويتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (قال) فالذي أمّنني من فعل الله للظلم انتفاء هذه الأشياء عنه الدالّة على حدث من وصف بها (خ ، ن ، ٣٩ ، ١٤)

ـ الحاجة إنّما تجوز على من يجوز عليه الزيادة والنقصان (ق ، ش ، ٦٦ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الحاجة التي نريد ذكرها لا تجوز إلّا على الحيّ ، لأنّ المنافع والمضار لا يجوزان إلّا عليه لكونهما تابعين للذّة والألم اللذين لا يصحّان إلّا على المدرك المشتهى أو النافر الطبع ، فإذا استحالت الشهوة والإدراك إلّا على الحيّ ، فيجب استحالة الحاجة إلّا عليه (ق ، غ ٤ ، ٨ ، ٣)

ـ إنّما يصحّ على الواحد منّا الحاجة والغنى لأنّه ممن يصحّ عليه الشهوة والنفور ، فإذا استحالا جميعا على القديم تعالى وجب كونه غنيّا (ق ، غ ٤ ، ١٠ ، ٣)

ـ إنّ الفعل المحكم يحتاج إلى العالم ، وإنّما يحتاج إليه لكونه محكما لا غير. فإذا أردنا أن نعرف وجه الحاجة إلى العلم فلا نحتاج أن نقول حصل محكما مع جواز ألّا يكون محكما ، من حيث أنّه كلام في كيفية الحاجة. والكلام في كيفيّة الحاجة لا يكون إلّا بعد ثبوت الحاجة. فلا يجب أن نعتبر ما يعتبر في أصل إثبات الحاجة نعلّق الحكم في كيفية الحاجة على مجرّد الصفة (ن ، د ، ٣٥١ ، ٧)

حاجة إلى القدرة

ـ إنّ الحاجة إلى القدرة هي لنقل الفعل بها من العدم إلى الوجود ، فإذا وجد فقد زالت الحاجة. والحاجة إلى الإرادة هي لوقوع الفعل بها على وجه دون وجه فلا بدّ من المقارنة ، وإن كان ربّما تتقدّم بعض أجزاء الفعل إذا كان جميعها يقع على وجه مخصوص بالإرادة المقارنة لأوّلها ، كما نقوله في حروف الأمر والخبر وفي جملة أجزاء الصلاة. وكذلك العلم يحتاج إليه لوقوع الفعل على وجه في الإحكام ، وإن كنّا نوجب في العلم التقدّم ونجريه في هذا الوجه مجرى القدرة. ولو لا أن تأثير القدرة ما ذكرناه من إحداث الفعل بها ووجوب تقدّمها لم يكن ليثبت تأثير واحد من هذين المعنيين على هذا السبيل. فيجب أن نحافظ على الأصل الذي قرّرناه من تأثير القدرة في الإحداث ووجوب تقدّمها ليصحّ من بعد أن نبني عليه غيره وأن لا نجري الجميع مجرى واحدا (ق ، ت ٢ ، ١١١ ، ١٧)

حاجة راجعة إلى الفاعل

ـ إنّ هاهنا أجناسا لا نقدر على إيجادها إلّا بأسباب حتى لا يجوز خلاف ذلك. وهو مما قد قامت عليه الدلالة لا أنّه تمكن الإشارة فيه

إلى علّة ، لأنّا إن قلنا لكوننا قادرين بقدر تعذّر ذلك اقتضى تعذّر الابتداء علينا أصلا ، وقد عرف خلافه. والقديم تعالى لا بدّ من قدرته على هذه الأجناس ابتداء كما قد قدر على إيجادها بأسباب لو لا ذلك لصار محتاجا إلى السبب كحاجتنا ، ولا يمكن أن يقال إن المسبّب يحتاج في وجوده إلى هذه الأسباب ، لأنّه لو كانت الحاجة راجعة إلى عين الفعل حتى يجري مجرى الحاجة إلى محلّ ، لكان كما يتعذّر وجوده عند عدم المحل بتعذّر وجوده عند عدم سببه. وقد يصحّ وجود المسبّب مع عدم السبب ، وعلى أن الحاجة الراجعة إلى الفاعل لا تتعيّن بفعل بل تراعي الجنس في الغرض المقصود ، فلو تعذّر على القديم جلّ وعزّ أن يفعل مثل المسبّب في الغرض المقصود إليه ابتداء لتحقّقت الحاجة ، ويفارق ذلك امتناع تحريك الجسم في الوقت الثاني في المكان العاشر ، لأنّا لا نصف واحدا من القادرين بالحاجة في جعل الجسم في العاشر إلى قطع هذه الأماكن التسعة ، وإن كان القديم يقدر على أن يفنيه في الثاني ثم يوجد في الثالث في المكان العاشر ، وهذا غير جائز فينا. فهذا وجه تفارق حالنا حال القديم فيه (ق ، ت ١ ، ٤١٨ ، ٢٢)

حادث

ـ الحادث حقيقته أنّه ما وجد عن عدم (ب ، ت ، ٧٣ ، ٧)

ـ إنّ قولنا حادث يفيد تجدّد حدوثه أو تقارب وجوده (ق ، غ ٥ ، ٢٣٤ ، ١٤)

ـ إنّ ما وقع من تصرّف زيد بحسب قصده ودواعيه يجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. يدلّ على ذلك أنّه لو لم يكن حادثا من جهته ، لآل الأمر إلى أنّه لا تعلّق له به. وذلك ينقض علمنا بوجوب وقوع تصرّفه بحسب قصده ضرورة. ويوجب أنّ حال تصرّفه معه ، حال تصرّف غيره معه وحال ما يحصل في جسمه من مرض وصحّة (ق ، غ ٨ ، ١٣ ، ٣)

ـ إنّ الحادث لا يكتسب ، بمقارنة غيره له من الحوادث في باب الحدوث ، صفة لا تحصل له إذا كان منفردا ؛ وإنّما يحصل ، بالانضمام للحوادث ، حكم زائد على الحدوث (ق ، غ ٨ ، ٦٤ ، ٨)

ـ إنّ الحادث قد يكون على صفات ، منها ما يتعلّق بفاعله فيجب فيه ما ذكرته نحو كون الكلام جبرا أو أمرا ، ومنها ما يرجع إلى ذاته أو يجب له وإن لم يرجع إلى ذاته فلا يجب أن يتغيّر حاله فيه باختيار فاعله ، ولا يمنع ذلك من كونه فاعلا له ، وقد بيّنا من قبل أن كون الذات مختصّة بما يجب لنفسها لا يكون بالفاعل (ق ، غ ٩ ، ٩١ ، ٧)

ـ إنّ الحادث هو ما له أوّل وآخر ، فلا يجوز أن يقال في أحكامه ما ينقض هذا الأصل (ن ، د ، ٢٦٨ ، ٨)

ـ الدليل على أنّ الحادث لا بدّ له من محدث أنّه يحدث في وقت ويحدث ما هو من جنسه في وقت آخر ، فلو كان حدوثه في وقته لاختصاصه لوجب أن يحدث في وقته كل ما هو من جنسه ، وإذا بطل اختصاصه بوقته لأجل الوقت صحّ أن اختصاصه به لأجل مخصّص خصّصه به ، لو لا تخصيصه إيّاه به لم يكن حدوثه في وقته أولى من حدوثه قبل ذلك أو بعده (ب ، أ ، ٦٩ ، ٢)

ـ إنّ الذات إذا كان يستمرّ بها الوجود ، فوصفها بالحدوث في كل حال محال ، لأنّ حقيقة

الحادث هو الموجود عن عدم. فأمّا ما يستمرّ به الوجود فهو باق. وبين الحادث والباقي تناف من جهة الوصف ، وإن كان صفة الوجود واحدة ، كما أنّ بين المحدث والقديم تنافيا ، وإن كان صفة الوجود لا تختلف (أ ، ت ، ١٥٠ ، ١٦)

ـ اعلم أنّه إذا صحّ لنا استمرار الوجود بالجوهر فتسميته بأنّه باق حقيقة هذا هو الذي اختاره أبو هاشم ، والاستعمال والاطراد مساعدان على ذلك ، لأنّ حقيقة الباقي هو الموجود الذي لم يتجدّد وجوده في حال الخبر عنه بأنّه موجود ، فصار الموجود بالحدوث له حالان : إحداهما أن يكون وجوده متجدّدا في حال الخبر عنه فهو الحادث ، والثاني أن لا يكون وجوده متجدّدا فهو باق ، وأجريت هذه التسمية عليه فرقا بين هاتين الحالتين (أ ، ت ، ١٥٣ ، ٢)

ـ قالوا (المعتزلة) : الحادث غير مقدور في حال حدوثه ، وإنّما تتعلّق القدرة به قبل الحدوث (ج ، ش ، ٩٦ ، ١٤)

ـ الحادث في حال حدوثه مقدور بالقدرة القديمة ، وإن كان متعلّقا للقدرة الحادثة فهو مقدور بها. وإذا بقي مقدور من مقدورات الباري تعالى ، وهو الجوهر ، لا يبقى غيره من الحوادث ، فلا يتّصف في حال بقائه واستمرار وجوده بكونه مقدورا إجماعا (ج ، ش ، ١٩٨ ، ٧)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الحادث في حال حدوثه ، يستحيل أن يكون مقدورا للقديم والحادث ، وهو بمثابة الباقي المستمرّ ، وإنّما تتعلّق القدرة بالمقدور في حالة عدمه. وقالوا على طرد ذلك : يجب تقديم الاستطاعة على المقدور ، ويجوز مقارنة ذات القدرة حدوث المقدور من غير أن تكون متعلّقة به حال وقوعه (ج ، ش ، ١٩٨ ، ١١)

ـ قالوا (المعتزلة) : الحادث واقع كائن ، والحاجة تمسّ إلى القدرة للإيقاع بها ؛ وإذا تحقّق وقوع الحادث بها انتفت الحاجة إلى القدرة ، وينزل الحادث منزلة الباقي المستمرّ (ج ، ش ، ١٩٩ ، ١٠)

ـ إنّ كل حادث فمخترع بقدرته ، وكل مخترع بالقدرة فمحتاج إلى الإرادة لتصرّف القدرة إلى المقدور ، وتخصّصها به. فكل مقدور مراد ، وكل حادث مقدور ، فكل حادث مراد ، والشرّ ، والكفر والمعصية ، حوادث ، فهي إذا لا محالة مرادة ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن. فهذا مذهب السلف الصالحين (غ ، ق ، ١٠٧ ، ١٢)

ـ منهم (المعتزلة) من قال الشيء هو القديم ، وأمّا الحادث فيسمّى شيئا بالمجاز والتوسّع (ش ، ن ، ١٥١ ، ٩)

ـ اتّفقت الكراميّة على أنّ الباري ـ تعالى ـ محلّ للحوادث ، لكنّهم لم يجوّزوا قيام كل حادث بذاته ، بل ما يفتقر إليه من الإيجاد والخلق. ثم هؤلاء يختلفون في هذا الحادث ، فمنهم من قال قوله : كن. ومنهم من قال : هو الإرادة. وخلق الإرادة أو القول في ذاته يستند إلى القدرة القديمة لا أنّه حادث بإحداث ، وأمّا خلق سائر المخلوقات فإنّه مستند إلى الإرادة أو القول على نحو اختلافهم ، فالمخلوق القائم بذاته يعبّرون عنه بالحادث ، والمباين لذاته يعبّرون عنه بالمحدث. وقد أطبق هؤلاء على أنّ ما قام بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدّد له منها اسم ، ولا يعود إليه منها حكم ، حتى لا يقال ، إنّه قائل بقول : ولا مريد بإرادة ، بل قائل

بالقائليّة ، مريد بالمريديّة ، وهي المشيئة الأزليّة. فعلى هذا ما حدث وهو مباين لذاته يسمّى محدثا بإحداث. وما حدث في ذاته من الصفات تسمّى حادثة لا بإحداث ، بل بالمشيئة القديمة (م ، غ ، ١٨٠ ، ١٠)

ـ الحادث : ما يكون مسبوقا بالعدم ويسمّى حدوثا زمانيّا ، وقد يعبّر عن الحدوث بالحاجة إلى الغير ويسمّى حدوثا ذاتيّا (ج ، ت ، ١١٤ ، ٥)

حادث لعلة

ـ لا يصحّ إثبات قديم بأن يقال : إنّه علّة في حدوث الأشياء ، ولأنّ كونه علّة في حدوثها يوجب إبطال حدوثها وكونها قديمة. وبعد ، فإنّ ما خلقه وأحدثه لو كان حادثا لعلّة لنقض ذلك كونه حادثا بالفاعل ؛ لأنّ ما وجب وجوده للعلّة استغنى في وجوده عن القادر ؛ كما أنّ ما وجد من جهة أحد القادرين يستغني في وجوده من جهته عن القادر الثاني. وقد ثبت أنّه تعالى قادر فاعل مختار ، فيجب إبطال ما يؤدّي إلى نقض ذلك فيه (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٠)

حادثة لا بإحداث

ـ اتّفقت الكراميّة على أنّ الباري ـ تعالى ـ محلّ للحوادث ، لكنّهم لم يجوّزوا قيام كل حادث بذاته ، بل ما يفتقر إليه من الإيجاد والخلق. ثم هؤلاء يختلفون في هذا الحادث ، فمنهم من قال قوله : كن. ومنهم من قال : هو الإرادة. وخلق الإرادة أو القول في ذاته يستند إلى القدرة القديمة لا أنّه حادث بإحداث ، وأمّا خلق سائر المخلوقات فإنّه مستند إلى الإرادة أو القول على نحو اختلافهم ، فالمخلوق القائم بذاته يعبّرون عنه بالحادث ، والمباين لذاته يعبّرون عنه بالمحدث. وقد أطبق هؤلاء على أنّ ما قام بذاته من الصفات الحادثة ، لا يتجدّد له منها اسم ، ولا يعود إليه منها حكم ، حتى لا يقال ، إنّه قائل بقول : ولا مريد بإرادة ، بل قائل بالقائليّة ، مريد بالمريديّة ، وهي المشيئة الأزليّة. فعلى هذا ما حدث وهو مباين لذاته يسمّى محدثا بإحداث. وما حدث في ذاته من الصفات تسمّى حادثة لا بإحداث ، بل بالمشيئة القديمة (م ، غ ، ١٨٠ ، ١٤)

حاسة

ـ الحاسّة في اصطلاح المحقّقين هي الجارحة التي يقوم ببعضها الإدراك (ج ، ش ، ١٦٢ ، ٧)

حاقة

ـ (الْحَاقَّةُ) (الحاقة : ١) الساعة الواجبة الوقوع الثابتة المجيء التي هي آتية لا ريب فيها ، أو التي فيها حواق الأمور من الحساب والثواب والعقاب ، أو التي تحقّ فيها الأمور أي تعرف على الحقيقة من قولك لا أحق هذا : أي لا أعرف حقيقته (ز ، ك ٤ ، ١٤٩ ، ٩)

حاكم

ـ إرادة الله سبحانه أن يقيم القيامة يعني أنّه حاكم بذلك مخبر به (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٦)

ـ زعم جماعة من" البغداديين" من المعتزلة أنّ الوصف لله بأنّه مريد قد يكون بمعنى أنّه كوّن الشيء ، والإرادة لتكوين الشيء هي الشيء ، وقد يكون الوصف لله بأنّه مريد للشيء بمعنى أنّه آمر بالشيء كنحو (؟) الوصف له بأنّه مريد بمعنى أنه حاكم بالشيء مخبر عنه وكنحو (؟)

إرادته الساعة أن تقوم القيامة في وقتها ، ومعنى ذلك أنّه حاكم بذلك مخبر به ، وهذا قول" إبراهيم النظّام" (ش ، ق ، ٥٠٩ ، ١٥)

حال

ـ إذا كان تحوّل النطفة علقة ثم مضغة ثم لحما ودما وعظما أعظم في الأعجوبة كان أولى أن يدل على صانع صنع النطفة ونقلها من حال إلى حال (ش ، ل ، ٧ ، ٢)

ـ إنّ الجور والسفه قبيحان ، وأنّ العدل والحكمة حسنان في الجملة ، لكن شيئا واحدا قد يكون حكمة في حال ، سفا في حال ، جورا في حال ، عدلا في حال ، نحو ما ذكرت من شرب الأدوية ، ثم أكل الأشياء وشربها ، ثم إتلاف الأشياء وإبقاؤها من أنواع الجواهر ما للحاجات أو للمجازات أو لحقوق أو لنحو ذلك ، وإذ ثبت حسن الحكمة في الجملة والعدل ، وقبح السفه والجور ، ولزم وصف الله تعالى في كل فعل خلقه في أقل ما يوصف أنّه حكمة وعدل أو فضل وإحسان من حيث ثبت أنّه جواد كريم غني عليم ، وبطل أن يلحقه وصف الجور والسفه ؛ لما كان سببهما الجهل والحاجة (م ، ح ، ٢١٧ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ حال تعلّق الاستطاعة بالفعل هي حال حدوثها وحدوثه ، وهي الحالة التي يكون الخبر عن الفاعل فيها بأنّه" يفعل" على أحد معنييه وهو الموضوع له وهو الذي يسمّى الحال. وذلك أنّ قولك" فلان يفعل كذا" يخبر به تارة عن المستأنف وتارة عمّا هو فيه. ألا ترى أنّهم إذا أرادوا تخصيصه بالمستأنف زادوا فيه السين أو" سوف" فجعلوه مختصّا للمستقبل ، وإذا أرادوا أن يخبروا عن حاله التي هو فيها قالوا" هو يفعل"؟ ألا ترى أنّهم يقولون" رأيت فلانا آكلا" ينبئ عن مثل معنى" يأكل" ، وهو العبارة عن الحال؟ (أ ، م ، ١١٣ ، ١٢)

ـ إنّ كل حال وجبت للموصوف اختصّ بها. فإذا لم تكن بالفاعل ، ولا لمعنى على وجه ، فيجب أن تكون لذاته ، أو لما هو عليه في ذاته. فإذا صحّ أنّه قديم لذاته لما بيّناه ، وجب فيما شاركه في القدم أن يكون مثله (ق ، غ ٤ ، ٢٥٠ ، ١٥)

ـ من فضائحه (أبو هاشم) : قوله بالأحوال التي كفّره فيها مشاركوه في الاعتزال ، فضلا عن سائر الفرق ، والذي ألجأه إليها سؤال أصحابنا قدماء المعتزلة عن العالم منا : هل فارق الجاهل بما علمه لنفسه ، أو لعلّة؟ وأبطلوا مفارقته إيّاه لنفسه مع كونهما من جنس واحد ، وبطل أن تكون مفارقته إيّاه لنفسه مع كونهما من جنس واحد ، وبطل أن تكون مفارقته إيّاه لا لنفسه ولا لعلّة ، لأنّه لا يكون حينئذ بمفارقته له أولى من آخر سواه ، فثبت أنّه إنّما فارقه في كونه عالما لمعنى ما ، ووجب أيضا أن يكون الله تعالى في مفارقة الجاهل معنى أو صفة بها فارقه ، فزعم أنّه إنّما فارقه لحال كان عليها ، فأثبت الحال في ثلاثة مواضع ، أحدها : الموصوف الذي يكون موصوفا لنفسه فاستحقّ ذلك الوصف لحال كان عليها ، والثاني : الموصوف بالشيء لمعنى صار مختصّا بذلك المعنى لحال ، والثالث : ما يستحقّه لا لنفسه ولا لمعنى فيختصّ بذلك الوصف دون غيره عنده لحال ، وأحوجه إلى هذا سؤال معمّر في المعاني لمّا قال : إنّ علم زيد اختصّ به دون عمرو لنفسه ، أو لمعنى ، أو لا لنفسه ولا لمعنى؟ فإن كان لنفسه وجب أن

يكون لجميع العلوم به اختصاص لكونها علوما ، وإن كان لمعنى صحّ قول معمّر في تعلّق كل معنى بمعنى لا إلى نهاية ، وإن كان لا لنفسه ولا لمعنى لم يكن اختصاصه به أولى من اختصاصه بغيره ، وقال أبو هاشم : إنّما اختصّ به لحال (ب ، ف ، ١٩٥ ، ٨)

ـ زعم (أبو هاشم) أيضا : إنّ العالم له في كل معلوم حال لا يقال فيها إنّها حاله مع المعلوم الآخر ، ولأجل هذا زعم أنّ أحوال الباري عزوجل في معلوماته لا نهاية لها ، وكذلك أحواله في مقدوراته لا نهاية لها ، كما أنّ مقدوراته لا نهاية لها (ب ، ف ، ١٩٦ ، ٤)

ـ علم أبو هاشم ابن الجبائي فساد قول أبيه بأن جعل نفس الباري علّة لكونه عالما وقادرا ... فزعم أنّ الله عالم لكونه على حال ، قادر لكونه على حال ... وزعم أنّ له في كل معلوم حالا مخصوصا ، وفي كل مقدور حالا مخصوصا ، وزعم أنّ الأحوال لا موجودة ولا معدومة ولا معلومة ولا أشياء مع قوله أنّ المعدوم معلوم ، وزعم أيضا أنّها غير مذكورة وقد ذكرها بقوله أنّها غير مذكورة (ب ، أ ، ٩٢ ، ٦)

ـ الحال صفة لموجود ، غير متّصفة بالوجود ولا بالعدم (ج ، ش ، ٩٢ ، ٣)

ـ حال الشيء تابعة لذاته ، فإذا امتنع ثبوت الذات تبعه امتناع ثبوت الحال (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٢١)

ـ الماضي والمستقبل كلاهما لا يصحّ أن يقعا حالا حتى يكون فعلا حاضرا وقت وجود ما هو حال عنه (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٢١)

ـ إنّ القاضي الباقلاني من أصحاب الأشعري قد ردّد قوله في إثبات الحال ونفيها وتقرّر رأيه على الإثبات ، ومع ذلك أثبت الصفات معاني قائمة به لا أحوالا. وقال الحال الذي أثبته أبو هاشم هو الذي نسمّيه صفة خصوصا إذا أثبت حالة أوجبت تلك الصفات (ش ، م ١ ، ٩٥ ، ١١)

ـ قال القاضي الإنسان يحسّ من نفسه تفرقة ضروريّة بين حركتي الضروريّة والاختياريّة ، كحركة المرتعش وحركة المختار ، والتفرقة لم ترجع إلى نفس الحركتين من حيث الحركة لأنّهما حركتان متماثلتان ، بل إلى زائد على كونهما حركة وهو كون أحدهما مقدورة مرادة وكون الثانية غير مقدورة ولا مرادة. ثم لم يخل الأمر من أحد حالين إمّا أن يقال تعلّقت القدرة بإحداهما تعلّق العلم من غير تأثير أصلا ، فيؤدّي ذلك إلى نفي التفرقة ، فإنّ نفي التأثير كنفي التعلّق فيما يرجع إلى ذاتي الحركتين ، والإنسان لا يجد وجودهما. وإمّا أن يقال تعلّقت القدرة بإحداهما تعلّق تأثير لم يخل الحال من أحد أمرين ، إمّا أن يرجع التأثير إلى الوجود والحدوث وإمّا أن يرجع إلى صفة من صفات الوجود. والأوّل باطل بما ذكرناه أنّه لو أثّر في الوجود لأثّر في كل موجود ، فتعيّن أنّه يرجع التأثير إلى صفة أخرى وهي حال زائدة على الوجود. قال وعند الخصم قادريّة الباري سبحانه لم تؤثّر إلّا في حال هو الوجود لأنّه أثبت في العدم سائر صفات الأجناس من الشيئية والجوهريّة والعرضيّة والكونيّة واللونيّة إلى أخصّ الصفات من الحركات والسكون والسواديّة والبياضيّة ، فلم يبق سوى حالة واحدة هي الحدوث ، فليأخذ مني في قدرة العبد مثله (ش ، ن ، ٧٣ ، ١٥)

ـ أثبتنا وجوها واعتبارات عقليّة للفعل الواحد ، وأضفنا كل وجه إلى صفة أثّرت فيه ، مثل الوقوع فإنّه من آثار القدرة ، والتخصيص ببعض

الجائزات فإنّه من آثار الإرادة ، والإحكام فإنّه من دلائل العلم. وعند الخصم كون الفعل واجبا أو ندبا أو حلالا أو حراما أو حسنا أو قبيحا صفات زائدة على وجوده بعضها ذاتيّة للفعل وبعضها من آثار الإرادة ، وكذلك الصفات التابعة للحدوث مثل كون الجوهر متحيّزا وقابلا للعرض ، فإذا جاز عنده إثبات صفات هي أحوال واعتبارات زائدة على الوجود لا تتعلّق بها القادريّة وهي معقولة ومفهومة ، فكيف يستبعد مني إثبات أثر للقدرة الحادثة معقولا ومفهوما ، ومن أراد تعيين ذلك الوجه الذي سمّاه حالا فطريقه أن يجعل حركة مثلا اسم جنس يشمل أنواعا وأصنافا ، أو اسم نوع يتمايز بالعوارض واللوازم ، فإنّ الحركات تنقسم إلى أقسام فمنها ما هو كتابة ومنها ما هو قول ومنها ما هو صناعة باليد ، وينقسم كل قسم إلى أصناف فكون حركة اليد كتابة وكونها صناعة متمايزان ، وهذا التمايز راجع إلى حال في إحدى الحركتين تتميّز بها عن الثانية مع اشتراكهما في كونهما حركة ، وكذلك الحركة الضروريّة والحركة الاختياريّة فتضاف تلك الحالة إلى العبد كسبا وفعلا ، ويشتقّ له منها اسم خاص مثل قام وقعد وقائم وقاعد وكتب وقال وكاتب وقائل ، ثم إذا اتّصل به أمر ووقع على وفاق الأمر سمّي عبادة وطاعة ، فإذا اتّصل به نهي ووقع على خلاف الأمر سمّي جريمة ومعصية ، ويكون ذلك الوجه هو المكلّف به وهو المقابل بالثواب أو العقاب (ش ، ن ، ٧٤ ، ١٥)

ـ اعلم أنّه ليس للحال حدّ حقيقي يذكر حتى نعرفها بحدّها وحقيقتها على وجه يشمل جميع الأحوال ، فإنّه يؤدّي إلى إثبات الحال للحال بل لها ضابط وحاصر بالقسمة وهي تنقسم إلى ما يعلّل وإلى ما لا يعلّل ، وما يعلّل فهي أحكام لمعان قائمة بذوات ، وما لا يعلّل فهو صفات ليس أحكاما للمعاني (ش ، ن ، ١٣١ ، ١٣)

ـ عند القاضي رحمه‌الله كل صفة لموجود لا تتّصف بالوجود فهي حال سواء كان المعنى الموجب مما يشترط في ثبوته الحياة أو لم يشترط ، ككون الحي حيّا وعالما وقادرا ، وكون المتحرّك متحرّكا والساكن ساكنا والأسود والأبيض إلى غير ذلك (ش ، ن ، ١٣٢ ، ١١)

ـ عند القاضي أبي بكر رحمه‌الله لا يوصف بالحال إلّا الجزء الذي قام به المعنى فقط (ش ، ن ، ١٣٢ ، ١٧)

ـ كل صفة إثبات لذات من غير علّة زائدة على الذات ، كتحيّز الجوهر وكونه موجودا وكون العرض عرضا ولونا وسوادا ، والضابط أنّ كل موجود له خاصّية يتميّز بها عن غيره فإنّما يتميّز بخاصيّة هي حال ، وما تتماثل المتماثلات به وتختلف المختلفات فيه فهو حال ، وهي التي تسمّى صفات الأجناس والأنواع (ش ، ن ، ١٣٣ ، ٢)

ـ إنّ إثبات الحال التي لا توصف بالوجود والعدم وتوصف بالثبوت دون الوجود ، حسم باب الحدّ والاستدلال ، فإنّ غاية الناظر أن يأتي في نظره بتقسيم دائر بين النفي والإثبات فينفي أحدهما حتى يتعيّن الثاني ، ومثبت الحال قد أتى بواسطة بين الوجود والعدم فلم يفد التقسيم والإبطال علما ، ولا يتضمّن النظر حصول معرفة أصلا (ش ، ن ، ١٣٥ ، ١٠)

ـ قال المثبتون نحن لم نثبت واسطة بين النفي والإثبات ، فإنّ الحال ثابتة عندنا ولو لا ذلك لما

تكلّمنا فيها بالنفي والإثبات ، ولم نقل على الإطلاق إنّه شيء ثابت على حياله موجود ، فإنّ الموجود المحدث إمّا جوهر وإمّا عرض ، وهو ليس أحدهما بل هو صفة معقولة لهما ، فإنّ الجوهر قد يعلم بجوهريّته ولا يعلم بحيّزه ، وكونه قابلا للعرض ، والعرض يعلم بعرضيّته ولا يخطر بالبال كونه لونا أو كونا ، ثم يعرف كونه لونا بعد ذلك ولا يعرف كونه سوادا أو بياضا ، إلّا أن يعرف ، والمعلومان إذا تمايزا في الشيء الواحد رجع التمايز إلى الحال (ش ، ن ، ١٣٦ ، ٣)

ـ قال النافون (للأحوال) غاية تقريركم في إثبات الحال هو التمسّك بعمومات وخصوصات ووجوه عقليّة واعتبارات ، أمّا العموم والخصوص فمنتقض عليكم بنفس الحال ، فإنّ لفظ الحال يشمل جنس الأحوال ، وحال هي صفة لشيء تخصّ ذلك الشيء لا محالة ، فلا يخلو إمّا أن يرجع معناه إلى عبارة تعمّ وعبارة تخصّ ، فخذوا منا في سائر العبارات العامّة والخاصّة ، كذلك وإمّا أن ترجع إلى معنى آخر وراء العبارة فيؤدّي إلى إثبات الحال للحال وذلك محال (ش ، ن ، ١٣٩ ، ١٢)

ـ الحال قد يكون سببا لقوام المحلّ ، إمّا بأن يقتضي الحال وجود المحلّ ثم تصير نفسه حالّة فيه ، أو بأن يقتضي الأثر حلول مؤثّره فيه ، وعلى هذين التقديرين لا يلزم منه الدور ، فالمحل المتقوّم بنفسه المقوّم لما يحلّ فيه يسمّى بالموضوع وهو أخصّ من المحلّ ، فيكون عدمه أعمّ من عدم المحل (ف ، م ، ٦٩ ، ٢٥)

ـ مثبتو الحال منّا فقد زعموا أنّ عالميّة الله تعالى صفة معلّلة لمعنى قائم به وهو العلم ، وهو لا يتحقّق ، الخلاف بينهم وبين المعتزلة في المعنى ، وأمّا نحن فلا نقول ذلك ، لأنّ الدلالة ما دلّت إلّا على إثبات أمر زائد على الذات ، فأمّا على الأمر الثالث فلا دليل عليه البتّة لا في الشاهد ولا في الغائب (ف ، م ، ١٣٤ ، ١٩)

ـ الحال صفة إضافيّة (م ، غ ، ٢٨ ، ١٦)

ـ الحال عبارة عن صفة إثباتيّة لموجود غير متّصفة بالوجود ولا بالعدم ؛ فإنّ ما تخيّل كونه صفة زائدة على المرسوم ليس إلّا أمرا سلبيّا ، ومعنى عدميّا ، وهو سلب الوجود والعدم. وأمّا ما سوى ذلك فليس بزائد على نفس المرسوم ، ولا هو كالصفة له أصلا (م ، غ ، ٢٨ ، ١٨)

ـ الحدّ والبرهان ليس إلّا للأمور الكلّية دون الشخصيّة. وذلك لأنّ الحدّ والبرهان ليسا من الأمور الظنّية التخمينيّة ، بل من اليقينيّة القطعيّة ، والأمر الشخصيّ ما له من الصفات ليست يقينيّة ، بل هي على التغيّر والتبدّل على الدوام ، فلا يمكن أن يؤخذ منه ما هو في نفسه حقيقيّ يقينيّ ، وهذا بخلاف الأمور الكلّية. فعلى هذا قد بان أنّ من أراد بإطلاق الحال على ما يقع به الاشتراك ، النحو الذي أشرنا إليه ، كان محقّا. لكن لا ينبغي أن يقال : إنّها ليست موجودة ولا معدومة. بل الواجب أن يقال : إنّها موجودة في الأذهان ، معدومة في الأعيان. وأمّا من أراد به غير ما ذكرناه كان زائغا عن نهج السداد ، حائدا عن مسلك الرشاد (م ، غ ، ٣٣ ، ١٠)

ـ إنّ القائلين بأنّ المعدوم شيء يفرّقون بين الموجود والثّابت ، وبين المعدوم والمنفيّ ، ويقولون : كلّ موجود ثابت ، ولا ينعكس. ويثبتون واسطة بين الموجود والمعدوم ، ولا

يجوّزون بين الثّابت والمنفيّ واسطة ، ولا يقولون للممتنع معدوم ، بل يقولون : إنّه منفيّ. ويقولون للذّوات التي لا تكون موجودة : شيء ثابت ، وللصفات التي لا تعقل إلّا مع الذّوات : حال لا موجود ولا معدوم ، بل هي وسائط بينهما (ط ، م ، ٧٦ ، ١٥)

ـ إنّ الموجود والمعدوم عندهم ليسا بمتناقضين ، فإنّ طرفي النقيض يجب أن يقتما للاحتمالات ، وعندهم الممتنع ليس بموجود ولا معدوم ، والحال ليس بموجود ولا معدوم (ط ، م ، ٨٦ ، ١٥)

ـ الحال ليس بذات ولا ذات ذات ، فلا يوصف بالتّماثل والاختلاف (ط ، م ، ٩٠ ، ١)

ـ إنّ الذات هي ما تدرك بالانفراد ، والحال لا تدرك بالانفراد (ط ، م ، ٩٠ ، ٣)

ـ لا يقولون (أبو هاشم وأتباعه) بأنّ الحال سلب محض ، بل يقولون إنّها وصف ليس بموجود ولا معدوم. والمستحيل عندهم ليس بموجود ولا معدوم ، مع أنّه ليس بحالّ. فإذن ، الحال يشتمل عندهم على معنى غير سلب الوجود ، والعدم يختصّ بتلك الأمور يسمّونها حالا ، وتشترك الأحوال فيه ؛ ولكونها غير مدركة بانفرادها لا يحكمون عليها بالتّماثل والاختلاف (ط ، م ، ٩٠ ، ١١)

ـ اتّفقوا على أنّ الحال إمّا معلّلة بمعنى قائم بالذات ، أو غير معلّلة ؛ وعلى أنّ لا اختلاف إلّا بها ، وهو باطل ، وإلّا لصحّ على الجوهر أن يكون عرضا ، وبالعكس ضرورة ، استواء المتماثلين في اللوازم ، وأيضا اختصاص ذات ما ببعضها إمّا لا لأمر ، فترجّح أحد طرفي الممكن لا لمرجّح ؛ أو لأمر ، ويعود البحث في اختصاصه بها ، إن كان صفة ، وبصفة المرجحيّة إن كانا ذاتا. أمّا الخصوصيّة بالذات والاشتراك في الصفة ، فلا يشكّل لجواز اشتراك المختلفات في لازم (خ ، ل ، ٥١ ، ١١)

ـ وله (الله) علم وقدرة وحياة ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة ، ويوجب العالميّة والقادريّة والحييّة ، عند مثبتي الحال منّا ؛ وهي نفسها عند نفاتها ، لأنّ الثالث لا دليل عليه. أبو علي الزائد ثابت معلوم ، وأبو هاشم حال لا نعلم ، ولا يسمّيانه إلّا علميّة (خ ، ل ، ١٠٤ ، ١٨)

ـ البهشميّة : والعلم بكونه عالما لا يتعلّق بذاته ، ولا بمعنى سوى ذاته ، بل بذاته على حال. البلخيّ : بل بذاته. قلنا : إذا للزم أن لا تفتقر إلى دليل غير دليل الذات (م ، ق ، ٨٦ ، ١٤)

حال التكليف

ـ إنّا في الشاهد لا يصحّ أن نعرّض لمنفعة دائمة ؛ من حيث كان الانتفاع الواصل من جهتنا لا يصحّح كونها دائمة ، ولأنّ المنفعة التي نعرّضها له إنّما تكون في هذه الدار المنقطعة ، فإذا صحّ ذلك لم يحسن أن نعرّضه لمنفعة ، مع علمنا بأنّه يستحقّ بتركه المضارّ الدائمة أو الزائدة على قدر المنفعة التي نعرّضه لها. وليس كذلك حال التكليف ؛ لأنّه تعالى يعرّض به لمنفعة دائمة ، فلا يمتنع أن يستحقّ بتركه وخلافه العقاب الدائم (ق ، غ ١١ ، ١٤٦ ، ١٠)

حال زائدة

ـ إنّ دلالة الفعل المحكم على كونه عالما تتفرّع على دلالة صحته على كونه قادرا. وكذلك فدلالة الخبر على كونه مريدا تتفرّع على دلالة

صحته على كونه قادرا. ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ في الفعل المحكم أن يدلّ على كونه عالما ؛ لأنّ وجه دلالته صحته من قادر دون قادر. ولو كان الوجه ، الذي له دلّ ، ما يرجع إلى القادر ، لم ينفصل ، في ذلك ، حال قادر من قادر. وإنّما صحّ ذلك فيه لما قدّمناه ، من أن كونه محكما يقتضي تعلّق الفعل بالفاعل على وجه مخصوص ؛ وذلك لا يتمّ من حيث صحّ حدوثه فقط ، فوجب أن يدلّ على حال زائدة ، كما نقوله في دلالة كون الخبر خبرا على كونه مريدا ، إلى ما شاكل ذلك ؛ لأن الوجه الزائد على حدوثه قد اقتضى فيه مثل الذي قدّمناه في كون الفعل محكما (ق ، غ ١٥ ، ١٥٤ ، ٢١)

حال صحة الفعل

ـ مرادنا بقولنا إنّها حالة لصحّة الفعل أنّها حالة لصحّة إيقاع الفعل من القادر في المستقبل على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه ، لا على أنّه نوجده في كل حال. فصار ذلك كوصفنا إيّاه بالقدرة على الضدّين لأنّه يقدر عليهما على أن يوجدا على الوجه الذي يصحّ وجودهما. ولهذا قد يحتاج الفعل إلى محلّ مخصوص مبنى أو يحتاج في وجوده إلى معنى آخر فيوصف القادر بأنّه يقدر على إيجاده على الحدّ الذي يصحّ وجوده عليه. وهذا مستمرّ فيما يصحّ تقديمه وتأخيره وفيما لا يصحّ ذلك فيه. فلهذا يوصف أحدنا اليوم بأنّه قادر على صوت يفعله غدا وإن استحال أن يفعل ذلك بعينه الآن. فإذا ثبتت هذه الجملة وجب أن يكون تعالى قادرا فيما لم يزل لحصول شرطه هذا لو أمكن أن نجعل صحّة وجود المقدور شرطا في كون القادر قادرا عليه. فكيف والمرجع بصحّة وجود المقدور هو إلى صحّة إيجاد القادر إيّاه ، لا أنّ له حكما سوى ذلك ، فكان من شرط كونه قادرا بصحّة وجود المقدور قد حصل الشيء شرطا في نفسه. وبهذا نفارق وجود المدرك لأنّه أمر منفصل عن كونه مدركا ، فثبت أنّه تعالى يجب كونه قادرا فيما لم يزل (ق ، ت ١ ، ١٠٧ ، ٢)

حال غير معلّلة

ـ أمّا الحال الغير المعلّلة : فهي كل صفة ثبتت للذات غير معلّلة بصفة زائدة عليها ، كالوجود واللونيّة ونحوها (م ، غ ، ٣٠ ، ٥)

حال الفاعل

ـ إنّ كل صفة أو حكم يضاف إلى الفاعل فهو الذي يكون لأحواله فيه تأثير ، ولا بدّ من أن يكون من شرط ذلك الجواز وإن لم نجعل هذا جدّا له. فالحدوث لا بدّ من إضافته إلى القادر لأنّه بكونه قادرا يحصل ، وكونه محكما مرتّبا لا بدّ من أن يضاف إليه لأنّ كونه عالما أثّر فيه ، وكونه أمرا وخبرا ونهيا وتهديدا لا بدّ من أن يؤثّر فيه كونه مريدا وكارها ، وكون الاعتقاد علما يؤثّر فيه بعض أحوال الفاعل من كونه عالما بالمعتقد أو بطريقة النظر أو ما أشبههما من الوجوه. وهذا كله ظاهر من حيث حصل فيه الشرط الذي ذكرناه من تأثير حال الفاعل فيه ومن حصوله مع جواز أن لا يحصل (ق ، ت ١ ، ٣٦٩ ، ١٣)

ـ من قولنا إنّ الأفعال تقع على بعض الوجوه ، لكونه مريدا أو كارها أو عالما ، كالخبر والأمر والنهي والعقاب والثواب ، وعليه نعتمد في أنّه تعالى مريد ، وفي أنّ ما يفعله من الاعتقادات

في قلوبنا علوم. لكنّه لا يجوز القول بأنّ لحال الفاعل تأثيرا في فعله ، إذا لم يكن له به تعلّق ، على ما اعتمدنا عليه في إبطال قولهم : إنّ لحال الفاعل تأثيرا في قبح الشيء وحسنه ، من غير أن يمكن بيان تأثيرها في هذه الأفعال (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩٣ ، ١٥)

ـ أمّا ما بدأت به : من أنّ حال الفاعل قد أثّر في الاعتقاد فصيّره علما ، فلأنّ لحاله ، وهو كونه عالما بالمعتقد أو ناظرا أو ذاكرا للدليل ، تأثيرا في الاعتقاد الذي حصل علما ، ولها به من الاختصاص ما ليس لها بغيره ، فلذلك صحّ فيه الحكم. وهذا الكلام صحيح سواء قلنا إنّ حاله قد أثّر في كون الاعتقاد واقعا على وجه مخصوص ، أو قلنا إنّ حاله قد أثّر في كون الاعتقاد علما من غير أن نثبت له حالا لكونه عليها صار علما. وإن كان الوجه الثاني هو الذي يدلّ عليه كلام الشيخين رحمهما‌الله ، والأوّل هو الذي ينصره شيخنا أبو عبد الله. ولهذا اختلفوا في أنّ العلم بأنّ العلم علم ، هو علم بالمعلوم أو به. وليس كذلك حال ما قالوه من تأثير حال الفاعل في قبح الفعل ، لأنّ كونه محدثا ليس له من التعلّق بقبح الفعل ما ليس له من التعلّق بحسنه. فلا يصحّ والحال هذه أن يكون مؤثّرا في كلا الأمرين. ويبيّن صحّة الفرق بين الأمرين : أنّا لما حكمنا بأن لحاله تأثيرا في كون الاعتقاد علما ، لم نجوّز حصول هذه الحال ، ولا يكون اعتقاده علما. وليس كذلك قولهم ، لأنّهم قد جوّزوا مع كونه محدثا مربوبا وقوع الحسن والقبيح منه على السواء ، وفي ذلك إسقاط ما سأل عنه أولا (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩٤ ، ١٢)

ـ قد بيّنا في أول" التعديل والتجوير" أنّه لا يمتنع في كثير من أحكام الأفعال أن يكون واجبا فيها لشيء يرجع إلى حال الفاعل ، كقولنا إنّ الاعتقاد يكون علما لكون فاعله عالما بالمعتقد ، لكن ذلك متى ثبت وجبت المشاركة في الحكم عند مشاركة الفاعلين فيما يقتضيه من الصفة ، فكذلك تجب المشاركة في التوليد عند مشاركة السببين فيما أوجب التوليد (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ حال الفاعل يجوز أن يؤثّر في الفعل. ألا ترى أنّ كونه مريدا ، يؤثّر في الأخبار ويؤثّر في الأمر ، وكونه كارها ، يؤثّر في النهي. وإنّما عبنا على المجبرة لأنّهم قالوا إنّ كون الفاعل محدّدا يؤثّر في قبح فعله. ولم نقل أنّ حال الفاعل لا يؤثّر في الفعل أصلا ، فكما أنّ كونه مريدا يتعلّق بالمأمور به ومع ذلك فإنّه يؤثّر في كون الكلام أمرا ، وكذلك كونه كارها لا يتعلّق بنفس النهي بل بنفس المنهي عنه فيؤثّر كون الكلام نهيا ، فكذلك كون الفاعل عالما بالمعتقد يؤثّر في كون الاعتقاد علما وإن لم يتعلّق به (ن ، م ، ٢٩٧ ، ١٦)

حال الفعل

ـ إذا كان كذلك نظرنا في حال الفعل فقلنا : ما كان مبتدأ فلا بدّ عند وجوده من تقدّم كونه قادرا عليه قبل الفعل بوقت واحد ليصحّ منه إيجاده في الثاني. وما كان متولّدا ينظر فيه : فإن كان المسبّب متّصلا بالسبب فحكمه حكم المبتدأ في وجوب قدرته عليهما قبل الفعل بوقت واحد. وما كان من باب المسبّب الذي يوجد في الثاني من حال سببه فيجب تقدّم كونه قادرا عليه بوقتين وعلى السبب بوقت واحد ثمّ ينظر. فإن كان هذا المسبّب سببا في نفسه يولّد غيره

حتى يتّصل بعض ذلك ببعض ما لم يكن هناك منع ، فقد يجوز تقدّم القدرة على هذه المسبّبات المتراخية بأوقات كثيرة ، على ما نقوله في رمي السهم والحجر وما أشبه ذلك. فلا يجب إجراء الأفعال كلّها مجرى واحدا في هذا الحكم (ق ، ت ٢ ، ١٣٢ ، ٦)

حال القادر مع المقدور

ـ إنّ وجود المسبّب إذا تعلّق بالسبب وجب بعد وجوده أن يصير في حكم الواقع ، لأنّا لو قلنا إنّه في حكم المبتدأ لخرج من أن يكون له تعلّق بالسبب ، وأن يكون موجبا له ، ولا يمتنع مثل ذلك في المقدور لشيء يرجع إليه ، ألا ترى أنّ الواحد منّا يقدر على ما يوجد في العاشر من مقدوره أن يفعله في العاشر ولا يصحّ أن يفعله قبله لأمر يرجع إليه ، فإنّ القديم سبحانه قادر على ما يفعله قبل وجوده بأوقات كثيرة لاستحالة وجود مقدوره في تلك الأوقات ، فلا يجب أن يخرج حال القادر مع المقدور على وجه واحد في أن يكون متقدّما لوقت وجوده بحال واحدة ، ولو جاز أن يجعل ذلك واجبا حتى لا يجوز خلافه ، لوجب أن يكون تعالى يقدر حالا بعد حال بقدر متجدّدة (ق ، غ ٩ ، ٧٢ ، ٤)

حال الكافر

ـ قد علمنا أنّ القدرة لجنسها تتعلّق بالكفر والإيمان وسائر المتضادّات الداخلة تحت مقدور العباد. وثبت أنّ ذلك لا يجب فيها لاختيار مختار في الحال أو المستقبل ، وصحّ أنّ سائر وجوه التمكين كالقدرة ؛ لأنّ الحال في أنّ الآلة تصلح للأمرين أكشف من الحال في القدرة ، فصحّ أن كمال العقل لا تقف صحّته على أنّ العاقل يختار الطاعة دون المعصية ، وكذلك القول في الشهوة والنفور. فإذا ثبت ذلك وكان الحيّ منّا يحمل سائر ما ذكرناه من المعاني ، أطاع في المستقبل أو عصى ، فقد صحّ أنه تعالى يصحّ أن يجعل من يعلم أنّه يكفر بهذه الصفات ؛ كما يصحّ ذلك منه فيمن المعلوم أنّه يؤمن. وما نجد من حال الكافر وأنّه بهذه الصفة كالمؤمن يبيّن صحّة ذلك ؛ لأنّ العقلاء لم يختلفوا في أن الكافر قد وجد بهذه الصفة. وإنّما تنازعوا وجه الحكمة فيه ، واختلفوا في هل يحسن ذلك (ق ، غ ١١ ، ١٦٥ ، ٣)

حال معلّلة

ـ أمّا (الحال) المعلّلة منها فهي كل حكم يثبت للذات بسبب معنى قام بالذات ؛ ككون العالم عالما والقادر قادرا ونحوه. وقد زاد أبو هاشم ، ومن تابعه من المعتزلة في ذلك ، اشتراط الحياة. فعلى مذهبه إيجاب الأحوال المعلّلة ليس إلّا للصفات التي من شرطها الحياة ، كالعلم والقدرة ونحوه. وأمّا ما لا تشترط فيه الحياة من الصفات فلا ، وذلك كالسواد والبياض ونحوه. والمستند له في الفرق أنّ ما من شرطه الحياة ، كالعلم ونحوه ، إنّما يتوصّل إلى معرفته من معرفة كون ما قام به عالما ، ولا كذلك السواد والبياض ؛ فإنّه مشاهد مرئيّ ، فلا يفتقر إلى الاستدلال عليه ، بكون ما قام به أسود وأبيض ، فلهذا جعل علّة ثم ، ولم يجعل علّة هاهنا (م ، غ ، ٢٩ ، ٨)

حال النائم

ـ إنّ المعلوم من حال النائم في كل وقت تنبّه ، أنّه يتحرّك على الوجه الذي يتحرّك المختار

القادر. فكما أنّه يجب كونه حيّا في حال نومه ، فكذلك يجب كونه قادرا. لأنّه إذا انتبه عاد حاله في الفعل إلى ما كان ، كما تعود حاله في العلم إلى ما كان. ومما يكشف ذلك أنّ الرجل قد نام وهو ، مع ذلك ، يمشي على الحدّ الذي يمشي في حال علمه ؛ ويقع منه غيره من الأفعال ، على ذلك الحدّ ؛ فيجب كونه فاعلا قادرا (ق ، غ ٨ ، ٥٨ ، ١٠)

حال يفعل

ـ قوله (أبو الهذيل العلّاف) في الاستطاعة إنّها عرض من الأعراض غير السلامة والصحّة ، وفرّق أفعال القلوب وأفعال الجوارح. فقال لا يصحّ وجود أفعال القلوب منه مع عدم القدرة ، فالاستطاعة معها في حال الفعل. وجوّز ذلك في أفعال الجوارح وقال بتقدّمها فيفعل بها في الحال الأولى ، وإن لم يوجد الفعل إلّا في الحال الثانية ، قال" فحال يفعل" غير" حال فعل" (ش ، م ١ ، ٥٢ ، ٧)

حالة خاصة

ـ أثبت القاضي (الباقلاني) تأثيرا للقدرة الحادثة وأثرها : هي الحالة الخاصّة ، وهي جهة من جهات الفعل حصلت من تعلّق القدرة الحادثة بالفعل. وتلك الجهة هي المتعيّنة لأن تكون مقابلة بالثواب والعقاب. فإنّ الوجود من حيث هو وجود لا يستحقّ عليه ثواب وعقاب ، خصوصا على أصل المعتزلة ، فإنّ جهة الحسن والقبح هي التي تقابل بالجزاء. والحسن والقبح صفتان ذاتيتان وراء الوجود. فالموجود من حيث هو موجود ليس بحسن ولا قبيح. قال : فإذا جاز لكم إثبات صفتين هما حالتان ، جاز لي إثبات حالة هي متعلّق القدرة الحادثة. ومن قال : هي حالة مجهولة ، فبيّنا بقدر الإمكان جهتها وعرفناها إيش هي ، ومثّلناها كيف هي (ش ، م ١ ، ٩٨ ، ٤)

حالية

ـ قال المثبتون (للأحوال) إلزام الحال علينا نقضا غير متوجّه ، فإنّ العموم والخصوص في الحال كالجنسيّة والنوعيّة في الأجناس والأنواع ، فإنّ الجنسية في الأجناس ليس جنسا حتى يستدعي كل جنس جنسا ويؤدّي إلى التسلسل ، وكذلك النوعيّة في الأنواع ليست نوعا حتى يستدعي كل نوع نوعا ، فكذلك الحاليّة للأحوال لا تستدعي حالا فيؤدّي إلى التسلسل ، وليس يلزم على من يقول الوجود عام أن يقول للعام عام ، وكذلك لو قال العرضيّة جنس فلا يلزمه أن يقول للجنس جنس ، وكذلك لو فرّق فارق بين حقيقة الجنس والنوع وفصل أحدهما عن الثاني بأخصّ وصف لم يلزمه أن يثبت اعتبارا عقليّا في الجنس هو كالجنس ، ووجها عقليّا هو كالنوع ، فلا يلزم الحال علينا بوجه لا من حيث العموم والخصوص ولا من حيث الاعتبار والوجه (ش ، ن ، ١٤١ ، ١٩)

حامل

ـ الخلق كله حامل ومحمول ، فكل حامل فهو منفصل من خالقه ومن غيره من الحاملين بمحموله من فصوله وأنواعه وجنسه وخواصه وأعراضه في مكانه وسائر كيفياته ، وكل محمول فهو منفصل من خالقه ومن غيره من المحمولات بحامله وبما هو عليه مما باين فيه سائر المحمولات من نوعه وجنسه وفصله ،

والباري تعالى غير موصوف بشيء من ذلك كلّه (ح ، ف ١ ، ٤٦ ، ١٤)

حجة

ـ إنّ الحجّة لا تجب بأخبار الفاسقين والكافرين ، وأنّه لا بدّ من معصومين لا يجوز عليهم الكذب والزلل في شيء من الأفعال تجب الحجّة بأخبارهم في كل زمان (خ ، ن ، ١١٦ ، ٦)

ـ أمّا قول أبي الهذيل وهشام الفوطي في الحجّة في الأخبار فهو أنّ الله جلّ ثناؤه لا يخلّي الأرض من جماعة مسلمين أتقياء أبرار صالحين يكون نقلهم إلى من يليهم حجّة عليهم. ثم لم يوجبا على الناس معرفتهم بأعيانهم ، وليس بمنكر ولا مدفوع أن يكون في الأمّة بشر كثير صالحون قد علم الله منهم أنّهم لا يبدّلون ولا يغيّرون إلى أن يفارقوا الدنيا على ما قاله أبو الهذيل وهشام (خ ، ن ، ١١٦ ، ٢٢)

ـ أمّا قولك : إنّ وجوب النظر في باب الدين يوجب القول بأنّ الداعي حجّة في وجوبه مع تجويز الكذب عليه ، فبعيد. وذلك أنّا قد نوجب عند قوله الفعل ، ولا يوجب ذلك أن نجعله حجّة. ألا ترى أنّ عند خبر المخبر بكون السبع في الطريق ، قد يلزم المرء ما لو لا خبره لم يكن يلزم ، ولا يوجب ذلك كونه حجّة؟ فلو أنّ سالك الطريق ضلّ عنه ، وورد عليه من تسكن نفسه إليه فهداه إلى الطريق ، للزمه العدول وإن لم تكن حجّة. ولو أن بعض من يثق به نبّهه على وديعة عنده للزمه ردّها على بعض الوجوه وإن لم تكن حجّة. وأكثر أمور الدنيا ، كنحو المعالجات التي نلتجئ فيها إلى الأطباء ، والفلاحات ، والتجارات ، وسائر ما يعتمد فيه أهل البصر بذلك ، يجري على هذا الحدّ. ولا يوجب ذلك كونهم حجّة ، بل عندنا أن التواتر الذي يعلم المخبر عنده ضرورة لا يقال فيه إنّه حجّة ، لأنّه لا واحد منهم إلّا ويجوز أن يكذب. فإذا صحّ ذلك ، لم يمكن الطعن بهذا الوجه فيما أورده ، وإن كان هذا الوجه من الطعن لو صحّ لوجب أن يبطل به وجوب النظر في الدين والدنيا جميعا ، على ما في ذلك من ارتكاب الجهالة (ق ، غ ١٢ ، ٣٧١ ، ١٦)

ـ قد أطلق شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، في نقض المعرفة أنّ الداعي لا يمتنع أن يقال إنّه حجّة ، فإنّما أراد بذلك أنّه يجب عند دعائه ما لولاه لم يجب ، وأنّه مبيّن مع ذلك لطريقة النظر ، فيصحّ أن يطلق هذا القول فيه. وليس الأمر كذلك ؛ بل الصحيح أنّه ليس بحجّة ، لأنّه يجوز عليه الخطأ ، ومع تجويزه ذلك يلزم النظر عند قوله.

وإنّما يقال في المخبر : إنّه حجّة ، متى علم أن ما يلزم بقوله ، إنّما يلزم لأنّه علم أنّ الخطأ لا يجوز عليه. وهذا هو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ، رحمه‌الله (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٢ ، ١٤)

ـ قوله (النظّام) في الإجماع إنّه ليس بحجّة في الشرع ، وكذلك القياس في الأحكام الشرعية لا يجوز أن يكون حجّة ، وإنّما الحجّة في قول الإمام المعصوم (ش ، م ١ ، ٥٧ ، ٥)

حجج

ـ هذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتجّ بها المعبود على العباد ، وهي : * العقل ..* والكتاب ..* والرسول .. فجاءت حجّة العقل بمعرفة المعبود ، وجاءت حجّة الكتاب بمعرفة التعبد ، وجاءت حجّة الرسول بمعرفة العبادة. والعقل أصل الحجتين الأخيرتين ،

لأنّهما عرفا به ، ولم يعرف بهما. فافهم ذلك. ثم للإجماع من بعد ذلك حجّة رابعة مشتملة على جميع الحجج الثلاث وعائدة إليها (ر ، أ ، ١٢٤ ، ١٥)

حجر

ـ إنّ الله تعالى عادل في كل أفعاله ، غير محجور عليه في شيء ، ما شاء فعل وما شاء ترك ، له الخلق والأمر لا يسأل عمّا يفعل. وقد حجرت القدرية عليه في قولها : إنّه ليس له خلق أعمال العباد ... وفي قولهم أنّه ليس له منع اللطف ولا له التكليف من غير تعويض للمنفعة وليس له إسقاط التكليف عن العقلاء في الدنيا (ب ، أ ، ٨٢ ، ٣)

حدّ

ـ أمّا الجسم فهو اسم لكل محدود ، والشيء إثبات لا غير ، وفي وجود العالم على ما عليه دليل الإثبات ؛ لذلك قيل بالشيء ، وفيه ـ إذ هو متناه لا من حيث الشيئية [بل من] حيث الحد ـ دليل نفي الحدّ عن الله جلّ ثناؤه. إلا أن يراد بالحدّ الوحدانيّة والربوبيّة ، فهو كذلك ، وحرف الحدّ ساقط لأنّه يغلب في الدلالة على نهاية الشيء من طريق العرض ونحو ذلك مما يتعالى عن ذلك ، وذلك معنى الجسم في الشاهد. وفيه أيضا إيجاب الجهات المحتمل كل جهة أن يكون أطول منها وأعرض وأقصر ، فلذلك بطل القول بذلك ، ولا قوة إلا بالله (م ، ح ، ١٠٤ ، ١٦)

ـ إنّ الحدّ ما يجمع نوع المحدود فقط ويمنع ما ليس منه أن يدخل فيه (أ ، م ، ١٠ ، ٢٣)

ـ قد يذكر له حدود ولا يصحّ شيء منها. من جملتها ، قولهم : إنّ الظلم هو ما ليس لفاعله أن يفعله ، وهذا لا يصحّ ، لأنّ العلم بالحدّ ينبغي أن يكون علما بالمحدود ، لا أن يكون تابعا له ، وفي هذا الموضع ما لم يعلم ظلما ، لا يعلم أنّه ليس لفاعله فعله. وبهذه الطريقة عبنا على أبي علي تحديده الواجب بما به ترك قبيح ، فقلنا : إنّا ما لم نعلم وجوبه لا يمكننا أن نعلم قبح تركه ، فكيف حدّدت الواجب به ، وفيما ذكرت ترتّب العلم بالحدّ على العلم بالمحدود ، وذلك مما لا يصحّ (ق ، ش ، ٣٤٧ ، ١٢)

ـ فيما ذكره شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهما‌الله ، من أنّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به. إذا دفع على وجه ، وإن اختلفا في العبارة عن ذلك ، أن يكون هذا مقصدهما. لأنّهما قد بيّنا ، في غير موضع ، أنّ الحدّ يجب أن يتناول ما به يبيّن المحدود من غيره. لكنهما لما علما أنّ المقصد بالحدّ الكشف عن الغرض ، لم يمتنع عندهما في كثير من الحدود أن يكون الأولى فيه ذكر مقدّمات له. كما أنّه لا يمتنع في كثير منها أن يضم إليه غيره مما لو حذف لاستغنى عنه .... ولذلك قالا : إنّ حدّ العالم أن يصحّ الفعل المحكم منه ، إذا كان قادرا عليه مع السلامة. وقد علمنا أنّ كونه قادرا ، وما شاكله ، لا يحتاج إليه فيما به يبيّن العالم من غيره. لكن الذي جعلوه حدّا في العالم ، لما كان لا يمكن إلّا في القادر ، ذكروه (ق ، غ ١٢ ، ١٤ ، ٢)

ـ إنّ العلم بما يفيده الحدّ والمحدود واحد ، وإنّما يجري أحدهما مجرى التفسير للآخر ، لأنّ المعلوم يختلف أو يتغاير (ق ، غ ١٤ ، ١٨٥ ، ١٤)

ـ أمّا قولنا : معدوم ، فذكر شيخنا أبو عبد الله البصري : هو المنتفي الذي ليس بكائن ولا ثابت ـ وهذا لا يصحّ ، لأنّ قولنا : معدوم ، أظهر من قولنا : منتف ؛ والحدّ يجب أن يكون أظهر من المحدود ، فإذا كان أشكل منه لا يجوز تحديده به ؛ فالأولى أن يقال : إنّه المعلوم الذي ليس له صفة الوجود. ولا يلزم على هذا أن يكون ثاني القديم تعالى معدوما ، لأنّه ليس بمعلوم (ن ، د ، ٥٧١ ، ١٨)

ـ الحدّ ما يحوي آحاد محدود ، والحرف الواحد قد يكون كلاما مفيدا ، فإنّك إذا أمرت من" وقى" و" وشى" قلت" ق" و" ش" ، وهذا كلام وليس بحروف وأصوات (ج ، ش ، ١٠٧ ، ١٢)

ـ الحدّ والحقيقة على أصل نفاة الأحوال عبارتان عن معبّر واحد ، فحدّ الشيء حقيقته ، وحقيقته ما اختصّ في ذاته عن سائر الأشياء ، ولكل شيء خاصيّة بها يتميّز عن غيره ، وخاصيّته تلزم ذاته ولا تفارقه ولا يشترك فيها بوجه ، وإلّا بطل الاختصاص (ش ، ن ، ١٣٥ ، ١٥)

ـ قال مثبتو الأحوال إنّ الحدّ قول الحادّ المبيّن عن الصفة التي تشترك فيها آحاد المحدود ، فإنّ المحدود عندهم يتميّز عن غيره بخاصيّة شاملة لجميع آحاد المحدود ، وتلك الخاصيّة حال ، ويعبّر عن تلك الحال بلفظ شامل دالّ عليه جامع مانع يجمع ما له من الخاصيّة ، ويمنع ما ليس له من خواص غيره ، ثم من الأشياء ما يحدّ ومنها ما لا يحدّ على أصلهم ، وأكثر حدود المتكلّمين راجع إلى تبديل لفظ بلفظ أعرف منه ، وربما يكون مثله في الخفاء والجلاء (ش ، ن ، ١٨٩ ، ٢)

ـ من شرائطه أنّه (الحدّ) يجب أن يكون أعرف من المحدود ولا يكون مثله ولا دونه في الخفاء والجلاء ، وأن لا يعرّف الشيء بما لا يعرّف إلّا به إلى غير ذلك فيما ذكر (ش ، ن ، ١٩٠ ، ١١)

ـ قال من حاول الجمع بين الغائب والشاهد بالحدّ ، والحقيقة حدّ العالم في الشاهد أنّه ذو العلم ، والقادر ذو القدرة ، والمريد ذو الإرادة ، فيجب طرد ذلك في الغائب ، والحقيقة لا تختلف شاهدا أو غائبا (ش ، ن ، ١٩٠ ، ١٥)

ـ الحدّ والبرهان ليس إلّا للأمور الكلّية دون الشخصيّة. وذلك لأنّ الحدّ والبرهان ليسا من الأمور الظنّية التخمينيّة ، بل من اليقينيّة القطعيّة ، والأمر الشخصيّ ما له من الصفات ليست يقينيّة ، بل هي على التغيّر والتبدّل على الدوام ، فلا يمكن أن يؤخذ منه ما هو في نفسه حقيقيّ يقينيّ ، وهذا بخلاف الأمور الكلّية. فعلى هذا قد بان أنّ من أراد بإطلاق الحال على ما يقع به الاشتراك ، النحو الذي أشرنا إليه ، كان محقّا. لكن لا ينبغي أن يقال : إنّها ليست موجودة ولا معدومة. بل الواجب أن يقال : إنّها موجودة في الأذهان ، معدومة في الأعيان. وأمّا من أراد به غير ما ذكرناه كان زائغا عن نهج السداد ، حائدا عن مسلك الرشاد (م ، غ ، ٣٣ ، ٦)

ـ الحدّ : قول دالّ على ماهيّة الشيء ، وعند أهل الله الفصل بينك وبين مولاك كتعبّدك وانحصارك في الزمان والمكان المحدودين (ج ، ت ، ١١٦ ، ١٤)

ـ الحدّ في اللغة : المنع ، وفي الاصطلاح : قول يشتمل على ما به الاشتراك ، وعلى ما به الامتياز (ج ، ت ، ١١٦ ، ١٦)

ـ أبو علي وأبو هاشم : والحدّ مصلحة للمحدود. أبو علي : في الدين. أبو هاشم : في الدنيا فقط

إذ شرع للزجر ، والتارك لأجله لا يستحقّ ثوابا. قلت : إقامته على التائب زيادة في الزجر ، وله العوض (م ، ق ، ١٠٦ ، ٢٢)

ـ الحدّ ، لغة ، طرف الشيء ، وشفره ، نحو السيف والمنع. واصطلاحا : قول يشرح به اسم أو تتصوّر به ماهيّة. فالأوّل ، نحو قوله تعالى : (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) (مريم : ٦٥) ، أي هو ربّ جميع الأجناس التي هي السموات والأرض ، في جواب فرعون في قوله : وما ربّ العالمين؟ أي : أي جنس ربّ العالمين. والثاني نحو قولهم : الإنسان حيوان ناطق ، ويرادفه لفظ الحقيقة والماهيّة. فحدّ بعض المتكلّمين للذات ، ونحو موجود بالمعنى الثاني لا يصحّ ، لأنّ الله تعالى لا يصحّ تصوّره ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، فليس بجامع. وقولهم العالم من يمكنه إيجاد الفعل المحكم ، لا يصحّ بالمعنيين معا ، لما مرّ ، ودخول نحو النحلة لأنّه يمكنها إيجاد الفعل المحكم ، وهو تقدير ثبوت شمعها وترصيفها ، فليس بمانع. فإن قيل : فما شرحه؟ قلت : وبالله التوفيق : هو من يمكنه إحكام الأشياء المتباينة وتمييز كل منها بما يميّزه ، أو من إدراك الأشياء إدراك تمييز ، وإن لم يقدر على فعل محكم (ق ، س ، ٦٢ ، ١٥)

حدّ تام

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ ، أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٢)

ـ الحدّ التام : ما يتركّب من الجنس والفصل القريبين كتعريف الإنسان بالحيوان الناطق (ج ، ت ، ١١٦ ، ٢٠)

حدّ حقيقي

ـ حدّ حقيقي هو تعريف لحقيقة الشيء وخاصيّته التي بها هو ما هو ، وإنّما هو ما هو بذاتيّات تعمّه وغيره ، وبذاتيّات تخصّه ، والجمع والمنع إن أريد بهما هذان المعنيان فهو صحيح فيما يجمعه من الذاتيّات العامّة والخاصّة ، وهو الجنس والفصل ، وما يمنع غيره فيقع من لوازم الجمع والطرد والعكس يقع أيضا من اللوازم (ش ، ن ، ١٩٠ ، ٦)

حدّ الخبر

ـ أما حدّ الخبر ، فقد قيل : إنّ أهل اللغة حدّوه بأنّه" كلام يدخله الصدق والكذب". فإن قيل : أليس قول القائل : " محمّد ومسيلمة صادقان" خبر؟ وليس بصدق ولا كذب! قيل : قد أجاب الشيخ أبو علي بأنّ هذا الخطاب يفيد صدق أحدهما في حال صدق الآخر. فكأنّه قال : " أحدهما صادق في حال صدق الآخر". ولو قال ذلك ، كان قوله كذبا. فكذلك إذا قال : " هما صادقان". ولقائل أن يقول : إنّه ليس ينبئ هذا الكلام عن أنّ صدق أحدهما حاصل في حال صدق الآخر ، ولا أنّه قبله ولا بعده. فلا يكون ذلك معنى الكلام! وأجاب الشيخ أبو هاشم بأنّ هذا الكلام يجري مجرى خبرين ، أحدهما خبر بصدق النبي صلى الله عليه ، والآخر خبر بصدق مسيلمة. فكما لا يجوز أن يقال في مجموع خبرين متميّزين : إنّهما" صدق" ، أو" كذب" ، فكذلك في هذا الكلام. ولقائل أن يقول بأنّ هذا الكلام لا

يجري مجرى خبرين إلّا من حيث أفاد حكما لشخصين. وذلك لا يمنع من وصفه بالصدق والكذب. ألا ترى أنّ قول القائل : " كل شيء قديم" كذب؟ وإن أفاد حكما لذوات كثيرة! وأجاب قاضي القضاة رحمه‌الله بأنّ مرادنا بقولنا : " ما دخله الصدق والكذب" ، هو ما إذا قيل للمتكلّم به : " صدقت" ، أو" كذبت" ، لم يحظره اللغة. وهذه صورة هذا الكلام. فكان داخلا في حدّ الخبر. وأجاب الشيخ أبو عبد الله بأنّ هذا الكلام كذب. فإنّه يفيد الإخبار عن شيء على خلاف ما هو به لأنّه يفيد إضافة الصدق إليهما ؛ وليس هو مضافا إليهما ، وإن كان مضافا إلى أحدهما. كما أنّ قول القائل" كل إنسان أسود" كذب ، لأنّه يفيد إضافة السواد إلى جميعهم ؛ وليس هو مضافا إلى جميعهم (ب ، م ، ٥٤٢ ، ٨)

حدّ رسمي

ـ حدّ رسمي وهو تعريف الشيء بعوارضه ولوازمه ، كمن يقول حدّ الجوهر القابل للعرض ، وحدّ الجسم هو المتناهي في الجهات القابل للحركات ، وقد يفيد هذا القول نوع وقوف على الحقيقة من جهة اللوازم وقد لا يفيد (ش ، ن ، ١٩٠ ، ٢)

حدّ الشيء

ـ قال نفاة الأحوال حدّ الشيء وحقيقته وذاته وعينه عبارات عن معبّر واحد (ش ، ن ، ١٨٨ ، ١٩)

حدّ لفظي

ـ نقول في تحديد الحدّ وشرائطه ، إنّ الحدّ ينقسم إلى ثلاثة معان ، حدّ لفظي هو شرح الاسم المحض كمن يقول حدّ الشيء هو الموجود ، والحركة هي النقلة ، والعلم هو المعرفة ، وليس يفيد ذلك إلّا تبديل لفظ بما هو أوضح منه عند السائل ، على شرط أن يكون مطابقا له طردا وعكسا (ش ، ن ، ١٨٩ ، ١٥)

حدّ المخلوق

ـ اعلم أنّا قد بيّنا ، من قبل ، حدّ المخلوق ، ودللنا على أنّ هذه الصفة تستعمل في غير الله ، تعالى ، وأنّها تفيد كون المحدث مقدورا ، فصلا بينه وبين الفعل الواقع على جهة السهو والتبخيت. وبيّنا أنّ هذا أولى مما سواه من الحدود (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ٤)

حدّ مشترك

ـ الحدّ المشترك : جزء وضع بين المقدارين يكون منتهى لأحدهما ، ومبتدأ للآخر ، ولا بدّ أن يكون مخالفا لهما (ج ، ت ، ١١٦ ، ١٨)

حدّ ناقص

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ ، أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٢)

ـ الحدّ الناقص : ما يكون بالفصل القريب وحده ، أو به ، وبالجنس البعيد كتعريف الإنسان بالناطق أو بالجسم الناطق (ج ، ت ، ١١٦ ، ٢٢)

حدث

ـ أمّا جمع من سوى الله بين النار والماء والتراب والهواء فذلك دليل أيضا على حدثها ، غير أنّ محدثها ليس هو الإنسان الذي جمعهما ، لأنّ

الإنسان يجري عليه من القهر ما يجري عليهما. فمخترع هذه الأشياء ومخترع الإنسان المشبه لها هو الله الذي لا يشبهه شيء و (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (خ ، ن ، ٤١ ، ٣)

ـ إنّ الجسم لمّا لم يسبق المحدثات وجب حدوثه بدخوله في معنى الحدث ، وليس يجب إذا دخل في الحدث بمشاركة المحدثات في معنى الحدث ، إذا كان من المحدثات ما هو حركة أن يكون الجسم حركة ، وإذا كان منها ما هو جسم (لا) يجب أن تكون الحركة جسما ، إذ لم يكونا يستويان في معنى جسم وحركة واستويا في معنى الحدوث (ش ، ل ، ٤٢ ، ٩)

ـ إنّ العالم لا يخلو من أن يكون قديما على ما عليه أحواله من اجتماع وتفرّق ، وحركة وسكون ، وخبيث وطيب ، وحسن وقبيح ، وزيادة ونقصان ، وهنّ حوادث بالحس والعقل ؛ إذ لا يجوز اجتماع الضدّين ، فثبت التعاقب ، وفيه الحدث (م ، ح ، ١٣ ، ٦)

ـ إن معنى الحدث هو الكون بعد أن لم يكن (م ، ح ، ١٣ ، ٢٢)

حدث الأعيان

ـ الدليل على حدث الأعيان هو شهادة الوجوه الثلاثة التي ذكرنا من سبل العلم بالأشياء. فأمّا الخبر فما ثبت عن الله تعالى من وجه يعجز البشر عن دليل مثله لأحد : إنّه أخبر أنّه خالق كل شيء ، وبديع السماوات والأرض ، وأنّ له ملك ما فيهن. وقد بيّنا لزوم القول بالخبر ... وعلم الحسّ ، وهو أنّ كل عين من الأعيان يحسّ محاطا بالضرورة مبنيا بالحاجة ، والقدم هو شرط الغنى ؛ لأنه يستغني بقدمه عن غيره ، والضرورة والحاجة يحوجانه إلى غيره ، فلزم به حدثه ... وعلى ذلك طريق علم الاستدلال ، مع ما أنّه لا يخلو الجسم من حركة أو سكون ، وليس لها الاجتماع ، فيزول من جملة أوقاته نصف الحركة ونصف السكون ، وكل ذي نصف متناه ، على أنّهم إذ لا يجتمعان في القدم لزم حدث أحد الوجهين ، ويبطلانه أن / يكون محدثا في الأزل لزم في الآخر ، وفي ذلك حدث ما لا يخلو عنه (م ، ح ، ١١ ، ٦)

حدث الآية

ـ قوله عزوجل (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) (البقرة : ١٠٦) فجوّز النسخ على الآية وهو الإبدال والإزالة وجوّز النسيان عليهما ، وكل ذلك يدلّ على حدث الآية ؛ لأنّها لو كانت قديمة لم يصحّ فيها ذلك. وأن يأتي بخير منها يدلّ على أنّها محدثة ، لأنّ القديم لا يوصف بأنّ القادر يأتي بخير منه (ق ، م ١ ، ١٠٣ ، ١٧)

حدث الفاعل

ـ حدّثنا عن الإيمان والكفر ، هل يخلوان من أن يكونا شيئين عرضين وحركتين دليلين على حدث الفاعل ، وحجتين على حكمة الرجل وسفهه ، ومظهري علمه وجهله؟ لا بد من بلى ؛ لما فيهما هذه الوجوه كلها. فيقال : هل الأمر والنهي بالفعل موجبا الأمر والنهي بهذه الوجوه التي في فعله ذلك؟ فإن قال : نعم ، أحال ؛ لما في كفره دليل سفهه ، وهو من حيث الدلالة صدق ، ومحال النهي عنه من ذلك الوجه ، ولأنّ كثيرا منهم لا يعرفون تلك الصفات له لم يجز الأمر لذلك من ذلك الوجه ولا النهي (م ، ح ، ٢٣٧ ، ٨)

حدوث

ـ قالت" الموحدة" : إنّه لا يحول ولا يزول ، لأنّ ما يحول ويزول ويحتجب وينتقل لا يكون أزليا ولا قديما ، فهذه علامات الحدوث (ع ، أ ، ١٥ ، ١١)

ـ الدليل على حدوث هذه الأفلاك علمنا بأنّ الشمس تكون في برج الحمل ، ثم تنتقل إلى برج الثور ، ثم إلى غيرهما من البروج ؛ وقد علمنا أنّها لا تجوز أن تكون كائنة في برج الحمل ومتحرّكة إليه لعينها ونفسها ؛ لأنّ ذلك لو كان كذلك ، لم تعلم نفسها إلّا وهي كائنة في برج الحمل ، ولوجب أن تكون لم تزل كائنة فيه لعينها ، ولا تزال كذلك وأن يستحيل خروجها عنه وانتقالها منه ، إذ كانت كائنة فيه لعينها (ب ، ت ، ٦١ ، ١٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الحدوث أحد وصفي الموجود ، وذلك أن يكون وجودا عن عدم. فأمّا القدم فهو وجود على شرط التقدّم ، ولم يكن يراعي في ذلك تقدّم الأزل بلا غاية دون تقدّم بغاية ، بل كان يقول إنّ المحدث يوصف بأنّه قديم على الحقيقة إذ أريد به تقدّمه على ما حدث بعده ، كقوله (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) (يس : ٣٩) ، وإنّ العرجون كان قديما على الحقيقة على معنى أنّه تقدّم العراجين التي حدثت بعده (أ ، م ، ٢٧ ، ١٩)

ـ إنّ تصرفاتنا في الشاهد محتاجة إلينا ومتعلّقة بنا ، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها ، فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل (ق ، ش ، ٩٤ ، ٦)

ـ لا نعني بالحدوث أكثر من تجدّد الوجود (ق ، ش ، ١١٠ ، ١٠)

ـ إنّما نعني بالاحتياج أنّ لحالة من أحوالنا فيه تأثير ، والذي يدلّ على ذلك ، هو أنّها (تصرفاتنا) تقع بحسب قصودنا ودواعينا ، وتنتفي بحسب كراهتنا وصوارفنا مع سلامة الأحوال محقّقا وإمّا مقدّرا ، فلولا أنّها محتاجة إلينا متعلّقة بنا وإلّا كان لا يجب فيها هذه القضية ، كما في تصرّف الغير ، وكما في اللون. وأمّا الذي يدلّ على أنّها إنّما احتاجت إلينا لحدوثها ، فهو أنّ حدوثها هو الذي يقف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا. وبعد فإنّه لا يخلو ؛ إمّا أن تكون محتاجة لاستمرار وجودها ، أو لاستمرار عدمها ، أو لتجدّد وجودها. لا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار عدمها لأنّها قد كانت مستمرّة العدم ولم تكن ، ولا أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار وجودها لأنّها تبقى مستمرّة الوجود وإن خرجنا عن كوننا أحياء فضلا عن كوننا قادرين ، فلم يبق إلّا أن تكون محتاجة إلينا لتجدّد وجودها وهو الحدوث ، فصحّ القياس (ق ، ش ، ١١٩ ، ٧)

ـ إن قيل : قد بيّنتم أنّ هذه التصرّفات متعلّقة بنا ومحتاجة إلينا ، فبيّنوا أنّ جهة الحاجة إنّما هو الحدوث ليتمّ لكم ما ذكرتموه ، قلنا : الذي يدلّ عليه أنّ الذي يقف كونه على أحوالنا نفيا وإثباتا إنّما هو الحدوث ، فيجب أن تكون جهة الحاجة إنّما هو الحدوث على ما ذكرناه. وبعد ، فإنّ حاجتها إلينا لا تخلو ؛ إمّا أن تكون لاستمرار القدم ، أو لاستمرار الوجود ، أو لتجدّد الوجود. لا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار العدم ، لأنّها كانت مستمرّة العدم وإن لم تكن ؛ ولا يجوز أن تكون محتاجة إلينا لاستمرار الوجود ، لأنّا نخرج عن كوننا قادرين وهي مستمرّة الوجود ؛ فلم يبق إلّا أن تكون

محتاجة إلينا لتجدّد الوجود على ما نقوله (ق ، ش ، ٣٤٣ ، ٩)

ـ إنّ وقوع الشيء على وجه هو تابع لحدوثه ، فإذا بقي خرج عن الحدوث ، فخرج عن صحّة التصرّف فيه على هذه الوجوه ، بدلالة أنّه في حال عدمه لما لم يكن حادثا لم يصح إيقاعه على وجوه وقد شاركت حال البقاء حال العدم في أنهما ليستا بحال حدوث ، فيجب أن يتعذّر إيقاعه على هذه الوجوه الزائدة على الحدوث. فلما صحّ ذلك في الجسم عرفنا أنّ الذي تعلّق بالقادر هو إحداث معنى من المعاني يوجب هذه الصفة للجسم ، وإلّا فذات الجسم وهو باق كيف يصح التصرّف فيه؟ (ق ، ت ١ ، ٤٠ ، ١٥)

ـ إنّ كل صفة أو حكم يضاف إلى الفاعل فهو الذي يكون لأحواله فيه تأثير ، ولا بدّ من أن يكون من شرط ذلك الجواز وإن لم نجعل هذا جدّا له. فالحدوث لا بدّ من إضافته إلى القادر لأنّه بكونه قادرا يحصل ، وكونه محكما مرتّبا لا بدّ من أن يضاف إليه لأنّ كونه عالما أثّر فيه ، وكونه أمرا وخبرا ونهيا وتهديدا لا بدّ من أن يؤثّر فيه كونه مريدا وكارها ، وكون الاعتقاد علما يؤثّر فيه بعض أحوال الفاعل من كونه عالما بالمعتقد أو بطريقة النظر أو ما أشبههما من الوجوه. وهذا كله ظاهر من حيث حصل فيه الشرط الذي ذكرناه من تأثير حال الفاعل فيه ومن حصوله مع جواز أن لا يحصل (ق ، ت ١ ، ٣٦٩ ، ٨)

ـ إنّ حدوث الشيء من وجهين من جهة قادر واحد لا يصحّ ، وإذا لم يصحّ ذلك من جهة قادر واحد لم يصحّ من جهة قادرين ، لأنّه لو صحّ حدوث الشيء من وجهين من وجهتهما ، لوجب كونهما قادرين عليه بقدرتين ؛ لأنّ ما يختصّ به أحدهما من القدر لا يجوز أن يختصّ الآخر به ، فكان لا يمتنع وجود القدرتين في قادر واحد. فإذا صحّ فساد ذلك في القادر الواحد ، وجب مثله في القادرين (ق ، غ ٤ ، ٢٥٧ ، ١٣)

ـ القادر إنّما يقدر على الصفة التي متى صحّت على الفعل ، صحّ كونه مقدورا ؛ ومتى استحالت ، استحال كونه مقدورا ، وهي الحدوث (ق ، غ ٨ ، ٦٩ ، ٢)

ـ إنّ الصفة إنّما يقال إنّ الفعل يحصل عليها بالفاعل ، متى ثبتت للفعل وعقل كونه عليها. لأنّ تعليل الصفة بالفاعل وتعليقها به ، كتعليل الصفة بالمعنى ، والعلّة في أنّه فرع على كونها معقولة. وليس للمعدوم ، بكونه معدوما ، حالة ؛ حتى يقال : إنّها بالفاعل. وإنّما صحّ في الحدوث أن يقال : إنّه بالفاعل لمّا عقل له حال ؛ ولو لم يعقل ذلك له ، لم يصحّ أن يقال : إنّه بالفاعل (ق ، غ ٨ ، ٧٤ ، ٨)

ـ لم لا يجوز أن يكون (الجوهر) متحيّزا لحدوثه؟ قيل له : لا يخلو المراد بالحدوث : إمّا أن يريدوا به الوجود فقط ـ فقد بيّنا أنّه لا يجوز أن يكون متحيّزا لوجوده ؛ وإن أرادوا به تجدّد الوجود فيجب أن لا تثبت هذه الصفة في حالة البقاء لفقد التجدّد في تلك الحالة ، ولأنّ من علّل كونه متحيّزا بحدوثه فقد أقرّ بحدوث الجسم وكفانا مئونة الكلام. ولا يجوز أن يكون متحيّزا لحدوثه على وجه ، إذ ليس هاهنا وجه معقول ، فيقال : إنه يكون متحيّزا لوقوعه على ذلك الوجه ، وفارق الحال في ذلك الحال في كون الكلام خبرا وأمرا ، لأنّه إنّما يكون كذلك لوقوعه على وجه (ن ، د ، ٦٧ ، ٢)

ـ قيل : أليس أنّ الإرادة تتعلّق وتؤثّر في حدوث الشيء على وجه ، وحدوثه على وجه غير الحدوث ؛ فقد تعدّى عن وجه إلى وجه آخر ، ومع ذلك لا يجب أن يكون متعديا إلى كل وجه تحصل الذات عليه (ن ، د ، ٧٩ ، ٥)

ـ إنّ حدوث الشيء على وجه مما يتبع الحدوث ، وليس بمنفصل عن الحدوث ، وهو كالطريقة في ذلك. فكأنّ القدرة إنّما أثّرت في الحقيقة في وجه واحد (ن ، د ، ٧٩ ، ٨)

ـ العدم ليس بأمر حادث ، حتى يقال أنّ لأحوالنا فيه تأثيرا ، وإنّما هو أمر مستمرّ ، وإن كان معدوما ، قبل أن وجدنا وحصلنا على ما لنا من الأحوال. وليس كذلك الحدوث ، لأنّه أمر متجدّد ، فيجب أن يستند تجدّده إلى حال من أحوالنا (ن ، د ، ٣٠١ ، ١)

ـ إن قيل : هب أنّا سلمنا أن الفعل يحتاج إلينا ويتعلّق بنا ، فلم قلتم إنه يحتاج إلينا في الحدوث؟ قيل له : في ذلك وجهان اثنان : أحدهما أنه إذا ثبت أنه يحتاج إلينا (الفعل) فلا بدّ من أن يكون احتياجه إلينا لوجه من الوجوه ، لأنّه لو قيل إنّه يحتاج إلينا ، ثم لم يشر باحتياجه إلينا إلى وجه من الوجوه لعاد الأمر بالنقض على أنه يحتاج إلينا في استمرار الوجود أو في تجدّد الوجود الذي هو الحدوث (ن ، د ، ٣١٧ ، ٧)

ـ إنّ هذه الأحكام التي هي الوجوب والقبح والحسن والندب فإنّها أحكام موجبة عن أحوال الفعل وأحكامها وهي أحكام أحوالها ، فصارت هذه الأحكام مع أحكام الفعل كالعلل مع المعلول ، فلا بدّ إذن من أن تضاف هذه الأفعال إلى الفاعل من وجه يكون له في ذلك تأثير ، وليس ذلك إلّا الحدوث (ن ، د ، ٣١٨ ، ٨)

ـ إنّ المكتسب ليس له بكونه مكتسبا حال ، لأنّه لو كان معقولا لما زاد حاله على الحدوث ـ وقد علمنا أنّ الحدوث لا يوجب للمحدث حالا ، فالكسب إن كان معقولا أولى بذلك ، وهو دون الحدوث (ن ، د ، ٣٢٠ ، ٩)

ـ قد علمنا أنّ الذي وقف في التصرّف على أحوالنا من وجوهه إنّما هو الحدوث ، فيجب أن يكون هو الوجه وهو العلّة في الاحتياج ، لأنّه بوقوفه على أحوال الواحد منا نفيا وإثباتا يثبت الاحتياج في التصرّف. وإذا لم يكن كذلك لم يثبت الاحتياج فيه ، فكان يجب أن يكون هو علّة الاحتياج (ن ، د ، ٣٢٠ ، ١٩)

ـ ما نقول في احتياج التصرّف إلى الواحد منّا ، فإنّ هذا الاحتياج معلوم ضرورة ، وإن لم يقع إلى أي صفة تحتاج إلينا. ثم إنّ الاحتياج الذي هو تأثير أحوالنا فيه تعليله بالحدوث ، فنقول : إنّ الحدوث هو الذي يثبت فيه تأثير أحوالنا. وهذا التعليل ليس لإثبات الحكم في هذا الموضع ، فإنّ الحدوث معلوم لدلالة ، والاحتياج معلوم ضرورة. ولكن غرضنا بهذا التعليل قياس الغائب عليه بعلّة الحدوث ، بأن نقول إذا ثبت في تصرّفنا أنّه يحتاج إلينا لحدوثه ، وثبت الحدوث في الأجسام ، وجب أن يثبت فيها الاحتياج محدث. وإن كان إثبات المحدث للأجسام الذي يتقاضى العقل إثباته لا يتمّ إلّا بهذا التعليل صار ذلك ملجئا إلى التعليل أو دليلا دالا إلى تعليله (ن ، د ، ٤٨٤ ، ١٨)

ـ إنّ المحكم له بكونه محكما حكم زائد على حدوثه. فإذا كان له حكم زائد على حدوثه فلا يقع على ذلك الحكم إلّا بوجه يؤثّر فيه ، فما يؤثّر فيه من الوجوه لا بدّ أن يقارنه ، كما نقول

في وجه القبح والحسن والوجوب والندب ، إنّها لا بدّ من أن تكون مقارنة لهذه الأحكام لأنّها كالعلل فيها. وليس كذلك الحدوث ، فإنّه مجرّد الصفة ، وليس هناك حكم زائد ، ولا يحتاج إلى أمر زائد على كونه قادرا (ن ، د ، ٥٠٧ ، ٧)

ـ ممّا تمسّكوا به في مدارك العقول ، أن قالوا (المعتزلة) : العاقل يميّز بين مقدوره ، وبين ما ليس بمقدوره ؛ ويدرك تفرقة بين حركاته الإرادية ، وألوانه التي لا اقتدار له عليها ، ووجه الفصل بين القبيلين أنّه يصادف مقدوره واقعا به على حسب قصوده ودواعيه ، ولا يقع منه ما لا يقع على حسب انكفافه وانصرافه. فإذا صادف الشيء واقعا على حسب المقصود والداعية ، لم يسترب في وقوعه به ، ثم لا يقع به إلّا الحدوث ، فليكن العبد محدثا لفعله. ولو كان فعله غير واقع به ، لكان بمثابة لونه وسائر صفاته الخارجة عن مقدوراته (ج ، ش ، ١٨٢ ، ١٥)

ـ إنّ وجود شيء لا من شيء هو المعني بحدوث الشيء عن العدم ، فإنّ قولنا له أوّل المعنى بحدوثه ، وإنّ قولنا لم يكن فكان هو المعنى بسبق العدم (ش ، ن ، ١٨ ، ٥)

ـ نقول التقدّر بالأشكال والصور ، والتغيّر بالحوادث ، والغير دليل الحدوث (ش ، ن ، ١٠٥ ، ٩)

ـ إنّ علّة الحاجة إلى المؤثّر هو الحدوث لا الإمكان (ف ، م ، ١١١ ، ١٩)

ـ إنّ معنى الحدوث ليس إلّا كون الشيء موجودا بعد العدم أي لم يكن فكان ، أو أنّه ما لا يتمّ وجوده بنفسه (م ، غ ، ١٦٢ ، ٦)

ـ الحدوث هو كون الوجود مسبوقا بالعدم ، فهو صفة للوجود الموصوف به. والصّفة متأخّرة بالطبع عن موصوفها ، والوجود الموصوف به متأخّر عن تأثير موجده بالذات ، تأخّر المعلول عن العلّة ؛ وتأثير الموجد متأخّر عن احتياج الأثر إليه في الوجود ، تأخّرا بالطبع. واحتياج الأثر متأخّر عن علّته بالذات ، وجميعها أربع تأخّرات ، اثنان بالطبع واثنان بالذات ، وذلك يقتضي امتناع كون الحدوث علّة للاحتياج (ط ، م ، ١٢٠ ، ١٢)

ـ إنّ البداية لصحّة وجود المحدث يلزم من جهة حدوثه لا لذاته ، وعين وقت الحدوث يلحقه من خارج لسبب غير الحدوث ، وقبل البداية ، له امتناع بالغير ، أي يمتنع ، لكونه قبل صحّة بدايته. ومع توهّم عدم تلك البداية يمكن أن يكون له بداية أخرى قبلها ، ولا يلزم من ذلك صيرورته أزليّا ، مع أنّ الصحّة التي له لذاته أزليّة (ط ، م ، ٢٤٤ ، ٩)

ـ الحدوث : عبارة عن وجود الشيء بعد عدمه (ج ، ت ، ١١٦ ، ٤)

حدوث الأجسام

ـ في دلالة الأكوان على حدوث الأجسام ، إن المعتبر فيها بأن تكون حادثة لا يخلو الجسم منها. فمن أي جنس كانت ، أو على أي صفة كانت ، فدلالتها على حدوث الجسم تامّة (ق ، غ ١٥ ، ١٧٢ ، ١)

حدوث الأعراض

ـ أحد ما يذكر في حدوث الأعراض حاجتها في وجودها إلى محال محدثة حتى لا توجد من دونها ، فيجب أن يكون العرض بالحدوث أحقّ. وهذه الدلالة إنّما تصحّ متى أمكن العلم

بحدوث الجسم من غير طريقة إثبات الأعراض وحدوثها ، فإذا صحّ ذلك كان الكلام مستقيما : وإذا كان الكلام في الأعراض المدركة اختصّت في دلالة الحدوث بطريقة وهي : أنّه كان يجب أن ندركها قديمة على مثل ما تقدّم في الأجسام حيث منعنا من قدمها. وأحد ما يقال فيه ما قد ثبت من حاجتها في الوجود إلى محال. وقد صحّ أنّ الحال يخالف محلّه ، فلو كانت قديمة لكانت محالها بهذا الوصف أولى ، ولا يصحّ اختلاف القديمين (أ ، ت ، ٢٨٢ ، ٧)

حدوث الأكوان

ـ أحد ما يدلّ على حدوث الأكوان هو أنّها لو كانت قديمة لوجب في الصفات الصادرة عنها أن تكون واجبة فيما لم يزل ، والصفة متى وجبت استغنت بوجوبها عن العلّة (ق ، ش ، ١١٠ ، ١٨)

حدوث ذاتي

ـ الحدوث الذاتيّ : هو كون الشيء مفتقرا في وجوده إلى الغير (ج ، ت ، ١١٦ ، ٥)

حدوث على وجهين

ـ شيخنا أبو هاشم يقول : إنّ الشيء لا يراد إلّا على وجه الحدوث ، ولا يجوز حدوثه إلّا على وجه واحد ، لأنّه لو صحّ حدوثه على وجهين ، لصحّ أن يوجد في أحدهما ، ولا يوجد من الآخر ، فيكون معدوما من أحد الوجهين كما كان معدوما من كلا الوجهين قبل أن يحدث ؛ وهذا يوجب صحّة كون الشيء موجودا معدوما ؛ وهذا محال (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٧٥ ، ٧)

ـ الذي يذهب إليه شيخنا أبو علي رحمه‌الله من أنّه لا يمتنع أن يراد الشيء ويكره من وجهين أبين. وذلك أنّ الفعل قد يقع على وجه يقبح عليه ، وكان يجوز أن لا يقع على ذلك الوجه ، ولا يرجع في ذلك إلى حدوثه فقط لصحّة حدوثه ، ولا يكون قبيحا ، ولا يرجع بذلك إلى حدوثه ، وتناول الإرادة له ، لجواز حصول ذلك ، ولا يكون قبيحا. فثبت أنّ الوجه الذي لا يقبح وجه معقول سوى حدوثه ومقارنة الإرادة له (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٧٦ ، ٧)

حدوث الفعل

ـ إنّ الداعي لا تعلّق له بحدوث الفعل (ق ، غ ٨ ، ٥٥ ، ١٩)

ـ اعلم أنّ الذي يقتضيه كونه قادرا ، هو حدوث الفعل وخروجه من العدم إلى الوجود ، دون سائر أوصافه. يبيّن ذلك أنّ الطريق الذي به علمناه فاعلا محدثا ، به نعلم أنّ الذي يحصل الفعل عليه به هو حدوثه. لأنّه يجب حدوثه بحسب قصده ودواعيه ، دون سائر أوصافه. فيجب أن يكون الذي يتعلّق به ، هو كونه محدثا فقط (ق ، غ ٨ ، ٦٣ ، ٤)

حدوث القرآن

ـ قوله تعالى : (طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (طه : ١ ـ ٢ ـ ٣). يدلّ على حدوث القرآن ، من جهات : أحدها : أنّه وصفه بالتنزيل ، وذلك لا يصحّ إلّا في الحوادث. وثانيها : أنّه وصفه بأنّه تذكرة ، وذلك لا يصحّ إلّا فيما يفيد بالمواضعة ، ولا يصحّ ذلك إلّا فيما يحدث على وجه مخصوص ، ولو كان قديما لاستحال جميع ذلك فيه ، لأنّ ما لا مواضعة عليه لا يصحّ أن

يعلم به الفائدة المقصود إليها. وما هذا حاله لا يجوز أن يكون له معنى ، فيصير تذكرة لمن يخشى. وثالثها : أنّه تعالى بيّن أنّه أنزله عليه لهذا الغرض ، والقصد إنّما يؤثّر في الحوادث ، ومتى قالوا : إنّ المراد بذلك أنّه أنزل العبارة عنه فقد تركوا الظاهر وادّعوا أمرا مجهولا ، وسلّموا أنّ القرآن محدث ، وهو الذي نريده (ق ، م ٢ ، ٤٨٨ ، ٤)

ـ ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوله : " كان الله ولا شيء ، ثم خلق الذّكر". وقوله : " ما خلق الله عزوجل من سماء ولا أرض أعظم من آية الكرسي في البقرة" يدلّ على حدوث القرآن (ق ، غ ٧ ، ٩١ ، ١٢)

حدوث الكلام

ـ من أثبت الكلام قديما إن أثبته من جنس ما ذكرناه فلا دلالة أدلّ على حدوث شيء من الأشياء مما دلّ على حدوث الكلام ، لأنّه لا يتصوّر كلاما إلّا وهو حادث. ألا ترى أنّه لو كان موجودا من قبل لأدركه ، وفي الحالة الثانية لو نفي لأدركه ، فلا بدّ من تحدّد وجوده وتحدّد عدمه. فكيف يجوز والحال هذه أن يعتقد إنّه مثل لكلامنا وهو قديم؟ ومتى اعتقدوه مخالفا لهذه الحروف فهو خروج عن المعقول ، فمن أين إنّه كلام ، والكلام في صفة الشيء وفي حكمه فزع على الكلام في أصله؟ ويلزمهم على القولين جميعا تجويز ألوان قديمة إمّا مماثلة لهذه الألوان أو مخالفة. وكذلك الحال في الأجسام وغيرها وهذا يؤدّي بهم إلى ضروب الجهالات (ق ، ت ١ ، ٣٣١ ، ١)

ـ لا دليل على إثباته (الله) متكلّما من جهة الأفعال ، بل إنّما يعرف متكلّما بوقوع الكلام من جهته. ومعلوم أنّ مجرّد وقوع الكلام لا يدلّ على أنّه كلامه ، وأنّه تعالى هو المتكلّم به ، ما لم تكن هناك دلالة تقتضي ذلك. وقد بيّنا طريق العقل الدالّ على ذلك وطريق الشرع أيضا ، فبهذين الطريقين يعرف أنّه كلامه. وما دلّ من السمع على أنّ القرآن كلامه لم يفصل بين بعض القرآن وبين بعض ، وإنّما لم يجعل مجرّد الكلام دلالة على أنّه كلامه جلّ وعزّ لصحّة وقوعه من غيره كوقوعه منه ، فيفارق السواد وغيره ، مما يدلّ بنفسه على الله جلّ وعزّ لتعذّر وقوعه من غيره. والذي لا بدّ منه في حدوث الكلام من جهته جلّ وعزّ هو أن يكون هناك محلّ يوجد فيه الكلام ، وتفصيل الكلام في ذلك لا يعلم من جهة العقل بل أي محلّ كان ، فقد كفى في صحّة وجود كلامه فيه ، ومع وجود محلّ الكلام لا بدّ من منتفع ينتفع بما يسمعه من كلامه تعالى ، إما بأن يكون هو المراد والمخاطب والمتعبّد بما يتضمّنه أو يلزمه حفظه وأداؤه ، ففي أحد الأمرين تعتبر الصحّة وفي الثاني يعتبر الحسن (ق ، ت ١ ، ٣٣٧ ، ٩)

حدود

ـ إنّ الحدود نوعان : أحدهما حق لله عزوجل كحدّ الزنا وشرب الخمر. والثاني حق لآدمي كالقصاص وحدّ القذف (ب ، أ ، ١٩٧ ، ١٣)

حرام

ـ حقيقة الواجب ما يستحقّ بتركه العقاب والحرام ما يستحقّ بفعله العقاب (ب ، أ ، ٢٠٨ ، ١٥)

حرف

ـ الحرف كلمة معناها في غيرها ولا تدلّ بانفرادها على شيء (ب ، أ ، ٢١٤ ، ١٨)

حركات

ـ قال" الجبّائي" إنّ الحركات والسكون أكوان للجسم والجسم في حال خلق الله له ساكن (ش ، ق ، ٣٢٥ ، ١١)

ـ قال" هشام بن الحكم" : الحركات وسائر الأفعال من القيام والقعود والإرادة والكراهة والطاعة والمعصية وسائر ما يثبت المثبتون الأعراض أعراضا أنّها صفات الأجسام ، لا هي الأجسام ولا غيرها ، أنّها (؟) ليست بأجسام فيقع عليها التغاير (ش ، ق ، ٣٤٤ ، ٩)

ـ قال" إبراهيم النظّام" : حركات الإنسان وأفعاله كلها جنس واحد وأنّ الحركات هي الأكوان وأن الجنس الواحد لا يفعل شيئين متضادّين كما لا يكون بالنار تبريد وتسخين (ش ، ق ، ٣٥١ ، ١١)

ـ قال" أبو الهذيل" : الحركات والسكون غير الأكوان والمماسّات ، وحركة الجسم عن المكان الأول إلى الثاني تحدث فيه وهو في المكان الثاني في حال كونه فيها ، وهي انتقاله عن المكان الأول وخروجه عنه ، وسكون الجسم في المكان هو لبثه فيه زمانين ، فلا بدّ في الحركة عن المكان من مكانين وزمانين ، ولا بدّ للسكون من زمانين (ش ، ق ، ٣٥٥ ، ٣)

ـ إنّ الحركات على ثلاثة اقسام ، فمنها مختلف ومنها متضادّ ومنها متماثل. ولا يصحّ أن تتشابها بكونهما حركتين فقط ، بل يجب أن يراعى أمرهما في سدّ إحداهما مسدّ الأخرى أو بخلفه (؟) في سدّه مسدّه. وإنّ المتضادّين منها قد لا يصحّ اجتماعهما معا في حال. وإنّ المتماثلين من الألوان والحركات ضدّان ، وكذلك المختلفان (أ ، م ، ٢٤٥ ، ٩)

ـ ذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون إلّا أنّها قالت إنّ الحركات أجسام وهو قول هشام بن الحكم شيخ الإمامية وجهم بن صفوان السمرقندي (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ٢)

حركات أهل الخلدين

ـ إنّ حركات أهل الخلدين تنقطع ، وأنّهم يصيرون إلى سكون دائم خمودا. وتجتمع اللذّات في ذلك السكون لأهل الجنّة ، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار. وهذا قريب من مذهب جهم ، إذ حكم بفناء الجنّة والنار ، وإنّما التزم أبو الهذيل هذا المذهب لأنّه لمّا ألزم في مسألة حدوث العالم ؛ أنّ الحوادث التي لا أوّل لها كالحوادث التي لا آخر لها ، إذ كل واحدة لا تتناهى ؛ قال : إنّي لا أقول بحركات لا تتناهى آخرا ، كما لا أقول بحركات لا تتناهى أولا ، بل يصيرون إلى سكون دائم. وكأنّه ظنّ أنّ ما لزمه في الحركة لا يلزمه في السكون (ش ، م ١ ، ٥١ ، ٩)

حركات نقلية مكانية

ـ الحركات النقلية المكانية تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إمّا حركة ضروريّة أو اختياريّة. فالاختياريّة هي فعل النفوس الحيّة من الملائكة والإنس والجنّ وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات ، وكذلك السكون الاختياريّ ، والحركة الضرورية تنقسم قسمين لا ثالث لهما إمّا طبيعيّة وإمّا قسريّة. والاضطراريّة هي

الحركة الكائنة ممّن ظهرت منه عن غير قصد منه إليها ، وأمّا الطبيعيّة فهي حركة كل شيء غير حي مما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وحركة الأرض كذلك ، وحركة الهواء والنار إلى مواضعها ، وحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وحركة عروق الجسد النوابض ، والسكون الطبيعي هو سكون كل ما ذكرنا في عنصره. وأمّا القسريّة فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها كتحريك المرء قهرا وتحريكك الماء علوّا والحجر كذلك ، وكتحريك النار سفلا والهواء كذلك ، وكتصعيد الهواء والماء ، وكعكس الشمس لحرّ النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها (ح ، ف ٥ ، ٥٩ ، ٣)

حركة

ـ الشيء الواحد لا يخالف نفسه ولا يكون غيرها. فوجب بذلك أنّ الاختلاف والتغاير إنّما وقع بين شيئين هما سواه وهما السكون والحركة. فلذلك قلنا : إنّ الجسم إنّما يتحرّك بحلول الحركة فيه ويسكن لحلول السكون فيه. والقديم جلّ ذكره عالم بالأشياء على ما هي عليه من حقائقها لم يزل ولا يزال كذلك ، وإنّما اختلفت العبارة عن علمه بالأشياء قبل أن يوجدها وفي حال وجودها لاتصال العبارة عن علمه بالأشياء بالعبارة عن الأشياء المتغايرة المختلفة الأحوال ، فاختلفت لاختلاف ما اتصلت به (خ ، ن ، ٨٤ ، ٢١)

ـ قال" النظّام" : الأجسام كلّها متحرّكة ، والحركة حركتان : حركة اعتماد وحركة نقلة ، فهي كلها متحرّكة في الحقيقة وساكنة في اللغة ، والحركات هي الكون لا غير ذلك ، وقرأت في كتاب يضاف إليه إنّه قال : لا أدري ما السكون إلا أن يكون يعني كان الشيء في المكان وقتين أي تحرّك فيه وقتين ، وزعم أنّ الأجسام في حال خلق الله سبحانه [لها] متحرّكة حركة اعتماد (ش ، ق ، ٣٢٤ ، ١٢)

ـ قال" أبو الهذيل" : الأجسام قد تتحرك في الحقيقة وتسكن في الحقيقة والحركة والسكون هما غير الكون ، والجسم في حال خلق الله سبحانه له لا ساكن ولا متحرّك (ش ، ق ، ٣٢٥ ، ٩)

ـ قال قائلون : معنى الحركة معنى الكون ، والحركات كلها اعتمادات ومنها انتقال ومنها ما ليس بانتقال ، والقائل بهذا القول" النظّام" ، وزعم أنّ الجسم إذا تحرّك من مكان إلى مكان فالحركة تحدث في الأول وهي اعتماداته التي توجب الكون في الثاني ، وأنّ الكون في الثاني هو حركة الجسم في الثاني (ش ، ق ، ٣٥٤ ، ١)

ـ قال" عبّاد" : الحركات والسكون مماسّات ، وزعم أنّ معنى حركة معنى زوال (ش ، ق ، ٣٥٥ ، ٨)

ـ كان" الجبّائي" يزعم أنّ الحركة والسكون أكوان ، وأنّ معنى الحركة معنى الزوال ، فلا حركة إلّا وهي زوال ، وأنّه ليس معنى الحركة معنى الانتقال ، وأنّ الحركة المعدومة تسمّى زوالا قبل كونها ، ولا تسمّى انتقالا (ش ، ق ، ٣٥٥ ، ١٢)

ـ الحركة والسكون هما اسما البقاء ، فمحال وجودهما في أوّل أحوال الجسم لإحالة البقاء ؛ إذ السكون هو القرار حيث الوجود ، والحركة

الانتقال عنه ، والقدرة ليست إلّا للفعل ، ولو جاز وجودها ولا فعل وقتا واحدا لجاز أوقاتا ؛ إذ هي له ، والجسم ليس للحركة ولا للسكون ، وهما معنيان لا يقتضيان الحال. ألا يرى لأوقات البقاء لا يخلو عنهما ، ثم القدرة لا تبقى ، فيجب أن لا يخلو منه عند الوجود (م ، ح ، ٢٧٨ ، ١٩)

ـ الحركة والسكون والاستتار والظهور من صفات الأجسام دون الأعراض (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٨)

ـ إنّ الحركة تقتضي مكانين ، ولا يصحّ أن يتحرّك المتحرّك لا في مكان ولا أن يسكن لا في مكان (أ ، م ، ٢٤٤ ، ٤)

ـ إنّ الحركة والنقلة والزوال والخروج عن المكان والظعن والارتحال عنه كل ذلك بمعنى واحد ، وإنّ كل متحرّك منتقل وكل منتقل متحرّك ، وإنّ قولهم" تحرّك السعر والبرد" مجاز لأنّ ذلك ليس ممّا ينتقل في الأماكن (أ ، م ، ٢٤٤ ، ١٣)

ـ إنّ حركة الجسم تدلّ على حدثه ، لأنّها تقتضي نهاية له والمتناهي في ذاته لا يكون إلّا محدثا. وكان (الأشعري) يحيل قول من يقول إنّ الحركة في القدم حركة ، ويقول إنّها لا تكون حركة إلّا إذا حدثت كما لا يكون الجوهر جوهرا إلّا إذا حدث (أ ، م ، ٢٤٤ ، ٢٠)

ـ قولنا : كون وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه كونا مطلقا إذا وجد ابتداء لا بعد غيره ، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن نسمّيه سكونا إذا بقي. وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى به الجوهر في جهة واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو أوجب كون الجسم كائنا في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه مجاورة مقارنة وقربا إذا كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما. وتارة نسمّي بعضه مفارقة ومباعدة وافتراقا إذا وجد على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت ١ ، ٣٣ ، ١٠)

ـ إنّ الجوهر لا يوجد إلا وهو متحيّز ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ثم لا يكون كائنا في جهة إلّا بكون. ثم إنّ ذلك الكون إن بقي وقتين سمّي سكونا ، وإن طرأ عليه ضدّ فنفاه وانتقل به الجوهر إلى جهة ثانية فهذا الثاني يكون حركة ، ويكون الأوّل من جنسها أيضا ، لأنّه يجوز أن يقدّر فيه معنى الحركة بأن يقدّم الله تعالى خلق الجوهر على تلك الجهة في أقرب المحاذيات إليها ؛ فإن انضمّ إلى ذلك الجوهر جوهر آخر كان ما فيهما من الأكوان مجاورة ، لأنّ المجاورة عبارة عن كون الجوهرين على سبيل القرب (ن ، د ، ٧٦ ، ٥)

ـ الحركة عبارة عن كون واقع عقيب ضدّه (ن ، د ، ١٣١ ، ٩)

ـ أمّا الشيخ أبو علي ، حيث ذهب إلى القول بأنّ الكون من جنس السكون ، والسكون من قبيل الأكوان ، وأنّ الحركة جنس برأسه (ن ، د ، ١٣٢ ، ٢)

ـ إنّ الحركة تولّد السكون والسكون لا يولّد ؛ فلا شبهة في أنّ ما لا يولّد يكون مخالفا لما يولّد. والحركة لا تبقى والسكون يبقى ، فما يبقى لا شبهة في أن يكون ما لا يبقى مخالفا لما يبقى (ن ، د ، ١٣٢ ، ٥)

ـ إنّ الحركة لو كانت مولّدة لحركة لكان قد ولّد

الشيء ضدّه ، والشيء لا يجوز أن يولّد ضدّه ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن يكون في نفسه على صفة تقتضي لما هو عليه إيجاد ضدّه ولما هو عليه انتفاء ضدّه. وهذا باطل ، لأنّه يؤدّي إلى حصول الذات على صفتين ضدّين للنفس (ن ، د ، ١٤٢ ، ١٤)

ـ إنّ الحركة لا جهة لها ، فلا يجوز أن يكون توليدها إلّا في محلّها (ن ، م ، ١٥٦ ، ٢٢)

ـ قولنا حركة ، أنّها حادثة عقبت ضدّها ، فإذا بقيت ، فقد خرجت من أن تستحقّ هذا الاسم (ن ، م ، ١٨٠ ، ٥)

ـ إنّ الحركة لا تحتاج في وجودها إلى وجود المكان ، والجسم لا يحتاج في احتماله للحركة إلى وجود المكان ، وإذا كان كذلك ، صحّ أن توجد ولا مكان (ن ، م ، ١٩٠ ، ١٥)

ـ يجوز عندنا أن يحرّك الله تعالى جسما ثقيلا ، من دون جسم آخر ، يدفعه به ، أو يجذبه به. وقال أبو القاسم في عيون المسائل لا يجوز ذلك ، ولا يجوز عنده أن يفعل الله الحركة مخترعة ، من غير أن تكون متولّدة عن سبب. وكان بعض المتأخرين من أصحابنا يذهب إلى أنّ الجسم لا يخلو من الاعتماد ، وأنّ الحركة لا توجد إلّا متولّدة (ن ، م ، ١٩٦ ، ١٥)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ الحركة تولّد حركة أخرى وكذلك تولّد السكون. وذهب إلى أنّ السكون يجوز أن يولّد السكون (ن ، م ، ٢٠٥ ، ٣)

ـ عند شيخنا أبي هاشم لا يجوز أن تتولّد الحركة إلّا عن الاعتماد. وكذلك السكون لا يتولّد إلّا عن الاعتماد. ويقول بأنّ الاعتماد يولّد الحركة مما في محله. وفي غير محلّه. ولا يولّد السكون في محله. وإنّما يولّده في غير محلّه. إذا كان ممنوعا من توليد الحركة فيه (ن ، م ، ٢٠٥ ، ٥)

ـ كان أبو علي يقول : إنّ الحركة من فعلنا تولّد الحركة وتولّد السكون ، ولم يجوّز أن يولّد السكون السكون (ن ، م ، ٢٠٥ ، ٧)

ـ ذهب القلانسي من أصحابنا إلى أنّ السكون كونان متواليان في مكان واحد. والحركة كونان متواليان أحدهما في المكان الأوّل والثاني في المكان الثاني (ب ، أ ، ٤٠ ، ١٥)

ـ إنّ الحركة نقلة من مكان إلى مكان (ح ، ف ١ ، ٤٣ ، ٢٢)

ـ ذهبت طائفة إلى أنّ لا حركة في العالم ، وأنّ كل ذلك سكون ، واحتجّوا بأن قالوا وجدنا الشيء ساكنا في المكان الأول ساكنا في المكان الثاني ، وهكذا أبدا فعلمنا أنّ كل ذلك سكون ، وهذا قول منسوب إلى معمّر بن عمرو والعطار مولى بني سليم أحد رؤساء المعتزلة (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ١٨)

ـ ذهبت طائفة إلى إبطال الحركة والسكون معا وقالوا ، إنّما يوجد متحرّك وساكن فقط وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٢٤)

ـ ذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون وأنّ كل ذلك أعراض ، وهذا هو الحق (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ٤)

ـ إنّ الحركة معنى وإنّ السكون معنى آخر (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ١٣)

ـ إنّ الحركة في اللغة وهي التي يتكلّم عليها إنّما هي نقلة من مكان إلى مكان ، والعدم ليس مكانا ، ولم يكن المخلوق شيئا قبل أن يخلقه الله تعالى ، فحال خلقه هي أوّل أحواله التي لم يكن هو قبلها (ح ، ف ٥ ، ٥٧ ، ١٩)

ـ الكون هو ما يوجب كون الجوهر كائنا في جهة ، والأسامي تختلف عليه وإن كان الكل من هذا النوع ، فمتى حصل عقيب ضدّه فهو حركة ، وإذا بقي به الجوهر كائنا في جهة أزيد من وقت واحد أو وجد عقيب مثله فهو سكون. ومتى كان مبتدأ لم يتقدّمه غيره فهو كون فقط ، وهو الموجود في الجوهر حال حدوثه. فإن حصل بقرب هذا الجوهر جوهر آخر سمّي ما فيهما مجاورة. ومتى كان على بعد منه سمّي ما فيهما مفارقة ومباعدة. وقد نعلم هذا المعنى ضرورة على الجملة وإن كان مما لا يدرك. وهو ما نتصرّف فيه من قيام وقعود وغيرهما ، لأنّا نعلم قبح الظلم من أنفسنا ضرورة (أ ، ت ، ٤٣٢ ، ٤)

ـ قوله (النظّام) إنّ أفعال العباد كلها حركات فحسب. والسكون حركة اعتماد. والعلوم والإرادات حركات النفس. ولم يرد بهذه الحركة حركة النقلة وإنّما الحركة عنده مبدأ تغيّر ما ، كما قالت الفلاسفة من إثبات حركات في الكيف ، والكم ، والوضع ، والأين والمتى ... إلى أخواتها (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٦)

ـ الحركة عبارة عن حصول الجوهر في حيّز بعد أن كان في حيّز آخر. والسكون عبارة عن حصوله في الحيّز الواحد أكثر من زمان واحد ، فعلى هذا حصوله في الحيّز حال حدوثه لا يكون حركة ولا سكونا ، وقيل هو سكون ، وهو إنّما يصحّ إذا قلنا الحركة عين السكونات ، والبحث لفظيّ (ف ، م ، ٧٦ ، ١٤)

ـ إنّ الحركة والسكون نوع واحد ، لأنّ المرجع بهما إلى الحصول في الحيّز ، إلّا أنّ الحصول إن كان مسبوقا بالحصول في حيّز آخر كان حركة ، وإن كان مسبوقا بالحصول في نفس ذلك الحيّز كان سكونا ، إذا كان كل واحد منهما من نوع واحد وثبت كون أحدهما ثبوتيّا لزم أن يكون الآخر كذلك ، وبهذا الطريق ثبت أنّ حصول الجوهر في الحيّز حال حدوثه أمر ثبوتي (ف ، م ، ٧٦ ، ٢٨)

ـ الأعراض النسبيّة وهي أنواع. الأول : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ حصول الأول في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأول هو السكون ، وحصول الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في حيّزين لا يتخلّلهما ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف ، أ ، ٢٦ ، ٢١)

ـ إنّ ماهيّة الحركة الانتقال من حالة إلى حالة ، وهذه الماهيّة تقتضي كونها مسبوقة بالغير ، والأزل عبارة عن نفي المسبوقيّة بالغير والجمع بينهما محال (ف ، أ ، ٣١ ، ٩)

ـ وجود الحركة لا يمكن إلّا في زمان وكذلك وجود السكون (ط ، م ، ٣٨ ، ١٣)

ـ ما ليس بزمان لا يكون فيه حركة ، لأنّ كلّ حركة في زمان (ط ، م ، ١٨٥ ، ١٢)

ـ الحركة منها حاضر ، لأنّ الماضي ما كان حاضرا والمستقبل ما يكون ، ولا ينقسم وإلّا فليس بحاضر ، فهي مركّبة منه فكذا المسافة والزمان (خ ، ل ، ٧٦ ، ٨)

حركة الاختيار

ـ إنّ الحركة قسمان حركة اضطرار وحركة اختيار ، فحركة الاضطرار هي حركة كل جسم غير النفس هذا ما لا يشكّ فيه ، فبقيت حركة الاختيار وهي موجودة يقينا ، وليس في

العالم شيء متحرّك بها حاشا النفس فقط ، فصحّ أنّ النفس هي المتحرّكة بها ، فصحّ ضرورة أنّ للنفس حركة اختياريّة معلومة بلا شكّ ، وإذ لا شكّ في أنّ كل متحرّك فهو جسم وقد صحّ أنّ النفس متحرّكة فالنفس جسم ، فهذا هو البرهان الضروري التام الصحيح (ح ، ف ٥ ، ٨٦ ، ١٥)

حركة اختيارية

ـ الحركات النقليّة المكانيّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إمّا حركة ضروريّة أو اختياريّة. فالاختياريّة هي فعل النفوس الحيّة من الملائكة والإنس والجنّ وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات ، وكذلك السكون الاختياريّ ، والحركة الضروريّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما إمّا طبيعيّة وإمّا قسريّة. والاضطراريّة هي الحركة الكائنة ممّن ظهرت منه عن غير قصد منه إليها ، وأمّا الطبيعية فهي حركة كل شيء غير حي مما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وحركة الأرض كذلك ، وحركة الهواء والنار إلى مواضعها ، وحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وحركة عروق الجسد النوابض والسكون الطبيعيّ هو سكون كل ما ذكرنا في عنصره. وأمّا القسريّة فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها كتحريك المرء قهرا وتحريكك الماء علوّا والحجر كذلك ، وكتحريك النار سفلا والهواء كذلك ، وكتصعيد الهواء والماء ، وكعكس الشمس لحرّ النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها (ح ، ف ٥ ، ٥٩ ، ٤)

حركة إرادية

ـ الحركة الإرادية : ما لا يكون مبدؤها بسبب أمر خارج مقارنا بشعور وإرادة ، كالحركة الصادرة من الحيوان بإرادته (ج ، ت ، ١١٨ ، ١٢)

حركة الاضطرار

ـ إنّ حركة الاضطرار تدلّ على أنّ الله تعالى هو الفاعل لها على حقيقتها ، ولا تدل على أنّ المتحرّك بها في الحقيقة هو الله تعالى إذا كانت حركة ، كما كان هو الفاعل لها في الحقيقة ، ولا يجب أن يكون المتحرّك المضطرّ إليها فاعلا لها على حقيقتها إذا كان متحرّكا بها على الحقيقة ، إذ كان معنى المتحرّك أنّ الحركة حلّته ولم يكن جائزا على ربنا تعالى (ش ، ل ، ٣٩ ، ٢١)

ـ إنّ الحركة قسمان حركة اضطرار وحركة اختيار ، فحركة الاضطرار هي حركة كل جسم غير النفس هذا ما لا يشكّ فيه ، فبقيت حركة الاختيار وهي موجودة يقينا ، وليس في العالم شيء متحرّك بها حاشا النفس فقط ، فصحّ أنّ النفس هي المتحرّكة بها ، فصحّ ضرورة أنّ للنفس حركة اختياريّة معلومة بلا شكّ ، وإذ لا شكّ في أنّ كل متحرّك فهو جسم وقد صحّ أنّ النفس متحرّكة فالنفس جسم ، فهذا هو البرهان الضروري التام الصحيح (ح ، ف ٥ ، ٨٦ ، ١٤)

حركة اعتماد

ـ قال" النظّام" : الأجسام كلّها متحرّكة ، والحركة حركتان : حركة اعتماد وحركة نقلة ، فهي كلها متحرّكة في الحقيقة وساكنة في اللغة ، والحركات هي الكون لا غير ذلك ، وقرأت في

كتاب يضاف إليه إنّه قال : لا أدري ما السكون إلا أن يكون يعني كان الشيء في المكان وقتين أي تحرّك فيه وقتين ، وزعم أنّ الأجسام في حال خلق الله سبحانه [لها] متحرّكة حركة اعتماد (ش ، ق ، ٣٢٥ ، ٢)

ـ ذهبت طائفة إلى أنّه لا سكون أصلا وإنّما هي حركة اعتماد ، وهذا قول ينسب إلى إبراهيم ابن سيّار النظّام ، واحتجّ غير النظام من أهل هذه المقالة بأن قالوا السكون إنّما هو عدم الحركة ، والعدم ليس شيئا ، وقال بعضهم هو ترك الحركة ، وترك الفعل ليس فعلا ولا هو معنى (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٢١)

حركة الاكتساب

ـ إنّ الدليل على خلق الله تعالى حركة الاضطرار قائم في خلقه حركة الاكتساب ، وذلك أنّ حركة الاضطرار إن كان الذي يدلّ على أنّ الله تعالى خلقها حدوثها ، فكذلك القصة في حركة الاكتساب. وإن كان الذي يدلّ على خلقها حاجتها إلى مكان وزمان فكذلك قصة حركة الاكتساب. فلمّا كان كل دليل يستدل به على أنّ حركة الاضطرار مخلوقة لله تعالى ، يجب به القضاء على أنّ حركة الاكتساب مخلوقة لله تعالى ، وجب خلق حركة الاكتساب بمثل ما وجب خلق حركة الاضطرار (ش ، ل ، ٤١ ، ٤)

حركة ضرورية

ـ الحركات النقليّة المكانيّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إمّا حركة ضروريّة أو اختياريّة. فالاختياريّة هي فعل النفوس الحيّة من الملائكة والإنس والجنّ وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات ، وكذلك السكون الاختياريّ والحركة الضروريّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما إمّا طبيعيّة وإمّا قسريّة ، والاضطراريّة هي الحركة الكائنة ممّن ظهرت منه عن غير قصد منه إليها ، وأمّا الطبيعية فهي حركة كل شيء غير حي مما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وحركة الأرض كذلك ، وحركة الهواء والنار إلى مواضعها ، وحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وحركة عروق الجسد النوابض ، والسكون الطبيعيّ هو سكون كل ما ذكرنا في عنصره. وأمّا القسريّة فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها كتحريك المرء قهرا وتحريكك الماء علوّا والحجر كذلك ، وكتحريك النار سفلا والهواء كذلك ، وكتصعيد الهواء والماء ، وكعكس الشمس لحرّ النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها (ح ، ف ٥ ، ٥٩ ، ٦)

حركة طبيعية

ـ الحركة الطبيعية : ما لا يحصل بسبب أمر خارج ، ولا يكون مع شعور وإرادة كحركة الحجر إلى أسفل (ج ، ت ، ١١٨ ، ١٤)

حركة المفلوج

ـ زعم المعتزلة في حركة المفلوج أنّها لله خلقا وللعبد حركة ، وهي شيء لنفسها ؛ إذ الشيئية عندهم في المعدوم ، وهي دلالة حدث الجسم ، وفي الكفر حجة الله على العبد في التعذيب ودلالة سفهه في التحقيق (م ، ح ، ٢٣٨ ، ١٤)

حروف

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : وزعم قاسم الدمشقيّ أنّ حروف الصدق هي حروف الكذب بأعيانها لا على المثل والنظير ، وأنّ الحروف التي في قول" لا إله إلا الله" هي الحروف التي في قول الكافر" لا إله إلا المسيح" بأعيانها ، وأنّ الحروف التي كان النبي صلى الله عليه يقولها في كلامه هي الحروف التي كان يؤلفها الكافر في تكذيبه ، وأنّ الحروف التي في القرآن هي الحروف التي في الكذب والسفه. يقال كلّه : إنّك قد حرّفت الحكاية على أصحاب هذا القول ، وذاك أنّهم ليس يقولون : إنّ الصدق هو الحروف ، ولا إنّ الكذب أيضا هو الحروف ، لأنّ الحروف عندهم الله خالقها ، وإنّما للناس تأليف بعض الحروف إلى بعض ، فما كان للناس من ذلك فيه يقع الصدق والكذب والمدح والذم ، وهي غير الحروف التي فعلها الله ، والصدق من ذلك غير الكذب والمدح غير الذم والصواب غير الخطأ. وليس عندنا عن قاسم الدمشقيّ أنّه كان يقول بهذا القول ولا نأمن كذب هذا الماجن عليه (خ ، ن ، ٦٥ ، ٥)

ـ الحروف أنفس الأصوات ، فلا معنى لتكرّرها ، والحدود يتوقى فيها التكرير الذي لا يفيد (ج ، ش ، ١٠٨ ، ٣)

ـ أمّا الحروف ؛ فهي حادثة ، وهي دلالات على الكلام ، والدليل غير المدلول ولا يتّصف بصفة المدلول ، وإن كانت دلالته ذاتيّة ، كالعالم فإنّه حادث ، ويدلّ على صانع قديم. فمن أين يبعد أن تدلّ حروف حادثة على صفة قديمة مع أنّ هذه دلالة بالاصطلاح (غ ، ق ، ١٢٠ ، ١٤)

حس

ـ ذكر (الأشعري) في كثير من كتبه أيضا أنّ الحسّ هو العلم بالمحسوس (أ ، م ، ١١ ، ١٣)

ـ أمّا الحسّ ، فإنّما نعبّر به عن أوّل العلم بالمدركات ، عند شيخنا أبي علي ، رحمه‌الله. ولذلك يقال : حسست بالحمى ؛ ولا يقال : حسست بأنّ الله واحد. وإن كان شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، يختار في ذلك أن يعبّر به عن إدراك الشيء بآلة ؛ ولذلك لا يوصف تعالى بأنّه يحسّ ، وإن كان يوصف بأن يدرك (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ١٥)

ـ إنّ حكم الحسّ قد يكون باطلا وقد يكون حقّا ، وإذا كان كذلك لم يجز الاعتماد على حكمه إذ لا شهادة لمتهم بل لا بدّ من حاكم آخر فوقه ليميّز خطأه عن صوابه ، على هذا التقدير لا يكون الحسّ هو الحاكم الأوّل ، وهو المطلوب (ف ، م ، ٢٩ ، ١٣)

ـ الحسّ إدراك بآلة فقط (ط ، م ، ١٢ ، ١٥)

ـ ليس من شأن الحسّ التأليف الحكميّ ، لأنّه إدراك بآلة فقط ، فلا شيء من الأحكام بمحسوس أصلا (ط ، م ، ١٢ ، ١٨)

حساب

ـ أمّا معنى الحساب فإنّه في القرآن على وجوه ، منها الجزاء ، كما قال تعالى (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ) (الغاشية : ٢٦) أي جزاءهم. وقد يكون بمعنى الكفاء ، كما قال سبحانه (عَطاءً حِساباً) (النبأ : ٣٦) أي كفاء لعمله. وقد يكون بمعنى تعريفه أعماله وما قدّر عليها من الجزاء من ثواب وعقاب. فأمّا القول في حساب الكفّار فلم نجد عنه في ذلك نصّا. ويحتمل أن يكون ذلك في حدّ الجواز ، فإن كان فيكون

تقدير معناه تعريف الكفّار أعمالهم ومقاديرها وتعريفهم ما أعدّ عليها من العقاب ، فيكون ذلك التذكير والتنبيه لهم على ما سلف من كفرهم وأعدّ من عقابهم زيادة في العقوبة والعذاب ، لا أنّه كان يقول إنّ للكافر طاعة يحاسب عليها بل كان ينكر أن يكون للكافر أو في الكافر إيمان ، أو يكون له طاعة بوجه من الوجوه (أ ، م ، ١٧٣ ، ٤)

حسن

ـ الحسن ما وافق الأمر من الفعل ، والقبيح ما وافق النهي من الفعل ، وليس الحسن حسنا من قبل الصورة ، ولا القبيح قبيحا من قبل الصورة (ب ، ن ، ٤٩ ، ١)

ـ جميع قواعد الشرع تدلّ على أنّ الحسن : ما حسّنه الشرع وجوّزه وسوّغه (ب ، ن ، ٥٠ ، ٣)

ـ الجملة أنّ الأمر منّا ، والنهي منّا ، والفعل منّا ، والإرادة منّا إنّما توصف تارة بكونها حسنة ، وتارة بكونها قبيحة ، إنّما ذلك لمعنى ، وهو أنّ كل ما كان منا مخالفا لأمر الرب تعالى فهو قبيح ، وإن كانت صورته حسنة من حيث الحس والنظر والسمع ، ونحو ذلك ؛ وأنّ كل ما كان منّا حسنا إنّما كان ذلك لأنّه موافق لأمر الرب تعالى ، لا من حيث الصورة والحسن (ب ، ن ، ١٦٨ ، ١٥)

ـ على حسب ما ذكرناه من أصله في معنى القبيح منّا يساق الكلام في معنى الحسن ، وهو أنّه يجري وصفنا لكسبنا بأنّه حسن منّا مجرى وصفنا له بأنّه مأمور لله تعالى به. فلا يصحّ على ذلك أن يقال إنّه حسن بأن جعله حسنا ، بل لا يصحّ أن يقال إنّه حسن بجاعل جعله حسنا ، كما لا يجوز أن يقال إنّه مأمور به بجاعل جعله مأمورا به ، لأنّ تحقيق ذلك يرجع إلى جعل الأمر به ، والأمر به ليس بمجعول أصلا (أ ، م ، ٩٥ ، ٦)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ وصفنا لبعض الأكساب بأنّه قبيح منّا ولبعضها بأنّه حسن منّا إنّما يستحقّ ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه. وكذلك يجري مجراه في وصفنا له بأنّه طاعة ومعصية في باب أنّه إنّما يجري عليه ذلك لأجل الأمر والنهي (أ ، م ، ٩٦ ، ٢٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ سبيل القبيح والحسن في الشاهد سبيل واحد في أنّه إنّما يجتنب القبيح لما فيه من النقص والضرر الراجع إلى فاعله ، ويختار الفعل الحسن والحكمة لما فيه من النفع والجمال العائد إلى فاعله. فلا وجه فيما يفعل له الفعل في الشاهد أو يترك إلّا ذلك أو نحوه. فإن وجب أن لا يكون فاعلا لما هو من غيره قبيح لأنّ القبيح لا يؤثّر فعله إلّا محتاج أو جاهل بقبحه ، وجب أن لا يكون فاعلا للحسن لأنّه لا يؤثّره إلّا منتفع به متزيّن. وأراهم أنّه يتعذّر عليهم أن يروه حكيما في الشاهد يؤثّر فعل الحكمة مع خلوّه من هذه الأسباب (أ ، م ، ١٤١ ، ٢٣)

ـ إنّ الحسن لا ينفكّ عن الوجوب في الواجبات الشرعيّة ، ولهذا إنّ الصلاة قبل الوقت كما لا تجب لا تحسن ، وكذلك صوم شهر رمضان قبل دخول الشهر كما لا يحسن لا يجب ، وكذلك الحج عند فقد الاستطاعة كما لا يجب لا يحسن ، فلا فرق بين أن يذكر بلفظ الحسن ، وبين أن يذكر بلفظ الوجوب إذا كان الحال ما ذكرناه (ق ، ش ، ٧٦ ، ٨)

ـ إنّ فعل العالم بما يفعله المميّز بينه وبين غيره

إذا لم يكن ملجأ لا يخلو من أمرين : إمّا أن يكون له فعله ، أو لا. فإن كان له فعله فهو الحسن ، وهو ما لفاعله أن يفعله ولا يستحقّ عليه ذمّا. وإن لم يكن له فعله ، فهو القبيح (ق ، ش ، ٣٢٦ ، ١٧)

ـ إنّ الحسن ينقسم قسمين : فإمّا أن تكون له صفة زائدة على حسنه ، وإمّا أن لا يكون كذلك. فالأوّل هو الذي يستحقّ عليه المدح ، والثاني هو الذي لا يستحقّ بفعله المدح ويسمّى مباحا ، وحدّه : ما عرف فاعله حسنه أو دلّ عليه ، ولهذا لا توصف أفعال القديم تعالى بالمباح ، وإن وجد فيها ما صورته صورة المباح كالعقاب. وأما ما يستحقّ عليه المدح فعلى قسمين : إما أن يستحقّ بفعله المدح ولا يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل ، وذلك كالنوافل وغيرها ؛ وإما أن يستحقّ المدح بفعله والذمّ بأن لا يفعل ، وذلك كالواجبات (ق ، ش ، ٣٢٦ ، ١٩)

ـ أمّا أفعال العباد فعلى ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، والآخر ليس له صفة زائدة على ذلك ، وما هذا سبيله فإنّه تعالى لا يريده ولا يكرهه. وما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه فعلى ضربين : أحدهما قبيح والآخر حسن ، فما كان قبيحا فإنّه لا يريده البتّة بل يكرهه ويسخطه. وما كان حسنا فهو على ضربين : أحدهما له صفة زائدة على حسنه ، والآخر ليس له صفة زائدة على حسنه. وهذا الثاني إنّما هو المباح ، والله تعالى لا يجوز أن يكون مريدا له على ما سنبيّنه من بعد إن شاء الله تعالى. وأمّا الأول ، وهو ما يكون له صفة زائدة على حسنه فهو الواجب والمندوب إليه ، وكل ذلك مما يريده الله تعالى ، بدليل أنّ غاية ما يعلم به مراد الغير إنّما هو الأمر ، وقد صدر من جهة الله الأمر وما يكون أكبر من الأمر ، لأنّه تعالى كما أمر بذلك فقد رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم ، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعّد عليه بالعقاب العظيم ، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله (ق ، ش ، ٤٥٧ ، ٦)

ـ اختلف في أنّ الحسن هل يحسن لوجه أم لا. فالذي قاله" الشيخان" إنّه يحسن لوجه ويكون ذلك الوجه عندهم هو كونه نفعا مفعولا بالنفس أو نفعا مفعولا بالغير إذا دفع ضرر عن الغير ، أو كونه مستحقّا أو كون الكلام صدقا أو أمرا بالحسن ونهيا عن القبيح أو إرادة للحسن أو كراهة للقبيح أو إسقاطا لحقّ إلى ما شاكل ذلك. ويكون عندهم أنّ ما اقتضى أن يكون الواجب والقبيح يثبت لهما وجه يقتضي مثله في الحسن ، ثم قالا : فإذا اجتمع وجه الحسن ووجه القبح كان الحكم لوجه القبح ، والغلبة له على مثل ما يقوله بعض" الفقهاء" إنّ الحظر والإباحة إذا اجتمعا فالحكم للحظر دونها. والذي اختاره الشيخ" أبو عبد الله" رحمه‌الله أنّه لا وجه له لأجله يحسن. وإنّما يرجع به إلى ما حصل فيه غرض وزالت عنه وجوه القبح ، وإليه كان يميل" قاضي القضاة". وإن كان قد ضجع القول فيه في الكتاب فإنّه قال : يمكن أن يكون له وجه ويكون مشروطا بزوال وجوه القبح عنه ، كما يشرط استحقاق الذمّ والمدح بشروط ترجع إلى الفاعل نفيا وإثباتا. فيكون تأثير هذا الوجه بخلاف تأثير العلل التي لا يقف الإيجاب على شروط فيها لمّا لم تكن هذه الوجوه عللا في الحقيقة (ق ، ت ١ ، ٢٣٩ ، ٣)

ـ إنّ القبيح على كل حالاته يقبح ولوقوعه على

وجه ، ولكن ذلك الوجه من حيث قد يتبع صفة يؤثّر فيها القادر ، وما هو عليه من الأحوال قد يضاف إلى الفاعل ، كما يقال في كونه كذبا لمّا كان يؤثّر فيه كونه خبرا كونه مريدا. ونحو هذا في الحسن الذي هو الصدق وما شاكله. فلمّا كان لا يحصل كونه كذبا ولا صدقا إلّا وكونه خبرا حاصل ، وكان الذي يؤثّر في كونه كذلك هو حال القادر ، أمكن أن يقال فيما حلّ هذا المحل أنه قبح به. فأمّا ما كان قبحه لازما له ويكون لوجه يختصّه كالجهل وما أشبهه فلن يضاف إلى الفاعل (ق ، ت ١ ، ٣٧٠ ، ١٨)

ـ إذ الحسن يتردّد بين أمرين ، فإمّا أن لا يكون له وجه يقتضي حسنه وإنما يرجع به إلى حصول غرض فيه وزوال وجه القبح عنه ، وإمّا أن يثبت للحسن وجه فلا يصحّ حصوله إلّا ووجوه القبح مرتفعة لأنّ اجتماعهما لا يصحّ (ق ، ت ٢ ، ١٧٦ ، ٢)

ـ قد علم أنّ القبيح من حقّه أن يستحقّ بفعله الذمّ ، والحسن لا يستحقّ به ذلك ، فلا بدّ من أن يحصل لهما حكم زائد على الوجود ، لأنّه لو لم يحصل لهما ذلك ، لم يكن أحدهما بأن يكون حسنا أولى من صاحبه ، ولا الآخر بأن يكون قبيحا أولى منه ، لأنّ الوجود قد حصل لهما جميعا على سواء. وإن قبح القبيح منهما لوجوده فقط ، فيجب قبح كلّ فعل ، وإن حسن الحسن لوجوده فقط ، فكمثل. وذلك يوجب كون الفعل حسنا قبيحا ؛ وهذا معلوم فساده بأوّل العقل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٩ ، ٤)

ـ كذلك القول في الحسن ، لأنّه إنّما يحسن لوجه معقول يحصل عليه ، متى انتفت وجوه القبح عنه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١١ ، ١)

ـ اعلم أنّ ما ذكرناه من أنّ فعل الساهي ليس بحسن ولا قبيح ، هو قول شيخينا أبي علي وأبي هاشم ، رحمهما‌الله ؛ ولم يفصلا بين بعض فعله وبين باقيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١١ ، ١٥)

ـ ما كان من فعله نفعا محضا ، فيجب كونه حسنا ؛ لأنّ ما هذه حاله يحسن لهذا الوجه ، إذا وقع من العالم ، لا لأنّه مقصود إليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ٣)

ـ اعلم أنّه لمّا علم باضطرار أنّ في الأفعال ما يقع على وجه لا يستحقّ فاعله بفعله إذا علمه عليه الذمّ على وجه ، وصف بأنّه حسن ، ليفاد فيه هذه الفائدة ، وذلك كالإحسان إلى الغير والتنفّس في الهواء ؛ لأنّ العلم بأنّ فاعل ذلك لا يستحقّ الذمّ ضروريّ (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣١ ، ٥)

ـ قد يوصف الحسن بأنّه حلال ، يراد به أنّه مباح (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٢ ، ٣)

ـ قد يوصف الحسن بأنّه حقّ ، إذا كان واقعا من العالم (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٢ ، ٨)

ـ وصف الحسن بأنّه صواب ، صحيح ، وإن كان قد يفاد به أنّه وقع على الوجه الذي أراده ، وإن كان قبيحا ؛ كما يقال في الرامي إنّه أصاب الهدف. وقد قال شيخنا أبو علي رحمه‌الله : إنّ الحسن إنّما وصف بأنّه صواب ، لأنّه خرج بقصد فاعله عن حدّ الخطأ. قال : ولذلك لا يقال في فعل الساهي أنّه صواب. ولا يبعد أن يقال إنّ الحسن إنّما وصف بأنّه صواب لأنّ فاعله فعله وهو عالم بأنّ له فعله ، فشبّه بما أصاب مقصوده (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٣ ، ٦)

ـ القول في الحسن ، وفي أنّه ينقسم إلى قسمين ، كالقول في القبيح ؛ لأنّ فيه ما يحسن لأمر يخصّه نحو الإحسان ، والانتفاع الذي لا يؤدّي إلى ضرر ، وفيه ما يحسن لكونه لطفا كذبح البهائم ، إلى ما شاكله (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٨ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ الحسن يفارق القبيح فيما له يحسن ، لأنّ القبيح يقبح لوجوه معقولة ، متى ثبتت اقتضت قبحه ، والحسن يحسن متى انتفت هذه الوجوه كلها عنه ، وحصل له حال زائدة على مجرّد الوجود يخرج بها من أن يكون في حكم المعدوم. ولذلك لا يصحّ عندنا أن نعلم الحسن حسنا إلّا مع العلم بانتفاء وجوه القبح عنه. ومتى ثبت كونه حسنا ، فإنّما يحصل ندبا لحال زائدة ، وواجبا لحال زائدة. ولا يصحّ أن يكون ما له قبح القبيح جنسه ولا وجوده أو حدوثه ، ولا وجود معنى نحو الإرادة وغيرها ولا انتفاء معنى (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٩ ، ١)

ـ اعلم أنّ أكثر كلام الشيخين رحمهما‌الله في كتبهما يدلّ على أنّ الحسن يحسن لوجوه يحصل عليها ، كما أنّ القبيح يقبح لذلك. وربما قالا : إنّ وجه الحسن والقبح إذا اجتمعا في الفعل فالقبح أولى به (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٠ ، ٥)

ـ ذكر شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في بعض المواضع ما يدلّ على أنّ الحسن يحسن لوقوعه على وجه ، ولانتفاء وجوه القبح عنه ، ولم يبسط القول فيه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧١ ، ١٢)

ـ إنّ الفعل لا يحسن ولا يقبح لجنسه أو وجوده أو حدوثه أو انتفاء معنى غيره. اعلم أنّ الظلم لو قبح لجنسه ، لوجب أن يقبح كل ضرر وألم ، وفي علمنا بأنّ فيه ما يحسن دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧٧ ، ٢)

ـ أمّا الحسن فإنّه يستحقّ به المدح إذا كان على صفة نحو أن يكون إحسانا إلى الغير ، أو مؤدّيا إلى نفعه ، أو تمكينا له من الوصول إلى نفع مخصوص ، أو أن يكون مما فيه صلاح فيما كلّفه مسهّلا له ؛ وهذا نحو النوافل التي يفيدنا بها. وقد يستحقّ المدح على ما يجب إيصاله إلى الغير من النفع ، كالثواب واللطف وغيره ، وعلى ما يلزمنا فعله من الواجبات على اختلافها في وجوه وجوبها. فكل ذلك مما يستحقّ بفعله المدح ، وإن كان لا يستحقّ به ذلك دون أن يفعله الفاعل على وجه مخصوص. ومتى فعله لشهوة أو لغرض ، سوى ما له وجب أو حسن في العقل ، لم يستحقّ به مدحا (ق ، غ ٨ ، ١٧٥ ، ٩)

ـ في بيان وجه حسن ابتداء الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأيّام وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ ذلك إنّما يحسن منه تعالى على وجوه ثلاثة : أحدها لينفعه ، والآخر لينفع به ، والثالث لأنّه أراده لخلق ما ذكرناه ، مع تعرّي الكلّ من وجوه القبح. وقد دخل فيما ذكرناه ما يخلقه تعالى لينفعه ولينفع به جميعا ؛ لأنّ الشيء إذا حسن لكل واحد من الوجهين فبأن يحسن متى حصلا فيه أولى. ولم يذكر في ذلك خلق من يخلقه ليفعل به المستحقّ ، لأنّ ذلك لا يحسن أولا ، وإنّما يحسن أن يخلقه لهذه البغية ثانيا. فإذا حسن أن يخلق تعالى الخلق لينفعه تفضّلا ، ويعرّضه للثواب والمدح ، وينفعه بالتعويض على الآلام حسن منه أن يخلق غير المكلّف للتفضّل والتعويض جميعا. وقد بيّنا أنّ المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، وأنّ المستحقّ منه قد يكون مستحقّا على وجه التعظيم والإكرام فيكون ثوابا ، وقد يكون مستحقّا على وجه العوض والبدل ، وبيّنا لكل واحد منهما مثالا في الشاهد ، وبيّنا أنّ ما ليس بمستحقّ يكون إحسانا وتفضّلا ، وبيّنا أنّ ما أدّى إلى المنافع يكون في حكمه ، وإن كان شاقّا على فاعله ، وإنّما يحسن متى أدّى إلى نفع يوفي عليه ، ومتى لم يشقّ على فاعله البتّة فإنّه

يحسن إذا أدّى إلى أيّ منفعة كان متى عري من وجوه القبح. فإذا صحّت هذه الجملة حسن من القديم تعالى أن يخلق الخلق لينفعه على بعض الوجوه التي قدّمناها أو كلّها (ق ، غ ١١ ، ١٠١ ، ١٠)

ـ إنّ العلم حسن وكذلك النظر ، وردّ الوديعة ، والقصد لا يؤثّر فيها ، لأنّ ذلك إذا ثبت وجب مثله في إيصال النفع المحض إلى غيره ، وإن لم يكن له قصد. وإذا كان الظلم يقبح وإن لم يقصد إليه فكذلك النفع الخالص لا يمتنع أن يختصّ وإن لم يرد (ق ، غ ١١ ، ٢٣٤ ، ٩)

ـ بيّنا بوجوه كثيرة أنّ القبيح والحسن والواجب لا يجوز أن يختصّ بذلك من جهة السمع ، وأنّ من لا يعرف السمع ولم يستدلّ على صحّته ، ويعرف أحكام هذه الأفعال ولو لم يتقدّم له العلم بها ، لم يكن ليصحّ أن يعرف السمعيّات أصلا ، بل كان لا يصحّ أن يعرف النبوّات (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١١)

ـ إنّا لا ننكر أن يحسن الشيء لوجهين ؛ وكما قد يحسن لدفع الضرر وللنفع والاستحقاق ـ وإن كانت هذه الوجوه مختلفة ، لأنّ الاستحقاق لا يقوم مقام النفع في مقابلة الضرر ـ فكذلك لا يمتنع في الظنّ عندنا أن يحسن لأجل تحمّل المضار على بعض الوجوه (ق ، غ ١٣ ، ٢٩٤ ، ١٢)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ الحسن ليس بحسن لوجه يقتضي حسنه ، كما أنّ القبيح يقبح لثبوت وجه يقتضي قبحه ، ودللنا على ذلك بأنّه لا وجه يشار إليه يحسن لأجله إلّا وقد ثبت. ولا يكون حسنا لحصول وجه من وجوه القبح فيه. وبيّنا أنّ فائدة كونه حسنا تتضمّن النفي ، وفائدة كونه قبيحا تتضمّن الإثبات. فيجب فيما يتضمّن الإثبات طلب وجه يثبت لأجله دون ما يتضمّن النفي. ألا ترى أنّ كونه قبيحا يقتضي صحّة استحقاق الذمّ بفعله ، وكونه حسنا يقتضي أن لا يستحقّ ذلك ، فيجب أن يعتبر في حسنه انتفاء وجوه القبح عنه إذا وقع على وجه يكون لوجوده من الحكم ما ليس لعدمه. وإذا ثبت ذلك صحّ ما قلناه من أنّ الضرر عند بعض هذه الوجوه يحسن من حيث يتضمّن ذلك زوال وجوه القبح ، لا لأنّه وجه لحسنه ؛ كما أنّ الصدق إذا حصل فيه نفع يحسن لا لأنّه وجه لحسنه ، لكن لأنّه يتضمّن زوال وجوه القبح عنه (ق ، غ ١٣ ، ٣١٦ ، ١٠)

ـ إنّ الحسن لا يحسن في الحقيقة لوجه يشار إليه حتى يصير فيه كالقبيح فيما له يقبح. ولا شيء نقول لأجله إنّ الفعل يحسن إلّا وقد يحصل. ولا يكون حسنا لثبوت وجه من وجوه القبح فيه. وإذا صحّ ذلك فالذي معه تنتفي وجوه القبح عن المضرّة هو العلم بالنفع الذي فيه وما يقوم مقامه دون نفس النفع لأنّ النفع متى حصل فيه ولم يعلمه ولا ظنّه لم يؤمن كونه ظلما (ق ، غ ١٣ ، ٣١٩ ، ٨)

ـ إنّ الشيء لا يجب أن يعتبر في قبحه بحسن ضدّه ، ولا في حسنه بقبح ضدّه ، بل يجب أن يعتبر في نفسه ، على ما قدّمنا القول فيه ، ويفارق ذلك ما نقوله من أن ترك الواجب المعيّن يقبح لأنّه تركه. وذلك لأنّا لا نحكم بقبحه لأنّ ضدّه حسن ، لأنّه كان يجب قبح ترك الفعل والمباح أيضا ، وإنّما يحكم بقبحه ، لما فيه من المنع من وجود الواجب والامتناع منه ، على ما شرحناه من قبل (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ٨)

ـ أمّا الحسن فقد يوصف بأنّه مباح إذا عرف فاعله بأنّه لا تبعة عليه فيه ، وأنه لا يستحقّ به

الذمّ ولا المدح (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٤)

ـ قد يوصف (الحسن) بأنّه حلال إذا كان التعريف بالقول ، لأنّه لا يكاد يوصف بالمباح العقليّ ذلك ، وإنّما يوصف به الشرعيّ ، وإذا وصف بأنّه مطلق فالمراد ما قلناه ، لأنّه يفيد أنّه قد أطلق لفاعله أن يفعله ولا يفعله ، ولم يتعلّق به حظر ، وكذلك مطلق. وقد يوصف بأنّه جائز فعله ، من حيث لا تتعلّق به تبعة ؛ فأما إذا كان الحسن يختصّ بصفة زائدة ، يستحقّ لكونه عليها المدح فقط ، فلا بدّ من أن يوصف بأنّه مرغّب فيه ، وكان يجب في الأصل أن يستعمل ذلك في الشرعيّات ، لأنّ فيها يظهر الترغيب من المرغّب فيها ، لكنّا استعملناه في العقليّات ، وأنزلنا الأدلّة العقليّة منزلة السمعيّات ، في هذه القضية (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٧)

ـ قد يوصف (الحسن) بأنّه نفل ، والأقرب أن يستعمل ذلك في الشرعيّات ، دون العقليّات ، وكذلك إذا قيل فيه : إنّه ندب (ق ، غ ١٧ ، ٩٨ ، ٥)

ـ الحسن : ما يوجد مختصّا لغرض ، وتنتفي وجوه القبح عنه ؛ ومن حقّه إذا علمه القادر عليه أن يقع ، كذلك أن يكون له فعله ، ولا يستحقّ الذمّ إذا فعله (ق ، غ ١٧ ، ٢٤٧ ، ٦)

ـ في قسمة أفعال المكلّف إلى أحكامها اعلم أنّا نقسّم الأفعال هاهنا ضروبا من القسمة : أحدها تقسيمها بحسب أحكامها في الحسن والقبح. والآخر بحسب تعلّق أحكامها على فاعليها ، وغير فاعليها. والآخر بحسب كونها شرعيّة ، وعقليّة ، وكونها أسبابا في أحكام أفعال أخر. أمّا الأول فهو أنّ الإنسان إمّا أن يصدر عنه فعله وليس هو على حالة تكليف ، وإما أن يكون على حالة تكليف. فالأول نحو فعل الساهي ، والنائم ، والمجنون ، والطفل. وهذه الأفعال ، لا يتوجّه نحو فاعليها ذمّ ولا مدح ، وإن كان قد تعلّق بها وجوب ضمان وأرش جناية في مالهم. ويجب إخراجه على وليّهم. والثاني ضربان : أحدهما أن يكون مما ليس للقادر عليه ، المتمكّن من العلم به ، أن يفعله. وإذا فعله ، كان فعله له مؤثّرا في استحقاق الذمّ ؛ فيكون قبيحا. والضرب الآخر أن يكون ، لمن هذه حاله ، فعله. وإذا فعله ، لم يكن له تأثير في استحقاق الذمّ ؛ وهو الحسن (ب ، م ، ٣٦٤ ، ١٠)

ـ أما الحسن ، فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق المدح والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ، وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب. وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف بأنّه فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون مقصورا على فاعله ؛ فيوصف بأنّه مندوب إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان الغير (ب ، م ، ٣٦٤ ، ٢٢)

ـ أمّا" الحسن" فهو ما للقادر عليه ، المتمكّن من العلم بحاله ، أن يفعله. وأيضا : ما لم يكن على صفة يؤثّر في استحقاق فاعله الذمّ. أو : ما ليس له مدخل في استحقاق فاعله الذمّ (ب ، م ، ٣٦٦ ، ٧)

ـ أنّا لا نسلّم أنّ كون الفعل حسنا أو قبيحا أنّه

يتعلّق بالفاعل ، بل إنّما يكون حسنا أو قبيحا لوقوعه على وجه ، فإذا وقع على ذلك الوجه وجب كونه حسنا أو قبيحا شاء الفاعل أو كره ، كما بيّنا في كون الاعتقاد علما (ن ، د ، ٢٠٨ ، ١٢)

ـ إن سلّمنا بأنّ كونه حسنا أو قبيحا يتعلّق بالفاعل ، فإنّه لا يصحّ من الفاعل أن يجعل الفعل حسنا وقبيحا ، لأنّ بينهما ما يجري مجرى التنافي ، وهو أنّ الفعل إنّما يكون حسنا إذا حصل فيه غرض مثله وتعرّى عن سائر وجوه القبح. وإنّما يكون قبيحا لوقوعه على وجه من وجوه القبح ، فيستحيل أن يكون واقعا على وجه وأن لا يكون واقعا عليه ، فبينهما ما يجري مجرى التنافي من هذا الوجه (ن ، د ، ٢٠٨ ، ١٦)

ـ إن قيل : ما أنكرتم أنّه (الفعل) يحتاج إلينا في الأحكام الثابتة للفعل من الوجوب والقبح والندب والكراهة والحسن والإباحة ونحو ذلك؟ قيل له : لا يجوز ذلك لوجهين : أحدهما : أنّ هذه الأحكام تابعة للحدوث ، فلو احتاج الفعل إلينا لأجلها لكان لا يجب أن يحتاج إلينا لأجل الحدوث. والثاني أنّ هذه الأحكام مما لا تأثير للفاعل فيها ولا تتعلّق به ولا تضاف إليه على وجه الحقيقة ، بل هي ثابتة بحدوث الفعل على وجه ، فإذا حدث الفعل على ذلك الوجه الذي له ولأجله يصير حسنا أو قبيحا وجب كونه حسنا أو قبيحا ، أراد الفاعل أم كره ، لا تأثير له في ذلك (ن ، د ، ٣١٨ ، ٣)

ـ إنّ القبح فيه ما يكون قبيحا لنفسه ، وفيه ما يكون قبيحا للقبح ، وكذلك الحسن. ويقول إنّ الجسم حسن لوجود معنى وهو الحسن ، وكان يجوز أن يوجد فيكون قبيحا بقبح يقوم به. ويقول : الحسن من الأعراض حسن لنفسه ، وما يقبح يقبح لنفسه (ن ، م ، ٣٥٥ ، ١٦)

ـ إنّ الفعل إذا حصل فيه غرض وتعرّى من سائر وجوه القبح ، كفى في التأثير في حسنه ، وهذا قائم في الأجسام التي خلقها الله تعالى ، فلا يجوز أن يقال إنّها حسنة لوجود معنى يقوم بها (ن ، م ، ٣٥٦ ، ٢)

ـ كذا نقول إنّ الإنسان لا يفعل شيئا إلّا الحركة أو السكون والاعتقاد والإرادة والفكر ، وكل هذه كيفيات وأعراض حسن خلقها من الله عزوجل ، قد أحسن رتبتها وإيقاعها في النفوس والأجساد ، وإنّما قبح ما قبح من ذلك من الإنسان ، لأنّ الله تعالى سمّى وقوع ذلك أو بعضها ممّن وقعت منه قبيحا ، وسمّى بعض ذلك حسنا ، كما كانت الصلاة إلى بيت المقدس حركة حسنة إيمانا ثم سمّاها تعالى قبيحة كفرا ، وهذه تلك الحركة نفسها ، فصحّ أنّه ليس في العالم شيء حسن لعينه ولا شيء قبيح لعينه ، لكن ما سمّاه الله تعالى حسنا فهو حسن وفاعله محسن قال الله تعالى : (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ) (الإسراء : ٧) وقال تعالى : (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) (الرحمن : ٦٠) ، وما سمّاه الله تعالى قبيحا فهو حركة قبيحة ، وقد سمّى الله تعالى خلقه لكل شيء في العالم حسنا فهو كله من الله تعالى حسن ، وسمّى ما وقع من ذلك من عباده كما شاء ، فبعض ذلك قبّحه فهو قبيح ، وبعض ذلك حسّنه فهو حسن ، وبعض ذلك قبّحه ثم حسّنه فكان قبيحا ثم حسن ، وبعض ذلك حسّنه ثم قبّحه فكان حسنا ثم قبح كما صارت الصلاة إلى الكعبة حسنة بعد أن كانت قبيحة ، وكذلك جميع أفعال الناس التي خلقها الله تعالى فيهم

(ح ، ف ٣ ، ٦٦ ، ١٠)

ـ إذا لا سبيل إلى أن يكون مع الباري تعالى في الأزل شيء موجود أصلا قبيح ولا حسن ، ولا عقل يقبح فيه شيء أو يحسن ، فقد وجب يقينا أن لا يمتنع من قدرة الله تعالى وفعله شيء يحدثه لقبح فيه ، ووجب أن لا يلزمه تعالى شيء لحسنه ، إذ لا قبح ولا حسن البتّة فيما لم يزل ، فبالضرورة وجب أنّ ما هو الآن عندنا قبيح فإنّه لم يقبح بلا أوّل ، بل كان لقبحه أوّل لم يكن موجودا قبله ، فكيف أن يكون قبيحا قبله ، وكذلك القول في الحسن ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ١٠١ ، ٢)

ـ نقول إنّ الكفر والمعاصي هي في أنّها أعراض وحركات خلق لله تعالى ، حسن من خلق الله تعالى ، كل ذلك وهي من العصاة بإضافتها إليهم قبائح ورجس (ح ، ف ٣ ، ١٠٤ ، ١٠)

ـ لا قبيح إلّا ما قبّح الله ولا حسن إلّا ما حسّن الله ، وأنّه لا يلزم لأحد على الله تعالى حق ولا حجّة ، ولله تعالى على كل من دونه وما دونه الحق الواجب والحجّة البالغة ، لو عذّب المطيعين والملائكة والأنبياء في النار مخلّدين لكان ذلك له ، ولكان عدلا وحقّا منه ، ولو نعم إبليس والكفّار في الجنّة مخلّدين كان ذلك له وكان حقا وعدلا منه ، وإنّ كل ذلك إذ أباه الله تعالى وأخبر أنّه لا يفعله صار باطلا وجورا وظلما (ح ، ف ٣ ، ١٠٥ ، ٦)

ـ نسألهم فنقول عرّفونا ما هذا القبيح في العقل ، أعلى الإطلاق ، فقال قائلون من زعمائهم منهم الحارث بن علي الورّاق البغداديّ وعبد الله ابن أحمد بن محمود الكعبي البلخيّ وغيرهما ، إنّ كل شيء حسن بوجه ما قلت يمتنع وقوع مثله من الله تعالى لأنّه حينئذ يكون حسنا ، إذ ليس قبيحا البتّة على كل حال ، وأمّا ما كان قبيحا على كل حال فلا يحسن البتّة فهذا منفي عن الله عزوجل أبدا ، قالوا ومن القبيح على كل حال أن تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعل بك ، وتكليف ما لا يطاق ثم التعذيب عليه (ح ، ف ٣ ، ١٠٥ ، ٢٤)

ـ العقل لا يدلّ على حسن شيء ولا قبحه في حكم التكليف ، وإنّما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع وموجب السمع. وأصل القول في ذلك أنّ الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له ، وكذلك القول فيما يقبح وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة أحكام صفات النفس. فإذا ثبت أنّ الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة نفس ، فالمعنى بالحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، والمراد بالقبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ٨)

ـ المعتزلة قسّموا الحسن والقبيح ، وزعموا أنّ منها ما يدرك قبحه وحسنه على الضرورة والبديهة من غير احتياج إلى نظر ، ومنها ما يدرك الحسن والقبح فيه بنظر عقلي. وسبيل النظر عندهم اعتبار النظريّ من المحسنات والمقبحات بالضروريّ منها ؛ بل يعتبر مقتضى التقبيح والتحسين في الضروريّات فيلحق بها ، ثم يرد إليها ما يشاركها في مقتضياتها. فالكفر عندهم معلوم قبحه على الضرورة ، وكذلك الضرر المحض الذي لا يتحصّل فيه غرض صحيح ، إلى غير ذلك من تخيّلاتهم (ج ، ش ، ٢٢٩ ، ١)

ـ أمّا الحسن ، فحظ المعني منه أنّ الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يوافقه أي يلائم غرضه ، والثاني أن ينافر غرضه

والثالث أن لا يكون له في فعله ، ولا في تركه غرض ، وهذا الانقسام ثابت في العقل. فالذي يوافق الفاعل يسمّى حسنا في حقّه ، ولا معنى لحسنه إلّا موافقته لغرضه ، والذي ينافي غرضه يسمّى قبيحا ، ولا معنى لقبحه إلّا منافاته لغرضه ؛ والذي لا ينافي ولا يوافق يسمّى عبثا أي لا فائدة فيه أصلا ، وفاعل العبث يسمّى عابثا ، وربّما يسمّى سفيها (غ ، ق ، ١٦٣ ، ١)

ـ إنّ الاصطلاح في لفظ الحسن أيضا ثلاثة : فقائل يطلقه على كل ما يوافق الغرض عاجلا كان ، أو آجلا. وقائل يخصّص بما يوافق الغرض في الآخرة ، وهو الذي حسّنه الشرع أي حثّ عليه ، ووعد بالثواب عليه ، وهو اصطلاح أصحابنا ... وفيه اصطلاح ثالث : إذ قد يقال فعل الله تعالى حسن كيف ما كان. مع أنّه لا غرض في حقّه. ويكون معناه أنّه لا تبعة عليه فيه ، ولا لائمة ، وأنّه فاعل في ملكه الذي لا يساهم فيه (غ ، ق ، ١٦٥ ، ٣)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ أصول المعرفة ، وشكر النعمة واجبة قبل ورود السمع. والحسن والقبح يجب معرفتهما بالعقل. واعتناق الحسن ، واجتناب القبيح واجب كذلك. وورود التكاليف ألطاف للباري تعالى ، أرسلها إلى العباد بتوسّط الأنبياء عليهم‌السلام امتحانا واختبارا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٨)

ـ مذهب أهل الحق أنّ العقل لا يدلّ على حسن الشيء وقبحه في حكم التكليف من الله شرعا على معنى أنّ أفعال العباد ليست على صفات نفسية حسنا وقبحا بحيث لو أقدم عليها مقدم أو أحجم عنها محجم استوجب على الله ثوابا أو عقابا ، وقد يحسن الشيء شرعا ويقبح مثله المساوي له في جميع الصفات النفسيّة ، فمعنى الحسن ما ورد الشرع بالثناء على فاعله ، ومعنى القبيح ما ورد الشرع بذمّ فاعله (ش ، ن ، ٣٧٠ ، ٩)

ـ الثنوية والتناسخيّة والبراهمة والخوارج والكراميّة والمعتزلة فصاروا إلى أنّ العقل يستدلّ به حسن الأفعال وقبحها ، على معنى أنّه يجب على الله الثواب والثناء على الفعل الحسن ، ويجب عليه الملام والعقاب على الفعل القبيح ، والأفعال على صفة نفسيّة من الحسن والقبيح ، وإذا ورد الشرع بها كان مخبرا عنها لا مثبتا لها (ش ، ن ، ٣٧١ ، ٤)

ـ إنّ الصدق والكذب على حقيقة ذاتيّة لا تتحقّق ذاتهما إلّا بأن كان تلك الحقيقة ، مثلا كما يقال إنّ الصدق إخبار عن أمر على ما هو به ، والكذب إخبار عن أمر على خلاف ما هو به ، ونحن نعلم أنّ من أدرك هذه الحقيقة عرف التحقّق ولم يخطر بباله كونه حسنا أو قبيحا ، فلم يدخل الحسن والقبيح إذا في صفاتهما الذاتيّة التي تحقّقت حقيقتهما ولا لزمتهما في الوهم بالبديهة كما بيّنا ، ولا لزمها في الوجود ضرورة ، فإنّ من الأخبار الصادقة ما يلام عليها كالدلالة على نبيّ هرب من ظالم. ومن الأخبار التي هي كاذبة ما يثاب عليها مثل إنكار الدلالة عليه ، فلم يدخل كون الكذب قبيحا أن يعدّ من الصفات الذاتيّة التي تلزم النفس وجودا وعدما عندهم ، ولا يجوز أن يعدّ من الصفات التابعة للحدوث ، فلا يعقل بالبديهة ولا بالنظر (ش ، ن ، ٣٧٢ ، ١٢)

ـ الحسن والقبيح بمعنى الملائمة والكمال وضدّيهما عقليّان اتّفاقا ، وبمعنى إيجاب الثواب والعقاب شرعيّان خلافا للمعتزلة. لنا وجوه : أ : لو قبح تكليف ما لا يطاق ، فما فعله

ـ تعالى ـ لكنّه كلّف الكافر مع علمه بأنّه لا يؤمن وأبا لهب ؛ ومن الإيمان التصديق بكفره. ولقائل أن يقول : لا منافاة بين التكليف من حيث الاختيار ومعه للعلم. ب : أنّ القبح ليس من الله ـ تعالى ـ اتّفاقا ؛ ولا من العبد لأنّه مضطرّ ، لاستحالة صدوره إلّا للداعيّ. ج : أنّ الكذب يحسن إذا تضمّن إنجاء نبيّ (خ ، ل ، ١١٣ ، ١٨)

حسن

ـ إنّا نجد أفعال العباد تخرج على حسن وقبح ، لا يعلم أهلها أنّها تبلغ في الحسن ذلك ولا في القبح ، بل هم عندهم نفسهم في تحسينها وتزيينها ، وهي تخرج على غير ذلك ، بأن جعل أفعالهم على ما هي عليه ليست لهم ، ولو جاز كونها على ذلك لهم ، وهم لا يعرفون مبلغ الحسن والقبح ، فإذا لا جهل يقبّح الفعل ولا علم يحسّنه ، فثبت أنّ فعلهم من هذا الوجه ليس لهم (م ، ح ، ٢٣٠ ، ١)

ـ إنّكم تقولون (للمعتزلة) إنّ أحسن الحسن وخير الخير الإيمان والمعرفة. وتقولون ليس لله في هذا قدرة ولا خلق ، وإنّما هو بقدرة العبد المؤمن وخلقه (ب ، ن ، ١٥٢ ، ٩)

ـ إنّ الأفعال ما من شيء منها إلّا ويجوز أن يقع على وجه فيحسن ، وعلى خلاف ذلك الوجه فيقبح ، وأمّا أن نحكم على فعل من الأفعال بالقبح والحسن بمجرّده ، فلا (ق ، ش ، ٥٦٤ ، ٢٠)

ـ ما نقوله من أنّ حسن الشيء يتبع العلم بوجه حسنه ، لا يقدح فيما قلناه. لأنّا قد أوجبنا أن لا نعلم حسن الذمّ والمدح ، إلّا وقد نعلم تعلّق الفعل به على وجه يكون حاله معه بخلاف حاله مع غيره. ولا يمتنع أن نعلم في الجملة أنّ من حق فاعل القبيح أن يستحقّ الذمّ ، إذا كان على صفة ؛ ومن حق فاعل الواجب أن يستحقّ المدح ، إذا كان على صفة. كما نعلم أنّ من حق الظلم أن يكون قبيحا ، ويحتاج إلى الاستدلال عند التعيين في أنّ الضرر ظلم ، وفي أنّ زيدا فاعل للقبيح ، فيكون ما قدّمناه غير كاف في أنّ زيدا بعينه قد استحقّ الذمّ على هذا الفعل دون أن ينضاف إليه الاستدلال على حال فاعله مفصّلا ، وتعلّقه به على جهة التفصيل (ق ، غ ٨ ، ٣٠ ، ١٠)

ـ إنّا لا نقول أولا إنّ الواجب إنّما يكون واجبا بإيجاب موجب على الإطلاق ، لأنّه يقتضي أن يحصل واجبا لعلّة يفعلها المكلّف ، فيكون واجبا لذلك الواجب لأجلها ؛ وليس الأمر كذلك ، لأن الواجب لا يكون واجبا لعلّة ، ولا الحسن يحسن لعلّة (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٢ ، ١٦)

ـ إنّ أئمتنا تجوّزوا في إطلاق لفظة ، فقالوا : لا يدرك الحسن والقبح إلّا بالشرع. وهذا يوهم كون الحسن والقبح زائدا ، والقبح زائدا على الشرع ، مع المصير إلى توقّف إدراكه عليه. وليس الأمر كذلك ؛ فليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به ، وإنّما هو عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله ، وكذلك القول في القبيح. فإذا وصفنا فعلا من الأفعال بالوجوب أو الحظر ، فلسنا نعني بما نبيّنه تقدير صفة للفعل الواجب يتميّز بها عمّا ليس بواجب (ج ، ش ، ٢٢٨ ، ١٦)

ـ ليس الحسن والقبح صفتين للقبيح والحسن وجهتين يقعان عليهما ، ولا معنى للحسن والقبح إلّا نفس ورود الأمر والنهي ؛ فالذي أثبتته المعتزلة ، من كون الحسن والقبيح على

صفة وحكم ، قد أنكرناه عقلا وسمعا (ج ، ش ، ٢٣٠ ، ٤)

ـ إنّ الحسن والقبح عبارتان عند الخلق كلّهم عن أمرين إضافيين يختلفان بالإضافات لا عن صفات الذوات التي لا تختلف بالإضافة ، فلا جرم ، جاز أن يكون الشيء حسنا في حقّ زيد ، قبيحا في حقّ عمرو ، ولا يجوز أن يكون الشيء أسود في حق زيد ، أبيض في حق عمرو. لمّا لم تكن الألوان من الأوصاف الإضافية (غ ، ق ، ١٦٤ ، ٨)

ـ قال أهل العدل : المعارف كلها معقولة بالعقل ، واجبة بنظر العقل ، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع ، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٢٣)

ـ قالوا (المعتزلة) لو رفعنا الحسن والقبح من الأفعال الإنسانيّة ورددناهما إلى الأقوال الشرعيّة ، بطلت المعاني العقليّة التي نستنبطها من الأصول الشرعيّة حتى لا يمكن أن يقاس فعل على فعل وقول على قول ، ولا يمكن أن يقال لم ولأنّه ، إذ لا تعليل للذوات ولا صفات للأفعال التي هي عليها حتى يربط بها حكم مختلف فيه ويقاس عليها أمر متنازع فيه ، وذلك رفع للشرائع بالكلّية من حيث إثباتها وردّ الأحكام الدينيّة من حيث قبولها (ش ، ن ، ٣٧٤ ، ١٨)

ـ نقول (الشهرستاني) لو كان الحسن والقبح والحلال والحرام والوجوب والندب والإباحة والحظر والكراهة والطهارة والنجاسة راجعة إلى صفات نفسيّة للأعيان أو الأفعال ، لما تصوّر أن يرد الشرع بتحسين شيء وآخر بتقبيحه ، ولما تصوّر نسخ الشرائع حتى يتبدّل حظر بإباحة وحرام بحلال ، وتخيّر بوجوب ، ولما كان اختلفت الحركات بالنسبة إلى الأوقات تحريما وتحليلا ، أليس الحكم في نكاح الأخت للأب والأم في شرع أبينا آدم عليه‌السلام بخلاف الحكم في الجمع بين الأختين المتباعدتين في شرع نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كيف حلّ ذلك على اتّحاد اللحمة وحرّم هذا على تباعد اللحمة (ش ، ن ، ٣٨٨ ، ١٤)

ـ إنّ الحظر والوجوب أحكام لا ترجع إلى الأفعال حتى تكون صفات لها ، ولا الأفعال كانت على صفات من الحسن والقبح ورد الشرع بتقريرها ، ولا قول الشارع أكسبها صفات لا تقبل الرفع والوضع ، بل الأحكام راجعة إلى أقوال الشارع ، وتوصف الأفعال بها قولا لا فعلا ، شرعا لا عقلا ، فيجوز أن يرتفع بعضها ببعض ، وذلك كالحرمة في الأجنبيات ترتفع بالعقد الصحيح ، والحلّ في المنكوحة يرتفع بالطلاق المبين ، وكأحكام المقيم تخالف أحكام المسافر ، وأحكام الرجال في بعض الأحوال ، تخالف أحكام ربّات الحجال ، وإذا كانت الأحكام قابلة للرفع والوضع والتغيير والتبديل ، فما المستحيل في وضع أحكام على أقوام في زمن ، ثم رفعها عن أقوام في زمن آخر (ش ، ن ، ٥٠٢ ، ١)

ـ الحسن والقبح قد يراد بهما ملاءمة الطبع ومنافرته وكون الشيء صفة كمال ونقصان ، وهما بهذين المعنيين عقليّان. وقد يراد به كون الفعل موجبا للثواب والعقاب والمدح والذمّ ، وهذا المعنى شرعيّ عندنا خلافا للمعتزلة (ف ، م ، ١٥٣ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ مذهبنا أنّ الحسن والقبح ثابتان في الشاهد بمقتضى العقل ، وأمّا في حقّ الله تعالى

فهو غير ثابت البتّة (ف ، أ ، ٦٦ ، ١٥)

ـ إنّ القائلين بالتحسين والتقبيح بحسب الشرع فسّروا القبح بأنّه الذي يلزم من فعله حصول العقاب ، فيقال لهم وهل تسلّمون أنّ العقل يقتضي وجوب الاحتزاز عن العقاب أو تقولون أنّ هذا الوجوب لا يثبت إلّا بالشرع. فإن قلتم بالأوّل فقد سلّمتم أنّ الحسن والقبح في الشاهد ثابت بمقتضى العقل ، وإن قلتم بالثاني فحينئذ لا يجب عليه الاحتزاز عن ذلك العقاب إلّا بإيجاب آخر ، وهذا الإيجاب معناه أيضا ترتيب العقاب ، وذلك يوجب التسلسل في ترتيب هذه العقابات وهو باطل ، فثبت أنّ العقل يقضي بالحسن والقبح في الشاهد (ف ، أ ، ٦٧ ، ٦)

ـ معتقد المعتزلة : أنّ الحسن والقبح للحسن والقبيح صفات ذاتيّات ، ووافقهم على ذلك الفلاسفة ومنكرو النبوّات. ثم اختلف هؤلاء في مدارك الإدراك لذلك ، فقالت المعتزلة والفلاسفة : المدرك قد يكون عقليّا وقد يكون سمعيّا ، فما يدرك بالعقل منه بديهيّ كحسن العلم والإيمان وقبح الجهل والكفران ، ومنه نظريّ كحسن الصدق المضرّ ، وقبح الكذب النافع. وما يدرك بالسمع فكحسن الطاعات وقبح ارتكاب المنهيّات (م ، غ ، ٢٣٣ ، ١٣)

ـ أمّا أهل الحق فليس الحسن والقبح عندهم من الأوصاف الذاتيّة للمحالّ ، بل إنّ وصف الشيء بكونه حسنا أو قبيحا فليس إلّا لتحسين الشرع أو تقبيحه إيّاه ، بالإذن فيه أو القضاء بالثواب عليه ، والمنع منه أو القضاء بالعقاب عليه ، أو تقبيح العقل له باعتبار أمور خارجيّة ، ومعان مفارقة من الأعراض ، بسبب الأغراض والتعلّقات ، وذلك يختلف باختلاف النسب والإضافات. فالحسن إذا : ليس إلّا ما أذن فيه أو مدح على فعله شرعا ، أو ما تعلّق به غرض ما عقلا. وكذا القبيح في مقابلته (م ، غ ، ٢٣٤ ، ١٠)

ـ الحسن : هو ما يكون متعلّق المدح في العاجل والثواب في الآجل (ج ، ت ، ١١٩ ، ٢٣)

ـ يحسن الفعل منّا ومنه تعالى لوقوعه على وجه. الأشعريّة : بل يحسن منه لابتغاء النهي. قلنا : فيلزم أن يحسن منه الكذب وبعثه الكذّابين (م ، ق ، ٩٢ ، ٤)

ـ يستقلّ العقل بإدراك الحسن والقبح باعتبارين اتّفاقا : الأوّل ، بمعنى ملائمته للطبع ، كالملاذ ، ومنافرته له ، كالآلام. والثاني ، بمعنى كونه صفة كمال ، كالعلم ، وصفة نقص ، كالجهل. أئمتنا ، عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، رضي الله عنهم ، والمعتزلة ، والحنفيّة ، والحنابلة ، وبعض الأشعريّة : وباعتبار كونه متعلّقا للمدح والثواب عاجلين ، والذمّ والعقاب. كذلك أئمتنا ، عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة ، والمعتزلة ، وغيرهم : باعتبار كونه متعلّقا للمدح عاجلا والثواب آجلا ، والذمّ عاجلا ، والعقاب آجلا .... لنا : في جميع ذلك تصويب العقلاء من مدح أو أحسن إلى المحسن ، ولو تراخى ، ومن ذمّ أو عاقب المسيء ، ولو تراخى وعدم حكمهم بأيّها في حق من استظلّ تحت شجرة لا مالك لها ، أو تناول شربة من ماء غير مجاز (ق ، س ، ٥٠ ، ١٩)

حسن إرادة

ـ أمّا حسن إرادته فيقف على حال المراد ، فإذا كان المراد حسنا وتعرّت هذه الإرادة عن وجوه

القبح ، وحصل فيها غرض فهي حسنة ، إذ ليس كل مراد حسن تحسن إرادته على ما نعلمه من حال القديم تعالى لو قدّم إرادته لأفعاله. وكذلك لو أراد الإيمان ممن لا يطبقه ، ولو أراد أحدنا العقاب النازل به لقبحت هذه الإرادات أجمع مع حسن مراداتها ، فليس في حسن الإرادة إلّا ما يكون مراده حسنا ويتعرّى عن وجوه القبح ، أو أن يقع بها الفعل حكمة وحسنا (ق ، ت ١ ، ٣٠٤ ، ١)

حسن الأمر

ـ ليس من شرط حسن الأمر أن يكون المأمور قادرا في حال الأمر ، وأنّه وإن كان عاجزا أو معدوما فإنّ الأمر يحسن إذا كان الآمر قد تضمّن أن يزيح علله في حال الفعل ويمكّنه من أدائه ، فليس لأحد التعلّق بذلك في هذا الموضع (ق ، غ ١١ ، ٣٠٥ ، ١٠)

حسن الإيجاب

ـ قد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يكون الإيجاب قبيحا ، وإن كان الواجب يجب عنده. ألا ترى أنّ المهدّد غيره بالقتل إن لم يعطه ماله ، يلزمه عند ذلك دفع المال إذا خاف القتل وإن كان ماله وجب من التهدّد قبيح؟ فإذا صحّ ذلك ، وجب أن نبيّن الوجه في حسن الإيجاب ، وإن كنّا قد بيّنا من قبل الوجه في وجوب النظر والمعرفة. والمعتمد في حسن إيجابهما ، إذا ثبت حاجة المكلّف إليهما وأنّهما لا يحصلان على وجه الاضطرار والإلجاء ، أنّه قد ثبت أنّ ما عنده يكون المكلّف أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية. فلا بدّ من أن يفعله تعالى إن كان من فعله ، أو يوجبه على المكلّف إذا كان من فعل المكلّف. وقد ثبت أنّ العلم بأنّ في الفعل نفعا يدعوه إلى فعله ، وإن علم أنّه مسموم أو ظنّ ذلك عند أمارة ، دعاه إلى تركه (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٢ ، ١١)

حسن البعثة

ـ إنّ ما أوجب حسن البعثة يوجب لزوم النظر في العلم الذي يظهر على المبعوث ، فينبغي أن يعتبر حسنها بما يعتبر به وجوب النظر في العلم. فإذا صحّ وجوبه لأمر ، حسنت البعثة لذلك الأمر ؛ وإذا لم يحسن إيجاب ذلك ، لبعض الأمور ، لم تحسن البعثة مثله (ق ، غ ١٥ ، ٧٤ ، ٢٠)

حسن بالعقل

ـ إنّ البشر جبل على طبيعة وعقل ، وما يحسّنه العقل غير الذي ترغب فيه الطبيعة ، وما يقبّحه غير الذي ينفر عنه الطّبع ، أو يكون بينهما مخالفة مرّة ، وموافقة ثانيا ، لا بد من النظر في كل أمر والتأمل ليعلم حقيقة أنّه في أيّ فن ونوع مما ذكرنا (م ، ح ، ١١ ، ١)

حسن تقدم الأمر حال الفعل

ـ في حسن تقدّم الأمر حال الفعل بأوقات كثيرة. اعلم أنّ في الناس من يقول بقولنا في أنّ الأمر لا بدّ من أن يتقدّم وقت الفعل ، لكنّه امتنع من تقدّمه الأوقات الكثيرة ، وظنّ أنّه يلزمه على ذلك أن يكون مأمورا بما لا سبيل له إلى فعله ، وأن يكون مأمورا في حال هو فيها عاجز أو معدوم أو غير قادر ، أو أنّه يلزم عليه أن يكون عبثا إذا تقدّم الأوقات الكثيرة. والأصل في ذلك عندنا أنّه لا بدّ من أن يتقدّم القدر الذي يحصل به الغرض من صحّة الاستدلال به على

حال الفعل ، أو صحّة كونه لطفا وداعيا. ولسنا نجد في ذلك حالا ؛ لأنّ ضبط ذلك يتعذّر على المكلّف ؛ لأنّه لا يتمكّن من معرفة الأوقات جزءا جزءا على التفصيل ، وإنّما نطلق القول فنقول : يجب تقدّمه بوقت واحد ، نريد به الإبانة عن وجوب تقدّمه من غير قصد منّا إلى كلّ الأوقات في ذلك. وأمّا تقدّمه الأوقات الكثيرة فإنّما يحسن إذا حصل فيه معنى زائد ؛ على ما ذكرناه ، ونعلم أنّ ذلك المعنى كان لا يحصل لو لا تقدّمه ، فيحسن لأجل ذلك. وهذا نحو أن يعلم ـ تعالى ـ أن تقدّم الأمر مصلحة لقوم يتحمّلونه ويؤدّونه إلى المخاطب في المستقبل ، فيحسن لأجل ذلك تقدّمه (ق ، غ ١١ ، ٣٠٤ ، ٢)

حسن التكليف

ـ قد بيّنا من قبل أنّه ـ تعالى ـ إذا ثبت كونه حكيما ، فلو لم يكن له بالتكليف غرض لقبح ، وإذا لم يجز أن يكون غرضه المنافع العائدة عليه لاستحالتها عليها ثبت أنّه يجب أن يكون غرضه منفعة المكلّف. ولا يجوز أن يريد بالتكليف المنفعة التي لا تستحقّ به ولا تحصل. فيجب أن يكون الغرض وصوله بفعل ما كلّف إلى ما يستحقّ به من الثواب. وقد ثبت أنّ الثواب لا يحسن إلّا مستحقّا. فيجب أن يحسن منه ـ تعالى ـ أن يكلّف الشاقّ لأجله. وهذه الجملة توجب أنّه ـ تعالى ـ يجب أن يكون عالما بأنّه سيحصل للمكلّف ما معه يتمكّن من فعل ما كلّف ، وأنّه يعلم أنّه سيحصل له إذا هو أدّى ما كلّف ما هو الغرض من الثواب. فلذلك جعلنا ذلك شرطا في حسن التكليف (ق ، غ ١١ ، ٤١٠ ، ٧)

ـ أمّا الأمر الذي يتعلّق وجوده بوجود سببه ، فإنّما يجب أن يعلم المكلّف سببه ويفصل بينه وبين غيره ، فعند ذلك يمكنه إيجاد المسبّب على الوجه الذي وجب ، كما لو علم المسبّب وصحّ ذلك فيه لأمكنه إيجاده على هذا الحدّ. فما هذا حاله ، إنّما يجب أن يعلم المسبّب ويميّزه من غيره ليصل بإيجاده إلى إيجاد المسبّب على الوجه الذي وجب. ووجود علمه بالمسبّب كعدمه في أنّه على كلا الحالين يمكنه أن يؤدّيه على حدّ واحد ، وإذا كان الحال فيه ما ذكرنا ، فسواء علمه أو لم يعلمه في أنّ ذلك لا يؤثّر في صحّة وجود المسبّب عليه ، وحسن تكليفه تعالى إيّاه. فإنّما يقدح في ذلك أن لا يعرف السبب أو لا يتمكّن من معرفته ، فأمّا إذا علمه بعينه وميّزه من غيره فإنّه يمكنه التوصّل بفعله إلى إيجاد المسبّب فلا وجه لاشتراط المعرفة بالمسبّب وهذا حاله (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٧ ، ١)

ـ قد بيّنا أنّ العلم بسبب المعرفة يغني في حسن تكليف الله ، تعالى ، له وللمعرفة ، عن العلم بنفس المعرفة ؛ من حيث بيّنا أنّه لا فرق بين أن يعلم نفس الفعل فيقصد إليه ، وبين أن يعلم ما بوجوده يوجد الفعل لا محالة في أنّ في الحالتين يتمكّن من أداء ما لزمه على الحدّ الذي لزمه. وإن كان الأمر كذلك ، وكان ما قلناه لا يقدح في صحّة هذا الوجه ، فتجب سلامة ما ذكرناه. وليس كذلك سائر الأفعال ، لأنّ المكلّف لو لم يعرفها من قبل على جملة أو تفصيل لقدح ذلك في ثبوت شرائط التكليف فيه ، ولصار بحيث لا يتمكّن من أداء ما لزمه على الحدّ الذي لزمه. فلذلك قلنا فيها : إنّ الواجب عليه أن يعرفه قبل الوقت الذي كلّف الفعل عليه ، وفصلنا بينها وبين النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٠ ، ٢٠)

حسن تكليف المؤمن الذي يكفر

ـ في الدلالة على أنّه يحسن منه تعالى تكليف المؤمن وتبقيته في المستقبل وإن علم أنّه يكفر. اعلم أنّ شيوخنا رحمهم‌الله متّفقون على حسن ذلك. وما بيّناه ؛ من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر ابتداء يدلّ على أنّه يحسن تبقية التكليف على من يعلم أنه يكفر بعد إيمان ؛ لأنّه قد عرّض لمنفعة لا ينالها إلّا به. فيجب حسن تكليفه ، وإن أساء اختيار نفسه في ترك الإيمان (ق ، غ ١١ ، ٢٤٩ ، ١٥)

حسن تكليف من يعلم أنه يكفر

ـ قال شيوخنا رحمهم‌الله : لو كلّف تعالى من المعلوم أنّه يؤمن ، لقبح ذلك إذا علم أنّ غيره من المكلّفين يفسد عنده ، ولا يخرج القديم تعالى لو كلّفه من أن يكون معرّضا له للثواب وأن يستحقّ هو الثواب بفعل الطاعة. ولذلك يشترط في التعريض أنّه إنّما يحسن متى كان تعريضا لمنافع يحسن من المعرّض أن يتوصّل إليها ؛ لأنّ تعريض الشيء في حكمه متى انتفى وجوه القبح عنه. ويجري التعريض مجرى الإرادة التي متى تعلّقت بالحسن كانت حسنة ، متى خلت من وجوه القبح. وإن كنّا قد بيّنا في باب الإرادة أنّها متى أثّرت في المراد ، وصار بها على وجه يحسن لوقوعه عليه ، فيجب ألا يحسن لا محالة. فلا يمتنع أن يقال في الإرادة التي هي تعريض المكلّف للوصول إلى الثواب إنّها بهذه الصفة ، وإنّها إنّما تقبح متى عرض في الفعل المراد ما يقتضي قبحه : من كونه مفسدة وما شاكل ذلك. وهذه الجملة ، تقتضي أنّه تعالى إنّما يكون مكلّفا بالإرادة ، والأمر دون إكمال العقل وما شاكله. ولذلك يصحّ منه تعالى أن يكره منه فعل الطاعة ، وإن أكمل عقله. ولا يجوز أن يكون مكلّفا له الفعل ، مع كراهته له ، وزجره عنه ؛ كما لا يكون الواحد منّا مكلّفا غيره إلّا بأن يريد ذلك منه ، ويأمره به ، أو يفعل ما يجري هذا المجرى. ولم نتقصّ هذا الكلام لأنّ ما نريد بيانه من حسن تكليف من يعلم أنّه يكفر لا يتمّ إلّا به (ق ، غ ١١ ، ١٧٨ ، ١٩)

ـ في بيان حسن تكليف من يعلم الله تعالى أنّه يكفر أو يفسق ، وأنّ علمه بذلك من حاله لا يوجب قبحه : اعلم أنّ التعريض للشيء في حكمه ، فمتى حسن من الواحد التوصّل إلى أمر حسن من غيره أن يعرّضه له وقد علمنا (أنّه) يحسن منه التوصّل إلى استحقاق الثواب بفعل الواجب وغيره ، فيجب أن يحسن منه تعالى أن يجعله بحيث يمكنه التوصّل إلى ذلك ، ويريد منه ذلك. ولذلك لمّا قبح من أحدنا أن يتوصّل إلى مضارّه ، قبح من غيره أن يعرّضه له ، وهذا بيّن في الشاهد ؛ لأنّ للمنافع طرقا وللمضارّ كمثل. وقد علمنا أنّ التعريض لكل واحد منهما بمنزلته في الحسن والقبح فيجب أن يحسن منه تعالى تكليف من يعلم من حاله أنّه يكفر ؛ لأنّ علمه بذلك لا يخرجه من كونه معرّضا له للمنازل السنيّة التي لا ينالها إلّا بفعل ما كلّفه. وقد دللنا على أنّ منزلة الثواب لا تنال تفضّلا ؛ فإنّ ذلك يقبح منه تعالى لو فعله في القدر والصفة جميعا ، وبيّنا أنّ التكليف لا بدّ من أن يؤدّي إلى الثواب ، وإلّا قبح منه تعالى إلزام الأمور الشاقّة ، فحصل من هذه الجملة أنّ تكليف من يعلم أنّه يكفر تعريض له لمنزلة عظيمة ، لا ينالها إلّا به ؛ فيجب القضاء بحسنه إذا انتفت وجوه القبح عنه (ق ، غ ١١ ، ١٨٣ ، ٢)

حسن الحسن

ـ (قال المعتزلة) الدليل على أنّ قضايا العقول تحسّن وتقبّح علمنا بأنّ من أمكنه التوصل إلى غرضه بالصدق والكذب وجب عليه أن يتوصل إليه بالصدق دون الكذب ، وأنّه لا يقع منه إلّا ذلك ؛ وليس يترك التّوصّل إلى الغرض في هذه الأمور بالكذب إلى الصدق إلا لحسن الصدق وقبح الكذب ؛ فوجب قضاء العقل على حسن الحسن وقبح القبيح (ب ، ت ، ١١٠ ، ٤)

حسن الدعاء

ـ إنّ من شرط حسن الدعاء أن يعلم الداعي حسن ما طلبه بالدعاء ، وإنّما يعلم حسنه بأن لا يكون فيه وجه قبح ظاهر ، وما غاب عنه من وجوه القبح نحو كونه مفسدة يجب أن يشترطه في دعائه ويطلب ما يطلبه بشرط أن لا يكون مفسدة ، وإن لم يظهر هذا الشرط في دعائه وجب أن يضمره في نفسه ، فمتى سأل النبي ربّه تعالى أمرا فلم يفعله لم يجز أن يقال أنّه ما أجيبت دعوته ، لأنّه يكون قد سأل بشرط أن لا يكون مفسدة ، فإذا لم يقع ما يطلبه فلأنّ المطلوب قد علم الله فيه من المفسدة ما لم يعلمه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا يقال إنّه ما أجيب دعاؤه لأنّ دعاءه كان مشروطا ، وإنّما يصدق قولنا ما أجيب دعاؤه على من طلب أمرا طلبا مطلقا غير مشروط ، فلم يقع والنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا يتحقّق ذلك في حقّه (أ ، ش ٢ ، ٦٤ ، ١٣)

حسن السبب

ـ إنّ القدرة على السبب ، هي القدرة على المسبّب ؛ وأنّ وجوده يجب بوجود سببه ولا يتعلّق باختياره. لأنّه ، بعد إيجاد السبب ، لو أجاز أن لا يفعل المسبّب لم يؤثّر في وقوعه. وإذا صحّ ذلك ، صار وقوع المسبّب واجبا ، إذا أوجد السبب ؛ فيصير محلّه محلّ نفس السبب في أنّه لا يجوز أن يقبح منه مع حسن السبب ، خصوصا في النظر. فإنّه إنّما تطلب به المعرفة ، ولا يفعل لنفسه ، لأنّه ليس فيه غرض يخصّه ويخالف حاله حال سائر الأسباب في هذا الوجه ، لأنّه قد يفعلها لغرض يخصّها ، كالاعتمادات وغيرها (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٦ ، ٦)

حسن عقلي

ـ ما حسّنه العقل وقبّحه ليس له زوال ولا تغيّر من حال إلى حال ، وما حسّنته الطبيعة وقبّحته هو في حدّ الانقلاب والتغيّر من حال إلى حال بالرياضة والقيام على ذلك بالكف عما ألفه ، والصرف إلى ما ينفر عنه يحسن القيام عليه ، على ما يحتمل الطبع قبوله نحو المعروف من أمر الطيور والبهائم ، إنها بطبعها تنفر عمّا أريد بها من أنواع منافع البشر ، ثم يحسن قيام أهل البصر بذلك لصير مما طبع عليه بالميل إليه كالمستوحش ، ومما / طبع على النّفار عنه كالمطبوع عليه (م ، ح ، ٢٢٣ ، ١٣)

حسن الفعل

ـ اعلم أنّ حسن الفعل لا يعلم إلّا عند العلم بالوجه الذي له حسن ؛ إمّا على جملة أو تفصيل. وقد شرحنا ذلك ، في غير موضع ، وبيّنا أنّ الوجوب والحسن في كل أحكام الأفعال تجري على هذا الحدّ ، وبيّنا أنّا ، إذا ذكرنا وجه حسن الفعل ، فالمراد به انتفاء وجوه القبح عنه ، وبيان حصول غرض فيه. فإذا صحّ ، في بعثته تعالى الرسل ، غرض صحيح ، ووجوه القبح عنها منتفية ، فالواجب القضاء

بحسن ذلك (ق ، غ ١٥ ، ١٩ ، ٣)

حسن في العقل

ـ يحسن في العقل أن نذم من أمرناه بمناولة الكوز ، وبينه وبين مكانه مسافة ، إذا لم يناوله ، ويقضي من الوقت القدر الذي لو حاول المناولة فيه لأمكنه. فلولا أنّ ما فيه من القدرة ، هي قدرة على المناولة ، لما حسن منّا أن نذمّه ، لأنّه لم يناولنا الكوز ، لأنّ الذمّ لا يحسن ، إذا لم يفعل الغير ما لم يقدر عليه ، وإنّما يحسن ، إذا لم يفعل ما هو قادر عليه متمكّن منه (ن ، م ، ٢٥٧ ، ١٨)

حسن للأمر به

ـ كل معصية كان يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي ، وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه ، وكذلك كل ما جاز أن لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به وكل ما لم يجز إلّا أن يأمر به فهو حسن لنفسه ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ٩)

حسن لله

ـ ما حسن في الحسّ دون الذي يحسن في العقل ، إذ قد يجوز انقلاب مثله على ما مرّ بيانه ، ولا يجوز انقلاب الآخر ، وإذا كان كذلك فيقتصر الجزاء على قدر المجرى ، والله وعد جزاء الحسنة بعشرة أمثالها ، ثبت أنّ خلق فعل الإيمان حسنا لله (م ، ح ، ٢٣٥ ، ٤)

حسن لمعنى في غيره

ـ الحسن لمعنى في غيره : هو الاتّصاف بالحسن لمعنى ثبت في غيره كالجهاد فإنّه ليس بحسن لذاته لأنّه تخريب بلاد الله وتعذيب عباده وإفناؤهم ، وقد قال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم : " الآدمي بنيان الرب ملعون من هدم بنيان الربّ ، وإنّما حسن لما فيه من إعلاء كلمة الله وهلاك أعدائه ، وهذا باعتبار كفر الكافر (ج ، ت ، ١٢٠ ، ٣)

حسن لمعنى في نفسه

ـ الحسن لمعنى في نفسه : عبارة عمّا اتّصف بالحسن ، لمعنى ثبت في ذاته كالإيمان بالله وصفاته (ج ، ت ، ١٢٠ ، ١)

حسن لنفسه

ـ كل معصية كان يجوز أن يأمر الله سبحانه بها فهي قبيحة للنهي ، وكل معصية كان لا يجوز أن يبيحها الله سبحانه فهي قبيحة لنفسها كالجهل به والاعتقاد بخلافه ، وكذلك كل ما جاز أن لا يأمر الله سبحانه فهو حسن للأمر به ، وكل ما لم يجز إلّا أن يأمر به فهو حسن لنفسه ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ١٠)

ـ قال" الاسكافي" في الحسن من الطاعات حسن لنفسه والقبيح أيضا قبيح لنفسه لا لعلّة ، وأظنّه كان يقول في الطاعة إنّها طاعة لنفسها وفي المعصية إنّها معصية لنفسها (ش ، ق ، ٣٥٦ ، ١١)

ـ إنّ الأشياء نوعان : أحدهما مما يحسن لنفسه ويقبح ضدّه وكل خلافاته ، والثاني ما يحسن الشيء وخلافاته على حسب الحاجة وقيام الدلالة من حمد العواقب وذمّها ، فلزم القول في هذا بمن يعرف أحوال الحمد والذم ، فيخرج الأمر عليه على أنّه لا بدّ لمن يكون يعتمد على عقله والاختلاف المتناقض ذلك

سببه ، أو يرجع إلى مخصوص من العقل ، وفي ذلك القول بالرسول (م ، ح ، ٢٠١ ، ٥)

حسن من وجه

ـ فاعل القبيح أعني الفعل الذي يتضرّر به يسمّى سفيها. واسم السفيه أصدق منه على العابث. وهذا كلّه إذا لم يلتفت إلى غير الفاعل ، أو لم يرتبط الفعل بغرض غير الفاعل. فإن ارتبط بغير الفاعل وكان موافقا لغرضه سمّي حسنا في حق من وافقه ؛ وإن كان منافيا سمّي قبيحا ، وإن كان موافقا لشخص دون شخص سمّي في حق أحدهما حسنا ، وفي حق الآخر قبيحا. إذ اسم الحسن ، والقبيح بالموافقة ، والمخالفة ، وهما أمران إضافيان يختلفان بالأشخاص ويختلف في حق شخص واحد بالأحوال ، ويختلف في حال واحد بالأغراض ، فربّ فعل يوافق الشخص من وجه ، ويخالفه من وجه ، فيكون حسنا من وجه ، وقبيحا من وجه (غ ، ق ، ١٦٣ ، ١٤)

حسن ووجوب البعثة

ـ كما أنّه تعالى ، إذا كلّف ، فلا بدّ من أن يجب التمكين ، وإزاحة العلل بالألطاف ، وما شاكل ذلك. فإن كانت البعثة لا تحسن إلّا لهذا الوجه الذي ذكرناه ، فلا بدّ من أن يقترن الوجوب والحسن ، في كل حال. وإن كانت قد تحسن لوجه ، فالواجب أن ننظر في ذلك ؛ فربما وجبت مع حسنها ، وربما لم تجب بحسب قيام الدلالة (ق ، غ ١٥ ، ٦٣ ، ١٧)

حسيات

ـ الحسّيات أعني المدارك بالمشاهدة الظاهرة أو الباطنة ، مثاله : أنّا إذا قلنا مثلا : كل حادث فله سبب ، وفي العالم حوادث ، فلا بدّ لها من سبب ؛ فقولنا في العالم حوادث أصل واحد يجب على الخصم الإقرار به ، فإنّه يدرك بالمشاهدة الظاهرة حدوث أشخاص الحيوانات والنبات والغيوم والأمطار ، ومن الأعراض الأصوات والألوان ، وإن تخيّل أنّها منتقلة فالانتقال حادث ، ونحن لم ندّع إلّا حادثا ما ، ولم نعيّن أنّ ذلك الحادث جوهر أو عرض أو انتقال أو غيره ، وكذلك يعلم بالمشاهدة الباطنة حدوث الآلام والأفراح والغموم في قلبه وبدنه فلا يمكنه إنكاره (غ ، ق ، ٢٠ ، ٦)

ـ ما يكون غنيّا عن الاكتساب وما هو إلّا الحسيّات ، كالعلم بأنّ الشمس مضيئة والنار حارّة ، أو الوجدانيّات كعلم كل واحد بجوعه وشبعه وهي قليلة جدّا لأنّها غير مشتركة (ف ، م ، ٢٧ ، ٣)

حشر

ـ أمّا الحشر فيعني به إعادة الخلق. وقد دلّت عليه القواطع الشرعيّة وهو ممكن بدليل الابتداء. فإنّ الإعادة خلق ثان. ولا فرق بينه ، وبين الابتداء ، وإنّما يسمّى إعادة بالإضافة إلى الابتداء السابق. والقادر على الإنشاء ، والابتداء قادر على الإعادة (غ ، ق ، ٢١٣ ، ٣)

ـ أمّا الحشر : فهو عبارة عن إعادة الخلق بعد العدم ، ونشئاتهم بعد الرمم ، وقد اختلف فيه الإسلاميّون (م ، غ ، ٢٩٩ ، ١٤)

حشر الأجساد

ـ القول بحشر الأجساد حق ، والدليل عليه أنّ عود ذلك البدن في نفسه ممكن ، والله تعالى

قادر على كل الممكنات ، عالم بكل المعلومات ، فكان القول بالحشر ممكنا (ف ، أ ، ٨٩ ، ١٦)

حشوية

ـ أنكرت الحشوية من أهل القبلة رد المتشابه إلى المحكم ، وزعموا أنّ الكتاب لا يحكم بعضه على بعض ، وأنّ كل آية منه ثابتة واجب حكمها بوجوب تنزيلها وتأويلها ، ولذلك ما وقعوا في التشبيه ، وجادلوا عليه لمّا سمعوا من متشابه الكتاب فلم يحكموا عليه بالآيات التي جاءت بنفي التشبيه (ر ، أ ، ١٢٥ ، ١٩)

حطّة

ـ قيل : الحطّة : هو قول لا إله إلا الله ، سمّيت حطّة ، لأنّها تحط كل خطيئة كانت ؛ من الشرك وغيره. فكأنّهم أمروا بالإيمان والإسلام (م ، ت ، ١٦٦ ، ٨)

ـ قيل : " قولوا حطّة" : أي اطلبوا المغفرة ، والتجاوز عمّا ارتكبوه من المآثم والخطايا ، والندامة على ما كان منهم (م ، ت ، ١٦٦ ، ١٠)

حظ

ـ الحظ : الجدّ وهو البخت والدولة ، وصفوه أنّه رجل مجدود مبخوت يقال فلان ذو حظ وحظيظ ومحظوظ ، وما الدنيا إلّا أحاظ وجدود (ز ، ك ٣ ، ١٩٢ ، ٦)

حظر

ـ إنّ الحظر يتضمّن الكراهة (ق ، غ ١٦ ، ٥٨ ، ١٣)

ـ أمّا وجوب الأفعال وحظرها وتحريمها على العباد فلا يعرف إلّا من طريق الشرع ، فإن أوجب الله عزوجل على عباده شيئا بخطابه إيّاهم بلا واسطة أو بإرسال رسول إليهم وجب. وكذلك إن نهاهم عن شيء بلا واسطة أو على لسان رسول حرّم عليهم. وقبل الخطاب والإرسال لا يكون شيء واجبا ولا حراما على أحد (ب ، أ ، ٢٤ ، ٦)

ـ إنّ الحظر والوجوب أحكام لا ترجع إلى الأفعال حتى تكون صفات لها ، ولا الأفعال كانت على صفات من الحسن والقبح وردّ الشرع بتقريرها ، ولا قول الشارع أكسبها صفات لا تقبل الرفع والوضع ، بل الأحكام راجعة إلى أقوال الشارع ، وتوصف الأفعال بها قولا لا فعلا ، شرعا لا عقلا ، فيجوز أن يرتفع بعضها ببعض ، وذلك كالحرمة في الأجنبيات ترتفع بالعقد الصحيح ، والحلّ في المنكوحة يرتفع بالطلاق المبين ، وكأحكام المقيم تخالف أحكام المسافر ، وأحكام الرجال في بعض الأحوال ، تخالف أحكام ربّات الحجال ، وإذا كانت الأحكام قابلة للرفع والوضع والتغيير والتبديل ، فما المستحيل في وضع أحكام على أقوام في زمن ، ثم رفعها عن أقوام في زمن آخر (ش ، ن ، ٥٠١ ، ١٨)

حفظ

ـ اعلم أنّ الذي يبطل القول بأنّ في المكتوب كلاما وفي المحفوظ كلاما ، أن تبيّن حقيقة الكتابة وحقيقة الحفظ. والأصل إنّ للكتابة إمارة ودلالة على هذه الحروف التي ننطق بها. يبيّن هذا أنّ من عرف المواضعة فيها أمكنه أن يستدلّ بها على هذه الحروف ، ومن لم يعرف المواضعة فيها لا يمكنه ذلك ، ولو كان هناك

كلام لم يقف على العلم بمواضعة ثانية ، بل كانت المواضعة الأولى على الحروف كافية. ومعلوم أنّ عند العلم بما ذكرناه من المواضعة على أشكال الحروف تمكن القراءة سواء قدرنا أنّ هناك كلاما أو لم يكن ، فلا وجه لإثبات الكلام في المكتوب مع أنّ الحال ما ذكرناه. وليس من الواجب من حيث أمكنت معرفة مراد المتكلّم بالكتابة أن تثبت في كتابته كلاما. فإنّ ذلك يوجب أن يكون مع الإشارة ومع عقد الأصابع على ما يتعاطاه الطريقيون كلام من حيث تفهم البعض عن البعض بذلك غرضه ومراده. وربّما وقعت هذه المواضعة على المشي والخطى ولم يوجب ثبوت كلام معهما. فلا وجه لما ذهب إليه" أبو علي" ، وبمثل هذه الجملة يعرف أنّه لا كلام مع الحفظ ، لأنّ معناه العلم بكيفية إيراد الكلام على ضرب من النظام مع سلامة الآلة. فإذا حصل كذلك أمكنه أن يقرأ سواء تصوّرنا هناك كلاما أو لم يكن (ق ، ت ١ ، ٣٤٣ ، ٤)

حق

ـ قد دلّ الدليل على أنّ الجهل لا يكون إلّا باطلا ؛ فكذلك الكذب ؛ فإن الذي هو حق لا يكون إلّا كالعلم ، ومتى قيل فيما تناوله المذهب : " إنّه حق" فالمراد بذلك أنّه مطابق ؛ لأنّ هذه الصفة لا تليق إلّا بالعلم. والاعتقاد من حيث لا يتغيّر الحال فيه دون تغيير المعتقد ؛ ولهذه الجملة قلنا : إنّ ما طريقه الاعتقاد ، والتديّن ، دون العمل لا يجوز أن يكون الحق إلّا في واحد منه ، للعلّة التي قدّمناها (ق ، غ ١٧ ، ٣٥٥ ، ١٤)

ـ عن قتادة أنّ الحق هو الله ، ومعناه : ولو كان الله إلها يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلها ولكان شيطانا ، ولما قدر أن يمسك السموات والأرض (بذكرهم) أي بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو وصيّتهم وفخرهم (ز ، ك ٣ ، ٣٧ ، ١١)

ـ إنّ العباد هم الفاعلون للكفر ولكن قد سبق في علم الحكيم أنّه إذا خلقهم لم يفعلوا إلّا الكفر ولم يختاروا غيره ، فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم ، وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلّا واحد ، وهل مثله إلّا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا ، أما يطبّق العقلاء على ذمّ الواهب وتعنيفه والدق في فروته كما يذمّون القاتل ، بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشدّ؟ قلت : قد علمنا أنّ الله حكيم عالم بقبح القبيح عالم بغناه عنه ، فقد علمنا أنّ أفعاله كلها حسنة ، وخلق فاعل القبيح فعله ، فوجب أن يكون حسنا وأن يكون له وجه حسن ، وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه ، كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها (بالحق) بالغرض الصحيح والحكمة البالغة وهو أن جعلها مقارّ المكلّفين ليعملوا فيجازيهم (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ١٥)

حق مبين

ـ إن قلت ما معنى قوله (هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور : ٢٥)؟ قلت : معناه ذو الحق المبين : أي العادل الظاهر العدل الذي لا ظلم في حكمه ، والمحق الذي لا يوصف بباطل ، ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء ولا إحسان محسن (ز ، ك ٣ ، ٥٧ ، ٢٠)

حق مطلق

ـ يمكن أن يقال في معنى الحقّ المطلق إنّه هو الذي تحقّق كونه وصحّ وجوده وإنّه يكون باطلا ويكون معصية ومنهيّا عنه. فإذا قلنا إنّ ذلك معنى الحقّ المطلق اطّرد ذلك في تسميتنا لله حقّا ولكلامه حقّا. ألا ترى أنّ الله تعالى سمّى نفسه حقّا فقال (أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور : ٢٥) ، وسمّى كلامه حقّا فقال تعالى (قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ) (الأنعام : ٧٣). ويقال إنّ الجنّة حقّ والنار حقّ والبعض حقّ والموت حقّ على معنى أنّ ذلك ممّا هو كائن أو سيكون لا محالة (أ ، م ، ٢٥ ، ١٦)

حقيقة

ـ في إثبات الحقيقة والمجاز وفي حدّها : أمّا إثباتهما في اللغة فظاهر في الجملة ، لقول أهل اللغة : " هذا الاسم حقيقة ، وهذا الاسم مجاز". وإذا عرفنا ماهيتهما ، تكلّمنا في إثباتهما على التفصيل. فأمّا حدّهما ، فهو أنّ" الحقيقة" ما أفيد بها ما وضعت له في أصل الاصطلاح الذي وقع التخاطب به. وقد دخل في هذا الحدّ الحقيقة اللغوية ، والعرفية ، والشرعية." والمجاز" هو ما أفيد به معنى مصطلحا عليه ، غير ما اصطلح عليه في أصل تلك المواضعة التي وقع التخاطب فيها (ب ، م ، ١٦ ، ١٧)

ـ قد حدّ الشيخ أبو عبد الله أخيرا" الحقيقة" بأنّها ما أفيد بها ما وضعت له. وحدّ" المجاز" بأنّه ما أفيد به غير ما وضع له. وهذا يلزم عليه أن يكون من استعمل اسم" السماء" في" الأرض" قد يجوّز به ، لأنّه قد أفاد به غير ما وضع له (ب ، م ، ١٧ ، ٩)

ـ حدّ الشيخ أبو عبد الله رحمه‌الله أولا" الحقيقة" بأنّه ما انتظم لفظها معناها من غير زيادة ولا نقصان ولا نقل. وحدّ" المجاز" بأنّه ما لا ينتظم لفظه معناه إما لزيادة أو لنقصان أو لنقل عن موضعه. فالذي لا ينتظم لفظه معناه لأجل زيادة ، هو الذي ينتظم المعنى إذا أسقطت الزيادة ، نحو قوله سبحانه : ... (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ... (الشورى : ١١).

