

الإهداء
إلى الذين يضعون الحواجز المثقلة على
آذانهم حين يُقرأ الشعر ، وعلى عيونهم حين يتحول الشاعر إلى «ممثّلٍ» ، ثم ينسلّون
إلى زأويةٍ هادئةٍ يقرآون فيها الشعر بأنفسهم ، ويشعرون أنّهم قائلوه حين يكونُ
قريباً منهم ، أو ، أنّهم رافضوه حين يكون بعيداً عنهم ...
إليهم وحدهم اُقدّم هذا النزيف.
بسم الله الرحمن
الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين ، وصلى الله على
سيّدنا ونبيّنا خاتم المرسلين أبي القاسم محمد وآله الطاهرين.
النص الأدبي كائنٌ حي ، يولد وينشأ في
أجواء حيّة ، ويتعاطى ما تتعاطاه الكائناتُ الحيّة ، وجمهورُ المتلقّين لا يحيد عن
هذا الاتجاه ، وهو البطلُ الحقيقي الذي تسلّط عليه الأضواء في كلّ عملية شعرية ،
أمّا الآخرون ـ بما فيهم النقّاد ـ فهم الخط الثاني على هامش العمل الشعري.
ومن هنا لا نرغب أن تكون هناك قطعيةٌ
بين الشاعر وجمهوره ؛ بسبب تحميل نصِّهِ الإبداعي فوق إدراك من يرافقه إلى آخر
المطاف.
نعم نحن لا ننكر القيمةَ المضافةَ إلى
النصِّ الأدبي من عمليات التداخل المعرفي ، ولكنّها في كثير من الأحيان تجيء على
حساب القيمة الأساسية للنصِّ وسلطته ، بل إنّ هذا التداخل هو الذي أدّى إلى هذه
الهوّة الكبيرة ، بل إلى القطيعة بين الشاعر والجمهور ، وراج كلّ واحدٍ منهما يعيش
العزلةَ وينغلق على
ذاته ، في عالمٍ مشحونٍ بالمتغيّرات والتبدّلات ، والتي من المفروض أن تكون لها
دلالةٌ واضحةٌ على الإبداع الثقافي والمعرفي ، والذي هو حالةُ وعيٍ أكيدة يحاكي
فيها المبدعُ الأشياء ، وإن كان يعيش في حالة لأوعي أثناء اللّحظة المبدعة.
وهكذا ابتعدنا كثيرا عن هذا العالم ،
وصار كلّ واحد منا ـ سواء أكان المبدع أم الجمهور ـ يتّهم الآخر بأنّه هو السبب
وراء كلّ هذا التيه الذي نعيشه.
فالشاعر يتّهم الجمهور بعدم الاهتمام
بالسموِّ والارتقاء إلى مستوى النص ، وعدم إتعاب نفسه حتى يتسلّح ويتزوّد بأدواة
الشاعر وما يرمي إليه حين استعمال هذا الرمز أو هذا التركيب ، ومن خلالهما يتعين
عليه التخصّص بأدواة كلّ شاعر ، وإلّا عاش المتيه ، وما من أحدٍ له القدرة على
إعادته.
والجمهور ، بما فيهم الناقد الذي هو
عادة متلقٍ من نوع خاص ، يأخذ باللائمة على المبدع ، والغريب أن النقد أصبح هو
الآخر نصّاً مقابل النصّ الإبداعي الشعري ، ودونك كلام عبد العزيز حمودة عند حديثه
عن كمال أبو ديب في (المرايا المحدّبة : ص ١٨) :
«ولكنني ـ والحق يقال ـ توقفت كثيراً
عند
لوغارتيماته كلّها ، عند دوائره
ومثلثاته ، خطوطه المتقاطعة والمتوازية والمنحرفة ، وزواياه الحادة والمنفرجة ،
دون أن أفهم شيئاً ، مرة اُخرى مع كثير من الانبهار، وقليل من الشك في مستوى ذكائي
الفطري والمكتسب ، أنحيت باللائمة ـ للمرة الألف في تعاملي المبكّر مع البنيويين
العرب ـ على نفسي ، فالقصور لابد أن يكون قصوري أنا ، ولابد من إنارة النص من
الداخل أو الخارج أو الاثنين معاً ، حسب الانتماء الإيديولوجي للناقد ، ولكن مع
ذلك أراني غير قادر على إبصار تلك الإنارة ، فربّما يكون بريقها معميا ، ونفس الموقف
وقفته مع لوغارتيمات هدى وصفي عند محأولتي فهمها في مجلة (فصول)».
صحيح إنّ القول المغلق ـ بلغة علم النفس
ـ هو مرأوغةٌ مقصودةٌ ، يريد من خلالها الشاعر أن يترجمَ انفعالاتهِ وما كسبته من
اشتعال تلك الأنا الفاعلة لذلك الوعي في اللحظة المتمرّدة على ذلك الواقع لتكون في
طريق النقيض للإدراك.
وكذلك أنا أفهم أنّ الشاعر كائنٌ خاص ،
تختلف مرآة انفعالاته عن الآخرين ، ويختلف قنديله كذلك عن بقيّة
القناديل ، لأنّ
زينَة يحرقُ فتيلَه أولاً ، ولعد ذلك يفكّر في السراج والعتمة.
ولكن في النهاية لابدّ من التعايش ، وأن
يُكتب الشعر باتجاه الإنسان ، والشاعر الجيّد هو الّذي يستطيع ان يوائم بين
الأمرين ، بأن يولّد نصّاً ينتمي إلى الكائنات ، ومعروفٌ أنّ هذه الكائنات الحيّة
تتفاوت في عمرها ومدى استمرارها في الحياة.
ولابدّ للشاعر كذلك من إيجاد مسافةٍ
بينه وبين المستوى الّذي يحاول الوصول إليه ، وإن كانت هذه المسافة هي مبعث الحزن
والاضطراب لديه ، ولكنّها المحرك الأكيد باتّجاه الخلق والإبداع.
ومن بين تلك المشاكل الضاغطةِ ، الّتي
أدّت إلى أن ينزوي الشاعر ويعيش بعيداً عن جمهوره ، بل يعيش العزلة ، هي القضايا
السياسية الخانقة التي جعلت من الشاعر لا يلتقي مع الجمهور حتى لا يرتدي جبّة
السلطان ، ويكتب له شعرَه المكتسب شرعيتهَ وهويتَهَ من أدوات السلطة القمعية ،
وبعد ذلك يتلوّن بألوانه.
وهذا الشاعر هو الّذي يستخدمه السلطان ،
ليأتي الخدم في اليوم التالي يكنسونه من الطريق الذي يسير فيه سيدهم
للفتك بالانسان ،
والّذي من المفترض على الشاعر أن يسافر بأحاسيسه ومشاعره باتجاهه.
هذه الحالة المعذّبة وُجِدَتْ في مقطعٍ
زمني كان مقياساً ، اختبرت فيه إنسانيةُ الشاعر العربي ، والعراقي على وجه التحديد
، فمن الشعراء من باع نفسه وشعرَه وكل ما يملك للحاكم ارضاءً لهُ وخفاً منه ،
وتزلّفاً في أحيانٍ كثيرةٍ للتنعُّم بأوسمته التي كان يقلّدها الحاكمُ الجائرُ
عبيده الشعراء حين الانتصار على البؤساء والمحرومين.
ومن الشعراء من تمرّد على السلطة ، وإن
كان لا يملك في حربه سوى ثمانية وعشرين حرفاً ، وهي عاجزة ، لا كما يذهب خياله
بأنها تستطيع أن تقلب الموازين على السلطة ، وخصوصاً إذا كانت السلطة سلطة صدّام
وحزبه ، التي تفتك بمن تظن وتشتبه به.
وبين هذين وجد الخط الثالث من الشعراء
الّذين فضّلوا الصمت على الكلام ليحافظوا على سلامة حواسهم ومشاعرهم ، ومن ثم
يباركوا السلطان على جميع أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
وندري أنّ للصمت في حيان كثيرةٍ دلالاتٍ
أوقع من الكلام ، وربّما يكون له تأثير أبلغ في النفوس التي تكفيها
الإشارة ، ومعلوم أنّ
الكلام اذا كان من فضة فإنّ السكوت من ذهب.
ومن بين هؤلاء الشعراء الذين رفضوا
السلطة ولم يرتدوا لباسها ويتلوّنوا بألوانها ، بل تمرّدوا عليها بصمتهم الذي دام
طويلا ، هو الشاعر المبدع الاُستاذ صالح الظالمي ، فقد أصر على مقارعة النظام
السابق بذلك الصمت على الرغم من محاولات النظام المتكررةِ بالترغيب والترهيب
اللّين استخدمهما معه ، وحاول عبثاً طوال ثلاثين سنة استمالته ، ليحرز بذلك
انتصاراً على الشعر والشعراء ، ولكنه فضّل الصمت ، ورفض إلّا أن يكون كما هو ، وإن
كان ذلك على حساب كمية شعره.
غير أنّا نتأمل ـ بعد انقشاع الغُمَّة
وزوال الكابوس الجاثم على الصدور ـ عودة الاُستاذ الظالمي ليزرع في رحم الحرية
قصائده الجديدة والتي حلم بها عاشقوه ومريدوه.
والمكتبة الأدبيّة المختصّة ـ والّتي ما
زالت حريصة على تكريم المبدعين ـ تضع بين يدي جمهورها الكريم (ديواني) للاُستاذ
الظالمي ، وتجد بذلك سلوةً على ما فقدته المدرسةُ النجفيّة الأدبيّة في تلك
السنوات العجاف من نهاية الستينات حتى الساعة الأخيرة لسقوط صنم بغداد.
واليوم إذ تعود تلك الذبالة المتوهجة
عند أمير البلاغة والكلمة الصادقة ، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ،
تتمنّى المكتبة على روّادها والمؤمنين بها ، والنقاد ، أن يتناولوا هذا الديوان
بالبحث في طبقاته والسبر في مكنوناته ، والارتقاء إلى مرتفعاته ، والنزول إلى
منخفضاته ، إن وجدت ، سائلين المولى القدير أن يكون ما قدّمناه خالصاً لوجهه
الكريم.
|
المكتبة الأدبيّة
المختصّة
مهنّد جمال الدين
|
الشاعر المجدد
الأُستاذ الظالمي
وبعد ، فلست أدري كيف وصلتني قصائدك
«دروب الضباب» ، وكيف تووارت فجأة قبل أن أقرأ شيئاً منها ، ثم ظهرت فجأة بين
مجاميع صغيرة كنت قد احتجزتها في دولاب الملابس ؛ لئلا تضيع في ركام الكتب ، وشاء
تعب الغبوق أن يظهر بلا نشدان ، وهو مليء بالعسل والخمر ، يتهادى كما تتهادى
النسمات الشفيفة بين ظلال النخيل على شواطئ الفرات.
إنّ هذه المجموعة صوتٌ متموج من أصوات
الشعر العربي ، الذي لم تؤثر فيه عوامل الزيغ والانحراف ، التي جرفت الصبيان من
أعداء التراث الأصيل.
أيها الشاعر المجدّد ، معذرة إذا لم
أستوف ما ينبغي استيفاؤه من الحديث عن جوانب الأصالة في هذا العمل الذي قدمته
لقراء الشعر العربي ، فإنّ ذلك ممّا يحتاج إلى وقت غير قصير ، وإلى هدوء وفكر ،
وإلى جسم بلا مرضٍ ولا شيخوخة.
مجموعتك هذه هدية ثمينة ، هي في المكان
اللائق بين الهدايا التي تعتزّ بها مكتبتي ، وقد قرأتُ قصائدها الرائعة
أكثر من مرة وأُعجبت
بما فيها من صور وأخيلة وما تخلّل صفحاتها من ثورة واطمئنان ، وعنف ورقة ، وبأس
ورجاء ، وواقع مرٍّ مؤلم ، وتهأويم تسبح مع الخيال.
هذه هي عاطفة الشاعر المبدع ، ترضى
وتسخط ، وتهدأ وتثور ، وتلين وتقسو ، إنّها مرآة تعكس ما في الحياة من صخب وعناء
وما فيها من نقائض وأضداد ، والشاعر الأصيل هو الذي ينبع من أعماق الحياة والواقع
ويصارع التيار المصطخب بكل عنف.
