

كلمة الناشر
بسم الله الرحمن
الرحيم
أيها القارىء
الكريم ...
تمر الأمة
الإسلامية والعربية اليوم بمرحلة لعلّها الأصعب والأشّد حرجا في تاريخها المعاصر ؛
فقد تكالبت عليها قوى الشر والعدوان من كل جانب ، وشرعت لها أسلحة الفتك والتمزيق
من كل لون ، وحاصرتها بمكائدها وفنون شرورها من كل صوب وناحية.
وكأنّ هذا كله
لم يكفها ، فراحت تؤلب عليها شرذمة من أبنائها ، ضالّة مضلّلة ، ترميها بأشدّ
أسلحتها فتكا وتدميرا ، ألا وهو سلاح الفتنة العمياء ، بعد أن ألبستها لبوس الحرص
الزائف على الدين ، وعززتها بمخزون هائل من الأباطيل وفنون المكر والخداع ، راجية
أن تقطف ثمار زرعها الحرام فرقة ونزاعا واختلافا ، بعد أن بذرت بينها بذورها
السامة القاتلة ، عملا بمبدئها الذي لا تحيد عنه ، ولا تفتأ تبثه في هذه الأمة ،
مبدأ «فرّق تسدّ»!!
وهذا الكتاب
قارئي الكريم ، هو همسة صادقة ، بل هو ـ إن شئت ـ صرخة متألمة ، تدوّي في الأسماع
علّها توقظها من سبات ، وتنبّهها من غفلة تكاد تودي بها ، صرخة تدعوها إلى نبذ
الفرقة من بينها ، وإلى طرح
عوامل الفتنة من بين ظهرانيها ، وإلى الوقوف مجددا وقفة عزّ وشموخ ووحدة ،
في وجه عدوّ غاشم لا يرحم.
فإن شئت ـ
قارئي العزيز ـ كلمة الفصل ، ورغبت إلى كلمة الحق الصريح الذي لا لبس فيه ولا عوج
؛ إن شئت كلمة الصدق المنزه عن الهوى والتهريج ، البعيد عن الدسّ المغرض المفسد ،
إن شئت الرأي السديد المجرّد عن السطحية وتفاهة الإدّعاء الكاذب ، إن شئت أن تغيظ
أعداء الإسلام والعروبة ، ودعاة التفرقة والنزاع ؛ إن شئت الحق والحقيقة المجردتين
، إن شئت السبيل الصراط الذي لا التواء فيه ولا عوج ، إن شئت هذا كله ، فإليك كتاب
الله فاحتكم إليه ، فلن تضلّ ؛ واعتصم بحبله القوي المتين ، فلن تزلّ ، وتمسّك
بآيات هديه ودواعي العزة والكرامة فيه ، فلن تذلّ.
٥ و ٥ و ٥ إنه
محتوى هذا الكتاب ، إنه كلام يتّجه إلى القلوب الصافية ، لتدركه وتعيه أذن واعية
والله هو المسدّد.
الإرشاد
للطباعة والنشر
بيروت ـ لندن
بسم
الله الرّحمن الرحيم
آيات من الذكر الحكيم
قال الله تعالى
:
(وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.)
وقال تعالى :
(إِنَّ هذِهِ
أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.)
وقال تعالى :
(إِنْ تَنْصُرُوا
اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ.)
وقال تعالى :
(فَاتَّقُوا اللهَ
وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ.)
صدق الله
العليّ العظيم.
«إنّ كلّ ما بقي في عصرنا هذا من خلاف هو
الفجوة التي افتعلت افتعالا بين السّنة والشّيعة!! وهي
فجوة يعمل الإستعمار على توسيعها وعلى الأقل
يستبقيها لتكون قطيعة دائمة بين الفريقين ثم ينفذ من
خلالها إلى أغراضه ...».
الشيخ محمد الغزالي
في كتابه : دفاع عن العقيدة والشريعة.
ـ من دعاة ـ
التقريب والإصلاح في الماضي والحاضر
وقال تعالى :
(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
صدق الله
العليّ العظيم.
الشيخ المفيد التلعكبري
|
العراق
|
الشريف المرتضى الموسوي.
|
العراق
|
الشريف الرضي الموسوي
|
العراق
|
الشيخ محمد بن الحسن الطوسي
|
إيران
|
الحسن بن يوسف العلّامة الحلّي
|
العراق
|
السيد محسن الأمين
|
سوريا
|
السيد عبد الحسين شرف الدين
|
لبنان
|
الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء
|
العراق
|
الشيخ محمد رضا المظفر
|
العراق
|
السيد محمد تقي الحكيم
|
العراق
|
الشيخ محمد جواد مغنية
|
لبنان
|
الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر
|
مصر
|
الشيخ سليم البشري شيخ الأزهر
|
مصر
|
الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر
|
مصر
|
الشيخ أحمد حسن الباقوري
|
مصر
|
الشيخ محمد محمد المدني
|
مصر
|
الشيخ محمود أبو رية
|
مصر
|
الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
|
مصر
|
الأستاذ فكري أبو النصر
|
مصر
|
الأستاذ عبد الكريم الخطيب
|
مصر
|
الشيخ عبد العزيز عيسى
|
مصر
|
الدكتور حامد حفنى داود
|
مصر
|
الشيخ محمد الغزالي
|
مصر
|
(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ.)
صدق الله
العليّ العظيم.
ومن دعاة
ـ الطائفيّة في الماضي والحاضر ـ
قال الله تبارك
وتعالى :
(وَإِنْ تُطِعْ
أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ
إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ.)
صدق الله
العليّ العظيم.
ابن حزم الأندلسي
|
الأندلس
|
ابن حجر الهيتمي
|
مكة
|
عبد الحليم أحمد بن تيميّة
|
نجد
|
عبد الرحمن بن خلدون
|
الأندلس
|
محمّد كرد علي الشامي
|
سوريا
|
موسى جار الله التركستاني
|
روسيا
|
محمد شكري الألوسي
|
العراق
|
محمد ثابت المصري
|
مصر
|
عبد الرزاق الحصّان
|
العراق
|
عبد الله القصيمي
|
الأردن
|
محب الدين الخطيب
|
مصر
|
محمد عبد الستار التولستوي
|
باكستان
|
تقي الدين النبهاني
|
الأردن
|
محمد مردوخ الكردستاني
|
إيران
|
أحمد أمين المصري
|
مصر
|
محمد حسين الذهبي
|
مصر
|
محمد أبو زهرة
|
مصر
|
عبد الحميد طه حميدة
|
مصر
|
إبراهيم الجبهان
|
الحجاز
|
عبد الله محمد الغريب
|
مصر
|
محمد مال الله البحريني
|
البحرين
|
إحسان إلهي ظهير
|
باكستان
|
أحمد محمد التركماني
|
الجزائر
|
أبو الحسن الندوي الكهنو
|
الهند
|
(وَلَيَحْلِفُنَّ
إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ.)
صدق الله العليّ العظيم.
كلمة المؤلف
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ
العالمين. والصلاة والسلام على محمد وعترته الأكرمين. واللعن الدائم على مفرّقي
الكلمة ، وممزّقي وحدة الصف بين المسلمين. آمين رب العالمين.
في أواسط شهر
محرّم الحرام عام (١٤٠٤ ه) وفقت لزيارة مرقد السيدة زينب ابنة الإمام علي عليهالسلام بدمشق ومنها قصدت دولة الإمارات العربية المتحدة لزيارة
الأقرباء والأحباء القاطنين فيها. أمضيت فيها أسبوعا واحدا تعرفت خلاله على جماعة
من العلماء والتجار وأصحاب المكتبات. وحضرت ندوة في مكتب أحد الأحبة هناك وكان
محور الحديث يدور حول الوحدة الإسلامية بين أبناء الشيعة والسنة.
وبعد فترة
تحدثت عن مكاسب الثورة الإسلامية ومنجزاتها في إيران. فإذا بأحد الحاضرين يناولني
مجلة «رسالة المسجد» كانت قد نشرت مقالا تحت عنوان «الشيعة وتحريف القرآن».
__________________
ناشر المقال
هذا هو : محمد عبد الله السمان في مجلة أكتوبر المصرية في العدد الصادر في (٥ / ٥
/ ١٩٨٣ م) ومنها أخذت هذه المجلة السعودية هذا الموضوع ونشرته فيها.
فرأيت لإحقاق
الحق ، وإظهار الحقيقة الجواب عما كتبه البحريني ونسبه إلى الشيعة الإماميّة لأن (الساكت
عن الحق شيطان أخرس) هذا ومن الجدير بالذكر هنا أن نشير إلى أنه ليس من عادتنا
التعرض للمخالفين لمذهبنا ، إلّا إذا اقتضت الحاجة الماسة لذلك ونيل من كرامتنا ،
وأئمتنا عليهمالسلام.
وذلك أنّ من
أسمى معاني التقية التي أمرنا بالأخذ بها هو عدم التعرض والتظاهر بالخلاف مع أبناء
العامة ...
هكذا أدّبنا
أئمتنا المعصومون عليهمالسلام. كلّ ذلك حفاظا على الوحدة الإسلاميّة من التفريق
والتمزيق وتشهد لنا بذلك جميع مؤلفات علمائنا الأعلام الشيعة الإمامية التي ألفت
للرد على المخالفين منذ أقدم العصور ، وأقدم كتاب ألف لهذا الغرض كتب الشيخ
المفيد ، والشريفين المرتضى ، والرضي ، والشيخ الطوسي والعلّامة الحلي ... وهكذا
حتى عصرنا الحاضر فقد ألّف السيد عبد الحسين شرف الدين :
المراجعات ،
والفصول المهمّة ، والنصّ والاجتهاد.
والشيخ محمد
حسين آل كاشف الغطاء : أصل الشيعة وأصولها.
والشيخ محمد
حسن المظفر : دلائل الصدق. ودعا هؤلاء جميعا في آثارهم هذه إلى التمسك والاعتصام
بحبل الله تعالى وتوحيد الكلمة ، ودعم الوحدة الإسلاميّة بين الشيعة والسنة.
وبمناسبة قيام
الدولة الإسلامية في إيران والدعوة إلى الله تعالى
__________________
والتمسك بالوحدة ، والالتفاف حول كلمة : (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ،) صمّمنا على إصدار هذا الكتاب لتحقيق وتأكيد معنى
الأخوّة الإسلامية والوحدة بين الشيعة والسنة.
ـ المؤلف ـ
تمهيد
وصف حالة المسلمين اليوم
من الواضح
الغنيّ عن البيان ، ما وصلت إليه حالة المسلمين ، ولا سيّما في هذه القرون الأخيرة
، من الضعف والسقوط والذلّة ، وتحكّم الأجانب بهم ، واستعبادهم ، واستملاك أراضيهم
وديارهم ، وجعلهم خولا وعبيدا ، يستعملونهم كاستعمال البهائم في مصالحهم ،
ويستغلّونهم بوضع الأغلال في أعناقهم ، إلى ما فوق ذلك من الهوان ، والخسران ،
ممّا لا يحيط به وصف واصف ، ولا يستطيع تصويره ريشة مصوّر ، كل ذلك جليّ وواضح ..
وإنّ السبب
الوحيد هو : تفرّق المسلمين ، وتباغضهم ، وتعاديهم ، وسعي كل طائفة منهم لتكفير
الأخرى فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة يسعون في هلاكهم وإبادتهم ، ما هو إلّا الجهل
المطبق ، والعصبيّة العمياء.
فالجهل يمدّهم
، ويطغيهم ، ومكائد الأجنبي المستعبد تشدّهم ، وتغريهم ، وقد أفاضت أقلام الأعلام
والخطباء وطفحت الصحف ، والمؤلفات في هذا الموضوع حتى أو شك أن يكون في الأحاديث
التي صار يمجّها الطبع وينبو عنها السمع لأن الطبع موكل بمعاداة المعادات ، وكراهة
المكررات .
__________________
نصّ المقال
المنشور في مجلة رسالة المسجد السعودية
الشيعة ... وتحريف القرآن الكريم
إنّها قضية
مثيرة بحق ، وما كنا نتصور أن يصل الأمر إلى هذا الحد الذي صوره هذا الكتاب ، ولا
نعتقد أن ما تضمنه هذا الكتاب المثير في حاجة إلى جهد من القرّاء ، ولكن إلى إصدار
حكم من القراء على القضية ذاتها.
ونصيحة إلى
القراء بالتزام المصحف المعتمد وإبلاغ المسؤولين عن أي مصحف منحرف يقع في أيديهم.
منذ عام أرسل
إليّ الكاتب البحريني الأستاذ محمد مال الله كتابه «الشيعة وتحريف القرآن» مخطوطا
لمراجعته والإشراف على طبعه بالقاهرة والكاتب له في المكتبة الإسلامية العديد من
المؤلّفات منها : «السنة والشيعة ـ حكم سب الصحابة ـ مطارق النور تبدد أوهام
الشيعة ـ ثم موقف الخميني من أهل السنة» وقبل أن أقرأ الكتاب دهشت لعنوانه ، فلما
انتهيت من قراءته كدت لا أصدق ما جاء فيه من هول المفاجاة ، لو لا ثقتي في أمانة
الكاتب ، بالإضافة إلى أنّه قدم شواهد من مصادر الشيعة ، مدعمة باسماء المراجع ،
وأرقام الصفحات ..
فعامة المثقفين
تعرف ـ فحسب ـ أنّ عقيدة الشيعة مضطربة ، لعبت الخرافة فيها دورها ، منبثقة من
عقائد الفرس وغيرهم ، ولم يجل بخواطر المثقفين جرأتهم على تحريف القرآن ، والتشكيك
في المصحف الإمام المعتمد بإجماع الصحابة ، وبه تعبدت الأمة المسلمة حتى يومنا
هذا.
كتب مقدمة لهذا
البحث الدكتور محمد أحمد النجفي ، وهو يحمل دكتوراه في التاريخ الإسلامي ، ولقد
أثار مسألة على جانب من الأهمية قال : «وليعلم أنّ الشيعة الإمامية أخطر وأخبث
الفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام على الإسلام والمسلمين حيث كشفت الفرق عن هويتها
وأفصحت عن كفرها بينما الشيعة الإمامية أخذت تراوغ بما لديها عقيدة التقية .. التي
بواسطتها تمكنت من طعن الإسلام والمسلمين طعنات عديدة من خلال تاريخها الطويل».
أمّا المؤلف
فقد أثار في مقدمته مسألة بالغة الأهمية فهو يرى أنّ هذا الفكر الشيعي الدخيل
يخالف الإسلام الذي نعتقده وندين لله به ، مخالفة جذرية ، وأصول هذا الفكر ومعتقده
تخالف معتقد أهل السنّة والجماعة .. وهذا الخلاف في الأصول والأسس ، لا كما يعتقد
كثير من
العامة فضلا عن غيرهم : أنّ الخلاف محصور في مسائل الفروع ، بل إنّ هذا
التباين في أغلب الأصول مما يجعلنا نجزم بأنّ كل محاولة للتقريب بين الفكر الشيعي
الدخيل ومعتقد أهل السنة والجماعة هي محاولة فاشلة ، لا يمكن أن نجني من ورائها أي
ثمار ، إلّا إذا استطعنا أن نجمع بين الأضداد ، ويستحيل التقارب بينهما ، لأنّهما
يسيران في خطين متوازيين لا لقاء بينهما ، اللهم إلّا أن ينسلخ أهل السنة من
إسلامهم ، ويعتنقوا المجوسية .. فذاك أمر آخر ..!!.
ماذا في هذا الكتاب
الحقيقة أنّ
هذا البحث موجز ومركز في نفس الوقت ، وقد اقتضى ذلك خطورة القضية التي عرض لها
الكتاب من ناحية ، أن يمهّد بمثل هذه المعالجة لدراسة واسعة ستنشر قريبا ، في
الفكر الشيعي ، ومفتريات الشيعة على الصحابة ، والردّ عليها. وقد أعلن عن ذلك.
والمهم أنّ البحث الذي بين يدينا مقسم إلى ثلاثة فصول : الفصل الأول ـ «المدخل إلى
عقائد الشيعة» عرض فيه للشيعة وافترائهم على الله ، وللشيعة والتقية ثم لموقف
الشيعة من أهل السنة والفصل الثاني ـ «علماء الشيعة وتحريف القرآن» والفصل الثالث ـ
«نماذج من تحريفات الشيعة للقرآن». وموضوع الفصلين واحد وإن كان كلاهما مكملا
للآخر ، والمؤلف كان حريصا على أن يستشهد باراء علماء الشيعة من أئمتهم الحائزين
على الثقة المطلقة لدى جماهير الشيعة ، وذلك من واقع ما دونه القدامى والمحدثون في
مؤلفاتهم التي لها قداستها لديهم.
كذلك قدم
المؤلف في بحثه نماذج من تحريفات الشيعة للقرآن ، اختارها من أوثق المصادر لدى
الشيعة ، مثل كتاب «الكافي» ومؤلفه هو محمد بن يعقوب الكليني من أكابر علماء
الإمامية الشيعة ، والمتوفى في سنة ٣٢٨ ه ببغداد ، وللكتاب ـ وهو في الحديث ـ
ومؤلفه شهرة واسعة ، بل أنّ كتاب «الكافي» هذا هو أحد الكتب الأربعة المعتمدة لدى
الشيعة في الحديث ، وقد استوعبت بين دفتيه أكثر من ستة عشر ألف حديث من صنع الشيعة
، تشير إلى أنّ القرآن الموجود عند الشيعة يعادل ثلاث مرات من القرآن المتداول بين
المسلمين ، وتؤكّد أيضا أنّ المصحف الذي جمعه الإمام علي هو القرآن الحق الذي
أنزله الله على نبيه ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
وتحريف الشيعة
للقرآن يعتمد على الإضافة التي تذكر صراحة اسم علي وآل البيت ، وتؤكد أنّ آل البيت
هم الورثة الشرعيون لوراثة محمد ، وإليك بعضا من الأمثلة :
ـ الآية
الكريمة من سورة طه (وَلَقَدْ عَهِدْنا
إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) ولكنها في مصحف الشيعة : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل
كلمات في محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ذريتهم فنسي ...
ـ والآية
الكريمة من سورة البقرة ، وقد نزلت في بني إسرائيل : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا
بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللهُ بَغْياً ...).
ولكنها في مصحف
الشيعة (بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله (في علي) بغي).
ـ والآية
الكريمة من سورة البقرة ، وقد نزلت في بني إسرائيل كذلك : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً
غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ ، فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً
مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ ..) ولكنها في مصحف الشيعة هكذا :
(فبدل الذين ظلموا (آل محمد حقّهم) قولا
غير الذي قيل لهم ، فانزلنا على الذين ظلموا (آل محمد حقّهم) رجزا
من السماء بما كانوا يفسقون).
وبعد .. فإن
عرضنا مثل هذا الكتاب لا صلة له من قريب أو بعيد بمعترك الحرب الدائرة بين إيران
والعراق ، وكان الدافع إلى عرضه أمرين : الأوّل أنّ للمؤلف الذي بذل جهدا مضنيا في
بحثه حقا علينا أن نهتم بفكره ، وبخاصة أنّ المؤلف من أوائل الذين اهتموا بهذه
القضية ، والحق أنّ الدكتور الذهبي ـ رحمهالله ـ في كتابه «التفسير والمفسرون» قد عرض لنفس القضية في أمانة ودقة وكذلك
الأستاذ إحسان إلهي ظهير ، في كتابه الذي طبع بباكستان «السنة والشيعة» أمّا الأمر
الثاني فلأني سئلت في مؤتمر جامعة درمان لاتحاد الطلبة عن كتاب شيعي ، يؤكّد فيه
مؤلّفه أنّ أحقّيّة علي ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة بعد وفاة الرسول ثابتة بالكتاب
والسنة على حدّ زعمه .. والله المستعان ، وهو يهدي إلى السبيل.
محمد عبد الله
السمان
مجلة أكتوبر
المصرية العدد ٥
الأحد ٥ / ٥ /
١٩٨٣ ه (القاهرة).
لقاءات في أسفار
قبل خمسة عشر
عاما خلال رحلاتي المتكررة إلى مصر والقاهرة حصلت لي فيها اتصالات وثيقة مع شخصيات
إسلامية كبيرة ومرموقة من أساتذة وكتّاب ومفكرين كما حصلت لي خلال هذه الصلات
تأكيدات كثيرة من قبلهم على طبع ونشر كتب الشيعة الإمامية بالقاهرة.
وفي رحلة قمت
بها عام (١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٥ م) حصلت مفاجأة وذلك حين كنت في (مكتبة وهبة).
دخل الأستاذ
الدكتور عبد الودود شلبي وهو يبحث عن كتاب (أصل الشيعة وأصولها) للإمام كاشف
الغطاء النجفي و (عقائد الإمامية) للعلّامة الكبير الشيخ محمد رضا المظفر قدس الله سرّهما وقد أجابه المساعد في المكتبة بعدم
وجودهما فاربدّ وجهه لذلك. فبدا لي أن أسأله عن ذلك فأجاب قائلا :
«لقد أعددت
كتابا في العقائد الإسلامية وحاولت الاطلاع على كتب الشيعة الإمامية لأثبت به
عقائدهم ، وآراءهم» وما كان منّي إلّا أن وعدته بالكتابين المذكورين ، وزدت عليهما
كتابا آخر هو : (مؤلّفو الشيعة في صدر الإسلام) للإمام شرف الدين العاملي طاب ثراه
فقال لي : أنت شيعي؟!.
__________________
قلت : نعم.
فقال : لماذا
لم تنشروا كتبكم في مصر؟
فأجبته : إنّ
هذين الكتابين (أصل الشيعة وأصولها) و (عقائد الإمامية) كنت قد طبعتهما ونشرتهما
قبل أعوام بمصر وقد نفدت نسخهما من الأسواق.
فقال : «يجب أن
تتوفّر هذه الكتب وأمثالها هنا بمصر ونحن بحاجة ماسة إلى كتبكم.
وقبل أن أغادر
القاهرة عام (١٣٩٤ ه ـ ١٩٧٤ م) توجهت إلى دار الأستاذ عبد الكريم الخطيب لأودعه فخاطبني قائلا :
«يجب أن تهتم
بتوفير كتب الشيعة بالقاهرة ، وباستطاعتك ذلك ولك دار نشر وصلات مع دور النشر في
كثير من الدول العربية والإسلامية ، وإنك أقدر من غيرك على هذا الأمر ، وأملي فيك
أن لا تجعل هذا الأمر على حافة تفكيرك بل تهتم به».
وقبل هذا
الأستاذ كان قد قال لي فضيلة الأستاذ الشيخ ابو الوفا المراغي ـ مدير المكتبة
الأزهرية في الجامع الأزهر في أثناء حديثه :
«وأخذ المصريون
في نشر كتب الوهابيه عند ما تصوّروا أن لها سوقا رائجة فهل أن أحدكم يلتفت إلى هذا
ليأتي إلى هنا ـ أي مصر ـ ويطبع كتبكم وينشرها فإن الكتاب الذي يطبع في مصر يصل
إلى جميع أنحاء العالم ، ولا أدري لماذا لا ينتبه علماؤكم ، ولا يتحرك تجّاركم .
__________________
وقال فضيلة
الشيخ العقدة :
لقد سررت من
عهد قريب بإخراج وزارة الأوقاف المصرية لكتاب «المختصر النافع» في فقه الإمامية ،
وإن كانت أحكامه ليست في الصحة كسواه ولا أقول بأنّ ذلك شعور اختصصت به هذا الكتاب
من كتب الفقه فإنّ هذا الشعور قد أجده في أيّ كتاب من كتب المذاهب الأخرى أمام حكم
خاص.
ولقد أجد من
صباحة الحق ، وصراحته في حكم من أحكام الشيعة الإمامية ما لا أجده في حكم لغيرهم
من الفقهاء.
ثم سررت أيّما
سرور حين أهداني الأخ «السيّد مرتضى الرّضوي»
__________________
صاحب مكتبة النجاح في النجف الأشرف ـ الجزءين الأوّلين من كتابي : «وسائل
الشيعة ومستدركاتها» الّذين بدأ طبعهما مجتمعين ، لأكمّل نفسي بما أدعو الفقهاء
إلى التكمّل به ، ولأزداد بهما إدراكا فيما نحن بأشدّ الحاجة إلى إدراكه ، وإنّي
لأرى من قراءتي العاجلة لبعض مباحثهما في كتاب الطهارة أنّهما يمنحان المسلم في فقهه
ودينه ، ما لا ينبغي له ـ بوصفه طالبا للحق ـ أن يغفل عنه ، ولا أن يحرم نفسه من
الأخذ به ، ولا أن يجادل بالهوى والعصبيّة فيه ... الخ.
أقول : وحيث
إنّي رأيت الكثيرين من الأساتذة والعلماء يطلبون منّي دوما نشر كتب الشيعة
الإمامية بمصر ؛ ويعبّرون عن رغبتهم ، وحاجتهم إلى الاطلاع على كتب هذا المذهب
الإسلامي لذلك استخرت الله تعالى في كتابه المجيد للسير نحو هذه
الخطوة الإسلامية المقدّسة في مصر فكانت هذه الآية :
(وَبِالْحَقِّ
أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً
وَنَذِيراً.)
واستجابة لاراء
العلماء ، والأساتذة الأزهريّين ، بالإضافة إلى التأييد من كلام ربّ العالمين
صمّمت على إتيان مصر ، وصرت أمكث فيها أيّاما وشهورا عديدة وفي خلال الفترة التي
مكثت فيها بالقاهرة تعرفت على جلّة من الأساتذة والعلماء ، والكتاب ومنهم الأستاذ
السمان .
__________________
إني أودّ الاطلاع على كتبكم ـ كتب
الشيعة الإمامية ـ ولكن الوقت لم يترك لي فرصة. والذي أراه وأستطيع قراء كتبكم هو
: أن الكتب التي نقوم بطبعها هنا في مطابع القاهرة ، أن تترك لي مراجعة وتصحيح
البروفة الثانية لأقوم بمراجعتها وتصحيحها وبهذه الطريقة استطيع الاطلاع والوقوف
على كتبكم التي تطبع بمصر ، ولا أطلب منك أجرة على المراجعة والتصحيح.
__________________
__________________
وفي حديث لي مع
الأستاذ الأكبر الشيخ محمد محمد الفحام شيخ الجامع الأزهر الأسبق بمنزله بالقاهرة
في شارع الإمام علي ، في ليلة السبت (٢٣ شهر رمضان المبارك عام ١٣٩٥ ه).
قلت لفضيلته :
بصفتكم شيخا
للأزهر وقد ترأستم ثلاثة مؤتمرات لعلماء المسلمين وسافرتم إلى معظم البلاد
الإسلامية ، ما رأيكم في تقارب وجهات النّظر بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف
مذاهبها؟
أجاب :
__________________
«هذا أمر يجب
على كلّ المسلمين أن يتعاونوا ، ويتظافروا على هذا التقارب بالسّفر والزيارات
المتبادلة ، بل هذا هو أوّل واجب على المسلمين ، والمعروف أن المسلم هو : كلّ من
شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا رسول الله ، ولا يخرجه من إسلامه تمسّكه
بمذهب من المذاهب.
وقد استفدت ،
وأفدت من زياراتي لكلّ البلاد الإسلامية استعداد الجميع لهذا التقارب. ويحثّنا على
ذلك قول الله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ
لِتَعارَفُوا :) ٤٩ ، ١٣.
فالتعارف قد
دعا إليه الإسلام من قديم الزمان ، لأن التعارف يهدي إلى التآلف ، والتآلف يهدي
إلى المحبّة ، والمحبّة تهدي إلى التفاهم ، والتفاهم يهدي إلى السلام ، والسلام هو
الغاية النبيلة التي دعا إليها الإسلام ، والإسلام دين المحبّة والسلام ، وهذا شعار
يجب على كلّ المسلمين أن يعرفوه ، ويتمسّكوا به. ولهذا كان كثير من الأمور التي
دعا إليها الإسلام وشرعها تدور حول محبّة الناس بعضهم بعضا.
وفي الحق إننا
مأمورون بالتقارب عملا بقوله تعالى :
(وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا :) ٣ ، ١٠٣.
وأنا أشعر
بأنّنى بعد زياراتي لكثير من البلدان الإسلامية ، ومخالطتي لعلمائها أشعر بشيء غير
قليل من التعاطف ، والتفهّم لوقوفهم على كثير من أسرار الإسلام ، ورغبتهم الشديدة
في التقارب بينهم ، وبين إخوانهم المسلمين في كلّ بقاع الأرض.
ونرجو الله أن
يوفق المسلمين ، ويؤلف بين قلوبهم. ففي هذا التآلف ، والتقارب ، والتحابب خير
المسلمين جميعا .
__________________
يقول السّمان :
«منذ عام أرسل
إليّ الكاتب البحريني الأستاذ محمد مال الله كتابه : (الشيعة وتحريف القرآن)
مخطوطا لمراجعته ، والإشراف على طبعه بالقاهرة ..».
«.. وقبل أن
أقرأ الكتاب دهشت لعنوانه .. فلّما انتهيت من قراءته .. كدت لا أصدق ما جاء فيه من
هول المفاجأة .. بالإضافة إلى أنّه قدم شواهد من مصادر الشيعة مدعمة بأسماء
المراجع ، وأرقام الصفحات ..
فعامة المثقفين
تعرف فحسب أنّ عقيدة الشيعة مضطربة!! لعبت الخرافة فيها دورها!! منبعثة من عقائد
الفرس وغيرهم»!!
«أما المؤلف
فقد أثار في مقدمته مسألة بالغة الأهمية!! فهو يرى أن هذا الفكر الشيعي الدخيل
يخالف الإسلام الّذي نعتقده وندين لله به مخالفة جذرية» !!
أنظر إلى وقاحة
هذا المدّعي كيف يتلفظ بهذا الكلام التافه ولم يخش الله ورسوله وليس له هدف من سرد
هذا الكلام ، وهذه الأضحوكة سوى شق عصا المسلمين وتفريق كلمتهم لا لشيء سوى إشباع
نهمته الشيطانية العاصية ، وإرضاء أسياده من الخونة والمارقين عن خط الإسلام
الصحيح قال الله تعالى :
(أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا
مُهْتَدِينَ :) ٢ ، ١٦. صدق الله العلي العظيم. وقد نسي قول الله تعالى
:
__________________
(وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا :) ٣ ، ١٠٣.
وقوله تعالى : (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ
لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ :) ١٦ ، ١٠٥.
ولست أدري
بماذا يجيب السمان ربّه يوم القيامة ـ إن كان له إيمان ـ بنشره هذه الأكاذيب ،
والأباطيل ، والتهم. قال الله تعالى :
(وَما ظَلَمَهُمُ
اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ :) ٢ ، ١٥٩.
وقال تعالى :
(يَوْمَ يَعَضُّ
الظَّالِمُ عَلى يَدَيْهِ يَقُولُ يا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ
سَبِيلاً ، يا وَيْلَتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً :) ٢٥ ، ٢٦ ، ٢٧.
وقال تعالى :
(ثُمَّ قِيلَ
لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِما
كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ :) ١٠ ، ٥٧.
* * *
الشيعة الإمامية والصحابة
قال محمد مال
الله البحريني :
«أما موقف
الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم الذين قال الله تعالى فيهم : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) وكان فيهم أبو بكر ، وعمر ، وابن مسعود وغيرهم من
الصحابة» .
وقال الدكتور
حامد حفني داود :
١ ـ قال محمد
عمر الواقدي : وكان طلحة بن عبيد الله ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، يقولون :
صلّى رسول الله
صلىاللهعليهوسلم على قتلى أحد ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنا على هؤلاء شهيد.
فقال أبو بكر
رضي الله عنه : يا رسول الله ، أليس إخواننا ، أسلموا كما أسلمنا وجاهدوا كما
جاهدنا؟
__________________
قال : بلى ،
ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا ، ولا أدري ما تحدثون بعدي. فبكى أبو بكر
وقال :
إنا لكائنون
بعدك ؟
٢ ـ وأخرج
البخاري عن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال : لقيت البراء بن عازب (رض) فقلت : طوبى
لك ، صحبت النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وبايعته تحت الشجرة. فقال : يا بن أخي ، لا تدري ما
أحدثنا بعده .
وقال العلامة
الشيخ لطف الله الصافي :
نعم : لو قال :
لقد رضي الله عن الذين بايعوك ، تشمل كل من بايعه كائنا من كان ، وإن شك في إيمانه
ولكن لا يجوز التمسك به فيمن شككنا في أصل بيعته ، كما لا يثبت إيمان من شككنا في
إيمانه بقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.)
وقال الدكتور
حامد حفني داود :
فقضية نقد
الصّحابة إنّما هي وليدة التشيع لآل محمد ولكنّها كانت وليدة التشيع لا لذات
التشيع ، بل لأنّ المتشيعين لآل محمد عرفوا بتبحّرهم في علوم العقائد بسبب ما
نهلوا من موارد أئمة أهل البيت ، وهم المصدر الأصيل الذي نهلت منه الثقافات
الإسلامية منذ صدر الإسلام إلى اليوم
أن من رضي الله
عنه بواسطة عمله يكون مرضيّا طول عمره ، وإن
__________________
صدرت منه المعاصي الموبقة بعد ذلك ، ورضا الله تعالى عن أهل بيعة الحديبية
ليس مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد ، والدليل على ذلك قوله تعالى في هذه السورة في
شأن أهل هذه البيعة ، وتعظيمها :
(إِنَّ الَّذِينَ
يُبايِعُونَكَ ، إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ، يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ
عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.)
فلو لم يجز أن
يكون من المبايعين من ينكث بيعته ، وكان رضا الله عنهم مستلزما لرضاه عنهم إلى
الأبد لا فائدة لقوله : (فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ.)
وأيضا قد دلت
آيات من القرآن ، وأحاديث صحيحة على وقوع غضب الله تعالى وسخطه على من يرتكب بعض
المعاصي ، ومع ذلك لم يقل أحد بأن هذا مانع من حسن إيمانه في المستقبل ، وذلك مثل
قوله تعالى في سورة الأنفال :
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى
فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ
:) ٨ ، ١٦.
فإذا لم يكن
بوء شخص ، أو قوم إلى غضب الله مانعا من حسن حاله في المستقبل لم يكن رضاه أيضا
سببا لعدم صدور فسق ، أو كفر من العبد بعد ذلك.
والقول بدلالة
الآية على حسن حال المبايعين مطلقا ، وعدم تأثير صدور الفسق عنهم في ذلك مستلزم
للقول بوقوع التعارض بين هذه الآية ، وبين آية الأنفال المذكورة فيمن ولّى دبره عن
الجهاد من المبايعين لأنّها أيضا تدل باطلاقها على سوء حال من يولّي دبره ، وعدم
تأثير صدور الحسنات في رفع ذلك.
والحديث الأول
صريح بأن حسن خاتمة مثل أبي بكر من الصحابة المبايعين المهاجرين موقوف على ما يحدث
بعد الرسول (ص).
هذا مختصر
الكلام حول مدلول الآية الكريمة ، وعليه ليس المستفاد منها ، أن أبا بكر وعمر لم
يمحضا الإيمان.
نعم : لا يثبت
بها إيمان واحد معين من المبايعين على نحو التفصيل ، فلا يصح التمسك بها في إثبات
إيمان صحابي خاص ، وعدم نفاقه ، أو حسن حاله إذا شك فيه .
__________________
عقيدة الشيعة الإمامية في الصحابة
تمهيد
إن موضوع
الحديث عن عقيدة الشيعة في الصحابة هو أهم موضوع نريد أن نتحدث عنه وكان بودنا
التجنب عن ذلك ولكن من شرط هذا الكتاب هو التعرض لكل ما له علاقة بمذهب أهل البيت
، وسائر المذاهب فإن هذه المسألة من أهم المسائل التي كانت ذريعة لمعارضة مذهب أهل
البيت وانتشاره. فقد نسبوا إلى الشيعة ما لا يتفق مع الواقع في اعتقادهم حول
الصحابة. وتقوّلوا عليهم بأنّهم (أي الشيعة) يكفّرون جميع الصحابة ـ والعياذ بالله
ـ وأنّهم لا يعتمدون على أحاديثهم ، ويطعنون فيهم إلى غير ذلك.
وجعلوا ذلك
أساسا لقاعدة بنوا عليها الحكم بالزندقة ، وحلّيّة إراقة الدماء فقالوا : من طعن
في الصحابة فقد طعن على رسول الله (ص) ومن طعن على رسول الله فهو زنديق.
وقالوا : إذا
رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب محمّد فاعلم أنّه زنديق.
وجعلوا الخوض
فيما جرى بين الصحابة ، وحريّة الرأي في مناقشتهم هو انتقاص لهم.
فلندرس هذا
الموضوع بدقة ، ورجاؤنا معقود على إيلاء هذه الدراسة جلّ عنايتها ، وإعطائها وجهة
النّظر بصورة خاصة ، لأن اتهام الشيعة بسب الصحابة ، وتكفيرهم أمر عظيم ، ومعضلة
شديدة اتخذها خصوم أهل البيت وسيلة للقضاء على مبادئهم ، وانتشار مذهبهم ، عند ما
بان عجزهم عن اللحوق بهم وقد تدخل الدخلاء وأعداء الإسلام في اتساع شقة الخلاف بين
صفوف الأمة ليجدوا طريقهم لبثّ آرائهم الفاسدة ، حتى أصبح من المقرّر في تلك العصور
تكفير الشيعة ، وإبعادهم عن ذلك المجتمع ، كلّ ذلك مبعثة آراء السلطة وأغراضها
التي قضت على الأمة بكبت الشعور ، وكم الأفواه وسلب الأفراد ، حريّة الرأي لأن
الجمود الفكري هو الذي يخدم مصالحهم ، عند ما حاولوا ربط العقائد بالدولة ، وإناطة
الآراء بما تراه السلطة لا غير ، وفرضوا ربط التعليم بهم وضربوا سلطانهم على بعض
العلماء ، ووجّهوهم حيث شاءت إرادتهم ، إلى غير ذلك من المحاولات التي كانوا
يقصدون بها القضاء على أهل البيت ومعارضة مذهبهم ولكن شاء الله أن تذهب تلك
المحاولات أدراج الرياح.
ويبقى ذكر أهل
البيت على ممّر الدهور ، والأعوام ، ولم تقف تلك الدعايات الكاذبة والتهم المفتعلة
أمام انتشاره ، وإن اتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم أمر عظيم حاول خصومهم فيه
تشويه سمعتهم ، لأنّهم خصوم الدولة وأنصار أهل البيت ، ونحن لا نريد أن نرغم خصوم
الشيعة على الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبوها في تعبيرهم عنهم بعبارات التهجّم التي
تشمئز منها النفوس ، وتنفر منها الطباع.
ولا نريد منهم
أن يغالطوا أنفسهم في مجاراتهم للأوضاع الحاضرة ، ولا نريد منهم أن يتركوا الخطأ
الّذي وقفوا عليه في زاوية الإهمال ، ولا إسدال الستر على العيوب التي عثروا عليها
في المجتمع الشيعي. والنقص الّذي لمسوه.
ولكنّا نريد
منهم أن لا يكذبوا ، أو يتقوّلوا.
ونريد منهم أن
يتحرّروا من تقليد أقوام أعمتهم المادة ، وأخضعتهم السلطة ، فحملتهم على الافتعال
، والأكاذيب.
ونريد منهم أن
يصرّحوا بلغة العلم ، والمنطق الصحيح عن الأمور التي استوجبت أن يرتكبوا بحقّ
الشيعة ما ارتكبوه وليحاسبوا أنفسهم قبل يوم الحساب ، إن أهملوا محاسبة الوجدان ،
والضمير الحر.
ونريد منهم أن
يصرّحوا لنا عن نقاط الضعف التي وقفوا عليها فيما تدعيه الشيعة فأباحت لهم ذلك
التهجم ، وليقولوا بكلّ صراحة فإنا نتقبل قول الحق.
ولا يهمّ
الشيعة أقوال أهل التهريج والهوس ، ولا يعبأون بأقلام المستأجرين من قبل أعداء
الإسلام الذين عظم عليهم انتشاره ، وأخضعهم بقوّة برهانه ، وأعطوه الجزية عن يد
وهم صاغرون ، فالتجأوا إلى لغة الدس والخيانة.
ونريد منهم أن
يتنبّهوا رويدا إلى التباين بين ما يدّعونه أو يفتعلونه على الشيعة وبين الواقع.
ونريد من
الباحث أن يتحرّى ببحثه الدقة والتمحيص ، وأن يتثبّت قبل الحكم ، وأن يعرف الخطر
الّذي ينجم من وراء ذلك ، فقد بلغ الأمر إلى أشدّ ما يكون من الخطورة.
ومن المؤلم أن
تروج هذه الدعايات المغرضة ، أو الأكذوبة الكبرى فتصبح من الأمور المسلّمة بها لا
تحتاج إلى نقاش.
والواقع أن
اتهام الشيعة كان سياسيّا قائما على مخالفة الواقع ، وإنكار الحقائق ، والجهل
الفاضح.
الشيعة والصحابة
نحن أمام مشكلة
كبرى ، وقف التاريخ أمامها ملجما واختفت الحقيقة فيها وراء ركام من الادعاءات الكاذبة
، والأقوال الفارغة ، فالتوت الطرق الموصلة اليها. كما أثيرت حولها زوابع من
المشاكل والملابسات ، ولم تعالج القضيّة بدراسة علميّة ليبدو جوهر المسألة واضحا
وتظهر الحقيقة كما هي.
وعلى أيّ حال
فقد تولع كثير من المؤرخين بذّم الشيعة ، ونسب أشياء إليهم بدون تثبّت ، فهم
يكتبون بدون قيد أو شرط ، ويتقوّلون بدون وازع ديني أو حاجز وجداني ، وقد اتسعت
صدور الشيعة لتحمل أقوالهم ، بل تقوّلاتهم كما اتّسعت سلّة المهملات لقبر
شخصيّاتهم ، وترفعوا عن المقابلة بالمثل.
وإنّ أهمّ تلك
التّهم هي مسألة الصحابة وتكفيرهم (والعياذ بالله) ممّا أوجب أن يحكم عليهم بالكفر
والخروج عن الإسلام كما يأتي بيانه.
قال السيد شرف
الدين : «إنّ من وقف على رأينا في الصحابة علم أنّه أوسط الآراء إذ لم نفرط فيه
تفريط الغلاة الذين كفّروهم جميعا ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم جميعا ،
فإن الكاملية ومن كان في الغلوّ على شاكلتهم قالوا : بكفر الصحابة كافة.
وقال أهل السنة
بعدالة كلّ فرد ممّن سمع النبيّ أو رآه من المسلمين مطلقا ، واحتجّوا بحديث (كل من
دب ، أو درج منهم أجمعين أكتعين).
أمّا نحن فإن
الصحبة بمجرّدها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة لكنّها بما هي من حيث هي غير عاصمة.
فالصحابة كغيرهم من الرجال ، فيهم العدول وهم عظماؤهم وعلماؤهم ، وفيهم البغاة ،
وفيهم أهل
الجرائم من المنافقين ، وفيهم مجهول الحال ، فنحن نحتج بعدولهم ، ونتولاهم
في الدنيا والآخرة.
أمّا البغاة
على الوصيّ ، وأخي النبي صلىاللهعليهوآله وسائر أهل الجرائم كابن هند ، وابن النابغة ، وابن الزرقاء ، وابن عقبة ،
وابن أرطأة ، وأمثالهم فلا كرامة ولا وزن لحديثهم ، ومجهول الحال نتوقف فيه حتى
نتبيّن أمره.
هذا رأينا في
حملة الحديث من الصحابة والكتاب والسنة بنينا على هذا الرأي كما هو مفصّل في
مظانّه من أصول الفقه. لكنّ الجمهور بالغوا في تقديس كلّ من يسمونه صحابيّا ، حتّى
خرجوا عن الاعتدال ، فاحتجوا بالغثّ منهم والسمين ، واقتدوا بكل مسلم سمع من النبي
صلىاللهعليهوآله أو رآه اقتداء أعمى ، وأنكروا على من يخالفهم في هذا
الغلوّ ، وخرجوا في الإنكار على كل حدّ من الحدود ، وما أشدّ إنكارهم علينا حين
يروننا نرّد حديث كثير من الصحابة مصرّحين بجرحهم أو بكونهم مجهولي الحال ، عملا
بالواجب الشرعي في تمحيص الحقائق الدينيّة ، والبحث عن الصحيح من الآثار النبويّة.
وبهذا ظنّوا
بنا الظنونا ، فاتهمونا ، رجما بالغيب ، وتهافتا على الجهل ، ولو ثابت إليهم
أحلامهم ، ورجعوا إلى قواعد العلم ، لعلموا أنّ أصالة العدالة في الصحابة ممّا لا
دليل عليها ، ولو تدبّروا القرآن الحكيم لوجدوه مشحونا بذكر المنافقين منهم. وحسبك
منه سورة التوبة ، والأحزاب .
__________________
درجات الصحابة
لم يكن الصحابة
طرازا واحدا في الفقه والعلم ، ولا نمطا متساويا في الإدراك والفهم ، وإنّما كانوا
في ذلك طبقات متفاوتة ، ودرجات متباينة ، شأن الناس جميعا في هذه الحياة على مرّ
الدّهور :
(سُنَّةَ اللهِ فِي
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً.)
قال ابن خلدون
في مقدمته :
«إنّ الصحابة
كلّهم لم يكونوا أهل فتيا ، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم ، وإنّما كان مختصا
بالحاملين للقرآن ، العارفين بناسخه ، ومنسوخه ، ومتشابهه ومحكمه ، وسائر دلالته ،
بما تلقوه من النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو ممّن سمعه منهم ، وعن عليتهم ، وكانوا يسمّون لذلك
(القراء) ، أي الذين يقرأون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أميّة ، فاختصّ من كان
منهم قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ ، وبقي الأمر كذلك صدر الملّة».
وعن محمد بن
سهل بن أبي خيثمة عن أبيه قال :
«كان الذين
يفتون على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثلاثة نفر من المهاجرين ، وثلاثة نفر من الأنصار ، عمر
وعثمان وعلي ، وأبي كعب ومعاذ بن جبل ، وزيد بن ثابت».
وعن عبد الرحمن
بن القاسم عن أبيه : أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه كان إذا نزل به أمر يريد فيه
مشاورة أهل الرأي ، دعا رجالا من المهاجرين ، والأنصار ، دعا عمر وعثمان وعليّا ،
وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت.
وكلّ هؤلاء كان
يفتى في خلافة أبي بكر ، وإنّما تصير فتوى الناس
__________________
ألى هؤلاء ، فمضى أبو بكر على ذلك.
ثم ولى عمر
فكان يدعو هؤلاء النفر.
وفي مسلم : عن
مسروق قال :
«شاممت أصحاب
رسول الله صلىاللهعليهوسلم فوجدت علمهم انتهى ألى ستة :
إلى عمر وعلي
وعبد الله ، ومعاذ وأبي الدرداء وزيد بن ثابت ، فشاممت هؤلاء الستة فوجدت
علمهم انتهى إلى علي وعبد الله» .
وروى ابن القيم
في أعلام الموقعين عن مسروق قال :
«جالست أصحاب
محمد صلىاللهعليهوسلم فكانوا كالإخاذة :
الإخاذة : تروي
الراكب ، والإخاذة : تروي الراكبين : والإخاذة : لو نزل بها أهل الأرض لأصدرتهم ،
وإن عبد الله من تلك الإخاذة».
وروى البخاري
ومسلم عن النبي قال :
«إنّ مثل ما
بعثني به الله من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ ، والعشب الكثير ، وكان منها
أجادب أمسكت الماء ، فنفع الله بها الناس فشربوا ، وسقوا ، وزرعوا ، وأصاب بها
طائفة أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ».
وعن عامر قال :
«كان علماء هذه
الأمة بعد نبيّها ستة :
عمر وعبد الله
وزيد بن ثابت. فإذا قال عمر قولا ، وقال هذان
__________________
قولا ، كان قولهما لقوله تبعا ، وعلي ، وأبي بن كعب ، وأبو موسى الأشعري ،
فإذا قال علي قولا ، كان قولهما لقوله تبعا».
وقال : «قضاة
هذه الأمة أربعة :
عمر وعلي وزيد
، وأبو موسى الأشعري.
ودهاة هذه
الأمة أربعة :
عمرو بن العاص
، ومعاوية بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، وزياد».
تفاوت الصحابة في صدق الرواية
فبعضهم أصدق من بعض
صدّق عمر عبد
الرحمن بن عوف وقال له : أنت عندنا العدل الرضا ـ
قال الذهبي في
شرح الخبر : فأصحاب رسول الله ، وإن كانوا عدولا ، فبعضهم أعدل من بعض ، فها هنا
عمر قنع بخبر عبد الرحمن ، وفي قصة الاستئذان يقول لأبي موسى الأشعري :
ائت بمن يشهد
معك .
رواية الصحابة بعضهم عن بعض وروايتهم عن التابعين
ليس كل ما جاء
من الأحاديث عن الصحابة مما رووه عن رسول الله ، ودوّن في الكتب ، قد سمعوه كلّه
بآذانهم من النبي صلوات الله عليه مشافهة ، ولا أخذوه عنه تلقينا ، وإنّما كان
يروي بعضهم عن بعض ، فمن لم يسمع من الرسول ، كان يأخذ ممّن سمع منه صلّى الله
__________________
عليه وسلم ، وإذا رواه غيره لم يعزه إلى الصحابي الّذي تلقاه عنه ـ بل
يرفعه إلى النبي بغير أن يذكر اسم هذا الصحابي ـ ذلك أن مجالس الرسول كانت متعددة
، وتقع في أزمنة وأمكنة مختلفة ، ولا يمكن أن يحضر الصحابة جميعا كلّ مجلس من
مجالسه ، فما يحضره منها بعض الصحابة لا يحضره البعض الآخر.
وقد ذكر الآمدي
في كتاب «الإحكام في أصول الأحكام» :
أن ابن عباس لم
يسمع من رسول الله سوى أربعة أحاديث لصغر سنه ، ولما روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم «إنّما الربا في النسيئة» وأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يزل يلبي حتى رمى حجر العقبة ، قال في الجزء الأول
لما روجع فيه قال :
أخبرني به
أسامة بن زيد ، وفي الخبر الثاني : أخبرني به أخي الفضل بن العباس. ولما روى أبو
هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
من أصبح جنبا
في رمضان فلا صوم له ، راجعوه في ذلك فقال :
ما أنا قلته
وربّ الكعبة ولكنّ محمّدا قاله! ثم عاد فقال :
حدثني به الفضل
بن العباس .
وروي عن البراء
بن عازب قال :
«ما كل ما
نحدثكم به سمعناه من رسول الله صلّى الله عليه
__________________
وسلم! ولكن سمعنا بعضه وحدثنا أصحابنا ببعضه».
وأما التابعون
: فقد كان من عادتهم إرسال الأخبار ، ويدل على ذلك ما روي عن الأعمش أنّه قال :
قلت لإبراهيم
النخعيّ : إذا حدثتني فأسند . فقال :
إذا قلت لك :
حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني ، وإذا قلت : حدثني عبد الله ، فقد حدثني
جماعة عنه ، وقد قال الآمدي بعد ذلك ، ولم يزل ذلك مشهورا فيما بين الصحابة
والتابعين من غير نكير فكان إجماعا ا ه.
وكما كان
الصحابة يروي بعضهم عن بعض فإنّهم كذلك كانوا يروون عن التابعين وهذا أمر نص عليه
علماء الحديث في كتبهم فارجع إليه إن شئت.
وفي كلام ابن
الصلاح وغيره في باب «رواية الأكابر عن الأصاغر» أن إبن عباس والعبادلة الثلاثة
وأبا هريرة وغيرهم قد رووا عن كعب الأحبار اليهودي الذي أسلم خداعا في عهد عمر
وعدّوه من كبار التابعين ثم سوّده بعد ذلك على المسلمين. وهاك ما قاله السيوطي في
ألفيّته :
وقد روى
الكبار عن صغار
|
|
في السنّ أو
في العلم والمقدار
|
ومنه أخذ
الصحب عن أتباع
|
|
وتابع عن
تابع الأتباع
|
كالحبر عن
كعب وكالزهري
|
|
عن مالك
ويحيى الأنصاري
|
__________________
وقال شارح الألفيّة
الشيخ أحمد محمد شاكر رحمهالله :
ومن هذا النوع
رواية الصحابة عن التابعين كرواية الحبر عبد الله بن عباس وسائر العبادلة وأبي
هريرة ومعاوية وأنس وغيرهم عن كعب الأحبار!
على أن الصحابة
في روايتهم عن إخوانهم أو عن التابعين لم يكونوا ـ كما رأينا ـ يذكرون أن أحاديثهم
قد جاءت من سبيل الرواية عن غيرهم ، بل يروون ما يروون في المناسبات التي تستدعي
ذكر الحديث مهما طال الزمن من غير عزو إلى من سمعوا منه ثقة بهم ، ويرفعونها إلى
النبي ، وظلوا على ذلك إلى أن وقعت الفتنة ، ومن ثم قالوا : سمّوا لنا رجالكم!
قال ابن سيرين
: لم يكونوا يسألون عن الإسناد ، فلما وقعت الفتنة ٣ قالوا : سمّوا لنا رجالكم.
وأخرج مسلم عنه
: لقد أتى على الناس زمان وما يسأل عن إسناد حديث ، فلما وقعت الفتنة سئل عن إسناد
الحديث.
في سنن الترمذي
عنه :
كانوا في الزمن
الأول لا يسألون عن الإسناد! فلمّا وقعت الفتنة ، سألوا عن الإسناد ، إنّ الرجل
ليحدثني فما اتّهمه ، ولكن أتهم من هو فوقه.
وقد روى
التابعون عن «تابعي التابعين». ومن رواية التابعين عن تابعي التابعين .. رواية
الزهري ، ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك وهو تلميذها.
ومن الطريف
للفطن كما قال السيوطي في ألفيّته :
أن يروي
الصحابي عن تابعي ، عن صحابي آخر حديثا ، ومن ذلك حديث السائب بن يزيد الصحابي عن
عبد الرحمن بن عبد القاري التابعي عن عمر بن الخطاب عن النبي صلىاللهعليهوسلم :
«من نام عن
حزبه ، أو عن شيء منه ، فقرأه فيما بين الصلاتين الفجر وصلاة الظهر ، كتب له
كأنّما قرأه في الليل» رواه مسلم في كتابه. ومن ذلك حديث :
«لا يستوي
القاعدون».
وقد جمع الحافظ
العراقي من ذلك عشرين حديثا.
نقد الصحابة بعضهم لبعض
لم يقف الأمر
بالصحابة عند تشديدهم في قبول الأخبار من إخوانهم في الصحبة كما أسلفنا ؛ ولكنّه
تجاوز ذلك إلى أن ينقد بعضهم بعضا.
ولقد كان عمر ،
وعلي ، وعثمان ، وعائشة ، وابن عباس ، وغيرهم من الصحابة ، يتصفحون على إخوانهم في
الصحبة ، ويشكّون في بعض ما يروونه عن الرسول ، ويردونه على أصحابه.
عن محمود بن
الربيع ـ وكان ممن عقل عن رسول الله وهو صغير ـ أنّه سمع عثمان بن مالك الأنصاري ،
وكان ممّن شهد بدرا ، أنّ رسول الله قال :
إنّ الله حرّم
النار على من قال : لا إله إلّا الله يبغي بها وجه الله ـ وكان الرسول في دار
عتبان ، فحدثها قوما فيهم أبو أيوب صاحب رسول الله ـ فأنكرها على (أبو أيّوب) وقال
: والله ما أظن رسول الله قد قال ما قلت!
وقد استدلت
المرجئة بهذا الحديث ونحوه على مذهبهم.
وردّت عائشة
حديث عمر ، وابن عمر :
«إنّ الميّت
يعذب ببكاء أهله عليه» فقالت :
إنكم لتحدثون
عن غير كاذبين ولكن السمع يخطىء ، والله ما حدّث رسول الله أنّ الله يعذّب المؤمن
ببكاء أهله عليه! وقالت :
حسبكم القرآن (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى.)
وفي رواية
أنّها لما سمعت أنّ ابن عمر يحدث بهذا الحديث قالت :
«وهل! إنّما
قال : إنه ليعذب بخطيئته ، وذنبه ، وإنّ أهله ليبكون عليه».