فإنّ الكاف زائدة. فمتى أسقطناها صار" ليس مثله شيء". وأمّا الذي لا ينتظم المعنى لأجل النقصان ، فهو الذي ينتظمه إذا زدنا في الكلام ما نقص منه ، نحو قوله عزوجل : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) ... (يوسف : ٨٢). لأنّه قد أسقط من الكلام" أهل القرية". ومثال نقل من موضعه ، قول القائل : رأيت الأسد. وهو يعني الرجل الشجاع (ب ، م ، ١٨ ، ٦)

ـ قاضي القضاة رحمه‌الله يذهب إلى تصحيح الحدّ الذي ذكره أبو عبد الله أخيرا ، ويقول : إنّ ما ذكره أولا هو صفة الحقيقة والمجاز ، وليس بحدّ. قال لأنّ الاسم إذا كان تارة حقيقة أو أفيد به غير ما وضع له ، فيكون مجازا. ولقائل أن يقول : بل الغير الذي به يكون حقيقة ، هو أن ينتظم لفظه معناه من غير زيادة ولا نقصان ولا نقل. والذي به يكون مجازا ضدّ ذلك. والذي ينصر به الحدّ ، هو أنّ المجاز مقابل للحقيقة. فحدّ أحدهما يجب كونه مقابلا لحدّ الآخر. والمفهوم من قولنا" مجاز" ، هو أنّه قد يجوز به ، ونقل عن موضعه الذي هو ألحق به. وهذا هو معنى ما حدّدنا به" المجاز". فيجب أن يكون حدّ" الحقيقة" ما لم ينقل عن موضعه. وهذا معنى ما حدّدنا به" الحقيقة" (ب ، م ، ١٩ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الحقيقة تنقسم بحسب المواضع التي تكون حقيقة فيها ، وبحسب إطلاق فائدتها وكونها مشروطة ، وبحسب كيفية دلالتها. فأمّا الأول ، فهو أنّ الحقيقة إمّا أن تكون لغويّة وإمّا عرفيّة وإمّا شرعيّة. لأنّ اللفظ إذا أفاد المعنى على سبيل الحقيقة ، فإمّا أن يفيده بمواضعة شرعية ، أو غير شرعية بل لغوية. واللغوية ضربان : إمّا أصلية أو طارئة وهي العرفيّة. والمجاز أيضا قد يكون مجازا في اللغة ، أو في العرف ، أو في الشرع. وأمّا القسمة الثانية ، فهي أنّ اللفظة إذا أفادت فائدة على الحقيقة ، فإمّا أن تفيدها على الإطلاق وإمّا بشرط. فالأول كقولنا" طويل" يفيد ما اختصّ بالطول في أي جسم كان. وهذا ضربان : أحدهما يفيد فائدة واحدة ، والآخر يفيد أكثر من فائدة واحدة. والثاني نحو قولنا" أبلق" ، يفيد اجتماع البياض والسواد بشرط أن يكون في الخيل. وأمّا القسمة الثالثة فهي أنّ الحقيقة إمّا أن تكون اسما أو فعلا أو حرفا. وذلك أنّها إمّا أن تستقل إفادتها بنفسها ، ولا تفيد على طريق التبع ؛ وإمّا أن تفيد على طريق التبع ، ولا تستقلّ بنفسها. كالحرف فإنّه يفيد فائدة ما دخل عليه ، نحو الفاء المفيدة للتعقيب بين شيئين ، والواو المفيدة للجمع. والأول ضربان : أحدهما يفيد ما يفيده مع زمان وهو الفعل ، والآخر يفيد بلا زمان هو الاسم (ب ، م ، ١٩ ، ٩)

ـ اعلم أنّ من أحكام الحقيقة والمجاز أنّهما لا يدخلان أسماء الألقاب ، لأنّ الحقيقة هي ما أفيد بها ما وضعت له. والمجاز هو ما أفيد به معنى غير ما وضع له ، على ما تقدّم. ونعني بقولنا" ما وضعت له" وضع أهل اللغة. وكون اللفظ حقيقة ومجازا تبعا لكونها موضوعة لشيء قبل استعمال المستعمل ، حتى إن استعملها المستعمل في معنى آخر ، كانت مجازا. وأسماء الألقاب لم تقع على مسمّياتها المعيّنة بوضع من أهل اللغة ولا من الشرع ، حتى يكون من اتّبعهم فيها في أصل موضوعهم كان قد استعملها على الحقيقة ؛ ومن استعملها فيه على طريق التبع كان متجوّزا بها (ب ، م ، ٣٤ ، ١٢)

ـ الحدّ والحقيقة على أصل نفاة الأحوال عبارتان عن معبّر واحد ، فحدّ الشيء حقيقته ، وحقيقته ما اختصّ في ذاته عن سائر الأشياء ، ولكل شيء خاصيّة بها يتميّز عن غيره ، وخاصيّته تلزم ذاته ولا تفارقه ولا يشترك فيها بوجه ، وإلّا بطل الاختصاص (ش ، ن ، ١٣٥ ، ١٥)

حقيقة الشيء

ـ حقيقة الشيء عنده نفس الشيء إذا كان فيما يوصف به الشيء ويرجع إلى نفسه. وحقيقته معناه الذي يشتقّ الوصف منه إذا كان جاريا مجراه ، كقولنا" أسود" و" متحرّك" و" طويل" و" قصير" و" عالم" و" قادر" و" متكلّم" ، حقيقة جميع ذلك وما يجري مجراه معانيه التي منها تشتقّ هذه الأوصاف (أ ، م ، ٢٦ ، ١٣)

حكاية

ـ إنّ في الجملة التي نوردها في أحكام الكلام ليس المقصد بها إلّا بيان ما يتّصل بالقرآن ، فإنّه الدلالة على الأحكام. واختلف في هذا المسموع هل هو نفس ما أحدثه الله تعالى ، فتكون الحكاية هي المحكي ، أو هو على مثل الصورة التي فعلها الله تعالى ، ابتداء ، فتكون

الحكاية غير ما هو محكي. والذي يقوله" أبو هاشم" وأصحابه و" الجعفران" من قبل ومذهب" أبي القاسم" و" الإخشيديّة" أنّ الحكاية غير المحكي ، لمّا كان الكلام عندهم من قبيل الأصوات وهي لا تبقى. فلم يكن بدّ من القول بذلك. ومع ذلك فقد ثبتوا على ما دلّ عليه الإجماع من قول المسلمين إن هذا هو كلام الله تعالى على الحقيقة ، لأنّ العرف قد جرى بمثل ذلك في إضافة الكلام والشعر والخطبة وغيرها إلى من بدأ بها أولا (ق ، ت ١ ، ٣٤١ ، ٧)

ـ أمّا" أبو الهذيل" و" أبو علي" فقالا إنّ الحكاية عين المحكي لقولهما بأن الكلام باق وأنّه معنى غير الصوت. وأدّى" أبا علي" قوله إنّه لو لم يكن الأمر كذلك لقدر أحدنا على الإتيان بمثله إلى أن يقال : إنّ مع الحفظ كلاما ومع المكتوب كلام. فأجاز وجود الكلام وهو شيء واحد بمعان في محال ، فأجراه مجرى الجوهر من وجه وخالف بينه وبين الجوهر ، من حيث أنّ الجوهر لا يصحّ أن يكون في الوقت الواحد في جهات ، وصحّ عنده أن يكون الكلام في وقت واحد في محال لمّا كانت الأمور التي بها تصير كذلك لا يتضادّ ، وما به يصير الجوهر في الجهات يتضادّ ولم يجوز عدم الكلام إلّا بعد عدم كل الأصوات وكل الكتابات وكل الحفظ. وأجزى هو من ذهب مذهبه كل الكلام على هذا الحدّ إلا" الإسكافي" فإنه رأى أنّ الذي دعا إلى ذلك هو متابعة المسلمين على قولهم إنّ هذا كلام الله ، وظنّ أنّه لا يتمّ إلّا بأن يبقى. فقال فيه بمثل ما حكيناه من أنّ الحكاية هي المحكي (ق ، ت ١ ، ٣٤١ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ هذه المقدّمة تقتضي أن نبيّن القول في الحكاية والمحكي ، وأنّ ما نسمعه من القرآن هو نفس كلام الله تعالى الذي أوجده ابتداء أو هو غير ذلك. وإنّما سمّيناه كلاما له في الحقيقة للعرف الحاصل فيه وفي أمثاله ، وقد كثر الخلاف في هذا الباب. فالذي كان يقوله أبو الهذيل العلاف وأبو علي أنّ الحكاية هي المحكي ، لأنّهما جعلا الكلام معنى باقيا غير الصوت ، وجعلا المراد بالقراءة الصوت وبالمقروء الحرف الباقي فأثبتوا أحدهما غير الآخر ، وجعلوا الحكاية والمحكي سواء ، وقالوا بأنّ هذا المسموع نفس ما أوجده الله تعالى. وأثبت أبو علي الكلام موجودا في المحلّ بغيره ، كما أوجب وجود الجوهر في جهة بغيره فقال : إذا كان متلوّا وجد مع الصوت ، وإذا كان محفوظا فمع الحفظ ، وإذا كان مكتوبا فمع الكتابة ، فأثبت مع الحفظ والكتابة كلاما كما أثبته مع التلاوة (أ ، ت ، ٤١٦ ، ٨)

ـ الذي يقوله شيخنا أبو هاشم أنّ الحكاية غير المحكي ، ولا يقول بأنّ القراءة غير المقروء لأنّ المرجع بهما هو إلى الصوت المخصوص ، كما أنّ الكتابة والمكتوب واحد ، إلّا أن يراد دلالتها على المعاني ، وهذا مذهب الجعفرين ومذهب أبي القاسم وابن الإخشيد ، وهكذا يجب أن يقول به كل من ذهب إلى أنّ الكلام لا يبقى وأنّه راجع إلى الأصوات المخصوصة على ما تقدّم (أ ، ت ، ٤١٧ ، ١٨)

ـ أمّا الدلالة على أنّ الحكاية غير المحكيّ ، فهو أنّ الكلام قد ثبت أنّه من جملة الأصوات وأنّ البقاء لا يصحّ عليه. فكذلك الكلام إذا لم يبق

وجب فيما نسمعه أن يكون غير ما نستمع من الله تعالى أولا ، كما أنّ الذي نسمعه من شعر الشعراء وخطب الخطباء غير ما سمع منهم (أ ، ت ، ٤١٨ ، ١٤)

حكم

ـ قال واصل للخوارج : وجدت أحكام الكفّار المجمع عليها المنصوصة في القرآن كلها زائلة عن صاحب الكبيرة ؛ فوجب زوال اسم الكفر عنه بزوال حكمه ، لأنّ الحكم يتبع الاسم ، كما أنّ الاسم يتبع الفعل (خ ، ن ، ١١٨ ، ٢١)

ـ قيل : وإذا حكم حكما" فإنّما يقول له : كن فيكون" (م ، ت ، ٢٦٧ ، ١٥)

ـ إنّ الحكم عندنا الذي زعمت أنّه موجب عن العلّة ليس هو شيئا غير العلة ؛ لأنّ كون العالم عالما ، والمتحرّك متحرّكا ، ليس بمعنى أكثر من وجود الحركة والعلم فقط (ب ، ت ، ٦٦ ، ٣)

ـ إنّ الحكم الواجب عن العلّة لا يصحّ أن ينفصل عن العلّة ولا عن الجهات التي توجد بها العلّة (ب ، ت ، ٦٦ ، ٧)

ـ أمّا الإعلام فهو فعل العلم. وأمّا الأمر والحكم فيرجعان إلى الكلام ، وكلامه لم يزل (أ ، م ، ٤٩ ، ٣)

ـ الحكم يتبع تعلّق الفعل بالفاعل ، وأن يكون تعلّقه به تعلّق الحدوث. وهذا يوجب أن يكون الكذب متعلّقا بالواحد منا ، وأن يكون محدثا من قبله حتى يصحّ استحقاقه الذم (ن ، د ، ٤٣ ، ١)

ـ إنّ صحة الفعل حكم ليس بصفة ، فالحكم أبدا يتبع الصفة ، لأنه كالحقيقة فيها والمنبئ عنها ، فيجب أن ترجع الصفة والحكم ، كل واحد منهما ، إلى ما يرجع إليه الآخر. فإذا كانت الصفة ترجع إلى الجملة أو المحل وجب في الحكم ذلك (ن ، د ، ٤٨٩ ، ١)

ـ إنّ الحكم لا يثبت إلّا بالشرع ، ولا حاكم على الشرع فلا يجب عليه (الله) شيء (ف ، م ، ١٥٤ ، ١٨)

ـ الحكم تأليف بين مدركات بالحسّ أو بغير الحسّ على وجه يعرض المؤلّف لذاته إمّا الصّدق أو الكذب (ط ، م ، ١٢ ، ١٥)

حكم الاعتقاد

ـ إنّ الظنّ له حكم يختصّ به في الوجه الذي يحسن عليه ويقبح ، مخالف للوجه الذي له تحسن وتقبح الاعتقادات. ولذلك قد يحسن الظنّ عند الأمارة وإن كان مظنونه لا على ما ظنّه ، كما قد يحسن إذا كان على ما ظنّه ؛ وليس كذلك الاعتقاد ، لأنّ معتقده إذا لم يكن على ما اعتقده فهو جهل قبيح لا محالة ؛ فلذلك فرّقنا بين الأمرين. ولذلك قد يقبح في الشاهد من أحدنا أن يعتقد في التجارات والعلاجات الشيء لا على طريق الظنّ ، وإن حسن منه أن يظنّ على ما تقتضيه الأمارات (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٨ ، ١٨)

حكم إلا لله

ـ معنى قوله سبحانه ، إنّ الحكم إلّا لله أي إذا أراد شيئا من أفعال نفسه فلا بدّ من وقوعه بخلاف غيره من القادرين بالقدر ، فإنّه لا يجب حصول مرادهم إذا أرادوه (أ ، ش ٤ ، ٣٣٣ ، ٢)

حكم الأمر والنهي

ـ إنّ نهيه (الله) يدلّ على أنّ المنهيّ عنه فساد ، وأمره يدلّ على أنّ ما أمر به صلاح ، فهما دلالتان على حال الفعلين ، لا أنّهما يوجبان

قبح أحدهما وحسن الآخر : وليس كذلك حكم الأمر والنهي منّا ، لأنّ دلالتهما على قبح الفعل وحسنه لا تصحّ ، إلّا أن يقعا من نبي ، فيجريان مجرى ما يقع من القديم تعالى في باب الدلالة ، وليس كذلك ما ذكروه من أنّ النهي يوجب قبحه على سبيل الدلالة ؛ لأنّ ذلك يوجب أنّ نهي غيره كنهيه في هذا الباب (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٣ ، ١٦)

حكم التعلّق

ـ حكم التعلّق إنّما يظهر بما يصحّ أن يحدث. فإذا امتنع حدوثه واستحال بكل حال فكيف تبقى متعلّقة؟ وليست القدرة مما يتجدّد تعلّقها فيقال إنّها كانت في الأوّل متعلّقة بشيء ، فلمّا تقضّى وقته تجدّد لها التعلّق بشيء آخر ، بل إنّما تتعلّق في أوّل حال وجودها بكل ما يصحّ حدوثه بها. فما حصل فيه هذا الشرط استمرّ التعلّق وما لم يحصل كذلك زال فيه التعلّق (ق ، ت ٢ ، ١٠١ ، ٩)

حكم الحسن

ـ إنّ حكم الحسن إنّما هو نفي استحقاق الذمّ به ، وهذا لا يحتاج فيه إلى وجه لرجوعه إلى النفي. وإنّما الذي يحتاج فيه إلى وجه فما له مدخل في استحقاق الذمّ أو المدح فيكون إثباتا يحتاج إلى وجه ، وليس كذلك الحال في الحسن (ق ، ت ١ ، ٢٤٠ ، ٧)

ـ حكمه (الحسن) في أنّه ينقسم : ففيه ما يحصل كذلك بالفاعل ؛ وفيه ما لا يحصل كذلك به ؛ كالقول فيما قدّمناه ، وكذلك في أكثر ما سبق القول فيه. ويستحقّ الواحد منّا الثواب على ذلك من حيث فعله على وجه يشقّ عليه فعله ، أو يشقّ عليه فعل سببه ، أو لأنّه عدل به عمّا هو أشهى إليه منه ، فيصير أنّه لحقته مشقّة. ولذلك لا يستحقّ تعالى الثواب على فعل الواجبات ، لو صحّ إثبات موجب يوجب عليه الأفعال ؛ ويستحقّ بالإنعام والإحسان الشكر ، وهو أمر زائد على المدح والثواب ، وقد يستحقّ به إسقاط العقاب والذمّ إذا كان ما يستحقّ به من المدح والثواب أكثر منه ؛ وقد بيّنا كيفية القول في ذلك. وقد يستحقّ بالنعمة ، إذا كانت مخصوصة ، العبادة. وهذا مما يختصّ به تعالى ، لاختصاص نعمه بأنّها تستقلّ بنفسها ، وأنّها أصول النعم ، ولا تتمّ نعمة غيره نعمة إلّا بها ، فصارت كأنّها النعمة فقط ، فصحّ أن يستحقّ بها العبادة. والإلجاء يزيل هذه الأحكام ، ويغيّر حالها في الوجوب. لأنّ كون الفعل واجبا ، وفاعله ملجأ إلى فعله ، يتناقض (ق ، غ ٨ ، ١٧٥ ، ١٨)

حكم حسي

ـ كلّ ما هو محسوس لا يمكن أن يوصف ، من حيث كونه محسوسا ، بكونه يقينيّا أو غير يقينيّ ، أو حقّا أو باطلا ، أو صوابا أو غلطا ، فإنّ جميع هذه الأوصاف من لواحق الأحكام ، اللهم إلّا إذا قارن المحسوس حكم غير مأخوذ من الحسّ ، وحينئذ يوصف بهذه الأوصاف من حيث كونه حكما ، ويقال له حكم حسّي ، يقينيّ أو غير يقينيّ (ط ، م ، ١٢ ، ٢٢)

حكم السبب والمسبب

ـ قد استدلّ بما قاله أبو علي رحمه‌الله من أنّ القدرة لو كانت لا تنفكّ من الفعل لوجب أن يكون لها تأثير الموجبات ، من حيث أحالوا وجودها إلّا والفعل موجود وهذا أبلغ ما يقال في أحكام الموجبات. فيجب أن يكون الفعل

الواقع من فعل فاعلها وأن ترجع أحكامه إليه دوننا ، لأنّه قد فعل ما يوجب هذا الفعل على أبلغ ما يمكن. فصار حكمه حكم السبب والمسبّب ، فكما أنّا نضيف المسبّب إلى فاعل السبب فكذلك يجب في القدرة ومقدورها. وهذا يخرج فعلنا من أن يكون له تعلّق بنا. وإذا لم يتعلّق بنا لم يرجع حكمه إلينا كما لا يرجع حكم القدرة إلينا ، لأنّا أحدنا لا يوصف بالمدح والذمّ وما يتبعهما لما أوجده الله فيه من القدرة ، فكان ينبغي أن يحلّ الفعل محلّها. وقد عرفنا باضطرار خلاف ذلك فيما فعله من قبيح وحسن. ومتى أخرجوا أحدنا عن كونه فاعلا ولم يثبتوا تعلّقا لفعله به ، فالقدرة لا يصحّ إثباتها فضلا عن غير ذلك (ق ، ت ٢ ، ١١٦ ، ٧)

حكم الصفة

ـ إنّ حكم الصفة لا ينفصل عنها ، ويجري مجرى معلول العلّة مع العلّة ، فإذا امتنع الحكم عرفنا امتناع الصفة الموجبة له ، فلا يصحّ وقوفه على شرط كما لا يصحّ مثله في العلّة. ولو لا ذلك لصحّ كونه كائنا في العدم ، ويشترط ظهور حكمه بالوجود (أ ، ت ، ٧٩ ، ١)

حكم الضدين

ـ إنّ التضادّ إذا منع من الاجتماع منع من تجويز الاجتماع ، لمّا قد عرفنا أن حكم الضدّين أن لا يجتمعا وأن لا يصحّ وصفهما بجواز الاجتماع (ق ، ت ٢ ، ٧٥ ، ١١)

حكم الظن

ـ إنّ الظنّ له حكم يختصّ به في الوجه الذي يحسن عليه ويقبح ، مخالف للوجه الذي له تحسن وتقبح الاعتقادات. ولذلك قد يحسن الظنّ عند الأمارة وإن كان مظنونه لا على ما ظنّه ، كما قد يحسن إذا كان على ما ظنّه ؛ وليس كذلك الاعتقاد ، لأنّ معتقده إذا لم يكن على ما اعتقده فهو جهل قبيح لا محالة ؛ فلذلك فرّقنا بين الأمرين. ولذلك قد يقبح في الشاهد من أحدنا أن يعتقد في التجارات والعلاجات الشيء لا على طريق الظنّ ، وإن حسن منه أن يظنّ على ما تقتضيه الأمارات (ق ، غ ١٢ ، ٥٢٨ ، ١٥)

حكم عقلي

ـ الحكم العقلي في الشيء قد يكون لعينه مثل كون العرض سوادا وكون العرض مفتقرا إلى محل. وقد يدلّ الشيء في العقل لنفسه على غيره كدلالة الفعل لنفسه على فاعل. وكذلك الفعل لنفسه يدلّ على قدرة فاعله وعلمه به وإرادته له. وقد يكون الشيء في العقل دليلا على غيره لوقوعه على وجه لو وقع على خلافه لم يكن دليلا عليه كدلالة المعجزة على صدق من ظهرت عليه ، لوقوعها ناقضة للعادة. ولو جرت العادة بمثلها ما دلّت على صدق الصادق (ب ، أ ، ٢٠٥ ، ١٠)

حكم العلة

ـ إنّ العلّة توجب ما توجبه من الحكم على الحدّ الذي تجب الصفة للموجود ، كالتحيّز في الجوهر والهيئة في السواد. فكما أنّ تلك الصفة الواجبة للموجود لا تقف على شرط منفصل ، لأن تجويز وقوفها على شرط منفصل يمنع كونها مقتضاة عن صفة الذات ، فكذلك حكم العلّة وجب أن لا يقف على شرط منفصل ، لأنّ وقوفه على شرط منفصل يمنع من

كونه موجبا على علّة ، لما بيّنا (ن ، د ، ١٧٧ ، ٤)

حكم الفاعل

ـ إنّ من حكم الفاعل أن يصحّ أن يفعل وأن يصحّ أن لا يفعل ، ولكن في كلى الجانبين لا بدّ من أن تعتبر طريقة مخصوصة. فيقال : قد يصحّ أن يفعل بلا واسطة وبواسطة. وكذلك في أن لا يفعل يصحّ أن لا يفعل بلا واسطة ، ويصحّ أن لا يفعل بواسطة. فإن كان مبتدأ صحّ منه فعله وأن لا يفعله لا بأن تكون هناك واسطة توجد أو لا توجد ، وإن كان متولّدا يصحّ منه فعله بأن يفعل له واسطة ، وأن لا يفعله بأن لا يفعل الواسطة التي هي السبب. وبهذا يتميّز الفاعل من غيره. فلا يجب أن يجري الجميع مجرى واحدا ، وحلّ ذلك محلّ الآلات في الأفعال لأن هذه الأفعال فيها ما يصحّ منّا فعله بلا آلة ، وفيها ما لا يصحّ أن نفعله إلّا بآلة. ثم كانا سواء في إضافتهما إلينا وتعلّقهما بنا. وكذلك الحال في الأفعال على اختلاف أحوالها ، ولسنا نقول إنّ من حقّه أن يصحّ أن نفعله وأن نفعل ضدّه بدلا منه ، لأنّه قد يكون في مقدورات العباد ما لا ضدّ له ولا نقول : كان يصحّ أن نتركه بدلا من أن نفعله ، لأنّ الترك هو الضدّ وأمر زائد عليه. فما لا ضدّ له فلا ترك له (ق ، ت ١ ، ٤٠٢ ، ٢٤)

حكم في الآخرة

ـ واعلم أنّ الحكم في الآخرة هو الحكم في الدنيا ، ميزان قسط وحكم عدل ، وقد قال الله تعالى (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) (المؤمنون : ١٠٢ ـ ١٠٣). وهذا مثل ضربه الله لأنّ الناس يعلمون أن لو وضع في إحدى كفّتي الميزان شيء ولم يك في الأخرى قليل ولا كثير ، لم يكن للوزن معنى يعقل. وذلك أنّ أحدا من الخلق لا يخلو من هفوة أو زلّة أو غفلة ، فأخبر أنّ من كانت حسناته الراجحة على سيّئاته ، مع الندم على السيّئات ، كان على سبيل النجاة وطريق الفوز بالإفلاح ، ومن مالت سيئاته بحسناته كان العطب والعذاب أولى به (ج ، ر ، ١٠ ، ٩)

حكم القبيح

ـ (حكم) القبيح على ضربين : أحدهما يكون قبيحا بفاعله ، والمراد بذلك أنّ ما له قبح يتعلّق بأحواله ، ويصحّ أن لا يفعله عليه. ثم ينقسم : فمنه ما وجه القبح نفسه يتعلّق به ، ومنه ما يتعلّق به أمر آخر يتبعه وجه القبح. فالأول كالعبث الذي يمكنه أن يوجده على وجه لا يكون عبثا ، وكأمر الغير بما لا يتمكّن منه إذا أمكنه أن يمكّنه منه ، فيخرج من أن يكون قبيحا. والثاني مثل الكذب ، فإنّه يكون خبرا بالفاعل ، وكونه كذبا يتبع كونه خبرا ، إلّا أنّه إذا كان خبرا به جاز أن يقال : إنّه إنّما صار كذبا به ، وإن لم يكن كونه كذبا مما يتعلّق باختياره مع تقدّم كونه خبرا ، لأنّ القصد واحد. وليس هناك قصدا أن يصير بأحدهما خبرا وبالآخر كذبا. إلّا أنّه متى أمكنه أن يقصد به الإخبار عن زيد دون غيره ، وقصد به إلى واحد ليس هو على ما أخبر عنه ، صار كونه كذبا كأنّه به من هذا الوجه. فيجب أن يكون كلا القسمين قبيحا بفاعله ، وإن افترقا في الوجه الذي ذكرناه. ولا يمتنع أن يكون الذمّ الذي يستحقّه على فعله ، وحاله ما ذكرناه ، أكثر من الذمّ الذي يستحقّه على القبيح الذي لا يكون قبيحا ، وهو موقوف في ذلك على

الدلالة. والضرب الثاني ، ما يكون قبيحا ولا يتعلّق قبحه بالفاعل ، كالجهل وغيره. وهذا القسم في أنّه يستحقّ عليه الذمّ ، كالأوّل. لأنّه وإن لم يكن قبيحا وباختياره ، فإنّه يمكنه أن لا يحدثه ، فلا يحصل على الوجه الذي يقبح عليه. فمتى أحدثه وحصل من حيث أحدثه على الوجه الذي يستحقّ الذمّ به ، صار وجه القبح كأنّه معلّق به من حيث كان تابعا للحدوث المتعلّق به. ولو لا كونه تابعا لما يتعلّق به ، لم يستحقّ الذمّ به ، كما لا يصحّ أن يستحقّ الذمّ بما لا تعلّق له به البتّة. كفعل غيره وكفعله في صفات نفسه. ومتى حصل فاعل القبيح ملجأ إليه ومحمولا عليه ببعض وجوه الإلجاء ، خرج من أن يستحقّ به سائر ما ذكرناه من الأحكام ، وصار ذلك الفعل كأنّه فعل الملجأ من حيث فعل ما أوجب وجوده لأجله ولم يصحّ العدول عنه (ق ، غ ٨ ، ١٧١ ، ١١)

حكم الكراهة

ـ ثم الكلام في حكم الكراهة كالكلام في حكم الإرادة فيما قلنا من أنّها لا تتعلّق إلّا بالحدوث ، ولا تكون كراهة لشيء أراده على وجه من الوجوه فلا وجه لإعادته (ق ، ت ١ ، ٣٠٠ ، ٢١)

حكم لعلة

ـ إنّ كل شيء حصل له حكم لوقوعه على وجه ، وجب له ذلك متى وقع على ذلك الوجه. ألا ترى أنّ العلم لمّا كان علما لوقوعه على وجه ، وجب كونه كذلك متى حصل الوجه الذي له كان علما؟ وكذلك القول فيما له يصير الخبر خبرا. ولذلك قلنا إنّ ما أوجب حكما لوقوعه على وجه ، فهو بمنزلة ما استحقّ الحكم لعلّة في أنّ حال حصول الحكم حال حصول الوجه الذي له حصل ، كذلك إذا صحّ عليه ذلك الحكم. وقد بيّنا من قبل أنّ كون القول كذبا يقتضي قبحه ، وإن كان راجعا إلى جملة الحروف ، وأنّ ذلك لا يمتنع فيه ، وإن كان القبح يتعلّق بكل جزء من أجزائه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٣ ، ١٠)

حكم لوقوع على وجه

ـ إنّ كل شيء حصل له حكم لوقوعه على وجه ، وجب له ذلك متى وقع على ذلك الوجه. ألا ترى أنّ العلم لمّا كان علما لوقوعه على وجه ، وجب كونه كذلك متى حصل الوجه الذي له كان علما؟ وكذلك القول فيما له يصير الخبر خبرا. ولذلك قلنا إنّ ما أوجب حكما لوقوعه على وجه ، فهو بمنزلة ما استحقّ الحكم لعلّة في أنّ حال حصول الحكم حال حصول الوجه الذي له حصل ، كذلك إذا صحّ عليه ذلك الحكم. وقد بيّنا من قبل أنّ كون القول كذبا يقتضي قبحه ، وإن كان راجعا إلى جملة الحروف ، وأنّ ذلك لا يمتنع فيه ، وإن كان القبح يتعلّق بكل جزء من أجزائه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢٣ ، ٦)

حكم مريد وكاره

ـ أمّا حكم كونه مريدا وكارها فظاهر لأنّ لأجل كونه مريدا يصحّ اختصاص أفعاله بوقوعها على وجوه دون وجوه غيرها ، وقد ثبت ذلك في الخطاب وقد ثبت في غير الخطاب من نحو الآلام والتعويض والإثابة والعقاب وغير ذلك ، لأنّ كل هذا تتغيّر أحواله بالقصود. وأمّا في كونه كارها فلا حكم له يرجع إلى فعله إلّا ما يتعلّق بالنهي والتهديد ، فلولا كونه كارها ما

صحّ أن يكون ناهيا ولا مهدّدا (ق ، ت ١ ، ١٦٢ ، ٣)

حكم موجود

ـ أمّا حكم كونه موجودا فهو ظهور أحكام الذوات لأنّه موقوف على الوجود ، فما لم يكن موجودا لا يثبت الصفات المقتضاة ولا يثبت الأحكام الراجعة إليها ، فكأنّ الذات تكون معلومة قبل العلم بوجودها. وإنّما نعلم هذه الأحكام له عند الوجود ، ولا يصحّ لو لا الوجود ، ولا فرق في هذا بين سائر الموجودات على ما سلف القول فيه (ق ، ت ١ ، ١٥٩ ، ٢٧)

حكم النسخ

ـ حكم النسخ عندنا على ضربين : أحدهما نسخ جميع الحكم كنسخ وجوب الوصيّة للوالدين والأقربين بميراثهم. والثاني نسخ بعض حكم الشيء كالصلاة إلى بيت المقدس نسخ منها التوجّه ... إلى الكعبة (ب ، أ ، ٢٢٦ ، ٧)

حكمة

ـ أمّا وصف الفعل بأنّه صواب وحكمة فقد يكون على معنى موافقة الأمر وعلى معنى إصابة المراد ، والحكمة يكون بمعنى العلم وبمعنى أنّه فعل محكم وبمعنى أنّه فعل حسن صواب (أ ، م ، ٩٧ ، ٣)

ـ أمّا الحكمة فتطلق على معنيين : أحدهما الإحاطة المجرّدة بنظم الأمور ومعانيها الدقيقة ، والجليلة. والحكم عليها بأنّها كيف ينبغي أن تكون حتى تتمّ منها الغاية المطلوبة بها. والثاني أن تنضاف إليه القدرة على إيجاد الترتيب ، والنظام ، وإتقانه ، وإحكامه (غ ، ق ، ١٦٥ ، ١٣)

ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (النحل : ٩٣) حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار وهو قادر على ذلك (ولكن) الحكمة اقتضت أن (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وهو أن يخذل من علم أنّه يختار الكفر ويصمّم عليه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وهو أن يلطف بمن علم أنّه يختار الإيمان : يعني أنّه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحقّ به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك ، وحقّقه بقوله (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل : ٩٣) ولو كان هو المضطر إلى الضلال والاهتداء لما أثبت لهم عملا يسألون عنه. ثم كرّر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم ما يركب منه فقال (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) (النحل : ٩٤) فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) (النحل : ٩٤) في الدنيا يصدوكم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (النحل : ٩٤) وخروجكم من الدين أو بصدّكم غيركم ، لأنّهم لو نقضوا إيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها (ز ، ك ٢ ، ٤٢٦ ، ١٣)

حكمة في التكليف

ـ قد ثبت أنّ العلم بأن في الفعل نفعا يدعو إلى فعله ، والعلم بأنّ فيه ضررا يصرف عن فعله. ومتى لم يثبت هذا صارفا وذاك داعيا ، لم يصحّ إثبات شيء من الدواعي والصوارف ، لأنّ هذا الباب هو من آكدها. حتى أن العاقل إذا علم أو اعتقد المنفعة العظيمة صار ملجأ إلى الفعل ، ومتى عظمت المضرّة صار ملجأ إلى الترك ،

فيخرج عند ذلك من أن يكون مكلّفا لقوة هذه الدواعي. وإذا صحّ ما ذكرناه ، وكان النفع اليسير يدعو إلى الفعل ، وكذلك المنقطع المتنغّص ، فالنفع الدائم الذي لا يشوبه تنغيص أولى أن يكون داعيا إلى الفعل ، وكذلك حال المضرّة التي هي عقاب ، أن العلم بها يدعو إلى الانصراف عمّا يستحقّ بها. فإذا صحّ ذلك ، وجب في الحكمة إذا أراد تعالى تكليف العبد أن يفعل فيه هذه الدواعي أو يمكنه من فعلها. لأنّ ما يكون عنده أبعد من فعل القبيح أقرب إلى فعل الحسن الواجب ، يجري مجرى نفس الواجب ، والامتناع من القبيح في أنّه تعالى يجب أن يلزم المكلّف كما تلزم الواجبات في عقله. وهذا باب منفرد بنفسه ، لا يجب أن يحمل على سائر الألطاف. فسواء ثبت في المعرفة أنّ المكلّف يختار عندها الواجب لا محالة أو الامتناع من القبيح ، أو لم يثبت ذلك ، فالحال لا تختلف. لأنّه لا يمتنع أن تثبت للعبد الأمور التي يكون معها أبعد من فعل القبيح ويفعله مع ذلك ، والأمور التي يكون معها أقرب إلى فعل الواجب ولا يفعله مع ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٦ ، ١)

حكمة في خلق العالم

ـ إنّ الحكمة في خلق العالم ظاهرة لمن تأمّلها بالعقل منصوصة لمن طلبها في السمع. أمّا العقل فقد شهد بأنّ الحكمة في خلق العالم إظهار آيات ليستدلّ بها على وحدانيته ، ويتوصّل بها إلى معرفته ، فيعرف ويعبد ويستوجب به ثواب الأبد. وأما السمع فآيات القرآن كثيرة منها قوله تعالى : (وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) (الجاثية : ٢٢) ، ولهذا صار كثير من العقلاء إلى أنّ أوّل ما يخلقه الرب تعالى يجب أن يكون عاقلا مفكّرا ، لأنّ خلق شيء من غير من ينظر فيه باعتبار ويتوسّل إلى معرفة الباري تعالى باستبصار عبث وسفه (ش ، ن ، ٤٠١ ، ٣)

حكيم

ـ إنّ جماعات أهل الحكمة قالوا : واجب على كلّ حكيم أن يحسن الارتياد لموضع البغية وأن يتبيّن أسباب الأمور ويمهد لعواقبها. فإنّما حمدت العلماء بحسن التثبّت في أوائل الأمور واستشفافهم بعقولهم ما تجئ به العواقب ، فيعلمون عند استقبالها ما تؤول به الحالات في استدبارها ، وبقدر تفاوتهم في ذلك تستبين فضائلهم (ج ، ر ، ١ ، ٦)

ـ الذي نريده بقولنا في الله تعالى إنّه حكيم أحد شيئين. فإمّا أن يرجع إلى ذاته فيكون الغرض كونه عالما ، على ما نفصّله في آخر الكتاب عند الكلام في الأسماء والصفات إن شاء الله. وإمّا أن يرجع إلى فعله فيكون الغرض أنّه تعالى لا يختار القبيح ولا بدّ من أن يفعل الواجب الذي التزمه بالتكليف (ق ، ت ٢ ، ١٧٣ ، ٣)

ـ إنّ الحكيم لا يفعل فعلا إلّا لغرض صحيح ولحكمة بالغة وإن غفل عنها الغافلون ولم يتوصّل إلى معرفتها العاقلون (ز ، ك ٣ ، ١٠٥ ، ٢١)

ـ الحكيم الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه (ز ، ك ٣ ، ٢٢١ ، ١٢)

ـ إنّ القرآن معجزة ، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح لمن يجريها على يده ، ولا يجوز أن يصدق إلّا الصادق فيصير لذلك صادقا بالمعجزة (ز ، ك ٣ ، ٣٩٨ ، ١٧)

ـ إنّ العباد هم الفاعلون للكفر ولكن قد سبق في علم الحكيم أنّه إذا خلقهم لم يفعلوا إلّا الكفر ولم يختاروا غيره ، فما دعاه إلى خلقهم مع علمه بما يكون منهم ، وهل خلق القبيح وخلق فاعل القبيح إلّا واحد ، وهل مثله إلّا مثل من وهب سيفا باترا لمن شهر بقطع السبيل وقتل النفس المحرّمة فقتل به مؤمنا ، أما يطبّق العقلاء على ذمّ الواهب وتعنيفه والدق في فروته كما يذمّون القاتل ، بل إنحاؤهم باللوائم على الواهب أشدّ؟ قلت : قد علمنا أنّ الله حكيم عالم بقبح القبيح عالم بغناه عنه ، فقد علمنا أنّ أفعاله كلها حسنة ، وخلق فاعل القبيح فعله ، فوجب أن يكون حسنا وأن يكون له وجه حسن ، وخفاء وجه الحسن علينا لا يقدح في حسنه ، كما لا يقدح في حسن أكثر مخلوقاته جهلنا بداعي الحكمة إلى خلقها (بالحق) بالغرض الصحيح والحكمة البالغة وهو أن جعلها مقارّ المكلّفين ليعملوا فيجازيهم (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ١٣)

ـ قالت المعتزلة قد قام الدليل على أنّ الرب تعالى حكيم ، والحكيم من تكون أفعاله على إحكام واتقان ، فلا يفعل فعلا جزافا ، فإن وقع خيرا فخير ، وإن وقع شرّا فشرّ ، بل لا بدّ وأن ينحو غرضا ويقصد صلاحا ويريد خيرا (ش ، ن ، ٤٠٠ ، ١٤)

ـ قال أهل الحق ، مسلّم أنّ الحكيم من كانت أفعاله محكمة متّقنة ، وإنّما تكون محكمة إذا وقعت على حسب علمه ، وإذا حصلت على حسب علمه لم تكن جزافا ولا وقعت بالاتفاق (ش ، ن ، ٤٠١ ، ١٨)

ـ قالوا (المعتزلة) ... إنّ الصانع حكيم ، والحكيم لا يفعل فعلا يتوجّه عليه سؤال ويلزم حجّة ، بل يزيح العلل كلها ، فلا يكلّف نفسا إلّا وسعها ، ولا يتحقّق الوسع إلّا بإكمال العقل والإقدار على الفعل ، ولا يتمّ الغرض من الفعل إلّا بإثبات الجزاء ، ولتجزى كلّ نفس بما كسبت ، فأصل التخليق والتكليف صلاح ، والجزاء صلاح ، وأبلغ ما يمكن في كل صلاح هو الأصلح ، وزيادات الدواعي والصوارف والبواعث والزواجر في الشرع ، وتقدير الطاف بعضها خفيّ وبعضها جليّ ، فأفعال الله تعالى اليوم لا تخلو من صلاح وأصلح ولطف ، وافعال الله تعالى غدا على سبيل الجزاء إمّا ثواب أو عوض أو تفضّل (ش ، ن ، ٤٠٥ ، ١٢)

ـ إنّ ما يفعل لا لغرض عبث ، والباري سبحانه لا يصحّ أن تكون أفعاله عبثا لأنّه حكيم (أ ، ش ١ ، ٤٧٤ ، ٣٥)

حلال

ـ إنّ الحلال لمّا كان رزقا له لم يعتبر فيه أن يكون حاصلا في يده على وجه يتمكّن من الانتفاع به ، أو يكون غائبا عنه على وجه يمكنه تحصيله والانتفاع به ، بل المعلوم من حاله أنّه لو تعذّر عليه الانتفاع به أيضا لغيبة عبده عنه ، أو لأنّ في الناس من استولى عليه ، لكان لا يمنعه ذلك من أن يكون رزقا له. فإذا صحّ ذلك ، فلو كان الحرام كالحلال في هذا الباب لوجب أن يكون ما في أيدي الناس رزقا لنا ، كما لو تناولناه وتمكّنا من الانتفاع به يكون رزقا لنا. وذلك يبطل اختصاص الرزق ببعض دون بعض ، وفساد ذلك ظاهر (ق ، غ ١١ ، ٣٨ ، ٧)

ـ قد يوصف (الحسن) بأنّه حلال إذا كان التعريف بالقول ، لأنّه لا يكاد يوصف بالمباح العقليّ ذلك ، وإنّما يوصف به الشرعيّ ، وإذا

وصف بأنّه مطلق فالمراد ما قلناه ، لأنّه يفيد أنّه قد أطلق لفاعله أن يفعله ولا يفعله ، ولم يتعلّق به حظر ، وكذلك مطلق. وقد يوصف بأنّه جائز فعله ، من حيث لا تتعلّق به تبعة ؛ فأما إذا كان الحسن يختصّ بصفة زائدة ، يستحقّ لكونه عليها المدح فقط ، فلا بدّ من أن يوصف بأنّه مرغب فيه ، وكان يجب في الأصل أن يستعمل ذلك في الشرعيّات ، لأنّ فيها يظهر الترغيب من المرغب فيها ، لكنّا استعملناه في العقليّات ، وأنزلنا الأدلّة العقليّة منزلة السمعيّات ، في هذه القضية (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٧)

ـ إطلاق قولنا" مباح" يفيد أنّ الله تعالى أباحه بأن أعلمنا ، أو دلّنا على حسنه ، ولم يمنع منه. ويوصف بأنّه" حلال" و" طلق". ويفيد ما يفيد وصفنا بأنّه مباح. ولذلك لم يوصف أفعال الله الحسنة بأنّها مباحة ، وإن كانت حسنة نحو تعذيب من استحقّ العقاب (ب ، م ، ٣٦٦ ، ١٣)

حلم

ـ الحلم هو الاسم الجامع لكلّ فضل وهو سلطان العقل القامع للهوى (ج ، ر ، ٤٠ ، ٢)

حلول

ـ إنّ معنى الحلول والسكون سواء ، وأنّه إنّما يصحّ أن يقال" حلّ المكان وسكنه" إذا كان باقيا ويصحّ أن يوجد أوقاتا. وكان يمنع على هذا الأصل أن يقال للأعراض إنّها حلّت الجواهر من حيث أنّه لا يصحّ أن يكون ساكنا فيها ، فإذا أطلق ذلك فالمراد به أن يوجد به. وكان يستشهد في ما قاله من معنى الحلول وإنّه السكون في المكان باللغة ، في قولهم" حلّ فلان ببطن فلان وبوادي فلان" إذا نزل فيه وسكنه. وكان يقول للمحلّة التي يسكنها الناس محلّة (أ ، م ، ٢١٢ ، ١٤)

ـ كان (الأشعري) يقول : " معنى الحلول السكون ، ومعنى السكون الكون في المكان ، ولا يجوز على الأعراض السكون" (أ ، م ، ٢٦٥ ، ٤)

ـ إنّ حلول الشيء يتبع حدوثه بدلالة أنّ الشيء في حال بقائه لا يجوز أن يصير حالا ، وفي حال حدوثه يصحّ ذلك عليه. فلو كان تعالى حالّا لكان محدثا وهذا يكون بنا على أنّه لا يصحّ كونه حالّا أبدا ، وإلّا لزم قدم المحال. فإذا حلّ بعد أن لم يكن حالّا فذلك إنّما يصحّ في الحادث (ق ، ت ١ ، ٢٠٣ ، ١٠)

ـ إنّ المجاورة من صفات الأجسام وإنّ الحلول من أحكام الأعراض ، وأمّا الاتّفاق في المشيئة فعلى أي وجه قالوه اقتضى أن يكون المتّحد مريدا ، فيجب أن يكون هو الحيّ ، ويرجع الاتّحاد إليه لا إلى غيره من الأقانيم (ق ، ت ١ ، ٢٢٤ ، ١٢)

ـ إنّ الحلول هو الوجود بحيث الغير ، والغير متحيّز (ن ، د ، ٣٩٤ ، ١١)

ـ الغلاة على أصنافها كلهم متّفقون على التناسخ والحلول ... ومذهبم أنّ الله تعالى قائم بكل مكان ، ناطق بكل لسان ، ظاهر في كل شخص من أشخاص البشر ، وذلك بمعنى الحلول. وقد يكون الحلول بجزء ، وقد يكون بكل ، أمّا الحلول بجزء ، فهو كإشراق الشمس في كوّة ، أو كإشراقها على البلّور. أمّا الحلول بكل فهو كظهور ملك بشخص ، أو شيطان بحيوان (ش ، م ١ ، ١٧٥ ، ٦)

ـ إنّ معنى الحلول حصول العرض في حيّز المحل تبعا لحصول المحل فيه ، فما ليس بمتحيّز لا يتحقّق فيه معنى الحلول ، وليس بأن يجعل محلا أولى من أن يجعل حالّا (أ ، ش ٣ ، ٢٠٨ ، ٢١)

ـ إنّ حلول الشيء لا يتصوّر إلّا إذا كان الحال بحيث لا يتعيّن إلّا بتوسّط المحلّ ، ولا يمكن أن يتعيّن واجب الوجود بغيره ، فإذن حلوله في غيره بهذه الوجه محال (ط ، م ، ٢٦٢ ، ١٠)

حمد

ـ لمّا قال (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) (سبأ : ١) علم أنّه المحمود على نعم الآخرة وهو الثواب. فإن قلت : ما الفرق بين الحمدين؟ قلت : أمّا الحمد في الدنيا فواجب لأنّه على نعمة متفضّل بها وهو الطريق إلى تحصيل نعمة الآخرة وهي الثواب ؛ وأمّا الحمد في الآخرة فليس بواجب لأنّه على نعمة واجبة الإيصال إلى مستحقّها ، إنّما هو تتمة سرور المؤمنين وتكملة اغتباطهم يلتذّون به كما يلتذّ العطاش بالماء البارد (ز ، ك ٣ ، ٢٧٨ ، ١٢)

حمل

ـ إنّ الإلجاء والحمل يسقط وجوب الواجب ، ويخرج فاعله من أن يستحقّ به المدح ، على ما قدّمناه في باب الإلجاء ، وإن كان قد يجوز أن يستغني عن هذه الشريطة ، من حيث يسقط وجوبه أصلا مع الإلجاء (ق ، غ ١٤ ، ١٧٨ ، ١٤)

حمل الغائب على الشاهد

ـ إنّ العالم بقبح القبيح ، المحتاج إليه ، يجوز أن يفعله وأن لا يفعله ، فلا يوجب كونه فاعلا لكل ما هذه حاله. فقد صحّ بهذه الجملة صحّة حمل الغائب على الشاهد ، في أنّه تعالى لا يجوز أن يختار شيئا من القبائح ، على وجه من الوجوه ولا يجب أن يكون كونه عالما غنيّا ، من حيث لم يجب وجود القبيح من جهته ، أن لا يدلّ على أنّه لا يختاره ؛ لأنّ الأدلّة قد تختلف : ففيها ما يدلّ على سبيل الإيجاب ، وفيها ما يدلّ على جهة الاختيار ، وكل واحد منهما أصل بنفسه ، فلا وجه لحمله على غيره (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٠٦ ، ١٤)

حوادث

ـ من قول المسلمين في نفي تشبيه الخلق عن الله لأنّه من الوجه الذي يقع فيه تشابه يوجب حدثه بحدث الآخر ، فلو لم يقع من حيث الحدث تشابه لم يكن ينفي من حيث / لزوم الحدث ، مع ما كانت الحوادث في الأجسام هي أدلّة حدثها ، وحدث الأجسام هو دلالة المحدث الصانع ، وذلك كله آية التشابه (م ، ح ، ٢٤٩ ، ١٦)

ـ إنّ الحوادث كلها مخترعة لله تعالى ابتداء وابتداعا من غير سبب يوجبها ولا علّة تولّدها (أ ، م ، ١٣١ ، ٧)

ـ الكعبيّ مع سائر المعتزلة ـ سوى الصالحيّ ـ يزعمون أنّ الحوادث كلّها كانت قبل حدوثها أشياء ، والبصريون منهم يزعمون أنّ الجواهر والأعراض كانت في حال عدمها جواهر وأعراضا وأشياء (ب ، ف ، ١١٦ ، ٦)

ـ إنّ الحوادث قبل حدوثها لم تكن أشياء ولا أعيانا ، ولا جواهر ولا أعراضا (ب ، ف ، ٣٣٢ ، ٥)

ـ المعتزلة ... قالوا : إنّ الحوادث كانت قبل حدوثها أشياء وأعيانا ، وزعموا أنّ السواد كان في حال عدمه سوادا ، وأثبتوا للمعدوم في حال عدمه كلّ اسم يستحقّ الموجود لنفسه أو لجنسه. ومنهم من أثبت الجسم في حال عدمه جسما (ب ، أ ، ٧٠ ، ١٥)

حواس

ـ حكى" زرقان" عن" أبي الهذيل" و" معمّر" أنّهما ثبّتا الحواسّ الخمس أعراضا غير البدن ، وأنّهما ثبّتا النفس عرضا غيرها وغير البدن (ش ، ق ، ٣٣٩ ، ١)

ـ الحواس عند أصحابنا وأكثر العقلاء خمس يدرك بها العلوم الحسّية (ب ، أ ، ٩ ، ٨)

حوض

ـ أمّا الحوض فقد صحّت الآثار فيه وهو كرامة للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولمن ورد عليه من أمّته ، ولا ندري لمن أنكره متعلّقا ، ولا يجوز مخالفة ما صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا وغيره (ح ، ف ٤ ، ٦٦ ، ٨)

حي

ـ قال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٤ ، ١٤)

ـ قال" أبو الهذيل" : هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حيّ بحياة هي هو ، وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزّته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته لذاته ، وكان يقول : إذا قلت أنّ الله عالم ثبّتّ له علما هو الله ونفيت عن الله جهلا ودللت على معلوم كان أو يكون ، وإذا قلت قادر نفيت عن الله عجزا وأثبتّ له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور ، وإذا قلت لله حياة أثبت [له] حياة وهي الله ونفيت عن الله موتا (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٦)

ـ قال" عبّاد" : هو عالم قادر حيّ ولا أثبت له علما ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعا ولا أثبت بصرا وأقول : هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حيّ لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمّى به من الأسماء التي يسمّى بها لا لفعله ولا لفعل غيره (ش ، ق ، ١٦٥ ، ١٤)

ـ قال" ضرار" : معنى أنّ الله عالم أنّه ليس بجاهل ، ومعنى أنّه قادر [أنه] ليس بعاجز ، ومعنى أنّه حيّ أنّه ليس بميّت (ش ، ق ، ١٦٦ ، ١٥)

ـ قال" النظّام" : معنى قولي عالم إثبات ذاته ونفي الجهل عنه ، ومعنى قولي قادر إثبات ذاته ونفي العجز عنه ، ومعنى قولي حيّ إثبات ذاته ونفي الموت عنه ، وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١)

ـ قال آخرون من المعتزلة : إنّما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها ، وذلك إنّا إذا قلنا أنّ الله عالم أفدناك علما به وبأنّه خلاف ما لا يجوز أن يعلم ، وأفدناك اكذاب من زعم أنّه جاهل ، ودللنا [ك] على أنّ له معلومات ، هذا معنى قولنا أنّ الله عالم ، فإذا

قلنا إنّ الله قادر أفدناك علما بأنّه خلاف ما لا يجوز أن يقدر واكذاب من زعم أنّه عاجز ودللناك على أنّ له مقدورات ، وإذا قلنا إنّه حيّ أفدناك علما بأنّه بخلاف ما لا يجوز أن يكون حيّا واكذبنا من زعم أنّه ميّت وهذا معنى القول أنه حيّ ، وهذا قول" الجبّائي" قاله لي (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١٥)

ـ قال قائلون من البغداديين : ليس معنى أنّ البارئ عالم معنى قادر ولا معنى حيّ ، ولكن معنى أنّ البارئ حيّ معنى أنّه قادر ، ومعنى أنّه سميع معنى أنّه عالم بالمسموعات ، ومعنى أنّه بصير [معنى أنّه] عالم بالمبصرات ، وليس معنى قديم عند هؤلاء معنى حيّ ولا معنى عالم قادر ، وكذلك ليس معنى القول في البارئ أنّه قديم معنى أنّه عالم ولا معنى أنّه حي قادر (ش ، ق ، ١٦٨ ، ١٤)

ـ كان (عبد الله بن كلّاب) يقول : معنى أنّ الله عالم أنّ له علما ومعنى أنّه قادر أنّ له قدرة ومعنى أنّه حيّ أنّ له حياة ، وكذلك القول في سائر أسمائه وصفاته (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١١)

ـ لا يجوز أن تحدث الصنائع إلّا من قادر حيّ ، لأنّه لو جاز حدوثها ممّن ليس بقادر ولا حيّ لم ندر لعل سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ، فلمّا استحال ذلك دلّت الصنائع على أن الله تعالى حيّ قادر (ش ، ل ، ١١ ، ١)

ـ إنّ الحيّ إذا لم يكن موصوفا بالكلام كان موصوفا بضدّه ، كما أنّه إذا لم يكن موصوفا بالعلم كان موصوفا بضدّه. وذلك أن الحيّ فيما بيننا ذلك حكمه ولم تقم دلالة على حيّ يخلو من الكلام وأضداده في الغائب ، كما لم تقم دلالة على حيّ يخلو من العلم وأضداده حتى يكون لا موصوفا بأنّه عالم ولا بضدّ العلم (ش ، ل ، ١٧ ، ١٥)

ـ ثم ينظر في صحة الفعل منه (الله) على وجه الإحكام والاتساق ، فيحصل له العلم بكونه عالما ، ثم ينظر في كونه قادرا أو عالما ، فيحصل له العلم بكونه حيّا (ق ، ش ، ٦٥ ، ١١)

ـ إنّا نرى في الشاهد ذاتين : أحدهما صحّ أن يقدر ويعلم كالواحد منّا ، والآخر ، لا يصحّ أن يقدر ويعلم كالجماد ، فمن صحّ من ذلك فارق من لا يصحّ من الأمور ، وليس ذلك الأمر إلّا صفة ترجع إلى الجملة وهي كونه حيّا ، فإذا ثبت هذا في الشاهد ، ثبت في الغائب ، لأنّ طرق الدلالة لا تختلف شاهدا وغائبا (ق ، ش ، ١٦١ ، ١١)

ـ اعلم أنّ هذه الصفة (حيّ) معلومة على طريق الجملة ضرورة في الشاهد ، والدلالة يتناول تفصيلها بأن تكون صفته زائدة على كونه قادرا. وتحديد هذه الصفة هو بما معه يصحّ عند الاختصاص به كونه عالما وقادرا. وإذا أثبتناه جلّ وعزّ حيّا فذلك هو إثبات له على مثل هذه الصفة. وصارت هذه الصفة هي الأصل في صحّة هذه الصفات المتعاقبة المتضادّة على الجملة. كما أنّ لأجل التحيّر يصحّ كونه ساكنا ومتحرّكا ومجتمعا ومفترقا. وقد ذكر" أبو هاشم" أنّ الاستدلال على هذه الصفة هو بكونه قادرا وعالما ، وسوّى بين الشاهد والغائب في أن لا تمكن معرفة هذه الصفة إلّا بهاتين الصفتين (ق ، ت ١ ، ١٢١ ، ٤)

ـ الذي اختاره الشيخ" أبو عبد الله" إنّ الاستدلال على أنّ أحدنا حيّ يمكن بكل صفة لا يصحّ لو لا كونه حيّا ، وإن كانت الحال

فيها مختلفة فبعضها أظهر من بعض وأقوى في وجه الدلالة ، ولكن لا بدّ في ذلك من شرط. وهو أن لا يكون العلم بكونه حيّا سابقا للعلم بتلك الصفة. فإن أمكن أن يكون من صفة أحدنا ما هذا سبيله وإلّا استمرّت هذه القضية في القديم تعالى ، فعلى هذه الجملة يصحّ الاستدلال على أنّ أحدنا حيّ بكونه قادرا وعالما ومريدا وكارها ومدركا وناظرا ومشتهيا ونافرا ، لأنّ العلم بكل ذلك قد يحصل وإن لم يعلم كونه حيّا على التفصيل. وأمّا في القديم جلّ وعزّ فبعض هذه الصفات لا يتأتّى فيه ، وما يتأتّى فيه ينقسم قسمين. أحدهما يصحّ العلم به قبل العلم بأنّه حيّ ، فالاستدلال على كونه حيّا به ممكن. وذلك نحو كونه قادرا وعالما. والثاني لا يصحّ العلم به قبل العلم بأنّه حيّ نحو كونه مدركا ، فإنّا إنّما نعلمه مدركا إذا علمناه حيّا. وإنّما نعلمه مريدا بعد العلم بكونه حيّا (ق ، ت ١ ، ١٢١ ، ١٥)

ـ أمّا ما حكينا من أنّ" البغداديين" يعرفونه حيّا من دون علمهم بكونه مدركا فبعيد أن نجعل ذلك دلالة على أنّ الاستدلال على كونه حيّا بكونه مدركا غير ممكن ، لأنّ من يقول بذلك لا يقصر العلم بكونه حيّا على العلم بكونه مدركا بل نقول : يصحّ العلم به بغير ذلك من الصفات فلا نقدح في ذلك صحّة علمهم بكونه حيّا من دون العلم بكونه مدركا ، بل يجب أن يكون الصحيح في المنع من ذلك ما بيّناه من الوجه المانع (ق ، ت ١ ، ١٢٢ ، ٢٤)

ـ إنّ وصف الحيّ بأنّه حيّ يفيد أنّه مختصّ بحال معها يصحّ أن يقدر ويعلم ويدرك ؛ وبيّنا أنّ وصفه بذلك لا يفيد أنّ له حياة ، وأنّ حدّ الحيّ بأنّه ممن يصحّ أن يعجز ويجهل لا يصحّ. وبيّنا القول في ذلك مشروحا ، فلا طائل في إعادته. فيجب أن يوصف تعالى بأنّه حيّ ، من حيث حصل بالصفة التي لأجلها وصف الواحد منّا بذلك (ق ، غ ٥ ، ٢٢٩ ، ٣)

ـ إنّا إنما نعلم الحيّ منّا بالإدراك أو صحّة الفعل منه إذا علمنا دلالته على كونه قادرا ، وأنّ من ليس بحيّ لا يجوز أن يقدر. وقد علمنا أنّ كونه مدركا يرجع إلى جملته. وكذلك صحّة الفعل ، فيجب أن تكون الجملة هي المختصّة بكونها حيّة قادرة دون شيء فيها ؛ لأنّه لو جاز ـ والحال ما قلناه ـ أن يثبت الحيّ شيئا فيها لجاز في ذلك الشيء إذا علم صحّة الفعل منه وكونه مدركا وألما أن يكون الحيّ القادر شيئا فيه دونه. وكذلك القول في ذلك الشيء ، وهذا يؤدّي إلى إثبات ما لا نهاية له (ق ، غ ١١ ، ٣١٣ ، ٦)

ـ إنّا قد دللنا على أنّ كل محلّ ندرك به الحرارة والبرودة والألم يجب أن يكون فيه حياة ، ودللنا على أنّ كل جزء فيه حياته ، فيجب كونه من جملة الحيّ ، وبيّنا أنّ الحيّ هو القادر المدرك ، وأنّه ـ وإن كان أجزاء كثيرة ـ في حكم الشيء الواحد من حيث كان حيّا واحدا وقادرا واحدا. فذلك يبطل قوله : إنّ الجسد موات ؛ لأنّ هذه تفيد انتفاء الحسّ والإدراك ، وإذا دللنا على ثبوتهما في أجزاء الجسد فقد بطل ما قاله. وإذا ثبت أنّ الروح من قبيل النفس والريح ، وأن ما اختصّ بهذه الصفة لا تحلّه الحياة وإن كان الحيّ بحياة يحتاج إلى كونه في البدن فقد بطل ما قاله : من أنّ الحيّ هو الروح (ق ، غ ١١ ، ٣٣٤ ، ١٠)

ـ إنّ الحيّ هو الجسم والروح جميعا : قد حكينا عن بشر بن المعتمر هذا القول. وعن هشام بن

عمرو أنّه كان يجعل كل عرض لا يكون الإنسان إنسانا إلّا بها من أحد قسمي الإنسان ، وقد حكي عن بعضهم أنّ الروح هي الحياة. وعن بعضهم خلاف ذلك. وحكي عن أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة أنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما (ق ، غ ١١ ، ٣٣٥ ، ٨)

ـ اعلم أنّ الذي يدخل في جملة الحيّ هو ما حلّه الحياة دون غيره. ولذلك قلنا : إنّ الشعر والعظم والدم ليست من جملة الحيّ ، من حيث علم من حالها أنّ الحياة لا تحلّها ؛ وإنّما تعلم التفرقة بين ما تحلّه الحياة وبين ما لا تحلّه بالإدراك ؛ لأنّ الحياة ؛ إذا كان لا بدّ من أن تختصّ لجنسها بحكم تبيّن به من غيرها من الأعراض ، وكان لا حكم بفعل لها تبيّن به إلّا صحّة الإدراك بها ، فيجب أن نحكم في كل محل صحّ أن ندرك به الحرارة والبرودة والألم أن فيه حياة ، ونقضي على كل محلّ لا يتأتّى ذلك به أنّه لا حياة فيه ، وإنّما جعلنا علامة وجود الحياة في المحلّ هذا دون سائر الإدراكات لأنّها تحتاج إلى بنية مخصوصة كالرؤية والسمع وإدراك الرائحة والطعم ، فلا يمتنع في ذلك الإدراك إذا انتفى أن يقال : إنّما انتفى لانتفاء البنية لا لانتفاء الحياة ، وليس كذلك إدراك الحرارة والألم ؛ لأنّه لا يحتاج فيهما إلّا إلى محلّ الحياة ؛ فوجب لذلك أن يحكم بثبوت الحياة عند صحّتهما وبانتفائه عند انتفائهما. وإذا صحّ ذلك وعلمنا أنّ الروح هو النفس المتردّد وأنّه لا يدرك به كما لا يدرك بالشعر فيجب أن يحكم بأنّه لا حياة فيها على وجه من الوجوه ، وإذا لم يكن فيه حياة لم يصحّ أن يعدّ من جملة الحيّ ؛ كما لا يصحّ أن يعدّ من جملة الحيّ ما يلتزق بجسمه من الأجسام (ق ، غ ١١ ، ٣٣٥ ، ١٣)

ـ إن كون القادر قادرا ، لمّا لم يقتض إلّا صحة الفعل ، لم يكن الدالّ عليه ، عقلا ، إلّا ذلك ؛ ولمّا كان كونه حيّا يصحّح كونه قادرا وعالما ومدركا ، إلى غير ذلك ، لم يمتنع ، في كل واحد من هذه الأحوال ، أن يدلّ على كونه حيّا (ق ، غ ١٥ ، ١٥٦ ، ١)

ـ كونه حيّا لا يمكن أن يعلم إلّا بعد كونه قادرا ، بأن يقال : قد علمنا أنّ المصحّح لهذه الصفة في الشاهد ، وهو كون الذات قادرا ، إنّما هو كونه حيّا. فالقديم تعالى إذا كان قادرا يجب أن يكون حيّا (ن ، د ، ٤٦١ ، ٧)

ـ اعلم أنّ الذي يدلّ على أنّ الله تعالى حي هو أنّه قد صحّ أنّه عالم قادر ، وصحّة ذلك تدلّ على كونه حيّا. وهذه الدلالة مبنيّة على أصلين : أحدهما : أنّ الله تعالى عالم قادر ، والثاني : أنّ العالم القادر يجب أن يكون حيّا. أمّا الكلام في أنه تعالى عالم قادر فقد بيّناه. وأمّا الكلام في أنّ صحّة أن يعلم ويقدر تدلّ على كون الذات حيّا فلمّا قد ثبت في الشاهد من أنّ صحّة أن يعلم ويقدر طريق إلى كون أحدنا حيّا ، فيجب القضاء بذلك في كل موضع (ن ، د ، ٥٢٤ ، ٥)

ـ الذي يدلّ على أن أحدنا حيّ ما قد ثبت أنّ أحدنا ذو أجزاء كثيرة ، ومع ذلك فإنّه في حكم الشيء الواحد من حيث أنّ تصرّفه يقع بحسب قصده وداعيه. ولا بدّ أن يكون هناك أمر يجعل الأجزاء في حكم الشيء الواحد ، وذلك الأمر لا يخلو : إمّا أن يكون معنى ، أو صفة ، لا يجوز أن يكون ذلك الأمر معنى من المعاني ، لأنّ المعنى يختصّ ببعض الجملة ، وصيرورة

هذه الأجزاء في حكم الشيء الواحد ترجع إلى الجملة ، فلا بدّ من أن يكون المؤثّر في ذلك يرجع إلى الجملة. وقد يكون في كلامنا أنّ ما يختصّ بالبعض هو بمنزلة ما يختصّ بالغير ، فلا بدّ من أن يكون المؤثّر في ذلك الحكم صفة ترجع إلى الجملة (ن ، د ، ٥٥٤ ، ١١)

ـ إنّ الحيّ منّا لا بدّ من أن يكون جملة تصير بالحياة في كل جزء من أجزائها في حكم الشيء الواحد. فلذلك لم يجز ، أن يحصل بعض هذه الصفات من دون أن يحصل البعض. يبيّن ذلك أنّ الجزء المنفرد ، لو صحّ أن يكون حيّا ، لم يجب أن تحصل هذه الصفات ولا أجزاء الحياة. فقد ثبت أنّ ذلك إنّما وجب لاستحالة أن يكون الجزء حيّا ، ولوجوب أن يكون الحي منا جملة (ن ، م ، ٦٤ ، ٢١)

ـ إنّ كون العالم القادر حيّا ضروريّ ، إذ لا نعني بالحيّ إلّا ما يشعر بنفسه ويعلم ذاته ، وغيره. والعالم بجميع المعلومات ، والقادر على جميع المقدورات ، كيف لا يكون حيّا! وهذا واضح (غ ، ق ، ١٠١ ، ١)

ـ قيل ما يوجب كون الشيء حيّا وهو الذي يصحّ منه أن يعلم ويقدر ، والموت عدم ذلك فيه ، ومعنى خلق الموت والحياة إيجاد ذلك المصحّح وإعدامه ؛ والمعنى : خلق موتكم وحياتكم أيها المكلّفون (ز ، ك ٤ ، ١٣٣ ، ١٧)

ـ إنّ الباري تعالى عالم بعلم ، وعلمه ذاته. قادر بقدرة ، وقدرته ذاته. حي بحياة ، وحياته ذاته. وإنّما اقتبس (أبو الهذيل العلّاف) هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا أنّ ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه ، وإنّما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته ، بل هي ذاته ، وترجع إلى السلوب أو اللوازم (ش ، م ١ ، ٤٩ ، ١٧)

ـ الذي صحّح الفعل من الحي كونه قادرا ، هو علّة لصحّة الفعل ، والعلّة لا تختلف حكمها شاهدا وغائبا ، وكذلك صادفنا إحكاما واتقانا في الأفعال وسبرنا ما لأجله يصحّ الإحكام والإتقان من الفاعل ، فلم نجد إلّا كونه عالما ، وكذلك رأينا الاختصاص ببعض الجائزات دون البعض مع تساوي الكل في الجواز ، وسبرنا ما لأجله يصحّ الاختصاص فلم نجد إلّا كونه مريدا ، ثم لم يتصوّر وجود هذه الصفات إلّا وأن يكون الموصوف بها حيّا لأنّ الجماد لا يتصوّر منه أن يكون قادرا أو عالما ، فقلنا القادر حيّ ، وأيضا فإنّا لو لم نصفه بهذه الصفات لزمنا وصفه بأضدادها من العجز والجهل والموت ، وتلك نقائص مانعة من صحّة الفعل المحكم ، ويتعالى الصانع عن كل نقص (ش ، ن ، ١٧١ ، ٧)

ـ صانع العالم حيّ لأنّا قد دللنا على أنّه قادر عالم ، ولا معنى للحيّ إلّا الذي يصحّ أن يقدر ويعلم. وهذه الصحة معناها نفي الامتناع ، ومعلوم أنّ الامتناع صفة عدميّة ، فنفيها يكون نفيا للنفي ، فيكون ثبوتا ، فكونه تعالى حيّا صفة ثابتة (ف ، أ ، ٤٤ ، ١٠)

ـ إنّ أكثر المتكلّمين ذهبوا إلى أنّ لإنسان الحيّ الفعّال أجزاء أصلية في هذه البنية المشاهدة ، وهي أقلّ ما يمكن أن تأتلف منه البنية التي معها يصحّ كون الحيّ حيّا ، وجعلوا الخطاب متوجّها نحوها ، والتكليف واردا عليها ، وما عداها من الأجزاء فهي فاضلة ليست داخلة في حقيقة الإنسان (أ ، ش ٢ ، ١٣١ ، ٢٥)

ـ صحّة الفعل دليل كونه قادرا ، وصحّة الإحكام دليل العالميّة ، وهما دليل كونه قادرا ، حيّا. وتعلّق الفعل به دليل وجوده ، إذ لا تأثير

لمعدوم كالإرادة. ثم لو كان محدثا لاحتاج إلى محدث ، فيتسلسل. فلزم قدمه (م ، ق ، ٨٣ ، ١٢)

حي قادر

ـ الذي يقوله شيوخنا في هذا الباب أنّ الحيّ القادر هو هذا الشخص المبنيّ هذه البنية المخصوصة التي يفارق بها سائر الحيوان ، وهو الذي يتوجّه إليه الأمر والنهي والذمّ والمدح ، وإن كان لا يكون حيّا قادرا إلّا لمعاني فيه ، لكن ذلك لا يدخل تحت الحدّ ولا يحصل من جملة الحيّ إلّا ما حلّه الحياة دون غيره. وقد قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ حاكيا عن الشيخ أبي عليّ ـ رحمه‌الله ـ : إنّ العظم والشعر ليسا من جملة الحيّ ؛ لأنّه لا يألم بقطعهما. وجوّز أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ أن يكون في بعض العظم حياة ويكون من جملة الإنسان ولذلك يجد الإنسان الخدر والضرس في سنّه ، ويزول عنه الوجه عند قلع الضرس ، كذلك يجد لإنسان الوهى في العظم ، ويقال : إنّ النقرس هو تصدّع العظم. وأمّا الدم والروح فلا حياة فيهما عندهما جميعا ، وكذلك الشعر. وقال في البغداديّات : إن المتكلّمين يسمّون القادر الحيّ : الإنسان ، ويلقّبون الكلام في ذلك بأنّه كلام في الإنسان ، وإن كان الحيّ من البهائم ليس بإنسان ، ومرادهم هو الحيّ ، إنسانا كان أو بهيمة. والمتفلسفون يسمّونه نفسا ، ويضعون الكلام في ذلك في النفس ، والعبارة تختلف دون المقصد. قال : والذي نقوله إنّ الحيّ هو هذا الشخص. وقال في غير موضع : إنّ الإنسان هو الأجزاء المبنيّة ، دون البنية والصورة. ولا يجري هذا الاسم عليه إلّا على ما كان من لحم ودم وإن لم يكن حيّا. وقد قال أبو عليّ ـ رحمه‌الله ـ : قد يقال : إنسان من طين. قال : ويبعد أن يوصف الصنم وإن كان على صورة الإنسان أنّه إنسان لمّا لم يكن لحما ودما. فلا بدّ مع كونه مبنيّا ، من لحم ودم (ق ، غ ١١ ، ٣١١ ، ١٢)

ـ وبعد ، فإنّ الحيّ القادر هو الفعّال ، وقد عرفنا أنّ الفعل لا يصحّ منّا إلّا باستعمال محلّ الفعل واستعمال الآلات ؛ وذلك لا يصحّ إلّا والقادر جسم. ويبيّن ذلك أنّا نعلم من أنفسنا ما نختصّ به من كوننا مريدين ومعتقدين ضرورة ، ولا نعلم الحياة ضرورة أصلا ، وما لا يعلم باضطرار بألّا تعلم صفته باضطرار أولى. فلو كان الحيّ هو العرض لم يصحّ أن يعلم القاصد النيّة باضطرار البتّة (ق ، غ ١١ ، ٣٣٧ ، ٢١)

حياة

ـ كان" الجبّائي" يذهب إلى أنّ الروح جسم ، وأنّها غير الحياة ، والحياة عرض ويعتلّ بقول أهل اللغة : خرجت روح الإنسان ، فزعم أنّ الروح لا تجوز عليها الأعراض (ش ، ق ، ٣٣٤ ، ١٠)

ـ النفس معنى غير الروح ، والروح غير الحياة ، والحياة عنده عرض ، وهو" أبو الهذيل" وزعم أنّه قد يجوز أن يكون الإنسان في حال نومه مسلوب النفس والروح دون الحياة ، واستشهد على ذلك بقول الله عزوجل : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) (الزمر : ٤٢) (ش ، ق ، ٣٣٧ ، ٤)

ـ إنّ الموت عجز في الجملة ، وليست الحياة بقدرة في الجملة ، ولما يجوز وجود الحياة أوقاتا لا فعل معها ، ولا يجوز وجود قادر وقتين لا فعل له (م ، ح ، ٢٦١ ، ١٦)

ـ شرط وجود الحياة وجود الروح والغذاء. ولذلك جاز أن يوصف الله تعالى بالحياة ولا يجوز أن يوصف بالروح (أ ، م ، ٢٥٧ ، ١٣)

ـ إذ قد عرفت أنّ الحياة من النعم ، فالذي يدلّ على أنّها أوّل نعمة أنعم الله تعالى بها علينا ، هو أنّ سائر المنافع يترتّب على الحياة ، إمّا في وجودها ، أو في صحة الانتفاع بها ، فيجب أن تكون أوّل نعمة (ق ، ش ، ٨٤ ، ١٤)

ـ إنّما نحيل وجود الحياة إلّا مع بنية مخصوصة لأمر يرجع إلى المجاورات التي توجد البنية معها ، لا لأنّ التأليف يجب أن يقع على وجه مخصوص ليصحّ وجوده الحياة معه ، ولا لأنّ التأليف لا يصحّ وجوده إلّا مع مجاورات مخصوصة ، بل يصحّ وجوده مع جميعها. وإن كان من حق الحياة ألّا توجد فيه إلّا وقد تجاورت الجواهر ، ضربا مخصوصا من التجاور ، وبنيت بنية مخصوصة (ق ، غ ٧ ، ٣٣ ، ١٦)

ـ إنّ الحيّ هو الجسم والروح جميعا : قد حكينا عن بشر بن المعتمر هذا القول. وعن هشام بن عمرو أنّه كان يجعل كل عرض لا يكون الإنسان إنسانا إلّا بها من أحد قسمي الإنسان ، وقد حكي عن بعضهم أنّ الروح هي الحياة ، وعن بعضهم خلاف ذلك. وحكي عن أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة أنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما (ق ، غ ١١ ، ٣٣٥ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ الذي يدخل في جملة الحيّ هو ما حلّه الحياة دون غيره. ولذلك قلنا : إنّ الشعر والعظم والدم ليست من جملة الحيّ ، من حيث علم من حالها أنّ الحياة لا تحلّها ؛ وإنّما تعلم التفرقة بين ما تحلّه الحياة وبين ما لا تحلّه بالإدراك ؛ لأنّ الحياة ؛ إذا كان لا بدّ من أن تختصّ لجنسها بحكم تبيّن به من غيرها من الأعراض ، وكان لا حكم بفعل لها تبيّن به إلّا صحّة الإدراك بها ، فيجب أن نحكم في كل محل صحّ أن ندرك به الحرارة والبرودة والألم أن فيه حياة ، ونقضي على كل محلّ لا يتأتّى ذلك به أنّه لا حياة فيه ، وإنّما جعلنا علامة وجود الحياة في المحلّ هذا دون سائر الإدراكات لأنّها تحتاج إلى بنية مخصوصة كالرؤية والسمع وإدراك الرائحة والطعم ، فلا يمتنع في ذلك الإدراك إذا انتفى أن يقال : إنّما انتفى لانتفاء البنية لا لانتفاء الحياة ، وليس كذلك إدراك الحرارة والألم ؛ لأنّه لا يحتاج فيهما إلّا إلى محلّ الحياة ؛ فوجب لذلك أن يحكم بثبوت الحياة عند صحّتهما وبانتفائه عند انتفائهما. وإذا صحّ ذلك وعلمنا أنّ الروح هو النفس المتردّد وأنّه لا يدرك به كما لا يدرك بالشعر فيجب أن يحكم بأنّه لا حياة فيها على وجه من الوجوه ، وإذا لم يكن فيه حياة لم يصحّ أن يعدّ من جملة الحيّ ؛ كما لا يصحّ أن يعدّ من جملة الحيّ ما يلتزق بجسمه من الأجسام (ق ، غ ١١ ، ٣٣٥ ، ١٨)

ـ أمّا قول الشيخ أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة : إنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما ، فالمراد عندنا أنّه ذهب إلى أن الحيّ لا يكون حيّا إلّا بعرض يحلّه وبروح تحصل فيه ، وسمّاهما جميعا حياة. ولهذا قال : إنّ الحياة يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما ، وهذا خلاف في عبارة ؛ لأنّ الروح عبارة عن النفس المتردّد في مخارق الإنسان ، ولذلك وصفها الله ـ تعالى ـ بالنفث والنفخ ، وذلك من صفات الأجسام الدقيقة ،

وقد ثبت فيما هذا حاله أنّه لا يجوز أن يوجب لغيره حالا ؛ لأنّ المجاور لا يختصّ بما جاوره اختصاص العلّة بالمعلول ، ولأنّه لو أوجب كونه حيّا لأوجبه لجنسه فكان غير الروح من الأجسام بمنزلة الروح في إيجابه كونه حيّا ؛ لأنّ الجواهر متماثلة ، وبطلان ذلك يبيّن فساد من قال بهذا القول. فأمّا إذا جعل الموجب لكونه حيّا العرض الحالّ وعبّر عن الروح بأنّها حياة من حيث لا يكون حيّا إلّا معها فإنّما خالف في عبارة ؛ لأنّ المعنى الذي قصده ممّا نقول به. وإنّما وجب ما ذكرناه من جهة العبارة ؛ لأنّ الحياة عبارة عن المعنى الذي به صار حيّا ، ولم يصر حيّا بالروح كما لم يصر حيّا بالدم والبنية ، وإن احتيج إليهما جميعا (ق ، غ ١١ ، ٣٣٨ ، ٥)

ـ كل ما صحّ وجود الحياة فيه صحّ وجود العلم والقدرة والإرادة والإدراكات فيه (ب ، أ ، ٢٩ ، ١)

ـ اشترط أكثر المعتزلة في وجود الحياة في الشيء أن يكون ذا بنية مخصوصة أقل أجزائها ثمانية أو ستة أو أكثر على حسب اختلافهم في عدد أجزاء الجسم. وكذلك اشترطوا البنية في كل ما يكون الحياة شرطا في وجوده كالعلم والقدرة والإرادة والإدراك وزعموا أنّ الجملة الواحدة من الشاهد حي بحياة في جزء منه (ب ، أ ، ٢٩ ، ١٠)

ـ زعم بعض الكراميّة أنّ الحياة من جملة القدرة وأنّ القدرة اسم جامع لكل ما لا يصحّ الفعل دونه كالحياة والعلم وصحّة الجارحة (ب ، أ ، ٤٣ ، ٤)

ـ الحياة عند أكثر أصحابنا غير الروح ، لأنّ الحياة صفة ، والأرواح أجسام ، ولله عزوجل حياة هي صفة له أزليّة وليست له روح (ب ، أ ، ١٠٥ ، ١١)

ـ الحياة المحدثة جنس واحد. وكل قائم بنفسه يصحّ قيام الحياة به عندنا (ب ، أ ، ١٠٥ ، ١٦)

ـ زعمت القدرية أنّه لا يصحّ وجود الحياة إلّا في بنية مخصوصة (ب ، أ ، ١٠٥ ، ١٨)

ـ إنّ الحياة والإحياء هو جمع النفس مع الجسد المركّب الأرضي (ح ، ف ٣ ، ٥٩ ، ١٦)

ـ إنّ الروح جسم لطيف بخاري يتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية ينفذ في العروق الضوارب ، والحياة عرض قائم بالروح وحالّ فيها ، فللدماغ روح دماغية وحياة حالّة فيها ، وكذلك للقلب وكذلك للكبد (أ ، ش ٢ ، ٢٤٢ ، ٢٣)

ـ الحياة غير مشروطة بالبنية ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة. لنا : القائم بمجموع الأجزاء ليس واحدا ، وجواز قيامها بهذا متوقّف على ذلك ، وكذا من الطرف الآخر فيدور (خ ، ل ، ٦٩ ، ٨)

حياة أولى

ـ أمّا جمع الله تعالى الأنفس إلى الأجساد فهي الحياة الأولى بعد افتراقها الذي هو الموت الأوّل ، فتبقى كذلك في عالم الدنيا الذي هو علم الابتلاء ما شاء الله تعالى ، ثم ينقلنا بالموت الثاني الذي هو فراق الأنفس للأجساد ثانية إلى البرزخ الذي تقيم فيه الأنفس إلى يوم القيامة وتعود أجسامنا ترابا كما قلنا (ح ، ف ٣ ، ١٣٢ ، ١٠)

حياة ثانية

ـ يجمع الله عزوجل يوم القيامة بين أنفسنا وأجسادنا التي كانت بعد أن يعيدها وينشرها

من القبور ، وهي المواضع التي استقرّت أجزاؤها فيها لا يعلمها غيره ، ولا يحصيها سواه عزوجل لا إله إلّا هو ، فهذه الحياة الثانية التي لا تبيد أبدا ويخلد الإنس والجنّ مؤمنهم في الجنّة بلا نهاية وكافرهم في النار بلا نهاية (ح ، ف ٣ ، ١٣٢ ، ١٧)

حيران

ـ زعم (حفظ المقدام من الخوارج) أنّ عليّا هو الحيران الذي ذكره الله في القرآن (الأنعام : ٧١) وأنّ أصحابه الذين يدعونه إلى الهدى أهل النهروان ، وزعم أنّ عليّا هو الذي أنزل الله سبحانه فيه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (البقرة : ٢٠٤) (ش ، ق ، ١٠٢ ، ١١)

حيّز

ـ الجوهر : الذي له حيّز. والحيّز هو المكان أو ما يقدر تقدير المكان عن أنّه يوجه فيه غيره (ب ، ن ، ١٦ ، ٢٠)

ـ الحيّز معقول وهو الذي يختصّ الجوهر به ، ولكنّ الحيّز إنّما يصير جهة إذا أضيف إلى شيء آخر متحيّز (غ ، ق ، ٤١ ، ٤)

ـ قولنا : الشيء في حيّز ، يعقل بوجهين : أحدهما أنّه يختصّ به بحيث يمنع مثله من أن يوجد بحيث هو ، وهذا هو الجوهر ، والآخر أن يكون حالّا في الجوهر. فإنّه قد يقال أنّه بجهة ولكن بطريق التبعية للجوهر ، فليس كون العرض في جهة ككون الجوهر ؛ بل الجهة للجوهر أولا وللعرض بالتبعية. فهذان وجهان معقولان في الاختصاص بالجهة (غ ، ق ، ٤١ ، ٩)

حيلولة

ـ أمّا الممنوع ، فهو القادر إذا عرض ما لا يتأتّى منه الفعل ، فلا يصحّ كونه ممنوعا إلّا وهو قادر على نفس ما منع منه. وكذلك القول في الحيلولة والضدّ (ق ، غ ٨ ، ١٦٨ ، ٣)

حين

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الأجل والحين والوقت والزمان ممّا تتقارب معانيها ، وإنّ أجل كل حادث حال حدوثه. وكان يقول إنّ الأفعال على الإطلاق بحدوثها لا تقتضي مكانا ولا زمانا ، لأنّ المكان والزمان محدثان أيضا ، فلو كان كذلك تعلّق كل مكان بمكان وكل زمان بزمان لا إلى غاية وذلك فاسد. فعلى هذا إذا قيل" أجل الدين" المراد به الوقت الذي يحلّ فيه الدين فكان لصاحبه أن يطالب به. وأجل الحياة حال حدوثها ، وأجل الموت حال حدوثه (أ ، م ، ١٣٥ ، ٢)

حيية

ـ وله (الله) علم وقدرة وحياة ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة ، ويوجب العالميّة والقادريّة والحييّة ، عند مثبتي الحال منّا ؛ وهي نفسها عند نفاتها لأنّ الثالث لا دليل عليه. أبو علي الزائد ثابت معلوم ، وأبو هاشم حال لا نعلم ولا يسمّيانه إلّا علميّة (خ ، ل ، ١٠٤ ، ١٦)

خ

خاتم

ـ خاتم بفتح التاء بمعنى الطابع ، وبكسرها بمعنى الطابع وفاعل الختم (ز ، ك ٣ ، ٢٦٤ ، ٢٨)

خارجي

ـ كل من خرج على الإمام الحق الذي اتّفقت الجماعة عليه يسمّى خارجيا ، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ؛ أو كان بعدهم على التابعين بإحسان ، والأئمة في كل زمان (ش ، م ١ ، ١١٤ ، ٤)

خاشع

ـ الخاشع ؛ هو الخائف بالقلب. وقيل : الخاشع ؛ المتواضع. وقيل : الخاشع ـ هاهنا ـ المؤمن (م ، ت ، ١٤٢ ، ١٤)

خاص

ـ اختلفوا في الخاصّ والعامّ ، فزعم زاعمون أنّ الخبر قد يكون خاصّا كالخبر عن الواحد من النوع المذكور اسمه في الخبر ، أو بعضه فيكون عامّا ، والعامّ ما عمّ اثنين فصاعدا ، ويكون عامّا خاصّا وهو ما كان في اثنين من النوع المذكور اسمه في الخبر ، أو فيما هو أكثر من ذلك بعد أن يكون دون الكلّ ، وهذا قول" ابن الراوندي" و" المرجئة" (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ١٥)

ـ الخبر الخاصّ لا يكون عامّا والعامّ لا يكون خاصّا ، والخاصّ ما كان خبرا عن الواحد والعامّ ما عمّ اثنين فصاعدا ، وهذا قول" عبّاد" بن سليمان" وغيره (ش ، ق ، ٤٤٦ ، ٦)

ـ اعلم .. أنّ لفظة الخاص إذا أطلقت لم يتناول اللفظ الموضوع للعموم ، وكذلك العام إذا أطلق لم يتناول ما وضع للخصوص ، وقد بيّنا من قبل أنّهما تجريان في حقيقتهما مجرى المتنافيين ، فلا يصحّ في الحقيقة أن يكون العام خاصّا ، ولا الخاص عامّا ، ولكن ذلك وإن كان لا يصحّ فقد ثبت أنّ المتكلّم بلفظة العموم قد يريد بعض ما يتناوله دون بعض ، على جهة الاتّساع ، فيحلّ ذلك محل الخاص ، فيقال : إنّه خاص في المعنى. وخاص في المراد ، والفائدة من جهة الاصطلاح قد تطلق هذه الكلمة فيه ؛ فيقال إنّ العموم خاص أو مخصوص ، ويكون المعنى ما قدّمناه ، فمن أراد به هذا الوجه فقد أصاب ، ومن ظنّ أنّه في الحقيقة يصير خاصّا فقد أبعد ، لما قدّمناه ، وكذلك القول في الخاص أنّه لا يمتنع في المتكلّم أن يريد به ما تناوله وغيره ، فيحلّ محل اللفظ الموضوع للجميع ؛ فيقال : هو عام يراد به المراد والفائدة ، دون حقيقة اللفظ ، على ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٢٥ ، ٤)

ـ اعلم .. أنّ العام إنّما يصير خاصّا في المعنى بالقصد ، فمتى قصد المتكلّم بذلك إلى أن يريد به بعض ما تناوله كان خاصّا ، كما إذا قصد به إلى كل ما تناوله كان عامّا وقد بيّنا أن كونه خاصّا وعامّا في أنّهما وجهان يقع عليهما بمنزلة وجوه الأفعال ، فإذا لم يصحّ في الفعل الواقع على وجهين أن يقع على أحدهما إلّا بقصد ، على ما تقدّم القول فيه ، فكذلك القول

في كون اللفظ واقعا على هذين الوجهين ، فكذلك يكون المتكلّم باللفظة مخصّصا لهما ومعمّما ، فلا بدّ فيما به يصير خاصّا أن يكون من جهته ، كما أنّ نفس اللفظة تكون من جهته ، ولذلك توصف بالخصوص والعموم ، في حال وقوعها ، ولا توصف بذلك من قبل ، والقول في لفظ الخاص إذا أراد به العموم في أنّ بهذه الإرادة يصير عموما كالقول فيما تقدّم ، فإن كان المتكلّم بالعموم قصد به الخصوص كان لم يدلّ على قصده ، فالقول خاص ، وهو في حكم المعمى إذا كان قوله خطابا لغيره ، وفقد الدلالة على مراده لا يخرج قوله من أن يكون عامّا ، على ما قدّمناه ؛ وإن دلّ على مراده بضرب من الدلالة كان مظهرا لمراده حكيما في قوله ، وخطابه تعالى لا يقع على هذا الحدّ ، لأنّه لا بدّ من أن يبيّن مراده بضرب من الدلالة إذا أراد باللفظ العام الخصوص (ق ، غ ١٧ ، ٢٧ ، ١١)

خاص الخاص

ـ معنى الأسماء التي تدور بين الناس إنّما وضعت علامات لخصائص الحالات لا لنتائج التركيبات. وكذلك خاصّ الخاصّ لا اسم له ، إلّا أن نجعل الإشارة الموصولة باللفظ اسما. وإنّما تقع الأسماء على العلوم المقصورة ، ولعمري إنّها لتحيط بها (ج ، ر ، ٨٥ ، ١٧)

خاطر

ـ قال قوم أنّ الأفعال التي من شأن النفس أن تفعلها وتجمعها وتميل إليها وتحبّها فليس تحتاج إلى خاطر يدعوها إليها ، وأمّا الأفعال التي تكرهها وتنفر منها فإنّ الله عزوجل إذا أمر بها أحدث لها من الدواعي مقدار ما يوازي كراهتها لها ونفارها منها (ش ، ق ، ٤٢٨ ، ٨)

ـ قال" أبو الهذيل" وسائر المعتزلة : الخاطر الداعي إلى الطاعة من الله ، وخاطر المعصية من الشيطان ، وثبّتوا الخواطر أعراضا ، إلّا أنّ" أبا الهذيل" [يقول] : قد تلزم الحجّة المتفكّر من غير خاطر ، و" إبراهيم" و" جعفر" يقولان : لا بدّ من خاطر (ش ، ق ، ٤٢٩ ، ١)

ـ الناظر عند ورود الخاطر لا يعدو خصالا ثلاثة : إمّا أن يفضي به نظره إلى العلم بحدثه وأنّ له محدثا يجزيه بالإحسان ويعاقبه بالإساءة ، فيجتنب ما يسخطه ويقبل على ما يرضيه فيسعد وينال شرف الدارين ، أو يفضي به إلى نفي ما ذكرنا فيتمتع بصنوف اللذات ، أمّا العقاب [فينتظره في الآخرة] ، أو يفضي به إلى العلم باستغلاق باب العلم بحقيقة ما دعي إليه ، فيستريح قلبه ويزول عنه الوجل الذي يعتريه إذا فزعته الخواطر ، فيعلم إذا أنصف أنّه على ربح في نظره من كل وجه (م ، ح ، ١٣٦ ، ١٦)

ـ إنّ الخاطر كلام القلب وحديث النفس ، وهو ما يلقى في روع الإنسان وخلده من بعث على أمر أو زجر عنه أو تنبيه أو تحذير أو تذكير (أ ، م ، ٣١ ، ١٨)

ـ قد يدخل في اللطف النوافل ، لا لأنّ عندها يختار الواجب لا محالة ، لكن لأنّه يكون أقرب إلى ذلك ، فتكون مقوّية لدواعيه ، ومسهّلة سبيل الإقدام عليه ، فلا يمتنع أن يقال فيما يرد من الخاطر : إنّه لطف ، ويقال في هذا الوجه أيضا إنّه لطف ، لأنّهما ينبعثان من حيث ذكرنا اللطف الذي بيّناه أولا. فلا تخرج الألطاف عن هذه الوجوه الثابتة فيه. وليس الغرض العبارات. فإذا ثبت من جهة المعنى أن حالها سواء ، فقد ثبت ما أردناه (ق ، م ٢ ، ٧٢٢ ، ١١)

ـ إنّ الداعي أو الخاطر ينبّهان المكلّف على

طريقة النظر ، فتتعيّن عنده الأدلّة وتنفصل عنده من الشبه ، فينظر فيها وإن لم يعلم الدليل دليلا إلّا بعد وقوع العلم منه متولّدا عن النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٦٤ ، ١٩)

ـ القول في الخاطر. فإذا فكّر العاقل ابتداء ، فذلك الأمر المضامّ قد صاحب فكره ، ووجده من نفسه بأكبر مما يجده بخبر غيره ، فيجب أن يقوم مقامه. يبيّن ذلك ، أنّه إنّما يقوي الخوف عنده إذا ورد الداعي متى فكّر في هذه الأمور واشتدّ فكره فيها. فيجب إذا حصل منه ذلك ، عند تفكّره في أحوال نفسه ، أن يكون خائفا. لأنّ الأمارة المعتمدة في هذا الباب في الحالتين قائمة (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٨ ، ١٠)

ـ إنّ الخاطر هو كلام يفهمه من يرد عليه ، وسنبيّن ذلك من حاله. ولو كان ظنّا واعتقادا كما قاله شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، لكان لا يمتنع أيضا أن يقوم مقام دعاء الداعي. لأنّه يقتضي الخوف للأمارات المضامّة له ، لا بنفسه. فكيف لا يكون بمنزلة الخبر الواقع من الداعي؟ وقد قال شيخنا أبو هشام ، رحمه‌الله : إنّ الخاطر مع ما ينضاف إليه من الأمارات ، أقوى من الخبر بانفراده. فإذا كان الخبر يقتضي التخويف ، فبأن يقتضي الخاطر ذلك أولى. لكنّ دعاء الداعي مع ما ينبّه عليه من جهات الخوف ، التي يتبيّنها العاقل ، أقوى لا محالة من الخاطر مع ما يقترن به. لكن كل ذلك لا يقدح في تساويهما في باب التخويف الواقع ، ولا يمتنع أن تتفاوت أحوال الأمارات والأخبار وغيرهما فيما يحصل من الظنّ عندهما. لكنها أجمع لا تخرج من أن تكون أمارات تقتضي الظنّ وتتعلّق بها الأحكام (ق ، غ ١٢ ، ٣٩٥ ، ١٢)

ـ الذي قاله شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، في نقض المعرفة : إنّه ليس بكلام وإنّه اعتقاد. وذكر في مسألة له مفردة في الخاطر ، أنّه ليس بكلام وأنّه ظنّ أو اعتقاد ، لأنّه لو كان كلاما لكان الله ، سبحانه ، مكلّما لكل مكلّف ؛ وقد ثبت أنّه خصّ بعض أنبيائه بأن كلّمه دون غيره. ويمكنه أن يقول : لو كان كلاما ، لوجب أن يدركه من ورد عليه على الحدّ الذي يدرك الكلام. ولو كان كذلك ، لتبيّنه من نفسه وعرفه ، ولحلّ ذلك في بابه محل خطاب الغير. وأوجب ، ذلك أن يكون مكلّما بما يتضمّنه الخاطر ، وإن لم يكن المكلّم له العباد. وهذا في حكم المعجز ، لخروجه عن العادة. ويمكنه أن يقول : إنّ الكلام متى لم يدرك ، لم يصحّ التطرّق به إلى مقصد المتكلّم ، فلا يفهم به المراد ، ويكون وجوده كعدمه ؛ فكيف يصحّ ورود الخاطر على وجه لا يدرك ولا يميّز من غيره؟ ويمكنه أن يقول : إنّ الغرض بالخاطر ، لو كان كلاما ، حصول الظنّ لمن ورد عليه ، فبأن يجعل نفس الخاطر هو الظنّ أولى ، لأنّه الغرض والبغية ، والقادر على الكلام قادر عليه. ويمكنه أن يقول : إنّ الواحد منّا في أكثر حالاته قد تخطر الأمور بباله إذا هو نظر وفكّر ، وإن لم يكن هناك كلام ، وذلك يبيّن أنه من أفعال القلوب (ق ، غ ١٢ ، ٤٠١ ، ٤)

ـ إنّ الخاطر يستوي فيه كل عاقل بلغ حدّ التكليف ، والكلام يحتاج إلى مواضعة متقدّمة ومعرفة لها ، وذلك يختصّ به بعض العقلاء ، فيجب أن يكون من أفعال القادر ، لأنّ كل عاقل يشعر بما يحدث في قلبه من اعتقاد أو ظنّ أو تصوّر للأمور التي يخافها أو يحذرها أو يرغب فيها (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٢ ، ٤)

ـ اعلم أنّ شيخنا أبا هاشم ، رحمه‌الله ، قال في سائر كتبه : إنّه (الخاطر) كلام ، إما أن يفعله الله تعالى أو يأمر بعض الملائكة بفعله ، ولا يجوز أن يكون سواه ؛ ولذلك أغنى دعاء الداعي وخطابه عنه ؛ ولو كان غير كلام ، لم ينب منابه. قال : ولأنّه يجري في بابه مجرى تخويف المخوف من سلوك طريق بأنّه لا ماء فيه ، فيجب أن يكون كلاما. وجعل هذين الوجهين كالدلالة على أنّ الواجب من قول أبي علي ، رحمه‌الله : إنّه كلام ، لأنّه قد استشهد بذلك في كتبه. وقال رحمه‌الله : ولا يجب إذا أثبتناه كلاما أن يكون تعالى مكلّما لكل الخلق على الحدّ الذي كلّم موسى ، كما لا يجب إذا جعلنا قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ) (النساء : ١) ، كلاما وخطابا لجميع المكلّفين ، أن يكون مكلّفا لهم أجمع على حدّ ما كلّم موسى. وإنّما اختصّ موسى ، صلى الله عليه ؛ بذلك لأنّه تعالى كلّمه على وجه مخصوص لم يكلّم عليه غيره ، ولأنّ في العقلاء من لا يرد عليه الخاطر أو يغني عنه دعاء الداعي أو يفكّره من ذي قبل. فلا يجب أن يكون تعالى مكلّما للكل ، سيّما وقد يجوز في الخاطر أن يكون من فعل بعض الملائكة ، فلا يجب أن يكون تعالى مكلّما له ، على أنّ هذا الكلام لخفائه لا يقال في فاعله : إنّه مكلّم لمن أورده عليه ، كما لا يقال في وسوسة الشيطان : إنّه كلام لنا ، وإنّه قد خاطبنا (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٢ ، ٢١)

ـ قال رحمه‌الله (أبو هاشم) : لو كان (الخاطر) اعتقادا ، لكان المخطر بباله مضطرّا إليه ، والمتعالم من حاله خلاف ذلك ؛ ولو كان ظنّا ، لحلّ محلّ الظنّ المتبدأ ، لأنّه تعالى لا يجب أن يفعله فيه بأمارة ؛ فكان ذلك ينبئ عن نقصه ، وكان يجب أن لا يكون سببا لوجوب النظر. وفي بطلان ذلك دلالة على أنّه من جنس الكلام ، لكنه لالتباسه بالفكر من حيث ورد خفيّا ، وحصل بحيث يقارب محل الفكر اليقين ، وصار كالتباس حديث الغشّ في بعض الأحوال بالنظر والفكر. فلذلك لا يحسن أن نعلمه ضرورة ، وإن كان لا بدّ من وروده عليه (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٣ ، ١٧)

ـ اعلم ، أنّ المعتمد في ذلك أنّه لا بدّ من إثبات الخاطر معنى ، لأنّه أمر حادث يختصّ من ورد عليه ، ولا بدّ إذا كان معنى ، من أن يكون من أفعال القلوب أو أفعال الجوارح ، لأنّ إثباته سوى هذين لا يصحّ. ولا يمكن أن يثبت من أفعال القلوب إلّا ظنّا أو اعتقادا ، لأنّ ما عداهما لا لبس فيه من حيث صحّ أنّ من ورد عليه الخاطر خائف ظانّ لما يخاف منه ، غير قاطع عليه ، فلا يصحّ كونه علما. ولا مدخل للإرادة وغيرها من أفعال القلوب في هذا الباب. فأمّا النظر ، فهو مما يجب عند الخاطر ، فلا يلتبس بنفس الخاطر. وأفعال الجوارح تنقسم : فمنها ما لا يفيد من حيث تقع المواضعة عليه ، ولا ما يجري مجراه. فلا مدخل في هذا الباب ، لأنّ ما يوجب إثبات الخاطر يوجب كونه مفيدا لأمور تنبّه عليها. ومنها ما يفيد لمواضعة أو غيرها ، كالكلام والكتابة والإشارة. وقد علمنا أنّ الإشارة لا مدخل لها في هذا الباب لأنّها لا تفيد ، بالاضطرار إلى قصد المشير ، ويختلف حالها بحسب فاعلها ومن قصد بها ؛ وذلك لا يتأتّى إلّا مع المشاهدة لها على الوجوه التي تقع عليها. فأمّا الكتابة ، فإنّما تفيد بأن تشاهد صورتها ، فتعرف بها حال الكلام التي هي

أمارة له. ومتى حدثت ، لا يصحّ ذلك فيها ولم يعتدّ بها ، وكان وجودها كعدمها. وإن كان ما يوجب صحّة كون الخاطر إشارة وكتابة ، يوجب صحّة كونه كاملا ، لأنّه في باب الفائدة أبلغ منهما ، ولأنّ الكتابة هي فرع عليه ، فلا يفيد إلّا بتقدّمه وتقدّم المواضعة عليه. وقد علمنا أنه لا يجوز أن يكون الخاطر اعتقادا ، لأنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون من فعله تعالى أو من فعل نفس العبد ؛ لأنّ الدلالة قد دلّت على أنّ القادر بقدرة لا يصحّ أن يفعل الاعتقاد في قلب غيره. ولا يمكن أن يكون من فعله تعالى ، لأنّه إن لم يكن معتقده على ما هو به فيجب كونه قبيحا ؛ وقد ثبت أنّه تعالى لا يفعل القبيح ، وإن كان معتقده على ما هو به. فيجب كونه علما ، لأنّه قد صحّ أنّ الاعتقاد إذا وقع من فعل العالم بالمعتقد يجب كونه علما ؛ ولو كان علما ، لوجب أن يعلم به ما يقتضيه وقد علمنا أنّ المخطر بباله ليس حاله فيما يرد عليه حال القاطع العالم ، فبطل كونه اعتقادا من فعله تعالى. ولا يجوز أن يكون اعتقادا من فعل نفس العاقل ، لأنّ ما يبتدئه العاقل من الاعتقاد أن يجري مجرى التبخيت. فلا يحصل لها حكم يلزم عنده النظر ويقع به الخوف ، على حدّ ما ذكرنا في الخاطر (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٤ ، ٥)

ـ وبعد ، فإنّ الخاطر من فعله تعالى ؛ فكيف يصحّ أن نثبت اعتقادا من فعل المكلّف ، فهذا في نهاية البعد. ولا يجوز في الخاطر أن يكون ظنّا ، لأنّ الظنّ إذا ورد مبتدأ على القلب بلا أمارة لم يعتدّ به. فلا يخلو ما يفعله سبحانه من الظنّ على هذا القول من أن يفعله عن أمارة أو يفعله مفردا عنها. فإن كان مفردا عن الأمارة ، لم يكن له حكم ، وصار كمن يظنّ الأمور على جهة الابتداء في أنّ ذلك ينبئ عن نقصه ولا يتعلّق بظنّه الأحكام التي من حقّها أن تتعلّق بالمظنون. وإن كان يفعل الظنّ عن أمارة ، فمن حق الأمارة أن تؤثّر في الظنّ إذا كان الفاعل له من الأمارة أمارة له. فأمّا من تستحيل عليه الأمارات ، فغير جائز أن يفعل ظنّا وللأمارة فيه تأثير ، كما أنّ النظر يؤثّر في الاعتقاد إذا كان الناظر هو العالم ، والأمارة تؤثّر في المراد إذا كان الفاعل له هو المريد. ولذلك لو وجدت الأمارة ، وفعلنا الظنّ من غير أن نعملها على الوجه الذي هي أمارة عليه ، لم يؤثّر في الظنّ. فكيف يصحّ أن يقال : إنّه من فعله تعالى ، وتؤثّر هذه الأمارات فيه (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٦ ، ٤)

ـ اعلم ، أنّ من حق الخاطر أن لا يحسن وروده إلّا أن يتضمّن شروطا ، منها أن يفيد الوجه الذي له يحسن إيجاب النظر والمعارف ، ومنها أن يتضمّن ذكر وجوب المعرفة التي لأجل وجوبها وجبت سائر المعارف ، ومنها أن يتضمّن الوجه الذي له يخاف من ذلك بأن يذكر الأمارات التي تقتضي الخوف ، ومنها أن يتضمّن ترتيب النظر على الوجه الذي يلزم المكلّف. فهذه الوجوه لا بدّ منها عندنا ليحسن ورود الخاطر من قبل الحكيم ، وما عدا ذلك من الشرائط لا معتبر به (ق ، غ ١٢ ، ٤١٤ ، ٣)

ـ إنّ العقليّات قد نصب في العقل الدلالة على وجه وجوبها وكذلك الشرعيّات ، ومكّن المكلّف من معرفة ذلك ، فقد عرف بهذه الوجوه. وليس كذلك حال من يرد الخاطر عليه ، لأنّه قبل معرفة الله لا يصحّ أن يستدلّ فيعرف ما له يجب النظر والمعرفة ، وإنّما يتنبّه على ذلك بأن يلقى ذلك إليه (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٩ ، ١٠)

ـ إنّ الشيخ أبا علي ، رحمه‌الله ، قد ذكر في الخاطر أنّه يرد عليه بأن يقول : قد عرفت بتغيّر الأحوال عليك أنّك في حكم المحتاج إلى مدبّر وصانع ، فانظر في معرفته فإنّك لا تأمن من أن لم تعرفه أن تزيل ما بك من نعمة (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٩ ، ٢٠)

ـ إنّ الخاطر لا بدّ من أن يبيّن وجوب النظر على الترتيب الذي يجب عليه. فكما لا يجوز أن يبيّن وجوب ذلك ولا يذكر ما عنده يجب وما له يجب أو يحسن إيجابه ، فكذلك لا بدّ من أن يبيّن جملة النظر الذي يلزمه حالا بعد حال ، لأنّه يقبح إيجاب أوائله ولمّا تجب أواخره ، ولأنّه لا يعرّف المكلّف في ما ذا ينظر حالا بعد حال ، وما المتقدّم في ذلك وما المتأخّر. فإذا لم يبيّن ذلك كان موجبا له من وجه لا يجب لأجله فيقبح إيجابه عليه ، على ما تقدّم القول فيه (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٣ ، ١٦)

ـ قد بيّنا أنّ الأكثر في قول شيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، أنّه لا يجب أن ترتّب الأدلّة التي ينظر فيها ، لأنّ من كمال عقله أن يعلم أنّ معرفة الصانع إنّما تكون بأن ينظر في الأفعال فيعرف كيفية تعلّقها بالفاعل ، ويعلم أنّ هذه الأجسام أو الأعراض إذا كانت محدثة فلها فاعل ، فينظر في هذا الطريق ويعلم أنّه لا يجب أن ينظر في الحساب لكي يعرف أنّ له صانعا. فهذا إذا كان معلوما له بالتجربة ، على ما بيّناه ، فورود الخاطر به لا يحتاج إليه. وربّما مرّ في كلامه أنّه يحتاج إلى ذكر ذلك ليقف على ما ينظر فيه حالا بعد حال. وهذا هو الأكثر في كلام شيخنا أبي علي ، رحمه‌الله ، وإن كان قد قال في بعض كلامه مثل ما حكيناه أولا عن أبي هاشم ، رحمه‌الله. والصحيح أنّ الخاطر ينبّهه على الأدلّة التي ينظر فيها حالا بعد حال إن لم تكن المعرفة بذلك تقدّمت. ويبعد أن تكون متقدّمة فيمن كمل عقله أولا ، لأنّ ذلك إنّما يعرف بمجالسته العلماء فيسمع ذلك منهم ، ويورد الخاطر منبّها على ذلك أو بإيراد الداعي والمخوّف. وإن كان لا يمتنع أن تطول بالعاقل الفكرة في أحوال نفسه ، فتنتهي معرفته إلى أن يعرف كيفية النظر حالا بعد حال ، ويقوى في ظنّه أنّ ذلك هو الواجب عليه في النظر ، ويتقرّر في نفسه هذا الترتيب فيستغني إذ ذاك عن الداعي والخاطر ، فأمّا إذا لم تحصل هذه الصفة للمكلّف ، فما ذكرناه من ورود الخاطر والداعي لا بدّ منه لأنّه يؤدّي إلى أن يكون قادرا بوجوب أشياء لا يعرف المكلّف كيف يؤدّيها. فلا بدّ من أن ترتّب له الأدلّة التي ينظر فيها حالا بعد حال ، على ما بيّنا (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٤ ، ١٠)

ـ لا بدّ في أول ورود الخاطر من أن ينبّهه على ترتيب النظر في الأدلّة المرتّبة ، إمّا على جملة أو تفصيل ، فإن كان المعلوم أنّه لا يرد عليه بيان تفصيل ذلك فيما بعد ، فورود التفصيل واجب ، وإن كان المعلوم أن ذلك يرد عليه ؛ فورود الجملة كاف في هذا الباب. والتفصيل من بعد قد يرد عليه بخواطر تحدث من فعل الله ، تعالى ، وقد يرد عليه بتعريف سائر الناس ، وكل واحد من الأمرين يقوم مقام الآخر ، على ما بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٥ ، ٣)

ـ إنّ ما عليه المكلّف من شهوة القبح ومحبة اتّباع ما يهواه ، يخرجه من أن يكون ملجأ إلى ما نبّهه الخاطر عليه. وهذا بيّن من حالنا ، إذا ورد علينا دعاء الداعي في المعارف وغيرها ، لأنّ الخاطر لا يكون آكد حالا من الداعي ،

والداعي إلى المعرفة المخوّف من ترك النظر لا يكون أعظم حالا من الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مع الوعظ الشديد والتخويف العظيم. ومع ذلك فالمقدم على المنكر لا يبلغ حاله حال الملجأ ، لما بيّناه من غلبة الشهوة ومحبة إيثار الهوى. فكذلك القول فيما بيّناه من الخاطر أنّ انفراده لا يوجب الإلجاء ؛ فكيف يجعل من شرط صحّته ، مقابلة خاطر آخر يرد بالضدّ مما ورد (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٥ ، ١٥)

ـ إنّ الخاطر إنّما اقتضى وجوب النظر بأن نبّه على أمارات الخوف من القبيح ، وإنّ معرفته بأنّ عليه في القبيح مضرّة تدعو إلى مجانبته (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٩ ، ١٥)

ـ إنّ الخاطر لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يكون كلاما خفيا ، أو يكون اعتقادا آخر (ن ، م ، ٢٧١ ، ٢٣)

ـ إنّ ابن الجبّائي زعم أنّ الخاطر الداعي إلى النظر والاستدلال من قبل الله تعالى جار مجرى الأمر وهو قول خفيّ يلقيه الله تعالى في قلب العاقل أو يرسل ملكا يلقي ذلك في قلبه ، وكذلك الخاطر الذي يلقيه الشيطان قول خفي يخاطبه به وأنكر قول أبيه وأبي الهذيل في كون صفة الخاطر أنّه على معنى علم أو فكر (ب ، أ ، ٢٧ ، ١٤)

ـ الخاطر عند الشيخ أبي هاشم هو كلام خفي يفعله الله تعالى في داخل سمع المكلّف ، أو يفعله الملك بأمره جلّ وعزّ. ومنع الشيخ أبو علي من أن يكون كلاما. ثم جوّز فيه مرّة أن يكون فكرا ، وقال في كتاب" الخاطر" إنّه اعتقاد ، وربما قال بل هو ظنّ. وقد قال أبو هاشم : إنّ أبا علي قد أقام الخاطر مقام دعاء الداعي (أ ، ت ، ٣٩٣ ، ٣)

خاطر أول

ـ إنّ الخاطر إنّما يعتدّ به إذا انضاف إليه من الأمارات ما يوجب خوفا صحيحا ؛ وذلك متعذّر في الخاطر الثاني ، ومتأت في الخاطر الأوّل ، فيجب أن لا يكون معارضا له. وهذه الطريقة تسقط كل ما يسألون عنه في ترجيح الخاطر الثاني من نحو قولهم : إنّه يدعو إلى الرفاهة والدعة ، وإلى الكفّ عن تحمّل المشقّة ، وإلى ترك النظر الذي ربما جلب إلزام الواجبات التي لو لا نظره لم تكن لتلزم. لأن ذلك أجمع إلى ما شاكله لا يخرج الخاطر الأول من أن يكون مشتملا على الأمارات المقتضية للخوف ، فلا مدخل للخاطر الثاني في أن تكون له أمارة ؛ بل الحال فيهما على ما بيّناه ، فيجب الاعتداد بالأول واطّراح الثاني (ق ، غ ١٢ ، ٤٤١ ، ٥)

ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، فإنّ طريقته في دفع ذلك هو أنّ الخاطر الأوّل يدعو إلى النظر الذي يتطرّق به إلى المعارف وإلى زوال الشبه وانكشاف الأمور ، والخاطر الثاني يدعو إلى التقليد والاستلام ، والواجب أن لا يقبل منه. ويضرب رحمه‌الله لذلك أمثالا واضحة نحو أن يخوّف الرجل المدفوع إلى سلوك الطريق من سلوكه ، بأن يخبر بأنّ فيه سبعا ، فإنّ الواجب عليه أن لا يتقدّم إلّا بعد مسألة وبحث ؛ ثم يحثّه آخر فيقول : افعل ما بدا لك من غير فحص ؛ فالواجب المسألة والبحث واطّراح قول الثاني. وكذلك لو دفع إلى تجارة فقال له قائل : إن الواجب أن تنظر فيما يلتمس الربح ، فبه من ضروب التجارات ، وتسأل أهل البصر بذلك

لتقدّم على بصيرة ؛ وقال آخر : اتّجر فيما بدا لك من غير فكر ومسألة ؛ أن الواجب عند العقلاء اطّراح الثاني ؛ فكذلك القول في الخاطرين. وربما مرّ في كلامه ، رحمه‌الله ، أن الخاطر الثاني إذا خوّفه من النظر ، فليس يخرج هذا الرجل من أن يكون خائفا من ترك النظر ، وإن خاف من النظر أيضا. فالواجب أن ينظر ، فإنّ النظر قد عرف أنّه طريق المعرفة دون تركه والكفّ عنه (ق ، غ ١٢ ، ٤٤١ ، ١٤)

خاطر ثان

ـ إنّ الخاطر إنّما يعتدّ به إذا انضاف إليه من الأمارات ما يوجب خوفا صحيحا ؛ وذلك متعذّر في الخاطر الثاني ، ومتأت في الخاطر الأوّل ، فيجب أن لا يكون معارضا له. وهذه الطريقة تسقط كل ما يسألون عنه في ترجيح الخاطر الثاني من نحو قولهم : إنّه يدعو إلى الرفاهة والدعة ، وإلى الكفّ عن تحمّل المشقّة ، وإلى ترك النظر الذي ربما جلب إلزام الواجبات التي لو لا نظره لم تكن لتلزم. لأن ذلك أجمع إلى ما شاكله لا يخرج الخاطر الأوّل من أن يكون مشتملا على الأمارات المقتضية للخوف ، فلا مدخل للخاطر الثاني في أن تكون له أمارة ؛ بل الحال فيهما على ما بيّناه ، فيجب الاعتداد بالأول واطّراح الثاني (ق ، غ ١٢ ، ٤٤١ ، ٦)

ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، فإنّ طريقته في دفع ذلك هو أنّ الخاطر الأوّل يدعو إلى النظر الذي يتطرّق به إلى المعارف وإلى زوال الشبه وانكشاف الأمور ، والخاطر الثاني يدعو إلى التقليد والاستلام ، والواجب أن لا يقبل منه. ويضرب رحمه‌الله لذلك أمثالا واضحة نحو أن يخوّف الرجل المدفوع إلى سلوك الطريق من سلوكه ، بأنّ يخبر بأنّ فيه سبعا ، فإنّ الواجب عليه أن لا يتقدّم إلّا بعد مسألة وبحث ؛ ثم يحثّه آخر فيقول : افعل ما بدا لك من غير فحص ؛ فالواجب المسألة والبحث واطّراح قول الثاني. وكذلك لو دفع إلى تجارة فقال له قائل : إنّ الواجب أن تنظر فيما يلتمس الربح فبه من ضروب التجارات ، وتسأل أهل البصر بذلك لتقدّم على بصيرة ؛ وقال آخر : اتّجر فيما بدا لك من غير فكر ومسألة ؛ أن الواجب عند العقلاء اطّراح الثاني ؛ فكذلك القول في الخاطرين. وربما مرّ في كلامه ، رحمه‌الله ، أن الخاطر الثاني إذا خوّفه من النظر ، فليس يخرج هذا الرجل من أن يكون خائفا من ترك النظر ، وإن خاف من النظر أيضا. فالواجب أن ينظر ، فإنّ النظر قد عرف أنّه طريق المعرفة دون تركه والكفّ عنه (ق ، غ ١٢ ، ٤٤١ ، ١٦)

خالفية

ـ المعارضة الموسومة بالخامسة ـ وهي أنّ تعلّق القادر بالمقدور يغني عند الإيجاد ، والقدرة القديمة لا تغني ـ فجوابها أنّ تعلّق القادر بالمقدور المطلق لا يغني ، وأمّا بالمقدور المعيّن فأمر إضافي وهو الذي يسمّى بالخالفيّة ، وحكمه حكم سائر الإضافات (ط ، م ، ٢٧٦ ، ٢٣)

خالق

ـ إبراهيم (النظّام) يزعم أنّ للأشياء خالقا خلقها ومدبّرا دبّرها فقهرها على ما أراد ودبّرها على ما أحب وجمع منها ما أراد جمعه وفرّق منها ما أراد تفريقه. فهذا الفرق بين ما قاله إبراهيم وما

قالته المنانية وهو بيّن لا خفاء به (خ ، ن ، ٣١ ، ١٦)

ـ قال ، عزوجل ، في فعله هو : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد ، ١٦) ، يقول : هو خالق كل شيء يكون ، ولم يقل أنّه خلق فعلهم ، بل قال : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، يقول : تصنعون وتقولون إفكا ، كما قال : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) (النحل : ٦٧) يقول : أنتم تجعلونه ، وتبيّن الكفر والإيمان من الله ، عزوجل ، وفعلهما من الآدميين ، ولو لا أنّه عزوجل بيّن لخلقه الكفر والإيمان ما إذا عرفوا الحق والباطل ولا المعتدل من المائل ، ولكن عرّفهم (ي ، ر ، ٦٦ ، ١٠)

ـ إنّ معنى القول في الله أنه خالق أنّه فعل الأشياء مقدّرة ، وأنّ الإنسان إذا فعل أفعالا مقدّرة فهو خالق وهذا قول" الجبّائي" وأصحابه (ش ، ق ، ١٩٥ ، ٤)

ـ إنّ معنى القول في الله سبحانه إنّه خالق أنّه فعل لا بآلة ولا بقوّة مخترعة ، فمن فعل لا بآلة ولا بقوّة مخترعة فهو خالق لفعله ، ومن فعل بقوّة مخترعة فليس بخالق لفعله (ش ، ق ، ١٩٥ ، ٧)

ـ إنّ معنى فاعل وخالق واحد وأنّا لا نطلق ذلك في الإنسان لأنّا منعنا منه. وقال بعضهم : هو الفعل لا بآلة ولا بجارحة وهذا يستحيل منه. وقال بعضهم : معنى خالق أنّه وقع منه الفعل مقدّرا فكل من وقع فعله مقدّرا فهو خالق له قديما كان أو محدثا (ش ، ق ، ٢٢٨ ، ٧)

ـ إنّه لا خالق إلّا الله وأن سيّئات العباد يخلقها الله ، وأنّ أعمال العباد يخلقها الله عزوجل ، وأنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا (ش ، ق ، ٢٩١ ، ٩)

ـ معنى أنّ الخالق خالق أنّ الفعل وقع منه بقدرة قديمة ، فإنّه لا يفعل بقدرة قديمة إلّا خالق (ش ، ق ، ٥٣٨ ، ١٦)

ـ معنى الخالق أنّه يفعل لا بآلة ولا بجارحة [فمن فعل لا بآلة ولا بجارحة] فهو خالق ، وهذا قول" الاسكافي" وطوائف من المعتزلة (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ٥)

ـ قال" محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" معنى الخالق أنّه يفعل أفعاله مقدّرة على مقدار ما دبّرها عليه ، وذلك هو معنى قولنا في الله أنه خالق ، وكذلك القول في الإنسان أنه خالق إذا وقعت منه أفعال مقدّرة (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ٨)

ـ إنّ" يحيى بن أبي كامل" قال : لا أقول أنّ البارئ يفعل إلّا على المجاز ، ولا أقول أنّ الإنسان يفعل إلّا على المجاز ، والحقيقة في الإنسان أنّه مكتسب وفي البارئ أنّه خالق (ش ، ق ، ٥٤٠ ، ١٢)

ـ إن قال قائل لم زعمتم أنّ أكساب العباد مخلوقة لله تعالى ، قيل له قلنا ذلك لأنّ الله تعالى قال (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦) وقال (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) الأحقاف : ١٤) فلمّا كان الجزاء واقعا على أعمالهم كان الخالق لأعمالهم (ش ، ل ، ٣٧ ، ٥)

ـ إنّ الخالق هو من يتأتّى منه المخلوقات على قصده (ش ، ل ، ٩٣ ، ٦)

ـ إنّه لا خالق إلّا الله ، وأنّ أعمال العبد مخلوقة لله مقدورة ، كما قال : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦). وأنّ العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئا وهم يخلقون ، كما قال : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣). وكما قال : (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (النحل : ٢٠). وكما قال : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) ، وكما قال : (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ)

(الطور : ٣٥). وهذا في كتاب الله كثير (ش ، ب ، ٢٠ ، ٣)

ـ إنّ الله عزوجل خلق الكفر والمعاصي ـ وسنبيّن ذلك بعد هذا الموضع من كتابنا ـ وإذا وجب أنّ الله سبحانه خالق لذلك ، فقد وجب أنّه مريد له لأنّه لا يجوز أن يخلق ما لا يريده (ش ، ب ، ١٢٦ ، ٤)

ـ إنّ الباني بان وإن لم يبن ، والكاتب كاتب وإن لم يكتب ، وليس من ضرورة صيرورة الكاتب كاتبا أن يحصل منه فعل الكتابة ، فلذلك جاز أن يكون الرب خالقا وإن لم يخلق (م ، ف ، ١٨ ، ٢٣)

ـ الربّ بجميع صفاته خالق لم يزل ، لم يلد ولم يولد ولم يحدث له صفة (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)

ـ إنّه (الله) مقدّر لأرزاق جميع الخلق ، وموقّت لآجالهم ، وخالق لأفعالهم ، وقادر على مقدوراتهم ، وإله ورب لها. لا خالق غيره ، ولا رازق سواه (ب ، ن ، ٢٨ ، ١)

ـ إنّ العاقل منّا يفرّق بين تحرّك يده جبرا وسائر بدنه عند وقوع الحمّى به ، أو الارتعاش ، وبين أن يحرّك هو عضوا من أعضائه قاصدا إلى ذلك باختياره ، فأفعال العباد هي كسب لهم وهي خلق الله تعالى. فما يتصف به الحق لا يتصف به الخلق ، وما يتصف به الخلق لا يتصف به الحق ، وكما لا يقال الله تعالى إنّه مكتسب ، كذلك لا يقال للعبد إنّه خالق (ب ، ن ، ٤٦ ، ٨)

ـ اعلم أنّ مذهب أهل السّنة والجماعة أنّ الله تعالى هو الخالق وحده ، لا يجوز أن يكون خالق سواه ، فإنّ جميع الموجودات من أشخاص العباد وأفعالهم محركات الحيوانات قليلها وكثيرها حسنها وقبيحها خلق له تعالى لا خالق لها غيره ؛ فهي منه خلق وللعباد كسب ، على ما قدّمنا بيانه بقوله تعالى : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (البقرة : ٢٨٦) وأمثال هذه الآية من الأدلة على الفرق بين الخلق والاختراع والكسب (ب ، ن ، ١٤٤ ، ٧)

ـ لمّا وجدنا الخالق تعالى يقدر على خلق الشيء وضدّه دلّ على أنّه هو الخالق لا خالق سواه (ب ، ن ، ١٤٨ ، ٨)

ـ كان (الأشعري) لا يفرّق بين معنى المخلوق والمحدث والخالق والمحدث ، وكذلك بين الفاعل والمحدث ، ويقول إنّ كل فعل محدث وكل فاعل محدث وكل خالق محدث ، وإنّ لا خالق ولا محدث ولا فاعل إلّا الله تعالى على الحقيقة (أ ، م ، ٢٨ ، ١٨)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الرزق يجري مجرى الخلق في أنّه لا يصحّ أن يوصف به البارئ تعالى في الأزل ، وإنّ وصفنا لله تعالى بأنّه رازق وللخالق بأنّه خالق هو وصف مشتقّ من الخلق والرزق ، وإنّه لا يصحّ أن يقال إنّ الله تعالى لم يزل خالقا رازقا لاستحالة وجود ما منه يشتقّ هذان الوصفان في الأزل الخلق والرزق (أ ، م ، ١٣٧ ، ٤)

ـ إنّ معنى الخالق أنّه فعل بقدرة قديمة ، فلمّا استحال أن يفعل الإنسان بقدرة قديمة استحال أن يكون خالقا وأن يكون الكسب له خلقا بوجه من الوجوه. وكان يدلّ على ذلك بأنّ القديم لم يخلق شيئا إلّا وقد فعله بقدرة قديمة. واستحال أن يكون للإنسان قدرة قديمة ، فاستحال أن يكون خالقا (أ ، م ، ٢٢٤ ، ٧)

ـ نحن نذكر من أقوالهم (النصارى) ما يجب ذكره والذي اتّفقت الفرق الثلاثة عليه : إنّ الخالق الإله جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، وإنّ أحد هذه

الأقانيم أب ، والآخر ابن ، والثالث روح القدس ، وإنّ الابن هو الكلمة ، والروح هي الحياة ، والأب هو القديم الحي المتكلّم. وإنّ هذه الأقانيم الثلاثة متّفقة في الجوهريّة مختلفة في الأقنوميّة. وأنّ ابن لم يزل مولودا من الأب والأب والدا للابن ولم تزل الروح فائضة من الأب والابن. وليس كون الابن ابنا للأب على جهة النسل ، لكن كتولّد الكلمة من العقل وحرّ النار من النار وضياء الشمس من الشمس. واتّفقوا أن الابن اتّحد بالشخص الذي يسمّونه المسيح ، وأن ذلك الشخص ظهر للناس وصلب وقتل (ق ، غ ٥ ، ٨١ ، ٨)

ـ قال تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) وقال (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) فلا بدّ من أن يكونوا قد أفادوا بذلك أمرا معقولا. ولا يخلو ذلك الأمر من وجوه : إما أن يفاد به أنّه مخترع كقول المجبرة ، أو يفاد به أنّه مخترع على صفة ؛ كما قاله شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، وهو : أن يكون وقع من فاعله مقدّرا ، أو يراد به أنّه من فعل القديم تعالى ، كما قاله بعض مشايخنا من البغداديين ، أو يراد به أنّه إفك وكذب ، أو يفاد به أنّه معمول ، أو يفاد به كونه مقدّرا في الأديم فقط دون غيره ، كما يفيد البلق اجتماع السواد والبياض في الفرس فقط. ولا يجوز أن يفيد كونه مخترعا ؛ لأنّ الساهي ومن يفعل ما لا يخطر له على بال لا يكون مخترعا ، ولا يسمّى خالقا ، ولأنّ أهل اللغة وصفوا الإنسان بأنّه يخلق الأديم ، وإن لم يصحّ منه اختراعه. وقال الشاعر : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثمّ لا يفري. يريد يقدّر ثم لا يقطع. فإذا كان القطيع يتعلّق بالأديم ، فيجب أن يكون الخلق متعلقا به أيضا. ولا يجوز أن يراد به أنّه مخترع من فعل الله ، لأنّهم قد وصفوا الإنسان بأنّه يخلق الأديم وغير ذلك ، ووصفوه بأنّه خالق ، على ما قدّمناه ؛ ولأنّ الاسم يوجد أولا من الشاهد ؛ إما فيما يعلمونه أو يعتقدونه ، ثم يجرى على الغائب. فلا يصحّ أن يقال : إنّ أفعاله سبحانه تخصّ بذلك على الحقيقة. واستعملوه في الشاهد مجازا ؛ لأنّهم قد علموا الأمور المقدّرة ووصفوا فاعلها بأنّه خالق ، ووصفوها بأنّها مخلوقة ، فيجب أن تكون أفعاله مبنيّة على ذلك ، ولأنّه جلّ وعزّ قال : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) فلو كان هو الخالق فقط لما جاز أن يقول ذلك ، كما لا يجوز أن يقول : فتبارك الله أحسن الآلهة. وهذا كما يقال : أرحم الراحمين ، وأعدل العادلين ، وأنعم المنعمين ؛ من حيث كان غيره مستحقّا لهذه التسمية (ق ، غ ٧ ، ٢١٠ ، ٧)

ـ إنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله جوّز أن يخلق الإنسان فعل غيره ، ويوصف بأنّه خالق لفعل غيره ، على ما ذكرناه في الأديم ؛ لأنّه وإن كان من فعل الله سبحانه ؛ فالمقدّر له يوصف بأنّه خالق له. وجوّز أن يوصف زيد وعمرو بأنّهما خلقا الأديم ، إذا قدّراه ، وقال : لا يوصف المعدوم بذلك وإن قدّره المقدّر ، لأنّ التقدير إذا تعلّق بالموجود يسمّى خلقا ، وإذا تعلّق بالمعدوم لا يسمّى بذلك. كما أنّ الإرادة متى تعلّقت بالمعدوم يصحّ أن يسمّى عدما ، ومتى تعلّقت بالموجود لم يسمّ بذلك (ق ، غ ٧ ، ٢٢٠ ، ٤)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّما سمّي الخالق خالقا من حيث قصد بالفعل إلى بعض

الأغراض. وقال : إنّ تسمية المخلوق توجد من معنى هو الخلق ؛ والخلق والتقدير هما إرادتان ، ولا يوصف الخلق بأنّه خلق إلّا والمخلوق موجود ، ومتى كان معدوما لم يسمّ خلقا ، والتقدير لا يسمّى خلقا إلّا بشرط وجود المقدور ، ولا مخلوق إلّا محدث ، وقد يكون محدثا ليس بمخلوق ، لأنّه يفيد صفة زائدة على حدوثه (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ٨)

ـ بيّن شيخنا أبو علي رحمه‌الله أنّ قوله (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : ٢٠) ، يجب أن يكون أعمّ من قوله (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الزمر : ٦٢) ، لأنّه يتناول المستقبل وهذا لا يتناوله ، فيجب أن يكون أخصّ منه من حيث كان المعدوم غير مخلوق وإن كان مقدورا ، وكذلك فعل العباد غير مخلوق وإن كان مقدورا ، ويمكن أن يقال إنّ كونه خالقا ينبئ عن تقدّم حال مع المقدور ، وهو كونه قادرا عليه ، فما لم يثبت ذلك فيه يجب أن يكون داخلا تحت العموم فيجب أن يدلّ أولا على أنّ أفعال العباد مقدورة له تعالى حتى يتناوله العموم ، ويمكن أن يحمل ذلك على أنّ المراد به أنّه مقدّر كل شيء ومدبّره ، ولا يمتنع عندنا كونه مقدّرا لأفعال العباد وإن لم تكن من فعله بأن يبيّن أحواله أو يقدر على إيجاده أو يعدمه (ق ، غ ٨ ، ٣١١ ، ٣)

ـ إنّ الله سبحانه خالق الأجسام والأعراض خيرها وشرّها ، وإنّه خالق أكساب العباد ، ولا خالق غير الله (ب ، ف ، ٣٣٨ ، ١٨)

ـ ابن الجبائي ... قال إنّ الخالق للشيء إنّما يخلقه بأن يجعله على حال (ب ، أ ، ١٣٤ ، ٧)

ـ إنّ الخالق للشيء يجب أن يكون عالما به وبتفصيله ، وقد علمنا إنّ العباد لا يعلمون تفصيل عدد حركاتهم الكسبية في عضو واحد في زمان متناه (ب ، أ ، ١٣٦ ، ١٠)

ـ يدلّ على بطلان قولهم (القدرية) من القياس إنّ الخالق للشيء يجب أن يكون قادرا على إعادته ، كالخالق للأجسام والألوان قادر على إعادتها. وإذ كان الواحد منّا لا يقدر على إعادة كسبه بعد عدم الكسب ، صحّ أنّ ابتداء وجود كسبه كان بقدرة غيره ، وهو الله القادر على إعادته. فإن قالوا لو كان الكسب فعلا لله وللعبد لاشتركا فيه. قيل ليس حدوثه منهما ، حتى يكونا شريكين في إحداثه وإنّما الله عزوجل خالق الكسب والعبد مكتسب له ، كما أنّ الله خالق حركة العبد والعبد متحرّك ولا يجب الشركة بمثل هذا (ب ، أ ، ١٣٦ ، ١٥)

ـ إنّ الله عزوجل فعل أفعالا هي منه تعالى عدل وحكمة ، وهي منّا ظلم وعبث ، وليس يلزمنا مع ذلك أن نقول إنّه يقول الكذب ويجهل ، فبطل هذا الإلزام والحمد لله ربّ العالمين ، وأيضا فإنّنا لم نقل أنّه تعالى يظلم ولا يكون ظالما ، ولا قلنا أنّه يكفر ولا يسمّى كافرا ، ولا قلنا أنّه يكذب ولا يسمّى كاذبا ، فيلزمنا ما أرادوا وألزمنا إيّاه ، وإنّما قلنا أنّه خلق الظلم والكذب والكفر والشر والحركة والطول والعرض والسكون أعراضا في خلقه ، فوجب أن يسمّى خالقا لكل ذلك ، كما خلق الجوع والعطش والشبع والري والسمن والهزال واللغات ، ولم يجز أن يسمّى ظالما ولا كاذبا ولا كافرا ولا شريرا ، كما لم يجز عندنا وعندهم أن يسمّى من أجل خلقه لكل ما ذكرناه متحرّكا ولا ساكنا ولا طويلا ولا عريضا ولا عطشان ولا ريّان ولا جائعا ولا شابعا ولا سمينا ولا هزيلا ولا لغويا ، وهكذا كل ما خلق

الله تبارك وتعالى فإنّما يخبر عنه بأنّه تعالى خالق له فقط ولا يوصف بشيء مما ذكرنا إلّا من خلقه الله تعالى عرضا فيه (ح ، ف ٣ ، ٧٥ ، ١٦)

ـ أمّا تسمية أحدنا خالقا ، فالإطلاق لا يصحّ فيه كما لا يصحّ إطلاق الربّ فيه ، وإنّما يقيّد والمانع منه هو السمع من إجماع وغيره. وعلى هذا قال الله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ولو لم يكن يصحّ من جهة اللغة تسمية غيره خالقا لما صحّ ذلك كما لا يصحّ أن يقال فتبارك الله أحسن الآلهة وقد وردت الأشعار بما ذكرناه. قال الشاعر : ولا نيط بأيدي الخالقين ولا أيدي الخوالق إلّا جند الآدم. والمجبرة تمنع من وصف أحدنا بذلك مع التقييد لقولها أنّ هذا الوصف يفيد الاختراع وما قدّمناه يبطله (أ ، ت ، ٤٣٠ ، ١٣)

ـ اتّفق سلف الأمّة ، قبل ظهور البدع والأهواء واضطراب الآراء على أنّ الخالق المبدع ربّ العالمين ، ولا خالق سواه ، ولا مخترع ، إلّا هو ، فهذا هو مذهب أهل الحقّ ؛ فالحوادث كلّها حدثت بقدرة الله تعالى ، ولا فرق بين ما تعلّقت قدرة العباد به ، وبين ما تفرّد الرّب بالاقتدار عليه. ويخرج من مضمون هذا الأصل ، أنّ كل مقدور لقادر ، فالله تعالى قادر عليه وهو مخترعه ومنشؤه (ج ، ش ، ١٧٣ ، ٣)

ـ اتّفقت المعتزلة ، ومن تابعهم من أهل الأهواء على أنّ العباد موجدون لأفعالهم ، مخترعون لها بقدرهم. واتّفقوا أيضا على أنّ الرّب تعالى عن قولهم ، لا يتّصف بالاقتدار على مقدور العباد ، كما لا يتّصف العباد بالاقتدار على مقدور الرّب تعالى. ثم المتقدّمون منهم كانوا يمتنعون من تسمية العبد خالقا لقرب عهدهم بإجماع السلف على أنّه لا خالق إلّا الله تعالى ، ثم تجرّأ المتأخرون منهم وسمّوا العبد خالقا على الحقيقة. وأبدع بعض المتأخّرين ما فارق به ربقة الدين ، فقالوا : العبد خالق (ج ، ش ، ١٧٤ ، ١)

ـ إنّا نقول اختراع الله تعالى للحركة في يد العبد معقول دون أن تكون الحركة مقدورة للعبد ، فمهما خلق الحركة وخلق معها قدرة عليها ، كان هو المستبد بالاختراع للقدرة والمقدور جميعا ، فخرج منه أنّه منفرد بالاختراع ، وأنّ الحركة موجودة ، وأنّ المتحرّك عليها قادر ، وبسبب كونه قادرا عليها فارق حاله حالة المرتعد ، فاندفعت الإشكالات كلّها. وحاصله أنّ القادر الواسع القدرة ، هو قادر على اختراع القدرة ، والمقدور معا. ولمّا كان اسم الخالق ، والمخترع مطلقا على من أوجد الشيء بقدرته ، وكانت القدرة والمقدار جميعا بقدرة الله تعالى سمّي خالقا ، ومخترعا ، ولم يكن المقدور بقدرة العبد ؛ وإن كان معه ، فلم يسمّ خالقا ، ولا مخترعا ، ووجب أن يطلب لهذا النمط من النسبة اسم آخر مخالف ، فطلب له اسم الكسب تيمّنا بكتاب الله تعالى ، فإنّه وجد إطلاق ذلك على أعمال العباد في القرآن ، وأمّا اسم الفعل فتردّد في إطلاقه ، ولا مشاحة في الأسامي بعد فهم المعاني (غ ، ق ، ٩٢ ، ٢)

ـ (الخالق) المقدّر لما يوجده ، و (البارئ) المميّز بعضه من بعض بالأشكال المختلفة (ز ، ك ٤ ، ٨٧ ، ٢٢)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ العبد قادر خالق لأفعاله خيرها وشرّها. مستحقّ على ما يفعله ثوابا وعقابا في الدار الآخرة. والربّ تعالى

منزّه أن يضاف إليه شرّ وظلم وفعل هو كفر ومعصية ، لأنّه لو خلق الظلم كان ظالما ، كما لو خلق العدل كان عادلا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ٨)

ـ قال (العلّاف) إنّه تعالى لم يزل سميعا بصيرا بمعنى سيسمع وسيبصر. وكذلك لم يزل غفورا ، رحيما ، محسنا ، خالقا ، رازقا ، مثيبا ، معاقبا ، مواليا ، معاديا ، آمرا ، ناهيا ، بمعنى أنّ ذلك سيكون منه (ش ، م ١ ، ٥٣ ، ٦)

ـ نفي كون العبد خالقا لأفعاله التي يثاب ويعاقب عليها ، إذ لو كان خالقا لدلّ الإحكام في فعله على علمه ، لكن لم يدلّ فلم يكن خالقا لأنّه لو كان خالقا لكان عالما بخلقه من كل وجه ، لكنّه ليس بعالم به من كل وجه فليس بخالق (ش ، ن ، ٦٩ ، ٩)

ـ إنّ الخالق في اللغة هو المقدّر ، ولو كان تعالى جسما لكان متناهيا ، ولو كان متناهيا لكان مخصوصا بمقدار معيّن ، ولمّا وصف نفسه بكونه خالقا ، وجب أن يكون تعالى هو المقدّر لجميع المقدّرات بمقاديرها المخصوصة (ف ، س ، ٣١ ، ٩)

ـ إنّه لا خالق إلّا الله ، ولا مبدع إلّا هو. وأنّ الإبداع والخلق لجميع الحادثات ، لا يكون إلّا عن إرادة واختيار ، لا عن طبع واضطرار ، كيف وإنّه لو لم تتعلّق إرادته بجميع الكائنات لكان كمال واجب الوجود بالنسبة إلى ما لم تتعلّق به إرادته من الكائنات أنقص بالنسبة إلى حال من تعلّقت به إرادته من المختارين ، وهو محال (م ، غ ، ٦٤ ، ١)

خالق الشيء

ـ خالق الشيء مريده ، ولأنّ إيمان الكافر محال للعلم فيستحيل أن يريده (خ ، ل ، ١١٢ ، ٩)

خبر

ـ إذا جاء الخبر من الله سبحانه أنه يعذّب القاتلين والآكلين أموال اليتامى ظلما وأشباههم من أهل الكبائر ، وقفنا في عذابهم لقول الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (النساء : ٤٨ و ١١٦) وقالت هذه الفرقة : جائز أن يخبر الحكيم الصادق بالخبر ثم يستثنى منه فيكون له أن يفعل وله أن لا يفعل للاستثناء ويكون صادقا وإن هو لم يفعل ولا يكون ذلك مستنكرا في اللغة ولا كذبا ، وهؤلاء هم الذين يزعمون أنّ الاستثناء ظاهره (ش ، ق ، ١٤٤ ، ٩)

ـ إنّ الأخبار إذا جاءت ومخرجها عامّ فسمعها السامع ، وكان الخبر وعدا أو وعيدا ولم يسمع القرآن كله والأخبار المجتمع عليها كلها ، فعليه أن يعلم أن الخبر في جميع أهل تلك الصفة الذين جاء فيهم الوعيد عامّ لا شكّ فيه ، وقد يجوز أن يكون على خلاف ذلك العلم الذي لا شكّ فيه عندهم على الحكم (ش ، ق ، ١٤٥ ، ٤)

ـ الخبر ما هو. فقال قائلون : كل ما وقع فيه الصدق والكذب ، وهو مع هذا يشتمل على ضروب شتّى منها النفي والإثبات والمدح والذمّ والتعجّب ، وليس منه الاستفهام والأمر والنهي والأسف والتمنّي والمسألة ، لأنّه ليس يقال لمن ينطق بشيء من ذلك صدقت ولا يقال له كذبت (ش ، ق ، ٤٤٤ ، ١)

ـ الخبر هو الكلام الذي يقتضي مخبرا ، وإنّما سمّي خبرا من أجل المخبر به ، فإذا لم يكن مخبر لم يسمّ الكلام خبرا (ش ، ق ، ٤٤٤ ، ٦)

ـ التصديق والتكذيب إنّما يكونان عن الخبر ، والخبر يكون عن غيب لا عن مشاهدة (م ، ت ،

٣٩ ، ٩)

ـ إنّ الله جلّ ثناؤه جعل السبب الذي به درك كل خارج عن الحسن وجهين : أحدهما الاستدلال بالذي عاين إذا اتصل الغائب بالذي عاين كاتصال دخان بالنار ، وضياء الشمس بها ، وكاتصال أثر الفعل بالفاعل نحو الكتابة والبنيان ونحو ذلك. والثاني الخبر ينبئ عن حال ذلك نحو البلدان النائية والأحوال المتغيرة والأمور النازلة ، معروف ذلك عند جميع العقلاء ، وبذلك معرفة الإنسان الأجناس والفصول والأنواع ، وأنواع الطب واللسان وعلوم الصناعات والحروب وغير ذلك (م ، ح ، ١٨٣ ، ١٦)

ـ نعرف الأمر والنهي ، والوعد والوعيد ، فيما ليس بمحسوس دليله ، لا وجه لإدراكه إلّا بالخبر ، وذلك نحو المباح / والمحظور ، وما فيه كل شيء من مختلف الأحوال ، فيلزم في نحو هذا القول بالخبر ، وفيه إيجاب القول بالرسالة (م ، ح ، ١٨٣ ، ٢٠)

ـ قد علم أنّ ظهور الخبر بمجيء القرآن من جهة النبي ، صلى الله عليه ، أعظم وحاله أشهر ؛ فوجب أن يكون ما تواتر الخبر عنه على هذه السبيل والعلم به اضطرارا لا يمكن جحده ولا الشك فيه ، ولا يحتاج في إثباته إلى استعمال الرّوية والنظر في الأدلة (ب ، ت ، ١١٥ ، ٦)

ـ إن قال قائل : ما معنى وصفكم للشيء بأنّه خبر؟ قيل له : معنى ذلك أنّه ما يصح أن يدخله الصدق أو الكذب ؛ لأنّه متى أمكن دخول الصدق أو الكذب فيه ، كان خبرا ؛ ومتى لم يمكن ذلك فيه ، خرج عن أن يكون خبرا ، وبهذا الاختصاص فارق الخبر ما ليس بخبر من الكلام وسائر الذوات التي ليست بخبر (ب ، ت ، ١٦٠ ، ١٦)

ـ إنّ الخبر لا يعلم بصيغته أنّه صدق أو كذب" حتى إذا علم حال المخبر صحّ أن نعلم ذلك" وعلمنا أنّ ما أخبر جلّ وعزّ عنه في القرآن لم يتقدّم لنا العلم بحال مخبره ، فيجب أن لا يعلم أنّه صدق إلّا بعد العلم بحال المخبر وأنّه حكيم. والقول في الأمر والنهي كالقول في الخبر (ق ، م ١ ، ١ ، ١٣)

ـ لا يصحّ أن يعلم أنّ الخبر صدق بنفسه ، لأنّه إنّما يدلّ على حال غيره لا على حال نفسه. وإن علم أنّه صدق بخبر آخر لم يخل من أن يكون واردا عن الله عزوجل أو عن غيره ، ولا يجوز أن يرجع إلى خبر غيره. وخبره عزوجل إذا رجع إليه ولمّا علم حاله في الحكمة فكأنّه استدلّ على أنّه صادق في سائر أخباره ، ومتى جوّز في سائر أخباره الكذب يجوز في هذا الخبر مثله ، فلا يصحّ النقد به. ولذلك قلنا : إنّ المجبّرة إذ جوّزت عليه عزوجل أن يفعل القبيح لا يمكنها المعرفة بصدقه عزوجل ، لا من جهة العقل ، ولا من جهة السمع (ق ، م ١ ، ٢ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ الخبر والدلالة والعلم بمنزلة سواء في أنها لا تؤثّر فيما تتعلّق به ، وإنّما تتناوله على ما هو عليه. ولو أثّرت فيه لوجب إذا أخبرنا ودللنا وعلمنا عن القديم تعالى وأوصافه ، أن نكون قد جعلناه على ما هو به بالخبر والدلالة والعلم! وكان يجب إذا كان فعلنا يقع لأجل علمه تعالى ، ألا يكون لنا في ذلك صنع البتّة وأن يزول الذمّ والمدح. وكان لا يكون العلم بأن يوجب كون المعلوم بأولى من أن يكون المعلوم موجبا للعلم ، لأنّه كما يجب أن يكون على ما يتناوله ، فكذلك العلم بأن يكون علما لوقوع

المعلوم على الحدّ الذي يتناوله. وهذا ظاهر الفساد (ق ، م ١ ، ١٧١ ، ٢)

ـ إنّ الخبر يدلّ على أنّ المخبر عنه على ما تعلّق به ، لا أنّه بالخبر صار على ما هو به (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٥ ، ١٣)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به ، ولا يصير على ما هو به لأجل العلم ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أنّ المعلوم صار على ما هو به بالعلم ، والعلم صار علما لكونه على ما هو به. وذلك يوجب تعلّق كلّ واحد منهما بصاحبه على وجه يتناقض ويستحيل ، فيجب أن يكون ما له صار خبرا كونه مريدا. وكذلك القول في الأمر ، والخطاب ، وغيرهما (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٩ ، ١٠)

ـ إنّ شيخنا أبا علي رحمه‌الله كان يقول في الخبر ، إنّه يصير خبرا بإرادتين ، وفي الأمر أنّه يصير كذلك سلب إرادات. وشيخنا أبو هاشم رحمه‌الله يقول : إنّ الخبر يصير خبرا بإرادة إحداثه خبرا عما هو خبر عنه. ويقول : إنّ هذه الإرادة تغنى عن إرادة إحداثه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٧ ، ١٢)

ـ إنّ الخبر له صورة ونظام ، لأنّه جملة حروف يختلف نظامها وترتيبها ، فالخبر عن المستقبل يستحيل كونه خبرا عن الكائن وعن الماضي ، ويفارق العلم الذي هو معنى واحد يتعلّق بالمعلوم على حدّ واحد. والعبارة تختلف عنه في الاستقبال والحال والماضي. وإن كانت حاله لا تختلف كما تختلف العبارة عن الوقت ، وإن كان المعنى لا يختلف (ق ، غ ٧ ، ٧٨ ، ١٣)

ـ أمّا الخبر ، فقد قال ، رحمه‌الله : لو اضطرّ تعالى العبد إليه ، وقصد العبد إلى الإخبار به ، لم يكن مخبرا ، لأنّه لم يفعل الخبر. وقال ، في موضع آخر : يكون مخبرا. وكذلك قال في المخاطب غيره (ق ، غ ٨ ، ٢٤١ ، ١٢)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، في الخبر : إنّه لا بدّ من أن يكون فاعله مخبرا. فأمّا متى فعل مثل الخبر ، فلا يجب أن يكون مخبرا ، نحو أن يقول زيد : إنّ عمرا قال : إنّ خالدا في البيت ؛ فليس بمخبر عن خالد أنّه في البيت ، وإنّما أخبر عن عمرو. وأنّه قال ذلك أنّه إنّما قصد إلى الحكاية دون نفس الخبر ، وإن كان عمرو مخبرا بذلك. وقد يجوز أن يكون عمرو كاذبا بقوله : إنّ خالدا في البيت ؛ وزيد صادقا بقوله : إنّ عمرا قال : إنّ خالدا في البيت. وقال رحمه‌الله : وإنّما يلزم المجبرة القول بأنّه مخبر بالخبر ، متى قصد به الإخبار. لأنّه إذا كان قادرا على خلقه ، على كل وجه يقع عليه ، فيجب كونه قادرا على إيجاده خبرا. فعلى هذا الوجه ، ألزمناهم أن يكون مخبرا بخبرهم ، صادقا بصدقهم ، كاذبا بكذبهم ، لا من حيث فعل ذلك فقط (ق ، غ ٨ ، ٢٤١ ، ٢٠)

ـ اعلم ، أنّا قد بيّنا من قبل ، في الاعتقاد الواقع عن النظر ، أنّ حكمه يخالف حكم الاعتقاد الذي نبتدئه من حيث يوجد بوجود النظر. فحكمه في حسن الإقدام عليه ، حكم سببه. فإذا حسن منه النظر ، فالواجب أن يحسن ما يقع منه ويتولّد عنه. وقد بيّنا أن الخبر لو صحّ أن يتولّد عن سبب ، حاله فيه حال النظر ، لوجب فيه مثل ما قلناه في المعرفة ، لأنّه كان يصير بمنزلة سببه في الحسن ، وكان يفارق حاله حال الخبر الذي نبتدئه. لكن الأمر في الخبر بخلاف هذه الطريقة ، فلم يجب أن يختلف حاله في قبح الإقدام عليه ، إذا كان لا يعرفه

صدقا. وقد بيّنا أنّ ما يفعله المنتبه من نومه من الاعتقاد ، لما تعلّق وجوده بتذكّر النظر ، حلّ محل الاعتقاد الواقع عن النظر في أنّه يحسن الإقدام عليه. وبيّنا أنّ المكلّف يعلم ، في الجملة ، أنّ النظر إن أوجب اعتقادا ، فمن حقّه أن لا يكون جهلا ؛ لعلمه بأنّ ما أوجب الجهل يجب أن يقبح. فإذا علم حسن النظر ، بطل عنده أن يولّد الجهل (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٤ ، ١٣)

ـ إنّ الخبر إذا كان صدقا ، يتعلّق بالشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالخبر (ق ، غ ١٤ ، ١٩٠ ، ٨)

ـ إنّ الخبر الواقع من قبله تعالى ، لو علمناه ، ولا معجز ، لدلّ كدلالة المعجز. لكنّه لا سبيل لنا إلى أن نعلمه إلّا إذا كان نفس الخبر معجزا ، أو يقترن به المعجز ، فتعود الحال ، في ذلك ، إلى أنّه لا يجوز أن يدلّ ، من قبله تعالى على النبوّات ، إلّا المعجزات. وإنّما كان كذلك ، لأنّ الخبر ، إذا وقع من أحدنا اضطررنا إلى مقاصده ؛ فصحّ أن نعلمه ، واقعا من قبله ودالّا على ما يدلّ عليه ، وإن لم يقترن به معجز ، كما يعلم من تصرّفه الواقع بحسب أحواله ، أنّه فعله ، وإن لم يقترن به معجز. وليس الخبر ، إذا وقع من القديم تعالى ، كذلك ؛ لأنّا لا نعلم أنّه من قبله ، كما (لا) نعلم في حركات الأجسام ذلك. فلا بدّ من أمر يقترن به نعلم به أنّه من قبله. وذلك الأمر لا بدّ من أن يكون مما لا يصحّ إلّا من جهته ؛ لأنّه إن صحّ من غيره من الفاعلين ، فالحال فيه كالحال في الكلام والحركات. ولا بدّ من أن يكون واقعا لا بالعادة ؛ لأنّ ما هذه حاله لا يعلم أنّه فعل لأجل ما قارنه. ولا يكون كذلك إلّا وهو معجز على ما نقوله. فقد ثبت أن الخبر من قبله تعالى ، إذا انفرد ، لا يدلّ ؛ حتى إذا قارنه المعجز دلّ (ق ، غ ١٥ ، ١٥٠ ، ٨)

ـ اعلم أنّ الخبر هو كلام مخصوص. ومتى أجرى على غيره فعلى طريق المجاز ؛ لأنّهم ربما أطلقوا ، فيما أفاد فائدة الكلام ، أنّه خبر. وعلى هذا الوجه قال الشاعر : تخبّرني العينان ما القلب كاتم ولا جنّ بالبغضاء والنظر الشرر ، وقد يكثر ذلك في المخاطبة عند الإشارة والدلالة. وكل ذلك مجاز. وعلى هذا الوجه ، قال العلماء باللغة في الخبر : إنّه الكلام الذي يصحّ فيه الصدق والكذب ؛ لأنّ في أقسام الكلام ، إذا خاطب به المخاطب لا يصحّ من المخاطب أن يقول فيه : صدقت أو كذبت ، (كالأمر والنهي إلى غيرهما. ومتى أفرد الخبر صحّ من المخاطب أن يقول فيه : صدقت أو كذبت) فكل كلام كان هذا حاله انطلق اسم الخبر عليه. وقد بيّنوا أن موضع الفائدة هو الخبر ، لا في مقدّمته ، التي الخبر متعلّق بها ومضاف إليها. وذلك مما لا بدّ منه ؛ لأنّ الشخص والعين لا يصحّ معنى الخبر فيهما ، وإنّما يصحّ في أحوالهما ، وأحكامهما ، وأفعالهما ، وسائر ما يتّصل بهما. فإذا قال القائل : زيد ضارب ، فالخبر ، وإن كان قد يطلق في جملته ، فهو في الاسم الثاني ، دون الاسم الأوّل الذي ذكره الذاكر تعريفا ووصلة إلى إفادة المراد (ق ، غ ١٥ ، ٣١٩ ، ٣)

ـ في بيان ماله يكون الخبر خبرا : اعلم أنّه لا يكفي في كونه خبرا صيغة القول ونظامه ، ولا المواضعة المتقدّمة ؛ بل لا بدّ فيه من أن يكون المتكلّم مريدا للإخبار به عمّا هو خبر عنه ؛ لأنّ جميع ما قدّمناه قد يحصل ، ولا يكون خبرا ، إذا لم يكن مريدا لما قلناه. ومتى حصل مريدا

صار خبرا. فيجب أن يكون لأجله (يكون) خبرا ، وإن كان لا بدّ من تقدّم المواضعة ، أو ما يجري مجراها ، كما لا بدّ من ظهور القول. وكما لا بدّ من وقوعه من قبل المريد ؛ وكل ذلك شروط مصحّحة لكونه خبرا (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٣ ، ٢)

ـ اعلم أنّ الخبر هو الأصل في الكلام المفيد ؛ لأنّ الفوائد الواقعة بالكلام أجمع لا بدّ من أن تكون راجعة إلى الخبر أو إلى معناه. لكنّه ربما تتأول الفائدة بصريح لفظه ، فيكون خبرا ؛ وربما أفاد من جهة المعنى فلا يسمّى خبرا ؛ والفائدة لا تختلف (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٥ ، ٦)

ـ قد علمنا أنّ بكونه خبرا قد تعلّق بما هو خبر عنه. فلا يخلو من أن يكون على ما تناوله ، أو ليس على ما تناوله. ومن حق الأوّل أن يكون صدقا ؛ ومن حق الثاني أن يكون كذبا. فإذا استحال واسطة بين النفي والإثبات في مخبره استحال خروجه من أن يكون صدقا أو كذبا (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٧ ، ٤)

ـ كلّ خبر لا نأمن فاعله أن يكون فيه كاذبا فهو قبيح منه ، كما يقبح منه نفس الكذب ؛ وأن يكون فيه نفع أو دفع ضرر عاجل أو آجل ؛ لأنّه متى خلا من ذلك كان بعثا. ومن حق العبث أن يكون قبيحا ، وألّا تكون فيه مضرّة ، أو يؤدّي إلى مضرّة عظيمة ؛ لأنه متى كان كذلك كان في حكم الظلم. فمتى خرج الصدق عن هذه الوجوه ، فعلمه فاعله صدقا ، وحصل له فيه بعض الأغراض ، وزال عنه ما ذكرناه من المضرّة ، فهو حسن ؛ لأنّه يتضمّن انتفاء وجوه القبح عنه. ولا تختلف الحال بين أن يكون النفع ، الذي فيه لفاعله أو لغيره ؛ لأنّه قد يحسن ، في العقل ، الفعل إذا كان إحسانا إلى الغير. ولا يختلف في ذلك قول من فعل. وعلى هذا الوجه ، جعلنا إرشاد الضال أصلا في هذا الباب ، وهو من باب الخبر ، والدعاء إلى الله تعالى ، والتعليم إلى غير ذلك أصلا ، في مسائل ، وهو في باب الخبر (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٩ ، ٨)

ـ اعلم أنّ الخبر ، إذا كان الغرض به الإفادة فقد يحسن ، وإن كانت الإفادة لا تحصل به بانفراده ، حتى ينضاف غيره من الأخبار إليه ؛ لأنّ ذلك لو لم يحسن لوجب ألّا يحسن التعاون على حمل الثقيل. فلمّا حسن ذلك ، لأنّ الغرض لا يتمّ بأحدهما ، حسنت المعاونة ليتمّ الغرض. وكذلك القول في باب الأخبار (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٩ ، ٢٠)

ـ من حق الخبر ، الذي هو طريق للعلم الضروريّ ، أن يختصّ بصفتين : إحداهما : أن يكونوا مخبرين عمّا علموه باضطرار ، فيحصل لهم مع المخبر عنه هذه الحال المخصوصة. والثانية : أن يبلغ عددهم أكثر من أربعة. فمتى اختصّ المخبرون بهذين الشرطين كان خبرهم طريقا للمعرفة ويستمرّ. فلا يجوز أن يكون طريقا لبعض السامعين ، دون بعض من العقلاء. ولا يجوز أيضا أن يكون خبر بعضهم طريقا ، دون خبر بعض ، والعدد والصفة متّفقان. فهذا القدر هو الذي دلّ الدليل عليه من حال هذا الخبر. وما عدا ذلك ، إذا لم يكن عليه دليل ، فلا بدّ من التوقّف والتجويز ، إلّا أن نعلم بالعادة ، ما يمنع فيه التجويز (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٣ ، ٤)

ـ أمّا الخبر ، الذي ينظر فيه ، ويستدلّ عليه ، فتعرف صحّة مخبره ؛ فليس يخرج من أقسام ثلاثة : أحدها : أن يكون واقعا ممن نعلم أنّ

الكذب لا يجوز عليه ، ولا يختاره ، نحو خبر الكتاب والسنّة. والثاني : أن يقترن به تصديق من نعلم أنّه لا يجوز الكذب عليه. فلاستناده إلى خبر من لا يجوز أن يكذب نعلم أنّه صدق ، ونحو خبر الأمة لو خبّر من أخبر ، صلّى الله عليه ، أنّه لا يكذب. ولا فرق بين أن يقع منه التصديق بالقول أو يحصل منه ما يجري مجرى التصديق .... والقسم الثالث : أن تقترن بالخبر حال لو كان كذبا لم تقترن به ، ولوقع على خلاف ذلك الوجه. فيجب أن نعلم أنّه صدق (لأنّه ، إذا كان مقصودا إليه ـ وعلمنا أنّه لو كان كذبا لما كانت الحال هذه ـ فلا بدّ من أن نعلم أنّه صدق) (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٨ ، ٢)

ـ إذا ثبت أنّا لا نجعل الخبر حجّة ولا دلالة ، لكنّا نقول إنّ العلم الضروريّ يقع عنده بالعادة ، فغير ممتنع أن يقع ، وإن لم تعلم من قبل ، (حال الخبر) وحال المخبرين. ولذلك لا يمتنع وقوع ذلك عنده ، وإن جوّزنا ألّا يقع عند خبر مثلهم في العدد (ق ، غ ١٥ ، ٣٤٥ ، ٣)

ـ إنّما قوي (الخبر) العلم لأنّه قد صار ، بالعادة ، طريقا له ، وتكرّر ذلك فيه ، وصار مبنيّا على الإدراك ، فقوي العلم لأجله ، كما يقوّى العلم بالمدرك بعد تقصّي الإدراك ، لكونه مبنيّا على الإدراك ، وقد يقوى العلم بالنظر إذا تكرّر منه في أدلّة الشيء ، لمّا كان لكل واحد منه مدخل في إيجاب العلم. فكذلك ، لمّا كان كل واحد من الخبر ، لو تأخّر لاقتضى العلم ، لم يمتنع أن يقوّى به العلم. وكل ذلك لا يوجب أنّه طريق للعلم ، كما قلناه في الإدراك (ق ، غ ١٥ ، ٣٧٦ ، ٣)

ـ إنّ الخبر هو الذي يتعلّق بالمخبر على وجه يجوز أن يكون طريقا له (ق ، غ ١٥ ، ٤٠٢ ، ١١)

ـ إنّ الخبر يحصل له عند وجوده وجوه في تعلّقه بما يتعلّق به ، فكما لو كان خبرا عن الشيء الواحد لم يحتج إلى قصد واحد ، فكذلك إذا كان خبرا عن أشياء كثيرة ، لأنّه في الحالتين القصد يتناول نفس الخبر ، ويقع به على بعض الوجوه ، ولذلك يصحّ من المخبر أن يخبر عمّا لا نهاية له ، كما (لا) يصحّ أن يخبر عن المتناهي (ق ، غ ١٧ ، ١٨ ، ١٩)

ـ إنّ الخبر عن شيخنا" أبي علي" رحمه‌الله ، يفتقر إلى إرادتين لا بدّ منهما ، والأمر إلى ثلاث إرادات : إحداهما في الخبر إرادة إحداثه ؛ والأخرى إرادة الإخبار به عمّا هو خبر عنه. وإحداها في الأمر إرادة إحداثه ؛ والثانية إرادة إحداثه أمرا لمن هو أمر له ، والثالثة إرادة المأمور به. وعند شيخنا" أبي هاشم" رحمه‌الله ، إرادة إحداثه خبرا عمّا هو خبر عنه تغني عن إرادة إحداثه ، فالذي لا بدّ منه في كونه خبرا هو هذه الإرادة ، وكذلك يقول في الأمر إنّ إرادة إحداثه أمرا لمن هو أمر له تغني عن إرادة إحداثه فيكفي في كونه أمرا هذه الإرادة ، وإرادة المأمور به فقط (ق ، غ ١٧ ، ٢٢ ، ٥)

ـ الخبر الذي لا يتضمّن طريقة التكليف لا بدّ من أن يعود على التكليف بضرب من ضروب المصلحة ، نحو إخباره عن إهلاك من أهلك من عاد وثمود وغيرهما ، وإخباره عمّا لحق الأنبياء عليهم‌السلام ، وغير ذلك ، لأنّه لا بدّ في ذلك من أن يكون صلاحا في تكليف من تعبّده بقراءة القرآن وتأمّله (ق ، غ ١٧ ، ٢٣ ، ١٣)

ـ أمّا الخبر الذي يجري مجرى التكليف فهو الخبر عن وجوب العبادات ، لأنّه يحل محل

الأمر ويزيد أو ينبئ عن قبح الأفعال فيحل محلّ النهي أو يزيد ، فهذا لا بدّ فيه مما ذكرناه من الأمر والنهي (ق ، غ ١٧ ، ٢٣ ، ١٨)

ـ إنّ الخبر إذا تعلّق بالتكليف فهو كالأمر في أنّ النسخ يجوز فيه على ما فصّل في أصول الفقه (ق ، غ ١٧ ، ٤٦ ، ١٩)

ـ ما يدلّ على وجوب الأفعال الشرعيّة من ضروب الأدلّة : قد يدلّ على ذلك ما يجري مجرى الخبر ، وذلك نحو قوله جلّ وعزّ : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) (آل عمران : ٩٧). ونحو الإخبار بأنّه واجب ، أو فرض ، أو لازم ، إلى سائر العبادات (ق ، غ ١٧ ، ١٠٤ ، ٣)

ـ الاسم إذا نعت بالاسم ، فانعقدت به الفائدة ، كان خبرا (ب ، م ، ٢١ ، ٢)

ـ الفعل إذا قرن بالاسم ، فإمّا أن يقرن به على سبيل النعت فيكون خبرا ، وما في معناه ، كقولك : زيد يضرب ؛ وإمّا أن يقرن به على سبيل الحدث ، إمّا على الفعل فيكون أمرا ، وإمّا على تركه فيكون نهيا (ب ، م ، ٢١ ، ٣)

ـ أمّا قوله" الخبر" ، فواقع على قول مخصوص. وليس بواقع على سبيل الحقيقة ، على الإشارة والدلالة. لأنّ من وصف غيره بأنّه" مخبر" ، وبأنّه" فاعل للخبر" ، لم يسبق إلى فهم السامع له إلّا أنّه متكلّم بصيغة مخصوصة. فأمّا ما معه تكون" الصيغة خبرا" مستعملة في فائدتها ، فينبغي أن يشترط فيه الإرادة والأغراض لأنّ صيغة الخبر قد ترد ولا تكون خبرا ، بل تكون أمرا. ولا تشترط الإرادة والأغراض في كون الخبر على صيغة الخبر (ب ، م ، ٥٤١ ، ١٦)

ـ الأولى أن نحدّ الخبر بأنّه" كلام يفيد بنفسه إضافة أمر من الأمور إلى أمر من الأمور ، نفيا أو إثباتا". وإنّما قلنا" بنفسه" ، لأنّ الأمر يفيد وجوب الفعل ، لا بنفسه. وإن ما يفيد هو استدعاء للفعل لا محالة. لا يفيد إلّا ذلك بنفسه. وإنّ ما يفيد كون الفعل واجبا ، تبعا لذلك ، ولصدوره عن حكيم. وكذلك دلالة النهي على قبح الفعل (ب ، م ، ٥٤٤ ، ١٠)

ـ أمّا أقسام الخبر : الصدق والكذب ، فعند أبي عثمان الجاحظ أنّ الخبر المتناول للشيء على ما هو به من شرط كونه صدقا أن يعتقد فاعله ، أو يظنّ أنّه كذلك. والمتناول للشيء. لا على ما هو به ، من شرط كونه كذبا أن يعتقده فاعله ، أو يظنّه كذلك. ومتى لم يعتقده كذلك ولم يظنّه ، لم يكن صدقا ولا كذبا. وأجراه مجرى الاعتقاد في خلوّه من كونه علما أو جهلا ، إذا تناول الشيء على ما هو به ، ولم يقتض سكون النفس (ب ، م ، ٥٤٤ ، ١٦)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ الكلام لا يصير خبرا وأمرا بالإرادة ، وقال إنّ الخبر خبر لعينه والأمر أمر لعينه (ن ، م ، ٣٦٣ ، ٨)

ـ ذهب شيوخنا إلى أنّ نفس ما هو خبر كان يجوز أن يوجد ولا يكون خبرا ، وأنّه إنّما يكون خبرا لكون الفاعل مريدا للإخبار به ، وأنّ الأمر إنّما يكون أمرا لكون الفاعل مريدا للمأمور به (ن ، م ، ٣٦٣ ، ١١)

ـ إنّ الخبر في أصله منقسم إلى صدق وكذب. والصدق منه واقع على وفق مخبره والكذب ما كان بخلاف مخبره. وليس في الأخبار ما هو صدق كذب معا إلّا خبر واحد وهو إخبار من لم يكذب قطّ عن نفسه بأنه كاذب وأن هذا الخبر كذب منه ، والكاذب إذا أخبر عن نفسه بأنّه كاذب كان صادقا فصار هذا الخبر الواحد صدقا وكذبا وفاعله واحد (ب ، أ ، ١٣ ، ١٥)

ـ الخبر لا يخلو من أن يكون صدقا أو كذبا ، والصدق منه ما وافق مخبره ، والكذب منه ما كان خلاف مخبره. ولا يجوز أن يكون خبر واحد صدقا وكذبا إلّا في مسئلة واحدة وهي رجل لم يكذب قط (ثم) قال إنّي كاذب ، فإنّ هذا الخبر كذب منه ، وهو به كاذب وصادق من حيث أنّ الكاذب إذا أخبر عن نفسه بأنّه كاذب كان صادقا (ب ، أ ، ٢١٧ ، ٢)

ـ زعم المتأخّرون من القدريّة أنّ خبر النائم لا يكون صدقا ولا كذبا لأنّه خال عن قصده (ب ، أ ، ٢١٧ ، ١٤)

ـ أمّا الخبر فهو ما يصحّ فيه التصديق والتكذيب ، وهذا أولى من أن نقول : ما يدخله الصدق والكذب ، لأنّهما خبران والشيء لا يحدّ بنفسه (أ ، ت ، ٣٨٤ ، ٨)

ـ ينقسم الخبر الذي له مخبر إلى قسمين : أحدهما أن يكون صدقا وهو الذي مخبره على ما تناوله. والثاني أن يكون كذبا وهو الذي لا يكون مخبره على ما تناوله (أ ، ت ، ٣٨٤ ، ١٢)

ـ إن قيل : اذكروا حقيقة الخبر أولا ، ثمّ فصّلوه. قلنا : الخبر ما يوصف بالصدق أو الكذب ، وهذا يميّزه ممّا عداه من الكلام ، ويميّزه عن أقسام الكلام أيضا. فإنّ الأمر ، والنهي ، والتلهّف ، والاستخبار ونحوها ، لا يوصف شيء منها بالصدق ولا بالكذب (ج ، ش ، ٣٤٧ ، ٣)

ـ كل خبر لم يبلغ مبلغ التواتر فلا يفيد علما بنفسه ، إلّا أن يقترن به ما يوجب تصديقه مثل أن يوافق دليلا عقليا ، أو تؤيّده معجزة ، أو قول مؤيّد بمعجزة تصدّقه. وكذلك إذا تلقّت الأمّة خبرا بالقبول ، وأجمعوا على صدقه ، فنعلم صدقه. فإن فقد ما ذكرناه ، ولم يكن الخبر متواترا ، فهو المسمّى ، خبر الواحد في اصطلاح المتكلّمين ؛ وإن نقله جمع (ج ، ش ، ٣٥١ ، ٤)

ـ أمّا الخبر ، فلفظ يدلّ على علم في نفس المخبر ، فمن علم الشيء وعرف باللفظ الموضوع للدلالة على ذلك الشيء ، كالضرب مثلا فإنّه معنى معلوم يدرك بالحسّ ، ولفظ الضرب الذي هو مؤلّف من الضادّ والراء والباء الذي وضعته العرب للدلالة على المعنى المحسوس وهي معرفة أخرى ، فكان له قدرة على اكتساب هذه الأصوات بلسانه وكانت له إرادة للدلالة ، وإرادة لاكتساب اللفظ ؛ ثم منه قوله ضرب ولم يفتقر إلى أمر زائد على هذه الأمور. فكل أمر قدّرتموه سوى هذا ، فنحن نقدّر نفيه ، ويتمّ مع ذلك قوله ضرب ويكون خبرا ، وكلاما (غ ، ق ، ١١٨ ، ٣)

ـ إنّ ما ذكروه من أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأما الأمر والنهي فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك سمّي نهيا. وأمّا الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢). وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حق الله ـ تعالى ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا

وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ١٣)

ـ إنّ الخبر على كل حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم ، وهو في حكم أخبار الآحاد ، وليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن بما يجري هذا المجرى ، لأنّ المعلوم لا يخصّ إلّا بمعلوم ، وإذا كانت دلالة الظاهر معلومة لم يجز أن يخرج عنها بأمر مظنون. قال وهذا الكلام مبنى على أنّ التخصيص للكتاب والسنّة المقطوع بها لا تقع بأخبار الآحاد ، وهو المذهب الصحيح (أ ، ش ٤ ، ٩١ ، ٢٦)

ـ الخبر : لفظ مجرّد عن العوامل اللفظيّة مسند إلى ما تقدّمه لفظا نحو زيد قائم أو تقديرا نحو أقائم زيد ، وقيل الخبر ما يصحّ السكوت عليه (ج ، ت ، ١٣٠ ، ٣)

ـ الخبر : هو الكلام المحتمل للصدق والكذب (ج ، ت ، ١٣٠ ، ٥)

ـ الخبر على ثلاثة أقسام : خبر متواتر ، وخبر مشهور ، وخبر واحد (ج ، ت ، ١٣٠ ، ١٦)

ـ الخبر نوعان : مرسل ومسند ، فالمرسل منه ما أرسله الراوي إرسالا من غير إسناد إلى راو آخر ، وهو حجّة عندنا كالمسند خلافا للشافعيّ في إرسال الصحابيّ وسعيد بن المسيّب ، والمسند ما أسنده الراوي إلى آخر إلى أن يصل إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ج ، ت ، ١٣١ ، ٣)

خبر الآحاد

ـ خبر الآحاد : هو ما نقله واحد عن واحد ، وهو الذي لم يدخل في حدّ الاشتهار ، وحكمه يوجب العمل دون العلم ، ولهذا لا يكون حجّة في المسائل الاعتقاديّة (ج ، ت ، ١٣١ ، ١٢)

خبر أخص

ـ قد يجيء خبر أخصّ من هذا ، إلّا أنّه لا يعرف إلّا بالسؤال عنه والمفاجأة لأهله. كقوم نقلوا خبرا ، ومثلك يحيط علمه أنّ مثلهم في تفاوت أحوالهم وتباعدهم من التعارف لا يمكن في مثله التواطؤ ، وإن جهل ذلك أكثر الناس. وفي مثل هذا الخبر يمتنع الكذب ولا يتهيّأ الاتّفاق فيه على الباطل. وقد يجيء خبر أخصّ من هذا يحمله الرجل والرجلان ممن يجوز أن يصدق ويجوز أن يكذب. فصدق هذا الخبر في قلبك إنّما هو بحسن الظنّ بالمخبر والثقة بعدالته. ولن يقوم هذا الخبر من قلبك ولا قلب غيرك مقام الخبرين الأوّلين. ولو كان ذلك كذلك بطل التصنّع بالدّين واستوى الظاهر والباطن من العالمين (ج ، ر ، ٢٤ ، ١٤)

خبر أربعة

ـ اعلم أنّا ، إذا دللنا على أنّ بخبر أربعة لا يقع العلم ، فقد تضمّن ذلك أنّه لا يقع بخبر الواحد والاثنين والثلاثة ؛ لأنّه لا يجوز أن يقع بخبر واحد إذا كان بصفة ، ولا يقع بخبر آحادهم بهذه الصفة ، لما نستدلّ عليه من بعد ، ولأنّ الآحاد قد دخل تحتهم الواحد. فلا بدّ ، إن وقع العلم بخبر الواحد ، إذا كان على صفة بالعادة ، أن يقع بخبر ما زاد عليه ، والصفة واحدة (ق ، غ ١٥ ، ٣٦١ ، ٣)

خبر التواتر

ـ قال النظّام إنّ خبر التواتر لا يضطرّ لأنّ كل واحد منهم يجوز عليه الغلط والكذب ، وكذلك يجوز على جميعهم (ح ، ف ٥ ، ١١٩ ، ١)

خبر خاص

ـ الخبر العامّ هو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اعلموا لونا قد حدث في يومنا هذا ، والخبر الخاصّ هو قوله : اعلموا أنّ ذلك اللون بياض ، وقد قال بهذا القول قوم غير" النجّار" وأصحابه (ش ، ق ، ٣٩٢ ، ١٢)

خبر صدق

ـ أمّا الخبر الصدق قطعا ، فما وافق مخبره المعلوم قطعا ، بضرورة أو دليل قاطع ، كالخبر عن المحسوسات على ما هي عليه ، والخبر عن كل ما يعلم ضرورة. ويتّصل بذلك الخبر عمّا يعلم نظرا إذا وافق مخبره المعلوم (ج ، ش ، ٣٤٧ ، ٨)

خبر عاثر

ـ الكذب ذو شروط أيضا منها علم الحقيقة والعلم باعتماد نفيها ومنها النهي من الله عنه ، فأمّا ما وقع بغير علم فهو خبر عاثر لا يسمّى صدقا ولا كذبا (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ١١)

خبر عام

ـ الخبر العامّ هو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اعلموا لونا قد حدث في يومنا هذا ، والخبر الخاصّ هو قوله : اعلموا أنّ ذلك اللون بياض ، وقد قال بهذا القول قوم غير" النجّار" وأصحابه (ش ، ق ، ٣٩٢ ، ١٠)

خبر عن محال ممتنع

ـ خبر عن محال ممتنع إمّا بقضية الحواس والضرورات أو بما قام عليه من الحجج والدلالات ؛ نحو الخبر عن عدم ما نشاهده وكونه على خلاف صفة ما ندركه عليه ، والخبر عن قيام الأموات ، وقلب العصا حيّات ، وانقلاب دجلة ذهبا في وقتنا هذا ، والخبر عن وجود الضدّين في محلّ واحد ، وكون الجسم في مكانين ، وما جرى مجرى ذلك من الممتنع المعلوم بطلانه وإحالته بقضايا الحواس وموضوع العادات وأوائل العقول والضرورات (ب ، ت ، ١٦١ ، ٧)

خبر عن ممكن

ـ من الأخبار خبر عن ممكن في العقل كونه ومجيء التّعبّد به ؛ نحو الإخبار عن مجيء المطر بالبلد الفلاني ، وموت رئيسهم ورخص سعرهم ، وعن كون زيد في داره وخروجه عنها ، ونحو الإخبار عن الرسول ، صلى الله عليه ، على إمام بعده (ب ، ت ، ١٦١ ، ٢٢)

خبر عن واجب

ـ خبر عن واجب ، وهو كل خبر عن أمر ثابت قضت الضرورات ودرك الحواس على إثباته ، وقامت الأدلّة على ذلك من أمره ؛ نحو الخبر عن حضور ما ندركه ونشاهده بحواسنا ، والخبر عن امتناع اجتماع الضدّين وكون الجسم في مكانين معا ، وأمثال ذلك مما يعلم فساده بضرورات العقول (ب ، ت ، ١٦٠ ، ٢٢)

خبر الكاذب

ـ خبر الكاذب : ما تقاصر عن التواتر (ج ، ت ، ١٣١ ، ١٥)

خبر متواتر

ـ هذا هشام بن الحكم يزعم أنّ مجيء خبر المتواتر (ين) يوجب العلم ولو كانوا كفّارا. ثم وصف قول من خالف التواتر من المعتزلة (خ ، ن ، ١١٣ ، ١٥)

ـ إنّ القول بأن الخبر المتواتر حق وأنّه موجب

للعلم مبطل لأكثر دليل الرافضة في تصحيح الإمامة. وذلك أنّ من عظيم أدلّتهم عند أنفسهم على أنّه لا بدّ للناس من إمام معصوم نقي الباطن والظاهر جامع لعلوم الدين كلها ، أنّ سائر الأمّة سواه جائز عليهم السهو والتبديل والتغيير وكتمان ما نصّوا عليه والإخبار بغير ما وقّفوا عليه (خ ، ن ، ١١٣ ، ١٧)

ـ الأخبار التي تنتهي إلينا من الرّسل تنتهي على ألسن من يحتمل منهم الغلط والكذب ؛ إذ ليس معهم دليل الصدق ولا برهان العصمة ، فحقّ مثله النظر فيه. فإن كان مثله مما لا يوجد كذبا قط فهو الذي من انتهى إليه مثله لزمه حق شهود القول ممّن اتّضح البرهان على عصمته ، وذلك وصف خبر المتواتر ، إنّ كلا منهم وإن لم يقم دليل على عصمته فإنّ الخبر منهم إذا بلغ ذلك الحدّ ظهر صدقه ، وثبتت عصمة مثله على الكذب ، وإن أمكن خلاف ذلك في كلّ على الإشارة (م ، ح ، ٩ ، ٢)

ـ إنّ الخبر المتواتر ـ مع خروج ناقليه عند سامع الخبر عن الحصر ، ومع إختلاف همم الناقلين واختلاف دواعيها ـ يجوز أن يقع كذبا ، هذا مع قوله (النظّام) بأنّ من أخبار الآحاد ما يوجب العلم الضروريّ (ب ، ف ، ١٤٣ ، ١٠)

ـ قالوا (أهل السنّة) : إنّ الخبر المتواتر طريق العلم الضروري بصحّة ما تواتر عنه الخبر ، إذا كان المخبر عنه مما يشاهد ويدرك بالحسّ ، والضرورة كالعلم بصحّة وجود ما تواتر الخبر فيه من البلدان التي لم يدخلها السامع مع المخبر عنها ، وكعلمنا بوجود الأنبياء والملوك الذين كانوا قبلنا ؛ فأمّا صحّة دعاوى الأنبياء في النبوّة فمعلوم لنا بالحجج النظرية (ب ، ف ، ٣٢٥ ، ٦)

ـ في إثبات الخبر المتواتر طريقا إلى العلم والخلاف في هذه المسألة من وجهين : أحدهما مع البراهمة والسّمنيّة في إنكارهما وقوع العلم من جهة الأخبار المتواترة ، ويكذّبهم في ذلك علمهم بالبلدان التي لم يدخلوها والأمم والملوك الماضية وبظهور المدّعين للنبوّات ومع النظاميّة حيث قالوا يجوز أن يجتمع الأمة على الخطاء ، فإنّ الأخبار المتواترة لا حجّة فيها لأنّها يجوز أن يكون وقوعها كذبا ، فطعنوا في الصحابة وأبطلوا القياس في الشريعة فإنّهم وإن نازعوا في صدقهم عالمون بظهورهم وظهور دعاويهم وعلمهم بذلك كلّه ضروري لا شكّ لهم فيه ولا طريق لهم إليه إلّا من جهة الخبر المتواتر الذي لا يصحّ التواطؤ عليه. والخلاف الثاني مع قوم أثبتوا وقوع العلم من جهة التواتر لكنهم زعموا أنّ العلم الواقع عنه يكون مكتسبا لا ضروريا. ودليل كونه ضروريا امتناع وقوع الشك في المعلوم به كما يمتنع ذلك في المعلوم بالحواسّ والبداءة (ب ، أ ، ١١ ، ١٢)

ـ ينقسم الخبر بعد ذلك انقساما هو غرضنا ، فمنه ما لا يترتّب عليه العلم بالمخبر عنه ، ومنه ما يترتّب عليه العلم بالمخبر عنه. فأمّا ما يعقب علما بمخبره ، فهو الخبر المتواتر ، فإذا توافرت شرائطه وتكاملت صفاته ، استعقب العلم بالمخبر عنه على الضرورة. وبه نعلم البلاد النائية التي لم نشهدها ، والوقائع والدول التي لم تقع في عصرنا ، وبه تتميّز في حق الإنسان معرفة والدته عن غيرها من النساء. وجاحد العلم بذلك جاحد للضرورة ومتشكّك في المعلوم على البديهة (ج ، ش ، ٣٤٧ ، ١٦)

ـ الخبر المتواتر لا يوجب العلم بالمخبر عنه

لعينه ، وإنّما سبيل إفضائه إلى العلم بالمخبر عنه استمرار العادات. ومن جائزات العقول أن يخرق الله العادة ، فلا يخلق العلم بالمخبر عنه ، وإن تواترت الأخبار عنه ، وكذلك يجوز على خلاف العوائد أن يخلق العلم الضروريّ على أثر إخبار الواحد ، ولكن العادات مستمرّة على حسب ما ذكرناه (ج ، ش ، ٣٤٨ ، ٣)

ـ الشرط الثاني للخبر المتواتر أن يصدر عن أقوام يزيد عددهم على مبلغ يتوقّع منه التواطؤ في العرف المستمرّ ، ولو تواطئوا مثلا لظهر على طول الدهر تواطؤهم. ولسنا نضبط في ذلك عددا هو الأقل ، ولكنّا نعلم أنّ كل عدد شرط في شهادة شرعية ، فعدد التواتر يربى عليه. ونهاية العدد في الشهادة الشرعية أربعة ، فنعلم قطعا أنّ إخبار الأربعة لا يعقب العلم الضروري بالمخبر عنه. إذ لو كان يعقبه ، لكان يضطرّ الحاكم عند شهادة الشهود إلى العلم بصدقهم ، وليس الأمر كذلك (ج ، ش ، ٣٤٩ ، ٤)

ـ الخبر المتواتر : هو الذي نقله جماعة عن جماعة والفرق بينهما يكون جاحد الخبر المتواتر كافرا بالاتّفاق ، وجاحد الخبر المشهور مختلف فيه ، والأصحّ أنّه يكفر ، وجاحد خبر الواحد لا يكفر بالإنفاق (ج ، ت ، ١٣٠ ، ١٢)

ـ الخبر المتواتر : هو الخبر الثابت على ألسنة قوم لا يتصوّر تواطؤهم على الكذب (ج ، ت ، ١٣٠ ، ١٥)

خبر متولّد عن سبب

ـ إنّ الخبر لو تولّد عن سبب ، ينفصل فيه ما يولّد الحسن من القبيح ، والصدق من الكذب ، لحلّ محلّ الاعتقاد في أنّه كان يحسن من العبد أن يختاره باختيار سببه ؛ وكان يحسن منه أيضا ، إذا وقف على طريقة صدق مخصوص ، أن يفعله ابتداء. لكنّه في هذا الوجه مخالف للاعتقاد ، لأنّه سببه إذا كان صدقا ، هو بعينه إذا كان كذبا ، ومتى كان غيره ، فأحدهما لا ينفصل من الآخر بوجه يبيّن به. وليس كذلك الاعتقاد ، لأنّا قد بيّنا أنّ ما يولّد العلم هو سبب مخصوص ينفصل من سائر النظر الذي لا يولّده ، ومن النظر الذي يولّد خلافه ، لو كان في النظر ما يولّد الجهل. فإذا صحّ ذلك ، لم يجب في الخبر ما حكمنا به في الاعتقاد (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٢ ، ٩)

خبر مستفيض

ـ أمّا الخبر المستفيض المتوسّط بين التواتر والآحاد فإنّه يشارك التواتر في إيجابه للعلم والعمل ، ويفارقه من حيث إنّ العلم الواقع عنه يكون علما مكتسبا نظريا ، والعلم الواقع عن التواتر يكون ضروريّا غير مكتسب (ب ، ف ، ٣٢٦ ، ٥)

خبر موجب للعلم

ـ زعم كثير من اليهود أن من شرط الخبر الموجب للعلم القاطع للعذر أن تكون الناقلة لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد ولا يجوز على مثلهم التّكاتب والتراسل وأن تتغاير آباؤهم وتختلف أنسابهم وتتفرّق دواعيهم وهممهم وأغراضهم وأن تختلف مللهم ودياناتهم وألّا يحملوا على نقلهم بالسيف ولا يضمّوا إلى خبرهم ما تحيله العقول وأن يكونوا في دار ذلّة وممن تؤخذ منهم الجزية (ب ، ت ، ١٣٨ ، ٢٠)

خبر النزول

ـ أمّا" خبر النزول" فإنّه يحتمل أن يكون المراد النزول بمعنى اللطف والرحمة ، وترك ما يليق بعلوّ الرتبة وعظم الشأن ، والاستغناء الكامل المطلق ؛ ولهذا تقول العرب : نزل الملك مع فلان إلى أدنى الدرجات عند لطفه به ، وإحاطته بعنايته ، وانبساطه في حضرة مملكته ، وتكون فائدة ذلك انبساط الخلق على حضرة المملكة ، بالتضرّع بالدعوات والتبتّل بالعبادات ، وغير ذلك من الرياضات في تحصيل المقاصد والمطلوبات (م ، غ ، ١٤٢ ، ٣)

خبر الواحد

ـ لمّا أن كان موجودا في العقول أنّه قد يفتّش بعض الأمناء عن خيانة وبعض الصادقين عن كذب ، وأنّ مثل الخبرين الأوّلين لم يتعقّب الناس في مثلهما كذبا قط ، علم أنّ الخبر إذا جاء من مثلهما جاء مجيء اليقين ، وأنّ ما علم من خبر الواحد فإنّما هو بحسن الظنّ والائتمان. هذه الأخبار عن الأمور التي تدركها الأبصار (ج ، ر ، ٢٥ ، ٩)

ـ يقول (الأشعري) في معنى خبر الواحد إنّه ليس المراد به أن يرويه واحد فقط ، بل يجوز أن يرويه اثنان وثلاثة ، ويكون حكمه حكم الآحاد من حيث أنّه لم يحدث عنده علم ضروريّ ولا انتهى الأمر فيه إلى حيث يجب القطع بظاهره وباطنه. والمعتبر بذلك حدوث العلم لا العدد وما يجري مجرى العلم من غلبة الظنّ ، فإنّه لا يعتبر في جميع ذلك عدد مخصوص لا في الآحاد ولا في التواتر (أ ، م ، ٢٠١ ، ٨)

ـ خبر الواحد مما لا يقتضي العلم (ق ، ش ، ٢٦٩ ، ١٤)

ـ قد قال شيخنا" أبو علي" ، رحمه‌الله : إنّ السامع ، عند خبر الواحد يتصوّر ما يخبر به ، ويظنّه ظنّا ضعيفا ، ثم لا يزال يقوى ، حتى إذا كثر المخبرون عرف. فالعادة بذلك جارية ، كما أنّها جارية في باب العقل أنّه يتكامل ، على حسب النشوء ، ولا يحدث كرة واحدة. وكذلك القول في الحفظ لما يدرس ، ومعرفة الصنائع (ق ، غ ١٥ ، ٣٦٦ ، ٢٠)

ـ قد حكي عن" النظّام" أنّه كان يجوّز وقوع العلم الضروري بخبر الواحد ، إذا قارنه سبب ؛ ويقول ، في الجماعة إذا خبّرت ، إن العلم قد لا يقع بخبرها ، إذا لم يقترن بخبرها السبب. وربما جعل السبب كالشرط في وقوع العلم ، وربما جعله مقتضيا لأن يقع العلم. ومثّل ذلك بالمخبر الواحد عن موت من تقدّم لنا العلم بشدّة مرضه ، وشاهدنا ، عند خبره ، الأمارات والآلات التي لا تصلح إلا للموتى. ويقول : كما أنّ هذه الأسباب تقوّي حال هذا الخبر الواحد ، فقد يرد التواتر بأمر ، وهناك سبب يقوّي خلافه ، فيمنع من وقوع العلم (ق ، غ ١٥ ، ٣٩٢ ، ٤)

ـ أمّا خبر الواحد إذا أجمعت الأمّة على مقتضاه ، وحكمت بصحّته ، فإنّه يقطع على صحّته ، لأنّها لا تجمع على خطأ. وإن لم تحكم بصحّته ، فعند الشيخ أبي هاشم ، وأبي الحسن ، وأبي عبد الله رحمهم‌الله : إنّ الأمّة لا تجمع على مقتضى خبر الواحد إلّا وقد قامت به الحجّة. وعند غيرهم : أنّه لا تكون الحجّة قد قامت به. ولا مقطوعا على معيّنه. لأنّ الأمّة إذا اعتقدت وجوب العمل بالخبر المظنون ، لم يستحل أن يروى لها خبر واحد قد تكاملت فيه شرائط العمل ، فتعمل به. لأنّ العمل يتبع

الاعتقادات. ولهذا جاز أن يجمعوا على الحكم بالاجتهاد لمّا كانوا قد اتّفقوا على وجوب العمل به. وجواز ذلك في خبر الواحد أولى ، لأنّه أظهر (ب ، م ، ٥٥٥ ، ١٤)

ـ أمّا في الشريعة فخبر الواحد الثقة موجب للعلم ، وبرهان شرعيّ ، قد ذكرناه في كتابنا الأحكام لأصول الأحكام (ح ، ف ٥ ، ١١٨ ، ٢٣)

ـ كل خبر لم يبلغ مبلغ التواتر فلا يفيد علما بنفسه ، إلّا أن يقترن به ما يوجب تصديقه مثل أن يوافق دليلا عقليا ، أو تؤيّده معجزة ، أو قول مؤيّد بمعجزة تصدّقه. وكذلك إذا تلقّت الأمّة خبرا بالقبول ، وأجمعوا على صدقه ، فنعلم صدقه. فإن فقد ما ذكرناه ، ولم يكن الخبر متواترا ، فهو المسمّى ، خبر الواحد في اصطلاح المتكلّمين ؛ وإن نقله جمع (ج ، ش ، ٣٥١ ، ٧)

ـ خبر الواحد : هو الحديث الذي يرويه الواحد أو الاثنان فصاعدا ما لم يبلغ الشهرة والتواتر (ج ، ت ، ١٣٠ ، ١٠)

خبر واحد

ـ ما معنى وصفكم للخبر بأنّه خبر واحد؟ قيل له : أمّا حقيقة هذه الإضافة في اللغة فإنّه خبر واحد وأنّ الراوي له واحد فقط لا اثنان ولا أكثر من ذلك ؛ غير أنّ الفقهاء والمتكلّمين قد تواضعوا على تسمية كل خبر قصر عن إيجاب العلم بأنّه خبر واحد ؛ وسواء عندهم رواه الواحد أو الجماعة التي تزيد على الواحد (ب ، ت ، ١٦٤ ، ١٤)

ـ كان شيوخنا قد ذكروا (على) أنّ الخبر الواحد لا يقع به العلم ، كما دلّوا على ذلك في الأربعة ؛ لأنّ إبراهيم النظام ، ومن تبعه ، يقول بجواز وقوع العلم بخبر الواحد ، ويعتلّ فيه بأمور وأفردوا القول في ذلك لهذه العلّة ، ودلّوا عليه بمثل ما نذكره في الأربعة ، وبأن خبر الواحد ، لو أوجب العلم ، لكان يجب أن يقع العلم بخبر كل واحد ، على ما سنذكره ، ولو كان كذلك لوجب أن يعلم من سمع خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أنّه أسرى به إلى بيت المقدس وإلى السماء ، وأنّه شاهد ما شاهده ، باضطرار حتى لا يمكنه دفع ذلك ؛ وقد علمنا أنّ من لم ينظر ، فيعرف صدقه ، قد يكون شاكّا في خبره غير عالم به ، وهذا يبطل ما قالوه (ق ، غ ١٥ ، ٣٦١ ، ٩)

خبر الواحد العدل

ـ قولنا في خبر الواحد العدل أنّه لا يوجب علما بأنّ ما قال كما قال ـ فكيف بخبر واحد ماجن ملحد؟ (خ ، ن ، ٥٥ ، ٩)

خبر واقع عن الجماعة

ـ اعلم أن هذا الخبر (الواقع عن الجماعة) الذي صحّ أن يستدلّ به يجب أن يكون جامعا لشرائط ترجع كلها إلى شرط واحد ، وصفة واحدة ، فأحد الشرائط أن تبلغ الجماعة في الكثرة مبلغا لا يتّفق الكذب منها ، فيما لا شبهة فيه ولا لبس ؛ وأن يعلم أنّه ليس هناك ما يجمعها على الكذب ، من تواطؤ أو ما يقوم مقامه ؛ وأن يكون ما خبرت عنه لا يلتبس ولا يشتبه ، فلا بدّ من اعتبار حالها ، وحال المخبر ، حتى يخرج الخبر مما يحصل فيه اللبس والشبهة ، وتخرج الجماعة من أن تختصّ بأمر يجمعها يحل محل التواطؤ ؛ وتبلغ في الكثرة المبلغ الذي لا يتّفق

منها الكذب في الخبر الواحد. فعند ذلك يمكن أن يستدلّ بخبرها على صدقه وصحّته. وكل ذلك يعود إلى شرط واحد ، وهو : أن يعلم من حالها أنّها مخبرة ، ولا داعي لها إلى الكذب. وإذا علمناها مخبرة مع زوال الدواعي علمناها صادقة ، لأنّ ذلك لا يعلم إلّا بالوجوه التي ذكرناها (ق ، غ ١٦ ، ١٠ ، ٨)

خبر يقع العلم عنده

ـ إنّ العادة في الخبر الذي يقع العلم عنده ، يجب أن تتّفق ولا تختلف إذا اشترك المخبرون في القدر والصفة. يدلّ على ذلك أنّه لو لم يجب أن تتّفق العادة في ذلك ـ وجاز أن يقع العلم بخبر عدد واحد دون آخر ، (أن) يخبر عدد دون عدد منهم ، مع اشتراكهم في أنّهم مضطرّون إلى ما خبّروا عنه ـ لوجب أن يجوز ، فيمن سمع من الأخبار ما سمعنا وخالط كمخالطتنا ، ألّا يكون عالما لصحّة الأخبار التي علمنا ، نحن ، صحّتها. ولو جوّزنا نحن ذلك لجوّزنا فيمن خبرنا مع المخالطة ، أنّه لا يعرف أنّ في الدنيا مكّة ، وخراسان ، والصين ، أن يكون صادقا. وقد علمنا أنّا لا نجوّز ذلك ، وأنّا نعلم فيمن خبرنا بذلك عن نفسه ـ وحاله ما ذكرناه ـ أنّه كاذب. وهذا يبيّن أنّ العادة فيه متّفقة ؛ لأنّه ليس إلّا هذا القول ، أو القول بأنّها مختلفة ، واختلافها يؤدّي إلى ما ذكرناه (ق ، غ ١٥ ، ٣٦٨ ، ٢)

ختم

ـ أمّا قوله (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (البقرة : ٧) و (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (النساء : ١٥٥) فليس ذلك على أنّه منعهم مما أمرهم به ـ تعالى عن ذلك ـ ولكنّه على الاسم والحكم والشهادة. ألا تراه يقول" بكفرهم" وإنّما ختم على قلوبهم مما فيها من الكفر (خ ، ن ، ٨٩ ، ٢٠)

ـ القول في الختم والطبع. اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين : فزعم بعضهم أنّ الختم من الله سبحانه والطبع على قلوب الكفّار هو الشهادة والحكم أنّهم لا يؤمنون ، وليس ذلك بمانع لهم من الإيمان. وقال قائلون : الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف إذا صدئ من غير أن يكون ذلك مانعا لهم عمّا أمرهم به (ش ، ق ، ٢٥٩ ، ١)

ـ يقال لهم : أليس قد قال الله عزوجل : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) (البقرة : ٧) وقال عزوجل : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الأنعام : ١٢٥) فخبّرونا عن الذين ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ، أتزعمون أنه هداهم وشرح للإسلام صدورهم وأضلهم؟ فإن قالوا : نعم ، تناقض قولهم ، وقيل لهم : كيف القفل الذي قال الله عزوجل : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (محمد : ٢٤) مع الشرح ، والضيق مع السعة ، والهدى مع الضلال؟ إن كان هذا ، جاز أن يجتمع التوحيد والإلحاد الذي هو ضد التوحيد ، والكفر والإيمان معا في قلب واحد ، وإن لم يجز هذا لم يجز ما قلتموه (ش ، ب ، ١٤٧ ، ٤)

ـ المعتزلة يقولون : إنّ قوله" ختم" ، و" طبع" يعلم علامة في قلبه أنّه لا يؤمن كإعلام الكتب والرسائل (م ، ت ، ٤٣ ، ٧)

ـ خلق الختم والطبع على قلبه (إذا فعل فعل

الكفر ؛ لأن) فعل الكفر من الكافر مخلوق عندنا ، فخلق ذلك الختم عليه. وهو كقوله (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) (الأنعام : ٢٥) أي خلق الأكنّة. وغيره من الآيات (م ، ت ، ٤٣ ، ١٠)

ـ إنّ الختم في اللغة لا يعقل منه القدرة على الكفر ، ولا الكفر ، وإنّما يستعمل في العلامة الحاصلة بنقش الخاتم وما شاكلها ، وإن كان قد يراد به انتهاء الشيء ، وقد يراد به الحكم عليه بأنّه لا ينتفع بما سمعه ، كما يقال فيمن نظر كثيرا وبيّن له طويلا : ختمت عليك أنّك لا تفهم .. إلى ما يشاكله ، وحقيقته ما ذكرناه أولا ... ويجب أن يحمل على أنّ المراد به أنّه علّم على قلوبهم بعلامة تعرف بها الملائكة أنّهم من أهل" الذمّ" ، كما كتب في قلوب المؤمنين الإيمان ؛ لكي تعلم الملائكة أنّهم من أهل المدح وعرّفنا أنّ ذلك لطف ، لأنّ أحدنا إذا علم مع عظم حال الملائكة عنده ، أنّه إن أقدم على المعاصي ذمّوه فيما بينهم وفضحوه بكثرة اللوم ، كان إلى أن ينصرف عن المعصية أقرب (ق ، م ١ ، ٥١ ، ١٤)

ـ على أنّ المراد : ما يقوله بعض شيوخنا رحمهم‌الله ، من أنّ المراد به (الختم) العقوبة ؛ لأنّه خصّهم بضرب من العقوبة ، من حيث كفروا ودانوا بالكفر فبيّن أنّه تعالى يعاقبهم على ذلك في الدنيا بالذمّ والتوبيخ وإظهار ذلك ، وسمّاه ختما ، ثم لهم في الآخرة عذاب عظيم (ق ، م ١ ، ٥٤ ، ٥)

ـ لو احتمل الختم أن يكون مفيدا" للمنع" ، ولما ذكرنا ، لوجب صرفه إلى ما قلناه من حيث ثبت بالعقل أنّه تعالى لا يجوز أن يأمر بالإيمان ويرغب فيه ويعد عليه ويزجر عن خلافه ، ويمنع مع ذلك منه ، ولا يجوز ذلك عليه وهو يقول : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (الانشقاق : ٢٠) (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا) (الإسراء : ٩٤). وكل ذلك يوجب صحّة ما قلناه (ق ، م ١ ، ٥٤ ، ٦)

ـ الجبائي وابنه ... قالا : من كفر وسم الله قلبه سمة يعلمها الملائكة ، فإذا ختموا على القلوب تميّزت لهم قلوب الكفّار من أفئدة الأبرار. فهذا معنى الختم عندهما (ج ، ش ، ١٩٢ ، ١٤)

ـ الختم والكتم أخوان ، لأنّ في الاستيثاق من الشيء ضرب الخاتم عليه كتما له وتغطية لئلا يتوصّل إليه ولا يطلع عليه ... فإن قلت : ما معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت : لا ختم ولا تغشية ، ثم على الحقيقة وإنّما هو من باب المجاز ، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه وهما الاستعارة والتمثيل. أمّا الاستعارة فأن تجعل قلوبهم لأنّ الحق لا ينفذ فيها ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم عنه واستكبارهم عن قبوله واعتقاده ، وأسماعهم لأنّها تمجه وتنبو عن الإصغاء إليه وتعاف اسماعه كأنّها مستوثق منها بالختم ، وأبصارهم لأنّها لا تجتلي آيات الله المعروضة ودلائله المنصوبة كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين كأنّما غطّى عليها وحجبت وحيل بينها وبين الإدراك. وأمّا التمثيل فإن تمثل حيث لم يستنفعوا بها في الأغراض الدينية التي كلّفوها وخلفوا من أجلها بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية (ز ، ك ١ ، ١٥٥ ، ٥)

ـ الشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر ، إلّا أنّ الله سبحانه لمّا كان هو الذي أقدره ومكّنه أسند إليه الختم كما يسند الفعل إلى المسبب. ووجه رابع وهو أنّهم لمّا كانوا على القطع

والبتّ ممن لا يؤمن ولا تغنى عنهم الآيات والنذر ولا تجدى عليهم الألطاف المحصلة ولا المقربة إن أعطوها لم يبق بعد استحكام العلم بأنّه لا طريق إلى أن يؤمنوا طوعا واختيارا طريق إلى إيمانهم إلّا القسر والإلجاء ، وإذا لم تبق طريق إلّا أن يقسرهم الله ويلجئهم ، ثم لم يقسرهم ولم يلجئهم لئلا ينتقض الغرض في التكليف عبّر عن ترك القسر والإلجاء بالختم إشعارا بأنّهم الذين ترامى أمرهم في التصميم على الكفر والإصرار عليه إلى حد لا يتناهون عنه إلّا بالقسر والإلجاء ، وهي الغاية القصوى في وصف لجاجهم في الغيّ واستشرائهم في الضلال والبغى (ز ، ك ١ ، ١٦٢ ، ٧)

ـ لكن نبيّا ، ختم النبيين. فإن قلت : كيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت : معنى كونه آخر الأنبياء أنّه لا ينبأ أحد بعده وعيسى ممن نبئ قبله ، وحين ينزل ينزل عاملا على شريعة محمّد مصليا إلى قبلته كأنه بعض أمّته (ز ، ك ٣ ، ٢٦٥ ، ٣)

ـ (فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) (الشورى : ٢٤) فإن يشأ الله يجعلك من المختوم على قلوبهم حتى تفتري عليه الكذب ، فإنّه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلّا من كان في مثل حالهم ، وهذا الأسلوب مؤداه استبعاد الافتراء من مثله ، وأنّه في البعد مثل الشرك بالله والدخول في جملة المختوم على قلوبهم. ومثال هذا أن يخوّن بعض الأمناء فيقول : لعلّ الله خذلني ، لعلّ الله أعمى قلبي ، وهو لا يريد إثبات الخذلان وعمى القلب وإنّما يريد استبعاد أن يخوّن مثله والتنبيه على أنّه ركب من تخوينه أمر عظيم ، ثم قال : ومن عادة الله أن يمحو الباطل ويثبت الحق (بكلماته) بوحيه أو بقضائه كقوله تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) (الأنبياء : ١٨) ، يعني لو كان مفتريا كما تزعمون لكشف الله افتراءه ومحقه وقذف بالحق على باطله فدمغه ، ويجوز أن يكون عدة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأنّه يمحو الباطل الذي هم عليه من البهت والتكذيب ويثبت الحق الذي أنت عليه بالقرآن وبقضائه الذي لا مردّ له من نصرتك عليهم. إنّ الله عليم بما في صدرك وصدورهم فيجري الأمر على حسب ذلك. وعن قتادة : يختم على قلبك ينسك القرآن ويقطع عنك الوحى : يعني لو افترى على الله الكذب لفعل به ذلك ، وقيل يختم على قلبك يربط عليه بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم (ز ، ك ٣ ، ٤٦٨ ، ١٣)

ـ العدليّة : والطبع على القلب والختم عليه لا يمنعان من الإيمان ، وإنّما هما علامة جعلها الله على قلب كل كافر ليتميّز للملائكة ، وفيه نوع لطف. مسألة المجبرة : بل يمنع. وفسّروه بخلق الكفر ، وقيل : القدرة الموجبة له. قلنا : فاسد لغة وعقلا ، وقوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء : ١٥٥) ، فجعل الطبع غير الكفر (م ، ق ، ١٠١ ، ٤)

ـ العدليّة : ولا يجوز أن يقال إنّ الله تعالى ختم على قلوب الكفّار وطبع بمعنى غطّى ، خلافا للمجبرة. قلنا : أمرهم ونهاهم عكس من لم يعقل نحو المجانين ، إذ خطاب من لم يعقل صفة نقص ، والله يتعالى عنها (ق ، س ، ١١٥ ، ١٨)

ختم وطبع

ـ كان (الأشعري) يذهب في تأويل الختم والطبع وجعل الأقفال والأكنّة على القلوب إلى أنّ جميع ذلك بمعنى خلق الكفر والجهل والجحد

للحقّ والاستثقال له. وكان يقول : " إنّا لا ننكر أن يكون الختم والطبع علامة على قلب الكافر يميّز بها الملك الوليّ من العدوّ ، ولكنّه لا يكون إلّا لمن خلق في قلبه الجهل والكفر". وكان يقول إنّ من حمل الطبع على معنى الحكم بالكفر فقد أخطأ اللغة ، لأنّه لا يقال في اللغة" طبعت عليه أنّه لا يفلح" ، وإن كان يقال" ختمت عليه أنّه لا يفلح". فإذا كان كذلك فتأويلهم هذا مع الاستكراه له بعيد وغير ناف لما قلنا إنّه ضلال الضالّين وكفر الكافرين في قلوبهم ، ثم يجعل لهما علامات (أ ، م ، ١٠٥ ، ٥)

خذلان

ـ الخذلان هو ترك الله سبحانه أن يحدث من الألطاف والزيادات ما يفعله بالمؤمنين كنحو قوله : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (محمد : ١٧) فترك الله سبحانه أن يفعل هو الخذلان من الله للكافرين (ش ، ق ، ٢٦٤ ، ١٥)

ـ الخذلان من الله سبحانه هو تسميته إيّاهم والحكم بأنّهم مخذولون (ش ، ق ، ٢٦٥ ، ٢)

ـ الخذلان عقوبة من الله سبحانه وهو ما يفعله بهم من العقوبات (ش ، ق ، ٢٦٥ ، ٤)

ـ إنّ الخذلان يكون بمعنى الهلاك والعقوبة ، وقد يكون بمعنى وجود قدرة الكفر. وكان (الأشعري) لا يقول : كل قدرة على المعصية خذلان ، بل قدرة الكفر هي الخذلان دون غيرها من القدر (أ ، م ، ١٢٣ ، ٢٠)

ـ أمّا الخذلان : فهو كل فعل حرمه الظفر بما يتبعه وينفعه مما يؤثّر في قلب عدوّه. فقد يكون الكافر مخذولا بالحجّة ؛ لأنه لا حجّة له. وقد تكون معاصيه خذلانا ، من حيث يستحقّ بها الاستخفاف والنكار. وما يغلب عنده يوصف بذلك أيضا : من إلقاء الرعب في قلبه ، وإخطار الخوف بباله ، إلى ما شاكل ذلك (ق ، م ٢ ، ٧٢٦ ، ١٨)

ـ الأظهر في الخذلان : أنّه أجمع عقوبة (ق ، م ٢ ، ٧٢٧ ، ٣)

ـ أمّا الخذلان فالأقرب في جميعه أن يجري مجرى العقاب ، لأنّه لا يكون إلّا مضار واقعة بمن فسق وعصى ـ من ذمّ واستخفاف ، أو أمر بذلك ـ أو ترك للمعونة فيما يكون في باب الدين ، أو ظفر عليه في باب الجهاد ، إلى غير ذلك (ق ، غ ١٣ ، ١١٢ ، ١٠)

ـ القوّة التي ترد من الله تعالى فيفعل العبد بها الشرّ تسمّى بالإجماع خذلانا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٢)

ـ التوفيق خلق قدرة الطاعة ، والخذلان خلق قدرة المعصية (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٢)

ـ صرف المعتزلة التوفيق إلى خلق لطف يعلم الرّب تعالى أنّ العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف (ج ، ش ، ٢٢٣ ، ١٤)

ـ معنى الخذلان منع الألطاف ، وإنّما يمنعها من علم أنّها لا تنفع فيه وهو المصمّم على الكفر الذي لا تغني عنه الآيات والنذر ، ومجراه مجرى الكناية لأنّ منع الألطاف يردف التصميم والغرض بذكره التصميم نفسه ، فكأنّه قيل : صمّموا على الكفر حتى كانوا أئمة فيه دعاة إليه وإلى سوء عاقبته (ز ، ك ٣ ، ١٨١ ، ٥)

ـ التوفيق عنده (الأشعريّ) : خلق القدرة على الطاعة ، والخذلان عنده : خلق القدرة على المعصية. وعند بعض أصحابه : تيسير أسباب الخير هو التوفيق ، وبضدّه الخذلان (ش ، م ١ ، ١٠٢ ، ١٧)

ـ الخذلان لا يتصوّر مضافا إلى الله تعالى بمعنى الإضلال والإغواء والصدّ عن الباب وإرسال الحجاب على الألباب ، إذ يبطل التكليف به ويكون العقاب ظلما (ش ، ن ، ٤١١ ، ١٧)

ـ الخذلان خلق قدرة المعصية (ش ، ن ، ٤١٢ ، ٦)

ـ العدليّة : والتوفيق هو اللطف في الفعل ، والخذلان منع اللطف ممن لا يلتطف. الحاكم : عقوبة. قلت : فيه نظر. المجبرة : بل التوفيق خلق الطاعة ، والخذلان خلق المعصية. قلنا : على أصل فاسد (م ، ق ، ١٠٥ ، ١٠)

ـ الخذلان : عدم تنوير القلب بزيادة في العقل الكافي ، مثل تنوير قلوب المؤمنين (ق ، س ، ١٣٣ ، ٩)

خشوع

ـ قال الحسن : الخشوع هو الخوف اللازم بالقلب (م ، ت ، ١٤٣ ، ٣)

خشية

ـ إنّ الخشية لا تكون إلّا بالمعرفة ، قال الله تعالى (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (فاطر : ٢٨) أي العلماء به. وذكر الخشية لأنّها ملاك الأمر ، من خشى الله أتى منه كل خير ، ومن أمن اجترأ على كل شرّ ، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام" من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل" (ز ، ك ٤ ، ٢١٣ ، ٢٢)

خصوص

ـ المعبّر بلفظة العموم لا يكون قوله عامّا إلّا بأن يقصد ما وضع له ، فبالقصد الذي ذكرناه ما يتعلّق بجميع ما وضع له ، لا لصيغته فقط ؛ يبيّن ذلك أنّه لو تكلّم به وهو لا يعرف المواضعة ولا قصد الطريقة التي وضعوا اللفظة لها لم يكن مفيدا ولا عامّا ، ويحل ذلك محل أن يتكلّم المتكلّم بذلك قبل وقوع المواضعة عليه. وقد علمنا أنّ الكلام لا يفيد ، ولمّا وقعت المواضعة فكذلك لا يفيد ممن لا يقصد طريقة المواضعة. يبيّن ذلك أنّ الموضوع للعموم قد علمنا أنّه يصحّ أن يفيد به الخصوص ، كما يصحّ أن يفيد به العموم ، والصفة واحدة ، فلو كان لصورته مع تقدّم المواضعة يكون عبارة عن جميع ما تناوله لوجب ذلك فيه وإن قصد بها الخصوص ، وبطلان ذلك يبيّن أنّه يصير عامّا فيما وضع له بالقصد دون الصيغة (ق ، غ ١٧ ، ١٤ ، ١١)

ـ معنى الخصوص الإفراد. وهو على وجهين أحدهما يتناول شيئا بعينه ، والآخر خصوص بالإضافة إلى ما هو أعمّ منه ، وإن كان عموما في نفسه كالحيوان خصوصا في الأجسام وعموم في أنواعه (ب ، أ ، ٢١٨ ، ٨)

خط

ـ إن اقتضى (العرض) قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد. وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ، أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٤)

خطأ

ـ إنّ الخطأ المعروف في الشاهد نوعان :

أحدهما خروج الفعل على تقدير يجهله ، والثاني وقوعه في غير الذي يريده ، فلو كان الله تعالى يريد بما أعطى غير الذي يكون به لكان يكون فعله خطأ ، على ما عرفنا الله تعالى من فعل الخطأ (م ، ح ، ٢٩٢ ، ١٩)

ـ قد قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في بعض الفصوص : إنّ الأصل في الخطأ هو أنّه لم يقع ما قصد إليه من الفعل على ما قصد إليه. كقولهم : أخطأ الهدف (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ١٨)

ـ يوصف القبيح بأنّه معصية ؛ وقد كان في الأصل في هذه اللفظة لا يقتضي قبحه ، وإنّما يوجب أنّ كارها كرهه ، لكن في التعارف استعمل فيما هو معصية لله ، وعلم أنّه لا يكره إلّا القبيح ، فصار بالإطلاق متعارفا فيه ، ويوصف بأنّه خطأ ، لا من جهة اللغة ، لأنهم لا يستعملون ذلك في طريقة القصد الذي هو يقتضي العمد ، لكن من جهة التعارف ، تشبيها بمن أخطأ قصده فقيل في القبيح إنّه خطأ ، على هذا الحدّ (ق ، غ ١٧ ، ٩٦ ، ١٠)

خطاب

ـ اعلم أنّ الخطاب على ضربين : أحدهما يدلّ على ما لو لا الخطاب لما صحّ أن يعلم بالعقل ، والآخر يدلّ على ما لولاه لأمكن أن يعرف بأدلّة العقول. ثم ينقسم ذلك ، ففيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بأدلّة العقول ، ويصحّ أن يعلم مع ذلك الخطاب ، فيكون كل واحد كصاحبه في أنّه يصحّ أن يعلم به الغرض. وفيه ما لو لا الخطاب لأمكن أن يعلم بالعقل ولا يمكن أن يعلم إلا به. فالأول هو الأحكام الشرعيّة ، فإنّها إنّما تعلم بالخطاب وما يتّصل به ، ولولاه لما صحّ أن يعلم بالعقل الصلوات الواجبة ولا شروطها ولا أوقاتها ، وكذلك سائر العبادات الشرعية. والثاني هو القول في أنّه عزوجل لا يرى ، لأنّه يصحّ أن يعلم سمعا وعقلا ، وكذلك كثير من مسائل الوعيد. والثالث بمنزلة التوحيد والعدل ؛ لأنّ قوله عزوجل : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١) (وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (الكهف : ٤٩) و (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (الإخلاص : ١) لا يعلم به التوحيد ونفي التشبيه والقول بالعدل ، لأنّه متى لم يتقدّم للإنسان المعرفة بهذه الأمور ، لم يعلم أنّ خطابه تعالى حق ، فكيف يمكنه أن يحتجّ فيما إن لم تتقدّم معرفته به لم يعلم صحّته؟! (ق ، م ١ ، ٣٥ ، ١١)

ـ إنّ الأمر إنّما يكون خطابا لقوم بأن يتناول الفعل من كل واحد منهم ، فهو في كونه خطابا تابع به للمأمور به .. يبيّن ذلك : أنه لا يجوز أن يريد المأمور من عشرة ولا يكون مخاطبا لهم ، وقد يكون مخاطبا لهم بذلك على طريق الأداء ، لا على جهة التكليف وإن لم يرد الفعل منهم ، فصار كونه خطابا تابعا لإرادة الفعل منهم لا محالة ، فمتى أراد ذلك فقد أغنى عن قصد زائد في كونه خطابا لهم ، ومتى لم يرد الفعل منهم احتاج إلى قصد زائد يصير به خطابا لجماعتهم ، ثم ينظر في الوجه الذي قصد إليه ، وإن كان على طريقة الخبر كفى فيه قصد واحد ، وإن كان على طريقة التكليف فالحكم ما قدّمناه ، فصار كونه خطابا للمكلّفين لا يكون إلّا تابعا ، على ما قدّمناه (ق ، غ ١٧ ، ٢٠ ، ١٧)

ـ كما أنّ المكلّم أخصّ من المتكلّم ، فالمخاطب أخصّ من المكلّم لأنّه يقتضي قصده بالكلام إلى من تصحّ فيه الإجابة. والخطاب هو الكلام الذي هذه حاله. وغير ممتنع في المسموع الآن

من قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (المزمل : ٢٠) أن يجعل خطابا لنا لأنّه حادث في الحال وهو كلام الله تعالى بالعرف على تقدير أنّه لو كان حادثا من قبله تعالى ، لكان خطابا لنا ، والمخاطبة تقع بين اثنين لأنّها مفاعلة ، فتقتضي أنّ كل واحد منهما له فعل (أ ، ت ، ٤٠٨ ، ٤)

خطاب الله

ـ اعلم أنّ الخطاب على ضربين : أحدهما يستقلّ بنفسه في الإنباء عن المراد ، فهذا لا يحتاج إلى غيره في كونه حجّة ودلالة. والثاني لا يستقلّ بنفسه فيما يقتضيه ، بل يحتاج إلى غيره ، ثم ينقسم ذلك إلى قسمين : أحدهما : يعرف المراد به وبذلك الغير بمجموعهما ، والثاني يعرف المراد به بذلك الغير بانفراده ، ويكون هذا الخطاب لطفا وتأكيدا. ولا يخرج خطاب الله أجمع عن هذه الأقسام الثلاثة. والقرائن قد تكون متّصلة سمعا ، وقد تكون منفصلة سمعا وعقلا ، وقد بيّنا أنّ الدليل العقليّ وإن انفصل فهو كالمتّصل في أنّ الخطاب يترتّب عليه ، لأنّ قوله جلّ وعزّ : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (البقرة : ٢١) مع الدليل العقليّ الدالّ على أنّه لا يكلّف من لا عقل له ، آكد في بابه من أن يقول : يا أيّها العقلاء اتّقوا ربّكم (ق ، م ١ ، ٣٤ ، ٧)

ـ إنّ خطابه تعالى يتّفق في أنّه لا بدّ من أن يكون دليلا. وإنّما يكون كذلك بوجهين : أحدهما : أن يريد به ما يقتضيه ظاهره فيكون مجرّده دلالة على المراد. أو يريد به غير ذلك ، فلا بدّ من بيان مقترن به كاقتران بعض الكلام ببعض ، لأنّه إن كان ممّا يعرف بالسمع فلا بدّ من أن يتّصل به أهل الشرط والاستثناء ، وما يجري مجراهما ؛ وإن كان من أدلّة العقول فاقترانه به أوكد من ذلك ، ولا يجوز في خطابه تعالى أن يخلو من هذين الوجهين ، ولا بدّ في البيان من أن يكون بيانا في الوقت لسائر من تعلّق ذلك الخطاب به ، وحتى لا يجوز أن يكون بيانا لبعضهم دون بعض ، كما لا يجوز أن يتأخّر البيان. والأمر والنهي والخبر ، الذي يتضمّن الوعد والوعيد ، أو لا يتضمّنهما ، يتّفق في ذلك. ولا نجيز في خطابه التخصيص بلا دلالة ، ولا الاستثناء المضمر ، ولا الشرط الذي لا يظهر بنفسه ، أو بدليله (ق ، غ ١٧ ، ٣٧ ، ١٣)

خطوط مطلقة

ـ أمّا الخطوط المطلقة فإنّما تناهي جهة السطح وانقطاع تماديها (ح ، ف ٥ ، ٦٩ ، ٥)

خفيف

ـ إنّ الخفيف من شأنه العلو وإنّ الثقيل من شأنه الانحدار إلى أسفل ، إنّ الخفيف أن خلي وما طبعه الله عليه (علا ولحق بأعلى عالمنا هذا وإنّ الثقيل إن خلي وما طبعه الله عليه) نزل ولحق بأسفل عالمنا هذا ، لا أنّه يثبت في العلو وفي السفل عالمين سوى عالمنا هذا يلحق بهما الخفيف والثقيل إذا خلّيا وما طبعا عليه (خ ، ن ، ٣٦ ، ١٤)

ـ اختلفوا في الثقل والخفّة فأنكرهما أبو الحسن الأشعري وقال إنّ الثقيل إنّما يثقل على غيره بزيادة أجزائه والخفيف يكون أخفّ من غيره بقلّة أجزائه ، وأثبت القلانسي الثقل عرضا غير الثقيل وبه قال ابن الجبائي مع نفيه كون الخفّة معنى (ب ، أ ، ٤٦ ، ١)

خلاء

ـ إنّ الجوهرين يجوز أن يكونا مفترقين ولا ثالث بينهما. ذهب شيوخنا إلى أنّ ذلك صحيح ، ولهذا جوّزوا أن يكون في العالم خلاء ؛ بل أوجبوا ذلك. وقال شيخنا أبو القاسم لا يجوز أن يكون الجوهران مفترقين ولا ثالث بينهما ، وأحال أن يكون في العالم خلاء. والذي يدلّ على صحّة ما قلناه وجوه : أحدها أنّ العالم لو لم تكن فيه مواضع خالية من الجواهر والأجسام ، لكان يتعذّر علينا التصرّف. فلمّا علمنا أنّه لا يتعذّر علينا ذلك ، علمنا أنّ فيه خلاء (ن ، م ، ٤٧ ، ٩)

ـ أنّا لو قدّرنا أربعة أجزاء كالخط ، ثم قدّرنا نقل الأجزاء التي في الوسط في حالة واحدة ، لكان يجب أن لا يخلو حال هذين الجزءين اللذين هما طرف الخط من أحد أمرين : إمّا أن يلتقيا أو لا يلتقيا. فإن التقيا أدّى إلى القول بالطفر ؛ وذلك لا يصحّ. وإن لم يلتقيا وبقيا مفترقين ولا جوهر بينهما ، فهو الذي نريده من القول بإثبات الخلاء (ن ، م ، ٥٠ ، ١٣)

ـ ما قولكم لو فنيت الأجسام التي بين السماء والأرض ، وبقيت السماء والأرض ، هل تتّصل إحداهما بالأخرى في حال ما تفنى الأجسام بينهما ، أو لا تتّصل إحداهما بالأخرى؟ فإن قالوا : لا تتّصل إحداهما بالأخرى ولا تلتقي ، فقد جوّزوا الخلاء. وإن قالوا تتّصل لا محالة إحداهما بالأخرى ، فقد قالوا بالطفر (ن ، م ، ٥١ ، ١١)

ـ اعلم أنّه كما يستحيل ما قدّمناه ذكره من اجتماع جوهرين في جهة واحدة أو وجود الجوهر الواحد في مكانين ، فغير مستحيل حصول جوهرين على وجه لا ثالث بينهما. وهذا هو القول بثبوت الخلاء في العالم (أ ، ت ، ١١٦ ، ١٨)

ـ المراد من الخلاء كون الجسمين بحيث لا يتماسّان ولا يكون بينهما ما يماسانه (ف ، م ، ١٠٠ ، ٣)

خلاف

ـ الضدّ هو الممانع المفاسد لغيره مثل الحلاوة والمرارة والحرّ والبرد والخلاف مثل الحلاوة والبرودة والحموضة والبرد (ش ، ق ، ٣٢٧ ، ٧)

ـ ليس كل خلاف ضدّا ، فالجوهر خلاف العرض من كل وجه حاشا الحدوث فقط وليس ضدّا له (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ٢٣)

ـ الحركة والسكون خلاف الجسم وليسا ضدّا له ، إذ ليسا معه تحت جنس واحد أصلا ، وإنّما يجمعها وإيّاه الحدوث فقط ، فلو كان كل خلاف ضدّا لكان الجسم فاعلا لضدّه وهو الحركة أو السكون ... فصحّ بالضرورة أنّه ليس كل خلاف ضدّا ، وصحّ أنّ الفاعل يفعل خلافه (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ٤)

ـ الحركة والسكون خلاف الجسم وليسا ضدّا له ، إذ ليسا معه تحت جنس واحد أصلا ، وإنّما يجمعها وإيّاه الحدوث فقط ، فلو كان كل خلاف ضدّا لكان الجسم فاعلا لضدّه وهو الحركة أو السكون ... فصحّ بالضرورة أنّه ليس كل خلاف ضدّا ، وصحّ أنّ الفاعل يفعل خلافه (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ٧)

خلافة

ـ فلا يطلق لأحدهم اسم الإمامة بلا خلاف من أحد من الأمّة إلّا على المتولّي لأمور أهل الإسلام ، فإن قال قائل بأنّ اسم الإمارة واقع

بلا خلاف على من ولى جهة من جهات المسلمين ، وقد سمّي بالأمارة كل من ولّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جهة من الجهات أو سريّة أو جيشا وهؤلاء مؤمنون ، فما المانع من أن يوقع على كل واحد اسم أمير المؤمنين فجوابنا وبالله تعالى التوفيق أنّ الكذب محرّم بلا خلاف ، وكل ما ذكرنا فإنّما هو أمير لبعض المؤمنين لا لكلّهم ، فلو سمّي أمير المؤمنين لكان مسمّيه بذلك كاذبا لأنّ هذه اللفظة تقتضي عموم جميع المؤمنين وهو ليس كذلك ، وإنّما هو أمير بعض المؤمنين ، فصحّ أنّه ليس يجوز البتّة أن يوقع اسم الإمامة مطلقا ولا اسم أمير المؤمنين إلّا على القرشيّ المتولّي لجميع أمور المؤمنين كلّهم أو الواجب له ذلك ، وإن عصاه كثير من المؤمنين وخرجوا عن الواجب عليهم من طاعته والمفترض عليهم من بيعته فكانوا بذلك فئة باغية حلالا قتالهم وحربهم ، وكذلك اسم الخلافة بإطلاق ، لا يجوز أيضا إلّا لمن هذه صفته (ح ، ف ٤ ، ٩٠ ، ١٦)

خلاق

ـ (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إنّما شأنه (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) (إذا دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) (يس : ٨٢) أن يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث : أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٦)

خلف

ـ أمّا الخلف فهو أن يخبر أنّه يفعل فعلا في المستقبل ثم لا يفعله ، ثم أنّ الخلف ربما يكون كذبا بأن يخبر عن نفس الفعل ثم لا يفعله ، وربما لا يكون كذبا بأن يخبر عن عزمه على الفعل ثم لا يفعله. ولهذا فإنّه لمّا استحال العزم على الله تعالى ، لم يكن الخلف في حقّه إلّا كذبا تعالى الله عنه علوّا كبيرا (ق ، ش ، ١٣٥ ، ١٥)

خلق

ـ أصحاب" أبي موسى المردار" فيما حكى" أبو الهذيل" عن أبي موسى أنّه كان يزعم أنّ الله أراد معاصي العباد بمعنى أنّه خلّى بينهم وبينها ، وكان" أبو موسى" يقول : خلق الشيء غيره والخلق مخلوق لا بخلق (ش ، ق ، ١٩٠ ، ١٠)

ـ قال" أبو الهذيل" : خلق الشيء [الذي] هو تكوينه بعد أن لم يكن هو غيره وهو إرادته [له] وقوله له : كن ، والخلق مع المخلوق في حاله وليس بجائز أن يخلق الله سبحانه شيئا لا يريده ولا يقول له كن ، وثبت خلق العرض غيره وكذلك خلق الجوهر ، وزعم أنّ الخلق الذي هو إرادة وقول لا في مكان ، وزعم أنّ التأليف هو خلق الشيء مؤلّفا وأنّ الطول هو خلق الشيء طويلا ، وأنّ اللون خلقه له ملوّنا ، وابتداء الله الشيء بعد أن لم يكن هو خلقه له وهو غيره ، وإعادته له غيره وهو خلقه له بعد فنائه ، وإرادة الله سبحانه للشيء غيره ، وإرادته للإيمان غير أمره به (ش ، ق ، ٣٦٣ ، ١٠)

ـ حكي عن" هشام بن الحكم" إنّ خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ١٤)

ـ قال" بشر بن المعتمر" : خلق الشيء غيره ،

والخلق قبل المخلوق ، وهو الإرادة من الله للشيء (ش ، ق ، ٣٦٤ ، ١٦)

ـ قال" إبراهيم النظّام" : الخلق من الله سبحانه الذي هو تكوين ، هو المكوّن ، وهو الشيء المخلوق ، وكذلك الابتداء هو المبتدأ والإعادة هي المعاد ، والإرادة من الله سبحانه تكون إيجادا للشيء ، وهي الشيء وتكون أمرا ، وهي غير المراد ، كنحو إرادة الله للإيمان هي أمره به ، وتكون حكما وإخبارا ، وهي غير المحكوم والمخبر عنه (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ١)

ـ قال" الجبّائي" : الخلق هو المخلوق والإرادة من الله غير المراد ، وفعل الإنسان هو مفعوله ، وإرادته غير مراده ، وكان يزعم أنّ إرادة الله سبحانه للإيمان ، غير أمره به وغير الإيمان ، وإرادته لتكوين الشيء غيره (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٨)

ـ قال" أبو الهذيل" : الخلق الذي هو تأليف والذي هو لون والذي هو طول والذي هو كذا كل ذلك مخلوق في الحقيقة وهو واقع عن قول وإرادة ، والخلق الذي هو قول وإرادة ليس بمخلوق في الحقيقة وإنما يقال : مخلوق في المجاز (ش ، ق ، ٣٦٦ ، ١)

ـ " بشر بن المعتمر" يقول : خلق الشيء غيره ، ويجعل الإرادة خلقا له ، وينكر قول" أبي الهذيل" إنّ الخلق إرادة وقول ، وكان ينكر القول (ش ، ق ، ٥١٠ ، ١٢)

ـ إنّ الخلق الذي هو إرادة وقول لا يقال أنّه مخلوق إلّا على المجاز ، وخلق الله سبحانه للشيء مؤلّفا الذي هو تأليف ، وخلقه للشيء ملوّنا الذي هو لون ، وخلقه للشيء طويلا الذي هو طول ، مخلوق في الحقيقة (ش ، ق ، ٥١١ ، ١)

ـ خلق الشيء غيره وهو مخلوق لا بخلق (ش ، ق ، ٥١١ ، ٥)

ـ " بشر بن المعتمر" قال : خلق الشيء غيره وهو قبله ، وأنّ" معمّرا" قال : خلق الشيء غيره وهو قبله ، وللخلق خلق إلى ما لا نهاية له وهي كلها معا ، وأنّ" هشام بن الحكم" قال : خلق الشيء صفة له لا هو هو ولا غيره (ش ، ق ، ٥١١ ، ٧)

ـ قال" عبّاد" : خلق الشيء غير الشيء وهما معا وخطّأ من قال : الخلق غير المخلوق ومن قال : خلق الشيء غيره لأنّ القول مخلوق خبر عن شيء وخلق ، وإذا قلت خلق الشيء غيره أوهم هذا الكلام أنّه غير نفسه (ش ، ق ، ٥١١ ، ١٣)

ـ قد قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ) (الواقعة : ٥٨ ـ ٥٩) فما استطاعوا أن يقولوا بحجّة أنهم يخلقون ما يمنون مع (تمنّيهم) الولد فلا يكون ومع كراهتهم له فيكون. وقد قال الله تعالى منبّها لخلقه على وحدانيّته (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات : ٢١) يبيّن لهم عجزهم وفقرهم إلى صانع صنعهم ومدبّر دبّرهم (ش ، ل ، ٧ ، ٤)

ـ الدليل من القياس على خلق أعمال الناس أنّا وجدنا الكفر قبيحا فاسدا باطلا متناقضا خلافا لما خالف ، ووجدنا الإيمان حسنا متعبا مؤلمّا. ووجدنا الكافر يقصد ويجهد نفسه إلى أن يكون الكفر حسنا حقّا فيكون بخلاف قصده. ووجدنا الإيمان لو شاء المؤمن أن لا يكون متعبا مؤلما ولا مرمضا ، لم يكن ذلك كائنا على حسب مشيئته وإرادته. وقد علمنا أن الفعل لا يحدث على حقيقته إلّا من محدث أحدثه عليها لأنّه لو جاز أن يحدث على حقيقته لا من محدث أحدثه على ما هو عليه لجاز أن

يحدث الشيء فعلا لا من محدث أحدثه فعلا. فلمّا لم يجز ذلك صحّ أنّه لم يحدث على حقيقته إلّا من محدث أحدثه على ما هو عليه وهو قاصد إلى ذلك ، لأنّه لو جاز حدوث فعل على حقيقته لا من قاصد لم يؤمن أن تكون الأفعال كلّها كذلك ، كما أنّه لو جاز حدوث فعل لا من فاعل لم يؤمن أن تكون الأفعال كلها كذلك. وإذا كان هذا هكذا فقد وجب أن يكون للكفر محدث أحدثه كفرا باطلا قبيحا وهو قاصد إلى ذلك ، ولن يجوز أن يكون المحدث له هو الكافر الذي يريد أن يكون الكفر حسنا صوابا حقّا فيكون على خلاف ذلك. وكذلك للإيمان محدث أحدثه على حقيقته متعبا مؤلما مرمضا غير المؤمن الذي لو جهد أن يقع الإيمان خلاف ما وقع من إيلامه وإتعابه وإرماضه لم يكن له إلى ذلك سبيل. وإذا لم يجز أن يكون المحدث للكفر على حقيقته الكافر ولا المحدث للإيمان على حقيقته المؤمن فقد وجب ، أن يكون محدث ذلك هو الله تعالى رب العالمين القاصد إلى ذلك ، لأنّه لا يجوز أن يكون أحدث ذلك جسم من الأجسام ، لأنّ الأجسام لا يجوز أن تفعل في غيرها شيئا (ش ، ل ، ٣٨ ، ٩)

ـ من قضاء الله تعالى الذي هو خلق ما هو حقّ كالطاعات وما لم ينه عنه. ومن قضاء الله تعالى الذي هو خلق ما هو جور كالكفر والمعاصي لأنّ الخلق منه حق ومنه باطل. وأمّا القضاء الذي هو أمر والقضاء الذي هو إعلام وإخبار وكتاب ، فحق لأنّه غير المقضيّ (ش ، ل ، ٤٥ ، ١٨)

ـ ودانوا (المعتزلة) بخلق القرآن نظيرا لقول إخوانهم من المشركين الذين قالوا : (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) (المدثر : ٢٥) ، فزعموا أنّ القرآن كقول البشر (ش ، ب ، ١٢ ، ١)

ـ إن سأل سائل عن الدليل على أنّ القرآن كلام الله غير مخلوق. قيل له : الدليل على ذلك قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ) (الروم : ٢٥) وأمر الله هو كلامه ، وقوله فلمّا أمرهما بالقيام فقامتا لا يهويان؟ كان قيامهما بأمره ، وقال عزوجل : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) فالخلق جميع ما خلق داخل فيه ، لأنّ الكلام إذا كان لفظه لفظا عاما فحقيقته أنّه عام ، ولا يجوز لنا أن نزيل الكلام عن حقيقته بغير حجّة ولا برهان. فلمّا قال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ) (الأعراف : ٥٤) كان هذا في جميع الخلق ، ولما قال : (وَالْأَمْرُ) (الأعراف : ٥٤) ذكر أمرا غير جميع الخلق ، فدلّ ما وصفناه على أن أمر الله غير مخلوق (ش ، ب ، ٥١ ، ٩)

ـ إنّ الله تعالى خلق هذه الدار لمحنة أهلها ، وجعل لهم دارا يجزيهم فيها ، مما لو لا هي لكان يكون خلق هذه الدار بما فيها عبثا ؛ إذ يكون خلق الخلق للفناء بلا عواقب لهم ، وذلك عبث في العقول ؛ لأنّ كل شارع ـ فيما لا عاقبة له ـ عابث ، و ـ فيما لا يريد معنى يكون في العقل ـ هازل ؛ ولذلك قال (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون : ١١٥) (م ، ت ، ٦٠ ، ٩)

ـ إنّما خلق الخلق بعضهم لبعض عبرا وعظة ؛ فيكون في عقوبة العصاة ووعيدهم مزجر لغيرهم وموعظة ، ولغير ذلك من الوجوه (م ، ت ، ٩٠ ، ٥)

ـ ليس في خلق الله قبيح (م ، ت ، ١٨٥ ، ١١)

ـ لو لم يكن في خلق الله قبيح لم يكن لتحويل

صورتهم ـ من صورة الإنسان ، إلى أقبح صورة ـ معنى ؛ ليروا قبح أنفسهم ؛ عقوبة لهم بما عصوا أمر الله ، ودخلوا في نهيه (م ، ت ، ١٨٥ ، ١٢)

ـ مذهب المعتزلة أن شيئية الأشياء لم يكن بالله بل كان به وجودها ، فيكون على قولهم خلق الأشياء لا من شيء محال ، بل لم يخلق الأشياء لكنّه أوجد أعيانها عن العدم ، وهنّ في العدم أشياء (م ، ح ، ١٢٧ ، ١٨)

ـ لو جعل للعبد إيجاد وإخراج من العدم لكان في معنى / " خلق" ، فيلزم اسم" خالق" ، وذلك مما أباه الجميع ؛ حيث قالوا : لا خالق إلا الله (م ، ح ، ٢٢٥ ، ١٥)

ـ منهم من حقق الأفعال للخلق ، وبها صاروا عصاة تقاه ، وجعلوها لله خلقا اعتبارا بما سبق من الإضافة إلى الله جلّ ثناؤه مرّة وإلى العباد ثانيا ، والمذكور المضاف إلى العباد هو المضاف / إلى الله تعالى لا غير ، بمعنى يؤدي إلى اختلاف الجهة في العقل نحو الإضلال والإزاغة ، والهداية والعصمة ، ثم الإنعام والامتنان ، ثم الخذلان والمدّ ثم الزيادة من الوجهين ، ثم الطبع والتيسير ، ثم التشرح والتضييق ، ومحال وجود هذه الأحوال ، على وجود مضادات ما يوصف بها ، وإضافة الاهتداء والضلالة ، والرشد والغيّ ، والاستقامة والزيغ إلى الخلق ، وكان في وجود أحد الوجهين تحقيق الآخر ، إذ لا يضاف الذي أضيف إلى الله مطلقا ، مع إضافة أضداد الواقع عليه معانيها ، ثبت أنّ حقيقة ذلك الفعل الذي هو للعباد من طريق الكسب ، [و] لله من طريق الخلق (م ، ح ، ٢٢٨ ، ١٦)

ـ إنّ دلالة خلق فعل كل أحد عنده أعظم من دلالة خلق السماوات والأرض فيما أريد ، تعرف / حقيقة ذلك بالعقل أنّه لا أحد امتحن قوى جواهر العالم حتى يعلم خروج كل شيء عن ذلك [و] احتمال خلق مثله ، بل إنّما يعرف ذلك بخروجه عن إمكان مثله ، ومعلوم وجود أمور في غيره من الجواهر مما امتنع جوهره عن احتمال ذلك ، نحو الطيران وإخراق الأشياء والسباحة بالجوهر وغير ذلك بقوى فيها ، ويعلم كل أنّ ليس لأحد من الخلق تدبير في فعله ، فيعلم بالضرورة بما خرج عن مقصوده وقصر عن الحدّ الذي يحدّه ، وكان مقدّرا بما لا يحتمل وسعه التقدير به ، فيعلم به ضرورة أنّ الذي به قام هو الذي قدّره وأخرجه على ما أراد (م ، ح ، ٢٥٥ ، ٨)

ـ أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم قالوا الخلق فعل الله وهو إحداث الاستطاعة في العبد ، واستعمال الاستطاعة المحدثة فعل العبد حقيقة لا مجازا (م ، ف ، ١٠ ، ٨)

ـ حقيقة الخلق والإحداث هو إخراج الشيء من العدم إلى الوجود ، وإذا كان الواحد منّا على زعمكم يقدر أن يخلق حركة معدومة حتى يخرجها من العدم إلى الوجود ، وأن يخلق شيئا زائدا فيخرجه من العدم إلى الوجود ، وأن يخلق له لونا غير لونه فيخرجه من العدم إلى الوجود ، وفي هذا القول الخبيث التسوية بين قدرة الله تعالى وقدرة العباد ، وأنّهم يقدرون على ما يقدر عليه. تعالى ربّنا عن ذلك علوّا كبيرا (ب ، ن ، ١٤٨ ، ١٩)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ معنى قولنا" محدث" و" إحداث" و" حدث" و" حادث" و" حديث" و" حدث" و" فعل" و" مفعول" و" إيجاد" و" موجد" و" إبداع" و" مبدع"

و" اختراع" و" مخترع" و" تكوين" و" مكوّن" و" خلق" و" مخلوق" سواء في المعنى ، وإنّ المحدث بكونه محدثا لا يحتاج إلى معنى به يكون محدثا. وكذلك الموجود المطلق على معنى الثبوت أيضا لا يقتضي معنى به يكون موجودا. وكانت عبارته عن ذلك أنّ المحدث محدثا لنفسه من محدثه من غير أن يقتضي بحدوثه معنى له يكون محدثا ، كما يقتضي المتحرّك معنى به يكون متحرّكا (أ ، م ، ٢٨ ، ٨)

ـ إنّ الخلق عبارة عن خلق واقع مقدّر نوعا من التقدير ، وهو أن يكون مطابقا للصلاح لا يزاد ولا ينقص عنه (ق ، ش ، ٣٧١ ، ١٥)

ـ إنّ الخلق ليس بأكثر من التقدير ، ولهذا يقال ، خلقت الأديم هل لحي منه مطهّرة أم لا. وقال زهير : ولأنت تفرى ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى. وقيل للحجّاج : إنّك إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت. وأظهر من هذا كله قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي) (المائدة : ١١٠) وقوله تعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، فلولا أنّ هذا الاسم مما يجوز إجراؤه على غيره وإلّا لتنزل ذلك منزلة قوله : فتبارك الله أحسن الآلهة ، ومعلوم خلافه. وأمّا في الاصطلاح فإنّما لم يجز أن نجري هذا اللفظ على الواحد منّا ، لأنّه عبارة عمّن يكون فعله مطابقا للمصلحة وليس كذلك أفعالنا ، فإنّ فيها ما يوافق المصلحة وفيها ما يخالفها ، فلهذا لم يجز إجراء هذه اللفظة على الواحد منّا لا شيء آخر. وأمّا قوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣) فليس فيه ما ظنّوه لأنّ فائدة الكلام معقودة بآخره ، وقد قال تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) (فاطر : ٣) ، ونحن لا نثبت خالقا غير الله يرزق ، وقوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ) (الرعد : ١٦) الآية. فإنّها مما لا يصحّ التعلّق بظاهرها لأنّها نفي التساوي ، وما هذا سبيله من الآيات فهي مجملة لا يصحّ التعلّق بظاهرها ، إذ لا شيئين إلّا وهما متساويان في بعض الوجوه (ق ، ش ، ٣٨٠ ، ٢)

ـ إنّ خلق أحدنا لا يشبه خلق الله تعالى ، فإنّ خلقه جلّ وعزّ يشتمل على الأجسام والأعراض ، وليس كذلك خلقنا فإنّا لا نقدر إلّا على هذه التصرّفات التي هي القيام والقعود وما جرى مجراهما (ق ، ش ، ٣٨١ ، ٨)

ـ وبعد ، فإنّ الخلق في التعارف إنّما يجري على فعل وقع مطابقا للمصلحة ، ومعلوم أنّ أفعال العباد ليست كذلك فكيف تجعل مخلوقة (ق ، ش ، ٣٨٤ ، ٣)

ـ إنّ الخلق إنّما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدّر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه ، لهذا نراهم يقولون : خلقت الأديم هل لحي منه مطهّرة أم لا ، وقال الحجاج : إنّي إذا وعدت وفيت ، وإذا خلقت فريت ، أي إذا قدرت قطعت ، وكذلك فقد قال زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. وكذلك فقد قال غيره : ولا يئط بأيدي الخالقين ولا أيدي الخوالق إلا جيد الأدم. وهذه الجملة كلّها دلالة على أنّ الخلق إنّما هو التقدير على ما نقوله ، وإذا كان هذا هكذا صحّ وصف القرآن بأنّه مخلوق على ما ذكرناه (ق ، ش ، ٥٤٦ ، ١٢)

ـ ذهب شيخنا أبو علي إلى أنّ الخلق إنّما هو التقدير ، والمخلوق هو الفعل المقدّر بالغرض والداعي المطابق له على وجه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه (ق ، ش ، ٥٤٨ ، ٨)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم ، وأبو عبد الله البصري ، فقد ذهبا إلى أنّ المخلوق مخلوق يخلق ، ثم اختلفا : فذهب أبو هاشم إلى أنّ الخلق إنّما هو الإرادة. وقال أبو عبد الله البصريّ : بل هو الفكر ، وقال : لو لا ورود السمع والأذن بإطلاق هذه اللفظة على الله تعالى ، وإلّا ما كنّا نجوّز إطلاقها عليه تعالى عقلا. وحجّته في هذا الباب قول زهير : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري. قالا : أثبت الخلق ونفى الفري ، فدلّ على أنّ الخلق معنى على ما نقوله (ق ، ش ، ٥٤٨ ، ١٣)

ـ وبعد ، فإنّ الخلق في اللغة غير المخلوق ، وإن كان في التعارف يوضع أحدهما موضع الآخر ، ولذلك جاز في اللغة أن يقال : هو خالق وليس بفاعل لما قدّر. قال الشاعر : ولأنت تفرى ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفرى فأثبت له الخلق ولم يقطع ما قدّره ، فإذا صحّ ذلك لم يمتنع أن يكون الأمر غير الخلق ، ويكون مع ذلك مخلوقا على ما قدّمناه (ق ، م ١ ، ٢٨٣ ، ١٠)

ـ وقوله تعالى من بعد : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، يدلّ على أنّ غير الله يصحّ منه الفعل والخلق ؛ ألا ترى إلى فساد القول بأنّه أحسن الآلهة ، لمّا لم يصحّ إثبات إله سواه ، وصحّة القول بأنّه أرحم الراحمين ، لما صحّ إثبات راحم سواه. فإن قال : فيجب أن يقال في غيره تعالى إنّه خالق بالإطلاق؟ قيل له : لا يجب ؛ لأنّ التعارف أوجب أن لا يطلق هذا الاسم إلّا في الله تعالى ، كما اقتضى أن لا يطلق اسم الربّ إلّا فيه ، ثم لم يمتنع أن يكون العبد ربا لدابته وداره ، فإن صحّ هذا المعنى فيه ، فكذلك يجب أن يصحّ فيه معنى الخلق والفعل ، وإن منع فيه الإطلاق للإيهام (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ١٦)

ـ إنّ ظاهر الخلق هو التقدير ، وإنّه لا يمتنع من حيث اللغة أن يكون الخالق خالقا لما لم يفعله في الحقيقة ، إذا دبّره وقدّره والفاعل غيره ، فكان يجب على هذا الوجه الذي ذكروه أن يقال إنّه تعالى أراد : والله دبّركم ودبّر أعمالكم ، ولا يجب كون عملنا خلقا له تعالى. وبعد ، فإنّ ظاهر الكلام يقتضي أن يكون المراد بقوله : (وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦) أمرا مستأنفا ، لأنّ اللفظة تدلّ على الاستقبال وقد علمنا أنّ ما سيعملونه ، مما لم يوجد بعد ، محال أن يكون خلقا له تعالى ، لأنّ ذلك هو صفة الموجود على بعض الوجوه. ومتى قالوا : إنّ المراد بذلك ليس هو الاستقبال ، بل المراد به عملهم الذي تقضّى ، أو الكائن ، فقد زالوا عن الظاهر ونازعونا في التأويل ويصير الكلام متناقضا ـ لأنّه كأنّه قال : والله خلقكم وخلق المعدوم الذي لم يوجد ـ ويوجب أن لا يكون في القول فائدة ، وأن لا يتعلّق ذلك بما وبّخهم عليه ، وبكتهم به (ق ، م ٢ ، ٥٨٥ ، ١٣)

ـ أمّا الطريقة التي عليها ما يكون الفعل كسبا فقد يصحّ من القديم تعالى إيجاد الفعل عليها ، ولكن النفع أو دفع الضرر يرجع إلى غيره لا إليه لاستحالتهما عليه. يبيّن ذلك أنّه كما يصحّ من العبد أن يتقدّم إلى الطعام والشراب يصحّ من الله تعالى أن يقدّمهما إليه فيكون قد وجد ما هو

بصورة الكسب ، ولكنّ النفع عائد إلى العبد لا إليه تعالى. ولهذا قال" أبو هاشم" : لو كان للفعل صفة بكونه كسبا لقدر تعالى عليه كقدرتنا. وأمّا كونه خلقا فاللغة لا تمتنع من هذه التسمية ، فمتى وجد المعنى صحّ أن يتبعه الاسم ، ولكن الشرع قد منع من الإطلاق في العباد على ما تقدّم ذكره (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ٢٢)

ـ أمّا تسميتها (الإرادة) خلقا عند شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله فلأنّها مجامعة للمراد ، أو في حكم المجامعة له. وإن كان شيخنا أبو علي رحمه‌الله لا يسمّيها خلقا ، ويجعل الخلق عبارة عن المخلوق ، كما يقولانه في الفعل والمفعول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٩ ، ٣)

ـ يقول (أبو هاشم) في الخلق : إنّه ليس مخلوقا ، لأنّه ليس بمراد ؛ لأنّ الإرادة لا يجب أن تراد ، فلا يؤدّي ذلك إلى ما لا نهاية له. وإنّما أجاب بذلك لأنّ عنده المخلوق مخلوق يخلق كما أنّه مقدّر بتقدير ، والخلق عنده هو التقدير ، فلذلك أجاب بما قدّمناه (ق ، غ ٧ ، ٢٢٠ ، ٩)

ـ إن قيل : أليس الله جلّ وعزّ قد قال : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) و (قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٧ ـ ١٨ ـ ١٩) ففرّق بين الخلق والتقدير ، فدلّ على أنّ الخلق هو الإنشاء والإبداع ، والتقدير ، وهو الانتهاء إلى المقدار الكافي؟. قيل له : لا يمتنع أن يكون الخلق والتقدير واحدا ، وإن ذكرهما كما قال سبحانه وتعالى : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس : ٦٩) فكما وجب حملهما على أنّ المراد بهما أمر واحد ، فكذلك القول في الخلق والتقدير لما دللنا عليه (ق ، غ ٧ ، ٢٢١ ، ٣)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّما سمّي الخالق خالقا من حيث قصد بالفعل إلى بعض الأغراض. وقال : إنّ تسمية المخلوق توجد من معنى هو الخلق ؛ والخلق والتقدير هما إرادتان ، ولا يوصف الخلق بأنّه خلق إلّا والمخلوق موجود ، ومتى كان معدوما لم يسمّ خلقا ، والتقدير لا يسمّى خلقا إلّا بشرط وجود المقدور ، ولا مخلوق إلّا محدث ، وقد يكون محدثا ليس بمخلوق ، لأنّه يفيد صفة زائدة على حدوثه (ق ، غ ٨ ، ١٦٢ ، ١٠)

ـ إنّ الفاعل هو المحدث للشيء ، وإنّه متى استعمل على غير هذا الوجه كان مجازا. وكذلك الخلق هو إحداث الشيء مقدّرا (ق ، غ ٨ ، ٢٥٧ ، ١١)

ـ إنّ الله عزوجل خلق الأشياء وابتدعها مخترعا لها لا من شيء ولا على أصل متقدّم ، وإذ لا شكّ في هذا فليس شيء متوهّم أو مسئول يتعذّر من قدرة الخالق عزوجل ، إذ كل ما شاء كونه كوّنه ولا فرق بين خلقه عزوجل ، كل ذلك في هذه الدار وبين خلقه كذلك في الدار الآخرة (ح ، ف ٢ ، ١٠٧ ، ٣)

ـ خلق الله تعالى فعل له محدث له ، واختياره تعالى هو خلقه لا غيره ، وليس هذا من يسمع ويبصر ويرى ويدرك في شيء ، لأنّ معنى كل هذا ومعنى العلم سواء ، ولا يجوز أن يكون معنى يخلق ويختار معنى العلم (ح ، ف ٢ ، ١٤٤ ، ٢٢)

ـ الخلق هو الاختراع ، فالله مخترع أفعالنا كسائر الأعراض ، ولا فرق فإن نفوا خلق الله تعالى لجميع الأعراض ، لزمهم أن يقولوا أنّها أفعال لغير فاعل أو أنّها فعل لمن ظهرت منه من الأجرام الجمادية وغيرها ، فإن قالوا هي أفعال

لغير فاعل فهذا قول أهل الدهر نصّا ، ويكلّمون حينئذ بما يكلّم به أهل الدهر ، وإن قالوا أنّها أفعال الأجرام ، كانوا قد جعلوا الجمادات فاعلة مخترعة وهذا باطل محال ، وهو أيضا غير قولهم فالطبيعة لا تفعل شيئا مخترعة له وإنّما الفاعل لما ظهر منها خالق الطبيعة ، والمظهر منها ما ظهر فهو خالق الكل ولا بدّ ولله الحمد ومنها قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٥ ـ ٩٦) وهذا نص جليّ على أنّه تعالى خلق أعمالنا (ح ، ف ٣ ، ٥٧ ، ٤)

ـ الخلق الذي أوجبه الله تعالى لنفسه ونفاه عن غيره هو الاختراع والإبداع وإحداث الشيء من لا شيء بمعنى من عدم إلى وجود (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ أمّا الخلق الذي أوجبه الله تعالى فإنّما هو ظهور الفعل منهم فقط وانفرادهم به ، والله تعالى خالقه فيهم ، وبرهان ذلك أنّ العرب تسمّى الكذب اختلافا والقول الكاذب مختلفا ، وذلك القول بلا شكّ إنّما هو لفظ ومعنى ، واللفظ مركّب من حروف الهجاء ، وقد كان كل ذلك موجود النوع قبل وجود أشخاص هؤلاء المختلقين (ح ، ف ٣ ، ٦٤ ، ٢٣)

ـ إنّ لفظة الخلق مشتركة تقع على معنيين : أحدهما لله تعالى لا لأحد دونه وهو الإبداع من عدم إلى وجود ، والثاني الكذب فيما لم يكن أو ظهور فعل لم يتقدّم لغيره ، أو نفاذ فيما حاول ، وهذا كله موجود من الحيوان ، والله تعالى خالق كل ذلك (ح ، ف ٣ ، ٦٥ ، ١٤)

ـ إنّ الخلق هو الإبداع والاختراع (ح ، ف ٣ ، ٨٢ ، ١٨)

ـ أما وصف الكلام وغيره من الأفعال بأنّه مخلوق فمعناه أنّه مفعول على حدّ يطابق الغرض ، لأنّ الخلق هو التقدير ، فكأنّه قد صار مقدّرا بالغرض والدّاعي. وسائر أفعال الله تعالى موصوفة بذلك لثبوت ذلك الوجه فيها ، وعلى هذا قال تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) لما كان مقدّرا. وقال أهل اللغة : خلقت الأديم : إذا قدّرته ، فصارت هذه موضوعة للتفرقة بين ما يقع على هذا الحدّ وبين غيره ، وهذا هو الصحيح وهو قول أبي علي (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ٨)

ـ أما الشيخان : أبو هاشم وأبو عبد الله ، فإنّهما أثبتا المخلوق مخلوقا بخلق ثم اختلفا : فقال أبو هاشم : إنّ الخلق هو الإرادة ، وقال في أفعال الله تعالى كلّها إنّها مخلوقة ، ما خلا الإرادة فإنّها لا توصف بذلك إلّا من حيث العرف. وقريب من هذا المذهب يحكى عن أبي الهذيل لأنّه يذهب في الخلق إلى أنّه قول أو إرادة. وقال الشيخ أبو عبد الله : بل الخلق هو فكر ، ولو كان ورود السمع بوصف أفعال الله تعالى بأنّها مخلوقة ، كنت لا أجري هذا الوصف عليها من حيث اللغة. وإنّما اخترنا المذهب الأول لأنّه إذا أمكن في فائدة الاسم أن يصرف إلى التفرقة بينه وبين غيره ، فلا معنى للقول بأنّه مشتقّ من معنى هو إرادة أو فكر. وعلى هذا يطرد استعماله في كل فعل وقع على ضرب من التقدير. كما أنّ الكسب هو الفعل الواقع على وجه هذا ، ولو كان مشتقّا لوجب تقدّم العلم بما يشتقّ منه من إرادة أو فكر ، لأنّ هذا سبيل الأسامي المشتقّة ، وقد عرفنا أنّهم يطلقون ذلك مع الجهل بهما (أ ، ت ، ٤٢٧ ، ١٤)

ـ (المعتزلة) يستدلّون في خلق الأعمال بقوله

تبارك وتعالى : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وزعموا أنّ ذلك يدلّ على اتّصاف العباد بالخلق والاختراع (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٤)

ـ إنّ الخلق قد يراد به التقدير ، ومن ذلك سمّي الحذّاء خالقا لتقديره طاقة من النعل بطاقة ، ومنه قول القائل : ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١٥)

ـ الخلق إيجاد الشيء على تقدير واستواء ، يقال خلق النعل : إذا قدّرها وسوّاها بالمقياس (ز ، ك ١ ، ٢٢٨ ، ٤)

ـ إنّ الله عزوجل خلق عباده ليتعبّدهم بالتكليف ، وركّب فيهم العقول والشهوات ، وأزاح العلّة في أقدارهم وتمكينهم وهداهم النجدين ، ووضع في أيديهم زمام الاختيار وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجو منهم أن يتّقوا ليترجّح أمرهم ، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان كما ترجّحت حال المرتجى بين أن يفعل وأن لا يفعل (ز ، ك ١ ، ٢٣١ ، ١)

ـ " خلقه" أول مفعولي أعطى : أي أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه ويرتفقون به أو ثانيهما : أي أعطى كل شيء صورته وشكله الذي يطابق المنفعة المنوطة به كما أعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار والأذن الشكل الذي هو يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علّق به من المنفعة غير ناب عنه ، أو أعطى كل حيوان نظيره في الخلق والصورة حيث جعل الحصان والحجر زوجين والبعير والناقة والرجل والمرأة ، فلم يزاوج منها شيئا غير جنسه وما هو على خلاف خلقه. وقرئ خلقه صفة للمضاف أو للمضاف إليه : أي كل شيء خلقه الله لم يخله من عطائه وإنعامه (ز ، ك ٢ ، ٥٣٩ ، ١٤)

ـ نعيد أوّل الخلق كما بدأناه تشبيها للإعادة بالإبداء في تناول القدرة لهما على السواء. فإن قلت : وما أوّل الخلق حتى يعيده كما بدأه؟ قلت : أوّله إيجاده عن العدم ، فكما أوجده أولا عن عدم يعيده ثانيا عن عدم. فإن قلت : ما بال خلق منكرا؟ قلت : هو كقولك هو أوّل رجل جاءني تريد أوّل الرجال ، ولكنّك وجدته ونكرته إرادة تفصيلهم رجلا رجلا ، فكذلك معنى أوّل خلق أوّل الخلق ، بمعنى أوّل الخلائق لأنّ الخلق مصدر لا يجمع (ز ، ك ٢ ، ٥٨٥ ، ١٤)

ـ أراد بالخلق السموات كأنّه قال : خلقناها فوقهم (وَما كُنَّا) (المؤمنون : ١٧) عنها (غافِلِينَ) (المؤمنون : ١٧) عن حفظها وإمساكها أن تقع فوقهم بقدرتنا ؛ أو أراد به الناس وأنّه إنّما خلقها فوقهم ليفتح عليهم الأرزاق والبركات منها وينفعهم بأنواع منافعها وما كان غافلا عنهم وما يصلحهم (بقدر) بتقدير يسلمون معه من المضرّة ويصلون إلى المنفعة ، أو بمقدار ما علمناه من حاجاتهم ومصالحهم (ز ، ك ٣ ، ٢٨ ، ١٨)

ـ إن قلت : في الخلق معنى التقدير فما معنى قوله (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) (الفرقان : ٢) كأنّه قال وقدر كل شيء فقدّره؟ قلت : المعنى أنّه أحدث كل شيء إحداثا مراعى فيه التقدير والتسوية فقدّره وهيّأه لما يصلح له ، مثاله أنّه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه ، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة في بابي الدين والدنيا ، وكذلك كل حيوان

وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير فقدّره لأمر ما ، ومصلحة مطابقا لما قدّر له غير متجاف عنه ، أو سمّي إحداث الله خلقا لأنّه لا يحدث شيئا لحكمته إلّا على وجه التقدير من غير تفاوت ، فإذا قيل خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق ، فكأنّه قيل وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتا. وقيل فجعل له غاية ومنتهى ، ومعناه : فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ٩)

ـ الخلق بمعنى الافتعال كما في قوله تعالى (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) والمعنى : أنّهم آثروا على عبادة الله سبحانه آلهة لا عجز أبين من عجزهم لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا من أفعال العباد حيث لا يفتعلون شيئا وهم يفتعلون ، لأنّ عبدتهم يصنعونهم بالنحت والتصوير (ز ، ك ٣ ، ٨١ ، ١٦)

ـ قوله تعالى (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (التغابن : ٢) أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم ؛ والمعنى : هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم ، فكان يجب أن تنظروا النظر الصحيح وتكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين ، فما فعلتم مع تمكّنكم بل تشعّبتم شعبا وتفرّقتم أمما ، فمنكم كافر ومنكم مؤمن ، وقدّم الكفر لأنّه الأغلب عليهم والأكثر فيهم. وقيل هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهريّة ومنكم مؤمن به (ز ، ك ٤ ، ١١٣ ، ٦)

ـ (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ) (الغاشية : ١٧) نظر اعتبار (كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧) خلقا عجيبا دالّا على تقدير مقدّر شاهدا بتدبير مدبّر حيث خلقها للنهوض بالأثقال وجرّها إلى البلاد الشاحطة ، فجعلها تبرك حتى تحمل عن قرب ويسر ثم تنهض بما حملت ، وسخّرها منقادة لكل من اقتادها بأزمتها لا تعاز ضعيفا ولا تمانع صغيرا ، وبرّأها طوال الأعناق لتنوأ بالأوقار (ز ، ك ٤ ، ٢٤٧ ، ١٧)

ـ حكى الكعبي عنه (العلّاف) أنّه قال : إرادة الله غير المراد ، فإرادته لما خلق هي خلقه له ، وخلقه للشيء عنده غير الشيء ، بل الخلق قول لا في محل (ش ، م ١ ، ٥٣ ، ٤)

ـ يحكى عنه (معمّر) أيضا أنّه قال : الخلق غير المخلوق ، والإحداث غير المحدث (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ٦)

ـ إنّ إمام الحرمين أبا المعالي الجويني ... قال : ... لا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة ، لا على وجه الإحداث والخلق ، فإنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم ، والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار ، يحسّ من نفسه أيضا عدم الاستقلال ، فالفعل يستند وجوده إلى القدرة ، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة. وكذلك يستند سبب إلى سبب آخر حتى ينتهي إلى مسبّب الأسباب. فهو الخالق للأسباب ومسبّباتها ، المستغني على الإطلاق ، فإنّ كل سبب مهما استغنى من وجه محتاج من وجه ، والباري تعالى هو الغنيّ المطلق ، الذي لا حاجة له ولا فقر (ش ، م ١ ، ٩٩ ، ١)

ـ يفرّقون (الكراميّة) بين الخلق والمخلوق ، والإيجاد والموجود والموجد ، وكذلك بين الإعدام والمعدوم. فالمخلوق إنّما يقع بالخلق ، والخلق إنّما يقع في ذاته بالقدرة ،

والمعدوم إنّما يصير معدوما بالإعدام الواقع في ذاته بالقدرة (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ٤)

ـ على قول الأكثرين منهم (الكراميّة) : الخلق عبارة عن القول والإرادة (ش ، م ١ ، ١١٠ ، ١٤)

ـ حقيقة الخلق هو وقوع الفعل بقدرته مع صحة انفراده به (ش ، ن ، ٧٨ ، ٢)

ـ قال الأستاذ أبو بكر إنّ الكسب هو أن تتعلّق القدرة به على وجه ما وإن لم تتعلّق به من جميع الوجوه ، والخلق هو إنشاء العين وإيجاد من العدم (ش ، ن ، ٧٨ ، ٥)

ـ نحن لا ننكر أنّ أفعال الله تعالى اشتملت على خير وتوجّهت إلى صلاح ، وأنّه لم يخلق الخلق لأجل الفساد ، ولكنّ الكلام إنّما وقع في أنّ الحامل له على الفعل ما كان صلاحا يرتقبه وخيرا يتوقّعه ، بل لا حامل له ، وفرّق بين لزوم الخير والصلاح لأوضاع الأفعال ، وبين حمل الخير والصلاح على وضع الأفعال ، كما يفرّق فرقا ضروريّا بين الكمال الذي يلزم وجود الشيء ، وبين الكمال الذي يستدعي وجود الشيء ، فإنّ الأوّل فضيلة هي كالصفة اللازمة ، والثاني فضيلة كالعلّة الحاملة (ش ، ن ، ٤٠٠ ، ٧)

ـ أمّا الخلق : فإنّه وإن أطلق باعتبارات مختلفة : كالتقدير ، والهمّ بالشيء والعزم عليه ، والإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه ، فالمراد بالخلق المضاف إلى القدرة القديمة إنّما هو عبارة عن : المقدور بالقدرة القديمة. وإن شئت قلت : هو المقدور القائم بغير محلّ القدرة عليه (م ، غ ، ٢٢٣ ، ٥)

ـ إنّ الخلق في الاصطلاح النظريّ على قسمين : أحدهما صورة تخلق في مادّة ، والثاني ما لا مادّة له بل يكون وجود الثاني من الأول فقط من غير توسّط المادّة ، فالأوّل يسمّى التكوين ، والثاني يسمّى الإبداع ، ومرتبة الإبداع أعلى من مرتبة التكوين (أ ، ش ٢ ، ١٤٦ ، ٢٧)

ـ التكوين والاختراع والإيجاد والخلق ألفاظ تشترك في معنى وتتباين بمعان. والمشترك فيه كون الشيء موجدا من العدم ما لم يكن موجودا ، وهي أخصّ تعلّقا من القدرة ، لأنّ القدرة متساوية النسبة إلى جميع المقدورات ، وهي قائمة خاصّة لما يدخل منها في الوجود وليست صفة سلبيّة تعقل مع المنتسبين ، بل هي صفة تقتضي بعد حصول الأثر تلك النسبة (ط ، م ، ٣١٢ ، ١٨)

ـ إذا أراد الله تعالى خلق شيء من مقدوراته كان حصول ذلك الشيء واجبا فيه ، لا بمعنى أنّه كان واجبا أن يخلقه (ط ، م ، ٣١٣ ، ٧)

خلق

ـ إنّ الله خلق المقدور عليه لأنّ ما خلق الله القدرة فينا عليه ، فهو عليه أقدر ، كما أنّ (ما) خلق فينا العلم به فهو به أعلم ، وما خلق فينا السمع له فهو له أسمع. فإذا استوى ذلك في قدرة الله تعالى وجب إذا أقدرنا الله تعالى على حركة الاكتساب أن يكون هو الخالق لها فينا كسبا لنا ، لأنّ ما قدر عليه أن يفعله فينا ولم يفعله فينا كسبا فقد ترك أن يفعله فينا كسبا (ش ، ل ، ٤٣ ، ٩)

ـ إن قال قائل فما معنى قول الله تعالى (أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (السجدة : ٧) قيل له معنى ذلك أنّه يحسن أن يخلق كما يقال فلان يحسن الصياغة أي يعلم كيف يصوغ. فأخبر الله تعالى أنّه يعلم

كيف يخلق الأشياء (ش ، ل ، ٤٨ ، ١٧)

ـ إنّ كلام الله غير مخلوق ، وإنّه لم يخلق شيئا إلّا وقد قال له : كن فيكون ، كما قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل : ٤٠) (ش ، ب ، ١٩ ، ١٠)

ـ قال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ١ ـ ٢ ـ ٣) ففرّق بين الإنسان وبين القرآن ، فقال : علّم ، خلق ، فجعل يعيدها ، علّم ، خلق ، أي فرّق بينهما (ش ، ب ، ٧٠ ، ٢)

ـ قالت" العدليّة" : خلق الله الخلق لطاعته ولم يخلقهم لمخالفته ، وأوضح الدلالة والرسل لصلاح الجماعة ، ولم يضل عن دينه وسبيله ، وكذا أخبر بقوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات : ٥٦) (ع ، أ ، ٢٣ ، ١٥)

ـ إنّ الله تعالى خلق الظلم ظلما للظالم به : وخلق الجور جورا للجائر به ، وخلق الكذب كذبا للكاذب به ، كما أنّه خلق الظلمة ظلمة للمظلم بها (ب ، ن ، ١٥٦ ، ١٣)

ـ إنّه تعالى قال : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي) (المائدة : ١١٠) فوصفه جلّ وعزّ بأنّه يخلق الطين من حيث كان يقدّره (ق ، غ ٧ ، ٢١١ ، ٩)

ـ قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) يدلّ أيضا على أنّ العبد يخلق أيضا (ق ، غ ٧ ، ٢١١ ، ١٧)

ـ قال تعالى : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ) (المؤمنون : ١٢) يعني قدّرناه. وقال تعالى : (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) (الحج : ٥) يعني قدّرناكم (ق ، غ ٧ ، ٢١٢ ، ١٧)

ـ بيّنا أنّ المخلوق لا يفيد أنّه مخترع ، ولا أنّه من فعل الله ، تعالى ، فلا طائل في إعادته. ودللنا على أنّ العبد في الحقيقة يوصف بأنّه يخلق بقوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠). وبيّنا أنّ التعلّق بقوله تعالى : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) (فاطر : ٣) ، وقوله : (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ) (النحل : ١٧) لا يصحّ ؛ فهذا كلام من جهة العبارة. فأمّا من جهة المعنى ، فإنّما يجب أن نبيّن أنّ العبد يحدث الشيء ، وأنّه يصحّ أن يحدثه مقدورا ، وأن قول من قال : لا محدث إلّا الله ، حقّا. فهذا الموضع هو الذي يتناوله الدليل دون غيره (ق ، غ ٨ ، ١٦٣ ، ٦)

ـ الخلاف الثالث مع من قال من القدرية إنّ الله عزوجل إنّما خلق الأجسام دون الأعراض كما ذهب إليه معتمر (ب ، أ ، ٨٣ ، ١٧)

ـ قال أصحابنا للقدريّة إنّكم زعمتم أنّ أفعالنا كانت في حال عدمها قبل حدوثها أشياء وأعراضا ، وأنّ الإنسان المكتسب لها لم يجعلنا أشياء وأعراضا. ونحن نقول إنّ الله عزوجل هو الذي جعل أفعالنا أشياء وأعراضا. وهذا معنى قولنا إنّ الله عزوجل خلق أعمال عباده ، ومعناه أنّه هو الذي جعل أشياء وأعراضا. وقد سلمتم لنا أنّ الإنسان لم يجعلها كذلك ، فالذي نفيتموه عن الإنسان أضفناه إلى الله عزوجل (ب ، أ ، ١٣٣ ، ١٤)