المجموعة التي هي نبعٌ ثرٌّ من عطاء
الشعر العربي الأصيل ، وعسى أن تطلّ بشاعرنا الظالمي على «دروب الفجر» و «أغاريد
الضحى» ويتحفنا بالمزيد من هذه الأناشيد والأغاني التي تداعب أمواج الفرات الأزلي
، وتخفق بأجنحتها الشفافة على تلك المواسم الثرّة في مدينة النجف الشامخة.
|
تقبل أيها الشاعر
المبدع تحيات المخلص
إبراهيم الوائلي
١٢ / ٦ / ١٩٨٦ م
|
النجف والشعر
النجف الأشرف ... هذه الأرض ذات
الكبرياء العلوي ، إذا أخذتكَ فوق أديمها المبارك إلى الجانب الغربي فستجدها آخذة
بالصعود وكأنّها معانقة النجوم ، وفي بداية مسيرتك كانت ثلاث رواب حالمة تغتسل
مساء بضوء الثمر حتى ابيضت حصاها ، وسميت قديما بالذكوات البيض ، وتكاد تختفي
ملامحها الآن ولم يبق منها إلا القليل القليل.
الأرض هذه ـ منذ البداية ـ ارض قاحلة ،
لا تعمّد قدميها ينابيع الفرات الهادر ، ولا تركن لاهبة إلى حدّ القسوة ، وحين
تبتعد عنها شتاء تكون باردة وكأنّها تلتصق بجبل جليديّ لا يرحم ، وفي هذين الحالين
يتقلب في أجوائها أُناس يعشقون بقايا أسوارها المتآكلة ، وكأنّها مباهج فردوس تفيض
سحرا وبهجة لم يمرّ بجانبها ، ثم يزداد تعلقهم بها كلما صهرتهم حرارة الشمس ،
ووخزت جلودهم لذعة الشتاء ، ما دامت نفحات سيدهم أبي الحسن عليه السلام تغمرهم في
الحالين.
وعلى هذه الأرض اللاهبة تنفتح عبقريات
وتبنى عقول ، ثم تنطلق نحو الريادة ، فالعلوم الإسلامية بكل مستلزماتها منذ
عهد الشيخ الطوسي ـ
تتجذر هنا ، وتتعاقب عليها أجيال ، ويزدحم حواليها نفرٌ من كلّ طائفة يريد أن
يتفقّه في الدين ، .. يقلّب صفحات المُنزّل ، وينفض ما بقي من غبار عن مباهج
السنّة ، ثم يأخذ طريقه نحو الاجتهاد بكل ثقة واطمئنان ، فمرةً يميل نحو هذا الرأي
ومرة أُخرى يقيم رأياً جديداً على حطام ما أصاب معول الهدم ، ومن وراء ذلك كله
كانت حصيلة ما جاء بها الإسلام آخذةً نحو التجديد على وفق ما تتطلبه الحياة
الجديدة وحتى عصرنا الحاضر.
فرجل الدين لا يبتعد أثناء مسيرته عما
يتصل بالأدب العربي شعراً أو نثراً شاء أم أبى ، فالشواهد الشعرية عند قراءة علم
النحو وعلم البلاغة ، قد تكون السّبب الأول لميوله نحو هذا الفن ، وحين يتصل
بالشعر ويألفه ، فقد يكون ذا موهبة توصله إلى مرحلة الإبداع ، وقد يكون عابرَ سبيل
لا ينظر إلى الشعر إلّا الالتزام بالموسيقى في الشطرين ، فهو بالتالي يجيد النظم
لا الشعر، وفي هذا المنطلق كان أكثر رجال الدين يزاولون الشعر أو النظم تبعاً لما
تفرضه عليهم قابلياتهم.
فالنجف بكل ما فيها تكاد تنطق بالشعر ،
فكثرة المحافل والمناسبات الدينية لا تقوم إلّا على الشعر ، وحين يقع في أيدينا
كتاب (شعراء الغري) ـ وعدد أجزائه اثنا عشر جزءً ـ
فإنّنا سنكون على
ثقةٍ بأن الأكثرية من رجال الدين وممّن يرتبط بهم ، شعراء يزاولون كتابة الشعر أو
النظم ، ومثّل كتاب (شعراء الغري) ما كان يدور بين الشعراء من مساجلات أو معارك
(كمعركة الخميس) و (معركة الشباب والشيوخ) و (معركة الغدير) ، وكانت جميعها على
عدد كثير من القصائد ، ولعلها لا تزال ضمن مجموعات يحتفظ بها أصحابها لحدّ الآن.
فالنجف ـ اذاً ـ بلدةٌ تلتصق بالشعر
التصاقاً وثيقاً ، ولا يمكنك فصل أحدهما عن الآخر ، فأنت قد ترى في محفل يُقرأ فيه
الشعر انّ بعض الحاضرين هم من أصحاب الحرف والأعمال ، فالعمل له وقته الخاص عندهم
، وللشعر وقته الآخر ، ومنهم كذلك من يقول الشعر برغبة قد تصرفه عن كثيرٍ من
أعماله.
والنجف كذلك ميدان فسيح للشعر والشعراء
في كلّ آن ، ما دام رجل الدين يسايره جنبا إلى جنب ، وما دامت اللُّغة العربية لا
تنفكّ عنه.
يحدثنا (الشيخ اليعقوبي) ـ رحمه الله ـ
عن الشاعر (عباس الملا علي) فهو شاعر ، وهو الذي يحسن قراءة الشعر بطريقة محبّبة
فيها كثير من الإثارة من حيث الرقة والانتشاء ،
وبقيت بعده حتى زمن
الشيخ اليعقوبي الذي طالما سمعنا منه ترديدها في المحافل.
يقول الشيخ اليعقوبي : إنّ (الملا علي)
مع نخبة من الشعراء ، ومنهم السيد إبراهيم الطباطبائي ، يرحلون وينزلون بين مضارب
الربيع الاخضر في المنطقة الجنوبية من بادية النجف ، حيث المناظر الساحرة والأجواء
المعطرة والابتعاد عن صخب المارّة ، وقد تمتدّ رحلتهم إلى الشهر ، وأجمل ما فيها
انّ هؤلاء النخبة تكون مهمتهم جمع الزهور عند إشراقة الشمس في كلّ يوم ، عند ذلك
يستلقي صاحبنا (الملا علي) وتتكدس فوقه كوم الزهور فلا يتبين منها إلّا وجهه ، ثم
يبدأ بقراءة الشعر المختار وأكثره حجازيات (الشريف الرضي) ، ويترنح من كان حوله
ويستعيد حتى يدركهم الوقت.
الصورة بما فيها تبدو رائعة ورائعة جدا
، ربوة صغيرة مبرقعة بألوان الزهور ، ينطلق منها صوت رخيم يحمل بعفويته كلّ ما
يسكر النفوس ، ثم يبعدك مرغما عن كلّ ما تحمله المادة من ثقل مقيت ، هذا الصنيع
المترف لا يخطر على بال أحد ، بل هو قريب من عالم الخيال.
النجف ـ اذاً ـ بلد يعشق الشعر ، ويعشقه
الشعر كذلك ، كانت تقام حفلات الشعر في مناسبات الزواج ، وكان من
بعض الحاضرين رجال
دين يقيمون الصلاة (جماعة) في الصحن الشريف وتستمر قراءة الشعر في الحفل حتى غياب
الشمس ، وقد نسب للشيخ كاشف الغطاء قولته بعد أن طلب منه أن يستعد للصلاة قال :
(وهذه هي صلاة أيضاً) ويقصد بذلك قراءة الشعر ، وقد نقل عن السيد الحبوبي الكبير
ما يشبه هذا ، ويبقى كلّ منهما يسمع الشعر ويستعيد ، وللصلاة وقت آخر.
على هذه الأرض المعطاء وبين ملاعبها
السمراء ، كان جيلنا يتطلع بشوق إلى ما يميل إليه بشغف إلى ممارسة الشعر مع كتب
الفقه وكتب الأصول ، الجميع هنا من طلاب (الحوزة) ولا يحق لهم مزاولة الشعر والأدب
إلّا في ليلة الخميس وليلة الجمعة ، فكل منهما عطلة رسمية لطلاب الحوزة ، ويكون
بيت المرحوم الحجة الشيخ سلمان الخاقاني مقرّاً آمناً .. ومن الحضور سماحة الحجة
شيخنا المرحوم محمد أمين زين الدين ، وهذا الأخير كان المرشد الأول ، والأداة
المحفّزة لتنمية قابلياتنا نحو مسيرة الشعر ، فالقصيدة التي نطرحها أمامه قد لا
ينجو منها إلّا بيت واحد أو بيتان ، وما بقي فهو خاضع للهدم وترميم ما يمكن ترميمه
كي يعود بيده في حلة جديدة ، بعدها يشعرنا من خلال كلماته الدافئة
بأننا سنكون شعراء في
المستقبل القريب ، أمّا ما يقوم به سماحة الشيخ الخاقاني ، فقد كان مولعا بقراءة
كلّ ما هو جديد ، من كتب الأدب والمجلات وحتى الصحف اليومية ، وهو رجل دين قد لا
يسمح له بمثل هذا ، ولكنه على كلّ حال ومع منزلته العلمية يرغب بالاطلاع على ما
يستجد ، وكنا نقرأ ما يحمله إلينا ، أمّا في داره ليلة الخميس والجمعة ، أو نأخذه
على سبيل الاستعارة من واحد لآخر.
في هذه الفترة لم تقتصر قراءتنا على ما
نسمعه من شعراء الرابطة ، والآخرين من شعراء النجف ، بل أخذنا نتابع ـ بإلحاح ـ
كبار شعرائنا أمثال الشيخ علي الشرقي ، والجواهري ، وما يصل إلينا من شعر بدوي
الجبل ، وعمر أبو ريشة ، وبشارة الخوري ، وايليا أبو ماضي ، وغيرهم ، ومع هذا فنحن
جميعا لم نعرض عمّا جاء به الشعر الحر من داخل العراق وخارجه ، وكانت نظرتنا له
أنّه لا يختلف تماماً عن الشعر العمودي الأصيل ، حين يكون شعرا ذا معاناة وتجربة
يتضمنها عند قراءتك له.
الآن بدأنا نزجّ بأنفسنا في المحافل
الخاصّة ، ونسمع الحاضرين شعرنا من غير اكتراث أو تردّد ، بعد ذلك بقليل دخلنا
باطمئنان المحافل العامة ، وتبين لنا أنّنا شعراء ، ما دام
للمعنيون بالأدب
ينظرون إلينا نظرة تنمُّ عن الرِّضا إزاء ما نقوله من شعر أو نظم آنذاك.
أُسرة الأدب اليقظ
هذا الاسم وضعه لها المرحوم جميل حيدر ،
جاءت هذه الاُسرة بعد (أُسرة الأدب الحيّ) لشعراء الرابطة الأدبية في لقاءاتهم
اللّيلية في بيوت الأعضاء ، فالقصيدة الواحدة كانت لخمسةِ شعراء أو أكثر ، ثم تأخذ
طريقها نحو مجلّة (الغري) ، وكانت ندوة الشيخ الخاقاني وزين الدين يطلق عليها
آنذاك (الأدب المحتضر) ، والحق أنّ قصائد هذه الندوة كانت تسمو على كثيرٍ من قصائد
الشعراء الآخرين ، فزين الدين كان شاعراً بارعاً يمتلك كلّ أدوات الشعر التي يعتمد
عليها الشاعر المبدع.
استقرت (أُسرة الأدب اليقظ) في مدرسة
(المهدوية) ، وفي غرفٍ بائسةٍ تعودُ للمرحوم جميل حيدر ، وكان كلّ ما فيها مُقرفاً
حتى أواني الشاي ، فهي بالتالي وكرٌ أمين يلتقي فيه كلّ من الإخوة الأعضاء : مصطفى
جمال الدين ، محمد بحر العلوم ، محمد حسين فضل الله ، محمد الهجري ، ضياء الخاقاني
، جميل حيدر ، صالح الظالمي.
هذه النخبة المنتقاة لا يدنو منها ما
يكدّر صفوَها ، القلوب تقطر محبةً وإخلاصاً ، والنفوس جميعها تعجُّ
بالصفاءِ حتى الأضاءة
، فلا تدع مجالاً لعبث الظلمة يحومٍ فوقها ، فكل ما حولها يشعرك بالطمأنينية
والرضا ، وبقيَت هذه النخبة تألفُ مقرّها الخانق ، وتوصل إنتاجها الشعري في كلّ
المجالات داخل النجف وخارجها بعيداً عن المناسبات الضيّقة ، حتى جاء دور (كلية
الفقه) فانخرطَ منا جماعة فيها وتفرّق آخرون ، وأخذَ كلّ واحدٍ منهم طريقاً
يختارها لنفسه ، ولكنّ القلوب بقيَتْ وما زالتْ على تشابكها رغمَ اختلاف المسالك ،
وبُعد المسافة.
|
صالح الظالمي
النجف الأشرف
حزيران / ٢٠٠٧ م
|
حريق ...