وفي رواية
ثالثة :
إنّه لم يكذب
ولكنّه نسي أو أخطأ وقالت مثل قوله (ابن عمر) :
إنّ رسول الله
قال على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال :
إنّهم ليسمعون
ما أقول. وقالت : إنما قال :
إنّهم الآن
يعلمون أنّ ما كنت أقوله لهم حق ، ثم قرأت :
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ
الْمَوْتى. وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) حين تبوّأوا مقاعدهم من النار. والحديثان في البخاري
ومسلم وغيرهما.
وردّت عائشة
كذلك حديث رؤية النبي لربّه ليلة الإسراء الذي رواه الشيخان عن عامر بن مسروق الذي
قال لعائشة : يا أمتاه : هل رأى محمد ربّه؟ فقالت :
__________________
لقد قفّ شعري
مما قلت! أين أنت من ثلاث؟ من حدثكم فقد كذب :
من حدثك أن
محمدا رأى ربّه فقد كذب ، ثم قرأت :
(لا تُدْرِكُهُ
الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.)
(وَما كانَ لِبَشَرٍ
أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ.)
ومن حدّثك أنّه
يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت :
(وَما تَدْرِي نَفْسٌ
ما ذا تَكْسِبُ غَداً.)
ومن حدثك أنّه
كتم شيئا فقد كذب ، ثم قرأت :
(يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ.)
وفي مسلم :
وكنت متكئا فجلست فقلت :
ألم يقل الله :
(وَلَقَدْ رَآهُ
نَزْلَةً أُخْرى.) فقالت :
أنا أوّل من
سأل رسول الله عن هذا فقلت يا رسول الله ، هل رأيت ربّك؟ فقال :
لا ، أنا رأيت
جبريل منهبطا. وفي حديث أبي ذر عن مسلم أنّه سأل النبي عن ذلك.
فقال : نور أنى
أراه ـ ولأحمد رأيت نورا.
وردّت خبر ابن
عمر وأبي هريرة :
إنّ الشؤم في
ثلاث ، فقال : إنّما كان رسول الله يحدث عن أحوال الجاهلية ، وذلك لمعارضته الأصل
القطعي من : «أنّ الأمر كلّه لله».
ولمّا بلغها
قول أبي الدرداء : من أدرك الصبح فلا وتر له. قالت :
__________________
لا ـ كذب ابو الدرداء ، كان النبي يصبح فيوتر ، ولمّا سمعت أنّ ابن عمر قال
:
اعتمر رسول
الله عمرة في رجب ، قضت عليه بالسهو ، وقالت عن أنس بن مالك ، وأبي سعيد الخدري :
ما علم أنس بن
مالك وأبي سعيد بحديث رسول الله ؛ وإنّما كانا غلامين صغيرين!
وكانت عائشة
ترد كلّ ما روي مخالفا للقرآن ـ وتحمل رواية الصادق من الصحابة على خطأ السمع ، أو
سوء الفهم : وكذب عمران ابن حصين سمرة في حديث أنّ للنبيّ سكتتين في الصلاة عند
قراءته.
والأمثلة على
ذلك كثيرة وقد أتينا في تاريخ أبي هريرة بطائفة من الأحاديث التي انتقدوه فيها ،
وردّوها عليه فراجعها هناك .
__________________
عدم تكفير القادح في أكابر الصّحابة
قال الشيخ محمد
الرّاغب :
الرابع من تلك
الأبحاث :
فقد كفّر
الروافض ، والخوارج بوجوه :
الأول : إنّ القدح في أكابر الصحابة الذين شهد لهم القرآن ،
والأحاديث الصحيحة بالتزكية ، والإيمان تكذيب للقرآن ، وللرسول عليهالسلام ، حيث أثنى عليهم ، وعظّمهم فيكون كفرا.
قلنا : لا ثناء
عليهم خاصة ، أي لا ثناء في القرآن على واحد من الصحابة بخصوصه ، وهؤلاء قد اعتقدوا
أنّ من قدحوا فيه ليس داخلا في الثناء العام الوارد فيه ، وإليه أشار بقوله :
ولا هم داخلون
فيهم عندهم ، فلا يكون قدحهم تكذيبا للقرآن.
وأمّا الأحاديث
الواردة في تزكية بعض معيّن من الصحابة ، والشهادة لهم بالجنّة ، فمن قبيل الآحاد
فلا يكفر المسلم بإنكارها.
__________________
أو نقول : ذلك
الثناء عليهم ، وتلك الشهادة مقيدان بشرط سلامة العاقبة ولم يوجد عندهم ، فلا يلزم
تكذيبهم للرسول.
الثاني : الإجماع منعقد من الأمة على تكفير من كفّر عظماء
الصّحابة ، وكلّ واحد من الفريقين يكفّر بعض أولئك العظماء فيكون كافرا؟!!
قلنا : هؤلاء ،
أي من كفّر جماعة مخصوصة من الصحابة ، لا يسلّمون كونهم من أكابر الصّحابة ،
وعظمائهم فلا يلزم كفره.
الثالث : قوله صلىاللهعليهوسلم : من قال لأخيه المسلم : يا كافر فقد باء به أي بالكفر
أحدهما.
قلنا : آحاد
وقد اجتمعت الأمة على أنّ إنكار الآحاد ليس كفرا .
هل يجوز تكفير المسلم في الشريعة الإسلامية
قال الله تعالى
في كتابه الكريم :
(وَلا تَقُولُوا
لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ...) النساء : ٩٤.
وقال ابن
الأثير : ومنه الحديث «من قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما». لأنه إمّا يصدق
عليه أو يكذب ، فإن صدق فهو كافر ، وإن كذب عاد إليه الكفر بتكفيره أخاه المسلم. (النهاية
في غريب الحديث والأثر : ٤ / ١٨٥ مادة كفر).
وقال ابن
القيّم : في طرق أهل البدع الموافقون على أصول
__________________
الإسلام ولكنّهم مختلفون في بعض الأصول كالخوارج ، والمعتزلة ، والقدرية ،
والرافضة .. فهؤلاء أقسام :
أحدها الجاهل
المقلّد الّذي لا بصيرة له فهذا لا يكفّر ، ولا يفسّق ، ولا ترد شهادته ... .
وقال الشيخ
محمد عبده : إنّ من أصول الدين الإسلامي : البعد عن التكفير ، وإنّ ممّا اشتهر بين
المسلمين ، وعرف من قواعد أحكام دينهم أنّه إذا صدر قول قائل يحتمل الكفر من مئة
وجه ، ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان ، ولا يجوز حمله على الكفر .
ونقل الشيخ محمّد
راغب : عن الإمام أبي حامد الغزالي عن كتابه (التفرقة بين الإسلام والزندقة) :
الوصيّة أن
تكفّ لسانك عن أهل القبلة ما أمكنك ما داموا قائلين : لا إله إلّا الله محمد رسول
الله غير مناقضين لها ، والمناقضة تجويزهم الكذب على الرّسول بعذر ، أو بغير عذر.
إنتهى .
وقال الإمام
الغزالي : وكيف يقال لمن امن بالله واليوم الآخر وعبد الله بالقول الّذي ينزّه به
، والعمل الّذي يقصد به المتعبّد لوجهه الّذي يستزيد به إيمانا ، ومعرفة له سبحانه
ثم يكرمه الله تعالى على ذلك بفؤاد المزيد ، وينيله ما شرف من المخ ، ويريه إعلام
الرضا ، ثم يكفّره أحد بغير شرع ، ولا قياس عليه ، والإيمان لا يخرج عنه إلّا
بنبذه واطّراحه ، وتركه ، واعتقاد ما لا يتّم الإيمان معه ، ولا يحصل بمقارنته .
__________________
وقال الشيخ
سليمان النجدي أخو محمد بن عبد الوهاب :
إجماع أهل
السنّة : إنّ من كان مقرّا بما جاء به الرّسول صلىاللهعليهوسلم ملتزما له إنّه وإن كان فيه خصلة من الكفر الأكبر ، أو
الشرك أن لا يكفّر حتّى تقام عليه الحجّة الّتي يكفّر تاركها ، وإنّ الحجّة لا
تقوم إلّا بالإجماع القطعي لا الظنّي ، وإنّ الّذي يقوّم الحجّة : الإمام ، أو
نائبه.
وإن الكفر لا
يكون إلّا بإنكار الضروريات من دين الإسلام كالوجود ، والوحدانيّة ، والرسالة ، أو
بإنكار الأمور الظاهرة كوجوب الصّلاة.
وإنّ المسلم
المقر بالرّسول إذا استند إلى نوع شبهة تخفى على مثله لا يكفّر ، وإنّ مذهب أهل
السنة والجماعة التحاشي عن تكفير من انتسب إلى الإسلام .
وقال الشيخ
محمد راغب :
قال صاحب «المواقف»
في آخر الكتاب :
ولا نكفّر أحدا
من أهل القبلة إلّا بما فيه نفي الصانع ، القادر ، العليم ، أو شرك ، أو إنكار ما
علم مجيئه صلىاللهعليهوسلم به ضرورة ، أو إنكار المجمع عليه كاستحلال المحرّمات.
قال السيد في
الشرح : التي أجمع على حرمتها فإنّ ذلك المجمع عليه ممّا علم ضرورة من الدين فذاك
ظاهر داخل فيما ذكره ، وإلّا فإن كان إجماعا ظنّيا فلا كفر بمخالفته ، وإن كان
قطعيّا ففيه خلاف.
قال في المواقف
:
وأما ما عداه ـ
أي ما عدا ما فيه نفي الصانع ، وما عطف عليه
__________________
فالقائل به مبتدع غير كافر.
وقال أبو الحسن
عليّ بن محمّد بن علي الحسيني الجرجاني الحنفي في شرحه :
فإن الشيخ أبا
الحسن قال في أوّل كتاب : «مقالات الإسلاميّين» :
اختلف المسلمون
بعد نبيّهم عليه الصلاة والسلام في أشياء : ضلّل بعضهم بعضا ، وتبرّأ بعضهم من بعض
، فصاروا فرقا متباينين إلّا أنّ الإسلام يجمعهم ، ويعمّهم فهذا مذهبه ، وعليه
أكثر أصحابنا وقد نقل عن الشافعي أنّه قال :
لا أردّ شهادة
أحد من أهل الأهواء ، إلّا الخطابيّة فإنّهم يعتقدون حلّ الكذب.
وحكى الحاكم
صاحب «المختصر» في كتاب : «المنتقى» عن أبي حنيفة (رض) أنّه لم يكفّر أحدا من أهل
القبلة .
وحكى أبو بكر
الرازي مثل ذلك عن الكرخي ، وغيره .
__________________
موقف النبي (ص) من الصّحابة يوم المحشر
أخرج ابن حجر
الهيثمي عن أبي الدرداء قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : لألفينّ ما توزعت أحدا منكم عند الحوض فأقول :
هذا من أصحابي
فيقول :
إنّك لا تدري
ما أحدثوا بعدك .
وعن أبي
الدرداء قال :
قلت يا رسول
الله بلغني أنّك تقول :
إن ناسا من
أمتي سيكفرون بعد إيمانهم قال : أجل يا أبا الدرداء؟ ولست منهم .
وأخرج الإمام
أحمد عن أبي بكرة قال :
قال رسول الله
ليردنّ الحوض عليّ رجال ممّن صحبني ، ورآني ،
__________________
فإذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولنّ أصحابي ، أصحابي فيقال :
إنّك لا تدري
ما أحدثوا بعدك .
وأخرج الإمام
أحمد عن أنس بن مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال :
ليردن الحوض
عليّ رجال حتى إذا رأيتهم رفعوا إليّ ، فاختلجوا دوني فلأقولنّ :
يا ربّ :
أصحابي ، أصحابي ، فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك .
وأخرج الإمام
أحمد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :
قام فينا رسول
الله صلىاللهعليهوسلم بموعظة فقال :
إنّكم محشورون
إلى الله تعالى حفاة ، عراة ، غزلا ، كما بدأنا أوّل خلق نعيده وعدا علينا إنّا
كنّا فاعلين.
فأوّل الخلايق
يكسى ابراهيم خليل الرّحمن عزوجل ، ثم يؤخذ بقوم منكم ذات الشمال.
قال ابن جعفر :
وإنه سيجاء
برجال من أمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول :
يا ربّ أصحابي
قال : فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح :
__________________
(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) الآية ، إلى (فَإِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
__________________
ما أحدثه الصحابة بعد الرسول (ص)
قال محمد بن
عمر الواقدي :
وكان طلحة بن عبيد
الله ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، يقولون :
صلّى رسول الله
صلىاللهعليهوسلم على قتلى أحد ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
أنا على هؤلاء
شهيد.
فقال أبو بكر
رضي الله عنه : يا رسول الله ، أليس إخواننا ؛ أسلموا كما أسلمنا ، وجاهدوا كما
جاهدنا؟ قال : بلى ، ولكن هؤلاء لم يأكلوا من أجورهم شيئا ، ولا أدري ما تحدثون
بعدي. فبكى أبو بكر وقال :
إنّا لكائنون
بعدك ؟
وأخرج البخاري
عن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال : لقيت البرّاء ابن عازب (رض) فقلت : طوبى لك ،
صحبت النبيّ صلّى الله عليه
__________________
وسلم ، وبايعته تحت الشجرة. فقال :
يا بن أخي ، لا
تدري ما أحدثنا بعده .
وقال العلّامة
الشيخ لطف الله الصافي دام ظلّه :
نعم : لو قال :
لقد رضي الله عن الذين بايعوك ، تشمل كلّ من بايعه كائنا من كان ، وإن شك في
إيمانه ، ولكن لا يجوز التمسك به فيمن شككنا في أصل بيعته ، كما لا يثبت إيمان من
شككنا في إيمانه بقوله : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ
عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.)
وهذا كلام متين
في غاية المتانة.
وأيضا هذه
الآية لا تدل على حسن خاتمة أمر جميع المبايعين المؤمنين. وإن فسق بعضهم ، أو
نافق. لأنّها لا تدل على أزيد من أنّ الله تعالى رضي عنهم ببيعتهم هذه ، أي قبل
عنهم هذه البيعة ، ويثيبهم عليها ، وهذا مشروط بعدم إحداث المانع من قبلهم.
والحاصل : إن
اتصاف الشخص بكونه مرضيّا لا يكون إلّا بعمله المرضيّ ، والعامل لا يتّصف بنفسه
بهذه الصفة ، فهذه الصفة تعرض على الشخص بواسطة عمله. فإذا صدر عنه الفعل الحسن ،
والعمل المرضي ، يوصف العامل بهذه الصفة أيضا ، ولا دلالة للآية على أنّ من رضي
الله عنه بواسطة عمله يكون مرضيّا طول عمره ، وإن صدرت منه المعاصي الموبقة بعد
ذلك ، ورضا الله تعالى عن أهل بيعة الحديبية ليس مستلزما لرضاه عنهم إلى الأبد.
والدليل على
ذلك قوله تعالى في هذه السورة في شأن أهل هذه البيعة ، وتعظيمها :
__________________
(إِنَّ الَّذِينَ
يُبايِعُونَكَ ، إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ ، يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ،
فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ
عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً.)
فلو لم يجز أن
يكون في المبايعين من ينكث بيعته ، وكان رضا الله عنهم مستلزما لرضاه عنهم إلى
الأبد لا فائدة لقوله :
(فَمَنْ نَكَثَ
فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ.)
وأيضا قد دلّت
آيات من القرآن ، وأحاديث صحيحة على وقوع غضب الله تعالى ، وسخطه على من يرتكب بعض
المعاصي ، ومع ذلك لم يقل أحد بأن هذا مانع من حسن إيمانه في المستقبل ، وذلك مثل
قوله تعالى في سورة الأنفال :
(وَمَنْ يُوَلِّهِمْ
يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى
فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ
الْمَصِيرُ.)
فإذا لم يكن
بوء شخص ، أو قوم إلى غضب الله مانعا من حسن حاله في المستقبل لم يكن رضاه أيضا
سببا لعدم صدور فسق ، أو كفر من العبد بعد ذلك.
والقول بدلالة
الآية على حسن حال المبايعين مطلقا ، وعدم تأثير صدور الفسق عنهم في ذلك مستلزم
للقول بوقوع التعارض بين هذه الآية ، وبين آية الأنفال المذكورة فيمن ولّى دبره عن
الجهاد من المبايعين لأنها أيضا تدلّ باطلاقها على سوء حال من يولّي دبره ، وعدم
تأثير صدور الحسنات في رفع ذلك.
والحديث الأول
صريح بأنّ حسن خاتمة مثل : أبى بكر من الصحابة المبايعين المهاجرين موقوف على ما
يحدث بعد الرّسول (ص).
هذا مختصر
الكلام حول مدلول الآية الكريمة.
وعليه : ليس
المستفاد منها أن أبا بكر وعمر لم يمحضا الإيمان.
نعم : لا يثبت
بها إيمان واحد معين من المبايعين على نحو التفصيل ، فلا يصح التمسك بها في إثبات
إيمان صحابي خاص ، وعدم نفاقه ، أو حسن إيمانه إذا شك فيه .
لعن الرسول (ص) لبعض الصحابة
قال برهان
الدين الحلبي : وفي رواية :
صار صلىاللهعليهوسلم يقول :
اللهم العن
فلانا ، وفلانا .
وأخرج البخاري
عن يحيى بن عبد الله السّلمي : أخبرنا معمر عن الزهري ، حدثني سالم عن أبيه أنّه
سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الأخيرة من الفجر
يقول :
اللهم العن
فلانا ، وفلانا ، وفلانا بعد ما يقول :
سمع الله لمن
حمده ، ربّنا ولك الحمد ، فأنزل الله :
(لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ) إلى قوله (فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ).
وقال السيوطي :
وأخرج أحمد ، والبخاري ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، والبيهقي في (الدلائل)
عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم أحد :
اللهم العن أبا
سفيان.
اللهم العن
الحرث بن هشام.
__________________
اللهم العن
سهيل بن عمرو.
واللهم العن
صفوان بن أميّة. ثم قال السيوطي :
وأخرج الترمذي
، وصححه ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عمر قال :
كان النبي صلىاللهعليهوسلم يدعو على أربعة نفر ... وكان يقول في صلاة الفجر :
اللهم العن
فلانا وفلانا ... .
وأخرج نصر بن
مزاحم المنقري عن عبد الغفار بن القاسم عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال :
أقبل أبو سفيان
ومعه معاوية فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«اللهم العن
التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالأقيعس».
فقال ابن
البراء لأبيه :
من الأقيعس ؟ قال معاوية .
وأخرج نصر عن
علي بن الأقمر في آخر حديثه قال :
فنظر رسول الله
إلى أبي سفيان وهو راكب ، ومعاوية وأخوه ،
__________________
أحدهما قائد والآخر سائق ، فلمّا نظر إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
«اللهم العن
القائد ، والسائق ، والراكب».
قلنا :
أنت سمعت رسول
الله صلىاللهعليهوسلم؟! قال : نعم ، وإلّا فصمّتا أذناي كما عميتا عيناي .
__________________
كلمة عامة
قال الشيخ أبو
رية رحمهالله :
ولا يفوتنا أن
نذكر هنا أن علماء الجرح والتعديل قد بذلوا جهدا كبيرا في تمحيص ما روي من أحاديث
رسول الله ممّا يستحقّون عليه الثناء الطيب ، والتقدير الحق.
بيد أنّهم على
فضلهم وتدقيقهم ، لم يبلغوا الغاية من عملهم ، إذ لا تزال كتب الحديث تحمل الكثير
من الأحاديث المشكلة ، أو التي يبدو عليها الوضع ، ولم يكن ذلك عن تقصير منهم ـ رحمهمالله ـ لأنهم قد بذلوا كل طاقتهم في عملهم ، وإنّما كان ذلك لأمر فوق قدرتهم
البشريّة ، ذلك بأن حكمهم على الرجال إنّما كان (لظاهر أحوالهم) وما وصل إلى علمهم
من أخبارهم ، أما بواطنهم ، ودخائل نفوسهم ، ومطويّات ضمائرهم ، فهذا أمر من وراء
إدراكهم لا يطلع عليه إلّا علام الغيوب ، وربّ رجل حسن السمت ، طيب المظهر ، إذا
كشف عن دخيلته تبيّن لك سوء مخبره ، وهذا أمر لا يمتري فيه أحد ، وقد تكلم فيه
العلماء المحققون.
قال مجتهد
اليمن الوزير اليماني في (الروض الباسم) : ١ / ١٥١) :
إن الإجماع
منعقد على الاعتبار بالظاهر دون الباطن ، ومن نجم نفاقه ، وظهر كفره يترك حديثه
ومن (ظهر إسلامه) وأمانته ، وصدقه قبل ، وإن كان في الباطن خلاف ما ظهر منه ، فقد
عملنا بما وجب علينا ، وبذلنا في طلب الحق جهدنا ، وقد كان رسول الله يعمل بالظاهر
، ويتبرّأ من علم الباطن ، وإلى ذلك الإشارة في هذه الآية بقوله : (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) أي إنه (ص) لم يكن يعلم المنافقين وذلك في الآية من سورة التوبة ونصّها :
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ
مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ ، وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفاقِ ، لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ، سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ
ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ).
كلمة قيّمة للدكتور طه حسين
قال العلّامة
الشيخ محمود أبو ريّة :
وقال الدكتور
طه حسين في كلمة قيّمة قرّظ فيها كتابنا «الأضواء» وهو يذكر ما بذله رجال
الجرح والتعديل :
وقد فطن المحدّثون
القدماء لهذا كلّه ، واجتهدوا ما استطاعوا في التماس الصحيح من الحديث وتنقيته عن
كذب الكذابين ، وتكليف المتكلفين. وكانت طريقتهم في هذا الاجتهاد إنّما هي الدرس
لحياة الرجال الذين نقلوا الحديث جيلا بعد جيل حتى تم تدوينه فكانوا يتتبّعون كل
واحد من هؤلاء الرجال ، ويتحقّقون من أنّه كان نقيّ السيرة صادق الإيمان بالله
ورسوله. شديد الحرص على الصدق في حديثه كله ، وفي
__________________
حديثه عن النبي خاصة ، وهو جهد محمود خصب بذله المتقون من علماء الحديث
وأخلصوا فيه ما وجدوا إلى الإخلاص سبيلا. ولكن هذا الجهد على شدته ، وخصبه لم يكن
كافيا ، فمن أعسر الأشياء وأشدّها تعقيدا ، أن تتبع حياة الناس والبحث ، والفحص ،
والتنقيب عن دقائقها ، فمن الممكن أن تبحث وتنقب دون أن تصل إلى حقائق الناس ،
ودقائق أسرارهم ، وما تضمر قلوبهم في أعماقها ، وما يمعنون في الاستخفاء به من
ألوان الضعف في نفوسهم ، وفي سيرتهم أيضا.
ولم يكن بد إلى
أن يضاف إلى هذا الجهد جهد آخر ، وهو درس النّص نفسه. فقد يكون الرجل صادقا مأمونا
في ظاهر أمره بحيث يقبل القضاة شهادته إذا شهد عندهم ، ولكن الله وحده هو الّذي
اختصّ بعلم السرائر ، وما تخفيه القلوب ، وتستره الضمائر ، وقد يكون الرجال الذين
روى عنهم حديثه صادقين مأمونين مثله يقبل القضاة شهادتهم إن شهدوا عندهم. ولكن
سرائرهم مدخولة يخفى دخائلها على الناس ، فلا بد إذن من أن نتعمق في نصّ الحديث
الذي يرويه عن أمثاله من العدول ، لنرى مقدار موافقته للقرآن الّذي لا يتطرّق إليه
الشك ، ولا يبلغه الريب من أيّ جهة من جهاته ، لأنّه لم يصل إلينا من طريق الرواة
أفرادا ، أو جماعات ، وإنّما تناقلته أجيال الأمة الإسلامية مجمعة على نقله في
صورته التي نعرفها.
وهذه الأجيال
لم تنقله بالذاكرة ، وإنّما تناقلته مكتوبا ، كتب في أيام النبي نفسه ، وجمع في
خلافة أبي بكر ، وسجّل في المصاحف ، وأرسل إلى الأقاليم في خلافة عثمان ، فاجتمعت
فيه الرواية المكتوبة ، والرواية المحفوظة في الذاكرة ، وتطابقت كلتا الروايتين
دائما ، فلا معنى للشك ، في نص من نصوص القرآن لأنّها وصلت إلينا عن طريق لا يقبل
فيها الشك.
وإنا إذ نسوق
ما سقناه من عرض الحقائق على وجهها ، وإظهار وقائع التاريخ بعد تمحيصها ، لا نقصد
وايم الله أن ننال أحدا بسوء من عندنا ، وإنّما لنبيّن في غير حرج أمر الصحابة على
حقيقته ، وأنّهم أناس من الناس فيهم البّر والآثم ، والصادق وغير الصادق ، وأنّهم
كانوا يعيشون في الحياة ويستمتعون بها كما يعيش الناس. ويستمتعون ، وهذا كلّه لا
يضرّ الإسلام في شيء وإنّ ضياءه ليشرق من كتابه العظيم على الناس إلى يوم الدين.
وقال العلّامة
الكبير السيّد هاشم معروف الحسني تحت عنوان : عدالة الصحابة :
وإلى جانب
التصوف ، والإرجاء ، والجبر برز في مطلع العهد الأموي سلاح آخر لعلّ أثره على
العقول ، والقلوب ، والأفكار ، ومساندة الحكم الأموي لا يقل عن آثار الأسلحة
الثلاثة ، ذلك السلاح هو عدالة الصحابة.
لقد برزت هذه
الفكرة في مطلع العهد الأموي بعد أن أكلت الحروب الكثير منهم ومات أكثر الباقين
بآجالهم.
وكان من
الطبيعي بعد ذلك التاريخ الذي تركه الأمويّون الملوّث بالشرك والجرائم ، والذي كان
ماثلا لدى الجميع أن يحاولوا استبدال تلك الصورة الكريهة العالقة في الأذهان عنهم
نتيجة لمواقعهم المعادية للإسلام حتى بعد أن دخلوا فيه مكرهين ، كان من الطبيعي أن
يحاولوا استبدال تلك الصورة بصورة تتناسب مع مراكزهم التي تسنّموها باسم الإسلام
فوضعوا فكرة العدالة لجميع من عاصر الرسول من المسلمين حتى ولو لم يره ، أو يسمع
منه شيئا ، وتوسع بعضهم فيها وأثبتها لكل من ولد في عصر الرسول ، وما دام ابو
هريرة ، وزملاؤه من الوضاعين في
تصرّفهم ، فمن السهل عليهم أن يحصلوا على عشرات الأحاديث التي تدعمها.
وظلّت فكرة
العدالة لجميع الصحابة التي تتسع للامويين وعلى رأسهم أبو سفيان والحكم ، طريد
رسول الله (ص) ، تسير وتتفاعل حتى أصبحت وكأنّها من الضرورات عند السنة وحكامهم في
عصر الصراع العقائدي ، لأنّها تخدم مصالحهم ومبادئهم التي اعتمدوها في سيرة
الخلافة ، ومواقفهم المعادية لأهل البيت عليهمالسلام. ولم يكن الصحابة أنفسهم يتصوّرون بأنّ الغلوّ بهم
سينتهي إلى هذه النتيجة ، وتكون لهم تلك الهالة التي استخدمها معاوية لخدمة
الجاهلية التي تجسّدت في البيت الأموي ، ذلك البيت الذي ظل يحارب الإسلام منذ أن
بزغ فجره وحتى اللحظات الأخيرة من حكمهم.
عدالة الصحابة
وتعني عدالة
الصحابة فيما تعنيه ، أنّ كلّ من عاصر الرسول ، أو ولد في عصره لا يجوز عليه الكذب
والتزوير ، ولا يجوز تجريحه ، ولو قتل آلاف الأبرياء ، وفعل جميع المنكرات ، وعلى
أساس ذلك فجميع الطبقة الأولى من الأمويين كأبي سفيان وأولاده ، وعثمان بن عفان
وحاشيته ، وجميع المروانيّين بما فيهم طريد رسول الله الوزغ وأولاده الأوزاغ ،
والمغيرة بن شعبة ، وسمرة بن جندب وزياد بن سميّة ، وعمرو ابن العاص ، وولده عبد
الله الذي كان في حدود العاشرة من عمره حين وفاة النبي صلىاللهعليهوآله ، ومع ذلك فقد نسبوا إليه مجموعة من الأحاديث كتبها على
النبي في صحيفة يسمّونها الصادقة ، فجميع هؤلاء الذين هم من أشدّ النّاس عداوة
للإسلام ، ولله ورسوله من العدول ، ومرويّاتهم من نوع الصحاح حتّى ولو كانت في
تجريح عليّ وأهل البيت
وفي التقريظ ، والتقديس لعبد الرحمن بن ملجم.
وكلّ ما رووه
وما لفّقوه في فضل الصحابة الأوائل ، وفضل الأمويين ، ومعاوية ، والشام ، وما إلى
ذلك من آلاف الرويات التي كانت تنتجها مصانع أبي هريرة من عشرات الرّواة الذين
استعملهم معاوية للدّس ، والكذب ، وتشويه الإسلام.
هذه المرويّات
يجب قبولها ، ولا يجوز ردّها لأنّ رواتها من العدول ، والعادل لا يتعمد الكذب ،
والذين اتبعوا معاوية وسايروه طيلة ثلاثين عاما من حكمه ، هؤلاء كانوا على الحق
والهدى ، وحتى الّذين سمّوا الحسن بن علي ، وقتلوا الحسين ، وأصحابه وفعلوا ما
فعلوا من الجرائم في الكوفة وغيرها ، كانوا محقّين أيضا ، ومن المهتدين ، لأنّ
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال على حدّ زعمهم :
أصحابي كالنجوم
بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، ومن هو أولى بالاقتداء به من معاوية الذي كان الوحي
كلما نزل على النبي يتفقده ويسلّم عليه ، ويوصي به ، كما تدعيه مرويّات تلك الطغمة
من أنصاره إلى كثير من أمثال هذه الأحاديث التي أفرزتها مصانع أبي هريرة ، وابن
العاص ، وابن جندب ، وكعب الأحبار وغيرهم ، في معاوية ، وبني أمية ، ومن سبقهم من
الخلفاء ، وغير ذلك ، واختلطت بين الصحيح من حديث الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولو لا
المخلصون من أهل البيت ، وشيعتهم ، وقليل غيرهم من بقية المحدّثين ، لفقدت السنة
أبرز سماتها ، وانطمست معالمها ، وكنوزها ، بسبب ما أدخلوه عليها من التحريف
والبدع ، والمفتريات.
__________________
لقد كان
الصحابة يفسّق بعضهم بعضا ، ويشتم بعضهم بعضا ، واتفق أكثرهم على ضلال عثمان وحاشيته ، وأنصاره ، واستحلال دمه.
وكان طلحة ،
والزبير ، وعائشة ، من أكثر النّاس تحريضا عليه ، وبلغ الحال بعائشة أن كفّرته ،
واستعارت له اسما ليهودي كان من أقذر أهل المدينة ، يسمونه نعثلا ، وقالت أكثر من
مرّة :
«اقتلوا نعثلا
فقد كفر» ، وأخذت بيدها قميصا كان لرسول الله (ص) وقالت :
«هذا قميص رسول
الله لم يبل ، وقد أبلى عثمان سنّته!».
وبعد مصرع
عثمان على يد المهاجرين والأنصار تحريضا ومباشرة من الوفود التي زحفت من مختلف
الأمصار ، اتجهت تلك الوفود الزاحفة من مختلف الجهات ، وجميع المهاجرين والأنصار
إلى علي عليهالسلام ، وانضمّت تحت لوائه ، وأكثر المهاجرين وجدوا أنّهم قد
حقّقوا بهذه البيعة وصية رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأعزّ أمانيه ، وإن جاءت متأخرة عن وقتها ، وراحوا
ينتظرون فجرا جديدا مشرقا بتعاليم الإسلام ومبادئه ، وعدالته.
واتجه الفريق
الّذي اشترك في قتل عثمان ، وكان من أشد النّاس تحريضا عليه من الصحابة ، إلى حرب
الخليفة الشرعي الّذي تمّت خلافته بالإجماع والاختيار ، وبكلّ الشروط الّتي وضعوها
للخلافة في عصر الصراع العقائدي الّذي وضعوا فيه الشروط للخلافة الإسلامية لتصحيح
خلافة الذين تقمّصوها بعد وفاة الرسول عليهالسلام.
وبعد أن بذل
لهم إمام الهدى جميع الوسائل ليرجعوا عن غيّهم
__________________
وضلالهم ، فلم يسمعوا له قولا ، ولا رعوا له وللأبرياء حرمة. وكانت المعركة
لغير صالحهم كما هو المعلوم من حالها ، واتّجه بعدهم معاوية لحربه في أهل الشام ،
ومعه فريق ممّن يسمونهم الصحابة حسب التحديدات التي وضعوها للصحبة ، لتستقطب أولئك
المأجورين ، الذين كانوا يسيرون في ركابهم ، ويتمرّغون على أعتابهم ، لقاء مبالغ
من أموال الأمة ، وضعها ابن هند في تصرّفهم ، ليضعوا له الحديث في انتقاص عليّ
وذويه (ع) ، وفضل الأمويين والسائرين في ركابهم ، وكانت مصانع أبي هريرة ، وكعب
الأحبار ، وسمرة بن جندب ، وابن العاص ، وولده عبد الله تنتج لهم ما يشاؤون ،
ويشتهون من مختلف الألوان ، ولعلّ أبا هريرة ، وابن جندب ، وكعب الأحبار كانوا من
أبرز المقرّبين لمعاوية في صنع الحديث من بين من أسموهم بالصحابة.
وجاءت الطبقة
الثانية وعلى رأسها عروة بن الزبير ، ومحمد بن شهاب الزهري ، وغيرهم من عشرات
الرواة ، والمحدّثين الذين اعتمدوا مصانع الطبقة الأولى ، ومضوا على نفس الطريق
الذي يخدم مصالح أصحاب القصور وأهدافهم ، متسترين بقداسة الصحابة وعدالتهم ، وبما
أنتجته مصانع أبي هريرة ، وكعب الأحبار ، وسمرة بن جندب ، وابن العاص ، وولده عبد
الله الّذي اشتملت مرويّاته عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو يوم وفاته لم يتجاوز سن الطفولة ، فيما اشتملت
عليه ، صحيفة عرفت في أوساطهم بالصحيفة الصادقة ، كما ذكرنا.
وظلّت تلك
الأحاديث إلى جانب المرويّات الصحيحة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، من أشدّ الأسلحة فتكا بيد الحاكمين أعداء الإسلام
الذين تستّروا به ، ليطعنوه من الداخل بتلك الأسلحة التي وفّرها لهم عدول الصحابة!
وفي الوقت ذاته لإضفاء الشرعية على حكمهم الذي استمرّ قرابة قرن من الزمن.
وقد روى ابن
عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم كما جاء في شرح النهج
للمعتزلي :
«إنّ أكثر
الأحاديث في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أميّة تقربا إليهم بما يظنّون
أنّهم يزغمون أنوف بني هاشم».
ومع أن تلك
الأحاديث قد صنعها الوضاعون لمصلحة المروانيّين والعثمانيّين ، وأبي سفيان ، وولده
معاوية ، وأنصاره ، فقد صاغوها بأسلوب يجعل من كل صحابي قدوة صالحة لأهل الأرض ،
وتصبّ اللعنات على كل من سبّ أحدا منهم ، أو اتهمه بسوء كما جاء فيما رووه عن أنس
بن مالك أنّ النبي (ص) قال : «من سبّ أحدا من أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين!!».
ومن عابهم ، أو
انتقصهم فلا تؤاكلوه ، ولا تشاربوه ، ولا تصلوا عليه .
مع أنّها جاءت
بهذا الأسلوب ، ولم تفرّق بين صحابي ، وصحابي ، فقد فرض معاوية سبّ عليّ عليهالسلام ، وانتقاصه في جميع المقاطعات التي كانت تخضع لحكمه بما
في ذلك الكوفة ، وجهاتها التي تجرّعت كل أنواع الأذى ، والظلم لكثرة الموالين فيها
لعليّ وولده عليهمالسلام الذّين تعرّضوا للقتل والحبس ، والتشريد ، وكان يقول في
جواب ناصحيه من أنصاره ، الّذين كانوا يرون أنّ هذا الأسلوب من السياسة الخرقاء ،
يخدم عليّا وشيعته أكثر ممّا يسيء إليهم :
«والله لا أدع
سبّه وشتمه حتى يهرم عليه الكبير ، ويشبّ عليه الصغير!».
وقد بذل
للصحابي أبي سمرة بن جندب خمسمئة ألف درهم
__________________
ليروي له عن
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن الآية :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي
قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ* وَإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الْأَرْضِ
لِيُفْسِدَ فِيها ، وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ ، وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ
الْفَسادَ) نزلت في عليّ بن أبي طالب.
وأنّ الآية :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ). نزلت في عبد الرحمن بن ملجم لأنّه قتل عليّا عليهالسلام ، إلى غير ذلك من الموضوعات التي كان يبذل لصانعيها
بسخاء لا حدود له ، مع أنّه فعل ذلك بإجماع المؤرخين فقد بقى من عدول الصحابة كما
بقيت منتجات مصانع الوضاعين ، ممّن كانوا يتمرّغون على أعتاب قصر الحمراء ، وغيره
من قصور الحاكمين ، التي كانت تعجّ بالفساد ، والظلم ، والمنكرات ، إلى جانب غيرها
من مرويّات الثقاة عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن صحاحها ، لأنّها من صنع الصحابة ، والصحابة كلّهم
من العدول ، ومن سبّهم أو انتقصهم فعليه لعنة الله ، ولم يستثن منهم سوى عليّ عليهالسلام ، ومن وقف إلى جانبه من صحابة الرّسول الأوفياء لرسالة
الإسلام وتعاليمه ، فهؤلاء بنظر معاوية وزبانيته ، كانوا يسعون في الأرض ليفسدوا
فيها ، ويهلكوا الحرث ، والنّسل والله لا يحب الفساد!!
لقد بقيت إلى
جانب غيرها من مرويّات عدول الصحابة مرجعا للجمهور في التشريع وغيره على اختلاف
مذاهبهم ، ونزعاتهم الفقهيّة ،
__________________
وعلى أساس ذلك غلب عليهم اسم السنة في مقابل الشيعة الذين رجعوا إلى الأئمة
من أهل البيت (ع) وإلى ما رواه ثقاة الصحابة عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالإضافة إلى كتاب الله في جميع ما جاء به الإسلام من
أصول وفروع ، وتشريعات ، ولم يعرف الجمهور بهذا الوصف قبل أواخر القرن الأوّل ،
وبهذا الاعتبار يمكن اعتبار التسنّن من الأحداث الطارئة ، وبخاصة عند ما نلاحظ أنّ
مفهوم السّنة خلال تلك الفترة من تاريخ المسلمين قد أصبح أوسع ممّا كان عليه في
عهد الصحابة ، والطبقة الأولى من التابعين ، فبعد أن كان عند أوائلهم لا يتجاوز
أقوال الرسول ، وأفعاله وكانوا يلاحقون الراوي للتأكد من صدقه وبعضهم يستحلفه ،
ويتجنّب أكثرهم مرويات أبي هريرة ، وكعب الأحبار ، وأمثالهما ممّن كانوا لا
يتورّعون عن الكذب ، والافتراء ، على الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم بالرّغم من أنّ درّة ابن الخطاب كانت لهم بالمرصاد.
فبعد أن كانت
لا تتعدّى أقوال الرسول ، وأفعاله عند متقدّمي الصحابة ، أصبحت في العصور التي
تعدّدت فيها المذاهب ، وتوزعت في العواصم ، وبقيّة الأقطار بنظر العلماء ، وأئمة
المذاهب تتّسع لرأي الصحابي ، وفتواه إذا لم يجدوا نصّا على حكم الواقعة في كتاب
الله ، وسنّة الرسول ، وأصبحت آراء الصحابة في أحكام الحوادث التي كانت تعرض عليهم
المصدر الثالث من مصادر التشريع بعد كتاب الله ، وسنّة رسوله ، ولعلّ أئمة المذاهب
الثلاثة وعلماءهم الأحناف والمالكية ، والحنابلة ، أكثر تعصّبا لآراء الصحابة ،
واجتهاداتهم من الشوافع كما يبدو ذلك من تصريحاتهم ، ومجاميعهم الفقهيّة ، ومع أنّ
أبا حنيفة كان متحمّسا للقياس ، ويراه من أفضل المصادر بعد كتاب الله ، كان يقدم
رأي الصحابة عليه إذا تعارضا في مورد من الموارد .
__________________
وجاء عنه أنّه
كان يقول :
إن لم أجد في
كتاب الله ، ولا في سنّة رسوله ، أخذت بقول أصحابه ، فإن اختلفت آراؤهم في حكم
الواقعة آخذ بقول من شئت ، وأدع من شئت ، ولا أخرج من قولهم إلى قول غيرهم من
التابعين .
وجاء في (أعلام
الموقعين) لابن القيم :
إنّ أصول
الأحكام عند الإمام أحمد خمسة : الأول : النص ، الثاني : فتوى الصحابة وإنّ
الأحناف والحنابلة قد ذهبوا إلى تخصيص الكتاب بعمل الصحابي ، لأن الصحابي العالم
لا يترك العمل بعموم الكتاب إلّا لدليل ، فيكون عمله على خلاف عموم الكتاب ، دليلا
على التخصيص ، وقوله بمنزلة عمله .
وما أبعد ما
بين هؤلاء ، وبين القائلين بعدم جواز الاعتماد على السنة في مقام التشريع إلّا إذا
تأيّدت بآية من القرآن لأن فيه تبيان كل شيء ، وقد نزل بلغة العرب ، وبأسلوب يفهمه
كل عربي ، وذلك لأنّ السنة رواها عن الرسول جماعة يجوز عليهم الخطأ ، والكذب ،
وكانوا لا يقبلون مرويات بعضهم أحيانا ، ويعمل كلّ منهم بما يوحيه إليه اجتهاده ،
وقد تراشقوا بأسوأ التّهم ، واستحلّ بعضهم دماء البعض الآخر .
ومهما كان
الحال فأقوال الصحابة ، وآراؤهم ، واجتهاداتهم كانت من أبرز أصول التشريع عند
الجمهور بعد كتاب الله. وفي الوقت ذاته يخصّصون بها عموماته ويقيدون بها مطلقاته ،
وكأنّها من وحي السماء
__________________
الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومن المعلوم
أنّ هذا الغلوّ في تقديس الصحابة الّذي لا يختلف عن العصمة في شيء ، ويتسّع
للمنافقين منهم وحتّى للمشركين ممّن أرغموا على التظاهر بالإسلام كأبي سفيان ،
وولده معاوية ، والمروانيّين وغيرهم ممّن كانوا يكيدون للإسلام ويعملون لإحياء مظاهر
الجاهلية التي حاربوا من أجلها نحوا من عشرين عاما أو تزيد.
هذا الغلوّ في
تقديس الصحابة قد تحوّل في الفترة التي ظهرت فيها المذاهب الفقهيّة لمحاربة التشيع
لأئمة أهل البيت في فقههم ، وأصولهم وجميع تعاليمهم التي تجسد الإسلام في جميع
مراحله وفصوله كما ورثوه عن جدّهم أمير المؤمنين عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم الذي سماه باب مدينة العلم في حديث رواه محدّثوا السّنة
في صحاحهم جاء فيه أنّه قال :
«أنا مدينة
العلم وعليّ بابها ألا ومن أراد المدينة فليأت الباب».
وكان الأئمة عليهمالسلام يقولون :
«إنّا إذا
حدّثنا لا نحدّث إلّا بما يوافق كتاب الله ، وكلّ حديث ينسب إلينا لا يوافق كتاب
الله ، فاطرحوه» ، كما كان الإمام الصادق يقول :
«حديثي حديث
أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث رسول الله ، وحديث رسول الله قول
الله».
لم يكتف
الحاكمون ، وأئمة المذاهب الذين كانوا يسيرون في ركابهم ويباركون جميع تصرّفاتهم
بثوب العدالة الذي ألبسوه حتى لمنافقي الصحابة ومشركيهم حتى جعلوا لأقوالهم ،
واجتهاداتهم ، نفس القداسة التي جعلها الله لأقوال رسوله وأحاديثه لا لشيء إلّا
لأنّ الشيعة يقدّسون أقوال الأئمة من حيث إنّها تجسد أقوال الرسول ، وما جاء به من
عند الله ، ويقفون عندها كما يقفون عند المرويات الصحيحة عن الرسول ، وإذا
لم يجد أهل السنة للصحابة قولا ، أو رأيا فيما يعرض لهم من الحوادث يرجعون إلى
القياس ، والاستحسان ، والاستصلاح ، والمصالح المرسلة ، وقد أنهى الأستاذ عبد
الوهاب الخلاف في كتابه : مصادر التشريع وأدلّة الأحكام عند فقهاء السنة الأوائل ،
إلى تسعة عشر دليلا وعدّ منها بالإضافة إلى ما ذكرناه الأخذ بالأخف ، وسد الذرائع
، والعوائد وغير ذلك ممّا لم يرد في كتاب ، أو سنة ، ولا يعتمد على غير الاجتهاد
المبني على الحدس ، والظن ، اللّذين لا يغنيان عن الحق شيئا ، ولم يرجعوا إلى
الإمامين : الباقر ، والصادق اللّذين أسّسا مدرسة الفقه ، والفلسفة ، واجتمع إليها
أكثر من أربعة آلاف طالب من مختلف الأقطار ، وكان التشريع الإسلامي من أبرز ما
أنتجته تلك الجامعة التي غلب عليها الطابع الروحي ولم يستطع الحكام أن يتدخلوا في
شيء من شؤونها ، وأنهم لم ينقلوا مرويّات الشيعة عن الرّسول وغيره ، ويشترطون في
الراوي أن لا يكون شيعيا ، وعند أكثرهم يشترط فيه بالإضافة إلى ذلك أن لا يكون
متّهما بالتشيّع ، لأنّ التشيّع والوثاقة لا يجتمعان!!
ولمّا وثق يحيى
بن معين سعيدا بن خالد البجلي ، قيل له إنّ سعيدا يدين بالتشيّع فقال عند ذلك :
وشيعيّ ثقة! مستغربا أن تجتمع هاتان الصفتان في واحد من البشر ، ولم يستغرب عدالة
معاوية ، والحكم طريد رسول الله ، وأبناء الأوزاغ ، وسمرة بن جندب ، وأمثاله من
المنافقين ، والمشركين لأنّهم من الصحابة ، والصحابة كالنّجوم بأيّهم اقتدى
الإنسان يهتدي كما نسب الوضّاعون إلى الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم هذا.
في حين أنّ
الشيعة يأخذون برواية الراوي إذا كان ثقة ، ومستقيما في دينه مهما كان مذهبه ، ولا
يشترطون في الراوي أكثر من ذلك كما
تؤكد ذلك مجاميعهم التي وضعوها في أحوال الرواية ، والرواة .
من غرائب كتاب مسلم!
وقال المرحوم
الشيخ محمود أبو ريه طاب ثراه تحت هذا العنوان :
لكي يدرأوا
التهم عن بعض الصحابة الذين فتنتهم الدنيا أوردوا حديثا يقول :
«أصحابي
كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم».
وهذا الحديث لا
أصل له ، ولهذا الحديث قصة جرت بيني وبين الناصبي محب الدين الخطيب فإنّه عند ما ظهر كتابي : «الأضواء»
واطلع فيه على فصل عدالة الصحابة قابلني غاضبا وقال :
كيف تذكر ذلك
بعد أن قال فيهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «أصحابي كالنجوم ـ الحديث».
فقلت له : إنّك
قد أوردت هذا الحديث في تعليقاتك على كتاب «المنتقى» للذهبي ص ٧١ على أنّه صحيح
وقد طعنوا فيه ومن كبار الطاعنين ابن تيميّة فاشتدّ غضبه وقال :
في أيّ موضع
هذا الطعن؟ فقلت له : في نفس كتابك «المنتقى»! فكاد يتميّز من الغيظ وقال :
في أيّ صفحة ،
قلت له : في صفحة ٥٥١ وفيها يقول ابن تيميّه :
__________________
«وحديث أصحابي
كالنجوم» ضعّفه أئمة الحديث فلا حجة فيه».
وما كاد يقرأ
هذا الكلام الّذي أثبته هو بنفسه في كتاب حقّقه ونشره بين الناس ، حتّى بهت واصفر
وجهه. وقد قلت له قبل أن أغادر مجلسه :
إنّ كتاب «المنتقى»
هذا سيسجّل عليك هذا الجهل ، وهذه الوصمة إلى يوم القيامة!!
وبمناسبة
التشيع لمعاوية ، والتقرب إليه برواية أحاديث مكذوبة على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ترفع من شأنه ، نسوق إليك حديثا رواه مسلم في صحيحه!!
معناه :
إنّ أبا سفيان
بن حرب طلب من النبي صلىاللهعليهوسلم أن يزوجه ابنته أم حبيبة ، وأن يجعل معاوية كاتبا بين
يديه إلخ الحديث ، وقد ذكر أئمة الحديث :
أن هذا الحديث
باطل بالإجماع لأنّ أبا سفيان قد دخل في الإسلام يوم فتح مكة بالإجماع.
أمّا ابنته أم
حبيبة واسمها : رملة ، قد أسلمت قبل الهجرة ، وحسن إسلامها ، وكانت ممّن هاجر إلى
الحبشة هربا من أبيها ، وقد تزوّجها رسول الله وأبوها كافر ، ولمّا بلغه هذا
الزواج قال كلمته المشهورة :
«ذلك الفحل لا
يجدع أنفه» ص ١٦ من تفسير سورة الإخلاص لشيخ الحنابلة ابن تيميّة ، والذي يلقّب
عند الجمهور بشيخ الإسلام .
__________________
موالاة الشيعة للصحابة
والشيعة يوالون
أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة الدين ، وجاهدوا
بأنفسهم ، وأموالهم.
وإن الدعاء
الذي تردده الشيعة لأصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم لهو دليل قاطع على حسن الولاء ، وإخلاص المودة.
نعم : إنّ
الشيعة ليدعون الله لأتباع الرّسل عامة ، ولأصحاب محمد صلىاللهعليهوآله خاصة بما ورثوه من أئمتهم الطاهرين.
ومن أشهر
الأدعية هو : دعاء زين العابدين عليهالسلام في صحيفته المعروفة بزبور آل محمد الّذي يقول فيه :
«اللهم وأتباع
الرّسل ومصدّقوهم من أهل الأرض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب ،
والأشتياق إلى المرسلين ، بحقايق الإيمان في كلّ دهر وزمان ، أرسلت فيه رسولا ،
وأقمت لأهله دليلا ، من لدن آدم إلى محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم من أئمة الهدى ، وقادة أهل التقى على جميعهم السلام.
وأصحاب محمّد
خاصة ، الذين أحسنوا الصحبة ، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره ، وكاتفوه ،
وأسرعوا إلى وفادته ، وسابقوا إلى دعوته ، واستجابوا له ، حيث أسمعهم حجة رسالاته
، وفارقوا الأزواج ، والأولاد في إظهار كلمته ، وقاتلوا الآباء ، والأبناء في
تثبيت نبوّته ، والذين هجّرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته ، وانتفت منهم القرابات
إذ سكنوا في ظلّ قرابته.
اللهم ما تركوا
لك ، وفيك ، وأرضهم من رضوانك وبما حاشوا الحق عليك وكانوا من ذلك لك واليك ،
واشكرهم على هجرتهم فيك ديارهم ، وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه ...».
هؤلاء هم أصحاب
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين تعظّمهم شيعة آل محمد (ص) ويدينون بموالاتهم ،
ويأخذون تعاليم الإسلام فيما صحّ وروده عنهم.
ولكن التلاعب
السياسي ، واحتدام النزاع بين الطوائف خلق كثيرا من المشاكل في عصور قامت بها فئات
لإثارة الفتن حبّا للسيطرة ، وطمعا في النفوذ من باب فرّق تسد.
***
وصفوة القول إن
عصور التلاعب بالمبادىء ، والتطاحن حول بغية ذوي الأطماع قد ولت ، ونحن في عصرنا
الحاضر عصر انطلاق الفكر من عقاله والتقدّم ، والرقي.
أيصحّ لنا أن
نستمرّ على ضرب وتر العصبيّة ، ونطرب لنغمات النزعة الطائفيّة ، ونكرع بكأس الشذوذ
عن الواقع ، ونهمل ما يجب علينا من مكافحة خصوم الإسلام ، وأعدائه ، فقد وجّهوا
إلينا سيلا جارفا من الآراء الهدّامة ، والمبادىء الفاسدة.
أليس من الذوق
السليم الترفع عن التعبير بتلك العبارات التي اتّخذها ضعفاء العقول ، وأهل الجمود
الفكري عند ما يكتبون عن الشيعة فينبزونهم بكلّ عظيمة.
أليس من الحق
أن يتبيّنوا من صحة ما يقولون؟.
وإنّ اتهام
الشيعة بسبّ الصحابة ، وتكفيرهم أجمع إنّما هو اتهام بالباطل ، ورجم بالغيب ،
وخضوع للعصبيّة ، وتسليم لنزعة الطائفية ، وجري وراء الأوهام ، والأباطيل .
__________________
من هو الصحابي؟
علينا قبل أن
نتكلّم عن عدالة الصحابة : أن نبيّن من هو الصحابي كما عرفوه ، وأوفى تعريف له عند
الجمهور ما ذكره البخاري :
قال البخاري في
كتابه :
«من صحب النبيّ
صلىاللهعليهوسلم أو رآه من المسلمين فهو صحابي!» .
وقد شرح ابن
حجر العسقلاني تعريف البخاري بقوله :
يعني أنّ اسم
صحبة النبي صلىاللهعليهوسلم مستحق لمن صحبه أقل ما يطلق على اسم صحبة لغة ، وإن كان
العرف يخصّ ذلك ببعض الملازمة ، ويطلق أيضا على من رآه ولو على بعد.
وهذا الذي ذكره
البخاري هو الراجح ، إلّا أنّه : هل يشترط في الرائي بحيث يميّز ما رآه! ، أو
يكتفى بمجرّد حصول الرؤية ـ محل نظر ـ.
وعمل من صنّف
في الصحابة يدل على الثاني ، فإنّهم ذكروا مثل محمد بن أبي بكر الصديق ، وإنّما
ولد قبل وفاة النبي بثلاثة أشهر وأيام كما ثبت في الصحيح أنّ أمّه اسماء بنت عميس
ولدته في حجة الوداع قبل أن يدخلوا مكّة وذلك في أواخر ذي القعدة سنة (٢٠ ه).
وقال علي بن
المديني : من صحب النبيّ أو رآه ساعة من نهار فهو
__________________
من أصحاب النبي. وكأنّهم أيّدوا تعريفهم هذا بما رووه عن النبي من أنّه قال
:
«يغزو قوم
فيقال :
هل فيكم من رأى
رسول الله فيفتح لهم!».
وقال في مقدمة «كتاب الإصابة في تمييز الصحابة» :
أصحّ ما وقفت
عليه من ذلك أنّ الصحابي ـ من لقي النبي صلىاللهعليهوسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه ، ومن
طالت مجالسته له أو قصرت.
ومن روى عنه ،
أو لم يرو ، ومن غزا معه ، أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه ، ومن لم يره
لعارض كالعمى ...» .
أوجب العلماء
... البحث عن رواة الحديث ، فجرحوا من جرحوا ، وعدّلوا من عدلوا ، وهم على حق في
ذلك ، إذ لا يصح أن يؤخذ قول أيّ إنسان مهما كان بغير تمحيص ، وتحقيق ، ونقد ،
وعلى أنّهم قد جعلوا جرح الرواة وتعديلهم واجبا تطبيقه على كلّ راو ، مهما كان
قدره ، فإنّهم قد وقفوا دون عتبة الصحابة فلم يتجاوزوها ، إذ اعتبروهم جميعا عدولا
لا يجوز عليهم نقد ، ولا يتّجه إليهم تجريح ، ومن قولهم في ذلك : «إنّ بساطهم قد
طوي».
ومن العجيب
أنّهم يقفون هذا الموقف ، على حين أنّ بعض الصحابة أنفسهم قد انتقد بعضهم بعضا ،
وكفّر بعضهم بعضا.
قال النووي في
التقريب : الصحابة كلّهم عدول ، من لابس الفتنة وغيرهم.