ـ أمّا عباد بن سليمان تلميذ هشام الفوطي المذكور فكان يزعم أنّ الله تعالى لا يقدر على غير ما فعل من الصلاح ، ولا يجوز أن يقال أنّ الله خلق المؤمنين ولا أنّه خلق الكافرين ،

ولكن يقال خلق الناس وذلك زعم ، لأنّ المؤمن عنده إنسان وإيمان ، والكافر إنسان وكفر ، وإنّ الله تعالى إنّما خلق عنده الإنسان فقط ولم يخلق الإيمان ولا الكفر ، وكان يقول إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يخلق غير ما خلق ، وأنّه تعالى لم يخلق المجاعة ولا القحط (ح ، ف ٤ ، ١٩٦ ، ١٧)

ـ ذكر عن النظّام أنّه قال إنّ الله تعالى يخلق كل ما خلق في وقت واحد دون أن يعدمه وأنكر عليه القول بعض أهل الكلام (ح ، ف ٥ ، ٥٤ ، ٢٣)

ـ إنّ معنى خلقه إنّه تعالى أخرجه من العدم إلى الوجود (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٣)

ـ صحّ أنّ في كل حين يحيل الله تعالى أحوال مخلوقاته فهو خلق جديد ، والله تعالى يخلق في كل حين جميع العالم خلقا مستأنفا دون أن يفنيه (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ١٦)

ـ وقرئ تخلقون من خلق بمعنى التكثير في خلق ، وتخلقون من تخلّق بمعنى تكذّب وتخرص (ز ، ك ٣ ، ٢٠١ ، ٧)

ـ (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (الصافات : ٩٦) يعني خلقكم وخلق ما تعملونه من الأصنام كقوله (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَ) (الأنبياء : ٥٦) أي فطر الأصنام. فإن قلت : كيف يكون الشيء الواحد مخلوقا لله معمولا لهم ، حيث أوقع خلقه وعملهم عليها جميعا؟ قلت : هذا كما يقال عمل النجار الباب والكرسيّ ، وعمل الصائغ السوار والخلخال ، والمراد عمل أشكال هذه الأشياء وصوّرها دون جواهرها ، والأصنام جواهر وأشكال فخالق جواهرها ، الله ، وعاملوا أشكالها الذين يشكّلونها بنحتهم وحذفهم بعض أجزائها حتى يستوي التشكيل الذي يريدونه. فإن قلت : فما أنكرت أن تكون ما مصدريّة لا موصولة ويكون المعنى والله خلقكم وعملكم كما تقول المجبرة؟ قلت : أقرب ما يبطل به هذا السؤال بعد بطلانه بحجج العقل والكتاب أنّ معنى الآية يأباه إباء جليّا وينبو عليه نبوّا ظاهرا ، وذلك أنّ الله عزوجل قد احتجّ عليهم بأنّ العابد والمعبود جميعا خلق الله ، فكيف يعبد المخلوق المخلوق ، على أنّ العابد منهما هو الذي عمل صورة المعبود وشكله ، ولولاه لما قدر أن يصوّر نفسه ويشكّلها ، ولو قلت : والله خلقكم وخلق عملكم لم تكن محتجّا عليهم ولا كان لكلامك طباق ، وشيء آخر وهو أنّ قوله ما تعملون ترجمة عن قوله ما تنحتون ، وما في ما تنحتون موصولة لا مقال فيها فلا يعدل بها عن أختها إلّا متعسّف متعصّب لمذهبه من غير نظر في علم البيان ولا تبصر لنظم القرآن. فإن قلت : أجعلها موصولة حتى لا يلزمني ما ألزمت وأريد وما تعملونه من أعمالكم؟ قلت : بل الإلزامان في عنقك لا يفكّهما إلّا الإذعان للحق ، وذلك أنّك وإن جعلتها موصولة فإنّك في إرادتك بها العمل غير محتجّ على المشركين كحالك وقد جعلتها مصدريّة ، وأيضا فإنّك قاطع بذلك الوصلة بين ما تعملون وما تنحتون حتى تخالف بين المرادين بهما ، فتريد بما تنحتون الأعيان التي هي الأصنام ، وبما تعملون المعاني التي هي الأعمال ، وفي ذلك فلك النظم وتبتيره كما إذا جعلتها مصدريّة (ز ، ك ٣ ، ٣٤٥ ، ١٨)

ـ عن الأخفش : تخلق من منى الماني : أي قدر المقدّر (ز ، ك ٤ ، ٣٤ ، ٩)

ـ (تَخْلُقُونَهُ) (الواقعة : ٥٩) تقدّرونه وتصوّرونه (ز ، ك ٤ ، ٥٦ ، ٢١)

ـ (فخلق) فقدّر (ز ، ك ٤ ، ١٩٣ ، ١٨)

ـ (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ) (عبس : ١٩) فهيّأه لما يصلح له ويختصّ به ، ونحوه ـ وخلق كل شيء فقدّره تقديرا ـ نصب السبيل بإضمار يسر وفسّره بيسر ؛ والمعنى : ثم سهل سبيله وهو مخرجه من بطن أمه ، أو السبيل الذي يختار سلوكه من طريق الخير والشر بإقداره وتمكينه كقوله (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) (الإنسان : ٣) وعن ابن عباس رضي الله عنهما : بيّن له سبيل الخير والشرّ (ز ، ك ٤ ، ٢١٩ ، ١٠)

ـ قال (خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ٣)؟ قلت : هو على وجهين : إمّا أن لا يقدّر له مفعول وأن يراد أنّه الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه ، وإمّا أن يقدّر ويراد خلق كل شيء فيتناول كل مخلوق لأنّه مطلق ، فليس بعض المخلوقات أولى بتقديره من بعض ، وقوله (خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ٣) تخصيص للإنسان بالذكر من بين ما يتناوله الخلق لأنّ التنزيل إليه ، وهو أشرف ما على الأرض. ويجوز أن يراد الذي خلق الإنسان كما قال (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ١ ـ ٢ ـ ٣) فقيل الذي خلق مبهما ثم فسّره بقوله خلق الإنسان تفخيما لخلق الإنسان ودلالة على عجيب فطرته (ز ، ك ٤ ، ٢٧٠ ، ١١)

خلق آدم بيده

ـ أمّا قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خلق آدم بيده وكتب التوراة بيده ، فذلك حق يدلّ على أنّ المراد التخصيص بمزيد الكرامات (ف ، س ، ١٥٨ ، ٢)

خلق آدم على صورته

ـ أمّا قوله : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين : ٤) فليس التقويم في هذه الآية مضافة إلى الله عزوجل وإنّما معناه أنّه ليس فيما خلق الله عزوجل أحسن صورة وتقويما من الإنسان ، ومعنى قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنّ الله خلق آدم على صورته ، هو أنّه خلقه حين خلقه على الصورة التي كان عليها في الدنيا ، لم ينقله في الأصلاب والأرحام على اختلاف الأحوال من نطفة إلى علقة ومضغة وجنين ، كما فعل ذلك بنسله ، ولم يشوّه خلقه عند إخراجه من الجنّة كما فعل بالحيّة حين أخرجها من الجنّة فشوّه صورتها بأن مسخ قوائمها حتى مشت على بطنها وشقّ أسنانها وسوّد لسانها أيضا ، ولم يشوّه شيئا من صورة آدم عليه‌السلام. فذلك معنى قوله خلقه على صورته والكناية راجعة إلى آدم عليه‌السلام (ب ، أ ، ٧٦ ، ٦)

خلق الأفعال

ـ في خلق الأفعال : والغرض به ، الكلام في أنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنّهم المحدثون لها. والخلاف في ذلك مع المجبرة : فإنّ منهم من ذهب إلى أنّ هذه الأفعال مخلوقة لله تعالى فينا لا تعلّق لها بنا أصلا ، لا اكتسابا ولا إحداثا وإنّما نحن كالظروف لها ، وهم الجهمية أصحاب جهم بن صفوان. ومنهم من ذهب إلى أنّ لها بنا تعلّقا من جهة الكسب وإن كانت مخلوقة فينا من جهة الله تعالى (ق ، ش ، ٣٢٣ ، ١٧)

خلق الإيمان

ـ يجب بمطلق القول خلق الإيمان بقوله : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام : ١٠٢) ،

وهو شيء غير الله ، فيجب به القول بخلقه أو القول بخلقه بما هو من الأعمال (م ، ح ، ٣٨٦ ، ٢١)

خلق بقدر

ـ أمّا قوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٩) فلا يدلّ على ما تقوله المجبرة ، من أنّه تعالى يخلق أفعال العباد ، وذلك أنّ الآية واردة في النار وعذابها ، فقال تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (القمر : ٤٨ ، ٤٩) فبيّن ذلك أنّه لا يعذب أحدا إلّا بقدر استحقاقه. ولو حمل على العموم ، لصلح أن يقال : إنّ كل شيء خلقه بقدر ؛ لأنّه ممن لا يجوز عليه السهو والغفلة في أفعاله تعالى ، كالواحد منّا ، فلا يقع الشيء إلّا مقدّرا (ق ، م ٢ ، ٦٣٥ ، ١٧)

خلق بين خالقين

ـ إنّ العبد يستحيل أن ينفرد بمقدور دون الرّب تعالى ؛ فإن فرضنا للقدرة الحادثة أثرا ، وحكمنا بثبوته للعبد ، فقد حرمنا اعتقاد وجوب كون الرّب قادرا على كل شيء مقدور. ويستحيل المصير إلى أنّ الحالة المفروضة تقع بالقدرة القديمة والحادثة ، فإنّ ذلك مستحيل ، ولو ساغ فرضه لساغ تقدير خلق بين خالقين (ج ، ش ، ١٨٩ ، ٤)

خلق جديد

ـ (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (السجدة : ١٠) وهو نبعث أو يجدّد خلقنا (ز ، ك ٣ ، ٢٤٢ ، ١١)

خلق الحي

ـ أمّا خلق الحيّ فإنّما يحسن لينفعه وقد يجتمع فيه أن يخلقه لينفعه وينفع به جميعا. وذلك صحيح في البهائم وغيرها ، فقد يصحّ في المكلّف أيضا ذلك على بعض الوجوه (ق ، غ ١١ ، ٨٥ ، ١٤)

خلق الحيّ لينفعه

ـ ليس لأحد أن يقول ، يجب أن يفعل تعالى إرادة خلق ذلك الحيّ لينفعه ، وإلّا لم يحسن منه خلقه. ويستشهد على ذلك بما نقوله : من أنّ أول النعمة هو خلقه تعالى العبد حيّا لكي ينفعه. وذلك لأنّه تعالى إذا خلق الخلق مع الأمر الذي يتنعّم به في الحال ، ومع الشهوة التي معها يلتذّ ، فقد حصل منعما بمجرّد ذلك ، ولا يحتاج إلى القصد الذي سأل عنه ، وإنّما يشرط ذلك في كون الحيّ يخلقه ويبقيه ، فيصحّ أن يضرّه في المستقبل كما يصحّ أن ينفعه. فأمّا إذا بنى القول على ما قدّمناه فلا وجه لهذا الشرط. ولذلك قلنا : إنّ من أوصل إلى غيره نفعا مخصوصا فهو محسن ، وإن لم يقصد ذلك ، بل لو كان ساهيا عن ذلك لم يخرج الفعل من أن يكون حسنا ؛ لأنّ وجه حسنه لا يتعلّق بالقصد ولا الإرادة تؤثّر فيه ، فإذا صحّ ذلك وجب القضاء بأن خلقه تعالى الحيّ مع الشهوة يكون حسنا وإن لم يرد ما سأل عنه السائل. وثبت أن إرادته لإيجاد ذلك إنّما يجب وجودها من حيث (ما) ذكرناه ، لا لأنّها لو عدمت لم يكن الفعل حسنا (ق ، غ ١١ ، ٧٣ ، ١٩) ـ إنّ الغرض بقولنا : إنّ يخلق الحيّ لينفعه ، تفضّلا أنّه يريد إحداثه ، وإحداث ما معه ينتفع ، مع تخليته بينه وبين الانتفاع ، وكونه غير مانع منه ؛ لأنّه قد كان يصحّ أن يمنعه منه ؛ كما يصحّ أن يمكّنه منه ، فصار هذان الوجهان يقتضيان

فيه أن يكون من القبيل الذي يصحّ وقوعه على وجهين ، وإنّما يحصل على أحدهما بالإرادة ، وإن كانت إنّما تتناول إحداث المنتفع دون إحداث أفعاله المباحة. وليس كذلك حال إرادته لخلق المكلّف أو جعله بالصفة التي تقتضي تكليفه ؛ لأنّ هذه الإرادة تتناول فعل الذي كلّفه إيّاها (ق ، غ ١١ ، ١٣١ ، ١٠)

خلق الخلق لا لعلة موجبة

ـ إنّ الأسماء تختلف فوائدها بالقرائن والإضافة ؛ ولذلك قال شيوخنا : إنّ قولنا : مؤمن مقيّدا يستعمل على طريقة اللغة ، وإن كان على جهة الإطلاق منقولا عن بابه ، فلا يجب في إطلاق العلّة ، إذا أفاد بالاصطلاح ما أوجب حالا لغيره أن يفيد ذلك إذا قرن بالفاعل المختار ، بل يجب (عند) إضافته إلى الفاعل أن يستعمل على الوجه الذي وضع في اللغة له ، فلذلك فرّقنا بين اصطلاح المتكلّمين في العلّة واصطلاح الفقهاء ، بل فرّقنا بين أن يذكر في المعاني الموجبة ، وبين أن يذكر في الإمامة إذا قيل ؛ لأنّه علّة يختار المفضول دون الفاضل. وكل ذلك يبيّن أنّ هذه العبارة لا تجري على طريقة واحدة ، وأنّ الحال فيها مختلف. فإذا صحّت هذه الجملة لم يمتنع أن يقول : إنّ الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلّة ، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق ، فيبطل على هذا الوجه قول من قال : إنّه تعالى خلق الخلق لا لعلّة ، لما فيه من إيهام أنّه خلقهم عبثا ، لا لوجه تقتضيه الحكمة ، بما لا نهاية له. وفي تلك إبطال حدوث الفعل ؛ لتعلّقه في الوجود بما لا نهاية له. وذلك ظاهر في الشاهد ، لأنّ الواحد منّا إذا أراد (النيل) من غيره قال عنه : إنّه يفعل الأفعال لا لعلّة ولا لمعنى ، فيقوم هذا القوم مقام أن يقول إنّه يعبث في أفعاله ، وإذا به في المدح يقول : إنّ فلانا يفعل أفعاله لعلّة صحيحة ولمعنى حسن. لكنّا نختار من حيث استعملت هذه اللفظة على وجوه مختلفة أن نقول : إنّه تعالى خلق الخلق لعلّة ليست سوى خلقه لهم ، ولا هي موجبة لخلقهم. ونقول : إنّه خلق الخلق لا لعلّة موجبة ، ليكون الكلام أكشف ، وإن كان الاقتصار على ما قدّمناه يحسن (ق ، غ ١١ ، ٩٣ ، ٦)

خلق الخلق لعلة

ـ إن قيل : هل خلق الله الخلق لعلّة أم لا؟ وغرضه إذا أجيب إلى ذلك أن يقول : فيجب في تلك العلّة أن تكون مفعولة لعلّة أخرى فيؤدّي إلى ما لا نهاية له. وليس وراء ذلك إلّا أنه لا نطلب لأفعاله وجوه تحسن عليها على ما تكلّمتم. قيل له : إن أردت بالعلّة ما وقع الاصطلاح من المتكلّمين عليه وهو الأمور التي توجب ولا يبقى للاختيار فيه مدخل ، فلسنا نقول بأنّ الله خلق الخلق لعلّة لأنّا نثبته تعالى مختارا منعما ولن يكون كذلك وهناك ما يوجب على حدّ يزول فيه الاختيار. وإن أردت بالعلّة ما يتعارف به من الدواعي والأغراض فقد يصحّ أن يجاب إلى ذلك ، لأنّ وجه الحكمة في الأفعال ربّما يعبّر عنها بالعلل فيقال : " لأيّة علّة فعلت كذا" أو" تأخّرت عنّا" إلى ما أشبه ذلك. وقد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يوجد القديم تعالى العالم إلّا لوجه يحسن عليه فيكون المطلوب المراد في خلق العالم ذلك الوجه. وهذا يصلح أن يعبّر عنه بالعلّة (ق ، ت ٢ ، ١٧٩ ، ٧)

ـ أمّا ما حكي عن بعض شيوخنا من امتناع إطلاق

القول بأنّه تعالى خلق الخلق لعلّة ، فيفارق ما تقوله الجبرية لأنّه إنّما أراد أنّه تعالى فعل هذه الأفعال لوجه الحكمة وهو ما يتّصل بالإحسان والإنعام ، وعند حصول هذا الوجه لا يحتاج إلى تعليله بعلّة سوى ذلك. فلهذا لا يقال في المحسن : " لما ذا أحسنت؟ " لأنّ كون فعله إحسانا كاف فيما لأجله يفعل. فكأنّ هذا الممتنع أراد أن يكون مع ثبات هذا الوجه لا معنى لإطلاق لفظ يوهم الإيجاب ، كما أنّ الأحكام المعلّقة على علل موجبة لا يجوز بعد حصول موجب واحد أن تتطلّب غيره من الموجبات. فهذه جملة صحيحة غير معترضة على ما قلناه (ق ، ت ٢ ، ١٨٠ ، ٧)

خلق الخلق لينفعه

ـ في بيان وجه حسن ابتداء الله تعالى لخلق الخلق وإنشاء الأيّام وما يتّصل بذلك : اعلم أنّ ذلك إنّما يحسن منه تعالى على وجوه ثلاثة : أحدها لينفعه ، والآخر لينفع به ، والثالث لأنّه أراده لخلق ما ذكرناه ، مع تعرّي الكلّ من وجوه القبح. وقد دخل فيما ذكرناه ما يخلقه تعالى لينفعه ولينفع به جميعا ؛ لأنّ الشيء إذا حسن لكل واحد من الوجهين فبأن يحسن متى حصلا فيه أولى. ولم يذكر في ذلك خلق من يخلقه ليفعل به المستحقّ ، لأنّ ذلك لا يحسن أولا ، وإنّما يحسن أن يخلقه لهذه البغية ثانيا. فإذا حسن أن يخلق تعالى الخلق لينفعه تفضّلا ، ويعرّضه للثواب والمدح ، وينفعه بالتعويض على الآلام حسن منه أن يخلق غير المكلّف للتفضّل والتعويض جميعا. وقد بيّنا أنّ المنافع على ضربين : مستحقّ وغير مستحقّ ، وأنّ المستحقّ منه قد يكون مستحقّا على وجه التعظيم والإكرام فيكون ثوابا ، وقد يكون مستحقّا على وجه العوض والبدل ، وبيّنا لكل واحد منهما مثالا في الشاهد ، وبيّنا أنّ ما ليس بمستحقّ يكون إحسانا وتفضّلا ، وبيّنا أنّ ما أدّى إلى المنافع يكون في حكمه ، وإن كان شاقّا على فاعله ، وإنّما يحسن متى أدّى إلى نفع يوفي عليه ، ومتى لم يشقّ على فاعله البتّة فإنّه يحسن إذا أدّى إلى أيّ منفعة كان متى عري من وجوه القبح. فإذا صحّت هذه الجملة حسن من القديم تعالى أن يخلق الخلق لينفعه على بعض الوجوه التي قدّمناها أو كلّها (ق ، غ ١١ ، ١٠١ ، ١٢)

ـ على أنّه لا يخلو هذا المخالف من أن يقول : إنّه تعالى خلق الخلق لينفعهم ، أو يقال : إنّه خلقهم ليضرّهم ، أو لا لينفعهم ولا ليضرّهم ، وكذلك القول في الجماد. فإن قال : خلقهم ليضرّهم ، أو لا لنفع ولا ضرر ، فذلك ظلم وعبث ، فلا بدّ من القول بأنّه خلقهم لينفعهم ، وخلق الجماد لينفع به ، وهذا يوجب كون سائر أفعاله حسنا ، فلا وجه لمن قال : إنّه ليس بحسن ولا قبيح إذا اعترف بما ذكرناه ؛ لأنّه يحصل مخالفا في عبارة. فهو بمنزلة من قال في الأفعال كلّها : إنّها لا حسنة ولا قبيحة. وإذا وجب في أفعاله تعالى من حيث فعلها لنفع الحيّ أن يستحقّ بها المدح فيجب كونها حسنة ومختصّة بصفة زائدة على ذلك ، فكيف يقال مع ذلك بأنّها لا حسنة ولا قبيحة. وإذا ثبت في كثير من أفعاله أنّها واجبة ؛ كالثواب وغيره ، فكيف يقال : إنّه تعالى يفعل على جهة الاتّفاق ، وحاله في سائر ما يفعله لا يختلف من حيث يفعل الجميع مع العلم بحاله (ق ، غ ١١ ، ٦٤ ، ١٣)

خلق الشيء

ـ كان (الأشعري) يخطّئ قول من قال من أصحابنا إنّ قوله للشيء" كن" خلق له أو فعل له. وكان يقول إنّ خلق الشيء هو الشيء المخلوق وفعله هو الشيء المفعول ، وإنّ القول غيره (أ ، م ، ٦٦ ، ١٨)

ـ ذهب قوم إلى أنّ خلق الشيء هو غير الشيء المخلوق (ح ، ف ٥ ، ٤٠ ، ٤)

ـ وجدنا من قال إنّ خلق الشيء هو الشيء نفسه (ح ، ف ٥ ، ٤٠ ، ٨)

خلق العالم

ـ قول جمهور أصحابنا ، إنّ الله تعالى إنّما خلق العالم للإحسان والإنعام على الحيوان ، لأنّ خلقه حيّا نعمة عليه لأنّ حقيقة النعمة موجودة فيه ، وذلك أنّ النعمة هي المنفعة المفعولة للإحسان ، ووجود الجسم حيّا منفعة مفعولة للإحسان (أ ، ش ١ ، ٤٧٤ ، ٢٨)

خلق العالم مقصود

ـ إن قلت : لم كان خلق العالم مقصودا به الإحسان؟ قلت : لأنّه لا يخلقه إلّا لغرض وإلّا كان عبثا ، والعبث لا يجوز عليه ، ولا يجوز أن يكون لغرض راجع إليه من نفع لأنّه غنيّ غير محتاج إلى المنافع ، فلم يبق إلّا أن يكون لغرض يرجع إلى الحيوان وهو نفعه (ز ، ك ٣ ، ٢٣٥ ، ٧)

خلق لا لعلة

ـ مذهب أهل الحق إنّ الله تعالى خلق العالم بما فيه من الجواهر والأعراض وأصناف الخلق والأنواع لا لعلّة حاملة له على الفعل ، سواء قدّرت تلك العلّة نافعة له أو غير نافعة ، إذ ليس يقبل النفع والضرّ ، أو قدرت تلك العلّة نافعة للخلق ، إذ ليس يبعثه على الفعل باعث فلا غرض له في أفعاله ، ولا حامل ، بل علّة كل شيء صنعه ولا علّة لصنعه (ش ، ن ، ٣٩٧ ، ٥)

خلق لعلّة

ـ قال" أبو الهذيل" : خلق الله عزوجل خلقه لعلّة ، والعلّة هي الخلق ، والخلق هو الإرادة والقول ، وأنّه إنّما خلق الخلق لمنفعتهم ولو لا ذلك كان لا وجه لخلقهم ، لأنّ من خلق ما لا ينتفع به ولا يزيل بخلقه عنه ضررا ولا ينتفع به غيره ولا يضرّ به غيره ، فهو عابث. وقال" النظّام" : خلق الله الخلق لعلّة تكون ، وهي المنفعة ، والعلّة هي الغرض في خلقه لهم ، وما أراد من منفعتهم ولم يثبت علّة معه لها كان مخلوقا كما أبو الهذيل [بل] قال : هي علّة تكون وهي الغرض. وقال" معمّر" : خلق الله الخلق لعلّة ، والعلّة لعلّة ، وليس للعلل غاية ولا كلّ. وقال" عبّاد" خلق الله سبحانه الخلق لا لعلّة (ش ، ق ، ٢٥٢ ، ١٦)

خلود

ـ قال ابن عباس رضي الله عنه وهو ترجمان القرآن ، وعلى هذا إنّا لا نسلّم أنّ الخلود يعبّر به عن الأبد ، وإنّما يعبّر به عن طول الزمان (م ، ف ، ٣ ، ٤)

خليفة

ـ الخليفة من يخلف غيره ، والمعنى خليفة منكم لأنّهم كانوا سكان الأرض فخلّفهم فيها آدم وذريته. فإن قلت : فهلّا قيل خلائف أو خلفاء؟

قلت : أريد بالخليفة آدم ، واستغنى بذكره عن ذكر بنيه كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك مضر وهاشم ، أو أريد من يخلفكم أو خلفا يخلفكم فوحد لذلك. وقرئ" خليفة" بالقاف ، ويجوز أن يريد خليفة مني لأنّ آدم كان خليفة الله في أرضه ، وكذلك كل نبيّ ـ (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) (ص : ٢٦). فإن قلت : لأيّ غرض أخبرهم بذلك؟ قلت : ليسألوا ذلك السؤال ويجابوا بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلافهم قبل كونهم صيانة لهم عن اعتراض الشبهة في وقت استخلافهم. وقيل ليعلم عباده المشاورة في أمورهم قبل أن يقدموا عليها وعرضها على ثقاتهم ونصائحهم وإن كان هو بعمله وحكمته البالغة غنيا عن المشاورة (أَتَجْعَلُ فِيها) (البقرة : ٣٠) تعجب من أن يستخلف مكان أهل الطاعة أهل المعصية ، وهو الحكيم الذي لا يفعل إلّا الخير ولا يريد إلّا الخير (ز ، ك ١ ، ٢٧١ ، ١٥)

خوارج

ـ أجمعت الخوارج على إكفار علي بن أبي طالب رضوان الله عليه أن حكّم وهم مختلفون هل كفره شرك أم لا ، وأجمعوا على أنّ كل كبيرة كفر إلّا" النجدات" فإنها لا تقول ذلك ، وأجمعوا على أنّ الله سبحانه يعذّب أصحاب الكبائر عذابا دائما إلّا" النجدات" أصحاب" نجدة" (ش ، ق ، ٨٦ ، ٣)

ـ السبب الذي له سمّوا خوارج خروجهم على عليّ بن أبي طالب (ش ، ق ، ١٢٧ ، ١٦)

ـ كان الناس قبل حدوث واصل بن عطاء رئيس المعتزلة على مقالتين. منهم خوارج يكفّرون مرتكبي الكبائر ومنهم أهل استقامة يقولون هو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. ولم يقبل منهم قائل أنّه ليس بمؤمن ولا كافر قبل حدوث واصل بن عطاء حين اعتزل واصل الأمّة وخرج عن قولها فسمّي معتزليّا بمخالفته الإجماع (ش ، ل ، ٧٦ ، ٤)

خواطر

ـ اختلفت المعتزلة في الخواطر. فقال" إبراهيم النظّام" لا بدّ من خاطرين أحدهما يأمر بالإقدام والآخر يأمر بالكفّ ليصحّ الاختيار (ش ، ق ، ٤٢٧ ، ١٥)

ـ الله سبحانه فقد جعل لعبده على الأمر بما أمره به دليلا وحرّك ذهنه بالخواطر ونبّهه بصنوف العبر ، فإنّما أتى من قبل تركه النظر ، وذلك فعله ، فيصير بما هو معتذرا محجوما ؛ إذ بفعله أعرض عن ذلك (م ، ح ، ١٣٧ ، ١١)

ـ إنّ الدواعي المزعجات والخواطر والأغراض إنّما تكون وتجوز على ذي الحاجة الذي يصح منه اجتلاب المنافع ودفع المضارّ ؛ وذلك أمر لا يجوز إلّا على من جازت عليه الآلام واللذات وميل الطبع والنفور ؛ وكل ذلك دليل على حدث من وصف به وحاجته إليه ، وهو منتف عن القديم تعالى (ب ، ت ، ٥٠ ، ٥)

ـ اختلف المعتزلة في صفة الخواطر الداعية فزعم النظّام أنّ الخواطر أجسام محسوسة وأنّ الله تعالى خلق خاطري الطاعة والمعصية في قلب العاقل ودعاه بخاطر الطاعة إلى الطاعة ليفعلها ودعا بخاطر المعصية إلى المعصية لا ليفعلها ولكن ليتمّ له الاختيار بين الخاطرين (ب ، أ ، ٢٧ ، ٢)

ـ زعم أبو الهذيل أنّ الخواطر أعراض وأنّ الخاطر الداعي إلى النظر والاستدلال يورده الله تعالى على قلب العاقل يدعوه به إلى طاعته

ويحرّك به دواعيه على الاستدلال عليه بتخويفه وترهيبه ، والخاطر الثاني من قبل الشيطان يصدّه به طاعة الخاطر الأول (ب ، أ ، ٢٧ ، ١٠)

ـ أوجبت القدريّة الاستدلال والنظر من طريق العقل قبل الشرع من جهة الخواطر ، وزعموا أنّ قلب العاقل لا يخلو من خاطرين أحدهما من قبل الله تعالى يدعوه به إلى معرفته والاستدلال عليه. والثاني من قبل الشيطان الداعي له إلى الكفر. وزعموا أنّ التكليف يتوجّه عليه بهذين الخاطرين (ب ، أ ، ٢٠٣ ، ١٤)

ـ قيل : أبو هاشم أثبت كلاما في النفس سمّاه بالخواطر ، وزعم أنّ ذا الخواطر يسمعها ويدركها (ط ، م ، ١٧٠ ، ٢٣)

خوف

ـ إنّ الخوف قد يحصل مع العلم بالمضرّة ومع الظنّ بها ، وأنّه في الوجهين جميعا يلزمه التحرّز ، فإنّ ذلك يجري مجرى كمال العقل. لأنّ العلم بأنّه يلزمه التحرّز من المضارّ المظنونة ، كالعلم بوجوب التحرّز من المضارّ المعلومة. وقد بيّنا أنّ الأكثر فيما نعلم وجوب التحرّز منه ، يجري على طريقة الظنّ. لأنّ أحدنا لا يعلم أنّ الأمور المستقبلة تقع لا محالة. فإذا صحّ ذلك ، ثم ورد الخاطر على المكلّف بالتخويف من ترك النظر على ما يريبه ، وحصل خائفا منه ، لزمه النظر. وإن لم يعلم في الحقيقة بالعقاب ، فقد حصل هناك ما ينوب مناب العلم بالعقاب في إيجاب الخوف من ترك النظر ، ويلزمه التحرّز من تركه بفعله (ق ، غ ١٢ ، ٢٩١ ، ٣)

خير

ـ إنّ الخير والشر بقضاء الله وقدره. وأنّا نؤمن بقضاء الله وقدره ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه. ونعلم أن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وأنّ العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله كما قال عزوجل : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (الأعراف : ١٨٨). وأنّا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه (ش ، ب ، ٢١ ، ٤)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الشيء من الشيء على وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى أنّه جزؤه ، كقولك" الواحد من العشرة" و" اليد من الإنسان" و" الثمرة من الشجرة". وقد يكون الشيء منه على معنى أنّه أحدثه ، كما قال عزوجل (جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية : ١٣) أي" إحداثا". وقد يقال أيضا الشيء منه على معنى أنّه دعا إليه وحثّ عليه ورغّب فيه وأعان عليه ، كقولك" هذا أراه من فلان" على معنى أنّه هو الذي حثّ عليه ودعا إليه. وعلى هذا كان يقسّم سؤال السائل إذا قال" هل تقولون إنّ الشرّ من الله تعالى؟ " فيقول : " إن أردتم أنّه منه خلقا وأحداثا على معنى أنّه خلقه شرّا لغيره وصار الغير به شريرا فنعم ، كما يجعل الضرر ضررا لغيره ويكون غيره المضرور به فيكون هو الضارّ به والمضرّ ، كما قال المسلمون" لنا ربّ يضرّ وينفع". وإن أردتم معنى الأمر به والدعاء إليه فلا". وكذلك القول في الخير والإيمان وشكر النعمة إنّه من الله تعالى على هذين الوجهين بأنّه أمر به وأحدثه وأعان فيه (أ ، م ، ٩٧ ، ١٥)

ـ إنّما صار الشرّ شرّا لنهي الواحد الأوّل عنه ،

وإنّما صار الخير خيرا لأمر به ، فلا بدّ من نعم ، فإذا كان هذا فقد ثبت أنّ من لا مبدع ولا مدبّر له ولا آمر فوقه لا يكون شيء من فعله شرّا ، إذ السبب في كون الشرّ شرّا هو الإخبار بأنّه شر ، ولا مخبر يلزم طاعته إلّا الله تعالى (ح ، ف ١ ، ٣٨ ، ١٩)

ـ الخير والشرّ عندهم (المعتزلة) من أفعال العباد ، واقعان بقدرة العباد ، خارجان عن مقدور الله تعالى ، فهما واقعان من العبد عندهم (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١١)

ـ الخير والشرّ إمّا أمران إضافيّان بأن يكون شيء خيرا بالإضافة إلى شيء ، شرّا بالإضافة إلى شيء ، وإمّا أمران شرعيّان فيرجع الحسن والقبح والخير والشرّ فيه إلى قول الشارع افعل لا تفعل (ش ، ن ، ٩٨ ، ١٧)

ـ إن قلت كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير ، وفاعل الشرّ شرّا من الشرّ ، مع أنّ فاعل الخير إنّما كان ممدوحا لأجل الخير وفاعل الشرّ إنّما كان مذموما لأجل الشرّ ، فإذا كان الخير والشرّ هما سببا المدح والذمّ وهما الأصل في ذلك فكيف يكون فاعلاهما خيرا وشرّا منهما. قلت لأنّ الخير والشرّ ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة وإنّما هما فعلان أو فعل وعدم فعل ، أو عدمان ، فلو قطع النظر عن الذات الحيّة القادرة التي يصدران عنها لما انتفع أحد بها ولا استضرّ ، فالنفع والضرر إنّما حصلا من الحيّ الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما ، فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير وفاعل الشرّ شرّا من الشرّ (أ ، ش ٤ ، ٢٥٧ ، ١٧)

خيرة

ـ الخيرة من التخيّر كالطيرة من التطيّر تستعمل بمعنى المصدر وهو التخيّر ، وبمعنى المتخيّر كقولهم محمد خيرة الله من خلقه (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) (القصص : ٦٨) بيان لقوله ويختار لأنّ معناه : ويختار ما يشاء ، ولهذا لم يدخل العاطف ، والمعنى : أنّ الخيرة لله تعالى في أفعاله وهو أعلى بوجوه الحكمة فيها ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه. قيل السبب فيه قول الوليد بن المغيرة ـ لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظم ـ يعني لا يبعث الله الرسل باختيار المرس إليهم. وقيل معناه : ويختار الذي لهم فيه الخيرة : أي يختار للعباد ما هو خير لهم وأصلح وهو أعلم بمصالحهم من أنفسهم من قولهم في الأمرين ليس فيهما خيرة لمختار (ز ، ك ٣ ، ١٨٨ ، ٢٥)

د

دائم

ـ أما الوصف له ، جلّ وعزّ ، بأنّه دائم فصحيح ، والمراد بذلك ، عند شيخنا أبي علي ؛ أنّه لا يفنى. وقد يقال إنه دائم ، ويراد به لا آخر لوجوده (ق ، غ ٥ ، ٢٣٩ ، ٤)

دار

ـ قول ثمامة في الدار قوله وقول إخوانه من المعتزلة : إنّها دار إيمان وإسلام وأنّ أهلها مؤمنون مسلمون (خ ، ن ، ٦٧ ، ١٦)

دار الإسلام

ـ من فضائح ثمامة أيضا أنّه كان يقول في دار الإسلام : إنّها دار شرك ، وكان يحرّم السّبي ، لأنّ المسبيّ عنده ما عصى ربّه إذا لم يعرفه ، وإنّما العاصي عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده أو عصاه (ب ، ف ، ١٧٣ ، ٩)

ـ كل دار ظهرت فيه دعوة الإسلام من أهله بلا خفير ولا مجير ولا بذل جزية ، ونقذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمّة إن كان فيهم ذمّيّ ، ولم يقهر أهل البدعة فيها أهل السنّة ، فهي دار الإسلام. واللقيطة فيها حرّ بحكم الدار ومسلم لأجلها ، واللقطة فيها تعرف سنّة على شروطها. وإذا كان الأمر على ضدّ ما ذكرناه في الدار فهي دار الكفر (ب ، أ ، ٢٧٠ ، ٥)

ـ قال الحاكم : وهو مذهب الصوفيّة من أصحابنا. ودار الإسلام ما ظهر فيها الشهادتان والصلاة ، ولم تظهر فيها خصلة كفرية إلّا بجوار. البلخيّ : العبرة بالغلبة. وقيل : بالكثرة. وقيل : بما ظهر فيها. قلت : وهذا قريب من المذهب (م ، ق ، ١٥١ ، ٤)

ـ أبو علي وأبو هاشم وقاضي القضاة وأبو عبد الله : بل دار الإسلام ما ظهر فيها الإسلام ولم يوجد أحد فيها بإظهار كفر. وقيل : حيث لا يكون أهل الحق في نفيه (م ، ق ، ١٥١ ، ١١)

دار إيمان

ـ قالت الأزارقة بأنّ الدنيا كلّها دار شرك وحرب ، إلّا موضع عسكرهم فإنّها دار إيمان (ب ، أ ، ٢٧٠ ، ١١)

دار بغي

ـ قالوا (الإباضيّة) : إنّ دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد ، إلّا معسكر السلطان فإنّه دار بغى. وأجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم ، وقالوا في مرتكبي الكبائر : إنّهم موحّدون لا مؤمنون (ش ، م ١ ، ١٣٤ ، ١٥)

دار توحيد

ـ قالوا (الإباضيّة) : إنّ دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد ، إلّا معسكر السلطان فإنّه دار بغى. وأجازوا شهادة مخالفيهم على أوليائهم ، وقالوا في مرتكبي الكبائر : إنّهم موحّدون لا مؤمنون (ش ، م ١ ، ١٣٤ ، ١٤)

دار الجزاء

ـ إنّ الله تعالى فرّق بين دار المحنة ودار الجزاء ؛ إذ الجمع بينهما يزيل البلوى ، ويكشف الغطاء ؛

فجعل اللذيذ الذي لا راحة فيه ، والمؤلم الذي لا تنغيص فيه جزاء ، والتردد بينهما محنة ولا قوّة إلّا بالله (م ، ت ، ١١٩ ، ٤)

دار خامسة

ـ الدار الخامسة هي عالم البعث وهو يوم القيامة وهو عالم الحساب ومقداره خمسون ألف سنة (ح ، ف ٣ ، ١٣٥ ، ١٢)

دار شرك

ـ قالت الأزارقة بأنّ الدنيا كلّها دار شرك وحرب ، إلّا موضع عسكرهم فإنّها دار إيمان (ب ، أ ، ٢٧٠ ، ١٠)

دار الفسق

ـ زعم أكثر المعتزلة أنّ البلدان التي غلبت عليها أهل السنّة دار كفر. وزعم بعضهم أنّها دار فسق وجعل للفسق دارا كما جعل الفاسق في منزلة بين المنزلتين (ب ، أ ، ٢٧٠ ، ٩)

ـ ما حصّله السادة والبهشمية وابن مبشر : ودار الفسق ما ظهر فيها العصيان من غير إمكان نكير. أبو علي : إن كان من جهة الاعتقاد كدار الخوارج ولا غيره بفسق الجارحة. أبو هاشم : لا دار للفسق مطلقا إذ لا حكم يستفاد منها بخلاف دار الكفر. قلنا : تحريم الموالاة لحكم مستعاد (م ، ق ، ١٥٢ ، ٥)

دار كفر

ـ الأزارقة تقول أنّ كل كبيرة كفر وأنّ الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم ، وأنّ كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالدا مخلّدا ، ويكفرون عليّا رضوان الله عليه في التحكيم ويكفرون الحكمين أبا موسى وعمرو بن العاص ويرون قتل الأطفال (ش ، ق ، ٨٧ ، ٦)

ـ كل دار ظهرت فيه دعوة الإسلام من أهله بلا خفير ولا مجير ولا بذل جزية ، ونفذ فيها حكم المسلمين على أهل الذمّة إن كان فيهم ذمّيّ ، ولم يقهر أهل البدعة فيها أهل السنّة ، فهي دار الإسلام. واللقيطة فيها حرّ بحكم الدار ومسلم لأجلها ، واللقطة فيها تعرف سنّة على شروطها. وإذا كان الأمر على ضدّ ما ذكرناه في الدار فهي دار الكفر (ب ، أ ، ٢٧٠ ، ٧)

ـ زعم أكثر المعتزلة أنّ البلدان التي غلبت عليها أهل السنّة دار كفر. وزعم بعضهم أنّها دار فسق وجعل للفسق دارا كما جعل الفاسق في منزلة بين المنزلتين (ب ، أ ، ٢٧٠ ، ٨)

ـ الخوارج : ما ظهر فيه معصية فدار كفر. الأباضيّة : دار توحيد لا دار إيمان. البهشميّة : الحكم للسلطان. لنا : الأصل في الدار مكّة والمدينة. كانت مكّة دار كفر إذ لم يظهر فيها الصلاة والشهادتان إلّا بجوار ، وظهر الكفر من غير جوار ، والمدينة دار إسلام إذ كانت بالعكس (م ، ق ، ١٥١ ، ١٤)

دار المحنة

ـ إنّ الله تعالى فرق بين دار المحنة ودار الجزاء ؛ إذ الجمع بينهما يزيل البلوى ، ويكشف الغطاء ؛ فجعل اللذيذ الذي لا راحة فيه ، والمؤلم الذي لا تنغيص فيه جزاء ، والتردد بينهما محنة ولا قوة إلا بالله (م ، ت ، ١١٩ ، ٤)

دار وقف

ـ وأثبت بعضهم دارا رابعة ، وهي ما لم يعلم حكمها لاجتماع أهل الكفر والإسلام فيها ،

وسمّاها دار وقف. قلنا : لا حكم للدار هنا ، بل يرجع في كل شخص إلى ما يظهر منه. قلت : بل إن ظهر الكفر فيها من غير حوار فهي دار كفر ، ولو ظهر فيها الإسلام على أصلنا (م ، ق ، ١٥٢ ، ١١)

داران

ـ الفرق بين الدين والدنيا اختلاف الدارين من الدنيا والآخرة فقط ، والحكم هاهنا الحكم هناك. ولو لا ذلك ما قامت مملكة ، ولا ثبتت دولة ولا استقامت سياسة. ولذلك قال الله عزوجل (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (الإسراء : ٧٢). قال ابن عبّاس في تفسيرها : من كان ليس له من العقل ما يعرف به كيف دبّرت أمور الدنيا ، فكذلك هو إذا انتقل إلى الدين ، فإنما ينتقل بذلك العقل ، فبقدر جهله في الدنيا يكون جهله بالآخرة أكثر ، لأنّ هذه شاهدة وتلك غيب ، فإذا جهل ما شاهد فهو بما غاب عنه أجهل (ج ، ر ، ٨ ، ١٦)

داع

ـ قد صحّ أنّ الداعي إلى الفعل هو ما عليه الفاعل من كونه عالما ، أو ظانّا ، أو معتقدا. فإذا علم قبح الفعل ، وثبت أنّ علمه بقبحه لا يجوز أن يدعوه إلى فعله ، بل هو بالضدّ من الحسن في ذلك ، وعلم أنّه غني عنه ؛ وصحّ أنّ الحاجة هي التي تدعو إلى الفعل ، وأنّ الغني عنه بالضدّ منها ، فقد حصل والحال هذه في حكم الملجأ إلى أن لا يفعل. فيجب أن لا يجوز أن يختار الفعل على وجه. كما أنّه مع علمه بما هو عليه في قتل نفسه من الضرر ، لا يختاره (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ١)

ـ الداعي وإن اقتضى اختيار الفعل ، فليس بموجب لذلك ؛ لأنّه لو أوجبه ، لخرج الفعل من أن يقع منه ، لكونه قادرا عليه ، كخروج المتحرّك من كونه متحرّكا بالفاعل ، لما وجب كونه كذلك لعلّة. وما نقض حقيقة القادر يجب إبطاله ، لأنّ تعلّق الفعل بالقادر أصل ، كما أنّ حاجة الموصوف في الصفة إلى المعنى ، إذا استحقّ الصفة على وجه مخصوص ، أصل. فإذا صحّ ذلك ثبت أنّ الداعي غير موجب ، وأنّه يختار لأجله الفعل ، أو يمتنع منه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ١٨)

ـ إنّ من حقّ الداعي أن يتقدّم حال إيجاد الفعل ، أو الكفّ عنه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٩٤ ، ١٣)

ـ من حقّ الإرادة أن تكون تابعة للمراد ، في أنّ ما تدعو إليه يدعو إليها ، وما تصرف عنه يصرف عنها ، فهي إذن تابعة للمراد. فلا فصل وهذه حالها بين أن يقال إنّها تدعو إلى المراد ، أو يقال إنّ المراد يدعو إليها. وكيف يقال فيها ذلك ، ومن حقّها أن تقارن المراد؟ أو تكون في حكم المقارن له إذا كانت قصدا وإيثارا؟ ومن حق الداعي أن يتقدّم حال الفعل؟ على أنّ التمييز بين ما نفعله ولا نفعله لا يكون بالإرادة ، لأنّها إنّما تختصّ ما نفعله ، والداعي يحصل فيما نفعله ، وما لا نفعله. وكل ذلك يمنع من القول بأن كونه مريدا يدعو إلى الفعل (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٩٥ ، ٢)

ـ لا يجوز أن يكون الداعي إلى الفعل كونه قادرا ، لأنّه المصحّح له ، ومن حق المصحّح للفعل أن يكون غير داع إلى إيجاده. ولذلك تختلف حال الدواعي في اقتضائها ، تارة للفعل ، وتارة لأن لا يفعل. وكونه قادرا في

كل هذه الأحوال لا يختلف (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٩٥ ، ٥)

ـ إنّ الداعي إلى الفعل هو علم القادر بحال الفعل ، أو ظنّه ، أو اعتقاده بأنّ فيه نفعا ، أو دفع ضرر ، أو أنّه حسن. والذي يدعوه إلى أن لا يفعله علمه بأنّه قبيح ؛ وأنّه غنيّ عنه ؛ أو أنّ عليه فيه مضرّة ، أو فوت نفع (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٩٦ ، ٢)

ـ إنّ المريد متى أراد الشيء من مقدوره فلا بدّ من وقوعه ، إلّا أن يعرض ما يمنع معه وجوده. لأنّا قد دللنا على أنّ الداعي إلى فعل الشيء يدعو إلى إرادته. فإذا صحّ ذلك ، فإنّما يريد الشيء لأنّ الداعي قد دعا إليه ، والإرادة تكون تابعة للمراد. فكما لا يجوز والحال هذه أن يفعل المراد ولا يريده ، وكذلك لا يجوز أن يريده ولا يفعله من التخلية والتمكين ، فلا يصحّ أن يقع مراده إلّا لوجوه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٥٨ ، ١٨)

ـ إنّ الداعي لا تعلّق له بحدوث الفعل (ق ، غ ٨ ، ٥٥ ، ١٩)

ـ إنّ المسبّب قد بيّنا أنّه يتعلّق بالقادر كالسبب ، وإن كان يحدثه بغيره ، لا بأن يبتدئه. فكذلك ما يقع فيه على جهة الإلجاء يجب أن يتعلّق به ، وإن وجب وجوده لأجل الداعي. لكنّ الداعي لا يصحّ كونه موجبا ، لأنّ أمارة الأسباب منتفية عنه ، ولأنّها قد لا توجب مع ارتفاع الموانع (ق ، غ ٨ ، ٦٢ ، ٢٠)

ـ إنّ الإرادة لا تدعو إلى فعل القبيح ، وإنّما يفعل للداعي الذي له يفعل المراد ، لا أنّها داعية في الحقيقة ؛ لأنّ من حق الداعي إلى الفعل أن يتقدّمه ، والإرادة تقارن إذا كانت اختيارا وإيثارا (ق ، غ ١١ ، ١١٩ ، ١٣)

ـ إنّ الداعي أو الخاطر ينبّهان المكلّف على طريقة النظر ، فتتعيّن عنده الأدلّة وتنفصل عنده من الشبه ، فينظر فيها وإن لم يعلم الدليل دليلا إلّا بعد وقوع العلم منه متولّدا عن النظر (ق ، غ ١٢ ، ١٦٤ ، ١٩)

ـ الأصل في الداعي أنّه يفيد فعله الدعاء ، كما نقوله في الآمر والناهي ، وتعارف المتكلّمون استعمال ذلك ، فيما له يفعل الفاعل أفعاله : من منفعة ، ودفع مضرّة ، إلى ما شاكل ذلك ، لشبهة بما قدّمناه ، لأن الفساد بهذه الأمور في أنّها تبعث على الفعل ، ويكون الفاعل عندها أقرب إليه ، بمنزلة دعاء الداعي وترغيبه ، والأكثر في استعمالهم ذلك هو في المنافع والمضار (ق ، غ ١٤ ، ٤٤ ، ٥)

ـ ليس المراد بالداعي هو القول الموصوف بأنّه دعاء والقائل لذلك أو المتكلّم به ؛ لأنّا نتكلّم في هذا الباب على عادات ممهّدة ، وتعارف معلوم. وإنّما نريد بالداعي ما له يفعل (الفاعل الفعل) أو يتركه ، لا أنّا نريد بذلك الفاعل للدعاء ، والبعث على الفعل (ق ، غ ١٥ ، ٣٥ ، ٥)

ـ قد علمتم أنّ الداعي إلى الشيء يجب أن يكون العلم بأحواله أو الاعتقاد أو الظنّ لها (ن ، م ، ٢٩٨ ، ١٦)

ـ إنّ المختار هو الذي يكون فعله تبعا لإرادته وداعيه ، لا أن يكون الفعل واقعا منه اتّفاقا. والداعي يكفي في الترجيح (ط ، م ، ٢٥١ ، ٨)

ـ الدّاعي عندهم ضربان : حاجيّ وحكميّ. فالأول : العلم أو الظنّ بحسن الفعل لجلب نفع النفس ، أو دفع الضرر عنها. والثاني : العلم أو الظنّ بحسن الفعل من غير نظر إلى نفع النفس أو دفع الضرر عنها ، كمكارم الأخلاق. والمقتضي : الصفة الأخصّ المؤثّرة تأثير

العلّة ، والمشترط فيها شرطها ، وكذلك شرط ما أوجبته. قلت : هي إمّا لا دليل على تأثيرها ، بل قام الدليل على بطلانه ، وذلك العلّة. والمقتضي إذ ما أجابهما لما ادّعى تأثيرهما إيّاه بأولى من العكس لعدم تقدّمهما وجودا على ما أثّراه ، ولا دعوى تقدّمهما رتبة عليه أولى من العكس ، لفقد الدليل ، وإن سلّم ، فما بعض الذوات أولى بتلك الصفات والأحكام من بعض ، لأنّه تأثير إيجاب ، لا تأثير اختيار. وأمّا آلة ، وذلك السبب (ق ، س ، ٦٠ ، ١١)

داع إلى الاختيار

ـ إنّ علم الفاعل بحسن الشيء لا يقتضي وجوب فعله لا محالة ، وإنّما يقتضي أنّه قد يختاره لأجل ذلك ، ويحسن منه اختياره لأجله ، وما حسن لأجله اختيار الشيء وكان داعيا إلى اختياره لم يجب اطّراده حتى يجب اختيار كل ما شاركه فيه ، كما لم يجب اختيار الأوّل لأجله ، وإنّما يصحّ كونه داعيا إلى الاختيار ، وذلك مما يحبّب إليه ، ولا يؤدّي إلى فساد ؛ لأنّ الدواعي لا يجب كونها موجبة ، وإنّما تقتضي أن يكون ذلك الفعل بأن يختاره القادر أولى من غيره ، وذلك يبطل ما سأل عنه ، ويجوز كونه تعالى خالقا الخلق لينفعهم ، وإن خلقهم في حال دون حال ، أو خلق قدرا دون قدر (ق ، غ ١١ ، ٩٨ ، ١٠)

دال

ـ الدالّ هو ناصب الدليل (ب ، ن ، ١٥ ، ١٤)

دراية

ـ هذا المعنى الذي يقتضي سكون النفس يسمّى معرفة ، كما يسمّى علما ؛ ولا فصل بين فائدة هذين ، فلذلك يسمّى كل عالم عارفا ، ولا معتبر بالمجاز في هذا الباب. فليس لأحد أن يقول ، إذا استعمل أحدهما على جهة التوسّع في غير ما استعمل الآخر فيه : فيجب أن لا يصحّ ما ذكرتموه وقد يسمّى دراية ؛ ولذلك يسمّى العالم داريا. والشاعر قد قال : اللهم لا أدري ، وأنت الداري (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ٧)

درجات

ـ الدرجات جمع درجة وهي الطبقات والمراتب ويقال لها درجات في الجنّة ودركات في النار ، وإنّما تفاضلت وتفاوتت بحسب الأعمال ، ولا يجوز أن يقع ذلك تفضّلا لأنّ التفضّل بالثواب قبيح ، فإن قلت فما قولك في الحور والولدان والأطفال والمجانين قلت ، يكون الواصل إليهم نعيما ولذّة لا شبهة في ذلك ، ولكن لا ثواب لهم ولا ينالونه (أ ، ش ٢ ، ١٢١ ، ٢٠)

دركات

ـ الدرجات جمع درجة وهي الطبقات والمراتب ويقال لها درجات في الجنّة ودركات في النار ، وإنّما تفاضلت وتفاوتت بحسب الأعمال ، ولا يجوز أن يقع ذلك تفضّلا لأنّ التفضّل بالثواب قبيح ، فإن قلت فما قولك في الحور والولدان والأطفال والمجانين قلت ، يكون الواصل إليهم نعيما ولذّة لا شبهة في ذلك ، ولكن لا ثواب لهم ولا ينالونه (أ ، ش ٢ ، ١٢١ ، ٢٠)

دعاء

ـ اعلم أنّ الدعاء لا بدّ فيه من شرائط منها : أن يكون الداعي عالما بشأن الذي يسأله مما يحسن فعله. ومنها : أن يعلم أنّه يؤثّر في الأمر

الذي يطلبه ، إمّا في منافع الدين ، أو الدنيا. ومنها : أن يقصد بالمسألة فعل ذلك ويريده ، كأنّه كالأمر في أنّه لا يكون مسألة ودعاء إلّا بالإرادة. ومنها : أن يشرط في الدعاء ، أو في ضميره أن لا يكون ذلك مفسدة ؛ لأنّه إذا كان يدعو بأمر معيّن ، فلا بدّ من أن يكون شاكّا فيه : هل يكون مفسدة ، أو لطفا وحسنا ، أو قبيحا؟ فلا بدّ من أن يشترط ما ذكرناه فيه ، إلّا أن يكون الداعي يدعو بما يعلم أنّه بعينه يحسن على كل حال ، فيحسن منه الدعاء من غير هذا الشرط الذي ذكرناه. ثم ينقسم ، فمنه ما يعلم أنّه يحسن إن كان هو على صفة مخصوصة ، وإلّا لم يحسن. (و) منه ما يعلم من حاله أنّه يحسن على كل حال. فالأوّل : نحو الثواب لأنّه وإن كان لا يكون إلّا حسنا ، فإنّما يحسن متى كان المكلّف مستحقّا ، وكذلك العقاب. والثاني : نحو التفضّل والإحسان ، لأنّه متى وصف ما يدعو به بهذه الصفة ، لم يكن إلّا حسنا ، فيكون نفس اللطف مغنيا عن الشرط (ق ، م ٢ ، ٧٢٧ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ الدعاء قد يكون نفسه لطفا ؛ يعلم كونه كذلك من جهة الشرع ، ولولاه لما حسن. فلا يمتنع فيما هذا حاله أن يدعو المكلّف فيه بما يعلم أنّه تعالى لا يفعله. وكذلك من جهة العقل إذا كان له غرض في مسألة ما هذا حاله ؛ حسن لذلك الغرض ، لا لأمر يرجع إلى ما طلبه ، لأنّه لعلمه بأنّه لا يقع فيه. وما هذا حاله لا داعي له إلى طلبه ، فإنّما يحسن طلبه لأمر يرجع إليه ، أو إلى ثواب يستحقّه على نفس الدعاء (ق ، م ٢ ، ٧٢٨ ، ٢)

ـ قد بيّنا من قبل أنّ صيغة تكون دعاء إذا وقع ممن رتبته دون رتبة المدعو. وقد يوصف ما جرى هذا المجرى بأنّه مسألة ، وإن كان قد يقال ذلك في النظيرين ، ويسمّى طلبا ، إذا كان متضمّنا المطلوب له أو لغيره (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٣٨ ، ٤)

ـ قد صار من جهة الشرع يستعمل لفظ الدعاء فيما يفعله الإنسان من التمجيد والتهليل ، لأنّه إذا أورد ذلك واستكثر منه ، وإن لم يتبعه بطلب ، قد يقال : قد دعا الله ، لكن ذلك مجاز. وإنّما وصفوه بذلك ، لمّا كان المقصد بفعله ما يتبعه من الدعاء والطلب (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢٣٨ ، ٧)

ـ لا يمتنع أن يحسن الدعاء بما يعلم أنّ القديم يفعله لا محالة ، ويكون وجه حسنه صدوره عن المكلّف على سبيل الانقطاع إلى الخالق سبحانه ، ويجوز أيضا أن يكون في الدعاء نفسه مصلحة ولطف للمكلّف ، ولهذا حسن منّا الاستغفار للمؤمنين والصلاة على الأنبياء والملائكة (أ ، ش ٢ ، ٦٤ ، ٦)

دعاء الداعي

ـ إنّ الخاطر هو كلام يفهمه من يرد عليه ، وسنبيّن ذلك من حاله. ولو كان ظنّا واعتقادا كما قاله شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، لكان لا يمتنع أيضا أن يقوم مقام دعاء الداعي. لأنّه يقتضي الخوف للأمارات المضامّة له ، لا بنفسه. فكيف لا يكون بمنزلة الخبر الواقع من الداعي؟ وقد قال شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله : إنّ الخاطر مع ما ينضاف إليه من الأمارات ، أقوى من الخبر بانفراده. فإذا كان الخبر يقتضي التخويف ، فبأن يقتضي الخاطر ذلك أولى. لكنّ دعاء الداعي مع ما ينبّه عليه من جهات الخوف ، التي يتبيّنها العاقل ، أقوى لا محالة

من الخاطر مع ما يقترن به. لكن كل ذلك لا يقدح في تساويهما في باب التخويف الواقع ، ولا يمتنع أن تتفاوت أحوال الأمارات والأخبار وغيرهما فيما يحصل من الظنّ عندهما. لكنها أجمع لا تخرج من أن تكون أمارات تقتضي الظنّ وتتعلّق بها الأحكام (ق ، غ ١٢ ، ٣٩٥ ، ١٨)

دعوى

ـ إنّه تعالى فصل بين الدعوى والهداية ، فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (يونس : ٢٥) ، فخصّص الهداية وعمّم الدعوة (ج ، ش ، ١٩١ ، ٤)

دفع تكليف النظر والمعرفة

ـ قد بيّنا أنّ أبا عثمان الجاحظ ، رحمه‌الله ، ربما تعلّق في دفع تكليف النظر والمعرفة بما نذهب إليه من الكلام في الطبع ، ويقول : إنّهما يقعان منه بطبعه ، فلا يجوز أن يكلّف فعلهما. وقد بيّنا ، من قبل في أبواب تقدّمت في ذكر الطبائع ، فساد هذا القول. وبيّنا أنّ الأفعال كلها لا تقع إلّا من جهة القادر وعلى طريقة الاختيار من العقلاء. وبيّنا فيما تقدّم من هذه الفصول أنّ قوّة الدواعي إلى الفعل لا تخرجه من أن يكون واقعا من فاعله ، لكونه قادرا عليه ، وإن تدخّل ذلك يجب تكليفه ويستحقّ عليه الحمد والذمّ. وكل ذلك ، يبطل ما تعلّق به (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٦ ، ٢)

دلائل العقول

ـ إذا قلنا" دلائل العقول" فالمراد بذلك العلامات التي وصل بها إلى العلوم المكتسبة المجتلبة بالنظر والفكرة والتأمّل (أ ، م ، ٣٢ ، ١)

دلائل لفظية

ـ إنّ الدلائل اللفظيّة لا تكون قطعيّة لأنّها موقوفة على نقل اللغات ، ونقل وجوه النحو والتصريف ، وعلى عدم الاشتراك والمجاز والتخصيص والإضمار ، وعدم المعارض النقليّ والعقليّ ، وكل واحد من هذه المقدّمات مظنونة ، والموقوف على المظنون أولى أن يكون مظنونا. فثبت أنّ شيئا من الدلائل اللفظيّة لا يمكن أن يكون قطعيّا (ف ، س ، ٢٢٢ ، ١)

دلالة

ـ إنّ الدلالة هي العلامة التي بها يدلّ الدالّ على المدلول عليه من إشارة أو أثر أو حكم مقتض لحكم مقتضى. وكان يقول إنّه قد يوضع الدليل والدالّ في موضع الدلالة توسّعا لأجل ما بين الدالّ والدلالة من التعلّق ، وهذا كما يقولون" للمعلوم علم" و" للمقدور قدرة" لما بينهما من التعلّق (أ ، م ، ٢٨٦ ، ٩)

ـ إنّ الطريق إلى العلم بالغير إذا لم يكن معلوما ضرورة ، إنّما هو الدلالة ، وهو الدليل سواء ، ومعناهما ما إذا نظر الناظر فيه أوصله إلى العلم بالغير إذا كان واضعه وضعه لهذا الوجه. ولا بدّ من اعتبار هذين الشرطين ؛ أمّا الأول فلا بدّ منه ، ولهذا فإنّ سقوط الثلج في وقته لمّا لم يمكن التوصّل به إلى نبوّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم نقل إنّه دلالة على نبوّته ، وقيل في القرآن إنّه دليل على ذلك لمّا أمكن التوصّل به إلى العلم بنبوّته ؛ وأمّا الشرط الثاني فلا بدّ منه

أيضا ، ولهذا لا يقال في أثر اللص أنّه دلالة عليه وإن أمكن الاستدلال به على موضعه لمّا لم يصنعه لهذا الوجه ، بل استفرغ الوسع وبذل الجهد في إخفاء نفسه (ق ، ش ، ٨٧ ، ١٦)

ـ إنّ الدلالة أربعة ؛ حجّة العقل ، والكتاب ، والسنّة ، والإجماع. ومعرفة الله تعالى لا تنال إلّا بحجّة العقل (ق ، ش ، ٨٨ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الخبر والدلالة والعلم بمنزلة سواء في أنها لا تؤثّر فيما تتعلّق به ، وإنّما تتناوله على ما هو عليه. ولو أثّرت فيه لوجب إذا أخبرنا ودللنا وعلمنا عن القديم تعالى وأوصافه ، أن نكون قد جعلناه على ما هو به بالخبر والدلالة والعلم! وكان يجب إذا كان فعلنا يقع لأجل علمه تعالى ، ألا يكون لنا في ذلك صنع البتّة وأن يزول الذمّ والمدح. وكان لا يكون العلم بأن يوجب كون المعلوم بأولى من أن يكون المعلوم موجبا للعلم ، لأنّه كما يجب أن يكون على ما يتناوله ، فكذلك العلم بأن يكون علما لوقوع المعلوم على الحدّ الذي يتناوله. وهذا ظاهر الفساد (ق ، م ١ ، ١٧١ ، ٢)

ـ من حق الدلالة" ألّا تكون دلالة إلّا وفاعلها قد أراد من المستدلّ أن يستدلّ بها ، ولذلك لا يوصف اللص بأنّه قد دلّ على نفسه بأثره ، لمّا لم يرد ذلك ، فيجب أن يدلّ ما ذكرناه على أنّه تعالى أراد من جميع من أراد أن يبيّن لهم أن يستدلّ ويتبيّن ، وفي ذلك إبطال قولهم إنّه لم يرد ذلك ممن أعرض وتولى (ق ، م ١ ، ١٨١ ، ٩)

ـ إنّ الوقوع إذا كان المقصد به ظهور هذا الفعل على المنظر من دون مراعاة صحّة متقدّمة لم تفترق الحال بين من يفعل الحركة اختيارا وبين من توجد فيه الحركة من قبل الله جلّ وعزّ أو من قبل غيره ، لأنّ الكلّ في الصورة الواحدة ، فلا بدّ من أن يراعي في الوقوع أن يكون من جهته ، وذلك لا يكون إلّا بتقدّم الصحّة ، فثبت أنّ الدلالة هي الصحّة لا غير (ق ، ت ١ ، ١٠٤ ، ١١)

ـ إذا ثبت أنّ صحّة الفعل دليل كون القادر قادرا ، فكذلك يجب عند وجود الدلالة أن يحصل المدلول على كل وجه ، ولا يختلف شاهدا وغائبا (ق ، ت ١ ، ١٠٤ ، ١٥)

ـ إنّ الدلالة إنّما تدلّ على الشيء على ما هو به ، فإذا علم وجوب كونه تعالى عالما غنيّا ، لم يصحّ أن يقال : إنّ فيما يقدر عليه من فعل القبيح لو فعله ، كان يدلّ على جهله وحاجته ، لأنّ ذلك يوجب كونه دلالة على الشيء على خلاف ما هو به (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٥٢ ، ١١)

ـ إنّ الأمر فيما يستحقّه (الله) من الصفات موقوف على الدلالة ، وقد دلّت الدلالة على أنّه قادر عالم لذاته ، فأوجبنا كونه كذلك فيما لم يزل ، ودلّ الدليل على استحالة كونه مريدا فيما لم يزل ، على ما نبيّنه ، فوجب القول بأنّه يحصل مريدا بعد ما لم يكن كذلك (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٠٨ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ الدلالة لا يجوز أن تختصّ فتدلّ في موضع دون موضع ، لأنّ ذلك يحيل كونها دلالة في كل موضع ، وقد بيّنا أنّ وقوع الفعل المباشر بحسب قصده وإرادته ، وانتفاءه بحسب كراهته على طريقة واحدة مع السلامة يدلّ على أنّ ذلك فعل له. وقد علمنا أنّ ذلك موجود في المتولّد الذي يفعل في غير محل قدرته كالكتابة والنساجة والبناء وغيرها من الأفعال ، فيجب أن يكون ذلك دالّا على أنّه فعله أيضا (ق ، غ ٩ ، ٣٧ ، ٤)

ـ إنّ من حق المولّد أن لا يجوز حصوله على الوجه الذي يولّد والمحلّ محتمل والموانع زائلة إلّا ويجب أن يولّد ، كما أنّ من حق القادر إذا صحّ وجود مقدوره وارتفعت الموانع أن يصحّ الفعل منه ، ومتى امتنع الفعل منه والحال هذه علم أنّه ليس بقادر ، وكذلك إذا لم يولّد الشيء غيره والحال ما قدّمناه علم أنّه ليس بسبب له ، لأنه لو صحّ كونه سببا ، وإن كان قد يولّد وقد لا يولّد والحال ما قدّمناه لم يصحّ العلم بكونه مولّدا في حال ما يولّد ، لأنّه إذا صحّ وجوده ولا يولّد فمن أين أنّه في الحال الأخرى هو المولّد دون أن يكون حادثا من مختار ، وذلك في بابه بمنزلة العلل التي لو صحّ وجودها ، ولا يوجب المعلول لم يصحّ كونها علّة ، والجهة التي منها شبّهنا المولّد بالعلّة صحيحة وإن افترقا في أنّ تلك العلّة موجبة وهذا بخلافها ، لأنّه وإن لم يكن موجبا إيجاب العلل فمتى جوّزنا والمحل محتمل والموانع زائلة ألّا يقع المسبب لم يصحّ أن يثبت له به تعلّق ولا اختصاص حتى يقال إنّه يولّد في حال أخرى ، كما لو جوّزنا وجود العلّة ولا معلول على بعض الوجود لم نعلم له بالمعلول تعلّقا. وعلى هذه الطريقة شبّه شيوخنا رحمهم‌الله الدلالة بالعلّة وإن افترقا في الإيجاب لما علم من حال الدلالة أنّها لو وجدت على بعض الوجوه ولا مدلول لنقض كونها دلالة ، كما أنّ وجود العلّة إلّا معلول يمنع من كونها علّة ، فغير ممتنع أن يشبّه المولّد بالعلل والأدلّة من الوجه الذي قدّمناه (ق ، غ ٩ ، ١٣٥ ، ١١)

ـ اعلم ... أنّ الدلالة ، وإن كانت لا تدلّ إلّا على صحة ، فإن جنسها قد يكون مقدورا ، وإن كان المدلول على خلاف ما يقتضيه ذلك ؛ فليس لأحد أن يقول : يجب أن لا يصحّ منه تعالى إباحة القبيح أو إيجاب ما ليس بواجب ، أو تقبيح الحسن ، لأنّه يؤدّي إلى كونه دالّا على الشيء ، على ما ليس ؛ لأنّ ذلك لا يقدح في كونه مقدورا ؛ لأنّ الذي يدخل تحت القدرة إيجاده ، وإعدامه ، فأمّا كونه دلالة فإنما يرجع إلى وجه زائد ، لا تتناوله القدرة ، فلذلك لم يعتبر ، فيما يصحّ من التكليف ويمتنع بصحّة كونه دليلا ، وفساده (ق ، غ ١٦ ، ٦١ ، ٤)

ـ إنّ من حق الدلالة أن تكون كالأصل لما تدلّ عليه ؛ فإذا كان المدلول أصلا للدلالة أدّى إلى أنّ كل واحد منهما أصل لصاحبه ، وذلك يتناقض ، فلهذه العلّة لا يجوز أن يدلّ الخطاب على التوحيد والعدل ومقدّماتهما ، لأنّا لا نعلمه دلالة إلّا بعد العلم بجميع ذلك ، والعلم بجميعه كالوجه في كونه دلالة. ولا يجوز أن يدلّ الدليل السمعيّ على إثبات الأجناس والذوات ، لأنّ من حق الخطاب أن يعلم تعلّقه بما هو متعلّق به ، حتى يصحّ أن يدلّ عليه ، فيجب أن يكون العلم بما يتناوله متقدّما ، وذلك يقتضي أنّ العلم بالذوات والأجناس متقدّم ، فإذا وجب تقدّمه لم يصحّ كونه دلالة عليه (ق ، غ ١٧ ، ٩٣ ، ٤)

ـ الدلالة تتمّ من دون ذكر المثال ، لأنّ الدلالة لا تحتاج في صحّتها إلى صحّة المثال ، بل يجوز أن تكون دلالة وإن لم يكن لها مثال. ولهذا يجوز الانتقال من مثال إلى مثال ؛ ولا يجوز ذلك في الدليل ، لأنّه يكون انقطاعا في الدليل دون المثال (ن ، د ، ٣١ ، ١٣)

ـ الدلالة لا يجب فيها العكس ، وإنّما يجب فيها الطرد فقط (ن ، د ، ٣١٣ ، ١٤)

ـ اعتمد مثبّتو الأحوال على الدلالة والإلزام : أمّا

الدلالة فهو أنّهم قالوا : الذوات المختلفة كالسواد والبياض مثلا لا محالة أنّهما متّفقان في شيء وهو اللونيّة ، ومختلفان في شيء وهو السواديّة والبياضيّة ، وليس ما به وقع الاتّفاق ، هو ما به وقع الاختلاف ، وإلّا كانا شيئا واحدا ؛ فإذا هما غيران وهو المقصود. وأما ما اعتمدوه إلزاما ، فهو أنّهم قالوا : القول بإنكار الأحوال يفضي إلى إنكار القول بالحدود والبراهين ، وأن لا يتوصّل أحد من معلوم إلى مجهول. ولا سيّما صفات الربّ تعالى ؛ إذ منشأ القول بها ليس إلّا قياس الغائب على الشاهد. وهذا كلّه محال (م ، غ ، ٣١ ، ١)

ـ قوله عليه‌السلام أعلام الظهور أي الأدلّة الظاهرة الواضحة ، وقوله فيما بعد أعلام الوجود أي الأدلّة الموجودة ، والدلالة هي الوجود نفسه (أ ، ش ١ ، ٢٩٢ ، ١٣)

ـ الدلالة : هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر ، والشيء الأوّل هو الدالّ ، والثاني هو المدلول (ج ، ت ، ١٣٩ ، ١٥)

دلالة الاستدلال بالخلق

ـ أمّا دلالة الاستدلال بالخلق (على أنّ محدث العالم واحد) فهو أنّه لو كان أكثر من واحد لتقلّب فيهم التدبير نحو أن تحوّل الأزمنة من الشتاء والصيف ، أو تحوّل خروج الإنزال وينعها أو تقدير السماء / والأرض ، أو تسيير الشمس والقمر والنجوم ، أو أغذية الخلق أو تدبير معاش جواهر الحيوان. فإذا دار كله على مسلك واحد ، ونوع من التدبير ، وانساق ذلك على سنن واحد ، لا يتم بمدبرين ؛ لذلك لزم القول بالواحد (م ، ح ، ٢١ ، ١٥)

دلالة الشاهد على الغائب

ـ قال الشيخ أبو منصور رحمه‌الله : وليس في إثبات الأسماء وتحقيق الصفات تشابه لنفي حقائق ما في الخلق عنه كالهستيّة والثبات ، ولكنّ الأسماء لمّا لم يحتمل التعريف ولا تحقيق الذات بحق الربوبية إلّا بذلك ؛ إذ لا وجه لمعرفة غائب إلّا بدلالة الشاهد. ثم إذا أريد الوصف بالعلو والجلال فذلك طريق المعرفة في الشاهد ، وإمكان القول ؛ إذ لا يحتمل وسعنا العرفان بالتسمية بغير الذي شاهدنا ، ولا الإشارة إلى ما لا نأخذ من الحس وحق العيان ، لو احتمل وسعنا ذلك لقلنا ذلك ، لكنا [أردنا] به ما يسقط الشّبه من قولنا : عالم لا كالعلماء ، وهذا النوع في كل ما نسميه به ونصفه (م ، ح ، ٢٤ ، ٢٠)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : ثم اختلف في وجه دلالة الشاهد على الغائب ، فمنهم من يقول : على مثله ؛ إذ هو أصل للذي غاب عنه ، ولا يخالف الأصل فرعه ، مع ما كان طريق معرفة الغائب الشاهد ، وقياس الشيء نظيره ، فبه أثبتوا قدم العالم ؛ إذ الشاهد يدل على مثله ، فصار الغائب به عالما أيضا ، ثم هو يدل في كل وقت على مثله قبله ، وفي ذلك إيجاب القدم للكل (م ، ح ، ٢٧ ، ٢٠)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : ونحن نقول بأنّه عزوجل لم يزل عالما قادرا فاعلا جوادا على الوجوه التي تصح في العقل ، ويقوم معه التدبير ، إنّه لم يزل كذلك ليكون بفعله كل شيء يكون ، في وقت كونه ، بوجه يصح عنه دفع الوصف بالغنا عن التكوين ، والامتناع عن وقوع القدرة عليه ، والغنى بنفسه في الوجود عن الباري ، ولا قوة إلّا بالله. وذلك معلوم في

الشّاهد في العلم والإرادة بأشياء ليست بكائنة لتكون ، فمثله عندنا القدرة والإرادة والجود وما ذكر ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٣٣ ، ١٧)

ـ إنّه يوجد من العبد الفعل المتولّد ، يقع الفراغ بعده بأوقات كالرمي والجنايات ، يستحق اسم القاتل والجاني والمصيب بعد انقضاء حقيقة فعله ، فمثله مستقيم من الله ، وإن كان لا يوصف فعله بالطّباع والتولّد ؛ لما أنّ خروج أحد الوجهين في الشاهد لم يمنع من تحقيق الفعل ، فمثله في الغائب ، وإن لم يكن من ذلك الوجه على ما بيّنا من إثبات شيء ليس بجسم ، على جواز القول في الله بالشيء ، وإن لم يكن عرضا ، وكل شيء في الشاهد غير جسم فهو عرض بحق الوجود لا أنّ ذلك اسمه ، فمثله الأول (م ، ح ، ٤٨ ، ١٣)

دلالة العدل

ـ إن قالوا : إذا كان القديم تعالى قادرا على القبيح فما الذي أمّنكم من أن يوقعه؟ قلنا : دلالة العدل ، وهو علمه بقبح القبيح واستغناؤه عنه هو الذي أمّننا من ذلك ، فصحّ ما قلنا ، وصحّ أنّه تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحا (ق ، ش ، ٣١٥ ، ١٣)

دلالة عقلية

ـ اعلم أنّ التقدير ربما يقوم مقام التحقيق وذلك مثل ما نحن فيه ، وربما لا يقوم مقامه ، وذلك كتقدير وقوع الظلم من جهة الله تعالى فإنّه لا يقوم مقام الوقوع ، إذ لو وقع من الله تعالى الظلم حقيقة لدلّ على الجهل والحاجة ، وليس كذلك إذا هو قدّر وقوعه من قلبه ، فالوجه في ذلك أن يحال السؤال ويقال : خطأ قول من يقول : إنّه يدلّ على الجهل والحاجة ، وخطأ قول من يقول إنّه لا يدلّ عليه ، فهذه هي الدلالة العقليّة (ق ، ش ، ٢٨٣ ، ١٨)

دلالة على أنّا قادرون

ـ إنّ من حقّ الدليل أن يكشف ولا يؤثّر ، فوقوعه بحسب الدواعي يكشف عن اختصاص الفعل بنا وحدوثه من جهتنا. ثم يحتاج إلى نظر في أنّه المؤثّر أو غيره. وتبيّن صحّة ذلك أنّ المؤثّر في كوننا قادرين هو وجود القدرة ، ثم الدلالة على أنّا قادرون هي صحّة الفعل فكذلك الحال فيما قلناه (ق ، ت ١ ، ٣٦١ ، ١١)

دلالة على الشيء

ـ اعلم أنّ إقامة الدلالة على الشيء فرع على كونه في نفسه معقولا ، فإنّما ما لا يعقل فإيراد الدلالة عليه لا وجه له. وإنّما يدخل الشيء في كونه معقولا بوجهين. أحدهما بأن نعلم ثبوته إمّا بدلالة أو ضرورة. والثاني بأن يصحّ فيه تقدير الثبوت. فعلى هذا يصير القول بيان مع الله تعالى غير داخل في حدّ ما لا نعقل لأنّ تقديره ممكن ، فنقول لو كان له ثان لصحّ التمانع بينهما (ق ، ت ١ ، ٣٢ ، ٢)

دلالة على العلم

ـ لو جاز لزاعم أن يزعم أنّ الفعل الحكمي يدل على أن العالم عالم ثم يعلم علمه بعد ذلك ، لجاز لزاعم أن يزعم أن الفعل الحكمي يدل على أنّ العلم علم ثم يعلم أنّه لعالم بعد ذلك ، وإذا لم يجز هذا وتكافأ القولان وجب أن تكون الدلالة على أن العالم عالم دلالة على العلم (ش ، ل ، ١٣ ، ٦)

دلالة على قبح الشيء

ـ ممّا يدلّ على بطلان قولهم ، إنّ النهي منه تعالى دلالة على قبح الشيء ؛ والدليل يدلّ على الشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالدلالة ؛ والنهي الصادر منه تعالى يجري مجرى قوله إنّ هذا الفعل قبيح ، والأمر ينبئ عن مثل ما ينبئ عنه قوله إنّ هذا الفعل ندب أو واجب. فكما أنّ الخبر يدلّ على أنّ المخبر عنه على ما تعلّق به ، لا أنّه بالخبر صار على ما هو به ، وهو كالعلم في هذا الباب ، فكذلك الأمر والنهي. ألا ترى أنّه لا فصل في الشاهد بين قول القائل : إنّ الفعل قبيح ، وبين قوله لفاعله : لا تفعل. فكيف يقال في النهي أنّه يوجب قبح المنهي عنه ، والحال فيه ما وصفناه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٥ ، ٩)

دلالة على النبوات

ـ إنّ الدلالة من قبله تعالى على النبوّات لا تكون إلّا المعجزات به ولهذه الجملة ، قلنا : إنّه تعالى ، إذا أراد أن يحمّل الرسول الأول الرسالة ، فلا بدّ من أن يفعل الخطاب على وجه يكون معجزا ، أو يقترن به المعجز ليعلم به أنّه حادث من قبله. ولا يجوز منه تعالى أن يدلّ على الأحكام إلّا بهذين الوجهين : إمّا بخطابه الذي يكون معجزا أو يقترن به المعجز ، أو بقول الرسل إذا دلّ على صدقهم بالمعجز. ومتى دلّ على صدقهم بغير هذا الوجه فذلك تأكيد يجري مجرى دلالة القرآن على التوحيد والعدل ، في أنّ ذلك يعدّ في التأكيد ؛ لأنّه لا بدّ من تقدّم المعرفة بذلك من جهة أدلّة العقول. فكذلك القول في المعجزات ، وما يرد بعدها من التصديق بالخطاب (ق ، غ ١٥ ، ١٦٤ ، ١١)

دلالة الفعل

ـ إنّ الكلام لا يدلّ على ما يدلّ عليه لأمر يرجع إليه ، وإنّما يدلّ لكون فاعله حكيما ، ولذلك لم يدلّ كلام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الأحكام إلّا بعد العلم بأنّه رسول حكيم لم يظهر المعجز عليه إلّا لكونه صادقا في سائر ما يؤدّيه. وليس كذلك دلالة الفعل على أنّ فاعله قادر ، ولأنّه إنّما يدلّ لأمر يرجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وهو أن الفعل إذا صحّ من واحد وتعذّر على من هو بمثل حاله فلا بدّ من أن يختصّ بأمر له صحّ الفعل منه ، وهذه الجملة لا تتعلّق بالاختيار ، فلذلك يصحّ أن يستدلّ بالحوادث التي لا يجوز أن تحدث من الأجسام على الله تعالى وعلى أنّه قادر عالم ، وليس كذلك حال القرآن (ق ، م ١ ، ٣ ، ٩)

ـ إنّ دلالة الفعل المحكم على كونه عالما تتفرّع على دلالة صحته على كونه قادرا. وكذلك فدلالة الخبر على كونه مريدا تتفرّع على دلالة صحته على كونه قادرا. ولو لا أنّ الأمر كذلك لما صحّ في الفعل المحكم أن يدلّ على كونه عالما ؛ لأنّ وجه دلالته صحته من قادر دون قادر. ولو كان الوجه ، الذي له دلّ ، ما يرجع إلى القادر ، لم ينفصل ، في ذلك ، حال قادر من قادر. وإنّما صحّ ذلك فيه لما قدّمناه ، من أن كونه محكما يقتضي تعلّق الفعل بالفاعل على وجه مخصوص ؛ وذلك لا يتمّ من حيث صحّ حدوثه فقط ، فوجب أن يدلّ على حال زائدة ، كما نقوله في دلالة كون الخبر خبرا على كونه مريدا ، إلى ما شاكل ذلك ؛ لأن الوجه الزائد على حدوثه قد اقتضى فيه مثل الذي قدّمناه في كون الفعل محكما (ق ، غ ١٥ ، ١٥٤ ، ١٥)

ـ إختلاف وجه دلالة الفعل بالتضادّ ، دلّ على اختلاف الفاعلين بالتضادّ (ش ، ن ، ٩٨ ، ٧)

ـ وجه دلالة الفعل على الفاعل هو الجواز والإمكان وترجّح جانب الوجود على العدم ، وذلك لم يختلف خيرا كان أو شرّا ، فالوجود من حيث هو وجود خير كله ، أو يقال لا خير فيه ولا شرّ ، والفعل من حيث وجوده ينسب إلى الفاعل لا من حيث هو خير أو شرّ ، والفاعل يريد الوجود من حيث هو وجود لا من حيث هو خير أو شرّ (ش ، ن ، ٩٨ ، ١٢)

دلالة الفعل المحكم

ـ أمّا دلالة الفعل المحكم على أنّ فاعله عالم فمشبه لدلالة الفعل على أنّ الفاعل قادر من وجه ومخالفة له من وجه آخر ، وذلك أنّه يكون دليلا على أنّه كان عالما قبل وجود هذا الفعل وفي حال وجوده أيضا. والوجه في وجوب تقدّمه من قبل هو لأنّه جار مجرى الدواعي ، فلا بدّ من تقدّمها ليصحّ دعاؤها إلى إيجاد الأفعال. فإنّما وجبت مقارنة العلم لأنّه شرط في وقوعه محكما. ولا بدّ في الشرط من المقارنة ، فصار العلم من هذا الوجه كالجهة لكونه محكما ، وحلّ محلّ الإرادة وشابه في الوجه الأوّل القدرة ، فلكن القدرة لمّا كانت مما يؤثّر في وقوع الفعل استغنى عنها في حال وجوده. وليس حظ العلم هذا الحظ. وهذا كله بيّن إذا كان الفعل المحكم مبتدأ أو متولّدا لا يتراخى عن السبب ، فيراعى كونه عالما من قبل توقيت واحد ، وكونه عالما في حال الفعل أيضا. فأمّا إذا كان متولّدا يتراخى عن السبب ، فيجب كونه عالما قبل وقوع السبب وفي حال وقوعه. ثم لا يجب عند المسبّب أن يكون عالما لأنّه قد صار بوجود السبب في حكم الواقع. وهكذا إذا كان بعض الأسباب يولد بعضا فقد كفى تقدّم كونه عالما للسبب الأوّل ومقارنته له ، وعلى هذا يصحّ وجود الكلام منه في الصدى في حال قد خرج عن كونه عالما أو حيّا ، وجرى الحال في ذلك مجرى القدرة لأنّ تقدّمها بأوقات كثيرة صحيح على المسبّبات التي تولّد أسبابها حالا فحالا (ق ، ت ١ ، ١١٥ ، ٩)

ـ اعلم أنّ دلالة الفعل المحكم هي على كون فاعله قبل فعله له بوقت واحد عالما إذا كان مبتدأ أو متولّدا لا يتراخى عن السبب ، فأمّا إن كان مما يتراخى عن سببه جاز تقدّمه بأزيد من وقت واحد على ما تقدّم. ولا يكون له في الدلالة حظ على أزيد من ذلك ، فلا يصحّ لقائل أن يقول : هلّا دلّ الفعل المحكم بنفسه إذا وقع من الله جلّ وعزّ على كونه عالما لم يزل ، لأنّه لو دلّ ذلك فيه لدلّ فينا؟ وقد عرفنا خلافه فصار إنّما نعلم أنّه عالم لم يزل بواسطة (ق ، ت ١ ، ١١٧ ، ٥)

دلالة في الشاهد

ـ إنّ الكلام في الشاهد صحّ أنّه يدلّ بالمواضعة والقصد ، ولنا طريق إلى معرفة الكلام بالإدراك والمواضعة بالأخبار ، وما يجري مجراها ، والقصد بالاضطرار. فصحّ ، عند ذلك ، أن يعرف به الغرض ، ويصير كالدلالة في الشاهد. ولا يصحّ أن نعرف قصده تعالى باضطرار ، لتعذّر ذلك مع التكليف. فوجب أن نعرفه بالاستدلال. وطريق الاستدلال في ذلك ، أن نعلم أنّه تعالى لا يخاطب بالكلام ، الذي تقرّر فيه بيننا ضرب من المواضعة ، إلّا وذلك مراده.

فيصير علمنا المتقدّم بذلك بمنزلة الاضطرار إلى القصد ، ويصحّ ، عند ذلك ، أن نعرف به مراده. وذلك بمنزله ما نقول في أنّ تصرّف العبد يدلّ ، عندنا ، على كونه قادرا ، لعلمه بوقوعه بحسب أحواله. فإذا علمنا حادثا ، ولم نعلم تعلّقه بالواحد منّا ، وعلمنا أنّ ذلك لا يصحّ فيه ، حكمنا بتعلّقه بقادر مخالف لنا ، واستدللنا به على أنّه قادر. فالاستدلال في الغائب والشاهد يقع بالفعل على حدّ واحد ، وإن كانت طريقة العلم بالتعلّق تختلف (ق ، غ ١٥ ، ١٦٢ ، ١٨)

دلالة معتمدة

ـ الدلالة المعتمدة ، وأول من استدلّ بها شيخنا أبو الهذيل ، وتابعه باقي الشيوخ. وتحريرها هو أن نقول : إنّ الأجسام لم تنفكّ من الحوادث ولم تتقدّمها ، وما لم يخل من المحدث يتقدّمه يجب أن يكون محدثا مثله. وهذه الدلالة مبنيّة على أربع دعاوى : أحدها ، أنّ في الأجسام معاني هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون. والثانية ، أنّ هذه المعاني محدثة. والثالثة ، أنّ الجسم لم ينفكّ عنها ولم يتقدّمها. والرابعة ، أنّها إذا لم ينفكّ عنها ولم يتقدّمها وجب حدوثه مثلها (ق ، ش ، ٩٥ ، ٩)

دلالة المعجز

ـ إنّا علّقنا وقوع البعثة بمعرفة المعجز ، لا أنّا نعلّق معرفة المعجزات بوقوع البعثة. فصار معرفة دلالة المعجز كالأصل لوقوع البعثة وثبوت الشرائع ، كما أنّ حصول البعثة فرع عليه (ق ، غ ١٥ ، ١٤٧ ، ١٠)

دلالة الموانع

ـ قد مرّ في الكتاب ما هو إشارة إلى دلالة الموانع لأنّه قال الشيء إنّما يرى لما هو عليه في ذاته ، والقديم حاصل على ما هو عليه في ذاته فما المانع من أن يرى؟ (ق ، ش ، ٢٥٣ ، ٦)

دلالتان على حال

ـ إنّ نهيه (الله) يدلّ على أنّ المنهيّ عنه فساد ، وأمره يدلّ على أنّ ما أمر به صلاح ، فهما دلالتان على حال الفعلين ، لا أنّهما يوجبان قبح أحدهما وحسن الآخر. وليس كذلك حكم الأمر والنهي منّا ، لأنّ دلالتهما على قبح الفعل وحسنه لا تصحّ ، إلّا أن يقعا من نبي ، فيجريان مجرى ما يقع من القديم تعالى في باب الدلالة ، وليس كذلك ما ذكروه من أنّ النهي يوجب قبحه على سبيل الدلالة ؛ لأنّ ذلك يوجب أنّ نهي غيره كنهيه في هذا الباب (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٣ ، ١٥)

دليل

ـ إنّ الدليل لا يكذب ولا ينافق ولا يزيد ولا يبدل ، وشهادة الإنسان لا تمتنع من ذلك وليس معها أمان من فساد ، ما كان الإمكان قائما (ج ، ر ، ٦٨ ، ١٩)

ـ قال الراوندي : الدليل إنّما يكون دليلا بالاستدلال ؛ لأنّه فعل المستدل. مشتق من الاستدلال كالضرب من الضارب وغيره (م ، ت ، ٣٨ ، ٨)

ـ الدليل بنفسه دليل وإن لم يستدل به ، لأنّه حجّة. والحجّة حجة وإن لم يحتج بها. غير أن الدليل يكون دليلا بالاستدلال ومن لم يستدل به فلا يكون له دليلا ، وإن كان بنفسه دليلا (م ،

ت ، ٣٨ ، ١٠)

ـ إن قال قائل : فما معنى الدليل عندكم؟ قيل له : هو المرشد إلى معرفة الغائب عن الحواس وما لا يعرف باضطرار ، وهو الذي ينصب من الأمارات ، ويورد من الإيماء والإشارات مما يمكن التوصّل به إلى معرفة ما غاب عن الضرورة والحس (ب ، ت ، ٣٩ ، ١٥)

ـ أنّ الدليل هو : ما أمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة ما لا يعلم باضطراره ، وهو على ثلاثة أضرب : عقلي : له تعلّق بمدلوله ، نحو دلالة الفعل على فاعله ، وما يجب كونه عليه من صفاته نحو حياته ، وعلمه ، وقدرته ، وإرادته. وسمعيّ شرعيّ : دالّ من طريق النطق بعد المواضعة ، ومن جهة معنى مستخرج من النطق ، ولغويّ : دالّ من جهة المواطأة والمواضعة على معاني الكلام ، ودلالات الأسماء والصفات وسائر الألفاظ ، وقد لحق بهذا الباب : دلالات الكتابات والرموز ، والإشارات والعقود ، الدالّة على مقادير الأعداد ، وكل ما لا يدل إلّا بالمواطأة والاتفاق (ب ، ن ، ١٥ ، ٧)

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ معنى الدليل والدالّ كمعنى العليم والعالم في أنّه مأخوذ من الدلالة ، كما أنّ عالما مأخوذ من العلم وكذلك عليم (أ ، م ، ٢٨٦ ، ٨)

ـ إنّ الطريق إلى العلم بالغير إذا لم يكن معلوما ضرورة ، إنّما هو الدلالة ، وهو الدليل سواء ، ومعناهما ما إذا نظر الناظر فيه أوصله إلى العلم بالغير إذا كان واضعه وضعه لهذا الوجه. ولا بدّ من اعتبار هذين الشرطين ؛ أمّا الأول فلا بدّ منه ، ولهذا فإنّ سقوط الثلج في وقته لما لم يمكن التوصّل به إلى نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم نقل إنّه دلالة على نبوّته ، وقيل في القرآن إنّه دليل على ذلك لمّا أمكن التوصّل به إلى العلم بنبوّته ؛ وأمّا الشرط الثاني فلا بدّ منه أيضا ، ولهذا لا يقال في أثر اللص أنّه دلالة عليه وإن أمكن الاستدلال به على موضعه لما لم يصنعه لهذا الوجه ، بل استفرغ الوسع وبذل الجهد في إخفاء نفسه (ق ، ش ، ٨٧ ، ١٦)

ـ إنّ الدليل هو ما إذا نظر الناظر فيه أوصله إلى العلم بالغير (ق ، ش ، ٨٨ ، ٨)

ـ من حق الدليل أن يكون بينه وبين المدلول تعلّق ليكون بأن يدلّ عليه أولى من أن يدلّ على غيره (ق ، ش ، ٩٠ ، ١١)

ـ ليس من شأن الدليل إذا دلّ بوقوعه على وجه ثم وجد لا على ذلك الوجه ، أن يدلّ على خلاف ما كان يدلّ عليه لو وقع على ذلك الوجه ، بل أكثر ما فيه أن لا يدلّ عند تعرّيه من هذا الوجه على ما كان يدلّ عليه عند وقوعه على ذلك الوجه. وكذلك نقول هاهنا : فإنّا ما ليس تظهر فيه الاحكام ليس فيه دلالة على أنّه ليس بعالم وإن كان ما هو محكم دليلا على أنّه عالم. وإنّما يدلّ على أنّه ليس بعالم لو أراد إيقاعه محكما وتوفّرت الدواعي وحصلت الآلات (ق ، ت ١ ، ١١٦ ، ٩)

ـ أمّا دلالة الفعل المحكم على العلم فأبعد لأنّ الدليل إنّما يدلّ على ما له به تعلّق ، ومعلوم أنّ الفعل المحكم لا تعلّق له بالعلم. ألا ترى أنّ العلم وجوده مقصور على بعضه وصدور الفعل المحكم هو من الجملة فيجب أن يدلّ على اختصاص الجملة بمفارقة بينها وبين غيرها. فأمّا دلالته على العلم فدلالة منه على ما لا تعلّق له به. وبعد فلا شبهة في دلالة الفعل المحكم على صفة العالم ، فلا يجوز مع ذلك

أن يكون دليلا على العلم لأنّه يقتضي أنّ الشيء الواحد من الوجه الواحد يدلّ على أمرين مختلفين وهذا باطل (ق ، ت ١ ، ١٨٥ ، ٢٦)

ـ إنّ الدليل هو فعل من الأفعال يقع على وجه مخصوص (ق ، ت ١ ، ٣٣٢ ، ١١)

ـ لا بدّ من أن يكون الدليل متقدّما ، وذلك لأنّه إنّما يتوصّل به إلى العلم بالمدلول بأن يقع النظر فيه ، ومن شأن النظر أن يتقدّم العلم وأن يوجد العلم ثانيا عنه ، فإذا وجب تقدّم النظر فأولى أن يتقدّم الدليل. وأن يحصل للناظر العلم به على الوجه الذي يدلّ. ويكفي أن يتمكّن من أن يعلم الدليل على الوجه الذي يدلّ دون أن يشرط في إزاحة علّته أن يحصل له العلم بالدليل على الوجه الذي يدلّ لا محالة (ق ، ت ٢ ، ١٥٥ ، ١)

ـ الدليل يدلّ على الشيء على ما هو به ، لا أنّه يصير على ما هو به بالدلالة (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٠٥ ، ١٠)

ـ إنّ الدليل إنّما يدلّ على ما يعقل (ق ، غ ٧ ، ٩٨ ، ٧)

ـ إنّ الدليل إنّما يدلّ على الشيء لتعلّقه به ؛ إمّا لأمر يرجع إلى نفسه أو إلى اختيار فاعله وإحداثه له على وجه (ق ، غ ٧ ، ١٠٩ ، ١)

ـ بيّنا في أول باب العدل أنّه لا يجوز في الفعل أن يكون واجبا للأمر ، ولا لإيجاب الموجب ، إذا أريد به الإلزام بالقول ، أو نصب الدلالة فقط ، وبيّنا أنّ هذه الأمور أو بعضها يدلّ على وجوب الواجب ، فأمّا أن يجب لأجله فمحال ، لأنّ من حق الدليل أن يكشف عن حال المدلول ، لا أنّه يصيّره كذلك ، ولذلك فصلنا بين الدليل والعلّة في العالم ، فقلنا إنّ الدليل على كونه عالما ، غير العلّة الموجبة لكونه عالما وجوّزنا في الدليل أن يثبت ولا مدلول بأن يبقى ويخرج العالم عن هذه الصفة ، وأحلنا ذلك في العلّة والمعلول. وذكرنا أن لذلك أصولا في الفعل ، وأنّ ما عداه يجب أن يبنى عليها ، نحو علمنا بوجوب ردّ الوديعة على وجه ، ووجوب شكر المنعم على وجه ، وقضاء الدين والإنصاف ، وبيّنا أنّ ما يعلم وجوبه بالاستدلال ، فلا بدّ فيه من دخوله في أصل ضروريّ على الجملة ، لأنّه لمّا علم بالعقل وجوب التحرّز من المضارّ على وجه مخصوص ، وبيّن الشرع من حال الشرعيّات أنّها بهذه الصفة ، علمنا وجوبها ، ولذلك يعدّ الشرع كاشفا عن الأمور الثابتة في العقل ، غير مخالف لها ، فالذي يجمع الوجوه التي لها يجب الواجب ، ما قدّمناه ، وهو ما عند العلم به يعلم وجوب الواجب ، ثم ينقسم (ق ، غ ١٤ ، ٢٢ ، ١٤)

ـ إنّ ما يدلّ عليه العقل هو ما فيه استدلال عقليّ معلوم. فأمّا ما ليس هذا حاله فلا دليل في العقل عليه. والعلم بأنّ هذه الأفعال ألطاف ومصالح يجري مجرى العلم بالغيب ، وما سيقع من المكلّف وما لا يقع ، وما يقوّي دواعيه ، وما لا يقوّي ؛ وذلك لا يتأتى فيه الدليل العقلي ، كما لا يتأتى في سائر تصرّف العبد. ألا ترى أنّ الدليل إنّما يدلّ ، على أنّ ، مع سلامة الأحوال يجب ، إذا قويت دواعيه ، وأراد الفعل ، أن يقع ؛ وإذا قويت دواعيه في ألّا يفعله ، وكرهه لم يقع. فأمّا تفصيل الدواعي ، وما عنده لا بدّ من أن يفعل فعلا آخر ، وكيف يكون الفعل داعيا إلى فعل ، أو ترك لا يجوز أن يكون لشيء من الحوادث تعلّق به ؛ فكيف يصحّ أن يقال ، فيما هذا حاله ، إنّه

يعلم من جهة الدليل العقليّ؟ (ق ، غ ١٥ ، ٢٦ ، ٢٠)

ـ إنّ من حق التوليد أن يكون المسبّب فيه بحسب السبب ، وألّا يجوز في الأسباب أن تكون مولّدة لمسبّب واحد. وليس كذلك حال الدليل ؛ لأنّ جملة من الفعل قد تدلّ ، ولا يدلّ البعض منه ، كما نقوله في دلالة الفعل المحكم (ق ، غ ١٥ ، ٣٧٣ ، ١١)

ـ اعلم أنّ كل دليل يدلّ على الأحكام فهو يدلّ على المراد بالخطاب ، لأنّ من حق الدليل أن لا يختصّ في دلالته لأمر يرجع إلى المدلول ، فلا فرق إذن بين أن يكون المدلول حكما ، أو صرفا للخطاب عن ظاهره ، أو تخصيصا له ، أو بيانا للمجمل. ومتى جوّزنا في بعض ذلك أن لا يكون دالّا لزم في جميعه ذلك ؛ وهذا ينقض كونه دليلا ، فإذا كان الخطاب الخاص والعام ، وسائر ما قدّمنا ذكره يدلّ على الأحكام إذا تجرّد ، فيجب أن يدلّ على التخصيص وغيره ، على هذا الحدّ (ق ، غ ١٧ ، ٨٧ ، ٤)

ـ إنّ الدليل لا بدّ أن يكون مطابقا لمدلول ؛ فإذا كانت صحّة الفعل دليلا ، وهو يختصّ بالجملة ، فمدلوله يجب أيضا أن يختصّ بالجملة. أو لا ترى أنّ انتهاء الطريق إلى المسجد الجامع ، لما كان في موضع مخصوص وجب أن يكون المسجد الجامع أيضا هناك ، وأنّ انتهاء آثار قدم اللص إذا كان إلى موضع مخصوص أن يكون اللص هناك؟ وإذا ارتفع الدخان أو اللهب من موضع مخصوص وجب أن تكون النار هناك ؛ فإن كان ذلك في مواضع وجب أن تكون النار في مواضع (ن ، د ، ٤٨٨ ، ١)

ـ إنّ الدليل لا يجوز أن يثبت ولا مدلول هناك ، وذلك مثل ما نقول في كونه قادرا : إنّه يقتضي كونه موجودا اقتضاء الدلالة. وكذلك إذا كان اقتضاء الإيجاب ، فما حصل على المقتضي لا بدّ أن يحصل على المقتضى له ، إذا كان الشرط حاصلا ، كما تقدّم في جوهر ، إذا كان موجودا وجب أن يكون متحيّزا ، وجب ذلك في كل جوهر. وإنما وجب ذلك لأن المقتضى إذا اقتضى أمرا من الأمور إنّما اقتضى لأمر يرجع إليه ، سواء كان ذلك على وجه الدلالة أو الإيجاب. فإذا شاركه غيره في هذه الصفة فقد شاركه فيما لأجله اقتضى ما اقتضاه ، فيجب أن يشاركه في حصول المقتضى له. وكذلك الاشتراك في الدليل (ن ، د ، ٥٤٧ ، ٥)

ـ اعلم أنّ أبا القاسم قال في إصلاح غلط ابن الروندي فيما أظن ، أنّ الدليل علمي بالشيء ووجودي له (ن ، م ، ٣٤٣ ، ٢١)

ـ إنّ الدليل في الحقيقة هو الفاعل للدلالة كما قيل في اللغة (ن ، م ، ٣٤٤ ، ١)

ـ العلم الحاصل المطلوب هو المدلول ، وازدواج الأصلين الملزمين لهذا العلم هو الدليل ، والعلم بوجه لزوم هذا المطلوب من ازدواج الأصلين علم بوجه دلالة الدليل ؛ وفكرك الذي هو عبارة عن إحضارك الأصلين في الذهن ، وطلبك التفطّن لوجه لزوم العلم الثالث من العلمين الأصلين ، هو النظر (غ ، ق ، ١٧ ، ١٧)

ـ الدليل : هو الذي يلزم من العلم به العلم بوجود المدلول (ف ، م ، ٤٤ ، ٢٨)

ـ الدليل : إمّا أن يكون هو العلّة كالاستدلال بمماسّة النار على الاحتراق ، أو المعلول المساوي كالاستدلال بحصول الاحتراق على مماسّة النار (ف ، أ ، ٢١ ، ٥)

ـ الدّليل هو الذي يلزم من النّظر فيه العلم بالمدلول ، فإنّ من المدلول ما لا وجود له ، ويستدلّ عليه. كنفي العلم الذي يستدلّ عليه بنفي الحياة. وكذلك الدّليل (ط ، م ، ٦٦ ، ١٧)

ـ ما يلزم من معرفته العلم دليل ، والظنّ أمارة ، فإن كانا عقليّين فإن حصل اللزوم من الجانب الآخر فاستدلال بالعلّة المعيّنة على المعلول المعيّن ، وبه على المطلقة أو المعيّنة إن ثبت التساوي ؛ أو بأحد المعلولين على الآخر ، وهو مركّب منهما ، أو بأحد المتلازمين على الآخر ، كالمتضايفين ، وإلّا فبالمشروط على الشرط ؛ والسمعيّ المحض محال ، لأنّ خبر الغير لا يفيد ما لم يعلم صدقه والمركّب ظاهر (خ ، ل ، ٤٦ ، ٦)

ـ الدليل : في اللغة هو المرشد وما به الإرشاد ، وفي الاصطلاح هو الذي يلزم من العلم به العلم بشيء آخر. وحقيقة الدليل هو ثبوت الأوسط للأصغر واندراج الأصغر تحت الأوسط (ج ، ت ، ١٣٩ ، ١١)

ـ الدليل ، لغة : المرشد ، والعلامة الهادية. واصطلاحا : ما به الإرشاد النظريّ. ويمتنع معرفة ما لا يدرك ضرورة بلا دليل ، لعدم الطريق إليه (ق ، س ، ٥٧ ، ٥)

ـ وجود المستدلّ على الله سبحانه ، لازم لوجود الدليل ، لأنّ وجوده هو نفس الدليل ، فيبطل تقدير عدم الدليل على الله سبحانه مع وجود المستدلّ ، بخلاف العكس ، لجواز أن يخلق الله تعالى شيئا لا يعلم ، نحو الجماد ، قبل خلقه من يعلم ، والجهل بوجه الدليل لا يبطل كونه دليلا ، لأنّ الجهل لا تأثير له في إبطال الأدلّة باتّفاق العقلاء (ق ، س ، ٥٩ ، ١٠)

دليل الإثبات

ـ ليس انتفاء دليل الإثبات في بعض الأوقات دليلا على إيجاب النفي ، بخلاف دلالته في حالة الإثبات ، فلا تعارض (م ، غ ، ٣٢٩ ، ١)

دليل التكليف

ـ إنّ دليل التكليف يقتضي حالا دون حال ، من أوقات المكلّف ، لأنّه إذا نام ، وأغمي عليه فقد تبيّنا أنّ دليل الشرع لم يتضمّن التعبّد في هذه الحال ، حتى إذا زال ذلك ، وثاب إليه عقله ، وتكامل شرط التكليف لزم التعبّد ، فما الذي يمنع مع إطلاق الأمر أن يتخلّل حال المكلّف أوقات تكون مخصوصة من جملة تكليفه ، فتكون الواجبات عليه ، من قبل محظورة فيها ؛ على أنّ التكليف وإن كان مؤبّدا فليس يلزم المكلّف أن يدوم على فعل واحد ، بل ينتقل من فعل إلى فعل ، وقد تتخلّل حال تكليفه أوقات استراحة ، فقد حصل كل تكليف بعينه منقطعا في أحوال ، وإن كانت الطاقة والقدرة قائمة ، فما الذي يمنع من مثله ، في أن ينقطع كل تكليف في بعض الأحوال إلى خلافه (ق ، غ ١٦ ، ٨٢ ، ١٣)

دليل التمانع

ـ ... قد ثبت أنّ من حق كل قادرين أن يصحّ أن تختلف دواعيهما. وإذا صحّ ذلك ، لم يمتنع أن يريد أحدهما ما دعاه الداعي إليه من تحريك الجسم ، ويريد الآخر تسكينه. فإذا ثبت ذلك ، ولم يكن للضدّين إلّا أحوال ثلاثة : إمّا وجودهما معا ، وذلك محال وإمّا أن لا يوجدا ، وحال القادرين ما ذكرناه وذلك لا يصحّ لما فيه في نفي القديم الواحد أو يوجد

أحدهما وحال القادرين ما ذكرناه. فيجب كونهما متناهيي المقدورات ، وفي ذلك نفي الواحد قادرا لنفسه ، أو يوجد مراد أحدهما دون الآخر ، وذلك يوجب أن من لم يوجد مراده متناهي المقدور ، وذلك يوجب كونه جسما محدثا ، فثبت تصحيح الدلالة على الوجه الذي اعتبرناه (ق ، غ ٤ ، ٢٨٠ ، ١٢)

دليل الخطاب

ـ أمّا دليل الخطاب فهو عند أصحاب الشافعي عبارة عن دلالة الخطاب على خلاف حكمه في غير ما تناوله الخطاب. وذلك أنّ الخطاب قد يعلّق على عدد وعلى غاية وعلى صفة (ب ، أ ، ٢٢٤ ، ٤)

دليل سمعي

ـ أمّا (الدليل) السمعيّ المحض ، فمحال. لأنّ خبر الغير ما لم يعرف بالعقل صدقه لم يفد ، وأمّا المركّب فظاهر (ف ، م ، ٤٥ ، ٧)

دليل الشاهد على الغائب

ـ إنّما نعلم دلالة هذه الأفعال المحكمة على كون أحدنا عالما لاعتبار التساوي في كون ذاتين قادرين ، ثم استبداد أحدهما بصحّة الفعل المحكم منه فنعلم أنّه لا بدّ من صفة زائدة على كونه قادرا. وإذا دلّ الدليل في الشاهد على أمر من الأمور ، فلا بدّ من دلالته في الغائب على مثل ذلك ، وإلّا إلى انتقاض الأدلّة وهذا لا يجوز. والغرض بإثباته تعالى عالما هو أن يحصل على صفة زائدة على كونه قادرا لأجلها يصحّ الفعل المحكم منه ، وهذه الصفة معقولة له في الشاهد وإن كان الذي نعرفه من أنفسنا كوننا معتقدين ساكني الأنفس ، لكن ليس حدّ الصفة ذلك حتى يقال : فهذا لا يتأتّى في الله جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١١٤ ، ٢٠)

دليل العقل

ـ أمّا المعلوم بدليل العقل دون الشرع فهو حدث العالم ، ووجوب المحدث ، وقدرته ، وعلمه ، وإرادته. فإنّ كل ذلك ما لم يثبت لم يثبت الشرع ، إذ الشرع يبتني على الكلام (غ ، ق ، ٢١٠ ، ٩)

دليل عقلي

ـ إنّ ما يدلّ عليه العقل هو ما فيه استدلال عقليّ معلوم. فأمّا ما ليس هذا حاله فلا دليل في العقل عليه. والعلم بأنّ هذه الأفعال ألطاف ومصالح يجري مجرى العلم بالغيب ، وما سيقع من المكلّف وما لا يقع ، وما يقوّي دواعيه ، وما لا يقوّي ؛ وذلك لا يتأتى فيه الدليل العقلي ، كما لا يتأتى في سائر تصرّف العبد. ألا ترى أنّ الدليل إنّما يدلّ ، على أنّ ، مع سلامة الأحوال يجب ، إذا قويت دواعيه ، وأراد الفعل ، أن يقع ؛ وإذا قويت دواعيه في ألّا يفعله ، وكرهه لم يقع. فأمّا تفصيل الدواعي ، وما عنده لا بدّ من أن يفعل فعلا آخر ، وكيف يكون الفعل داعيا إلى فعل ، أو ترك لا يجوز أن يكون لشيء من الحوادث تعلّق به ؛ فكيف يصحّ أن يقال ، فيما هذا حاله ، إنّه يعلم من جهة الدليل العقلي؟ (ق ، غ ١٥ ، ٢٦ ، ٢٠)

ـ أمّا (الدليل) العقليّ فلا بدّ وأن يكون بحيث يلزم من وجوده وجود المدلول ، فاللزوم حاصل لا محالة من هذا الطرف ، فإن لم

يحصل من الطرف الآخر فهو والاستدلال بالمشروط على الشرط ، كالاستدلال بالعلم على الحياة ، وإن حصل من الآخر ، فهو الاستدلال بالعلّة المعيّنة على المعلول المعيّن ، والمعلول المعيّن على العلّة المطلقة أو المعيّنة إن ثبت التساوي بدليل منفصل ، أي بأحد المعلولين على الثاني ، وهو مركّب من الأولين أو بأحد المتلازمين على الآخر كالمتضايفين (ف ، م ، ٤٥ ، ٢)

دليل في الشاهد

ـ إنّما نعلم دلالة هذه الأفعال المحكمة على كون أحدنا عالما لاعتبار التساوي في كون ذاتين قادرين ، ثم استبداد أحدهما بصحّة الفعل المحكم منه فنعلم أنّه لا بدّ من صفة زائدة على كونه قادرا. وإذا دلّ الدليل في الشاهد على أمر من الأمور ، فلا بدّ من دلالته في الغائب على مثل ذلك ، وإلّا أدّى إلى انتقاض الأدلّة وهذا لا يجوز. والغرض بإثباته تعالى عالما هو أن يحصل على صفة زائدة على كونه قادرا لأجلها يصحّ الفعل المحكم منه ، وهذه الصفة معقولة له في الشاهد وإن كان الذي نعرفه من أنفسنا كوننا معتقدين ساكني الأنفس ، لكن ليس حدّ الصفة ذلك حتى يقال : فهذا لا يتأتّى في الله جلّ وعزّ (ق ، ت ١ ، ١١٤ ، ١٩)

دليل لفظي

ـ الدليل اللفظيّ لا يفيد اليقين إلّا عند تيقن أمور عشرة : عصمة رواة مفردات تلك الألفاظ وإعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز والنقل والتخصيص بالأشخاص والأزمنة وعدم الإضمار والتأخير والتقديم والنسخ وعدم المعارض العقلي الذي لو كان لرجّح عليه ، إذ ترجيح النقل على العقل يقتضي القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل لافتقاره إليه ، وإذا كان المنتج ظنّيّا فما ظنّك بالنتيجة (ف ، م ، ٤٥ ، ٩)

ـ الدليل اللفظيّ لا يفيد اليقين إلّا بشروط عصمة الرواة ، ومعرفة مفردات الألفاظ وصحّة إعرابها وتصريفها وعدم الاشتراك والمجاز ، والتخصيص الشخصيّ والزمانيّ والإضمار ، والتقديم ، والتأخير ، والمعارض العقليّ الراجح لو كان ، وإلّا لزم القدح في النقل لتوقّفه عليه ، وهي ظنّيّة فكذا النتيجة (خ ، ل ، ٤٦ ، ١٣)

دليل المقابلة

ـ قد دلّ العقل والسمع على ما قلناه في نفي الرؤية. واعتمد في الكتاب من جهة العقل على طريقين. أحدهما دليل المقابلة. والثاني دليل الموانع. فتحرير الأوّل (دليل المقابلة) إنّ من شأن أحدنا ألا يرى إلّا إذا كانت له حاسّة صحيحة ولا يكفي ذلك دون أن يكون المرء مقابلا لحاسّته إن كان إنّما يراه بلا واسطة أو يقابل ما قابل حاسّته إن كان يرى بواسطة هي المرآة. وكانت هذه القضية لازمة واجبة في الرأي بحاسّة لأنّه مهما حصل الشرطان صحّ كونه رائيا ، ومهما فقدا أو فقد أحدهما امتنعت الرؤية واستمرّت الحال في ذلك استمرارا يكشف عن أنّه من باب الواجبات ، وأنّه خارج عن طريق العادات ، وإلّا جاز وقوع الخلف فيه على بعض الوجوه. وليس ذلك من كونه تعالى رائيا لنا بسبيل لأنّه ليس يرانا بحاسّة وذلك هو شرط فيمن يرى بحاسّة ، ولا يمكن أن يجعل

ذلك شرطا راجعا إلى نفس المرء وإلّا وجب تساوي أحوال الرائين فيه. ومعلوم أنّ القديم يرى الجوهر ولا يقابله. فإذا ثبتت هذه الجملة وكان من حقّ الرائي منّا أن لا يرى إلّا ما هو مقابل لنا ، وكانت هذه القضية فيه تعالى ممتنعة فيجب أن تمتنع رؤيته (ق ، ت ١ ، ٢٠٨ ، ٤)

دليل الموانع

ـ والطريق الثاني (دليل الموانع) هو أنه قد حصل القديم مع الرائين منّا بمنزلة المرئيات التي ليس لنا من رؤيتها مانع ، فكما أنّ المرء الذي هذا وصفه لا بدّ من أن تراه فكذلك القديم تعالى. وبيان هذا أنّ المنع عن الرؤية إنّما يصحّ وروده على من يجوز أن يكون رائيا بأن يكون حيّا لا آفة به وحاسّة صحيحة والمرء موجود. فحينئذ يردّ عليه من رؤية هذا المرء منع محلّ الرائي في هذا الوجه محلّ القادر الذي لو لا كونه قادرا لما صحّ ورود المنع عليه. ولهذا لا يقال منع الأعمى من الرؤية مانع وإنّما يقال ذلك في البصير (ق ، ت ١ ، ٢٠٨ ، ٥)

دليل ومدلول

ـ الدليل والمدلول إمّا أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا. إذا استدللنا بشيء على شيء فإمّا أن يكون أحدهما أخصّ من الثاني أو لا يكون. والأوّل على قسمين ، لأنّه إمّا أن يستدلّ بالعامّ على الخاصّ وهو القياس في عرف المنطقيين أو بالعكس وهو الاستقراء. وأمّا الثاني فلا يمكن الاستدلال بأحدهما على الآخر إلّا إذا اندرجا تحت وصف مشترك بينهما ، فيستدلّ بثبوت الحكم في إحدى الصورتين على أنّ المناط هو المشترك ، ثم يستدلّ بذلك على ثبوته في الصورة الأخرى وهو القياس في عرف الفقهاء ، وهو في الحقيقة مركّب من القسمين الأولين (ف ، م ، ٤٥ ، ١٩)

دنيا

ـ إنّ أبا الهذيل كان يزعم أنّ الدنيا دار عمل وأمر ونهي ومحنة واختبار ، والآخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا دار أمر ولا نهي ولا محنة ولا اختبار (خ ، ن ، ٥٦ ، ١٣)

ـ قول القائل دنيا واقع على كل ما خلقه الله سبحانه من الجواهر والأعراض ، وجميع ما خلقه الله سبحانه قبل مجيء الآخرة ورودها (ش ، ق ، ٤٤٣ ، ١٥)

دهر

ـ عن ابن عيينة : الدهر عند الله تعالى يومان : أحدهما اليوم الذي هو مدّة عمر الدنيا فشأنه فيه الأمر والنهي والإماتة والإحياء والإعطاء والمنع ، والآخر يوم القيامة فشأنه فيه الجزاء والحساب. وقيل نزلت في اليهود حين قالوا : إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئا (ز ، ك ٤ ، ٤٦ ، ١٥)

دهريون

ـ أهل الدهر الزاعمين بأنّ الجسم لم يزل متحرّكا وحركاته محدثة (خ ، ن ، ٢١ ، ١٥)

دواع

ـ قال قوم أنّ الأفعال التي من شأن النفس أن تفعلها وتجمعها وتميل إليها وتحبّها فليس تحتاج إلى خاطر يدعوها إليها ، وأمّا الأفعال التي تكرهها وتنفر منها فإنّ الله عزوجل إذا أمر بها أحدث لها من الدواعي مقدار ما يوازي

كراهتها لها ونفارها منها (ش ، ق ، ٤٢٨ ، ٩)

ـ إنّ الدواعي المزعجات والخواطر والأغراض إنّما تكون وتجوز على ذي الحاجة الذي يصح منه اجتلاب المنافع ودفع المضارّ ؛ وذلك أمر لا يجوز إلّا على من جازت عليه الآلام واللذات وميل الطبع والنفور ؛ وكل ذلك دليل على حدث من وصف به وحاجته إليه ، وهو منتف عن القديم تعالى (ب ، ت ، ٥٠ ، ٥)

ـ الغرض بالدواعي هو ما نعلمه أو نعتقده أو نظنّه من نفع لنا في الفعل أو دفع ضرر ، فلهذا إذا تغيّرت حالنا في هذا الداعي لم نختر ما كنّا نختاره لولاه نحو أن نظنّ أنّ في الطعام سمّا فنمتنع من تناوله. ولو اعتقدناه سليما من السمّ وغيره لأقدمنا على أكله (ق ، ت ١ ، ٧٠ ، ١١)

ـ إنّ الإرادة ليست من الشهوة بسبيل. وأمّا الدواعي فقد تستمرّ بأحدنا ويكون فاعلا في حال دون غيرها لكونه مريدا ومختارا ، وهذا كمن بين يديه الطعام وهو عالم بأنّه مهما تناول انتفع به لأنّ هذا هو الذي يدعوه إلى تناوله. ثم يختار أن يتناوله في وقت من هذه الأوقات دون ما عداها ، وقد يتساوى داعيه إلى أفعال ويختار بعضها دون بعض نحو من هو ملجأ إلى الهرب من السبع ، وهناك طريقان لأنّه يكون ملجأ إلى الهرب من كل واحد من الطريقين ، فداعيه إليهما على سواء ويختار أحدهما دون الآخر. وهكذا الحال إذا كان بين يديه طبق عليه تمر أو كان بين يديه درهمان أو ديناران (ق ، ت ١ ، ٢٦٧ ، ١٣)

ـ وبعد فإنّ الدواعي تكشف عن كونه قادرا على الجملة ، وكونه قادرا لا يكشف عنه ، كما يكشف كونه عالما عن كونه قادرا ، ولا يكشف كونه قادرا عنه. فلهذا وجب الاستدلال بالدواعي دون ما قالوه. وتبيّن صحّة ذلك إنّا نحتاج إلى مراعاة طرفي النفي والإثبات في تعليق الفعل بنا فنقول : وجب وقوعه بحسب أحوالنا ووجب انتفاؤه بحسب أحوالنا ، فيجب أن نعتبر ما يتعلّق بالنفي وبالإثبات على حدّ واحد. ومعلوم أنّا لو علّقنا ذلك بالقادر في كونه قادرا لم يحصل فيه إلّا بجانب الوقوع دون جانب النفي. وليس هكذا إذا علقناه بالدواعي (ق ، ت ١ ، ٣٦١ ، ١٧)

ـ ذكر رحمه‌الله أنّ المؤثّر كونه قادرا ، وأن الدواعي تأثيرها في وجوب الحصول ووجوب الانتفاء (ق ، ت ١ ، ٣٦١ ، ٢٤)

ـ إنّ الذي به نثبت الدواعي هو جواز كونه فاعلا للشيء ولغيره بدلا منه ، فيعدل عن أحدهما إلى صاحبه لأجل الدواعي المحقّقة أو المقدّرة. ولهذا نثبت فعل الساهي والنائم فعلا لهما على تقدير صحّة الدواعي فيهما لو كانا عالمين. فإذا تقرّر ما ذكرنا فيجب أن لا تكون القدرة يقترن بها مقدورها لا محالة على وجه الوجوب ، لأنّ ذلك يرفع الحاجة إلى الدواعي ويقتضي وجود الفعل لا محالة (ق ، ت ٢ ، ١١٩ ، ٥)

ـ إنّ الدواعي وما يتبعها يتقدّم ويقارن (ق ، ت ٢ ، ١٣٩ ، ١٠)

ـ إنّ الدواعي إنّما تؤثّر في مقدور من اختصّت به دون مقدور غيره (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٤١ ، ١)

ـ إنّ الدواعي لها (الإرادة) تفعل الفعل وتختاره ، فهي متقدّمة على الفعل ؛ كما أنّ كونه قادرا متقدّم له. فكما لا يجب كون القدرة فعلا له من حيث كان المقدور فعله ، فكذلك الدواعي. وإنّما يختلفان في أنّه قد تعلم الدواعي قبل الفعل ، ولا تعلم القدرة قبله (ق ، غ ٨ ، ٤٥ ، ١)

ـ متى ذكرنا الدواعي في هذا الباب فإنّما نريد به حال الفاعل وما يحصل عليه دون نفس الاعتقادات التي تحصل في القلب ، لأنّ ذلك يعلم ثانيا (ق ، غ ٨ ، ٤٥ ، ١١)

ـ إنّ الدواعي لا تجري مجرى القدرة (ق ، غ ٨ ، ٤٧ ، ١٤)

ـ إذا علمنا أنّ الدواعي هي العلوم والاعتقاد والظنون دون غيرها ، لأنّ سائر ما لا يتعلّق بالفعل لا مدخل له في ذلك ؛ وقد علمنا أنّ ذلك لو حصل ، ولم يحصل قادرا ، لم يصح الفعل منه ؛ ومتى حصل قادرا ، صحّ ذلك منه ؛ فيجب أن يكون هو المصحّح للفعل دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٢ ، ١٤)

ـ إنّ الدواعي التي هي الاعتقادات ، قد يكون تعلّقها بما يستحيل وجوده من جهته ، كتعلّقها بما يصحّ وجوده من جهته. ولو اقتضت صحّة الفعل ، لحلّت محل القدر في استحالة تعلّقها إلّا بما يحدث من جهته فقط. يؤيّد ذلك ، أنّ من حق القدرة أن تقتضي لجنسها صحّة الفعل بها. فلو لم يصحّ ذلك فيها إلّا مع الدواعي ، لأوجب ذلك قلب جنسها. ولا يمكن أن يقال : إن من شرط صحّة الفعل بها ارتفاع الموانع ، وذلك لأنّ الشيء إنّما يجعل شرطا في غيره متى دلّ الدليل على ذلك فيه ، وإلّا فالواجب القضاء بحصول ما يقتضيه الشيء لجنسه ، حصل غيره أو لم يحصل. وإنما جعلنا ارتفاع الموانع شرطا ، لأنّ وجوده يحيل الفعل ، ولم يثبت في ارتفاع الدواعي أنّه يحيل الفعل ، فيجعل وجودها شرطا. وإذا جاز بقاء الفعل مع ارتفاع الدواعي ، فكيف يجعل شرطا في حدوثه؟ وإنّما جاز ذلك في ارتفاع الموانع ، لمّا كان المنع يحيل وجوده على كل حال (ق ، غ ٨ ، ٥٤ ، ٤)

ـ إنّ في الدواعي ، ما يدعو القادر إلى إيجاد الفعل وهو على صفة ؛ ولا يدعوه إلى إيجاده وهو على صفة أخرى ، لأنّ دواعي الفقير قد تخالف دواعي الغني ؛ وهذا يؤدّي إلى أن يكون ما يصحّح الفعل في حال ، لا يصحّحه في حال أخرى ، لوجود مال أو غيره. وهذا يبطل القول : بأن للدواعي مدخلا في صحّة الفعل. على أنّ الدواعي نفسها قد تكون من فعله ، فيكون المصحّح لإيجادها القدرة دون دواع أخر ، لأنّه قد يسبق إلى اعتقاد وظنّ ، ويقدّم عليهما باتّفاق ، ثم يدعوه ذلك إلى الفعل (ق ، غ ٨ ، ٥٥ ، ٩)

ـ قد بيّنا أنّ الشبهة في أنّ الدواعي توجب الأفعال أقرب من الشبهة في أنّ الإرادة توجب المرادات ، لأنّ الإرادة والمراد يتبعان الداعي ولا يتبع أحدهما صاحبه في باب الإحداث. وإذا صحّ ذلك وعلم أنّ القول بأنّ الدواعي موجبة لأفعال لا يصح ، فكذلك لا يصحّ القول بأنّ الإرادة توجب المرادات ، وإذا بطل ذلك وجب القضاء بأنّها مبتدأة من الإنسان ، وأنّه لكونه قادرا عليها فعلها كما فعل الإرادة من حيث كان قادرا عليها (ق ، غ ٩ ، ٢١ ، ١)

ـ إنّ علم الفاعل بحسن الشيء لا يقتضي وجوب فعله لا محالة ، وإنّما يقتضي أنّه قد يختاره لأجل ذلك ، ويحسن منه اختياره لأجله ، وما حسن لأجله اختيار الشيء وكان داعيا إلى اختياره لم يجب اطّراده حتى يجب اختيار كل ما شاركه فيه ، كما لم يجب اختيار الأوّل لأجله ، وإنّما يصحّ كونه داعيا إلى الاختيار ، وذلك مما يحبّب إليه ، ولا يؤدّي إلى فساد ؛ لأنّ الدواعي لا يجب كونها موجبة ، وإنّما

تقتضي أن يكون ذلك الفعل بأن يختاره القادر أولى من غيره ، وذلك يبطل ما سأل عنه ، ويجوز كونه تعالى خالقا الخلق لينفعهم ، وإن خلقهم في حال دون حال ، أو خلق قدرا دون قدر (ق ، غ ١١ ، ٩٨ ، ١١)

ـ إنّ الدواعي إنّما تصحّ فيمن ثبت كونه ممكّنا من الشيء وضدّه. فأمّا إذا لم يكن ممكّنا من ذلك لم يصحّ أن تقوّى دواعيه ، أو يصرف عن اختيار الفعل ببعض الأفعال. فيجب كونه تمكينا من الأمرين (ق ، غ ١١ ، ٢١٦ ، ١٩)

ـ إنّ الدواعي إذا اختصّت بجملة الحي ، فيجب أن تكون مؤثّرة في حال الفاعل واختياره لما يختاره. وبيّنا أن الدواعي هي الاعتقادات على اختلافها ، وإنّه إذا سلم الاعتقاد ، ثبتت الدواعي ؛ وإذا حصل ما أثّر فيها ، تغيّر حالها (ق ، غ ١٢ ، ١٢٨ ، ١٧)

ـ إنّا قد بيّنا الدواعي يرجع بها إلى الاعتقادات والظنون ، وذلك مما نعرفه من أنفسنا وغيرنا ؛ لأنّا نضطرّ إلى أنّ زيدا يعتقد في الشيء نفعا أو دفع ضرر ، فيكون اعتقاده هذا داعيا إلى الفعل. وإذا صحّ أن نعرف ذلك من حاله ، فيما نعلمه من حركاته وتصرّفه الظاهر ، فكذلك قد نعلم ذلك في النظر. ولو لم نعرف ذلك من الغير ، يصحّ أن نعرفه من أنفسنا ، ولوجب متى علمنا أنّ نظرنا وفكرنا يقع بحسب الدواعي أن نعلم من حاله مثل ما نعرفه من حال سائر تصرّفاته في وجوب كونه فعلا لنا (ق ، غ ١٢ ، ٢٠٩ ، ١٦)

ـ اعلم ، أنّا قد بيّنا من قبل أنّ الفعل الداخل تحت التكليف ، لا بدّ من أن تتردّد للمكلّف الدواعي بين فعله وتركه والعدول عنه إلى خلافه. ولذلك قصدنا إلى ذكر هذا الفصل لئلّا يقول قائل : إنّ المعارف وإن كانت مقدورة للعبد ولا مانع له عن فعلها ، فإنّه لا يصحّ أن يدعوه إليها داع ، فلا يجوز من الحكيم أن يكلّفها. وقد علمنا أنّ الدواعي ترجع إلى الاعتقادات والظنون دون غيرها ، لأنّه إذا علم في الفعل منفعة دعاه إلى فعله ، وكذلك إذا ظنّه أو اعتقده ؛ ولو علم أو ظنّ أنّ عليه في الفعل مضرّة ، صرفه عن فعله. وكذلك القول فيما نعلمه نفعا وإحسانا إلى الغير أو حسنا أنّه قد يدعوه إلى فعله ، فإذا علمه إساءة صرفه عن فعله ، ولا يجوز أن يدخل في باب الدواعي سوى ما ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٢٢٦ ، ٧)

ـ أمّا القسم الثاني فإنّه الأصل في باب العدل ؛ لأنّا نستدلّ على أنّه ، تعالى لا يفعل القبيح بثبوت أوصافه التي تجري مجرى الداعي إلى أنّه لا يفعله ، وإن كان ذلك قد يصحّ لما عليه من كونه قادرا. ونستدلّ في أفعاله على أنّها حسنة كونها واقعة منه ، مع علمنا بأنّه على حال تقوي منها دواعيه إلى ألّا يفعل إلّا الحسن. فصار إثبات الحسن في أفعاله لا بدّ منه ، من حيث لو لم نثبتها كذلك ، لما صحّ (أن) نثبته عالما غنيّا ، ونثبته فاعلا للواجب ، بمثل هذه الطريقة. وإنّما قلنا ، في ذلك ؛ إنّه يدلّ ، من حيث الدواعي ؛ لأنّه لو لا الدواعي ، لم يكن الواقع من الفعل حسنا ؛ (بل كان يصحّ أن يكون قبيحا كصحة كونه حسنا ؛) وكان حاله ، في ذلك ، كحال الأجناس التي يصحّ في القادر أن يختار بعضا على بعض. ولأجل الداعي اختصّ ذلك الفعل بأن لم يقع من قبله ، إلّا حسنا. وإنما شرطنا ، مع الدواعي ، الاختيار ؛ لنبيّن به التفرقة بين هذا القسم وبين القسم الأول الذي تكفي فيه الصحّة ؛ لأنّ الفعل قد

يقع من القادر ، وإن لم يحصل منه سوى كونه قادرا. ولا يجب في الدواعي ذلك ؛ لأنّ ، مع الدواعي ، لا بدّ من الاختيار ، أو ما يجري مجراه ، وإن كان لو لا الدواعي لما حصل ذلك ، فقلنا ، من هذا الوجه ، إنّه يدلّ من حيث الدواعي والاختيار (ق ، غ ١٥ ، ١٥٧ ، ١٨)

ـ إنّ الدواعي على ضربين : أحدهما : ما يجب عنده وقوع الفعل ، والثاني : ما لا يجب عنده وقوع الفعل. وما تنازعنا فيه من هذا القبيل ، وهو ما لا يجب وقوع الفعل عنده. وقد علمنا أن أحدنا إذا علم الصدق وعلم حسنه كان علمه بحسنه يكون داعيا له إلى فعله ، ثم يوقّعه في وقت دون وقت ، مع أن حاله في باب الحسن في الوقتين سواء. وكذلك يخبر بقدر منه دون قدر ، مع أنّ وجه الحسن في الجميع على سواء. وكذلك الكلام في التصدّق والضيافة ، فإنّه يدخل فيهما التخصيص ، مع أنّ وجه الحسن شائع في الجميع (ن ، د ، ٢٨٨ ، ١٤)

دواعي وصوارف

ـ قد ثبت أنّ العلم بأن في الفعل نفعا يدعو إلى فعله ، والعلم بأنّ فيه ضررا يصرف عن فعله. ومتى لم يثبت هذا صارفا وذاك داعيا ، لم يصحّ إثبات شيء من الدواعي والصوارف ، لأنّ هذا الباب هو من آكدها. حتى أن العاقل إذا علم أو اعتقد المنفعة العظيمة صار ملجأ إلى الفعل ، ومتى عظمت المضرّة صار ملجأ إلى الترك ، فيخرج عند ذلك من أن يكون مكلّفا لقوة هذه الدواعي. وإذا صحّ ما ذكرناه ، وكان النفع اليسير يدعو إلى الفعل ، وكذلك المنقطع المتنغّص ، فالنفع الدائم الذي لا يشوبه تنغيص أولى أن يكون داعيا إلى الفعل ، وكذلك حال المضرّة التي هي عقاب ، أن العلم بها يدعو إلى الانصراف عمّا يستحقّ بها. فإذا صحّ ذلك ، وجب في الحكمة إذا أراد تعالى تكليف العبد أن يفعل فيه هذه الدواعي أو يمكنه من فعلها. لأنّ ما يكون عنده أبعد من فعل القبيح أقرب إلى فعل الحسن الواجب ، يجري مجرى نفس الواجب ، والامتناع من القبيح في أنّه تعالى يجب أن يلزم المكلّف كما تلزم الواجبات في عقله. وهذا باب منفرد بنفسه ، لا يجب أن يحمل على سائر الألطاف. فسواء ثبت في المعرفة أنّ المكلّف يختار عندها الواجب لا محالة أو الامتناع من القبيح ، أو لم يثبت ذلك ، فالحال لا تختلف. لأنّه لا يمتنع أن تثبت للعبد الأمور التي يكون معها أبعد من فعل القبيح ويفعله مع ذلك ، والأمور التي يكون معها أقرب إلى فعل الواجب ولا يفعله مع ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٥ ، ١٥)

دولة

ـ الدولة والدولة بالفتح والضم وقد قرئ بهما : ما يدول للإنسان : أي يدور من الجدّ ، يقال دالت له الدولة وأديل لفلان ، ومعنى قوله تعالى (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) (الحشر : ٧) كيلا يكون الفيء الذي حقّه أن يعطي الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جدّا بين الأغنياء يتكاثرون به ، أو كيلا يكون دولة جاهلية بينهم ، ومعنى الدولة الجاهلية أنّ الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة لأنّهم أهل الرئاسة والدولة والغلبة ، وكانوا يقولون : من عزّ بز ؛ والمعنى : كيلا يكون أخذه غلبة وأثرة جاهلية ، ومنه قول الحسن : اتّخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا يريد من غلب منهم أخذه واستأثر به. وقيل

الدولة ما يتداول كالغرفة اسم ما يغترف : يعني كيلا يكون الفيء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه فلا يصيب الفقراء ، والدولة بالفتح بمعنى التداول : أي كيلا يكون ذا تداول بينهم أو كيلا يكون إمساكه تداولا بينهم لا يخرجونه إلى الفقراء. وقرئ دولة بالرفع على كان التامة كقوله تعالى (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ) (البقرة : ٢٨٠) يعني كيلا يقع دولة جاهلية ولينقطع أثرها أو كيلا يكون تداول له بينهم ، أو كيلا يكون شيء متعاور بينهم غير مخرج إلى الفقراء (ز ، ك ٤ ، ٨٢ ، ١٥)

ديار

ـ من مذهبهما (الخابطيّة والحدثيّة) أنّ الديار خمس : داران للثواب ، إحداهما فيها أكل وشرب وبعال ، وجنّات وأنهار. والثانية : دار فوق هذه الدار ليس فيها أكل ولا شرب ولا بعال ، بل ملاذ روحانية وروح وريحان ، غير جسمانيّة. والثالثة : دار العقاب المحض ، وهي نار جهنّم ، ليس فيها ترتيب ، بل هي على نمط التساوي. والرابعة : دار الابتداء التي خلق الخلق فيها قبل أن يهبطوا إلى دار الدنيا ، وهي الجنّة الأولى. والخامسة : دار الابتلاء ؛ وهي التي كلّف الخلق فيها بعد أن اجترحوا في الأولى (ش ، م ١ ، ٦٢ ، ١٣)

ديانات

ـ إنّ الديانات هنّ اعتقادات لا أفعال تكتسب ، إذ الاعتقادات لا يجري عليها القهر والغلبة ، ولا لأحد من الخلائق على اعتقاد آخر ومنعه سلطان ، وهنّ أفعال القلوب خاصة ، وربما كان للألسن بها تعلّق من حيث لا يقدر على استعمال لسان غيره وكذلك قلبه ، ويقدر على سائر الجوارح (م ، ح ، ٣٦٩ ، ١٥)

ديانة

ـ العلم يبنى على الدين ، فصار الدين هو التوحيد والعلم هو الديانة يعني الشرائع ، وهو بعد التوحيد ، ثم الدين عقد على الصواب والديانة سيرة على الصواب (م ، ف ، ٥ ، ١٤)

ديصانية

ـ إنّ الديصانية زعمت أنّ فعل النور للحكمة جوهر منه وطباع وأنّ خشونة الظلمة وتأذي النور بها جوهر وطباع (خ ، ن ، ٣٨ ، ٢١)

ـ قول الديصانية : زعموا أنّ الأشياء من أصلين على ما زعمت المانوية. وزعموا أنّ النور حي قادر عالم حساس درّاك منه يكون الفعل والحركة ، والظلمة موات عاجزة جاهلة راكدة لا فعل لها ولا تمييز معها ؛ والشرّ يقع منها طباعا (ق ، غ ٥ ، ١٦ ، ١٢)

دين

ـ قالوا (أصحاب نجده من الخوارج) : الدين أمران : أحدهما معرفة الله ومعرفة رسله عليهم السلم ، وتحريم دماء المسلمين وأموالهم وتحريم الغصب والإقرار بما جاء من عند الله جملة فهذا واجب ، وما سوى ذلك فالناس معذورون بجهالته حتى تقوم عليهم الحجّة في جميع الحلال ، فمن استحلّ شيئا من طريق الاجتهاد مما لعلّه محرّم فمعذور على حسب ما يقول الفقهاء من أهل الاجتهاد فيه (ش ، ق ، ٩٠ ، ١٠)

ـ العلم يبنى على الدين ، فصار الدين هو التوحيد

والعلم هو الديانة يعني الشرائع ، وهو بعد التوحيد ، ثم الدين عقد على الصواب والديانة سيرة على الصواب (م ، ف ، ٥ ، ١٤)

ـ إذا صار هاهنا عقود أربعة ، التوحيد والمعرفة والإيمان والإسلام ليست هي بواحدة ولا متغايرة ، فإذا اجتمعت صارت دينا وهو معنى قوله تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) (آل عمران : ١٩) (م ، ف ، ٧ ، ٨)

ـ مما يدلّ على أنّ الدين والإسلام واحد ، قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران : ٨٥) ، والمعلوم أنّه لو اتّخذ الإيمان دينا لقبل منه. ويدلّ على ذلك أيضا قوله تعالى : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦) فلو لم يكن أحدهما هو الآخر ، لكان لا يصحّ الاستثناء على هذا الوجه (ق ، ش ، ٧٠٦ ، ٨)

ـ قالوا (النجدات) : الدين أمران : أحدهما : معرفة الله تعالى ، ومعرفة رسله عليهم الصلاة والسلام ، وتحريم دماء المسلمين ، يعنون موافقيهم. والإقرار بما جاء من عند الله جملة ، فهذا واجب على الجميع ، والجهل به لا يعذر فيه. والثاني : ما سوى ذلك ، فالناس معذورون فيه إلى أن تقوم عليهم الحجّة في الحلال والحرام. قالوا : ومن جوّز العذاب على المجتهد المخطئ في الأحكام قبل قيام الحجّة عليه فهو كافر (ش ، م ١ ، ١٢٣ ، ١٠)

ـ المعتزلة : والإيمان والإسلام والدين سواء. بعض الإماميّة : الإسلام غير الإيمان. قلنا : اشتركت في كونها للمدح بمعنى واحد (م ، ق ، ١٣٢ ، ١٤)

ذ

ذات

ـ إنّ كل ذات لا بدّ أن تختص بصفة ذاتيّة يقع بها التمييز بينه وبين غيره. وكانت تلك المسألة لا تتمّ إلّا بأن نبيّن أن صفات الأجناس لا تكون بالفاعل (ن ، د ، ٢٢٣ ، ٣)

ـ لفظة ذات لفظة قد طال فيها كلام كثير من أهل العربية ، فأنكر قوم إطلاقها على الله تعالى وإضافتها إليه. أمّا إطلاقها فلأنّها لفظة تأنيث والباري سبحانه منزّه عن الأسماء والصفات المؤنّثة. وأمّا إضافتها فلأنّها عين الشيء والشيء لا يضاف إلى نفسه. وأجاز آخرون إطلاقها في الباري تعالى وإضافتها إليها ، أمّا استعمالها فلوجهين ، أحدهما أنّها قد جاءت في الشعر القديم ، قال حبيب الصحابي عند صلبه : وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو موزّع. ويروى ممزع وقال النابغة : محبّتهم ذات الإله ودينهم قديم فما يخشون غير العواقب. والوجه الثاني أنّها لفظة اصطلاحيّة فجاز استعمالها لا على أنّها مؤنّث ذو بل تستعمل ارتجالا في مسمّاها الذي عبّر عنه بها أرباب النظر الإلهيّ ، كما استعملوا لفظ الجوهر والعرض وغيرهما في غير ما كان أهل العربية واللغة يستعملونها فيه ، وأمّا منعهم إضافتها إليه تعالى وأنّه لا يقال ذاته لأنّ الشيء لا يضاف إلى نفسه فباطل بقولهم أخذته نفسه وأخذته عينه ، فإنّه بالاتّفاق جائز وفيه إضافة الشيء إلى نفسه (أ ، ش ٢ ، ١٤٢ ، ٢٥)

ـ إنّهم (أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة) يعنون بالذّات والشّيء كلّ ما يعلم أو يخبر عنه بالاستقلال ، وبالصّفة كلّ ما لا يعلم إلّا بتبعيّة الغير. فكلّ ذات إمّا موجودة أو معدومة ، والمعدوم يقال على كلّ ذات ليس له صفة الوجود ، ويجوز أن يكون له غير تلك الصّفة ، كصفات الأجناس ، عند من يثبتها للمعدومات (ط ، م ، ٨٥ ، ١٥)

ـ إنّ الذات هي ما تدرك بالانفراد ، والحال لا تدرك بالانفراد (ط ، م ، ٩٠ ، ٣)

ـ أكثر المعتزلة ذهبوا إلى أنّ جميع الذوات متساوية في الذاتيّة ، لأنّ المفهوم من الذات عندهم هو ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه. والصفة التي تفرّد أبو هاشم بإثباتها لله تعالى دون غيره ، وهي صفة الإلهيّة (ط ، م ، ٢٥٢ ، ١١)

ذات المسبب

ـ إنّ ذات المسبّب ذات منفصلة عن السبب ، حادثة كهو. فكما أنّ السبب يضاف إلى الفاعل فكذلك المسبّب ، فيجب أن تستوي الحوادث في كونها مضافة إلى الفاعل ، وإن كانت تختلف كيفية الإضافة ، ففيها ما يتعلّق به بلا واسطة كالمبتدإ ، وفيها ما لا يتعلّق به إلّا بواسطة وهو المتولّد فهذا تمام الكلام في المتولّدات (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ٤)

ذكاء

ـ قال في البلادة : إنّها على ضربين : أحدهما ضدّ ذكاء القلب ، وهو من فعل الله ، تعالى ؛ والثاني أن نذهب عمّا يجب أن نعرفه عند التشاغل

ونصرة الباطل والتقصير. وذكر ، في الأسماء والصفات ، أنّ الذكاء حدّه القلب ولذلك لا يجوز على الله سبحانه (ق ، غ ١٢ ، ١٣٨ ، ١٠)

ذكر

ـ الذكر هو القرآن (ع ، أ ، ١٨ ، ١)

ـ إنّ وعظ الرسل عليهم‌السلام يسمّى ذكرا (ب ، ن ، ٧٤ ، ١٧)

ذكر محدث

ـ إنّ كتاب الله جلّ وعزّ يدلّ على حدوث كلامه ، لأنّه تعالى قال بعد أن بيّن أنّ الذكر هو القرآن بقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (الحجر : ٩) وقوله جلّ وعزّ : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) (الأنبياء : ٥٠) وقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (يس : ٦٩) أنّ الذكر محدث بقوله : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) (الأنبياء : ٢) (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) (الشعراء : ٥) وهذا نص في حدوث كلامه (ق ، غ ٧ ، ٨٧ ، ١٠)

ذكرهم

ـ عن قتادة أنّ الحق هو الله ، ومعناه : ولو كان الله إلها يتبع أهواءهم ويأمر بالشرك والمعاصي لما كان إلها ولكان شيطانا ، ولما قدر أن يمسك السموات والأرض (بذكرهم) أي بالكتاب الذي هو ذكرهم أي وعظهم أو وصيّتهم وفخرهم (ز ، ك ٣ ، ٣٧ ، ١٢)

ذم

ـ إننا لا نقول أنّ المدح والثواب ، ولا الذم والعقاب يحصل بفعل الفاعل منا ؛ حتى يوجب ذلك كونه خلقا له واختراعا ، بل نقول : إنّ ذلك يحصل بحكم الله تعالى ، ويجب ويستحق بحكمه لا [بأن] يوجب الواجب عليه خلق [فعل] أوجبه عليه (ب ، ن ، ١٥٥ ، ٣)

ـ إنّ العبد يستحقّ الذمّ بأن لا يفعل الواجب ، فلأن ذلك الواجب يمكنه إيجاده ، ولا عذر له في أن لا يفعله ، فصار من قبل نفسه في أن لم يفعله ، كما أنّه من قبل نفسه أتى في إيجاد القبيح الذي يمكنه التحرّز منه (ق ، غ ٨ ، ١٩٣ ، ٧)

ـ إنّ العقاب لا يستحقّه المكلّف بألّا يتعرّض للمنفعة ، وإنّما يستحقّه لأنّه يفعل القبيح أو يخلّ بالواجب ، وقد ثبت أن الذمّ يستحقّ في الشاهد على هذين الوجهين ، وإن أضرّ ذلك بالمذموم ، لا لأنّه لم ينفع نفسه ، لكن لإقدامه على القبيح. فكذلك القول في العقاب ؛ لأنّه إنّما يستحقّه المكلّف من حيث فعل قبيحا ، أو لم يفعل الواجب في عقله (ق ، غ ١١ ، ١٤٥ ، ٩)

ـ أمّا الذمّ فيجب أن يستحقّه لأنّه لم يفعل هذا الواجب في الوقت الذي لو تعمّد لأدائه فيها بفعل المقدّمات كان يمكنه ذلك ، فلما أتي من قبل نفسه بأن لم يفعل ذلك استحقّ الذمّ لا محالة. وهذا كما نقوله في المسبّب الذي يوجد عقيب السبب : إنّه وإن فات فعله ولما يقدّم السبب فلن يخرج من وجب عليه من أن يكون مستحقّا للذمّ (ق ، غ ١١ ، ٤٢٤ ، ٣)

ـ أمّا الذمّ فإنّه يستحقّ على وجهين : أحدهما أن يفعل القبيح ، والثاني ألّا يفعل ما وجب على عقله لأنّ العلم بحسن ذمّ من اختصّ بهذين الوجهين أوّل في العقل ، فإذا حسن ذمّه عليهما ثبت كونه مستحقّا للذمّ عليهما ؛ لأنّ الذمّ لا

يحسن إلّا على جهة الاستحقاق إذا عظم وفعل على جهة القطع. وسنذكر القول فيما يفعل منه على جهة الشرط أو على جهة الدعاء إلى اجتناب الصالح. فأمّا ما يفعل من الذمّ لخصال الشرّ فليس من هذا في شيء ؛ لأنّه لا يجري مجرى العقاب ولأنه إبانة عن أن غيره لم يخصّه من النعم بمثل ما خصّ به غيره ، نحو ذمّنا المجنون والعاجز ومن ينسب إلى بعض الفراعنة (ق ، غ ١١ ، ٥١٠ ، ٩)

ـ قد تقرّر في العقول أنّ من حق الذمّ أن يكون مقابلا للقبح والإساءة على وجه يكون جزاء له. وأنّ من حق المدح أن يكون مقابلا للإحسان على هذا الحدّ. فلما ثبت ذلك عبّرنا عنه بأنّه مستحقّ ، وجعلنا ذلك كالعلّة في أنّه يحسن فعله إذا تقدّم من المفعول به ، والسبب الذي من حق هذا الفعل أن يتعلّق به تعلّق الجزاء. وإذا كان ما ذكرناه مفهوما لم يمتنع أن نجعله مقتضيا لحسنه على ما نذكره في الشكر (في) أنّه يجب لمكان النعمة ، إلى غير ذلك (ق ، غ ١٣ ، ٣٤٦ ، ٨)

ـ أمّا الذمّ فإنّه يستحقّ به إذا كان قبيحا ، وفاعله يعلمه كذلك ، أو يتمكّن من كونه عالما به. وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى فعله والحال هذه استحقّ الذمّ. وإنّما شرطنا كونه قبيحا ، لأنّ العقل يشهد بأنّ الفعل إذا لم يكن كذلك ، لم يحسن ذمّ فاعله عليه ، بل يقبح ذلك ، فلا بدّ من اعتبار قبحه. وإنّما شرطنا في الفاعل ما ذكرناه ، لأنّه قد علم بالعقل أنّ المجنون والصبيّ لا يحسن ذمّهما على القبيح ، الذي يحسن منعهما منه والدوام عليه ، وإنّما قلنا إنّ التمكّن من العلم بقبحه ، يحلّ محلّ العلم بقبحه ، لأنّ عنده يمكنه التحرّز بأن يعلم ، فيتجنّب ، فصار بمنزلة من يجب عليه الفعل ، إذا أمكنه أن يفعل المقدّمة التي يصل بها إلى فعله ، ولذلك يقبح من البرهميّ تكذيب الأنبياء ، ومن اليهودي مجانبة شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد بيّنا ذلك في باب المعرفة. وإنّما شرطنا التخلية ، لأنّه قد ثبت في العقل أنّ المحمول على الفعل يتعلّق الذمّ فيه بالحامل دونه (ق ، غ ١٤ ، ١٧٣ ، ١٧)

ـ الذمّ متعلّق بأنّه لم يحدث الواجب. وهذا كما نقول بأنّ ذمّه بأنّه فعل القبيح يتعلّق كتعلّق العلم بأنّه فعل القبيح ، فيكون متعلّقا بحدوثه من قبله على الشرائط التي نذكرها في هذا الباب. ولسنا نقول بأنّ الذمّ يتعلّق بعدم الفعل وانتفائه ، كما لا نقول مثله ، ولا نقول أيضا في ذمّ زيد على فعله القبيح إنّه متعلّق بوجوده وحدوثه ، بل هو متعلّق بوجوده من قبله على أوصاف مخصوصة (ق ، غ ١٤ ، ١٨٤ ، ٥)

ـ الذمّ متعلّق بأنّه لم يحدث الواجب. وهذا كما نقول بأنّ ذمّه بأنّه فعل القبيح يتعلّق كتعلّق العلم بأنّه فعل القبيح ، فيكون متعلّقا بحدوثه من قبله على الشرائط التي نذكرها في هذا الباب. ولسنا نقول بأنّ الذمّ يتعلّق بعدم الفعل وانتفائه ، كما لا نقول مثله ، ولا نقول أيضا في ذمّ زيد على فعله القبيح إنّه متعلّق بوجوده وحدوثه ، بل هو متعلّق بوجوده من قبله على أوصاف مخصوصة (ق ، غ ١٤ ، ١٨٤ ، ٨)

ـ إنّ من حق الذمّ ألّا يستحقّه إلّا بألّا يفعل الواجب ، إذا تمكّن منه ، وحصلت التخلية ، وزال الإلجاء ، وارتفعت الموانع والأعذار.

ولا يجب أن يشترط في ذلك أن يعلم وجوبه ، لأنّه إن تمكّن من العلم بذلك ولم يفعله ، فحاله كحال من علم وجوبه. ولا يجب أن يشترط في

ذلك ألّا يفعله ، لأجل وجوبه ، لأنّه وإن لم يفعله لغير ذلك ، فقد يستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٦ ، ٨)

ـ يحسن في العقل أن نذم من أمرناه بمناولة الكوز ، وبينه وبين مكانه مسافة ، إذا لم يناوله ، ويقضي من الوقت القدر الذي لو حاول المناولة فيه لأمكنه. فلولا أنّ ما فيه من القدرة ، هي قدرة على المناولة ، لما حسن منّا أن نذمّه ، لأنّه لم يناولنا الكوز ، لأنّ الذمّ لا يحسن ، إذا لم يفعل الغير ما لم يقدر عليه ، وإنّما يحسن ، إذا لم يفعل ما هو قادر عليه متمكّن منه (ن ، م ، ٢٥٧ ، ١٧)

ـ ما يذهب إليه المجبّرة. من أنّ الكافر إنّما يذمّ لأنّه لم يؤمن ، لأنّه لو اختار الإيمان لكان الله تعالى يخلق فيه قدرة الإيمان (ن ، م ، ٢٥٨ ، ٩)

ـ تقرّر في العقول ، أنّه لا يحسن ذمّ الواحد منّا ، إلّا على أمر له به تعلّق. ولذلك لا يحسن ذمّه على فعل غيره ، أو على أنّ غيره لم يفعل الواجب ، وأن لا يفعل الله تعالى القدرة فيه على المناولة ، متى لم يقطع هذه المحاذيات ، مما لا تعلّق له به. لأنّ ذلك لا يتعلّق إلّا باختيار القديم تعالى وإرادته. وإذا كان متعلّقا باختياره تعالى ، لم يصحّ أن يستحقّ هذا المأمور الذمّ (ن ، م ، ٢٥٨ ، ١٠)

ـ أما المدح والذم واشتقاق اسم الفعل من فعله فليس كما ظنّوا ، لكنّ الحق هو أنّه لا يستحقّ أحد مدحا ولا ذمّا إلّا من مدحه الله تعالى أو ذمّه (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ٢٢)

ـ المدح والذم يدومان ويدلّان على الثواب والعقاب ، وهما يحبّان بالقلب لا باللسان. أبو رشيد : بهما. قلنا : إنّما يحبّان باللسان لإزالة التهمة (م ، ق ، ١٢٢ ، ٨)

ذنب

ـ أمّا مذنب : فإنّه مستعمل فيمن وقع الذنب منه. والذنب هو القبيح الواقع ممن يستحقّ عليه الذمّ ، لأنّه لو وقع من صبي لم يوصف بذلك ، فلا يكاد يقال فيمن لم يفعل ما وجب عليه ، بأنّه مذنب ، إلّا على طريق الاتّساع والتشبيه بمن يقع منه ذنب وتفريط. وقد بيّنا من قبل أنه لا معتبر بالأسماء في هذا الباب ، فإن الواجب الرجوع إلى الأدلّة ، فيمن يستحقّ الذمّ والعقاب ، أو لا يستحقّه ، دون الأسماء ، لأنّها إنّما تصحّ على جهة التّبع للمعاني (ق ، غ ١٤ ، ٣٠٤ ، ١٠)

ذو الطباع

ـ كيف يكون الله عنده فعل العالم طباعا ، وذو الطباع عند ثمامة هو الجسم والله ليس بجسم (خ ، ن ، ١٢٢ ، ٢٠)

ذو طبع

ـ كل ذي طبع لا يعمل في شيء بطبعه إلّا أن يكون الآخر مجعولا بحيث يقبل ذلك ، نحو الشيء الذي يتأذى لا يؤذيه الفعل الذي في غيره مؤذ ، وكذلك المؤلم والملذّ ، وكذلك الأصباغ. وليس عمل الطبع أن يجعل شيئا يقبل طبعه ويتأثر به ، فثبت به كون غير الطبائع. مع ما لو خلّي بين ذي الطبع وعمله لكان لا يؤلّف ولا يصور ، فدلّ وجودها على غير ذلك : أنّ لها منشئا (م ، ح ، ١١٧ ، ٣)

ذو هيئة

ـ ذا هيئة وشكل ، أو ذا لون وضوء إلى غيرهما من أقسام الكيف ، ومتى كان كذلك كان جسما

ولم يكن واحدا لأنّ كل جسم قابل للانقسام ، والواحد حقا لا يقبل الانقسام فقد ثبت أنّه ما وحّده من كيّفه (أ ، ش ٣ ، ٢٠٣ ، ٣١)

ذوات

ـ اعلم أنّ الذوات تتميّز عن غيرها بالصفات. وسواء في ذلك ما عرف من الذوات ضرورة أو بدلالة ، لأنّه إن أدرك فلا بدّ من إدراكه على صفة ، وإن عرف بدلالة فلا بدّ من تمييزها عمّا عداها من اختصاصها بصفة ليست لما خالفها. وكما أنّ هذه حالة الذوات فالصفات إنّما تتميّز عن غيرها بالأحكام ، فلا يحصل العلم بالصفة على طريق التفصيل والتمييز بينها وبين غيرها إلّا بعد أن نعلم حكمها. وهذا مستمرّ جار على طريقة واحدة إلّا في الصفة التي نعرفها ضرورة أو نجدها من أنفسنا ، أو كان العلم بها حقّها ممكنا من دون العلم بحكمها. وإن كان بدلالة فلا نحتاج في كشفها وتمييزها عن غيرها إلى معرفة حكمها. فإن لم تكن الحال كذلك فلا بدّ في تمييزها مما ذكرناه من إيراد القول في حكمها لتظهر الصفة (ق ، ت ١ ، ١٥٧ ، ٢)

ذوات في العدم

ـ البصريّون من مشايخهم ، كأبي علي وأبي هاشم والقاضي عبد الجبّار وأتباعهم ، يقولون بأنّ الذّوات في العدم جواهر وأعراض ، وأبو القاسم البلخيّ والبغداديّون يقولون بأنّها أشياء ، والفاعل يجعلها جواهر وأعراضا (ط ، م ، ٧٦ ، ١٧)

ر

رؤيا

ـ زعم" النظّام" ومن قال بقوله فيما حكى عنه" زرقان" أنّ الرؤيا خواطر مثل ما يخطر البصر وما أشبهها ببالك ، فتمثلها وقد رأيتها (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ٥)

ـ قال" معمّر" : الرؤيا من فعل الطبائع وليس من قبل الله (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ٧)

ـ قال" صالح قبّة" ومن قال بقوله : الرؤيا حقّ وما يراه النائم في نومه صحيح كما ، أنّ ما يراه اليقظان صحيح ، فإذا رأى الإنسان في المنام كأنّه بإفريقية وهو ببغداد فقد اخترعه الله سبحانه بإفريقية في ذلك الوقت (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ١٠)

ـ قال بعض المعتزلة : الرؤيا على ثلاثة أنحاء :

منها ما هو من قبل الله كنحو ما يحذّر الله سبحانه الإنسان في منامه من الشرّ ويرغّبه في الخير ، ونحو منها من قبل الإنسان ، ونحو منها من قبل حديث النفس والفكر ، يفكّر الإنسان في منامه فإذا انتبه فكّر فيه فكأنّه شيء قد رآه (ش ، ق ، ٤٣٣ ، ١٤)

ـ إنّ الرؤيا على أقسام ثلاثة. منها حديث النفس ، وهو أن يكون في نفسه حديث في حال اليقظة وقد استولى ذلك على قلبه ، فإذا نام ولم يستغرقه النوم وجد في نفسه ذلك فيكون متوهّما في حال اليقظة بعد ذلك أنّه كان ذلك رؤية حقيقة. قال : " والنوع الثاني ما يكون وسواس الشيطان يلقيه في قلبه في حال النوم". قال : " والثالث هو الرؤيا الصالحة التي قال النبيّ صلى الله عليه" الرؤيا الصالحة جزء من ستّة وأربعين جزءا من النبوّة" ، وقال المتأوّلون في قول الله تعالى (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (يونس : ٦٤) هو أنّها الرؤيا الصالحة يريها المؤمن في الدنيا أو ترى له ، وذلك بأن يلقي الملك في قلبه ويريه الله تعالى جدّه بعض ذلك ، فيكون حقيقة ولا ينكر أن يكون رؤية وعلما ويخرج النائم عن سهوه عن بعض المدركات حتى يكون رائيا على الحقيقة لذلك وسامعا لما يسمعه على الحقيقة" (أ ، م ، ٨٧ ، ٧)

ـ ذهب صالح تلميذ النظّام إلى أنّ الذي يري أحدنا في الرؤيا حق كما هو ، وأنّه من رأى أنّه بالصين وهو بالأندلس فإنّ الله عزوجل اخترعه في ذلك الوقت بالصين (ح ، ف ٥ ، ١٩ ، ١٠)

ـ قال أبو محمد : والقول الصحيح في الرؤيا هو أنّها أنواع ، فمنها ما يكون من قبل الشيطان وهو ما كان من الأضغاث والتخليط الذي لا ينضبط ، ومنها ما يكون من حديث النفس وهو ما يشتغل به المرء في اليقظة فيراه في النوم من خوف عدو أو لقاء حبيب أو خلاص من خوف أو نحو ذلك ، ومنها ما يكون من غلبة الطبع كرؤية من غلب عليه الدم للأنوار ولزهر والحمرة والسرور ، ورؤية من غلب عليه الصفراء للنيران ، ورؤية صاحب البلغم للثلوج والمياه ، وكرؤية من غلب عليه السوداء الكهوف والظلم والمخاوف ، ومنها ما يريه الله عزوجل نفس الحالم إذا صفت من أكدار الجسد وتخلّصت من الأفكار الفاسدة فيشرف الله تعالى به على كثير من المغيبات التي لم تأت بعد ، وعلى قدر تفاضل النفس في النقاء

والصفاء يكون تفاضل ما يراه في الصدق (ح ، ف ٥ ، ١٩ ، ١٧)

رؤية

ـ القول في رؤية الله عزوجل : أجمعت المعتزلة على أنّ الله سبحانه لا يرى بالأبصار واختلفت هل يرى بالقلوب ، فقال" أبو الهذيل" وأكثر المعتزلة : نرى الله بقلوبنا بمعنى أنّا نعلمه بقلوبنا ، وأنكر" هشام الفوطي" و" عباد بن سليمان" ذلك (ش ، ق ، ١٥٧ ، ١٠)

ـ ندين بأنّ الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر ، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ونقول : إنّ الكافرين محجوبون عنه إذا رآه المؤمنون في الجنة ، كما قال الله عزوجل : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين : ١٥) وأن موسى عليه‌السلام سأل الله عزوجل الرؤية في الدنيا ، وأنّ الله تعالى تجلى للجبل ، فجعله دكّا ، فأعلم بذلك موسى أنّه لا يراه في الدنيا (ش ، ب ، ٢٢ ، ٣)

ـ الرؤية إذا أطلقت إطلاقا ومثلت برؤية العيان ، لم يكن معناها إلّا رؤية العيان. ورويت الرؤية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من طرق مختلفة (ش ، ب ، ٤٠ ، ١)

ـ إنّ الرؤية لا تؤثر في المرئيّ لأنّ رؤية الرائي تقوم به ، فإذا كان هذا هكذا ، وكانت الرؤية غير مؤثرة في المرئيّ لم توجب تشبيها ولا انقلابا عن حقيقة ، ولم يستحل على الله عزوجل أن يري عباده المؤمنين نفسه في جنانه (ش ، ب ، ٤٤ ، ١٣)

ـ فإن قيل : كيف يرى؟ قيل : بلا كيف ؛ إذا الكيفية تكون لذي صورة ، بل يرى بلا وصف قيام وقعود ، واتكاء وتعلّق ، واتصال وانفصال ، ومقابلة ومدابرة ، وقصير وطويل ، ونور وظلمة ، وساكن ومتحرّك ، ومماس ومباين ، وخارج وداخل ، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك (م ، ح ، ٨٥ ، ١٥)

ـ ذكر (الأشعري) في الموجز وكتاب الرؤية الكبير أنّ الرؤية علم بالمرئيّ وكذلك السمع علم بالمسموع على وجه مخصوص. وذكر في العمد والنقض على الخالدي خلاف هذا القول ، وأنكر على الخالدي قوله إنّ وصف الله تعالى بأنّه راء وسامع على معنى أنّه عالم بالمرئيّ والمسموع ، وهذا الأولى بالحقّ عندي والأقرب من أصوله وقواعده (أ ، م ، ١١ ، ١٤)

ـ إنّ الرؤية لا تقتضي محلّا مخصوصا ولا تركيبا لمحلّها ، بل يجوز وجود الرؤية في كل جزء فيه حياة منفردا كان أو مجتمعا على أيّ هيئة كان من التركيب والتأليف (أ ، م ، ٨٢ ، ٢٥)

ـ إنّ الرؤية إدراك للمرئيّ على ما هو به ، كما أنّ العلم تبيّن للمعلوم على ما هو به ، وليس يحصل المعلوم على تلك الصفة لأجل العلم كما ليس يحصل المدرك على تلك الصفة لأجل الإدراك. فإذا كان ما يرى ممّا يستحيل كونه في مكان كان الإدراك له إدراكا له على ما هو به ، لا أنّه يصير بالإدراك أو عنده في مكان. فعلى هذا حكم القديم والمحدث سواء في هذا الباب. وإنّما يحدث الله الإدراك على مجرى العادة عند حدوث معان ومقابلة. أشياء لا لأجل تلك المعاني ولا لأجل المقابلة. وليس بمنكر عنده أن يحدث الله تعالى إدراكا لما أحدث سبب موجب ، بل يجري مجرى ما أجرى الله تعالى به العادة من إنبات الزرع عند البذر والولد عند الوطء (أ ، م ، ٨٨ ، ١٤)

ـ إنّ الإدراك المقرون بالبصر هو الرؤية لا محالة ، كما أنّ النظر المقرون بذكر" إلى" مضافا إلى الوجه هو الرؤية بالعين لا محالة (أ ، م ، ٢٦٣ ، ٢٣)

ـ نقول : إنّ الشيء إنّما يرى لما هو عليه في ذاته ، وهم يقولون إنّما يرى لوجوده ، والقديم تعالى حاصل على كل واحدة من هاتين الصفتين ، فإذا لا شكّ أنّه تعالى حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلّا لكونه عليها ، فلا خلاف في إنّه حاصل على الصفة التي رئي لما رئي إلّا لكونه عليها ، ولا تتجدّد له صفة في الآخرة يرى عليها (ق ، ش ، ٢٥٤ ، ٨)

ـ إنّ الواحد منّا لا يصحّ أن يرى الشيء إلّا بعينه إذا كانت صحيحة ، ومتى فقدناها أو لحقها فساد لا يصحّ أن نرى المرئيّات. وكذلك حاله في سائر الحواس ، فيجب أن يحتاج في رؤيته لما يراه إلى حاسّة ، وأن يستحيل أن يرى الشيء دونها. وإنّما صحّ في القديم تعالى أن يرى الأشياء وإن تعالى عن جواز الحواس عليه ، لأنّه حيّ لذاته ، فكما استغنى في كونه حيّا عن الحياة ومحلّها ، فكذلك يستغني عن التوصّل بمحل الحياة إلى إدراك المرئيّات. وليس كذلك حال الواحد منّا لأنّه حيّ بحياة تحلّ في بعضه ، فيحتاج في إدارك المدركات إلى استعمال محل الحياة في إدراكها ، فيصير آلة له ، ويختلف حالها بحسب ما هي آلة فيه من إدراك المدركات كما نقوله في حاجته إلى الآلات في بعض الأفعال من حيث كان قادرا بقدرة ، وإن استغنى جلّ وعزّ عنها في الأفعال لكونه قادرا لنفسه (ق ، غ ٤ ، ٣٦ ، ٤)

ـ إنّ الرؤية لو كانت معنى لاحتاجت في وجودها إلى صحّة الحاسّة ، ومتى ثبتت حاجتها إليها لم يصحّ القول بأنّها تولّده ، لأنّه لا سبيل إلى العلم بأنّها تولّده والحال ما قلناه. ومما يدلّ على ذلك أنّه لو كان رائيا بدونه لوجب صحّة وجود الرؤية في عينه والمرئي غائب كصحّة ذلك إذا كان حاضرا ، لأنّ المحل محتمل للرؤية في كلا الحالين ، وفي استحالة ذلك دلالة على صحّة ما قلناه (ق ، غ ٤ ، ٥١ ، ١٩)

ـ الرؤية في الحقيقة واقعة بالعين ، وإن كان يحتاج في ذلك إلى واسطة تارة ، واستغنائها عنها أخرى (ق ، غ ٤ ، ٦٥ ، ١٩)

ـ إنّ ما يمنع من الرؤية لا بدّ من كونه معقولا حتى يصحّ القول بأنّا لا نرى المرئيّات لأجلها ، كما أنّ الموانع عن الفعل لا بدّ من أن تكون معقولة. وقد علمنا أنّ الموانع المعقولة عن رؤية المرئيّات هي القرب المفرط والبعد المفرط والحجاب واللطافة والرقّة ، وأن يكون المرئيّ في غير جهة محاذاة الرائي ، أو يكون حالّا فيما هذا سبيله ، فما كان صفته ما ذكرناه امتنع رؤيته ، وما خلا من ذلك وهو مرئيّ في نفسه فيجب أن نراه. هذا إذا كان الرائي يرى المرئيّ بالحاسّة فقط ، فأمّا إذا رأى بالمرآة فإنّ كونه في غير جهة محاذاته لا يكون مانعا ، لأنّه يصحّ أن يرى وجهه في المرآة ، ولون وجهه ، وما خلفه ، وما عن يمينه ويساره ، لأنّ المرآة قد صارت في الحكم كأنّها عينه ، فما قابلها فيجب أن يكون بمنزلة ما قابل عينه في أنّه يراه ، فلذلك اختلف حال ما يراه بالمرآة لما يراه بحاسّة من غير واسطة ، وهذا لا يمتنع في المرئيّات كما لا يمتنع في الفعل (ق ، غ ٤ ، ١١٦ ، ٣)

ـ استدلّ أبو هاشم رحمه‌الله على أنّه جلّ وعزّ لا يرى بأنّه لو رئي لوجب أن يرى على أخصّ

أوصافه ، لأنّ الرؤية تتعلّق بالمرئيّ على أخصّ أوصافه وقد دللنا على ذلك من قبل ، وبيّنا أنّ سائر الإدراكات هذه حالها في أنّها تتعلّق بالشيء على أخصّ أوصافه ، ولو رأيناه كذلك لوجب أن نراه قديما عالما قادرا حيّا لأنّ هذه الصفات هي أخصّ أوصافه ، ولو رأيناه كذلك لوجب أن نرى كل ما شاركه في هذه الصفات ، وفي استحالة ذلك دلالة على أنّه لا يصحّ أن يرى ، إذ القول بصحّة رؤيته يؤدّي إلى ما ذكرناه (ق ، غ ٤ ، ١٢٦ ، ١٤)

ـ إنّ الرؤية لا تتعلّق بالنفي وإنّما تتعلّق بما تختصّ به الذات من الأحوال ، فكيف يصحّ أن يقال إنّا أدركناه تعالى من حيث كان موجودا لنفسه ، ومن حيث استحقّ هذه الصفات على خلاف الوجه الذي استحققناها ، والوجوه التي تستحقّ عليها الصفات ، وما يجري مجرى النفي لا مدخل للإدراك فيه ، فقد صحّ أنّه لو رئي يرى على هذه الصفات ، وذلك يوجب أن يرى الواحد منّا عليها أيضا ، وذلك واضح الفساد (ق ، غ ٤ ، ١٢٧ ، ١٢)

ـ لا يصحّ أن يرى الشيء من حيث كان موجودا ، لعلمنا باستحالة رؤية كثير من الموجودات ، ودللنا على أنّ ما امتنع رؤيته علنيّا من غير مانع من صحّة حاسّتنا ، فيجب كونه غير مرئيّ وإن كان موجودا ، وبيّنا أنّ القول بأنّ كل موجود يصحّ أن يرى يؤدّي إلى الجهالات (ق ، غ ٤ ، ١٨٠ ، ١٢)

ـ إنّ عدم الشيء ، وإن أحال رؤيته ، فإنّ ذلك غير دالّ على أن وجوده هو المصحّح لرؤيته (ق ، غ ٤ ، ١٨٠ ، ١٧)

ـ لا يصحّ أن نجعل العلّة في صحّة رؤية الشيء نفي الصفة عنه ، أو استحالتها عليه ، وإنّما يرى الشيء لاختصاصه بصفة من الصفات ، ولذلك يعلم الرائي للجوهر كونه جوهرا متخيّرا ، ولا يعلم كونه مستغنيا عن محل ومكان بالرؤية ، بل يحتاج أن يستدلّ على ذلك. فبطل القول بأنّه إنّما رأى لهذه العلّة ، وبطل قياسهم القديم تعالى عليه (ق ، غ ٤ ، ١٨٣ ، ٢)

ـ إنّ من شرط صحّة الرؤية بحاسّة العين أن يكون مقابلا أو في حكم المقابل (ق ، غ ٤ ، ١٨٧ ، ١١)

ـ استدلّوا على أنّه سبحانه يرى بقوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ، وأنّه جلّ وعزّ دلّ بذلك على أنّه يصحّ أن يرى ، لأنّ النظر إذا علّق بالوجه لم يحتمل إلّا الرؤية. قالوا : والنظر إذا عدّى بإلى لم يحتمل إلّا الرؤية ولم يحتمل الانتظار ، لأنّه لا يقال في زيد إنّه ناظر إلى فلان ، ويراد الانتظار ، وإنّما يقال هو منتظر فلانا ، قالوا : على أنّا إذا قسمنا النظر خرج من القسمة أنّ المراد بالآية الرؤية على ما نقوله ، ولذلك أنّ النظر يحتمل وجوها : منها الفكر ، ومنها التعطّف والرحمة ، ومنها الانتظار ، ومنها الرؤية (ق ، غ ٤ ، ١٩٧ ، ٩)

ـ إنّ الرؤية قد تكون بمعنى العلم في اللغة. يبيّن ذلك قوله جلّ وعزّ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ) (الفجر : ٦) ، و (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (الفيل : ١) ... وقد ذكر أهل اللغة في كتبهم أنّ الرؤية إذا كانت بمعنى العلم تعدّت إلى مفعولين ، وإذا كانت بمعنى الإدراك لم تتعدّ إلّا إلى مفعول واحد. فإذا صحّ ذلك ، وأنّ الرؤية قد تكون بمعنى العلم ، لم يمتنع أن يكون المراد بقوله : " ترون ربّكم" ، كما تعلمون القمر ليلة البدر ، ويكون هذا أصحّ

لأنّه إن حمل على أنّه أراد يدركونه بالبصر كما يدركون القمر ، فيجب أن يدرك في جهة مخصوصة كالقمر ، فثبت أنّ وجه التشبيه فيه ، إذا حمل على العلم من حيث شاركه في أنّه ضروري ، أصحّ (ق ، غ ٤ ، ٢٣١ ، ٥)

ـ أمّا الوصف له (لله) بأنّه رائي فقد قال شيخنا أبو علي : إنّه يستعمل ذلك على وجهين : بمعنى مدرك للمرئيات ، وذلك لا يستعمل فيه إلّا عند إدراكه لها ، فأمّا بمعنى عالم فيستعمل فيه تعالى فيما لم يزل ، لأنّ ذلك حقيقة فيه. وقال : إنّ الرؤية في اللغة قد تكون حقيقة في العلم والإدراك على حدّ واحد ، وكذلك وصف الرائي بأنّه رائي قد يكون حقيقة على هذين الوجهين (ق ، غ ٥ ، ٢٢٣ ، ٦)

ـ إنّ الرؤية ثابتة لأنّها رديف العلم ، وقريبه ، وهي له تكملة. فانتفاء الجسميّة أوجب انتفاء الجهة التي هي من لوازمها ؛ وثبوت العلم أوجب ثبوت الرؤية التي هي من روادفها ، أو مكملاتها ، ومشاركة لها في خاصّيتها ، وهي أنّها لا توجب تغيّرا في ذات المرئي ، بل تتعلّق به هو على ما هو عليه كالعلم ، ولا يخفى على عاقل أنّ هذا هو الاقتصاد في الاعتقاد (غ ، ق ، ٧٣ ، ٣)

ـ إن قلت : الرؤية عين النظر فكيف قيل أرني أنظر إليك؟ قلت : معنى أرني نفسك : اجعلني متمكّنا من رؤيتك بأن تتجلّى لي فأنظر إليك وأراك. فإن قلت : فكيف قال (لَنْ تَرانِي) (الأعراف : ١٤٣) ولم يقل لن تنظر إلى قوله أنظر إليك؟ قلت : لمّا قال أرني بمعنى اجعلني متمكّنا من الرؤية التي هي الإدراك ، علم أن الطلبة هي الرؤية لا النظر الذي لا إدراك معه ، فقيل لن تراني ولم يقل لن تنظر إليّ (ز ، ك ٢ ، ١١٢ ، ٧)

ـ زعم (بشر بن المعتمر) أنّ اللون والطعم والرائحة والإدراكات كلها من السمع ، والرؤية يجوز أن تحصل متولّدة من فعل العبد ، إذا كانت أسبابها من فعله (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ٥)

ـ (الأشعري) له قولان في ماهيّة الرؤية : أحدهما : أنّه علم مخصوص ، ويعني بالخصوص أنّه يتعلّق بالوجود دون العدم. والثاني : أنّه إدراك وراء العلم لا يقتضي تأثيرا في المدرك ، ولا تأثّرا عنه (ش ، م ١ ، ١٠٠ ، ١٧)

ـ قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ، فنقول النظر إمّا أن يكون عبارة عن الرؤية أو عن تقليب الحدقة نحو المرئى التماسا لرؤيته. والأوّل هو المقصود ، والثاني يوجب الامتناع عن أجرائه على ظاهره لأنّ ذلك إنّما يصحّ في المرئىّ الذي يكون له جهة ، فوجب حمله على لازمه وهو الرؤية ، لأنّ من لوازم تقليب الحدقة إلى سمت جهة المرئىّ حصول الرؤية (ف ، أ ، ٥٤ ، ١٨)

ـ من قولهم (المتكلّمون) : الرؤية تتعلّق بالموجودات المختلفة كالجواهر والأعراض ، ولا محالة أنّ متعلّق الرؤية فيها ليس إلّا ما هو ذات ووجود ، وذلك لا يختلف وإن تعدّدت الموجودات ، وأمّا ما سوى ذلك ، مما يقع به الاتّفاق والافتراق ، فأحوال لا تتعلّق بها الرؤية ، لكونها ليست بذوات ولا وجودات ، وإذا كان متعلّق الرؤية ليس إلّا نفس الوجود ، وجب أن تتعلّق الرؤية بالباري لكونه ، لا محالة ، موجودا (م ، غ ، ١٥٩ ، ٩)

ـ قيل : الرؤية معنى لا يتأثّر به المرئيّ ولا يتأثّر منه لا بأفعال ولا بانفعال ، وما هذا حكمه في

تعلّقه فلا مانع من تعلّقه ، وصار حكمه حكم العلم من غير فرق (م ، غ ، ١٦٦ ، ١)

ـ إنّ الرؤية تستدعي المقابلة ، والمقابلة تستدعي الجهة ، والجهة توجب كونه جوهرا أو عرضا ، فإنّهم لم يبنوا ذلك إلّا على فاسد أصولهم في أنّ الإدراك بالبصر لا يكون إلّا بانبعاث الأشعّة من العين ، واتّصالها بالمبصر ، أو انطباع المبصر في البصر بسبب المقابلة وتوسّط المشف (م ، غ ، ١٦٧ ، ١٥)

ـ الرؤية تشخّص المرئيّ ، والتشخّص لا يمكن إلّا مع كون المتشخّص ذا جهة (أ ، ش ١ ، ١٩ ، ٣٣)

ـ إنّ جنس الرؤية يشهد بوجود الباري من غير محاضرة منه للحواس (أ ، ش ٣ ، ١٩٦ ، ٢١)

ـ الرؤية : المشاهدة بالبصر حيث كان أي في الدنيا والآخرة (ج ، ت ، ١٤٥ ، ٨)

رؤية الله

ـ إن قال قائل لم قلتم أن رؤية الله تعالى بالأبصار جائزة من باب القياس ، قيل له قلنا ذلك لأنّ ما لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى ويستحيل عليه فإنّما لا يجوز لأنّ في تجويزه إثبات حدثه أو إثبات حدث معنى فيه أو تشبيهه أو تجنيسه أو قلبه عن حقيقته أو تجويره أو تظليمه أو تكذيبه. وليس في جواز الرؤية إثبات حدثه لأنّ المرئيّ لم يكن مرئيّا لأنّه محدث ، ولو كان مرئيّا لذلك للزمهم أن يرى كل محدث وذلك باطل عندهم. على أنّ المرئيّ لو كان مرئيّا لحدوثه لكان الرائي محدثا للمرئي إذ كان مرئيّا لحدوثه. وليس في الرؤية إثبات حدوث معنى في المرئيّ لأنّ الألوان مرئيّات ولا يجوز حدوث معنى (فيها) ... وليس في إثبات الرؤية لله تعالى تشبيه الباري تعالى ولا تجنيسه ولا قلبه عن حقيقته لأنّا نرى السواد والبياض فلا يتجانسان ولا يتشبهان بوقوع الرؤية عليهما ولا ينقلب السواد عن حقيقته إلى البياض بوقوع الرؤية عليه ولا البياض إلى السواد. وليس في الرؤية تجويره ولا تظليمه ولا تكذيبه لأنّا نرى الجائر والظالم والكاذب ونرى من ليس بجائر ولا ظالم ولا كاذب. فلمّا لم يكن في إثبات الرؤية شيء مما لا يجوز على الباري لم تكن الرؤية مستحيلة ، وإذا لم تكن مستحيلة كانت جائزة على الله (ش ، ل ، ٣٢ ، ٣)

رؤية البصر

ـ قالوا (المعتزلة) : رؤية البصر هي إدراك البصر (ش ، ب ، ٤٧ ، ١٣)

رؤية العين

ـ الدليل على أنّ الله تعالى يرى بالأبصار قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٢ ـ ٢٣) ولا يجوز أن يكون معنى قوله (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) معتبرة كقوله (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ) (الغاشية : ١٧) لأن الآخرة ليست بدار اعتبار. ولا يجوز أن يعني متعطفة راحمة كما قال (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (آل عمران : ٧٧) أي لا يرحمهم ولا يتعطف عليهم لأنّ الباري لا يجوز أن يتعطف عليه. ولا يجوز أن يعني منتظرة لأنّ النظر إذا قرن بذكر الوجوه لم يكن معناه نظر القلب الذي هو انتظار ، كما إذا قرن النظر بذكر القلب لم يكن معناه نظر العين. لأنّ القائل إذا قال" أنظر بقلبك في هذا الأمر" كان معناه نظر القلب ، وكذلك إذا قرن النظر بالوجه لم يكن معناه إلّا

نظر الوجه ، والنظر بالوجه هو نظر الرؤية التي تكون بالعين التي في الوجه. فصحّ أن معنى قوله تعالى (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (القيامة : ٢٣) رائية إذ لم يجز أن يعني شيئا من وجوه النظر. وإذا كان النظر لا يخلو من وجوه أربع وفسد منها ثلاثة أوجه صحّ الوجه الرابع وهو نظر رؤية العين التي في الوجه (ش ، ل ، ٣٤ ، ١٥)

رؤية المعدوم

ـ كان (الأشعري) يذهب إلى إحالة رؤية المعدوم. وحكى في كتاب العمد أنّ من أصحابه من أجاز رؤية المعدوم. فأمّا هو فقد أنكر ذلك ، وقال : " علّة جواز رؤية الشيء وجوده ، والمعدوم ليس بموجود فيستحيل رؤيته" (أ ، م ، ٨١ ، ٦)

راء

ـ إنّ الواحد منّا يحتاج في كونه رائيا إلى حاسّة البصر ، وفسادها يحلّ بكونه رائيا (ق ، غ ٤ ، ٣٣ ، ١١)

ـ اعلم أنّ الرائي منّا إنّما يرى الشيء متى كانت حاسّته صحيحة والموانع مرتفعة ، ولا يحتاج في كونه رائيا ومدركا إلى علّة بها يصير كذلك : لأنّه كان يجب أن يصحّ أن لا يوجد مع صحّة حاسّته وحضور المرئيّ بين يديه وارتفاع الموانع ولا يرى الشيء على وجه (ق ، غ ٤ ، ٥٠ ، ٣)

ـ إنّ الرائي منّا لا يرى إلّا بشعاع ينفصل من عينه على وجه مخصوص (ق ، غ ٤ ، ٥٩ ، ٢)

ـ أمّا الرائي فإنّما يوصف لحصول الحال المخصوصة التي يقتضيها كونه حيّا (ق ، غ ٤ ، ٨١ ، ٥)

ـ اعلم أنّ الرائي لا يرى الشيء إلّا لاختصاصه بصفة من الصفات متى كان عليها رآه ، وإذا لم يكن عليها لم يره. ولذلك لا يرى المعدوم في حال عدمه ويرى الموجود. ولذلك لا يرى إلّا بعض الأجناس دون بعض ، ولا يدرك بسائر الحواس إلّا أشياء مخصوصة دون غيرها (ق ، غ ٤ ، ٨٢ ، ٣)

ـ إنّ الرائي منّا لا يرى برؤية في عينه ، ودللنا على بطلان هذا القول ، وبيّنا أنّه إنّما يرى بصحّة حاسّته إذا ارتفعت الموانع (ق ، غ ٤ ، ١٢٢ ، ١٣)

ـ أمّا الوصف له (لله) بأنّه رائي فقد قال شيخنا أبو علي : إنّه يستعمل ذلك على وجهين : بمعنى مدرك للمرئيات ، وذلك لا يستعمل فيه إلّا عند إدراكه لها ، فأمّا بمعنى عالم فيستعمل فيه تعالى فيما لم يزل ، لأنّ ذلك حقيقة فيه. وقال : إنّ الرؤية في اللغة قد تكون حقيقة في العلم والإدراك على حدّ واحد ، وكذلك وصف الرائي بأنّه رائي قد يكون حقيقة على هذين الوجهين (ق ، غ ٥ ، ٢٢٣ ، ٣)

رافضة

ـ أمّا جملة قول الرافضة فهو أنّ الله عزوجل ذو قدّ وصورة وحدّ يتحرّك ويسكن ويدنو ويبعد ويخفّ ويثقل ، وأنّ علمه محدث وأنّه كان غير عالم فعلم وأنّ جميعهم يقول بالبدء وهو أنّ الله يخبر أنّه يفعل الأمر ثم يبدو له فلا يفعله. هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفرا منهم يسيرا صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد فنفتهم الرافضة عنهم وتبرّت منهم. فأمّا جملتهم ومشايخهم مثل هاشم بن سالم وشيطان الطاق وعلي بن ميثم (وهشام) بن الحكم وعلي بن

منصور والسكاك فقولهم ما حكيت عنهم ثم قولهم في القدر : إنّ الكافر كفر لعلّة وبسبب من قبل الله ألجأه إلى الكفر بل ألجأه إلى كفره واضطرّاه إليه وأدخلاه فيه ، وأنّ الله يشاء كل فاحشة ويريد كل معصية. ثم هم بأجمعهم يقولون بالرجعة إلى دار الدنيا قبل القيامة. ثم قولهم : إنّ القرآن بدّل وغيّر وزيد فيه ونقص منه وحرّف عن مواضعه. ثم مخالفتهم جميع الأمّة في الصلاة في كثير من الفرائض والسنن. ثم قولهم : إنّ النبيّ صلى الله عليه استخلف على أمته رجلا بعينه واسمه ونسبه ، وإنّ الأمّة بأسرها إلّا نفرا يسيرا اجتمعوا على خلاف رسول الله ومعصيته وتأخير من قدّم واستخلاف غيره. هذا قول الرافضة بأسرها (خ ، ن ، ١٤ ، ٧)

ـ الرافضة وصفت ربها بصفة الأجساد المحدثة فزعمت أنّه صورة وجوارح وآلات وأنّه تبدو له البدوات؟ وهذا قولها في ربها ؛ ومن اعتقد أن ما كان هذا صفته قديم لم يمكنه أن يدل على حدث جسم من الأجسام ، إذ كان لا يجد في الأجسام ما يستدلّ به على حدثه إلّا وقد وصف به ربه ـ تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا (خ ، ن ، ١٠٦ ، ٢)

رب

ـ الرب بجميع صفاته خالق لم يزل ، لم يلد ولم يولد ولم يحدث له صفة (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)

ـ وقوله تعالى من بعد : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤) ، يدلّ على أنّ غير الله يصحّ منه الفعل والخلق ؛ ألا ترى إلى فساد القول بأنّه أحسن الآلهة ، لمّا لم يصحّ إثبات إله سواه ، وصحّة القول بأنّه أرحم الراحمين ، لما صحّ إثبات راحم سواه. فإن قال : فيجب أن يقال في غيره تعالى إنّه خالق بالإطلاق؟ قيل له : لا يجب ؛ لأنّ التعارف أوجب أن لا يطلق هذا الاسم إلّا في الله تعالى ، كما اقتضى أن لا يطلق اسم الربّ إلّا فيه ، ثم لم يمتنع أن يكون العبد ربا لدابته وداره ، فإن صحّ هذا المعنى فيه ، فكذلك يجب أن يصحّ فيه معنى الخلق والفعل ، وإن منع فيه الإطلاق للإيهام (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ١٥)

ـ صفة الربّ أن يكون قادرا على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته (ز ، ك ١ ، ٦٣٥ ، ١٧)

رجعة

ـ القول بالرجعة : ليس لنا أن نقول به وإن كانت غير مستحيلة في القدرة ، إذ كان لم يأت بها بل قد أتي بإبطالها ونفيها. ثم قال : وللسمع طرق ثلاث : أحدهما القرآن والآخر الإجماع والثالث الخبر الموجب للعلم. (قال) فأمّا القرآن فقد نطق بها في غير موضع ؛ منها قوله (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (غافر : ١١).

يقال له : هذه الآية تبطل القول بالرجعة ، لأنّ الله خلق بني آدم من نطف ميتة ثم يحييهم في دار الدنيا ثم يميتهم ثم يحييهم يوم القيامة فذلك موتتان وحياتان. وأحسب صاحب الكتاب (ابن الروندي) ليس يحسن الحساب أيضا فلذلك احتج بهذه الآية. قال : ومنها قوله (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة : ٢٥٩). يقال له : إنّا لم ننكر أن يكون الله قد أحيا من أخبر أنّه أحياهم ـ هذا لا يدفعه مسلم ـ وإنّما أنكرنا على الرافضة قولها : إنّ الله يعيد الخلق الذين أماتهم إلى دار الدنيا قبل القيامة (خ ، ن ، ٩٦ ، ٦)

ـ إنّ الرفض مشتمل على أجناس من الكفر لا يشتمل عليه مذهب فرقة من فرق الأمة ، لأنّك إذا نظرت في مذاهب الخوارج مذهبا مذهبا لم تجد فيهم مشبّها ولا واصفا لله بما وصفته به الرافضة ، ولا قائلا بالبداء ولا مؤمنا بالرجعة إلى دار الدنيا قبل القيامة ، ولا رادّا للقرآن. وكذلك المرجئة لا تجد فيهم من التخليط ومخالفة القرآن والطعن على السنن ما تجده مع الرافضة ، وكذلك جميع أصناف فرق الأمّة لا تجد مع أحد منهم من الإفراط والغلو ومخالفة نص القرآن ومشهور السنن والطعن على المهاجرين والأنظار والإقدام عليهم بالإكفار ما تجده مع أصناف الرافضة (خ ، ن ، ١١٢ ، ١٧)

رحمة

ـ الرحمة تشمل أكثر الأمم السالفة وإن كان أكثرهم يعرضون على النار ، إمّا عرضة خفيفة حتى في لحظة أو في ساعة ، وإمّا في مدّة حتى يطلق عليهم اسم بعث النار. بل أقول أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان شملتهم الرحمة ، أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك ولم تبلغهم الدعوة فإنّهم ثلاثة أصناف : ـ صنف لم يبلغهم اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصلا فهم معذرون. ـ وصنف بلغهم اسمه وبعثه وما ظهر عليه من المعجزات ، وهم المجاورون لبلاد الإسلام والمخالطون لهم ، وهم الكفّار المخلّدون. ـ وصنف ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم تبلغهم بعثه وصفته ، بل سمعوا منذ الصبا أن كذّابا ملبسا اسمه محمد ادّعى النبوّة. كما سمع صبياننا أنّ كذابا يقال له المقفّع لعنه الله تحدّى النبوّة كذبا. فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول ، فإنّهم مع أنّهم سمعوا صفته ، سمعوا ضدّ أوصافه ، وهذا لا يحرّك داعية النظر في الطلب (غ ، ف ، ٨٦ ، ٨)

ـ الرحمة قيل هي النعمة ، وقال أبو الحسن : هي إرادة الإنعام (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٤)

رحمن

ـ إن اسم الرحمن هو المخصوص به الله لا يسمّى به غيره ، والرحيم يجوز تسمية غيره به ؛ فلذلك يوصف أنّ الرحمن اسم ذاتي ، والرحيم فعلي. وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة ؛ ودليل ذلك إنكار العرب الرحمن. ولا أحد منهم أنكر الرحيم (م ، ت ، ١٨ ، ٦)

رحيم

ـ إن اسم الرحمن هو المخصوص به الله لا يسمّى به غيره ، والرحيم يجوز تسمية غيره به ؛ فلذلك يوصف أنّ الرحمن اسم ذاتي ، والرحيم فعلي. وإن احتمل أن يكونا مشتقين من الرحمة ؛ ودليل ذلك إنكار العرب الرحمن. ولا أحد منهم أنكر الرحيم (م ، ت ، ١٨ ، ٧)

رخص

ـ أمّا الرّخص فهو انخفاض مقدار السعر عمّا جرت به العادة في ذلك الوقت في ذلك المكان ؛ لأنّه لو انخفض سعر المتاع في مكان آخر كان لا يعتدّ به ، فكذلك في وقت آخر. ولذلك لا يوصف انخفاض سعر الثلج في الشتاء عمّا جرت به العادة في الصيف رخصا لما كان حال الزمانين في ذلك يختلف. وكذلك فانخفاض سعر الثلج في البلاد الباردة

عن سعره في البلاد الحارّة لا يعدّ رخصا. فلا بدّ إذا من اعتبار الوقت والمكان على الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٥٥ ، ١٦)

رزق

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الرزق يجري مجرى الخلق في أنّه لا يصحّ أن يوصف به البارئ تعالى في الأزل ، وإن وصفنا لله تعالى بأنّه رازق وللخالق بأنّه خالق هو وصف مشتقّ من الخلق والرزق ، وإنّه لا يصحّ أن يقال إنّ الله تعالى لم يزل خالقا رازقا لاستحالة وجود ما منه يشتقّ هذان الوصفان في الأزل الخلق والرزق (أ ، م ، ١٣٧ ، ٣)

ـ إنّ معنى الرزق فعل واقع على وجه مخصوص ، وهو أن يكون ممّا يتغذّى به الحيوان أو ينتفع به من دفع حرّ أو برد وأذى وضرر واستجلاب منفعة وتمكين من ذلك. هذا هو معنى وصفنا بأنّه رزق على الإطلاق. ثمّ معنى وصفنا له بذلك على التقييد بإضافة ونسبة مخصوصة إلى غيره فإنّما يفيد أنّ ذلك الغير الذي أضيف إليه بأنّه رزقه تغذّى به أو انتفع به أو تمكّن به من اجتلاب منفعة أو دفع مضرّة (أ ، م ، ١٣٧ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يقول : " لو كان معنى الرزق هو التمليك ، ومعنى التمليك التمكين والإقدار على ما مكّن منه ، لكان قد ملّك الكافرين الكفر ورزقهم من حيث مكّنهم منه وأقدرهم عليه ، والمخالفون فيه يأبون ذلك" (أ ، م ، ١٣٨ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الرزق هو ما ينتفع به وليس للغير المنع منه ، ولذلك لم يفترق الحال بين أن يكون المرزوق بهيمة أو آدميا. وهو ينقسم إلى ما يكون رزقا على الإطلاق وذلك نحو الكلاء والماء وما يجري مجراهما ، وإلى ما يكون رزقا على التعيين وذلك نحو الأشياء المملوكة (ق ، ش ، ٧٨٤ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ الرزق قد يصحّ أن يكون رزقا للمرزوق على جهة الإطلاق من دون إضافة وتعيين ، وقد يصحّ أن يضاف إليه على جهة التعيين. فالأوّل هو الأشياء التي خلقها الله تعالى مما يصحّ الانتفاع بها ولم يكن فيها ما يحظرها فيقال فيها إنّها أرزاق العباد. وهذا ظاهر فيما كان على أصل الإباحة. وربّما دخل فيه ما هو مملوك أيضا فيقال إنّ هذه النعم التي خلقها الله عزوجل من الثمار ونحوها هي أرزاق العباد. ويراد بذلك أنّه يصحّ منهم الانتفاع بها ، وأنّ الله تعالى إنّما خلقها لهذا الوجه (ق ، ت ٢ ، ٤١٩ ، ٢)

ـ أمّا إذا قيّد وعيّن فقيل في الشيء إنّه رزق لهذا الواحد فالغرض به أن يكون هو بالانتفاع أحقّ به من غيره حتى لا يكون لأحد أن يمنعه منه. ثم ينقسم ما هذا سبيله. فربّما صحّ أن تدخله طريقة الملك وربّما لم يصحّ. ألا ترى أنه قد يوصف الحيّ منا بأنّ الله عزوجل قد رزقه صحّة وعقلا أو ولدا وما أشبه ذلك فيكون ما هذا سبيله رزقا له ، ولا يقال : هو ملك له؟ وعلى ذلك صحّ أن تكون البهائم مرزوقة بالماء والكلأ وما يجري مجراهما ، ولا يقال إنّها مالكة لهذه الأشياء. وعلى ذلك يصحّ أن يوصف الله تعالى بالملك ويستحيل الرزق عليه (ق ، ت ٢ ، ٤١٩ ، ٨)

ـ أمّا حقيقة الرزق إذا قيّد وأضيف إلى معيّن فما بيّناه. فإن أطلق إطلاقا فيجب أن يكون المراد ما ذكرناه من الأمور التي خلقت للانتفاع بها ، وإن لم يكن البعض بذلك أحقّ من البعض إلّا عند سبب حادث. وعلى ذلك تجري حال

الصدقات التي تجتمع عند الإمام فيجعل ذلك رزقا للأصناف الذين ذكرهم الله تعالى ، وإنّما يصير الواحد به أحقّ من غيره عند عطيّة الإمام أو من يلي من قبله. وكذلك القول في الغنائم التي تجتمع عند الإمام لأنّه لو لم يتولّ قسمتها فيهم لم يكن بعضهم أحقّ بشيء منه من غيره وإن جعلت أرزاقا للغانمين على الإطلاق (ق ، ت ٢ ، ٤٢٠ ، ١)

ـ لعلمنا بأنّ ما لا مدخل له في الانتفاع أصلا لا يجعل رزقا لأحد. وما يصحّ الانتفاع به على وجه ما يصحّ أن يجعل رزقا على أحد الوجهين من التعيين والإطلاق. وعلى ذلك لم يصحّ أن نجعل الطعام الذي لا يتأتّى انتفاع البهائم بها أرزاقا لها. وكذلك فلا نجعل الميتات والدم أو السموم وما يجري مجراها أرزاقا لنا ، إمّا لأن ذلك الشيء ممّا لا يصلح لانتفاعنا به أو إن صلح لذلك فنحن ممنوعون من هذا الضرب من الانتفاع. وعلى هذه الجملة لم يصحّ في الحرام أن نجعله رزقا للغاصب ، على ما نبيّنه من بعد (ق ، ت ٢ ، ٤٢١ ، ٩)

ـ اعلم أنّ الرزق من الله تعالى دون العباد ، لأنّ إضافته إليه أقوى وآكد من إضافته إلى غيره. ألا ترى أنّ الرزق إذا كان معناه ما ينتفع به على ما بيّناه فمعلوم أنّ نفس الشيء المنتفع به من طعام وغيره لا يكون إلّا من خلقه تعالى ، وثبوت استباحته إنّما هو بما قد تقرّر في عقولنا من حسن الانتفاع بما لا ضرر فيه على أحد؟ وإذا دخل في كونه مملوكا لنا فإنّما يحصل كذلك لوجوه جعلها الله تعالى أسباب للتمليك ، على ما نفصّله من بعد. فإذا كان كذلك صحّت الإضافة إليه من هذه الجهة. وبعد فإنّا نعلم أنّ المرء قد يجتهد فلا يرزق ، وقد يرزق عفوا من دون تكليف مشقّة ويرزق من حيث لا يحتسب ويدخل الشيء في ملكه من دون اختياره ، كما نقول في المواريث. فثبت وجوب إضافة الرزق إلى الله تعالى (ق ، ت ٢ ، ٤٢٥ ، ٢)

ـ فقد صار الرزق منقسما إلى وجهين. أحدهما يكون إحسانا من الله تعالى وتفضّلا ، فما هذا حاله ليس يجب. وربّما كان مما يعلم اختيار العبد عنده الطاعة أو التحرّز من القبيح ، فذلك هو اللطف الواجب (ق ، ت ٢ ، ٤٣١ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الرزق لا بدّ من أن يكون مضافا أو في حكم المضاف ؛ لأنّه لا بدّ من كونه رزقا للغير ، وهو في بابه كالملك ، فإذا أضيف إلى جملة العباد فالمراد به أنّ لهم أن ينتفعوا به من غير تخصيص. وعلى هذا الوجه يقال في الأمور المباحة كالماء والكلأ والصيد وما يتناول من البحر : إنّه رزق للكلّ ، لأنّ أحدا لم يستبدّ به ، فمن سبق إليه صحّ منه الانتفاع به وحسن. وفارق حاله ما قد اختصّ به بعض العباد ، لأنّه يحرم على الغير تناوله إلّا بإذن أو ما يجري مجراه (ق ، غ ١١ ، ٢٧ ، ٤)

ـ ولما قدّمناه في حدّ الرزق قلنا : إنّه تعالى لا يوصف بأنّه مرزوق ، وإنّ الشيء رزق له ، لاستحالة الانتفاع عليه ، وإنّما يوصف بذلك من يصحّ أن ينتفع. ولذلك صحّ أن يوصف تعالى بأنّه مالك لمّا لم يقتض ذلك صحّة الانتفاع بالشيء على الحدّ الذي اقتضاه الرزق ، ولذلك قد يوصف ما لا يملكه الإنسان بأنّه رزقه إذا أبيح له تناوله والانتفاع به ، وإن كان قبل التناول غير مالك له ؛ كالأمور المباحة ، وكبذل الطعام للغير ، إلى ما شاكله (ق ، غ ١١ ، ٢٨ ، ٨)

ـ الذي قدّمناه في حدّ الرزق هو أولى ؛ لأنّه إذا

كان متى صحّ أن ينتفع به ولم يكن لأحد منعه من الانتفاع به علم رزقا له ، ومتى لم يكن كذلك لم يكن رزقا ، وإن كان قد يكون ملكا. فضمّ الملك إلى حدّ الرزق لا وجه له. ويجب أن يجعل حدّه ما قلناه فقط ، وهو الذي ذكره شيخنا أبو علي بن خلّاد في كتاب الأصول.

وهو مستمرّ على النظر (ق ، غ ١١ ، ٣٠ ، ١)

ـ قال بعضهم : إنّ الرزق هو النفع الذي يقع على جهة التقسيط له في الزمان ، وعلى مقدار حاجة المعطى. ولذلك قالوا : رزق السلطان جنده رزقا ، وقبضوا أرزاقهم ، وفصلوا بذلك بين هبة الملك وعطيّته ؛ لما كان ذلك يقع على ترتيب ، ولمّا كان ما أعطاه تعالى العباد هو على مقدار مرتّب قيل بأنّه رزق لهم (ق ، غ ١١ ، ٣١ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّ الرزق إذا كان عبارة عمّا يصحّ الانتفاع به ، وقد علمنا أنّ جميع ذلك من خلقه سبحانه ، فيجب ألا يصحّ أن يكون مقدورا للعبد لا على جهة المباشرة ولا على التولّد ؛ لأنّه لا يصحّ منه أن يولّد الأجسام ، والألوان ، والطعوم والأراييح وسائر ما ينتفع به. وقد دللنا على ذلك من قبل بما لا طائل في إعادته ، فيجب أن يكون من الله تعالى ؛ لأنّه الخالق له لينتفع به العباد ، على الوجه الذي أباح انتفاعهم به (ق ، غ ١١ ، ٤١ ، ٢)

ـ فإن قيل : أليس في جملة ما يصحّ أن ينتفع به الأصوات ، وقد تكون من فعل العبد ، فلم منعتم أن يكون في الرزق ما يفعله العبد. قيل له : إنّ الظاهر من الرزق أنّه يفيد ما تثبت عليه الأيدي ، ويصحّ التصرّف فيه ، والانتفاع به. وكل ذلك لا يكون إلّا من خلقه تعالى. والأصوات فلا يصحّ هذا الوجه فيها ، فلذلك لم نعدّه في هذا الباب ، وإنّما يقال : قد رزق فلان صوتا حسنا ، ويراد بذلك أنّه تعالى قد أعطاه آلة تصلح لذلك ، فتكون الآلة هي المضافة إلى الله تعالى دون الصوت الذي هو من فعله ، وإن كان لا يمتنع إضافة ذلك إليه تعالى ، من حيث مكّن منه ، وأعان عليه ؛ كما يقال في الإيمان : إنه من الله على هذا الحدّ (ق ، غ ١١ ، ٤١ ، ٩)

ـ اعلم أنّه لا شبهة في أنّ الرزق الذي يصل إليه من قبل الله تعالى خاصّة ـ بألّا يكون للعبد فيه صنع ـ يجب أن يضاف إلى الله تعالى وحده ، فيقال : إنّه منه وتدبيره وتقديره. وأمّا ما يصل إلى الإنسان من قبل غيره بسبب فعله اقتضى تملّكه وإباحة تصرّفه فيه ، فغير ممتنع أن يضاف إليه ، فيقال : إنّ هذا الرزق الواصل إلى زيد هو من جهة الواهب والمتصدّق ؛ لأنّه قد فعل ما به ملك ، فحلّ محل أن يخلقه تعالى له ، يدلّ على إباحة تصرّفه فيه. ويضاف مع ذلك إليه عزوجل ، لأنّ سبب تملّكه ، وإن كان من فعل العبد فإنّ تعالى قد فعل أمورا كثيرة لولاها وكل واحد منها لم يملك ذلك من جهة العبد ، ولا صحّ حصول سبب التملّك من جهته على ما قدّمناه. فيجب أن يضاف إليه تعالى ، ولذلك أضفنا الإيمان إلى الله سبحانه (ق ، غ ١١ ، ٥٣ ، ١٤)

ـ قال أهل الحقّ أنّ كل من أكل شيئا أو شرب فإنّما تناول رزق نفسه حلالا كان أو حراما ، ولا يأكل أحد رزق غيره (ب ، أ ، ١٤٤ ، ١٧)

ـ الرزق يتعلّق بمرزوق ، تعلّق النعمة بمنعم عليه ، والذي صحّ عندنا في معنى الرزق ، أنّ كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه ، فلا فرق بين أن يكون متعدّيا بانتفاعه ، وبين أن لا يكون متعدّيا به (ج ، ش ، ٣٠٧ ، ٤)

ـ ذهب بعض المعتزلة إلى أنّ الرزق هو الملك ، ورزق كل موجود ملكه ، وقد ألزم هؤلاء أن يكون ملك الباري تعالى رزقا له ، من حيث كان ملكا له ، فلم يجدوا عن ذلك انفصالا (ج ، ش ، ٣٠٧ ، ٦)

ـ المتأخرون (من المعتزلة) ، قالوا : رزق كل مرزوق ما انتفع به من ملكه وهؤلاء تحرّزوا عن ملك الباري تعالى لمّا قيّدوا بالانتفاع ، والرّب تعالى متقدّس عنه (ج ، ش ، ٣٠٧ ، ٩)

ـ إسناد الرزق إلى نفسه للإعلام بأنّهم ينفقون الحلال الطلق الذي يستأهل أن يضاف إلى الله ويسمّى رزقا منه (ز ، ك ١ ، ١٣٢ ، ٢)

ـ الرزق كل ما يتغذّى به من الحلال والحرام (ش ، ن ، ٤١٥ ، ١١)

ـ إذا كان الرزق بقضاء الله وقدره ، فمن حزن لفوات شيء منه فقد سخّط قضاء الله وذلك معصية ، لأنّ الرضا بقضاء الله واجب ، وكذلك من شكا مصيبة حلّت به فإنّما يشكو فاعلها لا هي ، لأنّها لم تنزل به من تلقاء نفسها ، وفاعلها هو الله ، ومن اشتكى الله فقد عصاه (أ ، ش ٤ ، ٣٤١ ، ٢٦)

ـ العدليّة : والرزق الحلال من المنافع والملاذ. المجبرة : بل والحرام. قلنا : نهى الله تعالى عن تناوله والانتفاع به ، فهو كما لا يتناول ولا ينتفع به ، وهو ليس برزق اتّفاقا ، وأيضا لم يسمّ الله تعالى رزقا إلّا ما أباحه به دون ما حرّمه (ق ، س ، ١٢٩ ، ١٤)

رسالة

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الإمامة شريعة من شرائع الدين ، يعلم وجوبها وفرضها سمعا. وكذلك كان يقول في الرسالة التي هي أصل الإمامة إنّها غير واجبة عقلا ، وإرسال الرسل من مجوّزات العقول دون موجباتها فيه ، وإنّ الله تعالى يتعبّد عباده بما أراد من أنواع العبادات لأجل أنّهم خلقه وملكه وفي قبضته وسلطانه ، وله أن لا يتعبّدهم ، فإن تعبّدهم على لسان الرسل بالعبادات فهو في ذلك حكيم ، وإن ترك ذلك لم يكن سفيها ولا جائرا (أ ، م ، ١٨٠ ، ١٨)

ـ الرسالة ، التي لها يوصف بأنّه مرسل لغيره ، لا تكون رسالة بأن يتكلّم بها فقط ، وإنّما تكون رسالة ، إذا حمّلها الرسول. ولا يكون محمّلا له الرسالة إلّا بأن يعلمها الرسول ، ويميّزها من غيره ، فيصير بحيث يمكنه أن يؤديها إلى غيره ؛ ولا يكون كذلك مع الغيبة ، وفقد العلم ، ولا قبل أن يخلق ، لأنّ ذلك يستحيل ، فيمن هذه حاله (ق ، غ ١٥ ، ٩ ، ١٤)

ـ إنّ الرسالة لا يعتبر فيها أن تكون معلومة من جهة المرسل فقط ؛ لأنّها إن علمت من جهته ، أو علمت من جهة رسوله المتحمّل الرسالة إليه ، فالحال واحدة ؛ فلا فرق بين أن يحمّله تعالى الرسالة ، أو يبعث إليه بالرسالة رسولا ، في أنّه ، في الحالتين ، يكون رسولا لله تعالى. ولا يجب في الرسول الثاني أن يكون رسولا للأوّل ؛ بل يجب أن يكون رسولا لله تعالى ، كما أنّ أحدنا إذا عرف أمره تعالى ، بواسطة ، لم يخرج من أن يكون مأمورا لله تعالى ، كما يكون كذلك لو عرف أمره بلا واسطة. والكلام فيما به يعلم أن الرسالة من جهته تعالى عند الكلام فيما قصدنا بيانه ؛ لأنه ، إن علم ذلك باضطرار أو استدلال بالمعجز وغيره ، لم يتغيّر الحكم فيما ذكرناه (ق ، غ ١٥ ، ١١ ، ٦)

ـ قال شيوخنا ، رحمهم‌الله ، إنّ الرسالة ليست

بمدح ولا ثواب ؛ لأنّهم لا يعقلون من هذه اللفظة ما يفيد المدح ؛ وإنّما عقلوا منها ، في اللغة ، ما يرجع إلى فعل المرسل وعلم الرسول ؛ وذلك لا يكون مدحا. وقالوا : هي مما يجوز أن يمدح بها لأنّهم علموا بالدليل أنّه لا يكون رسولا لله إلّا وقد يختصّ بأوصاف تقتضي المدح فيه والتعظيم ، وإن كانت هذه اللفظة لا تفيده ، فسوّغوا المدح ، كما سوّغوا بقولهم : موفق ومعصوم ؛ بل بقولهم : مطيع ، إلى ما شاكل ذلك ؛ وفرّقوا بينه وبين قولنا نبيّ في ذلك ، لأنّ هذه اللفظة موضوعة للرفعة ، فهي تفيد المدح بظاهرها ، لا بمعناها (ق ، غ ١٥ ، ١٢ ، ٢٤)

ـ الرسالة عبارة عن تبليغ الكلام ، والرسول عبارة عن المبلّغ (غ ، ق ، ١١٥ ، ٢)

ـ الرسالة لغة ، القول المبلّغ ، وشرعا : كالنبوّة. إلّا أنّه يقال في موضع شرحه لتبليغ شريعة لم يسبقه بتبليغ جميعها أحد (ق ، س ، ١٣٥ ، ٣)

رسم

ـ إنّ المقصود من الرسم ليس إلّا تمييز الشيء عمّا سواه ، تمييزا ، غير ذاتيّ. والتمييز كما يحصل بالخواص الوجوديّة الثابتة للشيء المرسوم دون غيره ، كذلك قد يحصل بالسلوب المختصّة به دون غيره (م ، غ ، ٢٨ ، ١٣)

رسم تام

ـ المشهور عند الحكماء أنّ الرسم التّامّ هو الّذي يميّز الشيء عن جميع ما عداه (ط ، م ، ١٠ ، ٢٣)

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٣)

رسم ناقص

ـ الرّسم النّاقص هو الّذي يميّزه عن بعض ما عداه (ط ، م ، ١١ ، ١)

ـ إنّ الكاسب ليس المكتسب ، بل إمّا مجموع أجزائه وهو الحدّ التامّ أو بعضها المساوي وهو (الحد) الناقص ، أو الخارج فقط وهو الرسم الناقص ، أو مع الداخل وهو (الرسم) التام (خ ، ل ، ٣٤ ، ١٣)

رسول

ـ إنّ معنى الرسول هو المرسل. فإذا قلنا إنّه رسول الله تعالى فمعناه أنّه الذي أرسله الله تعالى إلى خلقه برسالاته وعرّفه ما يبلّغه إلى خلقه من أحكام عباداته ووعده ووعيده وثوابه وعقابه. وكان يفرّق بين النبيّ والرسول ، ويقول إنّ كل رسول نبيّ وليس كل نبيّ رسولا ، وإنّه قد كان في النساء أربع نبيّات ولم يكن فيهنّ رسول ، بقوله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) (يوسف : ١٠٩) مع قوله عليه‌السلام" كان في النساء أربع نبيّات". وكان يجمع بين الخبر والآية فيرتّبهما على هذا الوجه. وكان يقول إنّ الرسول هو من يرسل إلى الخلق ويوجب عليه تبليغ الرسالات ويؤمر الخلق بطاعته واتّباع أمره. وقد يكون نبيّا ولا يكون قد أرسل ولا أمر بأداء الرسالة ، وذلك بإبانة حاله من غيره بكرامات يخصّ بها حتى ترتفع منزلته بذلك وتشرف (أ ، م ، ١٧٤ ، ٨)

ـ اعلم أنّ الرسول ، من الألفاظ المتعدّية أي لا بدّ من أن يكون هناك مرسل ومرسل إليه ، وإذا أطلق فلا ينصرف إلّا إلى المبعوث من جهة الله تعالى دون غيره ، حتى إذا أردت غير ذلك فلا بدّ من أن تقيد (ق ، ش ، ٥٦٧ ، ٩)

ـ لا فرق في الاصطلاح بين الرسول والنبيّ (ق ، ش ، ٥٦٧ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ هذه اللفظة (الرسول) مأخوذة من إرسال المرسل له ، كما أنّ معلوما مأخوذ من علم العالم به. ولذلك متى أرسل أحدنا غيره يوصف هو بأنّه مرسل ، وذلك الغير بأنّه رسول. ولا يعتبر في هذا الوصف وقوع فعل من الرسول ؛ وإنّما المعتبر في ذلك بالإرسال الواقع من المرسل (ق ، غ ١٥ ، ٩ ، ٥)

ـ الرسالة ، التي لها يوصف بأنّه مرسل لغيره ، لا تكون رسالة بأن يتكلّم بها فقط ، وإنّما تكون رسالة ، إذا حمّلها الرسول. ولا يكون محمّلا له الرسالة إلّا بأن يعلمها الرسول ، ويميّزها من غيره ، فيصير بحيث يمكنه أن يؤديها إلى غيره ؛ ولا يكون كذلك مع الغيبة ، وفقد العلم ، ولا قبل أن يخلق ، لأنّ ذلك يستحيل ، فيمن هذه حاله (ق ، غ ١٥ ، ٩ ، ١٦)

ـ فمن جهة اللغة ، إذا قيل إنّه رسول لم يعرف به أنّه رسول لله ، وإن كان ذلك ، بالتعارف ، يفهم به هذا المعنى ، كما يفهم بقولنا عاص أنّه عاص لله ، لا لغيره. فحل قولنا" رسول" محل قولنا" رسول الله" ، من جهة التعارف. ولا فرق بين جهة اللغة ، في وصفنا له بأنّه رسول الله ، بين رسالة من رسالة ؛ فإنّما يعرف التخصيص في ذلك بالدليل ، أو التعارف (ق ، غ ١٥ ، ١٠ ، ٩)

ـ فيما يجب أن يختصّ به الرسول في الرسالة وسائر الأحوال : اعلم أنّه لا بدّ من الرسالة يتحمّلها عن الله تعالى. ولا بدّ من أن يقبل ذلك ويوطن نفسه على أدائها ، على الحدّ الذي ألزمه ، وأن يصبر على كل عارض دونه ، وإذا تحمّل ذلك ، وفعل ما ذكرناه ، فلا بدّ من أن يدّعي الرسالة ويدعو المبعوث إليه إلى القبول منه ، فعند ذلك لا بدّ من أن يظهر تعالى عليه ما يدلّ على حاله ، ليلزم الغير القبول منه ، بإظهار المعجز ، لأمر يرجع إلى المبعوث إليه ، لا إلى كونه رسولا فقط. ولو جاز ، من جهة العقل ، أن يحمّله رسالة لا يلزمه تأديتها ، لما وجب إظهار المعجز عليه ، وإنّما كان يجب إظهار المعجز الأول على من هو رسول الله ، أو عند مخاطبة الله تعالى إياه. فالذي له يكون رسولا هو الذي قلناه أولا ، والذي له يلزم القبول منه هو ظهور المعجز عند الادعاء والدعوة. ولا يجوز أن يبعث رسولا إلى غيره ، وإن كان ذلك الغير قد يقل ويكثر ، ولا بدّ من أن يكون متحمّلا لما يؤدّيه إلى ذلك الغير ، قلّ ما يتحمّله أو كثر ، ولا بدّ من كونه صلاحا للمؤدّى إليه ، لأنّه المقصد (ق ، غ ١٥ ، ١٧ ، ٢)

ـ جملة ما يجب أن نحصله : أنّه لا بدّ من أن نعرف الرسول ، ونميّزه ، من غيره ، ونعرف طرفا من أحواله ، ونعرف ادّعاءه للنبوّة ، وما يتّصل بذلك ؛ ولا بدّ من أن نعرف في المعجز مثل ذلك ، بأن نعرف عينه ، وطرفا من أحواله ، وتعلّقه بالدعوى. ولا بدّ من أن يعرف المرسل ، وما يختصّ به من صفاته ، ليصحّ أن يعلم ما يجوز أن يختاره ، وما لا يجوز ذلك فيه ، لكن يمكن أن يعلم أنّه لا يدلّ إلّا على صحّة ، ولا يصدق إلّا صادقا (ق ، غ ١٦ ، ١٤٤ ، ١٤)

ـ في الفرق بين الرسول والنبي : إنّ كلّ من نزل عليه الوحي من الله تعالى على لسان ملك من الملائكة وكان مؤيّدا بنوع من الكرامات الناقضة للعادات فهو نبي ، ومن حصلت له هذه الصفة وخصّ أيضا بشرع جديد أو بنسخ بعض أحكام شريعة كانت قبله فهو رسول (ب ، ف ، ٣٤٢ ، ١٦)

ـ الرسول هو الذي يتتابع عليه الوحي ، من رسل اللبن إذا تتابع درّه. وكل رسول الله عزوجل نبيّ وليس كل نبيّ رسولا له (ب ، أ ، ١٥٤ ، ٣)

ـ الرسول من يأتي بشرع على الابتداء أو بنسخ بعض أحكام شريعة قبله (ب ، أ ، ١٥٤ ، ٦)

ـ الرسالة عبارة عن تبليغ الكلام ، والرسول عبارة عن المبلّغ (غ ، ق ، ١١٥ ، ٣)

ـ إنّ محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والدليل عليه أنّه ادّعى النبوّة وظهرت المعجزة على يده ، وكل من كان كذلك كان رسولا حقّا. فالمقام الأولى : أنّه ادّعى النبوّة ، وذلك معلوم بالتواتر. والمقام الثاني : أنّه أظهر المعجزة (ف ، أ ، ٧١ ، ٥)

ـ نقول (الآمدي) : إنّ الرسول لا يأتي إلّا بما لا تستقلّ به العقول ، بل هي متوقّفة فيه على المنقول ؛ وذلك كما في مسالك العبادات ، ومناهج الديانات ، والخفيّ مما يضرّ وينفع من الأقوال والأفعال ، وغير ذلك مما تتعلّق به السعادة والشقاوة في الأولى والأخرى. وتكون نسبة النبيّ إلى تعريف هذه الأحوال ، كنسبة الطبيب إلى تعريف خواص الأدوية والعقاقير التي يتعلّق بها ضرر الأبدان ونفعها ؛ فإنّ عقول العوام قد لا تستقلّ بدركها ، وإن عقلتها عند ما ينبّه الطبيب عليها ، وكما لا يمكن الاستغناء عن الطبيب في تعريف هذه الأمور ، مع أنّه قد يمكن الوقوف عليها ، والتوصّل بطول التجارب إليها ؛ لما يفضى إليه من الوقوع في الهلاك والإضرار ؛ لخفاء المسالك ، فكذلك النبيّ (م ، غ ، ٣٢٦ ، ٣)

ـ لا رسول إلّا بوحي ومعجز وشريعة متجدّدة أو إحياء مندرسة قليل أم كثير. ولا فرق بين الرسول والنبي. الحشوية : يصحّ نبيّا من غير وحي ومعجز وشريعة. قلنا : لا دليل عليها إلّا المعجز ، وإلّا فالنبوّة عبث ، فلا بدّ من مصلحة ، لما مرّ (م ، ق ، ١١٣ ، ١٧)

رضا

ـ إنّ الرضا بالشيء هو المدح له والثناء عليه والإثابة عليه وكونه دينا وشرعا (ب ، ن ، ١٦٥ ، ٢١)

ـ أمّا الرضى فإنّه إرادة يتعلّق بفعل الغير إذا وقع على ما أردناه ويكون متقدّمه ، ويجب أن يكون من فعل الراضي بها ، ولا بدّ من ثبوت الاختبار فيها (ق ، ت ١ ، ٢٩٨ ، ١٧)

ـ قال شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله في العسكريات : إنّ حقيقة الرضا هو في إرادة الشيء ، إذا وقع على الوجه الذي أراده. وإنّما يقال رضي عن زيد إذا أراد تعظيمه وتبجيله ، واستحقّ الثواب على سبيل المجاز (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٤٣ ، ١٢)

ـ الرضا قال أبو الحسن الأشعريّ : إنّه إرادة إكرام المؤمنين ومثوبتهم على التأبيد ، وهذا من الله تعالى ؛ وأمّا من العبد فهو ترك الاعتراض (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٢)

رعاية الأصلح

ـ قال (بشر) : إنّ عند الله تعالى لطفا لو أتى به

لآمن جميع من في الأرض إيمانا يستحقّون عليه الثواب ، استحقاقهم لو آمنوا من غير وجوده وأكثر منه. وليس على الله تعالى أن يفعل ذلك بعباده ولا يجب عليه رعاية الأصلح لأنّه لا غاية لما يقدر عليه من الصلاح ، فما من أصلح إلّا وفوقه أصلح ، وإنّما عليه أن يمكّن العبد بالقدرة والاستطاعة ويزيح العلل بالدعوة والرسالة (ش ، م ١ ، ٦٥ ، ٥)

رغبة ورهبة

ـ الرغبة والرّهبة أصلا كل تدبير وعليهما مدار كلّ سياسة عظمت أو صغرت. فاجعلهما مثالك الذي يحتذى عليه وركنك الذي يستند إليه (ج ، ر ، ١٣ ، ١٥)

رفض

ـ إنّ الرفض مشتمل على أجناس من الكفر لا يشتمل عليه مذهب فرقة من فرق الأمة ، لأنّك إذا نظرت في مذاهب الخوارج مذهبا مذهبا لم تجد فيهم مشبّها ولا واصفا لله بما وصفته به الرافضة ، ولا قائلا بالبداء ولا مؤمنا بالرجعة إلى دار الدنيا قبل القيامة ، ولا رادّا للقرآن. وكذلك المرجئة لا تجد فيهم من التخليط ومخالفة القرآن والطعن على السنن ما تجده مع الرافضة ، وكذلك جميع أصناف فرق الأمّة لا تجد مع أحد منهم من الإفراط والغلو ومخالفة نص القرآن ومشهور السنن والطعن على المهاجرين والأنظار والإقدام عليهم بالإكفار ما تجده مع أصناف الرافضة (خ ، ن ، ١١٢ ، ١٤)

رقي

ـ نوع آخر من السحر يكون بالرقي وهو كلام مجموع من حروف مقطّعة في طوالع معروفة أيضا ، يحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع قوى أخرى ، وقد شاهدنا وجرّبنا من كان يرقي الدمل الحاد القوى الظهور في أول ظهوره فييبس ، يبدأ من يومه ذلك بالذبول ، ويتمّ يبسه في اليوم الثالث ، ويقلع كما تقلع قشرة القرحة إذا تمّ يبسها ، جرّبنا من ذلك ما لا نحصيه (ح ، ف ٥ ، ٤ ، ١٨)

روح

ـ قال" النظّام" : الروح هي جسم وهي النفس ، وزعم أنّ الروح حيّ بنفسه (ش ، ق ، ٣٣٣ ، ١٥)

ـ كان" الجبّائي" يذهب إلى أنّ الروح جسم ، وأنّها غير الحياة ، والحياة عرض ويعتلّ بقول أهل اللغة : خرجت روح الإنسان ، فزعم أنّ الروح لا تجوز عليها الأعراض (ش ، ق ، ٣٣٤ ، ١٠)

ـ أمّا الروح فهو الريح عنده ، وهو جسم لطيف وذلك هو المتردّد في تجاويف أعضاء الإنسان. والإنسان إنّما يحيا بالحياة لا بالروح ، ولكنّه إذا كان حيّا كان محلّا للروح لا أنّه بها يحيا (أ ، م ، ٢٥٧ ، ٥)

ـ اختلفوا (النصارى) فقال بعضهم : إنّ الكلمة هي العلم ؛ وقال بعضهم : إنّ المراد بالكلمة العلم ؛ وإنّما سمّي ذلك لأنّه يظهر بالنطق. ومن قول بعضهم : إنّ الكلمة والنطق ليسا العلم. وحكى عن بعضهم أنّه قال في الروح إنّها قدرة (ق ، غ ٥ ، ٨٢ ، ١٣)

ـ وبعد ، فإنّ الروح لا بدّ من أن يبين من الجسد بصفة ؛ لأنّه إن لم يختصّ بالرقّة لم يكن روحا ،

وإنّما يوصف بذلك متى حصل في الحيّ ، وإلّا فهو من جنس الريح والنفس المردّد ، وما هذا حاله يستحيل كونه حيّا قادرا أصلا ؛ لأنّ الحياة تحتاج إلى رطوبة وبنية ، وذلك لا يوجد في الروح ، فلذلك قلنا : إنّ الروح كالدم في أنّ الحياة تحتاج إليها ، وليست من جملة الحيّ ، فكيف يصحّ أن يجعل الحيّ هو الروح ، ولم يثبت أنّه مما يصحّ أن يكون حيّا مريدا أصلا (ق ، غ ١١ ، ٣٣١ ، ١٥)

ـ إنّا قد دللنا على أنّ كل محلّ ندرك به الحرارة والبرودة والألم يجب أن يكون فيه حياة ، ودللنا على أنّ كل جزء فيه حياته ، فيجب كونه من جملة الحيّ وبيّنا أنّ الحيّ هو القادر المدرك ، وأنّه ـ وإن كان أجزاء كثيرة ـ في حكم الشيء الواحد من حيث كان حيّا واحدا وقادرا واحدا. فذلك يبطل قوله : إنّ الجسد موات ؛ لأنّ هذه تفيد انتفاء الحسّ والإدراك ، وإذا دللنا على ثبوتهما في أجزاء الجسد فقد بطل ما قاله. وإذا ثبت أنّ الروح من قبيل النفس والريح ، وأن ما اختصّ بهذه الصفة لا تحلّه الحياة وإن كان الحيّ بحياة يحتاج إلى كونه في البدن فقد بطل ما قاله : من أنّ الحيّ هو الروح (ق ، غ ١١ ، ٣٣٤ ، ١٣)

ـ إنّ الحيّ هو الجسم والروح جميعا : قد حكينا عن بشر بن المعتمر هذا القول. وعن هشام بن عمرو أنّه كان يجعل كل عرض لا يكون الإنسان إنسانا إلّا بها من أحد قسمي الإنسان ، وقد حكي عن بعضهم أنّ الروح هي الحياة. وعن بعضهم خلاف ذلك. وحكي عن أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة أنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما (ق ، غ ١١ ، ٣٣٥ ، ١١)

ـ إنّ الذي يجب كونه من جملة الحيّ ما يلحقه حكم الحياة ؛ فإذا لحق يده وسائر أطرافه هذا الحكم فصحّ أن يدرك بها الحرارة والألم وجب كونها من جملة الحيّ ، وإن كان فقدها لا يؤثّر في كونه حيّا ، وليس كذلك الروح وغيرها ؛ لأنّ الإدراك لا يصحّ بها فيجب ألّا تكون من جملة الحيّ ، وإن استحال كونه حيّا إلّا معها ؛ كما لا يجب ذلك في الدم والشعر وغيرهما من الأمور التي لا يجوز أن يكون حيّا إلّا معها (ق ، غ ١١ ، ٣٣٧ ، ١١)

ـ أمّا قول الشيخ أبي الهذيل ـ رحمه‌الله ـ في الحياة : إنّها يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما ، فالمراد عندنا أنّه ذهب إلى أن الحيّ لا يكون حيّا إلّا بعرض يحلّه وبروح تحصل فيه ، وسمّاهما جميعا حياة. ولهذا قال : إنّ الحياة يجوز أن تكون عرضا ، ويجوز أن تكون جسما ، وهذا خلاف في عبارة ؛ لأنّ الروح عبارة عن النفس المتردّد في مخارق الإنسان ، ولذلك وصفها الله ـ تعالى ـ بالنفث والنفخ ، وذلك من صفات الأجسام الدقيقة ، وقد ثبت فيما هذا حاله أنّه لا يجوز أن يوجب لغيره حالا ؛ لأنّ المجاور لا يختصّ بما جاوره اختصاص العلّة بالمعلول ، ولأنّه لو أوجب كونه حيّا لأوجبه لجنسه فكان غير الروح من الأجسام بمنزلة الروح في إيجابه كونه حيّا ؛ لأنّ الجواهر متماثلة ، وبطلان ذلك يبيّن فساد من قال بهذا القول. فأمّا إذا جعل الموجب لكونه حيّا العرض الحالّ وعبّر عن الروح بأنّها حياة من حيث لا يكون حيّا إلّا معها فإنّما خالف في عبارة ؛ لأنّ المعنى الذي قصده ممّا نقول به. وإنّما وجب ما ذكرناه من جهة العبارة ؛ لأنّ الحياة عبارة عن المعنى الذي به

صار حيّا ، ولم يصر حيّا بالروح كما لم يصر حيّا بالدم والبنية ، وإن احتيج إليهما جميعا (ق ، غ ١١ ، ٣٣٨ ، ٨)

ـ قد حكينا عنه (النظّام) في الإنسان أنّه الروح ، وأنّ الروح هي الحياة المشابكة لهذا الجسد ، وأنّها في الجسد على جهة المداخلة ، وأنّه جوهر واحد غير مختلف ، وهو قويّ حيّ عالم بذاته (ق ، غ ١١ ، ٣٣٩ ، ٢)

ـ قالت طائفة النفس هي النسيم الداخل الخارج بالتنفّس ، فهي النفس ، قالوا والروح عرض وهو الحياة فهو غير النفس ، وهذا قول الباقلاني ومن اتّبعه من الأشعريّة (ح ، ف ٥ ، ٧٤ ، ٨)

ـ إن قيل : بيّنوا : الروح ومعناه ، فقد ظهر الاختلاف فيه. قلنا : الأظهر عندنا ، أنّ الروح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة ، أجرى الله تعالى العادة استمرار حياة الأجسام ما استمرّت مشابكتها لها ، فإذا فارقتها يعقب الموت الحياة في استمرار العادة (ج ، ش ، ٣١٨ ، ١٢)

ـ إنّ الإنسان في الحقيقة هو النفس والروح ، والبدن آلتها وقالبها (النظّام) (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٩)

ـ إنّ الروح جسم لطيف مشابك للبدن مداخل للقلب بأجزائه مداخلة المائيّة في الورد ، والدهنيّة في السمسم ، والسمنية في اللبن. وقال (النظّام) إنّ الروح هي التي لها قوة ، واستطاعة وحياة ومشيئة. وهي مستطيعة بنفسها ، والاستطاعة قبل الفعل (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٠)

ـ إنّ الروح جسم لطيف بخاري يتكوّن من ألطف أجزاء الأغذية ينفذ في العروق الضوارب ، والحياة عرض قائم بالروح وحالّ فيها ، فللدماغ روح دماغية وحياة حالّة فيها ، وكذلك للقلب وكذلك للكبد (أ ، ش ٢ ، ٢٤٢ ، ٢٢)

ـ إنّ أبا القاسم البلخيّ من المعتزلة وأتباعه ذكروا : أنّ الروح الإنسانيّ جوهر ليس له صفة التحيّز (ط ، م ، ٢٢٩ ، ٢١)

روح الله

ـ قال شيخنا أبو علي : إنّ الغرض بوصفه عيسى بأنّه كلمة الله أنّ الناس يهتدون به كاهتدائهم بالكلمة. ومعنى قولنا إنّه روح الله أنّ الناس يحيون به في دينهم كما يحيون بأرواحهم الكائنة في أجسادهم. وذلك توسّع وتشبيه له بالكلمة التي هي الدلالة والروح الذي يحتاج الحيّ منّا إليه (ق ، غ ٥ ، ١١١ ، ١٨)

روح القدس

ـ قيل : " أيّدناه بروح القدس". يعني بالروح ، روح الله. ووجه إضافة روح عيسى إلى الله عزوجل ؛ (أن تكون أضيفت) تعظيما له وتفضيلا. وذلك أنّ كل خاص أضيف إلى الله ـ عزوجل ـ أضيف ؛ تعظيما لذلك الشيء ، وتفضيلا له ، كما يقال لموسى : كليم الله ، ولعيسى : روح الله ، ولإبراهيم : خليل الله ، على التعظيم والتفضيل (م ، ت ، ٢١٤ ، ١)

روح لاهوتي

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : وتفرّقت النصارى في المسيح ، فمنهم من جعل له روحين : أحدهما محدثا وهو روح الناسوتيّة ، يشبه أرواح الناس ، وروح لاهوتيّ قديمة ، جزء من الله ،

صار في البدن ذلك. وقالوا : ليس إلّا أب وابن وروح / القدس. وآخرون جعلوا الروح الذي في المسيح الله ، لا الجزء ، لكن فريقا منهم يجعل في البدن على كون الشيء في الشيء ، وفريقا التدبير لا على إحاطة البدن به. وفيهم من يقول : ليصل إليه جزء من الله تعالى ، ويصل جزء آخر (م ، ح ، ٢١٠ ، ١٣)

روح الناسوتية

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : وتفرّقت النصارى في المسيح ، فمنهم من جعل له روحين : أحدهما محدثا وهو روح الناسوتيّة ، يشبه أرواح الناس ، وروح لاهوتيّ قديمة ، جزء من الله ، صار في البدن ذلك. وقالوا : ليس إلّا أب وابن وروح / القدس. وآخرون جعلوا الروح الذي في المسيح الله ، لا الجزء ، لكن فريقا منهم يجعل في البدن على كون الشيء في الشيء ، وفريقا التدبير لا على إحاطة البدن به. وفيهم من يقول : ليصل إليه جزء من الله تعالى ، ويصل جزء آخر (م ، ح ، ٢١٠ ، ١٣)

ز

زجر وترغيب

ـ الزجر والترغيب يجري مجرى الأمر والنهي (ق ، غ ١٦ ، ٥٨ ، ١٢)

زكاة

ـ الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى ، فالعين القدر الذي يحرّجه المزكي من النصاب إلى الفقير ، والمعنى فعل المزكي الذي هو التزكية وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له ، ولا يسوغ فيه غيره لأنّه ما من مصدر إلّا يعبّر عن معناه بالفعل ويقال محدثه فاعل ، تقول للضارب فاعل الضرب وللقاتل فاعل القتل وللزكى فاعل التزكية ، وعلى هذا الكلام كله. والتحقيق فيه أنّك تقول في جميع الحوادث من فاعل هذا؟ فيقال لك : فاعله الله أو بعض الخلق. ولم يمتنع الزكاة الدالّة على العين أن يتعلّق بها فاعلون لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل ، ولكن لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها (ز ، ك ٣ ، ٢٦ ، ٤)

زلزلة

ـ قال هشام في سبيل الزلزلة : إنّ الأرض مركّبة من طبائع مختلفة يمسك بعضها بعضا ، فإذا ضعفت طبيعة منها غلبت الأخرى فكانت الزلزلة ، فإن ازدادت الطبيعة ضعفا كان الخسف (ب ، ف ، ٦٨ ، ١٢)

زمان

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول إنّ الأجل والحين والوقت والزمان ممّا تتقارب معانيها ، وإنّ أجل كل حادث حال حدوثه. وكان يقول إنّ الأفعال على الإطلاق بحدوثها لا تقتضي مكانا ولا زمانا ، لأنّ المكان والزمان محدثان أيضا ، فلو كان كذلك تعلّق كل مكان بمكان وكل زمان بزمان لا إلى غاية وذلك فاسد. فعلى هذا إذا قيل" أجل الدين" المراد به الوقت الذي يحلّ فيه الدين فكان لصاحبه أن يطالب به. وأجل الحياة حال حدوثها ، وأجل الموت حال حدوثه (أ ، م ، ١٣٥ ، ٢)

ـ كل زمان فنهايته الآن ، وهو حدّ الزمانين ، فهو نهاية الماضي وما بعده ابتداء للمستقبل وهكذا أبدا يفنى زمان ويبتدئ آخر ، وكل جملة من جمل الزمان فهي مركّبة من أزمنة متناهية ذات أوائل (ح ، ف ١ ، ١٤ ، ٢٥)

ـ الزمان إنّما هو مدّة بقاء الجرم ساكنا أو متحرّكا ، ولو فارقه لم يكن الجرم موجودا ولا كان الزمان أيضا موجودا ، والجرم والزمان موجودان فكلاهما لم يفارق صاحبه ، والزمان ذو أوّل والجرم ذو أول وهذا مما لا انفكاك له البتّة (ح ، ف ١ ، ١٧ ، ١٣)

ـ الزمان المعهود عندنا هو مدّة وجود الجرم ساكنا أو متحرّكا أو مدّة وجود العرض في الجسم ، ويعمّه أن نقول هو مدّة وجود الفلك وما فيه من الحوامل والمحمولات (ح ، ف ١ ، ٢٥ ، ١٠)

ـ إن اقتضى (العرض) قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك

فعدد. وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير والتأثر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ، أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٥)

زوال

ـ إنّ الحركة والنقلة والزوال والخروج عن المكان والظعن والارتحال عنه كل ذلك بمعنى واحد ، وإنّ كل متحرّك منتقل وكل منتقل متحرّك ، وإنّ قولهم" تحرّك السعر والبرد" مجاز لأنّ ذلك ليس ممّا ينتقل في الأماكن (أ ، م ، ٢٤٤ ، ١٣)

زيادة

ـ معنى الزيادة إنّما هو أن تضيف إلى ذي النهاية شيئا من جنسه يزيد ذلك في عدده أو في مساحته ، فإن كان الزمان لا أوّل له يكون به متناهيا في عدده الآن ، فإذن كل ما زاد فيه ويزيد مما يأتي من الأزمنة فإنّه لا يزيد ذلك في عدد (ح ، ف ١ ، ١٦ ، ٨)

زيادة الشهوة

ـ قال رحمه‌الله (أبو هاشم) في بعض الأبواب وغيره : يحسن منه تعالى تكليف من يعلم أنّه يكفر عند دعاء الشيطان إلى باب الكفر ، ولولاه لم يكفر ، إذا علم أنّ إيمانه عند دعائه أشقّ ، والثواب فيه أزيد ، ويصير دعاؤه بمنزلة زيادة الشهوة في فعل القبيح. وهذا مستمرّ على ما قدّمناه ؛ لأنّه ـ رحمه‌الله ـ يجعل زيادة الشهوة في حكم التمكين ؛ لأنّ عندها يكون الفعل أشقّ. فالجهة التي تحصل للفعل بزيادة الشهوة كانت لا تحصل لولاها ، وكانت لا تصحّ. فيجب أن يكون في حكم التمكين من الفعل بالآلات التي لولاها لما صحّ. فإذا حسن تكليف زيادة الأفعال وتمكّن منها بالآلات وعلم أنّه يعصى فيه ، فكذلك القول في زيادة الشهوة (ق ، غ ١١ ، ٢٢٩ ، ١)