أقبتْ في الدجى وبين يديها
|
|
موقدٌ غاضبٌ من النيرانِ
|
وأنا ـ ثمَّ والشّتا يحشدُ البردَ ...
،
|
|
بجنبي فيقشرعُّ مكاني!
|
مزبري في يدي تجمَّدَ حتى
|
|
لكأني أرهُ بعضَ بناني
|
وكتابي إذا تأمّلتُ فيه ..
|
|
لم أجدْ غيرَ رِعدةِ العنوانِ
|
* * *
وتلقّيتُها بشوقٍ كما يحضنُ ..
|
|
.. قلبُ الغريقِ ومضَ الأمانِ
|
غير أني نظرتُها ثمّ أحجمتُ ..
|
|
وفي العينِ دهشةُ الحيرانِ
|
راعني ما رأيتُ حتى كأنَّ النارَ ..
|
|
ييسري لهيبُها بجناني
|
وتملَيتُها فاحسستُ قلبي
|
|
في لظاها يضجُّ بالخفقانِ
|
إنّهُ قلبيَ الذي يتنزّى
|
|
بين جنبيَّ مثقلاً بالأماني
|
أبصر الاَهةَ الحبيسةَ يلقيها ...
|
|
فتعلو سحائباً من دخانِ!
|
واُحسُّ الشوقَ الملحَّ لهيباً
|
|
يتلظى من ثورةِ الغليانِ
|
كلّ شيءٍ به .. يلوحُ لعينيَّ ..
|
|
جليّاً .. حتى رفيفُ الحنانِ
|
* * *
ثم اطرقتُ .. في ذهولٍ عميقٍ
|
|
ـ وهي حولي ـ محبوسةُ التبيانِ
|
ايَّ شيءٍ تقولُه؟! ..
|
|
ـ بعد أن عاثتْ يداها ـ فأحرقتْ «ديواني»
|
انتظار
أنا هنا كلّي مع العطرِ
|
|
اُصغي لها ترفلُ بالسحرِ
|
متى يضجُّ الدربُ من نورِها
|
|
من عطرِها من كُوَمِ الزهرِ؟
|
من نظرةٍ يورقُ من صحوِها
|
|
حتى شحوبُ اليأسِ بالبشرِ
|
من خطوِها المرهفِ فوقَ الثرى
|
|
وشوشةٌ للأنجمِ الزُهرِ؟
|
من رعشةِ الهدبِ تموجُ الدُّنى
|
|
من حولها بكلِ ما يُغري
|
من بسمةٍ تحملُ في جنحِها
|
|
كلّ كنوزِ الخيرِ من ثغرِ!
|
* * * *
أنا هُنا كلّي مع العطْرِ
|
|
تطلّعٌ للدربِ يستشري!
|
عينايَ إحساسِيَ ، حشدُ الدُّمى
|
|
بين عروقي صارخاً يجري
|
كلّ الذي حوليَ تجتاحهُ
|
|
في حرقةٍ أينَ ولا أدري
|
حتى ستارُ البابِ يغزو الكُوى
|
|
تعطّشا يبحثُ عن سرّي
|
ديوانُ شعري أمسِ غنِّيتهِ
|
|
ما زال حتى الآنَ في سكرِ
|
ومقبضُ الشبّاكِ نقرِتهِ
|
|
ما انفكَّ عنهُ لهبُ الجمرِ!
|
وهذهِ المرآةُ قالبتِها
|
|
فلم تبارحْ ألق النحر
|
في كلّ شبرٍ هاهُنا خفقةٌ
|
|
مخضلّةٌ من طيفكِ الخمري
|
* * * *
أنا هنا في لحظةٍ مرّةٍ
|
|
تصطرعُ الأوهامُ في فكري
|
وساعةُ الجدارِ دقّاتُها ..
|
|
اُحسّها تهدمُ في عمري
|
تجمّدت عينايَ أينَ السنا
|
|
أصحو على منبعهِ الثرِّ؟
|
يصعفُ بي شوقٌ إلى هزةٍ
|
|
مجنونةٍ تلهثُ في صدري
|
إلى انحباسٍ يتحدّى فمي
|
|
فيترك اللِّسانَ كالصخرِ
|
إلى تخطّي النار في جبهتي
|
|
إلى ارتعاشٍ في دمي يسري
|
إلى شفاهٍ ترتمي بينها
|
|
ـ إذا التقتْ ـ خلاصةُ الدهرِ
|
إلى دنىً أجهلُ أسرارها
|
|
أجملُ من عالِمنا الشعري
|
* * * *
حصاد الدمع
أبصرتُهُ تهوي السنابلُ
|
|
حولَهُ متجمّعَه!
|
وخطاهُ يلويها الذهولُ
|
|
إذا تخطّتْ مُسرعَه
|
وفؤادُه القلقُ الكئيبُ
|
|
يكادُ يهشمُ أضلعَه
|
متجهّمٌ يقتاتُ من
|
|
آهاتهِ المتوجعَه
|
والكأسُ بين يديهِ
|
|
بالنكدِ المروّعِ مترعَه
|
لم يُلهِهِ زهوُ الحقولِ
|
|
ولا انتشاءُ المزرعَه
|
أبداً ولا الربواتُ
|
|
بالزهرِ الفتيِّ مبرقعَه
|
حتى الأغاريدُ العذابُ
|
|
تكادُ تجرحُ مسمعَه
|
حيرانُ يجهلُ كلّ شيءٍ
|
|
.. منهُ حتّى موضعَه
|
ودنوتُ تنهشُ مقلتي
|
|
آمالهُ المتصدعَه
|
فإذا بمنجلهِ البليدِ
|
|
لديهِ يحصدُ أدمعَه!
|
ضجة الفقراء
نحنُ هُنا فلم يعدْ فجرُنا
|
|
من بؤسِنا يمورُ فيه الضبابْ
|
ولن نبزَّ الليلَ في آهةٍ
|
|
تجرحهُ كما يمرُّ الشهابْ
|
والصبحُ لن يعبرَ أكواخَنا
|
|
وبينَ عينيهِ شحوبُ المُصاب
|
والشمسُ لن تُشعِلَ نيرانَها
|
|
فتكتسي الجلودُ سمرَ الثيابْ
|
وقسوةُ الشتاءِ ، لا ، لم تعدْ
|
|
وقي خطانا هزّةٌ واضطرابْ
|
حتى النجومُ الزهرُ لم ترتعشْ
|
|
من فوقنا بأعينٍ من حرابْ
|
والهمُّ لن يمتصَّ أهدابَنا
|
|
ولم يَرُعْ حتى رؤانا العِذابْ
|
* * * *
نحنُ هُنا عُدنا وقد اُترِعتْ
|
|
كؤوسُنا وطارَ منها السرابْ
|
فلا تقولوا إننا لم نزلْ
|
|
نضارعُ اليأسَ ونشكو الصعابْ
|
وإننا النشيدُ لو يرتمي
|
|
على الضحى لعاد لحنَ اكتئابْ
|
فحسبنا أنّا أقمنا لكم
|
|
من فقرِنا المميتِ هذي القِبابْ
|
وحسبكمْ أنّ الدُّنى حولكم
|
|
تزاحمتْ فيها المنى والرغابْ
|
وأنَّ من وراءِ صيحاتِكم
|
|
مبحوحةً حشدَ الأماني العِذابْ
|
وأنَّ من دموعِكم حولَنا
|
|
ترنيمةَ الكأسِ بصافي الشرابْ
|
وما انتهى الطريقُ حتى انبرَتْ
|
|
من زحمةِ العبورِ منّا الرقابْ
|
* * * *
نحنُ هُنا لا نلتقي والذرى
|
|
بأعينٍ مشدودةٍ للترابْ
|
ولن يموجَ الصبحُ في ضوئهِ
|
|
إنْ لم نمزِّقْ بيدينا الحجابْ
|
وهذه الحياةُ إنْ لم نعدْ
|
|
نطرقُها هيهاتَ نلقى الجوابْ
|
* * * *
شاعرتي
قالت قالي :
متى أكون شاعرة؟
لكِ هذا الشعرُ عيناكِ التي
|
|
أعشبتْ فيه وأذكتْ خاطره
|
أنتِ لو أبحرتِ في أمواجهِ
|
|
لم تلحْ إلّا سماكِ السافره
|
القوافي الغرُّ وكرٌ لصدى
|
|
ضحكةٍ سكرى ونجوىً حائره
|
والحكاياتُ التي أسكرتِها
|
|
خطرتْ تحبو عليها خادره
|
والدجى المسحورُ من أنفاسِنا
|
|
عبرتْ فيها خطاه الساحره
|
وشرايينَ دمٍ محمومةٌ
|
|
نهدتْ من كلّ بيتٍ هادره
|
كلّ حرفٍ نزَّ من أعماقهِ
|
|
موعدٌ ثرٌّ ولقيا عاطرة!
|
من هُنا رعشةُ هدبٍ حالمٍ
|
|
وهنا خصلةُ شعرٍ نافره
|
وهنا وقفةُ عتبٍ حلوةٌ
|
|
لمْ تزلْ تسبحُ فيها الذاكره
|
وهنا لفحةٌ حبٍّ لاهبٍ
|
|
غرقتْ فيها رؤانا الناضره
|
لكِ هذا الشعرُ ما مرّتْ به
|
|
غيرُ أطيافِك دنياً زاهره
|
لا تقولي شاعرٌ رشَّ الدجى
|
|
بالقناديل .. فأنتِ الشاعرة
|
* * * *
دروب الضباب
خطرتْ أمسِ ليلتي وتوارتْ
|
|
وعلى كفِّها بقيةُ عمري
|
كان فيها الظلامُ يمسحُ عيني
|
|
وسنا النجم يستحمُّ بفكري
|
أتلوّى على الهجيرِ لهيباً
|
|
فتشدُّ الفؤادَ أضلاعُ جمرِ
|
واُحسُّ الدماء بين عروقي
|
|
كشواظِ اللهيبِ أيّانَ تجري
|
وانفعالاً ، مفاجئاً ، بين عينيَّ
|
|
وتجتاحُه ابتسامةُ ثغري
|
ثُمّ أعدو على رفيفٍ من الضوءِ
|
|
.. جناحايَ من نفورٍ وذعرِ
|
وأنا ذاهلٌ ، اُتمتم ، أهتاجُ ..
|
|
اُغنّي ، نشوانُ من غيرِ خمرِ
|
قد نسيتُ الأشواقَ والأملَ الحلوَ ،
|
|
ودمعَ الأسى وقسوةَ فقري
|
وخفوقَ الهوى بجنبي وأسراراً
|
|
بهنَّ قد ضاقَ صدري
|
وابتساماتِ طفلتي من حواليَّ
|
|
تُريني الربيعَ دفقةَ سحرِ!
|
كلّ شيءٍ أمامَ عيني تلاشى
|
|
وتلاشى حتى انطلاقي وأسري
|
هكذا بعثرَ الدروبَ ضبابٌ
|
|
يتحدّى خطايَ في كلّ شبرِ
|
ثم خبَّ الضبابُ .. وانطلقَ الصحوُ
|
|
أمامي وفي يدي بيتُ شعرِ!
|
الباب الموصد
مررتُ بالأمسِ على الدارِ
|
|
لعلَّ فيها نبضَ أوتاري
|
لعلّ فيها من طيوفِ المنى
|
|
بقيةً تهيجُ تذكاري
|
أو همسةً تعبرُ جدرانَها
|
|
في حذرٍ تحملُ أسراري
|
أو رعشةً للحبِّ مجنونةً
|
|
ما زال فيها لفحُ إعصاري
|
البسمةُ العذراءُ كم طوّفَتْ
|
|
من حولها تُضيءُ أفكاري
|
وزحمةُ العطورِ في بابها
|
|
يصحو عليها عرسُ أيّارِ!
|
هنا تداعتْ لعد يعدْ عندها
|
|
بقيةٌ توقدُ أشعاري
|
كنتُ وكانَ النجمُ مستلقياً
|
|
على الكُوى من بعضِ سمّاري
|
وشَعرُها الليليُّ اُرجوحةٌ
|
|
تهزأُ من عُنفي وإصراري
|
هنا نسيتُ العمرَ في لحظةٍ
|
|
طوتْ لذاذاتي وأكداري
|
هنا شربتُ الحبَّ أغنيّةً
|
|
تعزفُها أصابعُ النارِ
|
واليومَ غيرَ الآهِ لا تحتسي
|
|
من حولها جراحُ قيثاري
|
إساءة
هيهاتَ لن أنسى
|
|
أأنساها وقد نهشتْ فؤادي؟
|
وطويتُ ليلي بالهمومِ
|
|
فضجَّ من قلقي وسادي
|
وجفلتُ من وضحِ النجومِ
|
|
إذا تحفّز لاتِّقادِ
|
حتى الربيعُ الأخضرُ
|
|
المسحورُ يرفلُ بالسوادِ
|
وطيوفُه في ناظريَّ
|
|
كأنّها وخزُ السُّهادِ!