__________________
وقال الذهبي :
في رسالته الّتي ألّفها ـ في الرواة الثقاة :
ولو فتحنا هذا
الباب (الجرح والتعديل) على نفوسنا لدخل فيه عدّة من الصحابة والتابعين والأئمة ،
فبعض الصحابة كفر بعضهم بعضا ـ بتأويل ما!!!».
والله يرضى عن
الكلّ ويغفر لهم ، فما هم بمعصومين ، وما اختلافهم ، ومحاربتهم بالتي تلينهم
عندنا.
ثم قال : وأما
الصحابة رضي الله عنهم فبساطهم مطوي ، وإن جرى ما جرى ، وإن غلطوا كما غلط غيرهم
من الثقاة!! فما يكاد يسلم أحد من الغلط ـ ولكنّه غلط نادر لا يضرّ أبدا! إذ على
عدالتهم ، وقبول ما نقلوا ـ العمل وبه ندين الله تعالى.
وأما التابعون
فيكاد يعدم فيهم من يكذب عمدا ، ولكن لهم غلط ، وأوهام ، فمن ندر غلطه في حديث ما
احتمل ، ومن تعدّد غلطه وكان من أوعية العلم اغتفر له أيضا ونقل حديثه وعمل به ،
على تردد بين الأئمة الأثبات في الاحتجاج بمن هذا نعته ، وكثر تفرده. ومن فحش خطؤه
لم يحتج بحديثه.
وأما أصحاب
التابعين ـ كمالك ، والأوزاعي ، وهذا الضرب فعلى المراتب المذكورة.
ووجد في عصرهم
من يتعمد الكذب ، أو من كثر غلطه فترك حديثه.
هذا مالك : هو
النجم الهادي بين الأمة وما سلم من الكلام فيه! ولو قال قائل عند الاحتجاج بمالك ـ
فقد تكلم فيه لعذر وأهين! وكذا :
__________________
الأوزاعي ثقة ، حجّة ، وربّما انفرد ووهم ، وحديثه عن الزهري فيه شيء! وقد
قال فيه أحمد بن حنبل رأي ضعيف. وحديث ضعيف ـ وكذا تكلم من لم يفهم في الزهري
لكونه خضّب بالسواد ، ولبس لبس الجند ، وخدم هشام بن عبد الملك ـ وهذا باب واسع.
ومحمد بن إدريس
الشافعي من سارت الركائب بفضله ، ومعارفه ، وثقته ، وأمانته فهو حافظ متثبت نادر
الغلط ، ولكن قال أبو عمر بن عبد البر :
روينا عن محمد
بن وضّاح قال : سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال : ليس بثقة.
وكلام ابن معين
في الشافعي إنما كان من فلتات اللّسان بالهوى ، والعصبية .
فإن ابن معين
كان من الحنفية ، وإن كان محدّثا.
وجعفر بن محمد
الصادق ، وثقه أبو حاتم ، والنّسائي إلّا أنّ البخاري لم يحتجّ به .
وسعيد بن أبي عروبة
: ثقة ، إمام ساء حفظا بآخرته. وحديثه في الكتب إلّا أنّه قدري ـ قاله أحمد بن
حنبل.
والوليد بن
مسلم : عالم أهل دمشق ثقة حافظ لكنّه يدلّس عن الضعفاء ، وحديثه في الكتب كلّها.
انتهى ما نقلناه من هذه الرسالة باختصار.
__________________
وقال الآمدي في
(الأحكام) :
اتّفق الجمهور
من الأئمة على عدالة الصحابة ، وقال قوم إنّ حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في
لزوم البحث عن عدالتهم في الرواية. ومنهم من قال :
«إنّهم لم
يزالوا عدولا إلى حين ما وقع الاختلاف ، والفتن فيما بينهم ، وبعد ذلك فلا بدّ من
البحث في العدالة عن الراوي ، أو الشاهد منهم ، إذا لم يكن ظاهر العدالة». ومنهم
من قال :
«إنّ كل من
قاتل عليّا ، عالما منهم ، فهو فاسق ، مردود الرواية ، والشهادة على الإمام الحق».
ومنهم من قال :
برد رواية الكل وشهادتهم لأنّ أحد الفريقين فاسق ، وهو غير معلوم ولا معين أ ه .
وقال الغزالي
في (المستصفى) :
وزعم قوم أنّ
حالهم كحال غيرهم في لزوم البحث ..
وقال قوم :
حالهم العدالة في بداية الأمر إلى ظهور الحرب والخصومات ، ثم تغيّرت الحال ، وسفكت
الدماء ، فلا بد من البحث.
وممّا يتكىء
عليه من يعتقدون عدالة جميع الصحابة قولهم إنّ رسول الله قال :
أصحابي
كالنّجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم ، وفي رواية فأيّهم أخذتم
__________________
بقوله ... ولكن هذا الحديث باطل لا أصل له .
* * *
تعريف الصحابي ونقطة الخلاف
اختلفت الأقوال
في حدّ الصحبة ومن هو الصحابي فقيل :
من صحب النبي
أو رآه من المسلمين ، فهو من أصحابه.
وإليه ذهب
البخاري في صحيحه وسبقه إليه شيخه علي بن المديني وقال :
من صحب النبي صلىاللهعليهوسلم أو رآه ولو ساعة من نهار فهو من أصحابه.
وهذا التعريف
ينطبق على المرتدين في حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده ، وعلى كلّ راء له ، وإن لم يعقل ، وهذا أمر لا
يقرّه العقل ، والوجدان ، فإنّ الردّة محبطة للعمل ، فلا مجال لبقاء سمة الصحبة ،
وقد ذهب أبو حنيفة إلى الإحباط ، ونصّ عليه الشافعي في (الأم).
وقال الزين
العراقي : الصحابي من لقي النبي مسلما ثم مات على الإسلام.
وقال سعيد بن
المسيّب : من قام مع النبيّ سنة كاملة ، أو غزا معه غزوة واحدة.
وهذا القول لم
يعملوا به لأنّه يخرج بعض الصحابة الذين لم تطل مدّتهم مع النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولم يغزوا معه.
قال ابن حجر :
والعمل على غير هذا القول .
__________________
وحكى ابن
الحاجب قولا لعمرو بن يحيى أنّه يشترط في الصحابي طول الصحبة ، والأخذ عنه .
كما أنّهم
جعلوا من الصحابة من لم ير النبي صلىاللهعليهوآله وهو مسلم له ، أو له رؤية قصيرة.
ومهما تكن
الأقوال ، والتعاريف فإنّ هذا الاسم يطلق على كلّ من سمع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو رآه من المسلمين مطلقا ، وهم كلّهم عدول عندهم ، وما
صدر منهم يحتمل لهم بحجّة أنّهم مجتهدون.
وهذه هي النقطة
الجوهرية التي وقع الاختلاف فيها ، إذ الشيعة لا يذهبون لهذا القول فلا يثبتون
العدالة إلّا لمن اتصف بها ، وكانت فيه تلك الملكة ، وأصالة العدالة لكلّ صحابي لا
دليل عليه ، ولا يمكن إثباته.
فالشيعة تناقش
أعمال ذوي الشذوذ منهم بحريّة فكر ، وتزن كلّ واحد منهم بميزان عمله ، فلا (يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ
وَرَسُولَهُ) ويتبرأون ممّن (اتَّخَذُوا
أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
والشيعة لا
يخالفون كتاب الله ، وسنّة رسوله ، وعمل السلف الصّالح في تمييز الصحابة ، ومن هو
مصداق هذا الاسم حقيقة.
ومن هذا فتحت
على الشيعة باب الاتهامات الكاذبة ، وقد لفّقها خصومهم ، ولو كان هناك صبابة إنصاف
، ومسكة من عقل ، وقليل من تتبّع ، وإعطاء الفكر حريّته ، لما وقعت تلك الملابسات
، وحلّت تلك المشاكل.
ومن الغريب أن
تتّهم الشيعة بسبّ الصحابة ، والطعن عليهم
__________________
أجمع ، وبذرة التشيّع نشأت في مجتمع الصحابة ، ومنهم أبطال التشيع ، وحاملو
دعوته ، وهم الذين عرفوا بالولاء لعليّ عليهالسلام ، وناصروه في حربه لمن بغى عليه ، وهم خيار الأئمة .
***
الأخذ بعدالة جميع الصحابة
وإذا كان
الجمهور على أنّ الصحابة كلّهم عدول ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في
سائر الرواة ، واعتبروهم جميعا معصومين من الخطأ ، والسهو ، والنسيان ، فإنّ هناك
كثيرا من المحقّقين لم يأخذوا بهذه العدالة (المطلقة) لجميع الصحابة ، وإنّما
قالوا كما قال العلامة المقبلي إنّها (أغلبيّة) لا عامة وإنّه يجوز عليهم ما يجوز
على غيرهم من الغلط ، والسهو ، والنسيان ، بل والهوى ، ويؤيدون رأيهم بأن الصحابة
إن هم إلّا بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم ، ممّا يرجع إلى الطبيعة البشرية.
وإنّ سيّدهم
الّذي اصطفاه الله صلوات الله عليه «والله أعلم حيث يجعل رسالته» قد قال :
«أنا بشر أصيب
وأخطىء».
ويعززون حكمهم
بمن كان منهم في عهده صلوات الله عليه من المنافقين ، والكاذبين. وبأنّ كثيرا منهم
قد ارتدوا عن دينهم بعد أن انتقل إلى الرفيق الأعلى ، بل ما وقع منهم من الحروب
والفتن التي أهلكت الحرث ، والنسل ، ولا تزال آثارها ـ ولمّا تزل ـ إلى اليوم ،
وما بعد اليوم ، وكأنّ الرسول صلوات الله عليه قد رأى بعين بصيرته النافذة
__________________
ما سيقع من أصحابه بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
فقال في حجة
الوداع : «لا ترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض».
وروى البخاري
عن ابن عباس عن النبي قال :
«إنّكم تحشرون
حفاة عراة وإنّ أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال.
فأقول : أصحابي!
أصحابي! فيقول إنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
فأقول : كما
قال العبد الصالح :
(وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ)».
وروى مسلم هذا
الحديث بلفظ : «ليردن عليّ ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا من دوني فأقول :
أصحابي! فيقول : لا تدري ماذا أحدثوا بعدك».
وروى البخاري
عن أبي هريرة عن النبي قال : «بينا أنا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم ، خرج رجل
من بيني ، وبينهم قال : هلم : قلت أين؟ قال : إلى النار والله ، قلت وما شأنهم؟
قال : إنّهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى ، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل
النعم» .
وفي رواية أخرى
أنّ النّبي قال :
«يرد عليّ يوم
القيامة رهط من أصحابي فيحلأون عن الحوض ، فأقول :
يا رب أصحابي ،
فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى».
__________________
وأخرج عن سهل
بن سعد قال : قال النّبي : «ليوردن عليّ أقوام أعرفهم ، ويعرفوني ، ثم يحال بيني
وبينهم».
قال أبو حازم :
فسمعني النعمان بن أبي عياش فقال :
هكذا سمعت من
سهل؟! فقلت نعم.
فقال : أشهد
على أبي سعيد الخدري لسمعته ـ وهو يزيد فيها ـ فأقول :
إنّهم منّي ،
فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول :
«سحقا ، سحقا
لمن غيّر بعدي!».
وأخرج من حديث
عن ابن عباس جاء فيه :
وأنّ أناسا من
أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول :
أصحابي! أصحابي!
فيقال :
إنّهم لم
يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم ...» الحديث.
أخرج أبو يعقوب
عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة ، أنه كان يحدّث أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض ، فأقول : يا ربّ أصحابي ،
فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدّوا على أدبارهم القهقرى. (مسند
عمر ص ٨٦ ط بيروت).
وأخرج أبو
يعقوب عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ليذادن رجال عن حوض كما يذاد البعير الضّال ، أناديهم
__________________
ألا هلّم ، فيقال : إنّهم قد بدّلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا . (مسند عمر ص ٨٧).
وأخرج أبو
يعقوب بن شيبة عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطيبا فحمد الله عزوجل وأثنى عليه ثم ذكر الغلول فعظّمه وعظّم أمره ثم قال :
لألفيّن أحدكم
يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول :
يا رسول الله
أغثني ، أقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لألفيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على
رقبته بعير له رغاء يقول : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أغثني ، فأقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لألفيّن
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس لها حمحمة يقول : يا رسول الله أغثني أقول :
لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لألفيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت يقول
: يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أغثني ، أقول : لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لألفيّن
أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح يقول : يا رسول الله أغثني. أقول :
لا أملك لك شيئا قد أبلغتك ، لألفيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق
يقول : يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك شيئا قد أبلغتك . (مسند عمر بن الخطاب ص ٨٧ ط بيروت).
وأخرج أبو
يعقوب عن ابن أبي مليكة ، عن أسماء ابنة أبي بكر ، قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أنا على الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم وسيؤخذ
بأناس دوني فأقول : أي ربّ منّي ومن
__________________
أمتي فيقال : ما شعرت ما عملوا بعدك ، والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم.
قال : فكان ابن أبي مليكة يقول :
اللهم إنا نعوذ
بك أن نرجع على أعقابنا ، وأن نفتتن في ديننا. (مسند عمر ص ٩٢ ط بيروت).
واخرج البخاري
أيضا في باب غزوة الحديبية عن العلاء بن المسيب عن أبيه.
قال : لقيت
البراء بن عازب فقلت له :
«طوبى لك ،
صحبت النبي صلىاللهعليهوسلم ، وبايعته تحت الشجرة فقال؟
يا بن أخي :
إنك لا تدري ما أحدثنا بعده!».
وأخرج عن عبد
الله عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنا فرطكم على الحوض وليرفعن رجال منكم ، ثم ليختلجن
دوني ، فأقول :
يا رب أصحابي!
فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك».
قال البخاري :
تابعه عاصم عن أبي وائل ، وقال حصين عن أبي وائل ، عن حذيفة عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
وأخرج عن أسماء
بنت أبي بكر قالت :
قال النبي صلىاللهعليهوسلم :
«إنّي على
الحوض حتى أنظر من يرد عليّ منكم ، وسيؤخذ ناس دوني فأقول :
يا رب منّي ،
ومن أمّتي؟ فيقال : هل شعرت ما عملوا بعدك؟
والله ما برحوا
يرجعون على أعقابهم».
قال البخاري :
فكان ابن مليكة يقول :
«اللهمّ إنّا
نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا ، ونفتن عن ديننا!».
هذا بعض ما
نقلناه من البخاري ، ومسلم وفيهما وفي غيرهما كثير أعرضنا عنه خشية التطويل .
مسألة الصحابة
وعلى أيّ حال
فإنّ فروض المسألة ثلاثة :
الأول : إنّ الصحابة كلّهم عدول أجمعين ، وما صدر منهم يحتمل
لهم ، وهم مجتهدون ، وهذا هو رأي الجمهور من السنة.
الثاني : إنّ الصحابة كغيرهم من الرجال وفيهم العدول ، وفيهم
الفسّاق ، فهم يوزنون بأعمالهم ، فالمحسن يجازى لإحسانه ، والمسيء يؤخذ بإساءته.
وهذا رأي
الشيعة.
الثالث : إنّ جميع الصحابة كفار ـ والعياذ بالله ـ وهذا رأي
الخارجين عن الإسلام ولا يقوله إلا كافر ، وليس من الإسلام في شيء.
هذه ثلاثة فروض
للمسألة وهنا لا بدّ أن نقف مليّا لنفحص هذه الأقوال :
أمّا القول
الثالث فباطل بالإجماع ولم يقل به إلّا أعداء الإسلام ، أو الدخلاء فيه.
وأمّا القول
الأوّل وهو أشبه شيء بادعاء العصمة للصحابة ، أو سقوط التكاليف عنهم ، وهذا شيء لا
يقرّه الإسلام ، ولا تشمله تعاليمه.
بقي القول
الوسط وهو ما تذهب إليه الشيعة ، من اعتبار منازل الصحابة حسب الأعمال ، ودرجة
الإيمان.
__________________
إنّ الصحبة
شاملة لكلّ من صحب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أو رآه ، أو سمع حديثه.
فهي تشمل
المؤمن ، والمنافق ، والعادل ، والفاسق ، والبرّ ، والفاجر ، كما يدّل عليه قول
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في غزوة تبوك عند ما أخبره جبرئيل بما قاله المنافقون :
إنّ محمدا يخبر
بأخبار السّماء ولا يعلم الطريق إلى الماء ، فشكا ذلك إلى سعد بن عبادة فقال له
سعد : إن شئت ضربت أعناقهم.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا يتحدّث الناس أنّ محمّدا يقتل أصحابه ولكن نحسن
صحبتهم ما أقاموا معنا».
فالصحبة إذن لم
تكن بمجرّدها عاصمة تلبس صاحبها ابراد العدالة ، وإنّما تختلف منازلهم وتتفاوت
درجاتهم بالأعمال.
ولنا في كتاب
الله ، وأحاديث رسوله صلىاللهعليهوآله كفاية عن التمحل في الاستدلال على ما نقوله ، والآثار
شاهدة على ما نذهب إليه ، من شمول الصحبة وأن فيهم العدول من الّذين صدقوا ما
عاهدوا الله عليه ، ورسخت أقدامهم في العقيدة ، وجرى الإيمان في عروقهم ، وأخلصوا
لله فكانوا بأعلى درجة من الكمال ، وقد وصفهم الله تعالى بقوله : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ
بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ
وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ
فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ
فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ
بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ، وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً).
وهم المؤمنون (الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ
ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا
__________________
بِأَمْوالِهِمْ
وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).
وقد أمر الله
تعالى باتباعهم والاقتداء بهم بقوله تعالى :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ).
(وَالسَّابِقُونَ
الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ
بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ).
هؤلاء هم أصحاب
محمّد صلىاللهعليهوآله ومن يستطيع أن يقول فيهم ما لا يرضى الله تعالى ويخالف
قوله .
بحث قيم في الاختلاف
عقد الإمام
المقبلي في كتابه : «العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء
والمشايخ» فصلا قيّما عرض فيه لأمر الاختلاف في الدين ، واستطرد لأمر الصحابة ،
وعدالتهم ، نأتي به هنا ببعض اختصار لما فيه من الفوائد الجزيلة ، والقواعد
الجليلة.
نوّه الله
سبحانه بالاختلاف في الدين ، وكرّر ذلك في كتابه العزيز لعلمه سبحانه وتعالى بضرره
في الدنيا ، وكم كرّر ذلك في بني إسرائيل قائلا :
__________________
(وَما تَفَرَّقُوا
إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) ونحوها ، وصدق الله تعالى ، ما وجدنا الخلاف إلّا في
محلّ قد تبيّن الحق فيه. وقد تمّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنهى رسول الله عن مظان الخلاف ، وحذّر منها كالجدل
في القدر. وقال تعالى :
(لا تَسْئَلُوا عَنْ
أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.)
وقال رسول الله
: «اتركوني ما تركتكم» ، وكمّل الله سبحانه الدين على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم فلم يبق شيء يقرّبنا إلى الجنّة إلّا بيّنه لنا ، ولا
شيء يقربنا إلى النار إلّا بيّنه ، وما عفا الله عنه ، وسكت عنه رسوله ، فلا يريد
الله أن نبحث عنه بمجرّد عقولنا القاصرة ، فإنّها إنما جعلت الدنيا في قدر محدود
في علمه سبحانه ، وجاءت الرسل بتتميم ما تتمّ به النعمة ، وتؤكد الحجّة ، فما عدا
ذلك فضول يخاف ضرره ولا يرجى نفعه ، وقد قام بمراد الله في ذلك خير القرون فكانوا
يحاذرون الاختلاف أشد المحاذرة وما فرط منهم تلافوه أشدّ التلافي ، ولم يصرّوا على
ما فعلوه وهم يعلمون. كما كان من طلحة والزبير ، وعائشة رضي الله عنهم.
ولقد صبر من
بقي من الصحابة بعد خلافة النبوّة على أمراء الجور أشدّ الصبر إلى أن ظهرت البدع
بسبب التنقير عما سكت الله عنه ، ورسوله ، ولو كان لهم من ذلك خير لوقفهم الله على
تلك المطالب على لسان رسوله ، ولم يتركهم يتخبّطون.
ثم حدثت بين
المسلمين أنفسهم نوادر كالكلام في القدر ، ومسألة خلق القرآن ، والتعرض لما جرى
بين الصحابة رضي الله عنهم ، واتصل بذلك المناظرة عند الملوك والأمراء وصارت
عصبيّة ، والدعوى من الجانبين أن ذلك تدين ، وما هو إلّا أنّهم لمّا تعدّوا طورهم
، ولم يقفوا على حدّهم الّذي وقفهم الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم عليه ، تركهم
الله وشأنهم ولبسهم شيعا ، وأذاق بعضهم بأس بعض ، فكان خليفة يوافق هؤلاء
فيذيق مخالفيهم العذاب الأليم ، ويخلفه الآخر ، وينقض ما فعله الأوّل وينكل بهؤلاء
، ويوطىء شأن هؤلاء حتى استحكم الشرّ ، وصار النّاس شيعا.
نجد أحدهم
ينتقل من مذهب إلى آخر بسبب شيخ ، أو دولة ، أو غير ذلك من الأسباب الدنيويّة ،
والعصبيّة الطبيعيّة كما رووا أنّ ابن عبد الحكم أراد مجلس الشافعي بعد موته فقيل
له ، قال الشافعي :
الربيع أحقّ
بمجلسي ، فغضب وتمذهب لمالك ، وصنّف كتابا سمّاه :
(الرد على محمد
بن إدريس فيما خالف فيه الكتاب والسنة).
هكذا ذكره ابن
السبكي.
وقد علم الله
والراسخون في العلم أنّ الحق لم يكن برمته عند فرقة ، والباطل عند البواقي ، ولكن
الحق والحمد لله لا يخرج عن مجموعهم ، وما الحق كلّه إلّا عند من بقي على ما كان
النبي صلىاللهعليهوسلم ، ولا بدّ له من الخطأ في اجتهاداته في المسائل المعفوّ
عن الخطأ فيها ، لا في المهمّات.
وقل لي : من ذا
الّذي وقف على ما وقف ، وقنع بما جاء عن الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم ولم يتمذهب ، ويؤثر الأسلاف على الكتاب والسنة ، ويترك
هذا الداء الدويّ ، ويتمسك بالإنصاف فيما يأتي ويذر؟ لا والله ما أعرف أحدا في هذه
الكتب التي طبقت البسيطة إلّا وقد تخبّط وخلّط ، وتعسف لمذهبه وما أنصف ، وردّ
كتاب الله تعالى إلى عقيدته وحرّف!
وبعد أن تكلّم
عن أحوال المتكلمين ، أخذ يبيّن أحوال المحدثين فقال :
وهؤلاء
المحدّثون الذين يزعمون الثبوت على السنّة ، وينهون عن
الكلام قد سرت فيهم المفسدة أكثر منها في غيرهم ، لأنّهم
قاعدون في طريق الشريعة ، والمفسدة والحرب ، والفتك ، والحيّات ، والعقارب ،
والسمّوم ، والسّباع في الجادة أعظم ضررا منها في ثنيات الطريق ، مع أنّ داءهم جاء
من الخوض في الكلام ، وصاروا أشد عصبيّة من المتكلمين ، لأنّ المتكلمين بنوا أمرهم
على التفتيش ، وأن لا يلام الطالب على المباحثة وإيراد الأسئلة ، واختراع
التعليلات ، بل يعدّون ذلك ظرافة وكمالا ، فربّما انكشف للمتأخر مع تعاقب الأنظار
تقارب كلام الفريقين ونحو ذلك ، كما انكشف لأتباع الأشعري بطلان الجبر ، ثم
تشبّثوا بالكسب ، ثم تبيّن عواره ، فصاروا إلى مذهب المعتزلة من حيث المعنى كما
مضى ، وليس ثبوت الاختيار يختّص بالمعتزلة حتى ينفر منه ، إنّما هو دين الله
وحجته.
فمن حقّق من
المتأخرين هوّن ما عظّم سلفه ، ولانت عريكته.
وأمّا
المحدّثون فإنّما أخذوا شيئا بأوّل رؤية ، ثم لم ينقروا كأن ذلك بدعة وصدقوا ،
ولكنّه بدعة من أوّله إلى آخره ، فما لهم دخلوا فيه! كأن دخولهم من غير نيّة ، لكن
دسّ لهم الشيطان :
أنتم أهل السنة
فمن يذب عنها إن تركتم هؤلاء؟ فلا هم اقتصروا على ما هم عليه ولا هم بلغوا إلى
مقاصد القوم ليتمكّنوا من الرد عليهم!
هذا الإمام
أحمد حفظه للسنة ، وتقدّمه وتجريده نفسه لله سبحانه وتعالى لا يجهل ، لكنّه لما
تكلّم في مسألة خلق القرآن وابتلي بسببها ، جعلها عديل التوحيد أو زاد! حتّى إنّه
بلغه أنّ محمد بن هارون قال لإسماعيل بن عليّة :
يا بن الفاعلة!
قلت : القرآن مخلوق! أو نحو هذه العبارة!
__________________
قال أحمد :
لعلّ الله يغفر له ، يعني محمد بن هارون ، وكان اسماعيل بن عليّة أحق أن يرجو له
أحمد ، لأنّه إمام مثله علما وورعا ، وإن فرض خطؤه فيما زعم أحمد ، فعفو الله أوسع
، وما خطؤه فيها كمن يقعد في الخلافة خاليا عن صفاتها ويعوث في الدماء ، والأموال!.
غفر الله لأحمد
، لقد بلغ في هذه المسألة ما أمكنه من التعصب ، حتى صار يرد كل من خالفه فيها ولا
يقبل روايته ، وهذه خيانة للسند ، فإنّ الّذي أوجب قبول خبر العدول ، يوجب قبول
خبر هذا ، وها هو ذا يقول : نروي عن القدريّة.
ولو فتّشت
البصرة وجدت ثلثهم قدرية. هكذا في تهذيب المزّي وغيره.
وهذه المسألة
لا تزيد على القدر لو كان للخلاف في المسألتين استقرار ، بل زاد فصار يرد الواقف
ويقول :
«فلان واقفي مشوم» بل غلا وزاد وقال : لا أحبّ الرواية عمن أجاب في
المحنة كيحيى بن معين. مع أن أحمد ليس من المتعنتين ، ولا من المتشددين.
فمن شيوخه :
عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير بن العوّام.
قال فيه
النسائي : ليس بثقة ، وقال الدار قطني بتركه. وقال ابن معين :
كذّاب خبيث
عدوّ الله ، ليس بشيء وقال : جنّ أحمد ، يحدث
__________________
عن عامر بن صالح؟ وقال الذهبي : واهن. لعلّ ما روى أحمد عن أحد أو هى منه ،
مع غلوّ الذهبي ، في أحمد ورؤيته له بعين الرضا ، وعلى الجملة فلا يشك
أنّ روّاته لم يكن فيهم بالشحيح ، إلّا أن يكون من قبيل مسألة القرآن. فيا هذا ما
الّذي عندك في القرآن والسنة.
إن القرآن ليس
بمخلوق؟ أو أنه مخلوق؟ وبحثك ، وبحث غيرك كلاهما بدعة! والله وصف القرآن بأنّه
قرآن عربيّ (غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) وقال :
جعلناه ،
ونزلناه ، وفصلناه ، ولم يقل خلقناه ، ولم يقل ليس بمخلوق.
فمن أين جئت
بهذه السنة.
ولمّا أجاب علي
بن المديني الذي قال البخاري :
ما أستحقر نفسي
عند أحد إلّا عنده فأجاب في المحنة فتكلموا فيه ، مع أنّه عذر له ، لو أجاب في
الترك ، كيف مسألة خلق القرآن حتى تحاماه بذلك مسلم مع تساهله في رجاله.
وأعجب من هذا
أنّ الذابّين عن عليّ بن المديني لم يجدوا من الذبّ إلّا قولهم :
روى عنه فلان ،
وروى عنه فلان أنّه قال :
من قال إنّ
القرآن مخلوق فقد كفر! ومن قال : إنّ الله لا يرى فقد كفر!
__________________
فهذا التنزيه
إن صحّ هو الذي ينقم عليه به لأنّه تكفير مسلم يبوء به أحدهما من غير دليل ، وكيف
وما سلم من هذا التكفير أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله عنها ومن وافقها من
الصحابة والتابعين في نفي الرؤية ـ ولكن المحدّثين لم يعرفوا مقدار الخطأ في
الكلام ، لأنّه غير صنعتهم ـ وكلّ صاحب سلعة لا يعرض إلا سلعته ، فنقر عن هذا
المعنى وخذ في كلّ فن عن أئمّته ، وإيّاك والدخيل فيه ـ وتراهم يكررونه فمن أرادوا
تنزيهه ، أو مدحه قالوا :
من قال :
القرآن مخلوق فهو كافر ـ ذكروا هذا في جماعة ، منهم ابن لهيعة وغيره بل قالوا :
ترك المحاسبي ميراث أبيه وقال :
أهل ملتين لا
يتوارث لأن أباه كان واقفيّا.
وقال يحيى بن
معين أمير الجرح والتعديل :
كان عمرو بن
عبيد دهريّا! قيل : وما الدهري؟ قال : يقول : لا شيء .. وما كان عمرو هكذا .
فلو طلبت أعظم المتكلمين
، بل القصّاص المجازفين لا تكاد تجد من يتجاسر هذا التجاسر على رجل علمه ، وزهده ،
وتألهه ، مثل الشمس في الضحى ، وقد تبعه شطر هذه البسيطة.
وقال يحيى بن
معين في عنبسة بن سعيد بن العاص بن أمية ثقة ـ وهو جليس الحجاج بن يوسف ، وكذا قال
النسائي ، وأبو داود ، والدارقطني ، بل روى له البخاري ومسلم ، وروى البخاري
لمروان بن الحكم الذي رمى طلحة وهو في جيشه والمتسبّب في خروجه على عليّ ، وفعل
كلّ طامّة.
__________________
وقال ابن حجر
العسقلاني وهو إمام المتأخرين (كامل) في ترجمة مروان :
إذا ثبتت صحبته
لم يؤثر الطعن فيه!!
كأنّ الصحبة
نبوّة ، أو أن الصحابي معصوم ! وهو تقليد في التحقيق بعد أن صارت عدالة الصحابة مسلّم
بها عند الجمهور.
والحق أنّ
المراد بذلك (الغلبة) فقط ، فإنّ الثناء من الله تعالى ورسوله ـ وهو الدليل على
عدالتهم ـ لم يتناول الأفراد بالنصوصية إنّما غايته عموم ، مع أنّ دليل شمول
الصحبة لمطلق الرأي ونحوه ركيك جدا ، وليت شعري من المخاطب الموصي؟ وهل هو
عين الموصى به في نحو قوله صلىاللهعليهوسلم لا تسبّوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا لم يبلغ
مد أحدهم ولا نصيفه.
فانظر أسباب
تلك الأحاديث وهو وقوع شيء من متأخري الإسلام في حق بعض السابقين ،
كما قال لعمار رضي الله عنه أيسبني هذا العبد!.
وإذا أردت
تعميم اسم الصحبة من الطرف الأعلى إلى الأدنى ، أعني من السابقين إلى من ثبت له
مطلق الرؤية ، فانظر مواقع الممادح التي كانت في الكتاب والسنّة وأفرق بين ما يقضي
بالدرجة المنيفة التي أقل أحوالها العدالة وما يقضي بنوع شرف ، مع أنّه ربّما جاء
تفريق النبوي صريحا كقوله صلىاللهعليهوسلم في بعض فقراء الصحابة :
«هو خير من ملء
الأرض مثل هذا».
__________________
يعني بعض
الرؤساء من متأخري الإسلام.
وعلى الجملة
فمن تتّبع تلك الموارد ، وسوى بين الصحابة فهو أعمى ، أو متعام.
فمنهم من علمنا
عدالتهم ضرورة وهو الكثير الطبيب ، ولذا قلنا (إنّها غالبية فيهم) بحيث يسوغ ترك
البحث في أحوالهم.
ومن الصحابة
نوادر ظهر منهم ما يخرج عن العدالة فيجب إخراجه (كالشارب) من العدالة لا من الصحبة.
ومنهم من أسلم
خوف السيف كالطلقاء وغيرهم.
فمن ظهر حسن
حاله فذاك. وإلّا بقي أمره في حيز المجهول وهم في حيّز النّدور ، ومع هذا فالعدالة
غير العصمة ، وقد غلا الناس فيمن نبتت صحبته في التعنّت في إثبات العدالة.
فلو سلّمنا
شمول الصحبة ، ثم العدالة لم يبلغ الأمر إلى الحدّ الّذي عليه غلاة الرواة.
ولو نفعت
الصحبة نحو بشر بن مروان على نحو الثبوت ، أو الوليد لتبيّن لنا ، أنّ الصحبة لا
يضرّ معها عمل غير الكفر فتكون الصحبة أعظم من الإيمان ، ويكون هذا أخصّ من مذهب
مقاتل ، وأتباعه من المرجئة. ثم أين أحاديث (لا تدري ما أحدثوا بعدك) وهي متواترة
المعنى ، بل لو ادّعي في بعضها تواتر اللّفظ لساغ ذلك ، والمدّعون للسنّة ادّعوا
الصحبة أو ثبوتها لمن لم يقض له بها دليل ، وفرعوا عليها ما ترى. ثم بنوا الدّين
على ذلك ألم يقل الله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) في رجل متبيّن صحبته ولم تزل حاله مكشوفة مع الصحبة.
__________________
ومنهم من شرب
الخمر ، وما لا يحصى مما سكت عنه رعاية لحقّ النبي صلىاللهعليهوسلم ما لم يلجىء إليه ملجأ ديني فيجب ذكره.
ومن أعظم
الملجئات ترتب شيء من الدين على رواية مروان ، والوليد بن عقبة وغيرهما ، فإنّها أعظم خيانة لدين الله ، ومخالفة لصريح
الآية الكريمة ، والنقم بذلك لا يعود على جملة الصحابة بالنقص ، بل هو تزكية لهم
فإيّاك والاغترار.
ولا شك أنّ
البخاري من سادات المحدثين الرفعاء ـ فما ظنّك بمن دونه ومع هذا تجنّب (البخاري)
ما لا يحصى من الحفاظ العبّاد كما لخبرك عنه كتب الجرح والتعديل ، وعلي بن المديني
تجنّبه مسلم.
وقال العجلي في
عمر بن سعد بن وقاص تابعي ثقة روى عنه الناس. وهو الذي باشر قتل الحسين.
فقل لي أي جرح
في الدين أكبر من هذا! وهذا تنبيه.
وإلّا فهذا باب
لو فتح وصنّف فيه لكان فنّا كبيرا ، وكذلك سائر الكلام من المحدّثين في مخالفيهم
في العقائد فاختبره ، وشاهد هذه الدعوى من كتب الجرح ، فتأمل كلامهم في الموافق ،
والمخالف ، واجعله من شهادة الأعداء ، وأهل الإحن.
وليتهم جعلوا
ذلك باطنا ، وظاهرا ، ولكن يقولون :
نحن نروي عن
المبتدعة ثم يعاملونهم هذه المعاملة.
قال يحيى بن
معين : وقيل له في سعيد بن خالد البجلي حين وثّقه (شيعي).
__________________
قال : وشيعيّ
ثقة ، وقدريّ ثقة.
وقال العجلي :
كذلك في عمران بن حطان ثقة وهو خارجي مدح ابن ملجم لعنه الله بقوله :
يا ضربة من
تقيّ ما أراد بها
|
|
إلّا ليبلغ
عند الله رضوانا
|
فانظر عمن رضي
بقتل علي ، وعمّن قتله طلحة ، وعمن قتل الحسين ، وتوثيقهم لهم.
وأمّا علماء
الأمة ، وحفاظها كحماد بن سلمة الإمام ، ومكحول العالم الزاهد ، فتجنّبهم مثل
البخاري ومسلم أيضا.
وقد اختلفت
عقائد المحدثين ، فترى الرجل الواحد تختلف فيه الأقوال حتى يوصف بأنّه أمير
المؤمنين ، وبأنّه أكذب الناس ، أو قريب من هاتين العبارتين ، وانظر الصحيحين كم
تحامى صاحباهما من الأئمة الكبار الّذين يتطلب النقم عليهم تطلّبا ، ولو نظر تجنب
أفضلهم لاضمحل ، ولما أثر في ظنّ صدقهم إلا كقطرة دم في بحريم ـ وفي رجالهما من
صرّح كثير من الأئمة بجرحهم ، وتكلم فيهم من تكلّم بالكلام الشديد ، وإن كان لا
يلزمهما ـ أعني صاحبي الصحيحين ـ إلّا العمل باجتهادهما.
وأعجب من هذا
أنّ في رجالهما من لم يثبت تعديله ، وإنّما هو في درجة المجهول ، أو المستور.
قال الذهبي :
في ترجمة حفص بن بغيل قال ابن القطان : لا يعرف له حال ولا يعرف ، يعني فهو مجهول
العدالة ، ومجهول العين ، فجمع الجهالتين.
قال الذهبي :
لم أذكر هذا النّوع في كتابي «الميزان».
__________________
قال ابن القطان
: تكلم في كلّ ما لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل ، أو أحد ممّن عاصره ما يدل على
عدالته ، وهذا شيء كثير ، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستورون ما ضعّفهم
أحد ، ولا هم مجاهيل ؛
وقال في ترجمة
مالك بن خير الزبادي :
في رواة
الصحيحين عدد كثير ما علمنا أحدا نصّ على توثيقهم.
فانظر : هذا
العجب. يروي عمن حاله ما ذكر ، ويترك أئمة مشاهير مصنّفين لأنّهم قالوا بخلق
القرآن ، أو وقفوا ، أو نحو ذلك.
والعجب هنا من
مجاملة الذهبي بقوله : ولا هم مجاهيل ، فمن لم يعلم عدالته لم تشمله أدلّة قبول
خبر الآحاد الخاصة بالعدول ، والاصطلاح على تسميته مستورا لا يدخله في العدول
الذين تتناولهم أدلّة قبول الآحاد ، فهذا تفريط ، وإفراط!
يترك أبا حنيفة
، ومحمد بن الحسن ، وابن إسحاق ، وداود الظاهري.
ومنهم : من
أذعن له الناس في المغازي ، ومنهم : من تبعه شطر أهل البسيطة ، ثم يروي عن مستور
لا يعلم من هو ، ولا ما هو.
وليس مرادنا
الحط من الصحيحين ، ولكن ليعلم أنّ الخلاف دخلت مفسدته في كلّ شعب ، فهذا هو ما
نحن بصدده من التنقير عن الخلاف فاعلمه ا ه باختصار .
ثم قال المقبلي
في ذيل هذا الكتاب المسمّى بالأرواح النوافخ فيما شرح به قوله :
__________________
وادعوا الصحبة
وأثبتوها لمن لم يقض له بها دليل :
وجه هذا الكلام
ما كررناه أنّهم يصطلحون على شيء في متأخر الأزمان ، ثم يفسّرون الكتاب ، والسنة
باصطلاحهم المجدّد.
والصحبة ليس
فيها لسان شرعي ، إنّما هي بحسب اللّغة وكذلك سائر الألفاظ التي وردت بها فضائل
الصحابة ، لكن المحدثون اصطلحوا أو قضوا بغير دليل ، على أنّ الصحبة لكلّ من رأى
النّبي ، أو رأى هو النبي ولو طفلا ، بشرط أن يكون محكوما بإسلامه ، ويموت على ذلك
، ولا يرتد.
ولا يشك منصف
بل عاقل أنّ هذه القيود أمر اصطلاحيّ لا تقضي اللغة بها ، لأن الاشتقاق إنّما هو
من صحب ، لا من رأى أو رئي تحقيقا أو تقديرا ، ليدخل الأعمى.
وكان عليهم أن
يقولوا تقديرا قريبا أو نحوه ليخرج المعاصر الّذي لم يره ، بل ليخرج كلّ أحد ، إذ
التقدير بحر واسع ، فهذا أصل الخطأ في هذه المسألة كما قد حذرناك من هذه الغلطة
التي وقع الناس كثيرا فيها.
ثم بعد أن تمّ
لهم تعريف الصحبة ذيلوها باطّراح ما وقع من مسمّى الصحابي منهم من يتستر بدعوى
الاجتهاد ، دعوى تكذبها الضرورة في كثيرة من المواضع.
ومنهم من يطلق!
ويا عجباه من قلة الحياء في ادعاء الاجتهاد لبسر بن أرطأة ، الّذي انفرد بأنواع الشر لأنّه مأمور المجتهد معاويه
ناصح
__________________
الإسلام في سبّ عليّ بن أبي طالب وحزبه. وكذلك مروان ، والوليد الفاسق ،
وكذلك الاجتهاد الجامع للشروط في البيعة ليزيد ومن أشار بها ، وسعى فيها ، أو
رضيها وما لا يحصى ، والله ما قال قائلهم ذلك نصحا لله ولرسوله ، اللهمّ إلّا
مغفّل لا يدري ما يخرج من رأسه ـ قد سلم مقدمات وغذّى لحمه ، وعروقه بالهوى ،
والتقليد ، وعوّد جسمه ما اعتاد ، فصار بذلك غذاؤه. ثم أخذ يتجاسر في البناء على
ذلك ، كنظائر لها قلّما يخلو منها أحد ، وان اختلفت مكانتها في الدين. غايته أنّ
الورع يتحرّز من الرضا بتلك الطوام ، فمن غاب عن المعصية ثم رضيها ، كان كمن حضرها
، والعكس كما صرّح به الحديث النبوي ... ا ه .
__________________
شمول الصحبة ومميزاتها
كما أن الصحبة
تشمل من مردوا على النفاق ، والذين ابتغوا الفتنة من قبل ، وقلّبوا لرسول الله
الأمور ، وأظهروا الغدر ، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون.
وفيهم : من كان
يؤذي رسول الله وقد وصفهم الله بقوله :
(وَمِنْهُمُ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ : هُوَ أُذُنٌ) .. (وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ). و (إِنَّ الَّذِينَ
يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ
وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً).
وفيهم
المخادعون والذين يظهرون الإيمان وقد وصفهم الله تعالى بقوله :
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ*
يُخادِعُونَ اللهَ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
وَما يَشْعُرُونَ).
(وَإِذا لَقُوا
الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا
إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ).
(وَمِنْهُمْ مَنْ
عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ
الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ
مُعْرِضُونَ* فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ
بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ).
والحاصل أن
الصحبة منزلة عظيمة ، وفضيلة جليلة ، وهي
__________________
بعمومها تشمل من امتحن الله قلبه للإيمان ، وأخلص لله ، وجاهد ، وناصر ،
ومن رقى درجة الكمال النفساني. فكان مثالا لمكارم الأخلاق ، وهم يخشون الله ،
ويمتثلون أوامره ، كما وصفهم الله بقوله :
(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ
عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ*
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ
الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ
كَرِيمٌ).
كما أنّها لم تشمل
من لم يدخل الإيمان قلبه :
(يَقُولُونَ
بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ).
ليت شعري ما
هذه العصمة ، أكانت في حياة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أم بعده؟! فإن كانت في حياته فما أكثر الشواهد على نفي
ذلك :
أخرج البيهقي
بسنده عن أبي عبد الله الأشعري عن أبي الدرداء قال :
قلت : يا رسول
الله بلغني أنّك تقول :
ليرتدّن أقوام
بعد إيمانهم قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أجل ولست منهم .
ومن الغريب أنّ
البعض علّل ذلك بأنّ المراد من هؤلاء المرتدين ، هم الّذين قتلوا عثمان ، وإنّ أبا
الدرداء مات قبل قتل عثمان ، وبهذا التوجيه يتوجه الطعن على أكثر الصحابة ، فإنّهم
اشتركوا بقتل عثمان ،
__________________
والمتخلّفون عن ذلك عدد لا يتجاوز أصابع الكف.
وبمقتضى هذا
التأويل يدخل في قائمة الحساب عدد كثير هو أضعاف ما في قائمة الشيعة من المؤاخذات
، ومن الشواهد على نفي العدالة في زمان النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
١ ـ كان رجل
يكتب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد قرأ البقرة ، وآل عمران ، فكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يملي عليه غفورا ، رحيما ، فيكتب : عليما ، حكيما.
فيقول له النبي : اكتب كذا وكذا فيقول : أكتب كيف شئت ، ويملي عليه عليما حكيما
فيكتب : سميعا بصيرا وقال : أنا أعلمكم بمحمد. فمات ذلك الرجل. فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
الأرض لا
تقبله.
قال أنس : فحدّثني
أبو طلحة ، أنّه أتى الأرض التي مات فيها الرجل ، فوجده منبوذا فقال أبو طلحة :
ما شأن هذا
الرجل؟ قالوا : دفنّاه مرارا فلم تقبله الأرض.
قال ابن كثير :
وهذا على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
٢ ـ وهذا
الوليد بن عقبة بن أبي معيط الّذي سمّاه الله فاسقا حينما أرسله النبي صلىاللهعليهوآله على صدقات بني المصطلق فعاد وأخبر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّهم خرجوا لقتاله فأراد أن بجهّز لهم جيشا فأنزل الله
فيه :
(يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا
قَوْماً بِجَهالَةٍ ...) (الآية) فقد كان في عداد الصحابة ، فأين العدالة من
__________________
الفاسق؟! .
٣ ـ وهذا الجد
بن قيس أحد بني سلمة نزلت فيه :
(وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ
جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ).
٤ ـ وهذا مسجد
ضرار ، وما أدراك ما مسجد ضرار قد بناه قوم ، وسموا بالصحبة يتظاهرون فيه بأداء
الصلاة في أوقات لا يسعهم الوصول إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكن فضح الله سرّهم ، وأبان أمرهم فهم منافقون.
وأنزل الله
فيهم :
(وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً ، وَكُفْراً ، وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ
وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ
أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
وكانوا إثني
عشر رجلا من المنافقين منهم :
خذام بن خالد
بن عبيد ، ومن داره أخرج المسجد.
ومعتب بن قشير
، وأبو حبيبة بن أبي الأزعر وغيرهم .
٥ ـ وهذا ثعلبة
بن حاطب بن عمر بن أميّة ممّن شهد بدرا وأحدا فقد منع زكاة ماله ، فأنزل الله فيه
:
(وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ
اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ
الصَّالِحِينَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ
__________________
مُعْرِضُونَ).
وكان ثعلبة هذا
من الصحابة ملازما لأداء الصلاة في أوقاتها ، وكان فقيرا معدما ، فقال لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
ادع لي أن
يرزقني مالا فقال صلىاللهعليهوآلهوسلم :
ويحك يا ثعلبة
قليل تشكره خير من كثير لا تطيقه.
فقال ثعلبة :
والذي بعثك في
الحق نبيّا لئن دعوت الله فيرزقني مالا لأعطين كل ذي حق حقّه.
فقال رسول الله
صلىاللهعليهوآلهوسلم :
اللهمّ ارزق
ثعلبة مالا ، فزاد وفره ، وكثر ماله ، وامتنع من أداء زكاته فأعقبه نفاقا إلى يوم
يلقاه بما أخلف وعده وكان من الكاذبين.
٦ ـ وهذا ذو
الثدية كان في عداد الصحابة متنسكا عابدا ، وكان يعجبهم تعبّده واجتهاده فأمر
النبي بقتله ، وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول :
إنّه لرجل في
وجهه لسفعة من الشيطان ، وأرسل أبا بكر ليقتله فلمّا رآه يصلّي رجع وأرسل عمرا فلم
يقتله ثم أرسل عليّا عليهالسلام فلم يدركه وهو الذي ترأس الخوارج وقتله عليّ عليهالسلام يوم النهروان.
٧ ـ وهؤلاء قوم
وسموا بالصحبة كانوا يجتمعون في بيت سويلم يثبطون الناس عن رسول الله صلىاللهعليهوآله فأمر من أحرق عليهم بيت سويلم .
__________________
٨ ـ وهذا قزمان
بن الحرث شهد أحدا ، وقاتل مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قتالا شديدا فقال أصحاب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما أجزأ عنّا أحد كما أجزأ عنّا فلان فقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم :
أما إنّه من
أهل النار.
ولمّا أصابته
الجراحة وسقط فقيل له :
هنيئا لك
بالجنّة يا أبا الغيداق.
قال : جنّة من
حرمل ، والله ما قاتلنا إلّا على الأحساب .
٩ ـ وهذا الحكم
بن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمس طريد رسول الله ولعينه وهو والد مروان وعمّ
عثمان.
حدّث الفاكهي
بسند عن الزهري ، وعطاء الخراساني أنّ أصحاب محمد صلىاللهعليهوآله دخلوا عليه وهو يلعن الحكم فقالوا : يا رسول الله ما
باله؟ فقال :
دخل علىّ شق
الجدار وأنا مع زوجتي فلانة.
ومرّ النّبي
بالحكم فجعل الحكم يغمز النبي بإصبعه فالتفت فرآه فقال :
اللهمّ اجعله
وزغا فزحف مكانه . وكان يسمّى خيط الباطل.
وقال صلىاللهعليهوآله فيه :
ويل لأمّتي
ممّا في صلب هذا.
ومن حديث عائشة
أنّها قالت لمروان بن الحكم :
أشهد أن رسول
الله لعن أباك وأنت في صلبه.
__________________
١٠ ـ وهذه أم
المؤمنين عائشة لم يثبت لها صلىاللهعليهوآله الإيمان كما حدّث كثير بن مرّة عنها :
إنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال : أطعمينا يا عائشة قالت : ما عندنا شيء.
فقال أبو بكر :
إنّ المرأة
المؤمنة لا تحلف أنّه ليس عندها شيء وهو عندها.
فقال النّبي صلىاللهعليهوآله :
ما يدريك أنّها
مؤمنة؟
إنّ المرأة
المؤمنة في النساء كالغراب الأبقع في الغربان .
وهذا إنكار من
النبي صلىاللهعليهوآله على القطع بالعدالة ، والإيمان.
ولو كان كما
يدّعى لقال مؤيّدا لقول أبي بكر. نعم إنّها مؤمنة ، وزوجة نبيّ ومن أهل الجنة ،
ولكنّه صلىاللهعليهوآله لم يرض بذلك الاعتقاد ، وإنّما الأمور منوطة بالعمل
وحسن الخاتمة.
ويدّل على ذلك
أنّه صلىاللهعليهوآله عاد كعبا في مرضه فقالت أم كعب : هنيئا لك الجنّة يا
كعب ، فقال صلىاللهعليهوآله :
من هذه
المتالية على الله عزوجل؟
قال كعب : هي
أمّي يا رسول الله.
فقال صلىاللهعليهوآله :
وما يدريك يا
أمّ كعب ، لعلّ كعبا قال ما لا يعنيه ، ومنع ما لا يغنيه .
__________________
١١ ـ وأخرج
النسائي في صحيحه عن ابن عباس في نزول قوله تعالى :
(وَلَقَدْ عَلِمْنَا
الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ) أنّه قال :
كانت امرأة
تصلّي خلف رسول الله صلىاللهعليهوآله حسناء من أحسن الناس ، وكان بعض القوم يتقدّم لئلا
يراها ، ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصّف المؤخر ، فإذا ركع نظر من تحت إبطه
ليراها. فأنزل الله فيهم ذلك.
١٢ ـ وأخرج ابن
حنبل من طريق ابن عباس ، وابن عمر أنّهما سمعا النّبي صلىاللهعليهوآله على منبره يقول :
لينتهيّن أقوام
عن ودعهم الجماعات ، أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكتبنّ من الغافلين .
١٣ ـ وأخرج
أحمد في مسنده : عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال لأصحابه : أنا فرطكم على الحوض ولأنازعنّ
أقواما ثم لأغلبنّ عليهم فأقول : يا ربّي أصحابي ، فيقول :
إنّك لا تدري
ما أحدثوا بعدك .
وأخرج عن ابن
مسعود أيضا بلفظ : وإنّي ممسك بحجورك إن تهافتوا في النّار كتهافت الفراش .
وأخرج الترمذي
عن النبي (ص) ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين ، وذات الشمال فأقول : يا ربّي
أصحابي فيقال : إنّك لا تدري
__________________
ما أحدثوا بعدك ، فإنّهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ، فأقول
كما قال العبد الصالح : إن تعذبهم فإنّهم عبادك
وأخرج مسلم من
طريق عائشة بلفظ :
إنّي على الحوض
انتظر من يرد عليّ منكم فو الله لينقطعن رجال فلأقولنّ أي ربّي ... الحديث. وأخرج
مثله من طريق أم سلمة .
ولعلّ
الاستمرار بذكر الشواهد ـ وما أكثرها ـ يوجب الإطالة ، والإطالة توجب الملل فلهذا
نكتفي بالقليل من البيان حول الشواهد على نفي العدالة المزعومة :
«لكلّ من هبّ ،
ودرج».
والحق أن
الصحبة بما هي فضيلة جليلة لكنّها غير عاصمة ، فإنّ فيهم العدول ، والأولياء
والصديقون ، وهم علماء الأمة ، وحملة الحديث ، وفيهم مجهول الحال ، وفيهم :
المنافقون وأهل الجرائم كما أخبر تعالى بقوله :
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ
مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى
النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ
يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ).
وفيهم : من كان
يؤذي رسول الله صلىاللهعليهوآله :
(وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
__________________
فإلى الله نبرأ
من هؤلاء ، وممّن (اتَّخَذُوا
أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).
والذين (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ
اللهَ إِلَّا قَلِيلاً* مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى
هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
والكتاب العزيز
يعلن بصراحة عن وجود طائفة تستمع إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ولكن طبع الله على قلوبهم لأنّهم اتبعوا الهوى فقال
تعالى :
(وَمِنْهُمْ مَنْ
يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى
قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ).
كما أعلن تعالى
لعن طائفة منهم وهم الذين في قلوبهم مرض والذين يفسدون في الأرض ويقطعون أرحامهم (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ
فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ. أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى
قُلُوبٍ أَقْفالُها).
أجل أين ذهب
أولئك بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ وقد جرّعوه الغصص في حياته ، ودحرجوا الدباب ، فهل
انقلبت حالهم بعد موته صلىاللهعليهوآله من النّفاق إلى الإيمان؟ ومن الفساد إلى الصلاح ، ومن
الشك إلى اليقين ، فأصبحوا في عداد ذوي العدالة من
__________________
الصحابة الذين طبعت نفوسهم على التقى والورع ، وعفة النّفس والعلم ، والحلم
، والتضحية في سبيل الله وهم الّذين وصفهم الله تعالى بقوله :
(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا
وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ ، وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ).
فنحن لا نرتاب
في ديننا ، ولا نخالف قول الحق في تمييز منازل الصحابة ، ودرجاتهم فنتبع الصادقين
منهم ، ونوالي من اتصف بتلك الصفات التي ذكرها الله ورسوله ، كما أنّا لا نأتمن
أهل الخيانة لله ورسوله ، ففي ذلك جناية على الدين وخيانة لأمانة الإسلام ولا نركن
لمن ظلم منهم ، ولا نوادّ من حاد الله ورسوله.
هذا هو قول
الحق. والحق أحق أن يتبع .
***
الصحابة في حدود الكتاب والسنة
وهل تجاوزت
الشيعة في نقد أعمال بعض الصحابة حدود الكتاب والسنة؟ إذ وجدوا في أعمالهم مخالفة
ظاهرة ، لا يمكن لها التأويل والتسامح ، لأنّ عموم الصحبة لا يمنحهم سلطة التصرف
بالأحكام ، ولا تسوغ لهم مخالفة تلك الحدود وإن الاجتهاد في مقابلة النص هو في
الحقيقة طرح للأحكام ، ونبذ للقرآن وراء الظهور ، وإنّ كثيرا منهم حديثو عهد في
الإسلام ، قد ألفت نفوسهم أشياء وطبعت عليها ، ومن الصعب أن تتحلّل منها بسرعة.
__________________
وليس من
الإنصاف أن يكون هؤلاء بمنزلة أهل السبق ، ومن رسخ الإيمان في قلوبهم فنشروا
الإسلام ، وحملوا ألوية العدل ، ونشروا العقيدة الإسلامية ، وجاهدوا في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم عن نية صادقة ، وهاجروا عن إيمان خالص.
وقد قال النبي صلىاللهعليهوآله :
«إنّما الأعمال
بالنيّات ، وإنّما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى
الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر
إليه» .
وسأله ناس من
أصحابه فقالوا : يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟
فقال صلىاللهعليهوآله :
«أما من أحسن
منكم في الإسلام فلا يؤاخذ به ، ومن أساء أخذ في الجاهلية والإسلام» .