س

سؤال

ـ إنّ معنى السؤال وحقيقته هو الاستخبار ومعنى الاستخبار طلب الخبر. وذلك على وجهين ، أحدهما استعلام والثاني تقرير وتذكير وتنبيه على ما يبنى عليه بعد. واعلم أنّه لا بدّ أن تعلم أنّ هذا التحديد إنّما يقع للسؤال المستعمل في الجدل ، وذلك أنّه إن جعل ذلك حدّا لنوع السؤال انتقض لوجود سؤال ليس باستخبار ، كنحو سؤال العبد ربّه تعالى إذا قال" ربّ اغفر وارحم" ، فإنّ هذا هاهنا ممّا يسمّيه أهل اللغة سؤالا وليس باستخبار. ولكنّه إنّما يطلق ذلك في باب الجدل على معنى ما هو مستعمل في الجدل فيكون تقدير معناه السؤال الجدليّ والسؤال الذي وضع للاستعلام أو للتقرير فهو نفس الاستخبار (أ ، م ، ٢٩٤ ، ١٢)

سابقون

ـ قال أصحابنا إنّ الناس في الآخرة ثلاثة أصناف : سابقون مقرّبون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال. فالسابقون هم الذين يدخلون الجنّة بلا حساب ، منهم الأنبياء عليهم‌السلام ومنهم من يدخل الجنّة من أطفال المؤمنين والسقط ومن جرى مجراه. ومنهم سبعون ألفا من هذه الأمّة كل واحد منهم يشفع في سبعين ألفا كما ورد في الخبر وذكر فيهم عثمان بن عفان وعكاشة بن محصن. وأصحاب الشمال كلّهم كفرة. وأصحاب اليمين كلّهم مؤمنون لأنّ الله تعالى وصف أصحاب الشمال بأنّهم كذبوا بالقيامة وأنّهم ظنّوا أن لن يحوروا وأنّهم شكّوا في البعث (ب ، أ ، ٢٤٢ ، ١٥)

ساحر

ـ رأيت لمحمد ابن الطيّب الباقلاني إنّ الساحر يمشي على الماء على الحقيقة وفي الهواء ، ويقلب الإنسان حمارا على الحقيقة ، وأنّ كل هذا موجود من الصالحين على سبيل الكرامة ، وأنّه لا فرق بين آيات الأنبياء وبين ما يظهر من الإنسان الفاضل ومن الساحر أصلا إلّا بالتحدّي (ح ، ف ٥ ، ٢ ، ٧)

ـ ذهب أهل الحق إلى أنّه لا يقلب أحد عينا ولا يحيل طبيعة إلّا الله عزوجل لأنبيائه فقط ، سواء تحدّوا بذلك أو لم يتحدّوا ، وكل ذلك آيات لهم عليهم الصلاة والسلام تحدّوا بذلك أم لا ، والتحدّي لا معنى له ، وإنّه لا يمكن وجود شيء من ذلك لصالح ولا لساحر ولا لأحد غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، والله تعالى قادر على إظهار الآيات على أيدي الكذّابين المدّعين للنبوّة لكنّه تعالى لا يفعل ، كما لا يفعل ما لا يريد أن يفعله من سائر ما هو قادر عليه (ح ، ف ٥ ، ٢ ، ١٤)

ـ لكن قلب عين وإحالة صفات ذاتيّة كشق القمر وفلق البحر واختراع طعام وماء وقلب العصا حيّة وإحياء ميت قد أرم وإخراج ناقة من صخرة ومنع الناس من أن يتكلّموا بكلام مذكورا ومن أن يأتوا بمثله وما أشبه ، هذا من إحالة الصفات الذاتيّة التي بوجودها تستحق الأسماء ، ومنها تقوم الحدود ، وهذا بعينه هو الذي يدّعيه

المبطلون للساحر والفاضل (ح ، ف ٥ ، ٥ ، ١٤)

سارق

ـ إنّ السارق ... لو أخذ أربعة دراهم ثم أخذ بعدها أربعة أخرى فقد فسق بمنعه الأربعة الأولى والأربعة الثانية ، فأمّا في نفس الأخذ فلم يفسق ، لأنّهم إنّما يفسّقون سارق خمسة دراهم أو خائنها قياسا على مانع الزكاة (خ ، ن ، ٧٠ ، ١٨)

ساكن

ـ إنّ معنى المتحرّك هو ما يتجدّد كونه كائنا في الجهات ، ومعنى الساكن هو ما يتوالى كونه كائنا في جهة ، فيستحيل في شيء واحد أن يكون في حالة واحدة مستمرّ الصفة ومتجدّد الصفة (ن ، د ، ١٤٣ ، ١٨)

ساكن النفس

ـ اعلم ، أنّه إذا ثبت أنّه قد يوجد من جنس العلم ما ليس بعلم ، وهو الاعتقاد الذي معتقده على ما هو به ؛ وعلمنا أنّ العلم يبيّن منه ، بأنّه يقتضي سكون النفس ؛ فلا بدّ من أمر لأجله يختصّ بذلك. وإذا لم يجز أن يختصّ بذلك ، لا لوجه ، لأنّه كان لا يكون بأن يختصّ هو بهذا الحكم أولى من أمثاله ، فيجب أن يكون لأمر ما ، ولا يجوز لوجوده وحدوثه ، لأنّ ذلك حاصل للاعتقاد الذي ليس بعلم ، ولا يجوز أن يكون لمعنى منفصل منه ، ولا لأمر يرجع إلى الوجود من تواليه وكيفية وجوده. فيجب أن يكون إنّما اختصّ بذلك ، لأنّه في نفسه على حال ، وجب كون العالم به ساكن النفس إلى ما علمه (ق ، غ ١٢ ، ٣٠ ، ١١)

ساه

ـ نحن لا نعرف الساهي والنائم فاعلين أولا فإنّما نعرفهما كذلك بطريقة التقدير وبطريقة البناء على وقوع فعل العالم بدواعيه (ق ، ت ١ ، ٧٧ ، ١٣)

ـ أمّا الساهي وغيره فقد يصحّ كونه ممنوعا ومانعا في حال سهوه (ق ، ت ١ ، ٣٠٣ ، ٢٤)

ـ إنّ الساهي وإن جاز أن يفعل من غير قصد ، فالعالم ، لا يجوز أن يفعل ذلك إلّا وهو قاصد ، فصار تصرّفه يحتاج إلى كونه قاصدا متى كان بهذه الصفة (ق ، غ ٨ ، ١٤ ، ١١)

ـ إنّه (الفاعل) وهو ساه لا يميّز بين الفعل الذي يقع منه ، وبين غيره ، فلا يصحّ وهذه حاله أن يكون قاصدا ، ويصحّ إذا كان عالما أن يقصد إليه ويفعله بحسب دواعيه (ق ، غ ٨ ، ١٤ ، ٢١)

ـ أمّا الساهي إذا نفع الغير فإنّه لا يجوز أن يقال في ذلك الفعل : إنّه عبث ، وإن كان عند شيخينا رحمهما‌الله لا يكون حسنا من حيث لا يصحّ فيه أن يقصد إلى إيجاده على بعض الوجوه ، وليس كذلك حاله تعالى (ق ، غ ١١ ، ٦٦ ، ١٩)

ـ ما الدليل على أنّ الساهي محدث لتصرّفه عندكم؟ قيل له : فما يدلّ على أنّه (الساهي) محدث وفاعل وجوه ثلاثة : أحدها : هو أنّا نقول إنه لو كان عالما لكان الفعل يقع منه بحسب قصده وداعيه ، فيجب أن يكون فعلا له إذ لو لم يكن فعلا له لما صحّ هذا التقدير. أولا ترى أنّه لا يتأتى ذلك في فعل الغير ، لأنّه لا يمكن أن يقال إنّه إذا كان عالما يقع بحسب قصده وداعيه ، فسواء علم فعل الغير أو لم يعلم فإنّه لا يقع بحسب قصده وداعيه. فالتقدير والتحقيق فيه سواء؟ وليس ذلك في مسألتنا ، لأنّا نعلم أنّه لو كان عالما لكان ما يقع عنه في

هذه الحالة لا يقع إلّا بحسب قصده وداعيه. فأمّا الوجه الثاني فهو أنّا نقول إنّ ما يقع فإنّه يقع عنه بحسب قدره ، يقلّ بقلّتها ويكثر بكثرتها ، فلولا أنّه فاعل له وإلّا لما وقف على قدره. أولا ترى أن فعل الغير لمّا لم يتعلّق به ولم يحتج إليه أصلا لم يقف على قدره ، وفعل الساهي لمّا وقف على قدره علم أنّه يقع من جهته ، متعلّق به ، محتاج إليه. إلّا أنّ الدلالة مبنية على أصول : أحدها أنّ المنتبه فاعل ، والثاني أنّه قادر ، والثالث أنّه قادر بقدرة ، والرابع أنّ القدرة يجوز عليها البقاء ، والخامس أن النوم ليس بمناف للقدرة ولا جار مجراه (ن ، د ، ٣١٤ ، ٢)

ـ إنّ الساهي والنائم محدث لتصرّفه ، وأنّه قادر على الضدّين ، ثم إنّ حاله مع كل واحد من الضدّين على سواء ؛ فيوجد أحدهما دون الآخر مع فقد الاختصاص (ن ، د ، ٤٠٠ ، ١٣)

ـ إنّ الساهي ليس بأكثر من أنّه غير عالم بالأمر الذي يصحّ أن يعلمه ، وغير ظان أو معتقد ، وغير شاك. كما قلنا أن كونه شاك يرجع إلى خروجه من أن يكون عالما بالشيء ، أو في حكم العالم به ، والطريقة في الموضعين واحدة (ن ، م ، ٣٤١ ، ١٥)

ساهي فاعل

ـ قد يمكنك أن تعرف أنّ الساهي فاعل بأن يراعي وقوع فعله بحسب قدرة ، وهذا في الدلالة على أنّه محدث وفاعل كالأوّل. ألا ترى أنّه لو لا حدوثه من جهته لحلّ محلّ فعل غيره الذي لا يقف على قدرة في الكثرة والقلّة (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٢٢)

سبئية

ـ السبئيّة : أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في علي رضي الله عنه وزعم أنّه كان نبيا ، ثم غلا فيه حتى زعم أنّه إله ، ودعا إلى ذلك قوما من غواة الكوفة (ب ، ف ، ٢٣٣ ، ٩)

سبب

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : وكان يزعم (بشر بن المعتمر) أنّ الإنسان يقدر على فعل الألوان والطعوم والأراييح والحرّ والبرد واليبس والبلّة واللين والخشونة وجميع هيئات الأجسام. وقد كذب وقال الباطل : ليس يقول بشر بما حكاه عنه من فعل هيئات الأجسام. ما يستحيل عند بشر أن يقع من فعل غير الله ، وإنما زعم بشر أنّ ما كان من الألوان يقع بسبب من قبله فهو فعله ، فأمّا ما لا يقع بسبب من قبله فذلك لله ليس له فعل فيه (خ ، ن ، ٥٢ ، ٥)

ـ السبب مع المسبّب لا يجوز أن يتقدّمه (ش ، ق ، ٤١٢ ، ٨)

ـ السبب الذي يتولّد عنه المسبّب لا يكون إلّا قبله (ش ، ق ، ٤١٢ ، ٩)

ـ من الأسباب ما يكون مع مسبّباتها المتولّدة عنها ومنها ما يتقدّم المسبّبات بوقت ، فأمّا ما كان قبل المسبّب بوقتين فليس ذلك المسبّب متولّدا عنه ، وجوّز بعضهم أن يتقدّم السبب المسبّب أكثر من وقت واحد (ش ، ق ، ٤١٢ ، ١٢)

ـ قال" الجبّائي" : السبب لا يجوز أن يكون موجبا للمسبّب ، وليس الموجب للشيء إلّا من فعله وأوجده (ش ، ق ، ٤١٣ ، ١)

ـ كان (الأشعري) يطلق كثيرا في مواضع من كتبه أنّ الاستطاعة سبب للكسب ، وأنّ السبب لا

يتقدّم المسبّب ، ويجري القول في ذلك مجرى القول في العلّة والمعلول ويقول : " كما أنّه مستحيل أن تتقدّم العلّة المعلول كذلك يستحيل أن يتقدّم السبب". ويقول : " لو جاز تقدّمه للمسبّب وقتا جاز أوقاتا والأبد ، ولو ساغ ذلك ساغ ما قالت الفلاسفة إنّ البارئ تعالى علّة للعالم وسبب له لأنّه به كان ووجد ، ولمّا لم يكن كذلك علم أنّ ما يكون سببا للشيء لم يجز أن يتقدّمه" (أ ، م ، ١١٠ ، ١٣)

ـ إنّ المتولّدات مما للاختيار فيه مدخل ، فيقع مرّة بأن يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه ، ولا يقع أخرى بأن لا يختار الفاعل ما هو كالواسطة فيه. يزيد ذلك توضيحا ، أنّ السبب لا يمتنع حصوله ثم لا يحصل المسبّب ، بأن يعرض عارض فيمنعه من التوليد ، ومتى وجب حصوله عند حصول السبب وزوال الموانع فإنّ حاله كحال المبتدأ عند تكامل الدواعي ، فإنّه يحصل لا محالة ، فمن أين الفرق بينهما (ق ، ش ، ٣٨٨ ، ١٠)

ـ إنّ ذات المسبّب ذات منفصلة عن السبب ، حادثة كهو. فكما أنّ السبب يضاف إلى الفاعل فكذلك المسبّب ، فيجب أن تستوي الحوادث في كونها مضافة إلى الفاعل ، وإن كانت تختلف كيفية الإضافة ، ففيها ما يتعلّق به بلا واسطة كالمبتدإ ، وفيها ما لا يتعلّق به إلّا بواسطة وهو المتولّد فهذا تمام الكلام في المتولّدات (ق ، ش ، ٣٩٠ ، ٦)

ـ أمّا السبب فقد يقارن المسبّب وقد يتقدّمه ، ولكن على كل حال فإنّه إنّما يقع السبب والمسبّب جميعا بقدرة متقدّمة ، فلا يؤثّر ذلك في قولنا إنّ ما يقتضي صحّة إحداث الفعل لا بدّ من تقدّمه (ق ، ت ٢ ، ١٠٥ ، ١٥)

ـ إنّ السبب لا يوجب المسبّب إيجاب العلّة للمعلول ، وإنّما يوجد به من جهة القادر ، لأنّه الموجد للمسبّب بإيجاد السبب ، فلذلك صحّ أن يولّد أفعالا في محال على البدل وعلى الجمع ، وليس كذلك حال العلل لأنّها موجبة ، فلا يصحّ أن توجب الصفة إلّا لموصوف واحد (ق ، غ ٤ ، ٣١٣ ، ٥)

ـ إنّ الأصل في السبب أنّه يوجب المسبّب إذا كان المحل محتملا له ، وإنّما نعدل عن ذلك بدلالة. كما أنّ ما قدر القادر عليه يصحّ أن يفعله إلّا أن يمنع منه مانع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٥ ، ١١)

ـ إنّ مثل السبب لا يجوز أن يقدر عليه إلّا ويولّد ، وما منع من القدرة على المسبّب على كل وجه يمنع من القدرة على السبب (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٨٥ ، ١٧)

ـ إنّ السبب قد ثبت أنّه يولّد المسبّب لما هو عليه من حاله ، ولا تتغيّر حاله في أصل التوليد وكيفيّته بالقصد والاختيار والعلم ، ولو تغيّرت حاله بالقصود لخرج من كونه سببا موجبا ؛ ولصحّ بعد وقوع السبب الأمر به والنهي عنه ، كما يصحّ قبله (ق ، غ ٧ ، ١٩٤ ، ١٢)

ـ ليس لأحد أن يقول : إنّما نقدر على إعدام الشيء بسبب ، وإن قدر تعالى على إعدامه ابتداء ؛ كما نقدر على الصوت بسبب ، وإن قدر تعالى على إيجاده ابتداء. وذلك أنّ السبب هو الذي بوجوده يوجد غيره ، ويصحّ مع وجوده المنع من مسبّبه. ووجود الضدّ ليس له هذا الحكم مع الضدّ الذي يعدم به ، فكيف يقال : إنّه سبب في عدمه؟ ولو كان سببا في عدم ما يضادّه ، لوجب أن يكون عدمه بحسبه. فكان لا يصحّ أن تنتفي بالجزء الواحد الأجزاء الكثيرة

مما تضادّه. وكيف يصحّ أن يقال : إنّ الواحد منّا يقدر على إعدام الشيء ، ويستحيل في شيء من الأجناس أن تعدمه ابتداء. وإنّما صحّ القول : بأنّه قادر على إيجاد الأشياء ، لمّا صحّ في بعض الأجناس أن نوجده ابتداء ، فبنينا عليه ما يوجد بالسبب. ولو كان كل موجود يجب وجوده منّا عند إعدام فعل ، لم يصحّ القول بأنّا نقدر على إيجاده. فكذلك يجب أن لا يصحّ ذلك في إعدام الأشياء ، إذا تعذّر منّا إعدامها إلّا بوجود ما نوجده من الضدّ. فلا فرق بين من قال : إنّ إعدام الشيء بنا ، وإن كان تابعا لما نوجده من ضدّه ؛ وبين من قال : إنّ كون المتحرّك متحرّكا بنا ، وإن كان يجب عند وجود الحركة. وكذلك القول في سائر معلول العلل. وفساد ذلك واضح (ق ، غ ٨ ، ٧٩ ، ١٣)

ـ أمّا السبب فقد يجوز أن يتقدّم مسبّبه بوقت واحد ، إذا استحال وجوده معه ، أو اقتضى شرط توليده تقدّمه. وإنّما صحّ ذلك فيه ، لأنّ المسبّب في أنّه يتعلّق بالفاعل كالسبب ، وإنّما يحدثه بواسطة ، فلذلك صحّ فيه ما قلناه. وليس كذلك العلّة الموجبة لحدوثه ، لأنّ تقدّمها يحيل كونها علّة ؛ ولو ثبت جواز تقدّمها للمعلول كالسبب ، لم يصحّ كونها قديمة ، لأنّ ذلك يوجب جواز تقدّمها بما لا نهاية له ، وذلك لا يصحّ في الأسباب أيضا (ق ، غ ٨ ، ٩٩ ، ٧)

ـ كما أنّ السبب يوجب المسبّب إذا احتمله المحل ، ولا يوجب إذا لم يحتمله. فإذا صحّ ذلك في الموجبات ، لم يمتنع مثله في الأمور المستحقّة على الأفعال ، لأنّها لا تكون علّة فيما يستحقّ بها على سبيل الإيجاب. ولذلك يحصل القبيح من الصبيّ ولا يستحقّ به الذمّ. وقد يقع من العاقل ، ولا يستحقّ ذلك به لمانع نحو طاعات عظيمة تقارنه ، أو تقدّم توبه. فقد صحّ مفارقته في هذا الباب العلل الموجبة (ق ، غ ٨ ، ١٦٩ ، ١٤)

ـ إنّ القول في إيجاب السبب للمسبّب بخلاف القول في إيجاب العلّة للمعلول ، لأنّ ما توجيه العلّة لا ينفصل عنها ، فلذلك وجب القول بأن ما أحاله يحيلها ، وما صحّحه يصحّحها ، وما يوجبه السبب منفصل منه لأنّه حادث آخر ، فغير ممتنع أن يوجد والمسبّب معدوم ، وإن كان لا بدّ من وجوده قبله ليجب عنه ، ولا فرق بين من حمل السبب على العلّة في ذلك وبين من حمل القدرة على العلّة ، فكما لا يجب ذلك في القدرة من حيث كان ما يقع بها ينفصل منها فلم يمتنع فناؤها في حال الفعل. وكذلك لا يمنع فناء السبب في حال المسبّب ، فإذا جاز عندنا أن يعجز الفاعل في حال وجود الفعل من حيث كان بوجوده قد خرج من أن يكون له به تعلّق ، فلو صحّ فناؤه دون سائر الأجسام لصحّ عدمه أيضا في حال وجود الفعل ، فكذلك لا يمتنع وجود المسبّب على عدم السبب لخروجه من أن يكون متعلّقا به وقد وجد (ق ، غ ٩ ، ٤٨ ، ٢٠)

ـ إنّ كل سبب يصحّ وجوده مع ضدّ المسبّب أو ما يجري مجرى الضدّ له ، لم يمتنع أن يوجد ولا يوجد المسبّب ، وكذلك إذا صحّ وجوده والمحل لا يحتمل المسبّب. فأمّا إذا كان السبب متى وجد لم يصحّ أن يجامعه المنع من المسبّب فلا بدّ من وجوده إذا كان المحل محتملا ، فلذلك وجب أن يوجد التأليف متى جاور الجزء غيره ، فأمّا إذا وجد جنس المجاورة في الجوهر المنفرد فلا يجب وجود التأليف ، فقد صحّ وجودها على بعض الوجوه ولا يصحّ وجود التأليف (ق ، غ ٩ ، ٥٠ ، ٢٣)

ـ إنّ القدرة على السبب ، هي القدرة على المسبّب ؛ وأنّ وجوده يجب بوجود سببه ولا يتعلّق باختياره. لأنّه ، بعد إيجاد السبب ، لو أجاز أن لا يفعل المسبّب لم يؤثّر في وقوعه. وإذا صحّ ذلك ، صار وقوع المسبّب واجبا ، إذا أوجد السبب ؛ فيصير محلّه محلّ نفس السبب في أنّه لا يجوز أن يقبح منه مع حسن السبب ، خصوصا في النظر. فإنّه إنّما تطلب به المعرفة ، ولا يفعل لنفسه ، لأنّه ليس فيه غرض يخصّه ويخالف حاله حال سائر الأسباب في هذا الوجه ، لأنّه قد يفعلها لغرض يخصّها ، كالاعتمادات وغيرها (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٦ ، ٢)

ـ فرّق بين العلّة والسبب بأشياء : منها أنّ العلّة لا يجب تكرّرها ، والسبب قد يجب تكرّره. ولهذا كان الإقرار سببا للحدّ ، لأنّه يتكرّر. ومنها أنّ العلّة تختصّ المعلّل ، والسبب لا يختصّه ، كزوال الشمس الذي هو سبب الصلاة. ومنها أنّ السبب يشترك فيه جماعة ، ولا يشتركون في حكمه ، كزوال الشمس يشترك فيه الحائض والطاهر ، ولا يشتركون في وجوب الصلاة. وليس يشتركون في العلّة إلّا ويشتركون في حكمها (ب ، م ، ٨٨٩ ، ٨)

ـ إنّ السبب لا يولّد ما يولّده من المسبّبات لما هو عليه في ذاته ، وإن كنّا قد جعلناه مؤثرا. وليس كل ما يكون مؤثرا في شيء يجب أن يكون تأثيره راجعا إلى الجنس والذات ، بل السبب إنّما يولّد لحدوثه ، وحدوثه يتعلّق بالفاعل. فكذلك مسبّب السبب يجب أن يكون بالفاعل ، وكذلك ما يتبع الحدوث مما يقع الحدوث عليه من الوجوه ، فإنّه يتعلّق بالفاعل (ن ، د ، ٨٢ ، ١٩)

ـ ذهب الشيخ أبو هاشم إلى أنّ الواحد منا يجوز أن يعلم السبب ويعلم المسبّب ويعلم طريقة التوليد ، ومع ذلك لا يريد المسبّب بل يكون غرضه أمرا آخر ، والأمر في ذلك ظاهر بيّن حتى لا يحتاج إلى إيراد الدلالة (ن ، د ، ٩٣ ، ١٨)

ـ إنّ السبب والمسبّب يجريان مجرى شيء واحد ، بدليل أنّ القادر عليهما والفاعل لهما واحد ، فقبح أحدهما قبح الآخر ، وحسن أحدهما حسن الآخر ، فيجب أن تكون إرادة أحدهما هي إرادة الآخر ، وهذا يوجب أن لا يريد السبب إلّا ويريد المسبّب مع علمه بذلك. وقولنا : مع علمه بذلك ، احتراز عن الساهي والنائم (ن ، د ، ٩٤ ، ١٤)

ـ إنّ من حق السبب أن يصحّ وجوده ، ثم يعرض عارض فيمنع من التوليد (ن ، د ، ١٥٨ ، ٧)

ـ إنّ السبب من حقه أن يوجد فيعرض عارض يمنعه من التوليد ، والعلّة لا تخرج من الإيجاب مع الوجود (ن ، د ، ١٥٩ ، ٣)

ـ إن قيل : فلم لا يجوز أن يقال إن السبب وإن لم يختصّ بجهة فإنّه يولّد في بعض الجهات دون بعض ، كما تقولون في الإرادة إنّ حالها مع سائر المرادات على سواء ومع ذلك فإنّها تتعلّق ببعض المرادات دون بعض. فالجواب : فرّق بينهما ، وذلك لأنّ الإرادة تتعلّق بما تتعلّق لما هي عليه في ذاتها وما هي عليه في ذاتها يقتضي التعلّق بهذا المراد دون غيره من المرادات. ولا يمكن أن يقال في السبب إنّه لما هو عليه في ذاته يولّد في بعض الجهات دون بعض. فإذا لم يكن له اختصاص لأمر يرجع إليه لم يكن بأن يولّد في بعض الجهات أولى من أن يولّد في غيرها إلّا بتخصيص ، وليس هاهنا مخصّص ، فكان يجب أن يولّد في الجميع أو يمتنع من

التوليد (ن ، د ، ٣٩٨ ، ١٢)

ـ إنّ السبب إنّما تعلّق بهذا المسبّب دون غيره من المسبّبات ، لأن القدرة لما هي عليه في ذاتها تعلّقت بذلك المسبّب دون غيره من المسبّبات (ن ، د ، ٣٩٨ ، ١٨)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم للموجود ، فلا بدّ من أن تختصّ به لتكون بإيجاب الحكم له أولى من غيره. وليس كذلك السبب ، فإنّه لمّا كان لا يولّد إلّا ما هو معدوم لا يراعى في ذلك الاختصاص (ن ، د ، ٤٠٠ ، ٣)

ـ إنّ السبب في الحقيقة لا يوجب وجود المسبّب ، والموجب هو الفاعل ، يفعل المسبّب عند فعله للسبب (ن ، م ، ٧٠ ، ٢)

ـ من حق السبب أن يصحّ أن يوجد ، ويعرض هناك عارض ، فيمنعه من التوليد (ن ، م ، ٨٤ ، ٨)

ـ إنّ المسبب إذا صحّ وجوده مع السبب من دون أن يكون هناك ما يمنع من توليده في حاله ، فالواجب أن يولّده في حاله. وإنّما قلنا ذلك لأنّ السبب موجب ، فإذا أمكن أن يوجب في الحال ، ولم يكن هناك مانع من الإيجاب لم يصحّ أن يتراخى إلى الثاني ، كما لا يجوز أن يتراخى إلى الثالث ، إذ الإيجاب في الثاني ممكن ولا منع (ن ، م ، ١٣٠ ، ٢٠)

ـ إنّ الحاجة إلى السبب ، كالتابع للحاجة إلى القدرة ، لأنّ أحدنا إنّما لم يمكنه أن يفعل في غيره الحركة من غير سبب ، لأمر يرجع إلى كونه قادرا بقدرة ، من جهة أن القدرة لا يصحّ أن يفعل الفعل بها ، إلّا بعد استعمال محلّها في الفعل أو في سببه. فثبت بذلك أنّ الحاجة إلى السبب في الفعل ، كالتابع للحاجة إلى القدرة. فلو كان الله تعالى لا يجوز منه أن يفعل نوعا من الأفعال من غير سبب ، لكان يجب أن يحتاج إلى القدرة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. أو يقال في أحدنا أنّه يصحّ أن يفعل الصوت مخترعا ، وكلاهما فاسد (ن ، م ، ١٥٢ ، ٢٢)

ـ إنّ من حق السبب أن يصحّ وجوده ، ويعرض هناك عارض فيمنعه من التوليد ، وهذا يوجب أن يجوّز خلوّه من الكون (ن ، م ، ١٩٧ ، ٩)

ـ إنّ السبب قد حصل ، ولا مانع يمنع من التوليد ، فيجب أن يحصل المسبّب (ن ، م ، ١٩٩ ، ٥)

ـ إنّ السبب الواحد لا يولّد أكثر من جزء واحد. لأنّه لو تعدّى عنه إلى أكثر ولا حاصر ، لتعلّق بما لا نهاية له. ولذلك لا يصحّ أن يبتدئ بالقدرة في كل وقت من كل جنس ، في محل واحد ، أكثر من جزء واحد ، لأنّها لو تعدّت عنه ولا حاصر ، لوجب أن تتعلّق بما لا نهاية له. فلذلك لم يجز أن تتعدّى عن هذين الجزءين إلى ثالث (ن ، م ، ٢٤٨ ، ١٢)

ـ قيل : أليس السبب الواحد لا يجوز أن يولّد أكثر من مسب واحد ، من جنس واحد ، في وقت واحد ، في محلّ واحد (ن ، م ، ٢٤٩ ، ٢)

ـ ليس يجب في السبب أن يكون مقارنا للمسبّب ، كما يجب في الشرط أن يكون مقارنا للمشروط ، يبيّن ذلك أنّ الاعتماد يولّد في الثاني ، ويجوز عدمه في حال وجود المسبّب. واعلم أنّ هذا الوجه ليس بصحيح ، لأنّ هذا شرط في حكم السبب لا في وجود المسبّب ، ولا تعتبر مقارنته إلّا للسبب (ن ، م ، ٣٠٧ ، ٢٢)

ـ إنّ من حق السبب أن يصحّ وجوده ، ويعرض هناك عارض فيمنعه من التوليد ، لينفصل من

حيث السبب عن موجب العلل (ن ، م ، ٣٢٦ ، ٦)

ـ إنّ السبب إذا حصل ، والمحل محتمل ، ولا مانع يمنع من التوليد ، فالواجب أن يولّد المسبّب (ن ، م ، ٣٤٤ ، ١٦)

ـ لو لم توجد قدرة السبب ، ووجدت قدرة المسبّب ، لكان يصحّ أن يفعل بها ذلك المسبّب ، وهذا يوجب أن يكون ذلك منا فعل مبتدأ (ن ، م ، ٣٥٨ ، ١٣)

ـ إن قيل : لو وجدت قدرة المسبّب من دون أن توجد قدرة السبب ، لكان لا يصحّ أن يفعل بها المسبّب. قيل له : لا يجوز ذلك ، لأنّ من حق القادر على الشيء. أن يصحّ منه إيجاد ما قدر عليه ، إذا لم يكن هناك منع ولا ما يجري مجرى المنع (ن ، م ، ٣٥٨ ، ١٥)

ـ إنّ القدرة على السبب هي قدرته على المسبّب (ن ، م ، ٣٦١ ، ٣)

ـ السبب ما يتوصّل به إلى المقصود من علم أو قدرة أو آلة (ز ، ك ٢ ، ٤٩٧ ، ١٦)

ـ إنّ الممكن معناه أنّه جائز وجوده وجائز عدمه ، لا جائز وجوبه وجائز امتناعه ، وإنّما استفاد من المرجّح وجوده لا وجوبه ، نعم لمّا وجد عرض له الوجوب عند ملاحظة السبب ، لأنّ السبب أفاده الوجوب حتى يقال وجب بإيجابه ، ثم عرض له الوجوب بل أفاده الوجود ، فصحّ أن يقال وجد بإيجاده وعرض له الوجوب فانتسب إليه وجوده ، إذ كان ممكن الوجود لا ممكن الوجوب ، وهذه دقيقة لطيفة لا بدّ من مراعاتها (ش ، ن ، ٢١ ، ٥)

ـ السبب في اللغة : اسم لما يتوصّل به إلى المقصود ، وفي الشريعة عبارة عمّا يكون طريقا للوصول إلى الحكم غير مؤثّر فيه (ج ، ت ، ١٥٥ ، ٥)

ـ أبو هاشم : والسبب والمسبّب كالشيء الواحد في الحسن والقبح حيث اشتركا في القصد. وعن قوم وأحد قولي أبي علي : بل قد يولّد القبيح حسنا والعكس. قلنا : المسبّب موجود بوجود سببه ، فيستحيل اختلافهما (م ، ق ، ٩٦ ، ٢٢)

ـ لا مؤثّر حقيقة إلّا الفاعل. المعتزلة والفلاسفة وغيرهم : بل العلّة والسبب وما يجري مجراهما ، وهو الشرط والداعي. البهشميّة وغيرهم : والمقتضي. والعلّة عندهم ذات موجبة لصفة أو حكم ، وشرطها أن لا يتقدّم ما أوجبته وجودا بل رتبة ، وشرط الذي أوجبته أن لا يختلف عنها. والسبب عندهم ذات موجبة لذات أخرى ، كالنظر الموجب للعلم. والشرط عندهم ما يترتّب صحّة غيره عليه ، أو صحّة ما يجري مجرى الغير ، وهو نحو الوجود ، فإنّه شرط في تأثير المؤثّرات ، وشرطه أن لا يكون مؤثّرا (بالكسر) في وجود المؤثّر (بالفتح) (ق ، س ، ٦٠ ، ٥)

سبب أفعال متولّدة

ـ اعلم إنّه إذا ثبت بما قدّمناه أنّ الأصوات والآلام والتأليف لا تحدث من فعلنا إلّا متولّدة ، فلا بدّ من سبب يولّدها من فعلنا ، لأنّ فاعل السبب يجب كونه فاعلا للمسبّب ، وكما ثبت ذلك في هذه الأجناس فقد صحّ أنّ ما يفعل من الكون في غير محلّ القدرة والاعتماد لا يقع إلّا متولّدا فلا بدّ فيه من سبب أيضا ، وإن كنّا قد نفعل ما هو من جنسهما ابتداء في محلّ القدرة لأنّ صحّة ذلك لا تخرجهما من أن يكونا متولّدين متى عدّيناهما عن محلّ القدرة

من حيث ثبت بالدليل أنّه لا يصحّ من الواحد منّا أن يبتدئ مقدوره إلّا في محلّ القدرة بها ، فما أوجده على خلاف هذا الوجه يجب كونه متولّدا ، لأنّه لا يصحّ من القادر بقدرة إحداث الفعل إلّا على هذين الوجهين ، ولا شبهة فيما يتعدّى محل السبب أنّ المولّد له هو الاعتماد ، وقد دلّ شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أنّ الاعتماد هو المختصّ بالجهة دون الحركة وغيرها ، فيجب أن يختصّ بتوليد الكون والاعتماد وغيرهما (ق ، غ ٩ ، ١٣٩ ، ٢٠)

سبب للتكليف غير داخل فيه

ـ إن قيل : فهذا القول يؤدّي إلى أنّ أوّل ما يجب على المكلّف هو العلم بوجوب النظر المعيّن ، لأنّكم قد قلتم : إنّ هذا العلم مكتسب يفعله العاقل لتقدّم علمه في الجملة بوجوب كل نظر يخاف الضرر من تركه. وحصول علمه عند ورود الداعي أنّ هذا النظر بهذه الصفة ، وإذا كان من فعله فهو الواجب أولا. وذلك ينقض قولكم : إنّ أوّل ما يجب على العاقل النظر المؤدّي إلى معرفة الله. قيل له : إنّ هذا العلم الذي سألت عنه ، لسنا نقول بوجوبه ولا أنّه قد كلّفه ، وإن كان عند حصوله يصير العاقل مكلّفا. فهو إذن سبب للتكليف غير داخل فيه. فإن قيل : فيجب على هذا أن يكون تكليفه سبحانه العبد متعلّقا بأن يكتسب هذا العلم بعينه ، وما يكتسبه يجوز أن يفعله وأن لا يفعله ؛ فكيف يصحّ تعلّق التكليف به؟ قيل له : إنّه غير ممتنع أن يكون ما حلّ هذا المحل كالشرط في التكليف ، فإن حصل تعلّق التكليف بالعاقل ، وإلّا زال عنه ذلك. وعلى هذا الوجه يجوز تعلّق التكليف بالمواضعة في اللغات حتى يفهم العاقل دعاء الداعي والمستفاد بالخاطر ، وإن تعلّق ذلك باختيار العباد. لكنّه تعالى عالم بأنّ هذا الشرط يحصل أم لا يحصل. فإن علم حصوله جعل العاقل بالصفة التي لا بدّ معها أن يكلّفه ، وإن علم أنّه لا يحصل لم يجعله بتلك الصفات. وبعد ، فإن هذا العلم على ما بيّناه وإن كان مكتسبا ، فلا بدّ من وقوعه ، لأنّ الدواعي تقوى في فعله ، فتحلّ محل الضروري أو الفعل الواقع من الملجأ في هذا الباب (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٦ ، ١٣)

سبب ملجئ

ـ إنّ الدلالة قد دلّت على أنّ السبب الملجئ إلى الفعل متى وجد وخلص عمّا يقابله فلا بدّ من أن يقع الفعل الذي ألجئ إليه. وقد دللنا على ذلك بما وجدناه عند الاختبار من أنّ الذي استبدّ به الجوع فلا بدّ من وقوع الأكل منه ، إذا لم يعرض معنى سواه. وكذلك من يخشى افتراس السبع ، أو الاحتراق بالنار ، فلا بدّ من وقوع الهرب منه. فإذا صحّ ذلك وأراد تعالى أن يلجئه ، بأن يفعل ما يصير ملجأ به ، فلو لم يقع ذلك لكان إنّما لا يقع بأن لا يقع ما يصير به ملجأ (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٢٦١ ، ١٤)

سبب وجوب النظر والمعرفة

ـ لا يحسن منه تعالى أن يجعل سبب وجوب النظر والمعرفة ما لا تأثير له في وجوبهما. لأنّا قد بيّنا أنّ إيجابهما لأمر ليس بوجه ، لوجوبهما ، قبيح. فإذا ثبت ذلك ، فيجب أن ينظر فيما ذكره رحمه‌الله ، فإن صحّ كونه وجها لوجوبهما صحّ ورود الخاطر به وإلّا لم يصحّ. وقد علمنا أنّه لا يجوز وجوب النظر والمعرفة لأجل بقاء النعم ، لأنّ القديم ، تعالى ، متفضّل بتبقية النعم عليه. ولا يستحقّ ذلك بالنظر

والمعرفة ، بل هو تفضّل مبتدأ. فإذا لم يصحّ ذلك ، لم يصحّ أن يستحقّ زوالها بترك النظر والمعرفة. فلا يجوز إذن أن يخوّف الحكيم بذلك تارك النظر والمعرفة ، لأنّه يجري مجرى تخويفه بظلم. لأنّ إزالة النعم إذا لم تستحقّ بتركها ، فهو ظلم منه تعالى. لأنّ النعم إذا حصلت للعبد ، ملكها ؛ ولا يحسن فيمن ملّك غيره أمرا ، أن يرتجعه منه إلّا بعوض. فأمّا إن كانت النعم حادثة حالا بعد حال ، فإدامة حدوثها بفضل ، ولله تعالى أن لا يفعله ، فلا يكون قطعها مستحقّا بترك النظر. فقد صحّ بما ذكرناه ، أنّه لا تأثير لما ذكره أولا في الوجه الذي له يجب النظر ، فكيف يقال : إنّ الخاطر يرد به؟ وهل ذلك إلّا بمنزلة من قال : إنّ الخاطر يرد بأنّك إن لم تنظر فتعرف أنّ لك مدبّرا صانعا لم تأمن من ظلم يلحقك. فكما أنّ هذا لا يحسن في الحكمة لقبح الظلم على كل حال ، فكذلك ما ذكرناه. وهذا كله صحيح ، إلّا ما ذكرناه في النعمة الباقية ، فإنّا جرينا فيها على ما ذكره شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله. وغير ممتنع عندنا أن يحسن منه تعالى أن يسلبه النعم ، وإن كانت باقية. لأنّه يجوز أن يملّكه إيّاها إلى غاية ، فإذا جاء الوقت حسن منه قطعها من غير عوض إذا كان المعلوم من حاله أنّه لا يغتمّ بذلك ، وإن كان يغتم ، فلا بدّ من أن يعوّضه على الغم ، لا عليها ، لكن ذلك لا يقدح في صحّة ما ذكرناه ، لأن الكلام فيه بيّن على كلا المذهبين (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٠ ، ٧)

سبر وتقسيم

ـ السبر والتقسيم ، وهو أن نحصر الأمر في قسمين ، ثم نبطل أحدهما ، فنعلم منه ثبوت الثاني ، كقولنا : العالم إمّا حادث وإمّا قديم ، ومحال أن يكون قديما ، فيلزم منه أن يكون حادثا لا محالة ، وهذا اللازم هو مطلوبنا ، وهو علم مقصود استفدناه من علمين آخرين (غ ، ق ، ١٥ ، ١٣)

سحر

ـ السحر هو التمويه والاحتيال ، وليس يجوز أن يبلغ الساحر بسحره أن يقلب الأعيان ولا أن يحدث شيئا لا يقدر غيره على إحداثه (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ٢)

ـ السحر ليس على قلب الأعيان ولكنّه أخذ بالعيون كنحو ما يفعله الإنسان مما يتوهّمه المتوهّم على خلاف حقيقته (ش ، ق ، ٤٤٢ ، ٧)

ـ ثم قال من بعد ما يدلّ على أنّ السحر لا يوجب المضرة فقال : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (البقرة : ١٠٢) يعني : والله تعالى عالم بذلك ، لأنّ السحر" في الحقيقة لا يوجب" المضرّة ؛ لأنّه ضرب من التمويه والحيلة. وإنّما يقع به التقريع والتخويف ، فيؤدّي ذلك إلى أمراض ومضارّ ، ويكون بنفسه إقداما على مضرّة على وجه يلطف ، فسمّي بذلك. وينقسم السحر : ففيه ما هو كفر ، وهو ما يدّعون من أنّه يمكنهم إحياء الموتى بالحيل ، وطي البلاد ، وأن يزيلوا عن المصروع ما نزل به في الوقت من غير تداو ، وأن يقرعوا الصحيح السليم ، وإنّما صار ذلك كفرا ؛ لأنّ معه لا يمكن التمسّك بالنبوّات ، لأنّه متى جوّز في ذلك ـ وإن كان فيه نقض عادة وكان من الباب الذي يتعذّر على الناس فعل مثله ـ أن يكون من فعل السحرة ، جوّز في الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، أن يكونوا محتالين وإن كانوا فعلوا المعجزات ، ولا يمكن مع ذلك

العلم بالنبوّات ، ولا بالفرق بين ما يختصّ تعالى بالقدرة عليه وبين مقدور العباد. وهذا كفر ، فلذلك قال كثير من الفقهاء في الساحر : إنّه يقتل إذا اعترف بالسحر في الحقيقة ، على هذا الوجه. فأمّا السحر الذي يجري مجرى الشعبذة والحيل المفعول بخفّة اليد إلى ما شاكله ، فذلك ليس بكفر وإن كان معصية ، وجميعه منفي عن الله تعالى أن يكون خالقا وفاعلا (له) وإن كان لا ينفي عنه الدلالة عليه والتعريف لكي يجتنب ويتقى (ق ، م ١ ، ١٠١ ، ١٦)

ـ ذهب قوم إلى أنّ السحر قلب للأعيان وإحالة للطبائع ، وأنّهم يرون أعين الناس ما لا يرى ، وأجازوا للصالحين على سبيل كرامة الله عزوجل لهم اختراع الأجسام وقلب الأعيان وجميع إحالة الطبائع ، وكل معجز للأنبياء عليهم‌السلام (ح ، ف ٥ ، ٢ ، ٤)

ـ قال أبو محمد : وأمّا السحر فإنّه ضروب منه ما هو من قبل الكواكب كالطابع المنقوش فيه صورة عقرب في وقت كون القمر في العقرب ، فينفع إمساكه من لدغة العقرب ، ومن هذا الباب كانت الطلسمات ، وليست إحالة طبيعة ولا قلب عين ، ولكنّها قوى ركّبها الله عزوجل مدافعة لقوى أخر كدفع الحرّ للبرد ودفع البرد للحرّ (ح ، ف ٥ ، ٤ ، ٩)

ـ نوع آخر من السحر يكون بالرقي وهو كلام مجموع من حروف مقطّعة في طوالع معروفة أيضا ، يحدث لذلك التركيب قوة تستثار بها الطبائع وتدافع قوى أخرى ، وقد شاهدنا وجرّبنا من كان يرقي الدمل الحاد القوى الظهور في أول ظهوره فييبس ، يبدأ من يومه ذلك بالذبول ، ويتمّ يبسه في اليوم الثالث ، ويقلع كما تقلع قشرة القرحة إذا تمّ يبسها ، جرّبنا من ذلك ما لا نحصيه (ح ، ف ٥ ، ٤ ، ١٨)

سخط

ـ السخط إرادة التعذيب (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٦)

سرور

ـ أمّا السرور فإنّما يكون منفعة من حيث يتعلّق باللذّة ؛ لأنّه لا يجوز أن يسرّى إلّا بما يلتذّ به عاجلا أو آجلا ، سواء أثبتناه معنى مفردا أو جعلناه من قبيل الاعتقاد ، لأنّ في الوجهين جميعا لا يصحّ إلّا على من تصحّ عليه اللذّة. ولذلك لا يصحّ أن يسرّ تعالى لمّا استحالت الملاذّ عليه ، " وإن" كان لا يمتنع أن يلحق المعظّم بالتعظيم ضرب من السرور يجري مجرى اللذّة في تغيّر حاله عنده (ق ، غ ١١ ، ٧٩ ، ٦)

سطح

ـ إن اقتضى (العرض) قسمة ، فكم ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد. وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٤)

سطوح مطلقة

ـ إنّ السطوح المطلقة فإنّما هي تناهي الجسم وانقطاعه في تماديه من أوسع جهاته وعدم امتداده فقط (ح ، ف ٥ ، ٦٩ ، ٤)

سعر

ـ إنّ السعر شيء والثمن شيء آخر غيره ، فالسعر هو ما تقع عليه المبايعة بين الناس ، والثمن هو الشيء الذي يستحقّ في مقابله المبيع. ثم إنّ السعر يوصف بالغلاء مرّة وبالرخص أخرى ، فالرخص هو بيع الشيء بأقل مما اعتيد بيعه في ذلك الوقت وفي ذلك البلد ، والغلاء بالعكس من ذلك. ولا بدّ من اعتبار البلد والوقت فتأثيرهما مما لا يخفى (ق ، ش ، ٧٨٨ ، ٥)

ـ اعلم أنّ السعر ليس يرجع به إلى القيمة والأثمان بل تترتّب القيم والأثمان على ما هو سعر. فكان القيمة تستعمل في الشيء التالف الذي قد جرت العادة بأن يتبايع فيه بمقدار معلوم (ق ، ت ٢ ، ٤٣٥ ، ٢)

ـ أمّا السعر فهو التقدير الذي به يقع التبايع من دون إشارة إلى شيء بعينه ، ولأجل ذلك متى سألت عن سعر الطعام كان من جواب المجيب لك ذكر التقدير من دون إشارة إلى عين. وربّما لم يتفاوت هذا التقدير في الوقت الواحد والمكان الواحد ، وربّما تفاوت ذلك لتفاوت السلعة في نفسها أو لغرض يحصل من المتعاقدين. فأمّا إذا تغاير الوقت والمكان فهذا التقدير يظهر اختلافه لعلمنا بأنّ أحوال الناس تتفاوت في الأوقات (ق ، ت ٢ ، ٤٣٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ السعر هو تقدير البدل الذي تباع به الأشياء على جهة التراضي. ولذلك يقول القائل لصاحبه : ما سعر هذا المتاع؟ يعني بذلك ما تقدير البدل الذي يبيعه به (ق ، غ ١١ ، ٥٥ ، ٤)

سكران

ـ إنّ كل أمر يحدث فيزيل العقل عنه ، فإنّه يخرج من أن يكون مكلّفا. فإذا لم يتمكّن من إعادة عقله في كل حال ، لم يؤت فيما لم يفعله من قبل نفسه ، فلا يجوز أن يستحقّ العقاب عليه. وإنّما نقول ، في السكران : إنّه يستحقّ الحدّ على شربه ، لا على سكره ، إذا أريد بالسكر زوال العقل. لأنّ الشرب من فعله ، ومن قبل نفسه أتى فيه ؛ ولأنّه قد كان يمكنه أن لا يفعله حتى يبلغ مبلغ زوال العقل ، واستحقّ عليه العقوبة ، وقدّم بعض عقوباته ، وهو الحدّ المفعول به ، لما فيه من اللطف ، والردع عن الإقدام على أمثاله. فأمّا نفس السكر الذي هو زوال العقل ، فمما لا يجوز أن يستحقّ به العقوبة. ومن يقول من الفقهاء : إنّه يستحقّ الحدّ على السكر في الأنبذة ، سوى الخمر ، فإنّما يعني بذلك أنّه يستحقّه على آخر شرب يؤدّيه إلى زوال العقل ، إذا أقدم عليه مع غلبة الظن بأنّه يؤثّر هذا التأثير. فأمّا أن يوجب عليه الحدّ بنفس العقل ، فمما لا يقول به مسلم (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٩ ، ٢١)

سكينة

ـ ثم قال (ابن الروندي) : وشيء آخر وهو أن السّكنية بأسرها تقول في العلم بقول هشام ابن الحكم. والسّكنيّة فرقة من فرق أهل العدل. وجهم يقول بمثل القول الذي أنكره الجاحظ على هشام. (قال) فإن قال : السّكنية ليست معتزلة وكذلك جهم ، (قال) قلنا : إن لم تكن السّكنية معتزلة فإنّها عدلية ، وإن لم يكن جهم معتزليا فإنّه موحّد (خ ، ن ، ٩٢ ، ١٦)

سكون

ـ الشيء الواحد لا يخالف نفسه ولا يكون غيرها. فوجب بذلك أنّ الاختلاف والتغاير

إنّما وقع بين شيئين هما سواه وهما السكون والحركة. فلذلك قلنا : إنّ الجسم إنّما يتحرّك بحلول الحركة فيه ويسكن لحلول السكون فيه. والقديم جلّ ذكره عالم بالأشياء على ما هي عليه من حقائقها لم يزل ولا يزال كذلك ، وإنّما اختلفت العبارة عن علمه بالأشياء قبل أن يوجدها وفي حال وجودها لاتصال العبارة عن علمه بالأشياء بالعبارة عن الأشياء المتغايرة المختلفة الأحوال ، فاختلفت لاختلاف ما اتصلت به (خ ، ن ، ٨٤ ، ٢١)

ـ قال" الجبّائي" إنّ الحركات والسكون أكوان للجسم ، والجسم في حال خلق الله له ساكن (ش ، ق ، ٣٢٥ ، ١١)

ـ قال" معمّر" : معنى السكون أنّه الكون ، ولا سكون إلّا كون ، ولا كون إلّا سكون (ش ، ق ، ٣٥٥ ، ١)

ـ قال" أبو الهذيل" : الحركات والسكون غير الأكوان والمماسّات ، وحركة الجسم عن المكان الأول إلى الثاني تحدث فيه وهو في المكان الثاني في حال كونه فيها ، وهي انتقاله عن المكان الأول وخروجه عنه ، وسكون الجسم في المكان هو لبثه فيه زمانين ، فلا بدّ في الحركة عن المكان من مكانين وزمانين ، ولا بدّ للسكون من زمانين (ش ، ق ، ٣٥٥ ، ٣)

ـ كان" الجبّائي" يزعم أنّ الحركة والسكون أكوان ، وأنّ معنى الحركة معنى الزوال ، فلا حركة إلّا وهي زوال ، وأنّه ليس معنى الحركة معنى الانتقال ، وأنّ الحركة المعدومة تسمّى زوالا قبل كونها ، ولا تسمّى انتقالا (ش ، ق ، ٣٥٥ ، ١٢)

ـ الحركة والسكون هما اسما البقاء ، فمحال وجودهما في أول أحوال الجسم لإحالة البقاء ؛ إذ السكون هو القرار حيث الوجود ، والحركة الانتقال عنه ، والقدرة ليست إلّا للفعل ، ولو جاز وجودها ولا فعل وقتا واحدا لجاز أوقاتا ؛ إذ هي له ، والجسم ليس للحركة ولا للسكون ، وهما معنيان لا يقتضيان الحال. ألا يرى لأوقات البقاء لا يخلو عنهما ، ثم القدرة لا تبقى ، فيجب أن لا يخلو منه عند الوجود (م ، ح ، ٢٧٨ ، ١٩)

ـ الحركة والسكون والاستتار والظهور من صفات الأجسام دون الأعراض (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٨)

ـ إنّ السكون ليس بمعنى أكثر من كون الكائن في المكان الذي يحلّه ، من غير أن يراعي فيه أو يشترط وقتا أو وقتين أو ثلاثة (أ ، م ، ٢١٢ ، ٨)

ـ كان (الأشعري) يقول : " معنى الحلول السكون ، ومعنى السكون الكون في المكان ، ولا يجوز على الأعراض السكون" (أ ، م ، ٢٦٥ ، ٤)

ـ قولنا : كون وفائدته ما به يصير الجوهر في جهة دون جهة ، ثم الأسامي تختلف عليه ، والكل في الفائدة يرجع إلى هذا القبيل. فتارة نسمّيه كونا مطلقا إذا وجد ابتداء لا بعد غيره ، وليس هذا إلّا في الموجود حال حدوث الجوهر. ثم يصحّ أن نسمّيه سكونا إذا بقي. وتارة نسمّي ذلك الكون سكونا وهو أن يحدث عقيب مثله أو يبقى به الجوهر في جهة واحدة وقتين فصاعدا. وتارة نسمّيه حركة إذا حدث عقيب ضدّه أو أوجب كون الجسم كائنا في مكان بعد أن كان في غيره بلا فصل. وتارة نسمّي بعضه محاورة مقارنة وقربا إذا كان يقرب هذا الجوهر جوهر آخر على وجه لا مسافة بينهما. وتارة نسمّي بعضه مفارقة ومباعدة وافتراقا إذا وجد

على البعد منه جوهر آخر (ق ، ت ١ ، ٣٣ ، ٨)

ـ إنّ الجوهر لا يوجد إلّا وهو متحيّز ، ولا يكون متحيّزا إلّا وهو كائن ، ثم لا يكون كائنا في جهة إلّا بكون. ثم إنّ ذلك الكون إن بقي وقتين سمّي سكونا ، وإن طرأ عليه ضدّ فنفاه وانتقل به الجوهر إلى جهة ثانية فهذا الثاني يكون حركة ، ويكون الأوّل من جنسها أيضا ، لأنّه يجوز أن يقدّر فيه معنى الحركة بأن يقدّم الله تعالى خلق الجوهر على تلك الجهة في أقرب المحاذيات إليها ؛ فإن انضمّ إلى ذلك الجوهر جوهر آخر كان ما فيهما من الأكوان مجاورة ، لأنّ المجاورة عبارة عن كون الجوهرين على سبيل القرب (ن ، د ، ٧٦ ، ٤)

ـ إنّ معنى السكون هو أن يوجد كون عقيب ضدّه أو يبقى كون واحد وقتين (ن ، د ، ١٣١ ، ٨)

ـ أمّا الشيخ أبو علي ، حيث ذهب إلى القول بأنّ الكون من جنس السكون ، والسكون من قبيل الأكوان ، وأنّ الحركة جنس برأسه (ن ، د ، ١٣٢ ، ٢)

ـ إنّ من شأن الاعتماد أن يولّد في غير محلّه الحركة ، إذا لم يكن ممنوعا من توليدها ، وإذا منع منها ، فحينئذ ولد السكون. والقديم تعالى يصحّ منه أن يخترع الفعل اختراعا فلا يمتنع أن يسكّن الحجر في الجو (ن ، م ، ١٩٥ ، ٢٣)

ـ السكون عنده (النظام) حركة اعتماد ، والعلوم والإرادات عنده من جملة الحركات ، وهي الأعراض ، والأعراض كلها عنده جنس واحد ، وهي كلّها حركات (ب ، ف ، ١٣٨ ، ٢)

ـ ذهب القلانسي من أصحابنا إلى أنّ السكون كونان متواليان في مكان واحد. والحركة كونان متواليان أحدهما في المكان الأول والثاني في المكان الثاني (ب ، أ ، ٤٠ ، ١٤)

ـ أمّا النظّام فإنّه قال لا عرض إلّا الحركة وزعم أيضا أنّ السكون من جنس الحركة غير أنّه حركة اعتماد (ب ، أ ، ٤٦ ، ١٠)

ـ ذهبت طائفة إلى أنّه لا سكون أصلا وإنّما هي حركة اعتماد ، وهذا قول ينسب إلى إبراهيم ابن سيّار النظّام ، واحتجّ غير النظام من أهل هذه المقالة بأن قالوا السكون إنّما هو عدم الحركة ، والعدم ليس شيئا ، وقال بعضهم هو ترك الحركة ، وترك الفعل ليس فعلا ولا هو معنى (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٢٢)

ـ ذهبت طائفة إلى إبطال الحركة والسكون معا وقالوا ، إنّما يوجد متحرّك وساكن فقط وهو قول أبي بكر بن كيسان الأصم (ح ، ف ٥ ، ٥٥ ، ٢٤)

ـ ذهبت طائفة إلى إثبات الحركة والسكون وأنّ كل ذلك أعراض ، وهذا هو الحق (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ٤)

ـ إنّ السكون إقامة لا نقلة فيها ، فإذا وجدت نقلة متّصلة لا إقامة فيها ، فهي غير الإقامة التي لا نقلة فيها (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ٩)

ـ إنّ الحركة معنى وإنّ السكون معنى آخر (ح ، ف ٥ ، ٥٦ ، ١٣)

ـ الكون هو ما يوجب كون الجوهر كائنا في جهة ، والأسامي تختلف عليه وإن كان الكل من هذا النوع ، فمتى حصل عقيب ضدّه فهو حركة ، وإذا بقي به الجوهر كائنا في جهة أزيد من وقت واحد أو وجد عقيب مثله فهو سكون. ومتى كان مبتدأ لم يتقدّمه غيره فهو كون فقط ، وهو الموجود في الجوهر حال حدوثه. فإن حصل بقرب هذا الجوهر جوهر آخر سمّي ما فيهما مجاورة. ومتى كان على بعد منه سمّي ما

فيهما مفارقة ومباعدة. وقد نعلم هذا المعنى ضرورة على الجملة وإن كان مما لا يدرك. وهو ما نتصرّف فيه من قيام وقعود وغيرهما ، لأنّا نعلم قبح الظلم من أنفسنا ضرورة (أ ، ت ، ٤٣٢ ، ٥)

ـ قوله (النظّام) إنّ أفعال العباد كلها حركات فحسب. والسكون حركة اعتماد. والعلوم والإرادات حركات النفس. ولم يرد بهذه الحركة حركة النقلة وإنّما الحركة عنده مبدأ تغيّر ما ، كما قالت الفلاسفة من إثبات حركات في الكيف ، والكم ، والوضع ، والأين والمتى ... إلى أخواتها (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ٥)

ـ الحركة عبارة عن حصول الجوهر في حيّز بعد أن كان في حيّز آخر. والسكون عبارة عن حصوله في الحيّز الواحد أكثر من زمان واحد ، فعلى هذا حصوله في الحيّز حال حدوثه لا يكون حركة ولا سكونا ، وقيل هو سكون ، وهو إنّما يصحّ إذا قلنا الحركة عين السكونات ، والبحث لفظيّ (ف ، م ، ٧٦ ، ١٥)

ـ إنّ الحركة والسكون نوع واحد ، لأنّ المرجع بهما إلى الحصول في الحيّز ، إلّا أنّ الحصول إن كان مسبوقا بالحصول في حيّز آخر كان حركة ، وإن كان مسبوقا بالحصول في نفس ذلك الحيّز كان سكونا ، إذا كان كل واحد منهما من نوع واحد وثبت كون أحدهما ثبوتيّا لزم أن يكون الآخر كذلك ، وبهذا الطريق ثبت أنّ حصول الجوهر في الحيّز حال حدوثه أمر ثبوتي (ف ، م ، ٧٦ ، ٢٨)

ـ الأعراض النسبيّة وهي أنواع. الأول : حصول الشيء في مكانه وهو المسمّى بالكون ، ثم أنّ حصول الأول في الحيّز الثاني هو الحركة ، والحصول الثاني في الحيّز الأول هو السكون ، وحصول الجوهرين في حيّزين يتخلّلهما ثالث هو الافتراق ، وحصولهما في حيّزين لا يتخلّلهما ثالث هو الاجتماع. الثاني : حصول الشيء في الزمان وهو المتى (ف ، أ ، ٢٦ ، ٢١)

ـ وجود الحركة لا يمكن إلّا في زمان وكذلك وجود السكون (ط ، م ، ٣٨ ، ١٣)

سكون طبيعي

ـ الحركات النقليّة المكانيّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إمّا حركة ضروريّة أو اختياريّة. فالاختياريّة هي فعل النفوس الحيّة من الملائكة والإنس والجنّ وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات ، وكذلك السكون الاختياريّ ، والحركة الضروريّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما إمّا طبيعيّة وإمّا قسريّة ، والاضطراريّة هي الحركة الكائنة ممّن ظهرت منه عن غير قصد منه إليها ، وأمّا الطبيعيّة فهي حركة كل شيء غير حي مما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وحركة الأرض كذلك ، وحركة الهواء والنار إلى مواضعها ، وحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وحركة عروق الجسد النوابض ، والسكون الطبيعيّ هو سكون كل ما ذكرناه في عنصره. وأمّا القسريّة فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها كتحريك المرء قهرا وتحريكك الماء علوّا والحجر كذلك ، وكتحريك النار سفلا والهواء كذلك ، وكتصعيد الهواء والماء ، وكعكس الشمس لحرّ النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها (ح ، ف ٥ ، ٥٩ ، ٩)

سكون قسري

ـ الحركات النقليّة المكانيّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما ، إمّا حركة ضروريّة أو اختياريّة. فالاختياريّة هي فعل النفوس الحيّة من الملائكة والإنس والجنّ وسائر الحيوان كله ، وهي التي تكون إلى جهات شتّى على غير رتبة معلومة الأوقات ، وكذلك السكون الاختياريّ ، والحركة الضروريّة تنقسم قسمين لا ثالث لهما إمّا طبيعيّة وإمّا قسريّة ، والاضطراريّة هي الحركة الكائنة ممّن ظهرت منه عن غير قصد منه إليها ، وأمّا الطبيعيّة فهي حركة كل شيء غير حي مما بناه الله عليه كحركة الماء إلى وسط المركز ، وحركة الأرض كذلك ، وحركة الهواء والنار إلى مواضعها ، وحركة الأفلاك والكواكب دورا ، وحركة عروق الجسد النوابض ، والسكون الطبيعي هو سكون كل ما ذكرنا في عنصره. وأمّا القسريّة فهي حركة كل شيء دخل عليه ما يحيل حركته عن طبيعته أو عن اختياره إلى غيرها كتحريك المرء قهرا ، وتحريكك الماء علوّا ، والحجر كذلك ، وكتحريك النار سفلا والهواء كذلك ، وكتصعيد الهواء والماء ، وكعكس الشمس لحرّ النار ، والسكون القسريّ هو توقيف الشيء في غير عنصره أو توقيف المختار كرها (ح ، ف ٥ ، ٥٩ ، ١٣)

سكون النفس

ـ إنّ سكون النفس حكم للعلم ، يختصّ به العالم لمكان العلم ، لا أنّه معنى سواه ؛ بل يرجع إلى ذات العلم إذا وقع على وجه مخصوص. وإنّما لا يوصف ، تعالى ، بأنّه ساكن النفس ، لأنّ استعمال ذلك ، فينا ، توسّع. ولا يجوز وصفه ، تعالى ، بما هذا حاله ؛ كما ذكرناه ، في المنع ، من وصفه بأنّه عاقل وفهم. وبيّنا أن سكون نفسه إلى الاعتقاد الواقع عند النظر ، لا يبطل بتمكّنه من نفيه لشبهة تدخل عليه. فإن تعذّر ذلك في الضروريّ ، لأنّ ما له تعذّر ذلك فيه أنّه من فعله ، تعالى ، فيه ، وليس كذلك ما يفعله. ولا يوجب ، ذلك ، الفرق بينهما في الحكم الذي ذكرناه. كما لا يفترق العلمان ، وإن صحّ أن نسهو عن أحدهما ، ويمتنع ذلك في الآخر في كونهما علمين (ق ، غ ١٢ ، ٧٠ ، ٣)

سلامة من الانتقاض

ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، فلم يمنع من اختصاص العلم بسكون النفس ، لأنّه قد صرّح بأنّ الجاهل والظانّ لا تسكن نفوسهما ، وإنّما عدل عن جعل ذلك أمارة لكونه علما. وقال : إنّما يفصل العلم عنده من غيره ، لسلامته ، ونفى التناقض عنه ، والجهل بخلافه. وهذا لا يصحّ عند شيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، لأنّ سلامته من الانتقاض ترجع إلى طريقة ، لا إليه. ويجب أن نجعل ، ما به ينفصل العلم من غيره ، راجعا إليه ، لا إلى طريقه ، ليصير شاملا لجميع العلوم : الضروريّ ، والمكتسب. وقد علمنا أنّ معنى السلامة من الانتقاض إنّما يصحّ في المكتسب دون غيره. ولذلك قال ، رحمه‌الله ، في نقض المعرفة : إنّه يعلم المحق محقّا بالأدلّة. يبيّن ذلك ، ما قلناه : إنّ المخبر إذا أخبر عن أكله وشربه ، وإن كان كاذبا ، فليس هناك ما يوجب انتقاض ما خبّر عنه. فيجب على هذا أن يكون اعتقاد المعتقد له علما. وإنّما يصحّ أن يقال : إنّ الانتقاض إذا دخل في الشيء ، دلّ على فساده. فأمّا السلامة من

الانتقاض ، فلا تجب كونه دالّا على الصحة (ق ، غ ١٢ ، ٣٨ ، ٤)

سلب

ـ إنّ السلب عدم محض ، وذلك لا تأثير له في التمييز والتخصيص ؛ إذ ما ليس بشيء لا يكون مستوعبا لما هو شيء ، ولأنّه فرّق إذ ذاك بيّن قولنا : إنّه لا مميّز وبين قولنا : إنّ المميّز عدم (م ، غ ، ٥٦ ، ١٢)

سلبي

ـ إنّ السّلبيّ هو سلب شيء عن شيء. وسلب شيء عن الوجود لا يكون حمل العدم عليه (ط ، م ، ٩٥ ، ١٠)

سماء

ـ إنّ السماء مشتقّ من السموّ ، وكل شيء سماك فهو سماء. فهذا هو الاشتقاق الأصليّ اللغويّ. وعرف القرآن أيضا متقرّر عليه بدليل أنّهم ذكروا في تفسير قوله تعالى (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) (النور : ٤٣) إنّه السحاب ، قالوا وتسمية السحاب بالسماء جائز لأنّه حصل فيه معنى السموّ. وذكروا أيضا في تفسير قوله تعالى (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (الفرقان : ٤٨) أنّه من السحاب ، فثبت أنّ الاشتقاق اللغويّ والعرف القرآنيّ متطابقان على تسمية كل ما كان موصوفا بالسموّ والعلوّ سماء (ف ، س ، ٣٤ ، ١)

سمع

ـ القول بالرجعة : ليس لنا أن نقول به وإن كانت غير مستحيلة في القدرة ، إذ كان لم يأت بها بل قد أتي بإبطالها ونفيها. ثم قال : وللسمع طرق ثلاث : أحدهما القرآن والآخر الإجماع والثالث الخبر الموجب للعلم. (قال) فأمّا القرآن فقد نطق بها في غير موضع ؛ منها قوله (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (غافر : ١١).

يقال له : هذه الآية تبطل القول بالرجعة ، لأنّ الله خلق بني آدم من نطف ميتة ثم يحييهم في دار الدنيا ثم يميتهم ثم يحييهم يوم القيامة فذلك موتتان وحياتان. وأحسب صاحب الكتاب (ابن الروندي) ليس يحسن الحساب أيضا فلذلك احتج بهذه الآية. قال : ومنها قوله (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها) (البقرة : ٢٥٩). يقال له : إنّا لم ننكر أن يكون الله قد أحيا من أخبر أنّه أحياهم ـ هذا لا يدفعه مسلم ـ وإنّما أنكرنا على الرافضة قولها : إنّ الله يعيد الخلق الذين أماتهم إلى دار الدنيا قبل القيامة (خ ، ن ، ٩٦ ، ٧)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : والدلالة أنّ محدث العالم واحد لا أكثر السّمع والعقل وشهادة العالم بالخلقة. فأمّا السمع فهو اتفاق القول ، على اختلافهم على الواحد ، إذ من يقول بالأكثر يقول به على أنّ الواحد اسم لابتداء العدد واسم للعظمة والسلطان والرفعة والفضل (م ، ح ، ١٩ ، ٩)

ـ العلم على وجهين : على الظاهر البيّن والخفي المستور ليتفاضل بذلك أولو العقل على قدر تفاضلهم في الاجتهاد واحتمال ما كرهته الطباع ونفرت عنه النفس ، وعلى ذلك جعل سبيله قسمين : أحدهما العيان الذي هو أخصّ الأسباب ، وهو الذي ليس معه جهل ، ليكون أصلا لما خفي منه ، والثاني السمع الذي عن دلالة الأعيان يعرف صدقه وكذبه. ثم جعل السمع قسمين : محكم ومتشابه ومفسّر ومبهم ، ليبيّن منتهى المعارف من الكفّ فيما يجب ذلك

والإقدام فيما يلزمه ، ومن حمل المبهم على المفسّر ، لزم المحكم وعرض المتشابه عليه ما أمكن أن يكون ما فيه مما يلزم تعرّفه ومما إليه حاجة بأهل المحنة ، أو ترك الخوض في ذلك فيما أمكن الغنى عن تعرّف حقيقة ما فيه ، فيكون محنة الوقوف (م ، ح ، ٢٢٢ ، ١٠)

ـ المعرفة ... تتولّد عن النظر ، والنظر معلوم ، وطريقه واضح متميّز من غيره. فيجب ، إذا علم الناظر صفة النظر وصفة طريقه ، أن لا يمتنع وجوبه عليه إذا خاف من تركه ، وعلم قبح تركه ، واستحقاق الذمّ على ذلك من العقلاء. كما يعلم وجوب ردّ الوديعة إذا عرفها بعينها ، وعرف كيفية الردّ عند المطالبة. وكما يعلم قبح الكذب إذا تعيّن وميّز من غيره. ولو لا أنّ الأمر كما ذكرناه ، لم يصحّ قبح شيء من العقول ، ولا وجوب شيء فيها. وفي هذا إبطال العقل والسمع ، لأنّ السمع إنّما يرد على من قد عرف هذه الأمور ؛ فإذا بطل القول فيها ، على مذهبه (الجاحظ) ، فكيف يصحّ معرفة السمع؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٦ ، ٩)

ـ إنّ السمع هو الكتاب والسنّة ، ولا يصحّ معرفة صحّتها إلّا مع العلم بأنّه تعالى حكيم ، لا يفعل القبيح ، فلو لم يكن معرفة ذلك عقلا ، لم يصحّ معرفة السمع البتّة (ق ، غ ١٤ ، ١٥١ ، ١٤)

ـ إنّا جوّزنا ورود السمع ليكشف في التفصيل ، عمّا تقرّر جملته في العقل ، على ما بيّناه ؛ وبيّنا صحّة ذلك بأنّ النفع ، من حيث كان نفعا لا يحسن ، وإنّما يحسن لتعرّيه من مضرّة ، وما يجري مجراها. فإذا أدّى إلى مضرّة قبح. وكذلك القول في الأمور الشاقّة إنّها إنّما تقبح إذا تجرّدت ، فأمّا إذا أدّت إلى زوال مضارّ ، واجتلاب منافع ، فإنّها تجب. فجوّزنا ورود السمع بوجوب ما له صفة في العقول قد يقترن بها الوجوب على وجه ، والقبح على وجه ؛ وبيّنا أنّ السمع يكشف على الوجه الذي يجب عليه. وإذا ثبت ذلك ، وتقرّر في العقول أنّ الظلم ، مع كونه ظلما ، لا يجوز أن يقترن به الحسن والوجوب ؛ فكيف يرد السمع بحسنه ووجوبه والحال هذه؟ (ق ، غ ١٥ ، ١١٧ ، ١٩)

ـ إنّ السمع ، لو ورد بخلاف العقل ، لكان نقضا ؛ لأنّ النقض في هذا الوجه يقع على طريقتين : إحداهما تتناول الجملة والصفة دون الأعيان والأخرى تتناول الأعيان. والذي يتناول الجملة في هذا الباب أن يعلم بالعقل ، في جملة المضرّة ، أنّها ، إذا كانت ظلما ، فلا بدّ من كونها قبيحة. فلو ورد السمع بحسنها أو حسن بعضها وهذه حالها ، لكان نقضا. فأمّا ما يتناقض من جهة التغيّر فأن يعلم في العقل المعيّن أنّه يحسن ، من حيث كان نفعا محضا ، أو ما شاكله. فلو ورد السمع بقبحه لكان نقضا. وكلا الوجهين منتف عن الأدلّة ؛ لأنّها صادرة من جهة الحكيم الذي لا يجوز أن يؤتيها إلّا على الصحّة ؛ ولأنّها في نفسها لا يصحّ ذلك فيها لأمر يرجع إلى مدلولها ، وإلى المعلومات. فإذا ثبت ذلك فالواجب أن يجوز ورود السمع على الوجه الآخر ، وهو أن يعلم ، في العقل ، فيما له صفة مخصوصة ، أنّه قد يحسن ، ويقبح ، أو يجب. ويقبح مع ذلك ، تجويز تلك الصفة إذا تجرّد ، في أحد الوجهين ، واقترن به بعض الأمور في الوجه الآخر ، أو إذا وقع على وجهين لأمرين يقترنان به ، فيجوز أن يرد السمع كاشفا عمّا يقارنه ، مما يقتضي قبحه أو حسنه أو وجوبه. وقد يجوز أن يرد السمع ، في الشيء بعينه ، أنّه ،

على وجه دون وجه ؛ وإن كان الأقرب في السمعيّات أنها واردة على الحدّ الأوّل. وإنّما يذكر الثاني على طريقة التّبع ، وليبيّن زوال المناقضة ، من كل وجه يتأتّى ذلك منه ، بين السمع والعقل (ق ، غ ١٥ ، ١١٨ ، ١٢)

ـ أمّا السمع والعقل ، فقد قال أهل السنّة : الواجبات كلّها بالسمع ، والمعارف كلّها بالعقل. فالعقل لا يحسّن ولا يقبّح ، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف ، أي لا يوجد المعرفة ، بل يوجب (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١٩)

سمعيات

ـ أمّا السمعيّات فإنّما نتكلّم فيها وقد ختمت النبوّة لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلم القديم جلّ وعزّ أنّ مصالح العباد لا تختلف في هذا الشرع إلى أن ينقطع التكليف عنهم. فحلّت هذه الشرعيّات في أنّها لا تتغيّر محلّ العقليّات ، هذا على إطلاق القول. ثم تنقسم أيضا هذه السمعيّات ففيها ما لا يتفاوتون فيه في الجملة لاتفاقهم في الأسباب ، كنحو الطهارة والصلاة والصوم وغير ذلك وإن كانت التكاليف تختلف في ذلك على بعض الوجوه بالسفر والمرض وبالحيض والطهر ، وفيها ما لا يتّفقون في سببه كنحو الزكاة والحجّ والجهاد والحدود والقصاص وغير ذلك (ق ، ت ١ ، ١٦ ، ٥)

ـ السمعيات ، مثاله : أنّا ندّعي مثلا أنّ المعاصي بمشيئة الله ونقول : كل كائن فهو بمشيئة الله ، والمعاصي كائنة ؛ فهي إذن بمشيئة الله ؛ فأمّا قولنا كل كائنة فمعلوم وجودها بالحسّ ، وكونها معصية معلوم بالشرع ، وأمّا قولنا كل كائن بمشيئة الله ، فإذا أنكر الخصم ذلك منعه الشرع مهما كان مقرّا بالشرع أو كان قد أثبت عليه الدليل. فإنّا نثبت هذا الأصل بإجماع الأمّة على صدق قول القائل : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن فيكون السمع مانعا من الإنكار (غ ، ق ، ٢٢ ، ٦)

سميع

ـ قالت" الموحدة" : هو سميع بصير ، لأنّ كل حي لا آفة به هو السميع البصير ، ونفت" الموحدة" ـ مع هذا ـ مشابهة البشر عنه في جميع الصفات ، وقالت : هو عالم لذاته ، سميع بصير لذاته ، لا كما قالت" المشبهة" : إنّه محتاج إلى علم يعلم به ، وقدرة بها يقدر ، ولولاهما لكان جاهلا عاجزا ، وأنّه يرى بعين ويسمع بأذن. وقد نبّه الله تعالى على نفي التشبيه عنه ووصف نفسه بأنّه سميع بصير فقال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١) (ع ، أ ، ١٣ ، ١٠)

ـ ثم ينظر في كونه (الله) حيّا لا آفة به ، فيحصل له العلم بكونه سميعا بصيرا مدركا للمدركات (ق ، ش ، ٦٥ ، ١٢)

ـ اعلم أنّه سبحانه يوصف بأنّه سميع بصير ويراد بذلك أنّه على حال لاختصاصه بها يدرك المسموع والمبصر إذا وجدا (ق ، غ ٥ ، ٢٤١ ، ٣)

ـ أمّا كونه مدركا سميعا بصيرا فيبعد أن يعلم من دون أن يعلم كونه قادرا ؛ بل لا يكفي في ذلك كونه قادرا ، بل يجب أن يعلم كونه حيّا مع كونه قادرا ، وإذا لم يعلم كونه قادرا لم يعلم شيء من الصفات ، لأنّ وجوب الصفة كيفية في الصفة ، فهي مرتبة على نفس الصفة ، فإذا لم

تعلم كيفية الصفة من حيث أنّها مرتبة على نفس الصفة لا يمكن أن يعلم ما عليه القديم تعالى في ذاته (ن ، د ، ٤٦١ ، ١٤)

ـ قلنا : السميع حقيقة لغويّة مستعملة لمن يصحّ أن يدرك المسموع بمعنى محلّه الصماخ ، والبصر حقيقة كذلك لمن يصحّ أن يدرك المبصر بمعنى محلّه الحدق. والله ليس له كذلك ، فلم يبق إلّا أنّهما بمعنى عالم (ق ، س ، ٧١ ، ١٦)

سميع بصير

ـ قال (العلّاف) إنّه تعالى لم يزل سميعا بصيرا بمعنى سيسمع وسيبصر. وكذلك لم يزل غفورا ، رحيما ، محسنا ، خالقا ، رازقا ، مثيبا ، معاقبا ، مواليا ، معاديا ، آمرا ، ناهيا ، بمعنى أنّ ذلك سيكون منه (ش ، م ١ ، ٥٣ ، ٥)

ـ اتّفق المسلمون على أنّه سميع بصير لكنّهم اختلفوا في معناه. فقالت الفلاسفة والكعبي وأبو الحسين البصريّ : ذلك عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات ، وقال الجمهور منّا ومن المعتزلة والكراميّة أنّهما صفتان زائدتان على العلم. لنا أنّه تعالى حيّ ، والحيّ يصحّ اتّصافه بالسمع والبصر ، وكل من صحّ اتّصافه بصفة فلو لم يتّصف بها اتّصف بضدّها ، فلو لم يكن الله تعالى سميعا بصيرا كان موصوفا بضدّهما ، وضدّهما نقص ، والنقص على الله تعالى محال (ف ، م ، ١٢٧ ، ١١)

سنة

ـ أمّا مذهبه (الأشعري) في معنى السنّة فإنّه كان يقول إنّ معنى السنّة ما سنّه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعنى قولنا" سنّه" أنّه بيّن طريقه وأوضح سبيله وشرّعه لخلقه وندبهم إليه وجعله منهاجا لهم يستنّون به ويرجعون إليه فيه. وكان يقول إنّ الوصف بالسنّة لا يختصّ ما هو فرض من ندب بل يعمّهما ويجري عليهما فيقال" سنّة واجبة" و" سنّة غير واجبة". وهذا خلاف ما يقع في وهم بعض المتفقّهة أنّ السنّة خلاف الفريضة بل كل فريضة سنّة وإن لم تكن كل سنّة فريضة (أ ، م ، ٢٦ ، ١)

ـ ما ذهب إليه الشافعيّ وغيره : في أنّ القرآن لا ينسخ بالسنّة القاطعة ، لأنّها إذا كانت دلالة على حدّ القطع ، فهي بمنزلة القرآن فلا يجوز ألّا تدلّ على النسخ ، وهي دالّة على سائر الأمور ، لأنّها في دلالتها لا يجوز أن تختصّ ، لهذه الجملة ما عدل الفقهاء ، من أصحاب الشافعي إلى أن نسخ الكتاب بالسنّة لا يوجد ؛ ولو وجدت سنّة يصحّ أن تكون ناسخة لوجب كونها ناسخة (ق ، غ ١٧ ، ٩٠ ، ٦)

ـ قولنا" نفل" يفيد أنّه طاعة ، غير واجبة ؛ وأنّ للإنسان فعله من غير لزوم وحتم. وكذلك وصفنا له بأنّه" تطوّع" يفيد أنّ المكلّف انقاد إليه مع أنّه قربة ، من غير لزوم وحتم. ويوصف بأنّه" سنّة". ويفيد في العرف أنّه طاعة ، غير واجبة. ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٧)

ـ ذكر قاضي القضاة ، أنّ قولنا" سنّة" لا يختصّ بالمندوب إليه دون الواجب. وإنّما يتناول كل ما علم وجوبه ، أو كونه ندبا بأمر النبي عليه‌السلام ، وبإدامة فعله. لأنّ السنّة مأخوذة من الإدامة. ولذلك يقال : إنّ الختان من السنّة. ولا يراد به أنّه غير واجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٩)

ـ حكي عن بعض الفقهاء أنّ قولنا" سنّة" يختصّ

بالنفل ، دون الواجب. وهذا أشبهه من جهة العرف. ويوصف بأنّه" إحسان" إذا كان نفعا موصلا إلى الغير ، قصدا إلى نفعه. ويوصف بأنّه" مأمور به" ، لأنّ أمر الله تعالى قد تناوله. فهذه هي الأوصاف التي تختصّ" الندب" (ب ، م ، ٣٦٧ ، ٢٢)

ـ أمّا السنّة التي يؤخذ عنها أحكام الشريعة فهي المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إمّا بتواتر يوجب العلم الضروري كنقل أعداد الركعات وأركان الصلاة ونحوها ، وإمّا بخبر مستفيض يوقع العلم المكتسب كنقلهم نصب الزكوات وأركان الحجّ ، وإمّا برواية آحاد توجب روايتهم العمل دون العلم (ب ، أ ، ١٧ ، ١٥)

ـ السنّة ، لغة ، الطريقة والعادة ، ودينا : الملّة. وعرفا : نقل خبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره ونهيه والإخبار عن فعله وتقريره. وفي عرف الفقهاء : ما لازمه الرسول من النقل (ق ، س ، ١٤٩ ، ٧)

سنّي موحّد

ـ الصحيح عندنا أنّ أمّة الإسلام تجمع المقرّين بحدوث العالم ، وتوحيد صانعه وقدمه ، وصفاته ، وعدله ، وحكمته ، ونفي التشبيه عنه ، وبنبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ورسالته إلى الكافة ، وبتأبيد شريعته ، وبأن كل ما جاء به حق ، وبأنّ القرآن منبع أحكام الشريعة ، وأنّ الكعبة هي القبلة التي تجب الصلاة إليها ، فكل من أقرّ بذلك كلّه ولم يشبه ببدعة تؤدّي إلى الكفر فهو السنيّ الموحّد (ب ، ف ، ١٣ ، ١٨)

سهو

ـ إنّما يشذّ عن ذلك على ما قاله رحمه‌الله السهو ، لأنّ المتقدّمين من شيوخنا أثبتوه معنى يضادّ العلم ولم يجعلوا أحدنا قادرا على السهو وإن وجبت قدرته على العلم. ويختلف كلام الشيخ أبي عبد الله في قدرتنا على السهو. فربّما قال إنّ العباد لا يقدرون عليه على مثل طريقة من تقدّم. وربّما قال : يقدرون عليه ، ولكن لا يقع لعدم الدواعي إليه. والصحيح على ما اختاره أبو إسحاق وقاضي القضاة أنّه ليس بمعنى وإنّما يرجع في السهو إلى زوال العلم عن أحدنا بالأمور المعتادة مع بقاء العقل أو بقاء بعض العلوم. فإذا كان الصحيح ذلك لم يخرج شيء من الأجناس عن القضية التي قدّمناها في أنّ القادر على الشيء وله جنس ضدّ يجب أن يقدر عليه أيضا. وهذا هو أحد الأدلّة على أنّ السهو ليس بمعنى ، وإلّا كان يجب إذا قدرنا على الاعتقاد أن نقدر عليه أيضا (ق ، ت ٢ ، ٨٦ ، ٦)

ـ اعلم أنّ السهو إن كان معنى ، فإنّما ينافي العلم والاعتقاد ؛ فأمّا أن ينافي الإرادة فلا ، لأنّه لو نافاها مع نفيه للعلم لأدّى إلى كونه نافيا لشيئين مختلفين غير متضادّين ، وذلك لا يصحّ على ما قدّمناه في باب الصفات (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٦٢ ، ٤)

ـ إنّ من حق السهو أن يزيل التكليف ، إذا تعلّق السهو بالفعل. لأنّه لا يجوز منه ، تعالى ، أن يكلّفه إيجاد فعل هو ساه عنه. لأنّه إذا كان كذلك ، لم يمكنه أن يفعله أو يتحرّز من تركه على الوجه الذي ينبغي أن يفعل الواجب عليه. فيصير حاله مع هذا الفعل خاصّة ، كحال من لا عقل له في سائر الأفعال ؛ بل لا بدّ من ذلك ، لأنّ من لا عقل له قد يعرف الأفعال ويميّزها

من غيره ، والساهي لا يصحّ ذلك فيه في نفس ما ينهي عنه. وليس كذلك حال المعرفة الواقعة عن النظر ، لأنّه إذا عرف سببها وتصوّرها ، خرج من أن يكون حكمه معها حكم الساهي مع الفعل الذي سها عنه. فلذلك حسن منه ، تعالى ، أن يكلّفه المعرفة من حيث يمكنه أن يوجدها بإيجاد سببها ، ويتحرّز من تركها ، وذلك يتعذّر في الساهي عن الفعل (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٨ ، ٢١)

ـ إنّ غرض الفقهاء بقولهم : سها في الصلاة ، ليس أنّه خرج من أن يعلم الصلاة وأركانها وشروطها ، وإنّما يعنون بذلك أنّه ظنّ أنّه ليس في الصلاة ، وزال عن قلبه العلم بأنّه داخل في الصلاة ، فأخذ يفعل أفعال غير المصلّى. وكذلك من سها في الصوم وأكل ، إنّما يريدون به أنّه زال عن قلبه العلم بأنّه داخل في الصوم ، فظنّ أنّه ليس بصائم يفعل ما يفعله المفطر. وهذا السهو لا يزيل عنه التكليف في سائر الوجوه ، لأنّه يفارق حاله حال السهو الحادث بالنوم والغشي والسكر ، لأنّه ينبئ عن زوال العلم بشيء مخصوص. وإذا ثبت ذلك ، لم يكلّف في تلك الحال الاستمرار على فعل الصوم والصلاة ، إذا زال عن قلبه بدخوله فيهما على وجه لا يمكنه إزالته عن نفسه. فإذا صحّ أن المراد بهذا القول ما ذكرناه ، فإنّما يجب سقوط التكليف عنه في ذلك الباب المخصوص ، ما دام السهو قائما دون سائر الأبواب التي يتناولها التكليف (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٩ ، ١٨)

ـ اعلم أنّ مذهب أبي القاسم ، يقتضي أنّ الشيء الواحد يجوز أن ينفي شيئين مختلفين غير ضدّين ، لأنّه يقول في السهو ، إنّه يضادّ الإرادة والعلم ، ولا يجوز ذلك عند مشايخنا (ن ، م ، ١٦٤ ، ١٥)

ـ ذهب أبو القاسم إلى أنّ السهو عرض من الأعراض ، وإليه كان يذهب أبو علي. وقال أبو هاشم في بعض المواضع ، أنّ السهو يجري مجرى فساد القلب ، وقال في موضع آخر ، أنّه معنى يضادّ العلم ، وإليه يذهب الشيخ أبو عبد الله. وقال أبو إسحاق السهو ليس بمعنى ، وهو الصحيح عندنا (ن ، م ، ٣٤١ ، ١١)

ـ السهو الذهول عن المعلوم (ق ، س ، ٥٤ ، ١٢)

ش

شاء

ـ قال (الحسن البصري) في قوله في الضلال والهدى ، وفي قوله : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ) (الأنعام : ١١٢) ، أنّ المراد إظهار قدرته على ما يريد ، كما قال : (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) (سبأ : ٩) ، وقال : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ) (يس : ٦٧) ، وإنّما دلّ بذلك على قدرته ، فذلك غير الذي شاءه منهم (ر ، أ ، ١٢٢ ، ٥)

ـ قوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) فإنّ هذا خبر عن قدرته وأنّ الذين عصوه وكفروا به لم يغلبوه وأنّه لو شاء لأدخلهم في الإيمان كرها وأجبرهم عليه جبرا (خ ، ن ، ٨٩ ، ١٤)

ـ قوله (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (القصص : ٥٦) فإنّما أخبر نبيّه عليه‌السلام أنّه" لا يقبل منك من تحب قبوله منك ، ولكنّ الله قادر على أن يدخل في الإيمان من يشاء من حيث يجبره عليه ويضطرّه إليه". وقالوا فيها وجها آخر قالوا : " إنّك لا تحكم بالهداية لمن تحب لأنّك لا تعلم باطن الخلق ، ولكن الله يحكم لمن يشاء (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (الأنعام : ١١٧) أي من علم منه أن باطنه كظاهره فذلك المهتدي عنده ، وإنّما عليك أنت الحاكم بالظاهر" (خ ، ن ، ٩٠ ، ٤)

ـ إنّ الله تعالى مريد لكل شيء يجوز أن يراد قول الله تعالى (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان : ٣٠) فأخبر أنّا لا نشاء إلا ما شاء أن نشاءه وقال تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) وقال تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) وقال (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ) (الأنعام : ١١٢) وقال (وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) (البقرة : ٢٥٣). فأخبر أنّه لو لم يرد القتال لم يكن وأن ما أراد من ذلك فقد فعله (ش ، ل ، ٣١ ، ٢)

ـ زعموا (المعتزلة) أنّ الله عزوجل يشاء ما لا يكون ، ويكون ما لا يشاء ، خلافا لما أجمع عليه المسلمون من أنّ ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وردا لقول الله عزوجل : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الإنسان : ٣٠).

فأخبر أنّا لا نشاء شيئا إلّا وقد شاء الله أن نشاءه (ش ، ب ، ١٢ ، ٩)

ـ (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) (إبراهيم : ١٩ ؛ فاطر : ١٦) أي هو قادر أن يعدم الناس ويخلق مكانهم خلقا آخر على شكلهم أو على خلاف شكلهم ، إعلاما منه باقتداره على إعدام الموجود وإيجاد المعدوم ، يقدر على الشيء وجنس ضدّه (ز ، ك ٢ ، ٣٧٢ ، ١٥)

ـ ولا تقولنّ لأجل شيء تعزم عليه (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ) (الكهف : ٢٣) الشيء (غَداً) (الكهف : ٢٣) أي فيما يستقبل من الزمان ، ولم يرد الغد خاصة (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الكهف : ٢٤) متعلّق بالنهي لا بقوله إنّي فاعل ، لأنّه لو قال إنّي فاعل كذا إلّا أن يشاء الله كان معناه : لا أن تعترض مشيئة الله دون فعله ، وذلك مما لا مدخل فيه للنهي. وتعلّقه بالنهي على وجهين : أحدهما ولا تقولّن ذلك

القول إلّا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن لك فيه. والثاني ولا تقولنّه إلّا بأن يشاء الله : أي إلّا بمشيئة الله وهو في موضع الحال : يعني إلّا ملتبسا بمشيئة الله قائلا إن شاء الله. وفيه وجه ثالث وهو أن يكون إن شاء الله في معنى كلمة تأبيد كأنّه قيل : ولا تقولنّه أبدا ، ونحوه قوله (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) (الأعراف : ٨٩) لأنّ عودهم في ملّتهم مما لن يشاءه الله ، وهذا نهي تأديب من الله (ز ، ك ٢ ، ٤٧٩ ، ١٦)

ـ (لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (الشورى : ٨) أي مؤمنين كلهم على القسر والإكراه كقوله تعالى (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (السجدة : ١٣) وقوله تعالى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (يونس : ٩٩) والدليل على أنّ المعنى هو الإلجاء إلى الإيمان قوله (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس : ٩٩) وقوله تعالى (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ) (يونس : ٩٩) بإدخال همزة الإنكار على المكره دون فعله دليل على أنّ الله وحده هو القادر على هذا الإكراه دون غيره ؛ والمعنى : ولو شاء ربّك مشيئة قدرة لقسرهم جميعا على الإيمان ، ولكنّه شاء مشيئة حكمة فكلّفهم وبنى أمرهم على ما يختارون ليدخل المؤمنين في رحمته وهم المرادون بمن يشاء (ز ، ك ٣ ، ٤٦١ ، ٢٣)

ـ (فَمَنْ شاءَ) (المزمل : ١٩) فمن اختار الخير لنفسه وحسن العاقبة (ز ، ك ٤ ، ٢٠١ ، ٩)

شاء

ـ يقال لهم (للقدرية) : خبرونا عن مطالبة رجل بحق ، فقال له : والله لأعطينّك ذلك غدا إن شاء الله ، أليس الله شائيا أن يعطيه حقه؟ فإن قالوا : نعم. يقال لهم : أفرأيتم إن جاء الغد فلم يعطه حقه ، أليس للا يحنث؟ فلا بدّ من نعم. فيقال لهم : فلو كان الله شاء أن يعطيه حقه لحنث إذا لم يعطه ، كما لو قال : والله لأعطينّك حقك إذا طلع الفجر غدا ، ثم طلع ولم يعطه يكون حانثا (ش ، ب ، ١٤٩ ، ١٢)

شارع

ـ إنّ الله تعالى خلق هذه الدار لمحنة أهلها ، وجعل لهم دارا يجزيهم فيها ، مما لو لا هي لكان يكون خلق هذه الدار بما فيها عبثا ؛ إذ يكون خلق الخلق للفناء بلا عواقب لهم ، وذلك عبث في العقول ؛ لأنّ كل شارع ـ فيما لا عاقبة له ـ عابث ، و ـ فيما لا يريد معنى يكون في العقل ـ هازل ؛ ولذلك قال (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون : ١١٥) (م ، ت ، ٦١ ، ٢)

شاك

ـ إنّ الساهي ليس بأكثر من أنّه غير عالم بالأمر الذي يصحّ أن يعلمه ، وغير ظان أو معتقد ، وغير شاك. كما قلنا أن كونه شاك يرجع إلى خروجه من أن يكون عالما بالشيء ، أو في حكم العالم به ، والطريقة في الموضعين واحدة (ن ، م ، ٣٤١ ، ١٦)

شأن

ـ الشأن : الطلب والقصد ، يقال شأنت شأنه : أي قصدت قصده (ز ، ك ١ ، ٢٦٩ ، ٧)

ـ أمّا قوله (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) (الرحمن : ٢٩) فإنّها شئون بيديها لا شئون يبتدئها (ز ، ك ٤ ، ٤٧ ، ٨)

شاهد الحال

ـ قال أبو محمد ورأيت بعض أصحابنا يذهب إلى شيء يسمّيه شاهد الحال وهو أنّ من كان مظهر الشيء من الديانات متحمّلا للأذى فيه ، غير مستجلب بما يلقي من ذلك حالّا ، فإنّه مقطوع على باطنه وظاهره قطعا لا شكّ فيه ، كعمر بن عبد العزيز وسعيد بن المسيّب والحسن البصري وابن سيرين ومن جرى مجراهم ممّن قبلهم أو معهم أو بعدهم ، فإنّ هؤلاء رضي الله عنهم رفضوا من الدنيا ما لو استعملوه لما حطّ من وجاهتهم شيئا ، واحتملوا من المضض ما لو خفّفوه عن أنفسهم لم يقدح ذلك فيهم عند أحد ، فهؤلاء مقطوع على إسلامهم عند الله عزوجل وعلى خيرهم وفضلهم ، وكذلك نقطع على أنّ عمر بن عبيد كان يدين بإبطال القدر بلا شك في باطن أمره ، وأنّ أبا حنيفة والشافعي رضي الله عنهما كانا في باطن أمرهما يدينان الله تعالى بالقياس ، وأنّ داود بن علي كان في باطن الأمر يدين الله تعالى بإبطال القياس بلا شك ، وأنّ أحمد بن حنبل رضي عنه كان يدين الله تعالى بالتديّن بالحديث في باطن أمره بلا شكّ وبأنّ القرآن غير مخلوق بلا شكّ ، وهكذا كل من تناصرت أحواله وظهر جدّه في معتقد ما وترك المسامحة فيه واحتمل الأذى والمضض من أجله (ح ، ف ٤ ، ٦٢ ، ٢١)

شاهد هو أصل للعلم بالغائب

ـ إنّ من لا قدرة له يخرج الذي يكون منه مضطربا فاسدا ، ولا يملك الشيء وضدّه ، فثبت أنّ ما كان منه بقدرة كان واختيار ، وذلك أمارات الفعل الحقيقية في الشاهد الذي هو أصل للعلم بالغائب (م ، ح ، ٤٥ ، ١٣)

شاهد هو دليل الغائب

ـ كذلك لا يوجد في الشاهد قادر غير ممنوع لا فعل له ، وقادر على الكلام لا كلام له ، والشاهد هو دليل الغائب ، فلزم ذلك فيه ، وبالله التوفيق (م ، ح ، ٤٦ ، ١٠)

ـ لو كان ما يجوز في الشاهد هو دليل الغائب ليجب التفريق بين / الفعل والقول في الغائب ، كما وجب في الشاهد ، وهذا يبيّن وهمه (م ، ح ، ٢٤١ ، ١٥)

شاهد وغائب

ـ كان (الأشعري) يقول : " معنى قولنا (شاهد وغائب) كمعنى قولنا (أصل وفرع) و (منظور فيه ومردود إلى المنظور فيه) و (معلوم ومشكوك فيه مطلوب علمه من المعلوم) ". وكان يقول : " ليس المراد بالغيبة هاهنا البعد والحجاب ، وإنّما المراد غيبة العلم وذهاب العالم عن العلم به". وكان يقول في معنى المشاهدة والشاهد إنّ ذلك يرجع إلى المعلومات التي هي الأصل في باب الاستدلال (أ ، م ، ٢٨٦ ، ١٩)

ـ إنّ الواجب في حقائق الصفات أن تعلم في الشاهد أولا ، ثم تجري على الغائب (ق ، غ ٧ ، ٤٩ ، ١٩)

ـ بيّنا في باب الصفات أنّ حقيقة الصفة لا يجوز أن تختلف في الشاهد والغائب ، وكشفنا القول فيه ؛ فيجب أن تكون حقيقة المتكلّم أنّه فعل الكلام في القديم والمحدث جميعا ، وهذا يبطل وصفهم له بأنّه متكلّم فيما لم يزل. ويجب أن يوصف بذلك عند فعله الكلام (ق ، غ ٧ ، ٥٣ ، ١٤)

ـ إنّما تعقل الصفة في الشاهد ثم تثبت في الغائب على مثلها. ويفصل بينهما في وجه استحقاقها.

فأمّا إذا لم تثبت في الشاهد أصلا فإثباتها في الغائب محال (ق ، غ ٧ ، ٧٦ ، ١٥)

ـ الدلالة على أنّه جلّ وعزّ لا يصحّ فيما يفعله (الله) متولّدا أن يبتدئه ، لأنّ هذه العلّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، ومما يدلّ على ذلك أنّا قد بيّنا أنّ الوجود لا يصحّ فيه تزايد ، فلو صحّ فيما نفعله بسبب أن نبتدئه لصحّ منّا ذلك وإن تقدّم السبب ، لأنّ تقدّمه لا يغيّر حال القدرة وحال القادر ، فكان يجب أن يكون ذلك السبب قد وجد من كلا الوجهين ، فلا يصحّ أن يوجد منهما جميعا ، وحاله في الوجود كحاله لو لم يجز أن يوجد إلّا من أحد الوجهين ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن لا يكون للوجه الآخر تأثير البتّة ، وقد علمنا فساد ذلك (ق ، غ ٩ ، ١١٦ ، ١)

ـ إنّ من حقّ القادر أن يصحّ الفعل منه على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه ؛ لأنّ الإيجاد من جهته كالفرع على صحّة وجوده في نفسه ، ولذلك نحيل كونه قادرا على الشيء إذا استحال وجوده في نفسه. وهذه القضيّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، فلذلك أثبتناه تعالى قادرا لم يزل. وإن استحال وقوع الفعل منه على وجه يصحّ وصفه بأنّه في الثاني أو في الثالث ولا ينقض ذلك كونه قادرا ، كما يصحّ أن يقدر أحدنا على ما يفعله بعد سنة ، وإن استحال وجوده في الأمقاط قبله ، ولا ينقض ذلك كونه قادرا. وليس كذلك العلّة ؛ لأنّ وجودها ولا (أثر لها) يوجب الحكم بنقض كونها علّة ؛ من حيث وجب فيها أن تكون موجبة (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٨)

ـ إنّ الخبر الصدق إذا كان الغرض فيه حصول دلالته على ما يدلّ عليه ، وظهور فائدته التي هي مراد المتكلّم ، وما يدلّ مراده عليه فلا بدّ من أن يقبح متى لم يحصل فيه ما ذكرناه من الغرض ، ولا فرق بين أن لا يحصل ذلك فيه لأمر يرجع إلى المواضعة ، أو إلى المخبر والمخاطب ، لأنّ في الوجهين جميعا يصير الخبر كلّا خبر ، ويصير الكلام كالسكوت ، ويقدح ذلك في طريقة البيان والإفادة بالكلام ، وما هذا حاله لا بدّ من أن يكون قبيحا ، في الشاهد والغائب ، لكنّ الشاهد يخالف الغائب من حيث نضطرّ إلى قصد المتكلّم ، ومن القديم تعالى لا يصحّ ذلك على ما قدّمنا القول فيه ، فلا يخرج خطاب أحدنا في الشاهد ، وإن صيّر بعض أخباره في حكم السكوت (من أن يقع) البيان به على طريقة الاضطرار ، أو إذا تغيّرت الحال ، وليس كذلك حال القديم تعالى ، لأنّا متى جوّزنا في بعض أخباره ما ذكرناه ، أدّى إلى أن يكون كل كلامه مما لا يقع به البيان ، وأن يكون وجوده كعدمه ، وإذا كان كون الفعل عبثا يقتضي قبحه ، فبأن يجب قبحه إذا اقتضى فيه وفي غيره أن يكون عبثا ولا يقع الغرض به ، أولى (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ١٧)

ـ الفرق بين الشاهد والغائب ، وهو حصول أمارة مميّزة من خطابه الذي يعمّى فيه المراد وبين ما يظهر وحصول الاضطرار إلى قصده مرّة بعد مرّة. وبيّنا أنّه لو كان خطاب الواحد منّا لا يكون إلّا دلالة على طريقة واحدة ، كما نقوله في خطابه تعالى ، لكانت الحال واحدة (ق ، غ ١٧ ، ٤٢ ، ١٧)

ـ إنّ إثبات المحدث في الغائب لا يمكن إلّا بعد إثباته في الشاهد ، ولو صحّ ما ذكرناه في الشاهد من أنّ أحدنا محدث لتصرّفه لم يتوجّه عليه الاعتراض ، لأنّ الصحيح لا يتوجّه عليه

الاعتراض. وإن لم يصحّ هذا في الشاهد لم يثبت في الغائب محدث ، فلا يمكن أن يعترض به على ما في الشاهد (ن ، د ، ٣٠٣ ، ١٧)

ـ إن قيل : فما الدليل على أن الله تعالى قادر؟ قيل له : الدليل على ذلك صحّة وقوع الفعل. فإن قيل : فلم قلتم إن صحّة وقوع الفعل تدلّ على كونه قادرا؟ قيل له : نردّ ذلك إلى الشاهد ، فنقول : إنّا وجدنا في الشاهد جملتين صحّ من أحدهما الفعل وتعذّر على الآخر ، مع تساويهما في سائر الصفات ، فكان يجب أن يكون من صحّ منه الفعل مفارقا لمن تعذّر عليه بأمر من الأمور ، لولاه لم يكن هو بأن يصحّ منه الفعل أولى من أن يتعذّر ، ولا صاحبه بأن يتعذّر عليه أولى من أن يصحّ ـ وهذا الموضع هو الذي به نعلم المؤثّر بأدنى تأمّل (ن ، د ، ٤٦٩ ، ٥)

ـ إنّ كون أحدنا عالما لو كان أمرا زائدا على كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه لكان يجب في نفس العلم أن يكون أمرا زائدا على الاعتقاد الذي يقتضي سكون النفس كما ذهب إليه أبو الهذيل. وقد أبطلنا ذلك حيث تكلّمنا على شيخنا أبي الهذيل. فثبت بهذا أنّ المرجع بكونه عالما إنّما هو إلى كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه. فإذا كان هذا مدلول الدلالة وجب أن لا نعرف الحال كان شاهدا أو غائبا ، لأنّ ما كان من مدلول الدلالة لا يعرف في الشاهد والغائب ، فكان يجب على هذا أن يكون القديم تعالى حاصلا على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه ، وإن لم يوصف بذلك (ن ، د ، ٤٩٤ ، ١٧)

ـ إنّ صحّة الفعل لمّا كانت من حكم كون الذات قادرا لم يفترق الحال بين أن تكون الصفة ذاتية أو معنوية وكذلك صحّة الفعل على وجه الإحكام والاتساق لمّا كان من حكم كون الذات عالما لم يفترق الحال في ذلك بين الشاهد والغائب (ن ، د ، ٤٩٦ ، ٢)

ـ ما كان طريقا إلى الشيء وينكشف به لم يفترق الحال فيه شاهدا وغائبا ، لأنّه من هذا الوجه صار كالحقيقة فيه (ن ، د ، ٥٣١ ، ٩)

ـ إنّ مجرّد الصفة لا يقتضي العلم ولا يكون طريقا إليه ولا كاشفا عنه ؛ وإنّما الطريق إلى العلم تجدّد الصفة مع جواز أن لا تتجدّد وهذه الطريقة غير موجودة في الغائب ، فجاز أن يفترق الحال في ذلك شاهدا وغائبا. وكذلك صحّة أن يحيى ليس بشرط في وجود البنية ولا كاشفا عنها ، بل نحن نعلم البنية بالإدراك ضرورة ، فإذا لم يكن هذا الحكم طريقا إلى هذه الأمور جاز أن يختلف الحال في ذلك شاهدا وغائبا (ن ، د ، ٥٣٣ ، ٦)

ـ إنّ أحدنا إذا كان عالما قادرا إنما وجب أن يكون جسما ، لأنّه عالم بعلم وقادر بقدرة ، وكلاهما يحتاجان في وجودهما إلى محل مبني بنية مخصوصة وذلك لا يكون إلّا جسما ، فهذا هو العلّة في أنّ العالم القادر في الشاهد يجب أن يكون جسما ، وأنّ الجزء المنفرد لا يجوز أن يكون عالما قادرا. فإذا كان هذا هو العلّة في الشاهد فلا يجب في الغائب إذا فقدت هذه العلّة ، ولو كان عالما قادرا ، أن يكون جسما (ن ، د ، ٥٣٦ ، ٥)

ـ العلم ليس بمحكم في نفسه ، حتى يقال : إنّه إنّما وجب أن يكون عالما لفعله ما هو محكم من الأفعال ، فقد يعلم أحدنا بأنّه عالم بأن يعلم سكون نفسه ، وإن لم يستدلّ على ذلك بالأفعال المحكمة. يبيّن ما ذكرناه أنّه ، وإن كان هناك طريق آخر ، فما ذكرناه لا يخرج من أن يكون

طريقا. فإذا ثبت أنّ كونه عالما طريق إلى كونه حيّا وجب أن لا يختلف شاهدا وغائبا لأنّ هذا هو حال الطريق (ن ، د ، ٥٥٣ ، ١)

ـ قد ثبت أنّ أحدنا حيّ ، وثبت أنّ كونه قادرا تعلّق بكونه حيّا ؛ والصفة متى تعلّقت بأخرى على طريقة الصحة فإنها لا تتعلّق إلّا بها ، شاهدا كان أو غائب (ن ، د ، ٥٥٤ ، ١٠)

ـ أمّا قولهم لا يفعل فعل من فاعلين هذا فعله كله ، وهذا فعله ، فإنّ هذا تحكم ونقصان من القسمة أوقعهم فيها جهلهم وتناقضهم ، وقولهم إنّما يستدلّ بالشاهد على الغائب ، وهذا قول قد أفسدناه في كتابنا في الأحكام في أصول الأحكام بحمد الله تعالى ، ونبيّن هاهنا فساده بإيجاز فنقول وبالله تعالى التوفيق ، أنّه ليس عن العقل الذي هو التمييز شيء غائب أصلا وإنّما يغيب بعض الأشياء من الحواس ، وكل ما في العالم فهو مشاهده في العقل المذكور لأنّ العالم كلّه جوهر حامل وعرض محمول فيه ، وكلاهما يقتضي خالقا أوّلا واحدا لا يشبهه شيء من خلقه في وجه من الوجوه ، فإن كانوا يعنون بالغائب الباري عزوجل فقد لزمه تشبيهه بخلقه إذ حكموا بتشبيه الغائب بالحاضر ، وفي هذا كفاية ، بل ما دلّ الشاهد كلّه إلّا أنّ الله تعالى بخلاف كل من خلق من جميع الوجوه ، وحاشا الله أن يكون جلّ وعزّ غائبا عنّا بل هو شاهد بالعقل ، كما نشاهد بالحواس كل حاضر ، ولا فرق بين صحّة معرفتنا به عزوجل بالمشاهدة بضرورة العقل ، وبين صحّة معرفتنا لسائر ما نشاهده (ح ، ف ٣ ، ٧٦ ، ١)

ـ نص هذا السمناني أيضا على أنّ الله تعالى لمّا كان حيّا عالما كان موصوفا بالحياة والعلم والقدرة والإرادة حتى لا يختلف الحال في ذلك في الشاهد والغائب ، هذا نص كلامه وهذا تصريح منه على أنّ الله تعالى حالا لم يخالفه فيها خلقه ، بل هو وهم فيها سواء ، ونص هذا السمناني على أنّه إذا كانت الصفات الواجبة لله تعالى في كونه عالما قادرا لا يغني وجوبها له عن ما هو مصحّح لها من الحياة فيه ، كما لا يوجب غناه عمّا يوجب كونه عالما قادرا عن القدرة والعلم (ح ، ف ٤ ، ٢١٠ ، ٤)

ـ قال السمناني : إن قال قائل لم أنكرتم أن يكون الله مريدا لنفسه حسب ما قاله النجّار والجاحظ ، قيل له أنكرنا ذلك لما قدّمنا ذكره من أنّ الواحد من الخلق مريد بإرادة ولا يخلو أن يكون حقيقة المريد من له الإرادة ، أو كونه مريدا وجود الإرادة له ، وأي الأمرين كان وجبت مساواة الغائب الشاهد في هذا الباب (ح ، ف ٤ ، ٢١٠ ، ١٤)

ـ الجامع بين الشاهد والغائب أربعة : أحدها العلّة ؛ فإذا ثبت كون حكم معلولا بعلّة شاهدا وقامت الدلالة عليه ، لزم القضاء بارتباط العلّة بالمعلول شاهدا وغائبا ، حتى يتلازما وينتفي كل واحد منهما عند انتفاء الثاني ، وهذا نحو ما حكمنا بأنّ كون العالم عالما شاهدا ، معلّل بالعلم ... الطريقة الثانية في الجمع الشرط ؛ فإذا تبيّن كون الحكم مشروطا بشرط شاهدا ، ثم يثبت مثل ذلك الحكم غائبا ، فيجب القضاء بكونه مشروطا بذلك الشرط اعتبارا بالشاهد ؛ وهذا نحو حكمنا بأنّ كون العالم عالما مشروط بكونه حيّا ، فلمّا تقرّر ذلك شاهدا اطرد غائبا. والطريقة الثالثة الحقيقة : فمهما تقرّرت حقيقة شاهدا في محقّق اطردت في مثله غائبا ، وذلك نحو حكمنا بأنّ حقيقة العالم ، من قام به العلم. والطريقة الرابعة في الجمع الدليل ؛ فإذا

دلّ دليل على مدلول عقلا لم يوجد الدليل غير دالّ شاهدا وغائبا ، وهذا كدلالة الإحداث على المحدث (ج ، ش ، ٩٤ ، ٦)

ـ كما دلّت الأفعال على كونه عالما ، قادرا ، مريدا ، دلّت على العلم والقدرة والإرادة ، لأنّ وجه الدلالة لا يختلف شاهدا وغائبا (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٤)

ـ لم ننف (أصحاب الشهرستاني) الوجوه والاعتبارات العقليّة جمعا بين الشاهد والغائب بالعلّة والمعلول ، والدليل والمدلول ، وغير ذلك ، فإنّ العقل إذا وقف على المعنى الذي لأجله صحّ الفعل من الفاعل في الشاهد ، حكم على كل فاعل كذلك (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٢)

ـ إنّ الطرد والعكس شاهدا وغائبا إنّما يلزم بعد تماثل الحكمين من كل وجه لا من وجه دون وجه ، والخصم ليس يسلّم تماثل الحكمين أعني عالميّة الباري تعالى وعالميّة العبد ، بل لا تماثل بينهما إلّا في اسم مجرّد ، وذلك أنّ العلمين إنّما يتماثلان إذا تعلّقا بمعلوم واحد ، والعالميّتان كذلك ، ومن المعلوم الذي لا مريّة فيه أنّ عالميّة الغائب وعالميّة الشاهد لا يتماثلان من كل وجه ، بل هما مختلفان من كل وجه ، فكيف يلزم الطرد والعكس والإلحاق والجمع. أليس لو ألزم طرد حكم للعالميّة في الغائب من تعلّقها بمعلومات لا تتناهى ، وحكم القادريّة في الغائب من صلاحية الإيجاد والتعلّق بالمقدورات التي لا تتناهى إلى غاية حتى يحكم على ما في الشاهد بذلك ، لم يلزم ، فلذلك احتياج العالميّة في الشاهد إلى علّة لا يستدعي طرده في الغائب ، فإذا لا تعويل على الجمع بين الشاهد والغائب بطريق العلّة والمعلول ، بل إن قام دليل في الغائب على أنّه عالم بعلم قادر بقدرة ، فذلك الدليل مستقل بنفسه غير محتاج إلى ملاحظة جانب الشاهد (ش ، ن ، ١٨٥ ، ١٥)

ـ من الجمع بين الشاهد والغائب الشرط والمشروط قالت الصفاتيّة ، ألستم وافقتمونا على أنّ الشرط وجب طرده شاهدا وغائبا ، فإنّ كون العالم عالما لمّا كان مشروطا بكونه حيّا في الشاهد وجب طرده في الغائب ، حتى إذا ثبت كونه حيّا بهذا الطريق ، كذلك في العلم ، وأنتم ما فرّقتم في الشرط بين الجائز والواجب ، لذلك يلزمكم في العلم أن لا تفرّقوا في العلّة بين الجائز والواجب. وهذا لازم على المعتزلة غير أنّ لهم ولغيرهم طريقا آخر في إثبات كونه تعالى حيّا بدون الشرط ، فإنّ الحياة بمجرّدها لم تكن شرطا في الشاهد ما لم ينضمّ إليها شرط آخر ، فإنّ البنية على أصلهم شرط في الشاهد ثم لم يجب طرده في الغائب ، وانتفاء الأضداد شرط حتى يتحقّق العلم ، ويجوز أن يكون المعنى الواحد شرطا لمعان كثيرة ، ويجوز أن تكون شروط كثيرة لمعنى واحد ، وبهذا يتحقّق التمايز بين الشرط والعلّة ، فلا يلزم الشرط على القوم ولكن يلزم على كل من قال بالعلّة والمعلول والشرط والمشروط. سؤال التقدّم والتأخّر بالذات وإن كانا متلازمين في الوجود ، فإنّ العلّة إنّما صارت مقتضية للحكم لاستحقاقها التقدّم عليه بذاته ، والمعلول إنّما صار مقتضيا للعلّة لاستحقاقه التأخّر عنها بذاته ، وبهذا أمكنك أن تقول إنّما صار العالم عالما لقيام العلم به ، ولا يمكنك أن تقول إنّما قام العلم به لكونه عالما ، ولو كان حكمهما في الذات حكما

واحدا لم يثبت هذا الفرق. وبمثل هذا نفرّق بين القدرة الحادثة والمقدور ، فإنّ الاستطاعة وإن كانت مع الفعل وجودا إلّا أنّها قبل الفعل ذاتا واستحقاق وجود ، ولهذا أمكنك أن تقول حصل الفعل بالاستطاعة ، ولا يمكنك أن تقول حصلت الاستطاعة ، بالفعل ، وهذا قولنا في الشرط والمشروط ، فإنّ المحل يجب أن يكون حيّا أولا حتى يقوم العلم به والقدرة ، ولا يمكنك أن تقول العلم والقدرة أولا حتى يكون حيّا ، وإلّا فيرتفع التميّز بين الشرط والمشروط (ش ، ن ، ١٨٦ ، ١١)

ـ قال من حاول الجمع بين الغائب والشاهد بالحدّ ، والحقيقة حدّ العالم في الشاهد أنّه ذو العلم ، والقادر ذو القدرة ، والمريد ذو الإرادة ، فيجب طرد ذلك في الغائب ، والحقيقة لا تختلف شاهدا أو غائبا (ش ، ن ، ١٩٠ ، ١٧)

شبهة

ـ الاستدلال هنا : التعبير عمّا اقتفى أثره وتوصّل به إلى المطلوب. ويسمّى ذلك التعبير دليلا وحجّة إن طابق الواقع ما توصل به إليه ، وإلّا فشبهة ، ويعرف كونه شبهة بإبطاله بقاطع في القطعيّات والظنّيات معا ، أو ظنّي يستلزمه الخصم ، أو يدلّ على صحّة كونه دليلا ، قاطع في الظنّيات لا بغيرها (ق ، س ، ٥٧ ، ١٧)

شخص

ـ في لفظ الشخص ، هذا اللفظ ما ورد في القرآن ، لكنّه روى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لا شخص أحبّ للغيرة من الله عزوجل ، وفي هذا الخبر لفظان يجب تأويلهما ، الأوّل الشخص والمراد منه الذات المعيّنة والحقيقة المخصوصة ، لأنّ الجسم الذي له شخص وحجميّة يلزم أن يكون واحدا ، فإطلاق اسم الشخصيّة على الوحدة إطلاق اسم أحد المتلازمين على الآخر ، والثاني لفظ الغيرة ومعناه الزجر لأنّ الغيرة حالة نفسانيّة مقتضية للزجر والمنع ، فكنّي بالسبب عن المسبّب هاهنا والله أعلم (ف ، س ، ١١٣ ، ٩)

شر

ـ إنّ الخير والشر بقضاء الله وقدره. وأنّا نؤمن بقضاء الله وقدره ، خيره وشرّه ، حلوه ومرّه. ونعلم أنّ ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، وأنّ ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وأنّ العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا إلّا ما شاء الله كما قال عزوجل : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ) (الأعراف : ١٨٨). وأنّا نلجأ في أمورنا إلى الله ، ونثبت الحاجة والفقر في كل وقت إليه (ش ، ب ، ٢١ ، ٤)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الشيء من الشيء على وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى أنّه جزؤه ، كقولك" الواحد من العشرة" و" اليد من الإنسان" و" الثمرة من الشجرة". وقد يكون الشيء منه على معنى أنّه أحدثه ، كما قال عزوجل (جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية : ١٣) أي" إحداثا". وقد يقال أيضا الشيء منه على معنى أنّه دعا إليه وحثّ عليه ورغّب فيه وأعان عليه ، كقولك" هذا أراه من فلان" على معنى أنّه هو الذي حثّ عليه ودعا إليه. وعلى هذا كان يقسّم سؤال السائل إذا قال" هل تقولون إنّ الشرّ من الله تعالى؟ " فيقول : " إن أردتم أنّه منه خلقا وأحداثا على معنى أنّه خلقه شرّا لغيره وصار الغير به شريرا فنعم ، كما يجعل الضرر

ضررا لغيره ويكون غيره المضرور به فيكون هو الضارّ به والمضرّ ، كما قال المسلمون" لنا ربّ يضرّ وينفع". وإن أردتم معنى الأمر به والدعاء إليه فلا". وكذلك القول في الخير والإيمان وشكر النعمة إنّه من الله تعالى على هذين الوجهين بأنّه أمر به وأحدثه وأعان فيه (أ ، م ، ٩٧ ، ١٢)

ـ إنّما صار الشرّ شرّا لنهي الواحد الأوّل عنه ، وإنّما صار الخير خيرا لأمر به ، فلا بدّ من نعم ، فإذا كان هذا فقد ثبت أنّ من لا مبدع ولا مدبّر له ولا آمر فوقه لا يكون شيء من فعله شرّا ، إذ السبب في كون الشرّ شرّا هو الإخبار بأنّه شر ، ولا مخبر يلزم طاعته إلّا الله تعالى (ح ، ف ١ ، ٣٨ ، ١٨)

ـ الخير والشرّ عندهم (المعتزلة) من أفعال العباد ، واقعان بقدرة العباد ، خارجان عن مقدور الله تعالى ، فهما واقعان من العبد عندهم (ج ، ش ، ٢٢٢ ، ١١)

ـ إنّ الشرّ ليس شرّا لذاته ، بل هو من حيث ذاته مساو للخير ، ومماثل له ، والقدرة على الشيء قدرة على مثله. فإنّ إحراق بدن المسلم بالنار شرّ ، وإحراق بدن الكافر خير ، ودفع شر ؛ والشخص الواحد إذا تكلّم بكلمة الإسلام انقلب الإحراق في حقّه شرّا ؛ فالقادر على إحراق لحمه بالنار عند سكوته عن كلمة الإيمان ؛ لا بدّ وأن يقدر على إحراقه عند النطق بها ، لأنّ نطقه بها ، صوت ينقضي لا يغيّر ذات اللحم ، ولا ذات النار ، ولا ذات الإحراق ، ولا يقلب جنسا. فتكون الاحتراقات متماثلة ، فيجب تعلّق القدرة بالكلّ ، ويقتضي ذلك تمانعا ، وتزاحما (غ ، ق ، ٧٨ ، ١١)

ـ الخير والشرّ إمّا أمران إضافيّان بأن يكون شيء خيرا بالإضافة إلى شيء ، شرّا بالإضافة إلى شيء ، وإمّا أمران شرعيان فيرجع الحسن والقبح والخير والشرّ فيه إلى قول الشارع افعل لا تفعل (ش ، ن ، ٩٨ ، ١٧)

ـ إن قلت كيف يكون فاعل الخير خيرا من الخير ، وفاعل الشرّ شرّا من الشرّ ، مع أنّ فاعل الخير إنّما كان ممدوحا لأجل الخير وفاعل الشرّ إنّما كان مذموما لأجل الشرّ ، فإذا كان الخير والشرّ هما سببا المدح والذمّ وهما الأصل في ذلك فكيف يكون فاعلاهما خيرا وشرّا منهما. قلت لأنّ الخير والشرّ ليسا عبارة عن ذات حيّة قادرة وإنّما هما فعلان أو فعل وعدم فعل ، أو عدمان ، فلو قطع النظر عن الذات الحيّة القادرة التي يصدران عنها لما انتفع أحد بها ولا استضرّ ، فالنفع والضرر إنّما حصلا من الحيّ الموصوف بهما لا منهما على انفرادهما ، فلذلك كان فاعل الخير خيرا من الخير وفاعل الشرّ شرّا من الشرّ (أ ، ش ٤ ، ٢٥٧ ، ١٧)

شرائط الاجتهاد

ـ شرائط الاجتهاد خمسة : معرفة قدر صالح من اللغة ... ثم معرفة تفسير القرآن ... ثم معرفة الأخبار بمتونها وأسانيدها ، والإحاطة بأحوال النقلة والرواة ... ثم معرفة مواقع إجماع الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين من السلف الصالحين ، حتى لا يقع اجتهاده في مخالفة الإجماع. ثم التهدّي إلى مواضع الأقيسة ، وكيفية النظر والتردّد فيها ، من طلب أصل أو لا ، ثم طلب معنى مخيّل يستنبط منه ، فيعلّق الحكم عليه ، أو شبه يغلب على الظنّ فيلحق الحكم به. فهذه خمسة شرائط لا بدّ من

مراعاتها حتى يكون المجتهد مجتهدا واجب الاتّباع والتقليد في حق العاميّ ، وإلّا فكل حكم لم يستند إلى قياس واجتهاد مثل ما ذكرنا فهو مرسل مهمل (ش ، م ١ ، ٢٠٠ ، ١)

شرائط التكليف

ـ إنّ الصبي قد فقد ما وجوده شرط في التكليف ، فقبح أن يكلّف أصلا. لأنّ العقل ، الذي فقده ، لا يختصّ ببعض الأفعال دون بعض ، فقبح أن يكلّف الجميع. وليس كذلك حال العاقل ، لأنّ شرائط التكليف قائمة. وإذا صحّ ذلك ، فيجب أن ينظر في المعرفة خاصّة وسببها ، وإن كان سبيله في أنّه يمكنه أن يوجدهما على الوجه الذي يقتضيه التكليف سبيل سائر الأفعال ، فلا مانع من تكليفه. وقد بيّنا أنّه لا مانع من ذلك ، وأنّ حاله مع النظر والمعرفة فيما معه يصحّ الإقدام عليه والتحرّز منه ، كحاله مع سائر الأفعال. فكما يحسن أن يكلّف أفعال جوارحه ، فكذلك يحسن أن يكلّف النظر والمعرفة. وقد بيّنا ، من قبل ، أنّه لا مانع يمنعه من أن يفعلهما على الحدّ الذي وجبا عليه ، لأنّه لا شرط في وجوبهما ما يؤثّر فيه عدم المعرفة بالله ، سبحانه. وقد بسطنا القول في ذلك من قبل ، من حيث دللنا على أنّه ليس من شرطه أن يتقرّب به إلى الله ؛ إلى غير ذلك من الوجوه التي بيّناها (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٨ ، ٣)

شرائط راجعة إلى الآمر

ـ أمّا الشرائط الرّاجعة إلى الآمر ، فتختلف بحسب الآمرين. فإن كان الآمر هو الله عزوجل ، وجب أن يعلم من حال المكلّف والمأمور به والأمر ما ذكرناه ؛ وأن يكون غرضه تعريض المكلّف للثّواب ، وأن يكون عالما بأنّه سيثيبه إن أطاع ولم تحبط طاعته. وإن كان الآمر لا يعلم الغيب ، وجب أن يعلم حسن ما أمره به ، وثبوت غرض فيه إمّا له أو لغيره ؛ وأن يظنّ أنّ المكلّف سيتمكّن من الفعل التّمكّن الذي ذكرناه. والدّلالة على اشتراط ما ذكرناه ، هو أنّ الله سبحانه ، مع حكمته ، لا يجوز أن يلزمنا المشاق مع إمكان إلزامه إيّانا غير شاق ، إلّا ليجعل في مقابلته الثّواب. وإلّا جرى إلزامه الشّاق مجرى ابتداء المضارّ من غير نفع. ولا يكون غرضه ما ذكرناه إلّا وهو سيثيب المطيع. فإذا كان عالما بما يكون ، فهو عالم أنّه يفعل ذلك. ولا يكون غرضه ما ذكرناه ، إلّا وقد أزاح علل المكلّف بالتّمكّن ، وتردّد الدّواعي التي يزول معها الإلجاء. ويدخل في ذلك الألطاف ورفع المفاسد. فلذلك لم يرد الأمر منه تعالى على وجه المفسدة. ولأنّه إن لم يكن المكلّف متمكّنا من الأمور التي ذكرناها ، في الوقت الذي يحتاج إليه الفعل ، كان قد كلّفه ما لا يطيقه. وقد دخل في ذلك ما يجب أن يتقدّم من التّمكين والأدلّة والأمارات. وقد دخل تحت تمكّن المكلّف من الفعل أن يكون الفعل غير مستحيل في نفسه. لأنّه لا يجوز أن يتمكّن القادر من فعل ما يستحيل في نفسه. فقد دخلت الشّرائط المذكورة تحت ما ذكرناه (ب ، م ، ١٧٨ ، ٢٢)

شرائط راجعة إلى حسن الأمر

ـ أمّا الشّرائط الرّاجعة إلى (حسن) الأمر فأشياء (أحدها) أن لا يكون ابتداء وجوده مقارنا لحال الفعل. وذلك قد دخل فيما تقدّم من الفعل الذي لا يمكن في نفسه. (وأحدها) أن يكون

متقدّما قدرا من التقدّم ويحتاج إليه في الفعل.

وذلك داخل في تمكين المكلّف. (وأحدها) أن لا يكون واردا على وجه يكون مفسدة (ب ، م ، ١٧٨ ، ١٧)

شرائط النهي

ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ١٨)

شرائع

ـ اختلف قول شيوخنا ، رحمهم‌الله في جملة الشرائع هل يجوز أن يكون بعضها ألطافا في بعض ، أو هي أجمع ألطاف في العقليّات؟. فمنهم من يجعلها مصالح في العقليّات إلّا النوافل التي ذكرناها. ومنهم من يجوّز فيها الأمرين. وهذا الثاني هو الصحيح. وذلك لأنّ في الشرعيّات ما يناسب الفعل المخصوص الشرعيّ ، كما أنّ في العقل ما يناسبها. فإذا جوّزنا في الصلاة أن تكون لطفا في بعض العقليّات ، فما الذي يمنع أن يكون بعضها لطفا في بعض ، أو جميعها لطفا في الحجّ ؛ لأنّ القطع على ذلك ، إذا كان إنّما يمكن بالدليل ، فلا بدّ من التجويز مع فقد الدليل؟ وقوله تعالى ، منبّها على وجه كون الصلاة لطفا (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت : ٤٥) يدلّ على ما قلناه ؛ لأنّ الفحشاء والمنكر قد يشتملان على شرعيّ وعقلي. وكذلك القول فيما نبّه عليه من وجه الفساد في شرب الخمر ، فلا وجه للقطع على أحد الأمرين إلّا بدليل معيّن (ق ، غ ١٥ ، ٣٢ ، ١٨)

ـ إنّ الشرائع كالحدود المضروبة المؤقتة للمكلّفين لا يجوز لهم أن يتجاوزوها ويتخطّوها إلى ما ليس لهم بحق (ز ، ك ١ ، ٥١١ ، ١٠)

ـ قالوا (بعض الشيعة وكثير من المعتزلة) : أوردت الشرائع على كيفيّات مخصوصة ولا تقتضي ذلك نعمة السيد على عبده. قلنا : بل تقتضي الامتثال بفعلها ومطابقة مراده بتأديتها ، ولذلك وجبت. فلو كانت لطفا لم تجب ، لأنّ الحكيم لا يوجب ما لا يجب (ق ، س ، ١٣٦ ، ١٦)

شرائع المسلمين

ـ إنّ فرائض الدين والشرائع المسلمين ، وجميع فرائض المسلمين وسائر المكلّفين على ثلاثة أقسام : فقسم منها : يلزم جميع الأعيان وكل من بلغ الحلم وهو : الإيمان بالله عزوجل ،

والتصديق له ، ولرسله ، وكتبه ، وما جاء من عنده ، والعبادات على كل مكلّف بعينه ؛ من نحو الصلاة ، والصيام ، وما سنذكره ونفصله فيما بعد إن شاء الله. والقسم الثاني : واجب على العلماء دون العامة ، وهو القيام بالفتيا في أحكام الدين ، والاجتهاد ، والبحث عن طرق الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، وهذا فرض على الكفاية دون الأعيان ، وما تنفذ به الأحكام من سنن الرسول عليه‌السلام ، وغسل الميت ، ومواراته ، والصلاة عليه ، والجهاد ، ودفع العدو ، وحماية البيضة وما جرى مجرى ذلك مما هو فرض على الكفاية. فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمّة. والقسم الثالث : من الواجبات من فرائض السلطان دون سائر الرعيّة : نحو إقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، وقبض الصدقات ، وتولية الأمراء ، والقضاة ، والسعادة ، والفصل بين المتخاصمين ، وهذا وما يتصل به من فرائض الإمام وخلفائه على هذه الأعمال دون سائر الرعيّة والعوام ، وليس في فرائض الدين ما يخرج عما وصفناه ويزيد على ما قلناه (ب ، ن ، ٢١ ، ١١)

شرح

ـ إنّما ذكر الله ، يا أمير المؤمنين ، الشرح والضيق في كتابه ، رحمة منه لعباده وترغيبا منه لهم في الأعمال التي يستوجبون بها ، في حكمته ، أن يشرح صدورهم ، وتزهيدا منه لهم في الأعمال التي يستوجبون بها ، في حكمته ، تضييق الصدور ، ولم يذكر لهم ذلك ليقطع رجاءهم ، ولا ليؤيسهم من رحمته وفضله ، ولا ليقطعهم عن عفوه ومغفرته وكرمه ، إذا هم صلحوا. وقد بين الله ، عزوجل ، في كتابه ، فقال تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة : ١٦) (ب ، ق ، ١١٦ ، ١٥)

شرط

ـ ثمّ بيّن ما يجوز دخول البدل فيه وما لا يجوز. فالذي يصحّ أن يدخله البدل هو ما كان منتظرا مستقبلا غير حاصل ولا ثابت. وإنّما كان كذلك لأنّا نقول في هذين الفعلين إنّ أحدهما يجوز وجوده بدلا من الآخر فنجعل عدم أحدهما شرطا في وجود صاحبه. ومعلوم أنّ الشرط لا يصحّ إلّا في أمر مستقبل ، لأنّ تقديره أنّه إن كان ، كان المشروط ، وإن لم يكن لم يكن المشروط ، وهذا لا يكون إلّا في المنتظر. والبدل قد حلّ هذا المحلّ لأنّ تقدير هذين الفعلين أنّه إن كان أحدهما لم يكن الآخر وإن لم يكن جاز كونه. فلهذا يجري في الكتب أنّ البدل يتضمّن معنى الشرط. ولهذا لا يجوز دخول البدل إلّا فيما يمتنع اجتماعه فلا يثبت البدل عندنا إلّا في الضدّين أو ما يجري مجراهما. فأمّا ما يصحّ اجتماعه فلا يدخله البدل. فلهذه الطريقة استوى البدل والشرط في أن لا يصحّ دخولهما في الماضي والمتقضّي لأنّه لا ينتظر بواحد منهما حال استقبال وانتظار. ويبيّن ذلك أنّا إذا علّقنا البدل بالقادر فقلنا : يجوز أن يفعل هذا بدلا من ذاك أو ذاك بدلا من هذا ، فإنّما يرجع به إلى حاله في كونه قادرا ولا يصحّ في القدرة إلّا أن تكون قبل الفعل. فينبغي أن يصحّ منه كلا الأمرين قبل وجود واحد منهما. فأمّا عند وجود أحدهما فقد زال تعلّق القادر به (ق ، ت ٢ ، ٧٠ ، ٨)

ـ أمّا المدح فإنّه يستحقّ بالواجب إذا كان واجبا ، وكان فاعله عالما بوجوبه ، أو وجوب ما يوجد بوجوده ، ويفعله للوجه الذي له حسن ووجب ، وأن يكون مخلّى بينه وبينه ، فمتى تكاملت هذه الشروط استحقّ المدح به. وكذلك القول في الندب ، وإنّما قلنا إنّ الفعل يجب أن يكون واجبا أو ندبا ، لأنّه قد ثبت في القبيح أنّه لا يستحقّ به المدح ، وفي المباح الذي ينتفع به فاعله ، ويفعله لهذا الوجه كمل ، فلم يبق إلا أنّه يستحق بالواجب والندب. وإنّما شرطنا كون فاعل الواجب عالما بوجوبه ، لأنّه متى لم يكن كذلك ، لم يصحّ أن يفعله الموجّه الذي له وجب ، فإذا وجب اشتراط هذا الوجه ، فما لا يتمّ إلّا به يجب كونه شرطا (ق ، غ ١٤ ، ١٧٨ ، ٤)

ـ إنّا قد نصف الشيء بأنّه" شرط" ونعني أنّ عليه يقف تأثير المؤثّر ، سواء ورد بلفظ الشّرط أو لم يرد بلفظ الشّرط. وذلك نحو الإحصان الذي يقف عليه تأثير الزّنا في وجوب الرّجم. وقد نعني أنّه وارد بلفظ الشّرط ، سواء كان شرطا في الحقيقة ، أو علّة مؤثّرة. فالأوّل نحو أن يقول سبحانه : " ارجموا الزّاني إن كان محصنا". والثاني أن يقول" ارجموا زيدا إن كان زانيا" (ب ، م ، ١١٤ ، ١٦)

ـ ذكر قاضي القضاة أنّ الشرط هو المعقول الذي يتعلّق به المشروط ، وإذا لم يكن يتعلّق به المشروط وهذا يلزم عليه أن تكون العلّة شرطا. وأيضا : فإنّ من لا يعرف الشّرط ، لا يعرف المشروط (ب ، م ، ١١٤ ، ٢١)

ـ ذكر قاضي القضاة أنّ الشّرط يجب اختصاصه بأمور ثلاثة : (أحدها) أن يكون متميّزا من غيره. وهذا لا بدّ منه ، ليتمكّن المكلّف من إيقاع الفعل عنده. (والثّاني) أن يكون مستقبلا ، لأنّ العبادة المعلّقة بالشّرط مستقبلة. فإن قيل : أليس قد يقول الإنسان لغيره" ادخل الدّار ، إن كان زيد قد دخلها بالأمس"؟ قيل : إذا قال ذلك ، كان شرط دخوله علمه ، بعد الأمر ، بأنّ زيدا قد كان دخلها. (وأحدها) أن يكون الشّرط ممكنا. وهذا لا بدّ منه. لأنّه إن لم يكن ممكنا وكلّف المأمور الفعل المشروط على كلّ حال ، كان قد كلّف ما لا يطيقه ، وبطل فائدة الشرط. وإن كلّف عند الشّرط ولم يكلّف عند فقده ، كان قد علّق المأمور به على شرط يعلم الآمر أنّه لا يحصل. وهذا عبث (ب ، م ، ١١٥ ، ٥)

ـ من حق الشرط أن يكون مصححا لا محيلا ، وأن يكون مصاحبا للمشروط لا منتفيا عنه (ن ، د ، ١٢ ، ٧)

ـ الشرط على ضربين : أحدهما ما يصحّ حصوله من دون المشروط ، والثاني ما لا يصحّ حصوله من دون المشروط ، وهو إذا كان الشرط مما لا ينفكّ عن المؤثر. وأمّا ما يصحّ حصوله من دون المشروط فهو إذا كان الشرط مما يصحّ أن ينفكّ عن المؤثر. فالأول كما نقول في وجود الجوهر ، فإنّه شرط في تحيّزه ، فلا جرم لا يصحّ أن يوجد الجوهر من دون التحيّز ، لأجل أنّ هذا الشرط لا ينفكّ عمّا هو مؤثّر فيه ، وهو كون الجوهر جوهرا. وأمّا الثاني فكما نقول في التحيّز مع كون الجسم متحركا إنّ التحيّز شرط في كونه متحركا ، ثم إنّه يجوز أن يحصل التحيّز وإن لم يحصل كون الجسم متحركا ، لأنّ هذا الشرط مما يصحّ أن ينفكّ عما هو مؤثر ، وهو حصول الحركة (ن ، د ، ٢٧ ، ١)

ـ أمّا وجود الشرط في صفاته فيجب أن يفصل

القول في ذلك : إن كان صفة لا تجب له في كل حال وفي كل وقت فلا بدّ من وجود الشرط عليه ؛ وذلك نحو كونه مدركا ، فإنّه مشروط بوجود المدرك ، ويكون الشرط حقيقة فيه. وكذلك كونه مريدا وكارها ، فإنّه مشروط بكونه حيّا ويكونه عالما ، فصحّة حدوث المراد وإن كان صفة واحدة في كل حال وفي كل وقت ، فإنّه لا يطلق إدخال الشرط فيه ، لأنّ حدوثه يقتضي أن يكون المشروط إنّما يكون موجودا والشرط ، حتى إن كان الشرط كان المشروط ، وإن لم يكن الشرط لم يكن المشروط. وذلك إنّما يتصوّر فيما لا يكون واجبا على كل حال ، ولكن بعلّة فيها ما يدخل فيه ما يجري مجرى الشرط ، وإن لم يكن شرطا على وجه الحقيقة وفيها ما لا يدخل فيه أيضا ما يجري مجرى الشرط. أمّا ما هو عليه القديم في ذاته من الصفة ، فإنّه لا يدخل فيه ما يجري مجرى الشرط ، فكونه حيّا في حكم المشروط بكونه موجودا ، وكونه عالما في حكم المشروط بكونه حيّا موجودا (ن ، د ، ٤٦٠ ، ٣)

ـ اعلم أنّ أحد الضدّين إذا نافى الآخر ، فليس يصحّ أن تجعله علّة في انتفائه ، ولكنّا نجعله شرطا ، فيصير وجوده في وجوب انتفاء الضدّ به بمنزلة عدم المحل (أ ، ت ، ٢٦٤ ، ٩)

ـ إذا كان من حق العلّة أن يثبت الحكم بثباتها ويزول بزوالها ، فيجب إذا أثّر تأثير العلل في انتفاء الضدّ ، أن يكون متى زال يعود الأول موجودا لزوال العدم لزوال ما أثّر فيه. وإذا بطل عدمه عادت صفة الوجود ، لأنّه لا واسطة بينهما. وبعد ، فالعلل تتزايد أحكامها بتزايدها ، فيجب ، إذا انتفى الجزء الواحد بأجزاء كثيرة ، أن يتزايد الانتفاء ، وذلك محال. فصحّ بهذه الجملة أنّه ليس بعلّة. وإذا لم يكن علّة فهو شرط (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ١٦)

ـ إنّ الشرط من حقّه المصاحبة دون التقدّم (أ ، ت ، ٤٤٤ ، ٣)

ـ من تقدير انتفاء العلم انتفاء الإرادة ، ويعبّر عن هذا بالشرط وهو الذي لا بدّ منه لوجود الشيء. ولكن ليس وجود الشيء به ، بل عنده ، ومعه (غ ، ق ، ٢٢٣ ، ٦)

ـ لا مؤثّر حقيقة إلّا الفاعل. المعتزلة والفلاسفة وغيرهم : بل العلّة والسبب وما يجري مجراهما ، وهو الشرط والداعي. البهشميّة وغيرهم : والمقتضي. والعلّة عندهم ذات موجبة لصفة أو حكم ، وشرطها أن لا يتقدّم ما أوجبته وجودا بل رتبة ، وشرط الذي أوجبته أن لا يختلف عنها. والسبب عندهم ذات موجبة لذات أخرى ، كالنظر الموجب للعلم. والشرط عندهم ما يترتّب صحّة غيره عليه ، أو صحّة ما يجري مجرى الغير ، وهو نحو الوجود ، فإنّه شرط في تأثير المؤثّرات ، وشرطه أن لا يكون مؤثّرا (بالكسر) في وجود المؤثّر (بالفتح) (ق ، س ، ٦٠ ، ٧)

شرط الإمام

ـ نصّ أبو محمد بن متويه رحمه‌الله تعالى في كتاب الكفاية على أنّ عليّا عليه‌السلام معصوم وإن لم يكن واجب العصمة ولا العصمة شرط في الإمامة ، لكن أدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه ، وأنّ ذلك أمر اختصّ هو به دون غيره من الصحابة. والفرق ظاهر بين قولنا زيد معصوم وبين قولنا زيد واجب العصمة لأنّه إمام ، ومن شرط الإمام

أن يكون معصوما ، فالاعتبار الأوّل مذهبنا ، والاعتبار الثاني مذهب الإماميّة (أ ، ش ٢ ، ١٣١ ، ٧)

شرط الخاطر

ـ يجب ذكر شرائطه (الخاطر) دون ذكره ، فبدأنا بذكر الوجه الذي له يجب النظر والمعارف ، وهو الذي يبيّن من حال الخاطر أنّه يتضمّن ذكر وجوب المعرفة باستحقاق العقاب على القبيح من جهته تعالى ، واستحقاق الثواب بالواجبات وتروك القبائح من جهته تعالى. لأنّا قد بيّنا أن هاتين المعرفتين هنا اللطف ، وفيهما يتبيّن وجه اللطف ، وأنّ ما عداهما إنّما يحتاج إليه لأنّهما يتفرّعان عليه أو لأنّهما لا يقعان على الوجه الذي يجب حصولهما عليه إلّا معه. فإذا ثبت ذلك ، وجب ذكرهما في (شرط) الخاطر ، لأنّ في ذكرهما ذكر الوجه الذي له تجب سائر المعارف. وقد بيّنا أن ذلك مما لا بدّ منه ، فلا يجب أن يقال : إن ذكر وجوب المعرفة بالثواب والعقاب شرط آخر سوى ما قدّمناه ، لأنّه داخل فيه (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٢ ، ١١)

ـ الشرط الثاني في أنّ الخاطر يجب أن يتضمّن ذكر الخوف من ترك النظر والمعارف ، فلأنّا قد بيّنا أنّ لمكان الخوف يلزمه النظر والمعارف ، ولو لا حصوله لما لزما ولما وجبا. فلا بدّ إذن من أن يتضمّنه الخاطر ، لأنّه السبب الذي عنده يجب النظر والمعرفة. فكما لا بدّ من ذكر الوجه الذي له يحسن منه تعالى الإيجاب وهو كونه لطفا ، فكذلك لا بدّ من ذكر الوجه الذي لم يعلم المكلّف وجوبهما وهو حصول الخوف من تركهما (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٢ ، ١٤)

ـ إن قيل : هلا جعلتم من شرط الخاطر أن يعرف العاقل في كل نظر يلزمه أنّه يؤدّي إلى معرفة مخصوصة لكي يعلم الملتمس المطلوب بما لزمه من النظر؟ قيل له : إنّ تعريف ذلك لا يصحّ للناظر في معرفة الله ، لأنّه متى عرف ما يؤدّي النظر إليه حالا بعد حال ، فقد استغنى عن النظر أصلا. لأنّ الملتمس به حصول هذه المعرفة ، فإذا حصلت أغنت عن النظر. وقد بيّنا من قبل في أبواب النظر أنّه لا يصحّ من العاقل أن ينظر فيما قد عرفه ليعرفه على الوجه الذي هو عالم به. وبيّنا ، أيضا فيما تقدّم ، أنّ العلم بالله ، سبحانه ، إذا كان باكتساب ، فتعريف ذلك له لا من جهة النظر يستحيل ، وفي ذلك سقوط ما سأل عنه. فأكثر ما يحصل للعاقل أن يظنّ في نظره أنّه يؤدّيه إلى الأمور التي تذكر له ، كأنّ الداعي يقول له : إن نظرت في تغيّر الأحوال عليك ، عرفت أنّ لك صانعا مدبّرا ؛ وإذا نظرت في حال الفاعل وأنّه يجب كونه قادرا حيّا عالما ، عرفت أنّ للمدبّر العالم هذه الصفات. ثم يسوق عليه ترتيب النظر على هذا الوجه فيظنّ أنّ الأمر على ما قاله. ثم يحصل له العلم عند النظر حالا بعد حال ، فيصير ظانّا أولا ، ثم يصير عارفا ثانيا عند فعله النظر حالا بعد حال. وهذه الطريقة لا ننكرها ، وإنّما ننكر أن يكون في قلبه المعارف قبل أخذه في النظر ، فإنّ ذلك محال على ما بيّناه (ق ، غ ١٢ ، ٤٣٧ ، ١٤)

شرط في الإيجاب

ـ لا يمتنع فيما يوجد مولّدا من شروط نحتاج إليها ، ثم الشرط تارة يرجع إلى الوجود وتارة إلى الإيجاب. فإذا تكلّمنا في أنّ النظر مولّد للعلم فالشرط في توليده له وإيجابه هو أن يعلم

الناظر الدليل على الوجه الذي يدلّ ، والشرط في وجوده أن لا يكون عالما بالمدلول ، لأنّه لو علمه لتعذّر عليه النظر. فصار كل ما يصحّ وجود السبب من دونه فهو شرط في الإيجاب ، وصار كل ما لا يصحّ وجوده فهو شرط في الوجود (ق ، ت ١ ، ٤١٤ ، ١٠)

شرط في الوجود

ـ لا يمتنع فيما يوجد مولّدا من شروط نحتاج إليها ، ثم الشرط تارة يرجع إلى الوجود وتارة إلى الإيجاب. فإذا تكلّمنا في أنّ النظر مولّد للعلم فالشرط في توليده له وإيجابه هو أن يعلم الناظر الدليل على الوجه الذي يدلّ ، والشرط في وجوده أن لا يكون عالما بالمدلول ، لأنّه لو علمه لتعذّر عليه النظر. فصار كل ما يصحّ وجود السبب من دونه فهو شرط في الإيجاب ، وصار كل ما لا يصحّ وجوده فهو شرط في الوجود (ق ، ت ١ ، ٤١٤ ، ١١)

شرط المكلّف

ـ اعلم أنّ من شرط المكلّف أن يكون مخلّى بينه وبين فعل ما كلّف. ومتى كان هناك منع زالت التخلية وتعذّر الفعل لأجله فالتكليف قبيح. وقد بيّنا من قبل أنّ تكليف من يتعذّر عليه فعل ما كلّف بأي وجه كان لا يحسن ، وأنّه إنّما لم يحسن تكليف ما لا يطاق لهذه العلّة. وقد علمنا أنّ الفعل يتعذّر مع المنع ؛ كما أنّه يتعذّر مع العجز. فيجب ألّا يحسن منه ـ تعالى ـ التكليف معه (ق ، غ ١١ ، ٣٩١ ، ٢)

ـ في أنّ من شرط المكلّف زوال الإلجاء عنه في فعل ما كلّف. اعلم أنّ الغرض بالتكليف التعريض لمنازل الثواب. فكل معنى أخرج المكلّف من أن يستحقّ بفعله المدح لم يجز أن يتناوله التكليف. وقد صحّ في الشاهد أنّ الفاعل لما هو ملجأ إليه لا يستحقّ به المدح. وكذلك لا يستحقّ المدح إذا لم يفعل ما هو ملجأ إلى ألّا يفعله. فيجب ألّا يكلّف ما هذا حاله (ق ، غ ١١ ، ٣٩٣ ، ١)

ـ في أنّ من شرط المكلّف أن يكون له أغراض ودواع : قد بيّنا أنّه يجب أن يكون عالما بما كلّف ، ومؤدّيا له على وجه مخصوص. وبيّنا أنّه يجب أن ترتفع وجوه الإلجاء عنه. فإذا صحّ ذلك وجب أن يكون له دواع ، لها يفعل ويترك ؛ لأنّ من هذا حاله لا بدّ فيما يقدم عليه ويتركه من الأفعال أن يكون له فيه أغراض (ق ، غ ١١ ، ٤٠٠ ، ١١)

ـ إنّه ليس من شرط ما يجب على المكلّف ويوجبه تعالى عليه ، أن يصحّ أن يريده بعينه ، لأنّه لو وجب ذلك ، لوجب في نفس القصد أن لا يجوز منه تعالى أن يكلّفه إيّاه إلّا ويصحّ أن يريده ؛ وهذا يؤدّي إلى إثبات ما لا نهاية له ، وذلك محال. فإذا صحّ أن ينتهي الفعل إلى حدّ لم يكلّف الإنسان إرادته ، فغير ممتنع أن يكون في الأفعال ما لا يريده البتّة ، أو لا يصحّ ذلك فيه ، ولا يمنع ذلك من دخوله تحت التكليف. وقد بيّنا أنّ المعرفة المتولّدة عن النظر لا يصحّ من المكلّف أن يعرفها بعينها ، فغير ممتنع أن يلزمه فعلها بفعل سببها ، وإن كان لا يصحّ منه القصد إليها بعينها ، وإن صحّ أن يقصد إليها على وجه الجملة بأن يكون قد تقدّم له العلم بأنّ النظر يؤدّي إلى المعارف إمّا بالعادة أو على وجه الوجوب ؛ وفي الحالين يريد ما يتولّد عن النظر من المعرفة ، وإن لم يميّزها بعينها. ولا يجب إذا تعذّر عليه في المعرفة ، ما يوجب أن لا يصحّ أن يريدها بعينها ، أن لا يجوز منه

تعالى أن يوجبها على المكلّف. لأنّه ليس من شرط صحّة وجوبها عليه وحسن التكليف فيها ، أن يصحّ القصد إليها ، على ما بيّناه. وإنّما نقول في سائر الأفعال : إنّه يجب أن يقصد إليها ، ويصحّ ذلك فيه ، من حيث ثبت في المخلّى بينه وبين الفعل العالم به أنّ ما يدعوه إلى الفعل يدعوه إلى الإرادة ، لا لأنّه لو لم يردّه لأثّر ذلك في أدائه له على الوجه الذي وجب عليه. ولذلك قلنا : إنّه تعالى لو منع الإنسان من الإرادة في كثير من الأفعال الواجبة عليه ، أنّ ذلك كان لا يخرجه من أن يكون لفعلها مكلّفا ، وأن يصحّ منه أن يؤدّيها على الوجه الذي وجبت عليه. فلو أنّه تعالى اضطرّه إلى إرادة الظلم ، لم يخرج الظلم من أن يلزمه أن لا يفعله ويعدل عنه. وكل ذلك يبيّن أنّ القصد وصحّته ليس بشرط في التكليف ، على ما ظنّه السائل ، وفي ذلك سقوط مسألته. ولهذه الجملة يسقط قول من يقول : إنّه تعالى لا يكلّف إلّا ما يصحّ أن تدعوه إليه الدواعي بعينه. لأنّ هذا أيضا ليس بشرط في التكليف ، وإنّما يجب أن تدعوه الدواعي إلى فعل ما كلّف على الوجه الذي يصحّ فيه ، فإن صحّ فيه معيّنا ، وجب ذلك ؛ وإن صحّ فيه على الجملة ، وجب ذلك ؛ وإن لم يصحّ على الوجهين جميعا ، فقد صارت الدواعي إلى سببه كأنّها إليه في أنّه يغفل عن الدواعي إليه ، على وجه يتعلّق به (ق ، غ ١٢ ، ٢٤١ ، ١٧)

شرط ومشروط

ـ من الجمع بين الشاهد والغائب الشرط والمشروط قالت الصفاتية ، ألستم وافقتمونا على أنّ الشرط وجب طرده شاهدا وغائبا ، فإنّ كون العالم عالما لمّا كان مشروطا بكونه حيّا في الشاهد وجب طرده في الغائب ، حتى إذا ثبت كونه حيّا بهذا الطريق ، كذلك في العلم ، وأنتم ما فرّقتم في الشرط بين الجائز والواجب ، لذلك يلزمكم في العلم أن لا تفرّقوا في العلّة بين الجائز والواجب. وهذا لازم على المعتزلة غير أنّ لهم ولغيرهم طريقا آخر في إثبات كونه تعالى حيّا بدون الشرط ، فإنّ الحياة بمجرّدها لم تكن شرطا في الشاهد ما لم ينضمّ إليها شرط آخر ، فإنّ البنية على أصلهم شرط في الشاهد ثم لم يجب طرده في الغائب ، وانتفاء الأضداد شرط حتى يتحقّق العلم ، ويجوز أن يكون المعنى الواحد شرطا لمعان كثيرة ، ويجوز أن تكون شروط كثيرة لمعنى واحد ، وبهذا يتحقّق التمايز بين الشرط والعلّة ، فلا يلزم الشرط على القوم ولكن يلزم على كل من قال بالعلّة والمعلول والشرط والمشروط. سؤال التقدّم والتأخّر بالذات وإن كانا متلازمين في الوجود ، فإنّ العلّة إنّما صارت مقتضية للحكم لاستحقاقها التقدّم عليه بذاته ، والمعلول إنّما صار مقتضيا للعلّة لاستحقاقه التأخّر عنها بذاته ، وبهذا أمكنك أن تقول إنّما صار العالم عالما لقيام العلم به ، ولا يمكنك أن تقول إنّما قام العلم به لكونه عالما ، ولو كان حكمهما في الذات حكما واحدا لم يثبت هذا الفرق. وبمثل هذا نفرّق بين القدرة الحادثة والمقدور ، فإنّ الاستطاعة وإن كانت مع الفعل وجودا إلّا أنّها قبل الفعل ذاتا واستحقاق وجود ، ولهذا أمكنك أن تقول حصل الفعل بالاستطاعة ، ولا يمكنك أن تقول حصلت الاستطاعة بالفعل ، وهذا قولنا في الشرط والمشروط ، فإنّ المحل يجب أن يكون حيّا أولا حتى يقوم العلم به والقدرة ، ولا

يمكنك أن تقول العلم والقدرة أولا حتى يكون حيّا ، وإلّا فيرتفع التميّز بين الشرط والمشروط (ش ، ن ، ١٨٦ ، ١١)

شرط يقتضيه التكليف

ـ إنّ حكم المعرفة عندنا وحكم سائر الأفعال في الشرط الذي يقتضيه التكليف لا يختلف. وذلك الشرط الجامع للكل أن يتمكّن المكلّف من أدائه على الحدّ الذي كلّف ، وإنّما تختلف الأفعال التي يتناولها التكليف فيما يحتاج إليه المكلّف ، حتى يمكنه القيام به. ففيه ما يحتاج مع القدرة إلى آلة ، وفيه ما يحتاج إلى أدلّة أو علم ، إلى ما شاكل ذلك. ولا يجب من حيث اختلف في هذه الوجوه أن يختلف فيها الشرط الذي ذكرناه ، بل الشرط متّفق ، وما معه يحصل ذلك الشرط يختلف ، فلا يمتنع في المعرفة خاصة أن لا يعتبر في حصولها أن يكون المكلّف عالما بها على التفصيل من قبل ليتمكّن من فعلها ، وإن وجب اعتبار هذا الشرط في غيرها ، كما لا يجب إذا اعتبر في بعض الأفعال أن تقع عن سبب ، أن يعتبر ذلك في الكل ، لتحصل الشريطة التي ذكرناها في التكليف (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٢ ، ٧)

شرع

ـ الإرادة التي تتعلّق بفعل الغير حتى يفعله ، إرادة تضمّنت اقتضاء وحكما ، وإلّا كانت تمنيا وتشهيا ، وذلك الذي يسمّى أمرا ونهيا وسمّيتموه إرادة وكراهية ، فإذا مدلول ذلك الفعل الذي أشاروا إليه هو الذي نسمّيه الشرع ، كلاما وأمرا ونهيا (ش ، ن ، ٢٧٧ ، ٦)

شرعيات

ـ أمّا الشرعيّات ، فإنّما يحسن منّا أن نؤدّيها على وجه التقرّب والعبادة ، لحصول المعرفة بالله ، تعالى ، قبل حصول العلم بوجوبها ، على ما بيّناه. فصحّ منّا ذلك فيها ، وصحّ أيضا أن يصير ذلك جهة لها ، حتى لو أديناها على غير هذا الوجه لم يقع الموقع. فليس لأحد أن يلزمنا الشرعيّات ، على ما ذكرناه في النظر ، فيوجب علينا أن نجعل التقرّب فيه شرطا ، كما جعلناه في الشرعيّات شرطا. ولو وجب ذلك ، لوجب مثله في ردّ الوديعة وسائر الواجبات (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٠ ، ٦)

ـ أمّا قولنا في الشرعيّات ، فلا يختلف حاله وحال العقليّات في أنّها تختصّ بوجه وجوب. لكن ثبوت ذلك الوجه فيها لا نعلمه إلّا سمعا ، ونعلم وجوه وجوب العقليّات من جهة العقل. فمن هذا الوجه يختلفان ، وإن اتّفقا في أنّه لا بدّ من ثبوت وجه الوجوب فيهما ليكونا واجبين. ولو لا ذلك لم يكونا بالوجوب أولى من خلافه (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١٦)

ـ إنّ الشرعيّات على أضرب ثلاثة : منها ما يجب لكونه مصلحة ، ومتى قبح تركه فلأنّه ترك للواجب. ومنه ما يقبح لأنّه مفسدة ، ومتى وجب تركه فلأنّه ترك لقبيح. ومنها ما يرغب فيه لأنّه مصلحة ، ولا يدخل من المرغب إلّا هذا الوجه الواحد ؛ لأنّه لا يؤثّر من حيث كان ندبا ، في تركه ، بل تركه في أحكام على ما يجب أن يكون عليه لو لم يكن هو ندبا. ولا يصحّ في القبيح أن يكون تأثيره في تركه أن يكون ندبا ؛ بل متى كان له تأثير في تركه ، فإنّما يؤثّر من جهة واحدة ، وهو أن يكون واجبا. وإلّا ثبتت فيه هذه الأحكام التي ثبتت فيه ، وإن

لم يقبح تركه. ولم يدخل في الشرعيّات أنّ فيها ما يكون من فعله لطفا وتركه مفسدة ؛ فيجتمع الأمران فيه ، لأنّه لم يثبت ذلك بالدليل ، لا لأنّه محال لو قامت الدلالة عليه (ق ، غ ١٣ ، ٥٢ ، ٩)

شرك

ـ اختلف الناس في الكفر والشرك فقالت طائفة هي اسمان واقعان على معنيين ، وأنّ كل شرك كفر وليس كل كفر شركا ، وقال هؤلاء لا شرك إلّا قول من جعل لله شريكا ، قال هؤلاء اليهود والنصارى كفّارا لا مشركون ، وسائر الملل كفّار مشركون وهو قول أبي حنيفة وغيره ، وقال آخرون الكفر والشرك سواء ، وكل كافر فهو مشرك ، وكل مشرك فهو كافر وهو قول الشافعي وغيره (ح ، ف ٣ ، ٢٢٢ ، ٥)

ـ إنّ الشرك والكفر اسمان لمعنى واحد ، وقد قلنا إنّ التسمية لله عزوجل لا لنا (ح ، ف ٣ ، ٢٢٢ ، ٢٣)

ـ كذلك الكفر والشرك لفظتان منقولتان عن موضوعهما في اللغة لأنّ الكفر في اللغة التغطية ، والشرك أن تشرك شيئا مع آخر في أي معنى جمع بينهما ، ولا خلاف بين أحد من أهل التمييز في أنّ كل مؤمن في الأرض في أنّه يغطّي أشياء كثيرة ، ولا خلاف بين أحد من أهل الإسلام في أنّه لا يجوز أن يطلق عليه من أجل ذلك الكفر ولا الشرك ، ولا أن يسمّى كافرا ولا مشركا ، وصحّ يقينا أنّ الله تعالى نقل اسم الكفر والشرك إلى إنكار أشياء لم تعرفها العرب ، وإلى أعمال لم تعرفها العرب قط كمن جحد الصلاة ، أو صوم رمضان أو غير ذلك من الشرائع التي لم تعرفها العرب قط حتى أنزل الله تعالى بها وحيه ، أو كمن عبد وثنا ، فمن أتى بشيء من تلك الأشياء سمّي كافرا أو مشركا ، ومن لم يأت بشيء من تلك الأشياء لم يسمّ كافرا ولا مشركا (ح ، ف ٣ ، ٢٢٧ ، ٨)

ـ الكفر والشرك سواء ، فالمنافق مشرك. الأباضيّة : بل الشرك غير الكفر ، والمنافق كافر لا مشرك. قلنا : الكفر اسم لمن يستحقّ أعظم أنواع العذاب ، فعمّهما (م ، ق ، ١٣٥ ، ٣)

شركة

ـ إنّما يتصوّر الشركة بين صانعين يكون صنع واحد منهما غير صنع صاحبه ، في الجنس الواحد ، كالخياطين يشتركان في خياطة قميص واحد ، لأنّ خياطة أحدهما غير خياطة الآخر. ومن زعم من القدريّة أنّ صنعه في يديه غير صنع الله فيه ، فهو الذي ادّعى المشاركة المذمومة وكفاهم به خزيا (ب ، أ ، ١٣٧ ، ٥)

شروط استحقاق الأحكام

ـ أمّا الكلام في الشروط التي معها تستحقّ ... الأحكام ، فاعلم : أنّا قد ذكرنا أنّ الذمّ ينقسم إلى ما يتبعه العقاب من جهة الله ، وإلى ما لا يتبعه العقاب. وما يتبعه العقاب فالشرط في استحقاقه شرطان : أحدهما يرجع إلى الفعل ، والآخر يرجع إلى الفاعل. ما يرجع إلى الفعل فهو أن يكون قبيحا ، وما يرجع إلى الفاعل فهو أن يعلم قبحه أو يتمكّن من العلم بذلك ، ولهذا قلنا : إنّ الصبي لا يستحقّ على فعل القبيح الذم لمّا لم يكن عالما بقبحه ، ولا متمكّنا من العلم بذلك. وقلنا : إنّ الخارجيّ يستحقّ الذمّ على قتل المسلم وإن كان قد اعتقد أنّه حسن ، لمّا

كان متمكّنا من العلم بقبحه ؛ هذا في الذمّ الذي يتبعه العقوبة في جهة الله تعالى. وما لا يتبعه العقوبة من جهة الله تعالى فإنّ الشرط في استحقاقه أيضا شرطان : أحدهما يرجع إلى الفعل ، وهو أن يكون إساءة ، والآخر يرجع إلى الفاعل وهو أن يكون قد قصد بفعلها الإساءة إليه (ق ، ش ، ٦١٢ ، ٨)

شروط الخاطر

ـ نحن نعود إلى ما ذكرناه من شروط الخاطر ، فنقول : إذا كان الخاطر من قبله تعالى ، فلا بدّ من وروده على وجه تقتضيه الحكمة ، لأنّه ميّزه عن فعل القبيح ، فلا بدّ من أن يفيد الوجه الذي له يجب النظر والمعرفة. لأنّه تعالى كما لا يجوز أن يوجب ما لا وجه له يقتضي وجوبه ، فكذلك لا يجوز أن يوجب الفعل لوجه لا يجب لأجله ؛ لأنّ ذلك أجمع بمنزلة إيجاب ما ليس بواجب من القبيح وغيره. فليس يخلو الخاطر من أن يرد بإيجابهما فقط أو يرد بذلك وبذكر الوجه الذي له يجبان ، لأنّه لا يجوز أن يرد بذكر وجه لا يجبان لأجله ، لما ذكرناه من قبح ذلك. وقد علمنا أنّ إيجاب الفعل من غير بيان وجه وجوبه ، إمّا بالتعريف وإمّا بنصب الدلالة ، يقبح في عقول العقلاء. لأنّ أحدنا لو أوجب على غيره القعود أو القيام من غير أن يبيّن الواجب في ذلك ، لقبح ذلك منه ، حتى إذا قرن بذلك الوجه الذي له يجب حسن ذلك منه. فلو قال له : يجب ألا تأكل الطعام الذي لا تملكه ، لقبح ذلك منه. وإن قرن إلى ذلك بأنّه مسموم أو أنّ هناك مضرّة توفي على النفع الذي فيه ، لحسن ذلك منه. فإذا ثبت ذلك ، فالواجب في الحكمة أن يخطر ببال المكلّف الوجه الذي له يجب النظر والمعرفة ، وإلّا كان الإخطار قبيحا (ق ، غ ١٢ ، ٤٢٨ ، ١٠)

شروط في استحقاق الثواب والعقاب

ـ أمّا الشروط في استحقاق الثواب والعقاب على الأفعال فكالشروط في استحقاق المدح والذمّ عليهما ، غير أنّه لا بدّ في اعتبار شرط آخر فيهما ، وهو أن يكون الفاعل ممن يصحّ أن يثاب ويعاقب ، وإن شئت قلت الشرط : هو أن يكون الفاعل ممّن يفعل ما يفعله لشهوة أو شبهة ، ولذلك قلنا : إنّ الهنود يستحقّون على إحراقهم أنفسهم العقوبة من جهة الله تعالى وإن كانوا لا يفعلون ما يفعلونه لشهوة بل لشبهة اعترضتهم ، وهو أنّهم يتخلّصون بذلك من عالم الظلمة إلى عالم النور ؛ وإنّما لم يكن بدّ من اعتبار هذا الشرط ، لأنّه لو لم يعتبر للزم استحقاق القديم تعالى العقوبة ، ومعلوم أنّه لو قدّر وقوع القبيح من جهته لم يستحقّ العقوبة ، وإن استحقّ الذم ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا (ق ، ش ، ٦١٣ ، ١٣)

شروط في المدح

ـ إنّ ما يطلب من الشروط في المدح يجب ثبوته في الثواب ؛ وقد يثبت في الثواب من الشروط ما لا يثبت في المدح. والعلّة فيه ظاهرة. وذلك لأنّ المدح إنّما يستحقّه الفاعل بالفعل متى فعله لحسنه في عقله. فأمّا إذا فعل الفعل لدفع المضرّة أو لاجتلاب المنفعة الحاضرتين فإنّه لا يستحقّ به المدح. وما هو ملجأ إلى فعله إنّما يفعله لمنافعه ومضارّه فيجب ألّا يستحقّ المدح ولا الثواب. وأيضا فإنّ المدح إنّما يستحقّه من له إلى فعل غير ما فعله داع فيؤثره عليه ، على تحمّل المشقّة فيه أو ما يجري

مجراه. وذلك لا يصحّ مع الإلجاء وكل ذلك يبيّن أنّ مع الإلجاء لا يحسن التكليف. فإذا يجب كون المكلّف مخلّى بينه وبين الفعل متردّد الدواعي إلى الأفعال وخلافها (ق ، غ ١١ ، ٣٩٣ ، ٨)

شروط الوجوب

ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ٢١)

شريعة

ـ الشريعة هي الأحكام الخمسة وأدلّتها ، وهي الكتاب والسنّة إجماعا (ق ، س ، ١٤٣ ، ١٢)

شفاعة

ـ الشفاعة من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمؤمنين أن يزادوا في منازلهم من باب التفضيل (ش ، ق ، ٤٧٤ ، ٣)

ـ قال" أهل السنّة والاستقامة" بشفاعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأهل الكبائر من أمّته (ش ، ق ، ٤٧٤ ، ٥)

ـ الشفاعة المعقولة فيمن استحق عقابا أن يوضع عنه عقابه ، أو في من لم يعده شيئا أن يتفضّل به عليه ، فأما إذا كان الوعد بالتفضل سابقا فلا وجه لهذا (ش ، ب ، ١٧٨ ، ٥)

ـ الشفاعة من أعظم ما احتجّ بها ، وقد جاء القرآن بها والآثار عن رسول الله. والشفاعة في المعهود والمتعالم من الأمر تكون عند زلّات يستوجب بها المقت والعقوبة ، فيعفى عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضا. ثم كانت الصغائر مما لا يجوز التعذيب عليها عند القائلين بالخلود في الكبائر ، والكفّار مما لا يعفى عنهم بالشفاعة (م ، ح ، ٣٦٥ ، ١٨)

ـ قال بعضهم : الشفاعة تخرج على وجهين : على ذكر محاسن أحد عند آخر ليقدّر له عنده المنزلة والرتبة ، والثاني أن يدعو له ، فالأوّل هو الذي يحتمل توجيه الشفاعة إليه (م ، ح ، ٣٦٦ ، ٥)

ـ اعلم أنّ الشفاعة في أصل اللغة مأخوذة من الشفع الذي هو نقيض الوتر ، فكأنّ صاحب الحاجة بالشفيع صار شفعا. وأمّا في الاصطلاح ، فهو مسألة الغير أن ينفع غيره أو أن يدفع عنه مضرّة ، ولا بدّ من شافع ومشفوع له ومشفوع فيه ومشفوع إليه (ق ، ش ، ٦٨٨ ، ٧)

ـ إنّ الشفاعة لا تكون إلّا لمن كانت طرائفه مرضية ، وأنّ الكافر والفاسق ليسا من أهلها (ق ، م ٢ ، ٤٩٩ ، ١٠)

ـ اختلف الناس في الشفاعة ، فأنكرها قوم وهم المعتزلة والخوارج وكل من تبع ، أن لا يخرج

أحد من النار بعد دخوله فيها ، وذهب أهل السنّة والأشعرية والكراميّة وبعض الرافضة إلى القول بالشفاعة (ح ، ف ٤ ، ٦٣ ، ١٤)

ـ إنّما الشفاعة رغبة إلى الله تعالى وضراعة ودعاء وقال بعض منكري الشفاعة إنّ الشفاعة ليست إلّا في المحسنين فقط (ح ، ف ٤ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ أمّا الشفاعة فقد قالت المعتزلة إنّها للمطيعين من المؤمنين بناء على مذهبهم أنّ الفاسق إذا خرج من الدنيا من غير توبة خلد في النار ، لأنّه قد استوجب النار بفسقه ، ومن دخل النار كان مغضوبا عليه ، ومن كان مغضوبا عليه لا يدخل الجنّة ، وأيضا فإنّه في حال الفسق ما استحقّ اسم الإيمان (ش ، ن ، ٤٧٠ ، ١١)

ـ الشفاعة : هي السؤال في التجاوز عن الذنوب من الذي وقع الجناية في حقه (ج ، ت ، ١٦٧ ، ١٠)

شك

ـ قال صاحب المنطق : الظنّ هو الوقوف على أحد طرفي اليقين ، والشك هو الوقوف على أحد طرفي الظنّ. والهمّة بين هذين (م ، ت ، ١٤٣ ، ٨)

ـ اعلم أنّ الشكّ ليس بمعنى ، فيجوز أن يقال : إنّ النظر يولّده. وإنّما يصحّ الكلام في ذلك على طريقة شيخنا أبي علي ، رحمه‌الله ، وشيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، أولا. والصحيح ما قدّمناه ، فيجب إبطال القول بأنّ النظر يولّده. على أنّه لو ثبت معنى ، لكان أكثر ما قدّمناه من الأدلّة على أن النظر لا يولّد الجهل يقتضي أنّه لا يولّد الشكّ. لأنّه قد يحصل ، ولا يجب حصول الشكّ عنه. وقد يشكّ ، ابتداء ، من غير نظر ، على الحدّ الذي يشكّ بنظر. ولأنّه إذا كان ، مع شكّه في الدليل ، لا يولّد النظر الشكّ ؛ فبأن لا يولّد ذلك ، إذا كان نظرا في الشبه أو غيرها ، أولى. ولأنّ موضوع النظر ، أن يطلب به انكشاف حال الملتبس ؛ فلو ولّد الشكّ ، لكان بالضدّ من ذلك. ويحلّ هذا القول ، محلّ القول : بأنّ الإدراك بالحاسّة يقتضي الشكّ. وهذا واضح السقوط (ق ، غ ١٢ ، ١١٦ ، ٣)

ـ إنّ شيخنا أبا علي ، رحمه‌الله ، قد قال في نقض المعرفة : إنّ الشكّ في أوّل حال التكليف يحسن ، لأنّه لا يمكن سواه ؛ فأمّا بعد ذلك الوقت ، فإنّه يقبح لتمكّنه من العلم الواقع عن النظر بدلا منه (ق ، غ ١٢ ، ١٨٨ ، ١٦)

ـ أمّا شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، فإنّه يقول في الشكّ : إنّه ليس بمعنى ، فلا يصحّ أن يصرف ذمّه إلى أنّه لم يفعل ما وجب عليه من النظر والعلم أو لم يفعل العلم في حال تذكره للإله. فأمّا على قول الأول : إنّه معنى ، فيجب أن يقبح متى صار منعا من وجود الواجب. لأنّه رحمه‌الله قد نصّ في غير موضع على أنّ فعله لما ينافي وجود الواجب يقبح لا محالة ، كما أنّه يقبح من غيره أن يمنعه من الواجب. فلا يبعد ، على هذا القول ، أن يكون الشكّ الواقع في حال ، كان يجوز أن يفعل العلم بدلا منه ، يقبح كما يقبح الجهل في تلك الحال. والأولى في ذلك أن يقبح ما يفعله من الشكّ في حال يصحّ أن يبتدئ العلم بدلا منه. فأمّا إذا كان العلم واقعا عن النظر ، فيجب أن لا يصحّ أن يكون الشكّ مانعا من وجوده ؛ وإنّما ينتفي العلم من حيث لم يفعل سببه ، لا لأنّه أخرج نفسه من العلم بالشكّ. فلا يجب في هذا الوجه أن يقبح الشكّ (ق ، غ ١٢ ، ١٨٩ ، ١)

ـ يجب ، على قول شيخنا أبي علي رحمه‌الله ، أن يحسن الشكّ في كل حال لأنّه إذا لم يجز عنده خلوّ القادر منّا من الأخذ والترك ولم يفعل العلم عن النظر أو عند تذكّر الدلالة ، فلا بدّ من أن يكون جاهلا أو شاكّا ، لأنّ الظنّ عنده جنس سوى الاعتقاد ؛ فإذا قبح الجهل ، والحال هذه ، لم يبق إلّا أن يفعل الشكّ. فلا بدّ له من القول بحسنه أو القول بأنّه لا سبيل للمكلّف إلى الانفكاك من القبيح. وقد ثبت بطلان ذلك ، لما فيه من إيجاب كون المكلّف سفيها (ق ، غ ١٢ ، ١٨٩ ، ١٣)

ـ إنّ المكلّف له طريق إلى أن لا يفعل المعرفة ولا الجهل بأن يقف ويشكّ ، والشكّ ليس بمعنى فيكون قبيحا ، ولو كان معنى لم يجب أن يكون قبيحا فيمن لم تلزمه المعرفة ؛ بل لا يقبح البتّة عند شيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، وإن كان الشيخ أبو علي ، رحمه‌الله ، قد قال : إنّه يقبح إذا كان الشاكّ قد فعله في حال يلزمه فعل المعرفة منها ؛ فأمّا إذا لم تلزمه المعرفة ، فالشكّ منه حسن. ولذلك قال : إنّ الواجب ، في ابتداء حال التكليف ، أن يشكّ المكلّف ، لأنّه لا يمكنه فعل المعرفة ؛ فأمّا بعد ذلك فإنّ الشكّ يقبح منه ، لأنّ المعرفة ممكنة بدلا منه. ولذلك قال فيما لا دليل عليه : إنّه يجب الشكّ فيه ، والشكّ يحسن فيه لأنّ المعرفة لا تكون واجبة والحال هذه. والصحيح ما حكيناه أولا ، لأنّ الشكّ لا يقع البتّة إلّا وفاعله معذور ، لأنّه إن لم تلزمه المعرفة فالواجب عليه الشكّ ، وإن لزمته المعرفة فمتى لم ينظر من قبل فلا طريق له الآن إلى أن يبتدئ المعرفة ، فالشكّ واجب عليه. فكيف يقال : إنّه يقبح على بعض الوجوه؟ وإذا صحّ أنّه يحسن لا محالة على كل وجه ، لم يجب أن يكون تعالى مغريا للمكلّف بالجهل لو لم يلزمه المعرفة ، لأنّ له طريقا إلى أن يعدل عنهما إلى الشكّ الحسن الذي بيّنا حسنه. ويبيّن صحّة ما قدّمناه أنه رحمه‌الله قد قال في المكلّف : إنه لا يلزمه النظر في الجزء والطفرة والمداخلة ، وأن يلزمه إذا خطر شيء من ذلك بباله أن يشكّ ويقف. وكذلك قولنا في جميع المعارف ، لو لم يكن لإيجابه طريق إلّا هذا الوجه (ق ، غ ١٢ ، ٥٠٠ ، ١٢)

ـ ذهب أبو هاشم إلى أنّ الشك ليس بمعنى. وقال أبو القاسم أنّ الشك معنى من المعاني يضادّ العلم ، كما قاله أبو علي (ن ، م ، ٣٣٨ ، ٢٣)

ـ الشك ، وهو الاسترابة في معتقدين فصاعدا من غير ترجيح أحدهما على الثاني (ج ، ش ، ٣٥ ، ١٩)

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٥)

شكر

ـ إنّ الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعم ، مع ضرب من التعظيم ولا بدّ من اعتبار الوصفين جميعا (ق ، ش ، ٨١ ، ١٤)

ـ أمّا الشكر فهو الاعتراف بنعمة المنعم مع ضرب من التعظيم. فلذلك يستحقّه كل منعم بقدر نعمته ، ويصحّ فيه التزايد من حيث كان

الاعتراف يختلف بحسب المعترف به ؛ كما أنّ الذمّ يختلف بحسب اختلاف المذموم عليه من الأفعال ، فلذلك جاز أن يستحقّ غير الله تعالى الشكر إذا لم يقع من المنعم إحباط بإساءة توفي على نعمة ، لأنّه متى كان حاله ذلك لم يستحقّ الشكر ، ولذلك قلنا : إن المجبرة لا يمكنها أن تقول بوجوب شكر الله تعالى على الكافر ، مع قولها : إنّه خلقه لجهنم. وإن كنّا قد ألزمناهم من قبل أنّه لا يمكنهم القول بوجوب الشكر لله والعبادة على المؤمن أيضا (ق ، غ ١١ ، ٤٢٠ ، ٢)

ـ اعلم أنّ الشكر على ضربين : أحدهما بالقلب ، وهو الذي يجب في كل حال ، والآخر بالقول وما يقوم مقامه ، وإنّما يجب إظهاره عند الخوف من أن يتّهم بغمط النعمة وكفرها ، أو عند دفع مضرّة ، وإلّا فهو غير واجب ؛ ولذلك يكون الأخرس شاكرا مؤدّيا لما وجب عليه (ق ، غ ١٤ ، ١٦٦ ، ٢١)

ـ أمّا الشكر فإنّه يستحقّ بالنعمة ، إذا كان فاعلها عالما بذلك من حالها ، وفعلها لوجه الإنعام مع التخلية ، لأنّه قد ثبت أنّ المحمول على فعلها لا يستحقّ الشكر ، وصحّ أنّه لا بدّ من كون الفعل نعمة ، لأنّ ما ليس بنعمة لا يستحقّ به الشكر ، ومتى فعل لاجتلاب منفعة أو دفع مضرّة ، لا يستحقّ به ذلك ، فوجب لهذه الجملة اشتراط ما ذكرناه (ق ، غ ١٤ ، ١٧٩ ، ١٦)

شكر على النعمة

ـ الشكر على النعمة لا يستوجب بسببه نعمة أخرى ، بل هو قضاء لواجب ثبت عليه ، إذا أدّى ما وجب عليه لم يستوجب بذلك زيادة نعمة ، فلا يجب على الله تعالى ثواب بسبب شكر النعمة (ش ، ن ، ٣٨٢ ، ٦)

شكل

ـ إنّما يفارق الشكل شكله الذي من طباعه الاتصال به إذا قهر على ذلك ومنع منه كما يمنع الحجر من الانحدار والماء من السيلان والنار من التلهب والارتفاع. فأمّا إذا خلّي وما من شأنه وطباعه لم يكن إلّا أن يتصل الشكل بشكله (خ ، ن ، ٣٩ ، ٢١)

شهادة

ـ القول في الشهادة اختلفت المعتزلة في ذلك على أربعة أقاويل : فقال قائلون : هو الصبر على ما ينال الإنسان من ألم الجراح المؤدّي إلى القتل ، والعزم على ذلك وعلى التقدّم إلى الحرب ، وعلى الصبر ... وقال قائلون : الشهادة هي الحكم من الله سبحانه لمن قتل من المؤمنين في المعركة بأنّه شهيد وتسميته بذلك. وقال قائلون : الشهادة هي الحضور لقتال العدوّ إذا قتل سمّي شهادة. وقال قائلون : الشهداء هم العدول قتلوا أو لم يقتلوا وزعموا أن الله سبحانه قال : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) (البقرة : ١٤٣). فالشهداء هم المشاهدون لهم ولأعمالهم وهم العدول المرضيّون (ش ، ق ، ٢٥٨ ، ١)

ـ الشهادة وقد زعمت القدريّة أنّها الصبر على ألم الجراح ، والعزم على ذلك قبل وقوعه ، ومنعوا تسمية قتل الكافر للمؤمنين شهادة (ب ، أ ، ١٤٣ ، ١٦)

ـ قالت الكرّامية الشهادة أن يصيب المؤمن من البلاء على ما يوجب تكفير ذنوبه كلّها إذا لم يكن من الصدّيقين ، لأنّ الصدّيق لا يحتاج إلى تكفير ذنبه (ب ، أ ، ١٤٣ ، ١٨)

شهداء

ـ الشهداء عندنا نوعان : أحدهما شهيد يغسل ويصلى عليه وهو الذي مات حتف أنفه موتا يوجب له الشهادة ، أو جرح في قتال الكفرة أو أهل البغي ومات في غير المعركة. والثاني شهيد مقتول في المعركة فقد أجمعوا على أنّه لا يغسل واختلفوا في الصلاة عليه : فقال الشافعي : لا يصلّى عليه وقال أبو حنيفة بالصلاة عليه (ب ، أ ، ١٤٤ ، ٦)

شهوة

ـ فإن قال قائل : فهل تجوز عليه الشهوة؟ قيل له : إن أراد السائل بوصفه بالشهوة الإرادة لأفعاله فذلك صحيح في المعنى ، غير أنّه قد أخطأ وخالف الأمّة في وصفه القديم بالشهوة ؛ إذ لم يكن ذلك من أوصافه وأسمائه ؛ وإن أراد بوصفه بالشهوة توقان النفس وميل الطبع إلى المنافع واللذّات فذلك محال ممتنع عليه (ب ، ت ، ٤٨ ، ١٨)

ـ إن قيل : فهل يجوز أن يوصف بالشهوة؟ قيل له : إن أراد السائل بوصفه بالشهوة إرادته لأفعاله فذلك صحيح من طريق المعنى غير أنّه أخطأ وخالف الأمّة في وصف القديم بالشهوة ؛ إذ لم يرد بذلك كتاب ولا سنّة ، لأنّ أسماءه تعالى لا تثبت قياسا ، وهو معنى قول الشيخ رضي الله عنه : (لا مدخل للعقل والقياس في إيجاب معرفته ، وتسميته ، وإنّما يعلم ذلك بفضله من جهته). يعني : إمّا بنص كتاب ، أو سنّة. وإن أراد هذا السائل أن يصفه بالشهوة التي هي [شوق] النفس وميل الطبع إلى المنافع واللذات فذلك محال ممتنع على القديم سبحانه تعالى (ب ، ن ، ٤١ ، ٤)

ـ أمّا الشهوة فإنّها تؤثّر في التذاذ المدرك بما يشتهيه فلا بدّ من مقارنتها (ق ، ت ٢ ، ١٠٥ ، ٥)

ـ من حق الشهوة أن لا تتعلّق إلّا بالمدركات ، ولذلك لا يصحّ أن يلتذّ إلّا بما يدركه دون غيره (ق ، غ ٤ ، ٢٠ ، ٧)

ـ استدلّ شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله على استحالة الشهوة على الله تعالى بأنّ الشهوة من حقّها أن لا تتعلّق إلّا بما إذا ناله المشتهي ربا جسمه عليه واغتذى به وصحّ كونه زيادة في جسمه (ق ، غ ٤ ، ٢٦ ، ٤)

ـ إنّ الشهوة حسنة ، وإن تعلّقت بالقبيح ، وأنّها مفارقة في هذا الباب للإرادة (ق ، غ ١١ ، ١٥٠ ، ١٣)

ـ إنّ الشهوة لا يجوز أن تكون من فعلنا ، ويجب أن تكون من فعل الله تعالى فينا. وقد ثبت أنّه لا يجوز أن يختار القبيح ، فيجب أن نقضي بحسن الشهوة ، وسندلّ على أنّها لا تدخل تحت مقدورنا (ن ، م ، ٣٦٩ ، ٦)

ـ ذهب البغداديون إلى أنّا نقدر على فعل الشهوة ، وكذلك الجوع والعطش يقولون أنّهما قد يكونان من فعلنا عند أسباب نفعلها. وعند شيوخنا أنّ الشهوة لا يجوز أن تكون من فعلنا (ن ، م ، ٣٧٠ ، ٢)

ـ معنى الشهوة طلب الشيء الملائم ، ولا طلب إلّا عند فقد المطلوب ، ولا لذّة إلّا عند نيل ما ليس بموجود (غ ، ق ، ١١٣ ، ٥)

شهوة القبيح

ـ الظاهر من مذهب البغداديين أنّ شهوة القبيح تكون قبيحة (ن ، م ، ٣٦٨ ، ٢٤)

ـ عند شيوخنا أنّ شهوة القبيح حسنة وليست بقبيحة (ن ، م ، ٣٦٩ ، ٤)

شهوة من ليس بمكلف

ـ إن قال : فما قولكم في شهوة من ليس بمكلّف؟ قيل له : إنّها تحسن متى كان المعلوم أنّه لا يخطر بباله القبيح ولا يقدم عليه ، ومتى أغناه بالحسن عن القبيح ، ومتى ألجأه ألّا يتناول القبيح ؛ لأنّها في هذه الوجوه تصير كأنّها غير متعلّقة به. فأمّا إذا لم تكن الحال هذه فإنّما يخلقها تعالى فيمن ليس بمكلّف لمصلحة المكلّف ؛ لأنّه إذا تعبّده بمنعها عن القبيح كان إلى أن يمتنع منه أقرب فيحسن لذلك ، وإن كان البعث على الفعل والإغراء إنّما يصحّان فيمن يعلم العواقب وما شاكلها ، وأمّا البهائم وغيرها فذلك ممتنع (ق ، غ ١١ ، ١٥١ ، ١٠)

شهيد

ـ قال أصحابنا من قتل مظلوما أو مات من بعض الأمراض المخصوصة كالحريق والغريق وموت المرأة في طلقها ونحو ذلك فهو شهيد (ب ، أ ، ١٤٤ ، ٤)

شيء

ـ كان (محمد الجبائي) يقسم الأسماء على وجوه ، فما سمّى به الشيء لنفسه فواجب أن يسمّى به قبل كونه كالقول سواد إنما سمّي سوادا لنفسه ، وكذلك البياض وكذلك الجوهر إنّما سمّي جوهرا لنفسه ، وما سمّي به الشيء لأنّه يمكن أن يذكر ويخبر عنه فهو مسمّى بذلك قبل كونه كالقول شيء ، فإنّ أهل اللغة سمّوا بالقول شيء كل ما أمكنهم أن يذكروه ويخبروا عنه ، وما سمّي به الشيء للتفرقة بينه وبين أجناس أخر كالقول لون وما أشبه ذلك فهو مسمّى بذلك قبل كونه ، وما سمّي به الشيء لعلّة فوجدت العلّة قبل وجوده فواجب أن يسمّى بذلك قبل وجوده كالقول مأمور به ، إنّما قيل مأمور به لوجود الأمر به ، فواجب أن يسمّى مأمورا به في حال وجود الأمر وإن كان غير موجود في حال وجود الأمر ، وكذلك ما سمّي به الشيء لوجود علّة يجوز وجودها قبله ، وما سمّي به الشيء لحدوثه ولأنه فعل فلا يجوز أن يسمّى بذلك قبل أن يحدث كالقول مفعول ومحدث ، وما سمّي به الشيء لوجود علّة فيه فلا يجوز أن يسمّى به قبل وجود العلّة فيه كالقول جسم وكالقول متحرّك وما أشبه ذلك (ش ، ق ، ١٦١ ، ٩)

ـ اختلف المتكلمون هل يسمّى البارئ شيئا أم لا على مقالتين : فقال" جهم" وبعض الزيدية أن البارئ لا يقال أنّه شيء لأنّ الشيء هو المخلوق الذي له مثل ، وقال المسلمون كلّهم أنّ البارئ شيء لا كالأشياء (ش ، ق ، ١٨١ ، ٣)

ـ قالت" السكّاكية" إنّ الله عالم في نفسه وأنّ الوصف له بالعلم من صفات ذاته ، غير أنّه لا يوصف بأنّه عالم حتى يكون الشيء ، فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنّه عالم به ، لأنّ الشيء ليس ، وليس يصحّ العلم بما ليس (ش ، ق ، ٢١٩ ، ٩)

ـ إنّ الصفات هي الأقوال والكلام كقولنا عالم قادر فهي صفات أسماء ، وكالقول يعلم ويقدر فهذه صفات لا أسماء ، وكالقول شيء فهذا اسم لا صفة (ش ، ق ، ٣٥٧ ، ١١)

ـ " ابن الراوندي" يقول إنّ المعلومات معلومات قبل كونها ، وأنّه لا شيء إلّا موجود ، وأنّ المأمور به والمنهيّ عنه وكذلك كل ما تعلّق بغيره يوصف به الشيء قبل كونه ، وكل ما كان

رجوعا إلى نفس الشيء لم يسمّ ولم يوصف به قبل كونه (ش ، ق ، ٥٠٢ ، ٧)

ـ إنّ المعلوم معلوم قبل كونه وكذلك المقدور ، وكل ما كان متعلّقا بغيره كالمأمور به والمنهيّ عنه ، وأنّه لا شيء إلّا موجود ولا جسم إلّا موجود (ش ، ق ، ٥٠٤ ، ١٢)

ـ قال" جهم بن صفوان" إنّ البارئ لا يقال إنّه شيء ، لأنّ الشيء عنده هو المخلوق الذي له مثل ، وقال أكثر أهل الصلاة أنّ البارئ شيء (ش ، ق ، ٥١٨ ، ٥)

ـ قالت" المشبّهة" : معنى أنّ الله شيء معنى أنّه جسم (ش ، ق ، ٥١٨ ، ٩)

ـ معنى أنّ الله شيء معنى أنّه موجود ، وهذا مذهب من قال : لا شيء إلّا موجود (ش ، ق ، ٥١٨ ، ١٠)

ـ معنى أنّ الله شيء هو إثباته ، وقد ذهب إلى هذا قوم زعموا أنّ الأشياء أشياء قبل وجودها ، وأنّها مثبتة أشياء قبل وجودها ، وهذا القول مناقضه لأنّه لا فرق بين أن تكون ثابتة وبين أن تكون موجودة ، وهذا قول" أبي الحسين الخيّاط" (ش ، ق ، ٥١٨ ، ١٢)

ـ قال" الجبّائي" : القول شيء سمة لكل معلوم ولكل ما أمكن ذكره والإخبار عنه ، فلمّا كان الله عزوجل معلوما يمكن ذكره والإخبار عنه وجب أنّه شيء (ش ، ق ، ٥١٩ ، ٦)

ـ إنّ القول شيء سمة لكل معلوم ، فلمّا كانت الأشياء معلومات قبل كونها سمّيت أشياء قبل كونها (ش ، ق ، ٥٢٢ ، ١٥)

ـ لنا في القول بالشيء عبارتان : إحداهما أن يجعل الشيء اسما ، والموافقة في الأسماء لا توجب التشابه ؛ لما قد يستعمل في موضع نفي الموافقة في المعنى نحو أن يقال : " فلان واحد عصره وواحد قومه" على نفي أن يكون له فيهم نظير أو شبيه من الوجه الذي أريد ، وإن كانوا جميعا في تسمية الواحد شركاء. ولو كانت الموافقة في الاسم توجب التشابه لا يحتمل استعماله في موضع إرادة نفي الموافقة ، وكذلك نجد قول" كفر" و" إسلام" على تحقيق الاسم لكل واحد منهما والموافقة من حيث القول ، ولكن المعنى متناقض ، وكذا ذلك في الحركات والأفعال ونحو ذلك (م ، ح ، ٤١ ، ٢)

ـ الشيء في التحقيق خلاف ما لا يحتمل القول بالشيء (م ، ح ، ٤١ ، ١١)

ـ إنّ الشيئيّة اسم الإثبات لا غير في العرف ؛ إذ القول" بلا شيء" نفي إذا لم يرد به التصغير ، فثبت أنّه اسم الإثبات ونفي التعطيل. فإن كان قوم لا يعرفون أنّ معنى" الشيء" الإثبات والخروج من التعطيل يتّقى عن ذلك بينهم ؛ كراهة أن يعتقد قلوبهم معنى مكروها ويقولون بالهستيّة ، فإنه أوضح في معنى الإثبات ، وإن كان واحدا عند أهل العلم بهذا اللسان (م ، ح ، ٤١ ، ١٧)

ـ في الشاهد لا يفهم من قول الرجل" شيء" مائيّة الذات ، ولا من قوله" عالم وقادر" الصفة ، وإنّما يفهم من الأول الوجود والهستيّة ، ومن الثاني أنّه موصوف ، لا أنّ فيه بيان مائية الذات كقول الرجل" جسم" ، إنّه ذكر مائيّة أنّه ذو أبعاد أو ذو جهات أو محتمل للنهاية وقابل للأعراض ، وكذا ذا في الإنسان وسائر الأعيان (م ، ح ، ٤٢ ، ٧)

ـ إنّ" الشيء" ليس باسم ؛ لأنّ لكل اسم خاصيّة إذا ذكرت أعلمت مائيّة الشيء نحو أن يقال : ما الجسم؟ فنقول : / ما له أبعاد ثلاثة ، وما

الإنسان؟ فنذكر حدّه المعروف في الشاهد من الحيّ الناطق الميّت ، أي المحتمل لذلك.

وكذلك كل جوهر له حدّ يذكر باسم الخاصيّة له ، وعلى ذلك" عالم قادر" لا يذكر خاصيّته بحرف يحدّ ذاته أو يعلم مائيّته ، إنّما يذكر ارتفاع الجفاء عنه ، وتأتّى الأشياء له ، ولا تذكر مائيّة ذاته ، فجائز القول بذلك (م ، ح ، ٤٣ ، ١)

ـ " الشيء" إثبات لا غير ، وإثبات عن الهستيّة ؛ إذ" لا شيء" نفي ، فيعلم بأنّ الله سبحانه شيء ، لا نفي عن نفسه أنّه شيء ، إذ ينفي عامة أحوال نفسه ، ويعلمها من غير أن ينفي شيئيّتها ، فصار يعرف ربّه لا من الوجه الذي يعرف أنّه شيء ، لذلك لم تمنع معرفته بشيئيّة نفسه المعرفة بربّه أنّه شيء ؛ إذ لا شيئيّة دلّته على الرب ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ١٠٤ ، ٨)

ـ أمّا الجسم فهو اسم لكل محدود ، والشيء إثبات لا غير ، وفي وجود العالم على ما عليه دليل الإثبات ؛ لذلك قيل بالشيء ، وفيه ـ إذ هو متناه لا من حيث الشيئية [بل من] حيث الحد ـ دليل نفي الحدّ عن الله جلّ ثناؤه. إلّا أن يراد بالحدّ الوحدانيّة والربوبيّة ، فهو كذلك ، وحرف الحدّ ساقط لأنّه يغلب في الدلالة على نهاية الشيء من طريق العرض ونحو ذلك مما يتعالى عن ذلك ، وذلك معنى الجسم في الشاهد. وفيه أيضا إيجاب الجهات المحتمل كل جهة أن يكون أطول منها وأعرض وأقصر ، فلذلك بطل القول بذلك ، ولا قوّة إلّا بالله (م ، ح ، ١٠٤ ، ١٣)

ـ معنى الشيء أنّه الثابت الموجود ؛ وقد يكون جسما إذا كان مؤلّفا ، ويكون جوهرا إذا كان جزءا منفردا ، ويكون عرضا إذا كان مما يقوم بالجوهر ؛ ومعنى القائم بنفسه هو أنّه غير محتاج في الوجود إلى شيء يوجد به ؛ ومعنى ذلك أنّه مما يصح له الوجود ، وإن لم يفعل صانعه شيئا غيره ، إذا كان محدثا ؛ ويصح وجوده ، وإن لم يوجد قائم بنفسه سواه إذا كان قديما (ب ، ت ، ١٥١ ، ١١)

ـ قول القائل" شيء" فإنّ ذلك من أعمّ أسماء الإثبات (أ ، م ، ٢٥٢ ، ١٠)

ـ إنّ الشيء اسم يقع على ما يصحّ ما يعلم ويخبر عنه ، ويتناول المتماثل والمختلف والمتضادّ ، لهذا يقال في السواد والبياض أنهما شيئان متضادّان. فإذا قلنا : إنّه تعالى شيء لا كالأشياء فلا يتناقض كلامنا ، لأنّا لم نثبت بأول كلامنا ما نفيناه بآخره (ق ، ش ، ٢٢١ ، ٣)

ـ نقول : إنّ الشيء إنّما يرى لما هو عليه في ذاته ، وهم يقولون إنّما يرى لوجوده ، والقديم تعالى حاصل على كل واحدة من هاتين الصفتين ، فإذا لا شكّ أنّه تعالى حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلّا لكونه عليها ، فلا خلاف في إنّه حاصل على الصفة التي لو رئي لما رئي إلّا لكونه عليها ، ولا تتجدّد له صفة في الآخرة يرى عليها (ق ، ش ، ٢٥٤ ، ٧)

ـ إنّ لفظ الشيء قد يقع على الموجود والمعدوم جميعا ، ولذلك يقول القائل : علمت ما كنت فعلته ، كما تقول : أعلم الأجسام ، ولذلك ، قال تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ) (النحل : ٤٠) (ق ، م ١ ، ٢٥٣ ، ١٣)

ـ وبعد ، فإنّ لفظة الشيء تنطلق على الموجود ، والباقي ، والمعدوم ، وقد تكلّمنا أنّه لا يكون مقدورا إلّا إذا كان على بعض هذه الصفات ، فالوجوه التي يحتمل عليها تتنافى ، ويستحيل مع بعضها أن يكون معدوما ، ويصحّ على

البعض ، فما هذا حاله لا يجوز دخوله تحت الظاهر ، لأن إرادته كالمتنافي. وبعد ، فإنّ هذه اللفظة في الإثبات لا تفيد في اللغة العموم ، لأنّها بالتعارف تطلق في المبالغة والتكثير ، كقوله تعالى : (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) (النمل : ٢٣) و (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) (الأنعام : ٣٨) و (يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ) (القصص : ٥٧) فإذا كان التعارف خصّصها لم يمكن حملها على العموم. ويجب أن تكون محمولة على ما تقدّم في الكلام من إحياء الموتى وغيره ، مما بيّن أنّه تعالى يختصّ بالقدرة عليه ، وأنّه أولى أن يعبد من الأصنام والأوثان (ق ، م ٢ ، ٥٥٧ ، ١٠)

ـ إنّما وصفناه (لله) بذلك ؛ لأنّ قولنا شيء يقع على كل ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه ؛ ولذلك تسمّى به الأشياء على اختلافها واختلاف أوصافها وأجناسها ، ولو كان لقبا يختصّ شيئا معيّنا ، لوجب أن يخصّ به دون غيره (ق ، غ ٥ ، ٢٤٩ ، ٧)

ـ بيّن شيخنا أبو هاشم ... إنّ قولنا" شيء" ليس بإثبات ؛ لأنّه يقع على المعدوم كوقوعه على الموجود ؛ فليس بأنّه يقال ، وحاله هذه ، إنّه إثبات بأولى من أن يقال إنه نفي ؛ فلقائل أن يقول إنّه تعالى لا يسمّى بذلك ، وإن كان مثبتا ، فليس في نفي الاسم نفيه ، كما ليس في إثباته. وبيّن أيضا أنّ قولنا" لا شيء" لا يفيد دون أن يقرن بغيره ، فيقال : لا شيء محدثا ، ولا شيء جسما أو مذكورا. وبيّن أنّه يصحّ أن يقال : إنّه جلّ وعزّ ، لا شيء جسم ولا شيء محدث ، فتنفى بذلك عنه الجسمية والحدوث. وأمّا القول بأنّه لا شيء بانفراده فإنّه لا يصحّ. وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) (مريم : ٩) فإنّما أفاد ، لأنّ في الكلام حذف ولم تك شيئا مذكورا أو بيّنا ، لأن مخرج الكلام الامتنان عليه ، فلا يصحّ أن يراد به إلّا ما قلناه ، فوجب أن يكون ، جلّ وعزّ ، إنّما يوصف بأنّه شيء ، من حيث صحّ أن يعلم ويخبر عنه على ما قلناه (ق ، غ ٥ ، ٢٥١ ، ٣)

ـ إنّ ما هو عليه الشيء في ذاته يجب لا لوجه ، بل بأي شيء علّل فسد (ن ، د ، ٢٨٧ ، ١١)

ـ الحقيقة أنّه لو كان الشيء والجسم بمعنى واحد لكان العرض جسما لأنّه شيء ، وهذا باطل يتعيّن ، والحقيقة هي أنّه لا فرق بين قولنا شيء وقولنا موجود وحق وحقيقة ومثبت ، فهذه كلّها أسماء مترادفة على معنى واحد لا يختلف ، وليس منها اسم يقتضي صفة أكثر من أنّ المسمّى بذلك حق ولا مزيد (ح ، ف ٢ ، ١١٨ ، ٧)

ـ قال أبو محمد رضي الله عنه ونسألهم ما معنى قولنا شيء ، فلا يجدون بدّا من أن يقولوا أنّه الموجود ، أو أن يقولوا هو كل ما يخبر عنه ، فإن قالوا هو الموجود صاروا إلى الحق ، وإن قالوا هو كل ما يخبر عنه ، قلنا لهم إنّ المشركين يخبرون عن شريك الله عزوجل ، قال تعالى (أَيْنَ شُرَكائِيَ) (القصص : ٦٢ ، ٧٤) و (فصلت : ٤٧) (ح ، ف ٥ ، ٤٣ ، ٢٣)

ـ الشيء مذكر وهو أعمّ العام ، كما أنّ الله أخصّ الخاص يجري على الجسم والعرض والقديم ، تقول : شيء لا كالأشياء أي معلوم لا كسائر المعلومات ، وعلى المعدوم والمحال (ز ، ك ١ ، ٢٢٢ ، ٥)

ـ إنّ مثل محمد في فصاحته ليس بمعوز في العرب ، وإن قدر محمد على نظمه كان مثله قادرا عليه ، فليأتوا بحديث ذلك المثل (أَمْ

خُلِقُوا) (الطور : ٣٥) أم أحدثوا وقدّروا التقدير الذي عليه فطرتهم (مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) (الطور : ٣٥) من غير مقدّر (ز ، ك ٤ ، ٢٥ ، ٢٧)

ـ إنّ الخيّاط غالى في إثبات المعدوم شيئا وقال : الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، والجوهر جوهر في العدم ، والعرض عرض في العدم ، وكذلك أطلق جميع الأجناس والأصناف حتى قال : السواد سواد في العدم ، فلم يبق إلّا صفة الوجود أو الصفات التي تلزم الوجود والحدوث (ش ، م ١ ، ٧٧ ، ٢)

ـ الشيء أعرف من أن يحدّ بحدّ أو يرسم برسم لأنّه ما من لفظ يدرجه في تحديد الشيء إلّا وهو أخفى من الشيء ، والشيء أظهر منه ، وكذلك الوجود. ولو أدرجت في التحديد ما أو الذي أو هو فذلك عبارة عن الوجود والشيئيّة ، فتعريفه بشيء آخر محال ، ولأنّ الشيء المعرّف به أخصّ من الشيئيّة والوجود وهما أعمّ من ذلك الشيء فكيف يعرّف شيئا بما هو أخصّ منه وأخفى منه (ش ، ن ، ١٥٠ ، ٤)

ـ من حدّ الشيء أنّه الموجود فقد أخطأ ، فإنّ الوجود والشيئيّة سيّان في الخفاء والجلاء ومن حدّه ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه فقد أخطأ ، فإنّه أدرج لفظ ما في الحدود. ومعناه أنّه الشيء الذي يعلم ، فقد عرّفه بنفسه لعمري (ش ، ن ، ١٥٠ ، ٩)

ـ منهم (المعتزلة) من قال الشيء هو القديم ، وأمّا الحادث فيسمّى شيئا بالمجاز والتوسّع (ش ، ن ، ١٥١ ، ٨)

ـ صار جهم بن صفوان إلى أنّ الشيء هو المحدث ، والباري سبحانه مشى الأشياء (ش ، ن ، ١٥١ ، ١٠)

ـ إنّهم (أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة) يعنون بالذّات والشّيء كلّ ما يعلم أو يخبر عنه بالاستقلال ، وبالصّفة كلّ ما لا يعلم إلّا بتبعيّة الغير. فكلّ ذات إمّا موجودة أو معدومة ، والمعدوم يقال على كلّ ذات ليس له صفة الوجود ، ويجوز أن يكون له غير تلك الصّفة ، كصفات الأجناس ، عند من يثبتها للمعدومات (ط ، م ، ٨٥ ، ١٥)

ـ الشيء في اللغة : هو ما يصحّ أن يعلم ويخبر عنه عند سيبويه ، وقيل الشيء عبارة عن الوجود وهو اسم لجميع المكوّنات عرضا كان أو جوهرا ، ويصحّ أن يعلم ويخبر عنه ، وفي الاصطلاح : هو الموجود الثابت المتحقّق في الخارج (ج ، ت ، ١٧٠ ، ١)

ـ الشيء ما يصحّ العلم به على انفراده (م ، ق ، ٨٨ ، ١٠)

شيء لا كالأشياء

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : ثم معنى قولنا" شيء لا كالأشياء" هو إسقاط مائيّة الأشياء ، وهي نوعان : عين وهو جسم ، وصفة وهي عرض ، فيجب به إسقاط مائيّة الأعيان وهو الجسم ، والصفات وهي الأعراض. فإذا أزلنا ذلك المعنى الذي هو جسم من الأعيان أبطلنا الاسم الذي هو لذلك المعنى ، كما إذا أزلنا / معنى التّشبيه من الإثبات ونفي التعطيل أبطلنا القول به (م ، ح ، ٤٠ ، ١٧)

شيء له

ـ أمّا القول بأنّ الشيء له فقد يكون بمعنى أنّه صفته ، كما يقال" له علم" و" علمه". وقد يكون على معنى أنّه ملكه ، كما يقال" الخلق له" و" السموات والأرضون له". وقد يكون

على وجه لا يليق به ، كما تقول" الحركة للمتحرّك" و" الكفر للكافر" على معنى أنّه قائم به وهو المتحرّك والكافر به لا الذي أحدثه وجعله ، وكما تقول" الولد للوالد" و" الزوجة للزوج" لا على معنى الفعل والملك والقيام به. على هذا إذا قيل في كسبنا" هل تقولون إنّه لله تعالى؟ " يقسّم إلى هذه المعاني فيفسد منها الفاسد ويصحّح الصحيح. وكذلك إذا كان السؤال عنه بلفظ أخصّ ، وهو أن يقال في الطاعة والمعصية والإيمان والكفر والقبيح والحسن" أتطلقون أنّه لله تتعالى؟ " ويجري القول في تقسيم ذلك على هذا الحدّ (أ ، م ، ٩٧ ، ١٨)

شيء محدث

ـ إنّ الشيء المحدث محل التغيّر ، فكما لا يجوز التغيّر على ذاته وصفاته الذاتيّة ، فكذلك لا يجوز التغيّر على صفاته الفعليّة ، ولأنّه لو كان يحدث لنفسه صفة اسم ، لكان سببها بخلقه ، وهو لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد (م ، ف ، ١٩ ، ٣)

شيء معلوم

ـ إنّ قول الموحدين : إنّ الله كان ولا شيء ، صواب صحيح ، وليس ذاك بمفسد أن يكون الله لم يزل عالما بالأشياء ، لأنّ الأشياء تكون. والمعتزلة لمّا قالوا : إنّ الله لم يزل عالما بالأشياء ، لم يزعموا أنّ الأشياء معه لم تزل. وإنّما قالوا : إنّه لم يزل عالما بأنّ الأشياء تكون وتحدث إذا أوجدها وأحدثها سبحانه وبحمده. وأمّا قوله : إنّ الأشياء لا تكون أشياء قبل كونها ، فإن أراد أنّ الأشياء لا تكون أشياء موجودات قبل كونها فصحيح مستقم ، ولكنّها أشياء تكون وأشياء تحدث إذا أحدثها صانعها. ولو كان لا شيء معلوم إلّا موجود كان لا شيء مقدور عليه إلّا موجود ، ولو كان ذلك كذلك لكان الفعل مقدورا عليه في حاله غير مقدور عليه قبل حاله كما كان معلوما في حاله وغير معلوم قبل حاله. ولو كان هذا هكذا كان القول بأن الله لم يزل قادرا محالا كما أنّ القول بأنّ الله لم يزل عالما عند هشام خطأ (خ ، ن ، ٩٠ ، ١٨)

شيء من الشيء

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الشيء من الشيء على وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى أنّه جزؤه ، كقولك" الواحد من العشرة" و" اليد من الإنسان" و" الثمرة من الشجرة". وقد يكون الشيء منه على معنى أنّه أحدثه ، كما قال عزوجل (جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية : ١٣) أي" إحداثا". وقد يقال أيضا الشيء منه على معنى أنّه دعا إليه وحثّ عليه ورغّب فيه وأعان عليه ، كقولك" هذا أراه من فلان" على معنى أنّه هو الذي حثّ عليه ودعا إليه. وعلى هذا كان يقسّم سؤال السائل إذا قال" هل تقولون إنّ الشرّ من الله تعالى؟ " فيقول : " إن أردتم أنّه منه خلقا وأحداثا على معنى أنّه خلقه شرّا لغيره وصار الغير به شريرا فنعم ، كما يجعل الضرر ضررا لغيره ويكون غيره المضرور به فيكون هو الضارّ به والمضرّ ، كما قال المسلمون" لنا ربّ يضرّ وينفع". وإن أردتم معنى الأمر به والدعاء إليه فلا". وكذلك القول في الخير والإيمان وشكر النعمة إنّه من الله تعالى على هذين الوجهين بأنّه أمر به وأحدثه وأعان فيه (أ ، م ، ٩٧ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الشيء من الشيء على

وجوه ، أحدها أن يكون بمعنى أنّه جزؤه ، كقولك" الواحد من العشرة" و" اليد من الإنسان" و" الثمرة من الشجرة". وقد يكون الشيء منه على معنى أنّه أحدثه ، كما قال عزوجل (جَمِيعاً مِنْهُ) (الجاثية : ١٣) أي" إحداثا". وقد يقال أيضا الشيء منه على معنى أنّه دعا إليه وحثّ عليه ورغّب فيه وأعان عليه ، كقولك" هذا أراه من فلان" على معنى أنّه هو الذي حثّ عليه ودعا إليه. وعلى هذا كان يقسّم سؤال السائل إذا قال" هل تقولون إنّ الشرّ من الله تعالى؟ " فيقول : " إن أردتم أنّه منه خلقا وأحداثا على معنى أنّه خلقه شرّا لغيره وصار الغير به شريرا فنعم ، كما يجعل الضرر ضررا لغيره ويكون غيره المضرور به فيكون هو الضارّ به والمضرّ ، كما قال المسلمون" لنا ربّ يضرّ وينفع". وإن أردتم معنى الأمر به والدعاء إليه فلا". وكذلك القول في الخير والإيمان وشكر النعمة إنّه من الله تعالى على هذين الوجهين بأنّه أمر به وأحدثه وأعان فيه (أ ، م ، ٩٧ ، ٩)

شيئية

ـ إنّ الشيئيّة اسم الإثبات لا غير في العرف ؛ إذ القول" بلا شيء" نفي إذا لم يرد به التصغير ، فثبت أنّه اسم الإثبات ونفي التعطيل. فإن كان قوم لا يعرفون أنّ معنى" الشيء" الإثبات والخروج من التعطيل يتّقى عن ذلك بينهم ؛ كراهة أن يعتقد قلوبهم معنى مكروها ويقولون بالهستيّة ، فإنه أوضح في معنى الإثبات ، وإن كان واحدا عند أهل العلم بهذا اللسان (م ، ح ، ٤١ ، ١٥)

ـ قالت المعتزلة : المعدوم أشياء ، وشيئيّة الأشياء ليست بالله ، وبالله إخراجها من العدم إلى الوجود (م ، ح ، ٨٦ ، ٤)

ـ زعم المعتزلة في حركة المفلوج أنّها لله خلقا وللعبد حركة ، وهي شيء لنفسها ؛ إذ الشيئية عندهم في المعدوم ، وهي دلالة حدث الجسم ، وفي الكفر حجة الله على العبد في التعذيب ودلالة سفهه في التحقيق (م ، ح ، ٢٣٨ ، ١٥)

ـ الشيئية عبارة عن الوجود في نفي الوجود ، وإذا لا يجوز ، وليس الجسم بمثابته ، ألا ترى أنّه لا يقال الكلام جسم ويقال له شيء ، لأنّه عبارة عن وجوده ، وعن هذا قلنا أنّه لا يجوز للمعدوم أن يقال شيئا خلافا للمعتزلة (م ، ف ، ١٥ ، ٤)

ـ الأشعريّة لا يفرّقون بين الوجود والثبوت والشيئية والذات والعين (ش ، ن ، ١٥١ ، ٢)

ـ ما أوجده الموجد فهو ذات الشيء والقدرة تعلّقت بذاته كما تعلّقت بوجوده ، وأثّرت في جوهريّته كما أثّرت في حصوله وحدوثه ، والتميّز بين الوجود وبين الشيئيّة مما لا يؤول إلى معنى ومعنى بل إلى لفظ ولفظ (ش ، ن ، ١٥٨ ، ٦)

شياطين

ـ نقل عن المعتزلة أنّهم قالوا : الملائكة والجنّ والشياطين متّحدون في النوع ، ومختلفون باختلاف أفعالهم. أمّا الذين لا يفعلون تارة هذا وتارة ذاك ، فهم الجنّ. ولذلك عدّ إبليس تارة في الملائكة وتارة في الجنّ (ط ، م ، ٢٣٠ ، ١٨)

شيعة

ـ الشيعة هم الذين شايعوا عليّا رضي الله عنه على الخصوص. وقالوا بإمامته وخلافته نصّا ووصية ، إمّا جليّا ، وإمّا خفيّا ، واعتقدوا أنّ

الإمامة لا تخرج من أولاده ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره ، أو بتقيّة من عنده. وقالوا : ليست الإمامة قضية مصلحيّة تناط باختيار العامّة وينتصب الإمام بنصبهم ، بل هي قضية أصوليّة ، وهي ركن الدين ، لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ، ولا تفويضه إلى العامّة وإرساله (ش ، م ١ ، ١٤٦ ، ١٤)

ص

صابئون

ـ الكلام على الصابئين : ذكر الحسن بن موسى أنّهم اختلفوا في العالم. فزعم قوم من قدمائهم أنّ هيولى كان لم يزل وأنّ صانعا لم يزل ، ثم صنع عالما من ذلك الهيولى. وزعم الباقون منهم أنّ العالم محدث وأنّ له صانعا لم يزل ، غير مشبّه لشيء من العالم ، حكيم لا يجهل ، قوي لا يعجز ، جواد لا يبخل ، خلق الفلك حيّا ناطقا سميعا بصيرا ، وأنّه دبّر ما في هذا العالم ، وسمّوا الكواكب التي فيه الملائكة ، وكثير منهم سمّاها آلهة وعظّموا قدرها ، وعبدوها ، وبنوا لها بيوت عبادات على عدد السبعة الكواكب ، ويدّعون أن بيت الله الحرام أحدها ، وهو بيت زحل ، وإنّما بقي ، لأنّ زحل يدلّ على البقاء والثبات وطول المدّة (ق ، غ ٥ ، ١٥٢ ، ١)

صاحب الكبيرة

ـ إنّ الخوارج وأصحاب الحسن كلهم مجمعون والمرجئة على أنّ صاحب الكبيرة فاسق فاجر. ثم تفرّدت الخوارج وحدها فقالت : هو مع فسقه وفجوره كافر. وقالت المرجئة وحدها : هو مع فسقه وفجوره مؤمن. وقال الحسن ومن تابعه : هو مع فسقه وفجوره منافق. فقال لهم واصل : قد أجمعتم إن سميتم صاحب الكبيرة بالفسق والفجور ، فهو اسم له صحيح بإجماعكم وقد نطق القرآن به في آية القاذف وغيرها من القرآن فوجب تسميته به. وما تفرّد به كل فريق منكم من الأسماء فدعوى لا تقبل منه إلا ببيّنة من كتاب الله أو من سنّة نبيّه صلى الله عليه (خ ، ن ، ١١٨ ، ١٣)

ـ صاحب الكبيرة قد جاء فيه الوعيد ، فبطل أن يكون مؤمنا ولم يسمّ به كافرا بما لم يرد به التسمية ، فسمّي به الذي أجمع أنّه له اسم وهو الفسق والفجور والظلم (م ، ح ، ٣٣١ ، ٢١)

ـ ذهب الخوارج إلى أنّ صاحب الكبيرة كافر ، وذهبت المرجئة إلى أنّه مؤمن ، وذهب الحسن البصري إلى أنّه ليس بمؤمن ولا كافر وإنّما يكون منافقا ، وإلى هذا ذهب عمرو بن عبيد ، وكان من أصحابه. وذهب واصل بن عطاء إلى أنّ صاحب الكبيرة لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون فاسقا ، وهذا المذهب أخذه عن أبي هاشم ، عبد الله بن محمد بن الحنفيّة ، وكان من أصحابه. وقد جرت بين واصل بن عطاء وبين عمرو بن عبيد مناظرة في هذا ، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهبه وترك حلقة الحسن واعتزل جانبا فسمّوه معتزليّا. وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة (ق ، ش ، ١٣٧ ، ١٢)

ـ إنّ صاحب الكبيرة لا يسمّى مؤمنا ولا كافرا ، وإنّما يسمّى فاسقا (ق ، ش ، ٧٠١ ، ١٢)

ـ قالت القدريّة والخوارج برجوع الإيمان إلى جميع الفرائض مع ترك الكبائر ، وافترقوا في صاحب الكبيرة : فقالت القدريّة إنّه فاسق لا مؤمن ولا كافر بل هو ف منزلة بين المنزلتين. وقالت الخوارج كل من ارتكب ذنبا فهو كافر (ب ، أ ، ٢٤٩ ، ١٧)

ـ روي عن الحسن البصري وقتادة رضي الله

عنهما أنّ صاحب الكبيرة منافق ، وقالت المعتزلة إن كان الذنب من الكبائر فهو فاسق ليس مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا ، وأجازوا مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته ، قالوا وإن كان من الصغائر فهو مؤمن لا شيء عليه فيها ، وذهب أهل السنّة من أصحاب الحديث والفقهاء إلى أنّه مؤمن فاسق ناقص الإيمان ، وقالوا الإيمان اسم معتقده وإقراره وعمله الصالح ، والفسق اسم عمله السيّئ (ح ، ف ٣ ، ٢٢٩ ، ١١)

ـ صاحب الكبيرة ، عندنا ، مؤمن مطيع بإيمانه ، عاص بفسقه (خ ، ل ، ١٢٩ ، ٣)

صالحات

ـ الصالحات كل ما استقام من الأعمال بدليل العقل والكتاب والسنّة (ز ، ك ١ ، ٢٥٥ ، ٥)

صانع

ـ إذا كان تحوّل النطفة علقة ثم مضغة ثم لحما ودما وعظما أعظم في الأعجوبة كان أولى أن يدلّ على صانع صنع النطفة ونقلها من حال إلى حال (ش ، ل ، ٧ ، ٢)

ـ إن قال قائل لم قلتم أنّ صانع الأشياء واحد ، قيل له لأنّ الاثنين لا يجري تدبيرهما على نظام ولا يتّسق على أحكام ولا بد أن يلحقهما العجز أو واحدا منهما ، لأنّ أحدهما إذا أراد أن يحيي إنسانا وأراد الآخر أن يميته لم يخل أن يتم مرادهما جميعا أو لا يتم مرادهما أو يتم (مراد أحدهما دون الآخر ، ويستحيل أن يتم) مرادهما جميعا لأنّه يستحيل أن يكون الجسم حيّا ميتا في حال واحدة ، وإن لم يتم مرادهما دون الآخر وجب العجز (ل) من لم يتمّ مراده منهما والعاجز لا يكون إلها ولا قديما. فدلّ ما قلناه على أنّ صانع الأشياء واحد وقد قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) (الأنبياء : ٢٢) فهذا معنى احتجاجنا آنفا (ش ، ل ، ٨ ، ٣)

ـ وجب أن تكون صور العالم وحركات الفلك متعلّقة بصانع صنعها ... ويدلّ على ذلك علمنا بتقدّم بعض الحوادث على بعض وتأخّر بعضها عن بعض مع العلم بتجانسها ، ولا يجوز أن يكون المتقدّم منها متقدّما لنفسه وجنسه ؛ لأنّه لو تقدّم لنفسه لوجب تقدّم كل ما هو من جنسه ؛ وكذلك لو تأخر المتأخّر منها لنفسه وجنسه لم يكن المتقدّم منها بالتقدّم أولى منه بالتأخر. وفي العلم بأنّ المتقدّم من المتماثلات لم يكن بالتقدّم أولى منه بالتأخر دليل على أنّ له مقدّما قدّمه وجعله في الوجود مقصورا على مشيئته (ب ، ت ، ٤٥ ، ٣)

ـ قالوا (أهل السنّة) : إنّ صانع العالم خالق الأجسام والأعراض (ب ، ف ، ٣٣٢ ، ٢)

ـ ذهب الموحّدون إلى أنّ الصانع خلق الأجسام والأعراض ابتداء لا من شيء (ب ، أ ، ٧٠ ، ٣)

ـ قوم من أصحاب الهيولى أثبتوا الصانع ولكنّهم زعموا أنّ الصانع صنع هذا العالم من هيولى قديمة وقالوا لم نر صانعا صنع شيئا لا من أصل ، فإنّ الصانع يصنع الخاتم من الفضة أو الذهب أو أصل آخر والنجّار يصنع الباب من خشب ونحو ذلك (ب ، أ ، ٧٠ ، ٩)

ـ قوم زعموا أنّ الصانع ركّب المركّبات من الطبائع الأربع وعناصرها التي هي الأرض والماء والنار والهواء وقالوا بقدم هذه الأربع (ب ، أ ، ٧٠ ، ١٣)

ـ أجمع الموحّدون على أنّ الصانع للعالم قديم

وخالفهم في ذلك فرق (ب ، أ ، ٧١ ، ١٥)

ـ فعل الفاعل لا يوجب أن ينتسب إليه المفعول بأخصّ وصفة الذاتيّ ، بل إنّما ينتسب إليه من حيث كونه فعلا فقط ، حتى يسمّى فاعلا صانعا ، أمّا أن يضاف إليه حكم العلميّة حتى يصير عالما فمحال (ش ، ن ، ٢١٦ ، ١٢)

صانعون في الشاهد

ـ إنّ الصانعين في الشاهد لا يصنعون أجساما وإنّما أفعالهم أعراض ، وكل عرض يحدث في الشاهد لا من أصل له (ب ، أ ، ٥٨ ، ٧)

صبي

ـ لسنا نريد بذكر الصبي إلّا من خرج عن أن يكون كامل العقل ، لأنّه لا يمتنع فيمن يعدّ صبيّا من جهة الشرع أن يكون كامل العقل ويلحقه التكليف. ومتى كان كذلك ، وخاف الخوف الذي ذكرناه ، كان حكمه في الأفعال حكم العقلاء (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٣ ، ٢٠)

صحة

ـ كان (الأشعري) يذهب في معنى الصحّة إلى معنى وجود ما أخبر عنه بالصحّة. وكان يقول إنّ قول القائل" صحّ دخول زيد البصرة" ليس له معنى إلّا كون دخوله ، وإنّ قول القائل لما لا يكون إنّه يصحّ كونه إن لم يرد به التوسّع أو الاستقبال فمحال. وبمثله كان يدفع قول من ذهب من البصريين من المعتزلة إلى أنّ معنى القادر من صحّ منه الفعل ، إذ قد يكون قادرا ولمّا وجد الفعل ، وصحّة الفعل من الفاعل هو وجوده منه. فإذا قيل" يصح" على معنى الاستئناف فقد يكون ذلك مظنونا وقد يكون منتفيا والمخبر عنه في الحال ليس بقادر عليه (أ ، م ، ١١٧ ، ٣)

ـ إنّ الصحّة إمّا أن يراد بها التأليف من جهة الالتئام ، أو اعتدال المزاج ، أو زاول الأمراض والأسقام ، وشيء من ذلك مما لا يؤثّر في وقوع الفعل ولا في صحّته لأنّ الفعل إنّما يصدر عن الجملة ، فالمؤثّر فيه لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الجملة ، وهذه الأمور كلّها راجعة إلى المحل (ق ، ش ، ٣٩٢ ، ٣)

ـ أمّا الصحّة : فقد تذكر ويراد بها نفي الاستحالة ، نحو ما يقال : يصحّ من القادر الفعل ، أي لا يستحيل ؛ وقد تذكر ويراد بها أنّه مما ينتظر وقوعه ، كما يقال أنّه كان يصحّ من الله تعالى خلق العالم فيما لم يزل ، أي ينتظر وقوعه منه عزوجل (ق ، ش ، ٣٩٥ ، ٣)

صحة الإيمان

ـ من شرط صحّة الإيمان عندنا تقدّم المعرفة بالأصول العقلية في التوحيد والحكمة والعدل وثبوت النبوّة والرسالة واعتقاد أركان شريعة الإسلام (ب ، أ ، ٢٦٩ ، ٧)

صحة التكليف

ـ لم يسمّ كلّ علم بقبيح بأنّه عقل ، وإنّما يخصّ بذلك العلوم الضروريّة وإنّما وصفنا جميع العلوم بذلك لأنّ العلم بقبح القبيح لا يتمّ إلّا به ، فصار بمنزلته من هذا الوجه ، فجعل الاسم اسما لجميعه ، والمراهق فليس يحصل له العلم بالمقبّحات ، وإنّما يحصل ظانّا بها. فلذلك لم يوصف بهذه الصفة. وليس لأحد أن يقول : يجب أن تصفوا الظنّ بقبح القبيح إذا صرف عن فعله كصرف العلم عنه بأنّه عقل ؛ لأنّا قد بيّنا أن

المجاز لا يقاس. فإذا لم يجب وصف سائر العلوم بالقبائح بذلك فبألّا يجب وصف الظنّ والاعتقاد بذلك أولى. وهذه التسمية وإن كانت بالصفة التي ذكرناها من حيث اللغة فلا يمتنع أن تكون حقيقة بالاصطلاح للجملة التي ذكرناها من العلوم ؛ لأنّ المتكلّمين قد جعلوها موضوعة لما ذكرناه ، وإن اختلفوا في العلوم التي بها يتكامل العقل ، واختلافهم في ذلك لا يؤثّر في اتّفاقهم من أنّ ما عند كل واحد منهم أنّه يصحّ معه التكليف نسمّيه عقلا. وأهل اللغة فليس يقصدون بذلك إلى العلم وإنّما يفيدون به المنع وما يجري مجراه ، وقع ذلك بالعلم أو غيره (ق ، غ ١١ ، ٣٨٧ ، ٥)

صحة الفعل

ـ متى ثبت أنّه لا بدّ من اعتبار حال الجملة في صحّة هذا الفعل من نحو كونه مريدا وقاصدا وعالما حتى لو لا ذلك لما عرفناه محدثا فضلا عن أن نعرفه قادرا. فقد ثبت أنّه يجب اعتبار ما يرجع إليه فيجب أن يكون الفعل دلالة على أمر يختصّ هو به ، ولأنّه لو كان تأثير القادر على حدّ تأثير العلل لكان لا يصحّ أن ينصرف في الأفعال الكثيرة ويحلّ محلّ الحركة وغيرها ، لأنّه لا يؤثّر إلّا في صفة واحدة. وبعد فذلك المعنى إن كان مما يختصّ المحلّ فلا معتبر به لأنّه قد تقع الشركة في ذلك وتقع التفاضل في صحّة الفعل أصلا أو في قدر منه دون قدر ، وإن كان مما يرجع حكمه إلى الجملة نحو القدرة فمعلوم أنّه لا اعتبار به ولا بمحلّه. يبيّن هذا أنّ وجود المعنى هو في البعض من الجملة والفعل صحيح من هذه الجملة ، فثبت أنّه يجب رجوع هذه التفرقة إلى صفة يختصّ بها زيد دون عمرو. فأمّا القول بأنّه لطبع من الطباع يحدث الفعل ويصحّ. فذلك إن رجع به إلى هذه المباينة فهي خلاف في عبارة ، وإن جعل ذلك راجعا إلى ذات القادر فقد أبطلناه. وإن رجع به إلى معنى فقد أبطلنا أن يكون مما يرجع إلى المحلّ أو الجملة. وبعد فمن يقول بالطبع يجعله مؤثّرا في حدوث فعل من الأفعال لا يتعلّق بنا ولا نشاهد حدوثه ، وتثبت أفعالنا اختياريّة تتعلّق بنا وتجعل غيرها من الأفعال واقعا بالطبع. فإذا صحّ لنا أنّ صحّة الأفعال ووقوعها منّا دلالة على اختصاص أحدنا بصفة ، وكانت طريق الاستدلال بالأدلّة لا تختلف ، فيجب أينما حصل الفعل أن يدلّ على كونه قادرا لشمول طريق الدلالة للجميع (ق ، ت ١ ، ١٠٤ ، ٢٢)

ـ إن قيل : إذا قلتم إنّ الدواعي إلى الفعل ، متى انفردت ، وجب أن تفعل ، فقد أبطلتم القول بأنّ القادر يصحّ أن لا يختار فعل مقدوره ، وساويتم المجبّرة في قولها : إنّ الفعل يجب وجوده مع القدرة. قيل له : إنّا نقول إنّ (صحّة) الفعل يصحّ منه لكونه قادرا ، لا للداعي ، لأنّه في صحّته يفتقر إلى اختصاصه بحال يبيّن بها من غيره. ولذلك يصحّ الفعل من الساهي والنائم ، وإن لم يكن لهما إلى الفعل داع. وكذلك يصحّ أن يعلم فعل غيره كعلمه بفعله ، ولا يقدر إلّا على ما يصحّ أن يوجده. ولذلك يتعلّق العلم بالشيء على ما هو به ، فكيف يحصل به محدثا. فكل ذلك يبيّن أنّ الفاعل يصحّ منه الفعل لكونه قادرا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ١٢)

ـ إنّ في الدواعي ، ما يدعو القادر إلى إيجاد الفعل وهو على صفة ؛ ولا يدعوه إلى إيجاده

وهو على صفة أخرى ، لأنّ دواعي الفقير قد تخالف دواعي الغني ؛ وهذا يؤدّي إلى أن يكون ما يصحّح الفعل في حال ، لا يصحّحه في حال أخرى ، لوجود مال أو غيره. وهذا يبطل القول : بأن للدواعي مدخلا في صحّة الفعل. على أنّ الدواعي نفسها قد تكون من فعله ، فيكون المصحّح لإيجادها القدرة دون دواع أخر ، لأنّه قد يسبق إلى اعتقاد وظنّ ، ويقدّم عليهما باتّفاق ، ثم يدعوه ذلك إلى الفعل (ق ، غ ٨ ، ٥٥ ، ١٣)

ـ قد بيّنا أنّ صحّة الفعل أو وجوبه ، ترجع إلى القادر دون القدرة ، وإنّما تأثيرها أن يصير بها قادرا ، فلو وجب فيها ألا يخلو من المقدور ، لوجب في القادر ، وقد بيّنا فساد ذلك (ق ، غ ١٤ ، ٢١٠ ، ٨)

ـ إنّما اعتبرنا تساوي الجملتين في سائر صفاتهما لنعلم أنّ صحّة الفعل لا تستند إلّا إلى كون من صحّ منه قادرا دون صفة أخرى. فإذا علمنا أنّ صحّة الفعل مستندة إلى هذه الصفة وأنّها إنّما ثبتت لأجل تلك الصفة ، حتى لولاهما لما ثبتت ، قلنا بعد ذلك في كل موضع وجد هذا الحكم وجب أن يكون هناك مثل تلك الصفة ، لأنّ طريق الاستدلال بالدلالة لا يختلف. ولو أمكننا أن نعلم هذا الحكم من دون اعتبار التساوي لما اعتبرنا التساوي ، ويمكن أن أحدنا يعلم ضرورة التفرقة بين الجماد وبين الحي ، فيجوز أن يعلم من حال جملتين أنّهما حيّان ، على معنى أنّهما مفارقان للجماد وإن لم يعلم اختصاصهما بحال من الأحوال ؛ فإذا علم أنّهما حيّان على سبيل الجملة فإنّه يمكن أن يعلم أيضا ضرورة افتراقهما في هذا الحكم وهو صحّة الفعل ، ويعلم أنّ ذلك الحكم الذي وقعت به المفارقة لا يجب أن يرجع به إلى ما علم من حالهما جملة وهو ما وقعت به المفارقة بينهما وبين الجماد ، فلا بدّ من أن يرجع به إلى أمر زائد على ذلك. قال الشيخ أبو رشيد : ويمكن أن يقال إنّ هذا الحكم الذي هو صحّة الفعل معلّل ، وإنّه لا يكون معلّلا إلّا بكون الذات قادرا ، بأن قال : قد علمنا أنّ أحدنا محدث لتصرّفه ، وأنّ تصرّفه يحتاج إليه ، وإنّما يحتاج إليه في باب الحدوث. فكما وجب أن يكون احتياجه إليه في صفة من صفاته ، فكذلك وجب أن يكون الاحتياج إلى الواحد منا لكونه ذاتا ، لأنّ كونه ذاتا يبقى بعد كونه ميتا ترابا رميما ، ومع ذلك لا يحتاج الفعل إليه ـ فلا بدّ إذن من أن يكون احتياج الفعل إلى الواحد منا لصفة من صفاته ، ثم نقول إن تلك الصفة ليست إلّا كونه قادرا ، فإذا ذكرت هذه الدلالة على هذا الوجه لم تحتج إلى أن تتبيّن بأن هذه الجملة التي قد صحّ منها الفعل تساويها جملة أخرى في سائر الصفات إلّا في هذا الحكم (ن ، د ، ٤٧١ ، ٧)

ـ إنّ صحة الفعل حكم ليس بصفة ، فالحكم أبدا يتبع الصفة ، لأنه كالحقيقة فيها والمنبئ عنها ، فيجب أن ترجع الصفة والحكم ، كل واحد منهما ، إلى ما يرجع إليه الآخر. فإذا كانت الصفة ترجع إلى الجملة أو المحل وجب في الحكم ذلك (ن ، د ، ٤٨٩ ، ١)

صحة النظر

ـ اعلم ، أنّ شيخنا أبا هاشم ، رحمه‌الله ، يجعل علامة صحّة النظر كونه مولّدا للعلم. ويقول : إنّ سكون نفس الناظر إلى صحّة ما اعتقده ، ومفارقته للجاهل والشاكّ والظانّ ، يقتضي

صحّة نظره. ولذلك يظهر من الناظر ما يقتضي سكون نفسه إلى الحق. ومن المخالفين من الاضطراب والمكابرة ، عند محاجتنا لهم ، ما يدلّ على زوال سكون النفس عنهم (ق ، غ ١٢ ، ٦٩ ، ٣)

صدق

ـ الصدق هو الإخبار عن الشيء على ما هو به (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ٢)

ـ الصدق الخبر عن الشيء على ما هو به إذا كان معه علم الحقيقة (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ٤)

ـ الصدق ذو شروط شتّى منها صحّة الحقيقة ومنها العلم بها ومنها أمر الله به (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ٩)

ـ أمّا الصدق فقد بيّنا أنّه لا يجب لكونه صدقا أن يكون حسنا ، فإنّه قد يعرض فيه ما يوجب كونه قبيحا ، نحو أن يكون عبثا أو ظلما واضطرارا بنفس الصادق أو بغيره ، أو يكون إلى ما شاكل ذلك (ق ، غ ١٧ ، ٣٠ ، ١٠)

ـ إنّ الخبر الصدق إذا كان الغرض فيه حصول دلالته على ما يدلّ عليه ، وظهور فائدته التي هي مراد المتكلّم ، وما يدلّ مراده عليه فلا بدّ من أن يقبح متى لم يحصل فيه ما ذكرناه من الغرض ، ولا فرق بين أن لا يحصل ذلك فيه لأمر يرجع إلى المواضعة ، أو إلى المخبر والمخاطب ، لأنّ في الوجهين جميعا يصير الخبر كلّا خبر ، ويصير الكلام كالسكوت ، ويقدح ذلك في طريقة البيان والإفادة بالكلام ، وما هذا حاله لا بدّ من أن يكون قبيحا ، في الشاهد والغائب ، لكنّ الشاهد يخالف الغائب من حيث نضطرّ إلى قصد المتكلّم ، ومن القديم تعالى لا يصحّ ذلك على ما قدّمنا القول فيه ، فلا يخرج خطاب أحدنا في الشاهد ، وإن صيّر بعض أخباره في حكم السكوت (من أن يقع) البيان به على طريقة الاضطرار ، أو إذا تغيّرت الحال ، وليس كذلك حال القديم تعالى ، لأنّا متى جوّزنا في بعض أخباره ما ذكرناه ، أدّى إلى أن يكون كل كلامه مما لا يقع به البيان ، وأن يكون وجوده كعدمه ، وإذا كان كون الفعل عبثا يقتضي قبحه ، فبأن يجب قبحه إذا اقتضى فيه وفي غيره أن يكون عبثا ولا يقع الغرض به ، أولى (ق ، غ ١٧ ، ٣١ ، ١٢)

ـ للكرّامية في هذه المسألة بدع ما سبقوا إليها. منها أنّ بعضهم زعم أنّ حقيقة الصدق هو الخبر الذي تحته معنى ، والكذب هو الخبر الذي لا معنى تحته (ب ، أ ، ٢١٧ ، ١٧)

صدق حسن

ـ ممّا يعوّل المعتزلة عليه في ادّعاء الضرورة ، أنّهم قالوا : العاقل إذا سنحت له حاجة ، وغرضه منها يحصل بالصدق ويحصل أيضا بالكذب يصدر عنه ، ولا مزية لأحدهما على الثاني في تمكّنه من جلب الانتفاع بهما واندفاع الضرر عنه بهما ؛ فإذا تساويا لديه ، وتماثلا من كل وجه ، فالعاقل يؤثر الصدق لا محالة ويجتنب الكذب. وإنّما يختار الكذب إذا تخيّل له فيه غرض زائد على ما يتوقّعه في الصدق ، فأمّا إذا تساوت الأغراض فالعقل قاض بالإعراض عن الكذب وإيثار الصدق ، وما ذلك إلّا لكون الصدق حسنا عقلا (ج ، ش ، ٢٣١ ، ١٩)

صراط

ـ اختلفوا في الصراط. فقال قائلون : هو الطريق إلى الجنّة وإلى النار ووصفوه فقالوا هو أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف ينجّي الله عليه من

يشاء. وقال قائلون : هو الطريق وليس كما وصفوه بأنّه أحدّ من السيف وأدقّ من الشعر ولو كان كذلك لاستحال المشي عليه (ش ، ق ، ٤٧٢ ، ٣)

ـ أمّا الصّراط فهو الطريق والسبيل في جميع التآويل وهو قوله : (وَأَنَّ هذا صِراطِي) (الأنعام : ١٥٣). وقوله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي) (يوسف : ١٠٨) ثم اختلفوا فيما يراد به (م ، ت ، ٢٥ ، ٥)

ـ كان (الأشعري) يقول في الصراط إنّه لا ينكر أن يكون ذلك جسرا ممدودا على جهنّم على الوصف الذي روي في الخبر يعبره المؤمنون على الوجوه التي ذكرت ويقع منه الكافرون في النار ، فيكون ذلك علامة لنجاة من ينجو وهلاك من يهلك (أ ، م ، ١٧١ ، ٢٠)

ـ الصراط ؛ وهو طريق بين الجنّة والنار يتّسع على أهل الجنّة ويضيق على أهل النار إذا راموا المرور عليه ، وقد دلّ عليه القرآن ، قال الله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (الفاتحة : ٦ ـ ٧).