|
أواهُ كيفَ تبدّلتْ
|
|
زهراتُ حبِّي بالقتادِ
|
وهدمتُ ما بنتْ القلوبُ
|
|
على سواعدَ من ودادِ
|
* * * *
ماذا .. نسيتُ الليلَ
|
|
كيف نذيبُهُ حُبّاً ونجوى؟
|
والنجمَ نسكرُهُ بما
|
|
تهوى معاً فيعودُ يهوى؟
|
وسماءَ غرفتِكَ العتيقَ
|
|
يشعّ بالبسماتِ صحوا؟
|
للآنَ ثمَّةَ ضحكةٌ
|
|
تتسلّقُ الجدرانَ نشوى
|
وبقيةُ الأصداءِ تخفقُ
|
|
في حنايا البابِ شدوا
|
تتعاقبُ الأيّامُ فيها
|
|
لم تروِّعْها بشكوى!
|
إنِّي مسحتُ طيوفَها
|
|
فمضتْ مع النسيانِ تُطوى ..
|
* * * *
بالأمسِ حين مررتَ بالمقهى
|
|
وطوّفَ فيَّ صحبي
|
أحستُ شيئاً ينقرُ
|
|
الأضلاعَ يلهثُ بين جنبي
|
وهرعتُ ـ لا أدري ـ إليكَ
|
|
وخالطت قدمايَ قلبي
|
لا شيءَ ـ إنّي قد نسيتُ
|
|
نسيتُ آلامي وعتبي
|
وتمزّقتْ أفكاريَ السوداءُ
|
|
من ومضاتِ حبِّي
|
إنّي أحبّكَ ما أزالُ
|
|
تضيءُ لي عيناكَ دربي
|
وأتيتُ نحوكَ أرتجي
|
|
الغفرانَ يصرخُ فيّ ذنبي
|
أمام النافذة
حدّقي بي قرِّبي عينيكِ منِّي
|
|
يشمخُ الفنُّ على ومضةِ جفنِ
|
حدِّقي بي صيِّريني شاعراً
|
|
كلّ عرقٍ فيَّ نشوانُ يغنّي
|
حوّليني شفةً لاهبةً
|
|
لم تذقْ غيرَ اللظى يجتاحُ دنّي
|
وتخطّيْ بي على صمتِ الدجى
|
|
نغمةً ذابت على جرحِ المغنِّي
|
أحرقيني أوقدي الحرفَ الذي
|
|
لم يزلْ يهدمُ أضلاعي ليبْني
|
انا ... للفنِّ .. دمي ، عاطفتي
|
|
وقدُ إحساسي ، فمي ، صحوةُ
|
لا تقولي من أنا؟ .. أنتِ السنا
|
|
في عروق الشعر يجري أنتِ فنّي
|
هذه الكوَةُ كم طافتْ بها ..
|
|
ذكرياتٌ لم تزلْ تُسكرُ ظنّي
|
كلّ ما فيها يعي قصَّتَنا
|
|
لوحةٌ تحنو وفستانٌ يمنّي
|
واشاراتٌ على جدرانِها
|
|
هذه تفضحُ والأُخرى تُكنّي
|
فالهوى والليلُ والعطرُ الذي
|
|
يتخطّى كلّها تسألُ عنّي
|
كلُّ شيءٍ في الزوايا عبقٌ
|
|
يزدهي في ناظري حتى التجنِّي
|
كم زرعناها رؤىً ضاحكةً
|
|
وطيوفاً مثقلاتٍ بالتمنّي
|
يستفيقُ الخصبُ من أنفاسنا
|
|
كلُّ شبرٍ حولها خفقةُ غصنِ
|
أنا لولاكِ ربيعٌ باهتٌ
|
|
لم تحرِّكهُ المزاميرُ بلحنِ
|
وصدى أغنيةٍ مرّتْ على
|
|
نافراتِ الريحِ لم تحفلْ بأذنِ
|
لا تقولي من أنا؟! أنت السنا
|
|
في عروق الشعرِ يجري أنت فنّي
|
زاد الشاعر
لا تسألي! زاديَ هذا الدُجى
|
|
ورعشةُ النجومِ في عيني
|
وبسمةُ الربيعِ مسحورةً
|
|
في خاطري تضجُّ بالحسنِ
|
وقصّةُ الحبّ على أيكةٍ
|
|
يسكبُها البلبلُ في لحنِ
|
ولفتةُ الصباحِ تُزجى السنا
|
|
مواكباً مرفؤُها ذهني
|
وصحوةُ الزهورِ معطورةً
|
|
تملأُ في أريجها دِنّي
|
وخصلةُ الشمسِ بتحنانها
|
|
تمزّقُ الجدارَ من سجني
|
وهمسةُ الرياحِ عبرَ الدجى
|
|
تذيبُ سرَّ الكونِ في اُذني
|
ورفّةُ العشبِ بأهدابهِ ..
|
|
تَطلّعٌ لرشّةِ المزنِ
|
ونشوةُ الفلّاحِ في حقلهِ
|
|
تمنحهُ الأرضُ بلا مَنِّ
|
وضحكةُ الأطفالِ إنْ زغردتْ
|
|
ترشُّ وجهَ الأرضِ بالأمنِ
|
لا تسألي!! .. زادِيَ من آهةٍ
|
|
تشدّني لعالمٍ مضنِ ..!
|
من ظلمةِ الكوخِ وأنّاتِهِ
|
|
تلبّدُ الآفاق بالحزنِ
|
من عاجزٍ يقبعُ في يأسهِ
|
|
أحلامُه تدافُ بالوهنِ
|
من وحشةِ الخريفِ فوقَ الربى
|
|
مطبقةً تهزأُ بالغصنِ
|
من دمعةِ اليتيمِ وضّاءةً
|
|
تجرحُ في بريقِها جفني
|
لا تسألي حسبيَ هذا الذي
|
|
أقتاتُ كي يقتاتَني فنّي!
|
* * * *
طيف من زحلة
بالأمسِ عأودَ طيفُكِ الثملُ
|
|
فخطايَ بين السحرِ تنتقلُ
|
ودنوتُ حتى كدتُ ألمسُها
|
|
دنياً بها يتجسّدُ الأملُ
|
وهُرِعتُ للَّذّاتِ يغمرني
|
|
السحرُ والأنغامُ والغزلُ
|
للبدر يخطرُ في مفاتنها
|
|
ومن النجومِ تناثرتْ خصلُ
|
للدوحِ سكرى في ترنُّحها
|
|
حتى الهوى في ظلّها ثملُ
|
للتمتماتِ تمرُّ خاطفةً
|
|
من حولها تتضوّعُ القُبَلُ
|
للكأسِ تكعفُ حولَها شفةٌ
|
|
كسلى وأجملُ ما بها الكسلُ
|
للنشوةِ الكبرى تُهدْهِدُني
|
|
حتى تلاشى الجدُّ والهزلُ
|
دنياً من الأعراسِ مائجةٌ
|
|
صوراً عليها الفنُّ يكتملُ
|
ما كانَ حلماً ذاكَ مُتَّكئي
|
|
والكأسٌ تلك يثيرها الوشلُ
|
وزهورُ مائدتي وما اختلجَتْ
|
|
إلّا ليعبقَ عطرُها الجذلُ
|
وأرى هنا سيكارتي اختنقتْ
|
|
بدخانها للنورِ تبتهلُ
|
وبقيةَ الحسراتِ أنفثُها
|
|
حرّى وما زالتْ لها شُعَلُ
|
وتمرُّ بي قبلٌ محرّقةٌ
|
|
تجتاحني فأكادُ أشتعلُ
|
أهتزُّ والحرمانُ يعصفُ بي
|
|
شفةٌ بأُخرى حين تتّصلُ
|
ويهيجني بعسيرِ جذوته
|
|
غزلٌ به تتهامسُ المقلُ
|
يومٌ طوى عمري ببهجته
|
|
حتى زهتْ أيّاميَ الأولُ
|
ووهبتُه عيني فما برحتْ
|
|
للآنَ بالأنوارِ تكتحلُ
|
* * * *
باركتُ طيفَكِ أستظلُّ بهِ
|
|
إنْ بزّني بلُهاثهِ المللُ
|
ومرافئاً للصحوِ وارفةً
|
|
النورُ حولَ أديمها خضلُ
|
وأصابعَ الشلّالِ عازفةً
|
|
تنبيكَ أنّ الفنَّ يرتجلُ
|
هي لم تزل ذكرى محبَّبةً
|
|
بالسحرِ والإبداعِ تحتفلُ
|
وأُحسُّ فيها كلَّما خطرتْ
|
|
أنّي إلى الفردوسِ أنتقلُ!
|
* * * *
جريح في المعركة
أُمّاهُ هذي الكأسُ مترعةٌ
|
|
بالموتِ سوفَ أعبُّها بفمي
|
وسيختفي وضَعُ الحياةِ فلم
|
|
تكحلْ جفوني رعشةُ الحلمِ
|
والحقلُ يطويهِ الثرى رمماً
|
|
لا الزهرُ يعبقُ في ذرى الأكمِ
|
والطيرُ إنْ سَكَرتْ حناجرُها
|
|
سيغصُّ في اُذني صدى النغَمِ
|
إنّي اُحسُّ النارَ لاهبةً
|
|
يناسبُ حرُّ لهاثِها بدمي
|
سأموتُ سوف يضمّني جدثٌ
|
|
خفقتْ عليه كآبةُ الظُّلَمِ
|
لكنّني سيظلُّ بي ألقٌ
|
|
هيهاتَ يعلقُ في يدِ العدمِ
|
* * * *
لا تحزني أُمّاه ذاكرةً
|
|
غصناً زها في طِلِّهِ العُمُرُ
|
وليالياً عبَقَتْ بجانبهِ ..
|
|
في حينَ ينهشُ عينكِ السهرُ
|
وبأنَّ صدرَك ملعبٌ رحِبٌ
|
|
وهجُ الحنانِ عليه يستعرُ
|
فتولولينَ وأنَّ ما غرَستْ
|
|
كفاك لم يعلقْ به الثمرُ ..
|
أنا سوفَ أحيا حينَ أُطلِقُها
|
|
روحاً تهدُّ كيانَ مَنْ غدروا
|
وأطوفُ بينَ الخاملينَ صدىً
|
|
يضرى على خَلِجاتهِ الخدرُ
|
وأعيشُ أسقي الوعيَ أُغنيةً
|
|
من جُرْحيَ الدامي لها وترُ
|
* * * *
أُمّاه حسبي من دمايَ سنىً
|
|
تفنى عليه ظلمةُ الزمنِ
|
وبأنْ تُمَدَّ من الخلودِ يدٌ
|
|
لتُخيطَ من نسجِ الضُّحى كفَني
|
وبأنْ يفوح من الجراحِ شذىً
|
|
ينزاحُ عنه كلّ ذي عَفَنِ
|
ويمرُّ لي طيفٌ فيوقِظُها
|
|
مُقَلاً تهأوتْ في يدِ الوسنِ
|
أنا لمْ أمتْ إلّا على ثقةٍ
|
|
أنْ سوفَ يحيا في الذرى وطني
|
ليلة
يا حبيبي وكلّما رفرفَ الحبُّ
|
|
وألقى بين المحبّينَ ظِلَّهْ
|
أسْكَرتْنا من ناظريكَ كؤوسٌ
|
|
حالماتٌ وخمرةُ الروحِ مقله
|
وإذا دبَّ في العروقِ ارتعاشُ
|
|
رنّحتْ في الشفاهِ أصداءُ قلبه
|
ليلتي أمسِ يا لَسحرَ الليالي
|
|
نفرتْ من يدِ المقاديرِ غفله
|
يخطفُ النجمُ نافراتِ نجأوانا
|
|
فترتدّ بالسنا مخضلّه
|
ثم جنَّ الهوى وفاضتْ كؤوسٌ
|
|
نحتسيها ونحسبُ الكأس وشله
|
وانثنينا ومن رفيفِ هوانا
|
|
ذكرياتٌ على جفوني مطلّه
|
يا فؤادي وقَعْتَ في شركِ الهمِّ
|
|
فقد صادفَ الغرامُ محلّه
|
ثم هيهاتَ تحتسي منه يا قلبُ
|
|
وتروى .. ما دامَ كأسُكَ شعله!