وعن صهيب
مرفوعا :
«ما آمن بالقرآن
من استحلّ محارمه» .
وعنه صلىاللهعليهوآله بلفظ : «من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في
الجاهلية ، ومن أساء في الإسلام أخذ في الأوّل ، والآخر» .
وعن ابن عمر
قال :
صعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنبر فنادى بصوت رفيع فقال :
__________________
«يا معشر من
أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ، ولا تعيروهم ولا تتبعوا
عوراتهم. من تتبّع عورة أخيه المسلم تتبّع الله عورته ، ومن تتبّع الله عورته
يفضحه ولو في جوف رحله» .
وهكذا يتضح لنا
على ضوء الأحاديث النبوية وآي القرآن الكريم مساواة الناس وشمول الأحكام لهم ،
وأنّ ثبوت العدالة بالعمل ، ولا أثر لها بدونه ، والصحابة هم أولى بتنفيذها ،
والقول في اجتهادهم مطلقا يحتاج إلى مشقة في الإثبات ، والنتيجة عقيمة لا تثمر
كثير فائدة ، والتأويل في مقابلة النص معناه طرح للأحكام. فلا يصح أن يتأوّلوها
على خلاف ظاهرها ، ثم يستبيحوا لأنفسهم مخالفة الظاهر منها ، بل الأحكام شرعة
واحدة بين الناس لتشملهم عدالتها. فلا مجال لأحد عن الخضوع لها وتطبيقها.
ولنا في سياسة
الإمام علي بن أبي طالب ، وسيرته في عصر الخلفاء ، وفي عصره لأكبر دليل على ما
نقول :
فقد كان يقيم
الحد على من تعدّى حدود الله ، ويعامل كلّ واحد بما يقتضيه عمله ، وبقدر منزلته
عند الله تعظم منزلته عنده.
وكم كان يدعو
على أولئك الذين وسموا بالصحبة ، وخالفوا كتاب الله وسنّة رسوله ، ونصبوا له
الحرب.
وقد أعلن عليهالسلام البراءة منهم على منبره لأنّهم خالفوا كتاب الله وسنة
نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومن وقف على
عهوده عليهالسلام لعماله ، ووصاياه لأمراء جيشه ، ورسائله لولاة أمره ،
يعرف هناك عدم الالتزام بما ألزموا الأمة
__________________
به ، من القيود التي فرضتها ظروف خاصة ، وهو القول بعد الة الصحابي ، وإن
ارتكب ما حرّم الله.
والتحدث عن
سيرة عليّ لا يتسع له مجال هذا الموضوع الذي خضناه بهذه العجالة ، والغرض أن أصحاب
محمد صلىاللهعليهوآله لا بدّ أن يلتزموا باجتناب ما حرم الله تعالى ويهتدوا
بهدي رسوله صلىاللهعليهوآله ، ولم يفتحوا المجال لمتأوّل في مقابلة النص ،
وللاجتهاد شروط ، ولعلّ في قصة قدامة أكبر دليل على ذلك قدامة بن مضعون :
قدامة بن مضعون
بن حبيب المتوفى (سنة ٣٦ ه) كان من السابقين الأوّلين ، وهاجر الهجرتين ،
واستعمله عمر بن الخطاب على البحرين ، فقدم الجارود سيد عبد القيس على عمر بن
الخطاب من البحرين ، وشهد على قدامة أنه شرب الخمر فسكر ، فقال : من يشهد معك فقال
الجارود : أبو هريرة.
فقال عمر لأبي
هريرة : بم تشهد؟ قال : لم أره شرب الخمر ولكن رأيته سكران يقيء.
فقال عمر : لقد
تنطعت في الشهادة ، ثم كتب إلى قدامة أن يقدم عليه من البحرين فقدم ، فقال الجارود
: أقم على هذا حدّ الله.
فقال عمر :
أخصم أنت أم شهيد؟
فقال شهيد.
فقال : قد
أدّيت شهادتك.
ثم غدا الجارود
على عمر فقال :
أقم على هذا
حدّ الله.
فقال عمر :
ما أراك إلّا
خصما وما شهد معك إلّا رجل واحد.
فقال الجارود :
أنشدك الله.
فقال عمر :
لتمسكنّ لسانك أو لأسوأنّك.
فقال : يا عمر
ما ذاك بالحق أن يشرب ابن عمك الخمر وتسوءني.
فقال أبو هريرة
: يا أمير المؤمنين إن كنت تشك في شهادتنا فأرسل إلى ابنة الوليد فأسألها ـ وهي
امرأة قدامة ـ فأرسل عمر إلى هند بنت الوليد ينشدها ، فأقامت الشهادة على زوجها.
فقال عمر
لقدامة : إنّي حادّك ، فقال قدامة :
لو شربت كما
تقول ما كان لكم أن تحدّني.
فقال عمر : لم؟
قال قدامة :
قال الله عزوجل : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية.
فقال عمر :
أخطأت التأويل أنت إذا اتقيت الله اجتنبت ما حرّم الله ، ثم أقبل عمر على الناس
فقال :
ما ترون في جلد
قدامة؟
فقالوا : لا
نرى أن تجلده ما دام مريضا. فسكت على ذلك أيّاما ثم أصبح وقد عزم على جلده فقال :
ما ترون في جلد قدامة. فقالوا : لا نرى أن تجلده ما دام وجعا.
فقال عمر : لأن
يلقى الله تحت السياط أحبّ إليّ من أن ألقاه وهو في عنقي ، ائتوني بسوط تام. فأمر
به فجلد .
هذه قصة قدامة
، وإقامة الحد عليه ، وتأويله فيما ارتكبه ، ولم نوردها لنحط من كرامته ، أو نطعن
عليه في دينه ، فله شرف الهجرة
__________________
والسبق ، ولكنّا ذكرناها ليتّضح لنا عدم صحة ما يقولون ، بعدم مؤاخذة
المتأول ، وإن خالف الإجماع ، وما هو معلوم بالضرورة كقضيّة أبي الغادية وقتله
لعمّار بن ياسر مع اعترافه بأن ما ارتكبه جريمة توجب دخول النّار.
وهناك جماعة من
الصّحابة تأوّلوا فأخطأوا ، فلم يدرأ تأويلهم الحد لوقوعهم في الخطأ. منهم :
أبو جندل ،
وضرار بن الخطاب ، وأبو الأزور فقد وجدهم أبو عبيدة قد شربوا الخمر فأنكر عليهم.
فقال أبو جندل :
(لَيْسَ عَلَى
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ...) الآية ، ولم ينفعهم ذلك وأقام عليهم الحد.
فأين العدالة
من إقامة الحد.
وكان عبد
الرحمن بن عمر بن الخطاب قد شرب الخمر بمصر فأقام الحد عليه عمرو بن العاص إلى
كثير من ذلك .
* * *
سياسة عمر تجاه بعض الصحابة
وهذا عمر بن
الخطاب لم يثبت العدالة لأبي هريرة عند ما استعمله على البحرين فقدم بعشرة آلاف
فقال له عمر :
استأثرت بهذه
الأموال يا عدوّ الله ، وعدوّ كتابه.
فقال أبو هريرة
:
لست بعدوّ الله
، ولا عدوّ كتابه ، ولكن عدوّ من عاداهما.
__________________
فقال عمر : من
أين لك؟
قال : خيل نتجت
، وغلّة ، ورقيق لي ، وأعطية تتابعت .
وفي لفظ ابن
عبد ربه :
إنّ عمر دعا
أبا هريرة فقال له :
علمت أنّي
استعملتك على البحرين ، وأنت بلا نعلين ، ثم بلغني أنّك ابتعت أفراسا بألف دينار
وستمائة دينار قال :
كانت له أفراس
تناتجت ، وعطايا تلاحقت ، قال عمر :
قد حسبت لك
رزقك ومؤنتك وهذا فضل فأدّه.
قال أبو هريرة
: ليس لك ذلك.
قال : بلى أوجع
ظهرك ، ثم قام إليه بالدرّة فضربه حتى أدماه ، ثم قال :
ائت بها. قال
احتسبتها عند الله.
قال : لو
أخذتها من حلال ، وأدّيتها طائعا ، أجئت من أقصى البحرين تجبي الناس لك لا لله ،
ولا للمسلمين؟ ما رجعت به أميمة إلّا لرعيّة الحمر ، وأميمة أم أبي هريرة .
هكذا رأينا عمر
يقابل أبا هريرة بشدّة ، ويتّهمه بخيانة أموال المسلمين ، وينسبه لعداء الله ،
وعداء كتابه ، ولا يصدقه فيما يدّعيه. ولو كان أبو هريرة عادلا في نظر عمر لصدّق
قوله. ولقال أنت عادل ، أو مجتهد مخطىء ، وكذلك موقف عمر مع خالد بن الوليد في
جنايته الكبرى مع مالك بن نويرة.
ويحدثنا
البلاذري أنّ أبا المختار ، يزيد بن قيس ، رفع إلى عمر ابن الخطاب كلمة يشكو بها
عمال الأهواز وغيرهم يقول فيه :
__________________
أبلغ أمير
المؤمنين رسالة
|
|
فأنت أمين
الله في النهي والأمر
|
وأنت أمين
الله فينا ومن يكن
|
|
أمينا لرب العرش
يسلم له صدري
|
فأرسل إلى
الحجاج فاعرف حسابه
|
|
وأرسل إلى
جزء وارسل إلى بشر
|
ولا تنسينّ
النافعين كليهما
|
|
ولا ابن غلاب
من سراة بني نصر
|
إلى آخر
الرسالة وذكر فيها جماعة من عماله الذين استأثروا بالأموال ، وجلّهم من الصحابة ،
فعاقبهم عمر ، واتّهمهم بالخيانة ، والخيانة لا تجتمع مع العدالة.
ولا نطيل
الحديث حول قاعدة أصالة العدالة لكل صحابي ، أو تأويل الأخطاء لهم على وجه يلزم
السكوت عليه.
ما ذلك إلّا
تحدّ لنواميس الدين ، ومقدسات الشريعة ، ومجادلة بالباطل لحفظ كرامة معاوية وحزبه (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ
عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ
الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً).
__________________
المنافقون من الصحابة
ما جاء عنهم في سورة التوبة عن غزوة تبوك
ذكر البغوي
وغيره عن ابن عباس أنّه قال :
لم يكن رسول
الله يعرف المنافقين حتى نزلت سورة براءة وكان قبلها يعرف بعض صفاتهم وأقوالهم ،
وأفعالهم ممّا جاء عنهم في عدّة سور نزلت قبل سورة براءة ، منها سورة المنافقين ،
والأحزاب ، والنساء ، والأنفال ، والقتال ، والحشر.
أمّا سورة
براءة فقد فضحتهم ، وكشفت جميع أنواع نفاقهم الظاهرة ، والباطنة ومن أجل ذلك سميت (الفاضحة)
والمبعثرة ، والمشردة ، والمخزية ، والمثيرة ، والحافرة ، والمنكّلة ، والمدمدمة ،
وسورة العذاب!
وإليك بيان
أمورهم في غزوة تبوك ، وحدها ، وأعمالهم ، وآيات نفاقهم ، وهتك أستارهم ، وعقابهم
، مرتبة على سياق آيات سورة التوبة لا على الحروف :
__________________
١ ـ استئذانهم
في التخلف وهو لا يقع من مؤمن ، وإنّما يستأذن ترك الجهاد من لا يؤمن بالله ولا
بالآخرة (٤٦٧).
٢ ـ لو أرادوا
الخروج لأعدّوا له عدّة (٤٧١).
٣ ـ إنّ الله
كره انبعاثهم فثبطهم (٤٧١).
٤ ـ إنّهم لو
خرجوا في المؤمنين لم يزيدوهم إلّا خبالا ، ويبغون فتنتهم (٤٧٣).
٥ ـ إنّهم
اتبعوا الفتنة من قبل تبوك في غزوة أحد ، إذ أوقعوا الشقاق في المسلمين ، وثبطوا
بعضهم (٤٧٤).
٦ ـ إنّهم
قلبوا الأمور للنّبي من أوّل الأمر إلى أن جاء الحق بنصره وظهور أمر الله وهم
كارهون لذلك (٤٧٥).
٧ ـ إنّ منهم
من استأذن النبي في القعود معتذرا بأنه يخاف على نفسه الافتتان بجمال نساء الروم ،
فسقطوا في فتنة معصية الله ورسوله بالفعل (٤٧٧).
٨ ـ إنّ كلّ
حسنة تصيب النبي تسؤوهم ، وكلّ مصيبة تعرض له تسرّهم ، ويرون أنّهم أخذوا بالحزم
في التخلّف (٤٧٨).
٩ ـ إنّ
المؤمنين يتربصون بالمنافقين عذاب الله مباشرة أو بأيديهم (٤٧٩).
١٠ ـ إنّ
صدقاتهم لا تقبل لفسوقهم ، ولكفرهم ، وإتيانهم الصلاة وهم كسالى ، وإنفاق ما
ينفقون وهم كارهون (٤٨١).
١١ ـ تعذيبهم
بأموالهم وأولادهم في الدنيا وموتهم على كفرهم (٤٨٥ ـ ٥٧٤).
١٢ ـ حلفهم
للمؤمنين بأنّهم منهم ، ووصف خيبتهم ، وفرقهم منهم (٤٨٥).
١٣ ـ لمز بعضهم
للرسول في الصدقات ، فإن أعطوا منها رضوا ، وإلّا سخطوا (٤٨٧).
١٤ ـ إيذاؤهم
له (ص) بقولهم : هو أذن (٥١٦).
١٥ ـ حلفهم
للمؤمنين ليرضوهم دون إرضاء الله ورسوله (٥٢٢).
١٦ ـ حذرهم
إنزال سورة تنبئهم بما في قلوبهم ووعيدهم على استهزائهم باخراج ما يحذرون (٥٢٥).
١٧ ـ اعتذارهم
عن استهزائهم بأنّهم كانوا يقصدون الخوض واللّعب ، وكون هذا الخوض عين الكفر ،
ووعيدهم بتعذيب طائفة منهم بإصرارهم على إجرامهم ، واحتمال العفو عن طائفة أخرى (٥٢٨
ـ ٥٣٢).
١٨ ـ بيان حال
المنافقين وصفاتهم العامة ذكرانا ، وإناثا ، وإيقادهم هم والكفار نار جهنّم ولعنهم
إلخ (٥٣٣).
١٩ ـ تشبيههم
بمنافقي الأمم الغابرة في كونهم لا حظّ لهم إلّا الاستماع بما ذكروا في خوضهم
بالباطل ، وحبوط أعمالهم في الدنيا والآخرة مثلهم وخسارهم التام (٥٢٧). وتذكيرهم
بنبأ أقوام الأنبياء قبلهم (٥٣٩).
٢٠ ـ (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ
الْفاسِقُونَ.) الآية (٦٧).
٢١ ـ قرنهم
بالكفار في وجوب جهادهم والإغلاظ في معاملتهم ووعيدهم (٥٤٩).
٢٢ ـ حلفهم على
إنكار ما قالوا من كلمة الكفر ، وإثبات الله لما نفوه (وهمّهم بما لم ينالوا) أي
محاولة اغتياله (ص) (٥٥١ ـ ٥٥٥).
٢٣ ـ من عاهد
الله منهم على الصدقة في حالة العسر ، وإخلافه ،
وكذبه ، بعد الغنى واليسر ، وإعقابهم ذلك نفاقا يصحبهم إلى الحشر ، وجهلهم
علم الله بحالهم في السرّ والجهر (٥٥٨).
٢٤ ـ لمزهم
وعيبهم للمؤمنين في الصدقات ، وسخريتهم منهم. (٥٦٣).
٢٥ ـ حرمانهم
الانتفاع باستنفار الرسول لهم بكفرهم حتى بالله ورسوله لا يرجى اهتداؤهم بالرجوع
عن قسوتهم (٦٦٦).
٢٦ ـ فرح
المخلّفون منهم بمقعدهم خلاف رسول الله ، وتواصيهم بعدم النفر في الحر ، وتذكيرهم
بحرّ جهنّم (٥٦٩).
٢٧ ـ كون
الأجدر بهم أن يحزنوا ، ويضحكوا قليلا ويبكوا كثيرا (٥٧٢).
٢٨ ـ نهيه (ص)
عن الصلاة على موتاهم ، وتعليله بكفرهم وموتهم عليه (٥٧٣).
٢٩ ـ استئذان
أغنيائهم بالتخلّف عن الجهاد كلما نزلت سورة تأمر بالجمع بين الإيمان والجهاد (٥٨١).
٣٠ ـ حال
الأعراب ، واستئذان بعضهم بالقعود عن الجهاد ، وقعود الكاذبين بغير اعتذار ووعيدهم
بعذاب أليم على الكفر (٥٨٣).
نكتفي بذلك من
صفات المنافقين في غزوة تبوك التي جاءت بسورة التوبة ومن أراد المزيد من معرفة
سائر أعمال المنافقين فليرجع إلى سور : المنافقين ، والأحزاب ، والنساء ، والأنفال
، والقتال ، والحشر.
وفي الصحيحين
من حديث الإفك أنّ أسيد بن الخضير قال لسعد ابن عبادة :
إنّك منافق ،
تجادل عن المنافقين. واختصم الفريقان فأصلح النبي بينهم ـ فهؤلاء البدريون فيهم من
قال لآخر منهم :
إنّك منافق ،
ولم يكفّر النبي لا هذا ، ولا ذاك.
والأخبار في
ذلك كثيرة ومن شاء أن يقف على أسماء المنافقين من الخزرج والأوس فليرجع إلى الجزء
الأول من (أنساب الأشراف) يجد أسماءهم قد ملأت عشر صفحات كاملة من ص ٢٧٤ إلى ص
٢٨٣.
يفضلون التجارة واللهو عن الصلاة
ولا بأس أن
نورد هنا ما فعله الصحابة مع رسول الله ، وانفضاضهم من حوله إلى التجارة واللهو ،
وتفضيل ذلك على الصّلاة ، وتركهم إيّاه قائما وحده يصلّي يوم الجمعة وذلك بعد أن
أمرهم الله سبحانه بأن يسعوا إلى الصلاة ، ويتركوا البيع ، لأن ذلك خير لهم إن (كانُوا يَعْلَمُونَ) فخالفوا عن أمر الله ، وانصرفوا إلى تجارتهم ، ولهوهم ،
من حول رسول الله! وإليك هذه الآية الكريمة التي تفضحهم قال تعالى :
(وَإِذا رَأَوْا
تِجارَةً ، أَوْ لَهْواً ، انْفَضُّوا إِلَيْها ، وَتَرَكُوكَ قائِماً ، قُلْ ما
عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ ، وَمِنَ التِّجارَةِ ، وَاللهُ خَيْرُ
الرَّازِقِينَ) الجمعة : ١١.
نفاق الصحابة على عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وبعده
وإليك حديثا
رواه البخاري وغيره عن حذيفة بن اليمان يبيّن فيه نفاق الصحابة على عهد
النبي صلىاللهعليهوسلم وبعده.
قال حذيفة :
إنّ المنافقين اليوم ، شرّ منهم على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، كانوا يومئذ يسرون ، واليوم يجهرون! وفي رواية أخرى
للبخاري كذلك عنه :
__________________
قال : إنما كان
النفاق على عهد النبي (ص) ، فأما اليوم فإنّما هو الكفر بعد الإيمان. (وفي رواية)
: فإنما هو الكفر والإيمان.
وأخرج البزار
عن أبي وائل ، قلت لحذيفة : النّفاق اليوم شر أم على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال :
فضرب به على
جبهته وقال :
أوه : هو اليوم
ظاهر ، إنّما كانوا يستخفون على عهد رسول الله !
__________________
ويقول السمان :
«... ثم موقف
الخميني من أهل السنة».
يقصد الجاني
بكلامه هذا طعن الإمام الخميني بأهل السنة.
ولينظر القارىء
إلى مواقف الإمام الخميني المشرفة الواردة في تصريحاته حول التفاف المسلمين مع
بعضهم كما أكد القرآن الكريم على ذلك.
أقول :
|
ولنورد هنا للقارىء الكريم كلمة الإمام الخميني حول
وحدة المسلمين ـ لنرد بها مفتريات البحريني ـ والتي نشرتها وزارة الإرشاد
الإسلامية في إيران بمناسبة ميلاد رسول الإنسانية الأعظم محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في (٣ ـ ذي
القعدة عام ١٤٠١ ه) بمناسبة أسبوع الوحدة.
|
كلمة الإمام الخميني
حول وحدة المسلمين
من زاوية
المستشفى ، أنادي الشعوب الإفريقية ، والشرق الخاضع لسلطة الأجانب ، والبلدان التي
ترضخ للظلم ، أن يتّحدوا.
لقد سعى
العقلاء وعلماء الإسلام ، منذ صدر الإسلام إلى الآن ، لكي يتّحد المسلمون جميعا ،
ويصبحوا يدا واحدة على غير المسلمين. أينما وجد مسلم ، فعليه أن يتفاهم مع سائر
المسلمين.
يا أيّها
الزعماء ، يا مندوبي الدول المجتمعين في الجزائر العزيزة :
تعالوا نتحد
لنقطع أيدي المجرمين من اليسار واليمين وعلى رأسهم أمريكا ولنقطع جذور إسرائيل
ونعطي شعب فلسطين حقوقه.
إن الثورة
العظيمة للشعب الإيراني المناضل الشريف جاءت بعد قيام الثورات التحرريّة الأصيلة
للشعوب المناضلة في العالم ، وخصوصا الشعب الجزائري الشفيق البطل ، الذي كان سببا
في طرد أكبر السلطات الشيطانية وأتمنّى أن يكون دليلا لبقية الأمم المستضعفة ،
ومسلمي العالم ، ليتحدوا جميعا ويتعاونوا في قطع سيطرة المستعمرين خصوصا الشيطان
الأكبر أمريكا ، عن شعوبهم.
أتمنى أن تتّحد
الدول الإسلاميّة مع بعضها اتحادا كاملا فيقطعوا أيادي الإستعمار الشرقي والغربي
خصوصا أمريكا عنها.
أتمنى أن تتحد
الشعوب الإسلامية ويتعاونوا أكثر من ذي قبل فينتصروا على أعدائهم ، في الداخل
والخارج ، ويخرجوا من سيطرة المستعمرين في الشرق ، والغرب خصوصا أمريكا.
أتمنى أن يتمكن
المسلمون في العالم بالإستلهام من أحكام الشرع المقدس من قطع أيادي الاستعمار عن
بلدانهم ، وتحقيق الأهداف السامية للإسلام في أسرع وقت.
على المسلمين
أن يكونوا يدا واحدة على من سواهم ، وأن يتحدوا ويجتمعوا ، ولا يعتبروا أنفسهم
منفصلين عن بعضهم.
المسلمون مع
بعضهم يملكون قوة كبيرة وذخائر جمّة فلو اجتمعوا ، واتحدوا مع بعضهم فلا يحتاجون
إلى أيّة دولة مع كثرة عددهم ، ووفرة ثرواتهم.
أتمنّى من الله
أن يستيقظ المسلمون ويتحدوا ويكونوا إخوة مع بعضهم ، ويكفّوا عن الخلافات.
الحكومات تمتنع
عن الخلافات ، الشعوب يكونوا متحدين.
أسأل الله أن
يرفع هذه المشاكل إن شاء الله ليكون المسلمون يدا واحدة.
إنّ سرورنا
يكتمل في اليوم الّذي تقطع سلطة المستعمرين من الشرق والغرب ، وخصوصا أمريكا
المتجبّرة ، من رؤوس المسلمين ويتمكن جميع أتباع المدرسة الإسلامية المقدّسة من
كسب الاستقلال ، واسترجاع عظمتهم ، وشوكتهم ، وذلك بالأخوّة والتحابب الكامل فيما
بينهم.
أتمنى من الله
أن يوفق جميع الشعوب المستضعفة في العالم إلى الحريّة الكاملة ، والغلبة على
المعتدين وخصوصا أمريكا المتجبّرة ، وأتمنّى أن تتسارع الدول إلى مساعدة ، ومعاونة
شعوبها في هذا الطريق المقدس ، وبالأخوة والوحدة يقطعون جذور الاستعمار من بلادهم.
من الوظائف في
هذا الاجتماع العظيم (الحج) دعوة الناس والمجتمعات الإسلامية إلى وحدة الكلمة ،
ورفع الخلافات بين طبقات المسلمين ، وعلى الخطباء والكتاب أن يبدأوا العمل في هذه
المسألة الحيويّة ، ويجدّوا في إيجاد جبهة المستضعفين ، حتى يتمكنوا من الخروج من
أسر القوى الشيطانية للأجانب والمستعمرين ، والاستغلالييّن ، وذلك بوحدة الكلمة ،
وبشعار لا إله إلّا الله ، ويستطيعوا بالأخوة الإسلامية أن يتغلّبوا على مشاكلهم.
يا أيها
المسلمون في العالم ويا أتباع التوحيد : إنّ جميع مشاكل البلاد الإسلامية تنبع من
التفرقة واختلاف الكلمة ، وإن سرّ الانتصار يكمن في وحدة الكلمة ، وإيجاد التعاون.
قال الله تعالى
في جملة واحدة : (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.)
الاعتصام بحبل
الله يعني وحدة جميع المسلمين. كلّنا للإسلام ، ولا بد أن نعمل لصالح المسلمين ،
ونتجنّب التفرقة ، والتشتت الذي هو أساس جميع المصائب والتخلفات.
لا تخشوا القوى
الفارغة من الإيمان ، وبالاتكال على الله تعالى في هذه المواقف العظيمة (مواقف
الحج) اتحدوا واتفقوا مقابل جنود الشرك ، والشيطان ، وتجنّبوا النزاع والتفرقة.
أيها المسلمون
والمستضعفون في العالم : اتحدوا وتوجهوا إلى الله
والجأوا إلى الإسلام وتهجّموا على المستكبرين والمعتدين على حقوق الشعوب.
يا زوار بيت
الله اتّحدو مع بعضكم في المواقف ، والمشاعر الإلهية واطلبوا من الله النصر
للإسلام والمسلمين ومستضعفي العالم.
يجب علينا
جميعا أن نزجر الأعداء ونجعل شعارنا : الوحدة الإسلامية ، سوف ننتصر بالوحدة تحت
لواء لا اله إلا الله. ولا يمكن للمسلمين أن ينتصروا إلا بعد أن يعرفوا سرّ
الانتصار في إيران.
إنّ المصيبة
الكبرى للمسلمين هي البعد عن الإسلام والقرآن ، وإذا كان المسلمون يعملون حسب أمر
الله تبارك وتعالى إذ يقول : (وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.)
إذا كانوا
يعملون بهذا الأمر وهذا النهي لارتفعت جميع مشاكلهم السياسية ، والاجتماعية ،
والاقتصادية ، ولا تستطيع قوة ، ولا قدرة أن تقابلهم.
يبلغ عدد
المسلمين قرابة مليار مسلم ، فلماذا يحتل الصهاينة قدسنا مع أنّنا نملك مليارا من
البشر ولماذا تبقى الحكومات الأخرى تحت سلطة الأجانب.
فلو اتحد هؤلاء
مع بعضهم لكوّنوا حكومة كبيرة ، كل دولة تحكمها حكومتها ، والجميع نذهب تحت حكومة
الإسلام.
أحكام الإسلام
كلها صحيحة ، وقد أمرنا الإسلام أن نكون متحدين مع بعضنا ولا نتفرّق.
إذا اتّحدت
الشعوب فلا تستطيع حكومة ولا قوة أن تتغلب عليها.
المسلمون كلهم
اخوة متساوون ، ولا يختلف أحد عن الآخر ، ويجب أن يكونوا جميعا تحت لواء الإسلام
والتوحيد.
لو كانت هناك
وحدة كلمه إسلامية ، لما كان من المعقول أن يعيش مليار نسمة في العالم الإسلامي
تحت سلطة القوى الاستعمارية.
لو كانت هناك
وحدة كلمة إسلامية ، لما كان من المعقول أن يعيش مليار نسمة في العالم الإسلامي
تحت سلطة القوى الاستعمارية.
ولو كانت عزيمة
الإيمان ، ووحدة الكلمة تنضمّان إلى هذه القوة لما تغلّبت عليها أية قوة مهما بلغت
من العظمة.
يبتنى الإسلام
على الأخوة والمساواة ، والوحدة ، فالمسلمون كلهم يد واحدة.
على الدول
الإسلامية جميعا أن تكون متّحدة مع بعضها دون الأخذ بالاعتبار أيّة قوميّة ، أو
أيّة لغة ، فلتكن جميعها مثل أسنان المشط كما يريد الإسلام ، لأنّهم لو اتحدوا لما
وجّهت إليهم أيّة إصابة ولما استطاعت أيّة دولة أن تعتدي عليهم.
اتحدوا ... ففي
ظل اتحادكم يكون انتصاركم مؤكدا على القوى لعظمى.
الإسلام دين
الوحدة ، دين الأخوة ، ودين المساواة.
تعتبر إيران
للشعوب المستضعفة مثلا يحتذى به ، فلتنظر هذه الأمم المستضعفة إلى الشعب الإيراني
كيف وقف بيد مجرّدة وبقوّة الإيمان ووحدة الكلمة ، والتمسك بالإسلام ، أمام القوى
العظمى ، واستطاع أن يهزمها فليقتد سائر الشعوب بهذا النموذج الإسلامي ، والإيماني
، ولينهض المسلمون بل المستضعفون في جميع أنحاء العالم.
مثلما يروي
القرآن سيرة الأنبيآء ، يجب على المستضعفين أن
يتحدوا معا ، ويثوروا ضدّ المستكبرين ، ولا يسمحوا أن تضيّع حقوقهم.
لو اتحد
المسلمون جميعا لاكتسبوا تلك القوة التي لا تستطيع أيّة قوى أخرى أن تقف في وجهها.
على المسلمين
أن يكونوا صفا واحدا ، وأن يواجهوا القوى العظمى ، فلن تقدر أيّة قوة كبرى أن
تقابلهم.
إنّني أطلب من
جميع المسلمين في العالم ، وجميع الدول الإسلامية أن يتّحدوا مع بعضهم في سبيل قطع
دابر هذا الغاصب (إسرائيل) والمدافعين عنه.
... ويا
مستضعفي العالم : انهضوا وتوحّدوا ، وأبعدوا الظالمين عن الميدان ، فالأرض لله
ويرثها المستضعفون.
أتمنّى أن
يتأسّس حزب واحد باسم حزب المستضعفين في جميع أنحاء العالم وأن يشترك فيه جميع
المستضعفين ، وأن يحلّوا المشاكل التي تعترض طريق المستضعفين وينهضوا في وجه
المستكبرين والناهبين في الشرق والغرب.
لو اتحدت هذه
القوة ... قوّة المائة مليون عربي لما استطاعت أمريكا أن تصنع شيئا ، ولما استطاعت
أو روبا أيضا ، فلا أحد يقدر أن يفعل شيئا ، إلّا أن الدول العربيّة ليست متّحدة
...
نعم : إنّ ما
يفعله أولئك (القوى العظمى) أنّهم لا يسمحون لهؤلاء أن يتحدوا.
إنّهم إذا
أحسوا في أيّ حين أنّ الدول العربيّة تريد أن تتحد مع بعضها فإنهم يعملون على
إبطال هذه الوحدة .
__________________
الأزهر
في ١٢ عاما
نشأة الأزهر وتطوره
الفاطميون وإنشاء الأزهر
للفاطميين
أثران خالدان على مر الزمن ، هما : القاهرة والأزهر ، فقد أمر المعز لدين الله
قائده جوهر الصقلي ، بعد إنشاء القاهرة ، بإنشاء الجامع الأزهر ، فأرسى قواعد في
٢٤ جمادي الأولى سنة ٣٥٩ ه ، (٩٧٠ م) ، وصليت فيه أول جمعة في ٧ من رمضان سنة ٣٦١
ه.
الغرض من إنشاء الأزهر
أنشأ الفاطميون
الجامع الأزهر ، ليكون المسجد الرسمي الجامع للقاهرة العاصمة الجديدة ، أسوة
بالجامع الطولوني بالقطائع ، وبجامع عمرو بالفسطاط وليتلقى به الطلاب أصول المذهب
الشيعي ، مذهب الدولة الحاكمة ، على أساتذة شيعيين ، وليكون مركزا لنشر الدعوة
الفاطمية ، ومناهضة الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الأموية في قرطبة ، بغية
انتزاع زعامة العالم الإسلامي منهما.
تسميته
عرف الجامع الأزهر
، في أول الأمر ، باسم ـ جامع القاهرة ـ ثم سمي باسمه الحالي ، نسبة إلى السيدة
فاطمة الزهراء ، بنت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والتي تنتسب إليها الدولة الفاطمية ، أو لعل هذا
الإسم نسبة إلى كوكب الزهرة ، وكان يزمع إطلاق اسم الزهراء على مدينة القاهرة.
عمارة الأزهر وتطورها
أنشأ الجامع
كما تقدم جوهر الصقلي ، بأمر من المعز لدين الله الفاطمي ، وجدد فيه الحاكم بأمر
الله ، ثم أضاف إليه علاء الدين طيبرس المدرسة الطيبرسية ، ثم بنيت المدرسة
الأقبغاوية ، التي أنشأها الأمير أقبغا ، وهي المقابلة للمدرسة الطيبرسية ، وتشغل
مكانها الآن ، مكتبة الأزهر ، ثم أنشأ الأمير جوهر القنقبائي ، المدرسة الجوهرية
..
وممن جددوا في
عمارة الأزهر السلطان قايتباي ، والسلطان قانصوه الغوري ، وعبد الرحمن كتخدا الذي
جدد الجزء الأكبر من الأزهر.
وقد عني سلاطين
المماليك ، وأمراؤهم ، وغيرهم ، في مختلف العهود بانشاء الأروقة العديدة منها
أروقة الطيبرسية والأقبغاوية والأكراد والهنود والبغداديين والمغاربة والجاوة
والشوام والدكارنة والصعايدة والبرابرة والشراقوة والحرمين وغير ذلك من الأروقة
التي ضمت الكثير من طلاب البلاد الإسلامية في مختلف العهود.
مكانة الأزهر في العصور المختلفة
الأزهر في عهد الفاطميين
كان الأزهر في
عهد الفاطميين ، يمثل ركنا هاما من أركان الحياة الإسلامية والرسمية في الدولة ،
فبين جنباته ، كانت تقام الصلوات الخمس ، وصلاة الجمعة ، على حين كان جامع الدولة
، الذي يجتمع فيه الخلفاء بالشعب يوجهون ويأمرون ويعظون ، كما كان الخليفة يخطب
فيه بنفسه ، خطب الجمع في رمضان ، وخطب العيدين.
وأول كتاب درس
في الفقه بالأزهر ، كان على مذهب الشيعة ، وضعه أبو حنيفة النعمان بن محمد
القيرواني ، قاضي المعز لدين الله. وفي عام (٩٧٥ م) أملى علي بن النعمان ، على
جماعة بالأزهر ، مختصرا لكتاب والده سمي ب «الاختصار» وتوالى أبناء النعمان ، وهم
من المغرب ، على التدريس بالأزهر. ودرس بالأزهر أيضا ، كتاب في الفقه الشيعي ،
ألفه يعقوب بن كلس ، وزير المعز لدين الله ، والعزيز بالله ، وجعله أساسا لدروسه
في شهر رمضان ، وكان يقرؤه بنفسه على العامة والخاصة ، ويجلس في حلقته الفقهاء
والقضاة ، وأكابر رجال الدولة.
وكان ابن كلس
أول من فكر في اتخاذ الأزهر ، معهدا علميا
للدراسة ، إذ استأذن العزيز بالله ، في تعيين جماعة من الفقهاء للتدريس
بالأزهر.
ولقد أسهم
الأزهر في عهدي المعز لدين الله ، والعزيز بالله ، بنصيب كبير في الحركة العلمية ،
إذ كانت تعقد به ، حلقات لدراسة الدين واللغة والأدب والقراءات والنحو والمنطق
والفلك.
وفي عهد الحاكم
بأمر الله شاركت دار الحكمة الأزهر في الحياة العلمية. وكانت حلقات الدروس مجالا
خصبا للبحث والجدل والمناظرة ، واختصت المسائل الدينية بالمكانة الكبرى في تلك
الحلقات.
مستويات الدراسة بالأزهر في العصر الفاطمي
كانت الدراسة
في حلقات الأزهر تجري على الأنماط الآتية :
١ ـ بعض
الحلقات ، كان يجتمع فيها ، من رغبوا في الاستماع إلى تلاوة القرآن الكريم ، وشرحه
، وضمت هذه الحلقات ، من اتصفوا بالتقوى والورع ، وعنوا بتفهم كتاب الله.
٢ ـ وبعض
الحلقات ، كان يجتمع فيها الطلاب ، حول المدرسين ، يملون عليهم المسائل العلمية ،
ويجيبون على أسئلتهم ، ويتقبلون مناقشاتهم.
٣ ـ والبعض
الثالث من الحلقات كان لمحاضرات تلقى في أيام الإثنين والثلاثاء ، وأغلب ما تكون
هذه الحلقات للمثقفين ، وكانت تعقبها مناقشات في موضوع المحاضرة من فقه أو حديث أو
تفسير.
٤ ـ وبعض
الدروس ، كان يعقد للنساء اللائي أقبلن لتفهم بعض مسائل الدين.
الأزهر الجامع الرسمي للدولة
وبجانب ما كان
يؤديه الأزهر ، من خدمات دينية وعلمية ، في العهد الفاطمي ، كان كذلك ، مركزا
لتصريف بعض نواحي الحياة الرسمية في الدولة ، فكانت تعقد به الاجتماعات الهامة ،
لكتابة صيغ الاتفاقات الرسمية ، كما كان مركزا للاحتفالات الرسمية ، كالاحتفال
بمولد النبي الكريم ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والاحتفال بيوم عاشوراء ، وأيام الوقود.
من كل هذا ،
تتجلى مكانة الأزهر ، في عهد الفاطميين ، تلك المكانة الدينية والعلمية
والاجتماعية والرسمية ، التي كان له فيها جميعا مركز الصدارة ، منذ أرسيت قواعده .
وقال المستشار
عبد الحليم الجندي :
قامت الدولة
الفاطمية (نسبة إلى فاطمة الزهراء) في المغرب ثم مصر منتسبة إلى «إسماعيل» بن
الإمام جعفر الصادق ، وكان قد مات في حياة الصادق ..
في بلاد المغرب
ظهر عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطميّة سنة ٢٩٨ لتبقى دولة عظمى حتى سنة (٥٦٧
ه) فتحت جيوشها فسطاط مصر في ١٧ شعبان سنة ٣٥٨ (٧ / ٧ / ٩٦٩).
وفي ليلة الفتح
وضع جوهر الصقلي قائد الجيش حجارة الأساس لمدينة القاهرة. وتم بناؤها في رمضان سنة
(٣٧١ ه).
وفتح الأزهر
للصلاة في الشهر ذاته وهو يوافق يونيو سنة (٩٧٢ ه).
__________________
وفي صفر سنة (٣٦٥
ه) عقد القاضي أبو الحسن بن النعمان أول حلقاته في الجامع الأزهر ، فكان أول مدرس
فيه ـ فدرس للناس مختصر أبيه في فقه آل البيت.
وفي سنة (٣٦٦ ه)
عين أبو النعمان قاضيا للقضاة. فعرفت مصر هذه الوظيفة لأول مرة.
هكذا نشأ
الأزهر معهدا شيعيّا. ثم صار جامعة لكلّ علوم الإسلام.
وهكذا نشرت
الدولة الفاطمية ألوية الإسلام وعلوم الشيعة في مصر ، والشام ، والحجاز ، ووسط
آسيا ، وأقامت مدينة القاهرة ، وأنشأت الجامع الأزهر ، وخطب لها في مكة والمدينة
على المنابر.
وفي سنة (٤٥٠ ه)
خطب لها الخطباء على منابر بغداد لمدة نحو عام .
وقال الإمام
كاشف الغطاء نوّر الله ضريحه :
«من الواضح
الغنيّ عن البيان ما وصلت إليه حالة المسلمين ، ولا سيّما في هذه القرون الأخيرة ،
من الضعف والسقوط ، والذلّة ، وتحكّم الأجانب بهم واستعبادهم ، واستملاك أراضيهم ،
وديارهم ، وجعلهم خولا وعبيدا ، يستعملونهم كاستعمال البهائم في مصالحهم ،
__________________
ويستغلّونهم بوضع الأغلال في أعناقهم ، إلى ما فوق ذلك من الهوان والخسران
، ممّا لا يحيط به وصف واصف ، ولا تستطيع تصويره ريشة مصوّر ، كلّ ذلك جليّ واضح
.. وإنّ السبب الوحيد هو تفرّق المسلمين ، وتباغضهم ، وتعاديهم ، وسعي كل طائفة
منهم لتكفير الأخرى ، فإذا اعتقدوا كفرهم لا محالة يسعون في هلاكهم وإبادتهم ، ما
هو إلّا الجهل المطبق ، والعصبيّة العمياء ، فالجهل يمدّهم ويطغيهم ، ومكابد
الأجنبي المستعبد تشدّهم ، وتغرّ بهم ، وقد أفاضت أقلام الأعلام ، والخطباء وطفحت
الصحف والمؤلفات في هذا الموضوع حتى أو شك أن يكون من الأحاديث التي صار يمجّها
الطبع ، وينبو عنها السّمع ، لأن الطبع موكّل بمعاداة المعادات ، وكراهة المكرّرات»
.
__________________
نبذة من معتقدات الشيعة الإماميّة
قال الإمام
كاشف الغطاء طاب ثراه :
إنّ الدّين
ينحصر في قضايا خمس :
١ ـ معرفة
الخالق.
٢ ـ معرفة
المبلّغ عنه.
٣ ـ معرفة ما
تعبّد به والعمل به.
٤ ـ الأخذ
بالفضيلة ، وترك الرذيلة.
٥ ـ الاعتقاد
بالمعاد والدينونة. فالدين علم وعمل ، و (إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) والإسلام والإيمان مترادفان ، ويطلقان على معنى أعم
يعتمد على ثلاثة أركان :
التوحيد
والنبوّة والمعاد.
فلو أنكر الرجل
واحدا منها فليس بمسلم ، ولا مؤمن ، وإذا دان بتوحيد الله ، ونبوّة سيّد الأنبياء
محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، واعتقد بيوم الجزاء من آمن بالله ورسوله فهو مسلم حقا
، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم دمه ، وماله حرام ، ويطلقان أيضا على معنى أخص
يعتمد على تلك الأركان الثلاثة. وركن رابع وهو :
العمل بالدعائم
التي بني الإسلام عليها وهي خمس :
الصلاة ،
والصوم ، والزكاة ، والحج ، والجهاد.
وبالنظر إلى
هذا قالوا :
الإيمان اعتقاد
بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان.
(مَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً.)
فكل مورد في
القرآن اقتصر على ذكر الإيمان بالله ورسوله ، واليوم الآخر.
وكل مورد أضيف
إليه العمل الصالح يراد به المعنى الثاني.
والأصل في هذا
التقسيم قوله تعالى :
(قالَتِ الْأَعْرابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا ، وَلَمَّا يَدْخُلِ
الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤٩ / ١٤) وزاده إيضاحا بقوله بعدها :
(إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا ،
وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ ، وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ
الصَّادِقُونَ) (٤٩ / ١٥).
يعني : أن
الإيمان قول ويقين وعمل. فهذه الأركان الأربعة هي أصول الإسلام والإيمان بالمعنى
الأخص عند جمهور المسلمين.
ولكن الشيعة
الإمامية زادوا «ركنا خامسا» وهو : الاعتقاد بالإمامة.
يعني : أن
يعتقد أنّ الإمامة منصب إلهي كالنبوّة ، فكما أن الله سبحانه يختار من يشاء من
عباده للنبوة والرسالة ، ويؤيده بالمعجزة التي هي كنصّ من الله عليه.
(وَرَبُّكَ يَخْلُقُ
ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٢٨ / ٦٨).
فكذلك يختار
للإمامة من يشاء ، ويأمر نبيّه بالنّص عليه ، وأن
ينصبه إماما للناس من بعده للقيام بالوظائف التي كان على النبي أن يقوم بها
سوى أنّ الإمام لا يوحى إليه كالنّبي ، وإنّما يتلقى الأحكام منه مع تسديد إلهي.
فالنّبي مبلّغ
عن الله ، والإمام مبلغ عن النّبي. والإمامة متسلسلة في اثني عشر ، كلّ سابق ينصّ
على اللّاحق.
ويشترطون ، أن
يكون معصوما كالنّبي عن الخطأ والخطيئة. وإلّا زالت الثقة به والآية الكريمة من
قوله تعالى :
(إِنِّي جاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ : وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ : لا يَنالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ) (٢ / ١٢٤).
صريحة في لزوم
العصمة في الإمام لمن تدبّرها جيدا.
وأن يكون أفضل
أهل زمانه في كلّ فضيلة ، وأعلمهم بكلّ علم ، لأنّ الغرض منه تكميل البشر ، وتزكية
النّفوس ، وو تهذيبها بالعلم ، والعمل الصالح.
(هُوَ الَّذِي بَعَثَ
فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) (٦٢ / ٢).
والناقص لا
يكون مكمّلا ، والفاقد لا يكون معطيا.
فالإمام في
الكمالات دون النّبي ، وفوق البشر.
فمن اعتقد
بالإمامة بالمعنى الّذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص.
واذا اقتصر على
تلك الأركان الأربعة فهو مسلم ومؤمن بالمعنى الأعم. تترتب عليه جميع أحكام الإسلام
: من حرمة دمه ، وماله ، وعرضه ، ووجوب حفظه ، وحرمة غيبته وغير ذلك. لا أنّه بعدم
الاعتقاد
بالإمامة يخرج عن كونه مسلما .
المؤلف : أنشدك
الله يا (سمّان) من كان هذا اعتقاده هل يجوز ـ في شرع الإسلام ـ أن يقال في حقه
إنّه دخيل ومخالف للإسلام؟!!
أسأل الله
تعالى أن يحكم بيننا وبينك وبين البحريني وهو خير الحاكمين ، ولا حول ولا قوة إلا
بالله العليّ العظيم.
* * *
يقول السمان :
يقول الكاتب :
|
«وليعلم أن الشيعة الإمامية أخطر وأخبث الفرق التي
ظهرت في تاريخ الإسلام على الإسلام والمسلمين حيث كشفت الفرق عن هويتها وأفصحت
عن كفرها بينما الشيعة الإمامية أخذت تراوغ بما لديها من عقيدة التقية التي
بواسطتها تمكنت من طعن الإسلام» .
|
يظهر أن محمد
مال الله البحريني الجاهل بفهم آي القرآن لم يطرق سمعه قول الله تعالى :
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١٦ / ١٠٦).
وقوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (٤٠ / ٢٨).
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٣ / ٢٨).
__________________
كما سيأتي ولكن
البحريني هذا قد أعماه الله ، وأصمّه ، وأخزاه.
قال الله تعالى
: (وَمَنْ كانَ فِي
هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (١٧ / ٧٢).
وقال تعالى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى
وُجُوهِهِمْ عُمْياً ، وَبُكْماً ، وَصُمًّا ، مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما
خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) (١٧ / ٩٧).
ولكن البحريني
هذا لم يطلع على كتب وأخبار وتفسير أئمته وأصحابه أبناء العامة ولو كان لديه أدنى
إلمام ، أو معرفة بكتب الفقه ، أو الحديث ، أو التفسير لما قال :
«بينما
الإمامية أخذت ترواغ بما لديها من عقيدة التقية» . ومع الأسف إن هذا الجاهل ـ بكل معنى الكلمة ـ أصبح ممن
يدافع ـ حسب زعمه ـ عن الإسلام. (تعالوا على الإسلام نبكي ونلطم).
__________________
التقية في نظر الشيعة والسنة
أسباب نشوء التقية
هي : أنّ
السلطة الحاكمة قد صادرت حرية الرأي ، والعقيدة وتذرّعت بالتنكيل ، والخشونة
فالتجأ المسلمون إلى إبطان عقيدتهم حفاظا على أنفسهم ، ومذهبهم.
فإن كانت
التقيّة تعدّ جريمة فهي من فعل السياسات الحاكمة آنذاك.
والتقية :
إيمان صحيح ، وقانون طبيعي في ظلّ السلطات الجائرة.
عقيدة الشيعة الإمامية في التقيّة
قال العلامة
الكبير الشيخ محمد رضا المظفر :
__________________
روي عن صادق آل
البيت عليهمالسلام في الأثر الصحيح :
«التقية ديني
ودين آبائي» و «من لا تقيّة له لا دين له». وكذلك هي.
لقد كانت
التقية شعارا لآل البيت عليهمالسلام دفعا للضرر عنهم ، وعن أتباعهم ، وحقنا لدمائهم ،
واستصلاحا لحال المسلمين ، وجمعا لكلمتهم ، ولمّا لشعثهم ، وما زالت سمة تعرف بها
الإماميّة دون غيرها من الطوائف ، والأمم ، وكلّ إنسان إذا أحسّ بالخطر على نفسه ،
أو ماله بسبب نشر معتقده ، أو التظاهر به لا بد أن يتكتّم ، ويتّقي مواضع الخطر.
وهذا أمر تقتضيه فطرة العقول.
من المعلوم أن
الإمامية وأئمتهم لاقوا من ضروب المحن ، وصنوف الضيق على حرياتهم في جميع العهود
ما لم تلاقه أية طائفة ، أو أمة أخرى ، فاضطروا في أكثر عهودهم إلى استعمال التقية
بمكانة المخالفين لهم ، وترك مظاهرتهم ، وستر عقائدهم ، وأعمالهم المختصة بهم عنهم
، لما كان يعقب ذلك من الضّرر في الدنيا.
ولهذا السبب
امتازوا «بالتقيّة» وعرفوا بها دون سواهم.
وللتقية أحكام
من حيث وجوبها ، وعدم وجوبها بحسب اختلاف مواقع خوف الضّرر مذكورة في أبوابها في
كتب العلماء الفقهيّة.
وليست هي
بواجبة على كل حال ، بل قد يجوز ، أو يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في
إظهار الحق ، والتظاهر به نصرة
__________________
للدين ، وخدمة للإسلام ، وجهاد في سبيله ، فإنّه يستهان بالأموال ، ولا
تعزّ النفوس.
وقد تحرم
التقية في الأمور التي تستوجب قتل النفوس المحترمة ، أو رواجا للباطل ، أو فسادا
في الدين ، أو ضررا بالغا على المسلمين بإضلالهم ، أو بإفشاء الظلم والجور فيهم [أو
السبب بتفريقهم ، وتمزيق شملهم].
وعلى كل حال
ليس معنى التقية عند الإمامية أنّها تجعل منهم جماعة سرّية لغاية الهدم ، والتخريب
، كما يريد أن يصوّرها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها ، ولا
يكلّفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.
كما أنّه ليس
معناها أنّها تجعل الدين ، وأحكامه سرّا من الأسرار ، لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين
به ، كيف وكتب الإمامية ، ومؤلفاتهم فيما يخصّ الفقه والأحكام ، ومباحث الكلام ،
والمعتقدات قد ملأت الخافقين ، وتجاوزت الحدّ الذي ينتظر من أية أمّة أن تدين
بدينها.
بلى : إنّ
عقيدتنا في التقية قد استغلّها من أراد التشنيع على الإمامية فجعلوها من جملة المطاعن فيهم ، وكأنهم كان لا يشفي
غليلهم إلّا أن تقدّم رقابهم إلى السيوف لاستئصالهم عن آخرهم في تلك العصور التي
يكفي فيها أن يقال : هذا رجل شيعي ليلاقي حتفه على يد أعداء آل البيت من الأمويين
والعباسيّين بل العثمانيّين.
__________________
وإذا كان طعن
من أراد أن يطعن يستند إلى عدم زعم مشروعيّتها من ناحية دينيّة فإنّا نقول له :
أوّلا : إنّنا
متّبعون لأئمتنا عليهمالسلام ، ونحن نهتدي بهداهم ، وهم أمرونا بها ، وفرضوها علينا
وقت الحاجة ، وعندهم من الدين ، وقد سمعت قول الصادق عليهالسلام :
«من لا تقيّة
له لا دين له».
وثانيا : قد
ورد تشريعها في القرآن الكريم ذلك قوله تعالى :
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) النحل : الآية ١٠٦.
وقد نزلت هذه
الآية في عمار بن ياسر الّذي التجأ إلى التظاهر بالكفر خوفا من أعداء الإسلام
وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً.) وقوله تعالى : (وَقالَ رَجُلٌ
مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) (المؤمن : ٢٨) .
__________________
التقية في نظر علماء السنّة
١ ـ قال الفخر
الرازي في تفسير قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً.)
(المسألة
الرابعة) : اعلم أن للتقيّة أحكاما كثيرة ونحن نذكر بعضها :
الحكم الأول :
إنّ التقيّة إنّما تكون إذا كان الرجل في قوم كفّار ، ويخاف منهم على نفسه ، وماله
فيداريهم بالّلسان ، وذلك بأن لا يظهر العداوة بالّلسان بل يجوز أيضا أن يظهر
الكلام الموهم للمحبّة والموالاة ، ولكن بشرط أن يضمر خلافه وأن يعرض في كلّ ما
يقول ، فإنّ للتقيّة تأثيرها في الظاهر لا في أحوال القلوب ..
الحكم الرابع :
ظاهر الآية يدلّ أنّ التقيّة إنّما تحلّ مع الكفّار الغالبين ، إلّا أنّ مذهب
الشافعي رضي الله عنه :
إنّ الحالة بين
المسلمين إذا شاكلت الحالة بين المسلمين والكافرين حلّت التقيّة محاماة على
النّفس.
الحكم الخامس :
التقيّة جائزة لصون النّفس ، وهل هي جائزة
لصون المال؟ يحتمل أن يحكم فيها بالجواز لقوله صلىاللهعليهوسلم :
«حرمة مال
المسلم كحرمة دمه».
ولقوله صلىاللهعليهوسلم :
«من قتل دون
ماله فهو شهيد» .
٢ ـ وقال
الزمخشري في تفسيره :
في تفسير قوله
تعالى : (إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً :) رخّص لهم في موالاتهم إذا خافوهم ، والمراد بتلك
الموالاة محالفة ، ومعاشرة ظاهرة والقلب مطمئن بالعداوة ، والبغضاء ، وانتظار زوال
المانع من قشر العصا ، وإظهار الطّرية ... .
٣ ـ وقال
الخازن في تفسيره :
التقيّة لا
تكون إلّا مع خوف القتل مع سلامة النيّة قال الله تعالى :
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٦٠ / ١٠٦). ثم هذه التقيّة رخصة ... الخ .
٤ ـ وقال
النسفي في تفسيره :
(إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا
مِنْهُمْ تُقاةً) (٣ / ٢٨). إلّا أن تخافون جهتهم أمرا يجب اتّقاؤه. أي ألّا يكون للكافر
عليك سلطان فتخافه على نفسك ، ومالك فحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة ، وإبطان
المعاداة .
__________________
٥ ـ وقال
الخطيب الشربيني في تفسيره :
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) أي على التلفظ بالكفر فتلفّظ به (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فلا شيء عليه ، لأن محلّ الإيمان هو القلب ... .
٦ ـ وقال
النيسابوري في تفسيره :
(فَلا تَخْشَوْهُمْ
وَاخْشَوْنِ) قيل : في الآية دليل على أنّ التقية جائزة عند الخوف
لأنّه علّل إظهار هذه الشرايع بزوال الخوف من الكفار .
٧ ـ وقال
الزمخشري في تفسيره :
روي أنّ أناسا
من أهل مكّة فتنوا فارتدّوا عن الإسلام بعد دخولهم فيه ، وكان فيهم من أكره ،
وأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان. منهم عمار بن ياسر ، وأبواه : ياسر
، وسميّة ، وصهيب ، وبلال ، وخباب ، عذّبوا ..
فأما عمار
فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها ... الخ
٨ ـ وقال
اسماعيل حقّي في تفسيره :
(إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) أجبر على ذلك التلفظ بأمر يخاف على نفسه ، أو على عضو
من أعضائه .. لأن الكفر اعتقاد ، والإكراه على القول دون الاعتقاد ، والمعنى : لكن
المكره على الكفر باللسان (وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) لم تتغيّر عقيدته. وفيه دليل على أن الإيمان المنجي
المعتبر عند الله هو التصديق بالقلب .