فلسنا نقول في الصراط ما يقوله الحشوية ، من أنّ ذلك أدقّ من الشعر وأحدّ من السيف ، وأنّ المكلّفين يكلّفون اجتيازه والمرور به ، فمن اجتازه فهو من أهل الجنّة ، ومن لم يمكنه ذلك فهو من أهل النار ؛ فإنّ تلك الدار ليست هي بدار تكليف ، حتى يصح إيلام المؤمن وتكليفه المرور على ما هذا سبيله في الدقّة والحدّة ؛ وأيضا فقد ذكرنا أنّ الصراط هو الطريق ، وما وصفوه ليس من الطريق بسبيل ، ففسد كلامهم فيه (ق ، ش ، ٧٣٧ ، ١١)

ـ حكي في الكتاب عن كثير من مشايخنا أنّ الصراط إنّما هو الأدلّة الدالّة على هذه الطاعات التي من تمسّك بها نجا وأفضى إلى الجنّة ، والأدلّة الدالّة على المعاصي التي من ركبها هلك واستحقّ من الله تعالى النار (ق ، ش ، ٧٣٨ ، ٣)

ـ يحكى عن عبّاد ، أنّ الصراط إنّما هو الأدلّة الدالّة على وجوب هذه الواجبات والتمسّك بها ، وقبح هذه المقبحات والاجتناب منها ، والفائدة في أن جعل الله تعالى إلى دار الجنّة طريقا حاله ما ذكرنا ، هو لكي يتعجّل به للمؤمن مسرّة وللكافر غمّا ، وليضمّنه اللطف في المصلحة على ما سبق في نظائره (ق ، ش ، ٧٣٨ ، ١٠)

ـ أمّا الصراط فقد ذكرناه في الباب الأوّل الذي قبل هذا ، وأنّه كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوضع الصراط بين ظهراني جهنم ويمرّ عليه الناس فمخدوج وناج ومكردس في نار جهنم ، وأنّ الناس يمرّون عليه على قدر أعمالهم كمرّ الطرف فما دون ذلك إلى من يقع في النار ، وهو طريق أهل الجنّة إليها من المحشر في الأرض إلى السماء (ح ، ف ٤ ، ٦٦ ، ١١)

ـ الصراط ثابت على حسب ما نطق به الحديث ، وهو جسر ممدود على متن جهنم ، يرده الأوّلون والآخرون (ج ، ش ، ٣٢٠ ، ٣)

ـ قال أصحابنا رحمهم‌الله تعالى الصراط الوارد ذكره في الكتاب العزيز هو الطريق لأهل الجنّة إلى الجنّة ولأهل النار إلى النار بعد المحاسبة (أ ، ش ٢ ، ٩٤ ، ٧)

ـ المعتزلة : والصراط طريق على جهنّم. ضرّار : لا. لنا : الخبر ، ولا مانع (م ، ق ، ١٣٠ ، ١١)

صغائر

ـ اختلفت المرجئة في الصغائر والكبائر على مقالتين. فقالت الفرقة الأولى : كل معصية فهي

كبيرة ، وقالت الفرقة الثانية : المعاصي منها كبائر ومنها صغائر (ش ، ق ، ١٥٠ ، ١٠)

ـ أبو الهذيل ، حكي عنه أنّ الصغائر تغفر لمن اجتنب الكبائر على طريق التفضّل لا على طريق الاستحقاق ، وزعم أنّ الإيمان كله إيمان بالله ، منه ما تركه كفر ومنه ما تركه فسق ليس بكفر ، كالصلاة وصيام شهر رمضان ، ومنه ما تركه صغير ليس بفسق ولا كفر ، ومنه ما تركه ليس بكفر ولا بعصيان كالنوافل (ش ، ق ، ٢٦٧ ، ١٣)

ـ قالت الإماميّة لا تجوز عليهم الكبائر ولا الصغائر لا عمدا ولا خطأ ولا سهوا ولا على سبيل التأويل والشبهة ، وكذلك قولهم في الأئمة ، والخلاف بيننا وبينهم في الأنبياء يكاد يكون ساقطا لأنّ أصحابنا إنّما يجوّزون عليهم الصغائر لأنّه لا عقاب عليها ، وإنّما تقتضي نقصان الثواب المستحقّ على قاعدتهم في مسئلة الإحباط ، فقد اعترف إذا أصحابنا بأنّه لا يقع من الأنبياء ما يستحقّون به ذمّا ولا عقابا ، والإماميّة إنّما تنفي عن الأنبياء الصغائر والكبائر من حيث كان كل شيء منها يستحقّ فاعله به الذمّ والعقاب ، لأنّ الإحباط باطل عندهم ، فإذا كان استحقاق الذمّ والعقاب يجب أن ينفى عن الأنبياء وجب أن ينفى عنهم سائر الذنوب (أ ، ش ٢ ، ١٦٣ ، ٩)

صغير

ـ كل ما أتى فيه الوعيد فهو كبير ، وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير (ش ، ق ، ٢٧٠ ، ١٦)

صغيرة

ـ أمّا الصغيرة ، فهو ما يكون ثواب فاعله أكثر من عقابه إمّا محقّقا وإمّا مقدّرا (ق ، ش ، ٦٣٢ ، ١٠)

ـ الكبيرة والصغيرة إنّما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما إمّا إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما (ز ، ك ١ ، ٥٢٢ ، ١٩)

صفات

ـ كان (عبد الله بن كلّاب) يقول إنّ أسماء الله وصفاته لذاته لا هي الله ولا هي غيره وأنّها قائمة بالله ولا يجوز أن تقوم بالصفات صفات ، وكان يقول أنّ وجه الله لا هو الله ولا هو غيره وهو صفة له وكذلك يداه وعينه وبصره صفات له لا هي هو ولا غيره ، وأنّ ذاته هي هو ونفسه هي هو وأنّه موجود لا بوجود ، وشيء لا بمعنى له كان شيئا ، وكان يزعم أن صفات البارئ لا تتغاير وأنّ العلم لا هو القدرة ولا غيرها وكذلك كل صفة من صفات الذات لا هي الصفة الأخرى ولا غيرها (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١٢)

ـ اختلفوا في صفات البارئ سبحانه هل يقال أنّها أشياء أو لا يقال إنّها أشياء على ثلاث مقالات : فقال" سليمان بن جرير" : علم البارئ شيء وقدرته شيء وحياته شيء ولا أقول : صفاته أشياء ، وقال بعض أصحاب الصفات : صفات البارئ أشياء ، وقال بعضهم : لا أقول العلم شيء ولا أقول الصفات أشياء لأني إذا قلت البارئ شيء بصفاته استغنيت عن أن أقول صفاته أشياء (ش ، ق ، ١٧١ ، ٩)

ـ اختلف أصحاب الصفات في البارئ هل هي قديمة أو محدثة على مقالتين : فقال قائلون : إنّ صفات البارئ قديمة ، وقال قائلون : إذا قلنا أنّ البارئ قديم بصفاته استغنينا عن أن نقول إنّ الصفات قديمة وقالوا : لا يقال إنّ الصفات

قديمة ولا يقال إنّها محدثة (ش ، ق ، ١٧١ ، ١٦)

ـ اختلف الذين لم يقولوا الأسماء والصفات هي البارئ في الأسماء والصفات ما هي على مقالتين : فقالت المعتزلة والخوارج : الأسماء والصفات هي الأقوال وهي قولنا : الله عالم الله قادر وما أشبه ذلك. وقال" عبد الله بن كلاب" : أسماء الله هي صفاته وهي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وسائر صفاته (ش ، ق ، ١٧٢ ، ١٤)

ـ أجمعت المعتزلة على أنّ صفات الله سبحانه وأسماءه هي أقوال وكلام ، فقول الله أنّه عالم قادر حيّ أسماء لله وصفات له ، وكذلك أقوال الخلق ، ولم يثبتوا صفة له علما ولا صفة قدرة وكذلك قولهم في سائر صفات النفس (ش ، ق ، ١٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ الصفات هي الأقوال والكلام كقولنا عالم قادر فهي صفات أسماء ، وكالقول يعلم ويقدر فهذه صفات لا أسماء ، وكالقول شيء فهذا اسم لا صفة (ش ، ق ، ٣٥٧ ، ٩)

ـ إنّ الصفات هي الأوصاف وهي القول والكلام كالقول : زيد عالم قادر حيّ ، فأمّا العلم والقدرة والحياة فليست بصفات ، وكذلك الحركات والسكون ليست بصفات (ش ، ق ، ٣٦٩ ، ٦)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الصفات في الجملة على قسمين ، فمنها ما يجوز مفارقتها للموصوف بها ومنها ما لا يجوز ذلك عليها ، فالذي يجوز ذلك عليها يجوز أن تكون غير الموصوف بها ، والذي يستحيل ذلك عليها فمحال أن يقال إنّها غير الموصوف بها. وكان يقول إنّ جملة صفات المحدثات أغيار في أنفسها وأغيار للموصوفين بها ، وإنّ صفات الله تعالى على قسمين ، فمنها ما لا يقال إنّها غيره وهي القائمة بذاته ، ومنها ما يجب أن تكون غيره لقيامها بغيره وهي الأوصاف والأذكار والأخبار عنه وعن صفاته. وكان لا يأبى وصف المعاني المحدثة بأنّها أغيار وأنّها كذلك لأنفسها لا لمعان. ويأبى في صفات الله تعالى القائمة به أن يقال إنّها أغيار أو مختلفة أو متّفقة (أ ، م ، ٤٠ ، ١)

ـ الصفات لا يجوز أن تكون بالفاعل (ن ، د ، ٢١ ، ١٧)

ـ أمّا اللغة فإنّ الاستطاعة إنّما هي مصدر استطاع يستطيع استطاعة ، والمصدر هو فعل الفاعل وصفته ، كالضرب الذي هو فعل الضارب ، والحمرة التي هي صفة الأحمر ، والاحمرار الذي هو صفة المحمرّ وما أشبه هذا ، والصفة والفعل عرضان بلا شكّ في الفاعل منّا وفي الموصوف ، والمصادر هي إحداث المسمّين بالأسماء بإجماع من أهل كل لسان ، فإذا كانت الاستطاعة في اللغة التي بها نتكلّم نحن وهم إنّما هي صفة في المستطيع ، فبالضرورة نعلم أنّ الصفة هي غير الموصوف ، لأنّ الصفات تتعاقب عليه. فتمضي صفة وتأتي أخرى ، فلو كانت الصفة هي الموصوف لكان الماضي من هذه الصفات هو الموصوف الباقي ، ولا سبيل إلى غير هذا البتّة ، فإذا لا شكّ في أنّ الماضي هو غير الباقي ، فالصفات هي غير الموصوف بها وما عدا هذا فهو من المحال والتخليط (ح ، ف ٣ ، ٢٧ ، ١٤)

ـ من الصفات المحمولة في الموصوف ما لو توهّم زواله عنه لم يبطل حامله ولا فارقه اسمه ، وهذا القسم ينقسم أقساما ثلاثة ،

فأحدها ممتنع الزوال كالفطس والقصر والزرق وسواد الزنجي ونحو ذلك ، إلّا أنّه لو توهّم زائلا لبقي الإنسان إنسانا بحاله ، وثانيها بطيء لزوال كالمرودة وسواد الشعر وما أشبه ذلك ، وثالثها سريع الزوال كحمرة الخجل وصفرة الوجل وكمدة الهمّ ونحو ذلك ، فهذه هي حقيقة الكلام في الصفات ، وما عدا ذلك فطريق السوفسطائية الذين لا يحقّقون حقيقة ونعوذ بالله من الخذلان (ح ، ف ٥ ، ١٧ ، ٢)

ـ قال أبو الحسن : الباري تعالى عالم بعلم ، قادر بقدرة ، حي بحياة ، مريد بإرادة ، متكلّم بكلام ، سميع يسمع ، بصير يبصر. وله في البقاء اختلاف رأي. قال : وهذه الصفات أزليّة قائمة بذاته تعالى. لا يقال : هي هو ، ولا هي غيره ، ولا : لا هو ، ولا : لا غيره (ش ، م ١ ، ٩٥ ، ١٥)

ـ قالت الصفاتيّة من الأشعريّة والسلف إنّ الباري تعالى عالم بعلم قادر بقدرة حي بحياة سميع بسمع بصير ببصر مريد بإرادة متكلّم بكلام باق ببقاء ، وهذه الصفات زائدة على ذاته سبحانه ، وهي صفات موجودة أزليّة ومعان قائمة بذاته. وحقيقة الإلهيّة هي أن تكون ذات أزليّة موصوفة بتلك الصفات (ش ، ن ، ١٨١ ، ٣)

ـ نقول (الصفاتيّة) معنى قولنا الصفات قامت به أنّه سبحانه يوصف بها فقط من غير شرط آخر ، والوصف من حيث هو وصف لا يستدعي الاحتياج والاستغناء ولا التقدّم ولا التأخّر ، فإنّ الوصف بكونه قديما واجبا بذاته من حيث هو وصف لا يستدعي كون القدم والوجوب محتاجا إلى الموصوف ، ولا كون الموصوف سابقا بالقدم والوجوب ، بل الاحتياج إنّما يتصوّر في الجواهر والأعراض حيث لم تكن فكانت. فاحتاجت إلى موجد لجوازها ، وتطلق على الأعراض خاصة حيث لم تعقل إلّا في محال ، واحتاجت إلى محل ، وبالجملة الاحتياج إنّما يتحقّق فيما يتوقّع حصوله فيترقّب وجوده ، ولن يتصوّر الاحتياج في القدم (ش ، ن ، ٢٠١ ، ١٨)

ـ جمهور أئمتنا ، عليهم‌السلام ، والجمهور : وصفات العالم توصف بأنّها محدثة. الأموريّة : الصفات لا توصف رأسا لما يلزم من التسلسل ، أو التحكّم حيث اقتصر على وصفها دون وصف وصفها. والجواب ، والله الموفق : أنّه قد صحّ حدوثها لكونها لم يتقدّم موصوفها المحدث ، فصحّ وصفها بأنّها محدثة ، إذ ذلك دليل لا ينكر ، فلا تحكم ، ووصفها هو القول بأنّها محدثة ، وكل قول محدث وإن لم يقل فيه إنّه محدث ، فلا وصف له حينئذ ، فلا تسلسل (ق ، س ، ٦٧ ، ١٧)

ـ جمهور أئمتنا ، عليهم‌السلام ، والملاحميّة : وصفات الله هي ذاته ، وفاقا لأبي الحسين البصريّ ، والرازيّ وغيرهما في صفته تعالى الوجوديّة. ومعناه أنّه قادر بذاته لا بأمر غيره ، ونحو ذلك. بعض أئمتنا ، عليهم‌السلام ، وبعض شيعتهم ، وأبو علي البهشميّة : بل هي أمور زائدة على ذاته (ق ، س ، ٦٩ ، ١١)

ـ قلنا : يلزم تلاشيها (صفات الله) ، لأنّها إمّا موجودة أو معدومة ، أو لا موجودة ولا معدومة ، ليس الثالث ، إذ لا واسطة بين الموجود والمعدوم ، ولا الثاني ، لما يلزم من كونه تعالى معدوما ، لعدم صفته الوجوديّة ، ونحو ذلك. وقد صحّ بما مرّ أنّه موجود ، ونحو ذلك ، مع أنّهم لا يقولون بذلك. وحاشاهم (ق ، س ، ٦٩ ، ١٧)

ـ الرافضة والجهميّة : بل هي (صفات الله) غيره ، وهي محدثة بعلم محدث (ق ، س ، ٧٠ ، ١٥)

ـ الأشعريّة : بل معان قديمة قائمة بذاته لا هي الله ولا غيره (صفات الله) (ق ، س ، ٧٠ ، ٢٠)

صفات الأجناس

ـ أمّا صفات الأجناس ، فقد دللنا من قبل على أنّها لا تكون بالفاعل على وجه من الوجوه ، وتقصّينا القول فيه. وقد اعتمد شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، على ذلك بأن قال : لو جاز أن يقدر القادر على الشيء على غير جهة الأحداث ، لصحّ أن يقدر على ما يستحيل حدوثه. وقد علمنا أنّ ما استحال حدوثه ، يستحيل كونه قادرا عليه ؛ وما صحّ حدوثه ، يصحّ كونه قادرا عليه ؛ وما استحال حدوثه من جهة قادر مخصوص ، يستحيل كونه قادرا عليه ، وإن صحّ من غيره أن يقدر عليه ؛ وما بقي من الأفعال ، يستحيل كونه مقدورا في حال بقائه من حيث استحال حدوثه. وذلك يبيّن أنّ القادر إنّما يقدر على الشيء من جهة الإحداث (ق ، غ ٨ ، ٦٨ ، ١٠)

ـ كون الذات قادرا يظهر بصحة الفعل منه ، ثم يجوز أن يقدر ولا يصحّ منه الفعل لمانع. وكذلك صفات الأجناس إنّما تظهر بصفات مقتضاة عنها ، ثم يجوز أن لا تحصل المقتضاة ، لأنّها مشروطة بالوجود ، ومع ذلك فإنّ هذه الأجناس تحصل على صفاتها في العدم (ن ، د ، ١٧٣ ، ٤)

ـ إنّ صفات الأجناس لا تتعلّق بالفاعل ، لأنا قد بيّنا أنّ الذات وإن خرج عن كل صفة فإنّه لا يخرج عن صفة يصحّ أن يتعلّق العلم بها على التفصيل ويتميّز بها عن غيره (ن ، د ، ٢٠١ ، ٣)

ـ إنّ صفات الأجناس لا تتعلّق بالفاعل ، ما قد ثبت أنّ كل ذات لا بدّ أن يصحّ تعلّق العلم بها على طريق التفصيل ، والعلم بها على طريق التفصيل لا يتعلّق إلّا على صفة تتميّز بها عن غيرها ، وتلك الصفة لا بدّ لها من حكم تظهر به ، وحكمها ما نقوله إنّه مقتضى عنها ، وحصوله مشروط بالوجود. والمخالف يقول إنّه بالفاعل ، فكونه مقتضى على الصفة الذاتية يمنع من أن يكون بالفاعل ، لأن ما يكون مقتضى يجب حصوله بحصول الوجود ، وما يكون بالفاعل ويكون موقوفا على اختياره ، يجوز أن يحصل وأن لا يحصل ، وإن حصل الوجود (ن ، د ، ٢٢١ ، ١٦)

ـ أعلم أنّ من خالفنا في حدوث الأجسام لا يمكن أن يسأل عن هذا الموضع ، وهو أنّ صفات الأجناس تتعلّق بالفاعل ، لأنّ هذه الصفات إذ كانت متعلّقة بالفاعل لا بدّ أن تصاحب الحدوث ، كما أنّ كون الكلام أمرا وخبرا لما كان بالفاعل كان مصاحبا للحدوث. ومن قدر على هذه الصفات يجب أن يكون قادرا على الإيجاد (ن ، د ، ٢٢٢ ، ١٥)

ـ إنّ صفات الأجناس أجمع لا تصحّ أن تحصل بالفاعل (أ ، ت ، ٨١ ، ١٧)

صفات الأجناس والأنواع

ـ كل صفة إثبات لذات من غير علّة زائدة على الذات ، كتحيّز الجوهر وكونه موجودا وكون العرض عرضا ولونا وسوادا ، والضابط أنّ كل موجود له خاصّية يتميّز بها عن غيره فإنّما يتميّز بخاصيّة هي حال ، وما تتماثل المتماثلات به وتختلف المختلفات فيه فهو حال ، وهي التي تسمّى صفات الأجناس والأنواع (ش ، ن ، ١٣٣ ، ٣)

صفات أسماء

ـ إنّ الصفات هي الأقوال والكلام كقولنا عالم قادر فهي صفات أسماء ، وكالقول يعلم ويقدر فهذه صفات لا أسماء ، وكالقول شيء فهذا اسم لا صفة (ش ، ق ، ٣٥٧ ، ١٠)

صفات إضافية وسلبية

ـ يقول (علي) إنّه سبحانه لم تحط به العقول أي لم تتصوّر كنه ذاته ، ولكنّه تجلّى للعقول بالعقول ، وتجلّيه هاهنا هو كشف ما يمكن أن تصل إليه العقول من صفاته الإضافيّة والسلبيّة لا غير ، وكشف ما يمكن أن تصل إليه العقول من أسرار مخلوقاته ، فأمّا غير ذلك فلا. وذلك لأنّ البحث النظري قد دلّ على أنّا لم نعلم منه سبحانه إلّا الإضافة والسلب ، أمّا الإضافة فكقولنا عالم قادر ، وأمّا السلب فقولنا ليس بجسم ولا عرض ولا يرى. فأمّا حقيقة الذات المقدّسة المخصوصة من حيث هي هي فإنّ العقل لا يتصوّرها وهذا مذهب الحكماء وبعض المتكلّمين من أصحابنا ومن غيرهم (أ ، ش ٣ ، ١٩٦ ، ٢٤)

صفات الأفعال

ـ زعموا (المعتزلة) أنّ ما يوصف به البارئ لنفسه كالقول قادر حيّ وما أشبه ذلك لم يجز أن يوصف بضدّه ولا بالقدرة على ضدّه ، لأنّه لمّا وصف بأنّه عالم لم يجز أن يوصف بأنّه جاهل ولا بالقدرة على أن يجهل ، وما وصف البارئ بضدّه أو بالقدرة على ضدّه فهو من صفات الأفعال ، وذلك أنّه لمّا وصف بالإرادة وصف بضدّها من الكراهة ، وزعموا أنّه لمّا وصف بالإرادة وصف بضدّها من الكراهة ، وزعموا أنّه لمّا وصف بالبغض وصف بضدّه من الحبّ ولمّا وصف بالعدل وصف بالقدرة على ضدّه من الجور (ش ، ق ، ١٨٦ ، ٨)

ـ إنّ صفات أفعاله هي التي سبقها ، وكان تعالى موجودا في الأزل قبلها (ب ، ن ، ٢٦ ، ٤)

صفات الله

ـ أمّا صفات الله تبارك وتعالى فإنّها على نوعين. منها ما يعلم من طريق الأفعال ودلائلها عليها ، وهي كالحياة والعلم والقدرة والإرادة. ومنها ما يثبت له لانتفاء صفات النقص عن ذاته ، وذلك كالسمع والبصر والكلام والبقاء. فأمّا ما يثبت من طريق الخبر فلا ينكر أن يرد الخبر بإثبات صفات له تعتقد خبرا وتطلق ألفاظها سمعا وتحقّق معانيها على حسب ما يليق بالموصوف بها ، كاليدين والوجه والجنب والعين ، لأنّها فينا جوارح وأدوات وفي وصفه نعوت وصفات ، لمّا استحال عليه التركيب والتأليف ، وأن يوصف بالجوارح والأدوات. فأمّا ما يوصف من ذلك من جهة الفعل كالاستواء والمجيء والنزول والإتيان ، فإنّ ألفاظها لا تطلق إلّا سمعا ومعانيها لا تثبت إلّا عقلا وتستفاد أسامي هذه الأفعال بإخباره عنها بذلك. فما جاء به الكتاب أو وردت به الأخبار المتواترة أجرى أمرها على ذلك. وما وردت به أخبار الآحاد فإنّ التجويز معلّق به على هذا الوجه دون القطع واليقين (أ ، م ، ٤١ ، ١)

ـ إذا جرى في كلام الشيوخ أنّ صفاته جلّ وعزّ إمّا أن تكون من صفات الذات أو من صفات الفعل ، وأريد به أن في صفاته ما يتبع وجود فعل من جهته فهو صحيح بعد أن لا نرجع

بقولنا إنّه مريد أو كاره إلى أنّه فعل الإرادة. والأولى أن يقال : إنّ صفاته إمّا أن تكون للذات أو لمعنى أو لا للذات أو لا لمعنى. فكونه قادرا وعالما وحيّا وقديما هو لنفسه عند" أبي علي" وغيره من شيوخنا. وعند" أبي هاشم" إنّ الصفة الذاتيّة هي للنفس ، وإنّ هذه الصفات هي لما هو عليه في نفسه. وكونه مدركا عند الشيخ" أبي علي" والشيخ" أبي عبد الله" للنفس وعند" أبي هاشم" لما هو عليه في نفسه من كونه حيّا عند وجود المدرك وهو الأولى. وأمّا كونه مريدا وكارها وما يتبع من الأسماء والأوصاف من نحو كونه ساخطا راضيا فهو لمعنى ، كما أنّ كونه عزيزا وعظيما ومقتدرا وجبّارا وغيرها راجع إلى كونه قادرا (ق ، ت ١ ، ١٠٠ ، ١٤)

ـ جملة القول في هذه الصفات (لله) أنّها لا تخرج عن وجهين : أحدهما ما له متعلّق نحو كونه قادرا وعالما ومدركا ومريدا وكارها. والثاني ما لا متعلّق له وهو نحو كونه حيّا وموجودا وما يختصّ به لذاته من الصفات التي تقتضي هذه الصفات. فما له متعلّق فلا بدّ من دخول ضرب من الإجمال في العلم بكونه تعالى عليه من وجهين : أحدهما أنّ حصول العلم به مفصّلا إنما يكون بعد أن يعرف مقدوراته ومعلوماته ومدركاته وجميع مراداته ومكروهاته. وذلك مما لا طريق إلى العلم به مفصّلا. والثاني أن غاية ما يمكن في ذلك أن نعرف كونه عليها لم يزل ولا يزال أعني في كونه قادرا وعالما. وهذا مما هو علم على طريق الجملة (ق ، ت ١ ، ١٠٠ ، ٢٤)

ـ هذا الباب كلام في وجه استحقاق صفاته جلّ وعزّ. وجملة ذلك أنّ صفاته ، إمّا أن تكون للذات على الحقيقة كما قاله" أبو هاشم" في الصفة التي أثبتها ، وإمّا أن تكون ممّا يذكر فيها أنّها للنفس ولكنّها عنده رحمه‌الله لما هو عليه في نفسه نحو كونه عالما وقادرا وحيّا وموجودا ، وإمّا أن تكون لا للنفس لا لمعنى مثل كونه مدركا ، فإن كان في ذلك خلاف قد مضى ذكره ، وإمّا أن تكون لمعنى نحو كونه مريدا وكارها ، وكلّ نوع من هذه الصفات يجري عليه أسماء وأوصاف ، والكلّ يجري على حدّ واحد (ق ، ت ١ ، ١٧٠ ، ٢)

ـ قلنا : قدمها يوجب مماثلتها إيّاه وتماثلها إذ هو وصف ذاتيّ ، فيلزم كونها آلهة ، وكون كل واحد منها قدرة ، علما ، حياة ، فيستغنى بأحدها ، وإذ علمه واجب فاستغنى عن علمه كقدمه (صفات الله) (م ، ق ، ٨٣ ، ٢٤)

صفات الأنفس

ـ قالت المعتزلة تختلف وجوه الاعتبارات في شيء واحد ولا يوجب ذلك تعدّد الصفة ، كما يقال الجوهر متحيّز وقائم بالنفس وقابل للعرض ، ويقال للعرض لون وسواد وقائم بالمحل ، فيوصف الجوهر والعرض بصفات هي صفات الأنفس التي لا يعقل الجوهر والعرض دونهما ، ثم هذه الأوصاف لا تشعر بتعدّد في الذات ولا بتعدّد صفات هي ذوات قائمة بالذات ، ولا بتعدّد أحوال ثابتة في الذات ، كذلك نقول في كون الباري تعالى عالما قادرا (ش ، ن ، ١٩٢ ، ١٩)

صفات تابعة للعلل

ـ أمّا ما كان من الصفات والأحكام مما يعدّ في الواجبات كنحو صفات الذوات والمقتضى

عنها ، وما كان من الصفات التابعة للعلل فلن تصحّ إضافته إلى الفاعل. وأمّا حلوله في المحلّ فحكمه حكم صفات الذات وغيرها من حيث أنّه لا يحلّ محلّا مع جواز حلوله في غيره بل لا يجوز. وكان لا يجوز أن يحلّ إلّا فيه. وإنّما يقال في الفاعل أنّه يصحّ منه إيجاد الحركات وغيرها في المحال أجمع من حيث أنّ الذي يقدر عليه لا ينحصر ، وكما يصحّ منه إيجاد الفعل في هذا المحل يصحّ فيما سواه من المحال ، لا إنّ عين الموجود في هذا المحلّ تصحّ في غيره من المحال (ق ، ت ١ ، ٣٦٩ ، ١٥)

صفات ترجع إلى جملة

ـ الصفات التي ترجع إلى الجملة لا تخلو : إمّا أن يصحّ خروج الجملة عنها ، مع أنّه جملة في أكثر الأحوال ، وذلك نحو كونه مريدا وكارها ، فلا يجوز أن يكون المؤثّر في هذا الحكم ما هو من هذا القبيل من الصفات. وإمّا أن لا يصحّ خروج الجملة عنها في أغلب الأحوال ، وإنّما يصحّ من حيث المقدور ، وذلك نحو كون الجملة عالمة قادرة. فما هذا سبيله من الصفات أيضا لا يجوز أن يكون مؤثّرا في هذا الحكم ، لما بيّنا أنّ حال الجملة يختلف في كونها قادرة. وفي صحّة الفعل منها ، مع أنّ حالها فيما به تصير جملة لا يختلف ، فيجب أن يكون المؤثّر أمرا زائدا على هذه الصفات وهو ما نقوله من كون الجملة حيّة (ن ، د ، ٥٥٥ ، ١)

صفات الجواهر

ـ القائلون بالصفات زعموا أنّ صفات الجواهر إمّا أن تكون عائدة إلى الجملة وهي الحياة وكل ما كان مشروطا بها ، أو إلى الأفراد ، وهي إمّا في الجواهر أو في الأعراض. أمّا الجواهر فقد أثبتوا لها صفات أربعة ، أحدها الصفة الحاصلة حالتي العدم والوجود وهي الجوهريّة ، والثانية الوجود وهو الصفة الحاصلة بالفاعل ، والثالثة التحيّز وهو الصفة التابعة للحدوث والصادرة عن صفة الجوهريّة بشرط الوجود ، والرابعة الحصول في الحيّز وهو الصفة المعلّلة بالمعنى (ف ، م ، ٥١ ، ٢٣)

صفات الجوهر

ـ الذي يتناوله الإدراك من صفات الجوهر : كونه متحيّزا ، إلّا أنّه ينبئ عن صفة ذاتيّة لا تزايله في العدم ولا في الوجود. وكونه متحيّزا مشروط بالوجود ، فيثبت له الوجود أيضا ، ولا يظهر تحيّز ، إلّا يكونه كائنا في جهة ، فصار من توابعه. ولهذا إذا كان متحيّزا موجودا ، صحّ فيه كونه كائنا في جهة وإذا خرج عن الوجود والتحيّز ، استحال ذلك فيه ولم يمكن تعليقه بأمر سواه ، فحصل من هذه الجملة أنّ صفات الجوهر أربع : كونه جوهرا ، ومتحيّزا وموجودا ، وكائنا في جهة (أ ، ت ، ٥٦ ، ٥)

صفات خبرية

ـ الصفاتية : اعلم أنّ جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزليّة من العلم ، والقدرة ، والحياة ، والإرادة والسمع ، والبصر ، والكلام ، والجلال ، والإكرام ، والجود ، والإنعام ، والعزّة ، والعظمة. ولا يفرّقون بين صفات الذات ، وصفات الفعل بل يسوقون الكلام سوقا واحدا. وكذلك يثبتون صفات خبريّة مثل اليدين ، والوجه ولا يؤولون ذلك إلّا

أنّهم يقولون : هذه الصفات قد وردت في الشرع ، فنسمّيها صفات خبرية (ش ، م ١ ، ٩٢ ، ٦)

صفات الذات

ـ كان يقول (النظّام) إنّ الصفات للذات إنّما اختلفت لاختلاف ما ينفى عنه من العجز والموت وسائر المتضادّات من العمى والصمم وغير ذلك لا لاختلاف ذلك في نفسه ـ وقال غيره من المعتزلة : إنّما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف المعلوم والمقدور لا لاختلاف فيه (ش ، ق ، ١٦٧ ، ٣)

ـ اختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا وهم أربع فرق : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّا نقول للبارئ علما ونرجع إلى إنّه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنّه قادر لأنّ الله سبحانه أطلق العلم فقال : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وأطلق القدرة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (فصلت : ١٥) ، ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حيّ ولا سميع بمعنى سميع وإنّما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط ، والقائل بهذا" النظّام" وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداديين. والفرقة الثانية منهم يقولون : لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أنّ الله قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) (البقرة : ٢٥٥) أراد : من معلومه ، والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا : هذه قدرة الله أي مقدوره ، ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلّا في العلم والقدرة. والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علما هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعا هو هو ، وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذا القول" أبو الهذيل" وأصحابه. والفرقة الرابعة منهم يزعمون أنّه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا [لا] قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذه المقالة" العبّادية" أصحاب" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ١٨٨ ، ٤)

ـ المعتزلة تفرّق بين صفات الذات وصفات الأفعال بأنّ صفات الذات لا يجوز أن يوصف البارئ بأضدادها ولا بالقدرة على أضدادها ، كالقول عالم لا يوصف بالجهل ولا بالقدرة على أن يجهل (ش ، ق ، ٥٠٨ ، ١١)

ـ إنّ صفات ذاته [هي التي] لم تزل ، ولا يزال موصوفا بها (ب ، ن ، ٢٦ ، ٣)

ـ إنّ الصفة القديمة كالعلم ، والكلام ونحو ذلك من صفات الذات لا يجوز أن تفارق الموصوف ، لأنّ الصفة إذا فارقت الموصوف اتصف بضدّها ، والله تعالى متنزه عن الصفة وضدّها (ب ، ن ، ٩٨ ، ١٠)

ـ إنّ صفات الذات لا يصحّ أن تدلّ إلّا بعد أن يعرف الموصوف ، ويعلم كيف يستحقّ هذه الصفات (ق ، م ١ ، ١١ ، ٤)

ـ صفات الذات ترجع إلى الآحاد دون الجمل (ن ، م ، ٢٣٨ ، ١٨)

ـ لو كانت هذه الصفات (صفات الذات) بالفاعل ، لوجب أن تكون لصفة من صفاته فيها تأثير ، وصفات الفاعل المؤثّرة هو كونه قادرا وعالما ومريدا وكارها ومتفكّرا. فأمّا كونه قادرا فلا يتعدّى طريقة الأحداث كونه عالما فيؤثّر في ترتيب الفعل. ولو كانت هذه

الأجناس تقف على كونه عالما ، لم يكن ليصحّ منه إيجاد الأفعال وهو نائم أو ساه. وبهذا يبطل أن يؤثّر فيها كونه مريدا أو كارها أو ناظرا ، ولو كان لكونه ناظرا في ذلك تأثير ، لاستحال في القديم تعالى إيجاد الأجناس ، لاستحالة الصفة المؤثّرة عليه (أ ، ت ، ٨٥ ، ١٦)

ـ صفات الذات ، نحو قادر (ق ، س ، ٩٨ ، ١٣)

صفات ذاتية

ـ إنّهم (أصحاب الكلام) فرّقوا في الشاهد بين الصفات الذاتيّة التي تلتئم منها حقيقة الشيء ، وبين المقادير العرضية التي لا مدخل لها في تحقيق حقيقة الشيء ، فإنّ الصفات الذاتية لا تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل بل هي له من غير سبب ، والمقادير المختلفة تثبت للشيء مضافة إلى الفاعل ، فإنّ جعلها له بسبب (ش ، ن ، ١٠٧ ، ١٧)

ـ إنّ الصفات الذاتيّة للجواهر والأعراض هي لها لذواتها لا تتعلّق بفعل الفاعل وقدرة القادر ، إذ أمكننا أن نتصوّر الجوهر جوهرا أو عينا وذاتا ، والعرض عرضا وذاتا وعينا ، ولا يخطر ببالنا أنّه أمر موجود مخلوق بقدرة القادر ، والمخلوق والمحدث إنّما يحتاج إلى الفاعل من حيث وجوده إذا كان في نفسه ممكن الوجود والعدم ، وإذا ترجّح جانب الوجود احتاج إلى مرجّح ، فلا أثر للفاعل بقادريّته أو قدرته إلّا في الوجود فحسب ، فقلنا ما هو له لذاته قد سبق الوجود وهو جوهريّته وعرضيّته ، فهو شيء ، وما هو له بقدرة القادر هو وجوده وحصوله ، وما هو تابع لوجوده فهو تحيّزه وقبوله للعرض ، وهذه قضايا عقليّة ضروريّة لا ينكرها عاقل (ش ، ن ، ١٥٥ ، ٥)

ـ لفظ الواجب بذاته : فإنّه إن أريد به ما ليس له صفات ذاتيّة ولا خارجيّة ، فهو نفس المصادرة على المطلوب. وإن أريد به ما ليس له علّة خارجيّة عن ذاته ، ولا افتقار إلى غير ذاته ، وسواء كان ذلك صفة أم لا ، فهو الصواب ؛ فإنّ الدليل لم يدلّ إلّا على ما يجب انتهاء جميع الحادثات إليه ، وانقطاع تسلسل العلل والمعلولات عليه ، وهو غير مفتقر إلى أمر خارج عنه. لكن مثل هذا الواجب لا ينافي اتّصافه بالصفات الذاتيّة ، إن لم تكن مفتقرة إلى أمور خارجيّة. ونحن وإن قلنا إنّه ذو صفات ذاتيّة ، فهي غير مفتقرة إلى أمر خارج ، بل كل واحد منها واجب بذاته ، متقوّم بنفسه (م ، غ ، ٤١ ، ١)

ـ الصفات الذاتيّة : هي ما يوصف الله بها ، ولا يوصف بضدّها نحو القدرة والعزّة والعظمة وغيرها (ج ، ت ، ١٧٤ ، ٣)

صفات الذوات

ـ أمّا ما كان من الصفات والأحكام مما يعدّ في الواجبات كنحو صفات الذوات والمقتضى عنها ، وما كان من الصفات التابعة للعلل فلن تصحّ إضافته إلى الفاعل. وأمّا حلوله في المحلّ فحكمه حكم صفات الذات وغيرها من حيث أنّه لا يحلّ محلّا مع جواز حلوله في غيره بل لا يجوز ، وكان لا يجوز أن يحلّ إلّا فيه. وإنّما يقال في الفاعل أنّه يصحّ منه إيجاد الحركات وغيرها في المحال أجمع من حيث أنّ الذي يقدر عليه لا ينحصر ، وكما يصحّ منه إيجاد الفعل في هذا المحل يصحّ فيما سواه من المحال لا إنّ عين الموجود في هذا المحلّ تصحّ في غيره من المحال (ق ، ت ١ ، ٣٦٩ ، ١٤)

ـ وبعد فكان يجب لو كان أحدنا قادرا لنفسه أن يكون حكم القادرين منّا أجمع كذلك ، وهذا يزيل التفاضل بينهم مع علمنا بصحّة ذلك فيهم ، لأنّ صفات الذوات لا يقع فيها تزايد. وأيضا فكان يجب أن لا ينحصر مقدور أحدنا في الجنس والعدد كما لم ينحصر مقدور القديم جلّ وعزّ في هذين الوجهين لمّا كان قادرا لذاته ، وهذا يوجب جواز الممانعة بيننا وبينه تعالى عن ذلك. فثبت بطلان هذه المقالة (ق ، ت ٢ ، ٢٣ ، ١٦)

صفات زائدة على الحدوث

ـ إنّ الصفات التي يحصل عليها الفعل بالفاعل ، يجوز أن نجعله عليها وأن لا نجعله ، على البدل ، وذلك مطّرد. لأنّه يجوز أن يحدث الفعل ، وأن لا يحدثه ؛ كما يجوز أن يجعله محكما ، وأن لا يجعله كذلك. فأمّا خلاف الحدوث ، فليس إلى العدم ، وليس ذلك بمتحدّد للفعل ، حتى يقال : إنّه حصل عليه بالفاعل بدلا من الحدوث ، وإنّما يصحّ ذلك في الصفات التي يتحدّد بعضها بدلا من بعض ، وذلك لا يكون إلّا في الصفات الزائدة على الحدوث. وإنّما فارق الحدوث هذه الصفات ، لأنّ القدرة تتعلّق بالفعل على طريقة واحدة ؛ فلا يصحّ من القادر إيجاد مقدوره إلّا على سبيل الحدوث فقط ؛ والإرادة تتناول الفعل على جهات ، فيصحّ لذلك كونه على صفات مختلفة بالمريد والعالم (ق ، غ ٨ ، ٦٧ ، ٩)

صفات سلبية

ـ أمّا الصّفات السّلبيّة فهي غير ثابتة ، ولا يلزم من الاتّصاف بها قيام عرض بعرض (ط ، م ، ٨٩ ، ٢٠)

صفات الفاعل

ـ أمّا صفات الفاعل فجميعها تفيد وقوع الفعل منه ولا تفيد له حالا (ق ، غ ٧ ، ٥٣ ، ١١)

صفات الفعل

ـ قال" محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" : الوصف لله بأنّه كريم على وجهين : فالوصف له بأنه كريم بمعنى عزيز من صفات الله لنفسه ، والوصف له بأنّه كريم بمعنى أنّه جواد معط من صفات الفعل (ش ، ق ، ١٧٩ ، ٣)

ـ اختلفوا (المعتزلة) في صفات الفعل عندهم من الإحسان والعدل وما أشبه ذلك هل يقال لم يزل الله غير محسن إذ كان للإحسان فاعلا غير عادل إذ كان للعدل فاعلا على مقالتين : فمنهم من كان إذا قيل له : إذا قلت أنّ الإحسان فعل وقلت أنّ العدل فعل فقل إنّ الله لم يزل غير محسن ولا عادل! قال : نقول أنّه لم يزل غير محسن ولا مسيء وغير عادل ولا جائر حتى يزول الإيهام ولم يزل غير صادق ولا كاذب ، وهذا قول" الجبّائي" وكان" عبّاد" إذا قيل له : أتقول إنّ الله لم يزل محسنا عادلا؟ قالك لا أقول ذلك ، فإن قيل له فلم يزل غير محسن ولا عادل؟ قال : لا أقول ذلك ، وكذلك إذا قيل له : لم يزل خالقا؟ أنكر ذلك ، وإذا قيل له : لم يزل غير خالق؟ أنكر ذلك. وجميع المعتزلة لا ينكر أن يكون الله لم يزل غير خالق ولا رازق ولا فاعل ، وكذلك كل ما ليس في نعته إيهام من صفات الفعل لا يمتنعون منه كالقول محي مميت باعث وارث وما أشبه ذلك (ش ، ق ، ١٧٩ ، ٥)

ـ صفات الأفعال يجوز أن يوصف البارئ سبحانه بأضدادها وبالقدرة على أضدادها

كالإرادة يوصف البارئ بضدّها من الكراهة وبالقدرة على أن يكره ، وكذلك الحبّ يوصف البارئ بضدّه من البغض وكذلك الرضى والسخط والأمر والنهي والصدق قد يوصف البارئ بالقدرة على ضدّه من الكذب وإن لم يوصف بالكذب ، وقد يوصف بالمتضادّ من كلامه كالأمر والنهي ، وكل اسم اشتقّ للبارئ من فعله كالقول متفضّل منعم محسن خالق رازق عادل جواد وما أشبه ذلك فهو من صفات الفعل (ش ، ق ، ٥٠٩ ، ٦)

ـ قالت القدريّة هي غيره (صفات الله) وتابعها الأشعرية ، وهذا فرع لمسألة أخرى وهي أنّ صفات الفعل محدثة عندهم ، وقالوا إنّا نرى في الشاهد إنّه لا يكون المكتوب مكتوبا إلّا بالكتب ، ولا يحصل البناء إلّا بفعل البنّاء ، ولا المفعول إلّا بالفاعل ، فكذلك في الغائب ، وعن هذا إنّه تعالى خالق بخلقه ورازق برزقه وآمر بأمره ومريد بإرادته (م ، ف ، ١٨ ، ١٢)

ـ المرتضى ، عليه‌السلام ، وصفات الفعل ما يصحّ إثباتها ونفيها ، نحو خالق لخلقه ، غير خالق للمعاصي تعالى (ق ، س ، ٩٨ ، ١٤)

صفات الفعل بالفاعل

ـ إنّ الصفات التي يحصل عليها الفعل بالفاعل ، يجوز أن نجعله عليها وأن لا نجعله ، على البدل ، وذلك مطّرد. لأنّه يجوز أن يحدث الفعل ، وأن لا يحدثه ؛ كما يجوز أن يجعله محكما ، وأن لا يجعله كذلك. فأمّا خلاف الحدوث ، فليس إلى العدم ، وليس ذلك بمتحدّد للفعل ، حتى يقال : إنّه حصل عليه بالفاعل بدلا من الحدوث ، وإنّما يصحّ ذلك في الصفات التي يتحدّد بعضها بدلا من بعض ، وذلك لا يكون إلّا في الصفات الزائدة على الحدوث. وإنّما فارق الحدوث هذه الصفات ، لأنّ القدرة تتعلّق بالفعل على طريقة واحدة ؛ فلا يصحّ من القادر إيجاد مقدوره إلّا على سبيل الحدوث فقط ؛ والإرادة تتناول الفعل على جهات ، فيصحّ لذلك كونه على صفات مختلفة بالمريد والعالم (ق ، غ ٨ ، ٦٧ ، ٤)

صفات فعلية

ـ الصفات الفعليّة : هي ما يجوز أن يوصف الله بضدّه كالرضا والرحمة والسخط والغضب ونحوها (ج ، ت ، ١٧٤ ، ٥)

صفات قائمة بذاته

ـ قال أصحابنا : لا نثبت لله عزوجل من الصفات القائمة بذاته إلّا ما دلّ عليه فعله أو كان في رفعه إثبات نقص له أو ما كان إثباته شرطا في صفة سواه ، شرطا في صفة له. فصفاته التي دلّ عليها أفعاله القدرة والعلم والإرادة. لأنّ وقوع الفعل منه دليل على قدرته ، وترتيب أفعاله دليل على علمه ، واختصاص فعله بحال دون حال دليل على قصده وإرادته. وأمّا صفته المشروطة لصفة سواها فحياته التي هي شرط قدرته وعلمه وإرادته. والصفات الواجبة لأجل نفي النقايص عنه فالسمع والبصر والكلام لنفي السكوت والصمم والعمي عنه ، وليس اللون والطعم والرائحة مما يدلّ عليه فعل ولا هو مما يكون شرطا في صفة سواه ولا ينفي نقصا مخصوصا فلذلك لم يجوّز وصف الله به (ب ، أ ، ٧٨ ، ١٤)

صفات قديمة

ـ القول بأنّ الله تعالى قديم ، والقدم أخصّ وصف ذاته. ونفوا الصفات القديمة أصلا ،

فقالوا (المعتزلة) : هو عالم بذاته ، قادر بذاته ، حي بذاته ، لا بعلم وقدرة وحياة. هي صفات قديمة ، ومعان قائمة به ؛ لأنّه لو شاركته الصفات في القدم الذي هو أخصّ الوصف لشاركته في الإلهيّة (ش ، م ١ ، ٤٤ ، ١)

صفات المخلوقين

ـ إنّه ليس في العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتّة ، وإنّما الظلم بالإضافة ، فيكون قتل زيد إذا نهى الله عنه ظلما ، وقتله إذا أمر الله بقتله عدلا ، وأمّا الكذب فهو كذب لعينه وبذاته ، فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو فهو كاذب ، إلّا أنّه لا يكون ذلك إثما ولا مذموما إلّا حيث أوجب الله تعالى فيه الإثم والذمّ فقط ، وكذلك القول في الجهل والعجز إنّهما جهل لعينه وعجز لعينه ، فكل من لم يعلم شيئا فهو جاهل به ولا بدّ ، وكل من لم يقدر على شيء فهو عاجز عنه ولا بدّ ، والوجه الثاني أنّ بالضرورة التي بها علمنا من نواة التمر لا يخرج منها زيتونة ، وأنّ الفرس لا ينتج جملا ، بها عرفنا أنّ الله تعالى لا يكذب ولا يعجز ولا يجهل ، لأنّ كل هذه من صفات المخلوقين عنه تعالى منفيّة إلّا ما جاء نص بأن يطلق الاسم خاصة من أسمائها عليه تعالى فيقف عنده (ح ، ف ٣ ، ٧٥ ، ٦)

صفات مستحقة لا لعلة

ـ إنّ الصفات المستحقّة (لا) لعلّة يجب أن تتناول أيضا آحاد الأشياء دون جملها ، إلّا إذا كانت الصفة تتعلّق بصفة لعلّة ، فيصحّ فيها أن ترجع إلى الجملة ، وهذا كما نقوله في كون المدرك منّا مدركا : إنّه وإن اختصّ بذلك لا لعلّة فإنّه يرجع إلى جملته من حيث كان المصحّح له كونه حيّا ، وإنّما صار حيّا بحياة. فأمّا إذا كانت الصفة مستحقّة لا لعلّة ولم تتعلّق بصفة مستحقّة لعلّة على ما ذكرناه في المدرك فمن حقّها أن تتناول الآحاد والأجزاء دون الجمل ، وإن كانت تجري مجرى الصفات الذاتية في هذا الوجه (ق ، غ ١١ ، ٣٤٠ ، ١٧)

صفات مشتركة

ـ الصّفات المشتركة لا تخلو من أن تكون ثبوتيّة أو لا تكون. والثبوتيّة لا تخلو إمّا أن تكون داخلة في مفهومات ما يشترك في تلك الصّفات أو لا تكون ، والدّاخلة تكون كاللون الذي يشترك فيه السّواد والبياض ، وتكون هي جزءا من مفهوم السّواديّة والبياضيّة ، والجزء لا يكون عرضا قائما بالمركّب ، فلا يلزم من اتّصاف المختلفات بها قيام العرض بالعرض ؛ وغير الدّاخلة تكون كالعرض الذي يوصف به السّواد والحركة. والعرض هو عارض لهما غير داخل في مفهومهما ، وعروض الشيء للشيء لا يكوّن قيام عرض بعرض ، ولا يلزم من كون صفة مشتركة عارضة لمختلفين قيامها بهما إلّا بدليل منفصل (ط ، م ، ٨٩ ، ١٣)

صفات مشروطة بالحياة

ـ الصّفات المشروطة بالحياة هي الاعتقادات والظّنون والأنظار والقدر والشّهوات والنّفارات والآلام والإرادات والكراهات ، وهي مع الحياة عشرة ، والموت عند أبي علي أيضا منها (ط ، م ، ٨٤ ، ١٤)

صفات المعاني

ـ إنّ الصفة إنّما تتميّز عن غيرها بوجه استحقاقها. فإذا كانت إحداهما مستحقّة على طريقة ووجه تميّزت من غيرها بذلك ، فعلى هذا

يستحقّ السواد كونه سوادا وكونه موجودا ثم يظهر الفصل بينهما بأن يجعل كونه سوادا للنفس وكونه موجودا بالفاعل فيتميّز بالوجه الذي بيّناه. فحلّت الصفات في أنّها تتميّز بالوجه الذي بيّناه محل الذوات أنّها تتميّز بالصفات حتى لولاها لما أمكن الفصل بين بعض الذوات وبين بعض. فإذا صحّت هذه الجملة قلنا : جميع ما تستحقّ به الصفات لا يعدو وجوها تختلف العبارة عنها وتختلف قسمتها فيقال : إمّا أن يكون للذات أو بالفاعل أو لعلّة. وربما يقال : إمّا أن يكون للذات أو لمعنى أو لا للذات ولا لمعنى. ثم يحصل ما ليس للذات ولا لمعنى على طريقين : أحدهما ما هو بالفاعل من الحدوث. فالثاني ما تؤثّر فيه صفة أخرى على ما نقوله في كونه مدركا وهذا هو أجمع من الأوّل. وإن أردت ذكر ذلك على طريقة هي أخصر لفظا. قلت إمّا أن يكون للذات أو ما يتبعها ، أو للفاعل وما يتبعه ، ويجعل صفات المعاني مما يتبع الفاعل وعلى هذه الجملة ترتّب صفاته تعالى (ق ، ت ١ ، ١٠٠ ، ١٣)

صفات المكلّف

ـ ذكر الصفات التي يجب أن يختصّ بها المكلّف ... في أنّه تعالى يجب أن يكون عالما من حال المكلّف بما قدّمناه ليحسن أن يكلّفه إنّما قلنا ذلك لأنّه ـ تعالى ـ لو لم يعلم أنّ المكلّف متمكّن بالعلوم والقدرة وغيرهما ـ وقد ثبت أنّه عالم لنفسه فيجب أن يعلم كل معلوم ـ لكان عالما من حال المكلّف أنّه غير قادر ولا متمكّن بسائر وجوه التمكين ، فكان يقبح التكليف ؛ كما يقبح من الواحد منّا أن يأمر الغير بما يعلمه غير مطيق له ومتمكّن من إيجاده. وقد بيّنا صحّة القول بقبح ما لا يطاق (ق ، غ ١١ ، ٤٠٦ ، ١٥)

ـ اعلم أنّ المكلّف وإن كان لا يتمكّن من فعل المعارف إلّا بالأدلّة ، فليس له بالأدلّة صفة. فلذلك جعلنا ذلك من صفات المكلّف ؛ لأنّه يجب أن يفعله حتى يصحّ من المكلّف أداء ما كلّف ممّا لا يتمّ إلا به. والأدلّة وإن كان فيها ما يكون من فعل الغير فأصولها من فعله ـ تعالى ـ وموضع الجميع إليه. فلذلك أجملنا القول في أنّه من صفات المكلّف. وإنّما وجب أن ينصب الأدلّة ؛ لأنّا قد بيّنا أنّ من شرط المكلّف أن يكون عالما بصفة ما كلّف ، وبما معه يمكنه أداؤه من المعارف ، وبما معه يمكنه أن يعلم أنّه قد أدّى ما كلّف. فإذا لم يصحّ ذلك أجمع إلّا بالنظر في الأدلّة فكما لا بدّ من أن يمكّنه من النظر ليصل إلى المعرفة فكذلك يجب أن يمكّنه بنصب الأدلّة من الوصول إلى المعارف. ونبيّن فيما بعد أنّ النظر لا يوجب العلم ولا يكون صحيحا إلّا إذا كان نظرا في دليل يعلمه المكلّف على الوجه الذي يدلّ. وذلك يبيّن صحّة ما ذكرناه (ق ، غ ١١ ، ٤٠٨ ، ٨)

ـ إن قيل وما الصفات التي معها يجب أن يكلّف؟ قيل له : متى تكامل فيه ما قدّمناه من الشروط وجب في الحكمة أن يكلّف. وقد بيّنا أنّ جملته لا تخرج عن أقسام ثلاثة. إمّا أن يجعله ـ تعالى ـ مزاح العلّة في سائر وجوه التمكين ، وأن يجعله ممّن يشقّ عليه الفعل واجتناب ما نهى عنه ، وأن يجعله ممّن له داع إلى فعل القبيح والامتناع من الواجب. فمتى اختصّ بهذه الصفات وجب تكليفه (ق ، غ ١١ ، ٤٨١ ، ١٨)

صفات النفس

ـ قال" أبو الحسين الصالحي" : معنى قولي إنّ الله عالم لا كالعلماء قادر لا كالقادرين حيّ لا كالأحياء ، إنّه شيء لا كالأشياء ولذلك كان قوله في سائر صفات النفس ، وكان إذا قيل له : أفتقول أنّ معنى أنّه عالم لا كالعلماء معنى أنّه قادر لا كالقادرين؟ قال : نعم ومعنى ذلك أنّه شيء لا كالأشياء ، وكذلك قوله في سائر صفات النفس ، وكان يقول إن معنى شيء لا كالأشياء معنى عالم لا كالعلماء (ش ، ق ، ١٦٨ ، ٧)

ـ قال" محمد بن عبد الوهّاب الجبّائي" : الوصف لله بأنّه كريم على وجهين : فالوصف له بأنه كريم بمعنى عزيز من صفات الله لنفسه ، والوصف له بأنّه كريم بمعنى أنّه جواد معط من صفات الفعل (ش ، ق ، ١٧٩ ، ٢)

ـ إنّ شيخنا أبا هاشم ـ رحمه‌الله ـ قد بيّن أنّ صفات النفس فيه تعالى يجب أن يقتضيها الفعل ، أو يقتضيها ما يقتضيه الفعل ، لأنّ ما لا يتأتّى فيه ذلك لا يصحّ إثباته من صفاته سبحانه ، لأنّ طريق العلم به إذا كان هو الفعل فيجب أن يكون هو الطريق إلى ما يختصّ به من الصفات ، وألّا يصحّ إثباته على صفة لا يقتضيها الفعل على وجه ، كما أنّ ما طريق إثباته الإدراك ، لا يصحّ إثباته على صفة يختصّ بها إلّا من جهة الإدراك ، ولذلك أوجبنا إدراك الشيء على سائر صفاته النفسية ، لو حصل له صفات للنفس (ق ، غ ٧ ، ٦٤ ، ٧)

صفات وجودية

ـ قالت النفاة من المعتزلة : إنّه لو كان له صفات وجوديّة زائدة على وجوده ، لم يخل إمّا أن تكون هي هو أو هي غيره : فإن كانت هي هو فلا صفة له ، وإن كانت غيره فهي إمّا قديمة أو حادثة : فإن كانت حادثة فهو ممتنع ؛ إذ الباري ـ تعالى ـ ليس محلّا للحوادث ، كما يأتي. وإن كانت قديمة ، فالقدم أخصّ وصف الإلهيّة ، وذلك يفضي إلى القول بتعدّد الآلهة ، وهو ممتنع كما يأتي أيضا ، وأيضا فلو قامت بذاته صفات وجوديّة لكانت مفتقرة إليها في وجودها ، وذلك سيؤدّي إلى إثبات خصائص الأعراض للصفات ، وهو محال (م ، غ ، ٤٠ ، ٤)

صفاتية

ـ الصفاتية : اعلم أنّ جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى صفات أزليّة من العلم ، والقدرة ، والحياة ، والإرادة والسمع ، والبصر ، والكلام ، والجلال ، والإكرام ، والجود ، والإنعام ، والعزّة ، والعظمة. ولا يفرّقون بين صفات الذات ، وصفات الفعل بل يسوقون الكلام سوقا واحدا. وكذلك يثبتون صفات خبريّة مثل اليدين ، والوجه ولا يؤولون ذلك إلّا أنّهم يقولون : هذه الصفات قد وردت في الشرع ، فنسمّيها صفات خبريّة (ش ، م ١ ، ٩٢ ، ٢)

ـ لمّا كانت المعتزلة ينفون الصفات والسلف يثبتون ، سمّي السلف صفاتيّة ، والمعتزلة معطّلة (ش ، م ١ ، ٩٢ ، ٨)

صفة

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : ومن قوله : أن ليس لله في الحقيقة صفة ، وإنّما هو وصف / الواصف له أو تسمية المسمّى ، وقد وجد الأمران جميعا

في وصف الواصفين أنّى وصفوه بالعلم والقدرة والفعل على غير اختلاف من حيث الوصف ، ثم سمّي هو في الحقيقة عالما خالقا قادرا في التحقيق ، فلا وجه لتعريفه من حيث وصف ؛ إذ حقيقتهما ترجع إلى ما فيه الوفاق (م ، ح ، ٥٠ ، ١٠)

ـ لو كانت الصفة في الحقيقة وصف الواصف ليبطل قول الخلق بأنّ الخلق أعيان وصفات ، ويبطل قوله في الاجتماع والتفرّق والحركة والسكون التي لا تخلو الأعيان عنها في إثبات حدّيها ، إذ هي تخلو عن وصف واصف لها ، فثبت أنّها صفات تلزم الأعيان لا ما ذكر (م ، ح ، ٥٦ ، ٨)

ـ إنّ الصفة هي ما قامت بالشيء (ب ، ن ، ٢٧ ، ١٧)

ـ إنّه قد صحّ وثبت أنّ من شرط الصفة قيامها بالموصوف ، والدليل على صحة ذلك أولا : أنّ حدّ القديم ما لا أوّل لوجوده ولا آخر لدوامه ، وأنّ القديم لا يدخله الحصر والعد ، ونحن نعلم وكل عاقل أنّ هذه الأشكال من الحروف لم تكن قبل حركة الكاتب وإنّما يحدثها الله مع حركة الكاتب شيئا فشيئا. ثم هي مختلفة الصور والأشكال ، ويدخلها الحصر والحدّ ، وتعدم بعد أن توجد ، وكل ذلك صفة المحدث المخلوق (ب ، ن ، ٩٩ ، ٥)

ـ أمّا الذي يدلّ على أنّ الصفة متى وجبت استغنت بوجوبها عن العلّة فصفة العلّة ؛ فإنّها لما كانت واجبة استغنت بوجوبها عن العلّة ، فكل ما شاركها في الوجوب وجب أن يشاركها في الاستغناء عن العلّة (ق ، ش ، ١٩٩ ، ١٣)

ـ إنّ الصفة إنّما تتميّز عن غيرها بوجه استحقاقها. فإذا كانت إحداهما مستحقّة على طريقة ووجه تميّزت من غيرها بذلك. فعلى هذا يستحقّ السواد كونه سوادا وكونه موجودا ثم يظهر الفصل بينهما بأن يجعل كونه سوادا للنفس وكونه موجودا بالفاعل فيتميّز بالوجه الذي بيّناه. فحلّت الصفات في أنّها تتميّز بالوجه الذي بيّناه محل الذوات أنّها تتميّز بالصفات حتى لولاها لما أمكن الفصل بين بعض الذوات وبين بعض. فإذا صحّت هذه الجملة قلنا : جميع ما تستحقّ به الصفات لا يعدو وجوها تختلف العبارة عنها وتختلف قسمتها فيقال : إمّا أن يكون للذات أو بالفاعل أو لعلّة. وربما يقال : إمّا أن يكون للذات أو لمعنى أو لا للذات ولا لمعنى. ثم يحصل ما ليس للذات ولا لمعنى على طريقين : أحدهما ما هو بالفاعل من الحدوث. فالثاني ما تؤثّر فيه صفة أخرى على ما نقوله في كونه مدركا وهذا هو أجمع من الأوّل. وإن أردت ذكر ذلك على طريقة هي أخصر لفظا. قلت إمّا أن يكون للذات أو ما يتبعها ، أو للفاعل وما يتبعه ، ويجعل صفات المعاني مما يتبع الفاعل وعلى هذه الجملة ترتّب صفاته تعالى (ق ، ت ١ ، ١٠٠ ، ١)

ـ إنّ الصفة قد تتميّز عن أخرى بالوجدان عن النفس ، كما يفصّل أحدنا بين كونه مريدا ومعتقدا ، وقد يمكن أن تكون لفظة اكشف من أخرى فنحدّ المشكل بالواضح (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ١٤)

ـ إنّ الصفة وهي واحدة محال أن تستحقّ لمعنى بعد استحقاقها للنفس (ق ، ت ١ ، ١٤٠ ، ١)

ـ إنّ الاسم والصفة لا يختلف فيهما شاهد ولا غائب إذا اتّفقا في فائدتهما (ق ، غ ٥ ، ١٨٣ ، ٢)

ـ بيّنا في باب الصفات أنّ حقيقة الصفة لا يجوز أن تختلف في الشاهد والغائب ، وكشفنا القول فيه ؛ فيجب أن تكون حقيقة المتكلّم أنّه فعل الكلام في القديم والمحدث جميعا ، وهذا يبطل وصفهم له بأنّه متكلّم فيما لم يزل. ويجب أن يوصف بذلك عند فعله الكلام (ق ، غ ٧ ، ٥٣ ، ١٤)

ـ إنّ الصفة إنّما يقال إنّ الفعل يحصل عليها بالفاعل ، متى ثبتت للفعل وعقل كونه عليها. لأنّ تعليل الصفة بالفاعل وتعليقها به ، كتعليل الصفة بالمعنى ، والعلّة في أنّه فرع على كونها معقولة. وليس للمعدوم ، بكونه معدوما ، حالة ؛ حتى يقال : إنّها بالفاعل. وإنّما صحّ في الحدوث أن يقال : إنّه بالفاعل لمّا عقل له حال ؛ ولو لم يعقل ذلك له ، لم يصحّ أن يقال : إنّه بالفاعل (ق ، غ ٨ ، ٧٤ ، ٤)

ـ الصفة إذا وجبت استغنت عن العلّة (ن ، د ، ٢١ ، ١١)

ـ كما أنّه يستحيل خروج الذات عن كونها ذاتا ، فكذلك يستحيل خروجها عن صفتها الذاتية ، كما أنّ الصفة الصادرة عن العلّة لمّا كانت مقصورة على العلّة يستحيل خروجها ما دامت العلّة (ن ، د ، ١٩٢ ، ٧)

ـ إنّ الصفة إذا لم تكن لعلّة تتجدّد ، ولا كانت مستندة إلى فاعل مختار في حال دون حال ولا إلى شرط يحصل في وقت دون وقت ، وجب حصولها أبدا (ن ، د ، ١٩٣ ، ٥)

ـ اعلم أنّه لما كان طريق العلم بالقديم تعالى فعله ، فكذلك طريق العلم بأوصافه يجب أن يكون فعله ، إمّا بنفسه وإمّا بواسطة ؛ فكل صفة لا يدلّ عليها فعله لا بنفسه ولا بواسطة ولا بواسطتين وجب نفيها ، وكل صفة يدلّ عليها فعله إمّا بنفسه وإمّا بواسطتين وجب إثباتها (ن ، د ، ٤٥٧ ، ٧)

ـ قال مشايخنا إنّ الصفة الصادرة عن النفس كالصفة الصادرة عن العلّة ، والنفس لا تؤثّر في الصفة إلّا وهي موجودة ، كما أنّ العلّة لا تؤثّر في الصفة للغير إلّا وهي موجودة. فلما وجب الوجود في أحدهما وجب في الآخر (ن ، د ، ٤٩٧ ، ٣)

ـ الصحيح أن القديم تعالى حاصل على مثل صفة الواحد منها في كونه معتقدا ، وإن لم يوصف بذلك ، ولا يجب أن يكون حاصلا على مثل هذا الحكم الذي هو سكون النفس ، لأن هذا الحكم إنما يثبت في الشاهد تبعا للعلم. فالقديم تعالى لمّا لم يكن عالما بعلم لم يجب له هذا الحكم. هذا إن قلنا إنّه لا يحصل له هذا الحكم ، فإن قلنا إنّه يحصل له مثل هذا الحكم لما لزم أن يكون المؤثر فيه ما هو عليه في ذاته. بل لا يمتنع أن يقال إنّه استند إلى مثل صفة أحدنا في كونه معتقدا ، ثم لا يجب في كل معتقد أن يكون كذلك ، لأنّ هذه الصفة في القديم تعالى ليست بمعنوية ، بل هي واجبة لما عليه القديم تعالى في ذاته ـ والصفة فينا معنوية فافترقنا (ن ، د ، ٤٩٨ ، ٢)

ـ قد ثبت أنّ أحدنا حيّ ، وثبت أنّ كونه قادرا تعلّق بكونه حيّا ؛ والصفة متى تعلّقت بأخرى على طريقة الصحة فإنها لا تتعلّق إلّا بها ، شاهدا كان أو غائب (ن ، د ، ٥٥٤ ، ٩)

ـ هو الله أحد خبر عن الله تعالى بما هو الحق ، فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن لمعنى أنّها خبر عنه تعالى حق (ح ، ف ٢ ، ١٢٢ ، ٢)

ـ أمّا الصفة التي يطلقون هم (المعتزلة والرافضة) فإنّما هي في اللغة واقعة على عرض في جوهر ،

لا على غير ذلك أصلا وقد قال تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات : ١٨٠) فأنكر تعالى إطلاق الصفات جملة ، فبطل تمويه من موّه بالحديث المذكور ليستحلّ بذلك ما لا يحلّ من إطلاق لفظة الصفات حيث لم يأت بإطلاقها فيه نص ولا إجماع أصلا ولا أثر عن السلف ، والعجب من اقتصارهم على لفظة الصفات ومنعهم من القول بأنّها نعوت وسمات ، ولا فرق بين هذه الألفاظ لا في لغة ولا في معنى ولا في نص ولا في إجماع (ح ، ف ٢ ، ١٢٢ ، ٧)

ـ أمّا لفظ الصفة في اللغة العربية وفي جميع اللغات فإنّما هو عبارة عن معنى محمول في الموصوف بها ، لا معنى للصفة غير هذا البتّة ، وهذا أمر لا يجوز إضافته إلى الله تعالى البتّة إلّا أن يأتي نص بشيء أخبر الله تعالى به عن نفسه فنؤمن به وندري حينئذ أنّه اسم علم لا مشتقّ من صفة أصلا ، وأنّه خبر عنه تعالى لا يراد به غيره عزوجل لا يرجع منه إلى سواه البتّة (ح ، ف ٢ ، ١٥٩ ، ١٦)

ـ لا تعقل الصفة والصفات في اللغة التي بها نزل القرآن وفي سائر اللغات وفي وجود العقل وفي ضرورة الحسّ إلّا أعراضا محمولة في الموصوفين ، فإذا جوّزوها غير أعراض بخلاف المعهود فقد تحكّموا بلا دليل ، إذ إنّما يصار إلى مثل هذا فيما ورد به نص ، ولم يرد قط نص بلفظ الصفات ولا بلفظ الصفة ، فمن المحال أن يؤتي بلفظ لا نصّ فيه يعبّر به عن خلاف المعهود (ح ، ف ٢ ، ١٧٣ ، ١٢)

ـ الصفة الواحدة لا يصحّ أن تستحقّ لمعنيين مختلفين (أ ، ت ، ١٦٦ ، ٦)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الصفة هي نفس الوصف ، والوصف هو خبر الخبير عمّن أخبر عنه بأمر ما ، كقوله : إنّه عالم أو قادر أو أبيض أو أسود ونحوه ، وأنّه لا مدلول للصفة والوصف إلّا هذا (م ، غ ، ١٤٤ ، ٣)

ـ أمّا معتقد أهل الحق : فالصفة هي ما وقع الوصف مشتقّا منها ، وهو دالّ عليها وذلك مثل العلم والقدرة ونحوه ، فالمعنيّ بالصفة ليس إلّا هذا المعنى ، والمعنيّ بالوصف ليس إلّا ما هو دالّ على هذا المعنى بطريق الاشتقاق ، ولا يخفى ما بينهما من التغاير في الحقيقة ، والتنافر في الماهيّة ، فالخلاف إن وقع فليس إلّا في تسمية هذا المعنى صفة ، وحاصل النزاع في ذلك مما لا مطمع فيه باليقين ، وإنّما هو مستند إلى الظنّ والتخمين (م ، غ ، ١٤٤ ، ١٣)

ـ شهادة كل صفة أنّها غير الموصوف بكلام عجيب ، وأنا أحكي ألفاظه لتعلم. قال معنى هذا التعليل أنّ الفعل في الشاهد لا يشابه الفاعل ، والفاعل غير الفعل ، لأنّ ما يوصف به الغير إنّما هو الفعل أو معنى الفعل كالضارب ، والفهم فإنّ الفهم والضرب كلاهما فعل والموصوف بهما فاعل ، والدليل لا يختلف شاهدا وغائبا. فإذا كان تعالى قديما وهذه الأجسام محدثة كانت معدومة ثم وجدت ، يدلّ على أنّها غير الموصوف بأنّه خالقها ومدبّرها (أ ، ش ١ ، ٢٥ ، ١٣)

ـ إنّهم (أبو هاشم وأتباعه من المعتزلة) يعنون بالذّات والشيء كلّ ما يعلم أو يخبر عنه بالاستقلال ، وبالصّفة كلّ ما لا يعلم إلّا بتبعيّة الغير. فكلّ ذات إمّا موجودة أو معدومة ، والمعدوم يقال على كلّ ذات ليس له صفة الوجود ، ويجوز أن يكون له غير تلك الصّفة ، كصفات الأجناس ، عند من يثبتها للمعدومات

(ط ، م ، ٨٥ ، ١٦)

ـ الصفة ما لا يعقل إلّا مع غيره (ط ، م ، ١٧٩ ، ١٠)

ـ الصفة : هي الاسم الدالّ على بعض أحوال الذات وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق وغيرها (ج ، ت ، ١٧٣ ، ١٨)

ـ الاسم والصفة عبارة عن قول الواصف. وعن بعضهم : بل الصفة لمعنى في الموصوف. لنا : إجماع أهل اللغة على أنّ الوصف والصفة واحد ، كالوعد والعدّة. والوصف قول اتّفاقا ، فكذا الصفة. ولو أفادت المعنى لزم فيمن قام أن يوصف بأنّه واصف له (م ، ق ، ٨٧ ، ١١)

ـ كل اسم أو صفة هو حقيقة في معنى يجوز إطلاقه على الله إن صحّ عليه ذلك المعنى. قلت : ما لم يوهم الخطأ. البلخيّ : لا ، إلّا بإذن سمعيّ. فأمّا المجاز فلا إلّا بإذن اتّفاقا. لنا : لا دليل على منع الحقيقة ، وإلّا لاحتاج في تركه إلى إذن (م ، ق ، ٨٧ ، ١٩)

صفة أزلية

ـ كل ما كان من أسمائه مشتقّا من معنى قائم به فذلك المعنى صفة له أزليّة ، كالحي والقادر والقدير والمقتدر والعالم والعلّام والسامع والسميع والبصير والمريد والمتكلّم والآمر والناهي والمخبر. لأنّ هذه الأسماء دالّة على حياته وقدرته وعلمه وإرادته وكلامه وسمعه وبصره وهذه صفات له أزليّة (ب ، أ ، ١٢٣ ، ١٣)

صفة الاقتضاء

ـ قال السمناني ... لأنّه لو وجب وجود ما وجد في الوقت الذي وجد فيه لأجل قول الله تعالى كن ، لوجب أن يوجد لأجل قول غيره له كن ، لأنّ صفة الاقتضاء لا تختلف في ذلك بين القديم والمحدث (ح ، ف ٤ ، ٢١٣ ، ٦)

صفة أهل الآخرة

ـ قد يجوز منه تعالى أن يجعل عاقلا ولا يكلّفه المعرفة ، بأن يضطرّه إلى العلم به ، فيما يختصّ ذاته وفعله ، وإلى شكره على نعمه ، ويلجئه إلى ألّا يفعل القبيح ، بأن يعلمه أنّه لو رامه لمنع منه ، وحيل بينه وبينه ، فلا يجوز فيمن هذا حاله ، أن يكلّف المعرفة والشكر ، لكونه مضطرّا إليهما ، ولا يجوز أن يكلّف الامتناع من القبيح ، لأنّه ملجأ إلى ألّا يفعله ، وهذه صفة أهل الآخرة ، التي لأجلها نقول : إنه سبحانه لا يكلّفهم ، فإذا جعل تعالى العقلاء من ابتداء الخلق كذلك ، لم يحسن أن يكلّفهم (ق ، غ ١٤ ، ١٢٦ ، ٨)

صفة الجنس

ـ الدليل على أنّ صفة الجنس لا تتعلّق بالفاعل ما قد ثبت أنّ كونه سوادا لو كان بالفاعل لصحّ من الفاعل أن يوجده ولا يجعله سوادا. ولو كان كذلك لصحّ من الفاعل أن يوجده ويجعله حلاوة بدلا من كونه سوادا ، ولصحّ أن يجعله سوادا حلاوة ، لأن كلتي الصفتين تتعلّقان بالفاعل ، وليس بينهما تناف ولا ما يجري مجرى التنافي. ولو كان كذلك لوجب في الحموضة إذا طرأت أن تنفيه من وجه ولا تنفيه من وجه ، فيؤدّي إلى أن تكون هذه الذات موجودة معدومة في حالة واحدة ـ وقد علمنا استحالة ذلك (ن ، د ، ٢٠١ ، ١٦)

ـ إنّ صفة الجنس غير صفة الوجود (أ ، ت ، ٧٧ ، ٢)

صفة الذات

ـ قال (الكعبي) : ما احتمل إختلاف الحال والشّخص فهو صفة الفعل نحو القول : " يرزق فلانا" ، " ويرحم في حال ولا يرحم في حال" ، وكذلك الكلام ، ومثله في الأشخاص ، ومثله في القدرة والعلم والحياة لا يحتمل ، فهو صفة الذات. وقال : كل ما يقع عليه القدرة فهو صفة الفعل ، نحو الرحمة والكلام ، وما لا يقع عليه فهو صفة الذات ، نحو أن لا يقال أيقدر أن يعلم أو لا؟ ثم يسأل عن صفة الذات : أنّه لم لا يجب الوصف بضدّه؟ قال : لأنّه يرجع إلى ذاته ، وذاته غير مختلف ، وذلك يوجب الاختلاف. ثم قال : وإذا كان ذاته غير مختلف لم يجز الاختلاف ما بقيت نفسه ، كالشيء الذي يجب لعلّة يدوم بدوامها (م ، ح ، ٥٠ ، ٣)

ـ إنّ صفة الذات ترجع إلى الآحاد والأفراد دون الجمل (ق ، ش ، ٩٩ ، ٨)

ـ إنّ صفة الذات مع الذات تجري مجرى صفة العلّة مع العلّة ، فكما أنّ صفة العلّة تجب ما دامت العلّة ، فكذلك صفة الذات تجب ما دامت الذات (ق ، ش ، ١٠٨ ، ١٢)

ـ إنّ الضدّين يصحّ أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضادّ بينهما ، لأنّ إرادة الشيء تابع لصحّة حدوثه ، وصحّة الحدوث ثابتة في كل واحد من الضدّين ، فصحّ أن يعلم الله تعالى ذلك من حال كل واحد منهما ، وإذا صحّ ذلك صحّ أن يريدهما ، وإذا صحّ وجب ، لأنّ صفة الذات إذا صحّت وجبت ، فيجب حصولها (ق ، ش ، ٤٤٣ ، ١٧)

ـ صفة الذات لا تدخلها طريقة الاختيار (ق ، ت ١ ، ٢٧٦ ، ١٣)

ـ صفة الذات إنّما يجب منها ما يصحّ دون ما يستحيل ، كما أنّ صفة العلّة إنّما يثبت منها ويجب ما يصحّ دون ما يتعذّر ويستحيل. فإذا صحّ أن نعلم كل معلوم وكانت الصفة للذات وجب أن نعلمه ، وإذا لم يصحّ في كل مقدور أن يقدر عليه لم يجب وصفه بذلك ، وليس يمكننا أن نقول : فإمّا أن يقدر عليه أحدنا لصحّة حدوثه ، وهذا لا يختصّ ، فتجب صحّة أن يقدر تعالى عليه. وإذا صحّ وجب. وذلك لأنّه إنّما صحّ حدوثه لكونه قادرا لا أنّه كان قادرا لصحّة حدوثه فقد عكسوا القضية ، ألا ترى أنّه لو لم يتصوّر وجود قادر من القادرين لما صحّ وصف شيء من الأشياء بصحّة حدوثه؟ وبهذا يفارق المعلوم لأنّه إنّما يصحّ أن يعلم لما هو عليه حتى لو لم يكن في الدنيا عالم لم يخرج عن الصفة التي يصحّ أن يعلم عليها (ق ، ت ١ ، ٣٨١ ، ٣)

ـ إنّ الذات إذا حصلت على صفة ولم يكن هناك مزيل لها ولم يمكن الإشارة إليه ، وجب حصولها عليها. وقد علمنا أنّ المزيل لشيء من الأشياء إنّما هو الضدّ أو ما يجري مجراه وهو فقد ما يحتاج في الوجود إليه. والضدّ إنّما يكون تأثيره في إزالة صفة الوجود ، فلا يتصوّر تأثيره في صفة الذات التي تثبت في حالة العدم ، وما يجري مجرى الضدّ لا يتأتى أيضا في صفة الذات ، فيجب أن يقال بدوامها أبدا (ن ، د ، ١٩٤ ، ٨)

ـ إنّ صفة الذات لو لم يصحّ عليها حكمها الذي هو المقتضى ولا ما الحكم مشروط به ، وهو الوجود ، فإنّها لا تثبت. فإنّا لا نريد بذلك طريقة التعليل ، وإنّما نريد بذلك طريقة الاستدلال والكشف : وهو أنّا نستدلّ بحكم

الصفة على الصفة ، لأنّ الصفة إذا لم تكن مدركة ولا موجودة من النفس فإنّه يتوصّل إليها بحكمها (ن ، د ، ٢٨٧ ، ١٣)

ـ إنّ صفة الذات لو لم يصحّ عليها حكمها ، وهو المقتضى ، ولا ما الحكم مشروط به ، وهو الوجود ، لم نكن معلّلين لصفة الذات بذلك (ن ، د ، ٢٨٨ ، ٥)

ـ إذا علمنا أولا الحكم ، وهو يرجع إلى الجملة أو المحل ، قضينا في الصفة بمثل ذلك. إذ لو لم تكن الصفة كذلك لما وجب في الحكم ذلك ، وعلى هذا قلنا في المقتضى والمقتضي ، وإن كانا صفتين لما كان أحدهما حكما للآخر أنه يجب أن يرجع أحدهما إلى ما يرجع إليه الآخر ، حتى إذا كان المقتضى يرجع إلى الآحاد والأفراد وجب مثله في المقتضي ، كما نقول في التحيّز وكون الجوهر جوهرا. وإن كان المقتضي يرجع إلى الجملة وجب في المقتضى أن يكون كذلك ، كما نقول في كون الذات مدركا مع كونه حيّا. وليس كذلك الصفة التي صدرت عن العلّة ، فإنّها صفة ثانية ، والصفة يجوز أن تكون لا عن شيء كصفة الذات ؛ ويجوز أن تكون عن صفة ، كما نقول في المقتضي ، ويجوز أن تكون لعلّة ، ويجوز أن تكون لفاعل ، كالوجود ، فيعتبر في ذلك الدلالة. وقد ثبت بالدلالة على أنّ هذه الصفات التي نقول إنّها صفات صادرة عن العلل ، فالمؤثّر فيها أمر يرجع إلى غير الموصوف ، وهو العلل (ن ، د ، ٤٨٩ ، ١٣)

ـ إنّ صفة الذات لا ترجع إلى الجمل بل ترجع إلى الآحاد والأجزاء (أ ، ت ، ٤٣٨ ، ٥)

ـ حكى الكعبيّ عنه (بشر) أنّه قال : إرادة الله تعالى فعل من أفعاله ، وهي على وجهين : صفة ذات ، وصفة فعل. فأمّا صفة الذات فهي أنّ الله تعالى لم يزل مريدا لجميع أفعاله ، ولجميع الطاعات من عباده فإنّه حكيم ولا يجوز أن يعلم الحكيم صلاحا وخيرا ولا يريده (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ١٥)

صفة ذات

ـ يوصف بأنّه مالك ، أي قادر ، فهو صفة ذات. البلخيّ : بل صفة فعل. لنا : مالك يوم الدين ، وهو معدوم. والربّ صفة ذات ، أي مالك (م ، ق ، ٨٩ ، ١٦)

صفة ذاتية

ـ إذا جرى في كلام الشيوخ أنّ صفاته جلّ وعزّ إمّا أن تكون من صفات الذات أو من صفات الفعل ، وأريد به أن في صفاته ما يتبع وجود فعل من جهته فهو صحيح بعد أن لا نرجع بقولنا إنّه مريد أو كاره إلى أنّه فعل الإرادة. والأولى أن يقال : إنّ صفاته إمّا أن تكون للذات أو لمعنى أو لا للذات أو لا لمعنى. فكونه قادرا وعالما وحيّا وقديما هو لنفسه عند" أبي علي" وغيره من شيوخنا. وعند" أبي هاشم" إنّ الصفة الذاتيّة هي للنفس ، وإنّ هذه الصفات هي لما هو عليه في نفسه. وكونه مدركا عند الشيخ" أبي علي" والشيخ" أبي عبد الله" للنفس وعند" أبي هاشم" لما هو عليه في نفسه من كونه حيّا عند وجود المدرك وهو الأولى. وأمّا كونه مريدا وكارها وما يتبع من الأسماء والأوصاف من نحو كونه ساخطا راضيا فهو لمعنى ، كما أنّ كونه عزيزا وعظيما ومقتدرا وجبّارا وغيرها راجع إلى كونه قادرا (ق ، ت ١ ، ١٠٠ ، ١٩)

ـ إنّ كل ذات لا بدّ أن تختص بصفة ذاتيّة يقع بها

التمييز بينه وبين غيره. وكانت تلك المسألة لا تتمّ إلّا بأن نبيّن أن صفات الأجناس لا تكون بالفاعل (ن ، د ، ٢٢٣ ، ٣)

ـ اعلم أنّ على التحقيق في الصفة الذاتيّة للقديم تعالى إنّما هي صفة واحدة ، وبها تقع المخالفة والموافقة إن كان له موافق ، وهكذا كل ذات صفتها الذاتية إنّما هي صفة واحدة ، وما عداها فمقتضى أو موجب عن معنى ؛ أمّا كونه موجودا حيّا عالما قادرا فإنّما هو مقتضى عن تلك الصفة ، وأما كونه مدركا فمقتضى عن كونه حيّا وأما كونه مريدا وكارها فموجبان عن معنيين ، وهما إرادة وكراهة (ن ، د ، ٤٥٩ ، ١٥)

ـ اختلف في مسألتين ، الأولى : مالك وربّ. المهدي ، عليه‌السلام ، وغيره : وهما صفة ذاتيّة إذ هما بمعنى قادر. البلخيّ : بل هما صفة فعل لأنّ الملك لا يكون إلّا بعد وجود المملوك ، والربّ من التربية ، ولا يكون إلّا بعد وجود المربّى. لنا : والحق أنّهما صفتا ذات بمعنى قادر ، إذ لا يدلّان على معنى قادر مطابقة بل التزاما كعالم ، ولا قائل إنّ عالما بمعنى قادر ، وليستا بصفتي فعل لثبوتهما لغة لمن يفعل ما وضعها لأجله حيث يقال فلان ربّ هذه الدار وإن لم يصنعها أو يزد فيها أو ينقص. وفلان مالك ما خلّف أبوه وإن لم يحدث فعلا ، فهما صفتا ذات له تعالى باعتبار كون المملوك له فقط ، وهما حقيقتان قبل وجود المملوك ، لا مجاز ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى. والثانية : حليم وغفور. أبو علي : وهما من صفات الفعل أي فاعل للعصاة ضدّ الانتقام من أسبال النعم والتمهيل وقبول توبة التائب. أبو هاشم : بل صفة نفي ، أي تارك الانتقام. قلت : وهو الحق لأنّه بمعناه لغة (ق ، س ، ٩٨ ، ١٧)

صفة زائدة على الحدوث

ـ إنّ كل صفة زائدة على الحدوث يحصل عليها الفعل بالفاعل فعلا منه ، إنّه يجوز منه أن يفعله عليها وأن لا يفعله على البدل ، أو أن يجعله على خلافها ، نحو كون الفعل محكما ، أنّه يصحّ أن يجعله عليه وعلى خلافه ، ويجوز كونه أمرا وجبرا. وذلك يستحيل فيما سألت عنه من الأوصاف ، لوجوب كون الفعل عليها عند حدوثه على كل حال ، فيجب إبطال القول بأنّه صار عليها بالفاعل ، ومتى قيل فيه ذلك ، لم يكن له معنى. ولهذه الجملة قلنا : إنّ الجهل لا يكون قبيحا بالفاعل ، لوجوب كونه كذلك عند حدوثه ، وكذلك إرادة الجهل. وفصلنا بينه وبين الكذب ، لمّا كان بعينه يجوز أن يقع صدقا ، بأن يصرفه بقصده إلى مخبر هو على ما تناوله. وكذلك العلم ، جوّزنا أن يكون فيه ما يكون بالفاعل ، لما كان قد يجوز أن يوجد ولا يكون علما ، بل يكون تبخيتا. ولهذا قلنا : إنّ السواد وسائر الأجناس لا تكون على ما هي عليه في الجنس بالفاعل (ق ، غ ٨ ، ٦٦ ، ١٠)

صفة الشيء

ـ قال أكثر أصحابنا أنّ صفة الشيء ما قامت به كالسواد صفة للأسود لقيامه به ، ووصف الشيء خبر عنه ، وقول القائل زيد عالم صفة للقائل لقيامه به ، ووصف لزيد لأنّه خبر عنه. والعلوم والقدر والألوان والأكوان وكل عرض سوى الخبر عن الشيء صفات وليست بأوصاف (ب ، أ ، ١٢٨ ، ١٦)

صفة العلة

ـ صفة الذات إنّما يجب منها ما يصحّ دون ما يستحيل ، كما أنّ صفة العلّة إنّما يثبت منها

ويجب ما يصحّ دون ما يتعذّر ويستحيل. فإذا صحّ أن نعلم كل معلوم وكانت الصفة للذات وجب أن نعلمه ، وإذا لم يصحّ في كل مقدور أن يقدر عليه لم يجب وصفه بذلك ، وليس يمكننا أن نقول : فإمّا أن يقدر عليه أحدنا لصحّة حدوثه ، وهذا لا يختصّ ، فتجب صحّة أن يقدر تعالى عليه. وإذا صحّ وجب. وذلك لأنّه إنّما صحّ حدوثه لكونه قادرا لا أنّه كان قادرا لصحّة حدوثه فقد عكسوا القضية ، ألا ترى أنّه لو لم يتصوّر وجود قادر من القادرين لما صحّ وصف شيء من الأشياء بصحّة حدوثه؟ وبهذا يفارق المعلوم لأنّه إنّما يصحّ أن يعلم لما هو عليه حتى لو لم يكن في الدنيا عالم لم يخرج عن الصفة التي يصحّ أن يعلم عليها (ق ، ت ١ ، ٣٨١ ، ٤)

ـ إذا علمنا أولا الحكم ، وهو يرجع إلى الجملة أو المحل ، قضينا في الصفة بمثل ذلك. إذ لو لم تكن الصفة كذلك لما وجب في الحكم ذلك ، وعلى هذا قلنا في المقتضى والمقتضي ، وإن كانا صفتين لما كان أحدهما حكما للآخر أنه يجب أن يرجع أحدهما إلى ما يرجع إليه الآخر ، حتى إذا كان المقتضى يرجع إلى الآحاد والأفراد وجب مثله في المقتضي ، كما نقول في التحيّز وكون الجوهر جوهرا. وإن كان المقتضي يرجع إلى الجملة وجب في المقتضى أن يكون كذلك ، كما نقول في كون الذات مدركا مع كونه حيّا. وليس كذلك الصفة التي صدرت عن العلّة ، فإنّها صفة ثانية ، والصفة يجوز أن تكون لا عن شيء كصفة الذات ؛ ويجوز أن تكون عن صفة ، كما نقول في المقتضي ، ويجوز أن تكون لعلّة ، ويجوز أن تكون لفاعل ، كالوجود ، فيعتبر في ذلك الدلالة. وقد ثبت بالدلالة على أنّ هذه الصفات التي نقول إنّها صفات صادرة عن العلل ، فالمؤثّر فيها أمر يرجع إلى غير الموصوف ، وهو العلل (ن ، د ، ٤٨٩ ، ١٢)

صفة فعل

ـ قال (الكعبي) : ما احتمل إختلاف الحال والشّخص فهو صفة الفعل نحو القول : " يرزق فلانا" ، " ويرحم في حال ولا يرحم في حال" ، وكذلك الكلام ، ومثله في الأشخاص ، ومثله في القدرة والعلم والحياة لا يحتمل ، فهو صفة الذات. وقال : كل ما يقع عليه القدرة فهو صفة الفعل ، نحو الرحمة والكلام ، وما لا يقع عليه فهو صفة الذات ، نحو أن لا يقال أيقدر أن يعلم أو لا؟ ثم يسأل عن صفة الذات : أنّه لم لا يجب الوصف بضدّه؟ قال : لأنّه يرجع إلى ذاته ، وذاته غير مختلف ، وذلك يوجب الاختلاف. ثم قال : وإذا كان ذاته غير مختلف لم يجز الاختلاف ما بقيت نفسه ، كالشيء الذي يجب لعلّة يدوم بدوامها (م ، ح ، ٥٠ ، ١)

ـ حكى الكعبيّ عنه (بشر) أنّه قال : إرادة الله تعالى فعل من أفعاله ، وهي على وجهين : صفة ذات ، وصفة فعل .... وأمّا صفة الفعل فإن أراد بها فعل نفسه في حال إحداثه فهي خلقه له ، وهي قبل الخلق لأنّ ما به يكون الشيء لا يجوز أن يكون معه. وإن أراد بها فعل عباده فهي الأمر به (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ١٧)

ـ يوصف بأنّه مالك ، أي قادر ، فهو صفة ذات. البلخيّ : بل صفة فعل. لنا : مالك يوم الدين ، وهو معدوم. والرب صفة ذات ، أي مالك (م ، ق ، ٨٩ ، ١٧)

ـ اختلف في مسألتين ، الأولى : مالك وربّ. المهدي ، عليه‌السلام ، وغيره : وهما صفة ذاتيّة إذ هما بمعنى قادر. البلخيّ : بل هما صفة فعل لأنّ الملك لا يكون إلّا بعد وجود المملوك ، والربّ من التربية ، ولا يكون إلّا بعد وجود المربّى. لنا : والحق أنّهما صفتا ذات بمعنى قادر ، إذ لا يدلّان على معنى قادر مطابقة بل التزاما كعالم ، ولا قائل إنّ عالما بمعنى قادر ، وليستا بصفتي فعل لثبوتهما لغة لمن يفعل ما وضعها لأجله حيث يقال فلان ربّ هذه الدار وإن لم يصنعها أو يزد فيها أو ينقص. وفلان مالك ما خلّف أبوه وإن لم يحدث فعلا ، فهما صفتا ذات له تعالى باعتبار كون المملوك له فقط ، وهما حقيقتان قبل وجود المملوك ، لا مجاز ، لما سيأتي إن شاء الله تعالى. والثانية : حليم وغفور. أبو علي : وهما من صفات الفعل أي فاعل للعصاة ضدّ الانتقام من أسبال النعم والتمهيل وقبول توبة التائب. أبو هاشم : بل صفة نفي ، أي تارك الانتقام. قلت : وهو الحق لأنّه بمعناه لغة (ق ، س ، ٩٩ ، ١)

صفة قديمة

ـ قالت المعتزلة الصفة القديمة إذا تعلّقت بمتعلّقاتها وجب عموم تعلّقها ، إذ لا اختصاص للقديم بشيء ، فلو كانت الإرادة قديمة لتعلّقت بكل مراد من أفعال نفسه ومن أفعال العباد ، ومن أفعال العباد أن يريد زيد حركة ويريد عمرو سكونا ، فوجب أن يكون القديم مريدا لإرادتيهما ومراديهما ، وما هو مراد يجب وقوعه ، فيؤدّي إلى اجتماع الضدّين في حالة واحدة (ش ، ن ، ٢٤٩ ، ١)

ـ قالت الأشعريّة الصفة القديمة يجب تعلّقها بكل متعلّق على الإطلاق ، أم يجب عموم تعلّقها بما يصحّ أن يكون متعلّقا بها ، فإن كان الأوّل فهو غير مستمرّ في الصفات ، فإنّ العلم يتعلّق بالواجب والجائز والمستحيل ، والقدرة لا تتعلّق إلّا بالممكن من الأقسام ، والإرادة لا تتعلّق إلّا بالمتجدّد من الممكنات ، والعلم أعمّ تعلّقا ، والقدرة أخصّ من العلم ، والإرادة أخصّ من القدرة ... بل الإرادة هي المخصّصة بالوجود المتعلّقة بحال متجدّد (ش ، ن ، ٢٤٩ ، ٧)

صفة للنفس

ـ أنّا إذا قلنا بأنّ صفات الأجناس تكون للذات أمكننا أن نقول إنّ الذات الواحدة يستحيل حصولها على صفتين مختلفتين للنفس ، لأنّ الصفة التي يقع بها الخلاف والوفاق إذا كانت للنفس فلا يجوز حصول الذات على كونه سوادا وحلاوة ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى كون الذات الواحدة على صفتين مختلفتين للنفس وأن يكون الشيء مخالفا لنفسه ، وليس لحصول الذات على صفة للنفس مدخل للاختيار أصلا. فيجب أن تحصل كل ذات على ما يصحّ دون ما يستحيل (ن ، د ، ٢٠٩ ، ١١)

صفة لنفس الشيء

ـ قد يوصف الشيء بصفة لنفسه كقولنا سواد وبياض وقد يوصف لعلّة كقولنا متحرّك ساكن وقد يوصف لا لنفسه ولا لعلّة كقولنا محدث (ش ، ق ، ٣٥٧ ، ١٢)

صفة مقصورة على الذات

ـ إنّ الصفة المقصورة على الذات تحلّ محلّ الصفة المقصورة على العلّة. فإذا أثبت أنّ

الصفة ما دامت العلّة ثابتة لكونها مقصورة عليها ، فكذلك صفة الذات. وإذا صحّ أنّ الجوهر يستحقّ هذه الصفة في حالتي العدم والوجود ، وصحّ أن تحيّزه لا يثبت إلّا عند الوجود ، بطل قول من زعم أنّ كونه جوهرا ومتحيّزا صفة واحدة ، على ما دلّ عليه كلام الشيخ أبي عبد الله. ويبطل قول الشيخ أبي إسحاق إذا لم يثبت إلّا كونه متحيّزا ، لأنّ الإدراك يتناوله (أ ، ت ، ٧٣ ، ٧)

صفة المكلّف

ـ إنّه تعالى إذا علم أنّه سيكلّفه من بعد فإنّه يخلقه لينفعه تفضّلا وعلى جهة التكليف ، وإن كان متى جعله بصفة المكلّف فلا بدّ من أن يريد منه فعل ما يصل به إلى الثواب ، وتكون هذه الإرادة الثانية منه بنفسها تكليفا ؛ لأنّها تقوم مقام الأمر والإلزام ، مع تقدّم كون المكلّف عاقلا ممكّنا ، والإرادة الأوّلة هي إرادة لأن ينفعه بالتكليف ، وإذا كانت إحداهما غير الأخرى لم يمتنع حصول إحداهما عند الاختراع والثانية عند جعل المكلّف بالصفات المخصوصة التي معها يحسن تكليفه (ق ، غ ١١ ، ١٣٥ ، ١٩)

ـ اعلم أنّه ـ تعالى ـ لمّا اختصّ بكونه قادرا على خلق الإنسان وخلق ما يصير به حيّا قادرا متمكّنا من فعل ما كلّف ، واختصّ مع ذلك بأنه قادر على أن يجازيه على فعل ما كلّف بما يستحقّه ، حسن منه لأجل ذلك أن يكلّفه. وهذه الصفة يختصّ بها القديم ـ تعالى ـ دون غيره ؛ لأنّ غيره لا يصحّ منه التمكين ولا التعريف ولا المجازاة على الحدّ الذي يستحقّ بالتكليف. فلذلك صار ـ سبحانه ـ مختصّا بأنّ له أن يكلّف دون غيره. ولو صحّ في غيره أن يختصّ بهذه الأوصاف لحسن منه أن يكلّف (ق ، غ ١١ ، ٤١٥ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ صفة المكلّف التي معها يمكن الاستدلال على الأحكام ، هي كونه عالما بقبح القبيح ، وبوجوب الواجب ، وبأنّه عالم غني عن فعل القبيح وعن الإخلال بالواجب. فمتى علم المستدلّ ذلك ، علم أنّه لا يجوز أن لا يعرّفنا البارئ عزوجل مصالحنا ومفاسدنا. لأنّ تعريف الألطاف واجب ، والحكيم لا يخلّ بواجب. ويعلم أيضا أنّه لا يجوز أن يدلّنا ويخاطبنا بما يفيد في المواضعة شيئا ما ، إلّا وهو عالم بأنّ ما يفيده الخطاب على ما يفيده إمّا أن يفيده بمجرّده أو بقرينة. لأنّه لو لم يعلم ذلك ، لكان قد لبّس علينا ودلّنا على خلاف الحق. وذلك قبيح (ب ، م ، ٩٠٨ ، ٩)

صفة النفس

ـ إن قيل : لم قلتم إنّ القديم لا يجوز عليه العدم والبطلان؟ قيل له : لأنّ القديم قديم لنفسه ، والموصوف بصفة النفس يستحيل خروجه عنها في حال من الأحوال (ن ، د ، ١٩١ ، ٢)

ـ الذي يدلّ على أنّ الموصوف بصفة النفس لا يجوز خروجه عنها فهو أنّ الذات وإن صحّ خروجها عن كل صفة تحصل عليها فإنّها لا تخرج من أنّه يصحّ العلم بها ، ولا يصحّ العلم بها إلّا على صفة تتميّز بها عن غيرها ، لأنّه لو لم يتعلّق العلم بها على صفة تتميّز بها عن غيرها لم يكن العلم المتعلّق بها علم تفصيل بل كان ذلك علم جملة. ثم لا علم يتعلّق بالذات على سبيل الجملة إلّا وله تفصيل. يبيّن ذلك أنّ العلم إنّما يتعلّق بالشيء على سبيل الجملة إذا

كان هناك اشتباه ، وما من اشتباه إلا ويجوز زواله فيحصل العلم به مفصّلا. وبعد فإنّه لو لم يكن لعلمنا بأنّ أبا زيد في القافلة على سبيل الجملة تفصيل لما صحّ أن يحصل لها هذا العلم على سبيل الجملة. فثبت بهذه الجملة أن كل ذات لا تخرج من أن يصحّ العلم بها على سبيل التفصيل ، ولا يصحّ العلم بها على سبيل التفصيل إلّا على صفة يتميّز بها عن غيره وثبت له في حالتي العدم والوجود. ولا يجوز أن يتميّز عن غيره ، لأجل صفة منتظرة كالوجود ونحوه. فثبت بهذه الوجوه أنّ كل ذات لا يجوز خروجها عن صفة النفس (ن ، د ، ١٩١ ، ٩)

صفة نفسية

ـ الأصل فيما يستحقّ تعالى من الصفة النفسيّة أنّها إنّما تجب إذا صحّت ، لأنّ القول بوجوب ما يستحيل يتناقض ، فلذلك تضمن وجوبها القول بصحّتها. فكل ما ثبت أنّه يصحّ عليه ، وجب أن يستحقّه ، وكل ما ثبت استحالته عليه ، لم يكن له في هذا الباب مدخل. فلذلك قلنا : إنّ كونه تعالى غير موصوف بالقدرة على مقدور غيره ، لا يناقض وصفنا له بأنّه قادر لنفسه في المعنى. ووصفنا له بأنّه غير مريد لبعض المرادات ، ينقض وصفنا له بأنّه مريد لنفسه في المعنى ، من حيث صحّ كونه مريدا لجميعه. فوجب كونه تعالى مريدا له ، كما نقوله في المعلوم (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٢ ، ١٦)

صفة الوجود

ـ من حق العلّة أن تكون الصفة الصادرة عنها مقصورة عليها ، وتعلّق الصفة بالفاعل ، مع أنّها موجبة عن العلّة ، يخرجها من أن تكون مقصورة عليها ـ وقد علمنا أنّ صفة الوجود تتعلّق بالفاعل تعلّق احتياج ، من حيث أنها شاركت تصرفنا في باب الحدوث ، وتصرفنا إنّما يحتاج إلينا في باب الحدوث ، فكذلك حدوث الجوهر ، وحيث يكون تعلّقه بالقديم تعلّق احتياج فذلك يمنع من كونه موجبا عن علّة ، كما أنّ كونه موجبا عن علّة يمنع من تعلقه بالقادر ، لأنّ الجمع بين هذه يؤدّي إلى أن تكون الصفة حاصلة غير حاصلة (ن ، د ، ٥٣ ، ١٤)

ـ صفة الوجود إلى ما ذا تشيرون بها؟ فإنّا نقول له : نشير به إلى ما تعقله من وجود نفسك ووجود غيرك مما تشاهده من الأجسام ، وليس من حيث أنّه تتعذّر العبارة عنه ما يمنع من كونها معقولة ، هذا كما أنّا نعلم كوننا مدركين ونعقل هذه الصفة من أنفسنا وإن تعذّر علينا العبارة عنها سوى أن نحيل السائل إلى نفسه ، فإنّها لا تخرج من أن تكون معقولة فكذلك هاهنا (ن ، د ، ٢٩٤ ، ٩)

ـ إنّ المعلومات تنقسم إلى وجود ، وصفة وجود لا تتّصف بالوجود والعدم (ج ، ش ، ٩٣ ، ١٥)

صفة وجودية

ـ نعني بالصفة الوجودية أن يخصّص الوجود مثلا بأنّه جوهر أو عرض ، والعرض بأنّه كون أو لون ، فهذه الاعتبارات مما تؤثّر (ش ، ن ، ٣٦٥ ، ٩)

صلاة

ـ قلنا : الصلاة ، لغة ، الدعاء ، وقد صارت للعبادة المخصوصة. قالوا : إنّما صارت كذلك بعرف أهل الشرع لا بنقل الشارع لأنّه إنّما

أطلق ذلك عليها مجازا فقط ، فهي حينئذ عرفيّة خاصة لا شرعيّة. قلنا : أطلقه عليها وخصّها به ولم يعهد لها اسم قبله خاص ، وذلك حقيقة وضع الحقائق لا التجوّز وإلّا لكان كلما وضع من الأسماء لمعنى عند ابتداء الوضع مجازا ولا قائل به ، ومن جزئيّاتها الدينيّة وهي ما نقله الشارع إلى أصول الدين نحو" مؤمن" (ق ، س ، ٨٩ ، ١٨)

صلاح

ـ لم يفعل الله عزوجل عند إبراهيم فعلا إلّا وهو قادر على تركه وفعل غيره بدلا منه إلّا أنّ ذلك الفعل وتركه صلاح لخلقه ونفع لهم (خ ، ن ، ٢٦ ، ٣)

ـ إنّ قاسما كان يزعم أنّ الفساد في الحقيقة هي المعاصي ، فأمّا ما يفعله الله من القحط والجدب وهلاك الزرع ، فإنّما ذلك فساد وشر على المجاز لا في التحقيق بل هو في الحقيقة صلاح وخير ، إذ كان الله جلّ ذكره إنّما يفعله بخلقه نظرا لهم ليصبروا على ما نالهم من ذلك فيستحقون الخلود في الجنّة ، وليذكرهم بما ينالهم من شدة ذلك شدائد القيامة وأليم عذابها فيزدجروا عن المعاصي فيسلموا من عذاب ذلك اليوم ، وليس يكون ما نجّى من العذاب بالنار وأورث الخلود في الجنان فسادا ولا شرا ، بل هو نفع وخير وصلاح في الحقيقة (خ ، ن ، ٦٥ ، ١٥)

ـ قال" أبو الهذيل" : لما يقدر الله من الصلاح والخير كلّ وجميع ، وكذلك سائر مقدوراته لها كلّ ، ولا صلاح أصلح مما فعل (ش ، ق ، ٢٤٩ ، ١٤)

ـ لا غاية لما يقدر الله عليه من الصلاح ولا كلّ لذلك ، وقالوا أنّ الله يقدر على صلاح لم يفعله إلّا أنّه مثل ما فعله (ش ، ق ، ٢٥٠ ، ١)

ـ إنّ الصلاح والأصلح والمصلحة إنّما يرجع فيها إلى النفع والأنفع والمنفعة ، وإلى اللذّة والألذّ وإلى ما يؤدّي إلى ذلك. وكذلك يضاف الصلاح والأصلح المصلحة بلفظها إلى ما يجوز أن ينتفع به دون ما لا يجوز أن ينتفع به ، كامتناع إضافة ذلك إلى الله تعالى وإلى الأعراض وإلى الجماد لمّا لم يصحّ الانتفاع والنفع فيها (أ ، م ، ١٢٦ ، ١٩)

ـ اعلم أنّ وصفه (اللطف) بأنّه صلاح بعيد أن يقع ؛ لأنّ الصلاح هو النفع ، و (هو) إمّا أن يكون لذّة وسرورا أو يؤدّي إلى ذلك ، لأنّ الضرر المؤدّي إلى ما ذكرناه لا يعدّ إلّا نفعا. فلمّا كان اللطف ينفع من جهة الدّين ، من حيث يختار عنده ما يستحقّ به الثواب ، قيل فيه : إنّه صلاح. وعلى هذا الوجه يوصف بأنّه مصلحة (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ٤)

ـ قد يقيّد (اللطف) فيقال : هو صلاح في الدين ومصلحة فيه ، ويراد به أنّ الوجه الذي عليه يقع هو في الدين لا في الدنيا ؛ ليتبيّن اختصاصه بذلك. ولهذه الجملة لا يقال ذلك فيمن ليس بمكلّف ، ولا في المكلّف فيما يعود النفع عليه في الدنيا (ق ، غ ١٣ ، ٢٠ ، ٩)

ـ إنّه قد ثبت أنه تعالى بعث الرسل لتعريف المصالح التي لا تعرف إلّا من قبلهم. فبعثتهم مصلحة ، من حيث لا تصحّ مصالح الأمة إلا بهم. وقد ثبت ، فيما هو صلاح ، أنه تعالى يجب أن يفعله على أقوى الوجوه في كونه صلاحا ، لمثل ما لو ثبت أنه لا بدّ في التكليف ، من أن يفعل اللطف والمصلحة. لأن العلّة في ذلك أنه أقرب إلى أداء ما كلّف. فإذا

كان الصلاح يقع على وجهين : على أحدهما يكون أقرب إلى القبول ، وعلى الآخر لا يكون أقرب ، فلا بدّ من أن يفعل ما هو الأقرب إلى القبول. وإذا صحّ ذلك ، وكان المتعالم ، فيمن تجوز عليه الكبائر ، أنّ النفوس لا تسكن إلى القبول منه سكونها إلى من كان منزّها عن ذلك ، فيجب ألّا يجوز في الأنبياء ، عليهم‌السلام ، إلّا ما نقوله ، من أنّهم منزّهون عمّا يوجب العقاب ، والاستخفاف ، والخروج من ولاية الله تعالى إلى عداوته (ق ، غ ١٥ ، ٣٠٢ ، ٨)

ـ الذي ينتحله البصريون أنّ الله تعالى متفضّل بإكمال العقل ابتداء ، ولا يتحتّم عليه إثبات أسباب التكليف ، فإذا كلّف عبدا فيجب بعد تكليفه تمكينه وإقداره ، واللطف به بأقصى الصلاح ؛ فهذا معنى قول الأئمة في نقل مذهبهم (ج ، ش ، ٢٤٨ ، ١٠)

ـ كل ما عريّ عن الفساد يسمّى صلاحا ، وهو الفعل المتوجّه إلى الخير من قوام العالم وبقاء النوع عاجلا ، والمؤدّي إلى السعادة السرمديّة آجلا ، والأصلح هو إذا صلاحان وخيران ، فكان أحدهما أقرب إلى الخير المطلق فهو الأصلح (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٢)

صلاح الخلق

ـ إنّ صلاح الخلق ونفعهم معلّق بأوقات تكون فيها وكما ............ (الله) عزوجل فعلم أنّ إرسال الرسل (وإر) سال كل نبيّ في الوقت الذي أرسله فيه صلاح للخلق فأرسله في (ذاك) الوقت الذي علمه دون غيره من الأوقات. وكذلك ما أمر به من الشرائع وإنّما علم أنّ الأمر به صلاح في وقت كذا دون وقت كذا. ألا ترى أنّه أمر موسى عليه‌السلام بشرائع ثم نسخها على لسان عيسى وأمر بغيرها ثم نسخ أيضا شريعة عيسى عليه‌السلام على لسان محمد صلى الله عليه (وعليهم) أجمعين وأمر بغيرها ، ففعل من ذلك في كل وقت وزمان ما يعلم أنّه صلاح لخلقه ونفع لعباده سبحانه وتعالى (خ ، ن ، ٢٦ ، ٢٤)

صلاح في الدين

ـ وبعد ، فإنّا نصف الله تعالى بأنّه أصلح في الدين من لم يختر الصلاح على بعض الوجوه ، لأنّ الصلاح في الدين من الله تعالى لا يوجب أن يكون العبد صالحا (إلّا) إذا أقبل واختار ، كما أنّ النفع في الدين لا يوجب انتفاعه إلّا على هذا الحدّ ، فلا يمتنع أن يفعل الصلاح في الدين وإن كان العبد يصلح عند اختياره لكنّه إذا قبل العبد يوصف بأنّه أصلحه ، وإذا لم يقبل يقال : استصلحه ؛ لأنّ إطلاق القول بأنّه أصلحه يوهم أنّه قد صلح. فأمّا إذا قيل بما يزيل الإيهام ، فذلك سائغ. وهذا بيّن فيما تأولنا عليه (ق ، م ٢ ، ٥٠٤ ، ٦)

صلاح وأصلح

ـ قالت المعتزلة نحن على طريقين في وجوب رعاية الصلاح والأصلح ، فشيوخنا من بغداد حكموا بأنّ الواجب في الحكمة لخلق العالم وخلق من يكون قابلا للتكليف ، ثم استصلاح حاله بأقصى ما يقدر من إكمال العقل والإقدار على النظر والفعل ، وإظهار الآيات وإزاحة العلل ، وكل ما ينال العبد في الحال والمال من البأساء والضراء والفقر والغنى والمرض والصحّة والحياة والموت والثواب والعقاب ، فهو صلاح له حتى تخليد أهل النّار في النّار

صلاح لهم وأصلح ، فإنّهم لو أخرجوا منها لعادوا لما نهوا عنه وصاروا إلى شرّ من الأول. وشيوخنا من البصرة صاروا إلى أنّ ابتداء الخلق تفضّل وأنعام من الله تعالى من غير إيجاب عليه ، لكنّه إذا خلق العقلاء وكلّفهم وجب عليه إزاحة عللهم من كل وجه ورعاية الصلاح والأصلح في حقّهم بأتمّ وجه وأبلغ غاية (ش ، ن ، ٤٠٤ ، ١٩)

ـ مقدورات الله ـ تعالى ـ في الأصلح غير متناهية ، ورعاية ما لا سبيل إلى الوقوف فيه على حد وضابط ممتنع. ثم ولو وجب في حقّه رعاية الصلاح والإصلاح للزم أن تكون الهبات والنوافل بالنسبة إلى أفعالنا واجبة لما فيها من صلاحنا ؛ إذ الربّ ـ تعالى ـ لا يندب إلى ما لا صلاح لنا فيه ، ولا معنى للفرق في ذلك بين الغائب والشاهد أصلا. كيف وأنّ أصل الخصم فيما يرجع إلى وجوب رعاية الصلاح والأصلح في حق الباري ـ تعالى ـ ليس إلّا بالنظر إلى الشاهد ، وهو ممتنع لما حقّقناه في غير موضع (م ، غ ، ٢٢٨ ، ١٥)

صلاحية

ـ إنّ الفعل كان مقدورا للباري سبحانه وتعالى قبل تعلّق القدرة الحادثة ، أي هي على حقيقة الإمكان صلاحية ، والقدرة على حقيقة الإيجاد صلاحية ، ونفس تعلّق القدرة الحادثة لم تخرج الصلاحيتين عن حقيقتهما ، فيجب أن تبقى على ما كانت عليه من قبل ، ثم يضاف إلى كل واحد من المتعلّقين ما هو لائق (ش ، ن ، ٨٢ ، ٦)

صلب

ـ زعمت النسطوريّة أنّ الصلب وقع على المسيح من جهة ناسوته لا من جهة لاهوته (ق ، غ ٥ ، ٨٤ ، ٧)

ـ زعم أكثر الملكانيّة أنّ الصلب وقع على المسيح بكماله ، والمسيح هو اللاهوت والناسوت (ق ، غ ٥ ، ٨٤ ، ٨)

ـ زعم أكثر اليعقوبية أنّ الصلب والقتل وقعا في الجوهر الواحد الكائن من الجوهرين اللذين هما الإله والإنسان ، وهو المسيح على الحقيقة ، وهو الإله ، وبه حلّت الآلام حتى زعمت الملكانيّة واليعقوبيّة أن الذي ولدته مريم هو الإله في الحقيقة (ق ، غ ٥ ، ٨٤ ، ٩)

صمد

ـ إنّ الصمد : هو السيد في اللغة ، وقد روى عن ابن عباس : أنّه استشهد بقول الشاعر : بعمرو بن مسعود وبالسيّد الصمد وروي عن الحسن رحمه‌الله ، أنّ معناه أنّه يقصد إليه في الحوائج ، فمن حيث صمد بذلك إليه استحقّ أن يسمّى صمدا (ق ، م ٢ ، ٧٠٦ ، ٤)

ـ (الصمد) فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إذا قصده وهو السيّد المصمود إليه في الحوائج. والمعنى : هو الله الذي تعرفونه وتقرّون بأنّه خالق السموات والأرض وخالقكم ، وهو واحد متوحّد بالإلهيّة لا يشارك فيها ، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه وهو الغنيّ عنهم (ز ، ك ٤ ، ٢٩٨ ، ١٧)

ـ إنّ الصمد فعل بمعنى مفعول من صمد إليه ، أي قصد ، والمعنى أنّه المصمود إليه في الحوائج ... والذي يدلّ على صحّة هذا الوجه ما روى ابن عباس رضي الله عنه أنّه لمّا نزلت هذه الآية قالوا ما الصمد. فقال عليه‌السلام السيّد الذي يصمد إليه في الحوائج. قال أبو الليث صمدت

صمد هذا الأمر أي قصدت قصده (ف ، س ، ١١٧ ، ٦)

ـ إنّ الصمد في أصل اللغة المصمت الذي لا يدخل فيه شيء غيره ، إلّا أنّا نقول قد دللنا على أنّه لا يمكن ثبوت هذا المعنى في حق الله تعالى ، فوجب حمل هذا اللفظ على مجازه ، وذلك لأنّ الجسم الذي يكون هذا شأنه يكون مبرّأ عن الانفصال والتباين والتأثّر عن الغير ، وهو سبحانه وتعالى واجب الوجود لذاته ، وذلك يقتضي أن يكون تعالى غير قابل للزيادة والنقصان ، وكان المراد من الصمد في حقّه تعالى هذا المعنى (ف ، س ، ١١٨ ، ٢)

صنائع

ـ لا يجوز أن تحدث الصنائع إلّا من قادر حيّ ، لأنّه لو جاز حدوثها ممّن ليس بقادر ولا حيّ لم ندر لعلّ سائر ما يظهر من الناس يظهر منهم وهم عجزة موتى ، فلمّا استحال ذلك دلّت الصنائع على أنّ الله تعالى حيّ قادر (ش ، ل ، ١٠ ، ٢٠)

صنائع حكمية

ـ لمّا رأينا الإنسان على ما فيه من اتّساق الحكمة كالحياة التي ركّبها الله فيه والسمع والبصر ومجاري الطعام والشراب وانقسامه فيه وما هو عليه من كماله وتمامه والفلك وما فيه من شمسه وقمره وكواكبه ومجاريها ، دلّ ذلك على أنّ الذي صنع ما ذكرناه لم يكن يصنعه إلّا وهو عالم بكيفيّته وكنهه. ولو جاز أن تحدث الصنائع الحكمية لا من عالم لم ندر لعلّ جميع ما يحدث من حكم الحيوان وتدابيرهم وصنائعهم يحدث منهم وهم غير عالمين ، فلمّا استحال ذلك دلّ على أنّ الصنائع المحكمة لا تحدث إلّا من عالم (ش ، ل ، ١٠ ، ١٧)

صنع

ـ كذلك نقول إنّ الإنسان يصنع ، لأنّ النص قد جاء بذلك ، ولو لا النصّ ما أطلقنا شيئا من هذا (ح ، ف ٣ ، ٢٥ ، ٢)

صنع الله

ـ ثم قال : (صُنْعَ اللهِ) (النمل : ٨٨) يريد به الإنابة والمعاقبة ، وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب حيث قال (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل : ٨٨) يعني أنّ مقابلته الحسنة بالثواب والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء وإتقانه لها وإجرائه لها على قضايا الحكمة ، أنّه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه فيكافئهم على حسب ذلك (ز ، ك ٣ ، ١٦٢ ، ٩)

صواب

ـ أمّا وصف الفعل بأنّه صواب وحكمة فقد يكون على معنى موافقة الأمر وعلى معنى إصابة المراد ، والحكمة يكون بمعنى العلم وبمعنى أنّه فعل محكم وبمعنى أنّه فعل حسن صواب (أ ، م ، ٩٧ ، ٣)

صوت

ـ كلام الإنسان ليس بصوت وهو عرض وكذلك الصوت عرض ولا يوجب إلّا باللسان (ش ، ق ، ٤٢٥ ، ٧)

ـ الصوت جسم لطيف وكلام الإنسان هو تقطيع الصوت وهو عرض ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٤٢٥ ، ٨)

ـ إنّ الصوت ليس بجسم خلافا لما ذهب إليه النظّام ، فإنّه يقول إنّه جسم لطيف مستكنّ في الكثيف ، فيظهر عند الاصطكاك والاعتماد كالنار المستكنّ في الحجر والحديد ، فإنّه يظهر بالضرب والقدح (ن ، د ، ٤٠ ، ١٣)

ـ مهما ثبت أنّ أحدنا يستحقّ الذمّ على الكذب العاري من اجتلاب نفع أو دفع ضرر علم أنّه يتعلّق به وأنّه من فعله. وفي ذلك دلالة على ما قلنا من أنّ الصوت ليس بجسم ، وأنّه عرض مقدور لنا (ن ، د ، ٤٣ ، ٧)

ـ إنّ الصوت لا يجوز أن يكون جسما ولا صفة للجسم. فإذا ثبت هذا ثبت أنّه عرض مقدور لنا (ن ، د ، ٤٤ ، ٣)

ـ قد بيّنا أنّ الصوت محدث وأنّه من قبلنا ، وكل ما يكون من قبلنا يجب أن يكون حادثا وأن يكون تعلّقه بنا على وجه الحدوث (ن ، د ، ٥١ ، ١٠)

ـ إنّ الصوت وجوده مشروط بالمصاكّة ، وهي عبارة عن تأليف واقع بين جسمين صلبين عقيب حركات متواليات أو حركات تقلّ فيها السكنات (ن ، د ، ١٦٤ ، ٨)

ـ حكى عن إبراهيم النظّام أنّه جعل الصوت جسما يتقطّع بالحركة فنسمعه بانتقاله إلى الأذن ، وأنّ الكلام هو بحركة اللسان (أ ، ت ، ٣٣١ ، ٧)

ـ الصوت من الأجناس المقدورة لنا وإن كنّا لا نفعله إلّا بسبب هو الاعتماد كما قلنا في الآلام والتأليف أنّا لا نقدر على فعلهما إلّا بسبب.

ولا بدّ من أن يصحّ من القديم تعالى أن يفعل ذلك كله مبتدأ لمّا تقدّم القول فيه. وإنّما نعلم كونه مقدورا لنا بوجوب حصوله على حسب قصدنا وداعينا ، ووجوب انتفائه بحسب كراهتنا وصارفنا مع السلامة ، فلا بدّ من حاجته إلينا.

ولا وجه لأجله يحتاج إلينا إلّا الحدوث (أ ، ت ، ٣٣٤ ، ٣)

ـ إذا اصطكّ جسم بجسم وحصلت في كل واحد منهما مصاكّة ، فالصوت يوجد في كل منهما بلا شبهة ، وهكذا يجب إذا صاكّ أحدهما الآخر لا على هذا الوجه ، بل تكون المصاكّة في أحدهما ، فإنّ الصوت يوجد منهما جميعا ، فعلى هذا نجد الخشبة متى ضربناها على حديد ، فالمسموع من الصوت مخالف لما يسمع لو ضرب على حجر وحال الخشبة في الكل واحدة ، فلا بدّ من حصوله في المضروب عليه والمضروب به (أ ، ت ، ٣٦٠ ، ٣)

صورة

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : وأمّا ما نسبه إليهم (للرافضة) من القول بالصورة فإنّه (زعم) لم يفهمه ولم يقف عليه. (ثم قال) ولم يكن فيهم من يقول بالصورة إلّا رجل واحد ، ولم يكن أيضا يقول : إنّ الله صورة ، وأنّ له صورة قائمة في نفسه ؛ وإنّما كان يذهب إلى أنّ الله يخاطب الخلق من صورة كما أنّه كلّم موسى عليه‌السلام من شجرة (خ ، ن ، ١٠٤ ، ٢٠)

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : ولكن قد قال إخوانه (يريد الجاحظ) من الأموية : أنّ الله خلق آدم على صورته ، وزعموا أنّه يضحك حتى تبدو نواجذه. فإن كان عار هذا لاحقا بكل الأموية فعار ذلك القول لاحق بكل الشيعة. يقال له : إنّ عداوة المعتزلة لمن قال

بما حكيت عنه كعداوتها للرافضة أو أكثر. فإن استجاز صاحب الكتاب أن يضيف إلى المعتزلة قول النابتة في التشبيه فليضف إليها قول النابتة أيضا في الإجبار والإرجاء ، وليضف إليها قول الخوارج وقول كل من خالف الرافضة (خ ، ن ، ١٠٥ ، ١١)

ـ ممّا تتمسّك به الحشوية ، ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، وهذا الحديث غير مدوّن في الصحّاح ، وإن صحّ فقد نقل له سبب أغفله الحشوية ، وهو ما روى أنّ رجلا كان يلطم عبدا له حسن الوجه ، فنهاه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك ، وقال : " إنّ الله تعالى خلق آدم على صورته" ، والهاء راجعة على العبد المنهى عن ضربه. ويمكن صرف الهاء إلى آدم نفسه ، ومعنى الحديث على ذلك أنّ الله تعالى خلق آدم بشرا سويا من غير والد ووالدة (ج ، ش ، ١٥٣ ، ٣)

ـ إذا سمع الصورة من قوله عليه‌السلام : " إنّ الله خلق آدم على صورته" ، " وإنّي رأيت ربي في أحسن صورة" ، فينبغي أن يعلم أنّ الصورة اسم مشترك قد يطلق ويراد به الهيئة الحاصلة في أجسام مؤلّفة مولّدة مرتّبة ترتيبا مخصوصا ، مثل الأنف والعين والفم والخد ، والتي هي أجسام ، وهي لحوم وعظام. وقد يطلق ويراد به ما ليس بجسم ولا هيئة في جسم ، ولا هو ترتيب في أجسام ، كقولك عرفت صورة هذه المسألة وصورة هذه الواقعة ، وأنّ وزارة فلان وولايته منتظمة في أحسن صورة وما يجري مجراه ، فليتحقّق كل مؤمن أنّ الصورة في حق الله لم تطلق لإرادة المعنى الأوّل الذي هو جسم لحميّ وعظميّ مركّب من أنف وفم وخد وعين ، فإنّ جميع ذلك أجسام وهيئات في أجسام ، وخالق الأجسام كلّها منزّه عن مشابهتها وصفاتها. وإذا علم هذا يقينا فهو مؤمن ، فإن خطر له أنّه إن لم يرد هذا المعنى ، فما المعنى الذي أراده ، فينبغي أن يعلم أنّ ذلك لم يؤمر به بل أمر بأن لا يخوض فيه ، فإنّه ليس على قدر طاقته ، لكن ينبغي أن يعتقد أنّه أريد به معنى يليق بجلال الله وعظمته ممّا ليس بجسم ولا عرض (غ ، أ ، ٤٨ ، ٥)

ـ الجوهر إمّا أن يكون في المحلّ وهو الصورة أو يكون محلّا وهو الهيولى أو مركّبا من الصورة والهيولى وهو الجسم (ف ، م ، ٧٠ ، ٤)

ـ الفصل الأول في إثبات الصورة ، اعلم أنّ هذه اللفظة ما وردت في القرآن لكنّها واردة في الأخبار. والخبر الأول ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : " إنّ الله تعالى خلق آدم على صورته" ، وروى ابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال : " لا يقولنّ أحدكم لعبده قبّح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك ، فإنّ الله خلق آدم على صورته" (ف ، س ، ١٠٣ ، ٦)

ـ قوله عليه‌السلام إنّ الله تعالى خلق آدم على صورته ، معناه خلق آدم على هذه الصورة التي هي الآن باقية من غير وقوع التبدّل فيها (ف ، س ، ١٠٥ ، ٩)

ـ قد تذكر الصورة ويراد بها الصفة ، يقال شرحت له صورة هذه الواقعة ، وذكرت له صورة هذه المسألة ، والمراد من الصورة في كل هذه المواضع الصفة ، فقوله عليه‌السلام إنّ الله خلق آدم على صورته أي على جملة صفاته وأحواله (ف ، س ، ١٠٦ ، ١٢)

ـ قال الشيخ الغزالي رحمه‌الله ليس الإنسان

عبارة عن هذه البنية ، بل هو موجود ليس بجسم ولا بجسمانيّ ، ولا تعلّق له بهذا البدن إلّا على سبيل التدبير أو التصرّف ، فقوله عليه‌السلام إنّ الله خلق آدم على صورته أي ، إنّ نسبة ذات آدم عليه‌السلام إلى هذا البدن كنسبة الباري تعالى إلى العالم ، من حيث أنّ كل واحد منهما غير حال في هذا الجسم وإن كان مؤثّرا فيه بالتصرّف والتدبير (ف ، س ، ١٠٨ ، ١١)

صيامية

ـ قول الصيامية : أضافهم قوم إلى الصابئين وقوم إلى الثنوية. وزعموا أنّهم أهل زهد وورع وتقلّل وصوم إمساك عن النكاح والذبائح يتديّنون بذلك ويذهبون مذهب أهل الدهر والاثنين في سائر ما حكيناه (ق ، غ ٥ ، ١٨ ، ٨)

ض

ضال

ـ كيف ما كان فلا ينبغي أن يكفّر كل فريق خصمه ، بأن يراه غالطا في البرهان ، نعم يجوز أن يسمّيه ضالّا ومبتدعا. أمّا ضالا فمن حيث أنّه ضلّ عن الطريق عنده ، وأمّا مبتدعا فمن حيث أنّه أبدع قولا لم يعهد من السلف التصريح به (غ ، ف ، ٦٧ ، ١٤)

ضد

ـ الضدّ هو الممانع المفاسد لغيره مثل الحلاوة والمرارة والحرّ والبرد والخلاف مثل الحلاوة والبرودة والحموضة والبرد (ش ، ق ، ٣٢٧ ، ٦)

ـ إنّ الضدّ هو الترك ، وإنّ ضدّ الشيء هو تركه (ش ، ق ، ٣٧٧ ، ٣)

ـ الله واحد لا شبيه له ، دائم قائم لا ضدّ له ولا ند ، وهذا تأويل قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١). وأصل ذلك أنّ كل ذي مثل واقع تحت العدد فيكون أقلّه اثنين ، وكل ذي ضدّ تحت الفناء إذ يهلك ضدّه ، وعلى ذلك كل شيء سواه له ضدّ يفني به ، وشكل يعدّ له ويصير به زوجا ، فحاصل تأويل قوله : واحد أي في العظمة والكبرياء ، وفي القدرة والسلطان ، وواحد بالتوحّد عن الأشباه والأضداد ؛ ولذلك بطل القول فيه بالجسم والعرض إذ هما تأويلا الأشياء (م ، ح ، ٢٣ ، ١٥)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الترك ممّا يوصف به الحيّ القادر ، ولذلك لا يقال للجماد إنّه تارك لأنّه لم يفعل أحد الضدّين ، وإنّما يكون تاركا إذا فعل أحد الضدّين فيكون بما فعل من الترك فاعلا لضدّ ما ترك. وكان يقول إنّ سبيل الضدّ والترك سبيل واحد وإنّ معنى قولنا" ضد" و" ترك" سواء وإنّ كل ترك فضدّ وكل ضدّ ترك ، وإنّ المعدوم لا يكون تركا بل يكون الموجود تركا للمعدوم والمعدوم متروكا به كما أنّه منتف به (أ ، م ، ٢٣٥ ، ٢٣)

ـ أمّا الممنوع ، فهو القادر إذا عرض ما لا يتأتّى منه الفعل ، فلا يصحّ كونه ممنوعا إلّا وهو قادر على نفس ما منع منه. وكذلك القول في الحيلولة والضدّ (ق ، غ ٨ ، ١٦٨ ، ٣)

ـ إنّ الذات إذا حصلت على صفة ولم يكن هناك مزيل لها ولم يمكن الإشارة إليه ، وجب حصولها عليها. وقد علمنا أنّ المزيل لشيء من الأشياء إنّما هو الضدّ أو ما يجري مجراه وهو فقد ما يحتاج في الوجود إليه. والضدّ إنّما يكون تأثيره في إزالة صفة الوجود ، فلا يتصوّر تأثيره في صفة الذات التي تثبت في حالة العدم ، وما يجري مجرى الضدّ لا يتأتى أيضا في صفة الذات ، فيجب أن يقال بدوامها أبدا (ن ، د ، ١٩٤ ، ٧)

ـ كما نقول في الحركة والسكون والعلم والجهل إنّ أحدهما يكون منعا لما كان ضدّا له (ن ، د ، ٤٠٩ ، ١٤)

ـ إنّ الضدّ إنّما يعتبر في منافاته لضدّه وجوده وتكامل شروطه (ن ، د ، ٤١٢ ، ١٦)

ـ إنّ الضدّ هو ما حمل حمل التضادّ ، والتضادّ هو اقتسام الشيئين طرفي البعد تحت جنس واحد ، فإذا وقع أحد الضدّين ارتفع الآخر (ح ،

ف ١ ، ١٢ ، ١٦)

ـ العلّة لا توجب الصفة وما يضادّها ، والضدّ ينفي الشيء وما يضادّه ، فكيف يكون الضدّ علّة (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ٨)

ضد في الحقيقة

ـ إن قيل : هلّا قلتم إنّ العقل يدلّ على جواز فناء الجواهر ؛ لأنّ القادر على الشيء يجب كونه قادرا على ضدّه؟ قيل له : ليس الأمر كما قدّر ؛ لأنّ في الحوادث ما لا ضدّ له. وإنّما يجب ذلك متى ثبت أنّ له ضدّا مقدورا ، فيجب أن يكون القادر عليه قادرا على جنس ضدّه. ولا دليل في العقل على أنّ للجواهر ضدّا ، فلا يصحّ ما ذكرته. فإن قال : هلّا قلتم : إنّ في العقل دلالة على ذلك ، وهو أنّ كل مقدور يصحّ البقاء عليه فلا بدّ من أن يكون له ضدّ. يدلّ على ذلك أنّا اعتبرنا ما هذا حاله ، فوجدناه على اختلافه واختلاف وجوه اختلافه قد يشترك في أنّ له ضدّا. قيل له : إنّ الوجود لا يدلّ على الأحكام. وقد بيّنا ذلك فيما سلف ، فيجب أن يظهر ما له وجب في هذه المقدورات الباقية أنّ لها أضدادا ، ويبيّن أنّ ذلك إنّما وجب فيها لكونها مقدورة باقية ليتمّ ما ذكرته. فإن قال : إذا رأيت فيما لا يبقى ما لا ضدّ له ، ورأيت ما يبقى له ضدّ علمت بأنّ العلّة فيه صحّة بقائه ؛ قيل له : ليس الأمر كما ظننته ؛ لأنّ فيما لا يبقى ما له ضدّ ، وفيه ما لا ضدّ له. وإنّما كان لما أوردته شبهته لو اشترك الكل في أنّه لا ضدّ له. وبعد ، فإنّ فيما يبقى ما لا ضدّ له أيضا ، وهو الاعتماد والتأليف والحياة ؛ على ما حصّله شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ آخرا ، فما ادّعيت استمرار الوجود فيه فباطل. فإن قال : إنّه وإن كان لا ضدّ له فلما يحتاج إليه ضدّ ، ويجري ذلك في أنّه يقتضي كون القادر عليه قادرا على ما ينافيه مجرى نفس الضدّ ؛ قيل له : إذا صحّ أنّ في المقدورات الباقية ما لا ضدّ له أصلا فما الذي يمنع من أن يكون فيها ما لا ضدّ لما يحتاج إليه بألّا يحتاج في وجوده إلى غيره. وقد ثبت في الجوهر أنّه لا يحتاج في وجوده إلى غيره كحاجة التأليف. وبعد ، فإن ما ذكره السائل إنّما يصحّ في ضدّ الشيء بالحقيقة ، فأمّا ضدّ ما يحتاج إليه فلا يجب أن يكون القادر على الشيء قادرا عليه ؛ ألا ترى أنّ الواحد منّا يقدر على القتل ولا يقدر على الحياة لمّا كان ضدّا لما يحتاج إليه. ومتى قدر على الإرادة قدر على الكراهة ؛ لأنّها ضدّ في الحقيقة (ق ، غ ١١ ، ٤٣٤ ، ١٩)

ضد ما يحتاج إليه

ـ إن قيل : هلّا قلتم إنّ العقل يدلّ على جواز فناء الجواهر ؛ لأنّ القادر على الشيء يجب كونه قادرا على ضدّه؟ قيل له : ليس الأمر كما قدّر ؛ لأنّ في الحوادث ما لا ضدّ له. وإنّما يجب ذلك متى ثبت أنّ له ضدّا مقدورا ، فيجب أن يكون القادر عليه قادرا على جنس ضدّه. ولا دليل في العقل على أنّ للجواهر ضدّا ، فلا يصحّ ما ذكرته. فإن قال : هلّا قلتم : إنّ في العقل دلالة على ذلك ، وهو أنّ كل مقدور يصحّ البقاء عليه فلا بدّ من أن يكون له ضدّ. يدلّ على ذلك أنّا اعتبرنا ما هذا حاله ، فوجدناه على اختلافه واختلاف وجوه اختلافه قد يشترك في أنّ له ضدّا. قيل له : إنّ الوجود لا يدلّ على الأحكام. وقد بيّنا ذلك فيما سلف ، فيجب أن يظهر ما له وجب في هذه المقدورات الباقية أنّ لها أضدادا ، ويبيّن أنّ ذلك إنّما وجب فيها لكونها مقدورة باقية ليتمّ ما ذكرته. فإن قال :

إذا رأيت فيما لا يبقى ما لا ضدّ له ، ورأيت ما يبقى له ضدّ علمت بأنّ العلّة فيه صحّة بقائه ؛ قيل له : ليس الأمر كما ظننته ؛ لأنّ فيما لا يبقى ما له ضدّ ، وفيه ما لا ضدّ له. وإنّما كان لما أوردته شبهته لو اشترك الكل في أنّه لا ضدّ له. وبعد ، فإنّ فيما يبقى ما لا ضدّ له أيضا ، وهو الاعتماد والتأليف والحياة ؛ على ما حصّله شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ آخرا ، فما ادّعيت استمرار الوجود فيه فباطل. فإن قال : إنّه وإن كان لا ضدّ له فلما يحتاج إليه ضدّ ، ويجري ذلك في أنّه يقتضي كون القادر عليه قادرا على ما ينافيه مجرى نفس الضدّ ؛ قيل له : إذا صحّ أنّ في المقدورات الباقية ما لا ضدّ له أصلا فما الذي يمنع من أن يكون فيها ما لا ضدّ لما يحتاج إليه بألّا يحتاج في وجوده إلى غيره. وقد ثبت في الجوهر أنّه لا يحتاج في وجوده إلى غيره كحاجة التأليف. وبعد ، فإن ما ذكره السائل إنّما يصحّ في ضدّ الشيء بالحقيقة ، فأمّا ضدّ ما يحتاج إليه فلا يجب أن يكون القادر على الشيء قادرا عليه ؛ ألا ترى أنّ الواحد منّا يقدر على القتل ولا يقدر على الحياة لمّا كان ضدّا لما يحتاج إليه. ومتى قدر على الإرادة قدر على الكراهة ؛ لأنّها ضدّ في الحقيقة (ق ، غ ١١ ، ٤٣٤ ، ١٦)

ضدان

ـ قال إبراهيم (النظّام) : وجدت الحرّ مضادا للبرد ووجدت الضدين لا يجتمعان في موضع واحد من ذات أنفسهما ، فعلمت بوجودي لهما مجتمعين أنّ لهما جامعا جمعهما وقاهرا قهرهما على خلاف شأنهما. وما جرى عليه القهر والمنع فضعيف ، وضعفه ونفوذ تدبير قاهره فيه دليل على حدثه وعلى أنّ محدثا أحدثه ومخترعا اخترعه لا يشبهه ، لأنّ حكم ما أشبهه حكمه في دلالته على الحدث ، وهو الله رب العالمين (خ ، ن ، ٤٠ ، ٢١)

ـ الضدّان هما المتنافيان اللذان ينفي أحدهما الآخر ، وأنكر" أبو الهذيل" هذا القول لأنّ الحرفين يتنافيان ولا يتضادّان (ش ، ق ، ٣٧٦ ، ٤)

ـ الضدّان هما اللذان لا يجتمعان ، فمعنى أنّ الشيئين ضدّان أنّهما لا يجتمعان ، وهذا قول" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ٣٧٦ ، ١٠)

ـ إنّ الضدّين لا يجتمعان في محلّ واحد ، ولا في جهة واحدة ، ولا في الموجود في المحلّ ، ولكنّه يصحّ وجودهما في محلّين على سبيل المجاورة (ش ، ل ، ٩١ ، ٧)

ـ إنّ كل عرضين لا يصحّ أن يحدثا معا ولا أن يحدث كل واحد منهما مع جنس صاحبه فهما ضدّان (أ ، م ، ٢٥٧ ، ٢١)

ـ إنّ الضدّين يصحّ أن يكونا مرادين لمريدين بل لمريد واحد إذا اعتقد ارتفاع التضادّ بينهما ، لأنّ إرادة الشيء تابع لصحّة حدوثه ، وصحّة الحدوث ثابتة في كل واحد من الضدّين ، فصحّ أن يعلم الله تعالى ذلك من حال كل واحد منهما ، وإذا صحّ ذلك صحّ أن يريدهما ، وإذا صحّ وجب ، لأنّ صفة الذات إذا صحّت وجبت ، فيجب حصولها (ق ، ش ، ٤٤٣ ، ١٣)

ـ والكلام في أنّ لا ضدّ للقديم ظاهر ، وذلك لأن من حقيقة الضدّين أن يصحّ وجود أحدهما بدلا من الآخر. إمّا على طريقة التحقيق أو على طريقة من التقدير ليثبت التضادّ فيهما (ق ، ت ١ ، ١٤١ ، ٦)

ـ مما يدلّ على أنّ القديم لا ضدّ له ما قد تقرّر أنّ من حق كل ضدّين أن تكون صفة أحدهما

بالعكس من صفة الآخر فيما يرجع إلى ذاته. فإذا كان القديم جلّ وعزّ موجودا لنفسه قادرا عالما حيّا لنفسه فيجب في ضدّه ـ لو كان له ضدّ ـ أن يكون معدوما لنفسه عاجزا لنفسه جاهلا لنفسه وهذا محال فيجب أن لا يكون له ضدّ (ق ، ت ١ ، ١٤٢ ، ٦)

ـ إنّ القادر يقدر على إيجاد الفعل على الوجه الذي يصحّ وجوده عليه. والمختلفان قد يصحّ اجتماعهما وكذلك المثلان يصحّ دخولهما في الوجود وليس كذلك الضدّان (ق ، ت ٢ ، ٩١ ، ١٥)

ـ إذا قيل : فما حقيقة الضدّين؟ قيل : هو ما يمتنع وجود أحدهما لأجل وجود الآخر ، إذا كان وقت وجودهما واحدا. ومعناه أنّ ما يكون امتناع وجود أحدهما لأجل وجود الآخر ، إذا كان وقت وجودهما واحدا. وأما إذا لم يكن وقت وجودهما واحدا ، فلا يجب أن يكون امتناع وجود أحدهما لأجل وجود الآخر ، بل يكون لأجل وجود الآخر ، وقد يكون لأمر آخر (ن ، د ، ١٣٤ ، ١)

ـ إنّ كل ضدّين يجب أن يصحّ فيهما طريقة البدل (ن ، د ، ١٣٧ ، ١٥)

ـ إنّ الواجب في الضدّين أن يحصلا على صفتين متعاكستين (ن ، د ، ٣١٥ ، ١٥)

ـ إن قيل : كيف يصحّ قولكم : " إنّه إذا كان كل من صحّ عليه أحد الحكمين يصحّ عليه الآخر يجب أن يكون مصحّحهما واحدا" ، وقد علمنا أنّ الضدّين يصحّ كل واحد منهما أن ينتفي به الآخر ، ثم المصحّح لأحدهما لا يجب أن يصحّح الآخر؟. قيل له : هذا لا يصحّ ، لأنّا نقول : إنّهما لم يتساويا في ذلك ، بل بأن ينتفي الباقي أولى من الطارئ ، فلا يكون الحكم ثابتا لهما في حالة واحدة ـ وكلامنا في حكمين لا ينفكّ أحدهما عن الآخر (ن ، د ، ٥٥٠ ، ١٢)

ـ يجب في الضدّين أن يكون لأحدهما صفة ، بالعكس مما للآخر فيما يرجع إلى ذاته (ن ، م ، ٢٣٦ ، ٢٠)

ـ إنّ من حق كل ضدّين ، صحّة وجود كل واحد منهما بدلا من الآخر (ن ، م ، ٢٣٨ ، ٥)

ـ إنّما التضادّ كالخضرة والبياض اللذين يجمعهما اللون ، أو الفضيلة والرذيلة اللتين يجمعهما الكيفيّة والخلق ، ولا يكون الضدّان إلّا عرضين تحت جنس واحد (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ١٩)

ـ نقول : الضدّان في اصطلاح المتكلّم : عبارة عمّا لا يجتمعان في شيء واحد من جهة واحدة ، وقد يكونان وجوديّين كما في السواد والبياض ، وقد يكون أحدهما سلبا وعدما كما في الوجود والعدم ، فعلى هذا إن قيل : للإرادة ضدّ فليس ضدّها إلّا عدمها وسلبها ، وكذا في القول أيضا ، والعدم المحض لا يوصف بكونه قديما ولا حادثا ، ولا شاهدا ولا غائبا. فإذا ليس كل ما هو ضدّ للحادث يكون حادثا. ثم ولو قدّر أنّ ضدّ الإرادة والقول ليس إلّا أمرا وجوديّا فلا يلزم أن يكون حادثا ، بمعنى أنّ وجوده بعد العدم ؛ لكون ضدّه حادثا ، بل جاز أن يكون قديما بمعنى أنّه لا أوّل لوجوده ، لا بمعنى أنّ وجوده ليس بمعلول. ويكون منشأ وجوده نقضا لوجوده إلى عدمه ، وذلك المنشأ هو منشأ وجود ضدّه ، وهذا مما لا يتقاصر عن قول أهل الحق : إنّ منشأ عدم العالم في القدم إلى حين وجوده هو منشأ وجوده في وقت وجوده (م ، غ ، ١٨٧ ، ١٣)

ـ الغيران إمّا مثلان ، وهما المشتركان في صفات النفس ؛ أو اللذان يقوم أحدهما مقام الآخر ؛

والأوّل يرادف للتماثل والثاني مستعار منه ؛ أو مختلفان ، فإمّا ضدّان وهما الوصفان الوجوديّان اللذان يفترقان لذاتيهما كالسواد والحركة (خ ، ل ، ٨٨ ، ١)

ـ الضدّان : صفتان وجوديّتان يتعاقبان في موضع واحد يستحيل اجتماعهما كالسواد والبياض ، والفرق بين الضدّين والنقيضين أنّ النقيضين لا يجتمعان ولا يرتفعان كالعدم والوجود ، والضدّين لا يجتمعان ولكن يرتفعان كالسواد والبياض (ج ، ت ، ١٧٩ ، ٤)

ضرارية

ـ إنّ الكفر لم يكن كفرا قبيحا بالكافر ولكن بالله وحده ، لأنّه إنّما كان كذلك بالاسم والحكم. والاسم والحكم من الله لا من الكافر. وهذا قول الضراريّة بعينه (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٣)

ـ الضراريّة : إنّ الكفر بالله كان كفرا وبه كان قبيحا ، ومعناها في ذلك أنّ الله أنشأ عين الكفر وأحدثه كفرا قبيحا (خ ، ن ، ٢٩ ، ١٧)

ضرب

ـ الألم نقصان ، ثم هو محوج إلى سبب ، هو ضرب ، والضرب مماسّة تجري بين الأجسام ، واللذّة ترجع إلى زوال الألم ، إذا حقّقت ؛ أو ترجع إلى درك ما هو محتاج إليه ، ومشتاق إليه (غ ، ق ، ١١٣ ، ٢)

ضرر

ـ إنّ الضرر قد يقبح لأنّه عبث وإن لم يكن ظلما. يدلّ على ذلك أنّ غيره لو بذل له من نفسه أن يضرّ به على عوض يدفعه إليه هو أجدى عليه من ترك الضرر ـ ففعل به ذلك وعوّضه ـ أن ذلك يقبح وإن لم يكن ظالما له ، لأنّ تعويضه عليه قد أخرجه من كونه ظالما. وإنّما قبح منه ذلك لأنّه عبث. وكذلك لو استأجره لما لا ينتفع به من صبّ الماء من جانب من البحر إلى جانب ووفّر عليه الأجرة ، لكان يقبح منه ذلك لأنّه عبث (ق ، غ ١٣ ، ٣١٢ ، ٢)

ـ إنّ الضرر يحسن عند كل وجه يخرج به عن أن يكون ظلما أو عبثا. قد بيّنا من قبل أنّه قد يخرج من هذين الوصفين بوجوه : منها ثبوت نفع يوفي عليه. ومنها دفع ضرر هو أعظم منه. ومنها كونه مستحقّا. ومنها حصول الظنّ بأحد هذه الوجوه. فيجب أن نحكم بحسنه عند ثبوت أحد هذه الوجوه فيه (ق ، غ ١٣ ، ٣١٦ ، ٢)

ـ لو أخرج من ملكه ثوبا بدينار يأخذه عاجلا ، يحسن منه ذلك متى كان النفع بالدينار أكبر. ولو أخرجه من ملكه بدرهم أو من دون نفع يصل إليه لقبح. والذي لأجله حسن هو النفع الذي ذكرناه ؛ لأنّ عند علمه به علم حسنه ، ولولاه لكان قبيحا. فهذا الضرر هو الذي يمكن أن يبيّن أنّه يحسن لأجله النفع دون ما عداه ؛ لأن ما يقترن النفع به لا يمكن أن يعلم ثبوت النفع فيه ، وإنّما يظنّ ذلك ، فلا يصحّ أن يحكم بحسنه لأجل النفع (ق ، غ ١٣ ، ٣١٨ ، ٦)

ـ إنّ الضرر قد يحسن لكونه مستحقّا ، ويخرج بذلك من كونه ظلما. اعلم أنّ الذي يخلص من المضارّ فيه هذا الوجه هو العقاب والذمّ واللوم ، لأنّ ما عداها لا يمكن أن تتبيّن فيه أنّه يحسن لأجل الاستحقاق. وقد بيّنت أنّه يحسن من أحدنا أن يذمّ من أساء إليه أو أقدم على القبائح العظيمة وإن كان ذلك الذمّ والاستحقاق يغمّه ويؤذيه ويؤثّر في قلبه. فقد حسن منه أن يفعل ذلك بغيره ، لا لنفع ولا لدفع ضرر معلوم

أو مظنون ، وإنّما حسن منه للاستحقاق على ما تقدّم منه ، فصار ذلك أصلا لحسن الآلام التي هي العقوبات لأجل الاستحقاق (ق ، غ ١٣ ، ٣٤٤ ، ٢)

ـ قد بيّنت في باب الآلام أنّ الذي قاله شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله ، من أنّ الضرر لا يكون إلّا قبيحا لا يصحّ ، وأنّ الأولى في حقيقته أنّه كل ألم وغمّ ، أو ما يؤدّي إليهما ، من غير أن يعقبا نفعا يوفى عليه. فكل ما هذا حاله يوصف بأنه ضرر ومضرّة ، فلذلك توصف المعاصي بأنّها ضرر ، من حيث تؤدّي إلى العقاب (ق ، غ ١٤ ، ٤١ ، ٨)

ضرورة

ـ زعم بعضهم وهو" الشحّام" أنّ الله يقدر على ما أقدر عليه عباده ، وأنّ حركة واحدة تكون مقدورة لله وللإنسان ، فإن فعلها الله كانت ضرورة وإن فعلها الإنسان كانت كسبا (ش ، ق ، ١٩٩ ، ٩)

ـ إنّ الضرورة ما حمل عليه الشيء وأكره وجبر عليه ولو جهد في التخلص منه وأراد الخروج عنه واستفرغ في ذلك مجهوده لم يجد منه انفكاكا ولا إلى الخروج عنه سبيلا (ش ، ل ، ٤١ ، ١٠)

ـ إنّ العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلّا بالاستدلال ، وقد أظهر به ما يستدل من أحوال نفسه التي عليها مداره ، مع ما بيّنا أنّ الضرورة تبعثه على النظر وتدفعه إلى الفكر فيما يرى من أحواله وأعضائه ومنافعه ومضارّه التي في الجهل بها عطبه وفي العلم بها صلاحه ، وفي صلاحه بها على علمه بأنّه لم يكن دبّر ما ذكرت من أحوال تضطرّه إلى معرفته ومن قام هو به (م ، ح ، ١٣٧ ، ١٦)

ـ إنّ الضرورة في اللغة تكون بمعنى الحاجة (ب ، ت ، ٣٥ ، ٢١)

ـ قال (الأشعري) في بعض كتبه إنّ معنى الضرورة ما حمل عليه الإنسان وأجبر عليه ولو أراد التخلّص منه لم يجد إليه سبيلا. وقال في غيره من الكتب إنّ الضرورة تستعمل في هذه المعاني على أحد وجهين ، أحدهما بمعنى الحاجة كقوله تبارك وتعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) (المائدة : ٣) وقوله سبحانه (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) فهذه ضرورة الحاجة. وقد تكون ضرورة على معنى ما يحدث فيه كارها له ، كقول القائل" اضطررت إلى فعل كذا" و" اضطرّني السلطان إلى دفع مالي إليه" إذا أكرهه عليه ، فعلى هذا قد يكون نوع الكسب ضرورة بأن يحدث فيه مع الكراهة له من وجه وإن كان مريدا له من وجه. وعلى هذا يجيز أن يكون شيء واحد كسبا ضرورة من وجهين على الوجه الذي بيّنا (أ ، م ، ١٢ ، ٣)

ـ إنّ الضرورة في أصل اللغة هي الإلجاء ، قال الله تعالى : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) أي ما ألجئتم إليه ، وفي العرف ، إنّما يستعمل فيما يحصل فينا لا من قبلنا ، بشرط أن يكون جنسه داخلا تحت مقدورنا ، ولذلك يقال حركة ضروريّة لما دخل جنسها تحت مقدورنا ، ولم يقل لون ضروريّ لما لم يدخل جنسه تحت مقدورنا ، هذا إذا كان مطلقا (ق ، ش ، ٤٨ ، ٦)

ـ كان أبو علي ، رحمه‌الله ، يقول في الضرورة : إنّه ما يفعله الإنسان في غيره ، كان قادرا على مثله أو لم يكن. وعلى الوجه الذي حدّدناه أولا لا يكون مضطرّا إلّا وهو قادر ، وإن لم يكن قادرا على نفس ما اضطرّه إليه. فإذا جعل

بمعنى الإلجاء ، فيجب كونه قادرا على نفس ما اضطرّ إليه (ق ، غ ٨ ، ١٦٧ ، ١٧)

ـ قال شيخنا أبو هاشم ـ رحمه‌الله ـ في بعض الطبائع : إن الملجأ هو من دفع إلى ضررين يدفع أعظمهما بأدونهما. ومثّل ذلك بالملجإ إلى الهرب من السبع ، والملجأ إلى أكل الميتة إذا دفع به الجوع الشديد ، والملجأ إلى الهرب من العدوّ. وذكر أنّ الإلجاء والاضطرار في اللغة بمعنى واحد. وذكر قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة : ١٧٣) ، وقوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (الأنعام : ١١٩) وغير ذلك. وبيّن أن المتكلّمين إنّما فرّقوا بين الضرورة والإلجاء من جهة الاصطلاح ، وإلّا فهما من جهة اللغة لا يختلفان. وذكر أن تحصيل الملجأ أن يفعل به ما يقتضي الهرب من ضرر آخر لو لم يهرب منه لنزل به (ق ، غ ١١ ، ٣٩٤ ، ١٤)

ـ أمّا قولك : إنّ النظر في باب الدين إذا وجب في طريقه أن يكون دليلا ، فكذلك المنبّه عليه يجب أن يكون حجّة ، وأن لا يعتبر بقول الدعاة في ذلك ، ويخالف النظر في باب الدنيا ، فبعيد. وذلك أنّ الأنبياء ، صلوات الله عليهم ، متى خوّفوا من ترك النظر لم يعلم من حالهم إلّا مثل ما يعلم من حال الداعي ، لأنّه لا سبيل لمن ينظر في معرفة الله فيعلمه بعدله وتوحيده وأنّه حكيم ، أن يعلم أنّ الرسول صادق وأنّ المعجز يدلّ على صدقه في النبوّة. وإذا لم يكن له إلى ذلك سبيل ، حلّ قوله عنده محل قول الداعي في أنّه يعمل به لما يقارنه من الأمارات ، فلا تكون له مزية. فإن صحّ وجوب النظر إذا كان المخوّف نبيّا ، فيجب أن يكون واجبا وإن لم يكن نبيّا ، لما بيّناه. إلّا أن يقول قائل : إنّ عند قول النبيّ يقع العلم بالطبع اضطرارا ، كما قاله الجاحظ ، وعند قول غيره لا يكون هذا حاله ، فيكون لهذا الفرق إذن تأثير. وقد بيّنا فساد ذلك ، وبيّنا على قوله لا تصحّ التفرقة بينهما. لأنّ الضرورة لا تفتقر إلى قول لرسول متقدّم ، لأنّه تعالى قادر على أن يهيّئ المحلّ لذلك الطبع ، فيضطرّه ، وإن لم يكن هناك رسول فلا تصحّ هذه التفرقة أيضا. وإذا لم تصحّ له ، لم تكن لأحد أن يتعلّق بها. لأنّ كل من خالف في هذا الباب ، لا يقتضي مذهبه التفرقة بين الرسول والداعي ، لأنّه إن كان من أصحاب الاضطرار فلا وجه لذلك عنده ، وكذلك إن كان من أصحاب الاكتساب (ق ، غ ١٢ ، ٣٦٧ ، ١٧)

ـ قال أبو محمد : ثم نرجع إلى ما كنّا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب ، فنقول وبالله تعالى التوفيق ، إنّ المعلومات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقّنه ، ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحّته ، والثاني لم يقم على صحّته برهان ، وأما ما لم يتيقّن المرء صحّته في ذاته فليس عالما به ولا له به علم وإنّما هو ظان له ، وأمّا كل ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطرّ إلى علمه به لأنّه لا مجال للشكّ فيه عنده وهذه صفة الضرورة ، وأمّا الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه (ح ، ف ٥ ، ١١٣ ، ١٩)

ـ دعوى الضرورة وقد اعتمد عليها كثير من المتكلّمين فقال ، نعلم ضرورة أنّ البناء لا بدّ له من بان ، ثم قال والجناية لا بدّ لها من جان وهذه كلمة ساقته إليها القرينة ، والمراد عموم الفعليّة لا خصوص الجناية ، أي مستحيل أن

يكون الفعل من غير فاعل ، والذين ادّعوا الضرورة في هذه المسألة من المتكلّمين استغنوا عن الطرق الأربع التي ذكرناها وأمير المؤمنين عليه‌السلام اعتمد أولا على طريق واحدة ، ثم جنح ثانيا إلى دعوى الضرورة وكلا الطريقين صحيح (أ ، ش ٣ ، ٢٠٢ ، ١٩)

ضروري

ـ إذا وجب أن يعرفه (الفعل المكلّف) فحصول هذه المعرفة تكون له بطريقين : أحدهما بأن يفعل الله تعالى فيه العلم به وهو الذي نسمّيه ضروريّا. والثاني بأن ينصب له على ذلك دلالة يستدلّ بها فيفعل هو العلم ، وفي كل الوجهين لا بدّ من أن يفعل الله تعالى ما معه يتمكّن من العلم بصفة ما قد كلّف وإن اختلفت حال هذين العلمين. فإذا كان ضروريّا تناول جمل الأفعال وأفعالا على أوصاف إنّها إذا كانت بصفة كيت وكيت فهي قبيحة أو واجبة أو حسنة وهذا هو الذي يجري في الكتب أنّ العلم بأصول المقبّحات والمحسّنات والواجبات ضروريّ. وإذا كان مكتسبا يتناول أعيان الأفعال (ق ، ت ١ ، ٣ ، ١٩)

ـ العلم الحادث ينقسم إلى الضروريّ ، والبديهيّ ، والكسبيّ. فالضروريّ هو العلم الحادث غير المقدور للعبد مع الاقتران بضرر أو حاجة ، والبديهيّ كالضروريّ غير أنّه لا يقترن بضرر ولا حاجة ، وقد يسمّى كل واحد من هذين القسمين باسم الثاني. ومن حكم الضروريّ في مستقرّ العادة أن يتوالى فلا يتأتى الانفكاك عنه والتشكّك فيه ؛ وذلك كالعلم بالمدركات ، وعلم المرء بنفسه ، والعلم باستحالة اجتماع المتضادات ونحوها. والعلم الكسبيّ هو العلم الحادث المقدور بالقدرة الحادثة. ثم كل علم كسبيّ نظريّ ، وهو الذي يتضمّنه النظر الصحيح في الدليل (ج ، ش ، ٣٥ ، ٦)

ضروريات

ـ ما يحدث من العلوم عن الحسّ والخبر على هذا الشرط من جملة الضروريّات ، وما يحدث عن النظر من جملة المكتسبات (أ ، م ، ١٨ ، ٢٢)

ـ ما يدرك بالعقل قد يكون بلا واسطة نظر ، كالضروريّات ، وقد يكون بواسطة نظر كالاستدلاليات (ق ، س ، ٥٣ ، ١٥)

ضعف

ـ كذلك القول لو وقع من عباده ما لا يعلمه ، فكذلك لا يجوز أن يقع من عباده ما لا يريده ، لأنّ ذلك يوجب أن يقع عن سهو وغفلة ، أو عن ضعف وتقصير عن بلوغ ما يريده ، كما يجب ذلك لو وقع من فعله المجمع على أنّه فعله ما لا يريده. وأيضا فلو كانت المعاصي وهو لا يشاء أن تكون لكان قد كره أن تكون ، وأبى أن تكون ، وهذا يوجب أن تكون المعاصي كائنة شاء الله أم أبى ، وهذه صفة الضعف ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا (ش ، ب ، ١٢٦ ، ١٦)

ضلال

ـ أمّا قوله (وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) (الأنعام : ١٢٥) فإنّ الله جلّ ذكره يريد أن يضلّ الكافر ، وإضلاله إيّاه تسميه إيّاه ضالّا وحكمه عليه بما كان منه من الضلال (خ ، ن ، ٨٩ ، ٢٣)

ـ قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه : الضلال في كتاب الله ، عزوجل ، على وجوه ، فوجه منها : قول الله ، تبارك وتعالى : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) (الفاتحة : ٧) ، يقول إنّهم ضلّوا عن سواء السبيل ، وهم النّصارى. والوجه الثاني : قوله ، سبحانه : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) (الضحى : ٧) ، يقول عن شرائع النبوة فهداك الله. وقال موسى : (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) (الشعراء : ٢٠) ، يقول : من الجاهلين بعاقبة فعلي ، وقال أولاد يعقوب : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف : ٨) ، يقولون : جاهل عند ما يؤثر يوسف علينا ونحن أنفع له من يوسف ، صلى الله عليه. والوجه الثالث : قوله : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) (البقرة : ٢٨٢) ، أي تنسى إحداهما الشهادة ، (فتذكّر إحداهما الأخرى). والوجه الرابع : قوله : (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (محمد ، ١ ، ٨) ، يقول : أبطل أعمالهم. والوجه الخامس : قوله سبحانه ، في قصة فرعون والسامريّ ، حيث يقول : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) (طه : ٧٩) ، يقول : أغواهم وأرادهم ولم يرشدهم. والوجه السادس : قوله ، سبحانه : (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (الجاثية : ٢٣) ، وقوله : (يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (فاطر : ٨) ، و (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ) (إبراهيم : ٢٧) ، و (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) (غافر : ٣٤) ، ونحو هذه في القرآن كثير. يعني في جميع ذلك ، أنّه يوقع عليه اسم الضلال ويدعوه به بعد العصيان والطغيان ، لا أنّه يغويهم عن الصراط المستقيم كما أغوى وأضلّ فرعون قومه ، وإن أشبه اللفظ فمعناه متباين مفترق عند أهل العلم (ي ، ر ، ٨٣ ، ٣)

ـ هداية صفة الرب جلّت قدرته ، والاهتداء صفة العبد والإضلال صفة الرب تعالى والضلال صفة العبد (م ، ف ، ٢٢ ، ١٧)

ـ أمّا الضلال : فالأصل فيه أنّه الهلاك ، ويستعمل فيما يجري مجرى الطريق إليه ، أو يكون حقيقة فيما يؤدّي إلى الهلاك ، على ما بيّناه في الهدى (ق ، م ١ ، ٦٥ ، ١٢)

ـ إنّ الضلال قد يكون بمعنى الهلاك (ق ، م ٢ ، ٦١٦ ، ٨)

ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (المائدة : ٤٨) حنيفة مسلمة على طريق الإلجاء والاضطرار وهو قادر على ذلك (ولكن) الحكمة اقتضت أن يضلّ (مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وهو أن يخذل من علم أنّه يختار الكفر ويصمّم عليه (وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (النحل : ٩٣) وهو أن يلطف بمن علم أنّه يختار الإيمان : يعني أنّه بنى الأمر على الاختيار وعلى ما يستحقّ به اللطف والخذلان والثواب والعقاب ، ولم يبنه على الإجبار الذي لا يستحق به شيء من ذلك ، وحقّقه بقوله (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل : ٩٣) ولو كان هو المضطر إلى الضلال والاهتداء لما أثبت لهم عملا يسألون عنه. ثم كرّر النهي عن اتخاذ الإيمان دخلا بينهم تأكيدا عليهم وإظهارا لعظم ما يركب منه فقال (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) (النحل : ٩٤) فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام بعد ثبوتها عليها (وَتَذُوقُوا السُّوءَ) (النحل : ٩٤) في الدنيا بصدودكم (عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (النحل : ٩٤). وخروجكم من الدين أو بصدّكم غيركم ، لأنّهم لو نقضوا إيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها (ز ، ك ٢ ،

٤٢٦ ، ١٤)

ـ الضلال نقيض الهدى ، والغيّ نقيض الرشد : أي هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إيّاه إلى الضلال والغيّ. وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه ، وإنّما هو وحي من عند الله يوحي إليه. ويحتجّ بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء. ويجاب بأنّ الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد كان الاجتهاد وما يستند إليه كلّه وحيا لا نطقا عن الهوى (ز ، ك ٤ ، ٢٨ ، ٩)

ضلالة

ـ الضلالة : الهلاك ؛ أي اختاروا ما به يهلكون على ما به نجاتهم. وإن كانوا لا يقصدون شراء الهلاك بما به النجاة (م ، ت ، ٥٢ ، ١٠)

ضنين

ـ إنّه تعالى متفضّل بما خلق ، جواد به ، ولا يجب إذا كان قادرا على ما لا يتناهى به أن يكون بخيلا ، لأنّ البخل هو منع الواجب ، ولذلك يذمّ بالبخل ، وهو تعالى ممّن لا يجب عليه في الابتداء فعل شيء ، وإنّما يلزمه ذلك بعد التكليف من حيث اقتضى التكليف وجوبه عليه ، ولا يجب كونه ضنينا ؛ لأنّ الضنين هو المستمسك بالشيء لمنفعة أو ما يجري مجراها ، والقديم تعالى يستحيل ذلك عليه (ق ، غ ١١ ، ١٢٧ ، ٩)

ضيّع الواجب

ـ إنّ معنى قولنا : إنّه ضيّع الواجب ، هو أنّه لم يفعل من مقدّماته ما لو فعله لأمكنه أن يأتي بالواجب ، لأنّه لا يمتنع في الواجبين أن يبنى أحدهما على الآخر ، فإنّما يتمّ فعل الثاني إذا تقدّم منه فعل الأول ، ومتى لم يتقدّم ذلك تعذّر عليه فعل الثاني. فما هذا حاله ، نقول فيه ، متى ترك الأوّل : إنّه مضيّع للثاني من حيث فوّت نفسه ، فعله من حيث أخلّ بالواجب الأول. ونقول : إنّه يستحقّ العقوبة على أنّ لم يفعل الثاني من حيث ضيّعه ، كما يستحقّ العقاب على أن لم يفعل الأول من حيث تركه ، فيكون مستحقّا للعقاب عليهما لأنّه لم يفعلهما وقد وجبا عليه. لكن أحدهما لم يفعله ، وصحّ منه الترك ؛ والآخر لم يفعله ، ولا يصحّ منه الترك. وهذا كما بيّناه ، فيمن لم يفعل الصوم في أول النهار وأكل فيه ، أنّه يستحقّ العقوبة على ذلك وقد ضيّع صوم باقي يومه من حيث فوّت نفسه ، بما فعله أولا ، من اتمامه ، فيستحقّ العقوبة لأنّه لم يفعل كلا الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٥ ، ٧)

ضيق

ـ إنّما ذكر الله ، يا أمير المؤمنين ، الشرح والضيق في كتابه ، رحمة منه لعباده وترغيبا منه لهم في الأعمال التي يستوجبون بها ، في حكمته ، أن يشرح صدورهم ، وتزهيدا منه لهم في الأعمال التي يستوجبون بها ، في حكمته ، تضييق الصدور ، ولم يذكر لهم ذلك ليقطع رجاءهم ، ولا ليؤيسهم من رحمته وفضله ، ولا ليقطعهم عن عفوه ومغفرته وكرمه ، إذا هم صلحوا. وقد بين الله ، عزوجل ، في كتابه ، فقال تعالى : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة : ١٦) (ب ، ق ، ١١٦ ، ١٥)

ط

طائع

ـ أمّا من فعل الطاعة ، فإنّما يجب أن يكون طائعا ، لأنّها مرادة للمطاع (ق ، غ ٨ ، ٢٤٣ ، ١٠)

طابع

ـ أمّا أصحاب الطبائع فإنّ الطابع مقهور لا يقدر على الامتناع عمّا طبع عليه ، بل يقدر غير كل ذي طبع أن يمنع إيّاه عن توليده ، فثبت أنّ عمله لغيره ما يعمل ؛ إذ قد يمنع بغيره عن العمل ، / ولو كان بنفسه يعمل ذلك ما احتمل ما دامت نفسه ، مع ما إذ كان لا يمتنع من عمل ثبت أنّه مقهور تحت قاهر عليم (م ، ح ، ١١٦ ، ٢٣)

طاعات

ـ أمّا كثرة الطاعات ، فإنّها مما لا يؤثّر في إزالة العقاب المستحقّ على الكبيرة ، والأعمار هذه الأعمار على ما سيجيء في باب الوعيد إن شاء الله تعالى ، ولكنّها تؤثّر في إزالة العقوبة المستحقّة على الصغيرة ، لأنّ نظير كثرة الطاعات من الشاهد كثرة الإحسان إلى الغير ، ومعلوم أنّ أحدنا لو أحسن إلى غيره ضروبا من الإحسان ثم كسر له رأس قلم فإنّ هذه الإساءة تقع مكفرة في جنب ما له من الإحسان لديه ، وبالعكس من هذا فإنّه لو قتل واحدا من أعزّته فإنّه يحيط جميع ما له قبله من الإحسان (ق ، ش ، ٣٣٢ ، ١)

ـ الطاعات عندنا أقسام : أعلاها يصير بها المطيع عند الله مؤمنا ويكون عاقبته لأجلها الجنّة إن مات عليها. وهي معرفة أصول الدين في العدل والتوحيد والوعد والوعيد والنبوّات والكرامات ، ومعرفة أركان شريعة الإسلام ، وبهذه المعرفة يخرج عن الكفر. والقسم الثاني إظهار ما ذكرناه باللسان مرّة واحدة وبه يسلم من الجزية والقتال والسبي والاسترقاق ، وبه تحلّ المناكحة واستحلال الذبيحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين والصلاة عليه وخلفه. والقسم الثالث إقامة الفرائض واجتناب الكبائر وبه يسلم من دخول النار ويصير به مقبول الشهادة. والقسم الرابع منها زيادة النوافل وبها يكون له الزيادة في الكرامة والولاية (ب ، أ ، ٢٦٨ ، ٣)

ـ الطاعات من جملة الإيمان ، لأنّ الإيمان اعتقاد وإقرار وعمل (ز ، ك ١ ، ٤٨١ ، ١٠)

ـ المعتزلة : وإيمان يزيد وينقص إذ هو اسم للطاعات (م ، ق ، ١٣٣ ، ١٢)

طاعة

ـ إنّ المعصية فعل ما نهيت عنه ، والطاعة فعل ما أمرت به ، فكل من أمر بشيء ففعله فقد أطاع الآمر له وكل من نهي عن شيء ففعله فقد عصى الناهي له. وكذلك كان يقول في الدهريّ التارك للمجوسيّة والنصرانيّة : أنّه مطيع بتركهما ، لأنّه أمر أن يتركهما ، وهو عاص كافر بقوله بالدهر ، لأنّه قد نهى عنه. وكان يقول : ليس ترك الدهريّ للتقرّب إلى الله بترك المجوسيّة والنصرانيّة بمخرج له من أن يكون طاعة ، لأنّه أمر به وبالتقرّب به إلى الله فهو مطيع بفعله له عاص بتركه التقرّب إلى الله به (خ ، ن ، ٥٨ ، ٢٣)

ـ الطاعة هي التي تؤدي على الأمر لا على ما يسر ويتلذذ ؛ لأن للعباد فيما أعطاهم / الله الشهوات لذّات وسرورا ، ومحال وصف الله بالطاعة لهم ، أو يمكن الأمر منهم إيّاه بالفعل ، دلّ أنّ ليس ذلك الوجه هو سبيل معرفة الطاعة (م ، ح ، ٣٦٩ ، ١١)

ـ إنّ الفعل الحاصل من العبد بمشيئته ، قد يكون مرضيا نحو الطاعة ، وقد يكون مسخوطا غير مرضي كالمعاصي اعتبر هذا بالأعيان لأنّه خلق نفس الكافر بلا خلاف ، وليس يرضى بنفس الكفر ، وكذلك الخمر والخنازير ، فكذا هذا في الأفعال (م ، ف ، ٢١ ، ١٥)

ـ إنّ الطاعة ليست بعلّة الثواب ، ولا المعصية علّة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله (ب ، ن ، ٤٨ ، ١٨)

ـ يقول (الأشعري): " حقيقة الطاعة موافقة الأمر ، وحقيقة المعصية مخالفته" ، ولا يراعي في ذلك الإرادة دون الأمر والنهي (أ ، م ، ٧٠ ، ٢٢)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ وصفنا لبعض الأكساب بأنّه قبيح منّا ولبعضها بأنّه حسن منّا إنّما يستحقّ ذلك فيها إذا وقعت تحت أمر الله تعالى ونهيه. وكذلك يجري مجراه في وصفنا له بأنّه طاعة ومعصية في باب أنّه إنّما يجري عليه ذلك لأجل الأمر والنهي (أ ، م ، ٩٧ ، ٢)

ـ إنّ طاعة الله موافقة أمر الله تعالى وهي عدل حسن حقّ صواب حكمة (أ ، م ، ١٥٧ ، ١٣)

ـ ذكر في آخر الباب الطاعة لأجل أنّها إنّما تكون طاعة لموافقتها لإرادة المطاع ، وإن اختلف" شيوخنا" في أنّ الرتبة بين المطيع والمطاع تعتبر في عرف اللغة أو في أصلها. ففيهم من قال أن تعتبر في أصلها كالأمر ، لأنّ الرتبة فيه لغوية. وفيهم من قال : لا تعتبر في أصل اللغة وإنّما تعتبر في عرفها ، فعلى ذلك يقال : " أطاع الشيطان" وصحّ أن يصف تعالى نفسه إذا فعل ما أراده غيره بالطاعة (ق ، ت ١ ، ٢٩٩ ، ٣)

ـ ذهب بعضهم إلى أنّ الطاعة إنّما تكون طاعة ، لموافقة الأمر دون الإرادة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٣٩ ، ١٧)

ـ استدلّ بعضهم بقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء : ٥٩) وذكر أنّ إيجابه تعالى طاعته لا يكون إلّا وهو منصوص عليه معصوم لا يجوز عليه الخطأ. وثبوت ذلك يقتضي أنّه أمير المؤمنين ؛ لأنّه لا قول بعد ما ذكرناه إلّا ذلك. فهذا بعيد ؛ لأنّ الطاعة إنّما تكون طاعة بموافقة إرادة المطاع ولا يوجب ذلك أنّ طاعته للرسول كطاعتنا ؛ لأنّه تعالى يريد منّا عبادته إلى غير ذلك ، وليس كذلك الرسول ، وإنّما يجب أن نطيع الرسول فيما أراده وبيّن وجوبه ؛ لأنّه قد يريد منّا النفل ولا يلزم فعله. فإذا صحّ فما الذي يمنع في أولي الأمر أن يراد به من ليس بمعصوم من الأئمة والأمراء ، وتكون طاعتهم واجبة على الحدّ الذي ثبت وجوبه عليه ؛ لأنّ حمل ذلك على ظاهره لا يمكن على ما قدّمنا. وليس في ذلك دلالة جمع فلا يمكن حمله على الواحد ، ولو حمل على الواحد لم يكن فيه تعيين واحد من آخر ، وإنّما كان يصحّ ما قالوه لو لم يثبت وجوب طاعة الإمام إلّا مع النص. فأمّا إذا قلنا بوجوب ذلك مع الاختيار ، بل قلنا بوجوب

طاعة الأمراء مع السلامة ، فالتعلّق بذلك بعيد (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ١٤٣ ، ٤)

ـ قال أهل السنّة والجماعة : إنّ الطاعة لله عزوجل ممن لا يعرفه إنّما تصحّ في شيء واحد ، وهو النظر والاستدلال الواجب عليه قبل وصوله إلى معرفة الله تعالى ، فإن يفعل ذلك يكن مطيعا لله تعالى ، لأنّه قد أمره به ، وإن لم يكن قصد بفعله لذلك النظر الأول التقرّب به إلى الله عزوجل ، ولا تصحّ منه طاعة لله تعالى سواها إلّا إذا قصد بها التقرّب إليه ؛ لأنّه يمكنه ذلك إذا توصّل بالنظر الأول إلى معرفة الله تعالى ، ولا يمكنه قبل النظر الأول التقرّب به إليه إذا لم يكن عارفا به قبل نظره واستدلاله (ب ، ف ، ١٢٦ ، ١)

ـ من ضلالات الجبّائي أنّه سمّى الله عزوجل مطيعا لعبده إذا فعل مراد العبد وكان سبب ذلك أنّه قال يوما لشيخنا أبي الحسن الأشعري رحمه‌الله : ما معنى الطاعة عندك؟ فقال : موافقة الأمر ، وسأله عن قوله فيها ، فقال الجبائي : حقيقة الطاعة عندي موافقة الإرادة ، وكلّ من فعل مراد غيره فقد أطاعه ، فقال شيخنا أبو الحسن رحمه‌الله : يلزمك على هذا الأصل أن يكون الله تعالى مطيعا لعبده إذا فعل مراده ، فالتزم ذلك (ب ، ف ، ١٨٣ ، ٧)

ـ اختلف المتكلّمون في حقيقتها : (الطاعة) فقالت القدريّة البصريّة إنّها موافقة الإرادة ، وأنّ كل من فعل مراد غيره فقد أطاعه. وألزم الجبّائي على هذا كون الباري تعالى مطيعا لعبده إذا فعل مراده ، فالتزم ذلك وكفّرته ... الأمّة (ب ، أ ، ٢٥١ ، ١٣)

ـ قال أصحابنا إنّ الطاعة هي المتابعة (ب ، أ ، ٢٥١ ، ١٣)

ـ قال أصحابنا إنّ الطاعة موافقة الأمر فكل من امتثل أمر غيره صار مطيعا له (ب ، أ ، ٢٥١ ، ١٧)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة ، استحقّ الثواب والعوض. والتفضّل معنى آخر وراء الثواب. وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها ، استحقّ الخلود في النار ، لكن يكون عقابه أخفّ من عقاب الكفّار. وسمّوا هذا النمط : وعدا ووعيدا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٤)

ـ الطاعة : هي موافقة الأمر طوعا ، وهي تجوز لغير الله عندنا وعند المعتزلة هي موافقة الإرادة (ج ، ت ، ١٨٢ ، ٩)

طاعة غير واجبة

ـ قولنا" نفل" يفيد أنّه طاعة ، غير واجبة ؛ وأنّ للإنسان فعله من غير لزوم وحتم. وكذلك وصفنا له بأنّه" تطوّع" يفيد أنّ المكلّف انقاد إليه مع أنّه قربة ، من غير لزوم وحتم. ويوصف بأنّه" سنّة". ويفيد في العرف أنّه طاعة ، غير واجبة. ولذلك نجعل ذلك في مقابلة الواجب (ب ، م ، ٣٦٧ ، ١٧)

طاعة لا يراد الله بها

ـ إنّ أبا الهذيل كان يقول في هذا الباب الذي حكيته عنه من طاعة لا يراد الله بها : وجدت الله تعالى قد نهى الخلق جميعا عن النصرانيّة والمجوسيّة وأمرهم بتركهما. (قال) ووجدت المجوسيّ تاركا للنصرانيّة معتمدا للمجوسيّة فاعلا لها فعلمت أنّه عاص بفعله المجوسيّة التي قد نهى الله عنها مطيعا بتركه للنصرانيّة التي أمر بتركها. (قال) ولو جاز أن يؤمر بترك النصرانيّة ويتركها ولا يكون مطيعا لمن أمره

بتركها جاز أن يكون منهيّا عن فعل المجوسية فيفعلها ولا يكون عاصيا لمن نهاه عن فعلها (خ ، ن ، ٥٨ ، ١٨)

طبائع

ـ النفس في طبعها حبّ الراحة والدعة والازدياد والعلوّ والعزّ والغلبة والاستطراف والتنوّق وجميع ما تستلذّ الحواسّ من المناظر الحسنة والروائح العبقة والطعوم الطيّبة والأصوات المونقة والملامس اللذيذة ومما كراهته في طباعها أضداد ما وصفت لك وخلافه. فهذه الخلال التي يجمعها خلّتان غرائز في الفطر وكوامن في الطبع ، جبلّة ثابتة وشيمة مخلوقة. على أنّها في بعض أكثر منها في بعض ، ولا يعلم قدر القلّة فيه والكثرة إلّا الذي دبّرهم. فلما كانت هذه طبائعهم أنشأ لهم من الأرض أرزاقهم وجعل في ذلك ملاذّ لجميع حواسّهم ، فتعلّقت به قلوبهم وتطلّعت إليه أنفسهم. فلو تركهم وأصل الطبيعة ـ مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة في طبائعهم ـ صاروا إلى طاعة الهوى وذهب التعاطف والتبارّ (ج ، ر ، ١٢ ، ٥)

ـ أمّا أمر الطبائع ، فإنّه في الوجود إن كثرة الاضطراب والتحرّك تولّد الحرارة في نفس المضطرب المتحرك ، وكثرة السكون والقرار تولد الرطوبة فتكون الطبائع هي الحادثة من أحوال العالم ، دون أن يكون العالم هو المتولد عنها ، وهذا أقرب إلى حق الحواس (م ، ح ، ١٤٥ ، ٧)

ـ إنّ الدّال على طبائع الأجسام حركاتها في جهة العلو والسفل (ب ، ت ، ٥٩ ، ٢٤)

ـ ذكر أبو القاسم فيما خالف فيه أصحابه ، أنّ الأجسام التي تظهر في العالم مكوّنة من الطبائع الأربع ، وإن كان الله تعالى قادرا على أن يحدثها لا من هذه الطبائع. وذكر أنّ للأجسام طبائع ، بها تتهيّأ أن نفعل فيها ، وبها ما يفعله الحي القادر بقدرته. وذكر أنّ في الحنطة خاصيّة ، وأنّه لا يجوز أن ينبت عنها الشعير ، ما دامت الطبيعة والخاصيّة فيها ، وأن نطفة الإنسان ، لا يجوز أن يخلق الله منها حيوانا آخر. فقال في كتاب عيون المسائل ، أنّ الإنسان وكل هذه الأجسام التي تتحلّل وتفسد ، مخلوقة من الطبائع الأربع ولذلك يستحيل بعضها إلى بعض (ن ، م ، ١٣٣ ، ٩)

ـ من شنعهم الممزوجة بالهوس وصفاقة الوجه قولهم أنّه لا حرّ في النار ولا في الثلج برد ولا في العسل حلاوة ولا في الصبر مرارة ، وإنّما خلق الله تعالى ذلك عند اللمس والذوق ، وهذا حمق عتيق قادهم إليه إنكارهم الطبائع ، وقد ناظرناهم على ذلك هذا مع قول شيخهم الباقلاني إنّ لقشور العنب رائحة وللزجاج والحصا طعما ورائحة ، وزادوا حتى بلغوا إلى أن قالوا إنّ للفلك طعما ورائحة (ح ، ف ٤ ، ٢١٩ ، ١٢)

ـ ذهبت الأشعريّة إلى إنكار الطبائع جملة وقالوا ، ليس في النار حرّ ولا في الثلج برد ولا في العالم طبيعة أصلا ، وقالوا إنّما حدث حرّ النار جملة وبرد الثلج عند الملامسة ، قالوا ولا في الخمر طبيعة إسكار ولا في المني قوة يحدث بها حيوان ، ولكنّ الله عزوجل يخلق منه ما شاء ، وقد كان ممكنا أن يحدث من مني الرجال جملا ومن مني الحمار إنسانا ومن زريعة الكزبر نخلا (ح ، ف ٥ ، ١٤ ، ٢٣)

طبائع أربع

ـ قال قائلون من أصحاب الطبائع ، أنّ الأجسام كلها من أربع طبائع حرارة وبرودة ورطوبة ويبوسة ، وأنّ الطبائع الأربع أجسام ، ولم يثبتوا أشياء إلّا هذه الطبائع الأربع ، وأنكروا الحركات ، وزعموا أنّ الألوان والطعوم والأراييح هي الطبائع الأربع (ش ، ق ، ٣٤٨ ، ٦)

ـ الطبائع الأربع ، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة (ق ، ش ، ١٥٤ ، ١٧)

طباع

ـ ما كان من طباع الشيء فغير مفارق له. هذا واجب لازم (خ ، ن ، ٣٨ ، ٢٤)

ـ إنّ كل شيء فعله نوع جعلوه طباعا ، ومن كان فعلين جعلوه أخيارا عن قدرة (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١٤)

ـ أمّا القائلون في ذلك بالطباع فهم في ذلك على فرقتين. منهم من يقول بأنّ هذه المتولّدات تقع من العبد طباعا على ما قاله" أبو عثمان" في أفعال الجوارح وفي المعارف ، لأنّه يقول : إذا دعاه الداعي إلى فعل من الأفعال أو أراد ذلك الفعل وقع منه طباعا ذلك الفعل ، ولا يجعل ما يتعلّق بالاختيار إلّا نفس الإرادة دون ما عداها من الحركات وغيرها (ق ، ت ١ ، ٤٠٣ ، ٢٥)

ـ الفرقة الثانية (القائلون بالطباع) هم الذين يقولون بأنّ هذه الأعراض التي توجد في الجمادات وغيرها من المحال توجد بطبع لها نحو الحركات الموجودة في الحجر وما شاكلها من الأعراض ويقولون : ليس يتعلّق بالله تعالى منها إلّا أنّه أوجد محلّها وهي توجبه بطبعها ، وأخرجوا ما ليس بنفس المحلّ من أن يتعلّق بالفاعل على وجه الاختيار. وهذا قول" معمّر" و" النظّام" ، فأخرجوا المتولّدات من أن تكون فعلا للعبد وأثبتوها من فعله تعالى بإيجاب الخلقة ، وأثبتوها من فعل نفس المحل بالطبع (ق ، ت ١ ، ٤٠٤ ، ٢٠)

ـ إنّ المعارف كلّها طباع ، وهي مع ذلك فعل للعباد ، وليست باختيار لهم (الجاحظ). قالوا : ووافق ثمامة في أن لا فعل للعباد إلّا الإرادة ، وأن سائر الأفعال تنسب إلى العباد على معنى أنّها وقعت منهم طباعا ، وأنّها وجبت بإرادتهم (ب ، ف ، ١٧٥ ، ١٧)

طبع

ـ ليس قولنا : طبع الإنسان على حبّ الإخبار والاستخبار ، حجة له على الله ، لأنّه طبع على حبّ النّساء ومنع الزنا وحبّب إليه الطعام ومنع من الحرام ، وكذلك حبّب إليه أن يخبر بالحقّ النافع ويستخبر عنه ، وجعلت فيه استطاعة هذا وذاك ، فاختار الهوى على الرأي (ج ، ر ، ٤١ ، ١٦)

ـ واعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ صاحب الكتاب (ابن الروندي) يزعم أنّ الحجر إنّما يتحرّك بطبعه وقد يسكن في بعض الحالات فلا يتحرّك ، وإنّما الماء يسيل بطبعه وقد يقف في بعض الحالات فلا يسيل ، وأنّ النار تلتهب وتذهب علوا طباعا ، وقد نوجد عينها وهي تذهب سفلا عند بعض الموانع. ثم هو يعيب إبراهيم (النظّام) بما هو يقول به ويلزمه من قول المنانية قياسا على قول قد شاركه فيه الله المستعان (خ ، ن ، ٤٠ ، ٥)

ـ القول في الختم والطبع. اختلفت المعتزلة في ذلك على مقالتين : فزعم بعضهم أنّ الختم من

الله سبحانه والطبع على قلوب الكفّار هو الشهادة والحكم أنّهم لا يؤمنون ، وليس ذلك بمانع لهم من الإيمان. وقال قائلون : الختم والطبع هو السواد في القلب كما يقال طبع السيف إذا صدئ من غير أن يكون ذلك مانعا لهم عمّا أمرهم به (ش ، ق ، ٢٥٩ ، ١)

ـ قال أهل الإثبات : قوّة الكفر طبع ، وقال بعضهم : معنى أنّ الله طبع على قلوب الكافرين أي خلق فيها الكفر (ش ، ق ، ٢٥٩ ، ٩)

ـ إنّ الأشياء المتولّدة فعل الله بإيجاب الطبع ، وذلك أنّ الله سبحانه طبع الحجر طبعا يذهب إذا دفع ، وطبع الحيوان طبعا يألم إذا ضرب وقطع (ش ، ق ، ٢٨٤ ، ١٣)

ـ قال" الجاحظ" : ما بعد الإرادة فهو للإنسان بطبعه وليس باختيار له ، وليس يقع منه فعل باختيار سوى الإرادة (ش ، ق ، ٤٠٧ ، ١٢)

ـ المعتزلة يقولون : إنّ قوله" ختم" ، و" طبع" يعلم علامة في قلبه أنّه لا يؤمن كإعلام الكتب والرسائل (م ، ت ، ٤٣ ، ٧)

ـ خلق الختم والطبع على قلبه (إذا فعل فعل الكفر ؛ لأن) فعل الكفر من الكافر مخلوق عندنا ، فخلق ذلك الختم عليه. وهو كقوله (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) (الأنعام : ٢٥ والإسراء : ٤٦) أي خلق الأكنّة. وغيره من الآيات (م ، ت ، ٤٣ ، ١٠)

ـ أيضا أنّ الله تعالى إذا أنشأ شيء ثم أفناه ، وفيه أيضا ما قد أعاده نحو الليل والنهار ، ثبت أنّ فعله بالاختيار ؛ إذ تحقّق به صلاح ما قد أفسده ، وإعادة ما قد أفناه ، وإيجاد المعدوم وإعدام الموجود ، فثبت أنّ طريق ذلك الاختيار ؛ إذ من كان الذي منه يكون بالطّبع لا يجيء منه نفي ما يوجد ، وإيجاد ما يعدمه ، ولا قوة إلّا بالله (م ، ح ، ٤٤ ، ١٨)

ـ إنّا قد بيّنا حدث العالم لا من شيء ، وذلك نوع ما لا يبلغه إلا فعل من هو في غاية معنى الاختيار ، وما يكون بالطبع فحقه الاضطرار ، ومحال أن يكون من يبلغ شأنه إلى إنشاء الأشياء لا من شيء ، ثم يكون ذلك بالطبع ، مع ما كان وقوع الشيء بالطبع هو تحت قهر آخر ، وجعله بحيث يسقط عنه الإمكان ، وذلك آية الحدث وأمارة الضعف ، جلّ ربّنا عن ذلك / وتعالى (م ، ح ، ٤٥ ، ٤)

ـ إنّ خروج الأفعال المختلفة وأحوالها محال وجودها من ذي طبع كالتبريد والتسخين والشر والخير ، فثبت أن ليس أصل شيء منه بذي طبع ولكن بعليم حكيم جعل كل شيء على ذلك بالخلقة والوجود ، ولو كانت الأفعال بالدفع لم يمكن الفاعل الامتناع كالمدفوع في قفاه ، والذي يهوى من فوق بيت ، والموثوق بالحبال (م ، ح ، ١٤٦ ، ٢١)

ـ إنّ الطبع الكائن عنه العالم ، وكلّ طبع كان منه أمر من الأمور ، موجب لما يحدث عنه ومقتض له ، إذا لم يمنع من ذلك مانع (ب ، ت ، ٥٣ ، ٨)

ـ كان (الأشعري) لا يفرّق بين المشيئة والإرادة. وينكر القول بالطبع والطبيعة ، ويقول إنّ الحوادث كلّها أفعال الله تعالى باختياره ومشيئته وتدبيره وتقديره ، ليس شيء منها موجبا لشيء ولا طبيعة له تولّد ، بل كل ذلك اختراعه باختياره على الوجه الذي اختاره وعلمه (أ ، م ، ٧٦ ، ٨)

ـ إن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم قد حدث بالطبع؟ قلنا : لأنّ الطبع غير معقول. ثم إنا نقول لهم : وما تعنون بالطبع ، أتريدون به

الفاعل المختار ، أم تريدون به معنى موجبا؟ فإذا أردتم به الفاعل المختار فهو الذي نقوله ، وإن أردتم به المعنى الموجب فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون معدوما ، أو موجودا. لا يجوز أن يكون معدوما لأنّ المعدوم لا حظّ له في الإيجاب ، وإذا كان موجودا فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون قديما ، أو محدثا. لا يجوز أن يكون محدثا لأنّه يحتاج إلى طبع آخر ، والكلام في ذلك الطبع كالكلام فيه فيتسلسل لما لا يتناهى ، وذلك محال. ولا يجوز أن يكون قديما ، لأنّه لو كان كذلك للزم قدم العالم ، لأنّ حق المعلول أن لا يتراخى عن العلّة ، وقد بيّنا أنّ العالم لا يجوز أن يكون قديما (ق ، ش ، ١٢٠ ، ٥)

ـ إنّ الطبع غير معقول ، وقد تقدّم ذلك. ثم يقال لهم (الأوائل من المتفلسفين) : ما تريدون بالطبع؟ فإن أردتم به الفاعل المختار ، فهو الذي نقوله ، ولكن العبارة فاسدة ، لأنّ العرب تسمّي الفاعل المختار طبعا. وإن أردتم به أمرا موجبا ، فإنّا قد ذكرنا أنّ الفعل إنّما يصدر عن الجملة ، فالمؤثّر فيه لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الجملة (ق ، ش ، ٣٢٥ ، ١٦)

ـ إنّ الطبع هو مثل الختم ، وإنّه علامة يعرف بها حال المطبوع على قلبه ، وبيّنا الفائدة في ذلك ، وإنّه لطف للعباد إذا علموا أنّ الملائكة تعلم به من يستحقّ الذمّ فتذمّه بذكر أحواله ، وبيّنا أنّه ليس يمنع ، وأنّ العلامة كالكتابة والخبر في أنّها لا تكون منعا ، وأنّه بمنزلة الختم على الكتاب في أنّه لا يمنع من قراءته (ق ، م ١ ، ٢١١ ، ٩)

ـ إنّ قوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (النساء : ١٥٥) يقتضي أنّ الطبع هو كالجزاء على الكفر ، ولأجله فعل بهم ، وكيف يجوز أن يكون منعا من الإيمان ولا يجوز من الله أن يعاقب الكافر بأن يمنعه من الإيمان ؛ لأنّه لو جاز ذلك لجاز أن يبعث أنبياءه بأن يمنعوا قومهم من الإيمان على سبيل العقوبة ، كما أنّه لو جاز أن يعاقب بأن يتولّى العقاب ، جاز أن يأمرهم بإقامة الحدود عقابا! (ق ، م ١ ، ٢١٢ ، ١٠)

ـ متى أرادوا بالطبع ما يحصل من إحراق النار فذلك هو الذي نثبته من الاعتمادات التي تولّد التفريق ، وكأنّهم سمّوا ما فيه طبعا وسمّيناه اعتمادا. وكذلك فيما في الماء من الثقل الذي يوجب النزول إلى ما شاكل ذلك بعد أن يجعل هذه الأمور معلّقة على فاعل مختار يصحّ منه أن يمنعها من التوليد والإيجاب (ق ، ت ١ ، ٩٢ ، ٢٠)

ـ قيل لهم : إن كنتم تجعلون الطبع معنى من المعاني يوجب انحدار الثقيل فهو الذي نجعله اعتمادا وثقلا وتجعلونه طبعا. فقد عاد الخلاف إلى عبارة وتسمية ، ولكنّكم لا تريدون ذلك لأنّكم تقولون بأمر من الأمور يوجب ، ثم الموجب لا يتعلّق بالفاعل للموجب. وعند ما يتعلّق به ويقف على أحواله ودواعيه على ما تقدّم. ويجوز عندنا أن يمنع مانع من حصوله حتى أنّ الثقيل يقف ولا يتحرّك والمدوّر لا يتدحرج (ق ، ت ١ ، ٤٠٥ ، ٢٠)

ـ وبعد فإنّ الطبع هو إحالة على ما لا يعقل. فكما أنّا نكلّم" أصحاب الطبائع" إذا علّقوا حدوث الحوادث بالطبع ، فكذلك يكلّم هؤلاء في إثباتهم الطبع. بل لعلّ" الدهريّة" ومن يجري مجراهم أعذر من القائلين بالطبع نحو

" معمّر" ومن تبعه ، لأن أولئك لما نفوا الصانع طلبوا ما تعلّق هذه الحوادث عليه ، فأثبتوا طبعا يؤثّر في هذه الحوادث. فما عذر من أثبت الصانع المختار في أن نفي تعليق هذه الأشياء به حتى احتاج إلى تعليقها بما هو خارج عن المعقول ، مع أنّه عقل كيف يتعلّق الفعل بالقادر (ق ، ت ١ ، ٤٠٦ ، ٩)

ـ إنّ الطبع إن كان يفعل فيجب أن يرجع إلى كل محل ، فلو كان الفعل يقع من المحل بطبعه لوجب أن لا تقع أفعال جوارحه بحسب قصده ودواعيه وعلمه وإدراكه ، فإذا ثبت وقوعها بحسب هذه الأحوال فيجب القضاء ببطلان كونها فعلا للمحل (ق ، غ ٩ ، ٢٥ ، ٩)

ـ إنّ الطبع الذي أضافوا الفعل إليه لا يخلو من أحد أمرين : إمّا أن يكون صفة للمحلّ أو معنى فيه ، فإن كان صفة للمحل لم يخل من أن يكون راجعا إلى ما هو عليه في ذاته ، فلا يخلو من أن يكون مما يجوز أن يخرج عنه مع الوجود أو يستحيل ذلك فيه. فإن صحّ خروجه عنه مع وجوده فيجب ألا يمتنع أن يكون الإنسان قاصدا مريدا ، والمحل سليما صحيحا ، وإن لم يقع مراده منه من غير مانع ، وفي هذا هدم أصلهم. وإن كانت تلك الصفة يستحيل خروج المحل عنها فيجب أن يقع الفعل في المحل بإيجاب تلك الصفة ، حصل الإنسان قاصدا أو لم يحصل ، وحصل له دواع إلى الفعل أو لم يحصل ، وهذا مما قد علم فساده. وقد بيّنا من قبل بطلان قول من قال إنّ الفعل يقع بطبع المحل بوجوده ذكرناها كثيرة لا وجه لإعادتها. وإن كان ذلك الطبع معنى فيه يوجب وقوع هذه المرادات لم يخل ذلك المعنى من كونه قديما أو محدثا ، فإن كان قديما وجب قدم ما يوجبه ، أو أن لا يتقدّمه إلّا بوقت واحد ، وكلا الوجهين فاسد ؛ وإن كان محدثا لم يخل من أن يكون من فعل الإنسان أو فعله تعالى ابتداء ، أو واقعا بطبع آخر ، فإن كان فعل الإنسان وجب كون سائر ما في المحل فعلا له ، وبطل القول بالطبع أصلا ، وإن كان فعلا له تعالى فكمثل ، وإن وقع بطبع المحل وجب القول بأنّ سائر الأعراض تقع بطبع المحل ، وقد بيّنا فساد ذلك ، وإن كان يقع ذلك ويحدث بطبع آخر أدّى إلى وجود ما لا نهاية له ، وهذا يوجب ألا يقع الفعل أبدا لتعلّق وجوده بوجود ما يستحيل وجوده (ق ، غ ٩ ، ٢٥ ، ٢١)

ـ إنّ الطبع يوجب (ق ، غ ٩ ، ٢٧ ، ١٠)

ـ ما يقع بالطبع ، لأنه يتعلّق بالمحل ولا تعلّق له بالاختيار (ق ، غ ٩ ، ٣٢ ، ٤)

ـ قال أبو عثمان الجاحظ إنّما يجب أن يفعل أحد الأمرين دون الآخر بطبعه ، لأنّ الشهوة ترغّب الفعل لغلبتها ، وإذا غلب العقل لم يقع الفعل ، وذلك لا يمنع من كون الفعل واقعا بالطبع ، لأنّ هذه الجملة مطبوعة على حال تقتضي أنّها إذا غلبت الشهوة وقع فيها الفعل لا محالة (ق ، غ ٩ ، ٣٤ ، ٢٤)

ـ إنّ ما يجب عن السبب هو مقدور للقادر عندنا وإن كان يفعله بواسطة ، فكما لا تمتنع الشروط في القادر حتى يصحّ أن يفعل على وجه دون وجه ، فكذلك لا يمتنع مثله في السبب ، ولذلك قلنا إنّ السبب في الحقيقة لا يوجب المسبّب ، وإنّما يجب وجوده عند وجوده من جهة القادر ، وليس كذلك الطبع لو كان معقولا ، لأنّ إيجابه لما يوجبه لا يرجع إلى اختيار مختار على وجه ، فلذلك يجب فيه ما يلزمهم من أن يوجب الفعل على كل حال وأن لا يتعلّق بشرط (ق ،

غ ٩ ، ٤٩ ، ٢١)

ـ أمّا أبو عثمان الجاحظ ، رحمه‌الله ، فإنّه ظنّ لقوة هذه الدواعي من الوجه الذي بيّنا أنّها تقع منه بالطبع ، ويخرج عن باب الاختيار ، فلم يجز دخولها تحت التكليف إلّا عند تساوي الخواطر والدواعي ، فإنّه يجوز عندهما دخول النظر تحت التكليف دون المعرفة. وفي سائر الأحوال يقول بأنّه إنّما كلّف الإرادة دون ما سواها ، لأنّ غلبة الدواعي عليه في الفعل عند الإرادة تخرجه من باب الاختيار إلى باب الطبع. وذكر مع ذلك أكثر الشبه التي أوردناها من قبل ، مستدلّا بها على أنّها ليست من فعل العبد ، ولا يجوز دخولها تحت التكليف. وأكثر من تكلّم في هذا الباب عنه أخذوا ، وببعض ما أورده تعلّقوا (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٥ ، ٦)

ـ لا يخلو الطبع من أن يرجع به إلى نفس المحل ، أو معنى فيما وصفه له ، لأنّه لا يمكن أن يذكر ولا يرجع به إلى فائدة. فإن كان نفس المحلّ ، فيجب فيما يقع منه بطبعه أن لا يختصّ وقتا دون وقت ، ولا بأن تقع الحركة يمنة أولى من أن تقع يسرة. وكذلك الحال إن رجع به إلى معنى فيه أو وصفه له. وقد أطلنا القول في ذلك ، وبيّنا أنّهم متى قالوا : يرجع به إلى معنى ، لزمهم في ذلك المعنى أن يقع بطبع آخر ، ثم كذلك أبدا إلى ما لا نهاية له. وبيّنا أنّ ذلك لا يلزمنا في القدرة ، لأنّ الفعل يقع بها ، وهي تقع من القادر لنفسه. وعندهم أنّ سائر ما يحلّ (في) المحلّ يقع بطبعه ، فلزمهم إثبات ما لا نهاية له دوننا. وبيّنا ، أنّ القدرة وإن تعلّقت بالضدّين ، فإنّه يصحّ أن يقع أحدهما من جهة القادر ، لأنّه يفعله باختياره ، لا على جهة الإيجاب. وليس كذلك الأمر فيما يقع بالطبع ، لأنّه لا يختار بل يوجب. فلم صار أحد الضدّين ، بالوقوع ، أولى من الآخر؟ (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٠ ، ١٢)

ـ أمّا الطبع الذي قد بيّنه الله تعالى في كتابه ـ وهو العلامة التي يعلم بها حال المطبوع على قلبه فيما يستحقّه من ذمّ ومدح وعقاب وثواب ـ فقد اختلف فيه. وربما مرّ في كلام أبي على رحمه‌الله أنّه عقوبة ، وعند أبي هاشم رحمه‌الله لا يكون إلّا لطفا. فأما أن يكون لطفا للمكلّف الذي يعرفه ، أو له وللمطبوع على قلبه جميعا ، والذي يقطع به أنّه لطف لمن يطبع على قلبه ، فيبيّن له ذلك بعلامة ؛ لأنّ عند معرفته بذلك قد تعبّد بذمّه والبراءة منه ، فيكون عند ذلك أقرب إلى ترك مواقعة مثله. وإخبار الله تعالى بذلك في كتابه ، لا يمنع أن يكون لطفا لنا في هذا الباب (ق ، غ ١٣ ، ١٠٣ ، ٤)

ـ أمّا الطبع نفسه فبعيد أن يكون لطفا للمطبوع على قلبه وهو غير عارف به ، وأمّا كونه عقوبة فبعيد لأنّه ليس بألم ولا يؤدّي إليه ، ولا يقتضي الغمّ على الوجه الذي يقتضيه الذمّ ، فلا يمكن أن يعدّ في العقوبات ولا فيما يجري مجراها (ق ، غ ١٣ ، ١٠٣ ، ١٢)

ـ الذي يذهب إليه مشايخنا أنّ الطبع غير معقول ، وأنّه تعالى قادر على أن ينبت من الحنطة ، وهي على ما هي عليه ، شعيرا ، ويخلق من نطفة الإنسان ، أي حيوان أراد. ولا نقول أنه يخلق الإنسان من الطبائع الأربع ، ولا من أصول غيرها (ن ، م ، ١٣٣ ، ١٤)

ـ من فضائح الجاحظ أيضا : قوله بأنّ الله لا يدخل النار أحدا ، وإنّما النار تجذب أهلها إلى نفسها بطبعها ، ثم تمسكهم في نفسها على الخلود (ب ، ف ، ١٧٦ ، ١٩)

ـ محمد بن عيسى الملقّب ببرغوث ، وكان على مذهب النجّار في أكثر مذاهبه ، وخالفه في تسمية المكتسب فاعلا ، فامتنع منه ، وأطلقه النجّار وخالفه أيضا في التولّدات فزعم أنّها فعل لله تعالى بإيجاب الطّبع ، على معنى أن الله تعالى طبع الحجر طبعا يذهب إذا وقع ، وطبع الحيوان طبعا يألم إذا ضرب ، وقال النجّار في المتولّدات بمثل قول أصحابنا فيها إنّها من فعل الله تعالى باختيار ، لا طبع من طبع الجسم الذي سمّوه مولّدا (ب ، ف ، ٢٠٩ ، ١٣)

ـ إنّ الطبع المضاف إليه الفعل لو أريد به فاعل حي قادر عالم فهو الصانع الذي أثبتناه ، وإن أريد به ما ليس بحيّ ولا موجود أصلا ، فما ليس بموجود لا يكون فاعلا (ب ، أ ، ٦٩ ، ١٠)

ـ ذهبت طائفة من البصريين إلى ... تسمية الرّب تعالى الكفرة بنبذ الكفر والضلال ؛ وقالوا : فهذا معنى الطبع (ج ، ش ، ١٩٢ ، ٥)

ـ جعلت النار لمطاوعتها فعل الله وإرادته كمأمور أمر بشيء فامتثله ، والمعنى ذات برد وسلام فبولغ في ذلك كأنّ في ذاتها برد وسلام ، والمراد ابردي فيسلم منك إبراهيم أو ابردي بردا غير ضار ، وعن ابن عباس رضي الله عنه لو لم يقل ذلك لأهلكته ببردها. فإن قلت : كيف بردت النار وهي نار؟ قلت : نزع الله عنها طبعها الذي طبعها عليه من الحرّ والإحراق وأبقاها على الإضاءة والإشراق والاشتعال كما كانت ، والله على كل شيء قدير. ويجوز أن يدفع بقدرته عن جسم إبراهيم عليه‌السلام أذى حرّها ويذيقه فيها عكس ذلك كما يفعل بخزنة جهنم (ز ، ك ٢ ، ٥٧٨ ، ٢٠)

ـ حكى الكعبي عنه (النظّام) أنّه قال : إنّ كل ما جاوز حدّ القدرة من الفعل فهو من فعل الله تعالى بإيجاب الخلقة : أي أنّ الله تعالى طبع الحجر طبعا ، وخلقه خلقة إذا دفعته اندفع ، وإذا بلغت قوة الدفع مبلغها عاد الحجر إلى مكانه طيّعا (ش ، م ١ ، ٥٥ ، ١٥)

ـ قال (معمّر) : إنّ الله تعالى لم يخلق شيئا غير الأجسام ، فأمّا الأعراض فإنّها من اختراعات الأجسام ، إمّا طبعا كالنار التي تحدث الإحراق ، والشمس التي تحدث الحرارة ، والقمر الذي يحدث التلوين. وإمّا اختيارا كالحيوان يحدث الحركة والسكون ، والاجتماع والافتراق (ش ، م ١ ، ٦٦ ، ٤)

ـ الطبع : ما يقع على الإنسان بغير إرادة ، وقيل الطبع بالسكون الجبلة التي خلق الإنسان عليها (ج ، ت ، ١٨٢ ، ١٥)

ـ النظّام : ما خرج عن محلّ القدرة ففعل الله جعله طبعا للمحل ، فطبع الحجر الذهاب إذا وقع (م ، ق ، ٩٥ ، ١٩)

ـ لنا : (المتولّد) وجوده بحسب القصد والداعي دلّ على تولّده من فعلنا. والطبع غير معقول إلّا أن يريدوا الاعتماد ، فهو فعلنا (م ، ق ، ٩٥ ، ٢٣)

ـ العدليّة : والطبع على القلب والختم عليه لا يمنعان من الإيمان ، وإنّما هما علامة جعلها الله على قلب كل كافر ليتميّز للملائكة ، وفيه نوع لطف. مسألة المجبرة : بل يمنع. وفسّروه بخلق الكفر ، وقيل : القدرة الموجبة له. قلنا : فاسد لغة وعقلا ، وقوله : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء : ١٥٥) ، فجعل الطبع غير الكفر (م ، ق ، ١٠١ ، ٤)

ـ النظّام : ما خرج عن محلّ القدرة ففعل الله جعله طبعا للمحل (ق ، س ، ١٠٤ ، ٥)

طبع

ـ إنّ الخفيف من شأنه العلو وإنّ الثقيل من شأنه الانحدار إلى أسفل ، إنّ الخفيف أن خلي وما طبعه الله عليه (علا ولحق بأعلى عالمنا هذا وإنّ الثقيل إن خلي وما طبعه الله عليه) نزل ولحق بأسفل عالمنا هذا ، لا أنّه يثبت في العلو وفي السفل عالمين سوى عالمنا هذا يلحق بهما الخفيف والثقيل إذا خلّيا وما طبعا عليه (خ ، ن ، ٣٦ ، ١٥)

ـ أمّا قوله (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) (البقرة : ٧) و (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) (النساء : ١٥٥) فليس ذلك على أنّه منعهم مما أمرهم به ـ تعالى عن ذلك ـ ولكنّه على الاسم والحكم والشهادة. ألا تراه يقول" بكفرهم" وإنّما ختم على قلوبهم مما فيها من الكفر (خ ، ن ، ٨٩ ، ١٨)

ـ معنى طبع الله : منع الألطاف التي تنشرح لها الصدور حتى تقبل الحق ، وإنّما يمنعها من علم أنّها لا تجدي عليه ولا تغني عنه كما يمنع الواعظ الموعظة من يتبيّن له أنّ الموعظة تلغو ولا تنجع فيه ، فوقع ذلك كناية عن قسوة قلوبهم وركوب الصدأ والرين إيّاها (ز ، ك ٣ ، ٢٢٨ ، ١٠)

طبع أول

ـ لو تركهم جلّ ثناؤه والطبع الأوّل جروا على سنن الفطرة وعادة الشيمة ، ثم أقام الرغبة والرهبة على حدود العدل وموازين النصفة ، وعدّلهم تعديلا متفقا فقال : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) (الزلزلة : ٧ ـ ٨) (ج ، ر ، ١٢ ، ١٧)

طبع مركب

ـ اعلم أنّ الله جلّ ثناؤه خلق خلقه ثم طبعهم على حبّ اجترار المنافع ودفع المضارّ وبغض ما كان بخلاف ذلك. هذا فيهم طبع مركّب وجبلّة مفطورة ، لا خلاف بين الخلق فيه موجود في الأنس والحيوان ، لم يدّع غيره مدّع من الأوّلين والآخرين (ج ، ر ، ١١ ، ١١)

طبع مولّد

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ من قال بالطبيعة الموجبة والطبع المولّد مخطئ من قبل أنّ الطبيعة والطبع على ما يشيرون إليه إن كان معنى حادثا لم يخرج عن جنس الجواهر والأعراض. ولا يصحّ أن يكون من جنس الجواهر لوجود تجانسها واقتضاء ما شاركه في الجنس مثل حكمه وفقد ذلك وعدمه. وإن كان ذلك من نوع العرض وجب أن يختصّ بحكم يباين به سائر ما عداه من المعاني المعقولة والأعراض المعلومة حتى يميّز بتلك الأوصاف المخصوصة بينها وبين ما ليس فيها مثل وصفها ، فإذا حصل ذلك نظر في حكمه. وهم لا يشيرون إلى أكثر من هذه العبارة الفارغة ، ولا يزيدون على ذلك ما يؤدّي إلى تحصيل معنى مخصوص بحكم ووصف. وإذا لم يحصل المدّعي لذلك إلّا على لفظ فارغ من معنى معقول حاصل فإنّ الذي يعقل من هذا المعنى هو الشيء المعتاد الذي قد اعتيد حدوثه على وجه ، فيقال" طبعه الخير" و" طبعه الشرّ" إذا اعتيد منه ذلك لا أنّ هناك معنى مخصوصا يقال له الطبع. وعلى ذلك لمّا اعتادوا حدوث بعض الأعراض في بعض الأجساد على وتيرة واحدة وعند حدوث بعض المعاني عبّروا عنه

بالطبع والطبيعة ، وليس لذلك حاصل يختصّ معنى مخصوصا كالقدرة التي معناها معقول وحكمها مخصوص وأصنافها معلومة (أ ، م ، ١٣١ ، ١٦)

طبيعة

ـ معنى لفظ الطبيعة إنّما هي قوّة الشيء تجري بها كيفياته على ما هي عليه (ح ، ف ٣ ، ٥٩ ، ١)

ـ إنّ انتزاع العادة يشتدّ إلّا أنّه ممكن غير ممتنع بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها ، وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي : سلي الربع أن يممت يا أم سالم وهل عادة للربع أن يتكلّما (ح ، ف ٥ ، ١٦ ، ١٢)

ـ قال أبو محمد وكل هذه الطبائع والعادات مخلوقة خلقها الله عزوجل ، فرتّب الطبيعة على أنّها لا تستحيل أبدا ولا يمكن تبدّلها عند كل ذي عقل ، كطبيعة الإنسان بأن يكون ممكنا له التصرّف في العلوم والصناعات إن لم يعترضه آفة ، وطبيعة الحمير والبغال بأنّه غير ممكن منها ذلك ، وكطبيعة البر أن لا ينبت شعيرا ولا جوزا ، وهكذا كل ما في العالم والقوم مقرون بالصفات ، وهي الطبيعة نفسها لأنّ من الصفات المحمولة في الموصوف ما هو ذاتيّ به لا يتوهّم زواله إلّا بفساد حامله وسقوط الاسم عنه ، كصفات الخمر التي إن زالت عنها صارت خلًّا ، وبطل اسم الخمر عنها ، وكصفات الخبز واللحم التي إذا زالت عنها صارت زبلا ، وسقط اسم الخبز واللحم عنهما ، وهكذا كل شيء له صفة ذاتية فهذه هي الطبيعة (ح ، ف ٥ ، ١٦ ، ٢٢)

طبيعة موجبة

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ من قال بالطبيعة الموجبة والطبع المولّد مخطئ من قبل أنّ الطبيعة والطبع على ما يشيرون إليه إن كان معنى حادثا لم يخرج عن جنس الجواهر والأعراض. ولا يصحّ أن يكون من جنس الجواهر لوجود تجانسها واقتضاء ما شاركه في الجنس مثل حكمه وفقد ذلك وعدمه. وإن كان ذلك من نوع العرض وجب أن يختصّ بحكم يباين به سائر ما عداه من المعاني المعقولة والأعراض المعلومة حتى يميّز بتلك الأوصاف المخصوصة بينها وبين ما ليس فيها مثل وصفها ، فإذا حصل ذلك نظر في حكمه. وهم لا يشيرون إلى أكثر من هذه العبارة الفارغة ، ولا يزيدون على ذلك ما يؤدّي إلى تحصيل معنى مخصوص بحكم ووصف. وإذا لم يحصل المدّعي لذلك إلّا على لفظ فارغ من معنى معقول حاصل فإنّ الذي يعقل من هذا المعنى هو الشيء المعتاد الذي قد اعتيد حدوثه على وجه ، فيقال" طبعه الخير" و" طبعه الشرّ" إذا اعتيد منه ذلك لا أنّ هناك معنى مخصوصا يقال له الطبع. وعلى ذلك لمّا اعتادوا حدوث بعض الأعراض في بعض الأجساد على وتيرة واحدة وعند حدوث بعض المعاني عبّروا عنه بالطبع والطبيعة ، وليس لذلك حاصل يختصّ معنى مخصوصا كالقدرة التي معناها معقول وحكمها مخصوص وأصنافها معلومة (أ ، م ، ١٣١ ، ١٦)

طرد

ـ إذا عدمت القدرة استحال الفعل بها لخروجها عن التعلّق ولخروجها عن أن توجب الصفة للقادر ، فبطل ما ظنّه الخصم. وليس يلزمنا إذا

جعلنا العدم موجبا لزوال التعلّق أن يكون كل موجود متعلّقا أو كل ما لا يتعلّق لا يكون موجودا ، لأنّ كل ذلك عكس. والطرد في هذا الباب أنّ كل ما يتعلّق بغيره فلا بدّ من أن يكون موجودا. فهو كما يجعل من شرط العلّة الموجبة الوجود ثم لا يجب في كل ما هو موجود أن يكون موجبا وفي كل ما ليس بموجب أن لا يكون موجودا (ق ، ت ١ ، ١٣٤ ، ٢٥)

ـ أما الطرد فهو أنّ كثيرا من الأشياء قد تنتفي عنه الكراهية ، ولا موجب لكونه مريدا ، وذلك كما في الجماد ، بل الإنسان في غالب أحواله ، كما في حالة النوم والغفلة ، فإنّه لا يوصف فيها بكونه كارها ولا مريدا (م ، غ ، ٥٦ ، ١٦)

طرد وعكس

ـ إنّ الطرد والعكس شاهدا وغائبا إنّما يلزم بعد تماثل الحكمين من كل وجه لا من وجه دون وجه ، والخصم ليس يسلّم تماثل الحكمين أعني عالميّة الباري تعالى وعالميّة العبد ، بل لا تماثل بينهما إلّا في اسم مجرّد ، وذلك أنّ العلمين إنّما يتماثلان إذا تعلّقا بمعلوم واحد ، والعالميّتان كذلك ، ومن المعلوم الذي لا مريّة فيه أنّ عالميّة الغائب وعالميّة الشاهد لا يتماثلان من كل وجه ، بل هما مختلفان من كل وجه ، فكيف يلزم الطرد والعكس والإلحاق والجمع. أليس لو ألزم طرد حكم للعالميّة في الغائب من تعلّقها بمعلومات لا تتناهى ، وحكم القادريّة في الغائب من صلاحية الإيجاد والتعلّق بالمقدورات التي لا تتناهى إلى غاية حتى يحكم على ما في الشاهد بذلك ، لم يلزم ، فلذلك احتياج العالميّة في الشاهد إلى علّة لا يستدعي طرده في الغائب ، فإذا لا تعويل على الجمع بين الشاهد والغائب بطريق العلّة والمعلول ، بل إن قام دليل في الغائب على أنّه عالم بعلم قادر بقدرة ، فذلك الدليل مستقل بنفسه غير محتاج إلى ملاحظة جانب الشاهد (ش ، ن ، ١٨٥ ، ١٥)

طرق الأحكام الشرعية

ـ طرق الأحكام الشرعيّة : اعلم أنّه لا ينبغي أن نتكلّم في شروط الاستدلال على الأحكام الشرعيّة إلّا بعد أن نبيّن أنّه لا بدّ في الأحكام الشرعية من طرق عقليّة أو شرعيّة ، نفيا كان الحكم أو إثباتا ، ونبيّن الفصل بين ما هو طريق في ذلك وما ليس بطريق ، ليعمد المستدلّ إلى ما هو طريق ، فيستدلّ به. وذلك يقتضي أن نبيّن أنّه لا بدّ في الأحكام الشرعيّة من طريق ، إمّا عقليّ وإمّا شرعيّ. ويدخل في الطريق العقليّ فصلان : أحدهما أن يبيّن الفصل بين الاستدلال بالبقاء على حكم العقل ، وبين ما يلتبس بذلك من استصحاب الحال. والآخر أن يبيّن الفصل بين ما يصحّ أن يستدلّ عليه بالعقل ، وما لا يصحّ. ويدخل في الطريق السمعيّ فصلان : أحدهما أن يبيّن أنّ السمع الدالّ على الحكم يجب أن يتناوله إمّا صريحا وإمّا غير صريح. ولا يجوز أن يقال للمكلّف : " احكم فإنّك لا تحكم إلّا بالصواب". والآخر أنّ ذلك السمع في شرعنا هو القرآن ، دون غيره من الكتب المتقدّمة (ب ، م ، ٨٧٩ ، ١٠)

ـ أمّا ما له تعلّق بالمصالح والمفاسد الشرعية ، فهي طرق الأحكام الشرعية ، كالأدلّة والأمارات ، وأسباب هذه الأحكام ، وعللها ، وشروطها (ب ، م ، ٨٨٨ ، ١٥)

طريق التعمد

ـ يقول شيخنا" أبو علي" ، رحمه‌الله ، ويعتل بقريب من هذه الطريقة ، وإنّما يجوّز على الأنبياء ما يقع منهم بضرب من التأويل ، ويجري مجرى الواقع عن سهو وغفلة ، ويجعل ما يقع على طريق التعمّد داخلا في باب ما ينفّر ؛ لأنّ من أقدم على المحرّم ، مع علمه بأنّه محرّم ، فلا بدّ من نقص في حاله يقتضي التنفير عنه (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ١٧)

ـ أما شيخنا" أبو هاشم" ، رحمه‌الله ، فإنّه بيّن أن تعمّد المعصية ، إذا لم يوجب كبرها ، لم يمتنع كونه صغيرا ؛ لأنّ ما يقع ، على طريق التأويل ، قد يكون كبيرا كما يقع ، على طريق التعمّد ، ما قد يجوز أن يكون صغيرا. فإذا لم يكن مستخفّا ، ولا منفرا ، فلا وجه يمنع منه ، وإن صحّ أنّ الإقدام عليه ، مع العلم به ، ينفّر. فمذهبه كمذهب" أبي علي" في هذا الباب. وإن لم ينفر ذلك فلا مانع يمنع من وقوعه منهم (ق ، غ ١٥ ، ٣١٠ ، ٢١)

طريق العلم

ـ رتّب شيوخنا الكلام في الأخبار. فقال" أبو علي" ، رحمه‌الله : إنّ من حقّه ألّا يكون طريقا للعلم إلّا بأن تكون آحاده تقوّي الظنّ ولا يزال الظنّ يقوى ، ثم يحصل العلم ؛ وبيّن ذلك بما نجده في الشاهد من الأخبار التي هي طريق العلم (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٠ ، ١٠)

طريق المعرفة

ـ اعلم ، أنّ الصحيح فيمن لزمته المعرفة أن يقبح منه الجهل ؛ وكما يستحقّ بفعلها الثواب ، فكذا يستحقّ بفعل الجهل العقاب ؛ وكما يتناولها التكليف في باب الإقدام ، فكذا يتناوله التكليف في باب الامتناع منه. وإن كان المكلّف مأمورا بها ، فهو منهي عن الجهل. والأمر في هذا الباب أجمع ، على ما ذكره السائل. لكنّه ظنّ أنّه إذا لم يمكنه أن يعرف الجهل جهلا قبل وقوعه ، لم يصحّ أن يلزمه تركه بفعل المعرفة. وليس الأكر كما قدّر ، لأنّه إذا عرف طريق المعرفة وهو النظر المخصوص الذي من بيانه أن يولّدها ، صحّ منه إيجادها بإيجاده. وإيجادها على هذا الوجه ، هو ترك للجهل ، لأنّ من حقّه أن يضادّها ، وترك الشيء هو ضدّه على بعض الوجوه. فقد ثبت إذن أنّه يصحّ منه أن يترك الجهل بالمعرفة. فإن قيل : فيجب أن يصحّ منه ترك المعرفة بالجهل أيضا ، ليصحّ أن يكلّف المعرفة. قيل له : وذلك أيضا صحيح منه ، لأنّه يصحّ منه أن يبتدئ فعل الاعتقاد والذي هو جهل ، فيكون بفعله تاركا للاعتقاد الذي هو من جنس المعرفة. ولا يقال : إنّه ترك به المعرفة ، لأنّ من حقّها أن تقع متولّدة. والمباشر لا يكون تركا للمتولّد ، من حيث يجب وجوده بوجوب سببه. ومن حق الترك والمتروك أن يصحّ من القادر ، في كل واحد منهما ، أن يبتدئه وأن يبتدئ ضدّه. لكنّا وإن لم نطلق هذا القول ، فمن جهة المعنى لا نمتنع من أن نقول بأنّه قد ترك بها الجهل ما يضادّه من المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٠ ، ١٢)

طريق الوجوب

ـ الأمر بالمعروف تابع للمأمور به إن كان واجبا فواجب ، وإن كان ندبا فندب. وأمّا النهي عن المنكر فواجب كلّه لأنّ جميع المنكر تركه واجب لاتّصافه بالقبح. فإن قلت : ما طريق الوجوب؟ قلت : قد اختلف فيه الشيخان ، فعند أبي علي السمع والعقل ، وعند أبي هاشم

السمع وحده. فإن قلت : ما شرائط النهي؟ قلت : أن يعلم الناهي أن ما ينكره قبيح لأنّه إذا لم يعلم لم يأمن أن ينكر الحسن وأن لا يكون ما ينهى عنه واقعا ، لأنّ الواقع لا يحسن النهي عنه وإنّما يحسن الذمّ عليه والنهي عن أمثاله ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ المنهي يزيد في منكراته ، وأن لا يغلب على ظنّه أنّ نهيه لا يؤثر لأنّه عبث. فإن قلت : فما شروط الوجوب؟ قلت : أن يغلب على ظنّه وقوع المعصية نحو أن يرى الشارب قد تهيّأ لشرب الخمر بإعداد آلاته وأن لا يغلب على ظنّه أنّه إن أنكر لحقته مضرّة عظيمة (ز ، ك ١ ، ٤٥٢ ، ١٧)

طريق وجوب الصلاة

ـ بيّن ، رحمه‌الله (أبو علي) ، أنّ طريق وجوب الصلاة ، يفارق طريق النظر والمعرفة. لأنّ المكلّف ، وإن جوّز أن يخترم ، فهو غير آمن من أن يبقى ، ولا يأمن أن يقع منه في آخر الوقت ترك الصلاة ، فيلزمه أن يتحرّز من أن يكون تاركا لها ؛ ولا يمكنه هذا التحرّز إلّا بفعلها ، فيلزمه أن يفعلها لهذا الوجه. فكذلك إذا لم يأمن الضرر في ترك النظر ، لزمه فعله. فالحال في طريق وجوبهما تتقارب ، وإن كانت الصلاة لا تعلم واجبة إلّا بعد تقدّم معرفة الله ، تعالى ، ومعرفة الرسول. فيلزم التحرّز مما تخافه بالإقدام على فعله ، وتجب المعرفة بوجوبه من حيث وجب وجودها بوجوده ، على ما قدّمنا القول فيه (ق ، غ ١٢ ، ٣٢٧ ، ١٩)

طريقة الشرائع

ـ إنّ طريقة الشرائع مبنيّة على اختلاف أحوال المكلّفين ، واختلاف الأوقات والأماكن ، وشروط الأفعال. وقد يكون ما هو واجب على زيد قبيحا من عمرو وما يكون مباحا من أحدهما محظورا من الآخر ، وما يكون واجبا يجب على شرط ، (ويقبح على شرط) فكيف يدلّ الدليل العقلي على أن الصلاة بلا طهارة لا تكون داعية إلى فعل الواجبات ؛ بل تدعو إلى القبيح ، وإذا وقعت على طهارة دعت إلى فعل الواجب ونهيه عن الفحشاء والمنكر ؛ فإنّ ذلك حالها في وقت ، دون وقت ، وشخص ، دون شخص ، كما نقوله في الحائض والطاهر؟ (ق ، غ ١٥ ، ٢٧ ، ٦)

طعوم

ـ المقطوع بأنّه طعم خالص هو الحلاوة والحموضة والمرارة والملوحة والحرافة ، فهي خمس ، كما أنّ الخالص من الألوان خمس هيئات. وما عدا هذه الطعوم فمتوقّف فيها ، ومجوّز أن تكون مركّبة من طعوم مختلفة كما قلناه في الألوان حيث تكلّمنا في الغيرة. ولسنا نمنع أن تكون هاهنا طعوم في غير بلادنا وفي غير ما نطعمه بخلاف ما نعرفه ويقع بها لأهل تلك البلاد من الاغتذاء ، ما يقع لنا بهذه الموجودات عندنا (أ ، ت ، ٢٩٥ ، ٣)

طفر

ـ لا يدرك المدرك للشيء ببصره ، إلّا أن يطفر البصر إلى المدرك فيداخله ، وزعم صاحب هذا القول أنّ الإنسان لا يدرك المحسوس بحاسّه إلّا بالمداخلة والاتصال والمجاورة ، وهذا قول" النظّام" وحكي عنه" زرقان" أنّه قال إنّ الأشياء تدرك (؟) على المداخلة الأصوات والألوان ، وزعم أنّ الإنسان لا يدرك الصوت

إلّا بأن يصاكّه وينتقل إلى سمعه فيسمعه ، وكذلك قوله في المشموم والمذوق (ش ، ق ، ٣٨٤ ، ٩)

ـ إنّ الطفر ليس بأكثر من أن يوجد الجوهر في الوقت الثاني في المكان العاشر ، فالقول بأنّ ذلك محال لاستحالة الطفر عليه يؤدّي إلى أن يكون الشيء معلّلا بنفسه ـ وذلك لا يجوز (ن ، د ، ٤٣٩ ، ٢٠)

ـ أنّا لو قدّرنا أربعة أجزاء كالخط ، ثم قدّرنا نقل الأجزاء التي في الوسط في حالة واحدة ، لكان يجب أن لا يخلو حال هذين الجزءين اللذين هما طرف الخط من أحد أمرين : إمّا أن يلتقيا أو لا يلتقيا. فإن التقيا أدّى إلى القول بالطفر ؛ وذلك لا يصحّ. وإن لم يلتقيا وبقيا مفترقين ولا جوهر بينهما ، فهو الذي نريده من القول بإثبات الخلاء (ن ، م ، ٥٠ ، ١٢)

ـ ما قولكم لو فنيت الأجسام التي بين السماء والأرض ، وبقيت السماء والأرض ، هل تتّصل إحداهما بالأخرى في حال ما تفنى الأجسام بينهما ، أو لا تتّصل إحداهما بالأخرى؟ فإن قالوا : لا تتّصل إحداهما بالأخرى ولا تلتقي ، فقد جوّزوا الخلاء. وإن قالوا تتّصل لا محالة إحداهما بالأخرى ، فقد قالوا بالطفر (ن ، م ، ٥١ ، ١٢)

ـ قد ثبت أنّ النظّام قد التجأ إلى القول بالطفر عند ما ألزم في النملة أن لا تصير قاطعة للنعل أبدا ، وغرضه بالطفر أن يصير الجسم في الوقت الثاني في المكان العاشر بدون أن يقطع هذه الأمكنة التي بينهما (أ ، ت ، ١٩٧ ، ٤)

ـ قد ثبت أنّ أحدنا إذا رفع طرفه إلى السماء رآها في حاله ، وليس ذلك إلّا لأنّ شعاعه يطفر ، وإلّا فلو كان قاطعا للأماكن لرآها بعد زمان وشبيه هذا قوله في قرص الشمس ، لأنّه عند ما تبدو من فلكها يسقط منه ضوء على جميع الأراضي مع ما بينهما من البعد. وليس ذلك إلّا للطفر ، وإلّا كان يجب أن ينتشر الضوء بعد مدّة وربما تعلّق بتقلّص الشعاع عن العالم عند الغروب في طرفة عين ، وأنّ ذلك هو للطفر (أ ، ت ، ٢٠٤ ، ١٤)

طفرة

ـ زعم" النظّام" أنّه قد يجوز أن يكون الجسم الواحد في مكان ثم يصير إلى المكان الثالث ، ولم يمرّ بالثاني على جهة الطفرة ، واعتلّ في ذلك بأشياء منها الدوامة يتحرّك أعلاها أكثر من حركة أسفلها ، ويقطع الحزّ أكثر مما يقطع أسفلها وقطبها ، وإنّما ذلك لأن أعلاها يماس أشياء لم يكن حاذى ما قبلها (ش ، ق ، ٣٢١ ، ٧)

ـ كان (الأشعري) يحيل قول النظّام في الطفرة ، ويقول إنّه يستحيل أن يوجد الجوهر في محلّ ثم يوجد بعد ذلك فيما وراءه من المحالّ بلا فصل من غير عدم وحدوث ومن غير أن يمرّ بذلك ويحاذيه ويقطعه. وكان يقول إنّ ما ذكره النظّام من الشبه في مسائل الطفرة ، كنحو قوله في حركة أعلى الدوامة وحركة أسفلها ، ووجود شعاع الشمس بعد ظهورها في أبعد الأماكن منه في أقرب وقت ، إنّ ذلك ليس على سبيل الطفر بل هو إحداث شعاع ابتداء عن ظهورها حيث أظهر ، وإن أعلى الدوامة أسرع دورانا من قطبها ، ويقول إنّ قطع أعلاها أكثر من قطع قطبها ، من غير أن يكون الأعلى منها طفر أماكن على الوجه الذي يقوله النظّام في الطفرة (أ ، م ، ٢٠٧ ، ١٨)

ـ الطّفرة ، وهي دعواه أنّ الجسم قد يكون في مكان ثم يصير منه إلى المكان الثالث أو العاشر منه من غير مرور بالأمكنة المتوسّطة بينه وبين العاشر ؛ ومن غير أن يصير معدوما في الأوّل ومعادا في العاشر (النظام) (ب ، ف ، ١٤٠ ، ٨)

ـ من مكابرات زعمائهم مكابرة النظام في الطّفرة ، وقوله بأنّ الجسم يصير من المكان الأول إلى الثالث أو العاشر من غير ضرورة إلى الوسط (ب ، ف ، ١٩٨ ، ٤)

ـ الكلام في الطفرة : قال أبو محمد نسب قوم من المتكلّمين إلى إبراهيم النّظام أنّه قال ، إنّ المارّ على سطح الجسم يسير من مكان إلى مكان بينهما أماكن لم يقطعها هذا المارّ ولا مرّ عليها ولا حاذاها ولا حلّ فيها (ح ، ف ٥ ، ٦٤ ، ٢١)

ـ أحدث (النظّام) القول بالطفرة لمّا ألزم مشي نملة على صخرة من طرف إلى طرف أنّها قطعت ما لا يتناهى ، فكيف يقطع ما يتناهى ما لا يتناهى؟ قال : تقطع بعضها بالمشي ، وبعضها بالطفرة. وشبّه ذلك بحبل شدّ على خشبة معترضة وسط البئر ، طوله خمسون ذراعا ، وعليه دلو معلّق. وحبل طوله خمسون ذراعا علّق عليه معلاق ، فيجرّ به الحبل المتوسّط ، فإنّ الدلو يصل إلى رأس البئر وقد قطع مائة ذراع بحبل طوله خمسون ذراعا في زمان واحد ، وليس ذلك إلّا أنّ بعض القطع بالطفرة (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ٢)

ـ إنّ الطفرة قطع مسافة أيضا موازية لمسافة. فالإلزام لا يندفع عنه ، وإنّما الفرق بين المشي والطفرة يرجع إلى سرعة الزمان وبطئه (الشهرستاني) (ش ، م ١ ، ٥٦ ، ٦)

طلب

ـ عليك في درك العلم المطلوب وظيفتان : إحداهما إحضار الأصلين في الذهن ، وهذا يسمّى فكرا ، والأخرى تشوّقك إلى التفطّن لوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمّى طلبا ، فلذلك قال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الأولى حيث أراد حدّ النظر : أنّه الفكر ، وقال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حدّ النظر : أنّه طلب علم أو غلبة ظن ، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا : إنّه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ (غ ، ق ، ١٨ ، ٦)

ـ إنّ ما ذكروه من أقسام الكلام ، وهي الخبر والاستخبار والأمر والنهي والوعد والوعيد ، أمكن أن تردّ إلى قسمين ؛ وهما الطلب والخبر ؛ فإنّ الوعيد والوعد داخلان في الخبر ، لكن تعلّق بأحدهما ثواب فسمّي وعدا ، وتعلّق بالآخر عقاب فسمّي وعيدا. وأما الأمر والنهي فداخلان تحت الطلب والاقتضاء ، لكن إن تعلّق بالفعل سمّي أمرا ، وإن تعلّق بالترك سمّي نهيا. وأما الاستخبار ـ على الحقيقة ـ فغير متصوّر في حق الله ـ تعالى ـ بل حاصله يرجع إلى التقرير وهو نوع من الإخبار ، وذلك كما في قوله ـ تعالى ـ (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (الأعراف : ١٧٢). وكما أمكن ردّ هذه الأقسام إلى قسمين ، أمكن ردّها إلى قسم واحد ، في حق الله ـ تعالى ـ ، حتى يكون على ما ذكرناه ، بأن يكون معنى واحدا وقضية متّحدة ، إن تعلّق بما حكم بفعله أو تركه سمّي طلبا ، وإن تعلّق بغيره سمّي خبرا (م ، غ ، ١١٧ ، ١٢)

طلب الرزق والتكسب

ـ في أنّه يحسن من العبد طلب الرزق والتكسّب ، وبطلان قول من يحرّم المكاسب. اعلم أنّه قد ثبت بالعقل أنّ التحرّز من المضارّ بالوجه الذي يعلم أو يظنّ أنه محرز به منها واجب. وعلى هذا الوجه يبنى أصل التكليف ثم فروعه. فإذا ثبت ذلك فيجب إذا علم الإنسان أو ظنّ أنّه إن لم يطلب الرزق ولم يتعرّض له ببعض الوجوه أنّه يلحقه أو يلحق من يعمّه نزول المضرّة به الضرر أن يلزمه طلب ذلك بما يغلب في ظنّه أنّه يصل به إلى المراد. وربما يتجاوز الحدّ في ذلك فيصير الإنسان ملجأ إلى طلب الرزق ، كما يكون مضطرّا في بعض الأحوال إلى أكل الميتة ومدفوعا إليه. فإذا ثبت ذلك لم يمكن القول بأنّ ذلك محرّم ، مع علمنا بكونه واجبا أو داخلا في باب الإلجاء. وقد ثبت أيضا من جهة العقل أنّ التماس المنافع التي لا ضرر على المرء فيها عاجلا ولا آجلا حسن ، وإن كان إنّما يلتمسه بالأمر الشاقّ إذا كان النفع الملتمس يوفي عليه. ولذلك يحسن من الإنسان أن يتنفّس في الهواء ، ويشرب الماء البارد ، إلى غير ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤٣ ، ٩)

طلب الشيء بشرط

ـ إنّ طلب الشيء بشرط لا يمتنع ، كما لا يمتنع طلبه بغير شرط. فإذا صحّ ذلك وجب أن يشرط الطالب للرزق منه تعالى ما إذا شرط فيه خرج ما التمسه لو فعل من أن يكون قبيحا ، وهو أن يشرط إمّا مظهرا أو مضمرا ألّا يكون ما يطلبه مفسدة في التكليف ، ومتى شرط ذلك فقد التمس المنافع على وجه يعلم أنّها لو وقعت عليه كانت حسنة ، فيجب أن يحسن منه التماسها على هذا الوجه. وإنّما وجب ذلك لأن ما خرج من المنافع التي يفعلها تعالى بالعبد في دار الدنيا من أن يكون مفسدة وجب حسنه ، لأنّه لا وجه من وجوه القبح يحصل فيه والحال هذه ؛ لأنّه قد ثبت أنه تعالى لا يفعل الثواب في دار التكليف ، فيقال في بعض المنافع : إنّه يفعله على الوجه الذي يحصل الثواب عليه والمفعول به غير مستحقّ ، فيكون قبيحا ، وإن لم يكن مفسدة ، ولا طالب الرزق يطلب ما يطلبه على هذا الوجه ، فليس لأحد أن يعترض بذلك على كلامنا ؛ لأنّا قد قيّدنا الكلام بما يزيل لزوم ذلك عنه (ق ، غ ١١ ، ٤٩ ، ١١)

طلب علم

ـ عليك في درك العلم المطلوب وظيفتان : إحداهما إحضار الأصلين في الذهن ، وهذا يسمّى فكرا ، والأخرى تشوّقك إلى التفطّن لوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمّى طلبا ، فلذلك قال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الأولى حيث أراد حدّ النظر : أنّه الفكر ، وقال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حدّ النظر : أنّه طلب علم أو غلبة ظن ، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا : إنّه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ (غ ، ق ، ١٨ ، ٧)

طلق

ـ قد يوصف (الحسن) بأنّه حلال إذا كان التعريف بالقول ، لأنّه لا يكاد يوصف بالمباح العقليّ ذلك ، وإنّما يوصف به الشرعيّ ، وإذا وصف بأنّه طلق فالمراد ما قلناه ، لأنّه يفيد أنّه قد أطلق لفاعله أن يفعله ولا يفعله ، ولم يتعلّق به حظر ، وكذلك مطلق. وقد يوصف بأنّه جائز فعله ، من حيث لا تتعلّق به تبعة ؛ فأمّا إذا كان

الحسن يختصّ بصفة زائدة ، يستحقّ لكونه عليها المدح فقط ، فلا بدّ من أن يوصف بأنّه مرغب فيه ، وكان يجب في الأصل أن يستعمل ذلك في الشرعيّات ، لأنّ فيها يظهر الترغيب من المرغب فيها ، لكنّا استعملناه في العقليّات ، وأنزلنا الأدلّة العقليّة منزلة السمعيّات ، في هذه القضية (ق ، غ ١٧ ، ٩٧ ، ١٨)

طول

ـ إذا انضمّ جزء إلى جزء حدث طول ، وأنّ العرض يكون بانضمام جزءين إليهما ، وأنّ العمق يحدث بأن يطبق على أربعة أجزاء أربعة أجزاء ، فتكون الثمانية الأجزاء جسما عريضا طويلا عميقا (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ١٢)

ظ

ظالم

ـ إنّ فاعل الظلم في الشاهد سمّي ظالما ، فواجب بعد حصول المواضعة ، لأنّ أهل اللغة أجروا ذلك عليه ، فما دامت اللغة ثابتة فهذا الاسم واجب لفاعل الظلم (ق ، غ ٨ ، ٢٢٧ ، ١٦)

ـ إنّ الظالم من قام به الظلم ، والكاذب من قام به الكذب ، لا من فعله (ب ، ف ، ١٢٥ ، ٣)

ـ اختلفوا في معنى الظالم من طريق المعنى : فقال أصحابنا حقيقته من قام به الظلم (ب ، أ ، ١٣٢ ، ٦)

ـ زعمت القدرية أنّ حقيقته (الظلم) فاعل الظلم ، وأجازوا أن يكون ظلم الظالم قائما بغيره. واعترضوا على أصحابنا في قولهم إنّ الظالم من قام به الظلم ، بأن قالوا ، إنّ الظلم يقوم ببعض الظالم والجملة هي الظالمة. وهذا السؤال ساقط على أصل شيخنا أبي الحسن الأشعري ، لأنّه يقول إنّ محلّ الظلم من الجملة ، هو الظالم دون جملته (ب ، أ ، ١٣٢ ، ٨)

ظان

ـ قال أبو محمد : ثم نرجع إلى ما كنّا فيه هل المعارف باضطرار أم باكتساب ، فنقول وبالله تعالى التوفيق ، إنّ المعلومات قسم واحد وهو ما عقد عليه المرء قلبه وتيقّنه ، ثم هذا ينقسم قسمين أحدهما حق في ذاته قد قام البرهان على صحّته ، والثاني لم يقم على صحّته برهان ، وأما ما لم يتيقّن المرء صحّته في ذاته فليس عالما به ولا له به علم وإنّما هو ظان له ، وأمّا كل ما علمه المرء ببرهان صحيح فهو مضطرّ إلى علمه به لأنّه لا مجال للشكّ فيه عنده وهذه صفة الضرورة ، وأمّا الاختيار فهو الذي إن شاء المرء فعله وإن شاء تركه (ح ، ف ٥ ، ١١٣ ، ١٨)