|
فتح
أنتِ يا فتحُ يا صدى كبريائي
|
|
يا شموخاً يُعيدُ لي خُيلائي
|
يا شهاباً معانداً يحفرُ الليلَ
|
|
لينهلَّ فجرُنا بالضياءِ
|
ووقوداً لثورةٍ شبَّها العزمُ
|
|
يشدُّ الخُطى ، وعُنْفُ الإباءِ
|
حوّلينا من عالمٍ خطّهُ اليأسُ
|
|
لدنياً مضيئةٍ بالرجاءِ
|
وأزيحي عن جبهةِ الشمسِ ظلّاً
|
|
نسَجَتْهُ براعةُ الظلماءِ
|
واجرحي غضبةَ الرمالِ لتضرى
|
|
حاقداتٍ على خطى الأعداءِ
|
هذه الأرضُ أرضُنا والبساتينُ
|
|
وما أبدَعَتْ رُبى سيناءِ!
|
عادتْ اليومَ كلّ شبرٍ عليها
|
|
يتعالى منه هديرُ فدائي
|
لِمَ لا أنحني؟ أماميَ طودٌ
|
|
يتسامى على الذرى الشمّاءِ
|
وأنا هاهنا أُمِدُّك بالشعرِ
|
|
نجوماً دفّاقةَ الآلاء ..
|
أتحرّى مناجمَ الكلمِ المترفِ
|
|
يزهو بمرفأِ الشعراءِ
|
وبكفّيكِ فوق ما يُبدعُ الفنُّ
|
|
قوافٍ منسوجةٌ من دماءِ
|
يحتسي المجدُ ريَّها فتُعاطيهِ
|
|
كؤوساً مشغوفةً بالعطاءِ
|
وتحيل الجدْبَ الملحَّ ربيعاً
|
|
يتهادى شبابُهُ بالرواءِ
|
جَلَّ هذا العطاءُ يكتبُ تأريخي
|
|
جديداً يُعيدُ زهوَ بِنائي
|
يحشدُ الدّربَ بالضُحى ، بالأزاهيرِ
|
|
فتعدو قوافلُ الشهداءِ
|
وأنا هاهُنا أشدُ على المذياعِ
|
|
قلبي ـ دمايَ للإِصغاءِ
|
كلّما دوّت البلاغاتُ هاجتْ
|
|
في عروقي نوازعُ الإنتشاءِ
|
وأمدُّ الجناحَ منّي على (يافا)
|
|
وأستافُ مهبطَ الأنبياءِ
|
وكأنّي اُعانقُ الفجرَ من (حيفا)
|
|
وأختالُ في الرُبى الخضراءِ
|
وأُحسُّ الجراحَ تغفرُ للثأرِ
|
|
تدوّي مسعورةَ الأصداءِ
|
ثمّ أعدو بين الصخورِ مع
|
|
الرشّاشِ رهنَ السواعدِ السمراءِ
|
أسمعُ الهمسَ والمناجاةَ فيَّ
|
|
ووقعَ الخُطى على الصحراءِ ..
|
يتراءى لديَّ كلّ كَمِىٍّ
|
|
في رُبانا يُقِلُّ عيدَ جلاءِ
|
يا احبّايَ ربّما لوّحَ السِلمُ
|
|
علينا بومضةٍ من رِياءِ
|
واستُعيدَ الذي تلاقَفهُ الغزوُ
|
|
ورُدّتْ جحافلُ الإعتداءِ
|
ثم ماذا؟ وهذه الأكَمُ الخضراءُ
|
|
تبقى لوطأةِ الدُّخلاءِ
|
(دير ياسين) يستحيلُ أنيناً
|
|
كُلّما مرَّ طيفُكم في المساءِ
|
وعيونُ (الجليلِ) مزّقها الشوقُ
|
|
فلمْ تكتحِلْ بطيفِ لقاءِ
|
كلّ دربٍ على الرمالِ تنزّى
|
|
منهُ جرحٌ مُزَمْجرٌ بالنداءِ
|
لن تعودَ المأساةُ فينا هي
|
|
المأساةُ لكنّها بغيرِ طلاءِ
|
قُتلَ السلمُ بل قُتِلنا إذا لمْ
|
|
يتحدّى الفناءَ وهجُ الدماءِ!
|
قَسماُ بالشهيدِ بالثأرِ
|
|
بالأطفالِ غرثى .. بالخيمةِ الخرقاءِ
|
بن يشبَّ الزيتونُ في (قُدسِنا)
|
|
المجروحِ غصّاً إلا على الأشلاءِ
|
أمام المرآة
مرّتْ على مِرآتِها وانحنَتْ
|
|
أمامها مطرقةً حائره
|
وساءَها أنْ لا ترى رونقاً
|
|
ملتبهاً وفتنةً ساحره
|
ولا ابتساماً كائتلاقِ السنا
|
|
مزدهراً .. ومقلةً فاتره
|
كلاً ولا في وجنتيْها الضحى
|
|
يصبُّ من أنفاسِه الفائره
|
ثمّ انثنتْ مرتاعةً وارتمتْ
|
|
تجرحُ عيْنيها الرؤى النافره
|
* * * *
قلتُ لها يا ليلُ لا تحزني
|
|
يكفيكِ حُسناً روحُكِ الطاهره
|
ودفقةُ النورِ التي خبّئت
|
|
ما بينَ جنبيكِ دنىً زاهره
|
تحرّكي تهْمِ على رسلِها
|
|
منكِ ينابيعٌ لها زاخره
|
تجهّمَ الليلُ فهزَّ السنا
|
|
منهُ فشعّتْ أنجمٌ سافره
|
لا تحزني كم غادةٍ شوَّهتْ
|
|
صورتَها أفكارُها العاثره
|
ما قيمةُ الزهرةِ هشّاشةً
|
|
إنْ لم تفُحْ أنفاسُها العاطره
|
وما الجمالُ الفذُّ نشتاقٌهٌ
|
|
إلا جمالَ الأنفسِ الشاعره
|
بغداد الثورة
هدرَتْ ثورتي فيا صبحُ لمْلِمْ
|
|
في طريقي خُطايَ نضّرْ جراحي
|
أنا ما عدتُ دُميةً من رماد
|
|
أسلمتْ كفَّها لعصفِ الرياحِ
|
لن يعودَ الظلامُ يستلُّ أهدابي
|
|
ويختارُ أوجهاً لصباحي
|
عدتُ نسراً مع الضحى عربيّاً
|
|
موكبُ الشمسِ يرتمي بجناحي
|
عدتُ والحرفُ جمرةٌ تتلوّى
|
|
في عروقي تُثيرُ فيَّ طِماحي
|
ليَ بغدادُ عرسُها ورؤاها
|
|
كلّ زهوِ النجومِ من أقداحي
|
نَفَرتْ من يدي القيودُ وأذكتْ
|
|
بسمةُ المستحيلِ من أفراحي
|
للذرى جبهتي تنامُ المقاديرُ
|
|
وتصحو على هديرِ كِفاحي
|
* * * *
إيهِ بغدادُ يا شهاباً فتيّاً
|
|
يعبرُ الليلَ للغدِ الوضّاحِ
|
تتجلّى عيناكِ فجرَ تباشيرٍ
|
|
فينساقُ للشموخِ صداحي
|
يورقُ اليأس في يديكِ وتنْدى
|
|
قسوةُ الجدْبِ من خطاكِ الفِساحِ
|
لأغانيكِ يرقصُ النجمُ نشواناً
|
|
وتُطوى حناجرٌ للنُواحِ
|
أنتِ يا ثورتي تخطّي على جُرحي
|
|
ليستافَ من دمي مِصباحي
|
وأعيدي أغنيَّة الفتحِ بركاناً
|
|
تشدُّ اللهيبَ فوقَ الرماحِ
|
هاكِ شعري تدفُّقَ الزيتُ في أرضٍ
|
|
ضي أحيليهِ نخوةً في السلاحِ
|
فالفجاءاتُ في يديكِ ينابيعُ
|
|
عطاءِ مشغوفةً بالسماحِ
|
وإذا جُنَّت العواصفُ في اليمِّ
|
|
فعيناكِ مرفأُ الملّاحِ
|
* * * *
أنتم والذكريات ..
وحيدر
أنتمُ .. والنجوم .. والرافدانِ
|
|
حُلمٌ مرهفٌ على أجفاني
|
أيُّ ذكرى تمرّ يمسحُ جفنيْها
|
|
.. بما يستجدُّ من ألوانِ
|
ويُثير الفراتَ في صحوةِ الليلِ
|
|
نشيداً مجنّح الألحانِ
|
كلّ شيءٍ على يديهِ ربيعٌ
|
|
أريحيٌّ يضجُّ في وِجداني
|
كيفَ أنسى منابعَ النجمِ تسقي
|
|
ناعساتِ النخيلِ في الشُّطآنِ
|
والكرومَ المعرّشاتِ الكسالى
|
|
حالماتٍ على شفاهِ الزّمانِ
|
وكؤوساً أبو نواسٍ يروّيها ..
|
|
.. بأطيافِ دجلةٍ والغواني
|
زورقُ الذكرياتِ قلبي المدمّى
|
|
يتحاشى مرافئَ النسيانِ
|
* * * *
يا أحبّايَ عالمُ الشعرِ حبٌّ
|
|
يخطفُ العاشقينَ باللّمعانِ
|
كمْ سكبنا عِزَّ الشبابِ عليه
|
|
ومزَجْنا أرواحَنا بالتفاني؟!
|
ودرَجْنا على ملاعبنا الخضرِ
|
|
لنصطادَ نافراتِ المعاني!
|
ووهبناهُ كلّ ما تملك الروحُ
|
|
بعيداً عن موخزاتِ الهوانِ
|
قُتِلَ الشعرُ .. كلّ بيتٍ رقيقٍ
|
|
أقتنيهِ ينزُّ من شرياني
|
يتهادى بألفِ لونٍ جميلٍ
|
|
ووراءَ السِّتارِ لونٌ قانِ
|
دمهُ من دمي .. أذوبُ وتبدو
|
|
وجنتاهُ في حُمْرَةٍ من جناني
|
* * * *
يا أحِبّايَ لا حُرِمْتمْ على البعدِ
|
|
وميضاً من بسمةِ الصبيانِ
|
أنا وحدي هنا على صدأ الأيّامِ
|
|
أنسابُ جدولاً من حنانِ
|
كلّما نوّرتْ مباسمُ طفلٍ
|
|
من بعيدٍ تلسّقتْ تحناني
|
واذا زغردَ الصغارُ بجنبي
|
|
عصفتْ في َّ ثورةُ الحِرمانِ
|
ليَ طفلٌ ما بينكمْ بفؤادي
|
|
مستحمٌّ يلحُّ في الخَلَجانِ
|
يتخطّى على مشارفِ عينيَّ
|
|
سُهاداً أشهى من السلوانِ
|
نثِّروا الدربَ للصغارِ بذنوبِ
|
|
النجمِ .. بالرائعاتِ من نسيانِ
|
وليُعرّشْ من فوق كلّ حصاةٍ
|
|
ـ حذرَ العائقاتِ ـ قلبٌ حانِ
|
ظلِّلوهمْ بغيمةٍ تحجبُ الشمسَ
|
|
.. إذا أشرفتْ على الغليانِ
|
وازرعوا الحبَّ في القلوبِ لينمو
|
|
ثمّ يُعطي الثمارَ في الخفقانِ
|
وأزيحوا الضبابَ كي يُدركَ
|
|
القاسي بأنَّ الوليدَ قلبٌ ثانِ
|
الدُّنى مأتمٌ إذا لم تُمزِّق
|
|
ضحكةُ الطفلِ وحشةَ الأحزانِ
|
هل تفوحُ الأعيادُ من غيرِ طفلٍ
|
|
ينشرُ الصحوَ؟ في دروب الأماني!!