__________________
٩ ـ وقال
الطبري في تفسيره :
(إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال أبو العالية :
التقية
باللّسان ، وليس بالعمل. حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد
قال : سمعت الضحّاك يقول في قوله : (إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال : التقيّة باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو لله
معصية فتكلّم مخافة على نفسه (وَقَلْبُهُ
مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) فلا إثم عليه. إنّما التقية باللسان .
١٠ ـ وقال
الحافظ ابن ماجة :
والإيتاء :
معناه : الإعطاء : أي وافقوا المشركين على ما أرادوا منهم تقيّة ، والتقية في مثل
هذه الحال جائزة لقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ
وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ).
١١ ـ وقال
القرطبي في تفسير هذه الآية .
وقال الحسن :
التّقية جائزة للإنسان إلى يوم القيامة .
وقال القرطبي :
أجمع أهل العام
على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل ، أنّه لا إثم عليه إن كفر وقلبه
مطمئن بالإيمان ولا تبين منه زوجته ، ولا يحكم عليه بحكم الكفر. هذا قول مالك
والكوفيين والشافعي. (الجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ١٨٢ ط : دار الكتب المصرية
بالقاهرة).
__________________
١٢ ـ وقال الألوسي
في تفسير هذه الآية :
وفي الآية دليل
على مشروعية التقية وعرّفوها بمحافظة النفس. أو العرض. أو المال من شر الأعداء ،
والعدو قسمان :
الأول : من كانت عداوته مبنيّة على اختلاف الدين كالكافر
والمسلم.
والثاني
: من كانت
عداوته مبنيّة على أغراض دنيويّة كالمال والمتاع والملك والإمارة. (روح المعاني :
٣ / ١٢١ ط إدارة المطبعة المنيرية بمصر).
١٣ ـ وقال جمال
الدين القاسمي :
ومن هذه الآية (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً
:)
استنبط الأئمة
مشروعية التقية عند الخوف وقد نقل الإجماع على جوازها عند ذلك الإمام مرتضى
اليماني في كتابه : (إيثار الحق على الحق) فقال ما نصه :
وزاد الحق
غموضا وخفاء أمران :
أحدهما : خوف العارفين مع قلّتهم ، من علماء السوء ، وسلاطين
الجور ، وشياطين الخلق ، مع جواز التقيّة عند ذلك بنصّ القرآن ، وإجماع أهل
الإسلام ، وما زال الخوف مانعا من إظهار الحق ، ولا برح المحق عدوّا لأكثر الخلق
وقد صحّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال في ذلك العصر الأول حفظت من رسول الله
(ص) دعاءين فأمّا أحدهما فبثثته في الناس ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع هذا
البلعوم. (محاسن التأويل ٤ / ٨٢ ط مصر).
١٤ ـ وقال
المراغي :
(إِلَّا أَنْ
تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً)
:
__________________
أي ترك موالاة
المؤمنين للكافرين حتم لازم في كل حال إلّا في حال الخوف من شيء تتّقونه منهم ،
فلكم حينئذ أن تتقوهم بقدر ما يتّقى ذلك الشيء ، إذ القاعدة الشرعية «أن درء المفاسد
مقدم على جلب المصالح».
وإذا جازت
موالاتهم لاتقاء الضّرر فأولى أن تجوز لمنفعة المسلمين ، وإذا فلا مانع من أن
تحالف دولة إسلامية دولة غير مسلمة لفائدة تعود إلى الأولى إمّا بدفع ضرر ، أو جلب
منفعة ، وليس لها أن تواليها في شيء يضرّ المسلمين ، ولا تختص هذه الموالاة بحال
الضعف ، بل هي جائزة في كلّ وقت.
وقد استنبط
العلماء من هذه الآية جواز التقية بأن يقول الإنسان أو يفعل من يخالف الحق ، لأجل
التوقي من ضرر من الأعداء يعود إلى النفس ، أو العرض ، أو المال.
فمن نطق بكلمة
الكفر ، مكرها ، وقاية لنفسه من الهلاك ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، لا يكون كافرا ،
بل يعذر كما فعل عمار بن ياسر حين أكرهته قريش على الكفر فوافقها مكرها وقلبه
مطمئن بالإيمان وفيه نزلت الآية :
(مَنْ كَفَرَ بِاللهِ
مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ
...)
ثم قال المراغي
:
ويدخل في
التقية مداراة الكفرة ، والظلمة ، والفسقة ، وإلانة الكلام لهم ، والتّبسّم في
وجوههم ، وبذل المال لهم ، لكفّ أذاهم ، وصيانة العرض منهم ، ولا يعدّ هذا من
الموالاة المنهي عنها بل هو مشروع ؛ فقد أخرج الطبراني قوله صلىاللهعليهوسلم : «ما وقى به
المؤمن عرضه فهو صدقة» .
ويقول السّمان
:
|
«وتحريف الشيعة للقرآن يعتمد على الإضافة التي تذكر
صراحة اسم علي وآل البيت ، وتؤكد أن آل البيت هم الورثة الشرعيون لوراثة محمد» .
|
قال العلامة
جلال الدين السيوطي :
«وأخرج ابن أبي
حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال : نزلت هذه الآية : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم (غدير خم) في علي بن أبي طالب .
وأخرج ابن
مردويه عن ابن مسعود قال :
كنّا نقرأ على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
يا أيّها
الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك أن عليّا مولى المؤمنين ، وإن لم تفعل فما بلّغت
رسالته ، والله يعصمك من النّاس .
وأخرج ابن أبي
حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عساكر ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنّه كان يقرأ
هذا الحرف :
وكفى الله
المؤمنين القتال بعلّي بن أبي طالب .
المؤلف : هذه
النصوص المتقدمة لا تهتّم بها الشيعة الإمامية ولا
__________________
تحفل بها ، وتغضّ النّظر عنها بل تهملها ، ولا تنظر إليها بنظر الاعتبار
لصراحتها في تحريف القرآن ، وإن الاعتقاد بتحريف القرآن يجرّ إلى الطعن بالقرآن ، والطعن
بالقرآن يجر إلى الكفر ، وفي إلزام الأئمة الاثني عشر شيعتهم على التمسك بهذا
القرآن المتداول بأيدي المسلمين ، والأخذ بما فيه وعرض أحاديثهم عليهمالسلام عليه للأخذ بما يوافقه ، والترك لما يخالفه دليل على
عدم نقصه وقوله تعالى :
(لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) و (إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فيهما المزيد من الكفاية في عدم إطراء النقص ، والتحريف
عليه.
وسنأتي بمجموعة
من آراء علمائنا الأعلام الشيعة الإمامية من القرن الثالث الهجري حتى العصر الحاضر
(القرن الخامس عشر) تثبت عدم الزيادة والنقيصة في القرآن الكريم.
وكما أنّنا
سنورد نصوص بعض جهابذة وأعلام أبناء السنة الواردة في تحريف القرآن الكريم نقلناها
من صحاحهم ومسانيدهم».
ومن أدعياء
الإسلام وحثالة رجال هذا العصر من ينسب أحاديث تحريف القرآن إلى الشيعة الإمامية
وهم أمثال :
الباكستاني :
إحسان إلهي ظهير ، والبحريني : محمد مال الله ، وعبد الله محمد الغريب ، وابراهيم الجبهان ، وأحمد محمد التركماني .
__________________
فإن هؤلاء
الجهّال ينسبون التحريف إلى الشيعة الإمامية مع العلم أن الأحاديث الواردة في
التحريف التقطناها من صحاحهم ، ومسانيدهم ، وتفاسيرهم وأوردناها في هذا الكتاب
ليقف عليها القارىء النبيل وليحكم (بعد الاطلاع الكامل ، والوقوف على المصادر) على
إحدى الطائفتين برأيه الثاقب.
وقال العلامة
المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (طاب ثراه) :
وعن الشيخ
البهائي رحمهالله قال :
وما اشتهر بين
الناس من إسقاط إسم أمير المؤمنين عليهالسلام في بعض المواضع مثل قوله تعالى :
يا أيها الرسول
بلّغ ما أنزل إليك من ربّك (في عليّ) فهو غير معتبر عند العلماء .
ـ يقصد علماء
الشيعة الإمامية ـ
__________________
(١)
الآيات القرآنية
المحرّفة
في بعض كتب العامة
مرتبة
على حروف المعجم
أخرج العلامة
السيوطي عن ابن عمر قال :
ليقولن أحدكم
قد أخذت القرآن كلّه ، وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير ، ولكن ليقل قد
أخذت منه ما ظهر.
|
الإتقان ٣ /
٢٥ ط مصر
روح المعاني
١ / ٢٥
الدر المنثور
٢ / ٢٩٨ ط مصر
|
نبذ من الأحاديث الواردة
في
تحريف القرآن
ملتقطة من صحاح العامة ومسانيدهم
رأي السنة في جمع القرآن
قال الأستاذ
العلامة مفتي مكة السيد أحمد زين دحلان :
وفي حديث : أنّ
أبا بكر أمر زيد بن ثابت بجمع القرآن من الرقاع ، والأكتاف ، والكتب ، وصدور
الرجال فجمع في مصحف إلى أن كان زمن خلافة عثمان فجمع في المصاحف فما جمعه عثمان
إلّا من الصحف التي جمعها أبو بكر. (الفتوحات الإسلامية : ٢ / ٣٦٥ طبعة مصر).
* * *
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان
قال العلّامة
الكبير الشيخ محمود أبو رية طاب ثراه :
قال ابن التين
وغيره :
الفرق بين جمع
أبي بكر وجمع عثمان ، أنّ جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب
حملته لأنّه لم يكن مجموعا في موضع واحد ، فجمعه في صحائف مرتبا لآياته وسوره على
ما وقفهم
النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة ، حتى
قرأوا بلغاتهم من اتساع اللّغات ، فأدّى ذلك إلى تخطئه بعضهم بعضا ، فخشي من تفاقم
الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتّبا لسوره ، واقتصر من سائر اللّغات
على لغة قريش ، محتجا بأنّه نزل بلغتهم ، وإن كان قد وسع في قراءته بلغة غيرهم ،
رفعا للحرج ، والمشقّة في ابتداء الأمر ، فرأى أنّ الحاجة في ذلك قد انتهت فاقتصر
على لغة واحدة. (أضواء على السنة المحمدية ص ٢٥١ الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر).
وقال الشيخ
محمود ابو ريه طاب ثراه :
غريبة توجب الحيرة
من أغرب الأمور
، ومما يدعو إلى الحيرة أنهم لم يذكروا اسم علّي رضي الله عنه فيمن عهد إليهم بجمع
القرآن ، وكتابته لا في عهد أبي بكر ، ولا في عهد عثمان : ويذكرون غيره ممن هم أقل
منه درجة في العلم ، والفقه! فهل كان علّي لا يحسن شيئا من هذا الأمر؟ أو كان من
غير الموثوق بهم؟ أو ممّن لا يصحّ استشارتهم ، أو إشراكهم في هذا الأمر؟
اللهمّ إنّ
العقل ، والمنطق ليقضيان بأن يكون علي أوّل من يعهد إليه بهذا الأمر ، وأعظم من
يشارك فيه ، وذلك بما أتيح له من صفات ، ومزايا ، لم تتهيّأ لغيره من بين الصحابة
جميعا ـ فقد ربّاه النبي (صلىاللهعليهوسلم) على عينه ، وعاش زمنا طويلا تحت كنفه ، وشهد الوحي من
أوّل نزوله إلى يوم انقطاعه ، بحيث لم يند عنه آية من آياته!!
فإذا لم يدع
إلى هذا الأمر الخطير فإلى أيّ شيء يدعى؟!
وإذا كانوا قد
انتحلوا معاذير ليسوّغوا بها تخطيّهم إيّاه في أمر خلافة
أبي بكر فلم يسألوه عنها ، ولم يستشيروه فيها ، فبأي شيء يعتذرون من عدم
دعوته لأمر كتابة القرآن؟ فبماذا نعللّ ذلك؟ وبماذا يحكم القاضي العادل فيه؟ حقا
إن الأمر لعجيب وما علينا إلّا أن نقول كلمة لا نملك غيرها وهي :
لك الله يا علي!
ما أنصفوك في شيء!. (أضواء على السنة المحمدية ص ٢٤٩ الطبعة الثالثة لدار المعارف
بمصر).
بعض الروايات الواردة في تحريف القرآن من طرق العامة
|
قال العلّامة جلال الدين السيوطي :
أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعا : القرآن ألف
ألف حرف وسبعة وعشرون ألف حرف. فمن قرأه صابرا محتسبا كان له بكلّ حرف زوجة من
الحور العين. رجاله ثقاة ، ثم قال السيوطي : وقد حمل ذلك على ما نسخ رسمه من
القرآن أيضا إذ الموجود الآن لا يبلغ هذا العدد.
الإتقان في
علوم القرآن ٢ / ٧٠ ط مصر
|
(إِذْ جَعَلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا.)
أخرج المتّقي
الهندي عن أبي إدريس الخولاني قال :
كان أبيّ يقرأ
: إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية ولو حميتم كما حموا نفسه
لفسد المسجد الحرام ، فأنزل الله
__________________
سكينته على رسوله ، فبلغ ذلك عمر فاشتدّ عليه فبعث إليه فدخل عليه ، فدعا
ناسا من أصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال :
من يقرأ منكم
سورة الفتح؟ فقرأ زيد على قراءتنا اليوم ، فغلّظ له عمر ، فقال أبيّ : لأتكلّم ،
قال تكلّم قال : لقد علمت أنّي كنت أدخل على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وتقرّبني وأنت بالباب ، فإن أحببت أن أقرىء الناس على
ما أقرأني أقرأت ، وإلا لم أقرىء حرفا ما حييت. (كنز العمال ٢ / ٥٦٨ رقم الحديث
٤٧٤٥ ط بيروت).
إنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم
قال الحافظ
جلال الدين السيوطي :
أخرج ابن عبد
البرّ في (التمهيد) من طريق عدي بن عدي بن عمرة بن قزوة أنّ عمر بن الخطاب قال
لأبيّ :
أو ليس كنّا
نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله : أنّ انتفاءكم من آبائكم كفر بكم.
قال بلى. (الدر
المنثور في التفسير المأثور : ١ / ١٠٦).
أن جاهدوا كما جاهدتم
عن المسوّر بن
مخرمة ، قال : قال عمر لعبد الرحمن بن عوف :
ألم تجد فيما
أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرة ، فإنّا لم نجدها.
قال : أسقط
فيما أسقط من القرآن.
منتخب كنز
العمّال بهامش مسند الإمام أحمد : ٢ / ٤٢ طبعة مصر.
الدر المنثور
في التفسير بالمأثور ١ / ١٠٦ ، ٢ / ٢٩٨ طبعة مصر
الإتقان في
علوم القرآن : ٢ / ٢٥ طبعة مصر
(إِنَّ اللهَ
وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ)
عن ابن جريج ،
أخبرني ابن أبي حميد ، عن حميدة بنت أبي يونس قالت :
قرأ عليّ أبي
وهو ابن ثمانين سنة في مصحف عائشة :
إن الله
وملائكته يصلّون على النبي ، يا أيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما وعلى
الّذين يصلّون الصفوف الأول.
قالت قبل أن
يغيّر عثمان المصاحف. (الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥ طبعة مصر). (تفسير روح
المعاني للألوسي : ١ / ٢٥ طبعة المطبعة المنيرية بمصر).
(إِنَّ الَّذِينَ
آمَنُوا وَهاجَرُوا)
عن أبي سفيان
الكلاعي :
أنّ مسلمة بن
مخلّد الأنصاري قال لهم ذات يوم :
إخبروني بآيتين
في المصحف لم يخبروه ، وعندهم : أبو الكنود سعد بن مالك.
فقال مسلمة :
إنّ الّذين
آمنوا وهاجروا في سبيل الله بأموالهم ، وأنفسهم. ألا فابشروا أنتم المفلحون ،
والذين آووهم ، ونصروهم ، وجادلوا عنهم القوم الذين غضب الله عليهم ، أولئك لا
تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين جزاء بما كانوا يعملون. (الإتقان في علوم
القرآن : ٢ / ٢٥).
إنّ الله سيؤيّد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم
أخرج أبو عبيد
في فضائله ، وابن الضرّيس عن أبي موسى
الأشعري قال : نزلت سورة شديدة نحو (براءة) في الشدّة ثم رفعت ، وحفظت منها
:
إنّ الله سيؤيد
هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم. (الدر المنثور : ١ / ١٠٥ ، الإتقان في علوم القرآن
: ٢ / ٢٥).
وقال أبو عبيد
: حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة ، عن عليّ بن زيد ، عن أبي حرب بن الأسود ، عن أبي
موسى الأشعري قال :
نزلت سورة نحو
براءة ، ثم رفعت ، وحفظ منها :
إن الله سيؤيّد
هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم ، ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنّى واديا ثالثا
، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب. (الدر المنثور في
التفسير بالمأثور : ٦ / ٣٧٨).
«أن بلّغوا عنّا قومنا»
قال الحافظ
جلال الدين السيوطي :
وفي الصحيحين
عن أنس في قصّة أصحاب بئر معونة الذين قتلوا ، وقنت يدعو على قاتليهم.
قال أنس : ونزل
فيهم قرآن قرأناه حتى رفع :
أن بلّغوا عنّا
قومنا ، إنّا لقينا ربّنا فرضي عنّا ، وأرضانا.
وفي المستدرك :
عن حذيفة قال :
ما تقرأون
ربعها يعني : براءة.
ثم قال السيوطي
:
وقال في (البرهان)
: في قول عمر : لو لا أن تقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها يعني : آية
الرجم.
ظاهره : إن
كتابتها كانت جائزة ، وإنّما منعه قول الناس ، والجائز في نفسه قد يقوم من خارج ما
يمنعه ، فإذا كانت جائزة لزم أن تكون ثابتة لأن هذا شأن المكتوب ... (الإتقان في
علوم القرآن : ٢ / ٢٥).
«النّبي أولى بالمؤمنين وهو أب لهم»
أخرج المتّقي
الهندي عن بجالة قال :
مرّ عمر بن
الخطاب بغلام وهو يقرأ في المصحف :
النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمّهاتهم ، وهو أب لهم.
فقال يا غلام
حكّها.
قال : هذا مصحف
أبيّ ، فذهب إليه فسأله فقال :
إنّه كان
يلهيني القرآن ، ويلهيك الصفق بالأسواق. (منتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد
: ٢ / ٤٣ ، كنز العمال ٢ / ٥٦٩ رقم الحديث ٤٧٤٦ ط بيروت).
وأخرج
الفاريابي ، وابن مردويه ، والحاكم ، والبيهقي في سننه ، عن ابن عباس رضي الله
عنهما أنّه كان يقرأ هذه الآية :
النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم ، وأزواجه أمهاتهم.
وأخرج الفاريابي
، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه
أنّه قرأ :
«النّبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم ، وهو أب لهم».
وأخرج ابن أبي
حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال :
كان في الحرف
الأول :
«النبي أولى
بالمؤمنين من أنفسهم وهو أب لهم». (الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ٥ / ١٨٣).
* * *
حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى
أخرج ابن أبي
شيبة ، عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أنّها استكتبت مصحفا فلما بلغت : حافظوا
على الصلوات ، والصلاة الوسطى قالت :
اكتب : العصر. (كتاب
المصنّف في الأحاديث والآثار لإبن أبي شيبة ٢ / ٥٠٤ طبع دار السلطنة بمبيء ـ الهند).
وقال العلامة
جلال الدين السيوطي :
أخرج عبد
الرزاق ، والبخاري في تاريخه ، وابن جرير ، وابن أبي داود في (المصاحف) عن أبي
رافع مولى حفصة قال :
استكتبتني حفصة
مصحفا فقالت :
إذا أتيت على
هذه الآية ، فتعال حتى أمليها عليك كما أقرئتها ، فما أتيت على هذه الآية : حافظوا
على الصلوات.
قالت : اكتب :
حافظوا على الصّلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر. فلقيت أبي بن كعب فقلت :
أبا المنذر إنّ
حفصة قالت : كذا ، وكذا.
فقال : هو كما
قالت ، أو ليس أشغل ما نكون عند صلاة الظهر في عملنا ، ونواضحنا.
وأخرج مالك ،
وأبو عبيد ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن جرير ، وابن الأنباري في (المصاحف) ،
والبيهقي في (سننه) ، عن
عمرو بن رافع قال : كنت أكتب مصحفا لحفصة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم فقالت :
إذا بلغت هذه
الآية فآذنّي : «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى».
فلّما بلغتها ،
آذنتها فأملت عليّ :
حافظوا على
الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر وقوموا لله قانتين.
وقالت :
أشهد أنّي
سمعتها من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأخرج مالك ،
وأحمد ، وعبد بن حميد ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي وابن جرير ، وابن
أبي داود ، وابن الأنباري في (المصاحف) ، والبيهقي في (سننه) عن أبي يونس ، مولى
عائشة قال :
أمرتني عائشة
أن أكتب لها مصحفا وقالت :
إذا بلغت هذه
الآية فآذنّي ، (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى). فلمّا بلغتها ، آذنتها فأملت
عليّ :
حافظوا على
الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. وقالت عائشة : سمعتها
من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأخرج عبد
الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي داود في (المصاحف) ، وابن المنذر عن أم حميد بنت
عبد الرحمن أنّها سألت عائشة عن الصلاة الوسطى فقالت :
كنّا نقرأها في
الحرف الأول على عهد النبي صلىاللهعليهوسلم :
حافظوا على
الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر وقوموا لله قانتين.
وأخرج ابن أبي
داود في (المصاحف) من طريق نافع عن ابن عمر ، عن حفصة أنّها قالت : لكاتب مصحفها ،
إذا بلغت مواقيت الصلاة فأخبرني ، حتى أخبرك ما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما أخبرها قالت :
اكتب إنّي سمعت
رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول :
حافظوا على
الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وصلاة العصر.
وأخرج وكيع ،
وابن أبي شيبة في (المصنّف) ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن أبي داود في (المصاحف)
، وابن المنذر عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة أنّها أمرته أن يكتب لها مصحفا
فلمّا بلغت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى قالت اكتب :
حافظوا على
الصلوات ، والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. (الدر المنثور في
التفسير بالمأثور : ١ / ٣٠٢ ، ٣٠٣).
* * *
قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ.)
أخرج عبد
الرزاق ، وعبد بن حميد عن ابن عمر قال :
لقد توفي عمر
وما يقول هذه الآية التي في سورة الجمعة إلّا : فامضوا إلى ذكر الله.
وأخرج عبد
الرزاق ، والفريابي ، وأبو عبيد ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد
، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن
الأنباري ، والطبراني من طرق عن ابن مسعود أنه كان يقرأ :
فامضوا إلى ذكر
الله. قال :
ولو كانت
فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي.
وأخرج الشافعي
في «الام» وعبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن
حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن الأنباري (المصاحف) ،
والبيهقي في (سننه) ، عن ابن عمر قال :
ما سمعت عمر
يقرأها قط إلا : فامضوا إلى ذكر الله .
وأخرج عبد بن
حميد من طريق أبي العالية ، عن أبي بن كعب ، وابن مسعود أنّهما كانا يقرآن :
فامضوا إلى ذكر الله.
وأخرج عبد بن
حميد عن ابن عباس في قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى
ذِكْرِ اللهِ) قال : فامضوا. (الدر المنثور ٦ / ٢١٩).
فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى
أخرج الطبري عن
أبي نضرة قال :
سألت ابن عباس
عن متعة النساء قال :
أما تقرأ سورة
النساء قال :
قلت بلى؟
قال : فما تقرأ
فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) قلت :
لا ، لو قرأتها
هكذا ما سألتك قال :
__________________
فإنّها كذا .
وقال أبو جعفر
الطبري :
حدثنا ابن
المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي سلمة ، عن أبي نضرة
قال :
قرأت هذه الآية
على ابن عباس :
(فَمَا
اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ.)
قال ابن عباس :
إلى أجل مسمّى
قلت :
ما أقرأها كذلك
قال :
والله لأنزلها الله
كذلك ثلاث مرات .
وعن أبي إسحق
عن عمير أن ابن عباس قرأ :
فما استمتعتم
به منهن إلى أجل مسمّى . (انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ٦ / ٢١٩).
وقال الفخر
الرازي :
الطريق الثاني
: أن نقول :
هذه الآية
مقصورة على نكاح المتعة ، وبيانه من وجوه :
الأول : ما روي
أن أبي بن كعب كان يقرأ :
فما استمتعتم
به منهن إلى أجل مسمّى فآتوهن أجورهنّ.
وهذا أيضا هو
قراءة ابن عباس ، والأمة ما أنكروا عليهما في هذه القراءة فإن ذلك إجماعا من الأمة
على صحة هذه القراءة. (تفسير الفخر الرازي المجلد الخامس : ١٠ / ٥٣ تفسير سورة
النساء آية ٢٤).
__________________
المؤلف يقول :
قول الفخر
الرازي : فإن ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة.
يدّل على أن
القرآن الذي بأيدي المسلمين ناقص وكلمة :
(إلى أجل)
ساقطة من القرآن على حد زعمه من إجماع الأمة على صحة هذه القراءة.
وهذه القراءة
تؤيد صراحة تحريف القرآن الكريم ـ والعياذ بالله ـ
«لم يكن الذين كفروا»
قال الحافظ
السيوطي :
(وأخرج أحمد عن
أبيّ قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إنّ الله أمرني أن أقرأ عليك فقرأ عليّ :
لم يكن الذين
كفروا من أهل الكتاب ، والمشركين منفكين حتّى تأتيهم البيّنة ، رسول من الله يتلو
صحفا مطهرة فيها كتب قيّمة ، وما تفرّق الذين أوتوا الكتاب ، إلا من بعد ما جاءتهم
البيّنة إن الدين عند الله الحنيفية غير المشركة ، ولا اليهوديّة ولا النصرانية
ومن يفعل خيرا فلن يكفره).
قال شعبة : ثم
قرأ آيات بعدها ، ثم قرأ :
لو أن لابن آدم
واديا من مال لسأل ثانيا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.
قوله تعالى : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)
قال جلال الدين
السيوطي :
وأخرج ابن
مردويه ، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال :
يا أبي إنّي
أمرت أن أقرأ سورة ، فأقرأنيها :
ما كان الذين
كفروا من أهل الكتاب ، والمشركين منفكين حتى تأتيهم البيّنة ، رسول من الله يتلو
صحفا مطهّرة فيها كتب قيّمة ، أي ذات اليهوديّة ، والنصرانية.
إن أقوم الدّين
: الحنيفيّة مسلمة غير مشركة ، ومن يعمل صالحا فلن يكفره ، وما اختلف الذين أوتوا
الكتاب إلّا من بعد ما جاءتهم البيّنة ، إن الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله
وفارقوا الكتاب لمّا جاءهم أولئك عند الله شرّ البريّة ، ما كان النّاس إلّا أمّة
واحدة ، ثم أرسل الله النبيّين مبشرين ، ومنذرين ، يأمرون النّاس ، يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة ، ويعبدون الله وحده ، وأولئك عند الله هم خير البريّة ، جزاؤهم عند
ربّهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه
ذلك لمن خشي ربّه .
ثم قال السيوطي
:
وأخرج أحمد عن
ابن عباس قال :
جاء رجل إلى
عمر يسأله ، فجعل ينظر إلى رأسه مرّة ، وإلى رجليه أخرى هل يرى عليه من البؤس ثم
قال له عمر :
كم مالك؟
قال : أربعون
من الإبل.
__________________
(لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم)
قال ابن عباس :
قلت :
صدق الله
ورسوله :
لو كان لابن
آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله
على من تاب.
فقال عمر : ما
هذا؟
فقلت : هكذا
أقرأني أبيّ.
قال : فمر بنا
إليه.
فقال : ما تقول
هذا.
قال أبي :
هكذا أقرأنيها
رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال : إذا
أثبتها في المصحف؟!!
قال نعم. (انظر
: الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ٦ / ٣٧٨).
أخرج السيوطي ،
عن عمر بن الخطاب قال :
كنّا نقرأ : لا
ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم.
ثم قال لزيد :
أكذلك يا زيد؟
قال نعم. (الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥ ط مصر).
ليس عليكم جناح في مواسم الحج
أخرج البخاري
عن ابن عباس رضي الله عنه قال :
كانت عكاظ ،
ومجنّة ، وذو المجاز أسواقا في الجاهلية ، فلما
كان الإسلام تأثموا من التجارة فأنزل الله :
«ليس عليكم
جناح في مواسم الحج» .
قرأ ابن عباس
كذا. (صحيح البخاري : ٢ / ١١ باب الأسواق التي كانت في الجاهلية فتبايع بهم الناس
في الإسلام ، تفسير الطبري : ٢ / ١٦٦ الطبعة الأولى ببولاق مصر).
* * *
(قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ))
قال السيوطي في
تفسير قوله تعالى : (مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكاةٍ :)
أخرج عبيد بن
حميد ، وابن الأنباري في المصاحف عن الشعبي قال :
في قراءة أبيّ
بن كعب : مثل نور المؤمن كمشكاة.
وأخرج ابن أبي
حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله :
(اللهُ نُورُ
السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يقول :
مثل نور من آمن
بالله كمشكاة.
قال : وهي
النقرة يعني : الكوّة.
وأخرج ابن أبي
حاتم عن ابن عباس مثل نوره قال :
هي خطأ من
الكاتب :
هو أعظم من أن
يكون نوره مثل نور المشكاة قال :
__________________
مثل نور المؤمن
كمشكاة. (الدر المنثور : ٥ / ٤٨).
* * *
(ولا تقربوا الزنى إنّه كان فاحشة)
قرأ أبيّ بن
كعب :
ولا تقربوا
الزنى إنّه كان فاحشة ، ومقتا وساء سبيلا إلّا من تاب فإنّ الله كان غفورا رحيما.
فذكر لعمر
فأتاه فسأله عنها فقال :
أخذتها من في
رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وليس لك عمل إلّا الصفق بالبقيع. (أخرجه المتقي
الهندي في منتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد : ٢ / ٤٣ طبعة مصر).
(والذين يؤتون ما أتوا)
أخرج سعيد بن
منصور ، وأحمد ، والبخاري في تاريخه ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أشته ،
وابن الأنباري معا في (المصاحف) ، والدارقطني في (الإفراد) ، والحاكم وصححه ، وابن
مردويه عن عبيد بن عمير أنّه سأل عائشة :
كيف كان رسول
الله يقرأ هذه الآية؟ :
والذين يؤتون
ما أتوا ، أو : الذين يؤتون ما آتوا.
فقالت :
أيّتهما أحبّ إليك؟!
قلت : والذي
نفسي بيده لإحداهما أحبّ إليّ من الدنيا جميعا.
قالت : أيّهما؟
قلت : الذين
يؤتون ما أتوا.
فقالت : أشهد
أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كذلك كان
يقرأها ، وكذلك أنزلت ، ولكنّ الهجّاء حرّف. (الدر المنثور في التفسير
بالمأثور : ٥ / ١٢).
(وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب)
قال الحافظ
السيوطي :
وأخرج ابن أبي
حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عساكر ، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنّه كان يقرأ
هذا الحرف :
«وكفى الله
المؤمنين القتال بعليّ بن أبي طالب». (الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ٥ / ١٩٢).
(وسل من أرسلنا من قبلك من رسلنا)
قال الحاكم
النيسابوري :
حدثنا أبو
الحسن محمد بن المظفر الحافظ قال حدثنا عبد الله بن محمد بن غزوان قال : حدثنا
محمد بن فضيل قال : حدثنا محمد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال :
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : يا عبد الله أتاني ملك فقال : يا محمد ، وسل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟
قال : على
ولايتك ، وولاية عليّ بن أبي طالب.
قال الحاكم : تفرد
به علي بن جابر عن محمد بن خالد عن محمد بن فضيل ولم نكتبه إلّا عن [ابن] مظفر وهو
عندنا حافظ ثقة مأمون.
__________________
(يا أيّها الذين آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون)
أخرج ابن أبي
حاتم عن أبي موسى الأشعري قال :
كنّا نقرأ سورة
نشبّهها بإحدى المسبّحات ما نسيناها غير أني حفظت منها :
يا أيّها الذين
آمنوا لا تقولوا ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم ، فتسألون عنها يوم القيامة.
(انظر : الدر المنثور في التفسير بالمأثور : ١ / ١٠٥ ، ٦ / ٣٨٦ طبعة مصر).
وأخرج مسلم ،
وابن مردويه ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في الدلائل كما في (الدر المنثور)
عن أبي موسى الأشعري قال :
كنّا نقرأ سورة
نشبّهها في الطول ، والشدّة ببراءة ، فأنسيتها غير أني حفظت منها ...
وكنا نقرأ سورة
نشبهها بإحدى المسبحات أوّلها :
(سَبَّحَ لِلَّهِ ما
فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فأنسانيها غير أنّي حفظت منها :
يا أيّها الذين
آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة. (الدر
المنثور في التفسير بالمأثور : ١ / ١٠٥).
(يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك)
قال العلامة
جلال الدين السيوطي :
وأخرج ابن أبي
حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، عن أبي سعيد الخدري قال :
نزلت هذه الآية
:
(يا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) على رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم (غدير خم) في علي بن أبي طالب .
وأخرج ابن
مردويه عن ابن مسعود قال :
كنّا نقرأ على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يا أيّها
الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك أنّ عليّا مولى المؤمنين ، وإن لم تفعل فما
بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس .
__________________
نبذ من الأحاديث الواردة
في تحريف القرآن
ملتقطة من صحاح العامة ومسانيدهم
قال الله تعالى
:
(وَجَعَلْنا
قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)
المائدة : ١٣
المؤلف يقول :
وإلى القارىء
الكريم ذكر طرف من المصادر التي اعتمدت عليها أبناء السنة كالصحاح الستة ،
والمسانيد وغيرها من عصر البخاري حتى العصر الحاضر ، والتي أوردت أحاديث تحريف
القرآن فيها ، ولنبدأ بصحيح البخاري لكونه أصحّ كتاب عند أبناء السنّة بعد كتاب
الباري.
آية الرجم : والشيخ والشيخة إذا زنيا
أخرج البخاري : عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله قال :
حدثني ابن عباس
رضي الله عنهما قال :
كنت أقرىء عبد
الرحمن بن عوف فلما كان آخر حجّة حجّها عمر فقال عبد الرحمن بمنى :
لو شهدت أمير
المؤمنين أتاه رجل قال :
إنّ فلانا يقول
:
لو مات أمير
المؤمنين لبايعنا فلانا .
فقال عمر :
لأقومنّ العشيّة فأحذّر هؤلاء الرّهط؟ الذين يريدون أن يغصبوهم.
قلت لا تفعل :
لأن الموسم يجمع رعاع الناس يغلبون على
__________________
مجلسك فأخاف أن
لا ينزلوها على وجهها فيطار بها كلّ مطير ، فأمهل حتى تقدم المدينة دار الهجرة ،
ودار السّنة فتخلص بأصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المهاجرين والأنصار فيحفظوا مقالتك ، وينزلوها على
وجهها.
فقال : والله
لأقومنّ به في أوّل مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس :
فقدمنا المدينة فقال :
إنّ الله بعث
محمّدا صلىاللهعليهوسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل آية الرّجم .
وأخرج البخاري
بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
كنت أقرىء
رجالا من المهاجرين منهم : عبد الرحمن بن عوف فبينما أنا في منزله بمنى ، وهو عند
عمر بن الخطاب في آخر حجة حجّها ، إذ رجع إليّ عبد الرحمن بن عوف فقال : لو رأيت
رجلا أتى أمير المؤمنين فقال :
يا أمير
المؤمنين هل لك في فلان يقول :
لو مات عمر لقد
بايعت فلانا فو الله ما كانت بيعة أبي لك إلّا فلتة فتمّت ، فغضب عمر ثم قال :
__________________
إنّي إن شاء
الله لقائم العشيّة في النّاس فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم.
قال عبد الرحمن
فقلت :
يا أمير
المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع النّاس ، وغوغاءهم ، فإنّهم هم الذين
يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقاله يطيّرها عنك
كلّ مطيّر ، وأن لا يعوها ، وأن لا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة
فإنّها دار الهجرة ، والسنّة فتخلص بأهل الفقه ، وأشراف الناس فتقول ما قلت ،
متمكّنا فيعي أهل العام مقالتك ويضعونها على مواضعها.
فقال عمر : أما
والله إن شاء الله لأقومنّ بذلك في أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس :
فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة قال : عجّلنا الرواح حين
زاغت الشمس حتّى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله
تمسّ ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل :
ليقولنّ
العشيّة مقالة لم يقلها منذ استخلف ، فأنكر عليّ وقال :
ما عسيت أن
يقول ما لم يقل قبله ، فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذّنون قام فأثنى على
الله بما هو أهله ثم قال :
أما بعد :
فإنّي قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها ، لا أدري لعلّها بين أجلي ، فمن عقلها
، ووعاها ، فليحدّث بها حيث انتهت إليه
__________________
راحلته ، ومن
خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحد أن يكذب عليّ :
إنّ الله بعث
محمّدا صلىاللهعليهوسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان ممّا أنزل آية الرجم
فقرأناها ، ووعيناها ، رجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :
والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.
والرجم في كتاب
الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ، والنساء إذا قامت البيّنة ، أو كان الحبل
، أو الاعتراف.
ثم إنّا كنا
نقرأ من كتاب الله :
أن لا ترغبوا
عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم ، ألا ثم أن رسول
الله صلىاللهعليهوسلم قال :
لا تطروني كما
أطري عيسى بن مريم ، وقولوا عبد الله ورسوله ... الخ .
وأخرج الزمخشري
عن زر قال : قال لي أبي بن كعب (رضي الله عنه) :
كم تعدّون سورة
الأحزاب؟
__________________
قلت : ثلاثا
وسبعين آية.
قال : فو الذي
يحلف به أبيّ بن كعب إن كانت لتعدل سورة البقرة ، أو أطول ، ولقد قرأنا منها آية
الرجم «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم». (تفسير
الكشاف : ٣ / ٢٤٨ طبعة مصر ، الدر المنثور : ٥ / ١٧٩).
وأخرج البخاري
: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر :
لقد خشيت أن
يطول بالناس زمان حتى يقول قائل ، لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة
أنزلها الله ، ألا وإنّ الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان
الحمل أو الاعتراف .
وأخرج المتقي
الهندي عن زر قال :
قال أبيّ بن
كعب : يا زر كأيّن تقرأ سورة الأحزاب.
قلت : ثلاثا
وسبعين آية.
قال : إن كانت
لتضاهي سورة البقرة ، أو هي أطول من سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم.
وفي لفظ : وإن
آخرها :
الشيخ والشيخة
إذا زنيا فارجموهما البتة ، نكالا من الله والله عزيز
__________________
حكيم. (منتخب كنز العمال بهامش مسند الإمام أحمد : ١ / ٤٣).
وأخرج مسلم عن ابن شهاب قال : أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة أنه سمع ابن عباس يقول :
قال عمر بن
الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
إنّ الله بعث
محمدا صلىاللهعليهوسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب. فكان ممّا أنزل عليه آية
الرجم قرأناها ، ووعيناها ، وعقلناها ، فرجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورجمنا بعده فأخشى ، إن طال بالناس زمان أن يقول قائل
:
ما نجد الرجم
في كتاب الله فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله.
وإن الرجم في
كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البيّنة ، أو
كان الحبل ، أو الاعتراف .
__________________
وأخرج السيوطي
عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال :
قال لي أبيّ
كأين تعد سورة الأحزاب.
قلت : اثنتين
وسبعين آية ، أو ثلاثا وسبعين آية.
قال : إن كانت
لتعدل سورة البقرة ، وإن كنا لنقرأ فيها آية الرجم.
قلت : وما آية
الرجم؟!
قال : إذا زنا
الشيخ والشيخة فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم.
وأخرج السيوطي
عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أنّ خالته قالت :
لقد أقرأنا
رسول الله صلىاللهعليهوسلم آية الرجم :
الشيخ والشيخة
فارجموهما البتة بما قضيا من اللّذة .
وأخرج
النيسابوري عن عمر أنه قال :
كنا نقرأ آية
الرجم : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم. (تفسير
النيسابوري بهامش تفسير الطبري : ١ / ٣٦١ ، ٣٦٢ ط بولاق).
قال السيوطي :
وأخرج أحمد ، والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف ، أنّ عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته
يقول :
__________________
ألا وإنّ أناسا
يقولون ما بال الرجم ، وفي كتاب الله الجلد ، وقد رجم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورجمنا بعده ، ولو لا أن يقول قائلون ، ويتكلّم
متكلمون :
أنّ عمر زاد في
كتاب الله ما ليس منه ، لأثبتّها كما نزلت.
وأخرج النسائي
، وأبو يعلى عن كثير بن الصلت قال :
كنا عند مروان
، وفينا زيد بن ثابت فقال زيد ما تقرأ :
الشيخ والشيخة
إذا زنيا فارجموهما البتة.
قال مروان :
ألا كتبتها في المصحف قال :
ذكر ذلك ،
وفينا عمر بن الخطاب قال : أشفيكم من ذلك فكيف؟
قال : جاء رجل
إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال يا رسول الله :
أنبئني آية
الرجم قال : لا أستطيع الآن .
وقال الإمام
مالك : حدثني مالك عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيّب ؛ أنّه سمعه يقول :
لمّا صدر عمر
بن الخطاب من منى ، أناخ بالأبطح. ثمّ كوّم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه ،
واستلقى. ثم مدّ يده إلى السّماء فقال :
__________________
اللهمّ كبرت
سنيّ ، وضعفت قوّتي ، وانتشرت رعيّتي. فاقبضني إليك غير مضيّع ولا مفرّط. ثم قدم
المدينة فخطب الناس فقال :
أيّها الناس قد
سنّت لكم السنن ، وفرضت لكم الفرائض ، وتركتم على الواضحة. إلّا أن تضلّوا بالناس
يمينا ، وشمالا. وضرب بإحدى يديه على الأخرى ثم قال :
إيّاكم أن
تهلكوا عن آية الرجم ، أن يقول قائل : لا نجد حدّين في كتاب الله فقد رجم رسول
الله صلىاللهعليهوسلم ورجمنا. والّذي نفسي بيده لو لا أن يقول الناس :
زاد عمر في
كتاب الله لكتبتها : «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة».
فإنا قد
قرأناها.
قال مالك : قال
يحيى بن سعيد ، قال سعيد بن المسيّب فما انسلخ ذو الحجة حتى قتل عمر. رحمهالله.
قال يحيى :
سمعت مالكا يقول :
قوله : الشيخ
والشيخة ، يعني الثيّب ، والثيّبة فارجموهما البتة .
قال العلامة
الكبير المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (قدسسره) :
ويا للعجب كيف
رضي هؤلاء المحدّثون لمجد القرآن ، وكرامته أن يلقى هذا الحكم الشديد على الشيخ ،
والشيخة بدون أن يذكر السبب وهو زناهما أقلّا فضلا عن شرط الإحصان.
__________________
وإن قضاء
الشهوة أعمّ من الجماع ، والجماع أعمّ من الزنى ، والزنى يكون كثيرا مع عدم
الإحصان.
سامحنا من يزعم
أنّ قضاء الشهوة كناية عن الزنى ، بل زد عليه كونه مع الإحصان. ولكنّا نقول :
ما وجه دخول
الفاء في قوله : «فارجموهما» وليس هناك ما يصحّح دخولها من شرط ، أو نحوه لا ظاهر
، ولا على وجه يصحّ تقديره. وإنّما دخلت الفاء على الخبر في قوله في سورة (النور)
:
(الزَّانِيَةُ
وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) لأن كلمة «اجلدوا» بمنزلة الجزاء لصفة الزنى في
المبتدأ. والزنى بمنزلة الشرط. وليس الرجم جزاء للشيخوخة ، ولا : الشيخوخة سببا
له.
نعم : الوجه في
دخول الفاء هو الدلالة على كذب الرواية.
ولعلّ في رواية
سليمان سقطا بأن تكون صورة سؤاله :
هل يقولون في
القرآن رجم؟!!
وكيف يرضى
لمجده ، وكرامته في هذا الحكم الشديد أن يقيّد الأمر بالشيخ ، والشيخة مع إجماع
الأمة على عمومه لكلّ زان محصن بالغ الرشد من ذكر وأنثى. وأن يطلق الحكم بالرجم مع
إجماع الأمة على اشتراط الإحصان فيه.
وفوق ذلك يؤكد
الإطلاق ، ويجعله كالنّص على العموم بواسطة التعليل بقضاء اللّذة ، والشهوة الّذي
يشترك فيه المحصن وغير المحصن ، فتبصّر بما سمعته من التدافع ، والتهافت ، والخلل
في رواية هذة المهزلة ؟!!
__________________
وقال العلامة
البلاغي (طاب ثراه) :
هذا وممّا
يصادم هذه الروايات ، ويكافحها ما روي من أنّ عليا (ع) لمّا جلد شراحة الهمدانية
يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال :
أجلدها بكتاب
الله ، وأرجمها بسنة رسوله كما رواه أحمد ، والبخاري ، والنسائي وعبد الرزاق في (الجامع)
والطحاوي ، والحاكم في (مستدركه) وغيرهم ... فعلي (ع) يشهد بأن الرجم من السنة لا
من الكتاب .
آية الرجم ورضاع الكبير
قال الراغب
الإصبهاني :
قالت عائشة :
لقد نزلت آية الرجم ، ورضاع الكبير في رقعة
__________________
تحت سريري وشغلنا بشكاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدخلت داجن فأكلته. (المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ طبعة مصر).
وأخرج هذا
الحديث ابن قتيبة عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة وقال
في آخره : دخلت داجن للحيّ فأكلت تلك الصحيفة. (تأويل مختلف الحديث ص ٢١٠ طبع مصر).
وأخرج مسلم عن
عائشة أنّها قالت : كان فيما أنزل من القرآن :
«عشر رضعات معلومات يحرّمن ثم نسخن (بخمس معلومات) فتوفي رسول الله
صلىاللهعليهوسلم وهنّ فيما يقرأ من القرآن». (صحيح مسلم : ٤ / ١٦٧ ،
تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ص ٢١٣ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٤٦٩).
وقال السيوطي :
وأخرج عبد
الرزاق عن عائشة قالت :
لقد كانت في
كتاب الله عشر رضعات ، ثم ردّ ذلك إلى خمس ولكن من كتاب الله ما قبض مع النبي صلىاللهعليهوسلم.
ثم قال :
وأخرج ابن ماجة
، وابن الضرّيس عن عائشة قالت :
__________________
كان ممّا نزل
من القرآن ثم سقط لا يحرم إلّا عشر رضعات ، أو خمس معلومات. (الدر المنثور : ٢ /
١٣٥).
وأخرج الإمام
أحمد عن سهلة امرأة أبي حذيفة أنّها قالت :
قلت يا رسول
الله إنّ سالما مولى أبي حذيفة يدخل عليّ وهو ذو لحية.
فقال رسول الله
صلىاللهعليهوسلم : أرضعيه.
فقالت : كيف
أرضعه وهو ذو لحية؟ فأرضعته فكان يدخل عليها. (مسند الإمام أحمد ٦ / ٣٥٦).
وقال الإمام
أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثنا يعقوب قال : حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال : حدثني
عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلىاللهعليهوسلم قالت :
لقد أنزلت آية
الرجم ، ورضعات الكبير عشرا في ورقة تحت سرير في بيتي ، فلما اشتكى رسول الله صلىاللهعليهوسلم تشاغلنا بأمره ، ودخلت دويبة لنا فأكلتها. (مسند الإمام
أحمد : ٦ / ٢٦٩ طبع المطبعة الميمنية بمصر (عام ١٣١٣ ه).
وأخرج ابن ماجة
عن عائشة قالت :
__________________
لقد نزلت آية
الرجم ، ورضاعة الكبير عشرا. ولقد كان في صحيفة تحت سريري. فلما مات رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها .
قراءة القرآن بالمعنى
قال الراغب
الأصبهاني :
وذكر بعض العلماء
: أنّ ابن عباس كان يجوّز أن يقرأ القرآن بمعناه ، واستدلّ بما روي عنه أنّه كان
يعلّم رجلا : طعام الأثيم ، فلم يكن يحسن الأثيم.
فقال قل :
الفاجر وليس
ذلك بشيء فيما ذكره جلّ العلماء لأن ابن عباس أراد أن يعرّفه الأثيم ، فعرّفه
بمعناه ، لمّا أعياه.
وقرأ بدل «والسارق
، والسارقة فاقطعوا أيديهما» فاقطعوا أيمانهما.
وكان عمر يقرأ
: «غير المغضوب ، وغير الضالّين».
وعبد الله بن
الزبير : «صراط من أنعمت عليهم».
وقرأ بعضهم : «وضربت
عليهم المسكنة ، والذّل».
وأبو بكر (رض)
: «وجاءت سكرة الحق بالموت» .
وقال السيوطي :
وأخرج ابن جرير
، وابن الأنباري في (المصاحف) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قرأ :
__________________
أفلم يتبيّن
الذين آمنوا ، فقيل له إنّها في (المصحف) : أفلم ييأس فقال :
أظن الكاتب
كتبها وهو ناعس.
وأخرج ابن جرير
عن علي رضي الله عنه أنّه كان يقرأ : أفلم يتبيّن الذين آمنوا.
وأخرج ابن جرير
، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما :.
أفلم ييأس يقول
: يعلم .
ما أسقط من القرآن
قال السيوطي :
وفي المستدرك عن ابن عباس قال :
سألت علي بن
أبي طالب لم لم تكتب في براءة : بسم الله الرحمن الرحيم قال : لأنّها أمان ،
وبراءة نزلت بالسيف ، وعن مالك ، أنّ أوّلها لمّا سقط ، سقط معه البسملة فقد ثبت
أنّها كانت تعدل البقرة لطولها. (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٥).
وأخرج ابن أبي
شيبة ، والطبراني في الأوسط ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وابن مردويه ، عن حذيفة رضي
الله عنه قال :
الّتي تسمّون
سورة التوبة هي : سورة العذاب ، والله ما تركت أحدا إلّا نالت منه ، ولا تقرأن
إلّا ربعها.
وأخرج أبو
الشيخ عن حذيفة رضي الله عنه قال :
ما تقرأن
ثلثها. يعني : سورة التوبة. (الدر المنثور : ٣ / ٢٠٨).
__________________
وفي المستدرك
عن حذيفة قال :
ما تقرأون
ربعها يعني : براءة. (الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٦ طبعة مصر).
وأخرج الحاكم
عن حذيفة (رضي الله عنه) قال : ما تقرأون ربعها يعني : براءة وأنكم تسمّونها سورة
التوبة وهي سورة العذاب ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (المستدرك
: ٢ / ٣٣١ طبع حيدر آباد ـ الهند).
قال الراغب :
أسقط ابن مسعود من مصحفه : أم القرى ، والمعوّذتين.
(قراءة تخالف
صور حروفها ما في المصحف ، أو ترتيبها) قرىء بدل كالعهن : كالصوف. وبدل : فهي
كالحجارة ، فكانت كالحجارة. (المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ طبعة مصر).
قال أبو عبيد ،
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :
ليقولن أحدكم
قد أخذت القرآن كلّه ، وما يدريك ما كلّه قد ذهب منه قرآن كثير ..
ولكن ليقل : قد
أخذت منه ما ظهر. (الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥ ، الدر المنثور في التفسير
بالمأثور ٢ / ٢٩٨).
وأخرج ابن
الأثير عن أبي الأسود الدؤلي قال :
... وكنّا نقرأ
سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها. غير أنّي حفظت منها :
«يا أيّها
الذين آمنوا ، لم تقولون ما لا تفعلون؟ فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم
القيامة». (جامع الأصول : ٣ / ٨ رقم الحديث ٩٠٤).
وقال الرافعي :
فذهب جماعة من
أهل الكلام ممّن لا صناعة لهم إلّا الظن ، والتأويل ، واستخراج الأساليب الجدليّة
، من كل حكم ، وكل قول إلى جواز أن يكون قد سقط عنهم من القرآن شيء حملا على ما
وصفوا من كيفيّة جمعه. (إعجاز القرآن ص ٤١ طبعة مصر).
وقال السيوطي :
فائدة ـ قال
ابن إشته في كتاب (المصاحف) :
أنبأنا محمد بن
يعقوب : حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو جعفر الكوفي قال :
هذا تأليف مصحف
أبيّ :
الحمد ثم
البقرة ، ثم النساء ، ثم آل عمران ، ثم الأنعام ، ثم الأعراف ، ثم المائدة ، ثم
يونس ، ثم الأنفال ، ثم براءة ، ثم هود ، ثم مريم ، ثم الشعراء ، ثم الحج ، ثم
يوسف ، ثم الكهف ، ثم النحل ثم الأحزاب ـ إلى أن يقول :
ثم الضحى ، ثم
ألم نشرح ، ثم القارعة ثم التكاثر ، ثم العصر ثم سورة الخلع ثم سورة الحفد ثم ويل
لكلّ همزة ... إلخ.
ثم قال السيوطي
:
وبراءة نزلت
بالسيف. وعن مالك : إنّ أوّلها لما سقط سقط معه البسملة ، فقد ثبت أنّها كانت تعدل
البقرة لطولها. (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٤ ، ٦٥).
وفي مصحف ابن
مسعود : [عدد سور القرآن] مائة واثنتي عشرة سورة لأنه لم يكتب المعوّذتين.
وفي مصحف أبي :
ست عشرة لأنه كتب في آخره سورتي الحفد والخلع. (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٦٥
طبعة مصر).
«وأخرج أبو
عبيد عن ابن سيرين قال :
كتب أبيّ بن
كعب في مصحفه :
فاتحة الكتاب ،
والمعوّذتين ، واللهمّ إنّا نستعينك ، واللهمّ إيّاك نعبد ، وتركهنّ ابن مسعود.
وكتب عثمان
منهنّ : فاتحة الكتاب ، والمعوّذتين.
وأخرج البيهقي
من طريق سفيان الثوري ، عن ابن جريج عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، أن عمر بن الخطاب
قنت بعد الركوع فقال :
بسم الله الرّحمن الرّحيم
اللهمّ إنّا
نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك ، ولا نكفرك ، ونخلع ، ونترك من يفجرك ، اللهمّ
إياك نعبد ، ولك نصلّي ، ونسجد ، وإليك نسعى ، ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى نقمتك ،
إنّ عذابك بالكافرين ملحق.
ممّا رفع رسمه
من القرآن ، ولم يرفع من القلوب حفظه سورتي : القنوت في الوتر وتسمى سورتي : الحفد
، والخلع.
ذكر هذا الحسن
بن المنازي في كتابه الناسخ والمنسوخ». (الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٢٥ ، ٢٦).
وأخرج الراغب
الأصبهاني عن عائشة قالت :
كانت الأحزاب
تقرأ في زمن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مائة آية فلما جمعه عثمان لم يجد إلّا ما هو الآن ،
وكان فيه آية الرجم. (المحاضرات : ٢ / ٢٥٠ ط مصر عام ١٢٨٧ ه).
وأخرج البخاري
في تاريخه عن حذيفة قال :
قرأت سورة
الأحزاب على النبي صلىاللهعليهوسلم فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها.
وأخرج أبو عبيد
في (الفضائل) ، وابن الأنباري ، وابن مردويه عن عائشة قالت :
كانت سورة
الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلىاللهعليهوسلم مئتي آية فلما كتب عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا ما
هو الآن. (الدر المنثور : ٥ / ١٨٠ ، الإتقان في علوم القرآن : ٢ / ٢٥).
وقال العلّامة
النيسابوري :
ويروى : أنّ
سورة الأحزاب كانت بمنزلة السبع الطوال ، أو أزيد ثم وقع النقصان. (تفسير غريب
القرآن لنظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري المطبوع بهامش تفسير الطبري طبع
بولاق : ١ / ٣٦١ ، ٣٦٢).
وأخرج الترمذي عن سعيد بن المسيّب ، عن عمر بن الخطاب قال :
رجم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورجم أبو بكر ، ورجمت ، ولو لا أنّي أكره أن أزيد في
كتاب الله لكتبته في المصحف ، فإني قد خشيت أن تجيء أقوام فلا يجدونه في كتاب الله
فيكفرون به قال : وفي الباب عن علي.