ظاهر

ـ (هو الأوّل) هو القديم الذي كان قبل كل شيء (والآخر) الذي يبقى بعد هلاك كل شيء (والظاهر) بالأدلّة الدّالة عليه (والباطن) لكونه غير مدرك بالحواس (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٠)

ـ قيل الظاهر العالي على كل شيء الغالب له من ظهر عليه إذا علاه وغلبه ، والباطن الذي بطن كل شيء أي علم باطنه وليس بذاك مع العدول عن الظاهر المفهوم (ز ، ك ٤ ، ٦١ ، ١٥)

ظاهرة

ـ ما معنى الظاهرة والباطنة؟ قلت : الظاهرة كل ما يعلم بالمشاهدة ، والباطنة ما لا يعلم إلّا بدليل أو لا يعلم أصلا ، فكم في بدن الإنسان من نعمة لا يعلمها ولا يهتدي إلى العلم بها ، وقد أكثروا في ذلك ؛ فعن مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصرة على الأعداء ، والباطنة الإمداد من الملائكة. وعن الحسن رضي الله عنه : الظاهرة الإسلام ، والباطنة الستر. وعن الضحّاك : الظاهرة حسن الصورة وامتداد القامة وتسوية الأعضاء ، والباطنة المعرفة. وقيل الظاهرة البصر والسمع واللسان وسائر

الجوارح الظاهرة ، والباطنة القلب والعقل والفهم وما أشبه ذلك. ويروى في دعاء موسى عليه‌السلام : إلهي دلّني على أخفى نعمتك على عبادك ، فقال أخفى نعمتي عليهم النفس. ويروى إنّ أيسر ما يعذّب به أهل النار الأخذ بالأنفاس (ز ، ك ٣ ، ٢٣٥ ، ٩)

ظلام

ـ إبراهيم يثبت حدث الأنوار كلها والظلام ، ويثبت الله جلّ ثناؤه قديما وحده (خ ، ن ، ٣٥ ، ١٨)

ـ النّور والظّلام وغيرهما من الأعراض لا يجوز أن يكونا فاعلين بالطّباع ولا بالاختيار لخير ولا شرّ ، ولا نفع ولا ضرّ ، فهو أن الدلالة قد قامت على أنّ الفاعل لا يكون إلّا حيّا قادرا مختارا ، وأنّ هذه الصّفات مستحقة لمعان توجد بالموصوف (ب ، ت ، ٦٩ ، ٢٠)

ظلم

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ أنّ إبراهيم (النظام) كان يحيل قول من وصف الله بالقدرة على الظلم وإدخال أهل الجنّة إلى النار ، وقد أخبر بتخليدهم في الجنة وجعله ثوابا على طاعاتهم له في دار الدنيا ، لأنّ ذلك ظلم لا يجوز في صفة الله (خ ، ن ، ٢٧ ، ٢٢)

ـ اعلم ـ علمك الله الخير ـ إنّ إبراهيم كان يفصل بين قوله وبين ما ألزمه المنانية فيقول : وجدت الظلم ليس يقع إلّا من ذي آفة وحاجة حملته على فعله أو من جاهل به. والجهل والحاجة دالّان على حدث من وصف بهما ويتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. (قال) فالذي أمّنني من فعل الله للظلم انتفاء هذه الأشياء عنه الدالّة على حدث من وصف بها (خ ، ن ، ٣٩ ، ١٣)

ـ إنّ الأجسام تدلّ بما فيها من العقول والنعم التي أنعم الله بها عليها ، على أنّ الله ليس بظالم لها ، والعقول تدل بأنفسها على أنّ الله ليس بظالم. (قال) فليس يجوز أن يجامع وقوع الظلم منه ما دلّ لنفسه على أنّ الظلم ليس يقع منه. فقيل له : فلو وقع منه الظلم ، كيف كانت تكون القصة؟ قال : كان يقع والأجسام معرّاة من العقول الدالّة بعينها على أنّه لا يظلم. هذا قول أبي جعفر ، وليس كل من ارتفع عقله كان مجنونا ولا طفلا (خ ، ن ، ٦٩ ، ٤)

ـ قيل : إنّ الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه (م ، ت ، ١٥٢ ، ١٠)

ـ اعلم ، أنّ الظلم كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، ولا الظنّ للوجهين المتقدّمين. ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة المضرور به ، ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة غير فاعل الضرر. ولا بدّ من اعتبار هذه الشرائط : من أن لا يكون فيه نفع ولا دفع ضرر ، لا معلوما ولا مظنونا ولا استحقاقا ، لأنّ أحدنا لو كلّف الأجير العمل بالأجرة لا يكون ظالما لما كان في مقابلته من النفع ما يوازيه ، وكذلك فإنّ من شرط إذن الصبي دفعا للضرر عنه لا يكون ظلما يتضمّنه دفع الضرر عنه ، وكذلك فإنّ ذمّ المسيء والمرتكب للقبيح لا يكون ظلما لأنّه مستحقّ (ق ، ش ، ٣٤٥ ، ١٠)

ـ قد يذكر له (الظلم) حدود ولا يصحّ شيء منها. من جملتها ، قولهم : إنّ الظلم هو ما ليس لفاعله أن يفعله ، وهذا لا يصحّ ، لأنّ العلم بالحدّ ينبغي أن يكون علما بالمحدود ، لا أن

يكون تابعا له ، وفي هذا الموضع ما لم يعلم ظلما ، لا يعلم أنّه ليس لفاعله فعله. وبهذه الطريقة عبنا على أبي علي تحديده الواجب بما به ترك قبيح ، فقلنا : إنّا ما لم نعلم وجوبه لا يمكننا أن نعلم قبح تركه ، فكيف حدّدت الواجب به ، وفيما ذكرت ترتّب العلم بالحدّ على العلم بالمحدود ، وذلك مما لا يصحّ (ق ، ش ، ٣٤٧ ، ١١)

ـ وبعد ، فإنّ حقيقة الظلم : كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، ولا الظنّ لأحد الوجهين المتقدّمين ، ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة المضرور ، ولا يكون كأنّه من جهة غير فاعل الضرر ، وهذا إنّما يحلّ المظلوم دون غيره ، فيجب أن يكون هو الظالم (ق ، ش ، ٣٥١ ، ١)

ـ إنّ الظلم يرجع به إلى ضرر مخصوص (ق ، ت ٢ ، ٤١٢ ، ١٥)

ـ الذي يذهب إليه الشيخ أبو عبد الله أنّ ما كان من فعله ضررا لا نفع فيه ، ولا دفع ضرر ، ولا استحقاق ، فإنّه يقبح ، لأنّه ظلم ؛ لأنّ الظلم إنّما قبح لاختصاصه بهذه الصفة ؛ لا لأنّه قصد به وجها مخصوصا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ١)

ـ إنّا قد بيّنا أنّ الظلم إنّما يقبح من حيث كان ظلما ، وليس لكونه ظلما اختصاص بكونه كسبا ؛ بل بأن يختصّ بكونه خلقا أولى (ق ، غ ٨ ، ١٩٧ ، ٣)

ـ إنّ المجبرة اعتقدت في الظلم أنّه قبيح ، وكذلك علمت حسن العدل ، وإنّما جهلت علّة قبحه وطريق معرفة قبحه فأدّاها ذلك إلى القول بأنّ بمجرّد العقل لا يعلم ذلك ، وبأنّ كونه ظلما لا يوجب قبحه. وإنما يقبح بنهي أو غيره (ق ، غ ١٣ ، ٢٨٢ ، ١٠)

ـ حقيقة الظلم هو كل ضرر لا نفع فيه يوفي عليه ، ولا دفع مضرّة زائدة عليه ، ولا مستحقّ ، ولا يظنّ فيه بعض هذه الوجوه. فمتى كان هذا حاله فهو الظلم بعينه ؛ ولا فرق بين أن يكون ألما أو غمّا أو مؤدّيا إليهما إذا كان حاله ما وصفنا ؛ لأنّ كونه ضررا يجمع كل ذلك وإن كان كونه ألما لا يجمع جميعه. ولا يجوز أن يحدّ الظلم بأنّه الضرر القبيح ، لأنّه قد يقبح من حيث كان عبثا على ما نبيّنه ، ويكون مع ذلك غير ظلم (ق ، غ ١٣ ، ٢٩٨ ، ٨)

ـ إنّ الظلم يقبح لأنّه ظلم لا لغير ذلك من أوصافه. يبيّن ذلك أنّ عند العلم بأنّه ظلم يعلم قبيحا لا محالة ؛ ومتى فقد هذا العلم لم يعلم قبيحا إلّا بأن يحصل فيه وجه آخر من وجوه القبح يعلم عليه. فإذا صحّ ذلك وجب أن يكون كونه ظلما هو وجه قبحه من حيث وقف العلم بقبحه على العلم به (ق ، غ ١٣ ، ٣٠٨ ، ٢)

ـ إنّه ليس في العالم ظلم لعينه ولا بذاته البتّة ، وإنّما الظلم بالإضافة ، فيكون قتل زيد إذا نهى الله عنه ظلما ، وقتله إذا أمر الله بقتله عدلا ، وأمّا الكذب فهو كذب لعينه وبذاته ، فكل من أخبر بخبر بخلاف ما هو فهو كاذب ، إلّا أنّه لا يكون ذلك إثما ولا مذموما إلّا حيث أوجب الله تعالى فيه الإثم والذمّ فقط ، وكذلك القول في الجهل والعجز إنّهما جهل لعينه وعجز لعينه ، فكل من لم يعلم شيئا فهو جاهل به ولا بدّ ، وكل من لم يقدر على شيء فهو عاجز عنه ولا بدّ ، والوجه الثاني أنّ بالضرورة التي بها علمنا من نواة التمر لا يخرج منها زيتونة ، وأنّ الفرس لا ينتج جملا ، بها عرفنا أنّ الله تعالى لا يكذب ولا يعجز ولا يجهل ، لأنّ كل هذه من صفات المخلوقين عنه تعالى منفيّة إلّا ما جاء نص بأن

يطلق الاسم خاصة من أسمائها عليه تعالى فيقف عنده (ح ، ف ٣ ، ٧٤ ، ٢١)

ـ صحّ أنّه لا ظلم في شيء من فعل الباري تعالى ولو أنّه تعالى عذّب من لم يقدره على ما أمر به من طاعته ، لما كان ذلك ظلما إذ لم يسمّه تعالى ظلما ، وكذلك ليس ظلما خلقه تعالى للأفعال التي هي من عباده عزوجل كفر وظلم وجور ، لأنّه لا آمر عليه تعالى ولا ناهيا بل الأمر أمر والملك ملكه (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ، ٧)

ـ الظلم هو التصرّف فيما لا يملكه المتصرّف. أو وضع الشيء في غير موضعه (ش ، م ١ ، ١٠١ ، ١٨)

ـ الظلم : إنزال مضرّة مجرّدة عن جلب منفعة أو دفع مضرّة فوقها (ق ، س ، ١٨٧ ، ٢١)

ظلمه

ـ إن الظّلمة والنور في احتمال التغيّر والاستحالة ، واحتمال التجزئة والتّبعيض ، والحسن والقبح ، والطيب / والخبيث ، وكل شيء سواه ، فإن كانا يرجعان إلى أجزاء العالم فهما يحدثان بحدثه ويفنيان بفنائه. ثم لا يجوز أن يكون لواحد منهما ألوهيته ؛ لظهور العجز والجهل بهما ، والعالم هو دليل قوى عليم حكيم ، فهما في تلك الجملة (م ، ح ، ٣٥ ، ٩)

ظن

ـ قال صاحب المنطق : الظنّ هو الوقوف على أحد طرفي اليقين ، والشك هو الوقوف على أحد طرفي الظنّ. والهمّة بين هذين (م ، ت ، ١٤٣ ، ٨)

ـ أمّا التوهّم : فالمرجع به إلى ظنّ مخصوص. والظنّ ، فهو المعنى الذي إذا وجد في أحدنا أوجب كونه ظانّا ، والواحد منّا يفصل بين كونه ظانّا وبين غيره من الصفات ، نحو كونه مريدا أو كارها أو ما يجري مجراهما. وقد اختلف الشيخان في ذلك ؛ فعند شيخنا أبي علي أنّه جنس برأسه سوى الاعتقاد وهو الصحيح ، وعند الشيخ أبي هاشم المرجع به إلى اعتقاد مخصوص. والذي يدلّ على فساد مذهبه ، أنّه لو كان من قبيل الاعتقاد لكان لا يحسن من الله تعالى أن يتعبدنا بشيء من الظنون ، ومعلوم أنّه قد تعبدنا بكثير من الظنون نحو الاجتهادات في جهة القبلة وغير ذلك. وإنّما قلنا هذا هكذا ، لأنّه ما من اعتقاد يفعله الواحد منّا إلّا ويجوز أن يكون معتقده على ما هو به ويجوز خلافه ، والتكليف بما هذا حاله قبيح (ق ، ش ، ٣٩٥ ، ٧)

ـ إنّ العلم بصحّة حدوث الشيء ، والاعتقاد لصحّة حدوثه ، والظنّ لذلك يجري مجرى واحدا في صحّة الإرادة ، وكذلك العلم باستحالة حدوثه. والاعتقاد لذلك يتساوى في استحالة إرادته. فإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يقوم العلم مقام غلبة الظنّ فيما قدّمناه من صحّة إرادة ما نعلم أنّ القادر يصحّ أن يفعله. وإنّما اعتمدنا على غلبة الظنّ لأنّه لا سبيل لنا إلى العلم بالأمور المستقبلة التي تقع من العباد ؛ لأنّا نجوّز في كل واحد منهم أن يخترم دون الفعل ، وأن يعصى أمرنا ومرادنا ، كما نجوّز فيه أن يطيع ، فإذا ثبت ذلك لم يمكن أن نبيّن ذلك بالعلم ، وإن كان شيوخنا رحمهم‌الله قد بيّنوا ذلك بأنّه قد ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد من أبي لهب وغيره الإيمان ، وإن علم أنّه لا يؤمن بخبر الله تعالى ، ويصحّ منّا إرادة الإيمان من جماعة الكفّار ،

وإن علمنا أنّهم لا يجتمعون على الهدى (ق ، غ ١١ ، ١٦١ ، ٧)

ـ اعلم ، أنّ الوجه الذي له يجب (النظر) ربما قام الظنّ فيه مقام العلم ، وربما كان بخلافه. وكذلك الوجه الذي له يقبح القبح. يبيّن ذلك أنّه لا فرق بين أن يعلم العاقل أنّه يتحرّز ببعض الأفعال من مضارّ معلومة ، وبين أن يظنّها ويظنّ أنّه يتحرّز منها لهذا الفعل في أنّ في الوجهين جميعا يلزمه التحرّز بذلك الفعل ، فقام الظنّ فيه مقام العلم. وأكثر ما يتحرّز العاقل منه ، يجري على طريقة الظنّ (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٢ ، ٦)

ـ أمّا الظنّ فإنه يقبح إذا تعرّى عن أمارة صحيحة ، ويقبح إذا كانت الحال حالا يستغني فيها عن الظنّ ، بأن يكون الإنسان عالما أو يتمكّن من المعرفة ، فأمّا قبحه لأنّه عبث أو ظلم أو مفسدة ، فممّا قد تقدّم القول فيه (ق ، غ ١٤ ، ١٥٨ ، ١٦)

ـ إنّ الظنّ يستحيل أن يصير علما ، أو يكون سببا للعلم ؛ لأنّه إن كان مخالفا للعلم فجنسه لا ينقلب ، وليس بمولّد للعلم ، وإن كان مثلا له ، بأن يكون اعتقادا. فمحال أن ينقلب ، فيصير علما ؛ لأن ما هو علم منه يحصل كذلك في حال حدوثه (ق ، غ ١٥ ، ٣٩٦ ، ٥)

ـ العلم يحتاج في إيقاعه إلى دلالة. ويحتاج الظّنّ إلى أمارة. ويجب أن يتقدّم الدّلالة قدرا من التّمكّن ، يمكن معه أن ينظر فيها الإنسان فيعلم وجوب الفعل ، أو كونه ندبا ، أو معرّبا لما وجب بالفعل. ثمّ يفعل الفعل في الوقت الذي وجب إيقاعه فيه. ولا فرق بين أن تكون الدّلالة على ذلك أمرا ، أو غيره. وكذلك القول في الأمارة (ب ، م ، ١٧٨ ، ٥)

ـ إنّ الظنّ لا يحصل بحسب النظر في الأمارة ؛ لأنّا نعلم أنّ شخصين ينظران في الأمارة ويعلمان وجه كونها أمارة في الحدوث ونحو ذلك ثم يحصل الظن لأحدهما دون الآخر ؛ وهكذا الناظران في أمارة الشرع ، فإن الحنفي والشافعي ينظران أمارة علّة الزنا ، وكل واحد منهما يعلم أمارة صاحبه ووجه كونها أمارة ثم يحصل لأحدهما ظنّ خلاف ما يحصل للآخر (ن ، د ، ٣١٢ ، ٨)

ـ قالت طوائف منهم الأشعريّة وغيرهم ، من اتّفق له اعتقاد شيء على ما هو به على غير دليل لكن بتقليد أو تميل بإرادته ، فليس عالما به ولا عارفا به ولكنّه معتقد له ، وقالوا كل علم ومعرفة اعتقاد ، وليس كل اعتقاد علما ولا معرفة ، لأنّ العلم والمعرفة بالشيء إنّما يعبّر بهما عن تيقّن صحّته ، قالوا وتيقّن الصحّة لا يكون إلّا ببرهان ، قالوا وما كان بخلاف ذلك فإنّما هو ظنّ ودعوى لا تيقّن بها (ح ، ف ٥ ، ١٠٩ ، ٢٢)

ـ الظنّ ، " وهو كالشكّ في التردّد ، إلّا أنّه يترجّح أحد المعتقدين في حكمه" (ج ، ش ، ٣٥ ، ٢٠)

ـ الظنّ : هو الاعتقاد الراجح مع احتمال النقيض ، ويستعمل في اليقين والشكّ ، وقيل الظنّ أحد طرفي الشكّ بصفة الرجحان (ج ، ت ، ١٨٨ ، ٦)

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ٤)

ظن مبتدأ

ـ إنّ الظنّ المبتدأ لا حكم له ، وإنّه ينبئ عن نقص الظانّ ، وإنّما يتعلّق به الحكم إذا وقع عن أمارة صحيحة في عقول العقلاء. وأنت إذا تدبرت أحوال ما يلزم في أمور الدنيا وجدتها جارية على هذا الحدّ ، لأنّ المريد لسلوك الطريق المدفوع إليه لدفع الضرر عن نفسه وعياله ، لا يظنّ الخوف من طريق إلّا عند أمارة من خبر أو غيره. فإذا لم يحصل ذلك ، لم يظنّ المخافة ، ولا يعلم وجوب المسألة والفحص عنه (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ٦)

ظنون

ـ أوّل العلم بكلّ غائب الظنون. والظنون إنّما تقع في القلوب بالدلائل ، فكلّما زاد الدليل قوي الظنّ حتّى ينتهي إلى غاية تزول معها الشكوك عن القلوب ، وذلك لكثرة الدلائل ولترادفها (ج ، ر ، ٢٥ ، ١٤)

ظهور

ـ ثم قال (ابن الروندي) : وكان يزعم أنّ الله خلق الناس والبهائم والحيوان والجماد والنبات في وقت واحد ، وأنّه لم يتقدّم خلق آدم خلق ولده ولا خلق الأمهات خلق أولادهنّ ، غير أنّ الله أكمن بعض الأشياء في بعض ، فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من أماكنها دون خلقها واختراعها. ومحال عنده في قدرة الله أن يزيد في الخلق شيئا أو ينقص منه شيئا (خ ، ن ، ٤٤ ، ١٤)

ـ إنّ الظهور خروج إلى مكان (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٧)

ـ الحركة والسكون والاستتار والظهور من صفات الأجسام دون الأعراض (ب ، ت ، ٦٩ ، ١٨)

ـ اختلفوا (النصارى) في معنى ظهور الكلمة في الهيكل وادّراعها له وإظهار التدبير عليه ، فقال أكثرهم : معنى ذلك أنها حلّته ومازجته واختلطت به اختلاط الخمر واللبن بالماء عند امتزاجهما. وقال قوم منهم : إنّ ظهور الكلمة في الجسد واتحادها به ليس على معنى المزاج والاختلاط ، ولكن على سبيل ظهور صورة الإنسان في المرآة والأجسام الصقيلة النقيّة عند مقابلتها من غير حلول صورة الإنسان في المرآة وكظهور نقش الخاتم وكلّ طابع في الشمع والطين ، وكل ذي لين قابل للطبع من الأجسام من غير حلول نقش الخاتم والرسم في الشمع والطين والتراب (ب ، ت ، ٨٦ ، ١٦)

ظهور وكمون

ـ قوله (النظام) في الظهور والكمون : ثم قال (ابن الروندي) : ولو قيل لهم : " إنّ النظّام يزعم أنّ الله خلقكم يوم خلق آدم وأنّه قد أوجدكم في الدنيا منذ ألف سنة وأكثر منها" لأنسوا ، لاستشناعهم هذا القول ، قول من قال بالرجعة من الشيعة. يقال له : قد كثرت كذبك على المعتزلة في هذا الكتاب حتى لقد كان الوجه في نقض كتابك أن يكتب على ظهره : " كذب صاحب الكتاب فيما حكاه عن المعتزلة". ثم إنّا نقول له : إنّ الرواية قد جاءت عن النبي عليه‌السلام أنّ الله مسح ظهر آدم فأخرج ذرّيته منه في صورة الذرّ. وجاء أيضا أن آدم عليه‌السلام عرضت عليه ذريّته فرأى رجلا جميلا فقال : " يا رب من هذا؟ " قال : " هذا ابنك داود". فكيف تنكر العامة ما ذكر صاحب الكتاب أنها

تنكره وأنها تأنس بالرجعة إذا ذكر لها ما حكاه عن إبراهيم وهي تروي عن النبي صلى الله عليه ما حكيته (خ ، ن ، ٩٧ ، ٨)

ـ إنّ الله تعالى خلق الناس والبهائم وسائر الحيوان وأصناف النبات والجواهر المعدنية كلّها في وقت واحد ، وإنّ خلق آدم عليه‌السلام لم يتقدّم على خلق أولاده ، ولا تقدّم خلق الأمهات على خلق الأولاد ، وزعم أنّ الله تعالى خلق ذلك أجمع في وقت واحد ، غير أنّ أكثر الأشياء بعضها في بعض ، فالتقدّم والتأخّر إنّما يقع في ظهورها من أماكنها .... وقول النظام بالظهور والكمون في الأجسام وتداخلها شرّ من قول الدهريّة الذين زعموا أنّ الأعراض كلّها كامنة في الأجسام ، وإنّما يتعيّن الوصف على الأجسام بظهور بعض الأعراض وكمون بعضها (ب ، ف ، ١٤٢ ، ١٧)

ـ قلنا لأصحاب الكمون والظهور لو كان العرض يظهر ويكمن لوجب أن يكمن بعد ظهوره لمعنى يقوم به لأنّ الموجود إذا تغيّر عليه الوصف تغيّر عليه الوصف في ذاته لمعنى قام به. فإن أجابوا إلى ذلك لزمهم إجازة قيام عرض بعرض وهذا خلاف أصولهم. وإذا بطل الظهور والكمون في الأعراض وصحّ تغيّر الأجسام بها من حال إلى حال وبطل انتقال العرض من جسم إلى جسم لاستحالة قيام الانتقال والحركة بالعرض صحّ أنّ قيام العرض بالجوهر إنّما هو حدوثه فيه. وصحّ بهذا الدليل حدوث جميع الأعراض وهذا يؤدّي إلى قيام عرض بعرض وذلك محال فما يؤدّي إليه مثله. وإذا استحال ذلك استحال الظهور والكمون على الأعراض فصحّ أنّها كلّها حوادث في الأجسام (ب ، أ ، ٥٦ ، ٧)

ع

عابث

ـ إن العالم بما يفعله متى لم يفعله لغرض يقتضي حسنه فيجب كونه عابثا ، والعبث قبيح كما أنّ الظلم قبيح. وقد دللنا على أنّه تعالى لا يفعل القبيح فيجب خروج أفعاله من كونها عبثا ، وفي ذلك إيجاب كونها حسنة على ما نقوله. يبيّن ذلك أنّ العالم بما يفعله لا بدّ من أن يستحقّ الذمّ على فعله متى وقع على وجه يقبح ؛ أو لا يستحقّ الذمّ بذلك فيجب كونه حسنا ؛ لوقوعه على وجه لا يقتضي ذمّ فاعله إن كان عالما. وذلك يوجب كون أفعاله تعالى حسنة (ق ، غ ١١ ، ٦٤ ، ٧)

عابد

ـ أمّا العابد ، فإنّما يوصف بذلك ، لأنّه فعل العبادة ؛ وإنّما يكون الفعل عبادة ، متى خضع بها وبذلك للمعبود. وذلك لا يتأتّى إلّا بأن يحل العابد أو بعضه ، أو يكون في حكم الحال فيه. وذلك لا يتأتى في القديم ، سبحانه ، فلا يوصف ، ما يفعله من هذا الجنس ، بأنّه عبادة ، ولا هو بأنّه عابد (ق ، غ ٨ ، ٢٤١ ، ٤)

عاجز

ـ إذا تقرّرت هذه الجملة (قبح تكليف ما لا يطاق) عدنا إلى الفروق التي يروم القوم بها الفصل بين الكافر وبين العاجز ويرومون بها إثبات حسن تكليف هذا الكافر وإن كان غير مطيق. فأورد في الكتاب أوّلا أنّهم يقولون في الفصل بينها إنّ العاجز إنّما أتي في أن لم يقدر على ذلك الفعل من قبل غيره لا من قبل نفسه فقبح تكليفه. والكافر إنّما أتي في أن لم يقدر من قبل نفسه حيث اشتغل بالكفر فخرج عن كونه قادرا على الإيمان. وقال في الجواب إنّهما إذا استويا في عدم القدرة فالفرق من وراء ذلك لا يؤثّر. وبيّن أنّ قولهم في هذا الفرق اعتراف منهم بأنّ حال الكافر كحال العاجز في أنّهما غير مطيقين للفعل. ومثل هذا الفرق لا يكون فرقا على الحقيقة بل هو التزام لما ألزموا من تكليف ما لا يطاق الذي ثبت قبحه عقلا وشرعا (ق ، ت ٢ ، ٥٧ ، ١٣)

ـ من جملة ما يفرّقون به بين الكافر والعاجز قولهم (بعض القوم) إنّ الكافر متوهّم منه الإيمان وليس كذلك العاجز. وهذا في الفساد كالأوّل ، وذلك لأنّه يقال لهم : أيتوهّم منه الإيمان وحالته هذه أو بأن تتغيّر حاله؟ فإن قالوا : يتوهّم منه وحالته هذه ، فقد توهّموا المستحيل الممتنع لأنّ مع عدم القدرة لو جاز أن يتوهّم منه الإيمان لجاز أن يتوهّم من العاجز. وإن قالوا : بأن تتغيّر حاله ، قلنا : فقد زال الفرق بينه وبين العاجز لأنّ العاجز أيضا لو تغيّرت حاله لصحّ منه الإيمان. وبعد فإنّ التوهّم ظنّ ولهذا لا يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم أن النبيّ صلّى الله عليه يدخل الجنّة ، لمّا كان ذلك مقطوعا به. وكذلك فلا نتوهّم أن فرعون يدخل النار لمّا كان مقطوعا به. فإذا ثبت أن التوهّم ظنّ فكيف يجوز أن يقال : إنّا نتوهّم الإيمان من الكافر ، مع القطع على أنّه لا يقع منه الإيمان وحاله على ما هو عليه؟ وأيضا فإذا كان التوهّم ظنّا فمعلوم أنّه لا يقع منه الإيمان

بهذا الظنّ ولو توهّم متوهّم في العاجز أنّه يصحّ منه الإيمان لم يصر كذلك بتوهّمه ، فصار إنّما يصحّ وقوع الإيمان منه لقدرة قد عدمها لا لتوهّم الذي يتوهّم ذلك. وقد عدم الكافر هذه القدرة. فبطل ما راموه من الفرق (ق ، ت ٢ ، ٦٠ ، ٥)

ـ مما يذكرونه (بعض القوم) من الفرق بين الكافر والعاجز قولهم إن هذا الكافر مطلق مخلّى والعاجز ممنوع ، فلهذا افترقا في جواز تكليف أحدهما وحسنه دون الآخر. وهذا أبعد مما تقدّم ، لأنّ وصف الغير بأنّه مطلق مخلّى يفيد قدرته على الفعل وزوال الموانع عنه. فصار لا يكفي في وصفه بذلك مجرّد وجود القدرة دون أن ينضمّ إليه ما ذكرناه ، ولهذا لا يوصف المقيّد بأنّه مخلّى مع أنّ القدرة فيه ثابتة عندنا على وجه لو زال القيد لصحّ منه المشي. فكيف ساغ للقوم أن يصفوا الكافر الذي لا قدرة فيه أصلا بوصف ينبئ عن ثبات القدرة وعن أمر زائد عليها؟ ولئن جاز وصف من هذا حاله بالإطلاق والتخلية فيجب أن يجوز وصف العاجز بمثله. وكما لا يصحّ هذا الوصف الذي وصف الكافر به فكذلك لا يصحّ وصف العاجز بأنّه ممنوع لأنّ الممنوع أيضا هو القادر الذي لو لا المنع لكان يصحّ منه الفعل وحالته تلك. والذي يبيّن ذلك أنّ الميت لا يوصف بالمنع ولا الزمن أيضا ، وإنّما يقال ذلك في المقيّد أو فيمن منعه من هو أقدر منه. فكيف صحّ العاجز مع عدم القدرة عنه أن يكون ممنوعا؟ ويبيّن ذلك أنّ المنع هو الذي لوجوده يمتنع الفعل الممنوع منه ، وهذا يرجع فيه إلى ضدّ لذلك الفعل دون أن يكون مغيّرا لحال القادر (ق ، ت ٢ ، ٦١ ، ١٠)

ـ ثمّ بيّن رحمه‌الله (عبد الجبّار) ما يجري في كلامهم أنّا نعرف العاجز عاجزا ضرورة لا على ما تقولون إنّا نحتاج إلى اعتبار حال القادر أوّلا. وربّما ادّعوا أنّا نعلم القادر قادرا ضرورة. وليس يصحّ عندنا أن نعلم القادر قادرا باضطرار فضلا عن كونه عاجزا الذي يترتّب عليه وفضلا عن أن نعلم ضرورة أنّه إذا لم يكن قادرا فيجب أن يكون عاجزا ، بل طريق ذلك أجمع هو الاستدلال. ألا ترى أن القادر إذا كان معناه من يختصّ بصفة لأجلها يصحّ الفعل منه عند ارتفاع الموانع فكيف تدّعى الضرورة في ذلك؟ وإذا رجعنا في العاجز إلى من يختصّ بصفة معها يتعذّر الفعل عليه فدعوى الضرورة فيه أيضا لا يمكن. وإذا رجعنا به إلى زوال كونه قادرا فالنفي يتفرّع عن الإثبات (ق ، ت ٢ ، ٦٤ ، ٢٠)

عادات

ـ اعلم أنّ العادات لا معتبر بها عند ابتداء خلق من العادة عادة له وفيه. ولا يعتبر أيضا ذلك في حال زوال التكليف ؛ لأنّ في هذين الطريقين المقصد ، بما يفعل ، نقض العادة. فيصير نقض العادة فيهما كالعادة. ولا يجوز اعتبار العادة ونقضها في حال لا فرق فيها بين الأمرين ؛ وإنّما يعتبر ذلك في حال يتميّز فيها أحدهما من الآخر (ق ، غ ١٥ ، ١٨٢ ، ٩)

عادة

ـ فرق ما بين الطبع الأوّل وبين الاكتساب والعادة التي تصير طبعا ثانيا (ج ، ر ، ٧ ، ١٠)

ـ أمّا إن كانوا يدخلون في هذه الجملة ما يحدث من السكر عند الشرب ، فذلك مما طريقه طريق

العادة. والله جلّ وعزّ يفعله من دون أن يكون هناك أمر موجب ، لأنّ الشرب لو أوجب السكر لأوجبه وإن شرب الماء ، وكان يجب أن يكون القدح الأخير هو الموجب للسكر والجرعة الأخيرة موجبة لذلك ، وهذا يوجب أنّه لو انفرد لا سكر وكل هذا باطل. فثبت أنّ ذلك خارج عن باب الأسباب والطباع وأنّ طريقه طريق العادة ، هذا كلّه إذا كانوا يشيرون بالطبع إلى ما يوجب إيجاب الأسباب. فإن كان تأثيره تأثير العلل الموجبة فالأمر في بطلانه واضح لأنّا نسلك في ذلك أحد طريقين. إمّا أن نخرجه عن كونه معقولا لأنّ الضرورة لا تؤدّي إليه ولا حكم له يستدلّ به عليه ، فيجب أن لا يصحّ إثباته واعتقاده. وإمّا أن نتكلّم على تسليم ذلك فنقول : إذا لم يصحّ كونه معدوما لانقطاع التأثير والإيجاب عند العدم فلا بدّ من كونه موجودا. ثم ينقسم ذلك إلى الحدوث والقدم. فلو كان قديما وهو موجب لأوجب وجود هذه الحوادث فيما لم يزل وهذا يعيدها إلى القدم. ولو كان محدثا لكان إمّا أن يستغني عن شيء سواه فيوجب غنى هذه الأجسام عن الطبع ، أو يحتاج إلى أمر سواه وذلك الأمر إن صحّ أن يكون بالفاعل فهلّا حدثت هذه الأجسام بالفاعل وإن كان لطبع آخر أوجب وجوده لطبع آخر؟ ثم يؤدّي إلى ما لا غاية له (ق ، ت ١ ، ٩٢ ، ٢٥)

ـ إنّ انتزاع العادة يشتدّ إلّا أنّه ممكن غير ممتنع بخلاف إزالة الطبيعة التي لا سبيل إليها ، وربما وضعت العرب لفظة العادة مكان لفظة الطبيعة كما قال حميد بن ثور الهلالي : سلي الربع أن يممت يا أم سالم : وهل عادة للربع أن يتكلّما (ح ، ف ٥ ، ١٦ ، ١٢)

ـ قال الأشعريّ : إنّ الله يخلق العلم بعد النظر على سبيل إجراء العادة ، وليس بممتنع أن لا يخلقه بعده. وقال المعتزليّ : إنّه يحصل من الناظر بتوسّط النظر على سبيل التّوليد فهو متولّد واجب وقوعه بعد النظر وقوع المعلول بعد العلّة التّامة (ط ، م ، ٦٠ ، ١٩)

عادل

ـ قال (واصل) إنّ الباري تعالى حكيم عادل ، لا يجوز أن يضاف إليه شرّ ولا ظلم. ولا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر. ويحتّم عليهم شيئا ثم يجازيهم عليه. فالعبد هو الفاعل للخير والشرّ ، والإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية. وهو المجازى على فعله والربّ تعالى أقدره على ذلك كله (ش ، م ١ ، ٤٧ ، ٣)

عارف

ـ أمّا الوصف له تعالى بأنّه عارف بمعنى عالم فصحيح ، لأنّ معنى الصفتين في اللغة واحد ، ولذلك يطردان في الاستعمال على حدّ واحد. فيجب أن يستحقّ ، جلّ وعزّ ، هذه الصفة فيما لم يزل وفيّا لا يزال على الوجه الذي يوصف بأنّه عالم (ق ، غ ٥ ، ٢٢١ ، ١٥)

عاص

ـ من فضائح ثمامة أيضا أنّه كان يقول في دار الإسلام : إنّها دار شرك ، وكان يحرّم السّبي ، لأنّ المسبيّ عنده ما عصى ربه إذا لم يعرفه ، وإنّما العاصي عنده من عرف ربه بالضرورة ثم جحده أو عصاه (ب ، ف ، ١٧٣ ، ١٠)

عاقدون

ـ أمّا صفة العاقدين فأن يكونوا من أهل الستر والدين ومن يوثق بنصيحة وسعيه في

المصالح ، وأن يكونوا ممن يعرف الفرق بين من يصلح للإمامة ، وبين من لا يصلح لها ، وأن يكون عالما لحمل الدين حتى يصحّ أن يعرف ذلك. فمتى كانت هذه صفتهم ، وكانوا من أهل الرأي والفضل ، وبلغ عددهم ستّة ، فعقد أحدهم برضا الباقين جميعهم ، فقد صحّت الإمامة إذا وقع القبول على ما قدّمناه (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥٢ ، ١٢)

عاقل

ـ إنّ العاقل يمكنه أن يعرف حسن النظر ، ويميّزه من غيره ، ويعرف في الجملة أنّ ما يجب وجوده عند وجود النظر لا يكون إلّا حسنا عند التأمّل ، فيصحّ ما يبتدئه من الاعتقادات. فإذا ثبت ذلك ، فارق حاله ، في هذين الأمرين ، حال من لا عقل له. لأن من هذه حاله ، لا يصحّ منه أن يعرف الفعل على وجه يقتضيه التكليف. لأنّه إنّما يصحّ أن يعرف حسن الفعل أو وجوبه إذا كان من كامل العقل ؛ فأمّا ، مع فقد علمه ، فلذلك ممتنع فيه. فلذلك فصلنا بين من لا عقل له ، وبين العاقل في تكليف النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٩٧ ، ١٤)

ـ أمّا العاقل إذا تمكّن من معرفة الشيء ، فإنّه يلام على فعله وعلى جهله جميعا ، فيستحقّ اللوم من وجهين. ويفارق ذلك حال من لا يقدر ، لأنّه لا يمكنه أن يعذر نفسه ، فيكون فقد قدرته عذرا واضحا في أن لم يفعل. وليس ، كذلك ، حال فقد العلم ، إذا أمكنه أن يحصّله فيعرف ما له وعليه في ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣١٣ ، ٣)

ـ ليس كل ما يقدر عليه العاقل يجوز أن لا يفعله على كل حال ، بل فيه ما لا يجوز أن لا يفعله إذا كان على صفة ؛ فإن كان لو لم يكن عليها ، لجاز أن لا يفعله. وهذا كالملجإ الذي مع ثبات الإلجاء لا بدّ من أن يكون فاعلا ، ومع زواله قد يجوز أن لا يفعل. فإذا صحّ ذلك ، فالعاقل إذا تقرّر في عقله وجوب كل نظر يخاف من تركه ويؤمّل زوال الضرر بفعله ، ثم ورد عليه دعاء الداعي فخوّفه من ترك نظر بعينه ونبّهه على وجوه الخوف وعرّفه الأمارات القائمة في عقله في هذا الوجه ، فلا بدّ حينئذ من أن يفعل العلم بوجوب هذا النظر ، وإن كان على بعض الوجوه قد يجوز أن لا يفعله بأن تتغيّر حالته هذه. فإذا صحّت هذه الجملة ، لم يلزم في العاقل أن يزول التكليف عنه ، والحال هذه ، بل لا بدّ من أن يحصل فيه هذا العلم فتتكامل بحصوله شرائط التكليف ويلزمه النظر عند ذلك لعلمه بوجوبه (ق ، غ ١٢ ، ٣٧٧ ، ١٣)

ـ إنّ العاقل يتمكّن من معرفة القبيح الذي يقبح عقلا ، ومن معرفة ما يجب من جهة العقل. وإنّما يجب هذا ويقبح ذلك ، لصفة تخصّهما ؛ فقد يصحّ منه أن يقوم بالواجب منهما ، ويتجنّب القبيح على الوجه الذي يلزم ويجب من دون المعرفة. وبيّنا مفارقة ذلك للشرعيّات (ق ، غ ١٢ ، ٥١٦ ، ١٢)

ـ إنّ العاقل إذا كان هناك أمارة صحيحة لا بدّ أن يفعلها لأنّ كمال عقله يقتضي ذلك ، حتى إنّه لو لم يفعل ذلك مثلا لم يكن مكلّفا بالنظر ، وإن كان كامل العقل حتى إنّ الله تعالى لو أراد تكليفه والحال هذه لما حسن تكليفه والحال هذه. وأما إذا تغيّرت الأمارة ولم تكن قويّة فإنّه يجوز أن يخرج عن الخوف ، ولا يقدح ذلك في شيء من كمال عقله (ن ، د ، ٥٠٥ ، ٨)

ـ ممّا تمسّكوا به في مدارك العقول ، إن قالوا (المعتزلة) : العاقل يميّز بين مقدوره ، وبين ما

ليس بمقدوره ؛ ويدرك تفرقة بين حركاته الإرادية ، وألوانه التي لا اقتدار له عليها ، ووجه الفصل بين القبيلين أنّه يصادف مقدوره واقعا به على حسب قصوده ودواعيه ، ولا يقع منه ما لا يقع على حسب انكفافه وانصرافه. فإذا صادف الشيء واقعا على حسب المقصود والداعية ، لم يسترب في وقوعه به ، ثم لا يقع به إلّا الحدوث ، فليكن العبد محدثا لفعله. ولو كان فعله غير واقع به ، لكان بمثابة لونه وسائر صفاته الخارجة عن مقدوراته (ج ، ش ، ١٨٢ ، ١٠)

عاقل ذاهل

ـ ربّ فعل يقع على حسب القصد ، وربما لا يقع على حسبه ، فإنّ أفعال العاقل الذاهل غير واقعه على حسب قصده ودواعيه ، وكذلك كل ما يصدر من النائم والمغمى عليه من الأفعال. فإذا لم يطرد ما قالوه في جميع الأفعال ، فوقوع بعضها على حسب الداعية لا يدلّ على كونه واقعا بالعبد من فعله. فإنّه قد يقع الشبع عند الأكل ، والريّ عند الشرب ، واكتساب الثوب ألوانا مقصودة عند الصبغ ، وفهم المخاطب عند الإفهام وخجله ووجله عند التخصيل والتهويل ؛ فهذه الأفعال ، مع وقوعها على حسب المقصود ، ليست أفعالا لذي الدواعي والقصود (ج ، ش ، ١٨٣ ، ٢)

عالم

ـ المعتزلة تجعل العالم بالله وبالأجسام من غير أن كان ذلك من الله ، من الاجتماع والتفرّق والحركة والسكون وجميع المتولّدات مما عن الخلق مفصولا أو بائنا ، وكذلك جميع العالم عند المجوس من الخير والشر ، بل المجوس ينسبون كثيرا من الجواهر إلى إبليس ، لا تقدر المعتزلة على نسبة شيء من ذلك إلى الله في الحقيقة (م ، ح ، ٣١٥ ، ٦)

ـ معنى العالم عنده (الأشعري) جملة المخلوقات جواهرها وأعراضها. وأنكر على الجبّائي قوله إنّ العالم اسم للجماعة (أ ، م ، ٣٧ ، ٦)

ـ العالم عند أصحابنا كل شيء هو غير الله عزوجل. والعالم نوعان : جواهر وأعراض (ب ، أ ، ٣٣ ، ١٣)

ـ زعم بعض أهل اللغة أنّ العالم كل ما له علم وحسّ ولم يجعل الجمادات من العالم. وقال آخرون أنّه مأخوذ من العلم الذي هو العلامة وهذا أصحّ لأنّ كل ما في العالم علامة ودلالة دالّة على صانعه (ب ، أ ، ٣٤ ، ١)

ـ إنّ العالم كلّه ما دون الله تعالى ، وهو كلّه مخلوق لله تعالى أجسامه وأعراضه كلّها لا نحاشى شيئا منها ، ثم إذا نظر الناظر في تقسيم أنواع أعراضه وأنواع أجسامه جرت القسمة جريا مستويا في تفصيل أجناسه وأنواعه بحدودها المميّزة لها ، وفصولها المفرّقة بينها على رتبة واحدة وهيئة واحدة ، إلى أن يبلغ إلى الأشخاص التي تلي أنواع الأنواع ، لا تفاوت في شيء من ذلك البتّة بوجه من الوجوه ، ولا تخالف في شيء منه أصلا (ح ، ف ٣ ، ٦٨ ، ٦)

ـ العالم كله جوهر حامل ، وعرض محمول ، ولا مزيد ، والجوهر أجناس وأنواع ، والعرض أجناس وأنواع ، والأجناس محصورة ببراهين قد ذكرناها في كتاب التقريب عمدتها أنّ الأجناس أقلّ عددا من الأنواع المنقسمة تحتها بلا شكّ ، والأنواع أكثر عددا من الأجناس إذ لا بدّ من أن يكون تحت كل جنس نوعان أو

أكثر من نوعين ، والكثرة والقلّة لا يقعان ضرورة إلّا في ذي نهاية من مبدأه ومنتهاه ، لأنّ ما لا نهاية له فلا يمكن أن يكون شيء أكثر منه ولا أقلّ منه ، ولا مساويا له لأنّ هذا يوجب النهاية ولا بدّ ، فالعالم إذا ذو نهاية لأنّه ليس شيئا غير الأجناس والأنواع التي للجواهر والأعراض فقط (ح ، ف ٣ ، ٩٠ ، ٧)

ـ العالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى وصفة ذاته. ثم العالم جواهر وأعراض (ج ، ش ، ٣٩ ، ٥)

ـ حكى ابن الراوندي عنه (ثمامة) أنّه قال : العالم فعل الله تعالى بطباعه (ش ، م ١ ، ٧١ ، ١٧)

عالم

ـ على العبد" أن" يعلم أنّه لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم الكريم الحليم ، وأنّ الله ، جل ثناؤه عالم بما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون ، وأنّه أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا ، وأنّه لم يجبر أحدا على معصية ، ولم يحل بين أحد وبين الطاعة ، فالعباد عاملون ، والله ، جل ثناؤه ، العالم بأعمالهم والحافظ لأفعالهم ، والمحصي لأسرارهم وآثارهم ، وهو بما يعملون خبير (ر ، ك ، ١٤٠ ، ٢٠)

ـ إنّه لمّا فسد أن يكون القديم جلّ ثناؤه عالما بعلم محدث لما بيّنا ، وفسد أيضا أن يكون عالما بعلم قديم لفساد قدم الاثنين ، صحّ وثبت أنّه لم يزل عالما بالأمور دقيقها وجليلها على ما هي عليه من حقائقها لنفسه لا بعلم سواه (خ ، ن ، ٨٣ ، ٦)

ـ إنّ الله جلّ ذكره لم يزل عالما بكل ما يكون من أفعاله وأفعال خلقه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وأنّ إرساله الرسل واحتجاجه على خلقه وتعريضهم للمحنة صواب في التدبير حسن جميل لا يقدر من أنصف من نفسه وترك الميل إلى هواه أن يدفعنا عنه (خ ، ن ، ٨٧ ، ٦)

ـ القول في أنّ الله عزوجل عالم قادر. اختلفت الناس في ذلك فأنكر كثير من الروافض وغيرهم أن يكون البارئ لم يزل عالما قادرا ، وأجمعت المعتزلة على أنّ الله لم يزل عالما قادرا حيّا (ش ، ق ، ١٥٧ ، ١٤)

ـ قال قائلون منهم" ابن الراوندي" أنّ الله سبحانه لم يزل عالما بالأشياء على معنى أنّه لم يزل عالما أن ستكون أشياء ، وكذلك القول عنده في الأجسام والجواهر المخلوقات أن الله لم يزل عالما بأن ستكون الأجسام والجواهر المخلوقات (ش ، ق ، ١٥٩ ، ١٤)

ـ قال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٤ ، ١٤)

ـ قال" أبو الهذيل" : هو عالم بعلم هو هو وهو قادر بقدرة هي هو وهو حيّ بحياة هي هو ، وكذلك قال في سمعه وبصره وقدمه وعزّته وعظمته وجلاله وكبريائه وفي سائر صفاته لذاته ، وكان يقول : إذا قلت أنّ الله عالم ثبّتّ له علما هو الله ونفيت عن الله جهلا ودللت على معلوم كان أو يكون ، وإذا قلت قادر نفيت عن

الله عجزا وأثبتّ له قدرة هي الله سبحانه ودللت على مقدور ، وإذا قلت لله حياة أثبت [له] حياة وهي الله ونفيت عن الله موتا (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٥)

ـ قال" عبّاد" : هو عالم قادر حيّ ولا أثبت له علما ولا قدرة ولا حياة ولا أثبت سمعا ولا أثبت بصرا وأقول : هو عالم لا بعلم وقادر لا بقدرة حيّ لا بحياة وسميع لا بسمع وكذلك سائر ما يسمّى به من الأسماء التي يسمّى بها لا لفعله ولا لفعل غيره (ش ، ق ، ١٦٥ ، ١٤)

ـ قال" ضرار" : معنى أن الله عالم أنه ليس بجاهل ومعنى أنّه قادر [أنه] ليس بعاجز ومعنى أنّه حيّ أنّه ليس بميّت (ش ، ق ، ١٦٦ ، ١٤)

ـ قال" النظّام" : معنى قولي عالم إثبات ذاته ونفي الجهل عنه ، ومعنى قولي قادر إثبات ذاته ونفي العجز عنه ، ومعنى قولي حيّ إثبات ذاته ونفي الموت عنه ، وكذلك قوله في سائر صفات الذات على هذا الترتيب (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١)

ـ قال آخرون من المعتزلة : إنّما اختلفت الأسماء والصفات لاختلاف الفوائد التي تقع عندها وذلك إنّا إذا قلنا أنّ الله عالم أفدناك علما به وبأنّه خلاف ما لا يجوز أن يعلم وأفدناك اكذاب من زعم أنّه جاهل ودللنا [ك] على أنّ له معلومات ، هذا معنى قولنا أنّ الله عالم (ش ، ق ، ١٦٧ ، ١٣)

ـ حكي عن" معمّر" أنّه كان يقول أنّ البارئ عالم بعلم وأنّ علمه كان علما له لمعنى ، والمعنى كان لمعنى لا إلى غاية ، وكذلك كان قوله في سائر الصفات (ش ، ق ، ١٦٨ ، ٩)

ـ قال قائلون من البغداديين : ليس معنى أنّ البارئ عالم معنى قادر ولا معنى حيّ ، ولكن معنى أنّ البارئ حيّ معنى أنّه قادر ، ومعنى أنّه سميع معنى أنّه عالم بالمسموعات ، ومعنى أنّه بصير [معنى أنّه] عالم بالمبصرات ، وليس معنى قديم عند هؤلاء معنى حيّ ولا معنى عالم قادر ، وكذلك ليس معنى القول في البارئ أنّه قديم معنى أنّه عالم ولا معنى أنّه حيّ قادر (ش ، ق ، ١٦٨ ، ١٣)

ـ كان (عبد الله بن كلّاب) يقول : معنى أنّ الله عالم أنّ له علما (ش ، ق ، ١٦٩ ، ١٠)

ـ اختلفت المعتزلة هل يقال لله علم وقدرة أم لا وهم أربع فرق : فالفرقة الأولى منهم يزعمون أنّا نقول للبارئ علما ونرجع إلى إنّه عالم ونقول له قدرة ونرجع إلى أنّه قادر لأنّ الله سبحانه أطلق العلم فقال : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وأطلق القدرة فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) (فصلت : ١٥) ، ولم يطلقوا هذا في شيء من صفات الذات ولم يقولوا حياة بمعنى حيّ ولا سميع بمعنى سميع وإنما أطلقوا ذلك في العلم والقدرة من صفات الذات فقط ، والقائل بهذا" النظّام" وأكثر معتزلة البصريين وأكثر معتزلة البغداديين. والفرقة الثانية منهم يقولون : لله علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور وذلك أنّ الله قال : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) (البقرة : ٢٥٥) أراد : من معلومه ، والمسلمون إذا رأوا المطر قالوا : هذه قدرة الله أي مقدوره ، ولم يقولوا ذلك في شيء من صفات الذات إلّا في العلم والقدرة. والفرقة الثالثة منهم يزعمون أن لله علما هو هو وقدرة هي هو وحياة هي هو وسمعا هو هو ، وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذا القول" أبو الهذيل" وأصحابه. والفرقة الرابعة منهم

يزعمون أنّه لا يقال لله علم ولا يقال قدرة ولا يقال سمع ولا بصر ولا يقال لا علم له ولا [لا] قدرة له وكذلك قالوا في سائر صفات الذات ، والقائل بهذه المقالة" العبّادية" أصحاب" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ١٨٧ ، ١٥)

ـ قالت" السكّاكية" إنّ الله عالم في نفسه وأنّ الوصف له بالعلم من صفات ذاته ، غير أنّه لا يوصف بأنّه عالم حتى يكون الشيء ، فإذا كان قيل عالم به وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنّه عالم به ، لأنّ الشيء ليس وليس يصحّ العلم بما ليس (ش ، ق ، ٢١٩ ، ٧)

ـ إنّ الله لم يزل عالما والعلم صفة له في ذاته ولا يوصف بأنّه عالم بالشيء حتى يكون ، كما أنّ الإنسان موصوف بالبصر والسمع ولا يقال أنّه بصير بالشيء حتى يلاقيه ، ولا سميع له حتى يرد على سمعه كما يقال : الإنسان عاقل ولا يقال : عقل الشيء ما لم يرد عليه (ش ، ق ، ٢١٩ ، ١٢)

ـ قال قائلون : لا يعلم الشيء حتى يحدث الإرادة ، فإن أحدث الإرادة لأن يكون كان عالما بأنّه يكون ، وإن أحدث الإرادة لأن لا يكون كان عالما بأنّه لا يكون ، وإن لم يحدث إرادة لأن يكون ولا إرادة لأن لا يكون لم يكن عالما بأنّه يكون ولا عالما بأنّه لا يكون (ش ، ق ، ٢٢٠ ، ٦)

ـ إن قال قائل لم قلتم أنّ الله تعالى عالم ، قيل له لأنّ الأفعال المحكمة لا تتّسق في الحكمة إلّا من عالم وذلك أنّه لا يجوز أن يحوك الديباج بالنقاوير ويصنع دقائق الصناعة من لا يحسن ذلك ولا يعلمه (ش ، ل ، ١٠ ، ١٠)

ـ إن معنى العالم عندي أنّ له علما ، ومن لم يعلم لزيد علما لم يعلمه عالما (ش ، ل ، ١٢ ، ١٧)

ـ إنّ العالم من لا تتعذّر عليه الأفعال المحكمة المتقنة. ألا ترى أنا إذا لم نكن عالمين بالكتابة تعذّر علينا أن نكتب كتابا منتظما متسقا ، فلمّا كانت أفعاله ـ تعالى ـ في نهاية الإتقان ، وغاية الانتظام ، دلّت على أنّه عالم (ع ، أ ، ١٢ ، ١٩)

ـ إنّ الأفعال المحكمات لا تقع منّا على ترتيب ونظام كالصياغة والتجارة والكتابة والنساجة إلا من عالم ؛ وأفعال الله أدقّ وأحكم ، فكانت أولى بأن تدلّ على أنّه حيّ عالم (ب ، ت ، ٤٧ ، ١٢)

ـ إنّ العالم محدث ، وأنّه لا ينفك علويّة وسفليّة من أن يكون جسما مؤلفا ، أو جوهرا منفردا ، أو عرضا محمولا. وهو محدث بأسره. وطريق العلم بحدوث أجسامه وحدوث أعراضه (ب ، ن ، ١٧ ، ٦)

ـ يدل على أنّه عالم (الله) : صدور الأفعال الحكيمة المتقنة الواقعة على أحسن ترتيب ونظام وإحكام وإتقان ، وذلك لا يحصل إلّا من عالم بها (ب ، ن ، ٣٦ ، ٣)

ـ ثم ينظر في صحة الفعل منه (الله) على وجه الأحكام والاتساق ، فيحصل له العلم بكونه عالما ، ثم ينظر في كونه قادرا أو عالما ، فيحصل له العلم بكونه حيّا (ق ، ش ، ٦٥ ، ١١)

ـ الكلام في أنّ الله تعالى عالم. وتحرير الدلالة على ذلك ، هو أنّه قد صحّ منه الفعل المحكم ، وصحّة الفعل المحكم دلالة كونه عالما. فإن قيل : وما المحكم من الأفعال؟ قلنا : كل فعل واقع من فاعل على وجه لا يتأتى من سائر القادرين ، وفي الأكثر إنّما يظهر ذلك في التأليف ، بأن يقع بعض الأفعال إثر بعض.

وهذه الدلالة مبنيّة على أصلين : أحدهما ، أنّه تعالى قد صحّ منه الفعل المحكم. والثاني ، أنّ صحّة الفعل المحكم دلالة كونه عالما (ق ، ش ، ١٥٦ ، ١٠)

ـ إنّ القادر له تعلّق بالمقدور ، والعالم له تعلّق بالمعلوم ، والعدم يحيل التعلّق (ق ، ش ، ١٧٧ ، ١٦)

ـ الفرق بين العالم الذي يعمل بعلمه وبين العالم الذي لا يعمل بعلمه ، وتحصيل ذلك أنّهما من حيث هما عالمان قد سكنت نفسهما إلى ما اعتقداه لا يختلفان ، ومن حيث أتى كل واحد منهما بالعلم على الحدّ الذي وجب عليه لا يفترقان أيضا. وإنّما تختلف حالهما في وجوه ثلاثة. أحدها ما يثبت للعالم العامل من ثواب على هذا العمل وذلك مفقود في صاحبه. والثاني أن عمله بعلمه يصير سببا لانشراح صدره ولزيادة خواطر ترد عليه تفتح له من العلم أبوابا ، ويجري ذلك مجرى الألطاف الزائدة التي إنّما يفعلها الله تعالى بالمهتدين على ما قال (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) (محمد : ١٧) ويصير ذلك كالمستحقّ بهذا العمل ، فلهذا لا يثبت للعالم الذي لا يعمل كما لا تثبت زيادات الهدى بغير المهتدى. والوجه الثالث ما يحصل من بركات علم العامل على من يأخذ عنه ويتعلّم منه ، فإنّ أثره أشدّ ظهورا وبركاته أظهر وفورا من البركات التي تثبت للعالم الذي جرّد العلم عن العمل ، لأنّ المتعلّم إذا رأى العالم يعمل بعلمه كان ذلك داعيا له إلى الخير ، ومتى رآه راغبا عن العمل صرفه ذلك عن العمل (ق ، ت ١ ، ٥ ، ٢١)

ـ اعلم أنّ إثباته تعالى عالما هو إثبات له على صفة لأجلها يصحّ منه الفعل المحكم. وهذا معقول في الشاهد على أحد طريقين. إمّا على وجه الجملة أو على وجه التفصيل على ما تقدّم قبل هذا الباب. وكذلك فحدّ هذه الصفة هو بحكمها لأنّه لا شيء أوضح من ذلك. والدلالة على إثبات هذه الصفة لا بدّ فيها من وقوعها على وجه مخصوص وهو ما نعتبره من الفعل المحكم وما يجري مجراه (ق ، ت ١ ، ١١٣ ، ٢)

ـ يوصف سبحانه بأنّه عالم. والمراد به عند شيخنا أبي هاشم أنّه مختصّ بحال لاختصاصه بها تتأتّى الأفعال المحكمة منه. ولذلك قلنا إنّ العالم منّا إنّما يوصف بأنّه عالم لصحّة الفعل المحكم منه إذا كان قادرا عليه ، لأنّه قد يكون عالما ولا يكون قادرا على ما علمه. وقد يعلم ما يستحيل أن يقدر عليه من فعل غيره ومن الماضي من أفعاله ونحو العلوم بالله تعالى ورسوله إلى ما شاكل ذلك. فلذلك قيّدناه بأن قلنا إنّ العالم من لا يتعذّر عليه الفعل المحكم إذا كان قادرا عليه ؛ لأنّ جميع ما ذكرناه من المعلومات معلوم من حاله أنّه لو كان العالم بها قادرا عليها لصحّ وجودها من جهته محكمة ؛ فكأنّا أردنا بذلك أنّ العالم هو الذي يصحّ منه فعل ما علمه إذا كان فعله يصحّ منه ، لأنّ صحّة إيجاده محكما ، لا يتبع صحة إيجاده ؛ فما لا يصح إيجاده منه يستحيل أن يقال يصح إيجاده منه محكما. وإنما ذكرنا الأفعال المحكمة وصحّتها منه في تحديد وصفنا للعالم بأنّه عالم لننبّه بذلك على ما يختصّ به من الحال من حيث كان صحّة الفعل المحكم في حكم الموجب عنه كما قلنا في تحديد وصفنا للقادر بأنّه قادر (ق ، غ ٥ ، ٢١٩ ، ٣)

ـ إنّ الساهي وإن جاز أن يفعل من غير قصد ، فالعالم ، لا يجوز أن يفعل ذلك إلّا وهو قاصد ، فصار تصرّفه يحتاج إلى كونه قاصدا متى كان بهذه الصفة (ق ، غ ٨ ، ١٤ ، ١٢)

ـ إنّه (الفاعل) وهو ساه لا يميّز بين الفعل الذي يقع منه ، وبين غيره ، فلا يصحّ وهذه حاله أن يكون قاصدا ، ويصحّ إذا كان عالما أن يقصد إليه ويفعله بحسب دواعيه (ق ، غ ٨ ، ١٥ ، ٢)

ـ إنّ العالم لا يجب ، لكونه عالما بالشيء ، أن يصحّ منه إيجاده ، أو إيجاده على وجه (ق ، غ ٨ ، ١٠٩ ، ٩)

ـ فيما ذكره شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهما‌الله ، من أنّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به ، إذا دفع على وجه ، وإن اختلفا في العبارة عن ذلك ، أن يكون هذا مقصدهما. لأنّهما قد بيّنا ، في غير موضع ، أنّ الحدّ يجب أن يتناول ما به يبيّن المحدود من غيره. لكنهما لما علما أنّ المقصد بالحدّ الكشف عن الغرض ، لم يمتنع عندهما في كثير من الحدود أن يكون الأولى فيه ذكر مقدّمات له. كما أنّه لا يمتنع في كثير منها أن يضم إليه غيره مما لو حذف لاستغنى عنه .... ولذلك قالا : إنّ حدّ العالم أن يصحّ الفعل المحكم منه ، إذا كان قادرا عليه مع السلامة. وقد علمنا أنّ كونه قادرا ، وما شاكله ، لا يحتاج إليه فيما به يبيّن العالم من غيره. لكن الذي جعلوه حدّا في العالم ، لما كان لا يمكن إلّا في القادر ، ذكروه (ق ، غ ١٢ ، ١٤ ، ٨)

ـ لا يمتنع أن يختصّ الواحد منّا ، إذا كان عالما بصفتين : إحداهما تجب عن جنس الاعتقاد ، والثانية تجب عنه لوقوعه على وجه. وتحصل للقديم ، تعالى ، هذه الصفة ، دون الأولى إذا دلّت الدلالة عليه (ق ، غ ١٢ ، ٢٩ ، ٢)

ـ الكلام موضوع للفائدة. ولا وجه لاختلاف العبارات مع اتّفاقها ؛ لأنّ الفروق إذا عقلت صحّت التفرقة بين العبارات. فأمّا إذا كان لا فرق البتّة فلا وجه في ذلك ، سيّما إذا لم يقترن بذلك ما يتّصل بدواعي التكليف. فإذا ثبت ذلك ، وعلمنا أنّ بين أن تسكن نفس المعتقد إلى معتقده ، وبين ألا تسكن نفسه إليه ، فرقا ، صحّ أن نصف الأول بأنّه عالم ، والثاني بأنّه معتقد وليس بعالم. ثم وجدنا من لم تسكن نفسه إلى ما اعتقد يكون معتقده على ما هو به ، وعلى ما ليس هو به ؛ والحكم في ذلك مختلف ، كما أنّ الحقيقة مختلفة. فوصفنا الأول بأنّه مقلّد أو مبخّت ، والثاني بأنّه جاهل ، ووصفنا المعاني بحسب ذلك (ق ، غ ١٥ ، ٣٢٧ ، ١٧)

ـ كونه عالما لا يمكن أن يعلم إلّا بعد أن يعلم كونه قادرا ، لأن الطريق في ذلك هو أن يقال : وجدنا جملتين صحّ من أحدهما الفعل على وجه الإحكام والاتساق دون الآخر ، مع تساويهما في كونهما قادرين ، فلا بدّ من أن يكون لأحدهما مزية على الآخر ، وذلك لا يكون إلّا بعد العلم بكونه قادرا (ن ، د ، ٤٦١ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ الذي يدلّ على أنّ الله تعالى عالم وجوه ثلاثة : أحدها وهو أنّه قد صحّت منه الأفعال المحكمة ، وصحّة الأفعال المحكمة تدلّ على كونه عالما (ن ، د ، ٤٩٣ ، ٤)

ـ إنّا وجدنا في الشاهد قادرين ، صحّ من أحدهما الفعل على وجه الإحكام والاتساق ، وتعذّر على الآخر ، مع تساويهما في سائر الصفات ، فيجب أن يكون من صحّ منه الفعل مفارقا لمن

تعذّر عليه بأمر من الأمور لو لا ذلك الأمر لم يكن بأن يصحّ منه ويتعذّر على غيره أولى من خلافه ؛ ومن اختصّ بذلك الأمر يوصف بأنّه عالم (ن ، د ، ٤٩٣ ، ١٧)

ـ كون أحدنا عالما ليس بأكثر من أن يكون معتقدا ساكن النفس (ن ، د ، ٤٩٤ ، ٥)

ـ إنّ كون أحدنا عالما لو كان أمرا زائدا على كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه لكان يجب في نفس العلم أن يكون أمرا زائدا على الاعتقاد الذي يقتضي سكون النفس كما ذهب إليه أبو الهذيل. وقد أبطلنا ذلك حيث تكلّمنا على شيخنا أبي الهذيل. فثبت بهذا أنّ المرجع بكونه عالما إنّما هو إلى كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه. فإذا كان هذا مدلول الدلالة وجب أن لا نعرف الحال كان شاهدا أو غائبا ، لأنّ ما كان من مدلول الدلالة لا يعرف في الشاهد والغائب ، فكان يجب على هذا أن يكون القديم تعالى حاصلا على مثل صفة الواحد منا في كونه معتقدا للشيء ساكن النفس إليه ، وإن لم يوصف بذلك (ن ، د ، ٤٩٤ ، ١١)

ـ إنّ كون الذات قادرا على الشيء لا يتعلّق به إلّا على وجه واحد ، وهو الإيجاد والإحداث. فإذا كان كذلك يجب أن لا يتعلّق في حالة الوجود ، لأنّ إيجاد الموجود محال. وليس كذلك. كونه عالما ، فإنّه يتعلّق بالشيء على ما هو ، ويستوي في ذلك الموجود والمعدوم. وإذا ثبت ذلك وثبت أنّه جهة للفعل فلا بدّ من أن يقارن كسائر الوجوه ، اعتبارا بالعلل (ن ، د ، ٥٠٧ ، ١٧)

ـ إن قيل : إنّ المؤثّر في وقوع الفعل محكما ما هو؟ والذي هو شرط ما هو؟ أتقولون إنّ كونه قادرا مؤثّر ، وكونه عالما شرط ، أو تقولون إنّ المؤثر كونه عالما وكونه قادرا شرط ، أو تقولون إنّهما جميعا مؤثران؟ قيل له : إن المؤثّر إنما هو كونه قادرا ، وكونه عالما شرط (ن ، د ، ٥٠٨ ، ٤)

ـ إنّ كونه (الله) قادرا أصل ، ولكن كونه عالما كما هو شرط في تصحيح كونه قادرا ، لوقوع الفعل على وجه الإحكام والاتساق ، فهو شرط أيضا في تأثير القادر الذي هو الوقوع والوجود ؛ فمن حيث أنّه شرط في تصحيح القادر لإيقاعه يجب أن يقارن كونه قادرا ، من حيث أنّه شرط في الفعل ، من حيث أنه كالجهة يجب أن تقارن (ن ، د ، ٥٠٨ ، ٩)

ـ الواحد منّا يعلم من نفسه أنّه عالم بكثير من الأشياء ، وذلك لأنّه يجد من نفسه أنّه معتقد ؛ ثم إذا رجع إلى نفسه يجد من كونه معتقدا أنّه ساكن النفس ، ثم يمكنه أن يعلم أنّه عالم بعلم لأنّه حصل ذلك بعد أن لم يكن ويعلم أنّ ذلك لا يكون من قبله ولا من قبل غيره من القادرين بالقدر. فإذا كان كذلك يمكن الاستدلال على أنّ الله تعالى بهذه الصفة على الوجه الذي بيّناه (ن ، د ، ٥١٠ ، ١٦)

ـ إنّ حقيقة العالم" من يختصّ بصفة لكونه عليها يصحّ منه إيقاع الفعل على وجه الإحكام والاتساق إذا كان قادرا عليه ولا منع" (ن ، د ، ٥٨٠ ، ٢٠)

ـ إن معنى قولنا (ضرار) " إنّ الله تعالى عالم ، حي" هو أنه ليس بجاهل ولا ميّت. وكذلك قياسه في سائر أوصاف الله تعالى من غير إثبات معنى أو فائدة سوى نفي الوصف بنقيض تلك الأوصاف عنه (ب ، ف ، ٢١٥ ، ٤)

ـ إنّ الله تعالى عالم بجميع المعلومات الموجودات والمعدومات (غ ، ق ، ٩٩ ، ٩)

ـ إنّ الباري تعالى عالم بعلم ، وعلمه ذاته. قادر بقدرة ، وقدرته ذاته. حي بحياة ، وحياته ذاته. وإنّما اقتبس (أبو الهذيل العلّاف) هذا الرأي من الفلاسفة الذين اعتقدوا أنّ ذاته واحدة لا كثرة فيها بوجه ، وإنّما الصفات ليست وراء الذات معاني قائمة بذاته ، بل هي ذاته ، وترجع إلى السلوب أو اللوازم (ش ، م ١ ، ٤٩ ، ١٧)

ـ لا معنى للعالم حقيقة إلّا أنّه ذو علم ، ولا للقادر إلّا أنّه ذو قدرة ، ولا للمريد إلّا أنّه ذو إرادة (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٤)

ـ قد دلّ الفعل بوقوعه على أنّ الفاعل قادر ، وباختصاصه ببعض الجائزات على أنّه مريد ، وبأحكامه على أنّه عالم ، وعلم بالضرورة أنّ القضايا مختلفة ، وورد في الشرع إطلاق العلم والقدرة والإرادة ولا مدلول سواء ما دلّ الفعل عليه ، أو ورد في الشرع إطلاقه (ش ، ن ، ١٠٧ ، ٩)

ـ الذي صحّح الفعل من الحي كونه قادرا ، هو علّة لصحّة الفعل ، والعلّة لا تختلف حكمها شاهدا وغائبا ، وكذلك صادفنا إحكاما واتقانا في الأفعال وسبرنا ما لأجله يصحّ الإحكام والإتقان من الفاعل ، فلم نجد إلّا كونه عالما ، وكذلك رأينا الاختصاص ببعض الجائزات دون البعض مع تساوي الكل في الجواز ، وسبرنا ما لأجله يصحّ الاختصاص فلم نجد إلّا كونه مريدا ، ثم لم يتصوّر وجود هذه الصفات إلّا وأن يكون الموصوف بها حيّا لأنّ الجماد لا يتصوّر منه أن يكون قادرا أو عالما ، فقلنا القادر حيّ ، وأيضا فإنّا لو لم نصفه بهذه الصفات لزمنا وصفه بأضدادها من العجز والجهل والموت ، وتلك نقائص مانعة من صحّة الفعل المحكم ، ويتعالى الصانع عن كل نقص (ش ، ن ، ١٧١ ، ٤)

ـ قلنا (الشهرستاني) : من المعلوم أنّ قولنا عالم يشعر بتبيّن المعلوم ، وقولنا ليس في مادة يشعر بنفي المادة عنه ، والمفهومان متغايران لفظا ومعنى ، فكيف يقال أحدهما هو الثاني بعينه (ش ، ن ، ٢١١ ، ٧)

ـ قالت المعتزلة على طريقتهم الباري تعالى عالم لذاته أزلا بما سيكون ، ونسبة ذاته أو وجه عالميّته إلى المعلوم الذي سيكون كنسبته إلى المعلوم الكائن الموجود ، والعالم منّا بما سيكون عالم على تقدير الوجود ، وبما هو كائن عالم على تحقيق الوجود ، فالمعلومات بعلم واحد جائز تقديرا أو تحقيقا ، وعندهم يجوز تقدير بقاء العلم ويجوز تعلّق العلم الواحد بمعلومين ولا استحالة فيه شاهدا وغائبا. ثم إنّ بعضهم يقول يرجع الاختلاف في الحالتين إلى التعلّق لا إلى المتعلّق بخلاف ما قال الأشعري أنّ الاختلاف يرجع إلى المتعلّق لا المتعلّق والتعلّق ، وقال بعضهم يرجع الاختلاف في الحالتين إلى حالتين (ش ، ن ، ٢٢٠ ، ١٩)

ـ نقول (الشهرستاني) قد قام الدليل على أنّ معنى المريد هو ذو الإرادة ، كما قام الدليل على أنّ معنى العالم هو ذو العلم (ش ، ن ، ٢٤٣ ، ٧)

ـ صانع العالم عالم ، لأنّ أفعاله محكمة متّقنة والمشاهدة تدلّ عليه ، وفاعل الفعل المحكم المتقن يجب أن يكون عالما وهو معلوم بالبديهية ، وأيضا إنّه فاعل بالاختيار (ف ، أ ، ٤٢ ، ٨)

ـ مذهب أهل الحق أنّ الباري ـ تعالى ـ عالم بعلم واحد قائم بذاته قديم أزليّ متعلّق بجميع المتعلّقات (م ، غ ، ٧٦ ، ٣)

ـ أمّا الجهميّة فقد ذهبوا إلى أنّه عالم بعلم ، قائم

لا في محل ، وهو مع ذلك متجدّد بتجدّد الحادثات ، متعدّد بتعدّد الكائنات (م ، غ ، ٧٦ ، ١٢)

ـ إنّ حجّة المتكلّمين على كونه عالما بكل شيء إنّما تتّضح بعد إثبات حدوث العالم ، وأنّه فعله بالاختيار ، فحينئذ لا بدّ من كونه عالما لأنّه لو لم يكن عالما بشيء أصلا لما صحّ أن يحدث العالم على طريق الاختيار (أ ، ش ١ ، ٢٩٣ ، ٢٠)

ـ عالم (الله) ، خلافا لقدماء الفلاسفة. لنا : أفعاله محكمة حسّا ، والكبرى بديهيّة. ـ قيل : الواسطة. ـ قلنا : بطلت. قيل : تعنون بالمحكم إمّا المطابق للمنفعة أو المستحسن ، وليس من كلّ الوجوه للشرور المشاهدة ولإمكان وجود الأكمل ومن بعضها لا يدلّ لأحكام فعل الساهي وإلّا فاذكروه. قلنا : الترتيب العجيب والتأليف اللطيف. ـ قيل : لا يدلّ على العلم ، كالجاهل والنحلة. ـ قلنا : البديهة تفرّق ؛ والنحلة تعلم بعلمها فقط. ـ قيل : معارض بوجهين : أ : إنّه نسبة بينه وبين المعلوم وغير ذاته لا محالة ، فالواحد فاعل وقابل ، ونسبة القبول الإمكان والفعل الوجوب. ـ قلنا : الإمكان العامّ ولا ينافي. ولقائل أن يقول : هو هنا بمعنى لا يجب فينافي. ب : إنّه ليس صفة نقص ولا كمال ، وإلّا فيستكمل. ـ قلنا : خطابيّ وكونه كمالا بديهيّ. ولقائل أن يجيب : بأنّ كمال العلم مستفاد منه فلا استكمل (خ ، ل ، ٩٨ ، ٤)

عالم بحاله

ـ إنّ العالم بحاله لا يخلو من أمرين : إمّا أن يكون نافيا أو حادثا ، حالا بعد حال. فإن كان نافيا ، فيجب أن يكون سبب الجهل ، متى وجد ، أن يوجد الجهل وينتفي العلم ، لأنّ النافي من الضدّ لا يمنع حدوث ما يحدث من ضدّه ، بل يجب أن يحدث الجهل وينفي العلم. وإن كان العلم مما يحدث حالا بعد حال ، فيجب ، متى وجد سبب ضدّه ، أن يكون بالوجود أولى. لأنّ وجوده واجب عند وجود سببه ، فهو أقوى في باب الوجود مما يختاره على جهة الابتداء (ق ، غ ١٢ ، ١١٠ ، ٣)

عالم بعلم

ـ مما يدل على أن الله تعالى عالم بعلم أنّه لا يخلو أن يكون الله عالما بنفسه أو بعلم يستحيل أن يكون هو نفسه. فإن كان عالما بنفسه كانت نفسه علما لأنّ قائلا لو قال إنّ الله تعالى عالم بمعنى هو غيره لوجب عليه أن يكون ذلك المعنى علما ، ويستحيل أن يكون العلم عالما أو العالم علما أو يكون الله تعالى بمعنى الصفات. ألا ترى أن الطريق الذي (به) يعلم أنّ العلم علم ، أنّ العالم به علم لأنّ قدرة الإنسان التي لا يعلم بها لا يجوز أن تكون علما ، فلمّا استحال أن يكون الباري تعالى علما استحال أن يكون عالما لنفسه ، فإذا استحال ذلك صحّ أنّه عالم بعلم يستحيل أن يكون هو نفسه (ش ، ل ، ١٤ ، ٤)

عالم بنفسه

ـ إنّ أبا الهذيل لما صحّ عنده أنّ الله عالم في الحقيقة وفسد عنده أن يكون عالما بعلم قديم على ما قالته النابتة ، وفسد عنده أن يكون عالما بعلم محدث على ما قالته الرافضة ، صحّ عنده أنه عالم بنفسه. ثم وجد القرآن قد نطق بأنّ له

علما فقال (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦). هذا معناه (خ ، ن ، ٥٩ ، ٢٠)

عالم عالم

ـ لو جاز لزاعم أن يزعم أنّ الفعل الحكمي يدل على أن العالم عالم ثم يعلم علمه بعد ذلك ، لجاز لزاعم أن يزعم أن الفعل الحكمي يدل على أنّ العلم علم ثم يعلم أنّه لعالم بعد ذلك ، وإذا لم يجز هذا وتكافأ القولان وجب أن تكون الدلالة على أن العالم عالم دلالة على العلم (ش ، ل ، ١٣ ، ٦)

عالم لذاته

ـ قد ذكرنا أنّه تعالى عالم لذاته ، ومن حق العالم لذاته أن يعلم جميع المعلومات على الوجوه التي يصحّ أن تعلم عليها ، ومن الوجوه التي يصحّ أن يعلم المعلوم عليه قبح القبائح ، فيجب أن يكون القديم تعالى عالما به (ق ، ش ، ٣٠٢ ، ٦)

ـ أمّا في صفات الباري تعالى فقال الجبّائي : الباري تعالى عالم لذاته ، قادر حيّ لذاته ، ومعنى قوله : لذاته أي لا يقتضي كونه عالما صفة هي علم ، أو حال توجب كونه علما (ش ، م ١ ، ٨٢ ، ١)

ـ عند أبي هاشم : هو عالم لذاته (الله) ، بمعنى أنّه ذو حالة هي صفة معلومة وراء كونه ذاتا موجودا ، وإنّما تعلم الصفة على الذات لا بانفرادها ، فأثبت أحوالا هي صفات لا موجودة ولا معدومة ، ولا معلومة ولا مجهولة ، أي هي على حيالها لا تعرف كذلك بل مع الذات (ش ، م ١ ، ٨٢ ، ٤)

عالم لم يزل وفيما لا يزال

ـ أمّا الفاعل فتأثيره هو في إحداث معنى ، وقد أبطلنا أن يحدث العلم من غيره تعالى لو صحّ كونه تعالى عالما بعلم محدث. وعلى أنّ ذات القديم تعالى محال أن تكون مقدورة لقادر يتصرّف في تحصيله على وجه دون وجه. وإنّما يصحّ ذلك في الذوات التي هي أفعال. فدلّت هذه الجملة على أنّ كونه تعالى عالما ثابت فيما لم يزل. ثم إذا صحّ لنا استحقاقه هذه الصفة للنفس عرفنا بعلم آخر أنّه عالم في هذه الحال أيضا خلافا لما ذهب إليه" أبو هاشم" أنّه إذا عرف عالما من قبل ، ثمّ عرف أنّ التغيّر لا يجوز عليه عرفناه عالما الآن بالعلم الأوّل ، على طريقته في علم الجملة فالتفصيل ، والصحيح ما قلناه. فنعرف أنّ الوجه الذي لأجله استحقّ هذه الصفة حاله مع الأوقات كلّها على سواء ، فيجب أن يكون عالما لم يزل وفيما لا يزال أيضا (ق ، ت ١ ، ١١٩ ، ٤)

عالم لنفسه

ـ كل فعل يحسن منّا لغلبة الظنّ فإنّه لا يتأتّى فيه تعالى ؛ لأنّه عالم لنفسه بجميع الأمور ؛ فلا يصحّ عليه الظنون البتّة ، فلذلك فارق حاله حالنا (ق ، غ ١١ ، ٨٩ ، ١٧)

عالمية

ـ مثبتو الحال القائلون بأنّ العالميّة صفة ، لا يقولون إنّ العلم صفة ، بل يقولون : العالميّة معلّلة بالعلم ، والعلم معنى. فلا يزيدون على صفة واحدة من باب العلم ، وكذلك في سائر الصفات (ط ، م ، ٣١٤ ، ١٢)

ـ نفس الإيجاد لا يقتضي علم الموجد بالموجد ،

وإلّا لكان له أن يدفع قول القائلين بأنّ النار محرقة والشمس مضيئة ، فعدم علمهما بأثريهما. وتجويز الإيجاد من غير العالم لا يبطل إثبات عالميّة الله تعالى ؛ لأنّ مثبتي العالميّة لا يستدلّون بالإيجاد على العالميّة ، بل إنّما يستدلّون بإحكام الفعل واتقانه على العالميّة (ط ، م ، ٣٢٧ ، ٤).

ـ له (الله) علم وقدرة وحياة ، خلافا للمعتزلة والفلاسفة ، ويوجب العالميّة والقادريّة والحييّة ، عند مثبتي الحال منّا ؛ وهي نفسها عند نفاتها لأنّ الثالث لا دليل عليه. أبو علي الزائد ثابت معلوم ، وأبو هاشم حال لا نعلم ولا يسمّيانه إلّا علميّة (خ ، ل ، ١٠٤ ، ١٦)

ـ صحّة الفعل دليل كونه قادرا ، وصحّة الإحكام دليل العالميّة ، وهما دليل كونه قادرا ، حيّا. وتعلّق الفعل به دليل وجوده ، إذ لا تأثير لمعدوم كالإرادة. ثم لو كان محدثا لاحتاج إلى محدث ، فيتسلسل. فلزم قدمه (م ، ق ، ٨٣ ، ١١)

عام

ـ اختلفوا في الخاصّ والعامّ فزعم زاعمون أنّ الخبر قد يكون خاصّا كالخبر عن الواحد من النوع المذكور اسمه في الخبر ، أو بعضه فيكون عامّا ، والعامّ ما عمّ اثنين فصاعدا ، ويكون عامّا خاصّا وهو ما كان في اثنين من النوع المذكور اسمه في الخبر ، أو فيما هو أكثر من ذلك بعد أن يكون دون الكل ، وهذا قول" ابن الراوندي" و" المرجئة" (ش ، ق ، ٤٤٥ ، ١٥)

ـ الخبر الخاصّ لا يكون عامّا والعامّ لا يكون خاصّا ، والخاصّ ما كان خبرا عن الواحد والعامّ ما عمّ اثنين فصاعدا ، وهذا قول" عبّاد" بن سليمان" وغيره (ش ، ق ، ٤٤٦ ، ٦)

ـ إنّ العام إنّما يبنى على الخاص إذا أمكن تخصيصه (ق ، ش ، ٢٤٢ ، ٦)

ـ اعلم .. أنّ العام إنّما يصير خاصّا في المعنى بالقصد ، فمتى قصد المتكلّم بذلك إلى أن يريد به بعض ما تناوله كان خاصّا ، كما إذا قصد به إلى كل ما تناوله كان عامّا وقد بيّنا أن كونه خاصّا وعامّا في أنّهما وجهان يقع عليهما بمنزلة وجوه الأفعال ، فإذا لم يصحّ في الفعل الواقع على وجهين أن يقع على أحدهما إلّا بقصد ، على ما تقدّم القول فيه ، فكذلك القول في كون اللفظ واقعا على هذين الوجهين فكذلك يكون المتكلّم باللفظة مخصّصا لهما ومعمّما ، فلا بدّ فيما به يصير خاصّا أن يكون من جهته ، كما أنّ نفس اللفظة تكون من جهته ، ولذلك توصف بالخصوص والعموم ، في حال وقوعها ، ولا توصف بذلك من قبل. والقول في لفظ الخاص إذا أراد به العموم في أنّ بهذه الإرادة يصير عموما كالقول فيما تقدّم ، فإن كان المتكلّم بالعموم قصد به الخصوص كان لم يدلّ على قصده ، فالقول خاص ، وهو في حكم المعمى إذا كان قوله خطابا لغيره ، وفقد الدلالة على مراده لا يخرج قوله من أن يكون عامّا ، على ما قدّمناه ؛ وإن دلّ على مراده بضرب من الدلالة كان مظهرا لمراده حكيما في قوله ، وخطابه تعالى لا يقع على هذا الحدّ ، لأنّه لا بدّ من أن يبيّن مراده بضرب من الدلالة إذا أراد باللفظ العام الخصوص (ق ، غ ١٧ ، ٢٧ ، ٤)

عبادات

ـ هذه ثلاث عبادات من ثلاث حجج احتجّ بها المعبود على العباد ، وهي : * العقل ..*

والكتاب ..* والرسول .. فجاءت حجّة العقل بمعرفة المعبود ، وجاءت حجّة الكتاب بمعرفة التعبد ، وجاءت حجّة الرسول بمعرفة العبادة. والعقل أصل الحجتين الأخيرتين ، لأنّهما عرفا به ، ولم يعرف بهما. فافهم ذلك. ثم للإجماع من بعد ذلك حجّة رابعة مشتملة على جميع الحجج الثلاث وعائدة إليها (ر ، أ ، ١٢٤ ، ١٥)

عبادة

ـ العبادة تنقسم على ثلاثة وجوه : أولها : معرفة الله. والثاني : معرفة ما يرضيه وما يسخطه. والوجه الثالث : اتّباع ما يرضيه واجتناب ما يسخطه. وهذه الثلاثة هي كمال العبادة ، وجميع العبادات غير خارجة منها (ر ، أ ، ١٢٤ ، ٥)

ـ قال يحيى بن الحسين ، صلوات الله عليه : تفسير العبادة على ثلاثة وجوه : فوجه منها : قول الله ، تبارك وتعالى : (يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يس ، ٦٠) ، يقول : لا تطيعوه ، (وَأَنِ اعْبُدُونِي) (يس : ٦٠) ، يقول : أطيعوني ، وليس على وجه الأرض أحد يصلّي للشيطان ولا يصوم له ، بل كلّهم يجمعون على لعنه ، غير أنّهم يعملون عمله ويسعون في مرضاته ويساعدونه على إرادته ، فجعل الله ، عزوجل ، فعلهم ذلك للشيطان طاعة وعبادة ، وذلك أنّ كل مطاع عنده عزوجل ، معبود ، وكذلك قال رب العالمين ، في قصة إبراهيم الخليل ، صلى الله عليه ، حيث يقول لأبيه : (لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) (مريم : ٤٤) ، وقال فرعون ، اللعين : (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) (المؤمنون : ٤٧) ، يقول : مطيعون. وقال : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) (الأنعام : ١٢١) فكل من أطاع عدوا من أعداء الله وعاضده أو كاتفه فقد أشرك بعبادته غيره. وقال ، عزوجل : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (الأنبياء : ٩٨) ، يعني : العابد والمعبود من الجن والأنس ، لا أنّه يعني أنّه يعبد المعبودات من الجماد ، وذلك أنّ الجماد هو كما قال إبراهيم ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأبيه : (لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً) (مريم : ٤٢) ، فضرر عبادة الصنم لا (يعدو) صاحبه ، وهو مأخوذ بفعله معاقب على عمله (ي ، ر ، ٨٦ ، ٣)

ـ اعلم ، أنّ العوض كل منفعة مستحقّة لا على طريق التعظيم والإجلال ، ولا يعتبر فيه الحسن وغير ذلك لكي يضطرد وينعكس ويشمل ويعمّ ، وصار الحال فيه كالحال فينا إذا سئلنا عن حقيقة العبادة ، فقلنا : هي النهاية والغاية في التذلّل والخضوع للغير ، ولا يعتبر فيه الحسن لكي يشتمل على سائر العبادات : عبادة الرحمن وعبادة الشيطان جميعا ؛ وذلك مما لا بدّ منه ولأنّ من حقّ الحدّ أن يكون جامعا مانعا لا يخرج منه ما هو منه ، ولا يدخل فيه ما ليس منه (ق ، ش ، ٤٩٤ ، ٥)

ـ قال تعالى : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الفاتحة : ٥) فيجب أن تصحّ العبادة منّا ، والعبادة هي الفعال التي يقصد بها الخضوع والتذلّل للمعبود مع العلم بأحواله ، وذلك يدلّ على أن العبد يفعل ويختار (ق ، م ١ ، ٤١ ، ١٣)

ـ إنّ العبادة لا تنقسم ولا تتجزّأ من جهة العقل ، وإنّما تعظم بالقصد الذي تقتضي فيه المبالغة في

الخضوع والتذلّل للمعبود. ولذلك تتساوى عبادة الضعيف وعبادة القويّ. فإذا قبح أن يقصد إيقاع الفعل على هذا الوجه إلّا له تعالى وجب كونه مختصّا باستحقاق العبادة دون غيره. وفارق حالها حال سائر الأمور المستحقّة بالأفعال. فكأنّ العبادة متى قصد بها ما ذكرناه كانت عبادة ، ولم تحسن إلّا له تعالى. ومتى لم يقصد ذلك بها لم تحصل عبادة أصلا. فالسائل بما سأل عنه كأنّه طالبنا بأن يحسن منّا أن يفعل بعضنا ببعض (ما ليس بعبادة) وذلك صحيح عندنا ، أو أن يحسن أن يفعل بعضنا ببعض مثل ما يجب للقديم من العبادة ، وقد أقرّ بقبح ذلك (ق ، غ ١١ ، ٤١٨ ، ٨)

ـ أمّا العبادة لله ، تعالى بالفعل فإنّه يحسن إذا عرفه وعرف أنّه المنعم بكمال النعم ، فيعلم حسن عبادته. فيصحّ إذ ذاك أن يعبد بالفعل ويحسن ذلك ، وإنّما تعبّده بالفعل بأن يؤدّيه على وجه الخضوع والتذلّل له. ولذلك لا يصحّ تعظيمه بالفعل إلّا على هذا الوجه الذي ذكرناه. وكذلك القول في طلب مرضاته بالفعل ، لأنّ معنى ذلك. أنّا نطلب موافقة إرادته ، ولأنّ فاعل ما أراده يكون مرضيّا له ومبتغى لرضاه (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٩ ، ٢٠)

ـ أمّا العبادة فلا بدّ فيها من مشقّة ؛ لأنّها تقع على طريقة الخضوع والتذلّل للمعبود ، ولا يكاد يعرّي ذلك من كلفة ومشقّة. فإنّما يلزم المكلّف من الأمرين ما يعرفه بعقله (ق ، غ ١٥ ، ١٠٨ ، ٢٠)

عبارات

ـ إنّ العبارات تسمّى كلاما على الحقيقة ، والكلام القائم بالنفس كلام ، وفي الجمع بينهما ما يدرأ تشغيب المخالفين (ج ، ش ، ١١١ ، ١٣)

عبارة

ـ الكلام عند الأشعري معنى قائم بالنفس سوى العبارة. والعبارة دلالة عليه من الإنسان. فالمتكلّم عنده من قام به الكلام (ش ، م ١ ، ٩٦ ، ١٠)

عبث

ـ اعلم أنّ العبث ، كل فعل يفعله الفاعل من دون عوض مثله ، وذلك نحو أن يركب أحدنا الأهوال والأخطار ليربح على درهم درهما ، مع أنّه يقدر على تحصيل هذا القدر بسهولة ، ونحو أن يستأجر أجيرا بأجرة تامّة ليصبّ الماء من نهر إلى نهر ، من دون أن يكون له في ذلك غرض. إذا ثبت هذا ، ومعلوم أنّ التكليف غير مفعول على هذا الوجه ، فلم يجب أن يكون عبثا (ق ، ش ، ٥١٤ ، ١٧)

ـ إنّ العبث من صفات الأفعال الواقعة دون ما لم يوجد (ق ، ت ٢ ، ١٨٥ ، ١٦)

ـ إنّ العبث هو الفعل الذي لا معنى فيه. فأمّا إذا كان فيه معنى فيجب ألّا يكون عبثا ، وإن لم يجب كونه حسنا ، وقد ثبت أن أحدنا لو نفع غيره من دون أن يقصد إلى نفعه لكان فعله غير حسن ولا قبيح ، وإن لم يكن عبثا من حيث حصل فيه فيجب نفع الغير (ق ، غ ١١ ، ٦٢ ، ٦)

ـ أمّا الساهي إذا نفع الغير فإنّه لا يجوز أن يقال في ذلك الفعل : إنّه عبث ، وإن كان عند شيخينا رحمهما‌الله لا يكون حسنا من حيث لا يصحّ فيه أن يقصد إلى إيجاده على بعض الوجوه ، وليس كذلك حاله تعالى (ق ، غ ١١ ، ٦٦ ، ٢٠)

ـ العبث هو كل فعل لم يقصد به فاعله وجها معقولا ، فيكون بمنزلة الهذيان الذي يقع من الواحد منّا ، وسائر ما لا غرض لفاعله فيه ، مع أنّه عالم قاصد (ق ، غ ١١ ، ١٩١ ، ٤)

ـ إنّ الضرر قد يقبح لأنّه عبث وإن لم يكن ظلما. يدلّ على ذلك أنّ غيره لو بذل له من نفسه أن يضرّ به على عوض يدفعه إليه هو أجدى عليه من ترك الضرر ـ ففعل به ذلك وعوّضه ـ أن ذلك يقبح وإن لم يكن ظالما له ، لأنّ تعويضه عليه قد أخرجه من كونه ظالما. وإنّما قبح منه ذلك لأنّه عبث. وكذلك لو استأجره لما لا ينتفع به من صبّ الماء من جانب من البحر إلى جانب ووفّر عليه الأجرة ، لكان يقبح منه ذلك لأنّه عبث (ق ، غ ١٣ ، ٣١٢ ، ٦)

ـ أمّا الحسن ، فحظ المعني منه أنّ الفعل في حق الفاعل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : أحدها أن يوافقه أي يلائم غرضه ، والثاني أن ينافر غرضه والثالث أن لا يكون له في فعله ، ولا في تركه غرض ، وهذا الانقسام ثابت في العقل. فالذي يوافق الفاعل يسمّى حسنا في حقّه ، ولا معنى لحسنه إلّا موافقته لغرضه ، والذي ينافي غرضه يسمّى قبيحا ، ولا معنى لقبحه إلّا منافاته لغرضه ؛ والذي لا ينافي ولا يوافق يسمّى عبثا أي لا فائدة فيه أصلا ، وفاعل العبث يسمّى عابثا ، وربّما يسمّى سفيها (غ ، ق ، ١٦٣ ، ٦)

عبد

ـ العبد بجميع صفاته مخلوق (م ، ف ، ٢٢ ، ١٨)

عتب

ـ إن العالم بما يفعله متى لم يفعله لغرض يقتضي حسنه فيجب كونه عابثا ، والعبث قبيح كما أنّ الظلم قبيح. وقد دللنا على أنّه تعالى لا يفعل القبيح فيجب خروج أفعاله من كونه عبثا ، وفي ذلك إيجاب كونه حسنة على ما نقوله. يبيّن ذلك أنّ العالم بما يفعله لا بدّ من أن يستحقّ الذمّ على فعله متى وقع على وجه يقبح ؛ أو لا يستحقّ الذمّ بذلك فيجب كونه حسنا ؛ لوقوعه على وجه لا يقتضي ذمّ فاعله إن كان عالما. وذلك يوجب كون أفعاله تعالى حسنة (ق ، غ ١١ ، ٦٤ ، ٧)

عجز

ـ اختلفت المعتزلة في العجز على ثلث مقالات : فقال" الأصمّ" : إنّما هو العاجز وليس له عجز غيره يعجز به ، وقال أكثر المعتزلة : العجز غير العاجز. وقال [" عبّاد"] : العجز غير الإنسان ، ولا أقول غير العاجز ، لأنّ قولي عاجز خبر عن إنسان وعجز (ش ، ق ، ٢٤٢ ، ١)

ـ زعم" عبّاد" أنّ العجز لا يقال أنّه عجز عن شيء وأنّ القوة لا تكون قوّة لا على شيء ، وقال أكثر المعتزلة : العجز عجز عن الفعل (ش ، ق ، ٢٤٢ ، ٧)

ـ ليس العجز مضادّا للفعل وذلك أنّه ليس من جنس من أجناس الفعل من حركة وسكون وغيرهما من سائر الأعراض إلا وقد يجوز أن يخلقه الله مع العجز ، فعلمنا بذلك أنّ العجز لا يضادّ الفعل لأنّ الأجسام والجواهر من أفعال الله تعالى ، فعلمنا أنّ العجز لا يضادّ الفعل لأنّ عجزي لو ضادّ فعلي للحركة ، لكان تضاد وقوع الحركة من ربّي في جسمي (ش ، ل ، ١٩ ، ١٣)

ـ العجز عن الشيء أنّه يخرج عنه وعن ضدّه ، فلذلك استحال أن يعجز العاجز عن الشيء لتركه له (ش ، ل ، ٥٩ ، ٤)

ـ إن قالوا فيجوز أن يكلّف الله تعالى الشيء مع

عدم الجارحة ووجود العجز ، قيل لهم (لا) لأنّ المأمور إنّما يؤمر ليقبل أو ليترك ومع عدم الجارحة لا يوجد أخذ ولا ترك. وكذلك العجز لا يوجد معه أخذ ولا ترك لإ (نّه) عجز عن الشيء وعن ضدّه. وأيضا فلو وجب إذا أمر الله تعالى الإنسان بالشيء مع عدم قدرته أن يأمر به مع عدم القدرة كلها ، لوجب إذا أمر الله تعالى الإنسان مع عدم بعض العلوم وهو العلم بالله تعالى وبأنّه آمر ، أن يأمره بالفعل مع عدم العلوم كلّها. فإن لم يجب هذا لم يجب إذا أمر الإنسان مع عدم القدرة على ما أمره به ، أن يأمر مع عدم الجارحة التي إذا عدمت ، عدمت القدرة كلّها ، ومع وجود العجز الذي لم تعدم القدرة بوجوده (ش ، ل ، ٦٠ ، ١)

ـ في التكوين ولا مكوّن إثبات العجز (م ، ح ، ٤٧ ، ١٨)

ـ إنّ الذي لا يعدو الواقع بفعله وقت الوصف له بالفعل وصف عجز ، والذي يعدوه ويقع عنده وصف قدرة ، كمن / يكون منه فعل الشيء وضدّه المتمكن منه أنّه أتم من جهة فعله. وكذلك من لا يعد [و] فعله حيّزه هو دون من يقع فعله في كل حيّز ، كذلك وصف الله بالذي ذكرت ؛ إذ هو وصف التمام. مع ما لا يقع فعل العبد لغير وقته لأنّه عن شغله بالفعل يكون وبالآلات ، والله سبحانه بنفس يفعل ، وذلك كما علم سبحانه بذاته وقدر بذاته ، وكل من سواه بغير الذي [ذكرت] لو لا ذلك ما قام به فعل ، والله هو ينشئ من لا شيء (م ، ح ، ٤٨ ، ١)

ـ إنّما ساغ للقوم أن يصفوا العاجز أنّه ممنوع لاعتقادهم أنّ القدرة بوجودها يوجد مقدورها لا محالة ، فاعتقدوا أنّه إذا لم يقع الفعل فلعدم القدرة. واعتقدوا أيضا أنّ القدرة لا تزول إلّا بأن يخلفها عجز. وذلك عندنا باطل لأنّ القدرة يصحّ وجودها عارية عن الفعل ومتقدّمة عليه بحال وأحوال كثيرة. ولا يجب أيضا لو زالت أن يخلفها عجز لا محالة لو قدّرنا العجز معنى ، فكيف إذا لم يرجع بالعجز إلى أكثر من زوال القدرة عمّن يصحّ كونه قادرا؟ والذي يبيّن صحّة ما قلناه التفرقة المعقولة بين المقيّد والزمن لأنّ هذا الزمن لا يصحّ منه المشي وإن عدم ما عدم ، وهذا المقيّد يصحّ منه المشي بزوال القيد. فعرفنا بذلك أنّ القدرة ثابتة في هذا المقيّد وإن لم يوجد مقدورها لمانع عرض. وعلى أصلهم ينبغي أن يستويا جميعا وأن تبطل هذه التفرقة (ق ، ت ٢ ، ٦٢ ، ٧)

ـ إنّ المنع يفارق القدرة في التقدّم والمقارنة ، لأنّا نوجب في القدرة التقدّم ، والمنع إذا كان حكمه أن يضادّ ما هو منع منه فلا بدّ من المقارنة لتثبت المنافاة والممانعة. فأمّا العجز لو ثبت معنى لكان حكمه في التقدّم حكم القدرة. وفي المنع أيضا اختلاف بين الشيوخ. فإنّ أبا علي يجريه مجرى القدرة في وجوب التقدّم ، ولكن الصحيح في ذلك قول أبي هاشم (ق ، ت ٢ ، ٨٧ ، ٣)

ـ كان أبو القاسم يذهب إلى أنّ العجز هو الزمانة والمرض (ن ، م ، ٢٥٠ ، ١٤)

ـ ذهب أبو علي إلى أنّ العجز معنى يضادّ القدرة. وإليه كان يذهب أبو هاشم أولا ، ثم توقّف فيما أملاه آخرا في نقض الأبواب. وقال الشيخ أبو عبد الله أنّه معنى يضادّ القدرة. وقاضي القضاة قطع على نفيه وهو الصحيح (ن ، م ، ٢٥٠ ، ١٥)

ـ إنّ العجز في اللغة إنّما يقع على الممنوع بآفة

على الجوارح أو بمانع ظاهر إلى الحواس ، والمأمور بالفعل ليس في ظاهر أمره عاجزا إذ لا آفة في جوارحه ولا مانع له ظاهرا ، وهو في الحقيقة عاجز عن الجمع بين الفعل وضدّه وبين الفعل وتركه ، وعن فعل ما لم يؤته الله تعالى عونا عليه ، وعن تكذيب علم الله تعالى الذي لم يزل بأنّه لا يفعل إلّا ما سبق علمه تعالى فيه ، هذه حقيقة الجواب في هذا الباب والحمد لله ربّ العالمين ، فإن قيل فهو مختار لما يفعل ، قلنا نعم اختيارا صحيحا لا مجازا لأنّه مريد لكونه منه ، محب له مؤثّر على تركه. وهذا معنى لفظة الاختيار على الحقيقة ، وليس مضطرّا ولا مجبرا ولا مكروها لأنّ هذه ألفاظ في اللغة لا تقع إلّا على الكاره لما يكون منه في هذه الحال (ح ، ف ٣ ، ٥٣ ، ٣)

ـ إنّ العجز عبارة عن عدم القدرة ممن شأنه أن يقدر على الفعل. والدليل عليه أنّا متى تصوّرنا هذا العدم ، حكمنا بكونه عاجزا وإن لم نعقل فيه أمرا آخر ، وذلك يدلّ على أنّا لا نعقل من العجز إلّا هذا العدم (ف ، أ ، ٦٥ ، ٣)

ـ إن كانت القدرة عبارة عن سلامة الأعضاء ، فالعجز عبارة عن آفة تعرض للأعضاء ويكون حينئذ وجوديّا. والقدرة أولى بأن لا تكون وجوديّة ، لأنّ السلامة عدم الآفة. وإن كان العجز ما يعرض للمرتعش وتمتاز به حركة المرتعش عن حركة المختار ، فالعجز وجوديّ. ولعلّ الأصحاب ذهبوا إليه. أمّا إن كانت القدرة هيئة تعرض عند سلامة الأعضاء يعبّر عنها بالتمكّن أو بما هو علّة له ، والعجز عدم تلك الهيئة ، فالقدرة وجوديّة ، والعجز عدميّ (ط ، م ، ١٦٨ ، ١)

عداوة

ـ قول بشر الصحيح أنّ الله لا يوالي المؤمنين في أوّل أحوال إيمانهم وكذلك ليس يعادي الكافرين في أوّل أحوال كفرهم ، وإنّما يعاديهم في الحال التي تليها وهي الحال الثانية من حال كفرهم. هذا قول بشر. وحجته في ذلك أنّ الله إنّما والى المؤمن لإيمانه وجعل عداوته عقابا للكافر على كفره (خ ، ن ، ٥١ ، ١٨)

ـ لو جاز أن يقع بعض الثواب وبعض العقاب على الفعل في حاله جاز ذلك في كل الثواب وكل العقاب ، ولو جاز ذلك (زعم) لجاز أن يمسخ الله الكافر في حال كفره كما لعنه في حال كفره. (قال) وهذا محال لا يجوز في قول. (قال) فكذلك ما قلت في الولاية والعداوة. (قال) ولو جاز أن تكون العداوة إنّما كانت للكفر وهي معه جاز أن يكون الفعل بالقوة وهي معه لم تتقدمه (خ ، ن ، ٥١ ، ٢٤)

ـ قالت المعتزلة إلّا" بشر بن المعتمر" وطوائف منهم أنّ الولاية من الله سبحانه للمؤمنين مع إيمانهم ، وكذلك عداوته للكافرين مع كفرهم ، والولاية عندهم الأحكام الشرعيّة والمدح وإحداث الألطاف والعداوة ضدّ ذلك ، وكذلك قالوا في الرضى والسخط (ش ، ق ، ٢٦٥ ، ١٣)

ـ من جملة ما يعدّ في باب الكراهة هو قولنا عداوة فإنّ معناه كراهة وصول الخبر إلى الغير. فإذا قيل في الله أنّه يعادي الكفّار فإنّما يراد أنّه يكره من أحدنا تعظيمهم وإجلالهم ومدحهم ، أو يفاد به إرادة إيصال المضارّ إليهم في الدين ، وإن كان هذا أولى ليثبت في فعل نفسه وفعل غيره. وعلى النقيض من ذلك هو الولاية ، فإنّها

إرادة نصرتهم وتوليها. ومتى قيل في العبد أنّه عدوّ لله فالمراد به معاداته لأوليائه ، والوليّ هو من يتولّى نصرة عباده بالمدح والتعظيم وغيرهما. فهذه طريقة القول فيه (ق ، ت ١ ، ٣٠٢ ، ٤)

ـ البغض والعداوة إرادة الإهانة والطرد والتعذيب (ط ، م ، ١٦٩ ، ١٥)

عدد

ـ العدد إنّما هو جمع شيء إلى غيره في قضية ما ، والله تعالى لا يجمعه وخلقه شيء أصلا ، فصحّ انتفاء العدد عنه تعالى (ح ، ف ١ ، ٣٠ ، ٢٣)

ـ العدد مركّب من الآحاد التي هي الأفراد ، وهكذا كل مركّب من أجزاء فذلك المركّب ليس هو جزءا من أجزائه ، كالكلام الذي هو مركّب من حرف وحرف حتى يقوم المعنى المعبّر عنه ، فالكلام ليس هو الحرف والحرف ليس هو الكلام (ح ، ف ١ ، ٥٣ ، ٤)

ـ إن اقتضى (العرض) قسمة ، فكمّ ؛ فإن اشتركت الأجزاء في حدّ فمتّصل ؛ إن وجدت معا فمقدار ، ذو بعد خطّ ، وذو بعدين سطح ، وذو ثلاثة جسم تعليميّ وإلّا فزمان ؛ وإن لم تشترك فعدد. وإن لم يقتض شيئا منهما ، فكيفيّة إمّا محسوسة أو نفسانيّة أو تهيّؤ للتأثير والتأثّر ، وهو القوّة واللاقوّة ؛ أو للكمّيّات المتّصلة كالاستقامة والانحناء ، أو المنفصلة كالأوّليّة والتركيب (خ ، ل ، ٦٢ ، ٥)

ـ إنّ العدد مجموع وحدات ، وهي عدميّة ، وإلّا فلها وحدات أخرى ويتسلسل ؛ وكذا الاثنينيّة ، وإلّا ، فلا تقوم بكلّ واحدة من الوحدتين ، بل تتوزّع عليهما ، فهي مجموع أمرين فهما الوحدتان (خ ، ل ، ٦٤ ، ١)

عدل

ـ إبراهيم (النظّام) لم يزعم أنّ الله جلّ ثناؤه يفعل العدل طباعا فيلزمه أنّه لم يزل فاعلا ، وإنّما زعم أنّه يفعله باختيار منه لفعله ، والمختار هو الذي إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل ولا بدّ له من أن يتقدّم أفعاله ويكون موجودا قبلها (خ ، ن ، ٣٩ ، ١)

ـ إبراهيم يزعم أنّ الله تعالى مختار لفعله للعدل ولحكمه بالحق وللخير الذي يفعله بعباده ، يقدر عليه وعلى أمثاله لا إلى غاية ويقدر على تركه. وإنّما أحال قول من زعم أنّ الله يقدر على الظلم والكذب وهما لا يقعان إلّا من ذي آفة مجتلب لمنفعة أو دافع لمضرّة ، والله عن هذه الصفة الدالّة على حدث من وصف بها متعال (خ ، ن ، ٤٢ ، ٢٠)

ـ العدل ثم يعلم أنّه عزوجل عدل في جميع أفعاله ، ناظر لخلقه ، رحيم بعباده ، لا يكلّفهم ما لا يطيقون ولا يسألهم ما لا يجدون ، و (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (النساء : ٤٠) ، وأنّه لم يخلق الكفر ولا الجور ولا الظلم ، ولا يأمر بها ، ولا يرضى لعباده الكفر ولا يظلم العباد ، ولا يأمر بالفحشاء ، وذلك أنّه من فعل شيئا من ذلك أو أراده أو رضي به فليس بحكيم ولا رحيم ، وأن الله لرءوف رحيم ، جواد كريم ، متفضّل ، وأنّه لم يحل بينهم وبين الإيمان ، بل أمرهم بالطاعة ونهاهم عن المعصية ، وأبان لهم طريق الطاعة والمعصية ، وهداهم النجدين ، ومكّنهم من العملين (ي ، ر ، ٦٥ ، ٤)

ـ إن قال قائل هل لله تعالى أن يؤلم الأطفال في الآخرة ، قيل له لله تعالى ذلك وهو عادل إن فعله. وكذلك كل ما يفعله على جرم متناه

بعقاب لا يتناهى وتسخير الحيوان بعضهم لبعض والإنعام على بعضهم دون بعض وخلقه إيّاهم مع علمه بأنهم يكفرون كل ذلك عدل منه (ش ، ل ، ٧١ ، ٩)

ـ العدل : هو الفداء ؛ إمّا من المال ، وإمّا من النفس (م ، ت ، ١٤٩ ، ٢)

ـ لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. فقل : إنّه أدلّ على العدل ، لأنّ العباد يسألون عن أفعالهم لما كان فيها العبث والظلم والقبيح ، والله تعالى لمّا كانت أفعاله كلها حسنة لا قبيح فيها ، وعدلا لا ظلم معها ، تنزّه عن أن يسأل (ع ، أ ، ٢٢ ، ٥)

ـ كان (الأشعري) يذهب في معنى العدل إلى أنّه هو فعل ما للفاعل أن يفعله. وربّما قال إنّ ذلك ممّا لا يتحقّق معناه بشيء مفرد ، لأنّه يقال" عدل السهم عن الهدف" إذا جار ، و" عدل فلان عن الحقّ" إذا زاغ ، و" عدل فلان على فلان عدلا ومعدلة" ، إذا اعتدل واستقام. وعلى هذا كان يقول في أحد الجوابين إنّ الله تعالى لم يزل عادلا عن صفات النقص والعيب والآفة ، ولا يقول إنّه لم يزل عادلا على ما يقال" عدل فلان على فلان عدلا ومعدلة" لأنّ ذلك يقتضي حدوث فعل ويستحيل حدوث الفعل في الأزل (أ ، م ، ١٣٩ ، ١٧)

ـ ثم ينظر بعد ذلك في أنّه (الله) عالم بقبح القبيح ومستغن عنه وعالم باستغنائه عنه ، فيحصل له العلم بكونه عدلا حكيما ، لا يفعل القبيح ، ولا يخلّ بالواجب ، ولا يأمر بالقبيح ، ولا ينهى عن الحسن ، وأنّ أفعاله كلها حسنة (ق ، ش ، ٦٦ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ العدل ، مصدر عدل يعدل عدلا ، كما أنّ الضرب ، مصدر ضرب يضرب ضربا ، والشتم ، مصدر شتم يشتم شتما. وقد يذكر ويراد به الفعل ، ويذكر ويراد به الفاعل. فإذا أريد به الفاعل فذلك على طريق المبالغة لأنّه معدول به عما يجري على الفاعلين ، وهو كقولهم للضارب ضرب ، وللصائم صوم ، وللراضي رضى ، وللمفطر فطر ، إلى غير ذلك. وله حدّ إذا استعمل في الفعل ، وحدّ إذا استعمل في الفاعل ، أمّا حقيقته إذا استعمل في الفعل على ما قيل ، توفير حق الغير واستيفاء الحق منه. وقد قيل : في حدّه ، كل فعل حسن يفعله الفاعل لينفع به الغير أو ليضرّه. إلّا أنّ هذا يوجب أن يكون خلق العالم عدلا من الله تعالى ليتضمّن هذا المعنى ، وليس كذلك ، بل خلق العالم من الله تعالى تفضّل. فالصحيح ، الحدّ الأوّل ، لأنّ هذه اللفظة لا تكاد تدخل إلّا فيما يتعلّق بالحقوق ، وقولنا ليضرّه احتراز عن العقاب ، لأنّ ذلك من الله تعالى عدل وإن كان إضرارا بالغير. وأمّا إذا استعمل في الفاعل ، فهو فاعل هذه الأمور. هذا في أصل اللغة. وأمّا في الاصطلاح ، فإذا قيل إنّه تعالى عدل ، فالمراد به أنّ أفعاله كلها حسنة ، وأنّه لا يفعل القبيح ولا يخلّ بما هو واجب عليه (ق ، ش ، ١٣١ ، ٩)

ـ إنّ الغرض بالعدل هو أنّه تعالى لا يفعل القبيح ولا يخلّ بالواجب عليه ، فإذا كان كذلك فلا بدّ من أن نعرف أحكام الأفعال والوجوه التي تؤثّر في الأحكام نحو ما يقبح ويحسن ويجب وما يؤثّر في القبح والحسن والوجوب ، بل لا بدّ من أن نعرف ما ليس له في الوجود صفة زايدة على حدوثه كنحو الحركة اليسيرة والكلام اليسير إذا وقعا من النائم والساهي. وإنّما وجب العلم بهذه الأشياء لأنّا نريد إثباته جلّ وعزّ فاعلا للواجب ونريد أن ننفي عنه أن يقع

عن فعله قبح (ق ، ت ١ ، ١١ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ الذي يختصّ بهذه الصفة من الأفعال كلّ فعل فعله لينتفع المفعول به على وجه يحسن ، أو يضره به. وأمّا ما يفعله الفاعل منّا بنفسه لمنفعة ، أو دفع مضرّة ، فإنّه لا يوصف بذلك. فلهذا لا يقال في أكل زيد وشربه ، وفيما يفعله من واجب وندب ، بأنّه عدل. ومتى نفع غيره ، أو أضرّ به ، على وجه يحسن ، قيل : إنّه عدل عليه ، وإنّ ما فعله عدل. ولذلك لا يقال في القاضي أنّه يعدل بين الخصوم ، ويقال ذلك فيه إذا كان ما فعله بهم حسنا وإنصافا ، كان نفعا أو ضررا. ولهذه الجملة قلنا في جميع ما يفعله سبحانه إنّه عدل ، لأنّ جميع ذلك يفعله بغيره ، إمّا لمنفعة أو لمضرّة. ولذلك وصفنا ما نفعله من العقاب بأنّه عدل وحكمة ، وإن لم نصفه بأنّه خير وتفضّل ، من حيث لم يكن نفعا ، وإن كان حسنا. ووصفنا ما يفعله بأهل الجنّة عدل ، من حيث كان نفعا لهم ، وإيصالا لما استحقّوه إليهم. ولا يشذّ عن أفعاله تعالى شيء إلّا ما يبتدئه من خلق المكلّف وإحيائه ، لأنّ ذلك لا يوصف بأنّه فعله لينتفع به الحي أو يضرّه ، لأنّه نفسه مما به يصحّ النفع أو الضرر ، فيتعذّر أن يقال فيه على ما بيّناه أنّه عدل ، وإن كان من حيث التعارف يوصف بذلك ، لأنّه لا خلاف أنّ جميع أفعاله تعالى عدل وحكمة (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٨ ، ٧)

ـ أمّا وصفه تعالى بأنّه عدل ، فمجاز أقيم مقام وصفه بأنّه عادل ، كما قيل فيه تعالى إنّه سلام ، وإنّه رجاء ، وغيّاث ، وجواد ، إلى ما شاكله ؛ لأنّ حقيقة ما ذكرناه هو الفعل ، ولا يجوز أن يكون حقيقة لمن فعل ذلك الفعل ، لأنّ الاسم الجاري على الفعل لا يستحقّه من فعل ذلك الفعل على جهة الاشتقاق ، لأنّ من حقّ الاسم المشتق من الفعل ، أن تتغيّر صيغته عن صيغة اسم الفعل (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٩ ، ٤)

ـ أمّا وصف الشاهد بأنّه عدل ، فالمقصد به أنّه مختصّ بأوصاف : نحو كونه بالغا ، حرّا ، مسلما ، مجتنبا للكبائر ، إلى ما شاكله. وكذلك القول في وصف المخبر بذلك ، وإن كان ما يراعى في المخبر من الصفات التي معها يجب قبول خبره غير ما يراعى في الشاهد (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٩ ، ١٠)

ـ قد يقال في المؤمن الذي يستحقّ الثواب بأنّه عدل ، ويراد بذلك أنّه مستحقّ للمدح (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٩ ، ١٤)

ـ لا يصحّ أن يقال إنّ العدل هو كلّ فعل حسن ، على ما ذكره شيخنا أبو علي رحمه‌الله في معرض كلامه ؛ لأنّ ذلك يوجب القول بأنّ قيام الإنسان وقعوده ، وأكله وشربه ، عدل وحكمة ؛ وفي ذلك خروج عن التعارف في هذه التسمية (ق ، غ ٦ / ١ ، ٤٩ ، ١٧)

ـ بيّنا ، في" باب العدل" ، أنّ للقديم تعالى طريقة ، في" باب الفعل" وأنّه لا يجوز أن يفعل القبيح ، ولا ما يثبت فيه وجه من وجوه القبح ، وأنّه لا بدّ من أن يفعل الواجب وما يجري مجراه (ق ، غ ١٥ ، ١٧٦ ، ٧)

ـ كذلك القول في باب العدل ، لأنّه لا بدّ من أن تعرف فيه الدواعي ، وما تقتضيه من اختيار الأفعال ، والانصراف عنها ، وما يستمرّ الحال في ذلك ، وما لا يستمرّ ؛ كما لا بدّ من أن تعرف أحوال الأفعال ، وأحكامها ؛ ثم يعلم عند ذلك ما الذي يجوز أن يقع من العالم الغنيّ ، وما الذي لا يجوز (ق ، غ ١٦ ، ١٤٣ ، ١٢)

ـ إن قال : أفتصفونه (الله) على الحقيقة بأنّه عدل؟ قيل له : إنّ هذه اللفظة في اللغة تفيد الفعل الواقع على وجه ، والذي يجري على الفاعل هو عادل ؛ لكنهم أقاموا المصدر مقام اسم الفاعل فأجروه عليه مجازا واتّساعا فيجب أن يجري عليه مقيّدا (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ٢١٣ ، ١٧)

ـ اعلم أنّ العدل في اللغة قد يكون بمعنى المثل كقوله تعالى : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (المائدة :

٩٥) ، أي مثل ذلك. وقد يكون بمعنى العدول عن الشيء ومنه قوله تعالى : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) (النمل : ٦٠) ، أي يعدلون عن الحق إلى الجور. والعدل في الأصل مصدر ، أقيم المصدر مقام الاسم فقيل للعادل عن الباطل إلى الحق عدل. وعلى هذا يستوي فيه الذكر والأنثى والجمع والتثنية والوحدان. وإذا قيل لله سبحانه عدل ، فمعناه العادل. وقال سيبويه معناه ذو العدل كقوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (الطلاق : ٢). ولو لا ورود الشرع بتسميته عدلا ما جاز إطلاق المصادر في أسمائه (ب ، أ ، ١٣١ ، ٤)

ـ اختلف أصحابنا في تحديد العدل من طريق المعنى : فمنهم من قال هو ما للفاعل أن يفعله. فإذا قيل له يلزمك على هذا أن يكون كل كفر ومعصية عدلا من أجل أنّها عندك من أفعال الله تعالى وله أن يفعلها. أجاب عنه بأنّ كلّها عدل منه وإنّما هي جور وظلم من مكتسبها (ب ، أ ، ١٣١ ، ١٢)

ـ منهم من قال العدل من أفعالنا ما وافق أمر الله عزوجل به ، والجور ما وافق نهيه (ب ، أ ، ١٣١ ، ١٥)

ـ زعم الكعبي أنّ العدل هو التسوية بين العباد فيما يحتاجون إليه من إزاحة العلل والتوفيق والهداية (ب ، أ ، ١٣٢ ، ١)

ـ إنّ جمهورهم قالوا (المعتزلة) وجدنا من فعل الجور في الشاهد كان جائرا ، ومن فعل الظلم كان ظالما ، ومن أعان فاعلا على فعله ثم عاقبه عليه كان جائرا عابثا ، قالوا والعدل من صفات الله تعالى ، والظلم والجور منفيان عنه (ح ، ف ٣ ، ٩٨ ، ٣)

ـ صحّ أنّ لا عدل إلّا ما سمّاه الله عدلا فقط ، وأنّ كل شيء فعله الله فهو العدل فقط لا عدل سوى ذلك (ح ، ف ٣ ، ١٠٧ ، ٣)

ـ لا عدل إلّا ما أمر الله تعالى به أو أباحه أي شيء كان (ح ، ف ٣ ، ١١٢ ، ٥)

ـ إنّ الحكمة والعدل بيننا إنّما هما طاعة الله عزوجل فقط ، لا حكمة ولا عدل غير ذلك إلّا ما أمرنا به أي شيء كان فقط ، وأمّا الله تعالى فلا طاعة لأحد عليه ، فبطل أن تكون أفعاله جارية على أحكام العبيد المأمورين المربوبين المسئولين عمّا يفعلون ، لكن أفعاله تعالى جارية على العزّة والقدرة والجبروت والكبرياء والتسليم له ، وأن لا يسأل عمّا يفعل (ح ، ف ٣ ، ١٧٤ ، ٢٠)

ـ معنى كونه غير ظلّام للعبيد أنّه عادل عليهم ، ومن العدل أن يعاقب المسيء منهم ويثيب المحسن (ز ، ك ١ ، ٤٨٥ ، ٦)

ـ العدل هو الواجب ، لأنّ الله تعالى عدل فيه على عباده ، فجعل ما فرضه عليهم واقعا تحت طاقتهم (ز ، ك ٢ ، ٤٢٤ ، ٢٤)

ـ أمّا العدل فعلى مذهب أهل السنّة أنّ الله تعالى عدل في أفعاله ، بمعنى أنّه متصرّف في ملكه وملكه ، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. فالعدل : وضع الشيء موضعه ، وهو التصرّف في الملك على مقتضى المشيئة والعلم ، والظلم

بضدّه ، فلا يتصوّر منه جور في الحكم وظلم في التصرّف (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٨)

ـ على مذهب أهل الاعتزال : العدل ما يقتضيه العقل من الحكمة ؛ وهو إصدار الفعل على وجه الصواب والمصلحة (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١١)

ـ اتّفقوا (المعتزلة) على أنّ الله تعالى لا يفعل إلّا الصلاح والخير ، ويجب من حيث الحكمة رعاية مصالح العباد ، وأمّا الأصلح واللطف ففي وجوبه عندهم خلاف. وسمّوا هذا النمط : عدلا (ش ، م ١ ، ٤٥ ، ١٣)

ـ أمّا أبو شمّر المرجئ القدري ، فإنّه زعم أنّ الإيمان هو المعرفة بالله عزوجل ، والمحبّة والخضوع له بالقلب والإقرار به أنّه واحد ليس كمثله شيء ، ما لم تقم عليه حجّة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فإذا قامت الحجّة فالإقرار بهم وتصديقهم من الإيمان والمعرفة ، والإقرار بما جاءوا به من عند الله غير داخل في الإيمان الأصلي ، وليست كل خصلة من خصال الإيمان إيمانا ولا بعض إيمان ، فإذا اجتمعت كانت كلّها إيمانا ، وشرط في خصال الإيمان معرفة العدل ، يريد به القدر خيره وشرّه من العبد من غير أن يضاف إلى الباري تعالى منه شيء (ش ، م ١ ، ١٤٥ ، ١٨)

ـ أثبتنا وجوها واعتبارات عقليّة للفعل الواحد ، وأضفنا كل وجه إلى صفة أثّرت فيه ، مثل الوقوع فإنّه من آثار القدرة ، والتخصيص ببعض الجائزات فإنّه من آثار الإرادة ، والإحكام فإنّه من دلائل العلم. وعند الخصم كون الفعل واجبا أو ندبا أو حلالا أو حراما أو حسنا أو قبيحا صفات زائدة على وجوده بعضها ذاتيّة للفعل وبعضها من آثار الإرادة. وكذلك الصفات التابعة للحدوث مثل كون الجوهر متحيّزا وقابلا للعرض ، فإذا جاز عنده إثبات صفات هي أحوال واعتبارات زائدة على الوجود لا تتعلّق بها القادريّة وهي معقولة ومفهومة ، فكيف يستبعد مني إثبات أثر للقدرة الحادثة معقولا ومفهوما. ومن أراد تعيين ذلك الوجه الذي سمّاه حالا فطريقه أن يجعل حركة مثلا اسم جنس يشمل أنواعا وأصنافا ، أو اسم نوع يتمايز بالعوارض واللوازم ، فإنّ الحركات تنقسم إلى أقسام فمنها ما هو كتابة ومنها ما هو قول ومنها ما هو صناعة باليد ، وينقسم كل قسم إلى أصناف. فكون حركة اليد كتابة وكونها صناعة متمايزان ، وهذا التمايز راجع إلى حال في إحدى الحركتين تتميّز بها عن الثانية مع اشتراكهما في كونهما حركة ، وكذلك الحركة الضروريّة والحركة الاختياريّة فتضاف تلك الحالة إلى العبد كسبا وفعلا ، ويشتقّ له منها اسم خاص مثل قام وقعد وقائم وقاعد وكتب وقال وكاتب وقائل. ثم إذا اتّصل به أمر ووقع على وفاق الأمر سمّي عبادة وطاعة ، فإذا اتّصل به نهي ووقع على خلاف الأمر سمّي جريمة ومعصية ، ويكون ذلك الوجه هو المكلّف به وهو المقابل بالثواب أو العقاب ، كما قال الخصم إنّ الفعل يقابل بالثواب أو العقاب لا من حيث أنّه موجود بل من حيث أنّه حسن أو قبيح ، والقبح والحسن حالتان زائدتان على كونه فعلا ، وكونه موجودا ، وهو أبعد من العدل ، والقاضي أقرب إلى العدل ، فإنّه أضاف إلى العبد ما لم يقابل بثواب أو عقاب ، وقابل بالثواب والعقاب ما لم يكن من آثار قدرته ، والقاضي عيّن الجهة التي هي عنده لم تقابل بالجزاء فأثبتها فعلا للربّ ، وعيّن الجهة التي هي فعل العبد وكسبه فقابلها بالجزاء وذلك هو

العدل (ش ، ن ، ٧٥ ، ١٥)

ـ قال الزمخشري العدل هو الواجب لأنّ الله عزوجل عدل فيه على عباده ، فجعل ما فرضه عليهم منه واقعا تحت طاقتهم (أ ، ش ٤ ، ٣٤٣ ، ٢٠)

ـ قد سئل (علي) عن التوحيد والعدل فقال : التّوحيد أن لا تتوهّمه والعدل أن لا تتّهمه. هذان الركنان هما ركنا علم الكلام وهما شعار أصحابنا المعتزلة لتفهيم المعاني القديمة التي يثبّتها الأشعري وأصحابه ، ولتنزيههم الباري سبحانه عن فعل القبيح. ومعنى قوله أن لا تتوهّمه أي أن لا تتوهّمه جسما أو صورة أو في جهة مخصوصة أو مالئا لكل الجهات كما ذهب إليه قوم ، أو نورا من الأنوار وقوّة سارية في جميع العالم كم قاله قوم ، أو من جنس الأعراض التي تحلّ المحال أو محلّا الحل ، وليس بعرض كما قاله النصارى وغلاة الشيعة ، أو تحلّه المعاني والأعراض ، فمتى توهّم على شيء من هذا فقد خولف التوحيد ، وذلك لأنّ كل جسم أو عرض أو حال في محل أو محل لحال مختصّ بجهة لا بدّ أن يكون منقسما في ذاته لا سيّما على من نفى الجزء مطلقا ، وكل منقسم فليس بواحد وقد ثبت أنّه واحد. وأضاف أصحابنا إلى التوحيد نفي المعاني القديمة ونفي ثان في الإلهيّة ونفي الرؤية ونفي كونه مشتهيا أو نافرا أو ملتذّا أو آلما أو عالما بعلم محدث ، أو قادرا بقدرة محدثة أو حيّا بحياة محدثة أو نفي كونه عالما بالمستقبلات أبدا أو نفي كونه عالما بكل معلوم أو قادرا على كل الأجناس وغير ذلك من مسائل الكلام التي يدخلها أصحابنا في الركن الأول وهو التوحيد. وأمّا الركن الثاني فهو أن لا تتّهمه أي لا تتّهمه في أنّه أجبرك على القبيح ويعاقبك عليه حاشاه من ذلك ، ولا تتّهمه في أنّه مكّن الكذّابين من المعجزات فأضلّ بهم الناس ، ولا تتّهمه في أنّه كلّفك ما لا تطيقه وغير ذلك من مسائل العدل التي يذكرها أصحابنا مفصّلة في كتبهم ، كالعوض عن الألم فإنّه لا بدّ منه ، والثواب على فعل الواجب فإنّه لا بدّ منه ، وصدق وعده ووعيده فإنّه لا بدّ منه. وجملة الأمر أنّ مذهب أصحابنا في العدل والتوحيد مأخوذ عن أمير المؤمنين ، وهذا الموضع من المواضع التي قد صرّح فيها بمذهب أصحابنا بعينه وفي فرش كلامه من هذا النمط ما لا يحصى (أ ، ش ٤ ، ٥٢٢ ، ٦)

ـ العدل فعل حسن (م ، ق ، ٩٢ ، ٢٠)

ـ هو العدل لغة : الإنصاف. واصطلاحا : قال الوصيّ ، كرّم الله وجهه : والعدل ألّا تتّهمه (ق ، س ، ١٠١ ، ٢)

ـ الله تعالى عدل حكيم ، لا يثيب أحدا إلّا بعمله ولا يعاقبه إلّا بذنبه. المجبرة : بل يجوز أن يعذّب الله الأنبياء ويثيب الأشقياء. قلنا : من أهان وليّه وأعزّ عدوّه فلا شكّ في سخافته ، والله يتعالى عن مثل ذلك ، وأيضا ذلك شكّ في آيات الوعد والوعيد (ق ، س ، ١١٩ ، ١٩)

عدم

ـ ليس كل ما يعدم يجوز خلافه. فإنّ هذا إنّما يتأتى في الباقيات ، فما قلتم لا يستمرّ على الإطلاق ، هذا ولو استمرّ لم تصحّ إضافته إلى الفاعل لأنّا إنّما نضيف إلى الفاعل ما يجمع إلى هذا الوجه أمرا آخر وهو إمكان أن تؤثّر حال القادر فيه. ومعلوم إنّ عدم الشيء ليس بصفة متحدّدة ، وإنّما هو زوال صفة الوجود ،

وما يضاف إلى الفاعل فلا بدّ من صفة فلا تجوز إضافته إليه (ق ، ت ١ ، ٣٧٠ ، ١)

ـ إنّ العدم إنّما يجب بأن لا تحصل الصفة متى كانت تلك الصفة تخرج من العدم إلى الوجود ، وليس في الصفات ما له هذا الحظ إلّا الحدوث فقط دون ما عداه ، فلا يجب إذا لم يحصل على سائر الصفات عند حدوثه أن يكون موجودا معدوما كما ألزمناه من جواز اختراع الشيء من وجهين (ق ، غ ٤ ، ٢٥٦ ، ١)

ـ إنّ العدم بلا اختصاص (ن ، د ، ٢١ ، ٥)

ـ إنّ العدم بلا ابتداء (ن ، د ، ٢١ ، ٨)

ـ إنّ العدم يحيل الصفة (ن ، د ، ٦٧ ، ١٢)

ـ العدم ليس بأمر حادث ، حتى يقال أنّ لأحوالنا فيه تأثيرا ، وإنّما هو أمر مستمرّ ، وإن كان معدوما ، قبل أن وجدنا وحصلنا على ما لنا من الأحوال. وليس كذلك الحدوث ، لأنّه أمر متجدّد ، فيجب أن يستند تجدّده إلى حال من أحوالنا (ن ، د ، ٣٠٠ ، ١٨)

ـ العدم ليس معنى ولا هو شيئا (ح ، ف ١ ، ١٤ ، ٨)

ـ العدم هو إبطال الوجود ونفيه ، ولا سبيل إلى أن تكون أبعاض الشيء التي يلزمها اسمه الذي لا اسم لها سواه يبطل بعضها بعضا (ح ، ف ١ ، ٤٧ ، ٨)

ـ إنّ الإعدام هو العدم ، والعدم نفي محض ؛ ويستحيل أن يكون المقدور نفيا ؛ إذ لا فرق بين أن يقال : لا مقدور للقدرة ، وبين أن يقال مقدورها منتف (ج ، ش ، ١٩٧ ، ١٣)

ـ إنّ العدم في الأزل انقسم إلى ما سيكون له وجود ، وإلى ما علم الله تعالى أنّه لا يوجد (غ ، ق ، ٢١٤ ، ٩)

ـ الذي نثبّته أنّ الواجب والممتنع طرفان والممكن واسطة ، إذ ليس بواجب ولا ممتنع فهو جائز الوجود وجائز العدم ، والوجود والعدم متقابلان لا واسطة بينهما ، والذي يستند إلى الموجد من وجهين الوجود والعدم في الممكن وجوده فقط ، حتى يصحّ أن يقال أوجده أي أعطاه الوجود ، ثم لزمه الوجوب لزوم العرضيّات ، فالأمر اللازم العرضيّ لا يستند إلى الموجد ، فأنتم إذا قلتم وجب وجوده بإيجابه فقد أخذتم العرضيّ ، ونحن إذا قلنا وجد بإيجاده فقد أخذنا عين المستفاد الذاتيّ ، فاستقام كلامنا لفظا ومعنى وانحرف كلامكم عن سنن الجادة (ش ، ن ، ٢١ ، ١٠)

ـ الخياطيّة أتباع أبي الحسن عبد الرحيم الخيّاط ، وهو أستاذ أبي القاسم الكعبيّ ، وهم يقولون إنّ الجسم في العدم جسم ، حتى أنّهم ألزموه أن يكون راكبا فرسا معدوما. فالتزم ذلك وجوّزوه (ف ، غ ، ٤٤ ، ١٠)

ـ إنّ العدم نفي محض ، فيستحيل وصفه بالرجحان (ف ، م ، ٦٥ ، ٢٦)

ـ إنّ العدم لا يترجّح ، فلا مرجّح له (خ ، ل ، ٦٠ ، ١٣)

ـ قالوا : فيحتاج العدم الممكن إلى المؤثّر وليس بأثر ... قلنا : علّة العدم عدم العلّة (خ ، ل ، ٦١ ، ٥)

ـ العدم ليس بعلّة ولا معلول ، خلافا للفلاسفة. لنا : التأثير يستدعي أصل الحصول. ـ قالوا : كما يستدعي الوجود مرجّحا. قلنا : العدم نفي محض (خ ، ل ، ٨٨ ، ١٦)

عدم الامتياز

ـ عدم الامتياز لا يدلّ على الاتّحاد ، بل غايته أن يدلّ على عدم العلم بالتغاير. والحكم بأنّ

المثلين المجتمعين لا يتمايزان منقوض بأطراف الخطوط المجتمعة التي تصير عند الاجتماع نقطة واحدة في الوضع ، فإنّها أطراف خطوط متغايرة. وكونها كذلك من عوارضها. والحكم ـ بأنّ الاجتماع يوجب انقلاب الاثنين واحدا ـ دعوى مجرّدة عن بيان (ط ، م ، ٢٣٤ ، ٥)

عدم الجواهر

ـ إن قيل : فما معنى عدم الجواهر؟ قلنا : الأعراض غير باقية ، فإذا أراد الله عدم جوهر اقتطع عنه الأعراض بأن لا يخلقها فينعدم الجوهر إذ ذاك ، إذ يستحيل وجود جوهر بلا عرض (ج ، ش ، ١٣٤ ، ٧)

عدم الشيء

ـ ليس كل ما يعدم يجوز خلافه. فإنّ هذا إنّما يتأتّى في الباقيات ، فما قلتم لا يستمرّ على الإطلاق ، هذا ولو استمرّ لم تصحّ إضافته إلى الفاعل لأنّا إنّما نضيف إلى الفاعل ما يجمع إلى هذا الوجه أمرا آخر وهو إمكان أن تؤثّر حال القادر فيه. ومعلوم إنّ عدم الشيء ليس بصفة متحدّدة ، وإنّما هو زوال صفة الوجود ، وما يضاف إلى الفاعل فلا بدّ من صفة فلا تجوز إضافته إليه (ق ، ت ١ ، ٣٧٠ ، ٤)

ـ وبعد ، فإنّ من قال : إنّا نعدم الشيء بأن نوجد ضدّه ، فقد خالف في عبارة ، لأنّه أضافه إلى القادر ، من حيث يحصل عدمه عند وجود مقدوره. ويفارق ذلك المسبّب ، لأنّ ذلك قد يصحّ أن لا يوجد عند وجود السبب ، على بعض الوجوه (ق ، غ ٨ ، ٧٩ ، ٢٠)

عدم شيء

ـ ليس عدم شيء في شيء هو عدمه مطلقا ، فإنّ السماء معدوم في البيت وليس بمعدوم في موضعه (ط ، م ، ١٣٧ ، ٣)

عدم على الجواهر

ـ أمّا أبو هاشم فإنّه يرى أن لا وجه من جهة العقل يقتضي صحّة العدم على الجواهر ، بل غير ممتنع إذا أوجدها الله تعالى أن يستمرّ بها الوجود فلا تعدم ، إذ لا دليل من جهة العقل يقتضي القطع على خلاف ذلك ، فيجب أن يكون موقوفا على ورود السمع به. والذي قاله أبو علي فإنّما يستقيم بعد أن يثبت الفناء ضدّا للجوهر ، فيقتضي حينئذ أن يكون القادر على الجوهر قادرا على الفناء. فأمّا ولمّا ثبت ذلك فكيف يتوصّل بقدرته عليه إلى قدرته على ضدّه؟ (ق ، ت ٢ ، ٢٨٦ ، ١٢)

عدم القدرة

ـ إن قالوا أليس في عدم الجارحة عدم الفعل ، قيل لهم في عدم الجارحة عدم القدرة ، وفي عدم القدرة عدم الاكتساب ، لأنّها إذا عدمت عدمت القدرة ، فلعدم القدرة ما استحال الكسب إذا عدمت الجارحة ، لا لعدم الجارحة ، ولو عدمت الجارحة ووجدت القدرة لكان الاكتساب واقعا ، ولو كان إنّما استحال الاكتساب لعدم الجارحة ، لكان إذا وجدت وجد الكسب. فلمّا كانت توجد ويقارنها العجز وتعدم القدرة فلا يكون كسب ، علم أنّ الاكتساب إنّما لم يقع لعدم الاستطاعة لا لعدم الجارحة (ش ، ل ، ٥٧ ، ٢)

عدم المعنى

ـ إن عدم معنى من الجسم ليس بشيء يحدث. ولا يكتسب ؛ فمحال تعلّق القدرة بما ليس

بمعنى يحدث ويكتسب ؛ فبطل هذا القول. ولأنّ الجسم لو تحرّك في جهة بعينها وإلى محاذاة بعينها لعدم معنى منه مع صحة تحرّكه مع عدم ذلك المعنى إلى غير تلك الجهة والمحاذاة لم يكن بأن يتحرّك إلى الجهة والمحاذاة التي تحرّك إليها أولى من تحرّكه إلى غيرها ؛ وفي العلم بكونه أولى بالتحرّك إلى ما تحرّك إليه وأحقّ به في ذلك الوقت دليل على بطلان هذا القول. ولأنّ الجسم أيضا لو تحرّك لعدم معنى منه لم يكن هو بالتحرّك أولى من غيره من الأجسام ؛ لأنّ ذلك المعنى الذي عدم منه ليس هو فيه ولا في غيره ؛ فيجب لذلك تحرّك كل ما ليس فيه ذلك المعنى (ب ، ت ، ٤٣ ، ١٣)

عرش

ـ اختلف أهل الإسلام في القول بالمكان ، فمنهم من زعم أنّه يوصف بأنّه على العرش مستو ، والعرش عندهم السرير المحمول بالملائكة المحفوف بهم (م ، ح ، ٦٧ ، ١٢)

ـ قال أبو منصور رحمه‌الله : / ثم القول بالكون على العرش ـ وهو موضع بمعنى كونه بذاته أو في كل الأمكنة ـ لا يعدو من إحاطة ذلك به ، أو الاستواء به ، أو مجاوزته عنه وإحاطته به ، فإن كان الأول فهو إذا محدود به محاط منقوص عن الخلق إذ هو دونه ، ولو جاز الوصف له بذاته بما يحيط به [من] الأمكنة لجاز بما يحيط به [من] الأوقات فيصير متناهيا بذاته مقصّرا عن خلقه ، وإن كان على الوجه الثاني فلو زيد على الخلق لا ينقص أيضا ، وفيه ما في الأول ، وإن كان على الوجه الثاني فهو الأمر المكروه الدّال على الحاجة وعلى التقصير من أن ينشئ ما لا يفضل عنه ، مع ما يذم ذا من فعل الملوك أن لا يفصل عنهم من المعامد شيئا. وبعد ، فإنّ في ذلك تجزئة بما كان بعضها في ذي أبعاض ، وبعضه يفضل عن ذلك ، وذلك كله وصف الخلائق ، والله يتعالى عن ذلك (م ، ح ، ٧٠ ، ١)

ـ قال بعضهم : يريد بالعرش الملك ؛ إذ هو اسم ما ارتفع من الأشياء وعلا حتى سمّي به السطوح ورءوس الأشجار (م ، ح ، ٧٢ ، ٤)

ـ ذكر ابن كرّام في كتابه أنّ الله تعالى مماسّ لعرشه ، وأنّ العرش مكان له ، وأبدل أصحابه لفظ المماسّة بلفظ الملاقاة منه للعرش ، وقالوا : لا يصحّ وجود جسم بينه وبين العرش إلّا بأن يحيط العرش إلى أسفل ، وهذا معنى المماسة التي امتنعوا من لفظها (ب ، ف ، ٢١٦ ، ١٧)

ـ (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (طه : ٥) ومعناه عندنا : على الملك استوى أي استوى الملك للإله ، والعرش هاهنا بمعنى الملك ، من قولهم : ثلّ عرش فلان ، إذا ذهب ملكه (ب ، أ ، ٧٨ ، ٧)

ـ الصحيح عندنا تأويل العرش في هذه الآية (آية الاستواء) على معنى الملك ، كأنّه أراد أنّ الملك ما استوى لأحد غيره (ب ، أ ، ١١٣ ، ٧)

عرض

ـ إذا انضمّ جزء إلى جزء حدث طول ، وأنّ العرض يكون بانضمام جزءين إليهما ، وأنّ العمق يحدث بأن يطبق على أربعة أجزاء أربعة أجزاء ، فتكون الثمانية الأجزاء جسما عريضا طويلا عميقا (ش ، ق ، ٣٠٣ ، ١٢)

ـ لم سمّيت المعاني القائمة بالأجسام أعراضا فقال قائلون : سمّيت بذلك لأنّها تعترض في

الأجسام وتقوم بها ، وأنكر هؤلاء أن يوجد عرض لا في مكان أو يحدث عرض لا في جسم ، وهذا قول" النظّام" وكثير من أهل النظر (ش ، ق ، ٣٦٩ ، ١٢)

ـ سمّي العرض عرضا لأنّه لا يقوم بنفسه وليس من جنس ما يقوم بنفسه (ش ، ق ، ٣٧٠ ، ٥)

ـ العرض لا يقوم بالعرض وإنّما يقوم بالجوهر ، فاختلف به الجوهر واتفق (م ، ح ، ١٤٧ ، ١٠)

ـ القائم بغيره هو العرض والقائم بنفسه هو الجوهر (ب ، ت ، ٧٩ ، ٣)

ـ الأشياء كلّها على ضربين : فضرب منها يصحّ منه الأفعال وهو الجوهر ؛ وضرب تتعذّر وتمتنع منه الأفعال وهو العرض (ب ، ت ، ٧٩ ، ٦)

ـ الأشياء على ضربين : شريف ، وهو الجوهر القائم بنفسه المستغني في الوجود عن غيره ؛ وخسيس قائم بغيره ومحتاج إليه ، وهو العرض (ب ، ت ، ٧٩ ، ٩)

ـ العرض : هو الذي يعرض في الجوهر ، ولا يصح بقاؤه وقتين ، يدل على ذلك قولهم : " عرض لفلان عارض من مرض ، وصداع" إذا قرب زواله ، ولم يعتقد دوامه. ومنه قوله عزوجل : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) (الأنفال : ٦٧) وقوله ، (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) (الأحقاف : ٢٤) فكل شيء قرب عدمه وزواله ، موصوف بذلك ، وهذه صفة المعاني القائمة بالأجسام ، فوجب وصفها في قضية العقل بأنّها أعراض (ب ، ن ، ١٦ ، ٢٢)

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يقول إنّ العرض موجود بالجوهر. ويأبى أن يقال إنّه حالّ في الجوهر لأنّ الحلول عنده من صفات الأجسام الشاغلة لأماكنها ، والعرض لا يصحّ أن يشغل المكان (أ ، م ، ٢٦٥ ، ٢)

ـ الحوادث على ضربين ، حادث يقتضي محلّا يقوم به وهو العرض لا يصحّ حدوثه قائما بنفسه ، والضرب الثاني ما لا يقتضي محلّا يقوم به وهو الجوهر والجسم (أ ، م ، ٢٧٦ ، ٦)

ـ اعلم أنّ العرض في أصل اللغة هو ما يعرض في الوجود ولا يطول لبثه سواء كان جسما أو عرضا ، ولهذا يقال للسحاب عارض ... وأمّا في الاصطلاح ، فهو ما يعرض في الوجود ولا يجب لبثه كلبث الجواهر والأجسام ، وقولنا ولا يجب لبثه كلبث الجواهر والأجسام ، احتراز عن الأعراض الباقية فإنّها تبقى ، ولكن لا على حدّ بقاء الأجسام والجواهر لأنّها تنتفي بأضدادها ، والجواهر والأجسام باقية ثابتة (ق ، ش ، ٢٣٠ ، ١٢)

ـ إنّ العرض ليس له بحلوله في المحل صفة زائدة على وجوده (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥٤ ، ٧)

ـ إنّ قولنا : " عرض" يفيد أنّه مما يعرض في الوجود ، ولا يجب له من اللبث ما للجواهر (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٦٦ ، ١٧)

ـ إنّ المحدث لا بدّ أن يكون قادرا بقدرة ، وبيّنا أنّ القادر بقدرة لا يمكنه فعل الجسم ، فذلك يبطل أن يكون محدث الأجسام بعض الأعراض ، فإنّ العرض إذا كان محدثا لا بدّ من أن يكون قادرا بقدرة ، وبالقدرة لا يمكن فعل الجسم. وبعد فإنّ ذلك العرض إذا كان محدثا لا بدّ أن يكون قادرا بقدرة على ما بيّنا وأن المحدث يجب أن يكون قادرا بقدرة إذا كان قادرا (ن ، د ، ٤٤٩ ، ٦)

ـ إنّ العرض لا يجوز أن يكون قادرا أصلا (ن ، د ، ٤٥٠ ، ١)

ـ إنّ العرض لا يجوز أن يكون قادرا بقدرة

موجودة لا في محلّ (ن ، د ، ٤٥٢ ، ٨)

ـ أمّا النظّام فإنّه قال لا عرض إلّا الحركة وزعم أيضا أنّ السكون من جنس الحركة غير أنّه حركة اعتماد (ب ، أ ، ٤٦ ، ٩)

ـ العرض هو المحمول في الجسم (ح ، ف ١ ، ١٤ ، ٥)

ـ سمّينا ما لا يقوم بنفسه عرضا (ح ، ف ٥ ، ٦٧ ، ٤)

ـ العرض هو المعنى القائم بالجوهر ، كالألوان والطعوم والروائح ، والحياة والموت ، والعلوم والإرادات والقدر القائمة بالجواهر. وممّا يطلقونه الأكوان ؛ وهي الحركة والسكون والاجتماع والافتراق ، ويجمعها ما يخصّص الجوهر بمكان أو تقدير مكان (ج ، ش ، ٣٩ ، ٧)

ـ أمّا العرض فإنّما عقل بالجوهر لا بنفسه ، فذات العرض هو كونه للجوهر المعيّن ، وليس له ذات سواه. فإذا قدر مفارقته لذلك الجوهر المعيّن ، فقد قدّر عدم ذاته وإنّما فرضنا الكلام في الطول لتفهيم المقصود. فإنّه وإن لم يكن عرضا ، ولكنه عبارة عن كثرة الأجسام في جهة واحدة ، فهو مقرّب لغرضنا إلى الفهم ، فإذا فهم ، فلننقل البيان إلى الأعراض (غ ، ق ، ٣١ ، ٦)

ـ إنّ الخيّاط غالى في إثبات المعدوم شيئا وقال : الشيء ما يعلم ويخبر عنه ، والجوهر جوهر في العدم ، والعرض عرض في العدم ، وكذلك أطلق جميع الأجناس والأصناف حتى قال : السواد سواد في العدم ، فلم يبق إلّا صفة الوجود أو الصفات التي تلزم الوجود والحدوث (ش ، م ١ ، ٧٧ ، ٢)

ـ الممكن إمّا أن يكون في الموضوع وهو العرض ، أو لا يكون وهو الجوهر (ف ، م ، ٧٠ ، ٣)

ـ أمّا العرض الذي لا يقتضي قسمة ولا نسبة فهو الكيف وأقسامه أربعة أحدها : المحسوسات بالحواس الخمس. وثانيها الكيفيّات النفسانيّة. وثالثها التهيّؤ إمّا للدفع وهو القوة أو للتأثّر وهو اللاقوّة ، ورابعها الكيفيّات المختصّة بالكمّيات ، أمّا المتّصلة كالاستقامة والانحناء ، وأمّا المنفصلة كالأوليّة والتركّب والتقدّم والتأخّر (ف ، م ، ٧٠ ، ١٨)

ـ أمّا الحالّ في المتحيّز فهو العرض ، وهو إمّا أن يجوز اتّصاف غير الحيّ به أو لا يجوز ، والأوّل هو المحسوس بإحدى الحواس والأكوان (ف ، م ، ٧٤ ، ١٦)

ـ العرض لا معنى له إلّا ما وجوده في موضوع (م ، غ ، ١٨٦ ، ١٠)

ـ إنّ العرض هو الموجود الذي لا يتحقّق وجوده الشخصيّ إلّا بما يحلّ فيه. والشيء المحتاج في وجوده الشخصيّ إلى علّة لا يمكن أن يحتاج إلى علّة مبهمة ، لأنّ المبهم لا يكون من حيث هو مبهم موجودا في الخارج ، وما لا يكون موجودا في الخارج لا يفيد وجودا في الخارج بالبديهة. فالعرض إذن لا يتحقّق وجوده إلّا بمحلّ بعينه يتحقّق به وجوده الشخصيّ ويبطل بتبدّله ذلك الوجود ، ولذلك يمتنع انتقاله عنه (ط ، م ، ١٧٨ ، ٢)

ـ العرض ما لا يوجد إلّا في غيره (ط ، م ، ١٧٩ ، ١١)

ـ العرض : ما يعرض في الجوهر مثل الألوان والطعوم والذوق واللمس وغيرها مما يستحيل بقاؤه بعد وجوده (ج ، ت ، ١٩٤ ، ٣)

عرض واحد حالّ في محلين

ـ يفهم من كون العرض الواحد حالّا في محلّين معنيان : أحدهما أنّ العرض الواحد الحالّ في محلّ هو بعينه حالّ في الآخر. والثاني أنّ العرض الواحد حالّ في مجموع شيئين صارا باجتماعهما محلّا واحدا له. والأوّل باطل ... والثاني ، لم يقم حجّة على امتناعه (ط ، م ، ١٨٢ ، ٦)

عرضيّة

ـ لا مفهوم للعرضيّة إلّا القيام بالغير ، والصّفات قائمة بالغير ، فإذن ، لزم من ذلك صحّة كون الكلام الذي هو صفة مسموعا ، كما قيل في الرؤية (ط ، م ، ٣١١ ، ١٧)

ـ أيضا فالعرضيّة مشتركة بين جميع الأعراض ، وإلّا لما انقسم الممكن إليه وإلى الجوهر ، وتختلف من وجه آخر ، وليسا موجودين وإلّا قام العرض بالعرض ولا معدومين بالضرورة. قلنا : قيام العرض بالعرض أقرب من الواسطة (خ ، ل ، ٥٠ ، ١٣)

عزم

ـ العزم هو القصد إلى الفعل (أ ، م ، ١٦٠ ، ١٢)

ـ أمّا العزم فلا بدّ من كونه متقدّما وأن يكون والمراد المعزوم عليه من فعل فاعل واحد. وأن يثبت مختارا فيهما جميعا ، وأن يكون مبتدأ أو متولّدا لا يتراخى عن السبب ، ولأجل تقدّمها لم يصحّ في الله تعالى (ق ، ت ١ ، ٢٩٨ ، ٦)

ـ أمّا العزم فهو إرادة الإنسان لفعل نفسه إذا تقدّمته وتقدّمت سببه ، ولذلك لا يحسن على الله العزم ، لأنّه إنّما يحسن منّا لاستعجال السرور بها ، ولتوطين النفس على فعل مرادها أو يحفظ بها من السهو والغفلة (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٥٨ ، ١١)

ـ أمّا إرادته تعالى لأفعاله المبتدأة إذا تقدّمت فإنّما تقبح ؛ لأنّه لا فائدة فيها ؛ من حيث يجب عند فعله أن يريده ، فوجود المتقدّمة كعدمها ، وليس كذلك حال العزم منّا ؛ لأنّ الواحد منّا متى أراد فعل المستقبل الذي ينتفع به تعجّل بإرادته له متقدّما السرور ، ومتى كان فعله شاقّا وطّن نفسه على فعله بالإرادة ، فكان إلى فعله أقرب ، فلذلك حسن منّا تقديم الإرادة. وهذان الوجهان لا يصحّان على القديم سبحانه ، فيجب أن يقبح منه العزم على الأفعال (ق ، غ ١١ ، ١٢٩ ، ٩)

ـ إنّ العزم لا يقبح لأنّه عزم ، ولذلك قد يحسن منّا فعله على وجوه ، وإنّما حكمنا بقبحه منه تعالى لو وقع من حيث يكون عبثا لا فائدة فيه ، فإن حصل فيه فائدة ، وهي أنّ التكليف لا يتمّ إلّا به فيجب حسنه والقضاء بحسن التكليف (ق ، غ ١١ ، ١٥٣ ، ٩)

ـ إنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله ، أوجب اقتران العزم بهذا الندم ، وأنّه لا يرجع إلى الداعي ، فالأقرب ألا يصحّ في العزم أن يتعلّق إلّا على الوجه الذي يتعلّق به ، لأنّه متى تعلّق بوجه آخر ، اقتضى تغيّرا في حال الدواعي ، وقد علمنا أنّ الداعي يتّفق في ذلك ولا يختلف.

يبيّن ذلك أنّ الندم هو بمنزلة أن يعلم أنّه فعل قبيحا لحقته المضارّ لأجله ، أو فاتته منافع لأجله ، فيودّ أنّه لم يكن فعله ، لئلّا تلحقه المضار ، ولا يجوز أن يعتقد هذا الاعتقاد ويتلهّف عنده ، إلا ويوطن نفسه على ألّا يفعل أمثاله ، في الوجه الذي يناله ذلك الضرر ، أو يفوته ذلك النفع. فإذا كان الداعي هو الاعتقاد

والندم : إمّا أن يكون هذا الاعتقاد ، فإذا كان علما كان توبة ، أو يكون هذا العلم يقترن به ، فلا بدّ من أن يكون العزم مطابقا له ، على الوجه الذي بيّنا (ق ، غ ١٤ ، ٣٧٠ ، ١٦)

ـ إنّ العزم فعل معقول مضموم إلى الندم ، فصحّ القول بأنّهما بمجموعهما توبة ، وما نوجبه في حال التوبة من ألا يكون مقيما على قبيح ، لا يجب أن يكون فعلا ، وإنّما نريد به ألا يفعل القبيح ، ولا يصحّ فيما حلّ هذا المحل أن يعدّ من التوبة ، بل يجب أن يجعل من لواحق الداعي ، على ما بيّناه (ق ، غ ١٤ ، ٣٧٣ ، ١)

ـ التردّد ... يحصل من الدواعي المختلفة المنبعثة عن الآراء العقليّة وعن الشهوات والنفرات المتخالفة. فإن لم يوجد ترجيح لطرف حصل التحيّر ، وإن وجد حصل العزم (ط ، م ، ١٦٩ ، ٩)

ـ العزم إرادة جازمة بعد التردّد ، والمحبّة إرادة ؛ فمن الله الثواب ، ومن العبد الطاعة وكذا الرضاء (خ ، ل ، ٧٢ ، ١٥)

عزم مقترن بالندم

ـ إنّ العزم المقترن بالندم في التوبة ، يجب أن يتعلّق بحسب تعلّقه. لا يصحّ بما قدّمناه ، أنّ الندم إنّما يكون توبة إذا تعلّق بالقبيح لقبحه ، على ما تقدّم القول فيه. فيجب أن يكون العزم مطابقا له في التعلّق ، كما يجب مثله في الاعتذار ، لأنّه لو ندم على الإساءة لأنّها إساءة ، وعزم على تركها في المستقبل ، لا لأنّها إساءة ، لم يصحّ اعتذاره ، فكذلك القول في التوبة. ولأنّ الوجه الذي له يلزم الندم ، يقتضي تعلّقه بالفعل لقبحه ، على ما تقدّم القول فيه ، فإذا كان الداعي إليه هو الداعي إلى العزم المقارن له ، فيجب أن يتعلّق بالقبيح لقبحه ، ولأنّ كل من قال إنّ العزم يجب أن يقترن بالندم ، قال فيه : إنّه يجب أن يتعلّق بمثل ما تعلّق الندم به ، على الوجه الذي تعلّق الندم به. وإنّما اختلفوا في الوجه المعتبر في هذا الباب ، فاعتبرنا نحن القبح ، واعتبر شيخنا أبو علي رحمه‌الله الجنس والعظم ، واعتبر غيره ممن خالفنا التماثل في كل الزواجر والدواعي. فإذا صحّ ذلك ، وبيّنا أنّ الصحيح اعتبار القبح ، فقد ثبت ما أردناه في العزم (ق ، غ ١٤ ، ٣٧٠ ، ٢)

عصمة

ـ قال" الجبّائي" : التوفيق هو اللطف الذي في معلوم الله سبحانه أنّه إذا فعله وفّق الإنسان للإيمان في الوقت ، فيكون ذلك اللطف توفيقا لأن يؤمن ، وأنّ الكافر إذا فعل به اللطف الذي يوفّق للإيمان في الوقت الثاني فهو موفّق لأن يؤمن في الثاني ، ولو كان في هذا الوقت كافرا ، وكذلك العصمة عنده لطف من ألطاف الله (ش ، ق ، ٢٦٣ ، ٥)

ـ القول في العصمة. اختلفوا في العصمة فقال بعضهم : العصمة من الله سبحانه ثواب للمعتصمين. وقال بعضهم : العصمة لطف من الله يفعله بالعبد فيكون به معتصما. وقال بعضهم : العصمة على وجهين : أحدهما هو الدعاء والبيان والزجر والوعد والوعيد وقد فعله بالكافرين ، ولكن لا يطلق أنّه معصوم ، ويقال أنّ الله عصمه فلم يعتصم ، والوجه الآخر ما يزيد الله المؤمنين بإيمانهم من الألطاف والأحكام والتأييد ، وقد يتفاضل الناس في العصمة ويكون ضرب من العصمة إذا آتاه بعض عبيده آمن طوعا ، وإذا أعطاه غيره ازداد كفرا ،

وإذا منعه إيّاه أتى بكفر دون ذلك فيتفضّل به على من يعلم أنّه ينتفع ، ويمنعه من يعلم أنّه يزداد كفرا (ش ، ق ، ٢٦٣ ، ٧)

ـ إنّ العصمة من شرط الرسالة وليس من شرط الإمامة ، لأنّ الرسول إنّما يخبر عن الغيب ويبتدئ الشرع ويوصل من جهته إلى ما لا يمكن الوصول إليه من جهة غيره. وليس كذلك الإمام ، لأنّه قد يشاركه غيره في العلم بحكم ما يمضيه وينفذه ، لأنّ مرجعه إلى الأصول التي هي مقدّرة معلومة ولغيره إلى ذلك طريق متى ما أراد الرجوع إليه أمكنه ، فلم يعتبر في أمره أكثر من عدالة الظاهر واستقامة طريقته فيه واستقلاله بما كلّف واضطلاعه بما يحمله ، مع فقد القطع على باطنه وسرّه لوجود مساواته لظاهره وعلانيته. فمتى أقام الأحكام وأنفذها في الظاهر على ما وردت به الآثار ودلّت عليه آي الكتاب وأقاويل الأمّة ، كان أمره في الإمامة منتظما ، ومتى ما زاغ عن ذلك عدل به إلى غيره وكانت الأمّة عيارا عليه (أ ، م ، ١٨١ ، ١٩)

ـ إنّ اللطف هو كل ما يختار عنده المرء الواجب ويتجنّب القبيح ، أو ما يكون عنده أقرب إمّا إلى اختيار أو إلى ترك القبيح. والأسامي تختلف عليه فربما يسمّى توفيقا ، وربما يسمّى عصمة ، إلى غير ذلك (ق ، ش ، ٥١٩ ، ٣)

ـ أمّا العصمة ، فهي في الأصل المنع ، ولهذا قال الله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) (هود : ٤٣) ، أي لا مانع ، ومنه قيل للذي يشدّ به رأس الدابة : عصام ، وقد صار بالعرف عبارة عن لطف يقع معه الملطوف فيه لا محالة ، حتى يكون المرء معه كالمدفوع إلى أن لا يرتكب الكبائر ، ولهذا لا يطلق إلّا على الأنبياء أو من يجري مجراهم (ق ، ش ، ٧٨٠ ، ١١)

ـ أمّا العصمة : فعبارة عن الأمر الذي عنده لا يفعل المكلّف القبيح على وجه لولاه لاختاره ، فيوصف بأنّه عصمة ، من حيث امتنع عنده ولأجله ، واستعمل ذلك في الشر دون الخير ، لا من حيث اللغة ، ولكن للاصطلاح. وكلا الوجهين يوصف بأنّه لطف ، فينقسم عندنا فيما هو لطف فيه إلى القسمين الذين ذكرناهما ، ولذلك لا نصفه بأنّه توفيق إلّا عند وقوع الطاعة ، ولا بأنّه عصمة إلّا عند مجانبة المعصية. وقد نصفه قبل ذلك بأنّه لطف (ق ، م ٢ ، ٧٣٥ ، ١٤)

ـ من الأسماء الجارية على اللطف قولنا" عصمة" ، لأنّها تستعمل على مثل ما يستعمل التوفيق عليه. فكل لطف صار سببا لامتناع المكلّف من قبيح على حدّ لولاه لم يكن ليمتنع يسمّى ذلك اللطف" عصمة". وأصله من المنع (ق ، ت ٢ ، ٣٣٤ ، ١)

ـ إنّ اللطف كما قد يدعو إلى اختيار الواجب والندب على ما ذكرنا ، فقد يكون لطفا في الامتناع من القبيح في أن لا يفعله ، وكما إذا وافقت الطاعة اللطف في الحدوث يفعلها العبد لأجله ويختارها لمكانه ، يوصف بأنّه توفيق ، فكذلك متى امتنع من القبيح لمكانه وصف بأنّه عصمة ؛ ومتى حدث اللطف ولم يحصل منه الامتناع لم يوصف بأنّه عصمة (ق ، غ ١٣ ، ١٥ ، ٧)

ـ أمّا المستفاد بذكر العصمة عند مخالفي الإماميّة في قولها : إنّ الإمام معصوم ، فهو أمر مخالف لما ذكرناه ، وإن كان يقاربه. وذلك لأنّهم يقولون : إنّه لا يجوز أن يختار ما كلّف إلّا على الحدّ الذي كلّف ، وأن سبيله في ذلك سبيل

الأنبياء صلوات الله عليهم ، بل أزيد ، لأنّهم يجوّزون فيهم ما نجوّزه على الأنبياء في بعض الوجوه (ق ، غ ١٣ ، ١٦ ، ٩)

ـ أمّا من قال في العصمة : إنّها المنع من الإقدام على القبيح ، فقوله في أنّه يبطل بمنزلة قول المجبرة فيما قدّمنا ذكره في القدرة ، لأنّ المنع إذا أوجب عنده على كل وجه أن لا يقع القبيح ، زال اختيار المكلّف فيه ، وخرج من أن يكون ممتنعا لأجل ما قيل إنّه عصمة ، بل يجب كونه ممتنعا لأنّه لم تفعل فيه القدرة والتمكين ، أو لأجل منع حادث فعل فيه ، فكيف يقال فيه هذا القول؟ (ق ، غ ١٣ ، ١٧ ، ١)

ـ قال (أصحابنا مع) أكثر الأمّة أنّ العصمة من شروط النبوّة والرسالة ، وليست من شروط الإمامة ، وإنّما يشترط فيها عدالة ظاهرة (ب ، أ ، ٢٧٧ ، ١٧)

ـ إنّ العصمة لا تعرف بالاجتهاد وإنّما يعرف المعصوم بالنصّ (ب ، أ ، ٢٨٠ ، ٣)

ـ القوّة التي ترد من الله تعالى على العبد فيفعل بها الخير تسمّى بالإجماع توفيقا وعصمة وتأييدا (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٢)

ـ العصمة : هي التوفيق بعينه ؛ فإن عمّت كانت توفيقا عامّا ، وإن خصّت كانت توفيقا خاصّا (ج ، ش ، ٢٢٤ ، ٤)

ـ اختلف الناس في المعصوم من هو ، فقال قوم المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي ، وهؤلاء هم الأقلّون من العلماء أهل النظر. واختلفوا في عدم التمكّن كيف هو ، فقال قوم منهم المعصوم هو المختصّ في نفسه أو بدنه أو فيهما بخاصيّة تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي ، وقال قوم منهم بل المعصوم مساو في الخواص النفسيّة والبدنيّة لغير المعصوم ، ٢ وإنّما العصمة هي القدرة على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية ، وهذا قول الأشعري نفسه وإن كانت كثير من أصحابه قد خالفه فيه. وقال الأكثرون من أهل النظر المعصوم مختار متمكّن من المعصية والطاعة ، وفسّروا العصمة بتفسيرين : أحدهما أنّها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلّف فتقتضي أن لا يفعل المعصية اقتضاء غير بالغ إلى حدّ الإيجاب ، وفسّروا هذه الأمور فقالوا إنّها أربعة أشياء : أولها أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور داعية إلى العفّة ، وثانيها العلم بمثالب المعصية ومناقب الطاعة ، وثالثها تأكيد ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى ، ورابعها أنّه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان والسهو لم يترك مهملا بل يعاقب وينبّه ويضيّق عليه العذر ، قالوا فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة (أ ، ش ٢ ، ١٦١ ، ٣٠)

ـ العصمة لطف يمتنع المكلّف عند فعله من القبيح اختيارا (أ ، ش ٢ ، ١٦٢ ، ٢)

ـ التحقيق يقتضي أن لا تكون العصمة لأجل الطمع في السعادة والخوف من المعصية ، لأنّ ذلك يقتضي أن لا تكون العصمة مقتضى طبع صاحبهما ، بل تكون بالتكلّف. والأجود أن يقال : إنّ الله تعالى في حقّ صاحبها لطفا لا يكون له مع ذلك داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك ، هذا على ما رأى المعتزلة. أو يقال : إنّها ملكة لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي ، وهذا على رأي الحكماء (ط ، م ، ٣٦٩ ، ١٩)

ـ العصمة حصول ملكة الصفة في النفس مع العلم بالثواب والعقاب وتتابع البيان من الله ـ

عزوجل ـ وخوف المؤاخذة على ترك الأولى (خ ، ل ، ١٢٠ ، ٧)

ـ أبو علي وأبو هاشم وقاضي القضاة : والعصمة هي اللطف الذي تترك لأجله المعصية ، لا محالة. البلخيّ : قد يطلق على الدلالة والبيان ، فكل مكلّف معصوم ، فلا يطلق على الكافر ، بل يقال عصمه الله فلم يعتصم. قلنا : فيلزم ألا يسألها المكلّف إذ قد فعلت له. المجبرة والرافضة : بل هي المنع من المعصية بخلق القدرة الموجبة للطاعة. قلنا : فلا يسألها المؤمن ، سلّمنا ، فبناء على أصل فاسد (م ، ق ، ١٠٥ ، ١٥)

ـ العصمة : ردّ النفس عن تعمّد فعل المعصية أو ترك الطاعة مستمرّا لحصول اللطف والتنوير عند عروضهما (ق ، س ، ١٣٣ ، ١٠)

عصمة الإمام

ـ الإماميّة كلّها تدّعي عصمة الإمام ، ثم يزعم أنّ الإمام يجوز أن ينكر إمامة نفسه في حال التقيّة حتى يقول لمن يخاف منه أنّي لست بالإمام (ب ، أ ، ٢٧٨ ، ١٦)

عصمة الأنبياء

ـ في عصمة الأنبياء في زمن النبوّة عن الذنوب في أفعالهم وتروكهم عدا ما يتعلّق بتبليغ الوحي والفتوى في الأحكام ، جوّز قوم من الحشوية عليهم هذه الكبائر وهم أنبياء كالزنا واللواط وغيرهما ، وفيهم من جوّز ذلك بشرط الاستسرار دون الإعلان ، وفيهم من جوّز ذلك على الأحوال كلها. ومنع أصحابنا المعتزلة من وقوع الكبائر منهم عليهم‌السلام أصلا ، ومنعوا أيضا من وقوع الصغائر المسخّفة منهم ، وجوّزوا وقوع الصغائر التي ليست بمسخّفة منهم. ثم اختلفوا فمنهم من جوّز على النبيّ الإقدام على المعصية الصغيرة غير المستخفّة عمدا ، وهو قول شيخنا أبي هاشم رحمه‌الله تعالى فإنّه أجاز ذلك وقال إنّه لا يقدم عليه‌السلام على ذلك إلّا على خوف ووجل ، ولا يتجرّأ على الله سبحانه ، ومنهم من منع من تعمّد إتيان الصغيرة وقال إنّهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل على سبيل التأويل ودخول الشبهة وهذا قول أبي علي رحمه‌الله تعالى. وحكى عن أبي إسحاق النظّام وجعفر بن مبشر أنّ ذنوبهم لا تكون إلّا على سبيل السهو والنسيان ، وأنّهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعا عن أمّتهم لأنّ معرفتهم أقوى ودلائلهم أكثر وأخطارهم أعظم ، ويتهيّأ لهم من التحفّظ ما لا يتهيّأ لغيرهم (أ ، ش ٢ ، ١٦٢ ، ٣٣)

عصى

ـ الجاحظ يقول بالمعرفة ويزعم أنّ أحدا لا يعصى الله إلّا بعد العلم بما نهاه عنه. وصاحب الكتاب (ابن الروندي) يوافقه على القول بالمعرفة وأن أحدا لا يعصى الله إلا بالقصد إلى معصيته والاعتماد لها (خ ، ن ، ٧٢ ، ١٧)

ـ أصحاب أبي معاذ التومني ، زعم أنّ الإيمان هو ما عصم من الكفر ، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك كفر ، وكذلك لو ترك خصلة واحدة منها كفر ، ولا يقال للخصلة الواحدة منها إيمان ، ولا بعض إيمان ، وكل معصية كبيرة أو صغيرة لم يجمع عليها المسلمون بأنّها كفر لا يقال لصاحبها فاسق ، ولكن يقال فسق وعصى ، قال : وتلك الخصال هي المعرفة والتصديق

والمحبّة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول (ش ، م ١ ، ١٤٤ ، ١١)

عصيان

ـ العصيان في اللغة معنيان : أحدهما معنى الذنب والخروج عن الطاعة الواجبة. والثاني الامتناع عن الشيء (ب ، أ ، ٢٥٢ ، ٢)

ـ العصيان (لغة) : مخالفة الآمر والناهي ولو خطأ ، لما مرّ (ق ، س ، ١٨٧ ، ١٩)

عطف

ـ ليس العطف على الشيء مخرجا له عنه إذا قام برهان على أنّه داخل فيه (ح ، ف ٢ ، ١٧١ ، ٢)

عفو

ـ لا يوصف بالعفو إلّا القادر على ضدّه (ز ، ك ٣ ، ٢٠ ، ٢١)

عقاب

ـ إنّ الطاعة ليست بعلّة الثواب ، ولا المعصية علّة للعقاب ، ولا يجب لأحد على الله تعالى ، بل الثواب وما أنعم به على العبد فضل منه ، والعقاب عدل منه. ويجب على العبد ما أوجبه الله تعالى عليه ، ولا موجب ولا واجب على الله (ب ، ن ، ٤٨ ، ٢٠)

ـ إننا لا نقول أنّ المدح والثواب ، ولا الذمّ والعقاب يحصل بفعل الفاعل منّا ؛ حتى يوجب ذلك كونه خلقا له واختراعا ، بل نقول : إنّ ذلك يحصل بحكم الله تعالى ، ويجب ويستحق بحكمه لا [بأن] يوجب الواجب عليه خلق [فعل] أوجبه عليه (ب ، ن ، ١٥٥ ، ٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ الثواب والعقاب المتعلّقين على الأكساب خيرها وشرّها وإيمانها وكفرها ممّا تعلّق بها خبرا لا عقلا. وكان يقول إنّهما غير واجبين من جهة العقول بل إنّما قلنا إنّه يعاقب من مات على الكفر لا محالة عقابا دائما مؤبّدا خبرا مقرونا بالإجماع المضطرّ إلى عمومه ، ومن مات على الإيمان مجتنبا للكبائر فإنّه يثاب ثوابا دائما لا محالة أيضا من جهة الخبر. وقد قامت الدلالة على أنّ الكذب في خيره محال فآمنّا خلافه وقطعنا بكونهما على الوجه الذي تعلّق بهما الخبر (أ ، م ، ٩٩ ، ٦)

ـ كان (الأشعري) يقول في العقاب إنّه ابتداء عدل من الله تعالى لم يوجبه سبب متقدّم من كفر ومعصية ، بل كان كفر الكافر بخذلانه وحرمانه وإضلاله ، وإنّه لو عفا عن الكفّار جميعا وأدخلهم الجنّة كان ذلك لائقا برحمته غير منكر في حكمته ، ولكنّا إنّما قطعنا بعذابهم على طريق التأبيد للخبر المجمع على عمومه. وقطعنا بثواب المؤمنين على التأبيد للخبر الذي قارنه الإجماع على تعميم صورته وصيغته ، فقضينا به وحكمنا أنّ ذلك كائن لهم لا محالة. وبيّنا لك أنّه كان يجوّز في العقل أن يعفو الله تعالى عن واحد ويعاقب من كان على مثل جرمه ولا يكون ذلك منه جورا ، بل العفو منه تفضّل وتركه ليس بجور (أ ، م ، ١٦٣ ، ١٣)

ـ اعلم أنّ البغداديّة من أصحابنا ، أوجبت على الله تعالى أن يفعل بالعصاة ما يستحقّونه لا محالة ، وقالت : لا يجوز أن يعفو عنهم ، فصار العقاب عندهم أعلى حالا في الوجوب من الثواب ، فإنّ الثواب عندهم لا يجب إلّا من حيث الجود ، وليس هذا قولهم في العقاب ، فإنّه يجب فعله بكل حال (ق ، ش ، ٦٤٥ ، ١)

ـ أمّا العقاب ، فهو كل ضرر محض يستحقّ على طريق الاستخفاف والنكال. فلا بدّ من أن

يكون ضررا ، لأنّه لو كان منفعة لم يكن عقابا ، وكذلك فلو لم يكن مستحقّا لم ينفصل عن الظلم ، وهكذا فلو لم يستحقّ على سبيل الاستخفاف والنكال لم ينفصل عن الحدود التي تقام على التائب وعن هذه الآلام والمصائب النازلة من جهة الله تعالى (ق ، ش ، ٧٠٠ ، ٩)

ـ إنّ أفعاله (الله) يجب كونها حسنة ، ويجب أن تثبت على وجه لو لا كونها عليه لكانت قبيحة ، أو اقتضى كونه غير فاعل لما وجب عليه. وهذه الجملة تقتضي في بعض أفعاله أنّه واجب ، وفي بعضه أنّه يختصّ بكونه حسنا فقط ، وفي بعضه أنّ له صفة زائدة على حسنه. فمثال الوجه الثالث ابتداء الخلق وسائر ما خلقه من الحياة والعقل والشهوة والمشتهى ، لأنّ جميع ذلك تفضّل منه تعالى ، وإحسان يستحقّ عليه المدح والشكر ، ولا يصحّ كونه مستحقّا لذلك إلّا وله صفة زائدة على كونه حسنا. ولو انتفى عنه كونه إحسانا لوجب كونه عبثا قبيحا ، فيجب فيما حلّ هذا المحلّ أن يختصّ بصفة زائدة على حسنه تجري مجرى الندب منّا. ومثال الوجه الثاني العقاب ، لأنّه من حيث كان مستحقّا يحسن فعله ، ولا يستحقّ تعالى به المدح والشكر ، فهو إذا بمنزلة المباح منّا. وكذلك القول في إعادة المعاقب ، وسائر ما يفعله تعالى لكي يفعل به العقاب. ومثال الوجه الأول تمكين المكلّف وإثباته ؛ لأنّه تعالى بالتكليف قد التزم فعل ذلك ، فلا بدّ من كونه واجبا ، ولو فعله لا على الوجه الذي يقتضي وجوبه لأدّى ذلك إلى كونه سبحانه مخلّا بالواجب وهذا في أنّه يمتنع عليه بمنزلة فعل القبيح. فعلى هذه الوجوه يجب أن يعتبر القول في أفعاله تعالى (ق ، غ ١١ ، ٦٨ ، ١١)

ـ إنّ العقاب لا يستحقّه المكلّف بألّا يتعرّض للمنفعة ، وإنّما يستحقّه لأنّه يفعل القبيح أو يخلّ بالواجب ، وقد ثبت أن الذّم يستحقّ في الشاهد على هذين الوجهين ، وإن أضرّ ذلك بالمذموم ، لا لأنّه لم ينفع نفسه ، لكن لإقدامه على القبيح. فكذلك القول في العقاب ؛ لأنّه إنّما يستحقّه المكلّف من حيث فعل قبيحا ، أو لم يفعل الواجب في عقله (ق ، غ ١١ ، ١٤٥ ، ٨)

ـ إنّا أوجبنا العقاب فيمن يتمكّن من الفعل ، بأن ينظر فيعرف أحواله ، ثم يقدم عليه ويتركه (ق ، غ ١٢ ، ٣٠٩ ، ١١)

ـ إنّ العقاب قد يستحقّه المكلّف على ما ليس بلذّة ولا منفعة من المعاصي ، بل قد يستحقّه على المشقّة الشديدة إذا فعلها على الوجه الذي تقبح عليه كعبادة الأصنام وكما يفعله الرهبان. فكيف يصحّ في العقاب عليه أن يخرج به من أن يكون ضررا ، ولا نفع يعجل هذا المعاقب على وجه؟ (ق ، غ ١٣ ، ٢٩٥ ، ١٩)

ـ إنّ العقاب إنّما يستحقّه أحدنا لصفات يختصّ بها ، كما نقوله في فعل القبيح ، فلو دلّ ذلك على مفارقة حاله (الله) لحالنا في الذمّ لو لم يفعل الواجب ، لدلّ على مفارقة حاله لحالنا في فعل القبيح لو فعله ، وهذا يوجب أن لا قبيح في أفعاله ، كما يوجب ما قدّمناه أنّ الواجب في أفعاله. فقد صحّ أن مخالفتهم لنا في استحقاق الذمّ ، يؤدّيهم إلى أن لا واجب في أفعاله تعالى البتّة. وإلى أن يكون الواجب من أفعاله كالتفضّل ، ومتى لم يتميّز من التفضّل لم يكن واجبا (ق ، غ ١٤ ، ٢٦٩ ، ٢٠)

ـ مستحقّ العقاب يوصف بأنّه فاسق (ق ، غ ١٤ ،

٣٠١ ، ١٥)

ـ العقاب لا يستحقّ إلّا على القبيح في باب الأفعال (ق ، غ ١٥ ، ٦٦ ، ١١)

ـ إنّ الثواب إنّما يكون على الطاعة والطاعة موافقة الأمر ، والعقاب إنّما يكون على المعصية والمعصية موافقة النهي ومخالفة الأمر (ب ، أ ، ٢٥ ، ٣)

ـ العقاب لا يجب أيضا ، والواقع منه هو عدل من الله. وما وعد الله تعالى من الثواب أو توعّد به من العقاب ، فقوله الحق ووعده الصدق. وكل ما دللنا به على أنّه لا واجب على الله تعالى فإنّه يطردها هنا (ج ، ش ، ٣٢١ ، ٥)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ الثواب حتم على الله تعالى ، والعقاب واجب على مقترف الكبيرة إذا لم يتب عنها. ولا يجب العقاب عند الأكثرين وجوب الثواب ؛ لأنّ الثواب لا يجوز حبطه والعقاب يجوز إسقاطه عند البصريين وطوائف من البغداديين ؛ ولكن المعنى بكونه مستحقا عندهم أن يحسن لوقوعه مستحقّا ، ولو لم يكن كذلك لما حسن العقاب على التأييد ، فهذا حقيقة أصلهم (ج ، ش ، ٣٢١ ، ٨)

ـ وجوب النظر سمعيّ ، خلافا للمعتزلة وبعض الفقهاء من الشافعيّة والحنفيّة. لنا قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥) ، ولأنّ فائدة الوجوب الثواب والعقاب ، ولا يقبح من الله تعالى شيء من أفعال ، فلا يمكن القطع بالثواب والعقاب من جهة العقل ، فلا يمكن القطع بالوجوب (ف ، م ، ٤٢ ، ١٥)

ـ إنّ العقاب عقاب الذنوب إنّما يسقط بأحد أمرين ، إمّا بثواب على طاعات تفضل على ذلك العقاب المستحقّ ، أو بتوبة كاملة الشروط. وكلا الأمرين لا يصحّ من المكلّفين إيقاعه إلّا في الدنيا ، فإنّ الآخرة ليست دار تكليف ليصحّ من الإنسان فيها عمل الطاعة والتوبة عن المعصية السالفة (أ ، ش ١ ، ٤٦٧ ، ٦)

ـ إنّ الله تعالى لمّا كلّف العباد التكاليف الشاقّة وقد كان يمكنه أن يجعلها غير شاقّة عليهم بأن يزيد في قدرهم ، وجب أن يكون في مقابلة تلك التكاليف ثواب ، لأنّ إلزام الشاقّ كإنزال المشاقّ ، فكما يتضمّن ذلك عوضا وجب أن يتضمّن هذا ثوابا ، ولا بدّ أن يكون في مقابلة فعل القبيح عقاب ، وإلّا كان سبحانه ممكّنا الإنسان من القبيح مغريا له بفعله ، إذ الطبع البشريّ يهوى العاجل ولا يحفل بالذمّ ، ولا يكون القبيح قبيحا حينئذ في العقل ، فلا بدّ من العقاب ليقع الانزجار (أ ، ش ٤ ، ٤٠٨ ، ٢٥)

ـ الثواب والعقاب مستحقّان. الكراميّة وابن الراوندي : سمعا فقط. قلنا : خلق الحكيم شهوة القبيح يستلزم حسن المعاقبة عليه وإلّا كان مغريا به ، ثم إنّ الإيجاب لمجرّد الإثابة لا يحسن إذ لا يجب طلب النفع ، فلا بدّ من وجه للإيجاب وهو التحرّز من المضار. قلت : إلّا أنّ هذا مركّب من العقل والسمع. قاضي القضاة : استحقاق العقاب يعلم عقلا والشرع مؤكّد. أبو رشيد : ويجوز دلالة الشرع عليه. لنا : إنّما وجبت المعرفة ليحصل بها اجتناب المعاصي وثمرته التحرّز من العقاب ، فمهما لم يعلم استحقاقه لم يصحّ ذلك (م ، ق ، ١٢١ ، ٩)

عقاب السبب

ـ إنّ عقاب المسبّب إذا كان معصية منفصل من عقاب السبب ، وإنّه كما وجب أن يعتبر في نفس السبب أن لا يستحقّ العقوبة عليه إلّا عند

وجوده من قبله ، فكذلك يجب في المسبّب أن لا يستحقّ عليه العقوبة إلّا وقد وجد. فكما لا يجوز في السبب أن تتعلّق به العقوبة إذا كان المعلوم أنّه سيوجد عند حصول الدواعي إليه ؛ بل وجب أن يقال : إنّه ما لم يوجد فالعقوبة غير مستحقّة عليه ، وإن تقدّمت الدواعي والأمور التي تقتضي فعله للسبب لا محالة. فكذلك لا يجوز أن يقال مثله في المسبّب ؛ لأنّ السبب في أنّه كالجهة ، لوجوب وجوده على بعض الوجوه ، كالدواعي في نفس الفعل. فكما لا يجب عند وجودها أن يستحقّ العقاب على نفس السبب ، بل وجب القضاء بأنّه يستحقّ إذا وجد ؛ فكذلك القول في نفس المسبّب (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٠ ، ٢)

عقاب على فعل وعدمه

ـ هل استحقّ الثواب والعقاب على الفعل وعدمه : فعند أبي علي ، أنّ الثواب والعقاب لا يستحقّ إلّا على الفعل ، فأمّا على أنّه لا يفعل فلأنّنا على قوله إنّ القادر بالقدرة لا يخلو من الأخذ والترك. وأمّا عند أبي هاشم ، فإن لا يفعل كالفعل في أنّه جهة الاستحقاق وهو الصحيح من المذهب (ق ، ش ، ٦٣٨ ، ٦)

عقاب على ما لا يقع من القبيح

ـ إنّه لا يجوز أن يستحقّ العقاب على ما لا يقع من القبيح البتّة ، لأنّ استحقاقه يتبع وقوعه كما يتبع قبح الواقع. فلو كان الواقع حسنا ، كان لا يستحقّ العقاب له ، فبأن لا يستحقّ ذلك إذا كان غير واقع البتّة أولى. فلا بدّ من كونه واقعا ، وأن يعلم أنّه سيقع لا محالة ، فيدخل في حكم الواقع إذا وجد سببه من قبل. فلذلك فصلنا بين الحالين ، وقلنا : متى وقع المسبّب فإنّ العقاب عليه وعلى السبب يستحقّ في حال وجود السبب ، ومتى علم من حاله أنّه لا يقع ويقع المنع عنه ، لم يجز أن يستحقّ العقاب عليه. ويبيّن ذلك أنّه لو كان ذلك المسبّب مما يصحّ أن يبتدئه لوجب مع حصول المنع أن لا يستحقّ به العقاب لامتناع فعله عليه ، فكذلك يجب فيه إذا كان مسبّبا (ق ، غ ١٢ ، ٤٦٨ ، ١٧)

عقاب المسبّب

ـ إنّ عقاب المسبّب إذا كان معصية منفصل من عقاب السبب ، وإنّه كما وجب أن يعتبر في نفس السبب أن لا يستحقّ العقوبة عليه إلّا عند وجوده من قبله ، فكذلك يجب في المسبّب أن لا يستحقّ عليه العقوبة إلّا وقد وجد. فكما لا يجوز في السبب أن تتعلّق به العقوبة إذا كان المعلوم أنّه سيوجد عند حصول الدواعي إليه ؛ بل وجب أن يقال : إنّه ما لم يوجد فالعقوبة غير مستحقّة عليه ، وإن تقدّمت الدواعي والأمور التي تقتضي فعله للسبب لا محالة. فكذلك لا يجوز أن يقال مثله في المسبّب ؛ لأنّ السبب في أنّه كالجهة ، لوجوب وجوده على بعض الوجوه ، كالدواعي في نفس الفعل. فكما لا يجب عند وجودها أن يستحقّ العقاب على نفس السبب ، بل وجب القضاء بأنّه يستحقّ إذا وجد ؛ فكذلك القول في نفس المسبّب (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٠ ، ١)

عقد

ـ لسنا نعني بالعقد البيعة التي هي صفق باليد ، وإنّما نعني الرضا والانقياد وإظهار ذلك. فلا بدّ من أن يقترن بهذا العقد قبول منه ؛ ليصير إماما ؛ لأنّه ما لم يقبل لا يصير إماما ، وإن لزمه أن يقبله إذا كانت الحال ما وصفنا ؛ لأن قبوله

قد يكون فرضا معيّنا ، وقد يكون من فرض الكفايات. ولسنا نعني بالقبول إظهار هذه اللفظة بل إظهار الدخول فيما التمس منه وإظهار الرضى به (ق ، غ ٢٠ / ١ ، ٢٥١ ، ٨)

عقد الإمامة

ـ فإن قال قائل : فبكم يتم عقد الإمامة عندكم؟ قيل له : تنعقد وتتم برجل واحد من أهل الحل والعقد إذا عقدها لرجل على صفة ما يجب أن يكون عليه الأئمة. فإن قالوا : وما الدليل على ذلك؟ قيل لهم : الدليل عليه أنّه إذا صحّ أنّ فضلاء الأمّة هم ولاة عقد الإمامة ، ولم يقم دليل على أنّه يجب أن يعقدها سائرهم ولا عدد منهم مخصوص لا تجوز الزيادة عليه والنقصان منه ، ثبت بفقد الدليل على تعيين العدد والعلم بأنّه ليس بموجود في الشريعة ولا في أدلّة العقول أنّها تنعقد بالواحد فما فوقه (ب ، ت ، ١٧٨ ، ١٢)

عقل

ـ إنّما سمّي العقل عقلا وحجرا ، قال الله تعالى (هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) (الفجر : ٥) لأنّه يزمّ اللسان ويخطمه ويشكله ويزبنه ويقيّد الفضل ويعقله عن أن يمضي فرطا في سبيل الجهل والخطإ والمضرّة ، كما يعقل البعير ويحجر على اليتيم (ج ، ر ، ٣٨ ، ١٨)

ـ وصفوا العقل فقالوا : منه علم الاضطرار الذي يفرّق الإنسان به بين نفسه وبين الحمار وبين السماء وبين الأرض وما أشبه ذلك ، ومنه القوّة على اكتساب العلم ، وزعموا أنّ العقل الحسّ نسمّيه عقلا بمعنى أنّه معقول ، وهذا قول" أبي الهذيل" (ش ، ق ، ٤٨٠ ، ٦)

ـ البلوغ هو تكامل العقل ، والعقل عندهم هو العلم ، وإنّما سمّي عقلا لأنّ الإنسان يمنع به عما لا يمنع المجنون نفسه عنه ، وأنّ ذلك مأخوذ من عقال البعير ، وإنّما سمّي عقاله عقالا لأنه يمنع به (ش ، ق ، ٤٨٠ ، ١١)

ـ معنى العقل إنّما هو المنع عنده (الجبائي) وهو مأخوذ من عقال البعير ، وإنّما سمّي علمه عقلا من هذا (ش ، ق ، ٥٢٦ ، ١٠)

ـ اعلم أنّه كان (الأشعري) يقول في معنى العقل إنّه هو العلم. ويستشهد على ذلك بكلام أهل اللغة في قولهم" عقلت كذا ولم أعقل كذا" ، ويشيرون في ذلك إلى معنى العلم (أ ، م ، ٣١ ، ٣)

ـ اعلم أنّه (الأشعري) كان يذهب في معنى العقل إلى أنّه هو العلم. ويعتمد في ذلك اللغة وما عليه أهلها من فائدة معنى هذه الكلمة ، وذلك أنّهم لا يفرّقون بين قول القائل" عقلته" و" عرفته" و" علمته" ، ويحيلون قول القائل إذا قال" عقلته ولم أعلمه" ، أو يقول" علمته ولم أعقله" ، كما يحيلون إذا قال" عرفته ولم أعلمه". فكما تبيّن بذلك أنّ العلم والمعرفة معناهما واحد فكذلك تبيّن بمثله أنّ العقل والعلم معناها واحد. وكان يقول إنّ علم الله تعالى إنّما لا يسمّى عقلا لأجل أنّ الأمّة قد منعت من ذلك ، وأوصافه وأسماؤه طريقها التوقيف (أ ، م ، ٢٨٤ ، ٥)

ـ إن قيل : وما ذلك الفعل الذي يمكن الاستدلال به على الله تعالى مع أنّ جنسه يدخل تحت مقدورنا؟ قلنا : أفعال الله كثيرة من جملتها العقل ، لأنّه يمكن الاستدلال به على الله تعالى مع أنّ جنسه وهو الاعتقادات يدخل في مقدورنا (ق ، ش ، ٩٠ ، ١٧)

ـ إنّ العقل في الشاهد يدلّ على فاعل مختار حتى صار كالحقيقة فيه فلا يتغيّر شاهدا وغائبا. ولو أنّهم أرادوا بذلك الفاعل المختار فلا مشاحة بيننا وبينهم إلّا في العبارة ، والمرجع فيها إلى أرباب اللسان وأهل اللغة ، ومعلوم أنّهم لا يسمّون الفاعل نفسا ولا عقلا ولا علّة (ق ، ش ، ١٢١ ، ٤)

ـ أمّا العقل فإنّ المكلّف يحتاج إليه ؛ لأنّ به يعلم الكثير مما كلّف ؛ نحو وجوب ردّ الوديعة وشكر المنعم وقبح الظلم وحسن الإحسان ، ويتوصّل به إلى العلم بسائر ما كلّفه عقلا وسمعا ممّا طريقة الاستدلال ؛ لأنّه لا يصحّ منه أن ينظر في الأدلّة إلّا وهو كامل العقل وعالم بالأدلّة على الوجه الذي تدلّ. ويحتاج إليه في أداء الأفعال أجمع ؛ لأنّه متى لم يكن عاقلا لم يصحّ أن يؤدّيها على الوجه الذي يستحقّ بها الثواب والعقاب (ق ، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ٨)

ـ اعلم أنّ العقل هو عبارة عن جملة من العلوم مخصوصة ، متى حصلت في المكلّف صحّ منه النظر والاستدلال والقيام بأداء ما كلّف (ق ، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ١٧)

ـ لسنا نمتنع من وصف العقل بأنّه جوهر إذا أريد بذلك أنّه الأصل للعلوم ، وإن كان ذلك مخالفا للّغة وللاصطلاح. فإن أرادوا به هذا المعنى فقد أصابوا المعنى وأخطئوا اللفظ. وإن أرادوا أنّه بصفة الجواهر فقد دللنا على خلافه. على أنّ العقل يوجب كون العاقل عاقلا (ق ، غ ١١ ، ٣٧٧ ، ١)

ـ أمّا من قال في العقل : إنّه قوّة فإن أراد به أنّه لولاه لما صحّ الاستدلال والنظر على وجه يؤدّيان إلى العلوم فشبّهه من هذا الوجه بالقدرة التي يتمكّن بها من الفعل ، فهو مصيب في المعنى ، وإن وضع اللفظ في غير موضعه. وإن أراد أنّ العقل قدرة في الحقيقة وإن كان قدرة على العلوم التي تحصل للعاقل ، فيجب ألّا يمتنع أن يكون عاقلا وإن لم يحصل عالما بهذه المعلومات ، بل يجب في بعض الأوقات أن يكون كذلك لأنّ القدرة متقدّمة للفعل. وفي استحالة ذلك دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١١ ، ٣٧٩ ، ٥)

ـ إنّ العقل هو عبارة عن العلوم المخصوصة التي نذكرها في هذا الباب. فإن قال : فما تلك العلوم؟ أتقولون فيها : إنّها علوم محصورة بعدد ، أو تحصر بالصفة دون العدد ، أو لا يصحّ حصرها أصلا؟ قيل له : هي محصورة بالصفة ، ولا معتبر فيها بعدد. والأصل في ذلك أنّ الغرض بالعقل ليس هو نفسه ، وإنّما يراد أن يتوصّل به إلى اكتساب العلوم ، والقيام بما كلّف من الأفعال ، فلا بدّ من أن يحصل للعاقل من العلوم ما يصحّ معها أن يكتسب ما يلزمه من المعارف ، ويؤدّي ما وجب عليه من الأفعال ، وما تسلّم معه هذه العلوم ، وما يكون أصلا لهذه العلوم ويجري مجراه في الجلاء ؛ لأنّ العلوم يتعلّق بعضها ببعض لخلال منها أنّ الطريق الواحد قد يجمعها ، فمتى جمع العلوم الطريق الواحد ولم يحصل العلم ببعضها لم يسلم العلم بسائرها. ومنها أن بعضها قد يترتّب على بعض ويكون أصلا له ، حتّى لا يصحّ حصول الفرع إلّا مع الأصل. ومنها أنّ الخفيّ منه يجري مجرى الفرع على الجليّ ، وإن لم يكن فرعا عليه في الحقيقة ؛ لأنّه لو لم يخطر بباله كثير من الأمور الجليّة لم يمتنع ألّا يحصل له العلم بالخفيّ (ق ، غ ١١ ، ٣٧٩ ، ١١)

ـ أمّا العقل فإنّما يوصف بذلك لوجهين :

أحدهما أنّه يمنع من الإقدام عمّا تنزع إليه نفسه من الأمور المشتهاة المقبحة في عقله ، فشبّه هذا العلم بعقل الناقة المانع لهما عمّا تشتهيه من التصرّف. والثاني أنّ معه تثبت سائر العلوم المتعلّقة بالفهم والاستدلال. فمن حيث اقتضى ثبات سائر العلوم المتعلّقة بالفهم والاستدلال شبّه بعقال الناقة المقتضي لثباتها. ولذلك لم نصفه ـ تعالى ـ بأنّه عاقل ، وإن علم كل ما يعلمه العاقل بل جميع المعلومات (ق ، غ ١١ ، ٣٨٦ ، ٧)

ـ لم يسمّ كلّ علم بقبيح بأنّه عقل ، وإنّما يخصّ بذلك العلوم الضروريّة. وإنّما وصفنا جميع العلوم بذلك لأنّ العلم بقبح القبيح لا يتمّ إلّا به ، فصار بمنزلته من هذا الوجه ، فجعل الاسم اسما لجميعه ، والمراهق فليس يحصل له العلم بالمقبّحات ، وإنّما يحصل ظانّا بها ، فلذلك لم يوصف بهذه الصفة. وليس لأحد أن يقول : يجب أن تصفوا الظنّ بقبح القبيح إذا صرف عن فعله كصرف العلم عنه بأنّه عقل ؛ لأنّا قد بيّنا أن المجاز لا يقاس. فإذا لم يجب وصف سائر العلوم بالقبائح بذلك فبألّا يجب وصف الظنّ والاعتقاد بذلك أولى. وهذه التسمية وإن كانت بالصفة التي ذكرناها من حيث اللغة فلا يمتنع أن تكون حقيقة بالاصطلاح للجملة التي ذكرناها من العلوم ؛ لأنّ المتكلّمين قد جعلوها موضوعة لما ذكرناه ، وإن اختلفوا في العلوم التي بها يتكامل العقل ، واختلافهم في ذلك لا يؤثّر في اتّفاقهم من أنّ ما عند كل واحد منهم أنّه يصحّ معه التكليف نسمّيه عقلا. وأهل اللغة فليس يقصدون بذلك إلى العلم وإنّما يفيدون به المنع وما يجري مجراه ، وقع ذلك بالعلم أو غيره (ق ، غ ١١ ، ٣٨٧ ، ٦)

ـ إنّ العقل يدلّ على الشكر والعبادة لله تعالى ، كما ذكرته ، ولكنّه لا يدلّ على أعيان الأفعال التي بها يعبد ، وعلى شروطها ، وأوقاتها وأماكنها ؛ لأنّها ، لو دلّت على ذلك ، لكان ذلك كدلالتها على سائر الواجبات العقلية ، التي عند وجود سببها لا تختلف أحوال المكلّفين فيه. فكان يجب أن تكون هذه أحوال هذه الأفعال ، وكيف يدلّ العقل على أنّ الصلاة بلا طهارة لا تكون عبادة ، ومع الطهارة تكون عبادة ، وحال الخضوع فيها وبها لا تتغيّر ؛ وأن صوم يوم النحر لا يكون عبادة ، وقبله يكون عبادة ؛ وأنّ أداء الزكاة ، على طريق الوجوب ، قبل الحول لا يكون عبادة ، وبعده يكون عبادة ؛ وأنّ الواجب أن تؤدّي إلى واحد دون الآخر؟ وذلك يبيّن أنّه لا مجال للعقليّات فيه على وجه من الوجوه (ق ، غ ١٥ ، ٢٧ ، ١٨)

ـ إنّ العقل يفصل بين القبيح والحسن ، وفصله إن لم يكن أقوى من فصل الحسّ بين السواد والبياض ، فلا يكون دونه (ن ، م ، ١١٥ ، ٧)

ـ إنّ العقل على الحقيقة إنّما هو استعمال الطاعات واجتناب المعاصي ، وما عدا هذا فليس عقلا بل هو سخف وحمق (ح ، ف ٣ ، ١١٦ ، ٢٣)

ـ إنّ العقل فعل النفس وهو عرض محمول فيها وقوة من قواها فهو عرض كيفية بلا شكّ (ح ، ف ٥ ، ٧٢ ، ١٦)

ـ لفظة العقل في لغة العرب إنّما هي موضوعة لتمييز الأشياء واستعمال الفضائل ، فصحّ ضرورة أنّها معبّرة بها عن عرض (ح ، ف ٥ ، ٧٢ ، ٢١)

ـ ذهبت المعتزلة إلى أنّ العقل يتوصّل به إلى درك واجبات ، ومن جملتها النظر ، فيعلم وجوبه

عندهم عقلا (ج ، ش ، ٢٩ ، ١٦)

ـ العقل علوم ضروريّة. والدليل على أنّه من العلوم الضروريّة ، استحالة الاتّصاف به مع تقدير الخلو عن جميع العلوم (ج ، ش ، ٣٦ ، ٦)

ـ ليس العقل من العلوم النظريّة ، إذ شرط ابتداء النظر تقدّم العقل ؛ وليس العقل جملة العلوم الضروريّة ، فإنّ الضرير ومن لا يدرك يتّصف بالعقل مع انتفاء علوم ضروريّة عنه. فاستبان بذلك أنّ العقل بعض من العلوم الضروريّة ، وليس كلّها (ج ، ش ، ٣٦ ، ١٦)

ـ سبيل تعيينه والتنصيص عليه أن يقال : كل علم لا يخلو العاقل منه عند الذكر فيه ، ولا يشاركه فيه من ليس بعاقل ، فهو العقل. ويخرج من مقتضى السبر أنّ العقل علوم ضروريّة بتجويز الجائزات واستحالة المستحيلات ؛ كالعلم باستحالة اجتماع المتضادّات ، والعلم بأنّ المعلوم لا يخلو عن النفي أو الإثبات ، والعلم بأنّ الموجود لا يخلو عن الحدوث أو القدم (ج ، ش ، ٣٧ ، ٤)

ـ أمّا السمع والعقل ، فقد قال أهل السنّة : الواجبات كلّها بالسمع ، والمعارف كلّها بالعقل. فالعقل لا يحسن ولا يقبح ، ولا يقتضي ولا يوجب. والسمع لا يعرّف ، أي لا يوجد المعرفة ، بل يوجب (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ١٩)

ـ المشهور أنّ العقل الذي هو مناط التكليف ، هو العلم بوجود الواجبات واستحالة المستحيلات ، لأنّ العقل لو لم يكن من قبيل العلوم ، يصحّ انفكاك أحدهما عن الآخر ، لكن محال لاستحالة أن يوجد عاقل لا يعلم شيئا البتّة أو عالم بجميع الأشياء ولا يكون عاقلا ، وليس هو علما بالمحسوسات لحصوله في البهائم والمجانين ، فهو إذا علم بالأمور الكلّية ، وليس ذلك من العلوم النظريّة لأنّها مشروطة بالعقل ، فلو كان العقل عبارة عنها لزم اشتراط الشيء بنفسه وهو محال ، فهو إذا عبارة عن علوم كلّية بديهيّة وهو المطلوب (ف ، م ، ٨١ ، ٨)

ـ قال أبو الحسن الأشعريّ : العقل علوم خاصّة. وزادت المعتزلة ، في العلوم التي يشتمل عليها العقل ، العلم بحسن الحسن وقبح القبيح ، لأنّهم يعدّونه في البديهيّات. وقال القاضي أبو بكر : هو العلم بوجوب الواجبات واستحالة المستحيلات ومجاري العادات. وقال المحاسبيّ من أهل السنّة : هو غريزة يتوصّل بها إلى المعرفة (ط ، م ، ١٦٣ ، ١٠)

ـ العقل : ما يعقل به حقائق الأشياء ، قيل محلّه الرأس ، وقيل محلّه القلب (ج ، ت ، ١٩٧ ، ٧)

ـ العقل : مأخوذ من عقال البعير يمنع ذوي العقول من العدول عن سواء السبيل ، والصحيح أنّه جوهر مجرّد يدرك الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة (ج ، ت ، ١٩٧ ، ١١)

ـ أئمتنا ، عليهم‌السلام ، والمعتزلة : والعقل عرض (ق ، س ، ٤٩ ، ١٠)

ـ زواله عند نحو النوم وعوده عند النقيض. فلو كان (العقل) القلب أو جوهرا ، لم يزل. والطبيعة ، إن أرادوا بها العرض ، فكقولنا ، وإلّا فلا تحقّق لها (ق ، س ، ٤٩ ، ١٦)

ـ جمهور أئمتنا ، عليهم‌السلام : والعقل معنى غير الضرورة. المهدي ، عليه‌السلام ، والمعتزلة : بل هو الضروريّة (ق ، س ، ٥٠ ، ٧)

ـ قلنا : لو كان هو (العقل) الضروريّة لكان من لم

يحضرها دفعة في قلبه ، أو لم يحضرها كذلك بباله ، عند اشتغاله بنحو نظر أو تصوّر بعضها غير عاقل ، وذلك معلوم البطلان (ق ، س ، ٥٠ ، ٩)

عقل التكليف

ـ عقل التكليف علم ، وإلّا لصحّ الانفكاك وليس بالمحسوس لحصوله للبهائم ؛ ولا نظريّا ، لأنّه شرطه فهو بالوجوب والامتناع (خ ، ل ، ٧١ ، ٥)

عقل غريزي

ـ قد أجمعت الحكماء أنّ العقل المطبوع والكرم الغريزيّ لا يبلغان غاية الكمال إلّا بمعاونة العقل المكتسب ، ومثّلوا ذلك بالنار والحطب والمصباح والدهن. وذلك أنّ العقل الغريزيّ آلة والمكتسب مادّة ، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك (ج ، ر ، ٦ ، ٩)

عقل مكتسب

ـ قد أجمعت الحكماء أنّ العقل المطبوع والكرم الغريزيّ لا يبلغان غاية الكمال إلّا بمعاونة العقل المكتسب ، ومثّلوا ذلك بالنار والحطب والمصباح والدهن. وذلك أنّ العقل الغريزيّ آلة والمكتسب مادّة ، وإنما الأدب عقل غيرك تزيده في عقلك (ج ، ر ، ٦ ، ٨)

عقلي محض

ـ العقلي المحض ، فإنّا إذا قلنا العالم إمّا حادث وإمّا قديم ، وليس وراء القسمين قسم ثالث وجب الاعتراف به على كل عاقل ، مثاله أنّا نقول : كل ما لا يسبق الحادث ، فهو حادث ، والعالم لا يسبق الحادث فهو حادث ، أحد الأصلين قولنا : إنّ ما لا يسبق الحادث فهو حادث ؛ ويجب على الخصم الإقرار به ، لأنّ ما لا يسبق الحادث إمّا أن يكون مع الحادث أو بعده ولا يمكن قسم ثالث ، فإن ادّعى قسما ثالثا كان منكرا لما هو بديهي في العقل ، وإن أنكر أنّ ما هو الحادث أو بعده فهو غير حادث فهو أيضا منكر للبديهة (غ ، ق ، ٢٠ ، ١٤)

عقليات

ـ العقليّات على ضربين : أحدهما ما يتّفق المكلّفون فيه لاتفاقهم في سببه. والثاني يختلفون فيه لافتراقهم في سببه. فالأوّل ينقسم إلى فعل وكفّ عن الفعل ، والفعل هو المعارف التي تتّصل بالله جلّ وعزّ وعدله وما هو مستحقّ من جهته من الثواب والعقاب ، ويعدّ في هذا القبيل شكر نعم الله تعالى خاصّته دون نعم غيره مما قد يجوز انفكاك المرء عنه. وما كان من القبيل الذي يعدّ في الكفّ فكالامتناع من القبائح العقليّة نحو الظلم والكذب وغيرهما من جهل وما شاكله .... فأمّا القسم الآخر من العقليّات فإنّما يفترق حالهم فيه لافتراقهم في سببه وهذا كنحو ردّ الوديعة وقضاء الدين والإنصاف ، إذ ليس يجب على كل واحد أن يستودع ولا أن يستدين ولا أن يحمى هذا فيما يتّصل بحقوق الغير. وقد يتفاوتون أيضا فيما يرجع إليهم نحو دفع الضرر ، فقد يدفع إليه بعضهم دون بعض فيجب عليه إذا لم يبلغ الحال به حدّ الإلجاء. فعلى هذه الجملة تجري العقليّات (ق ، ت ١ ، ١٤ ، ١٠)

ـ أمّا قولنا في الشرعيّات ، فلا يختلف حاله وحال العقليّات في أنّها تختصّ بوجه وجوب. لكن ثبوت ذلك الوجه فيها لا نعلمه إلّا سمعا ، ونعلم وجوه وجوب العقليّات من جهة العقل.

فمن هذا الوجه يختلفان ، وإن اتّفقا في أنّه لا بدّ من ثبوت وجه الوجوب فيهما ليكونا واجبين. ولو لا ذلك لم يكونا بالوجوب أولى من خلافه (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٠ ، ١٨)

عكس

ـ إذا عدمت القدرة استحال الفعل بها لخروجها عن التعلّق ولخروجها عن أن توجب الصفة للقادر ، فبطل ما ظنّه الخصم. وليس يلزمنا إذا جعلنا العدم موجبا لزوال التعلّق أن يكون كل موجود متعلّقا أو كل ما لا يتعلّق لا يكون موجودا ، لأنّ كل ذلك عكس. والطرد في هذا الباب أنّ كل ما يتعلّق بغيره فلا بدّ من أن يكون موجودا. فهو كما يجعل من شرط العلّة الموجبة الوجود ثم لا يجب في كل ما هو موجود أن يكون موجبا وفي كل ما ليس بموجب أن لا يكون موجودا (ق ، ت ١ ، ١٣٤ ، ٢٥)

ـ أمّا العكس فهو أنّ الإنسان قد يوصف بالإرادة لما هو كاره له ، كما في حالة شرب الدواء المسهّل ونحوه (م ، غ ، ٥٧ ، ١)

عكس الأدلة

ـ إنّ انتفاء العلم إذا دلّ على انتفاء الخالقيّة لم يزل أن يدلّ وجود العلم على ثبوت الخالقيّة ، بل هو عكس الأدلّة والدليل لا ينعكس (ش ، ن ، ٦٩ ، ١٣)

عكس الدلالة

ـ إن قيل : قولكم إنّ أحدنا محدث لتصرّفه لأنّ تصرّفه يقع بحسب قصده وداعيه باطل بالساهي ، فإنّه محدث وإن لم تقع تصرّفاته بحسب قصده ودواعيه. وجوابنا ، أنّ هذا الذي أوردتموه عكس الدلالة ، والأدلّة لا يعتبر فيها العكس ، وإنّما يعتبر فيها الطرد والمنافضة ، وذلك هو أن يرينا شيئا وقع بحسب قصودنا ودواعينا ثم لم يتعلّق بنا تعلّق العقل بفاعله ، فإمّا أن يرينا محدثا لم يقع فعله بحسب داعيه ، فإنّ هذا عكس ما دللنا به في المسألة ، وذلك لا يقدح في كلامنا ، لأنّه لا يمتنع في حكمين مثلين أن يكون معلومين مختلفين. وعلى هذا نعرف حدوث الأجسام بدلالة ، وهو استحالة انفكاكها عن الحوادث ، وحدوث الأعراض بدلالة أخرى وهو جواز العدم عليها. ونحن وإن لم يمكننا أن نعلم بهذه الطريقة أنّ الساهي محدث ، فإنّ ذلك يمكن بطريق أخرى. على أنّ في هذه الدلالة ما هو احتزاز عن الساهي ، لأنّا قلنا هذه التصرّفات تقع بحسب قصودنا ودواعينا وتنتفي بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الأحوال إمّا محقّقا وإمّا مقدّرا ، ومعلوم أنّ تصرّفات الساهي وإن لم تقع بحسب قصده محقّقا ، فقد تقع بحسب قصده مقدّرا ، لأنّا لو قدّرنا أنّ للساهي قصدا ، لكان لا بدّ في تصرّفه من أن يكون واقعا بحسب قصده. ثم الذي يدلّ على أنّه محدث كالعالم ، هو ما قد ثبت أنّ فعله يقع بحسب قدرة يقلّ بقلّتها ويكثر بكثرتها ، وعلى هذا لو كان في منتهى رجله كوز يمكنه أن يحرّكه ، ولو كان بدل الكوز حجر عظيم لم يمكنه نقله ولا تحريكه (ق ، ش ، ٣٤٢ ، ٣)

علاقة

ـ العلاقة : شيء بسببه يستصحب الأوّل والثاني كالعليّة والتضايف (ج ، ت ، ٢٠٢ ، ١٠)

علاقة مطّردة منعكسة

ـ كل كافر مكذّب للرسول ، وكل مكذّب فهو

كافر ، فهذه هي العلاقة المطّردة المنعكسة (غ ، ف ، ٥٦ ، ١)

علّة

ـ قال بعضهم : علّة كل شيء قبله ، ومحال أن تكون علّة الشيء معه ، وجعل قائل هذا القول نفسه على أنّه إذا حمل شيئا فعلمه بأنّه حامل له بعد حمله يكون بلا فصل ، وعلى أنّ عداوة الله سبحانه للكافرين تكون بعد الكفر بلا فصل ، وهذا قول" بشر بن المعتمر" والأول قول" الاسكافي" (ش ، ق ، ٣٨٩ ، ٨)

ـ قال بعضهم العلّة قبل المعلول حيث كانت ، والعلّة علّتان ، علّة موجبة ، وهي قبل الموجب ، [وهي] التي إذا كانت لم يكن من فاعلها تصرّف في معناها ، ولم يجز عنه ترك لها أراده بعد وجودها ، وعلّة قبل معلولها وقد يكون معها التصرّف والاختيار للشيء وخلافه وذلك لأنّي قد أقول : أطعت الله لأنّ الله أمرني ، أعني لأجل الأمر ، ورغبت في طاعة الله وآثرتها ، وقد تمكنني مخالفة الأمر وترك المأمور به قد كان ذلك من كثير من الخلق ، ومثله قوله : إنّما جئناك لأنّك دعوتنا وجئتك لأنّك أرسلت إليّ (ش ، ق ، ٣٨٩ ، ١٣)

ـ قال قائلون : العلّة علّتان : علّة قبل المعلول وهي متقدّمة بوقت واحد ، وما جاز أن يتقدّم الشيء أكثر من وقت واحد فليس بعلّة له ، ولا يجوز أن يكون علّة له ، وعلّة أخرى تكون مع معلولها كالضرب والألم وما أشبه ذلك ، وهذا قول" الجبّائي" (ش ، ق ، ٣٩٠ ، ٥)

ـ قال قائلون : العلّة لا تكون إلّا مع معلولها ، وما تقدّم وجوده وجود الشيء فليس بعلّة له ، وزعم هؤلاء أنّ الاستطاعة علّة للفعل وأنّها لا تكون إلّا معه (ش ، ق ، ٣٩٠ ، ٩)

ـ العلّة لا تكون إلّا مع معلولها ، وأنكروا أن تكون الاستطاعة علّة ، وهذا قول" عبّاد بن سليمان" (ش ، ق ، ٣٩٠ ، ١٧)

ـ كان (الأشعري) يقول : إنّ الإيمان والكفر أمارتان للثواب والعقاب وليسا بعلّتين موجبتين لهما. وربّما اعتلّ في ذلك بأنّهما لو كانا موجبين للثواب والعقاب وكانا علّة لهما لم يجز أن يتأخّر عنهما معلولهما من الثواب والعقاب ، لأنّ العلّة لا يجوز أن تتقدّم المعلول ولا أن تتأخّر عنه ، كالعلم الذي هو علّة في كون العالم عالما لا يصحّ أن يوجد العلم ولا يكون العالم به عالما كما لا يصحّ أن يعدم ويكون العالم عالما (أ ، م ، ٩٩ ، ٢٣)

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ العلّة هو المعنى الذي يتعلّق به الحكم الموجب عنه. وكان لا يأبى تسمية المعاني التي تقوم بالجواهر كالأعراض الحادثة القائمة بها" عللا" ، وكان يسمّي أحكامها الموجبة عنها" معلولة بها". وذلك كقولنا" الحركة علّة للمتحرّك في كونه متحرّكا ، فيكون كونه متحرّكا معلولا بالحركة والحركة علّته ، وليس كونه متحرّكا أكثر من ذاته ووجود الحركة بها (أ ، م ، ٣٠٣ ، ٤)

ـ إنّ العلّة لا بدّ أن تكون مع المعلول ولا يصحّ أن تتقدّم عليه أو تتأخّر عنه ، وإنّ الدلالة عليه قد تكون متأخّرة عنه ومتقدّمة عليه (أ ، م ، ٣٠٩ ، ٢١)

ـ إنّ العلّة لا تتراخى عن المعلول (ق ، ش ، ١٠٨ ، ١)

ـ إنّ العلّة لا يجوز أن تقف في باب الإيجاب على شرط منفصل عنها (ق ، ش ، ١٧١ ، ٧)

ـ من حق العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص (ق ، ش ، ١٧١ ، ١٠)

ـ الطريق إلى صحّة العلّة هو أن يثبت الحكم بثباتها ويزول بزوالها (ق ، ش ، ٢٧٣ ، ١٠)

ـ إنّ العلّة ليست بأكثر من أن يثبت الحكم بثباتها ، ويزول بزوالها (ق ، ش ، ٣٠٣ ، ٨)

ـ إنّ الإرادة علّة ، ومن حقّ العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص بطريقة الحلول إذا كان ممكنا ، وطريقة الحلول فينا ممكنة ، فمتى لم تحلّنا انقطع اختصاصها بنا ، وإذا انقطع اختصاصها بنا وجب أن تختصّ بالله سبحانه وتعالى ، سيما إذا كان وجودها على حدّ وجود القديم ، وإلّا خرجت عن كونها علّة موجبة واختصّت به دوننا وصارت بإيجاب الحكم له أولى وصار الحال فيها كالحال في جنس من الأجناس المقدورات ؛ إذا ثبت كونه مقدورا ، وثبت أنّه غير مقدور لنا ، فإنّه والحال هذه لا بدّ من أن يكون مقدورا لله تعالى ، وإلّا خرج عن كونه مقدورا ، كذلك في مسألتنا (ق ، ش ، ٤٥٢ ، ٧)

ـ لا تنفصل العلّة من المعلول لأنّهما يوجدان معا ، ولا يتصوّر انفصال أحدهما عن صاحبه (ق ، ت ١ ، ٥٤ ، ٨)

ـ إنّ الكلام في أنّ العلّة لا تصحّ أن توجب الصفة لذاتين ، طريقه الاستدلال ، وإنّما علمنا أنّ ذلك لا يصحّ في الشاهد ؛ لأنّ من حقّ العلّة أن لا توجب الحكم لما توجبه إلّا بعد أن تتعلّق به ضربا من التعلّق مخصوصا ، وقد ثبت أن كل علّة تختصّ المحل أو الجملة ، فلا بدّ من أن تكون متعلّقة بأحدهما دون الآخر (ق ، غ ٤ ، ٣١٣ ، ١٨)

ـ إنّ العلّة إذا أوجبت حكما لغيرها ، لم يصحّ أن توجب ذلك الحكم لنفسها مع غيرها ، كما لا يصحّ أن توجبه لنفسها وحدها (ق ، غ ٥ ، ٩٣ ، ١)

ـ من حقّ العلّة أن لا توجب الحكم لما توجبه له ، إلّا أن يحصل لها به من الاختصاص ما لا يحصل لها بغيره. ولا يكفي في إيجابها الحكم أن تكون موجودة فقط. يبيّن ذلك أنّها مع الوجود توجب الحكم لشيء دون غيره ، ولذلك يصحّ أن يعلم الواحد منّا بما يوجد في قبله من العلوم دون ما يوجد في قلب غيره ، وإنّ كانا من جنس واحد. فلو أوجب أحدهما الحكم لوجوده فقط ، لوجب أنّ يوجبه الآخر ؛ وهذا باطل. ولذلك تختصّ بعض الأعراض بأن توجب الحكم لمحلّ دون غيره ، أو للجملة دون غيرها. فإذا صحّ ذلك ، فما منع من إيجابها الحكم ، لما من حقّها أن توجبه ، يجب أن يمنع من وجودها ، كما أنّ ما منع من تعلّقه بغيره ، إذا أوجب تعلّقه بجنسه ، يمنع من وجوده. وكما أنّ ما يمنع من المعلول ، يمنع من وجود العلّة على الوجه الذي يوجب المعلول (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٥١ ، ١٣)

ـ إنّ العلّة إذا ثبت أنّها لا توجب الحكم لغيرها إلّا بأن توجد وتختصّ به ، فيجب أن تثبت مختصّة به على الوجه الذي يمكن ، فكما توجب الحكم للمحل إذا حلّته ، لصحّة ذلك فيها ، وللجملة إذا حلّت بعضها ، لأنّها لا يمكن سواه ، فكذلك توجب الحكم للحيّ الذي ليس بجملة إذا وجدت لا في محل ، لأنّه لا يمكن سواه (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٦٦ ، ٥)

ـ أمّا السبب فقد يجوز أن يتقدّم مسبّبه بوقت واحد ، إذا استحال وجوده معه ، أو اقتضى شرط توليده تقدّمه. وإنّما صحّ ذلك فيه ، لأنّ المسبّب في أنّه يتعلّق بالفاعل كالسبب ، وإنّما يحدثه بواسطة ، فلذلك صحّ فيه ما قلناه. وليس

كذلك العلّة الموجبة لحدوثه ، لأنّ تقدّمها يحيل كونها علّة ؛ ولو ثبت جواز تقدّمها للمعلول كالسبب ، لم يصحّ كونها قديمة ، لأنّ ذلك يوجب جواز تقدّمها بما لا نهاية له ، وذلك لا يصحّ في الأسباب أيضا (ق ، غ ٨ ، ٩٩ ، ١٠)

ـ إنّ القول في إيجاب السبب للمسبّب بخلاف القول في إيجاب العلّة للمعلول ، لأنّ ما توجبه العلّة لا ينفصل عنها ، فلذلك وجب القول بأن ما أحاله يحيلها ، وما صحّحه يصحّحها ، وما يوجبه السبب منفصل منه لأنّه حادث آخر ، فغير ممتنع أن يوجد والمسبّب معدوم ، وإن كان لا بدّ من وجوده قبله ليجب عنه ، ولا فرق بين من حمل السبب على العلّة في ذلك وبين من حمل القدرة على العلّة ، فكما لا يجب ذلك في القدرة من حيث كان ما يقع بها ينفصل منها فلم يمتنع فناؤها في حال الفعل وكذلك لا يمنع فناء السبب في حال المسبّب ، فإذا جاز عندنا أن يعجز الفاعل في حال وجود الفعل من حيث كان بوجوده قد خرج من أن يكون له به تعلّق ، فلو صحّ فناؤه دون سائر الأجسام لصحّ عدمه أيضا في حال وجود الفعل ، فكذلك لا يمتنع وجود المسبّب على عدم السبب لخروجه من أن يكون متعلّقا به وقد وجد (ق ، غ ٩ ، ٤٨ ، ٢٠)

ـ إنّ أهل اللغة لم يفيدوا بذكر العلّة إلّا ما له يفعل الفاعل ، أو لا يفعله : من الدواعي وغيرها. ولذلك يقول قائلهم : إنّما جئت بعلّة كذا ، وفارقتك لعلّة كيت ، فيذكر ما دعاه إلى ذلك إذا كان كالعذر فيما فعله أو لم يفعله ، (إلّا أنّهم) لا يستعملون ذلك في الأظهر إلّا في الأسباب المجوّزة لذلك دون غيرها ، فلذلك يضعون العلّة موضع العذر ، فيقولون : إنّ فلانا لا علّة له فيما يفعل ، ولا عذر له فيما صنع ، إذا كان مقدّما على قبيح ، حتى إنّهم يقولون : إن علّة فلان فيما قاله صحيحة ، وعذره فيه واضح. وعلى هذا الوجه يقول أحد الخصمين لصاحبه : لأيّة علّة قلت بهذا المذهب ، ولأيّ دليل اعتقدته ؛ من حيث كانت الأدلّة تدعو إلى اعتقاد المذهب على وجه صحيح حسن ، والشبه تدعو لا على وجه صحيح. وعلى هذا الوجه وصف الفقهاء ما يتعلّق الحكم به من الأوصاف علّة ، لأنّها عندهم سبب الحكم ، والوجه في حسن اعتقاده. واصطلاح بعض المتكلّمين في العلّة على أنّها السبب الموجب ، واصطلاح بعضهم على أنّهم التي توجب حالا لما تختصّ به من الموجدات ، ليس بجار على طريقة اللغة ، وإنّما اصطلحوا عليه لأغراض لهم فيه ؛ كما اصطلحوا في الترك والمتروك على شرائط لا تفيدها اللغة ، وذلك يؤثّر فيما قدّمناه. وكل اسم جرى من المتكلّم على جهة الاصطلاح فإنّه لا يحرّم استعمالها في اللغة على ما كانت عليه. ويفارق الأسماء الشرعيّة في هذا الباب ؛ لأنّها تتضمّن الحكم بوجوب استعمالها فيما وضعت له شرعا ، وذلك بنقلها عن بابها ، وليس كذلك ما فعله فريق من الناس بالاصطلاح ؛ لأنّ ذلك بمنزلة تعارف مخصوص من فرقة في بعض الألفاظ ، في أنّه لا ينقلها عن بابها في اللغة ، فلذلك قلنا : إنّ اللغوي يصحّ له أن يستعمل لفظة الجوهر والعرض فيما وضع له في اللغة ، وإن جعلناه بالاصطلاح لما نذهب إليه في حدّ الجوهر والعرض ، ولا يمتنع في الاسم إذا وقع الاصطلاح عليه في شيء مخصوص أن يستعمل على غير ذلك الوجه على طريقه في

اللغة ؛ لأنّ الأسماء تختلف فوائدها بالقرائن والإضافة ؛ ولذلك قال شيوخنا : إنّ قولنا : مؤمن مقيّدا يستعمل على طريقة اللغة ، وإن كان على جهة الإطلاق منقولا عن بابه ، فلا يجب في إطلاق العلّة ، إذا أفاد بالاصطلاح ما أوجب حالا لغيره أن يفيد ذلك إذا قرن بالفاعل المختار ، بل يجب (عند) إضافته إلى الفاعل أن يستعمل على الوجه الذي وضع في اللغة له ، فلذلك فرّقنا بين اصطلاح المتكلّمين في العلّة واصطلاح الفقهاء ، بل فرّقنا بين أن يذكر في المعاني الموجبة ، وبين أن يذكر في الإمامة إذا قيل ؛ لأنّه علّة يختار المفضول دون الفاضل. وكل ذلك يبيّن أنّ هذه العبارة لا تجري على طريقة واحدة ، وأنّ الحال فيها مختلف. فإذا صحّت هذه الجملة لم يمتنع أن يقول : إنّ الله سبحانه ابتدأ الخلق لعلّة ، نريد بذلك وجه الحكمة الذي له حسن منه الخلق ، فيبطل على هذه الوجه قول من قال : إنّه تعالى خلق الخلق لا لعلّة ، لما فيه من إيهام أنّه خلقهم عبثا ، لا لوجه تقتضيه الحكمة ، بما لا نهاية له (ق ، غ ١١ ، ٩١ ، ٨)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم لغيرها وأنّ ذلك الغير لا يجوز أن يختصّ بمثل صفتها ، ولا أن يختصّ بمثل صفته ، وأوضحنا ذلك بالمتحرّك فلا وجه لإعادته (ق ، غ ١١ ، ٣٥٦ ، ١٣)

ـ إنّ العلّة في الشرعيّات تجري مجرى الدواعي ، وما يكشف عن كون الفعل لطفا ، فيجب أن تجري هذا المجرى (ق ، غ ١٧ ، ٣٣٠ ، ١٤)

ـ فرق بين العلّة والسبب بأشياء : منها أنّ العلّة لا يجب تكرّرها ، والسبب قد يجب تكرّره. ولهذا كان الإقرار سببا للحدّ ، لأنّه يتكرّر. ومنها أنّ العلّة تختصّ المعلّل ، والسبب لا يختصّه ، كزوال الشمس الذي هو سبب الصلاة. ومنها أنّ السبب يشترك فيه جماعة ، ولا يشتركون في حكمه ، كزوال الشمس يشترك فيه الحائض والطاهر ، ولا يشتركون في وجوب الصلاة. وليس يشتركون في العلّة إلّا ويشتركون في حكمها (ب ، م ، ٨٨٩ ، ٨)

ـ أمّا إذا كان تأثير القادر في المقدور على سبيل التصحيح والاختيار لا يجب فكيف ولو كان تأثير القادر في المقدور على سبيل الإيجاب لخرج القادر من أن يكون قادرا ، ولخرجت العلّة من أن يكون لها تأثير أيضا ، لأنّ العلّة أيضا فعل من أفعال القادر ؛ فإذا لم يكن للقادر تأثير فكيف يكون للعلة تأثير ، مع أنّها فعل من أفعاله!؟ (ن ، د ، ٣٠ ، ٥)

ـ العلّة ليست بأكثر من أن يكون بوجودها وجود الحكم وبزوالها زوال الحكم ، ولا يكون هناك ما تعليق الحكم به أولى (ن ، د ، ٣٧ ، ٤)

ـ إنّ العلّة إذا شاركت المعلول فيما له ولأجله يحتاج المعلول إلى العلّة ، وجب أن تشاركه في الاحتياج إلى علّة (ن ، د ، ٥٣ ، ٨)

ـ من حق العلّة أن تكون الصفة الصادرة عنها مقصورة عليها ، وتعلّق الصفة بالفاعل ، مع أنّها موجبة عن العلّة ، يخرجها من أن تكون مقصورة عليها ـ وقد علمنا أنّ صفة الوجود تتعلّق بالفاعل تعلّق احتياج ، من حيث أنها شاركت تصرفنا في باب الحدوث ، وتصرفنا إنّما يحتاج إلينا في باب الحدوث ، فكذلك حدوث الجوهر ، وحيث يكون تعلّقه بالقديم تعلّق احتياج فذلك يمنع من كونه موجبا عن علّة ، كما أنّ كونه موجبا عن علّة يمنع من تعلقه بالقادر ، لأنّ الجمع بين هذه يؤدّي إلى أن تكون الصفة حاصلة غير حاصلة (ن ، د ،

٥٣ ، ١٢)

ـ إنّ العلّة لا توجب الحكم للمعلول إلّا إذا اختصت به غاية الاختصاص ، وغاية الاختصاص إنّما تكون بطريقة الحلول إذا كان المعلول مما يصحّ الحلول فيه. فلو كان وجود الجوهر لعلّة ، لما كانت تلك العلّة تختصّ به إلّا بعد أن تحلّ فيه ، ولا يصح أن تحلّ فيه إلّا بعد أن يوجد الجوهر ، فيكون وجودها محتاجا إلى وجود الجوهر (ن ، د ، ٥٣ ، ١٩)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب ما توجيه من الحكم لما هو عليه في ذاته إذا حصل الاختصاص مع ما يوجب فيه الحكم ، إما الحلول فيه أو في بعضه أو لوجوده في محل ، وذلك مما لا مدخل لاختيار الفاعل فيه (ن ، د ، ٨٣ ، ٩)

ـ إنّ العلّة تأثيرها في الأحكام والصفات دون الذوات (ن ، د ، ٨٤ ، ٤)

ـ إنّ العلّة لا توجب الحكم للمعلول إلّا مع غاية الاختصاص ، وذلك لا يتمّ إلّا إذا كان المعلول موجودا (ن ، د ، ١٥٧ ، ٥)

ـ إنّ السبب من حقه أن يوجد فيعرض عارض يمنعه من التوليد ، والعلّة لا تخرج من الإيجاب مع الوجود (ن ، د ، ١٥٩ ، ٣)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم لما هي عليه في ذاتها ، فلا تقف على شرط منفصل (ن ، د ، ١٧٢ ، ١٠)

ـ إنّ العلّة توجب ما توجبه من الحكم على الحدّ الذي تجب الصفة للموجود ، كالتحيّز في الجوهر والهيئة في السواد. فكما أنّ تلك الصفة الواجبة للموجود لا تقف على شرط منفصل ، لأن تجويز وقوفها على شرط منفصل يمنع كونها مقتضاة عن صفة الذات ، فكذلك حكم العلّة وجب أن لا يقف على شرط منفصل ، لأنّ وقوفه على شرط منفصل يمنع من كونه موجبا على علّة ، لما بيّنا (ن ، د ، ١٧٧ ، ١)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم لما هي عليه في ذاتها ، فمن المحال أن توجب في حال صفة وتحيلها في حالة أخرى وتوجب ضدّها (ن ، د ، ٣٠٣ ، ٤)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الحكم للموجود ، فلا بدّ من أن تختصّ به لتكون بإيجاب الحكم له أولى من غيره. وليس كذلك السبب ، فإنّه لمّا كان لا يولّد إلّا ما هو معدوم لا يراعى في ذلك الاختصاص (ن ، د ، ٣٩٩ ، ١٨)

ـ إنّ العلّة قد ثبت بالدليل أنّها لا توجب الصفة إلّا للغير ، ولا تكون علّة إلّا إذا كانت كذلك ، وبهذا الحكم تبيّن عما ليس بعلّة ، إلّا أنّه لا بدّ فيها من الاختصاص بما الذي توجب الحكم له ، ثم الاختصاص قد يكون بالاشتراك في كيفية الوجود ، وقد يكون بالحلول في المحل ، وقد يكون بالحلول في بعض الجملة. وعلى الأحوال كلها فما يصدر عن العلّة لا يصحّ أن يقال إنّه يرجع إلى ما ترجع إليه العلّة. أو لا ترى أن العلّة إذا أوجبت الحكم لمحلّها كالحركة ، فإنّه لا يصحّ أن يقال إنّ الحكم الذي هو كون الجسم متحرّكا ، لمّا كان راجعا إلى الجوهر ، لم يكن غيرا له؟ ولو كان يرجع إليه لما كان غيرا له ؛ ككونه متحرّكا لمّا كان راجعا إلى الجوهر لم يكن غيرا له (ن ، د ، ٤٨٨ ، ٨)

ـ إنّ الاقتضاء قد يذكر ويراد به اقتضاء الدلالة ، ككونه قادرا ، فإنّه يقتضي كونه موجودا ؛ ويراد به أيضا اقتضاء الإيجاب ، كاقتضاء كونه حيّا لصحّة أن يعلم ويقدر ، واقتضاء كونه جوهرا

لكونه متحيّزا. فالأول بحسب ما تقوم الدلالة عليه ، والثاني لا بدّ في المقتضى أن يرجع إلى ما يرجع إليه المقتضي. وذلك لأنّه لو رجع تأثيره إلى بعضه ، والبعض في حكم الغير للجملة ، لم يكن تأثير الاقتضاء بل تأثير العلة ؛ لأنّ الفرق بين المقتضى والمقتضي وبين العلّة وحكمها أنّ تأثير المقتضي يكون في نفسه وتأثير العلّة يكون في الغير (ن ، د ، ٥٣٧ ، ٧)

ـ لا بدّ في العلّة من أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص (ن ، د ، ٥٣٩ ، ١١)

ـ إنّ العلّة في إيجابها لغيرها لا تقف على شرط. على أنّ الموجب عن العلّة ، لا يكون لأمر يرجع إلى ذات العلّة ، والوجود بالحدوث لا بدّ من أن يتعلّق بكون بالفاعل (ن ، م ، ٢٢٦ ، ٥)

ـ إنّ العلّة لا توجب إلّا إذا حصلت مختصّة ، ولا يحصل الاختصاص بالمعلول ، إلّا إذا حصل المعلول موجودا (ن ، م ، ٢٢٦ ، ٨)

ـ العلّة توجب إمّا الفعل أو الترك ، وهو تعالى يفعل ولا يفعل ، فصحّ بذلك أنّه لا علّة لفعله أصلا ولا لتركه البتّة (ح ، ف ١ ، ١٢ ، ٤)

ـ العلّة لا تختصّ بمعلولها إلّا إذا وجد المعلول أولا ، فكيف يترتّب وجوده على وجود العلّة. على أنّه كان يصحّ أن يوجب إلّا جنسا مخصوصا ، لأنّ العلّة لا توجب الشيء وضدّه (أ ، ت ، ١٣٠ ، ١٦)

ـ العلّة لا توجب الصفة وما يضادّها ، والضدّ ينفي الشيء وما يضادّه ، فكيف يكون الضدّ علّة (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ٨)

ـ إذا كان من حق العلّة أن يثبت الحكم بثباتها ويزول بزوالها ، فيجب إذا أثّر تأثير العلل في انتفاء الضدّ ، أن يكون متى زال يعود الأول موجودا لزوال العدم لزوال ما أثر فيه. وإذا بطل عدمه عادت صفة الوجود ، لأنّه لا واسطة بينهما. وبعد ، فالعلل تتزايد أحكامها بتزايدها ، فيجب ، إذا انتفى الجزء الواحد بأجزاء كثيرة ، أن يتزايد الانتفاء ، وذلك محال. فصحّ بهذه الجملة أنّه ليس بعلّة. وإذا لم يكن علّة فهو شرط (أ ، ت ، ٢٦٥ ، ١٠)

ـ إنّ العلّة إنّما توجب الصفة لما يصحّ حصوله على تلك الصفة. فأمّا إذا استحالت تلك الصفة عليه ، استحال إيجاب العلّة لها (أ ، ت ، ٤٤٦ ، ١٥)

ـ العلّة الواحدة يجوز أن يصدر عنها أكثر من معلول واحد عندنا خلافا للفلاسفة والمعتزلة. لنا أنّ الجسميّة تقتضي الحصول في المكان وقبول الأعراض (ف ، م ، ١٠٨ ، ٥)

ـ قلنا : العلّة الإمكان ، والتعلّق المعدوم تنجّزي وهو حادث (خ ، ل ، ٨٠ ، ٣)

ـ العلّة : لغة عبارة عن معنى يحلّ بالمحلّ فيتغيّر به حال المحل بلا اختيار ، ومنه يسمّى المرض علّة لأنّه بحلوله يتغيّر حال الشخص من القوة إلى الضعف ، وشريعة عبارة عمّا يجب الحكم به معه. والعلّة في العروض التغيير في الأجزاء الثمانية إذا كان في العروض والضرب (ج ، ت ، ١٩٩ ، ٨)

ـ العلّة : هي ما يتوقّف عليه وجود الشيء ويكون خارجا مؤثّرا فيه (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٢)

ـ لا مؤثّر حقيقة إلّا الفاعل. المعتزلة والفلاسفة وغيرهم : بل العلّة والسبب وما يجري مجراهما ، وهو الشرط والداعي. البهشميّة وغيرهم : والمقتضي. والعلّة عندهم ذات موجبة لصفة أو حكم ، وشرطها أن لا يتقدّم ما أوجبته وجودا بل رتبة ، وشرط الذي أوجبته

أن لا يختلف عنها. والسبب عندهم ذات موجبة لذات أخرى ، كالنظر الموجب للعلم. والشرط عندهم ما يترتّب صحّة غيره عليه ، أو صحّة ما يجري مجرى الغير ، وهو نحو الوجود ، فإنّه شرط في تأثير المؤثّرات ، وشرطه أن لا يكون مؤثّرا (بالكسر) في وجود المؤثّر (بالفتح) (ق ، س ، ٦٠ ، ٢)

علّة الاحتياج

ـ علّة الاحتياج ضروريّة اللزوم له (خ ، ل ، ٦١ ، ٧)

علّة اختيار

ـ قال بعضهم : العلّة علّتان ، فعلّة مع المعلول وعلّة قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار مع المعلول ، وعلّة الاختيار قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم إذا ضربت إنسانا فألم ، فالألم مع الضرب وهو الاضطرار ، وكذلك إذا دفعت حجرا فذهب فالدفع علّة للذهاب والذهاب ضرورة وهي معه ، وقالوا : الأمر علّة الاختيار وهو قبله والعلّة (؟) علّة الفعل وهي قبله (ش ، ق ، ٣٨٩ ، ٦)

علّة استحالة إعادة مقدوراتنا

ـ إذا ثبت أنّ العلّة التي لها استحالت الإعادة على مقدوراتنا الباقية ما تقدّم ذكره من اختصاص القدرة بأنّها يجب ألّا تتعلّق في كل وقت إلّا بمقدور واحد من جنس واحد فيجب أن يكون هذا الحكم مقصورا عليها. وليس كذلك حال القديم ـ تعالى ـ ؛ لأنّه يقدر في كل وقت على ما لا نهاية له ، فما أوجب استحالة الإعادة في مقدور العبد فليس بحاصل في مقدوره سبحانه ، فيجب أن يصحّ أن يعيده ، وألّا يفترق الحال بين ما يختصّ هو بالقدرة عليه ـ عزوجل ـ وبين ما يقدر على مثله لأنّ العلّة فيهما جميعا ما تقدّم ذكره من أنّ الشيء إذا لم يختصّ في صحّة الوجود بحال دون حال ، ولا القادر عليه في كونه قادرا يختصّ بوقت فيجب أن يصحّ منه الإعادة. وقد بيّنا أنّ الذي أوجب خروج القادر منّا من أن يكون قادرا على الشيء بتقضي وقته اختصاص القدرة بأنّها تتعلّق بجزء واحد وأنّ القديم ـ سبحانه ـ إذا لم يكن هذا حاله فيجب ألّا يخرج من كونه قادرا على الشيء إلّا بوجوده فقط إذا كان ذلك الشيء ممّا يصحّ البقاء عليه. وقد بيّنا أنّه لا يجب من حيث لم يختلف حال فعله وفعلنا إذا لم يصحّ البقاء عليه في باب الإعادة ألّا يختلف حال ما يبقى من مقدوراته ـ سبحانه ـ ومقدوراتنا ؛ لأنّ العلّة فيه (أنّ) المقدور في نفسه يستحيل أن يوجد إلّا في وقت واحد ، وذلك ممّا يرجع إلى نفس الفعل لا إلى حال الفاعل ؛ فوجب ألّا يختلف حال الفاعلين ، وليس كذلك ما يبقى ؛ لأنّا قد بيّنا أن مالا لا يجوز إعادته من مقدورنا يختصّ الواحد منّا ، فلا يمتنع أن يخالف حالنا فيه حاله ـ تعالى ـ وأن تكون كل مقدوراته الباقية متّفقة في أن الإعادة تجوز عليها ، من حيث ثبت قادرا لنفسه ، وصحّ أنّه لا يختصّ في كونه قادرا على الشيء بوقت دون وقت ، والشيء في نفسه يصحّ وجوده في كل حال على طريق البقاء وعلى طريق الإحداث (ق ، غ ١١ ، ٤٦١ ، ١٤)

علّة الاضطرار

ـ قال بعضهم : العلّة علّتان ، فعلّة مع المعلول وعلّة قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار مع

المعلول ، وعلّة الاختيار قبل المعلول ، فعلّة الاضطرار بمنزلة الضرب والألم إذا ضربت إنسانا فألم ، فالألم مع الضرب وهو الاضطرار ، وكذلك إذا دفعت حجرا فذهب فالدفع علّة للذهاب والذهاب ضرورة وهي معه ، وقالوا : الأمر علّة الاختيار وهو قبله والعلّة (؟) علّة الفعل وهي قبله (ش ، ق ، ٣٨٩ ، ٣)

علّة تامة

ـ العلّة التامة : ما يجب وجود المعلول عندها ، وقيل العلّة التامة جملة ما يتوقّف عليه وجود الشيء ، وقيل هي تمام ما يتوقّف عليه وجود الشيء بمعنى أنّه لا يكون وراءه شيء يتوقّف عليه (ج ، ت ، ١٩٩ ، ٢١)

علّة حسن التكليف ـ قالت المعتزلة علّة حسن التكليف التعويض لاستحقاق التعظيم ، فإنّ التفضّل بالتعظيم قبيح. وهذا عندنا باطل لأنّه بناء على الحسن والقبح والوجوب على الله تعالى ، وبعد تسليمه فلا نسلّم أنّ التفضّل بالتعظيم قبيح محال يستحيل عليه النفع والضرر ، وبتقدير تسليمه ، فاستحقاق التعظيم لا يتوقّف على التكليف بالأفعال الشاقّة ، بدليل أنّ التلفّظ بكلمة الشهادة أسهل من الجهاد والصوم ، مع أنّ المستحقّ به أعظم ، فلو كان المقصود استحقاق التعظيم لكان من الواجب أن يزيد الله تعالى في قوّتنا ثم يكلّفنا بما لا يشقّ عليها ليحصل الاستحقاق من غير المشقّة (ف ، م ، ١٥٥ ، ١٣)

علّة حسن التكليف

ـ علّة حسن التكليف ، عند المعتزلة ، التعريض لاستحقاق الثواب والتعظيم ، وهو باطل لبطلان الحسن والقبح والوجوب ؛ ولو سلّم فالتفضّل بهما حسن ؛ ولو سلّم فتكفي في الاستحقاق والأفعال الخفيفة لأنّ كلمة الشهادة ـ أسهل من الجهاد ـ وثوابه أعظم ، فكان يجب أن يزيد الله ـ تعالى ـ في قوّتنا ويكلّفنا بما لا يشقّ (خ ، ل ، ١١٤ ، ٢١)

علّة خلق العالم

ـ إنّ القصد إلى الإضرار بالحيوان من غير استحقاق ولا منفعة يوصل إليها بالمضرّة قبيح ، تعالى الله عنه ، فثبت أنّه سبحانه إنّما خلق الحيوان لنفعه ، وأمّا غير الحيوان فلو لم يفعله لينفع به الحيوان لكان خلقه عبثا ، والباري تعالى لا يجوز عليه العبث ، فإذا جميع ما في العالم إنّما خلقه لينفع به الحيوان ، فهذا هو الكلام في علّة خلق العالم (أ ، ش ١ ، ٤٧٥ ، ٤)

علّة شرعية

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ العلّة العقلية موجبة للحكم لا يصحّ تبدّل الحكم عليها ، وإنّ (العلّة) الشرعيّة أمارات وعلامات وليست بعلل على الحقيقة إلّا على معنى أنّها دلالات ، ولذلك لا يشترط فيها العكس وإن اشترط فيها الطرد والجريان (أ ، م ، ٣٠٤ ، ٢٣)

ـ أمّا العلّة الشرعيّة فتأثيرها أن يعلم بالدليل أو الأمارة أنّ الحكم بها يتعلّق ، أو بأن يتعلّق الحكم بها أولى من غيرها ؛ فتوصف بذلك (ق ، غ ١٧ ، ٣٣٠ ، ٩)

علّة الشيء

ـ علّة الشيء : ما يتوقّف عليه ذلك الشيء وهي قسمان : الأوّل ما يتقوّم به الماهيّة من أجزائها ، ويسمّى علّة الماهيّة. والثاني ما يتوقّف عليه اتّصاف الماهية المتقوّمة بأجزائها بالوجود الخارجيّ ويسمّى علّة الوجود. وعلّة الماهية إما أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلّة المادية ، وإمّا أن يجب بها وجوده وهي العلّة الصورية. وعلّة الوجود إمّا أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثّرا في المعلول موجدا له ، وهي العلّة الفاعلية أولا ، وحينئذ إمّا أن يكون المعلول لأجلها ، وهي العلّة الغائية أولا ، وهي الشرط إن كان وجوديّا ، وارتفاع الموانع إن كان عدميّا (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٣)

علّة عقلية

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ العلّة العقليّة موجبة للحكم لا يصحّ تبدّل الحكم عليها ، وإنّ (العلّة) الشرعيّة أمارات وعلامات وليست بعلل على الحقيقة إلّا على معنى أنّها دلالات ، ولذلك لا يشترط فيها العكس وإن اشترط فيها الطرد والجريان (أ ، م ، ٣٠٤ ، ٢٣)

ـ العلّة العقلية يجوز أن يتوقّف إيجابها لأثرها على شرط منفصل خلافا لأصحابنا. لنا أنّ الجوهر يوجب قبول الأعراض بأسرها ، لكن صحّة كل عرض مشروط بانتفاء ضدّه عن المحلّ (ف ، م ، ١٠٨ ، ١٩)

ـ العلّة العقليّة يجوز أن تكون مركّبة عندنا خلافا لأصحابنا. لنا أنّ العلم بكل واحد من المقدّمتين لا يستلزم العلم بالنتيجة ، والعلم بهما يوجب العلم بالنتيجة ، وكذا كل واحد من آحاد العشرة لا يوجب صفة العشريّة ، ومجموع تلك الآحاد يوجب العشريّة (ف ، م ، ١٠٨ ، ٢٢)

علّة فعل الله

ـ من فعل فعلا لغير علّة فهو عابث ، فظنّوا أن لا يجوز لله أن يبتدأ فعل ضرر بأحد ، وأنّ ذلك يزيل الحكمة عنه ، فألزموه في كل فعل يفعله الأصلح لغيره في الدين والأحسن لغيره في العاقبة ؛ إذ هو متعال عن قول ينفعه أو عن أن يضرّه شيء ، فلم يروا له الفعل إلّا بما ينفع غيره ، أو يدفع به الضرر عن غيره ، فيكون ذلك أيضا علّة فعله ، على ما كان علة فعل كل حكيم منّا ، ما تأمّل من نفع عاجل أو آجل أو دفع [ضرر] لزم به ، فيجرّ بذلك حسن الثناء مع جزيل الثواب. وضربوا لتقدير فعله بفعل غيره مثلا بما لا يجوز أن يكون منه الكذب أو الجور ، أو يكون منه الحركة [من] غير زوال ، أو السكون [من] غير قرار ، فثبت أنّ تقدير فعله على فعل الحكماء في الشاهد لازم ، إلّا أنّهم دفعوا عنه الارتفاع بالفعل ، والانحطاط بترك فعل ما ، فأوجبوا بذلك أنّه بفعله لا يجرّ إلى نفسه النفع ولا يدفع عنها الضرر ، فيجب أن يكون فعله لحكمة بما ينفع غيره أو يدفع عن غيره الضرر ، وجعلوا ذلك علّة فعله ؛ ليخرج عندهم فعله عن معنى العبث (م ، ح ، ٢١٦ ، ١)

علّة في الشاهد والغائب

ـ إذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا

غائبا. ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا (أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى غير ذلك من الصفات ، والعلّة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ، غ ، ٤٥ ، ١٣)

علّة الماهية

ـ علّة الشيء : ما يتوقّف عليه ذلك الشيء وهي قسمان : الأوّل ما يتقوّم به الماهية من أجزائها ، ويسمّى علّة الماهيّة. والثاني ما يتوقّف عليه اتّصاف الماهية المتقوّمة بأجزائها بالوجود الخارجيّ ويسمّى علّة الوجود. وعلّة الماهية إمّا أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلّة المادية ، وإمّا أن يجب بها وجوده وهي العلّة الصورية. وعلّة الوجود إمّا أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثّرا في المعلول موجدا له ، وهي العلّة الفاعلية أوّلا ، وحينئذ إمّا أن يكون المعلول لأجلها ، وهي العلّة الغائية أولا ، وهي الشرط إن كان وجوديّا ، وارتفاع الموانع إن كان عدميّا (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٤)

علّة الوجود

ـ علّة الشيء : ما يتوقّف عليه ذلك الشيء وهي قسمان : الأوّل ما يتقوّم به الماهية من أجزائها ، ويسمّى علّة الماهية. والثاني ما يتوقّف عليه اتّصاف الماهية المتقوّمة بأجزائها بالوجود الخارجيّ ويسمّى علّة الوجود. وعلّة الماهية إمّا أن لا يجب بها وجود المعلول بالفعل بل بالقوة وهي العلّة المادية ، وإمّا أن يجب بها وجوده وهي العلّة الصورية. وعلّة الوجود إما أن يوجد منها المعلول أي يكون مؤثّرا في المعلول موجدا له ، وهي العلّة الفاعلية أولا ، وحينئذ إمّا أن يكون المعلول لأجلها ، وهي العلّة الغائية أولا ، وهي الشرط إن كان وجوديّا ، وارتفاع الموانع إن كان عدميّا (ج ، ت ، ١٩٩ ، ١٥)

علل

ـ العلل منها ما يتقدّم المعلول كالإرادة الموجبة وما أشبه ذلك مما يتقدّم المعلول ، وعلّة يكون معلولها معها كحركة ساقي التي أبني عليها حركتي ، وعلّة تكون بعد وهي الغرض كقول القائل : إنّما بنيت هذه السقيفة لأستظلّ بها ، والاستظلال يكون فيما بعد ، وهذا قول" النظّام" (ش ، ق ، ٣٩١ ، ١)

ـ إنّ العلل في إيجابها الحكم لا تختلف بحسب اختلاف العاملين ، ألا ترى أنّ الحركة لمّا كانت علية في كون الذات متحرّكا لم تفترق الحال بين أن تكون من قبل الله تعالى وبين أن تكون من قبل غير الله تعالى (ق ، ش ، ٣١١ ، ١٧)

ـ من شأن ما يتعلّق بالفاعل أن لا يدخله الإيجاب ، كما أنّ من شأن ما يتعلّق بالعلل أن

لا تدخله طريقة الاختيار. وكل واحد من الأمرين أصل ينبغي أن يحافظ عليه (ق ، ت ٢ ، ٨٨ ، ١٦)

ـ إنّ الإرادة تقارن الجزء الأول من الخبر ، لأنّها متى وجدت كذلك صحّ أن تتناول جملة الخبر. ولو تأخّرت عن الحرف الأول لم يصحّ أن تتناول جملته ، لأنّ المقتضي لا يصحّ أن يراد ؛ فإذا ثبت ذلك وعلم أنّها تعدم إذا انقضى الحرف الأول ، فكيف تكون علّة في قبح جميعه؟ ومن حق العلل أن لا تصحّ أن تؤثّر في المعدوم ، كما لا يصحّ أن تؤثّر وهي معدومة. وإنّما صحّ لنا القول بأنّ كونه كذبا يوجب قبحه ، لأنّ ذلك مما يختصّ به جملة الحروف ، فلا يمتنع أن يقتضي قبح كل واحد منه. والقول في أنّ الصدق لا يحسن للإرادة ، كالقول في أنّ الكذب لا يقبح لها ، فلا وجه لإعادته. وكذلك القول في سائر الأفعال التي للإرادة فيها تأثير (ق ، غ ٦ / ١ ، ٨٥ ، ١)

ـ إنّ من حق المولّد أن لا يجوز حصوله على الوجه الذي يولّد والمحلّ محتمل والموانع زائلة إلّا ويجب أن يولّد ، كما أنّ من حق القادر إذا صحّ وجود مقدوره وارتفعت الموانع أن يصحّ الفعل منه ، ومتى امتنع الفعل منه والحال هذه علم أنّه ليس بقادر ، وكذلك إذا لم يولد الشيء غيره والحال ما قدّمناه علم أنّه ليس بسبب له ، لأنه لو صحّ كونه سببا ، وإن كان قد يولّد وقد لا يولّد والحال ما قدّمناه لم يصحّ العلم بكونه مولّدا في حال ما يولّد ، لأنّه إذا صحّ وجوده ولا يولّد فمن أين أنّه في الحال الأخرى هو المولّد دون أن يكون حادثا من مختار ، وذلك في بابه بمنزلة العلل التي لو صحّ وجودها ، ولا يوجب المعلول لم يصحّ كونها علّة ، والجهة التي منها شبّهنا المولّد بالعلّة صحيحة وإن افترقا في أنّ تلك العلّة موجبة وهذا بخلافها ، لأنّه وإن لم يكن موجبا إيجاب العلل فمتى جوّزنا والمحل محتمل والموانع زائلة ألّا يقع المسبب لم يصحّ أن يثبت له به تعلّق ولا اختصاص حتى يقال إنّه يولّد في حال أخرى ، كما لو جوّزنا وجود العلّة ولا معلول على بعض الوجود لم نعلم له بالمعلول تعلّقا ، وعلى هذه الطريقة شبّه شيوخنا رحمهم‌الله الدلالة بالعلّة وإن افترقا في الإيجاب لما علم من حال الدلالة أنّها لو وجدت على بعض الوجوه ولا مدلول لنقض كونها دلالة ، كما أنّ وجود العلّة ولا معلول يمنع من كونها علّة ، فغير ممتنع أن يشبّه المولّد بالعلل والأدلّة من الوجه الذي قدّمناه (ق ، غ ٩ ، ١٣٥ ، ٥)

ـ قد ثبت أنّ العلل إنّما توجب الصفات والأحكام سوى الوجود ، إذ قد ثبت أن الوجود في المحدثات بالفاعل ، ومعلول العلّة لا يتعلّق بالفاعل لأن إيجابها لمعلولها لما يرجع إلى ذاتها (ن ، د ، ١٥٧ ، ٢)

ـ إنّ العلل لا يجوز أن توجد لا في محل ، وأن إيجابها الحكم لمعلولاتها لا يكون بطريقة المجاورة ، كما ذهب إليه بعضهم. والدليل على أنّ العلة لا يصحّ وجودها لا في محل ، فنفرض الكلام مثلا في الاجتماع والافتراق فنقول : الاجتماع لو وجد لا في محل لم يكن بأن يجتمع به بعض الأجسام أولى من سائرها ، لأنّ حاله مع بعضها كحاله مع سائرها ؛ فكذلك الافتراق لفقد الاختصاص. وهذا يوجب أن تكون الأجسام : إمّا مجتمعة لا مفترق فيها ، وإمّا مفترقة لا مجتمع فيها. وفي علمنا أنّ الأجسام بعضها مجتمع وبعضها مفترق (ن ، د ،

١٦٩ ، ١٧)

ـ إنّ العلل لا يجوز أو توجب وجود الذوات (ن ، م ، ٨١ ، ٢٤)

ـ إنّ العلل لا توجب الذوات وإنّما توجب الأحكام لها (ن ، م ، ١٧١ ، ١٤)

ـ إنّ العلل لا توجب الذوات ، وإنّما توجب الأحوال لها (ن ، م ، ٢٢٦ ، ٢)

علل شرعية

ـ القياس الشرعيّ لا يخالف القياس العقليّ ، إلّا أنّ العلل في القياس العقليّ تكون موجبة ومؤثّرة ، كما أنّ حكمنا كالموجب ، وليس كذلك العلل الشرعيّة ؛ لأنّه لا يجوز في العلل أن تكون موجبة ؛ والحكم يتبع المصلحة ، والاختيار ، فكل واحد منهما تحصل عليه في موضوعه مطابقة لحكمه ، لأنّه متى لم تحصل كذلك تناقض ؛ وهذا بيّن في الشاهد ، لأنّا لو قلنا : إنّ كون العالم منّا عالما : لمعنى يجري مجرى الدواعي ، لتناقض كما لو قلنا : إنّ اختيار الآكل الحموضة على الحلاوة لعلّة موجبة ، لتناقض ؛ وقد علمنا أنّ الأحكام الشرعيّة موضوعها المصالح والألطاف ؛ ولهما تعلّق كالدواعي ، ولعللهما مدخل في هذا الباب ؛ فلا يجوز في علّتهما أن تجري مجرى العلل العقلية إلى الأمور المؤثّرة فيها ، ولا توجب مفارقة أحدهما الآخر بينهما اختلافا ، في صورة القياس وطريقته ، كما لا يجب إذا استعملنا القياس في الأسماء ونظرنا في علّة وضعها أن تكون الطريقة مخالفة لطريقة القياس في العقل ، وإن كان لا مدخل له في طريقة الإيجاب ، ومتى أجرى كل ذلك على حدّ واحد انتقض ؛ لأنّا لو قلنا : إنّ إيجاب العلّة في حكمها كإيجاب السبب للمسبّب ؛ أو قلنا : إنّ إيجاب السبب للمسبّب يجري مجرى وقوع الفعل ابتداء عن القادر ؛ أو قلنا : إنّ ذلك يجري مجرى إثبات الفعل للدواعي وللحاجة ؛ أو قلنا : إنّ ذلك يجري مجرى تعلّق بعض الأمور ببعض ، على طريق العادة ، لا تنقض ترتيب العقول ، عمّا ترتّبت عليه فلا بدّ من تقدّم علمنا لبعض العلل على ما يقتضيه الدليل ويكون الفرع فيه تابعا لأصله (ق ، غ ١٧ ، ٢٨٢ ، ٥)

علم

ـ قال الماجن (ابن الروندي) : وأمّا الأسواري فإنّه زعم أنّ الله إذا علم أنّه يكوّن شيئا أو أخبر أنّه يكوّنه لم يجز في قدرته أن لا يفعله. فإذا قيل له : أفليس الله قد أخبر بدوام أفعاله في الآخرة؟ قال : بلى! فإذا قيل له : أفيقدر الله ألا يديمها وأن يقطعها حتى يبقى وحده كما كان وحده؟ قال : هذا محال : وهذا خطأ عن علي الأسواري وكذب عليه ، وقوله المعروف الذي حاول هذا الجاهل حكايته فأخطأ فيها هو أنّك إذا قرنت القول بأنّ الله قد أخبر أنّ الله يكوّن شيئا مع القول بأنّه يقدر ألا يكوّنه أحال القول بذلك. فأمّا إذا أفردت أحد القولين من الآخر لم يحل واحدا منهما. فأمّا أن تزعم أنّه لا يجوز في قدرة الله أن يفعل ما حكى عنه صاحب الكتاب فخطأ عليه (خ ، ن ، ٢٣ ، ٢٢)

ـ قال (ابن الروندي) : وكان يزعم أنّ الله لا يعلم الأشياء قبل كونها ويخطّئ من قال بذلك. يقال له : إنك أوهمت عن هشام هذا القول أنّه كان يقول : إنّ الله غير عالم ثم علم ، حسب ما كان هشام بن الحكم يقوله. والقول بذلك كفر عند

هشام الفوطي. وقوله أنّ الله لم يزل عالما لنفسه لا بعلم سواه قديم على ما قال أصحاب الصفات ، ولا بعلم محدث على ما قاله هشام بن الحكم وأصحابه من مشبّهة الرافضة. وإنّما خلاف هشام الفوطي في هذا الموضع خلاف في الأسماء المعلومات : هل هي أشياء قبل كونها أم ليست بأشياء؟ فأما في الله جلّ ذكره :

هل هو عالم أم ليس بعالم؟ فلا. وهو يزعم أنّ الله لم يزل عالما بأنّه سيخلق الدنيا ثم يفنيها ثم يعيد أهلها (خ ، ن ، ٤٩ ، ٢٣)

ـ قال أكثر المعتزلة والخوارج وكثير من المرجئة وبعض الزيدية أنّ الله عالم قادر حيّ بنفسه لا بعلم وقدرة وحياة ، وأطلقوا أنّ لله علما بمعنى أنّه عالم ، وله قدرة بمعنى أنّه قادر ، ولم يطلقوا ذلك على الحياة ولم يقولوا : له حياة ولا قالوا سمع ولا بصر وإنّما قالوا قوّة وعلم لأنّ الله سبحانه أطلق ذلك. ومنهم من قال : له علم بمعنى معلوم وله قدرة بمعنى مقدور ولم يطلقوا غير ذلك (ش ، ق ، ١٦٥ ، ٣)

ـ من الروافض من يقول : معنى أن الله يعلم معنى أنّه يفعل ، فإن قيل لهم فلم يزل عالما بنفسه؟ قال بعضهم : لم يكن يعلم نفسه حتى فعل العلم لأنّه قد كان ولمّا يفعل ، وقال بعضهم : لم يزل يعلم نفسه ، فإن قيل لهم : فلم يزل يفعل؟ قالوا : نعم ولم يقولوا بقدم الفعل (ش ، ق ، ٢٢٠ ، ١٠)

ـ حكي عن" هشام بن الحكم" أنّه قال إنّ العلم صفة لله وليس هي هو ولا غيره ولا بعضه ، وأنّه لا يجوز أن يقال [له] محدث ولا يقال له قديم ، لأنّ الصفة لا توصف عنده ، وكذلك قوله في سائر صفاته من القدرة والإرادة والحياة وسائر ذلك أنّها لا هي الله ولا هي غيره ولا هي قديمة ولا محدثة (ش ، ق ، ٢٢٢ ، ١)

ـ معنى يعلم هو معنى يفعل (ش ، ق ، ٤٩٠ ، ٥)

ـ العلم صفة لله سبحانه في ذاته وأنّه عالم في نفسه غير أنّه لا يوصف بأنّه عالم حتى يكون الشيء ، فإذا كان قيل عالم به ، وما لم يكن الشيء لم يوصف بأنّه عالم به ، لأنّ الشيء ليس ، وليس يصحّ العلم بما ليس ، وهذا قول يحكى عن" السكّاكية" (ش ، ق ، ٤٩٠ ، ١٠)

ـ لم يزل الله عالما ، والعلم صفة له في ذاته ، ولا يوصف بأنّه عالم بالشيء حتى يكون (ش ، ق ، ٤٩٠ ، ١٤)

ـ كان (الجبائي) لا يسمّي العلم علما قبل كونه لأنّه اعتقاد الشيء على ما هو به بضرورة أو بدليل (ش ، ق ، ٥٢٣ ، ١٣)

ـ الدليل على أنّ لله تعالى قدرة وحياة كالدليل على أنّ لله تعالى علما (ش ، ل ، ١٣ ، ١٨)

ـ قال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ) (الرحمن : ١ ـ ٢ ـ ٣) ففرّق بين الإنسان وبين القرآن ، فقال : علّم ، خلق ، فجعل يعيدها ، علّم ، خلق ، أي فرّق بينهما (ش ، ب ، ٧٠ ، ٢)

ـ أجمع المسلمون قبل حدوث الجهمية والمعتزلة والحرورية ـ على أنّ لله علما لم يزل ، وقد قالوا : علم الله لم يزل ، وعلم الله سابق في الأشياء ، ولا يمنعون أن يقولوا في كل حادثة تحدث ، ونازلة تنزل : كل هذا سابق في علم الله ، فمن جحد أنّ لله علما ، فقد خالف المسلمين ، وخرج عن اتفاقهم (ش ، ب ، ١٠٩ ، ٨)

ـ قالوا (المعتزلة) : لا يجوز أن يكون علم الله محدثا لأنّ ذلك يقتضي أن يكون حدث بعلم آخر ، كذلك لا إلى غاية (ش ، ب ، ١٢٠ ، ١)

ـ إنّ العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلّا بالاستدلال ، وقد أظهر به ما يستدل من أحوال نفسه التى عليها مداره ، مع ما بيّنا أنّ الضرورة تبعثه على النظر وتدفعه إلى الفكر فيما يرى من أحواله وأعضائه ومنافعه ومضارّه التي في الجهل بها عطبه وفي العلم بها صلاحه ، وفي صلاحه بها على علمه بأنّه لم يكن دبّر ما ذكرت من أحوال تضطرّه إلى معرفته ومن قام هو به (م ، ح ، ١٣٧ ، ١٤)

ـ العلم على وجهين : على الظاهر البيّن والخفي المستور ليتفاضل بذلك أولو العقل على قدر تفاضلهم في الاجتهاد واحتمال ما كرهته الطباع ونفرت عنه النفس ، وعلى ذلك جعل سبيله قسمين : أحدهما العيان الذي هو أخصّ الأسباب ، وهو الذي ليس معه جهل ، ليكون أصلا لما خفي منه ، والثاني السمع الذي عن دلالة الأعيان يعرف صدقه وكذبه. ثم جعل السمع قسمين : محكم ومتشابه ومفسّر ومبهم ، ليبيّن منتهى المعارف من الكفّ فيما يجب ذلك والإقدام فيما يلزمه ، ومن حمل المبهم على المفسّر ، لزم المحكم وعرض المتشابه عليه ما أمكن أن يكون ما فيه مما يلزم تعرّفه ومما إليه حاجة بأهل المحنة ، أو ترك الخوض في ذلك فيما أمكن الغنى عن تعرّف حقيقة ما فيه ، فيكون محنة الوقوف (م ، ح ، ٢٢٢ ، ٦)

ـ اعلم أنّ المشيئة صفة الشائي والإرادة صفة المريد ، والأمر صفة الآخر والعلم صفة العالم ، والكلام صفة المتكلّم (م ، ف ، ١٧ ، ٢٣)

ـ فإن قال قائل : ما حدّ العلم عندكم؟ قلنا : حدّه أنّه معرفة المعلوم على ما هو به. والدليل عن ذلك أنّ هذا الحدّ يحصره على معناه ولا يدخل فيه ما ليس منه ولا يخرج منه شيئا هو منه. والحدّ إذا أحاط بالمحدود على هذه السبيل وجب أن يكون حدا ثابتا صحيحا (ب ، ت ، ٣٤ ، ١٥)

ـ أنّ الواجب على المكلّف. ـ أن يعرف بدء الأوائل والمقدّمات التي لا يتم له النظر في معرفة الله عزوجل وحقيقة توحيده ، وما هو عليه من صفاته التي بان بها عن خلقه ، وما لأجل حصوله عليها استحق أن يعبد بالطاعة دون عباده. فأوّل ذلك القول في العلم وأحكامه ومراتبه ، وأنّ حدّه : أنّه معرفة المعلوم على ما هو به ، فكل علم معرفة وكل معرفة علم (ب ، ن ، ١٣ ، ١٩)

ـ اعلم أنّ الذي يدور عليه كلامه في ذلك وفي سائر حدود جملة المعاني شيء واحد وهو أنّه يقول : " معنى العلم وحقيقته ما به يعلم العالم المعلوم". وعلى ذلك عوّل في استدلاله على أنّ الله تعالى عالم بعلم من حيث أنّه لو كان عالما بنفسه كان نفسه علما ، لأنّ حقيقة معنى العلم ما يعلم به العالم المعلوم ، فلو كانت نفس القديم سبحانه نفسا بها يعلم المعلومات وجب أن تكون علما وفي معناه (أ ، م ، ١٠ ، ١٢)

ـ كان (الأشعري) ينكر أن يكون معنى العلم اعتقاد الشيء على ما هو به وقال إن وصف علمنا بأنّه اعتقاد مجاز ، لأنّ أصل العقد والاعتقاد إنّما يتحقّق بغير المعاني وإذا استعمل في ذلك فعلى التوسّع. ومن مذهبه أيضا أنّه لا يفرّق بين العلم والمعرفة ، وكذلك اليقين والفهم والفطنة والدراية والعقل والفقه كل ذلك عنده بمعنى العلم ، وأنّ الباري تعالى إنّما اختصّ بوصف العلم اتّباعا له في تسميته نفسه

بذلك من دون هذه الأسماء (أ ، م ، ١١ ، ٧)

ـ إنّ المعرفة والدراية والعلم نظائر ، ومعناها : ما يقتضي سكون النفس ، وثلج الصدر ، وطمأنينة القلب. وهذا أولى مما أورده في العمد. أنّه الاعتقاد الذي تسكن به النفس إلى أن معتقده على ما اعتقده عليه. لأنّ العلم إنّما يتبيّن عمّا عداه بما ذكرناه ، فيجب الاقتصار عليه ويحذف ما سواه (ق ، ش ، ٤٦ ، ١)

ـ إنّ العلم يجري مجرى الفعل المحكم ، لأنّه اعتقاد واقع على وجه مخصوص ، فلا يتأتّى إيقاعه على ذلك الوجه إلّا ممن هو عالم به. وهذه الدلالة مبنيّة على أصول ؛ أحدها أنّ العلم من قبيل الاعتقاد ، والثاني ، أنّه اعتقاد واقع على وجه مخصوص ، والثالث ، أنّه لا يقع على ذلك الوجه إلّا ممن هو عالم به (ق ، ش ، ١٨٨ ، ٥)

ـ أبو الهذيل ، قال : إنّ العلم جنس برأسه غير الاعتقاد (ق ، ش ، ١٨٨ ، ١٠)

ـ اعلم أنّ الخبر والدلالة والعلم بمنزلة سواء في أنّها لا تؤثّر فيما تتعلّق به ، وإنّما تتناوله على ما هو عليه. ولو أثّرت فيه لوجب إذا أخبرنا ودللنا وعلمنا عن القديم تعالى وأوصافه ، أن نكون قد جعلناه على ما هو بالخبر والدلالة والعلم! وكان يجب إذا كان فعلنا يقع لأجل علمه تعالى ، ألا يكون لنا في ذلك صنع البتّة وأن يزول الذمّ والمدح. وكان لا يكون العلم بأن يوجب كون المعلوم بأولى من أن يكون المعلوم موجبا للعلم ، لأنّه كما يجب أن يكون على ما يتناوله ، فكذلك العلم بأن يكون علما لوقوع المعلوم على الحدّ الذي يتناوله. وهذا ظاهر الفساد (ق ، م ١ ، ١٧١ ، ٢)

ـ إنّ العلم من شأنه أن يتبع المعلوم لا أن يكون المعلوم تابعا له. ألا ترى أنّ العلم لو أثّر في وقوع المعلوم لم يكن ليجب في أفعالنا أن نعتبر في وقوعها الدواعي والقصود ، بل كان علم العالم بأنّها تقع مؤثّرا في وقوعها؟ وكان يجب إن كان العلم هو الذي يؤثّر في وقوع المعلوم أن يذم أحدنا لا على أنّه فعل القبيح ولكن للعلم الحاصل بأنّه فاعله. وأيضا فلو أثر العلم في المعلوم لم تفترق الحال بين بعض المعلومات وبين بعض فكان يجب فيما عليه القديم في ذاته أن يكون إنّما حصل كذلك بالعلم. وكذلك القول في سائر ما يجب للأجناس من صفاتها. وكان يجب أن يكون علمنا بما يفعله الله تعالى في الدنيا من وجوه الإحسان وفي الآخرة من أبواب الجزاء هو المؤثّر في وقوع ذلك ، فكان يزول ما يستحقّه تعالى من الشكر والعبادة. ويبيّن ذلك أنّ العلم إنّما يكون علما لتعلّقه بالمعلوم على ما هو به ، فلو صار المعلوم على ما هو به بالعلم لتعلّق كل واحد من الأمرين بصاحبه (ق ، ت ٢ ، ٨١ ، ١)

ـ إنّ تأثير العلم تأثير المصحّحات ويجوز أن يكون عالما بإيقاع الكتابة محكمة ولا يختار إيجادها كذلك ، فلا يخرجه علمه به وإن كان ضروريّا عن حدّ الاختيار (ق ، ت ٢ ، ١٥٢ ، ٢٠)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالمعلوم على ما هو به ، فليس يصير المعلوم على ما هو به بالعلم ، وإنّما يصير العلم علما لأجل تعلّقه بالمعلوم على ما هو به. وكذلك القول في الدلالة والخبر الصدق.