|
* * * *
أبا القوافي
خُطى قوافيكَ بينَ النجمِ تنتقلُ
|
|
ولا يزالُ لها في دربنا شُعَلُ
|
أسرجْتَها وعيونُ الليلِ ترقبها
|
|
لآلئاً بسناها الفجرُ يكتحلُ
|
ورحتَ تسقي بقايا الضوءِ أحرفَها
|
|
من نورِ عينيكَ حتى بزّها العطلُ
|
سبعونَ مرّتْ قناديلاً منوّرةً
|
|
ما بين أضلاعِكَ الحدباءِ تشتعلُ
|
عَبْرتهنَّ مياديناً مغبرةً
|
|
فما تثاءبَ في أشواطها المللُ
|
وكنتَ للشعرِ سيفاً يغتلي حِمماً
|
|
يصارعُ الظلمَ لم يعلقْ به كللُ
|
أكبرتَهُ فتعالى أنفُهُ شَمماً
|
|
وظلَّ فوقَ قبابِ الزهوِ يحتفلُ
|
ما عفّرتْ هيبةُ السلطانِ جبهتَهُ
|
|
ولا تصاغرَ والإغراءُ مبتذلُ
|
* * * *
وأنتَ يا حاملاً للشعرِ مسرجةً
|
|
مشى على ضوئِها روادُنا الأولُ
|
تجرّعوا الكأسَ مُرّاً في موائدهِ
|
|
وأطعموهُ فُتاتَ القلبِ وارتحلوا
|
ترى على كلّ بيتٍ لذعَ جَمرتِهم
|
|
يمرّ بالكبدِ الحرّى فينتهلُ
|
ويسكبونَ عليه ذوبَ آهتِهم
|
|
وروعةُ الفنِّ بالآهاتِ تكتملُ
|
منهم عرفنا بأنّ الحرفَ مهترئٌ
|
|
إنْ لم يكنْ بنزيفِ الجُرحِ يغتسلُ
|
وأنّ مَنْ سامَهُ ذلّاً ومسكنةً
|
|
لابدّ أنْ يتحدّى خدّهُ الوحلُ
|
إثنان .. هذا بدربِ الشعرِ يرشدُه
|
|
ليلٌ .. وهذا بزاهي النجمِ ينتعلُ
|
* * * *
أتى الحياةَ على أنقاضِها نفرٌ
|
|
فازَّيَّنَتْ وازدهتْ من بعضِ ما
بذلوا
|
مدَّ الزمانُ ذراعيهِ ليرفعَهم
|
|
منائراً وأبو تمام .. يرتجلُ
|
ويشمخُ المتنبي فوق ذروتِه
|
|
شواردُ النجمِ في عينيهِ تبتهلُ
|
وللنواسيِّ حولَ الكأسِ مترعةً
|
|
عَينٌ تقاطرَ مِنْ أهدابِها الغزلُ
|
والبحتريُّ نشيدٌ فوقَ بِركَتِه
|
|
وكلُّ ثغرٍ على حافاتِها ثَمِلُ
|
يمشي الرضيُّ ومِن أطيافِ خطوتِه
|
|
على الرمالِ ربيعٌ عابقٌ خضِلُ
|
أولاءِ مَنْ حَملَ الدنيا منوّرةً
|
|
على الجراحِ وما ضاقوا بما حمَلوا
|
لولاهمُ لم تَعُدْ للصُبحِ روعتُه
|
|
ولا احتفتْ بالربيعِ الدافئِ المقلُ
|
الملهمونَ همُ أجْلَوا مواهبَنا
|
|
شعراً وهذي القوافي بيننا رُسُلُ
|
ما فاتَهمْ أنَّ دربَ المجدِ قافيةٌ
|
|
تومي فيُطْرِقُ مِنْ عليائهِ زحلُ
|
تباركَ الشعرُ بيتٌ منهُ مؤتِلقٌ
|
|
يبقى وتفنى على أعتابهِ دولُ
|
* * * *
أيا القوافي وملَّ الشعرُ غربتَه
|
|
حتى تسأوى لديه اللسعُ والقُبَلُ
|
هذا الكسيحُ المُسجّى في متاهتهِ
|
|
نقسو عليه ونُدْميهِ ويحْتمِلُ
|
لا وجهُهُ عربيٌ في تطلّعهِ
|
|
ولا شمائلهُ الغرّا ولا الحُلَلُ
|
ويعبرُ الدربَ والظلماءُ مشرعةٌ
|
|
يحبو وبين خطاهُ يرتمي الشللُ
|
يطوفُ بالسامرِ الظمآنِ مُنْشِدُهُ
|
|
يسقى الندامى وما في كأسهِ وشَل
|
فم جنى الساحُ إلا طيفَ فارسه
|
|
لوحدهِ يخلقُ الهيجا ويقْتَتِلُ
|
ونحنُ مأساتُنا في ظلِّ سطوتهِ
|
|
أنْ نحتسي الصمتَ حيناً .... ثمّ ..
نعتزلُ
|
* * * *
ثورة الحق
أُلقيت في ذكرى مولد
الإمام الحسين عليه السلام
رشَفَتْ من سناكَ هذي القلوبُ
|
|
فالدُّنى حولَها ربيعٌ خصيبُ
|
ومشَتْ في النفوسِ رعشةُ فجرِ
|
|
بين أهدابهِ السنا والطيوبُ
|
لم يَرُعْ قلبَها الظلامُ إذا اهتاجَ
|
|
وألوى بالنيّراتِ قطوبُ
|
فعلى كلّ همسةٍ مِن خُطاها
|
|
ألَقٌ نيِّرٌ ونجمٌ لَعوبُ
|
هي في غمرةِ السنا .. كلّ قلبٍ
|
|
يتنزّى عليهِ دفءٌ حبيبُ
|
هكذا مرّتْ الجموعُ هتافٌ
|
|
يتعالى وأضلعٌ تستجيبُ
|
غيرَ إنِّي انثنيتُ نحوكَ أقتاتُ
|
|
لهيبَ الجراحِ وهو شبوبُ
|
والقوافي على يديَّ ظماءٌ
|
|
كلّ ما ترتجيهِ جرحٌ خضيبُ
|
ثم عُدنا وفي فؤاديَ وقدٌ
|
|
منهُ والشعرُ في شفاهي لهيبُ
|
* * * *
بوركَ الشعرُ في يدي يمسحُ الجرحَ
|
|
.. فيضرى على خُطاهُ وثوبُ
|
يُسرجُ الليلَ من لظاهُ فهيتزُّ
|
|
وراءَ الظلام فجرٌ طروبُ
|
ويهزُّ الخمولَ يُشعلُ قلباً
|
|
ضاع في جانبيه حتى الوجيبُ
|
ويغذّي مشاعراً لفّها اليأسُ
|
|
وأودى بها سكونٌ رهيبُ
|
صورٌ في الظلامِ نحنُ فما للعينِ
|
|
.. منها لا الإطارُ الذهيبُ
|
ودُمىً تحضنُ الجليدَ فقد جفَّ
|
|
بأعراقِها الدمُ المشبوبُ
|
نتعاطى السرابَ ثمّ نُزكِّيه
|
|
بأنَّ الحيا بهِ مسكوبُ
|
وبأنَّ السجنَ الذي يذبلُ العمرُ
|
|
على ليلهِ فضاءٌ رحيبُ
|
وبأنَّ الساحَ الجديبَ الذي
|
|
نرعاهُ في النائباتِ روضٌ عشيبُ
|
هكذا نحنُ نهدمُ الواقعَ الغضَّ
|
|
ويبني العقولَ وهمٌ كذوبُ
|
* * * *
غذِّني باللَّهيبِ أقتحم الجمعَ
|
|
فقد ملّنا المطافُ الرتيبُ
|
ما عرفنا من ثورةِ الحقِّ إلا
|
|
أنْ يهُزَّ الآفاقَ منّا النحيبُ
|
وبأنْ يفتديكَ صدرٌ مدمّى
|
|
وبأنْ يستفيضَ دمعٌ سكوبُ
|
وبأنْ نملاَّ العيونَ بكاءً
|
|
والثرى من دمائِنا مخضوبُ
|
جئتَ والليلُ مطبقٌ تحملُ الشمسَ
|
|
نهاراً لتستفيقَ الدروبُ
|
وترينا الإباءَ يفترشُ النجمَ
|
|
فلا يعتليه ليلٌ عصيبُ
|
والبطولاتِ كالأعاصيرِ عُنفاً
|
|
تتحدّى الهوانَ وهيَ غضوبُ
|
وشموخاً للمجدِ يُذكِيه لفحٌ
|
|
من لهيبِ الدِّما وخدٌّ تريبُ
|
وهديراً للحقِّ لو أسكتَ السيفُ
|
|
لساناً فكلُّ جرحٍ خطيبُ
|
هكذا أنتَ قمةٌ تُورِقُ الشمسُ
|
|
بآفاقِها ويفنى الغروبُ
|
* * * *
غذّني باللهيب نحنُ مع الإرهاب
|
|
من كلّ خطوةٍ نستريبُ
|
ونشدُّ الجناحَ في الأُفقِ الرحبِ
|
|
نسوراً لنا دويٌّ رهيبُ
|
أمسِ مرّتْ بنا الأعاصيرُ هوجاءَ
|
|
ونحنُ اللّظى بها والهُبوبُ
|
لم تزلْ تُرعِبُ النجومَ رؤاها
|
|
فعلى كلّ مبسمٍ تقطيبُ
|
ولو أنّ الضبابَ أومأَ للجورِ
|
|
لعادتْ قلوبُنا تستجيبُ
|
لم نزلْ نحنُ كلّ آنٍ تهبُّ الريحُ
|
|
من حولهِ لنا اُسلوبُ
|
وسنبقى ما دامَ لِلَّيلِ زحفٌ
|
|
بين أجفانِنا ووجهٌ كئيبُ
|
أينَ منّا لفحُ العقيدةِ يجلو
|
|
صدءاً تستمدُّ منهُ القلوبُ
|
وانقلابٌ على النفوسِ فتزكو
|
|
من جديدٍ أُصولُها وتطيبُ
|
.. ما كفانا أنْ ننظرَ الحقلَ
|
|
يعلوه خفوقُ الربيعِ وهوَ جديبُ
|
* * * *
يا أبا الحقّ ثورةٌ .. قلبُكَ
الريّانُ
|
|
يسقى جذورَها ويذوبُ
|
غرَستْها كفٌّ لجدِّكَ تهمي
|
|
النورَ في كلّ واحةٍ وتصيبُ
|
هي للحقِّ ، للكرامةِ ، للإنسان
|
|
فالخيرُ كلّهُ مسكوبُ
|
حملتها للناسِ آباؤنا الصيدُ
|
|
يُغذّي طِباعَها التهذيبُ
|
الجباهُ السمراءُ يلهثُ فيها
|
|
العزمُ فالرملُ تحتَها مرعوبُ
|
والهُدى في شفاهِها يحتسي
|
|
النجمُ سناهُ وتستحمُّ الطيوبُ
|
وتلاقتْ آفاقُنا تحضنُ الشمسَ
|
|
.. وأهوى على البعيدِ القريبُ
|
وحدةٌ في الكفاحِ تُلوى الأعاصيرُ
|
|
.. لديها وتستغيثُ الخطوبُ
|
اُمتي .. للذرى .. إلى مطلعِ الشمسِ
..
|
|
جناحٌ طلقٌ وفكرٌ خصيبُ
|
الجواهري .. الشاعر
وأنت أنتَ حيثُ دنياكَ شِعْرُ
|
|
.. والقوافي بيني وبينكَ جِسرُ
|
وأنا أنتَ شامخاً في قيودٍ
|
|
وطليقاً له الكواكبُ وكرُ
|
وغريباً تطيبُ لي نكهةُ الغربةِ
|
|
منهُ وملءُ دنيايَ عِطْرُ
|
أتحرّى خُطاكَ أشربُ أنفاسَكَ
|
|
.. ريّا تغذّني وهيَ جمرُ
|
كلّ حرفٍ أودعتَهُ لهبَ الجرحِ
|
|
.. جناحاً على دمي يستقرُّ
|
فهو إنْ أوغلَ المحولُ ربيعٌ
|
|
وإذا أبطأتْ خُطى الليل فجرُ!