قال أبو عيسى :
حديث عمر حسن صحيح وروي من غير وجه عن عمر .
__________________
وقال الشيخ
محمد أنور في (فيض الباري على صحيح البخاري) : ٤ / ٤٥٣ ط مصر باب رجم الحبلى من
الزنى إذا أحصنت.
قوله : [فأخشى
إن طال بالناس زمان أن يقول قائل :
والله ما نجد
آية من كتاب الله ، الخ] وقد كان عمر أراد أن يكتبها في المصحف.
فإن قلت :
إنّها كانت من كتاب الله ، وجب أن تكتب ، وإلّا وجب أن لا تكتب ، فما معنى قول عمر؟!!
قلت : أخرج
الحافظ عنه : لكتبتها في آخر القرآن.
وقال جلال
الدين السيوطي :
وأخرج محمد بن
نصر المروزي في كتاب الصّلاة عن أبي بن كعب أنّه كان يقنت بالسورتين فذكرهما ،
وأنّه كان يكتبهما في مصحفه.
وقال بن
الضرّيس :
أنبأنا ابن
جميل المروزي ، عن عبد الله بن المبارك ، أنبأنا الأجلح عن عبد الله بن عبد الرحمن
عن أبيه قال :
في مصحف ابن عباس
قراءة أبي ، وأبي موسى :
بسم الله الرحمن الرّحيم
اللهمّ إنّا
نستعينك ، ونستغفرك ، ونثني عليك الخير ، ولا نكفرك ، ونخلع ، ونترك من يفجرك.
وفيه :
اللهمّ إيّاك
نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نخشى عذابك ونرجو رحمتك ، إن عذابك
بالكفار ملحق .
وأخرج الطبراني
بسند صحيح عن أبي إسحاق قال :
__________________
أمّنا أميّة بن
عبد الله بن خالد بن أسيد بخراسان فقرأ بهاتين السورتين :
إنّا نستعينك ،
ونستغفرك .
وقال العلامة
الكبير الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي (طاب ثراه) :
لا نقول لهذا
الرواي : إنّ هذا الكلام لا يشبه بلاغة القرآن ، ولا سوقه فإنّا نسامحة في معرفة
ذلك ، ولكنّا نقول له : كيف يصحّ قوله : يفجرك وكيف تتعدّى كلمة يفجر؟!!
وأيضا إنّ
الخلع يناسب الأوثان ، إذن فماذا يكون المعنى ، وبماذا يرتفع الغلط؟!!
والثانية منها
:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمّ إيّاك
نعبد ، ولك نصلّي ونسجد ، وإليك نسعى ، ونحفد؟ نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ
عذابك بالكافرين ملحق.
ولنسامح الراوي
أيضا فيما سامحناه فيه في الرواية الأولى ولكنّا نقول له :
ما معنى الجدّ
هنا؟!!!
أهو العظمة ،
أو الغنى؟ أو ضدّ الهزل ، أو حاجة السجع.
نعم : في رواية
عبيد : نخشى نقمتك ، وفي رواية عبد الله : نخشى عذابك.
وما هي النكتة
في التعبير بقوله : «ملحق»؟!!
__________________
وما هو وجه
المناسبة ، وصحة التعليل لخوف المؤمن ، من عذاب الله بأن عذاب الله بالكافرين
ملحق.
بل إن هذه
العبارة تناسب التعليل لئلّا يخاف المؤمن من عذاب الله لأنّ عذابه بالكافرين ملحق .
* * *
أخرج البخاري :
عن إسرائيل عن المغيرة ، عن إبراهيم ، عن علقمة قال :
قدمت الشام فصلّيت
ركعتين ثم قلت :
اللهمّ يسّر لي
جليسا صالحا. فأتيت قوما فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي فقلت من
هذا قالوا :
أبو الدرداء
فقلت :
إنّي دعوت الله
أن ييّسر لي جليسا صالحا فيسّرك الله لي قال :
ممّن أنت؟ قلت
: من أهل الكوفة.
قال : أو ليس
عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين ، والوسادة ، والمطهرة ، وفيكم الّذي أجاره الله من
الشيطان على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم.
أو ليس فيكم
صاحب سرّ النّبي صلىاللهعليهوسلم الّذي لا يعلمه أحد غيره ثم قال :
كيف يقرأ عبد
الله «والليل إذا يغشى ، والنّهار إذا تجلّى ، والذكر والأنثى» قال :
__________________
والله لقد
أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من فيه إلى فيّ .
وقال البخاري :
حدثنا سليمان بن حرب. حدّثنا شعبة عن مغيرة عن إبراهيم قال :
ذهب علقمة إلى
الشام فلمّا دخل المسجد قال :
اللهمّ يسّر لي
جليسا صالحا فجلس إلى أبي الدرداء ، فقال أبو الدرداء :
ممّن أنت؟ قال
: من أهل الكوفة.
قال : أليس
فيكم أو منكم صاحب السّر الذي لا يعلمه غيره؟ يعني حذيفة.
قال : قلت بلى.
قال : أليس
فيكم ، أو منكم الّذي أجاره الله على لسان نبيّه صلىاللهعليهوسلم من الشيطان؟ يعني عمارا قلت : بلى.
قال : أليس
فيكم ، أو منكم صاحب السّواك ، أو السّر؟ قال : بلى.
قال : كان عبد
الله يقرأ :
«والليل إذ
يغشى ، والنّهار إذا تجلّى»؟
قلت : والذكر
والأنثى.
قال : ما زال
بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأخرجه بلفظ
آخر كما يأتي :
حدثنا موسى عن
أبي عوانة ، عن مغيرة عن علقمة قال :
__________________
دخلت الشام
فصلّيت ركعتين فقلت :
اللهم يسّر لي
جليسا فرأيت شيخا مقبلا فلمّا دنا قلت : أرجو أن يكون استجاب.
قال : من أين
أنت؟ قلت : من أهل الكوفة.
قال : أفلم يكن
فيكم صاحب النعلين ، والوسادة ، والمطهرة؟
أو لم يكن فيكم
الذي أجير من الشيطان؟
أو لم يكن فيكم
صاحب السّر الذي لا يعلمه غيره؟ كيف قرأ ابن أمّ عبد ، والليل؟
فقرأت : «والليل
إذا يغشى ، والنّهار إذا تجلّى ، والذكر والأنثى».
قال : أقرأنيها
النبي صلىاللهعليهوسلم فاه إلى فيّ فما زال هؤلاء حتى كادوا يردوني .
الزيادة والنقيصة في القرآن
أخرج المتقي
الهندي ، عن أبي عبيد عن أبي أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال :
إنّ الله أمرني
أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه :
لم يكن ، وقرأ
عليه :
إنّ ذات الدين
عند الله الحنيفية ، لا المشركة ، ولا اليهوديّة ، ولا النصرانية ، ومن يعمل خيرا
فلن يكفره ، وقرأ عليه :
لو كان لابن
آدم واد لابتغى إليه ثانيا ، ولو أعطى ثانيا لا بتغى
__________________
ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب .
وقال الراغب
الأصبهاني :
أثبت زيد بن
ثابت سورتي القنوت في القرآن ، وأثبت ابن مسعود في مصحفه :
لو كان لابن
آدم واديان من ذهب لا بتغى إليهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ،
ويتوب الله على من تاب .
وقال جلال
الدين السيوطي :
وأخرج ابن
الضرّيس ليؤيدنّ الله هذا الدين برجال ما لهم في الآخرة من خلاق ، ولو أنّ لابن
آدم ، واديين من مال ، لتمنّى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ،
فيتوب الله عليه ، والله غفور رحيم.
وأخرج أبو عبيد
، وأحمد ، والطبراني في الأوسط ، والبيهقي في (شعب الإيمان) عن أبي واقد الليثي
قال :
كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أوحي إليه أتيناه فعلمنا ما أوحي إليه.
قال : فجئته
ذات يوم فقال :
إنّ الله يقول
:
إنّا أنزلنا
المال لإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ولو أنّ لابن آدم واديا لأحب أن يكون إليه
الثاني ، ولو كان له الثاني لأحبّ أن يكون إليهما ثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم
إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب .
__________________
وقال ابن
الأثير .
أبو الأسود
الدؤلي قال :
«بعث أبو موسى
إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن فقال :
أنتم خيار أهل
البصرة ، وقرّاؤهم ، فاتلوه ، ولا يطولنّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم ، كما قست قلوب
من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول ، والشدّة ببراءة ،
فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها :
لو كان لابن
آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب .
«أخرج أبو داود
، وأحمد ، وأبو يعلى ، والطبراني عن زيد بن أرقم قال :
كنّا نقرأ على
عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
لو كان لابن
آدم واديان من ذهب ، وفضّة لابتغى الثالث ، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب ،
ويتوب الله على من تاب» .
وأخرج أبو عبيد
، وأحمد عن جابر بن عبد الله قال : كنّا نقرأ :
لو أن لابن آدم
ملأ واد مالا ، لأحبّ إليه مثله ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله
على من تاب.
__________________
وأخرج ابن
الأنباري عن زر قال : في قراءة أبيّ بن كعب :
ابن آدم لو
أعطي واديا من مال لابتغى ثانيا ، ولو أعطى واديين من مال لا لتمس ثالثا ، ولا يملأ
جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله على من تاب .
وعن ابن عباس
قال :
كنت عند عمر
فقرأت :
لو كان لابن
آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ، ويتوب الله
على من تاب.
قال عمر ما هذا؟!!
قلت : هكذا
أقرأنيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم .
قال الأمام
أحمد : حدثنا عبد الله ، حدثني أبي ، حدثنا عبد الرحمن ، عن مالك عن الزهري ، عن
عروة عبد الرحمن بن عبد عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال :
سمعت هشام بن
حكيم يقرأ (سورة الفرقان) في الصلاة على غير ما أقرأها وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أقرأنيها ، فأخذت بثوبه فذهبت به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت يا رسول الله :
إنّي سمعته
يقرأ (سورة الفرقان) على غير ما أقرأنيها ، فقرأ القراءة التي سمعتها منه .
وأخرج عبد
الرزاق في المصنّف عن ابن عباس قال :
__________________
أمر عمر بن
الخطاب مناديا فنادى : إنّ الصلاة جامعة ، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال :
يا أيها الناس
لا تجز عن من آية الرجم فإنّها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنّها ذهبت في
قرآن كثير ذهب مع محمد ، وآية ذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ، ورجمت بعدهما وإنّه
سيجيء قوم من هذه الامة يكذبون بالرجم. (الدر المنثور في التفسير بالمأثور ٥ / ١٧٩).
وقال العلامة
الكبير الشيخ أبو ريه (طاب ثراه) :
ولم يقف فعل
الرواية عند ذلك بل تمادت إلى ما هو أخطر من ذلك حتى زعمت أنّ في القرآن نقصا ،
ولحنا وغير ذلك ممّا أورد في كتب السنة ، ولو شئنا أن نأتي به كله هنا لطال الكلام
ـ ولكنّا نكتفي بمثالين ممّا قالوه في نقص القرآن ، ولم نأت بهما من كتب السنة
العامة بل ممّا حمله : الصحيحان ، ورواه الشيخان : البخاري ، ومسلم.
أخرج البخاري
وغيره عن عمر بن الخطاب أنّه قال ـ وهو على المنبر :
إنّ الله بعث
محمّدا بالحق نبيّا ، وأنزل عليه الكتاب فكان ممّا أنزل آية الرّجم فقرأناها ،
وعقلناها ، ووعيناها. رجم رسول الله (ص) ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالنّاس زمان أن
يقول قائل : ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلّ بترك فريضة أنزلها الله ـ والرجم
في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال ، والنساء. ثم إنّا كنّا نقرأ فيما
يقرأ في كتاب الله ، ألا ترغبوا عن آبائكم فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم.
وأخرج مسلم عن
أبي الأسود عن أبيه قال : بعث أبو موسى
الأشعري ، إلى قرّاء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن
فقال :
أنتم خيار أهل
البصرة ، وقراؤهم ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم
، وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول ، والشدّة ببراءة فأنسيتها غير أنّي
قد حفظت منها : «لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا ، ولا يملأ جوف
ابن آدم إلّا التراب» وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها غير
أنّي حفظت منها :
«يا أيّها
الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ، فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم
القيامة».
نجتزىء بما
أوردنا وهو كاف هنا لبيان كيف تفعل الرواية حتّى في الكتاب الأول للمسلمين وهو
القرآن الكريم! ولا ندري كيف تذهب هذه الروايات التي تفصح بأنّ القرآن فيه نقص ،
وتحمل مثل هذه المطاعن مع قول الله سبحانه :
(إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وأيّهما نصدّق؟!
اللهمّ إن هذا
أمر عجيب يجب أن يتدبّره أولو الألباب. (أضواء على السنة المحمدية ص ٢٥٦ ، ٢٥٧
الطبعة الثالثة لدار المعارف بمصر).
هذا ما وقفنا
عليه ، وما التقطناه ودوّناه في هذا الكتاب وهو المختار من كتب أبناء العامة حول
الأحاديث الواردة في تحريف القرآن الكريم وبه كفاية.
وها نحن نقدّم
إلى القارىء الكريم بعض الآراء لعلماء الشيعة الإماميّة عن سلامة القرآن من
الزيادة والنقصان.
معنى التحريف
قال الراغب
الأصبهاني :
وتحريف الشيء
إمالته كتحريف القلم. (المفردات في غريب القرآن ص ١١٤ ط مصر).
الشيعة مأمورون بالأخذ بما يوافق القرآن
عن أبي عبد
الله عليهالسلام قال :
خطب النّبي صلىاللهعليهوآله بمنى فقال :
أيّها النّاس
ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله. (أصول
الكافي : ١ / ٦٩ رقم الحديث ٥).
وعن أبي عبد
الله عليهالسلام قال :
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ على كلّ حق حقيقة ، وعلى كلّ صواب نورا ، فما
وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه. (أصول الكافي : ١ / ٦٩ رقم
الحديث ١).
وعن أبي عبد
الله عليهالسلام قال :
ما لم يوافق من
الحديث القرآن فهو زخرف. (أصول الكافي : ١ / ٦٩ رقم الحديث ٤).
التمسك بالقرآن الكريم
إنّ الإمامية
أشدّ تمسّكا بالقرآن ، ومحافظة عليه ، وتعظيما له ، ومنه يستقون عقيدتهم ،
وأحكامهم وبه يدفعون شبهات المبطلين وأقوال المتحذلقين ، فهو عندهم : المعجزة
الكبرى ، والمقياس الصحيح للحق ، والهداية. فقد رووا أنّ أئمّتهم أمروهم أن يعرضوا
ما ينقل عنهم على القرآن ، فإن خالفه فهو كذب ، وافتراء ، وزخرف وباطل يجب ضربه في
عرض الجدار .
صيانة القرآن عن الزيادة والنقصان
قال الله تعالى
:
(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ
وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً
لِلْمُتَّقِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ لا
يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ
حَكِيمٍ حَمِيدٍ).
(صدق الله
العليّ العظيم).
__________________
جمع القرآن الكريم على عهد النبي (ص)
قال الإمام شرف
الدين العاملي (قدسسره) :
وكان القرآن
مجموعا أيام النبي صلىاللهعليهوآله على ما هو عليه الآن من الترتيب ، والتنسيق في آياته ،
وسوره ، وسائر كلماته ، وحروفه بلا زيادة ، ولا نقصان ، ولا تقديم ولا تأخير ، ولا
تبديل ، ولا تغيير ..
أجل : إنّ
القرآن عندنا كان مجموعا على عهد الوصي ، والنبوّة ، مؤلفا على ما هو عليه الآن ..
وقد كان القرآن زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يطلق عليه الكتاب قال الله تعالى :
(ذلِكَ الْكِتابُ لا
رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) البقرة : ٢.
__________________
()
()
()
()
()
()
()
() الزمر : ٤١.
وهذا يشعر
بأنّه كان مجموعا ، ومكتوبا فإنّ ألفاظ القرآن إذا كانت محفوظة ، ولم تكن مكتوبة
لا تسمّى كتابا ، وإنّما تسمّى بذلك بعد الكتابة كما لا يخفى ، وكيف كان فإنّ رأي
المحقّقين من علمائنا :
أنّ القرآن
العظيم إنّما هو ما بين الدفّتين الموجود في أيدي الناس ، والباحثون من أهل السنة
يعلمون منّا ذلك ، والمنصفون منهم يصرّحون به. (أجوبة مسائل جار الله ص ٣٤ ، ٣٧
الطبعة الثانية صيدا عام ١٣٧٧ ه).
__________________
ـ ()
()
()
لا تحريف في القرآن
١ ـ معنى التحريف
يطلق لفظ
التحريف ويراد منه عدّة معان على سبيل الإشراك ، فبعض منها واقع في القرآن باتفاق
من المسلمين ، وبعض منها لم يقع فيه باتفاق منهم أيضا ، وبعض منها وقع الخلاف فيما
بينهم ، وإليك تفصيل ذلك :
__________________
وأمّا علماء الحديث والرجال من الشيعة
فإنّهم قائلون بتمحيص الروايات حتى في كتب الحديث المعتبرة عندهم
وأمّا فقهاء الشيعة ، ومؤلّفو آيات
الأحكام فهم يحتجّون بالقرآن وذلك إذعانا منهم بحجيّة القرآن ، وصيانته من التحريف
، وأهم من هؤلاء جميعا علماء الكلام ، ومؤلّفو الفلسفة الإسلامية ، والحكماء منهم
الذين دوّنوا عقائد الشيعة بالأصول العلمية والفلسفيّة يرفضون الرأي القائل :
بتحريف القرآن رفضا باتا بل إنّهم في مقام الاستدلال على الإمامة والخلافة
يستدلّون بآيات من القرآن الكريم.
قال الراغب الأصبهاني : وتحريف الكلام
أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على غيره ، قال عزوجل : ()()()
الأول : «نقل الشيء عن موضعه وتحويله إلى غيره» ومنه قوله
تعالى :
(مِنَ الَّذِينَ
هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) النّساء : ٤٦.
ولا خلاف بين
المسلمين في وقوع مثل هذا التحريف في كتاب الله فإنّ كلّ من فسّر القرآن بغير
حقيقته ، وحمله على غير معناه فقد حرّفه ، وترى كثيرا من أهل البدع ، والمذاهب
الفاسدة ، قد حرّفوا القرآن بتأويلهم آياته على آرائهم وأهوائهم.
وقد ورد المنع
عن التحريف بهذا المعنى ، وذمّ فاعله في عدّة من الروايات منها :
رواية (الكافي)
بإسناده عن الباقر عليهالسلام أنّه كتب في رسالته إلى سعد الخير :
|
«... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه ، وحرّفوا
حدوده ، فهم يروونه ، ولا يرعونه ، والجهّال يعجبهم حفظهم للرواية ، والعلماء
يحزنهم تركهم للرعاية ...» الوافي ٣ / ٢٧٤. أبواب القرآن وفضائله.
|
الثاني : النقص أو الزيادة في الحروف ، أو في الحركات ، مع حفظ
القرآن ، وعدم ضياعه ، وإن لم يكن مميّزا في الخارج عن غيره».
والتحريف بهذا
المعنى واقع في القرآن قطعا فقد أثبتنا فيما تقدّم عدم تواتر القراءات ، وأمّا غيرها فهو إمّا زيادة في
القرآن ، وإمّا نقيصة فيه.
__________________
الثالث : النقص أو الزيادة بكلمة ، أو كلمتين ، مع حفظ التحفّظ
على نفس القرآن المنزل».
والتحريف بهذا
المعنى قد وقع في صدر الإسلام ، وفي زمان الصحابة قطعا ، ويدلنا على ذلك إجماع
المسلمين على أنّ عثمان أحرق جملة من المصاحف وأمر ولاته بحرق كلّ مصحف غير ما
جمعه.
وهذا يدّل على
أنّ هذه المصاحف كانت مخالفة لما جمعه ، وإلّا لم يكن هناك سبب موجب لإحراقها.
وقد ضبط جماعة
من العلماء موارد الاختلاف بين المصاحف ، منهم :
عبد الله بن
أبي داود السجستاني ، وقد سمّى كتابه هذا بكتاب (المصاحف). وعلى ذلك فالتحريف واقع
لا محالة ، إمّا من عثمان ، أو من كتّاب تلك المصاحف ، ولكنّا سنبيّن بعد هذا إن
شاء الله تعالى :
أنّ ما جمعه
عثمان كان هو القرآن المعروف بين المسلمين ، الّذي تداولوه عن النّبي صلىاللهعليهوآله يدا بيد.
فالتحريف
بالزيادة والنقيصة إنّما وقع في تلك المصاحف التي انقطعت بعد عهد عثمان.
وأمّا القرآن
الموجود فليس فيه زيادة ، ولا نقيصة.
وجملة القول :
إنّ من يقول بعدم تواتر تلك المصاحف ـ كما هو الصحيح ـ فالتحريف بهذا المعنى وإن
كان قد وقع عنده في الصدر الأوّل إلّا أنّه قد انقطع في زمان عثمان ، وانحصر
المصحف بما ثبت تواتره عن النبي صلىاللهعليهوآله.
وأما القائل :
بتواتر المصاحف بأجمعها ، فلا بدّ له من الالتزام بوقوع التحريف بالمعنى المتنازع
فيه في القرآن المنزل ، وبضياع شيء منه.
الرابع : «التحريف بالزيادة والنقيصة في الآية والسورة مع
التحفّظ على القرآن المنزل ، والمتسالم على قراءة النبي (ص) إيّاها».
والتحريف بهذا
المعنى أيضا واقع في القرآن قطعا. فالبسملة ـ مثلا ـ ممّا تسالم المسلمون على أنّ
النبي (ص) قرأها قبل كلّ سورة غير سورة التوبة.
وقد وقع الخلاف
في كونها من القرآن بين علماء السنة. فاختار جمع منهم أنّها ليست من القرآن ، بل
ذهبت المالكيّة إلى كراهة الإتيان بها قبل قراءة الفاتحة في الصّلاة المفروضة ،
إلّا إذا نوى بها المصلّي الخروج من الخلاف ، وذهب جماعة أخرى إلى أنّ البسملة من
القرآن.
وأمّا الشيعة
الإماميّة فهم متسالمون على جزئيّة البسملة من كلّ سورة غير سورة التوبة ، واختار
هذا القول جماعة من علماء السنّة أيضا ... وإذا ، فالقرآن المنزل من السّماء قد
وقع فيه التحريف يقينا بالزيادة ، أو بالنقيصة.
الخامس
: «التحريف
بالزيادة بمعنى أنّ بعض المصحف الّذي بأيدينا ليس من الكلام المنزل».
والتحريف بهذا
المعنى باطل بإجماع المسلمين ، بل هو ممّا علم بطلانه بالضرورة.
السادس : «التحريف بالنقيصة ، بمعنى أنّ المصحف الّذي بأيدينا
لا يشتمل على جميع القرآن الّذي نزل من السّماء ، فقد ضاع بعضه على النّاس».
والتحريف بهذا
المعنى هو الّذي وقع فيه الخلاف فأثبته قوم ونفاه آخرون .
__________________
٢ ـ رأي المسلمين في التحريف
المعروف بين
المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأنّ الموجود بأيدينا هو جميع القرآن
المنزل على النّبي الأعظم (ص) وقد صرّح بذلك كثير من الأعلام.
منهم : بطل
العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدّمة تفسيره (آلاء الرحمن) وقد نسب جماعة القول
بعدم التحريف إلى كثير من الأعاظم منهم :
شيخ المشايخ
المفيد [محمد بن محمد النعمان] والمتبحّر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقّق القاضي
نور الله ، وأضرابهم. وممّن يظهر منه
__________________
القول بعدم التحريف : كل من كتب في الإمامة من علماء الشيعة وذكر فيه
المثالب ، ولم يتعرض للتحريف فلو كان هؤلاء قائلين في التحريف لكان ذلك أولى
بالذكر من إحراق المصحف وغيره.
وجملة القول :
إنّ المشهور بين علماء الشيعة الإمامية ومحقّقيهم ، بل المتسالم عليه بينهم هو
القول بعدم التحريف .
__________________
رأي علماء الإماميّة بعدم الزيادة والنقيصة في القرآن
ـ رأي الشيخ الصدوق طاب ثراه
قال العلامة
الجليل المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي (طاب ثراه) في مقدمة تفسيره (آلاء الرحمن)
المطبوعة في أوائل تفسير القرآن الكريم للعلامة الجليل المفسّر السيد عبد الله شبر
في القاهرة تحت عنوان : قول الإمامية بعدم النقيصة في القرآن :
ولا يخفى أنّ
شيخ المحدثين والمعروف بالاعتناء بما يروي وهو الصدوق (طاب ثراه) قال في كتاب (الاعتقاد) :
__________________
اعتقادنا أن
القرآن الذي أنزله الله على نبيّه محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم هو ما بين الدفّتين ، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر
من ذلك ، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة ، وعندنا : أنّ الضّحى ، وألم
نشرح سورة واحدة ولإيلاف ، وألم تر كيف .. سورة واحدة ، ومن نسب إلينا أنّا نقول :
أكثر من ذلك فهو كاذب .
وقال الشيخ
المفيد محمد بن محمد بن النعمان (طاب ثراه) :
__________________
وأمّا الوجه
المجوّز فهو أن يزاد فيه الكلمة ، والكلمتان ، والحرف ، والحرفان وما أشبه ذلك
ممّا لا يبلغ حدّ الإعجاز ، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن ، غير أنّه
لا بدّ متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه ، ويوضح لعباده عن الحق فيه.
ولست أقطع على
كون ذلك بل أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه .
رأي الشريف المرتضى (قدسسره):
قال الآشتياني
:
وممّن صرّح بعدم
النقيصة علم الهدى (قدس سرّه) قال في جملة كلام له في تقريب عدم حدوث التغيير في القرآن
المنزل للإعجاز ما هذا لفظه :
__________________
المحكي : أن
القرآن كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن فإنّ القرآن كان يحفظ
، ويدرّس جميعه في ذلك الزمان حتّى عيّن على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنّه
كان يعرض على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويتلى عليه ، وإنّ جماعة من الصحابة مثل :
عبد الله بن
مسعود ، وأبيّ بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عدّة ختمات وكلّ ذلك يدلّ بأدنى تأمّل على أنّه كان
مجموعا مرتّبا غير منثور ، ولا مبثوث. إلى آخر ما ذكره .
وقال الشيخ
الطوسي (طاب ثراه) :
__________________
اعلم إن القرآن
معجزة عظيمة على صدق النّبي عليهالسلام ، بل هو أكبر المعجزات وأشهرها. غير أنّ الكلام في
إعجازه ، واختلاف الناس فيه ، لا يليق بهذا الكتاب لأنه يتعلّق بالكلام في الأصول.
وقد ذكره علماء أهل التوحيد ، وأطنبوا فيه ، واستوفوه غاية الاستيفاء. وقد ذكرنا
منه طرفا صالحا في شرح الجمل ، لا يليق بهذا الموضع لأنّ استيفاءه يخرج به عن
الغرض ، واختصاره لا يأتي على المطلوب ، فالإحالة عليه أولى.
والمقصود من
هذا الكتاب علم معانيه ، وفنون أغراضه.
وأما الكلام في
زيادته ، ونقصانه فممّا لا يليق به أيضا لأنّ الزيادة فيه مجمع على بطلانها.
والنقصان منه ، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصّحيح من مذهبنا
وهو الّذي نصره المرتضى رحمهالله وهو الظاهر في الروايات .. ورواياتنا متناصرة بالحث على
قراءته ، والتمسك بما فيه ، وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار
__________________
في الفروع إليه. وقد روي عن النبي (ص) رواية لا يدفعها أحد أنّه قال :
(إنّي مخلّف
فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ،
وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
وهذا يدلّ على
موجود في كل عصر. لأنّه لا يجوز أن يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسّك به كما
أنّ أهل البيت عليهمالسلام ومن يجب اتّباع قوله حاصل في كل وقت.
وإذا كان
الموجود بيننا مجمعا على صحّته فينبغي أن نتشاغل بتفسيره ، وبيان معانيه ، ونترك
ما سواه .
وقال الشيخ
الطبرسي طاب ثراه في مقدّمة تفسيره :
__________________
وقبل أن نشرع
في تفسير السور ، والآيات ، فنحن نصدّر الكتاب بذكر مقدّمات لا بدّ من معرفتها لمن
أراد الخوض في علومه تجمعها فنون سبعة. وذكر في الفنّ الخامس رأي السيد الشريف
الرضي وقال :
واستوفى الكلام
فيه غاية الاستيفاء في جواب : «المسائل الطرابلسيّات» وذكر في مواضع أنّ العلم
بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب
المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإنّ العناية اشتدّت ، والدّواعي توفّرت على
نقله ، وحراسته ، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأنّ القرآن معجزة النبوّة
، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينيّة ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه ،
وحمايته الغاية حتى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه ، وقراءته ، وحروفه ،
وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا ، أو منقوصا مع العناية الصادقة ، والضبط الشديد
... الخ .
* * *
رأي الفيض الكاشاني
قال العلامة
المولى محسن بن مرتضى المعروف بالفيض
__________________
الكاشاني : قال الله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ
عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ.)
وقال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.)
فكيف يتطرّق
إليه التحريف والتغيير؟!!
وأيضا قد
استفاض عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة عليهمالسلام حديث عرض الخبر المروى على كتاب الله ليعلم صحّته
بموافقته له ، وفساده بمخالفته ، فإذا كان القرآن الّذي بأيدينا محرّفا فما فائدة
العرض ، مع أنّ خبر التحريف مخالف لكتاب الله ، مكذّب له ، فيجب ردّه ، والحكم
بفساده .
وقال العلّامة
الكبير الشيخ جعفر الجناجي النجفي :
__________________
المبحث السابع
في زيادته :
لا زيادة فيه
من سورة ، ولا آية من بسملة وغيرها لا كلمة ، ولا حرف.
وجميع ما بين
الدّفتين ممّا يتلى كلام الله تعالى بالضّرورة من المذهب بل الدين ، وإجماع
المسلمين ، وأخبار النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة الطاهرين عليهمالسلام وإن خالف بعض من لا يعتدّ به في دخول بعض ما رسم في اسم
القرآن.
المبحث الثامن
في نقصه :
لا ريب في أنّه
محفوظ من النقصان بحفظ الملك الديّان كما دلّ عليه صريح القرآن ، وإجماع العلماء
في جميع الأزمان ، ولا عبرة بالنادر .
رأي العلّامة الآشتياني
وقال العلامة
الكبير الحاج محمد حسن الآشتياني (قدس سرّه) :
__________________
والمشهور بين
المجتهدين ، والأصوليّين ، بل أكثر المحدّثين عدم وقوع التغيير مطلقا بل ادّعى غير
واحد الإجماع على ذلك .
رأي المجتهد الأكبر العاملي
وقال العلّامة
الكبير السيد محسن الأمين :
ونقول : لا
يقول أحد من الإماميّة لا قديما ، ولا حديثا إن القرآن مزيد فيه ، قليل ، أو كثير
فضلا عن كلّهم ، بل كلّهم متفقون على عدم
__________________
الزيادة ، ومن يعتد بقوله من محققيهم متفقون على أنه لم ينقص منه .
وقال السيد
الشريف شرف الدين طاب ثراه :
والقرآن الحكيم
الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه إنما هو ما بين الدفتين ، وهو ما
في أيدي الناس لا يزيد حرفا ، ولا ينقص حرفا ، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة ، ولا
لحرف بحرف ، وكل حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواترا قطعيّا إلى عهد الوحي ،
والنبوة ، وكان مجموعا على ذلك العهد الأقدس مؤلفا على ما هو عليه الآن ، وكان
جبرائيل عليهالسلام يعارض رسول الله صلىاللهعليهوآله بالقرآن في كل عام مرّة ، وقد عارضه به عام وفاته
مرتين.
والصحابة كانوا
يعرضونه ، ويتلونه على النبي (ص) حتى ختموه عليه صلىاللهعليهوآله مرارا عديدة ، وهذا كلّه من الأمور المعلومة الضروريّة
لدى المحققين من علماء الإمامية .
ثم قال الإمام
شرف الدين العاملي :
__________________
نسب إلى الشيعة
القول بتحريف القرآن بإسقاط كلمات وآيات الخ.
فأقول : نعوذ
بالله من هذا القول ، ونبرأ إلى الله تعالى من هذا الجهل ، وكلّ من نسب هذا الرأي
إلينا جاهل بمذهبنا ، أو مفتر علينا ، فإنّ القرآن العظيم ، والذكر الحكيم متواتر
من طرقنا بجميع آياته وكلماته ، وسائر حروفه ، وحركاته ، وسكناته ، تواترا قطعيا
عن أئمة الهدى من أهل البيت عليهمالسلام ، لا يرتاب في ذلك إلّا معتوه ؛ وأئمة أهل البيت كلّهم
أجمعون رفعوه إلى جدّهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن الله تعالى ، وهذا أيضا ممّا لا ريب فيه ، وظواهر
القرآن الحكيم ـ فضلا عن نصوصه ـ أبلغ حجج الله تعالى ، وأقوى أدلّة أهل الحق بحكم
الضرورة الأوّلية من مذهب الإمامية ، وصحاحهم في ذلك متواترة من طريق العترة
الطاهرة ، وبذلك تراهم يضربون بظواهر الصحاح المخالفة للقرآن عرض الجدار ولا
يأبهون بها عملا بأوامر أئمّتهم عليهمالسلام. (أجوبة مسائل جار الله ص ٣٣ ط صيدا (عام ١٣٧٣ ه)).
رأي آية الله السيد البروجردي (قدسسره)
نقل العلامة
الشيخ لطف الله الصافي عن أستاذه آية الله السيد الحاج آقا حسين البروجردي (١) وقال : فإنه أفاد في بعض أبحاثه في
__________________
الأصول ، كما كتبنا عنه في تقريرات بحثه بطلان القول بالتحريف ، وقداسة
القرآن عن وقوع الزيادة فيه ، وأن الضرورة قائمة على خلافه ، وضعف أخبار النقيصة
غاية في الضعف سندا ، ودلالة وقال : وإن بعض هذه الروايات تشتمل على ما يخالف
القطع ، والضرورة ، وما يخالف مصلحة النبوة.
وقال في آخر
كلامه الشريف :
ثم العجب كل
العجب من قوم يزعمون أن الأخبار محفوظة في الألسن ، والكتب في مدّة تزيد على ألف
وثلاثمائة سنة ، وأنّه لو حدث فيها نقص لظهر ، ومع ذلك يحتملون تطرق النقيصة إلى
القرآن المجيد .
رأي آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ره)
وقال الإمام
كاشف الغطاء طاب ثراه :
__________________
وإنّ الكتاب
الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الّذي أنزله الله للإعجاز ، والتحدّي ، وتمييز
الحلال من الحرام ، وأنّه لا نقص فيه ، ولا تحريف ، ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم .
رأي الإمام الحكيم بعدم التحريف
«وبعد : فإن
رأي كبار المحققين ، وعقيدة علماء الفريقين ،
__________________
ونوع المسلمين
من صدر الإسلام إلى اليوم على أن القرآن بترتيب الآيات والسور ، والجمع كما هو
المتداول بالأيدي ، لم يقولوا الكبار بتحريفه من قبل ، ولا من بعد. (النجف الأشرف ـ
١٣٨٣ / ٢٣ ذق ـ السيد محسن الطباطبائي الحكيم).
رأي آية الله الميلاني
وقال آية الله
السيد محمد هادي الميلاني (طاب ثراه) :
__________________
الحمد لله
وسلام على عباده الّذين اصطفى.
«في جواب
السائل : هل وقع تحريف في القرآن؟!!».
أقول : بضرس
قاطع إنّ القرآن الكريم لم يقع فيه أيّ تحريف ، لا بزيادة ، ولا بنقصان ، ولا
بتغيير بعض الألفاظ ، وإن وردت بعض الروايات في التحريف المقصود منها تغيير المعنى
بآراء ، وتوجيهات ، وتأويلات باطلة لا في تغيير الألفاظ ، والعبارات.
وإذا اطلع أحد
على رواية وظنّ بصدقها وقع في اشتباه وخطأ ، وإنّ الظنّ لا يغني من الحقّ شيئا . (محمد هادي الميلاني).
رأي آية الله الكلبايكاني
وقال العلّامة
الكبير الشيخ لطف الله الصافي (دام ظله) :
ولنعم ما أفاده
العلامة الفقيه ، والمرجع الديني السيد محمد رضا
__________________
الكلبايكاني بعد التصريح بأنّ ما في الدفتين هو القرآن المجيد ، ذلك
الكتاب لا ريب فيه ، والمجموع المرتب في عصر الرسالة ، بأمر الرسول صلىاللهعليهوآله بلا تحريف ، ولا تغيير ، ولا زيادة ، ولا نقصان ،
وإقامة البرهان عليه :
إنّ احتمال
التغيير زيادة ، ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به ، واحتمال كون القبلة
غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل ، وهو مستقلّ بامتناعه عادة .
رأي الإمام الخوئي (مد ظله):
«.. إن حديث
تحريف القرآن حديث خرافة ، وخيال ، لا يقول
__________________
به إلّا من ضعف عقله أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأميل ، أو من ألجأه
إليه حب القول به ، والحب يعمي ، ويصم.
وأما العاقل
المنصف ، المتدبّر فلا يشك في بطلانه وخرافته .
رأي العلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي
«إنّ القرآن
مصون عن التحريف»
قال العلّامة
الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي :
__________________
أوضح دليل على
أنّ القرآن الذي بأيدينا اليوم هو القرآن الذي نزل على النّبي الكريم ولم يطرأ
عليه أي تحريف أو تغيير وقال :
من ضروريات
التاريخ أنّ النبي العربي محمدا صلىاللهعليهوآله جاء قبل أربعة عشر قرنا ـ تقريبا ـ وادعى النبوة ،
وانتهض للدعوة وآمن به أمّة من العرب وغيرهم وأنّه جاء بكتاب يسمّيه القرآن وينسبه
إلى ربّه متضمّن لجمل المعارف ، وكليّات الشريعة التي كان يدعو إليها ، وكان
يتحدّى به ويعده آية لنبوته ، وأن القرآن الموجود اليوم بأيدينا هو القرآن الّذي
جاء به وقرأه على الناس المعاصرين له في الجملة بمعنى أنّه لم يضع من أصله بأن
يفقد كله ثم يوضع كتاب آخر يشابهه في نظمه ، أو لا يشابهه ، وينسب إليه ، ويشتهر
بين الناس بأنّه القرآن النازل على النّبي صلىاللهعليهوآله.
فهذه أمور لا
يرتاب في شيء منها إلّا مصاب في فهمه ، ولا احتمل بعض ذلك أحد من الباحثين في
مسألة التحريف من المخالفين ، والمؤالفين ثم قال :
فقد تبين ممّا
فصّلناه أن القرآن الذي أنزله الله على نبيّه صلىاللهعليهوآله ووصفه بأنّه ذكر محفوظ على ما أنزل مصون بصيانة إلهية
عن الزيادة والنقيصة والتغيير كما وعد الله نبيّه فيه.
وخلاصة الحجّة
أن القرآن أنزله الله على نبيّه ووصفه في آيات كثيرة بأوصاف خاصة لو كان تغيير في
شيء من هذه الأوصاف بزيادة أو نقيصة أو تغيير في لفظ ، أو ترتيب مؤثر فقد آثار تلك
الصفة قطعا ، لكنّا نجد القرآن الّذي بأيدينا واجدا لآثار تلك الصّفات المعدودة
على أتّم ما يمكن ، وأحسن ما يكون ، فلم يقع فيه تحريف يسلبه شيئا من صفاته ،
__________________
فالذي بأيدينا منه هو القرآن المنزل على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعينه فلو فرض سقوط شيء منه أو إعراب ، أو حرف ، أو
ترتيب وجب أن يكون في أمر لا يؤثر في شيء من أوصافه كالإعجاز وارتفاع الاختلاف ،
والهداية ، والنورية ، والذكرية ، والهيمنة على سائر الكتب السماوية إلى غير ذلك ،
وذلك كآية مكررة ساقطة ، أو اختلاف في نقطة أو إعراب ونحوها .
وقال العلّامة
الشيخ عبد الرّحيم المدرّس التبريزي :
نعم : لا إشكال
إذا قلنا بعدم التحريف من عروض التقديم ، والتأخير وعدم رعاية الترتيب في الآيات
كتقديم الآية الناسخة على الآية المنسوخة في سورة البقرة في عدّة الوفاة ، وغيرها.
فإن في قوله تعالى :
(وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً ، وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً
إِلَى الْحَوْلِ) وكذا في السور ، أو عروض تغيير في اللّفظ بحيث لا
يتغيّر به المعنى كإسقاط ضمير الموصول في قوله تعالى :
وما عملت
أيديهم في موضع (وَما عَمِلَتْهُ
أَيْدِيهِمْ) كما صرح بذلك علماء النحو .
وقال العلامة الكبير السيد حسين مكي (طاب ثراه)
«لا نقص ولا
زيادة في القرآن» نعتقد نحن الإمامية الاثني عشرية أن القرآن الّذي بأيدينا اليوم
الّذي يقرأه العالم الإسلامي على ما هو عليه الآن هو القرآن الّذي أنزله
__________________
الله تعالى شأنه على نبيّة صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولا نقص فيه ، ولا زيادة ، وقد صان الله تعالى شأنه
عن أن يعتريه نقص ، أو تبديل لقوله تعالى شأنه :
(إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.)
وقد أجمعت كلمة
علمائنا خصوصا المحقّقين منهم على عدم النقص والزيادة فيه .
رأي آية الله الشيخ الصافي
وقال العلامة
الكبير الشيخ لطف الله الصافي :
القرآن معجزة
نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه ، قد عجز الفصحاء عن الإتيان بمثله ، وبمثل سورة ، وآية منه ، وحيّر عقول
البلغاء ، وفطاحل الأدباء وقد بيّن الله تعالى فيه أرقى المباني ، وأسمى المبادىء
، وأنزله على نبيّه دليلا على رسالته ، ونورا للناس ، وشفاء لما في الصدور ، وهدى
، ورحمة للمؤمنين.
قال سيّدنا
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام :
«واعلموا أنّ
هذا القرآن هو الناصح الّذي لا يغشّ ، والهادي الّذي لا يضلّ ،
والمحدّث الذي لا يكذب. وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة ، أو نقصان ،
زيادة في هدى ، ونقصان من عمى ، واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة ،
ولا لأحد قبل القرآن من
__________________
غنى ، فاستشفوه من أدوائكم ، واستعينوا به على لأوائكم ...» .
ولا ينحصر
إعجاز القرآن في كونه في الدرجة العليا من الفصاحة ، والبلاغة ، وسلاسة التركيب ،
والتأليف العجيب ، والأسلوب البكر فحسب.
بل هو معجزة
أيضا لأنّه حوى أصول الدين ، والدنيا ، وسعادة النشأتين.
ومعجزة لأنّه
أنبأ بأخبار حوادث تحققت بعده.
كما أنّه معجزة
من وجهة التاريخ ، وبما أنّ فيه من أخبار القرون السالفة والأمم البائدة ، التي لم
يكن لها تاريخ في عصر الرسول (ص) ممّا أثبتت الكشوف الأثرية صحّتها.
ومعجزة لأن فيه
أصول علم الحياة ، والصحة ، والوراثة ، وما وراء الطبيعة ، والاقتصاد ، والهندسة ،
والزراعة.
ومعجزة من وجهة
الاحتجاج.
وإعجاز من وجهة
الأخلاق ، و... و... و...
وقد مرّ عليه
أربعة عشر قرنا ، ولم يقدر في طول هذه القرون أحد من البلغاء أن يأتي بمثله ، ولن
يقدر على ذلك أحد في القرون الآتية ، والأعصار المستقبلة ، ويظهر كل يوم صدق ما
أخبر الله تعالى به (فَإِنْ لَمْ
تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا.)
هذا هو القرآن
، وهو روح الأمة الإسلامية ، وحياتها ، ووجودها ، وقوامها ، ولو لا القرآن لما كان
لنا كيان.
هذا القرآن هو
كل ما بين الدفتين ليس فيه شيء من كلام البشر
__________________
وكل سورة من سوره ، وكل آية من آياته متواتر مقطوع به ، ولا ريب فيه دلت
عليه الضرورة ، والعقل ، والنقل القطعي المتواتر.
هذا هو القرآن
عند الشيعة الإمامية ، ليس إلى القول فيه بالنقيصة فضلا عن الزيادة سبيل ، ولا
يرتاب في ذلك إلّا الجاهل ، أو المبتلى بالشذوذ .
رأي العلامة الشيخ محمد جواد مغنية
قال : ويستحيل
أن تناله يد التحريف بالزيادة ، أو بالنقصان للآية : ٩ ـ الحجر : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وللآية ٤٢ من فصلت : (لا يَأْتِيهِ
الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ
حَمِيدٍ.)
ونسب إلى
الإمامية افتراء وتنكيلا نقصان آيات من القرآن ، مع أنّ علماءهم المتقدمين ،
والمتأخرين الذين هم الحجة ، والعمدة قد صرّحوا : بأنّ القرآن هو ما في أيدي الناس
لا غيره .
__________________
دفاع شيوخ الأزهر
وعلمائه عن الشيعة
الإماميّة
وقد أوردنا في
هذا الكتاب ما وصل إلينا مما كتبه شيوخ الأزهر الشريف من : الشيخ سليم البشري حتى
الشيخ محمد محمد النجار ، ومن جاء بعدهم من علماء الأزهر الشريف وغيرهم عن فقه
الشيعة الإمامية وعن تفسير القرآن الكريم وعن سائر العلوم الإسلامية خلال نصف قرن.
وإلى القارىء
الكريم نص ما كتبوه :
الشيخ محمود شلتوت

في قرية منية
بني منصور بمحافظة البحيرة ولد المرحوم الشيخ محمود شلتوت (عام ١٨٩٣ م) ، حيث حفظ
القرآن الكريم ، ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني (عام ١٩٠٦ م) ... وفي عام (١٩١٨
م) نال شهادة العالمية النظامية ، وعين مدرسا بمعهد الإسكندرية ، ثم نقل للتدريس
بالقسم العالي ، واشتغل رحمهالله تعالى بالمحاماة في الفترة من (عام ١٩٣١ م) حتى (عام
١٩٣٥ م) ... وفي (عام ١٩٤٢ م) نال عضوية جماعة كبار العلماء ، وتدرج في مناصب
الأزهر حتى اختير شيخا للأزهر في اكتوبر (عام ١٩٥٨ م).
وقد مثل الشيخ
شلتوت الأزهر في عدة مؤتمرات دولية ومحلية ، وشارك في نشاط كثير من الهيئات
الرسمية والمؤسسات التي تهتم
بالتربية والتدين ونشر الفضلة ، كما أسهم ـ رحمهالله ـ في التوجيه العام بمقالاته وبحوثه وأحاديثه التي كانت تنقلها عنه أجهزة
الإعلام المختلفة.
ومن مؤلفاته :
* فقه القرآن
والسنة.
* مقارنة
المذاهب.
* منهج القرآن
في بناء المجتمع.
* المسؤولية
المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية
* القرآن
والقتال.
القرآن
والمرأة.
* تنظيم النسل.
* تنظيم
العلاقات الدولية في الإسلام
* الإسلام
والوجود الدولي للمسلمين.
* الإسلام
عقيدة وشريعة.
* الفتاوى.
* من توجيهات
الإسلام.
* تفسير
القرآن.
* إلى القرآن.
* الإسلام
والتكافل الاجتماعي .
__________________
مكتب شيخ الأزهر
بسم الله الرحمن
الرّحيم
نص الفتوى
التي أصدرها السيد صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر
الشيخ محمود شلتوت
في شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية
قيل لفضيلته :
إن بعض الناس
يرى أنّه يجب على المسلم لكي تقع عباداته ، ومعاملاته على وجه صحيح أن يقلّد أحد
المذاهب الأربعة المعروفة ، وليس من بينها مذهب الشيعة الإمامية ، ولا الشيعة
الزيديّة فهل توافقون فضيلتكم على هذا الرأي على إطلاقه فتمنعون تقليد مذهب الشيعة
الإمامية مثلا.
فأجاب فضيلته :
١ ـ إنّ
الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتّباع مذهب معين بل نقول :
إنّ لكل مسلم
الحق أن يقلد بادىء ذي بدء أيّ مذهب من المذاهب المنقولة نقلا صحيحا ، والمدوّنة
أحكامها في كتبها الخاصة ولمن قلّد مذهبا من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره ـ أي
مذهب كان ـ ولا حرج عليه في شيء من ذلك.
٢ ـ إنّ مذهب
الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الإثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعا
كسائر مذاهب أهل السنة.
فينبغي
للمسلمين أن يعرفوا ذلك ، وأن يتخلّصوا من العصبيّة بغير الحق لمذاهب معيّنة فما
كان دين الله ، وما كانت شريعته بتابعة لمذهب ، أو مقصورة على مذهب ، فالكل
مجتهدون مقبولون عند الله تعالى يجوز لمن ليس أهلا للّنظر ، والاجتهاد تقليدهم ،
والعمل بما يقررونه في فقههم ، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.
محمود شلتوت
وإلى القارىء
الكريم نص الفتوى مصورة بالزينكو غراف عن الأصل.

فقه الشيعة الإمامية
قامت وزارة
الأوقاف المصرية (عام ١٣٧٧ ه) بنشر كتاب : «المختصر النافع» في فقه الإمامية وإلى
القارىء الكريم نص كلمة الوزارة للطبعة الثانية من الكتاب :
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
لم يكن في
الحسبان أن تنفد الطبعة الأولى ـ وكانت خمسة آلاف نسخة ـ من هذا الكتاب في هذه
المدّة القصيرة. لكن الإقبال على اقتنائه ، كان أكثر ممّا نتصوّر ، وهذا إن دلّ
على شيء فإنما يدلّ على روح الإنصاف ، ونبذ التعصّب ، وحسن الاستعداد للأخذ بفكرة
التقريب.
وأمام كثرة
الطلبات التي ترى باستمرار من الداخل ، ومن شتّى البلاد الإسلامية ، رأت وزارة
الأوقاف الأخذ باقتراح (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) ، في إعادة طبعه ، بعد
ما أضافت إلى هذه الطبعة الجزء الباقي من الكتاب.
ووزارة الأوقاف
إذ تعيد تقديم «المختصر النافع» يسرّها ما ترى
من نضوج في الوعي ، يتّفق مع الروح الإسلامية الصحيحة ، ويؤدّي إلى تحقيق
معنى الوحدة بين المسلمين .
ذو الحجة سنة
١٣٧٧ ه.
__________________
إشراف لجنة من العلماء لتحقيق نصوص الكتاب
وإلى القارىء
الكريم نص ما جاء في ص ٢٤ من «المختصر النافع» من الطبعة الثانية منه :
قام بمراجعة
النسخة الخطيّة «للمختصر النافع» وتحقيق نصّها ، والمقابلة بينها وبين أصولها
للمؤلف وغيره ، والإشراف على إخراج الكتاب لجنة علميّة من حضرات السادة :
صاحب الفضيلة
الشيخ محمّد محمّد المدني
رئيس قسم
العلوم الإسلامية في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة
صاحب الفضيلة
الشيخ عبد العزيز محمد عيسى
أستاذ الفقه
المساعد في كلية الشريعة بالأزهر الشريف
صاحب الفضيلة
الشيخ عبد الجواد البنّا
الأستاذ بقسم
البعوث الإسلامية بالأزهر الشريف
صاحب الفضيلة
الشيخ محمّد الغزالي
مدير إدارة
تفتيش المساجد بوزارة الأوقاف
صاحب الفضيلة
الأستاذ الشيخ سيد سابق
مدير إدارة
الثقافة بوزارة الأوقاف ..
وقدّم الكتاب :
صاحب الفضيلة
العلامة الكبير وزير الأوقاف آنذاك
الشيخ أحمد حسن
الباقوري
وإلى القارىء
الكريم نص التقديم :
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
كلمة صاحب الفضيلة السيد وزير الأوقاف
قضية السنة
والشيعة ، هي في نظري قضية إيمان وعلم معا.
فإذا رأينا أن
نحل مشكلاتها على ضوء من صدق الإيمان ، وسعة العلم فلن تستعصي علينا عقدة ، ولن
يقف أمامنا عائق.
أما إذا تركنا ـ
للمعرفة القاصرة ، واليقين الواهي ـ أمر النظر في هذه القضية ، والبتّ في مصيرها ،
فلن يقع إلّا الشرّ.
وهذا الشرّ
الواقع إذا جاز له أن ينتمي إلى نسب ، أو يعتمد على سبب فليبحث عن كل نسب في
الدنيا ، وعن كل سبب في الحياة ، إلّا نسبا إلى الإيمان الصحيح ، أو سببا إلى
المعرفة المنزّهة.
* * *
نعم : قضية علم
وإيمان ...
فأما إنّها
قضيّة علم ، فإن الفريقين يقيمان صلتهما بالإسلام على الإيمان بكتاب الله وسنّة
رسوله ، ويتفقان اتفاقا مطلقا على الأصول الجامعة في هذا الدين فيما نعلم ، فإن
اشتجرت الآراء بعد ذلك في
الفروع الفقهيّة ، والتشريعيّة ، فإن مذاهب المسلمين كلّها سواء في أن
للمجتهد أجره ، أخطأ أم أصاب.
وثبوت الأجر له
قاطع بداهة في إبعاد الظنّة ، ونفي الريبة أن تناله من قرب ، أو بعد على أن الخطأ
العلمي ـ وتلك سماحة الإسلام في تقديره ـ ليس حكرا على مذهب بعينه ، ومن الشطط
القول بذلك.
وعند ما ندخل
مجال الفقه المقارن ، ونقيس الشقّة الّتي يحدثها الخلاف العلمي بين رأي ورأي. أو
بين تصحيح حديث وتضعيفه ، نجد أن المدى بين الشيعة والسنّة كالمدى بين المذهب
الفقهي لأبي حنيفة ، والمذهب الفقهي لمالك ، أو الشافعي ، أو المدى بين من يعملون
بظاهر النّص ومن يأخذون بموضوعه وفحواه ، ونحن نرى الجميع سواء في نشدان الحقيقة
وإن اختلفت الأساليب.
ونرى الحصيلة
العلمية لهذا الجهد الفقهي جديرة بالحفاوة وإدمان النّظر ، وإحسان الدراسة ، فهي
تراث علمي مقدور مشكور ...
وأما إنها قضية
إيمان فإنّي لا أحسب ضمير مسلم يرضى بافتعال الخلاف ، وتسعير البغضاء بين أبناء
أمة واحدة ، ولو كان ذلك لعلّة قائمة.
فكيف لو لم تكن
هناك علّة قط؟.
كيف يرضى
المؤمن الصادق الصلة بالله أن تختلق الأسباب اختلافا لإفساد ما بين الأخوة ،
وإقامة علائقهم على اصطياد الشبه ، وتجسيم التوافه ، وإطلاق الدعايات الماكرة ،
والتغرير بالسذّج والهمل.
هب ذلك يقع فيه
امرؤ تعوزه التجربة ، وتنقصه الخبرة ، فكيف تقع فيه أمّة ذاقت الويلات من شؤم
الخلاف ، ولم يجد عدوّها ثغرة للنفاذ إلى صميمها إلّا من هذا الخلل المصطنع عن خطأ
أو تهوّر ...
ولقد رأينا مع
بعض رجال التقريب أن نقوم بعمل إيجابي لعلّه أن يكون حاسما ، سدّا لهذه الفجوة
التي صنعتها الأوهام ، بل إنهاء لهذه الفجوة التي خلقتها الأهواء ، فرأيت أن
تتولّى وزارة الأوقاف ضمّ المذهب الفقهي للشيعة الإمامية إلى فقه المذاهب الأربعة
المدروسة في مصر ، وستتولّى إدارة الثقافة تقديم أبواب العبادات ، والمعاملات من هذا
الفقه الإسلامي إلى جمهور المسلمين.
وسيرى أولو
الألباب عند مطالعة هذه الجهود العلميّة أن الشّبه قريب بين ما ألفنا من قراءات
فقهيّة ، وبين ما باعدتنا عنه الأحداث السيّئة.