ولو لا أنّ الأمر كما قلناه لكان يلزم أن يكون المعلوم على ما هو عليه بالعلم يحصل كذلك ، والعلم يحصل علما لكون المعلوم على صفة مخصوصة ، فيؤدّي إلى تعلّق كل واحد من

الأمرين بصاحبه. وكذلك الحال في الدلالة والخبر والصدق (ق ، ت ٢ ، ٤٠٩ ، ٣)

ـ إن قيل : إذا قلتم إنّ الدواعي إلى الفعل ، متى انفردت ، وجب أن تفعل ، فقد أبطلتم القول بأنّ القادر يصحّ أن لا يختار فعل مقدوره ، وساويتم المجبّرة في قولها : إنّ الفعل يجب وجوده مع القدرة. قيل له : إنّا نقول إنّ (صحّة) الفعل يصحّ منه لكونه قادرا ، لا للداعي ، لأنّه في صحّته يفتقر إلى اختصاصه بحال يبيّن بها من غيره. ولذلك يصحّ الفعل من الساهي والنائم ، وإن لم يكن لهما إلى الفعل داع. وكذلك يصحّ أنّ يعلم فعل غيره كعلمه بفعله ، ولا يقدر إلّا على ما يصحّ أن يوجده. ولذلك يتعلّق العلم بالشيء على ما هو به ، فكيف يحصل به محدثا. فكل ذلك يبيّن أنّ الفاعل يصحّ منه الفعل لكونه قادرا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ١٦)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على ما هو به. فإذا كان معدوما استحال أن يعلم موجودا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٤ ، ١٩)

ـ إنّ العلم ليس بعلم لجنسه ، وإنّما يكون كذلك متى كان معلوما على ما يتناوله. ولذلك قد يوجد الاعتقاد ، ولا يكون علما ، وقد يتعلّق بالشيء على ما ليس به. فإذا صحّ ذلك ، وكان حال العالم فيما يتعلّق به حال العلم ، لم يجز أن يعلم الشيء إلّا على ما هو به (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١٢٥ ، ٨)

ـ إنّ العلم يتعلّق بالشيء على سائر وجوهه ، وكذلك الاعتقاد والخبر. فلا يجب فيه ما ألزمناه في القدرة ، لأنّها إنّما تتعلّق بالشيء على جهة الحدوث ، ومن حق المقدور أن يكون معدوما (ق ، غ ٨ ، ١٠٤ ، ٤)

ـ إنّ العلم يقع بحسب النظر فيجب كونه متولّدا دون ما عداه (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ١٠)

ـ أمّا العلم فإنّه يتولّد عن النظر ، وقد يجوز أن يفعله مبتدأ ، لأنّ المتنبّه من رقدته إذا تذكّر الاستدلال صحّ أن يفعل العلم ويبتدئه من غير نظر ، لأنّه لو فعله عن نظر لوجب أن يجد ذلك من نفسه ، ولوجب ألّا تحصل له في تلك الحال العلوم أجمع إلّا على الترتيب الذي حصل في الابتداء ، وقد علمنا فساد ذلك. فإذن قد ثبت أنّه يصحّ أن يفعل جنس العلم متولّدا أو مباشرا (ق ، غ ٩ ، ١٢٥ ، ١٩)

ـ لا فرق بين العلم ، وبين غالب الظنّ والاعتقاد ، في أنّه يصحّ معها أجمع أن ينظر في الشيء (ق ، غ ١٢ ، ٩ ، ١٤)

ـ اعلم أنّ العلم هو المعنى الذي يقتضي سكون نفس العالم إلى ما تناوله ، وبذلك ينفصل من غيره ، وإن كان ذلك المعنى لا يختصّ بهذا الحكم إلّا إذا كان اعتقادا ، معتقده على ما هو به واقعا على وجه مخصوص. لكن هذه الصفات لمّا جاز أن يحصل عليها ولا يكون علما ، وجاز أن يشاركه فيها غيره ، وكان فيها ما لا يرجع إلى نفس العلم وإنّما يرجع إلى وجوه تعلم به ، لم يجب أن تدخل في حدّ العلم. لأنّ من حق الحدّ أن يفيد ما يبيّن به المحدود من غيره. ولذلك لا يجوز أن يحدّ اللّون بأنّه عرض وتصير للمحلّ به هيئة تشاهد بالعين عليها. ولا يجوز أن يحدّ كون العالم عالما ، بأنّه الحي الذي يختصّ بالحال التي معها قد يصحّ الفعل المحكم منه ؛ لأنّ كونه حيّا ، وإن كان لا بدّ منه ، فلا يجب إدخاله في جملة الحدّ. ولو لا أنّ الأمر كما قلناه ، لم يمتنع أن تدخل في الحدّ كل مقدّمة قد يشارك

المحدود فيها غيره. وبطلان ذلك ظاهر. فإذا صحّ ذلك ، فيجب أن يحدّ العلم بما قدّمناه. وهذا هو الذي اختاره شيخنا أبو عبد الله ، رحمه‌الله (ق ، غ ١٢ ، ١٣ ، ٣)

ـ فيما ذكره شيخانا أبو علي وأبو هاشم ، رحمهما‌الله ، من أنّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به. إذا دفع على وجه ، وإن اختلفا في العبارة عن ذلك ، أن يكون هذا مقصدهما. لأنّهما قد بيّنا ، في غير موضع ، أنّ الحدّ يجب أن يتناول ما به يبيّن المحدود من غيره. لكنهما لما علما أنّ المقصد بالحدّ الكشف عن الغرض ، لم يمتنع عندهما في كثير من الحدود أن يكون الأولى فيه ذكر مقدّمات له. كما أنّه لا يمتنع في كثير منها أن يضم إليه غيره مما لو حذف لاستغنى عنه ... ولذلك قالا : إنّ حدّ العالم أن يصحّ الفعل المحكم منه ، إذا كان قادرا عليه مع السلامة. وقد علمنا أنّ كونه قادرا ، وما شاكله ، لا يحتاج إليه فيما به يبيّن العالم من غيره. لكن الذي جعلوه حدّا في العالم ، لمّا كان لا يمكن إلّا في القادر ، ذكروه (ق ، غ ١٢ ، ١٣ ، ١٨)

ـ إنّما يجب أن تفسّر الحدود بما لا يقتضي فيه الجهل بالمحدود وحصره ، بأن يلزم عليه أن يدخل فيه ما ليس منه ، وأن يخرج عنه ما هو منه. فأمّا لم يلزم عليه ذلك ، وإنّما ذكر القاصد إلى ذكر الحدّ ما يظنّ أنّه ينكشف به ، فالعيب له غير لازم. فلذلك صحّ أن يحدّ شيوخنا العلم بما ذكروه ، من قولهم : إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ، مع سكون النفس الذي يختصّ به العلم ؛ وعلموا أنّ هذه العبارة لا تنكشف لكل أحد ، لم يروا الاقتصار عليها جائزا ؛ فقرنوا بها ما ذكرناه ، من أنّ العلم متى حدّ بأنّه اعتقاد الشيء على ما هو به على وجه يقتضي سكون النفس فقد جعل معلولا بعلّتين ، لا يلزم على ذلك. لأنّ الذي يجب أن يبطل فيه ، أن يعلّل الشيء بعلّة ما تتعلّق بالمعاني ؛ فأمّا ما يتعلّق بالعبارات ، فغير ممتنع ولم يقولوا : إنّه إنّما صار علما ، ومخالفا لغيره من الاعتقادات ، لهذين الوجهين (ق ، غ ١٢ ، ١٥ ، ٨)

ـ يسمّى العلم تبيّنا وتحقّقا واستبصارا ، إذا كان مستدركا بعد شك. ولذلك لا يوصف تعالى بأنّه متبيّن ، ولا يوصف الواحد منّا بأنّه تبيّن وجود نفسه ، وكون السماء فوقه ، لما كان معنى في الارتياب لا يصحّ فيه. ويوصف بأنّه فهم وفقه وفطنة ، إذا كان علما بمعنى الكلام أو ما شاكله. وعلى هذا الحدّ ، يقال ، في الإنسان :

شعر بكذا ، إذا فطن به (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ١٠)

ـ أمّا وصف العلم بأنّه عقل ، فقد بيّنا أنّ الغرض به التشبيه لعقل الناقة من وجهين. وأصل استعماله فيه مجاز ، فلذلك لم يستعمل في جميع العلوم ؛ وكذلك وصف العلم بأنّه إحاطة وإدراك. لأنّ الإنسان وإن كان يقول : أدركت معنى كلامك ، بمعنى علمته وأحطت علما بما ذكرته ؛ فذلك توسّع ، لأنّ حقيقة الإدراك ترجع إلى ما يختصّ به الحي مما يجوز على الساهي والعالم ، والإحاطة تختصّ الأجسام التي يصحّ فيها أن تحتوي على غيرها (ق ، غ ١٢ ، ١٦ ، ٢٠)

ـ أمّا وصف العلم بأنّه وجود ، فقد قال شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله : إنّه حقيقة فيما جرى عليه ؛ لأنّهم يصفون العارف لموضع ضالته أنّه وجدها. وقال : لهذا يجوز أن يوصف تعالى ، فيما لم يزل ، بأنّه واحد ؛ وأنّه يحدّ الأشياء ، من حيث كان عالما بها ، وإن كان قد

يستعمل في غير هذا الوجه أيضا (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ٧)

ـ قد اختلف الناس في حدّ العلم اختلافا متباينا. فقال بعضهم : إنّ العلم بالمعلوم هو الإحاطة به ، ومنع أن يوصف تعالى بأنّه يعلم ، من حيث لم يجز أن يحاط به. وهذا باطل ، لأنّ حقيقة الإحاطة إنّما تصحّ في الأجسام الحاوية لما يحصل وسطا لها ، والعلم وإن كان يتعلّق بالمعلوم ، فإنّه لا يختصّ به هذا الاختصاص ، ولهذا يصحّ أن يعلم به المعدوم والموجود. ولا فرق بين من قال ، في العلم : إنّه إحاطة للمعلوم ، وبين من قال مثله في الإرادة وسائر ما يتعلّق بغيره من المعاني. وقال بعضهم ، في العلم : إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ؛ وهذا بعيد. لأنّ المبخّت والمقلّد قد يعتقدان الشيء على ما هو به ، ولا يكونان عالمين. ولذلك يجدان حالهما كحال الظان والشاك (ق ، غ ١٢ ، ١٧ ، ١٢)

ـ لا يصحّ أن يجعل العلم إثباتا للمعلوم ، لأنّه قد يعلم به المعدوم والموجود. ألا ترى أن الخبر إنّما يوصف بأنّه إثبات إذا تناول الموجود. فأمّا ما يفيد عدم الشيء ، فإنّه يوصف بأنّه نفي؟ (ق ، غ ١٢ ، ٢٠ ، ١)

ـ إنّ الذي يدلّ على العلم ، أنّ الواحد منّا يجد نفسه معتقدا للشيء ، ساكن النفس إلى ما اعتقده ، كالمدركات وغيرها. ويفصل بين حاله كذلك ، وبين كونه مبخّتا ظانّا مقلّدا. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه إنّما اختصّ بذلك لمعنى ، فيجب أن يكون ذلك المعنى هو الذي يفيده بقولنا : علم ومعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ٦)

ـ قد قال شيخنا أبو علي رحمه‌الله ، في العلم : إنّه مدرك ، لو لا ذلك لما وجد الإنسان نفسه عالما. لأنّ هذا الوجود يرجع إلى إدراك العلم. وليس الأمر كما قاله ، لأنّ العلم لو أدرك ، لأدرك محلّه. فكان يجب أن يفصل بين محلّه ، وغير محلّه ، كالألم. ولوجب في المختلف منه أن يتضادّ. ولوجب أن يستغني الواحد منّا ، في إثبات العلم ، عن النظر (ق ، غ ١٢ ، ٢٣ ، ١١)

ـ قد حكى أبو القاسم ، رحمه‌الله ، في كتاب المقالات عن فريق من الناس : أنّه غير الاعتقاد. وحكى شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، في مسائل الخلاف ، على شيخنا أبي الهذيل ، أنّه كان يقول في العلم : إنّه اعتقاد.

فهو قولنا. فإن قال : إنّه جنس سواه. فهو مخالف لنا. وتكلّم عليه في ذلك ، ولم يقطع من قوله على أحد الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ٦)

ـ الذي يقوله شيوخنا ، رحمهم‌الله ، في العلم : إنّه من جنس الاعتقاد ، فمتى تعلّق بالشيء على ما هو به ، ووقع على وجه يقتضي سكون النفس ، كان علما. ومتى تعلّق بالشيء على ما ليس به ، كان جهلا. ومتى تعلّق به على ما يقوّيه ، ولم يقتض سكون النفس ، لم يكن علما ولا جهلا (ق ، غ ١٢ ، ٢٥ ، ١٧)

ـ أجابا (الشيخان) رحمهما‌الله ، عن ذلك : بأنّ العلم إنّما وصف بأنّه اعتقاد ، من حيث شبّه بعقد الحبل وإحكامه ؛ ووصف العالم معتقدا ، من حيث كان العلم ، الذي به علم ، اعتقادا. ولذلك يوصف بأنّه عالم ، قبل العلم بالعلم أصلا ؛ ولا يوصف بأنّه معتقد ، إلّا بعد إثبات العلم اعتقادا. فلذلك لا يجب وصفه تعالى بأنّه معتقد ، لما كان عالما بذاته ، وفارق حاله حال الواحد منّا. ولأنّ المعتقد وصف بذلك ، لأنّه عقد بقلبه على ما اعتقده ؛ كما وصف بأنّه

مضمر أو أخبار وقصد ، لأنّه أضمر بقلبه الشيء ، إذا أراده ونواه. فإذا استحال القلب عليه تعالى ، لم يجز أن يوصف بأنّه معتقد ، وإن كان له حال العالم منّا (ق ، غ ١٢ ، ٢٧ ، ٢١)

ـ لا يصحّ أن يقال ، في العلم : إنّه يوجب كون العالم ساكن النفس لذاته بشرط. لأنّ الوجوه التي يقع عليها ، فتصير علما ، لا يصحّ أن تجعل شرطا ، لانفصالها منه وتعلّقها باختيار مختار. فلا فرق بين من قال ذلك ، وبين من قال في القبيح : إنّه إنّما يقبح ، لو أنّه يشترط اختصاصه بالوجه الذي له يقبح. وقد عرفنا بطلان ذلك (ق ، غ ١٢ ، ٣١ ، ١٨)

ـ مما قاله شيخنا أبو عبد الله ؛ رحمه‌الله. لأنّه قال : إنّ العلم لاختصاصه بحالة واحدة ، يقتضي هذين الحكمين : أحدهما سكون نفس العالم ؛ والآخر صحّة الفعل المحكم منه ، إذا كان متمكّنا. كما أنّ وصف الحيّ بأنّه حيّ ، يقتضي صحّة كونه قادرا ، وعالما ، ومريدا ، ومدركا. قال : وإنّما يستحيل ذلك فيما يوجب الحكم إيجاب العلّة ، لأنّه مرجع إلى ذاته. ولا يصحّ أن يجعل في ذاته على صفتين مختلفتين لنفسه. وهذا مخالف لما قدّمناه في العلم ، لأنّه يوجب الحكمين لا محالة. وكونه حيّا ، يصحّح ولا يوجب ، فالأولى أن يرتّب على ما قدّمناه (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ٥)

ـ اعلم ، أنّ كلام شيخينا ، رحمهما‌الله ، كالدالّ على خلاف ما قدّمناه. لأنّهما يجعلان العلم مقتضيا لسكون نفس العالم ، لوقوعه على وجه لاختصاصه بحال ، وإن كان شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، ربما يذكر مثل ما قدّمناه في القبيح والحسن. والذي قدّمناه هو الأولى ، لأنّه إذا وجب كون العالم ساكن النفس ، واستحال أن لا يوجب كونه كذلك ، ورجع هذا الإيجاب إلى العلم دون غيره ، على ما قدّمناه ؛ فيجب أن يكون مقتضيا لذلك ، لاختصاصه بصفة هو عليها ، كما قلناه في الحسن والقبيح وغيرهما. بل الحال في العلم آكد ، لأنّ الحكم الراجع إليه لا يتعلّق باختيار مختار. وليس كذلك الحسن والقبيح ، فهو بمنزلة كون الجوهر متخيّرا في أنّه إنّما صحّ أنّه كالعلّة في احتماله للأعراض ، لما كان احتماله لها يرجع إليه دون غيره ، ولا ينفصل عنه (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ١٤)

ـ أمّا شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، فلم يمنع من اختصاص العلم بسكون النفس ، لأنّه قد صرّح بأنّ الجاهل والظانّ لا تسكن نفوسهما ، وإنّما عدل عن جعل ذلك أمارة لكونه علما. وقال : إنّما يفصل العلم عنده من غيره ، لسلامته ، ونفى التناقض عنه ، والجهل بخلافه. وهذا لا يصحّ عند شيخنا أبي هاشم ، رحمه‌الله ، لأنّ سلامته من الانتقاض ترجع إلى طريقة ، لا إليه. ويجب أن نجعل ، ما به ينفصل العلم من غيره ، راجعا إليه ، لا إلى طريقه ، ليصير شاملا لجميع العلوم : الضروريّ ، والمكتسب. وقد علمنا أنّ معنى السلامة من الانتقاض إنّما يصحّ في المكتسب دون غيره. ولذلك قال ، رحمه‌الله ، في نقض المعرفة : إنّه يعلم المحق محقّا بالأدلّة. يبيّن ذلك ، ما قلناه : إنّ المخبر إذا أخبر عن أكله وشربه ، وإن كان كاذبا ، فليس هناك ما يوجب انتقاض ما خبّر عنه. فيجب على هذا أن يكون اعتقاد المعتقد له علما.

وإنّما يصحّ أن يقال : إنّ الانتقاض إذا دخل في الشيء ، دلّ على فساده. فأمّا السلامة من الانتقاض ، فلا تجب كونه دالّا على الصحة (ق ، غ ١٢ ، ٣٧ ، ٢٠)

ـ إنّ العلم ، وإن كان يتعلّق بالشيء على ما هو به ، فإنّه لا يصير علما على ما هو به ، لمكان العلم. كما لا يصير العلم علما ، لكون معلومه على ما هو به. وقد شرحنا ذلك من قبل ، فإذا لم يجب ذلك في العلم ، فبأن لا يجب ذلك في الاعتقاد أولى. وكان يجب ، على قولهم هذا ، إذا كان الإنسان قادرا على الاعتقادات المختلفة في الأمور ، أن يقدر أن يجعلها على الصفات التي يصحّ أن يعتقدها فيه ، فيجعل السواد مرّة سوادا ، ومرّة بياضا ، والجسم مرّة قديما ، ومرّة محدثا ، وقد علمنا أنّه إن كان قديما لم يجز أن يتغيّر حاله وإن كان محدثا (ق ، غ ١٢ ، ٤٩ ، ٥)

ـ إنّ الذي يؤثّر في العلم هو الشبهة القادحة في دليله ، كأنّه يعتقد أنّ الدليل ، ليس هو بالصفة ، الذي يدلّ ، فينتفي العلم. فأمّا إذا كانت الشبهة غير قادحة في الدليل ، فإنّها لا تقتضي انتفاء العلم. وقد تكون هذه الشبهة مما ينظر فيها المخالف ، ويحصل له عنده الجهل ؛ فيجب ، إذا نظرنا نحن فيها ، أن يكون هذا حالنا. وأكثر الشبه ، التي ينظر فيها المخالف ، هو من هذا القبيل. لأن ما يقدح في الدليل إنّما يتعلّق بالدليل لا بنفس المذهب. مثال هذا ، ما يقوله أصحاب الطبائع : إنّ الإحراق إذا وجب ، أن يكون واقعا بطبع النار ، لأنّه يجب وجوده عنده ؛ فيجب ، عند قوة الدواعي ، أن يكون التصرّف واقعا بالطبع ، فإن أداهم هذا النظر إلى الجهل بحال القادر ، فيجب إذا نظرنا في مثله أن يتولّد لنا الجهل. وفي بطلان ذلك ، دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١٢ ، ١١٠ ، ١٢)

ـ إنّ العلم من جنس الجهل ، لأنّه إذا كان المعتقد على ما هو به كان علما إذا وقع على وجه مخصوص ، وإذا لم يكن على ما هو به كان جهلا ؛ وإنّما تختلف حال الاعتقاد لأمر يرجع إلى المعتقد ، لأنّ أحدنا إذا اعتقد كون زيد في الدار فإنّما يصير هذا الاعتقاد من باب الجهل أو من جنس العلم بحسب حال زيد ، فصحّ أنّ الجنس واحد على هذا الوجه. وإذا كان كذلك ، فيجب إذا قدر على أن يعتقد كونه في الدار وليس هو فيها أن يصحّ أن يعتقده وهو فيها ، على هذا الوجه الذي ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٢١٤ ، ١٤)

ـ اعلم ، أنّ كلّ علم يتعلّق بظنّ ، فلا بدّ من أمارة ترد ليحصل الظنّ للعاقل ويتبعه العلم. ومتى فقد الظنّ ، فقد بفقده العلم ، لتعلّق بعض ذلك ببعض (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٦ ، ٤)

ـ إنّ العلم قد يكون علما وإن لم يكن المعلوم مدركا ، فأبطلنا قول من لم يصحّح العلم إلا بالمدرك ، وبيّنا أن قولهم يقارب قول السّوفسطائية ، ودللنا على أن ما يتولّد عن النظر علم في الحقيقة ، وأن العلم بالله سبحانه وبسائر ما يلزم المكلّف علم صحيح (ق ، غ ١٤ ، ١٢٩ ، ١٧)

ـ قد علمنا أنّه لا فائدة له بأن يكون المخبر على صفة أو ليس عليها ، وأنّ فائدته في ذلك إنّما تقع بأن نعلمه كذلك ، أو نعتقده على طريقة الظنّ. ولا حكم لما عدا هذين ؛ لأنّ ما خرج عنهما يصير كالتبخيت ، الذي وقوعه عقيب الخبر ، يحلّ محلّ وجوده ابتداء. فإذا صحّ ذلك ، وعلمنا أنّه ، فيما يقتضيه من العلم ، لا يخرج من قسمين : إمّا أن يقع ، عنده ، من فعل الله سبحانه ، فيكون علما ؛ أو ينظر فيه السامع فيكسب ، بنظره في أحوال الخبر ، علما. وما

لا يمكن ذلك فيه فلا بدّ من أن تكون أمارة ، حتى تقع له به فائدة وغلبة الظنّ ، ثم يكون المظنون (فيما) تتعلّق عليه العبارة ، فيه ، بحسب قيام الدلالة ؛ فإن كان من باب العمل صحّ أن يلزم ، عند النظر ؛ وإن كان من باب العلم لم يصحّ أن يلزم عنده (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٢ ، ٣)

ـ إنّما قوي (الخبر) العلم لأنّه قد صار ، بالعادة ، طريقا له ، وتكرّر ذلك فيه ، وصار مبنيّا على الإدراك ، فقوي العلم لأجله ، كما يقوّى العلم بالمدرك بعد تقصّي الإدراك ، لكونه مبنيّا على الإدراك ، وقد يقوى العلم بالنظر إذا تكرّر منه في أدلّة الشيء ، لمّا كان لكل واحد منه مدخل في إيجاب العلم. فكذلك ، لمّا كان كل واحد من الخبر ، لو تأخّر لاقتضى العلم ، لم يمتنع أن يقوّى به العلم. وكل ذلك لا يوجب أنّه طريق للعلم ، كما قلناه في الإدراك (ق ، غ ١٥ ، ٣٧٦ ، ٥)

ـ متى بلغ عدد المخبرين حدّا مخصوصا ، وأخبروا عن الضروريّ ، فالعلم يقع بخبرهم ؛ وأنه لا معتبر بما عدا ذلك من الشروط والصفات (ق ، غ ١٥ ، ٤٠٠ ، ١٩)

ـ العلم يحتاج في إيقاعه إلى دلالة. ويحتاج الظّنّ إلى أمارة. ويجب أن يتقدّم الدّلالة قدرا من التّمكّن ، يمكن معه أن ينظر فيها الإنسان فيعلم وجوب الفعل ، أو كونه ندبا ، أو معرّبا لما وجب بالفعل. ثمّ يفعل الفعل في الوقت الذي وجب إيقاعه فيه. ولا فرق بين أن تكون الدّلالة على ذلك أمرا ، أو غيره. وكذلك القول في الأمارة (ب ، م ، ١٧٨ ، ٤)

ـ العلم يمكن به إيقاع الفعل على وجه الإحكام من دون استعمال محلّه ، وفي القدرة لا يمكن ، فلا بدّ من أن يكون معلّلا ، من حيث أنّا وجدنا ذاتين إحداهما لا يمكن الفعل بها على الوجه الذي تؤثّر فيه إلّا بعد استعمال محلّها في ذلك الفعل ، والثانية يمكن ، مع تساويهما في سائر الأحكام ؛ فلا بدّ من أن تكون مفارقة إحداهما للأخرى بأمر من الأمور. وليس ذلك إلّا نوع القدرة وقبيلها ، لأنّ ما عدا ذلك من الحدوث والوجود والعرض وكون الموصوف بهما جسما حاصل في العلم والإرادة ؛ فإذا وجب أن يكون معلّلا بكونها قدرا وجب أن يشيع هذا الحكم في كل قدرة (ن ، د ، ٤٥٠ ، ١١)

ـ إن قيل : فالعلم والإرادة إذا لم يجب في الفعل بهما استعمال محلّهما ، فلما ذا وجب احتياجهما إلى المحل؟ قيل له : إنّما وجب احتياجهما إلى المحل لأنّهما علّتان ، فلا بدّ من اختصاصهما بالواحد منّا ، لأنّ من حق العلّة أن تختصّ بالمعلول غاية الاختصاص ، وغاية الاختصاص في الواحد منّا إنّما تكون بطريقة الحلول ، فلذلك وجب حلولهما في بعض من أبعاض الواحد (ن ، د ، ٤٥١ ، ٦)

ـ العلم ليس بمحكم في نفسه ، حتى يقال : إنّه إنّما وجب أن يكون عالما لفعله ما هو محكم من الأفعال ، فقد يعلم أحدنا بأنّه عالم بأن يعلم سكون نفسه ، وإن لم يستدلّ على ذلك بالأفعال المحكمة. يبيّن ما ذكرناه أنّه ، وإن كان هناك طريق آخر ، فما ذكرناه لا يخرج من أن يكون طريقا. فإذا ثبت أنّ كونه عالما طريق إلى كونه حيّا وجب أن لا يختلف شاهدا وغائبا لأنّ هذا هو حال الطريق (ن ، د ، ٥٥٢ ، ١٥)

ـ ذهب شيوخنا إلى أنّ العلم لا يجوز أن يكون علما لعينه ، وإنّما يكون علما لوقوعه على وجه (ن ، م ، ٢٨٧ ، ٤)

ـ قال أبو القاسم إنّ العلم يكون علما لعينه. والأقرب أن يكون الخلاف في أن العلم هل يكون علما لعينه أم لا ، واقعا في عبارة ، لأجل أنّ أبا القاسم يريد بقوله : " إنّ العلم علم لعينه" ، أنّه علم لا لمعنى (ن ، م ، ٢٨٧ ، ٥)

ـ قال أبو القاسم في مسألة الوعيد من الكتاب الذي سمّاه كتاب المسائل الواردة إن علم الإنسان بما يحسّه قد يكون فعلا له وكسبا ، إذا كان سببه من قبله ، يعني أنّه إذا كان هو الفاتح لعينه فإدراكه بعينه كسبه ، وعلمه بذلك كسبه. ولو أنّ غيره فتح عينه ، لكان إدراكه في الحالة الثانية من حال الفتح ، فعل الذي تولّى فتح عينه ، وكذلك القول في سائر الحواس عنده (ن ، م ، ٣٠٥ ، ١٠)

ـ إنّ العلم بالمدركات لا يجوز أن يكون من فعلنا ، وكذلك الإدراك لو كان معنى (ن ، م ، ٣٠٥ ، ١٥)

ـ كان أبو هاشم يذهب إلى أنّ النظر كلّه حسن. وأنّه لا يقبح منه شيء. وكان يقول في العلم مثل ذلك (ن ، م ، ٣١٦ ، ١٥)

ـ أبو علي يجوّز أن يكون في العلم ما يقبح. إذا كان مفسدة. وهذا صحيح ، لأنّه لو خلّق الله في الواحد منّا العلم بكيفية إيجاد كلام القرآن في الفصاحة. لكان ذلك العلم لا يمتنع أن يكون مفسدة وأن يقبح ، لأنّه يفسد دليل النبوّة. ولا يمكن أن يقال أن العلم لو قبح ، لكان يجب أن يكون العالم به ناقصا. وذلك لأنّ العلم وإن جاز أن يكون قبيحا ، فلا يلزم أن يكون العالم به حاصلا على صفة من صفات النقص ، كما أنّ الله تعالى لو أقدر أحدنا على حمل الجبال لكان ذلك يقبح ، لأنّه يفسد دليل النبوّة. ومع ذلك فالقادر على حمل الجبال ، لا يجب أن يكون على صفة من صفات النقص (ن ، م ، ٣١٦ ، ١٥)

ـ الذي يجري في كلام أبي القاسم أنّ العلم لا بدّ من أن يكون له معلوم. وعند شيوخنا قد يكون العلم غير متعلّق بمعلوم يوصف بأنّه موجود أو معدوم. وهذا نحو العلم بأن لا ثاني مع الله تعالى (ن ، م ، ٣١٦ ، ٢٤)

ـ من أصحابنا من قال العلم صفة يصير الحيّ بها عالما خلاف قول من أجاز وجود العلم في الأموات والجمادات كما ذهب إليه الصالحيّ والكراميّة ، وخلاف قول القدرية في دعواها أنّ الله عالم بلا علم وخلاف قول من يزعم أنّ العلم وكلّ موجد أجسام لا صفات (ب ، أ ، ٥ ، ٢)

ـ من أصحابنا من قال إنّ العلم صفة تصحّ بها من الحيّ القادر إحكام الفعل وإتقانه (ب ، أ ، ٥ ، ٦)

ـ اختلفت القدرية في حدّ العلم : فزعم الكعبيّ أنّه اعتقاد الشيء على ما هو به ، وزعم الجبائيّ أنّه اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو دلالة ، وزعم ابنه أبو هاشم أنّه اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس إليه (ب ، أ ، ٥ ، ٩)

ـ لو كان العلم اعتقادا على وجه مخصوص لوجب أن يكون كلّ عالم معتقدا والله سبحانه وتعالى عالم وليس بمعتقد ، فبطل تحديد العلم بالاعتقاد (ب ، أ ، ٥ ، ١٧)

ـ زعم النّظام أنّ العلم حركة من حركات القلب والإرادة عنده من حركات القلب أيضا. فقد خلط العلم بالإرادة مع إختلاف جنسهما (ب ، أ ، ٦ ، ٢)

ـ قال أصحابنا أنّ علم الله عزوجل محيط بكل

شيء معلوم على التفصيل ، ومعلومات علومنا محصورة لله تعالى (ب ، أ ، ٣٠ ، ١١)

ـ العلم ... معنى غير الاعتقاد وتأثيره في الفعل من جهة أحكامه وإتقانه (ب ، أ ، ٤٤ ، ٢)

ـ زعم أكثر القدرية أنّ العلم اعتقاد مخصوص (ب ، أ ، ٤٤ ، ٣)

ـ حدّ العلم على الحقيقة إنّه اعتقاد الشيء على ما هو به فقط ، وكل من اعتقد شيئا على ما هو به ولم يتخالجه شكّ فيه فهو عالم به ، وسواء كان عن ضرورة حسّ ، أو عن بديهة عقل ، أو عن برهان استدلال أو عن تيسير الله عزوجل له وخلقه لذلك المعتقد في قلبه ، ولا مزيد (ح ، ف ٤ ، ٤٠ ، ٣)

ـ قالت طوائف منهم الأشعريّة وغيرهم ، من اتّفق له اعتقاد شيء على ما هو به على غير دليل لكن بتقليد أو تميل بإرادته ، فليس عالما به ولا عارفا به ولكنّه معتقد له ، وقالوا كل علم ومعرفة اعتقاد ، وليس كل اعتقاد علما ولا معرفة ، لأنّ العلم والمعرفة بالشيء إنّما يعبّر بهما عن تيقّن صحّته ، قالوا وتيقّن الصحّة لا يكون إلّا ببرهان ، قالوا وما كان بخلاف ذلك فإنّما هو ظنّ ودعوى لا تيقّن بها (ح ، ف ٥ ، ١٠٩ ، ٢٠)

ـ العلم معرفة المعلوم على ما هو به. وهذا أولى في روم تحديد العلم من ألفاظ مأثورة عن بعض أصحابنا في حدّ العلم ؛ منها قول بعضهم : " العلم تبيّن المعلوم على ما هو به". ومنها قول شيخنا رحمه‌الله : " العلم ما أوجب كون محلّه عالما" ؛ ومنها قول طائفة : " العلم ما يصحّ ممّن اتصف به إحكام الفعل وإتقانه" (ج ، ش ، ٣٣ ، ٣)

ـ أمّا أوائل المعتزلة فقد قالوا في حدّ العلم : " هو اعتقاد الشيء على ما هو به مع توطين النفس". فأبطل عليهم حدّهم باعتقاد المقلّد ثبوت الصانع ؛ فإنّه اعتقاد المعتقد على ما هو به مع سكون النفس إلى المعتقد ، ثم هو ليس بعلم. فزاد المتأخّرون فقالوا : " هو اعتقاد الشيء على ما هو به ، مع توطين النفس إلى المعتقد إذا وقع ضرورة أو نظرا" (ج ، ش ، ٣٤ ، ٨)

ـ يحصل بالعلم الإحكام والإتقان. ويحصل بالقدرة الوقوع والحدوث. ويحصل بالإرادة التخصيص بوقت دون وقت ، وقدر دون قدر ، وشكل دون شكل (ش ، م ١ ، ٩٤ ، ١٥)

ـ اتّفق المتكلّمون بأسرهم على أنّ العلم يتبع المعلوم فيتعلّق به على ما هو به ، ولا يكسبه صفة ولا يكتسب عنه صفة (ش ، ن ، ٧٠ ، ١٣)

ـ إنّ العلم إحاطة بالمعلوم ، ويستحيل أن تكون الذات محيطا أو متعلّقا ، فيجب أن يكون للذات صفة إحاطة هي المحيطة المتعلّقة بالمعلومات (ش ، ن ، ١٩١ ، ١١)

ـ قالت الصفاتيّة العلم من حيث هو علم حقيقة واحدة وليس خاصيّة واحدة ، وإنّما تختلف العلوم باعتبار متعلّقاتها وتتماثل باتّحاد المتعلّق ، وليس يخرج ذلك الاعتبار نفس العلم عن حقيقة العلميّة حتى لو قدّرنا تقديرا لمحال جواز بقاء العلم الحادث ، لتعلّق العلم الحادث بمعلومين ومعلومات. والسرّ فيه أنّ العلم على كل حال يتبع المعلوم عدما ووجودا ، فلا يكسب المعلوم صفة ولا يكتسب عنه صفة ، فالعلوم تختلف في الشاهد لاستحالة البقاء وتقدير اختلاف المتعلّقات ، والعلم القديم في حكم علوم مختلفة لا في حكم خواص متباينة (ش ، ن ، ١٩٦ ، ١٥)

ـ عند المتكلّمين العلم يتبع المعلوم ، وعندهم (الفلاسفة) المعلوم يتبع العلم والمقدور يتبع القدرة (ش ، ن ، ٢٠٩ ، ٢)

ـ قال الشيخ أبو الحسن الأشعريّ رضيّ الله عنه على طريقته ، لا يتجدّد لله تعالى حكم ولا يتعاقب عليه حال ولا تتجدّد له صفة ، بل هو تعالى متّصف بعلم واحد قديم ... لا تغيّر ذاته يتغيّر الأزمنة ، لا يتغيّر علمه بتجدّد المعلومات ، فإنّ العلم من حقيقته أن يتبع المعلوم على ما هو به من غير أن يكتسب منه صفة ، ولا يكسبه صفة. والمعلومات وإن اختلفت وتعدّدت فقد تشاركت في كونها معلومة ، ولم يكن اختلافها لتعلّق العلم بها بل اختلافها لأنفسها ، وكونها معلومة ليس إلّا تعلّق العلم بها ، وذلك لا يختلف. وكذلك تعلّقات جميع الصفات الأزليّة ، فلا نقول يتجدّد عليها حال بتجدّد حال المتعلّق ، فلا نقول الله تعالى يعلم العدم والوجود معا في وقت واحد ، فإنّ ذلك محال ، بل يعلم العدم في وقت العدم ويعلم الوجود في وقت الوجود ، والعلم بأن سيكون هو بعينه علم بالكون في وقت الكون ، إلّا أنّ من ضرورة العلم بالوجود في وقت الوجود العلم بالعدم قبل الوجود ، ويعبّر عنه بأنّه علم بأن سيكون (ش ، ن ، ٢١٩ ، ١)

ـ قالت الصفاتيّة ... إنّ العلم من حيث هو علم لا يستدعي زمانا بل هو في نفسه تبيّن وانكشاف وذلك إذا كان صفة للحادث ، وإحاطة وإدراكا إذا كان صفة للقديم ، فهو مع وحدته محيط بكل الأشياء ، ومع إحاطته واحد ، ومن تحقّق كونه واحدا (ش ، ن ، ٢٣٣ ، ١)

ـ العلم ... تصوّره بديهي ، لأنّ ما عدا العلم لا ينكشف إلّا به فيستحيل أن يكون كاشفا له ، ولأنّي أعلم بالضرورة كوني عالما بوجودي ، وتصوّر العلم جزء منه ، وجزء البديهيّ ، فتصوّر العلم بديهيّ (ف ، م ، ٧٨ ، ٢٢)

ـ اختلف الناس في حدّ العلم ، والمختار وعندنا أنّه غنيّ عن التعريف لأنّ كل واحد يعلم بالضرورة كونه عالما بكون النار محرقة والشمس مشرقة. ولو لم يكن العلم بحقيقة العلم ضروريّا ، وإلّا لامتنع أن يكون العلم بهذا العلم المخصوص ضروريّا (ف ، أ ، ٢٠ ، ٦)

ـ إذا ثبت كونه قادرا مريدا عالما وجب أن يكون حيّا ؛ إذ الحياة شرط هذه الصفات على ما عرف في الشاهد أيضا ، وما كان له في وجوده أو في عدمه شرط ، لا يختلف شاهدا ولا غائبا. ويلزم من كونه حيّا أن يكون سميعا بصيرا متكلّما ؛ فإن من لم تثبت له هذه الصفات من الأشياء ، فإنّه لا محالة متّصف بأضدادها كالعمى والطرش والخرس ، على ما عرف في الشاهد أيضا ، والباري ـ تعالى ـ يتقدّس عن أن يتّصف بما يوجب في ذاته نقصا. قالوا (أهل الإثبات) : فإذا ثبتت هذه الأحكام ، فهي ـ لا محالة ـ في الشاهد معلّلة بالصفات ، فالعلم علّة كون العالم عالما ، والقدرة علّة كون القادر قادرا ، إلى غير ذلك من الصفات ، والعلّة لا تختلف شاهدا ولا غائبا أيضا. واعلم أنّ هذا المسلك ضعيف جدّا ؛ فإنّ حاصله يرجع إلى الاستقراء في الشاهد ، والحكم على الغائب بما حكم به على الشاهد ، وذلك فاسد (م ، غ ، ٤٥ ، ١٢)

ـ عندهم (الحكماء) أنّ التّصديق هو الحكم وحده ، من غير أن يدخل التّصوّر في مفهومه ، دخول الجزء في الكلّ. والتّصوّر هو الإدراك

السّاذج. فكأنّهم قسّموا المعاني إلى نفس الإدراك وإلى ما يلحقه ، وقسّموا ما يلحقه إلى ما يجعله محتملا للتّصديق والتّكذيب ، وإلى ما لا يجعله كذلك. كالهيئات اللاحقة به في الأمر ، والنهي ، والاستفهام ، والتمنّي ، وغير ذلك. وسمّوا القسمين الأوّلين بالعلم (ط ، م ، ٦ ، ١٢)

ـ الأشعريّ يقول : " لا مؤثّر إلّا الله" ، والعلم بعد النظر حادث محتاج إلى المؤثّر ، فإذن هو فعل الله تعالى. وليس على الله شيء واجبا فوقوعه غير واجب ، وهو أكثريّ فهو عاديّ ، كطلوع الشمس كلّ يوم ؛ وذلك أنّ أفعال الله المتكرّرة ، يقال : إنّه فعلها بإجراء العادة ، وكلّ ما لا يتكرّر أو يتكرّر قليلا ، فهو خارق للعادة ، أو نادر (ط ، م ، ٦٠ ، ١١)

ـ قال الأشعريّ : إنّ الله يخلق العلم بعد النظر على سبيل إجراء العادة ، وليس بممتنع أن لا يخلقه بعده. وقال المعتزليّ : إنّه يحصل من الناظر بتوسّط النظر على سبيل التّوليد ، فهو متولّد واجب وقوعه بعد النظر وقوع المعلول بعد العلّة التّامة (ط ، م ، ٦٠ ، ١٩)

ـ المطلوب من حدّ العلم هو العلم بالعلم ، وما عدا العلم ينكشف بالعلم لا بالعلم بالعلم ؛ وليس من المحال أن يكون هو كاشفا عن غيره ، وغيره كاشفا عن العلم به (ط ، م ، ١٥٥ ، ١٧)

ـ القول بأنّ العلم عرض يوجب العالميّة هو قول القائلين بالأحوال (ط ، م ، ١٥٧ ، ٢٠)

ـ إن فسّر العلم بالتعلّق ، فيمتنع تعلّق الواحد بمعلومين لعلمنا بعلم هو فكذا مع الذهول عن علم بالآخر ؛ وإلّا فيجوز خلافا لبعضهم في غير المتلازمين. لنا : نعلم السواد والبياض للعلم بمضادّتهما ، وإلّا ، فهي مطلق المضادّة ، وينفكّان لجواز الجهل بأحدهما. ولقائل أن يقول : يمتنع مضادّا (خ ، ل ، ٧٠ ، ٨)

ـ العلم تفصيليّ ، لأنّ المعلوم حاصل والآخر مجهول (خ ، ل ، ٧٠ ، ١٤)

ـ العلم : هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وقال الحكماء : هو حصول صورة الشيء في العقل ، والأوّل أخصّ من الثاني ، وقيل العلم هو إدراك الشيء على ما هو به ، وقيل زوال الخفاء من المعلوم ، والجهل نقيضه ، وقيل هو مستغن عن التعريف ، وقيل العلم صفة راسخة يدرك بها الكليّات والجزئيّات ، وقيل العلم وصول النفس إلى معنى الشيء ، وقيل عبارة عن إضافة مخصوصة بين العاقل والمعقول ، وقيل عبارة عن صفة ذات صفة (ج ، ت ، ٢٠٠ ، ٩)

ـ العلم : ينقسم إلى قسمين : قديم ، وحادث ، فالعلم القديم هو العلم القائم بذاته تعالى ولا يشبّه بالعلوم المحدثة للعباد. والعلم المحدث ينقسم إلى ثلاثة أقسام : بديهيّ وضروريّ واستدلاليّ. فالبديهيّ ما لا يحتاج إلى تقديم مقدّمة كالعلم بوجود نفسه ، وأنّ الكل أعظم من الجزء. والضروريّ ما لا يحتاج فيه إلى تقديم مقدّمة كالعلم الحاصل بالحواس الخمس. والاستدلاليّ ما يحتاج إلى تقديم مقدّمة كالعلم بثبوت الصانع وحدوث الأعراض (ج ، ت ، ٢٠٠ ، ١٥)

ـ العلم لا يوجده إلّا عالم كالمحكم ، فيدور أو يتسلسل. فإذا علم بعض الأشياء لذاته استلزم علم جميعها ، إذ لا اختصاص لذاته ببعضها (م ، ق ، ٨٣ ، ١٦)

ـ التصديق جازم وغير جازم : فالجازم مع المطابقة وسكون الخاطر علم ، ومع عدمهما

أو الأوّل اعتقاد فاسد وجهل مركّب ، ومع عدم الثاني اعتقاد صحيح. وغير الجازم إن كان راجحا فظنّ ، وإن كان مرجوحا فوهم ، وإن استوى الحال فشكّ. والأوّل إن طابق فصحيح ، وإلّا ففاسد (ق ، س ، ٥٤ ، ١)

علم اختيار

ـ قال أبو الهذيل معرفة الله ومعرفة الدليل الداعي إلى معرفته بالضرورة وما بعدهما من العلوم الحسّية والقياسيّة فهو علم اختيار وجائز أن يجعله الله تعالى ضروريا على نقض العادة (ب ، أ ، ٣٢ ، ١٦)

علم استدلال

ـ علم استدلال لا يحصل إلّا عن استئناف الذكر والنظر وتفكّر بالنظر والعقل (ب ، ن ، ١٤ ، ٢٢)

علم استدلالي

ـ العلم الاستدلاليّ : هو الذي لا يحصل بدون نظر وفكر. وقيل هو الذي لا يكون تحصيله مقدورا للعبد (ج ، ت ، ٢٠٢ ، ٣)

عدم الاضطرار

ـ " أبو الهذيل" وكان يقول أنّ الإدراك يحلّ في القلب لا في العين وهو علم الاضطرار (ش ، ق ، ٣١٢ ، ٢)

علم اكتسابي

ـ العلم الاكتسابيّ : هو الذي يحصل بمباشرة الأسباب (ج ، ت ، ٢٠٢ ، ٥)

علم الله

ـ إنّ علم الله ، هو الله ، والله عنده ليس بذي غاية ولا نهاية (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى : ١١). وإنّما زعم أنّ المحدثات متناهية محدودة محصاة محاط بها غير خارجة من علم الله (خ ، ن ، ٨٠ ، ١٩)

ـ إن علم الله عند أبي الهذيل هو الله ؛ فلو زعم أنّ علم الله متناه لكان قد زعم أنّ الله متناه ، وهذا شرك بالله وجهل به عند أبي الهذيل. ولكنّه كان يقول : إنّ المحدثات ذات غايات ونهايات محصاة معدودة لا يخفى على الله منها شيء (خ ، ن ، ٩١ ، ٢)

ـ إنّ العلوم تنقسم قسمين : قسم منهما : علم الله سبحانه ، وهو صفته لذاته ، وليس بعلم ضرورة ولا استدلال ، قال الله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وقال : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) (فاطر : ١١) وقال : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (هود : ١٤) فأثبت العلم لنفسه ، ونص على أنه صفة له في نص كتابه. والقسم الآخر : علم الخلق. وهو ينقسم قسمين : فقسم منه علم اضطرار ، والآخر علم نظر واستدلال : فالضروريّ ما لزم أنفس الخلق لزوما لا يمكنهم دفعه والشك في معلومه ؛ نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس ، وما ابتدئ في النفس من الضرورات. والنظريّ : منهما : ما احتيج في حصوله إلى الفكر والرويّة ، وكان طريقه النظر والحجة. ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلّقه (ب ، ن ، ١٤ ، ١)

ـ قال أصحابنا أجمع أهل الحق إنّ علم الله واحد ليس بضروري ولا مكتسب ، ولا عن استدلال ونظر ، وأجمعوا على أنّه محيط بجميع

المعلومات يعلم به ما كان قد علم به جميع معلوماته ما كان منها وما يكون وما لا يكون (ب ، أ ، ٩٥ ، ٢)

ـ قال جهم بن صفوان ، وهشام بن الحكم ، ومحمد بن عبد الله ابن سيرة وأصحابهم إنّ علم الله تعالى هو غير الله تعالى ، وهو محدث مخلوق (ح ، ف ٢ ، ١٢٦ ، ١٩)

ـ قال الأشعري في أحد قوليه لا يقال هو الله ولا هو غير الله ، وقال في قول له آخر وافقه عليه الباقلاني وجمهور أصحابه أنّ علم الله تعالى هو غير الله وخلاف الله ، وأنّه مع ذلك غير مخلوق لم يزل (ح ، ف ٢ ، ١٢٦ ، ٢٣)

ـ قال أبو الهذيل العلاف وأصحابه علم الله لم يزل ، وهو الله (ح ، ف ٢ ، ١٢٦ ، ٢٤)

ـ قالت طوائف من أهل السنّة علم الله لم يزل وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى ، ولا نقول هو الله (ح ، ف ٢ ، ١٢٦ ، ٢٥)

ـ كان هشام بن عمر الفوطي أحد شيوخ المعتزلة لا يطلق القول بأنّ الله لم يزل عالما بالأشياء قبل كونها ليس لأنّه لا يعلم ما يكون قبل أن يكون ، بل كان يقول إنّ الله تعالى لم يزل عالما بأنّه ستكون الأشياء إذا كانت (ح ، ف ٢ ، ١٢٧ ، ٤)

ـ أمّا علم الله تعالى فلم يزل وهو كلام الله تعالى وهو القرآن ، وهو غير مخلوق وليس هو غير الله تعالى أصلا ، ومن قال أنّ شيئا غير الله تعالى لم يزل مع الله عزوجل فقد جعل لله عزوجل شريكا ، ونقول أنّ لله عزوجل كلاما حقيقة ، وأنّه تعالى كلّم موسى ومن كلّم من الأنبياء والملائكة عليهم‌السلام تكليما حقيقة لا مجازا (ح ، ف ٣ ، ٩ ، ١١)

علم الله على شرط

ـ علم الله على شرط على مقالتين : فقال كثير من المتكلمين من معتزلة البصريين والبغداديين إلّا" هشاما" و" عبّادا" أنّ الله يعلم أنّه يعذّب الكافر إن لم يتب من كفره وأنّه لا يعذّبه إن تاب من كفره ومات تائبا غير متجانف لاثم وقال" هشام الفوطي" و" عبّاد" : لا يجوز ذلك لما فيه من الشرط والله عزوجل لا يجوز أن يوصف بأنّه يعلم على شرط ويخبر على شرط ، وجوّز مخالفوهم [أن يوصف الله بأنّه يخبر] على شرط ، والشرط في المخبر عنه ويعلم على شرط والشرط في المعلوم (ش ، ق ، ١٨٣ ، ٣)

علم بأصول الأدلة

ـ (العلم بأصول الأدلّة) العلم بالمدركات التي يدركها ولا منع ، والعلم بأن ما لا يدركه ولا منع فهو زائل وأنه لو كان لأدركه. وهو الذي أراده بقوله : تحقيقا أو تقديرا. فهذا الباب معدود في العلم بأصول الأدلّة لأنّا ما لم ندرك الأجسام وغيرها لم يتأتّ لنا الاستدلال على حدثها. ولا يصحّ أن يكون على كل دليل دليل لأنّه يتّصل بما لا نهاية له ، فلا بدّ في كل ما يستدلّ عليه من أن ينتهي إلى موضع يعلم ضرورة فيعدّ من كمال العقل. فإذا اعتبرت أحوال الأدلّة وجدتها كذلك. فإنك إذا أردت إثبات الصانع رجعت إلى أن العبد فاعل لفعله وطريقك إلى ذلك هو وجوب وقوع فعله بحسب دواعيه وقصوده ، وهذا معلوم بكمال العقل. وكذلك إن أردت إثبات الأعراض رجعت إلى جواز كون الجسم مجتمعا بدلا من كونه مفترقا ، ومفترقا بدلا من كونه مجتمعا ، وذلك أيضا مستدرك بكمال العقل. فقد دخل

تحت هذه الجملة العلم بالمدركات والعلم بتعلّق الفعل بالفاعل والعلم بأحوال أنفسنا. فإنّ ذلك أحد ما يعدّ في أصول الأدلّة (ق ، ت ٢ ، ٢٦١ ، ٧)

علم باضطرار

ـ أمّا دعوى الضرورة في العلم بحدوث الجسم فغير ممكن مع أنّ الإمارات التي يستند بها العلم الضروريّ مفقودة في هذا العلم ، ومع إمكان الاستدلال عليه ، وما تعلم باضطرار فإقامة الدلالة عليه متعذّرة ، ولا يستهين عليك فيما يشاهد تحدّده من النبات والحيوان وسائر ما ينمو أو يتركب أن العلم بحدوث ذلك ضروريّ (ق ، ت ١ ، ٣٠ ، ١١)

ـ ما نعلم باضطرار وذلك نحو تصرّفاتنا الواقعة منّا وفيما يقع من غيرنا ممن نشاهد حاله (ق ، ت ١ ، ٣٢ ، ١٦)

ـ إنّ الذي يجب أن يعتمد أنّا نعلم باضطرار مفارقة الفاعل للجماد ، في الوجه الذي نعلم من حاله باضطرار وهو صحّة قصده إلى تصرّفه ووقوعها بحسب قصده. فأمّا ما لا يعلم من حال الفاعل منّا إلّا بالاستدلال فهو أنّ العلم الضروريّ بأنّه مفارق فيه للجماد بحال محال ، لأنّ إثبات تلك الصفة للمريد منّا إذا لم يعلم إلّا باكتساب ، فكيف يعلم باضطرار انتفاءها عن غيره؟ (ق ، غ ٨ ، ٧ ، ٥)

ـ نعلم باضطرار تعذّر المشي من الزّمن ، بل من المقيّد بالقيد الثقيل إذا كان مانعا من المشي أو السعي. ولو لا ذلك لما فرغ العقلاء في منع غيرهم من التصرّف إلى التقييد بالقيود الثقيلة ، ولكان يجوز أن يشكل الحال فيه على بعضهم إن كان العلم بذلك مكتسبا. وإذا ثبت ذلك صحّ أن يعلم أيضا تصرّف زيد بحسب كراهته ودواعيه. ولو لا ذلك لما صحّ أن نعلم أحدا عاصيا لغيره ، لأنّا لا نعلم أنّه ممتنع من ذلك لدواعيه ، بل يجوز أن يكون ممنوعا عن طاعته. ولو لم نعلم ذلك باضطرار ، وعلمنا ضرورة أنّه لو لا قصده إلى تصرّفه لما وجد ، إذا كان عالما غير ممنوع ، لكان كافيا فيما يحاول إثباته من وجوب تعلّق تصرّفه بحسب قصده (ق ، غ ٨ ، ١٠ ، ١٩)

ـ العلم بقبح الفعل المختصّ ببعض الصفات على جهة الجملة إنّما يحصل ضروريّا إذا كان للعقلاء طريق إلى معرفة تفصيل ذلك الفعل على بعض الوجوه. فأمّا إذا تعذّر ذلك لم يصحّ الاضطرار فيه. ألا ترى أنّ العلم بقبح كذب مخصوص ، وبقبح الظلم ، وتكليف ما لا يطاق ، إلى ما شاكله ، إنّما يصحّ كونه ضروريّا من حيث أمكن معرفة تفصيل ذلك على بعض الوجوه. وصحّ اختبار حاله ، فيعلم باضطرار قبح بعض الآلام دون بعض ، وبعض الأوامر دون بعض ، على الجملة ؛ كما يعلم عند الاختبار استحالة كون الموجود لا قديما ولا محدثا ، واستحالة كون الجسم في مكانين. ولذلك لا يصحّ ادّعاء العلم الضروريّ بحسن الأمر والتكليف إذا علم الآمر أن المكلّف سينتفع لا محالة ، لمّا لم يكن لنا طريق إلى معرفة تفصيله ، ولذلك لم يصحّ العلم بقبح شهوة القبيح ، وحسن شهوة الحسن ضرورة : لمّا لم يكن له في الشاهد نظير يعرف بالعقل على جهة التفصيل. وكل ذلك يبيّن فساد ادّعاء الاضطرار في هذا الباب على جهة الجملة ، وأن من ادّعى ذلك في حكم من يدعى العلم بقبحه مفصّلا ؛ لأن كلا الأمرين مما يعلم

خلافه من حال العقلاء ، ولا يمكن لمدّعيه بيانه بالتنبيه عليه (ق ، غ ١١ ، ١٩٩ ، ١٣)

ـ إنّ أحدنا كما يعلم قصده وداعيه بالاضطرار يعلم وقوع التصرّف عندهما بالاضطرار ، وقد يعلم أيضا بالاضطرار أنّ ذلك إنّما يقع ويستمرّ لمكان الداعي لا لشيء آخر (ن ، د ، ٢٩٧ ، ١٧)

ـ إنّا إذا علمنا وجوب وقوع التصرّف عند قصدنا وداعينا ووجوب انتفائه عند كراهتنا وصارفنا ، فقد علمنا بالاضطرار أنّ حال تصرّفنا معنا مفارق لحاله مع الغير : فيكون هذا علما بتعلّقه بالفاعل على سبيل الجملة. وهو ضروريّ (ن ، د ، ٢٩٨ ، ٩)

علم بالله

ـ الذي يدلّ على أنّ العلم بالله تعالى ليس بضروريّ وإنّما هو اكتسابيّ ، ما قد ثبت أنّه يقع بحسب نظرنا على طريقة واحدة ووتيرة مستمرّة ، فجيب أن يكون متولّدا عن نظرنا ، وإذا كان كذلك فالنظر من فعلنا فيجب أن تكون المعرفة أيضا من فعلنا ، لأنّ فاعل السبب ينبغي أن يكون فاعل المسبب ، فإذا كان من فعلنا لم يجز أن يكون ضروريّا ، لأنّ الضروريّ هو ما يحصل فينا لا من قبلنا (ق ، ش ، ٥٢ ، ١١)

ـ يبطل قول من يجعل أوّل الواجبات العلم ، لأنّا نقول إنّ التوصّل إلى العلم بالله في الدنيا ابتداء لا يتمّ إلّا بالنظر ، فيجب أن يجعلوه أوّل الواجبات (ق ، ت ١ ، ٢١ ، ١٩)

ـ أمّا" أبو هاشم" فإنّه قال : أوّل العلم بالله أن يعرفه المرء على صفة من صفات ذاته نحو كونه قادرا لنفسه أو عالما لنفسه أو موجودا قديما ، وبنى ذلك على أنّ علم الجملة لا يتعلّق فلا معلوم عنده للعلم بأنّ للأجسام محدثا (ق ، ت ١ ، ٦٨ ، ١٦)

علم بالله تعالى جملة

ـ أوّل ما يحصل من العلم بالله تعالى جملة هو العلم بأنّ هذه الحوادث التي هي الأجسام والألوان وغيرها مفتقرة في حدوثها إلى محدث ما ، إذ لا بدّ عند العلم بذلك من أن يكون له معلوم وليس معلومه إلّا الله تعالى. وهذا هو الذي ذهب إليه" أبو الهذيل" واختاره شيخنا" أبو عبد الله" و" قاضي القضاة" رحمهم‌الله (ق ، ت ١ ، ٦٨ ، ٥)

علم بالله على جهة الاستدلال

ـ أمّا إذا كان العلم به (بالله) على جهة الاستدلال فلا بدّ من اعتبار ما ذكرناه لأنّ الاستدلال ممن ليس بكامل العقل لا يصحّ ، وإيراد الدلالة على ما لا يعقل لا يصحّ. ثم يراعى في ذلك ترتيب آخر مخصوص وإن كان ما ذكرناه من الترتيب في الأوّل حاصلا هاهنا أيضا. والترتيب الذي نذكره هاهنا أن يكون العلم بجميع صفاته مرتّبا على العلم بأنّه قادر. فذلك هو أوّل ما يعرف من صفاته تعالى. وما عداه يترتّب عليه لأنّا لا نعلمه عالما قبل العلم بأنّه قادر ولا نعلمه حيّا موجودا إلّا بعد العلم بأنّه قادر. وكذلك الحال في كونه مدركا لأنّه لا يكفي كونه قادرا إلّا بعد أن يضاف إليه كونه حيّا. فصار إذا عرف كونه قادرا أمكنه من بعد معرفته حيّا موجودا قبل أن يعرفه عالما أو يعرفه عالما ثم يعرفه على باقي هذه الصفات. وجملة ذلك أنّ في صفاته ما لا بدّ من تقدّمه على كل حال في طريقه العلم وذلك هو كونه قادرا ، وفيه ما لا بدّ من تأخيره

عن كونه حيّا وهو كونه مدركا. وفيه ما لا بدّ من تأخّره عن كونه قادرا وعالما وحيّا وهو كونه مريدا وكارها (ق ، ت ١ ، ٩٨ ، ٢٢)

علم بأن السبب سبب

ـ قد يعلم (المكلّف) السبب وإن لم يعلمه سببا ، لأنّ العلم بأنّه سبب غير العلم بذاته وسائر صفاته. وهذا بمنزلة ما نقوله من أنّه قد يعرف الدلالة وصفاتها ، وإن لم يعلم أنّها دلالة ؛ لأنّ العلم بأنّها دلالة ، يقتضي العلم بأنّ المدلول على ما دلّت عليه. فكذلك العلم بأنّ السبب سبب يقتضي أنّه يولّد ويوجب ، والعلم بذاته ووجوده ومفارقته لغيره لا يقتضي ذلك. فلا يمتنع أن يعرف المكلّف النظر في أنّه مخصوص ، ويميّزه عن غيره ، وإن لم يعلم فيه أنّه سبب ، وفي المنظور في أنّه دليل ، إلّا بعد اختياره. وقد بيّنا أنّه لا يمتنع أن يعلم في النظر أنه يولّد في الجملة ، والذي يمنع منه أنّه يولّد علما مخصوصا ، لأنّ تقدّم علمه بذلك يغني عن النظر ويمنع منه. فإن أراد المريد هذا القول ، فقد أجبنا إليه ؛ وإن أراد أنّه يجب أن يعلم عين المعرفة المتولّدة ، فقد ثبت أن فقد العلم بها لا يمنع من صحّة إيجاده للنظر (ق ، غ ١٢ ، ٢٦٤ ، ١٤)

علم بأن سيكون

ـ قال الشيخ أبو الحسن الأشعريّ رضي الله عنه على طريقته ، لا يتجدّد لله تعالى حكم ولا يتعاقب عليه حال ولا تتجدّد له صفة ، بل هو تعالى متّصف بعلم واحد قديم ... لا تغيّر ذاته بتغيّر الأزمنة ، لا يتغيّر علمه بتجدّد المعلومات ، فإنّ العلم من حقيقته أن يتبع المعلوم على ما هو به من غير أن يكتسب منه صفة ، ولا يكسبه صفة. والمعلومات وإن اختلفت وتعدّدت فقد تشاركت في كونها معلومة ، ولم يكن اختلافها لتعلّق العلم بها بل اختلافها لأنفسها ، وكونها معلومة ليس إلّا تعلّق العلم بها ، وذلك لا يختلف. وكذلك تعلّقات جميع الصفات الأزليّة ، فلا نقول يتجدّد عليها حال بتجدّد حال المتعلّق ، فلا نقول الله تعالى يعلم العدم والوجود معا في وقت واحد ، فإنّ ذلك محال ، بل يعلم العدم في وقت العدم ويعلم الوجود في وقت الوجود ، والعلم بأن سيكون هو بعينه علم بالكون في وقت الكون ، إلّا أنّ من ضرورة العلم بالوجود في وقت الوجود العلم بالعدم قبل الوجود ، ويعبّر عنه بأنّه علم بأن سيكون (ش ، ن ، ٢١٩ ، ١١)

علم بأنه (تعالى) كاره

ـ أمّا العلم بأنّه كاره فلا يصحّ أن يستدلّ بمجرّد أفعاله لأنّه لا يجوز أن يفعل تعالى الشيء مع كراهته له ، لأنّ هذا إنّما يتأتّى في الواحد منّا من حيث يحتاج إلى ما يفعله وإن كرهه ، وإلّا فالأصل في الكراهة أن يكون صارفة عن الفعل ، وغير جائز فيه تعالى أن يكون محمولا على الكراهة أو يحتاج إلى ما يكرهه لا محالة. فليس في الدلالة على كونه كارها إلّا النهي ، أو ما يحلّ هذا المحلّ من الدلالة على قبح المقبّحات العقلية ، وخلق شهوة القبيح فينا ، لأنّ هذا كله لوقوعه على وجه دون وجه يدلّ على أنّه تعالى كاره (ق ، ت ١ ، ٣٠٠ ، ١١)

علم بأنه جل وعز واحد

ـ في أنّ العلم بأنّه جلّ وعزّ واحد هو علم بما ذا ، وما يتعلّق بذلك. اعلم أنّ شيخينا أبا علي وأبا

هاشم رحمهما‌الله يقولان في هذا العلم إنّه علم لا معلوم له ، وربما قالا إنّه لا معلوم له يشار إليه بعدم ولا وجود (ق ، غ ٤ ، ٢٤٧ ، ٢)

علم بأنه مريد

ـ إنّا في العلم بأنّه مريد نسلك طريقين : أحدهما مجرّد وقوع أفعاله من حيث يفعلها وهو عالم بها وغير ممنوع من إرادتها فيجب أن يريدها. والثاني بأن نستدلّ بوقوع أفعاله على وجه دون وجه ككون الكلام أمرا وخبرا (ق ، ت ١ ، ٣٠٠ ، ٩)

علم بالتفصيل

ـ التفصيل أن ننظر في صحّة الفعل من زيد وتعذّره على عمرو وأنّ ذلك صفة زائدة على كونه حيّا وما شاكله من الصفات (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ١٢)

علم بالجملة

ـ الجملة هي بأن نعلم تعلّق الفعل بالفاعل فإنّ هذا هو علم بالقادر على الجملة (ق ، ت ١ ، ١٠٣ ، ١٢)

علم بالدليل

ـ العلم بالدليل شرط النظر ، وبالمدلول ينافيه (خ ، ل ، ٧٠ ، ١٧)

علم بديهي في الإثبات

ـ البديهيّ قسمان : أحدهما علم بديهي في الإثبات كعلم العالم منّا بوجود نفسه وبما يجد في نفسه من ألم ولذة وجوع وعطش وحرّ وبرد وغمّ وفرح ونحو ذلك. والثاني علم بديهي في النفي كعلم العالم منا باستحالة المحالات وذلك كعلمه بأنّ شيئا واحدا لا يكون قديما ومحدثا وأنّ الشخص لا يكون حيّا وميتا في حال واحدة وأنّ العالم بالشيء لا يكون جاهلا به من الوجه الذي علمه في حال واحدة (ب ، أ ، ٨ ، ١٤)

علم بديهي في النفي

ـ البديهيّ قسمان : أحدهما علم بديهي في الإثبات كعلم العالم منّا بوجود نفسه وبما يجد في نفسه من ألم ولذة وجوع وعطش وحرّ وبرد وغمّ وفرح ونحو ذلك. والثاني علم بديهي في النفي كعلم العالم منا باستحالة المحالات وذلك كعلمه بأنّ شيئا واحدا لا يكون قديما ومحدثا وأنّ الشخص لا يكون حيّا وميتا في حال واحدة وأنّ العالم بالشيء لا يكون جاهلا به من الوجه الذي علمه في حال واحدة (ب ، أ ، ٨ ، ١٦)

علم بسبب المعرفة

ـ قد بيّنا أنّ العلم بسبب المعرفة يغني في حسن تكليف الله ، تعالى ، له وللمعرفة ، عن العلم بنفس المعرفة ؛ من حيث بيّنا أنّه لا فرق بين أن يعلم نفس الفعل فيقصد إليه ، وبين أن يعلم ما بوجوده يوجد الفعل لا محالة في أنّ في الحالتين يتمكّن من أداء ما لزمه على الحدّ الذي لزمه. وإن كان الأمر كذلك ، وكان ما قلناه لا يقدح في صحّة هذا الوجه ، فتجب سلامة ما ذكرناه. وليس كذلك سائر الأفعال ، لأنّ المكلّف لو لم يعرفها من قبل على جملة أو تفصيل لقدح ذلك في ثبوت شرائط التكليف فيه ، ولصار بحيث لا يتمكّن من أداء ما لزمه

على الحدّ الذي لزمه. فلذلك قلنا فيها : إنّ الواجب عليه أن يعرفه قبل الوقت الذي كلّف الفعل عليه ، وفصلنا بينها وبين النظر والمعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٤٠ ، ٢٠)

علم بالشيء

ـ اعلم أنّه لا طريق للعلم بالشيء أوضح من الإدراك. فمتى تناول الإدراك شيئا فقد استغنى في إثباته عن دليل ، لأنّ نهاية ما يبلغه المستدلّ على إثبات الشيء أن يردّه إلى المدرك. فإذا حصل لا شيء مدركا فالواجب في إثباته أن يكون أصلا وأن يستغنى عن دليل. ولهذه الجملة لم يحتج في إثبات السواد إلى دليل وإن احتجنا إلى ضرب من التأمّل في كونه غير المحل (ق ، غ ١٣ ، ٢٢٩ ، ١٩)

علم بالشيء والخبر عنه

ـ إنّ العلم بالشيء والخبر عنه يتعلّقان به على ما هو به ، ولا يكتسب بتعلّقهما به حالا وصفة لو لا هما لم يكن عليه (ق ، غ ١١ ، ٧٠ ، ١٤)

علم بصحة حدوث الشيء

ـ إنّ العلم بصحّة حدوث الشيء ، والاعتقاد لصحّة حدوثه ، والظنّ لذلك يجري مجرى واحدا في صحّة الإرادة. وكذلك العلم باستحالة حدوثه. والاعتقاد لذلك يتساوى في استحالة إرادته. فإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يقوم العلم مقام غلبة الظنّ فيما قدّمناه من صحّة إرادة ما نعلم أنّ القادر يصحّ أن يفعله. وإنّما اعتمدنا على غلبة الظنّ لأنّه لا سبيل لنا إلى العلم بالأمور المستقبلة التي تقع من العباد ؛ لأنّا نجوّز في كل واحد منهم أن يخترم دون الفعل ، وأن يعصى أمرنا ومرادنا ، كما نجوّز فيه أن يطيع ، فإذا ثبت ذلك لم يمكن أن نبيّن ذلك بالعلم ، وإن كان شيوخنا رحمهم‌الله قد بيّنوا ذلك بأنّه قد ثبت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد من أبي لهب وغيره الإيمان ، وإن علم أنّه لا يؤمن بخبر الله تعالى ، ويصحّ منّا إرادة الإيمان من جماعة الكفّار ، وإن علمنا أنّهم لا يجتمعون على الهدى (ق ، غ ١١ ، ١٦١ ، ٧)

علم بصحة النظر

ـ إنّ العلم بصحّة النظر مكتسب ، وأنّه ليس بأصل للعلم المتولّد عنه. لأنّ بعد تولّد العلم عنه ، تعلم صحّته. كما أنّ العلم بأنّ الإصابة تولّدت عن الاعتماد ، لا يتقدّم العلم بوجود الإصابة (ق ، غ ١٢ ، ١٦٥ ، ١٨)

علم بالصناعات

ـ إن قيل : فيجب في كل ما يفعلونه (العباد) من العلوم أن يكون لطفا. قيل له : إن كان مما لا يتمّ معرفة العقاب والثواب ، وما عنده تصحّ معرفتهما إلّا معه ، فكذلك نقول فيه : فإن استغنى عنه في ذلك على كل وجه ، فهو بمنزلة العلم بالصناعات إلى غير ذلك ، في أنّه لا مدخل له في هذا الباب. ولهذا لا يعدّ العلم بالحساب واللغة لطفا ، وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين. فأمّا ما به تقوى المعارف التي ذكرناها أو تنحلّ عنده الشبه

الداخلة في باب التوحيد والعدل ، فلا يمتنع أن يكون لطفا. لأنّ من حقّه أن يثبت العلوم التي ذكرناها معه ، ولولاه كانت تزول ولا تثبت. فلهذا يجب على العاقل النظر في حال الشبه ، كما يجب عليه النظر في الأدلّة ، لأنّ موقع هذا العلم كموقع ذلك العلم في الحاجة إليه ، من الوجه الذي بيّناه. وإن كان متى لم تعرض الشبهة لا يلزمه النظر ، فيختلف لزوم ذلك بحسب اختلاف حال العاقل فيما ورد على قلبه (ق ، غ ١٢ ، ٤١٨ ، ٦)

علم بقبح الشيء

ـ إنّ العلم بقبح الشيء لا يحصل إلّا مع العلم بما له يقبح ، إمّا على جملة أو تفصيل. وكذلك العلم بحسنه ووجوبه. ودللنا على ذلك بأنّ زيدا قد يفعل الكفر في قلبه فلا يعلم حسن ذمّه وإن استحقّ ذلك ، حتى إذا عرفناه فاعلا لذلك عرفنا حسن ذمّه. وليس بين الحالين افتراق في أمر يرجع إلى المذموم. وإنّما الفرق يرجع إلى الذامّ في علمه مرّة بوجه حسن الذمّ ، وجهله مرّة بذلك ، وكذلك القول في سائر ما يعلم سمعا وعقلا (ق ، غ ١٣ ، ٣٠٨ ، ٧)

علم بما غاب

ـ أمّا العلم بما غاب ممّا لا يدركه أحد بعيان ، مثل سرائر القلوب وما أشبهها ، فإنّما يدرك علمها بآثار أفاعيلها وبالغالب من أمورها على غير إحاطة كإحاطة الله بها (ج ، ر ، ٢٥ ، ١١)

علم بما معه يعرف المطلوب بأدلّة

ـ أمّا الضرب الثاني وهو قوله إنّه العلم بما معه يعرف المطلوب بالأدلّة. فغرضه ما يرجع إلى علوم القسمة ، لأنّا إذا تكلّمنا في أحكام الذوات فلا بدّ من أن يكون المطلوب كونه على صفة أو أنّه ليس عليها أو كون ذاته منتفيا أو ثابتا ، ثم كذلك في كل ما يطلب بالنظر في الأدلّة ، لأنّه لا يخرج عن هذه الجملة. فلهذا يعدّ ما يرجع إلى النفي والإثبات من كمال العقل ، نحو أن نقول إنّ المعلوم إمّا أن يكون موجودا أو معدوما ، وذلك يعود إلى أنّه إمّا أن تكون له صفة الوجود أو لا تكون كذلك. وإن كانت له صفة الوجود فإمّا أن تكون لا عن أوّل أو عن أوّل. وكذلك في الجسم : إمّا أن يكون مجتمعا أو مفترقا أو متحرّكا أو ساكنا. فإن ذلك يصحّ تحقيقه بالقسمة العائدة إلى النفي والإثبات (ق ، ت ٢ ، ٢٦١ ، ١٦)

علم بالمدركات

ـ إنّما يبطل أن يكون العلم بالمدركات متولّدا لأنّه لا يصحّ أن يشار إلى فعل فيقال إنّه سبب له ، لصحّة وجود فعل يشار إليه مع صحّة وجود العلم لما يحصل ، ولا يصحّ أن يكون الإدراك مولّدا لما سنذكره من بعد ، ولأنّ المدرك ليس بمدرك بإدراك عندنا ، ولأنّه لا يقع بحسب حال لها تأثير في الأفعال (ق ، غ ٩ ، ٣٩ ، ٢)

علم بالمشاهدات

ـ أمّا ما به يعلم أنّ العلم بالمشاهدات ، ضروريّ ؛ فهو تعذّر انتفائه ، على كل وجه. وإنّما ينتفي بالسهو ، أو ما يجري مجراه ، على حدّ ما تنتفي القدرة بضدّها وسائر ما يختصّ ، تعالى ، بالقدرة عليه. وإذا ثبت أن ما يحدث فينا من الحركات ، على وجه يتعذّر علينا اختيار ضدّها ولم يقع بحسب دواعيها ، يجب أن لا

يكون من فعلنا ؛ فالعلم بالمدركات قد حلّ هذا المحل ، فيجب أن يكون بهذه الصفة. وبهذه الطريقة ، نعلم أنّ العلم ، بقصد المخاطب والمشير ، ضروريّ ؛ لأنّه لا يمكنه التصرّف فيه على حدّ تصرّفه مما يفعله. فأمّا قصده ، تعالى ، فلا يصحّ أن نعلمه في حال التكليف ، إلّا بدليل. لأنّ الطريق ، الذي به يعلم قصد أحدنا ، لا يتأتّى فيه. ولأنّ العلم بقصده ، يترتّب على العلم بذاته. فإذا كان لا يعلم إلّا باكتساب ، فقصده أن لا يعلم إلّا على هذا الوجه أولى (ق ، غ ١٢ ، ٦٣ ، ١٧)

علم بالمعدوم

ـ إنّه تعالى إذا كانت مقدوراته غير متناهية ، وكانت المقدورات لا تكون كذلك إلّا وهي معدومة والعدم لا يمنع من صحّة العلم بالمعدوم. فيجب أن تكون معلوماته بلا نهاية إذا صحّ أنّه عالم لنفسه. ويتبيّن هذا أنّه لا طريق لإثبات المعدوم إلّا ما يتعلّق بحال القادر ، وذلك بعينه هو الدالّ على عدم التناهي فيه ، فثبت ما قلناه. ثم يجب تأويل قوله تعالى (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) (الجن : ٢٨) على طريقة الخصوص فيحمل على الموجودات التي يتأتّى إحصاؤها أو عدّها دون المعدومات التي هي غير متناهية ، فيكون الكل يراد به البعض (ق ، ت ١ ، ١١٠ ، ٧)

علم بالمعلول

ـ العلم بالمعلول قد يحصل مع فقد العلم بالعلّة (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٤ ، ٤)

علم بمقاصد من نشاهده

ـ وبعد ، فلا طريق للعلم بمقاصد من نشاهده إلّا العلم الضروريّ ؛ لأنّه لا مجال للاكتساب فيه من حيث كان الفصل بمحرزه ، ولا بوقوعه على وجه يدلّ عليه ابتداء. وإنّما يصحّ أن يستدلّ بصيغة الخبر الوارد عن الله تعالى على أنّه مريد ، بعد المواضعة والعلم بالمقاصد في الشاهد باضطرار ؛ ولو لا ذلك لما صحّ أن يستدلّ به. ومن شرط صحّة الاستدلال به أيضا أن يكون فاعله حكيما ، وذلك لا يتأتى في الشاهد ، فلو لم يكن طريق معرفة مقاصد المخاطب وغيره الاضطرار ، لما صحّ أن يعرف ذلك في الشاهد البتّة (ق ، غ ٨ ، ٨ ، ٧)

علم به علم

ـ إن قال قائل لم قلتم إنّ للباري تعالى علما به علم ، قيل له لأنّ الصنائع الحكميّة كما لا تقع منّا إلّا من عالم كذلك لا تحدث منا إلّا من ذي علم ، فلو لم تدلّ الصنائع على علم من ظهرت منه منا لم تدل على أن من ظهرت منه منا فهو عالم. فلو دلّت على أنّ الباري تعالى عالم قياسا على دلالتها على أنّا علماء ولم تدل على أنّ له علما قياسا على دلالتها على أنّ لنا علما لجاز لزاعم أن يزعم أنّها تدل على علمنا ، ولا تدل على أنّا علماء. وإذا لم يجز هذا لم يجز ما قاله هذا القائل (ش ، ل ، ١٢ ، ٤)

علم بوجه دلالة الدليل

ـ العلم الحاصل المطلوب هو المدلول ، وازدواج الأصلين الملزمين لهذا العلم هو الدليل ، والعلم بوجه لزوم هذا المطلوب من ازدواج الأصلين علم بوجه دلالة الدليل ؛ وفكرت الذي هو عبارة عن إحضارك الأصلين في الذهن ، وطلبك التفطّن لوجه لزوم العلم الثالث من العلمين الأصلين ، هو النظر (غ ،

ق ، ١٨ ، ١)

ـ اختلفوا في أنّ العلم بوجه دلالة الدليل على المدلول هل هو عين العلم بالمدلول أم لا. والحق أنّ هنا أمورا ثلاثة : العلم بذات الدليل كالعلم بإمكان العالم ، والعلم بذات المدلول كالعلم بأنّه لا بدّ له من مؤثّر ، والعلم بكون الدليل دليلا على المدلول. أمّا العلم بذات الدليل فهو مغاير للعلم بذات المدلول ومستلزم له ، وأمّا العلم بكون الدليل دليلا على المدلول فهو مغاير أيضا للعلم بذات الدليل والمدلول لأنّه علم بإضافة أمر إلى أمر. والإضافة بين الشيئين مغايرة لهما. فالعلم بها مغاير للعلم بهما. ولا يجوز أن يكون المستلزم للعلم بالمدلول هو العلم بكون الدليل دليلا عليه ، لأنّ العلم بإضافة أمر إلى أمر يتوقّف على العلم بالمتضايفين ، فالعلم بكون الدليل دليلا على المدلول يتوقّف على العلم بوجود المدلول ، فلو كان العلم بوجود المدلول مستفادا من العلم بكون الدليل دليلا عليه ، لزم الدور ، وأنّه محال (ف ، م ، ٤٤ ، ١٥)

علم بوجه وجوب الفعل

ـ في أنّ العلم بوجه وجوب الفعل يقتضي وجوبه لا محالة : اعلم ، أنّه لا يجوز أن يعلم العاقل في فعل مخصوص الوجه الذي يجب عليه ، وهو مع ذلك لا يعلم وجوبه ، بل يجب أن يكون عالما بوجوبه بعينه إذا كانت الحال ما ذكرناه. وقد يعلم وجوب الفعل عليه ، ولا يعلم وجه وجوبه على التفصيل. فأمّا أن نعلم وجه وجوبه على التفصيل ، ولا نعلم وجوبه على التفصيل ، فمحال. وقد يجب الفعل عليه وإن لم يعلم وجوبه ، إذا كان ممكّنا من معرفة وجوبه ومن معرفة الوجه الذي له يجب. لكن هذا الفعل يكون واجبا عليه ، ولا يعلم من وجب عليه وجوبه. فأمّا في الوجه الأول ، فإنّه يكون واجبا ، ويعلم من وجب عليه وجوبه (ق ، غ ١٢ ، ٣٤٨ ، ٢)

علم بوجوب النظر المعيّن

ـ إنّ العلم بوجوب النظر المعيّن الذي قدّمنا ذكره ، وإن حصل للعقلاء ، فإنّه يحصل لهم في ابتداء حال التكليف في أوقات مخصوصة ، ولا يستمرّ ويحصل لكل واحد من العقلاء في حال لا يحصل عندها لصاحبه ، لمفارقة حاله لحاله فيما أوجب حصول هذا العلم فيه. وهو مع ذلك علم بوجوب نظر على صفة مخصوصة. وقد بيّنا أنّ العلم بكون النظر على تلك الصفة مما لا يستمرّ في العاقل ، بل يختلف حاله فيه ، لأنّه لا يجب في سائر أحواله أن يعلم ذلك كما يعلمه عند ورود الدواعي والخواطر. وقد يجوز ، فيما بعد هذه الحال ، أن يدخل على نفسه شبهة يقتضيها إيثار الراحة والدعة والفزع من النظر ، إلى غير ذلك. كما أدخلت الخوارج الشبهة على نفسها ، فاعتقدت حسن قتل من خالفها ، وإن كانت لو بقيت على فطرة العقل لعلمت قبحه. وهو مع ذلك ، على ما بيّناه ، يحصل متى علم في النظر أنّه مما يتحرّز به من الخوف الذي نخشاه بتركه (ق ، غ ١٢ ، ٣٨٠ ، ١٢)

علم التفصيل

ـ قد دللنا على إثبات هذه الحوادث التي هي تصرّفاتنا بما دللنا به على إثبات الاجتماع والافتراق والحركة والسكون. وقد بيّنا أيضا

حدوثها. فأمّا الكلام في حاجتها إلى محدث فله رتبتان. إحداهما على الجملة وهو العلم بتعلّق الفعل بفاعله. فإنّ هذا هو علم بالحدوث من جهة الفاعل على طريق الجملة وبحاجته إليه. والثانية علم التفصيل وهو العلم بأنّ لحالنا فيه تأثيرا وفي هذا يصحّ وقوع الخلاف دون الأوّل لأنّ العلم باختصاص هذا الفعل بنا على حدّ لا يختصّ بغيرنا ضروريّ. فالذي يدلّ على أنّ لحالنا فيه تأثيرا ما قد ثبت من وجوب وقوعه بحسب دواعينا وقصودنا مع السلامة. ووجوب انتفائه بحسب كراهتنا وصوارفنا مع السلامة ، أمّا على جهة التقدير أو التحقيق. فلولا تأثير أحوالنا فيه لحلّ محلّ فعل الغير سواء كان من أفعال المخلوقين أو من أفعال القديم جلّ وعزّ فينا من صحّة وسقم وغيرهما ، لأنّها لمّا لم تكن فعلا لنا ولا حادثا من جهتنا لم يقف على قصودنا ودواعينا (ق ، ت ١ ، ٦٩ ، ٢٢)

علم تواتري

ـ البهشميّة : والعلم التواتريّ ضروريّ. البلخيّ وأبو الحسين : بل استدلاليّ. قلنا : إذا لانتفى بالشكّ والشبهة (م ، ق ، ١١٧ ، ١٥)

علم الجملة

ـ العلم المتقرّر على جهة الجملة ثابت ، لا يجوز أن تدخله شبهة البتّة على وجه من الوجوه. فإذا ثبت ذلك ، فالواجب في النظر أن يجري على هذا الطريق ، فيفصل بين العلم الذي يتناوله على جهة الجملة. فإنّ ذلك مما لا يجوز أن تدخله الشبهة البتّة ، وإنّما يجوز ذلك على بعض الوجوه فيما يتناول معلومه على جهة التفصيل. وربما بلغ التفصيل ، في الوضوح ، المبلغ الذي يبعد الشبه عنه في جميع ما ذكرناه. لأنّ أحدنا ، وإن كان لا يعلم في ضرر بعينه أنّه ظلم إلّا بعد تأمّل لحاله ، فقد يتّضح الأمر فيه ، حتى يستغني عن التأمّل. لأنّ الخوارج وإن اشتبه عليهم الحال في قتل من خالفهم ، فلن تشتبه عليهم الحال في قتل بعضهم بعضا ؛ ولا يشتبه على أحدنا الحال في قطاع الطريق وفيمن يختلس ثوب غيره ويتناوله بالضرب ، وإن كان متى شاهد شيخا يضرب صبيّا تشتبه عليه الحال ، فيجوّز أن يكون ما يفعله حسنا على جهة التأديب والتقويم ، ويجوّز خلافه. فليس لأحد أن يظنّ إذا نحن قلنا : إنّ الشبهة قد تدخل في التفصيل ، أن نجعل باب التفصيل واحدا في جواز ورود الشبه فيه ، بل قد يختلف ، على ما ذكرناه. فأمّا علم الجملة الذي هو من كمال العقل ، فلا يجوز أن تختلف الحال فيه البتّة (ق ، غ ١٢ ، ٣٥٧ ، ١٣)

علم حادث

ـ إنّ العلم الحادث عقيب النظر فهو مخترع لله تعالى مختار مكتسب للناظر أيضا ، لا أنّ النظر يولّده لا محالة كما يزعم المعتزلة (أ ، م ، ١٩ ، ٤)

ـ العلم الحادث ينقسم إلى الضروريّ ، والبديهيّ ، والكسبيّ. فالضروريّ هو العلم الحادث غير المقدور للعبد مع الاقتران بضرر أو حاجة ، والبديهيّ كالضروريّ غير أنّه لا يقترن بضرر ولا حاجة ، وقد يسمّى كل واحد من هذين القسمين باسم الثاني. ومن حكم الضروريّ في مستقرّ العادة أن يتوالى فلا يتأتى الانفكاك عنه والتشكّك فيه ؛ وذلك كالعلم بالمدركات ، وعلم المرء بنفسه ، والعلم باستحالة اجتماع المتضادّات ونحوها. والعلم

الكسبيّ هو العلم الحادث المقدور بالقدرة الحادثة. ثم كل علم كسبيّ نظريّ ، وهو الذي يتضمّنه النظر الصحيح في الدليل (ج ، ش ، ٣٥ ، ٦)

ـ لو كان الفعل منتسبا إلى العبد إبداعا لوجب أن يكون في حال إبداعه عالما بجميع أحواله ، ويستحيل من العبد الإحاطة بجميع وجوه الفعل في حالة واحدة لأمرين ، أحدهما أنّ العلم الحادث لا يتعلّق بمعلومين في حالة واحدة ، وذلك لجواز طريان الجهل على العالم بأحد الوجهين ، فيؤدّي إلى أن يكون عالما جاهلا بمعلوم واحد في حالة واحدة ، ويكون علمه علما من وجه وجهلا من وجه. الثاني أنّ وجوه المعلومات في الفعل تنقسم إلى ما يعلم ضرورة وإلى ما يعلم نظرا ، فيحتاج حالة الإيجاد في تحصيل ذلك العلم إلى نظر وهو اكتساب ثان ، وربما يحتاج إلى معرفة الضروريّ والنظريّ من وجوه الاكتساب فيؤدّي إلى التسلسل حتى لا يصل إلى إيجاد الفعل المطلوب (ش ، ن ، ٦٩ ، ١٧)

ـ الاشتراك بين العلم القديم والحادث إنّما يلزم أن لو اشتركا فيما هو أخصّ صفة لكل واحد منهما أو لأحدهما وليس كذلك ، بل صفة العلم الربانيّ : وجوب تعلّقه بسائر المعلومات ، من غير تأخّر ، على وجه التفصيل. وأخصّ وصف العلم الحادث جواز تعلّقه بالمعلومات ، لا نفس وقوع التعلّق. ولا يخفى إذ ذاك انتفاء الاشتراك بينهما. ثم إنّ ذلك لازم على المعتزليّ في العالميّة أيضا ؛ إذ نسبة العالميّة إلى العلميّة ، على نحو نسبة العلم إلى العلميّة (م ، غ ، ٨١ ، ٣)

علم الحس

ـ إنّ علم الحسّ يختلف باختلاف أحوال الحسّ ، يعلم ذو الحواس ما به من الآفة ، فيعلم أنّ الآفة حجاب ، فبالحاسة يعلم خلاف الحقيقة عند الآفة ، وحقيقته ممتد ارتفاعها ، وذلك يكون في الذي وقعت عليه الحاسة من لطافة أو بعد أو ستر الجو بما يغشاه ، ومرّة يكون في البصر ، وعلى ذلك شأن كل حاسة ، وذلك كلّه معلوم بالحواس ، فلا نقيض عليه (م ، ح ، ١٥٤ ، ٨)

علم الخلق

ـ أنّ العلوم تنقسم قسمين : قسم منهما : علم الله سبحانه ، وهو صفته لذاته ، وليس بعلم ضرورة ولا استدلال ، قال الله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وقال : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) (فاطر : ١١) وقال : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (هود : ١٤) فأثبت العلم لنفسه ، ونص على أنه صفة له في نص كتابه. والقسم الآخر : علم الخلق. وهو ينقسم قسمين : فقسم منه علم اضطرار ، والآخر علم نظر واستدلال : فالضروريّ ما لزم أنفس الخلق لزوما لا يمكنهم دفعه والشك في معلومه ؛ نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس ، وما ابتدئ في النفس من الضرورات. والنظريّ : منهما : ما احتيج في حصوله إلى الفكر والرويّة ، وكان طريقه النظر والحجة. ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلّقه (ب ، ن ، ١٤ ، ٦)

علم ذاتي

ـ إنّ نفسه وهي ذاته المتميّزة من سائر الذوات متّصفة بعلم ذاتيّ لا تختصّ بمعلوم دون معلوم

فهي متعلّقة بالمعلومات كلّها ، وبقدرة ذاتيّة لا تختصّ بمقدور دون مقدور فهي قادرة على المقدورات كلها ، فكأنّ حقّها أن تحذر وتتّقي فلا يجسر أحد على قبيح ولا يقصر عن واجب ، فإنّ ذلك مطلع عليه لا محالة فلاحق به العقاب (ز ، ك ١ ، ٤٢٣ ، ٨)

علم رباني

ـ الاشتراك بين العلم القديم والحادث إنّما يلزم أن لو اشتركا فيما هو أخصّ صفة لكل واحد منهما أو لأحدهما وليس كذلك ، بل صفة العلم الربانيّ : وجوب تعلّقه بسائر المعلومات ، من غير تأخّر ، على وجه التفصيل. وأخصّ وصف العلم الحادث جواز تعلّقه بالمعلومات ، لا نفس وقوع التعلّق. ولا يخفى إذ ذاك انتفاء الاشتراك بينهما. ثم إنّ ذلك لازم على المعتزليّ في العالميّة أيضا ؛ إذ نسبة العالميّة إلى العلميّة ، على نحو نسبة العلم إلى العلميّة (م ، غ ، ٨١ ، ٢)

علم صحيح

ـ اعلم ، أنّ معنى قولنا : إن العلم صحيح ؛ هو أن نفس العالم تسكن إلى ما علمه به ، وأنّه لا يجوز أن يرتاب فيما علمه ، ولا يلحقه فيه ما يلحق الظانّ والمبخّت. وقد بيّنا صحّة ذلك ، من قبل ، فيجب القضاء بأنّه صحيح. ولذلك لم يوصف غيره ، من الاعتقادات ، بالصحّة. وهذا بمنزلة وصفنا النظر ، من حيث يولّد العلم ، بأنّه صحيح ، دون النظر الذي ليس هذا حاله (ق ، غ ١٢ ، ٣٦ ، ٣)

علم صدق باضطرار

ـ ما يعلم صدقه اضطرارا فكالأخبار المتواترة ، نحو الخبر عن البلدان والملوك وما يجري هذا المجرى ، ونحو خبر من يخبرنا أنّ النبي صلى الله عليه كان يتديّن بالصلوات الخمس وإيتاء الزكاة والحجّ إلى بيت الله الحرام وغير ذلك ، فإنّ ما هذا سبيله يعلم اضطرارا. وأقلّ العدد الذين يحصل العلم بخبرهم خمسة ، حتى لا يجوز حصوله بخبر الأربعة. ولا يكفي خبر الخمسة على أي وجه أخبروا ، بل لا بدّ من أن يكون خبرهم مما عرفوه اضطرارا ، ولهذا لا يجوز أن يحصل لنا العلم الضروريّ بتوحيد الله وعدله بخبر من يخبرنا عن ذلك ، لمّا لم يعرفوه اضطرارا (ق ، ش ، ٧٦٨ ، ٦)

علم الضرورة

ـ نسألهم فنقول لهم : إذا قلتم إنّ الله تعالى لا يقدر على لطف لو أتى به الكفّار لآمنوا إيمانا يستحقّون معه الجنّة ، لكنّه قادر على أن لا يضطرّهم إلى الإيمان ، أخبرونا عن إيمانكم الذي تستحقّون به الثواب هل يشوبه عندكم شكّ ، أم يمكن بوجه من الوجوه أن يكون عندكم باطلا. فإن قالوا نعم يشوبه شكّ ويمكن أن يكون باطلا أقرّوا على أنفسهم بالكفر وكفونا مئونتهم ، وإن قالوا لا يشوبه شكّ ولا يمكن البتّة أن يكون باطلا قلنا لهم هذا هو الاضطرار بعينه ، ليست الضرورة في العلم شيئا غير هذا ، إنّما هو معرفة لا يشوبها شكّ لا يمكن اختلاف ما عرف بها ، فهذا هو علم الضرورة نفسه ، وما عدا هذا فهو ظنّ وشكّ (ح ، ف ٣ ، ١٨٠ ، ١٣)

علم ضرورة

ـ كل علم حصل عند إدراك حاسة من هذه الحواس فهو علم ضرورة يلزم النفس لزوما لا

يمكن معه الشكّ في المدرك ولا الارتياب به (ب ، ت ، ٣٦ ، ١٧)

علم ضروري

ـ ما معنى وصفكم (العلم) الضروري منها بأنّه ضروريّ ، على مواضعة المتكلمين؟ قيل له : معنى ذلك أنّه علم يلزم نفس المخلوق لزوما لا يمكنه معه الخروج عنه ولا الانفكاك منه ، ولا يتهيّأ له الشك في متعلّقه ولا الارتياب به. وحقيقة وصفه بذلك في اللغة أنّه مما أكره العالم به على وجوده (ب ، ت ، ٣٥ ، ١٣)

ـ قيل علم ضروريّ ... العلم الذي يحصل فينا لا من قبلنا ، ولا يمكننا نفيه عن النفس بوجه من الوجوه (ق ، ش ، ٤٨ ، ١١)

ـ حدّ العلم الضروريّ بأنّه : العلم الذي لا يمكن العالم نفيه عن نفسه بشك ولا شبهة. وإن انفرد (ق ، ش ، ٤٨ ، ١٨)

ـ إنّ العلم الضروريّ ينقسم إلى ما يحصل فينا مبتدأ ، وهو كالعلم بأحوال أنفسنا من كوننا مريدين وكارهين ومشتهين ونافرين ظانين ومعتقدين وما شاكل ذلك ، وإلى ما يحصل فينا عن طريق ، أو ما يجري مجرى الطريق. فما يحصل فينا عن طريق ، فهو كالعلم بالمدركات ، فإنّ الإدراك طريق إليه. وما يحصل عما يجري مجرى الطريق ، فهو كالعلم بالحال مع العلم بالذات ، فإن العلم بالذات أصل للعلم بالحال. ويجري مجرى الطريق إلى العلم به ، والفرق بين ما يحصل فينا عن طريق وبين ما يحصل عما يجري مجرى الطريق ، أن ما يحصل عن طريق يجوز أن يبقى مع عدم الطريق إليه ، وليس كذلك العلم الحاصل عما يجري مجرى الطريق ، ولهذا يصح من الله تعالى أن يخلق فينا العلم بالمدركات من دون الإدراك ، ولم يصح أن يخلق فينا العلم بالحال من دون العلم بالذات ، لما كان أصلا فيه وجاريا مجرى الطريق إليه (ق ، ش ، ٥٠ ، ٢)

ـ اعلم أنّ العلم ، بأنّ تصرّف من نشاهده يقع بحسب قصده ودواعيه مع السلامة ؛ وينتفي بحسب كراهته ودواعيه ، ضروريّ (ق ، غ ٨ ، ٦ ، ٥)

ـ إذا ثبت أنّا لا نجعل الخبر حجّة ولا دلالة ، لكنّا نقول إنّ العلم الضروريّ يقع عنده بالعادة ، فغير ممتنع أن يقع ، وإن لم تعلم من قبل ، (حال الخبر) وحال المخبرين. ولذلك لا يمتنع وقوع ذلك عنده ، وإن جوّزنا ألّا يقع عند خبر مثلهم في العدد (ق ، غ ١٥ ، ٣٤٥ ، ٣)

ـ العلوم عندنا قسمان : أحدهما علم الله تعالى وهو علم قديم ليس بضروري ولا مكتسب ولا واقع عن حسّ ولا عن فكر ونظر وهو مع ذلك محيط بجميع المعلومات على التفصيل والله عالم بكل ما كان وكل ما يكون وكل ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون بعلم واحد أزليّ غير حادث. والقسم الثاني من قسمي العلوم علوم الناس وساير الحيوانات وهي ضربان : (علم) ضروري (وعلم) مكتسب. والفرق بينهما من جهة قدرة العالم على علمه المكتسب واستدلاله عليه ووقوع الضروري فيه من غير استدلال منه ولا قدرة له عليه (ب ، أ ، ٨ ، ١٠)

ـ العلم الضروري قسمان : أحدهما علم بديهيّ والثاني علم حسيّ (ب ، أ ، ٨ ، ١٣)

ـ قلنا : العلم بأنّا ندرك بالنظر ضروري ، كالعلم بأنّا نروى بالماء ، ونشبع بالطعام (ق ، س ، ٥٥ ، ١٥)

علم ضروري بالله

ـ الشرط الأوّل أن يكون العالم به وبصفاته كامل العقل لأنّ من الممتنع حصول العلم الضروريّ بالله فيمن ليس يعلم شيئا أو فيمن كان ناقص العقل ، لأنّ ذلك يجري مجرى العلم بالخفي والجليّ من باب واحد. فكما يتعذّر حصول العلم بالخفي من باب من دون العلم بالجليّ من ذلك الباب ، فهكذا العلم بالله وبصفاته من دون العلم بالمدركات وما شاكلها ، ومن دون العلم بأحوال نفسه وأوصافها لأنّه يجري مع هذه العلوم الضروريّة هذا المجرى. والشرط الثاني أن يكون العالم قد عقل هذه الصفات من نفسه أو غيره ليصحّ أن يخلق فيه العلم بأنّ القديم تعالى على مثل ما قد عقله. فأمّا إذا لم يكن قد عقلها فالضرورة إليها لا تصحّ ، وعلى هذا لم يصحّ أن يضطرّ أحدنا إلى أنّ زيدا مريد ولمّا عقل من نفسه هذه الصفة (ق ، ت ١ ، ٩٧ ، ١١)

علم العالم بحسن الشيء

ـ إنّ علم العالم بحسن الشيء لا يقتضي وجوب فعله له ، وإنّما يقتضي أن له أن يختاره ، وما لا يجب أن يفعله الفاعل لا يمتنع أن يفعله في حال دون حال ، كما لا يمتنع منه أن يفعل أحد الضدّين دون الآخر من غير علّة يختصّ بها المفعول دون المتروك. وقد بيّنا من قبل أن كون القادر قادرا يقتضي في فعله أن يصحّ أن يوجد في حال دون حال ، ويؤثّر فعلا على فعل من غير علّة ، لأنّه لو لم يفعل ذلك إلّا لعلّة لنقض ذلك كونه قادرا. ويفارق ذلك ما نقوله : من أنّه سبحانه لا بدّ من أن يفعل الواجب في حال وجوبه مع السلامة ؛ لأنّه لو لم يفعله لاستحقّ الذمّ ، وكونه عالما غنيّا يمنع من ذلك. ويفارق ما يلزمه أصحاب الأصلح ؛ لأنّهم قالوا بوجوب الفعل ، فلزمهم على قوده كونه فاعلا له قبل الوقت الذي فعله فيه بوقت قبل وقت ، حتى لا يتقدّم فعله إلّا بوقت واحد ؛ وإن لم يكن كذلك فيجب أن يكون غير فاعل للواجب في بعض الأحوال ، أو غير قادر على إيجاده قبل خلقه له ، وذلك لا يتأتّى فيما يفعله لحسنه فقط (ق ، غ ١١ ، ٦٥ ، ٨)

علم العبد

ـ من المعلوم أنّ علم العبد لا يتعلّق قط بما يفعله من كل وجه بل لو علمه علمه من وجه دون وجه علم جملة لا علم تفصيل. فوجود الإحكام في الفعل لم تدلّ على علمه وليست من آثار علمه ، فيتعيّن أنّ الفاعل غيره ، وهو الذي أحاط به علما من كل وجه ، وهذه الطريقة هي التي اعتمد عليها الشيخ أبو الحسن الأشعريّ رضي الله عنه وأوردها في كتبه ، وفرضها في الغافل إذا صدر عنه فعل (ش ، ن ، ٦٨ ، ٢)

علم عقيب النظر

ـ حصول العلم عقيب النظر ، عادة عند الشيخ أبي الحسن ، وتولّد عند المعتزلة ، وإيجابا عندنا ، لأنّ من علم أنّ العالم متغيّر ، والمتغيّر ممكن ، فالبديهيّة يمتنع أن لا يعلم النتيجة. وليس تولّدا لأنّه ممكن ، فلا يقع إلّا بقدرة الله ، والقياس على التّذكر لا يفيد اليقين ، ولا الإلزام ، لأنّ علّته عندهم لا توجد هنا ، فإن صحّت ظهر الفرق ، وإلّا منع الأصل (خ ، ل ، ٤٤ ، ٢١)

علم على طريق الجملة

ـ جملة القول في هذه الصفات (لله) أنّها لا تخرج عن وجهين : أحدهما ما له متعلّق نحو كونه قادرا وعالما ومدركا ومريدا وكارها. والثاني ما لا متعلّق له وهدى نحو كونه حيّا وموجودا وما يختصّ به لذاته من الصفات التي تقتضي هذه الصفات. فما له متعلّق فلا بدّ من دخول ضرب من الإجمال في العلم بكونه تعالى عليه من وجهين : أحدهما أنّ حصول العلم به مفصّلا إنما يكون بعد أن يعرف مقدوراته ومعلوماته ومدركاته وجميع مراداته ومكروهاته. وذلك مما لا طريق إلى العلم به مفصّلا. والثاني أن غاية ما يمكن في ذلك أن نعرف كونه عليها لم يزل ولا يزال أعني في كونه قادرا وعالما. وهذا مما هو علم على طريق الجملة (ق ، ت ١ ، ١٠١ ، ٣)

ـ أبو هاشم رحمه‌الله يقول : متى استدلّ فعلم في الظلم المعيّن أنّه بصفة الظلم ، علمه قبيحا بالعلم الأوّل ، فيجعل العلم بقبحه ضروريّا كما نقوله في العلم بقبح الظلم على الجملة. لكنّه يرتّب حاله فيقول : إنّ العلم على طريقة الجملة لا يحتاج في التعلّق إلى شرط ، وعلى طريقة التفصيل يحتاج إلى شرط ، وهو تقدّم العلم بأن هذا المعيّن بصفة الظلم. فقد حصل من مذهبه أنّ (العلم) المفصّل يعلم قبحه باضطرار كالمجمل من الظلم ؛ وإن كان يخالفه في حاجته إلى الشرط الذي ذكرناه. وسائر شيوخنا يقولون إنّ عند تأمّله يعلم أنّ هذا المعيّن بصفة الظلم ويعلم بعلم ثالث أنّه قبيح ؛ لأنّ العلم بقبح الظلم يتناول معلومه على جهة الجملة وهذا العلم يتناوله على طريق التفصيل. وقد بيّنت بالدليل مخالفة أحدهما للآخر كمخالفة العلم لمعلوم المعلوم بمعلوم سواه. فلا يصحّ أن يصير نفس ذلك العلم متعلّقا بالمعيّن لما في ذلك من إيجاب قلب جنسه. فعلى هذا القول ـ وهو الصحيح ـ لا يعلم شيء من الظلم بعينه أنّه قبيح باضطرار (ق ، غ ١٣ ، ٣٠٥ ، ١٩)

علم عن نظر مخصوص

ـ كان (الأشعري) يحيل قول من قال إنّ النظر يولّد العلم بالمنظور فيه ، بل يحيل في الجملة أن يولّد عرض عرضا. وكان يقول أيضا إنّ ما يحدث من العلم عن نظر مخصوص فليس لأنّ النظر أوجب كونه ، ولكن هو والعلم مخترعان للبارئ سبحانه ، ولو فعل أحدهما دون صاحبه جاز. وسبيل سائر ما يحدث أحدهما عقيب صاحبه لعادة جرت على ذلك أو لمعنى آخر ، لا على طريق الإيجاب له أو كونه سببا موجبا له (أ ، م ، ٣٣ ، ٩)

علم عند خبر المخبرين

ـ إنّ وقوع العلم ، عند خبر المخبرين ، ليس بموجب ، لكنّه بالعادة. فليس لأحد أن يقول : لم صار لا يقع عند خبر أربعة ، ويجوز أن يقع عند خبر أكثر من ذلك؟ لأنّ ما طريقه العادة لا يمتنع أن يعلم بالدليل أنّ العادة جرت فيه عند أمر مخصوص ، دون غيره ، ويكون معقولا عنده ، دون غيره ، للمصلحة ، على ما قدّمنا ذكره (ق ، غ ١٥ ، ٣٦٥ ، ٩)

علم الفاعل بحسن الشيء

ـ إنّ علم الفاعل بحسن الشيء لا يقتضي وجوب فعله لا محالة ، وإنّما يقتضي أنّه قد يختاره لأجل ذلك ، ويحسن منه اختياره لأجله ، وما

حسن لأجله اختيار الشيء وكان داعيا إلى اختياره لم يجب اطّراده حتى يجب اختيار كل ما شاركه فيه ، كما لم يجب اختيار الأوّل لأجله ، وإنّما يصحّ كونه داعيا إلى الاختيار ، وذلك مما يحبّب إليه ، ولا يؤدّي إلى فساد ؛ لأنّ الدواعي لا يجب كونها موجبة ، وإنّما تقتضي أن يكون ذلك الفعل بأن يختاره القادر أولى من غيره ، وذلك يبطل ما سأل عنه ، ويجوز كونه تعالى خالقا الخلق لينفعهم ، وإن خلقهم في حال دون حال ، أو خلق قدرا دون قدر (ق ، غ ١١ ، ٩٨ ، ٧)

علم قديم

ـ علم قديم ، وهو علم الله ، عزوجل ، وليس بعلم ضرورة ولا استدلال (ب ، ت ، ٣٥ ، ٤)

ـ العلم القديم صفة الباري تعالى القائم بذاته ، المتعلّق بالمعلومات غير المتناهية ، الموجب للرب سبحانه وتعالى حكم الإحاطة المتقدّس عن كونه ضروريّا أو كسبيّا (ج ، ش ، ٣٥ ، ٣)

علم كسبيّ

ـ معنى قولنا في هذا العلم إنّه كسبيّ أنّه مما وجد بالعالم ، وله عليه قدرة محدثة ؛ وكذلك كل شيء شركه في ذلك ، أعني العلم ، في وجود القدرة المحدثة عليه ؛ فهو كسب لمن وجد به (ب ، ت ، ٣٦ ، ٩)

ـ العلم الحادث ينقسم إلى الضروريّ ، والبديهيّ ، والكسبيّ. فالضروريّ هو العلم الحادث غير المقدور للعبد مع الاقتران بضرر أو حاجة ، والبديهيّ كالضروريّ غير أنّه لا يقترن بضرر ولا حاجة ، وقد يسمّى كل واحد من هذين القسمين باسم الثاني. ومن حكم الضروريّ في مستقرّ العادة أن يتوالى فلا يتأتى الانفكاك عنه والتشكّك فيه ؛ وذلك كالعلم بالمدركات ، وعلم المرء بنفسه ، والعلم باستحالة اجتماع المتضادّات ونحوها. والعلم الكسبيّ هو العلم الحادث المقدور بالقدرة الحادثة. ثم كل علم كسبيّ نظريّ ، وهو الذي يتضمّنه النظر الصحيح في الدليل (ج ، ش ، ٣٥ ، ١١)

علم الكلام

ـ علم الكلام : علم باحث عن الأعراض الذاتيّة للموجود من حيث هو على قاعدة الإسلام (ج ، ت ، ٢٠١ ، ١٦)

ـ علم الكلام هو بيان كيفية الاستدلال على تحصيل عقائد صحيحة ، جازمة ، بترتيب صحّة الشرائع عليها ، أو الاستدلال على عقائد وشرائع مخصوصة (ق ، س ، ٤٨ ، ٢)

علم لا في محل

ـ ليس يقدر على إيجاد العلم لا في محلّ إلّا هو جلّ وعزّ ، فإن أحدنا سواء فعل العلم مبتدأ أو متولّدا ، فإنّه يفعله في محلّ القدرة ، وإذا ثبت وجوده لا في محلّ وقد عرفنا أنّ للعلم ضدّا وهو الاعتقاد الذي يتعلّق بنفي ما تعلّق العلم بإثباته أو بإثبات ما تعلّق العلم بنفيه لأنّه قد ثبت امتناع الجميع بينهما ولا وجه إلّا التضادّ (ق ، ت ١ ، ١٩٥ ، ١٢)

علم لا يولّد العلم

ـ قد استدلّ شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، على أنّ العلم لا يولّد العلم ، بأدلّة ذكرها. وأظنّ أنّا قد ذكرنا في ذلك طرفا ، ونحن نذكر الآن بعضه.

فمما يدلّ على ذلك ، أنّه لو ولّد بعض العلوم بعضا ، لوجب أن لا يكون بعضه بأن يولّد أولى من بعض ، لاشتراك الكل في الوجه الذي عليه يولّد ، لأنّه مما لا تتغيّر حاله في كيفية تعلّقه ولا في إيجابه لسكون النفس. ولو كان كذلك ، لوجب أن يكون العالم بأشياء يتزايد علمه وإن لم ينظر البتّة في الأدلّة ، ولوجب أيضا أن يكون العلم بالدليل في توليد العلم بالمدلول يغني عن النظر. وفي علمنا بأنّ العالم بالأدلّة لا يستغني عن النظر فيها لكي يعلم المدلول ، دلالة على فساد هذا القول (ق ، غ ١٢ ، ٢٥٧ ، ١٠)

علم لوقوعه على وجه

ـ أنّا لا نقول إنّ هذه الاعتقادات تكون علوما ، بل نقول في هذه الاعتقادات إنّما تكون علوما لوقوعها على وجه ، وذلك الوجه هو كون القديم تعالى عالما بمعتقداتها ، فصدروها على هذا الوجه ، وذلك الوجه وجه كونها علوما ، لا أنّ حالة القديم تعالى تؤثّر في كونها علوما. يبيّن ذلك أن القديم تعالى لو خلق في الواحد منا النظر ، وكان الناظر عالما بالدليل على الوجه الذي يدلّ ، فالاعتقاد الذي يتولّد عن النظر لا بدّ أن يكون علما ، وإنّما يكون علما لوقوعه على وجه ، وهو صدّره عن هذا النظر. ولا يمكن أن يقال إنّه علم بالله تعالى ، وإن كان حاصلا عمّا خلقه من النظر ، لأنّه لو كان كذلك لوجب أن يكون لحالة من أحواله فيه تأثير. ولا يمكن أن يشار إلى حالة القديم تعالى تؤثّر في كون هذا الاعتقاد علما. فكذلك هذه الاعتقادات ، وإن كانت إنّما تصير علوما لأنّها من فعل العالم بالمعتقد ، فإنّه لا يمكن أن يشار إلى حالة تؤثّر في كونها علوما (ن ، د ، ٢٠٣ ، ١٦)

علم متعلّق بمعلومين

ـ اختلف أصحابنا في تعلّق العلم المحدّث بمعلومين وأكثر فأجازه بعضهم وقال أبو الحسن الباهلي بجواز ذلك في العلم الضروريّ دون المكتسب. والصحيح عندنا أنّ كل علم متعلّق بمعلومين لأنّ من علم شيئا كان عالما به وبأنّه عالم به ، ولو كان علمه بالشيء غير علمه بأنّه عالم لجاز وجود أحد العلمين فيه مع عدم الآخر ، وكان يعلم الشيء من لا يعرف أنّه عالم به وهذا محال فما يؤدّي إليه مثله (ب ، أ ، ٣٠ ، ١٥)

علم المحدث

ـ لا يمتنع من وصف علم المحدث بأنّه ضرورة وكسب ، بل كان يقول إنّ بعض معارفنا ضرورة وبعضها كسب (أ ، م ، ١٢ ، ١)

علم محدث

ـ علم محدث ، وهو كل ما يعلم به المخلوقون من الملائكة والجنّ والأنس وغيرهم من الحيوان (ب ، ت ، ٣٥ ، ٥)

ـ في أقسام العلم المحدث فإن قال قائل : فعلى كم وجه تنقسم علوم المخلوقين؟ قيل له : على قسمين : فقسم منها علم ضرورة ؛ والثاني منها علم نظر واستدلال. وهذه الثلاثة العلوم التي وصفناها غير مختلفة فيما له يكون الشيء علما من كونها معرفة للمعلوم على ما هو به (ب ، ت ، ٣٥ ، ٧)

ـ يسمّى العلم المحدث عرضا لأجل أنّه عارض لا يصحّ بقاؤه (أ ، م ، ١١ ، ٢٢)

علم المشاهدة

ـ أمّا المشاهدة ، فهي الإدراك بهذه الحواس ،

هذا في الأصل ، وفي الأغلب إنّما تستعمل في الإدراك بحاسة البصر ، هذا إذا كان مطلقا ، فأما إذا أضيف إليه العلم فقيل : علم المشاهدة ، فالمراد به العلم المستند إلى الإدراك بهذه الحواس ، وفي الأغلب إنّما يستعمل في العلم المستند إلى الإدراك بحاسة البصر فقط (ق ، ش ، ٥١ ، ١٢)

علم مفصّل

ـ أبو هاشم رحمه‌الله يقول : متى استدلّ فعلم في الظلم المعيّن أنّه بصفة الظلم ، علمه قبيحا بالعلم الأوّل ، فيجعل العلم بقبحه ضروريّا كما نقوله في العلم بقبح الظلم على الجملة. لكنّه يرتّب حاله فيقول : إنّ العلم على طريقة الجملة لا يحتاج في التعلّق إلى شرط ، وعلى طريقة التفصيل يحتاج إلى شرط ، وهو تقدّم العلم بأن هذا المعيّن بصفة الظلم. فقد حصل من مذهبه أنّ (العلم) المفصّل يعلم قبحه باضطرار كالمجمل من الظلم ؛ وإن كان يخالفه في حاجته إلى الشرط الذي ذكرناه. وسائر شيوخنا يقولون إنّ عند تأمّله يعلم أنّ هذا المعيّن بصفة الظلم ويعلم بعلم ثالث أنّه قبيح ؛ لأنّ العلم بقبح الظلم يتناول معلومه على جهة الجملة وهذا العلم يتناوله على طريق التفصيل. وقد بيّنت بالدليل مخالفة أحدهما للآخر كمخالفة العلم لمعلوم المعلوم بمعلوم سواه. فلا يصحّ أن يصير نفس ذلك العلم متعلّقا بالمعيّن لما في ذلك من إيجاب قلب جنسه. فعلى هذا القول ـ وهو الصحيح ـ لا يعلم شيء من الظلم بعينه أنّه قبيح باضطرار (ق ، غ ١٣ ، ٣٠٦ ، ٢)

علم مكتسب

ـ كان بعض أصحابه (للأشعري) يفصل بين العلم الضروريّ والمكتسب ويقول : يجوز أن يضطرّنا الله تعالى إلى العلم بمعلومات الله تعالى على التفصيل ولا يجوز ذلك في العلم المكتسب ، لأنّ العلم المكتسب هو الواقع عقيب النظر ، ولكل وجه من ذلك طريق يختصّه ، وإنّ النظر المؤدّي إلى العلم بحدوث الشيء ليس هو النظر المؤدّي إلى العلم باستحالة بقائه أو صحّته (أ ، م ، ١٣ ، ٨)

ـ ليس يعلم علوم الاكتساب بعلوم الاضطرار وإن كان أصولا لها ، وإنّما يعلم العلم المكتسب بعلم مكتسب ، ويعلم الضروريّ بعلم ضروريّ (أ ، م ، ٢٠ ، ١٩)

ـ العلم المكتسب إنّما يستفاد بعد كمال العقل لأنّ من دونه لا يصحّ النظر والاستدلال (ق ، ت ٢ ، ٢٦٠ ، ١٨)

ـ أمّا التصديق فإنّما يتعلّق بالخبر ، لا بالمخبر. فلا يجوز أن يكون طريقا للعلم بالمخبر عنه. وإذا صحّ ذلك فلا فرق بين أن يضامّه التصديق أو لا يضامّه ، كما أنّ العلم المكتسب ، لمّا وقع عن النظر في الدليل ، لم يكن بتصديق الغير به اعتبار ؛ لأنّ الدليل له تعلّق بالمدلول ، دون التصديق (ق ، غ ١٥ ، ٤٠٢ ، ١٣)

ـ مسألة في أنّه لا يجب أن يكون لكل علم مكتسب أصل من الاضطرار يردّ إليه : قال أبو هاشم في الجامع الصغير ، ليس يعرف كون الشيء على صفة باستدلال ، بأن يعلم مثله ضرورة ثم يردّ إليه مثاله ، أنّه لا يعلم محدث ضرورة ثم يعلم حدوث غيره قياسا عليه ، ولا يعلم قادر عالم ضرورة ثم يقاس عليه غيره ، ولا يعلم إثبات كون ضرورة في الجسم ثم يقاس إثبات سائر الأكوان عليه. ويقول في هذه العلوم ، إنّها تقع بأن ينظر الناظر في دليل

فيتعرّف به المدلول ، وإن اختلفت الأدلّة عنده (ن ، م ، ٣١٣ ، ٢)

ـ حكى أبو هاشم عن أبي علي أنه كان يأبى أن يكون للعلم المكتسب أصل ضروريّ يردّ إليه. وقد حكى عن أبي علي أيضا أنّه قال ، أنّ الأصول الضروريّة فيها ما يبني عليه الاستدلال ، وفيها ما يردّ إليه ، ولم يذكر أن الرّد على جهة المقايسة (ن ، م ، ٣١٣ ، ١٣)

ـ العلوم عندنا قسمان : أحدهما علم الله تعالى وهو علم قديم ليس بضروري ولا مكتسب ولا واقع عن حسّ ولا عن فكر ونظر ، وهو مع ذلك محيط بجميع المعلومات على التفصيل ، والله عالم بكل ما كان وكل ما يكون وكل ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون بعلم واحد أزليّ غير حادث. والقسم الثاني من قسمي العلوم علوم الناس وساير الحيوانات وهي ضربان : (علم) ضروري (وعلم) مكتسب. والفرق بينهما من جهة قدرة العالم على علمه المكتسب واستدلاله عليه ووقوع الضروري فيه من غير استدلال منه ولا قدرة له عليه (ب ، أ ، ٨ ، ١٠)

علم من الأخبار

ـ إن المعتبر ، فيما يوجب العلم من الأخبار ، هو بأن يكونوا مخبرين بأي لفظ كان. وقد علمنا أنّ الشهود مخبرون ، وإنّما زادوا في مقدّمة خبرهم لفظ الشهادة. فلو أنّ المخبرين زادوا على الخبر القسم لم يؤثّر ذلك ، وكان إلى التأكيد أقرب. وكذلك القول في الشهود إذا قالوا : " نشهد أنّ فلانا أقرّ بكذا ، أو قال كذا". ولسنا نبعد أن يتعبّد الشهود بلفظ مخصوص ، والحاكم بألّا يحكم إلّا على وجه مخصوص ؛ لأنّ ذلك يتبع المصالح الشرعية. وليس كذلك وقوع العلم عند الخبر ؛ لأنّ العقل يدلّ عليه ، على الطريقة التي ذكرناها ؛ فلا يصحّ الفرق بين الأخبار ، مع تساويها في القدر والصفة ، لأمر يرجع إلى اللفظ ، كما لا يصحّ أن يفرّق بينها لأمر يرجع إلى المكان والوقت (ق ، غ ١٥ ، ٣٦٣ ، ١)

علم نظريّ

ـ فإن قيل : فما معنى تسميتكم للضرب الآخر منها علم نظر واستدلال؟ قيل له : مرادنا بذلك أنّه علم يقع بعقب استدلال وتفكّر في حال المنظور فيه أو تذكر نظر فيه ؛ فكل ما أحتاج من العلوم إلى تقدّم الفكر والرويّة وتأمّل حال العلوم فهو الموصوف بقولنا علم نظريّ (ب ، ت ، ٣٦ ، ٧)

ـ العلم النظري هو ما بني على علم الحس والضرورة ، أو على ما بني العلم بصحته عليهما (ب ، ت ، ٣٦ ، ٨)

علم واحد

ـ عند شيوخنا ، أنّ العلم الواحد لا يجوز أن يكون متعلّقا بأكثر من معلوم واحد على طريق التفصيل. والذي يدلّ على صحّة ما قالوه ، أنّه لا معلومان إلّا ويجوز أن يعلم أحدهما ولا يعلم الآخر. فلو كان العلم الواحد متعلّقا بهما ، لوجب مع وجوده أن يستحيل أن يعلم أحدهما ولا يعلم الآخر (ن ، م ، ٣١٠ ، ١٢)

علم واحد بمعلومين

ـ أحالت المعتزلة تعلّق علم واحد بمعلومين على التفصيل ، وأنكروا علم الله تعالى وقالوا لو كان له علم لما علم به إلّا معلوما واحدا ، كما أنّا لا

نعلم معلومين إلّا بعلمين (ب ، أ ، ٣١ ، ١)

ـ جنس النظر ممّا لا يجوز عليه البقاء. فلم يصحّ أن يتعلّق العلم الواحد بمعلومين من طريق التفصيل. فأمّا من طريق الجملة فلا خلاف فيه بين أصحابنا وبين المعتزلة وسواء كان ذلك علما مكتسبا أو ضروريا ، لأنّ علمنا بأنّ معلومات الله تعالى لا نهاية لها وكذلك مقدوراته علم يتناولها على طريق الجملة وهو علم واحد والمعلومات أكثر من ذلك. ولسنا نقطع الآن أنّ الإنسان يعلم من طريق الضرورة معلومات على التفصيل بعلم واحد بل نجيز ذلك. فأمّا العلم بمعلومات الله سبحانه كلها على التفصيل فذلك غير مشكوك فيه أنّه لم يوجد ، وإذا وجد فإنّما يوجد على نقض العادة (أ ، م ، ١٣ ، ١٠)

علم واقع بالتواتر

ـ إنّ الاستدلال هو ترتيب علوم يتوصّل به إلى علم آخر. فكل ما وقف وجوده على ترتيب علوم ، فهو مستدلّ عليه. والعلم الواقع بالتواتر ، هذه سبيله (ب ، م ، ٥٥٢ ، ١٤)

علم واقع بالخبر

ـ يفارق حال الخبر ، فيما يقع عنده من العلم حال الإدراك ؛ لأنّ الإدراك طريق للعلم على وجه لا يجوز أن يتغيّر بالعادة ؛ بل يجب ، مع كمال العقل ، ألا تختلف حاله ، في كونه طريقا ، مع سلامة الأحوال. فلذلك لم نجوّز ألّا يقع العلم به إلّا إذا تكرّر ، أو يحصل العلم به في حال دون حال. وليس كذلك العلم الواقع بالخبر ؛ لأن الخبر لا يتعلّق بهذا العالم لأنّه من فعل غيره فيه ، وإنّما يفعل تعالى العلم ، عنده ، من جهة العادة. فيجب أن يقرّ الأمر فيه بحسب ما تقرّرت العادة فيه (ق ، غ ١٥ ، ٣٤٥ ، ٢٠)

علم واقع عن الخبر

ـ إنّ العلم الواقع عن الخبر يجري مجرى العلوم المجملة. وإذا كان السامع قد شارك المخبر يكون قد حصل له العلم على طريق التفصيل. ومن حق العلم على طريق الجملة أن لا يؤثّر مع العلم المفصّل (ق ، غ ١٥ ، ٣٣٤ ، ١٨)

علم واقع عند التواتر

ـ اختلف الناس في العلم الواقع عند التواتر. فقال شيخانا أبو علي وأبو هاشم : إنّه ضروريّ ، غير مكتسب. وقال أبو القاسم البلخي : إنّه مكتسب (ب ، م ، ٥٥٢ ، ٨)

علوم

ـ أنّ العلوم تنقسم قسمين : قسم منهما : علم الله سبحانه ، وهو صفته لذاته ، وليس بعلم ضرورة ولا استدلال ، قال الله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) (النساء : ١٦٦) وقال : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) (فاطر : ٣٥) وقال : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) (هود : ١٤) فأثبت العلم لنفسه ، ونص على أنه صفة له في نص كتابه. والقسم الآخر : علم الخلق. وهو ينقسم قسمين : فقسم منه علم اضطرار ، والآخر علم نظر واستدلال : فالضروريّ ما لزم أنفس الخلق لزوما لا يمكنهم دفعه والشك في معلومه ؛ نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس ، وما ابتدئ في النفس من الضرورات. والنظريّ : منهما : ما احتيج في حصوله إلى الفكر والرويّة ، وكان

طريقه النظر والحجة. ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلّقه (ب ، ن ، ١٤ ، ١)

ـ إنّ العلوم على ضربين منها مقدور ومنها غير مقدور ، فما وقع منها عن النظر والفكر كسب ، وما وقع خاليا عن ذلك فليس بكسب (أ ، م ، ١٨ ، ٢٣)

ـ لما ذكر انقسام التكليف في الفعل إلى العلم والعمل جاز أن يتوهّم متوهّم أنّ العلوم كالأعمال في باب أنّ المكلّف مأخوذ بتحصيلها أجمع ، كما أنّه مكلّف في الأعمال بذلك. وليس كذلك بل العلوم مفارقة للأعمال فبعضها لا بدّ من أن يختلف الله فيه وبعضها هو المأخوذ بتحصيلها. وإن كان الجميع إذا حصل فهو مضاف إلينا إضافة مخصوصة فيقال : هو علومنا ولا يقال : بدلا من هذا في العمل لو خلق فينا أنّه علمنا ، وهذا الذي يخلقه الله هو الذي يعبّر عنه بالضروريّ ، ولا بدّ من أن يتقدّم على التكليف بباقي العلوم والأعمال ويجري مجرى التمكين والإقدار واللطف ، لأنّه كما لا يتمّ التكليف إلّا بهذه الأمور فكذلك لا يتمّ إلّا بتقدّم هذه العلوم. وتجري هذه العلوم في وجوب حصولها أو لا يتأتى التكليف ببقائها مجرى العلوم أجمع في وجوب تقدّمها أولا على الأعمال. فكما إذا لم يكن هناك علم لا يتأتّى الإتيان بالعمل على ما كلّف ، فكذلك ما لم تتقدّم هذه العلوم لا يمكن اكتساب العلوم الأخر ، فلأجل ذلك أجريناها مجرى القدرة وغيرها (ق ، ت ١ ، ٦ ، ١٢)

ـ إنّ العلوم تختلف على طريقتين : أحدهما لاختلاف ذوات المعلومات. والثاني لاختلاف وجوه المعلوم الواحد ، فإذا كان معلوم أحد العلمين غير معلوم العلم الآخر فهما مختلفان ، وإن كان المعلوم واحدا. ولكن على وجهين أو وجوه مختلفة فالعلوم مختلفة أيضا لأنّ بعضها لا ثبوت مناب البعض وعلى هذا يكون المعلوم شيئا واحدا إذا عرفناه بخبر الصادق الذي لا يكذب في خبره. ثم إذا أدركناه عرفناه سوادا أو بياضا فلا يكون قد جعل لنا العلم بذات أخرى غير الأولى ، ولكنّا عرفناها على صفة لم نكن قد عرفناه عليها من قبل ، وأحد العلمين هو مخالف به للعلم الآخر. وكذلك الحال في العلم بوجود الشيء وحدوثه وحسنه أو قبحه (ق ، ت ١ ، ١٨٨ ، ١٠)

ـ إنّا قد عرفنا أنّ العلوم تكثر بكثرة النظر في الأدلّة وتقلّ بقلّته ، ولا تكثر بكثرة العلم بالأدلّة. فلولا أنّه يولّد للعلم ، لم يجب ذلك فيه ، كما لا يجب فيما لا يكون مولّدا مثله ؛ ويجب في الاعتماد إذا ولّد الحركات أن تكثر بكثرته وتقلّ بقلّته. والنظر في الدليل الواحد ، لا يتبيّن الناظر من نفسه كثرته ، وإنّما الذي يتبيّن في ذلك النظر الأدلّة المتغايرة. فيجب أن يعتمد على ذلك ، وأن لا يقدح في ذلك ما لا نتبيّنه من أنفسنا. وإن كنّا ، لو عرفنا وعلمنا أنّ العلم يقع بحسبه في القلّة والكثرة ، لصحّ أن يستدلّ به (ق ، غ ١٢ ، ٩٣ ، ١٢)

ـ اعلم أنّ العلوم في ترتيب بعضها على بعض على ضروب ثلاثة. ١ ـ منها ما يترتّب بعضه على بعض لأمر يرجع إلى جنسه ، وهذا كما نقول في العلم بالحال والذات ألا ترى أنّه كما يترتّب العلم بالحال على العلم بالذات ، فكذلك يترتّب كون اعتقاد كون الذات على حال اعتقاد كون الذات. ٢ ـ ومنه ما يترتّب لأمر يرجع إلى كونه علما ، حتى لو لم يكن

علما لكان لا يترتّب. وهذا مثل ما قد علمنا أنّ العلم بالخفيّ يترتّب على العلم بالجليّ ، إذا كان بابهما واحدا ، ولو كان بدل العلم اعتقاد الخفي ، لكان لا يترتّب على اعتقاد الجليّ. ٣

ـ ومنه ما يترتّب لأمر يرجع إلى كونه مكتسبا ، حتى لو كان ضروريا لكان لا يترتّب عليه. وهذا مثل ما يعلم أنّ العلم بالله تعالى إذا كان مكتسبا ، يترتّب على العلم بأفعاله ، ولو كان ذلك ضروريا لكان لا يترتّب عليه (ن ، م ، ٣٢٧ ، ١٦)

ـ قال أهل السنّة : إنّ علوم الناس ، وعلوم سائر الحيوانات ، ثلاثة أنواع : علم بديهي ، وعلم حسيّ ، وعلم استدلالي (ب ، ف ، ٣٢٤ ، ١١)

ـ العلوم عندنا قسمان : أحدهما علم الله تعالى وهو علم قديم ليس بضروري ولا مكتسب ولا واقع عن حسّ ولا عن فكر ونظر ، وهو مع ذلك محيط بجميع المعلومات على التفصيل ، والله عالم بكل ما كان وكل ما يكون وكل ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون بعلم واحد أزليّ غير حادث. والقسم الثاني من قسمي العلوم علوم الناس وساير الحيوانات وهي ضربان : (علم) ضروري (وعلم) مكتسب. والفرق بينهما من جهة قدرة العالم على علمه المكتسب واستدلاله عليه ووقوع الضروري فيه من غير استدلال منه ولا قدرة له عليه (ب ، أ ، ٨ ، ٥)

ـ زعم (النظّام) أيضا أنّ العلوم والإرادات من جملة حركات القلوب ، وزعم أنّ كل شيء من العالم ليس بحركة فهو جسم ، وأدخل الألوان والطعوم والأصوات والاستطاعة في جملة الأجسام (ب ، أ ، ٤٦ ، ١١)

ـ إنّ من العلوم التي هي أصول البراهين تجريبيّة وتواتريّة وغيرها. والناس يختلفون في التجربة والتواتر ، فقد يتواتر عند واحد ما لا يتواتر عند غيره ، وقد تولى تجربة ما لا يتولّاه غيره ، وإمّا لالتباس قضايا الوهم بقضايا العقل وإمّا لالتباس الكلمات المشهورة المحمودة بالضروريّات والأوليّات كما فصلنا ذلك في كتاب محكّ النظر (غ ، ف ، ٦٨ ، ٢١)

ـ أيضا فالعلوم متغايرة ، ونحدّ العلم بما يندرج فيه ، وليس المحدود اللفظ (خ ، ل ، ٥٠ ، ١٢)

ـ العلوم المتعلّقة بالمتغايرات مختلفة ، خلافا لوالدي ـ رحمه‌الله (خ ، ل ، ٧٠ ، ١٥)

علوم بها يكمل العقل

ـ إنّ العلوم التي بها يكمل العقل ومعها يصحّ النظر ، هي بمنزلة القدرة والتمكين ، لأنّه لولاها لما صحّ من المكلّف هذا الفعل على الوجه الذي يجب عليه ، وما حلّ محل التمكين لا يكون لطفا. وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله ، فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٤١٧ ، ١٥)

علوم حادثة

ـ ذهب جهم بن صفوان وهشام بن الحكم إلى إثبات علوم حادثة للرب تعالى بعدد المعلومات التي تجدّدت ، وكلها لا في محلّ بعد الاتّفاق على أنّه عالم لم يزل بما سيكون ، والعلم بما سيكون غير ، والعلم بالكائن غير (ش ، ن ، ٢١٥ ، ٤)

علوم حسّية

ـ أمّا العلوم الحسّية فمدركة من جهة الحواس الخمس (ب ، أ ، ٩ ، ٣)

علوم ضرورية

ـ جميع العلوم الضروريّة تقع للخلق من ستة طرق : فمنها : درك الحواس الخمس ، وهي : حاسة الرؤية ، وحاسة السمع ، وحاسة الذوق ، وحاسة الشم ، وحاسة اللمس. وكل مدرك بحاسة من هذه الحواس من جسم ، ولون ، وكون ، وكلام ، وصوت ، ورائحة ، وطعم ، وحرارة ، وبرودة ، ولين وخشونة ، وصلابة ، ورخاوة فالعلم به يقع ضرورة. والطريق السادس : هو العلم المبتدأ في النفس ، لا عن درك ببعض الحواس ، وذلك نحو علم الإنسان بوجود نفسه ، وما يحدث فيها وينطوي عليها من اللذة ، والألم ، والغم ، والفرح ، والقدرة ، والعجز ، والصحة ، والسقم. والعلم بأنّ الضدّين لا يجتمعان ، وأنّ الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق ، وكل معلوم بأوائل العقول ، والعلم بأنّ الثمر لا يكون إلّا من شجر ، أو نخل ، وأنّ اللبن لا يكون إلّا من ضرع وكل ما هو مقتضي العادات (ب ، ن ، ١٤ ، ١٢)

ـ إنّ العلوم الضروريّة أصل العلوم المكتسبة ، وأنّ المستدلّ إنّما يستدلّ ليعلم ما لم يعلمه بأن ينظر فيما علمه ويردّ إليه ما لم يعلمه ، فإذا استويا عنده في المعنى سوّى بينهما في الحكم إذا استوفى حقّ النظر فيه ووفّاه شروطه (أ ، م ، ١٣ ، ٢٥)

ـ إنّ من العلوم الضروريّة ما يحصل للمكلّف بالعادة والتجربة ، كما أنّ فيها ما يحصل بسبب أو على طريق الابتداء (ق ، غ ٨ ، ٦ ، ١٠)

علوم العدل

ـ أمّا علوم العدل ، فهو أن يعلم أنّ أفعال الله تعالى كلها حسنة ، وأنّه لا يفعل القبيح ، ولا يخلّ بما هو واجب عليه ، وأنّه لا يكذب في خبره ، ولا يجور في حكمه ، ولا يعذّب أطفال المشركين بذنوب آبائهم ، ولا يظهر المعجزة على الكذابين ، ولا يكلّف العباد ما لا يطيقون ولا يعلمون ، بل يقدرهم على ما كلّفهم ، ويعلمهم صفة ما كلّفهم ، ويدلّهم على ذلك ، ويبيّن لهم ، ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيي من حي عن بيّنة ، وأنّه إذا كلّف المكلّف وأتى بما كلّف على الوجه الذي كلّف فإنّه يثيبه لا محالة ، وأنّه سبحانه إذا آلم وأسقم فإنّما فعله لصلاحه ومنافعه ، وإلّا كان مخلّا بواجب ، وأن يعلم أنّه تعالى أحسن نظرا بعباده منهم لأنفسهم ، وفيما يتعلّق بالدين والتكليف ، ولا بدّ من هذا التقييد ، لأنّه تعالى يعاقب العصاة ولو خيّروا في ذلك لما اختاروا لأنفسهم ، العقوبة ، فلا يكون الله تعالى والحال هذه أحسن نظرا منهم لأنفسهم ، وكذلك فإنّه ربما يبقى المرء وإن علم من حاله أنّه لو اخترمه لاستحقّ بما سبق منه الثواب وكان من أهل الجنّة ، ولو أبقاه لارتدّ وكفر وأبطل جميع ما اكتسبه من الآخر. ومعلوم أنّه لو يخيّر بين التبقية والاخترام لاختار الاخترام دون التبقية ، فكيف يكون الله تعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم والحال هذه ، فلا بدّ من التقييد الذي ذكرناه (ق ، ش ، ١٣٣ ، ٢)

ـ من علوم العدل أن نعلم أنّ جميع ما بنا من النعم فمن الله تعالى ، سواء كان من جهة الله تعالى أو جهة غيره. ودخوله في العدل أنّه تعالى كلّفنا الشكر على جميع ما بنا من النعم ،

فلولا أنّها من فعله وإلّا كان لا يكلفنا أن نشكره عليها أجمع ، لأنّ ذلك يكون قبيحا (ق ، ش ، ١٣٤ ، ٤)

علوم مبسوطة

ـ أمّا العلوم المبسوطة فإنّما تبلغ الأسماء مبالغ الحاجات ثم تنتهي. فإذا زعمت أنّ الله تبارك وتعالى علّم آدم الأسماء كلّها بمعانيها فإنّما يعني نهاية المصلحة لا غير ذلك (ج ، ر ، ٨٦ ، ١)

علوم محدثة

ـ كان يذهب إلى أنّ العلوم المحدثة لا يجوز عليها البقاء. وهكذا قوله في سائر الأعراض إنّه لا يصحّ وجود شيء منها أكثر من وقت واحد ، وإذا عدم فليس يعدم بضدّ ولا بمعدم بل يجب عدمه في ثاني وقته لا محالة ، ويستحيل وجوده في حالين متّصلين. وكان يقول إنّ العلم يضادّ الموت وكل ما لا يصحّ أن يوجد معه في محلّه من المعاني كالسهو والجهل بمعلومه والشكّ فيه (أ ، م ، ١٢ ، ٢٢)

علوم مخصوصة

ـ إنّ العقل هو عبارة عن العلوم المخصوصة التي نذكرها في هذا الباب. فإن قال : فما تلك العلوم؟ أتقولون فيها : إنّها علوم محصورة بعدد ، أو تحصر بالصفة دون العدد ، أو لا يصحّ حصرها أصلا؟ قيل له : هي محصورة بالصفة ، ولا معتبر فيها بعدد. والأصل في ذلك أنّ الغرض بالعقل ليس هو نفسه ، وإنّما يراد أن يتوصّل به إلى اكتساب العلوم ، والقيام بما كلّف من الأفعال ، فلا بدّ من أن يحصل للعاقل من العلوم ما يصحّ معها أن يكتسب ما يلزمه من المعارف ، ويؤدّي ما وجب عليه من الأفعال ، وما تسلّم معه هذه العلوم. وما يكون أصلا لهذه العلوم ويجري مجراه في الجلاء ؛ لأنّ العلوم يتعلّق بعضها ببعض لخلال منها أنّ الطريق الواحد قد يجمعها فمتى جمع العلوم الطريق الواحد ولم يحصل العلم ببعضها لم يسلم العلم بسائرها. ومنها أن بعضها قد يترتّب على بعض ويكون أصلا له ، حتّى لا يصحّ حصول الفرع إلّا مع الأصل. ومنها أنّ الخفيّ منه يجري مجرى الفرع على الجليّ ، وإن لم يكن فرعا عليه في الحقيقة ؛ لأنّه لو لم يخطر بباله كثير من الأمور الجليّة لم يمتنع ألّا يحصل له العلم بالخفيّ (ق ، غ ١١ ، ٣٧٩ ، ١١)

علوم مقصورة

ـ معنى الأسماء التي تدور بين الناس إنّما وضعت علامات لخصائص الحالات لا لنتائج التركيبات. وكذلك خاصّ الخاصّ لا اسم له ، إلّا أن نجعل الإشارة الموصولة باللفظ اسما. وإنّما تقع الأسماء على العلوم المقصورة ، ولعمري إنّها لتحيط بها (ج ، ر ، ٨٥ ، ١٨)

علوم مكتسبة

ـ كان (الأشعري) يقول إنّ العلوم المكتسبة قد تكون أصلا لعلوم أخر مكتسبة كما تكون الضرورية أصلا للمكتسب. ومثال ذلك أنّ العلم بحدوث العرض فرع على العلم بوجوده ، والعلم بوجود العرض إذا لم يكن مدركا مكتسب. ثم إنّ العلم بحدوث الجواهر مبنيّ على العلم بأنّها لا تنفكّ من الأعراض الحادثة والعلم بذلك أيضا مكتسب (أ ، م ، ١٤ ، ٢)

علوم نظرية

ـ العلوم النظريّة نوعان : عقليّ وشرعيّ. وكل واحد منهما مكتسب للعالم به واقع له باستدلال منه عليه وبعضها أجلى من بعض (ب ، أ ، ٩ ، ٤)

ـ العلوم النظريّة على أربعة أقسام : أحدها استدلال بالعقل من جهة القياس والنظر. الثاني معلوم من جهة التجارب والعادات. والثالث معلوم من جهة الشرع. والرابع معلوم من جهة الإلهام في بعض الناس أو بعض الحيوانات دون بعض (ب ، أ ، ١٤ ، ٥)

علوم الوعد والوعيد

ـ أمّا علوم الوعد والوعيد ، فهو أنّه يعلم أنّ الله تعالى وعد المطيعين بالثواب وتوعّد العصاة بالعقاب ، وأنّه يفعل ما وعد به وتوعّد عليه لا محالة ، ولا يجوز عليه الخلف والكذب (ق ، ش ، ١٣٥ ، ١٩)

علّية

ـ إنّ الممكن الذي لا يعتبر معه وجود ولا عدم ليس بنفي محض ، والمتساوي نسبته إلى الطرفين يحتاج في ثبوت كلّ واحد منهما إلى مرجّح عقلا ، وهو مرادهم من العلّية (ط ، م ، ٢٣٦ ، ١٤)

ـ لا يقال : علّة العدم العلّة ، لأنّا نقول : العلّية ثبوتيّة ، لأنّها نقيض اللاعلّية ، فموصوفها ثابت ، ولأنّ المعدوم لا يتميّز ولا يتعدّد ، فيمتنع جعل بعضه علّة والبعض معلولا (خ ، ل ، ٦٠ ، ٩)

عليم

ـ إنّه تعالى بكل شيء عليم لم يزل كذلك ، والمعنى في هذا أنّه لم يزل يعلم أنّه سيخلق الأشياء على حسب هيئة كل مخلوق منها ، لا على أنّ الأشياء لم تزل موجودة في علمه (ح ، ف ٢ ، ١٦٢ ، ١٦)

ـ (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) (يس : ٨١) الكثير المخلوقات (الْعَلِيمُ) (يس : ٨١) الكثير المعلومات. وقرئ الخالق (إِنَّما أَمْرُهُ) (يس : ٨٢) إذا دعاه داعي (إِذا أَرادَ شَيْئاً) (يس : ٨٢) إذا دعاه داعي حكمه إلى تكوينه ولا صارف (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) (يس : ٨٢) أن يكوّنه من غير توقّف (فَيَكُونُ) (يس : ٨٢) فيحدث : أي فهو كائن موجود لا محالة (ز ، ك ٣ ، ٣٣٢ ، ١٦)

ـ (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الحجرات : ١٦) يعلم ما يؤثّر فيه اللطف من القلوب مما لا يؤثّر فيه فيمنحه ويمنعه (ز ، ك ٤ ، ١١٥ ، ٢٢)

عمل

ـ قوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) قالوا. فأثبت لنا العمل ، والعمل هو الفعل ، والفعل هو الخلق ، فالجواب : أنّه تعالى أراد هاهنا بالعمل الكسب ، والعبد مكتسب على ما بيّنا. يدلّ على ذلك : أنه قال في موضع آخر : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (التوبة : ٨٢) نحن لا نمنع أن يكون سمّى كسب العبد عملا له ، إنّما نمنع أن يكون العبد خالقا مخترعا لفعله مخرجا له من العدم إلى الوجود ، وقد بيّنا أنّ الخلق والاختراع والخروج من العدم إلى الوجود لا يقدر عليه إلّا الله تعالى ، فلم يكن لهم في الآية حجّة (ب ، ن ، ١٤٩ ، ١٠)

ـ إنّ العمل إنّما يكون عملا للعامل بأن يوجده ويحدثه ، ومتى وجب ذلك استحال أن يكون

تعالى خالقا له ، لأنّ خلقه لا يفيد إلّا إخراجه من العدم إلى الوجود ، فإذا حصل كذلك بمن عمله فما الفائدة في كونه خلقا له تعالى (ق ، م ٢ ، ٥٨٥ ، ٧)

ـ إنّ العمل لا يقع به انتفاع إلّا بالعلم ، فما لم يعلم المكلّف صورة ما قد كلّفه من الأفعال لا يستحق به ثوابا ، بل لا يكفيه ذلك دون أن يعلم الوجه الذي يجب إيقاعه عليه ليستحقّ به الثواب ، فصار عظم الفعل لمكان اقتران هذه العلوم به ، ولهذا عظّم الله شأن العلماء فقال في آية (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) (آل عمران : ٧) (ق ، ت ١ ، ٢٥ ، ٣)

عموم

ـ المعبّر بلفظة العموم لا يكون قوله عامّا إلّا بأن يقصد ما وضع له ، فبالقصد الذي ذكرناه ما يتعلّق بجميع ما وضع له ، لا لصيغته فقط ؛ يبيّن ذلك أنّه لو تكلّم به وهو لا يعرف المواضعة ولا قصد الطريقة التي وضعوا اللفظة لها لم يكن مفيدا ولا عامّا ، ويحل ذلك محل أن يتكلّم المتكلّم بذلك قبل وقوع المواضعة عليه. وقد علمنا أنّ الكلام لا يفيد ، ولمّا وقعت المواضعة فكذلك لا يفيد ممن لا يقصد طريقة المواضعة. يبيّن ذلك أنّ الموضوع للعموم قد علمنا أنّه يصحّ أن يفيد به الخصوص ، كما يصحّ أن يفيد به العموم ، والصفة واحدة ، فلو كان لصورته مع تقدّم المواضعة يكون عبارة عن جميع ما تناوله لوجب ذلك فيه وإن قصد بها الخصوص ، وبطلان ذلك يبيّن أنّه يصير عامّا فيما وضع له بالقصد دون الصيغة (ق ، غ ١٧ ، ١٤ ، ٥)

ـ المرجئة الذين يقولون في العموم : إنّه إنّما يكون عموما بالقصد (ق ، غ ١٧ ، ١٦ ، ١٣)

ـ العموم ما ينتظم جمعا من الأسماء أو المعاني ومعناه الشمول (ب ، أ ، ٢١٨ ، ٧)

ـ نقول (الشهرستاني) العموم إذا حصل معنى مفهوم من لفظ متصوّر في ذهن كان شموله بالسويّة ، لست أقول شموله بالنسبة إلى سائر الموجودات ، بل أقول شموله بالنسبة إلى قسمية الأخصّين به ، وهو الوجوب والجواز ، والقول بأنّه في الواجب أولى. وأوّل تفسير لمعنى الواجب أي هو ما يكون الوجود له أولى وأوّل ، حتى لو تركنا لفظ الواجب جانبا وقلنا الوجود ينقسم إلى ما يكون الوجود له أولى وأوّل ، وإلى ما يكون الوجود له لا أولى ولا أوّل ، كان التقسيم صحيحا مفيدا لفائدة الأولى ، ثم الوجوب لا يفهم إلّا وأن يفهم الوجود أوّلا ، حتى لو رفع الوجود في الوهم ارتفع الوجوب بارتفاعه ، وهو معنى ذاتي ، فالوجود ذاتيّ للواجب بهذا المعنى ، وبمعنى أنّه أولى به ، وأنّه لذاته وبذاته ، وأنّه لغيره على خلاف ذلك (ش ، ن ، ٢٠٥ ، ١٣)

عند

ـ وبعد ، فإنّ" عند" لا تستعمل إلّا في موجود ، لأنّ المعدوم لا يصحّ ذلك فيه إلّا مجازا (ق ، م ٢ ، ٤٢١ ، ٧)

عندية

ـ لا يجوز أن يكون المراد بالعنديّة الحيّز بل المراد بها الشرف. والدليل عليه قوله عليه‌السلام حكاية عن ربّ العزّة" أنا عند المنكسرة قلوبهم لأجلي". وقوله" أنا عند ظنّ عبدي بي" (ف ، س ، ٢٠١ ، ٢)

عود

ـ فإن قلت : كأنّهم كانوا على ملّتهم حتى يعودوا فيها. قلت : معاذ الله ، ولكن العود بمعنى الصيرورة ، وهو كثير في كلام العرب كثرة فاشية لا تكاد تسمعهم يستعملون صار : ولكن عاد ما عدت أراه ، عاد لا يكلمني ، ما عاد لفلان مال ، أو خاطبوا به كل رسول ومن آمن به ، فغلبوا في الخطاب الجماعة على الواحد (ز ، ك ٢ ، ٣٧٠ ، ١٨)

عوض

ـ إنّ المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرّضه لها ثلاث : التفضّل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال ؛ والثواب ، وهو النفع المستحقّ على سبيل الإجلال والتعظيم (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٠)

ـ إنّ المنافع الواصلة إلى الغير إمّا أن تكون مستحقّة أو لا ، فإن لم تكن مستحقّة فهو التفضّل ، وإلّا إن كانت مستحقّة فلا يخلو ؛ إمّا أن تكون مستحقّة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض ، وإن كانت مستحقّة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأما التفضّل فما من حيّ خلقه الله تعالى إلّا وقد تفضّل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان ، والعوض يوصله الله تعالى إلى المكلّف وغير المكلّف ، وأما الثواب فمما لاحظ فيه لغير المكلّف ، والمكلّف مختصّ باستحقاقه (ق ، ش ، ٨٥ ، ١٥)

ـ اعلم ، أنّ العوض كل منفعة مستحقّة لا على طريق التعظيم والإجلال ، ولا يعتبر فيه الحسن وغير ذلك لكي يضطرد وينعكس ويشمل ويعمّ ، وصار الحال فيه كالحال فينا إذا سئلنا عن حقيقة العبادة ، فقلنا : هي النهاية والغاية في التذلّل والخضوع للغير ، ولا يعتبر فيه الحسن لكي يشتمل على سائر العبادات : عبادة الرحمن وعبادة الشيطان جميعا ؛ وذلك مما لا بدّ منه ولأنّ من حقّ الحدّ أن يكون جامعا مانعا لا يخرج منه ما هو منه ، ولا يدخل فيه ما ليس منه (ق ، ش ، ٤٩٤ ، ٣)

ـ إنّ العوض لا يستحقّ على طريق الدوام عند أبي هاشم ، وهو الصحيح ، خلاف ما يقوله أبو علي وأبو الهذيل وقوم من البغدادية ، ويحكى عن الصاحب الكافي أيضا أنّه قال : يستحقّ على طريق الدوام ؛ وحكى عن أبي علي الرجوع عنه إلى ما ذكرناه (ق ، ش ، ٤٩٤ ، ١٥)

ـ إنّ العوض لا يستحقّ دائما ، ولا هو مستحق على سبيل التعظيم والإجلال حتى يثبت بينه وبين العقاب منافاة ، وإذا كان هذا هكذا سقط ما قالوه ، وصحّ أن من يستحقّ العوض على الله والعقاب منه ، فإنّه إن شاء وفّر عليه ما يستحقّ من العوض في الدنيا ، وإن شاء في عرصات القيامة ، وإن شاء جعله تخفيفا من عقابه ، لا لأنّ العوض يستحقّ على هذا الوجه ، لكن لأنّ إيصاله إليه على الوجه المستحقّ لا يمكن (ق ، ش ، ٦٢٦ ، ١١)

ـ إنّ العوض يستحقّ على طريقة الدوام كالثواب (ق ، ش ، ٦٢٧ ، ٧)

ـ أمّا الثواب والعوض ففي" أصحابنا" من كان يقول إنّه تعالى يريدهما في حال التكليف والإيلام على ما يحكى عن" الإخشيديّة" ظنّا منهم أنّه لا يصير التكليف حسنا من دون هذه الإرادة وكذلك الإيلام. وقد ذكرنا أنّه إذا قدّم

الإرادة فقد صار عبثا ، ولأجل ذلك منعنا من جواز العزوم عليه تعالى ، وقد يحسن إذا أراد تغريض المكلّف للثواب. وتغريض المؤلم للعوض بما يفعله من الألم والتكليف ، فكيف تجب إرادته للأمرين قبل وقوعهما؟ (ق ، ت ١ ، ٢٩٦ ، ٨)

ـ أمّا العوض ، فإنّه قد يستحقّ بفعل الغير ؛ وقد يستحقّ على الغير ، بما يجري مجرى فعله ، إذا لجأ إليه ويصير كأنّه فعله (ق ، غ ٨ ، ١٩٥ ، ١٨)

ـ أمّا من يستحقّ العوض فإعادته غير واجبة ، إلّا على بعض الوجوه ؛ لأنّه قد ثبت أنّ العوض منقطع غير دائم ، ففارق الثواب من هذا الوجه ، وصحّ فيه أن يفعل في أوقات منقطعة. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع فيما يستحقّه الإنسان في حال حياته أن يوفّر عليه في هذه الأوقات من جهة العقل ، ثم يميته تعالى من غير أن يستحقّ العوض ؛ لأنّ العوض لا يستحقّ بالموت إذا حصل من غير ألم وغمّ ، والقديم ـ تعالى ـ قادر على ذلك ؛ فإذا فعله من غير ألم لم يستحقّ ذلك الحيّ عليه عوضا (ق ، غ ١١ ، ٤٦٥ ، ١١)

ـ إنّ العوض في الفعل الشاقّ ، في الشاهد ، هو الذي يخرجه عن كونه ظلما ، ولو خرج عن كونه كذلك لغير بدل لحسن. ولهذا قد يحسن إذا كان له فيه سرور ، وإن لم يكن هناك بدل ، متى فعل ذلك لنفسه أو لمن يمسّه أمره. وليس كذلك حال الواجبات ، لأنّه ليس وجه وجوبها الثواب ، لما بيّناه ، وإنّما تجب لوجوه تقع عليها. فمتى علمها كذلك ، لزمته ووجبت عليه سواء علم الثواب أو لم يعلم (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٦ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّ العوض يحسن الابتداء به وبمثله لأنّه لا يتبيّن من النافع المتفضّل بها لا قدر ولا صفة. فكما يحسن التفضّل بسائر ما يتفضّل به ، فكذلك القول في العوض (ق ، غ ١٣ ، ٣٩٢ ، ١٦)

ـ إنّ العوض إنّما يجب على فاعل الضرر أو الملجئ إليه أو الموجب له ، أو المعرّض له على ما بيّناه من قبل ، لأنّه في هذه الوجوه يصير كأنّه من فعله (ق ، غ ١٣ ، ٤٧٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ من حق العوض أن لا يلزم العبد إلّا على شروط : منها أن يكون ذلك الضرر فعله بغيره لأنّ ما يفعله بنفسه إنّما يقع على وجوه منها أن يقبح فيكون ظالما لنفسه ولا يستحقّ على غيره العوض. ولا يصحّ أن يستحقّ العوض على نفسه كما لا يصحّ في سائر الاستحقاقات (ق ، غ ١٣ ، ٤٨٨ ، ٣)

ـ اعلم أنّه لا بدّ فيه من يكون بفعل مستحقّا على ضرر. فما هذا حاله يوصف بأنّه عوض إذا كان الضرر من جهة المستحق عليه العوض : إمّا بأن يكون فعله ، أو ما يجري هذا المجرى على ما بيّناه. وبهذه الصفة يبيّن من التفضّل لأنّ التفضّل ، غير مستحق ؛ فلفاعله أن يفعله على كل وجه. وليس كذلك حال العوض لأنه كان مستحقّا بالضرر ، فقد دخل في باب الوجوب. فلو لم يفعله في حال وجوبه لاستحقّ الذمّ (ق ، غ ١٣ ، ٥٠٥ ، ٤)

ـ إنّ العوض على ضربين : أحدهما ما يستحقّ على الله ، وذلك مما يجب أن يزيد قدره على قدر الضرر حتى يبلغ مبلغا لو كان المضرور عالما به لتحمّل الألم لأجله وحسن ذلك منه في عقله. فما هذا حاله يجب أن يكون زائدا وأن تكون زيادته على هذا الحدّ. وما يختاره العقلاء في الشاهد من الضرر لأجل العوض.

فيجب أن يكون بهذه الصفة ؛ وإن كان بينه وبين ما يجب على القديم تعالى من الأعواض مفارقة على ما ذكرناه من قبل. وأمّا ما يجب من الأعواض على طريق الانتصاف فقد بيّنا أنّه لا يجب أن يكون أزيد من الضرر ، بل يجب أن يكون مثله في القدر حتى يصير لأجله كأنّ الضرر لم يقع. ويحل ذلك محل ما نقوله في الإحباط والتكفير أنه لا بدّ من اعتبار الموازنة فيهما حتى لا يفضّل أحدهما على الآخر وإنما يسقط من الثواب بقدر العقاب إذا كان ظلمه محبطا ؛ ومن العقاب بقدر الثواب إذا كانت معاصيه مفكرة (ق ، غ ١٣ ، ٥٠٦ ، ١٨)

ـ أمّا المعتزلة فقد قالوا ، لمّا سئلوا عن الآلام الحالة بالأطفال والبهائم ، الآلام تحسن لأوجه : منها أن تكون مستحقّة على سوابق ، ومنها أن يجتلب بها نفع موف عليها برتبة بيّنة ، ومنها أن يقضي بها دفع ضرر أهم منها. وصاروا إلى أنّ آلام البهائم إنّما حسنت ، لأنّ الرّب سيعوّضها عليها في دار الثواب ما يربى ويزيد على ما نالها من الآلام. ثم صار معظمهم إلى أنّ العوض الملتزم على الآلام ، أحطّ رتبة من الثواب الملتزم على التكليف.

واختلفوا في أنّ العوض هل يدوم دوام الثواب أم لا (ج ، ش ، ٢٤٠ ، ٢)

ـ الثواب هو الجزاء على الأعمال الحسنة ، والعوض هو البدل عن الفائت كالسلامة التي هي بدل الألم (ش ، ن ، ٤٠٦ ، ٨)

ـ ينبغي أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذا الفصل على تأويل يطابق ما تدلّ عليه العقول ، وأن لا يحمل على ظاهره ، وذلك لأنّ المرض إذا استحقّ عليه الإنسان العوض لم يجز أن يقال إنّ العوض يحطّ السيّئات بنفسه لا على قول أصحابنا ولا على قول الإماميّة. أمّا الإماميّة فإنّهم مرجئة لا يذهبون إلى التحابط ، وأمّا أصحابنا فإنّهم لا تحابط عندهم إلّا في الثواب والعقاب ، فأمّا العقاب والعوض فلا تحابط بينهما لأنّ التحابط بين الثواب والعقاب إنّما كان باعتبار التنافي بينهما من حيث كان أحدهما يتضمّن الإجلال والإعظام ، والآخر يتضمّن الاستخفاف والإهانة ، ومحال أن يكون الإنسان الواحد مهانا معظّما في حال واحدة. ولمّا كان العوض لا يتضمّن إجلالا وإعظاما وإنّما هو نفع خالص فقط ، لم يكن منافيا للعقاب ، وجاز أن يجتمع للإنسان الواحد في الوقت الواحد كونه مستحقّا للعقاب والعوض ، إمّا بأن يوفّر العوض عليه في دار الدنيا ، وإمّا بأن يوصل إليه في الآخرة قبل عقابه إن لم يمنع الإجماع من ذلك في حق الكافر ، وإمّا أن يخفّف عنه بعض عقابه ويجعل ذلك بدلا من العوض الذي كان سبيله أن يوصل إليه. وإذا ثبت ذلك وجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه‌السلام على تأويل صحيح وهو الذي أراده عليه‌السلام لأنّه كان أعرف الناس بهذه المعاني ، ومنه تعلّم المتكلّمون علم الكلام ، وهو أنّ المرض والألم يحطّ الله تعالى عن الإنسان المبتلى به ما يستحقّه من العقاب على معاصيه السالفة تفضّلا منه سبحانه ، فلمّا كان إسقاط العقاب متعقّبا للمرض وواقعا بعده بلا فصل ، جازت أن يطلق اللفظ بأنّ المرض يحطّ السيّئات ويحتها حت الورق (أ ، ش ٤ ، ٢٦٢ ، ٢٣)

عون

ـ أحد ما يتعلّقون به ، قولهم : إنّ القدرة عون على الفعل ، فكان يجب أن تكون مقارنة له.

قلنا : لا نسلّم أنّ القدرة بمجرّدها عون ، وإنّما العون هو التمكين من الفعل وإرادة الفعل ، حتى لو يمكن غيره من قتل آدمي بأن يدفع إليه سكّينا ولا يريد منه قتله ، وإنّما دفع إليه ذلك لأن يذبح به بقرة ، فإنّه متى قتل آدميا لم نقل : إنّه أعانه على قتله لمّا يرد منه قتله فلا يصحّ ما ذكرتموه. وإذ قد صحّ أنّ العون ليس هو مجرّد القدرة ، لم يمكن قياس أحدهما على الآخر (ق ، ش ، ٤٣٠ ، ١٩)

ـ القوّة التي ترد من الله تعالى على العبد فيفعل بها ما ليس طاعة ولا معصية تسمّى عونا أو قوّة أو حولا ، وتبيّن من صحة هذا صحة قول المسلمين لا حول ولا قوة إلّا بالله (ح ، ف ٣ ، ٣٠ ، ١٤)

عيان

ـ العيان ما يقع عليه الحواس ، وهو الأصل الذي لديه العلم الذي لا ضدّ له من الجهل. فمن قال بضدّه من الجهل فهو الذي يسمّى منكره (م ، ح ، ٧ ، ٢)

ـ العلم على وجهين : على الظاهر البيّن والخفي المستور ليتفاضل بذلك أولو العقل على قدر تفاضلهم في الاجتهاد واحتمال ما كرهته الطباع ونفرت عنه النفس ، وعلى ذلك جعل سبيله قسمين : أحدهما العيان الذي هو أخصّ الأسباب ، وهو الذي ليس معه جهل ، ليكون أصلا لما خفي منه ، والثاني السمع الذي عن دلالة الأعيان يعرف صدقه وكذبه. ثم جعل السمع قسمين : محكم ومتشابه ومفسّر ومبهم ، ليبيّن منتهى المعارف من الكفّ فيما يجب ذلك والإقدام فيما يلزمه ، ومن حمل المبهم على المفسّر ، لزم المحكم وعرض المتشابه عليه ما أمكن أن يكون ما فيه مما يلزم تعرّفه ومما إليه حاجة بأهل المحنة ، أو ترك الخوض في ذلك فيما أمكن الغنى عن تعرّف حقيقة ما فيه ، فيكون محنة الوقوف (م ، ح ، ٢٢٢ ، ٩)

عين

ـ أجمعت المعتزلة بأسرها على إنكار العين واليد وافترقوا في ذلك على مقالتين : فمنهم من أنكر أن يقال : لله يدان وأنكر أن يقال إنّه ذو عين وأن له عينين ، ومنهم من زعم أنّ لله يدا وأنّ له يدين وذهب في معنى ذلك إلى أن اليد نعمة ، وذهب في معنى العين إلى أنّه أراد العلم وأنّه عالم ، وتأوّل قول الله عزوجل : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) (طه : ٣٩) أي بعلمي (ش ، ق ، ١٩٥ ، ١٠)

ـ إن كل عين مما اجتمع فيه الطبائع المتضادّة التي من طبعها التنافر لم يجز أن يكون بنفسه يجتمع ، ثبت أنّ له جامعا (م ، ح ، ١٨ ، ١)

ـ ذهب بعض أئمتنا إلى أنّ اليدين والعين والوجه صفات ثابتة للرب تعالى ، والسبيل إلى إثباتها السمع دون قضية العقل. والذي يصحّ عندنا حمل اليدين على القدرة ، وحمل العين على البصر ، وحمل الوجه على الوجود (ج ، ش ، ١٤٦ ، ١٣)

غ

غرائز في الفطر

ـ النفس في طبعها حبّ الراحة والدعة والازدياد والعلوّ والعزّ والغلبة والاستطراف والتنوّق وجميع ما تستلذّ الحواسّ من المناظر الحسنة والروائح العبقة والطعوم الطيّبة والأصوات المونقة والملامس اللذيذة ومما كراهته في طباعها أضداد ما وصفت لك وخلافه. فهذه الخلال التي يجمعها خلّتان غرائز في الفطر وكوامن في الطبع ، جبلّة ثابتة وشيمة مخلوقة. على أنّها في بعض أكثر منها في بعض ، ولا يعلم قدر القلّة فيه والكثرة إلّا الذي دبّرهم. فلما كانت هذه طبائعهم أنشأ لهم من الأرض أرزاقهم وجعل في ذلك ملاذّ لجميع حواسّهم ، فتعلّقت به قلوبهم وتطلّعت إليه أنفسهم. فلو تركهم وأصل الطبيعة ـ مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة في طبائعهم ـ صاروا إلى طاعة الهوى وذهب التعاطف والتبارّ (ج ، ر ، ١٢ ، ٤)

غرابية

ـ الغرابيّة : قوم زعموا أنّ الله عزوجل أرسل جبريل عليه‌السلام إلى علي ، فغلط في طريقه فذهب إلى محمد ، لأنّه كان يشبهه ، وقالوا : كان أشبه به من الغراب بالغراب ، والذّباب بالذّباب ، وزعموا أنّ عليّا كان الرسول وأولاده بعده هم الرسل. وهذه الفرقة تقول لأتباعها العنوا صاحب الريش يعنون جبريل عليه‌السلام (ب ، ف ، ٢٥٠ ، ١٤)

غرض

ـ فأما الغرض متى أطلق ، فالمراد به : العلم بالأمر المنتظر ، الذي له فعل الفعل المقدّم ، فهو أخصّ من الدواعي ، فإذا كان للفعل ثمرة في المستقبل ، صحّ أن يقال في فاعله بأن غرضه في الفعل هو ذلك الأمر ، كما نقول في التكليف : إن الغرض به منزلة الثواب ، وإن الغرض بالآلام التعويض والإلطاف ، إلى غير ذلك ، واستعماله في هذا الوجه هو الأكثر والأقوى ، ومتى استعمل في غيره حلّ محل المجاز (ق ، غ ١٤ ، ٤٤ ، ١٧)

غرض بالتكليف

ـ اعلم أنّ الغرض بالتكليف هو تعريض المكلّف للثواب. ولا بدّ من أن يكون مستحقّا بألّا يفعل الواجب ، وبأن يفعل القبيح العقاب ؛ لأنّ ما لا مضرّة عليه في ألّا يفعله لا يحسن إيجابه عليه على ما نبيّنه من بعد ، فإذا صحّ ذلك وعلم أن ما لا مشقّة عليه فيه البتّة لا يستحقّ به الثواب فيجب ألّا يكلّف إلّا ما هذا حاله (ق ، غ ١١ ، ٣٨٧ ، ١٠)

ـ قوله عليه‌السلام" واضمحلّت الأنباء" أي تلاشت وفنيت ، والأنباء جمع نبأ ، وهو الخبر ، أي أسقط الوعد والوعيد ، وبطلا قوله عليه‌السلام" ولا لزمت الأسماء معانيها" ، أي من يسمّى مؤمنا أو مسلما حينئذ فإنّ تسميته مجاز لا حقيقة له لأنّه ليس بمؤمن إيمانا من فعله وكسبه ، بل يكون ملجأ إلى الإيمان بما يشاهده من الآيات العظيمة ... وهذا الكلام هو ما

يقوله أصحابنا بعينه في تعليل أفعال الباري سبحانه بالحكمة والمصلحة ، وأنّ الغرض بالتكليف هو التعريف للثواب ، وأنّه يجب أن يكون خالصا من الإلجاء ومن أن يفعل الواجب لوجه غير وجه وجوبه ، ويرتدع عن القبيح لوجه غير وجه قبحه (أ ، ش ٣ ، ٢٣٤ ، ٢١)

غرض بتكليف المعارف

ـ إنّ الغرض بتكليف المعارف لا يتمّ بدون آخرها وهو المعرفة بالثواب والعقاب ، وإنّه لا بدّ من أن يبقيه المدّة التي يمكن إتمام هذه المعارف فيها (ق ، غ ١٢ ، ٤٥٩ ، ١٣)

غرض التكليف

ـ إنّه تعالى إذا خلقنا وأحيانا وأقدرنا وأكمل عقولنا وخلق فينا شهوة القبيح ونفرة الحسن فلا بدّ من أن يكون له فيه غرض ، وغرضه إمّا أن يكون إغراء له بالقبيح ، والتكليف لا يجوز أن يكون غرضه الإغراء بالقبيح لأنّ ذلك قبيح ، وقد ثبت أنّ الله تعالى لا يفعل القبيح ، فلم يبق إلّا أن يكون غرضه بذلك التكليف ، وأن يعرّضنا بالتكليف إلى درجة لا تنال إلّا به (ق ، ش ، ٥١٠ ، ١٤)

ـ إنّه ـ تعالى ـ إذا ثبت كونه حكيما ، فلو لم يكن له بالتكليف غرض لقبح ، وإذا لم يجز أن يكون غرضه المنافع العائدة عليه لاستحالتها عليها ثبت أنّه يجب أن يكون غرضه منفعة المكلّف. ولا يجوز أن يريد بالتكليف المنفعة التي لا تستحقّ به ولا تحصل. فيجب أن يكون الغرض وصوله بفعل ما كلّف إلى ما يستحقّ به من الثواب. وقد ثبت أنّ الثواب لا يحسن إلّا مستحقّا. فيجب أن يحسن منه ـ تعالى ـ أن يكلّف الشاقّ لأجله. وهذه الجملة توجب أنّه ـ تعالى ـ يجب أن يكون عالما بأنّه سيحصل للمكلّف ما معه يتمكّن من فعل ما كلّف ، وأنّه يعلم أنّه سيحصل له إذا هو أدّى ما كلّف ما هو الغرض من الثواب. فلذلك جعلنا ذلك شرطا في حسن التكليف (ق ، غ ١١ ، ٤١٠ ، ٢)

غشاوة

ـ إنّما أراد بذكر الغشاوة ، أنّهم لا ينتفعون بما يبصرون ويسمعون. فلإخراجهم أنفسهم من الانتفاع بذلك بترك الفكر فيه والاستدلال به ، صاروا بمنزلة من بينه وبين ما يراه ويسمعه حائل ، فصار ما فعلوه من الكفر والإعراض عن الطاعة والإيمان ، حالا بعد حال ، كالساتر لهم عمّا يسمعون ويبصرون. ولم يضف تعالى الغشاوة إلى نفسه ، كما أضاف الختم إليه (ق ، م ١ ، ٥٤ ، ١١)

غلاء

ـ أمّا الغلاء فهو ارتفاع السعر عمّا جرت به العادة في ذلك الوقت في ذلك المكان. فإذا ثبت ما قلناه فيجب أن ننظر في سبب السعر ورخصه وغلائه ، فإن كان إنّما رخص لأنّ الله تعالى كثّر ذلك الشيء في ذلك الوقت ، فلكثرته رخص سعره ، فيجب أن يضاف إلى الله تعالى ويشكر تعالى عليه ؛ لأنّه من النعم التي تفضّل بها. وكذلك إن كان سبب رخصه أنّه تعالى قلّل الحاجة إلى ذلك الشيء لأمور فعلها ، فيجب أن يضاف الرخص إليه تعالى ؛ لأنّ سببه من قبله ، فلا وجه لإضافته إلى غيره. وكذلك إن كان سببه أنّه تعالى قلّل المحتاجين إليه لوباء أو لأمور جرت العادة في مثلها أن يهلك الناس أو

غيرهم ، فيجب أن يضاف ذلك إليه تعالى ؛ لأنّه الفاعل لسببه. وكذلك فلو أنّه تعالى أحوجهم إلى متاع آخر ، ولم يكن لهم سبيل إلى تحصيله إلّا ببيع هذا المتاع فرخص ، فيجب أن يضاف إليه تعالى لأنّه الفاعل لسببه (ق ، غ ١١ ، ٥٦ ، ٤)

غلبة الظن

ـ إنّ العلم بصحّة حدوث الشيء ، والاعتقاد لصحّة حدوثه ، والظنّ لذلك يجري مجرى واحدا في صحّة الإرادة. وكذلك العلم باستحالة حدوثه. والاعتقاد لذلك يتساوى في استحالة إرادته. فإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يقوم العلم مقام غلبة الظنّ فيما قدّمناه من صحّة إرادة ما نعلم أنّ القادر يصحّ أن يفعله. وإنّما اعتمدنا على غلبة الظنّ لأنّه لا سبيل لنا إلى العلم بالأمور المستقبلة التي تقع من العباد ؛ لأنّا نجوّز في كل واحد منهم أن يخترم دون الفعل ، وأن يعصى أمرنا ومرادنا ، كما نجوّز فيه أن يطيع ، فإذا ثبت ذلك لم يمكن أن نبيّن ذلك بالعلم ، وإن كان شيوخنا رحمهم‌الله قد بيّنوا ذلك بأنّه قد ثبت أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يريد من أبي لهب وغيره الإيمان ، وإن علم أنّه لا يؤمن بخبر الله تعالى ، ويصحّ منّا إرادة الإيمان من جماعة الكفّار ، وإن علمنا أنّهم لا يجتمعون على الهدى (ق ، غ ١١ ، ١٦١ ، ٩)

ـ إنّ غلبة الظنّ تقوم مقام العلم فيما طريق حسنه المنافع وطريق قبحه المضارّ. يبيّن ذلك أنّ كل ما حسن مع العلم بأنّ فيه نفعا أو دفع ضرر حسن مع غلبة الظنّ لذلك من حاله ، وهذه الطريقة مستمرّة في التجارات وطلب العلوم والآداب والفلاحات وغيرها من الأمور ؛ لأن أكثرها مبنيّة على غلبة الظنّ. وإنّما نعلم أنّا لو علمنا في التجارة ربحا لحسن من حيث نعلم أنّ مع الظنّ لأنّ فيه ربحا يحسن ، وكذلك القول في العلم بأنّه يقتضي الخسران. فإذا صحّ ذلك فيجب متى حسن في الشاهد أن يرشد الضالّ عن الطريق إلى الطريق مع غلبة الظنّ أنّه لا يقبل ، أن يقضي بحسن ذلك لو علمنا ذلك من حاله بدلا من غلبة الظنّ. وإذا صحّ ذلك وجب حسن تكليفه تعالى من يعلم أنّه يكفر ؛ لأنّ التكليف من الباب الذي إنّما يحسن للمنافع التي تؤدّي إليه ، وإن قبح فإنّما يقبح لأنّه في حكم الضرر. فيجب أن تكون غلبة الظنّ فيه كالعلم. وذلك يصحّح ما قدّمناه (ق ، غ ١١ ، ٢٠٤ ، ٥)

ـ إنّ غلبة الظنّ إنّما تقوم مقام العلم في طريق معرفة قبح الشيء وحسنه ووجوبه. فأمّا أن يقوم مقامه في العلم بحال الفعل فلا يصحّ. يبيّن ذلك أنّ غلبة الظنّ في أنّ في الطريق سبعا تقوم مقام العلم بذلك ، والعلم بوجوب تجنّب سلوكه يجب أن يحصل في الحالين. ولم يجب من حيث قام غلبة الظنّ مقام العلم في طريق هذا العلم أن يقوم مقامه في نفسه ، فكذلك القول في سائر الأفعال. ولهذا قلنا في الاجتهاديّات : إنّ غلبة الظن تتناول طريقة الشبه ، وإن كان وجوب الفعل أو وجوب إحسانه معلوما. وهذا كما نقوله من أن جهة القبلة مظنونة بالاجتهاد ، ووجوب التوجّه إليها معلوم. ونظائر ذلك تكثر. وهو بيّن في العقليات أيضا ؛ لأنّ غلبة الظنّ في الآلام أنّ فيها نفعا ودفع مضرّة تقوم مقام العلم في حسنها ، فإنّما قام غلبة الظنّ مقام العلم في جهة

الحسن والقبح ، فأمّا العلم بنفس الفعل وصفته فلا بدّ منه ، وإلّا قبح التكليف (ق ، غ ١١ ، ٣٧٣ ، ١٣)

ـ عليك في درك العلم المطلوب وظيفتان : إحداهما إحضار الأصلين في الذهن ، وهذا يسمّى فكرا ، والأخرى تشوّقك إلى التفطّن لوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمّى طلبا ، فلذلك قال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الأولى حيث أراد حدّ النظر : أنّه الفكر ، وقال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حدّ النظر : أنّه طلب علم أو غلبة ظن ، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا : إنّه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ (غ ، ق ، ١٨ ، ٨)

غم

ـ أمّا السرور ، فإن كان عندنا هو العلم أو الاعتقاد والظنّ على بعض الوجوه ؛ فمن حيث تغيّر به حكم العالم المعتقد ، لم يمتنع أن يقال إنّه نفع كما يقال ذلك في الملاذ ، فليس لأحد أن ينكر إدخالنا إيّاه في جملة المنافع ، وكذلك كل من استحال عليه اللذّة استحال عليه السرور من حيث كان مانعا له. والغمّ في اتّصاله بالمضارّ كالسرور المتعلّق بالمنافع في الوجه الذي بيّناه (ق ، غ ٤ ، ١٤ ، ٢١)

غني

ـ ثم ينظر في أنّه لا يجوز عليه الزيادة والنقصان فيحصل له العلم بأنّه غني لا تجوز عليه الحاجة (ق ، ش ، ٦٦ ، ٥)

ـ إنّ زوال الحاجة إنّما يصحّ عن المدركات ، كما أنّ ثبوت الحاجة إنّما يكون إلى المدركات ، فلو لم يكن مدركا لاستحال وصفه بالغني كما يستحيل وصفه بالحاجة (ق ، ت ١ ، ١٦١ ، ٩)

ـ أمّا الغني فإنّه يرجع به إلى أنّه حيّ ليس بمحتاج ؛ وكل حي هذه حاله وصف بأنّه غني ، ولا يعقل له معنى سواه (ق ، غ ٤ ، ٨ ، ١٠)

ـ قد علم أنّه تعالى مع كونه حيّا مستغن عن كل شيء فيجب وصفه بأنّه غنيّ بالإطلاق من غير تقييد. وإذا ثبت بالدليل أن الحاجة تستحيل عليه وجب أن يقال : إنّه غنيّ لما هو عليه في ذاته (ق ، غ ٤ ، ١٠ ، ١)

ـ إنّما يصحّ على الواحد منّا الحاجة والغنى لأنّه ممن يصحّ عليه الشهوة والنفور ، فإذا استحالا جميعا على القديم تعالى وجب كونه غنيّا (ق ، غ ٤ ، ١٠ ، ٣)

ـ إنّ وصف الغنيّ بذلك لا يفيد نفي الحاجة فقط ، وإنّما يفيد ذلك فيمن هو بالصفة التي معها يصحّ الغنيّ والحاجة ، كما أنّ من لم يفعل الشيء إنّما يوصف بأنّه تارك إذا لم يفعله وهو قادر عليه دون من لا يفعله وهو غير قادر (ق ، غ ٤ ، ١٠ ، ١١)

ـ يوصف ، جلّ وعزّ ، بأنّه غني ، وبيّنا أنّ حقيقة هذه الصفة نفي الحاجة عمّن اختصّ بحال معها يصحّ الغنى والحاجة (ق ، غ ٥ ، ٢٤٧ ، ٣)

غني عن خلقه

ـ من أصلنا أنّ الله تعالى غني عن خلقه ، ما خلق الخلق لاجتلاب نفع إلى نفسه ولا لدفع ضرر عن نفسه ، ولو لم يخلقهم لجاز ، ولو أدام حياتهم جاز ، ولو أفناهم في حال واحدة جاز (ب ، أ ، ٨٢ ، ١٣)

غيّ

ـ أمّا قوله : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (هود : ٣٤) فإنّما يعني بالغيّ

في هذا الموضع العذاب ، وهو قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم : ٥٩) أي عذابا أليما. وقد تقول العرب : لقي فلان اليوم غيّا ، أي ضربه الأمير ضربا مبرحا شديدا أو عذّبه عذابا أليما (ب ، ق ، ١١٥ ، ١٤)

ـ الضلال نقيض الهدى ، والغيّ نقيض الرشد : أي هو مهتد راشد وليس كما تزعمون من نسبتكم إيّاه إلى الضلال والغيّ. وما أتاكم به من القرآن ليس بمنطق يصدر عن هواه ورأيه ، وإنّما هو وحي من عند الله يوحي إليه. ويحتجّ بهذه الآية من لا يرى الاجتهاد للأنبياء. ويجاب بأنّ الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد كان الاجتهاد وما يستند إليه كلّه وحيا لا نطقا عن الهوى (ز ، ك ٤ ، ٢٨ ، ١٠)

غير فاعل للواجب

ـ في العلم بأنّه لم يفعل المكلّف ما وجب عليه ما متعلّقه؟ قد بيّنا من قبل ما يدلّ على أنّ ذلك لا يعلم إلّا بعلوم : منها أنّ ما لم يفعله من قبيل الواجب. ومنها أنّه كان قادرا على فعله. ومنها أنّه لا منع ولا إلجاء ، وأنّه مخلّى بينه وبين الفعل ، لأنّه متى لم يعلمه قادرا على هذا الوجه ، مع كمال عقله وحصول آلاته ، لم يعلم وجوب الفعل عليه ، فإذا علم كل ذلك من حاله ، فعلمه بأنّه لم يفعل ما وجب عليه ، علم بأنه لم يحدث من قبله هذا الفعل المخصوص ، على وجه مخصوص ، مع جواز حدوثه ، ومع ارتفاع الموانع والأعذار. وهذا العلم وإن ضامّه العلم بعدم الواجب وانتفائه ، فإنّه ليس يعلم به ، لما قدّمناه من قبل. يبيّن هذه الجملة أنّا متى علمنا هذه الجملة علمناه غير فاعل للواجب ، ولا نعلمه كذلك إلّا عند العلم بهذه الجملة (ق ، غ ١٤ ، ١٨٣ ، ١٤)

غير متكلّم

ـ مما يدلّ من القياس على أنّ الله تعالى لم يزل متكلما ، أنّه لو كان لم يزل غير متكلّم وهو ممن لا يستحيل عليه الكلام ، لكان موصوفا بضدّ من أضداد الكلام من السكوت أو الآفة. ولو كان لم يزل موصوفا بضد الكلام ، لكان ضد الكلام قديما. ولو كان ضدّ الكلام قديما لاستحال أن يعدم وأن يتكلّم الباري ، لأنّ القديم لا يجوز عدمه كما لا يجوز حدوثه ، فكان يجب أن لا يكون الباري تعالى قائلا ولا آمرا ولا ناهيا على وجه من الوجوه ، وهذا فاسد عندنا وعندهم. وإذا فسد هذا ، صحّ وثبت أنّ الباري لم يزل متكلما قائلا (ش ، ل ، ١٧ ، ٧)

غير متناه

ـ إنّه غير متناه ، أي لا أوّل لوجوده وأنّه لا تجوز الزيادة عليه (ن ، د ، ٢٥٤ ، ١٣)

غير مخلوق

ـ إنّ الخالق هو الله العالم ، القادر ، المريد ، المتكلّم ، وكلامه هو القرآن ، فدلّ على أنّ غير مخلوق ، ولا داخل في الأشياء المخلوقة (ب ، ن ، ٧٤ ، ٣)

غير مقدور

ـ لا بدّ من الإشارة إلى دقيقة وهي : أنّ ما علمه الله ـ تعالى ـ أنّه لا يكون ، منه ما هو ممتنع الكون لنفسه ؛ وذلك كاجتماع الضدّين ، وكون

الشيء الواحد في آن واحد في مكانين ونحوه. ومنه ما هو ممتنع الكون لا باعتبار ذاته ، بل باعتبار أمر خارج ، وذلك مثل وجود عالم آخر وراء هذا العالم أو قبله. فما كان من القسم الأوّل ، فهو لا محالة غير مقدور ، من غير خلاف. وما كان من القسم الثاني ، وهو أن يكون ممتنعا لا باعتبار ذاته بل باعتبار تعلّق العلم بأنّه لا يوجد ، أو غير ذلك ، فهو لا محالة ممكن باعتبار ذاته ، كما سلف. والممكن ـ من حيث هو ممكن ـ لا ينبو عن تعلّق القدرة به. والقدرة ـ من حيث هي قدرة ـ لا يستحيل تعلّقها بما هو ـ في ذاته ـ ممكن ، إذا قطع النظر عن غيره ؛ إذ الممكن من حيث هو ممكن لا ينبو عن تعلّق القدرة به ؛ والقدرة من حيث هي قدرة لا تتقاصر عن التعلّق به لقصور فيها ولا ضعف (م ، غ ، ٨٧ ، ٤)

غير مكلّف

ـ قالوا (بعض الروافض) فيمن لم يعرف الله تعالى بالضرورة أنّه غير مكلّف ، وزعم آخرون منهم أنّ المعارف ضروريّة غير أن من لم يعرف الله تعالى مأمور بالإقرار والطاعة (ب ، أ ، ٣٢ ، ٥)

غيران

ـ إنّ كل غيرين فلا بدّ من أن يصحّ على بعض الوجوه وجود أحدهما مع عدم الآخر ، وإلّا التبس حالهما بحال المعنى الواحد. ولذلك قلنا : إنّ المحبّة هي الإرادة ، من حيث لا يصحّ كونه محبّا إلّا وهو مريد ، ولا يصحّ كونه مريدا للشيء إلّا وهو محبّ له (ق ، غ ١١ ، ٣٧٦ ، ٦)

ـ الذي ارتضاه المتأخّرون من أئمتنا في حقيقة الغيرين. أنّهما الموجودان اللذان يجوز مفارقة أحدهما الثاني بزمان ، أو مكان ، أو وجود ، أو عدم. وهذا أمثل من قول من قال : الغيران كل شيئين يجوز وجود أحدهما مع عدم الثاني ؛ فإنّ معتقد قدم الجواهر واستحالة عدمها ، يقطع بتغاير جسمين مع ذهوله عن تجويز عدم أحدهما ، ولا يتحقّق العلم بالمحقّق دون درك الحقيقة (ج ، ش ، ١٣٢ ، ٧)

ـ لسنا نقطع بإبطال قول من قال من المعتزلة : كل شيئين غيران. والأمر يؤول إلى إطلاق ترجيح وتلويح متلقّى من ألفاظ محتملة (ج ، ش ، ١٣٢ ، ١٤)

ـ قالت الصفاتيّة كما أنكرتم (للمعتزلة) إثبات صفات أزليّة أنكرنا عليكم إثبات موصوف بلا صفة إنكارا واستبعادا باستبعاد ، وتقسيمكم أنّها عين الذات أم غير الذات إنّما يصحّ إذا كان التقسيم دائرا بين النفي والإثبات ، فإنّ من قال هذا عينه وهذا غيره قد يعني به أنّهما شيئان ، فهذا شيء وذاك شيء آخر ، وقد يعنى به أنّهما شيئان ويجوز وجود أحدهما مع عدم الثاني أو مع تقدير عدم الثاني ، ونحن لا نسلّم أنّ الصفات أغيار ، ولا نقول أنّها عين الذات ، لأنّ حدّ الغيرين عندنا هو المعنى الثاني لا المعنى الأول (ش ، ن ، ٢٠٠ ، ١٨)

ـ اختلف المتكلّمون في الغيرين ، فالمعتزلة قالوا الشيئان ، وأصحابنا قالوا هما اللذان يمكن أن يفارق أحدهما الآخر إمّا بمكان أو بزمان أو وجود وعدم ، والخلاف لفظيّ محض (ف ، م ، ١٠٦ ، ١٢)

ـ اعتمد مثبّتو الأحوال على الدلالة والإلزام : أمّا الدلالة فهو أنّهم قالوا : الذوات المختلفة كالسواد والبياض مثلا لا محالة أنّهما متّفقان في شيء وهو اللونيّة ، ومختلفان في شيء وهو

السواديّة والبياضيّة ، وليس ما به وقع الاتّفاق ، هو ما به وقع الاختلاف ، وإلّا كانا شيئا واحدا ؛ فإذا هما غيران وهو المقصود. وأمّا ما اعتمدوه إلزاما ، فهو أنّهم قالوا : القول بإنكار الأحوال يفضي إلى إنكار القول بالحدود والبراهين ، وأن لا يتوصّل أحد من معلوم إلى مجهول. ولا سيّما صفات الربّ تعالى ؛ إذ منشأ القول بها ليس إلّا قياس الغائب على الشاهد. وهذا كلّه محال (م ، غ ، ٣١ ، ٣)

ـ إنّ الغيرين في الشاهد هما ما زايل أحدهما الآخر وباينه بمكان أو زمان (أ ، ش ١ ، ٢٦ ، ٤)

ـ الغيران إمّا مثلان ، وهما المشتركان في صفات النفس ؛ أو اللذان يقوم أحدهما مقام الآخر ؛ والأوّل يرادف للتماثل والثاني مستعار منه ؛ أو مختلفان ، فإمّا ضدّان وهما الوصفان الوجوديّان اللذان يفترقان لذاتيهما كالسواد والحركة (خ ، ل ، ٨٧ ، ١٢)

ـ الغيران هم الشيئان عند المعتزلة ، وعند أصحابنا اللذان يجوز افتراقهما بزمان أو مكان أو وجود ؛ وتصوّرهما بديهيّ لأنّه جزء مخالفة السواد للبياض ومماثلته للسواد (خ ، ل ، ٨٨ ، ٣)

غيرية

ـ إنّ معنى الغيريّة جواز مفارقة أحد الشيئين للآخر على وجه من الوجوه ، فلمّا دلّت الدلالة على قدم الباري تعالى وعلمه ، استحال أن يكونا غيرين (ش ، ل ، ١٢ ، ٢١)

ف

فاجر

ـ كل من أتى كبيرة من الكبائر ، أو ترك شيئا من الفروض المنصوصة ، على الاستحلال لذلك ، فهو كافر مرتد ، حكمه حكم المرتدين ، ومن فعل شيئا من ذلك اتباعا لهواه وإيثارا لشهواته كان فاسقا فاجرا ما أقام على خطيئته ، فإن مات عليها غير تائب منها كان من أهل النار خالدا فيها وبئس المصير (ر ، ك ، ١٥٤ ، ٣)

فاسد

ـ قد يوصف القبيح بأنّه فاسد ، وإن كان الأصل فيه ضرر قبيح ؛ ولذلك يوصف فاعل الفساد بأنّه مفسد ، ويجري ذلك عليه على جهة الذمّ (ق ، غ ٦ / ١ ، ٢٩ ، ٨)

فاسق

ـ كل من أتى كبيرة من الكبائر ، أو ترك شيئا من الفروض المنصوصة ، على الاستحلال لذلك ، فهو كافر مرتد ، حكمه حكم المرتدين ، ومن فعل شيئا من ذلك اتباعا لهواه وإيثارا لشهواته كان فاسقا فاجرا ما أقام على خطيئته ، فإن مات عليها غير تائب منها كان من أهل النار خالدا فيها وبئس المصير (ر ، ك ، ١٥٤ ، ٣)

ـ الأمّة مجمعة على أنّ من أتى كبيرة أو ترك طاعة فريضة كالصلاة والزكاة والصيام من أهل الملّة فهو فاسق ، وهي مختلفة في غير ذلك من أسمائه ، قال بعضهم : هو مشرك فاسق منافق ، فكلهم قد أقرّ بأنّه فاسق كافر وقال بعضهم : فاسق منافق ، فكلهم قد أقرّ بأنه فاسق ، واختلفوا في غير ذلك من أسمائه ، فالحق ما أجمعوا عليه من تسميتهم إيّاه بالفسق ، والباطل ما اختلفوا فيه ، ففي إجماعهم الحجّة والبرهان (ر ، ك ، ١٥٥ ، ٢٤)

ـ كان جعفر يقول : إنّ من اعتمد معصية لله تعالى فهو فاسق ، وهذا قول خلق كثير لا يحصون كثرة. وأمّا أخذ حبة شعير أو طاقة تبن فإنّ هذا عند جعفر مما لا يتمانعه الناس فيما بينهم ، فلم يكن يوجب على أحدهما وعيدا ، ولكن إن أخذ ما يتمانع أخذه مما قد حرّمه الله ذاكرا لتحريمه قاصدا إلى أن يعصى ربّه فهو فاسق فاجر (خ ، ن ، ٦٤ ، ١٣)

ـ من المرجئة من يقول الفاسق من أهل القبلة لا يسمّى بعد تقضّي فعله فاسقا ، ومنهم من يسمّيه بعد تقضّي فعله فاسقا ، ومنهم من يقول : لا أقول لمرتكب الكبائر فاسق على الإطلاق دون أن يقال فاسق في كذا ، ومنهم من أطلق اسم الفاسق (ش ، ق ، ١٤١ ، ١٠)

ـ إنّ الفاسق الملّيّ مؤمن من أسماء اللغة بما فعله من الإيمان (ش ، ق ، ٢٦٩ ، ٩)

ـ إنّ الأسماء على ضربين : منها أسماء اللغة ، ومنها أسماء الدين ، فأسماء اللغة المشتقّة من الأفعال تتقضّى مع تقضّي الأفعال ، وأسماء الدين يسمّى بها الإنسان بعد تقضّي فعله وفي حالة فعله ، فالفاسق الملّيّ مؤمن من أسماء اللغة يتقضّى الاسم عنه مع تقضّي فعله للإيمان ، وليس يسمّى بالإيمان من أسماء الدين ، وكان يزعم أن في اليهوديّ إيمانا نسمّيه به مؤمنا مسلما من أسماء اللغة (ش ، ق ، ٢٦٩ ، ١٢)

ـ المعتزلة بأسرها إلّا" الأصمّ" تنكر أن يكون الفاسق مؤمنا ، وتقول إنّ الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر ، وتسمّيه منزلة بين المنزلتين وتقول : في الفاسق إيمان لا نسمّيه به مؤمنا ، وفي اليهوديّ إيمان لا نسمّيه به مؤمنا (ش ، ق ، ٢٦٩ ، ١٦)

ـ حدّثونا عن الفاسق من أهل القبلة أمؤمن هو ، قيل له نعم مؤمن بإيمانه فاسق بفسقه وكبيرته (ش ، ل ، ٧٥ ، ١١)

ـ لو كان الفاسق لا مؤمنا ولا كافرا لم يكن منه كفر ولا إيمان ولكان موحّدا ولا ملحدا ولا وليّا ولا عدوّا ، فلمّا استحال ذلك استحال أنّ يكون الفاسق لا مؤمنا ولا كافرا كما قالت المعتزلة (ش ، ل ، ٧٥ ، ١٥)

ـ زعمت" المرجئة" : أنّ مرتكب الكبائر مع فسقه مؤمن كإيمان جبرئيل وميكائيل. وقالت" الخوارج" : هو كافر مع فسقه. وقالت" العدلية" : إنّه فاسق ، وقولها إجماع من الكل ، وهو المنزلة بين المنزلتين. واستدلّت على أنّه ليس بمؤمن بأنّ الله أمر بإكرام المؤمنين ومدحهم ، وذمّ الفاسقين وأهانهم ، والمهان لا يكون مكرّما ، والممدوح لا يكون مذموما في حالة واحدة. واستدلت على أنّه ليس بكافر بأنّ الكافر يلزم الجزية ويحارب إذا لم يقبل الجزية ، وفسّاق أهل القبلة أحكامهم أحكام أهل الملّة ، وقد أخبر الله عنهم بالفسق فقال تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ) ـ إلى قوله ـ (هُمُ الْفاسِقُونَ) (النور : ٤) (ع ، أ ، ٢٧ ، ١١)

ـ إنّ الفاسق مؤمن مطلقا ، لأنّ الذي كان له مؤمنا في الأوّل قبل وجود فسقه موجود معه في حال الفسق ، فوجب أن يثبت على حكم التسمية له بأنّه مؤمن كما كان قبل حدوث فسقه (أ ، م ، ١٥٤ ، ١١)

ـ إنّ الفاسق يخلد في النار ويعذّب فيها أبدا الآبدين ودهر الداهرين ، وعطف عليه الكلام في أنّه يستحقّ العقاب على طريق الدوام ، وكان الترتيب الصحيح في ذلك هو أن يذكر أولا أنّ الفاسق يستحقّ العقوبة على طريقة الدوام ثم يرتّب على ذلك ، الكلام في أنّه يعذّب بالنار أبدا (ق ، ش ، ٦٦٦ ، ١)

ـ خرج واصل بن عطاء عن قول جميع الفرق المتقدّمة ، وزعم أنّ الفاسق من هذه الأمّة لا مؤمن ولا كافر ، وجعل الفسق منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان (ب ، ف ، ١١٨ ، ١٥)

ـ روي عن الحسن البصري وقتادة رضي الله عنهما أنّ صاحب الكبيرة منافق ، وقالت المعتزلة إن كان الذنب من الكبائر فهو فاسق ليس مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا ، وأجازوا مناكحته وموارثته وأكل ذبيحته ، قالوا وإن كان من الصغائر فهو مؤمن لا شيء عليه فيها ، وذهب أهل السنّة من أصحاب الحديث والفقهاء إلى أنّه مؤمن فاسق ناقص الإيمان ، وقالوا الإيمان اسم معتقده وإقراره وعمله الصالح ، والفسق اسم عمله السيّئ (ح ، ف ٣ ، ٢٢٩ ، ١٢)

ـ إنّ كل من كفر فهو فاسق ظالم عاص ، وليس كل فاسق ظالم عاص كافرا ، بل قد يكون مؤمنا (ح ، ف ٣ ، ٢٣٤ ، ٨)

ـ قال أبو محمد اختلف الناس في هذا الباب ، فذهبت طائفة إلى أنّ من خالفهم في شيء من مسائل الاعتقاد أو في شيء من مسائل الفتيا فهو كافر ، وذهبت طائفة إلى أنّه كافر في بعض ذلك فاسق غير كافر في بعضه على حسب ما أدّتهم إليه عقولهم وظنونهم ، وذهبت طائفة إلى

أنّ من خالفهم في مسائل الاعتقاد فهو كافر ، وأنّ من خالفهم في مسائل الأحكام والعبادات فليس كافرا ولا فاسقا ولكنّه مجتهد معذور ، وإن أخطأ مأجور بنيّته ، وقالت طائفة بمثل هذا فيمن خالفهم في مسائل العبادات ، وقالوا فيمن خالفهم في مسائل الاعتقادات إن كان الخلاف في صفات الله عزوجل فهو كافر ، وإن كان فيما دون ذلك فهو فاسق ، وذهبت طائفة إلى أنّه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا ، وأنّ كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى أنّه الحق فإنّه مأجور على كل حال ، إن أصاب الحق فأجران ، وإن أخطأ فأجر واحد ، وهذا قول بن أبي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداود بن علي رضي الله عن جميعهم (ح ، ف ٣ ، ٢٤٧ ، ١٤)

ـ ما الإيمان الصحيح؟ قلت : أن يعتقد الحق ويعرب عنه بلسانه ويصدقه بعمله ، فمن أخلّ بالاعتقاد وإن شهد وعمل فهو منافق ، ومن أخلّ بالشهادة فهو كافر ومن أخلّ بالعمل فهو فاسق (ز ، ك ١ ، ١٢٩ ، ٣)

ـ الفسق : الخروج عن القصد ، قال رؤبة : فواسقا عن قصدها جوائرا. والفاسق في الشريعة : الخارج عن أمر الله بارتكاب الكبيرة ، وهو النازل بين المنزلتين : أي بين منزلة المؤمن والكافر ، وقالوا : إنّ أوّل من حدّ له هذا الحدّ أبو حذيفة واصل بن عطاء رضي الله عنه وعن أشياعه ، وكونه بين بين أن حكمه حكم المؤمن في أنّه يناكح ويوارث ويغسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، وهو كالكافر في الذم واللعن والبراءة منه واعتقاد عداوته وأن لا تقبل له شهادة (ز ، ك ١ ، ٢٦٧ ، ١٤)

ـ الفاسق لم يستجمع خصال الخير ولا استحقّ اسم المدح ، فلا يسمّى مؤمنا وليس هو بكافر مطلقا أيضا ، لأنّ الشهادة وسائر أعمال الخير موجودة فيه ، لا وجه لإنكارها ، لكنّه إذا خرج من الدنيا على كبيرة من غير توبة ، فهو من أهل النّار خالد فيها. إذ ليس في الآخرة إلّا فريقان : فريق في الجنّة ، وفريق في السعير ، لكنّه يخفّف عنه العذاب وتكون دركته فوق دركة الكفّار (ش ، م ١ ، ٤٨ ، ١٣)

ـ الإيمان عندهما (الجبائيان) اسم مدح ، وهو عبارة عن خصال الخير التي إذا اجتمعت في شخص سمّي بها مؤمنا ، ومن ارتكب كبيرة فهو في حال يسمّى فاسقا ، لا مؤمنا ولا كافرا ، وإن لم يتب ومات عليها فهو مخلّد في النار (ش ، م ١ ، ٨١ ، ١٤)

ـ أصحاب أبي معاذ التومني ، زعم أنّ الإيمان هو ما عصم من الكفر ، وهو اسم لخصال إذا تركها التارك كفر ، وكذلك لو ترك خصلة واحدة منها كفر ، ولا يقال للخصلة الواحدة منها إيمان ، ولا بعض إيمان. وكل معصية كبيرة أو صغيرة لم يجمع عليها المسلمون بأنّها كفر لا يقال لصاحبها فاسق ، ولكن يقال فسق وعصى ، قال : وتلك الخصال هي المعرفة والتصديق والمحبّة ، والإخلاص ، والإقرار بما جاء به الرسول (ش ، م ١ ، ١٤٤ ، ١١)

ـ قول الحشويّة : إنّ الإيمان هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان والعمل بالأركان. نعم ، لا ننكر جواز إطلاق اسم الإيمان على هذه الأفعال ... لكن إنّما كان ذلك لها من جهة أنّها دالّة على التصديق بالجنان ظاهرا ، والعرب قد تستعير اسم المدلول لدليله ؛ بجهة التجوّز والتوسّع. كما تستعير اسم السبب

لمسبّبه. فعلى هذا مهما كان مصدّقا بالجنان ، على الوجه الذي ذكرناه ـ وإن أخلّ بشيء من الأركان ـ فهو مؤمن حقّا ، وانتفاء الكفر عنه واجب. وإن صحّ تسميته فاسقا بالنسبة إلى ما أخلّ به من الطاعات ، وارتكب من المنهيّات ، ولذلك صحّ إدراجه في خطاب المؤمنين وإدخاله في جملة تكليفات المسلمين (م ، غ ، ٣١٢ ، ٣)

ـ من شهد ولم يعمل واعتقد فهو فاسق (ج ، ت ، ٦٤ ، ٤)

ـ الفاسق : من شهد ولم يعمل واعتقد (ج ، ت ، ٢١١ ، ٩)

ـ من خالف المؤمنين المقطوع بإيمانهم جملة ، نحو كل الأمّة أو كل العترة عمدا فيما مستنده غير الرأي عمدا فهو فاسق لقوله تعالى : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (النساء : ١١٥) وكذلك من بغى على أئمة الحق للآية والإجماع ، وكذلك من تولّى الفسّاق أو جالسهم في حال عصيانهم غير مكره ، لنحو ما مرّ (ق ، س ، ١٩١ ، ١٥)

فاضل

ـ فإذا قلنا : زيد فاضل فالمراد به أنّه يستحقّ من الثواب قدرا كثيرا ، لأنّ من يستحقّ القليل من ذلك بأنّه مؤمن مسلم ولا يقال فاضل ويوصف بأنّه أفضل من غيره إذا تساويا في استحقاق الثواب ، ولأحدهما مزية في قدر الثواب (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١١٦ ، ٧)

ـ إذا قلنا في الفعل إنّه فاضل على هذا الحدّ فالمراد به أنّه يستحقّ به ثواب كثير ، وإذا قلنا هو أفضل من غيره فالمراد أن له على غيره مزية في قدر الثواب ؛ وذلك تشبيه بما قدّمناه ، وقد تصحّ الإشارة إلى مكلّف فيقال فاضل وأفضل ولا يصحّ ذلك في الفعل إلّا بمقارنة غيره ، لأنّه قد ثبت أنّه لا فعل يستحقّ به الثواب إلّا وينضاف إليه ما يمنع من ذلك فيه ، وهو بمنزلة وصفنا الفعل بأنّه إيمان ، وقد بيّنا ذلك مشروحا (ق ، غ ٢٠ / ٢ ، ١١٦ ، ١٤)

فاعل

ـ إنّ أبا الهذيل كان يزعم أنّ القول في الفاعل اليوم كالقول في الحجر الذي ذكر : ليس يفعل فاعل فعلا إلّا وفعل مثله جائز منه حتى يتغيّر عمّا كان عليه من القدرة والتخلية إلى العجز والمنع ، فحينئذ يتعذّر عليه ما كان ممكنا له للعجز الحادث ، لأنّ الأشياء المقدور عليها اليوم لم تخرج كلّها إلى الوجود ، فأمّا إذا خرجت المحدثات كلّها إلى الوجود ولم يبق منها شيء معدوم متعلّق بقدرة فاعله استحال القول بأنّ الفاعل للفعل يقدر على مثله إذا كان لا مثل له في القدرة ، وقد خرجت الأفعال كلها إلى الوجود (خ ، ن ، ٢٠ ، ٦)

ـ إنّ الفاعل الواحد قد يكون منه شيئان مختلفان خير وشر وصدق وكذب (خ ، ن ، ٣٠ ، ١١)

ـ لا يجوز أن يكون ذهاب السهم فعلا لا فاعل له ، لأنّ ذلك لو جاز لجاز أن يوجد كتاب لا كاتب له وصياغة لا صائغ لها ؛ ولو جاز ذلك جاز أن يوجد كاتب لا كتابة له وفاعل لا فعل له وهذا محال (خ ، ن ، ٦١ ، ١٠)

ـ إنّ الفاعل لا بدّ من أن يكون قبل فعله عالما بكيف يفعله وإلّا لم يجز وقوع الفعل منه ، كما أنّه لم يكن قادرا على فعله قبل أن يفعله لم يجز وقوع الفعل منه أبدا. ألا ترى أنّ من لم يحسن

السباحة لم يجز منه وقوعها ، وكذلك من لم يحسن الكتابة لم يجز منه وقوعها ؛ فإذا تعلّمها وعلم كيف يكتب جاز وقوع الكتابة منه ، وكذلك الذي يحسن يسبح إذا تعلّم السباحة وعلم كيف يسبح جاز وقوعها منه. وهذا حكم كل فاعل : لا بدّ من أن يكون قبل فعله عالما به وإلّا لم يجز وقوعه منه (خ ، ن ، ٨١ ، ١٧)

ـ إنّ معنى فاعل وخالق واحد وأنّا لا نطلق ذلك في الإنسان لأنّا منعنا منه. وقال بعضهم : هو الفعل لا بآلة ولا بجارحة وهذا يستحيل منه. وقال بعضهم : معنى خالق أنّه وقع منه الفعل مقدّرا فكل من وقع فعله مقدّرا فهو خالق له قديما كان أو محدثا (ش ، ق ، ٢٢٨ ، ٧)

ـ إنّه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده هو الفاعل ، وأنّ الناس إنّما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال : تحرّكت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس (ش ، ق ، ٢٧٩ ، ٤)

ـ الذي فارق" ضرّار بن عمرو" به المعتزلة قوله إنّ أعمال العباد مخلوقة ، وأنّ فعلا واحدا لفاعلين أحدهما خلقه وهو الله ، والآخر اكتسبه وهو العبد ، وأنّ الله عزوجل فاعل لأفعال العباد في الحقيقة وهم فاعلون لها في الحقيقة (ش ، ق ، ٢٨١ ، ٤)

ـ قالت المعتزلة كلها إلا" الناشي" أنّ الإنسان فاعل محدث ومخترع ومنشئ على الحقيقة دون المجاز (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١٢)

ـ كثير من" أهل الإثبات" يقولون إنّ الإنسان فاعل في الحقيقة بمعنى مكتسب ويمنعون أنّه يحدث ، وبلغني أن بعضهم أطلق في الإنسان أنه محدث في الحقيقة بمعنى مكتسب (ش ، ق ، ٥٤٠ ، ١)

ـ من" أهل الإثبات" من يقول إنّ الله يفعل في الحقيقة بمعنى يخلق ، وأنّ الإنسان لا يفعل في الحقيقة وإنّما يكتسب في التحقيق لأنّه لا يفعل إلّا من يخلق ، إذ كان معنى فاعل في اللغة معنى خالق ، ولو جاز أن يخلق الإنسان بعض كسبه لجاز أن يخلق كل كسبه ، كما أنّ القديم لمّا خلق بعض فعله خلق كل فعله (ش ، ق ، ٥٤١ ، ٨)

ـ إن قال قائل فهل شاهدتم مرئيّا إلّا جوهرا أو عرضا محدودا أو حالّا في محدود ، قيل له لا ولم يكن المرئيّ مرئيّا لأنّه محدود ولا لأنّه حالّ في محدود ولا لأنّه جوهر ولا لأنّه عرض. فلمّا لم يكن ذلك كذلك لم يجب القضاء بذلك على الغائب ، كما لم يجب إذا لم نجد فاعلا إلّا جسما ولا شيئا إلّا جوهرا أو عرضا ولا عالما قادرا حيّا إلا بعلم وحياة وقدرة محدثة أن نقضي بذلك على الغائب. إذ لم يكن الفاعل فاعلا لأنّه جسم ولا الشيء شيئا لأنّه جوهر أو عرض (ش ، ل ، ٣٦ ، ١٩)

ـ إنّ كل أحد يعلم من نفسه أنّه مختار لما يفعله ، وأنّه فاعل كاسب (م ، ح ، ٢٢٦ ، ٢٠)

ـ إنّ الله كذلك بما لا تتضاد عليه الأفعال ويقدر على ما لا ضدّ له ، والعبد لا يقدر على ما لا ضدّ له ؛ لذلك لم يجز أن يوجد أوقاتا غير فاعل (م ، ح ، ٢٧٨ ، ١٢)

ـ النّور والظّلام وغيرهما من الأعراض لا يجوز أن يكونا فاعلين بالطّباع ولا بالاختيار لخير ولا شرّ ، ولا نفع ولا ضرّ ، فهو أن الدلالة قد قامت على أنّ الفاعل لا يكون إلّا حيّا قادرا مختارا ، وأنّ هذه الصّفات مستحقة لمعان توجد بالموصوف (ب ، ت ، ٦٩ ، ٢٢)

ـ إنّ الموجودات لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها ، أنّا وجدنا منها الموات والأعراض ،

أعني الجمادات التي لا حياة فيها ، لا يجوز أن تكون فاعلة لنفسها ولا لغيرها ، لأنّ من شرط الفاعل أن يكون حيّا ، قادرا ، فبطل كونها محدثة لنفسها بل لها محدث أحدثها (ب ، ن ، ٣١ ، ١٧)

ـ الواحد منّا إذا سمّي فاعلا فإنّما يسمّى فاعلا بمعنى أنّه مكتسب ، لا بمعنى أنّه خالق لشيء (ب ، ن ، ١٤٤ ، ١٢)

ـ كان (الأشعري) لا يفرّق بين معنى المخلوق والمحدث والخالق والمحدث ، وكذلك بين الفاعل والمحدث ، ويقول إنّ كل فعل محدث وكل فاعل محدث وكل خالق محدث ، وإنّ لا خالق ولا محدث ولا فاعل إلّا الله تعالى على الحقيقة (أ ، م ، ٢٨ ، ١٨)

ـ من حق الفاعل أن يكون متقدّما على فعله وما تقدّمه غيره لا يجوز أن يكون قديما ، لأنّ القديم هو ما لا أوّل لوجوده (ق ، ش ، ١٠٧ ، ١٤)

ـ إنّ الفاعل ليس له بكونه فاعلا حال ، بل المرجع به إلى أنّه وجد من جهته ما كان قادرا عليه (ق ، ش ، ١١٥ ، ١٤)

ـ إذا أردت أن تعلم الفاعل بعينه ، فلك فيه طريقان : أحدهما ، أن تختبر حاله ، فإنّ وجدت الفعل يقع بحسب قصده ودواعيه ، وينتفي بحسب كراهته وصارفه ، حكمت بأنّه فعل له على الخصوص. والطريقة الثانية ، هو أن تعلم أنّ هذا المقدور لا يجوز أن يكون مقدورا للقادر بالقدرة ، فيجب أن يكون مقدورا للقادر لذاته وهو الله تعالى (ق ، ش ، ٣٢٥ ، ٨)

ـ إنّ الدلالة قد دلّت عندنا على أنّ الفاعل يخترع فعله ، لا أنّه يفعل الفعل من شيء سواء (ق ، م ٢ ، ٦٣١ ، ١٤)

ـ أمّا الفاعل فتأثيره هو في إحداث معنى ، وقد أبطلنا أن يحدث العلم من غيره تعالى لو صحّ كونه تعالى عالما بعلم محدث. وعلى أنّ ذات القديم تعالى محال أن تكون مقدورة لقادر يتصرّف في تحصيله على وجه دون وجه. وإنّما يصحّ ذلك في الذوات التي هي أفعال. فدلّت هذه الجملة على أنّ كونه تعالى عالما ثابت فيما لم يزل (ق ، ت ١ ، ١١٨ ، ٢٣)

ـ إنّه تعالى موجود لأنّ كونه قادرا لا يزول أصلا وكذلك كونه عالما. وكما يتعذّر ذلك يتعذّر الاستدلال على أنّه تعالى موجود باعتبار حال غيره من القادرين لوجهين. أحدهما إنّ القادر هو الجملة الحيّة والموجود هو كل بعض منه ، فليس الموجود في الحقيقة هو القادر ولا القادر في الحقيقة هو الموجود. فيجب اعتبار ما يرجع التعلّق فيه والوجود إلى شيء واحد ، وليس ذلك إلّا الذوات المتعلّقة بأغيارها. والثاني إنّ العلّة في أحدنا إنّه إنما يقدر بقدرة وهي في وجودها تفتقر إلى محلّ ولا بدّ في المحلّ من أن يكون موجودا. فأمّا القادر لنفسه فلو اعتقد معتقد ثبوت هذه الصفة له من دون الوجود ، كما يعتقد في غيره من الصفات في الذوات لما بعد ، فيجب إيراد الدلالة على الحدّ المذكور في" الشرح" وغيره لأنّه قد ثبت أنّه تعالى بكونه قادرا لا بدّ من تعلّقه بالمقدور ، وكل ما يتعلّق بغيره فالعدم مزيل له. ألا ترى أنّ القدرة إذا كانت موجودة ثبت تعلّقها ، فإن عدمت زال تعلّقها؟ وليس العلّة في ذلك إلّا العدم إذ لا أمر من الأمور يمكن تعليقه به أولى من العدم. وإن كان إذا قال القائل إنّ العدم يحيل الصفة المقتضاة عن صفة الذات وعليها يقف التعلّق ، فقد اعترف بما أردناه لأنّه قد

صار العدم مانعا من التعلّق بواسطة وإن لم يكن بنفسه مانعا. وإنّما نعلم ثبوت صفة الوجود للقدرة وغيرها من الذوات على حدّ التفصيل فثبت لنا أنّ العدم الطارئ يحيل التعلّق الذي يتبع الوجود بأن نقول : قد ثبت إنّ الفاعل يؤثّر في حصول القدرة ولا صفة تتعلّق بالفاعل إلّا صفة الوجود. فيجب ثبوت هذه الصفة له على التفصيل (ق ، ت ١ ، ١٣٤ ، ٦)

ـ ليس يصحّ الفاعل إلّا بثبات فعل يضاف إليه ، لكنّا قدّمنا في أوّل الكتاب القول في الأعراض التي هي أفعالنا من حركة وسكون وغيرهما فأغنى عن إعادته. ولأنّ من يخالفنا في كون العبد محدثا قد سلّم أنّ هاهنا فعلا من الأفعال. وإنّما نازعونا في تعلّق ذلك بنا وحدوثه من جهتنا ، ولنا في ذلك طريقان على ما قاله في الكتاب : أحدهما اعتبارنا وجوب وقوع هذا الفعل بحسب أحوالنا ووجوب انتفائه بحسب أحوالنا. والثاني حسن الأمر والنهي وغيرهما من الأحكام (ق ، ت ١ ، ٣٥٦ ، ١١)

ـ إنّ الطريقة في كون أحدنا فاعلا هي كالطريقة في كونه تعالى فاعلا عندنا لقدرته على الضدّين كقدرتنا ، فيحدث هذا الفعل مع جواز أن لا يحدث. وأمّا عند القوم فإنّه يحدث منا مع الوجوب لقولهم بالقدرة الموجبة واستحالة قدرتنا على الضدّين ، فكيف يجوز والحال هذه أن نعتقد فيما يقع منّا إنّه واجب عندهم أنّه حادث من جهة الله مع أنّه يحدث منه مع جواز أن لا يحدث؟ (ق ، ت ١ ، ٣٥٨ ، ١٣)

ـ كل ما صحّت إضافته إلينا من بعض الوجوه تصحّ في كل فاعل ، ولا فاعل يصحّ منه إيقاع الفعل على وجه من هذه الوجوه ويتعذّر على من سواه إيقاعه على ذلك الحدّ. وإنّما الدلالة قد دلّت فيه تعالى على أنّه لا يختار القبيح لا أنّه يستحيل ذلك منه ، فصار كل قادر يصحّ منه إحداث الأفعال مجرّدة وعلى الوجوه الزائدة التي قدّمناها. وإنّما يختصّ القديم بالقدرة على أجناس مخصوصة وعلى إحداث ما يقدر عليه على طريقة الاختراع لأمر يرجع إلى أنّه قادر لنفسه (ق ، ت ١ ، ٣٧١ ، ٨)

ـ إنّ الفاعل قد ثبت أنّه يؤثّر في إيجاد مقدوره ، وثبت أنّه ليس له بالوجود إلّا صفة واحدة. فإذا صحّ ذلك لزم ما ذكرناه من وقوف حصول تلك الصفة عليهما جميعا. وهذا يقتضي أنّ القادر لا يصحّ منه إيجاد الفعل مع زوال ضروب الموانع على ما بيّناه. فأمّا كون الجوهر كائنا في جهته فصفة يصحّ تزايدها ، فعند عدم بعض الأكوان لا تحصل الصفة الصادرة عنه وإن حصلت صفة أخرى مستندة إلى الكون الآخر. وأمّا السواد فغير مؤثّر على الحقيقة في انتفاء البياض ، وكيف يكون مؤثّرا وضدّه يقوم مقامه في ذلك ، وكيف فعدم المحل يوجب عدمه أيضا؟ وعلى هذه الطريقة يصحّ عدم الصوت من دون إشارة إلى أمر يؤثّر فيه (ق ، ت ١ ، ٣٧٥ ، ١٢)

ـ إنّ الفاعل إنّما يصحّ أن يفعل على الوجه الذي يصحّ وجود الفعل في نفسه عليه. فلهذا ما كان مبتدأ من الأفعال من نحو الإرادة وغيرها لا يصحّ وجوده إلّا في مثل تنبّه القلب ، ولا فرق في ذلك بين القادرين. وعلى هذه الطريقة لم يصحّ منا إيجاد كثير من الأفعال إلّا بآلات (ق ، ت ١ ، ٤١٤ ، ٣)

ـ ليست حقيقة الفاعل أكثر من أنّه من وجد مقدوره ولا نعقل سواه. فإذا كان كذلك ووجد

هذا الفعل الذي كان هو قادرا عليه عند موته أو عند زوال قدرته أو عند حدوث العجز وما شاكله ، فتجب صحّة أن يوصف بهذا الوصف ، ولا تجوز دعوى الضرورة في خلافه (ق ، ت ١ ، ٤٢٣ ، ٩)

ـ من شأن ما يتعلّق بالفاعل أن لا يدخله الإيجاب ، كما أنّ من شأن ما يتعلّق بالعلل أن لا تدخله طريقة الاختيار. وكل واحد من الأمرين أصل ينبغي أن يحافظ عليه (ق ، ت ٢ ، ٨٨ ، ١٦)

ـ إن قيل : إذا قلتم إنّ الدواعي إلى الفعل ، متى انفردت ، وجب أن تفعل ، فقد أبطلتم القول بأنّ القادر يصحّ أن لا يختار فعل مقدوره ، وساويتم المجبّرة في قولها : إنّ الفعل يجب وجوده مع القدرة. قيل له : إنّا نقول إنّ (صحّة) الفعل يصحّ منه لكونه قادرا ، لا للداعي ، لأنّه في صحّته يفتقر إلى اختصاصه بحال يبيّن بها من غيره. ولذلك يصحّ الفعل من الساهي والنائم ، وإن لم يكن لهما إلى الفعل داع. وكذلك يصحّ أن يعلم فعل غيره كعلمه بفعله ، ولا يقدر إلّا على ما يصحّ أن يوجده. ولذلك يتعلّق العلم بالشيء على ما هو به ، فكيف يحصل به محدثا. فكل ذلك يبيّن أنّ الفاعل يصحّ منه الفعل لكونه قادرا (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٨٨ ، ١٧)

ـ إنّ الفاعل لا يجوز أن يوجب حدوث فعله على سبيل إيجاب العلل والسبب ، فلا بدّ من اعتبار حاله في وقوع الفعل من جهته على وجه لا يخرج من أن يكون مختارا للفعل وموجدا له على وجه كان يجوز أن لا يوجده (ق ، غ ٨ ، ١٨ ، ٩)

ـ إنّ ما يحصل الفعل عليه بالفاعل على قسمين : أحدهما يحصل عليه من حيث كان قادرا فقط ؛ والثاني يحصل عليه لأحوال أخر يختصّ بها من كونه عالما مريدا ؛ وكلاهما يقال فيه : إنّه بالفاعل. ألا ترى أنّا نقول في كون الفعل محكما : إنّه بالفاعل من حيث كان عالما بكيفيته ، ونقول في الخيّر : إنّه صار خيرا لكونه مريدا ؛ وحدوث ذلك أجمع يرجع إلى كونه قادرا (ق ، غ ٨ ، ٦٣ ، ١٥)

ـ إنّ الفاعل ليس له ، بكونه فاعلا ، حال. وإنّما يفاد بذلك أنّه أحدث الفعل وأوجده ، فلا يصحّ أن يكون الإيجاد من قبله. ومع ذلك فإن الله ، تعالى ، جعله فاعلا ، لأن ذلك يتناقض ؛ ولا يتناقض أن يكون إيجاد القدرة والعلم من الله ، تعالى ، وإن كان زيد هو الموصوف بذلك. لأنّ أحد الأمرين هو في حكم الغير ، فلا يؤدّي إلى التناقض (ق ، غ ٨ ، ١٥٧ ، ٤)

ـ إنّ الفاعل هو المحدث للشيء ، وإنّه متى استعمل على غير هذا الوجه كان مجازا. وكذلك الخلق هو إحداث الشيء مقدّرا (ق ، غ ٨ ، ٢٥٧ ، ١٠)

ـ إنّما يجب أن يفعل الفاعل الفعل متى كان موجبا عن غيره ، أو ما كان يختاره لا يتمّ وجوده إلّا بالقصد إلى غيره ، كما نقول في القديم سبحانه إنّه لا يجوز أن يفعل الجوهر إلّا ويفعل الكون معه من حيث يتضمّن وجوده وجود الكون ، ومتى أراد فعل المعرفة وجب أن يفعل الحياة من حيث لا يصحّ وجودها إلّا معها ، فأمّا إذا لم يكن للفعل تعلّق بفعل آخر ولا كان موجبا عن غيره ، ولم يكن الفاعل ملجأ إلى الفعل ، فيجب أن يصحّ أن يفعله وأن لا يفعله. وقد علمنا أنّ الواحد منّا لا يجوز أن يفعل المجاورة ولا يقع التأليف بل يجب

وجوده لا محالة ، فعلم أنّ المجاورة توجبه وإنّما قلنا إنّ وجودها ولها تأليف محال ، لأن القول بجواز ذلك يؤدّي إلى ألا يصعب تفكيك الأجسام الصلبة علينا ، وقد ثبت أنّ ذلك يصعب علينا فيجب أن يكون الموجب لذلك ما ذكرناه (ق ، غ ٩ ، ٤٣ ، ١٣)

ـ ما له ضدّ فإنّا نقول إنّ القادر عليه يقدر على جنس ضدّه ، ولا نقول إنّ الفاعل له يجب أن يصحّ أن يفعل ضدّه ، لأنّ الأمر في ذلك يختلف ، ففيه ما يصحّ ذلك فيه ، وفيه ما لا يصحّ ، وفي المتولّدات ما لا ضدّ له أصلا ، وفيه ما له ضدّ (ق ، غ ٩ ، ٧٤ ، ٢٠)

ـ أمّا صفة الفاعل (التي معها يستحقّ الذمّ والمدح) فأن يكون عالما بوجوب الفعل وكونه ندبا ، واختلف شيوخنا ـ رحمهم‌الله ـ في اشتراط كونه عاقلا. فمنهم من حكم بأن ما ذكرناه يغني عن اشتراط العقل ؛ لأنّه لا يجوز أن يعلم الواجب والتفضّل والندب إلّا وقد كمل عقله ، (وكلام) شيخنا أبي علي ـ رحمه‌الله ـ يدلّ على خلافه ؛ لأنّه ذكر أن الصبيّ قد يعلم قبح الفعل وحسنه ، فلا بدّ من أن يجعل ذلك منفصلا من كمال العقل ، ولا بدّ من أن يشترط كمال العقل فيه (ق ، غ ١١ ، ٥١١ ، ١٢)

ـ إنّ الفاعل لا يتعدّى تأثيره طريقة الإيجاد والإحداث ، وإنّ الإعدام لا يتعلّق بالفاعل ، علم أنّ الذي يتعلّق بنا إنّما هو وجود معنى (ن ، د ، ٢٢ ، ٢)

ـ إذا علّلنا بأنّ الفاعل فعله فإنّما نعلّله بكونه قادرا عليه ، فنقول إنّ الفاعل لمكان كونه قادرا عليه أوجده. وكونه قادرا عليه غير حدوثه ووجوده (ن ، د ، ٢٩ ، ١٤)

ـ إنّ ما يتعلّق بالفاعل هذا حكمه : وهو أن يصحّ منه أن يجعله وأن لا يجعله ، لأنّ تأثيره في المقدور على سبيل الصحّة والاختيار. فإذا كان كونه سوادا يتعلّق به صحّ أن يجعل هذه الذات سوادا وصحّ أن لا يجعلها ، كما أنّ الوجود لمّا كان متعلقا به صحّ أن يجعل الذات على صفة الوجود وأن لا يجعلها عليها (ن ، د ، ٢٠٢ ، ٧)

ـ إنّ معنى الفاعل هو أنّه وجد مقدور (ن ، م ، ٤٥ ، ٢٠)

ـ الفاعل لا يؤثّر في صفات الأجناس ، فليس إلّا أنّه (الجوهر) كذلك لذاته (أ ، ت ، ٧٣ ، ٥)

ـ الوجه الذي يحصل عليه الفعل بفاعله ، يصحّ منه أن يجعله عليه ، كما يصحّ منه أن يوجده أصلا وأن لا يوجده. ولهذا صحّ أن يوجد الكلام فيجعله خبرا ، ويصحّ أن يوجده ولا يجعله كذلك. وحقيقة الفاعل تقتضي ما ذكرناه (أ ، ت ، ٨٢ ، ٨)

ـ إنّ الفاعل ليس له بكونه فاعلا حال ولا حكم ، فيصحّ إيقاع التعليل به وليس هذا أكثر من وجود ما كان قادرا عليه ، ولهذا يفعل أحدنا الأفعال ولم يكن فاعلا لها من قبل ، ثم لا يحتاج إلى معنى ، وإلّا لزم وجود ما لا يتناهى. فإذا لم تلزم هذه القضية في الشاهد فكذلك في الغائب (أ ، ت ، ١٠٣ ، ١٠)

ـ ذهبت المعتزلة ، وكل قائل بأنّ كلام الله تعالى حادث ، إلى أنّ كون المتكلّم متكلّما من صفات الأفعال ، والمتكلّم عندهم من فعل الكلام. ثم ليس للفاعل من فعله حكم يرجع إلى ذاته ، إذ المعنى بكون الفاعل فاعلا عندهم وقوع الفعل منه ، وعلى موجب ذلك لم يشترطوا قيام الكلام بالمتكلّم ، كما لا يجب قيام الفعل بالفاعل (ج ، ش ، ١١٢ ، ٨)

ـ الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى ، فالعين

القدر الذي يحرّجه المزكي من النصاب إلى الفقير ، والمعنى فعل المزكي الذي هو التزكية وهو الذي أراده الله فجعل المزكين فاعلين له ، ولا يسوغ فيه غيره لأنّه ما من مصدر إلّا يعبّر عن معناه بالفعل ويقال محدثه فاعل ، تقول للضارب فاعل الضرب وللقاتل فاعل القتل وللزكى فاعل التزكية ، وعلى هذا الكلام كله.