|
نحتسي عندَهُ الكؤوسَ عطاشى
|
|
ويفيضُ العطاءَ نبعٌ ثرُّ
|
زادُنا في موائدِ الليلِ منهُ
|
|
ـ ما يهزُّ السمّارَ ـ خمرٌ وسِحرُ
|
كمْ قرأنا الشعرَ الهجينَ كئيباً
|
|
فنُعفّيهِ والكآبةُ قبرُ
|
يرتدي للدُّجى نسيجَ ضبابٍ
|
|
يتغشّاهُ زئبقٌ لا يقرُّ
|
موجةٌ إثرَ موجةٍ تتوالى
|
|
دون أن ينطوي عليهنَّ فِكرُ
|
ثم تبدو لنا فتقتحمُ الليلَ
|
|
قوافٍ على شفاهِكَ زُهرُ
|
تتثنّى .. عُرى الصحارى عليها
|
|
مثلما أنتَ لم يخبّئكَ سترُ
|
كلّ ما قلتَه تمرُّ الليالي
|
|
من حواليهِ وهو غضٌّ بكرُ
|
يترضّى الخلودُ بيتاً يوشّيهِ
|
|
وما زالَ في حناياهُ كِبرُ
|
كانَ للبعضِ يومُه ثم ما أسرعَ
|
|
ما ينطوي ويومُكَ دهرُ
|
ورؤى المبدعينَ لو أجدبَ العمرُ
|
|
سحابٌ على الجفافِ يدرُّ
|
أمام ضريح الحسين
أتيتُ وطيفُكَ لم يغربِ
|
|
يسايرني زاهِيَ الموكبِ
|
زيعبر بي عتماتِ السنين
|
|
إلى عالم بالسنا أرحبِ
|
أتيتُ لأقرأ سفرَ الخلود
|
|
بغير دمائكَ لم تكتب
|
وكلُّ الذي فيه من معجبٍ
|
|
ينقّل عيني إلى الأعجبِ
|
فؤادُك ما زال غصّاً يفيض
|
|
حناناً مع السهم لم ينضب
|
ومن عجبٍ أن يشعّ الجبين
|
|
من قسوة الحجر الأصلب
|
يلملم جسمَك ذوبُ النجوم
|
|
رداءً عليه ولم يسلب
|
وإنْ خطفتْ صوتَك الباترات
|
|
يؤدّي الرسالةَ جرحٌ نبي
|
تأمّلتُ مزدحمَ الذكريات
|
|
فأذهلني كلّ ما مرّ بي
|
جلالُ الإمامة في منكبِ
|
|
وثقلُ النبوة في منكب
|
وكبرٌ إذا التهمتك السيوف
|
|
وتحت السنابك أنفٌ أبي
|
كريمٌ تجود ببقيا الفؤاد
|
|
طعاماً إلى الخنجر المسغب
|
وإنّك وحدك تَلقى الجموع
|
|
وتهوي صريعاً ولم تغلب
|
* * * *
أبا الشهداء وحسب الشهيد
|
|
جلالاً يلوّح هذا أبي
|
وجدّك منك وإنّك منهُ
|
|
فخارٌ مع النسب الطيِّب
|
سقوط ثناياه بدءُ الجهاد
|
|
ويختم في خدِّك المترب
|
فديتك من واهبٍ للحياة
|
|
يطلّ على العالم المجدب
|
ومن عطشٍ فيك بين الظماء
|
|
يطوّف بالمنهل الأعذب
|
وتبقى ربيعاً يمسّ المحول
|
|
فيهتزّ في نشوة المخصب
|
* * * *
أتيتُ وطفلٌك ظامي الفؤاد
|
|
وغيرَ حنانك لم يشرب
|
وما زال في دمه لاهبٌ
|
|
يمدّ السماء ولم ينضب
|
تلاعبه حاذقاتُ السهام
|
|
وليس سوى النحر من ملعب
|
زحامٌ على الموت حتّى الرضيع
|
|
يعانق مدرعة الأشيب
|
اُجلُّ العقيدةَ تزكو الدماء
|
|
وضاءً على دربها المتعب
|
وتعبر فوق عريش النجوم
|
|
ويقسو الضباب ولم تحجب
|
* * * *
أتيتك والحرف وقف عليك
|
|
يطأول أجنحةَ الكوكب
|
تموت القصيدة أن أحجمت
|
|
حيال دماك ولم تخضب
|
أعرِنيَ بعضَ لهيب الجراح
|
|
لشعري متى يمتهنْ يغضب
|
وصوتاً يزمجر فوق الطغاة
|
|
كفيلٌ بزعزعة المنصب
|
وفجراً يمزّق عنفَ الظلام
|
|
إذا اختال في خطوه المرعب
|
اُحبّك حتّى ملأتُ الوطاب
|
|
وزاد ولم ادنُ من مأربي
|
ويطفح كأسي وأبقى أعُبُّ
|
|
كأنّيَ من قبل لم أشرب
|
أتيتُكَ هل ومضةٌ من سناكَ
|
|
تمزّق أروقةَ الغيهبِ
|
لأعرِفَ أنّي حُبيتُ القبول
|
|
وحسبي وصولاً إلى مطلبي
|
* * * *
أبا رشاد
في رثاء المرحوم
الأستاذ صادق القاموسي
أبا رشادٍ وهذا الحفلُ يحتشدُ
|
|
وتلك بسمتك العذراء تتّقدُ
|
وأنت ما بيننا حسنٌ وعاطفةٌ
|
|
وإن سكتَّ فأنت الطائر الغرد
|
تهفو إليك القوافي وسط معتركٍ
|
|
من الخصام فتجلوها وتنتقد
|
وفكرةٌ أنت تلقيها على وضحٍ
|
|
كالنجم تنفر من لأ لاائه العقدُ
|
لم تنطفئ ضحكة نشوى تنغّمها
|
|
للآن يغشى صداها الهمُّ والكمد
|
وكلُّ قلبٍ أذابَ اللَّيلَ فرحَتهُ
|
|
يهفو إليها يناغيها ويبترد
|
أدنو وأنفر من طيفٍ يباغتني
|
|
وفيه عيناك لم يجرحهما السُّهُدُ
|
ها أنت كفُّك فيها الدفءُ ألمسُهُ
|
|
فيستجيبُ له في حرقةٍ كبدُ
|
تموت أنت ومنكَ الروحُ هائمةٌ
|
|
طليقةٌ حولها الأضواء والرغدُ؟
|
يموتُ من كان مأسورا بداخِلهِ
|
|
وأكثرُ الناس فينا قبرُه الجسد
|
* * * *
أبا رشادٍ أبونا في الذرى أدبٌ
|
|
سامٍ ويحمل همّ الوالدِ الولد
|
عشنا وخيمتُنا الزرقاء قافيةٌ
|
|
يشدّها من دمانا بالضحى وتد
|
تغازل النجمَ حتّى بات يعشقنا
|
|
فكلُّ دربٍ له من حولنا رصد
|
لم يعرف الحقدَ سقفٌ كان يجمعنا
|
|
ولا مشى بيننا في غفلةٍ نكد
|
الكأس بالأنجمِ الزهراء نشعلها
|
|
مسحورةً زانها رأيٌ ومعتقد
|
ونحتسي نغمةَ القرآن .. منبعُها
|
|
ثرٌّ فيصحو على أفواهنا الرشد
|
* * * *
أبا رشادٍ وكنّا في تعاطفنا
|
|
يداً تلاحَمَ فيها الكفُّ والعضد
|
لم يجرح الليلُ نجوانا فسامرُنا
|
|
بيضُ الأماني على جنبيهِ تتّسد
|
اُولاء صحبي تباهى المجدُ يرفعهم
|
|
مجداً على مفرق الايام ينعقد
|
هم الطليعة في الجلّى إذا ازدحمت
|
|
وعدّتي في صراع الدهر والعدد
|
حاشاهمُ أن يمسّ الزيفُ خطوتَهم
|
|
أو أن يفرّط منهم في الهوى أحد
|
لولاهمُ لأمات الجدبُ أنفسَنا
|
|
ولاستطال على أجفاننا الرمد
|
عاشوا وما زال لفحٌ من محبّتهم
|
|
على رفيفي حنايانا وان بعدوا
|
الراحلون وخلف الركب لهفتنا
|
|
وكلُّ رعشة هدبٍ بيننا برد
|
وعادت الساحُ بعد الصِّيد موحشةً
|
|
لا يلهب الشوطَ إلّا الفارسُ النجد
|
* * * *
الشيخ الرائد
أُلقيت في الندوة
الفكرية للعلامة المجدد
الشيخ محمد رضا
المظفر
في ٤ / ٤ / ١٩٩٧ م
تلك السنون الحاشداتُ مكائدا
|
|
القابعات على الطريق مراصدا
|
يحيا بها النفرُ الذين يغيظهم
|
|
أن تنشر الليلَ البهيمَ فراقدا
|
أأن تسير مع الحياة بِمالَها
|
|
من جدَّةٍ لتعدّ جيلاً صاعدا
|
أو أن تزيحَ عقائداً منخورةً
|
|
لتعيدَ من هدي الكتاب عقائدا
|
سدّت عليك مسالكاً من غيِّها
|
|
حواست جمع كن
|
ومشيتَ لا متردِّدا فيما ترى
|
|
حتى وقفتَ على الحقيقة رائدا
|
جزتَ الطريق وما أعاقك عنفُها
|
|
ما دام خطوُك فوقهنّ معاندا
|
وصمدتَ في عزِّ الضحى متقحّماً
|
|
ليلَ الصعاب وكان غيرُك راقدا
|
حتّى إذا أبدعتهنَّ معاهدا
|
|
وجلوتهنَ كما تشاء فرائدا
|
ونسلتَ أجنحة الظلام فلم يعد
|
|
متهجّمٌ يغتال خطوَك حاقدا
|
سقط الأُلوقُ على مشارف هوّة
|
|
كانت بكثرتها تهابك واحدا
|
انا ما نسيتُ أبا محمّدَ حقبةً
|
|
كنت المربَّ بها وكنت الوالدا
|
وبنوك من لمسوا عطاءك منهلاً
|
|
رغم الهجيرة كان عذباً باردا
|
ما دار بينهمُ حوارٌ ساخنٌ
|
|
في معضلٍ إلّا وكنت الشاهدا
|
قد أبدعتْ كفّاك نهجاً رائداً
|
|
وبقيت حتى الآن نهجاً رائدا
|
يكفيك متّكأُ النجوم مكانةً
|
|
وسِواكَ يتّخذ الظلامَ وسائدا
|
فإذا تعمّدَ أن يعيقك رافداً
|
|
متدفّقاً .. فجّرت منه روافدا
|
تفنى الحياة وما أقام بُناتها
|
|
وتظلُّ أفكارُ الهداة خوالدا
|
* * * *
يا مصطفى
في رثاء الشاعر السيد
مصطفى جمال الدين
بك لا بغيرك يستجدّ مصابي
|
|
يا طأوياً برحيله أصحابي
|
دعني وأحزاني وما خلّفته
|
|
نكدا يبعثر في خطاه صوابي
|
ومضيتَ هل يحلو الحديث بسامر
|
|
بين الأحبّة من وراء حجابِ؟
|
ومضيتَ والفكرُ المنوّرُ هادياً
|
|
لطريقنا يمسي نجيَّ تراب
|
وأظلُّ لا رجعُ الصدى مترفّقاً
|
|
يحنو عليّ ولو بوخز عتاب
|
عجباً ليالينا التي فارقتها!