* * *
وليس أحب إلى
نفسي من أن يكون هذا العمل فاتحة موفّقة لتصفية شاملة تنقي تراثنا الثقافي ،
والتاريخي من أدران علقت به وليست منه.
وأحسب أن كلّ
بذل في هذا السبيل مضاعف الأجر مذخور عند الله جلّ شأنه ، وأن الثمرات المرتقبة
منه في عاجل أمرنا وآجله تغري بالمزيد من العناية ، والمزيد من التحمّل والمصابرة.
على أنه لن
ينجح في هذا المجال إلّا من استجمع خلّتين اثنتين : سعة القلم ، وصدق الإيمان.
إنّ الأصالة
الفكرية في مجال البحث عن الحق وتعليمه ، تلتقي مع متانة الخلق ، وبراءة النفس من
العقد والعلل .. والثروة الطائلة من الثقافة تورث النّفس رحابة تشبه الرحابة التي
يورثها الإيمان الخالص النقي.
ذلك أن الحصيلة
العلمية الضخمة تجعل صاحبها بعيد منادح
النّظر ، وتجعله يعرف ـ عن خبرة ـ آراء معارضيه ، وكيف تكوّنت هذه الآراء ،
ومدى ما للملابسات المختلفة من عمل في تكوينها ...
وصدق الإيمان
يجعل المسلم بادي التلطّف مع الناس ، حذرا من قطع أواصرهم ، لبقا في بيان الحق والدعوة
إليه ، أمنيته الغالية أن تنشرح الصدور بالهدى ، وأن تنأى عن مواطن الردى ...
هيهات أن يشمت ، أو يعتد ، أو يحقد ، أو يشارك في مراء وهو يريد لنفسه الغلب ،
ويبغي لصاحبة العطب ، كلا كلا ، فشرط الإخلاص لله ينفي هذا كلّه ...
ونحن المسلمين
بحاجة ماسة إلى أن نبني علاقاتنا على هذه الأسس وأن نزيح من طريقنا إلى المستقبل
الطيّب ما خلّفته الأيام والأهواء من عقبات.
والله وليّ
التوفيق ، وهو المسؤول أن يتدارك برحمته أمّتنا ، وأن يقيها عوادي السوء ، ومغبّات
التفرّق والانقسام ... .
أحمد حسن
الباقوري
__________________
الشيخ أحمد حسن الباقوري
وزير الأوقاف المصرية في عهد عبد الناصر
وزارة الأوقاف
السيد الأستاذ
مرتضى الرّضوي.
السلام عليكم
ورحمة الله وبعد.
فإني أشكر لك
جهدك الّذي بذلت في إخراج كتاب «وسائل الشيعة ومستدركاتها» كما أشكر لك قصدك
الطيّب من إخراج هذا الكتاب الّذي نرجو أن يفتح طريقا جديدا من طرق التقريب بين
جماعات المسلمين ، فما تفرّق المسلمون في الماضي إلّا لهذه العزلة العقليّة التي
قطعت أواصر الصّلات بينهم ، فساء ظنّ بعضهم ببعض وليس هناك من
__________________
سبيل للتعرّف على الحق في هذه القضيّة إلّا سبيل الاطّلاع والكشف عمّا عند
الفرق المختلفة من مذاهب وما تدين به من آراء. ليهلك من هلك عن بيّنة ، ويحيى من
حيّ عن بيّنة.
والخلاف بين
السنيّين والشيعيّين خلاف يقوم أكثره على غير علم ، حيث لم يتح لجمهور الفريقين
اطّلاع كلّ فريق على ما عند الفريق الأخر من آراء وحجج.
وإذاعة فقه
الشيعة بين جمهور السنيّين ، وإذاعة فقه السنيّين بين جمهور الشيعة من أقوى
الأسباب وآكدها لإزالة الخلاف بينهما ، فإن كان ثمّة خلاف فإنّه يقوم بعد هذا على
رأي له احترامه ، وقيمته.
لهذا فإن إخراج
مثل هذا الكتاب عمل يستحق القائم عليه شكرا وتقديرا.
والسلام عليكم
ورحمة الله وبركاته.
وزير الأوقاف
أحمد حسن
الباقوري
الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف
الأستاذ بكلّية الشريعة بجامعة الأزهر
الشيعة والفقه الإسلامي
اختلفت مصادر
الفقه الإسلامي وأصبح للشيعة أصول خاصة من تفسير أئمّتهم لكتاب الله ، ومن السّنة
المتّصلة برجالهم لأنّهم الموثوقون على أخبار أئمتهم وتنزيلها منزلة الوحي لعصمتهم
، وانقطعوا عن النظر في أخبار أهل السّنة وقواعد استنباطهم. ففي فقه آل البيت ما
يكفل للمستفيد حاجته من الأحكام وشمولها لكل شؤونه مع ورع ، وأدب منقول عن أئمّتهم
الّذين لم تظهر منهم عصبيّة ولا إسراف.
وتجدون
لعلمائهم اليد ، والفكرة الصّائبة في كثير من الأحكام
__________________
الّتي تتحقّق بها مقاصد الشريعة ، وإن كانت لا تخضع كثيرا لقوانين
الاستنباط عند أهل السنة.
ومن مؤلفاتهم
الّتي تتجلّى فيها تلك الحقائق كتاب : «وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة»
فإنه جامع لشتات المسائل من هذا الفن ومؤلفه الحرّ العاملي ممّن جمع مع الفقاهة إجادة التأليف ـ وقد كمل الانتفاع
به بانضمام مستدركه : «مستدرك الوسائل» للميرزا حسين النوري فإنّه أرجع أحكامه إلى
الأصول ، وأفسح المنهاج به للمتعلّمين والعاملين.
ومع ذلك
فالخلاف في الفروع ليس بالشيء الكثير فمن قرأ كتاب : «الانتصار» للسيد المرتضى علم
أنّه ما اختلف فيع الشيعة ، وأهل السنّة من الأحكام قليل ، واختلاف الرأي بين
العلماء لا يصحّ أن يكون سببا مانعا من العلم بأسرار الاستنباط ، والوقوف على
وجهات الأنظار في التخريج والاعتبار ، وليس هو كذلك مباعدا بين العلماء ، ولا
موسّعا بهوّة الخلاف.
فإن أهل السنّة
فيهم المذاهب الفقهية المتعدّدة ولكنّهم يستفيدون ملكة الفقه بالاطلاع على الكتب
التي تختصّ بعلم الخلاف ، والفقه المقارن.
وليس أضرّ على
الدين من العصبيّة ، ولا أشدّ فتكا بالعقول والرّجال من سوء الظنّ والأنانيّة.
فالفقه
الإسلامي لكلّ المكلّفين شريعة واحدة يتعبّد بها أهل الأمصار على اختلاف الأنظار
فيا حبّذا لو تبادل الشيعة ، وأهل السنة ما
__________________
عندهم من العلم حتّى إذا امتزج البحران ظهر منهما : الّلؤلؤ ، والمرجان.
نسأل الله أن
يجمع الشتات ، وأن يخلص لنا النيّات ، وأن يوحّد الكلمة ، ويجمع القلوب إنّه على
ما يشاء قدير ، وصلّى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه آمين .
__________________
الشيخ عبد الرّحمن النّجار
مدير عام المساجد بمصر
حوار المؤلف مع الأستاذ النجار
ما هي
انطباعاتكم عن الشيعة ، وما هو رأيكم في فتح باب الاجتهاد عندها؟
أجاب فضيلته :
لا يمكن أن
يغفل رأي الشيعة لأنّهم يمثّلون نصف المسلمين في العالم ، فليس من المعقول أن يهمل
اجتهادهم ، أو يتّخذ منهم موقف الرفض والعداء في الوقت الذي ننادي فيه بتجميع كلمة
المسلمين حول عقيدة التوحيد :
__________________
لا إله إلا
الله ، محمد رسول الله.
والشيعة لهم
اجتهادات طيّبة في الفقه ، ولا أدري لماذا يتغافل المسلمون عنها ، أو يهملونها ،
مع أن الكثير منها يحقق التفاعل مع المجتمع في عصرنا الحديث.
كما وأن الشيعة
وجدتهم في منطقة شرق أفريقيا حيث كنت أعمل هناك مديرا للمركز الإسلامي في جمهورية «تنزانيا»
وجدتهم يؤدون خدمات جليلة للإسلام في هذه المنطقة وفي «كينيا» وفي «أوغندة» وفي «تنزانيا»
وفي «زامبيا» وفي «موزامبيق» ولهم نشاطهم في إقامة المساجد وتعميرها .
__________________
الدكتور أبو الوفا التفتازاني
أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة
وقع كثير من
الباحثين ، سواء في الشرق أو في الغرب ، قديما ، وحديثا ، في أحكام كثيرة خاطئة عن
الشيعة ، لا تستند إلى أدلّة ، أو شواهد نقليّة جديرة بالثّقة وتداول بعض الناس
هذه الأحكام فيما بينهم دون أن يسألوا أنفسهم عن صحّتها ، أو خطئها.
وكان من بين
العوامل التي أدّت إلى عدم إنصاف الشيعة من جانب أولئك الباحثين ، الجهل الناشىء
عن عدم الاطلاع على المصادر الشيعيّة ، والاكتفاء بالاطلاع على مصادر خصومهم.
وممّا لا شكّ
فيه أنّ أيّ باحث يتصدّى للبحث عن تاريخ الشيعة ،
__________________
أو عقائدهم ، أو فقههم ، لا بدّ له من الاعتماد ـ أوّلا وقبل كلّ شيء ـ على
تراث الشيعة أنفسهم في هذه المجالات ، وهذا بالإضافة إلى ما ينبغي عليه من تحرّي
الصّدق في الروايات التاريخية التي يجدها في كتب خصوم الشيعة تحرّيا دقيقا ، وذلك
للوصول إلى الحقيقة ذاتها ، وإلى كلّ ما ينبغي عليه من التجرّد عن كلّ هوى مذهبيّ
سابق يؤثر عليه في إصدار أحكامه.
وكان من بين
العوامل التي أدّت إلى عدم إنصاف الشيعة أيضا أنّ الاستعمار الغربيّ أراد في عصرنا
هذا أن يوسّع هوّة الخلاف بين السنّة ، والشيعة وبذاك تصاب الأمّة الإسلاميّة بداء
الفرقة ، والانقسام فأوحى إلى بعض المستشرقين من رجاله بتوخي هذا الفن باسم البحث
الأكاديمي الحرّ.
وممّا يؤسف له
أشدّ الأسف أنّ بعض الباحثين من المسلمين في العصر الحاضر تابع أولئك المستشرقين
في آرائهم دون أن يفطن إلى حقيّة مراميهم.
والشيعة اسم
كان يطلق على كلّ من شايع عليّا (رضي الله عنه) وقال : بإمامته وذريّته من بعده
نصّا ، ووصاية ، وهو يطلق الآن على الإثني عشرية خاصّة.
والشيعة عموما
يستندون في تشيّعهم للإمام علي (رضي الله عنه) إلى شواهد من الكتاب والسنّة.
والاتفاق بين
السّنة والشيعة في أصول العقائد ظاهر جلّي ، وذلك إذا استثنينا مسألة الإمامة ، إذ
يرى أهل السّنة أنّها قضيّة مصلحيّة تناط باختيار العامّة ، على حين يراها الشيعة
قضيّة أصولية ، وأنّ الإمام المنصوص عليه هو عليّ (رضي الله عنه) وأن الإمامة لا
تخرج من
أولاده ، وإن خرجت فبظلم ، أو تقيّة ، وتنحصر الإمامة عندهم في إثني عشر
إماما.
والاتّفاق بين
السّنة والشيعة في الأحكام الفقهيّة واضح بيّن ، وذلك إذا استثنينا الخلاف حول بعض
الأحكام الفروعيّة ، مثل «نكاح المتعة» الّذي ثبت نسخه عند أهل السّنة ولم يثبت عند الشيعة.
__________________
الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي
عميد الجامعة الأزهرية في أسيوط
الشيعة والفقه الإسلامي
... وعند ما
نمعن في قراءة الفقه الشيعي فسوف نجد أنّه هو وفقه المذاهب الأربعة ، يكوّنون ثروة
ضخمة لا مثيل لها في أيّ تشريع من التشريعات.
ويتيح لنا أن
نستمد منه أصول تشريعاتنا الحديثة ، وأن نبني على أسسه حياتنا الاجتماعية الحاضرة.
إن هذا الفقه
وتشريعاته المفصّلة لا يماثلها تشريع آخر حتّى عند
__________________
أعظم الدّول رقيّا ، وحضارة ، وما بالك بهذا التشريع الإسلامي الفقهي الّذي
يستمد خطره من الدين الإسلامي الحنيف ، ومن كتاب الله الحكيم الخالد الّذي يعدّ
الأصل الأول في التشريع عند جميع المسلمين وهو كما قال الرسول الكريم :
«حبل الله
المتين ، وهو الصّراط المستقيم ، وهو الّذي من عمل به أجر ومن حكم به عدل ، ومن
دعا إليه دعا إلى صراط مستقيم».
وحديث الرسول
صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه وذريّته أجمعين هو المنبع الثاني من منابع
التشريع الفقهي عند جميع الأئمة «فقول الرسول وفعله وتقريره سنّة لا بدّ من الأخذ
بها والاستمداد منها».
والشيعة تشترط
أن تكون رواية الحديث من طريق أئمة أهل البيت عليهمالسلام لأسباب كثيرة ـ منها :
اعتقادهم أنّهم
أعرف الناس بالسنّة وأشدّهم فهما لأسرار الدين.
والشيعة تأتسي
بآل البيت وتقتدي بهم ، وتعتبرهم أئمّة هداة إلى الخير ، والحقّ وإلى سواء السبيل
، وذلك لما ثبت من فضلهم ، وما أثر من دقيق فطنتهم ورفيع فهمهم.
على أنّ مبدأ
الخلافة والإمامة هو الّذي ميّز بين السنّة ، والشيعة ، هاتين الطائفتين التي حاول
الكائدون أن يفرّقوا بينهما على طول العصور خدمة لأغراضهم الخبيثة ، ولكن الله
بالمرصاد لكلّ من يكيد للإسلام والمسلمين.
وإن كان
بالإمكان أن تحافظ كلّ طائفة على صبغتها ، مع رعاية
الأخوّة العامّة والأخوّة الإسلاميّة ، واحترام كلّ فريق الآخر. وندعو الله
أن يجمع المسلمين على كلمة الخير والسلام .
القاهرة :
محمد عبد المنعم خفاجي
الأستاذ بكلّية الّلغة العربيّة بالأزهر
الشريف
(سابقا)
وعميد الجامعة الأزهرية بأسيوط
(حاليا)
__________________
الأستاذ عبد الهادي مسعود الإبياري
بوزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر
الشيعة والفقه الإسلامي
إنّ هذا المذهب
الإسلامي له مقوّماته الفكريّة كأيّ مذهب آخر من مذاهب الدين ، وله لواؤه الخفّاق
ما في ذلك ريب ..
وعلماء الشيعة
كعلماء أهل السّنة إنّما يدركون كلّ شيء في حدود القرآن ، وفي حدود ما ورد على لسان
نبيّ الإسلام .. وقد نظّموا دراسات ، وبحوثا لها قيمتها في الميادين الإسلامية
الكبرى ، وكان لهم في إحياء التراث الديني مجالات ومجالات.
والواقع إنّني
ألمس فيهم نشاطا ممتازا ، وثقافة نادرة ، وفطرة مستقيمة في تقدير الأمور.
__________________
لقد رأيت
الكثيرين يتعرّضون للشيعة ، والتوفيق بين السنة والشيعة ، ولكنّهم يتهرّبون من
صميم المشكلة دون مبرّر ، ولا سبب ... والأمر فيما أرى لا يحتاج إلى هذا التهيب ،
ولا إلى هذا التردد ... إذ ما حلّ التهيّب مشكلة من المشاكل ، ولا حسم التردّد
خلافا من الخلافات ...
وقد قبض النبي
صلوات الله عليه إلى ربّه كما قبض الخلفاء الأربعة وغيرهم من جلّة الصحابة
والتابعين ، ولن يفيد الخلاف ، والاختلاف في إعادة واحد منهم أو غيره إلى الحكم ،
ولو افترضنا أن إماما سيظهر في قابل الأيام فالعالم كلّه في انتظاره لأنه سيكون
مؤيّدا بروح الله .
|
عبد الهادي مسعود
وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومي.
|
__________________
الشيخ عبد المجيد سليم

ينتمي الشيخ
عبد المجيد سليم إلى ذلك الجيل الذي تتلمذ على يد الإمام محمد عبده ، فأخذ عنه قوة
الحجة ، ونفاذ البصيرة ، والتفاني في خدمة دينه ووطنه.
وقد عاصر الشيخ
عبد المجيد سليم أحداث بلاده العظيمة ، وعاش تلك الفترة المشتعلة من تاريخ هذا
الوطن ، والتي كتب لها أن تكون تمهيدا طبيعيا لثورة منطلقة في كل الميادين ،
وإرهاصا واضحا لانطلاقنا في عرض الحياة.
وقد ولد الشيخ
عبد المجيد سليم في ١٣ أكتوبر سن ١٨٨٢ م وتخرج في الأزهر عام ١٩٠٨ م بعد أن حصل
على شهادة العالمية من الدرجة الأولى.
وقد تقلب في
مناصب القضاء والإفتاء والتعليم بالمعاهد الدينية.
وعهد إليه بالإشراف
على
الدراسات العليا في الأزهر ثم صارت إليه رياسة لجنة الفتوى فكان له في كل
ناحية أعمال خالدة مأثورة ، وعند ذكر إصلاح وتطوير الأزهر لا بد أن يقترن ذلك باسم
الشيخ المترجم له.
وهناك نقطة
بارزة في حياة الشيخ عبد المجيد سليم تلك هي اشتغاله في آخر ايامه بالتقريب بين
المذاهب الإسلامية حين رأى أن اختلافها لا يمكن أن يعود بفائدة على الإسلام
والمسلمين إلّا أن يكون في هذا الاختلاف أبلغ الضرر بقضية الإسلام في كل البلاد ،
ولم يقتصر فضله في هذه الناحية على أرض مصر بل كانت له في ذلك مراسلات إلى كل
أنحاء العالم حيث كان يتمتع بصداقات وافرة.
وله مؤلفات لا
زالت مخطوطة ، وقد أثر عنه الشجاعة في الإدلاء برأيه ما دام يعتقد أنه الحق ، وقد
استقال من الإفتاء عام ١٩٤٦ م حين وجد حكومة ذلك العهد تريد التدخل في شؤون الأزهر
، وقال لمسؤول حذره من خطر سيلحقه «إنني ما دمت أتردد بين بيتي والمسجد فلا خطر
علي ...».
وقد عين فضيلته
شيخا للأزهر مرتين وكانت المرة الأولى يوم ٨ أكتوبر سنة ١٩٥٠ م وأعفي من المنصب في
٤ سبتمبر سنة ١٩٥١ م ثم تولى المشيخة لثاني مرة في ١٠ فبراير سنة ١٩٥٢ م واستقال
من المنصب في ١٧ سبتمبر سنة ١٩٥٢ م.
وانتقل إلى
رحمة الله تعالى في صباح يوم الخميس ١٠ من صفر سنة ١٣٧٤ ه ـ ٧ من أكتوبر سنة ١٩٥٤
م .
__________________

صورة كتاب
المغفور له الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر
إلى دار
التقريب بين المذاهب الإسلامية مشيرا بإحياء هذا الكتاب
نظرة
شيوخ الأزهر الشريف وعلمائه عن تفاسير
الشيعة الإمامية
١ ـ تفسير القرآن للشيعة الإمامية
وأما تفسير
القرآن للشيعة الإمامية فقد كتب جماعة من كبار العلماء الأعاظم في الأزهر الشريف
وغيره منهم : الأستاذ الأكبر الشيخ عبد المجيد سليم شيخ الجامع الأزهر.
وهذا نص ما
كتبه حول هذا التفسير الجليل :
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
الحمد لله ربّ
العالمين ، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه الهداة الراشدين.
أمّا بعد فإن
كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن الّذي ألّفه الشيخ العلّامة ثقة الإسلام أبو علي
الفضل بن الحسن الطبرسي من علماء القرن السادس الهجري ، هو كتاب جليل الشأن ، غزير
العلم ، كثير الفوائد ، حسن الترتيب. لا أحسبني مبالغا إذا قلت : إنه في مقدمة كتب
التفسير التي تعد مراجع لعلومه ، وبحوثه.
ولقد قرأت هذا
الكتاب كثيرا ، ورجعت إليه في مواطن عدّة. فرأيته حلّال معضلات ، كشّاف مهمّات ،
ووجدت صاحبه ـ رحمهالله ـ
عميق التفكر ، عظيم التدبّر ، متمكّنا من علمه ، قويّا في أسلوبه ، وتعبيره
، شديد الحرص على أن يجلّي للناس كثيرا من المسائل التي يفيدهم علمها. فإذا قامت
جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية ـ ولي شرف المساهمة في تأسيسها وأعمالها ـ
بإحياء هذا التفسير الجليل ، فإنّه لعمل من الباقيات الصّالحات ، آمل أن يثيبنا
الله عليه ، ويثيب كل معين على إتمامه. ثوابا حسنا ، والباقيات الصالحات خير عند
ربك ثوابا وخير أملا.
القاهرة ٤ من
ذي القعدة سنة ١٣٧١ ه.
٢٦ من يوليو
سنة ١٩٥٢ م.
|
شيخ الجامع الأزهر
عبد المجيد سليم
|
٢ ـ وللأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت
شيخ الأزهر الأسبق تصوير لتفسير
مجمع البيان في تفسير القرآن لأمين الإسلام
بسم الله الرّحمن
الرّحيم
«... وشمرت عن
ساق الجد ، وبلغت غاية الجهد والكد ، وأسهرت الناظر ، وأتعبت الخاطر ، وأطلت
التفكير ، وأحضرت التفاسير ، واستمددت من الله سبحانه التوفيق والتيسير ، وابتدأت
بتأليف كتاب هو في غاية التلخيص والتهذيب ، وحسن النظم والترتيب ، يجمع أنواع هذا
العلم وفنونه ، ويحوي نصوصه وعيونه ، من علم قراءاته ، وإعرابه ولغاته ، وغوامضه
ومشكلاته ، ومعانيه وجهاته ، ونزوله وأخباره ، وقصصه وآثاره ، وحدوده وأحكامه ،
وحلاله وحرامه ، والكلام على مطاعن المبطلين فيه ، وذكر ما ينفرد به أصحابنا رضي
الله عنهم من الاستدلالات ، بمواضع كثيرة منه على صحّة ما يعتقدونه من الأصول
والفروع ، والمعقول والمسموع ، على وجه الاعتدال والاختصار ، فوق الإيجاز ودون
الإكثار ، فإن الخواطر في هذا الزمان لا تحتمل أعباء العلوم الكثيرة ، وتضعف عن
الإجراء في الحلبات الخطيرة ، إذ لم يبق من العلماء إلّا الأسماء ، ومن العلوم
إلّا الذماء ، وقدّمت مطلع كلّ سورة ذكر مكيّها ، ومدنيّها ، ثم ذكر الاختلاف في
عدد آياتها ، ثم ذكر
فضل تلاوتها ، ثم أقدم في كلّ آية الاختلاف في القراءات ، ثم ذكر العلل
والاحتجاجات ، ثم ذكر العربية واللّغات ، ثم ذكر الإعراب والمشكلات ، ثم ذكر
الأسباب والنزولات ، ثم ذكر المعاني والأحكام والتأويلات ، والقصص والجهات ، ثم
ذكر انتظام الآيات ، على أنّي قد جمعت في عربيّته كل غرّة لائحة ، وفي إعرابه كل
حجّة واضحة ، وفي معانيه كلّ قول متين ، وفي مشكلاته كلّ برهان مبين ، وهو بحمد
الله للأديب عمدة ، وللنحوي عدّة ، وللمقرىء بصيرة ، وللناسك ذخيرة وللمتكلّم حجّة
، وللمحدّث محجّة ، وللفقيه دلالة ، وللواعظ آلة».
بهذه العبارات
الواصفة الكاشفة قدّم الإمام السعيد ، أمين الإسلام ، أبو علي الفضل بن الحسن
الطبرسيّ ، كتابه الجليل الّذي هو نسيج وحده بين كتب التفسير الجامعة ، ولم أجد
أحسن من هذه العبارات في وصف هذا الكتاب ، وبيان منهجه ، فآثرت أن أفسح المجال لها
، وأن أجعلها أوّل ما يطالع القارىء ، ولم يكن ذلك إلّا بعد أن تنقلت في رحاب
الكتاب من موضع إلى موضع ، واختبرت واقعه ممّا يعدّ من مزالق الأقدام ، ومتائه
الأفهام ، ومضائق الأقلام ، فوجدته كما وصفه صاحبه ، وعلمت أنّه لم يتكثر بما ليس
فيه ، ولم يعد إلّا بما يوفيه.
ولقد قلت إن
هذا الكتاب نسيج وحده بين كتب التفسير ، وذلك لأنّه في غزارة بحوثه وعمقها وتنوعها
، له خاصية في الترتيب ، والتبويب ، والتنسيق والتهذيب ، لم تعرف لكتب التفسير من
قبله ، ولا تكاد تعرف لكتب التفسير من بعده : فعهدنا بكتب التفسير الأولى أنّها
تجمع الروايات ، والآراء في المسائل المختلفة ، وتسوقها عند الكلام على الآيات
سوقا متشابكا ربّما اختلط فيه فنّ بفن ، فما يزال القارىء يكدّ نفسه في استخلاص ما
يريد من هنا وهناك حتى يجتمع إليه ما
تفرّق ، وربّما وجد العناية ببعض النواحي واضحة إلى حدّ الإملال ، والتقصير
في بعض آخر واضحا إلى درجة الإخلال.
أما الذين
جاءوا بعد ذلك من المفسّرين فلئن كان بعضهم قد أطنبوا ، وحققوا ، وهذّبوا ،
وفصّلوا ، وبوّبوا ؛ فإنّ قليلا منهم أولئك الذين استطاعوا مع ذلك أن يحتفظوا
لتفسيرهم بالجوّ القرآني الّذي يشعر معه القارىء بأنه يجول في مجالات متصلة بكتاب
الله اتّصالا وثيقا وتتطلّبها خدمته حقا ، لا لأدنى ملابسة ، وأقل مناسبة.
لكنّ كتابنا
هذا كان أوّل ـ ولم يزل أكمل ـ مؤلف من كتب التفسير الجامعة استطاع أن يجمع إلى
غزارة البحث ، وعمق الدرس ، وطول النّفس في الاستقصاء ، هذا النظم الفريد ، القائم
على التقسيم ، والتنظيم ، والمحافظة على خواص تفسير القرآن ، وملاحظة أنه فنّ يقصد
به خدمة القرآن ، لا خدمة اللّغويّين بالقرآن ، ولا خدمة الفقهاء بالقرآن ، ولا
تطبيق آيات القرآن ، على نحو سيبويه ، أو بلاغة عبد القاهر ، أو فلسفة اليونان أو
الرومان ، ولا الحكم على القرآن بالمذاهب الّتي يجب أن تخضع هي لحكم القرآن!.
ومن مزايا هذا
التنظيم أنّه يتيح لقارىء الكتاب فرصة القصد إلى ما يريده قصدا مباشرا ، فمن شاء
أن يبحث عن اللّغة عمد إلى فصلها المخصّص لها ، ومن شاء أن يبحث بحثا نحوّيا اتجه
إليه.
ومن شاء معرفة
القراءات رواية ، أو تخريجا وحجّة عمد إلى موضع ذلك في كل آية فوجده ميسّرا محرّرا
، وهكذا ...
ولا شك أن هذا
فيه تقريب أيّ تقريب على المشتغلين بالدراسات القرآنية ، ولا سيّما في عصرنا
الحاضر الّذي كان من أهم صوارف المثقّفين فيه عن دراسة كتب التفسير ما يصادفونه
فيه من العنت ، وما يشقّ عليهم من متابعتها في صبر ، ودأب ، وكدّ وتعب.
فتلك مزيّة
نظاميّة لهذا الكتاب ، بجانب مزاياه العلمية الفكريّة.
وهناك منهجان
علميّان في التأليف :
أحدهما : أن
يستقبل المؤلف قرّاءه بما يراه هو ، وما انتهى إليه بحثه واجتهاده ، فيجعله قصاراه
وهدفه ، ويحطب في سبيله ، ويجول في أوديته ، دون أن يحيد عنه ، أو يجعل لقارئه
سبيلا سواه.
وهذا منهج له
مواطنه التي يقبل فيها ، ومنها أن يكون المؤلف يقصد بكتابه أهل مذهب معيّن ، فله
أن يفرض اتفاقه وإيّاهم على أصول المذهب وقواعده ، وأن يخاطبهم على هذا الأساس.
الثاني : أن
يقصد المؤلف بكتابه كل قارىء لا قارئا مذهبيّا يتفق وإيّاه فحسب ، وهذا يدعوه إلى
أن يعرض العلم عاما لا من وجهة نظر معيّنة ، فيأتي بما في كل موطن علمي من الآراء
والأدلّة ، وله بعد ذلك أن يأخذ بما يترجح لديه ، ولكن بعد أن يكون قد أشرك قارئه
معه في التجوال بين الآراء ، واستعراض مختلف وجهات النّظر.
وهذا المنهج
أعمّ فائدة ، وأدنى إلى خدمة الحق والإخلاص للعلم ، والكتب المؤلّفة على أساسه
أقرب إلى أن تكون «إسلاميّة عامّة» ليست لها جنسيّة طائفيّة أو مذهبية.
بيد أن
المؤلفين يتفاوتون في هذا النّهج ، فمنهم من يخلص له إخلاصا عميقا ، فتراه يدور مع
الحق أينما دار ، يأخذ بمذهبه تارة ، ويأخذ بغير هذا المذهب تارة أخرى.
وإذا عرض
المذاهب المختلفة عرضها بأمانة ودقّة ، كأنّه ينطق أصحابها ويسمع قراءه ما يقولون
دون أن يلوي القول ، أو يحرّف الكلم عن مواضعه ، أو يغمز أو يلمز صرفا عن الرأي
وتهويلا عليه.
ومنهم : من
يكون في إخلاصه للعلم دون ذلك ، على مراتب
أسوؤها ما يظهر فيه التعصب على مذهب الخصم ، ونبزه بالألقاب.
فترى السنّي
مثلا ربّما تحدّث عن الشيعة فيقول :
قال الروافض ،
وترى الشيعي كذلك ربّما تحدّث عن السّنة فيقول :
قال : النواصب
، بل ربّما تجد الحنفيّ السنّي يتحدّث عن الشافعيّة السّنيين ، فيقول :
قال الشويفعيّة
.. وهكذا ، وما كان هذا النبز ، ولا ذاك من ضرورات الحجاج ، ولا من لوازم الجدال
بالتي هي أحسن ، الّذي هو نصيحة القرآن حتّى في شأن المجادلين من أهل الكتاب!.
وأريد أن أقول
إن صاحب كتاب : «مجمع البيان» قد استطاع إلى حدّ بعيد أن يغلب إخلاصه للفكرة
العلمية على عاطفته المذهبيّة ، فهو وإن كان يهتم ببيان وجهة نظر الشيعة فيما
ينفردون به من الأحكام والنظريات الخلافيّة اهتماما يبدو منه أحيانا أثر العاطفة
المذهبيّة ؛ فإنّنا لا نراه مسرفا في مجاراة هذه العاطفة ، ولا حاملا على مخالفيه
ومخالفي مذهبه.
والواقع أنّه
ينبغي لنا أن ننظر إلى هذا المسلك فيما يتصل بأصول المذاهب ومسائلها الجوهرية نظرة
هادئة متسامحة ترمي إلى التماس المعذرة ، وتقدير ما يوجبه حق المخالف في أن يدافع
عمّا آمن به ، وركن إليه.
فليس من
الإنصاف أن نكلّف عالما مؤلفا بحاثة دراكة ، أن يقف من مذهبه ، وفكرته التي آمن
بها موقف الفتور ، كأنّها لا تهمّه ، ولا تسيطر على عقله وقلبه ، وكل ما نطلبه
ممّن تجرّد للبحث والتأليف
وعرض آراء المذاهب وأصحاب الأفكار أن يكون منصفا مهذّب اللّفظ ، أمينا على
التراث الإسلامي ، حريصا على أخوّة الإيمان والعلم ، فإذا جادل ففي ظلّ تلك
القاعدة المذهبيّة التي تمثل روح الاجتهاد المنصف البصير :
«مذهبي صواب
يحتمل الخطأ ، ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب».
على أننا نجد
الإمام الطبرسي في بعض المواضع يمرّ على ما هو من روايات مذهبه ، ويرجح ، أو يرتضي
سواه.
ومن ذلك أنه
يقول في تفسير قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ
الْمُسْتَقِيمَ.)
وقيل : في معنى
الصّراط وجوه :
أحدها : أنه
كتاب الله ـ وهو المروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعن علي عليهالسلام وابن مسعود.
وثانيها : أنه
الإسلام ـ وهو المروي عن جابر ، وابن عباس.
وثالثها : أنّه
دين الله الّذي لا يقبل من العباد غيره ـ عن محمد بن الحنفية.
والرابع : أنّه
النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمة القائمون مقامه ـ وهو المروي في أخبارنا.
والأولى حمل
الآية على العموم حتى يدخل جميع ذلك فيه ، لأن الصّراط المستقيم هو الدين الذي أمر
الله به من التوحيد ، والعدل ، وولاية من أوجب الله طاعته».
فظاهر أن
الرواية الأخيرة هي أقرب الروايات تناسبا مع مذهب
الشيعة في «الأئمة» وهي المرويّة في أخبارهم ، ولكن المؤلف مع هذا لا
يعطيها منزلة الأوّلية في الذكر ، ولا الأولوية في الترجيح ، بل يعرضها عرضا
روائيا مع غيرها ، ثم يحمل الآية على ما حملها عليه من العموم ، وما أبرعه إذ يقول
: «وولاية من أوجب الله طاعته»!
إن الشيعي
والسنّي كليهما لا ينبوان عن هذه العبارة ، فكلّ مؤمن يعتقد أنّ هناك من أوجب الله
طاعته ، وفي مقدمتهم الرسول وأولو الأمر ، ووجه البراعة في ذلك أن لم يعرض للفصل
في مسألة «الولاية» و «الإمامة» هنا ، لأن المقام لا يقتضي هذا الأمر ، ولكنّه مع
ذلك أتى بعبارة يرتضيها الجميع ، ولا ينبو عنها أيّ فكر.
على أنّه ـ رحمهالله تعالى ـ متأثر مع ذلك إلى حد ما بما هو ديدن جمهرة
المفسّرين من إعطاء أسباب النزول أهمية خاصة ، ذلك الأمر الّذي يتعارض مع مجيء
القرآن عاما خالدا شاملا لجميع الصور التي تدل عليها عباراته المنزلة من لدن حكيم
خبير ، على ما تقتضيه الدقة والإحكام ، ولكن الإمام الطبرسي لا ينفرد بذلك كما
ألمعنا ، وإنّما هو أمر سري إليه ممّن قبله ، وشاركه فيه من بعده ، ولا شك أنّهم
لا يقصدون ما قد يفهمه غير الخاصة ، من قصر معاني الآيات على موارد نزولها ، فإن
العبرة ـ كما هي القاعدة المقررة ـ بعموم اللّفظ لا بخصوص السبب.
ومؤلف هذا
الكتاب رجل بحاثة في مختلف العلوم ، له تصانيف كثيرة تعد بالعشرات ، ومنها ما هو
في موضوعات مذهبيّة شيعيّة.
ومما يلفت
النّظر أنّه عني بتفسير القرآن الكريم عناية خاصة ، حتى جعلها أكبر همّه ، وأعظم
مجال لهمّته ، وقد كانت هذه العناية صادرة عن رغبة نفسيّة ملحّة راودته منذ عهد
الشباب ، وريان العيش ، كما يقول في مقدمة كتابه ، وكان كثير التشوق ، شديد
التشوّف ، إلى
جمع كتاب في التفسير على طراز معين وصفه ، وجعله هدفه ، حتى هيّأ الله له
ذلك ، وأعانه عليه ، وقد ذرف على الستين ، واشتعل الرأس منه شيبا ، وناهيك برغبة
تصاحب العمر ، فلا تستطيع نوازع الشباب أن تنزعها ، ولا مثبّطات الكهولة والشيب أن
تصرف عنها ، ثم ناهيك بمثل هذه الرغبة المتمكنة في نفس رجل علّامة كهذا يتدبر
وسائل تحقيقها عمرا طويلا ، ويتأتى لها ، ويتمرس بالتجارب العقليّة ، والوسائل
العلميّة ، حتى ينفذها في عنفوان فتوّته العلميّة ، وقد استحصف عقله ، واكتمل وعيه
، وغزر محصوله ، ووقف على الذروة من صرح العلم والفهم والبيان.
ولقد ذكر
المؤرخون لسيرته أمرا عجبا ، ذلك أنه ألّف كتابه هذا المسمّى «مجمع البيان» ، جامعا
فيه فرائد كتاب من قبله اسمه «التبيان» للشيخ محمد بن الحسن بن علي الطبرسي ، ولم
يكن قد اطّلع على تفسير الكشاف للزمخشري ، فلما اطلع عليه صنّف كتابا آخر في
التفسير سماه «الكافي الشاف من كتاب الكشاف» ويظهر من اسمه أنه أتى فيه بما أطّلع
عليه من تفسير الزمخشري ، ولم يكن قد عرفه حتى يودعه كتابه الأول ، ويذكرون اسما
آخر لكتاب ألّفه بعد ذلك أيضا وأسماه «الوسيط» في أربع مجلدات ، وكتابا ثالثا اسمه
«الوجيز» في مجلّد أو مجلّدين ، كلّ ذلك في تفسير القرآن الكريم ، ألّفه بعد
تفسيره الأكبر : «مجمع البيان» ، وبعض هذه الكتب يعرف باسم «جامع الجوامع» لجمعه
فيه بين فرائد التبيان وزوائد الكشاف.
وقد أردت ـ قبل
الكلام إلى القراء عن المعنى الّذي يدّل عليه هذا الصّنيع من الإمام الطبرسي رحمهالله تعالى ـ أن أختبر هذا الخبر لأعلم هل هو صحيح؟ وذلك عن
طريق الرجوع إلى بعض المواضع المشتركة في «الكشاف» و «مجمع البيان» كي يتبيّن
الأمر في ضوء الواقع ،
فرجعت إلى أوّل موضع يظن أنّهم يتلاقيان فيه ، وهو تفسير قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا
يُؤْمِنُونَ. خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ ، وَعَلى
أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ.)
فأمّا الإمام
الطبرسي في كتابه : «مجمع البيان» فقد تحدّث من ناحية المعنى في موضعين :
أحدهما : معنى (لا يُؤْمِنُونَ) وما يتصل له من بيان عدم التعارض بين العلم الإلهي
والتكليف ، لأن العلم يتناول الشي على ما هو به.
الثاني : معنى (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) وبيان الآراء المختلفة فيه ، وقد ذكر أربعة آراء وأيّد
الرابع منها وقوّاه بشواهده ، وهذا هو نصّ كلامه في هذا الوجه الرابع ، نورده
لنضعه موضع المقارنة مع كلام الزمخشري حتى يتبيّن الفرق بينهما.
قال الطبرسي : «ورابعها
: أنّ الله وصف من ذمّه بهذا الكلام بأنّ قلبه ضاق عن النّظر ، والاستدلال فلم
ينشرح له ، فهو خلاف من ذكر في قوله : (أَفَمَنْ شَرَحَ
اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) ومثل قوله : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ
أَقْفالُها) وقوله : (وَقالُوا قُلُوبُنا
غُلْفٌ ،) و (قُلُوبُنا فِي
أَكِنَّةٍ) ويقوي ذلك أن المطبوع على قلبه وصف بقلة الفهم لما يسمع
من أجل الطبع فقال : (بَلْ طَبَعَ اللهُ
عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) وقال :
(وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ
فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ويبيّن ذلك قوله تعالى :
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ ، وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ) فعدل الختم على القلوب بأخذه السمع والبصر ، فدل هذا
على أنّ الختم على القلب هو أن يصير على وصف لا ينتفع به فيما يحتاج فيه
إليه ، كما لا ينتفع بالسمع والبصر مع أخذهما ، وإنّما يكون ضيقه بألا يتّسع لما
يحتاج إليه فيه من النظر والاستدلال الفاصل بين الحق والباطل ، وهذا كما يوصف
الجبان بأنه لا قلب له إذا بولغ في وصفه بالجبن ، لأن الشجاعة محلّها القلب ، فإذا
لم يكن القلب الذي هو محلّ الشجاعة لو كانت فأن لا تكون الشجاعة أولى ـ قال طرفة :
فالهبيت لا
فؤاد له
|
|
والثّبيت
قلبه قيمه
|
وكما وصف
الجبان بأن لا فؤاد له ، وأنّه يراعه ، وأنّه مجوّف : كذلك وصف من بعد عن قبول
الإسلام بعد الدعاء إليه ، وإقامة الحجّة عليه ، بأنّه مختوم على قلبه ، ومطبوع
عليه ، وضيّق صدره ، وقلبه في كنان وفي غلاف ، وهذا من كلام الشيخ أبي علي الفارسي
، وإنّما قال : ختم الله ، وطبع الله ، لأن ذلك كان لعصيانهم الله تعالى ، فجاز
ذلك اللفظ كما يقال : أهلكته فلانة إذا أعجب بها وهي لا تفعل به شيئا لأنّه هلك في
اتّباعها».
هذا هو نصّ
كلامه ، ومنه يتبيّن :
١ ـ إنه ممّن
يؤيد الرأي القائل بأنّ الختم ليس حقيقيّا ، وإنما هو على معنى من المجاز.
٢ ـ وإنّه
يستعين في بيان ذلك بالآيات المشابهة لهذا الموضع في القرآن الكريم ، وبالشعر ،
وبقول أبي علي الفارسي ، وبما هو مألوف في العربية من مثل هذا التعبير بإسناد
الفعل إلى من لم يفعله ، ولكن وقع بسبب منه فالختم أسند إلى الله لأنّه بمعناه
الّذي فسّر به كان بسبب عصيانهم لله ، كما يقال أهلكته فلانة وهي لم تهلكه وإنّما
هلك باتباعها.
وأما الإمام
الزمخشري في كتابه «الكشاف» فقد عرض لهذا الموضوع في تفصيل أكبر ، وضرب له كذلك
أمثلة من الشعر والكلام العربي ، وأورد فيه بعض الأسئلة وردّ عليها ، ومع كون
الفكرة الّتي يؤيّدها الإمام الزمخشري ، هي نفس الفكرة التي رأينا الإمام الطبرسي
يؤيّدها ، فإن عبارة الزمخشري أوسع وأشمل ، وأمثلته من الشعر أوضح في بيان المقصود
، وتخريجه العربي لهذا التعبير مبني على دراسة فنيّة مقررة المبادىء بين العلماء ،
فلو كان الطبرسي قد اطلع على كتابه «الكشاف» لكان قد أيّد ما ذهب إليه بما ذكره
الزمخشري نقلا عنه أو تلخيصا له ، ولكننّا لا نجد بين العبارات في الكتابين تلاقيا
إلّا على الفكرة ، أما الأمثلة والعرض واسلوب البحث فمختلفة.
والآن نورد نصّ
الإمام الزمخشري كما أوردنا نصّ الإمام الطبرسي ، وندع للقراء أن يتأمّلوا النّصين
، على ضوء ما قلناه فسيتّضح لهم أن الطبرسي قطعا لم ير «الكشاف» وهو يؤلف : «مجمع
البيان».
قال الزمخشري :
«فإن قلت ما
معنى الختم على القلوب والأسماع وتغشية الأبصار؟ قلت :
لا ختم ولا
تغشية ثمّ على الحقية ، وإنّما هو من باب المجاز ، ويحتمل أن يكون من كلا نوعيه ،
وهما : الاستعارة والتمثيل.
أمّا الاستعارة
فأن تجعل قلوبهم ـ لأن الحق لا ينفذ فيها ، ولا يخلص إلى ضمائرها من قبل إعراضهم
عنه ، واستكبارهم عن قبوله واعتقاده ـ وأسماعهم ـ لأنّها تمجّه ، وتنبو عن الإصغاء
إليه ، وتعاف استماعه ـ كانها مستوثق منها بالختم وأبصارهم ـ لأنّها لا تجتلي آيات
الله المعروضة ، ودلائله المنصوبة ، كما تجتليها أعين المعتبرين المستبصرين ـ
كأنّما غطّي عليها ، وحجبت بينها وبين الإدراك.
وأما التمثيل
فأن تمثل ـ حيث لم ينتفعوا بها في الأغراض الّتي كلفوها ، وخلقوا من أجلها ـ
بأشياء ضرب حجاب بينها وبين الاستنفاع بها بالختم والتغطية ، وقد جعل بعض
المازنيّين الحبسة في اللّسان والعيّ ختما عليه فقال :
ختم الإله
على لسان عذافر
|
|
ختما فليس
على الكلام بقادر
|
وإذا أراد
النطق خلت لسانه
|
|
لحما يحرّكه
لصقر ناقر!
|
«فإن قلت» لم أسند الختم إلى الله
تعالى ، وإسناده إليه يدّل على المنع من قبول الحق ، والتوصل إليه بطرقه ، وهو
قبيح ، والله يتعالى عن فعل القبيح علوّا كبيرا ، لعلمه بقبحه ، وعلمه بغناه عنه ،
وقد نصّ على تنزيه ذاته بقوله : (وَما أَنَا
بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ، وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ،
إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ) ونظائر ذلك ممّا نطق به التنزيل؟
قلت : القصد
إلى صفة القلوب بأنّها كالمختوم عليها.
وأمّا إسناد
الختم إلى الله عزوجل ؛ فلينبّه على أن هذه الصّفة في فرط تمكنّها ، وثبات
قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي.
ألا ترى : إلى
قولهم فلان مجبول على كذا ، ومفطور عليه ، ويريدون أنّه بليغ في الثبات عليه ،
وكيف يتخيّل ما خيّل إليك وقد وردت الآية ناعية على الكفّار شناعة صفتهم ، وسماجة
حالهم ، ونيط بذلك الوعيد بعذاب عظيم.
ويجوز أن تضرب
الجملة كما هي ـ وهي ختم الله على قلوبهم ـ مثلا : كقولهم سال به الوادي إذا هلك ،
وطارت العنقاء ، إذا أطال الغيبة ، وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه ، ولا في
طول غيبته ، وإنّما هو تمثيل : مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي ، وفي
طول غيبته بحال من طارت به العنقاء ، فكذلك مثّلت حال قلوبهم فيما كانت
عليه من التجافي عن الحق ، بحال قلوب ختم الله عليها ، نحو قلوب الأغتام التي هي في خلوّها من الفطن كقلوب البهائم ، أو بحال
قلوب البهائم أنفسها ، أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها حتى لا تعي شيئا ولا تفقه
، وليس له عزوجل فعل في تجافيها عن الحق ، ونبوها عن قبوله ، وهو متعال
عن ذلك.
ويجوز أن
يستعار الإسناد في نفسه من غير الله ، فيكون الختم مسندا إلى اسم الله على سبيل
المجاز ، وهو لغيره حقيقة ، تفسير هذا أن للفعل ملابسات شتّى : يلابس الفاعل ،
والمفعول به ، والمصدر ، والزمان ، والمكان ، والمسبّب له ، فإسناده إلى الفاعل
حقيقة ، وقد يسند إلى هذه الأشياء عن طريق المجاز المسمّى استعارة ، وذلك لمضاهاتها
للفاعل في ملابسة الفعل ، كما يضاهي الرجل الأسد في جراءته ، فيستعار له اسمه ،
فيقال في المفعول به : عيشة راضية ، وماء دافق ، وفي عكسه : سيل مفعم ، وفي المصدر
: شعر شاعر ، وذيل ذائل ، وفي الزمان : نهاره صائم ، وليله قائم ، وفي المكان :
طريق سائر ، ونهر جار ؛ وأهل مكة يقولون : صلّى المقام ، وفي المسبب : بنى الأمير
المدينة ، وناقة ضبوت ، وحلوب» الخ.
هذا هو نص كلام
الزمخشري في الكشاف ، وبينه وبين كلام الطبرسي فرق بعيد ، ومثل هذا هو الّذي جعل
مؤلف «مجمع البيان» لا
__________________
يقنع بما وصل إليه ، حتى يصله بما جدّ له من العلم ، فيخرج ما أخرج من كتاب
جديد ، جمع فيه بين الطريف والتليد!.
***
إنّني أقف هنا
موقف الإكبار والإجلال لهذا الخلق العلمي ، بل لهذه العظمة في الإخلاص للعلم
والمعرفة ، فهذا الصنيع يدلّ على أنّ الرجل كان قد بلغ حبّ الدراسات القرآنية حدا
كبيرا ، فهو يتابعها في استقصاء ، ثم يجهد نفسه في تسجيلها ، وترتيبها على هذا
النحو الفريد الّذي ظهر في «مجمع البيان» ، ثم لا يكتفي بما بذلك في ذلك من جهد
كفيل بتخليد ذكره ، حتّى يضيف ما جدّ له بعد أن انتهى من تأليف كتابه ، ولعله
حينئذ كان قد بلغ السبعين أو جاوزها!.
إن هذا الّلون
من المتابعة ومن النشاط العقلي ، أو المراقبة العلمية العقلية لفن من الفنون ، وما
كان منه ، وما جدّ فيه ، وما يمكن أن يضاف إليه ؛ هو السمة الأولى التي يتّسم بها
العالم المخلص المحب لما يدرس ، الّذي يؤمن بالعلم ، ويعرف أن بابه لم يقفل ، وأنه
ليس لأحد أن يزعم أنه قال في شيء منه الكلمة الأخيرة ، فهو يتابع «السوق العلمية»
إن صحّ هذا التمثيل ، ويراقبها مراقبة الهواه الّذين يحرصون على اقتناء الطرف
والتحف ، ونحن نجد هذا الخلق العلمي في عصرنا الحاضر هو الذروة التي وصل إليها
علماء الاختراع والكشف ، فإن من تقاليد العلم المقدسة أن تراقب الدراسات ، وتعرف
التطورات ، وأن يتّجه النّظر إلى جديد يعرف به لا أن يتجمد تجاه ما عرف.
إن هذا السلوك
العلمي الرفيع الّذي يوحي به القرآن الكريم ، فإن الله تعالى يقول : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا
قَلِيلاً) ، ويأمر رسوله بأن يستزيده من العلم ، ويجعله من أعزّ
آماله التي يتوجه فيها بالدعاء إلى ربّه فيقول :
(وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي
عِلْماً.)
فإذا كان
الإنسان مهما أوتي من العلم لم يؤت إلّا قليلا منه.
وإذا كان المثل
الأعلى للبشرية الكاملة ، وهو محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم محتاجا إلى أن يستزيد ربّه علم ما لم يعلم ، فما بالنا
بالإنسان المحدود علما وعقلا.
أليس من واجبه
أن يتطلّع دائما إلى كل أفق ليعلم ما لم يكن يعلم.
ولذلك طربت
وأخذتني روعة لصنيع هذا العالم الشيعي الإمامي ، حيث لم يكتف بما عنده ، وبما جمعه
من علم شيخ الطائفة ومرجعها الأكبر في التفسير «الإمام الطوسي صاحب كتاب التبيان»
حتى نزعت نفسه إلى علم جديد بلغه ، هو علم صاحب الكشاف ، فضمّ هذا الجديد إلى
القديم ولم يحل بينه وبين اختلاف المذهب ، وما لعلّه يسوق إليه من عصبيّة ، كما لم
يحل بينه وبينه حجاب المعاصرة ، والمعاصرة حجاب.
فهذا رجل قد
انتصر بعد انتصاره العلمي الأوّل نصرين آخرين :
نصرا على
العصبيّة المذهبية ، ونصرا على حجاب المعاصرة ، وكلاهما كان يقتضي المعاضمة ،
والمنافرة ، لا المتابعة والمياسرة.
وإن جهاد
النّفس لهو الجهاد الأكبر لو كانوا يعلمون.
فإذا كنت أقدم
هذا الكتاب للمسلمين في كل مذهب ، وفي كل شعب فإنّما أقدّمه لهذه المزايا وأمثالها
، وليعتبروا بخير ما فيه من العلم القوي ، والنهج السّوي والخلق الرضيّ.
وقد يكون في
الكتاب بعد هذا ما لا أوافق أنا عليه ، أو ما لا
يوافق عليه هؤلاء أو أولئك من قارئيه ، أو دارسيه. ولكن هذا لا يغض من عظمة
هذا البناء الشامخ الذي بناه الطبرسي ، فإن هذا شأن المسائل التي تقبل أن تختلف
فيها وجهات النّظر ، فليقرأ المسلمون بعضهم لبعض ، وليقبل بعضهم على علم بعض ، فإن
العلم هنا وهناك ، والرأي مشترك ، ولم يقصر الله مواهبه على فريق من الناس دون
فريق ، ولا ينبغي أن نظل على ما أورثتنا إيّاه عوامل الطائفية والعنصريّة من تقاطع
وتدابر ، وسوء ظن ، فإن هذه العوامل مزوّرة على المسلمين ، مسخّرة من أعدائهم عن
غرض لم يعد يخفى على أحد.
إن المسلمين
ليسوا أرباب أديان مختلفة ، ولا أناجيل مختلفة ، وإنّما هم أرباب دين واحد ، وكتاب
واحد ، وأصول واحدة ، فإذا اختلفوا فإنّما هو اختلاف الرأي مع الرأي ، والرواية مع
الرواية ، والمنهج مع المنهج ، وكلّهم طلّاب الحقيقة المستمدة من كتاب الله ، وسنة
رسول الله ، والحكمة ضالتهم جميعا ينشدونها من أي أفق.
فأوّل شيء على
المسلمين ، وأوجبه على قادتهم وعلمائهم أن يتبادلوا الثقافة والمعرفة ، وأن يقلعوا
عن سوء الظن ، وعن التنابز بالألقاب ، والتهاجر بالطعن والسباب ، وأن يجعلوا الحق
رائدهم ، والإنصاف قائدهم ، وأن يأخذوا من كل شيء بأحسنه.
(فَبَشِّرْ عِبادِ
الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ، أُولئِكَ
الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ ، وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
محمود شلتوت
__________________
٣ ـ تفسير القرآن الكريم
للسيد عبد الله شبر
|
وكتب عن هذا التفسير العظيم الدكتور حامد حفني داود
أستاذ كرسي الأدب العباسي بجامعة الجزائر حاليا وإلى القارىء الكريم نصّ كلام
الدكتور أيده الله تعالى :
|
بسم
الله الرحمن الرحيم
علم التفسير من
أقدم العلوم صلة بالتشريع الإسلامي هذا إذا نظرنا إليه كعلم من علوم الشريعة ،
أمّا حين ننظر إليه من زاوية : أصول الشريعة فهو أول علومها ، باعتبارها تابعا ،
وملاصقا للقرآن نفسه.
وقد كان جبريل ـ
عليهالسلام ـ ينزل بالآيات القرآنية منجمة على صاحب الشريعة ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ
وكان يتدارس القرآن العظيم مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في رمضان من كلّ عام.
وكان الصحابة
بحكم ملابستهم مع الرسول عليهالسلام ، وتأدبهم بآدابه وملازمتهم حضرته في غدوّه ورواحه
يفهمون ما ينزل من الآيات مرتبطة بأسباب النزول ، وأحداثه وملابساته.
وكان عبد الله
بن عباس من النّفر القليل من الصحابة الذين دعا لهم الرسول بفهم الوحي والتنزيل.
وقد نمى هذا
الاستعداد في نفس ابن عباس كذلك ملازمته للإمام علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ
بعد انتقال حضرة الرسول إلى الرفيق الأعلى ، (وعليّ) كما نعلم باب هذا المنهل
الفيّاض من علوم النبوّة ، وواضع حجر الأساس في الحضارة الروحية الإسلامية.
ومن ثم كانت
مأثورات ابن عباس ورواياته في تفسير آيات القرآن أوّل ما عرف من التفاسير الّتي
تستند في جملتها على الحديث والأثر.
وإذا كان ابن
عباس معدودا في الرّعيل الأول ممّن عاصر الإمام عليا رضوان الله عليه فإنا نعلم من
ذلك التفسير بالأثر والحديث النبوي من العلوم التي تفرّد بها البيت النبوي ، وعرف
بها الأئمة قبل غيرهم ، واختصّ بها ابن عباس بتوجيه منهم.