والتحقيق فيه أنّك تقول في جميع الحوادث من فاعل هذا؟ فيقال لك : فاعله الله أو بعض الخلق. ولم يمتنع الزكاة الدالّة على العين أن يتعلّق بها فاعلون لخروجها من صحة أن يتناولها الفاعل ، ولكن لأنّ الخلق ليسوا بفاعليها (ز ، ك ٣ ، ٢٦ ، ٧)

ـ وجه دلالة الفعل على الفاعل هو الجواز والإمكان وترجّح جانب الوجود على العدم ، وذلك لم يختلف خيرا كان أو شرّا ، فالوجود من حيث هو وجود خير كله ، أو يقال لا خير فيه ولا شرّ ، والفعل من حيث وجوده ينسب إلى الفاعل لا من حيث هو خير أو شرّ ، والفاعل يريد الوجود من حيث هو وجود لا من حيث هو خير أو شرّ (ش ، ن ، ٩٨ ، ١٦)

ـ إنّ الأمور الذاتيّة لا تنسب إلى الفاعل ، بل ما يعرض لها من الوجود والحصول ينسب إلى الفاعل ، ونقول إنّ الفاعل إذا أراد إيجاد جوهر فلا بدّ أن يتميّز الجوهر بحقيقته عن العرض حتى يتحقّق القصد إليه بالإيجاد ، وإلّا فالجوهر والعرض في العدم إذا كان لا يتميّز أحدهما عن الثاني بأمر ما وحقيقة ما (ش ، ن ، ١٥٦ ، ٢)

ـ لم ننف (أصحاب الشهرستاني) الوجوه والاعتبارات العقليّة جمعا بين الشاهد والغائب بالعلّة والمعلول ، والدليل والمدلول ، وغير ذلك ، فإنّ العقل إذا وقف على المعنى الذي لأجله صحّ الفعل من الفاعل في الشاهد ، حكم على كل فاعل كذلك (ش ، ن ، ١٧٢ ، ٣)

ـ فعل الفاعل لا يوجب أن ينتسب إليه المفعول بأخصّ وصفة الذاتيّ ، بل إنّما ينتسب إليه من حيث كونه فعلا فقط ، حتى يسمّى فاعلا صانعا ، أمّا أن يضاف إليه حكم العلميّة حتى يصير عالما فمحال (ش ، ن ، ٢١٦ ، ١٢)

ـ المختار عندنا أنّ عند حصول القدرة والداعية المخصوصة يجب الفعل ، وعلى هذا التقدير يكون العبد فاعلا على سبيل الحقيقة ، ومع ذلك فتكون الأفعال بأسرها واقعة بقضاء الله تعالى وقدره. والدليل عليه أنّ القدرة الصالحة للفعل إمّا أن تكون صالحة للترك أو لا تكون ، فإن لم تصلح للترك كان خالق تلك القدرة خالقا لصفة موجبة لذلك الفعل ، ولا نريد بوقوعه بقضاء الله إلّا هذا. وأمّا إن كانت القدرة صالحة للفعل وللترك ، فإمّا أن يتوقّف رجحان أحد الطرفين على الآخر على مرجّح أو لا يتوقّف ، فإن توقّف على مرجّح ، فذلك المرجّح إمّا أن يكون من الله أو من العبد أو يحدث لا بمؤثّر. فإن كان الأوّل فعند حصول تلك الداعية يجب الفعل ، وعند عدمه يمتنع الفعل وهو المطلوب ، وإن كان من العبد عاد التقسيم الأول ، ويحتاج خلق تلك الداعية إلى داعية أخرى ، ولزم التسلسل. وأمّا إن حدثت تلك الداعية لا بمحدث أو نقول إنّه ترجّح أحد الجانبين على الآخر لا لمرجّح أصلا ، كان هذا قولا باستغناء المحدث عن المحدث استغناء الممكن عن المؤثّر ، وذلك يوجب نفي الصانع (ف ، أ ، ٦١ ، ٦)

ـ إنّا لمّا اعترفنا بأنّ الفعل واجب الحصول عند

مجموع القدرة والداعي ، فقد اعترفنا بكون العبد فاعلا وجاعلا ، فلا يلزمنا مخالفة ظاهر القرآن وسائر كتب الله تعالى (ف ، أ ، ٦٢ ، ١١)

ـ إنّ العلم بكون العبد فاعلا علم ضروريّ موقوف على تلخيص معنى كون العبد فاعلا ، فنقول إن عنيتم به أنّ العبد قادر على الفعل وعلى الترك ، وأنّ نسبة قدرته إلى الطرفين على السّوية ، ثم أنّه في حال حصول هذا الاستواء دخل هذا الفعل في الوجود من غير أن خصّ ذلك القادر ذلك الطرف بمرجّح وبمخصّص البتّة ، فلا نسلّم إنّ هذا القول صحيح ، بل كان بديهة العقل تشهد ببطلانه. وإن عنيتم به أنّ عند حصول الداعية المرجّحة صدر عنه هذا الأثر فهذا هو قولنا ومذهبنا ، ونحن لا ننكره البتّة (ف ، أ ، ٦٣ ، ٥)

ـ القول بأنّ ما علم الله وجوده واجب لا يفيد نفي كون العبد فاعلا (ط ، م ، ٣٢٨ ، ١٨)

ـ الفاعل : ما أسند إليه الفعل أو شبهه على جهة قيامه به أي جهة قيام الفعل بالفاعل ليخرج عنه مفعول ما لم يسمّ فاعله (ج ، ت ، ٢١١ ، ١٠)

فاعل الأجسام

ـ إنّ القادر على الجسم هو القادر لنفسه ، فلا يصحّ أن يكون فاعل الأجسام إلّا قديما إلها ، فلذلك وجب على قائل هذا القول أن يكون مثبتا لإله ثان مع الله (ق ، غ ٨ ، ١٤٣ ، ١٨)

فاعل بالتولّد

ـ إنّ الفاعل بالتولّد لو لم يكن موجبا للفعل لما حسن أن يؤمر بالفعل الحاصل بواسطة تولّد الفعل (ط ، م ، ٣٣٦ ، ٣)

فاعل بسبب

ـ إنّ الذي به نعرف أن أحدنا فاعل بسبب إذا حصل في فعل الله تعالى فيجب القضاء بالتسوية في هذه الطريقة ، كما أنّه إذا كان الذي به يعرف أنّ زيدا فاعل بسبب إذا حصل في فعل عمرو وجب التسوية. ثم كذلك في سائر القادرين ، وعلى هذا لما كان حدوث فعل أحدنا بحسب قصوده ودواعيه دلالة على أنه الفاعل المحدث ، وكانت هذه الطريقة توجد في غيره قضينا بأنّه أيضا فاعل لفعله ومحدث لتصرّفه لقيام هذا الوجه ، حتى لا يجوز أن نخالف بين الفاعلين مع اتفاقهم في المعنى الذي بيّناه. ولو فعلنا ذلك لكنا قد أخرجنا الوجه الأول من أن يكون دلالة وهذا بيّن. فإذا صحّت هذه الجملة وكان أحدنا إنّما عرف أنّه يفعل بسبب الوقوع المسبّب بحسب أسبابه في القوّة وخلافها ، فيجب إذا كانت حركة الرجاء بالريح أو الماء يقف على قوة جري الماء وهبوب الريح أن يقضي بأنّه تعالى فعله متولّدا ، كما أنّ دورانها لما اختلف بقوة المدبّر لها من بهيمة أو غيرها ويضعفه ، عرفنا أنّه قد وقع متولّدا. وهكذا الحال في جري السفينة بالريح أو بجذب الملاح لها وهذا باب متّسع (ق ، ت ١ ، ٤١٦ ، ٦)

فاعل بمعين

ـ إنّا قد بيّنا وجه الأثر الحاصل بالقدرة الحادثة ، وهو وجه أو حال للفعل مثل ما أثبتّموه للقادريّة الأزليّة ، فخذوا من العبد ما يشابه فعل الخالق عندكم فلينظر إلى الخطاب بافعل لا تفعل ، أخوطب أوجد لا توجد ، أو خوطب أعبد الله ولا تشرك به شيئا ، فجهة العبادة التي هي

أخصّ وصف للفعل صار عبادة بالأمر ، وذلك حاصل بتحصيل العبد مضاف إلى قدرته ، فما يضرّكم إضافة أخرى نعتقدها وهي مثل ما اعتقدتموه تابعا. فالوجود عندنا كالتابع أو كالذاتيّ الذي كان ثابتا في العدم ، والفرق بيننا أنّا جعلنا الوجود متبوعا وأصلا ، وقلنا هو عبارة عن الذات والعين ، وأضفناه إلى الله سبحانه وتعالى وجميع ما يلزمه من الصفات ، وأضفنا إلى العبد ما لا يجوز إضافته إلى الله تعالى حيث لا يقال أطاع الله تعالى وعصى الله تعالى وصام وصلّى وباع واشترى وقام ومشى ، فلا تتغيّر صفاته بأفعاله فلا يعزب عن علمه ذرّة من خلقه ، بخلاف ما يضاف إلى العبد فإنّه يشتقّ له وصف واسم من كل فعل يباشره ، وتتغيّر ذاته وصفاته بأفعاله ، ولا يحيط علما بجميع وجوه اكتسابه وأعماله ، وهذا معنى ما قاله الأستاذ أبو إسحاق إنّ العبد فاعل بمعين والربّ فاعل بغير معين (ش ، ن ، ٨٧ ، ١٦)

فاعل خالق

ـ إنّ الغافل كما لم يحط علما بالفعل من كل وجه ، كذلك العالم لم يحط به علما من كل وجه ، والفاعل الخالق يجب أن يكون محيطا بالفعل من كل وجه ، إذ الإحكام إنّما يثبت فيه من آثار علمه لا من آثار علم غيره ، ويدلّ على علمه لا على علم غيره ، فكما يستحيل إيجاد الفعل واختراعه على جهل وغفلة بالمخلوق والمخترع من كل وجه كذلك يستحيل إيجاده على غفلة من وجه (ش ، ن ، ٦٨ ، ٩)

فاعل الدلالة

ـ إنّ فاعل الدلالة لا يجب أن يكون جاعلا المدلول على ما دلّت عليه. يبيّن ذلك أنّ فعل زيد يدلّ على أنّه قادر ، فقد فعل الدلالة ولم يجعل نفسه قادرا. فكيف يجب أن يكون الناصب للأدلّة على وجوب الشيء جاعلا له واجبا؟ (ق ، غ ١٢ ، ٢٧٢ ، ٢١)

فاعل السبب

ـ اعلم إنّه إذا ثبت بما قدّمناه أنّ الأصوات والآلام والتأليف لا تحدث من فعلنا إلّا متولّدة ، فلا بدّ من سبب يولّدها من فعلنا ، لأنّ فاعل السبب يجب كونه فاعلا للمسبّب ، وكما ثبت ذلك في هذه الأجناس فقد صحّ أنّ ما يفعل من الكون في غير محلّ القدرة والاعتماد لا يقع إلّا متولّدا فلا بدّ فيه من سبب أيضا ، وإن كنّا قد نفعل ما هو من جنسهما ابتداء في محلّ القدرة لأنّ صحّة ذلك لا تخرجهما من أن يكونا متولّدين متى عدّيناها عن محلّ القدرة من حيث ثبت بالدليل أنّه لا يصحّ من الواحد منّا أن يبتدئ مقدوره إلّا في محلّ القدرة بها ، فما أوجده على خلاف هذا الوجه يجب كونه متولّدا ، لأنّه لا يصحّ من القادر بقدرة إحداث الفعل إلّا على هذين الوجهين ، ولا شبهة فيما يتعدّى محل السبب أنّ المولّد له هو الاعتماد ، وقد دلّ شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله أنّ الاعتماد هو المختصّ بالجهة دون الحركة وغيرها ، فيجب أن يختصّ بتوليد الكون والاعتماد وغيرهما (ق ، غ ٩ ، ١٣٩ ، ٢٠)

ـ رأى شيخنا أبو هاشم ، رحمه‌الله ، إنّ المسبّب لا يوجد إلّا بسببه ؛ فإنّ أحدنا لو أراد أن يفعله ، ولمّا تقدّم سببه ، لاستحال ذلك منه. فقال لأجل ذلك : إنّه عند السبب يستحقّ ثواب المسبّب إذا كان المعلوم في المسبّب أنّه يوجد

لا محالة. ورأى أن عند وجود السبب قد خرج المسبّب من أن يكون مقدورا له ، وصار في حكم الواقع ، حتى لو أراد التوصّل إلى أن لا يقع لتعذّر عليه ، فحكم بذلك بأنّه قد صار في حكم الموجود في باب استحقاقه ثوابه عند إيجاد السبب. ولذلك لا يحسن ، وقد أوجد السبب ، أن يؤمر بالمسبّب أو ينهى عنه. كما لا يجوز أن يؤمر بنفس السبب وينهى عنه. فدلّ ذلك على أنّه في باب كونه في حكم الموجود ، بمنزلة السبب. فيجب أن يستحقّ به ثوابه ويستحقّ عنده ثواب المسبّب. ولذلك يصحّ من فاعل السبب أن يتوب فيزيل عن نفسه العقاب الذي يستحقّه بالسبب والمسبّب. ولو لا أنّه قد استحقّهما جميعا قبل إيجاد المسبّب ، لما صحّت التوبة منه (ق ، غ ١٢ ، ٤٦٦ ، ١٩)

ـ إنّما أنكرنا القول بأنّ فاعل السبب يستحقّ عقوبة المسبّب وهو غير واقع ، فقلنا : إذا كان لو وقع على الوجه الذي لا يقبح لم تستحقّ به العقوبة ، فكذلك إذا لم يقع. وكما ينظر في استحقاق العقوبة بالفعل أن يقع على الوجه الذي يقبح ، حتى لو وقع في أوّله لا على الوجه الذي يقبح ، ثم انتهى إلى أن يحصل على الوجه الذي يقبح ، لم يجب أن تستحقّ به العقوبة في الأوّل ؛ فكذلك القول فيه ، ما دام معدوما غير واقع. ألا ترى أن من جوّز البقاء على الاعتقاد ، فلا بدّ من أن يقول في التقليد إذا ضامّه العلم المجانس له أن يصير علما فيستحقّ عنده عليه المدح ، ومن قبل ما كان يستحقّ ؛ فكذلك القول فيما ذكرناه. ولم نورد هذه المسألة إلّا على جهة التقدير ، لأن في جواز ذلك في الاعتقاد خلافا كبيرا (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٦ ، ١٥)

فاعل العدل

ـ مذهب النظّام أنّ القبح إذا كان صفة ذاتيّة للقبيح ، وهو المانع من الإضافة إليه فعلا ، ففي تجويز وقوع القبيح منه (الله) قبح أيضا ، فيجب أن يكون مانعا. ففاعل العدل لا يوصف بالقدرة على الظلم. وزاد أيضا على هذا الاختباط فقال : إنّما يقدر على فعل ما يعلم أنّ فيه صلاحا لعباده ، ولا يقدر على أن يفعل بعباده في الدنيا ما ليس فيه صلاحهم. هذا في تعلّق قدرته بما يتعلّق بأمور الدنيا (ش ، م ١ ، ٥٤ ، ٦)

فاعل على الحقيقة

ـ كان (الأشعري) يذهب إلى أنّ الفاعل على الحقيقة هو الله عزوجل ، ومعناه معنى المحدث وهو المخرج من العدم إلى الوجود. وكان يسوّي في الحقيقة بين قول القائل" خلق" و" فعل" و" أحدث" و" أبدع" و" أنشأ" ، و" اخترع" و" ذرأ" و" برأ" و" ابتدع" و" فطر". ويخصّ الله تعالى بهذه الأوصاف على الحقيقة ، ويقول إنّها إذا أجريت على المحدث فتوسّع ، والحقيقة من ذلك يرجع إلى معنى الاكتساب. وكان يصف المحدث على الحقيقة أنّه مكتسب ، ويحيل وصف الله تعالى بذلك (أ ، م ، ٩١ ، ١٦)

ـ إنّ الطريق الذي به نعلم إثبات القدرة هو الطريق الذي به نعلم تعلّقها بالضدّين. وذلك لأنّا إنّما نثبت القدرة بكون الواحد منا قادرا ، وكونه قادرا إنّما يثبت بكونه فاعلا ومحدثا. والذي به نعرف أنّه محدث لأفعاله هو وجوب وقوع تصرّفه بحسب أحواله. وقد علم أنّ ذلك ليس بمقصور على فعل دون فعل ، لأنّا ما لم

نتصوّر في الواحد منّا أنّه يجوز منه أن يتحرّك يمنة ويسرة ويأتي بأفعال مختلفة ومتضادّة لم نعلمه فاعلا على الحقيقة. فإذا كان ما به يثبت قادرا يقتضي كونه قادرا على الضدّين فينبغي فيما أوجب كونه قادرا أن يطابقه في التعلّق ، وهذا يقتضي أن تكون القدرة متعلّقة بالضدّين. ويجب إذا كان حكم القادرين أجمع فيما ذكرناه سواء أن تتّفق أحوال القدر أيضا فيما بيّنا (ق ، ت ٢ ، ٤٨ ، ٧)

فاعل في الشاهد

ـ إنّا قد دللنا من قبل على أنّ الفاعل في الشاهد لا يكون حيّا قادرا إلّا بمعاني حادثة تحلّه ، ويستحيل كون العرض محلّا. وذلك يمنع من كون الحيّ القادر عرضا (ق ، غ ١١ ، ٣٢١ ، ١٣)

فاعل القبيح

ـ ما نقوله من أنّ حسن الشيء يتبع العلم بوجه حسنه ، لا يقدح فيما قلناه. لأنّا قد أوجبنا أن لا نعلم حسن الذمّ والمدح ، إلّا وقد نعلم تعلّق الفعل به على وجه يكون حاله معه بخلاف حاله مع غيره. ولا يمتنع أن نعلم في الجملة أن من حق فاعل القبيح أن يستحقّ الذمّ ، إذا كان على صفة ؛ ومن حق فاعل الواجب أن يستحقّ المدح ، إذا كان على صفة. كما نعلم أنّ من حق الظلم أن يكون قبيحا ، ويحتاج إلى الاستدلال عند التعيين في أن الضرر ظلم ، وفي أن زيدا فاعل للقبيح ، فيكون ما قدّمناه غير كاف في أنّ زيدا بعينه قد استحقّ الذمّ على هذا الفعل دون أن ينضاف إليه الاستدلال على حال فاعله مفصّلا ، وتعلّقه به على جهة التفصيل (ق ، غ ٨ ، ٣٠ ، ١٣)

ـ وبعد ، فإنّ فاعل القبيح من حقّه ، إذا كان عالما بقبحه ، أن يستحقّ الذمّ ، فعله على الوجه الذي يقبح أو لم يفعله كذلك. ولهذا يستحقّ الواحد منّا الذمّ على الجهل ، وإن لم يجز أن يقع إلّا قبيحا. فيجب ، وإن كان يصحّ من حيث كان كسبا ، أن لا يخرج تعالى من أن يستحقّ الذمّ إن كان هو الخالق له (ق ، غ ٨ ، ١٩٧ ، ٦)

فاعل للمبتدإ

ـ إنّ الطريقة التي بها يستدلّ على أنّ أحدنا فاعل للمبتدإ من أفعاله وجوب وقوعه بحسب أحواله. وما به يستدلّ على أنّه فاعل للمتولّد وقوعه بحسب ما فعله من الأسباب. فإذا وجد مثل هذه الطريقة في فعله جلّ وعزّ فكيف لا يجعل متولّدا (أ ، ت ، ٥٨٤ ، ١٦)

فاعل للمتولّد

ـ إنّ الطريقة التي بها يستدلّ على أنّ أحدنا فاعل للمبتدإ من أفعاله وجوب وقوعه بحسب أحواله. وما به يستدلّ على أنّه فاعل للمتولّد وقوعه بحسب ما فعله من الأسباب. فإذا وجد مثل هذه الطريقة في فعله جلّ وعزّ فكيف لا يجعل متولّدا (أ ، ت ، ٥٨٤ ، ١٧)

فاعل لما هو ملجأ إليه

ـ في أنّ من شرط المكلّف زوال الإلجاء عنه في فعل ما كلّف. اعلم أنّ الغرض بالتكليف التعريض لمنازل الثواب. فكل معنى أخرج المكلّف من أن يستحقّ بفعله المدح لم يجز أن يتناوله التكليف. وقد صحّ في الشاهد أنّ الفاعل لما هو ملجأ إليه لا يستحقّ به المدح.

وكذلك لا يستحقّ المدح إذا لم يفعل ما هو ملجأ إلى ألّا يفعله. فيجب ألّا يكلّف ما هذا حاله (ق ، غ ١١ ، ٣٩٣ ، ٤)

فاعل مختار

ـ قول أبي موسى (المردار) رحمه‌الله هو الحق ، إذ وصف الله بالقدرة على العدل وعلى خلافه وعلى الصدق وعلى خلافه ، لأنّ هذه هي حقيقة الفاعل المختار أن يكون إذا قدر على فعل شيء قدر على ضدّه وتركه. وكان إذا قيل له : فلو فعل ما يقدر عليه من الظلم كيف كانت تكون صفته؟ فكان يقول : هذا فيما بيننا يقبح أن يذكر به الرجل الصالح منا ، فالله تعالى أولى بتنزيهه عن ذلك (خ ، ن ، ٥٣ ، ٢٠)

ـ إنّ العقل في الشاهد يدلّ على فاعل مختار حتى صار كالحقيقة فيه فلا يتغيّر شاهدا وغائبا. ولو أنّهم أرادوا بذلك الفاعل المختار فلا مشاحة بيننا وبينهم إلّا في العبارة ، والمرجع فيها إلى أرباب اللسان وأهل اللغة ، ومعلوم أنّهم لا يسمّون الفاعل نفسا ولا عقلا ولا علّة (ق ، ش ، ١٢١ ، ٤)

ـ إنّ العبد هو الفاعل المختار ؛ لأنّ الخشوع في الصلاة لا يكون إلّا بفعل من قبله على وجه مخصوص. والإعراض عن اللغو لا يصحّ وصفه به إلّا مع قدرته عليه. ولا يحوز أن يكون فاعلا للزكاة إلّا بأن يحدث الفعل الذي يقدر عليه. ولا يصحّ أن يحفظ فرجه على شيء مخصوص إلّا وهو متخيّر لفعله يختار بعضه على بعض. ولا يجوز أن يوصف بأنّه للأمانة راع إلّا بأن يختار فعلا على فعل ، وكذلك القول في المحافظة على الصلاة (ق ، م ٢ ، ٥١٥ ، ٣)

ـ وبعد ، فإن العقلاء على اختلاف أحوالهم لا يدفعون العلم بتعلّق تصرّف الفاعل المختار به ووقوعه بحسب قصده ، وإنّما يختلفون في مرتبة تأتّيه ، فمنهم من يقول : إنّه محدثه ، ومنهم من يقول : إنّه مكتسبه ، ومنهم من يعلّقه بالطبع ، ومنهم من يزعم أنّ الله تعالى أحدثه بحسب قصده. فأمّا أن يدفع أحد منهم بوقوعه بحسب قصده ، فلا فرق بين أن يقال في ذلك ، وحاله ما قلناه أنّه ليس بضروريّ ، وبين أن يقال مثله في سائر الضروريّات من المشاهدات وغيرها (ق ، غ ٨ ، ٨ ، ١٦)

ـ لا يصحّ إثبات قديم بأن يقال : إنّه علّة في حدوث الأشياء ، ولأنّ كونه علّة في حدوثها يوجب إبطال حدوثها وكونها قديمة. وبعد ، فإنّ ما خلقه وأحدثه لو كان حادثا لعلّة لنقض ذلك كونه حادثا بالفاعل ؛ لأنّ ما وجب وجوده للعلّة استغنى في وجوده عن القادر ؛ كما أنّ ما وجد من جهة أحد القادرين يستغني في وجوده من جهته عن القادر الثاني. وقد ثبت أنّه تعالى قادر فاعل مختار ، فيجب إبطال ما يؤدّي إلى نقض ذلك فيه (ق ، غ ١١ ، ٩٤ ، ١٢)

ـ إنّ الفاعل المختار إنّما يفعل بواسطة القصد والاختيار ، وكل من كان كذلك كان فعله محدثا (ف ، أ ، ٣٢ ، ٢)

ـ إنّما يتصوّر الاستحقاق على الفاعل المختار إذا كان ممّن يتوقّع منه أو يصحّ منه أن يظلم ، فيمكن حينئذ أن يقال قد وجب عليه كذا واستحقّ عليه كذا ، فإمّا من لا يمكن أن يظلم ولا يتصوّر وقوع الظلم منه ولا الكذب ولا خلف الوعد والوعيد فلا معنى لإطلاق الوجوب والاستحقاق عليه (أ ، ش ٣ ، ٣٠ ، ٢٧)

ـ الفاعل المختار : هو الذي يصحّ أن يصدر عنه الفعل مع قصد وإرادة (ج ، ت ، ٢١١ ، ١٢)

ـ أبو علي : لا متولّد في أفعال الله تعالى لاستلزامه الحاجة إلى حيث كان لا يقدر عليه إلّا به ، والله تعالى يقدر عليه ابتداء ، فهو فاعل مختار (ق ، س ، ١٠٥ ، ١٢)

فاعل ممكن

ـ إنّ كلّا يعلم أنّه فاعل ممكّن مما يفعله ، مؤثّر له غيره مما لو منع عنه لعظم ذلك واشتد. وأنّه اختار على ضدّه ، فلا سبيل إلى دفع حقيقة ذلك ؛ إذ يعلم كل ذلك من نفسه ، ولمّا صار ذلك لأهله كالعيان والحس الذي لا يتخيل إليه على الغلط ، ثم يجد كل واحد فعله خارجا على غير الذي يقدّره عقله من الحسن والقبح وعلى غير الذي يبلغه علمه من التقدير بالمكان والزمان ، وعلى ما لا تقصده نفسه من التعب والألم ولا تستعمله قدرته في مثله ، على ما ليس عنده في قدرته نقصان ، فثبت أنّ أفعالهم من هذه الوجوه التي كادت تصير حسّية عيانيّة ليست لهم ، فمن رام تحقيقها عنهم من هذه الوجوه أو نفيها عنهم من الوجوه المتقدّمة فهو يكابر عقله ويعاند حسه (م ، ح ، ٣١٠ ، ٣)

فاعل الواجب

ـ ما نقوله من أنّ حسن الشيء يتبع العلم بوجه حسنه ، لا يقدح فيما قلناه. لأنّا قد أوجبنا أن لا نعلم حسن الذمّ والمدح ، إلّا وقد نعلم تعلّق الفعل به على وجه يكون حاله معه بخلاف حاله مع غيره. ولا يمتنع أن نعلم في الجملة أن من حق فاعل القبيح أن يستحقّ الذمّ ، إذا كان على صفة ؛ ومن حق فاعل الواجب أن يستحقّ المدح ، إذا كان على صفة. كما نعلم أنّ من حق الظلم أن يكون قبيحا ، ويحتاج إلى الاستدلال عند التعيين في أن الضرر ظلم ، وفي أن زيدا فاعل للقبيح ، فيكون ما قدّمناه غير كاف في أنّ زيدا بعينه قد استحقّ الذمّ على هذا الفعل دون أن ينضاف إليه الاستدلال على حال فاعله مفصّلا ، وتعلّقه به على جهة التفصيل (ق ، غ ٨ ، ٣٠ ، ١٤)

فاعلان

ـ اعلم أنّ الفاعلين منّا على ضربين. أحدهما مكلّف والثاني غير مكلّف. فمن ليس بمكلّف إنّما يتأتى فيه حكمان من هذه الأحكام ، القبيح وما ليس له صفة زائدة على الحسن ، فيكون في حكم المباح وإن كنّا لا نسمّيه بذلك لعدم التعريف والدلالة فيه ، فالقبيح الذي يقع من غير المكلّف هو ما يقع من الساهي والنائم والمجنون والبهيمة والطفل ، فإنّ عندنا أنّه وإن لم يثبت فيهم حكم القبيح من استحقاق الذمّ لفقد الشرط فيهم وهو كمال العقل ، فقد يقع منهم ما هو قبيح. خلافا لما قاله" الشيخان" من أن فعل من ليس بعاقل لا يوصف بالقبح ، ثم الذي يقع من هؤلاء من القبائح ، هو ما كان قبحه لصفة ترجع إليه كنحو الظلم والكذب وغيرهما ، لأنّه إنّما يقبح لهذا الوجه الجاري مجرى العلّة لقبحه ، فلا يصحّ مع قبحه إلّا أن يكون قبحا (ق ، ت ١ ، ٢٤٣ ، ٢)

فان

ـ إنّ الباقي لو كان له بكونه باقيا حال ، لوجب أن يكون للفاني بكونه فانيا حال ، لأنّه نقيض الباقي ؛ ولو كان كذلك لوجب أن يكون كون

الفاني فانيا مشروطا بما يكون الباقي مشروطا به ، لأنّ الصفتين المتضادّتين يجب أن تكون كل واحدة منهما مشروطة بما الأخرى مشروطة به. وقد علمنا أنّ كونه باقيا مشروط بتوالي الوجود ، فكذلك كونه فانيا يجب أن يكون مشروطا بذلك ، حتى يلزم أن يكون الفاني فانيا مستمرّ الوجود كما أنّ الباقي يكون باقيا مستمرّ الوجود ـ وفي علمنا بخلاف ذلك دلالة على صحة ما قلناه (ن ، د ، ٥٧ ، ١٨)

ـ الباقي ليس له بكونه باقيا حال أكثر من أنّه وجد بعد أن كان موجودا. فبالطريق الذي به نعرف أنّ الفاني ليس له بكونه فانيا حال أكثر من أنّه عدم بعد أن كان موجودا ، به نعلم أيضا أنّ الباقي ليس له بكونه باقيا حال أكثر من أنّه وجد بعد أن كان موجودا (ن ، د ، ٥٨ ، ١٣)

فتيا

ـ الذين تكلّموا في الفتيا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه عند إبراهيم لا يعدون أمورا : إمّا أن يكونوا قالوا برأيهم ، فذلك منهم خطأ لا يضلّون به عنده ولا يخرجون من الولاية ولا يستحقون به العداوة ، وإمّا أن يكونوا تكلّموا فيها ليستخرجوا الحق من جمل الكتاب والسنّة فذلك حق وصواب ، وإمّا أن يكونوا تكلّموا على جهة الإصلاح بين الناس فذلك أيضا حق وهدى (خ ، ن ، ٧٤ ، ٢١)

فرائض

ـ حكى حاك عن الخوارج أنّهم لا يرون على الناس فرضا ما لم يأتهم الرسل وأنّ الفرائض تلزم بالرسل واعتلّوا بقول الله عزوجل : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء : ١٥) (ش ، ق ، ١٢٧ ، ٥)

فرائض الدين

ـ إنّ فرائض الدين وشرائع المسلمين ، وجميع فرائض المسلمين وسائر المكلفين على ثلاثة أقسام : فقسم منها : يلزم جميع الأعيان وكل من بلغ الحلم وهو : الإيمان بالله عزوجل ، والتصديق له ، ولرسله ، وكتبه ، وما جاء من عنده ، والعبادات على كل مكلّف بعينه ؛ من نحو الصلاة ، والصيام ، وما سنذكره ونفصله فيما بعد إن شاء الله. والقسم الثاني : واجب على العلماء دون العامة ، وهو القيام بالفتيا في أحكام الدين ، والاجتهاد ، والبحث عن طرق الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، وهذا فرض على الكفاية دون الأعيان ، وما تنفذ به الأحكام من سنن الرسول عليه‌السلام ، وغسل الميت ، ومواراته ، والصلاة عليه ، والجهاد ، ودفع العدو ، وحماية البيضة وما جرى مجرى ذلك مما هو فرض على الكفاية. فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمّة. والقسم الثالث : من الواجبات من فرائض السلطان دون سائر الرعيّة : نحو إقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، وقبض الصدقات ، وتولية الأمراء ، والقضاة ، والسعادة ، والفصل بين المتخاصمين ، وهذا وما يتصل به من فرائض الإمام وخلفائه على هذه الأعمال دون سائر الرعيّة والعوام (ب ، ن ، ٢١ ، ١١)

فرض

ـ كان (الأشعري) لا يفرّق بين الفرض والواجب في المعنى. وكان يقول إنّ السنّة على أنحاء ، فمنها ما يجب علمه والعمل به ، ومنها ما يجب العمل به دون القطع بغيبه. وهذا على نحو ما ذكرناه قبل عنه في تقسيمه الأخبار وقوله بأنّ

المتواتر منها يقطع بغيبه ، والآحاد يعمل به ولا يقطع بغيبه (أ ، م ، ٢٦ ، ٦)

ـ إنّما يتجنّب وصف أفعاله ـ تعالى ـ بأنّها فرض عليه ؛ لأنّ وصف الواجب بأنّه فرض يقتضي أن مقدّر قدّر إيجابه عليه ، فلمّا لم تجب عليه الواجبات من جهة غيره لم يوصف بذلك ، وإن وصف الواحد منّا به لمّا وجب عليه الواجب بإيجابه ـ سبحانه ـ ولمثل ذلك قلنا : إنّ أفعاله توصف بأنّها حسنة ، ولا توصف بأنّها ندب ، ولا العقاب من فعله يوصف بأنّه مباح ؛ لما فيه من إيهام كون غيره مبيحا له أو معرّفا له حال الفعل (ق ، غ ١١ ، ٤٢٩ ، ٦)

ـ يوصف الواجب بأنّه" فرض". ومعناه أنّه قد فرض وجوبه وقدّر ، بأن أعلم وجوبه أو دلّ عليه. ولذلك لا توصف الواجبات من أفعال الله تعالى بأنّها" فرض" (ب ، م ، ٣٦٩ ، ١٧)

ـ حكى الشيخ أبو عبد الله عن أهل العراق أنّ" الفرض هو الواجب الذي طريق وجوبه مقطوع به" ؛ وأنّ" الواجب الذي ليس بفرض ، هو ما كان طريق وجوبه يدخله الأمارات والظنون" (ب ، م ، ٣٦٩ ، ١٩)

ـ معنى (وَفَرَضْناها) (النور : ١) فرضنا أحكامها التي فيها ، وأصل الفرض القطع : أي جعلناها واجبة مقطوعا بها والتشديد للمبالغة في الإيجاب وتوكيده ، أو لأنّ فيها فرائض شتى وأنّك تقول فرضت الفريضة وفرضت الفرائض ، أو لكثرة المفروض عليهم من السلف ومن بعدهم (ز ، ك ٣ ، ٤٦ ، ١١)

فرض في إيجاب النظر

ـ اعلم أنّ الفرض في إيجاب النظر الوصول إلى المعرفة المتولّدة عنه. لأنّ الوجه الذي له يحسن ويجب ، يقتضي ذلك ، لأنه إنّما يحسن من حيث يتطرّق به إلى زوال الشبه والمعرفة ، فإنّما يجب تحرّزا من المضرّة التي إنّما يتمّ الفرض فيها بالمعرفة. فلا يجوز إذن أن يجب إلّا لأجل المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٤٩٠ ، ٣)

فرع

ـ الفرع ما اختلفوا فيه ولم يجمعوا عليه ، وإنّما وقع الاختلاف في ذلك لاختلاف النظر والتمييز فيما يوجب النظر والاستدلال بالدليل الحاضر المعلوم على المدلول عليه الغائب المجهول. فعلى قدر نظر الناظر واستدلاله يكون دركه لحقيقة المنظور فيه والمستدل عليه (ر ، أ ، ١٢٥ ، ٦)

ـ أصل السنّة التي جاءت على لسان الرسول ما وقع عليه الإجماع بين أهل القبلة ، والفرع ما اختلفوا فيه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكل ما وقع فيه الاختلاف من أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فهو مردود إلى أصل الكتاب والعقل والإجماع (ر ، أ ، ١٢٥ ، ١٧)

فرقان

ـ قيل : يسمّى فرقانا ، لما فرّق فيه بين الحق والباطل. وهما واحد (م ، ت ، ١٥٤ ، ١٠)

ـ الفرقان مصدر فرّق بين الشيئين : إذا فصل بينهما ، وسمّي به القرآن لفصله بين الحق والباطل ، أو لأنّه لم ينزل جملة واحدة ولكن مفروقا مفصولا بين بعضه وبعض في الإنزال (ز ، ك ٣ ، ٨٠ ، ١٦)

فروع

ـ من المعلوم أنّ الدين إذا كان منقسما إلى معرفة

وطاعة ، والمعرفة أصل والطاعة فرع ، فمن تكلّم في المعرفة والتوحيد كان أصوليا ، ومن تكلّم في الطاعة والشريعة كان فروعيا (ش ، م ١ ، ٤١ ، ١٩)

ـ الأصول هو موضوع علم الكلام ، والفروع هو موضوع علم الفقه (ش ، م ١ ، ٤١ ، ١٩)

ـ قال بعض العقلاء : كل ما هو معقول ، ويتوصّل إليه بالنظر والاستدلال ؛ فهو من الأصول.

وكل ما هو مظنون أو يتوصّل إليه بالقياس والاجتهاد فهو من الفروع (ش ، م ١ ، ٤٢ ، ٢)

فساد

ـ إنّ قاسما كان يزعم أنّ الفساد في الحقيقة هي المعاصي ، فأمّا ما يفعله الله من القحط والجدب وهلاك الزرع ، فإنّما ذلك فساد وشرّ على المجاز لا في التحقيق بل هو في الحقيقة صلاح وخير ، إذ كان الله جل ذكره إنّما يفعله بخلقه نظرا لهم ليصبروا على ما نالهم من ذلك فيستحقون الخلود في الجنة ، وليذكرهم بما ينالهم من شدّة ذلك شدائد القيامة وأليم عذابها فيزدجروا عن المعاصي فيسلموا من عذاب ذلك اليوم ، وليس يكون ما نجّى من العذاب بالنار وأورث الخلود في الجنان فسادا ولا شرا ، بل هو نفع وخير وصلاح في الحقيقة (خ ، ن ، ٦٥ ، ١٤)

فسق

ـ إن الفسق اسم من أسماء الذنوب ، لقوله : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات : ١١) ، ومن لم يتب من فسقه وظلمه فهو من أهل النار ليس بخارج منها ، ولكنّه وإن كان فليس عذابه كعذاب الكفّار ، بل الكفّار أشدّ عذابا (ر ، ك ، ١٥٥ ، ٤)

ـ إنّ السارق ... لو أخذ أربعة دراهم ثم أخذ بعدها أربعة أخرى فقد فسق بمنعه الأربعة الأولى والأربعة الثانية ، فأمّا في نفس الأخذ فلم يفسق ، لأنّهم إنّما يفسّقون سارق خمسة دراهم أو خائنها قياسا على مانع الزكاة (خ ، ن ، ٧٠ ، ١٩)

ـ الفسق اسم الخروج عن الأمر ، وجائز ذلك على أقسام ثلاثة : يخرج مما هو أمر إرشاد وفرض واعتقاد ، وكذلك الظلم ، إذ هو اسم لوضع الشيء غير موضعه ، والعصيان اسم للخلاف ، فمن رتب الكلّ في الجزاء أو في حقيقة المعنى وأراد أن يزيد اسم الإيمان بكل ذلك فنفسه يظلم ، ولدفع ما فرّق الله ورسوله والأئمة يتعرّض (م ، ح ، ٣٤٣ ، ٧)

ـ إنّ الفسق إذا لم يكن كفرا فلا ينفي الإيمان بوجه من الوجوه (أ ، م ، ١٥٤ ، ١١)

ـ القبيح ضربان : أحدهما صغير ، والآخر كبير. والصغير هو الذي لا يزيد عقابه وذمّه على ثواب فاعله ومدحه. والكبير هو ما لا يكون لفاعله ثواب أكثر من عقابه ، ولا مساو له. والكبير ضربان : أحدهما يستحقّ عليه عقاب عظيم ؛ وهو الكفر. والآخر يستحقّ عليه دون ذلك القدر من العقاب ؛ وهو الفسق (ب ، م ، ٣٦٤ ، ١٤)

ـ إنّ تارك الفريضة التي ليست بإيمان يقال له : فسق ، ولا يقال له فاسق على الإطلاق إذا لم يتركها جاحدا (ب ، ف ، ٢٠٤ ، ٣)

ـ الفسق : الخروج عن القصد ، قال رؤبة : فواسقا عن قصدها جوائرا. والفاسق في الشريعة : الخارج عن أمر الله بارتكاب

الكبيرة ، وهو النازل بين المنزلتين : أي بين منزلة المؤمن والكافر ، وقالوا : إنّ أوّل من حدّ له هذا الحدّ أبو حذيفة واصل بن عطاء رضي الله عنه وعن أشياعه ، وكونه بين بين أن حكمه حكم المؤمن في أنّه يناكح ويوارث ويغسل ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين ، وهو كالكافر في الذم واللعن والبراءة منه واعتقاد عداوته وأن لا تقبل له شهادة (ز ، ك ١ ، ٢٦٧ ، ١٤)

ـ سمّي الفسق كفرا تغليظا وتشديدا في الزجر عنه (أ ، ش ١ ، ٢٢٠ ، ٣)

ـ أبو رشيد : يجوز كفر لا دليل عليه ، كالفسق ، إذ للفسق أحكام أيضا كردّ الشهادة. قاضي القضاة : ردّها ليس من أحكام الفسق ، إذ قد يرد من غير فاسق. قلت : سلّمنا ، فاستلزام تعيين الصغائر مانع في الفسق دون الكفر (م ، ق ، ١٣٦ ، ١٢)

ـ الفسق ، لغة : الخروج ، وفي عرفها : الخروج من الحدّ في عصيان أهل الشرك وهو الخباثة ، ومنه قيل للخبيثة : يا فاسق. ودينا : ارتكاب كبيرة عمدا لم يرد دليل بخروج صاحبها من الملّة (ق ، س ، ١٨٧ ، ١٦)

فصل

ـ إنّ ما كان أكثر من واحد فهو واقع تحت جنس العدد ، وما كان واقعا تحت جنس العدد فهو نوع من أنواع العدد ، وما كان نوعا فهو مركّب من جنسه العام له ولغيره ، ومن فصل خصّه ليس في غيره ، فله موضوع وهو الجنس القابل لصورته وصورة غيره من أنواع ذلك الجنس ، وله محمول وهو الصورة التي خصّته دون غيره ، فهو ذو موضوع وذو محمول ، فهو مركّب من جنسه وفصله ، والمركّب مع المركّب من باب المضاف الذي لا بدّ لكل واحد منهما من الآخر (ح ، ف ١ ، ٤٤ ، ٢٤)

ـ إنّ الفصل لا يتحقّق ما لم يتحقّق في المفصول اشتراك ما في أعمّ وصف ، فيكون الفصل أعني ما به تميّز عن غيره من المشتركات أخصّ وصف الشيء ، والشيء إنّما يتميّز عن غيره بأخصّ وصفه وسلب صفة وشيء آخر عنه ، وبما يطلقه على أخصّ وصفه لا يكون نفسه أخصّ وصفه (ش ، ن ، ٢١٢ ، ١٦)

فصل بين الذم والعقاب

ـ اعلم أنّ أبا هاشم ذكر أنّ المكلّف إذا كان له في فعل ما كلّف لطف فلم يفعل به ذلك اللطف أو فعل به ما هو مفسدة له أو أغري بفعل القبيح وبعث عليه وكان ذلك أجمع من جهته تعالى ، لم يحسن منه تعالى أن يعاقبه ولا أن يذمّه. فسوّى بين سقوط العقاب وبين سقوط الذمّ عند هذه الحالة. وقال إنّه إذا كان كذلك صار في ارتكابه للقبيح وفي إخلاله بما وجب عليه كأنّه قد أتي من قبل غيره ، وصار كمن لم تزح علّته في فعل ما كلّف أو في تركه. وأجرى ذلك مجرى أن يحصل من جهة الله تعالى إبراؤه من العقاب وإسقاطه لما يستحقّه عليه من ذلك. والذي اختاره قاضي القضاة الفصل بين الذمّ وبين العقاب ، فقال : ينبغي أن يسقط عقابه عند هذه الأحوال ولا يسقط ذمّه. فجعل ما كان مستحقّا من قبل الله تعالى ومن قبل غيره أيضا على طريق الشياع غير ساقط ولا زائل ، وجعل ما يستحقّه منه تعالى خاصّة دون غيره زائلا وهو العقاب. وذلك لأنّ الذي لأجله يستحقّ الذمّ إنّما هو ارتكابه للقبيح مع علمه بقبحه وتمكّنه

من الاحتراز منه ، وعلى هذا يستحقّ الذمّ من سائر العقلاء وإن عرفوا استحقاق العقاب أو لم يعرفوه. ولأجل ذلك يقال إنّ القديم تعالى لو قدّر فاعلا للقبيح لثبت الذمّ تعالى عن ذلك للوجه الذي ذكرناه من الشروط وإن لم يثبت العقاب. ولهذا متى زال عن المكلّف العلم يقبح القبيح والتمكّن من العلم بقبحه ومن الاحتراز منه زال عنه الذمّ (ق ، ت ٢ ، ٣٧٨ ، ١٠)

فصل بين الملجأ والقادر

ـ قد اختلفت ألفاظ شيخنا أبي هاشم ـ رحمه‌الله ـ في الخائف من السبع ، فقال في موضع : لا يمتنع أن يكون ملجأ إلى الهرب ، وإن كان مخيّرا في سلوك الطريق ، وبيّن الفصل بينه (الملجأ) وبين القادر إذا لم يخلّ (بينه و) بين الفعل بأن قال : إنّ ما له يجب أن يفعل سلوك بعض الطريق هو كونه محمولا عليه ، فلا فرق بين ذلك وبين أن يحمل على سلوك طريق واحد. وذكر في موضع آخر أنّه يصير ملجأ إلى ألّا يقف هناك. وأمّا وقوع الأفعال منه فعلى جهة الاختيار. وهذا هو الأولى ؛ لأنّ الواجب اعتبار ما يصير له ملجأ ، فمتى خصّ الفعل كان ملجأ إليه ، ومتى خصّ الإخلال ببعض الأفعال كان ملجأ إلى ألّا يفعله. وقد علمنا أنّ ما له صار ملجأ إلى ألا يقف عند السبع يختصّ الوقوف دون سلوك الطريق ، وإنّما يحوج إلى سلوك الطريق لأنّه لا يمكنه الخروج مما ألجئ إلى ألّا يفعله إلّا به. ولذلك لو تمكّن من الخروج من ذلك بغير سلوك الطريق لم يقع منه ذلك ؛ لكنه لا يبعد أن يقال : إنّه ملجأ إلى سلوك الطريق ؛ من حيث لا يمكنه الانفكاك ممّا ألجئ إليه إلّا به. فأمّا الملجأ إلى ألّا يقتل ملك الروم لعلمه بأنّه لو حاوله لمنع منه فلا شبهة في أنّه يكون مخيّرا في أفعاله ؛ لأنّه غير مدفوع ببعض الأفعال للانفكاك مما ألجئ إلى ألّا يفعله. ولذلك قلنا في أهل الجنّة : إنّه ـ تعالى ـ وإن ألجأهم إلى ألّا يفعلوا القبيح بأن أعلمهم أنّهم إن راموه منعوا منه إن ذلك لا يخرجهم من أن يكونوا مخيّرين في أفعالهم مخالفين في ذلك الهارب من السبع (ق ، غ ١١ ، ٣٩٧ ، ١٠)

فصول

ـ إنّ الأعراض تنقسم إلى قسمين : أحدهما ذاتيّ لا يتوهّم بطلانه إلّا ببطلان حامله كالحسّ والحركة الإراديّة للحيّ وكذلك احتمال الموت للإنسان مع إمكان التمييز لعلوم ، والتصرّف في الصناعات وما أشبه هذا ، ومن هذه الأعراض تقوم فصول الأشياء وحدودها التي تفرّق بينها وبين غيرها من الأنواع التي تقع معها تحت جنس واحد ، فهذا القسم مقطوع على وجوده في كل ما وقع اسم حامله عليه ، والقسم الثاني غيريّ وهو ما يتوهّم بطلانه ولا يبطل بذلك ما هو فيه كاجترار البعير وحلاوة العسل وسواد الغراب ، فإن وجد عسل مرّ وقد وجدناه لم يبطل بذلك أن يكون عسلا ، وكذلك لو وجد غراب أبيض وقد وجد لم يبطل بذلك أن يكون غرابا ، فمثل هذا القسم لا يقطع على أنّه موجود ولا بدّ أبدا (ح ، ف ٢ ، ١٦٠ ، ٢٢)

ـ الأجناس والفصول ليست بتصديقات ، إنّما هي تصوّرات مفردة (ط ، م ، ٩٠ ، ٢٠)

فضل

ـ أما الحسن ، فضربان : أحدهما إمّا أن لا يكون له صفة زائدة على حسنه تؤثّر في استحقاق

المدح والثواب ، فيكون في معنى المباح ؛ وإمّا أن يكون له صفة زائدة على حسنه لها مدخل في استحقاق المدح. وهذا القسم إمّا أن لا يكون للإخلال به مدخل في استحقاق الذمّ ، وإمّا أن يكون له مدخل في استحقاق الذمّ. والأوّل في معنى الندب الذي ليس بواجب. وهو ضربان : أحدهما أن يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان إليه ، فيوصف بأنّه فضل. والآخر لا يكون نفعا موصلا إلى الغير على طريق الإحسان ، بل يكون مقصورا على فاعله ؛ فيوصف بأنّه مندوب إليه ، ومرغوب فيه ، ولا يوصف بأنّه إحسان إلى الغير (ب ، م ، ٣٦٥ ، ٣)

ـ إنّ الفضل ينقسم إلى قسمين لا ثالث لهما ، فضل اختصاص من الله عزوجل بلا عمل ، وفضل مجازاة من الله تعالى بعمل (ح ، ف ٤ ، ١١٢ ، ١٤)

ـ أمّا فضل الاختصاص دون عمل فإنّه يشترك فيه جميع المخلوقين من الحيوان الناطق والحيوان غير الناطق والجمادات والأعراض (ح ، ف ٤ ، ١١٢ ، ١٥)

ـ أمّا فضل المجازاة بالعمل فلا يكون البتّة إلّا للحي الناطق من الملائكة والإنس والجنّ فقط وهذا هو القسم الذي تنازع الناس فيه (ح ، ف ٤ ، ١١٣ ، ١)

ـ إنّ الفضل هو الخير نفسه لأنّ الشيء إذا كان خيرا من شيء آخر فهو أفضل منه بلا شكّ (ح ، ف ٤ ، ١٣٠ ، ٣)

ـ الفضل والفاضلة الإفضال ، ولفلان فواضل في قومه وفضول ، ومعناه أنّه مفضل عليهم بتأخير العقوبة وأنّه لا يعاجلهم بها ، وأكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه ولكنهم بجهلهم يستعجلون وقوع العقاب (ز ، ك ٣ ، ١٥٨ ، ٢٣)

فطر الخلائق

ـ قوله فطر الخلائق بقدرته من قوله قل من ربّ السموات والأرض وما بينهما (أ ، ش ١ ، ٢٠ ، ٤)

فعّال

ـ إنّ الفعّال الذي تبدو له البداوات في أفعاله إنّما ذاك بجهله بالأمور ، فإذا فعل فعلا وخبّر بخبر ثم تبيّن له أنّه ليس بصواب بدا له فيه وانتقل عنه إلى غيره ، والموصوف بهذا منقوص والنقص من أعلام الحدث ، ويتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا (خ ، ن ، ٩٥ ، ١٦)

ـ قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (هود : ١٠٧) إنّما يدلّ على أنّه تعالى لا يفعل إلّا ما يريده ، وليس فيه أنّ كل ما يريده سيقع (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٣٢٠ ، ٩)

فعل

ـ إنّ أبا الهذيل كان يزعم أنّ الله إذا فعل بقاءهم وسكونهم استحال أن يقال : هو قادر على أن يفعل بهم ما قد فعله ، وأن يوجد فيهم ما قد أوجده. ولكنّه كان قبل أن يخلق البقاء لهم والسكون فيهم قادرا على خلق البقاء وخلق السكون وعلى أضدادهما ، فلمّا خلق الحياة لهم والبقاء والسكون استحال القول بأنّ الله يقدر على أن يفعل الحياة التي قد فعلها والسكون الذي قد فعله ، أو البقاء الذي قد أوجده أو أضدادهما من الإفناء والحركة والموت ، لأنّ الفعل إذا خرج من القدرة خرج ضدّه منها بخروجه (خ ، ن ، ١٧ ، ١٨)

ـ قد قيل إنّ الواحد منا لا يجب أن يفعل فعلا بجميع قدره ، بل يجوز أن يكون في محلّ واحد أجزاء كثيرة من القدر ، ثم يفعله ببعضها دون بعض ، على ما كان يختاره الشيخ أبو عبد الله البصري. فيجوز على هذا المذهب أن يقال إنّ أحدنا لا يفعل اعتمادا بجميع قدره ؛ وإنّما يفعل ببعضها ، فلا يؤدّي إلى اجتماع اعتمادات كثيرة في جهة واحدة ، فكان يجب أن يحصل الجوهر ـ وقد علمنا خلاف ذلك (ن ، د ، ٤٣١ ، ١٠)

ـ عنده (أبو القاسم) لا يصحّ أن يفعل أحدنا الفعل من غير أن يريده ، لأجل أنّ الإرادة موجبة لذلك المراد ، ولا يمكنه أن يفعل ذلك إلّا بسبب (ن ، م ، ٣٦٧ ، ١٣)

ـ إذا بيّنا أنّ الإرادة ليست بموجبة ، وأنّها لو كانت موجبة ، لكان يصحّ أن يفعل مثل ذلك الفعل مع العلم به من غير إرادة ، بدلالة أنّ الله لو أعجزنا عن أفعال القلوب وأقدرنا على أفعال الجوارح وعرفنا ما لنا من النفع العظيم في تلك الأفعال ، لكان يجب لمكان هذا الداعي أن نؤثّرها وإن لم نكن مريدين لها ، وإذا كان كذلك ، لم يجب أن نريد ما نفعله لعرض يرجع إلى الداعي (ن ، م ، ٣٦٧ ، ١٦)

ـ اشترط في الكشف المشيئة ، وهو قوله إن شاء إيذانا بأنّه إن فعل كان له وجه من الحكمة ، إلّا أنّه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه (ز ، ك ٢ ، ١٨ ، ١٤)

ـ قوله (بشر) إنّ الاستطاعة هي سلامة البنية ، وصحّة الجوارح ، وتخليتها من الآفات. وقال : لا أقول : يفعل بها في الحالة الأولى ، ولا في الحالة الثانية ، لكنّي أقول : الإنسان يفعل ، والفعل لا يكون إلّا في الثانية (ش ، م ١ ، ٦٤ ، ١٠)

فعل

ـ قال صاحب الكتاب (ابن الروندي) : وكان يزعم (بشر بن المعتمر) أنّ الإنسان يقدر على فعل الألوان والطعوم والأراييح والحرّ والبرد واليبس والبلّة واللين والخشونة وجميع هيئات الأجسام. وقد كذب وقال الباطل : ليس يقول بشر بما حكاه عنه من فعل هيئات الأجسام. ما يستحيل عند بشر أن يقع من فعل غير الله ، وإنّما زعم بشر أنّ ما كان من الألوان يقع بسبب من قبله فهو فعله ، فأمّا ما لا يقع بسبب من قبله فذلك لله ليس له فعل فيه (خ ، ن ، ٥٢ ، ٥)

ـ ولئن جاز وقوع الفعل ممن لا يعلم كيف يفعله قبل فعله له ليجوزنّ وقوعه من غير قادر عليه ، لأنّ بعد الفعل ممن لا يعلم كيف يفعله كبعدة ممن لا يقدر عليه (خ ، ن ، ٨٢ ، ٧)

ـ قال" أبو الهذيل" الإنسان قادر أن يفعل في الأوّل وهو يفعل في الأوّل ، والفعل واقع في الثاني لأنّ الوقت الأوّل وقت يفعل والوقت الثاني وقت فعل. وحكي عن" بشر بن المعتمر" أنّه كان يقول : لا أقول يفعل في الأوّل ولا أقول يفعل في الثاني ، ولا أقول قادر أن يفعل في الأوّل ولا أقول قادر أن يفعل في الثاني ، وذكر القدرة مضمر مقدور (؟) عليه يستحيل (؟) كونه مع القدرة عليه وذكر العجز مضمر معجوز (؟) عنه يستحيل كونه مع العجز عنه ، ولسنا نقول أيضا عاجز في الأوّل أن يفعل في الأوّل أو أن يفعل في الثاني (ش ، ق ، ٢٣٣ ، ١٠)

ـ قال" النظّام" وأكثر المعتزلة أنّ الإنسان قادر في الوقت الأوّل أن يفعل في الوقت الثاني ، وأنّه يقال قبل كون الوقت الثاني أنّ الفعل يفعل في الوقت الثاني ، فإذا كان الوقت الثاني قد

(؟) فعل فالذي قيل يفعل في الثاني قبل كون الثاني هو الذي قيل فعل في الثاني إذا حدث الوقت الثاني (ش ، ق ، ٢٣٤ ، ٥)

ـ قال أكثرهم (المعتزلة) أنّ الإنسان قادر أن يفعل في الحال الثانية حلّ فيها العجز أو لم يحلّ ، وخلق (؟) العجز في الوقت الثاني لا يخرج القدرة أن تكون قدرة عليه إن لم يعجز فهو قادر أن يفعل في الحال الثانية ، وإن حلّ العجز فيها على شرط ، والشرط هو أنّه قادر عليه إن لم يعجز (ش ، ق ، ٢٣٤ ، ١٢)

ـ قال قائلون : هو قادر في الحال الأولى أن يفعل في الحال الثانية ، إن عجز في الحال الثانية فالفعل واقع مع العجز وليس بعجز عنه ، ولم يقل هؤلاء على الشرط الذي قاله الذين حكينا قولهم قبل (ش ، ق ، ٢٣٥ ، ١)

ـ اختلفت المعتزلة هل الفعل واقع بالاستطاعة أم لا على مقالتين : فقال" عبّاد" : القدرة لا أقول إنّي أفعل بها أو أستعملها. وقال أكثر المعتزلة الذين ثبّتوا قدرة الإنسان غيره : بل الفعل واقع بها (ش ، ق ، ٢٣٥ ، ٨)

ـ قال" الجبّائي" : الخلق هو المخلوق والإرادة من الله غير المراد ، وفعل الإنسان هو مفعوله ، وإراداته غير مراده ، وكان يزعم أنّ إرادة الله سبحانه للإيمان ، غير أمره به وغير الإيمان ، وإرادته لتكوين الشيء غيره (ش ، ق ، ٣٦٥ ، ٩)

ـ أمّا اللذّة والألوان والطعوم والأراييح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والجبن والشجاعة والجوع والشبع والإدراك والعلم الحادث في غيره عند فعله فذلك أجمع عنده (أبو الهذيل) فعل الله سبحانه ، وكان" بشر بن المعتمر" يجعل ذلك أجمع فعلا للإنسان إذا كان سببه منه (ش ، ق ، ٤٠٢ ، ١٦)

ـ لا يقع الفعل من القديم على طريق التولّد ولا يقع منه عن سبب ولا يقع منه إلّا على طريق الاختراع ، وقال قائلون : قد يفعل القديم على طريق التولّد ، فأمّا الأجسام فلا تقع منه متولّدة (ش ، ق ، ٤١٤ ، ١٠)

ـ الإنسان لا يفعل في الحقيقة ولا يحدث في الحقيقة ، وكان لا يقول أنّ البارئ يحدث كسب الإنسان ، فلزمه محدث لا لمحدث في الحقيقة ومفعول لا لفاعل في الحقيقة (ش ، ق ، ٥٣٩ ، ١٤)

ـ إنّ" برغوثا" قيل له مرّة : أتزعم أنّ البارئ فاعل؟ فقال : لا أقول ذلك لأن يفعل تهجين في الاستعمال ، يقال للإنسان بئس ما فعلت ، فألزم أن لا يكون البارئ خالقا ، لأنّ خالقا تهجين في نصّ القرآن ، قال الله عزوجل :

(وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) (ش ، ق ، ٥٤٠ ، ١٤)

ـ من" أهل الإثبات" من يقول إنّ الله يفعل في الحقيقة بمعنى يخلق ، وأنّ الإنسان لا يفعل في الحقيقة وإنّما يكتسب في التحقيق لأنّه لا يفعل إلّا من يخلق ، إذ كان معنى فاعل في اللغة معنى خالق ، ولو جاز أن يخلق الإنسان بعض كسبه لجاز أن يخلق كل كسبه ، كما أنّ القديم لمّا خلق بعض فعله خلق كل فعله (ش ، ق ، ٥٤١ ، ٦)

ـ إن قال قائل لم قلتم إذا كان من لم يزل غير متكلّم ولا مريد وجب أن يكون موصوفا بضدّ الإرادة والكلام إذا كان ممن لا يستحيل عليه الكلام والإرادة ، فما أنكرتم من أنّ من لم يزل غير فاعل وجب أن يكون موصوفا بضدّ الفعل وأن يكون تاركا فيما لم يزل ، قيل له لا يجب

ما قلته وذلك أنّ للكلام ضدّا ليس بكلام ، وللإرادة ضدّ ليس بإرادة ، فوجب لو كان الباري تعالى حيّا غير متكلّم ولا مريد أن يكون موصوفا بضدّ الكلام والإرادة. وليس للفعل ضد ليس بفعل ، فيجب بنفي الفعل عن الفاعل وجود ضدّه لأنّ الموجود إذا لم يكن محدثا كان قديما والقديم لا يضادّ المحدثات. فلمّا لم يكن للفعل ضدّ ليس بفعل ، لم يجب بنفي الفعل عن الله تعالى في أزله إثبات ضدّ. ولما كان للكلام ضدّ ليس بكلام ، وجب بنفي الكلام عن الله تعالى في أزله إثبات ذلك الضدّ لا محالة (ش ، ل ، ١٩ ، ٧)

ـ الدليل من القياس على خلق أعمال الناس أنّا وجدنا الكفر قبيحا فاسدا باطلا متناقضا خلافا لما خالف ، ووجدنا الإيمان حسنا متعبا مؤلما. ووجدنا الكافر يقصد ويجهد نفسه إلى أن يكون الكفر حسنا حقّا فيكون بخلاف قصده. ووجدنا الإيمان لو شاء المؤمن أن لا يكون متعبا مؤلما ولا مرمضا ، لم يكن ذلك كائنا على حسب مشيئته وإرادته. وقد علمنا أن الفعل لا يحدث على حقيقته إلّا من محدث أحدثه عليها لأنّه لو جاز أن يحدث على حقيقته لا من محدث أحدثه على ما هو عليه لجاز أن يحدث الشيء فعلا لا من محدث أحدثه فعلا.

فلمّا لم يجز ذلك صحّ أنّه لم يحدث على حقيقته إلّا من محدث أحدثه على ما هو عليه وهو قاصد إلى ذلك ، لأنّه لو جاز حدوث فعل على حقيقته لا من قاصد لم يؤمن أن تكون الأفعال كلّها كذلك ، كما أنّه لو جاز حدوث فعل لا من فاعل لم يؤمن أن تكون الأفعال كلها كذلك. وإذا كان هذا هكذا فقد وجب أن يكون للكفر محدث أحدثه كفرا باطلا قبيحا وهو قاصد إلى ذلك ، ولن يجوز أن يكون المحدث له هو الكافر الذي يريد أن يكون الكفر حسنا صوابا حقّا فيكون على خلاف ذلك. وكذلك للإيمان محدث أحدثه على حقيقته متعبا مؤلما مرمضا غير المؤمن الذي لو جهد أن يقع الإيمان خلاف ما وقع من إيلامه وإتعابه وإرماضه لم يكن له إلى ذلك سبيل. وإذا لم يجز أن يكون المحدث للكفر على حقيقته الكافر ولا المحدث للإيمان على حقيقته المؤمن فقد وجب ، أن يكون محدث ذلك هو الله تعالى رب العالمين القاصد إلى ذلك ، لأنّه لا يجوز أن يكون أحدث ذلك جسم من الأجسام ، لأنّ الأجسام لا يجوز أن تفعل في غيرها شيئا (ش ، ل ، ٣٨ ، ١٤)

ـ الأفعال لا بدّ لها من فاعل على حقيقتها لأنّ الفعل لا يستغني عن فاعل ، فإذا لم يكن فاعله على حقيقته الجسم وجب أن يكون الله تعالى هو الفاعل له على حقيقته. وليس لا بدّ للفعل من مكتسب يكتسبه على حقيقته ، كما لا بد من فاعل يفعله على حقيقته ، فيجب إذا كان الفعل كسبا كان الله تعالى هو المكتسب له على حقيقته (ش ، ل ، ٣٩ ، ١٦)

ـ إنّ في كون الاستطاعة كون الفعل فإذا كان قادرا على إقدارهم على الإيمان فهو قادر على أن يفعل ما لو فعله بهم لآمنوا (ش ، ل ، ٧٠ ، ١٠)

ـ قال الشيخ رحمه‌الله : وعندنا لازم تحقيق الفعل لهم بالسمع والعقل والضرورة التي يصير دافع ذلك مكابرا. فأمّا السمع فله وجهان : الأمر به والنهي عنه ، والثاني الوعيد فيه والوعد له ، على تسمية ذلك في كل هذا فعلا ، من نحو قوله : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) وقوله :

(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ) (الحج : ٧٧) وفي الجزاء (يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ) (البقرة : ١٦٧) ، وقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) ، وقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) (الزلزلة : ٧) ، وغير ذلك مما أثبت لهم أسماء العمال ، ولفعلهم أسماء الفعل بالأمر والنهي والوعد والوعيد ، وليس في الإضافة إلى الله سبحانه نفي ذلك ، بل هي لله بأن خلقها على ما هي عليه ، وأوجدها بعد أن لم تكن ، وللخلق على ما كسبوها وفعلوها (م ، ح ، ٢٢٥ ، ١٧)

ـ أنّه ثبت للعبد فعل في الحقيقة ، وأنّه له مختار ، وأنّه آثر الأشياء عنده وأحبها ، وأنّ خلق ذلك لم يدفعه إليه ، ولم يحمله ولم يضطرّه إليه ، فوجود ذلك ووجود علمه به وخبره عنه وإثباته في اللوح المحفوظ وإيجاب معاداته لوقت فعله وتسميته بما سمّي ، إذ لم يضطرّه إلى فعله ولا حمله عليه ، حسن معه الأمر والنهي والعذيب والإثابة (م ، ح ، ٢٤٣ ، ١٠)

ـ الأصل عندنا (أبو منصور الماتريدي) في المسألة أنّ وجود الفعل ولا قوّة لمن له الفعل عليه يبطل معنى الفعل ويصرفه إلى غيره ، وكذلك وجود الفعل ممن هو جاهل به ، وهو غير جائز ، ثم كان الخطاب لازما بسبب العلم ، وإن لم يكن حقيقته مما لو طلب يظفر به ، فكذلك القدرة ، والفاجر بالذي لا يلزمه الكلفة لفوت ما به يطاق به ، كما لا يلزم المجنون لفوت ما يعلم (م ، ح ، ٢٦٥ ، ١٩)

ـ ليس شرط الاختيار أن يفعل ما شاء ، ولكن يختار الأولى به أن يفعل ، فإذا فعل ما لا يعرف لما ذا فعل ثبت أنّ لغيره في فعله تدبيرا ، على ذلك خرج فعله ، والله الموفق (م ، ح ، ٢٧٩ ، ١٤)

ـ لا يقال فعل العبد بقدرة الله ، ولكن بقدرة طلبها من الله (م ، ح ، ٢٨٠ ، ١٠)

ـ ثم العبرة بما يوجبه ضرورة العقل ، [وهي] توجب ذلك ؛ إذ يعلم كل أحد أن فعله يخرج على غير الذي يريده من الحسن والقبح ، واللذة والألم ، والمحبة والسخط ، ثبت أنّ لغيرهم في خروج فعلهم على ما خرج إرادة على تلك الإرادة يخرج [الفعل] ، والله الموفق (م ، ح ، ٢٩٢ ، ٧)

ـ إنّ للعبد فعلا حقيقة لا مجازا (م ، ف ، ٩ ، ٢٢)

ـ قالت المجبرة لا فعل للعبد وله فعل على وجه المجاز لا على وجه الحقيقة (م ، ف ، ٩ ، ٢٤)

ـ أبو حنيفة وأصحابه رضي الله عنهم قالوا : الخلق فعل الله وهو إحداث الاستطاعة في العبد ، واستعمال الاستطاعة المحدثة فعل العبد حقيقة لا مجازا (م ، ف ، ١٠ ، ٩)

ـ إنّ الفعل إنّما تعلّق بفاعل حيّ قادر من حيث كان فعلا ؛ فإذا جاز وقوع بعض الأفعال من غير قادر ، خرج جميعها عن الحاجة إلى التعلّق بقادر (ب ، ت ، ٦٢ ، ٢٥)

ـ يدلّ على علمنا بتعلّق الفعل بالفاعل في كونه فعلا كتعلّق الفاعل في كونه فاعلا بالفعل ، فإنّ تعلّق الكتابة ، والصناعة بالكاتب والصانع ، كتعلّق الكاتب في كونه كاتبا بالكتابة ؛ فلو جاز وجود فعل لا من فاعل ، وكتابة لا من كاتب ، وصورة وبنية محدثة لا من مصوّر ، لجاز وجود كاتب لا كتابة له ، وصانع لا صنعة له ، فلما استحال ذلك وجب أن يكون اقتضاء الفعل للفاعل ودلالته عليه كاقتضاء الفاعل في كونه فاعلا ، لوجود الفعل وحصوله منه (ب ، ن ، ١٨ ، ١١)

ـ قوله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (الواقعة : ٢٤) قالوا. فأثبت لنا العمل ، والعمل هو الفعل ، والفعل هو الخلق ، فالجواب : أنّه تعالى أراد هاهنا بالعمل الكسب ، والعبد مكتسب على ما بيّنا. يدلّ على ذلك : أنّه قال في موضع آخر : (جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (التوبة : ٨٢) نحن لا نمنع أن يكون سمّى كسب العبد عملا له ، إنّما نمنع أن يكون العبد خالقا مخترعا لفعله مخرجا له من العدم إلى الوجود ، وقد بيّنا أنّ الخلق والاختراع والخروج من العدم إلى الوجود لا يقدر عليه إلّا الله تعالى ، فلم يكن لهم في الآية حجّة (ب ، ن ، ١٤٩ ، ١١)

ـ إنّا نرى من يريد شيئا ويقصده ولا يحصل ما يريد ولا يقصد. فإنّه ربما أراد أن ينطق بصواب فيخطئ ، وربما أراد أكلا لقوّة وصحة فيضعف ويمرض ، وربما ابتاع سلعة ليربح فيخسر ، وربما أراد القيام فيعرض له ما يمنعه منه ، إلى غير ذلك. فبطل ما ذكرتموه ، وصح أنّ فعله خلق لغيره ، يجري على حسب مشيئة الخالق تعالى ، وإنّما يظهر كسبه لذلك الفعل بعد تقدم المشيئة. والخلق من الخالق (ب ، ن ، ١٥٣ ، ١٨)

ـ حقيقة الفعل : هو ما يحصل من قادر من الحوادث. وهذا يوهم أنّ الفاعل يجب أن يكون قادرا حال وقوع الفعل لا محالة وليس كذلك ، فإنّ الرامي ربما يرمي ويموت قبل الإصابة. فالأولى أن يقال في حقيقة الفعل : هو ما وجد وكان الغير قادرا عليه. فلا يتوجّه عليه الاعتراض الذي وجّهناه على الأول. ثم إنّ بين المحدث وبين الفعل فرقا ، وهو أنّ المحدث يعلم محدثا وإن لم يعلم أنّ له محدثا ، وليس كذلك الفعل ؛ فإنّه إذا علم فعلا علم أنّ له فاعلا ما وإن لم يعلمه بعينه. ولهذا عاب قاضي القضاة على الأشعري في نقض اللمع استدلاله على أنّ للعالم صانعا بقوله : قد ثبت أنّ العالم صنع فلا بدّ له من صانع ، فقال : إنّ العلم بأنّ العالم صنع يتضمّن العلم بأنّ له صانعا ، فكيف يصحّ هذا الاستدلال؟ فحصل من هذه الجملة ، أنّه إذا علم الفعل فعلا يعلم أنّ له فاعلا ما على الجملة ، وإنّما يقع الكلام بعد ذلك في تعيين الفاعل (ق ، ش ، ٣٢٤ ، ١٠)

ـ في الناس من ذهب إلى أنّ الفعل إنّما يقع بطبع المحل ، أو بقوة له غالبة ، على ما ذكر عن الأوائل من المتفلسفين؟ (ق ، ش ، ٣٢٥ ، ١٤)

ـ إنّ الفعل ينقسم إلى : ما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، وإلى ما ليس له صفة زائدة على ذلك. ما لا صفة له زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، فهو كالحركة اليسيرة والكلام اليسير ، وذلك إنّما يقع من الساهي ولا مدح فيه. وما له صفة زائدة على حدوثه وصفة جنسه ، فهو فعل العالم بما يفعله (ق ، ش ، ٣٢٦ ، ٦)

ـ إنّ الصحّة إمّا أن يراد بها التأليف من جهة الالتئام ، أو اعتدال المزاج ، أو زاول الأمراض والأسقام ، وشيء من ذلك مما لا يؤثّر في وقوع الفعل ولا في صحّته لأنّ الفعل إنّما يصدر عن الجملة ، فالمؤثّر فيه لا بدّ من أن يكون راجعا إلى الجملة ، وهذه الأمور كلّها راجعة إلى المحل (ق ، ش ، ٣٩٢ ، ٥)

ـ ليس إلّا أن يقال إنّ صحّة الفعل ووقوعه إنّما هو لكونه قادرا ، وكونه قادرا لا يصحّ إلّا بالقدرة ، فثبتت القدرة بهذه الطريقة (ق ، ش ،

٣٩٢ ، ١١)

ـ القدرة محتاجة في وجودها إلى محل مبني بنية مخصوصة ، وهذه البنية إنّما ثبتت عند ثبات الصحة دون زوالها فلا يجب لهذه العلّة أن تستند صحّة الفعل إليها (ق ، ش ، ٣٩٢ ، ١٨)

ـ ثبت احتياج الفعل إلى القدرة ، وجب أن تلحق القدرة بما هو كالوصلة إلى الفعل من الآلات نحو القوس وغيرها ؛ ومعلوم أنّ ما هذا سبيله يجب فيها التقدّم. والذي يبيّن لك أنّ القدرة كالوصلة إلى الفعل ، هو أنّ الفعل إنّما يحتاج إلى القدرة لخروجه من العدم إلى الوجود ، وإذا كان محتاجا إليها في هذا الوجه وجب ما ذكرناه ؛ والذي يدلّ على أنّ الفعل إنّما يحتاج إلى القدرة لخروجه عن العدم إلى الوجود ، هو أنّه لا يخلو ؛ إمّا يكون محتاجا إليها لهذا الوجه ، أو لغيره : لا يجوز أن يكون محتاجا إليها لغير هذا الوجه لأنّ احتياج الفعل إلى القدرة ظاهر ، فلا يخلو ؛ إمّا أن يكون محتاجا إليها في حالة الوجود والحدوث ، أو في حالة العدم. لا يجوز أن يكون محتاجا إليها في حالة الوجود لأنّ حالة الوجود حالة الاستغناء عنها ، فليس إلّا أن يحتاج إليها في حالة العدم على ما نقوله (ق ، ش ، ٤١٢ ، ٤)

ـ إنّ الفعل إنّما يحسن لوقوعه على وجه ويقبح لوقوعه على وجه وذلك تابع للحدوث (ق ، ش ، ٤١٣ ، ١١)

ـ أمّا في المباشر ، فلأنّ الفعل إنّما يحتاج إلى القدرة لخروجه من العدم إلى الوجود ، فلو لم تتقدّمه ، بل توجد في حالة وقوع الفعل ، فإنّه لا يحتاج إليها بل يستغني عنها. وأمّا في المتولّدات فأظهر ، ألا ترى أنّ الرامي ربما يرمي ويخرج عن كونه قادرا قبل الإصابة ، بل عن كونه حيّا (ق ، ش ، ٤٢٤ ، ٨)

ـ إنّ كل فعل كلّفناه ينقسم إلى علم وعمل. والعلم وإن كان عملا أيضا فله حكم يختصّه لا يشاركه العمل الذي ليس يعلم فيه. فلهذا صحّ منه إفراده بهذا الاسم ولو أمكن إيراد عبارة تتناول هذا الذي جعلناه علما من دون ما يفيد فيه معنى العمل لكان الأولى أن نعبّر عنه بها ولكن ذلك متعذّر. فإذا صحّ ما قلناه بالعمل يفتقر إلى العلم والعلم لا يفتقر إلى العمل. وإنّما افتقر العمل إلى العلم لوجهين : أحدهما أنّه ما لم يعرف المرء الفعل الذي قد كلّف لا يمكنه الإتيان به. ولا يكفي أن يعرف عين الفعل دون أن يعرف الوجه الذي قد كلّف إيقاعه عليه ، إذ ليس المطلوب منه مجرّد الأفعال. وهذا وجه ثان يوجب حاجة العمل إلى العلم لكيلا يكون مقدّما على ما نجوّزه قبيحا ، وليكون واثقا أنّه قد أتى بما هو تكليفه. فأمّا العلم فقد يستقلّ بنفسه. ألا ترى أنّه قد يحصل العلم فيما يمتنع فيه العمل وهو نحو العلم بالله عزوجل وصفاته ، وإذا أمكن فيه العمل فقد يتفرّد علم واحد عن عمل آخر ، بل يلزم الغير ذلك العمل وهذا نحو العالم الفقير بعلم الغني حكم الزكاة فعليه العمل دونه (ق ، ت ١ ، ٥ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الفعل هو دلالة على أنّ الفاعل كان قادرا لا على أنّه قادر في الحال ، لأنّه كيف يدلّ على كونه قادرا في الحال وهذه الحالة يكون الفعل فيها موجودا؟ أفتراه قادرا على إيجاد الموجود؟ وإنّما صحّ أن يكون قادرا قبل الفعل لأنّه معدوم فيوجده. فأمّا في حال الفعل فلا يتأتّى ذلك (ق ، ت ١ ، ١٠٥ ، ١٥)

ـ اعلم أنّ الذي حدثه الفعل في الكتاب من قوله

ما حدث عن قادر في ظاهر اللفظ لا يستقيم ، فإنّ المتولّد يقع وهو فعل للواحد منّا ، وربّما كان حال حدوثه حال خروجه عن كونه قادرا بل عن كونه حيّا فلا يكون واقعا عمّن هو قادر. والأولى في اللفظ أن نقول ما حدث وكان الغير قادرا عليه فعلى هذا إذا عرف حدوثه ولم يعلّقه بالقادر فقد عرفه حادثا ولم يعرفه فعلا ، لأنّ العلم بكونه فعلا علم بحدوثه عن قادر ، فإذا أضيف إلى طبع كما علمه عليه" أصحاب الطبائع" أو أضافته" المجبرة" إلى قدرة موجبة ولم يعلّقوه بقادر ، فليس يعرفونه فعلا (ق ، ت ١ ، ٢٢٩ ، ٢)

ـ إنّ الفعل إمّا أن يحدث وليس له صفة زائدة على حدوثه أصلا أو له صفة زائدة على حدوثه. فالأوّل هو ما يقع على الحركة اليسيرة والكلام اليسير من الساهي والنائم ما لم يكن في ذلك يقع ولا ضرر ، فإنّه إن كان فيه واحد من هذين أمكنت تسميته قبيحا وحسنا على ما نختاره ، وإن كان الذمّ والمدح لا يثبتان فيه. ومعلوم أنّه قد يقع من الساهي والنائم ما ينتفع به من أبعاد البراغيث أو كسر شيء أو حكّ الجرب إلى ما شاكل ذلك وكل هذا خارج عمّا قصدناه بقولنا لا صفة له زائدة على حدوثه ، وأمّا أن تكون له صفة زائدة على حدوثه فهذا إمّا أن يقع ممن هو عالم به أو يقع ممن لا يعلمه. فإن وقع ممن لا يعلمه ولا يتمكّن من ذلك فلا حكم له ، وليس هذا هو المقصود بمسألتنا فإن سبيل ما ذكرناه هو ما يقع من النائم أو الساهي ، وقد أخرجناه عن هذه الجملة. وإذا وقع ممن هو عالم فإمّا أن يقع ولا إلجاء ولا إكراه أو يقع وهناك إلجاء وإكراه ، فهذا الثاني أيضا مما لا حكم له فيما أردناه وإن وصف بأنّه حسن أو قبيح ، ولكن حكم القبيح والحسن لا يثبت فيه ، فيجب عند هذه القسمة أن يكون الكلام في الفعل الواقع من العالم به أو المتمكّن من ذلك ولا إلجاء ولا ضرورة (ق ، ت ١ ، ٢٣٠ ، ٢٣)

ـ اعلم أنّ الفعل متى صحّ وقوعه على وجهين أوضح أن يقع على وجه ، وأن لا يقع عليه بأن لا يكون هناك وجهان. فعلى كل حال إذا اختصّ بهذا الوجه دون غيره أو اختصّ بأن حصل على هذا الوجه دون أن لا يحصل ، فلا بدّ من أمر ما ، لأنّه لو لم يكن هناك أمر من الأمور لما ثبت هذا الاختصاص. ثم ذلك الأمر يختلف فربما كان إرادة أو كراهة أو علما أو نظرا ، وجلّ ما ينصرف المرء فيه من هذه الأفعال تؤثّر فيه الإرادة دون غيرها (ق ، ت ١ ، ٣٠٥ ، ٢)

ـ الفعل يدلّ على أنّ الفاعل قادر وعالم أو مريد أو كاره (ق ، ت ١ ، ٣٣٢ ، ١٢)

ـ إنّهم أرادوا (مشايخنا) أن يفصلوا بين الفعل الذي يقع على ضرب من التقدير مطابق للحاجة وبين الفعل الذي ليس هذا سبيله بأن يقع مسهوا عنه أو زائدا على ما يحتاج إليه أو ناقضا عنه. فقالوا فيما كان بسبيل الأوّل أنّه مخلوق ، كما أنّهم لما رأوا أنّ في الأفعال ما يستدفع به ضررا أو يستجلب به نفع سمّوا ما هذا سبيله كسبا. ويدلّ عليه ما ظهر من حال أهل اللغة أنّهم فسّروا الخلق بالتقدير ويدلّ عليه قوله تعالى : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ) (المائدة : ١١٠) وقوله : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧).

وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ) (المؤمنون : ١٤). وقول الشاعر : " ولا ثبط بأيدي الخالقين" إلى ما شاكل ذلك. فدلّ أنّهم

استعملوه من التقدير المخصوص. وهذه فائدة وصفنا لله تعالى بأنّه خلق السماوات والأرض وخلق الموت والحياة. وقد كان لو لا ورود الشرع بالمنع من أن يطلق في غير الله أنّه خالق لكنّا نطلق في أفعالنا بأنّها مخلوقة. وفي أحدنا بأنّه خالقها إذا وقعت مقدّرة. ولكن السمع مانع من ذلك كما منع من إطلاق لفظ" الربّ" في غيره عزوجل ، وإن كان لفظه يقتضي المالك وو السيد وعلى ما تقتضيه طريقة اللغة (ق ، ت ١ ، ٣٤٤ ، ١٠)

ـ إنّ الفعل يدلّ عندنا على أنّ فاعله كان قادرا من قبل. ثمّ نعرف بتأمّل آخر هل استمرّ به هذا الوصف أو زال عند وجود هذا الفعل (ق ، ت ٢ ، ١٣٨ ، ٢٠)

ـ اعلم أنّ المستفاد بوصفنا الفعل بأنّه فعل ، أنّه وجد من جهة من كان قادرا عليه ؛ وكلّ من علمه كذلك علمه فعلا له ، ومن لم يعلمه كذلك لم يعلمه فعلا. ولذلك لا يصحّ أن نعلم كون القديم تعالى فعلا ، ولا المعدوم في حال عدمه (ق ، غ ٦ / ١ ، ٥ ، ٣)

ـ اعلم أنّ الفعل ينقسم إلى وجهين : أحدهما لا صفة له زائدة على وجوده ؛ فهذا لا يوصف بقبح ولا حسن عند شيوخنا رحمهم‌الله ؛ وذلك كفعل الساهي والنائم. والثاني له صفة زائدة على وجوده ، فلا يخلو من وجهين : إمّا أن يكون قبيحا أو حسنا ، لأنّه إمّا أن يعلم من حاله أنّه مما يستحقّ به الذمّ إذا انفرد فيكون قبيحا ؛ أو يعلم من حاله أنّه مما لا يستحقّ به الذمّ على وجه فيكون حسنا. ثم ينقسم إلى قسمين : أحدهما يسمّى فاعله بأنّه ملجأ إليه لقوّة دواعيه إلى إيجاده ، فلا يدخل في حيّز ما يستحقّ به الذمّ أو المدح ؛ والثاني أن يكون فاعله مخلّى بينه وبينه. وما هذه حاله ، إمّا أن يقع على وجه يقبح عليه ، أو على وجه يحسن (ق ، غ ٦ / ١ ، ٧ ، ٤)

ـ كل فعل صار بالإرادة على حال مخصوصة ، فتلك الإرادة التي صار بها على تلك الحال ، لا تتعلّق بأن تكون على تلك الحال. وإنّما تتعلّق به على وجه آخر ، فتصير على تلك الحال. ألا ترى أنّ الإرادة التي بها يصير الخبر خبرا هي إرادة الإخبار به عمّا هو خبر عنه ، لا أنّه يريد أن يكون خبرا (ق ، غ ٦ / ٢ ، ٩٦ ، ٣)

ـ إنّ إثبات الفعل فعلا لفاعله من حيث ثبت كونه قادرا عليه لا يصحّ ، فيجب أن يرجع في إثباته فاعلا إلى العلم بوجود ذلك الفعل من جهته (ق ، غ ٧ ، ٥٨ ، ٥)

ـ إنّ الفعل لا يدلّ إلّا على اختصاص الفاعل بالصفة التي لكونها عليها يصحّ منه ، ولا فعل يمكن أن يقال إنّه يصحّ من القديم تعالى من حيث كان اختصاص الفاعل بالصفة التي لكونه عليها متكلّما ، فكيف يتوصّل به إلى أنّه متكلّم؟ وكيف يصحّ ذلك فيه ولا يصحّ في الشاهد ، لأنّا قد علمنا أنّ فعل القادر منّا لا يقتضي كونه متكلّما البتّة ، وكذلك الفعل على وجه؟ وكيف يمكن ذلك وقد بيّنا أنّه ليس للمتكلّم بكونه متكلّما حال فيعلم أنّ الفعل يدلّ عليه كدلالته على كونه قادرا وعالما ، وإنّما يفيد كونه متكلّما وجود الكلام من جهته (ق ، غ ٧ ، ٥٨ ، ١٦)

ـ الفعل إذا وجد من جهة الفاعل فإنّه لا يدلّ على وجود فعل آخر من جهته ، إذا لم يكن وجوده متعلّقا بوجوده (ق ، غ ٧ ، ٥٩ ، ٣)

ـ إنّ ما وقع من تصرّف زيد بحسب قصده ودواعيه يجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. يدلّ على ذلك أنّه لو لم يكن حادثا من جهته ،

لآل الأمر إلى أنّه لا تعلّق له به. وذلك ينقض علمنا بوجوب وقوع تصرّفه بحسب قصده ضرورة. ويوجب أنّ حال تصرّفه معه ، حال تصرّف غيره معه وحال ما يحصل في جسمه من مرض وصحّة (ق ، غ ٨ ، ١٣ ، ٣)

ـ إنّ الفعل الواحد لا يجوز أن يكون من فاعلين. يبيّن ذلك أنّا متى علمنا أنّ المحل تحرّك بحركة ، وحدث بحسب قصد زيد ، فقول القائل : جوّزوا أن يكون متحرّكا بحركة فعلها غيره ، يفسد. لأنّ تلك إن ثبتت ، أوجبت كونه متحرّكا على الوجه الذي يوجب هذه ، وهي مجوّزة ، وهذه مقطوع بها ؛ فلا يجوز أن نصرف كونه متحرّكا عن المعنى المتيقّن إلى معنى متوهّم (ق ، غ ٨ ، ١٨ ، ٢)

ـ إنّ المسبب إذا دلّ وقوعه بحسب السبب على أنّه فعل فاعل السبب ، فوقوع الإرادة بحسب الداعي إلى المراد يدلّ على أنّها فعل فاعل المراد. لأنّها في وجوب وقوعها بحسب وقوع المراد ، آكد من وقوع المسبب بحسب السبب أو مساويا له (ق ، غ ٨ ، ٤٤ ، ٣)

ـ إنّ الفعل إنّما يصحّ من الفاعل ، لكونه قادرا عليه دون الدواعي (ق ، غ ٨ ، ٥٤ ، ٢)

ـ إنّ كل صفة زائدة على الحدوث يحصل عليها الفعل بالفاعل فعلا منه ، إنّه يجوز منه أن يفعله عليها وأن لا يفعله على البدل ، أو أن يجعله على خلافها ، نحو كون الفعل محكما ، أنّه يصحّ أن يجعله عليه وعلى خلافه ، ويجوز كونه أمرا وجبرا. وذلك يستحيل فيما سألت عنه من الأوصاف ، لوجوب كون الفعل عليها عند حدوثه على كل حال ، فيجب إبطال القول بأنّه صار عليها بالفاعل ، ومتى قيل فيه ذلك ، لم يكن له معنى. ولهذه الجملة قلنا : إنّ الجهل لا يكون قبيحا بالفاعل ، لوجوب كونه كذلك عند حدوثه ، وكذلك إرادة الجهل. وفصلنا بينه وبين الكذب ، لمّا كان بعينه يجوز أن يقع صدقا ، بأن يصرفه بقصده إلى مخبر هو على ما تناوله. وكذلك العلم ، جوّزنا أن يكون فيه ما يكون بالفاعل ، لما كان قد يجوز أن يوجد ولا يكون علما ، بل يكون تبخيتا. ولهذا قلنا : إنّ السواد وسائر الأجناس لا تكون على ما هي عليه في الجنس بالفاعل (ق ، غ ٨ ، ٦٦ ، ١٤)

ـ إنّ الفعل لا يجوز أن يحصل عند حدوثه على صفة إلّا وقد يجوز على بعض الوجوه حصول إحداهما دون الأخرى في موصوف ما ، وإلّا أدّى إلى أن لا يكون لنا طريق نعلم به كونهما صفتين ، وإلى أن تكون كل واحدة منهما موجبة للأخرى ، وإلى تجويز مثل ذلك في سائر الصفات والمعاني مع ما فيه من التجاهل (ق ، غ ٨ ، ٧٠ ، ٦)

ـ إنّ الفعل لا يكون بالجارحة ، وإن كان يحتاج في حال وجوده إلى أن يكون حالّا في بعضها. ولا يجب أن يكون كائنا بها من حيث احتاج إليها ، كما لا يجب أن يكون العلم كائنا بالحياة من حيث احتاج إليها ، والعرض كائنا بالمحل من حيث يحتاج إليه (ق ، غ ٨ ، ١٤٨ ، ٧)

ـ إمّا القدرة ، فالصحيح أنّ الفعل يكون بالقادر ، وإن كان لا يحصل قادرا إلّا بها ؛ وأن لا يقال : إنّ الفعل يكون بالقدرة. ولذلك يصحّ الفعل منه إذا كان قادرا ، وإن لم يكن قادرا بقدرة (ق ، غ ٨ ، ١٤٨ ، ١٥)

ـ الفعل ، في كونه فعلا ، يتعلّق بالقادر دون المحل. واستحال كون فعل من فاعلين ، لأنّ كونهما قادرين عليه يستحيل ، كاستحالة كون الفعل الواحد من مكانين. وما ذكره ، من أن

الفعل يحلّ الفاعل ، فغلط عظيم. لأن ذلك يستحيل عندنا في جميع الفاعلين من قديم ومحدث. وإنّما يجوز في المحدث أن يحلّ فعله في بعضه (ق ، غ ٨ ، ١٥٥ ، ١١)

ـ لو سلمنا أنّ الفعل يجب أن يكون مخالفا للفاعل ، لم يوجب ذلك صحّة ما ذهبوا إليه من أنّه يجب أن يكون مخالفا له في الحدوث والفعليّة ؛ بل يجب أن يكون مخالفا له لذاته. وكذلك نقول فيه ، لأنّ ما كان فعلا لله ، تعالى ، فهو مخالف له من حيث يختصّ هو تعالى بكونه قديما دونه. والقديم قديم لنفسه ، فما فارقه في هذه الصفة فيجب كونه مخالفا له ، وما كان فعلا لنا فهو مخالف لنا من حيث اختصّ الفاعل منّا بأنّه جواهر مبنية ، وأفعاله كلها أعراض. ومن حق الجوهر أن يكون مخالفا لما ليس بجوهر لنفسه ، ولا يجب أن يكون الفعل مخالفا لفاعله إلّا فيما يقع به الخلاف على الحقيقة من صفات الذات ، دون ما عداه. ومتى اعتبر في ذلك ما عداه من الصفات ، لم يصحّ ؛ لأنّه يوجب أن يكون القديم مخالفا لفعله في الوجود ، وفي كونه قادرا وعالما وحيّا. فإذا لم يجب ذلك من حيث كانت هذه الصفات ليست للنفس ، فالمشاركة فيها لا تخرج الفاعل من أن يكون مخالفا لفعله. فكذلك مشاركة المحدث لفعله في الحدوث ، لا تخرجه من كونه مخالفا له ، فيما يرجع إلى نفسه (ق ، غ ٨ ، ٢٦٧ ، ٦)

ـ اعلم أنّ مجرّد الفعل يصحّ من القادر عليه وإن لم يكن عالما به ، وإنّما يحتاج في كيفية إيجاده إلى كونه عالما إذا كان متّسقا محكما. يدلّ على ذلك أنّه لو احتاج إلى صفة زائدة على كونه قادرا لوجب أن يكون لتلك الصفة تأثير في صحّة إيجاد الفعل ، كما أنّ لكونه قادرا تأثيرا ، فكان لا يخلو من أن يصحّ منه الفعل لاختصاصه بالصفتين جميعا بمجموعهما أو يصحّ منه لاختصاصه بإحداهما ، فإن صحّ منه لاختصاصه بإحداهما فهو الذي أردناه ، لأنّه لا يمكن أن يقال إنه يصحّ منه لكونه عالما لأنّ الإنسان قد يعلم ما يستحيل منه أن يفعله ، فيجب إن صحّ منه الفعل لإحدى الصفتين أن تكون تلك الصفة هي كونه ، قادرا ، ولا يصحّ أن يقال أنه يصحّ منه لاختصاصه بهما جميعا ، لأنّه إذا كان قد يكون عالما بالشيء ولا يصحّ منه كما قد يكون حيّا ولا يصحّ منه. ومتى حصل قادرا صحّ جنسه منه ، علم أن صحّته تنبع كونه قادرا فقط وإلّا أدّى إلى ضمّ ما ليس بعلّة إلى العلّة ، ويبيّن ذلك أن دلالة الفعل على كونه قادرا يقتضي أنه يصحّ منه لكونه كذلك فقط وهو أنّا نعلم صحّة الفعل من واحد وتعذّره على الآخر ، فنعلم أنّه صحّ منه لاختصاصه بحال بان بها من غيره ، ولا يقتضي اختصاصه بحالين (ق ، غ ٨ ، ٢٧٦ ، ١٣)

ـ إنّما يجب أن يفعل الفاعل الفعل متى كان موجبا عن غيره ، أو ما كان يختاره لا يتمّ وجوده إلّا بالقصد إلى غيره ، كما نقول في القديم سبحانه إنّه لا يجوز أن يفعل الجوهر إلّا ويفعل الكون معه من حيث يتضمّن وجوده وجود الكون ، ومتى أراد فعل المعرفة وجب أن يفعل الحياة من حيث لا يصحّ وجودها إلّا معها ، فأمّا إذا لم يكن للفعل تعلّق بفعل آخر ولا كان موجبا عن غيره ، ولم يكن الفاعل ملجأ إلى الفعل ، فيجب أن يصحّ أن يفعله وأن لا يفعله. وقد علمنا أنّ الواحد منّا لا يجوز أن يفعل المجاورة ولا يقع التأليف بل يجب

وجوده لا محالة ، فعلم أنّ المجاورة توجبه ، وإنّما قلنا إنّ وجودها ولها تأليف محال ، لأن القول بجواز ذلك يؤدّي إلى ألا يصعب تفكيك الأجسام الصلبة علينا ، وقد ثبت أنّ ذلك يصعب علينا فيجب أن يكون الموجب لذلك ما ذكرناه (ق ، غ ٩ ، ٤٣ ، ١٣)

ـ إنّ الفعل لا يحتاج إلى كون فاعله موجودا إذا لم يكن حالّا في بعضه ، وإنّما يقتضي وجوده متى حلّ في بعضه ، لأنّ من حق المحل أن يكون موجودا ، وإنّما يحتاج الفعل إلى تقدّم كون فاعله قادرا. فإن كان مباشرا متولّدا يقارن السبب وجب أن يتقدّم كونه قادرا قبله بوقت ، وإن كان متولّدا يتأخّر عن السبب وجب تقدّم كونه قادرا قبل وجود سببه الأول بوقت ، ومتى لم يكن الفعل حالّا في بعضه فوجوده كعدمه في أنّه لا يحل بصحّة الفعل (ق ، غ ٩ ، ٦٥ ، ١٢)

ـ إنّ الواحد منّا يفعل في بعضه وفي غيره ، ودللنا على أنّ الفعل يحدث من فاعله لكونه قادرا عليه ، وقد يقدر على ما به يوجد في غيره كما يقدر على ما يوجد في بعضه ، وبيّنا أن بعضه في حكم الغير له ، لأنه إذا لم يكن هو القادر وكان القادر هو الجملة ، صار في حكم الغير ، فإذا جاز أن يفعل الواحد منّا الفعل في بعضه وغيره لم يمتنع منه تعالى أن يفعل في غيره ، ويجب القضاء بمفارقة تعلّق الفعل بالفاعل لتعلّق الحالّ بالمحل (ق ، غ ٩ ، ٨٨ ، ٢٠)

ـ إنّ الفعل لا يجوز أن يتأخّر وجه حسنه أو قبحه عن حال وجوده وحدوثه ؛ كما لا يصحّ في معلول العلّة أن يتأخّر عن العلّة ؛ لأن جهة القبح والحسن في أنّهما تقتضيان كون الفعل حسنا أو قبيحا بمنزلة العلل في إيجابها المعلول (ق ، غ ١١ ، ٢٦٧ ، ١٣)

ـ إنّ الفعل لا يكون مؤدّيا إلى غيره إلّا على وجوه معقولة. منها أن يعلم أنّ ذلك الغير يجب عليه أو يستحقّ به أو يحصل عنده بالعادة ، فيكون كالموجب عنه. فأمّا إذا عري من كل ذلك لم يجز أن يقال : إنّه يؤدّي إليه. وقد علمنا أنّ التكليف نفسه لا يؤدّي إلى العقاب ، وإنما يستحقّه بسوء اختياره وبفعل مبتدأ يستحقّه ، وإن كان ذلك الفعل لا يصحّ إلّا بعد تقدّمه. فلا يصحّ أن يقال : إن التكليف قد أدّى إليه فيجعل وجها لقبحه (ق ، غ ١١ ، ٢٦٨ ، ١٨)

ـ إنّ الفعل على ضربين : أحدهما يكون محكما متّسقا ، فهذا القبيل ممّا لا يجوز أن يقع إلّا من العالم بكيفيّته. وقد دللنا على ذلك في باب الصفات. ويجب مع علمه بكيفيّة أن يعلم أنّه واجب عليه أو مرغّب فيه أو مباح منه أو قبيح ؛ ليصحّ أن يكلّف الإقدام عليه أو الإخلال به. وإنّما وجب ذلك لأنّ المقصد بالتكليف هو استحقاق الثواب ، فإذا لم يصحّ أن يستحقّ ذلك بالفعل إلّا ويقصد إلى إيجاده على بعض الوجوه. وإن كان قبيحا فإنّما يستحقّ الثواب متى لم يفعله لقبحه ، ولا يصحّ أن يقصد ذلك إلّا وهو عالم بما كلّف وبصفته. ويجب أن يكون عالما به من جهة أخرى ، وهي أنّه لا بدّ من أن يكون له طريق إلى أن يعلم أنّه قد أدّى ما كلّف على الوجه الذي كلّف. وإلّا لم يأمن ـ مع بذل المجهود ـ أن يكون مفرّطا. ولا يصحّ أن يعلم ذلك إلّا مع العلم بالفعل وصفته. فلهذه الوجوه وجب كون المكلّف عالما بالفعل الذي هذا حاله متى كلّفه. فأمّا الفعل الذي ليس بمحكم فالواجب أن يكون عالما به أيضا للوجهين الآخرين دون الوجه الأوّل ، وإن كان يبعد أن يكلّف الإنسان إيجاد الفعل في

الجنس ؛ لأنّه لا بدّ فيما يكلّفه من الأفعال أن يختصّ بصفة تقتضي فيه من جهة العقل كونه واجبا أو ندبا ، ومن جهة الشرع كونه كذلك على جهة المصلحة واللطف ، وذلك لا يقع إلّا في فعل مخصوص وفي جملة من الأفعال إذا كان من أفعال الجوارح. فأمّا إذا كان من أفعال القلوب فلا يمتنع أن يكلّف الجزء منه لكنّه لا بدّ من أن يكون عالما به ، ويكون في بابه بمنزلة الأفعال المحكمة من أفعال الجوارح ؛ لأنّه إن كلّف الإرادة فلا بدّ من أن يكون عالما بها وبالمراد ، وإن كلّف النظر فكمثل. وإن كلّف العلم عن نظر فقد بيّنا أنّ العلم بالنظر يقوم مقام العلم به من حيث يتولّد عنه. وإن كلّف أن يفعله ابتداء فلا بدّ من أن يكون عالما لجنسه ، وإن لم يعلمه علما في الحال (ق ، غ ١١ ، ٣٧٢ ، ١٠)

ـ اعلم ، أنّ من حق الفعل متى صحّ وقوعه من المكلّف على الوجه الذي وجب عليه ، أن يحسن من المكلّف أو يكلّفه ، وأن يصحّ أن يعرف المكلّف وجوبه عليه ، ويتمكّن من فعله وتركه. لأنّه إنّما يجب عليه أن يؤدّيه على الوجه الذي وجب ولزم ، فإذا تمكّن من ذلك ففقد سائر الشرائط لا يؤثّر في هذا الباب. وقد علمنا أنّ إيجاد الشيء على الوجه الذي وجب عليه قد يمكن أن يفعله ابتداء وقد يمكن بأن يفعل ما يجب وجوده بوجوده. ولا فرق بين هذين الطريقين في أنّ معهما يمكن الأداء ، لأنّ الغرض أن يؤدّي ما وجب عليه بأن يوجده ، فإذا أمكنه أن يوجده بإيجاد سببه الذي يجب وجوده عنده فهو بمنزلة أن يتمكّن من إيجاده ابتداء. فإذا صحّت هذه الجملة ، وعلمنا أن الذي يوجده على جهة الابتداء ، إنّما يتمكّن من أدائه على الوجه الذي وجب بأن يعرفه بعينه وبما يختصّ به من صفاته ، فلا بدّ من أن يعرف ذلك ليصحّ منه أن يفعله. ومتى لم يعلم ذلك أو لم يتمكّن من معرفته ، فإيجابه عليه بمنزلة إيجاب ما لا يقدر عليه. ولذلك قلنا : إنّ تكليف الصبي والمجنون الأفعال التي لا يصحّ منهما أن يعرفاها ، بمنزلة تكليف ما لا يطاق في القبح. لأنّ مع المعرفة بعين هذا الفعل ، يصحّ الوصول إلى إيقاعه على الوجه الذي وجب ، كما يصحّ ذلك فيه مع القدرة والآلة ؛ فإذا وجب بفقدهما ، قبح تكليفه ؛ فكذلك القول مع فقد المعرفة (ق ، غ ١٢ ، ٢٣٦ ، ١٥)

ـ إنّ الفعل لا يجوز أن يقترن به الإلجاء ، إلّا في أن يفعل ، أو ألّا يفعل ، لأنّ ثبوت الإلجاء إلى الوجهين يستحيل ، فإن صار ملجأ إلى فعله ، فلو لم يفعله لا يستحقّ الذمّ ، كما يقوله في الهرب من السبع بالعدو على الشوك ، وإن كان ملجأ إلى ألّا يفعله ، فلو فعله لاستحقّ الذمّ أو المدح. وقد بيّنا أنّ الذي به ينفصل الواجب من غيره ، هو استحقاق الذمّ بألّا يفعل ، وأنّ استحقاق المدح على فعله قد يوافقه فيه المندوب ، فلا يدخل تحت الحدّ الواجب ، وذلك ثابت في العدو على الشوك تخلّصا من السبع ، فيجب القضاء بوجوبه ؛ فإن كان المعلوم من حال الملجأ أنّه سيفعله لا محالة ، فكأن الواجب إذا اقترن به الإلجاء ، أثّر في حكمه ، لا في وجه وجوبه ، كما أن القبيح إذا اقترن به الإلجاء أثر في ذلك ، وكما أن فقد العقل إذا اقترن بالقبيح أثّر في حكمه ، لا في قبحه (ق ، غ ١٤ ، ٢٠ ، ٩)

ـ أنّا لم نقل إنّ الفعل إذا اقترن به الإلجاء ، فلا بدّ من كونه واجبا ، وإنّما قلنا ذلك فيما ثبت فيه

وجه الوجوب ، ولذلك جوّزنا كون الفعل قبيحا مع الإلجاء ، متى أردت بأنّه آكد من الإيجاب : أنّه لا بدّ من وقوعه من جهة الملجأ ، وأنه في هذا الوجه يزيد على الواجب ، وهذه الصفة عامّة في الجميع (ق ، غ ١٤ ، ٢١ ، ٨)

ـ قد ثبت من جهة العقل أنّ الفعل قد يدعو إلى فعل ، وأنّ ذلك على أضرب ثلاثة : أحدها يدعو إليه إذا كان من فعله. والثاني يدعو إليه إذا كان من فعل غيره. والثالث إذا كان بالصفة التي يقع عليها ، كان من فعله أو من فعل غيره. ولا رابع لهذه الوجوه. ثمّ كون ذلك الفعل داعيا إلى الفعل على وجوه ثلاثة : أحدها : أن يختار عنده لا محالة الفعل الثاني. والوجه الثاني : أن يكون أقرب إلى أن يختاره ، وأولى أن يختاره. والوجه الثالث : أن يسهل عليه فعله واختياره. ولا بدّ فيما قلنا من الفعل : إنه يدعو إلى فعل أن يشرط فيه ، إذا كان عالما بذلك ، أو في حكم العالم ، كما نقول ذلك في النفع إنّه يدعو إلى النفع ، إذا كان معلوما ، ودفع الضرر يدعو إلى الكف ، إذا كان معلوما. وقد يدعو الفعل إلى ألا نفعل بعض الأفعال ، ونكفّ عنه ، ونخلّ به ، وذلك على الوجوه التي ذكرناها ؛ لأنّ كل الوجوه الثلاثة تتأتّى في هذا الوجه أيضا (ق ، غ ١٥ ، ٣٠ ، ٣)

ـ إنّ الفعل قد يدلّ من وجهين : أحدهما : على ما لا يصحّ إلّا به ومعه. والآخر : على ما تقتضي الحكمة ألّا يحصل إلّا به ومعه (ق ، غ ١٥ ، ١٧٥ ، ١١)

ـ إنّ ما به يصير الفعل واقعا على وجه دون وجه يجب أن يكون مقارنا ، أو في حكم المقارن ، حتى يختصّ بذلك الفعل ما يمكن من الاختصاص ، فلذلك أوجبنا في القصد أن يكون مقارنا للعموم على الوجه الذي يحصل عليه ، والذي يمكن في ذلك ، إلى أن يكون مقارنا لأول حرف منه ، على ما بيّناه في الخبر (ق ، غ ١٧ ، ٢٨ ، ٤)

ـ لا بدّ ... في الفعل من قرينة تتقدّم ، لأجلها تقدير ما وقعت عليه المواضعة ؛ كما لا بدّ في القول من مواضعة (ق ، غ ١٧ ، ٢٥١ ، ٦)

ـ إنّ الفعل إذا دلّ فدلالته لا تتغيّر بالإضافات إلّا أن تخصّصه القرينة بذلك ، ولذلك لم يصحّ في القول أن يكون دلالة من نبيّ دون غيره ، لما ثبت فيه بالمواضعة أنّه يفيد ويدلّ ، فكيف صحّ في الفعل أن نقول : إنّه يدلّ من حيث كان فعلا للرسول ، عليه‌السلام (ق ، غ ١٧ ، ٢٥٢ ، ١)

ـ إنّ الفعل قد يوجد عند عدم السبب (ن ، د ، ٩٠ ، ١٧)

ـ إنّ الفعل يبقى مع انتفاء السبب وعدمه (ن ، د ، ٩٠ ، ١٨)

ـ الفعل الذي لا بدّ أن يكون مريدا له هو أن يفعله مع العلم به ، وكان فعله لغرض يخصّه ، فحينئذ يجب أن يريده. فإذا ثبت هذا فإنّه يجوز في الواحد منّا أن يريد السبب ولا يريد المسبّب ، بأن يكون الغرض مقصورا على السبب دون المسبّب ، أو يريد أحد المسبّبين دون الآخر بأن يكون الغرض مقصورا على أحدهما دون الآخر (ن ، د ، ٩٩ ، ١٣)

ـ أمّا الكلام في أنّ الجسم لا يجوز أن يكون محدثا لنفسه ، وهو أنّه لو كان محدثا لنفسه لوجب أن يكون قادرا قبل إحداثه ، لما قد ثبت أنّ الفعل لا يصحّ إلّا ممّن هو قادر وأنّه لا بدّ من أن يتقدّم على مقدوره. وهذا يقتضي كونه قادرا في حال العدم ـ وقد تبيّن في غير موضع أنّ المعدوم لا يجوز أن يكون قادرا ، لأنّ

القادر له تعلّق بالمقدور ، والعدم يمنع التعلّق (ن ، د ، ٣٦٥ ، ٩)

ـ إنّ الفعل إنّما يصحّ من القادر لا من القدرة ، إلّا أنّ كونه قادرا لما كان لمكان القدرة جاز تعليل تجانس المقدور بالقدرة بواسطة كون الذات قادرا من حيث أنّ هذه الصفة إنّما صدرت عن القدرة (ن ، د ، ٣٨٨ ، ١٠)

ـ لا يعقل الفعل بالقدرة سوى استعمال محلّها في الفعل (ن ، د ، ٤٣٢ ، ٣)

ـ من الممتنع أن يكون منه (الواحد منا) فعل من الأفعال في حال كمال العقل وزوال المنع ثم لا يكون عالما به ، فإذا كان عالما فلا بدّ في ذلك الفعل من أن يكون مشتملا على حسن وقبيح ، أو يكون كلّه حسنا ، أو يكون كله قبيحا. فعلى الأحوال كلها لا بدّ من أن يكون عالما به ، ليكون مرغبا فيما هو حسن ومزجورا عمّا هو قبيح (ن ، د ، ٤٤٧ ، ١)

ـ إنّ الفعل صحّ من الجملة ، فإذا كان دليلا فلا بدّ من أن يدلّ على أمر يرجع إلى الجملة ، وصحّة البنية واعتدال المزاج تختصّ ببعض الجملة ، فكان في حكم الغير ، فكما أن صفة راجعة إلى الغير لا تقتضي حكما لغيرها فكذلك ما يختصّ ببعض الجملة لا يقتضي حكما يرجع إلى الجملة (ن ، د ، ٤٨٦ ، ١٨)

ـ نقول في الفعل : إنّ أحدنا لا يمكنه أن يفعل فعلا إلّا بآلة ، لأجل أنّه قادر بقدرة ، فلا يمكنه أن يفعل إلّا بعد استعمال محل القدرة في الفعل أو في سببه ضربا من الاستعمال ، فيكون محل القدرة آلة يحتاج إليها ؛ بل ربما يحتاج إلى آلة منفصلة ـ وكل ذلك لأمر يرجع إلى كونه قادرا بقدرة. فالقديم تعالى لما كان قادرا بذاته صحّ منه أن يفعل ما يفعله ، وإن لم يكن هناك آلة (ن ، د ، ٥٦٢ ، ١٠)

ـ قد ثبت أنّ الفعل مخالف للقدرة غير مضادّ لها (ن ، م ، ٢٥٢ ، ٢٥)

ـ إنّ الفعل في أي وقت كان ، دلالة كون القادر قادرا ، فصار ذلك من حكمه. وإذا كان من حكمه ، وجب أن يستمرّ في كل قادر ، لأن ما يكون من حكم الصفة ، فإنّ الحال فيه لا تختلف بين أن تكون الصفة للذات ، أو تكون الصفة لعلّة (ن ، م ، ٢٦٥ ، ١)

ـ الفعل لا يصحّ إضافته ولا دخول حرف الجر عليه ، ولا يدلّ على معنى مفرد وإنّما يدلّ على معنى وزمان ماض أو مستقبل أو راهن (ب ، أ ، ٢١٤ ، ١٦)

ـ إنّ الفعل لا يقوم بنفسه ولا بدّ له ضرورة من أن يضاف إلى فاعله ، فلا بدّ أيضا من إضافة الفاعل إليه على معنى وصفه بأنّ فعله هذا ما لا يقوم في العقل وجود شيء في العالم بخلاف هذه الرتبة ، وقد وجدنا في العالم أشياء كثيرة لا تحتاج إلى وصفها بصفة لتنفي عنها ضدّ تلك الصفة كالسماء والأرض ، لا يجوز أن يوصف منها شيء بالبصر لنفي العمي ولا بالعمي لنفي البصر ، فإذا لم نضطرّ إلى ذلك في وصف الأشياء فيما بيننا بطل قياسهم الباري تعالى على بعض ما في العالم ، وكان إطلاق شيء من جميع الصفات على خالق الصفات والموصوفين أبعد وأشد امتناعا إلّا بما سمّي به نفسه فنقرّ بذلك وندري أنّه حق ولا نتعدّاه إلى ما سواه (ح ، ف ٢ ، ١٤٨ ، ٢)

ـ إنّ الفعل احتاج إلى فاعله في إيجاده ، لا في وجوده. فإذا وجد فقد حصل الغنى عنه ، فلهذا لو عجز أو مات ، لم يؤثّر في وجود فعله كما ثبت في التأليف الذي يفعله الباني والكاتب

وغيرهما (أ ، ت ، ١٥١ ، ١٨)

ـ إنّ كل فعل ينشئه الفاعل ، وهو عالم به وبإيقاعه على صفة مخصوصة في وقت مخصوص ، فلا بدّ أن يكون قاصدا إلى إيقاعه ؛ ونفى القصد إلى إيقاع فعل ، مع العلم به ، يلزم صاحبه نفي المقصود إلى إيقاع جميع الأفعال (ج ، ش ، ١٠٢ ، ٨)

ـ الفلاسفة ... قالوا بقدم العالم ، وهو محال ، لأنّ الفعل يستحيل أن يكون قديما. إذ معنى كونه فعلا ، أنّه لم يكن ، ثم كان. فإن كان موجودا مع الله أبدا ، فكيف يكون فعلا؟ بل يلزم من ذلك تقدير دورات لا نهاية لها على ما سبق ، وهو محال من وجوه (غ ، ق ، ١٠٤ ، ٧)

ـ إن قلت : ما معنى إسناد الفعل إلى الله تعالى؟ قلت : معناه أنّ الله عزوجل عند اعتقادهم ذلك المعتقد الفاسد يضع الغمّ والحسرة في قلوبهم ويضيق صدورهم عقوبة ، فاعتقاده فعلهم وما يكون عنده من الغمّ والحسرة وضيق الصدور فعل الله عزوجل كقوله (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) (الأنعام : ١٢٥) ويجوز أن يكون ذلك إشارة إلى ما دلّ عليه النهي : أي لا تكونوا مثلهم ليجعل الله انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم ، لأنّ مخالفتهم فيما يقولون ويعتقدون ومضادّتهم مما يغمّهم ويغظيهم (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) (آل عمران : ١٥٦) ردّ لقولهم : أي الأمر بيده ، قد يحيي المسافر والغازي ويميت المقيم والقاعد كما يشاء (ز ، ك ١ ، ٤٧٤ ، ٧)

ـ إنّ الفعل يوجد بقدرة الفاعل عليه وإرادته له وهو قصده إليه وميله وخلوص داعيه ، فكما عبّر عن القدرة على الفعل بالفعل في قولهم الإنسان لا يطير والأعمى لا يبصر : أي لا يقدران على الطيران والإبصار ، ومنه قوله تعالى (نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (الأنبياء : ١٠٤) يعني إنا كنّا قادرين على الإعادة ، كذلك عبّر عن إرادة الفعل بالفعل ، وذلك لأنّ الفعل مسبّب عن القدرة والإرادة ، فأقيم المسبّب مقام السبب للملابسة بينهما (ز ، ك ١ ، ٥٩٦ ، ٦)

ـ حكى الكعبيّ عنه (معمّر) أنّ الإرادة من الله تعالى للشيء غير الله ، وغير خلقه للشيء ، وغير الأمر : والإخبار ، والحكم ، فأشار إلى أمر مجهول لا يعرف ، وقال ليس للإنسان فعل سوى الإرادة ، مباشرة كانت أو توليدا ، وأفعاله التكليفيّة من القيام والقعود ، والحركة ، والسكون في الخير والشرّ كلها مستندة إلى إرادته ؛ لا على طريق المباشرة ، ولا على طريق التوليد (ش ، م ١ ، ٦٧ ، ١٢)

ـ إنّ المعلوميّة ... قالت : الاستطاعة مع الفعل ، والفعل مخلوق للعبد ، فبرئت منهم الحازميّة (ش ، م ١ ، ١٣٣ ، ٢٢)

ـ لو كان الفعل منتسبا إلى العبد إبداعا لوجب أن يكون في حال إبداعه عالما بجميع أحواله ، ويستحيل من العبد الإحاطة بجميع وجوه الفعل في حالة واحدة لأمرين ، أحدهما أنّ العلم الحادث لا يتعلّق بمعلومين في حالة واحدة وذلك لجواز طريان الجهل على العالم بأحد الوجهين ، فيؤدّي إلى أن يكون عالما جاهلا بمعلوم واحد في حالة واحدة ويكون علمه علما من وجه وجهلا من وجه. الثاني أنّ وجوه المعلومات في الفعل تنقسم إلى ما يعلم ضرورة وإلى ما يعلم نظرا ، فيحتاج حالة الإيجاد في تحصيل ذلك العلم إلى نظر وهو اكتساب ثان ، وربما يحتاج إلى معرفة الضروريّ والنظريّ من وجوه الاكتساب فيؤدّي إلى التسلسل حتى لا

يصل إلى إيجاد الفعل المطلوب (ش ، ن ، ٦٩ ، ١٥)

ـ إنّ الفعل ذو جهات عقليّة واعتبارات ذهنيّة عامّة وخاصّة كالوجود والحدوث والعرضيّة واللونيّة ، وكونه حركة أو سكونا ، وكون الحركة كتابة أو قولا. وليس الفعل بذاته شيئا من هذه الوجوه بل هي كلها مستفادة له من الفاعل ، والذي له بذاته هو الإمكان فقط ، وأمّا وجوده فمستفاد من موجده على الوجه الذي هو به ، وهو أعمّ الوجوه. وأمّا كونه كتابة أو قولا فمستفاد من كاتبه أو قائله وهو أخصّ الوجوه ، فيتميّز الوجهان تميّزا عقليّا لا حسّيّا ، وتغاير المتعلّقان تغايرا سمّي أحدهما إيجادا وإبداعا وهو نسبة أعمّ الوجوه إلى صفة لها عموم التعلّق ، وسمّي الثاني كسبا وفعلا وهو نسبة أخصّ الوجوه إلى صفة لها خصوص التعلّق. فهو من حيث وجوده يحتاج إلى موجد ، ومن حيث الكتابة والقول يحتاج إلى كاتب وقائل ، والموجد لا تتغيّر ذاته أو صفته لوجود الموجد ، ويشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل ، والمكتسب تتغيّر ذاته وصفته لحصول الكسب ولا يشترط كونه عالما بجميع جهات الفعل (ش ، ن ، ٧٥ ، ١٧)

ـ إحساس التفرقة بين حركة الضرورة والاختياريّة لم يخل الحال من أحد أمرين : إمّا أن يرجع إلى نفس الحركتين من حيث أنّ إحداهما واقعة بقدرته والثانية واقعة بقدرة غيره ، وإمّا أن يرجع إلى صفة في القادر من حيث أنّه قادر على إحداهما غير قادر على الثانية. فإن كان قادرا فلا بدّ له من تأثير في مقدوره ، ويجب أن يتعيّن الأثر في الوجود لأنّ حصول الفعل بالوجود لا بصفة أخرى تقارن الوجود. وما سمّيتموه كسبا غير معقول ، فإنّ الكسب إمّا أن يكون شيئا موجودا أو لم يكن شيئا موجودا ، فإن كان شيئا موجودا فقد سلّمتم التأثير في الوجود ، وإن لم يكن موجودا فليس بشيء (ش ، ن ، ٧٩ ، ١٩)

ـ إنّ الفعل كان مقدورا للباري سبحانه وتعالى قبل تعلّق القدرة الحادثة ، أي هي على حقيقة الإمكان صلاحية ، والقدرة على حقيقة الإيجاد صلاحية ، ونفس تعلّق القدرة الحادثة لم تخرج الصلاحيتين عن حقيقتهما ، فيجب أن تبقى على ما كانت عليه من قبل ، ثم يضاف إلى كل واحد من المتعلّقين ما هو لائق (ش ، ن ، ٨٢ ، ٤)

ـ وجه دلالة الفعل على الفاعل هو الجواز والإمكان وترجّح جانب الوجود على العدم ، وذلك لم يختلف خيرا كان أو شرّا ، فالوجود من حيث هو وجود خير كله ، أو يقال لا خير فيه ولا شرّ ، والفعل من حيث وجوده ينسب إلى الفاعل لا من حيث هو خير أو شرّ ، والفاعل يريد الوجود من حيث هو وجود لا من حيث هو خير أو شرّ (ش ، ن ، ٩٨ ، ١٥)

ـ الأمر بالشيء لا يكون مريدا لمأمور به من حيث أنّه مأمور به قط ، سواء كان المأمور به طاعة أو غيره ، وقد علم الأمر حصولها ، وسواء كان الأمر بخلاف ذلك فإنّ جهة المأمور به هو كسب المأمور ، وقد بيّنا أنّ ذلك أخصّ وصف للفعل سمّي به المرء عابدا مطيعا مصليا وصائما مزكّيا حاجّا غازيا مجاهدا ، والفعل من هذا الوجه لا ينسب إلى الباري تعالى فلا يكون مريدا له من هذا الوجه ، بل ينسب إليه من حيث التجدّد والتخصيص ، وما لم يكن الفعل فعلا للمريد لا يكون مرادا له ، فما كان من جهة العبد من الذي سمّيناه كسبا ووقع على وفق العلم والأمر كان مرادا ومرضيّا ، أعني مرادا

بالتجدّد والتخصيص ، مرضيّا بالثناء والثواب والجزاء. وما وقع على وفق العلم وخلاف الأمر كان مرادا غير مرضي أعني مرادا بالتجدّد غير مرضي بالذمّ والعقاب (ش ، ن ، ٢٥٥ ، ١٩)

ـ الثمامية : أتباع ثمامة بن أشرس. وكان في زمن المأمون ـ ومن مذهبهم أنّ الفعل يصحّ من غير الفاعل (ف ، غ ، ٤٢ ، ٤)

ـ تأثير الشيء في غيره وهو الفعل (ف ، أ ، ٢٧ ، ٢)

ـ الفعل : هو الهيئة العارضة للمؤثّر في غيره بسبب التأثير أولا كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه قاطعا ، وفي اصطلاح النحاة ما دلّ على معنى في نفسه مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، وقيل الفعل كون الشيء مؤثّرا في غيره كالقاطع ما دام قاطعا (ج ، ت ، ٢١٥ ، ١٢)

ـ إنّ الإمكان لا يكون إلّا مع التمكّن ، والتمكّن لا يصحّ أن يكون إلّا عند ما يصحّ الفعل ، والفعل لا يصحّ إلّا بعد وجود الفاعل ضرورة ، وما كان بعد غيره فهو محدث (ق ، س ، ٦٥ ، ٢)

ـ إنّ الفعل لا يصحّ إلّا من قادر ضرورة ، حيّا ، لأنّ الجماد لا قدرة له ضرورة ، عالما ، لأنّا وجدنا العالم محكما رصين الأحكام على اختلاف أصنافها أو تباينها ، مميّزا كل منها على الآخر ، أكمل تمييز نحو إحكام خلق الإنسان وتمييزه بذلك عن نحو إحكام خلق الإنعام. وذلك لا يكون إلّا من عالم ضرورة ، وليس ذلك إلّا الله تعالى (ق ، س ، ٦٩ ، ٢)

ـ العترة ، عليهم‌السلام ، وصفوة الشيعة والقطعية والمعتزلة : وللعبد فعل يحدثه على حسب إرادته (ق ، س ، ١٠٣ ، ٢)

ـ قلنا : حصوله (فعل) منّا بحسب دواعينا وإرادتنا معلوم ضرورة عكس ، نحو الطول والقصر ، وقوله تعالى : (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) (فصلت : ٤٠) ونحوها ، ويلزم أن تجعلوا الله ، تبارك وتعالى علوّا كبيرا كافرا لفعله الكفر ، كاذبا لفعله الكذب ، ونحو ذلك ، والكافر والكاذب أبرياء من ذلك. لعنوا بما قالوا. ويلزم بطلان الأوامر والنواهي وإرسال الرسل ، لأنّه لا فعل للمأمور ، والكل كفر (ق ، س ، ١٠٣ ، ٩)

ـ الجاحظ : لا فعل للعبد إلّا الإرادة ، وما عداها متولّد بطبع المحل (ق ، س ، ١٠٤ ، ٣)

فعل الأجسام

ـ كان (معمّر) يزعم أنّ الله إنّما خلق الأجسام ، ثم إن الأجسام أحدثت الأعراض باعتبار أن كل ما سبق من حياة وموت وسمع وبصر ولون وطعم ورائحة ما هو إلّا عرض في الجسم من فعل الجسم بطبعه ، والأصوات عنده فعل الأجسام المصوّتة بطباعها ، وفناء الجسم عنده فعل الجسم بطبعه ، وصلاح الزروع وفسادها من فعل الزروع عنده. وزعم أيضا أنّ فناء كل فان فعله بطبعه. وزعم أنّه ليس لله تعالى في الأعراض صنع ولا تقدير (ب ، ف ، ١٥٢ ، ٤)

فعل الاختيار

ـ إنّ الله سبحانه إذا ثبت عنه مختلف الخلق بجوهره وصفاته دلّ أنّ فعله ليس بفعل الطّباع بل هو فعل الاختيار (م ، ح ، ٤٤ ، ١١)

فعل الله

ـ قال ، عزوجل ، في فعله هو : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (الرعد : ١٦) ، يقول : هو خالق كل شيء

يكون ، ولم يقل أنّه خلق فعلهم ، بل قال : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) (العنكبوت : ١٧) ، يقول : تصنعون وتقولون إفكا ، كما قال : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً) (النحل : ٦٧) يقول : أنتم تجعلونه ، وتبيّن الكفر والإيمان من الله ، عزوجل ، وفعلهما من الآدميين ، ولو لا أنّه عزوجل بيّن لخلقه الكفر والإيمان ما إذا عرفوا الحق والباطل ولا المعتدل من المائل ، ولكن عرّفهم (ي ، ر ، ٦٦ ، ١٠)

ـ إنّ فعل الله تعالى في التحقيق خلقه ، وكل ذلك لو أضيف إليه باسم الخلق لم يفهم منه في ذلك غير إنشاء ، وفهم من الذي منهم من العبد فعله وكسبه نحو أن نقول : خلق الشرح والضيق ، وخلق الضلال والاهتداء ونحو ذلك (م ، ح ، ٢٢٨ ، ١٦)

ـ إنّ معنى فعل الله هو الإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، وصيّرت المعتزلة ذلك معنى فعل العبد (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١٠)

ـ عندنا (أبو منصور الماتريدي) أنّ فعل الله تعالى في الحقيقة غير فعل العبد ، وفعل العبد مفعوله لا فعله ، ووجود مثله في الشاهد غير عسير نحو مد اثنين شيئا ينقطع ، وإزالة اثنين شيئا عن مكان ، وقبلهما واحد يصير به شركاء فيها إنّه مفعولهما في الحقيقة ، وكذلك المزال والمنقطع ، وكذلك الحمل فيه جزء لا يتجزأ ، حمله اثنان قواهما واحد أن حقيقة فعلهما وإن اختلف ، فالمفعول واحد لهما ، فمثله الذي نحن فيه (م ، ح ، ٢٣٨ ، ٣)

ـ إنّ الله إذ هو موصوف بفعله ، ومعنى فعله خلقه كل شيء على ما هو أولى به ، متفضلا في فعله أو عادلا ، لا يخلو وصف فعله عن هذين ، وحقيقته عن الأوّل ، فصار بأي وجه أضيف إليه من طريق فعله محقق له معنى خلقه ، ولو ذكر ذا في الإضلال وما ذكر في الطبع وغيره ولم يحتمل شيء من تمويهات المعتزلة ، فكذلك إذ ذلك معنى فعله (م ، ح ، ٣١٣ ، ١٩)

ـ متى كان الفعل خلقا لله عزوجل فهو غير محتاج إلى قدرتنا وعلومنا ، ولا إلى الآلات والأسباب وما شاكلهما (ق ، ت ١ ، ٣٨٥ ، ٢٧)

ـ إنّ الله عزوجل خلق كل ما خلق من ذلك مخترعا له كيفيّة مركّبة في غيره ، فهكذا هو فعل الله تعالى فيما خلق ، وأمّا فعل عباده لما فعلوا فإنّما معناه أنّه ظهر ذلك الفعل عرضا محمولا في فاعله لأنّه إمّا حركة في متحرّك ، وإمّا سكون في ساكن ، أو اعتقاد في معتقد ، أو فكر في متفكّر ، أو إرادة في مريد ، ولا مزيد ، فبين الأمرين بون بائن لا يخفى على من له أقلّ فهم (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ١٧)

ـ (وَما رَمَيْتَ) (الأنفال : ١٧) أنت يا محمد (إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧) يعني أنّ الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة ، لأنّك لو رميتها لم بلغ أثرها إلّا ما يبلغه أثر رمي البشر ، ولكنّها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم ، فأثبت الرمية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنّ صورتها وجدت منه ، ونفاها عنه لأنّ أثرها الذي لا يطيقه البشر فعل الله عزوجل ، فكان الله هو فاعل الرمية على الحقيقة ، وكأنّها لم توجد من الرسول عليه الصلاة والسلام أصلا (ز ، ك ٢ ، ١٥٠ ، ٧)

ـ فعل الله تعالى لا يوجب شيئا على الله تعالى (ف ، أ ، ٩٢ ، ١٤)

فعل الله تعالى بالأسباب

ـ الذي يدلّ على صحّة ما اختاره أبو هاشم وسائر شيوخنا من صحّة فعل الله تعالى بالأسباب هو أنّ السبب ـ لأمر يرجع إلى ذاته ـ يولّد ما يولّده لا لأمر يرجع إلى حال الفاعل. ألا ترى أنّ الاعتماد يولّد الاختصاص بجهة وهو لما هو عليه في ذاته ، فلأجل هذا يولّد في حال السهو والنوم ، وإذا كان توليده لهذا الوجه لم يجز اختلاف الحال في توليده لاختلاف الفاعلين ، وجرى مجرى الظلم وغيره من القبائح إذا قبحت لوجه ، فمتى ثبت ذلك الوجه لم يجز إلّا أن يكون قبيحا ، فإذا كان كذلك ، وكان المعلوم أنّ مثل هذا السبب لو وجد من جهة أحدنا لولد المسبّب. فكذلك إذا وجد من جهته جلّ وعزّ (أ ، ت ، ٥٨٣ ، ٢٠)

فعل الله لغرض

ـ إنّه تعالى كما لا يفعل المبتدأ من فعله إلّا لغرض يخرج به من كونه عبثا فكذلك المتولّد وسببه ، ولا يجوز أن يفعل أحدهما لغرض فيه ويحسن الآخر من غير غرض يخصّه ، لأنّ وجه الحسن يجب حصوله في كل فعل من أفعاله تعالى ، وإلّا فالقبح أولى به. ولذلك جوّز شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله كون السبب حسنا أو قبيحا ، والمسبّب غير حسن ولا قبيح ، وإن لم يجوّز أن يكون حسنا مع كون سببه قبيحا على ما تفصله من بعد. فإذا صحّ ذلك والواجب أن نقضي بأنّه تعالى إنّما يفعل بالسبب لمصلحة يختصّ بها السبب ، ويفعل المسبّب لما فيه من النفع في دار الدنيا ، لأنّه تعالى قادر على أن يجري السفن على الوجه الذي تقع به المنفعة للعباد من غير أن يكون اعتماد الماء مولّدا له ، لكنّه لمّا كان كمال المنفعة أن يكون جريها بحسب مرادهم في الجهات التي يجرونها إليها ، وجب أن يخلق تعالى المياه ليصحّ تصريف السفن عليها ، ولا يكون الماء ماء إلّا وفيه اعتماد ، وعلم سبحانه أنّ ذلك الاعتماد إذا ولّد كان فيه منفعة ، فخلقه على هذا الوجه حصل فيه ضروب من الاعتبار ، وجميع ما فعله تعالى من الأفعال بالأسباب هذا حاله (ق ، غ ٩ ، ١١١ ، ١٤)

فعل الله متولّدا

ـ لو لم يصحّ أن يفعل تعالى على جهة التوليد كان لا يمتنع أن يجاور بين الجوهرين ولا يفعل فيهما التأليف لأنّه لا وجه يوجب وجوده لو لا كون المجاورة مولّدة له ، لأنّه لا يمكن أن يقال إنّه ملجأ إلى إيجاده ، لأنّه يتعالى عن ذلك فكان يجب ألا يمتنع أن يختار فعله أصلا ، وذلك يوجب كونهما متجاورين ولا تأليف فيهما ، وفي ذلك إفساد الطريق الذي يثبت به التأليف على ما بيّناه من قبل (ق ، غ ٩ ، ٩٨ ، ١٤)

ـ الدلالة على أنّه جلّ وعزّ لا يصحّ فيما يفعله (الله) متولّدا أن يبتدئه ، لأنّ هذه العلّة مستمرّة في الشاهد والغائب ، ومما يدلّ على ذلك أنّا قد بيّنا أنّ الوجود لا يصحّ فيه تزايد ، فلو صحّ فيما نفعله بسبب أن نبتدئه لصحّ منّا ذلك وإن تقدّم السبب ، لأنّ تقدّمه لا يغيّر حال القدرة وحال القادر ، فكان يجب أن يكون ذلك السبب قد وجد من كلا الوجهين ، فلا يصحّ أن يوجد منهما جميعا ، وحاله في الوجود كحاله لو لم يجز أن يوجد إلّا من أحد الوجهين ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى أن لا يكون للوجه الآخر تأثير البتّة ، وقد علمنا فساد ذلك (ق ، غ ٩ ، ١١٥ ، ٢٤)

ـ فيما يفعله تعالى متولّدا هل يصحّ أن يبتدئه أم

لا؟ اعلم أنّ شيخنا أبا هاشم رحمه‌الله ذكر في الجامع الكبير أنّه يصحّ أن يفعله مبتدأ ، ودلّ على ذلك بأن قال إنّ ما يقدر عليه تعالى لا يخرج من أن يكون مقدورا له إن كان مضمّنا بوقت ، إلّا بأن يوجد أو ينقضي وقته ، وإن لم يكن مضمّنا بوقت فبأن يوجد فقط ، لأن حاله جلّ وعزّ في كونه قادرا لا يجوز أن يتغيّر لكونه قادرا لنفسه ، والذي يخرجه من كونه قادرا على الشيء أمر يرجع إلى المقدور دونه ، ولا حال تعقل في المقدور تقضي ذلك إلّا ما بيّناه. وقد علمنا أنّ المسبّب من مقدوراته التي تتأخّر عن السبب ، وإن وجد سببه ولم ينقض وقته ولا وجد ، فيجب كونه مقدورا على ما كان ، ولا يجوز أن يكون مقدورا أو لا يصحّ من القديم سبحانه إيجاده كسائر المقدورات ، وتفارق حاله حال الواحد منا لأنّ قدرته لا يصحّ أن تكون قدرة إلّا على جزء واحد من الجنس الواحد في محلها ، والقديم تعالى يقدر على ما لا نهاية له من أمثال المسبّب ، فيجب كونه قادرا على المسبّب نفسه (ق ، غ ٩ ، ١١٩ ، ٢)

فعل الإنسان

ـ لمّا كان ميل معمّر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميّز بين أفعال النفس التي سمّاها إنسانا ، وبين القالب الذي هو جسده ؛ فقال : فعل النفس هو الإرادة فحسب. والنفس إنسان ؛ ففعل الإنسان هو الإرادة ؛ وما سوى ذلك من الحركات والسكنات والاعتمادات فهي من فعل الجسد (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ١)

فعل بسبب

ـ بيّنا في باب التولّد أنّ كل ما صحّ منه تعالى أن يفعله بسبب ، يصحّ أن يفعله على جهة الابتداء ، وإن كان قد يتعذّر ذلك علينا في كثير من الأجناس ، وبيّنا أنّ ذلك فينا يؤذن بالحاجة إلى الأسباب ، وأن ذلك لا يصحّ عليه تعالى. وهذا الجملة تصحّح أنّه تعالى كما يقدر على فعل الآلام بالأسباب ، فقد يقدر على فعلها على جهة الابتداء من غير سبب (ق ، غ ١٣ ، ٢٧٦ ، ٨)

ـ مما يدلّ على أنّ الله تعالى يفعل فعلا بسبب ، ما قد ثبت أنّه إذا خلق جسما ثقيلا فإنّه يجب أن يكون هاويا ، وهويّه إنّما يكون لما يخلق الله تعالى فيه من الاعتماد الذي هو الثقل حالا فحالا ، فهويّة موجب عن الثقل ، فيجب أن يكون الهويّ من فعل الله تعالى ، كما أنّ الثقل من فعل الله تعالى ، لأنّ فاعل السبب هو فاعل المسبب. ففي هذا ما يدلّ على أنّ الله تعالى يفعل فعلا بسبب (ن ، د ، ٨٨ ، ١٠)

فعل بين فاعلين

ـ كان (الأشعري) يحيل أن يكتسب المكتسب فعل غيره أو يكتسب في غيره. وكان يقول إنّ الله تعالى يفعل في غيره ولا يصحّ أن يفعل في نفسه ، والمكتسب لا يصحّ أن يكتسب إلّا في نفسه. ويحيل كسبا بين مكتسبين وفعلا بين فاعلين وإحداثا بين محدثين. ويفرّق بين ذلك وبين جواز مقدور بين قادرين أحدهما يخلقه والآخر يكتسبه بفروق (أ ، م ، ١٠٢ ، ٩)

فعل بين قادرين

ـ أما الفعل بين قادرين فمختلف فيه. فإن قلت : مم اشتقاق القدير. قلت : من التقدير ، لأنّه يوقع فعله على مقدار قوّته واستطاعته وما يتميّز به عن العاجز (ز ، ك ١ ، ٢٢٣ ، ٢)

فعل الجسد

ـ لمّا كان ميل معمّر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميّز بين أفعال النفس التي سمّاها إنسانا ، وبين القالب الذي هو جسده ؛ فقال : فعل النفس هو الإرادة فحسب. والنفس إنسان ؛ ففعل الإنسان هو الإرادة ؛ وما سوى ذلك من الحركات والسكنات والاعتمادات فهي من فعل الجسد (ش ، م ١ ، ٦٨ ، ٢)

فعل الجوارح

ـ اختلفوا (المعتزلة) في فعل الجوارح في أيّ وقت يحدث بعد حدوث الاستطاعة على ثلاثة أقاويل : فقال قوم : الإنسان يقدر على الحركة في حال حدوث القدرة والحركة تقع في الحال الثانية. وقال بعضهم : هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ، وهي لا تقع إلّا في الحال الثالثة لأنّه لا بدّ من توسّط الإرادة. وقال قوم : هو يقدر عليها في حال حدوث الاستطاعة ولم (؟) تقع إلّا في الحال الرابعة لأنّه لا بدّ بعد حال الاستطاعة من حال الإرادة وحال التمثيل ثم توجد الحركة (ش ، ق ، ٢٣٨ ، ١٠)

فعل حكمي

ـ إن قال قائل فما أنكرتم من أن يدل الفعل الحكمي على أنّ للإنسان علما هو غيره كما قلتم أنّه يدل على علم ، قيل له ليس إذا دلّ الفعل الحكميّ على أنّ للإنسان علما دلّ على أنّه غيره ، كما ليس إذا دلّ على أنّه عالم دلّ على أنّه متغاير على وجه من الوجوه (ش ، ل ، ١٢ ، ١٨)

ـ لو جاز لزاعم أن يزعم أنّ الفعل الحكمي يدل على أن العالم عالم ثم يعلم علمه بعد ذلك ، لجاز لزاعم أن يزعم أن الفعل الحكمي يدلّ على أنّ العلم علم ثم يعلم أنّه لعالم بعد ذلك ، وإذا لم يجز هذا وتكافأ القولان وجب أن تكون الدلالة على أنّ العالم عالم دلالة على العلم (ش ، ل ، ١٣ ، ٣)

فعل داخل تحت التكليف

ـ اعلم ، أنّا قد بيّنا من قبل أنّ الفعل الداخل تحت التكليف ، لا بدّ من أن تتردّد للمكلّف الدواعي بين فعله وتركه والعدول عنه إلى خلافه. ولذلك قصدنا إلى ذكر هذا الفصل لئلّا يقول قائل : إنّ المعارف وإن كانت مقدورة للعبد ولا مانع له عن فعلها ، فإنّه لا يصحّ أن يدعوه إليها داع ، فلا يجوز من الحكيم أن يكلّفها. وقد علمنا أنّ الدواعي ترجع إلى الاعتقادات والظنون دون غيرها ، لأنّه إذا علم في الفعل منفعة دعاه إلى فعله ، وكذلك إذا ظنّه أو اعتقده ؛ ولو علم أو ظنّ أنّ عليه في الفعل مضرّة ، صرفه عن فعله. وكذلك القول فيما نعلمه نفعا وإحسانا إلى الغير أو حسنا أنّه قد يدعوه إلى فعله ، فإذا علمه إساءة صرفه عن فعله ، ولا يجوز أن يدخل في باب الدواعي سوى ما ذكرناه (ق ، غ ١٢ ، ٢٢٦ ، ٣)

فعل الساهي

ـ إن قال فما الطريق الذي به تعرفون في فعل الساهي إنّه فعله؟ قلنا إنّا نعرفه فعلا له بتقدير الدواعي ، فنفارق فعل غيرنا لأنّك تقول : هذا الساهي قد وقع هذا الفعل منه على حدّ لو كان عالما كان لا يقع إلّا مطابقة لداعيه ، فيقوم التقدير في ذلك مقام التحقيق. ألا ترى أنّ فعل غيره لمّا لم يكن حادثا من جهته لم يصحّ أن

يقدر هذا الوجه فيه ، فعرفنا أنّ فعله يختصّ به على ما نقوله وغير ممتنع أن يقوم التقدير مقام التحقيق في مواضع. فعلى هذا نعرف أنّ زيدا قادر إذا عرفنا أنّه لو حاول الفعل لوقع منه ، كما نعرفه قادرا لو وقع منه الفعل. وكذلك في كونه عالما (ق ، ت ١ ، ٣٦٠ ، ٨)

ـ أمّا ما كان وجه حسنه أو قبحه وقوعه على بعض الوجوه بالقصد أو بالعلم والاعتقاد ، كنحو الكلام والحركات ، فيجب إذا وقع من فعل الساهي والنائم أن لا يكون حسنا ولا قبيحا ، لأنّ المستفاد بكلا الأمرين ، لا يصحّ فيه. ولذلك لا يصحّ في كلامه أن يكون خبرا أو أمرا ، ولا في حركاته أن تكون كسبا يجترّ بها نفعا ، أو يدفع بها ضررا. فأمّا إذا لكم في حال نومه رجلا أو جرحه ، فيجب أن يكون ذلك ظلما قبيحا ، وإن حكّ جربا والتذّ بذلك ، فيجب كونه حسنا ، لأنّه قد نفعه ، وإن كان لا يصح كونه منعما به ، لأنّ ذلك يقتضي كونه قاصدا على بعض الوجوه. وإن كان لا بدّ من كونه ظالما بما يكون من فعله ظلما ، لأنّ ذلك يفيد فعله له فقط ، ولا يقتضي كونه قاصدا إليه على بعض الوجوه. ولا يجوز أن يستحقّ بما يقع من فعله ذمّا ولا مدحا ، لأنّ من حقّ هذين أن يستحقّهما من يقدم على الفعل على وجه يمكنه التحرّز منه ، ويقصد به وجها مخصوصا ، أو يحصل في حكم القاصد إليه (ق ، غ ٦ / ١ ، ١٢ ، ٦)

ـ اعلم أنّ الفعل إذا وقع من العالم به أو من هو في حكمه فلا بدّ من أن يكون حسنا أو قبيحا ؛ لأنّه لا بدّ إذا كان هذا حاله أن يكون قاصدا إلى فعله ، والفعل المقصود يجب كونه قبيحا أو حسنا ، وكذلك القول فيما يجري مجرى المقصود ، كالقصد نفسه والكراهة ، وإنّما يخلو الفعل من الوجهين متى وقع من الساهي عنه (ق ، غ ١١ ، ٦٣ ، ١٢)

فعل الشيء

ـ قال" عباد بن سليمان" (معتزلي) : لم يزل الله عالما بالمعلومات ولم يزل عالما بالأشياء ولم يزل عالما بالجواهر والأعراض ولم يزل عالما بالأفعال ولم يزل عالما بالخلق ، ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالأجسام ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمفعولات ولم يقل أنّه لم يزل عالما بالمخلوقات ، وقال في أجناس الأعراض كالألوان والحركات والطعوم أنّه لم يزل عالما بألوان وحركات وطعوم وأجرى هذا القول في سائر أجناس الأعراض ، وكان يقول : المعلومات معلومات لله قبل كونها وأنّ المقدورات مقدورات قبل كونها وأنّ الأشياء أشياء قبل أن تكون وكذلك الجواهر جواهر قبل أن تكون وكذلك الأعراض أعراض قبل أن تكون والأفعال أفعال قبل أن تكون ، ويحيل أن تكون الأجسام أجساما قبل كونها والمخلوقات مخلوقات قبل أن تكون والمفعولات مفعولات قبل أن تكون ، وفعل الشيء عنده غيره وكذلك خلقه غيره ، وكان إذا قيل له : أتقول إنّ هذا الشيء الموجود هو الذي لم يكن موجودا؟ قال : لا أقول ذلك ، وإذا قيل له : أتقول أنه غيره؟ قال : لا أقول ذلك (ش ، ق ، ١٥٩ ، ١١)

فعل صحيح

ـ إنّ معنى قولنا : " إنّ الفعل صحيح" ، هو أنّه قد حصل به الغرض المقصود به. وإنّما يكون

كذلك إذا استوفيت شرائطه التي معها يحصل الغرض المقصود بالفعل. وقولنا" فاسد" و" باطل" يفيد نفي ذلك. وهو أنّه لم يستوف شرائطه التي عليها يقف حصول الغرض بالفعل (ب ، م ، ١٨٤ ، ٦)

فعل الطباع

ـ أمّا الفعل لإحراز منفعة أو لدفع مضرّة فإنّما يوصف به المخلوقون المختارون. وأمّا فعل الطباع فإنّما يوصف به المخلوقون غير المختارين (ح ، ف ١ ، ١٣ ، ١٢)

فعل الظن

ـ إنّ العاقل عندنا لا يحصل له الظنّ ابتداء ، بل يحصل عقيب أمارة تصوّرها من نفسه ، وعلم ثبوتها ، وأحال فكره فيها ، وعلم كيفية تعلّقها بما يظنّه ويخافه. فعند ذلك متى فعل الظنّ ، خاف خوفا صحيحا لزمه النظر عنده. وإنّما صحّ كون ذلك أمارة لما قدّمناه من أنّه إذا كان هو الفاعل للظنّ أثّرت الأمارة فيه. فأمّا القديم ، تعالى ، فإن فعل الظنّ مع هذه الأمور ، كان مضطرّا إلى الجميع ، فلا يصحّ له هذا الحكم. فإنّ فعل الظنّ وحده ، كان بمنزلة المبتدئ الذي لا حكم له ، لأنّ هذه الأمور لا تؤثّر فيه. وبعد ، فإنّها إذا حصلت للعاقل ، فعل الظنّ عندها لا محالة ، فلا وجه لأن يفعل تعالى فيه الظنّ والحال هذه ، كما لا وجه لفعل الخاطر والداعي (ق ، غ ١٢ ، ٤٠٨ ، ١٥)

فعل العباد

ـ إنّ المعارف كلّها طباع ، وهي مع ذلك فعل للعباد ، وليست باختيار لهم (الجاحظ). قالوا : ووافق ثمامة في أن لا فعل للعباد إلّا الإرادة ، وأن سائر الأفعال تنسب إلى العباد على معنى أنّها وقعت منهم طباعا ، وأنّها وجبت بإرادتهم (ب ، ف ، ١٧٥ ، ١٦)

ـ إنّ الله عزوجل خلق كل ما خلق من ذلك مخترعا له كيفيّة مركّبة في غيره ، فهكذا هو فعل الله تعالى فيما خلق ، وأمّا فعل عباده لما فعلوا فإنّما معناه أنّه ظهر ذلك الفعل عرضا محمولا في فاعله لأنّه إمّا حركة في متحرّك ، وإمّا سكون في ساكن ، أو اعتقاد في معتقد ، أو فكر في متفكّر ، أو إرادة في مريد ، ولا مزيد ، فبين الأمرين بون بائن لا يخفى على من له أقلّ فهم (ح ، ف ٣ ، ٧١ ، ١٨)

ـ الأكثر : ويجوز تسمية فعل العباد خلقا. البلخيّ : لا. لنا : أحدثوه بتقدير ، وهو معناه ، وقوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) (المائدة : ١١٠) (م ، ق ، ٩٥ ، ١٣)

فعل العبد

ـ إنّ معنى فعل الله هو الإبداع والإخراج من العدم إلى الوجود ، وصيّرت المعتزلة ذلك معنى فعل العبد (م ، ح ، ٢٣٥ ، ١١)

ـ عندنا (أبو منصور الماتريدي) أنّ فعل الله تعالى في الحقيقة غير فعل العبد ، وفعل العبد مفعوله لا فعله ، ووجود مثله في الشاهد غير عسير نحو مد اثنين شيئا ينقطع ، وإزالة اثنين شيئا عن مكان ، وقبلهما واحد يصير به شركاء فيها إنّه مفعولهما في الحقيقة ، وكذلك المزال والمنقطع ، وكذلك الحمل فيه جزء لا يتجزأ ، حمله اثنان قواهما واحد أن حقيقة فعلهما وإن اختلف ، فالمفعول واحد لهما ، فمثله الذي نحن فيه (م ، ح ، ٢٣٨ ، ٣)

ـ إنّ كلّ ما كان سببه من جهة العبد حتى يحصل فعل آخر عنده وبحسبه ، واستمرّت الحال فيه على طريقة واحدة فهو فعل العبد. وما ليس هذا حاله فليس بمتولّد عنه ولا يضاف إليه على طريق الفعليّة (ق ، ت ١ ، ٤٠٠ ، ٤)

ـ لو كان تعالى هو المخترع لفعل العبد ، لم يخل ما يقبح من العبد أن يقبح من الله تعالى أو يحسن منه. لأنّه لا يصحّ أن يقال ، مع علمه به ، أنّه لا يحسن منه ولا يقبح ، لأنّ ذلك يؤدّي إلى تجويز مثل ذلك في فعل العالم منّا. وهذا يستحيل ، لأنّه متى كان عالما بفعله ، فلا بدّ من أن يعلمه على وجه ، لكونه عليه له فعله ، ولا يستحقّ به الذمّ ؛ أو على وجه لكونه عليه ليس له فعله ، ويصحّ أن يستحقّ به الذمّ. فإذا صحّ أنّه لا يخلو مما ذكرناه ، فلو قبح منه ما يقبح من العبد ، وصحّ مع ذلك أن يخلقه ، لم نأمن أن يخلق سائر القبائح منفردا بها فيكذب في أخباره ويأمر بالقبيح ، وينهي عن الحسن ، ولا يفي بشيء من وعده ووعيده ، ويعذّب الأنبياء ، ويثيب الفراعنة ، ويتفرّد بكل ظلم (ق ، غ ٨ ، ٢٠٢ ، ١٧)

ـ إنّ إمام الحرمين أبا المعالي الجويني ... قال : ... لا بدّ إذن من نسبة فعل العبد إلى قدرته حقيقة ، لا على وجه الإحداث والخلق ، فإنّ الخلق يشعر باستقلال إيجاده من العدم ، والإنسان كما يحسّ من نفسه الاقتدار ، يحسّ من نفسه أيضا عدم الاستقلال ، فالفعل يستند وجوده إلى القدرة ، والقدرة يستند وجودها إلى سبب آخر تكون نسبة القدرة إلى ذلك السبب كنسبة الفعل إلى القدرة. وكذلك يستند سبب إلى سبب آخر حتى ينتهي إلى مسبّب الأسباب. فهو الخالق للأسباب ومسبّباتها ، المستغني على الإطلاق ، فإنّ كل سبب مهما استغنى من وجه محتاج من وجه ، والباري تعالى هو الغني المطلق ، الذي لا حاجة له ولا فقر (ش ، م ١ ، ٩٨ ، ١٦)

ـ زعم الجمهور من المعتزلة أنّ العبد موجد لأفعاله لا على نعت الإيجاب بل على صفة الاختيار (ف ، م ، ١٤٦ ، ٩)

ـ إنّ فعل العبد إنّما وقع لأنّ مجموع القدرة مع الداعي يوجبه ، وهو فعل الله تعالى ، فاعل السبب فاعل للمسبّب ، ففعل العبد يكون فعلا لله تعالى (ف ، أ ، ٩٢ ، ١٢)

ـ يقال : لو لم يكن فعل العبد ، بل غيره من الموجودات الحادثة ، مقدورا للرب ، وداخلا تحت قدرته للزم أن يكون الباري تعالى ناقصا بالنسبة إلى من له القدرة عليه ، كما مضى في الإرادة ، وهو محال (م ، غ ، ٢١٨ ، ٥)

ـ العدليّة : فعل العبد غير مخلوق فيه. وخالفت الجهمية وجعلت نسبته إليه مجازا كظلال وقصر. النجّاريّة والكلابية وضرّار وحفص الفرد : بل خلق لله وكسب للعبد. لنا : وقوعه بحسب دواعيه ، وانتفاؤه بحسب كراهته مستمرّا وبذلك يعلم تأثير المؤثّر ، إذا سلّمنا لزم سقوط حسن المدح والذمّ وسبّه بنفسه تعالى (م ، ق ، ٩٤ ، ٢٢)

ـ ليس فعل العبد منازعة ، أمّا فعل الطاعة والمباح فظاهر ، وأمّا فعل المعصية فهو كفعل عبد قال له سيّده : لا أرضاك تأكل البرّ ولا أحبسك عنه ، لكن إن فعلت عاقبتك. ففعل العبد ليس نزاعا ، لأنّ النزاع المقاومة والمغالبة ، وهذا لم يقاوم ولم يغالب (ق ، س ، ١٠٦ ، ١٦)

فعل العبد من المعارف

ـ إنّ العلوم التي بها يكمل العقل ومعها يصحّ النظر ، هي بمنزلة القدرة والتمكين ، لأنّه لولاها لما صحّ من المكلّف هذا الفعل على الوجه الذي يجب عليه ، وما حلّ محل التمكين لا يكون لطفا. وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله ، فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين (ق ، غ ١٢ ، ٤١٧ ، ١٨)

ـ إن قيل : فيجب في كل ما يفعلونه (العباد) من العلوم أن يكون لطفا. قيل له : إن كان مما لا يتمّ معرفة العقاب والثواب ، وما عنده تصحّ معرفتهما إلّا معه ، فكذلك نقول فيه : فإن استغنى عنه في ذلك على كل وجه ، فهو بمنزلة العلم بالصناعات إلى غير ذلك ، في أنّه لا مدخل له في هذا الباب. ولهذا لا يعدّ العلم بالحساب واللغة لطفا ، وليس كذلك حال ما يفعله العبد من المعارف ، لأنّ عندها يختار تجنّب القبيح أو يبعد عن فعله ، ولولاها كان يصحّ أن يفعله ويكون أقرب إلى فعله فقد حصل فيه معنى اللطف ، على ما نقوله في هذا الباب. فلهذا فرّقنا بين الأمرين. فأمّا ما به تقوى المعارف التي ذكرناها أو تنحلّ عنده الشبه الداخلة في باب التوحيد والعدل ، فلا يمتنع أن يكون لطفا. لأنّ من حقّه أن يثبت العلوم التي ذكرناها معه ، ولولاه كانت تزول ولا تثبت. فلهذا يجب على العاقل النظر في حال الشبه ، كما يجب عليه النظر في الأدلّة ، لأنّ موقع هذا العلم كموقع ذلك العلم في الحاجة إليه ، من الوجه الذي بيّناه. وإن كان متى لم تعرض الشبهة لا يلزمه النظر ، فيختلف لزوم ذلك بحسب اختلاف حال العاقل فيما ورد على قلبه (ق ، غ ١٢ ، ٤١٨ ، ٨)

فعل غيره

ـ أمّا فعل غيره. فإنّما يريده بأمر به ، ولا بدّ من تقدّم هذه الإرادة لفعل المكلّف. ويبيّن هذا أنّه لا يصير أمرا إلّا بالإرادة والمأمور به. فلا بدّ من تقدّمها ، وعلى هذا يصير داعيه لنا إلى فعل الطاعات ، وحقّ الدواعي أن تتقدّم فصارت حال فعل غيره بالعكس من حال فعله (ق ، ت ١ ، ٢٩٦ ، ١٤)

فعل فاعل

ـ إنّ حقائق الأجناس والأنواع لا تتعلّق بفعل الفاعل ، وأنّها في ذواتها إن لم تكن أشياء منفصلة لم يتصوّر الإيجاد والاختراع ، ولكان حصول الكائنات على اختلافها اتّفاقا وبختا (ش ، ن ، ١٥٦ ، ١١)

ـ إنّ فعل الفاعل لا يخرج الشيء عن حقيقته ، فلا يجوز أن يقلب الجوهر عرضا والعرض جوهرا ، فإنّ القدرة إنّما تتعلّق بما يمكن وجوده ، وهذا من المستحيل ، فنفي الاحتياج إلى محل في حق الجوهر لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، كما أنّ إثبات الاحتياج إلى المحل في حق العرض لا يجوز أن يثبت بالقدرة ، وما ليس يمكن لا يكون مقدورا وما ليس بمقدور يستحيل أن يوجد (ش ، ن ، ٢١٦ ، ١٣)

فعل الفاعل لعلة موجبة

ـ إنّ الإلجاء ليس بعلّة موجبة ، وإنّما يقوّي دواعي الملجأ إلى الفعل ، فما لم يتغيّر حاله

فيجب وجود الفعل منه ، وإن كان يصحّ ألّا يوجد منه بأن يتغيّر حاله في الإلجاء ، وليس كذلك لو فعل الفاعل لعلّة موجبة ، لأنّها كانت في صرف ذلك الفعل عن هذا الفاعل أقوى من فعل زيد الذي يجب ألّا يكون فعلا لغيره ، لاستغنائه في الوجود بزيد عن غيره (ق ، غ ١١ ، ٩٦ ، ٨)

فعل الفاعل من الأسباب

ـ نقول قد ثبت أن المتولّدات أجمع تقع بحسب ما يفعله الفاعل من الأسباب ، فلولا أنّها فعله لما وجب أن تقع بحسب فعله. ألا ترى أنّ فعل الغير لمّا لم يحدث من جهته لم يقع بحسب فعله؟ ويبيّن ذلك أنّه إذا حدث هذا المسبّب ولم يكن له بدّ من محدث فأولى من تصرّف حدوثه إليه هو فاعل السبب لأنّه به أخصّ من غيره (ق ، ت ١ ، ٤٠١ ، ٨)

فعل في الشاهد

ـ شهادة كل صفة أنّها غير الموصوف بكلام عجيب ، وأنا أحكي ألفاظه لتعلم. قال معنى هذا التعليل أنّ الفعل في الشاهد لا يشابه الفاعل ، والفاعل غير الفعل ، لأنّ ما يوصف به الغير إنّما هو الفعل أو معنى الفعل كالضارب ، والفهم فإنّ الفهم والضرب كلاهما فعل والموصوف بهما فاعل ، والدليل لا يختلف شاهدا وغائبا ، فإذا كان تعالى قديما وهذه الأجسام محدثة كانت معدومة ثم وجدت ، يدلّ على أنّها غير الموصوف بأنّه خالقها ومدبّرها (أ ، ش ١ ، ٢٥ ، ١٤)

فعل في محل معدوم

ـ إنّا إمّا أن نفعل الفعل مباشرا أو متولّدا. وعلى كل حال فتقدّم كوننا قادرين لكوننا فاعلين واجب. وإذا كان هذا الفاعل لا يبقى في الثاني من حال وجوده ، فكيف يصحّ أن يفعل في الحال ، وكونه قادرا يجب تقدّمه من قبل؟ ويبيّن هذا أنّا إذا فعلنا الشيء مباشرا فيجب أن يكون حالّا فينا ، فإذا فعلناه متولّدا عن سبب ، فيجب في ذلك السبب أن يوجد فينا ، وإن كان حال المسبّب يختلف : فمرّة يوجد فينا ومرّة يوجد في غيرنا ، وعلى الحالات كلها يلزم تقدّم القدرة ليصحّ الفعل بها في الثاني ، فإذا كان في الثاني من وجود القدرة قد عدم المحل ، فكيف يصحّ الفعل بها؟ وهل هذا إلّا إيجاب لصحّة الفعل في محل معدوم؟ ولا يبطل هذا بما نجوّزه في المتولّد أنّه يوجد بعد موت الفاعل ، لأنّ موته لا يخرج المحل من أن يصحّ وجود الفعل فيه لأنّه باق ، والقول بوجوب تقدّم القدرة اقتضى أن نقول بصحّة وجود الفعل وإن مات ، كما اقتضى أن يلزمهم صحّة وجود الفعل في محل معدوم (أ ، ت ، ١٤٩ ، ١٤)

فعل القادر

ـ قد ثبت بالدليل أن فعل القادر منا ينقسم إلى ثلاثة أقسام : منه ما لا يصحّ أن يفعله إلّا متولّدا كالصوت والألم والتأليف ، ومنه ما لا يصحّ أن يفعله إلّا مباشرا كالإرادة وغيرها ، ومنه ما يصحّ أن يفعله على الوجهين كالكون والاعتماد (ق ، غ ٩ ، ٨٠ ، ١٩)

فعل قد يحسّن

ـ إنّ الفعل قد يحسن وإن لم ينتفع به فاعله ، وقد يصحّ وقوعه من العالم به لحسنه ، وإن لم يكن له فيه نفع (ق ، غ ١١ ، ١٠٦ ، ٦)

فعل القدرة ابتداء

ـ لم يجز فيما ثبت وجوده بالسبب أن يفعل ابتداء ، بل يجب أن يكون القول في ذلك آكد لأنّ السبب من حقّه أن يوجب وجود المسبّب من غير أن يتعلّق باختيار القادر. وليس كذلك ما يفعل بالقدرة ابتداء ، فإذا كان ما يوجد بالقدرة مع أنّه لم يحصل فيه وجه يوجب وجوده لا يصحّ أن يوجد إلّا بها ، فبأن لا يجوز أن يوجد المتولّد إلّا بالسبب مع أنّه يوجب وجوده أولى. ومما يقال في ذلك أن من حق ما يبتدأ بالقدرة أن يصحّ من القادر أن يفعله وألّا يفعله ، ومن حق ما يوجد عن السبب أن يجب وجوده مع ارتفاع الموانع. فإذا صحّ ذلك فلو جوّزنا في المعنى الواحد أن يحدث على الوجهين لتناقض فيه الحكم ، لأنّه كان يجب أن يصحّ ألّا يفعله من حيث كان مبتدأ ، وأن يجب أن يفعله من حيث كان مسبّبا ، وهذا محال. ولا يمكنه أن يقول متى وجد السبب لم يصحّ أن يفعله إلّا به ، لأنّا قد بيّنا أنّه إذا كان مقدورا بالقدرة فلا وجه يمنع من كونه مقدورا بها ابتداء ، لأنّ تقدّم السبب لا يمنع القدرة من أن تكون متعلّقة به كتعلّقها به لو لم يتقدّم ، وفي هذا ما قدّمناه من التناقض. وقد يقال فيه أنّ من حق ما نبتدئه بالقدرة ألّا يقع متى حصل هناك داع يصرفه عن فعله ، فلو كان ما يقع عن السبب يجوز أن نبتدئه لوجب متى حصل هناك ما يصرفه عن فعله لا يوجد من حيث صحّ أن نبتدئه ، وأن يجب وجوده من حيث وجد سببه ، وهذا يتناقض (ق ، غ ٩ ، ١١٧ ، ١٢)

فعل الكلام

ـ إنّه رحمه‌الله (أبو هاشم) رأى أنّ أحدنا لا يقدر على فعل الكلام إلّا بسبب ، فوجوبه يضمن وجوب السبب ، فصار الواجب عليه كلا الأمرين ، فالقديم تعالى يصحّ أن يفعله لا بسبب ، فالواجب عليه واجب واحد ، فلذلك فصل بينه تعالى وبين أحدنا (ق ، غ ١٤ ، ١٩٢ ، ٩)

فعل لا يقع إلا بسبب

ـ لا يصحّ من أحدنا أن يفعل الأجناس الثلاثة من دون سبب ولا اختلاف في شيء من ذلك إلّا في التأليف. فإنّ" أبا علي" قد أجاز في الواقع في محلّ القدرة أنّه مباشر ، وهذا إذا كان كلى محلّيه محلّ القدرة. وذكر" أبو هاشم" : إنّي لا أعرف قوله إذا كان أحد محلّيه محلّا للقدرة. والثاني ليس بمحلّ للقدرة هل يجعله متولّدا أو يجعله مباشرا. والصحيح أنّ جميع التأليف لا يقع إلّا بسبب هي المجاوزة لتعذّر إيجادنا له إلّا بعد فعل السبب الذي هو المجاوزة. وبهذا يثبت لنا أنّ الصوت متولّد وكذلك الألم ، ولا فرق على هذه الطريقة بين أن يكون في محلّ القدرة أو غير محلّها. ولسنا نقول إنّ وجود هذا الجنس يستحيل من دون سبب ، وإنّما الحاجة راجعة إلينا. فلذلك يصحّ من القديم جلّ وعزّ أن يفعل هذه الأجناس ابتداء. يبيّن ذلك أن الحاجة إلى السبب تابعة للحاجة إلى القدرة. فإذا كان قادرا لنفسه صحّ أن يفعله بلا سبب (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ١١)

فعل لا يقع إلا مبتدأ

ـ وأمّا الثالث (من الأفعال) فمن حيث لم تتأتّ الإشارة إلى شيء تتولّد عنه هذه الأجناس جعلناه (الفعل الذي لا يقع إلّا) مبتدأ. وحكم هذا الثالث في القادرين لا يختلف في أنّه لا يقع من أحد إلّا على هذا الوجه. وأمّا الثاني

فقد يصحّ عندنا أن يقع من الله على الوجهين جميعا. و" أبو علي" يخالف في ذلك فمنع من أن يقع منه إلّا ابتداء دون أن يكون فاعلا له بسبب (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ٢١)

فعل لحكمة

ـ من فعل فعلا لغير علّة فهو عابث ، فظنّوا أن لا يجوز لله أن يبتدأ فعل ضرر بأحد ، وأنّ ذلك يزيل الحكمة عنه ، فألزموه في كل فعل يفعله الأصلح لغيره في الدين والأحسن لغيره في العاقبة ؛ إذ هو متعال عن قول ينفعه أو عن أن يضرّه شيء ، فلم يروا له الفعل إلّا بما ينفع غيره ، أو يدفع به الضرر عن غيره ، فيكون ذلك أيضا علّة فعله ، على ما كان علة فعل كل حكيم منّا ، ما تأمّل من نفع عاجل أو آجل أو دفع [ضرر] لزم به ، فيجرّ بذلك حسن الثناء مع جزيل الثواب. وضربوا لتقدير فعله بفعل غيره مثلا بما لا يجوز أن يكون منه الكذب أو الجور ، أو يكون منه الحركة [من] غير زوال ، أو السكون [من] غير قرار ، فثبت أنّ تقدير فعله على فعل الحكماء في الشاهد لازم ، إلّا أنّهم دفعوا عنه الارتفاع بالفعل ، والانحطاط بترك فعل ما ، فأوجبوا بذلك أنّه بفعله لا يجرّ إلى نفسه النفع ولا يدفع عنها الضرر ، فيجب أن يكون فعله لحكمة بما ينفع غيره أو يدفع عن غيره الضرر ، وجعلوا ذلك علّة فعله ؛ ليخرج عندهم فعله عن معنى العبث (م ، ح ، ٢١٥ ، ١٩)

فعل لحكمة وغرض

ـ قالت المعتزلة الحكيم لا يفعل فعلا إلّا لحكمة وغرض ، والفعل من غير غرض سفه وعبث ، والحكيم من يفعل أحد أمرين ، إمّا أن ينتفع أو ينفع غيره ، ولما تقدّس الرب تعالى عن الانتفاع تعيّن أنّه إنّما يفعل لينفع غيره ، فلا يخلو فعل من أفعاله من صلاح (ش ، ن ، ٣٩٧ ، ١٠)

فعل لغرض

ـ قيل لكم (للمعتزلة) والحكيم إذا فعل فعلا لغرض معيّن وجب أن يحصل له ذلك الغرض من كل وجه ، ولا يتخلّف غرضه من وجه وإلّا فينسب إلى الجهل والعجز ، ومن المعلوم أنّ الغرض الذي عيّنتموه لم يحصل إذا قدّرتم خلق العالم في الأقل ، من العقلاء ، وإن لم يقرّر ذلك لم يحصل في الأكثر ، والغرض إذا كان معلّقا على اختيار الغير لم يصف عن شوائف الخلاف فلا يحصل على الإطلاق ، ثم لو خلقهم ولم يكلّفهم لا عقلا ولا سمعا وفوّض الأمر إليهم ليفعلوا ما أرادوا يتضرّر بذلك أم يلحقه نقص أو يثلم جلاله فعل ، أو ليست الطيور في الهوى والسوائم في الفلا تغدو وتروح من غير تكليف ، فما السرّ في تخصيص بني آدم بالتكليف ولم ينتفع به ولا يتضرّر بضدّه (ش ، ن ، ٤٠٢ ، ١٠)

فعل مباشر

ـ اختلفت المعتزلة في الاستطاعة هل تبقى أم لا على مقالتين : فقال أكثر المعتزلة إنّها تبقى ، وهذا قول" أبي الهذيل" و" هشام" و" عبّاد" و" جعفر بن حرب" و" جعفر بن مبشّر" و" الاسكافي" وأكثر المعتزلة. وقال قائلون : لا تبقى وقتين وأنّه يستحيل بقاؤها وأنّ الفعل يوجد في الوقت الثاني بالقدرة المتقدّمة المعدومة ، ولكن لا يجوز حدوثه مع العجز

بل يخلق الله في الوقت الثاني قدرة ، فيكون الفعل واقعا بالقدرة المتقدّمة ، وهذا قول" أبي القاسم البلخي" وغيره من المعتزلة. وهذا قولهم في الفعل المباشر ، فأمّا المتولّد فقد يجوز عندهم أن يحدث بقدرة معدومة وأسباب معدومة ويكون الإنسان في حال حدوثه ميّتا أو عاجزا (ش ، ق ، ٢٣٠ ، ٩)

ـ قال قائلون : جائز وقوع الفعل المباشر بقوّة معدومة لأنّ القدرة لا تبقى ولكن لا توجد في جارحة ميّتة ولا عاجزة ، وهذا قول" أبي القاسم البلخي" وغيره (ش ، ق ، ٢٣٢ ، ١٤)

فعل مبتدأ

ـ لو لم توجد قدرة السبب ، ووجدت قدرة المسبّب ، لكان يصحّ أن يفعل بها ذلك المسبّب ، وهذا يوجب أن يكون ذلك منّا فعل مبتدأ (ن ، م ، ٣٥٨ ، ١٤)

فعل متولّد

ـ كان" الإسكافي" ينكر كل الفعل المباشر الذي يحلّ في الإنسان بقوّة معدومة ، وأن يكون مجامعا لعجز الإنسان ، ويجيز أن يجامع الفعل المتولّد العجز والموت ، ويجوّز اجتماع النار والحطب أوقاتا من غير أن يحدث الله سبحانه إحراقا (ش ، ق ، ٣١٣ ، ٨)

فعل مجزّأ

ـ " إنّ الفعل مجزّأ" معناه أنّه يكفي في تحصيل الغرض بالفعل. ولا يكون كذلك إلّا وقد استوفيت الشرائط التي يقف عليها حصول هذا الغرض (ب ، م ، ١٨٤ ، ١٠)

فعل محكم

ـ إنّ الفعل المحكم كما يحتاج في وقوعه إلى العلم يحتاج إلى القدرة ، فكما أنّ التكليف به مع فقد العلم يقبح ، فكذلك مع فقد القدرة (ق ، ش ، ٤٠٨ ، ٨)

ـ حدّ الفعل المحكم هو ما لا يتأتّى من كل قادر على ذلك النظام. ولسنا نحتاج إلى تحديد قليلة إذا ثبت لنا أنّ في جملة الأفعال ما لا يتعذّر على كل قادر. وفيها ما يتأتّى من البعض دون البعض وحال ذلك لا يخرج عن طريقين : فإمّا أن يكون بطريقة الترتيب وضمّ البعض إلى البعض ، وإمّا أن لا يراعى فيه ذلك فيكون جاريا مجرى المحكم وإن كان فعلا واحدا. فالأوّل ينقسم فربّما وجد على ضرب من الترتيب والنظام كالكلام والكتابة وغيرهما. وربما وجد دفعة واحدة ولكنّه يجري مجرى الأوّل في تعذّره على بعضهم دون بعض. ومن ذلك ما يقع دفعة واحدة بالقوالب وغيرها ، وكان هذا الضرب لا بدّ فيه من أفعال كثيرة. ثم تكون حالها على ما تقدّم من الوجهين وعلى كل حال. فالذي نذكره في حدّ الفعل المحكم صحيح (ق ، ت ١ ، ١١٣ ، ٦)

ـ إن قيل : أليس الفعل يقع محكما لكون فاعله عالما به ، والاشتراك في وقوعه محكما لا يقع كما لا يقع الاشتراك في حدوثه ، فقولوا لذلك إنّ المعلوم كالمقدور في أنّه يختصّ ، واعلموا لذلك فساد ما أصّلتموه. قيل له : إنّ وقوعه (الفعل) محكما من جهة العالم به ليس هو من حيث كان عالما به ، وإنّما وجب ذلك من حيث كان قادرا عليه. فلولا كونه قادرا عليه ، لم يصحّ ذلك منه ولو حصل غيره قادرا عليه بعينه ، لصحّ ذلك منه بعينه ، وإنّما لا يصحّ من غيره

لأنّه غير قادر عليه بعينه. فالاختصاص في ذلك إنّما وجب من حيث كان العالم قادرا لا من حيث كان عالما فقط (ق ، غ ٦ / ٢ ، ١١٥ ، ٥)

ـ قد بيّنا في باب الصفات أنّ الفعل المحكم لا يصحّ إلّا ممّن هو عالم به قبل إيجاده وفي حال إيجاده. وما أوردناه هناك يدلّ على ما ذكرناه الآن. هذا إذا كان العلم مما لا يصحّ أن يكتسبه المكلّف ، وأمّا إذا صحّ أن يكتسبه فيجب أن يكون متمكّنا من العلم بالفعل في هذه الأحوال حتى يصحّ أن يكلّف. وعلى هذا الوجه جعلنا البرهميّ مكلّفا القيام بالشرائع لمّا كان ممكّنا من معرفة النبوّة ومعرفة صحّة الشرائع بعدها (ق ، غ ١١ ، ٣٧٥ ، ٤)

ـ إنّما يصحّ منه الفعل المحكم ، لكونه ساكن النفس إلى ما علمه ، لا لأمر يرجع إلى العلم. كما أنّ الفعل إنّما يصحّ منه ، لكونه قادرا ، لا للقدرة ، وإن كانت القدرة هي التي توجب كونه قادرا (ق ، غ ١٢ ، ٣٣ ، ١)

ـ إنّ الفعل المحكم على ضربين : أحدهما : يصير محكما بالمواضعة والاختبار. والثاني : يصير كذلك بأن يرجع إليه ، لا يتغيّر بالمواضعات ؛ ولذلك يدلّ خلق الأحياء على أنّ فاعله عالم بكيفية ما يصحّ كون الحي حيّا عليه ، من التركيب ، الذي معه يكون حيّا ، ومن وجود الحياة ووجود ما تحتاج إليه ، على قدر مخصوص ؛ وليس ذلك لأمر يتعلّق بالمواضعة لأنه لا يصحّ فيه خلافه (ق ، غ ١٦ ، ١٩١ ، ٨)

ـ إنّ الفعل المحكم يحتاج إلى العالم ، وإنّما يحتاج إليه لكونه محكما لا غير. فإذا أردنا أن نعرف وجه الحاجة إلى العلم فلا نحتاج أن نقول حصل محكما مع جواز ألّا يكون محكما ، من حيث أنّه كلام في كيفية الحاجة. والكلام في كيفية الحاجة لا يكون إلّا بعد ثبوت الحاجة. فلا يجب أن نعتبر ما يعتبر في أصل إثبات الحاجة بل نعلّق الحكم في كيفية الحاجة على مجرّد الصفة (ن ، د ، ٣٥١ ، ٤)

ـ إنّ الفعل المحكم إذا جاز أن يقع فيكون محكما وجاز أن يقع ولا يكون محكما ، فلا بدّ من أمر يختصّ به حتى يقع محكما ، وليس ذلك إلّا كونه عالما ، فيكون لكونه عالما حالتان : إحداهما : ترجع إلى أنّه مصحّح لوقوع الفعل على وجه الإحكام والاتساق ، وهو في هذا الباب كالقدرة التي تصحّح وقوع الفعل ، والثانية : ترجع إلى أنّه جهة في الفعل ، فيكون من هذه الوجوه كأنّه الإرادة (ن ، د ، ٥٠٦ ، ٧)

ـ إنّ الفعل المحكم لا يصحّ بالعلم وإنّما يصحّ بالقدرة. ألا ترى أنّه ليس أكثر من إيجاد شيء بعد شيء ، وإيجاد شيء مع شيء ، وذلك إنّما يتأتى لكونه قادرا. إلّا أنّ كونه عالما شرط. وهذا الشرط متجدّده كباقيه ، وهو في الحال الذي يؤمر به عالم بكيفية إيقاعه ، ولا فرق بين أن يبقى هذا المعنى ، وبين أن تحدث أمثاله فيما يجب أن يحصل حتى يتكامل الشرط (ن ، م ، ٢٦٢ ، ١٠)

فعل مقصود

ـ اعلم أنّ الفعل إذا وقع من العالم به أو من هو في حكمه فلا بدّ من أن يكون حسنا أو قبيحا ؛ لأنّه لا بدّ إذا كان هذا حاله أن يكون قاصدا إلى فعله ، والفعل المقصود يجب كونه قبيحا أو حسنا ، وكذلك القول فيما يجري مجرى المقصود ، كالقصد نفسه والكراهة ، وإنّما

يخلو الفعل من الوجهين متى وقع من الساهي عنه (ق ، غ ١١ ، ٦٣ ، ١٠)

فعل المكلّف وفعل المكلّف

ـ اعلم ، أنّه ليس يجب فيما كان شرطا في حسن التكليف من جهة المكلّف أن يكون نفسه شرطا في صحّة أداء المكلّف لما كلّف ، أو في حسن ذلك. بل الواجب أن يحصل في كل واحد فيهما ما يختصّ به من الشرائط. لأنّ فعل المكلّف ينفصل من فعل المكلّف ، فلا يجب كونه شرائطهما واحدا ، كما لا يجب إذا حسن أحدهما أن يحسن الآخر. ولهذا صحّ أن تحسن منّا المباحات ، وإن لم يحسن من القديم ، تعالى ، أن يكلّفناها. ولذلك يصحّ في الشاهد أن يحسن العطيّة ويقبح الأخذ ، أو يحسن الأخذ ويقبح العطيّة ، من حيث كان كل واحد منهما فعلا لغير ما للآخر فعل له ، فروعي في كل واحد منهما شرطه. فإذا ثبت ذلك ، لم يجب إذا قلنا : إنّ المكلّف الحكيم لا يحسن أن يكلّف إلّا وغرضه بالتكليف التعريض للثواب ، أن نقول في المكلّف : إنّه لا يحسن منه إذا ما كلّف إلّا لهذا الغرض ، إلّا أن تقوم الدلالة على وجوب اتّفاقهما في هذه الشريطة. ولا دليل يدلّ على ذلك ، بل قد دلّت الدلالة على خلافه ؛ لأنّه ، تعالى ، إنّما وجب في تكليفه هذا الشرط من حيث كلّف الشاق. فلو لم يرد به التعريض للثواب ، لكان ظلما وغبنا. وليس كذلك أداء المكلّف لما كلّف ، لأنّه متى فعله للوجه الذي له وجب خرج من أن يكون عبثا. فصار قصده ، تعالى ، بالتكليف إلى التعريض للثواب مما يحسّن التكليف ، فيكون وجها لحسنه ووجوبه. وليس كذلك فعل المكلّف ، لأنّه يكفي في جهة حسنه ووجوبه بما يعرفه من حاله. ألا ترى أنّه إذا عرف في الوديعة أنّه يجب عند المطالبة ردّها ، لزمه ذلك ، وإن لم يعلم الثواب ، وإن لم يحسن منه ، تعالى ، الإلزام إلّا للثواب. فكذلك القول ، في النظر والمعرفة : إنّه لا يمتنع فيهما أن يجبا ، وإن لم يعرف المكلّف الثواب ، وإن لم يحسن منه تعالى الإيجاب إلّا للثواب (ق ، غ ١٢ ، ٢٨٤ ، ١٥)

فعل الملجأ

ـ أمّا فعل الملجأ ، فإنّه يقع بحسب قصده وداعيه ، غير أنّ داعيه مطابق لداعي الملجئ فلا يصحّ ما ذكرتموه ، وكذا الكلام في الدابة ، ولهذا فلو قصد الراكب أن يسيّرها في وجه الأسد لما سارت ، فصحّ أنّ سيرها تابع لقصدها وداعيها ، دون قصد الراكب وداعيه. وأمّا نعيم أهل الجنّة فمتعلّق بالله تعالى وموقوف على قصده وداعيه دون قصودهم ودواعيهم ، لو لا ذلك وإلّا كان يجب إذا دعي بعضهم الداعي إلى أن يبلغ ثوابه ثواب بعض الأنبياء أن يحصل ذلك ، ومعلوم خلافه (ق ، ش ، ٣٣٨ ، ١٦)

ـ إنّ فعل الملجأ منفصل من فعل الملجئ. ولهذا قد نوجد ما هو سبب الإلجاء وتتغيّر حال الملجأ فلا يقع منه ما ألجئ إليه لتغيّر دواعيه. وليس هذه حال السبب والمسبّب. ويبيّن هذا أنّه لو ظهر للواحد منّا السبع لكان يصير ملجأ وإنّما يصير ملجأ لظنّه أو لعلمه ضرورة أنّه يضربه ، فقد كون سبب هذا الإلجاء من قبله تعالى ، فإذا عدا هاربا على الشوك أو على زرع غيره فأفسده لا يقال إنّ ذلك بإرادة من الله

تعالى (ق ، ت ١ ، ٢٩٣ ، ١١)

ـ أمّا فعل الملجأ فحكمه لا بدّ من وقوعه وأن يكون داعي الإلجاء بحيث لا يعارضه شيء من الدواعي حتى يقع ما هو ملجأ إليه لا محالة ، كما يعقله في الخائف من السبع لأنّه ملجأ إلى الهرب ، وقد ثبت الإلجاء إلى الفعل وإلى أن لا يفعل ، ويثبت في كل واحد من الطريقين وجهين : أحدهما على سبيل المنع والآخر على سبيل المنافع ودفع المضارّ. ومن حكم كلّ ما يقع بالإلجاء أن لا يتوجّه على الفاعل المدح والذمّ والأمر والنهي (ق ، ت ١ ، ٣٦٤ ، ١٤)

ـ إنّ فعل الملجأ يتعلّق في كيفية وقوعه بفعل الملجئ فلم يمتنع أن يتعدّى حكمه إليه. وإن كنّا لا نقول في الملجئ : إنّه يستحقّ العقوبة على فعل الملجأ ، وإنّما يستحقّه على فعله ، ويعظم ما يستحقّه من حيث يؤدّي إلى فعل الملجأ. ونحن نجعل الملجأ معذورا فيما وقع منه من حيث ألجأه الملجئ إليه ، فنجعل إلجاءه وجها لزوال الذمّ عن الملجأ (ق ، غ ١٢ ، ٤٧٤ ، ٤)

ـ أنّه (العبد) متى ألجأ غيره إلى أن يضرّ بنفسه فالعوض عليه وإن لم يكن ذلك الضرر من فعله ؛ لأنّه لا فرق بين أن يفعله به وبين أن يلجئه إليه ، لأنّ فعل الملجأ كأنّه فعل الملجئ ، ولذلك لا يستحقّ الملجأ على فعله الذمّ ويستحقّه الملجئ إذا كان قبيحا. وإذا صحّ ذلك لم يمتنع وجوب العوض عليه وإن كان ذلك الألم ليس من فعله (ق ، غ ١٣ ، ٤٩٩ ، ٦)

فعل من فاعلين

ـ الفعل ، في كونه فعلا ، يتعلّق بالقادر دون المحل. واستحال كون فعل من فاعلين ، لأنّ كونهما قادرين عليه يستحيل ، كاستحالة كون الفعل الواحد من مكانين. وما ذكره ، من أن الفعل يحلّ الفاعل ، فغلط عظيم. لأن ذلك يستحيل عندنا في جميع الفاعلين من قديم ومحدث. وإنّما يجوز في المحدث أن يحلّ فعله في بعضه (ق ، غ ٨ ، ١٥٥ ، ١٢)

ـ ما قدّمناه في المباشر من أنّ وقوع الفعل بحسب دواعيه على أنّه فعله ، وأنّه حادث من جهته ، فإذا وجب ذلك في المباشر ، وكان المتولّد كالمباشر في أنّه يقع بحسب دواعيه ، فيجب كونه فعلا له وحادثا من جهته. وقد دللنا من قبل على أنّ فعلا من فاعلين لا يصحّ ، فيجب ألّا يكون فعلا لغيره (ق ، غ ٩ ، ٣٨ ، ٧)

ـ أمّا قولهم لا يفعل فعل من فاعلين هذا فعله كلّه ، وهذا فعله ، فإنّ هذا تحكّم ونقصان من القسمة أوقعهم فيها جهلهم وتناقضهم ، وقولهم إنّما يستدلّ بالشاهد على الغائب ، وهذا قول قد أفسدناه في كتابنا في الأحكام في أصول الأحكام بحمد الله تعالى ، ونبيّن هاهنا فساده بإيجاز فنقول وبالله تعالى التوفيق ، أنّه ليس عن العقل الذي هو التمييز شيء غائب أصلا وإنّما يغيب بعض الأشياء من الحواس ، وكل ما في العالم فهو مشاهده في العقل المذكور لأنّ العالم كلّه جوهر حامل وعرض محمول فيه ، وكلاهما يقتضي خالقا أوّلا واحدا لا يشبهه شيء من خلقه في وجه من الوجوه ، فإن كانوا يعنون بالغائب الباري عزوجل فقد لزمه تشبيهه بخلقه إذ حكموا بتشبيه الغائب بالحاضر ، وفي هذا كفاية ، بل ما دلّ الشاهد كلّه إلّا أنّ الله تعالى بخلاف كل من خلق من جميع الوجوه ، وحاشا الله أن يكون جلّ وعزّ غائبا عنّا بل هو شاهد بالعقل ، كما نشاهد بالحواس كل

حاضر ، ولا فرق بين صحّة معرفتنا به عزوجل بالمشاهدة بضرورة العقل ، وبين صحّة معرفتنا لسائر ما نشاهده (ح ، ف ٣ ، ٧٥ ، ٢٣)

ـ قوله عزوجل : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (الأنفال : ١٧) فأخبر تعالى أنّه رمى ، وأنّ نبيّه رمى ، فأثبت تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرمي ونفاه عنه معا ، وبالضرورة ندري أنّ كلام الله عزوجل لا يتناقض ، فعلمنا أنّ الرمي الذي نفاه الله عزوجل عن نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو غير الرمي الذي أثبته له ، لا يظنّ غير هذا مسلم البتّة ، فصحّ ضرورة أنّ نسبة الرمي إلى الله عزوجل لأنّه خلقه وهو تعالى خالق الحركة التي هي الرمي ، وممضي الرمية ، وخالق مسير الرمي ، وهذا هو المنفي عن الرامي وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصحّ أنّ الرمي الذي أثبته الله عزوجل لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو ظهور حركة الرمي منه فقط ، وهذا هو نص قولنا دون تكلّف ، وكذلك قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (الأنفال : ١٧) والقول في هذا كالقول في الرمي ، ولا فرق ... وقال تعالى حاكيا عن عيسى عليه‌السلام إنّه قال : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ) (آل عمران : ٤٩) أفليس هذا فعلا من فاعلين من الله تعالى ومن المسيح عليه‌السلام بنص الآية ، وهل خالق الطير ومبرئ الأكمه والأبرص إلّا الله ، وقد أخبر عيسى إذ يخلق ويبرئ فهو فعل من فاعلين بلا شكّ (ح ، ف ٣ ، ٧٧ ، ٢٠)

ـ تقول إنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخرجنا من الظلمات إلى النور ، وقد علمنا أنّ المخرج له عليه‌السلام ولنا هو الله تعالى ، لكن لمّا ظهر السبب في ذلك منه عليه‌السلام أضيف الفعل إليه ، فهذا كلّه لا يوجب الشركة بينهم وبين الله تعالى كما تموّه المعتزلة. وكل هذا فعل من فاعلين ، وكذلك سائر الأفعال الظاهرة من الناس ولا فرق (ح ، ف ٣ ، ٧٨ ، ١٣)

فعل واجب

ـ إنّ الفعل الواجب إذا فارق غيره من الأفعال ، فذلك في أنّه يقتضي أنّه إنّما فارقه لوجه ، كمفارقة شخص لشخص في صحّة الفعل ، فكما يجب هناك القضاء لحال لاختصاصه بها فارق غيره ، فكذلك القول في الأفعال ، ولا معتبر باختلاف العبارات ، لأنّا نستعمل في الأشخاص ذكر الأحوال ، وفي الأفعال ذكر الوجوه ، وذلك لا يمنع من صحّة ما قدّمناه ؛ وإنّما ميّزنا بين الأمرين في اللفظ ، لأنّ الأشخاص قائمة ثابتة ، وما تختصّ به في حكم المتجدّد فيها ، والأفعال حادثة طارئة ، وما تختصّ به من المفارقة ، ليس في حكم ما يتجدّد على ثابت ، فعبرنا عنه بذكر الوجوه لهذه الفائدة (ق ، غ ١٤ ، ٢٢ ، ٣)

فعل واجب على الله

ـ إنّ معنى كون الفعل واجبا على الله ـ تعالى ـ ليس إلّا أنّه يلزم من فرض عدمه المحال ، وذلك المحال ليس هو لازما من فرض عدم الفعل لذاته بل لغيره ، فمعنى كون الصلاح في الفعل واجب الرعاية ، أنّه يلزم من فرض عدمه العبث في حق الله وهو محال. ومعنى كون الثواب على إيلام الحيوان واجبا أنّه يلزم الظلم من فرض عدمه في حقّ الله ـ تعالى ، وصدور القبيح منه ، وهو محال (م ، غ ، ٢٣٢ ، ٦)

فعل واجب الوجود لغرض

ـ إن قيل : لو لم يكن فعل واجب الوجود لغرض مقصود ، مع أنّ الدليل قد دلّ على كونه حكيما في أفعاله ، غير عابث في إبداعه ، لكان عابثا ، والعبث قبيح ، والقبيح لا يصدر من الحكيم المطلق ، والخير المحض. وإذا لا بدّ له في فعله من غرض يقصده ومطلوب يعتمده ، نفيا للنقص عنه ، وتنزيها له ، عن صدور القبيح منه ، وما ذكرتموه من تعلّق النقص والكمال به بالنظر إلى الغرض والمقصود فإنّما يلزم أنّ لو كان الغرض عائدا إليه ، وكماله ونقصه متوقّفا عليه ، وليس كذلك ، بل هو الغنى المطلق واستغناء كل ما سواه ليس إلّا به ، بل عوده إنّما هو إلى المخلوق ، وذلك مما لا يوجب كمالا ولا نقصانا بالنسبة إلى واجب الوجود. وإذا ثبت أنّه لا بدّ من حكمة وفائدة ، ففائدة خلق العناصر والمركّبات والمعدنيات وغير ذلك من الجمادات العناية بنوع الحيوان ، لأجل انتظام أحواله ، في مهمّاته وأفعاله ، والاستدلال بما في طيّها من الآيات والدلائل الباهرات على وجود واجب الوجود ، ووحدانيّة المعبود. وإليه الإشارة بقوله ـ عليه‌السلام : " كنت كنزا لم أعرف فخلقت خلقا لأعرف به (م ، غ ، ٢٣٠ ، ٣)

فعل واحد من فاعلين

ـ نرجع إنشاء الله تعالى إلى إنكارهم فعلا واحدا من فاعلين فنقول وبالله تعالى التوفيق إنّما امتنع ذلك فيما بيننا في الأكثر لا على العموم لما شاهدناه من أنّه لا تكون حركة واحدة في الأغلب لمتحرّكين ، ولا اعتقاد واحد لمعتقدين ، ولا إرادة واحدة لمريدين ، ولا فكرة واحدة لمفتكرين ، ولكن لو أخذنا سيفا واحدا أو رمحا واحدا فضربا به إنسانا فقطعاه أو طعناه به ، لكانت حركة واحدة غير منقسمة لمتحرّكين بها ، وفعلا واحدا غير منقسم لفاعلين ، هذا أمر يشاهد بالحسّ والضرورة ، وهذا منصوص في القرآن من أنكره كفر (ح ، ف ٣ ، ٧٦ ، ١٣)

فعل واقع على جهة القصد

ـ أمّا الفعل الواقع على جهة القصد فقد بيّنا أنّه لا يخلو من أن يكون قبيحا أو حسنا ، وبيّنا حقيقتهما. فالقبيح لا يجوز أن يكلّفه ـ تعالى ـ ؛ لأنّ الأمر بالقبيح وإرادته قبيحان ، ولأنّ الغرض بالتكليف تعريض المكلّف للنفع ، وذلك لا يتأتى في القبيح ؛ لأنّه يستحقّ به الضرر دون النفع (ق ، غ ١١ ، ٥٠٢ ، ١٩)

فعل يحتاج إلينا

ـ إن قيل : هب أنّا سلمنا أن الفعل يحتاج إلينا ويتعلّق بنا ، فلم قلتم إنه يحتاج إلينا في الحدوث؟ قيل له : في ذلك وجهان اثنان : أحدهما أنه إذا ثبت أنه يحتاج إلينا (الفعل) فلا بدّ من أن يكون احتياجه إلينا لوجه من الوجوه ، لأنّه لو قيل إنّه يحتاج إلينا ، ثم لم يشر باحتياجه إلينا إلى وجه من الوجوه لعاد الأمر بالنقض على أنه يحتاج إلينا في استمرار الوجود أو في تجدّد الوجود الذي هو الحدوث (ن ، د ، ٣١٧ ، ١)

فعل يحسن من

ـ (الفعل) الذي يحسن من فليس يخرج عن قسمين : أحدهما أن يكون المأمور به غير

المنهيّ عنه ؛ وقد يكون كذلك على وجهين : أحدهما ، أن يكون المكلّف واحدا ، ويؤمر بالفعل في وقت ، وينهي عن مثله في وقت آخر ؛ وإنّما نذكر من ذلك ما يلتبس الفعلان فيه بالفعل الواحد ، فلذلك قلنا : أن يأمره بشيء في وقت ، وينهاه عن مثله ، وإن كان الخلاف والمثل لا يفترق في ذلك ، لكنّ المخالف لا لبس فيه ، فلذلك لا نذكره في هذا الوجه. والثاني : أن يكون أحد المكلّفين غير الآخر فيأمر أحدهما بشيء ، وينهي الأمر عن مثله ، وهذا أيضا إنّما شرطنا فيه المثل ، لأنّه يلتبس بالعين الواحدة ، فيما يتناوله الدليل ، والأمر والنهي ، لا لأنّ المثل في ذلك يفارق ما هو مخالف ومتضادّ. والقسم الثاني من القسمين الأوّلين : أن يكون المأمور به هو المنهيّ عنه ، على وجهين ، وذلك لا يحسن إلّا والمكلّف واحد (ق ، غ ١٦ ، ٦٤ ، ٤)

فعل يصحّ وقوعه مبتدأ ومتولّدا

ـ (الفعل) الذي يصحّ وقوعه مبتدأ تارة ومتولّدا أخرى لأنّه في حاله يقع بحسب غيره في القلّة والكثرة ، أو في ما أشبه ذلك من المعنى الذي تقدّم ذكره. وفي حالة أخرى يقع لا على هذه الطريقة ، فجعلناه مما يدخله الضربان معا (ق ، ت ١ ، ٤١١ ، ١٨)

فعل يقبح ولا يدل على البداء

ـ (الفعل) الذي يقبح ، ولا يدلّ على البداء وجوه. منها : أن يأمر بنفس ما نهي عنه ، على وجه واحد ، مكلّفين في حال واحدة ، أو حالين ، ولأنّ مثل ذلك لا يتغيّر. ومنها : أن يأمر بنفس ما نهي عنه ، على وجهين ، مكلّفين في حال أو أحوال لأن ذلك لا يتغيّر. ومنها : أن يأمر بعين ما نهي عنه ، على وجه ، أو وجهين مكلّفا واحدا ، في حالين ووقتين. ومنها : أن يأمر بغير ما نهي عنه ، في وقت واحد ، مكلّفا واحدا ، على وجه ، لا يتميّز أحدهما من الآخر ، في وجه المصلحة ؛ وما عدا ذلك مما يقبح. فالأمر يرجع إلى فقد بعض شرائط التكليف ، انفرد أو اقترن بغيره ، لأنّه لا يحسن أن يأمر تعالى بفعل ، وينهي عن الآخر ، وليس للمأمور من الصفة ما يحسن معه الأمر به ، أو المنهي عنه فيما يرجع إلى التمكّن ، أو وجه المصلحة ؛ وهذا مما تكثر أقسامه إن ذكر (ق ، غ ١٦ ، ٦٣ ، ١١)

فعل يقبح ويدل على البداء

ـ (الفعل) فالذي يقبح ، ويدلّ على البداء يجب أن يكون جامعا لشروط : منها : أن يكون المنهي عنه عين ما تقدّم الأمر به. ومنها : أن يكون على وجه واحد. ومنها : أن يكون المكلّف واحدا. ومنها : أن يكون النهي متأخّرا عن الأمر ، أو الأمر متأخّرا عن النهي ، غير واقع معه ؛ فإذا تكاملت هذه الشروط فمن حق الثاني منهما أن يدلّ على البداء ، دون الأوّل ، لأنّ الأوّل لو انفرد لم يدلّ على ذلك ، وكذلك الثاني لو انفرد ، وإذا وقع بعده دلّ على البداء فهو الدالّ على البداء ، (وإن كان إنّما يدلّ بشروط تقدّم الأوّل ، وكذلك قلنا : لو وقعا معا لمّا دلّا على البداء) لأنّ ترتيب الدلالة على البداء لا يصحّ عند المقارنة ، ويصحّ عند وقوع أحدهما بعد الآخر ، على ما ستذكره من بعد (ق ، غ ١٦ ، ٦٣ ، ١)

فعل يقع على جهة السهو

ـ إنّ الفعل الذي يقع على جهة السهو لا يجوز ـ وإن كان مقدورا للعبد ـ أن يدخل تحت التكليف ، وبيّنا الخلاف في هل يحسن أو يقبح أو لا يتأتّى فيه هذا الحكم (ق ، غ ١١ ، ٥٠٢ ، ١٧)

فعلية

ـ ما دللنا به على أنّ حقيقة المتكلّم أنّه فاعل للكلام ، يوجب أن يكون متكلّما بكلام يحدثه هو ، لأنّا قد بيّنا أنّ تعلّق كلامه به هو من حيث الفعليّة لا غير. وبعد فإذا لم يكن متكلّما بكلام يحدثه ، وكان ذلك مستندا إلى كونه حيّا ، وجب أن يكون كوننا أحياء يوجب كوننا متكلّمين ، وفي هذا نفي الكلام أصلا (ق ، ت ١ ، ٣٣٤ ، ١٠)

فقه

ـ إنّ الفقه هو العلم بغرض الغير فيما يخاطب به ، ولهذا لا يستعمل في كل علم. فلا يقول أحدهم فقهت أنّ زيدا عندي ، وأنّ السماء فوقي ، وأنّ الأرض تحتي. كما لا يقال فهمت وفطنت. وأمّا في الاصطلاح ، فهو العلم بأحكام الشرع وما يتّصل بها من أسبابها ، وعللها وشروطها وطرقها. وهو على ضربين : أحدهما ، ما يجب على الكافة معرفته ، وذلك نحو العلم بوجوب الصلاة على الجملة ، ووجوب الزكاة والحج والجهاد في سبيل الله تعالى ، وما يجري هذا المجرى. والثاني ، يلزم الكافة معرفة ويكون من فروض الكفاية ، نحو العلم بالمسائل الدقيقة من أصول الفقه والفروع المتعلّقة بها المتفرّعة عنها ، فإنّ ذلك مما لا يجب على الأعيان ، وإنّما هو من فروض الكفاية. إذا قام به بعض الناس سقط عن الباقين (ق ، ش ، ١٢٦ ، ١٩)

فكر

ـ الفكر هو المعنى الذي يوجب كون المرء متفكّرا ، والواحد منّا يجد هذه الصفة من نفسه ويفصل بين أن يكون متفكّرا ، أو بين أن لا يكون متفكّرا ، وأجلى الأمور ما يجده الإنسان من نفسه (ق ، ش ، ٤٥ ، ١٦)

ـ إنّ النظر ، وإن كان متى أطلق ، فقد تعبّر به عن وجوه : عن تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي ، التماسا لرؤيته ؛ وعن الرحمة والإحسان ؛ وعن نظر القلب ؛ وعن الانتظار على ما فيه من الاختلاف في أن تعبر به عنه على جهة الحقيقة أو التوسّع ؛ فالمقصد بها بهذا الموضع ذلك نظر القلب دون غيره ، وحقيقة ذلك هو الفكر. لأنّه لا ناظر بقلبه إلّا مفكّرا ، ولا مفكّر إلّا ناظرا بقلبه ؛ وبهذا تعلم الحقائق (ق ، غ ١٢ ، ٤ ، ٨)

ـ الفكر هو تأمّل حال الشيء ، والتمثيل بينه وبين غيره ، أو تمثيل حادثة من غيرها ، وهذا مما يجده العاقل من نفسه إذا فكّر في أمر الدين والدنيا. ألا ترى أن الخائف ، من سبع في الطريق ، يفكّر في وجه التخلّص ؛ وكذلك التاجر ، يفكّر في طريقة الربح ؛ وكذلك المقوّم ، يفكّر في طريقة العادة في بيع أمثال المقوّم ؛ والناظر ، فيما يلزمه النظر فيه من جهة الدين ، يفكّر في الأدلّة على اختلافها. وكل ذلك يبيّن صحّة ما قدّمناه في حقيقة النظر (ق ، غ ١٢ ، ٤ ، ١١)

ـ ادّعى شيخنا أبو علي ، رحمه‌الله ، الضرورة في

أنّ الفكر ، إذا لم يوجد ، لم يوجد العلم ؛ فإذا وجد ولا مانع واحد ، فإنّما الذي يحصل للضرورة فيه يحدّد الحال للناظر والمعتقد دون العلم بالنظر والعلم (ق ، غ ١٢ ، ٩٦ ، ٣)

ـ عليك في درك العلم المطلوب وظيفتان : إحداهما إحضار الأصلين في الذهن ، وهذا يسمّى فكرا ، والأخرى تشوّقك إلى التفطّن لوجه لزوم المطلوب من ازدواج الأصلين ، وهذا يسمّى طلبا ، فلذلك قال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الأولى حيث أراد حدّ النظر : أنّه الفكر ، وقال من جرّد التفاته إلى الوظيفة الثانية في حدّ النظر : أنّه طلب علم أو غلبة ظن ، وقال من التفت إلى الأمرين جميعا : إنّه الفكر الذي يطلب به من قام به علما أو غلبة ظنّ (غ ، ق ، ١٨ ، ٥)

ـ ما يسمّيه الناس كلام النفس ، وحديث النفس ، هو العلم بنظم الألفاظ ، والعبارات ، وتأليف المعاني المفهومة المعلومة على وجه مخصوص ، فليس في القلب إلّا معاني معلومة ، وهي العلوم ، وألفاظ مسموعة هي معلومة بالسماع ، وهو أيضا علم معلوم اللفظ ، وينضاف إليه تأليف المعاني ، والألفاظ على ترتيب. وذلك فعل يسمّى فكرا ، وتسمّى القدرة التي عنها يصدر الفعل قوّة مفكّرة. فإن أثبتّم في النفس شيئا ، سوى نفس الفكر الذي هو ترتيب الألفاظ ، والمعاني ، وتأليفها ، وسوى القوّة المفكّرة التي هي قدرة عليها ، وسوى العلم بالمعاني ، مفترقها ، ومجموعها ، وسوى العلم بالألفاظ المرتّبة من الحروف ، ومفترقها ، ومجموعها ، فقد أثبتّم أمرا منكرا لا نعرفه. وإيضاحه أنّ الكلام إمّا أمر ، أو نهي ، أو خبر ، أو استخبار (غ ، ق ، ١١٧ ، ١٠)

ـ الفكر هو ترتيب تصديقات يتوسّل بها إلى تصديقات أخر. ثم التصديقات المستلزمة إن كانت مطابقة لمتعلّقاتها ، فهو الفكر الصحيح ، وإلّا فهو الفكر الفاسد (ف ، م ، ٤٤ ، ١)

ـ النظر والفكر عبارة عن ترتيب مقدّمات علميّة أو ظنّية ليتوصل بها إلى تحصيل علم أو ظنّ. مثاله إذا حضر في عقلنا أنّ هذه الخشبة قد مسّتها النار ، وحضر أيضا أنّ كل خشبة مسّتها النار فهي محترقة ، حصل من مجموع العلمين الأوّلين علم ثالث بكون هذه الخشبة محترقة. فاستحضار العلمين الأوّلين لأجل أن يتوصّل بها إلى تحصيل هذا العلم الثالث هو النظر (ف ، أ ، ٢٠ ، ١١)

ـ النّظر هو الانتقال من أمور حاصلة في الذّهن إلى أمور مستحصلة هي المقاصد ، والفكر بحسب الاصطلاح كالمرادف للنّظر (ط ، م ، ٤٩ ، ٧)

ـ الفكر : ترتيب أمور معلومة للتأدّي إلى مجهول (ج ، ت ، ٢١٦ ، ١٤)

فكر صحيح

ـ الفكر الصّحيح مشروط بمطابقة كلّ واحد من تصديقاته لما في نفس الأمر ، ويكون الترتّب على الوجه الذي ينبغي. والشرط الأخير داخل في تقييد التّصديقات بالاستلزام ، والفكر الفاسد يكون فاسدا بفوات الشّرطين أو أحدهما. ويفهم من قوله ذلك أن لا يكون التّصديقات المطابقة غير المستلزمة داخلة في الفكر الفاسد (ط ، م ، ٦٢ ، ٢١)

فكر فاسد

ـ الفكر الصّحيح مشروط بمطابقة كلّ واحد من

تصديقاته لما في نفس الأمر ، ويكون الترتّب على الوجه الذي ينبغي. والشرط الأخير داخل في تقييد التّصديقات بالاستلزام ، والفكر الفاسد يكون فاسدا بفوات الشّرطين أو أحدهما. ويفهم من قوله ذلك أن لا يكون التّصديقات المطابقة غير المستلزمة داخلة في الفكر الفاسد (ط ، م ، ٦٣ ، ١)

فناء

ـ إنّ الكلام في فناء الشيء : هل هو غيره أو ليس بغيره ، أو هل يحلّ فيه أو يحلّ في غيره؟ من غامض الكلام ولطيفه. وقد اختلف الناس فيه اختلافا شديدا ، فزعم قوم أنّه ليس للشيء فناء غيره ، وأنّ الله إذا أراد أن يفني شيئا أبطله لا بأن يحدث شيئا سواه. وزعم قوم أنّ الله جلّ ذكره إذا أراد أن يفني شيئا أحدث له فناء وإن ذلك الفناء قائم بالله تعالى. وزعم قوم أنّه إذا أراد الله أن يفني شيئا أحدث له معنى يحلّ فيه فيفنى في الحال الثانية من حلول ذلك المعنى فيه. وإذا فني سمّي ذلك المعنى فناء. وزعم قوم أنّ فناء الشيء يقوم في غيره. وزعم قوم أنّ الله يحدث للجسم في كل وقت بقاء يكون ذلك الجسم به باقيا ، فإذا أراد الله أن يفني ذلك الجسم لم يحدث له بقاء ففنى الجسم (خ ، ن ، ٢٣ ، ٦)

ـ من بعد فإن صحّ ما حكاه صاحب الكتاب (ابن الروندي) عن معمّر : من أنّه محال أن يفني الله جميع خلقه حتى يبقى وحده ، فقد شاركه في هذا القول كثير من الأمّة : وهم الذين يزعمون أنّ الله عزوجل إذا أخبر أنه يفعل شيئا فقول القائل بعد ذلك الخبر : " أنّ الله يقدر بعد ما أخبر بدوامهما وبقائهما وخلود أهلهما فيهما أن يفنيهما ويميت أهلهما" عندهم محال لا وجه له. فإن لزم معمرا عيب بالقول الذي حكاه عنه صاحب الكتاب فهو لازم لجميع من شاركه في قوله (خ ، ن ، ٢٣ ، ١٥)

ـ لو كانت البحار مدادا كتبت لنفدت البحار وتكسّرت الأقلام ، ولم يلحق الفناء كلمات ربي ، كما لا يلحق الفناء علم الله عزوجل ، ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت ، فلمّا لم يجز ذلك على ربنا عزوجل صحّ أنّه لم يزل متكلما ، لأنه لو لم يكن متكلّما ، وجب السكوت والآفات ، تعالى ربنا عن قول الجهمية علوّا كبيرا (ش ، ب ، ٥٤ ، ١١)

ـ إنّ الفناء ليس بشيء ، وإنّ الأعراض كلها لا يجوز عليها البقاء ولا على شيء منها ، وإنّ الجواهر إنّما تفنى بأن لا يخلق لها بقاء في حالة كان يصحّ أن تبقى فيها (أ ، م ، ٢٣٠ ، ٨)

ـ أمّا قولنا في الفناء فإنّه (الأشعري) كان يذهب إلى أنّ الفناء ليس بمعنى وليس بشيء ، وإنّما معنى قولنا" فني" أي" عدم بعد ما كان موجودا وجاز أن لا يعدم" ، لأنّه وصف تعاقب البقاء فيجري على ما يجوز أن يبقى إذا لم يبق. وكان يقول : " كل فان معدوم وليس كل معدوم فانيا ، كما أنّ كل باق موجود وليس كل موجود باقيا. وإنّما يقال" فني" لما كان موجودا فعدم ، كما يقال" بقي" لما كان موجودا قبل الخبر عنه بذلك. وعلى هذا الأصل فإنّما يجري على الأعراض هذا الوصف على المجاز ، وإنّما يجري على الجواهر التي يصحّ أن تبقى على الحقيقة إذا لم تبق فيقال" فني" (أ ، م ، ٢٤٠ ، ١٧)

ـ قوله ـ تعالى ـ : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ) (الرحمن :

٢٦) حقيقة الفناء هو العدم ، فإذا جعل ذلك وصفا لمن عليها اقتضى الظاهر بأنّ من عليها يفنى ويعدم (ق ، غ ١١ ، ٤٣٩ ، ٥)

ـ إنّ الجوهر لا يتعلّق بغيره ، وإنّما يحصل موجودا لا في محلّ ، فالفناء إنّما ينافيه بأن يحصل موجودا على هذا الوجه ، وصار ليس يغنى مجرّد وجودهما عن تعلّقهما بالغير في أنّه معتبر في منافاة أحدهما للآخر بمنزلة تعلّق الضدّين بالمحلّ إذا تضادّا عليه. فلولا أنّ الأمر كذلك لم يصحّ أن يضادّ الجوهر أصلا ؛ لأنّه لا بدّ على ما قدّمناه من أن نعتبر في مضادّته له حكما زائدا على الجنس والوجود ، فلو لم نعتبر ما ذكرناه لم ينافه أصلا ، وصار نفي تعلّقهما بالغير في أنّه حكم زائد يعتبر به مضادّتهما بمنزلة الحكم الجاري مجرى الإثبات المعتبر في سائر المتضادّات (ق ، غ ١١ ، ٤٤٥ ، ٦)

ـ دليل السمع يبيّن أنّ الفناء لا يبقى فليس لأحد أن يقول : إذا كان الفناء متى وجد بقي فكيف يصحّ وصفه ـ تعالى ـ بأنّه الآخر ، ولا له أن يقول : إذا كان الجوهر يبقى فكذلك ضدّه ؛ لأنّ بقاء الشيء لا يجب أن يشترك فيه المتضادّات ؛ كما لا يجب اشتراكها في الخروج من العدم إلى الوجود (ق ، غ ١١ ، ٤٥٠ ، ١٥)

ـ قوله (أبو هاشم) في باب الفناء إنّ الله تعالى لا يقدر على أن يفني من العالم ذرّة مع بقاء السموات والأرض ، وبناه على أصله في دعواه بأنّ الأجسام لا تفنى إلّا بفناء يخلقه الله تعالى لا في محلّ ، يكون ضدّا لجميع الأجسام ، لأنّه لا يختصّ ببعض الجواهر دون بعض ، إذ ليس هو قائما بشيء منها ؛ فإذا كان ضدّا لها نفاها كلّها (ب ، ف ، ١٩٧ ، ٣)

ـ اختلفوا أيضا في الفناء ، فأثبته القلانسي عرضا يقوم بالجسم الفاني فيفنى به في الحالة الثانية من حال حدوث الفناء فيه. وزعم الجبائي وابنه أنّ الفناء عرض يخلقه الله عزوجل لا في محل فيفني به جميع الأجسام ، وزعم أنّ الله تعالى غير قادر على إفناء بعض الأجسام مع بقاء بعضها (ب ، أ ، ٤٥ ، ١٠)

ـ قال شيخنا أبو الحسن الأشعري : إنّ فناء الجسم يكون بأن لا يخلق الله فيه بقاء ، وأمّا العرض فإنّما يفنى في الثاني من حالة حدوثه لاستحالة بقائه ، وكان القاضي أبو بكر محمد بن الطيّب يقول إذا أراد الله إفناء الجسم قطع الأكوان عنه وليس البقاء ولا الفناء معنى (ب ، أ ، ٤٥ ، ١٤)

ـ قال شيخنا أبو الحسن الأشعري إنّ الله عزوجل إذا أراد فناء جسم لم يخلق البقاء فيه (ب ، أ ، ٦٧ ، ٢)

ـ زعم الجبائي وابنه أنّ الله تعالى يخلق فناء لا في محل ، فيفني به جميع الأجسام ، وزعم أنّ الله ليس بقادر على فناء بعض الأجسام مع بقاء بعضها (ب ، أ ، ٦٧ ، ٩)

ـ اختلفوا في كيفية فناء الأجسام : فقال أبو الحسن الأشعري إنّ الله يفني الجسم بأن لا يخلق فيه البقاء في الحال التي يريد أن يكون فانيا فيه. لأنّ الباقي عنده يكون باقيا ببقاء ، فإذا لم يخلق الله البقاء في الجسم فني. وإلى هذا القول ذهب ضرّار بن عمرو (ب ، أ ، ٢٣٠ ، ١٢)

ـ قال شيخنا أبو العبّاس القلانسي رحمه‌الله : إنّما يفني الله الجوهر بفناء يخلقه فيه ، فيفنى الجوهر في الحال الثانية من حال حدوث الفناء فيه (ب ، أ ، ٢٣٠ ، ١٦)

ـ قال قاضينا أبو بكر محمد بن الطيّب الأشعري (الباقلاني) إنّما يكون فناء الجوهر بقطع الأكوان عنه ؛ فإذا لم يخلق الله في الجوهر كونا ولونا فني ، وكان لا يثبت البقاء معنى غير الباقي (ب ، أ ، ٢٣١ ، ١)

ـ زعم محمد بن شبيب أنّ الفناء عرض غير الفاني ، وأنّه يحلّ في الجسم فيفنى الجسم به في الثاني من حال حلوله فيه (ب ، أ ، ٢٣١ ، ٧)

ـ إنّ البقاء والفناء صفتان للباقي والفاني لا هما الباقي ولا الفاني ولا هما غير الباقي والفاني (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ١٦)

ـ ذهب معمّر إلى أنّ الفناء صفة قائمة بغير الفاني (ح ، ف ٥ ، ٤١ ، ٢٣)

ـ أما الفناء فهو عدم الشيء وبطلانه جملة ، وليس هو شيئا أصلا ، والفناء المذكور ليس موجودا البتّة في شيء من الجواهر ، وإنّما هو عدم العرض فقط ، كحمرة الخجل إذا ذهبت عبّر عن المعنى المراد بالإخبار عن ذهابها بلفظة الفناء كالغضب يفني ويعقبه رضا وما أشبه ذلك ، ولو شاء الله عزوجل أن يعدم الجواهر لقدر على ذلك ولكنّه لم يوجد ذلك إلى الآن ، ولا جاء به نص فيقف عنده ، فالفناء عدم كما قلنا (ح ، ف ٥ ، ٤٢ ، ٤)

ـ اعلم أنّ الفناء إذا وجد تفنى الجواهر أجمع ، ولا يصحّ وجود بعضها مع فناء بعض. هذا قول أبي هاشم ، وهو الذي قال به أبو علي ثانيا في النسخة الأخيرة من" نقض التاج" وقد زاد فيه أشياء. وهذا حيث رجع عن قوله باختلاف الفناء ، وقال : إنّه متماثل ، ولمّا قال باختلافه قال إنّ فناء بعضها غير فناء الباقي (أ ، ت ، ٢٣١ ، ٣)

ـ قال أبو علي وأبو هاشم : إنّ الله يخلق الفناء وهو عرض فيفني جميع الأجسام ، وهو لا يبقى. وأبو علي يقول : إنّه يخلق لكلّ جوهر فناء ، والباقون قالوا بأنّ فناء واحد يكفي لإفناء الكلّ (ط ، م ، ٢٢٢ ، ١٨)

ـ إنّ الفناء لا يكون إلّا بقدرة قادر ، إذ لا تأثير لغير القادر ، كما مرّ. والله ليس من جنس المقدورات ، فلا تعلق به القدرة (ق ، س ، ٨١ ، ١٦)

فناء الأجسام

ـ قال أبو علي : تعلم صحّة فناء الأجسام من جهة العقل. ورجع في ذلك إلى أنّ القادر على الشيء يجب أن يقدر على جنس ضدّه لا محالة. فإذا قدر القديم تعالى على الجوهر فيجب أن يكون قادرا على ما يضادّه من الفناء. حتى قال لأجل هذه الطريقة : يجب أن يكون لكل جنس ممّا يقدر القادر عليه ضدّ يقدر عليه أيضا. وربّما قال : لو لم يصحّ العدم على الجواهر للحقت بالقديم الذي لا يجوز العدم عليه ، وثبوت الفرق بينهما يقتضي صحّة العدم عليها لتفارق القديم الذي يستحيل العدم عليه (ق ، ت ٢ ، ٢٨٦ ، ٥)

فناء الجواهر

ـ إنّ فناء الجواهر لا يصحّ إلّا بضدّ قد ثبت أنّ الباقي لا ينتفي مع جواز الوجود عليه إلّا بضدّ ، أو ببطلان ما يحتاج إليه في الوجود أو البقاء ؛ لأنّه متى لم يحدث ما ذكرناه لم يكن بأن ينتفي أولى منه بأن يبقى ، ويستمرّ له الوجود. فإذا صحّ ذلك ، وثبت في الجواهر أنّه يجوز البقاء عليها ، وأنّه لا حال يشار إليها إلّا ويجوز أن

تبقى إليه ، وثبت أنّه لا يحتاج في وجودها إلى غيرها ؛ لأن الشيء إنّما يحتاج في وجودها إلى غيره إذا كان حالّا فيه ، فأمّا على خلاف هذا الوجه فإنّه لا يحتاج الشيء إلى غيره ، وإن صحّ حاجة الشيء إلى غيره متى تعلّق الحكم الموجب عنه بحكم غيره ؛ كحاجة الإرادة إلى الاعتقاد. وقد علمنا أن هذه الوجوه مستحيلة على الجواهر ؛ لأنّ الحلول عليها مستحيل ، ويستحيل عليها أن توجب حكما لغيرها. فإذا صحّ ذلك ثبت أن انتفاءها لا يكون إلّا بضدّ (ق ، غ ١١ ، ٤٤١ ، ١٣)

فناء القدرة

ـ الذي عند مشايخنا أنّه يصحّ فناء القدرة في حال وجود الفعل المقدور بها. وعن بعض البغداديين المنع من ذلك فأحالوا أن يوجد هذا الفعل في الجارحة ولا قدرة فيها ، وأجروا القدرة في وجوب حصولها عند الفعل مجرى اليد والرجل وغيرهما من الآلات والحواسّ ، وقالوا : لا يصحّ أن يرى الله الفعل بلا قدرة أو بقدرة قد عدمت في حال الفعل. وربّما عبّروا عن ذلك فقالوا : ليرى الله الفعل في جارحة صحيحة. هذا على أنّ عندهم أنّ القدرة لا تبقى ، فإذا تقدّمت الوقت الأوّل فلا بدّ من انتفائها في الثاني. ولكنّهم يوجبون أن يخلف بعضها بعضا وإلّا فالقدرة الأولى محال عندهم أن تبقى إلى الوقت الثاني. وقد عدّ أبو عثمان الجاحظ هذه المسألة من قديم ما وقع فيه الخلاف حتى كان يستعظم الخلاف فيه. وكان أبو الهذيل يفصل بين أفعال القلوب وبين أفعال الجوارح ، فلا يجوّز فناء القدرة في حال وجود أفعال القلوب ويجوّز فناءها في حال وجود أفعال الجوارح. ولعلّه لمّا رأى حاجة هذه الأفعال في الوجود إلى الحياة أجرى حكم القدرة على حكم الحياة فأوجب حاجته إليها أيضا (ق ، ت ٢ ، ١٤٧ ، ٥)

ـ إنّ القدرة يحتاج إليها لإخراج الفعل بها من العدم إلى الوجود. فإذا وجد فيجب أن يكون الغنى واقعا عنها ، فلا فرق بين بقائها وبين فنائها بضدّ أو ما يجري مجراه. وليس يمكن أن يقال : هلّا جعلتم الفعل الذي هو الحركة وما أشبهها محتاجا في الوجود إلى القدرة؟ لأنّه لو كان الأمر كذلك لما صحّ أن يوجد الله تعالى الحركة ابتداء من دون أن تكون هناك قدرة ، كما لم يصحّ أن يوجد الحركة إلّا وهناك محلّ. وقد عرفنا صحّة وجود الحركة في المرتعش وفي الجماد ولا قدرة. فعرفنا أنّه ليس بين أحد الأمرين وبين الآخر حاجة في الوجود. وإذا رجعت الحاجة إلى الإيجاد بها وقد حصل ، فيجب أن يكون فناؤها عند الفعل جائزا.

وأيضا فإنّ القول بالتولّد لا يتم إلّا مع جواز فناء القدرة في حال الفعل. ألا ترى أنّ الإصابة هي فعل الرامي وعند وجودها يصحّ زوال كونه قادرا بل زوال كونه حيّا ، فلو كان لا يجوز فناء القدرة في حال الفعل لما افترق في هذه القضية المبتدأ والمتولّد (ق ، ت ٢ ، ١٤٨ ، ١١)

فوق

ـ إنّ التحت والفوق من باب الإضافة ، لا يقال في شيء تحت إلّا وهو فوق لشيء آخر ، حاشى مركز الأرض فإنّه تحت مطلق لا تحت له البتّة ، وكذلك كل ما قيل فيه أنّه فوق فهو أيضا تحت لشيء آخر ، حاشى الصفحة العليا من الفلك ، إلّا على المقسوم بقسمة البروج فهي فوق لا

فوق لها البتّة ، فالأرض على هذا البرهان الشاهد هي مكان التحت للسماوات ضرورة ، فمن حيث كانت السماء فهي فوق الأرض ، ومن حيث قابلتها الأرض فهي تحت السماء ، ولا بدّ وحيث ما كان ابن آدم فرأسه إلى السماء ورجلاه إلى الأرض (ح ، ف ٢ ، ٩٩ ، ٧)

موسوعة مصطلحات علم الكلام الإسلامي - ١

المؤلف: الدكتور سميح دغيم
الصفحات: 926