|
|
تزداد صحوتُها بطول غياب
|
والذكريات إذا حجبت بريقها
|
|
نهدت مجنّحَةً على الأهداب
|
بفناء بيتك للحديث بقيةٌ
|
|
نشوى معرّشةٌ على الأبواب
|
وشتاتُ بسمتك التي عودّتنا
|
|
للآن تحمل نكهةَ الترحاب
|
اللّيل عندك أنجمٌ تختارها
|
|
لتطوف حالمةً على الأكواب
|
ولديك أيّامي التي سايرتها
|
|
جذلى سقيت طيوفها بشبابِ
|
يزهو النعيم بها وحتى عسرها
|
|
صحوٌ يمرّ بنا بغير ضباب
|
طويتْ فما أقسى الحياة بهيجةً
|
|
في لحظةٍ تنهال سوط عذاب
|
* * * *
يا شامخاً والنجمُ يمسحُ جفنَهُ
|
|
وسواك جبهتُهُ على الأعتاب
|
خضتَ الحياةَ وما احتواك بريقُها
|
|
كي لا تظل بها أسيرَ رغاب
|
ونفرتَ في صلف الذين تطأولوا
|
|
فإذا همُ صرعى على الألقاب
|
سيّان عندهم ترنّمُ صادحٍ
|
|
بين الأزاهر أو نعيبُ غراب
|
وسلكت درباً للدجى متحاشياً
|
|
صمْتَ الغبي ومنطقَ المتغابي
|
وعبرتَ مملكةَ الطغاة وحقدَهم
|
|
متعالياً ملكاً بلا حجّابِ
|
يحميكَ زهوكَ والذي أبدعتهُ
|
|
فكراً تحدّى صولة الإرهابِ
|
* * * *
يا مصطفى يا أنتَ يا كلّ الدُّنى
|
|
يا صحوةَ الإيمان للمرتاب
|
ما نال فكرُك ومضةً من بارقٍ
|
|
إلا وجُدتَ بها على الأحباب
|
العمر أيامي التي نوّرتَها
|
|
وسواه حتى الآن خفقُ سراب
|
* * * *
يا أبا وميض
أُلقيت في أربعينية
الأُستاذ جميل حيدر
في سوق الشيوخ في ٣ /
٤ / ١٩٩٦ م
عظم الخطبُ يا جميلُ وطافت
|
|
ذكرياتي وليس فيها عزاءُ
|
إن تكن روعة الأداء هي القولَ
|
|
فصيحا فتمتماتي أداء
|
أن تكن لوعةُ الرثاء حروفاً
|
|
لاهثاتِ الخطى فصمتي رثاء
|
* * * *
يا أحبّايَ يا ثرىً أريحيّاً
|
|
ضجّ فيه الإبا وفاض الإخاء
|
في حنايا التراب صحبي نجومٌ
|
|
حالماتٌ وأضلعي أفياء
|
ضمَّ هذا الأديمُ روحاً بتولاً
|
|
تنحني في رحابها الكبرياء
|
ضمّ هذا الأديمُ رعشةَ هدبٍ
|
|
من عيون ما مسّها إغفاء
|
وقلوباً ما شطّ عنها وجيبُ
|
|
حانياتٍ يشدهنّ الصّفاءُ
|
والشفاهُ المعرّشاتُ على الحرف
|
|
مضيئاً يزداد فيها الرواء
|
والثغورُ التي يضمّخها الحبُّ
|
|
نديّاً ما هدّها إعياء
|
كلُّ هذا التراب أحبابَ قلبي
|
|
لدمي منه هزّةٌ وانتشاءُ
|
ربّي باركْ هذا الأديمَ بلطفٍ
|
|
فهو من زحمة النجوم سماء
|
وامنح الأرضَ دفقةً من حنانٍ
|
|
فلداتي تحت الثرى أحياء
|
كلّ نجوى ما بيننا في يديها
|
|
ألف بابٍ يتمّ فيه اللِّقاء
|
رحل الركبُ .. ما فرغت من البعد
|
|
فقلبي أمامه حدّاء
|
* * * *
يا أخي يا أبا (وميضٍ) وعندي
|
|
ما طوته (الخمسون) كنزٌ مضاء
|
وكرُنا بيتنا القديم بما فيه
|
|
من الضيق واحة فيحاء
|
من زواياه نتجلي الفكرة البكر
|
|
وتزهو باُفقه الآراء
|
يومض اليأس من رؤاه وتجلو
|
|
وحشةَ الفقر كفُّه السّمحاءُ
|
والجدارُ الذي يضمُّ حكا
|
|
ياتِ صبانا منوّرٌ وضّاء
|
والبساط العتيق يقضمه الدهر
|
|
وبقياه روضة غنّاء
|
يشتكي الآخرون من صولة اللّيل
|
|
كئيباً وليلُنا أضواء
|
ثمّ طال الدجى وغاب (جميلٌ)
|
|
فإذا كلّ ما به أرزاء
|
أتملاه خاشعاً أنا والهمُّ
|
|
وجرحي ولهفتي والعياء
|
واُناغيه كلّ آنٍ وحسبي
|
|
سلوةً ما تعيده الأصداء
|
* * * *
يا أبا علي
إلى روح فقد المنبر
الشيخ أحمد الوائلي
أنت هذا ..؟ أم زهوك المحمولُ
|
|
يا شهاباً يخافُ منه الأُفول
|
وفماً يسكر المنابرَ بالفصحى
|
|
وما لوّت البيان فضول
|
جئتَ واللّيلُ مطبقٌ تحمل الصحو
|
|
وفي كلّ خطوةٍ قنديل
|
تلتقي بالحسين في أول الشوط
|
|
وتمضي ومن هداه الدليل
|
وبما يستفيضُ تشحذ فكرا
|
|
ينجلي الشكُّ حوله ويزول
|
ثم كان المأوى الأخيرَ وطافت
|
|
لك روحٌ فوق النجوم بتول
|
يالهول المصاب إنّا فقدناك
|
|
وقد عزّ في الأنام البديل
|
إنّ شرّ الخطوب أن يُفقد الداعي
|
|
وملء البلاد شعبٌ جهول
|
* * * *
أيّها الصابر المجاهد في الله
|
|
ودربُ الجهاد دربٌ طويل
|
ما تباطأتَ في مسيرتك العصماء
|
|
كلاً ولا اعتراك الخمول
|
كنت كالوابل المطلِّ على الساح
|
|
وقد روّع الزروعَ المحمول
|
وعرفت الحسينَ كنزَ هباتٍ
|
|
يتعرّى من صحوها المجهول
|
وعرفت الحسين محضَ فداءٍ
|
|
بين جنبيه حيدرٌ والرسول
|
وعرفت الحسين ثورةَ حقٍّ
|
|
كلّ آفاقها عطاءٌ جزيل
|
وإذا غامت الحياة وصار الـ
|
|
دين لغواً .. فوحده المسؤول
|
* * * *
هاك دمعي أبا عليٍّ بشكواي
|
|
فقد شوّه النقاءَ الدخيل
|
ونزا فوقها دعاةٌ إلى الجهل
|
|
وقاد السُّراةَ رأيٌ هزيل
|
فانطوت صولة الفوارس والخيل
|
|
ولم يبق في الطراد الصهيل
|
وإذا بالحسين لوحةُ حزنٍ
|
|
ليس فيها إلا البكا والعويل
|
وسيوفٌ على الرؤوس تهأوتْ
|
|
ودمٌ من لهيبها مطلول
|
ثمّ ماذا .. وهل جلونا نفوساً
|
|
أكل الغلُّ صفوَها والذحول
|
وغفونا على الهوان ودين الـ
|
|
ـلّه فينا رغائبٌ وميول
|
وجرت حولنا رباحُ الأباطيل
|
|
وكنّا نميل حيث تميل
|
وقتلنا الحسين مذ ضاع فينا
|
|
وإلى الآن ـ وهو حيّ ـ قتيل
|
* * * *
لا تسلني أبا عليٍّ فشعبي
|
|
مِزَقٌ قد سطا عليه المغول
|
ومشت في البلاد محنةُ جيلٍ
|
|
فأبٌ فاقدٌ واُمٌّ ثكول
|
السنون العجاف مرّت ثقالاً
|
|
من خطاها قبورُنا والطُّلول
|
ليس غير الظلام يغمر دنيانا
|
|
فلم ندر ما الضحى والأصيل
|
ونسينا لمحَ النجوم على الأُفق
|
|
وما نضرّ الصباحُ الجميل
|
وألِفْنا القيدَ الممضّ وأنكى
|
|
منه رأيٌ بخوفه مكبول
|
ثمَّ دار الزمان وانقشع اللّيل
|
|
وقد بان للأنام السبيل
|
فإذا الدار يلتقي في حماها
|
|
كلّ أعدائنا ونحن فلول
|
نتعاطى السباب والقذف حتى
|
|
ضاع من حولنا الغد المأمول
|
هكذا نحنُ من قديمٍ شتاتٌ
|
|
وعلى اليأس كلّنا مجبول
|
ننسج النيّراتِ إكليلَ فخر
|
|
ثم يغدو لغيرنا الأكليل
|
وسنبقى على الهجير نعبُّ الكـ
|
|
أس منه حولنا السلسبيل
|
* * * *
أبا الهادي
إلى روح العلامة
السيد محمد تقي الحكيم
عَبرَتْ خطاك على الحياة مكرّما
|
|
ليطلّ نبعُك بالروائع منعما
|
ودنوتَ من فيض المعارف مترعاً
|
|
لتعبّهُ وسواكَ يقتلهُ الظّما
|
جزْتَ الطريق وما اعترتك من الدجى
|
|
عثراتُهُ إلا استحالت أنجما
|
وحشدتَ للتاريخ ذهناً ثاقباً
|
|
تخذ الصباح إلى الحقيقيةِ سًلّما
|
ويراعُك العبق المندّى صولةٌ
|
|
للحقِّ ما عرف الونى وتلعثما
|
يكفيك ما ابدعت حيّا نابضاً
|
|
حتى استحال بكلِّ معتركٍ فما
|
* * * *
أيهاً أبا الهادي ومثلك صفوةٌ
|
|
حشدت بريق العلم يكتسح العمى
|
لتعدّ جيلاً للحياة يميزها
|
|
ويُقيمَ صرحاً للفضيلة محكما
|
حتّى إذا بلغ المدى وتبينتْ
|
|
نظراته ما كان لغزاً مبهما
|
سكب الفؤاد على الحروف فأينعت
|
|
وتكاد تلمس في جوانبها الدما
|
أيهاً أبا الهادي وعانت زمرةٌ
|
|
شوهاء تعرض في المواسم كالدمى
|
(حججٌ) و (آياتٌ) وحشدُ مراتبٍ
|
|
تعنو لها سودُ الوجوه لتعظما
|
ما فيهمُ إلا الدنيء تحسّهُ
|
|
في كلّ أنملة يخبّئُ أرقما
|
ورمٌ وعثنون وصنعةُ حاذقٍ
|
|
لعمامةٍ حُبلى وكرشٍ اُتخما
|
يمشي على هونٍ بنظرة فاحصٍ
|
|
عجلى تطارد في الظلام الدرهما
|
هو والفراغُ وما حوتْ أثوابُهُ
|
|
إلا فتىً حمل الجريمة مغنما
|
متهجّمٌ عمر الظلامُ فؤادَه
|
|
لو مرّ بالفجر الضحوك تهجّما
|
اللهمّ عفوك هل تجود بنظرةٍ
|
|
لترفّ أجنحةُ الأمان على الحمى
|
وتعود للدين الحنيف مكانةٌ
|
|
تسمو بها نحو العلاء يدُ السَّما
|
فلقد تهرّأت الحياةُ فلا ترى
|
|
في مرفأ الأضواء إلا المعتما
|
وتحوّلت زهرُ النجوم مقابراً
|
|
والعيدُ في عزّ الحفأوة مأتما
|
* * * *
عفواً أبا الهادي فثمّة نخبةٌ
|
|
للآن تتّبع السبيلَ الأقوما
|
مِنْ كلّ مَنْ حمل الهمومَ لأُمّةٍ
|
|
فإذا طغى ضَنَكُ تقاطر أنعما
|
يمشي الضعيف مع اليتيم بجنبه
|
|
فكأنّه في كلّ آنٍ منهما
|
عفّ الضمير فما تلوث بردُهُ
|
|
أبداً ولا التمسَ المتاعَ محرّما
|
زهدٌ وإيمانٌ وسمتٌ للتقى
|
|
جمعتْ له طوعاً فكان المُسلما
|
متمسّكاً بعرى النبيّ وآله
|
|
في كلِّ ما سلكوه نهجاً قيّما
|
اُولاء من حملوا الكتابَ هدايةً
|
|
ولهم تفاخر في التلاوة (إنّما)
|
اللهُمَّ بارك للدعاة صنيعَها
|
|
لتهزّ قوماً في المخابئ نوّما
|
وتعود للدين الحنيف مكانةٌ
|
|
تسمو بها نحو العلاء يدُ السما
|
* * * *
محتويات الكتاب
المقدمة.......................................................................... ٧
الشاعر المجدد الأستاذ الظالمي.................................................... ١٤
النجف والشعر................................................................. ١٦
أسرة الأديب اليقظ............................................................. ٢٣
حريق......................................................................... ٢٥
انتظار......................................................................... ٣١
حصاد الدمع.................................................................. ٣٩
ضجة الفقراء................................................................... ٤٣
شاعرتي........................................................................ ٤٩
دروب الضباب................................................................. ٥٥
الباب الموصد.................................................................. ٦١
إساءة......................................................................... ٦٥
أمام النافذة.................................................................... ٧١
زاد الشاعر.................................................................... ٧٧
طيف من زحلة................................................................. ٨٤
جريح في المعركة................................................................. ٩١
ليلة........................................................................... ٩٧
فتح......................................................................... ١٠١
أمام المرآة.................................................................... ١٠٩
بغداد الثورة.................................................................. ١١٥
أنتم والذكريات .. وحيدر...................................................... ١٢١
أبا القوافي.................................................................... ١٢٩
ثورة الحق..................................................................... ١٣٩
الجواهري الشاعر.............................................................. ١٥١
أمام ضريح الحسين............................................................ ١٥٧
أبا رشاد..................................................................... ١٦٧
الشيخ الرائد.................................................................. ١٧٥
يا مصطفى................................................................... ١٨١
يا أبا وميض................................................................. ١٨٩
يا أبا علي................................................................... ١٩٧
أبا الهادي.................................................................... ٢٠٧
|