فلما كان العصر
العباسي وازداد اتصال العرب بحضارات الفرس والرومان واليونان ، والهند وتلاطمت هذه
الحضارات في العقل العربي كما تتلاطم الأمواج في المحيط الواسع ، حدث الامتزاج
الفكري ، فعرف العرب الحضارة المادية من الفرس ، ونظم الإدارة وأنواعها ، ورأوا ما
عليه المجوس من أخلاق وعقائد ، وعرفوا من اليونان فلسفتهم ، ومنطقهم وعلومهم
القديمة ، واطلعوا على ما عند الهند من حكمة وروحانيّة.
وتمخّض من هذا
المزج العجيب عقل عربي مكتمل الجانب يزن الفكرة بميزان الشرع والعقل معا ، ويجمع
في أحكامه بين المنقول والمعقول.
وفي القرن
الثالث والرابع الهجريّين حين بلغت الحضارة الإسلامية
مكان الذروة انعكست هذه الجوانب الفكرية في التشريع الإسلامي ، فظهرت تلك
الروحانيات الخالدة واضحة في علوم الإسلام الدينيّة ، والاجتماعية ، والإنسانية.
وكان للتفسير
الحظ الأوفر من هذه الجوانب فتعدّدت مذاهب المفسّرين ، فمنهم من آثر جانب المنقول
فاكتفى في تفسيره بما جاء في الحديث والأثر ، كما فعل ابن جرير الطبري إمام
المفسّرين ، والجلال السيوطي في كتابه : «الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور».
وكما رواه البخاري في صحيحه.
ومنهم من جعل
للمنطق ، والجدل ، والفلسفة النصيب الأوفر من تفسيره مثل : الفخر الرازي.
وكان اهتمام
المفسّرين بتفسير القرآن والكشف عن إعجازه باعثا قويّا في تطوير علوم اللّغة
العربيّة نفسها.
وإنّ علوم
اللّغة العربية وما تشتمل عليه متونها ، ونحوها ، وصرفها وكذا علوم المعاني ،
والبيان ، والبديع تعتبر في الحقيقة ثمرة من ثمار الكشف عن وجوه إعجاز القرآن
الكريم.
أي أن محاولة
الكشف عن الإعجاز كانت هي الباعث على نشأة علوم اللّغة العربيّة ، كما كانت هي
السبب الرئيسي في تقدّم هذه العلوم.
وكما تلوّنت
بعض التفاسير بالمناهج الفكريّة ، تلوّنت كذلك بالمناهج اللغويّة البحتة ، فكانت
لبعضها غلبة الدراسات النحويّة مثل : تفسير «البحر المحيط لأبي حيّان الأندلسي».
وبرزت في بعضها
العناية بوجوه «البلاغة» وفنون البيان وهو القدر
الّذي نلحظه في تفسير «الكشاف للزمخشري» ومن نحا نحوه من المفسّرين.
ومن المفسرين
من آثر الاهتمام بإبراز «الأصول الفقهية» وما اشتملت عليه من عبارات ومعاملات
كالقرطبي ، وابن عطية ، وابن العربي ، والجصّاص.
وفي عصرنا
الحديث اتّجه بعض المفسّرين اتجاهين على طرفي نقيض :
اتّجاه جعل
علماؤه تفسيرهم «دائرة معارف عامّة» يجمعون فيه بين المنقول والمعقول ، ويؤلّفون
فيه بين علوم الشريعة ، وعلوم الطبيعة. كما فعل الألوسي في تفسيره ـ كما إنّه
كثيرا ما يختلط في هذا النوع من التفاسير الصحيح منها بالتقسيم ممّا يجعل
للإسرائيليات مجالا فيها ، مما يجعلها بعيدة عن الثقة ، فتكون قابلة للطعن
والرّفض.
أمّا الاتجاه
الثاني فقد راعى فيه أصحابه حاجة أهل العصر إلى فهم القرآن والوقوف على معانيه من
أقرب سبيل دون الإسهاب في التأويل مع العناية بالتركيز والإيجاز ـ وأرادوا من ذلك
التيسير على القارىء العابر حتى لا يضيق وقته وجهده في مطوّلات لا حاجة له بها ـ
إذ هي بالمتخصّصين ، والدارسين أجدر فكان من ذلك «المصحف المفسر للعلّامة محمد فريد
وجدي» والمصحف الميّسر «لفضيلة الشيخ عبد الجليل عيسى» ، و «تفسير فضيلة العلّامة
الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصريّة الأسبق».
والتفسير الّذي
نقدّمه للقارىء الإسلامي في هذا السفر : نموذج رفيع لهذا النوع من التفاسير التي
تجمع بين الإفادة والتركيز ، وتعطي للقارىء معاني الآيات من أقرب طريق وأيسره.
مميّزات هذا التفسير
وهو يمتاز على
ما ذكرناه من التفاسير المعاصرة بمميّزات كثيرة سنعرضها على القارىء فيما يأتي :
أمّا مؤلّف هذا
التفسير الجليل فهو العلّامة الجليل السيد عبد الله بن السيد محمّد رضا شبر
الحسيني ، من فرع الدوحة المحمّديّة الشريفة ، وهو حسينيّ النّسب.
وقد أشار إلى
نسبه هذا في سند إجازته لرواي مؤلفاته العلامة محمد تقي الكاشف.
وقد تلقى علومه
ـ في أوّل نشأته ـ على السيد والده محمّد رضا شبر ، كما درس على عالم عصره السيد
محسن الأعرجي صاحب «المحصول» و «الوسائل».
ومن أجلّاء
شيوخه الذين أجازوه الإجازة بمرويّاتهم ، ومؤلّفاتهم وبالتدريس : العلامة الشيخ
جعفر النجفي صاحب كتاب : «كشف الغطاء» في الفقه الجعفري ، وهو جدّ الحبر العلّامة
الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء صاحب المؤلفات العديدة القيّمة ، ومؤلف كتاب : «أصل
الشيعة وأصولها» وكتاب : «المثل العليا في الإسلام».
كما تتلمذ على
العلامة الحسيب السيد علي الطباطبائي صاحب : «الرياض».
ولصاحب هذا
التفسير مؤلفات عديدة ضخمة تبلغ السبعين كتابا ـ ذكرت بالتفصيل في أثناء ترجمة
المؤلف من الصفحات التالية.
هذا عدا الكثير
من المجلدات المطوّلة التي يشتمل عليها كلّ كتاب منها ، وقد كانت كلّ هذه المجلدات
من الإفاضة والإسهاب بحيث
لو قسّمت أجزاؤها على سنيّ حياته التي لم تتجاوز أربعة وخمسين عاما لكانت
تبلغ نحو كراسة عن كل يوم ولذلك لقّبه أهل عصره «بالمجلسي الثاني».
ومن أشهر
مؤلفاته المطوّلة :
كتابه : «مصابيح
الظلام في شرح مفاتيح شرايع الإسلام».
ومنها : كتابه
: «جلاء العيون في ترجمة أحوال النبي والأئمة عليهمالسلام» .
ومن مؤلفاته
التي نحا فيها نحو الأئمة من أعلام الشيعة كتابه : «أعمال السّنة». ألّفه على نمط «زاد
المعاد للعلامة المجلسي الأول».
ومن مؤلّفاته
التي استرعت التفاتي : «رسالة حجيّة العقل ، وفي الحسن والقبح العقليّين».
ومن عنوان هذا
الكتاب ـ الرسالة ـ نستخلص امتزاج العلوم العقليّة والعلوم النقلية في منهج هذا
الإمام المفسّر الجليل.
وهو نهج عرف به
علماء الشيعة منذ الصدر الأول من الإسلام ، وهو عين النهج الذي تلقفه عنهم رؤوس
المعزّلة ، وزعماء علم الكلام.
وقد أشرت إلى
ذلك في كثير من المقدمات العلميّة التي صدّرت بها بعض كتب أعلام الشيعة وفيها عقدت الموازنة بين الحياة العقلية
__________________
عند الشيعة ، والحياة العقلية عند المعتزلة ـ وعلّلت في ذلك الصلة القديمة
بين التشيع والاعتزال منذ الصدر الأول من الإسلام ، وهو أمر لا يضير الشيعة في شيء
، بل العكس من ذلك يضفي على تاريخهم لونا من ألوان النضج الفكري ، وينفي عنهم ، ما
يزعم الخصوم ، والأعداء من صفات الخرافيّين ، وسمات الحشويين.
وقد جاء في
ترجمة المؤلف ، وفي ثبت مؤلفاته أن له تفسيرات ثلاثة للقرآن الكريم ، وهي : الكبير
، والوسط ، والصغير.
وذكر في موضع
آخر من قائمة مؤلفاته :
«التفسير
الوجيز» وهو مجلد.
ومن هنا نستنبط
طول باعه ، وسعة اطلاعه ، وما بلغه من دقّة ، ودرايه ، وممارسة لهذا الفن الرفيع
من علوم الشريعة.
__________________
وقد أحسن «السيد
مرتضى الرضوي» صاحب مكتبة النجاح بالنجف الأشرف ـ العراق الشقيق في اختيار نشر
وطبع هذا التفسير الجليل لينتفع به العالم الإسلامي ـ دون غيره من تفاسير العصر
الحديث.
ونعني بالعصر
الحديث في عرفنا نحن مؤرّخي الآداب : الامتداد الزمنيّ الّذي يبدأ من مطلع القرن
الثالث عشر الهجري ـ تقريبا ـ إلى اليوم.
أما وجه الحسن
الذي تعنيه ، فإنه يدور حول منهج المفسّر ـ العلامة شبّر ـ حيث جمع في تفسيره بين
الدقة في أداء المعنى ، والإيجاز في إرسال العبارة وتحريرها على غاية الدقة.
ولا زلنا نسمع
في مجالس العلم ـ حتى اليوم ـ كلام العارفين بفنّ التفسير حول : «تفسير الجلالين»
وإعجابهم به حين يذكرون أنّه للمنتهين ، وليس للمبتدئين ، ويعنون بذلك : أنّ ألفاظ
الجلال السيوطي ، والجلال المحلّي فيما جاءا به من تفسير آيات القرآن الكريم أشبه
بالمفاتيح والمصطلحات العلمية التي تقع تحتها معان كثيرة ، تستغرق في تفصيلها
مجلدات ضخمة.
وإذا كنا
نؤيّدهم في هذا الحكم فإن تفسير «العلامة السيد عبد الله محمد رضا شبر» قياسا على
المنهج الذي سلكه : يعتبر للمنتهين وللمبتدئين جميعا.
أمّا عن كونه
للمنتهين ، فلأنه غاية في التركيز ، والحرص على إيراد مصطلحات علم التفسير.
وأمّا عن كونه
للمبتدئين ، فلأنّه جاء في أسلوب سهل ميسّر ، يجمع بين الوقوف على معنى الآيات لما
فيه من الوضوح والبيان.
وميزة أخرى
انفرد بها تفسير هذا الإمام ، وهي عنايته المستقصاة
بالأداء القرآني في وجوهه المرويّة عن السلف ، والمعروفة عند علماء
القراءات.
فلا يكاد يرد
أمامه لفظ من القرآن الكريم حتى يذكره في هامش التفسير مع ما له من وجوه القراءات
عند علماء التجريد.
ومن ذلك استطاع
«المفسر رحمهالله» أن يجمع في تفسيره بين قراءة الإمام حفص ، وقراءات
غيره من القرّاء.
ومبلغ علمي أن «المفسّر
رحمهالله» بلغ في هذا المنهاج مبلغا لم يدركه فيه «العلّامة
النسفي» على الرغم من أنّه من المفسّرين الذين عنوا بإبراز وجوه القراءات ،
والمتخصّصين في هذا العلم من التفسير.
وفي ديباجة
مقدمة «هذا التفسير» أشار المؤلف إلى كرامة بيت النبوّة وأصالة معدنهم في المعارف
الأخروية والدنيويّة ، وأنّه استقى من نورهم جواهر تفسيره.
وحين نتصفّح
هذا التفسير نلحظ بعين الفاحص المدقق أنّ «المفسّر رحمهالله» وفى بما وعد ، وأسند جواهر تفسيره ، وجيد آرائه إلى
معينه الأصلي من علوم الأئمة الأثني عشر.
ولا سيّما
الإمام الأول ـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ والإمام السادس ـ أبي عبد الله
جعفر الصادق ـ صاحب المذهب الجعفري وحامل لواء فقه آل البيت عليهمالسلام.
والعالم بهذا
الفن يدرك لأوّل وهلة دقة «المفسّر» وإمساكه بخطام هذه الصّناعة وجمعه لأدوات
المفسّر.
ولعلك وأنت
تقرأ تفسير الفاتحة في تفسيره هنا وتوازن ذلك بما جاء في «تفسير الجلالين» تقف
بنفسك على قدرات «المفسّر» ولا سيّما في الأصول اللّغويّة حين يردّ لفظ الجلالة «الله»
إلى أصله
اللّغوي ، وحين يفرق ـ في حصافة منقطعة النظير ـ بين معنى اسمه تعالى : «الرحمن»
واسمه تعالى : «الرحيم».
وحين لا يكتفي
بالفروق اللّغويّة فيزيدك إيضاحا من نصوص ، وأدعية مرفوعة إلى أهل البيت النبوي.
وهو في ذلك
كلّه سهل الجانب ، معتدل العبارة ، يسوقها في حماس العالم ، وليس في ثورة
المتعصّب.
كما لا ينسى
وهو يفسّر أن يشرح الآية بآيات أخرى ، وأن يذكر سبب النزول كلما دعا الأمر إلى ذلك
وكان عونا له على توضيح المعنى المطلوب من الآية.
وهكذا نلحظ هذا
الصّنيع في سائر عبارات التفسير الجليل.
وقد اعتدنا نحن
معاشر المؤلفين أن نعرف عن الناشرين ـ من حيث عملهم الأساسي في صناعة النشر
والدقّة في إخراج الكتب التي ينشرونها في صورة أنيقة تليق بجلال التأليف ، وشخصيّة
المؤلف.
ولكنّي لاحظت
في هذا التفسير أن «السيد مرتضى الرضوي» لم يكتف بواجبه كناشر ، كما لم يكتف
بإبراز «هذا التفسير» في الصورة اللائقة به فحسب وإنّما تخطّى ذلك ووقف من هذا «السفر
الجليل» موقف الناشر العالم العارف بقيمة ما ينشره ، وهو الموقف الّذي يؤهله
مستقبلا ليكون قدوة لغيره من الناشرين المعنيّين بالمكتبة العربيّة في العالم
العربي كلّه فقد أضاف ـ مشكورا ـ إلى هذه الطبعة وهي الطبعة الثانية إضافات لم تكن
موجودة في الطبعة الأولى ، ممّا زاد من رونق هذا التفسير الجليل وقيمته ...
ويسرّني أن
أنوّه في ختام هذا التعريف أنّ النّاشر ـ وقد عهد بتحقيق هذا التفسير إلى المتخصصين
في خدمة التراث الإسلامي ـ قد أسدى
إلى هذا التفسير الجليل خدمات علمية جليلة يسّرت على قرّائه سبيل الجمع بين
التفسير والمصحف العثماني وبعض ما يتصل بهما من علوم القرآن الكريم.
آراء شخصيات إسلامية معاصرة عن الوحدة
بين الشيعة والسنة
محمّد فريد وجدي ؟!!
من كبار المفكرين بمصر
في التجمّع الإسلامي
أدرك محمد صلىاللهعليهوسلم إن الإصلاح الّذي أراده الله للعالم لا يقوم إلّا
بواسطة أمّة تصدّق في القيام به ، وتنشره في آفاق الأرض ولو كانت تبقى منزوية في
حيزها فلا يمكن أن تؤدّي مهمّتها العالميّة فصرّح بذلك في قوله :
«الإسلام أحوج
إلى الجماعة ، من الجماعة إلى الإسلام».
وهو قول يدّل
على نظرة عميقة في فلسفة الاجتماع ، وكانت هذه الفلسفة لم توجد بعد ، فوجّه كلّ
همته لبناء المجتمع الإسلامي بحيث لا يعتريه الاحتياج أجيالا متعاقبة ، حتّى يتمّ
ما ندب إليه من إذاعة كلمة
__________________
الله الفاصلة للعالم كافة ، فجاء من أقواله صلىاللهعليهوسلم في المؤاخاة بين آحاد المسلمين ، وفي وجوب تضامنهم ،
وتضافرهم ، حتّى يصبحوا كرجل واحد تحرّكه إرادة واحدة ، قوله :
«مثل المؤمنين
في توادهم ، وتراحمهم ، كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسّهر
والحمّى».
«من لم يهتمّ
للمسلمين فليس منهم».
«المؤمن للمؤمن
كالبنيان يشدّ بعضه بعضا».
«لا يؤمن أحدكم
حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه».
«من فارق
الجماعة شبرا فمات ، فميتته جاهليّة».
ولمّا كانت
همّة المسلمين الأوّلين منصرفة بعد استقامة عقيدتهم ، إلى العبادة ، والتقرّب إلى
الله ، بيّن لهم النبي صلىاللهعليهوسلم أنّ السّهر على صيانة الاجتماع الإسلامي أفضل من سائر
العبادات التي كانوا يقدّسونها ويعتقدون سموّها ، فقال في هذا الباب :
«نظر الرجل
لأخيه على شوق ، خير من اعتكاف سنة في مسجدي هذا».
«إصلاح ذات
البين خير من عامة الصلاة والصوم».
«من قضى لأخيه
المؤمن حاجة فكأنّما خدم الله عمره».
«من مشى في
حاجة أخيه ساعة من ليل ، أو نهار ، قضاها ، أو لم يقضها ، كان خيرا له من اعتكاف
شهرين».
«ألا أخبركم
بأفضل من درجة الصلاة ، والصّيام ، والصدقة؟
قالوا بلى ،
قال :
إصلاح ذات
البين ، وفساد ذات البين هي الحالقة» ..
ولم يكتف النبي
صلىاللهعليهوسلم بهذا فقرّر لهم أنّ العمل على تقوية الاجتماع يقي من
عذاب يوم القيامة ، وعذابها تقشعرّ من سماعه الأبدان. فقال :
«من زحزح عن
المسلمين شيئا يؤذيهم ، كتب الله له به حسنة ، ومن كتب الله له حسنة أوجب له بها
الجنّة».
«من أقرّ عين
مؤمن ، أقرّ الله عينه يوم القيامة».
«إذا التقى
المؤمنان فتصافحا ، قسمت بينهما سبعون مغفرة ، تسع وتسعون لأحسنهما بشرا» ..
كل هذه
الأحاديث وكثير من أمثالها ممّا ليس له نظير في دين من الأديان ، ولا جاء على لسان
واحد من المصلحين الاجتماعيّين ، جعلت من جماعة المسلمين أمّة كرجل واحد.
وإذا بلغت أمة
هذا الحدّ من التضامن ، والتعاون فلا يمكن أن تنحل ، أو تختل بتأثير الحوادث
العادية ، ويكون لا بدّ لحدوث ذلك الانحلال من عوامل أقوى منها تتنزّل من ضعف
إيمانها بصدد الوصايا التي ذكرت بعضها في هذه العجالة ، وطروء الضّعف على هذا
المصدر يصعب في قرن أو قرنين ، وعوامله أكثرها علميّة ، أو فلسفية تطرأ على شكل
شبهات ، وهي لا تحدث في الأمم إلّا بعد أن يبلغ العلم فيها أشدّه بعد عدّة أجيال ،
أي بعد أن يكون الغرض المقصود من التبليغ العام قد تمّ وأحدث في العالم ثمراته
المرجوّة ، وهذا هو الّذي حدث فعلا ، فبعد أن أتمّ الإسلام تأليف أمّته المثالية
في مدّة من الزمن لا تكفي لتأليف قبيلة ، وبعد أن قامت هذه الأمّة المثالية بإحداث
الانقلابات الاجتماعية ، والتطورات الفكريّة ، والتوجيهات الأدبيّة في
الأمم كافة ، وبعد أن أصبحت حجة الله قويّة بل بدهية ، استوى العالم كلّه
إزاءها فمن استهدى بنورها ، وسار على سمتها ، بلغ الغاية ممّا خلق له ، ومن
تنكبّها وسلك غير سبيلها فقد حقّت عليه كلمة الله وأصبح من النادمين.
(قُلْ هذِهِ سَبِيلِي
أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ، وَسُبْحانَ اللهِ
وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
__________________
محمّد محمّد المدني؟!!
رئيس قسم العلوم الإسلاميّة بكلّية دار العلوم بمصر
ولقد نشط
أعداؤنا في العصر الحديث نشاطا جديدا قوامه الادّعاء بأن الثقافة الإسلامية لا
تصلح غذاء للعقول في هذه العهود ، عهود المدنيّة والحضارة والصّواريخ ، والفضاء ،
والكواكب ، ووجد هذا النشاط في الصدّ عنها إقبالا من الشباب ، وتراخيا من الكهول ،
فانصرفت عنها العقول أو كادت.
ومن ثمّ نرى
الأصول الإسلامية مهدّدة أيّ تهديد في هذا العصر :
مهدّدة من
الجهل بها ، ومهدّدة من التعصّب عليها ، ومهدّدة من طابع الحياة الحديث الّذي يكره
الأناة ، ويؤثر السّرعة.
فهل يمكننا مع
هذا أن نحتفظ بخلافاتنا ، وأن نقضي الحقب الطوال ، والجهود المضنية في تحقيق مشكلة
الصّفات ، أو مشكلة التجسيم بين المجسّمة والمنزّهة ، أو مشكلة الخلافة ومن هو
أحقّ بها بين الشيعة والسّنة؟؟
هل يمكننا أن
نشغل أوقاتنا وعقول شبابنا وكهولنا بالبحث في نظر وجوب الصلاح ، والأصلح على الله
أو عدم الوجوب ، أو نظرية خلق
أفعال العباد ، أو نظرية جواز تعذيب المطيع ، وإثابة العاصي ، ونحو ذلك.
وهل ينتظرنا
العالم الصاعد بركبه الحضاري إلى آفاق السّماوات حتّى نفرغ من خلافاتنا حول هذه
المسائل وأمثالها؟
لا شك أنّه لم
يعد مجال لمثل ذلك ، وأنّه إذا كان الأوّلون قد وجدوا وقتا وجهدا ، وسعة في آفاق
التفكير أباحت لهم هذا اللون من الرفاهيّة العقلية ، فإنّنا الآن نعاني ظروفا غير
تلك الظروف ، يجب أن نقاسي معها ألوانا من التقشّف ، ومن أوّل ذلك وأولاه أن ننصرف
عن هذه الخلافات ، وننسى هذه العصبيّات ، ونذكر فقط أنّنا مسلمون ، ديننا واحد ،
وربنا واحد ، وكتابنا واحد ، ورسولنا واحد ، وأهدافنا في الحياة واحدة ، وأعداؤنا
هم أعداء لنا لا بحكم أنّنا شيعة أو سنّة ، ولكن بحكم أنّنا مسلمون تجمعنا أهداف
الإسلام ، وأصول الإسلام ١.
القاهرة في
ربيع الأول سنة (١٣٨٦) هجرية.
يوليو سنة (١٩٦٦)
ميلادية.
محمد محمد
المدني.
الشيخ محمّد محمّد الفحّام
شيخ الأزهر
قلت لفضيلته :
لقد أفتى سلفكم
المرحوم الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية فما رأي فضيلتكم في ذلك.
فقال : الشيخ
محمود شلتوت أنا كنت من المعجبين به ، وبخلقه ، وبعلمه ، وبسعة اطلاعه ، وتمكّنه
من الّلغة العربيّة ، وتفسير
__________________
القرآن ، ومن دراسته لأصول الفقه وقد أفتى بذلك فلا شكّ أنّه أفتى فتوى مبنيّة على أساس في
اعتقادي ..
ونرجو الله أن
يوفّق المسلمين ، ويؤلف بين قلوبهم ففي هذا التآلف ، والتقارب ، والتحابب خير كثير
للمسلمين جميعا وخاصة في هذا العصر الذي عرفنا فيه إقبال كثير من البلاد الإسلامية
التي لم تكن اللّغة العربية فيها شائعة عندهم على تعلّمها ونشرها ، ويتظافر على ذلك الشعوب وولاة الأمور.
وقلت لفضيلته :
بصفتكم شيخا
للأزهر وقد رأستم ثلاث مؤتمرات لعلماء المسلمين ، وسافرتم إلى معظم البلاد
الإسلامية ، ما رأيكم في تقارب وجهات النّظر بين أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف
مذاهبها.
أجاب :
هذا أمر يجب
على كلّ المسلمين أن يتعاونوا ، ويتظافروا على هذا التقارب بالسّفر والزيارات
المتبادلة. بل هذا : أوّل واجب على المسلمين.
والمعروف أن
المسلم هو : كل من شهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله ولا يخرجه من
إسلامه تمسكه بمذهب من المذاهب.
وقد استفدت ،
وأفدت من زياراتي لكلّ البلاد الإسلامية استعداد الجميع لهذا التقارب ، ويحثّنا
على ذلك قول الله تعالى :
__________________
(يا أَيُّهَا النَّاسُ
إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ
لِتَعارَفُوا.)
فالتعارف وقد
دعا إليه الإسلام من قديم الزمان ، لأن التعارف يهدي إلى التآلف ، والتآلف يهدي
إلى المحبّة ، والمحبّة تهدي إلى التفاهم ، والتفاهم يهدي إلى السّلام ، والسّلام
هو الغاية النبيلة التي دعا إليها الإسلام ، والإسلام دين المحبّة وهذا شعار يجب
على كلّ المسلمين أن يعرفوه.
لهذا كان كثير
من الأمور التي دعا إليها الإسلام ، وشرعها تدور حول محبّة الناس بعضهم بعضا .
__________________
الدكتور سليمان دنيا
مدير المركز الإسلامي بواشنطن
بين الشيعة والسنّة :
منذ أعوام خلت
كتبت رسالة صغيرة بعنوان :
«بين الشيعة
والسنة» ضمّنتها أملا كبيرا ، ورغبة ملحّة في أن يتلاقى الشيعة وأهل السنة عند
مبادىء الأخوة ، والمحبّة ، والمودّة والمصافاة ، ونبذ ما غرسه أعداء الفريقين في
النّفوس من عوامل التفرقة والشقاق.
ودعوت إلى أن
ينظر كلّ فريق إلى وجهة نظر الفريق الآخر ، نظرة العالم الذي يبحث عن الحق ، ويدرك
أن الحق أحقّ أن يتّبع.
وقلت :
__________________
إنّه إذا كان
الأثر الّذي توارثناه عن سلفنا الصّالح قد أكّد ضرورة الحرص على الحق أين وجد.
وأعلن : أن
الحكمة ضالّة المؤمن أنّى وجدها التقطها ولو من فم كافر.
وأوضح : أن
العاقل لا يعرف الحق بالرّجال ، وإنّما يعرف الحق بالدلائل ، والبراهين ، فإذا
عرفه عرّف به أهله.
فقد أصبح لزاما
علينا ـ نحن أبناء هذا الجيل ـ أن نحرص على الحقّ ، وأن نأخذ أنفسنا به ، وأن
نجنّد أنفسنا للدعوة إليه ، وأن نجتمع حوله : غير ناظرين إلى من دعانا إليه ،
وعرفنا به ، اللهمّ إلا نظرة إكبار وإعظام ، وإجلال.
ومن المسلّم به
لدى العقلاء أن الأمور الّتي لم يبلغ العلم بها مبلغ اليقين ، تكون ملتقى لوجهات
نظر مختلفة.
ومن المسلّم به
لديهم أيضا ضرورة احترام كل واحد من الباحثين لوجهة نظر الآخرين في المسائل المتحمّلة
لضروب من العراك الفكري ، حتى أنّهم ليختلفون ويكونون في ذات الوقت أصدقاء ،
وأحباء ، وأصفياء.
ورحم الله من
يقول : «اختلاف الرأي لا يفسد في المودّة قضيّه».
ولقد رفع
الإسلام راية السماحة عاليا فقال في كتابه الكريم :
(ادْعُ إِلى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ ، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ.)
وإذا كان
الإنسان يحب لنفسه أن يستمتع بالحريّة فيقول ويعلن
ما يهديه اليه
بحثه وتفكيره كذلك.
وحسب المسلمين
فخرا أنّهم اجتمعوا على أصول دينهم ، لم يختلفوا فيها ، فالألوهية في أسمى مكان من
التقديس في نفوس المسلمين.
وعقيدة البعث ،
والإقرار بالنبّوة وحاجة البشر إليها ، وختامها بسيّد ولد آدم «محمد بن عبد الله صلىاللهعليهوسلم».
وصدق القرآن
الكريم ، وما صح منه حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلّ أولئك يحتمل من نفوس المسلمين مكانة لا تطاولها
قداسة أيّ دين آخر في نفوس أتباعه.
قلت ذلك وأكثر
من ذلك في رسالتي «بين الشيعه وأهل السنة» رغم أنّي لم أقل في هذه الرسالة كل ما
أحبّ أن أقوله نظرا لظروف الطبع وقت ذاك .
__________________
الشيخ محمّد الغزالي
مدير إدارة تفتيش المساجد بوزارة الأوقاف بمصر
إنّني آسف لأنّ
البعض يرسلون الكلام على عواهنه لا. بل بعض ممّن يسوقون التهم جزافا غير مبالين
بعواقبها دخلوا في ميدان الفكر الإسلامي بهذه الأخلاق المعلولة فأساءوا إلى
الإسلام وأمّته شرّ إساءة.
سمعت واحدا من
هؤلاء يقول في مجلس علم :
إنّ للشيعة
قرآنا آخر يزيد وينقص عن قرآننا المعروف.
فقلت له أين
هذا القرآن؟!!
إنّ العالم
الإسلامي الذي امتدت رقعته في ثلاث قارات ظلّ من بعثة محمّد صلىاللهعليهوسلم إلى يومنا هذا بعد أن سلخ من عمر الزمن أربعة عشر قرنا
لا يعرف إلّا مصحفا واحدا مضبوط البداية ، والنهاية ، معدود السور والآيات ،
والألفاظ فأين هذا القرآن الآخر؟!
ولماذا لم
يطّلع الإنس والجن على نسخة منه خلال هذا الدهر الطويل؟ لماذا يساق هذا الافتراء؟
ولحساب من
تفتعل هذه الإشاعات وتلقى بين الأغرار ليسوء ظنّهم بإخوانهم ، وقد يسوء ظنّهم
بكتابهم.
إنّ المصحف
واحد يطبع في القاهرة فيقدّسه الشيعة في النجف أو في طهران ويتداولون نسخه بين
أيديهم ، وفي بيوتهم دون أن يخطر ببالهم شيء بتة إلّا توقير الكتاب ومنزله ـ جلّ
شأنه ـ ومبلغه صلىاللهعليهوسلم فلم الكذب على الناس ، وعلى الوحي؟ ـ إلى أن يقول : ـ
إنّ الشيعة
يؤمنون برسالة محمّد ، ويرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول ، وفي استمساكه
بسنّته ، وهم كسائر المسلمين لا يرون بشرا في الأوّلين والآخرين أعظم من الصادق
الأمين ، ولا أحقّ منه بالاتباع فكيف ينسب لهم هذا الهذر؟!
الواقع ، إنّ
الذين يرغبون في تقسيم الأمة طوائف متعادية لمّا لم يجدوا لهذا التقسيم سببا
معقولا لجأوا إلى افتعال أسباب الفرقة ، فاتّسع لهم ميدان الكذب حين ضاق أمامهم
ميدان الصدق.
لست أنفي أنّ
هناك خلافات فقهيّة ، ونظريّة بين الشيعة والسنة ، بعضها قريب الغور ، وبعضها بعيد
الغور ، بيد أنّ هذه الخلافات لا تستلزم معشار الخطأ الذي وقع بين الفريقين.
وقد نشب خلاف
فقهي ، ونظري بين مذاهب السّنة نفسها بل بين أتباع المذهب الواحد منها ، ومع ذلك
فقد حال العقلاء دون تحوّل هذا الخلاف إلى خصام بارد ، أو ساخن .
__________________
الدكتور حامد حفني داود
أستاذ كرسي الأدب العباسي بجامعة الجزائر
في التاريخ الإسلامي
إنّنا في حاجة
إلى دراسة التاريخ دراسة علميّة ، وفي حاجة أشدّ إلى دراسة المذاهب السياسيّة ،
والفقهيّة في صورة أعمق ممّا وصل إلى أيدينا لنقول للمحقق أحققت ، وللمخطىء أخطأت.
وتشتدّ حاجتنا
إلى هذه الدراسة حين نعلم عن يقين لا يقبل الشك ، القدر الّذي لعبته السياسة
الأمويّة ، والسياسة العباسيّة في تصوير المذاهب الفقهيّة. وحين نعلم عن يقين لا
يقبل الشكّ مدى ما أصاب
__________________
الشيعة من عنت ، واضطهاد في ظلّ هاتين الأسرتين الحاكمتين خلال ثمانية قرون
كاملة.
إنّ هذا
الإحياء الصّادق الّذي يقوم به علماء الشيعة في صرح الثقافات الإسلامية يعتبر في
نظري انعكاسا لهذه الثورة النفسّية الّتي أشعلت نيرانها السياسة الأمويّة ،
والعباسيّة في نفوس شيعة الإمام علي ، والأئمة من بعده.
ولقد كان
اضطهاد الشيعة بالقدر الذي خامر أعماق الإيمان واستقرّ في النفوس بحيث توارثه
هؤلاء الشيعة في معارج التاريخ كلّها وامتزج منهم بالدم ، واللحم امتزاج الإيمان
الصّادق في نفوس المؤمنين.
فالشيعة ـ من
هذه الناحية بالذات ـ مؤمنون عقائديون وليس إيمانهم من هذا النوع الذي يقف عند حدّ
التقليد ، والقول باللسان.
وهذا الإيمان
العميق ، والمسلك العقائدي الذي يحياه الشيعة في كل قرن هو ـ وحده ـ سرّ هذا
النشاط الملحوظ في دعوتهم ، وهو أيضا سرّ الانبثاقات المتلاحقة في مؤلفاتهم ، وهذا
النّفس الطويل الّذي نلمسه في كتاباتهم .
__________________
الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود
مؤلف كتاب : الإمام علي بن أبي طالب
قال
سيادته
إنّ في عقيدتي
أن الشيعة هم واجهة الإسلام الصحيحة ، ومرآته الصّافية ، ومن أراد أن ينظر إلى
الإسلام عليه أن ينظر إليه من خلال عقائد الشيعة ، ومن خلال أعمالهم ، والتاريخ
خير شاهد على ما قدّمه الشيعة من الخدمات الكبيرة في ميادين الدفاع عن العقيدة
الإسلامية.
وإنّ علماء
الشيعة الأفاضل هم الّذين لعبوا أدوارا لم يلعبها غيرهم في الميادين المختلفة
فكافحوا ، وناضلوا وقدّموا أكبر التضحيات من
__________________
أجل إعلاء الإسلام ونشر تعاليمه القيّمة ، وتوعية الناس ، وسوقهم إلى
القرآن منشأة السعادة الأبديّة. ولو أنّ لغير الشيعة من المسلمين معشار ما للشيعة
، لكنّا نرى كيف كانت ترف راية الإسلام على شرق الأرض وغربها ، على العرب والعجم ،
والأبيض والأسود .
__________________
الأستاذ فكري عثمان أبو النّصر
خريج الجامعة الأزهرية ومحرر في الأهرام
الشيعة مذهب
إسلامي عظيم ـ لا يختلف من حيث العبادات ، والمعاملات في كثير عن مذاهبنا الأربعة
في مصر ـ وهو إلى الحنفيّة أكثر تطابقا ، وأقرب شبها ، كما أنّه من حيث نظرته
الفلسفيّة العميقة لأحداث الإسلام الأولى يتجاوب مع شعورنا ، ولا يختلف عن فلسفتنا
ـ لو لا ما يتقيّد به من عدم الأخذ والاستدلال بأي حديث آخر ـ مهما كانت قوّة سنده
، وصحة ثبوته ، وروايته ، بعكس أهل السّنة الّذين يأخذون بهذا ، وذاك.
والشيعة في ذلك
التقيّد بأحاديث العترة الطاهرة ـ لهم حججهم الفلسفيّة إنّهم هم الّذين أحاطوا
بالإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ونادوا بأحقيّته في الخلافة ـ وإنّه أحقّ
بها وأهلها ـ.
__________________
درس في الأزهر الشريف وتخرّج في كلية
اللغة العربيّة بجامعة الأزهر (عام ١٩٥٤ م). وكان يمارس التدريس في المدارس
الحكوميّة التابعة لوزارة التربية والتعليم.
ومن آثاره : من كفاحنا الفكري ، ذكريات
خالدة ، وهو اليوم أحد المحرّرين في جريدة الأهرام المصرية. (مع رجال الفكر في
القاهرة ج ٣ حرف الفاء).
لقد أحاطوا
بهذا الحقّ ، وناصروه نصرا عزيزا ، وتساقطوا من حوله جماعات إنّه حقّ الإمام علي
وخلفه في ولاية المسلمين.
لعمري اتجاه من
الشيعة ينبىء عن قلوب عامرة بالإيمان ، صادقة في الإحساس ، حرّة في التفكير ،
صادقة في العزيمة ـ وهو ما يشتهر به إخواننا الشيعة في أقطار المسلمين ..
في العراق ،
وإيران ، والبحرين ، واليمن ، والهند ، والباكستان ، والبرازيل.
ومن الخطأ
البيّن أن يعتقد ، ويظنّ أنّ الشيعة لم تتكوّن إلا في غمرة تلك الأحداث المروعة
التي أثارها معاوية. لا ...
لقد تشيّع
النّاس لعليّ بعد وفاة الرّسول عليهالسلام يوم نادى الأنصار بالخلافة ، ونادى بها سائر العرب
للمهاجرين ، والقرشيّين من آل الرّسول ، ولم ينته الخلاف إلّا بعد أن حسمه عمر.
ولمّا لم ينظر
لها نظرة فلسفية بعيدة المدى ، عميقة الغور ، فقد أخطأ هذه النّظرة الّتي حقّقت
صدقها الأحداث ـ هي أنّه بخروج ولاية المسلمين عن آل البيت ـ حتى ولو كانت لأبي
بكر وعمر ، وعثمان ـ قد أصبحت معرّضة لأن ينتزعها الأقوى ، والأدهى ـ فيما بعد أبي
بكر ، وعمر ، وعثمان ، وتصبح هدفا للطامعين المغامرين.
أمّا لو كانت
في آل البيت وحدهم مع العمل بمبادىء الشورى ، والنّصيحة الّتي أقرّها الإسلام ـ لو
أنّ عمر «رضي الله عنه» أيّد هذا الاتجاه ، ونظر هذه النّظرة ، وتعمّق هذا التعمّق
لما وقعت هذه المآسي ، بل لظلّ الإسلام أبد الدّهر أعلى مكانة ، وأبسط نفوذا ،
وأقوى إشراقا ، وأهدى سبيلا ، ولكانت لنا في الشرق خلافة إسلاميّة ، ودولة عربيّة
، تضارع دولة الفاتيكان الروميّة ، وقوّة الغرب الماديّة.
والحقّ يقال :
إنّ حقيقة المبادىء ، وفلسفة المذهب الشيعي تكاد تكون مجهولة جهلا تاما في مصر في
أوساط فقهائنا ، وعلمائنا السنيّين!!
ممّا حدا
بأزهرنا الشريف إلى تقرير تدريس «المذهب الشيعي» ، وفلسفته في الكليّات الأزهرية ـ
وهو ممّا ننتظره ، ونرجوه ـ لتتوحّد الآراء ، وتستقيم الموازين ، وتتحقّق الآمال.
والله ولي
التوفيق .
فكري أبو النصر
مدرس الأدب
العربي بالليسيه فرانسيّة
__________________
كلمة الختام
وها نحن أولاء
قد أوردنا في هذا البحث الوجيز نبذة من آراء علمائنا الأعلام «الشيعة الإمامية» من
القرن الثالث الهجري حتى العصر الحاضر «القرن الخامس عشر» وإنهم جميعا ينفون تحريف
القرآن الكريم ولا يعترفون بزيادة فيه ، أو بنقصان.
فيلزم على
علماء السنّة ـ كذلك ـ أن لا يعترفوا بصحة الأحاديث الواردة في صحاحهم ، ومسانيدهم
والتي تثبت تحريف القرآن الكريم عندهم.
فالواجب يحتم
علينا جميعا تنزيه القرآن الكريم من هذه المطاعن ، أن نضرب بمثل هذه الأحاديث عرض
الجدار لمخالفتها لنصّ القرآن الكريم قال الله تعالى : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ.)
(إِنَّا نَحْنُ
نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.)
وممّا هو محفوظ
منه : الزيادة ، والنقصان.
وقد ألزمنا
أئمتنا الأطهار أهل بيت الرسول الأكرم المختار عليهم
أفضل الصلاة وأتمّ السلام. بالعمل بهذا القرآن العظيم المتداول بأيدينا
وأيدي جميع المسلمين في شرق الأرض وغربها لأن ما بين الدفتين كله كلام الله تعالى
ربّ العالمين وهو : القرآن وليس غيره.
وأكثر من ذلك
... فقد ألزمنا الأئمة الإثنا عشر أوصياء الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم بعرض الأحاديث المروية عنهم عليهمالسلام على القرآن الكريم ، فإن كانت موافقة للقرآن فإنّها منهم
، وإن كانت مخالفة له فإنّها ليست منهم ويجب تركها وعدم الاهتمام بها ، وضربها عرض
الجدار.
هكذا وبهذه
الصراحة ، والعمل جار على هذا المنهاج.
فإذا يجب على
علماء المسلمين الغيارى كافة في جميع الأقطار الإسلامية أن يشكّلوا لجانا خاصة
لمراجعة أمثال هذه الأحاديث المذكورة ، والمتكرّرة في الصحاح الستة ، والمسانيد ،
والتي تثبت تحريف القرآن الكريم بالزيادة ، والنقصان ، لتحقيق متونها ، والبحث عن
سلسلة رواتها كيلا يتسنّى للمنحرفين (عملاء الاستعمار) أن يصلوا إلى
أهدافهم الدنيئة من هذا الطريق ، وإلى غايتهم المشؤومة من الطعن في الإسلام.
والاستعمار
يهمّه دائما نشر هذه الأحاديث لأنّها تشوه سمعة الإسلام وتشغل المسلمين بأنفسهم
بتفريق كلمتهم ، وتشتيت شملهم!!
والأمل من أمّة
الإسلام أن تعي ، ورجال الحكم الغيارى أن
__________________
يتيقظوا من هذا السبات العميق ، ويكوّنوا وحدة متماسكة مع جميع مسلمي
العالم كي لا يوفّق الاستعمار لنيل أغراضه الخبيثة ، وغاياته الدنيئة.
وفي الآونة
الأخيرة عند ما شاهد الاستعمار صولة الإسلام ورقيّه في بناء صرح الجمهورية
الإسلامية في إيران ، أوحى إلى عملائه ، وأذنابه ـ في الشرق الأوسط وخاصة في هذا
العصر ـ أمثال :
إبراهيم
الجبهان ، إحسان الهي ظهير الباكستاني ، عبد الله محمد الغريب ، محمد عبد الستار
التولستوي ... ، أبو الحسن الندوي ، محمد أحمد التركماني ومن لف لفهم فاشترى منهم ما تبقى من دينهم ، وضمائرهم ، بثمن بخس
لبث السّموم ونشرها على مستوى عالمي قال الله تعالى :
(أُولئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا
مُهْتَدِينَ.) البقرة : ١٦.
(وَقالُوا رَبَّنا
إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا.) الأحزاب : ٦٧.
(أُولئِكَ حَبِطَتْ
أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.) التوبة : ٦٩.
(وَمَنْ يَتَّخِذِ
الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.) النساء : ١١٩.
ليشنّوا
الأكاذيب ، والافتراءآت ، ويلصقوا التّهم الرّخيصة بنشر مقالة في صحيفة أو مجلة ،
أو كرّاس ، أو تأليف كتيّب ، أو كتاب ضدّ
__________________
الطائفة المسلمة «الشيعة الإماميّة» وليتسنّى لهم بذلك ضرب المسلمين بعضهم
ببعض وما هي إلّا دسيسة يقوم بها المستعمر الكافر.
فهل تعي أمّة
الإسلام ، وتستيقظ من هذا السبات العميق كي لا يوفّق الاستعمار لبلوغ أغراضه ، ولا
تحقّق له غايته المشؤومة التي تهدف إلى السيطرة على بلاد الإسلام ، وليستعيد
المسلمون قوّتهم ، ومجدهم ، ونشاطهم.
هذا وليعلم
الأفّاكون ، والمضلّلوّن ، والّذين يسعون في نشر هذه السّموم ضدّ هذه الطائفة «الشيعة
الإمامية» أنّ هذا لا يضيرهم بشيء لأنّ الله تعالى وعد المؤمنين المجاهدين في
سبيله بالنّصر فقال عزّ من قائل :
(إِنَّا لَنَنْصُرُ
رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا النَّصْرُ إِلَّا
مِنْ عِنْدِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) صدق الله العلي العظيم.
وفي ختام هذا
الكتاب لا يفوتني أن أشكر الأخ الفاضل السيد محمد حسن القاضي الذي ساعدني في إخراج
هذا الكتاب وإعداده للطبع.
ربّنا عليك
توكلّنا ، وإليك أنبنا وإليك المصير.
بيروت :
السيد مرتضى
الرضوي
آثار المؤلف
١ ـ مع رجال
الفكر في القاهرة ، الطبعة الرابعة في ثلاث حلقات طبع القاهرة.
٢ ـ في سبيل
الوحدة الإسلامية ، الطبعة السابعة.
٣ ـ بامردان
انديشه در قاهرة ، الطبعة الأولى ، جمهورية إيران الإسلامية ـ طهران.
٤ ـ صفحة عن آل
سعود الوهابيين ، الطبعة الأولى.
٥ ـ صفحة عن آل
سعود الوهابيين ، الطبعة الثانية بزيادة.
٦ ـ البرهان
على عدم تحريف القرآن وهو هذا الكتاب الذي بين يديك.
تحت الطبع
١ ـ الشيعة
الإمامية والصحابة.
٢ ـ آراء
المعاصرين حول آثار الإمامية.
٤ ـ بضعة
المصطفى ، يتضمن سيرتها في حياة أبيها وبعده (مخطوط).
٥ ـ محاورة حول
الإمامية والخلافة بين عباس وعلوي المشهور في أكثر من مأتي صفحة.
كتب راجعها المؤلف وعلق عليها وطبعت
١ ـ دلائل
الصدق في علم الكلام ، الطبعة الثالثة ، طبعة القاهرة.
٢ ـ وسائل
الشيعة ومستدركاتها ، الطبعة الثالثة ، صدر منها خمسة اجزاء بمصر.
٣ ـ الشيعة
الإمامية ، الطبعة الثالثة في مصر.
٤ ـ الشيعة
وفنون الإسلام.
٥ ـ علي
ومناوئوه.
٦ ـ مع الخطيب
في خطوطه العريضة.
٧ ـ نظرت في
الكتب ، الطبعة الثالثة للدكتور حفني داود طبعت بمصر.
٨ ـ تحت راية
الحق ، الطبعة الرابعة للدكتور حفني داود طبعت بمصر.
٩ ـ من وحي
الأقلام ، الطبعة الأولى ، السيد مصطفى اعتماد الموسوي.
١٠ ـ الروائع
المختارة ، من خطب الإمام الحسن السبط.
محتويات الكتاب
كلمة الناشر..................................................................... ٣
آيات من الذكر الحكيم........................................................... ٥
من دعاة التقريب والإصلاح في الماضي والحاضر..................................... ٩
ومن دعاة الطائفية في الماضي والحاضر............................................ ١١
كلمة المؤلف.................................................................. ١٣
تمهيد......................................................................... ١٧
نص المقال المنشور في مجلة رسالة المسجد السعودية................................. ١٩
لقاءات في أسفار.............................................................. ٢٣
الشيعة الإمامية ............................................................... ٣٣
عقيدة الشيعة الإمامية في الصحابة............................................... ٣٧
تميهد...................................................................... ٣٧
الشيعة والصحابة........................................................... ٤٠
درجات الصحابة........................................................... ٤٢
تفاوت الصحابة في صدق الرواية.............................................. ٤٥
بعضهم أصدق من بعض..................................................... ٤٥
رواية الصحابة بعضهم عن بعض وروايتهم عن التابعين............................ ٤٥
نقد الصحابة
بعضهم لبعض.................................................. ٤٩
عدم تكفير
القادح في أكابر الصحابة............................................ ٥٣
هل يجوز تكفير
المسلم في الشريعة الإسلامية؟................................... ٥٤
موقف النبي (ص) من الصحابة يوم المحشر........................................ ٥٩
ما أحدثه الصحابة بعد الرسول (ص)............................................ ٦٣
لعن الرسول (ص)
لبعض الصحابة............................................ ٦٦
كلمة عامة................................................................... ٦٩
كلمة قيمة للدكتور طه حسين................................................ ٧٠
عدالة الصحابة ............................................................. ٧٣
من غرائب كتاب مسلم!..................................................... ٨٣
موالاة الشيعة للصحابة...................................................... ٨٥
من هو الصحابي؟........................................................... ٨٧
تعريف الصحابي ونقطة الخلاف............................................... ٩٢
الأخذ بعدالة جميع الصحابة.................................................. ٩٤
مسألة الصحابة............................................................. ٩٩
بحث قيم في
الإختلاف....................................................... ١٠١
شمول الصحبة ومميزاتها...................................................... ١١٥
الصحابة في حدود الكتاب والسنة........................................... ١٢٥
سياسة عمر تجاه بعض الصحابة............................................ ١٣٠
المنافقون من
الصحابة......................................................... ١٣٣
ما جاء عنهم في سورة التوبة عن غزوة تبوك.................................... ١٣٣
يفضلون التجارة واللهو عن الصلاة........................................... ١٣٧
نفاق الصحابة على عهد النبي (ص) وبعده................................... ١٣٧
كلمة الإمام الخميني (قدسسره) حول وحدة المسلمين................................. ١٤١
الأزهر في ١٢ عاما ، نشأة الأزهر وتطوره....................................... ١٤٧
الفاطميون وإنشاء الأزهر................................................... ١٤٧
الغرض من إنشاء الأزهر.................................................... ١٤٧
تسميته.................................................................. ١٤٨
عمارة الأزهر وتطورها...................................................... ١٤٨
مكانة الأزهر
في العصور المختلفة............................................... ١٤٩
الأزهر في عهد الفاطميين................................................... ١٤٩
مستويات الدراسة بالأزهر في العصر الفاطمي................................. ١٥٠
الأزهر الجامع الرسمي للدولة................................................. ١٥١
نبذة من معتقدات الشيعة الإمامية.............................................. ١٥٥
التقية في نظر الشيعة والسنة................................................... ١٦١
أسباب نشوء التقية........................................................ ١٦١
عقيدة الشيعة الإمامية في التقية.............................................. ١٦١
التقية في نظر علماء السنة..................................................... ١٦٥
نبذ من الأحاديث الواردة في تحريف القرآن ملتقطة من صحاح العامة ومسانيدهم..... ١٧٧
رأي السنة في جمع القرآن................................................... ١٧٧
الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان......................................... ١٧٧
غريبة توجب الحيرة......................................................... ١٧٨
بعض الروايات الواردة في تحريف القرآن من طرق العامة......................... ١٧٩
آية الرجم ورضاع الكبير.................................................... ٢٠٩
قراءة القرآن بالمعنى......................................................... ٢١٢
ما أسقط من القرآن....................................................... ٢١٣
الزيادة والنقيصة في القرآن.................................................. ٢٢٢
آراء العلماء
الشيعة الإمامية عن سلامة القرآن من الزيادة والنقيصة.................. ٢٢٩
معنى التحريف............................................................ ٢٢٩
الشيعة مأمورون بالأخذ بما يوافق القرآن...................................... ٢٢٩
التمسك بالقرآن الكريم.................................................... ٢٣٠
صيانة القرآن عن الزيادة والنقيصة............................................ ٢٣٠
جمع القرآن الكريم على عهد النبي (ص)...................................... ٢٣١
لا تحريف في
القرآن........................................................... ٢٣٣
١ ـ معنى التحريف......................................................... ٢٣٣
٢ ـ رأي المسلمين في التحريف............................................... ٢٣٧
رأي الشيخ الصدوق (طاب ثراه)............................................ ٢٣٩
رأي الشريف المرتضى (قدسسره)................................................ ٢٤١
رأي الفيض الكاشاني...................................................... ٢٤٥
رأي العلامة الآشتياني...................................................... ٢٤٧
رأي المجتهد الأكبر العاملي.................................................. ٢٤٨
رأي آية الله السيد البروجردي (قدسسره)......................................... ٢٥٠
رأي آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء (ره)........................ ٢٥١
رأي الإمام الحكيم بعدم التحريف............................................ ٢٥٢
رأي آية الله الميلاني........................................................ ٢٥٣
رأي آية الله الكلبايكاني.................................................... ٢٥٤
رأي الإمام الخوئي (مد ظله)................................................ ٢٥٥
رأي العلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي............................. ٢٥٦
رأي العلامة الكبير السيد حسين مكي (طاب ثراه)............................ ٢٥٨
رأي آية الله الشيخ الصافي.................................................. ٢٥٩
رأي العلامة الشيخ محمد جواد مغنية......................................... ٢٦١
دفاع شيوخ الأزهر وعلمائه عن الشيعة الإمامية.................................. ٢٦٣
الشيخ محمود شلتوت......................................................... ٢٦٥
نص الفتوى التي أصدرها الشيخ محمود شلتوت في شأن جواز التعبد بمذهب الشيعة
الإمامية ٢٦٧
فقه الشيعة الإمامية........................................................... ٢٦٩
إشراف لجنة من العلماء لتحقيق نصوص الكتاب................................. ٢٧١
كلمة صاحب الفضيلة السيد وزير الأوقاف حول الكتاب...................... ٢٧٣
الشيخ أحمد حسن الباقوري (وزير الأوقاف المصرية في عهد عبد الناصر).......... ٢٧٧
الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف (الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الأزهر).......... ٢٧٩
الشيخ عبد الرحمن النجار (مدير عام المساجد بمصر)........................... ٢٨٣
الدكتور أبو الوفا التفتازاني (أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة)............. ٢٨٥
الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي (عميد الجامعة الأزهرية في أسيوط)............. ٢٨٩
الأستاذ عبد الهادي مسعود الإبياري (بوزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر)........ ٢٩٣
الشيخ عبد المجيد سليم..................................................... ٢٩٥
نظرة شيوخ الأزهر الشريف وعلمائه عن تفاسير الشيعة الإمامية..................... ٢٩٩
١ ـ تفسير القرآن للشيعة الإمامية............................................... ٢٩٩
٢ ـ تصوير للشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق لتفسير مجمع البيان في تفسير
القرآن الكريم لأمين الإسلام ٣٠١
٣ ـ تفسير القرآن الكريم للسيد عبد الله شبّر..................................... ٣١٧
كلام للدكتور حامد حفني داود حول الكتاب................................. ٣١٧
آراء شخصيات إسلامية معاصرة عن الوحدة بين الشيعة والسنة.................. ٣٢٩
محمد فريد وجدي (من كبار المفكرين بمصر).................................. ٣٢٩
محمد محمد المدني (رئيس قسم العلوم الإسلامية بكلية دار العلوم بمصر) ........... ٣٣٣
الشيخ محمد محمد الفحام (شيخ الأزهر)..................................... ٣٣٥
الدكتور سليمان دنيا (مدير المركز الإسلامي بواشنطن).......................... ٣٣٩
الشيخ محمد الغزالي (مدير إدارة تفتيش المساجد بوزارة الأوقاف بمصر)............ ٣٤٣
الدكتور حامد حفني داود (أستاذ كرسي الأدب العباسي بجامعة الجزائر)........... ٣٤٥
الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود (مؤلف كتاب : الإمام علي بن أبي طالب)...... ٣٤٧
الأستاذ فكري عثمان أبو النصر (خريج الجامعة الأزهرية ومحرر في الأهرام)........ ٣٤٩
كلمة الختام................................................................. ٣٥٣
آثار المؤلف.................................................................. ٣٥٧
محتويات الكتاب............................................................. ٣٥٩
|